شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

القسطلاني

[مقدمة الشارح]

[مقدمة الشارح] بسم الله الرحمن الرحيم يقول أحمد بن محمد الخطيب القسطلاني غفر الله له آمين: الحمد لله الذي شرح بمعارف عوارف السنة النبوية صدور أوليائه، وروّح بسماع أحاديثها الطيبة أرواح أهل وداده وأصفيائه، فسرّح سرّ سرائرهم في رياض روضة قدسه وثنائه، أحمده على ما وفق من إرشاده وأسدى من آلائه وأشكره على فضله المتواتر الكامل الوافر، وأسأله المزيد من عطائه وكشف غطائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الفرد المنفرد في صمدانيته بعز كبريائه، واصل من انقطع إليه إلى حضرة قربه وولائه ومدرجه في سلسلة خاصته وأحبائه، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المرسل بصحيح القول وحسنه رحمة لأهل أرضه وسمائه، الماحي للمختلق الموضوع بشوارق بوارق لألائه، فأشرقت مشكاة مصابيح الجامع الصحيح من أنوار شريعته وأنبائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعلى آله وأصحابه وخلفائه آمين. وبعد فإنّ علم السنة النبوية بعد الكتاب العزيز أعظم العلوم قدرًا وأرقاها شرفًا وفخرًا، إذ عليه مبنى قواعد أحكام الشريعة الإسلامية، وبه تظهر تفاصيل مجملات الآيات القرآنية، وكيف لا ومصدره عمن لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. فهو المفسر للكتاب وإنما ... نطق النبي لنا به عن ربه وإن كتاب البخاري الجامع قد أظهر من كنوز مطالبها العالية إبريز البلاغة، وأبرز وحاز قصب السبق في ميدان البراعة وأحرز، وأتى من صحيح الحديث وفقهه بما لم يسبق إليه ولا عرّج أحد عليه، فانفرد بكثرة فرائد فوائده وزوائد عوائده، حتى جزم الراوون بعذوبة موارده، فلذا رجح على غيره من الكتب بعد كتاب الله، وتحرّكت بالثناء عليه الألسن والشفاه، ولطالما خطر في الخاطر المخاطر أن أعلق عليه شرحًا أمزجه فيه مزجًا وأدرجه ضمنه درجًا، أميز فيه الأصل من الشرح بالحمرة والمداد واختلاف الروايات بغيرهما، ليدرك الناظر سريعًا المراد، فيكون باديًا بالصفحة مدركًا باللمحة كاشفًا بعد أسراره لطالبيه، رافع النقاب عن وجوه معانيه

الفصل الأول في فضيلة أهل الحديث وشرفهم في القديم والحديث

لمعانيه، موضحًا مشكله فاتحًا مقفله مقيدًا مهمله، وافيًا بتغليق تعليقه، كافيًا في إرشاد الساري لطريق تحقيقه، محررًا لرواياته معربًا عن غرائبه وخفياته، فأجدني أحجم عن سلوك هذا المسرى، وأبصرنى أقدّم رجلاً وأؤخر أخرى، إذ أنا بمعزل عن هذا المنزل، لا سيما وقد قيل إن أحدًا لم يستصبح سراجه ولا استوضح منهاجه ولا اقتعد صهوته ولا افترع ذروته، ولا تبوّأ خلاله ولا تفيأ ظلاله، فهو درّة لم تثقب ومهرة لم تركب، ولله درّ القائل: أعيى فحول العلم حل رموز ما ... أبداه في الأبواب من أسرار فازوا من الأوراق منه بما جنوا ... منها ولم يصلوا إلى الأثمار ما زال بكرًا لم يفض ختامه ... وعراه ما حلّت عن الأزرار حجبت معانيه التي أوراقها ... ضربت على الأبواب كالأستار من كل باب حين يفتح بعضه ... ينهار منه العلم كالأنهار لا غرو أن أمسى البخاري للورى ... مثل البحار لمنشأ الأمطار خضعت له الأقران فيه إذ بدا ... خرّوا على الأذقان والأكوار ولم أزل على ذلك مدّة من الزمان، حتى مضى عصر الشباب وبان، فانبعث الباعث إلى ذلك راغبًا، وقام خطيبًا لبنات أبكار الأفكار خاطبًا، فشمرت ذيل العزم عن ساق الحزم، وأتيت بيوت التصنيف من أبوابها، وقمت في جامع جوامع التأليف بين أئمته بمحرابها، وأطلقت لسان القلم في ساحات الحكم بعبارة صريحة واضحة، وإشارة قريبة لائحة، لخصتها من كلام الكبراء الذين رقت في معارج علوم هذا الشأن أفكارهم، وإشارات الألباء الذين أنفقوا على اقتناص شوارده أعمارهم، وبذلت الجهد في تفهم أقاويل الفهماء المثار إليهم بالبنان، وممارسة الدواوين المؤلفة في هذا الشأن، ومراجعة الشيوخ الذين حازوا قصب السبق في مضماره، ومباحثة الحذاق الذين غاصوا على جواهر الفرائد في بحاره، ولم أتحاش عن الإعادة في الإفادة عند الحاجة إلى البيان، ولا في ضبط الواضح عند علماء هذا الشأن، قصدًا لنفع الخاص والعام، راجيًا ثواب ذي الطول والإنعام، فدونك شرحًا قد أشرقت عليه من شرفات هذا الجامع أضواء نوره اللامع، وصدع خطيبه على منبره السامي بالحجج القواطع، القلوب والمسامع، أضاءت بهجته فاختفت منه كواكب الدراري، وكيف لا وقد فاض عليه النور من فتح الباري. على أنني أقول كما قال الحافظ أبو بكر البرقاني: وما لي فيه سوى أنني ... أراه هوى وافق المقصدا وأرجو الثواب بكتب الصلاة ... على السيد المصطفى أحمدا وبالجملة فإنما أنا من لوامع أنوارهم مقتبس، ومن فواضل فضائلهم ملتمس، وخدمت به الأبواب النبوية والحضرة المصطفوية، راجيًا أن يتوّجني بتاج القبول والإقبال، ويجيزني بجائزة الرضا في الحال والمآل. وسميته (إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري). والله أسال التوفيق والإرشاد إلى سلوك طرق السداد، وأن يعينني على التكميل، فهو حسبي ونعم الوكيل. وهذه مقدمة، مشتملة على وسائل المقاصد يهتدي بها إلى الإرشاد السالك والقاصد، جامعة لفصول، هي لفروع قواعد هذا الشرح أصول. الفصل الأوّل في فضيلة أهل الحديث وشرفهم في القديم والحديث أقول مستمدًا من الله الإعانة على التوفيق للإيضاح والإبانة: روينا عن ابن مسعود

رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "نضر الله امرءًا سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه ". رواه الشافعيّ والبيهقي وكذا أبو داود والترمذيّ بلفظ: "نضر الله امرءًا سمع منّا شيئًا فبلغه كما سمعه فربّ مبلغ أوعى من سامع". وقال الترمذي: حسن صحيح. وعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه عن النبي ّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال في حجة الوداع: "نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فربّ حامل فقه ليس بفقيه" الحديث. رواه البزار بإسناد حسن وابن حبان في صحيحه من حديث زيد بن ثابت، وكذا روي من حديث معاذ بن جبل والنعمان بن بشير وجبير بن مطعم وأبي الدرداء وأبي قرصافة وغيرهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وبعض أسانيدهم صحيح، كما قاله المنذري، وقوله نضر الله بتشديد الضاد المعجمة وتخفف، والنضرة: الحسن والرونق، والمعنى خصّه الله تعالى بالبهجة والسرور لأنه سعى في نضارة العلم وتجديد السُّنَّة، فجازاه في دعائه له بما يناسب حاله في المعاملة. وأيضًا فإن من حفظ ما سمعه وأدّاه كما سمعه من غير تغيير، كأنه جعل المعنى غضًّا طريًّا، وخصّ الفقه بالذكر دون العلم إيذانًا بأنّ الحامل غير عار عن العلم إذ الفقه علم بدقائق العلوم المستنبطة من الأقيسة. ولو قال غير عالم لزم جهله. وقوله ربّ وضعت للتقليل، فاستعيرت في الحديث للتكثير. وقوله إلى من هو أفقه منه صفة لدخول رب استغنى بها عن جوابها، أي رب حامل فقه أدّاه إلى من هو أفقه منه لا يفقه ما يفقهه المحمول إليه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اللهَّم ارحم خلفائي" قلنا يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال: "الذين يروون أحاديثي ويعلمونها الناس". رواه الطبرانّي في الأوسط. ولا ريب أنَّ أداء السنن إلى المسلمين نصيحة لهم من وظائف الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فمن قام بذلك كان خليفة لن يبلغ عنه. وكما لا يليق بالأنبياء عليهم السلام أن يهملوا أعاديهم ولا ينصحوهم، كذلك لا يحسن لطالب الحديث وناقل السُّنن أن يمنحها صديقه ويضعها عدوّه، فعلى العالم بالسُّنَّة أن يجعل أكبر همه نشر الحديث، فقد أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالتبليغ عنه حيث قال: "بلغوا عني ولو آية" الحديث رواه البخاري رحمه الله. قال المظهري أي بلغوا عني أحاديثي ولو كانت قليلة. قال البيضاوي رحمه الله قال: "ولو آية" ولم يقل ولو حديثًا لأن الأمر بتبليغ الحديث يفهم منه بطريق الأولوية، فإن الآيات مع انتشارها وكثرة حملتها تكفل الله تعالى بحفظها وصونها عن الضياع والتحريف اهـ. وقال إمام الأئمة مالك رحمه الله تعالى: بلغني أن العلماء يسألون يوم القيامة عن تبليغهم العلم كما تسأل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقال سفيان الثوري: لا أعلم علمًا أفضل من علم الحديث لمن أراد به وجه الله تعالى، إن الناس يحتاجون إليه حتى في طعامهم وشرابهم، فهو أفضل من التطوّع بالصلاة والصيام لأنه فرض كفاية. وفي حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين". وهذا الحديث رواه من الصحابة عليّ وابن عمر وابن عمرو وابن مسعود وابن عباس وجابر بن سمرة ومعاذ وأبو هريرة رضي الله عنهم، وأورده ابن عديّ من طرق كثيرة كلها ضعيفة، كما صرّح به الدارقطني وأبو نعيم وابن عبد البرّ، لكن يمكن أن يتقوّى بتعدّد طرقه ويكون حسنًا كما جزم به ابن كيكلدي العلائي، وفيه تخصيص حملة السُّنَّة بهذه المنقبة العلية، وتعظيم لهذه الأمة المحمدية وبيان لجلالة قدر المحدّثين وعلوّ مرتبتهم في العالين، لأنهم يحمون مشارع الشريعة ومتون الروايات من تحريف الغالين وتأويل الجاهلين، بنقل النصوص المحكمة لرد المتشابه إليها. وقال النووي في أوّل تهذيبه: هذا إخبار منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بصيانة هذا العلم وحفظه وعدالة ناقليه، وأن الله تعالى يوفق له في كل عصر خلفًا من العدول يحملونه وينفون عنه التحريف فلا يضيع، وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر. وهكذا وقع

ولله الحمد، وهو من أعلام النبوّة، ولا يضرّ كون بعض الفسّاق يعرف شيئًا عن علم الحديث، فإن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه لا أنَّ غيرهم لا يعرف شيئًا منه اهـ. على أنه قد يقال ما يعرفه الفسّاق من العلم ليس بعلم حقيقة لعدم عملهم، كما أشار إليه المولى سعد الدين التفتازانيّ في تقرير قول التلخيص: وقد ينزل العالم منزلة الجاهل، وصرّح به الإمام الشافعي في قوله: ولا العلم إلا مع التقى ولا العقل إلا مع الأدب. ولعمري إن هذا الشأن من أقوى أركان الدين وأوثق عُرى اليقين. لا يرغب في نشره إلا صادق تقيّ ولا يزهده إلا كل منافق شقيّ. قال ابن القطان: ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث. وقال الحاكم: لولا كثرة طائفة المحدثين على حفظ الأسانيد لدرس منار الإسلام ولتمكن أهل الإلحاد والبتدعة من وضع الأحاديث وقلب الأسانيد. وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنه أن رسول الله قال: "العلم ثلاثة آية محكمة أو سُنّة قائمة أو فريضة عادلة وما سوى ذلك فهو فضل". رواه أبو داود وابن ماجة. قال في شرح المشكاة: والتعريف في العلم للعهد وهو ما علم من الشارع وهو العلم النافع في الدين، وحينئذ العلم مطلق فينبغي تقييده بما يفهم منه المقصود، فيقال علم الشريعة معرفة ثلاثة أشياء والتقسيم حاصر، وبيانه أن قوله آية محكمة يشتمل على معرفة كتاب الله تعالى وما يتوقف عليه معرفته، لأن المحكمة هي التي أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه، فكانت أمّ الكتاب، فتحمل المتشابهات عليها وترد إليها، ولا يتم ذلك إلا للماهر الحاذق في علم التفسير والتأويل، الحاوي لمقدّمات يفتقر إليها من الأصلين وأقسام العربية، وقوله سُنّة قائمة، معنى قيامها ثباتها ودوامها بالمحافظة عليها من قامت السوق إذا نفقت، لأنها إذا حوفظ عليها كانت كالشيء النافق الذي تتوجّه إليه الرغبات ويتنافس فيه المخلصون بالطلبات، ودوامها إما أن يكون بحفظ أسانيدها من معرفة أسماء الرجال والجرح والتعديل، ومعرفة الأقسام من الصحيح والحسن والضعيف المتشعب منه أنواع كثيرة، وما يتصل بها من المتممات مما يسمى علم الاصطلاح مما يأتي في الفصل الثالث إن شاء الله تعالى. وإما أن يكون بحفظ متونها من التغيير والتبديل بالإتقان وتفهم معانيها واستنباط العلوم منها كما سيأتي إن شاء الله تعالى في هذا الشرح بعون الله سبحانه، لأن جلّها بل كلها من جوامع كلمه التي خصّ بها لا سيما هذه الكلمة الفاذّة الجامعة مع قصر متنها وقرب طرفيها علوم الأوّلين والآخرين. وقوله أو فريضة عادلة أي مستقيمة مستنبطة من الكتاب والسُّنة والإجماع. وقوله: "وما سوى ذلك فهو فضل" أي لا مدخل له في أصل علوم الدين، بل ربما يستعاذ منه حينًا كقوله: "أعوذ بك من علم لا ينفع" ولله درّ أبي بكر حميد القرطبيّ فلقد أحسن وأجاد حيث قال: نور الحديث مبين فادن واقتبس ... واحد الركاب له نحو الرضا الندس واطلبه بالصين فهو العلم إن رفعت ... أعلامه برباها يا ابن الدلس فلا تضعْ في سوى تقييد شارده ... عمرًا يفوتك بين اللحظ والنفس وخل سمعك عن بلوى أخي جدل ... شغل اللبيب بها ضرب من الهوس ما إن سمت بأبي بكر ولا عمر ... ولا أتت عن أبي هرّ ولا أنس إلا هوى وخصومات ملفقة ... ليست برطب إذا عدت ولا يبس فلا يغرك من أربابها هذر ... أجدى وجدك منها نغمة الجرس أعرهم أذنًا صمًّا إذا نطقوا ... وكن إذا سألوا تعزى إلى خرس ما العلم إلا كتاب الله أو أثر ... يجلو بنور هداه كل ملتبس نور لمقتبس خير لملتمس ... حمى لمحترس نعم لمبتئس

الفصل الثاني في ذكر أول من دون الحديث والسنن ومن تلاه في ذلك سالكا أحسن السنن

فاعكف ببابهما على طلابهما ... تمحو العمى بهما عن كل ملتمس ورد بقلبك عذبًا من حياضهما ... تغسل بماء الهدى ما فيه من دنس واقف النبيّ وأتباع النبيّ وكن ... من هديهم أبدًا تدنو إلى قبس والزم مجالسهم واحفظ مجالسهم ... واندب مدارسهم بالأربع الدرس واسلك طريقهم واتبع فريقهم ... تكن رفيقهم في حضرة القدس تلك السعادة إن تلمم بساحتها ... فحط رحلك قد عوفيت من تعس ومن شرف أهل الحديث ما رويناه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة". قال الترمذي حسن غريب. وفي سنده موسى بن يعقوب الزمعيّ قال الدارقطني إنه تفرّد به، وقال ابن حبان في صحيحه في هذا الحديث بيان صحيح. على أن أولى الناس برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في القيامة أصحاب الحديث، إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه منهم. وقال غيره المخصوص بهذا الحديث نقلة الأخبار الذين يكتبون الأحاديث ويذبّون عنها الكذب آناء الليل وأطراف النهار. وقال الخطيب في كتابه شرف أصحاب الحديث قال لنا أبو نعيم: هذه منقبة شريفة يختص بها رواة الآثار ونقلتها لأنه لا يعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكثر ما يعرف لهذه العصابة نسخًا وذكرًا. وقال أبو اليمن بن عساكر: ليهن أهل الحديث كثرهم الله تعالى هذه البشرى، فقد أتم الله تعالى نعمه عليهم بهذه الفضيلة الكبرى، فإنهم أولى الناس بنبيّهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأقربهم إن شاء الله تعالى وسيلة يوم القيامة إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فإنهم يخلدون ذكره في طروسهم، ويجددون الصلاة والتسليم عليه في معظم الأوقات في مجالس مذاكرتهم وتحديثهم ودروسهم، فهم إن شاء الله تعالى الفرقة الناجية جعلنا الله تعالى منهم وحشرنا في زمرتهم آمين. الفصل الثاني في ذكر أوّل مَن دوّن الحديث والسُّنن ومَن تلاه في ذلك سالكًا أحسن السُّنن اعلم أنه لم يزل الحديث النبويّ والإسلام غض طريّ والدين محكم الأساس قويّ، أشرف العلوم وأجلّها لدى الصحابة والتابعين وأتباعهم خلفًا بعد سلف، لا يشرف بينهم أحد بعد حفظ التنزيل إلا بقدر ما يحفظ منه، ولا يعظم في النفوس إلا بحسب ما سمع من الحديث عنه، فتوفرت الرغبات فيه وانقطعت الهمم على تعلمه، حتى رحلوا المراحل ذوات العدد، وأفنوا الأموال والعدد، وقطعوا الفيافي في طلبه وجابوا البلاد شرقًا وغربًا بسببه، وكان اعتمادهم أوّلاً على الحفظ والضبط في القلوب والخواطر، غير ملتفتين إلى ما يكتبونه، ولا معوّلين على ما يسطرونه، وذلك لسرعة حفظهم وسيلان أذهانهم. فلما انتشر الإسلام واتسعت الأمصار وتفرّقت الصحابة في الأقطار، وكثرت الفتوحات ومات معظم الصحابة وتفرّق أصحابهم وأتباعهم، وقلّ الضبط واتسع الخرق وكاد الباطل أن يلتبس بالحق، احتاج العلماء إلى تدوين الحديث وتقييده بالكتابة، فمارسوا الدفاتر وسايروا المحابر وأجالوا في نظم قلائده أفكارهم، وأنفقوا في تحصيله أعمارهم، واستغرقوا لتقييده ليلهم ونهارهم، فأبرزوا تصانيف كثرت صنوفها، ودوّنوا دواوين ظهرت شفوفها، فاتخذها العالمون قدوة، ونصبها العالمون قبلة، فجزاهم الله سبحانه وتعالى عن سعيهم الحميد أحسن ما جزى به علماء أمّة وأحبار ملّة. وكان أوّل من أمر بتدوين الحديث وجمعه بالكتابة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه خوف اندراسه، كما في الموطأ رواية محمد بن الحسن "أخبرنا يحيى بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن انظر ما كان من

الفصل الثالث في نبذة لطيفة جامعة لفرائد فوائد مصطلح الحديث عند أهله وتقسيم أنواعه وكيفية تحمله وأدائه ونقله مما لا بد للخائض في هذا الشرح منه لما علم أن لكل أهل فن اصطلاحا يجب استحضاره عند الخوض فيه

حديث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو سنته، فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء". وأخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى أهل الآفاق "انظروا: إلى حديث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاجمعوه". وعلّقه البخاريّ في صحيحه. فيستفاد منه كما قال الحافظ ابن حجر ابتداء تدوين الحديث النبويّ. وقال الهرويّ في ذم الكلام: "ولم تكن الصحابة ولا التابعون يكتبون الأحاديث إنما كانوا يؤدونها حفظًا ويأخذونها لفظًا إلا كتاب الصدقات، والشيء اليسير الذي يقف عليه الباحث بعد الاستقصاء، حتى خيف عليه الدروس وأسرع في العلماء الموت، أمر عمر بن عبد العزيز أبا بكر بن محمد فيما كتب إليه أن انظر ما كان من سنّة أو حديث فاكتبه". وقال في مقدمة الفتح: وأوّل من جمع في ذلك الربيع بن صبيح وسعيد بن أبي عروبة وغيرهما، وكانوا يصنفون كل باب على حده، إلى أن انتهى الأمر إلى كبار الطبقة الثالثة، وصنّف الإمام مالك بن أنس الموطأ بالمدينة، وعبد الملك بن جريح بمكة، وعبد الرحمن الأوزاعيّ بالشام، وسفيان الثوري بالكوفة، وحماد بن سلمة بن دينار بالبصرة، ثم تلاهم كثير من الأئمة في التصنيف كلٌّ على حسب ما سنح له، وانتهى إليه علمه، فمنهم من رتب على المسانيد كالإمام أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه وأبي بكر بن شيبة وأحمد بن منيع وأبي خيثمة والحسن بن سفيان وأبي بكر البزار وغيرهم، ومنهم من رتب على العلل بأن يجمع في كل متن طرقه واختلاف الرواة فيه، بحيث يتضح إرسال ما يكون متصلاً أو وقف ما يكون مرفوعًا أو غير ذلك، ومنهم من رتبه على الأبواب الفقهية وغيرها ونوّعه أنواعًا وجمع ما ورد في كل نوع وفي كل حكم إثباتًا ونفيًا في باب فباب، بحيث يتميز ما يدخل في الصوم مثلاً عما يتعلق بالصلاة، وأهل هذه الطريقة منهم من تقيد بالصحيح كالشيخين وغيرهما، ومنهم من لم يتقيد بذلك كباقي الكتب الستة. وكان أوّل من صنف في الصحيح محمد بن إسماعيل البخاري أسكننا الله تعالى معه في بحبوحة جنانه بفضله الساري، ومنهم المقتصر على الأحاديث المتضمنة للترغيب والترهيب، ومنهم من حذف الإسناد واقتصر على المتن فقط كالبغوي في مصابيحه واللؤلؤي في مشكاته. وبالجملة فقد كثرت في هذا الشأن التصانيف، وانتشرت في أنواعه وفنونه التآليف، واتسعت دائرة الرواية في المشارق والمغارب، واستنارت مناهج السُّنة لكل طالب. الفصل الثالث في نبذة لطيفة جامعة لفرائد فوائد مصطلح الحديث عند أهله وتقسيم أنواعه وكيفية تحمله وأدائه ونقله مما لا بدّ للخائض في هذا الشرح منه لما علم أن لكل أهل فنّ اصطلاحًا يجب استحضاره عند الخوض فيه وأوّل من صنف في ذلك القاضي أبو محمد الرامهرمزي في كتابه المحدّث الفاضل، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري، ثم أبو نعيم الأصبهاني، ثم الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في كتابه الكفاية في قوانين الرواية، وكتاب الجامع لآداب الشيخ والسامع، ثم القاضي عياض في الإلماع، والحافظ القطب أبو بكر بن أحمد القسطلاني في المنهج المبهج عند الاستماع لمن رغب في علوم الحديث على الاطلاع، وأبو جعفر الميانجي في جزء سمّاه ما لا يسع المحدّث جهله، ثم الحافظ أبو عمرو بن الصلاح، فعكف الناس عليه وساروا بسيره، فمنهم الناظم له والمختصر والمستدرك عليه، والمقتصر والعارض له والمنتصر، فجزاهم الله تعالى خيرًا. وإذا علم هذا فليعلم أنهم قسموا السنن المضافة له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قولاً وفعلاً أو تقريرًا، وكذا وصفًا وخلقًا ككونه ليس بالطويل ولا بالقصير، وأيامًا كاستشهاد حمزة وقتل أبي جهل، إلى متواتر، ومشهور، وصحيح، وحسن، وصالح، ومضعف وضعيف، ومسند، ومرفوع، وموقوف، وموصول، ومرسل، ومقطوع، ومنقطع، ومعضل، ومعنعن، ومؤنن، ومعلق، ومدلس، ومدرج، وعال، ونازل، ومسلسل، وغريب، وعزيز، ومعلل، وفرد، وشاذ، ومنكر،

ومضطرب، وموضوع، ومقلوب، ومركب، ومنقلب، ومدبج، ومصحف، وناسخ، ومنسوخ، ومختلف. فالمتواتر الذي يرويه عدد تحيل العادة تواطؤهم على الكذب من ابتدائه إلى انتهائه، وينضاف لذلك أن يصحب خبرهم إفادة العلم لسامعه، كحديث "من كذب عليّ متعمدًا" فنقل النوويّ أنه جاء عن مائتين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم. والمشهور وهو أوّل أقسام الآحاد ما له طرق محصورة بأكثر من اثنين، كحديث "إنما الأعمال بالنيّة" لكنه إنما طرأت له الشهرة من عند يحيى بن سعيد، وأوّل إسناده فرد، وهو ملحق بالمتواتر عندهم، إلا أنه يفيد العلم النظريّ. والصحيح ما اتصل سنده بعدول ضابطين بلا شذوذ، بأن لا يكون الثقة خالف أرجح منه حفظًا أو عددًا مخالفة لا يمكن الجمع، ولا علة خفية فادحة مجمع عليها، أي إسناده ضعيف لا أنه مقطوع به في نفس الأمر، لجواز خطأ الضابط الثقة ونسيانه. نعم يقطع به إذا تواتر، فإن لم يتصل بأن حذف من أوّل سنده أو جميعه لا وسطه فمعلق، وهو في صحيح البخاريّ يكون مرفوعًا وموقوفًا، يأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى في الفصل التالي، والمختار لا يجزم في سند بأنه أصح الأسانيد مطلقًا غير مقيد بصحابيّ، تلك الترجمة لعسر الإطلاق، إذ يتوقف على وجود درجات القبول في كل فرد فرد من رواة السند المحكوم له، فإن قيد بصاحبها ساغ، فيقال مثلاً أصح أسانيد أهل البيت جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه عن علي رضي الله عنه إذا كان الراوي عن جعفر ثقة، وأصح أسانيد الصدّيق رضي الله عنه إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر، وأصح أسانيد عمر رضي الله عنه الزهريّ عن سالم عن أبيه عن جدّه، وأصح أسانيد أبي هريرة رضي الله عنه الزهريّ عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وأصح أسانيد ابن عمر مالك عن نافع عن ابن عمر، وأصح أسانيد عائشة عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها وعنهم أجمعين. ويحكم بتصحيح نحو جزء نص على صحته من يعتمد عليه من الحفاظ النقاد، أو لم ينص على صحته معتمد، فالظاهر جواز تصحيحه لمن تمكنت معرفته وقوي إدراكه كما ذهب إليه ابن القطان والمنذريّ والدمياطيّ والسبكي وغيرهم، خلافًا لابن الصلاح، حيث منع لضعف أهل هذه الأزمان. والحسن ما عرف مخرّجه من كونه حجازيًّا شاميًّا عراقيًّا مكيًّا كوفيًّا، كان يكون الحديث عن راوٍ قد اشتهر برواية أهل بلده، كقتادة في البصريين، فإن حديث البصريين إذا جاء عن قتادة ونحوه كان مخرجه معروفًا، بخلافه عن غيره. والمراد به الاتصال، فالمنقطع والمرسل والمعضل لغيبة بعض رجالها لا يعلم مخرج الحديث منها لا يسوغ الحكم بمخرجه، فالمعتبر الاتصال، ولو لم نعرف المخرج، إذ كل معروف المخرج متصل ولا عكس، وشهرة رجاله بالعدالة والضبط المنحط عن الصحيح، ولو قيل هذا حديث حسن الإسناد أو صحيحه فهو دون قولهم حديث حسن صحيح أو حديث حسن، لأنه قد يصح أو يحسن الإسناد لاتصاله وثقة رواته وضببطهم دون المتن، لشذوذ أو علة. وما قيل فيه حسن صحيح أي صح بإسناد وحسن بآخر. والصالح دون الحسن، قال أبو داود وما كان في كتابي السنن من حديث فيه وهن شديد، فقد بيّنته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح. وبعضها أصح من بعض اهـ. قال الحافظ ابن حجر لفظ صالح في كلامه أعمّ من أن يكون للاحتجاج أو للاعتبار، فما ارتقى إلى الصحة ثم إلى الحسن فهو بالمعنى الأوّل، وما عداهما فهو بالمعنى الثاني، وما قصر عن ذلك فهو الذي فيه وهن شديد. والمضعف ما لم يجمع على ضعفه بل في متنه أو سنده تضعيف لبعضهم وتقوية للبعض الآخر وهو أعلى من الضعيف وفي البخاري منه. والضعيف ما قصر عن درجة الحسن وتتفاوت درجاته في الضعف بحسب بعده من شروط الصحة. والمسند ما اتصل سنده من رواته إلى منتهاه رفعًا ووقفًا. والمرفوع ما أضيف إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قول أو فعل أو تقرير متصلاً كان أو منقطعًا، ويدخل فيه المرسل ويشمل الضعيف. والموقوف ما قصر على الصحابيّ قولاً أو فعلاً ولو منقطعًا، وهل يسمى أثرًا؟ نعم. ومنه قول الصحابي: كنا نفعل ما لم يضفه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،

فإن أضافه إليه كقول جابر: كنّا نعزل على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فمن قبيل المرفوع وإن كان لفظه موقوفًا لأن غرض الراوي بيان الشرع. وقيل لا يكون مرفوعًا. وقول الصحابي من السنة كذا أو أمرنا بضم الهمزة، أو كنا نؤمر أو نهينا أو أبيح، فحكمه الرفع أيضًا، كقول الصحابي: أنا أشبهكم صلاة به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كتفسير تعلق بسبب النزول، وحديث المغيرة: "كان أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرعون بابه بالأظافير" صوّب ابن الصلاح رفعه، وقال الحاكم موقوف، وقول التابعي فمن دونه يرفعه أو رفعه أو مرفوعًا أو يبلغ به أو يرويه أو ينمّيه بفتح أوّله وسكون ثانيه وكسر ثالثه، أو يسنده أو يأثره مرفوع بلا خلاف، والحامل له على ذلك الشك في الصيغة التي سمع بها، أهي: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو النبيّ أو نحو ذلك، كسمعت أو حدّثني، وهو ممّن لا يرى الإبدال أو طلبًا للتخفيف وإيثارًا للاختصار أو للشك في ثبوته أو ورعًا، حيث علم أن المرويّ بالمعنى فيه خلاف، وفي بعض الأحاديث قول الصحابي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرفعه، وهو في حكم قوله عن الله تعالى، ولو قال تابعيّ كنّا نفعل، فليس بمرفوع ولا بموقوف إن لم يضفه لزمن الصحابة، بل مقطوع. فإن أضافه لزمنهم احتمل الوقف، لأن الظاهر اطّلاعهم عليه وتقريرهم واحتمل عدمه لأن تقرير الصحابيّ قد لا ينسب إليه بخلاف تقريره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإذا أتى شيء عن صحابي موقوفًا عليه مما لا مجال للاجتهاد فيه كقول ابن مسعود: من أتى ساحرًا أو عرّافًا فقد كفر بما أنزل على محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فحكمه الرفع تحسينًا للظن بالصحابة. قاله الحاكم. والموصول ويسمى المتصل ما اتصل سنده رفعًا ووقفًا لا ما اتصل للتابعي، نعم يسوغ أن يقال متصل إلى سعيد بن المسيب أو إلى الزهري مثلاً. والمرسل ما رفعه تابعي مطلقًا أو تابعي بكبير إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو ضعيف لا يحتج به عند الشافعي والجمهور، واحتج به أبو حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه، فإن اعتضد بمجيئه من وجه آخر مسندًا أو مرسلاً آخر أخذ مرسله العلم عن غير رجال المرسل الأوّل، احتج به. ومن ثم احتج الشافعي بمراسيل سعيد بن المسيب، لأنها وجدت مسانيد من وجوه. أُخر. قال النووي: إنما اختلف أصحابنا المتقدمون في معنى قول الشافعي إرسال سعيد بن المسيب عندنا حسن على قولين، أحدهما أنه حجة عنده بخلاف غيرها من المراسيل لأنها وجدت مسندة، ثانيهما أنها ليست بحجة عنده بل كغيرها، وإنما رجح الشافعي بمرسله، والترجيح بالمرسل جائز. قال الخطيب: والصواب الثاني. وأما الأول فليس بشيء لأن في مراسيل سعيد ما لم يوجد بحال من وجه يصح، وأما مرسل الصحابيّ كابن عباس وغيره من صغار الصحابة عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مما لم يسمعوه منه فهو حجة، وإذا تعارض الوصل والإرسال بأن تختلف الثقات في حديث فيرويه بعضهم متصلاً وآخر مرسلاً، كحديث "لا نكاح إلا بولي" رواه إسرائيل وجماعة عن أبي إسحق السبيعي عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ورواه الثوري وشعبة عن أبي إسحق عن أبي بردة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقيل الحكم للمسند إذا كان عدلاً ضابطًا، قال الخطيب وهو الصحيح، وسئل عنه البخاري فحكم لمن وصل، وقال الزيادة من الثقة مقبولة، هذا مع أن المرسل شعبة وسفيان ودرجتهما من الحفظ والإتقان معلومة، وقيل الحكم للأكثر، وقيل للأحفظ، وإذا قلنا به وكان المرسل الأحفظ فلا يقدح في عدالة الواصل وأهليته على الصحيح، وإذا تعارض الرفع والوقف بأن يرفع ثقة حديثًا وقفه ثقة غيره، فالحكم للرافع لأنه مثبت وغيره ساكت، ولو كان نافيًا، فالمثبت مقدّم وتقبل زيادة الثقات مطلقًا على الصحيح، سواء كانت من شخص واحد، بأن رواه مرّة ناقصًا ومرّة أخرى وفيه تلك الزيادة، أو كانت الزيادة من غير من رواه ناقصًا، وقيل بل مردودة مطلقًا، وقيل مردودة منه مقبولة من غيره، وقال الأصوليون إن اتحد المجلس ولم يحتمل غفلته عن تلك الزيادة غالبًا ردّت، وإن احتمل قبلت عند الجمهور، وإن جهل تعدد المجلس، فأولى بالقبول من صورة اتحاده، وإن تعددت يقينًا قبلت اتفافًا.

والمقطوع ما جاء عن تابعي من قوله أو فعله موقوفًا عليه وليس بحجة. والمنقطع ما سقط من رواته واحد قبل الصحابيّ، وكذا من مكانين وأكثر، بحيث لا يزيد كل ما سقط منها على راوٍ واحد. والمعضل ما سقط من رواته قبل الصحابيّ اثنان فأكثر، مع التوالي، كقول مالك قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولعدم التقيد باثنين، قال ابن الصلاح إن قول المصنفين قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قبيل المعضل، ومنه أيضًا حذف لفظ النبي والصحاب معًا، ووقف المتن على التابعي، كقول الأعمش عن الشعبي "يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا فيقول ما عملته فتنطق جوارحه" الحديث. والمعنعن الذي قيل فيه فلان عن فلان، من غير لفظ صريح بالسماع أو التحديث أو الإخبار أتى عن رواة مسمين معروفين موصول عند الجمهور، بشرط ثبوت لقاء المعنعنين بعضهم بعضًا ولو مرة، وعدم التدليس من المعنعن، لكن في شرطية ثبوت اللقاء بينهما. وكذا طول الصحبة ومعرفة الرواية للمعنعن عن المعنعن عنه خلف، صرح باشتراط اللقاء علي بن المديني وعليه البخاري، وجعلاه شرطًا في أصل الصحة، وعزاه النووي للمحققين، وهو مقتضى كلام الشافعي، ولم يشترطه مسلم بل أنكر اشتراطه في مقدمة صحيحه، وادّعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه. والمؤنن قول الراوي حدثنا فلان أن فلانًا قال، وهو كعن في اللقاء والمجالسة والسماع مع السلامة من التدليس. والمعلق ما حذف من أوّل إسناده لا وسطه، مأخوذ من تعليق الجدار لقطع اتصاله، وسبق ويأتي حكمه إن شاء الله تعالى في الفصل التالي بعون الله سبحانه. والمدلس بفتح اللام المشددة ثلاثة: أحدها، أن يسقط اسم شيخه ويرتقي إلى شيخ شيخه أو من فوقه، فيسند عنه ذلك بلفظ لا يقتضي الاتصال، بل بلفظ موهم له، فلا يقول أخبرنا وما في معناها، بل يقول عن فلان أو قال فلان أو أن فلانًا، موهما بذلك أنه سمعه ممّن رواه عنه، وإنما يكون تدليسًا إذا كان المدلس قد عاصر الذي روى عنه أو لقيه ولم يسمع منه أو سمع منه ولم يسمع ذلك الذي دلسه عنه، فلا يقبل ممن عرف بذلك إلا ما صرح فيه بالاتصال، كسمعت. وفي الصحيحين من حديث أهل هذا القسم المصرح فيه بالسمع كثير، كالأعمش والثوري وما فيهما من حديثهم بالعنعنة ونحوها، محمول على ثبوت السماع عند المخرج من وجه آخر، ولو لم نطلع عليه تحسينًا للظن بصاحبي الصحيح. ثانيها، تدليس التسوية بأن يسقط ضعيفًا بين شيخيهما الثقتين، فيستوي الإسناد كله ثقات، وهو شر التدليس، وكان بقية بن الوليد أفعل الناس له. ثالثها، تدليس الشيوخ، بأن يسمي شيخه الذي سمع منه بغير اسمه المعروف، أو ينسبه أو يصفه بما لم يشتهر به تعمية، كيلا يعرف، وهو جائز لقصد تيقظ الطالب واختباره ليبحث عن الرواة. والمدرج كلام يذكر عقب الحديث متصلاً، يوهم أنه منه، أو يكون عنده متنان بإسنادين فيرويهما بأحدهما، كرواية سعيد بن أبي مريم "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تنافسوا" أدرج ابن أبي مريم ولا تنافسوا من متن آخر. أو يسمع حديثًا من جماعة مختلفين في إسناده أو متنه فيرويه عنهم على الاتفاق، أو يسوق الإسناد فيعرض له عارض فيقول كلامًا من قبل نفسه، فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام من متن الحديث فيرويه عنه كذلك، ويكون في المتن تارة في أوّله كحديث أبي هريرة "أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ويل للأعقاب من النار" فأسبغوا، من قول أبي هريرة والباقي مرفوع. ويكون أيضًا في أثنائه وفي آخره وهو الأكثر، كحديث ابن مسعود أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علّمه التشهد في الصلاة، فقال التحيات لله الخ. أدرج فيه أبو خيثمة. زهير بن معاوية أحد رواته عن الحسن بن الحر هنا كلامًا لابن مسعود، وهو فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد. والعالي خمسة: المطلق، وهو القرب من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعدد قليل بالنسبة إلى سند آخر يرد بذلك الحديث بعينه بعدد كثير، أو بالنسبة لمطلب الأسانيد والقرب من إمام من أئمة الحديث ذي صفة عالية كالحفظ والضبط كمالك والشافعي، والقرب بالنسبة لرواية الشيخين وأصحاب

السنن والعلو بتقدم وفاة الراوي، سواء كان سماعه مع متأخر الوفاة في آن واحد أو قبله، والعلوّ بتقدّم السماع، فمن تقدم سماعه من شيخ أعلى ممن سمع من ذلك الشيخ نفسه بعده. والنازل كالعالي بالنسبة إلى ضد الأقسام العالية. والمسلسل ما ورد بحالة واحدة في الرواة أو الرواية وأصحها قراءة سورة الصف. والغريب ما انفرد راوٍ بروايته أو برواية زيادة فيه عمّن يجمع حديثه كالزهري أحد الحفاظ في المتن أو السند، وينقسم إلى غريب صحيح كالأفراد المخرجة في الصحيحين، وإلى غريب ضعيف وهو الغالب على الغرائب، وإلى غريب حسن. وفي جامع الترمذي منه كثير. والعزيز ما انفرد بروايته اثنان أو ثلاثة دون سائر رواة الحافظ المروي عنه. والمعلل ولا يقال المعلول، خبر ظاهره السلامة لجمعه شروط الصحة، لكن فيه علة خفية فيها غموض تظهر للنقاد أطباء السنة الحاذقين بعللها عند جمع طرق الحديث والفحص عنها، كمخالفة راوي ذلك الحديث لغيره ممّن هو أحفظ وأضبط وأكثر عددًا وتفرّده وعدم المتابعة عليه، مع قرائن تنبّه على وهمه في وصل مرسل أو رفع موقوف أو إدراج حديث في حديث، أو لفظة أو جملة ليست من الحديث أدرجها فيه، أو وهم بإبدال راوٍ ضعيف بثقة، ويقع في الإسناد والمتن، فالأوّل كحديث يعلى بن عبيد عن الثوري عن عمرو بن دينار "البيعان بالخيار" صرح النقاد بأن يعلى غلط إنما هو عبد الله بن دينار لا عمرو بن دينار، وشذّ بذلك عن سائر أصحاب الثوري، وسبب الاشتباه اتفاقهما في اسم الأب وفي غير واحد من الشيوخ، وتقاربهما في الوفاة. وأما علة المتن فكحديث مسلم من جهة الأوزاعي عن قتادة، أنه كتب إليه يخبره عن أنس أنه حدّثه أنه قال صلّيت خلف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله ربّ العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أوّل قراءة ولا في آخرها، فقد أعلّ الشافعي رضي الله عنه وغيره هذه الزيادة التي فيها عدم البسملة، بأن سبعة أو ثمانية خالفوا في ذلك واتفقوا على الاستفتاح بالحمد لله رب العالمين، ولم يذكروا البسملة. والمعنى أنهم يبدؤون بقراءة أم القرآن قبل ما يقرأ بعدها، ولا يعني أنهم يتركون البسملة. وحينئذ فكأن بعض رواته فهم من الاستفتاح نفي البسملة، فصرّح بما فهمه وهو مخطىء في ذلك. ويتأيد بما صح عن أنس أنه سئل أكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستفتح بالحمد لله رب العالمين أو ببسم الله الرحمن الرحيم، فقال للسائل إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه وما سألني عنه أحد قبلك، على أن قتادة ولد أكمه وكاتبه لم يعرف، وهذا أهم في التعليل، وهذا من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقها ولا يقوم به إلا ذو فهم ثاقب وحفظ واسع ومعرفة تامة بمراتب الرواة، وملكة قوية بالأسانيد والمتون، وقد تقصر عبارة المعلل عن إقامة الحجة على دعواه كالصيرفيّ في نقد الدينار والدرهم. والفرد يكون مطلقًا بأن ينفرد الراوي الواحد عن كل واحد من الثقات وغيرهم، ويكون بالنسبة إلى صفة خاصة، وهو أنواع: ما قيد بثقة، كقول القائل في حديث قراءته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الأضحى والفطر بقاف واقتربت، لم يروه ثقة إلا ضمرة بن سعيد، فقد انفرد به عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي واقد الليثي صحابيه، أو ببلد معين كمكة والبصرة والكوفة. كقول القائل في حديث أبي سعيد الخدري المروي عند أبي داود في كتابيه السنن، والتفرد، عن أبي الوليد الطيالسي عن همام عن قتادة عن أبي نضرة عنه، أمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر. لم يرو هذا الحديث غير أهل البصرة. قال الحاكم إنهم تفردوا بذكر الأمر فيه من أول الإسناد الخ، ولم يشركهم في لفظه سواهم. وكذا قال في حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن قوله ومسح رأسه بماء غير فضل يده، سنّة غريبة تفرّد بها أهل مصر لم يشركهم أحد. ولا يقتضي شيء من ذلك ضعفه إلا أن يراد تفرّد واحد من أهل البصرة، فيكون من الفرد المطلق. والثالث ما قيد براوٍ مخصوص حيث لم يروه عن فلان إلا فلان، كقول أبي الفضل بن طاهر عقب الحديث المروي في السنن الأربعة من طريق سفيان

بن عيينة عن وائل بن داود عن ولده بكر بن وائل عن الزهري عن أنس، أن النبي أولم على صفية بسويق وتمر. لم يروه عن بكر إلا وائل، ولم يروه عن وائل غير ابن عيينة فهو غريب. وكذا قال الترمذي إنه حسن غريب. قال وقد رواه غير واحد عن ابن عيينة عن الزهريّ يعني بدون وائل وولده، قال وكان ابن عيينة ربما دلسهما، والحكم بالتفرّد يكون بعد تتبّع طرق الحديث الذي يظن أنه فرد هل شارك راويه آخر أم لا، فإن وجد بعد كونه فردًا أن راويًا آخر ممن يصلح أن يخرج حديثه للاعتبار والاستشهاد به وافقه، فإن كان التوافق باللفظ سمي متابعًا، وإن كان بالمعنى سمي شاهدًا، وإن لم يوجد من وجه بلفظه أو بمعناه فإنه يتحقق فيه التفرّد المطلق حينئذ. ومظنة معرفة الطرق التي يحصل بها المتابعات والشواهد وتنتفي بها الفردية الكتب المصنفة في الأطراف، وقد مثل ابن حبان لكيفية الاعتبار بأن يروي حماد بن سلمة حديثًا لم يتابع عليه عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فينظر هل روى ذلك ثقة غير أيوب عن ابن سيرين، فإن وجد علم به أن للحديث أصلاً يرجع إليه، وإن لم يوجد ذلك فثقة غير ابن سيرين، رواه عن أبي هريرة، وإلا فصحابي غير أبي هريرة رواه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأي ذلك وجد علم به أن للحديث أصلاً يرجع إليه، وإلا فلا. وكما أنه لا انحصار للمتابعات في الثقة كذلك الشواهد، فيدخل فيهما رواية من لا يحتج بحديثه وحده، بل يكون معدودًا في الضعفاء، وفي البخاري ومسلم جماعة من الضعفاء ذكراهم في المتابعات والشواهد، وليس كل ضعيف يصلح لذلك. وكذا قال الدارقطني فلان يعتبر به وفلان لا يعتبر به. وقال النووي في شرح مسلم "وإنما يدخلون الضعفاء لكون التابع لا اعتماد عليه وإنما الاعتماد على من قبله " اهـ. قال شيخنا ولا انحصار له في هذا، بل قد يكون كلٌّ من المتابع والمتابع لا اعتماد عليه، فباجتماعهما تحصل القوة، ومثال المتابع والشاهد ما رواه الشافعي في الأم عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه. فإن غمّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين". فإنه في جميع الموطآت عن مالك بهذا السند بلفظ فإن غمّ عليكم فاقدروا له. وأشار البيهقي إلى أن الشافعي تفرد بهذا اللفظ عن مالك فنظرنا فإذا البخاري روى الحديث في صحيحه، فقال حدّثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدّثنا مالك به بلفظ الشافعي سواء، فهذه متابعة تامة في غاية الصحة لرواية الشافعي، ودلّ هذا على أن مالكًا رواه عن عبد الله بن دينار باللفظين معًا وقد توبع فيه عبد الله بن دينار من وجهين عن ابن عمر، أحدهما أخرجه مسلم من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع، فذكر الحديث، وفي آخره فإن غمّ عليكم فاقدروا ثلاثين. والثاني أخرجه ابن خزيمة في صحيحه من طريق عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن جدّه ابن عمر بلفظ فإن غمّ عليكم فكملوا ثلاثين. فهذه متابعة لكنها ناقصة، وله شاهدان أحدهما من حديث أبي هريرة رواه البخاري عن آدم عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة بلفظ فإن غمّ عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين. وثانيهما من حديث ابن عباس، أخرجه النسائي من رواية عمرو بن دينار عن محمد بن حنين عن ابن عباس بلفظ حدّثنا ابن دينار عن ابن عمر سواء. وإنما أطلت الكلام في هذا لكثرة ما في البخاري منه والله سبحانه الموفق والمعين. والشاذ ما خالف الراوي الثقة فيه جماعة الثقات بزيادة أو نقص فيظن أنه وهم فيه. قال ابن الصلاح الصحيح التفصيل، فما خالف فيه المنفرد من هو أحفظ وأضبط فشاذ مردود، وإن لم يخالف بل روى شيئًا لم يروه غيره وهو عدل فصحيح أو غير ضابط، ولا يبعد عن درجة الضابط فحسن، وإن بعد فشاذ منكر. ويكون الشذوذ في السند كرواية الترمذي والنسائي وابن ماجة من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عوسجة عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رجلاً توفي على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يدع وارثًا إلى مولى هو أعتقه الحديث. فإن حماد

بن زيد رواه عن عمرو مرسلاً بدون ابن عباس، لكن قد تابع ابن عيينة على وصله ابن جريج وغيره. ويكون في المتن كزيادة يوم عرفة في حديث "أيام التشريق أيام أكل وشرب" فإن الحديث من جميع طرقه بدونها، وإنما جاء بها موسى بن علي (بالتصغير) ابن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر، كما أشار إليه ابن عبد البر. على أنه قد صحح حديث موسى هذا ابنا خزيمة وحبان والحاكم، وقال على شرط مسلم، وقال الترمذي حسن صحيح. وكأن ذلك لأنها زيادة ثقة غير منافية لإمكان حملها على حاضري عرفة. والمنكر الذي لا يعرف متنه من غير جهة راويه فلا متابع له ولا شاهد، قاله البرديجي. والصواب التفصيل الذي ذكره ابن الصلاح في الشاذ، فمثال ما انفرد به ثقة يحمل تفرّده حديث مالك عن الزهري عن علي بن حسين عن عمر بن عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما رفعه "لا يرث المسلم الكافر" فإن مالكًا خالف في تسمية راويه عمر بضم العين، غيره، حيث هو عندهم عمرو بفتحها. وقطع مسلم وغيره على مالك بالوهم فيه. ومثال ما انفرد به ثقة لا يحمل تفرده حديث أبي ذكير يحيى بن محمد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها مرفوعًا: كلوا البلح بالتمر. الحديث تفرد به أبو ذكير وهو شيخ صالح أخرج له مسلم في صحيحه، غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحمل تفرده، وقد ضعفه ابن معين وابن حبان، وقال ابن عدي أحاديثه مستقيمة سوى أربعة عدّ منها هذا. والمضطرب ما روي على أوجه مختلفة متدافعة على التساوي في الاختلاف من راوٍ واحد، بأن رواه مرة على وجه وأخرى على آخر مخالف له، أو رواه أكثر بأن يضطرب فيه راويان فأكثر، ويكون في سند رواته ثقات، كحديثًا "شيبتني هود وأخواتها"، فإنه اختلف فيه على أبي إسحق، فقيل عنه عن عكرمة عن أبي بكر، ومنهم من زاد بينهما ابن عباس، وقيل عنه عن أبي جحيفة عن أبي بكر، وقيل عنه عن البراء عن أبي بكر، وقيل عنه عن أبي ميسرة عن أبي بكر، وقيل عنه عن مسروق عن عائشة عن أبي بكر، وقيل عنه عن علقمة عن أبي بكر، وقيل عنه عن عامر بن سعد البجلي عن أبي بكر، وقيل عنه عن عامر بن سعد عن أبيه عن أبي بكر، وقيل عنه عن مصعب بن سعد عن أبيه عن أبي بكر، وقيل عنه عن أبي الأحوص عن ابن مسعود. وقد يكون الاضطراب في المتن، وقل أن يوجد مثال سالم له كحديث نفي البسملة، حيث زال الاضطراب عنه بحمل نفي القراءة على نفي السماع، ونفي السماع على نفي الجهر كما قرر في موضعه من المطوّلات. ثم إن الاضطراب سواء كان في السند أو في المتن موجب للضعف لإشعاره بعدم ضبط الراوي. والموضوع هو الكذب على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ويسمى المختلق الموضوع، وتحرم روايته مع العلم به إلا مبينًا، والعمل به مطلقًا وسببه نسيان أو افتراء أو نحوهما، ويعرف بإقرار واضعه أو قرينة في الراوي والروي، فقد وضعت أحاديث يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها. وروينا عن الربيع بن خيثم التابعي الجليل أنه قال إن للحديث ضوءًا كضوء النهار يعرف، وظلمة كظلمة الليل تنكر. والمقلوب كحديث متنه مشهور براو كسالم أبدل بواحد من الرواة نظيره في الطبقة كنافع ليرغب فيه لغرابته، أو قلب سند لمتن آخر مروي بسند آخر بقصد امتحان حفظ المحدث، كقلب أهل بغداد على البخاري رحمه الله تعالى مائة حديث امتحانًا، فردّها على وجوهها كما سيأتي إن شاء الله تعالى في ترجمته. والمركب كإبدال نحو سالم بنافع كما مر، أو الذي ركب إسناده لمتن آخر ومتنه لإسناد متن آخر. والمنقلب الذي ينقلب بعض لفظه على الراوي فيتغير معناه، كحديث البخاري في باب أن رحمة الله قريب من المحسنين عن صالح بن كيسان عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه، "اختصمت الجنة والنار إلى ربّهما" الحديث. وفيه أنه ينشىء للنار خلقًا صوابه كما رواه في موضع آخر من طريق عبد الرزاق عن همام عن أبي هريرة بلفظ، فأما الجنة فينشىء الله لها خلقًا، فسبق لفظ الراوي من الجنة إلى النار، وصار منقلبًا. ولذا جزم ابن القيم بأنه غلط، ومال إليه البلقيني حيث أنكر هذه الرواية، واحتج بقوله ولا يظلم ربك أحدًا. والمدبج

بالموحدة والجيم رواية القرينين التقاربين في السن والإسناد، أحدهما عن الآخر، كرواية كلٌّ من أبي هريرة وعائشة عن الآخر، وكرواية التابعي عن تابعي مثله كالزهري وعمر بن عبد العزيز وكذا من دونهما. والمصحف الذي تغير بنقط الحروف أو حركاتها أو سكناتها، كحديث جابر رمي أُبيّ يوم الأحزاب على أكحله، صحفه غندر فقال أبي بالإضافة، وإنما هو أُبيّ بن كعب وأبو جابر استشهد قبل ذلك في أُحُد. والناسخ والمنسوخ ويعرف النسخ بتنصيص الشارع عليه كحديث بريدة "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" أو بجزم الصحابي بالتأخر كقول جابر في السنن، كان آخر الأمرين من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترك الوضوء مما مسّت النار أو بالتاريخ، فإن لم يعرف فإن أمكن ترجيح أحدهما بوجه من وجوه الترجيح متنًا أو إسنادًا لكثرة الرواة وصفاتهم تعين المصير إليه، وإلا فيجمع بينهما، فإن لم يمكن يوقف عن العمل بأحدهما. والمختلف أن يوجد حديثان متضادان في المعنى بحسب الظاهر، فيجمع بما ينفي التضاد، كحديث "لا عدوى ولا طيرة" مع حديث "فرّ من المجذوم" وقد جمع بينهما بأن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها، ولكن جعل الله تعالى مخالطة المريض للصحيح سببًا لإعدائه وقد يتخلف. ومن الأنواع رواية الآباء عن الأبناء، وهو كرواية الأكابر عن الأصاغر، ورواية الأبناء عن الآباء، ويدخل في رواية الابن عن أبيه عن جدّه، وأكثر ما انتهت الآباء فيه إلى أربعة عشر أبًا، والسابق اللاحق وهو من اشترك في الرواية عنه راويان متقدم ومتأخر تباين وقت وفاتيهما تباينًا شديدًا فحصل بينهما أمر بعيد، وإن كان المتأخر غير معدود من معاصري الأوّل ومن طبقته. ومن أمثلة ذلك أن البخاري حدث عن تلميذه أبي العباس السراج بأشياء في التاريخ وغيره، ومات سنة ست وخمسين ومائتين، وآخر مَن حدّث عن السراج بالسماع أبو الحسين الخفات ومات سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة، ومنه أن الحافظ السلفي سمع منه أبو عليّ البرداني أحد مشايخه حديثًا رواه عنه ومات على رأس الخمسمائة، ثم كان آخر أصحابه بالسماع سبطه أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي، وكانت وفاته سنة خمسين وستمائة. ومن فوائده تقرير حلاوة الإسناد في القلوب والإخوة والأخوات، فمن أمثلة الاثنين هشام وعمرو ابنا العاصي وزيد ويزيد ابنا ثابت، ومن الثلاثة سهل وعباد وعثمان بنو حنيف بالتصغير، ومن الأربعة سهيل وعبد الله الذي يقال له عباد ومحمد وصالح بنو أبي صالح ذكوان السمان، وفي الصحابة عائشة وأسماء وعبد الرحمن ومحمد بنو أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم، وأربعة ولدوا في بطن وكانوا علماء وهم محمد وعمر وإسماعيل، ومن لم يسمّ بنو أبي إسماعيل السلمي، ومن الخمسة الرواة سفيان وآدم وعمران ومحمد وإبراهيم بنو عيينة، ومن الستة محمد وأنس ويحيى ومعبد وحفصة وكريمة أولاد سيرين وكلهم من التابعين. من لم يرو عنه إلا واحد كرواية الحسن البصري عن عمرو بن تغلب في صحيح البخاري، فإن عمرًا لم يرو عنه غير الحسن قاله مسلم والحاكم، من له أسماء مختلفة ونعوت متعددة وفائدته الأمن من جعل الواحد اثنين، وتوثيق الضعيف وتضعيف الثقة والاطلاع على صنيع المرسلين، ومن أمثلته محمد بن السائب الكلبي المفسّر هو أبو النضر الذي روى عنه ابن إسحق وهو حماد بن السائب الذي روى عنه أبو أسامة، وهو أبو سعيد الذي يروي عنه عطية العوفي موهمًا أنه الخدري، وهو أبو هشام الذي روى عنه القاسم بن الوليد، والمفردات من الأسماء فمن الصحابة سندر بفتح السين والدال المهملتين بينهما نون ساكنة آخره راء، وكلدة بالدال المهملة، وفتحات ابن الحنبل بمهملة مفتوحة بعدها نون ساكنة فموحدة فلام، ووابصة بموحدة مكسورة فمهملة ابن معبد. ومن غير الصحابة تدوم بفوقية مفتوحة ودال مهملة مضمومة ابن صبح، أو بالتصغير الحميري وسعير بالمهملتين مصغرًا ابن الخمس بكسر الخاء المعجمة وسكون الميم بعدها مهملة، والمفردات من الألقاب سفينة مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ومن غير الصحابة مندل بن علي العنزي واسمه فيما قيل

عمرو، ومشكدانة بضم أوّله وثالثه وبعد الميم شين معجمة وهي وعاء المسك. ومن الكنى أبو العبيد بضم المهملة ثم موحدة مفتوحة تصغير عبد، وأبو العشراء بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة الدارمي، ومن الأنساب اللبقيّ بفتح اللام والموحدة وكسر القاف علي بن سلمة. والكنى تسعة أقسام كنية لصاحب كنية أخرى غيرها ولا اسم له غيرها، أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث أحد الفقهاء السبعة كنيته أبو عبد الرحمن، أو تكون الكنية اسمه ولا كنية له كأبي بلال الأشعريّ بن شريك، أو تكون الكنية لقبًا وله اسم وتكنية غيرها كأبي تراب لعليّ بن أبي طالب أبي الحسن، وأبي الزناد لعبد الله ين ذكوان أبي عبد الرحمن. أو يكون له كنية أخرى غيرها أو أكثر من غير سبب لذلك. فمن أمثلة ذلك ذو الكنيتين عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج يكنى أبا خالد وأبا الوليد، ومن الثلاثة منصور الفراوي يكنى أبا بكر وأبا الفتح وأبا القاسم، وكان يقال له ذو الكنى، أو تكون كنيته لا خلاف فيها وفي اسمه اختلاف كأبي بصرة الغفاري، قيل في اسمه جميل بفتح الجيم، وقيل بالحاء المهملة المضمومة وفتح الميم وهو الأصح، أو يكون مختلفًا في كنيته دون اسمه كأبيّ بن كعب، قيل في كنيته أبو المنذر وقيل أبو الطفيل، أو يكون في كلٍّ من اسمه وكنيته خلف كسفينة مو رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو لقب، وقيل في اسمه صالح، وقيل عمير، وقيل مهران، وكنيته قيل أبو عبد الرحمن وقيل أبو البحتري، أو اتفقا عليهما معًا كأبي عبد الله مالك بن أنس، أو يكون بكنيته أشهر منه باسمه كأبي إدريس الخولانيّ اسمه عائذ الله. وفائدة هذا النوع البيان، فربما ذكر الراوي مرة بكنيته ومرة باسمه فيتوهم التعدّد مع كونهما واحدًا، والألقاب نوع مهم قد تأتي في سياق الأسانيد مجردة عن الأسماء فيظن أنها أسماء فيجعل ما ذكر باسمه في موضع وبلقبه في موضع آخر شخصين، والذي في البخاري منه: الأحول عامر بن سليمان، الأزرق إسحق بن يوسف، الأعرج عبد الرحمن بن هرمز، الأعمش سليمان بن مهران، الأغر أبو عبد الله سلمان، الباقر محمد بن علي بن حسين أبو جعفر، الحبر عبد الله بن عباس، البطين مسلم بن عمران، بندار محمد بن بشار، البهيّ عبد الله بن بشار، الحذاء خالد بن مهران، ختن المقري بكر بن خلف، دحيم عبد الرحمن بن إبراهيم. ذو البطن أسامة بن زيد، ذو اليدين الخرباق، الرشك يزيد الضبعي، سعدان اللخميّ سعيد بن يحيى بن صالح، سلمويه سليمان بن صالح المروزي، سنيد مصغرًا اسمه الحسين، شاذان الأسود بن عامر، عارم محمد بن الفضل السدوسي، عبدان عبد الله بن عثمان، عبدة بن سليمان اسمه عبد الرحمن، عبيد بن إسماعيل هو عبيد الله، عويمر أبو الدرداء اسمه عامر، غندر محمد بن جعفر، فليح بن سليمان قيل اسمه عبد الملك، قتيبة بن سعيد قيل اسمه يحيى، كاتب المغيرة اسمه وراد، الماجشون أبو سلمة، مسدد اسمه عبد الملك، النبيل أبو عاصم الضحاك بن مخلد أبو الزناد لقب وكنيته أبو عبد الرحمن، ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. والأنساب معرفتها مهمة فكثيرًا ما يكون نسبه لقبيلة أو بطن أو جدّ أو بلد أو صناعة أو مذهب أو غير ذلك مما أكثره مجهول عند العامة معلوم عند الخاصة، فربما يقع في كثير منه التصحيف ويكثر الغلط والتحريف، والذي في البخاري منها: الأشجعي عبيد الله بن عبد الرحمن، الأويسي عبد العزيز بن عبد الله، الأنصاري شيخ البخاري محمد بن عبد الله بن المثنى، البدري أبو مسعود عقبة بن عمرو، البراء أبو العالية نسب إلى بري السهام، التيمي سليمان، الثقفي عبد الوهاب بن محمد بن عبد المجيد، الزبيدي محمد بن الوليد، الزبيري أبو أحمد محمد بن عبد الله الأسدي، الزهري محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، السبيعي عمرو بن عبد الله أبو إسحق، السعيدي عمرو بن يحيى بن سعيد، الشعبي عامر بن شراحيل، الشيباني أبو إسحق سليمان بن أبي سليمان، الصنابحي عبد الرحمن بن عسيلة، العدني عبد الله بن الوليد، العقدي عبد الملك بن عمرو أبو عامر، العمري

عبيد الله بن عمر بن حفص، الفروي إسحق بن محمد، الفريابي محمد بن يوسف، الفزاري أبو إسحق إبراهيم بن محمد الدمشقي، القمي هو يعقوب بن عبد الله له موضع واحد في الطب، المجمر نعيم بن عبد الله، المحاربي عبد الله بن محمد، المسعودي اسمه عبد الرحمن بن عبد الله، المعمري أبو سفيان محمد بن حميد، المقبري أبو سعيد كيسان وابنه سعيد، المقدمي محمد بن أبي بكر، المقري أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد، الملائي أبو نعيم الفضل بن دكين. ومن الرواة من نسب إلى غير أبيه كيعلى ابن مية نسب إلى جدّته واسم أبيه أمية، ومعاذ ومعوذ وعوذ بنو عفراء هي أمهم وأبوهم الحرث بن رفاعة، وعبد الله ابن بحينة هي أمه وأبوه مالك، وعبد الله بن أُبي ابن سلول هي أم أُبيّ، ومنهم من نسب إلى زوج أمه كالمقداد بن الأسود. وقد ينسب الراوي إلى نسبة يكون الصواب خلاف ظاهرها كأبي مسعود عقبة بن عمرو البدري، إذ إنه لم ينسب لشهوده بدرًا في قول الجمهور وإن عدّه البخاري فيمن شهدها، بل كان ساكنًا بها، وكسليمان بن طرخان التيمي ليس من تيم بل نزل بها. وأما المبهمات في الحديث وتكون في الإسناد والمتن من الرجال والنساء، ويتوصل لمعرفتها بجمع طرق الحديث غالبًا. مثاله في السند إبراهيم بن أبي عبلة عن رجل عن واثلة، فالرجل هو الغريق بفتح الغين المعجمة، وفي المتن حديث أبي سعيد الخدري في ناس من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّوا بحيّ فلم يضيفوهم فلدغ سيدهم فرقاه رجل منهم، الراقي هو أبو سعيد الراوي المذكور. وما في البخاري من هذا النوع يأتي مفسرًا في مواضعه من هذا الشرح إن شاء الله تعالى بعون الله تعالى. المؤتلف والمختلف وهو ما تتفق صورته خطأ وتختلف صفته لفظًا وهو مما يقبح جهله بأهل الحديث، ومنه في البخاري الأحنف بالحاء المهملة والنون، وبالخاء المعجمة والمثناة التحتية، مكرز بن حفص بن الأحنف، له ذكر في الحديث الطويل في قصة الحديبية. وبشار بالموحدة والمعجمة المشدّدة والد بندار شيخ البخاري والجماعة، وبقية من فيه بهذه الصورة بالتحتية والسين المهملة المخففة وبتقديم السين وتثقيل التحتية أبو المنهال سيار بن سلامة التابعي، إلى غير ذلك مما لا نطيل بسرده لا سيما مع الاستغناء بذكره في هذا الشرح إن شاء الله تعالى بعونه. وإذا علم هذا فليعلم أن شرط الراوي للحديث أن يكون مكلفًا عدلاً متقنًا ويعرف إتقانه بموافقة الثقات، ولا تضرّ مخالفته النادرة، ويقبل الجرح إن بان سببه للاختلاف فيما يوجب الجرح بخلاف التعديل فلا يشترط، ورواية العدل عمن سماه لا تكون تعديلاً، وقيل إن كانت عادته أن لا يروي إلا عن عدل كالشيخين فتعديل وإلا فلا، ولا يقبل مجهول العدالة وكذا مجهول العين الذي لم تعرفه العلماء، وترفع الجهالة عنه رواية اثنين مشهورين بالعلم. والصحابة كلهم عدول، وقبل المستور قوم ورجحه ابن الصلاح. ولا يقبل حديث مبهم ما لم يسمّ إذ شرط قبول الخبر عدالة ناقله، ومن أبهم اسمه لا تعرف عينه فكيف تعرف عدالته ولا يقبل من به بدعة كفر، أو يدعو إلى بدعة، وإلا قبل لاحتجاج البخاري وغيره بكثير من المبتدعين غير الدعاة، ويقبل التائب. وينبغي أن يعرف من اختلط من الثقات في آخر عمره لفساد عقله وخرفه ليتميز من سمع منه قبل ذلك فيقبل حديثه أو بعده فيرد، ومن روى عنه منهم في الصحيحين محمول على السلامة، وقد أعرضوا عن اعتبار هذه الشروط في زماننا لإبقاء سلسلة الإسناد فيعتبر البلوغ والعقل والستر والإتقان ونحوه. ولألفاظ التعديل مراتب أعلاها ثقة أو متقن أو ضابط أو حجة، ثانيها خير صدوق مأمون لا بأس به وهؤلاء يكتب حديثهم، ثالثها شيخ وهذا يكتب حديثه للاعتبار، رابعها صالح الحديث فيكتب وينظر فيه. ولألفاظ التجريح مراتب أيضًا أدناها لين الحديث يكتب وينظر اعتبارًا، ثانيها ليس بقوي وليس بذاك، ثالثها مقارب الحديث أي رديئه، رابعها متروك الحديث وكذاب ووضاع ودجال وواهٍ وواه بمرّة بموحدة مكسورة فميم مفتوحة وراء مشددة أي قولاً واحدًا لا تردّد فيه، وهؤلاء ساقطون لا يكتب

عنهم، وفي رواية من أخذ على الحديث (يعني أجرة) تردّد. وفي المتساهل في سماعه وإسماعه كمن لا يبالي بالنوم فيه، أو يحدّث لا من أصل مصحح، أو كثير السهو في روايته إن حدّث من غير أصل، أو أكثر الشواذ والمناكير في حديثه، ومن غلط في حديثه فبيّن له وأصرّ عنادًا ونحوه سقطت روايته، ويستحب الاعتناء بضبط الحديث وتحقيقه نقطًا وشكلاً وإيضاحًا من غير مشق ولا تعليق بحيث يؤمن معه اللبس أو إنما يشكل المشكل ولا يشتغل بتقييد الواضح. وصوَّب عياض شكل الكل للمبتدىء وغير المعرب، ورأى بعض مشايخنا الاقتصار في ضبط البخاري على رواية واحدة لا كما يفعله من ينسخ البخاري من نسخة الحافظ شرف الدين اليونينيّ، لما يقع في ذلك من الخلط الفاحش بسبب عدم التمييز ويتأكد ضبط الملبس من الأسماء، لأنه نقل محض لا مدخل للإفهام فيه، كبريد بضم الموحدة، فإنه يشتبه بيزيد بالتحتية فضبط ذلك أولى لأنه ليس قبله ولا بعده شيء يدل عليه، ولا مدخل للقياس فيه، وليقابل ما يكتبه بأصل شيخه أو بأصل أصل شيخه المقابل به أصل شيخه أو فرع مقابل بأصل السماع، وليعن بالتصحيح بأن يكتب صح على كلام صح رواية، ومعنى لكونه عرضة للشك أو الخلاف. وكذا بالتضبيب ويسمى التمريض بأن يمدّ خطًّا أوّله كرأس الصاد ولا يلصقه بالممدود عليه على ثابت نقلاً فاسد لفظًا أو معنىً أو ضعيف أو ناقص، ومن الناقص موضع الإرسال. وإذا كان للحديث إسنادان فأكثر كتب عند الانتقال من إسناد إلى إسناد ح مفردة مهملة إشارة إلى التحويل من أحدهما إلى الآخر، ويأتي مبحثها إن شاء الله تعالى في أوائل الشرح. وإذا قرأ إسناد شيخه المحدّث أوّل الشروع وانتهى عطف عليه بقوله في أوّل الذي يليه، وبه قال حدثنا ليكون كأنه أسنده إلى صاحبه في كل حديث. وأنواع التحمل أعلاها السماع من لفظ الشيخ سواء قرأ بنفسه أو قرأ غيره على الشيخ، وهو يسمع ويقول فيه عند الأداء أخبرنا، والأحوط الإفصاح. فإن قرأ بنفسه قال قرأت على فلان، وإلا قال قرىء على فلان وأنا أسمع. ثم الإجازة المقرونة بالمناولة بأن يدفع إليه الشيخ أصل سماعه أو فرعًا مقابلاً عليه، ويقول هذا سماعي أو روايتي عن فلان فاروه عني وأجزت لك روايته. ثم الإجازة وهي أنواع أعلاها لمعين كأجزتك البخاري مثلاًَ أو أجزت فلانًا الفلاني جميع فهرستي ونحوه، أو أجزته بجميع مسموعاتي أو مروياتي، أو أجزت للمسلمين أو لمن أدرك حياتي أو لأهل الإقليم الفلاني. ويقول المحدث بها أنبأنا أو أنبأني، ثم المكاتبة بأن يكتب مسموعه أو مقروءه جميعه أو بعضه لغائب أو حاضر بخطه أو بإذنه مقرونًا ذلك بالإجازة أولاً، ثم الإعلام بأن يقول له هذا الكتاب رويته أو سمعته مقتصرًا على ذلك من غير إذن، وهذه جوّزها كثير من الفقهاء والأصوليين منهم ابن جريج وابن الصباغ. ثم الوصية بأن يوصي الراوي عند موته أو سفره لشخص بكتاب يرويه، فجوّزه محمد بن سيرين وعلّله عياض بأنه نوع من الإذن، والصحيح عدم الجواز إلا إن كان له من الموصي إجازة فتكون روايته بها لا بالوصية. ثم الوجادة بأن يقف على كتاب بخط يعرفه لشخص عاصره أولاً فيه أحاديث يرويها ذلك الشخص ولم يسمعها ذلك الواجد ولا له منه إجازة، فيقول وجدت أو قرأت بخط فلان كذا ثم يسوق الإسناد والمتن. (تنبيه): وشرط صحة الإجازة أن تكون من عالم بالمجاز، والمجاز له من أهل العلم المجاز به صناعة، وعن ابن عبد البر الصحيح أن الإجازة لا تقبل إلا لماهر بالصناعة حاذق فيها يعرف كيف يتناولها، وما لا يشكل إسناده لكونه معروفًا معينًا وإن لم يكن كذلك لم يؤمن أن يحدث المجاز عن الشيخ بما ليس من حديثه أو ينقص من إسناده الرجل والرجلين، وقال ابن سيد الناس أقل مراتب المجيز أن يكون عالمًا بمعنى الإجازة العلم الإجمالي من أنه روى شيئًا، وأن معنى إجازته لذلك الغير في رواية ذلك الشيء عنه بطريق الإجازة المعهودة لا العلم التفصيليّ بما روى، وبما يتعلق بأحكام الإجازة. وهذا العلم الإجمالي حاصل فيما رأيناه من عوّام الرواة، فإن انحط راوٍ في الفهم عن هذه الدرجة، ولا إخال

أحدًا ينحط عن إدراك هذا إذا عرف به فلا أحسبه أهلاً لأن يتحمل عنه بإجازة ولا سماع، قال وهذا الذي أشبرت إليه من التوسع في الإجازة هو طريق الجمهور، قال شيخنا: وما عداه من التشديد فهو منافٍ لما جوّزت الإجازة له من بقاء السلسلة، نعم لا يشترط التأهل حين التحمل ولم يقل أحد بالأداء بدون شرط الرواية، وعليه يحمل قولهم أجزت له رواية كذا بشرطه، ومنه ثبوت المرويّ من حديث المجيز، وقال أبو مروان الطبنيّ أنها لا تحتاج لغير مقابلة نسخة بأصول الشيخ، وقال عياض: تصح بعد تصحيح روايات الشيخ ومسموعاته وتحقيقها وصحة مطابقة كتب الراوي لها والاعتماد على الأصول المصححة، وكتب بعضهم لمن علم منه التأهيل أجزت له الرواية عني، وهو لما علم من إتقانه وضبطه غنيّ عن تقييدي ذلك بشرطه انتهى. وليصلح النيّة في التحديث بحيث يكون مخلصًا لا يريد بذلك عرضًا دنيويًّا بعيدًا عن حب الرياسة ورعوناتها، وليقرأ الحديث بصوت حسن فصيح مرتل، ولا يسرطه سردًا لئلا يلتبس أو يمنع السامع من إدراك بعضه، وقد تسامح بعض الناس في ذلك وصار يعجل استعجالاً يمنع السامع من إدراك حروف كثيرة بل كلمات، والله تعالى بمنه وكرمه يهدينا سواء السبيل. (لطيفة): أنبأني الحافظ نجم الدين ابن الحافظ تقيّ الدين وقاضي القضاة أبو المعالي محب الدين المكيان بها، والمحدّث العلامة ناصر الدين أبو الفرج المدني بها، قالوا: أخبرنا الإمام زين الدين بن الحسين وآخرون عن قاضي القضاة أبي عمر عبد العزيز عن قاضي القضاة بدر الدين الكنانيّ، قال: قرأت على الأستاذ أبي حيان محمد بن يوسف بن عليّ، قال حدّثنا الأستاذ أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير، قال أبو عمرو منه إجازة، قال حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الأزدي، قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن حسن بن عطية ح، قال أبو حيان وأنبأنا الأصولي أبو الحسين ابن القاضي أبي عامر بن ربيع عن أبي الحسن أحمد بن عليّ الغافقي، قال أخبرنا عياض ح، قال أبو حيان وكتب لنا الخطيب أبو الحجاج يوسف بن أبي ركانة عن القاضي أبي القاسم أحمد بن عبد الودود بن سمجون، قال وعياض أخبرنا القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري، قال أخبرنا أبو محمد هبة الله بن أحمد الأكفاني، قال حدّثنا الحافظ عبد العزيز بن أحمد بن محمد الكناني الدمشقي، حدّثنا أبو عصمة نوح بن الفرغاني، قال: سمعت أبا المظفر عبد الله بن محمد بن عبد الله بن قتّ الخزرجي وأبا بكر محمد بن عيسى البخاري، قال سمعنا أبا ذر عمار بن محمد بن مخلد التميمي يقول: سمعت أبا المظفر محمد بن أحمد بن حامد بن الفضل البخاري يقول: "لما عزل أبو العباس الوليد بن إبراهيم بن زيد الهمداني عن قضاء الريّ ورد بخارى سنة ثمان عشرة وثلاثمائة لتجديد مودة كانت بينه وبين أبي الفضل البلعمي فنزل في جوارنا، فحملني معلمي أبر إبراهيم إسحق بن إبراهيم الختلي إليه فقال له أسالك أن تحدث هذا الصبي عن مشايخك، فقال ما لي سماع، قال فكيف وأنت فقيه فما هذا، قال لأني لما بلغت مبلغ الرجال تاقت نفسي إلى معرفة الحديث ورواية الأخبار وسماعها، فقصدت محمد بن إسماعيل البخاري ببخارى صاحب التاريخ والمنظور إليه في علم الحديث، وأعلمته مرادي وسألته الإقبال على ذلك، فقال لي يا بني لا تدخل في أمر إلا بعد معرفة حدوده والوقوف على مقاديره، فقلت عرّفني رحمك الله حدود ما قصدتك له ومقادير ما سألتك عنه، فقال لي: اعلم أن الرجل لا يصير محدّثًا كاملاً في حديثه إلاّ بعد أن يكتب أربعًا مع أربع، كأربع مثل أربع، في أربع عند أربع، بأربع على أربع، عن أربع لأربع، وكل هذه الرباعيات لا تتم إلا بأربع مع أربع، فإذا تمت له كلها كان عليه أربع، وابتلي بأربع، فإذا صبر على ذلك أكرمه الله تعالى في الدنيا بأربع، وأثابه في الآخرة بأربع. قلت له فسّر لي رحمك الله ما ذكرت من أحوال هذه الرباعيات من قلب صافٍ بشرح كافٍ وبيان شافٍ طلبًا للأجر الوافي، فقال: نعم، الأربعة التي يحتاج إلى كتبها هي أخبار الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشرائعه والصحابة رضي الله عنهم ومقاديرهم

الفصل الرابع فيما يتعلق بالبخاري في صحيحه من تقرير شرطه وتحريره وضبطه وترجيحه على غيره كصحيح مسلم ومن سار كسيره والجواب عما انتقده عليه النقاد من الأحاديث ورجال الإسناد وبيان موضوعه، وتفرده بمجموعه، وتراجمه البديعة المثال، المنيعة المنال وسبب تقطيعه

والتابعين وأحوالهم وسائر العلماء وتواريخهم مع أسماء رجالهم وكناهم وأمكنتهم وأزمنتهم، كالتحميد مع الخطب، والدعاء مع التوسّل، والبسملة مع السورة، والتكبير مع الصلوات. مثل المسندات والمرسلات والموقوفات والمقطوعات، في صغره وفي إدراكه وفي شبابه وفي كهولته، عند فراغه وعند شغله وعند فقره وعند غناه، بالجبال والبحار والبلدان والبراري، على الأحجار والأخزاف والجلود والأكتاف، إلى الوقت الذي يمكنه نقلها إلى الأوراق، عمن هو فوقه وعمّن هو مثله وعمّن هو دونه. وعن كتاب أبيه يتيقن أنه بخط أبيه دون غيره لوجه الله تعالى طلبًا لمرضاته، والعمل بما وافق كتاب الله عز وجل منها، ونشرها بين طالبيها ومحبّيها، والتأليف في إحياء ذكره بعده، ثم لا تتم له هذه الأشياء إلا بأربع هي من كسب العبد أعني معرفة الكتابة واللغة والصرف والنحو، مع أربع هي من إعطاء الله تعالى، أعني القدرة والصحة والحرص والحفظ، فإذا تمت له هذه الأشياء كلها هان عليه أربع: الأهل والمال والولد والوطن، وابتلي بأربع: بشماتة الأعداء وملامة الأصدقاء وطعن الجهلاء وحسد العلماء. فإذا صبر على هذه المحن أكرمه الله عز وجل في الدنيا بأربع: بعز القناعة وبهيبة النفس وبلذة العلم وبحياة الأبد. وأثابه في الآخرة بأربع: بالشفاعة لمن أراد من إخوانه، وبظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، وبسقي من أراد من حوض نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وبمجاورة النبيين في أعلى علييّن في الجنة، فقد أعلمتك يا بني مجملاً لجميع ما سمعت من مشايخي متفرقًا في هذا الباب، فأقبل الآن إلى ما قصدت إليه أو دع. فهالني قوله فسكت متفكرًا وأطرقت متأدبًا فلما رأى ذلك مني قال: وإن لم تطق حمل هذه المشاق كلها فعليك بالفقه يمكنك تعلمه وأنت في بيتك قارّ ساكن لا تحتاج إلى بُعد الأسفار ووطء الديار وركوب البحار، وهو مع ذا ثمرة الحديث، وليس ثواب الفقيه دون ثواب المحدّث في الآخرة، ولا عزه بأقل من عز المحدّث. فلما سمعت ذلك نقص عزمي في طلب الحديث وأقبلت على دراسة الفقه وتعلمه إلى أن صرت فيه متقدّمًا، ووقفت منه على معرفة ما أمكنني من تعلمه بتوفيق الله تعالى ومنّته، فلذلك لم يكن عندي ما أمليه على هذا الصبيّ يا أبا إبراهيم. فقال له أبو إبراهيم إن هذا الحديث الواحد الذي لا يوجد عند غيرك خير للصبي من ألف حديث نجده عند غيرك. انتهى". وقد قال الخطيب البغدادي الحافظ إن علم الحديث لا يعلق إلاّ بمن قصر نفسه عليه ولم يضم غيره من الفنون إليه. وقال إمامنا الشافعي رحمه الله تعالى أتريد أن تجمع بين الفقه والحديث، هيهات. والله سبحانه وتعالى وليّ التوفيق والعصمة وله الحمد على كل حال وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلم. الفصل الرابع فيما يتعلق بالبخاري في صحيحه من تقرير شرطه وتحريره وضبطه وترجيحه على غيره كصحيح مسلم ومن سار كسيره والجواب عما انتقده عليه النقاد من الأحاديث ورجال الإسناد وبيان موضوعه، وتفرده بمجموعه، وتراجمه البديعة المثال، المنيعة المنال وسبب تقطيعه للحديث واختصاره وإعادته له في الأبواب وتكراره وعدة أحاديثه الأصول والمكرّرة حسبما ضبطه الحافظ ابن حجر وحرره وهذا الفصل أعزّك الله تعالى لخصته من مقدّمة فتح الباري، مستمدًّا من سيح فضله الجاري، أنبأتني المسندة أُم حبيبة زينب بنت الشوبكي المكية، أخبرنا البرهان بن صديق الرسام، أخبرنا أبو النون يونس بن إبراهيم عن أبي الحسن بن المقير عن أبي المعمر المبارك بن أحمد الأنصاري، قال أخبرنا أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي، قال في جزء شروط الأئمة له: اعلم أن البخاري ومسلمًا ومن ذكرنا بعدهما لم ينقل عن واحد منهم أنه قال شرطت أن أخرّج في كتابي مما يكون على الشرط الفلاني، وإنما يعرف ذلك من سير كتبهم فيعلم بذلك شرط كل رجل منهم، واعلم أن شرط البخاري

ومسلم أن يخرجا الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات، ويكون إسناده متصلاً غير مقطوع، وإن كان للصحاب راويان فصاعدًا فحسن، وإن لم يكن له إلاّ راوٍ واحد إذا صح الطريق إلى ذلك الراوي أخرجاه. ثم قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن عليّ الأديب الشيرازي بنيسابور، قال: قال أبو عبد الله محمد بن عبد الله يعني الحاكم في كتابه المدخل إلى الإكليل القسم الأوّل: من المتفق عليه اختيار البخاري ومسلم وهو الدرجة الأولى من الصحيح. ومثاله الحديث الذي يرويه الصحابيّ المشهور عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وله راويان ثقتان ثم يرويه عنه من أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور، وله رواة من الطبقة الرابعة. ثم يكون شيخ البخاري ومسلم حافظًا متقنًا مشهورًا بالعدالة، فهذه الدرجة من الصحيح اهـ. وتعقب ذلك الحافظ ابن طاهر فقال: إن الشيخين لم يشترطا هذا الشرط ولا نقل عن واحد منهما أنه قال ذلك، والحاكم قدّر هذا التقدير وشرط لهما هذا الشرط على ما ظن، ولعمري إنه لشرط حسن لو كان موجودًا في كتابيهما، إلا أنّا وجدنا هذه القاعدة التي أسّسها الحاكم منتقضة في الكتابين جميعًا، فمن ذلك في الصحابيّ أن البخاري أخرج حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلميّ، يذهب الصالحون أوّلاً فأوّلاً، وليس لمرداس راوٍ غير قيس. وأخرج مسلم حديث المسيب بن حزن في وفاة أبي طالب، ولم يرو عنه غير ابنه سعيد. وأخرج البخاري حديث الحسن البصريّ عن عمرو بن تغلب "إني لأعطي الرجل والذي أدع أحبّ إليّ" الحديث. ولم يرو عن عمرو غير الحسن في أشياء عند البخاري على هذا النحو. وأما مسلم فإنه أخرج حديث الأغر المزني "إنه ليغان على قلبي" ولم يرو عنه غير أبي بردة في أشياء كثيرة اقتصرنا منها على هذا القدر، ليعلم أن القاعدة التي أسّسها الحاكم لا أصل لها. ولو اشتغلنا بنقض هذا الفصل الواحد في التابعين وأتباعهم وبمن روى عنهم إلى عصر الشيخين لأربى على كتابه المدخل، إلا أن الاشتغال بنقض كلام الحاكم لا يفيد فائدة اهـ. وقال الحافظ أبو بكر الحازمي: هذا الذي قاله الحاكم قول من لم يمعن الغوص في خبايا الصحيح، ولو استقرأ الكتاب حق استقرائه لوجد جملة من الكتاب ناقضة لدعواه، وقد اتفق الأمة على تلقي الصحيحين بالقبول، واختلف في أيّهما أرجح. وصرّح الجمهور بتقديم صحيح البخاري، ولم يوجد عن أحد التصريح بنقضه. وأما ما نقل عن أبي عليّ النيسابوري أنه قال ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم، فلم يصرح بكونه أصح من صحيح البخاري، لأنه إنما نفى وجود كتاب أصح من كتاب مسلم، إذ المنفي إنما هو ما تقتضيه صيغة أفعل من زيادة صحة في كتاب شارك كتاب مسلم في الصحة، يمتاز بتلك الزيادة عليه ولم ينفِ المساواة. كذلك ما نقل عن بعض المغاربة أنه فضل صحيح مسلم على صحيح البخاري، فذلك فيما يرجع إلى حسن السياق وجودة الوضع والترتيب. ولم يفصح أحد بأن ذلك راجع إلى الأصحّيّة، ولو صرّحوا به لرد عليهم شاهد الوجود، فالصفات التي تدور عليها الصحة في كتاب مسلم أتمّ منها في كتاب البخاري وأشد، وشرطه فيها أقوى وأسد. أما رجحانه من حيث الاتصال فلاشتراطه أن يكون الراوي قد ثبت له لقاء من روى عنه ولو مرة، واكتفى مسلم بمطلق المعاصرة، وألزم البخاري بأنه يحتاج أن لا يقبل المعنعن أصلاً، وما ألزمه به ليس بلازم، لأن الراوي إذا ثبت له اللقاء مرة لا يجري في روايته احتمال أن لا يكون سمع، لأنه يلزم من جريانه أن يكون مدلسه، والمسألة مفروضة في غير المدلس. وأما رجحانه من حيث العدالة والضبط، فلأن الرجال الذين تكلم فيهم من رجال مسلم أكثر عددًا من الرجال الذين تكلم فيهم من رجال البخاري، مع أن البخاري لم يكثر من إخراج حديثهم، بل غالبهم من شيوخه الذين أخذ عنهم ومارس حديثهم وميز جيدها من موهومها، بخلاف مسلم، فإن أكثر من تفرّد بتخريج حديثه ممن تكلم فيه ممن تقدّم عصره من التابعين ومن بعدهم، ولا ريب أن المحدث أعرف بحديث شيوخه ممن تقدّم عنهم. وأما رجحانه من حيث عدم الشذوذ والإعلال

فلأن ما انتقد على البخاري من الأحاديث أقل عددًا مما انتقد على مسلم. وأما الجواب عما انتقد عليه، فاعلم أنه لا يقدح في الشيخين كونهما أخرجا لمن طعن فيه، لأن تخريج صاحب الصحيح لأي راوٍ كان مقتضٍ لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته، لا سيما وقد انضاف إلى ذلك إطباق الأمة على تسميتهما بالصحيحين، وهذا إذا خرج له في الأصول، فإن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فتتفاوت درجات من أخرج له في الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم، فإذا وجدنا مطعونًا فيه فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام، فلا يقبل التجريح إلا مفسّرًا بقادح يقدح فيه، أو في ضبطه مطلقًا أو في ضبطه بخبر بعينه، لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة، منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح. وقد كان أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح هذا جاز القنطرة، يعني لا يلتفت إلى ما قيل فيه. وأما الأحاديث التي انتقدت عليهما فأكثرها لا يقدح في أصل موضوع الصحيح، فإن جميعها واردة من جهة أخرى، وقد علم أن الإجماع واقع على تلقي كتابيهما بالقبول والتسليم، إلا ما انتقد عليهما فيه. والجواب عن ذلك على سبيل الإجمال أنه لا ريب في تقديم الشيخين على أئمة عصرهما، ومن بعده في معرفة الصحيح والمعلل، وقد روى الفربريّ عن البخاري أنه قال: ما أدخلت في الصحيح حديثًا إلا بعد أن استخرت الله تعالى وثبتت صحته. وقال مكّي بن عبدان: كان مسلم يقول عرضت كتابي على أبي زرعة، فكل ما أشار إليّ أن له علة تركته. فإذا علم هذا وتقرر أنهما لا يخرجان من الحديث إلا ما لا علة له أو له علة، إلا أنها غير مؤثرة، وعلى تقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يكون كلامه معارضًا لتصحيحهما، ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غيرهما، فيندفع الاعتراض من حيث الجملة. وأما من حيث التفصيل فالأحاديث التي انتقدت عليهما تنقسم إلى ستة أقسام: أوّلها: ما تختلف الرواية فيه بالزيادة والنقص من رجال الإسناد، فإن أخرج صاحب الحديث الصحيح الطريق المزيدة وعلّله الناقد بالطريق الناقصة فهو تعليل مردود، لأن الراوي إن كان سمعه في الطريق الناقصة فهو منقطع، والمنقطع من قسم الضعيف والضعيف لا يعلّ الصحيح، وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق الناقصة وعلله الناقد بالطريق المزيدة تضمن اعتراضه دعوى انقطاع فيما صحّحه المصنف، فينظر إن كان مدلسًا من طريق أخرى، فإن وجد ذلك اندفع الاعتراض به، وإن لم يوجد وكان الانقطاع فيه ظاهرًا، فمحصل الجواب عن صاحب الصحيح أنه إنما أخرج مثل ذلك في باب ما له متابع وعاضد، وما حفته قرينة في الجملة تقويه، ويكون التصحيح وقع من حيث المجموع. وفي البخاري ومسلم من ذلك حديث الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس في قصة القبرين، وأن أحدهما كان لا يستبرىء من بوله، قال الدارقطني: خالف منصور فقال عن مجاهد عن ابن عباس، وأخرج البخاري حديث منصور على إسقاطه طاوسًا انتهى. وهذا الحديث أخرجه البخاري في الطهارة عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير، في الأدب عن محمد بن سلام عن عبيدة بن حميد كلاهما عن منصور به، ورواه من طرق أخرى عن حديث الأعمش، وأخرجه باقي الأئمة الستة من حديث الأعمش أيضًا، وأخرجه أبو داود أيضًا والنسائي وابن خزيمة في صحيحه من حديث منصور أيضًا، وقال الترمذي بعد أن أخرجه: رواه منصور عن مجاهد عن ابن عباس، وحديث الأعمش أصح يعني المتضمن للزيادة، قال الحافظ ابن حجر: وهذا في التحقيق ليس بعلّة، لأن مجاهدًا لم يوصف بالتدليس وسماعه من ابن عباس صحيح في جملة الأحاديث، ومنصور عندهم أتقن من الأعمش مع أن الأعمش أيضًا من الحفاظ، فالحديث كيفما دار دار على ثقة، والإسناد كيفما دار كان متصلاً. فمثل هذا لا يقدح في صحة الحديث إذا لم يكن راويه مدلسًا، وقد أكثر الشيخان من تخريج مثل هذا ولم يستوعب الدارقطني انتقاده. ثانيها: ما تختلف الرواة فيه بتغيير بعض الإسناد،

فإن أمكن الجمع بأن يكون الحديث عند ذلك الراوي على الوجهين جميعًا فأخرجهما المصنف ولم يقتصر على أحدهما، حيث يكون المختلفون متعادلين في الحفظ والعدد كما في البخاري في بدء الخلق من حديث إسرائيل عن الأعمش ومنصور جميعًا عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، قال: "كنّا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غار فنزلت والمرسلات" قال الدارقطني لم يتابع إسرائيل عن الأعمش عن علقمة، أما عن منصور فتابعه شيبان عنه، وكذا رواه مغيرة عن إبراهيم عنه انتهى. وقد حكى البخاري الخلاف فيه وهو تعليل لا يضر، وإن امتنع الجمع بأن يكون المختلفون غير متعادلين بل متفاوتين في الحفظ والعدد، فيخرج المصنف الطريق الراجحة ويعرض عن الطريق المرجوحة أو يشير إليها، والتعليل بجميع ذلك من أجل مجرد الاختلاف غير قادح، إذ لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف، وحينئذ فينتفي الاعتراض عما هذا سبيله، وفي البخاري في الجنائز من هذا الثاني حديث الليث عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب عن جابر: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يجمع بين قتلى أُحُد ويقدم أقرأهم. قال الدارقطني رواه ابن المبارك عن الأوزاعي عن الزهري مرسلاً، ورواه معمر عن الزهري عن ابن أبي صعير عن جابر، ورواه سليمان بن كثير عن الزهري حدّثني من سمع جابرًا وهو حديث مضطرب انتهى، قال الحافظ ابن حجر: أطلق الدارقطني القول بأنه مضطرب مع إمكان نفي الاضطراب عنه بأن يفسر المبهم بالذي في رواية الليث، وتحمل رواية معمر على أن الزهري سمعه من شيخين. وأما رواية الأوزاعي المرسلة فقصر فيها بحذف الواسطة، فهذه طريقة من ينفي الاضطراب عنه، وقد ساق البخاري ذكر الخلاف فيه، وإنما أخرج رواية الأوزاعي مع انقطاعها لأن الحديث عنده عن عبد الله بن المبارك عن الليث والأوزاعي جميعًا عن الزهري، فأسقط الأوزاعي عبد الرحمن بن كعب وأثبته الليث وهما في الزهري سواء، وقد صرّحا بسماعهما له منه، فقيل زيادة الليث لثقته، ثم قال بعد ذلك ورواه سليمان بن كثير عن الزهري عمن سمع جابرًا، وأراد بذلك إثبات الواسطة بين الزهري وبين جابر فيه في الجملة، وتأكيد رواية الليث بذلك، ولم نرها علة توجب اضطرابًا. وأما رواية معمر فقد وافقه عليها سفيان بن عيينة فرواه عن الزهري عن ابن أبي صعير، وقال ثبتني فيه معمر فرجعت روايته إلى رواية معمر. ثالثها: ما تفرد بعض الرواة بزيادة فيه دون من هو أكثر عددًا أو أضبط ممن لم يذكرها، فهذا لا يؤثر التعليل به إلا إن كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع، أما إذا كانت الزيادة لا منافاة فيها بحيث تكون كالحديث المستقل فلا نعم إن صح بالدلائل أن تلك الزيادة مدرجة من كلام بعض رواته فيؤثر ذلك. رابعها: ما تفرّد به بعض الرواة ممن ضعف منهم، وليس في البخاري من ذلك غير حديثين، وقد توبعا أحدهما حديث أُبي بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جدّه قال: كان للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرس يقال له اللخيف. قال الدارقطني هذا ضعيف انتهى. وهو ابن سعد الساعدي الأنصاري الذي ضعفه أحمد وابن معين، وقال النسائي ليس بالقوي، لكن تابعه عليه أخوه عبد المهيمن بن عباس وروى له الترمذي وابن ماجة، وثانيهما في الجهاد من البخاري في باب: إذا أسلم قوم في دار الحرب. حديث إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه، أن عمر استعمل مولى له يسمى هنيًا على الحمى الحديث بطوله، قال الدارقطني إسماعيل ضعيف. قال الحافظ ابن حجر أظن أن الدارقطني إنما ذكر هذا الموضع من حديث إسماعيل خاصة وأعرض عن الكثير من حديثه عند البخاري، لكون غيره شاركه في تلك الأحاديث وتفرد بهذا، فإن كان كذلك فلم ينفرد بل تابعه عليه معن بن عيسى فرواه عن مالك كرواية إسماعيل سواء. خامسها: ما حكم فيه بالوهم على بعض رواته فمنه ما يؤثر ومنه ما لا يؤثر. سادسها: ما اختلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن، فهذا لا يترتب عليه قدح لإمكان الجمع في المختلف من ذلك أو الترجيح، كحديث جابر في قصة الجمل وحديثه في وفاء دين أبيه، وحديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين. وربما يقع التنبيه على شيء من هذه الأقسام

في موضعه من هذا الشرح بتوفيق الله تعالى ومعونته. والذي في البخاري من هذه الأقسام مائة حديث وعشرة أحاديث شاركه في كثير منها مسلم لا نطيل بسردها، وأما الجواب عمن طعن فيه من رجال البخاري فليعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأيّ راوٍ كان مقتضٍ لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته مع ما انضاف لذلك من إطباق جمهور الأمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيحين، فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما، ولا يقبل الطعن في أحد من رواتهما إلا بقادح واضح، لأن أسباب القدح كما مرّ مختلفة، ومداره هنا على خمسة: البدعة أو المخالفة أو الغلط أو جهالة الحال أو دعوى الانقطاع بالسند بأن يدعي في راويه أنه كان يدلس ويرسل. فأما البدعة فالموصوف بها إن كان غير داعية قبل وإلاّ فلا، وقال ابن دقيق العيد إن وافق غير الداعية غيره فلا يلتفت إليه إخمادًا لبدعته وإطفاء لناره، وإن لم يوافقه أحد، ولم يوجد ذلك الحديث إلا عنده مع كونه صادقًا متحررًا عن الكذب مشهورًا بالتدين، وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته، فينبغي أن تقدم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته. وأما المخالفة وينشأ عنها الشذوذ والنكارة، فإذا روى الضابط والصدوق شيئًا فرواه من هو أحفظ منه أو أكثر عددًا بخلاف ما روى، بحيث يتعذر الجمع على قواعد المحدثين فهذا شاذ، وقد تشتد المخالفة أو يضعف الحفظ فيحكم على ما يخالف فيه بكونه منكرًا وهذا ليس في الصحيح منه سوى نزر يسير. وأما الغلط فتارة يكثر من الراوي وتارة يقل، فحيث يوصف بكونه كثير الغلط ينظر فيما أخرج له إن وجد مرويًّا عنده أو عند غيره من رواية غير هذا الموصوف علم أن المعتمد أصل الحديث لا خصوص هذه الطريق، وإن لم يوجد إلاّ من طريقه فهو قادح يوجب التوقف عن الحكم بصحة ما هذا سبيله وليس في الصحيح بحمد الله من ذلك شيء. وأما الجهالة فمندفعة عن جميع من أخرج لهم في الصحيح، لأن شرط الصحيح أن يكون راويه معروفًا بالعدالة، فمن زعم أن أحدًا منهم مجهول فكأنه نازع المصنف في دعواه أنه معروف، ولا ريب أن المدعي لمعرفته مقدّم على من يدعي عدم معرفته لما مع الثبت من زيادة العلم، ومع ذلك فلا نجد في رجال الصحيح ممن يسوغ إطلاق اسم الجهالة عليه أصلاً. وأما دعوى الانقطاع فمدفوعة عمن أخرج لهم البخاري لما علم من شرطه، ولا نطيل بسرد أسمائهم ورد ما قيل فيهم. وأما بيان موضوعه وتفرّده بمجموعه وتراجمه البديعة المثال النيعة المنال، فاعلم أنه رحمه الله تعالى قد التزم مع صحة الأحاديث استنباط الفوائد الفقهية والنكت الحكمية، فاستخرج بفهمه الثاقب من المتون معاني كثيرة فرقها في أبوابه بحسب المناسبة، واعتنى فيها بآيات الأحكام وانتزع منها الدلالات البديعة وسلك في الإشارات إلى تفسيرها السبل الوسيعة، ومن ثم أخلى كثيرًا من الأبواب عن ذكره إسناد الحديث، واقتصر فيه على قوله فلان عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحو ذلك، وقد يذكر المتن بغير إسناد وقد يورده معلقًا لقصد الاحتجاج لما ترجم له وأشار للحديث لكونه معلومًا أو سبق قريبًا، ويقع في كثير من أبوابه أحاديث كثيرة وفي بعضها حديث واحد وفي بعضها آية من القرآن فقط وبعضها لا شيء فيه البتّة. وقد وقع في بعض نسخ الكتاب ضم باب لم يذكر فيه حديث، إلى حديث لم يذكر فيه باب، فاستشكله بعضهم، لكن أزال الإشكال الحافظ أبو ذر الهروي بما رواه عن الحافظ أبي إسحق المستملي، مما ذكره أبو الوليد الباجي بالموحدة والجيم في كتابه أسماء رجال البخاري، قال: استنسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند الفربري فرأيت أشياء لم تتم وأشياء مبيضة، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئًا وأحاديث لم يترجم لها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض. قال الباجي: ومما يدل على صحة ذلك أن رواية المستملي والسرخسي والكشميهني وأبي زيد المروزي مختلفة بالتقديم والتأخير، مع أنهم استنسخوها من أصل واحد، وإنما ذلك بحسب ما قد رأى كل واحد منهم فيما كان

في طرة أو رقعة مضافة أنه من موضع، فأضافها إليه: ويبيّن ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث. قال الحافظ ابن حجر: وهذه قاعدة حسنة يفزع إليها بحيث يتعسر الجمع بين الترجمة والحديث وهي مواضع قليلة اهـ. وهذا الذي قاله الباجي فيه نظر من حيث أن الكتاب قرىء على مؤلفه، ولا ريب أنه لم يقرأ عليه إلا مرتبًا مبوّبًا، فالعبرة بالرواية لا بالمسودّة التي ذكر صفتها، ثم إن التراجم الواقعة فيه تكون ظاهرة وخفية، فالظاهرة أن تكون الترجمة دالّة بالمطابقة لما يورده فى مضمنها، وإنما فائدتها الإعلام بما ورد في ذلك الباب من غير اعتبار لمقدار تلك الفائدة، كأنه يقول هذا الباب الذي فيه كيت وكيت. وقد تكون الترجمة بلفظ المترجم له أو ببعضه أو بمعناه، وقد يأتي من ذلك ما يكون في لفظ الترجمة احتمال لأكثر من معنى واحد فيعين أحد الاحتمالين بما يذكره تحتها من الحديث، وقد يوجد فيه عكس ذلك بأن يكون الاحتمال في الحديث والتعيين في الترجمة، والترجمة هنا بيان لتأويل ذلك الحديث نائبة مناب قول الفقيه، مثلاً المراد بهذا الحديث العام الخصوص أو بهذا الحديث الخاص العموم إشعارًا بالقياس لوجود العلة الجامعة، أو أن ذلك الخاص المراد به ما هو أعم مما يدل عليه ظاهره بطريق الأعلى أو الأدنى، ويأتي في المطلق والمقيد نظير ما ذكر في العام والخاص، وكذا في شرح المشكل وتفسير الغامض وتأويل الظاهر وتفصيل المجمل، وهذا الموضع هو معظم ما يشكل من تراجم البخاري، ولذا اشتهر من قول جمع من الفضلاء: فقه البخاري في تراجمه، وأكثر ما يفعل ذلك إذا لم يجد حديثًا على شرطه في الباب ظاهر المعنى في المقصد الذي يترجم به ويستنبط الفقه منه، وقد يفعل ذلك لغرض شحذ الأذهان في إظهار مضمره واستخراج خبيئه، وكثيرًا ما يفعل ذلك أي هذا الأخير حيث يذكر الحديث المفسر لذلك في موضع آخر متقدمًا أو متأخرًا، فكأنه يحيل عليه ويومىء بالرمز والإشارة إليه، وكثيرًا ما يترجم بلفظ الاستفهام كقوله: باب هل يكون كذا، أو من قال كذا ونحو ذلك. وذلك حيث لا يتجه له الجزم بأحد الاحتمالين، وغرضه بيان هل ثبت ذلك الحكم أو لم يثبت، فيترجم على الحكم ومراده ما يفسر بعد من إثباته أو نفيه، أو أنه محتمل لهما، وربما كان أحد المحتملين أظهر، وغرضه أن يبقي للناظر مجالاً وينبّه على أن هناك مجالاً أو تعارضًا يوجب التوقف حيث يعتقد أن فيه إجمالاً أو يكون المدرك مختلفًا في الاستدلال به، وكثيرًا ما يترجم بأمر ظاهر قليل الجدوى، لكنه إذا حقّقه المتأمل أجدى كقوله: باب قول الرجل ما صلينا. فإنه أشار به إلى الرد على من كره ذلك. وكثيرًا ما يترجم بأمر يختص ببعض الوقائع لا يظهر في بادىء الرأي كقوله: باب استياك الإمام بحضرة رعيته. فإنه لما كان الاستياك قد يظن أنه من أفعال المهنة، فلعل أن يظن أن إخفاءه أولى مراعاة للمروءة، فلما وقع في الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استاك بحضرة الناس دل على أنه من باب التطيب لا من الباب الآخر، نبّه على ذلك ابن دقيق العيد، قال الحافظ ابن حجر: ولم أرَ هذا في البخاري، فكأنه ذكره على سبيل المثال. وكثيرًا ما يترجم بلفظ يومىء إلى معنى حديث لم يصح على شرطه أو يأتي بلفظ الحديث الذي لم يصح على شرطه صريحًا في الترجمة، ويورد في الباب ما يؤدي معناه بأمر ظاهر وتارة بأمر خفيّ، من ذلك قوله: باب الأمراء من قريش. وهذا لفظ حديث يروى عن عليّ وليس على شرط البخاري، وأورد فيه حديث لا يزال والٍ من قريش. وربما اكتفى أحيانًا بلفظ الترجمة التي هي لفظ حديث لم يصح على شرطه وأورد معها أثرًا أو آية، فكأنه يقول لم يصح في الباب شيء على شرطي، وللغفلة عن هذه المقاصد الدقيقة، اعتد مَن لم يمعن النظر أنه ترك الكتاب بلا تبييض. وبالجملة فتراجمه حيّرت الأفكار وأدهشت العقول والأبصار ولقد أجاد القائل: أعيا فحول العلم حلّ رموز ما ... أبداه في الأبواب من أسرار وإنما بلغت هذه المرتبة وفازت بهذه المنقبة لما روي أنه بيضها بين قبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

ومنبره، وأنه كان يصلي لكل ترجمة ركعتين. وأما تقطيعه للحديث واختصاره وإعادته له في الأبواب وتكراره فقال الحافظ أبو الفضل بن طاهر في جواب المتعنت: اعلم أن البخاري رحمه الله تعالى كان يذكر الحديث في كتابه في مواضع ويستدل به في كل باب بإسناد آخر ويستخرج منه معنى يقتضيه الباب الذي أخرجه فيه، وقلما يورد حديثًا في موضعين بإسناد واحد ولفظ واحد، وإنما يورده من طريق أخرى لمعانٍ يذكرها، فمنها أنه يخرج الحديث عن صحابيّ ثم يورده عن صحابيّ آخر، والمقصود منه أن يخرج الحديث من حدّ الغرابة، وكذا يفعل في أهل الطبقة الثانية والثالثة وهلمّ جرًّا إلى مشايخه، فيعتقد من يرى ذلك من غير أهل الصنعة أنه تكرار وليس كذلك، لاشتماله على فائدة زائدة، ومنها أنه صحح أحاديث على هذه القاعدة يشتمل كل حديث منها على معانٍ متغايرة، فيورده في كل باب من طريق غير الطريق الأوّل، ومنها أحاديث يرويها بعض الرواة تامة وبعضهم مختصرة فيرويها كما جاءت ليُزيل الشبهة عن ناقلها، ومنها أن الرواة ربما اختلفت عباراتهم فحدث راوٍ بحديث فيه كلمة تحتمل معنى آخر، فيورده بطرقه إذا صحّت على شرطه، ويفرد لكل لفظة بابًا مفردًا، ومنها أحاديث تعارض فيها الوصل والإرسال ورجح عنده الوصل فاعتمده، وأورد الإرسال منبهًا على أنه لا تأثير له عنده في الموصول، ومنها أحاديث تعارض فيها الوقف والرفع والحكم فيها كذلك، ومنها أحاديث زاد فيها بعض الرواة رجلاً فى الإسناد ونقصه بعضهم، فيوردها على الوجهين، حيث يصح عنده أن الراوي سمعه من شيخ حدّثه به عن آخر، ثم لقي آخر فحدّثه به، فكان يرويه على الوجهين. ومنها أنه ربما أورد حديثًا عنعنه راويه فيورده من طريق أخرى مصرّحًا فيها بالسماع على ما عرف من طريقه في اشتراط ثبوت اللقاء من المعنعن. وأما تقطيعه للحديث في الأبواب تارة واقتصاره على بعضه أخرى، فلأنه إن كان المتن قصيرًا ومرتبطًا بعضه ببعض وقد اشتمل على حكمين فصاعدًا، فإنه يعيده بحسب ذلك مراعيًا عدم إخلائه من فائدة حديثية وهي إيراده له عن شيخ سوى الشيخ الذي أخرجه عنه قبل ذلك، فيستفاد بذلك كثرة الطرق، لذلك الحديث، وربما ضاق عليه مخرج الحديث حيث لا يكون له إلا طريق واحد، فيتصرَّف حينئذ فيه فيورده في موضع موصولاً وفي آخر معلقًا وتارة تامًّا وأخرى مقتصرًا على طرفه الذي يحتاج إليه في ذلك الباب، فإن كان المتن مشتملاً على جمل متعددة لا تعلّق لإحداها بالأخرى، فإنه يخرّج كل جملة منها في باب مستقل فرارًا من التطويل، وربما نشط فساقه بتمامه. وقد ذكر أنه وقع في بعض نسخ البخاري في أثناء الحج بعد باب قصر الخطبة بعرفة باب التعجيل إلى الموقف، قال أبو عبد الله: يزاد في هذا الباب حديث مالك عن ابن شهاب، ولكني لا أريد أن أدخل فيه معادًا، وهذا كما قال في مقدمة الفتح يقتضي أنه لا يتعمد أن يخرّج في كتابه حديثًا معادًا بجميع إسناده ومتنه، وإن كان قد وقع له من ذلك شيء فعن غير قصد وهو قليل جدًّا اهـ. قلت وقد رأيت ورقة بخط الحافظ ابن حجر تعليقًا أحضرها إليّ صاحبنا الشيخ العلامة المحدّث البدر المشهدي نصها: نبذة من الأحاديث التي ذكرها البخاري في موضعين مسندًا ومتنًا، حديث عبد الله بن مغفل "رمى إنسان بجراب فيه شحم" في آخر الخمس وفي الصيد والذبائح، حديث "في نحر البدن في الحج" عن سهل بن بكار عن وهب ذكره في موضعين متقاربين، حديث أنس "أصيب حارثة فقالت أمه في غزوة بدر وفي الرقاق" حديث "أن رجلين خرجا ومعهما مثل المصباحين" في باب المساجد وفي باب انشقاق القمر، حديث أنس "أن عمر استسقى بالعباس" في الاستسقاء ومناقب العباس: حديث أبي بكرة "إذا التقى المسلمان" في باب وإن طائفتان في كتاب الإيمان وفي كتاب الديات، حديث أبي جحيفة "سألت عليًّا هل عندكم شيء" في باب المقاتلة وفي باب لا يقتل مسلم بكافر. حديث حذيفة حدثنا حديثين أحدهما في باب رفع الأمانة من الرقاق وفي باب إذا بقي حثالة من الفتن. حديث أبي هريرة "في قول رجل من أهل البادية

لسنا أصحاب زرع" في كتاب الحرث وفي التوحيد في كلام الرب مع الملائكة. حديث عمر "كانت أموال بني النضير" في باب المجنّ من الجهاد وفي التفسير. حديث أبي هريرة "بينا أيوب يغتسل عريانًا" في أحاديث الأنبياء وفي التوحيد. حديث "لا تقسم ورثتي" في الخمس وقبله في الجهاد. حديث عبد الله بن عمرو "من قتل معاهدًا" في الجزية وباب من قتل معاهدًا، وفي الديات باب "من قتل ذميًّا". حديث أبي سعيد "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره" في الصلاة وفي صفة إبليس. حديث أبي هريرة "وكّلني بحفظ زكاة رمضان" في الوكالة وفي فضائل القرآن. حديث عدي بن حاتم "جاء رجلان أحدهما يشكو العيلة" في الصدقة قبل الردّ وفي علامات النبوّة. حديث أنس "انهزم الناس يوم أُحُد" في غزوة أُحُد وفي الجهاد ومناقب طلحة. حديث أبي موسى "رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض ذات نخل" الحديث في علامات النبوّة وفي المغازي وفي التفسير. حديث ابن عباس "هذا جبريل" في غزوة بدر وفي غزوة أُحُد. حديث جابر "أمر عليًّا أن يقيم على إحرامه" في الحج وفي بعث عليّ من المغازي، حديث عائشة "كان يوضع إليّ المركن" في الطهارة وفي الاعتصام. وهذا آخر ما وجدته بخط الحافظ ابن حجر من ذلك، ورأيت في البخاري أيضًا حديث أبي هريرة: "كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام" في باب لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، من كتاب الاعتصام وفي تفسير سورة البقرة وفي باب ما يجوز من تفسير التوراة في كتاب التوحيد. وأما اقتصاره أي البخاري على بعض المتن من غير أن يذكر الباقي في موضع آخر، فإنه لا يقع له ذلك في الغالب إلا حيث يكون المحذوف موقوفًا على الصحابي وفيه شيء قد يحكم برفعه فيقتصر على الجملة التي يحكم لها بالرفع ويحذف الباقي، لأنه لا تعلق له بموضوع كتابه، كما وقع له في حديث هذيل بن شرحبيل عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: "إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون". هكذا أورده وهو مختصر من حديث موقوف أوّله "جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال: إني أعتقت عبدًا لي سائبة فمات وترك مالاً ولم يدع وارثًا فقال عبد الله: إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون فأنت وليّ نعمته فلك ميراثه فإن تأثمت وتحرجت في شيء فنحن نقبله منك ونجعله في بيت المال" فاقتصر البخاري على ما يعطى حكم الرفع من هذا الموقوف وهو قوله إن أهل الإسلام لا يسيبون، لأنه يستدعي بعمومه النقل عن صاحب الشرع لذلك الحكم، واختصر الباقي لأنه ليس من موضوع كتابه، وهذا من أخفى المواضع التي وقعت له من هذا الجنس. فقد اتضح أنه لا يعيد إلا لفائدة حتى لو لم يظهر لإعادته فائدة من جهة الإسناد ولا من جهة المتن، لكان ذلك لإعادته لأجل مغايرة الحكم الذي تشتمل عليه الترجمة الثانية موجبًا لئلا يعدّ تكرارًا بلا فائدة. كيف وهو لا يخليه مع ذلك من فائدة إسنادية وهي إخراجه للإسناد عن شيخ غير الشيخ الماضي أو غير ذلك. وأما إيراده للأحاديث المعلقة مرفوعة وموقوفة فيوردها تارة مجزومًا بها كقال وفعل فلها حكم الصحيح، وغير مجزوم بها كيروى ويذكر. فالمرفوع تارة يوجد في موضع آخر منه موصولاً وتارة معلقًا، فالأوّل وهو الموصول إنما يورده معلقًا حيث يضيق مخرج الحديث إذ إنه لا يكرر إلا لفائدة، فمتى ضاق المخرج واشتمل المتن على أحكام واحتاج إلى تكريره يتصرف في الإسناد بالاختصار خوف التطويل، والثاني وهو ما لا يوجد فيه إلا معلقًا، فأما أن يذكره بصيغة الجزم فيستفاد منه الصحة عن المضاف إلى من علق عنه وجوبًا لكن يبقى النظر فيمن أبرز من رجال ذلك الحديث، فمنه ما يلحق بشرطه ومنه ما لا يلحق، فأما الأوّل فالسبب في كونه لم يوصل إسناده لكونه أخرج ما يقوم مقامه فاستغنى عن إيراده مستوفيًا ولم يهمله بل أورده معلقًا اختصارًا، أو لكونه لم يحصل عنده مسموعًا، أو سمعه وشك في سماعه له من شيخه، أو سمعه مذاكرة فلم يسقه مساق الأصل، وغالب هذا فيما أورده عن مشايخه، فمن ذلك أنه قال في كتاب

الوكالة: قال عثمان بن الهيثم: حدّثنا عوف حدّثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "وكّلني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بزكاة رمضان" الحديث بطوله، وأورده في مواضع أُخَر منها في فضائل القرآن وفي ذكر إبليس، ولم يقل في موضع منها حدثنا عثمان، فالظاهر أنه لم يسمعه منه. وقد استعمل البخاري هذه الصيغة فيما لم يسمعه من مشايخه في عدة أحاديث، فيوردها عنهم بصيغة قال فلان، ثم يوردها في موضع آخر بواسطة بينه وبينهم، ويأتي لذلك أمثلة كثيرة في مواضعها. فقال في التاريخ: قال إبراهيم بن موسى حدّثنا هشام بن يوسف، فذكر حديثًا، ثم قال: حدّثوني بهذا عن إبراهيم. ولكن ليس ذلك مطّردًا في كل ما أورده بهذه الصيغة. لكن مع هذا الاحتمال لا يجمل حمل جميع ما أورده بهذه الصيغة على أنه سمع ذلك من شيوخه، ولا يلزم من ذلك أن يكون مدلسًا عنهم. فقد صرّح الخطيب وغيره بأن لفظ قال: لا يحمل على السماع إلا ممن عرف من عادته أنه لا يطلق ذلك إلا فيما سمع، فاقتضى ذلك أن من لم يعرف ذلك من عادته كان الأمر فيه على الاحتمال. وأما ما لا يلتحق بشرطه، فقد يكون صحيحًا على شرط غيره، كقوله في الطهارة. وقالت عائشة: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذكر الله على كل أحيانه، فإنه حديث صحيح على شرط مسلم أخرجه في صحيحه. وقد يكون حسنًا صالحًا للحجة كقوله فيها: وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه الله أحق أن يستحيا منه من الناس. فإنه حديث حسن مشهور عن بهز أخرجه أصحاب السنن. وقد يكون ضعيفًا لا من جهة قدح في رجاله بل من جهة انقطاع يسير في إسناده كقوله في كتاب الزكاة. وقال طاوس: قال معاذ بن جبل لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبسِ في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فإن إسناده إلى طاوس صحيح إلا أن طاوسًا لم يسمع من معاذ. وأما ما يذكره بصيغة التمريض فلا يستفاد منه الصحة عن المضاف إليه لكن فيه ما هو صحيح وفيه ما ليس بصحيح، فالأوّل لم يوجد فيه ما هو على شرطه إلا في مواضع يسيرة جدًّا ولا يذكرها إلاّ حيث يذكر ذلك الحديث المعلق بالمعنى، ولم يجزم ذلك كقوله في الطب: ويذكر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الرقى بفاتحة الكتاب فإنه أسنده في موضع آخر من طريق عبيد الله بن الأخنس عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن نفرًا من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّوا بحي فيه لديغ. فذكر الحديث في رقيتهم للرجل بفاتحة الكتاب. وفيه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أخبروه بذلك أن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله. فهذا لما أورده بالمعنى لم يجزم به إذ ليس في الموصول أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر الرقية بفاتحة الكتاب، إنما فيه أنه لم ينههم عن فعله، فاستفيد ذلك من تقريره. وأما ما لم يورده في موضع آخر مما أورده بهذه الصيغة فمنه ما هو صحيح إلا أنه ليس على شرطه كقوله في الصلاة ويذكر عن عبد الله بن السائب قال: قرأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المؤمنون في صلاة الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع، وهو حديث صحيح على شرط مسلم في صحيحه. ومنه ما هو حسن كقوله في البيوع: ويذكر عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إذا بعت فاكتل". وهذا الحديث قد رواه الدارقطني من طريق عبيد الله بن المغيرة وهو صدوق عن منقذ مولى عثمان وقد وثق عن عثمان وتابعه عليه سعيد بن المسيب. ومن طريقه أخرجه أحمد في المسند إلا أن في إسناده ابن لهيعة، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث عطاء عن عثمان وفيه انقطاع، فالحديث حسن لما عضده من ذلك. ومنه ما هو ضعيف فرد، إلا أن العمل على موافقته كقوله في الوصايا عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قضى بالدين قبل الوصية، وقد رواه الترمذيّ موصولاً من حديث أبي إسحق السبيعي عن الحرث الأعور عن عليّ والحرث ضعيف، وقد استغربه الترمذي ثم حكى إجماع أهل المدينة على القول به. ومنه ما هو ضعيف فرد لا جابر له وهو في البخاري قليل جدًا،

وحيث يقع ذلك فيه يتعقبه المصنف بالتضعيف بخلاف ما قبله. ومن أمثلته قوله في كتاب الصلاة: ويذكر عن أبي هريرة رفعه لا يتطوّع الإمام في مكانه. ولم يصح وهو حديث أخرجه أبو داود من طريق ليث بن أبي سليم عن الحجاج بن عبيد عن إبراهيم بن إسماعيل عن أبي هريرة، وليث بن أبي سليم ضعيف، وشيخ شيخه لا يعرف، وقد اختلف عليه فيه، فهذا حكم جميع ما في البخاري من التعاليق المرفوعة بصيغتي الجزم والتمريض. وأما الموقوفات فإنه يجزم فيها بما صح عنده ولو لم يكن على شرطه، ولا يجزم بما كان في إسناده ضعف أو انقطاع إلا حيث يكون منجبرًا إما بمجيئه من وجه آخر وإما بشهرته عمّن قاله، وإنما يورد ما يورد من الموقوفات من فتاوى الصحابة رضي الله عنهم والتابعين، وكتفاسيرهم لكثير من الآيات على طريق الاستئناس والتقوية لما يختاره من المذاهب في المسائل التي فيها الخلاف بين الأئمة، فحينئذ ينبغي أن يقال جميع ما يورده فيه إما أن يكون مما ترجم به أو مما ترجم له، فالمقصود في هذا التأليف بالذات هو الأحاديث الصحيحة وهي التي ترجم لها. والمذكور بالعرض والتبع الآثار الموقوفة والآثار المعلقة، نعم والآيات المكرّمة. فجميع ذلك مترجم به، إلا أنه إذا اعتبر بعضها مع بعض واعتبرت أيضًا بالنسبة إلى الحديث يكون بعضها مع بعض منها مفسر ومفسر، ويكون بعضها كالمترجم له باعتبار، ولكن المقصود بالذات هو الأصل. فقد ظهر أن موضوعه إنما هو للمسندات والمعلق ليس بمسند، ولذا لم يتعرّض الدارقطني فيما تتبعه على الصحيحين إلى الأحاديث والمعلقات، لعلمه بأنها ليست من موضوع الكتاب، وإنما ذكرت استئناسًا واستشهادًا اهـ. من مقدّمة فتح الباري بحروفه وبالله تعالى التوفيق والمستعان. وأما عدد أحاديث الجامع فقال ابن الصلاح سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون بتأخير الموحدة عن السين فيهما بالأحاديث المكررة، وتبعه النووي وذكرها مفصلة، وساقها ناقلاً لها من كتاب جواب المتعنت لأبي الفضل بن طاهر، وتعقب ذلك الحافظ أبو الفضل بن حجر رحمه الله تعالى بابًا بابًا محرّرًا ذلك، وحاصله أنه قال جميع أحاديثه بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات على ما حرّرته وأتقنته سبعة آلاف بالموحدة بعد السين وثلثمائة وسبعة وتسعون حديثًا، فقد زاد على ما ذكروه مائة حديث واثنين وعشرين حديثًا. والخالص من ذلك بلا تكرار ألفا حديث وستمائة وحديثان. وإذا ضم له المتون المعلقة المرفوعة التي لم يوصلها في موضع آخر منه وهي مائة وتسعة وخمسون صار مجموع الخالص ألفي حديث وسبعمائة وإحدى وستين حديثًا. وجملة ما فيه من التعاليق ألف وثلثمائة وأحد وأربعون حديثًا وأكثرها مكرر مخرج في الكتاب أصول متونه، وليس فيه من المتون التي لم تخرج في الكتاب، ولو من طريق أخرى إلا مائة وستون حديثًا. وجملة ما فيه من المتابعات والتنبيه على اختلاف الروايات ثلثمائة وأربعة وأربعون حديثًا. فجملة ما في الكتاب على هذا بالمكرر تسعة آلاف واثنان وثمانون حديثًا خارجًا عن الموقوفات على الصحابة والمقطوعات على التابعين فمن بعدهم. وأما عدد كتبه فقال في الكواكب إنها مائة وشيء وأبوابه ثلاثة آلاف وأربعمائة وخمسون بابًا مع اختلاف قليل في نسخ الأصول. وعدد مشايخه الذين صرح عنهم فيه مائتان وتسعة وثمانون. وعدد من تفرّد بالرواية عنهم دون مسلم مائة وأربعة وثلاثون. وتفرّد أيضًا بمشايخ لم تقع الرواية عنهم لبقية أصحاب الكتب الخمسة إلا بالواسطة. ووقع له اثنان وعشرون حديثًا ثلاثيات الإسناد والله سبحانه الموفّق والمعين. وأما فضيلة الجامع الصحيح فهو كما سبق أصح الكتب المؤلفة في هذا الشأن، والمتلقى بالقبول من العلماء في كل أوان، قد فاق أمثاله في جميع الفنون والأقسام، وخصّ بمزايا من بين دواوين الإسلام، شهد له بالبراعة والتقدّم الصناديد العظام والأفاضل الكرام، ففوائده أكثر من أن تحصى وأعز من أن تستقصى، وقد أنبأني غير واحد عن المسندة الكبيرة عائشة بنت محمد بن عبد الهادي أن أحمد بن أبي طالب أخبرهم عن

عبد الله بن عمر بن علي، أن أبا الوقت أخبرهم عنه سماعًا قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الهرويّ شيخ الإسلام، سمعت خالد بن عبد الله المروزي يقول: سمعت أبا سهل محمد بن أحمد المروزي يقول: سمعت أبا زيد المروزي يقول: "كنت نائمًا بين الركن والمقام فرأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المنام فقال لي يا أبا زيد إلى متى تدرس كتاب الشافعيّ وما تدرس كتابي، فقلت يا رسول الله وما كتابك، قال: جامع محمد بن إسماعيل". وقال الذهبي في تاريخ الإسلام: وأما جامع البخاري الصحيح فأجلّ كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى. قال وهو أعلى في وقتنا هذا إسنادًا للناس ومن ثلاثين سنة يفرحون بعلوّ سماعه، فكيف اليوم، فلو رحل الشخص لسماعه من ألف فرسخ لما ضاعت رحلته اهـ. وهذا ما قاله الذهبيّ رحمه الله في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة. وروى بالإسناد الثابت عن البخاري أنه قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكأنني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذبّ بها عنه فسألت بعض المعبرين فقال لي: أنت تذبّ عنه الكذب فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح. وقال ما كتبت في كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصلّيت ركعتين. وقال خرّجته من نحو ستمائة ألف حديث وصنّفته في ست عشرة سنة وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى، وقال: ما أدخلت فيه إلا صحيحًا وما تركت من الصحيح أكثر حتى لا يطول. وقال: صنّفت كتابي الجامع في المسجد الحرام وما أدخلت فيه حديثًا حتى استخرت الله تعالى وصلّيت ركعتين وتيقنت صحته. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: والجمع بين هذا وبين ما روى أنه كان يصنفه في البلاد أنه ابتدأ تصنيفه وترتيب أبوابه في المسجد الحرام، ثم كان يخرج الأحاديث بعد ذلك في بلده وغيرها، ويدل عليه قوله أنه أقام فيه ست عشرة سنة، فإنه لم يجاور بمكة هذه المدة كلها. وقد روى ابن عدي عن جماعة من المشايخ أن البخاري حوّل تراجم جامعه بين قبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومنبره كان يصلي لكل ترجمة ركعتين، ولا ينافي هذا أيضًا ما تقدم لأنه يحمل على أنه في الأوّل كتبه في المسودّة، وهنا حوّله من المسودّة إلى المبيضّة. وقال الفربري: قال لي محمد بن إسماعيل: ما وضعت في الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين، وأرجو أن يبارك الله تعالى في هذه المصنفات. وقال الشيخ أبو محمد عبد الله بن أبي جمرة: قال لي مَن لقيت من العارفين عمّن لقيه من السادة المقرّ لهم بالفضل إن صحيح البخاري ما قرىء في شدة إلاّ فرجت، ولا ركب به في مركب فغرقت. قال وكان مُجاب الدعوة وقد دعا لقارئه رحمه الله تعالى. وقال الحافظ عماد الدين بن كثير: وكتاب البخاري الصحيح يستسقى بقراءته الغمام، وأجمع على قبوله وصحة ما فيه أهل الإسلام. وما أحسن قول البرهان القيراطي رحمه الله: حدّث وشنف بالحديث مسامعي ... فحديث من أهوى حليّ مسامعي لله ما أحلى مكرره الذي ... يحلو ويعذب في مذاق السامع بسماعه نلت الذي أملته ... وبغلت كل مطالبي ومطامعي وطلعت في أفق السعادة صاعدًا ... في خير أوقات وأسعد طالع ولقد هديت لغاية القصد التي ... صحّت أدلته بغير ممانع وسمعت نصًّا للحديث معرفًا ... مما تضمنه كتاب الجامع وهو الذي يتلى إذا خطب عرا ... فتراه للمحذور أعظم دافع كم من يد بيضا حواها طرسه ... تومي إلى طرق العلا بأصابع وإذا بدا بالليل أسود نقشه ... يجلو علينا كل بدر ساطع ملك القلوب به حديث نافع ... مما رواه مالك عن نافع في سادة ما إن سمعت بمثلهم ... من مسمع عالي السماع وسامع

وقراءة القاري له ألفاظه ... تغريدها يزري بسجع الساجع (وقول الآخر): وفتى بخارا عند كل محدّث ... هو في الحديث جهينة الأخبار لكتابه الفضل المبين لأنه ... أسفاره في الصبح كالأسفار كم أزهرت بحديثه أوراقه ... مثل الرياض لصاحب الأذكار ألفاته مثل الغصون إذا بدت ... من فوقها الهمزات كالأطيار بجوامع الكلم التي اجتمعت به ... متفرّقات الزهر والأزهار وقول الشيخ أبي الحسن عليّ بن عبيد الله بن عمر الشقيع بالشين المعجمة والقاف المكسورة المشددة وبعد التحتية الساكنة عين مهملة النابلسي المتوفى بالقاهرة سنة ست عشرة وتسعمائة: ختم الصحيح بحمد ربي وانتهى ... وأرى به الجاني تقهقر وانتهى فسقى البخاري جود جود سحائب ... ما غابت الشعرى وما طلع السها الحافظ الثقة الإمام المرتضى ... من سار في طلب الحديث وما وهى طلب الحديث بكل قطر شاسع ... وروى عن الجم الغفير أُولي النهى ورواه خلق عنه وانتفعوا به ... وبفضله اعترف البرية كلها بحر بجامعه الصحيح جواهر ... قد غاصها فاجهد وغص إن رمتها وروى أحاديثًا معنعنة زهت ... تحلو لسامعها إذا كررتها وللإمام أبي الفتوح العجلي: صحيح البخاريّ يا ذا الأدب ... قويّ المتون عليّ الرتب قويم النظام بهيج الرواء ... خطير يروج كنقد الذهب فتبيانه موضح المعضلات ... وألفاظه نخبة للنخب مفيد المعاني شريف المعالي ... رشيق أنيق كثير الشعب سما عزّه فوق نجم السماء ... فكل جميل به يجتلب سناء منير كضوء الضحا ... ومتن مزيج لشوب الريب كان البخاريّ في جمعه ... تلقى من المصطفى ما اكتتب فلله خاطره إذ وعى ... وساق فرائده وانتخب جزاه الإله بما يرتضي ... وبلغه عاليات القرب ْولابن عامر الفضل بن إسماعيل الجرجاني الأديب رحمه الله تعالى: صحيح البخاريّ لو أنصفوه ... لما خط إلا بماء الذهب هو الفرق بين الهدى والعمى ... هو السدّ دون العنا والعطب أسانيد مثل نجوم السماء ... أمام متون كمثل الشهب به قام ميزان دين النبي ... ودان له العجم بعد العرب حجاب من النار لا شك فيه ... يميز بين الرضا والغضب وخير رفيق إلى المصطفى ... ونور مبين لكشف الريب فيا عالمًا أجمع العالمون ... على فضل رتبته في الرتب سبقت الأئمة فيما جمعت ... وفزت على رغمهم بالقصب نفيت السقيم من الغافلين ... ومن كان متهمًا بالكذب وأثبت من عدّلته الرواة ... وصحّت روايته في الكتب وأبرزت في حسن ترتيبه ... وتبويبه عجبًا للعجب

الفصل الخامس في ذكر نسب البخاري ونسبته ومولده وبدء أمره ونشأته وطلبه للعلم وذكر بعض شيوخه ومن أخذ عنه ورحلته وسعة حفظه وسيلان ذهنه وثناء الناس عليه بفقهه وزهده وورعه وعبادته وما ذكر من محنته ومنحته بعد وفاته وكرامته

فأعطاك ربك ما تشتهيه ... وأجزل حظك فيما يهب وخصك في عرصات الجنان ... بخير يدوم ولا يقتضب فلله دره من تأليف رفع علم علمه بمعارف معرفته، وتسلسل حديثه بهذا الجامع فأكرم بسنده العالي ورفعته، انتصب لرفع بيوت أذن الله أن ترفع، فيا له من تصنيف تسجد له جباه التصانيف إذا تليت آياته وتركع، هتك بأنوار مصابيحه المشرقة من المشكلات كل مظلم، واستمدت جداول العلماء من ينابيع أحاديثه التي ما شك في صحتها مسلم، فهو قطب سماء الجوامع، ومطالع الأنوار اللوامع، فالله تعالى يبوّىء مؤلفه في الجنان منازل مرفوعة، ويكرمه بصلات عائدة غير مقطوعة ولا ممنوعة. الفصل الخامس في ذكر نسب البخاري ونسبته ومولده وبدء أمره ونشأته وطلبه للعلم وذكر بعض شيوخه ومن أخذ عنه ورحلته وسعة حفظه وسيلان ذهنه وثناء الناس عليه بفقهه وزهده وورعه وعبادته وما ذكر من محنته ومنحته بعد وفاته وكرامته هو الإمام حافظ الإسلام خاتمة الجهابذة النقاد الأعلام، شيخ الحديث وطبيب علله في القديم والحديث، إمام الأئمة عجمًا وعربًا، ذو الفضائل التي سارت السراة بها شرفًا وغربًا، الحافظ الذي لا تغيب عنه شاردة، والضابط الذي استوت لديه الطارفة والتالدة، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بضم الميم وكسر المعجمة ابن بردزبه بفتح الموحدة وسكون الراء يعدها دال مهملة مكسورة فزاي ساكنة فموحدة مفتوحة فهاء على المشهور في ضبطه وبه جزم ابن ماكولا وهو بالفارسية الزراع الجعفي ضم الجيم وسكون العين المهملة بعدها فاء وكان بردزبه فارسيًا على دين قومه ثم أسلم ولده المغيرة على يد اليمان الجعفي وإلي بخارى فنسب إليه نسبة ولاء عملاً بمذهب من يرى أن من أسلم على يد شخص كان ولاؤه له، ولذا قيل للبخاري الجعفي، ويمان هذا هو جد المحدث عبد الله بن محمد بن جعفر بن يمان الجعفي المسندي. قال الحافظ ابن حجر وأما إبراهيم بن المغيرة فلم نقف على شيء من أخباره، وأما والد البخاري محمد فقد ذكرت له ترجمة في كتاب الثقات لابن حبان فقال في الطبقة الرابعة: إسماعيل بن إبراهيم والد البخاري، يروي عن حماد بن زيد ومالك، روى عنه العراقيون وذكره ولده في التاريخ الكبير، فقال إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة سمع من مالك وحماد بن زيد وصحب ابن المبارك، وقال الذهبي في تاريخ الإسلام: وكان أبو البخاري من العلماء الورعين وحدّث عن أبي معاوية وجماعة وروى عنه أحمد بن جعفر ونصر بن الحسين، قال أحمد بن حفص: دخلت على أبي الحسن إسماعيل بن إبراهيم عند موته فقال لا أعلم في جميع مالي درهمًا من شبهة، فقال أحمد فتصاغرت إليّ نفسي عند ذلك. وكان مولد أبي عبد الله البخاري يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوّال. وقال ابن كثير ليلة الجمعة الثالث عشر من شوّال سنة أربع وتسعين ومائة ببخارى وهي بضم الموحدة وفتح الخاء المعجمة وبعد الألف راء، وهي من أعظم مدن ما وراء النهر بينها وبين سمرقند ثمانية أيام، وتوفي أبوه إسماعيل وهو صغير فنشأ يتيمًا في حجر والدته، وكان أبو عبد الله البخاري نحيفًا ليس بالطويل ولا بالقصير، وكان فيما ذكره غنجار في تاريخ بخارى واللالكائي في شرح السُّنَّة في باب كرامات الأولياء: قد ذهبت عيناه في صغره فرأت أمه إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام في المنام فقال لها: قد رد الله على ابنك بصره بكثرة دعائك له فأصبح وقد رد الله عليه بصره، وأما بدء أمره فقد رُبيَّ في حجر العلم حتى ربا، وارتضع ثدي الفضل فكان فطامه على هذا اللبا. وقال أبو جعفر محمد بن أبي حاتم وراق البخاري: قلت للبخاري كيف كان بدء أمرك؟ قال: ألهمت الحديث في المكتب ولي عشر سنين أو أقل، ثم خرجت من المكتب بعد

العشر فجعلت أختلف إلى الداخليّ وغيره، فقال يومًا فيما كان يقرأ للناس سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم، فقلت له: إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك، فدخل فنظر فيه ثم خرج فقال لي: كيف هو يا غلام، قلت هو الزبير بن عدي عن إبراهيم. فأخذ القلم مني وأصلح كتابه. وقال صدقت فقال بعض أصحاب البخاري له ابن كم كنت: قال ابن إحدى عشرة سنة فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع وعرفت كلام هؤلاء يعني أصحاب الرأي، ثم خرجت مع أخي أحمد وأمي إلى مكة فلما حججت رجع أخي إلى بخارى فمات بها، -وكان أخوه أسنّ منه وأقام هو بمكة لطلب الحديث- قال ولا طعنت في ثماني عشرة سنة صنفت كتاب قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم، قال: وصنفت التاريخ الكبير إذ ذاك عند قبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الليالي المقمرة، وقلّ اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة، إلا أني كرهت تطويل الكتاب. وقال أبو بكر بن أبي عتاب الأعين: كتبنا عن محمد بن إسماعيل وهو أمرد على باب محمد بن يوسف الفريابي وما في وجهه شعرة. وكان موت الفريابي سنة اثنتي عشرة ومائتين فيكون للبخاري إذ ذاك نحو من ثمانية عشر عامًا أو دونها. وأما رحلته لطلب الحديث فقال الحافظ ابن حجر أوّل رحلته بمكة سنة عشر ومائتين، قال ولو رحل أوّل ما طلب لأدرك ما أدركه أقرانه من طبقة عالية ما أدركها وإن كان أدرك ما قاربها كيزيد بن هارون وأبي داود الطيالسي، وقد أدرك عبد الرزاق وأراد أن يرحل إليه وكان يمكنه ذلك فقيل له إنه مات فتأخر عن التوجّه إلى اليمن، ثم تبيّن أن عبد الرزاق كان حيًّا فصار يروي عنه بواسطة، ثم ارتحل بعد أن رجع من مكة إلى سائر مشايخ الحديث في البلدان التي أمكنته الرحلة إليها. وقال الذهبي وغيره وكان أوّل سماعه سنة خمس ومائتين ورحل سنة عشر ومائتين بعد أن سمع الكثير ببلده من سادة وقته محمد بن سلام البيكندي وعبد الله بن محمد المسندي ومحمد بن عرعرة وهارون بن الأشعث وطائفة، وسمع ببلخ من مكّي بن إبراهيم ويحيى بن بشر الزاهد وقتيبة وجماعة، وإن مكّي أحد مَن حدّثه عن ثقات التابعين، وسمع بمرو من علي بن شقيق وعبدان ومعاذ بن أسد وصدقة بن الفضل وجماعة، وسمع بنيسابور من يحيى بن يحيى وبشر بن الحكم وإسحق وعدة، وبالري من إبراهيم بن موسى الحافظ وغيره، وببغداد من محمد بن عيسى بن الطباع وشريح بن النعمان وطائفة، وقال: دخلت على معلى بن منصور ببغداد سنة عشر ومائتين، وسمع بالبصرة من أبي عاصم النبيل وبدل بن المحبر ومحمد بن عبد الله الأنصاري وعبد الرحمن بن محمد بن حماد وعمر بن عاصم الكلابي وعبد الله بن رجاء الغداني وطبقتهم، وبالكوفة من عبيد الله بن موسى وأبي نعيم وطلق بن غنام والحسن بن عطية وهما أقدم شيوخه موتًا وخلاد بن يحيى وخالد بن مخلد وفروة بن أبي المغراء وقبيصة وطبقتهم، وبمكة من أبي عبد الرحمن المقري والحميدي وأحمد بن محمد الأزرقي وجماعة، وبالمدينة من عبد العزيز الأويسي ومطرف بن عبد الله وأبي ثابت محمد بن عبد الله وطائفة، وبواسط من عمرو بن محمد بن عون وغيره، وبمصر من سعيد بن أبي مريم وعبد الله بن صالح الكاتب وسعيد بن تليد وعمرو بن الربيع بن طارق وطبقتهم، وبدمشق من أبي مسهر شيئًا يسيرًا ومن أبي النضر الفراديسي وجماعة، وبقيسارية من محمد بن يوسف الفريابي، وبعسقلان من آدم بن أبي إياس، وبحمص من أبي المغيرة وأبي اليمان وعلي بن عيّاش وأحمد بن خالد الوهبي ويحيى الوحاظي اهـ. وعن محمد بن أبي حاتم عنه أنه قال كتبت عن ألف وثمانين نفسًا ليس فيهم إلا صاحب حديث. وقال أيضًا: لم أكتب إلاّ عمن قال: الإيمان قول وعمل، وقد حصرهم الحافظ ابن حجر في خمس طبقات: الأولى: من حدّث عن التابعين مثل محمد بن عبد الله الأنصاري حدّثه عن حميد، ومثل مكّي بن إبراهيم حدّثه عن يزيد بن أبي عبيد، ومثل أبي عاصم النبيل حدّثه عن يزيد بن أبي عبيد أيضًا، ومثل عبيد الله بن موسى حدّثه عن إسماعيل بن أبي خالد، ومثل أبي

نعيم حدّثه عن الأعمش، ومثل خلاد بن يحيى حدّثه عن عيسى بن طهمان، ومثل علي بن عياش وعصام بن خالد حدّثاه عن جرير بن عثمان، وشيوخ هؤلاء كلهم من التابعين. الطبقة الثانية: من كان في عصر هؤلاء لكن لم يسمع من ثقات التابعين كآدم بن أبي إياس وأبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر وسعيد بن أبي مريم وأيوب بن سليمان بن بلال وأمثالهم. الطبقة الثالثة: وهي الوسطى من مشايخه وهم من لم يلقَ التابعين بل أخذ عن كبار تبع الأتباع كسليمان بن حرب وقتيبة بن سعيد ونعيم بن حماد وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة وأمثال هؤلاء، وهذه الطبقة قد شاركه مسلم في الأخذ عنهم. الطبقة الرابعة: رفقاؤه في الطلب ومن سمع قبله قليلاً كمحمد بن يحيى الذهلي وأبي حاتم الرازي ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة وعبد بن حميد وأحمد بن النضر وجماعة من نظرائهم وإنما يخرج عن هؤلاء ما فاته عن مشايخه أو ما لم يجده عند غيرهم. الطبقة الخامسة: قوم في عداد طلبته في السن والإسناد سمع منهم للفائدة كعبد الله بن حماد الآملي وعبد الله بن أبي القاضي الخوارزمي وحسين بن محمد القباني وغيرهم، وقد روى عنهم أشياء يسيرة وعمل في الرواية عنهم بما روى عثمان بن أبي شيبة عن وكيع قال: لا يكون الرجل عالمًا حتى يحدّث عمّن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه اهـ. وعن البخاري أنه قال: لا يكون المحدث كاملاً حتى يكتب عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه اهـ. وقال التاج السبكي وذكره يعني البخاري أبو عاصم في طبقات أصحابنا الشافعية. وقال: إنه سمع من الزعفراني وأبي ثور والكرابيسي قال: ولم يروِ عن الشافعي في الصحيح لأنه أدرك أقرانه والشافعي مات مكتهلاً فلا يرويه نازلاً. وروى عن الحسين وأبي ثور مسائل عن الشافعي وما برح رحمه الله تعالى يدأب ويجتهد حتى صار أنظر أهل زمانه وفارس ميدانه والمقدّم على أقرانه، وامتدت إليه الأعين وانتشر صيته في البلدان، ورحل إليه من كل مكان. وأما من أخذ عن البخاري فقال الذهبي وغيره أنه حدّث بالحجاز والعراق وما وراء النهر وكتبوا عنه وما في وجهه شعرة، وروى عنه أبو زرعة وأبو حاتم قديمًا، وروى عنه من أصحاب الكتب الترمذي والنسائي على نزاع في النسائي والأصح أنه لم يرو عنه شيئًا، وروى عنه مسلم في غير الصحيح ومحمد بن نصر المروزي الفقيه وصالح بن محمد جزرة الحافظ وأبو بكر بن أبي عاصم ومطين وأبو العباس السراج وأبو بكر بن خزيمة وأبو قريش محمد بن جمعة ويحيى بن أبي صاعد وإبراهيم بن معقل النسفي ومهيب بن سليم وسهل بن شاذويه ومحمد بن يوسف الفربري ومحمد بن أحمد بن دلويه وعبد الله بن محمد الأشقر ومحمد بن هارون الحضرمي والحسين بن إسماعيل المحاملي وأبو علي الحسن بن محمد الداركي وأحمد بن حمدون الأعمش وأبو بكر بن أبي داود ومحمد بن محمود بن عنبر النسفي وجعفر بن محمد بن الحسن الجزري وأبو حامد بن الشرقي وأخوه أبو محمد عبد الله ومحمد بن سليمان بن فارس ومحمد بن المسيب الأرغياني ومحمد بن هارون الروياني وخلق. وآخر من روى عنه الجامع الصحيح منصور بن محمد البزدوي سنة تسع وعشرين وثلثمائة، وآخر من زعم أنه سمع من البخاري موتًا أبو ظهير عبد الله بن فارس البلخي المتوفى سنة ست وأربعين وثلثمائة، وآخر من روى حديثه عاليًّا خطيب الموصل في الدعاء للمحاملي بينه وبينه ثلاثة رجال. وأما ذكاؤه وسعة حفظه وسيلان ذهنه فقيل إنه كان يحفظ وهو صبي سبعين ألف حديث سردًا. وروي أنه كان ينظر في الكتاب مرة واحدة فيحفظ ما فيه من نظرة واحدة. وقال محمد بن أبي حاتم وراقه سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان كان البخاري يختلف معنا إلى السماع وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أيام، فكنّا نقول له فقال: إنكما قد أكثرتما عليّ فاعرضا عليّ ما كتبتما فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد ذلك على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهر قلبه حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه، ثم قال: أترون أني أختلف هدرًا وأضيع

أيامي، فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد. قالا: فكان أهل المعرفة يغدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه وكان شابًّا. وقال محمد بن أبي حاتم: سمعت سليمان بن مجاهد يقول كنت عند محمد بن سلام البيكندي فقال لي: لو جئت قبل لرأيت صبيًّا يحفظ سبعين ألف حديث. قال فخرجت في طلبه فلقيته فقلت أنت الذي تقول أنا أحفظ سبعين ألف حديث قال: نعم وأكثر ولا أجيبك بحديث عن الصحابة والتابعين إلا من عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم، ولست أروي حديثًا من حديث الصحابة والتابعين إلا ولي في ذلك أصل أحفظه حفظًا عن كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقال ابن عدي حدّثني محمد بن أحمد القوسي سمعت محمد بن حمرويه يقول سمعت محمد بن إسماعيل يقول أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح. وقال أخرجت هذا الكتاب يعني الجامع الصحيح من نحو ستمائة ألف حديث، وقال دخلت بلخ فسألوني أن أملي عليهم لكل من كتبت عنه فأمليت ألف حديث عن ألف شيخ، وقال تذكرت يومًا في أصحاب أنس فحضرني في ساعة ثلثمائة نفس، وقال ورّاقه عمل كتابًا في الهبة فيه نحو خمسائة حديث. وقال ليس في كتاب وكيع في الهبة إلاّ حديثان مسندان أو ثلاثة، وفي كتاب ابن المبارك خمسة أو نحوها. وقال أيضًا سمعت البخاري يقول كنت في مجلس الفريابي فسمعته يقول حدثنا سفيان عن أبي عروبة عن أبي الخطاب عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يطوف على نسائه في غسل واحد، فلم يعرف أحد في المجلس أبا عروبة ولا أبا الخطاب، فقلت أما أبو عروبة فمعمر وأما أبو الخطاب فقتادة. وكان الثوري فعولاً لهذا يكني المشهورين. وقال محمد بن أبي حاتم أيضًا قدم رجاء الحافظ فقال لأبي عبد الله: ما أعددت لقدومي حين بلغك؟ وفي أي شيء نظرت، قال ما أحدثت نظرًا ولا استعددت لذلك فإن أحببت أن تسأل عن شيء فافعل، فجعل يناظره في أشياء فبقي رجاء لا يدري، ثم قال أبو عبد الله هل لك في الزيادة فقال استحياء منه وخجلاً نعم، ثم قال: سل إن شئت فأخذ في أسامي أيوب فعدّ نحوًا من ثلاثة عشر وأبو عبد الله ساكت، فظن رجاء أنه قد صنع شيئًا فقال يا أبا عبد الله فاتك خير كثير، فزيّف أبو عبد الله في أولئك سبعة وأغرب عليه أكثر من ستين رجلاً، ثم قال لرجاء كم رويت في العمامة السوداء؟ قال هات كم رويت أنت، قال يروى من أربعين حديثًا فخجل رجاء ويبس ريقه. وأما كثرة اطّلاعه على علل الحديث فقد روينا عن مسلم بن الحجاج أنه قال له: دعني أقبّل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله، وقال الترمذي: لم أرَ أحدًا بالعراق ولا بخراسان في معرفة العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل، وقال محمد بن أبي حاتم سمعت سليم بن مجاهد يقول سمعت أبا الأزهر يقول: كان بسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث فاجتمعوا سبعة أيام وأحبوا مغالطة محمد بن إسماعيل فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق وإسناد العراق في إسناد الشام وإسناد الحرم في إسناد اليمن فما استطاعوا مع ذلك أن يتعلقوا عليه بسقطة لا في الإسناد ولا في المتن. وقال أحمد بن عدي الحافظ: سمعت عدة من المشايخ يحكون أن البخاري قدم بغداد فاجتمع أصحاب الحديث وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس امتحانًا فاجتمع الناس من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم ومن البغداديين فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب أحدهم فقام وسأله عن حديث من تلك العشرة فقال: لا أعرفه فسأله عن آخر فقال لا أعرفه حتى فرغ العشرة فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فهم، ومن كان لا يدري قضى عليه بالعجز ثم انتدب آخر ففعل كفعل الأوّل والبخاري يقول لا أعرفه إلى أن فرغ العشرة أنفس، وهو لا يزيدهم على لا أعرفه فلما علم أنهم فرغوا التفت إلى الأوّل

فقال: أما حديثك الأوّل فقلت كذا وصوابه كذا، وحديثك الثاني كذا وصوابه كذا، والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك فأقر الناس له بالحفظ وأذعنوا له بالفضل. وقال يوسف بن موسى المروزي: كنت بجامع البصرة فسمعت مناديًا ينادي يا أهل العلم لقد قدم محمد بن إسماعيل البخاري فقاموا في طلبه، وكنت فيهم فرأيت رجلاً شابًّا ليس في لحيته بياض يصلي خلف الأسطوانة فلما فرغ أحدقوا به وسألوه أن يعقد لهم مجلس الإملاء فأجابهم إلى ذلك، فقام المنادي ثانيًا ينادي في جامع البصرة فقال: يا أهل العلم لقد قدم محمد بن إسماعيل البخاري فسألناه بأن يعقد مجلس الإملاء فأجاب بأن يجلس غدًا في موضع كذا، فلما كان من الغد حضر المحدثون والحفاظ والفقهاء والنظار حتى اجتمع قريب من كذا وكذا ألف نفس، فجلس أبو عبد الله للإملاء فقال قبل أن يأخذ في الإملاء: يا أهل البصرة أنا شاب وقد سألتموني أن أحدثكم وسأحدّثكم أحاديث عن أهل بلدتكم تستفيدونها يعني ليست عندكم، فتعجب الناس من قوله، فأخذ في الإملاء فقال: حدّثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روّاد العتكي بلديكم، قال: حدّثنا أبي عن شعبة عن منصور وغيره عن سالم بن أبي الجعد عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن أعربيًّا جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله الرجل يحب القوم الحديث. ثم قال: هذا ليس عندكم عن منصور إنما هو عندكم عن غير منصور. قال يوسف بن موسى فأملى مجلسًا على هذا النسق يقول في كل حديث روى فلان هذا الحديث وليس عندم كذا فأما رواية فلان يعني التي يسوقها فليست عندكم. وقال الحافظ أبو حامد الأعمى كنا عند البخاري بنيسابور فجاء مسلم بن الحجاج فسأله عن حديث عبيد الله بن عمر عن أبي الزبير عن جابر قال: "بعثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سرية ومعنا أبو عبيدة" الحديث بطوله. فقال البخاري: "حدّثنا ابن أبي أويس حدّثني أخي عن سليمان بن بلال عن عبيد الله" فذكر الحديث بتمامه. قال فقرأ عليه إنسان حديث حجاج بن محمد عن ابن جريح عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "كفارة المجلس إذا قام العبد أن يقول: سبحانك اللهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك". فقال له مسلم في الدنيا أحسن من هذا الحديث. ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح يعرف بهذا الإسناد في الدنيا حديثًا. فقال له محمد بن إسماعيل: إلا أنه معلول. فقال مسلم لا إله إلاّ الله وارتعد. أخبرني به، فقال: استر ما ستر الله تعالى، هذا حديث جليل رواه الناس عن حجاج بن محمد عن ابن جريج فألحّ عليه وقبل رأسه وكاد يبكي. فقال اكتب إن كان ولا بدّ: حدّثنا موسى بن إسماعيل حدّثنا وهيب حدّثنا موسى بن عقبة عن عون بن عبد الله قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كفّارة المجلس. فقال له مسلم: لا يبغضك إلا حاسد وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك، وقد روى هذه القصة البيهقي في المدخل عن الحاكم أبي عبد الله على سياق آخر، فقال: سمعت أبا نصر أحمد بن محمد الوراق يقول سمعت أحمد بن حمدون القصار هو أبو حامد الأعمش يقول سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل فقبّل بين عينيه وقال دعني حتى أقبّل رجلك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدّثين وطبيب الحديث في علله، حدّثك محمد بن سلام حدّثنا محمد بن مخلد بن يزيد، قال أخبرنا ابن جريج حدّثنا موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كفّارة المجلس، فقال محمد بن إسماعيل وحدّثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، قالا حدّثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج، حدّثني موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "كفّارة المجلس أن يقول إذا قام من مجلسه سبحانك اللهمَّ ربنا وبحمدك" فقال محمد بن إسماعيل هذا حديث مليح ولا أعلم بهذا الإسناد في الدنيا حديثًا غير هذا، إلا أنه معلول. حدّثنا به موسى بن إسماعيل، حدّثنا

وهيب حدّثنا سهيل عن عون بن عبد الله قوله: قال محمد بن إسماعيل هذا أولى. ولا يذكر لموسى بن عقبة مسندًا عن سهيل. وقال الحافظ أحمد بن حمدون رأيت البخاريّ في جنازة ومحمد بن يحيى الذهليّ يسأله عن الأسماء والعلل والبخاريّ يمر فيه كالسهم كأنه يقرأ قل هو الله أحد. وأما تآليفه فإنها سارت مسير الشمس ودارت في الدنيا فما جحد فضلها إلا الذي يتخبطه الشيطان من المسّ وأجلّها وأعظمها الجامع الصحيح. ومنها الأدب المفرد ويرويه عنه أحمد بن محمد الجليل بالجيم لبزار. ومنها برّ الوالدين ويرويه عنه محمد بن دلويه الوراق. ومنها التاريخ الكبير الذي صنفه كما مرّ عند قبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الليالي المقمرة ويرويه عنه أبو أحمد محمد بن سليمان بن فارس وأبو الحسن محمد بن سهل النسويّ وغيرهما. ومنها التاريخ الأوسط ويرويه عنه عبد الله بن أحمد بن عبد السلام الخفاف وزنجويه بن محمد اللباد. ومنها التاريخ الصغير ويرويه عنه عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأشقر. ومنها خلق أفعال العباد الذي صنفه بسبب ما وقع بينه وبين الذهلي كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى ويرويه عنه يوسف بن ريحان بن عبد الصمد والفربري أيضًا. وكتاب الضعفاء يرويه عنه أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد الدولابيّ وأبو جعفر مسبح بن سعيد وآدم بن موسى الحواري. قال الحافظ ابن حجر: وهذه التصانيف موجودة مروية لنا بالسماع والإجازة. قال ومن تصانيفه الجامع الكبير ذكره ابن طاهر، والمسند الكبير والتفسير الكبير ذكره الفربري، وكتاب الأشربة ذكره الدارقطني في المؤتلف والمختلف، وكتاب الهبة ذكره ورّاقه، وأسامي الصحابة ذكره أبو القاسم بن منده، وأنه يرويه من طريق ابن فارس عنه، وقد نقل منه أبو القاسم البغوي الكثير في معجم الصحابة له كذا ابن منده في المعرفة، ونقل عنه في كتاب الوحدان له وهو من ليس له إلا حديث واحد من الصحابة، وكتاب المبسوط ذكره الخليل في الإرشاد وأن مهيب بن سليم رواه عنه في كتاب العلل وذكره أبو القاسم بن منده أيضًاً وأنه يرويه عن محمد بن عبد الله بن حمدون عن أبي محمد عبد الله بن الشرقي عنه، وكتاب الكنى ذكره الحاكم أبو أحمد ونقل منه، وكتاب الفوائد ذكره الترمذي في أثناء كتاب المناقب من جامعه. ومن شعره مما أخرجه الحاكم في تاريخه: اغتنم في الفراغ فضل ركوع ... فعسى أن يكون موتك بغته كم صحيح رأيت من غير سقم ... ذهبت نفسه الصحيحة فلته ولما نعي إليه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي الحافظ أنشد: إن عشرت تفجع بالأحبة كلهم ... وبقاء نفسك لا أبا لك أفجع وأما ثناء الناس عليه بالحفظ والورع والزهد وغير ذلك فقد وصفه غير واحد بأنه كان أحفظ أهل زمانه وفارس ميدانه، كلمة شهد له بها الموافق والمخالف، وأقرّ بحقيقتها المعادي والمحالف. قال الشيخ تاج الدين السبكي في طبقاته: كان البخاري إمام المسلمين وقدوة المؤمنين وشيخ الموحدين والمعوّل عليه في أحاديث سيد المرسلين. قال وقد ذكره أبو عاصم في طبقات أصحابنا الشافعية، وقال سمع من الزعفراني وأبي ثور والكرابيسي، قال: ولم يرو عن الشافعي في الصحيح لأنه أدرك أقرانه والشافعي مات مكتهلاً فلا يرويه نازلاً اهـ. نعم ذكر البخاري الشافعي في صحيحه في موضعين في الزكاة وفي تفسير العرايا كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقال الحافظ عماد الدين بن كثير في تاريخه البداية والنهاية: كان إمام الحديث في زمانه والمقتدى به في أوانه والمقدّم على سائر أضرابه وأقرانه. وقال قتيبة بن سعيد: جالست الفقهاء والعباد والزهاد فما رأيت منذ عقلت مثل محمد بن إسماعيل وهو في زمانه كعمر في الصحابة، وقال أيضًا: لو كان في الصحابة لكان آية. وقال أحمد بن حنبل فيما رواه الخطيب بسند صحيح: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل. وقال الحافظ عماد الدين بن كثير أنه دخل بغداد ثمان مرات وفي كل مرة منها يجتمع بالإمام أحمد بن حنبل فيحثّه على الإقامة

ببغداد ويلومه على الإقامة بخراسان. وقال يعقوب بن إبراهيم الدورقي ونعيم الخزاعي: محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة. وقال بندار بن بشار: هو أفقه خلق الله في زماننا. وقال نعيم بن حماد: هو فقيه هذه الأمة. وقال إسحق بن راهويه: يا معشر أصحاب الحديث انظروا إلى هذا الشاب واكتبوا عنه فإنه لو كان في زمن الحسن البصريّ لاحتاج الناس إليه لمعرفته بالحديث وفقهه وقد فضّله بعضهم في الفقه والحديث على الإمام أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه. وقال رجاء بن مرجى: فضل محمد بن إسماعيل (يعني في زمانه) على العلماء كفضل الرجال على النساء وهو آية من آيات الله يمشي على الأرض. وقال الفلاس: كل حديث لا يعرفه البخاري فليس بحديث. وقال يحيى بن جعفر البيكندي: لو قدرت أن أزيد من عمري في عمر محمد بن إسماعيل لفعلت فإن موتي يكون موت رجل واحد وموت محمد بن إسماعيل فيه ذهاب العلم. وقال عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي: رأيت العلماء بالحرمين والحجاز والشام والعراق فما رأيت فيهم أجمع من محمد بن إسماعيل. وقال أبو سهل محمود بن النضر الفقيه: سمعت أكثر من ثلاثين عالمًا من علماء مصر يقولون حاجتنا في الدنيا النظر إلى محمد بن إسماعيل. وقال أيضًا: كنت أستملي له ببغداد فبلغ من حضر المجلس عشرين ألفًا، وقال إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحق بن خزيمة: ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاري. وقال عبد الله بن حماد الآملي: لوددت أني كنت شعرة في جسد محمد بن إسماعيل، وقال محمد بن عبد الرحمن الدغولي: كتب أهل بغداد إلى محمد بن إسماعيل كتابًا فيه: المسلمون بخير ما بقيت لهم ... وليس بعدك خير حين تفتقد وكان رحمه الله غاية في الحياء والشجاعة والسخاء والورع والزهد في دار الدنيا دار الفناء والرغبة في دار البقاء، وكان يختم في رمضان في كل يوم ختمة ويقوم بعد صلاة التراويح كل ثلاث ليال بختمة، وقال ورّاقه: كان يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة. وقال أيضًا دعي محمد بن إسماعيل إلى بستان فلما صلى بهم الظهر قام يتطوّع، فلما فرغ من صلاته رفع ذيل قميصه وقال لبعض من معه انظر هل ترى تحت قميصي شيئًا فإذا زنبور قد لسعه في ستة عشر أو سبعة عشر موضعًا وقد تورّم من ذلك جسده، فقال له بعض القوم كيف لم تخرج من الصلاة أوّل ما لسعك؟ قال: كنت في سورة فأحببت أن أتمّها، وقال أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدًا ويشهد لهذا كلامه في التجريح والتضعيف، فإنه أبلغ ما يقول في الرجل المتروك أو الساقط فيه نظر أو سكتوا عنه ولا يكاد يقول فلان كذاب. وقال ورّاقه سمعته يقول لا يكون لي خصم في الآخرة، فقلت يا أبا عبد الله إن بعض الناس ينقم عليك التاريخ يقول فيه اغتياب الناس، فقال إنما روينا ذلك رواية ولم نقله من عند أنفسنا. وقد قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بئس أخو العشيرة. وقال ما اغتبت أحدًا منذ علمت أن الغيبة تضر أهلها، وكان قد ورث من أبيه مالاً كثيرًا فكان يتصدق به. وكان قليل الأكل جدًا كثير الإحسان إلى الطلبة مفرطًا في الكرم. وحمل إليه بضاعة أنفذها إليه أبو حفص فجاءه من الغد تجار آخرون يطلبونها بربح عشرة آلاف درهم فردّهم وقال إني نويت البارحة بيعها للذين أتوا البارحة ولا أحب أن أغيّر نيّتي. وجاءته جاريته فعثرت على محبرة بين يديه فقال لها كيف تمشين؟ فقالت إذا لم تكن طريق فكيف أمشي. فقال اذهبي فأنت حرة لوجه الله، فقيل له يا أبا عبد الله أغضبتك وأعتقتها قال أرضيت نفسي بما فعلت. وقال ورّاقه إنه كان يبني رباطًا مما يلي بخارى فاجتمع بشر كثير يعينونه على ذلك وكان ينقل اللبن فكنت أقول له إنك تكفى ذلك فيقول هذا الذي ينفعني، وكان ذبح لهم بقرة فلما أدركت القدور دعا الناس إلى الطعام وكان بها مائة نفس أو أكثر ولم يكن علم أنه اجتمع ما اجتمع، وكنا أخرجنا خبزًا بثلاثة دراهم أو أقل، فأكل جميع من حضر وفضلت

أرغفة. ولما قدم نيسابور تلقاه أهلها من مرحلتين أو ثلاث، وكان محمد بن يحيى الذهليّ في مجلسه فقال: من أراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غدًا فليستقبله فإني أستقبله، فاستقبله الذهلي وعامّة علماء نيسابور فدخلها فقال الذهلي لأصحابه: لا تسألوه عن شيء من الكلام فإنه إن أجاب بخلاف ما نحن فيه وقع بيننا وبينه وشمت بنا كل ناصبيّ ورافضيّ وجهميّ ومرجئيّ، فازدحم الناس على البخاري حتى امتلأت الدار والسطوح، فلما كان اليوم الثاني أو الثالث من يوم قدومه قام إليه رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن، فقال أفعالنا مخلوقة وألفاظنا من أفعالنا، فوقع بين الناس اختلاف فقال بعضهم إنه قال لفظي بالقرآن مخلوق، وقال آخرون لم يقل، فوقع بينهم في ذلك اختلاف حتى قام بعضهم إلى بعض فاجتمع أهل الدار وأخرجوهم. ذكره مسلم بن الحجاج. وقال ابن عديّ لما ورد نيسابور واجتمع الناس عنده حسده بعض شيوخ الوقت فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول لفظي بالقرآن مخلوق، فلما حضر المجلس قام إليه رجل فقال يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقرآن أمخلوق هو أم غير مخلوق؟ فأعرض عنه البخاري ولم يجبه ثلاثًا، فألح عليه فقال البخاري: القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة، فشغب الرجل وقال قد قال لفظي بالقرآن مخلوق اهـ. وقد صحّ أن البخاري تبرّأ من هذا الإطلاق فقال: كل من نقل عني أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فقد كذب عليّ وإنما قلت أفعال العباد مخلوقة، أخرج ذلك غنجار في ترجمة البخاري بسند صحيح إلى محمد بن نصر المروزي الإمام المشهور أنه سمع البخاري يقول ذلك. وقال أبو حامد الشرقي سمعت الذهلي يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق ومن زعم لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع لا يجلس إلينا ولا نكلم من يذهب بعد هذا إلى محمد بن إسماعيل، فانقطع الناس عن البخاري إلا مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة. وبعث مسلم إلى الذهلي جميع ما كان كتب عنه على ظهر حمّال، وقال الذهلي: لا يساكنني محمد بن إسماعيل في البلد فخشي البخاري على نفسه وسافر منها. قال في المصابيح ومن تمام رسوخ البخاري في الورع أنه كان يحلف بعد هذه المحنة أن الحامد عنده والذامّ من الناس سواء، يريد أنه لا يكره ذامّه طبعًا ويجوز أن يكرهه شرعًا، فيقوم بالحق لا بالخط، وتحقّق ذلك من حالته أنه لم يمح اسم الذهلي من جامعه بل أثبت روايته عنه غير أنه لم يوجد في كتابه إلاّ على أحد وجهين، إما أن يقول حدّثنا محمد ويقتصر، وإما أن يقول حدّثنا محمد بن خالد فينسبه إلى جدّ أبيه. وقد سئل عن وجه إجماله دمابقاء ذكره بنسبه المشهور، فأجاب بأن قال لعله لما اقتضى التحقيق عنده أن تبقى روايته عنه خشية أن يكتم علمًا رزقه الله تعالى على يديه، وعذره في قدحه بالتأويل خشي على الناس أن يقعوا فيه بأنه قد عدّل من جرحه، وذلك يوهم أنه صدّقه على نفسه فيجرّ ذلك إلى البخاري وهنًا، فأخفى اسمه وغطى رسمه وما كتم علمه، والله أعلم بمراده من ذلك. ولو فتحنا باب تعديد مناقبه الجميلة ومآثره الحميدة لخرجنا عن غرض الاختصار. ولما رجع إلى بخارى نصبت له القباب على فرسخ من البلد واستقبله عامّة أهلها حتى لم يبق مذكور، ونثر عليه الدراهم والدنانير وبقي مدّة يحدّثهم، فأرسل إليه أمير البلد خالد بن محمد الذهليّ نائب الخلافة العباسية يتلطف معه ويسأله أن يأتيه بالصحيح ويحدّثهم به في قصره، فامتنع البخاريّ من ذلك وقال لرسوله: قل له أنا لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب السلاطين، فإن كانت له حاجة إلى شيء منه فليحضر إلى مسجدي أو داري فإن لم يعجبك هذا فأنت سلطان فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة أي لا أكتم العلم. فحصلت بينهما وحشة فأمره الأمير بالخروج عن البلد فدعا عليه وكان مجاب الدعوة، فلم يأت شهر حتى ورد أمر الخلافة بأن ينادى على خالد في البلد فنودي على خالد على أتان وحبس إلى أن مات، ولم يبق أحد ممن ساعده إلا ابتلي ببلاء شديد. ولما خرج البخاري من بخارى كتب إليه أهل سمرقند يخطبونه إلى بلدهم فسار إليهم، فلما كان بخرتنك بفتح الخاء المعجمة وإسكان الراء وفتح الفوقية

وسكون النون بعدها كافٍ وهو على فرسخين من سمرقند بلغه أنه قد وقع بينهم بسببه فتنة فقوم يريدون دخوله وآخرون يكرهونه، وكان له أقرباء بها فنزل عندهم حتى ينجلي الأمر، فأقام أيامًا فمرض حتى وجّه إليه رسول من أهل سمرقند يلتمسون خروجه إليهم، فأجاب وتهيأ للركوب ولبس خفيه وتعمّم فلما مشى قدر عشرين خطوة أو نحوها إلى الدابّة ليركبها قال: أرسلوني فقد ضعفت، فأرسلوه فدعا بدعوات ثم اضطجع فقضى. فسال عرق كثير لا يوصف وما سكن منه العرق حتى أدرج في أكفانه. وروي أنه ضجر ليلة فدعا بعد أن فرغ من صلاة الليل اللهمّ قد ضاقت عليّ الأرض بما رحبت فاقبضني إليك فمات في ذلك الشهر ليلة السبت ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين عن اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يومًا، وكان أوصى أن يكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة ففعل به ذلك، ولما صليّ عليه ووضع في حفرته فاح من تراب قبره رائحة طيبة كالمسك ودامت أيامًا، وجعل الناس يختلفون إلى قبره مدة يأخذون منه. وقال عبد الواحد بن آدم الطواويسي: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع فسلمت عليه فردّ عليّ السلام فقلت: ما وقوفك هنا يا رسول الله؟ قال أنتظر محمد بن إسماعيل، قال فلما كان بعد أيام بلغني موته فنظرت فإذا هو في الساعة التي رأيت فيها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولما ظهر أمره بعد وفاته خرج بعض مخالفيه إلى قبره وأظهروا التوبة والندامة. وقال أبو عليّ الحافظ: أخبرنا أبو الفتح نصر بن الحسن السمرقندي قدم علينا بلنسية عام أربعة وستين وأربعمائة، قال: قحط المطر عندنا بسمرقند في بعض الأعوام فاستسقى الناس مرارًا فلم يسقوا، فأتى رجل صالح معروف بالصلاح إلى قاضي سمرقند وقال له إني قد رأيت رأيًا أعرضه عليك قال وما هو؟ قال أرى أن تخرج ويخرج الناس معك إلى قبر الإمام محمد بن إسماعيل البخاري وتستسقي عنده فعسى الله أن يسقينا، فقال القاضي نعم ما رأيت فخرج القاضي ومعه الناس واستسقى بهم وبكى الناس عند القبر وتشفعوا بصاحبه، فأرسل الله تعالى السماء بماء عظيم غزير أقام الناس من أجله بخرتنك سبعة أيام أو نحوها لا يستطيع أحد الوصول إلى سمرقند من كثرة المطر وغزارته، وبين سمرقند وخرتنك ثلاثة أيام. وبالجملة فمناقب أبي عبد الله البخاري كثيرة ومحاسنه شهيرة وفيما ذكرته كفاية ومقنع وبلاغ. (تنبيه وإرشاد): روينا عن الفربري أنه قال سمع صحيح البخاري من مؤلفه تسعون ألف رجل فما بقي أحد يرويه عنه غيري. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أطلق ذلك بناء على ما في علمه وقد تأخر بعده بتسع سنين أبو طلحة منصور بن محمد بن علي بن قرينة بقاف ونون بوزن كبيرة البزدويّ بفتح الموحدة وسكون الزاي وكانت وفاته سنة تسع وعشرين وثلثمائة وهو آخر من حدّث عن البخاري بصحيحه كما جزم به آبو نصر بن ماكولا وغيره، وقد عاش بعده ممن سمع من البخاري القاضي الحسين بن إسماعيل المحاملي ببغداد، ولكن لم يكن عنده الجامع الصحيح، وإنما سمع منه مجالس أملاها ببغداد في آخر قدمة قدمها البخاري، وقد غلط من روى الصحيح من طريق المحامليّ المذكور غلطًا فاحشًا، ومن رواة الجامع الصحيح ممن اتصلت لنا روايته بالإجازة إبراهيم بن معقل النسفيّ الحافظ وفاته منه قطعة من آخره رواها بالإجازة وتوفي سنة أربعين ومائتين. وكذلك حماد بن شاكر النسويّ بالنون المهملة وأظنه توفي في حدود التسعين وله فيه فوت أيضًا. واتصلت لنا روايته من طريق المستملي والسرخسي والكشميهني وأبي عليّ بن السكن الأخسيكن، وأبي زيد المروزي وأبي عليّ بن شبويه وأبي أحمد الجرجاني والكشاني وهو آخر من حدّث عن الفربري بالصحيح، فأما المستملي فرواه عنه الحافظ أبو ذر وعبد الرحمن الهمداني، وأما السرخسي فأبو ذر أيضًا وأبو الحسن الداودي، وأما الكشميهني فأبو ذر أيضًا وأبو سهل الحفصي وكريمة، وأما أبو عليّ بن السكن فإسماعيل بن إسحق بن إسماعيل الصفار، وأما أبو زيد المروزي فأبو نعيم الحافظ

وأبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيليّ وأبو الحسن عليّ بن محمد القابسي، وأما ابن شبويه فسعيد بن أحمد بن محمد الصيرفي العيار وعبد الرحمن بن عبد الله الهمداني أيضًا، وأما الجرجاني فأبو نعيم والقابسي أيضًا، وأما الكشاني فأبو العباس جعفر بن محمد المستغفري. فمشايخ أبي ذر ثلاثة المستملي والكشميهني والسرخسي، ومشايخ أبي نعيم الجرجاني وأبو زيد المروزي. وأما الأصيلي والقابسي فكلاهما عن أبي زيد المروزي، وأما العيار فابن شبويه، وأما الداودي فالسرخسيّ، وأما الحفصي وكريمة فالكشميهني، وأما المستغفري فالكشاني وكلهم عن الفربري. ويأتي إن شاء الله تعالى قريبًا أسانيدي بالجامع الصحيح متصلة بهم على وجه بديع جامع بعون الله تعالى. وقد اعتنى الحافظ شرف الدين أبو الحسن عليّ ابن شيخ الإسلام ومحدّث الشام تقي الدين بن محمد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله اليونيني الحنبلي رحمه الله تعالى بضبط رواية الجامع الصحيح، وقابل أصله الموقوف بمدرسة أقبغا آص بسويقة العزى خارج باب زويلة من القاهرة المعزية، الذي قيل فيما رأيته بظاهر بعض نسخ البخاري الموثوق بها وقف مقرها برواق الجبرت من الجامع الأزهر بالقاهرة، إن أقبغا بذل فيه نحو عشرة آلاف دينار والله أعلم بحقيقة ذلك. وهو في جزأين فقد الأوّل منهما بأصل مسموع على الحافظ أبي ذر الهروي، وبأصل مسموع على الأصيلي، وبأصل الحافظ مؤرخ الشام أبي القاسم بن عساكر، وبأصل مسموع على أبي الوقت وهو أصل من أصول مسموعاته في وقف خانكاه السميساطي بقراءة الحافظ أبي سعيد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني بحضرة سيبويه وقته الإمام جمال الدين بن مالك بدمشق سنة ست وسبعين وستمائة، مع حضور أصلي سماعي الحافظ أبي محمد المقدسي. وقف السميساطي وقد بالغ رحمه الله في ضبط ألفاظ الصحيح جامعًا فيه روايات من ذكرناه راقمًا عليه ما يدل على مراده، فعلامة أبي ذر الهروي (هـ) والأصيلي (ص) وابن عساكر الدمشقي (ش) وأبي الوقت (ظ) ولمشايخ أي ذر الثلاثة الحموي (ح) والمستملي (ست) والكشميهني (هـ). فما كان من ذلك بالحمرة فهو ثابت في النسخة التي قرأها الحافظ عبد الغني المقدسي على الحافظ أبي عبد الله الأرتاحي بحق إجازته من أبي الحسين الفرّاء الموصلي عن كريمة عن الكشميهني. وفي نسخة أبي صادق مرشد بن يحيى المديني وقف جامع عمرو بن العاص رضي الله عنه بمصر وله رقوم أخرى لم أجد ما يدل عليها وهي (عط ق ج صع) ولعل الجيم للجرجاني والعين لابن السمعاني والقاف لأبي الوقت فإن اجتمع ابن حمويه والكشميهني فرقمهما هكذا (حهـ) والمستملي والحموي فرقمهما (حسـ) هكذا. وإن اتفق الأربعة الرواة عنهم رقم لهم (هـ ص ش ظ) وما سقط عند الأربعة زاد معها (لا) وما سقط عند البعض أسقط رقمه من غير (لا). مثاله أنه وقع في أصل سماعه في حديث بدء الوحي "جمعه لك في صدرك" ووقع عند الأربعة جمعه لك "لك صدرك" بإسقاط "في" فيرقم على "في لا" ويرقم فوقها إلى جانبها (هـ ص ش ظ) هذا إن وقع الاتفاق على سقوطها. فإن كانت عندهم (2) وليست عند الباقين رقم رسمه وترك رسمهم، وكذا إن لم تكن عند واحد وكانت عند الباقين كتب عليها (لا) ورقم فوقها الحرف المصطلح عليه. وما صح عنده سماعه وخالف مشايخ أبي ذر الثلاثة رقم عليه (هـ) وفوقها صح. وإن وافق أحد مشايخه وضعه فوقه، فالله تعالى يثيبه على قصده. ويجزل له من المكرمات جوائز رفده، فلقد أبدع فيما رقم، وأتقن فيما حرر وأحكم. ولقد عوّل الناس عليه في روايات الجامع لمزيد اعتنائه وضبصه ومقابلته على الأصول المذكورة وكثرة ممارسته له، حتى أن الحافظ شمس الدين الذهبي حكى عنه أنه قابله في سنة واحدة إحدى عشرة مرة، ولكونه ممن وصف بالمعرفة الكثيرة والحفظ التام للمتون والأسانيد كان الجمال بن مالك لما حضر عند المقابلة المذكورة إذا مرّ من الألفاظ يتراءى أنه مخالف لقوانين العربية قال للشرف اليونيني هل الرواية فيه كذلك، فإن أجاب بأنه منها شرع ابن مالك في توجيهها حسب

إمكانه، ومن ثم وضع كتابه المسمى بشواهد التوضيح. ولقد وقفت على فروع مقابلة على هذا الأصل الأصيل فرأيت من أجلها الفرع الجليلي الذي لعله فاق أصله، وهو الفرع المنسوب للإمام المحدث شمس الدين محمد بن أحمد المزي الغزولي وقف التنكزية بباب المحروق خارج القاهرة، المقابل على فرعي وقف مدرسة الحاج مالك، وأصل اليونيني المذكور غير مرة بحيث أنه لم يغادر منه شيئًا كما قيل. فلهذا اعتمدت في كتابة متن البخاري في شرحي هذا عليه، ورجعت في شكل جميع الحديث وضبطه إسنادًا ومتنًا إليه، ذاكرًا جميع ما فيه من الروايات وما في حواشيه من الفوائد المهمات. ثم وقفت في يوم الاثنين ثالث عشر جمادى الأولى سنة ست عشرة وتسعمائة بعد ختمي لهذا الشرح على المجلد الأخير من أصل اليونيني المذكور، ورأيت بحاشية ظاهر الورقة الأولى منه ما نصه: سمعت ما تضمنه هذا المجلد من صحيح البخاري رضي الله عنه بقراءة سيدنا الشيخ الإمام العالم الحافظ المتقن شرف الدين أبي الحسين علي بن محمد بن أحمد اليونيني رضي الله عنه وعن سلفه، وكان السماع بحضرة جماعة من الفضلاء ناظرين في نسخ معتمد عليها، فكلما مرّ بهم لفظ ذو إشكال بيّنت فيه الصواب وضبط على ما اقتضاه علمي بالعربية، وما افتقر إلى بسط عبارة وإقامة دلالة أخّرت أمره إلى جزء أستوفي فيه الكلام ما يحتاج إليه من نظير وشاهد ليكون الانتفاع به عامًا والبيان تامًّا إن شاء الله تعالى. وكتبه محمد بن عبد الله بن مالك حامدًا لله تعالى. قلت وقد قابلت متن شرحي هذا إسنادًا وحديثًا على هذا الجزء المذكور من أوّله إلى آخره حرفًا حرفًا، وحكيته كما رأيته حسب طاقتي. وانتهت مقابلتي له في العشر الأخير من المحرم سنة سبع عشرة وتسعمائة نفع الله تعالى به، ثم قابلته عليه مرة أخرى. فعلى الكاتب لهذا الشرح وفّقه الله تعالى أن يوافقني فيما رسمته من تمييز الحديث متنًا وسندًا من الشرح واختلاف الروايات بالألوان المختلفة وضبط الحديث متنًا وسندًا بالقلم كما يراه، ثم رأيت بآخر الجزء المذكور ما نصه: بلغت مقابلةً وتصحيحًا وإسماعًا بين يدي شيخنا شيخ الإسلام حجة العرب مالك أزمة الأدب الإمام العلامة أبي عبد الله بن مالك الطائي الجياني أمدّ الله تعالى عمره في المجلس الحادي والسبعين، وهو يراعي قراءتي ويلاحظ نطقي، فما اختاره ورجحه وأمر بإصلاحه أصلحته وصحّحت عليه، وما ذكر أنه يجوز فيه إعرابان أو ثلاثة فأعملت ذلك على ما أمر، ورجح، وأنا أقابل بأصل الحافظ أبي ذر والحافظ أبي محمد الأصيلي والحافظ أبي القاسم الدمشقي ما خلا الجزء الثالث عشر والثالث والثلاثين، فإنهما معدومان. وبأصل مسموع على الشيخ أبي الوقت بقراءة الحافظ أبي منصور السمعاني وغيره من الحفاّظ، وهو وقف بخانكاه السميساطي وعلامات ما وافقت أبا ذر (هـ) والأصيلي (ص) والدمشقي (ش) وأبا الوقت (ظ) فيعلم ذلك. وقد ذكرت ذلك في أوّل الكتاب في فرخة لتعلم الرموز كتبه عليّ بن محمد الهاشمي اليونيني عفًا الله عنه انتهى. ثم وجد الجزء الأوّل من أصل اليونيني المذكور ينادى عليه للبيع بسوق الكتب، فعرف وأحضر إليّ بعد فقده أزيد من خمسين سنة، فقابلت عليه متن شرحي هذا فكملت مقابلتي عليه جميعه حسب الطاقة ولله الحمد. وقد اعتنى الأئمة بشرح هذا الجامع، فشرحه الإمام أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي بشرح لطيف فيه نكت لطيفة ولطائف شريفة. واعتنى الإمام محمد التيمي بشرح ما لم يذكره الخطابي مع التنبيه على أوهامه. وكذا أبو جعفر أحمد بن سعيد الداودي وهو ممن ينقل عنه ابن التين الآتي. ومنهم المهلب بن أبي صفرة وهو ممن اختصر الصحيح. ومنهم أبو الزناد سراج. واختصر شرح المهلب تلميذه أبو عبد الله محمد بن خلف بن المرابط وزاد عليه فوائد، وهو ممن نقل عنه ابن رشيد. وشرحه أيضًا الإمام أبو الحسن علي بن خلف المالكي المغربي المشهور بابن بطال، وغالبه في فقه الإمام مالك من غير تعرّض لموضوع الكتاب غالبًا وقد طالعته. وشرحه أيضًا الإمام أبو حفص عمر بن الحسن بن عمر الفوزني الإشبيلي، وكذا أبو القاسم

أحمد بن محمد بن عمر بن فرد التيمي وهو واسع جدًّا. والإمام عبد الواحد بن التين بفوقية تحتية ثم نون السفاقسي وقد طالعته. والزين بن المنير في نحو عشر مجلدات. وأبو الأصبع عيسى بن سهل بن عبد الله الأسدي. والإمام قطب الدين عبد الكريم الحلبي الحنفي. والإمام مغلطاي التركي. قال صاحب الكواكب وشرحه بتتميم الأطراف أشبه وبصحف تصحيح التعليقات أمثل، وكأنه من إخلائه من مقاصد الكتاب على ضمان. ومن شرح ألفاظه وتوضيح معانيه على أمان. واختصره الجلال التباني وقد رأيته. والعلاّمة شمس الدين محمد بن يوسف بن علي بن محمد بن سعيد الكرماني فشرحه بشرح مفيد جامع لفرائد الفوائد وزوائد العوائد، وسماه الكواكب الدراري. لكن قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة وهو شرح مفيد على أوهام فيه في النقل، لأنه لم يأخذه إلا في الصحف انتهى. وكذا شرحه ولده التقي يحيى مستمدًّا من شرح أبيه وشرح ابن الملقن وأضاف إليه من شرح الزركشي وغيره من الكتب، وما سنح له من حواشي الدمياطي وفتح الباري والبدر العنتابي، وسماه مجمع البحرين وجواهر الحبرين، وقد رأيته وهو في ثمانية أجزاء كبار بخطه مسودّة. وكذا شرحه العلاّمة السراج بن الملقن وقد طالعت الكثير منه. وكذا شرحه العلاّمة شمس الدين البرماوي في أربعة أجزاء أخذه من شرح الكرماني وغيره كما قال في أوّله: ومن أصوله أيضًا مقدمة فتح الباري وسماه اللامع الصبيح ولم يبيض إلا بعد موته، وقد استوفيت مطالعته كالكرماني، وكذا شرح الشيخ برهان الدين الحلبي وسماه التلقيح لفهم قارىء الصحيح وهو بخطه في مجلدين وبخط غيره في أربعة وفيه فوائد حسنة. وقد التقط منه الحافظ ابن حجر حيث كان بحلب ما ظن أنه ليس عنده لكونه لم يكن معه إلا كراريس يسيرة من الفتح. وشرحه أيضًا شيخ الإسلام والحافظ أبو الفضل بن حجر وسماه فتح الباري وهو في عشرة أجزاء ومقدمته في جزء، وشهرته وانفراده بما اشتمل عليه من الفوائد الحديثية والنكات الأدبية والفوائد الفقهية تغني عن وصفه، لا سيما وقد امتاز كما نبّه عليه شيخنا بجمع طرق الحديث التي ربما يتبين من بعضها ترجيح أحد الاحتمالات شرحًا وإعرابًا، وطريقته في الأحاديث المكررة أنه يشرح في كل موضع ما يتعلق بمقصد البخاري بذكره فيه، ويحيل بباقي شرحه على المكان المشروح فيه. قال شيخنا: وكثيرًا ما كان رحمه الله تعالى يقول أودّ لو تتبعت الحوالات التي تقع لي فيه، فإن لم يكن المحال به مذكورًا أو ذكر في مكان آخر غير المحال عليه ليقع إصلاحه فما فعل ذلك فاعلمه، وكذا ربما يقع له ترجيح أحد الأوجه في الإعراب أو غيره من الاحتمالات أو الأقوال في موضع ثم يرجح في موضع آخر غيره، إلى غير ذلك مما لا طعن عليه بسببه، بل هذا أمر لا ينفك عنه كثير من الأثمة المعتمدين. وكان ابتداء تأليفه في أوائل سنة سبعٍ عشرة وثمانمائة على طريق الإملاء، ثم صار يكتب بخطه شيئًا فشيئًا فيكتب الكراس ثم يكتبه جماعة من الأئمة المعتبرين، وعارض بالأصل مع المباحثة في يوم من الأسبوع، وذلك بقراءة العلاّمة ابن خضر. فصار السفر لا يكمل منه شيء إلاّ وقد قوبل وحرّر إلى أن انتهى في أوّل يوم من رجب سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، سوى ما ألحق فيه بعد ذلك فلم ينته إلا قبيل وفاة المؤلف بيسير. ولما تم عمل مصنفه وليمة بالمكان المسمى بالتاج والسبع وجوه في يوم السبت ثاني شعبان سنة اثنتين وأربعين، وقرىء المجلس الأخير هناك بحضرة الأئمة كالقاياني والونائي والسعد الديري. وكان المصروف على الوليمة المذكورة نحو خمسمائة دينار. وكملت مقدمته وهي في مجلد ضخم في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة وقد استوفيت بحمد الله تعالى مطالعهما. وقد اختصر فتح الباري شيخ مشايخنا الشيخ أبو الفتح محمد ابن الشيخ زين الدين بن الحسين المراغي وقد رأيته بمكة وكتبت كثيرًا منه. وشرحه العلاّمة بدر الدين العيني الحنفي في عشرة أجزاء أو أزيد، وسماه عمدة القاري وهو بخطه في أحد وعشرين جزءًا مجلدًا بمدرسته التي أنشأها بحارة كتامة

بالقرب من الجامع الأزهر. وشرع في تأليفه في أواخر رجب سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، وفرغ منه في آخر الثلث الأوّل من ليلة السبت خامس شهر جمادى الأولى سنة سبع وأربعين وثمانمائة، واستمد فيه من فتح الباري كان فيما قيل يستعيره من البرهان ابن خضر بإذن مصنفه له، وتعقبه في مواضع وطوّله بما تعمد الحافظ ابن حجر في الفتح حذفه من سياق الحديث بتمامه، وإفراد كلٍّ من تراجم الرواة بالكلام وبيان الأنساب واللغات والإعراب والمعاني والبيان، واستنباط الفرائد من الحديث والأسئلة والأجوبة وغير ذلك. وقد حكي أن بعض الفضلاء ذكر للحافظ ابن حجر ترجيح شرح العيني بما اشتمل عليه من البديع وغيره، فقال بديهة هذا شيء نقله من شرح لركن الدين، وكنت قد وقفت عليه قبله ولكن تركت النقل منه لكونه لم يتم، إنما كتب منه قطعة وخشيت من تعبي بعد فراغها في الاسترسال في هذا المهيع، ولذا لم يتكلم البدر العيني بعد تلك القطعة بشيء من ذلك انتهى. وبالجملة فإن شرحه حافل كامل في معناه لكنه لم ينتشر كانتشار فتح الباري من حياة مؤلفه وهلمّ جرًّا، وكذا شرح مواضع من البخاري الشيخ بدر الدين الزركشي في التنقيح، وللحافظ ابن حجر نكت عليه لم تكمل، وكذا شرح العلاّمة بدر الدين الدماميني وسماه مصابيح الجامع، وقد استوفيت مطالعتها كشرح العيني وابن حجر والبرماوي. وكذا شرح الحافظ الجلال السيوطي فيما بلغني في تعليق لطيف قريب من تنقيح الزركشي سمّاه التوشيح على الجامع الصحيح. وكذا شرح منه شيخ الإسلام أبو زكريا يحيى النووي قطعة من أوّله إلى آخر كتاب الإيمان طالعتها وانتفعت ببركتها، وكذا الحافظ ابن كثير قطعة من أوّله والزين بن رجب الدمشقي ورأيت منه مجلدة. والعلاّمة السراج البلقيني رأيت منه مجلدة أيضًا. والبدر الزركشي في غير التنقيح مطوّلاً رأيت منه قطعة بخطه، والمجد الشيرازي اللغوي مؤلف القاموس سماه منح الباري بالسيح الفسيح المجاري في شرح البخاري، كمل ربع العبادات منه في عشرين مجلدًا وقدّر تمامه في أربعين مجلدًا. قال التقي الفاسي: لكنه قد ملأه بغرائر المنقولات لا سيما لما اشتهر باليمن مقالة ابن عربي، وغلب ذلك على علماء تلك البلاد، وصار يدخل في شرحه من فتوحاته الكثير ما كان سببًا لشين شرحه عند الطاعنين فيه. وقال الحافظ ابن حجر أنه رأى القطعة التي كملت في حياة مؤلفه قد أكلتها الأرضة بكمالها بحيث لا يقدر على قراءة شيء منها انتهى. وكذا بلغني أن الإمام أبا الفضل النويري خطيب مكة شرح مواضع من البخاري، وكذا العلاّمة محمد بن أحمد بن مرزوق شارح بردة البوصيري وسماه المتجر الربيح والمسعى الرجيح في شرح الجامع الصحيح، ولم يكمل أيضًا. وشرح العارف القدوة عبد الله بن أبي جمرة ما اختصر منه وسماه بهجة النفوس، وقد طالعته والبرهان النعماني إلى أثناء الصلاة، ولم يفِ بما التزمه رحمه الله تعالى وإيّانا. وشيخ المذهب وفقيهه شيخ الإسلام أبو يحيى زكريا الأنصاري السنيكي، والشمس الكوراني مؤدّب السلطان المظفر أبي الفتح محمد بن عثمان فاتح القسطنطينية سماه الكوثر الجاري إلى رياض صحيح البخاري، وهو في مجلدتين، وللعلاّمة شيخ الإسلام جلال الدين البلقيني بيان ما فيه من الإبهام وهو في مجلدة. وصاحبنا الشيخ أبو البقاء الأحمدي أعانه الله تعالى على الإكمال. وشيخنا فقيه المذهب الجلال البكري وأظنه لم يكمل. وكذا صاحبنا الشيخ شمس الدين الدلجي كتب منه قطعة لطيفة. ولابن عبد البر الأجوبة على المسائل المستغربة من البخاري سأله عنها المهلب بن أبي صفرة، وكذا لأبي محمد بن حزم عدة أجوبة عليه، ولابن المنير حواشٍ على ابن بطال، وله أيضًا كلام على التراجم سماه المتواري، وكذا لأبي عبد الله بن رشيد ترجمان التراجم، وللفقيه أبي عبد الله محمد بن منصور بن حمامة المغراوي السجلماسي حل أغراض البخاري المبهمة في الجمع بين الحديث والترجمة، وهي مائة ترجمة. ولشيخ الإسلام الحافظ ابن حجر

انتقاض الاعتراض، يجيب فيه عما اعترضه عليه العيني في شرحه، طالعته لكنه لم يجب عن أكثرها. ولعله كان يكتب الاعتراضات ويبيض لها ليجيب عنها فاخترمته المنيّة. وله أيضًا الاستنصار على الطاعن المعثار وهو صورة فُتيا عما وقع في خطبة شرح البخاري للعلاّمة العيني، وله أيضًا أحوال الرجال المذكورين في البخاري زيادة على ما في تهذيب الكمال وسماه الإعلام بمن ذكر في البخاري من الأعلام. وله أيضًا تعليق التعليق ذكر فيه تعاليق أحاديث الجامع المرفوعة وآثاره الموقوفة والمتابعات، ومن وصلها بأسانيده إلى الموضع المعلق، وهو كتاب حافل عظيم في بابه لم يسبقه إليه أحد فيما أعلم. وقرّض له عليه العلاّمة اللغوي المجد صاحب القاموس كما رأيته بخطه على نسخة بخط مؤلفه، ولخصه في مقدمة الفتح فحذف الأسانيد ذاكرًا من خرجه موصولاً. وكذا شرح البخاري العلاّمة المفنن الأوحد الزيني عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن أحمد العباسي الشافعي شرحًا رتبه على ترتيب عجيب وأسلوب غريب، فوضعه كما قال في ديباجته على منوال مصنف ابن الأثير، وبناه على مثال جامعه المنير وجرّده من الأسانيد، راقمًا على هامشه بإزاء كل حديث حرفًا أو حروفًا يعلم بها من وافق البخاري على إخراج ذلك الحديث من أصحاب الكتب الخمسة، جاعلاً إثر كل كتاب جامع منه بابًا لشرح غريبه، واضعًا الكلمات الغريبة بهيئتها على هامش الكتاب، موازيًا لشرحها، ليكون أسرع في الكشف وأقرب إلى التناول وقرض له عليه شيخنا شيخ الإسلام البرهان بن أبي شريف، والزين عبد البر بن الشحنة، والعلاّمة الرضى الغزي. ونظم شيخ الإسلام البلقيني مناسبات ترتيب تراجم البخاري فقال: أتى في البخاري حكمة في التراجم ... مناسبة في الكتب مثل التراجم فمبدأ وحي الله جاء نبيه ... وإيمان يتلوه بعقد المعالم وإن كتاب العلم يذكر بعده ... فبالوحي إيمان وعلم العوالم وما بعد أعلام سوى العمل الذي ... به يرد الإنسان ورد الأكارم ومبدؤه طهر أتى لصلاتنا ... وأبوابه فيها بيان الملائم وبعد صلاة فالزكاة تبيعها ... وحج وصوم فيهما خلف عالم روايته جاءت بخلف بصحة ... كذا جاء في التصنيف طبق الدعائم وفي الحج أبواب كذاك بعمرة ... لطيبة جاء الفضل من طيب خاتم معاملة الإنسان في طوع ربه ... يليها ابتغاء الفضل سوق المواسم وأنواعها في كل باب تميزت ... وفي الرهن والإعتاق فك الملازم فجاء كتاب الرهن والعتق بعده ... مناسبة تخفى على فهم صارم كتابة عبد ثم فيها تبرع ... كذاهبة فيها شهود التحاكم كتاب شهادات تلي هبة جرت ... وللشهدا في الوصف أمر لحاكم وكان حديث الإفك فيه افتراؤهم ... فويل لأفاك وتبًّا لآثم وكم فيه تعديل لعائشة التي ... يبرئها المولى بدفع العظائم كذا الصلح بين الناس يذكر بعده ... فبالصلح إصلاح ورفع المظالم وصلح وشرط جائزان لشرعه ... فذكر شروط في كتاب لعالم كتاب الوصايا والوقوف لشارط ... بها عمل الأعمال تمّ لقائم معاملتا رب وخلق كما مضى ... وثالثها جمع غريب لفاهم كتاب الجهاد اجهد لإعلاء كلمة ... وفيه اكتساب المال إلا لظالم فيملك مال الحرب قهرًا غنيمة ... كذا الفيء يأتينا بعز المغانم وجزيتهم بالعقد فيه كتابها ... موادعة معها أتت في التراجم

كتاب لبدء الخلق بعد تمامه ... مقابله الإنسان بيد المقاسم وللأنبيا فيه كتاب يخصهم ... تراجم فيها رتبة للأكارم فضائل تتلو ثم غزو نبينا ... وما قد جرى حتى الوفاة لخاتم وإن نبي الله وصّى وصية ... تخص كتاب الله يا طيب عازم كتاب لتفسير تعقبه به ... وإنّ أولي التفسير أهل العزائم وفي ذاك إعجاز لنا ودليلنا ... وإحياؤه أرواح أهل الكرائم كتاب النكاح انظره منه تناسل ... حياة أتت منه لطفل محالم وأحكامه حتى الوليمة تلوها ... ومن بعدها حسن العشير الملائم كتاب طلاق فيه أبواب فرقة ... وفي النفقات افرق ليسر وعادم وأطعمة حلت وأخرى فحرمت ... ليجتنب الإنسان إثم المحارم وعق عن المولود يتلو مطاعمًا ... كذا الذبح مع صيد بيان الملائم وأضحية فيها ضيافة ربنا ... ومن بعدها المشروب يأتي لطاعم وغالب أمراض بأكل وشربه ... كتاب لمرضانا برفع المآثم فبالطب يستشفى من الدا برقية ... بفاتحة القرآن ثم الخواتم لباس به التزين وانظره بعده ... كذا أدب يؤتى به بالكرائم وإن بالاستئذان حلت مصالح ... به تفتح الأبواب وجه المسالم وبالدعوات الفتح من كل مغلق ... وتيسير أحوال لأهل المعازم رقاق بها بعد الدعاء تذكر ... وللقدر اذكره لأهل الدعائم ولا قدر إلا من الله وحده ... تبررنا بالنذر شوقًا لخاتم وأيمان من كتب وكفّارة لها ... كذا النذر في لج بدا من ملاحم وأحوال إحياء تتم وبعدها ... مواريث أموات أتت للمقاسم فرائضهم فيها كتاب يحضها ... وقد تمت الأحوال حالات سالم ومن يأت قاذورًا تبين حده ... محاربهم فيها أتت حتم حاتم وفي غرة فاذكر ديات لأنفس ... وفيه قصاص جاءت لأهل الجرائم وردة مرتد ففيه استتابة ... بردته زالت عقود العواصم ولكنما الإكراه رافع حكمه ... كذا حيل جاءت لفك التلازم وفي باطن الرؤيا لتعبير أمرها ... وفتنتها قامت فما من مقاوم وأحكامها خلفًا يزيد تنازعًا ... كتاب التمني جاء رمزًا لراقم ولا تتمنوا جاء فيه تواتر ... وأخبار آحاد حجاج لعالم كتاب اعتصام فاعتصم بكتابه ... وسُنّة خير الخلق عصمة عاصم وخاتمة التوحيد طاب ختامها ... بمبدئها عطر ومسك لخاتم فجاء كتاب جامع من صحاحها ... لحافظ عصر قد مضى في التقادم أتى في البخاري مدحه لصحيحه ... وحسبك بالإجماع في مدح حازم أصح كتاب بعد تنزيل ربنا ... وناهيك بالتفضيل فاجأر لراحم وقل رحم الرحمن عبدًا موحدًا ... تحرى صحيح القصد سبل العلائم وفي سُنّة المختار يبدي صحيحها ... بإسناد أهل الصدق من كل حازم وإنا تواخينا كتابًا يخصه ... على أوجه تأتي عجابًا لغانم

1 - كتاب بدء الوحي

عسى الله يهدينا جميعًا بفضله ... إلى سُنّة المختار رأس الأكارم وصلى على المختار ألله ربنا ... يقارنها التسليم في حال دائم وآل له والصحب مع تبع لهم ... يقفون آثارًا أتت بدعائم بتكرير ما يبدو وتضعيف عدّه ... وفي بدئها والختم مسك الخواتم وقد آن أن أشرع في الشرح حسبما قصدته، على النحو الذي في الخطبة ذكرته، مستعينًا بالله ومتوكلاً عليه ومفوّضًا جميع أموري إليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله. بسم الله الرحمن الرحيم 1 - كتاب بدء الوحي قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى آمِينَ. (قال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله تعالى): (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم) الباء متعلقة بمحذوف قدّره البصريون اسمًا مقدمًا، والتقدير ابتدائي كائن أو مستقر. وقدره الكوفيون فعلاً مقدمًا والتقدير أبدًا، فالجار والمجرور في الأول في موضع رفع وفي الثاني نصب. وجوّز بعضهم تقديره اسمًا مؤخرًا أي بسم الله ابتدائي أي الكلام. وقدّره الزمخشري فعلاً مؤخرًا أي بسم الله أقرأ أو أتلو لأن الذي يتلوه مقروء وكل فاعل يبدأ في فعله ببسم الله كان مضمرًا ما جعل التسمية مبدأ له، كما أن المسافر إذا حل أو ارتحل فقال بسم الله كان المعنى بسم الله أحل وبسم الله أرتحل، وهذا أولى من أن يضمر أبدأ لعدم ما يطابقه ويدل عليه، أو ابتدائي لزيادة الإضمار فيه، وإنما قدر المحذوف متأخرًا وقدم المعمول لأنه أهم وأدل على الاختصاص، وأدخل في التعظيم أوفق للوجود. فإن اسم الله تعالى مقدم على القراءة، كيف وقد جعل آلة لها من حيث إن الفعل لا يعتد به شرعًا ما لم يصدر باسمه تعالى، لحديث "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر" وأما ظهور فعل القراءة في قوله تعالى: {اقرأ باسم ربك} [العلق: 1]، فلأن الأهم ثمة القراءة، ولذا قدّم الفعل فيها على متعلقه بخلاف البسملة، فإن الأهم فيها الابتداء. قاله البيضاوي وغيره وتعقب بأن تقدير النحاة أبتدىء هو المختار، لأنه يصح في كل موضع، والعامّ تقديره أولى. ولأن تقدير فعل الابتداء هو الغرض المقصود من البسملة، إذ الغرض منها أن تقع مبتدأة موافقة لحديث "كل أمر ذي بال". وكذلك في كل فعل ينبغي أن لا يقدّر فيه إلا فعل الابتداء، لأن الحض جاء عليه. وأيضًا فالبسملة غير مشروعة في غير الابتداء، فلما اختصت بالابتداء وجب أن يقدر لها فعل الابتداء. وأجيب بأن تقدير الزمخشري أولى وأتم شمولاً لاقتضائه أن التسمية واقعة على القراءة كلها مصاحبة لها، وتقدير أبدأ يقتضي مصاحبتها لأوّل القراءة دون باقيها. وقوله إن الغرض أن تقع التسمية مبدأ نقول بموجبه، فإن ذلك يقع فعلاً بالبداءة لها لا بإضمار فعل الابتداء، ومن بدأ في الوضوء بغسل وجهه لا يحتاج في كونه بادئًا إلى إضمار بدأت، والحديث الذي ذكره لم يقل فيه كل أمر لا يقال فيه أبدأ وإنما أريد طلب إيقاعها بالفعل لا بإضمار فعلها، وأما دلالة الحديث على طلب البداءة فامتثال ذلك بنفس البداءة لا بلفظها. واختلف هل الاسم عين المسمى أو غيره، واستدل القائلون بالأوّل بنحو {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيم} [الواقعة: 74، 96] و [الحاقة: 52] و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] فأمر بتسبيح اسم الله تعالى، والمسبح هو الباري، فاقتضى أن اسم الله تعالى هو هو لا غيره. وأجيب بأنه أشرب سبح معنى اذكر، فكأنه قال اذكر اسم ربك. وتحقيق ذلك أن الذات هي المسمى والزائد عليها هو الاسم، فإذا قلت عالم فهناك أمران ذات وعلم، فالذات هو المسمى والعلم هو الاسم. فإذا فهم هذا فالأسماء منها ما هو عين المسمى ومنها ما هو غيره، ومنها ما يقال فيه لا عين ولا غير، فالقسم الأوّل مثل موجود وقديم وذات، فإن الموجود عين الذات وكذا القديم. والقسم الثاني مثل خالق ورازق وكل صفات الأفعال، فإن الفعل الذي هو الاسم غير الذات، والقسم الثالث مثل عالم وقادر وكل الصفات الذاتية، فإن الذات التي هي المسمى لا يقال في العلم الذي هو الاسم أنه غيرها ولا عينها. هذا تحقيق ما قاله الأشعري في هذه المسألة وما نقل عنه خلاف هذا فهو خبط، كذا رأيته منسوبًا للعلاّمة البساطي من أئمة المالكية، ويأتي إن شاء الله تعالى في كتاب التوحيد في باب السؤال

1 - باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقول الله جل ذكره {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده}

بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها مزيد لذلك بعون الله تعالى، وليس مراد القائل بأن الاسم عين المسمى أن اللفظ الذي هو الصوت المكيّف بالحروف عين المعنى الذي وضع له اللفظ، إذ لا يقول به عاقل، وإنما مراده أنه قد يطلق اسم الشيء مرادًا به مسماه وهو الكثير الشائع، فإنك إذا قلت الله ربنا ونحو ذلك إنما تعني به الإخبار عن المعنى المدلول عليه باللفظ لا عن نفس اللفظ، وقد قال جماعة إن الاسم الأعظم هو اسم الجلالة الشريفة لأنه الأصل في الأسماء الحسنى لأن سائرها يضاف إليه والرحمن صفة الله تعالى، وعورض بوروده غير تابع لاسم قبله. قال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن: 1، 2] وأجيب بأنه وصف يراد به الثناء، وقيل عطف بيان. وردّه السهيلي بأن اسم الجلالة الشريفة غير مفتقر لبيان لأنه أعرف المعارف كلها، ولذا قالوا وما الرحمن ولم يقولوا وما الله، والرحيم فعيل حوّل من فاعل للمبالغة، والاسمان مشتقان من الرحمة ومعناهما واحد عند المحققين، إلا أن الرحمن مختص به تعالى فهو خاص اللفظ إذ لا يجوز أن يسمى به أحد غير الله تعالى عام المعنى من حيث إنه يشمل جميع الموجودات، والرحيم عام من حيث الاشتراك في التسمي به خاص من طريق المعنى، لأنه يرجع إلى اللطف والتوفيق. وقدّم الرحمن لاختصاصه بالباري تعالى كاسم الله وقرن بينهما للمناسبة، ولم يأتِ المصنف رحمه الله تعالى بخطبة تنبىء عن مقاصد كتابه هذا مبتدأة بالحمد والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما فعل غيره اقتداء بالكتاب العزيز، وعملاً بحديث "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع" المروي في سنن ابن ماجة وغيرها لأنه صدّر كتابه بترجمة بدء الوحي، وبالحديث الدال على مقصوده المشتمل على أن العمل دائر مع النية، فكأنه قال قصدت جمع وحي السنة المتلقى عن خير البرية على وجه سيظهر حسن عملي فيه من قصدي، وإنما لكل امرىء ما نوى. فاكتفى بالتلويح عن التصريح. وأما الحديث فليس على شرطه بل تكلم فيه لأن في سنده قرة بن عبد الرحيم، ولئن سلمنا الاحتجاج به فلا يتعين النطق والكتابة معًا فيحمل على أنه فعل ذلك نطقًا عند تأليفه اكتفاء بكتابة البسملة، وأيضًا فإنه ابتدأ ببسم الله ثم رتب عليه من أسماء الصفات الرحمن الرحيم، ولا يعني بالحمد إلا هذا لأنه الوصف بالجميل على جهة التفضيل، وفي جامع الخطيب مرفوعًا "كل أمر لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع" وفي رواية أحمد لا يفتتح بذكر الله فهو أبتر أو أقطع ولا ينافيه حديث بحمد الله لأن معناه الافتتاح بما يدل على المقصود من حمد الله تعالى والثناء عليه، لا أن لفظ الحمد متعين لأن القدر الذي يجمع ذلك هو ذكر الله تعالى، وقد حصل بالبسملة لا سيما وأول شيء نزل من القرآن اقرأ باسم ربك، فطريق التأسي به الافتتاح بالبسملة والاقتصار عليها، ويعضده أن كتبه عليه الصلاة والسلام إلى الملوك مفتتحة بها دون حمدلة وغيرها، وحينئذ فكأن المؤلف أجرى مؤلفه هذا مجرى الرسالة إلى أهل العلم لينتفعوا به. وتعقب بأن الحديث صحيح صححه ابن حبان وأبو عوانة، وقد تابع سعيد بن عبد العزيز قرة أخرجه النسائي، ولئن سلمنا أن الحديث ليس على شرطه فلا يلزم منه ترك العمل به مع مخالفة سائر المصنفين وافتتاح الكتاب العزيز، وبأن لفظ الذكر غير لفظ الحمد، وليس الآتي بلفظ الذكر آتيًا بلفظ الحمد، والغرض التبرّك باللفظ المفتتح به كلام الله تعالى انتهى. والأولى الحمل على أن البخاري تلفظ بذلك، إذ ليس في الحديث ما يدل على أنه لا يكون إلا بالكتابة، وثبتت البسملة لأبي ذر والأصيلي. 1 - باب كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} (كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كذا لأبي ذر والأصيلي بإسقاط لفظ (باب) ولأبي الوقت وابن عساكر والباقي باب كيف الخ، وهو بالرفع خبر لمبتدأ محذوف، أي هذا باب كيف، ويجوز فيه التنوين والقطع عما بعده وتركه للإضافة إلى الجملة التالية. لا يقال إنما يضاف إلى الجملة أحد أشياء مخصوصة، وهي كما في مغني ابن هشام ثمانية أسماء: الزمان، وحيث، وآية بمعنى علامة، وذو، ولدن، وريث، وقول، وقائل، واستدل للأخيرين بقوله:

قول يا للرجال ينهض منا ... مسرعين الكهول والشبانا وقوله: وأجبت قائل كيف أنت بصالح ... حتى مللت وملني عوّادي وليس الباب شيئًا منها، لأن هذا الذي ذكره النحاة كما قاله الشيخ بدر الدين الدماميني في مصابيح الجامع إنما هو في الجملة التي لا يراد بها لفظها، وأما ما أريد به لفظه من الجمل فهو في حكم المفرد، فتضيف إليه ما شئت مما يقبل بلا حصر. ألا ترى أنك تقول محل قام أبوه من قولك زيد قام أبوه رفع، ومعنى لا إله إلاّ الله إثبات الألوهية لله ونفيها عما سواه إلى غير ذلك، وهنا أريد لفظ الجملة قال، ولا يخفى سقوط قول الزركشي لا يقال، كيف لا يضاف إليها لأنّا نقول الإضافة إلى الجملة، كلا إضافة. وقال في الشرح: لا ينبغي أن يعدّ هذان البيتان من قبيل ما هو بصدده لأن الجملة التي أضيف إليها كل من قول وقائل مراد بها لفظها، فهي في حكم المفرد وليس الكلام فيه، وتعقبه الشيخ تقيّ الدين الشمني فقال لا نسلم أن الكلام ليس فيه بل الكلام فيما هو أعمّ منه اهـ. فليتأمل وقد استبان لك أن عدّ ابن هشام في مغنيه قولاً وقائلاً من الألفاظ المخصوصة التي لا تضاف إلى الجملة غير ظاهر. وكيف في قول البخاري باب كيف كان بإضافة باب خبر لكان إن كانت ناقصة، وحال من فاعلها إن كانت تامة، ولا بدّ قبلها من مضاف محذوف والتقدير باب جواب كيف كان بدء الوحي، وإنما احتيج إلى هذا المضاف لأن المذكور في هذا الباب هو جواب كيف كان بدء الوحي لا السؤال بكيف عن بدء الوحي، ثم إن الجملة من كان ومعمولها في محل جرّ بالإضافة. ولا تخرج كيف بذلك عن الصدرية لأن المراد من كون الاستفهام له الصدر أن يكون في صدر الجملة التي هو فيها، وكيف على هذا الإعراب كذلك. والبدء بفتح الموحدة وسكون المهملة آخره همزة من بدأت الشيء بدأ ابتدأت به. قال القاضي عياض روي بالهمز مع سكون الدال من الابتداء وبدوّ بغير همزة مع ضم الدال وتشديد الواو من الظهور، ولم يعرف الأخيرة الحافظ ابن حجر، نعم قال روي في بعض الروايات كيف كان ابتداء الوحي، فهذا يرجح الأولى وهو الذي سمعناه من أفواه المشايخ، والوحي الإعلام في خفاء. وفي اصطلاح الشرع إعلام الله تعالى أنبياءه الشيء، إما بكتاب أو برسالة ملك أو منام أو إلهام. وقد يجيء بمعنى الأمر نحو: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي} [المائدة: 111]، وبمعنى التسخير نحو {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْل} [النحل: 68] أي سخرها لهذا الفعل، وهو اتخاذها من الجبال بيوتًا إلى آخره. وقد يعبر عن ذلك بالإلهام، لكن المراد به هدايتها لذلك، وإلا فالإلهام حقيقة إنما يكون لعاقل، والإشارة نحو {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11] وقد يطلق على الموحى كالقرآن والسُّنّة من إطلاق المصدر على المفعول. قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4]. والتصلية جملة خبرية يراد بها الإنشاء كأنه قال اللهمَّ صل. (وقول الله جل ذكره) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي. وقول الله عز وجل، ولابن عساكر وقول الله سبحانه، وقول مجرور عطفًا على محل الجملة التي أضيف إليها الباب، أي باب كيف كان ابتداء الوحي. ومعنى قول الله قيل وإنما لم يقدّروا باب كيف قول الله، لأن قول الله لا يكيف. وأجيب بأنه يصح على تقدير مضاف محذوف أي كيف نزول قول الله، أو كيف فهم معنى قول الله، أو أن يراد بكلام الله المنزل المتلوّ لا مدلوله، وهو الصفة القائمة بذات الباري تعالى ويجوز رفعه مبتدأ محذوف الخبر، أي وقول الله تعالى كذا مما يتعلق بهذا الباب ونحو هذا من التقدير أو خبره. (إنّا أوحينا إليك) وحي إرسال فقط (كما أوحينا) أي كوحينا (إلى نوح والنبيين من بعده) زاد أبو ذر الآية. قاله العيني فليتأمل وهذا جواب لأهل الكتاب عن اقتراحهم أن ينزل عليهم كتابًا من السماء، واحتجاج عليهم بأن أمره في الوحي كسائر الأنبياء. وآثر صيغة التعظيم تعظيمًا للموحي والموحى إليه. قيل خصّ نوحًا بالذكر لأنه أول مشرع، وعورض بأن أول مشرّع آدم لأنه نبي أرسل إلى بنيه وشرّع لهم شرائع، ثم شيث وكان نبيًّا مرسلاً، وبعده إدريس. وقيل إنما

خصّ بالذكر لأنه أول رسول آذاه قومه، فكانوا يحصبونه بالحجارة حتى يقع على الأرض كما وقع مثله لنبينا عليهما الصلاة والسلام. وقيل لأنه أول أُولي العزم، وعطف عليه النبيّين من بعده، وخص منهم إبراهيم إلى داود تشريفًا لهم وتعظيمًا لشأنهم، وترك ذكر موسى عليه السلام ليبرزه مع ذكرهم بقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] على نمط أعم من الأوّل، ولما كان هذا الكتاب لجمع وحي السُّنَّة صدره بباب الوحي، لأنه ينبوع الشريعة. وكان الوحي لبيان الأحكام الشرعية صدره بحديث الأعمال بالنيات لمناسبته للآية السابقة لأنه أوحى إلى الكل الأمر بالنية، كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] والإخلاص النية، فقال كما أخبرنا به وبما سبق من أوّله إلى آخر الصحيح الشيخ المسند رحلة الآفاق أبو العباس أحمد بن عبد القادر بن طريف بفتح الطاء المهملة الحنفي المتوفى سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة وقد جاوز التسعين، بقراءتي عليه لجميع هذا الجامع في خمسة مجالس وبعض مجلس متوالية مع ما أُعيد لمفوّتين أظنه نحو العشر آخر يوم الأحد ثامن عشر من شوّال سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة. قال أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الدمشقي قراءة لجميعه وأنا في الخامسة، والعلاّمة المقري أبو إسحق إبراهيم بن أحمد البعلي بالموحدة المفتوحة والعين المهملة الساكنة التنوخي بفتح الفوقية وضم النون الخفيفة وبالخاء المعجمة، والحافظان زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي ونور الدين عليّ بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي من باب وكلّم الله موسى تكليمًا إلى آخر الصحيح، وإجازة لسائره. قال الأولان أخبرنا أبو العباس أحمد بن طالب بن أبي النعم بن الشحنة الديرمقرّني المتوفى خامس عشر من صفر سنة ثلاثين وسبعمائة سماعًا، قال الثاني لجميعه وقال الأوّل للثلاثيات منه. ومن باب الإكراه إلى آخر الصحيح، إجازة لسائره. وزاد فقال وأخبرتنا ست الوزراء وزيرة بنت محمد بن عمر بن أسعد بن المنجأ التنوخية، وزاد الثاني فقال وأخبرنا أبو نصر محمد بن محمد الشيرازي الفارسي إجازة عن جدّه أبي نصر عن الحافظ أبي القاسم بن عساكر، قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الساعدي الفراوي بضم الفاء، قال أخبرنا أبو سهل محمد الحفصي عن أبي الهيثم بفتح الهاء وإسكان المثناة التحتية وفتح المثلثة محمد بن مكي بفتح الميم وتشديد الكاف ابن محمد بن زراع بضم الزاي وتخفيف الراء الكشماهني بكاف مضمومة وشين معجمة ساكنة وفتح الهاء وكسرها وقد تمال الألف وقد يقال الكشميهني بالياء بدل الألف قرية بمرو، وقال الرابع أخبرنا المظفر بالظاء المعجمة والفاء العسقلاني، قال أخبرنا أبو عبد الله الصقلي بفتح المهملة وكسر القاف وتشديد اللام، قال وكذا وزيرة وابن أبي النعم أخبرنا أبو عبد الله الصقلي بفتح المهملة وكسر القاف وتشديد اللام، قال وكذا وزيرة وابن أبي النعم أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن المبارك الزبيدي بفتح الزاي وكسر الموحدة المتوفى سنة إحدى وثلاثين وستمائة ح. وأخبرنا الحافظ نجم الدين عمر ابن الحافظ تقي الدين المكي، قال حدّثنا المسند الرحلة نجم الدين عبد الرحمن بن سراج الدين عمر القبابي بكسر القاف والموحدتين المخففتين بينهما ألف المقدسي، أخبرنا العلاّمة شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن قاضي شهبة والإمام عماد الدين أبو عبد الله محمد بن موسى بن سليمان الشيرجي بسماع الأوّل لجميع الصحيح على أم محمد وزيرة وبسماع الثاني من الإمام الحافظ شرف الدين أبي الحسن محمد بن عليّ اليونيني بسماعهما من أبي عبد الله الحسين الزبيدي، قال أخبرنا أبو الوقت عبد الأوّل بن عيسى بن شعيب السجزي بكسر السين المهملة وسكون الجيم وكسر الزاي الهروي الصوفيّ ولد في القعدة سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وتوفي ليلة الأحد سادس القعدة سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، قال حدّثنا أبو الحسن عبد الرحمن الداودي البوشنجيّ بضم الموحدة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وسكون النون وبالجيم نسبة إلى بلدة بقرب هراة خراسان المتوفى سنة سبع وستين وأربعمائة سماعًا، قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه بفتح المهملة وتشديد الميم

المضمومة وإسكان الواو وفتح المثناة التحتية السرخسي بفتح السين المهملة والراء وسكون الخاء المعجمة أو بسكون الراء وفتح المعجمة المتوفى سنة إحدى وثمانين وثلثمائة، وقال الثالث أخبرنا أبو علي أو أبو محمد عبد الرحيم الأنصاري المعروف بابن شاهد الجيش بالجيم والمثناة التحتية والثين المعجمة المتوفى سنة ستين وسبعمائة، قال أخبرنا المعين أبو العباس الدمشقي وأبو الطاهر إسماعيل بن عبد القوي بن عزون بفتح العين المهملة وضم الزاي المشددة وبالواو والنون المصري الشافعي وأبو عمرو عثمان بن رشيق بفتح الراء وكسر المعجمة المالكي سماعًا وإجازة لما فات، قالوا أخبرنا أبو عبد الله محمد الأرتاحي بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح المثناة الفوقية وبالحاء المهملة، قال أخبرنا أبو الحسن علي الموصلي، قال أخبرتنا أم الكرام كريمة بنت أحمد المروزية، قالت أخبرنا الكشميهني ح. وقال أبو الحسن الدمشقي أخبرنا سليمان بن حمزة بن أبي عمر بضم العين عن محمد بن عبد الهادي المقدسي عن الحافظ أبي موسى محمد بن أبي بكر المديني، قال أخبرنا أبي، قال أخبرنا الحسن بن أحمد، قال أخبرنا أبو العباس جعفر بن محمد المستغفري، قال أخبرنا أبو علي إسماعيل بن محمد الكشاني وهو آخر من حدّث عن الفربري بالبخاري ح. وأخبرنا قاضي القضاة إمام الحرم الشريف المكي أبو المعالي محمد ابن الإمام رضي الدين محمد الطبري المكي المتوفى آخر ليلة الأربعاء ثامن عشر صفر سنة أربع وتسعين وثمانمائة بمكة بسماعي عليه للثلاثيات وإجازة لسائره بمكة المشرفة في يوم الاثنين ثالث عشر ذي القعدة الحرام سنة إحدى وتسعين وثمانمائة، قال أخبرنا أبو الحسن علي بن سلامة السلمي سماعًا لبعضه وإجازة لسائره، قال أخبرنا الإمام أبو محمد عبد الله بن أسعد اليافعيّ سماعًا عليه، قال أخبرنا الإمام رضيّ الدين الطبري، قال أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي حرمي بالحاء المهملة والراء المفتوحتين فتوح بن بنين بلفظ جمع ابن الكاتب المكي سماعًا لجميعه خلا فوتًا شملته الإجازة، قال أخبرنا أبو الحسن علي بن حميد بضم الحاء ابن عمار بتشديد الميم الأطرابلسي بفتح الهمزة وإسكان المهملة وبالراء وضم الموحدة واللام وبالسين المهملة، قال أخبرنا به أبو مكتوم بفتح الميم وبالمثناة الفوقية المضمومة عيسى بن أبي ذر بالذال المعجمة وتشديد الراء، قال أخبرنا والدي أبو ذر عبد الله بن محمد الهروي بفتح الهاء والراء المتوفى سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، قال أخبرنا أبو إسحق إبراهيم البلخي بفتح الموحدة وسكون اللام وبالخاء المعجمة المستملي المتوفى سنة ست وسبعين وثلثمائة والكشميهني والسرخسي ح. وأخبرنا الأئمة الثلاثة الحافظان أبو عمرو فخر الدين بن أبي عبد الله محمد وشمس الدين محمد بن زين الدين أبي محمد المصريان والمحدث الحافظ نجم الدين عمر بن المحدث الكبير تقي الدين محمد الهاشمي المكي المتوفى في رمضان سنة خمس وثمانين وثمانمائة عن ثلاث وسبعين سنة الشافعيون قراءةً وسماعًا عليهم للكثير منه وإجازة لسائره، قالوا أخبرنا شيخ الإسلام إمام الحفاظ أحمد بن أبي الحسن العسقلاني الشافعي، قال أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد المهدوي إذنًا مشافهةً عن يحيى بن محمد الهمداني، قال أخبرنا أبو محمد عبد الله الديباجي بالجيم إذنًا، قال أخبرنا عبد الله بن محمد الباهلي بالموحدة، قال حدّثنا الحافظ أبو علي الجياني بفتح الجيم وتشديد المثناة التحتية وبالنون، قال أخبرنا أبو شاكر عبد الواحد بن موهب عن الحافظ أبي محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جعفر الأصيلي نسبة إلى أصيل من بلاد العدوة سكنها ونشأ بها وتوفي يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة وحاتم بن محمد الطرابلسي عن الإمام أبي الحسن علي بن محمد القابسي بالقاف والموحدة والمهملة خ. وبسند أبي الحسن علي بن محمد الدمشقي إلى الحافظ أبي موسى المديني، قال أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد الحداد، قال أخبرنا الحافظ أبو نعيم، قال الثلاثة أخبرنا أبو زيد محمد المروزي ح. وقال القابسي أخبرنا أبو أحمد محمد

بن محمد الجرجاني بجيمين ح. وقال أبو الحسن الدمشقي وأيضًا أخبرنا محمد بن يوسف بن المهتار عن الحافظ أبي عمرو عثمان بن الصلاح الشهرزوري، قال أخبرنا منصور بن عبد الدائم بن عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي، قال أخبرنا محمد بن إسماعيل الفارسي، قال أخبرنا سعيد بن أحمد بن محمد الصيرفي العيار بالعين المهملة وتشديد المثناة التحتية، قال أخبرنا أبو علي محمد بن عمر بن شبويه ح. وقال الجياني أخبرنا أبو عمر أحمد بن محمد الحذاء سماعًا وأبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر الحافظ إجازة، قالا أخبرنا أبو محمد الجهني، قال أخبرنا الحافظ أبو علي سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن بفتح السين المهملة والكاف، قال هو والمستملي والكشميهني والسرخسي وأبو زيد المروزي والجرجاني والكشاني وابن شبويه أخبرنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري بكسر الفاء وفتحها وفتح الراء وإسكان الموحدة نسبة إلى قرية من قرى بخارى المتوفى سنة عشرين وثلثمائة وكان سماعه من البخاري صحيحه هذا مرتين مرة بفربر سنة ثمان وأربعين ومائتين ومرة ببخارى سنة اثنتين وخمسين ومائتين ح. وقال الجياني أيضًا أخبرنا الحكم بن محمد، قال أخبرنا أبو الفضل بن أبي عمران الهروي سماعًا لبعضه وإجازة لباقيه، قال أخبرنا أبو صالح خلف بن محمد بن إسماعيل، قال أخبرنا إبراهيم بن معقل النسفي المتوفى سنة أربع وتسعين ومائتين وفاته أوراق رواها عن المؤلف إجازة ح. وأخبرنا الحافظان الفخر والشمس المصريان والحافظ المحدث الكبير النجم المكي عن إمام الصنعة أبي الفضل أحمد بن علي بن أحمد العسقلاني الشافعي، قال أخبرنا أحمد بن أبي بكر بن عبد الحميد في كتابه عن ابن أبي الربيع بن أبي طاهر بن قدامة عن الحسن ابن السيد العلوي عن أبي الفضل بن طاهر الحافظ عن أبي بكر أحمد بن علي بن خلف عن الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ عن أحمد بن محمد بن رميح النسوي عن حماد بن شاكر قال هو والنسفي وابن مطر الفربري أخبرنا الإمام العلاّمة أستاذ الحفاظ أمير المؤمنين في الحديث وشيخ مشايخ الأئمة في الرواية والتحديث أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه بفتح الموحدة وسكون الراء وكسر الدال المهملتين وسكون الزاي المعجمة وفتح الموحدة بعدها هاء ومعناه الزراع بالفارسية الجعفي بضم الجيم وإسكان العين المهملة وبالفاء البخاري المتوفى وله من العمر اثنتان وستون سنة إلا ثلاثة عشر يومًا في الليلة المسفرة عن يوم السبت مستهل شوّال سنة ست وخمسين ومائتين رحمه الله تعالى قال: 1 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». [الحديث 1 - أطرافه في: 54، 2529، 3898، 5070، 6689، 6953] (حدّثنا الحميدي) بضم المهملة وفتح الميم نسبة إلى جده الأعلى حميد، أو إلى الحميدات قبيلة، أو لحميد بطن من أسد بن عبد العزى وهو من أصحاب إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه أخذ عنه ورحل معه إلى مصر، فلما مات الشافعي رجع إلى مكة وهو أفقه قرشي مكي أخذ عنه البخاري، وقيل ولذا قدمه المتوفى سنة تسع عشرة ومائتين وليس هو أبا عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر حدّثنا الحميدي (عبد الله بن الزبير) كما في الفرع كأصله، (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة المكي التابعي الجليل أحد مشايخ الشافعي والمشارك لإمام دار الهجرة مالك في أكثر شيوخه المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة ولأبي ذر عن الحموي عن سفيان، (قال: حدّثنا يحيى بن سعيد) هو ابن قيس (الأنصاري) المدني التابعي المشهور قاضي المدينة المتوفى سنة ثلاث وأربعين ومائة ولأبي ذر عن يحيى بدل قوله حدّثنا يحيى (قال أخبرني) بالإفراد وهو لما قرأه بنفسه على الشيخ وحده (محمد بن إبراهيم) بن الحرث (التيمي) نسبة إلى تيم قريش المتوفى سنة عشرين ومائة، (أنه سمع علقمة) أبا واقد بالقاف (ابن وقاص) بتشديد القاف (الليثي) بالمثلثة نسبة إلى ليث بن بكروذ، وذكره ابن منده في الصحابة وغيره في التابعين المتوفى بالمدينة أيام عبد الملك بن مروان، (يقول سمعت عمر بن الخطاب) بن نفيل بضم النون وفتح الفاء المتوفى سنة ثلاث وعشرين (رضي الله تعالى عنه) أي

سمعت كلامه حال كونه (على المنبر) النبوي المدني، فأل فيه للعهد وهو بكسر الميم من النبرة، وهي الارتفاع أي سمعته حال كونه (قال) ولأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر يقول (سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي سمعت كلامه حال كونه (يقول) فيقول في موضع نصب حالاً من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأن سمعت لا يتعدى إلى مفعولين، فهي حال مبنية للمحذوف المقدّر بكلام، لأن الذات لا تسمع. وقال الأخفش: إذا علقت سمعت بغير مسموع كسمعت زيدًا يقول فهي متعدية لمفعولين الثاني منهما جملة، يقول واختاره الفارسي وعورض بأن سمعت لو كان يتعدى إلى مفعولين لكان إما من باب أعطيت أو ظننت، ولا جائز أن يكون من باب أعطيت لأن ثاني مفعوليه لا يكون جملة ولا مخبرًا به عن الأوّل، وسمعت بخلاف ذلك. ولا جائز أن يكون من باب ظننت لصحة قولك سمعت كلام زيد فتعديه إلى واحد ولا ثالث للبابين، وقد بطلا فتعين القول الأوّل. وأجيب بأن أفعال التصيير ليست من البابين وقد ألحقت بهما. وأيضًا من أثبت ما ليس من البابين مثبت لما لا مانع منه، فقد ألحق بعضهم بما ينصب مفعولين ضرب مع المثل نحو: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا} [النحل: 75]، وألحق بعضهم رأي الحلمية نحو قوله تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] وأتى بيقول المضارع في رواية من ذكرها بعد سمع الماضي. إما حكاية لحال وقت السماع أو لإحضار ذلك في ذهن السامعين تحقيقًا وتأكيدًا له، وإلا فالأصل أن يقال: قال كما في الرواية الأخرى ليطابق سمعت. (إنما الأعمال) البدنية أقوالها وأفعالها فرضها ونفلها قليلها وكثيرها الصادرة من المكلفين المؤمنين صحيحة أو مجزئة (بالنيات) قيل: وقدّره الحنفية إنما الأعمال كاملة والأوّل أولى لأن الصحة أكثر لزومًا للحقيقة من الكمال، فالحمل عليها أولى لأن ما كان ألزم للشيء كان أقرب خطورًا بالبال عند إطلاق اللفظ، وهذا يوهم أنهم لا يشترطون النية في العبادات، وليس كذلك فإن الخلاف ليس إلا في الوسائل، أما المقاصد، فلا اختلاف في اشتراط النية فيها. ومن ثم لم يشترطوها في الوضوء لأنه مقصود لغيره لا لذاته، فكيفما حصل حصل المقصود وصار كستر العورة وباقي شروط الصلاة التي لا تفتقر إلى نية، وإنما احتيج في الحديث إلى التقدير لأنه لا بدّ للجار من متعلق محذوف هنا هو الخبر في الحقيقة على الأصح، فينبغي أن يجعل المقدر أوّلاً في ضمن الخبر فيستغنى عن إضمار شيء في الأوّل لئلا يصير في الكلام حذفان، حذف المبتدأ أوّلاً وحذف الخبر ثانيًا، وتقديره: إنما صحة الأعمال كائنة بالنيات، لكن قال البرماوي يعارضه أن الخبر يصير كونًا خاصًّا، وإذا قدّرنا إنما صحة الأعمال كائنة كان كونًا مطلقًا وحذف الكون المطلق أكثر من الكون الخاص، بل يمتنع إذا لم يدل عليه دليل وحذف المضاف كثير أيضًا، فارتكاب حذفين بكثرة وقياس أولى من حذف واحد بقلة وشذوذ وهو الوجه المرضيّ، ويشهد لذلك ما قرّره في حذف خبر المبتدأ بعد لولا في الكون العامّ والخاص. ومنهم من جعل المقدّر القبول أي إنما قبول الأعمال، لكن تردّد في أن القبول ينفك عن الصحة أم لا، فعلى الأوّل هو كتقدير الكمال وعلى الثاني كتقدير الصحة، ومنهم من قال: لا حاجة إلى إضمار محذوف من الصحة أو الكمال أو نحوهما، إذ الإضمار خلاف الأصل، وإنما المراد حقيقة العمل الشرعي فلا يحتاج حيئذ إلى إضمار. والنيات بتشديد الياء جمع نية من نوى ينوي من باب ضرب يضرب وهي لغة القصد، وقيل: هي من النوى بمعنى البعد، فكأنَّ الناوي للشيء يطلب بقصده وعزمه بما لم يصل إليه بجوارحه وحركاته الظاهرة لبعده عنه، فجعلت النية وسيلة إلى بلوغه. وشرعًا قصد الشيء مقترنًا بفعله، فإن تراخى عنه كان عزمًا، أو يقال: قصد الفعل ابتغاء وجه الله وامتثالاً لأمره، وهي هنا محمولة على معناها اللغوي ليطابق ما بعده من التقسيم، والتقييد بالمكلفين المؤمنين يخرج أعمال الكفار، لأن المراد بالأعمال أعمال العبادة وهي لا تصح من الكافر وإن كان مخاطبًا بها معاقبًا على تركها، وجمعت النية في هذه الرواية باعتبار تنوّعها لأن

المصدر لا يجمع إلا باعتبار تنوّعه أو باعتبار مقاصد الناوي، كقصده تعالى، أو تحصيل موعوده أو اتقاء وعيده. وليس المراد نفي ذات العمل لأنه حاصل بغير نية، وإنما المراد نفي صحته أو كماله على اختلاف التقديرين. وفي معظم الروايات النية بالإفراد على الأصل لاتحاد محلها وهو القلب، كما أن مرجعها واحد وهو الإخلاص للواحد الذي لا شريك له، فناسب إفرادها بخلاف الأعمال فإنها متعلقة بالظواهر وهي متعددة فناسب جمعها. وفي صحيح ابن حبان الأعمال بالنيات بحذف إنما، وجمع الأعمال والنيات. وفي كتاب الإيمان من البخاري من رواية مالك عن يحيى الأعمال بالنية، وفيه أيضًا في النكاح العمل بالنية بالإفراد فيهما. والتركيب في كلها يفيد الحصر باتفاق المحققين، لأن الأعمال جمع محلى بالألف واللام مفيد للاستغراق وهو مستلزم للحصر لأنه من حصر المبتدأ في الخبر، ويعبر عنه البيانيون بقصر الموصوف على الصفة، وربما قيل قصر المسند إليه على المسند، والمعنى كل عمل بنية فلا عمل إلا بنية. واختلف في إنما هل تفيد الحصر أم لا، فقال الشيخ أبو إسحق الشيرازي والغزاليّ والكيا الهراسي والإمام فخر الدين: تفيد الحصر المشتمل على نفي الحكم عن غير المذكور، نحو: إنما قائم زيد أي لا عمرو، أو نفي غير الحكم عن المذكور نحو: إنما زيد قائم أي لا قاعد. وهل تفيده بالمنطوق أو بالمفهوم، قال البرماوي في شرح ألفيته: الصحيح أنه بالمنطوق، لأنه لو قال ما له عليّ إلا دينار كان إقرارًا بالدينار، ولو كان مفهومًا لم يكن مقرًّا لعدم اعتبار المفهوم بالأقارير اهـ. وممن صرّح بأنه منطوق أبو الحسين بن القطان والشيخ أبو إسحق الشيرازي والغزالي، بل نقله البلقيني عن جميع أهل الأصول من المذاهب الأربعة إلا اليسير كالآمدي، قال في اللامع: وقيل الحصر من عموم المبتدأ باللام وخصوص خبره على حد صديقي زيد لعموم المضاف إلى المفرد وخصوص خبره، ففي الرواية الأخرى كما سبق بدون إنما، فالتقدير كل الأعمال بالنيات إذ لو كان عمل بلا نية لم تصدق هذه الكلية، وأصل إنما أنّ التوكيدية دخلت عليها ما الكافة، وهي حرف زائد خلافًا لمن زعم أنها ما النافية، ولا يرد على دعوى الحصر نحو صوم رمضان بنيّة قضاء أو نذر حيث لم يقع له ما نوى لعدم قابلية المحل والضرورة في الحج ينويه للمستأجر فلا يقع إلا للناوي، لأن نفس الحج وقع، ولو كان لغير المنوي له. والفرق بينه وبين نيّة القضاء أو النذر في رمضان حيث لا يصح أصلاً لأن التعيين ليس بشرط في الحج فيحرم مطلقًا ثم يصرفه إلى ما شاء، ولذا لو أحرم بنفله وعليه فرضه انصرف للفرض لشدة اللزوم، فإذا لم يقبل ما أحرم به انصرف إلى القابل. نعم لو أحرم بالحج قبل وقته انعقد عمرة على الراجح لانصرافه إلى ما يقبل، وهذا بخلاف ما لو أحرم بالصلاة قبل وقتها عالمًا لا تنعقد، وأما إزالة النجاسة حيث لا تفتقر إلى نية فلأنها من قبيل التروك، نعم تفتقر لحصول الثواب كتارك الزنا إنما يثاب بقصد أنه تركه امتثالاً للشرع، وكذلك نحو القراءة والأذان والذكر لا يحتاج إلى نية لصراحتها إلا لغرض الإثابة. وخروج هذا ونحوه عن اعتبار النية فيها إما بديل آخر، فهو من باب تخصيص العموم أو لاستحالة دخولها، كالنية ومعرفة الله تعالى، فإن النية فيهما محال. أما النية فلأنها لو توقفت على نية أخرى توقفت الأخرى على أخرى، ولزم التسلسل أو الدور وهما محُالان. وأما معرفة الله تعالى فلأنها لو توقفت على النية مع أن النية قصد المنوي بالقلب، لزم أن يكون عارفًا بالله تعالي قبل معرفته وهو محال، والأعمال جمع عمل وهو حركة البدن بكله أو بعضه، وربما أطلق على حركة النفس، فعلى هذا يقال العمل إحداث أمر قولاً كان أو فعلاً بالجارحة أو بالقلب، لكن الأسبق إلى الفهم الاختصاص بفعل الجارحة لا نحو النية، قاله ابن دقيق العيد، قال: ورأيت بعض المتأخرين من أهل الخلاف خصّه بما لا يكون قولاً، قال: وفيه نظر ولو خصص بذلك لفظ الفعل لكان أقرب من حيث استعمالها متقابلين، فيقال: الأقوال والأفعال ولا تردد عندي في أن الحديث يتناول الأقوال أيضًا اهـ. وتعقبه صاحب جمع العدة بأنه: إن أراد بقوله ولا

تردد عندي أن الحديث يتناول الأقوال أيضًا باعتبار افتقارها إلى النية بناء على أن المراد إنما صحة الأعمال، فممنوع بل الأذان والقراءة ونحوهما تتأدّى بلا نية. وإن أراد باعتبار أنه يُثاب على ما ينوي منها ويكون كلامًا فمسلم ولكنه مخالف لما رجحه من تقدير الصحة. فإن قلت: لم عدل عن لفظ الأفعال إلى الأعمال؟ أجاب الخويّي بأن الفعل هو الذي يكون زمانه يسيرًا ولم يتكرّر، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1] وتبين لكم كيف فعلنا بهم حيث كان إهلاكهم في زمان يسير، ولم يتكرر بخلاف العمل، فإنه الذي يوجد من الفاعل في زمان مديد بالاستمرار والتكرار. قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة: 25] طلب منهم العمل الذي يدوم ويستمر ويتجدد كل مرة ويتكرر لا نفس الفعل. قال تعالى: {فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُون} [الصافات: 61] ولم يقل يفعل الفاعلون، فالعمل أخص. ومن ثم قال الأعمال ولم يقل الأفعال، لأن ما يندر من الإنسان لا يكون بنية لا أن كل عمل تصحبه نية. وأما العمل فهو ما يدوم عليه الإنسان ويتكرر منه فتعتبر النية اهـ. فليتأمل. والباء في بالنيات تحتمل المصاحبة والسببية، أي الأعمال ثابت ثوابها بسبب النيات، ويظهر أثر ذلك في أن النية شرط أو ركن، والأشبه عند الغزاليّ أنها شرط لأن النية في الصلاة مثلاً تتعلق بها فتكون خارجة عنها، وإلاّ لكانت متعلقة بنفسها وافتقرت إلى نية أخرى، والأظهر عند الأكثرين أنها من الأركان، والسببية صادقة مع الشرطية وهو واضح لتوقف المشروط على الشرط، ومع الركنية لأن بترك جزء من الماهية تنتفي الماهية. والحق أن إيجادها ذكرًا في أوّله ركن واستصحابها حكمًا بأن تعرى عن المنافي شرط كإسلام الناوي وتمييزه وعلمه بالمنوي، وحكمها الوجوب ومحلها القلب، فلا يكفي النطق مع الغفلة. نعم يستحب النطق بها ليساعد اللسان القلب، ولئن سلمنا أنه لم يرو عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا عن أحد من أصحابه النطق بها لكنا نجزم بأنه عليه الصلاة والسلام نطق بها لأنه لا شك أن الوضوء المنوي مع النطق به أفضل، والعلم الضروري حاصل بأن أفضل الخلق لم يواظب على ترك الأفضل طول عمره، فثبت أنه أتى بالوضوء المنوي مع النطق، ولم يثبت عندنا أنه أتى بالوضوء العاري عنه. والشك لا يعارض اليقين، فثبت أنه أتى بالوضوء المنوي مع النطق، والمقصود بها تمييز العبادة عن العادة أو تمييز رتبها، ووقتها أوّل الفرض كأوّل غسل جزء من الوجه في الوضوء، فلو نوى في أثناء غسل الوجه كفّت ووجب إعادة المغسول منه قبلها، وإنما لم يوجبوا المقارنة في الصوم لعسر مراقبة الفجر. وشرط النية الجزم فلو توضأ الشاك بعد وضوئه في الحدث احتياطًا فبان محدثًا لم يجزه للتردد في النية بلا ضرورة، بخلاف ما إذا لم يبن محدثًا فإنه يجزيه للضرورة. وإنما صح وضوء الشاك في طهره بعد تيقن حدثه مع التردد لأن الأصل بقاء الحدث. بل لو نوى في هذه إن كان محدثًا فعن حدثه، وإلا فتجديد صح أيضًا، وإن تذكر. نقله النووي في شرح المهذب عن البغوي وأقرّه. (وإنما لكل امرىء) بكسر الراء لكل رجل (ما نوى) أي الذي نواه أو نيته، وكذا لكل امرأة ما نوت لأن النساء شقائق الرجال. وفي القاموس والمرء مثلث الميم الإنسان أو الرجل، وعلى القول بأن إنما للحصر فهو هنا من حصر الخبر في المبتدأ، أو يقال: قصر الصفة على الموصوف لأن المقصور عليه في إنما دائمًا المؤخر، ورتبوا هذه على السابقة بتقديم الخبر وهو يفيد الحصر كما تقرر، واستشكل الإتيان بهذه الجملة بعد السابقة لاتحاد الجملتين فقيل تقديره وإنما لكل امرىء ثواب ما نوى، فتكون الأولى قد نبهت على أن الأعمال لا تصير معتبرة إلا بنية، والثانية على أن العامل يكون له ثواب العمل على مقدار نيته، ولهذا أخّرت عن الأولى لترتبها عليها. وتعقب بأن الأعمال حاصلة بثوابها للعامل لا لغيره فهي عين معنى الجملة الأولى، وقال ابن عبد السلام: معنى الثانية حصر ثواب الإجزاء المرتب على العمل لعامله، ومعنى الأولى صحة الحكم وإجزاؤه ولا يلزم منه ثواب، فقد يصح العمل ولا ثواب عليه كالصلاة في المغصوب ونحوه على أرجح المذاهب، وعورض بأنه

يقتضي أن العمل له نيتان نية بها يصح في الدنيا ويحصل الاكتفاء به، ونية بها يحصل الثواب في الآخرة إلا أن يقدر في ذلك وصف النية إن لم يحصل صح ولا ثواب، وإن حصل صح وحصل الثواب فيزول الإشكال. وقيل: إن الثانية تفيد اشتراط تعيين المنويّ فلا يكفي في الصلاة نيتها من غير تعيين، بل لا بدّ من تمييزها بالظهر أو العصر مثلاً، وقيل: إنها تفسد منع الاستنابة في النية لأن الجملة الأولى لا تقتضي منعها بخلاف الثانية، وتعقب بنحو نية وليّ الصبي في الحج فإنها صحيحة، وكحج الإنسان عن غيره، وكالتوكيل في تفرقة الزكاة. وأجيب بأن ذلك واقع على خلاف الأصل في المواضع. وذهب القرطبيّ إلى أن الجملة اللاحقة مؤكدة للسابقة، فيكون ذكر الحكم بالأولى وأكده بالثانية تنبيهًا على سرّ الإخلاص وتحذيرًا من الرياء المانع من الخلاص، وقد علم أن الطاعات في أصل صحتها وتضاعفها مرتبطة بالنيات، وبها ترفع إلى خالق البريّات. (فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها) جملة في موضع جرّ صفة لدنيا أي يحصلها نية وقصدًا (أو إلى امرأة) ولأبي ذر أو امرأة (ينكحها) أي يتزوّجها كما في الرواية الأخرى، (فهجرته إلى ما هاجر إليه) من الدنيا والمرأة والجملة جواب الشرط في قوله فمن. قال ابن دقيق العيد في قوله: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، أي فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نيةً وقصدًا فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا، ونحو هذا في التقدير قوله: فمن كانت هجرته إلى دنيا إلى آخره، لئلا يتحد الشرط والجزاء، ولا بدّ من تغايرهما، فلا يقال من أطاع الله أطاع الله، وإنما يقال من أطاع الله نجا، وهنا وقع الاتحاد فاحتيج إلى التقدير المذكور، وعورض بأنه ضعيف من جهة العربية لأن الحال المبينة لا تحذف بلا دليل، ومن ثم منع بعضهم تعلق الباء في بسم الله بحال محذوفة أي ابتدىء متبركًا قال: لأن حذف الحال لا يجوز، وأجاب البدر الدماميني منتصرًا لابن دقيق العيد بأن ظاهر نصوصهم جواز الحذف، قال: ويؤيده أن الحال خبر في المعنى أو صفة وكلاهما يسوغ حذفه بلا دليل فلا مانع في الحال أن تكون كذلك. اهـ. وقيل: لأن التغاير يقع تارة باللفظ وهو الأكثر وتارة بالمعنى، ويفهم ذلك من السياق كقوله تعالى: {َمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 71] أي مرضيًا عند الله ماحيًا للعقاب محصلاً للثواب، فهو مؤوّل على إرادة المعهود المستقرّ في النفس كقولهم: أنت أنت أي الصديق، وقوله: أنا أبو النجم وشعري شعري. وقال بعضهم: إذا اتحد لفظ المبتدأ والخبر أو الشرط والجزاء علم منهما المبالغة إما في التعظيم كقوله: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، وإما في التحقير كقوله: فمن كانت هجرته إلى دنيا إلى آخره، وقيل الخبر في الثاني محذوف والتقدير فهجرته إلى ما هاجر إليه من الدنيا، والمرأة قبيحة غير صحيحة أو غير مقبولة ولا نصيب له في الآخرة. وتعقب بأنه يقتضي أن تكون الهجرة مذمومة مطلقًا وليس كذلك، فإن من نوى بهجرته مفارقة دار الكفر وتزويج المرأة معًا لا تكون قبيحة ولا غير صحيحة بل ناقصة بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة، وإنما أشعر السياق بذم من فعل ذلك بالنسبة إلى من طلب المرأة بصورة الهجرة الخالصة، فأما من طلبها مضمومة إلى الهجرة فإنه يثاب على قصده الهجرة لكن دون ثواب من أخلص. وقد اشتهر أن سبب هذا الحديث قصة مهاجر أم قيس المروية في المعجم الكبير للطبراني بإسناد رجاله ثقات من رواية الأعمش، ولفظه عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها أم قيس فأبت أن تتزوّجه حتى يهاجر فهاجر فتزوّجها، قال: فكنا نسميه مهاجر أم قيس. ولم يقف ابن رجب على من خرجه فقال في شرحه الأربعين للنووي: وقد ذكر ذلك كثير من المتأخرين في كتبهم ولم نر له أصلاً بإسناد يصح. وذكر أبو الخطاب بن دحية أن اسم المرأة قيلة، وأما الرجل فلم يسمه أحد ممن صنف في الصحابة فيما رأيته، وهذا السبب وإن كان خاص المورد لكن العبرة بعموم اللفظ والتنصيص على المرأة من باب التنصيص على الخاص

بعد العام للاهتمام نحو والملائكة وجبريل. وعورض بأن لفظ دنيا نكرة وهي لا تعم في الإثبات فلا يلزم دخول المرأة فيها. وأجيب بأنها إذا كانت في سياق الشرط تعم، ونكتة الاهتمام الزيادة في التحذير لأن الافتتان بها أشد، وإنما وقع الذم هنا على مباح ولا ذم فيه ولا مدح لكون فاعله أبطن خلاف ما أظهر، إذ خروجه في الظاهر ليس لطلب الدنيا لأنه إنما خرج في صورة طلب فضيلة الهجرة، والهجرة بكسر الهاء الترك والمراد هنا من هاجر من مكة إلى المدينة قبل فتح مكة فلا هجرة بعد الفتح، لكن جهاد ونية كما قال عليه الصلاة والسلام، نعم حكمها من دار الكفر إلى دار الإسلام مستمر، وفي الحقيقة هي مفارقة ما يكرهه الله تعالى إلى ما يحبه، وفي الحديث: "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه". ودنيا بضم الدال مقصورة غير منوّنة للتأنيث والعلمية وقد تكسر وتنوّن، وحكي عن الكشميهني أنكر عليه وأنه لا يعرف في اللغة التنوين، ولم يكن الكشميهني ممن يرجع إليه في ذلك اهـ. والصحيح جوازه قال في القاموس: والدنيا نقيض الآخرة وقد تنوّن وجمعها دنى اهـ، واستدلوا له بقوله: إني مقسم ما ملكت فجاعل ... جزءًا لآخرتي ودنيا تنفع فإن ابن الأعرابيّ أنشده منوّنًا وليس بضرورة كما لا يخفى، والدنيا فعلى من الدنوّ وهو القرب، سميت بذلك لسبقها للأخرى، وهي ما على الأرض من الجوّ والهواء أو هي كل المخلوقات من الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدار الآخرة، أو لدنوّها من الزوال. ووقع في رواية الحميدي هذه حذف أحد وجهي التقسيم وهو قوله: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله الخ. وقد ذكره البخاري من غير طريق الحميدي، فقال ابن العربي: لا عذر للبخاري في إسقاطه لأن الحميدي رواه في مسنده على التمام، قال: وقد ذكر قوم أنه لعله استملاه من حفظ الحميدي فحدّثه هكذا فحدّث عنه كما سمع أو حدّثه به تامًّا فسقط من حفظ البخاري. قال: وهو أمر مستبعد جدًّا عند من اطّلع على أحوال القوم، وجاء من طريق بشر بن موسى، وصحيح أبي عوانة، ومستخرجي أبي نعيم على الصحيحين من طريق الحميدي تامًّا، ولعل المؤلف إنما اختار الابتداء بهذا السياق الناقص ميلاً إلى جواز الاختصار من الحديث ولو من أثنائه كما هو الراجح، وقيل غير ذلك. وهذا الحديث أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام. قال أبو داود: يكفي الإنسان لدينه أربعة أحاديث: "الأعمال بالنيات"، و"حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" و"لا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه"، و"الحلال بيّن والحرام بيّن". وذكر غيره غيرها. وقال الشافعي وأحمد إنه يدخل فيه ثلث العلم. قال البيهقي: إذا كسب العبد إما بقلبه أو بلسانه أو ببقية جوارحه. وعن الشافعي أيضًا أنه يدخل فيه نصف العلم، ووجه بأن للدين ظاهرًا وباطنًا، والنية متعلقة بالباطن والعمل هو الظاهر. وأيضًا فالنية عبودية القلب، والعمل عبودية الجوارح. وقد زعم بعضهم أنه متواتر وليس كذلك لأن الصحيح أنه لم يروه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا عمر، ولم يروه عن عمر إلا علقمه، ولم يروه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم، ولم يروه عن محمد بن إبراهيم إلا يحيى بن سعيد الأنصاري وعنه انتشر. فقيل: رواه عنه أكثر من مائتي راوٍ، وقيل سبعمائة، من أعيانهم مالك والثوري والأوزاعي وابن المبارك والليث بن سعد وحماد بن زيد وسعيد وابن عيينة، وقد ثبت عن أبي إسماعيل الهروي الملقب بشيخ الإسلام أنه كتبه عن سبعمائة رجل أيضًا من أصحاب يحيى بن سعيد فهو مشهور بالنسبة إلى آخره غريب بالنسبة إلى أوله، نعم المشهور ملحق بالمتواتر عند أهل الحديث، غير أنه يفيد العلم النظري إذا كانت طرقه متباينة سالمة من ضعف الرواة ومن التعليل. والمتواتر يفيد العلم الضروري، ولا تشترط فيه عدالة ناقله وبذلك افترقا. وقد توبع علقمة والتيمي ويحيى بن سعيد على روايتهم. قال ابن منده: هذا الحديث رواه عن عمر غير علقمة ابنه عبد الله وجابر وأبو جحيفة وعبد الله بن عامر بن ربيعة وذو الكلاع وعطاء بن يسار وناشرة بن سمي ووأصل بن عمرو الجذامي ومحمد بن المنكدر،

2 - باب

ورواه عن علقمة غير التيمي سعيد بن المسيب ونافع مولى ابن عمر، وتابع يحيى بن سعيد على روايته عن التيمي محمد بن محمد أبو الحسن الليثي وداود بن أبي الفرات ومحمد بن إسحق بن يسار وحجاج بن أرطأة وعبد ربه بن قيس الأنصاري. ورواة إسناده هنا ما بين كوفي ومدني، وفيه تابعي عن تابعي يحيى ومحمد التيمي، أو ثلاثة إن قلنا إن علقمة تابعي وهو قول الجمهور. وصحابي عن صحابي إن قلنا إن علقمة صحابي. وفيه الرواية بالتحديث والإخبار والسماع والعنعنة. وأخرجه المؤلف في الإيمان والعتق والهجرة والنكاح والأيمان والنذور وترك الحيل، ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد والدارقطني وابن حبان والبيهقي، ولم يخرجه مالك في موطئه، وبقية مباحثه تأتي إن شاء الله تعالى في محالها. وقد رواه من الصحابة غير عمر، قيل: نحو عشرين صحابيًا فذكره الحافظ أبو يعلى القزويني في كتابه الإرشاد من رواية مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الأعمال بالنية". ثم قال: هذا حديث غير محفوظ عن زيد بن أسلم بوجه، فهذا ما أخطأ فيه الثقة. ورواه الدارقطني في أحاديث مالك التي ليست في الموطأ وقال: تفرد به عبد المجيد عن مالك ولا نعلم من حدّث به عن عبد المجيد غير نوح بن حبيب وإبراهيم بن محمد العتقي، وقال ابن منده في جمعه لطرق هذا الحديث: رواه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير عمر سعد بن أبي وقاص، وعليّ بن أبي طالب، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن مسعود، وأنس، وابن عباس، ومعاوية، وأبو هريرة، وعبادة بن الصامت، وعتبة بن عبد السلمي، وهلال بن سويد، وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله، وأبو ذر، وعتبة بن المنذر، وعقبة بن مسلم، وعبد الله بن عمر اهـ. وقد اتفق على أنه لا يصح مسندًا إلا من رواية عمر إشارة إلى أن من أراد الغنيمة صحح العزيمة، ومن أراد المواهب السنيّة أخلص النية، ومن أخلص الهجرة ضاعف الإخلاص أجره، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، إنما تنال المطالب على قدر همة الطالب، إنما تدرك المقاصد على قدر عناء القاصد. على قدر أهل العزم تأتي العزائم 2 - باب 2 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ -رضي الله عنه- سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ - وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ - فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلاً فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ». قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ، فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا. [الحديث 2 - أطرافه في: 3215]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي المنزل الدمشقي الأصل المتوفى سنة ثمان عشرة ومائتين وفي يوسف تثليث السين مع الهمز وتركه ومعناه بالعبرانية جميل الوجه، (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأصبحيّ إمام دار الهجرة بل إمام الأئمة المتوفى سنة تسع وسبعين ومائة، (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام القرشي التابعي المتوفى سنة خمس وأربعين ومائة ببغداد (عن أبيه) أبي عبد الله عروة المدني أحد الفقهاء السبعة المتوفى سنة أربع وتسعين (عن عائشة) بالهمز وعوام المحدّثين يبدلونها ياء (أم المؤمنين رضي الله عنها) قال الله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] أي في الاحترام والإكرام والتوقير والإعظام وتحريم نكاحهن لا في جواز الخلوة والمسافرة وتحريم نكاح بناتهن، وكذا النظر في الأصح. وبه جزم الرافعي وإن سمى بعض العلماء بناتهنّ أخوات المؤمنين كما هو منصوص الشافعي في المختصر فهو من باب إطلاق العبارة لا إثبات الحكم، قال في الفتح: وإنما قيل للواحدة منهن أم المؤمنين للتغليب وإلا فلا مانع من أن يقال لها أم المؤمنات على الراجح، وحاصله أن النساء يدخلن في جمع المذكر السالم تغليبًا، لكن صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أنا أم رجالكم لا أم نسائكم، قال ابن كثير: وهو أصح الوجهين والله أعلم، وتوفيت عائشة بنت أبي بكر الصديق بعد الخمسين إما سنة خمس أو ست أو سبع أو ثمان في رمضان، وعاشت خمسًا وستين سنة وتوفي عنها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي بنت ثماني عشرة، وأقامت في صحبته تسع، وقيل ثمان سنين وخمسة أشهر، ولعائشة في البخاري مائتان واثنان وأربعون حديثًا. (أن الحرث بن هشام) بغير ألف بعد الحاء في الكتابة تخفيفًا، المخزومي أحد فضلاء الصحابة ممن أسلم يوم الفتح المستشهد في فتح الشام سنة خمس عشرة (رضي الله عنه سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه

ِ وَسَلَّمَ-) يحتمل أن تكون عائشة حضرت ذلك فيكون من مسندها، وأن يكون الحرث أخبرها بذلك فيكون من مرسل الصحابة وهو محكوم بوصله عند الجمهور، (فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي)؟ أي صفة الوحي نفسه أو صفة حامله أو ما هو أعم من ذلك، وعلى كل تقدير فإسناد الإتيان إلى الوحي مجاز لأن الإتيان حقيقة من وصف حامله، (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالفاء قبل القاف، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أحيانًا) أي أوقاتًا وهو نصب على الظرفية وعامله (يأتيني) مؤخر عنه أي يأتيني الوحي إتيانًا (مثل صلصلة الجرس) أو حالاً، أي يأتيني ْمشابّها صوته صلصلة الجرس وهو بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة والجرس بالجيم والمهملة الجلجل الذي يعلق في رؤوس الدواب، قيل: والصلصلة المذكورة صوت الملك بالوحي، وقيل: صوت حفيف أجنحة الملك. والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقى فيه متسع لغيره (وهو أشده عليّ) وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى ورفع الدرجات (فيفصم عني) الوحي والملك، بفتح المثناة التحتية وسكون الفاء وكسر المهملة، كذا لأبي الوقت من فصم يفصم من باب ضرب يضرب، والمراد قطع الشدة أي يقلع وينجلي ما يغشاني من الكرب والشدة، ويروى فيفصم بضم الياء وكسر الصاد من أفصم المطر إذا أقلع، رباعي قال في المصابيح: وهي لغة قليلة، وفي رواية أخرى في اليونينية فيفصم بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول والفاء عاطفة والفصم القطع من غير بينونة، فكأنه قال: إن الملك يفارقني ليعود إليّ (وقد وعيت) بفتح العين أي فهمت وجمعت وحفظت (عنه) عن الملك (ما قال) أي القول الذي قاله فحذف العائد وكل من الضميرين المجرور والمرفوع يعود على الملك المفهوم مما تقدم. فإن قلت: صوت الجرس مذموم لصحة النهي عنه كما في مسلم وأبي داود وغيرهما، فكيف يشبه به ما يفعله الملك به مع أن الملائكة تنفر عنه؟ أجيب: بأنه يلزم من التشبيه تساوي المشبه بالمشبه به في الصفات كلها، بل يكفي اشتراكهما في صفة ما. والمقصود هنا بيان الجنس، فذكر ما ألف السامعون سماعه تقريبًا لإفهامهم. والحاصل أن الصوت له جهتان: جهة قوّة وجهة طنين، فمن حيث القوّة وقع التشبيه به ومن حيث الطنين وقع التنفير عنه. وقال الإمام فضل الله التوريشتي بضم الفوقية وسكون الواو بعدها راء فموحدة مكسورتان ثم شين محجمة ساكنة ففوقية مكسورة لما سئل عليه الصلاة والسلام عن كيفية الوحى، وكان من المسائل العويصة التي لا يماط نقاب التعزز عن وجهها لكل أحد، ضرب لها في الشاهد مثلا بالصوت المتدارك الذي يسمع ولا يفهم منه شيء تنبيهًا على أن إتيانها يرد على القلب في هيبة الجلال وأبّهة الكبرياء، فتأخذ هيبة الخطاب حين ورودها بمجامع القلب، ويلاقي من ثقل القول ما لا علم له به بالقول مع وجود ذلك، فإذا سرّي عنه وجد القول المنزل بينًا ملقى في الروع واقعًا موقع المسموع، وهذا معنى فيفصم عني وقد وعيت، وهذا الضرب من الوحي شبيه بما يوحى إلى الملائكة على ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: إذا قضى الله في السماء أمرًا ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنها سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العليّ الكبير اهـ. وقد روى الطبراني وابن أبي عاصم من حديث النوّاس بن سمعان مرفوعًا: "إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة أو رعدة شديدة من خوف الله تعالى، فإذا سمع أهل السماء صعقوا وخرّوا سجّدًا فيكون أوّلهم يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد فينتهي به إلى الملائكة، كلما مر بسماء سأله أهلها ماذا قال ربنا قال الحق فينتهي به حيث أمره الله من السماء والأرض". وروى ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعًا: "إذا تكلم الله بالوحي يسمع أهل السماء صلصلة كصلصلة السلسلة على الصفوان فيفزعون، وعند ابن أبي حاتم عن العوفي عن ابن عباس وقتادة أنهما فسّرا آية {إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ}

[سبأ: 23] بابتداء إيحاء الله إلى محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد الفترة التي كانت بينه وبين عيسى. وفي كتاب العظمة لأبي الشيخ عن وهيب بن الورد، قال: بلغني أن أقرب الخلق من الله تعالى إسرافيل العرش على كاهله، فإذا نزل الوحي دلي لوح من تحت العرش فيقرع جبهة إسرافيل فينظر فيه فيدعو جبريل فيرسله، فإذا كان يوم القيامة أُتيِ به ترعد فرائصه فيقال: ما صنعت فيما أدى إليك اللوح؟ فيقول: بلغت جبريل، فيدعى جبريل ترعد فرائصه فيقال: ما صنعت فيما بلغك إسرافيل؟ فيقول: بلغت الرسل الأثر الخ. على أن العلم بكيفية الوحي سر من الأسرار التي لا يدركها العقل، وسماع الملك وغيره من الله تعالى ليس بحرف أو صوت بل يخلق الله تعالى للسامع علمًا ضروريًا فكما أن كلامه تعالى ليس من جنس كلام البشر فسماعه الذي يخلقه لعبده ليس من جنس سماع الأصوات، وإنما كان هذا الضرب من الوحي أشد على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غيره لأنه كان يردّ فيه من الطبائع البشرية إلى الأوضاع الملكية فيوحي إليه كما يوحي إلى الملائكة كما ذكر في حديث أبي هريرة وغيره، بخلاف الضرب الآخر الذي أشار إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله: (وأحيانًا يتمثل) أي يتصور (لي) لأجلي، فاللام تعليلية، (الملك) جبريل. (رجلاً) أي مثل رجل كدحية أو غيره، فالنصب على المصدرية، أي يتمثل تمثل رجل أو هيئة رجل فيكون حالاً، قال البدر الدماميني: وقد صرح بعضهم بأنه حال ولم يؤوله بمشتق وهو متجه لدلالة رجل هنا على الهيئة بدون تأويل اهـ. وتعقب بأن الحال في المعنى خبر عن صاحبه، فيلزم أن يصدق عليه، والرجل لا يصدق على الملك، وقول الكرماني وغيره إنه تمييز. قال في المصابيح: الظاهر أنهم أرادوا تمييز النسبة لا تمييز المفرد إذ الملك لا إبهام فيه، ثم قال: فإن قلت تمييز النسبة لا بدّ أن يكون محوّلاً عن الفاعل كتصبب زيد عرقًا أي عرق زيد، أو المفعول نحو {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا} [القمر: 12] أي عيون الأرض، وذلك هنا غير متأتٍّ. وأجاب بأن هذا أمر غالب لا دائم بدليل امتلأ الإناء ماء. قال: ولو قيل بأن يتمثل هنا أجري مجرى يصير لدلالته على التحوّل والانتقال من حالة إلى أخرى، فيكون رجلاً خبرًا كما ذهب إليه ابن مالك في تحوّل وأخواته لكان وجهًا، لكن قد يقال: إن معنى يتمثل يصير مثال رجل، ومع التصريح بذلك يمتنع أن يكون رجلاً خبرًا له فتأمله اهـ. وقيل: النصب على المفعولية على تضمين يتمثل معنى يتخذ، أي الملك رجلاً مثالاً لكن قال العيني: إنه بعيد من جهة المعنى. والملائكة كما قال المتكلمون أجسام علوية لطيفة تتشكل في أيّ شيء أرادوا، وزعم بعض الفلاسفة أنها جواهر روحانية، والحق أن تمثل الملك رجلاً ليس معناه أن ذاته انقلبت رجلاً، بل معناه أنه ظهر بتلك الصورة تأنيسًا لمن يخاطبه، والظاهر أن القدر الزائد لا يفنى بل يخفى على الرائي فقط، ولأبي الوقت يتمثل لي الملك على مثال رجل (فيكلمني فأعي ما يقول) أي الذي يقوله فالعائد محذوف والفاء في الكلمتين للعطف المشير للتعقيب. وقد وقع التغاير بين قوله: وقد وعيت بلفظ الماضي، وفأعي بلفظ المضارع، لأن الوعي في الأوّل حصل قبل الفصم، ولا يتصوّر بعده، وفي الثاني في حالة المكالمة ولا يتصوّر قبلها. أو أنه في الأوّل قد تلبس بالصفات الملكية فإذا عاد إلى حالته الجبلية كان حافظًا لما قيل له فأخبر عن الماضي، بخلاف الثاني فإنه على حالته المعهودة. وليس المراد حصر الوحي في هاتين الحالتين بل الغالب مجيئه عليهما. وأقسام الوحي الرؤيا الصادقة ونزول إسرافيل أوّل البعثة كما ثبت في الطرق الصحاح أنه عليه الصلاة والسلام وكّل به إسرافيل فكان يتراءى له ثلاث سنين ويأتيه بالكلمة من الوحي والشيء، ثم وكل به جبريل وكان يأتيه في صورة رجل، وفي صورة دحية، وفي صورته التي خلق عليها مرتين، وفي صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، وعورض بأن ظاهره أنه إنما جاء سائلاً عن شرائع الإسلام ولم يبلغ فيه وحيًا اهـ. وفي مثل صلصلة الجرس والوحي إليه فوق السموات من فرض الصلاة وغيرها بلا واسطة، وإلقاء الملك في روعه من غير أن يراه، واجتهاده عليه

السلام فإنه صواب قطعًا وهو قريب من سابقه، إلاّ أن هذا مسبب عن النظر والاجتهاد، لكن يعكر عليه أن ظاهر كلام الأصوليين أن اجتهاده عليه الصلاة والسلام والوحي قسمان ومجيء ملك الجبال مبلغًا له عن الله تعالى أنه أمره أن يطيعه. وفي تفسير ابن عادل أن جبريل نزل على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعة وعشرين ألف مرة، وعلى آدم اثنتي عشرة مرة، وعلى إدريس أربعًا، وعلى نوح خمسين، وعلى إبراهيم اثنتين وأربعين مرة، وعلى موسى أربعمائة، وعلى عيسى عشرًا كذا قاله والعهدة عليه. (قالت عائشة رضي الله عنها) أي وبالإسناد السابق بحذف حرف العطف كما هو مذهب بعض النحاة وصرح به ابن مالك وهو عادة المصنف في المسند المعطوف، وبإثباته في التعليق، وحينئذ فيكون مسندًا، ويحتمل أن يكون من تعاليقه، وتكون النكتة في قول عائشة هذا اختلاف التحمل، لأنها في الأوّل، أخبرت عن مسألة الحرث، وفي الثاني عما شاهدته تأييدًا للخبر الأوّل. ونفى بعضهم أن يكون هذا من التعاليق ولم يقم عليه دليلاً. وتعقب الحذف بأن الأصل في العطف أن يكون بالأداة. وما نص عليه ابن مالك غير مشهور وخلاف ما عليه الجمهور. ومقول عائشة (ولقد رأيته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والواو للقسم واللام للتأكيد أي: والله لقد أبصرته (ينزل) بفتح أوّله وكسر ثالثه، ولأبي ذر والأصيلي ينزل بالضم والفتح (عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الوحي في اليوم الشديد البرد) الشديد صفة جرت على غير من هي له لأنه صفة البرد لا اليوم (فيفصم) بفتح المثناة التحتية وكسر الصاد، ولأبوي ذر والوقت فيفصم بضمها وكسر الصاد من أفصم الرباعيّ وهي لغة قليلة، وقال في الفتح ويروى بضم أوّله وفتح الصاد على البناء للمجهول، وهي في اليونينية أيضًا أي يقلع (عنه، وإن جبينه ليتفصد) بالفاء والصاد المهملة المشدّدة أي ليسيل (عرقًا) بفتح الرأء من كثرة معاناة التعب والكرب عند نزول الوحي، إذ أنه أمر طارىء زائد على الطباع البشرية، وإنما كان ذلك كذلك ليبلو صبره فيرتاض لاحتمال ما كلفه من أعباء النبوّة. وأما ما ذكر من أن يتقصد بالقاف فتصحيف لم يرو، والجبين غير الجبهة وهو فوق الصدغ والصدغ ما بين العين والأُذن، فللإنسان جبينان يكتنفان الجبهة، والمراد والله أعلم أن جبينيه معًا يتفصدان. فإن قلت: فلم أفرده؟ أجيب: بأن الإفراد يجوز أن يعاقب التثنية في كل اثنين يغني أحدهما عن الآخر كالعينين والأُذنين. تقول: عينه حسنة وأنت تريد أن عينيه جميعًا حسنتان قاله في المصابيح. والعرق: رشح الجلد. وقال في الإمتاع: جعل الله تعالى لأنبيائه عليهم السلام الانسلاخ من حالة البشرية إلى حالة الملكية في حالة الوحي، فطرة فطرهم عليها، وجبلة صوّرهم فيها ونزّههم عن موانع البدن وعوائقه ما داموا ملابسين لها بما ركب في غرائزهم من العصمة والاستقامة، فإذا انسلخوا عن بشريتهم وتلقوا في ذلك ما يتلقونه عاجوا على المدارك البشرية لحكمة التبليغ للعباد، فتارة يكون الوحي كسماع دوي كأنه رمز من الكلام يأخذ منه المعنى الذي ألقي إليه. فلا ينقضي الدوي إلا وقد وعاه وفهمه. وتارة يتمثل له الملك الذي يلقى إليه رجلاً فيكلمه ويعي ما يقوله. والتلقي من الملك والرجوع إلى البشرية وفهمه ما ألقي إليه كله كأنه في لحظة واحدة بل أقرب من لمح البصر، ولذا سمي وحيًا لأن الوحي في اللغة الإسراع كما مرّ. وفي التعبير عن الوعي في الأولى بصيغة الماضي وفي الثانية بالمضارع لطيفة من البلاغة، وهي أن الكلام جاء مجيء التمثيل لحالتي الوحي، فتمثلت حالته الأولى بالدوي الذي هو غير كلام. وإخبار أن الوعي والفهم يتبعه عقب انقضائه عند تصوير انفصال العبارة عن الوحي بالماضي المطابق للانقضاء والانقطاع. وتمثل الملك في الحالة الثانية برجل يخاطبه ويتكلم: فناسب التعبير بالمضارع المقتضي للتجدّد وفي حالتي الوحي على الجبلة صعوبة وشدة، ولذا كان يحدث عنه في تلك الحالة من الغيبة والغطيط ما هو معروف، لأن الوحي مفارقة البشرية إلى الملكية فيحدث عنه شدة من مفارقة الذات ذاتها، وقد يفضي بالتدريج شيئًا فشيئًا إلى بعض السهولة بالنظر إلى ما قبله،

3 - باب

ولذلك كانت تنزل نجوم القرآن وسوره وآياته حين كان بمكة أقصر منها وهو بالمدينة. ورواة هذا الحديث مدنيون إلا شيخ المؤلف، وفيه تابعيان والتحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف في بدء الخلق ومسلم في الفضائل وبه قال. 3 - باب 3 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ. قَالَ «مَا أَنَا بِقَارِئٍ». قَالَ «فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ. قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ. فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}». فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رضي الله عنها فَقَالَ «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي». فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي». فَقَالَتْ خَدِيجَةُ كَلاَّ وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى -ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ- وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَبَرَ مَا رَأَى. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ». قَالَ نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ. [الحديث 3 - أطرافه في 3392، 4953، 4955، 4956، 4957، 6982]. (حدّثنا) ولأبي ذر وحدّثنا بواو العطف (يحيى) أبو زكريا (بن بكير) بضم الموحدة تصغير بكر القرشي المخزومي المصري المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائتين، ونسبه المؤلف لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله، (قال: حدّثنا الليث) بالمثلثة ابن سعد بن عبد الرحمن الفهمي عالم أهل مصر من تابعي التابعين، قال أبو نعيم: أدرك نيفًا وخمسين من التابعين القلقشندي المولود سنة ثلاث أو أربع وتسعين، المتوفى في شعبان سنة خمس وسبعين ومائة، وكان حنفي المذهب فيما قاله ابن خلكان، لكن المشهور أنه مجتهد. وقد روينا عن الشافعي أنه قال: الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به، وفي رواية عنه ضيعه قومه. وقال يحيى بن بكير: الليث أفقه من مالك ولكن كانت الحظوة لمالك، (عن عقيل) بضم العين المهملة وفتح القاف مصغرًا ابن خالد بن عقيل بفتح العين، الأيليّ بفتح الهمزة وسكون المثناة التحتية، القرشيّ الأمويّ المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائة، (عن ابن شهاب) أبي بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدنيّ تابعيّ صغير، ونسبه المؤلف كغيره إلى جدّه الأعلى لشهرته به، (عن عروة بن الزبير) بالتصغير (عن عائشة أم الؤمنين، رضي الله عنها (أنها قالت أول ما بدىء به) بضم الموحدة وكسر الدال (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الوحي) إليه (الرؤيا الصالحة في النوم)، وهذا الحديث يحتمل أن يكون من مراسيل الصحابة، فإن عائشة لم تدرك هذه القصة لكن الظاهر أنها سمعت ذلك منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقولها قالها قال: فأخذني فغطني، فيكون قولها أول ما بدىء به حكاية ما تلفظ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وحينئذ فلا يكون من المراسيل. وقوله: من الوحي أي من أقسام الوحي، فمن للتبعيض. وقال أبو عبد الله القزاز: ليست الرؤيا من الوحي ومن لبيان الجنس. وقال الأبّي نعم هي كالوحي في الصحة إذ لا مدخل للشيطان فيها. وفي رواية مسلم كالمصنف في رواية معمر ويونس الصادقة وهي التي ليست فيها ضغث، وذكر النوم بعد الرؤيا المخصوصة به لزيادة الإيضاح والبيان، أو لدفع وهم من يتوهم أن الرؤيا تطلق على رؤية العين فهو ْصفة موضحة أو لأن غيرها يسمى حلمًا، أو تخصيص دون السيئة والكاذبة المسماة بأضغاث الأحلام، وأهل المعاني يسمونها صفة فارقة. وكانت مدة الرؤيا ستة أشهر فيما حكاه البيهقي. وحينئذ فيكون ابتداء النبوّة بالرؤيا حصل في شهر ربيع وهو شهر مولده. واحترز بقوله من الوحي عما رآه من دلائل نبوّته من غير وحي كتسليم الحجر عليه كما في مسلم، وأوّله مطلقًا ما سمعه من بحيرا الراهب كما في الترمذي بسند صحيح. (فكان) بالفاء للأصيلي ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر وفي نسخة للأصيلي، وكان أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لا يرى رؤيا) بلا تنوين (إلا جاءث مثل فلق الصبح) كرؤياه دخول المسجد الحرام، ومثل نصب بمصدر محذوف، أي إلاّ جاءت مجيئًا مثل فلق الصبح، والمعنى أنها شبيهة له في الضياء والوضوح أو التقدير مشبهة ضياء الصبح، فيكون النصب على الحال، وعبر بفلق الصبح لأن شمس النبوّة قد كانت مبادىء أنوارها الرؤيا إلى أن ظهرت أشعتها وتم نورها، والفلق: الصبح. لكنه لما كان مستعملاً في هذا المعنى وغيره أضيف إليه للتخصيص، والبيان إضافة العام إلى الخاص. وعن أمالي الرافعي حكاية خلاف أنه أوحي إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيء من القرآن في النوم أولاً. وقال: الأشبه أن القرآن نزل كله يقظة، ووقع في مرسل عبد الله بن أبي بكر بن حزم عند الدولابي ما يدل على أن الذي كان يراه عليه الصلاة والسلام هو جبريل. ولفظه أنه قال لخديجة بعد أن أقرأه جبريل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك} أرأيتك الذي كنت أحدثك أني رأيته في المنام هو جبريل استعلن، وإنما ابتدىء عليه الصلاة والسلام بالرؤيا لئلا يفجأه الملك ويأتيه بصريح النبوّة بغتة فلا تحتمل القوى البشرية، فبدىء بأوائل خصال النبوة. (ثم حبب إليه الخلاء) بالمد

مصدر بمعنى الخلوة أي الاختلاء وهو بالرفع نائب عن الفاعل، وعبر بحبب المبني لما لم يسم فاعله لعدم تحقق الباعث على ذلك وإن كان كلٌّ من عند الله، أو تنبيهًا على أنه لم يكن من باعث البشر، وإنما حبب إليه الخلوة لأن معها فراغ القلب والانقطاع عن الخلق ليجد الوحي منه متمكنًا كما قيل: فصادق قلبًا خاليًا فتمكّنا. وفيه تنبيه على فضل العزلة لأنها تريح القلب من أشغال الدنيا وتفرغه لله تعالى فيتفجر منه ينابيع الحكمة، والخلوة: أن يخلو عن غيره بل وعن نفسه بربه، وعند ذلك يصير خليقًا بأن يكون قالبه ممرًّا لواردات علوم الغيب، وقلبه مقرًّا لها. وخلوته عليه الصلاة والسلام إنما كانت لأجل التقرب لا على أن النبوّة مكتسبة. (وكان) عليه الصلاة والسلام (يخلو بغار حراء) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وبالمد، وحكى الأصيلي فتحها والقصر وعزاها في القاموس للقاضي عياض، قال: وهي لغية وهو مصروف إن أُريد المكان وممنوع إن أريد البقعة، فهي أربعة: التذكير والتأنيث والمد والقصر، وكذا حكم قباء وقد نظم بعضهم أحكامها في بيت فقال: حرا وقبا ذكّر وأنّثهما معًا ... ومدّ أو اقصر واصرفن وامنع الصرفا وحراء جبل بينه وبين مكة نحو ثلاثة أميال على يسار الذاهب إلى منى والغار نقب فيه. (فيتحنث فيه) بالحاء المهملة وآخره مثلثة، والضمير المنفصل عائد إلى مصدر يتحنث، وهو من الأفعال التي معناها السلب أي اجتناب فاعلها لمصدرها، مثل تأثم وتحوّب إذا اجتنب الإثم والحوب. أو هي بمعنى يتحنف بالفاء أي يتبع الحنيفية دين إبراهيم والفاء تبدل ثاء، (وهو التعبد الليالي ذوات العدد) مع أيامهن، واقتصر عليهن للتغليب لأنهن أنسب للخلوة. ووصف الليالي بذوات العدد لإرادة التقليل كما في قوله تعالى: {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [يوسف: 20] أو للكثرة لاحتياجها إلى العدد وهو المناسب للمقام، وهذا التفسير للزهري أدرجه في الخبر كما جزم به الطيبي. ورواية المصنف من طريق يونس عنه في التفسير تدل على الإدراج، والليالي نصب على الظرفية متعلق بقوله يتحنث، لا بالتعبد لأن التعبد لا تشترط فيه الليالي بل مطلب التعبد. وذوات نصب بالكسرة صفة الليالي، وأبهم العدد لاختلافه بالنسبة إلى المدد التي يتخللها مجيئه إلى أهله، وأقل الخلوة ثلاثة أيام. وتأمل ما للثلاثة في كل مثلث من التكفير والتطهير والتنوير، ثم سبعة أيام ثم شهر لما عند المؤلف ومسلم جاورت بحراء شهرًا، وعند ابن إسحق أنه شهر رمضان. قال في قوت الإحياء: ولم يصح عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكثر منه، نعم روى الأربعين سوار بن مصعب وهو متروك الحديث. قاله الحاكم وغيره، وأما قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} [الأعراف: 142] فحجة للشهر، والزيادة إتمامًا للثلاثين حيث استاك أو أكل فيها كسجود السهو فقوي تقييدها بالشهر وأنها سُنّة. نعم الأربعون ثمرة نتاج النطفة علقة فمضغة فصورة والدر في صدفه. فإن قلت: أمر الغار قبل الرسالة فلا حكم؟ أجيب بأنه أوّل ما بدىء به عليه الصلاة والسلام من الوحي الرؤيا الصالحة، ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء كما مرّ. فدلّ على أن الخلوة حكم مرتب على الوحي لأن كلمة ثم للترتيب، وأيضًا لو لم تكن من الدين لنهى عنها، بل هي ذريعة لمجيء الحق وظهوره مبارك عليه وعلى أمته تأسّيًا وسلامة من المناكير وضررها، ولها شروط مذكورة في محلها من كتب القوم. فإن قلت: لمِ خصّ حراء بالتعبد فيه دون غيره؟ قال ابن أبي جمرة: لمزيد فضله على غيره، لأنه منزوٍ مجموع لتحنثه وينظر منه الكعبة المعظمة، والنظر إليها عبادة، فكان له عليه الصلاة والسلام فيه ثلاث عبادات: الخلوة والتحنث والنظر إلى الكعبة. وعند ابن إسحق أنه كان يعتكف شهر رمضان، ولم يأت التصريح بصفة تعبده عليه الصلاة والسلام، فيحتمل أن عائشة أطلقت على الخلوة بمجردها تعبدًا فإن الانعزال عن الناس ولا سيما من كان على باطل من جملة العبادة، وقيل: كان يتعبد بالتفكر، (قبل أن ينزع) بفتح أوّله وكسر الزاي أي يحن ويشتاق ويرجع

(إلى أهله) عياله. (ويتزود لذلك) برفع الدال في اليونينية لأبوي ذر والوقت عطفًا على يتحنث، أي يتخذ الزاد للخلوة أو التعبد. (ثم يرجع إلى خديجة) رضي الله عنها، (فيتزود لمثلها) أي لمثل الليالي وتخصيص خديجة بالذكر بعد أن عبر بالأهل يحتمل أنه تفسير بعد الإبهام أو إشارة إلى اختصاص التزوّد بكونه من عندها دون غيرها، وفيه: أن الانقطاع الدائم عن الأهل ليس من السُّنّة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينقطع في الغار بالكلية، بل كان يرجع إلى أهله لضروراتهم ثم يخرج لتحنثه. (حتى جاءه) الأمر (الحق) وهو الوحي (وهو في غار حراء، فجاءه الملك) جبريل يوم الاثنين لسبع عشرة خلت من رمضان وهو ابن أربعين سنة كما رواه ابن سعد. وفاء فجاءه تفسيرية كهي في قوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54] تفصيلية أيضًا لأن المجيء تفصيل للمجمل الذي هو مجيء الحق. (فقال) له (اقرأ) يحتمل أن يكون هذا الأمر لمجرد التنبيه والتيقظ لما سيلقى إليه وأن يكون على بابه من الطلب، فيستدل به على تكليف ما لا يطاق في الحال، وإن قدر عليه بعد. (قال) عليه الصلاة والسلام ولأبوي ذر والوقت قلت (ما أنا بقارىء). وفي رواية ما أحسن أن أقرأ. فما نافية واسمها أنا وخبرها بقارىء وضعف كونها استفهامية بدخول الباء في خبرها وهي لا تدخل على ما الاستفهامية. وأجيب بأنها استفهامية بدليل رواية أبي الأسود في مغازيه عن عروة أنه قال: كيف أقرأ؟ وفي رواية عبيد بن عمير عند ابن إسحق ماذا أقرأ؟ وبأن الأخفش جوّز دخول الباء على الخبر المثبت، قال ابن مالك في بحسبك زيد أن زيدًا مبتدأ مؤخر لأنه معرفة، وحسبك خبر مقدّم لأنه نكرة، والباء زائدة فيه. وفي مرسل عبيد بن عمير أنه عليه الصلاة والسلام قال: أتاني جبريل بنمط من ديباج فيه كتاب، فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارىء. قال السهيلي، وقال بعض المفسرين أن قوله تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 1، 2] إشارة إلى الكتاب الذي جاء به جبريل عليه السلام حين قال له اقرأ. (قال) عليه الصلاة والسلام: (فأخذني) جبريل (فغطني) بالغين المعجمة ثم المهملة أي ضمني وعصرني، وعند الطبري فغتني بالمثناة الفوقية بدل الطاء وهو حب النفس. (حتى بلغ مني الجهد) بفتح الجيم ونصب الدال أي بلغ الغط مني الجهد أي غاية وسعي، فهو مفعول حذف فاعله. وفي شرح المشكاة أن المعنى على النصب أن جبريل بلغ في الجهد غايته، وتعقبه التوربشتي بأنه يعود المعنى إلى جبريل غطه حتى استفرغ قوته وجهد جهده بحيث لم تبق فيه بقية، قال: وهذا قول غير سديد فإن البنية البشرية لا تستدعي استنفاد القوة الملكية لا سيما في مبدأ الأمر، وقد دلت القصة على أنه اشمأز من ذلك وداخله الرعب، وحينئذ فمن رواه بالنصب فقد وهم. وأجاب الطيبي بأن جبريل في حال الغط لم يكن على صورته الحقيقية التي تجلى له بها عند سدرة المنتهى، فيكون استفراغ جهده بحسب الصورة التي تجلى له بها وغطه وحينئذ فيضمحل الاستبعاد انتهى. ويروى الجهد بالضم والرفع أي بلغ مني الجهد مبلغه فهو فاعل بلغ. (ثم أرسلني) أي أطلقني. (فقال: اقرأ. قلت) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي فقلت: (ما أنا بقارىء فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد) بالفتح والنصب وبالضم والرفع كسابقه. (ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثالثة) وهذا الغط ليفرّغه عن النظر إلى أمور الدنيا ويقبل بكنيته إلى ما يلقى إليه. وكرره للمبالغة واستدل به على أن المؤدب لا يضرب صبيًّا أكثر من ثلاث ضربات. وقيل: الغطة الأولى ليتخلى عن الدنيا، والثانية ليتفرغ لما يوحى إليه، والثالثة للمؤانسة، ولا يذكر الجهد هنا، نعم هو ثابت عنده في التفسير -كما سيأتي إن شاء الله تعالى- وعدّ بعضهم هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، إذ لم يناقل عن أحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه جرى له عند ابتداء الوحي إليه مثله. (ثم أرسلني فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق). قال الطيبي: هذا أمر بإيجاد القراءة مطلقًا، وهو لا يختص بمقروء دون مقروء، فقوله: باسم ربك حال. أي اقرأ مفتتحًا باسم ربك، أي قل بسم الله الرحمن الرحيم. وهذا يدل على أن البسملة

مأمور بها في ابتداء كل قراءة. وقوله: ربك الذي خلق، وصف مناسب مُشعِر بعلية الحكم بالقراءة. والإطلاق في قوله خلق أوّلاً على منوال يعطي ويمنع، وجعله توطئة لقوله: ({خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}) الزائد في الكرم على كل كريم، وفيه دليل للجمهور أنه أوّل ما نزل. وروى الحافظ أبو عمرو الداني من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أوّل شيء نزل من القرآن خمس آيات إلى {مَا لَمْ يَعْلَمْ}. وفي المرشد أوّل ما نزل من القرآن هذه السورة في نمط، فلما بلغ جبريل هذا الموضع {مَا لَمْ يَعْلَمْ} طوى النمط، ومن ثم قال القرّاء: إنه وقف تام. وقال: من علق، فجمع ولم يقل من علقة، لأن الإنسان في معنى الجمع. وخص الإنسان بالذكر من بين ما يتناوله الخلق لشرفه. (فرجع بها) أي بالآيات (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى أهله حال كونه (يرجف) بضم الجيم يخفق ويضطرب، (فؤاده) قلبه أو باطنه أو غشاؤه لما فجأه من الأمر المخالف للعادة والمأَلوف، فنفر طبعه البشري وهاله ذلك ولم يتمكن من التأمل في تلك الحالة لأن النبوّة لا تزيك طباع البشرية كلها (فدخل) عليه الصلاة والسلام (على خديجة بنت خويلد) أم المؤمنين (رضي الله عنها) التي ألف تأنيسها له، فأعلمها بما وقع له (فقال) عليه الصلاة والسلام: (زمّلوني زمّلوني) بكسر الميم مع التكرار مرتين، من التزميل وهو التلفيف. وقال ذلك لشدة ما لحقه من هول الأمر والعادة جارية بسكون الرعدة بالتلفف، (فزملوه) بفتح الميم (حتى ذهب عنه الروع) بفتح الراء أي الفزع، (فقال) عليه الصلاة والسلام (لخديجة) رضي الله عنها (وأخبرها الخبر) جملة حالية (لقد) أي والله لقد (خشيت على نفسي) الموت من شدة الرعب، أو المرض، كما جزم به في بهجة النفوس أو أني لا أطيق حمل أعباء الوحي لما لقيته أوّلاً عند لقاء الملك، وليس معناه الشك في أن ما أتى من الله وأكد باللاء وقد تنبيهًا على تمكن الخشية من قلبه المقدس وخوفه على نفسه الشريفة. (فقالت) له عليه الصلاة والسلام (خديجة) رضي الله عنها، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قالت بإسقاط الفاء (كلا) نفي وإبعاد، أي لا تقل ذلك أو لا خوف عليك، (والله ما يخزيك الله أبدًا) بضم المثناة التحتية وبالخاء المعجمة الساكنة والزاي المكسورة وبالمثناة التحتية الساكنة من الخزي، أي ما يفضحك الله. ولأبي ذر عن الكشميهني ما يحزنك الله بفتح أوّله وبالحاء المهملة الساكنة والزاي المضمومة أو بضم أوّله مع كسر الزاي وبالنون من الحزن، يقال حزنه وأحزنه. (إنك) بكسر الهمزة لوقوعها في الابتداء، قال العلاّمة البدر الدماميني: وفصلت هذه الجملة عن الأولى لكونها جوابًا عن سؤال اقتضته، وهو سؤال عن سبب خاص، فحسن التأكيد. وذلك أنها لما أثبتت القول بانتفاء الخزي عنه وأقسمت عليه انطوى ذلك على اعتقادها أن ذلك لسبب عظيم، فيقدر السؤال عن خصوصه حتى كأنه قيل: هل سبب ذلك هو الاتّصاف بمكارم الأخلاق ومحاسن الأوصاف كما يشير إليه كلامك، قالت: إنك (لتصل الرحم) أي القرابة، (وتحمل الكل) بفتح الكاف وتشديد اللام، وهو الذي لا يستقل بأمره، أو الثقل بكسر المثلثة وإسكان القاف، (وتكسب المعدوم) بفتح المثناة الفوقية، أي تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك. وكسب يتعدى بنفسه إلى واحد نحو كسبت المال، وإلى اثنين نحو كسبت غيري المال وهذا منه. ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني وتكسب بضم أوّله من أكسب، أي تكسب غيرك المال المعدوم أي تتبرع به له، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه، أو تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك من نفائس الفوائد ومكارم الأخلاق، أو تكسب المال وتصيب منه ما يعجز غيرك عن تحصيله ثم تجود به وتنفقه في وجوه المكارم. والرواية الأولى أصح كما قاله عياض، والرواية الثانية قال الخطابي: الصواب العدم بلا واو أي الفقير، لأن المعدوم لا يكسب. وأجيب بأنه لا يمتنع أن يطلق على المعدم المعدوم لكونه كالمعدوم الميت الذي لا تصرف له، وفي تهذيب الأزهري عن ابن الأعرابي رجل عديم لا عقل له، ومعدوم لا مال له، قال في المصابيح: "كأنهم نزلوا وجود من لا مال له

منزلة العدم". (وتقري الضيف) بفتح أوّله بلا همز ثلاثيًا قال الآبي وسمع بضمها رباعيًّا، أي تهيىء له طعامه ونزله. (وتعين على نوائب الحق) أي حوادثه، وإنما قالت نوائب الحق لأنها تكون في الحق والباطل. قال لبيد: نوائب من خير وشر كلاهما ... فلا الخير ممدود ولا الشرّ لازب ولذلك أضافتها إلى الحق، وفيه إشارة إلى فضل خديجة وجزالة رأيها، وهذه الخصلة جامعة لأفراد ما سبق وغيره، وإنما أجابته بكلام فيه قسم وتأكيد بأن. واللام، لتنزيل حيرته ودهشته واستدلت على ما أقسمت عليه بأمر استقرائي جامع لأصول مكارم الأخلاق. وفيه دليل على أن من طبع على أفعال الخير لا يصيبه ضير. (فانطلقت) أي مضت (به خديجة) رضي الله عنها مصاحبة له لأنها تلزم الفعل اللازم المعدى بالباء بخلاف المعدى بالهمزة كأذهبته، (حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة) بنصب ابن الأخير بدلاً من ورقة أو صفة، ولا يجوز جره لأنه يصير صفة لعبد العزى وليس كذلك، ويكتب بالألف ولا تحذف لأنه لم يقع بين علمين وراء ورقة مفتوحة، وتجتمع معه خديجة في أسد لأنها بنت خويلد بن أسد. (وكان) ورقة (امرأً قد) ترك عبادة الأوثان و (تنصَّر)، وللأربعة وكان امرأ تنصر، (في الجاهلية) بإسقاط قد، وذلك أنه خرج هو ويزيد بن عمرو بن نفيل لما كرها طريق الجاهلية إلى الشام وغيرها يسألون عن الدين، فأعجب ورقة النصرانية للقيه من لم يبدل شريعة عيسى عليه الصلاة والسلام، (وكان) ورقة أيضًا (يكتب الكتاب العبراني) أي الكتابة العبرانية، وفي مسلم كالبخاري في الرؤيا الكتاب العربي، وصححه الزركشي باتفاقهما، (فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب) أي الذي شاء الله كتابته، فحذف العائد والعبرانية بكسر العين فيها نسبة إلى العبر بكسر العين وإسكان الموحدة، زيدت الألف والنون في النسبة على غير قياس. قيل سميت بذلك لأن الخليل عليه السلام تكلم بها لما عبر الفرات فارًّا من نمروذ، وقيل: إن التوراة عبرانية والإنجيل سرياني، وعن سفيان ما نزل من السماء وحي إلا بالعربية، وكانت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تترجمه لقومها، والباء في بالعبرانية تتعلق بقوله فيكتب، أي يكتب باللغة العبرانية من الإنجيل. وذلك لتمكنه في دين النصارى ومعرفته بكتابهم. (وكان) ورقة (شيخًا كبيرًا) حال كونه (قد عمي فقالت له خديجة) رضي الله تعالى عنها: (يا ابن عمّ اسمع) بهمرّة وصل (من ابن أخيك) تعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن الأب الثالث لورقة هو الأخ للأب الرابع لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو قالته على سبيل الاحترام، (فقال له) عليه السلام (ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبر ما) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني بخبر ما (رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس) بالنون والسين المهملة وهو صاحب السرّ كما عند المؤلف في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقال ابن دريد: هو صاحب سرّ الوحي والمراد به جبريل عليه الصلاة والسلام، وأهل الكتاب يسمونه الناموس الأكبر (الذي نزل الله على موسى)، زاد الأصيلي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ونزل بحذف الهمزة يستعمل فيما نزل نجومًا، وللكشميهني أنزل الله ويستعمل فيما نزل جملة، وفي التفسير أنزل مبنيًّا للمفعول. فإن قلت: لم قال موسى ولم يقل عيسى مع كونه أي ورقة نصرانيًا؟ أجيب بأن كتاب موسى مشتمل على أكثر الأحكام وكذلك كتاب نبينا عليه الصلاة والسلام بخلاف عيسى، فإن كتابه أمثال ومواعظ أو قاله تحقيقًا للرسالة، لأن نزول جبريل على موسى متفق عليه عند أهل الكتابين بخلاف عيسى، فإن كثيرًا من اليهود ينكرون نبوّته، وفي رواية الزبير بن بكار بلفظ عيسى، (يا ليتني فيها) أي في مدة النبوة أو الدعوة، وجعل أبو البقاء المنادى محذوفًا أي يا محمد، وتعقب بأن قائل ليتني قد يكون وحده، فلا يكون معه منادى كقول مريم " {يَا لَيْتَنِي مِتُّ} [مريم: 23]، وأجيب بأنه قد يجوز أن يجرد من نفسه نفسًا فيخاطبها، كأن مريم قالت: يا نفسي ليتني متُّ، وتقديره هنا ليتني أكون في أيام الدعوة، (جذعًا) بفتح الجيم

والمعجمة وبالنصب خبر كان مقدرة عند الكوفيين، أو على الحال من الضمير المستكن في خبر ليت، وخبر ليت قوله فيها أي ليتني كائن فيها حال الشبيبة والقوة لأنصرك، أو على أن ليت تنصب الجزأين، أو بفعل محذوف أي جعلت فيها جزعًا. وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي جذع بالرفع خبر ليت، وحينئذ فالجار يتعلق بما فيه من معنى الفعل كأنه قال: يا ليتني شاب فيها، والرواية الأولى أكثر وأشهر، والجذع هو الصغير من البهائم، واستعير للإنسان، أي يا ليتني كنت شابًّا عند ظهور نبوّتك حتى أقوى على المبالغة في نصرتك. (ليتني) وللأصيلى يا ليتني (أكون حيًّا إذ يخرجك قومك) من مكة، واستعمل إذ في المستقبل كإذا على حد: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ} [مريم: 39]. قال ابن ملك: وهو صحيح، وتعقبه البلقيني بأن النحاة منعوا وروده وأوّلوا ما ظاهره ذلك، فقالوا في مثل هذا استعمل الصيغة الدالّة على المضي لتحقق وقوعه، فأنزلوه منزلته. ويقوي ذلك هنا أن في رواية البخاري في التعبير حين يخرجك قومك وهو على سبيل المجاز كالأوّل، وعورض بأن المؤولين ليسوا النحويين بل البيانيون، وبأنه كيف يمنع وروده مع وجوده في أفصح الكلام؟ وأجيب بأنه لعله أراد بمنع الورود ورودًا محمولاً على حقيقة الحال لا على تأويل الاستقبال. فإن قلت: كيف تمنى ورقة مستحيلاً وهو عود الشباب؟ أجيب: بأنه يسوغ تمني المستحيل إذا كان في فعل خير، أو بأن التمني ليس مقصودًا على بابه، بل المراد به التنبيه على صحة ما أخبره به، والتنويه بقوّة تصديقه فيما يجيء به، أو قاله على سبيل التحسّر لتحقّقه عدم عود الشباب. (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أو) بفتح الواو (مخرجيَّ هم) بتشديد الياء مفتوحة، لأن أصله مخرجوني جمع مخرج من الإخراج فحذفت نون الجمع للإضافة إلى ياء المتكلم، فاجتمعت ياء المتكلم وواو علامة الرفع وسبقت إحداهما بالسكون فأبدلت الواو ياء وأدغمت، ثم أبدلت الضمة التي كانت سابقة الواو كسرة وفتحت ياء مخرجيّ تخفيفًا، وهم مبتدأ خبره مخرجيّ مقدمًا، ولا يجوز العكس لأنه يلزم منه الإخبار بالمعرفة عن النكرة، لأن إضافة مخرجيّ غير محضة لأنها لفظية لأنه اسم فاعل بمعنى الاستقبال، والهمزة للاستفهام الإنكاري لأنه استبعد إخراجه عن الوطن لا سيما حرم الله وبلد أبيه إسماعيل من غير سبب يقتضي ذلك، فإنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان جامعًا لأنواع المحاسن المقتضية لإكرامه وإنزاله منهم محل الروح من الجسد. فإن قلت: الأصل أن يجاء بالهمزة بعد العاطف نحو: {فَأَنَّى تُؤْفَكُون} [الأنعام: 95] و {فَأَيْنَ تَذْهَبُون} [التكوير: 26] وحينئذ ينبغي أن يقول هنا وأمخرجيّ، لأن العاطف لا يتقدم عليه جزء مما عطف؟ أجيب: بأن الهمزة خصّت بتقديمها على العاطف تنبيهًا على أصالتها في أدوات الاستفهام وهو له الصدر نحو: أو لم ينظروا، أفلم يسيروا، هذا مذهب سيبويه والجمهور. وقال جار الله وجماعة: إن الهمزة في محلها الأصلي وإن العطف على جملة مقدّرة بينها وبين العاطف والتقدير أمعاديّ هم ومخرجيّ هم؟ وإذا دعت الحاجة لمثل هذا التقدير فلا يستنكر. فإن قلت: كيف عطف قوله أو مخرجيّ هم وهو إنشاء على قول ورقة: إذ يخرجك قومك وهو خبر، وعطف الإنشاء على الخبر لا يجوز، وأيضًا فهو عطف جملة على جملة والمتكلم مختلف؟ أجيب بأن القول بأن عطف الإنشاء على الخبر لا يجوز إنما هو رأي أهل البيان، والأصح عند أهل العربية جوازه، وأما أهل البيان فيقدرون في مثل ذلك جملة بين الهمزة والواو وهي المعطوف عليها، فالتركيب سائغ عند الفريقين، أما المجوزون لعطف الإنشاء على الخبر فواضح، وأما المانعون فعلى التقدير المذكور. وقال بعضهم: يصح أن تكون جملة الاستفهام معطوفة على جملة التمني في قوله ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك، بل هذا هو الظاهر، فيكون المعطوف عليه أول الجملة لا آخرها، الذي هو ظرف متعلق بها، والتمني إنشاء فهو من عطف الإنشاء على الإنشاء. وأما العطف على جملة في كلام الغير فسائغ معروف في القرآن العظيم والكلام الفصيح. قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124]. (قال)

ورقة (نعم لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به) من الوحي (إلا عُودي) لأن الإخراج عن المألوف موجب لذلك، (وإن يدركني) بالجزم بأن الشرطية (يومك) بالرفع فاعل يدركني، أي يوم انتشار نبوّتك، (أنصرك) بالجزم جواب الشرط (نصرًا) بالنصب على المصدرية (مؤزرًا) بضم الميم وفتح الزاي المشددة آخره راء مهملة مهموزًا، أي قويًّا بليغًا وهو صفة لنصرًا، ولما كان ورقة سابقًا واليوم متأخرًا أسند الإدراك لليوم، لأن المتأخر هو الذي يدرك السابق، وهذا ظاهره أنه أقرّ بنبوّته ولكنه مات قبل الدعوة إلى الإسلام، فيكون مثل بحيرا. وفي إثبات الصحبة له نظر، لكن في زيادات المغازي من رواية يونس بن بكير عن ابن إسحق، فقال له ورقة: أبشر ثم أبشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم وأنك على مثل ناموس موسى وأنك نبي مرسل، الحديث. وفي آخره فلما توفي قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدّقني. وأخرجه البيهقي من هذا الوجه في الدلائل، وقال: إنه منقطع، ومال البلقيني إلى أنه يكون بذلك أوّل من أسلم من الرجال، وبه قال العراقي في نكته على ابن الصلاح وذكره ابن منده في الصحابة. (ثم لم ينشب) بفتح المثناة التحتية والمعجمة أي لم يلبث (ورقة) بالرفع فاعل ينشب (أن توفي) بفتح الهمزة وتخفيف النون، وهو بدل اشتمال من ورقة أي لم تتأخر وفاته عن هذه القصة، واختلف في وقت موت ورقة فقال الواقدي: إنه خرج إلى الشام فلما بلغه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بالقتال بعد الهجرة أقبل يريده حتى إذا كان ببلاد لخم وجذام قتلوه وأخذوا ما معه وهذا غلط بين، فإنه مات بمكة بعد المبعث بقليل جدًّا ودفن بمكة كما نقله البلاذري وغيره، ويعضد قوله هنا وكذا في مسلم، ثم لم ينشب ورقة أن توفي. (وفتر الوحي) أي احتبس ثلاث سنين كما في تاريخ أحمد، وجزم به ابن إسحق، وفي بعض الأحاديث أنه قدر سنتين ونصف، وزاد معمر عن الزهري في التعبير حتى حزن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما بلغنا حزنًا غدا منه مرارًا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، ويأتي إن شاء الله تعالى الكلام على ذلك من جهة الإسناد والمتن والمعنى في سورة اقرأ من التفسير. فإن قلت: إن قوله ثم لم ينشب ورقة أن توفي معارض بما عند ابن إسحق في السبرة أن ورقة كان يمر ببلال وهو يعذب لما أسلم، فإنه يقتضي تأخره إلى زمن الدعوة ودخول بعض الناس في الإسلام. أجيب: بأنّا لا نسلم المعارضة لأن شرطها المساواة. وما روي في السيرة لا يقاوم ما في الصحيح، ولئن سلمنا فلعل راوي ما في الصحيح لم يحفظ لورقة بعد ذلك شيئًا. ومن ثم جعل هذه القصة انتهاء أمره بالنسبة إلى ما علمه منه لا بالنسبة إلى ما في نفس الأمر، وحينئذ فتكون الواو في قوله: وفتر الوحي ليست للترتيب. ورواة هذا الحديث ما بين مصريّ ومدنيّ، وفيه تابعيّ عن تابعي، وأخرجه المؤلف في التفسير والتعبير والإيمان، ومسلم في الإيمان، والترمذي والنسائي في التفسير. 4 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ قَالَ - وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ فَقَالَ - فِي حَدِيثِهِ «بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ زَمِّلُونِي. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ -إِلَى قَوْلِهِ- وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} فَحَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ». تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَأَبُو صَالِحٍ. وَتَابَعَهُ هِلاَلُ بْنُ رَدَّادٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ «بَوَادِرُهُ». [الحديث 4 - أطرافه في: 3238، 4922، 4923، 4924، 4925، 4926، 4954، 6214]. (قال ابن شهاب) الزهري أخبرني عروة بكذا، (وأخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بفتحتين واسمه عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف المتوفى بالمدينة سنة أربع وتسعين، وأتى المؤلف بواو العطف لغرض بيان الإخبار عن عروة وأبي سلمة، وإلاّ فمقول القول لا يكون بالواو، وحينئذ فليس هذا من التعاليق، ولو كانت صورته صورته خلافًا للكرماني حيث أثبته منها وقد خطأه في الفتح (أن جابر بن عبد الله) بن عمرو (الأنصاري) الخزرجيّ المتوفى بعد أن عَمِيَ سنة ثمان أو أربع أو ثلاث أو تسع وسبعين وهو آخر الصحابة موتًا بالمدينة، وله في البخاريّ تسعون حديثًا، وهمزة أن مفتوحة لأنها في محل نصب على الفعولية. (قال وهو يحدّث عن فترة الوحي) أي في حال التحديث عن احتباس الوحي عن النزول (فقال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في حديثه). (بينا) أصله بين فأشبعت فتحة النون فصارت ألفًا وهي ظرف زمان مكفوف بالألف عن الإضافة إلى المفرد، والتقدير بحسب

الأصل بيان أوقات (أنا أمشي) وجواب بينا قوله: (إذ سمعت صوتًا من السماء) أي في أثناء أوقات المشي فاجأني السماع، (فرفعت بصري فإذا الملك) جبريل (الذي جاءني بحراء جالس) خبر عن الملك الذي هو مبتدأ، والذي جاءني بحراء صفته، والفاء في فإذا فجائية نحو خرجت فإذا الأسد بالباب، ويجوز تصب جالس على الحال، وحينئذ يكون خبرًا لمبتدأ محذوفًا، أي فإذا الملك الذي جاءني بحراء شاهد أو حاضر حال كونه جالسًا (على كرسيّ) بضم الكاف وقد تكسر، (بين السماء والأرض) ظرف في محل جر صفة لكرسي (فرعبت منه) بضم الراء وكسر العين المهملة مبني لما لم يسمّ فاعله، وللأصيلي فرعبت بفتح الراء وضم العين أي فزعت، (فرجعت) إلى أهلي بسبب الرعب، (فقلت) لهم: (زملوني زملوني) كذا لأبوي ذر والوقت بالتكرار مرتين ولكريمة مرة واحدة ولسلم كالمؤلف في التفسير من رواية يونس دثروني، قال الزركشي: وهو أنسب لقوله: (فأنزل الله تعالى) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي عز وجل بدل قوله تعالى: ({يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}) إيناسًا له وتلطفًا، والتدثير والتزميل بمعنى واحد، والمعنى يا أيها المدثر بثيابه، وعن عكرمة أي المدثر بالنبوّة وأعبائها. ({قُمْ فَأَنْذِرْ}) حذر من العذاب من لم يؤمن بك، وفيه دلالة على أنه أمر بالإنذار عقب نزول الوحي للإتيان بفاء التعقيب، واقتصر على الإنذار لأن التبشير إنما يكون لمن دخل في الإسلام ولم يكن إذ ذاك من دخل فيه. (إلى قوله: والرجز) أي الأوثان ({فَاهْجُرْ}) زاد الأربعة الآية. (فحمي) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم أي فبعد نزول هذه الآية كثر (الوحي) أي نزوله (وتتابع) ولأبي ذر عن الكشميهني وتواتر بالمثناتين بدل وتتابع، وهما بمعنى. وإنما لم يكتف بحمي لأنه لا يستلزم الاستمرار والدوام والتواتر. ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون، وأخرجه في الأدب والتفسير ومسلم أيضًا فيه. (تابعه) أي تابع يحيى بن بكير شيخ المؤلف في رواية هذا الحديث عن الليث بن سعد، (عبد الله بن يوسف) التنيسي، وحديثه عند المؤلف في التفسير والأدب. (و) كذا تابعه (أبو صالح) كلاهما عن الليث، وأبو صالح هو عبد الله كاتب الليث أو هو عبد الغفار بن داود البكري الحرّاني الإفريقي المولد المتوفى بمصر سنة أربع وعشرين ومائتين وكلاهما روى عنه المؤلف، ووهم في فتح الباري القائل بالثاني، وقد أكثر المؤلف عن الأوّل من المعلقات، وروايته لهذا الحديث عن الليث أخرجها يعقوب بن سفيان في تاريخه مقرونًا بيحيى بن بكير، فيكون رواه عن الليث ثلاثة: يحيى، وعبد الله بن يوسف، وأبو صالح، (وتابعه) أي وتابع عقيل بن خالد شيخ الليث في هذا الحديث أيضًا (هلال بن رداد) بدالين مهملتين، الأولى مشدّدة الطائيّ وليس له في هذا الكتاب إلا هذا الوضع، (عن الزهري) محمد بن مسلم، وحديثه في الزهريات للذهلي، (وقال يونس) بن يزيد بن مشكان الأيليّ بفتح الهمزة وسكون المثناة التحتية التابعي المتوفى بمصر سنة تسع وخمسين ومائة مما وصله في التفسير، (ومعمر) بفتح اليمين وسكون العين أبو عروة بن أبي عمرو بن راشد الأزديّ الحرّانيّ مولاهم عالم اليمن المتوفى سنة أربع أو ثلاث أو اثنتين وخمسين ومائة فيما وصله المؤلف في تعبير الرؤيا في روايتهما عن الزهري (بوادره) كذا في رواية الأصيلي وأبي الوقت بفتح الموحدة جمع بادرة وهي اللحمة التي بين المنكب والعنق تضطرب عند فزع الإنسان، فوافقا عقيلاً عليه إلا أنهما قالا بدل قوله يرجف فؤاده ترجف بوادره، وهما مستويان في أصل المعنى لأن كلاًّ منهما دالّ على الفزع. ولأبي ذر وكريمة عن الكشميهني وأبي الوقت في نسخة وابن عساكر، وقال يونس ومعمر تواتر، وهذا أوّل موضع جاء فيه ذكر المتابعة، وهي أن يختبر الحديث وينظر من الدواوين المبوّبة والمسندة وغيرهما كالمعاجم والمشيخات. والفوائد هل شارك راويه الذي يظن تفرده به راوٍ آخر فيما رواه عن شيخه، فإن شاركه راوٍ معتبر فهي متابعة حقيقية وتسمى المتابعة التامة إن اتفقا في رجال السند كلهم، كمتابعة عبد الله وأبي صالح إذا وافقا ابن بكير في شيخه الليث إلى آخره. وإن شورك

4 - باب

شيخه في روايته له عن شيخه فما فوقه إلى آخر السند واحدًا واحدًا حتى الصحابي فتابع أيضًا لكنه في ذلك قاصر عن مشاركته هو كمتابعة هلال إذ وافقه في شيخ شيخه، وكلما بعد فيه المتابع كان أنقص، وفائدتها التقوية ولا اقتصار فيها على اللفظ، بل لو جاءت بالمعنى كفى، كقول يونس ومعمر في روايتهما عن الزهري بوادره خلافًا لظاهر ألفية العراقي في التخصيص باللفظ. وحكي عن قوم كالبيهقي نعم هي مخصوصة بكونها من رواية ذلك الصحابي، وقد يسمى كل واحد من المتابع لشيخه فمن فوقه شاهدًا ولكن تسميته تابعًا أكثر. 4 - باب 5 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ - فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَرِّكُهُمَا. وَقَالَ سَعِيدٌ أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا -فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قَالَ جَمْعُهُ لَهُ فِي صَدْرِكَ، وَتَقْرَأَهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} قَالَ فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا قَرَأَ. [الحديث 5 - أطرافه في: 4927، 4928، 4929، 5044، 7524]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي الوقت أخبرنا (موسى) أبو سلمة (بن إسماعيل) المنقري بكسر الميم وإسكان النون وفتح القاف نسبة إلى منقر بن عبيد الحافظ المتوفى بالبصرة في رجب سنة ثلاث وعشرين ومائتين، (قال: حدّثنا أبو عوانة) بفتح العين المهملة والنون الوضاح بن عبد الله اليشكري بضم الكاف المتوفى سنة ست وتسعين ومائة، (قال: حدّثنا موسى بن أبي عائشة) أبو الحسن الكوفي الهمداني بالميم الساكنة والدال المهملة، وأبو عائشة لا يعرف اسمه، (قال: حدّثنا سعيد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة وسكون المثناة التحتية ابن هشام الكوفيّ الأسديّ قتله الحجاج صبرًا في شعبان سنة ست وتسعين ولم يقتل بعده أحدًا، بل لم يعش بعده إلا أيامًا (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما عبد الله الحبر ترجمان القرآن أبي الخلفاء وأحد العبادلة الأربعة المتوفى بعد أن عمي بالطائف سنة ثمان وستين، وهو ابن إحدى وسبعين سنة، على الصحيح في أيام ابن الزبير، وله في البخاري مائتا حديث وسبعة عشر حديثًا، (في قوله تعالى): وللأصيلي عز وجل ({لا تحرّك به}) أي القرآن ({لسانك لتعجل به}) (قال): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعالج من التنزيل) القرآنيّ لثقله عليه (شدة) بالنصب. مفعول يعالج، والجملة في محل نصب خبر كان. (وكان) عليه الصلاة والسلام (مما) أي ربما كان قاله في المصابيح (يحرّك) زاد في بعض الأصول به (شفتيه) بالتثنية، أي كثيرًا ما كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعل ذلك. قاله القاضي عياض كالسرقسطي، وكان يكثر من ذلك حتى لا ينسى أو لحلاوة الوحي في لسانه. وقاله الكرماني: أي كان العلاج ناشئًا من تحريك الشفتين أي مبدأ العلاج منه، أو ما بمعنى من الموصولة، وأطلقت على من يعقل مجازًا أي وكان ممن يحرك شفتيه، وتعقب بأن الشدّة حاصلة قبل التحريك. وأجيب بأن الشدة وإن كانت حاصلة له قبل التحريك إلا أنها لم تظهر إلا بتحرك الشفتين، إذ هي أمر باطنيّ لا يدركه الرائي إلا به قال سعيد بن جبير: (فقال ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما: (فأنا أحرّكهما) أي شفتيّ (لكم) كذا للأربعة وفي بعض النسخ كما في اليونينية. (كما كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحركهما) لم يقل كما قال في الآتي كما رأيت ابن عباس لأن ابن عباس لم يدرك ذلك. (وقال سعيد) هو ابن جبير (أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما فحرّك شفتيه)، وإنما قال ابن جبير كما رأيت ابن عباس لأنه رأى ذلك منه من غير نزاع بخلاف ابن عباس، فإنه لم ير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تلك الحالة لسبق نزول آية القيامة على مولده، إذ كان قبل الهجرة بثلاث سنين ونزول الآية في بدء الوحي كما هو ظاهر صنيع المؤلف، حيث أورده هنا، ويحتمل أن يكون أخبره أحد من الصحابة أنه رآه عليه الصلاة والسلام يحركهما، أو أنه عليه الصلاة والسلام أخبر ابن عباس بذلك بعد، فرآه ابن عباس حينئذ، نعم ورد ذلك صريحًا في مسند أبي داود الطيالسي، ولفظه قال ابن عباس: فأنا أحرّك لك شفتيّ كما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحركهما، وجملة فقال ابن عباس إلى قوله فأنزل الله اعتراض بالفاء وفائدتها زيادة البيان بالوصف على القول. وهذا الحديث يسمى المسلسل بتحريك الشفة لكنه لم يتصل تسلسله، ثم عطف على قوله كان يعالج قوله: (فأنزل الله تعالى)، ولأبوي ذر والوقت: عز وجل (لا تحرك) يا محمد (به) أي بالقرآن (لسانك) قبل أن يتم وحيه، (لتعجل به) لتأخذه على عجلة مخافة أن يتفلت منك. وعند ابن جرير من رواية الشعبي عجل به من

حبه إياه، ولا تنافي بين محبته إياه والشّدة التي تلحقه في ذلك، (إن علينا جمعه وقرآنه) أي قراءته فهو مصدر مضاف للمفعول والفاعل محذوف والأصل وقراءتك إياه. وقال الحافظ ابن حجر: ولا منافاة بين قوله يحرك شفتيه وبين قوله في الآية لا تحرك به لسانك، لأن تحريك الشفتين بالكلام المشتمل على الحروف التي لا ينطق بها إلا اللسان يلزم منه تحريك اللسان أو اكتفى بالشفتين وحذف اللسان لوضوحه لأنه الأصل في النطق أو الأصل حركة الفم، وكلّ من الحركتين ناشىء عن ذلك وهو مأخوذ من كلام الكرماني، وتعقبه العيني بأن الملازمة بين التحريكين ممنوعة على ما لا يخفى، وتحريك الفم مستبعد بل مستحيل لأن الفم اسم لما يشتمل عليه الشفتان، وعند الإطلاق لا يشتمل على الشفتين ولا على اللسان لا لغة ولا عرفًا بل هو من باب الاكتفاء والتقدير: فكان مما يحرك به شفتيه ولسانه على حد {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] أي والبرد، وفي تفسير ابن جرير الطبري كالمؤلف في تفسير سورة القيامة من طريق جرير عن ابن أبي عائشة: ويحرّك به لسانه وشفتيه فجمع بينهما. (قال) ابن عباس في تفسير جمعه أي (جمعه) بفتح الميم والعين (لك صدرك) بالرفع على الفاعلية، كذا في أكثر الروايات وهي في اليونينية للأربعة أي جمعه الله في صدرك. وفيه إسناد الجمع إلى الصدر بالمجاز على حد أنبت الربيع البقل أي أنبت الله في الربيع البقل واللام للتعليل أو للتبيين، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر جمعه لك صدرك بسكون الميم وضم العين مصدرًا ورفع راء صدرك فاعل به. ولكريمة والحموي مما ليس في اليونينية جمعه لك في صدرك بفتح الجيم وإسكان الميم وزيادة في، وهو يوضح الأوّل. وفي رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر أيضًا مما في الفرع كأصله جمعه له بإسكان الميم، أي جمعه تعالى للقرآن صدرك. وللأصيلي وحده جمعه له في صدر بزيادة في (و) قال ابن عباس أيضًا في تفسير قرآنه أي (تقرأه) بفتح الهمزة في اليونينية. وقال البيضاوي: إثبات قرآنه في لسانك وهو تعليل للنهي، (فإذا قرأناه) بلسان جبريل عليك (فاتبع قرآنه. قال) ابن عباس في تفسيره فاتبع أي (فاستمع له). ولأبي الوقت فاتبع قرآنه فاستمع له من باب الافتعال المقتضي للسعي في ذلك، أي لا تكون قراءتك مع قراءته بل تابعة لها متأخرة عنها. (وأنصت) بهمزة القطع مفتوحة من أنصت ينصت إنصاتًا، وقد تكسر من نصت ينصت نصتًا إذا سكت. واستمع للحديث، أي تكون حال قراءته ساكتًا. والاستماع أخص من الإنصات لأن الاستماع الإصغاء والإنصات كما مرّ السكوت، ولا يلزم من السكوت الإصغاء. (ثم إن علينا بيانه) فسره ابن عباس بقوله: (ثم إن علينا أن تقرأه). وفسره غيره ببيان ما أشكل عليك من معانيه. قال: وهو دليل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، أي لكن لا عن وقت الحاجة اهـ. وهو الصحيح عند الأصوليين ونص عليه الشافعي لما تقتضيه ثم من التراخي، وأوّل من استدل لذلك بهذه الآية القاضي أبو بكر بن الطيب وتبعوه، وهذا لا يتم إلا على تأويل البيان بتبيين المعنى، وإلا فإذا حمل على أن المراد استمرار حفظه له بظهوره على لسانه فلا. قال الآمدي: يجوز أن يراد بالبيان الإظهار لا بيان المجمل. يقال: بان الكوكب إذا ظهر. قال: ويؤيد ذلك أن المراد جميع القرآن، والمجمل إنما هو بعضه ولا اختصاص لبعضه بالأمر المذكور دون بعض. وقال أبو الحسين البصري: يجوز أن يراد البيان التفصيلي ولا يلزم منه جواز تأخير البيان الإجمالي فلا يتم الاستدلال. وتعقب باحتمال إرادة المعنيين الإظهار والتفصيل وغير ذلك لأن قوله بيانه جنس مضاف، فيعم جميع أصنافه من إظهاره وتبيين أحكامه وما يتعلق بها من تخصيص وتقييد ونسخ وغير ذلك، وهذه الآية كقوله تعالى في سورة طه: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُه} [طه: 114] فنهاه عن الاستعجال في تلقي الوحي من الملك ومساوقته في القرآن حتى يتم وحيه. (فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك إذا أتاه جبريل) ملك الوحي المفضل به على سائر الملائكة (استمع فإذا انطلق جبريل) عليه السلام (قرأه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما قرأ)

5 - باب

ولغير أبي ذر والأصيلي وابن عساكر قرأه بضمير المفعول أي القرآن، ولأبي ذر عن الكشميهني كما كان قرأ، والحاصل أن الحالة الأولى جمعه في صدره، والثانية تلاوته، والثالثة تفسيره وإيضاحه. ورواة هذا الحديث ما بين مكي وكوفيّ وبصريّ وواسطيّ وفيه تابعي عن تابعي وهما موسى بن أبي عائشة عن سعيد بن جبير، وأخرجه المؤلف في التفسير وفضائل القرآن ومسلم في الصلاة والترمذي وقال: حسن صحيح. ولما كان ابتداء نزول القرآن عليه عليه الصلاة والسلام في رمضان على القول به كنزوله إلى السماء جملة واحدة فيه شرع المؤلف يذكر حديث تعاهد جبريل له عليهما السلام في رمضان في كل سنة فقال: 5 - باب 6 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ. قال: وَحَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ. فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. [الحديث 6 - أطرافه في: 1902، 3220، 3554، 4997]. (حدّثنا عبدان) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح المهملة هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة العتكي بالمهملة والمثناة الفوقية المفتوحتين المروزيّ المتوفى سنة إحدى أو اثنتين وعشرين ومائتين عن ست وسبعين سنة، (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي مولاهم المروزي الإمام المتفق على ثقته وجلالته من تابعي التابعين، وكان والده من الترك مولى لرجل من همدان المتوفى سنة إحدى وثمانين ومائة، (قال: أخبرنا يونس) بن يزيد بن مشكان الأيليّ (عن الزهريّ) محمد بن مسلم بن شهاب، (قال) أي البخاري وفي الفرع كأصله بدل قال: (ح) مهملة مفردة في الخط مقصورة في النطق على ما جرى عليه رسمهم إذا أرادوا الجمع بين إسنادين فأكثر عند الانتقال من سند لآخر خوف الإلباس، فربما يظن أن السندين واحد، ومذهب الجمهور أنها مأخوذة من التحويل. وقال عبد القادر الرهاوي وتبعه الدمياطي من الحائل الذي يحجز بين الشيئين، وقال ينطق به ومنعه الأوّل. وعن بعض المغاربة يقول بدلها الحديث وهو يشير إلى أنها رمز عنه، وعن خط الصابوني وأبي مسلم الليثي وأبي سعيد الخليلي صح لئلا يتوهم أن حديث هذا الإسناد سقط، أو خوف تركيب الإسناد الثاني مع الأوّل فيجعلا إسنادًا واحدًا وزعم بعضهم أنها معجمة أي إسناد آخر فوهم. (وحدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة المروزي السختياني وهو مما انفرد البخاري بالرواية عنه عن سائر الكتب الستة وتوفي سنة أربع وعشرين ومائتين، (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا يونس ومعمر عن الزهري نحوه) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر نحوه عن الزهري، يعني أن عبد الله بن المبارك حدّث به عبدان عن يونس وحده، وحدّث به بشر بن محمد عن يونس ومعمر معًا، أما باللفظ فعن يونس وأما بالعنى فعن معمر. ومن ثم زاد فيه لفظة نحوه، (قال) أي الزهري: (أخبرني) بل بالإفراد، ولأبي ذر أخبرنا (عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله) بن عتبة بضم العين المهملة وسكون المثناة الفوقية وفتح الموحدة ابن مسعود الإمام الجليل أحد الفقهاء السبعة التابعي المتوفى بعد ذهاب بصره سنة تسع أو ثمان أو خمس أو أربع وتسعين، (عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه (قال): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجود الناس) بنصب أجود خبر كان أي أجودهم على الإطلاق، (وكان أجود ما يكون) حال كونه (في رمضان) برفع أجود اسم كان، وخبرها محذوف وجوبًا على حد قولك أخطب ما يكون الأمير قائمًا وما مصدرية أي أجود أكوان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رمضان سدّ مسد الخبر أي حاصلاً فيه، أو على أنه مبتدأ مضاف إلى المصدر وهو ما يكون، وما مصدرية وخبره في رمضان تقديره أجود أكوانه عليه الصلاة والسلام حاصل له في رمضان، والجملة كلها خبر كان واسمها ضمير عائد على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وللأصيلي كأبي ذرّ في اليونينية أجود بالنصب خبر كان، وعورض بأنه يلزم منه أن يكون خبرها اسمها، وأجيب بجعل اسم كان ضمير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وما حينئذ مصدرية ظرفية، والتقدير كان عليه الصلاة والسلام متصفًا بالأجودية مدة كونه في رمضان مع أنه أجود الناس مطلقًا، وتعقب بأنه إذا كان فيه ضمير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يصح أن يكون أجود خبرًا لكان، لأنه مضاف إلى الكون ولا يخبر بكون

6 - باب

عما ليس بكون، فيجب أن يجعل مبتدأ وخبره في رمضان والجملة خبر كان اهـ فليتأمل. وقال في المصابيح: ولك مع نصب أجود أن تجعل ما نكرة موصوفة، فيكون في رمضان متعلقًا بكان مع أنها ناقصة بناء على القول بدلالتها على الحدث، وهو صحيح عند جماعة، واسم كان ضمير عائد له عليه الصلاة والسلام أو إلى جوده المفهوم مما سبق، أي وكان عليه الصلاة والسلام أجود شيء يكون، أو وكان جوده في رمضان أجود شيء يكون، فجعل الجود متّصفًا بالأجودية مجازًا كقولهم: شعر شاعر اهـ. والرفع أكثر وأشهر رواية. ولأبي ذر فكان أجود بالفاء بدل الواو، وفي هذه الجملة الإشارة إلى أن جوده عليه الصلاة والسلام في رمضان يفوق على جوده في سائر أوقاته. (حين يلقاه جبريل) عليه السلام، إذ في ملاقاته زيادة ترقيه في المقامات وزيادة اطّلاعه على علوم الله تعالى ولا سيما مع مدارسة القرآن. (وكان) جبريل (يلقاه) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وجوّز الكرماني أن يكون الضمير المرفوع للنبي والمنصوب لجبريل، ورجح الأوّل العيني لقرينة قوله حين يلقاه جبريل (في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن) بالنصب مفعول ثانٍ ليدارسه، على حدّ جاذبته الثوب، والفاء في فيدارسه عاطفة على يلقاه، فبمجموع ما ذكر من رمضاز ومدارسة القرآن وملاقاة جبريل يتضاعف جوده لأن الوقت موسم الخيرات، لأن نعم الله على عباده تربو فيه على غيره، وإنما دارسه بالقرآن لكي يتقرر عنده ويرسخ أتم رسوخ، فلا ينساه. وكان هذا إنجاز وعده تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام حيث قال له: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: 6]. وقال الطيبي: فيه تخصيص بعد تخصيص على سبيل الترقي فضل أوّلاً جوده مطلقًا على جود الناس كلهم، ثم فضل ثانيًا جود كونه في رمضان على جوده في سائر أوقاته، ثم فضل ثالثًا جوده في ليالي رمضان عند لقاء جبريل على جوده في رمضان مطلقًا، ثم شبّه جوده بالريح فقال: (فلرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالرفع مبتدأ خبره قوله (أجود بالخير من الريح المرسلة) أي المطلقة، إشارة إلى أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح. وعبر بالرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، وإلى عموم النفع بجوده عليه الصلاة والسلام كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه، وفيه جواز المبالغة في التشبيه وجواز تشبيه المعنوي بالمحسوس ليقرب لفهم سامعه، وذلك أنه أثبت له أوّلاً وصف الأجودية، ثم أراد أن يصفه بأزيد من ذلك فشبه جوده بالريح الرسلة، بل جعله أبلغ منها في ذلك لأن الريح قد تسكن. وفيه استعمال أفعل التفضيل في الإسناد الحقيقي والمجازي، لأن الجود منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حقيقة، ومن الريح مجاز. فكأنه استعار للريح جودًا باعتبار مجيئها بالخير، فأنزلها منزلة من جاد. وفي تقديم معمول أجود على المفضل عليه نكتة نطيفة هي أنه لو أخّره لظن تعلقه بالمرسلة. وهذا وإن كان لا يتغير به المعنى المراد من الوصف بالأجودية إلا أنه تفوت به المبالغة لأن المراد وصفه بزيادة الأجودية على الريح مطلقًا، والفاء في فلرسول الله، وللسببية واللام للابتداء، وزيدت على المبتدأ تأكيدًا أو هي جواب قسم مقدَّر، وحكمة المدارسة ليكون ذلك سنة في عرض القرآن على من هو أحفظ منه، والاجتماع عليه والإكثار منه. وقال الكرماني: لتجويد لفظه، وقال غيره: تجويد حفظه، وتعقب بأن الحفظ كان حاصلاً له والزيادة فيه تحصل ببعض المجالس. وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة والتحويل وفيه عدد من المراوزة. وأخرجه المؤلف أيضًا في صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفضائل القرآن وبدء الخلق، ومسلم في فضائل النبوّة. ولما فرغ من بدء الوحي شرع يذكر جملة من أوصاف الموحى إليه فقال مما رويته بالسند السابق: 6 - باب 7 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ -وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّاْمِ- فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَادَّ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارَ قُرَيْشٍ، فَأَتَوْهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ، وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا تَرْجُمَانِهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا. فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ. ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ. فَوَاللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَىَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَنْ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ. قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَقُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قَالَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ لاَ. قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ لاَ. قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ لاَ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لاَ نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا. قَالَ وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ. قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قُلْتُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا وَنَنَالُ مِنْهُ. قَالَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ يَقُولُ اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ. فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ قُلْ لَهُ سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، قُلْتُ فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ. وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ، وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ. فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَىَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِيهِ. ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ. سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ. فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ. فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَىَّ الإِسْلاَمَ. وَكَانَ ابْنُ النَّاظُورِ -صَاحِبُ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ- أُسْقُف عَلَى نَصَارَى الشَّأْمِ، يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ. قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ؟ قَالُوا لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلاَّ الْيَهُودُ فَلاَ يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُمْ وَاكْتُبْ إِلَى مَدَائنِ مُلْكِكَ، فَيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ. فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ، يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَ

الأموي مولاهم أبو بشر المتوفى سنة اثنتين أو ثلاث وستين ومائة، (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن) بفتح الهمزة (عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما (أخبره أن) بفتح الهمزة (أبا سفيان) بتثليث السين يكنى أبا حنظلة واسمه صخر بالهملة ثم المعجمة (ابن حرب) بالمهملة والراء ثم الموحدة ابن أمية ولد قبل الفيل بعشر سنين، وأسلم ليلة الفتح، وشهد الطائف وحنينًا، وفقئت عينه في الأولى والأخرى يوم اليرموك، وتوفي بالمدينة سنة إحدى أو أربع وثلاثين وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وصلى عليه عثمان رضي الله عنهما. (أخبره) (أن) أي بأن (هرقل) بكسر الهاء وفتح الراء كدمشق، وهو غير منصرف للعجمة والعلمية، وحكي فيه هرقل بسكون الراء وكسر القاف كخندف والأوّل هو الأشهر والثاني حكاه الجوهري وغيره، واقتصر عليه صاحب الموعب والقزاز ولقبه قيصر، قاله الشافعي وهو أوّل من ضرب الدنانير وملك الروم إحدى وثلاثين سنة وفي ملكه توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أرسل اليه) أي إلى أبي سفيان حال كونه (في) أي مع (ركب) جمع راكب كصحب وصاحب، وهم أولو الإبل العشرة فما فوقها، (من قريش) صفة لركب وحرف الجر لبيان الجن أو للتبعيض، وكان عدد الركب ثلاثين رجلاً كما عند الحاكم في الإكليل، وعند ابن السكن نحو من عشرين، وعند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيب أن المغيرة بن شعبة منهم، واعترضه الإمام البلقيني بسبق إسلام المغيرة فإنه أسلم عام الخندق فيبعد أن يكون حاضرًا ويسكن مع كونه مسلمًا (و) الحال أنهم (كانوا تجارًا) بالضم والتشديد على وزن كفّار وبالكسر والتخفيف على وزن كلاب، وهو الذي في الفرع كأصله جمع تاجر أي متلبسين بصفة التجارة (بالشام) بالهمز، وقد يترك وقدّ تفتح الشين مع المد وهو متعلق بتجارًا أو بكانوا أو يكون صفة بعد صفة (في المدة التي كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مادّ) بتشديد الدال من مادد فأدغم الأوّل في الثاني من المثلين وهو مدة صلح الحديبية سنة ست التي مادّ (فيها أبا سفيان) زاد الأصيلي ابن حرب، (وكفار قريش) أي مع كفار قريش على وضع الحرب عشر سنين. وعند أبي النعيم أربع، ورجح الأوّل. وكفار بالنصب مفعل معه أو عطف على المفعول به وهو أبا سفيان، (فأتوه) أي أرسل إليه في طلب إتيان الركب، فجاء الرسول فوجدهم بغزة وكانت وجه متجرهم كما في الدلائل لأبي نعيم، فطلب إتيانهم فأتوه (وهم) بالميم أي هرقل وجماعته، ولأبوي الوقت وذر عن الكشميهني والأصيلي وهو (بإيلياء) بهمزة مكسورة فمثناتين آخر الحروف أولاهما ساكنة بينهما لام آخره ألف مهموزة بوزن كبرياء، وإيليا بالقصر حكاه البكري، وإلياء بحذف الياء الأولى وسكون اللام. قال البرماوي: بوزن إعطاء، وإيلاء مثله لكن بتقديم الياء على اللام، حكاه النووي واستغربه. وإيليا بتشديد الياء الثانية والقصر حكاه البرماوي عن جاجع الأصول، ورأيته في النهاية. والإيلياء بالألف واللام كذا نقله النووي في شرح مسلم عن مسند أبي يعلى الموصلي واستغربه وهو بيت المقدس والباء بمعنى في (فدعاهم) هرقل حال كونه (في مجلسه وحوله) نصب على الظرفية وهو خبر المبتدأ الذي هو (عظماء الروم) وهم من ولد عيص بن إسحق بن إبراهيم على الصحجح، ودخل فيهم طوائف من العرب من تنوخ وبهراء وغيرهم من غسان كانوا بالشام، فلما أجلاهم المسلمون عنها دخلوا بلاد الروم واستوطنوها فاختلطت أنسابهم. وعند ابن السكن وعنده بطارقته والقسيسون والرهبان (ثم دعاهم) عطف على قوله فدعاهم، وليس بتكرار بل معناه أمر بإحضارهم، فلما حضروا وقعت مهلة ثم استدناهم كما أشعر بها الأداة الدالّة عليها، (ودعا ترجمانه) بالنصب على المفعولية وللأصيلي كما في الفتح وأبي الوقت كما في الفرع كأصاله وغيرهما بترجمانه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بالترجمان بفتح المثناة الفوقية وضم الجيم فيهما وقد تضم التاء فيهما إتباعًا، وهو في ضبط الأصيلي ويجوز فتحهما وضم الأوّل وفتح الثاني وهو المفسر

لغة بلغة، يعني أرسل إليه رسولاً أحضره بصحبته أو كان حاضرًا واقفًا في المجلس كلما جرت به عادة ملوك الأعاجم، ثم أمره بالجلوس إلى جنب أبي سفيان ليعبر عنه بما أراد، ولم يسم الترجمان. ثم قال هرقل للترجمان قل لهم أيكم أقرب (فقال) الترجمان (أيكم أقرب نسبًا لهذا الرجل) ضمن أقرب معنى اقعد فعدّاه بالباء، وعند مسلم المؤلف في آل عمران من هذا الرجل وهو على الأصل، وفي الجهاد إلى هذا الرجل ولا إشكال فيها، فإن أقرب يتعدى بإلى. قال الله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} [ق: 16] والمفضل عليه محذوف أي من غيره، وزاد ابن السكن الذي خرج بأرض العرب (الذي يزعم)، وعند ابن إسحق عن الزهري يدّعي (أنه نبيّ فقال) بالفاء، ولأبي الوقت وابن عساكر والأصيلي قال (أبو سفيان: قلت) وفي رواية كما في اليونينية بغير رقم فقلت بزيادة الفاء (أنا أقربهم نسبًا). وللأصيلي كما في الفرع كأصله أنا أقربهم به نسبًا أي من حيث النسب، وأقربية أبي سفيان لكونه من بني عبد مناف وهو الأب الرابع للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي سفيان، وخصّ هرقل الأقرب لكونه أحرى بالاطّلاع على ظاهره وباطنه أكثر من غيره، ولأن الأبعد لا يؤمن أن يقدح في نسبه بخلاف الأقرب، لكن قد يقال: إن القريب متهم في الإخبار عن نسب قريبه بما يقتضي شرفًا وفخرًا، ولو كان عدوًّا له لدخوله في شرف النسب الجامع لهما، (فقال) أي هرقل، وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الحموي قال: (أدنوه مني) بهمزة قطع مفتوحة كما في الفرع، وإنما أمر بإدناء أبي سفيان ليمعن في السؤال ويشفي غليله. (وقرّبوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره) لئلا يستحيوا أن يواجهوه بالتكذيب إن كذب كما صرح به الواقدي في روايته. (ثم قال) هرقل (لترجمانه: قل لهم) أي لأصحاب أبي سفيان (إني سائل هذا) أي أبا سفيان (عن هذا الرجل) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأشار إليه إشارة القريب لقرب العهد بذكره أو لأنه معهود في أذهانهم (فإن كذبني) بالتخفيف أي إن نقل إليّ الكذب (فكذبوه) بتشديد الذال المعجمة المكسورة، قال التيمي كذب بالتخفيف يتعدّى إلى مفعولين مثل صدق تقول كذبني الحديث وصدقني الحديث، وكذب بالتشديد يتعدى إلى مفعول واحد وهما من غرائب الألفاظ لمخالفتهما الغالب، لأن الزيادة تناسب الزيادة وبالعكس والأمر هنا بالعكس اهـ. (قال) أي أبو سفيان وسقط لفظ قال لكريمة وأبي الوقت كذا هي ساقطة من اليونينية مطلقًا، (فوالله لولا الحياء) وفي نسخة كريمة لولا أن الحياء: (من أن يأثروا عليّ) بضم المثلثة وكسرها، وعلي بمعنى عني أي رفقتي يروون عني (كذبًا) بالتنكير، وفي غير الفرع وأصله الكذب فأعاب به لأنه قبيح ولو على عدوّ (لكذبت عنه). لأخبرت عن حاله بكذب لبغضي اياه. وللأصيلي وأبوي الوقت وذر عن الحموي لكذبت عليه. (ثم كان أوّل ما سألني عنه) بنصب أوّل في فرع اليونينية كهي، قال في الفتح: وبه جاءت الرواية وهو خبر كان واسمها ضمير الشأن وقوله الآتي إن قال، بدل من قوله ما سألني عنه. ويجوز أن يكون إن قال اسم ان، وقوله أوّل ما سألني خبره وتقديره، ثم كان قوله كيف نسبه فيكم أوّل ما سألني عنه، ويجوز رفعه اسمًا لكان، وذكر العيني وروده رواية ولم يصرح به في الفتح، إنما قال: ويجوز رفعه على الاسمية وخبره قوله (أن قال كيف نسبه) عليه الصلاة والسلام (قيكم) أي ما حال نسبه أهو من أشرافكم أم لا؟ لكن قال العلاّمة البدر الدماميني: إن جواز النصب والرفع لا يصح على إطلاقه، وإنما الصواب التفصيل، فإن جعلنا ما نكرة بمعنى شيء تعين نصبه على الخبرية، وذلك لأن إن قال وأوّل ما سألني هو الخبر ضرورة أنه متى اختلف الاسمان تعريفًا وتنكيرًا فالمعرف الاسم والمنكر الخبر، ولا بعكس إلاّ في الضرورة. وإن جعلناها موصولة جاز الأمران، لكن المختار جعل أن قال هو الاسم لكونه أعرف اهـ. قال أبو سفيان: (قلت هو فينا ذو نسب) أي

صاحب نسب عظيم، فالتنوين للتعظيم كقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] أي عظيمة، (قال) هرقل (فهل قال هذا القول منكم) من قريش (أحد قط) بتشديد الطاء المضمومة مع فتح القاف، وقد يضمان وقد تخفف الطاء وتفتح القاف ولا يستعمل إلا في الماضي المنفي، واستعمل هنا بغير أداة النفي وهو نادر، وأجيب بأن الاستفهام حكمه حكم النفي كأنه قال: هل قال هذا القول أحد أو لم يقله أحد قط (قبله) بالنصب على الظرفية، وللأصيلي والكشميهني وكريمة وابن عساكر مثله بدل قوله قبله، وحينئذ يكون بدلاً من قوله هذا القول، قال أبو سفيان (قلت لا) أي لم يقله أحد قبله. (قال) هرقل (فهل كان من آبائه من) بكسر الميم حرف جر (ملك) بفتح الميم وكسر اللام صفة مشبهة، وهذه رواية كريمة والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر، ورواه ابن عساكر في نسخة وأبو ذر عن الكشميهني من بفتح الميم اسم موصول وملك فعل ماضٍ، ولأبي ذر كما في الفتح فهل كان من آبائه ملك بإسقاط من، والأوّل أشهر وأرجح. قال أبو سفيان (قلت: لا. قال) هرقل (فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم) وعند المؤلف في التفسير أيتبعه أشراف الناس بإثبات همزة الاستفهام، وللأربعة فأشراف الناس اتبعوه. قال أبو سفيان (قلت) ولغير الأربعة فقلت (بل ضعفاؤهم) أي اتبعوه، والشرف علو الحسب والمجد والمكان العالي، وقد شرف بالضم فهو شريف وقوم شرفاء وأشراف وفي الفتح تخصيص الشرف هنا بأهل النخوة والتكبّر لا كل شريف ليخرج مثل العمرين ممن أسلم قبل سؤال هرقل، وتعقبه العيني بأن العمرين وحمزة كانوا من أهل النخوة. فقول أبي سفيان جرى على الغالب. ووقع في رواية ابن إسحق تبعه منا الضعفاء والمساكين والأحداث، وأما ذوو الأنساب والشرف فما تبعه منهم أحد. قال الحافظ ابن حجر، وهو محمول على الأكثر الأغلب. (قال) هرقل (أيزيدون أم ينقصون) بهمزة الاستفهام، وفي رواية سورة آل عمران بإسقاطها، وجزم ابن مالك بجوازه مطلقًا خلافًا لمن خصّه بالشعر. قال أبو سفيان (قلت بل يزيدون. قال) هرقل: (فهل يرتد أحد منهم سخطة) بفتح السين المهملة في اليونينية ليس إلا وبالنصب مفعول لأجله أو حال أي ساخطًا أي كراهة وعدم رضا، وجوّز في الفتح ضم السين. وعبارته سخطة بضم أوّله وفتحه، وتعقبه العيني فقال: السخطة بالتاء إنما هي بالفتح فقط، والسخط بلا تاء يجوز فيه الضم والفتح مع أن الفتح يأتي بفتح الخاء، والسخط بالضم يجوز فيه الوجهان ضم الخاء معه وإسكانها اهـ. قلت: في رواية الحموي والمستملي سخطة بضم السين وسكون الخاء، أي فهل يرتد أحد منهم كراهة (لدينه بعد أن يدخل فيه) أخرج به من ارتد مكرهًا أولاً سخطًا لدين الإسلام بك لرغبة في غيره كحظ نفساني كما وقع لعبيد الله بن جحش. قال أبو سفيان (قلت: لا). فإن قلت: لمِ لم يستغن هرقل بقوله بل يزيدون عن قوله هل يرتد أحد منهم الخ، أجيب: بأنه لا ملازمة بين الازدياد والنقص فقد يرتد بعضهم ولا يظهر فيهم النقص باعتبار كثرة من يدخل وقلة من يرتد مثلاً، وإنما سأل عن الارتداد لأن من دخل على بصيرة في أمر محقق لا يرجع عنه بخلاف من دخل في أباطيل. (قال) هرقل: (فهل كنتم تتهمونه بالكذب) على الناس (قبل أن يقول ما قال) قال أبو سفيان: (قلت: لا) وإنما عدل عن السؤال عن نفس الكذب إلى السؤال عن التهمة تقريرًا لهم على صدقه لأن التهمة إذا انتفت انتفى سببها. (قال) هرقل (فهل يغدر) بدال مهملة مكسورة أي ينقض العهد؟ قال أبو سفيان: (قلت لا، ونحن منه) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في مدة) أي مدة صلح الحديبية أو غيبته وانقطاع أخباره عنّا. (لاّ ندري ما هو فاعل فيها) أي في المدة، وفي قوله: لا ندري إشارة إلى عدم الجزم بغدره (قال) أبو سفيان (ولم تمكني) بالمثناة الفوقية أو التحتية (كلمة أدخل فيها شيئًا) انتقصه به (غير هذه الكلمة). قال في الفتح: التنقيص هنا أمر نسبي لأن من يقطع بعدم غدره أرفع رتبة ممن يجوز وقوع

ذلك منه في الجملة، وقد كان عليه الصلاة والسلام معروفًا عندهم بالاستقراء من عادته أنه لا يغدر، ولكن لما كان الأمر مغيبًا لأنه مستقبل أمن أبو سفيان أن ينسب في ذلك إلى الكذب، ولذا أورده على التردد ومن ثم لم يعرج هرقل على هذا القدر منه اهـ. وغير بالرفع صفة لكلمة، ويجوز فيها النصب صفة لشيئًا وليس في الفرع غير الأوّل، وصحح عليه. فإن قلت: كيف يكون غير صفة لهما وهما نكرتان وغير مضاف إلى المعرفة؛ أجيب: بأنه لا يتعرف بالإضافة إلا إذا اشتهر المضاف بمغايرة المضاف إليه، وههنا ليس كذلك. وعورض بأن هذا مذهب ابن السراج والجمهور على خلافه فنحو غير المغضوب عليهم يعرب بدلاً من الذين أو صفة له تنزيلاً للموصول منزلة النكرة فجاز وصفها بالنكرة. (قال) هرقل (فهل قاتلتموه) نسب ابتداء القتال إليهم ولم ينسبه إليه عليه الصلاة والسلام لما اطّلع عليه من أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يبدأ قومه بالقتال حتى يقاتلوه، قال أبو سفيان (قلت نعم) قاتلناه. (قال) هرقل (فكيف كان قتالكم إياه) بفصل ثاني الضميرين والاختيار أن لا يجيء المنفصل إذا تأتى أن يجيء المتصل، وقيل قتالكم إياه أفصح من قتالكموه باتصال الضمير، فلذلك فصله وصوّبه العيني تبعًا لنص الزمخشري. قال أبو سفيان (قلت) وللأصيلي قال (الحرب بيننا وبينه سجال) بكسر السين المهملة وبالجيم المخففة أي نوب نوبة لنا ونوبة له كما قال (ينال منا وننال منه) أي يصيب منا ونصيب منه. قال البلقيني: هذه الكلمة فيها دسيسة أيضًا لأنهم لم ينالوا منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطّ، وغاية ما في غزوة أُحُد أن بعض المقاتلين قتل وكانت العزة والنصرة للمؤمنين اهـ. وتعقب بأنه قد وقعت المقاتلة بينه عليه الصلاة والسلام وبينهم قبل هذه القصة في ثلاثة مواطن: بدر وأُحُد والخندق، فأصاب المسلمون من المثركين في بدر وعكسه في أُحُد وأصيب من الطائفتين ناس قليل في الخندق، فصح قول أبي سفيان يصيب منا ونصيب منه، وحينئذ فلا دسيسة هنا في كلام أبي سفيان كما لا يخفى، والجملة تفسيرية لا محل لها من الإعراب. قال في المصابيح: فإن قلت: فما يصنع الشلوبين القائل بأنها في حكم مفسرها إن كان ذا محل فهي كذلك وإلاّ فلا، وهي ههنا مفسرة للخبر فيلزم أن تكون ذات محل لكنها خالية عن رابط يربطها بالمبتدأ قلت: تقدره أي ينال منا فيها وننال فيها منه اهـ. والسجال مرفوع خبر للحرب واستشكل جعله خبرًا لكونه جمعًا والمبتدأ مفرد فلم تحصل المطابقة بينهما، وأجيب كما في الفتح بأن الحرب اسم جنس والسجال اسم جمع، وتعقبه العيني بأن السجال ليس اسم جمع بل هو جمع وبينهما فرق، وجوّز أن يكون سجال بمعنى المساجلة فلا يرد السؤال أصلاً. وفي قوله الحرب بيننا وبينه سجال تشبيه بليغ شبه الحرب بالسجال مع حذف أداة التشبيه لقصد المبالغة كقولك: زيد أسد إذا أردت به المبالغة في بيان شجاعته فصار كأنه عين الأسد. وذكر السجال وأراد به النوب يعني الحرب بيننا وبينه نوب نوبة لنا ونوبة له كالمستقيين إذا كان بينهما دلو يستقي أحدهما دلوًا والآخر دلوًا. (قال) هرقل (ما) بإسقاط الباء الموحدة في اليونينية وهي مكشوطة من الفرع، وفي بعض الأصول بما، وفي نسخة فما (ذا يأمركم)، أي ما الذي يأمركم به؟ قال أبو سفيان: (قلت يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا) بالواو، وفي رواية المستملي اعبدوا الله لا تشركوا بحذف الواو، وحينئذ فيكون تأكيدًا لقوله وحده، وهذه الجملة عطف على اعبدوا الله وهي من عطف المنفي على المثبت وعطف الخاص على العام؛ على حدّ {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ} [القدر: 4]، فإن عبادته تعالى أعمّ من عدم الإشراك به (واتركوا ما يقول آباؤكم) من عبادة الأصنام وغيرهما مما كانوا عليه في الجاهلية. (ويأمرنا بالصلاة) المعهودة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم، وفي نسخة مما في اليونينية بزيادة والزكاة (والصدق) وهو القول المطابق للواقع. وفي رواية للمؤلف بالصدقة بدل الصدق، ورجحها الإمام البلقيني، قال الحافظ ابن حجر: ويقوّيها رواية المؤلف في التفسير والزكاة وقد ثبت عنده من رواية أبي ذر عن شيخه الكشميهني والسرخسي اللفظان الصدقة

والصدق (والعفاف) بفتح العين أي الكف عن المحارم وخوارم المروءة (والصلة) للأرحام وهي كل ذي رحم لا تحلّ مناكحته أو فرضت الأنوثة مع الذكورة، أو كل ذي قرابة. والصحيح عمومه في كل ما أمر الله به أن يوصل كالصدقة والبر والإنعام. قال في التوضيح: من تأمل ما استقرأه هرقل من هذه الأوصاف تبين له حسن ما استوصف من أمره واستبرأه من حاله والله دره من رجل ما كان أعقله لو ساعدته المقادير بتخليد ملكه والأتباع (فقال) هرقل (للترجمان قل له) أي لأبي سفيان: (سألتك عن) رتبة (نسبه) فيكم أهو شريف أم لا (فذكرت أنه فيكم ذو) أي صاحب (نسب) شريف عظيم (فكذلك) بالفاء وللأربعة وكذلك (الرسل تبعث في) أشرف (نسب قومها) جزم به هرقل لما تقرر عنده في الكتب السالفة. (وسألتك: هل قال أحد) ولأبي ذر كما في الفرع كأصله وسألتك قال أحد (منكم هذا القول) زاد في نسخة قبله. (فذكرت أن لا فقلت) أي في نفسي وأطلق على حديث النفس قولاً (لو كان أحد قال هذا القول قبله لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله) يأتسي بهمزة ساكنة بعدها مثناة فوقية مفتوحة وسين مهملة مكسورة أي يقتدي ويتبع. ولأبي ذر عن الكشميهني يتأسى بتقديم المثناة الفوقية على الهمزة المفتوحة، وفتح السين المشدّدة. (وسألتك هل كان من آبائه من ملك) وللكشميهني من ملك بفتح الميمين (فذكرت أن لا قلت) وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني فقلت (فلو) ولأبي الوقت لو (كان من آبائه من ملك قلت رجل يطلب ملك أبيه). فإن قلت لم قال أبيه بالإفراد؟ أجيب: ليكون أعذر في طلب الملك بخلاف ما لو قال ملك آبائه أو المراد بالأب ما هو أعم من حقيقته ومجازه. نعم في سورة آل عمران آبائه بالجمع. فإن قلت لم قال هرقل فقلت في هذين الموضعين وهما: هل قال هذا القول أحد منكم، وهل كان من آبائه من ملك؟ أجيب: بأن هذين المقامين مقاما فكر ونظر بخلاف غيرهما من الأسئلة فإنها مقام نقل. قال هرقل لأبي سفيان: (وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فذكرت أن لا فقد أعرف أئه لم يكن ليذر) اللام فيه لام الجحود لملازمتها النفي وفائدتها تأكيد النفي نحو: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء: 168] أي لم يكن ليدع (الكذب على الناس) قبل أن يظهر رسالته. (ويكذب) بالنصب (على الله) بعد إظهارها. (وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل) غالبًا لأنهم أهل الاستكانة بخلاف أهل الاستكبار المصرّين على الشقاق بغيًا وحسدًا كأبي جهل، ويؤيد استشهاده على ذلك قوله تعالى: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُون} [الشعراء: 111] المفسر بأنهم الضعفاء على الصحيح. قال هرقل لأبي سفيان (وسألتك أيزيدون أم ينقصون فذكرت أنهم يزيدون وكذلك أمر الإيمان) فإنه لا يزال في زيادة (حتى يتم) بالأمور المعتبرة فيه من صلاة وزكاة وصيام وغيرها، ولهذا نزل في آخر سنيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. (وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فذكرت أن لا وكذلك الإيمان حين) بالنون، وفي بعض النسخ حتى بالمثناة الفوقية، وفي آل عمران، وكذلك الإيمان إذا خالط قال في الفتح وهو يرجح أن رواية حتى وهم، والصواب وهو رواية الأكثر حين (تخالط) بالمثناة الفوقية (بشاشته القلوب) بفتح الموحدة والشينين المعجمتين وضم التاء وإضافته إلى ضمير الإيمان. والقلوب نصب على المفعولية. أي تخالط بشاشة الإيمان القلوب التي تدخل فيها، وللحموي والمستملي يخالط بالمثناة التحتيه بشاشة بالنصب على المفعولية والقلوب بالجر على الإضافة، والمراد ببشاشة القلوب انشراح الصدر والفرح والسرور بالإيمان. (وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر) لأنها لا تطلب حظ الدنيا الذي لا يبالي طالبه بالغدر بخلاف من طلب الآخرة. (وسألتك بما يأمركم) بإثبات الألف مع

ما الاستفهامية وهو قليل. كذا قاله الزركشي وغيره، وتعقبه في المصابيح بأنه لا داعي هنا إلى التخريج على ذلك، إذ يجوز أن تكون الباء بمعنى عن متعلقة بسأل نحو فاسأل به خبيرًا، وما موصولة والعائد محذوف، ثم أورد سؤالاً وهو أن أمر يتعدى بالباء إلى المفعول الثاني، تقول: أمرتك بكذا فالعائد حينئذ مجرور بغير ما جر به الموصول معنى، فيمتنع حذفه. وأجاب بأنه قد ثبت حذف حرف الجر من المفعول الثاني فينصب حينئذ نحو: أمرتك الخير، وعليه حمل جماعة من المغربين قوله تعالى: {مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: 33] فجملوا ماذا المفعول الثاني، وجعلوا الأوّل محذوفًا لفهم المعنى، أي تأمريننا. وإذا كان كذلك جعلنا العائد المحذوف منصوبًا ولا ضير اهـ. (فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا و) أنه (ينهاكم عن عبادة الأوثان) جمع وثن بالمثلثة وهو الصنم واستفاده هرقل من قوله ولا تشركوا به شيئًا واتركوا ما يقول آباؤكم لأن مقولهم الأمر بعبادة الأوثان (و) أنه (يأمركم بالصلاة والصدق والعفاف) ولم يعرج هرقل على الدسيسة التي دسها أبو سفيان، وسقط هنا إيراد تقدير السؤال العاشر، والذي بعده جوابه وثبت ذلك جميعه في الجهاد كما سيأتي إن شاء الله تعالى. ثم قال هرقل لأبي سفيان: (فإن كان ما تقول حقًا) لأن الخبر يحتمل الصدق والكذب (فسيملك) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (موضع قدميّ هاتين) أرض بيت المقدس أو أرض ملكه. (وقد كنت أعلم أنه) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (خارج) قاله لما عنده من علامات نبوّته عليه الصلاة والسلام الثابتة في الكتب القديمة، وفي رواية سورة آل عمران فإن كان ما تقول حقًا فإنه نبي؛ وفي الجهاد وهذه صفة نبي، ووقع في أمالي المحاملي رواية الأصبهانيين من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أبي سفيان أن صاحب بصرى أخذه وناسًا معه في تجارة، فذكر القصة مختصرة دون الكتاب وزاد في آخرها قال: فأخبرني هل تعرف صورته إذا رأيتها، قلت: نعم، قال: فأدخلت كنيسة لهم فيها الصور فلم أره ثم أدخلت أخرى فإذا أنا بصورة محمد وصورة أبي بكر (لم) بإسقاط الواو ولابن عساكر في نسخة ولم (أكن أظن أنه منكم) أي من قريش (فلو أني أعلم أني) وسقطت أني الأولى في نسخة، ولأبي الوقت إنني (أخلص) بضم اللام أي أصل (إليه لتجشمت) بالجيم والشين المعجمة أي لتكلفت (لقاءه) على ما فيه من المشقة، وهذا التجشم كما قاله ابن بطال هو الهجرة وكانت فرضًا قبل الفتح على كل مسلم، وفي مرسل ابن إسحق عن بعض أهل العلم أن هرقل قال: ويحك والله إني لأعلم أنه نبي مرسل ولكني أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لاتبعته، ونحوه عند الطبراني بسند ضعيف فقد خاف هرقل على نفسه أن يقتله الروم كما جرى لغيره وخفي عليه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الآتي أسلم تسلم، فلو حمل الجزاء على عمومه في الدارين لسلم لو أسلم من جميع المخلوف .. (ولو كنت عندما) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لغسلت عن قدميه) مما لعله يكون عليهما. قاله مبالغة في الخدمة أو لأزلت عنهما كقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] قال الزمخشري: أي الذين يصدّون عن أمره، وقال غيره: عدي بعن لأن في المخالفة معنى التباعد والحيد، كأن المعنى الذين يحيدون عن أمره بالمخالفة والإتيان بعن أبلغ للتنبيه على هذا الغرض. وفي باب دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس إلى الإسلام والنبوّة، ولو كنت عنده لغسلت قدميه. وفي رواية عن عبد الله بن شدّاد عن أبي سفيان لو علمت أنه هو لمشيت إليه حتى أقبل رأسه وأغسل قدميه. وزاد فيها ولقد رأيت جبهته يتحادر عرقها من كرب الصحيفة يعني لما قرىء عليه الكتاب، وتثنية قدميه رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي. وفي رواية قدمه بالإفراد. قال أبو سفيان: (ثم دعا) هرقل (بكتاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي من وكّل ذلك إليه، ولهذا عدي إلى الكتاب بالباء كذا قرره في الفتح. وقال العيني: الأحسن أن يقال: ثم دعا من أتى بكتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

وجوز زيادة الباء، أي دعا الكتاب على سبيل المجاز أو ضمن دعا معنى طلب (الذي بعث به دحية) بكسر الدال وفتحها ورفع التاء على الفاعلية ابن خليفة الكلبي، ولأبوي ذر والوقت عن المستملي وابن عساكر بعث به مع دحية أي بعثه عليه الصلاة والسلام معه، وكان في آخر سنة ست بعد أن رجع من الحديبية (إلى عظيم) أهل (بصرى) بضم الموحدة مقصورًا مدينة حوران أي أميرها الحرث بن أبي شمر الغساني. (فدفعه إلى هرقل) فيه مجاز لأنه أرسل به إليه صحبة عديّ بن حاتم كما في رواية ابن السكن في الصحابة، وكان وصوله إليه كما قاله الواقدي وصوّبه الحافظ ابن حجر في سنة سبع (فقرأه) هرقل بنفسه أو الترجمان بأمره، وفي مرسل محمد بن كعب القرظيّ عند الواقدي في هذه القصة فدعا الترجمان الذي يقرأ بالعربية فقرأه (فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم) فيه استحباب تصدير الكتب بالبسملة، وإن كان المبعوث إليه كافرًا. فإن قلت: قد قدم سليمان اسمه على البسملة، أجيب: أنه إنما ابتدأ بالبسملة وكتب اسمه عنوانًا بعد ختمه لأن بلقيس إنما عرفت كونه من سليمان بقراءة عنوانه المعهود، ولذلك قالت: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم. فالتقديم واقع في حكاية الحال. (من محمد عبد الله ورسوله) وصف نفسه الشريفة بالعبودية تعريضًا لبطلان قول النصارى في المسيح أنه ابن الله، لأن الرسل مستوون في أنهم عباد الله. وللأصيلي وابن عساكر من محمد بن عبد الله ورسول الله (إلى هرقل عظيم) أهل (الروم) أي المعظم عندهم ووصفه بذلك لمصلحة التأليف ولم يصفه بالأمرة ولا الملك لكونه معزولاً بحكم الإسلام، وقوله: عظيم بالجر بدل من سابقه، ويجوز الرفع على القطع والنصب على الاختصاص وذكر المدائني أن القارىء لما قرأ من محمد رسول الله غضب أخو هرقل واجتذب الكتاب فقال له هرقل: ما لك؟ فقال: لأنه بدأ بنفسه وسماك صاحب الروم. قال: إنك لضعيف الرأي أتريد أن أرمي بكتاب قبل أن أعلم ما فيه لئن كان رسول الله إنه لأحق أن يبدأ بنفسه ولقد صدق أنا صاحب الروم والله مالكي ومالكه. (سلام) بالتنكير، وعند المؤلف في الاستئذان السلام (على من اتبع الهدى) أي الرشاد على حد قول موسى وهارون لفرعون: {وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه: 47]، والظاهر أنه من جملة ما أُمرا به أن يقولاه، ومعناه سلم من عذاب الله من أسلم فليس المراد به التحية وإن كان اللفظ يُشعِر به لأنه لم يسلم، فليس هو ممن اتبع الهدى. (أما بعد) بالبناء على الضم لقطعه عن الإضافة المنوية لفظًا، ويؤتى بها للفصل بين الكلامين. قال في الفتح: واختلف في أول من قالها فقيل داود، وقيل يعرب بن قحطان، وقيل كعب بن لؤي، وقيل قس بن ساعدة، وقيل سحبان. وفي خمس غرائب مالك للدارقطني أن يعقوب عليه السلام أول من قالها، فإن ثبت وقلنا إن قحطان من ذرية إسماعيل فيعقوب أوّل من قالها مطلقًا، وإن قلنا إن قحطان قبل إبراهيم فيعرب أوّل من قالها. (فإني أدعوك بدعاية الإسلام). بكسر الدال المهملة، ولمسلم كالمؤلف في الجهاد بداعية الإسلام أي بالكلمة الداعية إلى الإسلام وهي شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله، والباء بمعنى إلى، أي أدعوك إلى الإسلام. (أسلم) بكسر اللام (تسلم) بفتحها (يؤتك الله أجرك مرتين) بالجزم في الأول على الأمر، وفي الثاني جواب له، والثالث بحذف حرف العلة جواب ثانٍ له أيضًا، أو بدل منه، وإعطاء الأجر مرتين لكونه مؤمنًا بنبيّه. ثم آمن بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو من جهة أن إسلامه يكون سببًا لإسلام أتباعه. وقوله: أسلم تسلم فيه غاية الاختصار ونهاية الإيجاز والبلاغة وجمع المعاني مع ما فيه من الجناس الاشتقاقي، وهو أن يرجع اللفظان في الاشتقاق إلى أصل واحد، وعند المؤلف في الجهاد أسلم تسلم وأسلم يؤتك بتكرار أسلم مع زيادة الواو في الثانية، فيكون الأمر الأوّل للدخول في الإسلام والثاني للدوام عليه على حدّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} [النساء: 136] قاله في الفتح، وعورض بأن الآية في حق المنافقين، أي يا أيها الذين آمنوا نفاقًا آمنوا إخلاصًا. وأجيب بأنه قول مجاهد. وقال ابن عباس في مؤمني أهل الكتاب، وقال جماعة من المفسّرين: خطاب للمؤمنين، وتأويل آمنوا بالله أقيموا

ودوموا واثبتوا على أيمانكم. (فإن توليت) أي أعرضت عن الإسلام (فإن عليك) مع إثمك (إثم اليريسين) بمثناتين تحتيتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة بينهما راء مكسورة ثم سين مكسورة ثم مثناة تحتية ساكنة ثم نون، جمع يريس على وزن كريم. وفي رواية الأريسين بقلب المثناة الأولى همزة وفي أخرى اليريسيين بتشديد الياء بعد السين جمع يريسيّ وهي التي في الفرع كأصله عن الأربعة، والرابعة وهي للأصيلي كما في اليونينية الأريسيين بتشديد الياء بعد السين كذلك، إلا أنه بالهمزة في أوّله موضع الياء، والمعنى أنه إذا كان عليه إثم الاتباع بسبب اتباعهم له على استمرار الكفر، فلأن يكون عليه إثم نفسه أولى. فإن قلت: هذا معارض بقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] أجيب بأن وزر الإثم لا يتحمله غيره، ولكن الفاعل المتسبب والمتلبس بالسيئات يتحمل من جهتين، جهة فعله وجهة تسببه. والأريسيون الأكارون أي الفلاحون والزراعون، أي عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون لأمرك. ونبّه بهم على جميع الرعايا لأنهم الأغلب في رعاياه، وأسرع انقيادًا فإذا أسلم أسلموا وإذا امتنع امتنعوا. وقال أبو عبيد المراد بالفلاحين أهل مملكته لأن كل من كان يزرع فهو عند العرب فلاح، سواء كان يلي ذلك بنفسه أم بغيره، وعند كراع هم الأجراء. وعند الليث العشارون يعني أهل المكس. وعند أبي عبيدة الخدم والخول يعني لصده إياهم عن الدين. كما قال تعالى: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا} [الأحزاب: 67] الآية. والأوّل أظهر. وقيل: كان أهل السواد أهل فلاحة وكانوًا مجوسًا، وأهل الروم أهل صناعة، فاعلموا بأنهم وإن كانوا أهل كتاب بأن عليهم إن لم يؤمنوا من الإثم مثل إثم المجوس الذين لا كتاب لهم، وفي قوله: فإن توليت استعارة تبعية لأن حقيقة التولي إنما هو بالوجه، ثم استعمل مجازًا في الإعراض عن الشيء. (ويا أهل الكتاب) كذا في رواية عبدوس والنسفيّ والقابسي، وهو الذي في اليونينية بالواو عطفًا على قوله أدعوك أي أدعوك بدعاية الإسلام وأدعوك بقوله تعالى أو أتلو عليك أو أقرأ عليك أهل الكتاب، وعلى هذا التقدير فلا تكون زائدة في التلاوة لأن الواو إنما دخلت على محذوف ولا محذور فيه. قإن قلت: يلزم عليه حذف المعطوف وبقاء حرف العطف وهو ممتنع أجيب: بأنما ذاك إذا حذف المعطوف وجميع متعلقاته، أما إذا بقي من اللفظ شيء هو معمول للمحذوف فلا نسلم امتناع ذلك كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر: 9]، أي وأخلصوا الإيمان. وكقوله: وزججن الحواجب والعيونا أي وكحلن وعلفتها تبنًا وماءً باردًا أي وسقيتها إلى غير ذلك. فإن قلت: العطف مشكل لأنه يقتضي تقييد التلاوة بتوليه وليس كذلك، أجيب: بأنه إنما هو معطوف على مجموع الجملة المشتملة على الشرط والجزاء لا على الجزاء فقط، وقيل: إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يرد التلاوة بل أراد مخاطبتهم بذلك، وحينئذ فلا إشكال، وعورض بأن العلماء استدلوا بهذا الحديث على جواز كتابة الآية والآيتين إلى أرض العدو، ولولا أن المراد الآية لما صح الاستدلال، وهم أقوم وأعرف. وبأنه لو لم يرد الآية لقال عليه الصلاة والسلام فإن توليتم، وفي الحديث: فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون، لكن يمكن الانفصال عن هذا الأخير بأنه من باب الالتفات. وفي رواية الأصيلي وأبي ذر كما قاله عياض يا أهل الكتاب بإسقاط الواو، فيكون بيانًا لقوله بدعاية الإسلام. وقوله: يا أهل الكتاب يعمّ أهل الكتابين. (تعالوا) بفتح اللام (إلى كلمة سواء) أي مستوية (بيننا وبينكم) لا يختلف فيها القرآن والتوراة والإنجيل، وتفسير الكلمة (أن لا نعبد إلاّ الله) أي نوحده بالعبادة ونخلص له فيها (ولا نشرك به شيئًا) ولا نجعل غيره شريكًا له في استحقاق العبادة ولا نراه أهلاً لأن يعبد (ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله). فلا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوه من التحريم والتحليل، لأن كلاً منهم بعضنا بشر مثلنا. روي أنه لما نزلت {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] قال عدي بن حاتم: ما كنا نعبدهم يا رسول الله. قال: أليس كانوا يحلون لكم ويحرمون

فتأخذون بقولهم؟ قال: نعم. قال: (فإن تولوا) عن التوحيد (فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون). أي لزمتكم الحجة فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم، أو اعترفوا بأنكم كافرون بما نطقت به الكتب وتطابقت عليه الرسل، وقد قيل: إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب ذلك قبل نزول الآية، فوافق لفظه لفظها لما نزلت لأنها نزلت في وفد نجران سنة الوفود سنة تسع، وقصة أبي سفيان قبل ذلك سنة ست، وقيل: بل نزلت في اليهود، وجوّز بعضهم نزولها مرتين. وقيل، فيما حكاه السهيلي: إن هرقل وضع هذا الكتاب في قصبة من ذهب تعظيمًا له وإنهم لم يزالوا يتوارثونه كابرًا عن كابر في أعز مكانٍ. وحكي أن ملك الفرنج في دولة الملك المنصور قلاوون الصالحي أخرج لسيف الدين قلج صندوقًا مصفحًا بالذهب، واستخرج منه مقلمة من ذهب فأخرج منها كتابًا زالت أكثر حروفه فقال: هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر ما زلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا فنحن نحفظه. (قال أبو سفيان فلما قال) هرقل (ما قال) أي الذي قاله في السؤال والجواب، (وفرغ من قراءة الكتاب) النبوي (كثر عنده الصخب) بالصاد المهملة والخاء المعجمة المفتوحتين أي اللغط كما في مسلم، وهو اختلاط الأصوات في المخاصمة، (وارتفعت الأصوات) بذلك (وأخرجنا) بضم الهمزة وكسر الراء (فقلت لأصحابي حين أخرجنا) وعند المؤلف في الجهاد حين خلوت بهم، والله (لقد أمر) بفتح أوله مقصورًا وكسر ثانيه أي كبر وعظم (أمر ابن أبي كبشة) بسكون الميم أي شأنه، وكبشة بفتح الكاف وسكون الموحدة. قال ابن جني: اسم مرتجل ليس بمؤنث الكبش، لأن مؤنث الكبش من غير لفظه يريد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها كنية أبيه من الرضاعة الحارث بن عبد العزى فيما قاله ابن ماكولا وغيره، وعند ابن بكير أنه أسلم وكانت له بنت تسمى كبشة، فكنّي بها أو هو والد حليمة مرضعته أو ذلك نسبة إلى جد جده وهب لأن أمه آمنة بنت وهب وأم جد وهب قيلة بنت أبي كبشة، أو لجد جده عبد المطلب لأمه، أو هو رجل من خزاعة اسمه وجز بواو مفتوحة فجيم ساكنة فزاي، ابن غالب خالف قريشًا في عبادة الأوثان فعبد الشعرى فنسبوه إليه للاشتراك في مطلق المخالفة. (إنه يخافه). بكسر الهمزة على الاستئناف. وجوّز العيني فتحها قال: وإن كان على ضعف على أنه مفعول من أجله، والمعنى عظم عليه الصلاة والسلام لأجل أنه يخافه (ملك بني الأصفر) وهم الروم لأن جدهم روم بن عيص بن إسحق تزوّج بنت ملك الحبشة فجاء ولده بين البياض والسواد، فقيل له الأصفر، أو لأن جدته سارة حفّته بالذهب. وقيل غير ذلك. قال أبو سفيان (فما زلت موقنًا أنه سيظهر حتى أدخل الله عليّ الإسلام) فأبرزت ذلك اليقين، (وكان ابن الناطور) بالمهملة أي حافظ البستان وهو لفظ عجمي تكلمت به العرب، وفي رواية الحموي الناظور بالمعجمة. وفي رواية الليث عن يونس بن ناطورا بزيادة ألف في آخره والواو عاطفة، فالقصة الآتية موصولة إلى ابن الناطور مروية عن الزهري خلاقًا لمن توهم أنها معلقة أو مروية بالإسناد المذكور عن أبي سفيان، والتقدير عن الزهري أخبرني عبيد الله وذكر الحديث، ثم قال الزهري: وكان ابن الناطور يحدث فذكر هذه القصة. وقوله (صاحب إيلياء) بكسر الهمزة واللام بينهما مثناة تحتية مع المد على الأشهر وهي بيت المقدس أي أميرها، وصاحب منصوب في رواية أبي ذر على الاختصاص أو الحال لا خبر كان لأن خبرها إما أسقفًا أو يحدث، وجوّزه البدر الدماميني بأنه لا مانع من تعدد الخبر. وفي رواية غير أبي ذر صاحب بالرفع صفة لابن الناطور، ورده الزركشي بأنه معرفة. وصاحب لا يتعرف بالإضافة لأنها في تقدير الانفصال. وجوّزه الكرماني لأن الإضافة معنوية. قال البرماوي وهو الظاهر. وقال البدر الدماميني: وهو أي قول الزركشي وهم، فقد قال سيبويه: تقول مررت بعبد الله ضاربك، كما تقول مررت بعبد الله صاحبك أي المعروف بضربك. قال الرضي: فإذا قصدت هذا المعنى لم يعمل اسم الفاعل في محل المجرور به نصبًا كما في صاحبك، وإن

كان أصله اسم فاعل من صحب يصحب، بل نقدره كأنه جامد، وأعربه بعضهم خبر مبتدأ محذوف أي هو صاحب إيلياء. (وهرقل) بفتح اللام مجرور عطفًا على إيلياء أي صاحب إيلياء وصاحب هرقل، وأطلق عليه الصحبة إما بمعنى التبع وإما بمعنى الصداقة، فوقع استعمال صاحب في المجاز بالنسبة لامرية إيلياء، وفي الحقيقة بالنسبة إلى هرقل. (أسقف) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول من الثلاثي المزيد وهي رواية المستملي والحموي، وعزاها في الفرع كأصله للكشميهني فقط، وعند الجواليقي. وهي في الفرع كأصله للقابسي فقط أسقفًا بضم الهمزة وسكون السين وضم القاف وتخفيف الفاء، وعند القابسي أسقفًا كذلك إلا أنه بتشديد الفاء. وعزاها في الفرع كأصله لابن عساكر فقط. قال النووي وهو الأشهر، وعند الكشميهني وهي في اليونينية نسخة بغير رقم سقف بضم أوّله مبنيًّا للمفعول من التسقيف. ولأبي ذر والأصيلي عن المروزي سقف بالتخفيف مبنيًّا للمفعول، وللجرجاني سقفًا بضم السين وكسر القاف وتشديد الفاء، ولأبي ذر عن المستملي سقفًّا بضم السين والقاف وتشديد الفاء أي مقدّمًا. (على نصارى الشام) لكونه رئيس دينهم أو عالمهم أو هو قيم شريعتهم، وهو دون القاضي أو هو فوق القسيس ودون المطران أو الملك المتخاشع في مشيته، الجمع أساقفة وأساقف (يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء) عند غلبة جنوده على جنود فارس وإخراجهم في سنة عمرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحديبية (أصبح خبيث النفس) رديئها غير طيبها مما حل به من الهم وعبّر بالنفس عن جملة الإنسان روحه وجسده اتساعًا لغلبة أوصاف الجسد على الروح، وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر أصبح يومًا خبيث النفس (فقال) له (بعض بطارقته) بفتح الموحدة جمع بطريق بكسرها أي قواده وخواص دولته وأهل الرأي والشورى منهم، (قد استنكرنا هيئتك) أي سمتك وحالتك لكونها مخالفة لسائر الأيام (قال ابن الناطور) ولابن عساكر الناظور بالظاء المعجمة (وكان) عطف على مقدر تقديره قال ابن الناطور: كان (هرقل) عالمًا وكان (حزاء) فلما حذف المعطوف عليه أظهر هرقل في المعطوف، وحزاء منصوب لأنه خبر كان، وهو بالمهملة وتشديد الزاي آخره همزة منوّنة أي كاهنًا (ينظر في النجوم) خير ثانٍ لكان. إن قلنا إنه ينظر في الأمرين، أو هو تفسير لحزاء، لأن الكهانة تؤخذ تارة من ألفاظ الشياطين وتارة من أحكام النجوم، وكان هرقل علم ذلك بمقتضى حساب المنجمين الزاعمين بأن المولد النبوي كان بقران العلويين ببرج العقرب وهما يقترنان في كل عشرين سنة مرة إلى أن تستوفي الثلاثة بروجها في ستين سنة، وكان ابتداء العشرين الأول للمولد النبوي في القرآن المذكور، وعند تمام العشرين الثانية مجيء جبريل عليه السلام بالوحي، وعند تمام الثالثة فتح خيبر وعمرة القضية التي جرّت. فتح مكة وظهور الإسلام، وفي تلك الأيام رأى هرقل ما رأى. وليس المراد بذكر هذا هنا تقوية قول المنجمين، بل المراد البشارات به عليه الصلاة والسلام على لسان كل فريق من إنسي وجني، والجملة السابقة من قوله قال ابن الناطور اعتراض بين سؤال بعض البطارقة وجواب هرقل إياهم إلى قوله (فقال) هرقل (لهم) أي لبعض بطارقته (حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان) بفتح الميم وكسر اللام، ولغير الكشميهني ملك بالضم ثم الإسكان (قد ظهر) أي غلب، وهو كما قال لأن في تلك الأيام كان ابتداء ظهوره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذ صالح الكفار بالحديبية وأنزل الله تعالى سورة الفتح ومقدمة الظهور ظهور (فمن يختتن من هذه الأمة) أي من أهل هذا العصر، وإطلاق الأمة على أهل العصر كلهم فيه تجوز. وفي رواية يونس فمن يختتن من هذه الأمم؟ (قالوا) مجيبين لاستفهامه إياهم (ليس يختتن إلا اليهود) أجابوا بمقتضى علمهم لأن اليهود كانوا بإيلياء تحت الذلة مع النصارى بخلاف العرب. (فلا يهمنّك) بضم المثناة التحتية من أهم، أي لا يقلقنك (شأنهم واكتب إلى مدائن ملكك) بالهمز وقد يترك (فيقتلوا من فيهم من

اليهود). وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر فليقتلوا باللام (فبينما هم) بالميم وأصله بين فأشبعت الفتحة فصار بينا ثم زيدت عليها الميم، وفي رواية الأربعة فبينما بغير ميم ومعناهما واحد وهم مبتدأ خبره (على أمرهم) مشورتهم التي كانوا فيها (أتي هرقل برجل) أي بينا هم أوقات أمرهم إذ أُتي برجل (أرسل به ملك غسان) بالغين المعجمة والسين المهملة المشددة والملك هو الحرث بن أبي شمر وغسان اسم ماء نزل عليه قوم من الأزد فنسبوا إليه، أو ماء بالمشلل ولم يسم الرجل ولا من أرسل به (يخبر عن خبر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقال كما عند ابن إسحاق خرج بين أظهرنا رجل يزعم أنه نبي، فقد اتبعه ناس وصدقوه وخالفه ناس فكانت بينهم ملاحم في مواطن وتركتهم وهم على ذلك (فلما استخبره هرقل) وأخبره بذلك (قال) هرقل لجماعته: (اذهبوا فانظروا) إلى الرجل (أمختتن هو) بهمزة الاستفهام وفتح المثناة الفوقية الأولى وكسر الثانية (أم لا فنظروا إليه). وعند ابن إسحاق فجرّدوه فإذا هو مختتن (فحدثوه) أي هرقل (أنه مختتن) بفتح الفوقية الأولى وكسر الثانية. (وسأله عن العرب) هل يختتنون (فقال) أي الرجل (هم يختتنون). وفي رواية الأصيلي وابن عساكر في نسخة مختتنون بالميم قال العيني كابن حجر والأول أفيد وأشمل. (فقال هرقل: هذا) الذي نظرته في النجوم (ملك هذه الأمة) أي العرب، (قد ظهر) بضم الميم وسكون اللام وللقابسي ملك بالفتح ثم الكسر. فاسم الإشارة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو مبتدأ خبره ملك هذه الأمة، وقد ظهر حال، ولأبي ذر عن الكشميهني وحده: يملك فعل مضارع هذه الأمة بالنصب على المفعولية لكنه في فرع اليونينية كالأصل ضبب على الياء ثم ضرب على الضبة بالحمرة خافيًا. وقال عياض: أظنها أي الياء ضمة الميم اتصلت بها فتصحفت، ووجهها العيني كغيره بأن قوله هذا مبتدأ ويملك جملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبره، وقوله هذه الأمة مفعول يملك، وقوله قد ظهر جملة وقعت حالاً. قال: وقد علم أن الماضي المثبت إذا وقع حالاً لا بدّ أن تكون فيه ظاهرة أو مقدّرة. وقال غيره: قوله قد ظهر جملة مستأنفة لا في موضع الصفة ولا الخبر، ويجوز أن يكون يملك صفة أي هذا الرجل يملك هذه الأمة، وقد جاء النعت بعد النعت ثم حذف المنعوت انتهى. (ثم كتب هرقل إلى صاحب له) يسمى ضغاطر الأسقف (برومية) بالتخفيف أي فيها، وفي رواية ابن عساكر بالرومية وهي مدينة رياسة الروم، وقيل: إن دور سورها أربعة وعشرون ميلاً: (وكان نظيره)، وفي رواية ابن عساكر والأصيلي وكان هرقل نظيره (في العلم، وسار هرقل إلى حمص) مجرور بالفتحة لأنه غير منصرف للعلمية والتأنيث لا للعلمية والعجمة على الصحيح لأنها لا تمنع صرف الثلاثي، وجوّز بعضهم صرفه كعدمه نحو هند وغيره من الثلاثي الساكن الوسط، ولم يجعل للعجمة أثرًا وإنما سار هرقل إلى حمص لأنها دار ملكه (فلم يرم) هرقل (حمص) بفتح المثناة التحتية وكسر الراء، أي لم يبرح منها أو لم يصل إليها (حتى أتاه كتاب من صاحبه) ضغاطر (يوافق رأي هرقل على خروج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي ظهوره (وأنه نبي) بفتح الهمزة عطف على خروج، وهذا يدل على أن هرقل وصاحبه أقرّا بنبوّته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكن هرقل لم يستمر على ذلك ولم يعمل بمقتضاه بل شح بملكه ورغب في الرئاسة فآثرهما على الإسلام بخلاف صاحبه ضغاطر: فإنه أظهر إسلامه وخرج على الروم فدعاهم إلى الإسلام فقتلوه (فأذن) بالقصر من الإذن، وللمستملي وغيره فآذن بالمد أي أعلم (هرقل لعظماء الروم في دسكرة) بمهملتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة وفتح الكاف والراء كائنة (له بحمص) أي فيها، والدسكرة القصر حوله البيوت، (ثم أمر بأبوابها) أي الدسكرة (فغلقت) بتشديد اللام لأبي ذر وكأنه دخلها ثم أغلقها وفتح أبواب البيوت التي حولها وأذن للروم في دخولها ثم أغلقها، (ثم اطلع) عليهم من علو خوف أن ينكروا مقالته فيقتلوه ثم خاطبهم (فقال: يا معشر الروم هل لكم) رغبة (في الفلاح والرشد) بالضم ثم السكون أو بفتحتين خلاف الغي،

(وأن يثبث) بفتح الهمزة وهي مصدرية عطفًا على قوله في الفلاح، أي وهل لكم في ثبوت (ملككم فتبايعوا) بمثناة فوقية مضمومة ثم موحدة وبعد الألف مثناة تحتية منصوب بحذف النون بأن مقدرة في جواب الاستفهام، وفي نسخة بفرع اليونينية كأصلها فبايعوا بإسقاط المثناة قبل الموحدة، وفي رواية الأصيلي نبايع بنون الجمع ثم موحدة، وفي أخرى لأبي الوقت نتابع بنون الجمع أيضًا ثم مثناة فوقية فألف فموحدة، ولأبي ذر عن الكشميهني فتتابعوا بمثناتين فوقيتين وبعد الألف موحدة، فالثلاثة الأول من البيعة والتي بعدها من الاتباع كالرواية الأخرى لابن عساكر في نسخة فنتبع (هذا النبي)، وفي اليونينية بين الأسطر من غير رقم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية ابن عساكر وأبي ذر لهذا باللام، وإنما قال هذا لما عرفه من الكتب السالفة أن التمادي على الكفر سبب لذهاب الملك. ونقل أن في التوراة ونبيًّا مثلك أرسله أيّ إنسان لم يقبل كلامي الذي يؤدّيه عنّي فإني أهلكه (فحاصوا) بمهملتين أي نفروا (حيصة حمر الوحش) أي كحيصتها (إلى الأبواب) المعهودة (فوجدوها قد غلقت) بضم الغين المعجمة وكسر اللام مشددة، وشبه نفرتهم وجفلهم مما قال لهم من أتباع الرسول عليه الصلاة والسلام بنفرة حمر الوحش لأنها أشد نفرة من سائر الحيوانات، (فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس) بهمزة ثم مثناة تحتية جملة حالية بتقدير قد، وفي رواية الأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني يئس بتقديم الياء على الهمزة وهما بمعنى والأوّل مقلوب من الثاني أي قنط، (من الإيمان) أي من إيمانهم لما أظهروه، ومن إيمانه لكونه شح بملكه: وكان يحب أن يطيعوه فيستمر ملكه ويسلم ويسلمون. (قال: ردّوهم عليّ وقال) لهم (إنّي قلت مقالتي آنفًا) بالمد مع كسر النون، وقد تقصر، وهو نصب على الظرفية. أي. قلت مقالتي هذه الساعة حال كوني (اختبر). أي امتحن (بها شدتكم) أي رسوخكم (على دينكم فقد رأيت) شدتكم، فحذف المفعول للعلم به مما سبق. وعند المؤلف في التفسير فقد رأيت منكم الذي أحببت. (فسجدوا له) حقيقة على عادتهم لملوكهم أو قبلوا الأرض بين يديه لأن ذلك ربما كان كهيئة السجود، (ورضوا عنه فكان ذلك آخر) بالنصب خبر كان (شأن هرقل) فيما يتعلق بهذه القصة خاصة، أو فيما يتعلق بالإيمان، فإنه قد وقعت له أمور من تجهيز الجيش إلى مؤتة وتبوك ومحاربته للمسلمين، وهذا يدل ظاهره على استمراره على الكفر، ولكن يحتمل مع ذلك أنه كان يضمر الإيمان ويفعل هذه المعاصي مراعاة لمملكته وخوفًا من أن يقتله قومه، إلا أن في مسند أحمد أنه كتب من تبوك إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إني مسلم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بل هو على نصرانيته الحديث. (رواه) أي حديث هرقل، وفي رواية ابن عساكر، ورواه بواو العطف، وفي رواية قال محمد أي البخاري رواه (صالح بن كيسان) بفتح الكاف أبو محمد أو أبو الحرث الغفاري بكسر الغين المعجمة مخفف الفاء المدني المتوفى بعد الأربعين ومائة أو سنة خمس وأربعين ومائة عن مائة سنة ونيف وستين سنة. (و) رواه أيضًا (يونس) بن يزيد الأيلي، (و) رواه (معمر) بفتح الميمين بينهما عين ساكنة ابن راشد الثلاثة (عن الزهري). فالأول أخرجه المصنف في الجهاد من طريق إبراهيم بن سعد عن صالح عن الزهري، لكنه انتهى عند قول أبي سفيان حتى أدخل الله عليّ الإسلام وكذا مسلم، والثاني أيضًا بهذا الإسناد في الجهاد مختصرًا من طريق الليث، وفي الاستئذان أيضًا مختصرًا من طريق ابن المبارك كلاهما عن يونس عن الزهري بسنده بعينه، والثالث أيضًا بتمامه في التفسير. فالأحاديث الثلاثة عند المصنف عن غير أبي اليمان والزهري إنما رواها لأصحابه بسند واحد عن شيخ واحد وهو عبيد الله بن عبد الله، وفي هذا الحديث من لطائف الإسناد رواية حمصي عن حمصي عن شامي عن مدني، وأخرج متنه المؤلف هنا. وفي الجهاد والتفسير في موضعين، وفي الشهادات والجزية

2 - كتاب الإيمان

والأدب في موضعين، وفي الإيمان والعلم والأحكام والمغازي وخبر الواحد والاستئذان، وأخرجه مسلم في المغازي، وأبو داود في الأدب، والترمذي في الاستئذان، والنسائي في التفسير. ولم يخرجه ابن ماجة ووجه مناسبة ذكر هذا الحديث في هذا الباب أنه مشتمل على ذكر جمل من أوصاف من يوحى إليه، والباب في كيفية بدء الوحي، وأيضًا فإنّ قصة هرقل متضمنة كيفية حاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ابتداء الأمر. ولما فرغ المؤلف من باب الوحي الذي هو كالمقدمة لهذا الكتاب الجامع شرع يذكر المقاصد الدينية وبدأ منها بالإيمان لأنه ملاك الأمر كله، لأن الباقي مبنيّ عليه ومشروط به وهو أوّل واجب على المكلف فقال مبتدئًا: (بسم الله الرحمن الرحيم) كأكثر كتب هذا الجامع تبركًا وزيادة في الاعتناء بالتمسك بالسُّنَّة، واختلفت الروايات في تقديمها هنا على كتاب أو تأخيرها عنه، ولكلٍّ وجه ووجه الثاني بأنه جعل الترجمة قائمة مقام تسمية السورة ووجه الأوّل ظاهر. بسم الله الرحمن الرحيم 2 - كتاب الإيمان بكسر الهمزة وهو لغة التصديق، وهو كما قاله التفتازاني إذعان لحكم المخبر وقبوله وجعله صادقًا، إفعال من الأمن كأن حقيقة آمن به أمنه التكذيب والمخالفة، يعدّى باللام كما في قوله تعالى حكاية عن يوسف: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف: 17]، أي مصدق لنا، وبالباء كما في قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الإيمان أن تؤمن بالله". الحديث. فليس حقيقة التصديق أن يقع في القلب نسبة التصديق إلى الخبر أو الخبر من غير إذعان وقبول، بل هو إذعان وقبول لذلك بحيث يقع عليه اسم التسليم على ما صرَّح به الإمام الغزالي. والكتاب من الكتب وهو الجمع والضم، ومن ثم استعمل جامعًا للأبواب والفصول الجامعة للمسائل، والضم فيه بالنسبة إلى الحروف المكتوبة حقيقة، وبالنسبة إلى المعاني المرادة منها مجاز. ولم يقل في الأول كتاب بدء الوحي لأنه كالمقدمة، ومن ثم بدأ به لأن من شأن المقدمة كونها أمام المراد، وأيضًا فإن من الوحي عرف الإيمان وغيره. 1 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ» وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} - {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} - {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} - {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} - {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} وَقَوْلُهُ: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا}. وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا}. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}. وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الإِيمَانِ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ إِنَّ لِلإِيمَانِ فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا، فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الإِيمَانَ. فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنْ أَمُتْ فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}. وَقَالَ مُعَاذٌ اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ الْيَقِينُ الإِيمَانُ كُلُّهُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {شَرَعَ لَكُمْ ... } أَوْصَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وَإِيَّاهُ دِينًا وَاحِدًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}: سَبِيلاً وَسُنَّةً. هذا (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الحديث الموصول الآتي تامًّا إن شاء الله تعالى. (بُنيّ الإسلام على خمس). وفي فرع اليونينية كهي، كتاب الإيمان، وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وفي أخرى باب الإيمان وقول النبي، والأول أصح لأن ذكر الإيمان بعد ذكر كتاب الإيمان لا طائل تحته كما لا يخفى، وسقط لفظ باب عند الأصيلي. والإسلام لغة الانقياد والخضوع، ولا يتحقق ذلك إلا بقبول الأحكام والإذعان، وذلك حقيقة التصديق كما سبق، قال الله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِين} [الذاريات: 35، 36] فالإيمان لا ينفك عن الإسلام حكمًا فهما متحدان في الصدق وإن تغايرا بحسب المفهوم، إذ مفهوم الإيمان تصديق القلب، ومفهوم الإسلام أعمال الجوارح، وبالجملة لا يصح في الشرع أن يحكم على أحد بأنه مؤمن وليس بمسلم أو مسلم وليس بمؤمن، ولا نعني بوحدتهما سوى هذا. ومن أثبت التغاير فقد يقال له ما حكم من آمن ولم يسلم أو أسلم ولم يؤمن، فإن أثبت لأحدهما حكمًا ليس بثابت للآخر فقد ظهر بطلان قوله، فإن قيل قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14]. صريح في تحقيق الإسلام بدون الإيمان. أجيب بأن المراد أنهم انقادوا في الظاهر اهـ. (وهو) أي الإيمان المبوَّب عليه عند المصنف كابن عيينة والثوري وابن جريح ومجاهد ومالك بن أنس وغيرهم من سلف الأمة وخنفها من المتكلمين والمحدثين: (قول) باللسان وهو النطق بالشهادتين. (وفعل)، ولأبي ذر عن الكشميهني وعمل بدل فعل، وهو أعمّ من عمل القلب والجوارح، لتدخل الاعتقادات والعبادات. وهو موافق لقول السلف اعتقاد بالقلب

ونطق باللسان وعمل بالأركان. وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط كماله. وقال المتأخرون ومنهم الأشعرية وأكثر الأئمة كالقاضي ووافقهم ابن الراوندي من المعتزلة هو تصديق الرسول عليه السلام بما علم مجيئه ضرورة، وتفصيلاً فيما علم تفصيلاً، وإجمالاً فيما علم إجمالاً تصديقًا جازمًا مطلقًا، سواء كان لدليل أم لا، قال الله تعالى: {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون} [المجادلة: 22]. وقال عليه الصلاة والسلام: "اللهمّ ثبّث قلبي على دينك". وإذا ثبت أنه فعل القلب وجب أن يكون عبارة عن مجرد التصديق، وقد خرج بقيد الضرورة ما لم يعلم بالضرورة أنه جاء به كالاجتهادات، وبالجازم التصديق الظني، فإنه غير كافِ. وقيل هو المعرفة، فقوم بالله وهو مذهب جهم بن صفوان، وقوم بالله وبما جاء به الرسول إجمالاً وهو منقول عن بعض الفقهاء. وقال الحنفية التصديق بالجنان والإقرار باللسان، قال العلاّمة التفتازاني: إلا أن التصديق ركن لا يحتمل السقوط أصلاً، والإقرار قد يحتمله كما في حالة الإكراه. فإن قلت: التصديق قد يذهل عنه كما في حالة النوم والغفلة، أجيب: بأن التصديق باقٍ في القلب والذهول إنما هو عن حصوله. وذهب جمهور المحققين إلى أنه هو التصديق بالقلب وإنما الإقرار شرط لإجراء الأحكام في الدنيا، كما أن تصديق القلب أمر باطني لا بدّ له من علامة اهـ. وقال النووي: اتفق أهل السُّنَّة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين أن المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة ولا يخلد في النار لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادًا جازمًا خاليًا عن الشكوك ونطق مع ذلك بالشهادتين، فإن اقتصر على أحدهما لم يكن من أهل القبلة أصلاً بل يخلد في النار، إلا أن يعجز عن النطق لخلل في لسانه أو لعدم التمكّن منه لمعالجة المنية أو لغير ذلك، فإنه حينئذ يكون مؤمنًا بالاعتقاد من غير لفظ اهـ. وقال الكرامية: انطق بكلمتي الشهادة فقط، وقال قوم العمل. وذهب الخوارج والعلاف وعبد الجبار إلى أنه الطاعة بأسرها فرضًا كانت أو نفلاً. وذهب الجبائي وابنه وأكثر المعتزلة البصرية إلى أنه الطاعات المفترضه من الأفعال والتروك دون النوافل. وقال الباقون منهم العمل والنطق والاعتقاد. والفارق بينه وبين قول السلف السالف أنهم جعلوا الأعمال شرطًا في الكمال، والمعتزلة جعلوها شرطًا في الصحة فهذه ثمانية أقوال، خمسة منها بسيطة والأول والثامن مركب ثلاثي والرابع مركب ثنائي، ووجه الحصر أن الإيمان لا يخرج بإجماع المسلمين عن فعل القلب وفعل الجوارح، فهو حينئذ إما فعل القلب فقط وهو المعرفة على الوجهين أو التصديق المذكور، وإما فعل الجوارح فقط وهو فعل اللسان وهو الكلمتان، أو غير فعل اللسان وهو العمل بالطاعة المطلقة أو المفترضة. وإما فعل القلب والجوارح معًا، والجارحة إما اللسان وحده أو جميع الجوارح، وهذا كله بالنظر إلى ما عند الله تعالى. أما بالنظر إلى ما عندنا فالإيمان هو الإقرار فقط، فإذا أقرّ حكمنا بإيمانه اتفاقًا، نعم النزاع واقع في نفس الإيمان والكمال فإنه لا بدّ فيه من الثلاثة إجماعًا فمن أقرّ بالكلمة جرت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم بكفره، إلا إن اقترن به فعل كالسجود لصنم، فإن كان غير دال عليه كالفسق، فمن أطلق عليه الإيمان فبالنظر إلى إقراره، ومن نفى عنه الإيمان فبالنظر إلى كماله، ومن أطلق عليه الكفر فبالنظر إلى أنه فعل الكافر، ومن نفاه عنه فبالنظر إلى حقيقته. وأثبت المعتزلة الواسطة فقالوا الفاسق لا مؤمن ولا كافر. (و) إذا تقرر هذا فاعلم أن الإيمان (يزيد) بالطاعة (وينقص) بالمعصية كما عند المؤلف وغيره، وأخرجه أبو نعيم كذا بهذا اللفظ في ترجمة الشافعي من الحلية، وهو عند الحاكم بلفظ الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص، وكذا نقله اللالكائي في كتاب السُّنة عن الشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحق بن راهويه، بل قال به من الصحابة عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وابن عباس، وابن عمر، وعمارة، وأبو هريرة، وحذيفة، وعائشة وغيرهم، ومن التابعين كعب الأحبار، وعروة، وطاوس، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم. وروى

اللالكائي أيضًا بسند صحيح عن البخاري قال: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحدًا منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص. وأما توقف مالك رحمه الله عن القول بنقصانه فخشية أن يتأول عليه موافقة الخوارج، ثم استدل المؤلف على زيادة الإيمان بثمان آيات من القرآن العظيم مصرّحة بالزيادة، وبثبوتها يثبت المقابل، فإن كل قابل للزيادة قابل للنقصان ضرورة فقال: (قال) وفي رواية الأصيلي وقال (الله تعالى) بالواو في سورة الفتح، ولأبي ذر: عز وجل (ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم) وقال تعالى في الكهف: (وزدناهم هدى) أي بالتوفيق والتثبيت وهذه الآية ساقطة في رواية ابن عساكر كما في فرع اليونينية كهي، والآية الثالثة في مريم: (ويزيد الله) بالواو، وفي رواية ابن عساكر يزيد الله، وفي أخرى للأصيلي، وقال: ويزيد الله (الذين اهتدوا هدى) أي بتوفيقه. وقال في القتال وفي رواية ابن عساكر والأصيلي، وقوله وفي رواية بإسقاطهما والابتداء بقوله: (والذين اهتدوا زادهم هدى) بالتوفيق، (وآتاهم تقواهم). أي بيَّن لهم ما يتقون أو أعانهم على تقواهم أو أعطاهم جزاءها، وقال تعالى في المدثر: (ويزداد) ولابن عساكر والأصيلي، وقوله: ويزداد (الذين آمنوا إيمانًا) بتصديقهم بأصحاب النار المذكورين في قوله: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً} الآية [المدّثر: 31]. (وقوله) تعالى في براءة (أيّكم زادته هذه) أي السورة (إيمانًا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانًا) بزيادة العلم الحاصل من تدبرها وبانضمام الإيمان بها وبما فيها إلى إيمانهم. (وقوله جل ذكره) في آل عمران (فاخشوهم فزادهم إيمانًا) لعدم التفاتهم إلى من ثبطهم عن قتال المشركين بل ثبت يقينهم بالله وازداد إيمانهم، قال البيضاوي وهو دليل على أن الإيمان يزيد وينقص. (وقوله تعالى) في الأحزاب (وما زادهم) أي لما رأوا الخطب أو البلاء في قصة الأحزاب، وسقطت واو وما للأصيلي فقال: ما زادهم (إلا إيمانًا) بالله ومواعيده، (وتسليمًا) لأوامره ومقاديره. فإن قلت: الإيمان هو التصديق بالله وبرسوله والتصديق شيء واحد لا يتجزأ فلا يتصور كماله تارة ونقصه أخرى، أجيب بأن قبوله الزيادة والنقص ظاهر على تقدير دخول القول والفعل فيه. وفي الشاهد شاهد بذلك، فإن كل أحد يعلم أن ما في قلبه يتفاضل حتى أنه يكون في بعض الأحيان أعظم يقينًا وإخلاصًا وتوكلاً منه في بعضها، وكذلك في التصديق والمعرفة بحسب ظهور البراهين وكثرتها، ومن ثم كان إيمان الصدّيقين أقوى من إيمان غيرهم، وهذا مبني على ما ذهب إليه المحققون من الأشاعرة من أن نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص، وأن الإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته التي هي الأعمال ونقصانها، وبهذا يحصل التوفيق بين ظواهر النصوص الدالّة على الزيادة وأقاويل السلف بذلك، وبين أصل وضعه اللغوي وما عليه أكثر المتكلمين. نعم يزيد وينقص قوة وضعفًا إجمالاً وتفصيلاً أو تعدّدًا بحسب تعدد المؤمن به. وارتضاه النووي. وعزاه التفتازاني في شرح عقائد النسفيّ لبعض المحققين، وقال في المواقف: إنه الحق وأنكر ذلك أكثر المتكلمين والحنفية، لأنه متى قبل ذلك كان شكًّا وكفرًا، وأجابوا عن الآيات السابقة ونحوها بما نقلوه عن إمامهم أنها محمولة على أنهم كانوا آمنوا في الجملة، ثم يأتي فرض بعد فرض فكانوا يؤمنون بكل فرض خاص. وحاصله أنه كان يزيد بزيادة ما يجب الإيمان به، وهذا لا يتصور في غير عصره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفيه نظر، لأن الاطلاع على تفاصيل الفرائض يمكن في غير عصره عليه السلام، والإيمان واجب إجمالاً فيما علم إجمالاً، وتفصيلاً فيما علم تفصيلاً، ولا خفاء في أن التفصيلي أزيد اهـ. ثم استدل المؤلف على قبول الزيادة أيضًا بقوله: (والحب في الله) وهو بالرفع مبتدأ (والبغض في الله) عطف عليه. وقوله: (من الأيمان) خبر المبتدأ وهذا لفظ حديث رواه أبو داود من حديث أبي أمامة لأن الحب والبغض يتفاوتان. (وكتب عمر بن عبد العزيز) بن مروان الأموي القرشي أحد الخلفاء الراشدين المتوفى بدير سمعان بحمص يوم

الجمعة لخمس ليالٍ بقين من رجب سنة إحدى ومائة، (إلى عديّ بن عديّ) بفتح العين وكسر الدال المهملتين فيهما ابن عمرة بفتح العين الكندي التابعي المتوفى سنة عشرين ومائة، (ان للإيمان) بكسر همزة ان في اليونينية (فرائض) بالنصب اسم ان مؤخر أي أعمالاً مفروضة (وشرائع) أي عقائد دينية (وحدودًا) أي منهيّات ممنوعة (وسُننًا) أي مندوبات، وفي رواية ابن عساكر أن الإيمان فرائض بالرفع خبر ان وما بعده معطوف عليه، ووقع للجرجاني فرائع وليس بشيء. (فمن استكملها) أي الفرائض وما معها فقد (استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان) فيه إشارة إلى قبول الإيمان الزيادة والنقصان. ومن ثم ذكره المؤلف هنا استشهادًا لا يقال إنه لا يدل على ذلك بل على خلافه، إذ قال للإيمان كذا وكذا، فجعل الإيمان غير الفرائض وما ذكر معها، وقال من استكملها أي الفرائض وما معها فجعل الكمال لما للإيمان لا للإيمان، لأنا نقول آخر كلامه يُشعِر بذلك حيث قال: فمن استكملها أي الفرائض وما معها استكمل الإيمان. (فإن أعش فسأبينها) أي فسأوضحها (لكم) إيضاحًا يفهمه كل أحد منكم. والمراد تفاريعها لا أصولها إذ كانت معلومة لهم على سبيل الإجمال. وأراد سأبينها لكم على سبيل التفصيل. (حتى تعملوا بها، وإن مت فما أنا على صحبتكم بحريص) وليس في هذا تأخير البيان عن وقت الحاجة إذ الحاجة لم تتحقّق، أو أنه علم أنهم يعلمون مقاصدها ولكنه استظهر وبالغ في نصحهم وتنبيههم على المقصود وعرَّفهم أقسام الإيمان مجملاً، وأنه سيذكرها مفصلاً إذا تفرع لها فقد كان مشغولاً بالأهم، وهو من تعاليق المؤلف المجزومة وهي محكوم بصحتها. ووصله أحمد وابن أبي شيبة في كتاب الإيمان لهما من طريق عيسى بن عاصم، قال: حدّثني عديّ بن عديّ فذكره. (وقال إبراهيم) الخليل زاد الأصيلي في روايته كما في فرع اليونينية كهي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد عاش فيما روي مائة سنة وخمسًا وسبعين سنة أو مائتي سنة ودفن بحبرون بالحاء المهملة: (ولكن ليطمئن قلبي) أي ليزداد بصيرة وسكونًا بمضامة العيان إلى الوحي والاستدلال، فإن عين اليقين فيه طمأنينة ليست في علم اليقين ففيه دلالة على قبول التصديق اليقيني للزيادة، وعند ابن جرير بسند صحيح إلى سعيد بن جبير أي يزداد يقيني. وعن مجاهد لأزداد إيمانًا إلى إيماني. لا يقال كان المناسب أن ذكر المؤلف هذه الآية عند الآيات السابقة، لأنّا نقول إن هاتيك دلالتها على الزيادة صريحة بخلاف هذه فلذا أخّرها إشعارًا بالتفاوت. (وقال معاذ) بضم الميم والذال المعجمة وللأصيلي في روايته، وقال معاذ بن جبل كما في فرع اليونينية كهي ابن عمرو الخزرجي الأنصاري المتوفى سنة ثمانية عشر، وله في البخاري ستة أحاديث للأسود بن هلال. (اجلس بنا) بهمزة وصل (نؤمن) بالجزم (ساعة) أي نزداد إيمانًا لأن معاذًا كان مؤمنًا أي مؤمن، وقال النووي معناه نتذاكر الخير وأحكام الآخرة وأمور الدين، فإن ذلك إيمان. وقال القاضي أبو بكر بن العربي لا تتعلق فيه للزيادة لأن معاذًا إنما أراد تجديد الإيمان لأن العبد يؤمن في أول مرة فرضًا، ثم يكون أبدًا مجددًا لما نظر أو فكر، وقال في الفتح متعقبًا له وما نفاه أولاً أثبته آخرًا لأن تجديد الإيمان إيمان، وهذا التعليق وصله أحمد وابن أبي شيبة كالأول بسند صحيح إلى الأسود بن هلال، قال: قال لي معاذ: اجلس فذكره، وعرف من هذا أن الأسود أبهم نفسه. (وقال ابن مسعود) عبد الله وجده غافل بالمعجمة والفاء الهذلي نسبة إلى جده هذيل بن مدركة المتوفّى بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين، وله في البخاري خمسة وثمانون حديثًا، (اليقين الإيمان كله) أكده بكل لدلالتها كأجمع على التبعيض للإيمان إذ لا يؤكد بهما إلا ذو أجزاء يصح افتراقها حسًّا أو حكمًا، وهذا التعليق طرف من أثر. رواه الطبراني بسند صحيح وتتمته والصبر نصف الإيمان. ولفظ النصف صريح في التجزئة. (وقال ابن عمر) عبد الله وجدّه

2 - باب دعاؤكم إيمانكم

الخطاب أحد العبادلة السابق للإسلام مع أبيه أحد الستة المكثرين للرواية المتوفى سنة ثلاث أو أربع وسبعين. (لا يبلغ العبد) بالتعريف وفي رواية ابن عساكر عبد بالتنكير (حقيقة التقوى)، التي هي وقاية النفس عن الشرك والأعمال السيئة والمواظبة على الأعمال الصالحة. (حتى يدع ما حاك) بالمهملة، والكاف الخفيفة أي اضطرب (في الصدر) ولم ينشرح له وخاف الإثم فيه. وفي بعض نسخ المغاربة ما حك بتشديد الكاف، وفي بعض نسخ العراق ما حاك بالألف والتشديد من المحاكة، حكاهما صاحب عمدة القاري والبرماوي. وقد روى مسلم معناه من حديث النواس بن سمعان مرفوعًا: البرّ حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطّلع الناس عليه. وفي أثر ابن عمر هذا إشارة إلى أن بعض المؤمنين بلغ كنه الإيمان وبعضهم لم يبلغه، فتجوز الزيادة والنقصان. (وقال مجاهد) أي ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة غير مصغر على الأشهر المخزومي مولى عبد الله بن السائب المخزومي المتوفى وهو ساجد سنة مائة في تفسير قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ} [الشورى: 13] زاد الهروي وابن عساكر من الدين أي (أوصيناك يا محمد وإياه) أي نوحًا (دينًا واحدًا) خصّ نوحًا عليه السلام لما قيل أنه الذي جاء بتحريم الحرام وتحليل الحلال، وأوّل من جاء بتحريم الأمهات والبنات والأخوات. لا يقال إن إياه تصحيف وقع في أصل البخاري في هذا الأثر، وإن الصواب وأنبياءه كما عند عبد بن حميد وابن المنذر وغيرهما. وكيف يفرد مجاهد الضمير لنوح وحده مع أن في السياق ذكر جماعة، لأنه أجيب بأن نوحًا عليه السلام أفرد في الآية، وبقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عطف عليه وهم داخلون فيما وصى به نوحًا في تفسير مجاهد، وكلهم مشتركون في ذلك، فذكر واحد منهم يغني عن الكل على أن نوحًا أقرب مذكور في الآية، وهو أولى بعود الضمير إليه في تفسير مجاهد، فليس بتصحيف بل هو صحيح، وهذا التعليق أخرجه عبد بن حميد في تفسيره بسند صحيح عن شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح. (وقال ابن عباس) عبد الله رضي الله عنهما في تفسيره قوله تعالى: {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] سبيلاً أي طريقًا واضحًا وهو تفسير لمنهاجًا (وسُنّة). يقال شرع يشرع شرعًا أي سنّ، فهو تفسير لشرعة فيكون من باب اللف والنشر الغير المرتب، وسقطت الواو من وقال لابن عساكر، وهذا التعليق وصله عبد الرزاق في تفسيره بسند صحيح وقد وقع هنا في رواية أبي ذر وغيره باب بالتنوين، وهو ثابت في أصل عليه خط الحافظ قطب الدين الحلبي كما قال العيني أنه رآه ورأيته أنا كذلك في فرع اليونينية كهي، لكنه فيها ساقط في رواية الأصيلي وابن عساكر، وأيّده قول الكرماني أنه وقف على أصل مسموع على الفربري بحذفه، بل قال النووي: ويقع في كثير من النسخ هنا باب وهو غلط فاحش وصوابه بحذفه، ولا يصح إدخاله هنا لأنه لا يتعلق له بما نحن فيه، ولأنه ترجم لقوله عليه الصلاة والسلام: بُنِيَ الإسلام ولم يذكره قبل هذا، وإنما ذكره بعده وليس مطابقًا للترجمة. وعلى هذا فقوله: [الفرقان: 77] (دعاؤكم إيمانكم) من قول ابن عباس يشير به إلى قوله تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} فسمي الدعاء إيمانًا والدعاء عمل، فاحتجّ به على أن الإيمان عمل وعطفه على ما قبله كعادته في حذف أداة العطف، حيث ينقل التفسير. وهذا التعليق وصله ابن جرير من قوله ابن عباس، وفي رواية أبي ذر لقوله تعالى {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} ومعنى الدعاء في اللغة الإيمان. 2 - باب دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ 8 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ َ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». [الحديث 8 - طرفه في: 4515]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبيد الله) بالتصغير وفي الفرع خلافًا لأصله. وحدّثنا محمد بن إسماعيل يعني البخاري حدّثنا عبيد الله (بن موسى) بن باذام بالموحدة والذال المعجمة آخره ميم العبسي بفتح المهملة وتسكين الموحدة الشيعي الغير داعية المتوفى بالإسكندرية سنة ثلاث عشرة أو أربع عشرة أو خمس عشرة ومائتين، (قال: أخبرنا) وفي رواية الهروي، حدّثنا (حنظلة بن أبي سفيان) بن عبد الرحمن الجمحي المكي القرشي المتوفى سنة إحدى وخمسين ومائة، (عن عكرمة بن خالد) يعني ابن العاصي المخزومي القرشي، المتوفى بمكة بعد عطاء وهو توفي سنة

أربع عشرة أو خمس عشرة ومائة، (عن ابن عمر) بن الخطاب عبد الله (رضي الله عنهما)، هاجر به أبوه واستصغر يوم أُحُد وشهد الخندق وبيعة الرضوان والمشاهد، وكان واسع العلم متين الدين وافر الصلاح وتوفي سنة ثلاث وسبعين وله في البخاري مائتان وسبعون حديثًا (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بني الإسلام) الذي هو الانقياد (على خمس) أي خمس دعائم، وقال بعضهم، على بمعنى من أي بني الإسلام من خمس، وبهذا يحصل الجواب عما يقال إن هذه الخمس هي الإسلام، فكيف يكون الإسلام مبنيًّا عليها والمبني لا بدّ أن يكون غير المبني عليه، ولا حاجة إلى جواب الكرماني بأن الإسلام عبارة عن المجموع والمجموع غير كل واحد من أركانه: (شهادة أن لا إله إلاّ الله و) شهادة (أن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة) أي المداومة عليها، والمراد الإتيان بها بشروطها وأركانها، (وإيتاء الزكاة) أي إعطائها مستحقيها بإخراج جزء من المال على وجه مخصوص كما سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى في محله بعون الله، (والحج) إلى بيت الله الحرام، (وصوم) شهر (رمضان). بخفض شهادة على البدل من خمس، وكذا ما بعدها. ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف أي وهي والنصب بتقدير أعني، قال البدر الدماميني: أما وجه الرفع فواضح، وأما وجه الجر فقد يقال فيه إن البدل من خمس هو مجموع المجرورات المتعاطفة لا كل واحد منها. فإن قلت: يكون كل منها بدل بعض، قلت حينئذ يحتاج إلى تقدير رابط اهـ. "ولا" في قوله: لا إله إلاّ الله، هي النافية للجنس وإله اسمها مركب معها تركيب مزج كأحد عشر، والفتحة فتحة بناء، وعند الزجاج فتحة إعراب لأنه عنده منصوب بها لفظًا وخبرها محذوف اتفافًا تقديره موجود، وإلاّ حرف استثناء، والاسم الكريم مرفوع على البدلية من الضمير المستتر في الخبر، وقيل: مرفوع على الخبرية لقوله لا وعليه جماعة. وفي هذه المسألة مباحث ضربت عليها بعد أن أثبتها خوف الإطالة، ثم إن هذا التركيب عند علماء المعاني يفيد القصر وهو في هذه الكلمة من باب قصر الصفة على الموصوف لا العكس، فإن إله في معنى الوصف. فإن قلت: لمَ قدّم النفي على الإثبات فقيل لا إله إلا الله ولم يقل الله لا إله إلاّ هو بتقديم الإثبات على النفي؟ أجيب: بأنه إذا نفى أن يكون ثم إله غير الله فقد فرّغ قلبه مما سوى الله بلسانه ليواطىء القلب وليس مشغولاً بشيء سوى الله تعالى، فيكون نفي الشريك عن الله تعالى بالجوارح الظاهرة والباطنية. ووجه الحصر في الخمسة أن العبادة إما قولية أو غيرها. الأولى الشهادتان، والثانية إما تركية أو فعلية، الأولى الصوم، والثانية إما بدنية أو مالية الأولى الصلاة، والثانية الزكاة أو مركبة منهما وهي الحج، وقد ذكره مقدّمًا على الصوم. وعليه بنى المصنف ترتيب جامعه هذا. لكن عند مسلم من رواية سعد بن عبيدة عن ابن عمر تأخير الصوم عن الحج، فقال رجل وهو يزيد بن بشر السكسكي: والحج وصوم رمضان. فقال ابن عمر: لا، صيام رمضان والحج هكذا سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فيحتمل أن يكون حنظلة رواه هنا بالمعنى لكونه لم يسمع رد ابن عمر على يزيد أو سمعه ونسيه، نعم رواه ابن عمر في مسلم من أربع طرق تارة بالتقديم وتارة بالتأخير. فإن قلت: لِمَ لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة وأسقط الجهاد؟ أجيب: بأن الجهاد فرض كفاية ولا يتعين إلا في بعض الأحوال، وإنما لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة لأن المراد بالشهادة تصديق الرسول فيما جاء به، فيستلزم جميع ما ذكر من الاعتقادات. وفي قوله: بني الخ استعارة بأن يقدر الاستعارة في بني، والقرينة في الإسلام شبه ثبات الإسلام واستقامته على هذه الأركان الخمسة ببناء الخباء على هذه الأعمدة الخمسة، ثم تسري الاستعارة من المصدر إلى الفعل، أو تكون مكنية بأن تكون الاستعارة في الإسلام والقرينة بني على التخييل بأن شبه الإسلام بالبيت، ثم خيل كأنه بيت على المبالغة، ثم أطلق الإسلام على ذلك المخيل، ثم خيل له ما يلزم الخباء المشبه به من البناء، ثم أثبت له ما هو لازم البيت من البناء على الاستعارة التخييلية ثم نسبه إليه ليكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة.

3 - باب

ويجوز أن تكون استعارة بالكناية لأنه شبه الإسلام بمبنيّ له دعائم، فذكر المشبه وطوى ذكر المشبه به وذكر ما هو من خواص المشبه به وهو البناء، ويسمى هذا استعارة ترشيحية، ويجوز أن تكون استعارة تمثيلية، فإنه مثل حالة الإسلام مع أركانه الخمسة بحالة خباء أقيم على خمسة أعمدة وقطبها التي تدور عليه هو شهادة أن لا إله إلاّ الله وبقية شعب الإيمان كالأوتاد للخباء. وقال في الفتح، فإن قلت: الأربعة المذكورة بعد الشهادة مبنية على الشهادة إذ لا يصح شيء منها إلا بعد وجودها، فكيف يضم مبني إلى مبني عليه في مسمى واحد؟ أجيب: بجواز ابتناء أمر على أمر يبتنى على الأمرين أمر آخر. فإن قلت: المبني لا بد أن يكون غير المبني عليه. فالجواب أن المجموع غير من حيث الانفراد عين من حيث الجمع، ومثاله البيت من الشعر يجعل على خمسة أعمدة أحدها أوسط والبقية أركان، فما دام الأوسط قائمًا فمسمى البيت موجود ولو سقط ما سقط من الأركان، فإذا سقط الأوسط سقط مسمى البيت، فالبيت بالنظر إلى مجموعه شيء واحد وبالنظر إلى أفراده أشياء. وأيضًا فبالنظر إلى أسّه وأركانه الأس أصل والأركان تبع وتكملة، والله الموفق. ومن لطائف إسناد هذا الحديث جمعه للتحديث والإخبار والعنعنة وكل رجاله مكيّون إلا عبيد الله فإنه كوفي، وهو من الرباعيات وأخرج متنه المؤلف أيضًا في التفسير ومسلم في الإيمان خماسي الإسناد اهـ. 3 - باب أُمُورِ الإِيمَانِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ - قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} الآيَةَ. هذا (باب أمور الإيمان) بالإضافة البيانية لأن المراد بيان الأمور التي هي الإيمان، لأن الأعمال عند المؤلف هي الإيمان، أو بمعنى اللام أي باب الأمور الثابتة للإيمان في تحقيق حقيقته وتكميل ذاته، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني أمر الإيمان بالإفراد على إرادة الجنس. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على أمور، وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي عز وجل بدل قوله تعالى، (ليس البر) وهو اسم لكل خير وفعل مرضي، (أن تولوا وجوهكم قبل الشرق والمغرب). قال القاضي ناصر الدين البيضاوي: أي ليس البر مقصورًا على أمر القبلة أو ليس البر ما أنتم عليه فإنه منسوخ، (ولكن البر) الذي ينبغي أن يهتم به (من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب) القرآن أو أعم، (والنبيين وآتى المال على حبه) تعالى أو حب المال (ذوي القربى واليتامى) المحاويج منهم، ولم يقيده لعدم الإلباس. (والمساكين وابن السبيل) المسافر أو الضيف، (والسائلين) أي الذين ألجأتهم الحاجة إلى السؤال، (وفي الرقاب) أي تخليصها بمعاونة المكاتبين أو فك الأسارى أو ابتياع الرقاب لعتقها، (وأقام الصلاة وآتى الزكاة) المفروضتين، والمراد بآتى المال بيان مصارفها، (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) عطف على من آمن، (والصابرين في البأساء والضراء) نصب على المدح، ولم يعطف لفضل الصبر على سائر الأعمال. وعن الأزهري البأساء في الأموال كالفقر، والضرّاء في الأنفس كالمرض. (وحين البأس) وقت مجاهدة العدو، (أولئك الذين صدقوا) في الدين واتباع الحق وطلب البر، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177] عن الكفر وسائر الرذائل، والآية كما ترى جامعة للكمالات الإنسانية بأسرها دالة عليها صريحًا أو ضمنًا، فإنها بكثرتها وتشعبها منحصرة في ثلاثة أشياء: صحة الاعتقاد وحسن المعاشرة وتهذيب النفس. وقد أشير إلى الأول بقوله: من آمن، إلى والنبيين، وإلى الثاني بقوله: وآتى المال، إلى وفي الرقاب. وإلى الثالث بقوله: وأقام الصلاة إلى آخرها. ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق نظرًا إلى إيمانه واعتقاده وبالتقوى اعتبارًا لمعاشرته للخلق ومعاملته مع الحق، وإليه أشار عليه الصلاة والسلام بقوله من عمل بهذه الآية، فقد استكمل الإيمان. وهذا وجه استدلال المؤلف بهذه الآية ومناسبتها لتبويبه. وفي حديث أبي ذر عند عبد الرزاق بسند رجاله ثقات أنه سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الإيمان فتلا عليه هذه الآية، ولم يذكره المؤلف لأنه ليس على شرطه، وقد سقط في رواية الأصيلي وأبي ذر ولكن البر إلى آخر الآية، وسقط لابن عساكر واليوم الآخر. ثم استدل المؤلف لذلك أيضًا بآية أخرى فقال: (قد أفلح) أي فاز

(المؤمنون) الآية [المؤمنون: 1]. بإسقاط واو العطف لعدم الإلباس، قال في الفتح: ويحتمل أن يكون ساقه تفسيرًا لقوله هم المتقون تقديره المتقون هم الموصوفون بقوله قد أفلح، وفي رواية الأصيلي، وقد أفلح بإثبات الواو وفي رواية ابن عساكر، وقوله قد أفلح. قلت: وفيهما ردّ لما قاله في الفتح من احتمال التفسير، والآية يجوز فيها النصب بتقدير اقرأ والرفع مبتدأ حذف خبره. 9 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ». وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) أي ابن جعفر المسندي بضم الميم وسكون المهملة وفتح النون، سمي به لأنه كان يطلب المسندات ويرغب عن المرسل والمنقطع أو كان يتحرى المسانيد، أو لأنه أوّل من جمع مسند الصحابة على التراجم بما وراء النهر. وفي رواية ابن عساكر الجعفي كما في فرع اليونينية كهي المتوفى سنة تسع وعشرين ومائتين. (قال حدّثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو بن قيس (العقدي) بفتح العين المهملة والقاف نسبة إلى العقدة، قوم من قيس وهم بطن من الأزد أو بطن من بجيلة أو قبيلة من اليمن البصري المتوفى سنة خمس أو أربع ومائتين. (قال: حدّثنا سليمان بن بلال) القرشي المدني المتوفى بها سنة سبع وعشرون ومائة، (عن أبي صالح) ذكوان السمان الزيات المدني المتوفى سنة إحدى ومائة، (عن أبي هريرة رضي الله عنه) تصغير هرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي المختلف في اسمه، قال النووي: على أكثر من ثلاثين قولاً، وحمله في الفتح على الاختلاف في اسمه واسم أبيه معًا المتوفى بالمدينة سنة تسع أو ثمان أو سبع وخمسين وأسلم عام خيبر، وشهدها مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم لزمه وواظبه حتى كان أحفظ الصحابة، وروى عنه عليه الصلاة والسلام فأكثر، ذكر بقي بن مخلد أنه روى خمسة آلاف حديث وثلثمائة وأربعة وسبعين حديثًا، وله في البخاري أربعمائة وستة وأربعون حديثًا، وهذا أوّل حديث وقع له في هذا الجامع. (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال). (الإيمان) بالرفع مبتدأ وخبره (بضع) بكسر الموحدة وقد تفتح، قال الفراء: هو خاص بالعشرات إلى التسعين، فلا يقال بضع ومائة ولا بضع وألف وفي القاموس هو ما بين الثلاث إلى التسع أو إلى الخمس ما بين الواحد إلى أربعة أو من أربع إلى تسع أو هو سبع، وإذا جاوز العشر ذهب البضع لا يقال بضع وعشرون أو يقال ذلك اهـ. ويكون مع الذكر بهاء ومع المؤنث بغير هاء فتقول بضعة وعشرون رجلاً وبضع وعشرون امرأة، ولا تعكس، وفي رواية أبي ذر وأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر بضعة (وستون شعبة) بتأنيث بضعة على تأويل الشعبة بالنوع إذا فسرت الشعبة بالطائفة من الشيء، وقال الكرماني: إنها في أكثر الأصول. قال ابن حجر: بل هي في بعضها، وصوّب العيني قول الكرماني تعصبًا، والذي رأيته في هامش فرع اليونينية كهي. قال الأصيلي: صوابه بضع يعني بإسقاط الهاء، وقد وقع عند مسلم من طريق سهل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار بضع وستون أو بضع وسبعون على الشك، وعند أصحاب السنن الثلاثة من طريقه بضع وسبعون من غير شك، ورجح البيهقي رواية البخاري بعدم شك سليمان وعورض بوقوع الشك عنه عند أبي عوانة. ورجح لأنه المتيقن وما عداه مشكوك فيه، لا يقال بترجيح رواية بضع وسبعون لكونها زيادة ثقة لأنا نقول الذي زادها لم يستمر على الجزم بها لا سيما مع اتحاد المخرج، وهل المراد حقيقة العدد أم المبالغة، قال الطيبي الأظهر معنى التكثير ويكون ذكر البضع للترقي يعني أن شعب الإيمان أعداد مبهمة، ولا نهاية لكثرتها، ولو أراد التحديد لم يبهم. وقال آخرون: المراد حقيقة العدد ويكون النص وقع أوّلاً على البضع والستين لكونه الواقع ثم تجددت العشر الزائدة فنص عليها، وقد حاول جماعة عدّها بطريق الاجتهاد، وللبيهقي وعبد الجليل كتاب الإيمان (والحياء) بالمد وهو في الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق وهو هنا مبتدأ خبره (شعبة) و (من الإيمان) صفة لشعبة، وإنما خصّه هنا بالذكر لأنه كالداعي إلى باقي الشعب، لأنه يبعث على

4 - باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده

الخوف من فضيحة الدنيا والآخرة، فيأتمر وينزجر، ومن تأملَ معنى الحياء ونظر في قوله عليه الصلاة والسلام: استحيوا من الله حق الحياء، قالوا: إنّا لنستحي من الله يا رسول الله والحمد لله. قال: ليس ذلك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن يحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ويذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا وآثر الآخرة على الأولى فمن يعمل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء ورأى العجب العجاب. قال الجنيد: الحياء يتولد من رؤية الآلاء ورؤية التقصير فليذق من منح الفضل الإلهي ورزق الطبع السليم معنى إفراد الحياء بالذكر بعد دخوله في الشعب، كان يقول: هذه شعبة واحدة من شعبه فهل تحصى وتعد شعبها هيهات. واعلم أنه لا يقال إن الحياء من الغرائز فلا يكون من الإيمان لأنه قد يكون غريزة وقد يكون تخلقًا إلا أن استعماله على وفق الشرع يحتاج إلى اكتساب وعلم ونية، فمن ثم كان من الإيمان مع كونه باعثًا على الطاعات واجتناب المخالفات، وفي هذا الحديث دلالة على قبول الإيمان الزيادة، لأن معناه كما قال الخطابي إن الإيمان الشرعي اسم لمعنى أجزاء له أدنى وأعلى، والاسم يتعلق ببعض تلك الأجزاء كما يتعلق بكلها. وقد زاد مسلم على ما في البخاري فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق. وتمسك به القائلون بأن الإيمان فعل الطاعات بأسرها والقائلون بأنه مركب من التصديق والإقرار والعمل جميعًا. وأجيب: بأن المراد شعب الإيمان قطعًا لا نفس الإيمان فإن إماطة الأذى عن الطريق ليس داخلاً في أصل الإيمان حتى يكون فاقده غير مؤمن فلا بدّ في الحديث من تقدير مضاف. ثم إن في هذا الحديث تشبيه الإيمان بشجرة ذات أغصان وشعب، ومبناه على المجاز لأن الإيمان كما مر في اللغة التصديق وفي عرف الشرع تصديق القلب واللسان وتمامه وكماله بالطاعات، فحينئذ الإخبار عن الإيمان بأنه بضع وستون يكون من باب إطلاق الأصل على الفرع لأن الإيمان هو الأصل والأعمال فروع منه، وإطلاق الإيمان على الأعمال مجاز لأنها تكون عن الإيمان، وهذا مبني على القول بقبول الإيمان الزيادة والنقصان، أما على القول بعدم قبوله لهما فليست الأعمال داخلة في الإيمان، واستدل لذلك بأن حقيقة الإيمان التصديق، ولأنه قد ورد في الكتاب والسُّنَّة عطف الأعمال على الإيمان كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات} مع القطع بأن العطف يقتضي المغايرة وعدم دخول المعطوف في المعطوف عليه، وقد ورد أيضًا جعل الإيمان شرط صحة الأعمال كما في قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [طه: 112]. مع القطع بأن المشروط لا يدخل في الشرط لامتناع اشتراط الشيء لنفسه، وورد أيضًا إثبات الإيمان لمن ترك بعض الأعمال كما في قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9]. مع القطع بأنه لا يتحقق الشيء بدون ركنه، ولا يخفى أن هذه الوجوه إنما تقوم حجة على من يجعل الطاعات ركنًا من حقيقة الإيمان، بحيث إن تاركها لا يكون مؤمنًا كما هو رأي المعتزلة، لا على من ذهب إلى أنها ركن من الإيمان الكامل بحيث لا يخرج تاركها عن حقيقة الإيمان كما هو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى قاله العلاّمة التفتازاني. ومن لطائف إسناد حديث هذا الباب أن رجاله كلهم مدنيون إلا العقدي فإنه بصري وإلا المسندي وفيه تابعي عن تابعي، وهو عبد الله بن دينار عن أبي صالح، وأخرج متنه أبو داود في السُّنَّة والترمذي في الإيمان، وقال: حسن صحيح، والنسائي في الإيمان أيضًا وابن ماجة. 4 - باب الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ 10 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ وَإِسْمَاعِيلَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 10 - طرفه في: 6484]. (باب) بالتنوين (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) وسقط لفظ باب للأصيلي. وبالسند السابق للمؤلف قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة وتخفيف المثناة التحتية آخره سين مهملة المتوفى سنة ست وعشرين ومائتين. (قال: حدّثنا شعبة)، ولابن عساكر عن شعبة غير منصرف ابن الحجاج بن الورد الواسطي المتوفى بالبصرة أول سنة ستين ومائة. (عن عبد الله بن أبي السفر) بفتح المهملة والفاء، وحكى إسكانها ابن يحمد بضم المثناة التحتية وفتح الميم أو بكسرها الهمداني الكوفي المتوفى في خلافة

5 - باب أي الإسلام أفضل؟

مروان بن محمد. (و) عن (إسماعيل) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر في نسخة ابن أبي خالد أي الأحمسي المتوفى سنة خمس وأربعين ومائة، كلاهما (عن الشعبي) بفتح المعجمة وسكون المهملة وكسر الموحدة نسبة إلى شعب بطن من همدان أبي عمرو وعامر بن شراحيل الكوفي التابعي الجليل قاضي الكوفة، المتوفى بعد المائة. (عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاصي القرشي السهمي المتوفى بمكة أو الطائف أو مصر في ذي الحجة سنة خمس أو ثلاث أو سبع وستين أو اثنتين أو ثلاث وسبعين، وكان أسلم قبل أبيه (رضي الله عنهما)، وكان بينه وبينه في السن إحدى عشرة سنة كما جزم به المزي، وله في البخاري ستة وعشرون حديثًا، (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (المسلم) الكامل (من سلم المسلمون) وكذا المسلمات وأهل الذمة إلا في حد أو تعزير أو تأديب، (من لسانه ويده) وهذا من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام الذي لم يسبق إليه. فإن قلت: هذا يستلزم أن من اتصف بهذه خاصة كان مسلمًا كاملاً، أجيب: بأن المراد بذلك مع مراعاة باقي الصفات التي هي أركان الإسلام، أو يكون المراد أفضل المسلمين كما قاله الخطابي، وعبر باللسان دون القول ليدخل فيه من أخرج لسانه استهزاء بصاحبه، وقدمه على اليد لأن إيذاءه أكثر وقوعًا وأشد نكاية ولله در القائل: جراحات السنان لها التئام ... ولا يلتام ما جرح اللسان وخصّ اليد مع أن الفعل قد يحصل بغيرها لأن سلطنة الأفعال إنما تظهر بها إذ بها البطش والقطع والوصل والأخذ والمنع، ومن ثم غلبت فقيل في كل عمل هذا مما عملت أيديهم وإن كان متعذرًا الوقوع بها، فالمراد من الحديث ما هو أعم من الجارحة كالاستيلاء على حق الغير من غير حق، فإنه أيضًا إيذاء لكن ليس باليد الحقيقية. ثم عطف على ما سبق قوله: (والمهاجر) أي المهاجر حقيقة (من هجر) أي ترك (ما نهى الله عنه) كأن المهاجرين خوطبوا بذلك لئلا يتّكلوا على مجرد الانتقال من دارهم، أو وقع ذلك بعد انقطاع الهجرة تطييبًا لقلوب من لم يدرك ذلك. وفي إسناد هذا الحديث التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الرقاق وهو مما انفرد بجملته عن مسلم، وأخرج مسلم بعضه في صحيحه، وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم. (قال أبو عبد الله) البخاري وفي رواية الأصيلي وابن عساكر بإسقاط قال أبو عبد الله كما في فرع اليونينية كهي: (وقال أبو معاوية) محمد بن خازم بالمعجمتين الضرير الكوفي، وكان مرجئًا المتوفى سنة خمس وتسعين ومائة في صفر، (حدّثنا داود) زاد في رواية الكشميهني وابن عساكر هو ابن أبي هند المتوفى سنة أربعين ومائة، (عن عامر) الشعبي السابق قريبًا (قال سمعت عبد الله) بن عمرو وللأصيلي يعني ابن عمرو ولابن عساكر هو ابن عمرو، (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة من بني سامة بن لؤي القُرَشي البصري المتوفى في شعبان سنة سبع وثمانين ومائة، (عن داود) بن أبي هند السابق، (عن عامر عن عبد الله) بن عمرو بن العاصي، (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا التعليق وصله إسحاق بن راهويه في مسنده. 5 - باب أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَل؟ 11 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ». * (باب) بالتنوين (أي الإسلام أفضل). وبالسند الماضي إلى المؤلف أوّلاً قال: (حدّثنا سعيد بن يحيى بن سعيد القرشي) بجر الياء كما في اليونينية صفة لسعيد الثاني المتوفى سنة سبع وأربعين ومائتين، وليس عند الأصيلي ابن سعيد القرشي (قال حدّثنا أبي) يحيى بن سعيد المتوفى سنة أربع وسبعين ومائة (قال حدّثنا أبو بردة) بضم الموحدة وسكون الراء واسمه بريد بالتصغير، (ابن عبد الله بن أبي بردة عن أبي بردة) بضم الموحدة جد الذي قبله وافقه في الكنية لا في الاسم، واسمه عامر المتوفى فيما قاله الواقدي بالكوفة سنة ثلاث ومائة أو هو والشعبي في جمعة واحدة (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس بن سليم بضم السين الأشعري نسبة إلى الأشعر لأنه ولد أشعر، المتوفى بالكوفة سنة خمس أو إحدى أو أربع وأربعين وله في البخاري سبعة وخمسون حديثًا (رضي الله عنه قال): (قالوا) وعند مسلم قلنا وعند ابن منده قلت:

6 - باب إطعام الطعام من الإسلام

(يا رسول الله أي) شرط أي أن تدخل على متعدد وهو هنا مقدّر بذوي أي أيّ أصحاب (الإسلام أفضل) وعند مسلم أي المسلمين أفضل (قال) عليه الصلاة والسلام (من سلم المسلمون من لسانه ويده) أي أفضل من غيره لكثرة ثوابه. ومن لطائف إسناد هذا المتن أن فيه التحديث والعنعنة. وكل رجاله كوفيون، وأخرج متنه مسلم والنسائي في الإيمان، والترمذي في الزهد. 6 - باب إِطْعَامُ الطَّعَامِ مِنَ الإِسْلاَمِ 12 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ». [الحديث 12 - طرفاه في: 28، 6236]. هذا (باب) بالتنوين، وهو عند الأصيلي ساقط في فرع اليونينية كهي، (إطعام الطعام) من سغب (من الإسلام) وللأصيلي في نسخة من الإيمان أي من خصاله. وبالسند المذكور أوّل هذا الكتاب إلى البخاري قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين ابن فروخ بفتح الفاء وتشديد الراء الضمومة آخره معجمة الحرّاني البصري نزيل مصر المتوفى بها سنة تسع وعشرين ومائتين، (قال حدّثنا الليث) بالمثلثة ابن سعد الفهمي وفهم من قيس عيلان المصري الإمام الجليل المشهور القلقشندي المولد الحنفي المذهب فيما قاله ابن خلكان، والمشهور أنه كان مجتهدًا المتوفى يوم الجمعة نصف شعبان سنة خمس وسبعين ومائة، (عن يزيد) أبي رجاء بن أبي حبيب المصري التابعي الجليل مفتي مصر المتوفى سنة ثمان وعشرين ومائة، (عن أبي الخير) مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة ابن عبد الله اليزني نسبة إلى ذي يزن المصري المتوفى سنة تسعين، (عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص (رضي الله عنهما أن رجلاً) قال صاحب الفتح لم أعرف اسمه وقد قيل إنه أبو ذر (سأل النبي) وفي رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي) خصال (الإسلام خير قال) وفي رواية أبوي ذر والوقت فقال أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تطعم) الخلق (الطعام) تطعم في محل رفع خبر مبتدأ محذوف بتقدير أن أي هو أن تطعم الطعام فأن مصدرية والتقدير هو إطعام الطعام ولم يقل توكل الطعام ونحوه، لأن لفظ الإطعام يشمل الأكل والشرب والذواق والضيافة والإعطاء وغير ذلك (وتقرأ) بفتح التاء وضم الهمزة مضارع قرأ (السلام على من عرفت ومن لم تعرف) من المسلمين، فلا تخص به أحدًا تكبرًا وتجبرًا بل عمّ به كل أحد لأن المؤمنين كلهم إخوة وحذف العائد في الوضعين للعلم به والتقدير على من عرفته ولم يقل وتسلم حتى يتناول سلام الباعث بالكتاب المتضمن للسلام. وفي هاتين الخصلتين الجمع بين نوعي المكارم المالية والبدنية: الطعام والسلام. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة وكل رواته مصريون وهذا من الغرائب، ورواته كلهم أئمة أجلاء. وأخرجه المؤلف أيضًا في باب الإيمان بعد هذا الباب بأبواب، وفي الاستئذان ومسلم في الإيمان والنسائي فيه أيضًا وأبو داود في الأدب وابن ماجة في الأطعمة. 7 - باب مِنَ الإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ 13 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَعَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ قَالَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». هذا (باب) بالتنوين وهو ساقط في رواية الأصيلي (من الإيمان أن يحب لأخيه) المسلم وكذا المسلمة أو أعم مثل (ما) أي الذي (يحب لنفسه). وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا مسدد) بضم الميم وفتح السين وتشديد الدال المهملتين ابن مسرهد، ابن مرعبل بن أرندل بن سرندل بن غرندل بن ماسك بن مستورد، وعند مسلم في كتب الكنى ابن مغربل بدل ابن مرعبل الأسدي البصري المتوفى في رمضان سنة ثلاث وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة آخره خاء معجمة غير منصرف للعجمة والعلمية، القطان الأحول التميمي البصري المتفق على جلالته المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة، (عن شعبة) بضم المعجمة ابن الحجاج الواسطي ثم البصري المتقدم (عن قتادة) بن دعامة بكسر الدال ابن قتادة السدوسي نسبة لجده الأعلى الأكمه البصري التابعي المجمع على جلالته المتوفى بواسط سنة سبع عشرة ومائة، (عن أنس) هو ابن مالك بن النضر بالنون والضاد المعجمة الأنصاري النجاري خادم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تسع سنين أو عشر سنين آخر من مات من الصحابة بالبصرة سنة ثلاث وتسعين، وله في البخاري مائتان وثمانية وستون حديثًا (رضي الله عنه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ثم عطف على شعبة قوله (وعن

8 - باب حب الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الإيمان

حسين) بالتنوين أي ابن ذكوان (المعلم) البصري، (قال: حدّثنا قتادة) بن دعامة السابق، فكأنه قال عن شعبة وحسين كلاهما عن قتادة وأفردهما تبعًا لشيخه، وليست طريق حسين معلقة بل موصولة كما رواها أبو نعيم في مستخرجه من طريق إبراهيم الحربي، عن مسدد شيخ البخاري، عن يحيى القطان، عن حسين المعلم، عن قتادة، عن أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: "لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه وجاره ما يحب لنفسه". فإن قلت: قتادة مدلس ولم يصرح بالسماع عن أنس، أجيب بأنه قد صرح أحمد والنسائي في روايتيهما بسماع قتادة له من أنس فأنتفت تهمة تدليسه: (عن أنس) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر عن أنس بن مالك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لا يؤمن) وفي رواية أبوي الوقت وذر والأصيلي وابن عساكر (أحدكم) وفي رواية أخرى لأبي ذر أحد وفي أخرى لابن عساكر وعبد الإيمان الكامل، (حتى يحب لأخيه) المسلم وكذا المسلمة مثل (ما يحب لنفسه). أي الذي يحب لنفسه من الخير، وهذا وارد مورد المبالغة، وإلا فلا بد من بقية الأركان. ولم ينص على أن يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه لأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه، ويحتمل أن يكون قوله أخيه شاملاً للذميّ أيضًا بأن يحب له الإسلام مثلاً، ويؤيده حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن". فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي فعدّ خمسًا قال: "اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارضَ بما قسم لك تكن أغنى الناس، وأحسِن إلى جارك تكن مؤمنًا. وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا" الحديث رواه الترمذي وغيره من رواية الحسن عن أبي هريرة، وقال الترمذي: الحسن لم يسمع من أبي هريرة ورواه البزار والبيهقي بنحوه في الزهد عن مكحول عن واثلة عنه. وقد سمع مكحول من واثلة. قال الترمذي وغيره لكن بقية إسناده فيه ضعف. ورواة حديث الباب كلهم بصريون، وإسناد الحديث السابق مصريون، والذي قبله كوفيون، فوقع التسلسل في الأبواب الثلاثة على الولاء وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي. 8 - باب حُبُّ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الإِيمَانِ 14 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ». (باب) بالتنوين (حب الرسول) نبينا محمد (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الإيمان). وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع السابق (قال: أخبرنا شعيب) أي ابن أبي حمزة الحمصي (قال: حدّثنا) وفي رواية ابن عساكر أخبرنا (أبو الزناد) بكسر الزاي وبالنون عبد الله بن ذكوان المدني القرشي التابعي المتوفى سنة ثلاثين ومائة (عن الأعرج) أبي داود عبد الرحمن بن هرمز التابعي المدني القرشي المتوفى بالإسكندرية سنة سبع عشرة ومائة على الصحيح، (عن أبي هريرة) نقيب أهل الصفة (رضي الله عنه أن رسول الله) وفي رواية أبي ذر عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (فو) الله (الذي) بالفاء وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر والذي (نفسي بيده) أي بقدرته أو هو من المتشابه المفوّض علمه إلى الله والأوّل أعلم والثاني أسلم وعن أبي حنيفة يلزم من تأويله بالقدرة عين التعطيل فالسبيل فيه كأمثلة الإيمان به على ما أراد، ونكف عن الخوض في تأويله فنقول له يد على ما أراد لا كيد المخلوق، وأقسم تأكيدًا. ويؤخذ منه جواز القسم على الأمر المهم للتأكيد وإن لم يكن هناك مستحلف. والمقسم عليه هنا قوله (لا يؤمن أحدكم) إيمانًا كاملاً (حتى أكون أحبّ إليه) أفعل تفضيل بمعنى المفعول، وهو هنا مع كثرته على غير قياس منصوب خبرًا لأكون وفصل بينه وبين معموله بقوله إليه لأنه يتوسع في الظرف ما لا يتوسع في غيره (من والده) أبيه أي وأمه أو اكتفى به عنها (وولده) ذكرًا أو أُنثى. وقدم الوالد للأكثرية لأن كل أحد له والد من غير عكس، أو نظر إلى جانب التعظيم أو لسبقه في الزمان. وعند النسائي تقديم الولد لمزيد الشفقة، وخصهما بالذكر لأنهما أعز على الإنسان غالبًا من غيرهما. وربما كانا أعزّ على ذي اللب من نفسه. فالثالثة محبة رحمة وشفقة، والثانية

9 - باب حلاوة الإيمان

محبة إجلال. والأولى وهي محبة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- محبة إحسان، وقد ينتهي المحب في المحبة إلى أن يؤثر هوى المحبوب على هوى نفسه فضلاً عن ولده، بل يحب أعداء نفسه لمشابهتهم محبوبه قال: أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ... إذ صار حظي منك حظي منهمُ 15 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح وَحَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ». وبه قال: (حدّثنا) وفي رواية أخبرنا (يعقوب) أبو يوسف (بن إبراهيم) بن كثير الدورقي العبدي المتوفى سنة اثنتين وخمسين ومائتين، (قال: حدّثنا ابن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد المثناة التحتية نسبة إلى أمه واسمه إسماعيل بن إبراهيم بن سهم البصري الأسدي أسد خزاعة الكوفي الأصل المتوفى ببغداد سنة أربع وتسعين ومائة، (عن عبد العزيز بن صهيب) بضم الصاد المهملة وفتح الهاء وسكون المثناة التحتية آخره موحدة البناني بضم الموحدة وبالنون نسبة إلى بنانة بطن من قريش التابعي كأبيه، (عن أنس) وفي رواية الأصيلي ابن مالك (عن النبي) وفي رواية ابن عساكر عن أنس قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ولفظ متن هذا السند كما رواه ابن خزيمة في صحيحه عن يعقوب شيخ البخاري بهذا الإسناد: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من أهله وماله بدل من والده وولده، وفي فرع اليونينية هنا علامة التحويل (ح وحدّثنا آدم) بن أبي إياس بواو العطف على السند السابق العاري عن المتن الموهمة لاستواء السندين في المتن الآتي وليس كذلك. إذ لفظ متنه لم يذكره المؤلف مقتصرًا على لفظ رواية قتادة نظرًا إلى أصل الحديث لا إلى خصوص ألفاظه. لكونها موافقة للفظ أبي هريرة في الحديث السابق. (قال حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) أنه (قال: قال النبي) وفي رواية أبي ذر وابن عساكر وأبي الوقت قال رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يؤمن أحدكم) الإيمان التام (حتى أكون أحبّ إليه من والده) أبيه وأمه (وولده والناس أجمعين) هو من باب عطف العام على الخاص. وهل تدخل النفس في عموم الناس الظاهر نعم. وقيل إضافة المحبة إليه تقتضي خروجه منهم، فإنك إذا قلت جميع الناس أحب إلى زيد من غلامه يفهم منه خروج زيد منهم، وأجيب بأن اللفظ عام وما ذكر ليس من المخصصات، وحينئذٍ فلا يخرج. وقد وقع التنصيص بذكر النفس في حديث عبد الله بن هشام الآتي إن شاء الله تعالى، والمراد هنا المحبة الإيمانية وهي اتباع المحبوب، لا الطبيعية ومن ثم لم يحكم بإيمان أبي طالب مع حبه له عليه الصلاة والسلام على ما لا يخفى، فحقيقة الإيمان لا تتم ولا تحصل إلا بتحقيق إعلاء قدره ومنزلته على كل والد وولد ومحسن، ومن لم يعتقد هذا فليس بمؤمن. وفي المواهب اللدنية بالمنح المحمدية مما جمعته في ذلك ما يشفي ويكفي. ولا ذكر المؤلف في هذا الباب أن حبه عليه الصلاة والسلام من الإيمان أردفه بما يوجد حلاوة ذلك فقال: 9 - باب حَلاَوَةِ الإِيمَانِ 16 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ». [الحديث 16 - أطرافه في: 21، 6041، 6941]. هذا (باب حلاوة الإيمان) والمراد أن الحلاوة من ثمراته، فهي أصل زائد عليه، وقد سقط لفظ باب عند الأصيلي كما في فرع اليونينية كهي. وبالسند السابق إلى المؤلف رحمه الله تعالى قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) بالمثلثة ابن عبيد العنزي بفتح النون بعدها زاي نسبة إلى عنزة بن أسد حيّ من ربيعة البصري المتوفى بها سنة اثنتين وخمسين ومائتين، (قال: حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد بن الصلت (الثقفي) بالمثلثة بعدها قاف ثم فاء نسبة إلى ثقيف البصري المتوفى سنة أربع وتسعين ومائة، (قال: حدّثنا أيوب) بن أبي تميمة واسمه كيسان السختياني بفتح المهملة على الصحيح نسبة إلى بيع السختيان وهو الجلد البصري المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة، (عن أبي قلابة) بكسر القاف وبالموحدة عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر البصري المتوفى بالشام سنة أربع ومائة، (عن أنس) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر زيادة ابن مالك (رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ثلاث) أي ثلاث خصال مبتدأ خبره جملة (من كن فيه وجد) أي أصاب (حلاوة الأيمان) وكذلك اكتفى بمفعول واحد، وحلاوة الإيمان استلذاذه بالطاعات عند قوّة النفس بالإيمان

10 - باب علامة الإيمان حب الأنصار

وانشراح الصدر له بحيث يخالط لحمه ودمه. وهل هذا الذوق محسوس أو معنوي. وعلى الثاني فهو على سبيل المجاز والاستعارة الموضحة للمؤلف على استدلاله بزيادة الإيمان ونقصه، لأن في ذلك تلميحًا إلى قضية المريض والصحيح، لأن المريض الصفراوي يجد طعم العسل مرًّا بخلاف الصحيح، فكلما نقصت الصحة نقص ذوقه بقدر ذلك، وتسمى هذه الاستعارة تخييلية، وذلك أنه شبه رغبة المؤمن في الإيمان بالعسل ونحوه ثم أثبت له لازم ذلك وهي الحلاوة، وأضافه إليه فالمرء لا يؤمن إلا (أن يكون الله) عز وجل (ورسوله) عليه الصلاة والسلام (أحب إليه مما سواهما) بإفراد الضمير في أحب لأنه أفعل تفضيل، وهو إذا وصل بمن أفرد دائمًا وعبر بالتثنية في سواهما إشارة إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين لا كل واحدة منهما، فإنها وحدها لاغية إذا لم ترتبط بالأخرى. فمن يدعي حب الله مثلاً ولا يحب رسوله لا ينفعه ذلك، ولا يعارض تثنية الضمير هنا بقصة الخطيب حيث قال: ومن يعصهما فقد غوى. فقال له عليه الصلاة والسلام بئس الخطيب أنت فأمره بالإفراد إشعارًا بأن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزامه الغواية، إذ العطف في تقدير التكرير والأصل استقلال كل واحد من المعطوفين في الحكم. فهو في قوة قولنا: ومن عصى الله فقد غوى ومن عصى الرسول فقد غوى. ويؤيد ذلك قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُم} [النساء: 59] لم يعد أطيعوا في أُولي الأمر منكم كما أعاده في وأطيعوا الرسول ليؤذن بأنه لا استقلال لهم في الطاعة استقلال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقيل: إنه من الخصائص فيمتنع من غيره عليه الصلاة والسلام لأن غيره إذا جمع أوهم التسوية بخلافه هو عليه الصلاة والسلام، فإن منصبه لا يتطرق إليه إيهام ذلك. وقال: مما ولم يقل ممن ليعم العاقل وغيره، والمراد بهذا الحب كما قال البيضاوي العقلي وهو إيثار ما يقتضي العقل رجحانه ويستدعي اختياره، وإن كان على خلاف هواه. ألا ترى أن المريض يعاف الدواء وينفر عنه طبعه، ولكنه يميل إليه باختياره ويهوى تناوله بمقتضى عقله لما يعلم أن صلاحه فيه. (و) من محبة الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام (أن يحب) المتلبس بها (المرء) حال كونه (لا يحبه إلاّ الله) تعالى (وأن يكره أن يعود) أي العود (في الكفر كما يكره أن يقذف) بضم أوّله وفتح ثالثه أي مثل كرهه القذف (في النار) وهذا نتيجة دخول نور الإيمان في القلب بحيث يختلط باللحم والدم واستكشافه عن محاسن الإسلام وقبح الكفر وشينه. فإن قلت: لِمَ عدّى العود بفي ولم يعدّه بإلى كما هو المشهور؟ أجاب الحافظ ابن حجر كالكرماني بأنه ضمن معنى الاستقرار كأنه قال: أن يعود مستقرًّا فيه، وتعقبه العيني فقال فيه تعسف، وإنما في هنا بمعنى إلى كقوله تعالى: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف: 88] أي لتصيرن إلى ملتنا، وفي هذا الحديث الإشارة إلى التحلّي بالفضائل والتخلّي عن الرذائل، فالأوّل من الأوّل والأخير من الثاني. وفي الثاني الحثّ على التحابب في الله، ورواته كلهم بصريون أئمة أجلاء، وأخرجه المؤلف أيضًا بعد ثلاثة أبواب وفي الأدب ومسلم والترمذي والنسائي وألفاظهم مختلفة. 10 - باب عَلاَمَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ 17 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ». [الحديث 17 - طرفه في: 3784]. (باب) بالتنوين (علامة الإيمان) التام (حبّ الأنصار)، وسقط التنوين للأصيلي، وحينئذ فقوله علامة جر بالإضافة قال ابن المنير: علامة الشيء لا يخفى أنها غير داخلة في حقيقته، فكيف تفيد هذه الترجمة مقصوده من أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وجوابه أن المستفاد منها كون مجرد التصديق بالقلب لا يكفي حتى تنصب عليه علامة من الأعمال الظاهرة التي هي مؤازرة الأنصار ومواددتهم. وبسندي المذكور أولاً إلى الإمام البخاري قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي نسبة لبيع الطيالسة البصري المتوفى سنة عشرين ومائتين، (قال حدّثنا شعبة) بن الحجاج السابق (قال أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن عبد الله) بفتح العين فيهما (ابن جبر) بفتح الجيم وإسكان الموحدة الأنصاري المدني، (قال سمعت أنسًا) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر أنس بن مالك (رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (آية

11 - باب

الإيمان) بالهمزة الممدودة والمثناة التحتية المفتوحة أي علامة الإيمان الكامل (حب الأنصار) الأوس والخزرج جمع قلة على وزن أفعال، واستشكل بأنه لا يكون لما فوق العشرة وهم ألوف: وأجيب بأن القلة والكثرة إنما يعتبران في نكرات الجموع، أما في المعارف فلا فرق بينهما. (وآية النفاق) الذي هو إظهار الإيمان وإبطان الكفر (بغض الأنصار). إذا كان من حيث أنهم أنصاره عليه الصلاة والسلام، لأنه لا يجتمع مع التصديق وإنما خصّوا بهذه المنقبة العظيمة والمنحة الجسيمة لما فازوا به من نصره عليه الصلاة والسلام والسعي في إظهاره وإيوائه وأصحابه، ومؤاساتهم بأنفسهم وأموالهم، وقيامهم بحقهم حق القيام مع معاداتهم جميع من وجد من قبائل العرب والعجم، فمن ثم كان حبهم علامة الإيمان وبغضهم علامة النفاق مجازاة لهم على عملهم والجزاء من جنس العمل. وقال في شرح المشكاة: وإنما كان كذلك لأنهم تبوءوا الدار والإيمان وجعلوه مستقرًّا وموطنًا لتمكنهم منه واستقامتهم عليه كما جعلوا المدينة كذلك: فمن أحبهم فذلك من كمال إيمانه، من أبغضهم فذلك من علامة نفاقه. فإن قلت: لم عدل عن لفظ الكفر إلى لفظ النفاق؟ أجيب: بأن الكلام فيمن ظاهره الإيمان وباطنه الكفر فميزهم عن ذوي الإيمان الحقيقي، فلم يقل: وآية الكفر كذا إذ هو ليس بكافر ظاهرًا. وهذا الحديث وقع للمؤلف رباعي الإسناد، ولمسلم خماسيه، وفيه راوٍ وافق اسمه اسم أبيه. وفيه التحديث والإخبار بالجمع والإفراد والسماع، وأخرجه المؤلف أيضًا في فضائل الأنصار ومسلم والنسائي. 11 - باب هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة: ولفظ الباب سقط عند الأصيلي، وحينئذ فالحديث التالي من جملة الترجمة السابقة وعلى رواية إثباته فهو كالفصل عن سابقه مع تعلقه به. وفي الحديث السابق الإشارة لحب الأنصار، وفي اللاحق ابتداء السبب في تلقيبهم بالأنصار، لأن ذلك كان ليلة العقبة لما تبايعوا على إعلاء توحيد الله وشريعته، وقد كانوا يسمون قبل ذلك بني قيلة بقاف مفتوحة ومثناة تحتية ساكنة وهي الأم التي تجمع القبيلتين، فسماهم عليه الصلاة والسلام الأنصار لذلك. 18 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رضي الله عنه -وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ. فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ، فَهُوَ إِلَى اللَّهِ: إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ». فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ. [الحديث 18 - أطرافه في: 3892، 3893، 3999، 4894، 6784، 6801، 6873، 7055، 7199، 7213، 7468]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة القرشي (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو إدريس عائذ الله) بالمعجمة وهو اسم علم أي ذو عياذة الله فهو عطف بيان لقوله أبو إدريس (بن عبد الله) الصحابي ابن عمر الخولاني الدمشقي الصحابي، لأن مولده كان عام حُنين، التابعي الكبير من حيث الرواية المتوفى سنة ثمانين، (أن عبادة) بضم العين (ابن الصامت) بن قيس الأنصاري الخزرجي المتوفى بالرملة سنة أربع وثلاثين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، وقيل: في خلافة معاوية سنة خمس وأربعين، وله في البخاري تسعة أحاديث (رضي الله عنه وكان شهد بدرًا) أي وقعتها، فالنصب بقوله شهد وليس مفعولاً فيه، (وهو أحد النقباء) جمع نقيب، وهو الناظر على القوم وضمينهم وعريفهم وكانوا اثني عشر رجلاً (ليلة العقبة) بمنى، أي فيها والواو في وهو كواو وكان هي الداخلة على الجملة الموصوف بها لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، وإفادة أن اتصافه بها أمر ثابت ولا ريب أن كون شهود عبادة بدر أو كونه من النقباء صفتان من صفاته، ولا يجوز أن تكون الواوان للحال ولا للعطف، قاله العيني. وهذا ذكره ابن هشام في مغنيه حاكيًا له عن الزمخشري في كشافه، وعبارته في تفسير قوله تعالى في سورة الحجر {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُوم} [الحجر: 4] جملة واقعة صفة لقرية، والقياس أنه لا يتوسط الواو بينهما كما في قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُون} [الشعراء: 208] وإنما توسطت الواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، كما يقال في الحال: جاءني زيد عليه ثوب وجاءني وعليه ثوب انتهى. وتعقبه ابن مالك في شرح تسهيله بأن ما ذهب إليه من توسط الواو بين الصفة والموصوف فاسد، لأن مذهبه في هذه المسألة لا يعرف من البصريين ولا من الكوفيين معوّل عليه، فوجب أن لا يلتفت إليه. وأيضًا فإنه معلل بما لا يناسب، وذلك لأن الواو تدل

على الجمع بين ما قبلها وما بعدها، وأيضًا مستلزم لتغايرهما، وهو ضد لما يراد من التأكيد، فلا يصح أن يقال للعاطف مؤكد. وأيضًا لو صلحت الواو لتأكيد لصوق الموصوف بالصفة لكان أولى المواضع بها موضعًا لا يصلح للحال، نحو إن رجلاً رأيه سديد لسعيد، فرأيه سديد جملة نعت بها، ولا يجوز اقترانها بالواو ولعدم صلاحيتها للحال، بخلاف {ولها كتاب معلوم} فإنها جملة يصلح في موضعها الحال لأنها بعد نفي. وتعقبه نجم الدين سعيد على الوجه الأوّل بأن الزمخشري أعرف باللغة مع أنه لا يلزم من عدم العرفان بالمعوّل عليه عدمه، وعلى الثاني أن تغاير الشيئين لا ينافي تلاصقهما، والجملة التي هي صفة لها التصاق بالموصوف، والواو أكدت الالتصاق باعتبار أنها في أصلها للجمع المناسب للإلصاق لا أنها عاطفة، وعلى الثالث أن المراد من الالتصاق ليس الالتصاق اللفظي كما فهمه ابن مالك بل المعنوي، والواو تؤكد الثاني دون الأوّل. وتعقبه البدر الدماميني بأن قوله أعرف باللغة مجرد دعوى مع أنها لو سلمت لا تصلح لردّ أن هذا المذهب غير معروف لبصري ولا كوفي، وإنما وجه الردّ أن يقال بل هو معروف، ويبيّن من قاله منهم انتهى. وقد تبع الزمخشري في ذلك أبو البقاء، وقال في الدران في محفوظه أن ابن جني سبق الزمخشري بذلك وقوّاه بآية {إلا لها منذرون} وقراءة ابن أبي عبلة إلا لها كتاب بإسقاط الواو، ويحتمل أن يكون قائل ذلك أبا إدريس فيكون متصلاً إن حمل على أنه سمع ذلك من عبادة أو الزهري، فيكون منقطعًا. والجملة اعتراض بين إن وخبرها الساقط من أصل الرواية هنا، ولعلها سقطت من ناسخ بعده. واستمر بدليل ثبوتها عند المصنف في باب من شهد بدرًا والتقدير هنا أن عبادة بن الصامت أخبر (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال وحوله) بالنصب على الظرفية (عصابة من أصحابه) بكسر العين ما بين العشرة إلى الأربعين، والجملة اسمية حالية وعصابة مبتدأ خبره حوله مقدمًا، ومن أصحابه صفة لعصابة، وأشار الراوي بذلك إلى المبالغة في ضبط الحديث، وأنه عن تحقيق وإتقان، ولذا ذكر أن الراوي شهد بدرًا وأنه أحد النقباء والمراد به التقوية، فإن الرواية تترجح عند المعارضة بفضل الراوي وشرفه. ومقول قوله عليه الصلاة والسلام. (بايعوني) أي عاقدوني (على) التوحيد (أن لا تشركوا بالله شيئًا) أي على ترك الإشراك وهو عام، لأنه نكرة في سياق النهي كالنفي، وقدمه على ما بعده لأنه الأصل. (و) على أن (لا تسرقوا) فيه حذف المفعول ليدل على العموم، (ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم) خصّهم بالذكر لأنهم كانوا في الغالب يقتلونهم خشية الإملاق، أو لأن قتلهم أكثر من قتل غيرهم، وهو الوأد وهو أشنع القتل، أو أنه قتل وقطيعة رحم، فصرف العناية إليه أكثر. (ولا تأتوا) بحذف النون، ولغير الأربعة ولا تأتون (ببهتان) أي بكذب يبهت سامعه أي يدهشه لفظاعته كالرمي بالزنا والفضيحة والعار. وقوله (تفترونه) من الافتراء أي تختلقونه (بين أيديكم وأرجلكم) أي من قبل أنفسكم، فكنى باليد والرجل عن الذات لأن الأفعال بهما، والمعنى لا تأتوا ببهتان من قبل أنفسكم أو أن البهتان ناشىء عما يختلقه القلب الذي هو بين الأيدي والأرجل ثم يبرزه بلسانه، والمعنى لا تبهتوا الناس بالمعايب كفاحًا مواجهة، (ولا تعصوا في معروف) وهو ما عرف من الشارع حسنه نهيًا وأمرًا وليد به تطييبًا لقلوبهم، لأنه عليه الصلاة والسلام لا يأمر إلا به، وقال البيضاوي في الآية والتقييد بالمعروف مع أن الرسول لا يأمر إلا به للتنبيه على أنه لا تجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق، وخصّ ما ذكر من المناهي بالذكر دون غيره للاهتمام به (فمن وفى) بالتخفيف، وفي رواية أبي ذر وفي بالتشديد، أي ثبت على العهد (منكم فأجره على الله) فضلاً ووعدًا أي بالجنة، كما وقع التصريح به في الصحيحين من حديث عبادة في رواية الصنابحي. وعبر بلفظ على وبالأجر للمبالغة في تحقق وقوعه، ويتعين حمله على غير ظاهره للأدلة القاطعة على أنه لا يجب على الله شيء، بل الأجر من فضله عليه لما ذكر المبايعة المقتضية لوجود العوضين أثبت

الأجر في موضع أحدهما. (ومن أصاب) منكم أيها المؤمنون (من ذلك شيئًا) غير الشرك، بنصب شيئًا مفعول أصاب الذي هو صلة من الموصول المتضمن معنى الشرط والجاز للتبعيض، (فعوقب) أي به كما رواه أحمد أي بسببه (في الدنيا) أي بأن أقيم عليه الحد، (فهو) أي العقاب (كفارة له) فلا يعاقب عليه في الآخرة، وفي رواية الأربعة فهو كفّارة بحذف له، وقد قيل: إن قتل القاتل حدّ وإرداع لغيره، وأما في الآخرة فالطلب للمقتول قائم، وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يجز العفو في القاتل، والذي ذهب إليه أكثر الفقهاء أن الحدود كفارات لظاهر الحديث، وفي الترمذي وصححه من حديث عليّ بن أبي طالب مرفوعًا نحو هذا الحديث، وفيه: ومن أصاب ذنبًا فعوقب به في الدنيا فالله أكرم من أن يثني العقوبة على عبده في الآخرة. وشيئًا نكرة تفيد العموم لأنها في سياق الشرط، وقد صرح ابن الحاجب بأنه كالنفي في إفادته، وحينئذ فيشمل إصابة الشرك وغيره، واستشكل بأن المرتد إذا قتل على ارتداده لا يكون قتله كفّارة. وأجيب بأن عموم الحديث مخصوص بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48] أو المراد به الشرك الأصغر وهو الرياء، وتعقب بأن عرف الشارع إذا أطلق الشرك إنما يريد به ما يقابل التوحيد، وأجيب بأن طلب الجمع يقتضي ارتكاب المجاز فهو محتمل وإن كان ضعيفًا، وتعقب بأنه عقب الإصابة بالعقوبة في الدنيا والرياء لا عقوبة فيه، فوضح أن المراد الشرك وأنه مخصوص. وقال قوم بالوقف لحديث أبي هريرة المروي عند البزار والحاكم، وصححه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لا أدري الحدود كفّارة لأهلها أم لا، وأجيب بأن حديث الباب أصح إسنادًا وبأن حديث أبي هريرة ورد أولاً قبل أن يعلم عليه السلام، ثم أعلمه الله تعالى آخرًا. وعورض بتأخر إسلام أبي هريرة، وتقدم حديث الباب إذ كان ليلة العقبة الأولى، وأجيب بأن حديث أبي هريرة صحيح سابق على حديث الباب، وأن المبايعة المذكورة لم تكن ليلة العقبة وإنما هي بعد فتح مكة وآية الممتحنة، وذلك بعد إسلام أبي هريرة. وعورض بأن الحديث رواه الحاكم ولا يخفى تساهله في التصحيح. على أن الدارقطني قال: إن عبد الرزاق تفرد بوصله، وأن هشام بن يوسف رواه عن معمر فأرسله، وحينئذ فلا تساوي بينهما. وعلى ذلك فلا يحتاج إلى الجمع والتوفيق بين الحديثين، وبأن عياضًا وغيره جزموا بأن حديث عبادة هذا كان بمكة ليلة العقبة عند البيعة الأولى بمنى، ويؤيده قوله عصابة المفسر بالنقباء الاثني عشر، بل صرح بذلك في رواية النسائي، ولفظه: بايعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة العقبة في رهط، والرهط ما دون العشرة من الرجال فقط. وقال ابن دريد: وربما جاوز ذلك قليلاً، وهو ضد الكثير وأقله ثلاثة وأكثر القليل اثنان فتضاف للتسعة فالمجموع أحد عشر، فكان المراد من الرهط هنا أحد عشر نقيبًا، ومع عبادة اثنا عشر نقيبًا. وإذا ثبت هذا فقد دلّ قطعًا أن هذه المبايعة كانت ليلة العقبة الأولى لأن الواقعة بعد الفتح كان فيها الرجال والنساء معًا مع العدد الكثير انتهى. (ومن أصاب من ذلك) المذكور (شيئًا ثم ستره الله) وفي رواية ابن عساكر وعزاها الحافظ ابن حجر لكريمة زيادة عليه (فهو) مفوّض (إلى الله) تعالى (إن شاء عفا عنه) بفضله، (وإن شاء عاقبه) بعدله، (فبايعناه على ذلك). مفهوم هذا يتناول من تاب ومن لم يتب، وأنه لم يتحتم دخوله النار بل هو إلى مشيئة الله. وقال الجمهور: إن التوبة ترفع المؤاخذة، نعم لا يأمن من مكر الله لأنه لا اطّلاع له على قبول توبته. وقال قوم بالتفرقة بين ما يجب فيه الحد وما لا يجب. فإن قلت: ما الحكمة فى عطف الجملة المتضمنة للعقوبة على ما قبلها بالفاء والمتضمنة للستر بثم؟ أجيب باحتمال أنه للتنفير عن مواقعة المعصية، فإن السامع إذا علم أن العقوبة مفاجئة لإصابة المعصية غير متراخية عنها وأن الستر متراخٍ، بعثه ذلك على اجتناب المعصية وتوقيها قاله في المصابيح. ورجال إسناد هذا الحديث كلهم شاميون وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وفيه رواية قاضٍ عن قاضٍ أبو إدريس وعبادة، ورواية من رآه عليه الصلاة والسلام عمن رآه، لأن أبا إدريس له رؤية،

12 - باب من الدين الفرار من الفتن.

وأخرجه المؤلف أيضًا في المغازي والأحكام في وفود الأنصار وفي الحدود، ومسلم في الحدود أيضًا، والترمذي والنسائي وألفاظهم مختلفة. ولما فرغ المصنف من تلويحه بمناقب الأنصار من بذلهم أرواحهم وأموالهم في محبة الرسول عليه الصلاة والسلام فرارًا بدينهم من فتن الكفر والضلال، شرع يذكر فضيلة العزلة والفرار من الفتن فقال: 12 - باب مِنَ الدِّينِ الْفِرَارُ مِنَ الْفِتَنِ. 19 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ». [الحديث 19 - أطرافه في: 3300، 3600، 6495، 7088]. هذا (باب) بالتنوين (من الدين الفرار من الفتن). ولم يقل من الإيمان لمراعاة لفظ الحديث، ولم يرد الحقيقة لأن الفرار ليس بدين، فالتقدير الفرار من الفتن شعبة من شعب الإيمان كما دل عليه أداة التبعيض. وبالسند المذكور أوّل هذا الشرح إلى البخاري قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام بينهما مهملة ساكنة ابن قعنب الحارثي البصري ذو الدعوة المجابة أحد رواة الموطأ المتوفى سنة إحدى وعشرين ومائتين، (عن مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة، (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة) الأنصاري المازني المدني المتوفى سنة تسع وثلاثين ومائة، (عن أبيه) عبد الله، (عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن ستان الخزرجي الأنصاري (الخدري) بضم الخاء وسكون المهملة نسبة إلى خدرة جدّه الأعلى أو بطن المتوفى بالمدينة أربع وستين أو أربع وسبعين، وله في البخاري ستة وستون حديثًا زاد في رواية أبي ذر رضي الله عنه، (أنّه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (يوشك) بكسر المعجمة وفتحها لغة رديئة وهي من أفعال المقاربة أي يقرب (أن يكون خير مال المسلم غنمًا) بالنصب خبر يكون، وفي رواية غير الأصيلي بنصب خير خبرًا مقدمًا ورفع غنم اسمًا مؤخرًا، ولا يضر كونه نكرة لأنه موصوف بجملة يتبع، وجوّز ابن مالك رفعهما على الابتداء والخبر، ويقدر في يكون ضمير الشأن. قال الفتح: لكن لم تجىء به الرواية، وذكره العيني من غير تنبيه على الرواية فأوهم. والغنم اسم مؤنث موضوع للجنس (يتبع بها) بتشديد المثناة الفوقية افتعال من اتبع اتباعًا، ويجوز إسكانها من تبع بكسر الموحدة يتبع بفتحها أي يتبع بالغنم، (شعف) بمعجمة فمهملة مفتوحتين جمع شعفة بالتحريك وهو بالنصب مفعول يتبع أي رؤوس (الجبال ومواقع) بكسر القاف وهو بالنصب عطف على شعف أي مواضع نزول (القطر) أي المطر أي بطون الأودية والصحارى، حال كونه (يفرّ بدينه) أي يهرب بسببه أو مع دينه (من الفتن) طلبًا لسلامته لا لقصد دنيوي، فالعزلة عند الفتنة ممدوحة إلا لقادر على إزالتها فتجب الخلطة عينًا أو كفاية بحسب الحال والإمكان، واختلف فيها عند عدمها، فمذهب الشافعي تفضيل الصحبة لتعلمة وتعليمه وعبادته وأدبه وتحسين خلقه بحلم واحتمال وتواضع ومعرفة أحكام لازمة، وتكثير سواد المسلمين وعيادة مريضهم وتشييع جنازتهم وحضور الجمعة والجماعات، واختار آخرون العزلة للسلامة المحققة، وليعمل بما علم ويأنس بدوام ذكره، فبالصحبة والعزلة كمال المرء، نعم تجب العزلة لفقيه لا يسلم دينه بالصحبة، وتجب الصحبة لمن عرف الحق فاتبعه والباطل فاجتنبه، وتجب على من جهل ذلك ليعلمه فافهم. ورجال إسناد هذا الحديث كلهم مدنيون وفيه صحابي ابن صحابي وهو من أفراد البخاري عن مسلم، وقد رواه المؤلف أيضًا في الفتن والرقاق وعلامات النبوّة، وأخرجه أبو داود والنسائي. ولما كان الفرار من الفتن لا يكون إلا على قدر قوّة دين الرجل وهي تدل على قوة المعرفة. شرع بذكر ذلك فقال: 13 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ». وَأَنَّ الْمَعْرِفَةَ فِعْلُ الْقَلْبِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}. (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالإضافة، وسقط لفظ باب عند الأصيلي، ومقول قوله عليه الصلاة والسلام (أنا أعلمكم بالله) لأنه كلما كان الرجل أقوى في دينه كان أقوى في معرفة ربه، وذلك يدل ظاهرًا على قبول الإيمان الزيادة والنقصان، وللأصيلي في غير الفرع وأصله أعرفكم بدل أعلمكم، والفرق بينهما أن المعرفة هي إدراك الجزئي، والعلم إدراك الكلي، (و) باب بيان (أن المعرفة) بفتح الهمزة (فعل القلب) فالإيمان بالقول وحده لا يتم إلا بانضمام الاعتقاد إليه خلافًا للكرامية، والاعتقاد فعل القلب (لقول الله تعالى) ولأبوي

الوقت وذر لقوله عز وجل: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُم} [البقرة: 225] أي عزمت عليه، ومفهومه المؤاخذة بما يستقر من فعل القلب وهو ما عليه المعظم. فإن قلت: يعارضه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل) أجيب بأنه محمول على ما إذا لم يستقر لأنه يمكن الانفكاك عنه بخلاف ما يستقر. 20 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَمَرَهُمْ أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ. فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ يَقُولُ «إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا». وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا محمد بن سلام) هو بالتخفيف والتشديد كما في فرع اليونينية كهي عن الأصيلي، وصحح الحافظ ابن حجر التخفيف، قال العيني: وبه قطع الجمهور كالخطيب وابن ماكولا، وقول صاحب المطالع إن التشديد عليه الأكثر حمله النووي على أكثر المشايخ فقال: وإنما الذي عليه أكثر العلماء التخفيف قال: وقد روى عنه ذلك نفسه وهو أخبر بأبيه وهو يشير إلى ما رواه سهل بن المتوكل عنه أنه قال: أنا محمد بن سلام بالتخفيف، وقد صنف المنذري جزءًا في ترجيح التشديد، ولكن المعتمد خلافه، حتى قال بعض الحفاظ فيما نقله العيني إن التشديد لحن انتهى. واسم أبيه الفرج السلميّ البخاري زاد في رواية كريمة مما ليس في الفرع وأصله البيكندي بموحدة مكسورة ثم مثناة تحتية ساكنة ثم كاف مفتوحة ثم نون ساكنة نسبة إلى بيكند بلدة على مرحلة من بخارى. وتوفي محمد بن سلام هذا سنة خمس وعشرين ومائتين وهو مما انفرد به البخاري عن الكتب الستة، (قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (عبدة) بسكون الموحدة، قيل هو لقبه واسمه عبد الرحمن بن سليمان بن حاجب الكلابي الكوفي المتوفى بها في جمادى أو رجب سنة سبع أو ثمان وثمانين ومائة، (عن هشام) هو ابن عروة. (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام، (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها أنها (قالت): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أمرهم) أي أمر الناس بعمل، (أمرهم من الأعمال بما) وفي رواية أبي الوقت ما (يطيقون) أي يطيقون الدوام عليه، فخير العمل ما دام عليه صاحبه وإن قلّ، ولا يخفى أن الكثرة تؤدي إلى القطع، والقاطع في صورة ناقض العهد، فأمرهم الثانية جواب أوّل للشرط والثاني قوله (قالوا إنّا لسنا كهيئتك) بفتح الهاء، قال الكرماني والهيئة الحالة والصورة، وليس المراد نفي تشبيه ذواتهم بحالته عليه الصلاة والسلام، فلا بدّ من تأويل في أحد الطرفين، فقيل المراد من هيئتك كمثلك أي كذاتك أو كنفسك، وزيد لفظ الهيئة للتأكيد نحو مثلك لا يبخل أو من لسنا أي ليس حالنا كحالك، فحذف الحال وأقيم المضاف إليه مقامه فاتصل الفعل بالضمير فقيل لسنا كهيئتك (يا رسول الله إن الله) تعالى (قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) أي منه، والمعنى والله أعلم أي حال بينك وبين الذنوب، فلا تأتيها لأن الغفر الستر، وهو إما بين العبد والذنب وإما بين الذنب وعقوبته، فاللائق بالأنبياء الأوّل وبأممهم الثاني، قاله البرماوي. وقال غيره: المراد منه ترك الأولى والأفضل بالعدول إلى الفاضل وترك الأفضل كأنه ذنب لجلالة قدر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. (فيغضب حتى يعرف) بلفظ المضارع والمراد منه الحال، وفي بعض النسخ فغضب حتى عرف (الغضب) بالرفع (في وجهه) الشريف (ثم يقول) بالرفع عطفًا على يغضب: (إن أتقاكم وأعلمكم بالله) عز وجل (أنا). أتقاكم اسم إن وتاليه عطف عليه والأخير خبرها، كأنهم قالوا أنت مغفور لك لا تحتاج إلى عمل. ومع ذلك تواظب على الأعمال فكيف بنا مع كثرة ذنوبنا، فرد عليهم بقوله أنا أولى بالعمل لأني أتقاكم وأعلمكم، وأشار بالأوّل إلى كماله عليه الصلاة والسلام بالقوّة العملية وبالثاني إلى القوّة العلمية. وقال في المصابيح: فإن قلت: السياق يقتضي تفضيله على المخاطبين فيما ذكر وليس هو منهم قطعًا، وقد فقد شرط استعمال أفعل التفضيل مضافًا، وأجاب: بأنه إنما قصد التفضيل على كلٍّ من سواه مطلقًا لا على المضاف إليه وحده، والإضافة لمجرد التوضيح، فما ذكر من الشرط هنا لاغٍ إذ يجوز في هذا المعنى أن تضيفه إلى جماعة هو أحدهم نحو نبينا عليه الصلاة والسلام أفضل قريش، وأن تضيفه إلى جماعة من جنسه، ليس داخلاً فيهم، نحو يوسف أحسن

14 - باب من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار من الإيمان

إخوته، وأن تضيفه إلى غير جماعة نحو فلان أعلم بغداد أي أعلم ممن سواه وهو مختص ببغداد لأنها مسكنه أو منشئه اهـ. وهذا الحديث كما قاله الحافظ ابن حجر من أفراد المصنف وهو من غرائب الصحيح لا أعرفه إلا من هذا الوجه، فهو مشهور عن هشام فرد مطلق من حديثه عن أبيه عن عائشة ورواته كلهم أجلاء ما بين بخاري وكوفي ومدني. ولما فرغ المصنف من هذا الحديث المتضمن لسؤال الصحابة الرسول عليه الصلاة والسلام الإذن لهم في الازدياد من العبادات استلذاذًا لوجدانهم حلاوة الطاعة، شرع يذكر حديث ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان فقال: 14 - باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ مِنَ الإِيمَانِ (باب) ذكر كراهة (من كره أن يعود) أي العود (في الكفر كما يكره أن يلقى) أي ككراهة الإلقاء (في النار من الإيمان) أي من شعبه، ولفظ باب ساقط عند الأصيلي، ويجوز تنوين باب وإضافته إلى تاليه، وعلى كل تقدير فمن مبتدأ ومن الإيمان خبره وأن في الموضعين مصدرية وكذا ما ومن موصولة، وكره أن يعود صلتها، وسقط لأبي الوقت من الإيمان. 21 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ». وبالسند إلى البخاري قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) بفتح المهملة وسكون الراء آخره موحدة ابن بجيل بفتح الموحدة وكسر الجيم وسكون المثناة التحتية آخره لام الأزدي الواشحي بكسر الشين المعجمة والحاء المهملة نسبة إلى بطن من الأزد، البصري قاضي مكة المتوفى بالبصرة سنة أربع وعشرين ومائتين، (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) وللأصيلي زيادة ابن مالك كما في فرع اليونينية كهي (رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): خصال. (ثلاث) أو ثالث خصال، فعلى الأول ثلاث صفة لمحذوف، وعلى الثاني مبتدأ، وسوّغ الابتدائية إضافته إلى الخصال والجملة اللاحقة خبره، وهي (من كن فيه وجد) أي أصاب (حلاوة الإيمان) باستلذاذه الطاعات فيحتمل في أمر الدين المشقات ويؤثر ذلك على أعراض الدنيا الفانية، وهل هذه الحلاوة محسوسة أو معنوية، قال بكل قوم: ويشهد للأوّل قول بلال: أحد أحد، حين عذب في الله إكراهًا على الكفر، فمزج مرارة العذاب بحلاوة الإيمان، وعند موته أهله يقولون واكرباه وهو يقول واطرباه غدًا ألقى الأحبة محمدًا وصحبه، فمزج مرارة الموت بحلاوة اللقاء وهي حلاوة الإيمان، فالقلب السليم من أمراض الغفلة والهوى يذوق طعم الإيمان ويتنعم به كما يذوق الفم طعم العسل وغيره من ملذوذات الأطعمة ويتنعم بها، ولا يذوق ذلك ويتنعم به إلا (من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) من نفس وولد ووالد وأهل ومال وكل شيء، ومن ثم قال مما ولم يقل ممن ليعمّ من يعقل ومن لم يعقل. (و) كذلك يجد هذه الحلاوة (من أحب عبدًا) وفي الرواية السابقة في باب حلاوة الإيمان أن يحب المرء (لاّ يحبه إلا لله) زاد في رواية أبي ذر عز وجل كما في فرع اليونينية، (و) كذا (من يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله) أي خلصه الله ونجاه، زاد في رواية ابن عساكر منه (كما يكره أن يلقى في النار)، وفي الرواية السابقة، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار. ومن علامات هذه المحبة نصر دين الإسلام بالقول والفعل والذبّ عن الشريعة المقدسة والتخلّق بأخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام في الجود والإيثار والحلم والصبر والتواضع وغير ذلك مما ذكرته في أخلاقه العظيمة في كتاب المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، فمن جاهد نفسه على ذلك وجد حلاوة الإيمان، ومن وجدها استلذ الطاعات وتحمل في الدين المشقات، بل ربما يلتذ بكثير من المؤلمات، ولذلك تقرير طويل، فلينظر في كتاب المواهب، والله يهب لمن يشاء ما يشاء. وأنت إذا تأملت الاختلاف بين رواة حديث هذا الباب والسابق ظهر لك بما نبّهت عليه هنا مع النظر في الإسنادين والمتن أنه لا تكرير في سياقه له هنا لا سيما والحديث مشتمل على ثلاثة أشياء: حلاوة الإيمان المبوّب لها فيما سبق، والمحبة لله، وكراهة الكفر كما يكره أن يلقى في النار. وعليه بوّب. فلفه در المؤلف من: إمام. ولما فرغ رحمه الله تعالى من هذا الحديث المتضمن للخصال الثلاث

15 - باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال

والناس يتفاوتون فيها وبه يحصل التفاضل في العمل، شرع يذكر تفاضل الأعمال فقال: 15 - باب تَفَاضُلِ أَهْلِ الإِيمَانِ فِي الأَعْمَالِ 22 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدِ اسْوَدُّوا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَا -أَوِ الْحَيَاةِ، شَكَّ مَالِكٌ- فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً»؟ قَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو «الْحَيَاةِ». وَقَالَ «خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ». [الحديث 22 - أطرافه في: 4581، 4919، 6560، 6574، 7438، 7439]. (باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال) أي التفاضل الحاصل بسبب الأعمال، ولفظ باب ساقط عند الأصيلي. وبالسند أوّل هذا المجموع إلى المؤلف قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس بن عبد الله الأصبحي المدني ابن أُخت إمام دار الهجرة مالك، وتكلم فيه كأبيه لكن أثنى عليه ابن معين وأحمد، وقد وافقه على رواية هذا الحديث عبد الله بن وهب ومعن بن عيسى عن مالك، وليس هو في الموطأ. قال الدارقطني: هو غريب صحيح، وأخرجه المؤلف أيضًا عن غيره فانجبر اللين الذي فيه، وتوفي إسماعيل هذا في رجب سنة سبع أو ست وعشرين ومائتين. (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة بفتح عين عمرو (المازني) المدني المتوفى سنة أربعين ومائة، (عن أبيه) يحيى (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) بالدال المهملة (رضي الله عنه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يدخل أهل الجنة الجنة) أي فيها، وعبر بالمضارع العاري عن سين الاستقبال المتمحض للحال لتحقق وقوع الإدخال، (و) يدخل (أهل النار النار، ثم) بعد دخولهم فيها (يقول الله تعالى) وفي رواية عز وجل للملائكة (أخرجوا) بهمزة قطع مفتوحة أمر من الإخراج زاد في رواية الأصيلي من النار (من) أي الذي (كان في قلبه) زيادة على أصل التوحيد (مثقال حبة) ويشهد لهذا قوله أخرجوا من النار من قال لا إله إلاّ الله وعمل من الخير ما يزن كذا أي مقدار حبة حاصلة (من خردل) حاصل (من إيمان) بالتنكير ليفيد التقليل، والقلة هنا باعتبار انتفاء الزيادة على ما يكفي، لا لأن الإيمان ببعض ما يجب الإيمان به كافٍ لأنه علم من عرف الشرع أن المراد من الإيمان الحقيقة المعهودة، وفي رواية الأصيلي والحموي والمستملي من الإيمان بالتعريف. ثم إن المراد بقوله حبة من خردل التمثيل، فيكون عيارًا في المعرفة لا في الوزن حقيقة، لأن الإيمان ليس بجسم، فيحصره الوزن والكيل، لكن ما يشكل من المعقول قد يردّ إلى عيار محسوس، ليفهم ويشبه به ليعلم، والتحقيق فيه أن يجعل عمل العبد وهو عرض في جسم على مقدار العمل عنده تعالى، ثم يوزن كما صرّح به في قوله: وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، أو تمثل الأعمال بجواهر فتجعل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة، وفي كفة السيئات جواهر سود مظلمة، أو الموزون الخواتيم. وقد استنبط الغزالي من قوله أخرجوا من النار من كان في قلبه الخ. نجاة من أيقن بالإيمان، وحال بينه وبين النطق به الموت، فقال: وأما من قدر على النطق ولم يفعل حتى مات مع إيقانه بالإيمان بقلبه، فيحتمل أن يكون امتناعه منه بمنزلة امتناعه عن الصلاة، فلا يخلد في النار. ويحتمل خلافه، ورجح غيره الثاني، فيحتاج إلى تأويل قوله في قلبه، فيقدّر فيه محذوف تقديره منضمًّا إلى النطق به مع القدرة عليه، ومنشأ الاحتمالين الخلاف في أن النطق بالإيمان شطر فلا يتم الإيمان إلا به، وهو مذهب جماعة من العلماء، واختاره الإمام شمس الذين وفخر الإسلام، أو شرط لإجراء الأحكام الدنيوية فقط، وهو مذهب جمهور المحققين، وهو اختيار الشيخ أبي منصور، والنصوص معاضدة لذلك قاله المحقق التفتازاني. (فيخرجون منها) أي من النار حال كونهم (قد اسودوا) أي صاروا سودًا كالحمم من تأثير النار، (فيلقون) بضم المثناة التحتية مبنيًّا للمفعول (في نهر الحيا) بالقصر لكريمة وغيرها أي المطر (أو الحياة) بالمثناة الفوقية آخره، وهو النهر الذي من غمس فيه حيي، (شك مالك) وفي رواية ابن عساكر يشك بالمثناة التحتية أوّله أي في أيهما الرواية، ورواية الأصيلي من غير الفرع الحياء بالمد ولا وجه له، والمعنى على الأولى لأن المراد كل ما تحصل به الحياة، وبالمطر تحصل حياة الزرع بخلاف الثالث، فإن معناه الخجل، ولا يخفى بعده عن المعنى المراد هنا، وجملة شك اعتراض بين قوله فيلقون في نهر الحياة السابق، وبين لاحقه وهو قوله (فينبتون) ثانيًا (كما تنبت الحبة) بكسر المهملة وتشديد الموحدة، أي كنبات برز العشب، فأل للجنس أو للعهد، والمراد

البقرة الحمقاة لأنها تنبت سريعًا. (في جانب السيل، ألم تر) لكل من يتأتى منه الرؤية (أنها تخرج) حال كونها (صفراء) تسرّ الناظر، وحال كونها (ملتوية)، أي منعطفة منثنية، وهذا مما يزيد الرياحين حسنًا باهتزازه وتمايله، فالتشبيه من حيث الإسراع والحسن، والمعنى من كان في قلبه مثقال حبة من الإيمان يخرج من ذلك الماء نضرًا متبخترًا كخروج هذه الريحانة من جانب السيل صفراء متمايلة، وحينئذ فيتعين كون أل في الحبة للجنس فافهم، وسيأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في صفة الجنة والنار، حيث أخرج المؤلف هذا الحديث. وقد أخرجه مسلم أيضًا في الإيمان، وهو من عوالي المؤلف على مسلم بدرجة، وأخرجه النسائي أيضًا، وليس هو في الموطأ. وهو هنا قطعة من الحديث الآتي إن شاء الله تعالى بعون الله مع مباحثه. وبه قال (قال وهيب) بضم أوّله وفتح ثانيه مصغرًا آخره موحدة، ابن خالد بن عجلان الباهلي البصري، (حدّثنا عمرو) بفتح العين ابن يحيى المازني السابق قريبًا (الحياة) بالجر على الحكاية، وهو موافق لمالك في روايته لهذا الحديث عن عمرو بن يحيى بسنده، ولم يشك كما شك مالك أيضًا. (وقال) وهيب أيضًا في روايته مثقال حبة من (خردل من خير) بدل من إيمان، فخالف مالكًا في هذه اللفظة. وهذا التعليق أخرجه المصنف مسندًا في الرقاق عن موسى بن إسماعيل عن وهيب عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد به، وسياقه أتم من سياق مالك لكنه قال من خردل من إيمان كرواية مالك، وفي هذا الحديث الرد على المرجئة لما تضمنه من بيان ضرر المعاصي مع الإيمان، وعلى المعتزلة القائلين بأن المعاصي موجبة للخلود في النار. 23 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ». قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الدِّينَ». [الحديث 23 - أطرافه في: 3691، 7008، 7009]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبيد الله) بالتصغير ابن محمد بن زيد القرشي الأموي المدني مولى عثمان بن عفان، (قال حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحرث بن زهرة التابعي الجليل المدني المتوفى ببغداد سنة ثلاث وثمانين ومائة، (عن صالح) أبي محمد بن كيسان الغفاري المدني التابعي المتوفى بعد أن بلغ من العمر مائة وستين سنة وابتدأ بالتعلم وهو ابن تسعين، (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي أمامة) بضم الهمزة أسعد المختلف في صحبته، ولم يصح له سماع المذكور في الصحابة لشرف الرؤية، (ابن سهل)، وللأصيلي وأبي الوقت زيادة ابن حنيف بضم المهملة المتوفى سنة مائة، (أنه سمع أبا سعيد) سعد بن مالك (الخدري) رضي الله عنه حال كونه (يقول قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بينا) بغير ميم (أنا نائم رأيت الناس)، من الرؤيا الحلمية على الأظهر أو من الرؤية البصرية فتطلب مفعولاً واحدًا وهو الناس، وحينئذ فيكون قوله (يعرضون عليّ) جملة حالية أو علمية من الرأي، وحينئذ فتطلب مفعولين وهما الناس يعرضون عليّ أي يظهرون ليس (وعليهم قمص) بضم الأوّلين جمع قميص والواو للحال (منها) أي من القمص، (ما) أي الذي (يبلغ الثدي) بضم المثلثة وكسر المهملة وتشديد المثناة التحتية جمع ثدي يذكر ويؤنث للمرأة والرجل، والحديث يردّ على من خصّه بها وهو هنا نصب مفعول يبلغ والجار والمجرور خبر المبتدأ الذي هو الموصول، وفي رواية أبي ذر الثدي بفتح المثلثة وإسكان الدال (ومنها) أي من القمص، (ما دون ذلك). أي لم يصل للثدي لقصره. (وعرض علي) بضم العين وكسر الراء مبنيًّا للمفعول (عمر بن الخطاب) بالرفع نائب عن الفاعل رضي الله عنه (وعليه قميص يجره) لطوله، (قالوا) أي الصحابة ولابن عساكر في نسخة قال أي عمر بن الخطاب أو غيره أو السائل أبو بكر الصديق كما يأتي إن شاء الله تعالى في التعبير، (فما أوّلت) فما عبرت (ذلك يا رسول الله، قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوّلت (الدين) بالنصب معمول أوّلت، ولا يلزم منه أفضلية الفاروق على الصديق، إذ القسمة غير حاصرة، إذ يجوز رابع، وعلى تقدير الحصر فلم يخص الفاروق بالثالث ولم يقصره عليه، ولئن سلمنا التخصيص به فهو معارض بالأحاديث الكثيرة البالغة درجة التواتر المعنوي الدالة على أفضلية الصديق فلا تعارضها الآحاد، ولئن

16 - باب الحياء من الإيمان

سلمنا التساوي بين الدليلين، لكن إجماع أهل السُّنة والجماعة على أفضليته، وهو قطعي فلا يعارضه ظني. وفي هذا الحديث، التشبيه البليغ وهو تشبيه الدين بالقميص لأنه يستر عورة الإنسان، وكذلك الدين يستره من النار. وفيه الدلالة على التفاضل في الإيمان كما هو مفهوم تأويل القميص، وبالدين مع ما ذكره من أن اللابسين يتفاضلون في لبسه، ورجاله كلهم مدنيون كالسابق، ورواية ثلاثة من التابعين أو تابعيين وصحابيين. وأخرجه المصنف أيضًا في التعبير وفي فضل عمر، ورواه مسلم في الفضائل والترمذي والنسائي. ولما فرغ المؤلف من بيان تفاضل أهل الإيمان في الأعمال شرع يذكر ما ينقص به الإيمان فقال: 16 - باب الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ هذا (باب) بالتنوين (الحياء) بالمد والرفع مبتدأ خبره (من الإيمان). وحديثه سبق، وفائدة سياقه هنا أنه ذكر الحياء هنا بالتبعية وهنا بالقصد مع فائدة مغايرة الطريق. 24 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ -وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ». [الحديث 24 - طرفه في: 6118]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي السابق (قال: أخبرنا) وفي رواية الأصيلي حدّثنا (مالك)، ولكريمة وأبي الوقت مالك بن أنس أي إمام دار الهجرة رحمه الله (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري، (عن سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي التابعي الجليل أحد الفقهاء السبعة بالمدينة في أحد الأقوال، المتوفى سنة ست أو خمس أو ثمان ومائة، (عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرَّ) أي اجتاز (على رجل من الأنصار وهو) أي حال كونه (يعظ أخاه) من الدين أو النسب، قال في المقدمة ولم يسميا جميعًا (في) شأن (الحياء) بالمد وهو تغيير وانكسار عند خوف ما يعاب أو يذم. قال الراغب: وهو من خصائص الإنسان ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهي، فلا يكون كالبهيمة. والوعظ النصح والتخويف والتذكير. وقال الحافظ ابن حجر: والأولى أن يشرح بما عند المؤلف في الأدب المفرد بلفظ يعاتب أخاه في الحياء، يقول إنك تستحي حتى كأنه قد أضرّ بك. قال: ويحتمل أن يكون جمع له العتاب والوعظ، فذكر بعد الرواة ما لم يذكره الآخر، لكن المخرج متّحد، فالظاهر أنه من تصرف الراوي بحسب ما اعتقد أن كل لفظ يقوم مقام الآخر انتهى. وتعقبه العيني بأنه بعيد من حيث اللغة، فإن معنى الوعظ الزجر ومعنى العتب الوجد، يقال: عتب عليه إذا وجد. على أن الروايتين تدلان على معنيين جليين ليس في واحد منهما خفاء حتى يفسر أحدهما بالآخر، وغايته أنه وعظ أخاه في استعمال الحياء وعاتبه عليه والراوي حكى في إحدى روايتيه بلفظ الوعظ وفي الأخرى بلفظ المعاتبة. وقال التيمي معناه الزجر يعني يزجره ويقول له: لا تستحي، وذلك أنه كان كثير الحياء، وكان ذلك يمنعه من استيفاء حقوقه فوعظه أخوه على ذلك. (فقال) له (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دعه) أي اتركه على حيائه، (فإن الحياء من الإيمان) لأنه يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي كما يمنع الإيمان، فسمي إيمانًا كما يسمى الشيء باسم ما قام مقامه، قاله ابن قتيبة. ومن تبعيضية كقوله في الحديث السابق الحياء شعبة من الإيمان، لا يقال إذا كان الحياء بعض الإيمان فينتفي الإيمان بانتفائه، لأن الحياء من مكملات الإيمان، ونفي الكمال لا يستلزم نفي الحقيقة، والظاهر أن الواعظ كان شاكًّا بل كان منكرًا ولذا وقع التأكيد بأن، ّ ويجوز أن يكون من جهة أن القصة في نفسها مما يجب أن يهتم به ويؤكد عليه، وأن لم يكن ثمة إنكار أو شك. ورجال هذا الحديث كلهم مدنيون إلا عبد الله. وأخرجه البخاري أيضًا في البرّ والصلة ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 17 - باب (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) هذا (باب) بالتنوين والإضافة كما في فرع اليونينية. قال الحافظ ابن حجر والتقدير باب في تفسير قوله وباب تفسير قوله، وعورض بأن المصنف لم يضع الباب لتفسير الآية بل غرضه بيان أمر الإيمان وبيان أن الأعمال من الإيمان مستدلاً على ذلك بالآية والحديث، فباب بمفرده لا يستحق إعرابًا لأنه كتعديد الأسماء من غير تركيب، والإعراب لا يكون إلا بعد العقد والتركيب. (فإن تابوا) أي المشركون عن شركهم بالإيمان، (وأقاموا) أي

أدّوا (الصلاة) في أوقاتها (وآتوا الزكاة) أعطوها تصديقًا لتوبتهم وإيمانهم، (فخلوا) أي أطلقوا (سبيلهم). جواب الشرط في قوله فإن تابوا وفيه كما قال القاضي البيضاوي دليل على أن تارك الصلاة ومانع الزكاة لا يخلى سبيله، ومراد المؤلف بهذا الردّ على المرجئة في قولهم: إن الإيمان غير محتاج إلى الأعمال مع التنبيه على أن الأعمال من الإيمان. 25 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَوْحٍ الْحَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ». وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) أي ابن عبد الله، ولابن عساكر المسندي بضم الميم وفتح النون، وسبق (قال: حدّثنا أبو روح) بفتح الراء وسكون الواو واسمه (الحرمي) بفتح الحاء والراء المهملتين وكسر الميم وتشديد المثناة التحتية بلفظ النسبة تثبت فيه أل وتحذف، وليس نسبة إلى الحرم كما توهم (ابن عمارة) بضم العين المهملة وتخفيف الميم ابن أبي حفصة نابت بالنون العتكي البصري المتوفى سنة إحدى وثمانين، (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن واقد بن محمد) بالقاف، زاد الأصيلي يعني ابن زيد بن عبد الله بن عمر كما في فرع اليونينية، (قال: سمعت أبي) محمد بن زيد بن عبد الله (يحدث عن ابن عمر) بن الخطاب عبد الله رضي الله عنهما فواقد هنا روى عن أبيه عن جد أبيه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (أمرت) بضم الهمزة لما لم يسمّ فاعله (أن) أي أمرني الله بأن (أقاتل الناس) أي بمقاتلة الناس وهو من العام الذي أريد به الخاص، فالمراد بالناس المشركون من غير أهل الكتاب، ويدل له رواية النسائي بلفظ: أمرت أن أقاتل المشركين أو المراد مقاتلة أهل الكتاب. (حتى) أي إلى أن (يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، و) حتى (يقيموا الصلاة) المفروضة بالمداومة على الإتيان بها بشروطها، (و) حتى (يؤتوا الزكاة) المفروضة أي يعطوها لمستحقيها. والتصديق برسالته عليه الصلاة والسلام يتضمن التصديق بكل ما جاء به، وفي حديث أبي هريرة في الجهاد الاقتصار على قوله لا إله إلا الله: فقال الطبري: إنه عليه الصلاة والسلام قاله في وقت قتاله للمشركين أهل الأوثان الذين لا يقرون بالتوحيد، وأما حديث الباب ففي أما الكتاب المقرّين بالتوحيد الجاحدين لنبوّته عمومًا وخصوصًا. وأما حدث أنس في أبواب أهل القبلة: وصلوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وذبحوا ذبيحتنا فيمن دخل الإسلام ولم يعمل الصالحات كترك الجمعة والجماعة فيقاتل حتى يذعن لذلك، (فإذا فعلوا ذلك) أو أعطوا الجزية، وأطلق على القول فعلاً لأنه فعل اللسان أو هو من باب تغليب الاثنين على الواحد، (عصموا) أي حفظوا ومنعوا (مني دماءهم وأموالهم)، فلا تهدر دماؤهم ولا تستباح أموالهم بعد عصمتهم بالإسلام بسبب من الأسباب، (إلاّ بحق الإسلام) من قتل نفس أو حدّ أو غرامة بمتلف أو ترك صلاة، (وحسابهم) بعد ذلك (على الله) في أمر سرائرهم، وأما نحن فإنما نحكم بالظاهر فنعاملهم بمقتضى ظواهر أقوالهم وأفعالهم، أو المعنى هذا القتال وهذه العصمة إنما هما باعتبار أحكام الدنيا المتعلقة بنا، وأما أمور الآخرة من الجنة والنار والثواب والعقاب فمفوّض إلى الله تعالى، ولفظة على مشعرة بالإيجاب، فظاهره غير مراد، فإما أن يكون المراد وحسابهم إلى الله أو لله، وأنه يجب أن يقع لا أنه تعالى يجب عليه شيء خلافًا للمعتزلة القائلين بوجوب الحساب عقلاً، فمن من باب التشبيه له بالواجب على العباد في أنه لا بدّ من وقوعه، واقتصر على الصلاة والزكاة لكونهما أُمًّا للعبادات البدنية والمالية، ومن ثم كانت الصلاة عماد الدين والزكاة قنطرة الإسلام. ويؤخذ من هذا الحديث قبول الأعمال الظاهرة والحكم مما يقتضيه الظاهر، والاكتفاء في قبول الإيمان بالاعتقاد الجازم خلافًا لمن أوجب تعلم الأدلة وترك تكفير أهل البدع المقرين بالتوحيد الملتزمين للشرائع، وقبول توبة الكافر من غير تفصيل بين كفر ظاهر أو باطن. وفيه رواية الأبناء عن الآباء، وفيه التحديث والعنعنة والسماع، وفيه الغرابة مع اتفاق الشيخين على تصحيحه، لأنه تفرّد بروايته شعبة عن واقد قاله ابن حبان، وهو عن شعبة عزيز تفرد بروايته عنه حرمي المذكور وعبد الملك بن الصباح، وهو عزيز عن حرمي تفرد به عنه

18 - باب من قال إن الإيمان هو العمل، لقول الله تعالى {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون}. وقال عدة من أهل العلم في قوله تعالى {فوربك لنسألنهم أجمعين (92) عما كانوا يعملون} عن قول لا إله إلا الله. وقال {لمثل هذا فليعمل العاملون}

المسندي وإبراهيم بن محمد بن عرعرة، ومن جهة إبراهيم أخرجه أبو عوانة وابن حبان والإسماعيلي وغيرهم، وهو غريب عن عبد الملك تفرّد به عنه أبو غسان مالك بن عبد الواحد شيخ مسلم، وليس هو في مسند أحمد على سعته، قاله الحافظ ابن حجر: وأخرجه البخاري أيضًا في الصلاة كما سيأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته. ولما فرغ المؤلف من التنبيه على أن الأعمال من الإيمان ردًّا على المرجئة شرع يذكر أن الإيمان هو العمل ردًّا على المرجئة حيث قالوا إن الإيمان قول بلا عمل فقال: 18 - باب مَنْ قَالَ إِنَّ الإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}. وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} عَنْ قَوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. وَقَالَ {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} (باب) بغير تنوين لإضافته إلى قوله: (من قال إن الإيمان هو العمل لقول الله تعالى) ولأبوي ذر والوقت عز وجل (وتلك) مبتدأ خبره (الجنة التي أورثتموها) أي صيرت لكم إرثًا فأطلق الإرث مجازًا عن الإعطاء لتحقق الاستحقاق أو المورث الكافر وكان له نصيب منه، ولكن كفره منعه فانتقل منه إلى المؤمن. وقال البيضاوي: شبّه جزاء العمل بالميراث لأنه يخلفه عليه العامل، والإشارة إلى الجنة المذكورة في قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُون} [الزخرف: 70]. والجملة صفة للجنة، أو الجنة صفة للمبتدأ الذي هو تلك، والتي أورثتموها صفة أخرى والخبر {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون} [الزخرف: 72]. أي تؤمنون. وما مصدرية أي بعملكم أو موصولة أي بالذي كنتم تعملونه، والباء للملابسة أي أورثتموها ملابسة لأعمالكم أي لثواب أعمالكم أو للمقابلة، وهي التي تدخل على الأعواض كاشتريت بألف، ولا تنافي بين ما في الآية وحديث لن يدخل أحد الجنة بعمله لأن المثبت في الآية الدخول بالعمل المقبول، والمنفي في الحديث دخولها بالعمل المجرد عنه والمقبول إنما هو من رحمة الله تعالى، فآلى ذلك إلى أنه لم يقع الدخول إلا برحمته، ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في محله بعون الله وقوته وقد أشبعت الكلام عليه في الواهب فليراجع. (قال عدّة) بكسر العين وتشديد الدال أي عدد (من أهل العلم) كأنس بن مالك فيما رواه الترمذي مرفوعًا بإسناد فيه ضعف، وابن عمر فيما رواه الطبري في تفسيره، والطبراني في الدعاء له، ومجاهد فيما رواه عبد الرزاق في تفسيره (في قوله تعالى) وفي رواية الأصيلي وأبي الوقت عز وجل (فوربك) يا محمد (لنسألنهم) أي المقتسمين جواب القسم مؤكدًا باللام (أجمعين) تأكيد للضمير في لنسألنهم مع الشمول في افراد المخصوصين (عما كانوا يعملون عن لا إله إلاّ الله) وفي رواية عن قول لا إله إلا الله وسقط لأبوي ذر والوقت والأصيلي لفظ قول، ولفظ رواية ابن عساكر قال: عن لا إله إلا الله، لكن قال النووي: المعنى لنسألنهم عن أعمالهم كلها التي يتعلق بها التكليف، فقول من خص بلفظ التوحيد دعوى تخصيص بل دليل فلا تقبل انتهى. ومراده كما قاله صاحب عمدة القاري: أن دعوى التخصيص بلا دليل خارجي لا تقبل، لأن الكلام عامّ في السؤال عن التوحيد وغيره، فدعوى التخصيص بالتوحيد يحتاج إلى دليل خارجي، فإن استدل بحديث الترمذي فقد ضعف من جهة ليث، وليس التعميم في قوله أجمعين حتى يدخل فيه المسلم والكافر لكونه مخاطبًا بالتوحيد قطعًا وبباقي الأعمال على الخلاف، فالمانع من الثاني يقول: إنما يسألون عن التوحيد فقط للاتفاق عليه، وإنما التعميم هنا في قوله {عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون} [الحجر: 93]. فتخصيص ذلك بالتوحيد تحكم، ولا تنافي بين هذه الآية وبين قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 39]. لأن في القيامة مواقف مختلفه وأزمنة متطاولة، ففي موقف أو زمان يسألون، وفي آخر لا يسألون أو لا يسألون سؤال استخبار بل سؤال توبيخ لمستحقه. (وقال) الله تعالى وسقط لغير الأربعة لفظ وقال (لمثل هذا) أي لنيل مثل هذا الفوز العظيم {فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُون} [الصافات: 61]. أي فليؤمن المؤمنون لا للحظوظ الدنيوية المشوبة بالآلام السريعة الانصرام، وهذا يدل على أن الإيمان هو العمل كما ذهب إليه المصنف، لكن اللفظ عامّ ودعوى التخصيص بلا رهان لا تقبل. نعم إطلاق العمل على الإيمان صحيح من حيث أن الإيمان هو عمل القلب: لكن لا يلزم من ذلك أن يكون العمل من نفس الإيمان، وغرض البخاري من هذا الباب وغيره إثبات أن العمل

19 - باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل. لقوله تعالى {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا}. فإذا كان على الحقيقة فهو على قوله جل ذكره: {إن الدين عند الله الإسلام}

من أجزاء الإيمان ردًّا على من يقول: إن العمل لا دخل له في ماهية الإيمان، فحينئذ لا يتم مقصوده على ما لا يخفى وإن كان مراده جواز إطلاق العمل على الإيمان فلا نزاع فيه لأن الإيمان عمل القلب وهو التصديق، وقد سبق البحث في ذلك. 26 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالاَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». [الحديث 26 - طرفه في: 1519]. وبالسند السابق أول هذا التعليق إلى المؤلف قال رحمه الله تعالى: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبة إلى جده لشهرته به وإنما اسم أبيه عبد الله اليربوعي التميمي الكوفي المتوفى في ربيع الآخر سنة سبع وعشرين ومائتين (و) كذا حدّثنا (موسى بن إسماعيل) المنقري بكسر الميم السابق (قالا) بالتثنية (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف السابق (قال حدثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب) بضم الميم وكسر المثناة التحتية والفتح فيها أشهر وكان يكرهه ابن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي إمام التابعين في الشرع وفقيه الفقهاء المتوفى سنة ثلاث أو أربع أو خمس وتسعين وهو زوج بنت أَبي هريرة وأبوه وجده صحابيان (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه. (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سئل) بالبناء للمفعول في محل رفع خبر أن وأبهم السائل وهو أبو ذر وحديثه في العتق (أي العمل أفضل)، أي أكثر ثوابًا عند الله تعالى وهو مبتدأ وخبر (قال) ولغير الأربعة وكريمة قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو (إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا) أي أيّ شيء أفضل بعد الإيمان بالله ورسوله؟ (قال) عليه الصلاة والسلام هو (الجهاد في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله أفضل لبذله نفسه. (قيل: ثم ماذا) أفضل؟ (قال) عليه الصلاة واالسلام هو (حج مبرور) أي مقبول أي لا يخالطه إثم أو لا رياء فيه، وعلامة القبول أن يكون حاله بعد الرجوع خيرًا مما قبله، وقد وقع هنا الجهاد بعد الإيمان. وفي حديث أبي ذر لم يذكر الحج وذكر العتق، وفي حديث ابن مسعود بدأ بالصلاة ثم البر ثمّ الجهاد، وفي الحديث السابق ذكر السلامة من اليد واللسان وكلها في الصحيح. وقد أجيب بأن اختلاف الأجوبة في ذلك لاختلاف الأحوال والأشخاص، ومن ثم لم يذكر الصلاة والزكاة والصيام في حديث هذا الباب. وقد يقال: خير الأشياء كذا ولا يراد أنه خير من جميع الوجوه في جميع الأحوال والأشخاص، بل في حال دون حال، وإنما قدم الجهاد على الحج للاحتياج إليه أول الإسلام، وتعريف الجهاد باللام دون الإيمان والحج إما لأن المعرف بلام الجنس كالنكرة في المعنى على أنه وقع في مسند الحرث بن أبي أسامة ثم جهاد بالتنكير هذا من جهة النحو، وأما من جهة المعنى فلأن الإيمان والحج لا يتكرر وجوبهما فنوّنا للإفراد والجهاد قد يتكَرر فعرف والتعريف للكمال. وفي إسناد هذا الحديث أربعة كلهم مدنيون وفيه شيخان للمؤلف والتحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم في الإيمان، والنسائي والترمذي باختلاف بينهم في ألفاظه. 19 - باب إِذَا لَمْ يَكُنِ الإِسْلاَمُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَكَانَ عَلَى الاِسْتِسْلاَمِ أَوِ الْخَوْفِ مِنَ الْقَتْلِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}. فَإِذَا كَانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ} هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يكن) أي إن لم يكن (الإسلام على الحقيقة) الشرعية (وكان على الاستسلام) أي الانقياد الظاهر فقط والدخول في السلم (أو) كان على (الخوف من القتل) لا ينتفع به في الآخرة فإذا متضمنة معنى الشرط والجزاء محذوف وتقديره نحو ما قدرته (لقوله تعالى) ولأبي ذر والأصيلي عز وجل: (قالت الأعراب) أهل البدو ولا واحد له من لفظه ومقول قولهم (آمنا) نزلت في نفر من بني أسلم قدموا المدينة في سنة مجدبة وأظهروا الشهادتين، وكانوا يقولون لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان يريدون الصدقة ويمنون، فقال الله تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} إذ الإيمان تصديق مع ثقة وطمأنينة قلب {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14]. فإن الإسلام انقياد ودخول في السلم وإظهار للشهادة لا بالحقيقة، ومن ثم قال تعالى: (قل لم تؤمنوا) لأن كل ما يكون من الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب فهو إسلام، وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان، وكان نظم الكلام أن يقول لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا إذ لم تؤمنوا ولكن أسلمتم، فعدل عنه إلى هذا النظم ليفيد تكذيب دعواهم.

وفي هذه الآية كما قال الإمام أبو بكر بن الطيب حجة على الكرامية ومن وافقهم من المرجئة في قولهم: إن الإيمان إقرار باللسان فقط، ومثل هذه الآية في الدلالة لذلك قوله تعالى: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَان} [المجادلة: 22]. ولم يقل كتب في ألسنتهم، ومن أقوى ما يردّ به عليهم الإجماع على كفر المنافقين مع كونهم أظهروا الشهادتين. (فإذا كان) أي الإسلام (على الحقيقة) الشرعية وهو الذي يرادف الإيمان وينفع عند الله تعالى (فهو على قوله جل ذكره: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]. أي لا دين مرضي عنده تعالى سواه، وفتح الكسائي همزة أن على أنه بدل من أنه بدل الكل من الكل إن فسر الإسلام بالإيمان وبدل الاشتمال إن فسر بالشريعة، وقد استدل المؤلف بهذه الآية على أن الإسلام الحقيقي هو الدين، وعلى أن الإسلام والإيمان مترادفان وهو قول جماعة من المحدثين وجمهور المعتزلة والمتكلمين، واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِين} [الذاريات: 35، 36]. فاستثنى المسلمين من المؤمنين، والأصل في الاستثناء كون المستثنى من جنس المستثنى منه فيكون الإسلام هو الإيمان وردّ بقوله تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14]. فلو كان شيئًا واحدًا لزم إثبات شيء ونفيه في حالة واحدة وهو مُحال. وأجيب بأن الإسلام المعتبر في الشرع لا يوجد بدون الإيمان، وهو في الآية بمعنى انقياد الظاهر من غير انقياد الباطن كما تقدم قريبًا، ثم استدل المؤلف أيضًا على مذهبه بقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ} أي غير التوحيد والانقياد لحكم الله تعالى {دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]. جواب الشرط. ووجه الدلالة على ترادفهما أن الإيمان لو كان غير الإسلام لما كان مقبولاً، فتعين أن يكون عينه لأن الإيمان هو الدين والدين هو الإسلام لقوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) فينتج أن الإيمان هو الإسلام وسقط للكشميهني والحموي من قوله: ومن يبتغ إلخ. 27 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ، فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَىَّ. فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا. فَقَالَ «أَوْ مُسْلِمًا». فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ مُؤْمِنًا فَقَالَ: «أَوْ مُسْلِمًا». ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ «يَا سَعْدُ، إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ». وَرَوَاهُ يُونُسُ وَصَالِحٌ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ. [الحديث طرفه في: 1478]. وبسندي الذي قدّمته أول هذا التعليق إلى المؤلف قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي (قال أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة الأموي (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال أخبرني) بالإفراد (عامر بن سعد بن أبي وقاص) بتشديد القاف وسعد بسكون العين واسم أبي وقاص مالك القرشي المتوفى بالمدينة سنة ثلاث أو أربع ومائة (عن) أبيه (سعد) المذكور أحد العشرة المبشرة بالجنة المتوفى آخرهم بقصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة سنة سبع وخمسين، وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة ودفن بالبقيع، وله في البخاري عشرون حديثًا (رضي الله عنه). (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطى رهطاً) من المؤلفة شيئاً من الدنيا لما سألوه كما عند الإسماعيلي ليتألفهم لضعف إيمانهم، والرهط: العدد من الرجال لا امرأة فيهم من ثلاثة أو سبعة إلى عشرة أو مما دون العشرة ولا واحد له من لفظه، وجمعه أرهط وأراهط وأرهاط وأراهيط. (وسعد جالس) جملة اسمية وقعت حالاً ولم يقل أنا جالس كما هو الأْصل، بل جرّد من نفسه شخصًا وأخبر عنه ْبالجلوس أو هو من باب الالتفات من التكلم الذي هو مقتضى المقام إلى الغيبة كما هو قول صاحب المفتاح. قال سعد: (فترك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً) سأله أيضًا مع كونه أحب إليه ممن أعطى وهو جعيل بن سراقة الضمري المهاجري (هو أعجبهم إليّ) أي أفضلهم وأصلحهم في اعتقادي، والجملة نصب صفة لرجلاً، وكان السياق يقتضي أن يقول أعجبهم إليه لأنه قال وسعد جالس، بل قال إليَّ على طريق الالتفات من الغيبة إلى التكلم (فقلت يا رسول الله ما لك عن فلان) أي أيّ سبب لعدولك عنه إلى غيره؟ ولفظ فلان كناية عن اسم أبهم بعد أن ذكر (فوالله إني لأراه مؤمنًا) بفتح الهمزة أي أعلمه. وفي رواية أبي ذر وغيره هنا كالزيادة لأراه بضمها بمعنى أظنه وبه جزم القرطبي في المفهم، وعبارته الرواية بضم الهمزة وكذا رواه الإسماعيلي وغيره. ولم يجوزه النووي محتجًا بقوله الآتي، ثم غلبني ما أعلم منه لأنه راجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرارًا فلو لم يكن جازمًا باعتقاده لما كرر

المراجعة. وتعقب بأنه لا دلالة فيه على تعين الفتح لجواز إطلاق العلم على الظن الغالب نحو قوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10]. أي العلم الذي يمكنكم تحصيله وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الأمارات، وإنما سماه علمًا إيذانًا بأنه كالعلم في وجوب العمل به كما قاله البيضاوي. وأجيب بأن قسم سعد وتأكيد كلامه بإن واللام ومراجعته للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتكرار نسبة العلم إليه يدل على أنه كان جازمًا باعتقاده (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي رواية الأصيلي وابن عساكر قال: (أو مسلمًا) بسكون الواو فقط بمعنى الإضراب على قول سعد وليس الإضراب هنا بمعنى إنكار كون الرجل مؤمنًا بل معناه النهي عن القطع بإيمان من لم يختبر حاله الخبرة الباطنة لأن الباطن لا يطّلع عليه إلا الله فالأولى التعبير بالإسلام الظاهر بل في الحديث إشارة إلى إيمان المذكور وهي قوله لأعطي الرجل وغيره أحب إليّ منه قال سعد: (فسكت) سكوتًا (قليلاً ثم غلبني ما) أي الذي (أعلم منه فعدت) أي فرجعت (لمقالتي) مصدر ميمي بمعنى القول أي لقولي وثبت لأبي ذر وابن عساكر فعدت وسقط للأصيلي وأبي الوقت لفظ لمقالتي (فقلت) يا رسول الله (ما لك عن فلان فوالله إني لأراه) باللام وضم الهمزة وكذا رواه ابن عساكر ورواه أبو ذر أراه (مؤمنًا فقال) عليه الصلاة والسلام (أو مسلمًا فسكت) سكوتًا (قليلاً) وسقط للحموي قوله فسكت قليلاً (ثم غلبني ما) أي الذي (أعلم منه فعدت لمقالتي وعاد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وليس في رواية الكشميهني إعادة السؤال ثانيًا ولا الجواب عنه وإنما لم يقبل عليه الصلاة والسلام قول سعد في جعيل لأنه لم يخرج مخرج الشهادة وإنما هو مدح له وتوسل في الطلب لأجله ولهذا ناقشه في لفظه نعم في الحديث نفسه ما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام قبل قوله فيه وهو قوله (ثم قال) لمجيب مرشدًا له إلى الحكمة في إعطاء أولئك وحرمان جعيل مع كونه أحب إليه ممّن أعطاه (يا سعد إني لأعطي الرجل) الضعيف الإيمان العطاء أتألف قلبه به (وغيره أحب إليّ منه) جملة حالية وفي رواية أبي ذر والحموي والمستملي أعجب إلي منه (خشية أن يكبه الله) بفتح المثناة التحتية وضم الكاف ونصب الموحدة بأن أي لأجل خشية كبّ الله إياه أي إلقائه منكوسًا (في النار) لكفره إما بارتداده إن لم يعط، أو لكونه ينسب الرسول عليه الصلاة والسلام إلى البخل، وأما من قوي إيمانه فهو أحب إلي فأكله إلى إيمانه ولا أخشى عليه رجوعًا عن دينه ولا سوءًا في اعتقاده، وفيه الكناية لأن الكب في النار من لازم الكفر فأطلق اللازم وأراد الملزوم. وفي الحديث دلالة على جواز الحلف على الظن عند من أجاز ضم همزة أراه، وجواز الشفاعة إلى ولاة الأمور وغيرهم ومراددة الشفيع إذا لم يؤدّ إلى مفسدة، وأن المشفوع إليه لا عتب عليه إذا رد الشفاعة إذا كانت خلاف المصلحة، وأن الإمام يصرف الأموال في مصالح المسلمين الأهم فالأهم، وأنه لا يقطع لأحد على التعيين بالجنة إلا العشرة البشرة، وأن الإقرار باللسان لا ينفع إلا إذا قرن به الاعتقاد وعليه الإجماع كما مر. واستدل به عياض لعدم ترادف الإيمان والإسلام، ولكنه لا يكون مؤمنًا إلا مسلمًا، وقد يكون مسلمًا غير مؤمن، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وفيه ثلاثة رواة زهريون مدنيون وثلاثة تابعيون يروي بعضهم عن بعض، ورواية الأكابر عن الأصاغر، وأخرجه المؤلف أيضًا في الزكاة ومسلم في الإيمان والزكاة. قال المؤلف: (ورواه) بواو العطف وللأربعة بإسقاطها أي هذا الحديث أيضًا (يونس) بن يزيد الأيلي (وصالح) يعني ابن كيسان المدني (ومعمر) بفتح الميمين يعني ابن راشد البصري (وابن أخي الزهري) محمد بن عبد الله بن مسلم المتوفى فيما جزم به النووي في سنة اثنتين وخمسين ومائة. هؤلاء الأربعة (عن الزهري) محمد بن مسلم بإسناده كما رواه شعيب عنه، فحديث يونس موصول في كتاب الإيمان لعبد الرحمن بن عمر الملقب رسته وهو قريب من سياق الكشميهني ليس فيه إعادة السؤال ولا الجواب عنه. وحديث

20 - باب إفشاء السلام من الإسلام. وقال عمار: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار

صالح موصول عند المؤلف في الزكاة. وحديث معمر عند أحمد بن حنبل والحميدي وغيرهما عن عبد الرزاق عنه وقال فيه: أنه أعاد السؤال ثالثًا وحديث ابن أخي الزهري عند مسلم وساق فيه السؤال والجواب ثلاث مرات، والله تعالى أعلم. 20 - باب إِفْشَاءُ السَّلاَمِ مِنَ الإِسْلاَمِ. وَقَالَ عَمَّارٌ: ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ: الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَار هذا (باب) بالتنوين (السلام من الإسلام) أي هذا باب بيان أن السلام من شعب الإسلام، وفي رواية غير الأصيلي وأبي ذر وابن عساكر إفشاء السلام من الإسلام وهو بكسر الهمزة أي إذاعة السلام ونشره (وقال عمار) أبو اليقظان بالمعجمة ابن ياسر بن عامر أحد السابقين الأوّلين المقتول بصفين في صفر سنة سبع وثلاثين مع علي ومقول قوله (ثلاث) أي ثلاث خصال (من جمعهن فقد جمع الإيمان) أي حاز كماله أحدهما: (الإنصاف) وهو العدل (من نفسك) بأن لم تترك لمولاك حقًا واجبًا عليك إلا أذيته ولا شيئًا مما نهيت عنه إلا اجتنبته وسقط لفظ فقد عند الأربعة، (و) الثاني: (بذل السلام) بالمعجمة (للعالم) بفتح اللام أي لك مؤمن عرفته أو لم تعرفه وخرج الكافر بدليل آخر. وفيه حضّ على مكارم الأخلاق والتواضع واستئلاف النفوس، (و) الثالث: (الإنفاق من الإقتار) بكسر الهمزة أي في حالة الفقر وفيه غاية الكرم لأنه إذا أنفق وهو محتاج كان مع التوسع أكثر إنفاقًا، والإنفاق شامل للنفقة على العيال وعلى الضيف والزائر، وهذا الأثر أخرجه أحمد في كتاب الإيمان، والبزار في مسنده، وعبد الرزاق في مصنفه، والطبراني في معجمه الكبير. 28 - حدّثنا قُتَيْبَةُ قال: حدّثنا اللَّيْثُ عن يزيدَ بنِ أبي حَبيبِ عنْ أبي الخَيرِ عن عبد اللهِ بنِ عَمْرِو "أنَّ رَجُلاً سَأل رسول اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أيُّ الإسُلامِ خَيرٌ؟ قال: تُطْعِمُ الطعامَ وَتَقْرَأُ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لم تَعْرِفْ". وبالسند إلى المؤلف قال رحمه الله تعالى: (حدّثنا قتيبة) تصغير قتبة بكسر القاف واحدة الأقتاب وهي الأمعاء. قال الصغاني: وبها سمي الرجل قتيبة، وكنيته أبو رجاء واسمه فيما قاله ابن منده علي بن سعيد بن جميل البغلاني نسبة إلى بغلان بفتح الموحدة وسكون المعجمة قرية من قرى بلخ المتوفى سنة أربعين ومائتين (قال: حدّثنا الليث) بن سعد (عن يزيد بن أبي حبيب) المصري (عن أبي الخير) مرثد بفتح الميم والمثلثة (عن عبد الله بن عمرو) يعني ابن العاص رضي الله عنهما. (أن رجلاً) هو أبو ذر فيما قيل (سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي) خصال (الإسلام خير. قال) عليه الصلاة والسلام: (تطعم) الخلق (الطعام وتقرأ) بفتح التاء (السلام على من عرفت ومن لم تعرف) من المسلمين. وهذا الحديث تقدم في باب إطعام الطعام، وأعاده المؤلف هنا كعادته في غيره لما اشتمل عليه وغاير بين شيخيه اللذين حدّثاه عن الليث مراعاة للفائدة الإسنادية وهي تكثير الطرق حيث يحتاج إلى إعادة المتن، فإن عادته أن لا يعيد الحديث في موضعين على صورة واحدة، وقد مرّ أن المؤلف أخرج هذا الحديث في ثلاثة مواضع، وأخرجه مسلم والنسائي. 21 - باب كُفْرَانِ الْعَشِيرِ، وَكُفْرٍ دُونَ كُفْرٍ. فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. هذا (باب) بغير تنوين لإضافته لقوله: (كفران العشير) وهو الزوج كما يدل عليه السياق. قيل له عشير بمعنى معاشر والمعاشرة المخالطة أو الألف واللام للجنس، والكفران من الكفر بالفتح وهو الستر، ومن ثم سمي ضد الإيمان كفرًا لأنه ستر على الحق وهو التوحيد، وأطلق أيضًا على جحد النعم، لكن الأكثرون على تسمية ما يقابل الإيمان كفرًا وعلى جحد النعم كفرانًا، وكما أن الطاعات تسمى إيمانًا كذلك المعاصي تسمى كفرًا، لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد به المخرج عن الملة، ثم إن هذا الكفر يتفاوت في معناه كما أشار إليه المؤلف بقوله: (وكفر دون كفر) كذا للأربعة أي أقرب من كفر، فأخذ أموال الناس بالباطل دون قتل النفس بغير حق، وفي بعض الأصول: وكفر بعد كفر ومعناه كالأول وهو الذي في فرع اليونينية كهي لكنه ضبب عليه، وأثبت على الهامش الأوّل راقمًا عليه علامة أبي ذر والأصيلي وابن عساكر وأصل السميساطي والجمهور على جر وكفر عطفًا على كفران المجرور، ولأبوي ذر والوقت وكفر بالرفع على القطع وخصّ المؤلف كفران العشير من بين أنواع الذنوب، كما قال ابن العربي لدقيقة بديعة وهي قوله عليه الصلاة والسلام: "لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" فقرن حق الزوج على الزوجة بحق الله تعالى، فإذا كفرت المرأة

حق زوجها وقد بلغ من حقه عليها هذه الغاية كان ذلك دليلاً على تهاونها بحق الله تعالى. وقال ابن بطال: كفر نعمة الزوج هو كفر نعمة الله لأنها من الله أجراها على يده. وقال المؤلف رحمه الله (فيه) أي يدخل في الباب حديث رواه (أبو سعيد) سعد بن مالك رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كما أخرجه المؤلف في الحيض وغيره من طريق عياض بن عبد الله عنه، ولكريمة وغير الأصيلي وأبي ذر فيه عن أبي سعيد ولأبي الوقت زيادة الخدري، أي مروي عن أبي سعيد، ونبّه بذلك على أن للحديث طريقًا غير هذه الطريق التي ساقها هنا، وزاد الأصيلي بعد قوله وسلم كثيرًا. 29 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُرِيتُ النَّارَ، فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ. قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ. لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ». [الحديث 29 - أطرافه في: 431، 748، 1052، 3202، 5197]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي المدني (عن مالك) يعني ابن أنس إمام الأئمة (عن زيد بن أسلم) مولى عمر رضي الله عنه المكنى بأبي أسامة المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومائة (عن عطاء بن يسار) بمثناة تحتية ومهملة مخففة القاص المدني الهلالي مولى أُم المؤمنين ميمونة المتوفى سنة ثلاث أو أربع ومائة، وقيل: أربع وتسعين (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال): (قال النبي) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر في نسخة وأبي ذر عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أريت النار) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول من الرؤية بمعنى أبصرت، وتاء المتكلم هو المفعول الأوّل أقيم مقام الفاعل، والنار هو المفعول الثاني أي أراني الله النار، ولأبي ذر: ورأيت بالواو ثم راء وهمزة مفتوحتين، وللأصيلي فرأيت بالفاء (فإذا أكثر أهلها النساء) برفع أكثر والنساء مبتدأ وخبر، وفي رواية: رأيت النار فرأيت أكثر أهلها النساء بنصب أكثر والنساء مفعولي رأيت، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: رأيت النار بالنصب أكثر بالرفع، وفي رواية أخرى: أريت النار أكثر أهلها النساء بحذف فرأيت، وحينئذ فقوله: أريت بمعنى أعلمت والتاء والنار والنساء مفاعيله الثلاثة وأكثر بدل من النار (يكفرن) بمثناة تحتية مفتوحة أْوّله وهي جملة مستأنفة تدل على السؤال والجواب كأنه جواب سؤال سائل سأل يا رسول الله؟ ولأربعة بكفرهن أي بسبب كفرهن (قيل) يا رسول الله: (أيكفرن بالله؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يكفرن العشير) أي الزوج قال للعهد كما سبق أو المعاشر مطلقًا فتكون للجنس (ويكفرن الإحسان) ليس كفران العشير لذاته بل كفران إحسانه، فهذه الجملة كالبيان للسابقة وتوعده على كفران العشير وكفران الإحسان بالنار. قال النووي: يدل على أنهما من الكبائر (لو) وفي رواية الحموي والكشميهني إن (أحسنت إلى إحداهن الدهر) أي مدة عمرك أو الدهر مطلقًا على سبيل الفرض مبالغة في كفرهن وهو نصب على الظرفية، والخطاب في أحسنت غير خاص بل هو عامّ لكل من يتأتى منه أن يكون مخاطبًا فهو على سبيل المجاز، لأن الحقيقة أن يكون المخاطب خاصًّا لكنه جاء على نحو: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِم} [السجدة: 12]. فإن قلت: لولا امتناع الشيء لامتناع غيره فكيف صح جعل إن في الرواية الثانية موضعها، أجيب بأن لو هنا بمعنى إن في مجرد الشرطية فقط لا بمعناها الأصلي ومثله كثير أو هو من قبيل: نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، فالحكم ثابت على النقيضين، والطرف المسكوت عنه أولى من المذكور، ويسميه البيانيون ترك المعين إلى غير المعين ليعم كل مخاطب. (ثم رأت منك شيئًا) قليلاً لا يوافق مزاجها أو شيئًا حقيرًا لا يعجبها (قالت ما رأيت منك خيرًا قط) بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة على الأشهر ظرف زمان لاستغراق ما مضى. وفي هذا الحديث وعظ الرئيس الرؤوس وتحريضه على الطاعة ومراجعة المتعلم العالم والتابع المتبوع فيما قاله إذا لم يظهر له معناه، وجواز إطلاق الكفر على كفر النعمة وجحد الحق وأن المعاصي تنقص الإيمان لأنه جعله كفرًا ولا يخرج إلى الكفر الوجب للخلود في النار، وأن إيمانهنّ يزيد بشكر نعمة العشير، فثبت أن الأعمال من الإيمان. ورواة هذا

22 - باب المعاصي من أمر الجاهلية. ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنك امرؤ فيك جاهلية». وقول الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}

الحديث كلهم مدنيون إلا ابن عباس مع أنه أقام بالمدينة وفيه التحديث والعنعنة، وهو طرف من حديث ساقه في صلاة الكسوف تامًّا، وكذا أخرجه في باب من صلى وقدّامه نار، وفي بدء الخلق في ذكر الشمس والقمر، وفي عشرة النساء، وفي العلم. وأخرجه مسلم في العيدين. 22 - باب الْمَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَلاَ يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بِارْتِكَابِهَا إِلاَّ بِالشِّرْكِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ». وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} هذا (باب) بالتنوين وهو ساقط عند الأصيلي (المعاصي) كبائرها وصغائرها (من أمر الجاهلية) وهي زمان الفترة قبل الإسلام وسمي بذلك لكثرة الجهالات فيه (ولا يكفر) بفتح المثناة التحتية وسكون الكاف، وفي غير رواية أبي الوقت ولا يكفر بضمها وفتح الكاف وتشديد الفاء المفتوحة (صاحبها بارتكابها) أي لا ينسب إلى الكفر باكتساب المعاصىِ والإتيان بها (إلا بالشرك) أي بارتكابه خلافًا للخوارج القائلين بتكفيره بالكبيرة والمعتزلة القائلين بأنه لا مؤمن ولا كافر، واحترز بالارتكاب عن الاعتقاد. فلو اعتقد حلّ حرام معلوم من الدين بالضرورة كفر قطعًا. ثم استدل المؤلف لا ذكره فقال: القول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنك امرؤ فيك جاهلية) أي إنك في تعييره بأمه على خُلُق من أخلاق الجاهلية ولست جاهلاً محضًا (وقول الله تعالى) ولأبي ذر والأصيلي عز وجل ولأبي ذر عن الكشميهني، وقال الله: (إن الله لا يغفر أن يشرك به) أي يكفر به ولو بتكذيب نبيه لأن من جحد نبوّة الرسول عليه الصلاة والسلام مثلاً فهو كافر ولو لم يجعل مع الله إلهًا آخر، والمغفرة منتفية عنه بلا خلاف {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} [النساء: 48]، فصير ما دون الشرك تحت إمكان المغفرة، فمن مات على التوحيد غير مخلد في النار وإن ارتكب من الكبائر غير الشرك ما عساه أن يرتكب. 30 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ عَنِ الْمَعْرُورِ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أَبَا ذَرٍّ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ. إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ». [الحديث 30 - طرفاه في: 2545، 6050]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) بالموحدة الأزدي البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن واصل) هو ابن حيان بالمهملة المفتوحة والمثناة التحتية الشددة، ولغير أبوي ذر والوقت عن وأصل الأحدب وللأصيلي هو الأحدب (عن المعرور) بعين مهملة وراءين مهملتين بينهما واو، وليس رواية ابن عساكر زيادة ابن سويد (قال) ولأبي ذر عن الكشميهني وقال (لقيت أبا ذر بالربذة) بالذال المعجمة المفتوحة وتشديد الراء جندب بضم الجيم والدال المهملة وقد تفتح ابن جنادة بضم الجيم الغفاري السابق في الإسلام، الزاهد القائل بحرمة ما زاد من المال على الحاجة، المتوفى بالربذة بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة منزل للحاج العراقي على ثلاث مراحل من المدينة، وله في البخاري أربعة عشر حديثًا (وعليه) أي لقيته حال كونه عليه (حلة) بضم المهملة ولا تكون إلا من ثوبين سميا بذلك لأن كل واحد منهما يحل على الآخر (وعلى غلامه حلة) أي وحال كون غلامه عليه حلة ففيه ثلاث أحوال، قال في فتح الباري: ولم يسم غلام أبي ذر؛ ويحتمل أن يكون أبا مراوح مولى أبي ذر (فسألته عن ذلك) أي عن تساويهما في لبس الحلة، وسبب السؤال أن العادة جارية بأن ثياب الغلام دون ثياب سيده (فقال) أبو ذر رضي الله عنه: (إني ساببت) بموحدتين أي شاتمت (رجلاً فعيّرته بأمه) بالعين المهملة أي نسبته إلى العار، وعند المؤلف في الأدب المفرد: وكانت أمه أعجمية فنلت منها، وفي رواية فقلت له: يا ابن السوداء (فقال ليس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا أبا ذر أعيّرته بأمه)؟ بالاستفهام على وجه الإنكار التوبيخي (إنك امرؤ) بالرفع خبر إن وعين كلمته تابعة للامها في أحوالها الثلاث (فيك جاهلية) بالرفع مبتدأ قدّم خبره، ولعل هذا كان من أبي ذر قبل أن يعرف تحريم ذلك، فكانت تلك الخصلة من خصال الجاهلية باقية عنده، ولذا قال له عليه الصلاة والسلام: إنك امرؤ فيك جاهلية، وإلا فأبو ذر من الإيمان بمنزلة عالية، وإنما وبّخه بذلك على عظيم منزلته تحذيرًا له عن معاودة مثل ذلك. وعند الوليد بن مسلم منقطعًا كما ذكره في الفتح أن الرجل المذكور هو بلال المؤذن. وروى البرماوي أنه لما شكاه بلال إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: "شتمت بلالاً وعيرته بسواد أُمه "؟ قال: نعم. قال: "حسبت أنه بقي فيك شيء من كبر الجاهلية" فألقى أبو ذر خدّه على التراب ثم قال: لا أرفع خدّي حتى يطأ بلال خذي بقدمه. زاد ابن الملقن فوطئ خدّه اهـ.

باب {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} فسماهم المؤمنين

ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-ِ: (إخوانكم) أي في الإسلام أو من جهة أولاد آدم فهو على سبيل المجاز (خولكم) بفتح أوّله المعجم والواو أي خدمكم أو عبيدكم الدين يتخوّلون الأمور أي يصلحونها وقدّم الخبر على المبتدأ في قولكم إخوانكم خولكم للاهتمام بشأن الأخوة ويجوز أن يكونا خبرين حذف من كل مبتدؤه أي هم إخوانكم هم خولكم وأعربه الزركشي بالنصب أي احفظوا قال: وقال أبو البقاء إنه أجود لكن رواه البخاري في كتاب حسن الخلق هم إخوانكم وهو يرجح تقدير الرفع هم (جعلهم الله تحت أيديكم) مجاز عن القدرة أو الملك أي وأنتم مالكون إياهم (فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس) أي من الذي يأكله ومن الذي يلبسه والمثناة التحتية في فليطعمه وليلبسه مضمومة وفي يلبس مفتوحة، والفاء في فمن عاطفة على مقدّر أي وأنتم مالكون إلى آخر ما مرّ، ويجوز أن تكون سببية كما في ({فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّة} [الحج: 63]، ومن للتبعيض، فإذا أطعم عبده مما يقتاته كأن قد أطعمه مما يأكله ولا يلزمه أن يطعمه من كل مأكوله على العموم من الأدم وطيبات العيش، لكن يستحب له ذلك (ولا تكلفوهم ما) أي الذي (يغلبهم) أي تعجز قدرتهم عنه والنهي فيه للتحريم (فإن كلفتموهم) ما يغلبهم (فأعينوهم) ويلحق بالعبد الأجير والخادم والضيف والدابة. وفي الحديث النهي عن سبّ العبيد ومن في معناهم وتعييرهم بآبائهم والحث على الإحسان إليهم والرفق بهم، وأن التفاضل الحقيقي بين المسلمين إنما هو في التقوى، فلا يفيد الشريف النسب نسبه إذا لم يكن من أهل التقوى ويفيد الوضيع النسب بالتقوى. قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم} [الحجرات: 13]، وجواز إطلاق الأخ على الرقيق والمحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفي رجاله بصري وواسطي وكوفيان والتحديث والعنعنة، وأخرجه المصنف في العتق والأدب، ومسلم في الإيمان والنذور، وأبو داود والترمذي باختلاف ألفاظ بينهم. باب {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} فَسَمَّاهُمُ الْمُؤْمِنِينَ هذا (باب) بالتنوين وهو ساقط في رواية الأصيلي {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9]، أي تقاتلوا والجمع باعتبار المعنى فإن كل طائفة جمع (فأصلحوا بينهما) بالنصح والدعاء إلى حكم الله تعالى، وللأصيلي وأبي الوقت اقتتلوا الآية. (فسماهم المؤمنين) ولابن عساكر مؤمنين مع تقاتلهم كذا في رواية الأصيلي وغيره فصل هذه الآية والحديث التالي لها بباب كما ترى، وأما رواية أبي ذر عن مشايخه فأدخل ذلك في الباب السابق بعد قوله {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، لكن سقط حديث أبي بكرة من رواية المستملي. 31 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَيُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: ذَهَبْتُ لأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ. قَالَ: ارْجِعْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ». [الحديث 31 - طرفاه في: 6875، 7083]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن المبارك) بن عبد الله العيشي بفتح العين المهملة وسكون المثناة التحتية وبالشين المعجمة البصري، المتوفى سنة ثمان أو تسع وعشرين ومائتين قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم أبو إسماعيل الأزرق الأزدي البصري، المتوفى سنة تسع وسبعين ومائة قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (ويونس) بن عبيد بن دينار البصري، المتوفى سنة تسع وثلاثين ومائة كلاهما (عن الحسن) أبي سعيد بن أبي الحسن الأنصاري البصري المتوفى سنة ست عشرة ومائة (عن الأحنف) من الحنف وهو الاعوجاج في الرجل بالهملة والنون أبي بحر الضحاك (بن قيس) بن معاوية المخضرم، المتوفى بالكوفة سنة سبع وستين في إمارة ابن الزبير أنه (قال ذهبت لأنصر) أي لأجل أن أنصر (هذا الرجل) هو على بن أبي طالب كما في مسلم من هذا الوجه، وأشار إليه المؤلف في الفتن بلفظ: أريد نصرة ابن عمّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان ذلك يوم الجمل (فلقيني أبو بكرة) نفيع بضم النون وفتح الفاء ابن الحرث بن كلدة بالكاف واللام المفتوحتين. المتوفى بالبصرة سنة اثنتين وخمسين، وله في البخاري أربعة عشر حديثًا (فقال: أين تريد؟ قلت) وللأصيلي فقلت: أريد مكانًا لأن السؤال عن المكان والجواب بالفعل فيؤوّل بذلك (أنصر) أي لكي أنصر (هذا الرجل. قال: ارجع فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقول: إذا التقى المسلمان بسيفيهما) فضرب كل واحد منهما الآخر

23 - باب ظلم دون ظلم

(فالقاتل والمقتول في النار) إذا كان القاتل منهما بغير تأويل سائغ أما إذا كانا صحابيين فأمرهما عن اجتهاد وظن لإصلاح الدين فالمصيب منهما له أجران والمخطئ أجر، وإنما حمل أبو بكرة الحديث على عمومه في كل مسلمين التقيا بسيفيهما حسمًا للمادة، وقد رجع الأحنف عن رأي أبي بكرة في ذلك وشهد مع علي باقي حروبه، ولا يقال إن قوله فالقاتل والمقتول في النار يشعر بمذهب المعتزلة القائلين بوجوب العقاب للعاصي، لأن المعنى أنهما يستحقان وقد يعفى عنهما أو واحد منهما فلا يدخلان النار كما قال تعالى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] أي جزاؤه وليس بلازم أن يجازى. قال أبو بكرة (فقلت) وللأربعة وكريمة قلت (يا رسول الله هذا القاتل) يستحق النار لكونه ظالمًا (فما بال المقتول) وهو مظلوم؟ (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنه كان حريصًا على قتل صاحبه) مفهومه أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن نفسه عليها أثم في اعتقاده وعزمه، ولا تنافي بين هذا وبين قوله في الحديث الآخر "إذا همّ عبدي بسيئة فلم يعملها فلا تكتبوها عليه" لأن المراد أنه لم يوطن نفسه عليها بل مرت بفكره من غير استقرار، ورجال إسناد هذا الحديث كلهم بصريون وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض وهم: أيوب والحسن والأحنف، واشتمل على التحديث والعنعنة والسماع، وأخرجه المؤلف أيضًا في الفتن، ومسلم وأبو داود والنسائي. 23 - باب ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ هذا (باب) بالتنوين (ظلم دون ظلم) أي بعضه أخف من بعض، وهذه الترجمة لفظ رواية حديث رواه الإمام أحمد من كتاب الإيمان من حديث عطاء. 32 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح. قَالَ: وَحَدَّثَنِي بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نفسه؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. [الحديث 32 - أطرافه في: 3360، 3428، 3429، 4629، 4776، 6918، 6937]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي الباهلي البصري السابق (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (ح) مهملة (قال: وحدّثني) بالإفراد (بشر) كذا في فرع اليونينية كهي، وفي بعض الأصول وهو لكريمة ح. وحدّثني بشر قال في الفتح: فإن كانت -يعني الحاء المفردة- من أصل التصنيف فهي مهملة مأخوذة من التحويل على المختار، وإن كانت مزيدة من بعض الرواة فيحتمل أن تكون مهملة كذلك أو معجمة مأخوذة من البخاري لأنها رمزه، أي قال البخاري: وحدْثني بشر، لكن في بعض الروايات المصححة وحدّثني بواو العطف من غير حاء قبلها، وبشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة، وفي رواية ابن عساكر بن خالد أبو محمد العسكري كما في فرع اليونينية كهي المتوفى أبو بشر المذكور سنة ثلاث وخمسين ومائتين (قال: حدّثنا محمد) وفي رواية ابن عساكر محمد بن جعفر كما في الفرع أيضًا كاليونينية الهذلي البصري المعروف بغندر المتوفى فيما قاله أبو داود سنة ثلاث وتسعين ومائة (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش الأسدي الكاهلي الكوفي، ولد يوم قتل الحسين يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وعند المؤلف سنة ستين المتوفى سنة ثمان ومائة (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي أبي عمران الكوفي الفقيه الثقة، وكان يرسل كثيرًا، المتوفى وهو مُختَفٍ من الحجاج سنة ست وتسعين وهو من الخامسة (عن علقمة) بن قيس بن عبد الله، المتوفى سنة اثنتين وستين، وقيل: وسبعين (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. (قال لما نزلت) زاد الأصيلي قال: لما نزلت هذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْم} {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُون} [الأنعام: 82] وقوله: بظلم أي عظيم أي لم يخلطوه بشرك إذ لا أعظم من الشرك، وقد ورد التصريح بذلك عند المؤلف من طريق حفص بن غياث عن الأعمش ولفظه: قلنا يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون بل لم يلبسوا إيمانهم بظلم بشرك ألم تسمعوا إلى قول لقمان فذكر الآية الآتية، لكن منع التيمي تصوّر خلط الإيمان بالشرك وحمله على عدم حصول الصفتين لهم كفر متأخر عن إيمان متقدّم. أي: لم يرتدوا أو المراد أنهم لم يجمعوا بينهما ظاهرًا وباطنًا أي لم ينافقوا وهذا أوجه. (قال أصحاب رسول الله) وللأصيليّ النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أينا لم يظلم نفسه) مبتدأ وخبر والجملة مقول القول (فأنزل الله) ولأبي ذر والأصيلي، فأنزل الله عز وجل عقب ذلك (إن الشرك لظلم عظيم) إنما حملوه على العموم لأن قوله بظلم نكرة في سياق النفي، لكن عمومها

24 - باب علامة المنافق

هنا بحسب الظاهر. قال المحققون: إن دخل على النكرة في سياق النفي ما يؤكد العموم ويقوّيه نحو: من في قوله: ما جاءني من رجل أفاد تنصيص العموم، وإلا فالعموم مستفاد بحسب الظاهر كما فهمه الصحابة من هذه الآية، وبيّن لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ظاهره غير مراد، بل هو من العام الذي أريد به الخاص، والمراد بالظلم أعلى أنواعه وهو الشرك، وإنما فهموا حصر الأمن والاهتداء فيمن لم يلبس إيمانه حتى ينتفيا عمن لبس من تقديم لهم على الأمن في قوله لهم الأمن أي: لهم لا لغيرهم ومن تقديم وهم على مهتدون. وفي الحديث أن المعاصي لا تسمى شركًا وأن من لم يشرك بالله شيئاًً فله الأمن وهو مهتدٍ. لا يقال: إن العاصي قد يعذب فما هذا الأمن والاهتداء الذي حصل له؟ لأنه أجيب بأنه آمن من التخليد في النار مهتدِ إلى طريق الجنة انتهى. وفيه أيضًا: أن درجات الظلم تتفاوت كما ترجم له، وأن العامّ يطلق ويراد به الخاصّ، فحمل الصحابة ذلك على جميع أنواع الظلم، فبين الله تعالى أن المراد نوع منه، وأن المفسر يقضي على المجمل، وأن النكرة في سياق النفي تعم، وأن اللفظ يحمل على خلاف ظاهره لمصلحة دفع التعارض. وفي إسناده رواية ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعض وهم: الأعمش عن شيخه إبراهيم النخعي عن خاله علقمة بن قيس والثلاثة كوفيون فقهاء، وهذا أحد ما قيل فيه إنه أصح الأسانيد، وأمن تدليس الأعمش بما وقع عند المؤلف فيما مرّ في رواية حفص بن غياث عنه حدّثنا إبراهيم، وفيه التحديث بصورة الجمع والإفراد والعنعنة، وأخرج متنه المؤلف أيضًا في باب أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفي التفسير، ومسلم في الإيمان والترمذي. ولما فرغ المؤلف من بيان مراتب الكفر والظلم وأنها متفاوتة عقبه بأن النفاق كذلك فقال: 24 - باب عَلاَمَةِ الْمُنَافِقِ هذا (باب علامات المنافق) جمع علامة وهي ما يستدل به على الشيء، وعدل عن التعبير بآيات المنافق المناسب للحديث المسوق هنا للعلامات موافقة لما ورد في صحيح أبي عوانة، ولفظ باب ساقط عند الأصيلي، والجمع في العلامات رواية الأربعة. والنفاق لغة مخالفة الظاهر للباطن فإن كان في اعتقاد الإيمان فهو نفاق الكفر، وإلا فهو نفاق العمل ويدخل فيه الفعل والترك وتتفاوت مراتبه، ولفظ المنافق من باب المفاعلة وأصلها أن تكون بين اثنين لكنها هنا من باب خادع وطارق. 33 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ أَبُو الرَّبِيعِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَبُو سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ». [الحديث 33 - أطرافه في: 2682، 2749، 6095]. وبالسند إلى المصنف قال: (حدّثنا سليمان أبو الربيع) بن داود الزهراني العتكي المتوفى بالبصرة سنة أربع وثلاثين ومائتين (قال: حدّثنا إسماعيل بن جعفر) هو ابن أبي كثير الأنصاري الزرقي مولاهم المدني قارئ أهل المدينة الثقة الثبت وهو من الثامنة المتوفى ببغداد سنة ثمانين ومائة (قال: حدّثنا نافع بن مالك بن أبي عامر أبو سهيل) الأصبحي التيمي المدني من الرابعة المتوفى بعد الأربعين (عن أبيه) مالك جدّ إمام الأئمة المتوفى سنة اثنتي عشرة ومائة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (آية المنافق) أي علامته واللام للجنس وكان القياس جمع المبتدأ الذي هو آية ليطابق الخبر الذي هو (ثلاث) وأجيب: بأن الثلاث اسم جمع ولفظه مفرد على أن التقدير آية المنافق معدودة بالثلاث. وقال الحافظ ابن حجر: الإفراد على إرادة الجنس أو أن العلامة إنما تحصل باجتماع الثلاث. قال: والأوّل أليق بصنيع المؤلف ولهذا ترجم بالجمع انتهى. وتعقبه العلامة العيني فقال: كيف يراد الجنس والتاء فيها تمنع ذلك لأن التاء فيها كالتاء في تمرة، فالآية والآي كالتمرة والتمر. قال: وقوله إنما تحصل باجتماع الثلاث يشعر بأنه إذا وجد فيه واحد من الثلاث لا يطلق عليه منافق وليس كذلك بل يطلق عليه اسم المنافق، غير أنه إذا وجد فيه الثلاث كلها يكون منافقًا كاملاً. وأجيب بأنه مفرد مضاف فيعم كأنه قال: آياته ثلاث. (إذا حدّث) في كل شيء (كذب) أي أخبر عنه بخلاف ما هو به قاصدًا للكذب (وإذا وعد) بالخير في المستقبل (أخلف) فلم يَفِ وهو من عطف الخاص على العامّ، لأن الوعد نوع من التحديث وكان داخلاً في قوله: وإذا حدّث ولكنه أفرده بالذكر معطوفًا تنبيهًا على زيادة قبحه. فإن قلت: الخاص إذا

عطف على العامّ لا يخرج من تحت العامّ وحينئذ تكون الآية اثنتين لا ثلاثًا. أجيب: بأن لازم الوعد الذي هو الإخلاف الذي قد يكون فعلاً ولازم التحديث الذي هو الكذب الذي لا يكون فعلاً متغايرًا فبهذا الاعتبار كان الملزومان متغايران وخلف الوعد لا يقدح إلا إذا كان العزم عليه مقارنًا للوعد، أما لو كان عازمًا ثم عرض له مانع أو بدا له رأي فهذا لم يوجد منه صورة النفاق. وفي حديث الطبراني ما يشهد له حيث قال: إذا وعد وهو يحدّث نفسه أنه يخلف، وكذا قال في باقي الخصال. وإسناده لا بأس به وهو عند الترمذي وأبي داود مختصرًا بلفظ: إذا وعد الرجل أخاه ومن نيّته أن يَفِي له فلم يَفِ فلا إثم عليه وهذا في الوعد بالخير، أما الشر فيستحب إخلافه وقد يجب. (و) الثالثة من الخصال (إذا ائتمن) على صيغة المجهول من الائتمان أمانة (خان) بأن تصرف فيها على خلاف الشرع. ووجه الاقتصار على هذا الثلاث أنها منبّهة على ما عداها إذ أصل عمل الديانة منحصر في ثلاث: القول والفعل والنية، فنبّه على فساد القول بالكذب، وعلى فساد الفعل بالخيانة، وعلى فساد النيّة بالخلف، وحينئذ فلا يعارض هذا الحديث بما وقع في الآتي بلفظ: أربع من كنّ فيه، وفيه: وإذا عاهد غدر إذ هو معنى قوله: وإذا ائتمن خان لأن الغدر خيانة. فإن قلت: إذا وجدت هذه الخصال في مسلم فهل يكون منافقًا؟ أجيب: بأنها خصال نفاق لا نفاق فهو على سبيل المجاز أو المراد نفاق العمل لا نفاق الكفر أو مراده من اتصف بها وكانت له ديدنًا وعادة، ويدل عليه التعبير بإذا المفيدة لتكرار الفعل أو هو محمول على من غلبت عليه هذه الخصال وتهاون بها واستخف بأمرها، فإن من كان كذلك كان فاسد الاعتقاد غالبًا أو مراده الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال، وأن الظاهر غير مراد أو الحديث وارد في رجل معين وكان منافقًا ولم يصرح عليه الصلاة والسلام به على عادته الشريفة في كونه لا يواجههم بصريح القول بل يشير إشارة كقوله: ما بال أقوام ونحوه، أو المراد المنافقون الذين كانوا في الزمن النبوي. ورجال إسناد هذا الحديث كلهم مدنيون إلا أبا الربيع، وفيهم تابعي عن تابعي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الوصايا والشهادات والأدب، ومسلم في الإيمان والترمذي والنسائي. 34 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ». تَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ. [الحديث 34 - طرفاه في: 2459، 3178]. وبه قال المؤلف: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وسكون المثناة التحتية وفتح المهملة (ابن عقبة) بضم المهملة وسكون القاف وفتح الموحدة ابن محمد أبو عامر السوائي الكوفي المختلف في توثيقه من جهة كونه سمع من سفيان الثوري صغيرًا، فلم يضبط فهو حجة إلا فيما رواه عنه، لكن احتجاج البخاري به في غير موضع كافٍ. وقول أحمد إنه ثقة لا بأس به لكن كثير الغلط معارض بقول أبي حاتم لم أرَ من المحدّثين من يحفظ ويأتي بالحديث على لفظ واحد ولا يغيره سوى قبيصة وأبي نعيم اهـ. وتوفي في المحرم سنة ثلاث عشرة. وقال النووي: سنة خمس عشرة ومائتين. (قال: حدّثنا سفيان) بتثليث سينه ابن سعيد بن منصور أبو عبد الله الثوري أحد أصحاب المذاهب الستة المتبوعة، المتوفى سنة ستين ومائة بالبصرة متواريًا من سلطانها وكان يدلس (عن الأعمش) سليمان (عن عبد الله بن مرة) بضم الميم وتشديد الراء الهمداني بسكون الميم الكوفي التابعي الخارفي بالخاء المعجمة وبالراء والفاء، المتوفى سنة مائة (عن مسروق) يعني ابن الأجدع بالجيم والمهملتين ابن مالك الهمداني الكوفي الحضرمي المتفق على جلالته، المتوفى سنة ثلاث أو اثنتين وستين (عن عبد الله بن عمرو) يعني ابن العاصي رضي الله عنهما (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (أربع) أي أربع خصال أو خصال أربع مبتدأ خبره (من كنّ فيه كان منافقًا خالصًا) أي في هذه الخصال فقط لا في غيرها أو شديد الشبه بالمنافقين، ووصفه بالخلوص يؤيد قول من قال: إن المراد بالنفاق العملي لا الإيماني أو النفاق العرفي لا الشرعي، لأن الخلوص بهذين المعنيين لا يستلزم الكفر الملقي في الدرك الأسفل من النار. (ومن كانت فيه خصلة منهن كانت) وللأصيلي في نسخة كان (فيه خصلة من النفاق حتى يدعها) حتى يتركها

25 - باب قيام ليلة القدر من الإيمان

(إذا ائتمن) شيئاً (خان) فيه (وإذا حدّث كذب) في كل ما حدّث به (وإذا عاهد) عهدًا (غدر) أي ترك الوفاء بما عاهد عليه (وإذا خاصم فجر) في خصومته أي مال عن الحق وقال الباطل، وقد تحصل من الحديثين خمس خصال الثلاثة السابقة في الأوّل والغدر فى المعاهدة والفجور في الخصومة فهي متغايرة باعتبار تغاير الأوصاف واللوازم، ووجه الحصر فيها أن إظهار خلاف ما في الباطن إما في الماليات وهو ما إذا ائتمن، وإما في غيرها وهو إما في حالة الكدورة فهو إذا خاصم، وإما في حالة الصفاء فهو إما مؤكد باليمين فهو إذا عاهد أو لا فهو إما بالنظر إلى المستقبل فهو إذا وعد، وإما بالنظر إلى الحال فهو إذا حدّث، لكن هذه الخمسة في الحقيقة ترجع إلى الثلاث لأن الغدر في العهد منطوٍ تحت الخيانة في الأمانة، والفجور في الخصومة داخل تحت الكذب في الحديث. ورجال هذا الحديث كلهم كوفيون إلا الصحابي على أنه قد دخل الكوفة أيضًا، وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض والتحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الجزية، ومسلم في الإيمان وأصحاب السنن. ثم قال المؤلف (تابعه) أي تابع سفيان الثوري (شعبة) بن الحجاج في رواية هذا الحديث (عن الأعمش) وقد وصل المؤلف هذه المتابعة في كتاب المظالم، ومراده بالمتابعة هنا كون الحديث مرويًّا من طريق أخرى عن الأعمش، والمتابعة هنا ناقصة لكونها ذكرت في وسط الإسناد لا في أوّله. ولما ذكر المؤلف كتاب الإيمان الجامع لبيان باب السلام من الإسلام وأردفه بخمسة أبواب استطرادًا لما فيها من المناسبة وضمنها علامات النفاق رجع إلى ذكر علامات الإيمان فقال: 25 - باب قِيَامُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنَ الإِيمَانِ هذا (باب) بالتنوين وهو ساقط في رواية الأصيلي (قيام ليلة القدر من الإيمان) أي من شعبه. 35 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». [الحديث 35 - أطرافه في: 37، 38، 1901، 2008، 2009، 2014]. " وبالسند المذكور أوّلاً إلى المصنف قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع البهراني بفتح الموحدة الحمصي الثقة الثبت من العاشرة. يقال: إن أكثر حديثه عن شعيب مناولة، المتوفى سنة اثنتين وعشرين ومائتين (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (قال: حدّثنا أبو الزناد) بالنون عبد الله بن ذكوان القرشي (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من يقم ليلة القدر) للطاعة (إيمانًا) أي تصديقًا بأنه حق وطاعة (واحتسابًا) لوجهه تعالى لا للرياء ونحوه ونصبًا على المفعول له، وجوّز أبو البقاء فيما حكاه البرماوي أن يكونا على الحال مصدرًا بمعنى الوصف أي مؤمنًا محتسبًا (غفر له ما تقدم من ذنبه) أي غير الحقوق الآدمية، لأن الإجماع قائم على أنها لا تسقط إلا برضاهم، وفيه الدلالة على جعل الأعمال إيمانًا لأنه جعل القيام إيمانًا وليلة نصب مفعول به لا فيه، وجملة غفر له جواب الشرط. وقد وقع ماضيًا، وفعل الشرط مضارعًا، وفي ذلك نزاع بين النحاة والأكثرون على المنع، واستدل القائلون بالجواز بقوله تعالى: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ} [الشعراء: 4] لأن قوله فظلت بلفظ الماضي وهو تابع للجواب. وتابع الجواب جواب، وإنما عبّر بالمضارع في الشرط في قيام ليلة القدر، وبالماضي في قيام رمضان وصيامه في البابين اللاحقين لأن قيام رمضان وصيامه محقّقًا الوقوع فجاءا بلفظ يدل عليه بخلاف قيام ليلة القدر فإنه غير متيقن، فلهذا ذكره بلفظ المستقبل وقاله الكرماني. وقال غيره: استعمل لفظ الماضي في الجزاء مع أن المغفرة في زمن الاستقبال إشارة إلى تحقق وقوعه على حد قوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّه} [النحل: 1] وقد روى النسائي الحديث عن محمد بن علي بن ميمون عن أبي اليمان شيخ المصنف بلفظ "من يقم ليلة القدر يغفر له" فلم يغاير بين الشرط والجزاء. قال في الفتح: فظهر أنه من تصرف الرواة فلا يستدل به للقول بجواز التغاير في الشرط والجزاء. وعند أبي نعيم في مستخرجه "لا يقوم أحدكم ليلة القدر فيوافقها إيمانًا واحتسابًاً إلا غفر له". وقوله: فيوافقها زيادة بيان وإلاّ فالجزاء مرتب على قيام ليلة القدر ولا يصدق قيامها إلا على من يوافقها. وقوله: يقم بفتح الياء من قام يقوم وقع هنا

26 - باب الجهاد من الإيمان

متعدّيًا، ويدل له حديث الشيخين مرفوعًاً "من قامه إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه". ومن لطائف إسناد هذا الحديث ما قيل إن أصح أسانيد أبي هريرة أبو الزناد عن الأعرج عنه، وأخرجه المؤلف أيضًا في الصيام مطوّلاً، وكذا أبو داود والترمذي والنسائي ومالك في موطئه. ولما كان التماس ليلة القدر يستدعي محافظة زائدة ومجاهدة تامة ومع ذلك فقد يوافقها وقد لا يوافقها، وكان هذا المجاهد يلتمس الشهادة ويقصد إعلاء كلمة الله تعالى ناسب أن يعقب المؤلف هذا الباب بفضل الجهاد استطرادًا فقال: 26 - باب الْجِهَادُ مِنَ الإِيمَانِ هذا (باب) بالتنوين (الجهاد من الإيمان) أي شعبة من شعبه أو أنه كالأبواب السابقة في أن الأعمال أيمان لأنه لما كان الإيمان هو المخرج له في سبيله تعالى كان الخروج أيمانًا تسمية للشيء باسم سببه، والجهاد قتال الكفار لإعلاء كلمة الله، ولفظ باب ساقط في رواية الأصيلي. 36 - حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «انْتَدَبَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ -لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي- أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ. وَلَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ». [الحديث 36 - أطرافه في: 2787، 2797، 2972، 3123، 7226، 7227، 7457، 7463]. وبالسند إلى البخاري قال: (حدّثنا حرمي بن حفص) أي ابن عمر العتكي بفتح المهملة والمثناة الفوقية نسبة إلى العتيك بن الأسد القسملي بفتح القاف وسكون المهملة، وفتح الميم نسبة إلى قسملة وهو معاوية بن عمرو أو إلى القساملة قبيلة من الأزد البصري ثقة من كبار العاشرة، وانفرد به المؤلف عن مسلم، وتوفي سنة ثلاث أو ست وعشرين ومائتين، (قال: حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي نسبة إلى عبد القيس البصري الثقفي نسبة إلى ثقيف، المتوفى سنة سبع وسبعين ومائة (قال حدّثنا عمارة) بضم العين المهملة ابن القعقاع بن شبرمة الكوفي الضبي نسبة إلى ضبة بن أدّ بن طابخة (قال حدّثنا أبو زرعة) هرم أو عبد الرحمن أو عمرو أو عبد الله (بن عمرو) وفي رواية غير أبي ذر والأصيلي بزيادة (ابن جرير) البجلي بفتح الموحدة والجيم نسبة إلى بجيلة بنت صعب (قال: سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال): (انتدب الله) بنون ساكنة ومثناة فوقية مفتوحة ودال مهملة كذلك في آخره بموحدة. وقال الحافظ ابن حجر في رواية الأصيلي: هنا ائتدب بمثناة تحتية مهموزة بدل النون من المأدبة وهو تصحيف وقد وجّهوه بتكلف، لكن إطباق الرواة على خلافه مع اتحاد المخرّج كاف في تخطئته انتهى. وعزاها القاضي عياض لرواية القابسي، وأما رواية انتدب بالنون فهو من ندبت فلانًا لكذا فانتدب أي أجاب إليه. وفي القاموس وندبه إلى الأمر دعاه وحثّه أو معناه تكفل، كما رواه المؤلف في أواخر الجهاد أو سارع بثوابه وحسن جزائه، وللأصيلي وكريمة انتدب الله عز وجل (لمن خرج في سبيله) حال كونه (لا يخرجه إيمان) وفي رواية إلا الإيمان (بي وتصديق برسلي) بالرفع فيهما فاعل لا يخرجه والاستثناء مفرغ، وإنما عدل عن به الذي هو الأصل إلى بي للالتفات من الغيبة إلى التكلم، وقول ابن مالك في التوضيح كان الأليق إيمان به ولكنه على تقدير حال محذوف أي قائلاً لا يخرجه إلا إيمان بي، ولا يخرجه مقول القول لأن صاحب الحال على هذا التقدير هو الله. ردّه ابن المرحل فقال: أساء في قوله كان الأليق، وإنما هو من باب الالتفات ولا حاجة إلى تقدير حال لأن حذف الحال لا يجوز حكاه الزركشي وغيره. وقال في المصابيح: ما ذكره من عدم جواز حذف الحال ممنوع، فقد ذكر ابن مالك من شواهده هنا قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة: 127] أي قائلين. وقوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد: 23] أي قائلين سلام عليكم. وقوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْء} [غافر: 7] أي قائلين. قال ابن المرحل: وإنما هو من باب الالتفات، وقال الزركشي: الأليق أن يقال عدل عن ضمير الغيبة إلى الحضور يعني أن الالتفات يوهم الجسمية فلا يطلق في كلام الله تعالى، وهذا خلاف ما أطبق عليه علماء البيان. وذكر الكرماني قوله: أو تصديق برسلي بلفظ أو واستشكله لأنه لا بدّ من الأمرين الإيمان بالله والتصديق برسله. وأجاب بما معناه أن أو بمعنى الواو أو أن الإيمان بالله مستلزم لتصديق رسله وتصديق رسله مستلزم للإيمان بالله. وتعقبه الحافظ ابن حجر بأنه لم يثبت في شيء من الروايات بلفظ أو اهـ. نعم. وجدته في أصل

27 - باب تطوع قيام رمضان من الإيمان

فرع اليونينية كهي أو بالألف قبل الواو وعلى الألف لا س علامة سقوط الألف عند من رقم له بالسين وهو ابن عساكر الدمشقي، ومقتضاه ثبوتها عند غيره فليتأمل مع كلام ابن حجر، وفوق الواو جزمة سوداء ونصبة بالحمرة، وكذا وجدته أيضًا بالألف في متن البخاري من النسخة التي وقفت عليها من تنقيح الزركشي، وكذا في نسخة كريمة، وعند الإسماعيلي كمسلم إلا إيمانًا بالنصب مفعول له أي لا يخرجه المخرج إلا الإيمان والتصديق. (أن أرجعه) بفتح الهمزة من رجع وأن مصدرية والأصل بأن أرجعه أي يرجعه إلى بلده، وفي نسخة كريمة وقف الآثار أرجعه بهمزة مضمومة ظاهرها أنها كانت نصبة فأصلحتها ضمة (بما نال من أجر) أي بالذي أصابه من النيل وهو العطاء من أجر فقط إن لم يغنموا (أو) أجر مع (غنيمة) إن غنموا أو أن أو بمعنى الواو كما رواه أبو داود بالواو بغير ألف، وعبَّر بالماضي موضع المضارع في قوله: نال لتحقق وعده تعالى (أو) أن (أدخله الجنة) عند دخول المقربين بلا حساب ولا مؤاخذة بذنوب إذ تكفرها الشهادة أو عند موته لقوله: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون} [آل عمران: 169] (ولولا أن أشق) أي لولا المشقة (على أمتي ما قعدت خلف) بالنصب على الظرفية أي ما قعدت بعد (سرية) بل كنت أخرج معها بنفسي لعظم أجرها ولولا امتناعية وأن مصدرية في موضع رفع بالابتداء وما قعدت جواب لولا وأصله لما فحذفت اللام، والمعنى امتنع عدم القعود وهو القيام لوجود المشقة وسبب المشقة صعوبة تخلفهم بعده ولا قدرة لهم على المسير معه لضيق حالهم، قال ذلك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شفقة على أمته جزاه الله عنا أفضل الجزاء. (ولوددت) عطفًا على ما قعدت واللام للتأكيد أو جواب قسم محذوف أي: والله لوددت أي أحببت (أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أُقتل) بضم الهمزة في كلّ من أحيا وأقتل وهي خمسة ألفاظ. وفي رواية الأصيلي أن أقتل بدل أني، ولأبي ذر فأقتل ثم أحيا فأقتل كذا في اليونينية وختم بقوله ثم أقتل، والقرار إنما هو على حالة الحياة لأن المراد الشهادة فختم الحال عليها أو الاحياء للجزاء من المعلوم فلا حاجة إلى ودادته لأنه ضروري الوقوع، وثم للتراخي في الرتبة أحسن من حملها على تراخي الزمان لأن المتمنى حصول مرتبة بعد مرتبة إلى الانتهاء إلى الفردوس الأعلى. فإن قلت: تمنّيه عليه الصلاة والسلام أن يقتل يقتضي تمني وقوع زيادة الكفر لغيره وهو ممنوع للقواعد. أجيب: بأن مراده عليه الصلاة والسلام حصول ثواب الشهادة لا تمنّي المعصية للقاتل. وفي الحديث استحباب طلب القتل في سبيل الله وفضل الجهاد، ورجاله ما بين بصري وكوفي خالٍ عن العنعنة وليس فيها إلا التحديث والسماع، وأخرجه المؤلف أيضًا في الجهاد، وكذا مسلم والنسائي. 27 - باب تَطَوُّعُ قِيَامِ رَمَضَانَ مِنَ الإِيمَانِ هذا (باب) بالتنوين (تطوّع قيام رمضان) بالطاعة في لياليه (من الإيمان) أي من شعبه والتطوع تفعل ومعناه التكلف بالطاعة، والمراد هنا التنفل وهو رفع بالابتداء مضاف لتاليه، ورمضان ممنوع من الصرف للعلمية والألف والنون، وفي نسخة بفرع اليونينية باب تطوع قيام رمضان بغير تنوين مضافًا للاحقه، وفي رواية أبي ذر قيام شهر رمضان ولفظ باب ساقط في رواية الأصيلي. 37 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». وبالسند إلى البخاري قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس المدني الأصبحي (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) يعني ابن أنس إمام الأئمة وهو خاله (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة أبو إبراهيم القرشي المدني الزهري الثقة وهو من الثانية وأمه أم كلثوم بنت عقبة أخت عثمان بن عفان لأمه المتوفى بالمدينة سنة خمس وتسعين. قال العيني وقيل سنة خمس ومائة. قال الحافظ ابن حجر في التقريب: بل هو الصحيح (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من قام) بالطاعة صلاة التراويح أو غيرها من الطاعات في ليالي (رمضان) حال كون قيامه (إيمانًا) أي مؤمنًا بالله مصدقًا به (و) حال كونه (احتسابًا) أي محتسبًا والمعنى مصدقًا ومريدًا به وجه الله تعالى بخلوص نيّته (غفر له ما تقدم من ذنبه) من

28 - باب صوم رمضان احتسابا من الإيمان

الصغائر، وفي فضل الله وسعة كرمه ما يؤذن بغفران الكبائر أيضًا وهو ظاهر السياق، لكنهم أجمعوا على التخصيص بالصغائر كنظائره من إطلاق الغفران في أحاديث لما وقع من التقييد في بعضها بما اجتنبت الكبائر وهي لا تسقط إلا بالتوبة أو الحد. وأجيب عن استشكال مجيء الغفران في قيام رمضان وفي صومه وليلة القدر وكفّارة صوم يوم عرفة سنتين وعاشوراء سنة وما بين الرمضانين إلى غير ذلك مما ورد به الحديث فإنها إذا كفرت بواحد فما الذي يكفره الآخر بأن كلاًّ يكفر الصغائر، فإذا لم توجد بأن كفرها واحد مما ذكر أو غفرت بالتوبة أو لم تفعل للتوفيق المنعم به رفع له بعمله ذلك درجات وكتب له به حسنات أو خفَّف عنه بعض الكبائر كما ذهب إليه بعضهم وفضل الله واسع. ورواة هذا الحديث كلهم أئمة أجلاء مدنيون، وفيه التحديث بصيغة الإفراد والجمع والعنعنة، وأخرجه المؤلف في الصيام أيضًا، ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والموطأ وغيرهم. 28 - باب صَوْمُ رَمَضَانَ احْتِسَابًا مِنَ الإِيمَانِ هذا (باب) بالتنوين وهو ساقط عند الأصيلي (صوم رمضان) حال كونه (احتسابًا) أي محتسبًا (من الإيمان) ولم يقل إيمانًا للاختصار أو لاستلزام الاحتساب الإيمان. 38 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». وبالسند إلى المؤلف قال رحمه الله: (حدّثنا ابن سلام) بالتخفيف على الصحيح وهو رواية ابن عساكر البيكندي وفي رواية للأصيلي وابن عساكر محمد بن سلام (قال: أخبرنا) وللأصيلي وكريمة حدّثنا (محمد بن فضيل) بضم الفاء وفتح المعجمة ابن غزوان الضبي مولاهم الكوفي المتوفى سنة تسع وخمسين ومائة (قال: حدّثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري قاضي المدينة (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من صام رمضان) كله عند القدرة عليه أو بعضه عند عجزه ونيّته الصوم لولا المانع حال كون صيامه (إيمانًاً و) حال كونه (احتسابًا) أي مؤمنًا محتسبًا بأن يكون مصدقًا به راغبًا في ثوابه طيب النفس به غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه (غفر له ما تقدم من ذنبه) الصغائر تخصيصًا للعامّ بدليل آخر كما سبق ورمضان نصب على الظرفية وأتى باحتسابًاً بعد إيمانًا مع أن كلاًّ منهما يلزم الآخر للتوكيد، ويأتي ما في البابين من المباحث في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى. ولما تضمن ما ذكره من الأحاديث الترغيب في القيام والصيام والجهاد أراد أن يبيّن أن الأولى للعامل بذلك أن لا يجهد نفسه بحيث يعجز بل يعمل بتلطف وتدريج ليدوم عمله ولا ينقطع فقال: 29 - باب الدِّينُ يُسْرٌ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ» هذا (باب) بالتنوين وسقط لفظ باب للأصيلي (الدين) أي دين الإسلام بالنسبة إلى سائر الأديان (يسر) أي ذو يسر (وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بجر قول، وفي فرع اليونينية وقول بالرفع فقط على القطع (أحب) خصال (الدين) المعهود وهو دين الإسلام (إلى الله) الملّة (الحنيفية) أي المائلة عن الباطل إلى الحق (السمحة) أي السهلة الإبراهيمية وأحب الدين مبتدأ خبره الحنيفية المخالفة لأديان بني إسرائيل وما يتكلفه أحبارهم من الشدائد، وأحب بمعنى محبوب لا بمعنى محب، وإنما أخبر عنه وهو مذكر بمؤنث وهو الحنيفية لغلبة الاسمية عليها لأنها علم على الدين أو لأن أفعل التفضيل المضاف لقصد الزيادة على ما أُضيف إليه يجوز فيه الإفراد والمطابقة لمن هو له. وهذا التعليق أسنده ابن أبي شيبة فيما قاله الزركشي والبخاري في الأدب المفرد، وأحمد بن حنبل فيما قاله الحافظ ابن حجر وغيره، وإنما استعمله المؤلف في الترجمة لأنه ليس على شرطه ومقصوده: أن الدين نبع على الأعمال لأن الذي يتّصف بالعسر واليسر إنما هو الأعمال دون التصديق. 39 - حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ مُطَهَّرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْغِفَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ». [الحديث 39 - أطرافه في: 5673، 6463، 7235]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد السلام بن مطهر) بالطاء المهملة والهاء المشددة المفتوحتين ابن حسام الأزدي البصري المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا عمر بن علي) يعني ابن عطاء وعين عمر مضمومة المقدمي البصري وكان يدلس تدليسًا شديدًا يقول: حدّثنا وسمعت ثم يسكت ثم يقول هشام بن عروة الأعمش وتوفي سنة تسعين ومائة (عن معن بن محمد) بفتح الميم وسكون

العين المهملة واسم جده معن أيضًا (الغفاري) بكسر الغين المعجمة نسبة إلى غفار الحجازي. فإن قلت: ما حكم حديث رواية عمر بن علي المدلس بالعنعنة عن معن؟ أجيب: بأنها محمولة على ثبوت سماعه من جهة أخرى كجميع ما في الصحيحين عن المدلسين انتهى. (عن سعيد بن أبي سعيد) واسمه كيسان (المقبري) بفتح الميم وضم الموحدة نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان مجاورًا بها المدني أبي سعد بسكون العين المتوفى بعد اختلاطه بأربع سنين سنة خمس وعشرين ومائة وكان سماع معن عن سعيد قبل اختلاطه وإلاّ لما أخرجه المؤلف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن الدين يسر) أي ذو يسر. قال العيني: وذلك لأن الالتئام بين الموضوع والمحمول شرط، وفي مثل هذا لا يكون إلا بالتأويل أو هو اليسر نفسه كقول بعضهم في النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنه عين الرحمة مستدلاً بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين} [الأنبياء: 107] كأنه لكثرة الرحمة المودعة فيه صار نفسها، والتأكيد بأن فيه ردّ على منكر يسر هذا الدين فإما أن يكون المخاطب منكرًا أو على تقدير تنزيله منزلته أو على تقدير المنكرين غير المخاطبين أو لكون القصة مما يهتم بها (ولن يشادّ هذا) كذا في اليونينية بغير رقم (الدين) وللأصيلي ولن يشادّ الدين (أحد) بالشين المعجمة وإدغام سابق المثلين في لاحقه من المشادّة وهي المغالبة أي لا يتعمق أحد في الدين ويترك الرفق (إلا غلبه) الدين وعجز وانقطع عن عمله كله أو بعضه، ويشادّ منصوب بلن والدين نصب بإضمار الفاعل أي لن يشادّ الدين أحد، ورواه كذلك ابن السكن، وكذا هو في بعض روايات الأصيلي كما نبهوا عليه ووجدته في فرع اليونينية، وحكى صاحب المطالع: أن أكثر الروايات برفع الدين على أن يشادّ مبني لما لم يسمّ فاعله وتعقبه النووي بأن أكثر الروايات بالنصب، وجمع بينهما الحافظ ابن حجر بالنسبة إلى روايات المغاربة والمشارقة، ولابن عساكر: ولن يشادّ إلا غلبه، وله أيضًا ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه (فسدّدوا) بالمهملة من السداد وهو التوسط في العمل أي الزموا السداد من غير إفراط ولا تفريط (وقاربوا) في العبادة وهو بالموحدة أي إن لم تستطيعوا الأخذ بالأكمل فاعملوا بما يقرب منه (وأبشروا) بقطع الهمزة من الإبشار، وفي لغة بضم الشين من البشرى بمعنى الإبشار أي أبشروا بالثواب على العمل، وأبهم المبشر به للتنبيه على تعظيمه وتفخيمه وسقط لغير أبي ذر لفظ وأبشروا (واستعينوا) من الإعانة (بالغدوة) سير أول النهار إلى الزوال أو ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس كالغداة والغدية (والروحة) اسم للوقت من زوال الشمس إلى الليل، وضبطهما الحافظ ابن حجر كالزركشي والكرماني بفتح أولهما، وكذا البرماويّ وهو الذي في فرع اليونينية، وضبطه العيني بضم أول الغدوة وفتح أول الثاني. قلت: وكذا ضبطه ابن الأثير وعبارته: والغدوة بالضم ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس، ثم عطف على السابق قوله: (وشيء) أي واستعينوا بشيء (من الدلجة) بضم الدال المهملة وإسكان اللام سير آخر الليل أو الليل كله، ومن ثم عبر بالتبعيض ولأن عمل الليل أشرف من عمل النهار وفي هذا استعارة الغدوة والروحة وشيء من الدلجة لأوقات النشاط وفراغ القلب للطاعة، فإن هذه الأوقات أطيب أوقات المسافر فكأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاطب مسافرًا إلى مقصده فنبّهه على أوقات نشاطه لأن المسافر إذا سافر الليل والنهار جميعًا عجز وانقطع، وإذا تحرى السير في هذه الأوقات المنشطة أمكنته المداومة من غير مشقة وحسن هذه الاستعارة أن الدنيا في الحقيقة دار نقلة إلى الآخرة، وأن هذه الأوقات بخصوصها أروح ما يكون فيها البدن للعبادة، ورواة هذا الحديث ما بين مدنيّ وبصري وفيه التحديث والعنعنة، وأخرج المؤلف طرفًا منه في الرقاق وأخرجه النسائي. ولما كانت الصلوات الخمس أفضل طاعات البدن وهي تقام في هذه الأوقات الثلاث، فالصبح في الغدوة، والظهر والعصر في الروحة، والعشاءان في جزء الدلجة عند من

30 - باب الصلاة من الإيمان، وقول الله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} يعني صلاتكم عند البيت

يقول إنها سير الليل كله عقب المصنف هذا الباب بذكر الصلاة من الإيمان فقال: 30 - باب الصَّلاَةُ مِنَ الإِيمَانِ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} يَعْنِي صَلاَتَكُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ هذا (باب) بالتنوين (الصلاة من الإيمان) أي شعبة من شعبه مبتدأ وخبر ويجوز إضافة الباب إلى الجملة ولفظ باب ساقط عند الأصيلي (وقول الله تعالى) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي عز وجل وقول بالرفع عطفًا على لفظ الصلاة والجر عطفًا على المضاف إليه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} بالخطاب، وكان المقام يقتضي الغيبة، لكنه قصد تعميم الحكم للأمة الأحياء والأموات فذكر الأحياء المخاطبين تغليبًا لهم على غيرهم، وفسر البخاري الإيمان بقوله: (يعني صلاتكم) بمكة (عند البيت) الحرام إلى بيت المقدس. قال في الفتح: قد وقع التنصيص على هذا التفسير من الوجه الذي أخرج منه المصنف حيث الباب؛ وروى النسائي والطيالسي فأنزل الله {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] صلاتكم إلى بيت المقدس، وعلى هذا فقول المصنف عند البيت مشكل مع أنه ثابت عنه في جميع الروايات ولا اختصاص بذلك لكونه عند البيت، وقد قيل: إنه تصحيف والصواب يعني صلاتكم لغير البيت قال الحافظ ابن حجر وعندي أنه لا تصحيف فيه بل هو صواب ومقاصد البخاري دقيقة وبيان ذلك أن العلماء اختلفوا في الجهة التي كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توجه إليها للصلاة وهو بمكة فقال ابن عباس وغيره إلى بيت المقدس لكنه لا يستدبر الكعبة بل يجعلها بينه وبين بيت المقدس وأطلق آخرون أنه كان يصلي إلى بيت المقدس وقال آخرون كان يصلي إلى الكعبة فلما تحول إلى المدينة استقبل بيت المقدس وهذا ضعيف ويلزم منه دعوى النسخ مرتين والأول أصح لأنه يجمع بين القولين وقد صححه الحاكم وغيره من حديث ابن عباس فكان البخاري رحمه الله تعالى أراد الإشارة إلى الجزم بالأصح من أن الصلاة لما كانت عند البيت كانت إلى بيت المقدس واقتصر على ذلك اكتفاة بالأولوية لأن صلاتهم إلى غير جهة البيت وهم عند البيت إذا كانت لا تضيع فأحرى أن لا تضيع إذا بعدوا عنه والله أعلم. 40 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ -أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ- مِنَ الأَنْصَارِ، وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلاَّهَا صَلاَةَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ، وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا -كَمَا هُمْ- قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ، فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ. قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ فِي حَدِيثِهِ هَذَا أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ وَقُتِلُوا، فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}. [الحديث 40 - أطرافه في: 399، 4486، 4492، 7252]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين ابن فروخ الحنظلي الحراني نزيل مصر المتوفى سنة تسع وعشرين ومائتين وليس هو عمر بالضم والفتح وإن وقع في رواية القابسي عن عبدوس عن أبي زيد المروزي وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني فقد قالوا إنه تصحيف (قال) أي عمرو (حدّثنا زهير) بضم أوّله وفتح ثانيه ابن معاوية بن حديج بضم الحاء وفتح الدال الهملتين آخره جيم الجعدي الكوفي المتوفى سنة اثنتين أو ثلاث وسبعين ومائة (قال حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي الكوفي التابعي الجليل المتوفى سنة ست أو سبع أو ثمان أو تسع وعشرين ومائة وقول أحمد إن سماع زهير منه بعد أن بدا تغيره أجيب عنه بأن إسرائيل بن يونس حفيده وغيره تابعه عليه عند المؤلف (عن البراء) بتخفيف الراء والمد على الأشهر أبي عمرو أو أبي عامر أو أبي الطفيل وللأصيلي في رواية عن البراء بن عازب بن الحرث الأنصاري الأوسي المتوفى بالكوفة سنة اثنتين وسبعين وله في البخاري ثمانية وثلاثون حديثًا وما يخاف من تدليس أبي إسحاق فهو مأمون حيث ساقه المؤلف في التفسير من طريق الثوري بلفظ عن أبي إسحاق سمعت البراء رضي لله عنه. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أوّل ما قدم) بكسر الدال ونصب أوّل على الظرفية لا خبر كان كما وهم الزركشي فإن خبر كان قوله نزل أي في أوّل قدومه (المدينة) طيبة في هجرته من مكة (نزل على أجداده أو قال) أي أبو إسحاق (أخواله من الأنصار) وكلاهما صحيح وهو على سبيل المجاز لأن أقاربه من الأنصار من جهة الأمومة لأن أُم جده عبد المطلب منهم (وأنه) عليه الصلاة والسلام (صلى قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة (بيت المقدس) مصدر ميمي كالمرجع أي حال كونه متوجهًا إليه (ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا) على الشك في رواية زهير هنا، وللمؤلف عن إسرائيل وللترمذي أيضًا، وكذا لمسلم من رواية أبي الأحوص الجزم بالأوَل فيكون أخذ من شهر

القدوم وشهر التحويل شهرًا، وألغى الأيام الزائدة. وللبزار والطبراني عن عمرو بن عوف الجزم بالثاني كغيرهما، فيكون عدّ الشهرين معًا ومن شك تردد في ذلك أن القدوم كان في شهر ربيع الأول بلا خلاف وكان التحويل في نصف رجب من السنة الثانية على الصحيح وبه جزم الجمهور. ورواه الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس. وقال ابن حبان: سبعة عشر شهرًا وثلاثة أيام وهو مبني على أن القدوم كان في ثاني عشر ربيع الأول. وقال ابن حبيب: كان التحويل في نصف شعبان وهو الذي ذكره النووي في الروضة وأقره مع كونه رجح في شرح مسلم رواية ستة عشر شهرًا لكونها مجزومًا بها عند مسلم ولا يستقيم أن يكون ذلك في شعبان إلا إن ألغى شهرًا القدوم والتحويل وسقط لغير ابن عساكر قوله شهرًا الأول (وكان) عليه الصلاة والسلام (يعجبه أن تكون قبلته قبل) أي كون قبلته جهة (البيت) الحرام (وأنه) بفتح الهمزة عطفًا على أن الأولى كالثانية (صلى أول صلاة صلاها) متوجهًا إلى الكعبة (صلاة العصر) بنصب أول مفعول صلى وصلاة العصر بدل منه وأعربه ابن مالك بالرفع وسقط لغير الأربعة لفظة صلى، ولابن سعد حوّلت القبلة في صلاة الظهر أو العصر (وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه) وهو عباد بن بشر بن قيظي أو عباد بن نهيك (فمرّ على أهل المسجد) من بني حارثة ويعرف الآن بمسجد القبلتين (وهم راكعون) حقيقة أو من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل (فقال أشهد) أي أحلف (بالله لقد صلّيت مع رسول الله) ولابن عساكر مع النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل مكة) أي حال كونه متوجهًا إليها واللام للتأكيد وقد للتحقيق، وجملة أشهد اعتراض بين القول ومقوله (فداروا) أي سمعوا كلامه فداروا (كما هم) عليه (قبل البيت) الحرام ولم يقطعوا الصلاة بل أتموها إلى جهة الكعبة فصلوا صلاة واحدة إلى جهتين بدليلين شرعيين. قال في المصابيح: والظاهر أن الكاف في كما هم بمعنى على وما كافة وهم مبتدأ حذف خبره أي عليه أو كائنون، وقد يقال: إن ما موصولة وهم مبتدأ حذف خبره أي عليه، لكن يلزم حذف العائد المجرور مع تخلف شرطه وفيه جواز النسخ بخبر الواحد وإليه ميل المحققين، (وكانت اليهود قد أعجبهم) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهم منصوب على المفعولية (إذ كان) عليه الصلاة والسلام (يصلي قبل بيت المقدس) أي حال كونه متوجهًا إليه (وأهل الكتاب) بالرفع عطفًا على اليهود وهو من عطف العام على الخاص أو المراد به النصارى فقط وإعجابهم ذلك ليس لكونه قبلتهم بل بطريق التبعية لهم (فلما ولى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وجهه) الشريف (قبل البيت) الحرام (أنكروا ذلك) فنزل {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} [البقرة: 142] كما صرّح به المصنف في رواية من طريق إسرائيل (قال زهير) يعني ابن معاوية (حدّثنا أبو إسحاق) يعني السبيعي (عن البراء) بن عازب (في حديثه هذا) وللأصيلي أبو إسحاق في حديثه عن البراء (أنه مات على القبلة) المنسوخة (قبل أن تحول) أي قبل التحويل إلى الكعبة (رجال) عشرة منهم: عبد الله بن شهاب الزهري القرشي مات بمكة والبراء بن معرور الأنصاري بالمدينة (وقتلوا) بضم أوله وكسر ثانيه وفائدة ذكر القتل بيان كيفية موتهم إشعارًاً بشرفهم واستبعادًا لضياع طاعتهم، أو أن الواو بمعنى أو فيكون شكًّا لكن القتل فيه نظر، فإن تحويل القبلة كان قبل نزول القتال على أن هذه اللفظة لا توجد في غير رواية زهير بن معاوية إنما الموجود في باقي الروايات ذكر الموت فقط (فلم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله تعالى) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر عز وجل {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] بالقبلة المنسوخة أو صلاتكم إليها. وقول الكرماني في قول زهير هذا أنه يحتمل أن يكون المؤلف ذكره معلقًا تعقبه الحافظ ابن حجر بأن المؤلف ساقه في التفسير موصولاً مع جملة الحديث، وقد تعقبه العيني بأن صورته صورة تعليق، وأنه لا يلزم من سوقه في التفسير جملة واحدة أن يكون هذا موصولاً غير معلق انتهى. واختلف في صلاته عليه الصلاة والسلام إلى بيت المقدس

31 - باب حسن إسلام المرء

وهو بمكة فقال قوم: لم يزل يستقبل الكعبة بمكة، فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس ثم نسخ، وقال البيضاوي في تفسير قوله: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} [البقرة: 143] أي الجهة التي كنت عليها وهي الكعبة. فإنه كان عليه الصلاة والسلام يصلي إليها بمكة، ثم لما هاجر أمر بالصلاة إلى الصخرة تألفًا لليهود. وقال قوم: كان لبيت المقدس فروى ابن ماجة حديث صلينا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحو بيت المقدس ثمانية عشر شهرًا وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخول المدينة بشهرين، وظاهره أنه كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس محضًا. وعن ابن عباس كانت قبلته بمكة بيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه وبينه. قال البيضاوي: فالمخبر به على الأول الجعل الناسخ، وعلى الثاني المنسوخ، والمعنى أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة وما جعلنا قبلتك بيت المقدس اهـ. وفي هذا الحديث جواز نسخ الأحكام خلافًا لليهود وبخبر الواحد، وإليه مال القاضي أبو بكر وغيره من المحققين وجواز الاجتهاد في القبلة، وبيان شرفه عليه الصلاة والسلام وكرامته على ربه لإعطائه له ما أحب والرد على المرجئة في إنكارهم تسمية أعمال الدين إيمانًا. ورواة الحديث السابق أئمة أجلاء أربعة، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الصلاة والتفسير وفي خبر الواحد والنسائي والترمذي وابن ماجة. 31 - باب حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ هذا (باب حسن إسلام المرء) بإضافة باب لتاليه وباب ساقط عند الأصيلي. 41 - قَالَ مَالِكٌ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ زَلَفَهَا، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقِصَاصُ: الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا، إِلاَّ أَنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهَا». وبالسند إلى المؤلف قال (قال مالك) وللأصيلي وقال مالك ولابن عساكر في نسخة قال: وقال مالك يعني ابن أنس إمام دار الهجرة (أخبرني زيد بن أسلم) أو أسامة القرشي المكي مولى عمر بن الخطاب (أن عطاء بن يسار) بفتح المثناة التحتية والسين المهملة أبا محمد المدني مولى أم المؤمنين ميمونة (أخبره أن أبا سعيد الخدري) بالدال المهملة رضي الله عنه (أخبره أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقول) بالمضارع حكاية حال ماضية. (إذا أسلم العبد) أو الأمة وذكر المذكر فقط تغليبًا (فحسن إسلامه) أو إسلامها بأمن دخلا فيه بريئين من الشكوك أو المراد المبالغة في الإخلاص بالمراقبة (يكفر الله عنه) وعنها (كل سيئة كان زلفها) بتخفيف اللام المفتوحة وبه قرئ على الحافظ المنذري وغيره، ولأبي الوقت زلفها بتشديدها وعزاه في التنقيح للأصيلي، ولأبي ذر مما ليس في اليونينية أزلفها بزيادة همزة مفتوحة وهما بمعنى كما قاله الخطابي وغيره أي أسلفها وقدمها، وفي فرع اليونينية كهي أسلفها بالهمزة والسين لأبي ذر والتكفير هو التغطية وهو في المعاصي كالإحباط في الطاعات. وقال الزمحشري: التكفير إماطة المستحق من العقاب بثواب زائد والرواية في يكفر بالرفع، ويجوز الجزم لأن فعل الشرط ماضٍ وجوابه مضارع، وقول الحافظ ابن حجر في الفتح بضم الراء لأن إذا وإن كانت من أدوات الشرط لكنها لا تجزم تعقبه العيني فقال: هذا كلام من لم يشم شيئاً من العربية وقد قال الشاعر: استغن ما أغناك ربك بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتحمل فجزم إذا تصبك انتهى. قلت: قال ابن هشام في مغنيه: ولا تعمل إذا الجزم إلا في الضرورة كقوله: استغن ما أغناك الخ. قال الرضي لما كان حدث إذا الواقع فيه مقطوعًا به في أصل الوضع لم يرسخ فيه معنى أن الدّال على الفرض بل صار عارضًا على شرف الزوال، فلهذا لم تجزم إلا في الشعر مع إرادة معنى الشرط وكونه بمعنى متى (وكان بعد ذلك) أي بعد حسن الإسلام (القصاص) بالرفع اسم كان على أنها ناقصة أو فاعل على أنها تامّة، وعبّر بالماضي وإن كان السياق يقتضي المضارع لتحقق الوقوع كما في نحو قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 44] والمعنى وكتابة المجازاة في الدنيا (الحسنة) بالرفع مبتدأ وخبره (بعشر) أي تكتب أو تثبت بعشر (أمثالها) حال كونها منتهية (إلى سبعمائة ضعف) بكسر الضاد والضعف المثل إلى ما زاد، ويقال لك ضعفه يريدون مثليه وثلاثة

أمثاله لأنه زيادة غير مخصوصة قاله في القاموس، وقد أخذ بعضهم فيما حكاه الماوردي بظاهر هذه الغاية، فزعم أن التضعيف لا يتجاوز سبعمائة. وأجيب بأن في حديث ابن عباس عند المصنف في الرقاق كتب له الله عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وهو يرد عليه، وأما قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاء} [البقرة: 261] فيحتمل أن يكون المراد أنه يضاعف تلك المضاعفة لمن يشاء بأن يجعلها سبعمائة وهو الذي قاله البيضاوي تبعًا لغيره، ويحتمل أن يضاعف السبعمائة بأن يزيد عليها (والسيئة بمثلها) من غير زيادة (إلا أن يتجاوز الله) عز وجل (عنها) أي عن السيئة فيعفو عنها، وفيه دليل لأهل السُّنَّة أن العبد تحت المشيئة إن شاء الله تعالى تجاوز عنه وإن شاء آخذه وردّ على القاطع لأهل الكبائر بالنار كالمعزلة. وقول الحافظ ابن حجر: إن أول الحديث يرد على من أنكر الزيادة والنقص في الإيمان لأن الحسن تتفاوت درجاته. تعقبه العيني بأن الحسن من أوصاف الإيمان ولا يلزم من قابلية الوصف الزيادة والنقصان قابلية الذات إياهما، لأن الذات من حيث هي هي لا تقبل ذلك كما عرف في موضعه انتهى. وقد تقدم في أوّل كتاب الإيمان عند قوله: {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] تحقيق البحث في ذلك فليراجع. وهذا الحديث لم يسنده المؤلف بل علقه وقد وصله أبو ذر الهروي في روايته فقال: أخبرنا النضروي وهو العباس بن الفضل، حدّثنا الحسين بن إدريس، حدّثنا هشام بن خالد، حدّثنا الوليد بن مسلم، عن مالك، عن زيد بن أسلم به ووصله النسائي في سننه، والحسن بن سفيان في مسنده والإسماعيلي، ولفظه من طريق عبد الله بن نافع عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إذا أسلم العبد كتب الله له كل حسنة قدمها ومحا عنه كل سيئة زلفها" ثم قيل له: ائتنف العمل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة والسيئة بمثلها إلا أن يغفر الله، والدارقطني في غرائب مالك من تسع طرق، ولفظه من طريق طلحة بن يحيى عن مالك "ما من عبد يسلم فيحسن إسلامه إلا كتب الله له كل حسنة زلفها ومحا عنه كل خطيئة زلفها" بالتخفيف فيهما، وللنسائي نحوه لكن قال: أزلفها، فقد ثبت في جميع الروايات ما أسقطه البخاري وهو كتابة الحسنات المتقدمة قبل الإسلام. وقوله: كتب الله أي أمر أن يكتب. وللدارقطني من طريق ابن شعيب عن مالك يقول الله لملائكته اكتبوا. قيل: وإنما اختصره المؤلف لأن قاعدة الشرع أن الكافر لا يثاب على طاعته في شركه، لأن من شرط المتقرب كونه عارفًا بمن تقرب إليه، والكافر ليس كذلك. ورده النووي بأن الذي عليه الحققون بل نقل بعضهم فيه الإجماع أن الكافر إذا فعل أفعالاً جميلة على جهة التقرّب إلى الله تعالى كصدقة وصلة رحم وإعتاق ونحوها ثم أسلم ومات على الإسلام أن ثواب ذلك يكتب له. وحديث حكيم بن حزام المروي في الصحيحين يدل عليه كالحديث الآتي، ودعوى أنه مخالف للقواعد غير مسلمة لأنه قد يعتد ببعض أفعال الكافر في الدنيا ككفارة الظهار، فإنه لا يلزم إعادتها إذا أسلم وتجزئه. قال ابن المنير: المخالف للقواعد دعوى أنه يكتب له ذلك في حال كفره، وأما أن الله تعالى يضيف إلى حسناته في الإسلام ثواب ما كان صدر منه مما كان يظنه خيرًا فلا مانع منه. ورواة هذا الحديث أئمة أجلاء مشهورون وهو مسلسل بلفظ الاخبار على سبيل الانفراد مع التصريح بسماع الصحابي من الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 42 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلاَمَهُ فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا». وبالسند إلى المؤلف قال (حدّثنا) بالجمع وفي رواية ابن عساكر حدّثني (إسحاق بن منصور) أي ابن أبي بهرام بكسر الموحدة فيما قاله النووي، والمشهور فتحها أبو يعقوب الكوسج من أهل مرو، المتوفى سنة إحدى وخمسين ومائتين (قال: حدّثنا) وفي رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر أخبرنا (عبد الرزاق) بن همام بن نافع اليماني الصنعاني المتوفى سنة إحدى عشرة ومائتين (قال أخبرنا معمر) بميمين مفتوحتين ابن راشد أبو عروة البصري وسبق (عن همام) بتشديد الميم وفي رواية عن همّام بن منبّه بن كامل أبي

32 - باب أحب الدين إلى الله أدومه

عقبة اليماني الذماري الأنباري التابعي، المتوفى سنة إحدى عشرة ومائة بصنعاء (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أحسن أحدكم إسلامه) باعتقاده وإخلاصه ودخوله فيه بالباطن والظاهر: والخطاب للحاضرين والحكم عامّ لهم ولغيرهم باتفاق لأن حكمه عليه الصلاة والسلام على الواحد حكم على الجماعة ويدخل فيه النساء والعبيد، لكن النزاع في كيفية التناول أهي حقيقة عرفية أو شرعية أو مجاز (فكل حسنة يعملها) مبتدأ خبره (تكتب له بعشر أمثالها) حال كونها منتهية (إلى سبعمائة ضعف) بكسر الضاد أي مثل وأتى بكل وهي أصرح في الاستغراق من أل في الحديث السابق (وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها) زاد مسلم حتى يلقى الله تعالى، وقيد الحسنة والسيئة هنا بالعمل وأطلق في السابق فيحمل المطلق على المقيد والباء في بمثلها للمقابلة. وفي الحديث التحديث والإخبار والعنعنة، وهو إسناد حديث من نسخة همام المشهورة المروية بإسناد واحد عن عبد الرزاق عن معمر عنه، والجمهور على جواز سياق حديث منها بإسنادها ولو لم يكن مبتدأ به فافهم. 32 - باب أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُه هذا (باب) بالتنوين (أحب الدين ألى الله) زاد في رواية الأصيلي عز وجل (أدومه) أفعل تفصيل من الدوام، والمراد به هنا الدوام العرفي وهو قابل للكثرة والقلة. 43 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ. قَالَ مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ فُلاَنَةُ -تَذْكُرُ مِنْ صَلاَتِهَا- قَالَ «مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لاَ يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا». وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. [الحديث 43 - طرفه في: 1151]. وبالسند إلى المؤلف قال رحمه الله تعالى: (حدّثنا محمد بن المثنى) بالمثلثة والنون المفتوحة المشدّدة أبو موسى البصري المذكور في باب حلاوة الإيمان قال (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان الأحول (عن هشام) يعني ابن عروة (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عليها و) الحال (عندها امرأة فقال) بإثبات فاء العطف، وللأصيلي قال بحذفها فيكون جملة استئنافية جواب سؤال مقدّر كأن قائلاً يقول ماذا قال حين دخل قالت قال (من هذه؟ قالت) عائشة هي (فلانة) بعدم الصرف للتأنيث والعلمية إذ هو كناية عن ذلك وهي الحولاء بالمهملة والد كما في مسلم بنت تويت بمثناتين مصغرًا (تذكر) بفتح المثناة الفوقية أي عائشة (من صلاتها) في محل نصب على المفعولية، ولغير الأربعة يذكر بضم المثناة التحتية مبنيًّا لما لم يسمّ فاعله وتاليه نائب عنه أي يذكرون أن صلاتها كثيرة، وعند المؤلف في صلاة الليل معلقًا لا تنام الليل، ولعل عائشة أمنت عليها الفتنة فمدحتها في وجهها لكن في مسند الحسن بن سفيان كانت عندي امرأة فلما قامت قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من هذه يا عائشة قالت: يا رسول الله هذه فلانة وهي أعبد أهل المدينة، فظاهر هذه الرواية أن مدحها كان في غيبتها (قال) عليه الصلاة والسلام: (مه) بفتح الميم وسكون الهاء اسم للزجر بمعنى اكفف نهاها عليه السلام عن مدح المرأة بما ذكرته أو عن تكلّف عمل ما لا يطاق، ولذا قال بعده (عليكم) من العمل (بما) بموحدة قبل الميم، وفي رواية الأصيلي ما (تطيقون) أي بالذي تطيقون المداومة عليه وحذف العائد للعلم به ويفهم منه النهي عن تكليف ما لا يطاق وسبب وروده خاص بالصلاة، لكن اللفظ عامّ فيشمل جميع الأعمال، وعدل عن خطاب النساء إلى خطاب الرجال طلبًا لتعميم الحكم فغلب الذكور على الإناث في الذكر (فوالله لا يملّ الله حتى) أن (تملوا) بفتح الميم في الموضعين وهو من باب المشاكلة والازدواج، وهو أن تكون إحدى اللفظتين موافقة للأخرى وإن خالفت معناها. والملال ترك الشيء استثقالًا وكراهة له بعد حرص ومحبة فيه فهو من صفات المخلوقين لا من صفات الخالق تعالى فيحتاج إلى تأويل، فقال المحققون: هو على سبيل المجاز لأنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن قطع العمل ملالاً عبر عن ذلك بالملال من باب تسمية الشيء باسم سببه أو معناه لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله، (وكان أحب الدين) أي الطاعة (إليه) أي إلى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية المستملي إلى الله وليس بين الروايتين تخالف لأن ما كان أحب

33 - باب زيادة الإيمان ونقصانه، وقول الله تعالى: (وزدناهم هدى - ويزداد الذين آمنوا إيمانا) وقال: {اليوم أكملت لكم دينكم} فإذا ترك شيئا من الكمال فهو ناقص

إلى الله كان أحب إلى رسوله وفي رواية أبي الوقت والأصيلي وكان أحب بالرفع اسم كان (ما داوم) أي واظب (عليه صاحبه) وإن قلَّ فبالمداومة على القليل تستمر الطاعة بخلاف الكثير الشاق، وربما ينمو القليل الدائم حتى يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة، وهذا من مزيد شفقته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورأفته بأمته حيث أرشدهم إلى ما يصلحهم وهو ما يمكنهم الدوام عليه من غير مشقة جزاه الله عنّا ما هو أهله، وسقط عند الأصيلي قوله ما داوم عليه صاحبه، والتعبير بأحب هنا يقتضي أن ما لم يداوم عليه صاحبه من الدين محبوب، ولا يكون هذا إلا في العمل ضرورة أن ترك الإيمان كفر. قاله في الصابيح. وفي هذا الحديث الدلالة على استعمال المجاز وجواز الحلف من غير استحلاف وأنه لا كراهة فيه إذا كان لمصلحة وفضيلة المداومة على العمل وتسمية العمل دينًا، وقد أخرجه المؤلف أيضًا في الصلاة ومسلم ومالك في موطئه. 33 - باب زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَزِدْنَاهُمْ هُدًى - وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا) وَقَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فَإِذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الْكَمَالِ فَهُوَ نَاقِص (باب زيادة الإيمان ونقصانه) بإضافة باب لتاليه فقط. (وقول الله تعالى) بجر قول عطفًا على زيادة الإيمان، ولأبي ذر وابن عساكر عز وجل بدل قوله تعالى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13] لأن زيادته مستلزمة للإيمان أو المراد بالهدى الإيمان نفسه، وقوله تعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31] (وقال) تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} أي شرائعه. فإن قلت: إذا كان تفسير الآية ما ذكر فما وجه استدلال المصنف بها على زيادة الإيمان ونقصانه. أجيب: بأن الكمال مستلزم للنقص واستلزامه للنقص يستدعي قبوله الزيادة. ومن ثم قال المؤلف: (فإذا ترك) وللأصيلي فإذا تركت (شيئًا من الكمال فهو ناقص) لا يقال إن الدين كان ناقصًا قبل وإن من مات من الصحابة كان ناقص الإيمان من حيث إن موته قبل نزول ْالفرائض أو بعضها لأن الإيمان لم يزل تامًّا والنقص بالنسبهَ إلى الذين ماتوا قبل نزول الفرائض من الصحابة صوريّ نسبيّ ولهم فيه رتبة الكمال من حيث المعنى، وهذا يشبه قول القائل إن شرع محمد أكمل من شرع موسى وعيسى لاشتماله من الأحكام على ما لم يقع في الكتب السابقة، ومع هذا فشرع موسى في زمانه كان كاملاً وتجدد في شرع عيسى بعده ما تجدد، فالأكملية أمر نسبيّ، وعبر المؤلف بقال الماضي ولم يقل، وقوله اليوم على أسلوب السابق لأن الاستدلال به نص صريح في الزيادة وهو مستلزم للنقص بخلاف هذه، فإن الصريح فيها الكمال وليس هو نصًّا صريحًا في الزيادة. 44 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، ويَخرُجُ مِن النارِ من قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ أَبَانُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مِنْ إِيمَانٍ» مَكَانَ «مِنْ خَيْرٍ». [الحديث 44 - أطرافه في: 4476، 6565، 7410، 7440، 7509، 7510، 7516]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) بضم ميم مسلم وكسر لامه مخففًا أبو عمرو البصري الأزدي الفراهيدي بفتح الفاء وبالراء وبالهاء المكسورة والمثناة التحتية والدال المهملة، وعند ابن الأثير بالمعجمة بطن من الأزد مولاهم القصاب أو الشحام، المتوفى سنة اثنتين وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا هشام) بكسر الهاء ابن أبي عبد الله سندر الربعي بفتح الراء والموحدة نسبة إلى ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان البصري الدستوائي بفتح الدال وإسكان السين المهملتين بعدهما مثناة فوقية مفتوحة أو مضمومة مهموز من غير نون نسبة إلى كورة من كور الأهواز لبيعه الثيات المجلوبة منها، المتوفى سنة أربع وخمسين ومائة، وكان يرمى بالقدر لكنه لم يكن داعية (قال: حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس) هو ابن مالك رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يخرج من النار) بفتح المثناة التحتية من الخروج، وفي رواية الأصيلي وأبي الوقت يخرج بضمها من الإخراج في جميع الحديث فالتالي وهو (من قال) في محل رفع على الوجهين، فالرفع على الأوّل على الفاعلية، وعلى الثاني على النيابة عن الفاعل ومن موصولة ولاحقها جملة صلتها ومقول القول (لا اله إلاّ الله) أي مع قول محمد رسول الله، فالجزء الأوّل علم على المجموع كـ {قل هو الله أحد} على السورة كلها أو أن هذا كان قبل مشروعية ضمها إليه كما قاله العيني كالكرماني وفي ذلك نظر على ما لا يخفى. (وفي قلبه وزن شعيرة من خير) أي من إيمان كما في الرواية الأخرى. والمراد به الإيمان بجميع ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام

والجملة في موضع الحال، والتنوين في خير للتقليل المرغب في تحصيله إذ إنه إذا حصل الخروج بأقل مما ينطلق عليه اسم الإيمان فبالكثير منه أحرى. فإن قلت: الوزن إنما يتصوّر في الأجسام دون المعاني. أجيب: بأن الإيمان شبّه بالجسم فأضيف إليه ما هو من لوازمه وهو الوزن، والمراد بالقول هنا النفسي. نعم الإقرار لا بدّ منه ولذا أعاده في كل مرة. (ويخرج من النار من قال: لا إله إلاّ الله) محمد رسول الله (وفي قلبه وزن برة) بضم الموحدة وتشديد الراء المفتوحة وهي القمحة (من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلاّ الله) محمد رسول الله (وفي قلبه وزن ذرة من خير) بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء المفتوحة واحدة الذر وهو كما في القاموس: صغار النمل ومائة منها زنة حبة شعير انتهى. ولغيره أن أربع ذرّات وزن خردلة أو هو الهباء الذي يظهر في شعاع الشمس مثل رؤوس الإبر وهو الساقط من التراب بعد وضع كفّك فيه ونفضها، ونسب هذا الأخير لابن عباس، فوزن الذرة هو التصديق الذي لا يجوز أن يدخله النقص، وما في البرة والشعيرة من الزيادة على الذرة فإنما هو من زيادة الأعمال التي يكمل التصديق بها وليست زيادة في نفس التصديق قاله المهلب. وقال في الكواكب: وإنما أضاف هذه الأجزاء التي في الشعيرة والبرة الزائدة على الذرة إلى القلب لأنه لا كان الإيمان التامّ إنما هو قول وعمل، والعمل لا يكون إلا بنية وإخلاص من القلب، فلذا جاز أن ينسب العمل إلى القلب إذ تمامه بتصديق القلب. فإن قلت: التصديق القلبيّ كافٍ في الخروج إذ المؤمن لا يخلد في النار، وأما قوله: لا إله إلاّ الله فلإجراء أحكام الدنيا عليه فما وجه الجمع بينهما؟ أجيب: بأن المسألة مختلف فيها فقال جماعة لا يكفي مجرد التصديق، بل لا بدّ من القول والعمل أيضًا وعليه البخاري، أو المراد بالخروج هو بحسب حكمنا به أي الحكم بالخروج لمن كان في قلبه إيمان ضامًّا إليه عنوانه الذي يدل عليه إذ الكلمة هي شعار الإيمان في الدنيا وعليه مدار الأحكام فلا بدّ منهما حتى يصحّ الحكم بالخروج انتهى. وقال ابن بطال: التفاوت في التصديق على قدر العلم والجهل فمن قلَّ علمه كان تصديقه مثلاً بمقدار ذرّة، والذي فوقه في العلم تصديقه بمقدار برة أو شعيرة إلا أن التصديق الحاصل في قلب كل واحد منهم لا يجوز عليه النقصان وتجوز عليه الزيادة بزيادة العلم والمعاينة. وبالجملة؛ فحقيقة التصديق واحدة لا تقبل الزيادة والنقصان وقدّم الشعيرة على البرة لكونها أكبر جرمًا منها وأخّر الذرّة لصغرها، فهو من باب الترقي في الحكم وإن كان من باب التنزل. وفي هذا الحديث الدلالة على زيادة الإيمان ونقصانه ودخول طائفة من عصاة الموحدين النار، وأن الكبيرة لا يكفر من عملها ولا يخلد في النار، ورواته كلهم أئمة أجلاّء بصريون وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه البخاري أيضًا في التوحيد، ومسلم في الإيمان، والترمذي في صفة جهنم وقال: حسن صحيح. (قال أبو عبد الله) البخاري وفي رواية ابن عساكر بحذف قال أبو عبد الله كما في الفرع، وأصله (قال أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة بالصرف على أنه فعال كغزال والهمزة أصل وهي فاء الكلمة والمنع على أنها زائدة ووزنه أفعل فمنع لوزن الفعل والعلمية واختاره ابن مالك بن يزيد العطار البصري وللأربعة، وقال أبان بواو العطف (حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا أنس) هو ابن مالك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من إيمان مكان خير). وللأصيلي من خير، وهذا من التعليقات وقد وصله الحاكم في كتاب الأربعين له من طريق أبي سلمة موسى بن إسماعيل قال: حدّثنا أبان، ونبّه المؤلف به على تصريح زيادة فيه بالتحديث عن أنس، لأن قتادة مدلس لا يحتج بعنعنته إلا إذا ثبت سماعه للذي عنعن عنه، وعلى تفسير المتن بقوله: من إيمان بدل قوله من خير. 45 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ سَمِعَ جَعْفَرَ بْنَ عَوْنٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ أَخْبَرَنَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. قَالَ أَيُّ آيَةٍ قَالَ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا). قَالَ عُمَرُ قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ. [الحديث 45 - أطرافه في: 4407، 4606، 7268]. وبه قال: (حدّثنا الحسن بن الصباح) بتشديد الموحدة ابن محمد، وللأصيلي البزار بزاي بعدها راء الواسطي، المتوفى ببغداد سنة ستين ومائتين أنه (سمع جعفر بن عون) أي ابن أبي جعفر المخزومي المتوفى بالكوفة سنة سبع ومائتين

34 - باب الزكاة من الإسلام، وقوله {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة)

قال: (حدّثنا أبو العميس) بضم العين المهملة وفتح الميم وسكون المثناة التحتية آخره سين مهملة الهذلي المسعودي الكوفي المتوفى سنة عشرين ومائة قال: (أخبرنا قيس بن مسلم) الكوفي العابد المتوفى سنة عشرين ومائة أيضًا (عن طارق بن شهاب) يعني ابن عبد شمس الصحابي المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومائة. وقال المزي: سنة ثلاث وثمانين، وقيل سنة اثنتين وقيل سنة أربع (عن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه. (أن رجلاً من اليهود) هو كعب الأحبار قبل أن يسلم كما قاله الطبراني في الأوسط وغيره كلهم من طريق رجاء بن أبي سلمة عن عبادة بن نسي بضم النون وفتح المهملة عن إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب عن كعب أنه (قال له) أي لعمر: (يا أمير المؤمنين آية) مبتدأ وساغ مع كونه نكرة لتخصصه بالصفة وهي (في كتابكم تقرؤونها) والخبر (لو علينا معشر اليهود نزلت) أي لو نزلت علينا كقوله: لو أنتم تملكون أي لو تملكون أنتم لأن لولا تدخل إلا على الفعل، فحذف الفعل لدلالة الفعل المذكور عليه، ومعشر نصب على الاختصاص أي أعني معشر اليهود (لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا) نعظمه في كل سنة ونسر فيه لعظم ما حصل فيه من كمال الدين (قال) عمر رضي الله عنه: (أي آية) هي فالخبر محذوف؟ (قال) كعب {اليوم أكملت لكم دينكم} قال البيضاوي بالنصر والإظهار على الأديان كلها أو بالتنصيص على قواعد العقائد والتوقيف على أصول الشرائع وقوانين الاجتهاد {وأتممت عليكم نعمتي} بالهداية والتوفيق أو بإكمال الدين أو بفتح مكة وهدم منارات الجاهلية {ورضيت لكم الإسلام} أي اخترته لكم {دينًا} [المائدة: 3] من بين الأديان وهو الدين عند الله (قال) وفي رواية الأربعة فقال (عمر) رضي الله عنه: (قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت) في رواية الأصيلي أنزلت (فيه على النبي) وفي رواية أبي ذر على رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو قائم) أي والحال أنه قائم (بعرفة) بعدم الصرف للعلمية والتأنيث (يوم جمعة). وفي رواية أبي ذر وأبي الوقت ونسخة لابن عساكر يوم الجمعة، وإنما لم يمنع من الصرف على الأولى كما في عرفة لأن الجمعة صفة أو غير صفة وليس علمًا، ولو كانت علمًا لامتنع صرفها وهي بفتح الميم وضمها وإسكانها، فالمتحرك بمعنى الفاعل كضحكة بمعنى ضاحك والمسكن بمعنى المفعول كضحكة أي مضحوك عليه وهذه قاعدة كلية فالمعنى إما جامع للناس أو مجموع له، وإنما لم ينقل عمر رضي الله عنه جعلناه عيدًا ليطابق جوابه السؤال، لأنه ثبت في الصحيح أن النزول كان بعد العصر ولا يتحقق العيد إلا من أوّل النهار، وقد قالوا: إن رؤية الهلال بعد الزوال للقابلة ولا ريب أن اليوم التالي ليوم عرفة عيد للمسلمين، فكأنه قال: جعلناه عيدًا بعد إدراكنا استحقاق ذلك اليوم للتعبّد فيه. وقال الحافظ ابن حجر: وعندي أن هذه الرواية اكتفى فيها بالإشارة وإلاّ فرواية إسحاق بن قبيصة قد نصت على المراد ولفظه يوم جمعة يوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد، وللطبراني وهما لنا عيد، فظهر أن الجواب تضمن أنهم اتخذوا ذلك اليوم عيدًا وهو يوم الجمعة، واتخذوا يوم عرفة عيدًا لأنه ليلة العيد انتهى. وقال النووي: فقد اجتمع في ذلك اليوم فضيلتان وشرفان، ومعلوم تعظيمنا لكلٍّ منهما فإذا اجتمعا زاد التعظيم فقد اتخذنا ذلك اليوم عيدًا وعظمنا مكانه. وفي رجال هذا الحديث ثلاثة كوفيون ورواية صحابي عن صحابي والتحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف في المغازي والتفسير والاعتصام ومسلم والترمذي وقال حسن صحيح، وكذا النسائي في الإيمان والحج. 34 - باب الزَّكَاةُ مِنَ الإِسْلاَمِ، وَقَوْلُهُ {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (باب) بالتنوين (الزكاة من الإسلام) أي من شعبه مبتدأ أو خبر ويجوز إضافة الباب للاحقه (وقوله) بالرفع والجرّ على ما لا يخفى وللأصيلي: عز وجل، ولابن عساكر: سبحانه: {وما أُمروا} أي أهل الكتاب في التوراة والإنجيل، ولأبي ذر باب الزكاة من الإسلام وما أُمروا {إلا ليعبدوا الله} حال كونهم (مخلصين له الدين) لا يشركون به فما أُريد به وجه الله فقط إخلاص ما لم يشبه ركون أو حظ كطهره لله تعالى مع نيّة تبرد وصومه لله تعالى بنيّة الحمية ونحوها، أو يعتكف له بمسجد ويدفع مؤونة

مسكنه، وهذه النية لا تحبطه لصحة حجه لله تعالى مع نية تجارة إجماعًا، فالإخلاص ما صفا عن الكدر وخلص من الشوائب، الرياء آفة عظيمة تقلب الطاعة معصية، فالإخلاص رأس جميع العبادات {حنفاء} مائلين عن العقائد الزائغة {ويقيموا الصلاة} التي هي عماد الدين وهو من باب عطف الخاص على العام {ويؤتوا الزكاة} ولكنهم حرّفوا وبدّلوا {وذلك} المذكور من هذه الأشياء هو {دين القيمة} [البينة: 5] أي دين الملّة القيّمة أي المستقيمة وسقط عند الأصيلي وذلك دين القيّمة. وفي رواية أبي الوقت من قوله حنفاء إلى آخر الآية فقال: {مخلصين له الدين} الآية. 46 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرُ الرَّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلاَ نُفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلاَمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. فَقَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَصِيَامُ رَمَضَانَ. قَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ. قَالَ وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزَّكَاةَ. قَالَ هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ. قَالَ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ. [الحديث أطرافه 46 - في: 1891، 2678، 6956]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس الأصبحي المدني المتوفى سنة ست وعشرين ومائتين (قال: حدّثني) بالإفراد، وللأصيلي حدّثنا (مالك بن أنس) الإمام وسقط عند الأصيلي وابن عساكر قوله ابن أنس (عن عمه أبي سهيل بن مالك) واسم أبي سهيل نافع المدني (عن أبيه) مالك بن أبي عامر (أنه سمع طلحة بن عبيد الله) بن عثمان القرشي التيمي أحد العشرة المبشرة بالجنة المقتول يوم الجمل لعشر خلون من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين ودفن بالبصرة وله في البخاري أربعة أحاديث (يقول): (جاء رجل) هو ضمام بن ثعلبة أو غيره (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أهل نجد) بفتح النون وسكون الجيم وهو كما في العباب وغيره ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق، وفي رواية أبي ذر جاء رجل من أهل نجد إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثائر) بالمثلثة أي متفرق شعر (الرأس) من عدم الرفاهية فحذف المضاف للقرينة العقلية، أو أطلق اسم الرأس على الشعر لأنه نبت منه، كما يطلق اسم السماء على المطر أو مبالغة بجعل الرأس كأنها المنتفشة، وثائر بالرفع صفة لرجل أو بالنصب على الحال ولا يضر إضافتها لأنها لفظية (نسمع) بنون الجمع (دويّ صوته) بفتح الدال وكسر الواو وتشديد الياء منصوب مفعولاً به (ولا نفقه) بنون الجمع كذلك (ما يقول) أي الذي يقوله في محل نصب على الفعولية، وفي رواية ابن عساكر يسمع ولا يفقه بضم المثناة التحتية فيهما مبنيًّا لما لم يُسمّ فاعله ودوي وما يقول نائبان عنه. والدوي شدة الصوت وبعده في الهواء فلا يفهم منه شيء (حتى دنا) أي إلى أن قرب فهمناه. (فإذا هو يسأل عن الإسلام) أي عن أركانه وشرائعه بعد التوحيد والتصديق أو عن حقيقته، واستبعد هذا من حيث إن الجواب يكون غير مطابق للسؤال وهو قوله (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): هو (خمس صلوات في اليوم والليلة) أو خذ خمس صلوات ويجوز الجرّ بدلاً من الإسلام، فظهر أن السؤال وقع عن أركان الإسلام وشرائعه، ووقع الجواب مطابقًا. ويؤيده ما في رواية إسماعيل بن جعفر عند المؤلف في الصيام أنه قال: أخبرني ماذا فرض الله عليّ من الصلاة وليس الصلوات الخمس عين الإسلام، ففيه حذف تفديره إقامة خمس صلوات في اليوم والليلة، وإنما لم يذكر له الشهادة لأنه علم أنه يعلمها أو علم أنه إنما يسأل عن الشرائع الفعلية أو ذكرها فلم ينقلها الراوي لشهرتها (فقال) الرجل المذكور، ولابن عساكر قال (هل عليّ غيرها) بالرفع مبتدأ مؤخر خبره عليّ (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لا) شيء عليك غيرها وهو حجة على الحنفية حيث أوجبوا الوتر وعلى الإصطخري من الشافعية حيث قال: إن صلاة العيدين فرض كفاية (إلا أن تطوع) استثناء من قوله لا منقطع أي لكن التطوّع مستحب لك، وعلى هذا لا تلزم النوافل بالشروع فيها، لكن يستحب إتمامها ولا يجب. وقد روى النسائي وغيره أن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أحيانًا ينوي صوم التطوّع ثم يفطر، وفي البخاري أنه أمر جويرية بنت الحرث أن تفطر يوم الجمعة بعد أن شرعت فيه، فدل على أن الشروع في النفل لا يستلزم الإتمام، فهذا النص في الصوم والباقي بالقياس ولا يرد الحج لأنه امتاز عن غيره بالمضي في فاسده، فكيف في صحيحه أو الاستثناء متصل على الأصل، واستدل به على أن الشروع في التطوّع يلزم إتمامه. وقرره القرطبي من المالكية بأنه نفي وجوب شيء آخر أي: إلا ما تطوّع به، والاستثناء من النفي إثبات

35 - باب اتباع الجنائز من الإيمان

ولا قائل بوجوب التطوع، فتعيّن أن يكون المراد إلا أن تشرع في تطوّع فيلزمك إتمامه. وفي مسند أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين فأهديت لنا شاة فأكلنا، فدخل علينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرناه فقال "صوما يومًا مكانه" والأمر للوجوب، فدلّ علي أن الشروع ملزم. (قال) وفي رواية أبي الوقت والأصيلي فقال (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصيام) بالرفع عطفًا على خمس صلوات وفي رواية أبي ذر وصوم (رمضان. قال) الرجل (هل عليّ غيره؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا إلا أن تطوّع) فلا يلزمك إتمامه إذا شرعت فيه أو إلا إذا تطوّعت، فالتطوّع يلزمك إتمامه لقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد: 33] وفي استدلال الحنفية نظر لأنهم لا يقولون بفرضية الإتمام بل بوجوبه واستثناء الواجب من الفرض منقطع لتباينهما، وأيضًا فإن الاستثناء عندهم من النفي ليس للإثبات بل مسكوت عنه كما قاله في الفتح. (قال) الراوي طلحة بن عبيد الله (وذكر له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزكاة قال) وفي رواية الأصيلي وأبي ذر فقال الرجل المذكور: (هل عليّ غيرها؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لا إلا أن تطوّع، قال) الراوي (فأدبر الرجل) من الإدبار أي تولى (وهو يقول) أي والحال أنه يقول: (والله لا أزيد) في التصديق والقبول (على هذا ولا أنقص) منه شيئاً أي قبلت كلامك قبولاً لا مزيد عليه من جهة السؤال ولا نقصان فيه من طريق القبول، أو لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص منه عند الإبلاغ لأنه كان وافد قومه ليتعلم ويعلمهم، لكن يعكر عليهما رواية إسماعيل بن جعفر حيث قال: لا أتطوّع شيئًا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئًا، أو المراد لا أغير صفة الفرض كمن ينقص الظهر مثلاً ركعة أو يزيد المغرب، (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أفلح) الرجل أي فاز (إن صدق) في كلامه. واستشكل كونه أثبت له الفلاح بمجرد ما ذكر وهو لم يذكر له جميع الواجبات ولا المنهيات ولا المندوبات. وأجيب: بأنه داخل في عموم قوله في حديث إسماعيل بن جعفر المروي عند المؤلف في الصيام بلفظ: فأخبره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-بشرائع الإسلام. فإن قلت: أما فلاحه بأنه لا ينقص فواضح وأما بأن لا يزيد فكيف يصح؟ أجاب النووي بأنه أثبت له الفلاح لأنه أتى بما عليه وليس فيه أنه إذا أتى بزائد على ذلك لا يكون مفلحًا لأنه إذا أفلح بالواجب ففلاحه بالمندوب مع الجواب أولى، وفي هذا الحديث أن السفر والارتحال لتعلّم العلم مشروع وجواز الحلف من غير استحلاف ولا ضرورة ورجاله كلهم مدنيون وتسلسل بالأقارب، لأن إسماعيل يرويه عن خاله عن عمه عن أبيه، وأخرجه أيضًا في الصوم وفي ترك الحيل، وأخرجه مسلم في الإيمان، وأبو داود في الصلاة والنسائي فيها وفي الصوم. 35 - باب اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ مِنَ الإِيمَان هذا (باب) بالتنوين (اتّباع الجنائز من الإيمان) أي شعبة من شعبه، واتّباع بتشديد التاء المكسورة والجنائز جمع جنازة بفتح الجيم وكسرها الميت أو بالفتح للميت وبالكسر للنعش أو عكسه أو بالكسر النعش وعليه الميت. 47 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَنْجُوفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ. وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ». تَابَعَهُ عُثْمَانُ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. نَحْوَهُ. [الحديث 47 - طرفاه في: 1323، 1325]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا أحمد بن عبد الله بن عليّ المنجوفي) نسبة إلى جدّ أبيه منجوف بفتح الميم وسكون النون وضم الجيم وفي آخره فاء ومعناه الموسع، المتوفى سنة اثنتين وخمسين ومائتين (قال: حدّثنا روح) بفتح الراء وبالحاء المهملتين ابن عبادة بن العلاء البصري المتوفى سنة خمس ومائتين (قال: حدّثنا عوف) بالفاء ابن أبي جميلة بندويه بفتح الموحدة وبالنون الساكنة والدال المهملة المضمومة والواو الساكنة والمثناة التحتية العبدي الهجري البصري، المتوفى سنة ست أو سبع وأربعين ومائة، ونسب إلى التشيع (عن الحسن) البصري (ومحمد) بالجرّ عطفًا على الحسن، وللأصيلي ومحمد بالرفع هو ابن سيرين أبو بكر الأنصاري مولاهم البصري التابعي الجليل، المتوفى سنة عشر ومائة بعد الحسن بمائة وعشرين يومًا كلاهما (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من اتبع) بتشديد المثناة الفوقية، وفي رواية الأصيلي وابن عساكر تبع بغير ألف وكسر الموحدة (جنازة

36 - باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر.

مسلم) حال كون ذلك (إيمانًا واحتسابًا) أي محتسبًا لا مكافأة ومخافة (وكان معه) أي مع المسلم. وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني معها أي الجنازة (حتى يصلى) بفتح اللام في اليونينية فقط وفي هامشها بكسرها (عليها ويفرغ من دفنها) بالبناء للفاعل في الفعلين أو بالبناء للمفعول والجار والمجرور فيهما هو النائب عن الفاعل، وللأصيلي يصلّ بحذف الياء وكسر اللام (فإنه يرجع من الأجْر بقيراطين) مثنى قيراط وهو اسم لمقدار من الثواب يقع على القليل والكثير بينه بقوله (كل قيراط مثل) جبل (أُحُد) بضمتين بالمدينة سمي به لتوحده وانقطاعه عن جبال أخرى هناك، فحصول القيراطين مقيد بالصلاة والاتّباع في جميع الطريق مع الدفن وهو تسوية القبر بالتمام أو نصب اللبن عليه والأوّل أصح عندنا، ويحتمل حصول القيراط بكل منهما، لكن بتفاوت القيراط ولا يقال يحصل القيراطان بالدفن من غير صلاة بظاهر رواية فتح لام يصلى لأن المراد فعلهما معًا جميعًا بين الروايتين وحملاً للمطلق على المقيد (ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن) بنصب قبل على الظرفية وأن مصدرية أي قبل الدفن (فإنه يرجع بقيراط) من الأجْر، فلو صلى وذهب إلى القبر وحده ثم حضر الدفن لم يحصل له القيراط الثاني كذا قاله النووي، وليس في الحديث ما يقتضي ذلك إلا بطريق المفهوم، فإن ورد منطوق بحصول القيراط بشهود الدفن وحده، كان مقدمًا ويجمع حينئذ بتفاوت القيراط، ولو صلى ولم يشيع رجع بالقيراط لأن كل ما قبل الصلاة وسيلة إليها، لكن يكون قيراط من صلى دون قيراط من شيع مثلاً وصلى، وفي مسلم أصغرهما مثل أُحُد وهو يدل على أن القراريط تتفاوت، وفي رواية مسلم أيضًا: من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط، لكن يحتمل أن يكون المراد بالاتباع هنا ما بعد الصلاة ولو تبعها ولم يصل ولم يحضر الدفن فلا شيء له بل حكي عن أشهب كراهته، وسيأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في كتاب الجنائز بحول الله وقوته. وفي الحديث الحثّ على صلاة الجنازة واتّباعها وحضور الدفن والاجتماع لها، ورجاله كلهم بصريون غير أبي هريرة، واشتمل على التحديث والعنعنة، وأخرجه النسائي في الإيمان والجنائز. (تابعه) أي تابع روحًا في الرواية عن عوف (عثمان) بن الهيثم بن جهم البصري (المؤذن) بجامعها المتوفى لإحدى عشرة ليلة خلت من رجب سنة عشرين ومائتين. وفي رواية ابن عساكر قال أبو عبد الله أي البخاري تابعه عثمان المؤذن (قال: حدّثنا عوف) الأعراب (عن محمد) بن سيرين ولم يروه عن الحسن (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه) بالنصب أي بمعنى ما سبق لا بلفظه، وهذه المتابعة وصلها أبو نعيم في مستخرجه هذا. 36 - باب خَوْفِ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلاَّ خَشِيتُ أَنْ أَكُونَ مُكَذَّبًا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَدْرَكْتُ ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ. مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ. وَيُذْكَرُ عَنِ الْحَسَنِ: مَا خَافَهُ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ أَمِنَهُ إِلاَّ مُنَافِقٌ. وَمَا يُحْذَرُ مِنَ الإِصْرَارِ عَلَى التَقاتُلِ وَالْعِصْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. (باب خوف المؤمن من أن يحبط) على صيغة المعلوم من باب علم يعلم (عمله) أي من حبط عمله وهو ثوابه الموعود به (وهو لا يشعر) به جملة اسمية وقعت حالاً لا يقال إن ما قاله المؤلف يقوّي مذهب الإحباطية لأن مذهبهم إحباط الأعمال بالسيئات وإذهابها جملة، فحكموا على العاصي بحكم الكافر، لأن مراد المؤلف إحباط ثواب ذلك العمل فقط لأنه لا يُثاب إلا على ما أخلص فيه. وقال النووي المراد بالحبط نقصان الإيمان وإبطال بعض العبادات لا الكفر انتهى. ولفظة (من) ساقطة في رواية ابن عساكر وهي مقدّرة عند سقوطها لأن المعنى عليها، وهذا الباب وضعه المؤلف ردًّا على المرجئة القائلين بأن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط المطلقين الإيمان الكامل مع وجود المعصية. (وقال إبراهيم) بن يزيد بن شريك (التيمي) تيم الرباب بكسر الراء الكوفي المتوفى سنة اثنتين وتسعين (ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبًا) بفتح المعجمة أي يكذبني من رأى عملي مخالفًا لقولي، وإنما قال ذلك لأنه كان يعظ، وفي رواية الأربعة مكذبًاً بكسر الذال وهي رواية الأكثر كما قاله الحافظ ابن حجر، ومعناه: أنه مع وعظه للناس لم يبلغ غاية العمل، وقد ذمّ الله تعالى من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وقصر في العمل فقال: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3]. وقال البيضاوي في آية {أَتَأْمُرُونَ

النَّاسَ بِالْبِرِّ} [البقرة: 44] أنها ناعية على من يعظ غيره ولا يعظ نفسه سوء صنيعه وخبث نفسه وأن فعله فعل الجاهل بالشرع أو الأحمق الخالي عن العقل، فإن الجامع بينهما تأبى عنه شكيمته، والمراد بها حث الواعظ على تزكية النفس والإقبال عليها بالتكميل ليقوم فيقيم لا منع الفاسق من الوعظ، فإن الإخلال بأحد الأمرين المأمور بهما لا يوجب الإخلال بالآخر انتهى. وهذا التعليق المذكور وصله المصنف في تاريخه عن أبي نعيم وأحمد بن حنبل في الزهد، عن ابن مهدي كلاهما، عن سفيان الثوري، عن أبي حيان التيمي، عن إبراهيم المذكور. (وقال ابن أبي مليكة) بضم الميم عبد الله بفتح العين ابن عبيد الله بضمها القرشي التيمي المكي الأحول المؤذن القاضي لابن الزبير المتوفى سنة سبع عشرة ومائة (أدركت ثلاثين من أصحاب النبي) وفي نسخة رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أجلهم عائشة وأختها أسماء وأم سلمة والعبادلة الأربعة، وعقبة بن الحرث والمسور بن مخرمة (كلهم يخاف) أي يخشى (النفاق) في الأعمال (على نفسه) لأنه قد عرض للمؤمن في عمله ما يشوبه مما يخالف الإخلاص ولا يلزم من خوفهم ذلك وقوعه منهم، وإنما ذلك على سبيل المبالغة منهم في الورع والتقوى رضي الله عنّا بهم، أو قالوا ذلك لكون أعمارهم طالت حتى رأوا من التغيير ما لم يعهدوه مع عجزهم عن إنكاره فخافوا أن يكونوا داهنوا بالسكوت (ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل) عليهما الصلاة والسلام أي: لا يجزم أحد منهم بعدم عروض ما يخالف الإخلاص، كما يجزم بذلك في إيمان جبريل وميكائيل لأنهما معصومان لا يطرأ عليهما ما يطرأ على غيرهما من البشر، وقد روى معنى هذا الأثر الطبراني في الأوسط مرفوعًا من حديث عائشة بإسناد ضعيف، وفي هذا الأثر إشارة إلى أنهم كانوا يقولون بزيادة الإيمان ونقصانه، (ويذكر) بضم أوله وفتح ثالثه (عن الحسن) البصري رحمه الله مما وصله جعفر الفريابي في كتاب صفة المنافق له من طرق (ما خافه) أي النفاق وفي نسخة عن الحسن أنه قال: ما خافه، وفي رواية وما خافه (إلا مؤمن ولا أمنه) بفتح الهمزة وكسر الميم (إلا منافق) جعل النووي الضمير في خافه وأمنه لله تعالى، وتبعه جماعة على ذلك، لكن سياق الحسن البصري المروي عند الفريابي حيث قال: حدّثنا قتيبة، حدّثنا جعفر بن سليمان عن المعلى بن زياد سمعت الحسن يحلف في هذا المسجد بالله الذي لا إله إلاّ هو ما مضى مؤمن قطّ وما بقي إلا وهو من النفاق مشفق، ولا مضى منافق قطّ ولا بقي إلا وهو من النفاق آمن، وهو عند أحمد بلفظ: والله ما مضى مؤمن ولا بقي إلا وهو يخاف النفاق ولا أمنه إلا منافق يعين إرادة المؤلف الأوّل وأتى بيذكر الدالة على التمريض مع صحة هذا الأثر لأن عادته الإتيان بنحو ذلك فيما يختصر من المتون أو يسوقه بالمعنى لا أنه ضعيف. ثم عطف المؤلف على خوف المؤمن قوله: (وما يحذر) بضم أوّله وفتح ثالثه المعجم مع التخفيف. وقال الحافظ ابن حجر: بتشديده أي وباب ما يحذر (من الإصرار على التقاتل والعصيان من غير توبة)، وفي رواية أبوي ذر والوقت على النفاق بدل التقاتل، والأولى هي المناسبة لحديث الباب حيث قال فيه كما سيأتي إن شاء الله تعالى - وقتاله كفر وهي رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر، ومعنى الثانية كما في الفتح صحيح وإن لم تثبت به الرواية انتهى. نعم ثبتت به الرواية عن أبي ذر ونسخة السيمساطي كما رقم له بفرع اليونينية كما ترى، وما مصدرية وما بين الترجمتين من الآثار اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه وفصل بها بينهما لتعلقها بالأولى فقط. وأما الحديثان الآتيان إن شاء الله تعالى- فالأوّل منهما للثانية والثاني للأولى فهو لفّ ونشر غير مرتب، ومراد المؤلف الرد على المرجئة أيضًا حيث قالوا: لا حذر من المعاصي مع حصول الإيمان، ومفهوم الآية التي ذكرها المؤلف يردّ عليهم حيث قال: (لقول الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل بدل قوله تعالى، وفي رواية الأصيلي لقوله عز وجل (ولم يصروا على ما فعلوا) ولم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما رواه الترمذي

من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه ما أصرّ من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة (وهم يعلمون)، حال من يصروا أي ولم يصروا على قبيح فعلهم عالمين به، وروى أحمد من حديث ابن عمر مرفوعًا: ويل للمصرّين الدين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون أي يعلمون أن من تاب تاب الله عليه ثم لا يستغفرون قاله مجاهد وغيره. 48 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ عَنِ الْمُرْجِئَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ». [الحديث 48 - طرفاه في: 6044، 7076]. وبالسند السابق إلى المصنف قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بالعينين والراءين المهملات غير منصرف للعلمية والتأنيث ابن البرند بكسر الموحدة والراء أو بفتحهما وبسكون النون البصري المتوفى سنة ثلاث عشرة ومائتين (قال حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن زبيد) بضم الزاي وفتح الموحدة وسكون المثناة التحتية آخره دال مهملة ابن الحرث بن عبد الكريم اليامي بالمثناة التحتية وميم خفيفة مكسورة الكوفي المتوفى سنة اثنتين وعشرين ومائة (قال): (سألت أبا وائل) بالهمز بعد الألف شقيق بن سلمة الأسدي أسد خزيمة الكوفي التابعي، المتوفى سنة تسع وتسعين أو سنة اثنتين وثمانين (عن) المقالة المنسوبة للطائفة (المرجئة) بضم الميم وكسر الجيم ثم همزة نسبة إلى الإرجاء أي التأخير لأنهم أخّروا الأعمال عن الإيمان حيث زعموا أن مرتكب الكبيرة غير فاسق هل هم مصيبون فيها أو مخطئون (فقال) أبو وائل في جوابه لزبيد: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه (أن) أي بأن (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: سباب) بكسر السين المهملة وتخفيف الموحدة مصدر مضاف للمفعول أي شتم (المسلم) والتكلم في عرضه بما يعيبه ويؤلمه (فسوق) أي فجور وخروج عن الحق، ويحتمل أن يكون على بابه من المفاعلة أي تشاتمهما فسوق (وقتاله) أي مقاتلته (كفر) أي: فكيف يحكم بتصويب قولهم إن مرتكب الكبيرة غير فاسق مع حكم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على من سبّ المسلم بالفسق ومن قاتله بالكفر وقد علم بهذا خطؤهم، ومطابقة جواب أبي وائل لسؤال زبيد عنهم، وليس المراد بالكفر هنا حقيقته التي هي الخروج عن الملّة وإنما أطلق عليه الكفر مبالغة في التحذير معتمدًا على ما تقرر من القواعد على عدم كفره بمثل ذلك أو أطلقه عليه لشبهه به لأن قتال المسلم من شأن الكافر، أو المراد الكفر اللغوي وهو الستر لأنه بقتاله له ستر ما له عليه من حق الإعانة والنصرة وكفّ الأذى. وفي هذا الحديث تعظيم حق المسلم والحكم على من سبه بالفسق، ورجاله كلهم أئمة أجلاء ما بين بصري وواسطي وكوفي مع التحديث إفرادًا وجميعًا والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الأدب ومسلم في الإيمان والترمذي وقال: حسن صحيح، والنسائي في المحاربة. 49 - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: إِنِّي خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمُ، الْتَمِسُوهَا فِي السَّبْعِ وَالتِّسْعِ وَالْخَمْسِ». [الحديث 49 - طرفاه في: 2023، 6049]. وبه قال (أخبرنا قتيبة بن سعيد) السابق وفي رواية الأصيلي بإسقاط ابن سعيد، وفي رواية أبي الوقت هو ابن سعيد قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري المدني (عن حميد) بضم الحاء ابن أبي حميد تير بكسر المثناة الفوقية وسكون المثناة التحتية آخره راء أي السهمي الخزاعي البصري، المتوفى سنة ثلاث وأربعين ومائة (عن أنس)، وزاد الأصيلي ابن مالك وفي رواية الأصيلي وابن عساكر: حدّثنا أنس، ولأبوي ذر والوقت حدّثني بالإفراد أنس، وبذلك يحصل الأمن من تدليس حميد (قال): (أخبرني) بالإفراد (عبادة بن الصامت) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج) من الحجرة (يخبر) استئناف أو حال مقدرة لأن الخبر بعد الخروج على حدّ {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73] أي مقدرين الخلود (بليلة القدر) أي بتعيينها (فتلاحى) بفتح الحاء المهملة من التلاحي بكسرها أي تنازع (رجلان من المسلمين) وهما فيما قاله ابن دحية عبد الله بن أبي حدرد بمهملة مفتوحة ودالين مهملتين أولاهما ساكنة وبينهما راء، وكعب بن مالك كان له على عبد الله دين فطلبه فتنازعا وارتفع صوتهما في المسجد (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إني خرجت لأخبركم) بنصب الراء بأن المقدرة بعد لام التعليل والضمير مفعول أخبر الأوّل، وقوله (بليلة القدر) سد مسد الثاني والثالث أي: أخبركم بأن ليلة القدر هي ليلة كذا (وأنه تلاحى فلان وفلان) ابن أبي حدرد وكعب

بن مالك في المسجد، وشهر رمضان اللذين هما محلان للذكر لا للغو مع استلزام ذلك لرفع الصوت بحضرة الرسول عليه الصلاة والسلام المنهي عنه (فرفعت) أي رفع بيانها أو علمها من قلبي بمعنى نسيتها ويدل له حديث أبي سعيد المروي في مسلم، فجاء رجلان يحتقان بتشديد القاف أي يدّعي كلّ منهما أنه محق معهما الشيطان فنسيتها، (وعسى أن يكون) رفعها (خيرًا لكم) لتزيدوا في الاجتهاد في طلبها فتكون زيادة في ثوابكم ولو كانت معينة لاقتصرتم عليها فقل عملكم وشذ قوم فقالوا برفعها وهو غلط كما بيّنه قوله (التمسوها) أي اطلبوها إذ لو كان المراد رفع وجودها لم يأمرهم بالتماسها، وفي رواية أبي ذر والأصيلي فالتمسوها (في) ليلة (السبع) بالموحدة والعشرين من رمضان المذكور (والتسع) والعشرين منه (والخمس) والعشرين منه كما استفيد التقدير من روايات أُخر، وفي رواية بتقديم التسع بالثناة على السبع بالموحدة. فإن قلت: كيف أمر بطلب ما رفع علمه؟ أجيب: بأن المراد طلب التعبد في مظانها، وربما يقع العمل مضافًا لها لا أنه أمر بطلب العلم بعينه. وفي الحديث ذمّ الملاحاة والخصومة وأنهما سبب العقوبة للعامّة بذنب الخاصة والحثّ على طلب ليلة القدر، ورواته ما بين بلخي وبصري ومدني ورواية صحابي عن صحابي، والتحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الصوم وفي الأدب وكذا النسائي. 37 - باب سُؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الإِيمَانِ، وَالإِسْلاَمِ، وَالإِحْسَانِ، وَعِلْمِ السَّاعَةِ. وَبَيَانِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ «جَاءَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ، فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا. وَمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ مِنَ الإِيمَانِ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}. هذا (باب) بغير تنوين لإضافته إلى قوله (سؤال جبريل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الإيمان والإسلام إحسان) بإضافة سؤال لجبريل من إضافة المصدر للفاعل والنبي نصب معمول المصدر (و) عن (علم) وقت لساعة) قدر بالوقت لأن السؤال لم يقع عن نفس الساعة، وإنما هو عن وقتها بقرينة ذكر متى الساعة، (وبيان) لجر عطفًا على سؤال جبريل (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أكثر المسؤول عنه لأنه لم يبين وقت الساعة إذ كم عظم الشيء حكم كله أو أن قوله عن الساعة لا يعلمها إلاّ الله بيان له (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعطف لجملة الفعلية على الاسمية لأن الأسلوب يتغير بتغير المقصود لأن مقصوده من الكلام الأوّل الترجمة، ومن الثاني كيفية الاستدلال فلتغايرهما تغاير الأسلوبان (جاء جبريل عليه السلام يعلمكم دينكم فجعل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ذلك كله دينًا) يدخل فيه اعتقاد وجود الساعة وعدم العلم بوقتها لغير الله تعالى لأنهما من الدين، (وما بين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لوفد عبد القيس من الإيمان) أي مع ما بين للوفد أن الإيمان هو الإسلام حيث فسّره في قصتهم بما فسر به الإسلام (وقوله تعالى) وفي رواية أبي ذر وقول الله تعالى، وفي رواية الأصيلي عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] أي مع ما دلّت عليه هذه الآية أن الإسلام هو الدين إذ لو كان غيره لم يقبل، فاقتضى ذلك أن الإيمان والإسلام شيء واحد، ويؤيده ما نقل أبو عوانة في صحيحه عن المزني من الجزم بأنهما عبارة عن معنى واحد، وأنه سمع ذلك من الشافعيّ، وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى قريبًا. 50 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: «الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَبِلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ. قَالَ مَا الإِسْلاَمُ؟ قَالَ: «الإِسْلاَمُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكَ بِهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ». قَالَ: مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ. قَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ. وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا؛ وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ، فِي خَمْسٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ. ثُمَّ تَلاَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} الآيَةَ. ثُمَّ أَدْبَرَ. فَقَالَ رُدُّوهُ. فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا. فَقَالَ: «هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: جَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الإِيمَانِ». [الحديث 50 - طرفه في: 4777]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن سهم وأمه علية بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد المثناة التحتية (قال أخبرنا أبو حيان) بفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية يحيى بن سعيد بن حيان (التيمي) نسبة إلى تيم الرباب الكوفي (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير البجلي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه (قال): (كان النبي) وفي رواية رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بارزًا) أي ظاهرًا (يومًا للناس) غير محتجب عنهم ويومًا نصب على الظرفية (فأتاه رجل) أي ملك في صورة رجل وهو رواية الأربعة، وفي رواية في أصل متن فرع اليونينية كهي جبريل (فقال) بعد أن سلم يا محمد كما في مسلم، وإنما ناداه باسمه كما يناديه الأعراب تعمية بحاله أو لأن له دالة المعلم (ما الإيمان) أي ما متعلقاته وقد وقع السؤال بما ولا يسأل بها إلا عن الماهية (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الإيمان أن تؤمن بالله) أي تصدق بوجوده وبصفاته الواجبة له تعالى، لكن الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام علم أنه سأله

عن متعلقات الإيمان لا عن حقيقته، وإلاّ فكان الجواب الإيمان التصديق، وإنما فسر الإيمان بذلك لأن المراد من المحدود الإيمان الشرعي ومن الحد اللغوي حتى لا يلزم الشيء بنفسه وحمله الآبي على الحقيقة معللًّا بأن السؤال بما يحسب الخصوصية إنما يكون عن الحقيقة لا عن الحكم، وعلى هذا قوله: أن تؤمن الخ من حيث أنه جواب السؤال المذكور يتعين أن يكون حدًا لأن المقول في جوابه إنما هو الحد. فإن قلت: لو كان حدًّا لم يقل جبريل عليه السلام في جوابه صدقت كما في مسلم لأن الحد لا يقبل التصديق، أجيب: بأنه إذا قيل في الإنسان إنه حيوان ناطق وقصد به التعريف فلا يقبل التصديق كما ذكرت، وإن قصد به أنه الذات المحكوم عليها بالحيوانية والناطقية فهو دعوى وخبر فيقبل التصديق، فلعل جبريل عليه الصلاة والسلام راعى هذا المعنى، فلذلك قال: صدقت أو يكون قوله صدقت تسليمًا، والحد يقبل التسليم ولا يقبل المنع لأن المنع طلب الدليل، والدليل إنما يتوجه للخبر والحد تفسير لا خبر وأعاد لفظ الإيمان للاعتناء بشأنه وتفخيمًا لأمره. (وملائكته) جمع ملك وأصله ملاك مفعل من الألوكة بمعنى الرسالة زيدت فيه التاء لتأكيد معنى الجمع أو لتأنيث الجمع وهم أجساد علوية نورانية مشكلة بما شاءت من الأشكال والإيمان بهم هو التصديق بوجودهم، وأنهم كما وصفهم الله تعالى: عباد مكرمون أي وأن تؤمن بملائكته (و) أن تؤمن (بلقائه) أي برؤيته تعالى في الآخرة كما قال الخطابي، وتعقبه النووي بأن أحدًا لا يقطع لنفسه بها إذ هي مختصّة بمن مات مؤمنًا والمرء لا يدري بِمَ يختم له. وأجيب: بأن المراد أنها حق في نفس الأمر أو المراد الانتقال من دار الدنيا. (و) أن تؤمن (برسله) عليهم الصلاة والسلام، وفي رواية غير الأصيلي ورسله بإسقاط الموحدة أي التصديق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله تعالى وتأخيرهم في الذكر لتأخر إيجادهم لا لأفضلية الملائكة، وفي هامش فرع اليونينية كهي زيادة، وكتبه للأصيلي بإسقاط الموحدة أي تصدق بأنها كلام الله وأن ما اشتملت عليه حق (و) أن (تؤمن) أي تصدق (بالبعث) من القبور وما بعده كالصراط والميزان والجنة والنار أو المراد بعثة الأنبياء، وقد قيل، إن قوله وبلقائه مكرر لأنها داخلة في الإيمان بالبعث وتغاير تفسيرهما يحقق أنها ليست مكررة، وإنما أعاد تؤمن لأنه إيمان بما سيوجد وما سبق إيمان بالموجود في الحال فهما نوعان. ثم (قال) أي جبريل يا رسول الله (ما الإسلام؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (الإسلام أن تعبد الله) أي تطيعه مع خضوع تذلل أو تنطق بالشهادتين (ولا تشرك به) بالفتح، وفي نسخة كريمة: ولا تشرك بالضم، زاد الأصيلي شيئاً (و) أن (تقيم) أي تديم (الصلاة) المكتوبة كما صرح به في مسلم، أو تأتي بها على ما ينبغي، وهو وتاليه من عطف الخاص على العام. (و) أن (تؤدي الزكاة المفروضة) قيد بها احترازًا من صدقة التطوّع فإنها زكاة لغوية أو من المعجلة أو لأن العرب كانت تدفع المال للسخاء والجود، فنبّه بالفرض على رفض ما كانوا عليه. قال الزركشي: والظاهر أنها للتأكيد، وفي رواية مسلم تقيم الصلاة المكتوبة وتؤتي الزكاة المفروضة، (وتصوم رمضان) ولم يذكر الحج إما ذهولاً أو نسيانًا من الراوي، ويدل له مجيئه في رواية كهمس، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، وقيل: لأنه لم يكن فرض ودفع بأن في رواية ابن منده بسند على شرط مسلم: إن الرجل جاء في آخر عمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولمن يذكر الصوم في رواية عطاء الخراساني، واقتصر في حديث أبي عامر على الصلاة والزكاة ولم يزد في حديث ابن عباس على الشهادتين، وزاد سليمان التيمي بعد ذكر الجميع الحج والاعتمار والاغتسال من الجنابة وإتمام الوضوء، وقد وقع هنا التفريق بين الإيمان والإسلام، فجعل الإيمان عمل القلب، والإسلام عمل الجوارح. فالإيمان لغة التصديق مطلقًا، وفي الشرع التصديق والنطق معًا فأحدهما ليس بإيمان، أما التصديق فإنه لا ينجي وحده من النار، وأما النطق فهو وحده نفاق، فتفسيره في الحديث الإيمان بالتصديق

والإسلام بالعمل إنما فسر به إيمان القلب والإسلام في الظاهر لا الإيمان الشرعي والإسلام الشرعى، والمؤلف يرى أنهما والدين عبارات عن واحد، والمتضح أن محل الخلاف إذا أفرد لفظ أحدهما فإن اجتمعا تغايرا كما وقع هنا. ثم (قال) جبريل: يا رسول الله (ما الإحسان)؟ مبتدأ وخبر أل للعهد. أي: ما الإحسان المتكرر في القرآن المترتب عليه الثواب؟ (قال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجيئًا له: الإحسان (أن تعبد الله) أي عبادتك الله تعالى حال كونك في عبادتك له (كأنك تراه) أي مثل حال كونك رائيًا له (فإن لم تكن تراه) سبحانه وتعالى فاستمر على إحسان العبادة (فإنه) عز وجل (يراك) دائمًا، والإحسان الإخلاص أو إجادة العمل، وهذا من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام إذ هو شامل لمقام المشاهدة ومقام المراقبة، ويتضح لك ذلك بأن تعرف أن للعبد في عبادته ثلاث مقامات. الأول: أن يفعلها على الوجه الذي تسقط معه وظيفة التكليف باستيفاء الشرائط والأركان. الثاني: أن يفعلها كذلك وقد استغرق في بحار المكاشفة حتى كأنه يرى الله تعالى، وهذا مقامه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما قال: "وجعلت قرة عيني في الصلاة" لحصول الاستلذاذ بالطاعة والراحة بالعبادة وانسداد مسالك الالتفات إلى الغير باستيلاء أنوار الكشف عليه، وهو ثمرة امتلاء زوايا القلب من المحبوب واشتغال السرّ به، ونتيجته نسيان الأحوال من المعلوم واضمحلال الرسوم. الثالث: أن يفعلها وقد غلب عليه أن الله تعالى يشاهده وهذا هو مقام المراقبة. فقوله: فإن لم تكن تراه نزول عن مقام المكاشفة إلى مقام المراقبة أي إن لم تعبده وأنت من أهل الرؤية المعنوية فاعبده وأنت بحيث أنه يراك، وكلٍّ من المقامات الثلاث إحسان إلاّ أن الإحسان الذي هو شرط في صحة العبادة إنما هو الأوّل لأن الإحسان بالآخرين من صفة الخواص ويتعذر من كثيرين، وإنما أخر السؤال عن الإحسان لأنه صفة الفعل أو شرط في صحته والصفة بعد الموصوف، وبيان الشرط متأخر عن المشروط قاله أبو عبد الله الآبي. ثم (قال) جبريل (متى) تقوم (الساعة) اللام للعهد والمراد يوم القيامة. (قال: ما) أي ليس (المسؤول) زاد في رواية أبي ذر عنها (بأعلم من السائل) بزيادة الموحدة في أعلم لتأكد معنى النفي، والمراد نفي علم وقتها لأن علم مجيئها مقطوع به فهو علم مشترك، وهذا وإن أشعر بالتساوي في العلم إلا أن المراد التساوي في العلم بأن الله استأثر بعلم وقت مجيئها لقوله بعد خمس لا يعلمهن إلاّ الله، وليس السؤال عنها ليعلم الحاضرون كالأسئلة السابقة بل لينزجروا عن السؤال عنها كما قال تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَة} [الأحزاب: 63] فلما وقع الجواب بأنه لا يعلمها إلا الله تعالى كفوًا، وهذا السؤال والجواب وقعا بين عيسى ابن مريم وجبريل عليهما السلام كما في نوادر الحميدي، لكن كان عيسى هو السائل وجبريل هو المسؤول ولفظه: حدّثنا سفيان: حدّثنا مالك بن مغول، عن إسماعيل بن رجاء، عن الشعبي قال: سأل عيسى ابن مريم جبريل عن الساعة قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. (وسأخبرك عن أشراطها) بفتح الهمزة جمع شرط بالتحريك أي علاماتها السابقة عليها أو مقدماتها لا المقارنة لها وهي: (إذا ولدت الأمة) أي وقت ولادة الأمة (ربها) أي مالكها وسيدها وهو هنا كناية عن كثرة أولاد السراري حتى تصير الأم كأنها أمة لابنها من حيث إنها ملك لأبيه، أو أن الإماء تلدن الملوك فتصير الأم من جملة الرعايا والملك سيد رعيته، أو كناية عن فساد الحال لكثرة بيع أمهات الأولاد فيتداولهن الملاك فيشتري الرجل أمه وهو لا يشعر، أو هو كناية عن كثرة العقوق بأن يعامل الولد أمه معاملة السيد أمته في الإهانة بالسب والضرب والاستخدام، فأطلق عليه ربها مجازًا لذلك، وعورض بأنه لا وجه لتخصيص ذلك بولد الأمة إلا أن يقال إنه أقرب إلى العقوق، وعند المؤلف في التفسير ربتها بتاء التأنيث على معنى النسمة ليشمل الذكر والأنثى، وقيل: كراهة أن يقول ربها تعظيمًا للفظ الرب، وعبّر بإذا الدالّة على الجزم لأن الشرط محقق الوقوع، ولم يعبر بإن لأنه لا يصح أن يقال: إن قامت القيامة كان كذا، بل يرتكب

قائله محظورًا لأنه يشعر بالشك فيه، (و) من أشراط الساعة: (إذا تطاول رعاة الأبل) بضم الراء (البهم في البنيان) أي وقت تفاخر أهل البادية بإطالة البنيان وتكاثرهم باستلائهم على الأمر، وتملكهم البلاد بالقهر المقتضي لتبسطهم في الدنيا، فهو عبارة عن ارتفاع الأسافل كالعبيد والسفلة من الجمالين وغيرهم وما أحسن قول القائل: إذا التحق الأسافل بالأعالي ... فقد طابت منادمة المنايا وفيه إشارة إلى اتساع دين الإسلام، كما أن الأوّل فيه اتساع الإسلام واستيلاء أهله على بلاد الكفر وسبي ذراريهم. قال البيضاوي: لأن بلوغ الأمر الغاية منذر بالتراجع المؤذن بأن القيامة ستقوم كما قيل: وعند التناهي يقصر المتطاول والبُهم بضم الموحدة جمع الأبهم، وهو الذي لاشية له أو جمع بهيم وهي رواية أبي ذر وغيره، وروي عن الأصيلي الضم والفتح، وكذا ضبطه القابسي بالفتح أيضًا ولا وجه له لأنها صغار الضأن والمعز، وفي الميم الرفع نعتًا للرعاة أي السود أو المجهولون الدين لا يعرفون والجر صفة للإبل أي رعاة الإبل البهم السود، وقد عد في الحديث من الأشراط علامتين والجمع يقتضي ثلاثة، فإما أن يكون على أقل الجمع اثنان، أو أنه اكتفى باثنين لحصول المقصود بهما في علم أشراط الساعة. وعلم وقتها داخل (في) جملة (خمس) من الغيب (لا يعلمهن إلاّ الله. ثم تلا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] أي علم وقتها، وللأصيلي وينزل (الأية) بالنصب بتقدير اقرأ وبالرفع مبتدأ خبره محذوف أي الآية مقروءة إلى آخر السورة، ولمسلم إلى قوله خبير، وكذا في رواية أبي فروة والسياق يرشد إلى أنه تلا الآية كلها، وسقط في رواية قوله الآية والجار متعلق بمحذوف كما قدّرته فهو على حد قوله تعالى: {فِي تِسْعِ آيَات} [النمل: 12] أي اذهب إلى فرعون بهذه الآية في جملة تسع آيات، وتمام الآية السابقة: وينزل الغيث أي في إبانه المقدّر له والمحل المعين له، ويعلم ما في الأرحام أذكرًا أم أُنثى تامًّا أم ناقصًا، وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا من خير أو شر، وربما يعزم على شيء ويفعل خلافه، وما تدري نفس بأي أرض تموت أي كما لا تدري في أي وقت تموت. قال القرطبي: لا مطمع لأحد في علم شيء من هذه الأمور الخمسة لهذا الحديث، فمن ادعى علم شيء منها غير مستند إلى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كان كاذبًا في دعواه. (ثم أدبر) الرجل السائل (فقال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ردّوه) فأخذوا ليردوه (فلم يروا شيئًا) لا عينه ولا أثره. قال ابن بزيزة: ولعل قوله ردّوه عليّ إيقاظ للصحابة ليتفطنوا إلى أنه ملك لا بشر. (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هذا) ولكريمة إذ هذا (جبريل) عليه السلام (جاء بعلم الناس دينهم) أي قواعد دينهم وهي جملة وقعت حالاً مقدرة لأنه لم يكن معلمًا وقت المجيء، وأسند التعليم إليه وإن كان سائلاً لأنه لما كان السبب فيه أسنده إليه أو أنه كان من غرضه، وللإسماعيلي أراد أن تعلموا إذا لم تسألوا. وفي حديث أبي عامر: والذي نفس محمد بيده ما جاءني قطّ إلا وأنا أعرفه إلا أن تكون هذه المرة، وفي رواية سليمان التيمي ما شبه علي منذ أتاني قبل مرتي هذه وما عرفته حتى ولّى. (قال أبو عبد الله) البخاري رحمه الله تعالى: (جعل) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ذلك) المذكور في هذا الحديث (كله من الإيمان) أي الكامل المشتمل على هذه الأمور كلها. وفي هذا الحديث بيان عظم الإخلاص والمراقبة، وفيه أن العالم إذا سئل عمّا لا يعلمه يقول لا أدري ولا ينقص ذلك من جلالته، بل يدل على ورعه وتقواه ووفور علمه. وأنه يسأل العالم ليعلم السامعون، ويحتمل أن في سؤال جبريل النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حضور الصحابة أنه يريد أن يريهم أنه عليه الصلاة والسلام مليء من العلوم وأن علمه مأخوذ من الوحي فتزيد رغبتهم ونشاطهم فيه وهو المعنى بقوله: جاء يعلم الناس دينهم، وأن الملائكة تمثل بأي صورة شاؤوا من صور بني آدم. وأخرجه المؤلف في التفسير وفي الزكاة مختصرًا، ومسلم في الإيمان، وابن ماجة في السُّنَّة بتمامه وفي الفتن ببعضه، وأبو داود في السُّنَّة، والنسائي في الإيمان، وكذا الترمذي وأحمد في مسنده،

38 - باب

والبزار بإسناد حسن، وأبو عوانة في صحيحه. وأخرجه مسلم أيضًا عن عمر بن الخطاب ولم يخرجه البخاري لاختلاف فيه على بعض رواته. وبالجملة: فهو حديث جليل حتى قال القرطبي: يصلح أن يقال له أم السُّنَّة لما تضمنه من جمل علمها. وقال عياض: إنه اشتمل على جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان ابتداءً وحالاً ومآلاً، ومن أعمال الجوارح، ومن إخلاص السرائر والتحفّظ من آفات الأعمال حتى أن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشعبة منه اهـ. 38 - باب (باب) بالتنوين مع سقوط الترجمة لأبي الوقت وكريمة وسقط ذلك للأصيلي وأبي ذر وابن عساكر، ورجح النووي الأوّل بأن الحديث التالي لا تعلق له بالترجمة السابقة. وأجيب بأنه يتعلق بها من جهة اشراكهما في جعل الإيمان دينًا، لكن استشكل من جهة الاستدلال بقول هرقل مع كونه غير مؤمن. وأجيب بأن هرقل لم يقله من قبل رأيه إنما رواه عن الكتب السالفة، وفي شرعهم كان الإيمان دينًا وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ وتداولته الصحابة. 51 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لاَ يَسْخَطُهُ أَحَدٌ. [انظر الحديث 7]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالزاي ابن محمد بن مصعب بن عبد الله بن الزبير بن العوّام القرشي المدني المتوفى بالمدينة سنة ثلاثين ومائتين (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي المدني. (عن صالح) هو ابن كيسان الغفاري (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بفتحها ابن عتبة أحد الفقهاء السبعة بالمدينة (ابن عبد الله بن عباس أخبره قال أخبرني) بالإفراد (أبو سفيان) بتثليث أوّله وللأصيلي ابن حرب (أن هرقل قال له) أي لأبي سفيان (سألتك هل يزيدون أم ينقصون) وفي الرواية السابقة الاستفهام بالهمزة وهو القياس لأن أم المتصلة مستلزمة. وأجيب بأن أم هنا منقطعة أي بل ينقصون فيكون إضرابًا عن سؤال الزيادة واستفهامًا عن النقصان على أن جار الله أطلق أنها لا تقع إلا بعد الاستفهام فهو أعمّ من الهمزة (فزعمت) وفي السابقة فذكرت (أنهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم) أي أمر الإيمان كما في الرواية السابقة. (وسألتك: هل يرتد) وفي السابقة أيرتد بالهمزة (أحد سخطة) بفتح السين وفي رواية ابن عساكر أحد منهم سخطة (لدينه بعد أن يدخل فيه، فزعمت) وفي السابقة فذكرت (أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد) بفتح المثناة التحتية والخاء ولم يذكر هذه اللفظة وتاليها في الرواية السابقة، وبين المؤلف وبين الزهري هنا ثلاثة أنفس، وفي السابقة اثنان أبو اليمان وشعيب، واقتصر هنا على هذه القطعة من جملة السابقة لتعلقها بغرضه هنا وهي تسمية الدين إيمانًا، ونحو هذا الحذف يسمونه خرمًا، والصحيح جوازه من العالم إذا كان ما تركه غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة، والظاهر أن الخرم وقع من الزهري لا من البخاري لاختلاف شيوخ الإسنادين بالنسبة إلى المؤلف، ولعل شيخه ابن حمزة لم يذكر في مقام الاستدلال على أن الإيمان دين إلا هذا القدر، وإنما يقع الخرم لاختلاف المقامات والسياقات، فهناك بيان كيف الوحي يقتضي ذكر الكل ومقام الاستدلال يقتضي الاختصار، ورواته كلهم مدنيون وفيهم ثلاثة من التابعين مع التحديث والإخبار والعنعنة. 39 - باب فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ هذا (باب فضل من استبرأ لدينه) أي الذي طلب البراءة لأجل دينه من الذمّ الشرعي أو من الإثم واكتفى بالدين عن أن يقول لعرضه ودينه لأنه لازم له، ولا ريب أن الاستبراء للدين من الإيمان. 52 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ. فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ. أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ. أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ. أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ». [الحديث 52 - طرفه: 2051]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا أبو نعيم) بضم النون الفضل بن دكين بمهملة مضمومة وفتح الكاف واسمه عمرو بن حماد القرشي التيمي الطلحي المتوفى بالكوفة سنة ثماني أو تسع عشرة ومائتين (قال: حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة واسمه خالد بن ميمون الهمداني الوادعي الكوفي المتوفى سنة سبع أو تسع وأربعين ومائة (عن عامر) الشعبي، وفي فوائد ابن أبي الهيثم من طريق يزيد بن هارون عن زكريا قال: حدّثنا الشعبي فحصل الأمن من

تدليس زكريا أنه (قال: سمعت النعمان بن بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة ابن سعد بسكون العين الأنصاري الخزرجي وأمه عمرة بنت رواحة، وهو أوّل مولود للأنصار بعد الهجرة، المقتول سنة خمس وستين، وله في البخاري ستة أحاديث. وقول أبي الحسن القابسي ويحيى بن معين عن أهل المدينة إنه لا يصح للنعمان سماع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرده قوله هنا سمعت النعمان بن بشير (يقول): (سمعت رسول الله) وفي رواية النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعند مسلم والإسماعيلي من طريق زكريا وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أُذنيه (يقول: الحلال بيّن) أي ظاهر بالنظر إلى ما دل عليه بلا شبهة (والحرام بين) أي ظاهر بالنظر إلى ما دلّ عليه بلا شبهة (وبينهما) أمور (مشبهات) بتشديد الموحدة المفتوحة أي شبهت بغيرها مما لم يتبين به حكمها على التعيين. وفي رواية الأصيلي وابن عساكر مشتبهات بمثناة فوقية مفتوحة وموحدة مكسورة أي اكتسبت الشبهة من وجهين متعارضين (لا يعلمها) أي لا يعلم حكمها (كثير من الناس) أمن الحلال هي أم من الحرام، بل انفرد بها العلماء إما بنص أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك، فإذا تردّد الشيء بين الحل والحرمة ولم يكن نص ولا إجماع اجتهد فيه المجتهد وألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي، فالمشتبهات على هذا في حق غيرهم وقد يقع لهم حيث لا يظهر ترجيح لأحد الدليلين، وهل يؤخذ في هذا المشتبه بالحل أو الحرمة أو يوقف؟ وهو كالخلاف في الأشياء قبل ورود الشرع، والأصح عدم الحكم بشيء لأن التكليف عند أهل الحق لا يثبت إلا بالشرع، وقيل الحل والإباحة، وقيل المنع، وقيل الوقف. وقد يكون الدليل غير خالٍ عن الاحتمال فالورع تركه لا سيما على القول بأن المصيب واحد وهو مشهور مذهب مالك ومنه ثار القول في مذهبه بمراعاة الخلاف أيضًا، وكذلك روي أيضًا عن إمامنا الشافعي أنه كان يراعي الخلاف، ونص عليه في مسائل، وبه قال أصحابه حيث لا تفوت به سُنّة عندهم. (فمن اتقى) أي حذر (المشبهات) بالميم وتشديد الموحدة، وفي رواية الأصيلي وابن عساكر المشتبهات بالميم والمثناة الفوقية بعد الشين الساكنة، وفي أخرى الشبهات بإسقاط الميم وضم الشين وبالموحدة (استبرأ) ولأبي ذر فقد استبرأ بالهمز بوزن استفعل (لدينه) المتعلق بخالقه (وعرضه) المتعلق بالخلق أي حصل البراءة لدينه من النقص ولعرضه من الطعن فيه، ولابن عساكر والأصيلي لعرصه ودينه، (ومن) شرطية وفعل الشرط قوله (وقع في الشبهات) التي أشبهت الحرام من وجه والحلال من آخر، وللأصيلي المشتبهات بالميم وسكون الشين وفوقية قبل الموحدة، ولابن عساكر المشبهات بالميم والموحدة المشددة وجواب الشرط محذوف في جميع نسخ الصحيح، وثبت في رواية الدارمي عن أبي نعيم شيخ المؤلف فيه ولفظه قال: ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام (كراع) أي مثله مثل راعٍ وفي رواية كما في اليونينية كراعي بالياء آخره (يرعى) جملة مستأنفة وردت على سبيل التمثيل للتنبيه بالشاهد على الغائب، ويحتمل أن تكون من موصولة لا شرطية فتكون مبتدأ والخبر كراع يرعى، وحينئذ لا حذف. والتقدير الذي وقع في الشبهات كراع يرعى مواشيه (حول الحمى) بكسر الحاء المهملة وفتح الميم المحمي من إطلاق المصدر على اسم المفعول والمراد موضع الكلأ الذي منع منه الغير وتوعد على من رعى فيه (يوشك) بكسر المعجمة أي يقرب (أن يواقعه) أي يقع فيه. وعند ابن حبّان: اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه، فمن أكثر من الطيبات مثلاً فإنه يحتاج إلى كثرة الاكتساب الموقع في أخذ ما لا يستحق فيقع في الحرام فيأثم وإن لم يتعمد لتقصيره أو يفضي إلى بطر النفس، وأقل ما فيه الاشتغال عن مواقف العبودية ومن تعاطى ما نهي عنه أظلم قلبه لفقد نور الورع، وأعلى الورع ترك الحلال مخافة الحرام كترك ابن أدهم أجرته لشكه في وقاء عمله وطوى من جوع شديد. فائدة: بالله ما لم تعلم حلّه يقينًا اتركه كتركه

40 - باب أداء الخمس من الإيمان

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تمرة خشية الصدقة كما في البخاري. الأورع أسرع على الصراط يوم القيامة. قالت أُخت بشر الحافي لأحمد بن حنبل: إنّا نغزل على سطوحنا فيمر بنا مشاعل الظاهرية ويقع الشعاع علينا أفيجوز لنا الغزل في شعاعها؟ فقال: من أنت عافاك الله؟ قالت: أخت بشر الحافي فبكى وقال: من بيتكم يخرج الورع الصادق لا تغزلي في شعاعها. مكث مالك بن دينار بالبصرة أربعين سنة لم يأكل من ثمرها حتى مات. أقامت السيدة بديعة الإيجية من أهل عصرنا هذا بمكة أكثر من ثلاثين سنة لم تأكل من اللحوم والثمار وغيرها المجلوبة من بجيلة لما قيل إنهم لا يورثون البنات. وامتنع أبوها نور الدين من تناول ثمر المدينة لما ذكر أنهم لا يزكّون. من ترخص ندم ومن فواضل الفضائل حرم. (ألا) يفتح الهمزة وتخفيف اللام أن الأمر كما تقدم (وإن لكل ملك) بكسر اللام من ملوك العرب (حمى) مكانًا مخصبًا حظره لرعي مواشيه وتوعد من رعى فيه بغير إذنه بالعقوبة الشديدة، وسقط قوله ألا وإن في رواية الأصيلي (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام (إن) وفي رواية أبي ذر: وإن (حمى الله) تعالى، وفي رواية غير المستملي هنا زيادة (في أرضه محارمه) أي المعاصي التي حرمها كالزنا والسرقة فهو من باب التمثيل والتشبيه بالشاهد عن الغائب، فشبه المكلف بالراعي والنفس البهيمية بالأنعام. والمشبهات بما حول الحمى والمحارم بالحمى وتناول المشبهات بالرتع حول الحمى، ووجه التشبيه حصول العقاب بعدم الاحتراز عن ذلك كما أن الراعي إذا جره رعيه حول الحمى إلى وقوعه في الحمى استحق العقاب بسبب ذلك، فكذلك من أكثر من الشبهات وتعرض لمقدماتها وقع في الحرام فاستحق العقاب بسبب ذلك. (ألا) إن الأمر كما ذكر (وإن فى الجسد مضغة) النصب اسم إن مؤخرًا أي قطعة من اللحم وسميت بذلك لأنها تمضغ في الفم لصغرها (إذا صلحت) بفتح اللام وقد تضم أي المضغة (صلح الجسد كله) وسقط لفظ كله عند ابن عساكر (وإذا فسدت) أي المضغة أيضًا (فسد الجسد كله ألا وهي القلب) إنما كان كذلك لأنه أمير البدن وبصلاح الأمير تصلح الرعية وبفساده تفسد، وأشرف ما في الإنسان قلبه فإنه العالم بالله تعالى والجوارح خدم له. وفي هذا الحديث الحثّ على إصلاح القلب وأن لطيب الكسب أثرًا فيه، والمراد به المعنى المتعلق به من الفهم والمعرفة وسمي قلبًا لسرعة تقلبه بالخواطر ومنه قوله: ما سمي القلب إلا من تقلبه ... فاحذر على القلب من قلب وتحويل وهو محل العقل عندنا خلافًا للحنفية، ويكفي في الدلالة لنا قول الله تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ} [الحج: 46] وهو قول الجمهور من المتكلمين، وقال أبو حنيفة في الدماغ، وحكي الأوّل عن الفلاسفة والثاني عن الأطباء حتجاجًا بأنه إذا فسد الدماغ فسد العقل، وردّ بأنّ الدماغ آلة عندهم وفساد الآلة لا يقتضي فساده، وثبتت الواو بعد ألا من قوله: ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن في الجسد مضغة وسقط من ألا أن حمى الله لبعد المناسبة بين حمى الملوك وبين حمى الله تعالى الذي هو الملك الحق لا ملك حقيقة إلا له، وثبت في رواية غير أبي ذر نظرًا إلى وجوب التناسب بين الجملتين من حيث ذكر الحمى فيهما، وعبَّر بقوله إذا دون إن لتحقق الوقوع وقد تأتي بمعنى إن كما هنا، وقد أجمع العلماء على عظم موقع هذا الحديث وأنه أحد الأحاديث الأربعة التي عليها مدار الإسلام المنظومة في قوله: عمدة الدين عندنا كلمات ... مسندات من قول خير البرية اتق الشبه وازهدنّ ودع ما ... ليس يعنيك واعملنّ بنيه وهذا الحديث من الرباعيات ورجاله كلهم كوفيون، وفيه التحديث والعنعنة والسماع وأخرجه المؤلف أيضًا في البيوع، وكذا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي فيه وابن ماجة في الفتن. 40 - باب أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الإِيمَانِ هذا (باب) بالتنوين (أداء الخمس) بضم المعجمة والميم (من الإيمان) أي من شعبه مبتدأ وخبر ويجوز إضافة باب لتاليه. 53 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: كُنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، يُجْلِسُنِي عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ أَقِمْ عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي، فَأَقَمْتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ قَالَ إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنِ الْقَوْمُ -أَوْ مَنِ الْوَفْدُ؟ -. قَالُوا رَبِيعَةُ. قَالَ: «مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ -أَوْ بِالْوَفْدِ- غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ نَدَامَى. فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلاَّ فِي شَهْرِ الْحَرَامِ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَىُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، وَنَدْخُلْ بِهِ الْجَنَّةَ وَسَأَلُوهُ عَنِ الأَشْرِبَةِ، فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ. وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الْحَنْتَمِ، وَالدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُزَفَّتِ -وَرُبَّمَا قَالَ الْمُقَيَّرِ- وَقَالَ: احْفَظُوهُنَّ، وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ». [الحديث 53 - أطرافه في: 87، 523، 1398، 3095، 3510، 4368، 4369، 6176، 7266، 7556]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون

العين ابن عبيد الهاشمي الجوهري البغدادي المتوفى سنة ثلاثين ومائتين (قال: أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي جمرة) بالجيم والراء اسمه نصر بالصاد المهملة ابن عمران الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة البصري المتوفى سنة ثمان وعشرين ومائة (قال): (كنت أقعد) بلفظ المضارع حكاية عن الحال الماضية استحضارًا لتلك الصورة للحاضرين (مع ابن عباس) رضي الله عنهما أي عنده في زمن ولايته البصرة من قبل علي بن أبي طالب (يجلسني) بضم أوّله من غير فاء في أصل فرع اليونينية كهي من أجلس، وفي هامشها عن أبوي ذر والوقت وابن عساكر فيجلسني أي يرفعني بعد أن أقعد (على سريره) فهو عطف على أقعد بالفاء لأن الجلوس على السرير قد يكون بعد القعود وغيره، وقد بيّن المصنف في العلم من رواية غندر عن شعبة السبب في إكرام ابن عباس له، ولفظه: كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس (فقال: أقم) أي توطن (عندي) لتساعدني بتبليغ كلامي إلى من خفي عليه من السائلين أو بالترجمة عن الأعجمي لأن أبا جمرة كان يعرف بالفارسية وكان يترجم لابن عباس بها (حتى) أن (اجعل لك سهمًا) أي نصيبًا (من مالي) سبب الجعل الرؤيا التي رآها في العمرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى بحول الله وقوته في الحج. قال أبو جمرة: (فأقمت معه) أي عنده مدة (شهرين) بمكة وإنما عبر بمع المشعرة بالمصاحبة دون عند المقتضية لمطابقة أقم عندي لأجل المبالغة، وفي رواية مسلم بعد قوله: وبين الناس فأتت امرأة تسأله عن نبيذ الجرّ فنهى عنه، فقلت: يا ابن عباس إني أنتبذ في جرة خضراء نبيذًا حلوًا فأشرب منه فيقرقر بطني. قال: لا تشرب منه وإن كان أحلى من العسل. (ثم قال: إن وفد عبد القيس) هو ابن أفصى بهمزة مفتوحة وفاء ساكنة وصاد مهملة مفتوحة ابن دعمي بضم الدال المهملة وسكون العين المهملة وبياء النسبة أبو قبيلة كانوا ينزلون البحرين وكانوا أربعة عشر رجلاً بالأشج، ويروى أنهم أربعون فيحتمل أن يكون لهم وفادتان، أو أن الأشراف أربعة عشر والباقي تبع (لما أتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عام الفتح وكان سبب مجيئهم إسلام منقذ بن حبان وتعلمه الفاتحة وسورة اقرأ وكتابته عليه الصلاة والسلام لجماعة عبد القيس كتابًا، فلما رحل إلى قومه كتمه أيامًا وكان يصلي فقالت زوجته لأبيها المنذر بن عائذ وهو الأشج: إني أنكرت فعل بعلي منذ قدم من يثرب إنه ليغسل أطرافه ثم يستقبل الجهة يعني الكعبة فيحني ظهره مرة ويقع أخرى فاجتمعا فتحادثا ذلك فوقع الإسلام في قلبه وقرأ عليهم الكتاب وأسلموا وأجمعوا المسير إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما قدموا (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من القوم أو) قال (من الوفد) شك شعبة أو أبو جمرة (قالوا) نحن (ربيعة) أي ابن نزار بن معد بن عدنان وإنما قالوا ربيعة لأن عبد القيس من أولاده وعبّر عن البعض بالكل لأنهم بعض ربيعة ويدل عليه ما عند المصنف في الصلاة، فقالوا: إنّا هذا الحي من ربيعة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مرحبًا بالقوم، أو) قال (بالوفد) وأول من قال مرحبًا سيف بن ذي يزن كما قاله العسكري وانتصابه على المصدرية بفعل مضمر أي صادفوا رحبًا بالضم أي سعة حال كونهم (غير خزايا) جمع خزيان على القياس أي غير أذلاء أو غير مستحيين لقدومكم مبادرين دون حرب يوجب استحياءكم وغير بالنصب حال ويروى بالخفض صفة للقوم. وتعقبه أبو عبد الله الآبي بأنه يلزم منه وصف المعرفة بالنكرة إلا أن تجعل الأداة في القوم للجنس كقوله: ولقد أمرّ على اللئيم يسبني. فالأولى أن تكون بالخفض على البدل. (ولا ندامى) جمع نادم على غير قياس، وإنما جمع كذلك اتباعًا لخزايا للمشاكلة والتحسين، وذكر القزاز أن ندمان لغة في نادم فجمعه المذكور على هذا قياس (فقالوا) وللأصيلي قالوا: (يا رسول الله إنّا لا نستطيع أن نأتيك) أي الإتيان إليك (إلا في الشهر الحرام) لحرمة القتال فيه عندهم والمراد الجنس، فيشمل الأربعة الحرم أو العهد والمراد شهر رجب كما صرح به في رواية البيهقي، وللأصيلي وكريمة إلا في شهر الحرام وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة كصلاة

الأولى والبصريون يمنعونها ويؤولون ذلك على حذف مضاف أي صلاة الساعة الأولى وشهر الوقت الحرام. وقول الحافظ ابن حجر هذا من إضافة الشيء إلى نفسه. تعقبه العيني بأن إضافة الشيء إلى نفسه لا تجوز (و) الحال (بيننا وبينك هذا الحي من كفّار مضر) بضم الميم وفتح المعجمة مخفوض بالمضاف بالفتحة للعلمية والتأنيث، وهذا مع قولهم يا رسول الله يدل على تقدم إسلامهم على قبائل مضر الذين كانوا بينهم وبين المدينة وكانت مساكنهم بالبحرين وما والاها من أطراف العراق. (فمرنا بأمر فصل) بالصاد المهملة وبالتنوين في الكلمتين على الوصفية لا بالإضافة أي يفصل بين الحق والباطل، أو بمعنى المفصل المبين، وأصل مرنا أؤمرنا بهمزتين من أمر يأمر فحذفت الهمزة الأصلية للاستثقال فصار أمرنا فاستغنى عن همزة الوصل فحذفت فبقي مر على وزن على لأن المحذوف فاء الفعل (نخبر به من) أي الذي استقر (وراءنا) أي خلفنا من قومنا الذين خلفناهم في بلادنا، ونخبر بالجزم جوابًا للأمر وهو الذي في فرع اليونينية وبالرفع لخلوه من ناصب وجازم. وبالجملة في محل جر صفة لأمر. (وندخل به الجنة) إذا قبل برحمة الله ويجوز الجزم والرفع في ندخل كنخبر عطفًا عليها. نعم يتعين الرفع في هذه على رواية حذف الواو وتكون جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب. (وسألوه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن الأشربة)، أي عن ظروفها أو سألوه عن الأشربة التي تكون في الأواني المختلفة، فعلى التقدير الأول المحذوف المضاف وعلى الثاني الصفة (فأمرهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بأربع) أي بأربع جمل أو خصال، (ونهاهم عن أربع. أمرهم بالإيمان بالله وحده) تفسير لقوله فأمرهم بأربع ومن ثم حذف العاطف (قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هو (شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله) برفع شهادة خبر مبتدأ محذوف ويجوز جره على البدلية (وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس) واستشكل قوله أمرهم بأربع مع ذكر خمسة. وأجيب بزيادة الخامسة وهي أداء الخمس لأنهم كانوا مجاورين لكفّار مضر وكانوا أهل جهاد وغنائم. وتعقب بأن المؤلف عقد الباب على أن أداء الخمس من الإيمان فلا بد أن يكون داخلاً تحت أجزاء الإيمان، كما أن ظاهر العطف يقتضي ذلك أو أنه عدَّ الصلاة والزكاة واحدة لأنها قرينتها في كتاب الله تعالى، أو أن أداء الخمس داخل في عموم إيتاء الزكاة والجامع بينهما إخراج مال معين في حال دون حال. وعن البيضاوي أن الخمسة تفسير للإيمان وهو أحد الأربعة المأمور بها والثلاثة الباقية حذفها الراوي نسيانًا أو اختصارًا أو أن الأربعة إقام الصلاة إلى آخره وذكر الشهادتين تبركًا بهما كما في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]. لأن القوم كانوا مؤمنين، ولكن كانوا ربما يظنون أن الإيمان مقصور على الشهادتين كما كان الأمر في صدر الإسلام، وعورض بأنه في رواية حماد بن زيد عن أى جمرة عند المؤلف في المغازي آمركم بأربع: الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلاّ الله وعقد واحدة وهو يدل على أن الشهادة إحدى الأربع وعنده في الزكاة من هذا الوجه الإيمان بالله ثم فسّرها لهم بشهادة أن لا إله إلاّ الله وهو يدل أيضًا على عدّها في الأربع لأنه أعاد الضمير في قوله فسرها مؤنثًا فيعود على الأربع ولو أراد تفسير الإيمان لأعاده مذكرًا وأجيب بزيادة أداء الخمس. قال أبو عبد الله الآبي: وأتم جواب في المسألهَ ما ذكره ابن الصلاح من أنه معطوف على أربع أي أمرهم بأربع وبإعطاء الخمس وإنما كان أتم لأن به تتفق الطريقان ويرتفع الإشكال انتهى. ولم يذكر الحج لكونهم سألوه أن يخبرهم بما يدخلون بفعله الجنة فاقتصر لهم على ما يمكنهم فعله في الحال ولم يقصد إعلامهم بجميع الأحكام التي تجب عليهم فعلاً وتركًا. ويدل على ذلك اقتصاره في الناهي على الانتباذ في الأوعية مع أن في الناهي ما هو أشد في التحريم من الانتباذ، لكن اقتصر عليها لكثرة تعاطيهم لها أو لأنه لم يفرض كما قاله عياض إلا في سنة تسع ووفاتهم في سنة ثمان أي على أحد

41 - باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، ولكل امرئ ما نوى

الأقوال في وقت فرضه، ولكن الأرجح أنه فرض سنة ست كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- أو لكونه لم يكن لهم سبيل إليه من أجل كفّار مضر، أو لكونه على التراخي، أو لشهرته عندهم، أو أنه أخبرهم ببعض الأوامر. ثم عطف المؤلف على قوله: وأمرهم قوله: (ونهاهم عن أربع عن الحنتم) أي عن الانتباذ فيه وهو بفتح المهملة وسكون النون وفتح المثناة الفوقية وهي الجرة أو الجرار الخضر أو الحمر أعناقها على جنوبها أو متخذة من طين وشعر ودم، أو الحنتم ما طلي من الفخار بالحنتم المعمول بالزجاج وغيره وسقطت عن الثانية لكريمة (و) عن الانتباذ في (الدباء) بضم المهملة وتشديد الموحدة والمد اليقطين (و) عن الانتباذ في (النقير) بفتح النون وكسر القاف، وهو ما ينقر في أصل النخلة فيوعى فيه (و) عن الانتباذ في (المزفت) بالزاي والفاء ما طلي بالزفت (وربما قال المقير) بالقاف والمثناة التحتية المشدّدة المفتوحة وهو ما طلي بالقار ويقال له القير، وهو نبت يحرق إذا يبس تطلى به السفن وغيرها كما تطلى بالزفت. (وقال احفظوهن وأخبروا بهن) بفتح الهمزة (من وراءكم) أي الدين كانوا أو استقروا، ومعنى النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية بخصوصها لأنه يسرع إليها الإسكار، فربما شرب منها من لم يشعر بذلك ثم ثبتت الرخصة في الانتباذ في كل وعاء مع النهي عن شرب كل مسكر، ففي صحيح مسلم: "كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأسقية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرًا" وفي الحديث استعانة العالم في تفهيم الحاضرين والفهم عنهم، واستحباب قول مرحبًا ْللزوار وندب العالم إلى إكرام الفاضل، ورواته ما بين بغدادي وواسطي وبصري، واشتمل على التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف في عشرة مواضع هنا وفي خبر الواحد وكتاب العلم وفي الصلاة وفي الزكاة وفي الخمس وفي مناقب قريش وفي المغازي وفي الأدب وفي التوحيد، وأخرجه مسلم في الإيمان وفي الأشربة، وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، والنسائي في العلم والإيمان والصلاة. 41 - باب مَا جَاءَ أَنَّ الأَعْمَالَ بِالنِّيَّةِ وَالْحِسْبَةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَدَخَلَ فِيهِ الإِيمَانُ وَالْوُضُوءُ وَالصَّلاَةُ وَالزَّكَاةُ وَالْحَجُّ وَالصَّوْمُ وَالأَحْكَامُ. وَقَالَ: اللَّهُ: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}: عَلَى نِيَّتِهِ: ونَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ -يَحْتَسِبُهَا- صَدَقَةٌ. وَقَالَ: وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ. (باب ما جاء) في الحديث (أن الأعمال) بفتح همزة أن وكسرها في اليونينية ولكريمة إن العمل (بالنية والحسبة) بكسر الحاء وإسكان السين المهملتين أي الاحتساب وهو الإخلاص. (ولكل امرىءٍ ما نوى) ولفظ الحسبة من حديث أبي مسعود الآتي -إن شاء الله تعالى- وأدخلها بين الجملتين للتنبيه على أن التبويب شامل لثلاث تراجم الأعمال بالنيّة والحسبة ولكل امرىءٍ ما نوى. وفي رواية ابن عساكر قال أبو عبد الله البخاري: وفي رواية الباقي بحذف قال أبو عبد الله وإذا كان الأعمال بالنية (فدخل فيه) أي في الكلام المتقدم (الإيمان) أي على رأيه لأنه عنده عمل كما مرّ البحث فيه، وأما الإيمان بمعنى التصديق فلا يحتاج إلى نية كسائر أعمال القلوب، (و) كذا (الوضوء) خلافًا للحنفية لأنه عندهم من الوسائل لا عبادة مستقلة، وبأنه عليه الصلاة والسلام علم الأعرابي الجاهل الوضوء ولم يعلمه النيّة، ولو كانت فريضة لعلمه ونوقضوا بالتيمم فإنه وسيلة وشرطوا فيه النية، وأجابوا بأنه طهارة ضعيفة فيحتاج لتقويتها بالنية وبأن قياسه على التيمم غير مستقيم لأن الماء خلق مطهرًا. قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]. والتراب ليس كذلك، وكان التطهير به تعبدًا محضًا فاحتاج إلى النية إذ التيمم ينبئ لغة عن القصد فلا يتحقق دونه بخلاف الوضوء ففسد قياسه على التيمم، (و) كذا (الصلاة) من غير خلاف أنها لا تصح إلا بالنية. نعم نازع ابن القيم في استحباب التلفّظ بها محتجًّا بأنه لم يروَ أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تلفظ بها ولا عن أحد من أصحابه. وأجيب بأنه عون على استحضار النية القلبية وعبادة للسان وقاسه بعضهم على ما في الصحيح من حديث أنس أنه سمع النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلبّي بالحج والعمرة جميعًا يقول: لبيك حجًّا وعمرة، وهذا تصريح باللفظ والحكم كما يثبت باللفظ يثبت بالقياس وتجب مقارنة النية لتكبيرة الإحرام لأنها أول الأركان، وذلك بأن يأتي بها عند أولها ويستمر ذاكرًا لها إلى آخرها. واختار النووي في شرحي

المهذب والوسيط تبعًا للإمام الغزالي الاكتفاء بالمقارنة العرفية عند العوام بحيث يعد مستحضرًا للصلاة اقتداء بالأولين في تسامحهم بذلك. وقال ابن الرفعة: إنه الحق، وصوبه السبكي ولو عزبت النية قبل تمام التكبيرة لم تصح الصلاة لأن النية معتبرة في الانعقاد، والانعقاد لا يحصل إلا بتمام التكبيرة، ولو نوى الخروج من الصلاة أو تردد في أن يخرج أو يستمر بطلت بخلاف الصوم والحج والوضوء والاعتكاف لأنها أضيق بابًا من الأربعة، فكان تأثيرها باختلاف النية أشد. ولو علق الخروج من الصلاة بحضور شيء بطلت في الحال ولو لم يقطع بحصوله كتعليقه بدخول شخص كما لو علق به الخروج من الإسلام فإنه يكفر في الحال قطعًا، وتجب نية فعل الصلاة أي لتمتاز عن بقية الأفعال وتعيينها كالظهر والعصر لتمتاز عن غيرها (و) كذا يدخل في قوله الأعمال بالنية (الزكاة) إلا إن أخذها الإمام من الممتنع فإنها تسقط ولو لم ينوِ صاحب المال لأن السلطان قائم مقامه، (و) كذا (الحج) وإنما ينصرف إلى فرض من حج عنه غيره لدليل خاص وهو حديث ابن عباس في قصة شبرمة (و) كذا (الصوم) خلافًا لمذهب عطاء ومجاهد وزفر أن الصحيح المقيم في رمضان لا يحتاج إلى نية لأنه لا يصح النفل في رمضان، وعند الأربعة تلزم النية. نعم تعيين الرمضانية لا يشترط عند الحنفية. (و) كذا (الأحكام) من المناكحات والمعاملات والجراحات إذ يشترط في كلها القصد، فلو سبق لسانه إلى بعت أو وهبت أو نكحت أو طلّقت لغا لانتفاء القصد إليه ولا يصدق ظاهرًا إلا بقرينة كأن دعا زوجته بعد طهرها من الحيض إلى فراشه وأراد أن يقول: أنت طاهر فسبق لسانه وقال: أنت الآن طالق. (وقال: {قُلْ كُلٌّ}) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر وقال الله تعالى: {قُلْ كُلٌّ} وللأصيلي وكريمة عز وجل {قُلْ كُلٌّ} أي كل أحد {يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الإسراء: 84] أي (على نيته) وهو مروي عن الحسن البصري ومعاوية بن قرة المزني وقتادة فيما أخرجه عبد بن حميد والطبري عنهم، وقال مجاهد والزجّاج: شاكلته أي طريقته ومذهبه وحذف المؤلف أداة التفسير (ونفقة الرجل على أهله يحتسبها صدقة) حال كونه مريدًا بها وجه الله تعالى فيحتسبها حال متوسط بين المبتدأ والخبر، وفي فرع اليونينية كهي نفقة الرجل بحذف الواو، وجملة نفقة الرجل إلى آخرها ساقطة عند أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر. (وقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث ابن عباس المروي عند المؤلف مسندًا: لا هجرة بعد الفتح، (ولكن) طلب الخير (جهاد ونية) وسقط لغير الأربعة، وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 54 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». [انظر الحديث رقم 1]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح الميمين واللام (قال: أخبرنا) وفي رواية ابن عساكر حدّثنا (مالك) هو إمام الأئمة (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن محمد بن إبراهيم) بن الحرث التيمي (عن علقمة بن وقاص) الليثي (عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الأعمال) تجزئ (بالنية) بالإفراد وحذف إنما، واتفق المحققون على إفادة الحصر من هذه الصيغة كالمصدرة بإنما وهو من حصر المبتدأ في الخبر، والتقدير كل الأعمال بالنية نعم خرج من العموم جزئيات بدليل، والجار والمجرور يتعلق بمحذوف قدره بعضهم قبول الأعمال واقع بالنية وفيه حذف المبتدأ وهو قبول وإقامة المضاف إليه مقامه، ثم حذف الخبر وهو واقع. والأحسن تقدير من قدر الأعمال صحيحة أو مجزئة. وقيل: تقدير الخبر واقع أولى من تقديره بمعتبر لأنهم أبدًا لا يضمرون إلا ما يدل عليه الظرف وهو واقع أو استقر وهي قاعدة مطّردة عندهم. وأجيب بأنه مسلم في تقدير ما يتعلق به الظرف مطلقًا مع قطع النظر عن صورة خاصة، وأما الصورة المخصوصة فلا يقدر فيها إلا ما يليق بها مما يدل عليه المعنى أو السياق، وإنما قدر هذا خبر التقدير المبتدأ وهو قبول، وإذا قدرنا ذلك نفس الخبر لم يحتج إلى حذف المبتدأ. (ولكل امرئ ما نوى) أي الذي نواه إذا كان المحل قابلاً كما سبق تقريره (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله) نية

وعقدًا (فهجرته إلى الله ورسوله) حكمًا وشرعًا كذا قاله ابن دقيق العيد، ورده الزركشي بأن المقدر حينئذ حال مبنية فلا تحذف، ولذا منع الرندي في شرح الجمل جعل بسم الله متعلقًا بحال محذوفة أي ابتدئ متبركًا. قال: لأن حذف الحال لا يجوز انتهى. وأجيب بمنع أن المقدر حال بل هو تمييز ويجوز حذف التمييز إذا دلّ عليه دليل نحو: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} [الأنفال: 65] أي رجلاً. ويمكن أن يقال لم يرد بتقدير نية وعقدًا في الأول وحكمًا وشرعًا في الثاني أن هناك لفظًا محذوفًا، بل أراد بيان المعنى ومغايرة الأول للثاني، وتأوّله بعضهم على إرادة المعهود المستقر في النفوس، فإن المبتدأ والخبر وكذلك الشرط والجزاء قد يتحدان لبيان الشهرة وعدم التغيير وإرادة المعهود المستقر في النفس، ويكون ذلك للتعظيم وقد يكون للتحقير وذلك بحسب المقامات والقرائن، فمن الأول قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة: 10]. وقوله عليه الصلاة والسلام: "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله" ومن الثاني قوله: (ومن كانت هجرته لدنيا) وفي رواية لأبوي ذر والوقت وابن عساكر وكريمة إلى دنيا (يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) أي إلى ما ذكر واستشكل استعمال دنيا لأنها في الأصل مؤنث أدنى وأدنى أفعل تفضيل من الدنو وأفعل التفضيل إذا نكر لزم الإفراد والتذكير، وامتنع تأنيثه وجمعه ففي استعمال دنيا بالتأنيث مع كونه منكرًا إشكال، ولهذا لا يقال قصوى ولا كبرى. وأجاب ابن مالك بأن دنيا خلعت عن الوصفية غالبًا وأجريت مجرى ما لم يكن قطّ وصفًا مما وزنه فعلى كرجعى وبهمى، فلهذا ساغ فيها ذلك. ثم إن غرض المؤلف من إيراد هذا الحديث هنا الرد على من زعم من المرجئة: أن الإيمان قول باللسان دون عقد القلب، فبين أن الإيمان لا بدّ له من نية واعتقاد قلب فافهم. وإنما أبرز الضمير في الجملة الأولى لقصد الالتذاذ بذكر الله ورسوله وعظم شأنهما. أعد ذكر نعمان لنا إن ذكره ... هو المسك ما كررته يتضوع وهذا بخلاف الدنيا والمرأة لا سيما والسياق يُشعِر بالحثّ على الإعراض عنهما، وهذه الجملة الأولى هنا سقطت عند المؤلف من رواية الحميدي أول الكتاب فذكر في كل تبويب ما يناسبه بحسب ما رواه. 55 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ». [الحديث 55 - طرفاه في: 4006، 5351]. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم، وفي رواية أبي ذر الحجاج بن المنهال بالتعريف فيهما ولأبي الوقت حجاج بن المنهال أبو محمد الأنماطي بفتح الهمزة وسكون النون نسبة إلى الأنماط ضرب من البسط السلمي بضم المهملة وفتح اللام، المتوفى بالبصرة سنة ست عشرة أو سبع عشرة ومائتين (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي، المتوفى سنة ست عشرة ومائة (قال: سمعت عبد الله بن يزيد) بن حصين الأنصاري الخطمي بفتح الخاء المعجمة وسكون المهملة، المتوفى زمن ابن الزبير، (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو بفتح العين وسكون الميم ابن ثعلبة الأنصاري الخزرجي البدري المتوفى بالكوفة أو بالمدبنة قبل الأربعين سنة إحدى وثلاثين أو إحدى أو اثنتين وأربعين، وله في البخاري أحد عشر حديثًا. (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا أنفق الرجل) نفقة من دراهم أو غيرها (على أهله) زوجة وولد حال كون الرجل (يحتسبها) أي يريد بها وجه الله (و) أي الإنفاق، ولغير الأربعة فهي أي النفقة (له صدقة) أي كالصدقة في الثواب لا حقيقة وإلا حرمت على الهاشمي والمطلبي، والصارف له عن الحقيقة الإجماع وإطلاق الصدقة على النفقة مجاز أو المراد بها الثواب كما تقدم، فالتشبيه واقع على أصل الثواب لا في الكمية ولا في الكيفية. قال القرطبي: أفاد منطوقه أن الأجر في الإنفاق إنما يحصل بقصد القربة سواء كانت واجبة أم مباحة، وأفاد مفهومه أن من لم يقصد القربة لم يؤجر لكن تبرأ ذمته من النفقة الواجبة لأنها معقولة المعنى، وحذف المعمول ليفيد التعميم أي أي نفقة كانت كبيرة أو صغيرة. وفي هذا الحديث الرد على المرجئة قالوا: إن الإيمان إقرار

باللسان فقط ورجاله خمسة ما بين بصري وواسطي وكوفي، ورواية صحابي عن صحابي، وفيه التحديث والإخبار والسماع والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في المغازي والنفقات، ومسلم في الزكاة، والترمذي في البر وقال حسن صحيح، والنسائي في الزكاة. 56 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ». [الحديث 56 - أطرافه في: 1295، 2742، 2744، 3936، 4409، 5354، 5659، 5668، 6373، 6733]. وبه قال: (حدّثنا الحكم) بفتح الكاف هو أبو اليمان (بن نافع قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة القرشي (عن الزهري) أبي بكر محمد بن شهاب (قال: حدّثني) بالإفراد (عامر بن سعد) بسكون العين (عن سعد بن أبي وقاص) المدني أحد العشرة (أنه أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) يخاطب سعدًا ومن يصح منه الإنفاق. (إنك لن تنفق نفقة) قليلة أو كثيرة (تبتغي) أي تطلب (بها وجه الله) تعالى هو منع المتشابه وفيه مذهبان التفويض والتأويل. قال العارف المحقق شمس الدين بن اللبان المصري الشاذلي وقد جاء ذكره في آيات كثيرة: فإذا أردت أن تعلم حقيقة مظهره من الصور فاعلم أن حقيقته من غمام الشريعة بارق نور التوحيد ومظهره من العمل وجه الإخلاص: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} [الروم: 43] الآية. ويدل على أن وجه الإخلاص مظهره قوله تعالى {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52]. وقوله تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان: 9]. وقوله عز وجل: {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل: 20]. والمراد بذلك كله الثناء بالإخلاص على أهله تعبيرًا بإرادة الوجه عن إخلاص النية وتنبيهًا على أنه مظهر وجهه سبحانه وتعالى. ويدل على أن حقيقة الوجه هو بارق نور التوحيد. قوله عز وجل: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] أي إلاّ نور توحيده انتهى. والباء في قوله في الحديث بها للمقابلة أو بمعنى على، ولذا وقع في بعض النسخ عليها بدل بها أو للسببية أي لن تنفق نفقة تبتغي بسببها وجه الله تعالى (إلا) نفقة (أجرت عليها) بضم الهمزة وكسر الجيم ولكريمة إلاّ أجرت بها وهي في اليونينية لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر لكنه ضرب عليها بالحمرة. (حتى ما تجعل) أي الذي تجعله (في فم امرأتك) فأنت مأجور فيه، وعلى هذا فالمرائي بعمل الواجب غير مثاب وإن سقط عقابه بفعله كذا قاله البرماوي كالكرماني. وتعقبه العيني بأن سقوط العقاب مطلقًا غير صحيح، بل الصحيح التفصيل فيه وهو أن العقاب الذي يترتب على ترك الواجب يسقط لأنه أتى بعين الواجب ولكنه كان مأمورًا أن يأتي بما عليه بالإخلاص وترك الرياء، فينبغي أن يعاقب على ترك الإخلاص لأنه مأمور به وتارك المأمور به يعاقب. وقال النووي: ما أريد به وجه الله يثبت فيه الأجر وإن حصل لفاعله في ضمنه حظ شهوة من لذة أو غيرها كوضع لقمة في فم الزوجة وهو غالبًا لحظ النفس والشهوة، وإذا ثبت الأجر في هذا ففيما يراد به وجه الله فقط أحرى، وفي رواية الكشميهني في في امرأتك بغير ميم. قال في الفتح: وهي رواية الأكثر والمستثنى محذوف لأن الفعل لا يقع مستثنى، والتقدير كما قال العيني: لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلاّ نفقة أجرت عليها، ويكون قوله: أجرت عليها صفة للمستثنى، والمعنى على هذا لأن النفقة المأجور فيها هي التي تكون ابتغاء لوجه الله تعالى لأنها لو لم تكن لوجه الله لما كانت مأجورًا فيها، والاستثناء متصل لأنه من الجنس والتنكير في قوله نفقة في سياق النفي يعم القليل والكثير والخطاب في أنك للعموم، إذ ليس المراد سعدًا فقط فهو مثل: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ} [السجدة: 12]. والصارف قرينة عدم اختصاصه، ويحتمل أن يكون بالقياس. وحتى ابتدائية وما مبتدأ خبره المحذوف المقدر بقوله: (فأنت مأجور فيه)، فالنية الصالحة إكسير تقلب العادة عبادة والقبيح جميلاً، فالعاقل لا يتحرك حركة إلاّ لله فينوي بمكثه في المسجد زيارة ربه في انتظار الصلاة واعتكافه على طاعته وبدخوله الأسواق ذكر الله، وليس الجهر بشرط وأمرًا بمعروف ونهيًا عن منكر وينوي عقب كل فريضة انتظار أخرى فأنفاسه إذًا نفائس ونيته خير من عمله. وهذا الحديث المذكور في الباب قطعة من حديث طويل مشهور أخرجه المؤلف في الجنائز والمغازي والدعوات والهجرة والطب والفرائض، ومسلم في الوصايا، وأبو داود والترمذي فيها أيضًا. وقال: حسن صحيح،

42 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- «الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»، وقوله تعالى (إذا نصحوا لله ورسوله)

والنسائي فيها وفي عشرة النساء وفي اليوم والليلة، وابن ماجة في الوصايا. 42 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «الدِّينُ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»، وَقَوْلِهِ تَعَالَى (إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) هذا (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مبتدأ مضاف خبره قوله (الدين النصيحة) أي قوام الدين وعماده النصيحة (لله) تعالى بأن يؤمن به ويصفه بما هو أهله ويخضع له ظاهرًا وباطنًا ويركب في محابه بفعل طاعته ويرغب عن مساخطه بترك معصيته ويجاهد في رد العاصين إليه (و) النصيحة (لرسوله) عليه الصلاة والسلام بأن يصدق برسالته ويؤمن بجميع ما أتى به ويعظمه وينصره حيًّا وميتًا ويحيي سُنته بتعلمها وتعليمها ويتخلق بأخلاقه ويتأدب بآدابه ويحب أهل بيته وأصحابه وأتباعه وأحبابه، (و) النصيحة (لأئمة المسلمين) بإعانتهم على الحق وطاعتهم فيه وتنبيههم عند الغفلة برفق وسد خلتهم عند الهفوة ورد القلوب النافرة اليهم، وأما أئمة الاجتهاد فببث علومهم ونشر مناقبهم وتحسين الظن بهم، (و) نصيحة (عامّتهم) بالشفقة عليهم والسعي فيما يعود نفعه عليهم وتعليم ما ينفعهم وكفّ الأذى عنهم إلى غير ذلك. ويستفاد من هذا الحديث أن الدين يطلق على العمل لأنه سمى النصيحة دينًا، وعلى هذا المعنى بنى المؤلف أكثر كتاب الإيمان، وإنما أورده هنا ترجمة ولم يذكره في الباب مسندًا لكونه ليس على شرطه -كما سيأتي قريبًا- ووصله مسلم عن تميم الداري وزاد فيه: النصيحة لكتاب الله وذلك يقع بتعلمه وتعليمه وإقامة حروفه في التلاوة وتحريرها في الكتابة وبفهم معانيه وحفظ حدوده والعمل بما فيه إلى غير ذلك، وإنما لم يسنده المؤلف لأنه ليس على شرطه لأن راويه تميم، وأشهر طرقه فيه سهيل بن أبي صالح، وقد قال ابن المديني فيما ذكره عنه المؤلف أنه نسي كثيرًا من الأحاديث لموجدته لموت أخيه. وقال ابن معين: لا يحتج به، ونسبه بعضهم لسوء الحفظ، ومن ثم لم يخرج له البخاري، وقد أخرج له الأئمة كمسلم والأربعة. وروى عنه مالك ويحيى الأنصاري والثوري وابن عيينة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. وقال ابن عديّ: هو عندي ثبت لا بأس به مقبول الأخبار، ثم إن هذا الحديث قد عدّ من الأحاديث التي عليها مدار الإسلام وهو من بليغ الكلام والنصيحة من نصحت العسل إذا صفّيته من الشمع أو من النصح وهو الخياطة بالمنصحة وهي الإبرة، والمعنى أنه يلم شعثه بالنصح كما تلم المنصحة ومنه التوبة النصوح كأن الذنب يمزق الدين والتوبة تخيطه. ثم ذكر المؤلف رحمه الله آية يعضد بها الحديث فقال: (وقوله تعالى) ولأبي الوقت: عز وجل بدل قوله تعالى، ولأبي ذر، وقول الله {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91] بالإيمان والطاعة في السر والعلانية أو بما قدروا عليه فعلاً أو قولاً يعود على الإسلام والمسلمين بالصلاح. 57 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. [الحديث 57 - أطرافه في: 524، 1401، 2157، 2714، 2715، 7204]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد البجلي التابعي (قال: حدّثني) بالتوحيد (قيس بن أبي حازم) بالحاء المهملة وبالزاي المعجمة البجلي بفتح الموحدة والجيم نسبة إلى بجيلة بنت صعب الكوفي التابعي المخضرم، المتوفى سنة أربع أو سبع وثمانين أو منة ثمان وتسعين، (عن جرير بن عبد الله) بن جابر البجلي الأحمسي بالحاء والسين المهملتين، المتوفى سنة إحدى وخمسين. (قال بايعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي عاقدته وكان قدومه عليه سنة عشر في رمضان وأسلم وبايعه (على إقام الصلاة وإيتاء) أي إعطاء (الزكاة والنصح) بالعطف على المجرور السابق (لكل مسلم) ومسلمة وفيه تسمية النصح دينًا وإسلامًا، لأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول وهو فرض كفاية على قدر الطاقة إذا علم أنه يقبل نصحه ويأمن على نفسه المكروه، فإن خشي فهو في سعة فيجب على من علم بالمبيع عيبًا أن يبينه بائعًا كان أو أجنبيًّا، وعلى أن ينصح نفسه بامتثال الأوامر واجتناب المناهي وحذف التاء من إقامة تعويضًا عنها بالمضاف إليه ولم يذكر الصوم ونحوه لدخوله في السمع والطاعة. وهذا الحديث من الخماسيات وفيه اثنان من التابعين إسماعيل وقيس وكل رواته كوفيون غير مسدد وفيه التحديث بالإفراد والجمع والعنعنة. وأخرجه المؤلف في الصلاة والزكاة والبيوع

والشروط ومسلم في الإيمان والترمذي في البيعة. 58 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ يَوْمَ مَاتَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ، حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ، فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الآنَ، ثُمَّ قَالَ: اسْتَعْفُوا لأَمِيرِكُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْعَفْوَ. ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ: أُبَايِعُكَ عَلَى الإِسْلاَمِ. فَشَرَطَ عَلَىَّ "وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ". فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا، وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ. ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي بفتح السين الأولى نسبة إلى سدوس بن شيبان البصري المعروف بعارم بمهملتين المختلط بأخرة المتوفى بالبصرة سنة أربع عشرة ومائتين (قال: حدّثنا أبو عوانة) بفتح العين والنون الوضاح اليشكري (عن زياد بن علاقة) بكسر العين المهملة وبالقاف ابن مالك الثعلبي بالمثلثة والمهملة الكوفي المتوفى سنة خمس وعشرين ومائة. (قال: سمعت جرير بن عبد الله) البجلي الأحمسي الصحابي المشهور، المتوفى سنة إحدى وخمسين، وله في البخاري عشرة أحاديث أي سمعت كلامه، فالمسموع هو الصوت والحروف فلما حذف هذا وقع ما بعده تفسيرًا له وهو قوله (يقول) قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: {إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} [آل عمران: 193] أوقع الفعل على المسمع وحذف المسموع لدلالة وصفه عليه وفيه مبالغة ليست في إيقاعه على نفس المسموع (يوم) بالنصب على الظرفية أضيف إلى قوله: (مات المغيرة بن شعبة) سنة خمسين من الهجرة وكان واليًا على الكوفة فى خلافة معاوية واستناب عند موته ولده عروة، وقيل استناب جريرًا ولذا خطب وقد: (قام فحمد الله) أي أثنى عليه بالجميل عقب قيامه وجملة قام لا محل لها من الأعراب لأنها استئنافية (وأثنى عليه) ذكره بالخير أو الأوّل وصف بالتحلّي بالكمال، والثاني وصف بالتخلي عن النقائص، وحينئذ فالأولى إشارة إلى الصفات الوجودية، والثانية إلى الصفات العدمية أي التنزيهات (وقال: عليكم باتقاء الله) أي الزموه (وحده) أي حال كونه منفردًا (لا شريك له والوقار) أي الرزانة وهو بفتح الواو والجر عطفًا على اتّقاء أي وعليكم بالوقار (والسكينة) أي السكون (حتى يأتيكم أمير) بدل أميركم المغيرة المتوفى (فإنما يأتيكم الأن) بالنصب على الظرفية أي المدة القريبة من الآن فيكون الأمير زيادًا إذ ولاّه معاوية بعد وفاة المغيرة الكوفة، أو المراد الآن حقيقة فيكون الأمير جريرًا بنفسه لما روي أن المغيرة استخلف جريرًا على الكوفة عند موته، وإنما أمرهم بما ذكره مقدمًا لتقوى الله تعالى، لأن لغالب أن وفاة الأمراء تؤدي إلى الاضطراب والفتنة سيما ما كان عليه أهل الكوفة إذ ذاك من مخالفة ولاة الأمور، ومفهوم الغاية من حتى هنا وهو أن المأمور به وهو الاتقاء ينتهي بمجيء الأمير ليس مرادًا، بل يلزم عند مجيء الأمير بطريق الأولى وشرط اعتبار مفهوم المخالفة أن لا يعارضه مفهوم الموافقة. (ثم قال) جرير (استعفوا) بالعين المهملة أي اطلبوا العفو (لأميركم) المتوفى من الله تعالى (فإنه) أي الأمير والفاء للتعليل (كان يحب العفو) عن ذنوب الناس فالجزاء من جنس العمل، وفي رواية أبي الوقت وابن عساكر: استغفروا لأميركم بغين معجمة وزيادة راء (ثم قال أما بعد) بالبناء على الضم ظرف زمان حذف منه المضاف إليه ونوى معناه وفيه معنى الشرط تلزم الفاء في تاليه والتقدير أما بعد كلامي هذا (فإني أتيت النيي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلت) لم يأت بأداة العطف لأنه بدل اشتمال من أتيت أو استئناف وفي رواية أبي الوقت فقلت له: يا رسول الله (أبايعك على الإسلام. فشرط) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (علي) بتشديد الياء أي الإسلام (والنصح) بالجر عطفًا على قوله الإسلام وبالنصب عطفًا على المقدر أي شرط عليّ الإسلام وشرط النصح (لكل مسلم) وكذا لكل ذمي بدعائه إلى الإسلام إرشاده إلى الصواب إذا استشار فالتقييد بالمسلم من حيث الأغلب، (فبايعته على هذا) المذكور من الإسلام والنصح، (وربّ هذا المسجد) أي مسجد الكوفة إن كانت خطبته ثم أو أشار به إلى المسجد الحرام، ويؤيده ما في رواية الطبراني بلفظ: ورب الكعبة تنبيهًا على شرف المقسم به ليكون أقرب إلى القلوب (إني لناصح لكم) فيه إشارة إلى أنه وفى بما بايع به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأن كلامه عارٍ عن الأغراض الفاسدة، والجملة جواب القسم مؤكد بأن واللام والجملة الاسمية، (ثم استغفر)

3 - كتاب العلم

الله (ونزل) عن المنبر أو قعد من قيامه لأنه خطب قائمًا كما مرَّ. وهذا الحديث من الرباعيات، ورواته ما بين كوفي وبصري وواسطي مع التحديث والسماع والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الشروط، ومسلم في الإيمان، والنسائي في البيعة والسير والشروط، والله أعلم. بسم الله الرحمن الرحيم 3 - كتاب العلم أي بيان ما يتعلق به، وقدم على لاحقه لأن على العلم مدار كل شيء والعلم مصدر علمت أعلم علمًا وحدّه صفة توجب تمييزًا لا يحتمل النقيض في الأمور المعنوية، واحترزوا بقولهم لا يحتمل النقيض عن مثل الظن، وبقولهم في الأمور المعنوية عن إدراك الحواس لأن إدراكها في الأمور الظاهرة المحسوسة. وقال بعضهم: لا يحدّ لعسر تحديده. وقال الإمام فخر الدين: لأنه ضروري إذ لو لم يكن ضروريًّا لزم الدور. (بسم الله الرحمن الرحيم) كذا في رواية الأصيلي وكريمة، وفي رواية أبي ذر وغيره ثبوتها قبل كتاب. 1 - باب فَضْلِ الْعِلْمِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (باب فضل العلم) وكلا كتاب العلم وباب فضل العلم ثابت عند ابن عساكر، (وقول الله تعالى) وفي رواية أبي ذر عز وجل، وقول بالجر عطفًا على المضاف إليه في قوله باب فضل العلم على رواية من أثبت الباب أو على العلم فى قوله كتاب العلم على رواية من حذفه، وقال الحافظ ابن حجر: ضبطناه في الأصول بالرفع على الاستئناف، وتعقبه العيني فقال: إن أراد بالاستئناف الجواب عن السؤال فإذا لا يصح لأنه ليس في الكلام ما يقتضي هذا، وإن أراد ابتداء الكلام فذا أيضًا لا يصح لأنه على تقدير الرفع لا يتأتى الكلام، لأن قوله وقول الله ليس بكلام فإذا رفع لا يخلو إما أن يكون رفعه بالفاعلية أو بالابتداء وكلّ منهما لا يصح، أما الأوّل فواضح، وأما الثاني فلعدم الخبر. فإن قلت: الخبر محذوف! قلت: حذف الخبر لا يخلو إما أن يكون جوازًا أو وجوبًا، فالأوّل فيما إذا قامت قرينة كوقوعه في جواب الاستفهام عن المخبر به أو بعد إذا الفجائية أو يكون الخبر فعل قول وليس شيء من ذلك هاهنا، والثاني فيما إذا التزم في موضعه غيره وليس هذا أيضًا كذلك، فتعين بطلان دعوى الرفع. (يرفع) برفع يرفع في الفرع والتلاوة بالكسر للساكنين وأصلحها في اليونينية بكشط الرفع وإثبات الكسر {الله الذين آمنوا منكم} بالنصر وحسن الذكر في الدنيا وإيوائكم غرف الجنان في الآخرة {والذين أُوتوا العلم درجات} نصب بالكسر مفعول يرفع أي، ويرفع العلماء منكم خاصة درجات بما جمعوا من العلم والعمل. قال ابن عباس: درجات العلماء فوق المؤمنين بسبعمائة درجة ما بين الدرجتين خمسمائة عام {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} [المجادلة: 11] تهديد لمن لم يمتثل الأمر أو استكرهه. (وقوله عز وجل: رب) وللأصيلي: وقل رب وَقُلْ رَبِّ {زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] أي سله الزيادة منه، واكتفى المصنف في بيان فضيلة العلم بهاتين الآيتين، لأن القرآن العظيم أعظم الأدلة أو لأنّه لم يقع له حديث من هذا النوع على شرطه أو اخترمته المنيّة قبل أن يلحق بالباب حديثًا يناسبه لأنه كتب الأبواب والتراجم، ثم كان يلحق فيها ما يناسبها من الحديث على شرطه فلم يقع له شيء من ذلك، ولو لم يكن من فضيلة العلم إلا آية {شَهِدَ اللَّهُ} [آل عمران: 18] فبدأ الله تعالى بنفسه وثنى بملائكته وثلث بأهل العلم وناهيك بهذا شرفًا، والعلماء ورثة الأنبيباء كما ثبت في الحديث، وإذا كان لا رتبة فوق النبوّة فلا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة، وغاية العلم العمل لأنه ثمرته وفائدة العمر وزاد الآخرة فمن ظفر به سعد ومن فاته خسر، فإذًا العلم أفضل من العمل به لأن شرفه بشرف معلومه، والعمل بلا علم لا يسمى عملاً بل هو ردّ وباطل، وينقسم العلم بانقسام المعلومات وهي لا تحصى. فمنها: الظاهر والمراد به العلم الشرعي المقيد بما يلزم المكلف في أمر دينه عبادة ومعاملة وهو يدور على التفسير والفقه والحديث، وقد عدّ الشيخ عز الدين بن عبد السلام تعلم النحو وحفظ غريب الكتاب والسُّنَّة وتدوين أصول الفقه من البدع الواجبة. ومنها: علم الباطن وهو نوعان. الأوّل: علم المعاملة، وهو فرض عين في فتوى علماء الآخرة فالمعرض عنه هالك بسطوة

2 - باب من سئل علما وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل

مالك الملوك في الآخرة، كما أن المعرض عن الأعمال الظاهرة هالك بسيف سلاطين الدنيا بحكم فتوى فقهاء الدنيا، وحقيقته النظر في تصفية القلب وتهذيب النفس باتّقاء الأخلاق الذميمة التي ذمّها الشارع كالرياء والعجب والغش وحب العلو والثناء والفخر والطمع، ليتصف بالأخلاق الحميدة المحمدية كالإخلاص والشكر والصبر والزهد والتقوى والقناعة، ليصلح عند أحكامه ذلك لعلمه بعلمه ليرث ما لم يعلم، فعلمه بلا عمل وسيلة بلا غاية وعكسه جناية وإتقانهما بلا ورع كلفة بلا أجرة، فأهم الأمور زهد واستقامة لينتفع بعلمه ومحمله، وسأشير إلى نبذة منثورة في هذا الكتاب من مقاصد هذا النوع إن شاء الله تعالى بألطف إشارة، وأعبر عن مهماته الشريفة بأرشق عبارة جميعًا لفرائد الفوائد. وأما النوع الثاني: فهو علم المكاشفة وهو نور يظهر في القلب عند تزكيته فتظهر به المعاني المجملة فتحصل له المعرفة بالله تعالى وأسمائه وصفاته وكتبه ورسله؛ وتنكشف له الأستار عن مخبآت الأسرار فافهم. وسلم تسلم، ولا تكن من المنكرين تهلك مع الهالكين. قال بعض العارفين: من لم يكن له من هذا العلم شيء أخشى عليه سوء الخاتمة وأدنى النصيب منه التصديق به وتسليمه لأهله، والله تعالى أعلم. 2 - باب مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ فَأَتَمَّ الْحَدِيثَ ثُمَّ أَجَابَ السَّائِلَ (باب من سئل) بضم السين وكسر الهمزة (علمًا) بالنصب مفعول ثانٍ (وهو مشتغل في حديثه) جملة وقعت حالاً من الضمير، (فأتم الحديث ثم أجاب السائل) عطفه بثم لتراخيه. 59 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ. ح. وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَدِّثُ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ. حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ؟ قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ». قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ». [الحديث 59 - طرفه في: 6496]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وبالنونين أبو بكر البصري (قال: حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام وبسكون المثناة التحتية وفي آخره حاء مهملة وهو لقب له واسمه عبد الملك وكنيته أبو يحيى (ح). قال البخاري: (وحدّثني) بالإفراد، وفي رواية ابن عساكر قال: وحدّثنا (إبراهيم بن المنذر) المدني (قال: حدّثنا محمد بن فليح) المذكور (قال: حدّثني) بالإفراد وفي رواية الأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت: حدّثنا. (أبي) فليح (قال: حدّثني) بالإفراد (هلال بن علي) ويقال له هلال بن أبي ميمونة وهلال بن أبي هلال وهلال بن أسامة نسبة إلى جده وقد يظن أنهم أربعة والكل واحد (عن عطاء بن يسار) مولى ميمونة بنت الحرث (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر أنه (قال): (بينما) بالميم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مجلس يحدث القوم) أي الرجال فقط أو والنساء تبعًا لأن القوم شامل للرجال والنساء (جاءه) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أعرابي) الأعراب سكان البادية لا واحد له من لفظه ولم يعرف اسمه نعم سماه أبو العالية فيما نقله عنه البرماوي رفيعًا، وفيه استعمال بينما بدون إذ وإذا وهو فصيح (فقال: متى الساعة) استفهام عن الوقت التي تقوم فيه (فمضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحدث) أي القوم، وفي رواية ابن عساكر وأبي ذر عن المستملي والحموي والكشميهني يحدّثه بالهاء أي يحدّث القوم الحديث الذي كان فيه فلا يعود الضمير المنصوب على الأعرابي (فقال بعض القوم: سمع) عليه الصلاة والسلام (ما قال فكره ما قال) أي الذي قاله فحذف العائد (وقال بعضهم: بل لم يسمع) قوله، وبل حرف إضراب وليه هنا جملة وهي لم يسمع فيكون بمعنى الإبطال لا العطف، والجملة اعتراض بين فمضى وبين قوله (حتى إذا قضى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حديثه) فحتى إذا يتعلق بقوله فمضى يحدث لا بقوله لم يسمع، وإنما لم يجبه عليه الصلاة والسلام لأنه يحتمل أن يكون لانتظار الوحي أو يكون مشغولاً بجواب سائل آخر، ويؤخذ منه أنه ينبغي للعالم والقاضي ونحوهما رعاية تقدم الأسبق فالأسبق، (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أين أراه) بضم الهمزة أي أظن أنه قال أين (السائل عن الساعة) أي عن زمانها، والشك من محمد بن فليح ولم يضبط همزة أراه في اليونينية، وفي رواية أين السائل وهو في الروايتين بالرفع على الابتداء وخبره أين المتقدم وهو سؤال عن المكان بني لتضمنه حرف الاستفهام. (قال) الأعرابي: (ها أنا) السائل (يا رسول الله) فالسائل المقدر خبر المبتدأ الذي هو أنا

3 - باب من رفع صوته بالعلم

وها حرف تنبيه (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال) الأعرابي: (كيف إضاعتها؟ قال) عليه الصلاة والسلام مجيئًا له: (إذا وسد) بضم الواو وتشديد السين أي جعل (الأمر) المتعلق بالدين كالخلافة والقضاء والإفتاء (إلى غير أهله) أي بولاية غير أهل الدين والأمانات (فانتظر الساعة): الفاء للتفريع أو جواب شرط محذوف، أي: إذا كان الأمر كذلك فانتظر الساعة، ولا يقال هي جواب إذا وسد لأنها لا تتضمن هنا معنى الشرط. وقال ابن بطال فيه: إن الأئمة ائتمنهم الله على عباده وفرض عليهم النصح، وإذا قلدوا الأمر لغير أهل الدين فقد ضيعوا الأمانات، وفيه: أن الساعة لا تقوم حتى يؤتمن الخائن، وهذا إنما يكون إذا غلب الجهّال وضعف أهل الحق عن القيام به ونصرته، وفيه وجوب تعليم السائل لقوله عليه الصلاة والسلام: أين السائل، وفيه مراجعة العالم عند عدم فهم السائل لقوله: كيف إضاعتها، وهو ثمانيّ الإسناد ورجاله كلهم مدنيون مع التحديث بالإفراد والجمع والعنعنة، وأخرجه المصنف أيضًا في الرقاق مختصرًا وهو مما انفرد به عن بقية الكتب الستة. 3 - باب مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْعِلْمِ (باب من) أي الذي (رفع صوته بالعلم) أي بكلام يدل على العلم فهو من باب إطلاق اسم المدلول على الدال، وإلاّ فالعلم صفة معنوية لا يتصوّر رفع الصوت به. 60 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ». مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. [الحديث 60 - طرفاه في: 96، 163]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا أبو النعمان عارم بن الفضل) واسمه محمد وعارم لقبه السدوسي البصري المتوفى سنة ثلاث أو أربع وعشرين ومائتين، وسقط عند ابن عساكر والأصيلي وأبي ذر عارم بن الفضل (قال: حدّثنا أبو عوانة) بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن إياس اليشكري عرف بابن وحشية الواسطي الثقة المتوفى سنة أربع وعشرين ومائة، (عن يوسف) بتثليث السين المهملة مع الهمز وتركه (ابن ماهك) بفتح الهاء غير منصرف للعلمية والعجمة لأن ماهك بالفارسية تصغير ماه وهو القمر بالعربي، وقاعدتهم إذا صغّروا الاسم جعلوا في آخره الكاف، وفي رواية الأصيلي ماهك بالصرف لأنه لاحظ فيه معنى الصفة، لأن التصغير من الصفات، والصفة لا تجامع العلمية لأن بينهما تضادًّا، وحينئذ يصير الاسم بعلة واحدة وهي غير مانعة من الصرف، وروي بكسر الهاء مصروفًا اسم فاعل من مهكت الشيء مهكًا إذا بالغت في سحقه، وعلى قول الدارقطني: إن ماهك اسم أمه يتعين عدم صرفه للعلمية والتأنيث، لكن الأكثرون على خلافه وأن اسمها مسيكة ابنة بهز بضم الموحدة وسكون الهاء وبالزاي الفارسي المكي المتوفى سنة ثلاث عشرة ومائة، وقيل غير ذلك (عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاصي رضي الله عنهما. (قال تخلف) أي تأخر خلفنا (النبي) ولأبي ذر تخلّف عنّا النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفرة سافرناها) من مكة إلى المدينة كما في مسلم (فأدركنا) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي لحق بنا وهو بفتح الكاف (وقد أرهقتنا) بتأنيث الفعل أي غشيتنا (الصلاة) بالرفع على الفاعلية أي وقت صلاة العصر كما في مسلم، وفي رواية أرهقنا بالتذكير وسكون القاف لأن تأنيث الصلاة غير حقيقي والصلاة بالنصب على المفعولية أي أخّرناها وحينئذ فنا ضمير رفع، وفي الرواية الأولى ضمير نصب (ونحن نتوضأ) جملة اسمية وقعت حالاً (فجعلنا) أي كدنا (نمسح) أي نغسل غسلاً خفيفًا أي مبقعًا حتى يرى كأنه مسح (على أرجلنا) جمع رجل لقابلة الجمع، وإلاّ فليس لكل إلا رجلان، ولا يقال يلزم أن يكون لكل واحد رجل واحدة لأنّا نقول: المراد جنس الرجل سواء كانت واحدة أو اثنتين، (فنادى) عليه الصلاة والسلام (بأعلى صوته: ويل) بالرفع على الابتداء وهي كلمة عذاب وهلاك (للأعقاب) المقصرين في غسلها أو العقب هي المخصوصة بالعقوبة (من النار مرتين أو ثلاثًا) شك من ابن عمرو، وأل في الأعقاب للعهد، والمراد الأعقاب التي رآها لم ينلها المطهر، ويحتمل أن لا يختصّ بتلك الأعقاب المرئية له، بل المراد كل عقب لم يعمها الماء فتكون عهدية جنسية. 4 - باب قَوْلِ الْمُحَدِّثِ "حَدَّثَنَا" أَوْ "أَخْبَرَنَا" وَ"أَنْبَأَنَا" وَقَالَ لَنَا الْحُمَيْدِيُّ: كَانَ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَأَنْبَأَنَا وَسَمِعْتُ وَاحِدًا. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ. وَقَالَ شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَلِمَةً. وَقَالَ حُذَيْفَةُ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثَيْنِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ. وَقَالَ أَنَسٌ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ. (باب قول

المحدث) أي الذي يحدث غيره (حدثنا أو أخبرنا) وللأصيلي وغيره: وأخبرنا (وأنبأنا) هل بينهما فرق أو الكل واحد؟ ولكريمة بإسقاط وأنبأنا، وللأصيلي بإسقاط وأخبرنا، وثبت الجميع في رواية أبي ذر. (قال) لنا (الحميدي) بضم المهملة وفتح الميم فياء تصغير وياء نسبة أبو بكر بن عبد الله بن الزبير المكّي المذكور أوّل الكتاب (كان عند ابن عيينة) سفيان، وللأصيلي وكريمة وقال لنا الحميدي، وكذا ذكره أبو نعيم في المستخرج فهو متصل، وأفاد جعفر بن حمدان النيسابوري أن كل ما في البخاري من قال ليس فلان فهو عرض أو مناولة. (حدّثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت واحدًا) لا فرق بين هذه الألفاظ الأربعة عند المؤلف كما يعطيه قوة تخصيصه بذكره عن شيخه الحميدي من غير ذكر ما يخالفه، وهو مروي أيضًا عن مالك والحسن البصري ويحيى بن سعيد القطان ومعظم الكوفيين والحجازيين، وممن رواه عن مالك إسماعيل بن أبي أُويس فإنه قال: إنه سئل عن حديث أسماع هو فقال منه سماع ومنه عرض وليس العرض عندنا بأدنى من السماع. وقال القاضي عياض: لا خلاف أنه يجوز في السماع من لفظ الشيخ أن يقول السامع فيه حدّثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعته يقول وقال لنا فلان وذكر لنا فلان، وإليه مال الطحاوي، وصحح هذا المذهب ابن الحاجب ونقل هو وغيره أنه مذهب الأئمة الأربعة، ومنهم من رأى إطلاق ذلك حيث يقرأ الشيخ من لفظه وتقييده حيث يقرأ عليه وهو مذهب إسحاق بن راهويه والنسائي وابن حبان وابن منده وغيرهم. وقال آخرون بالتفرقة بين الصيغ بحسب افتراق التحمل، فلما سمع من لفظ الشيخ سمعت أو حدّثنا، ولما قرأه على الشيخ أخبرنا، والأحوط الإفصاح بصورة الواقع فيقول إن كان قرأ قرأت على فلان أو أخبرنا بقراءتي عليه، وإن كان سمع: قرأ علي فلان وأنا أسمع، وأخبرنا فلان قراءة عليه وأنا أسمع، وأنبأنا ونبأنا بالتشديد للإجازة التي يشافه بها الشيخ من يجيزه، وهذا مذهب ابن جريج والأوزاعي وابن وهب وجمهور أهل المشرق، ثم أحدث أتباعهم تفصيلاً آخر فمن سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فقال حدّثني، ومن سمع مع غيره جمع فقال حدّثنا، ومن قرأ بنفسه على الشيخ أفرد فقال أخبرني، ومن سمع بقراءة غيره جمع فقال أخبرنا، وأما قال لنا أو قال لي واذكر لنا وذكر ليس ففيما سمع في حال المذاكرة، وجزم ابن منده بأنه للإجازة، وكذا قال أبو يعقوب الحافظ، وقال أبو جعفر بن أحمد أنه عرض ومناولة. قال في فتح المغيث: وهو على تقدير تسليمه منهم له حكم الاتصال أيضًا على رأي الجمهور لكنه مردود عليهم، فقد أخرج البخاري في الصوم من صحيحه حديث أبي هريرة قال: قال: إذا نسي أحدكم فأكل أو شرب فقال فيه حدّثنا عبدان، وأورده في تاريخه بصيغة قال ليس عبدان، وأورد حديثًا في التفسير من صحيحه عن إبراهيم بن موسى بصيغة التحديث، ثم أورده في الإيمان والنذور منه أيضًا بصيغة قال ليس إبراهيم بن موسى في أمثلة كثيرة. قال: وحقّقه شيخنا باستقرائه لها أنه إنما يأتي بهذه الصيغة يعني بانفرادها إذا كان المتن ليس على شرطه في أصل موضوع كتابه كأن يقول ظاهره الوقف أو في السند من ليس على شرطه في الاحتجاج، وذلك في المتابعات والشواهد، وإنما خصّوا قراءة الشيخ بحدّثنا لقوّة إشعاره بالنطق والمشافهة، وينبغي ملاحظة هذا الاصطلاح لئلا يختلط المسموع بالمجاز، قال الإسفرايني: لا يجوز فيما قرأ أو سمع أن يقول حدّثنا ولا فيما سمع لفظًا أن يقول أخبرنا، إذ بينهما فرق ظاهر، ومن لم يحفظ ذلك على نفسه كان من المدلسين، ثم عطف المؤلف ثلاثة تعاليق يؤيد بها مذهبه في التسوية بين الصيغ الأربعة فقال: (وقال ابن مسعود) عبد الله رضي الله عنه (حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو الصادق) في نفس الأمر (المصدوق) بالنسبة إلى الله تعالى أو إلى الناس أو بالنسبة إلى ما قاله غيره أي جبريل له، وهذا طرف من حديث وصله المؤلف في القدر. (وقال شقيق) بفتح المعجمة أبو وائل السابق في باب خوف المؤمن أن يحبط عمله من كتاب الإيمان (عن عبد الله) أي ابن مسعود، وإذا

أطلق كان هو المراد من بين العبادلة (سمعت النبي) ولأبي ذر والأصيلي سمعت من النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلمة) وهذا وصله المؤلف في الجنائز. (وقال حذيفة) بن اليمان صاحب سرّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المنافقين، المتوفى بالمدائن سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان رضي الله عنه بأربعين ليلة ومقول قوله: (حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثين) وهذا وصله المؤلف في الرقاق، وساق التعاليق الثلاثة تنبيهًا على أن الصحابي تارة يقول حدّثنا، وتارة يقول سمعت، فدلّ على عدم الفرق بينهما. ثم عطف على هذه الثلاثة ثلاثة أخرى فقال: (وقال أبو العالية) بالمهملة والمثناة التحتية هو رفيع بضم الراء وفتح الفاء ابن مهران بكسر الميم الرياحي بالمثناة التحتية والحاء المهملة، أسلم بعد موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسنتين، وتوفي سنة تسعين. وقال العيني، كالقطب الحلبي: هو البراء بتشديد الراء نسبة لبري النبل، واسمه زياد بن فيروز القرشي البصري المتوفى سنة تسعين. قال ابن حجر: وهو وهم فإن الحديث المذكور معروف برواية الرياحي دونه، وتعقبه العيني بأن كل واحد منهما يروي عن ابن عباس، وترجيح أحدهما عن الآخر في رواية هذا الحديث عن ابن عباس يحتاج إلى دليل، وبأن قوله: فإن الحديث المذكور معروف برواية الرياحي دونه يحتاج إلى نقل عن أحد يعتمد عليه. وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن المصنف وصله في التوحيد، ولو راجعه العيني من هناك لما احتاج إلى طلب الدليل. (عن ابن عباس، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما يروي عن ربه) عز وجل. (وقال أنس) بن مالك رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرويه عن ربه عز وجل) وللأصيلي فيما يرويه عن ربه، ولأبوي ذر والوقت تبارك وتعالى بدلاً عن قوله عز وجل. (وقال أبو هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرويه عن ربكم عز وجل) بكاف الخطاب مع ميم الجمع، وهذه التعاليق الثلاثة وصلها المؤلف في كتاب التوحيد، وأوردها هنا تنبيهًا على حكم المعنعن، والذي ذهب إليه هو وأئمة جمهور المحدّثين أنه موصول إذا أتى عن رواة مسمّين معروفين بشرط السلامة واللقاء، وهو مذهب ابن المديني وابن عبد البر والخطيب وغيرهم. وعزاه النووي للمحققين بل هو مقتضى كلام الشافعي. نعم لم يشترطه مسلم بل أنكر اشتراطه في مقدمة صحيحة وادّعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه، وإن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديمًا وحديثًا ما ذهب هو إليه من عدم اشتراطه لكنه اشترط تعاصرهما فقط، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا وتشافها يعني تحسينًا للظن بالثقة وفيما قاله نظر يطول ذكره. 61 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ. ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ». [الحديث 61 - أطرافه في: 62، 72، 131، 2209، 4698، 5444، 5448، 6132، 6144]. وبالسند إلى المؤلف رحمه الله قال: (حدّثنا قتيبة) زاد في رواية ابن عساكر ابن سعيد وقد مرّ قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) المذكور في باب علامة المنافق (عن عبد الله بن دينار) السابق في باب أمور الإيمان (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن من الشجر) أي من جنسه (شجرة) بالنصب اسم إن وخبرها الجار والمجرور ومن للتبعيض. وقوله (لا يسقط ورقها) في محل نصب صفة لشجرة وهي صفة سلبية تبين أن موصوفها مختص بها دون غيرها (وإنها مثل المسلم) بكسر الهمزة عطفًا على أن الأولى وبكسر ميم مثل وسكون المثلثة كذا في رواية أبي ذر، وفي رواية الأصيلي وكريمة مثل بفتحهما كشبه وشبه لفظًا ومعنى، واستعير المثل هنا كاستعارة الأسد للمقدام للحال العجيبة أو الصفة الغريبة كأنه قال: حال المسلم العجيب الشأن كحال النخلة أو صفته الغريبة كصفتها فالمسلم هو المشبه والنخلة هي المشبه بها. وقوله: (فحدّثوني) فعل أمر أي إن عرفتموها فحدّثوني (ما هي) جملة من مبتدأ وخبر سدّت مسد مفعول التحديث (فوقع الناس في شجر البوادي) أي جعل كل منهم يفسرها بنوع من الأنواع وذهلوا عن النخلة، (قال عبد الله) بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (ووقع في نفسي أنها النخلة) بالرفع خبر أن وبفتح الهمزة لأنها فاعل وقع (فاستحييت) أن أتكلم، وعنده أبو بكر وعمر وغيرهما رضي الله

5 - باب طرح الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم من العلم

عنهم هيبة منه وتوقيرًا لهم (ثم قالوا: حدّثنا) بكسر الدال وسكون المثلثة (ما هي يا رسول الله: قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هي النخلة). وعند المؤلف في التفسير من طريق نافع عن ابن عمر قال: كنا عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أخبروني بشجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا ولا ولا ذكر النفي ثلاث مرات على طريق الاكتفاء، وقد ذكروا في تفسيره ولا ينقطع ثمرها ولا يعدم فيئها ولا يبطل نفعها. 5 - باب طَرْحِ الإِمَامِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ هذا (باب طرح) بالجر للإضافة أي إلقاء (الإمام المسألة على أصحابه ليختبر ما عندهم) أي ليمتحن الذي عندهم (من العلم). 62 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ قَالَ: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ. ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ». وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء أبو الهيثم القطواني بفتح القاف والطاء نسبة لموضع بالكوفة البجلي مولاهم الكوفي تكلم فيه. وقال ابن عدي: لا بأس به المتوفى في المحوم سنة ثلاث عشرة ومائتين قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال أبو محمد التيمي القرشي المدني الفقيه المشهور، وكان بربريًّا حسن الهيئة وتوفي سنة اثنتين وسبعين ومائة في خلافة هارون الرشيد. قال: (حدّثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (عن النبي) أنه (قال): (إن من الشجر شجرة) زاد المؤلف في باب الفهم في العلم قال: صحبت ابن عمر إلى المدينة فقال: كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأُتي بجمارة فقال: إن من الشجر شجرة (لا يسقط ورقها وإنها مثل) بكسر الأوّل وسكون الثاني وبفتحهما على ما مرّ أي شبه (المسلم، حدّثوني) كذا في الرواية بغير فاء على الأصل (ما هي؟ قال: فوقع الناس في شجر البوادي) أي ذهبت أفكارهم إليها دون النخلة، وسقطت لفظة قال من الرواية الأولى (قال عبد الله) بن عمر رضي الله عنهما: (فوقع في نفسي) وفي الرواية السابقة ووقع في نفسي (أنها النخلة). وفي صحيح أبي عوانة قال: فظننت أنها النخلة من أجل الجمار الذي أُتي به. زاد في رواية أبي ذر عن المستملي وأبي الوقت والأصيلي فاستحييت. قال في رواية مجاهد عند المؤلف في باب الفهم في العلم: فأردت أن أقول هي النخلة فإذا أنا أصغر القوم وعنده في الأطعمة فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم، وفي رواية نافع: ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم. (ثم قالوا: حدّثنا) المراد منه الطلب والسؤال (ما هي يا رسول الله؟ قال: هي النخلة) ولابن عساكر حدّثنا يا رسول الله. قال: هي النخلة، وللأصيلي ثم قالوا: حدّثنا يا رسول الله. ووجه الشبه بين النخلة والمسلم من جهة عدم سقوط الورق كما رواه الحرث بن أبي أسامة في هذا الحديث كنا ذكره السهيلي في التعريف. وقال زاد زيادة تساوي رحلة ولفظه عن ابن عمر قال: كنا عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات يوم فقال: إن مثل المؤمن كمثل شجرة لا يسقط لا أبلمة أتدرون ما هي؟ قالوا: لا. قال: هي النخلة لا يسقط لها أبلمة ولا يسقط لمؤمن دعوة فبيّن وجه الشبه. قال ابن حجر: وعند المؤلف في الأطعمة من حديث ابن عمر بينما نحن عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ أُتي بجمارة فقال: إن من الشجر لا بركته كبركة السلم وهذا أعمّ من الذي قبله. وبركة النخلة موجودة في جميع أجزائها تستمر في جميع أحوالها من حين تطلع إلى حين تيبس تؤكل أنواعًا ثم ينتفع بجميع أجزائها حتى النوى في علف الدواب والليف في الحبال وغير ذلك مما لا يخفى، وكذلك بركة السلم عامة في جميع الأحوال ونفعه مستمر له ولغيره. وأما من قال: إن وجه الشبه كون النخلة خلقت من فضل طينة آدم فلم يثبت الحديث بذلك، وفائدة إعادته لهذا الحديث اختلاف السند المؤذن بتعداد مشايخه واتساع روايته مع استفادة الحكم المترتب عليه المقتضي لدقّة نظره في تصرفه في تراجم أبوابه، والله الموفق والمعين. 6 - باب مَا جَاءَ فِي الْعِلْمِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} بَابُ الْقِرَاءَةُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْمُحَدِّثِ. وَرَأَى الْحَسَنُ وسُفيانُ وَمَالِكٌ الْقِرَاءَةَ جَائِزَةً. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ بِحَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ؟ قَالَ «نَعَمْ». قَالَ: فَهَذِهِ قِرَاءَةٌ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَ ضِمَامٌ قَوْمَهُ بِذَلِكَ فَأَجَازُوهُ. وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِالصَّكِّ يُقْرَأُ عَلَى الْقَوْمِ فَيَقُولُونَ أَشْهَدَنَا فُلاَنٌ: وَيُقْرَأُ ذَلِكَ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ، وَيُقْرَأُ عَلَى الْمُقْرِئِ فَيَقُولُ الْقَارِئُ: أَقْرَأَنِي فُلاَنٌ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْوَاسِطِيُّ عَنْ عَوْفٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ. وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرَبْرِيُّ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: إِذَا قُرِئَ عَلَى الْمُحَدِّثِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنِي. قَالَ وَسَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُولُ عَنْ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ: الْقِرَاءَةُ عَلَى الْعَالِمِ وَقِرَاءَتُهُ سَوَاءٌ. (باب ما جاء في العلم وقول الله تعالى: وقل رب زدني علمًا) أي سل الله تعالى زيادة العلم وهذا ساقط في رواية ابن عساكر والأصيلي وأبوي ذر والوقت، والباب التالي له ساقط عند الأصيلي وأبي ذر وابن عساكر. (باب القراءة والعرض على المحدث) وفي نسخة القراءة والعرض على المحدث بحذف الباب أي بأن يقرأ عليه الطالب من حفظه أو كتاب أو يسمعه عليه بقراءة غيره من كتاب أو حفظ والمحدّث

حافظ للمقروء أو غير حافظ، لكن مع تتبع أصله بنفسه أو ثقة ضابط غيره واحترز به عن عرض المناولة وهو العاري عن القراءة. وصورته: أن يعرض الطالب مروي شيخه اليقظ العارف عليه فيتأمله الشيخ ثم يعيده عليه ويأذن له في روايته عنه. (ورأى الحسن) البصري (وسفيان) الثوري (ومالك) أي ابن أنس إمام الأئمة (القراءة) على المحدّث (جائزة) في صحة النقل عنه خلافًا لأبي عاصم النبيل وعبد الرحمن بن سلام الجمحي ووكيع. والمعتمد الأوّل، بل صرح القاضي عياض بعدم الخلاف في صحة الرواية بها، وقد كان الإمام مالك يأبى أشد الإباء على المخالف ويقول: كيف لا يجزيك هذا في الحديث ويجزيك في القرآن والقرآن أعظم. وقال بعض أصحابه: صحبته سبع عشر سنة فما رأيته قرأ الموطأ على أحد بل يقرؤون عليه، وفي رواية غير الأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر. قال أبو عبد الله أي المؤلف سمعت أبا عاصم يذكر عن سفيان الثوري ومالك الإمام أنهما كانا يريان القراءة والسماع جائزًا وفي رواية أبي ذر جائزة أي القراءة لأن السماع لا نزاع فيه، ولغير أبي ذر حدّثنا عبيد الله بن موسى عن سفيان قال: إذا قرئ على المحدّث فلا بأس أن يقول حدّثني بالإفراد وسمعت. (واحتجّ بعضهم) هو الحميدي شيخ المؤلف أو أبو سعيد الحداد كما في المعرفة للبيهقي من طريق ابن خزيمة (في القراءة على العالم) أي في صحة النقل عنه (بحديث ضمام بن ثعلبة) بكسر الضاد المعجمة وثعلبة بالمثلثة ثم المهملة وبعد اللام موحدة. زاد في رواية الأصيلي وأبي ذر أنه وسقطت لغيرهما كما في فرع اليونينية كهي (قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: آلله) بهمزة الاستفهام مرفوع مبتدأ خبره قوله (أمرك أن) أي بأن (تصلي) بالمثناة الفوقية وفي فرع اليونينية أن نصلي بنون الجمع (الصلوات). وفي رواية أبوي الوقت وذر عن الكشميهني الصلاة بالإفراد (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نعم) أمرنا أن نصلي. قال الحميدي: (فهذه قراءة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية الأصيلي كما في الفرع فهذه قراءة على العالم (أخبر ضمام قومه بذلك فأجازوه) أي قبلوه من ضمام وليس في الرواية الآتية من حديث أنس في قصته أنه أخبر قومه بذلك. نعم روي ذلك من طريق آخر عند أحمد من حديث ابن عباس قال: بعث بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة الحديث، وفيه أن ضمامًا قال لقومه عندما رجع إليهم: إن الله قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتابًا وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه. قال: فوالله ما أمسى من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلمًا. (واحتج مالك) الإمام (بالصك) بفتح المهملة وتشديد الكاف الكتاب فارسي معرب يكتب فيه إقرار المقر (يقرأ على القوم) بضم المثناة التحتية مبنيًّا للمفعول (فيقولون) أي الشاهدون لا القوم لأن المراد منهم من يعطي الصك وهم المقرون بالدّيون أو غيرها فلا يصح لهم أن يقولوا: (أشهدنا فلان ويقرأ ذلك قراءة عليهم) وفي رواية أبوي ذر والوقت: وإنما ذلك قراءة عليهم فتسوغ الشهادة عليهم بقولهم نعم بعد قراءة المكتوب عليهم مع عدم تلفظهم بما هو مكتوب. قال ابن بطال: وهذه حجة قاطعة لأن الإشهاد أقوى حالات الإخبار (ويقرأ) بضم أوّله أيضًا (على المقرئ) المعلم للقرآن (فيقول القارئ) عليه (أقرأني فلان) روى الخطيب البغدادي في كفايته من طريق ابن وهب قال: سمعت مالكًا رحمه الله وقد سئل عن الكتب التي تعرض: أيقول الرجل حدّثني؟ قال: نعم كذلك القرآن أليس الرجل يقرأ على الرجل فيقول أقرأني فلان، فكذلك إذا قرأ على العالم صحّ أن يروي عنه انتهى. وبالسند السابق إلى المؤلف قال: (حدّثنا محمد بن سلام) بتخفيف اللام البيكندي، قال: (حدّثنا محمد بن الحسن) بفتح الحاء ابن عمران (الواسطي) قاضيه المتوفى سنة تسع وثمانين ومائة وليس له في البخاري غير هذا (عن عوف) بفتح العين آخره فاء هو ابن أبي جميلة الأعرابي (عن الحسن) البصري (قال: لا بأس) في صحة النقل عن المحدّث (بالقراءة على العالم) أي الشيخ.

وبه قال المؤلف: (حدّثنا عبيد الله) زاد في رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر ما هو ثابت في فرع اليونينية لا في أصلها إلا في الهامش وفوقه هـ س ط. (وأخبرنا محمد بن يوسف الفربري، وحدّثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: حدّثنا عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة مصغر (ابن موسى) بن باذام العبسي بالمهملتين (عن سفيان) الثوري أنه (قال: إذا قرئ) بضم القاف وكسر الراء وللأصيلي وابن عساكر: إذا قرأت، وفي رواية أبي الوقت: إذا قرأ (على المحدّث لا بأس) على القارئ (أن يقول حدّثني) كما جاز أن يقول أخبرني (قال) أي المؤلف: (وسمعت) وفي رواية س قال أبو عبد الله سمعت بغير واو (أبا عاصم) هو الضحاك بن مخلد الشيباني البصري النبيل بفتح النون وكسر الموحدة وسكون المثناة التحتية المتوفى في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين (يقول عن مالك) إمام دار الهجرة (و) عن (سفيان) الثوري (القراءة على العالم وقراءته سواء) في صحة النقل وجواز الرواية. نعم استحب مالك القراءة على الشيخ، وروى عنه الدارقطني أنها أثبت من قراءة العالم والجمهور على أن قراءة الشيخ أرجح من قراءة الطالب عليه، وذهب آخرون إلى أنهما سواء كما تقدم عن مذهب المؤلف ومالك وغيرهما. 63 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ -هُوَ الْمَقْبُرِيُّ- عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ فَأَنَاخَهُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ -وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ- فَقُلْنَا هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ الْمُتَّكِئُ. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَدْ أَجَبْتُكَ: فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلاَ تَجِدْ عَلَىَّ فِي نَفْسِكَ. فَقَالَ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ. فَقَالَ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُمَّ نَعَمْ. فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ". رَوَاهُ مُوسَى وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: حدّثنا الليث) بن سعد عالم مصر (عن سعيد) بن أبي سعيد بكسر العين فيهما (هو المقبري) بضم الموحدة ولفظ هو ساقط في رواية أبي ذر (عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر) بفتح النون وكسر الميم القرشي المدني المتوفى سنة أربع ومائة (أنه سمع أن بن مالك) رضي الله عنه أي كلامه حال كونه (يقول): (بينما) بالميم وفي نسخة بينا بغير ميم (نحن) مبتدأ خبره (جلوس مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسجد) النبوي (دخل رجل) جواب بينما، وللأصيلي، إذ دخل، لكن الأصمعي لا يستفصح إذ وإذا في جواب بينا وبينما (على جمل فأناخه في) رحبة (المسجد) أو ساحته (ثم عقله) بتخفيف القاف أي شدّ على ساقه مع ذراعه حبلاً بعد أن ثنى ركبته، وفي رواية أبي نعيم أقبل على بعير له حتى أتى المسجد فأناخه ثم عقله فدخل المسجد، وفي رواية أحمد والحاكم عن ابن عباس فأناخ بعيره على باب المسجد فعقله ثم دخل، وهذا يدل على أنه لم يدخل به السجد وهو يرفع احتمال دلالة ذلك على طهارة أبوال الإبل (ثم قال لهم: أيكم) استفهام مرفوع على الابتداء خبره (محمد والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متكئ) بالهمزة مستو على وطاء، والجملة اسمية وقعت حالاً (بين ظهرانيهم) بفتح الظاء المعجمة والنون أي بينهم وزيد لفظ الظهر ليدل على أن ظهرًا منهم قدامه وظهرًا وراءه. فهو محفوف بهم من جانبيه والألف والنون فيه للتأكيد. قاله صاحب الفائق، وقال في المصابيح: ثم زيدت الألف والنون على ظهر عند التثنية للتأكيد ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقًا انتهى. فهو مما أريد بلفظ التثنية فيه معنى الجمع، لكن استشكل البدر الدماميني ثبوت النون مع الإضافة. وأجيب بأنه ملحق بالمثنى لا أنه مثنى وحذفت منه نون التثنية فصار ظهرانيهم. (فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ) والمراد بالبياض هنا المشرب بحمرة كما دل عليه رواية الحرث بن أبي عمير حيث قال: الأمغر وهو مفسر بالحمرة مع بياض صافٍ، ولا تنافي بين وصفه هنا بالبياض وبين ما ورد أنه ليس بأبيض ولا آدم لأن المنفي البياض الخالص كلون الجص، وفي كتابي المنح من مباحث ذلك ما يكفي ويشفي، ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله نكت من ذلك في الصفة النبوية من هذا المجموع. (فقال له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الرجل) الداخل (ابن عبد المطلب) بكسر الهمزة وفتح النون كما في فرع اليونينية، والذي رأيته في اليونينية بهمزة وصل. وقال الزركشي والبرماوي. بفتح الهمزة للنداء ونصب النون لأنه مضاف، وزاد الزركشي لا على الخبر ولا على سبيل الاستفهام بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: قد أجبتك. قال: وفي رواية أبي داود يا ابن عبد المطلب، وتعقبه في المصابيح بأنه لا دليل في شيء مما ذكره على تعيين فتح الهمزة لكن إن ثبتت الرواية بالفتح فلا كلام، وإلاّ فلا مانع من أن تكون همزة الوصل التي في ابن سقطت

للدرج وحرف النداء محذوف وهو في مثله قياس مطّرد بلا خلاف انتهى. وللكشميهني يا ابن عبد المطلب بإثبات حرف النداء: (فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أجبتك) أي سمعتك أو المراد إنشاء الإجابة، أو نزل تقريره للصحابة في الإعلام عنه منزلة النطق ولم يجبه عليه الصلاة والسلام بنعم لأنه أخلّ بما يجب من رعاية التعظيم والأدب حيث قال: أيّكم محمد ونحو ذلك؟ (فقال الرجل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط قوله الرجل إلى آخر التصلية عند ابن عساكر، وسقط لفظ الرجل فقط لأبي الوقت (إني سائلك) وفي رواية ابن عساكر أيضًا والأصيلي فقال الرجل: إني سائلك (فمشدد عليك في المسألة) بكسر الدال الأولى المثقلة والفاء عاطفة على سائلك (فلا تجد) بكسر الجيم والجزم على النهي وهي من الموجدة أي لا تغضب (عليّ في نفسك. فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سل عما بدا) أي ظهر (لك فقال) الرجل (أسالك بربك) أي بحق ربك (ورب من قبلك آلله) بهمزة الاستفهام الممدودة والرفع على الابتداء والخبر قوله (أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ وفى رواية قال: (اللهمّ) أي يا الله (نعم) فالميم بدل من حرف النداء وذكر ذلك للتبرك، وإلا فالجواب قد حصل بنعم أو استشهد في ذلك بالله تأكيدًا لصدقه (قال) وفي رواية فقال الرجل: (أنشدك) بفتح الهمزة وسكون النون وضم الشين المعجمة أي أسالك (بالله) والباء للقسم (آلله أمرك) بالمد (أن نصلي الصلوات الخمس) بنون الجمع للأصيلي واقتصر عليه في فرع اليونينية ولغيره تصلي بتاء الخطاب وكل ما وجب عليه وجب على أمته حتى يقوم دليل على الخصوصية. وللكشميهني والسرخسي الصلاة بالإفراد أي جنس الصلاة (في اليوم والليلة قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اللهمّ نعم. قال) الرجل (أنشدك بالله آلله) بالمد (أمرك أن تصوم) بتاء الخطاب، وللأصيلي أن نصوم بالنون كذا في الفرع، والذي في اليونينية نصوم بالنون فقط غير مكررة (هذا الشهر من السنة) أي رمضان من كل سنة فاللام فيهما للعهد والإشارة لنوعه لا لعينه. (قال) عليه الصلاة والسلام: (اللهمّ نعم قال) الرجل: (أنشدك بالله آلله) بالمد (أمرك أن تأخذ) بتاء المخاطب أي بأن تأخذ (هذه الصدقة) المعهودة وهي الزكاة (من أغنيائنا فتقسمها) بتاء المخاطب المفتوحة والنصب عطفًا على أن تأخذ (على فقرائنا) من تغليب الاسم للكل بمقابلة الأغنياء أو خرج مخرج الأغلب لأنهم معظم الأصناف الثمانية (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللهمّ نعم) ولم يتعرض للحج، فقال في مصابيح الجامع كالكرماني والزركشي وغيرهما لأنه كان معلومًا عندهم في شريعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وكأنهم لم يطلعوا على ما في صحيح مسلم، فقد وقع فيه ذكر الحج ثابتًا عن أنس، وكذا في حديث أبي هريرة وابن عباس عنده، وقيل: إنما لم يذكره لأنه لم يكن فرض، وهذا بناء على قول الواقدي وابن حبيب إن قول ضمام كان سنة خمس وهو مردود بما في مسلم أن تدومه كان بعد نزول النهي عن السؤال في القرآن، وهو في المائدة ونزولها متأخر جدًّا، وبما قد علم أن إرسال الرسل إلى الدعاء إلى الإسلام إنما كان ابتداؤه بعد الحديبية ومعظمه بعد فتح مكة وبما في حديث ابن عباس أن قومه أطاعوه ودخلوا في الإسلام بعد رجوعه إليهم، ولم يدخل بنو سعد وهو ابن بكر بن هوازن في الإسلام إلا بعد وقعة خيبر، وكانت في شوّال سنة ثمانٍ والصواب أن قدوم ضمام كان في سنة تسع وبه جزم ابن إسحاق وأبو عبيدة وغيرهما. (فقال الرجل) المذكور لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (آمنت) قبل (بما) أي بالذي (جئت به) من الوحي، وهذا يحتمل أن يكون إخبارًا، وإليه ذهب المؤلف، ورجحه القاضي عياض وأنه حضر بعد إسلامه مستثبتًا من الرسول عليه الصلاة والسلام ما أخبره به رسوله إليهم، لأنه قال في حديث ثابت عن أنس عند مسلم وغيره فإن رسولك زعم، وقال في رواية كريب عن ابن عباس عند الطبراني أتتنا كتبك وأتتنا رسلك (وأنا رسول من) مبتدأ وخبر مضاف إلى من بفتح الميم (ورائي من) بكسرها (قومي وأنا ضمام بن ثعلبة)

7 - باب ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان

بالمثلثة المفتوحة والهملة والموحدة (أخو بني سعد بن بكر) بفتح الموحدة أي ابن هوازن وما وقع من السؤال والاستفهام على الوجه المذكور، فمن بقايا جفاء الأعراب الذين وسعهم حلمه عليه الصلاة والسلام، وليس في رواية الأصيلي وأنا ضمام إلى قوله بكر. (رواه) أي الحديث السابق، وفي رواية ابن عساكر، ورواه (موسى) أي ابن إسماعيل كما في رواية ابن عساكر وهو أبو سلمة المنقري، (و) رواه أيضًا (علي بن عبد الحميد) بن مصعب المعنيّ بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر النون بعدها ياء نسبة إلى معن بن مالك، المتوفى في سنة اثنتين وعشرين ومائتين كلاهما (عن سليمان) زاد في رواية أبي ذر ابن المغيرة كما في الفرع كأصله المتوفى سنة خمسين ومائة، وللأصيلي أخبرنا سليمان (عن ثابث) البناني بضم الموحدة وبالنونين نسبة إلى بنانة بطن من قريش أو اسم أمه بنانة واسم أبيه أسلم العابد البصري، المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومائة (عن أنس) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) أي بمعناه وسقط لفظ بهذا من رواية أبي الوقت وابن عساكر، وفي رواية مثله. وحديث موسى بن إسماعيل موصول في صحيح أبي عوانة، وحديث علي بن عبد الحميد موصول عند الترمذي أخرجه عن المؤلف. ولما فرغ المؤلف من عرض القراءة شرع يذكر المناولة فقال: 7 - باب مَا يُذْكَرُ فِي الْمُنَاوَلَةِ، وَكِتَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعِلْمِ إِلَى الْبُلْدَان وَقَالَ أَنَسٌ: نَسَخَ عُثْمَانُ الْمَصَاحِفَ فَبَعَثَ بِهَا إِلَى الآفَاقِ، وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَمَالِكٌ ذَلِكَ جَائِزًا. وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي الْمُنَاوَلَةِ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ كَتَبَ لأَمِيرِ السَّرِيَّةِ كِتَابًا وَقَالَ: «لاَ تَقْرَأْهُ حَتَّى تَبْلُغَ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَكَانَ قَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ وَأَخْبَرَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب ما يذكر) بضم الياء وفتح الكاف (في المناولة) المقرونة بالإجازة وهو أن يعطي الشيخ الكتاب للطالب ويقول: هذا سماعي من فلان أو تصنيفي وقد أجزت لك أن ترويه عني، وهي حالّة محل السماع عند يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك والزهري فيسوغ فيها التعبير بالتحديث والإخبار، لكنها أحطّ مرتبة من السماع عند الأكثرين، وهذه غير عرض المناولة السابق الذي هو أن يحضر الطالب الكتاب على أن الجمهور سوّغوا الرواية بها، وتقييد المناولة باقتران الإجازة مخرج لما إذا ناول الشيخ الكتاب للطالب من غير إجازة فإنه لا تسوغ الرواية بها على الصحيح. ثم عطف المؤلف على قوله في المناولة قوله: (وكتاب أهل العلم بالعلم إلى) أهل (البلدان) بضم الموحدة وأهل القرى والصحارى وغيرهما والمكاتبة صورتها، أن يكتب المحدّث لغائب بخطه أو يأذن لثقة يكتب سواء كان لضرورة أم لا، وسواء سئل في ذلك أم لا. فيقول بعد البسملة: من فلان ابن فلان ثم يكتب شيئًا من مرويه حديثًا فأكثر أو من تصنيفه أو نظمه، والإذن له في روايته عنه كأن يكتب أجرت لك ما كتبته لك أو ما كتبت به إليك ويرسله إلى الطالب مع ثقة مؤتمن بعد تحريره بنفسه أو بثقة معتمد وشده وختمه احتياطًا ليحصل الأمن من توهم تغييره، هذه في القوة والصحة كالمناولة المقترنة بالإجازة كما مشى عليه المؤلف حيث قال: ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان، لكن قد رجح قوم منهم الخطيب المناولة عليها لحصول المشافهة فيها بالإذن دون المكاتبة، وهذا وإن كان مرجحًا فالمكاتبة أيضًا تترجح بكون الكتابة لأجل الطالب، وإذا أدى المكاتب ما تحمله من ذلك فبأي صيغة يؤدّي؟ جوّز قوم منهم الليث بن سعد ومنصور بن المعتمر إطلاق أخبرنا وحدّثنا، والجمهور على اشتراط التقييد بالكتابة فيقول: حدّثنا أو أخبرنا فلان مكاتبة أو كتابة أو نحوهما، فإن عرت الكتابة عن الإجازة فالمشهور تسويغ الرواية بها. (وقال أنس) وللأصيلي أنس بن مالك كما هو موصول عند المؤلف في حديث طويل في فضائل القرآن (نسخ) أي كتب (عثمان المصاحف) أي أمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام أن ينسخوها. وللأصيلي عثمان بن عفان وهو أحد العشرة المتوفى شهيد الدار يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وهو ابن تسعين سنة، وكانت خلافته اثنتي عشر سنة رضي الله عنه. (فبعث بها) أي أرسل عثمان بالمصاحف (إلى الآفاق) مصحفًا إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وأمسك بالمدينة واحدًا. والمشهور أنها كانت خمسة. وقال الداني أكثر الروايات على

أنها أربعة. قلت: وفيما جمعته في فنون القراءات الأربع عشرة مزيد لذلك فليراجع. ودلالة هذا الحديث على تجويز الرواية بالمكاتبة بيِّن غير خفي، لأن عثمان أمرهم بالاعتماد على ما في تلك المصاحف ومخالفة ما عداها. قال ابن المنير: والمستفاد من بعثه المصاحف إنما هو ثبوت إسناد صورة المكتوب فيها إلى عثمان لا أصل ثبوت القرآن فإنه متواتر عندهم. (ورأى عبد الله بن عمر) بن عاصم بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن القرشي المدني العدوي، المتوفى سنة إحدى وسبعين ومائة، أو هو عمرو بن العاص، وبالأوّل جزم الكرماني وغيره وهو موافق لجميع نسخ البخاري حيث ضمت العين من عمر وسقطت الواو، وبالثاني قال الحافظ ابن حجر معلّلاً بقرينة تقديمه في الذكر على يحيى بن سعيد لأن يحيى أكبر من العمري، وبأنه وجد في كتاب الوصية لابن مندة من طريق البخاري بسند صحيح إلى أبي عبد الله الحبلي بضم المهملة والموحدة أنه أتى عبد الله بكتاب فيه أحاديث فقال: انظر هذا الكتاب فما عرفته منه اتركه وما لم تعرفه امحه. قال: وعبد الله يحتمل أن يكون ابن عمر بن الخطاب، فإن الحبلي سمع منه، ويحتمل أن يكون ابن عمرو بن العاص فإن الحبلي مشهور بالرواية عنه. وتعقبه العيني بأن التقديم لا يستلزم التعيين، فمن ادّعى ذلك فعليه بيان اللازمة، وبأن قول الحبلي أنه أتى عبد الله لا يدل بحسب الاصطلاح إلا على عبد الله بن مسعود، وبأن عمرو بن العاص بالواو وهي ساقطة في جميع نسخ البخاري. وأجاب في انتقاض الاعتراض بأنه لا يلزم من انتفاء الملازمة أن لا تثبت الملازمة إذا وجدت القرينة وهي أن التقديم يفيد الاهتمام والاهتمام بالأسن الأوثق، وبأن الحصر الذي ادّعاه مردود، وقد صرّح الأئمة بخلافه فقال الخطيب عن أهل الصنعة: إذا قال المصري عن عبد الله فمراده عبد الله بن عمرو بن العاص، وإذا قال الكوفي عبد الله فمراده ابن مسعود والحبلي مصري انتهى. (و) كذا رأى (يحيى بن سعيد) الأنصاري المدني (ومالك) إمام دار الهجرة وللأصيلي مالك بن أنس (ذلك جائزًا) أي المناولة والإجازة على حدّ قوله تعالى: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِك} [البقرة: 68] أي ما ذكر من الفارض والبكر فأشار بذلك إلى المثنى. (واحتج بعض أهل الحجاز) هو شيخ المصنف الحميدي (في) صحة (المناولة بحديث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث كتب) أي أمر بالكتابة (لأمير) وفي رواية الأصيلي إلى أمير (السرية) عبد الله بن جحش المجدّع أخي زينب أم المؤمنين (كتابًا وقال: لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا) وفي رواية عروة أنه قال: إذا سرت يومين فافتح الكتاب. وللكشميهني: لا نقرأ بنون الجمع مع حذف الضمير ويلزم منه كون نبلغ بالنون أيضًا. (فلما بلغ ذلك المكان) وهو نخلة بين مكة والطائف (قرأه على الناس وأخبرهم بأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولم يذكره المؤلف موصولاً. نعم وصله الطبراني بإسناد حسن وهو في سيرة ابن إسحاق مرسلاً ورجاله ثقات ووجه الدلالة منه غير خفية فإنه جاز له الإخبار بما في الكتاب بمجرد المناولة ففيه المناولة ومعنى الكتابة. 64 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ بِكِتَابِهِ رَجُلاً وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ، فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ. [الحديث 64 - أطرافه في: 2939، 4424، 7264]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس (قال حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن سعد) بسكون العين سبط عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) يعني ابن كيسان الغفاري المدني (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله) بالتكبير (ابن عتبة) بضم العين المهملة وإسكان المثناة الفوقية وفتح الموحدة (ابن مسعود أن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما (أخبره): (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث بكتابه رجلاً) أي بعث رجلاً متلبّسًا بكتابه مصاحبًا له ورجلاً بالنصب على المفعولية وهو عبد الله بن حذافة السهمي كما سمي في المغازي من هذا الكتاب (وأمره) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن يدفعه إلى عظيم البحرين) المنذر بن ساوى بالسين المهملة وبفتح الواو والبحرين بلفظ التثنية بلد بين البصرة وعمان وعبر بالعظيم دون ملك لأنه لا ملك ولا سلطنة للكفار (فدفعه) أي فذهب به إلى عظيم البحرين فدفعه إليه ثم دفعه (عظيم البحرين إلى كسرى) بكسر الكاف وفتحها

8 - باب من قعد حيث ينتهي به المجلس، ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها

والكسر أفصح وهو أبرويز بن هرمز بن أنو شروان وليس هو أنو شروان (فلما قرأه)، وللحموي والمستملي قرأ بحذف الهاء أي قرأ كسرى الكتاب (مزقه) أي خرقه. قال ابن شهاب الزهري: (فحسبت أن ابن المسيب) بفتح المثناة التحتية وكسرها. قال السفاقسي: وبالفتح رويناه (قال) ولما مزقه وبلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك غضب (فدعا عليهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن) أي بأن (يمزقوا) أي بالتمزيق فإن مصدرية (كل ممزق) بفتح الزاي في الكلمتين أي يمزقوا غاية التمزيق، فسلط الله على كسرى ابنه شيرويه فقتله بأن مزق بطنه سنة سبع فتمزق ملكه كل ممزق وزال من جميع الأرض واضمحل بدعوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ووجه الدلالة من الحديث كما قال ابن المنير: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يقرأ الكتاب على رسوله، ولكن ناوله إياه وأجاز له أن يسند ما فيه عنه، ويقول: هذا كتاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ويلزم المبعوث إليه العمل بما فيه وهذه ثمرة الإجازة في الحديث. وفي هذا الحديث من اللطائف التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة والإخبار، ورجاله كلهم مدنيون وفيه تابعي عن تابعي، وأخرجه المؤلف في المغازي وفي خبر الواحد وفي الجهاد، وهو من أفراده عن مسلم، وأخرجه النسائي في السير. 65 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ قال أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَتَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كِتَابًا -أَوْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ- فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لاَ يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلاَّ مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ، فَقُلْتُ لِقَتَادَةَ: مَنْ قَالَ نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ أَنَسٌ. [الحديث 65 - أطرافه في: 2938، 5870، 5872، 5874، 5875، 5877، 7162]. وبه قال (حدّثنا محمد بن مقاتل) بصيغة الفاعل من المقاتلة بالقاف والمثناة الفوقية وكنيته (أبو الحسن) المتوفى آخر سنة ست وعشرين ومائتين ولابن عساكر أبو الحسن المروزي (قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (عبد الله) بن المبارك لأنه إذا أطلق عبد الله فيمن بعد الصحابة فالمراد هو (قال: أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السدوسي (عن أنس بن مالك) وسقط لأبي ذر وابن عساكر ابن مالك رضي الله عنه (قال): (كتب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي كتب الكاتب بأمره (كتابًا) إلى العجم أو إلى الروم كما صرّح بهما في كتاب اللباس عند المؤلف (أو أراد أن يكتب) أي أراد الكتابة فأن مصدرية وهو شك من الراوي أنس (فقيل له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إنهم) أي الروم أو العجم (لا يقرؤون كتابًا إلا مختومًا) خوفًا من كشف أسرارهم ومختومًا نصب على الاستثناء لأنه من كلام غير موجب، (فاتخذ) عليه الصلاة والسلام (خاتمًا من فضة نقشه) بسكون القاف مبتدأ (محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مبتدأ وخبر والجملة خبر عن الأول، والرابط كون الخبر عين المبتدأ كأنه قيل نقشه هذا المذكور (كأني أنظر إلى بياضه) حال كونه (في يده) الكريمة وهو من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء وإلا فالخاتم ليس في اليد بل في إصبعها وفيه القلب لأن الأصبع في الخاتم لا الخاتم في الأصبع ومثله عرضت الناقة على الحوض. قال شعبة: (فقلت لقتادة) ابن دعامة (من قال نقشه محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال أنس) قاله. 8 - باب مَنْ قَعَدَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ، وَمَنْ رَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا (باب) حكم (من قعد حيث) بالبناء على الضم وموضعه نصب على الظرفية (ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة) بضم الفاء فعلة بمعنى المفعول كالقبضة بمعنى المقبوض (في الحلقة) بإسكان اللام لا بفتحها على المشهور قال العسكري هي كل مستدير خالي الوسط والجمع حلق بفتح الحاء واللام (فجلس فيها) أي في الفرجة وفي رواية إليها، وإنما قال في الحلقة دون أن يقول في المجلس ليطابق لفظ الحديث، وقال في الأوّل به المجلس لأن الحكم فيهما واحد. 66 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ، إِذْ أَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَهَبَ وَاحِدٌ. قَالَ فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا. فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ تَعَالى فَآوَاهُ اللَّهُ إلَيْهِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ». [الحديث 66 - طرفه في: 474]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) إمام الأئمة (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري البخاري ابن أخي أنس لأمه التابعي المتوفى سنة اثنتين وثلاثين ومائة (أن أبا مرة) بضم الميم وتشديد الراء اسمه يزيد (مولى عقيل بن أبي طالب) بفتح العين (أخبره عن أبي واقد) بالقاف المكسورة والدال المهملة اسمه الحرث بن مالك أو ابن عوف الصحابي (الليثي) بالمثلثة البدري في قول بعضهم المتوفى بمكة سنة ثمان وستين، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث، وقد صرح أبو مرة في رواية النسائي من طريق يحيى بن أبي كثير عن إسحاق فقال عن أبي مرة أن أبا واقد حدّثه. (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينما) بزيادة الميم (هو) مبتدأ خبره

9 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- «رب مبلغ أوعى من سامع»

(جالس) حال كونه (في المسجد) المدني (والناس معه) جملة حالية (إذ أقبل) جواب بينما (ثلاثة نفر) بالتحريك، ولم يسم واحد من الثلاثة أي ثلاثة رجال من الطريق فدخلوا المسجد كما في حديث أنس، فإذا ثلاثة نفر مارّين (فأقبل اثنان) منهم (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذهب واحد. قال: فوقفا على) مجلس (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أو على هنا بمعنى عند قاله في الفتح. وتعقبه صاحب عمدة القاري بأنها لم تجئ بمعناها، وزاد الترمذي والنسائي وأكثر رواة الموطأ، فلما وقفا سلما (فأما) بفتح الهمزة وتشديد الميم تفصيلية (أحدهما) بالرفع مبتدأ خبره (فرأى فرجة) بضم الفاء (في الحلقة فجلس فيها) وأتى بالفاء في قوله فرأى لتضمن أما معنى الشرط ولابن عساكر فرجة بفتح الفاء وهي والضم لغتان وهي الخلل بين الشيئين قاله النووي فيما نقله في عمدة القاري، (وأما الآخر) بفتح الخاء أي الثاني (فجلس خلفهم) بالنصب على الظرفية (وأما الثالث فأدبر) حال كونه (ذاهبًا) أي أدبر مستمرًا في ذهابه ولم يرجع، وإلا فأدبر بمعنى مرّ ذاهبًا (فلما فرغ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما كان مشتغلاً به من تعليم القرآن أو العلم أو الذكر أو الخطبة أو نحو ذلك (قال ألا) بالتخفيف حرف تنبيه والهمزة يحتمل أن تكون للاستفهام ولا للنفي (أخبركم عن النفر الثلاثة) فقالوا: أخبرنا عنهم يا رسول الله. فقال: (أما أحدهم فأوى) بقصر الهمزة أي لجأ (إلى الله تعالى) أو انضم إلى مجلس الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فآواه الله إليه) بالمد أي جازاه بنظير فعله بأن ضمه إلى رحمته ورضوانه أو يؤويه يوم القيامة إلى ظل عرشه، فنسبة الإيواء إلى الله تعالى مجاز لاستحالته في حقه تعالى، فالمراد لازمه وهو إرادة إيصال الخير، ويسمى هذا المجاز مجاز المشاكلة والمقابلة. (وأما الآخر) بفتح الخاء (فاستحيا) أي ترك المزاحمة حياء من الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن أصحابه وعند الحاكم، ومضى الثاني قليلاً ثم جاء فجلس. قال في الفتح: فالمعنى أنه استحيا من الذهاب عن المجلس كما فعل رفيقه الثالث، (فاستحيا الله منه) بأن رحمه ولم يعاقبه فجازاه بمثل ما فعل، وهذا أيضًا من قبيل المشاكلة لأن الحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يذم به، وهذا محُال على الله تعالى فيكون مجازًا عن ترك العقاب، حينئذ فهو من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم. (وأما الأخر) وهو الثالث (فأعرض) عن مجلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يلتفت إليه بل ولّى مدبرًا (فأعرض الله) تعالى (عنه) أي جازاه بأن سخط عليه، وهذا أيضًا من قبيل المشاكلة لأن الإعراض هو الالتفات إلى جهة أخرى، وذلك لا يليق بالباري تعالى فيكون مجازًا عن السخط والغضب، ويحتمل أن هذا كان منافقًا فأطلع الله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أمره، ورواة هذا الحديث مدنيون وفيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة والأخبار وتابعي عن مثله. وأخرجه المؤلف في الصلاة، ومسلم والترمذي في الاستئذان، والنسائي في العلم. 9 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رب مبلغ) بفتح اللام لا بكسرها إليه عني يكون (أوعى) أي أفهم لما أقوله (من سامع) مني، وقول مجرور بالإضافة، ورب حرف جر يفيد التقليل لكنه كثر في الاستعمال للتكثير بحيث غلب حتى صارت كأنها حقيقة فيه وتنفرد عن أحرف الجر بوجوب تصديرها وتنكير مجرورها ونعته إن كان ظاهرًا وغلبة حذف معداها ومضيه وبزيادتها في الإعراب دون المعنى ومحل مجرورها رفع على الابتداء نحو قوله: هنا رب مبلغ فإنه وإن كان مجرورًا بالإضافة لكنه مرفوع على الابتدائية محلاً وخبره يكون المقدّر، وأوعى صفة للمجرور، وأما في نحو: ربّ رجل لقيت فنصب على المفعولية في نحو: ربّ رجل صالح لقيت فرفع أو نصب. 67 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ ذَكَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَعَدَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَأَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِخِطَامِهِ -أَوْ بِزِمَامِهِ- قَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟. فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ سِوَى اسْمِهِ. قَالَ: أَلَيْسَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: فَأَىُّ شَهْرٍ هَذَا؟ فَسَكَتْنَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: أَلَيْسَ بِذِي الْحِجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا. لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ. [الحديث 67 - أطرافه في: 105، 1741، 3197، 4406، 4662، 5550، 7078، 7447]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا بشر) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن المفضل بن لاحق الرّقاشي البصري، المتوفى سنة تسع وثمانين ومائة قال: (حدّثنا ابن عون) بالنون عبد الله بن أرطبان البصري الثقة الفاضل من السادسة، المتوفى سنة إحدى وخمسين ومائة. وقال ابن حجر: سنة خمسين

على الصحيح (عن ابن سيرين) محمد (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة) بن الحرث الثقفي البصري أوّل من ولد في الإسلام بالبصرة سنة أربع عشرة المتوفى سنة تسع وتسعين (عن أبيه) أبي بكرة نفيع بضم النون وفتح الفاء. (ذكر) أي أبو بكرة أي أنه كان يحدثهم فذكر (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية ابن عساكر وأبي الوقت والأصيلي عن أبيه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية أبي ذر وأبي الوقت وابن عساكر في نسخة قال: ذكر بضم أوّله وكسر ثانيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالرفع نائب عن الفاعل أي قال أبو بكرة: حال كونه قد ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعند النسائي عن أبي بكرة قال: وذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قالوا: وللحال؛ ويجوز أن تكون للعطف على أن يكون المعطوف عليه محذوفًا (قعد) عليه الصلاة والسلام (على بعيره) بمنى يوم النحر في حجة الوداع، وإنما قعد عليه لحاجته إلى إسماع الناس، فالنهي عن اتخاذ ظهورها منابر محمول على ما إذا لم تدع الحاجة إليه (وأمسك إنسان بخطامه) بكسر الخاء (أو بزمامه) وهما بمعنى، وإنما شك الراوي في اللفظ الذي سمعه وهو الخيط الذي تشد فيه الحلقة التي تسمى البرة بضم الموحدة وتخفيف الراء المفتوحة ثم يشد في طرفه المقود والإنسان الممسك هنا هو أبو بكرة لرواية الإسماعيلي الحديث بسنده إلى أبي بكرة. قال: خطب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على راحلته وأمسكت أنا قال بخطامها أو زمامها، أو كان الممسك بلالاً لرواية النسائي عن أم الحصين قالت: حججت فرأيت بلالاً يقود بخطام راحلة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو عمرو بن خارجة لما في السنن من حديثه قال: كنت آخذًا بزمام ناقته عليه الصلاة والسلام، وفائدة إمساك الزمام صون البعير عن الاضطراب والإزعاج لراكبه ثم (قال) عليه الصلاة والسلام، وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي فقال: (أي يوم هذا) برفع أي والجملة وقعت مقول القول، (فسكتنا) عطف على قال (حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه قال: أليس) هو (النحر؟ قلنا) وفي رواية أبي الوقت فقلنا: (بلى) حرف يختص بالنفي ويفيد إبطاله وهو هنا مقول القول أقيم مقام الجملة التي هي مقول القول (قال) عليه الصلاة والسلام: (فأيّ شهر هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسمّيه بغير اسمه. فقال) عليه الصلاة والسلام، ولأبي الوقت وابن عساكر قال: (أليس بذي الحجة) بكسر الحاء كما في الصحاح، وقال الزركشي: هو المشهور وأباه قوم، وقال القزاز: الأشهر فيه الفتح (قلنا بلى) وقد سقط من رواية الحموي والمستملي والأصيلي السؤال عن الشهر، والجواب الذي قبله ولفظهم أي يوم هذا فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه. قال: أليس بذي الحجة وتوجيهه ظاهر وهو من إطلاق الكل على البعض، وفي رواية كريمة فأيّ بلد هذا فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: أليس بمكة، وفي رواية الكشميهني وكريمة بالسؤال عن الشهر، والجواب الذي قبله كمسلم وغيره مع السؤال عن البلد والثلاثة ثابتة عند المؤلف في الأضاحي والحج. (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) أي: فإن سفك دمائكم وأخذ أموالكم وثلب أعراضكم، لأن الذوات لا تحرم فيه فيقدر لكل ما يناسبه كذا قاله الزركشي والبرماوي والعيني والحافظ ابن حجر، وفي إطلاقهم هذا اللفظ نظر لأن سفك الدم وأخذ المال وثلب العرض إنما يحرم إذا كان بغير حق، فالإفصاح به متعيّن، والأولى كما أفاده في مصابيح الجامع أن يقدر في الثلاثة كلمة واحدة وهي لفظة انتهاك التي موضوعها تناول الشيء بغير حق كما نص عليه القاضي، فكأنه قال: فإن انتهاك دمائكم وأموالكم وأعراضكم ولا حاجة إلى تقديره مع كل واحد من الثلاثة لصحة انسحابه على الجميع وعدم احتياجه إلى التقييد بغير الحقيقة. والأعراض جمع عرض بكسر العين وهو موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه، وشبه الدماء والأموال والأعراض

10 - باب العلم قبل القول والعمل، لقول الله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} فبدأ بالعلم

في الحرمة باليوم والشهر والبلد لاشتهار الحرمة فيها عندهم، وإلاّ فالمشبه إنما يكون دون المشبه به، ولهذا قدّم السؤال عنها مع شهرتها لأن تحريمها أثبت في نفوسهم، إذ هي عادة سلفهم وتحريم الشرع طارئ، وحينئذ فإنما شبه الشيء بما هو أعلى منه باعتبار ما هو مقرر عندهم (ليبلغ الشاهد) أي الحاضر في المجلس (الغائب) عنه ولام ليبلغ مكسورة فعل أمر ظاهره الوجوب وكسرت غينه لالتقاء الساكنين، والمراد تبليغ القول المذكور أو جميع الأحكام (فإن الشاهد عسى أن يبلغ من) أي الذي (هو أوعى له) أي للحديث (منه) صلة لأفعل التفضيل وفصل بينهما بله للتوسع في الظرف، كما يفصل بين المضاف والمضاف إليه كقراءة ابن عامر زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم بضم الزاي ورفع اللام ونصب الدال وخفض الهمزة، والفاصل غير أجنبي. واستنبط من الحديث أن حامل الحديث يؤخذ عنه وإن كان جاهلاً بمعناه وهو مأجور بتبليغه محسوب في زمرة أهل العلم. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة، ورواته كلهم بصريون، وأخرجه المؤلف في الحج والتفسير والفتن وبدء الخلق، ومسلم في الديّات، والنسائي في الحج والعلم. 10 - باب الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَرَّثُوا الْعِلْمَ، مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وَقَالَ: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ}. {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}. وَقَالَ: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ». وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ. وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ -وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ- ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَىَّ لأَنْفَذْتُهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) حُكَمَاءَ فُقَهَاءَ عُلَمَاءَ. وَيُقَالُ: الرَّبَّانِيُّ الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ. هذا (باب) بالتنوين وهو ساقط في رواية الأصيلي (العلم قبل القول والعمل) لتقدمه بالذات عليهما لأنه شرط في صحتهما إذ إنه مصحح للنيّة المصححة للعمل، فنسبه المؤلف على مكانة العلم خوفًا من أن يسبق إلى الذهن من قولهم لا ينفع العلم إلا بالعمل توهين أمر العلم والتساهل في طلبه (لقول الله تعالى) وللأصيلي عز وجل {فاعلم} أي يا محمد (أنه لا إله إلاّ الله فبدأ) تعالى (بالعلم) أوّلاً حيث قال: فاعلم ثم قال: واستغفر إشارة إلى القول والعمل، وهذا وإن كان خطابًا له عليه الصلاة والسلام فهو يتناول أمته أو الأمر للدوام والثبات كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 1] أي دُم على التقوى، (وأن العلماء هم ورثة الأنبياء) بفتح همزة أن عطفًا على سابقه أو بكسرها على الحكاية (ورثوا) بتشديد الراء المفتوحة أي الأنبياء أو بالتخفيف مع الكسر أي العلماء ورثوا (العلم من أخذه أخذ) من ميراث النبوّة (بحظ وافر) أي بنصيب كامل، وهذا كله قطعة من حديث عند أبي داود والترمذي وابن حبّان والحاكم مصححًا من حديث أبي الدرداء، وضعفه غيرهم بالاضطراب في سنده، لكن له شواهد يتقوّى بها ومناسبته للترجمة من جهة أن الوارث قائم مقام المورث فله حكمه فيما قام مقامه فيه. (ومن سلك طريقًا) حال كونه (يطلب به) أي السالك (علمًا سهل الله له طريقًا) أي في الآخرة أو في الدنيا بأن يوفّقه للأعمال الصالحة الموصلة (إلى الجنة) أو هو بشارة بتسهيل العلم على طالبه لأن طلبه من الطرق الموصلة إلى الجنة، ونكر علمًا كطريقًا ليندرج فيه القليل والكثير وليتناول أنواع الطرق الموصلة إلى تحصيل العلوم الدينية. وهذه الجملة أخرجها مسلم من حديث الأعمش عن أبي صالح والترمذي وقال: حسن، وإنما لم يقل صحيح لتدليس الأعمش، لكن في رواية مسلم عن الأعمش حدّثنا أبو صالح فانتفت تهمة تدليسه. وفي مسند الفردوس بسنده إلى سعيد بن جبير قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "ارحموا طالب العلم فإنه متعوب البدن لولا أنه يأخذ بالعجب لصافحته الملائكة معاينة ولكن يأخذ بالعجب ويريد أن يقهر من هو أعلم منه". (وقال) الله (جل ذكره) وفي رواية جل وعز: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّه} أي يخافه {مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] الذين علموا قدرته وسلطانه، فمن كان أعلم كان أخشى لله، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: "أنا أخشاكم لله وأتقاكم له". (وقال) تعالى: {وما يعقلها} أي الأمثال المضروبة وحسنها وفائدتها {إِلَّا الْعَالِمُون} [العنكبوت: 43] الذين يعقلون عن الله فيتدبرون الأشياء على ما ينبغي. وقال تعالى حكاية عن قول الكفار حين دخولهم النار: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ} أيّ كلام الرسل فنقبله جملة من غير بحث وتفتيش اعتمادًا على ما لاح من صدقهم بالمعجزات {أَوْ نَعْقِلُ} فنفكر في حكمه ومعانيه تفكر المستبصرين {مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10] أي في عدادهم وفي جملتهم. (وقال) تعالى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] قال القاضي ناصر الدين

11 - باب ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتخولهم بالموعظة والعلم كى لا ينفروا

رحمه الله تعالى نفي لاستواء الفريقين باعتبار القوة العلمية بعد نفيها باعتبار القوّة العملية على وجه أبلغ لمزيد فضل العلم، وقيل: تقرير للأوّل على سبيل التشبيه أي كما لا يستوي العالمون والجاهلون لا يستوي القانتون والعاصون. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله المؤلف بعد بابين (من يرد الله به خيرًا يفقهه) في الدين، وللمستملي يفهمه بالهاء المشددة المكسورة بعدها ميم، وأخرجه بهذا اللفظ ابن أبي عاصم في كتاب العلم بإسناد حسن والتفقّه هو التفهّم، (وإنما العلم بالتعلم) بضم اللام المشددة على الصواب، وليس هو من كلام المؤلف، فقد رواه ابن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية مرفوعًا وأبو نعيم الأصفهاني في رياض المتعلمين من حديث أبي الدرداء مرفوعًا: إنما العلم بالتعلّم وإنما الحلم بالتحلّم ومن يتحرّ الخير يعطه، وفي بعض النسخ وهو في أصل فرع اليونينية بالتعليم بكسر اللام وبالمثناة التحتية وفي هامشها بالتعلم بضم اللام قال: وهو الصواب. (وقال أبو ذر) جندب بن جنادة فيما وصله الدارمي في مسنده وغيره من حديث أبي مرثد لما قال له رجل والناس مجتمعون عليه عند الجمرة الوسطى يستفتونه: ألم تنه عن الفتيا وكان الذي منعه عثمان لاختلاف حصل بينه وبين معاوية بالشام في تأويل: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّة} [التوبة: 34] فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب خاصة. وقال أبو ذر: نزلت فينا وفيهم، وأدّى ذلك إلى انتقال أبي ذر عن المدينة إلى الربذة (لو وضعتم الصمصامة) بالمهملتين الأولى مفتوحة أي السيف الصارم الذي لا ينثني أو الذي له حد واحد (على هذه وأشار إلى قفاه) كذا في فرع اليونينية وفي غيره إلى القفا وهو مقصور يذكر ويؤنث، (ثم ظننت أني أنفذ) بضم الهمزة وكسر الفاء آخره معجمة أي أمضي (كلمة سمعتها من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن تجيزوا) بضم المثناة الفوقية وكسر الجيم وبعد التحتية زاي الصمصامة (علي) أي على قفاي، والمعنى قبل أن تقطعوا رأسي (لأنفذتها) بفتح الهمزة والفاء وتسكين الدّال المعجمة، وإنما فعل أبو ذر هذا حرصًا على تعليم العلم طلبًا للثواب وهو يعظم مع حصول المشقة، واستشكل الإتيانُ هنا بلو لأنها لامتناع الثاني لامتناع الأوّل، وحينئذ فيكون المعنى انتفاء الإنفاذ لانتفاء الوضع وليس المعنى عليه. وأجيب بأن "لو" هنا لمجرد الشرط كان من غير أن يلاحظ الامتناع أو المراد أن الإنفاذ حاصل على تقدير الوضع، فعلى تقدير عدم الوضع حصوله أولى فهو مثل قوله عليه السلام: نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، ولأبي الوقت هنا زيادة وهي قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليبلغ الشاهد الغائب وتقدم قريبًا. (وقال ابن عباس) رضي الله عنهما فيما وصله ابن أبي عاصم والخطيب بإسناد حسن (كونوا ربانيين) أي (حلماء) جمع حليم باللام (فقهاء) جمع فقيه، وفي رواية حكماء بالكاف جمع حكيم (علماء) جمع عالم وهذا تفسير ابن عباس. وقال البيضاوي والرباني المنسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون كاللحياني والرقباني وهو الكامل في العلم والعمل. وقال البخاري حكاية عن قول بعضهم. (ويقال الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره) أي بجزئيات العلم قبل كلياته أو بفروعه قبل أصوله أو بوسائله قبل مقاصده، أو ما وضح من مسائله قبل ما دقّ منها. ولم يذكر المؤلف حديثًا موصولاً، ولعله اكتفى بما ذكره أو غير ذلك من الاحتمالات والله أعلم. 11 - باب مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَخَوَّلُهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ وَالْعِلْمِ كَىْ لاَ يَنْفِرُوا (باب ما كان) أي باب كون (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتخوّلهم) بالخاء المعجمة واللام أي يتعهد أصحابه (بالموعظة) بالنصح والتذكير بالعواقب (والعلم) من عطف العام على الخاص، وإنما عطفه لأنها منصوصة في الحديث الآتي وذكر العلم استنباطًا (كي لا ينفروا) بفتح المثناة التحتية وكسر الفاء أي يتباعدوا. 68 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. [الحديث 68 - طرفاه في: 70، 6411]. وبالسند السابق إلى المؤلف قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) بن واقد الفريابي الضبي، المتوفى في ربيع الأوّل سنة اثنتي عشرة ومائتين وليس هو محمد بن يوسف البيكندي لأنه إذا أطلق في هذا الكتاب محمد بن يوسف تعين الأوّل (قال: أخبرنا) وفي رواية ابن عساكر والأصيلي حدّثنا (سفيان) الثوري

12 - باب من جعل لأهل العلم أياما معلومة

(عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الكوفي (عن ابن مسعود) عبد الله رضي الله عنه أنه (قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتخوّلنا) بالخاء المعجمة واللام أي يتعهدنا، والمعنى كان يراعي الأوقات في تذكيره ولا يدخل ذلك في كل يوم أو هي بالمهملة أي يطلب أحوالنا التي ننشط منها للموعظة. وصوّبها أبو عمرو الشيباني. وعن الأصمعي يتخوّننا بالمعجمة والنون أي يتعهدنا (بالموعظة في الأيام) فكان يراعي الأوقات في وعظنا فلا يفعله كل يوم (كراهة) بالنصب مفعول له أي لأجل كراهة (السآمة) أي الملالة من الموعظة (علينا). وفي رواية الأصيلي وأبي ذر عن الحموي كراهية بزيادة مثناة تحتية وهما لغتان والجار والمجرور متعلق بالسآمة على تضمين السآمة معنى المشقة أي كراهة المشقة علينا، أو بتقدير الصفة أي كراهة السآمة الطارئة علينا، أو الحال أي كراهة السآمة حال كونها طارئة علينا، أو بمحذوف أي كراهة السآمة شفقة علينا. 69 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا». [اللحديث 69 - طرفه في: 6125]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة ابن داود الملقب ببندار بضم الموحدة وسكون النون وبالدال المهملة العبدي نسبة إلى عبد مضر بن كلاب البصري، المتوفى في رجب سنة اثنتين وخمسين ومائتين (قال: حدّثنا يحيى) وفي رواية أبي ذر والأصيلي وأبي الوقت (ابن سعيد) أي الأحول القطان (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو التياح) بفتح المثناة الفوقية وتشديد التحتية آخره مهملة يزيد بن حميد بالتصغير الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى ضبعة بن يزيد، المتوفى سنة سبع وعشرين ومائة (عن أنس) أي ابن مالك كما في رواية الأصيلي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يسروا) أمر من اليسر نقيض العسر (ولا تعسروا) نهي من عسر تعسيرًا، واستشكل الإتيان بالثاني بعد الأوّل لأن الأمر بالإتيان بالشيء نهي عن ضده. وأجيب بأنه إنما صرح باللازم للتأكيد وبأنه لو اقتصر على الأول لصدق على من أتى به مرة وأتى بالثاني غالب أوقاته، فلما قال: ولا تعسروا انتفى التعسير في كل الأوقات من جميع الوجوه، (وبشروا) أمر من البشارة وهي الإخبار بالخير نقيض النذارة (ولا تنفروا) نهي من نفر بالتشديد أي بشروا الناس أو المؤمنين بفضل الله وثوابه وجزيل عطائه وسعة رحمته، ولا تنفروهم بذكر التخويف وأنواع الوعيد لا يقال كان المناسب أن يأتي بدل ولا تنفروا ولا تنذروا لأنه نقيض التبشير لا التنفير لأنهم قالوا: المقصود من الإنذار التنفير، فصرّح بما هو المقصود منه ولم يقتصر على أحدهما كما لم يقتصر في الأوّلين لعموم النكرة في سياق النفي، لأنه لا يلزم من عدم التعسير ثبوت التيسير، ولا من عدم التنفير ثبوت التبشير، فجمع بين هذه الألفاظ لثبوت هذه المعاني لا سيما والمقام مقام إطناب، وفي قوله: بشروا بعد يسروا الجناس الخطي. 12 - باب مَنْ جَعَلَ لأَهْلِ الْعِلْمِ أَيَّامًا مَعْلُومَة هذا (باب من جعل لأهل العلم أيامًا معلومة) بالجمع في الأول والإفراد في الثاني أو بالجمع فيهما أو بالإفراد فيهما، فالأوّل لكريمة، والثاني للكشميهني، والثالث لغيرهما، وباب خبر مبتدأ محذوف ومضاف لتاليه. 70 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن إبراهيم بن أبي شيبة بن عثمان بن خواستي بضم الخاء المعجمة وبعد الألف سين مهملة ساكنة ثم مثناة فوقية العبسي الكوفي، المتوفى لثلاث بقين من المحرم سنة تسع وثلاثين ومائتين (قال: حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد بن قرط العبسي الكوفي، المتوفى في سنة ثمان أو سبع وثمانين ومائة (عن منصور) هو ابن المعتمر بن عبد الله المتوفى سنة ثلاث أو اثنتين وثلاثين ومائة (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة أنه (قال): (كان عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه (يذكر الناس في كل خميس فقال له) أي لابن مسعود (رجل). قال في فتح الباري: يشبه أن يكون هو يزيد بن عبد الله النخعي (يا أبا عبد الرحمن) وهو كنية ابن مسعود (لوددت) أي والله لأحببت (أنك) بفتح الهمزة مفعول سابقه (ذكرتنا) بتشديد الكاف (كل) أي في كل (يوم). قاله استحلاء للذكر لما وجد من بركته ونوره. (قال) عبد الله: (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم حرف

13 - باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين

تنبيه عند الكرماني واستفتاح بمنزلة ألا أو بمعنى حقًا عند غيره (إنّه) بكسر الهمزة أو بفتحها على قول إن أما بمعنى حقًّا والضمير للشأن (يمنعني من ذلك أني) بفتح الهمزة فاعل يمنعني (أكره أن أُملكم) بضم الهمزة وكسر الميم وتشديد اللام المفتوحة أي أكره إملالكم وضجركم (وإني) بكسر الهمزة (أتخولكم) بالخاء المعجمة أي أتعهدكم (بالموعظة كما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتخوّلنا بها) أي بالموعظة في مظان القبول ولا يكثر (مخافة السآمة علينا) إما أن يتعلق بالمخافة أو بالسآمة. وزعم بعضهم أن الصواب يتحوّلنا بالحاء المهملة، لكن الروايات الصحيحة بالخاء المعجمة. 13 - باب مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ هذا (باب) بالتنوين (من) أي الذي (يرد الله به خيرًا) بالنصب مفعول يرد المجزوم لأنه فعل الشرط إذ الموصول متضمن معنى الشرط وكسر لالتقاء الساكنين وجواب الشرط (يفقهه) فالهاء ساكنة، وفي رواية للكشميهني زيادة (في الدين) وهي ساقطة عند الباقين، والفقه في الأصل الفهم يقال: فقه الرجل بالكسر يفقه فقهًا إذا فهم وعلم، وفقه بالضم إذا صار فقيهًا عالمًا وجعله العرف خاصًّا بعلم الشريعة ومخصصًا بعلم الفروع وإنما خصّ علم الشريعة بالفقه لأنه علم مستنبط بالقوانين والأدلة والأقيسة والنظر الدقيق بخلاف علم اللغة والنحو وغيرهما. روي: أن سليمان نزل على نبطية بالعراق فقال لها: هل هنا مكان نظيف أصلي فيه؟ فقالت: طهّر قلبك وصلِّ حيث شئت. فقال: فقهت وفطنت الحق، ولو قال: علمت لم يقع هذا الموقع، ومفهومه أن من لم يتفقه في الدين فقد حرم الخير. 71 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ. وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ، وَاللَّهُ يُعْطِي. وَلَنْ تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ». [الحديث 71 - أطرافه في: 3116، 3641، 7312، 7460]. وبالسند السابق إلى المؤلف قال: (حدثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء وسكون المثناة التحتية آخره راء المصري واسم أبيه كثير بمثلثة، وإنما نسبه المؤلف لجده لشهرته به، المتوفى سنة ست وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا ابن وهب) بسكون الهاء واسمه عبد الله بن مسلم القرشي المصري الفهري الذي لم يكتب الإمام مالك لأحد الفقه إلا له فيما قيل؛ المتوفى بمصر سنة سبع وتسعين ومائة لأربع بقين من شعبان (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال: قال حميد بن عبد الرحمن) بن عوف وحاء حميد مضمومة، وفي نسخة حدّثني بالإفراد حميد بن عبد الرحمن قال: (سمعت معاوية) بن أبي سفيان صخر بن حرب كاتب الوحي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذا المناقب الجمة، المتوفى في رجب سنة ستين وله من العمر ثمان وسبعون سنة، وله في البخاري ثمانية أحاديث أي سمعت قوله حال كونه (خطيبًا) حال كونه (يقول سمعت النبي) وفي رواية الأصيلي: سمعت رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي كلامه حال كونه (يقول): (من يرد الله) عز وجل بضم المثناة التحتية وكسر الراء من الإرادة وهي صفة مخصصة لأحد طرفي الممكن المقدر بالوقوع (به خيرًا) أي جميع الخيرات أو خيرًا عظيمًا (يفقهه) أي يجعله فقيهًا (في الدين) والفقه لغة الفهم والحمل عليه هنا أولى من الاصطلاحي ليعم فهم كل من علوم الدين، ومن موصول فيه معنى الشرط كما مرّ، ونكر خيرًا ليفيد التعميم لأن النكرة في سياق الشرط كهي في سياق النفي أو التنكير للتعظيم إذ إن المقام يقتضيه، ولذا قدر كما مرّ بجميع وعظيم (وإنما أنا قاسم) أي أقسم بينكم تبليغ الوحي من خير تخصيص (والله يعطي) كل واحد منكم من الفهم على قدر ما تعلقت به إرادته تعالى، فالتفاوت في أفهامكم منه سبحانه، وقد كان بعض الصحابة يسمع الحديث فلا يفهم منه إلا الظاهر الجلي ويسمعه آخر منهم أو من القرن الذي يليهم أو ممّن أتى بعدهم فيستنبط منه مسائل كثيرة ({ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [الجمعة: 4]. وقال الطيبي: الواو في قوله: وإنما أنا قاسم للحال من فاعل يفقهه أو من مفعوله، فعلى الثاني فالمعنى أن الله تعالى يعطي كلاًّ ممن أراد أن يفقهه استعدادًا لدرك المعاني على قدره له، ثم يلهمني بإلقاء ما هو لائق باستعداد كل واحد، وعلى الأوّل فالمعنى أني ألقي على ما يسنح لي وأسوّي فيه ولا أرجح بعضهم على بعض، والله يوفق كلاًّ منهم على ما أراد وشاء من العطاء انتهى. وقال غيره: المراد القسم المالي، لكن سياق الكلام يدل على

14 - باب الفهم في العلم

الأوّل إذ إنه أخبر من أراد به خيرًا يفقهه في الدين، وظاهره يدل على الثاني لأن القسمة حقيقية في الأموال. نعم يتوجه السؤال عن وجه المناسبة بين اللاحق والسابق، وقد يجاب بأن مورد الحديث كان عند قسمة مال وخصص عليه الصلاة والسلام بعضهم بزيادة لمقتض اقتضاه فتعرض بعض من خفي عليه الحكمة، فردّ عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله: "من يرد الله به خيرًا" الخ أي من أراد الله به الخير يزيد له في فهمه في أمور الشرع فلا يتعرض لأمر ليس على وفق خاطره إذ الأمر كله لله وهو الذي يعطي ويمنع ويزيد وينقص، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاسم بأمر الله ليس بمعطٍ حتى ينسب إليه الزيادة والنقصان، واستشكل الحصر بإنما مع أنه عليه الصلاة والسلام له صفات أخرى سوى قاسم. وأجيب بأن هذا ورد ردًّا على من اعتقد أنه عليه الصلاة والسلام يعطي ويقسم فلا ينفي إلا ما اعتقده السامع لا كل صفة من الصفات وفيه حذف المفعول. (ولن تزال هذه الأمة قائمة) بالنصب خبر تزال (على أمر الله) على الدين الحق (لا يضرهم من) أي الذي (خالفهم حتى يأتي أمر الله). وحتى غاية لقوله لن تزال، واستشكل بأن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها إذ يلزم منه أن لا تكون هذه الأمة يوم القيامة على الحق. وأجيب: بأن المراد من قوله: أمر الله التكاليف وهي معدومة فيها، أو المراد بالغاية هنا تأكيد التأبيد على حدّ قوله تعالى: {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْض} [هود: 107] أو هو غاية كقوله: لا يضرهم لأنه أقرب، ويكون المعنى حتى يأتي بلاء الله فيضرهم حينئذ فيكون ما بعدها مخالفًا لما قبلها. 14 - باب الْفَهْمِ فِي الْعِلْمِ (باب الفهم) بإسكان الهاء وفتحها لغتان (في العلم) أي المعلوم أي إدراك المعلومات، وإلا فالفهم نفس العلم كما فسّره به الجوهري. كذا قاله الحافظ ابن حجر والبرماوي تبعًا للكرماني، وعورض بأن العلم عبارة عن الإدراك الجلي، والفهم جودة الذهن، والذهن قوّة تقتنص بها الصور والمعاني وتشمل الإدراكات العقلية والحسية. وقال الليث: يقال فهمت الشيء إذا عقلته وعرفته، ويقال: فهم بتسكين الهاء وفتحها وهذا قد فسر الفهم بالمعرفة وهو عين العلم. 72 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ حَدِيثًا وَاحِدًا قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُتِيَ بِجُمَّارٍ فَقَالَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً مَثَلُهَا كَمَثَلِ الْمُسْلِمِ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ، فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ فَسَكَتُّ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هِيَ النَّخْلَةُ». وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا علي) وفي رواية أبي ذر بن عبد الله أي المديني أعلم أهل زمانه بهذا الشأن، المتوفى فيما قاله المؤلف لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومائتين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال، قال لي ابن أبي نجيح) بفتح النون هو عبد الله واسم أبيه يسار القدري الموثق من أبي زرعة المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة. وفي مسند الحميدي عن سفيان حدّثني ابن أبي نجيح (عن مجاهد) أي ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة وقيل جبير مصغر المخزومي الإمام المتفق على جلالته وتوثيقه، المتوفى سنة مائة وليس له في هذا الكتاب إلا هذا (قال: صحبت ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (إلى المدينة) النبوية (فلم أسمعه) حال كونه (يحدّث عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا حديثًا واحدًا قال): (كنا) ولغير أبي الوقت واحدًا كنا (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأتي) بضم الهمزة (بجمار) بضم الجيم وتشديد الميم وهو شحم النخيل (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن من الشجر شجرة مثلها كمثل) بفتح الميم والمثلثة فيهما أي صفتها العجيبة كصفة (المسلم) قال ابن عمر: (فأردت أن أقول) في جواب قول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حدّثوني ما هي كما صرّح به في غير هذا الرواية (هي النخلة، فإذا أنا أصغر القوم فسكت) تعظيمًا للأكابر (قال) وفي رواية أبي الوقت وابن عساكر فقال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هي النخلة). فإن قلت: ما وجه مناسبة الحديث للترجمة؟ أجيب: من كون ابن عمر لما ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسألة عند إحضار الجمار إليه فهم أن المسؤول عنه النخلة بقرينة الإتيان بجمارها. 15 - باب الاِغْتِبَاطِ فِي الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه- تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تَسُودوا. قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: وَبَعْدَ أَنْ تَسَوَّدُوا. وَقَدْ تَعَلَّمَ أَصْحَابُ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كِبَرِ سِنِّهِم. هذا (باب الاغتباط في العلم والحكمة) من باب العطف التفسيري، أو من باب عطف الخاص على العامّ. والاغتباط بالغين المعجمة افتعال من الغبطة وهي تمنِّي مثل ما للمغبوط من غير زواله عنه بخلاف الحسد فإنه مع تمني الزوال عنه. (قال عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه) فيما رواه ابن عبد البر بسند صحيح من حديث ابن سيرين عن

الأحنف عنه (تفقهوا قبل أن تسوَّدوا) بضم المثناة الفوقية وتشديد الواو أي تصيروا سادة من ساد قومه يسودهم سيادة. قال أبو عبيدة أي تفقهوا وأنتم صغار قبل أن تصيروا سادة فتمنعكم الأنفة عن الأخذ عمن هو دونكم فتبقوا جهالاً، ولا وجه لمن خصّه بالتزوّج لأن السيادة أعم لأنها قد تكون به وبغيره من الأشياء الشاغلة، ولا يخفى تكلف من جعله من السواد في اللحية فيكون أمر الشباب بالتفقه قبل أن تسودّ لحيته، والكهل قبل أن تتحوّل لحيته من السواد إلى الشيب، وزاد الكشميهني في روايته (قال أبو عبد الله) أي المؤلف وفي نسخة وقال محمد بن إسماعيل: (وبعد أن تسوَّدوا) وإنما عقب المؤلف السابق بهذا اللاحق ليبين أن لا مفهوم له خوف أن يفهم منه أن السيادة مانعة من التفقه، وإنما أراد عمر رضي الله عنه أنه قد يكون سببًا للمنع لأن الرئيس قد يمنعه الكبر والاحتشام أن يجلس مجلس المتعلمين. (وقد تعلم أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كبر سنّهم) أورده تأكيدًا للسابق، وليس قول عمر رضي الله عنه هنا من تمام الترجمة، نعم قال البرماوي وغير تبعًا للكرماني إلا أن يقال الاغتباط في الحكمة على القضاء لا يكون إلا قبل كون الغابط قاضيًا. قالوا: ويؤوّل حينئذ بمصدر، والتقدير باب الاغتباط وقول عمر انتهى. وتعقب بأنه كيف يؤوّل الماضي بالمصدر وتأويل الفعل بالمصدر لا يكون إلا بوجود أن المصدرية. 73 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ -عَلَى غَيْرِ مَا حَدَّثَنَاهُ الزُّهْرِيُّ- قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهْوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا». [الحديث 73 - أطرافه في: 1409، 7141، 7316]. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى المكّي، المتوفى سنة تسع عشرة ومائتين (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثني) بالإفراد وفي رواية أبوي ذر والوقت حدّثنا (إسماعيل بن أبي خالد على غير ما) أي على غير اللفظ الذي (حدّثناه الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب المسوق روايته عند المؤلف في التوحيد، والحاصل أن ابن عيينة روى الحديث عن إسماعيل بن أبي خالد وساق لفظه هنا، وعن الزهري وساق لفظه في التوحيد، وسيأتي ما بين الروايتين من التخالف في اللفظ إن شاء الله تعالى. (قال) أي إسماعيل بن أبي خالد (سمعت قيس بن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي (قال: سمعت عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه أي كلامه حال كونه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (لا حسد) جائز في شيء (إلا في) شأن (اثنتين) بتاء التأنيث أي خصلتين، وللمؤلف في الاعتصام اثنين بغير تاء أي في شيئين (رجل) بالرفع بتقدير إحدى الاثنتين خصلة رجل، فلما حذف المضاف اكتسب المضاف إليه إعرابه والجر بدل من اثنين، وأما على رواية تاء التأنيث فبدل أيضًا على تقدير حذف المضاف أي خصلة رجل لأن الاثنتين معناه كما مرّ خصلتان والنصب بتقدير أعني وهو رواية ابن ماجة (آتاه الله) بمدّ الهمزة كاللاحقة أي أعطاه (مالاً فسلّط) بضم السين مع حذف الهاء وهي لأبي ذر وعبر بسلط ليدل على قهر النفس المجبولة على الشح، ولغير أبي ذر فسلطه (على هلكته) بفتح اللام والكاف أي إهلاكه بأن أفناه كله (في الحق) لا في التبذير ووجوه المكاره. (ورجل) بالحركات الثلاث كما مرّ (آتاه الله الحكمة) القرآن أو كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح (فهو يقضي بها) بين الناس (ويعلمها) لهم وأطلق الحسد وأراد به الغبطة وحينئذ فهو من باب إطلاق المسبب على السبب، ويؤيده ما عند المؤلف في فضائل القرآن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه باللفظ فقال: ليتني أُوتيت مثل ما أُوتي فلان فعملت بمثل ما يعمل، فلم يتمنّ السلب بل أن يكون مثله أو الحسد على حقيقته، وخصّ منه المستثنى لإباحته كما خصّ نوع من الكذب بالرخصة، وإن كانت جملته محظورة فالمعنى هنا لا إباحة في شيء من الحسد إلا فيما كان هذا سبيله أي لا حسد محمود إلا في هذين، فالاستثناء على الأوّل من غير الجنس، وعلى الثاني منه كذا قرره الزركشي والبرماوي والكرماني والعيني. وتعقبه البدر الدماميني بأن الاستثناء متصل على الأوّل قطعًا، وأمّا على الثاني فإنه يلزم على إباحة الحسد في الاثنتين كما صرح به، والحسد الحقيقي وهو كما تقرر تمنّي زوال نعمة المحسود عنه وصيرورتها إلى الحاسد لا يباح أصلاً، فكيف يباح تمنّي زوال نعمة الله

16 - باب ما ذكر في ذهاب موسى -صلى الله عليه وسلم- في البحر إلى الخضر وقوله تعالى: {هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا)

تعالى عن المسلمين القائمين بحق الله فيها؟ انتهى. 16 - باب مَا ذُكِرَ فِي ذَهَابِ مُوسَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْبَحْرِ إِلَى الْخَضِرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) (باب ما ذكر في ذهاب موسى) بن عمران زاد الأصيلي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المتوفى وعمره مائة وستون سنة فيما قاله الفربري في التيه فى سابع آذار لمضي ألف سنة وستمائة وعشرين سنة من الطوفان (في البحر إلى الخضر) عليهما السلام بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين، وقد تسكن الضاد مع كسر الخاء وفتحهما، وكنيته أبو العباس. واختلف في اسمه كأبيه وهل هو نبي أو رسول أو ملك؟ وهل هو حيّ أو ميت؟ فقال ابن قتيبة: اسمه بليا بفتح الموحدة وسكون اللام وبمثناة تحتية ابن ملكان بفتح الميم وسكون اللام، وقيل: إنه ابن فرعون صاحب موسى وهو غريب جدًّا، وقيل: ابن مالك وهو أخو إلياس، وقيل ابن آدم لصلبه رواه ابن عساكر بإسناده إلى الدارقطني. والصحيح أنه نبي معمر محجوب عن الأبصار وأنه باقٍ إلى يوم القيامة لشربه من ماء الحياة وعليه الجماهير واتفاق الصوفية وإجماع كثير من الصالحين، وأنكر جماعة حياته منهم: المؤلف وابن المبارك والحربي وابن الجوزي، ويأتي ما في ذلك من المباحث إن شاء الله تعالى، وظاهر التبويب أن موسى عليه الصلاة والسلام ركب البحر لما توجه في طلب الخضر واستشكل فإن الثابت عند المصنف وغيره أنه إنما ذهب في البر وركب البحر في السفينة مع الخضر بعد اجتماعهما. وأجيب: بأن مقصود الذهاب إنما حصل بتمام القصة، ومن تمامها أنه ركب مع الخضر البحر فأطلق على جميعها ذهابًا مجازًا من إطلاق اسم الكل على البعض، أو من قبيل تسمية السبب باسم ما تسبب عنه. وعند عبد بن حميد عن أبي العالية أن موسى التقى بالخضر في جزيرة من جزائر البحر، ولا ريب أن التوصل إلى جزيرة البحر لا يقع إلا بسلوك البحر غالبًا، وعنده من طريق الربيع بن أنس قال: انجاب الماء عن مسلك الحوت فصار طاقة مفتوحة فدخلها موسى على إثر الحوت حتى انتهى إلى الخضر، فهذا يوضح أنه ركب البحر إليه، وهذان الأثران الموقوفان رجالهما ثقات. (و) باب (قوله تعالى {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَن}) أي على شرط أن تعلمني وهو في موضع الحال من الكاف (الآية) بالنصب بتقدير، فذكر على المفعولية وزاد الأصيلي في روايته باقي الآية وهو قوله: {مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66] أي علمًا ذا رشد وهو إصابة الخير، وقرأ يعقوب وأبو عمرو والحسن واليزيدي بفتح الراء والشين والباقون بضم الراء وسكون الشين، وهما لغتان كالبخل والبخل وهو مفعول تعلمني ومفعول علمت العائد محذوف، وكلاهما منقول من علم الذي له مفعول واحد، ويجوز أن يكون علة لأتبعك أو مصدرًا بإضمار فعله، ولا ينافي نبوّته وكونه صاحب شريعة أن يتعلم من غيره ما لم يكن شرطًا في أبواب الدين، فإن الرسول ينبغي أن يكون أعلم ممن أرسل إليه فيما بعث به من أصول الدين وفروعه لا مطلقًا، وكأنه راعى في ذلك غاية الأدب والتواضع فاستجهل نفسه واستأذن أن يكون تابعًا له وسأل منه أن يرشده وينعم عليه بتعليم بعض ما أنعم الله عليه قاله البيضاوي. 74 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ خَضِرٌ. فَمَرَّ بِهِمَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَذْكُرُ شَأْنَهُ يَقُولُ: «بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إذ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ مُوسَى: لاَ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ. فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ. وَكَانَ يَتَّبِعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ. فَقَالَ لِمُوسَى فَتَاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ. قَالَ: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا خَضِرًا، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي كِتَابِهِ». [الحديث 74 - أطرافه في: 78، 122، 2267، 2728، 3278، 3400، 3401، 4725، 4726، 4727، 6672، 7478]. وبالسند إلى المؤلف قال (حدّثني) بالإفراد وللأصيلي وابن عساكر حدّثنا (محمد بن غرير) بغين معجمة مضمومة وراء مكررة الأولى منهما مفتوحة بينهما مثناة تحتية ساكنة ابن الوليد القرشي (الزهري) المدني نزيل سمرقند (قال: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد القرشي المدني الزهري سكن بغداد وتوفي بها في شوّال سنة ثمان ومائتين (قال: حدّثني) بالإفراد، وللأصيلي وابن عساكر حدّثنا (أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) أي ابن كيسان بفتح الكاف المدني التابعي، المتوفى وهو ابن مائة سنة ونيف وستين سنة (عن ابن شهاب) الزهري أنه (حدث) وفي رواية الحموي والمستملي حدّثه (أن عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله) بالتكبير ابن عتبة أحد الفقهاء السبعة (أخبره عن ابن عباس) عبد الله رضي الله عنهما. (أنه تمارى) أي تجادل وتنازع (هو) أي ابن عباس (والحرّ) بضم الحاء المهملة وتشديد الراء (ابن قيس) بفتح القاف وسكون المثناة التحتية آخره مهملة (ابن حصن) بكسر الحاء وسكون الصاد المهملتين

الصحابي (الفزاري) بفتح الفاء والزاي ثم الراء نسبة إلى فزارة بن شيبان (في صاحب موسى) عليه الصلاة والسلام هل هو خضر أم غيره (فقال ابن عباس) رضي الله عنهما: (هو خضر) بفتح أوّله وكسر ثانيه أو بكسر أوّله وإسكان ثانيه، ولم يذكر مقالة الحرّ بن قيس، قال الحافظ ابن حجر: ولا وقفت على ذلك في شيء من طرق هذا الحديث. (فمرّ بهما) أي بابن عباس والحرّ بن قيس (أُبيّ بن كعب) هو ابن المنذر الأنصاري المتوفى سنة تسع عشرة أو عشرين أو ثلاثين (فدعاه) أي ناداه (ابن عباس) رضي الله عنهما وفسره السفاقسي فيما نقله عنه الزركشي وغيره بقيامه إليه أي ثم سأله، وعلّل بأن ابن عباس كان آدب من أن يدعو أُبيًَّا مع جلالته انتهى. وليس في دعائه أن يجلس عندهم لفصل الخصومة ما يخل بالأدب، وقد روي فأمر بهما أُبيّ بن كعب فدعاه ابن عباس فقال: يا أبا الطفيل هلمّ إلينا فهو صريح في المراد (فقال: إني تماريت) أي اختلفت (أنا وصاحبي هذا) الحرّ بن قيس (في صاحب موسى الذي سأل موسى) وللأصيلي زيادة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (السبيل إلى لقيه) بلام مضمومة فقاف مكسورة فمثناة تحتية مشدّدة (هل سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يذكر شأنه قال) أُبيّ (نعم سمعت رسول الله) وفي رواية ابن عساكر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في رواية (يذكر شأنه) حال كونه (يقول بينما) بالميم (موسى) عليه الصلاة والسلام (في ملأ) بالقصر أي في جماعة أو أشراف (من بني إسرائيل) وهم أولاد يعقوب عليه السلام، وكان أولاده اثني عشر وهم الأسباط وجميع بني إسرائيل منهم (جاءه رجل) جواب بينما والفصيح في جوابه كما تقرر ترك إذ وإذا نعم ثبتت إذ في رواية أبي ذر كما في فرع اليونينية كهي. قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على تسمية الرجل (فقال: هل تعلم أحدًا أعلم منك) بنصب أعلم صفة لأحدًا؟ (قال) وفي رواية الأصيلي فقال (موسى لا) أعلم أحدًا أعلم مني، وفي التفسير فسئل أيّ الناس أعلم؟ فقال: أنا فعتب الله عليه أي تنبيهًا له وتعليمًا لمن بعده، ولئلا يقتدي به غيره في تزكية نفسه فيهلك، ولا ريب أن في هذه القصة أبلغ ردّ على من في هذا العصر حيث فاه بقوله: أنا أعلم خلق الله، وإنما ألجئ موسى للخضر للتأديب لا للتعليم فافهم. (فأوحى الله) زاد الأصيلي: عز وجل (إلى موسى بلى) بفتح اللام وألف كعلى (عبدنا خضر) أعلم منك بما أعلمته من الغيوب وحوادث القدرة مما لا تعلم الأنبياء منه إلا ما أعلموا به كما قال سيدهم وصفوتهم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم في هذا المقام: "إني لا أعلم إلا ما علمني ربي" وإلاّ فلا ريب أن موسى عليه الصلاة والسلام أعلم بوظائف النبوّة وأمور الشريعة وسياسة الأمة. وفي رواية الكشميهني بل بإسكان اللام والتقدير، فأوحى الله إليه لا تطلق النفي بل قل خضر، لكن استشكل على هذه الرواية قوله عبدنا إذ إن المقام يقتضي أن يقول عبد الله أو عبدك، وأجيب: بأنه ورد على سبيل الحكاية عن الله تعالى، وأضافه تعالى إليه للتعظيم، (فسأل موسى) عليه الصلاة والسلام (السبيل إليه) أي إلى الخضر فقال: اللهمّ ادللني عليه (فجعل الله له) أي لأجله (الحوت آية) أي علامة لمكان الخضر ولقيه (وقيل له) يا موسى (إذا فقدت الحوت) بفتح القاف (فارجع فإنك ستلقاه) وذلك أنه لما سأل موسى السبيل إليه. قال الله تعالى: اطلبه على الساحل عند الصخرة. قال: يا رب كيف لي به؟ قال: تأخذ حوتًا في مكتل فحيث فقدته فهو هناك، فقيل أخذ سمكة مملوحة وقال لفتاه: إذا فقدت الحوت فأخبرني (وكان) وللأصيلى وأبي الوقت وابن عساكر فكان (يتبع) بتشديد المثناة الفوقية (أثر الحوت في البحر، فقال لموسى فتاه) يوشع بن نون فإنه كان يخدمه ويتبعه ولذلك سماه فتاه (أرأيت) ما دهاني (إذ) أي حين (أوينا إلى الصخرة) يعني الصخرة التي رقد عندها موسى عليه الصلاة والسلام، أو الصخرة التي دون نهر الزيت، وذلك أن موسى لما رقد اضطرب الحوت المشوي ووقع في البحر معجزة لموسى أو الخضر عليهما السلام. وقيل: إن يوشع، حمل الخبز والحوت في المكتل ونزلا ليلاً على شاطئ عين تسمى عين الحياة، فلما أصاب السمكة روح الماء وبرده عاشت، وقيل:

17 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم علمه الكتاب»

توضأ يوشع من تلك العين فانتضح الماء على الحوت فعاش ووقع في الماء. {فإني نسيت الحوت} فقدته أو نسيت ذكره بما رأيت {وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} قال البيضاوي: وما أنساني ذكره إلا الشيطان فإن أن أذكره بدل من الضمير وهو اعتذار عن نسيانه بشغل الشيطان له بوساوسه، والحال وإن كانت عجيبة لا ينسى مثلها لكنه لما ضري بمشاهدة أمثالها عند موسى وألفها قلَّ اهتمامه بها، ولعله نسي ذلك لاستغراقه في الاستبصار وانجذاب شراشره إلى جناب القدس بما عراه من مشاهدة الآيات الباهرة، وإنما نسبه إلى الشيطان هضمًا لنفسه. (قال) موسى (ذلك) أي فقدان الحوت (ما كنا نبغي) أي الذي نطلبه علامة على وجدان المقصود {فارتدّا على آثارهما} فرجعا في الطريق الذي جاءا فيه يقصّان (قصصًا) أي يتبعان آثارهما اتباعًا أو مقتصّين حتى أتيا الصخرة (فوجدا خضرًا) عليه الصلاة والسلام (فكان من شأنهما) أي الخضر وموسى (الذي قصّ الله عز وجل في كتابه) من قوله تعالى: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُك} [الكهف: 66] إلى آخر ذلك والله أعلم. 17 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللهمّ علّمه) أي حفظه أو فهمه (الكتاب) أي القرآن، والضمير يحتمل أن يكون لابن عباس لسبق ذكره في الحديث السابق إشارة إلى أن ما وقع من غلبته للحرّ بن قيس إنما كان بدعائه له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو استعمل لفظ الحديث الآتي ترجمة إشارة إلى أن ذلك لا يختص جوازه به، والضمير على هذا الغير المذكور، وهل يقال لمثل هذا مما سبق في الباب سنده تعليق فيه خلاف. 75 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ». [الحديث 75 - أطرافه في: 143، 3756، 7270]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا أبو معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة آخره راء عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج البصري المقعد بضم الميم وفتح العين المنقري الحافظ القدري الموثق من ابن معين، المتوفى سنة تسع وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري أبو عبيدة البصرى، المتوفى فى المحرم سنة ثمانين ومائة. (قال حدّثنا خالد) هو ابن مهران الحذاء ولم يكن حذاء، وإنما كان يجلس إليهم التابعي الموثق من يحيى وأحمد، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائة (عن عكرمة) أبي عبد الله المدني المتكلم فيه لرأيه رأي الخوارج، نعم اعتمده البخاري في أكثر ما يصح عنه من الروايات، المتوفى سنة خمس أو ست أو سبع ومائة (عن ابن عباس) عبد الله رضي الله عنهما (قال): (ضمني رسول الله) وفي رواية لأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى نفسه أو صدره كما في رواية مسدّد عن عبد الوارث (وقال: اللهمَّ علّمه) أي عرفه (الكتاب) بالنصب مفعول ثانٍ والأوّل الضمير أي القرآن، والمراد تعليم لفظه باعتبار دلالته على معانيه، وفي رواية عطاء عن ابن عباس عند الترمذي والنسائي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا له أن يؤتى الحكمة مرتين. وفي رواية ابن عمر عند البغوي في معجم الصحابة مسح رأسه وقال "اللهمّ فقّهه في الدين وعلّمه التأويل" وفي رواية طاوس مسح رأسه وقال: "اللهمّ علّمه الحكمة وتأويل الكتاب" وقد تحققت إجابته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقد كان ابن عباس بحر العلم وحبر الأمة ورئيس المفسرين وترجمان القرآن. 18 - باب مَتَى يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّغِيرِ؟ هذا (باب) بالتنوين (متى يصح سماع الصغير) وللكشميهني الصبي، ومراده أن البلوغ ليس شرطًا في التحمل. 76 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ -وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلاَمَ- وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَىْ بَعْضِ الصَّفِّ، وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ فَدَخَلْتُ الصَّفَّ، فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَىَّ. [الحديث 76 - أطرافه في: 493، 861، 1857، 4412]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أُويس) كما في رواية كريمة (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله) بتصغير العبد (ابن عبد الله بن عتبة) بضم العين وسكون المثناة الفوقية وفتح الموحدة (عن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما (قال): (أقبلت) حال كوني (راكبًا على حمار أتان) بفتح الهمزة وبالمثناة الفوقية الأُنثى من الحمير، ولما كان الحمار شاملاً للذكر والأُنثى خصّصه بقوله: أتان، وإنما لمن يقل حمارة، ويكتفى عن تعميم حمار ثم تخصيصه لأن التاء تحتمل الموحدة كذا قاله الكرماني، لكن تعقبه البرماوي بأن حمارًا مفرد لا اسم جنس جمعي كتمر. وقال العيني: الأحسن في الجواب أن الحمارة قد تطلق على الفرس الهجين كما قاله الصغاني، فلو قال على حمارة لربما كان يفهم أنه

أقبل على فرس هجين وليس الأمر كذلك، على أن الجوهري حكى أن الحمارة في الأُنثى شاذة وأتان بالجر والتنوين كسابقه على النعت أو بدل الغلط أو بدل بعض من كل، لأن الحمار يطلق على الجنس فيشمل الذكر والأنثى أو بدل كل من كل نحو شجرة زيتونة، ويروى بإضافة حمار إلى أتان أي حمار هذا النوع وهو الأتان. قال البدر الدماميني، قال سراج بن عبد الملك: كذا وجدته مضبوطًا في بعض الأصول، واستنكرها السهيلي وقال: إنما يجوّزه من جوّز إضافة الشيء إلى نفسه إذا اختلف اللفظان، وذكر ابن الأثير أن فائدة التنصيص على كونها أُنثى الاستدلال بطريق الأولى على أن الأُنثى من بني آدم لا تقطع الصلاة لأنهنّ أشرف، وعورض بأن العلة ليست مجرد الأنوثة فقط بل الأُنوثة بقيد البشرية لأنها مظنة الشهوة. (وأنا يومئذ قد ناهزت) أي قاربت (الاحتلام ورسول الله -صلى اله عليه وسلم- يصلي بمنى) بالصرف وعدمه والأجود الصرف وكتابته بالألف وسميت بذلك لما يمنى أي يراق بها من الدماء (إلى غير جدار) قال في فتح الباري: أي إلى غير سترة أصلاً قاله الشافعي، وسياق الكلام يدل عليه لأن ابن عباس أورده في معرض الاستدلال على أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع صلاته، ويؤيده رواية البزار بلفظ: والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي المكتوبة ليس شيء يستره (فمررت بين يدي) أي قدام (بعض الصف) فالتعبير باليد مجاز وإلا فالصف لا يد له (وأرسلت الأتان ترتع) أي تأكل وترتع مرفوع، والجملة في محل نصب على الحال من الأتان وهي حال مقدّرة لأنه لم يرسلها في تلك الحال، وإنما أرسلها قبل مقدّرًا كونها على تلك الحال، وجوّز ابن السيد فيه أن يريد لترتع، فلما حذف الناصب رفع كقوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي} [الزمر: 64] قاله البدر الدماميني، وقيل ترتع تسرع في المشي والأوّل أصوب، ويدل عليه رواية المؤلف في الحج نزلت عنها فرتعت (ودخلت الصف) وللكشميهني فدخلت بالفاء في الصف (فلم ينكر) بفتح الكاف (ذلك على) أي لم ينكره عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا غيره، واستدل المؤلف بسياق هذا على ما ترجم له، وهو أن التحمل لا يشترط فيه كمال الأهلية، وإنما يشترط عند الأداء، ويلحق بالصبي في ذلك العبد والفاسق والكافر، وأدخل المصنف هذا الحديث في ترجمة سماع الصبي وليس فيه سماع لتنزيل عدم إنكار المرور منزلة قوله إنه جائز، والمراد من الصغير غير البالغ، وذكره مع الصبي من باب التوضيح والبيان. 77 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ: عَقَلْتُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ. [الحديث 77 - أطرافه في: 189، 839، 1185، 6354، 6422]. وبه قال (حدّثني) بالإفراد، وللأصيلي وأبي ذر وابن عساكر حدّثنا (محمد بن يوسف) هو البيكندي كما جزم به البيهقي وغيره، وقيل: هو الفريابي وردّ بأنه لا رواية له عن أبي مسهر الآتي (قال: حدّثنا أبو مسهر) بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء وآخره راء عبد الأعلى بن (قال: حدّثنا أبو مسهر) بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء وآخره راء عبد الأعلى بن مسهر الغساني الدمشقي، المتوفى ببغداد سنة ثمان عشرة ومائتين، وقد لقيه المؤلف وسمع منه شيئًا يسيرًا لكنه حدّث عنه هنا بواسطة (قال: حدّثني) بالإفراد، ولابن عساكر وأبي الوقت: حدّثنا (محمد بن حرب) بفتح الحاء وسكون الراء المهملتين آخره موحدة الخولاني الحمصي، المتوفى سنة أربع وسبعين ومائة، وقد شارك أبا مسهر في رواية هذا الحديث عن محمد بن حرب هذا محمد بن المصفى كما عند النسائي وابن جوصى عن سلمة بن الخليل وابن التقي كلاهما عن محمد بن حرب كما في المدخل للبيهقي، فقد رواه ثلاثة غير أبي مسهر عن ابن حرب فاندفع دعوى تفرد أبي مسهر به عنه (قال: حدّثني) بالإفراد (الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة أبو الهزيل محمد بن الوليد بن عامر الشامي الحمصي، المتوفى بالشام سنة سبع أو ثمان وأربعين ومائة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن محمود بن الرييع) بفتح الراء وكسر الموحدة ابن سراقة الأنصاري الخزرجي المدني، المتوفى ببيت المقدس سنة تسع وتسعين عن ثلاث وتسعين سنة أنه (قال عقلت) بفتح القاف من باب ضرب يضرب أي عرفت أو حفظت (من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجة) بالنصب على المفعولية (مجها) من فيه أي رمى بها حال كونها (في وجهي وأنا ابن خمس سنين) جملة من المبتدأ والخبر وقعت حالاً إما من الضمير المرفوع في عقلت

19 - باب الخروج في طلب العلم ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد

أو من الياء في وجهي (من) ماء (دلو) كان من بئرهم التي في دارهم، وكان فعله عليه الصلاة والسلام لذلك على جهة المداعبة أو التبريك عليه كما كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعل مع أولاد الصحابة، ثم نقله لذلك الفعل المنزل منزلة السماع وكونه سُنّة مقصودة دليل لأن يقال لابن خمس سمع. وقد تعقب ابن أبي صفرة المؤلف في كونه لم يذكر في هذه الترجمة حديث ابن الزبير في رؤيته إياه يوم الخندق يختلف إلى بني قريظة، ففيه السماع منه، وكان سنّه حينئذ ثلاث سنين أو أربعًا فهو أصغر من محمود، وليس في قصة محمود ضبطه لسماع شيء فكان ذكر حديث ابن الزبير أولى بهذين المعنيين. وأجاب ابن المنير كما قاله في فتح الباري ومصابيح الجامع: بأن المؤلف إنما أراد نقل السنن النبوية لا الأحوال الوجودية، ومحمود نقل سنة مقصودة في كون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مج مجة في وجهه، بل في مجرد رؤيته إياه فائدة شرعية ثبت بها كونه صحابيًّا، وأما قصة ابن الزبير فليس فيها نقل سُنّة من السُّنن النبوية حتى تدخل في هذا الباب، ولا يقال كما قاله الزركشي إن قصة ابن الزبير تحتاج إلى ثبوت صحتها على شرط البخاري أي حتى يتوجه الإيراد بأنه قد أخرجها في مناقب الزبير في كتابه هذا، فنفي الورود حينئذ لا يخفى ما فيه. وفي هذا الحديث من الفقه جواز إحضار الصبيان مجالس الحديث. واستدل به أيضًا على أن تعيين وقت السماع خمس سنين، وعزاه عياض في الإلماع لأهل الصنعة. وقال ابن الصباغ: وعليه قد استقر عمل أهل الحديث المتأخرين فيكتبون لابن خمس فصاعدًا سمع ولمن لم يبلغها حضر أو أحضر. وحكى القاضي عياض أن محمودًا حين عقل المجة كان ابن أربع، ومن ثم صحح الأكثرون سماع من بلغ أربعًا، لكن بالنسبة لابن العربي خاصة، أما ابن العجمي فإذا بلغ سبعًا قال في فتح الباري: وليس في الحديث ما يدل على تسميع من عمره خمس سنين، بل الذي ينبغي في ذلك اعتبار الفهم، فمن فهم الخطاب يسمع وإن كان دون خمس وإلاّ فلا. 19 - باب الْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ هذا (باب الخروج في طلب العلم) أي السفر لأجل طلب العلم. (ورحل جابر بن عبد الله) الأنصاري الصحابي رضي الله عنه (مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس) بضم الهمزة مصغر الجهني، المتوفى بالشام سنة أربع وخمسين في خلافة معاوية رضي الله عنه (في) أي لأجل (حديث واحد) ذكره المؤلف في المظالم آخر هذا الصحيح بلفظ: ويذكر عن جابر عن عبد الله بن أنيس، سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "يحشر الله العباد فيناديهم بصوت" الحديث. رواه أيضًا في الأدب المفرد موصولاً، وفيه: أن جابرًا بلغه عنه حديث سمعه من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاشترى بعيرًا ثم شدّ رحله وسار إليه شهرًا حتى قدم عليه وسمعه منه فذكره، ورواه كذلك أحمد وأبو يعلى. لا يقال إن المؤلف نقض قاعدته حيث عبر هنا بقوله: ورحل بصيغة الجزم القتضية للتصحيح. وفي باب المظالم بقوله: ويذكر بصيغة التمريض كما ذكره الزركشي، وحكاه عنه صاحب المصابيح من غير تعرض له، لأن المجزوم به هو الرحلة لا الحديث. قال في فتح الباري: جزم بالارتحال لأن الإسناد حسن، واعتضد ولم يجزم بما ذكره من المتن لأن لفظ الصوت مما يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب، ويحتاج إلى تأويل فلا يكفي فيه مجيء الحديث من طرق مختلف فيها ولو اعتضدت انتهى. 78 - حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ خَالِدُ بْنُ خَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: قَالَ الأَوْزَاعِيُّ أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، فَمَرَّ بِهِمَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ فَقَالَ أُبَىٌّ نَعَمْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ شَأْنَهُ يَقُولُ: «بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَتَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ مُوسَى: لاَ. فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالى إِلَى مُوسَى: بَلَى، عَبْدُنَا خَضِرٌ، فَسَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ، فَكَانَ مُوسَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَّبِعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ. فَقَالَ فَتَى مُوسَى لِمُوسَى أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ. قَالَ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي. فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا خَضِرًا. فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ». وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا أبو القاسم خالد بن خلّي) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام الخفيفة بعدها مثناة تحتية مشددة لا بلام مشدّدة كما وقع للزركشي كما في فتح الباري وهو سبق قلم أو خطأ من الناسخ انتهى. الكلاعي. وفي رواية أبي ذر قاضي حمص (قال: حدّثنا محمد بن حرب) الخولاني الحمصي (قال: قال الأوزاعي) وللأصيلي قال: حدّثنا الأوزاعي بفتح الهمزة نسبة إلى الأوزاع قرية بقرب دمشق خارج باب الفراديس، أو لبطن من حمير أو همدان بسكون الميم أو الأوزاع القبائل التي فرقها أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد أحد الأعلام من أتباع التابعين، المتوفى سنة سبع وخمسين ومائة (أخبرنا الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله بن عبد الله) بتصغير العبد الأوّل (ابن عتبة) بضم العين (ابن مسعود عن ابن عباس) عبد الله

20 - باب فضل من علم وعلم

رضي الله عنهما (أنه تمارى) من التماري وهو التجادل والتنازع (هو والحرّ بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى) بن عمران عليه السلام هل هو خضر أم لا، وأتى بضمير الفصل لأنه لا يعطف على الضمير المرفوع المتصل إلا إذا أكد بالمنفصل وسقطت لفظة هو من رواية ابن عساكر فعطفه على المرفوع المتصل بغير تأكيد ولا فصل وهو جائز عند الكوفيين، وزاد في الرواية السابقة قال ابن عباس: هو خضر (فمر بهما أُبيّ بن كعب) الأنصاري أقرأ هذه الأمة المقول فيه من عمر سيد المسلمين (فدعاه ابن عباس) هلمّ إلينا (فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل) موسى (السبيل إلى لقيه) بضم اللام وكسر القاف وتشديد الياء مصدر بمعنى اللقاء. يقال: لقيته لقاء بالمد ولقا بالقصر ولقيّا بالتشديد (هل سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذكر شأنه) قصته؟ (فقال أُبيّ: نعم سمعت النبي) وفي رواية أبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذكر شأنه يقول): (بينما موسى) عليه السلام (في ملأ من بني إسرائيل) من ذرية يعقوب بن إسحاق بن الخليل عليهم الصلاة والسلام، وعند مسلم بينما موسى في قومه يذكرهم أيام الله (إذ جاءه رجل) لم يسم (فقال) وفي رواية قال: (أتعلم) بهمزة الاستفهام وفي رواية الأربعة تعلم بحذفها، وللكشميهني هل تعلم (أحدًا أعلم) بنصبهما مفعولاً وصفة، وفي رواية الحموي أن أحدًا أعلم (منك. قال موسى: لا) إنما نفى الأعلمية بالنظر لما في اعتقاده (فأوحى الله تعالى إلى موسى: بلى) وللكشميهني والحموي بل (عبدنا خضر) أعلم منك أي في شيء خاص، (فسأل) موسى (السبيل إلى لقيه) وفي السابقة إليه بدل لقيه وزيادة موسى (فجعل الله) تعالى (له الحوت آية) علامة دالّة على مكانه (وقيل له: إذا فقدت الحوت) بفتح القاف (فارجع فإنك ستلقاه، فكان موسى يتبع) بتشديد المثناة الفوقية (أثر الحوت في البحر)، وللكشميهني والحموي في الماء (فقال فتى موسى) يوشع (لموسى: أرأيت إذ أوينا) أي حين نزلنا {إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشيطان أن أذكره} وفي حرف عبد الله: وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان، وكانا تزوّدا حوتًا وخبزًا فكانا يصيبان منه عند الغداء والعشاء، فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر فانسرب الحوت فيه، وكان قد قيل لموسى تزوّد حوتًا، فإذا فقدته وجدت الخضر فاتخذ سبيله في البحر مسلكًا ومذهبًا (قال موسى: ذلك ما كنا نبغي) من الآية الدالّة على لقي الخضر عليه اسلام {فارتدّا على آثارهما} يقصان {قصصًا فوجدا خضرًا} على طنفسة على وجه الماء أو نائمًا مسجى بثوب أو غير ذلك (فكان من شأنهما) أي من شأن موسى والخضر (ما قصّ الله في كتابه) بسورة الكهف مما سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى بعون الله. 20 - باب فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلَّمَ هذا (باب فضل من علم) بتخفيف اللام المكسورة أي من صار عالمًا (وعلم) غيره بفتحها مشددة. 79 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ إِسْحَاقُ: وَكَانَ مِنْهَا طَائِفَةٌ قَيَّلَتِ الْمَاءَ قَاعٌ يَعْلُوهُ الْمَاءُ، وَالصَّفْصَفُ الْمُسْتَوِي مِنَ الأَرْضِ. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بالمهملة والمد المكنى بأبي كريب بضم الكاف مصغر كرب بالموحدة وشهرته بكنيته أكثر من اسمه، المتوفى سنة ثمان وأربعين ومائتين (قال: حدّثنا حماد بن أسامة) بضم الهمزة ابن يزيد الهاشمي القرشي الكوفي، المتوفى سنة إحدى ومائتين وهو ابن ثمانين سنة فيما قيل (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء وسكون المثناة التحتية آخره دال مهملة (عن أبي بردة) بضم الموحدة وإسكان الراء ابن أبي موسى الأشعري (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، ولم يقل عن أبيه بدل قوله عن أبي موسى تفننًا في العبارة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (مثل) بفتح الميم والمثلثة (ما بعثني الله به من الهدى والعلم) بالجر عطفًا على الهدى من عطف المدلول على الدليل، لأن الهدى هو الدلالة الموصلة للمقصد والعلم هو المدلول وهو صفة توجب تمييزًا لا يحتمل النقيض، والمراد به هنا الأدلة الشرعية (كمثل) بفتح الميم والمثلثة (الغيث) المطر (الكثير أصاب)

الغيث (أرضًا) الجملة من الفعل والفاعل والمفعول في موضع نصب على الحال بتقدير قد (فكان منها) أي من الأرض أرض (نقية) بنون مفتوحة وقاف مكسورة ومثناة تحتية مشددة أي طيبة (قبلت الماء) بفتح القاف وكسر الموحدة من القبول (فانبتت الكلأ) بفتح الكاف واللام آخره مهموز مقصور النبات يابسًا ورطبًا (والعشب) الرطب منه وهو نصب عطفًا على المفعول (الكثير) صفة للعشب فهو من ذكر الخاص بعد العام. وفي حاشية أصل أبي ذر وهو عند الخطابي والحميدي ثغبة بمثلثة مفتوحة وغين معجمة مكسورة، وقد تسكن بعدها باء موحدة خفيفة مفتوحة. وفي فرع اليونينية ثغبة مضبب عليها وهي بضم المثلثة وتسكين الغين وهو مستنقع الماء في الجبال والصخور كما قاله الخطابي، لكن ردّه القاضي عياض وجزم بأنه تصحيف وقلب للتمثيل قال لأنه إنما جعل هذا المثل فيما ينبت والثغاب لا تنبت، والذي رويناه من طرق البخاري كلها بالنون مثل قوله في مسلم طائفة طيبة قبلت الماء. (وكانت) وفي بعض النسخ وكان (منها أجادب) بالجيم والدال المهملة جمع جدب بفتح الدال المهملة على غير قياس ولغير الأصيلي أجاذب بالمعجمة، قال الأصيلي: وبالمهملة هو الصواب أي لا تشرب ماء ولا تنبت (أمسكت الماء فنفع الله بها) أي بالأجادب، وللأصيلي به (الناس) والضمير المذكر للماء (فشربوا) من الماء (وسقوا) دوابهم وهو بفتح السين (وزرعوا) ما يصلح للزرع، ولمسلم وكذا النسائي ورعوا من الرعي، وضبط المازري أجاذب بالذال المعجمة وهمه فيه القاضي عياض، ولأبي ذر إخاذات بهمزة مكسورة وخاء خفيفة وذال معجمتين آخره مثناة فوقية قبلها ألف جمع إخّاذ وهي الأرض التي تمسك الماء كالغدير. وعند الإسماعيلي أحارب بحاء وراء مهملتين آخره موحدة. (وأصاب منها طائفة أخرى) وللأصيلي وكريمة وأصابت أي أصابت طائفة أخرى ووقع كذلك صريحًا عند النسائي (إنما هي قيعان) بكسر القاف جمع قاع وهو أرض مستوية ملساء (لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ) بضم المثناة الفوقية فيهما (فذلك) أي ما ذكر من الأقسام الثلاثة (مثل) بفتح الميم والمثلثة (من فقه) بضم القاف وقد تكسر أي صار فقيهًا (في دين الله ونفعه ما) وفي رواية أبي الوقت وابن عساكر بما أي بالذي (بعثني الله) عز وجل (به فعلم) ما جئت به (وعلم) غيره وهذا يكون على قسمين: الأوّل العالم العامل المعلم وهو كالأرض الطيبة شربت فانتفعت في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها، والثاني الجامع للعلم المستغرق زمانه فيه المعلم غيره لكنه لم يعمل بنوافله أو لم يتفقه فيما جمع، فهو كالأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به. (ومثل) بفتح الميم والمثلثة (من لم يرفع بذلك رأسًا) أي تكبر ولم يلتفت إليه من غاية تكبره وهو من دخل في الدين ولم يسمع العلم أو سمعه فلم يعمل به ولم يعلمه، فهو كالأرض السبخة التي لا تقبل الماء وتفسده على غيرها وأشار بقوله: (ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) إلى من لم يدخل في الدين أصلاً بل بلغه فكفر به وهو كالأرض الصماء الملساء المستوية التي يمر عليها الماء فلا تنتفع به. قال في المصابيح: وتشبيه الهدى والعلم بالغيث المذكور تشبيه مفرد بمركب إذ الهدى مفرد وكذا العلم، والمشبه به وهو غيث كثير أصاب أرضًا منها ما قبلت فأنبتت، ومنها ما أمسكت خاصة، ومنها ما لم تنبت ولم تمسك مركب من عدة أمور كما تراه وشبه من انتفع بالعلم ونفع به بأرض قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب، وهو تمثيل لأن وجه الشبه فيه هو الهيئة الحاصلة من قبول المحل لما يرد عليه من الخير مع ظهور أماراته وانتشارها على وجه عام الثمرة متعدي النفع، ولا يخفى أن هذه الهيئة منتزعة من أمور متعددة، ويجوز أن يشبه انتفاعه بقبول الأرض الماء ونفعه المتعدي بإنباتها الكلأ والعشب، والأوّل أفحل وأجزل لأن في الهيئات المركبات من الوقع في النفس ما ليس في المفردات في ذواتها من غير نظر إلى تضامها ولا التفات إلى هيئتها الاجتماعية، قال الشيخ عبد القاهر في قول القائل:

21 - باب رفع العلم، وظهور الجهل.

وكأنّ أجرام النجوم لوامعًا ... درر نشرن على بساط أزرق لو قلت: كان النجوم درر وكأن السماء بساط أزرق كان التشبيه مقبولاً، لكن أين هو من التشبيه الذي يريك الهيئة التي تملأ النواظر عجبًا وتستوقف العيون وتستنطق القلوب بذكر الله من طوع النجوم مؤتلفة متفرقة في أديم السماء وهي زرقاء زرقتها بحسب الرؤية صافية والنجوم تبرق وتلألأ في أثناء تلك الزرقة؟ ومن لك بهذه الصورة إذا جعلت التشبيه مفردًا، وقد وقع في الحديث أنه شبه من انتفع بالعلم في خاصة نفسه ولم ينفع به أحدًا بأرض أمسكت الماء ولم تنبت شيئًا، أو شبه انتفاعه المجرد بإمساك الأرض للماء مع عدم إنباتها، وشبه من عدم فضيلتي النفع والانتفاع جميعًا بأرض لم تمسك ماء أصلاً، أو شبه فوات ذلك له بعدم إمساكها الماء، وهذه الحالات الثلاث مستوفية لأقسام الناس ففيه من البديع التقسيم. فإن قلت: ليس في الحديث تعرض إلى القسم الثاني، وذلك أنه قال: فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم وهذا القسم الأوّل، ثم قال: ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به وهذا هو القسم الثالث، فأين الثاني؟ أجيب: فاحتمال أن يكون ذكر من الأقسام أعلاها وأدناها وطوى ذكر ما بينهما لفهمه من أقسام المشبه به المذكورة أوّلاً، ويحتمل أن يكون قوله نفعه الخ صلة موصول محذوف معطوف على الوصول الأوّل أي: فذلك مثل من فقه في دين الله، ومثل من نفعه كقول حسان رضي الله عنه: أمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء أي: ومن يمدحه وينصره سواء، وعلى هذا فتكون الأقسام الثلاثة مذكورة فمن فقه في دين الله هو الثاني، ومن نفعه الله من ذلك فعلم وعلم والأوّل، ومن يرفع بذك رأسًا هو الثالث، وفيه حينئذ لف ونشر غير مرتب انتهى. وقال غيره: شبه عليه الصلاة والسلام ما جاء به من الدين بالغيث العامّ الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه، وكذا كان حال الناس قبل مبعثه، فكما أن الغيث يحيي البلد الميت، فكذا علوم الدين تحيي القلب الميت، ثم شبه السامعين له بالأراضى المختلفة التي ينزل يها الغيث. وهذا الحديث فيه التحديث والعنعنة، ورواته كلهم كوفيون، وأخرجه المؤلف هنا فقط، ومسلم في فضائله -صلى لله عليه وسلم-، والنسائي في العلم. (قال أبو عبد الله) أي البخاري، وفي رواية غير الأصيلي وابن عساكر بحذف ذلك (قال إسحاق) بن إبراهيم بن مخلد بفتح الميم وسكون الخاء وفتح اللام الحنظلي المروزي المشهور بابن راهويه، المتوفى بنيسابور سنة ثمان وثلاثين ومائتين وهذا هو الظاهر لأنه إذا وقع في هذا الكتاب إسحاق غير منسوب فهو كما قاله الجياني عن ابن السكن يكون ابن راهويه في روايته عن أبي أسامة، (وكان منها طائفة قيلت الماء) بالمثناة التحتية المشددة بدل قوله قبلت بالموحدة، وجزم الأصيلي بأنها تصحيف من إسحاق وصوّبها غيره والمعنى شربت القيل وهو شرب نصف النهار وزاد في رواية المستملي هنا (قاع) أي أن قيعان المذكورة في الحديث جمع قاع أرض (يعلوه الماء) ولا يستقرّ فيه، (والصفصف المستوي من الأرض) هذا ليس في الحديث، وإنما ذكره جريًا على عادته في الاعتناء بتفسير ما يقع في الحديث من الألفاظ الواقعة في القرآن، وعند ابن عساكر بعد قيلت الماء والصفصف المستوي من الأرض. 21 - باب رَفْعِ الْعِلْمِ، وَظُهُورِ الْجَهْلِ. وَقَالَ رَبِيعَةُ: لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ عِنْدَهُ شَىْءٌ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يُضَيِّعَ نَفْسَهُ (باب رفع العلم وظهور الجهل) الأوّل مستلزم للثاني وأتى به للإيضاح (وقال ربيعة) الرأي بالهمزة الساكنة ابن أبي عبد الرحمن المدني التابعي شيخ إمام الأئمة مالك، المتوفى بالمدينة سنة ست وثلاثين ومائة، وإنما قيل له الرأي لكثرة اشتغاله بالرأي والاجتهاد، ومقول قوله الموصول عند الخطيب في جامعه والبيهقي في مدخله (لا ينبغي لأحد عنده شيء من العلم) أي الفهم (أن يضيع نفسه) بترك الاشتغال أو بعدم إفادته لأهله لئلا يموت العلم فيؤدي ذلك إلى رفع العلم المستلزم لظهور الجهل، وفي رواية الأربعة يضيع نفسه بحذف أن. 80 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا». [الحديث 80 - أطرافه في: 81، 5231، 5577، 6808]. وبالسند السابق إلى المؤلف قال: (حدّثنا عمران بن ميسرة) ضد الميمنة المنقري

22 - باب فضل العلم

البصري، المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي البصري (عن أبي التيّاح) بفتح المثناة الفوقية وتشديد التحتية آخره مهملة يزيد بن حميد الضبعي، المتوفى سنة ثمان وعشرين ومائة (عن أنس) وللأصيلي زيادة ابن مالك أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن من أشراط الساعة) بفتح الهمزة أي علاماتها (أن يرفع العلم) بموت حملته وقبض نقلته لا بمحوه من صدورهم، ويرفع بضم أوّله، وعند النسائي من أشراط الساعة بحذف إن، وحينئذ فيكون محل أن يرفع العلم رفعًا على الابتداء وخبره مقدّم (و) أن (يثبت الجهل) بفتح المثناة التحتية من الثبوت بالمثلثة وهو ضد النفي، وعند مسلم ويبث من البث بموحدة فمثلثة وهو الظهور والفشوّ. (و) أن (يشرب) بضم المثناة التحتية (الخمر) أي يكثر شربه. وفي النكاح من طريق هشام عن قتادة ويكثر شرب الخمر فالمطلق محمول على المقيد خلافًا لمن ذهب إلى أنه لا يجب حمله عليه، والاحتياط بالحمل هاهنا أولى لأن حمل كلام النبوّة على أقوى محامله أقرب، فإن السياق يفهم أن المراد بأشراط الساعة وقوع أشياء لم تكن معهودة حين المقالة، فإذا ذكر شيئًا كان موجودًا عند المقالة فحمله على أن المراد بجعله علامة أن يتصف بصفة زائدة على ما كان موجودًا كالكثرة والشهرة أقرب، (و) أن (يظهر) أي يفشو (الزنا) بالقصر على لغة أهل الحجاز وبها جاء التنزيل وبالمد لأهل نجد والنسبة إلى الأوّل زنوي وإلى الآخر زناوي، فوجود الأربع هو العلامة لوقوع الساعة. 81 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لاَ يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) بضم الميم وفتح السين والدال المهملتين ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بفتح القاف ابن دعامة (عن أنس) وللأصيلي ابن مالك (قال: لأحدثنكم) بفتح اللام أي والله لأحدّثنكم ولذا أكد بالنون وبه صرح أبو عوانة عن هشام عن قتادة (حديثًا لا يحدّثكم أحد بعدي) ولمسلم لا يحدّث أحد بعدي بحذف المفعول، وللمؤلف من طريق هشام لا يحدّثكم غيري وحمل على أنه قاله لأهل البصرة وقد كان هو آخر من مات بها من الصحابة (سمعت رسول الله) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي كلامه حال كونه (يقول): (من) وللأصيلي وأبي ذر أن من (أشراط الساعة أن يقل العلم) بكسر القاف من القلة وله في الحدود والنكاح أن يرفع العلم وكذا لمسلم ولا تنافي بينهما إما لأن القلّة فيه معبّر بها عن العدم. قال في الفتح: وهذا أليق لاتحاد المخرج أو ذلك باعتبار زمانين مبدأ الاشتراط وانتهائه (و) أن (يظهر الجهل و) أن (يظهر الزنا و) أن (تكثر النساء و) أن (يقل الرجال) لكثرة القتل بسبب الفتن وبقلتهم مع كثرة النساء يظهر الجهل والزنا ويرفع العلم لأن النساء حبائل الشيطان (حتى) أي إلى أن (يكون لخمسين امرأة القيم الواحد) بالرفع صفة القيم وهو من يقوم بأمرهن، وقال أبو عبد الله القرطبي في التذكرة: يحتمل أن يراد بالقيم من يقوم عليهنّ سواء كنّ موطوءات أم لا، ويحتمل أن يكون ذلك في الزمان الذي لا يبقى فيه من يقول: الله الله فيتزوّج الواحد بغير عدد جهلاً بالحكم الشرعي، وقال القيم: بأل إشعارًا بما هو معهود من كون الرجال قوّامين على النساء، وهل المراد من قوله خمسين امرأة حقيقة العدد أو المجاز عن الكثرة؟ ويؤيد الثاني ما في حديث أبي موسى ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة. 22 - باب فَضْلِ الْعِلْمِ هذا (باب فضل العلم) والباب السابق في أوّل كتاب العلم باب فضيلة العلماء، والمراد هنا الزيادة أي ما فضل عنه وهناك بمعنى الفضيلة وحينئذ فلا تكرار. 82 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ حَتَّى إِنِّي لأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ» قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمَ». [الحديث 82 - أطرافه في: 3681، 7006، 7007، 7027، 7032]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء وسكون المثناة التحتية آخره راء (قال: حدّثني) بالإفراد وفي رواية أبي ذر حدّثنا (الليث) بن سعد إمام المصريين (قال: حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين وفتح القاف وسكون المثناة التحتية ابن خالد الأيلي بفتح الهمزة، وفي رواية أبي ذر عن عقيل، وفي فتح الباري وللأصيلي وكريمة حدّثني الليث حدّثني عقيل (عن ابن شهاب)

23 - باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها

محمد بن مسلم الزهري (عن حمزة) بالمهملة والزاي (ابن عبد الله بن عمر) بن الخطاب المكنى بأبي عمارة بضم العين القرشي العدوي المدني التابعي (أن ابن عمر) رضي الله عنهما (قال: سمعت رسول الله) أي كلامه (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (قال) وفي رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر يقول: (بينا) بغير ميم (أنا) مبتدأ وخبره (نائم أتيت) بضم الهمزة وهو جواب بينا (بقدح لبن فشربت) أي من اللبن (حتى إني) بكسر همزة إن لوقوعها بعد حتى الابتدائية أو فتحها على جعلها جارّة (لا أرى) بفتح الهمزة من الرؤية (الري) بكسر الراء وتشديد الياء كذا في الرواية، وزاد الجوهري حكاية الفتح أيضًا، وقيل بالكسر الفعل وبالفتح المصدر (يخرج في أظفاري) في محل نصب مفعول ثان لأرى إن قدرت الرؤية بمعنى العلم أو حال إن قدرت بمعنى الإبصار، وفي رواية ابن عساكر والحموي من أظفاري، وللمؤلف في التعبير من أطرافي، ويجوز أن تكون في هنا بمعنى على. أي على أظفاري كقوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] أي عليها، ويكون بمعنى يظهر عليها، والظفر إما منشأ الخروج أو ظرفه. وقال: لأرى بلفظ المضارع لاستحضار هذه الرؤية للسامعين واللام فيه هي الداخلة في خبر إن للتأكيد كما في قولك: إن زيد القائم أو هي لام جواب قسم محذوف ورد بأنه ليس بصحيح فليس فيه قسم صريح ولا مقدر انتهى. وعبر بيخرج المضارع موضع الماضي لاستحضار صورة الرؤية للسامعين وجعل الري مرئيًّا تنزيلاً له منزلة الجسم، وإلاّ فالري لا يرى فهو استعارة أصلية (ثم أعطيت فضلي) أي ما فضل من لبن القدح الذي شربت منه (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه مفعول أعطيت الثاني (قالوا) أي الصحابة: (فما أوّلته) أي عبرته (يا رسول الله؟ قال) أوّلته (العلم) بالنصب ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف أي المؤوّل به العلم، ووجه تفسير اللبن بالعلم الاشتراك في كثرة النفع بهما وكونهما سببًا لصلاح ذاك في الأشباح، والآخر في الأرواح والفاء في فما أوّلته زائدة كهي في قوله تعالى: {فَلْيَذُوقُوهُ} [ص: 57] فافهم ذلك. 23 - باب الْفُتْيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا (باب الفتيا) بضم الفاء (وهو) أي العالم المفتي المجيب المستفتي عن سؤاله (واقف) أي راكب (على الدابّة) التي تركب، وفي بعض الروايات على ظهر الدابة (وغيرها) سواء كان واقفًا على الأرض أو ماشيًا وعلى كل أحواله، وفي رواية أبوي ذر والوقت أو غيرها. 83 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. فَقَالَ: اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ. فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. قَالَ: ارْمِ وَلاَ حَرَجَ. فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ شَىْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ. [الحديث 83 - أطرافه في: 124، 1736، 1737، 1738، 6665]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس ابن أُخت الإمام مالك (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) بن أنس الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله) بضم العين مصغرًا القرشي التيمي التابعي، المتوفى سنة مائة (عن عبد الله بن عمرو بن العاصي) بإثبات الياء بعد الصاد على الأفصح: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقف في حجة الوداع) بفتح الواو اسم من ودع والفتح في حاء حجة هو الرواية ويجوز كسرها أي حال وقوفه (بمنى) بالصرف وعدمه (للناس) حال كونهم (يسألونه) عليه الصلاة والسلام فهو حال من ضمير وقف، ويحتمل أن يكون من الناس أي وقف لهم حال كونهم سائلين منه، ويجوز أن يكون استئنافًا بيانًا لعلة الوقوف (فجاءه رجل) قال في الفتح: لم أعرف أسمه، وفي رواية الأصيلي فجاء رجل (فقال): يا رسول الله (لم أشعر) بضم العين أي لم أفطن (فحلقت) رأسي (قبل أن أذبح) الهدي، (فقال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اذبح ولا حرج) أي ولا إثم عليك (فجاء آخر) غيره (فقال) يا رسول الله (لم أشعر فنحرت) هدْيي (قبل أن أرمي) الجمرة (قال) عليه الصلاة والسلام، وفي رواية أبي ذر فقال: (ارم) الجمرة (ولا حرج) عليك في ذلك (فما سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن شيء) من أعمال يوم العيد الرمي والنحر والحلق والطواف (قدّم ولا أخّر) بضم أولهما على صيغة المجهول، وفي الأوّل حذف أي لا قدّم ولا أخر لأنها لا تكون في الماضي إلا مكررة على الفصيح وحسن ذلك هنا أنه في سياق النفي كما في قوله تعالى: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} [الأحقاف: 9] ولمسلم ما سئل عن شيء قدّم أو أخّر (إلا قال) عليه الصلاة والسلام للسائل: (افعل) ذلك كما فعلته قبل أو متى شئت (ولا حرج) عليك

24 - باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس

مطلقًا لا في الترتيب ولا في ترك الفدية. وهذا مذهب إمامنا الشافعي وأحمد وعطاء وطاوس ومجاهد. وقال مالك وأبو حنيفة: الترتيب واجب يجبر بدم لما روى ابن عباس أنه قال: من قدَّم شيئًا في حجه أو أخّره فليهرق لذلك دمًّا، وتأوّلوا الحديث أي لا إثم عليكم فيما فعلتموه من هذا لأنكم فعلتموه على الجهل منكم لا على القصد فأسقط عنهم الحرج وأعذرهم لأجل النسيان وعدم العلم، ويدل له قول السائل لم أشعر، ويؤيده أن في رواية علي عند الطحاوي بإسناد صحيح بلفظ: رميت وحلقت ونسيت أن أنحر، وفي الحديث جواز سؤال العالم راكبًا وماشيًا وواقفًا على كل حال ولا يعارض هذا بما روي عن مالك من كراهة ذكر العلم والسؤال عن الحديث في الطريق، لأن الموقف بمنى لا يعدّ من الطرقات لأنه موقف سُنّة وعبادة وذكر ووقت حاجة إلى التعلم خوف الفوات إما بالزمان أو بالمكان. 24 - باب مَنْ أَجَابَ الْفُتْيَا بِإِشَارَةِ الْيَدِ وَالرَّأْسِ هذا (باب من أجاب الفتيا) أي في بيان المفتي الذي أجاب المستفتي فيما سأله عنه (بإشارة اليد والرأس) وسقط لفظ باب للأصيلي. 84 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ فِي حَجَّتِهِ فَقَالَ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ قَالَ: وَلاَ حَرَجَ. وقَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ: وَلاَ حَرَجَ. [الحديث 84 - أطرافه في: 1721، 1722، 1723، 1734، 1735، 6666]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي البصري (قال: حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء وسكون المثناة التحتية آخره موحدة ابن خالد الباهلي البصري، المتوفى سنة خمس أو تسع وستين لا سنة ست وخمسين (قال: حدّثنا أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) عبد الله رضي الله عنهما: (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سئل) بضم السين (في حجته) أي الوداع (فقال) أي السائل (ذبحت) هديي (قبل أن أرمي) الجمرة فهل يصح وهل عليّ حرج؟ (فأومأ) أي أشار -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية الأصيلي وأبي الوقت قال: فأومأ (بيده) الكريمة حال كونه قد (قال) وفي رواية أبي ذر فقال: (لا حرج) عليك، وللأصيلي ولا حرج بالواو أي صح فعلك ولا حرج عليك وهي ساقطة في رواية لأبي ذر وعلى حالية قال يكون جمع بين الإشارة والنطق، ويحتمل أن يكون قال بيانًا لقوله: فأومأ ويكون من إطلاق القول على الفعل وهذا هو الأحسن. (وقال) ذلك السائل أو غيره (حلقت) رأسي (قبل أن أذبح) هديي أي قبل ذبحه (فأومأ) فأشار رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بيده) الشريفة (ولا حرج) أي صح فعلك ولا إثم عليك، ولم يحتج إلى ذكر قال هنا لأنه أشار بيده بحيث فهم من تلك الإشارة أنه لا حرج. ورجال هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه رواية تابعي عن تابعي، والتحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الحج من طريقين، ومسلم والنسائي فيه أيضًا. 85 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ سَالِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ وَالْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْهَرْجُ؟ فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا، كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْقَتْلَ. [الحديث 85 - أطرافه في: 1036، 1412، 3608، 3609، 4635، 4636، 6037، 6506، 6935، 7061، 7115، 7121]. وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة آخره راء البلخي، المتوفى ببلخ سنة أربع عشرة ومائتين (قال: أخبرنا حنظلة) زاد الأصيلي ابن أبي سفيان (عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (قال: سمعت أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر أي كلامه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يقبض العلم) أي بموت العلماء ويقبض بضم أوّله على صيغة المجهول وهو تفسير لقوله في الرواية السابقة يرفع العلم. (وبظهر الجهل) بفتح المثناة التحتية على صيغة المعلوم وذكر هذه لزيادة التأكيد والإيضاح وإلاّ فظهور الجهل من لازم قبض العلم (والفتن) بالرفع عطفًا على الجهل وللأصيلي وابن عساكر ونظهر الفتن بإسقاط الجهل (ويكثر الهرج) بفتح الهاء وسكون الراء آخره جيم الفتنة والاختلاط، وأصله كثرة الشر وهو بلسان الحبشة القتل كما عند المصنف في كتاب الفتن. (قيل: يا رسول الله وما الهرج؟ فقال: هكذا بيده فحرّفها كأنه يريد القتل) فهمه الراوي من تحريف يده الكريمة وحركتها كالضارب، وفي إطلاق القول على الفعل والفاء في قوله: فحرّفها تفسيرية فهى مفسرة لقوله هكذا. 86 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ وَهِيَ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ؟ النَّاسِ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ. قُلْتُ: آيَةٌ. فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا -أَىْ نَعَمْ- فَقُمْتُ حَتَّى عَلاني الْغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي الْمَاءَ. فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْ شَىْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلاَّ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي، حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ. فَأُوحِيَ إِلَىَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ مِثْلَ، أَوْ قَرِيبَ -لاَ أَدْرِي أَىَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ- مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، يُقَالُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ، أَوِ الْمُوقِنُ -لاَ أَدْرِي بِأَيِّهِمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيَقُولُ هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، فَأَجَبْنَا وَاتَّبَعْنَا، هُوَ مُحَمَّدٌ (ثَلاَثًا)، فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا، قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا بِهِ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ، أَوِ الْمُرْتَابُ- لاَ أَدْرِي أَىَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ- فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ. [الحديث 86 - أطرافه في: 184، 922، 1053، 1054، 1061، 1235، 1373، 2519، 2520، 7287]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثنا وهيب) أي ابن خالد (قال: حدّثنا هشام) أي ابن عروة بن الزبير بن العوام (عن فاطمة) بنت المنذر بن الزبير بن العوام وهي زوجة هشام هذا وبنت عمه (عن أسماء) بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين زوج الزبير، المتوفاة بمكة سنة ثلاث وسبعين وقد بلغ المائة ولم يسقط

لها سن ولم يتغير لها عقل أنها (قالت): (أتيت عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها (وهي تصلي) أي حال كون عائشة تصلي (فقلت: ما شأن الناس) قائمين مضطربين فزعين (فأشارت) عائشة (إلى السماء) تعني انكسفت الشمس (فإذا الناس) أي بعضهم (قيام) لصلاة الكسوف (فقالت) أي ذكرت عائشة رضي الله عنها (سبحان الله، قلت: آية) هي أي علامة لعذاب الناس لأنها مقدمة له قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] أو علامة لقرب زمان قيام الساعة (فأشارت) عائشة (برأسها أي نعم) قالت أسماء (فقمت) في الصلاة (حتى علاني) بالعين المهملة من علوت الرجل غلبته، ولكريمة تجلاني بفتح المثناة الفوقية والجيم وتشديد اللام وضبب عليه في الفرع أي علاني (الغشي) بفتح الغين وسكون الشين المعجمتين آخره مثناة تحتية مخففة وبكسر الشين وتشديد الياء أيضًا بمعنى الغشاوة وهي الغطاء، وأصله مرض معروف يحصل بطول القيام في الحر ونحوه وهو طرف من الإغماء، والمراد به هنا الحالة القريبة منه فأطلقته مجازًا ولهذا قالت: (فجعلت أصب على رأسي الماء) أي في تلك الحالة ليذهب (فحمد الله عز وجل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أثنى عليه) عطف على حمد من باب عطف العام على الخاص، لأن الثناء أعمّ من الحمد والشكر والمدح أيضًا (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (ما من شيء لم أكن أريته) بضم الهمزة أي مما يصح رؤيته عقلاً كرؤية الباري تعالى ويليق عرفًا مما يتعلق بأمر الدين وغيره (إلا رأيته) رؤية عين حقيقة حال كوني (في مقامي) بفتح الميم الأولى وكسر الثانية. زاد في رواية الكشميهني والحموي هذا خبر مبتدأ محذوف أي هو هذا، ويؤوّل بالمشار إليه والاستثناء مفرغ متصل فتلغى فيه إلا من حيث العمل لا من حيث المعنى كسائر الحروف نحو: ما جاءني إلا زيد وما رأيت إلا زيدًا وما مررت إلا بزيد (حتى الجنة والنار) بالرفع فيهما على أن حتى ابتدائية والجنة مبتدأ محذوف الخبر أي حتى الجنة مرئية والنار عطف عليه والنصب على أنها عاطفة عطفت الجنة على الضمير المنصوب في رأيته، والجر على أنها جارّة. وكذا قرّروه بالثلاثة وهي ثابتة في فرع اليونينية كهي. وقال الحافظ ابن حجر: رويناه بالحركات الثلاث فيهما، لكن استشكل البدر الدماميني بالجر بأنه لا وجه له إلا العطف على المجرور المتقدم وهو ممتنع لما يلزم عليه من زيادة من مع المعرفة والصحيح منعه. (فأوحي) بضم الهمزة وكسر الحاء (إليّ أنكم) بفتح الهمزة مفعول أوحي ناب عن الفاعل (تفتنون) تمتحنون وتختبرون (في قبوركم مثل أو قريبًا) بحذف التنوين في مثل وإثباته في تاليه (لا أدري أي ذلك) لفظ مثل أو قريبًا. (قالت أسماء) رضي الله عنها: (من فتنة المسيح) بالحاء المهملة لمسحه الأرض أو لأنه ممسوح العين (الدجال) الكذاب، والتقدير مثل فتنة المسيح أو قريبًا منها فحذف ما كان مثل مضافًا إليه لدلالة ما بعده وترك هو على هيئته قبل الحذف كذا وجهه ابن مالك وقال: إنه الرواية المشهورة. وقال عياض: الأحسن تنوين الثاني وتركه في الأوّل، وفي رواية في الفرع وأصله مثل أو قريب بالنصب من غير ألف بغير تنوين فيهما. قال الزركشي: المشهور في البخاري أي تفتنون مثل فتنة الدجال أو قريب الشبه من فتنة الدجال، فكلاهما مضاف، وجملة لا أدري إلى آخرها اعتراض بين المضاف والمضاف إليه مؤكدة لمعنى الشك المستفاد من كلمة أو لا يقال كيف فصل بين المضافين وبين ما أضيفا إليه، لأن الجملة المؤكدة للشيء لا تكون أجنبية منه، وإثبات من كما في بعض النسخ وهو الذي في فرع اليونينية بين المضاف والمضاف إليه لا يمتنع عند جماعة من النحاة ولا يخرج بذلك عن الإضافة، وفي رواية مثلاً أو قريبًا بإثبات التنوين فيهما أي تفتنون في قبوركم فتنة مثلاً من فتنة المسيح أو فتنة قريبًا من فتنة المسيح، وحينئذ فالأوّل صفة لمصدر محذوف، والثاني عطف عليه، وأي مرفوع على الأشهر بالابتداء والخبر. قالت أسماء: وضمير المفعول محذوف أي قالته وفعل الدراية معلق بالاستفهام لأنه من أفعال القلوب وبالنصب مفعول أدري إن جعلت موصولة، أو قالت

25 - باب تحريض النبي -صلى الله عليه وسلم- وفد عبد القيس على أن يحفظوا الإيمان والعلم ويخبروا من وراءهم

إن جعلت استفهامية أو موصولة (يقال) للمفتون: (ما علمك) مبتدأ وخبره (بهذا الرجل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يعبر بضمير المتكلم لأنه حكاية قول الملكين، ولم يقل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه يصير تلقينًا لحجته وعدل عن خطاب الجمع في أنكم تفتنون إلى المفرد في قوله ما علمك لأنه تفصيل. أي كل واحد يقال له ذلك لأن السؤال عن العلم يكون لكل واحد، وكذا الجواب بخلاف الفتنة، (فأما المؤمن أو الموقن) أي المصدق بنبوّته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لا أدري بأيهما) وفي رواية الأربعة أيهما المؤمن أو الموقن. (قالت أسماء) والشك من فاطمة بنت المنذر (فيقول) الفاء جواب أما لما في أما من معنى الشرط (هو محمد رسول الله) هو (جاءنا بالبينات) بالمعجزات الدالّة على نبوّته (والهدى) أي الدلالة الموصلة إلى البغية (فأجبنا واتبعنا) وفي رواية أبي ذر فأجبناه واتبعناه بالهاء فيهما فحذف ضمير المفعول في الرواية الأولى للعلم به أي قبلنا نبوّته معتقدين مصدّقين واتّبعناه فيما جاء به إلينا أو الإجابة تتعلق بالعلم والاتباع بالعمل. يقول المؤمن: (هو محمد) وفي رواية أبي ذر وأبي الوقت وهو محمد-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قولاً (ثلاثًا) أي ثلاث مرات (فيقال) له: (نم) حال كونك (صالحًا) منتفعًا بأعمالك إذ الصلاح كون الشيء في حدّ الانتفاع (قد علمنا إن كنت) بكسر الهمزة أي الشأن كنت (لموقنًا به) أي إنك موقن كقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] أي أنتم أو تبقى على بابها. قال القاضي: وهو الأظهر واللام في قوله لموقنًا عند البصريين للفرق بين إن المخففة وإن النافية، وأما الكوفيون فهي عندهم بمعنى "ما" واللام بمعنى "إلا" كقوله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4] أي ما كل نفس إلا عليها حافظ والتقدير ما كنت إلا موقنًا. وحكى السفاقسي فتح همزة أن على جعلها مصدرية أي علمنا كونك موقنًا به، وردّه بدخول اللام انتهى. وتعقبه البدر الدماميني فقال: إنما تكون اللام مانعة إذا جعلت لام الابتداء على رأي سيبويه ومن تابعه، وأما على رأي الفارسي وابن جني وجماعة أنها لام غير لام الابتداء اجتلبت للفرق فيسوغ الفتح بل يتعين حينئذ لوجود المقتضى وانتفاء المانع. (وأما المنافق) أي غير المصدق بقلبه لنبوّته (أو المرتاب) الشاك قالت فاطمة (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته) أي قلت ما كان الناس يقولونه وفي رواية وذكر الحديث أي الخ الآتي إن شاء الله تعالى. وفي هذا الحديث إثبات عذاب القبر وسؤال الملكين وأنّ من ارتاب في صدق الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصحة رسالته فهو كافر وأنّ الغشي لا ينقض الوضوء ما دام العقل باقيًا إلى غير ذلك مما لا يخفى. 25 - باب تَحْرِيضِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى أَنْ يَحْفَظُوا الإِيمَانَ وَالْعِلْمَ وَيُخْبِرُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ: قَالَ لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ». هذا (باب تحريض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي حثّه (وفد عبد القيس) القبيلة المشهورة (على أن يحفظوا الإيمان والعلم) من باب عطف الخاص على العام (ويخبروا به من وراءهم) وتحريض بالضاد المعجمة، وقيل وبالمهملة أيضًا وهما بمعنى كما قاله الكرماني، وعورض بأنه تصحيف ودفع بأنه إذا كان كلاهما يستعمل في معنى واحد لا يكون تصحيفًا وعلى منكر استعمال المهمل بمعنى المعجم البيان، وأجيب: بأن النافي لا يلزمه إقامة دليل وبأنه لا يلزم من ترادفهما وقوعهما معًا في الرواية، والكلام إنما هو في تقييد الرواية لا مطلق الجواز انتهى. (وقال مالك بن الحويرث) بالتصغير والمثلثة ابن حشيش بفتح المهملة وبالشين المعجمة المكررة الليثي له في البخاري أربعة أحاديث، المتوفى بالبصرة سنة أربع وتسعين مما هو موصول عند المؤلف في الصلاة والأدب وخبر الواحد كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وأخرجه مسلم كذلك (قال لنا النبيّ) وفي نسخة رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لما قدم عليه في ستة من قومه وأسلم وأقام عنده أيامًا وأذن له في الرجوع: (ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم) أمر دينهم، وفي رواية الأصيلي والمستملي فعظوهم من الوعظ والتذكير. 87 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ أَتَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَنِ الْوَفْدُ -أَوْ مَنِ الْقَوْمُ- قَالُوا: رَبِيعَةُ. فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ -أَوْ بِالْوَفْدِ- غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ نَدَامَى. قَالُوا إِنَّا نَأْتِيكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَىُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، وَلاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتِيَكَ إِلاَّ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ. فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ، قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَتُعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْمَغْنَمِ. وَنَهَاهُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ -قَالَ شُعْبَةُ: رُبَّمَا قَالَ النَّقِيرِ، وَرُبَّمَا قَالَ الْمُقَيَّرِ. قَالَ: احْفَظُوهُ وَأَخْبِرُوهُ مَنْ وَرَاءَكُمْ. [الحديث 87 - أطرافه في: 53، 523، 1398، 3095، 3510، 4368، 4369، 6176، 7266، 7556]. وبالسند إلى البخاري قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة والشين المعجمة المثقلة ابن عثمان البصري (قال: حدّثنا غندر) بضم الغين المعجمة وفتح الدال المهملة محمد بن جعفر الهذلي

البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران البصري أنه (قال): (كنت أترجم) أي أعبر (بين ابن عباس) رضي الله عنهما (وبين الناس) فأعبر لهم ما أسمع من ابن عباس وله ما أسمع منهم (فقال) ابن عباس: (إن وفد عبد القيس) بن أفصى بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح الصاد المهملة، والوفد اسم جمع لا جمع لوافد على الصحيح، قال القاضي: وهم القوم يأتون ركبانًا (أتوا النبي) وفي الرواية السابقة لما أتوا النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لهم: (من الوفد أو) قال لهم (من القوم)؟ شك شعبة أو شيخه. (قالوا): نحن (ربيعة) لأن عبد القيس من أولاده (فقال) عليه الصلاة والسلام، وفي رواية ابن عساكر قال: (مرحبًا بالقوم أو الوفد) على الشك أيضًا، وفي رواية غير الأصيلي وكريمة بحذفهما (غير خزايا) أي مذلّين ولا مهانين ولا فضوحين بوطء البلاد وقتل الأنفس وسبي النساء ونصب غير على الحال. قال النووي: وهو المعروف وبالجر على الصفة. (ولا ندامى) الأصل نادمين جمع نادم، لأن ندامى إنما هو جمع ندمان أي المنادم في اللهو، لكن هنا على الاتباع كما قالوا: العشايا والغدايا وغداة جمعها الغدوات لكنه اتبع قاله الزركشي كالخطابي، وعورض بما في جامع القزاز على ما حكاه السفاقسي أنه يقال: رجل نادم وندمان في الندامة بمعنى أي نادم، وحينئذ يكون جاريًا على الأصل، وعند النسائي من طريق قرة فقال: مرحبًا بالوفد ليس الخزايا النادمين. (قالوا) يا رسول الله (إنّا نأتيك من شقة) بضم الشين المعجمة أي سفرة (بعيدة وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر) أصل الحي منزل القبيلة ثم سميت به اتساعًا لأن بعضهم يحيا ببعض. (ولا نستطيع أن نأتيك إلاّ في شهر حرام) بتنكيرهما وهو يصلح لكلها، وفي رواية الأصيلي في شهر الحرام بتعريف الثاني كمسجد الجامع، والمراد رجب لتفرّده بالتحريم مع التصريح به في رواية البيهقي كما مرّ (فمرنا بأمر) زاد في رواية كتاب الإيمان فصل (نخبر به) بالرفع على الصفة لقوله أمر وبالجزم جوابًا للأمر (من وراءنا) من قومنا (ندخل به الجنة) بإسقاط واو العطف الثابتة في رواية كتاب الإيمان مع الرفع على الحال المقدرة. أي: نخبر مقدرين دخول الجنة أو على الاستئناف أو البدلية أو الصفة بعد الصفة والجزم جوابًا للأمر جوابًا بعد جواب، وفي فرع اليونينية وندخل بإثبات العاطف كالأولى، وحينئذ فلا يتأتى الجزم في الثاني مع رفع الأوّل، (فأمرهم) عليه الصلاة والسلام (بأربع) وزاد خامسة وهي إعطاء الخمس، (ونهاهم عن أربع: أمرهم بالإيمان بالله عز وجل وحده) زاد في رواية الكشميهني لفظة قال (قال: هل تدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة) المفروضة (وإيتاء الزكاة) المعهودة (وصوم رمضان) وأن (تعطوا الخُمس من المغنم) صرّح بأن في وتعطوا في رواية أحمد عن غندر فقال: وأن تعطوا فكأن الحذف من شيخ البخاري. (ونهاهم عن الدباء) بضم الدال المهملة وتشديد الموحدة والمدّ القرع (و) عن (الحنتم) بفتح المهملة وهو جرار خضر مطلية بما يسدّ الخرق (و) عن (المزفت) أي المطلي بالزفت. (قال شعبة: ربما) وفي رواية أبي ذر وأبي الوقت وربما (قال) أبو جمرة عن (النقير) بالنون المفتوحة وكسر القاف أي الجذع المنقور، (وربما قال) عن (المقير) أي المطلي بالقار. قال في فتح الباري: وليس المراد أنه كان يتردد في هاتين اللفظتين ليثبت إحداهما دون الأخرى لئلا يلزم من ذكر المقير التكرار لسبق ذكر المزفت لأنه بمعناه، بل المراد أنه كان جازمًا بذكر الثلاث الأول شاكًا في الرابع وهو النقير، فكان تارة يذكره وتارة لا يذكره، وكان أيضًا شاكًّا في التلفظ بالثالث فكان تارة يقول المزفت وتارة يقول المقير هذا توجيهه فلا يلتفت إلى ما عداه، والدليل عليه أنه جزم بالنقير في الباب السابق يعني في كتاب الإيمان ولم يتردد إلا في المزفت والمقير (قال: احفظوه) أي المذكور (وأخبروه) بفتح الهمزة وكسر الموحدة، وللكشميهني وأخبروا بحذف الضمير، وفي رواية ابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني وأخبروا به (من وراءكم) من قومكم.

26 - باب الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله

26 - باب الرِّحْلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ النَّازِلَةِ وَتَعْلِيمِ أَهْلِهِ هذا (باب الرحلة) بكسر الراء من رحل أي الارتحال (في المسألة النازلة) بالمرء. قال الحافظ ابن حجر: وفي روايتنا أيضًا الرحلة بفتح الراء أي الواحدة، وأما بضمها فالمراد به الجهة وقد يطلق على من يرحل إليه اهـ. وفي هامش الفرع كأصله بضم الراء ورقم عليه علامة الأصيلي، وزاد في رواية كريمة وأبي الوقت بعد قوله النازلة: (وتعليم أهله) بالجر عطفًا على الرحلة وصوّب حذفه لمجيئه في باب آخر. 88 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قال: أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لأَبِي إِهَابِ بْنِ عَزِيزٍ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي تَزَوَّجَ بِهَا. فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ: مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِي، وَلاَ أَخْبَرْتِنِي. فَرَكِبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ، وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ. [الحديث 88 - أطرافه في: 2052، 2640، 2659، 2660، 5104]. وبالسند السابق قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي، وفي رواية غير الأصيلي ابن مقاتل أبو الحسن (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (قال أخبرنا عمر بن سعيد) بضم العين في الأولى وكسرها في الثانية (عن أبي حسين) بضم الحاء وفتح السين مصغرًا النوفلي المكي (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الله) بفتح العين وسكون الموحدة (ابن أبي مليكة) بضم الميم زهير التيمي القرشي الأحول ونسبه لجده أبي مليكة لشهرته وإلاّ فأبوه عبيد الله بضم العين (عن عقبة) بضم العين وسكون القاف وفتح الباء الموحدة (ابن الحرث) بن عامر القرشي المكي أبو سروعة بكسر السين المهملة وقد تفتح أسلم يوم الفتح، وعند المؤلف في النكاح في باب شهادة المرضعة أنّ ابن أبي مليكة قال: حدّثنا عبيد بن أبي مريم عن عقبة بن الحرث قال: وسمعته من عقبة لكني لحديث عبيد أحفظ فصرّح بسماعه من عقبة، فانتفى قول أبي عمران ابن أبي مليكة لم يسمع من عقبة بينهما عبيد بن أبي مريم فإسناده منقطع. (أنه) أي عقبة بن الحرث (تزوّج ابنة) وللأصيلي بنتًا (لأبي إهاب بن عزيز) بكسر الهمزة وفتح العين المهملة وكسر الزاي وسكون المثناة التحتية لا بضم العين وفتح الزاي ابن قيس بن سويد التميمي الدارمي، واسم ابنته غنية بفتح المعجمة وكسر النون وتشديد المثناة التحتية وكنيتها أمُ يحيى، (فأتته امرأة) قال الحافظ ابن حجر لم أقف على اسمها (فقالت: إني قد أرضعت عقبة) بن الحرث (والتي تزوّج بها) أي غنية، وفي رواية الأربعة بحذف بها (فقال لها عقبة: ما أعلم أنك) بكسر الكاف (أرضعتني) وفي رواية ابن عساكر وأبي الوقت أرضعتيني بزيادة مثناة تحتية قبل النون (ولا أخبرتني) ولابن عساكر ولا أخبرتيني بزيادة مثناة تحتية بعد الفوقية تولدت من إشباع الكسرة فيهما، وعبر بأعلم مضارعًا وأخبرت ماضيًا لأن نفي العلم حاصل في الحال بخلاف نفي الأخبار فإنه كان في الماضي فقط، (فركب) عقبة (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (بالمدينة) أي فيها (فسأله) أي سأل عقبة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الحكم في المسألة النازلة به (فقال) وفي رواية الأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر قال (رسول الله) وفي رواية أبي ذر قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كيف) تباشرها وتفضي إليها (وقد قيل) إنك أخوها من الرضاعة أي ذلك بعيد من ذي المروءة والورع (ففارقها عقبة) بن الحرث رضي الله عنه صورة أو طلقها احتياطًا وورعًا لا حكمًا بثبوت الرضاع وفساد النكاح إذ ليس قول المرأة الواحدة شهادة يجوز بها الحكم في أصل من الأصول. نعم عمل بظاهر هذا الحديث أحمد رحمه الله تعالى فقال: الرضاع يثبت بشهادة المرضعة وحدها بيمينها، (ونكحت) غنية بعد فراق عقبة (زوجًا غيره) هو ظريب بضم المعجمة وفتح الراء آخره موحدة ابن الحرث وتأتي بقية مباحث هذا الحديث -إن شاء الله تعالى- والله أسال العافية والسلامة في السفر والإقامة. 27 - باب التَّنَاوُبِ فِي الْعِلْمِ هذا (باب التناوب) بالخفض على الإضافة (في العلم) أي بأن يأخذ هذا مرة ويذكره لهذا والآخر مرة ويذكره له وسقط لفظ باب للأصيلي. 89 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قال: أخبرنا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. ح. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ -وَهْيَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ- وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. فَنَزَلَ صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا فَقَالَ: أَثَمَّ هُوَ؟ فَفَزِعْتُ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ .... فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي، فَقُلْتُ: طَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَتْ لاَ أَدْرِي. ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ قَالَ: لاَ. فَقُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ. [الحديث 89 - أطرافه في: 2468، 4913، 4914، 4915، 5191، 5218، 5843، 7256، 7263]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) أي ابن أبي حمزة بالمهملة والزاي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (ح) للتحويل (قال أبو عبد الله) أي البخاري وهو ساقط في رواية الأصيلي، وأبي الوقت وابن عساكر. (وقال ابن وهب) عبد الله المصري فيما وصله ابن حبّان في صحيحه عن ابن قتيبة عن حرملة عن عبد الله بن وهب، (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي، (عن ابن شهاب) هو الزهري المذكور في الموصوف فغاير بين اللفظين تنبيهًا

28 - باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره

على قوّة محافظته على ما سمعه من شيوخه (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بفتحها (ابن أبي ثور) بالمثلثة القرشي النوفلي التابعي (عن عبد الله بن عباس عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه أنه (قال): (كنت أنا وجار لي) بالرفع عطفًا على الضمير المنفصل المرفوع وهو أنا وإنما أظهره لصحة العطف لئلا يلزم عطف الاسم على الفعل وهو جائز عند الكوفيين من غير إعادة الضمير، ويجوز النصب على معنى المعية، واسم الجار عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان الأنصاري الخزرجي كما أفاده الشيخ قطب الدين القسطلاني فيما ذكره الحافظ ابن حجر ولم يذكر غيره وعند أبن بشكوال، وذكره البرماوي أنه أوس بن خولي، وعلل بأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخى بينه وبين عمر لكن لا يلزم من المؤاخاة الجوار (من الأنصار) الكائنين أو المستقرين أو النازلين (في) موضع أو قبيلة (بني) وفي رواية من بني (أمية بن زيد وهي) أي القبيلة، وفي رواية ابن عساكر وهو أي الموضع (من عوالي المدينة) قرى شرقيّ المدينة بين أقربها وبينها ثلاثة أميال أو أربعة وأبعدها ثمانية (وكنا نتناوب النزول) بالنصب على المفعولية (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينزل) جاري الأنصاري (يومًا) بالنصب على الظرفية من العوالي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لتعلم العلم (وأنزل يومًا) كذلك (فإذا نزلت) أنا (جئته) جواب فإذا لما فيها من معنى الشرط (بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل) جاري (فعل) معي (مثل ذلك فنزل صاحبي الأنصاري) بالرفع صفة لصاحبي (يوم نوبته) أي يومًا من أيام نوبته، فسمع أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتزل زوجاته فرجع إلى العوالي فجاء (فضرب بابي ضربًا شديدًا فقال أثم هو) بفتح المثلثة وتشديد الميم اسم يشار به إلى المكان البعيد (ففزعت) بكسر الزاي أي خفت لأجل الضرب الشديد فإنه كان على خلاف العادة فالفاء تعليلية، وللمؤلف في التفسير -كما سيأتي إن شاء الله تعالى- قال عمر رضي الله عنه: كنا نتخوّف ملكًا من ملوك غسان ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا وقد امتلأت صدورنا منه فتوهمت لعله جاء إلى المدينة فخفته لذلك (فخرجت إليه، فقال: قد حدث أمر عظيم) طلَّق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نساءه. قلت: قد كنت أظن أنّ هذا كائن حتى إذا صليت الصبح شددت عليَّ ثيابي ثم نزلت (فدخلت على حفصة) أم المؤمنين، فالداخل عليها أبوها عمر لا الأنصاري وقضية حذف طلق إلى قوله فدخلت يوهم أنه من قول الأنصاري، فالفاء في فدخلت فصيحة تفصح عن المقدر أي نزلت من العوالي فجئت إلى المدينة فدخلت، وفي رواية الحموي والمستملي دخلت، وللأصيلي قال فدخلت على حفصة، (فإذا هي تبكي فقلت: طلقكن) وفي رواية لابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني أطلقكن (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قالت) حفصة: (لا أدري) أي لا أعلم أنه طلق (ثم دخلت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت وأنا قائم) يا رسول الله: (أطلقت نساءك) بهمزة الاستفهام كما في فرع اليونينية كهي، وقال العيني بحذفها (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا. فقلت) وللأصيلي قلت: (الله أكبر) تعجبًا من كون الأنصاري ظن أن اعتزاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن نسائه طلاق أو ناشئ عنه، والمقصود من إيراده لهذا الحديث هنا التناوب في العلم اهتمامًا بشأنه، لكن قوله كنت أنا وجار لي من الأنصار نتناوب النزول ليس في رواية ابن وهب إنما هو في رواية شعيب كما نص عليه الذهلي والدارقطني والحاكم في آخرين. وفي هذا الحديث رواية تابعي عن تابعي وصحابي عن صحابي والتحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف في النكاح والمظالم، ومسلم في الطلاق، والترمذي في التفسير، والنسائي في الصوم وعِشرة النساء. 28 - باب الْغَضَبِ فِي الْمَوْعِظَةِ وَالتَّعْلِيمِ إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ هذا (باب الغضب) بالإضافة وهو انفعال يحصل من غليان الدم لشيء دخل في القلب (في) حالة (الموعظة و) حالة (التعليم إذا رأى) الواعظ أو المعلم (ما يكره) أي الذي يكرهه فحذف العائد، وقيل أراد المؤلف الفرق بين قضاء القاضي وهو غضبان وبين تعليم المعلم وتذكير الواعظ فإنه بالغضب أجدر كذا قاله البرماوي

والعيني كابن المنير، وتعقبه البدر الدماميني فقال: أما الوعظ فمسلم وأما تعليم العلم فلا نسلم أنه أجدر بالغضب لأنه مما يدهش الفكر فقد يفضي التعليم به في هذه الحالة إلى خلل والمطلوب كمال الضبط انتهى. 90 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلاَةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلاَنٌ. فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمِئِذٍ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ مُنَفِّرُونَ، فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ». [الحديث 90 - أطرافه في: 702، 704، 6110، 7159]. وبالسند السابق قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بفتح الكاف وبالمثلثة العبدي بسكون الموحدة البصري الموثق من أبي حاتم المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومائتين (قال: أخبرنا) ولأبي ذر أخبرني (سفيان) الثوري (عن ابن أبي خالد) هو إسماعيل البجلي الكوفي الأحمسي التابعي الطحان المسمى بالميزان (عن قيس بن أبي حازم) بالمهملة والزاي الأحمسي الكوفي البجلي (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو (الأنصاري) الخزرجي البدري أنه (قال): (قال رجل) هو حزم بن أبي كعب كذا قاله ابن حجر في المقدمة، ثم قال في الشرح في كتاب الصلاة: لم أقف على تسميته، ووهم من زعم أنه حزم بن أبي كعب، لأن قصته كانت مع معاذ لا مع ابن أُبي بن كعب (يا رسول الله لا أكاد أدرك الصلاة مما يطوّل بنا فلان) هو معاذ بن جبل، وفي رواية مما يطيل، فالأولى من التطويل والأخرى من الإطالة، قال القاضي عياض: ظاهره مشكل لأن التطويل يقتضي الإدراك لا عدمه ولعله لأكاد أترك الصلاة فزيدت الألف بعد لا وفصلت التاء من الراء فجعلت دالاً، وعورض بعدم مساعدة الرواية لما ادّعاه، وقيل: معناه أنه كان به ضعف فكان إذا طوّل به الإمام في القيام لا يبلغ الركوع إلا وقد ازداد ضعفه فلا يكاد يتم معه الصلاة، ودفع بأن المؤلف رواه عن الفريابي بلفظ لأتأخر عن الصلاة، وحينئذ فالمراد أني لا أقرب من الصلاة في الجماعة بل أتأخر عنها أحيانًا من أجل التطويل فعدم مقاربته لإدراك الصلاة مع الإمام ناشئ عن تأخره عن حضورها ومسبب عنه، فعبر عن السبب بالمسبب وعلّله بتطويل الإمام، وذلك لأنه إذا اعتيد التطويل منه تقاعد المأموم عن المبادرة ركونًا إلى حصول الإدراك بسبب التطويل فيتأخر لذلك وهو معنى الرواية الأخرى المروية عن الفريابي فالتطويل سبب التأخر الذي هو سبب لذلك الشيء ولا داعي إلى حمل الرواية الثابتة في الأمهات الصحيحة على التصحيف قاله البدر الدماميني (فما رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في موعظة أشد غضبًا) بالنصب على التمييز (من يومئذ) وفي رواية ابن عساكر منه من يومئذ ولفظة منه صلة أشد والمفضل عليه وإن كانا واحدًا وهو الرسول لأن الضمير راجع إليه لكن باعتبارين فهو مفضل باعتبار يومئذ ومفضل عليه باعتبار سائر الأيام. وسبب شدّة غضبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إما لمخالفة الموعظة لاحتمال تقدّم الإعلام بذلك أو للتقصير في تعلم ما ينبغي تعلمه أو لإرادة الاهتمام بما يلقيه على أصحابه ليكونوا من سماعه على بال لئلا يعود من فعل ذلك إلى مثله. (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يا أيها الناس إنكم منفرون) عن الجماعات، وفي رواية أبي الوقت إن منكم منفرين ولم يخاطب المطوّل على التعيين بل عمم خوف الخجل عليه لطفًا به وشفقة على جميل عادته الكريمة صلوات الله وسلامه عليه (فمن صلى بالناس) أي من صلى متلبسًا بهم إمامًا لهم (فليخفف) جواب من الشرطية (فإن فيهم المريض) الذي ليس بصحيح (والضعيف) الذي ليس بقوي الخلقة كالنحيف والمسنّ، (وذا) بالنصب أي صاحب (الحاجة) وللقابسي وذو الحاجة بالرفع مبتدأ حذف خبره، والجملة عطف على الجملة المتقدمة أي وذو الحاجة كذلك، وإنما ذكر الثلاثة لأنها تجمع الأنواع الموجبة للتخفيف لأن المقتضي له إما في نفسه أو لا، والأوّل إما بحسب ذاته وهو الضعيف أو بحسب العارض وهو المريض أولاً في نفسه وهو ذو الحاجة. 91 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ الْمَدِينِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: «اعْرِفْ وِكَاءَهَا -أَوْ قَالَ: وِعَاءَهَا- وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ -أَوْ قَالَ: احْمَرَّ وَجْهُهُ- فَقَالَ: «وَمَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ، فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ». [الحديث 91 - أطرافه في: 2372، 2427، 2428، 2429، 2436، 2438، 5292، 6112]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) أبو جعفر المسندي بفتح النون (قال: حدّثنا أبو عامر) وفي رواية ابن عساكر العقدي، وفي رواية أبي ذر عبد الملك بن عمرو العقدي (قال: حدّثنا سليمان بن بلال المديني) بالمثناة التحتية قبل النون وللأصيلي المدني بحذفها (عن ربيعة) الرأي (ابن أبي عبد الرحمن) شيخ إمام الأئمة مالك بن أنس (عن يزيد) من الزيادة (مولى المنبعث) بالنون والموحدة والمهملة والمثلثة المدني (عن زيد بن خالد

الجهني) بضم الجيم وفتح الهاء وبالنون نزيل الكوفة المتوفى بها أو المدينة أو مصر سنة ثمان وسبعين وله في البخاري خمسة أحاديث. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سأله رجل) هو عمير والد مالك، وقيل بلال المؤذن، وقيل الجارود، وقيل هو زيد ابن خالد نفسه (عن اللقطة) بضم اللام وفتح القاف وقد تسكن الشيء الملقوط وهو ما ضاع بسقوط أو غفلة فيجده شخص (فقال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولكريمة قال: (اعرف) بكسر الراء من المعرفة (وكاءها) بكسر الواو ممدودًا ما يربط به رأس الصرّة والكيس ونحوهما أو بكسر الواو أي ظرفها، (-أو قال وعَاءَها-) الشّك من زيد بن خالد أو ممن دونه من الرواة (وعفاصها) بكسر العين المهملة وبالفاء هو الوعاء أيضًا لأن العفص هو الثني والعطف لأن الوعاء يثنى على ما فيه وينعطف، والمراد الشيء الذي يكون فيه النفقة من خرقة أو جلدة ونحوهما، أو هو الجلد الذي يلبس رأس القارورة، وأما الذي يدخل في فمها فهو الصمام بالمهملة المكسورة، وإنما أمر بمعرفة ما ذكر ليعرف صدق مدّعيها من كذبه ولئلا يختلط بماله، (ثم عرّفها) على سبيل الوجوب للناس بذكر بعض صفاتها (سنة) أي مدة سنة متصلة يعرّف أوّلاً كل يوم طرفي النهار ثم كل يوم مرة ثم كل أسبوع ثم كل شهر ولا يجب فور في التعريف بل المعتبر سنة متى كان، وهل تكفي سنة مفرقة؟ وجهان ثانيهما وبه قطع العراقيون. نعم قال النووي وهو الأصح (ثم استمتع بها) بكسر التاء الثانية وتسكين العين عطف على ثم عرّفها، (فإن جاء ربّها) أي مالكها (فأدّها) جواب الشرط أي أعطها (إليه. قال): يا رسول الله (فضالة الإبل) ما حكمها؟ أكذلك أم لا وهو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف (فغضب) عليه الصلاة والسلام (حتى احمرّت وجنتاه) تثنية وجنة بتثليث الواو وأجنة بهمزة مضمومة وهي ما ارتفع عن الخد (أو قال احمرّ وجهه) وإنما غضب استقصارًا لعلم السائل وسوء فهمه إذ إنه لم يراع المعنى المذكور ولم يتفطن له فقاس الشيء على غير نظيره لأن اللقطة وإنما هو الشيء الذي سقط من صاحبه ولا يدرى ْأين موضعه وليس كذلك الإبل فإنها مخالفة للقطة اسمًا وصفة، (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وما لك ولها) أي ما تصنع بها أي لم تأخذها ولم تتناولها. وفي رواية الحموي والمستملي فما لك، وفي رواية الأصيلي وابن عساكر ما لك بغير واو ولا فاء (معها سقاؤها) بكسر السين مبتدأ وخبر مقدم أي أجوافها فإنها تشرب فتكتفي به أيامًا. (وحذاؤها) بكسر الحاء المهملة والمد عطف على سقاؤها أي خفّها الذي تمشي عليه (ترد الماء) جملة بيانية لا محل لها من الإعراب أو محلها الرفع خبر مبتدأ محذوف أي هي ترد الماء (وترعى الشجر فذرها) أي إذا كان الأمر كذلك فدعها فالفاء في فذرها جواب شرط محذوف (حتى يلقاها ربها) مالكها إذ إنها غير فاقدة أسباب العود إليه لقوّة سيرها بكون الحذاء والسقاء معها لأنها ترد الماء ربعًا وخمسًا، وتمتنع من الذئاب وغيرها من صغار السباع ومن التردّي وغير ذلك (قال): يا رسول الله (فضالة الغنم) ما حكمها أهي مثل ضالة الإبل أم لا؟ (قال) عليه الصلاة والسلام: ليست كضالهَ الإبل بل هي (لك) إن أخذتها (أو لأخيك) من اللاقطين إن لم تأخذها (أو للذئب) يأكلها إن لم تأخذها أنت ولا غيرك، فهو إذن في أخذها دون الإبل. نعم إذا كانت الإبل في القرى والأمصار فتلتقط لأنها تكون حينئذ معرّضة للتلف مطمحة للأطماع، ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في بابه بعون الله وحوله وقوّته. 92 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا، فَلَمَّا أُكْثِرَ عَلَيْهِ غَضِبَ ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ قَالَ رَجُلٌ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: أَبُوكَ حُذَافَةُ. فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ. فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَتُوبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». [الحديث 92 - طرفه في: 7291]. وبه قال: (حدّثنا) وفي رواية ابن عساكر حدّثني (محمد بن العلاء) هو أبو كريب الكوفي (قال: حدّثنا أبو أسامة) هو حمّاد بن أسامة الكوفي (عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء (عن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر بن أبي موسى الأشعري (عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه (قال): (سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم السين المهملة وكسر الهمزة (عن أشياء) غير منصرف (كرهها) لأنه ربما كان

29 - باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث

فيها شيء سببًا لتحريم شيء على المسلمين فيلحقهم به المشقة أو غير ذلك، وكان من هذه الأشياء السؤال عن الساعة ونحوها كما سيأتي إن شاء الله تعالى. (فلما أكثر) بضم الهمزة على صيغة المجهول أي فلما أكثر الناس السؤال (عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (غضب) لتعنتهم في السؤال وتكلفهم ما لا حاجة لهم فيه (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (للناس سلوني) وللأصيلي ثم قال: (عمّا شئتم) بالألف، وللأصيلي عمّ شثتم بحذفها لأنه يجب حذف ألف ما الاستفهامية إذا جرت وإبقاء الفتحة دليل عليها نحو فيم وإلامَ وعلام للفرق بين الاستفهام والخبر ومن ثم حذفت في نحو {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} [النازعات: 43] {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ} [النمل: 35] وثبتت في {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ} [النور: 14] {أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بيدي} [ص: 75] فكما لا تحذف الألف في الخبر لا تثبت في الاستفهام، وحمل هذا القول منه عليه الصلاة والسلام على الوحي أولى، وإلا فهو لا يعلم ما يسأل عنه من المغيبات إلا بإعلام الله تعالى كما هو مقرر (قال رجل) هو عبد الله بن حذافة الرسول إلى كسرى (من أبي) يا رسول الله؟ (قال) عليه الصلاة والسلام (أبوك حذافة) بمهملة مضمومة وذال معجمة وفاء القرشي السهمي، المتوفى في خلافة عثمان رضي الله عنه (فقام) رجل (آخر) وهو سعد بن سالم كما في التمهيد لابن عبد البر (فقال: من أبي يا رسول الله؟ فقال) وفي رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر قال: (أبوك سالم مولى شيبة) بن ربيعة وهو صحابي جزمًا وكان سبب السؤال طعن بعض الناس في نسب بعضهم على عادة الجاهلية، (فلما رأى) أبصر (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (ما في وجهه) الوجيه عليه الصلاة والسلام من أثر الغضب (قال: يا رسول الله إنّا نتوب إلى الله عز وجل) مما يوجب غضبك. 29 - باب مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الإِمَامِ أَوِ الْمُحَدِّث (باب من برك) بفتحتين وتخفيف الراء. 93 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ فَقَالَ: أَبُوكَ حُذَافَةُ. ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِي». فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبِيًّا، فَسَكَتَ. [الحديث 93 - أطرافه في: 540، 749، 4621، 6362، 6468، 6486، 7089، 7090، 7091، 7294، 7295]. وبالسند إلى المصنف قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة بالمهملة والزاي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالتوحيد (أنس بن مالك) رضي الله عنه (أن رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج) فسئل فأكثروا عليه فغضب فقال: سلوني (فقام عبد الله بن حذافة) السهمي المهاجري أحد الذين أدركوا بيعة الرضوان (فقال) يا رسول الله (من أبي؟ فقال) عليه الصلاة والسلام وفي رواية قال: من أبي؟ (فقال: أبوك حذافة) وفي مسلم أنه كان يدعى لغير أبيه ولما سمعت أمه سؤاله قالت: ما سمعت بابن أعقّ منك أأمنت أن تكون أمك قارفت ما يقارف نساء الجاهلية تفضحها على أعين الناس. فقال: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت به (ثم أكثر) بالمثلثة (أن يقول) عليه الصلاة والسلام (سلوني فبرك) بفتح الموحدة والراء المخففة (عمر) رضي الله عنه (على ركبتيه) يقال برك البعير إذ ستناخ واستعمل في الآدمي على طريق المجاز غير المقيد وهو أن يكون في حقيقته مقيدًا فيستعمل في الأعمّ بلا قيد كالمشفر لشفة البعير فيستعمل لمطلق الشفة فيقال: زيد غليظ المشفر (فقال) عمر رضي الله عنه بعد أن برك على ركبتيه تأدبًّا وإكرامًا لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشفقة على السلمين: (رضينا بالله ربًَّا وبالإسلام دينًا وبمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نبيَّا) فرضي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك، (فسكت) وفي بعض الروايات فسكن غضبه بدل فسكت. 30 - باب مَنْ أَعَادَ الْحَدِيثَ ثَلاَثًا لِيُفْهَمَ عَنْهُ فَقَالَ: «أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ»، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «هَلْ بَلَّغْتُ»؟ ثَلاَثًا. هذا (باب من أعاد الحديث) في أمور الدين (ثلاثًا ليفهم) بضم المثناة التحتية وفتح الحاء (عنه) كذا للأصيلي وكريمة فيما نص عليه الحافظ ابن حجر، وفي رواية حذف عنه وكسر الهاء، وفي أخرى كذلك مع فتحها (فقال: ألا) بالتخفيف وفي غير رواية أبي ذر، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ألا (وقول الزور فما زال يكرّرها) في مجلسه ذلك والضمير لقوله وقول الزور وهذا طرف من حديث وصله بتمامه في كتاب الشهادات (وقال ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما فيما وصله المؤلف في خطبة الوداع (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هل بلغث ثلاثًا) أي قال: هل بلغت ثلاث مرات. 94 - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلاَثًا، وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا. [الحديث 94 - طرفاه في: 95، 6244]. وبالسند الماضي إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة ابن عبد الله

الخزاعي البصري الكوفي الأصل، المتوفى سنة ثمان وخمسين ومائتين (قال: حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري التميمي البصري الحافظ الحجة، المتوفى سنة سبع ومائتين (قال حدّثنا عبد الله بن المثنى) بضم الميم وفتح المثلثة وتشديد النون المفتوحة ابن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري وثّقه العجلي والترمذي (قال: حدّثنا ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميمين زاد في غير رواية أبي ذر وأبي الوقت (ابن عبد الله) أي ابن أنس بن مالك الأنصاري البصري (عن) جدّه (أنس) أي ابن مالك رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه: (كان إذا سلم) على أناس (سلم) عليهم (ثلاثًا) أي ثلاث مرات ويشبه أن يكون ذلك عند الاستئذان لحديث إذا استأذن أحدكم ثلاثًا ولم يؤذن له فليرجع، وعورض بأن تسليمة الاستئذان لا تثنى إذا حصل الإذن بالأولى، ولا تثلث إذا حصل بالثانية، نعم يحتمل أن يكون معناه أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أتى على قوم سلم عليهم تسليمة الاستئذان، وإذا دخل سلم تسليمة التحية، ثم إذا قام من المجلس سلم تسليمة الوداع وكلٌّ سُنَّة. (وإذا تكلم) عليه الصلاة والسلام (بكلمة) أي بجملة مفيدة من باب إطلاق اسم البعض على الكل (أعادها ثلاثًا) أي ثلاث مرات. قال البدر الدماميني: لا يصح أن يكون أعاد مع بقائه على ظاهره عاملاً في ثلاثًا ضرورة أنه يستلزم قول تلك الكلمة أربع مرات، فإن الإعادة ثلاثًا إنما تتحقق بها إذ المرة الأولى لا إعادة فيها، فأما إن تضمن معنى قال ويصح عملها في ثلاثًا بالمعنى المضمن أو يبقى أعاد على معناه، ويجعل العامل محذوفًا أي أعادها فقالها وعليهما فلم تقع الإعادة إلا مرتين انتهى. 95 - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ، وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلاَثًا. وبه قال (حدّثنا عبدة بن عبد الله) زاد في رواية الأصيلي الصفار وهو السابق وسقط عنده لفظة ابن عبد الله (قال حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث (قال حدّثنا عبد الله بن المثنى) الأنصاري (قال حدّثنا ثمامة بن عبد الله) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر ثمامة بن أن فنسباه إلى جدّه وأسقطا اسم أبيه وإلا فاسم أبيه عبد الله (عن أنس) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها) أي الكلمة المفسرة بالجملة المفيدة (ثلاثًا) أي ثلاث مرات وقد بيّن المراد بالتكرار في قوله (حتى تفهم عنه) بضم أوّله وفتح ثالثه أي لكي تعقل لأنه عليه الصلاة والسلام مأمور بالإبلاغ والبيان وعبر بكان إذا تكلم ليشعر بالاستمرار لأن كان تدل على الثبات والاستمرار بخلاف صار فإنها تدل على الانتقال فلهذا يجوز أن يقال كان الله ولا يجوز صار (و) كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إذا أتى على قوم سلم عليهم سلم عليهم ثلاثًا) أي ثلاث مرات إذا شرط جوابه سلم لا فسلم بل هو عطف على أتى من بقية الشرط وقد سقط حديث عبدة الأول في رواية ابن عساكر وأبي ذر ولا يخفى الاستغناء عنه بالثاني. 96 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ سَافَرْنَاهُ، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الصَّلاَةَ صَلاَةَ الْعَصْرِ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ». مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. وبه قال (حدّثنا مسدد) بفتح السين المهملة (قال حدّثنا أبو عوانة) بفتح العين المهملة اليشكري (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن إياس (عن يوسف بن ماهك) بفتح الهاء وبكسرها غير منصرف للعجمة والعلمية وللأصيلي بالصرف لأجل الصفة على ما تقدم تقريره في باب من رفع صوته بالعلم (عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاصي رضي الله عنه (قال تخلف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر سافرناه) وللأصيلي كما في الفرع في سفرة سافرناها، ووقع في مسلم تعينها من مكة إلى المدينة (فأدركنا) بفتح الكاف أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وقد أرهقنا) بسكون القاف (الصلاة) بالنصب على المفعوية ولأصيلي أرهقتنا بالتأنيث وفتح القاف الصلاة بالرفع على الفاعلية (صلاة العصر) النصب أو الرفع على البدلية من الصلاة (ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا) أي نغسلها غسلاً خفيفًا (فنادى) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثًا) شك من الراوي، وقد سبق الحديث في باب من رفع صوته بالعلم وأعاده لغرض تكرار الحديث، وأخرجه هناك عن النعمان عن أبي عوانة، وهنا عن مسدّد عن أبي عوانة وصرح هنا بصلاة العصر، وتأتي بقية مباحثه

31 - باب تعليم الرجل أمته وأهله

في الطهارة إن شاء الله تعالى. 31 - باب تَعْلِيمِ الرَّجُلِ أَمَتَهُ وَأَهْلَه (باب تعليم الرجل أمته وأهله) من عطف العامّ على الخاص لأن أمة الرجل من أهل بيته. 97 - أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ -هُوَ ابْنُ سَلاَمٍ- قال: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: قَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثَلاَثَةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ». ثُمَّ قَالَ عَامِرٌ: أَعْطَيْنَاكَهَا بِغَيْرِ شَىْءٍ، قَدْ كَانَ يُرْكَبُ فِيمَا دُونَهَا إِلَى الْمَدِينَةِ. [الحديث 97 - أطرافه في: 2544، 2547، 2551، 3011، 3446، 5083]. وبالسند قال: (أخبرنا) وفي رواية أبوي ذر والوقت حدّثنا (محمد) ولكريمة حدّثنا محمد (هو ابن سلام) أي بتخفيف اللام وفي رواية أبي ذر والأصيلي حدّثنا محمد بن سلام، وفي رواية ابن عساكر وأبي الوقت حدّثني محمد بن سلام (قال: حدّثنا) وفي رواية أبي الوقت وابن عساكر أخبرنا (المحاربي) بضم الميم وبالحاء المهملة وكسر الراء والموحدة عبد الرحمن بن محمد بن زياد الكوفي الموثق المتوفى سنة خمس وتسعين ومائة (قال: حدثنا صالح بن حيان) بفتح المهملة وتشديد المثناة التحتية ونسبه لجده الأعلى لشهرته به وإلا فهو صالح بن صالح بن مسلم بن حيان وليس هو صالح بن حيان القرشي الضعيف (قال) أي صالح، (قال عامر) هو ابن شراحيل (الشعبي) بفتح المعجمة وسكون المهملة وبالموحدة (حدّثني) بالتوحيد (أبو بردة) بضم الموحدة (عن أبيه) هو أبو موسى الأشعري كما صرّح به في العتق وغيره (قال) أي أبو موسى، (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاثة) مبتدأ خبره جملة (لهم أجران) أوّلهم (رجل) وكذا امرأة (من أهل الكتاب) التوراة والإنجيل أو الإنجيل فقط على القول بأن النصرانية ناسخة لليهودية حال كونه قد (آمن بنبيه) موسى أو عيسى عليهما الصلاة والسلام مع إيمانه بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المنعوت في التوراة والإنجيل المأخوذ له الميثاق على سائر النبيين وأممهم (وآمن بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي بأنه هو الموصوف في الكتابين، ويأتي إن شاء الله تعالى ما في ذلك من المباحث في باب فضل من أسلم من أهل الكتابين في كتاب الجهاد، (و) الثاني (العبد المملوك) أي جنس العبد المملوك (إذا أدّى حق الله) تعالى، أي كالصلاة والصوم (وحق مواليه) بسكون الياء جمع مولى لتحصل مقابلة الجمع في جنس العبيد بجمع المولى، أو ليدخل ما لو كان العبد مشتركًا بين موالي، والمراد من حقهم خدمتهم ووصف العبد بالمملوك لأن كل الناس عباد الله فميّزه بكونه مملوكًا للناس، (و) الثالث (رجل كانت عنده أمة) زاد في رواية الأربعة هـ س ط ص يطأها بالهمزة (فأدّبها) لتتخلق بالأخلاق الحميدة (فأحسن تأديبها) بلطف ورفق من غير عنف (وعلمها) ما يحب تعليمه من الدين (فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها) بعد أن أصدقها (فله أجران) الضمير يرجع إلى الرجل الأخير، وإنما لم يقتصر على قوله لهم أجران مع كونه داخلاً في الثلاثة بحكم العطف لأن الجهة كانت فيه متعددة وهي التأديب والتعليم والعتق والتزوّج وكانت مظنة أن يستحق من الأجر أكثر من ذلك فأعاد قوله: فله أجران إشارة إلى أن المعتبر من الجهات أمران، وإنما اعتبر اثنين فقط لأن التأديب والتعليم يوجبان الأجر في الأجنبي والأولاد وجميع الناس فلم يكن مختصًّا بالإماء فلم يبق الاعتبار إلا في العتق والتزوج، وإنما ذكر الأخيرين لأن التأديب والتعليم أكمل للأجر إذ تزوّج المرأة المؤدبة المعلمة أكثر بركة وأقرب إلى أن تعين زوجها على دينه. وعطف بثم في العتق وفي السابق بالفاء لأن التأديب والتعليم ينفعان في الوطء بل لا بدّ منهما فيه، والعتق نقل من صنف إلى صنف ولا يخفى ما بين الصنفين من البعد بل من الضدّيّة في الأحكام والمنافاة في الأحوال، فناسب لفظًا دالاً على التراخي بخلاف التأديب وغيره مما ذكر. فإن قلت: إذا لم يطأ الأمة لكن أدّبها هل له أجران؟ أجيب: بأن المراد تمكنه من وطئها شرعًا وإن لم يطأها انتهى. وإنما عرف العبد ونكر رجل في الموضعين الأخيرين لأن المعرف بلام الجنس كالنكرة في المعنى، وكذا الإتيان في العبد بإذا دون القسم الأوّل لأنها ظرف وآمن حال وهي في حكم الظرف لأن معنى جاء زيد راكبًا في وقت الركوب وحاله إذ يقال في وجه المخالفة الإشعار بفائدة عظيمة، وهي أن الإيمان بنبيّه لا يفيد في الاستقبال الأجرين، بل لا بدّ من الإيمان في عهده حتى يستحق أجرين بخلاف العبد فإنه في زمان الاستقبال يستحق الأجرين أيضًا، فأتى بإذا التي للاستقبال قاله البرماوي كالكرماني، وتعقبه في

32 - باب عظة الإمام النساء وتعليمهن

الفتح فقال: هو غير مستقيم لأنه مشى فيه مع ظاهر اللفظ وليس متفقًا عليه بين الرواة بل هو عند المصنف وغيره مختلف، فقد عبّر في ترجمة عيسى بإذا في الثلاثة، وعبّر في النكاح بقوله: أيما رجل في المواضع الثلاثة وهي صريحة في التعميم، وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في الجهاد. (ثم قال عامر) الشعبي لرواية صالح المذكور (أعطيناكها) أي أعطينا المسألة أو المقالة إياك (بغير شيء) من أجرة بل بثواب التعليم أو التبليغ أو الخطاب لرجل من أهل خراسان سأل الشعبي عمن يعتق أمته ثم يتزوجها كما عند المؤلف في باب: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَم} [مريم: 16] والأوّل قاله الكرماني والثاني العيني كابن حجر وهو الراجح (قد) وللأصيلي وقد بالواو ولغيره كما قاله العيني والبرماوي فقد (كان يركب) بضم المثناة التحتية وفتح الكاف أي يرحل (فيما دونها إلى المدينة) النبوية، والضمير للمسألة أو المقالة، وقد ظهر أن مطابقة الحديث للترجمة في الأمة بالنص وفي الأهل بالقياس إذ الاعتناء بالأهل الحرائر في تعليم فرائض الله تعالى وسنن رسوله عليه الصلاة والسلام آكد من الاعتناء بالإماء، ورواة هذا الحديث الستة كلهم كوفيون ما خلا ابن سلام وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، ورواية تابعي عن تابعي، وأخرجه المؤلف أيضًا في العتق والجهاد. وأحاديث الأنبياء والنكاح، ومسلم في الإيمان، والترمذي في النكاح، وكذا النسائي فيه وابن ماجة. 32 - باب عِظَةِ الإِمَامِ النِّسَاءَ وَتَعْلِيمِهِنَّ هذا (باب عظة الأمام) أي الأعظم أو نائبه (النِّساء) أي تذكيرهن العواقب (وتعليمهن) أمور الدين. 98 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَوْ قَالَ عَطَاءٌ أَشْهَدُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ النِّسَاءَ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْقُرْطَ وَالْخَاتَمَ، وَبِلاَلٌ يَأْخُذُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَطَاءٍ وَقَالَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 98 - أطرافه في: 863، 962، 964، 975، 977، 979، 989، 1431، 1449، 4895، 5249، 5880، 5881، 5883، 7325]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) بالمهملة والموحدة الأزدي الأنصاري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أيوب) السختياني (قال: سمعت عطاء) أي ابن أبي رباح سلمان الكوفي القرشي الحبشي الأسود الأعور الأفطس الأشل الأعرج ثم عمي بآخرة المرفوع بالعلم والعمل حتى صار من الجلالة والثقة بمكان، المتوفى سنة خمس ومائة أو سنة أربع عشرة ومائة (قال سمعت ابن عباس) عبد الله رضي الله عنهما (قال أشهد على النبي) وفي رواية أبي الوقت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، (أو قال عطاء، أشهد على ابن عباس) يعني أن الراوي تردد هل لفظ أشهد من قول ابن عباس أو من قول عطاء، وأخرجه أحمد بن حنبل عن غندر عن شعبة جازمًا بلفظ أشهد عن كلٍّ منهما، وعبّر بلفظ الشهادة تأكيدًا لتحققه ووثوقًا بوقوعه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج) من بين صفوف الرجال إلى صف النساء (ومعه بلال) أي ابن أبي رباح بفتح الراء وتخفيف الموحدة الحبشي واسم أمه حمامة، ولغير الكشميهني معه بلال بلا واو على أنه حال استغنى فيها عن الواو بالضمير كقوله تعالى: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [الأعراف: 24] (فظن) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أنه لم يسمع النساء) حين أسمع الرجال فإن مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي ظن، وفي رواية أنه لم يسمع بدون ذكر النساء (فوعظهن) عليه الصلاة والسلام بقوله: "إني رأيتكن أكثر أهل النار لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير" وهذا أصل في حضور النساء مجالس الوعظ ونحوه بشرط أمن الفتنة، (وأمرهن بالصدقة) النفلية لما رآهن أكثر أهل النار لأنها ممحاة لكثير من الذنوب المدخلة للنار، أو لأنه كان وقت حاجة إلى المؤاساة والصدقة حينئذٍ كانت أفضل وجوه البر، (فجعلت المرأة تلقي القرط) بضم القاف وسكون الراء آخره مهملة الذي يعلق بشحمة أُذنها (والخاتم) بالنصب عطفًا على المفعول (وبلال يأخذ في طرف ثوبه) ما يلقينه ليصرفه عليه الصلاة والسلام في مصارفه لأنه يحرم عليه الصدقة وحذف المفعول للعلم به ورفع بلال بالابتداء وتاليه خبره والجملة حالية. (وقال إسماعيل) وفي رواية ابن عساكر قال أبو عبد الله أي البخاري، وقال إسماعيل أي ابن علية (عن أيوب) السختياني (عن عطاء) أي ابن أبي رباح، (وقال عن ابن عباس) رضي الله عنهما وفي رواية ابن عساكر والأصيلي وأبي الوقت قال ابن عباس: (أشهد على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فجزم بأن لفظ أشهد من كلام ابن عباس فقط، هذا من تعاليقه لأنه لم يدرك إسماعيل بن علية لأنه مات في عام

33 - باب الحرص على الحديث.

ولادة المؤلف سنة أربع وتسعين ومائة، ووصله في كتاب الزكاة. 33 - باب الْحِرْصِ عَلَى الْحَدِيث. هذا (باب الحرص على) تحصيل (الحديث) المضاف إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسقط لفظ باب للأصيلي. 99 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ. أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ». [الحديث 99 - طرفه في: 6570]. وبالسند السابق إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى الأويسي المدني (قال: حدّثني) بالتوحيد (سليمان) بن بلال أبو محمد التيمي القرشي (عن عمرو بن أبي عمرو) بفتح العين فيهما مولى المطلب المدني، المتوفى في خلافة أبي جعفر المنصور سنة ست وثلاثين ومائة (عن سعيد بن أبي سعيد المقبري) بضم الموحدة وفتحها (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه (أنه) بفتح الهمزة (قال): (قيل يا رسول الله) ولغير أبي ذر وكريمة قال: يا رسول الله بإسقاط قيل كما في رواية الأصيلي والقابسي فيما قاله العيني وغيره وهو الصواب، ولعلها كانت قلت كما عند المؤلف في الرقاق فتصحفت بقيل لأن السائل هو أبو هريرة نفسه، فدل هذا على أن رواية أبي ذر وكريمة وهم (من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة) بنصب يوم على الظرفية ومن استفهامية مبتدأ خبره تاليه (قال رمول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): والله (لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني) بضم اللام وفتحها على حدّ قراءتي وحسبوا أن لا تكون بالرفع والنصب لوقوع أن بعد الظن واللام في لقد جواب القسم المحذوف كما قدّرته أو للتأكيد (عن هذا الحديث أحد) بالرفع فاعل يسألني (أوّل منك) برفع أوّل صفة لأحد أو بدل منه بالنصب، وهو الذي في فرع اليونينية كهي وصحح عليه وخرج على الظرفية. وقال عياض على المفعول الثاني لظننت. قال في المصابيح: ولا يظهر له وجه، وقال أبو البقاء: على الحال أي لا يسألني أحد سابقًا لك ولا يضرّ كونه نكرة لأنها في سياق النفي كقولهم: ما كان أحد مثلك (لما رأيت) أي الذي رأيته (من حرصك على الحديث) أو لرؤيتي بعض حرصك فمن بيانية على الأول وتبعيضية على الثاني (أسعد الناس) الطائع والعاصي (بشفاعتي يوم القيامة) أي في يوم القيامة (من قال) في موضع رفع خبر المبتدأ الذي هو أسعد، ومن موصولة أي الذي قال: (لا إله إلاّ الله) مع قوله محمد رسول الله حال كونه (خالصًا) من الشرك، زاد في رواية الكشميهني وأبي الوقت مخلصًا (من قلبه أو نفسه) شك من الراوي، وقد يكتفى بالنطق بأحد الجزأين من كلمتي الشهادة لأنه صار شعارًا لمجموعهما. فإن قلت: الإخلاص محله القلب فما فائدة قوله من قلبه؟ أجيب: بأن الإتيان به للتأكيد ولو صدق بقلبه ولم يتلفظ دخل في هذا الحكم لكنا لا نحكم عليه بالدخول إلا أن يتلفظ فهو للحكم باستحقاق الشفاعة لا لنفس الاستحقاق، واستشكل التعبير بالفعل التفضيل في قوله أسعد إذ مفهومه أن كلاًّ من الكافر الذي لم ينطق بالشهادة والمنافق الذي نطق بلسانه دون قلبه أن يكون سعيدًا. وأجيب: بأن أفعل هنا ليست على بابها، بل بمعنى سعيد الناس من نطق بالشهادتين أو تكون أفعل على بابها والتفضيل بحسب المراتب أي هو أسعد ممن لم يكن في هذه المرتبة من الإخلاص المؤكد البالغ غايته، والدليل على إرادة تأكيده ذكر القلب إذ الإخلاص محله القلب ففائدته التأكيد كما مرّ. وقال البدر الدماميني: حمله ابن بطال يعني قوله مخلصًا على الإخلاص العام الذي هو من لوازم التوحيد، ورده ابن المنير بأن هذا لا يخلو عنه مؤمن فتعطل صيغة أفعل وهو لم يسأله عمن يستأهل شفاعته، وإنما سأل عن أسعد الناس بها، فينبغي أن يحمل على إخلاص خاصّ مختص ببعض دون بعض ولا يخفى تفاوت رتبه، والحديث يأتي إن شاء الله تعالى في صفة الجنة والنار من كتاب الرقاق، والله أعلم. 34 - باب كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاكْتُبْهُ، فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ الْعِلْمِ وَذَهَابَ الْعُلَمَاءِ، وَلاَ يُقْبَلْ إِلاَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلْيُفْشُوا الْعِلْمَ. وَلْيَجْلِسُوا حَتَّى يُعَلَّمَ مَنْ لاَ يَعْلَمُ، فَإِنَّ الْعِلْمَ لاَ يَهْلِكُ حَتَّى يَكُونَ سِرًّا. حَدَّثَنَا الْعَلاَءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِذَلِكَ. يَعْنِي حَدِيثَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى قَوْلِهِ "ذَهَابَ الْعُلَمَاءِ". هذا (باب) بالتنوين وفي فرع اليونينية بغير تنوين مضافًا لقوله: (كيف يقبض العلم) أي كيفية رفع العلم، وسقط لفظ باب للأصيلي: (وكتب) وفي رواية ابن عساكر قال: أي البخاري وكتب (عمر بن عبد العزيز) أحد الخلفاء الراشدين المهديين (إلى) نائبه في الإمرة والقضاء على المدينة (أبي بكر) بن محمد بن عمرو (بن حزم) بفتح المهملة وسكون الزاي الأنصاري المدني، المتوفى سنة اثنتين ومائة في خلافة هشام بن عبد الملك وهو

ابن أربع وثمانين سنة، ونسبه المؤلف إلى جد أبيه لشهرته به ولجده عمرو صحبة ولأبيه محمد رؤية (انظر ما كان) أي الجمع الذي تجده، وفي رواية الكشميهني انظر ما كان عندك أي في بلدك، فكان على الرواية الأولى تامة وعلى الثانية ناقصة وعندك الخبر (من حديث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأكتبه فإني خفت دروس العلم) بضم الدال (وذهاب العلماء) فإن في كتبه ضبطًا له وإبقاء، وقد كان الاعتماد إذ ذاك إنما هو على الحفظ فخاف عمر بن عبد العزيز في رأس المائة الأولى من ذهاب العلم بموت العلماء فأمر بذلك، (ولا يقبل) بضم المثناة التحتية وسكون اللام، وفي بعض النسخ بالرفع على أن لا نافية وفي فرع اليونينية كهي تقبل بفتح المثناة الفوقية على الخطاب مع الجزم (إلا حديث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وليفشوا العلم وليجلسوا) بضم المثناة التحتية في الأوّل من الإفشاء وفتحها في الثاني من الجلوس لا من الإجلاس مع سكون اللام وكسرها معًا فيهما. وفي رواية عن ابن عساكر: ولتفشوا ولتجلسوا بالمثناة الفوقية فيهما (حتى يعلم) بضم المثناة التحتية وتشديد اللام المفتوحة وللكشميهني يعلم بفتحها وتخفيف اللام مع تسكين العين من العلم (من لا يعلم فإن العلم لا يهلك) بفتح أوّله وكسر ثالثه كضرب يضرب وقد تفتح (حتى يكون سرًّا) أي خفية كاتخاذه في الدار المحجورة التي لا يتأتى فيها نشر العلم بخلاف المساجد والجوامع والمدارس ونحوها، وقد وقع هذا التعليق موصولاً عقبه في غير رواية الكشميهني وكريمة وابن عساكر ولفظه: حدّثنا. وفي رواية الأصيلي قال أبو عبد الله أي البخاري: (حدّثنا العلاء بن عبد الجبار) أبو الحسن البصري العطار الأنصاري الثقة، المتوفى سنة اثنتي عشرة ومائتين (قال: حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي، المتوفى سنة سبع وستين ومائة (عن عبد الله بن دينار) القرشي المدني مولى ابن عمر رضي الله عنهما (بذلك يعني حديث عمر بن عبد العزيز إلى قوله ذهاب العلماء) قال الحافظ ابن حجر: محتمل لأن يكون ما بعده ليس من كلام عمر أو من كلامه ولم يدخل في هذه الرواية والأوّل أظهر، وبه صرّح أبو نعيم في المستخرج ولم أجده في مواضع كثيرة إلا كذلك، وعلى هذا فبقيته من كلام المصنف أورده تلو كلام عمر، ثم بيّن أن ذلك غاية ما انتهى إليه كلام عمر انتهى. 100 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا». قَالَ الْفِرَبْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قال: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامٍ نَحْوَهُ. [الحديث 100 - طرفه في: 7307]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس) بضم الهمزة والسين المهملة (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة (عن عبد الله بن عمرو بن العاصي) رضي الله عنهما أنه (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي كلامه حال كونه (يقول) أي في حجة الوداع كما عند أحمد والطبراني من حديث أبي أمامة: (إن الله لا يقبض العلم) من بين الناس (انتزاعًا) بالنصب مفعول مطلق (ينتزعه) وفي رواية ينزعه (من العباد) بأن يرفعه إلى السماء أو يمحوه من صدورهم، (ولكن يقبض العلم بقبض) أرواح (العلماء) وموت حملته، وإنما عبّر بالمظهر في قوله يقبض العلم موضع المضمر لزيادة تعظيم المظهر كما في قوله تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ} بعد قوله: {اللَّهُ أَحَدٌ} (حتى إذا لم يبق) بضم المثناة التحتية وكسر القاف من الإبقاء وفيه ضمير يرجع إلى الله تعالى أي حتى إذا لم يبق الله تعالى (عالمًا) بالنصب على المفعولية كذا في رواية الأصيلي ولغيره يبق بفتح حرف المضارعة من البقاء الثلاثي وعالم بالرفع على الفاعلية، ولمسلم حتى إذا لم يترك عالمًا (اتخذ الناس) بالرفع على الفاعلية (رؤوسًا) بضم الراء والهمزة والتنوين جمع رأس، ولأبي ذر أيضًا كما في الفتح رؤساء بفتح الهمزة وفي آخره همزة أخرى مفتوحة جمع رئيس (جهالاً) بالضم والتشديد والنصب صفة لسابقه (فسئلوا) بضم السين أي فسألهم السائل (فأفتوا) له (بغير علم فضلوا) من الضلال أي من أنفسهم (وأضلوا) من الإضلال أي أضلّوا السائلين. فإن قلت: الواقع بعد حتى هنا جملة شرطية فكيف وقعت غاية، أجيب: بأن

35 - باب من سمع شيئا فراجع حتى يعرفه

التقدير ولكن يقبض العلم بقبض العلماء إلى أن يتخذ الناس رؤساء جهالاً وقت انقراض أهل العلم، فالغاية في الحقيقة هي ما ينسبك من الجواب مرتبًا على فعل الشرط انتهى. واستدل به الجمهور على جواز خلو الزمان عن مجتهد خلافًا للحنابلة. (قال الفربري) أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر (حدّثنا عباس) بالموحدة والمهملة آخره وفي رواية بإسقاط قال الفربري. (قال: حدّثنا قيبة) بن سعيد أحد مشايخ المؤلف (قال: حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد الضبي (عن هشام) هو ابن عروة بن الزبير بن العوام (نحوه) أي نحو حديث مالك السابق، وهذه من زيادات الراوي عن البخاري في بعض الأسانيد، ولفظ رواية قتيبة هذه أخرجها مسلم عنه وسقط من قوله قال الفربري الخ لابن عساكر وأبي الوقت والأصيلي. 35 - باب مَنْ سَمِعَ شَيْئًا فَرَاجَعَ حَتَّى يَعْرِفَه هذا (باب من سمع شيئًا) زاد في رواية أبي ذر فلم يفهمه (فراجع) أي راجع الذي سمعه منه وللأصيلي فراجع فيه وفي رواية فراجعه (حتى يعرفه). 101 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتْ لاَ تَسْمَعُ شَيْئًا لاَ تَعْرِفُهُ إِلاَّ رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ» قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ: أَوَ لَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} قَالَتْ: فَقَالَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ يَهْلِكْ». [الحديث 101 - أطرافه في: 4939، 6536، 6537]. وبالسند قال: (حدّثنا سعيد) بكسر العين (ابن أبي مريم) الجمحي البصري المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين ونسبه لجد أبيه لأن أباه الحكم بن محمد بن أبي مريم (قال: أخبرنا نافع بن عمر) وفي رواية أبي ذر ابن عمر الجمحي وهو قرشي مكي توفي سنة أربع وعشرين ومائة (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام عبد الله بن عبيد الله: (أن عائشة) بفتح الهمزة أي بأن عائشة (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) رضي الله عنها (كانت لا تسمع) وفي رواية أبي ذر لا تستمع (شيئًا) مجهولاً موصوفًا بصفة (لا تعرفه إلاّ راجعت فيه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى) أي إلى أن (تعرفه) وجمع بين كانت الماضي وبين لا تسمع المضارع استحضارًا للصورة الماضية لقوة تحققها (وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عطف على قوله أن عائشة (قال من) موصول مبتدأ و (حوسب) صلته و (عذب) خبر المبتدأ (قالت عائشة) رضي الله عنها (فقلت أ) كان كذلك (وليس يقول الله تعالى) وللأصيلي وكريمة عز وجل فيقول خبر ليس واسمها ضمير الشأن أو أن ليس بمعنى لا أي أو لا يقول الله تعالى {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] أي سهلاً لا يناقش فيه (قالت) عائشة (فقال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنما ذلك العرض) بكسر الكاف لأنه خطاب المؤنث (ولكن من نوقش الحساب) بالنصب على المفعولية أي من ناقشه الله الحساب أي من استقصى حسابه (يهلك) بكسر اللام وإسكان الكاف جواب من الموصول المتضمن معنى الشرط، ويجوز رفع الكاف لأن الشرط إذا كان ماضيًا جاز في الجواب الوجهان، والمعنى أن تحرير الحساب يفضي إلى استحقاق العذاب لأن حسنات العبد متوقفة على القبول وإن لم تحصل الرحمة المقتضية للقبول لا تقع النجاة، وظاهر قول ابن أبي مليكة أن عائشة كانت لا تسمع شيئًا إلا راجعته فيه. الإرسال لأن ابن أبي مليكة تابعي لم يدرك مراجعتها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكن قول عائشة فقلت أوليس يدل على أنه موصول. والله أعلم. 36 - باب هل يجعل للنساء يوماً على حِدَةٍ في العلم؟ هذا (باب) بالتنوين (هل يجعل) الإمام اللنساء يومًا على حدة في العلم) بكسر الحاء وتخفيف الدال المهملتين أي على انفراد، ولأصيلي وكريمة يجعل على صيغة المجهول ويوم بالرفع مفعول ناب عن فاعله. 101 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الأَصْبَهَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. قَالَ: النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ. فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ: «مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ ثَلاَثَةً مِنْ وَلَدِهَا إِلاَّ كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ». فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَيْنِ؟ فَقَالَ: وَاثْنَيْنِ. [الحديث 101 - طرفاه في: 1249، 7310]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا آدم) غير منصرف للعجمة والعلمية على القول بعجمته، وإلا فالعلمية ووزن الفعل وهو ابن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثني) بالتوحيد (ابن الأصبهاني) بفتح الهمزة وقد تكسر وقد تبدل باؤها فاء عبد الرحمن بن عبد الله الكوفي (قال: سمعت أبا صالح ذكوان) بالدّال المعجمة وسكون الكاف حال كونه (يحدث عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك رضي الله عنه (قال) أي قال أبو سعيد: (قال النساء) وفي رواية بإسقاط قال الأولى ولغير أبي ذر وأبي الوقت وابن عساكر قالت النساء بتاء التأنيث وكلاهما جائز في فعل اسم الجمع (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غلبنا) بفتح الموحدة (عليك الرجال) بملازمتهم لك كل الأيام يتعلمون الدين ونحن نساء ضعفة لا نقدر على مزاحمتهم (فاجعل) أي انظر لنا فعيَّن (لنا يومًا) من الأيام تعلمنا فيه يكون منشؤه (من نفسك) أي من اختيارك لا من اختيارنا وعبر عن التعيين بالجعل لأنه لازمه (فوعدهن) عليه الصلاة والسلام (يومًا) ليعلمهنّ فيه (لقيهنّ فيه) أي في اليوم الموعود به ويومًا نصب مفعول ثانٍ لوعد. قال العيني: فإن قلت: عطف الجملة البرية وهي فوعدهنّ على الإنشائية وهي فاجعل لنا، وقد منعه ابن عصفور وابن مالك وغيرهما. أجيب: بأن العطف ليس على قوله فاجعل لنا يومًا، بل العطف على جميع الجملة من قوله: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يومًا من نفسك انتهى. (فوعظهنّ) عليه الصلاة والسلام أي فوفى عليه الصلاة والسلام بوعدهنّ ولقيهنّ فوعظهنّ بمواعظ (وأمرهنّ) بأمور دينية (فكان فيما قال لهنّ: ما منكنّ امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان) التقديم (لها حجابًا) بالنصب خبر كان، وللأصيلي: ما منكن من امرأة بزيادة من زيدت تأكيدًا كما قال البرماوي وللأصيلي وابن عساكر والحموي حجاب بالرفع على أن كان تامّة أي حصل لها حجاب (من النار فقالت امرأة: و) من قدم (اثنين) ولكريمة واثنتين بتاء التأنيث والسائلة هي أم سليم كما عند أحمد والطبراني، وأم أيمن كما عند الطبراني في الأوسط، أو أم مبشر بالمعجمة المشددة كما بيّنه المؤلف (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (و) من قدم (اثنين) ولكريمة واثنتين أيضًا. تنبيه: حكم الرجل في ذلك كالمرأة. 102 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «ثَلاَثَةً لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ». [الحديث 103 - طرفه في: 1250]. وبه قال: (حدّثنا) وفي رواية أبوي ذر والوقت حدّثني (محمد بن بشار) الملقب ببندار (قال: حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن ذكوان) أبي صالح، وأفاد المؤلف هنا تسمية ابن الأصبهاني المبهم في الرواية السابقة (عن أبي سعيد) أي الخدري كما للأصيلى (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) أي بالحديث المذكور. (وعن عبد الرحمن بن الأصبهاني) الواو في وعن للعطف على قوله في السابقة عن عبد الرحمن، والحاصل أن شعبة يرويه عن عبد الرحمن بإسنادين فهو

37 - باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب. قاله ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

موصول ومن زعم أنه معلق فقد وهم (قال: سمعت أبا حازم) بالمهملة والزاي سلمان الأشجعي الكوفي، المتوفى في خلافة عمر بن عبد العزيز (عن أبي هريرة قال) وفي رواية أبي ذر وقال بواو العطف على محذوف تقديره مثله أي مثل حديث أبي سعيد، وقال: (ثلاثة لم يبلغوا الحنث) بكسر المهملة وبالمثلثة أي الإثم فزاد هذه على الرواية الأولى، والمعنى أنهم ماتوا قبل البلوغ فلم يكتب الحنث عليهم ووجه اعتبار ذلك أن الأطفال أعلق بالقلوب والمصيبة عند النساء أشد لأن وقت الحضانة قائم. 37 - باب لِيُبَلِّغِ الْعِلْمَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا (باب) بالتنوين (ليبلغ العلم) بالنصب (الشاهد) بالرفع (الغائب) بالنصب أي ليبلغ الحاضر الغائب العلم فالشاهد فاعل والغائب مفعول أول له وإن تأخر في الذكر والعلم مفعول ثانٍ واللام في ليبلغ لام الأمر، وفي الغين الكسر على الأصل في حركة التقاء الساكنين والفتح لخفته (قاله) أي رواه (ابن عباس) رضي الله عنهما فيما وصله المؤلف في كتاب الحج في باب الخطبة أيام منى (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لكن بحذف العلم ولفظه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطب الناس يوم النحر فقال: أيها الناس أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام، وفي آخره: اللهمّ هل بلغت. قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده إنها لوصية إلى أمته فليبلغ الشاهد الغائب، والظاهر أن المصنف ذكره بالمعنى لأن المأمور بتبليغه هو العلم أشار لمعناه في الفتح. 104 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ -وَهْوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ- ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلاً قَامَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَاىَ وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ: حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلاَ يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا فَقُولُوا: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ. وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ». فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ عَمْرٌو؟ قَالَ أَنَا أَعْلَمُ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، أنَّ مَكَّةَ لاَ تُعِيذُ عَاصِيًا، وَلاَ فَارًّا بِدَمٍ، وَلاَ فَارًّا بِخَرْبَةٍ. [الحديث 104 - طرفاه في: 1832، 4295]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: حدّثني) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر حدّثنا (الليث) بن سعد المصري (قال: حدّثني) بالإفراد (سعيد) بكسر العين المقبري وللأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت سعيد بن أبي سعيد ولغيرهم هو ابن أبي سعيد (عن أبي شريح) بضم

المعجمة وفتح الراء آخره حاء مهملة خويلد بن عمرو بن صخر الخزاعي الكعبي الصحابي، المتوفى سنة ثمان وستين رضي الله عنه وله في البخاري ثلاثة أحاديث. (أنه قال لعمرو بن سعيد) بفتح العين في الأولى وكسرها في الثانية ابن العاص بن أمية القرشي الأموي المعروف بالأشدق. قال ابن حجر: وليست له صحبة ولا كان من التابعين بإحسان (وهو يبعث البعوث) بضم الموحدة جمع البعث بمعنى المبعوث، والجملة اسمية وقعت حالاً والمعنى يرسل الجيوش (إلى مكة) زادها الله تعالى شرفًا ومنَّ علينا بالمجاورة بها على أحسن وجه في عافية بلا محنة لقتال عبد الله بن الزبير لكونه امتنع من مبايعة يزيد بن معاوية في سنة إحدى وستين من الهجرة، واعتصم بالحرم بلغنا الله المجاورة به في عافية بلا محنة وكان عمرو وإلي يزيد على المدينة الشريفة (ائذن لي) يا (أيها الأمير أُحدّثك) بالجزم لأنه جواب الأمر (قولاً) بالنصب مفعول ثانٍ لأحدّث (قام به النبي) وفي رواية أبي الوقت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الغد) بالنصب على الظرفية (من يوم الفتح) أي ثاني يوم فتح مكة في العشرين من رمضان السنة الثامنة من الهجرة (سمعته أُذناي) أصله أُذنان لي فسقطت النون لإضافته لياء المتكلم، والجملة في محل نصب صفة للقول كجملة قام به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو ينفي أن يكون سمعه من غيره (ووعاه قلبي) أي حفظه وتحقق فهمه وتثبت في تعقل معناه (وأبصرته عيناي) بتاء التأنيث كسمعته أُذناي، لأن كل ما هو في الإنسان من الأعضاء اثنان كاليد والرجل والعين والأُذن فهو مؤنث بخلاف الأنف والرأس، والمعنى أنه لم يكن اعتماده على الصوت من وراء حجاب بل بالرؤية والمشاهدة وأتى بالتثنية تأكيدًا (حين تكلم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (به) أي بالقول الذي أحدّثك (حمد الله) تعالى بيان لقوله تكلم به (وأثنى عليه) عطف على سابقه من باب عطف العام على الخاص (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (إن مكة حرمها الله) عز وجل يوم خلق السماوات والأرض (ولم يحرمها الناس) من قبل أنفسهم واصطلاحهم، بل حرمها الله تعالى بوحيه فتحريمها ابتدائي من غير سبب يعزى لأحد فلا مدخل فيه لنبي ولا لغيره ولا تنافي بين هذا وبين ما روي أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام حرمها إذ المراد أنه بلغ تحريم الله وأظهره بعد أن رفع البيت وقت الطوفان واندرست حرمتها، وإذا كان كذلك (فلا يحل لامرئ) بكسر الراء كالهمزة إذ هي تابعة لها في جميع أحوالها أي لا يحل لرجل (يؤمن بالله واليوم الأخر) يوم القيامة إشارة إلى المبدأ والمعاد (أن يسفك بها دمًا) بكسر الفاء وقد تضم وهما لغتان. قال في العباب: سفكت الدم أسفكه وأسفكه سفكًا. وفي رواية المستملي والكشميهني فيها بدل بها والباء بمعنى في وأن مصدرية أي فلا يحل سفك دم فيها والسفك صب الدم والمراد به القتل. (و) أن (لا يعضد بها) بفتح المثناة التحتية وتسكين العين المهملة وكسر الضاد المعجمة آخره دال مهملة مفتوحة أي يقطع بالمعضد وهو آلة كالفأس (شجرة) أي ذات ساق ولا زيدت لتأكيد معنى النفي أي لا يحل له أن يعضد، (فإن) ترخص (أحد ترخص) برفع أحد بفعل مقدر يفسره ما بعده لا بالابتداء لأن إن من عوامل الفعل وحذف الفعل وجوبًا لئلا يجمع بين المفسر والمفسر وأبرزته لضرورة البيان، والمعنى إن قال أحد ترك القتال عزيمة والقتال رخصة تتعاطى عند الحاجة (القتال) أي لأجل قتال (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها) مستدلاً بذلك (فقولوا) له ليس الأمر كذلك (إن الله) تعالى (قد أذن لرسوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خصيصة له (ولم يأذن لكم وإنما أذن لي) الله في القتال فقط (فيها) أي مكة وهمزة أذن مفتوحة ويجوز ضمها على البناء للمفعول ولأبي ذر كما في الفرع وأصله إسقاط لفظة فيها اختصارًا للعلم به فقال: أذن ليس (ساعة) أي في ساعة (من نهار) وهي من طلوع الشمس إلى العصر كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن

جدّه عند أحمد فكانت مكة في حقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تلك الساعة بمنزلة الحل، (ثم عادت حرمتها اليوم) أي تحريمها المقابل للإباحة المفهومة من لفظ الإذن في اليوم المعهود وهو يوم الفتح إذ عود حرمتها كان في يوم صدور هذا القول لا في غيره (كحرمتها بالأمس) الذي قبل يوم الفتح. (وليبلغ الشاهد) الحاضر (الغائب) بالنصب مفعول الشاهد، ويجوز كسر لام ليبلغ وتسكينها فالتبليغ عن الرسول عليه الصلاة والسلام فرض كفاية. (فقيل لأبي شريح) المذكور (ما قال عمرو) أي ابن سعيد المذكور في جوابك فقال (قال) عمرو (أنا أعلم منك يا أبا شريح أن مكة) يعني صح سماعك وحفظك لكن ما فهمت المعنى فإن مكة (لا تعيذ) بالمثناة الفوقية والذال المعجمة أي لا تعصم (عاصيًا) من إقامة الحدّ عليه وفي رواية إن الحرم لا يعيد بالمثناة التحتية عاصيًا (ولا فارًّا) بالفاء والراء المشددة (بدم) أي مصاحبًا بدم ومتلبسًا به وملتجئًا إلى الحرم بسبب خوفه من إقامة الحد عليه (ولا فارًّا بخربة) أي بسبب خربة وهي بفتح المعجمة وبعد الراء الساكنة موحدة، ووقع في رواية المستملي تفسيرها فقال: بخربة يعني السرقة، وفي رواية الأصيلي كما قاله القاضي عياض بخربة بضم الخاء أي الفساد، وزاد البدر الدماميني الكسر مع إسكان الراء كذلك وقال: على المشهور أي في الراء قال: وأصلها سرقة الإبل وتطلق على كل خيانة انتهى. وقد حاد عمرو عن الجواب وأتى بكلام ظاهره حق، لكن أراد به الباطل فإن أبا شريح الصحابي أنكر عليه بعث الخيل إلى مكة واستباحة حرمتها بنصب الحرب عليها. فأجاب بأنه لا يمنع من إقامة القصاص وهو الصحيح، إلا أن ابن الزبير لم يرتكب أمرًا يجب عليه فيه شيء، بل هو أولى بالخلافة من يزيد بن معاوية لأنه بويع قبله، وهو صاحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في الحج. ورواة هذا الحديث ما بين مصري ومدني وفيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة، وأخرجه المؤلف في الحج والمغازي ومسلم في الحج، والترمذي فيه وفي الدّيات، والنسائي في الحج والعلم والله الموفق. 105 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ذُكِرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ -قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَأَعْرَاضَكُمْ- عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا. أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ»، وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ: صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَانَ ذَلِكَ «أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ» مَرَّتَيْنِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) أبو محمد الحجبي بفتح الحاء المهملة والجيم والموحدة البصري الثقة الثبت، المتوفى سنة ثمانٍ وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا حماد) أي ابن زيد البصري (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن ابن أبي بكرة) عبد الرحمن (عن) أبيه (أبي بكرة) نفيع كذا في رواية الكشميهني والمستملي وهو الصواب كما سبق في كتاب العلم من طريق أخرى، وهو الذي رواه سائر رواة الفربري، ووقع في نسخة أبي ذر فيما قيده عن الحموي وأبي الهيثم عن الفربري عن محمد عن أبي بكرة فأسقط ابن أبي بكرة كذا قاله أبو علي الغساني، والصواب الأول قال أبو بكرة حال كونه (ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الذال مبنيًّا للمفعول وفي نسخة مبنيًّا للفاعل (قال) وللأصيلي فقال: أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع أي يوم الحديث السابق في باب رب مبلغ من كتاب العلم، واقتصر منه هنا على بيان التبليغ إذ هو المقصود فقال: (فإن) بفاء العطف على المحذوف كما تقرر (دماءكم وأموالكم قال محمد) أي ابن سيرين (وأحسبه) أي وأظن ابن أبي بكرة (قال وأعراضكم) بالنصب عطفًا على السابق (عليكم حرام) أي فإن انتهاك دمائكم وانتهاك أموالكم وانتهاك أعراضكم عليكم حرام. يعني مال بعضكم حرام على بعض لا أن مال الشخص حرام عليه كما دلّ عليه العقل ويدل له رواية بينكم بدل عليكم (كحرمة يومكم هذا) وهو يوم النحر (في شهركم هذا) ذي الحجة (ألا) بالتخفيف (ليبلغ الشاهد منكم الغائب) بالنصب على المفعولية وكسر لام ليبلغ الثانية وغينها للساكنين. (وكان محمد) يعني ابن سيرين (يقول صدق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان كذلك) أي إخباره عليه الصلاة والسلام بأنه سيقع التبليغ فيما بعد فيكون الأمر في قوله: ليبلغ بمعنى الخبر لأن

38 - باب إثم من كذب على النبي -صلى الله عليه وسلم-

التصديق إنما يكون للخبر لا للأمر أو يكون إشارة إلى تتمة الحديث، وهو أن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى منه يعني وقع تبليغ الشاهد أو إشارة إلى ما بعده وهو التبليغ الذي في ضمن ألا هل بلغت بمعنى وقع تبليغ الرسول إلى الأمة قاله البرماوي كالكرماني وغيره، وفي رواية قال ذلك بدل قوله كان ذلك. (ألا) بالتخفيف أيضًا أي يا قوم (هل بلغت مرتين) أي قال هل بلغت مرتين لا إنه قال الجميع مرتين إذ لم يثبت، فقوله قال محمد الخ اعتراض وألا هل بلغت من كلامه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 38 - باب إِثْمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا (باب إثم من كذب على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أعاذنا الله من ذلك ومن سائر المهالك. 106 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْصُورٌ قَالَ: سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لاَ تَكْذِبُوا عَلَىَّ، فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ فَلْيَلِجِ النَّارَ». وبالسند قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين آخره دال مهملتين الجوهري البغدادي (قال: أخبرنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (منصور) هو ابن المعتمر (قال: سمعت ربعي) بكسر الراء وسكون الموحدة وكسر المهملة وتشديد المثناة التحتية (ابن حراش) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وبالشين المعجمة ابن جحش بفتح الجيم وسكون المهملة آخره شين معجمة الغطفاني العبسي بالموحدة الكوفي الأعور. قيل: إنه لم يكذب قطّ، وحلف أن لا يضحك حتى يعلم أين مصيره فما ضحك إلا عند موته، وتوفي في خلافة عمر بن عبد العزيز في رجب سنة إحدى ومائة أو سنة أربع ومائة (يقول: سمعت عليًّا) أي ابن أبي طالب أحد السابقين إلى الإسلام والعشرة المبشرة بالجنة والخلفاء الراشدين والعلماء الربانيين والشجعان المشهورين، وَليِ الخلافة خمس سنين، وتوفي بالكوفة ليلة الأحد تاسع عشر رمضان سنة أربعين عن ثلاث وستين سنة رضي الله عنه، وكان ضربه عبد الرحمن بن ملجم بسيف مسموم، وله في البخاري تسعة وعشرون حديثًا أي سمعت عليًّا حال كونه (يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تكذبوا عليّ) بصيغة الجمع وهو عامّ في كل كذب مطلق في كل نوع منه في الأحكام وغيرها كالترغيب والترهيب، ولا مفهوم لقوله عليّ لأنه لا يتصور أن يكذب له لأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن مطلق الكذب، (فإنه) أي الشأن (من كذب عليّ فليلج النار) أي فليدخل فيها هذا جزاؤه وقد يعفو الله تعالى عنه، ولا يقطع عليه بدخول النار كسائر أصحاب الكبائر غير الكفر، وقد جعل الأمر بالولوج مسببًا عن الكذب لأن لازم الأمر الإلزام، والإلزام يولج النار بسبب الكذب عليه أو هو بلفظ الأمر ومعناه الخبر، ويؤيده رواية مسلم: "من يكذب عليّ يلج النار" ولابن ماجة: "فإن الكذب عليَّ يولج النار" وقيل: دعاء عليه ثم أخرج مخرج الذم. 107 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ: إِنِّي لاَ أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا يُحَدِّثُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ. قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ، وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن جامع بن شداد) المحاربي الكوفي الثقة، المتوفى سنة ثمان عشرة ومائة (عن عامر بن عبد الله بن الزبير) بن العوام الأسدي القرشي، المتوفى سنة أربع وعشرين ومائة (عن أبيه) عبد الله بن الزبير الصحابي أول مولود في الإسلام للمهاجرين بالمدينة وكان أطلس لا لحية له، وتوفي سنة اثنتين وسبعين أنه (قال): (قلت للزبير) بن العوام بتشديد الواو حواري رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأحد العشرة المبشرين بالجنة المتوفى بوادي السباع بناحية البصرة سنة ست وثلاثين بعد منصرفه من وقعة الجمل، وله في البخاري تسعة أحاديث (إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما يحدّث فلان وفلان) أي كتحديث فلان وفلان وسمى منهما في رواية ابن ماجة عبد الله بن مسعود (قال) أي الزبير: (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم حرف استفتاح ولذا كسرت همزة إن بعدها في قوله: (إني لم أفارقه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زاد الإسماعيلي منذ أسلمت، والمراد المفارقة العرفية الصادقة بأغلب الأوقات، وإلا فقد هاجر إلى الحبشة ولم يكن مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حال هجرته إلى المدينة لكن أجيب عن هجرة الحبشة بأنها كانت قبل ظهور شوكة الإسلام أي ما فارقته عند ظهور شوكته (ولكن) وللأصيلي

وابن عساكر وأبي ذر والحموي ولكني، وفي رواية مما ليس في اليونينية ولكنني إذ يجوز في إن وأخواتها إلحاق نون الوقاية بها وعدمه (سمعته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول: من كذب عليَّ فليتبوّأ) بكسر اللام على الأصل وبسكونها على المشهور ومن موصول متضمن معنى الشرط والتالي صلته وفليتبوّأ جوابه أمر من التبوّء أي فليتخذ (مقعده من النار) أي فيها. والأمر هنا معناه الخبر أي أن الله تعالى يبوِّئه مقعده من النار، أو أمر على سبيل التهكم والتغليظ، أو أمر تهديد أو دعاء على معنى بوَّأه الله، وإنما خشي الزبير من الإكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر لأنه وإن لم يأثم بالخطأ لكنه قد يأثم بالإكثار، إذ الإكثار مظنة الخطأ، والثقة إذا حدَّث بالخطأ فحمل عنه وهو لا يشعر أنه خطأ يعمل به على الدوام للوثوق بنقله فيكون سببًا للعمل بما لم يقله الشارع، فمن خشي من الإكثار الوقوع في الخطأ لا يؤمن عليه الإثم إذا تعمد الإكثار، فمن ثم توقف الزبير وغيره من الصحابة عن الإكثار من التحديث، وأما من أكثر منهم فمحمول على أنهم كانوا واثقين من أنفسهم بالتثبّت أو طالت أعمارهم فاحتيج إلى ما عندهم فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان قاله الحافظ ابن حجر. 108 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ أَنَسٌ: إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ تَعَمَّدَ عَلَىَّ كَذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين وسكون العين المهملة عبد الله بن عمرو المنقري البصري المعروف بالمقعد (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التيمي البصري (عن عبد العزيز) بن صهيب الأعمى البصري أنه قال: (قال أنس) أي ابن مالك رضي الله عنه، وفي رواية أبوي ذر والوقت بإسقاط قال الأولى: (إنه ليمنعني أن أحدثكم) بكسر همزة إن الأولى مع التشديد، وفتح الثانية مع التخفيف أي ليمنعني تحديثكم (حديثًا كثيرًا) بالنصب فيهما والمراد جنس الحديث، ومن ثم وصفه بالكثرة (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: من تعمد عليّ كذبًا) عامّ في جميع أنواع الكذب لأن النكرة في سياق الشرط كالنكرة في سياق النفي في إفادة العموم، والمختار أن الكذب عدم مطابقة الخبر للواقع ولا يشترط في كونه كذبًا تعمده والحديث يشهد له لدلالته على انقسام الكذب إلى متعمد وغيره (فليتبوّأ مقعده من النار) فأفاد أنس أن توقّيه من التحديث لم يكن للامتاع من أصل التحديث للأمر بالتبليغ، وإنما هو لخوف الإكثار المفضي إلى الخطأ. وقد ذهب الجويني إلى كفر من كذب متعمدًا عليه صلوات الله وسلامه عليه، ورده عليه ولده إمام الحرمين وقال: إنه من هفوات والده، وتبعه من بعده فضعفوه، وانتصر له ابن المنير بأن خصوصية الوعيد توجب ذلك إذ لو كان بمطلق النار لكان كل كاذب كذلك عليه وعلى غيره، فإنما الوعيد بالخلود. قال: ولهذا قال فليتبوّأ أي فليتخذها مباءة ومسكنًا وذلك هو الخلود، وبأن الكاذب عليه في تحليل حرام مثلاً لا ينفك عن استحلال ذلك الحرام أو الحمل على استحلاله، واستحلال الحرام كفر والحمل على الكفر كفر، وأجيب عن الأوّل: بأن دلالة التبوّء على الخلود غير مسلمة ولو سلم فلا نسلم أن الوعيد بالخلود مقتضٍ للكفر بدليل متعمد القتل الحرام. وأجيب عن الثاني: بأنَّا لا نسلم أن الكذب عليه ملازم لاستحلاله ولا لاستحلال متعلقه فقد يكذب عليه في تحليل حرام مثلاً مع قطعه بأن الكذب عليه حرام، وأن ذلك الحرام ليس بمستحل كما تقدم العصاة من المؤمنين على ارتكابهم الكبائر مع اعتقادهم حرمتها انتهى: 109 - حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بنِ الأكْوَعِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ يَقُلْ عَلَىَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». وبه قال: (حدّثنا المكي) وفي رواية أبي ذر: حدّثني المكي بالإفراد والتعريف، وفي أخرى: حدّثني مكي بالإفراد والتنكير (ابن إبراهيم) البلخي (قال: حدّثنا يزيد بن أبي عبيد) بضم العين الأسلمي، المتوفى بالمدينة سنة ست أو سبع وأربعين ومائة (عن سلمة) بفتح السين واللام (ابن الأكوع) واسم الأكوع سنان بن عبد الله السلمي المدني، المتوفى بالمدينة سنة أربع وسبعين وهو ابن ثمانين سنة، وله في البخاري عشرون حديثًا. (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي كلامه حال كونه (يقول: من يقل علي) أصله يقول حذفت الواو للجزم

39 - باب كتابة العلم

لأجل الشرط (ما لم أقل) أي الذي لم أقله وكذا لو نقل ما قاله بلفظ يوجب تغير الحكم أو نسب إليه فعلاً لم يرد عنه (فليتبوّأ) جواب الشرط السابق (مقعده من النار) لما فيه من الجرأة على الشريعة وصاحبها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلو نقل العالم معنى قوله بلفظ غير لفظه لكنه مطابق لمعنى لفظه فهو سائغ عنده المحققين، وفي هذا الحديث زيادة على ما سبق التصريح بالقول لأن السابق أعمّ من نسبة القول والفعل إليه. 110 - حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي. وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي. وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». [الحديث 110 - أطرافه في: 3539، 6188، 6197، 6993]. وبه قال (حدّثنا) وفي رواية حدّثني (موسى) بن إسماعيل المنقري التبوذكي البصري (قال: حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الكوفي، المتوفى سنة سبع أو ثمان وعشرين ومائة (عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة) الدوسي رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (تسموا) بفتح التاء والسين والميم المشددة أمر بصيغة الجمع من باب التفعّل (باسمي) محمد وأحمد (ولا تكتنوا) بفتح التاءين بينهما كاف ساكنة، وفي رواية الأربعة "ولا تكنوا" بفتح الكاف ونون مشدّدة من غير تاء ثانية من باب التفعّل من تكنى يتكنى تكنيًّا، وأصله لا تتكنوا فحذفت إحدى التاءين أو بضم التاء وفتح الكاف وضم النون المشددة من باب التفعيل من كنى يكني تكنية، أو بفتح التاء وسكون الكاف وكلها من الكناية (بكنيتي) أبي القاسم وهو من باب عطف المنفي على المثبت. (ومن رآني في المنام فقد رآني) حقًّا (فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي) أي لا يتمثل بصورتي، وتأتي مباحث ذلك إن شاء الله تعالى. وفي كتابي المواهب من ذلك ما يكفي ويشفي. (ومن كذب علي متعمدًا فليتبوّأ مقعده من النار) مقتضى هذا الحديث استواء تحريم الكذب عليه في كل حال سواء في اليقظة والنوم، وقد أورد المصنف حديث من كذب عليّ هاهنا عن جماعة من الصحابة علي والزبير وأنس وسلمة وأبي هريرة وهو حديث في غاية الصحة ونهاية القوّة، وقد أطلق القول بتواتره جماعة وعورض بأن المتواتر شرطه استواء طرفيه وما بينهما في الكثرة وليست موجودة في كل طريق بمفردها، وأجيب: بأن المراد من إطلاق تواتره رواية المجموع عن المجموع من ابتدائه إلى انتهائه في كل عصر، وهذا كافٍ في إفادة العلم. 39 - باب كِتَابَةِ الْعِلْمِ هذا (باب كتابة العلم). 111 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيِّ هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: لاَ إِلاَّ كِتَابُ اللَّهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ: الْعَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَلاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ. [الحديث 111 - أطرافه في: 1870، 3047، 3172، 3179، 6755، 6903، 6915، 7300]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا ابن سلام) بالتخفيف. قال في الكمال: وقد يشدده من لا يعرف، وقال الدارقطني: بالتشديد لا بالتخفيف البيكندي ولغير أبي ذر محمد بن سلام (قال: أخبرنا وكيع) أي ابن الجراح بن مليح الكوفي، المتوفى يوم عاشوراء سنة سبع وسبعين ومائة (عن سفيان) الثوري أو ابن عيينة، وجزم في فتح الباري بالأوّل لشهرة وكيع بالرواية عنه، ولو كان ابن عيينة لنسبه المؤلف لأن إطلاق الرواية عن متّفقي الاسم يقتضي أن يحمل من أهملت نسبته على من يكون له به خصوصية من إكثار ونحوه، وتعقبه العيني بأن أبا مسعود الدمشقي قال في الأطراف: إنه ابن عيينة. (عن مطرف) بضم الميم وفتح الطاء وكسر الراء المشددة آخره فاء ابن طريف بطاء مهملة مفتوحة الحارثي، المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومائة (عن الشعبي) بفتح الشين وسكون العين المهملة واسمه عامر (عن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وبالفاء واسمه وهب بن عبد الله السوائي بضم السين المهملة وتخفيف الواو وبالمد الكوفي من صغار الصحابة، المتوفى سنة اثنتين وسبعين (قال): (قلت لعلي) وللأصيلي زيادة ابن أبي طالب (هل عندكم) أهل البيت النبوي أو الميم للتعظيم (كتاب) أي مكتوب خصّكم به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دون غيركم من أسرار علم الوحي كما يزعم الشيعة (قال) علي: (لا) كتاب عندنا (إلا كتاب الله) بالرفع بدل من مستثنى منه (أو فهم) بالرفع (أعطيه) بصيغة المجهول وفتح الياء (رجل مسلم) من فحوى الكلام ويدركه من باطن المعاني التي هي غير الظاهر من نصه ومراتب الناس في ذلك متفاوتة،

ويفهم منه جواز استخراج العالم من القرآن بفهمه ما لم يكن مقولاً عن المفسرين إذا وافق أصول الشريعة ورفع فهم بالعطف على سابقه، فالاستثناء متصل قطعًا. وأما قول الحافظ ابن حجر: الظاهر أنه منقطع فمدفوع بأنه لو كان من غير الجنس لكان قوله أو فهم منصوبًا لأنه عطف على المستثنى، والمستثنى إذا كان من غير جنس المستثنى منه يكون منصوبًا وما عطف عليه كذلك ثم عطف على قوله كتاب الله. قوله: (أو ما) أي الذي (في هذه الصحيفة) وهي الورقة المكتوبة وكانت معلقة بقبضة سيفه إما احتياطًا أو استحضارًا، وإما لكونه منفردًا بسماع ذلك، وللنسائي فأخرج كتابًا من قراب سيفه (قال) أبو جحيفة (قلت وما) وفى رواية الكشميهني فما وكلاهما للعطف أي أيّ شيء (في هذه الصحيفة؟ قال) علي رضي الله عنه، فيها (العقل) أي حكم العقل وهو الدّية لأنهم كانوا يعقلون فيها الإبل ويربطونها بفناء دار المستحق للعقل، والمراد أحكامها ومقاديرها وأصنافها وأسنانها، (وفكاك) بفتح الفاء ويجوز كسرها وهو ما يحصل به خلاص (الأسير ولا يقتل مسلم بكافر) بضم اللام عطف جملة فعلية على جملة اسمية أي فيها العقل وفيها حرمة قصاص المسلم بالكافر. وفي رواية الأصيلي والكشميهني: وأن لا يقتل بزيادة أن المصدرية الناصبة وعطفت الجملة على المفرد لأن التقدير فيها أي الصحيفة حكم العقل وحكم تحريم قتل المسلم بالكافر، فالخبر محذوف. وحينئذ فهو عطف جملة على جملة، وحرمة قصاص المسلم بالكافر هو مذهب إمامنا الشافعي ومالك وأحمد والأوزاعي والليث وغيرهم من العلماء، خلافًا للحنفية. ويدل لهم أنّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قتل مسلمًا بمعاهد وقال: (أنا أكرم من وفى بذمته) الحديث. رواه الدارقطني لكنه ضعيف فلا يحتج به، وتمام البحث في ذلك يأتي في محلّه إن شاء الله تعالى. ووقع عند المصنف ومسلم قال: ما عندنا شيء نقرؤه إلا كتاب الله، وهذه الصحيفة فإذا فيها المدينة حرم، ولمسلم وأخرج صحيفة مكتوبة فيها لعن الله من ذبح لغير الله، وللنسائي فإذا فيها المؤمنون يتكافؤون دماءهم يسعى بذمتهم أدناهم الحديث، ولأحمد فيها فرائض الصدقة. والجمع بين هذه أنّ الصحيفة كانت واحدة وكان جميع ذلك مكتوبًا فيها فنقل كلٌّ من الرواة عنه ما حفظ. 112 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلاً مِنْ بَنِي لَيْثٍ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَخَطَبَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ -أَوِ الْفِيلَ. شَكَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ- وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُؤْمِنِينَ. أَلاَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي. أَلاَ وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ. أَلاَ وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ: لاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ. فَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُعْقَلَ، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ». فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: «اكْتُبُوا لأَبِي فُلاَنٍ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: إِلاَّ الإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِلاَّ الإِذْخِرَ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يُقَالُ يُقَادُ بِالْقَافِ. فَقِيلَ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَيُّ شَىْءٍ كَتَبَ لَهُ؟. قَالَ: كَتَبَ لَهُ هَذِهِ الْخُطْبَةَ. [الحديث 112 - طرفاه في: 2434، 6880]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم الفضل بن دكين) بضم الدال المهملة وفتح الكاف (قال: حدّثنا شيبان) بفتح المعجمة وسكون المثناة التحتية ابن عبد الرحمن النحوي المؤدب البصري الثقة، المتوفى سنة أربع وستين ومائة في خلافة المهدي (عن يحيى) بن أبي كثير صالح بن المتوكل الطائي مولاهم العطار أحد الأعلام الثقات العباد، المتوفى سنة تسع وعشرين ومائة. وقيل: سنة اثنتين وثلاثين (عن أبي سلمة) بفتح اللام عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وللمؤلف في الدّيات: حدّثنا أبو سلمة قال: حدّثنا أبو هريرة: (أن خزاعة) بضم الخاء المعجمة وبالزاي غير منصرف للعلمية والتأنيث وهم حي من الأزد (قتلوا رجلاً من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه). في السيرة أن خراش بن أمية الخزاعي قتل جندب بن الأقرع الهذلى بقتيل قتل في الجاهلية يقال له أحمر، وعلى هذا فيكون قوله أنّ خزاعة قتلوا أي واحد منهم فأطلق عليه اسم الحيّ مجازًا (فأخبر) بضم الهمزة وكسر الموحدة (بذلك النبيّ) بالرفع نائب الفاعل (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فركب راحلته) الناقة التي تصلح أن يرحل عليها (فخطب) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: وإن الله) عز وجل (حبس) أي منع (عن مكة القتل) بالقاف المفتوحة والمثناة الفوقية (أو الفيل) بالفاء المكسورة والمثناة التحتية الحيوان المشهور (شك أبو عبد الله) أي البخاري وسقط قوله شك أبو عبد الله عند أبي ذر وابن عساكر وللأربعة قال أبو عبد الله كذا قال أبو نعيم هو الفضل بن دكين، وأراد به أن الشك فيه من شيخه واجعلوا بصيغة الأمر، وللأصيلي واجعلوه بضمير النصب أي اجعلوا اللفظ على الشك الفيل بالفاء أو القتل

بالقاف وغيره أي غير أبي نعيم ممن رواه عن الشيباني رفيقًا لأبي نعيم وهو عبيد الله بن موسى، ومن رواه عن يحيى رفيقًا لشيبان وهو حرب بن شداد كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الدّيات يقول الفيل بالفاء من غير شك، والمراد بحبس الفيل أهل الفيل الذين غزوا مكة فمنعها الله تعالى منهم كما أشار إليه تعالى في القرآن، وهذا تصريح من المصنف بأن الجمهور على رواية الفيل بالفاء، وفي بعض النسخ مما ليس في اليونينية أن الله حبس عن مكة القتل أو الفيل كذا قال أبو نعيم، واجعلوا على الشك الفيل أو القتل. وفي رواية قال محمد أي البخاري: وجعلوه أي الرواة على الشك كذا قال أبو نعيم الفيل أو القتل. وقال البرماوي كالكرماني الفتك بالفاء والكاف أي سفك الدم على غفلة أي بدل القتل، ووجهه ظاهر، لكن لا أعلمه روي كذلك ولا يبعد أن يكون تصحيفًا. ثم عطف على السابق قوله: (وسلط عليهم) بضم السين بالبناء للمفعول (رسول الله) نائب عن الفاعل (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمؤمنون) رفع بالواو عطف عليه كذا في رواية أبي ذر ولغيره وسلّط بفتح السين أي الله رسول الله مفعوله والمؤمنين نصب بالياء عطف عليه (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام أن الله قد حبس عنها (وإنها) ولأبي ذر فإنها بالفاء (لم تحل) بفتح أوّله وكسر ثانيه (لأحد قبلي ولا تحل) بضم اللام وفي رواية الكشميهني ولم تحل (لأحد بعدي) واستشكلت هذه الرواية، فإن لم تقلب المضارع ماضيًا ولفظ بعدي للاستقبال فكيف يجتمعان؟ وأجيب بأن المعنى لم يحكم الله في الماضي بالحال في المستقبل (ألا) بالتخفيف مع الفتح أيضًا (وإنها) بالعطف على مقدر كالسابقة (أحلّت لي ساعة من نهار ألا) بالتخفيف أيضًا (وإنها) بواو العطف كذلك (ساعتي) أي في ساعتي (هذه) التي أتكلم فيها بعد الفتح (حرام) بالرفع على الخبرية لقوله إنها أي مكة واستشكل بكون مكة مؤنثة فلا تطابق بين المبتدأ والخبر المذكور. وأجيب: بأنه مصدر في الأصل يستوي فيه التذكير والتأنيث والإفراد والجمع (لا يختلى) يضم أوّله وبالمعجمة أي لا يقطع ولا يجز (شوكها) إلا المؤذي كالعوسج واليابس كالحيوان المؤذي والصيد الميت (ولا يعضد) بضم أوّله وفتح ثالثه المعجم أي لا يقطع (شجرها ولا تلتقط) بالبناء للمفعول (ساقطتها) أي ما سقط فيها بغفلة مالكه (إلا لمنشد) أي معرف فليس لواجدها غير التعريف ولا يملكها هذا مذهبنا، (فمن قتل) بضم أوّله وكسر ثانيه أي قتل له قتيل كما في الدّيات عند المصنف (فهو بخير النظرين) أي أفضلهما، ولغير الكشميهني بخير بالتنوين وإسقاط النظرين. وفي نسخة الصغاني فمن قتل له قتيل وصحح على قوله له قتيل، كذا قدر المحذوف هنا الحافظ ابن حجر كالخطابي، وتعقبه العيني بأنه يلزم منه حذف الفاعل. وقال البرماوي: أي المستحق لديته بخير وهو معنى قول البدر الدماميني يمكن جعل الضمير من قوله فهو عائدًا إلى الولي المفهوم من السياق. وقال العيني: التحقيق أن يقدر فيه مبتدأ محذوف وحذفه سائغ، والتقدير فمن أهله قتل فهو بخير النظرين فمن مبتدأ وأهله قتل جملة من المبتدأ والخبر وقعت صلة للموصول، وقوله: فهو مبتدأ وقوله بخير النظرين خبره، والجملة خبر المبتدأ الأوّل والضمير في قتل يرجع إلى الأهل المقدر. وقوله: هو يرجع إلى من والباء في بخير النظرين متعلق بمحذوف تقديره فهو مرضي بخير النظرين أو عامل أو مأمور. (إما أن يعقل وإما أن يقاد) أي يمكن (أهل القتيل) من القتل يقال أقدت القاتل بالمقتول أي اقتصصته منه، فالنائب عن الفاعل ضمير يعود للمفعول أي يؤخذ له القود أو نحو ذلك، وبهذا يزول الإشكال إذ لولا التقدير كان المعنى وإما أن يقتل أهل القتيل وهو باطل، قال الدماميني: ولعل يقاد يمكن من القود وهو القتل. أي: وإما أن يمكن أهل القتيل من القود فيستقيم المعنى والفعلان مبنيان للمفعول وهمزة إما التفصيلة مكسورة وأن المصدرية مفتوحة في الأربعة. (فجاء رجل من أهل اليمن) هو أبو شاه بشين معجمة وهاء منوّنة كما في فتح الباري (فقال: اكتب لي) أي الخطبة التي سمعتها منك (يا رسول الله. فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اكتبوا لأبي

فلان) أي لأبي شاه (فقال رجل من قريش) هو العباس بن عبد المطلب قل يا رسول الله لا يختلى شوكها ولا يعضد شجرها (إلا الإذْخر يا رسول الله) بكسر الهمزة وسكون الذال وكسر الخاء المعجمتين وهو نبت معروف طيب الرائحة ويجوز فيه الرفع على البدل من السابق والنصب على الاستثناء لكونه واقعًا بعد النفي، (فإنا نجعله في بيوتنا) للسقف فوق الخشب أو يخلط بالطين لئلا ينشق إذا بني به (وقبورنا) نسدّ به فرج اللحد المتخللة بين اللبنات (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): بوحي في الحال أو قبل ذلك أنه إن طلب منه أحد استثناء شيء منه فاستثنه (إلا الإذْخر) وللأصيلي إلا الإذْخر مرتين فتكون الثانية للتأكيد. وفي فرع اليونينية هنا زيادة وهي (قال أبو عبد الله) أي البخاري (يقال يقاد بالقاف فقيل لأبي عبد الله أي شيء كتب له؟ فقال: كتب له هذه الخطبة). وليس هذا التفسير عند أبي ذر والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر. 113 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ عَنْ أَخِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْهُ مِنِّي، إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلاَ أَكْتُبُ. تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. - وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني الإمام (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا عمرو) هو ابن دينار المكي الجمحي أحد الأئمة المجتهدين، المتوفى سنة ست وعشرين ومائة (قال: أخبرني) بالإفراد (وهب بن منبّه) بضم الميم وفتح النون وكسر الموحدة المشددة ابن كامل بن سيج بفتح السين المهملة، وقيل بكسرها وسكون المثناة التحتية في آخره جيم الصنعاني الأنباري الذماري بالمعجمة، المتوفى سنة أربع عشرة ومائة (عن أخيه) همام بن منبّه المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة (قال: سمعت أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه (يقول): (ما من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحد) بالرفع اسم ما النافية (أكثر) بالنصب خبرها (حديثًا) بالنصب على التمييز (عنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مني) وفي رواية أبي أكثر بالرفع صفة أحد كذا أعربه العيني والكرماني والزركشي، وتعقبه البدر الدماميني فقال قوله اسم ما يقتضي أنها عاملة وأحد الشروط متخلف وهو تأخير الخبر واغتفارهم لتقدّم الظرف دائمًا إنما هو إذا كان معمولاً للخبر لا خبرًا، وأما نصب أكثر فيحتمل أن يكون حالاً من الضمير المستكن في الظرف المتقدم على بحث فيه فتأمله. قال: والذي يظهر أن (ما) هذه مهملة غير عاملة عمل ليس، وأن أحد مبتدأ وأكثر صفته ومن أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبره اهـ. (إلا ما كان من عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص رضي الله عنهما (فإنه كان يكتب و) أنا (لا أكتب) أي لكن الذي كان من عبد الله بن عمرو وهو الكتابة لم يكن مني والخبر محذوف بقرينة ما في الكلام سواء لزم منه كونه أكثر حديثًا لما تقتضيه عادة الملازمة مع الكتابة أم لا. ويجوز أن يكون الاستثناء متصلاً نظرًا إلى المعنى إذ حديثًا وقع تمييزًا، والتمييز كالمحكوم عليه فكأنه قال: ما أحد حديثه أكثر من حديثي إلا أحاديث حصلت من عبد الله، ويفهم منه جزم أبي هريرة رضي الله عنه بأنه ليس في الصحابة أكثر حديثًا عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منه إلا عبد الله بن عمرو مع أن الموجود عن عبد الله بن عمرو أقل من الموجود المرويّ عن أبي هريرة بأضعاف لأنه سكن مصر، وكان الواردون إليها قليلاً بخلاف أبي هريرة فإنه استوطن المدينة وهي مقصد المسلمين من كل جهة، وروى عنه فيما قاله المؤلف نحو من ثمانمائة رجل، ورُوِيَ عنه من الحديث خمسة آلاف وثلاثمائة حديث ووجد لعبد الله سبعمائة حديث (تابعه) أي تابع وهب بن منبّه في روايته لهذا الحديث عن همام (معمر) هو ابن راشد (عن همام عن أبي هريرة) كما أخرجها عبد الرزاق عن معمر. 114 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَعُهُ قَالَ: «ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ» قَالَ عُمَرُ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَلَبَهُ الْوَجَعُ، وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا. فَاخْتَلَفُوا، وَكَثُرَ اللَّغَطُ. قَالَ: قُومُوا عَنِّي، وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ. فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيئةَ كُلَّ الرَّزِيئةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ كِتَابِهِ. [الحديث 114 - أطرافه في: 3053، 3168، 4431، 4432، 5669، 7366]. وبه قال (حدّثنا يحيى بن سليمان) بن يحيى الجعفي المكّي المتوفى بمصر سنة سبع أو ثمان وثلاثين ومائتين (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة أحد الفقهاء السبعة (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال): (لما اشتد) أي حين قوي (بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

40 - باب العلم والعظة بالليل

وجعه) الذي توفي فيه يوم الخميس قبل موته بأربعة أيام (قال: ائتوني بكتاب) أي بأدوات الكتاب كالدواة والقلم أو أراد بالكتاب ما من شأنه أن يكتب فيه كالكاغد وعظم الكتف كما صرح به في رواية مسلم (كتب لكم) بالجزم جوابًا للأمر ويجوز الرفع على الاستئناف أي آمر من يكتب لكم (كتابًا) فيه النص على الأئمة بعدي أو أبين فيه مهمات الأحكام (لا تضلوا بعده) بالنصب على الظرفية، وتضلوا بفتح أوّله وكسر ثانيه مجزوم بحذف النون بدلاً من جواب الأمر. (قال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه لمن حضره من الصحابة: (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غلبه الوجع و) الحال (عندنا كتاب الله) هو (حسبنا) أي كافينا، فلا نكلف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يشق عليه في هذه الحالة من إملاء الكتاب ولم يكن الأمر في ائتوني للوجوب، وإنما هو من باب الإرشاد للأصلح للقرينة الصارفة للأمر عن الإيجاب إلى الندب، وإلا فما كان يسوغ لعمر رضي الله عنه الاعتراض على أمر الرسول عليه الصلاة والسلام على أنّ في تركه عليه الصلاة والسلام الإنكار على عمر رضي الله عنه دليلاً على استصوابه، فكان توقف عمر صوابًا، لا سيما والقرآن فيه تبيان لكل شيء، ومن ثم قال عمر: حسبنا كتاب (فاختلفوا) أي الصحابة عند ذلك فقالت طائفة: بل نكتب لما فيه من امتثال أمره وزيادة الإيضاح، (وكثر) بضم المثلثة (اللغط) بتحريك اللام والغين المعجمة أي الصوت والجلبة بسبب ذلك، فلما رأى ذلك عليه الصلاة والسلام (قال) وفي رواية فقال بفاء العطف وفي أخرى وقال بواوه (قوموا عني) أي عن جهتي (ولا ينبغي عندي التنازع) بالضم فاعل ينبغي، (فخرج ابن عباس) من المكان الذي كان به عندما تحدث بهذا الحديث وهو (يقول: إن الرزيئة) بفتح الراء وكسر الزاي بعدها ياء ساكنة ثم همزة وقد تسهل وتشدد الياء (كل الرزيئة) بالنصب على التوكيد (ما حال) أي الذي حجز (بين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين كتابه) وقد كان عمر أفقه من ابن عباس حيث اكتفى بالقرآن على أنه يحتمل أن يكون -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ظهر له حين همّ بالكتاب أنه مصلحة، ثم ظهر له أو أُوحي إليه بعد أنّ المصلحة في تركه ولو كان واجبًا لم يتركه عليه الصلاة والسلام لاختلافهم لأنه لم يترك التكليف لمخالفة من خالف، وقد عاش بعد ذلك أيامًا ولم يعاود أمرهم بذلك. ويستفاد من هذا الحديث جواز كتابة الحديث الذي عقد المؤلف الباب له، وكذا من حديث علي وقصة أبي شاه الإذن فيها، لكن يعارض ذلك حديث أبي سعيد الخدري المروي في مسلم مرفوعًا "لا تكتبوا عني شيئًا غير القرآن" وأجيب: بأن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره، والإذن في غير ذلك أو الإذن ناسخ للنهي عند الأمن من الالتباس، أو النهي خاص بمن خشي منه الاتّكال على الكتاب دون الحفظ والإذن لمن أمن منه ذلك. وقد كره جماعة من الصحابة والتابعين كتابة الحديث واستحبوا أن يؤخذ عنهم حفظًا كما أخذوا حفظًا، لكن لما قصرت الهمم وخشي الأئمة ضياع العلم دوّنوه وأوّل من دوّن الحديث ابن شهاب الزهري على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين ثم التصنيف وحصل بذلك خير كثير ولله الحمد والمنّة. 40 - باب الْعِلْمِ وَالْعِظَةِ بِاللَّيْلِ (باب) تعليم (العلم والعظة) بكسر العين أي الوعظ، وفي بعض النسخ واليقظة (بالليل). 115 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ. وَعَمْرٌو وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتَنِ، وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الْخَزَائِنِ. أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ». [الحديث 115 - أطرافه في: 1126، 3599، 5844، 6218، 7069]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا صدقة) بن الفضيل المروزي، المتوفى سنة ثلاث أو ست وعشرين ومائتين وانفرد المؤلف به عن الستة (قال: أخبرنا ابن عيبنة) سفيان (عن معمر) بفتح الميمين وسكون العين بينهما ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن هند) بنت الحرث الفراسية بكسر الفاء وبالسين المهملة، وللكشميهني عن امرأة بدلها (عن أم سلمة) هند وقيل: رملة أم المؤمنين بنت سهل بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ورثت عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علمًا كثيرًا، لها في البخاري أربعة أحاديث، وتوفيت سنة تسع وخمسين رضي الله عنها. (وعمرو) بالرفع على الاستئناف والمعنى أن ابن عيينة حدّث عن معمر عن الزهري، ثم قال: وعمرو وكأنه حدّث

41 - باب السمر بالعلم

بحذف صيغة الأداء كما هي عادته، ويجوز الجرّ في عمرو عطفًا على معمر وهو الذي في الفرع مصححًا عليه. قال القاضي عياض: والقائل وعمرو هو ابن عيينة، وعمرو هذا هو ابن دينار، (ويحيى بن سعيد) هو الأنصاري لا القطان إذ هو لم يلق الزهري حتى يكون سمع منه (عن) ابن شهاب (الزهري عن هند) وفي رواية الأربعة عن امرأة بدل قوله في هذا الإسناد الثاني عن هند، وفي هامش فرع اليونينية، ووقع عند الحموي والمستملي في الطريق الثاني عن هند عن أم سلمة كما في الحديث قبله، ولغيرهما عن امرأة قال: وفي نسخة صحيحة مرقوم على قوله عن امرأة علامة أبي الهيثم، والأصيلي وابن عساكر وابن السمعاني في أصل سماعه عن أبي الوقت في خانقاه السميساطي اهـ. والحاصل أن الزهري ربما أبهمها وربما سماها (عن أم سلمة) رضي الله عنها أنها (قالت): (استيقظ) أي تيقظ فالسين ليست هنا للطلب أي انتبه (النبي) وفي رواية أبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات ليلة) أي في ليلة ولفظ ذات زيدت للتأكيد، وقال جار الله: هو من إضافة المسمى إلى اسمه وكان عليه الصلاة والسلام في بيت أُم سلمة لأنها كانت ليلتها (فقال: سبحان الله ماذا) استفهام متضمن معنى التعجب لأن سبحان تستعمل له (أنزل) بضم الهمزة وللكشميهني أنزل الله (الليلة) بالنصب ظرفًا للإنزال (من الفتن وماذا فتح من الخزائن) عبر عن العذاب بالفتن لأنها أسبابه وعن الرحمة بالخزائن لقوله تعالى: {خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ} [ص: 9] واستعمل المجاز في الإنزال، والمراد به إعلام الملائكة بالأمر المقدور، وكأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى في المنام أنه سيقع بعده فتن وتفتح لهم الخزائن؛ أو أوحى الله تعالى إليه ذلك قبل النوم فعبّر عنه بالإنزال وهو من المعجزات، فقد فتحت خزائن فارس والروم وغيرهما كما أخبر عليه الصلاة والسلام (أيقظوا) بفتح الهمزة أي نبهوا (صواحب) وفي رواية صواحبات (الحجر) بضم الحاء وفتح الجيم جمع حجرة وهي منازل أزواجه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخصّهنّ لأنهنّ الحاضرات حينئذ (فربّ كاسية في الدنيا) أثوابًا رقيقة لا تمنع إدراك البشرة أو نفيسة (عارية) بتخفيف الياء أي معاقبة (في الآخرة) بفضيحة التعرّي أو عارية من الحسنات في الآخرة، فندبهنّ بذلك إلى الصدقة وترك السرف. ويجوز في عارية الجر على النعت لأن ربّ عند سيبويه حرف جر يلزم صدر الكلام والرفع بتقدير هي، والفعل الذي يتعلق به محذوف. واختار الكسائي أن تكون ربّ اسمًا مبتدأ والمرفوع خبرها وهي هنا للتكثير وفعلها الذي تتعلق به ينبغي أن يكون محذوفًا غالبًا، والتقدير: رب كاسية عارية عرفتها، والحديث يأتي في الفتن إن شاء الله تعالى. 41 - باب السَّمَرِ بِالْعِلْمِ (باب السمر) بفتح السين والميم وهو الحديث في الليل (في العلم) وللأربعة بالعلم، وفي اليونينية في العلم وضبب عليه، ومكتوب على الهامش بالعلم مصحح عليه، ولغير أبي ذر باب بالتنوين مقطوعًا عن الإضافة أي هذا باب في بيان السمر بالعلم. 116 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ». [الحديث 116 - طرفاه في: 564، 601]. وبالسند السابق إلى المؤلف قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء (قال: حدّثني) بالإفراد وللأصيلي حدّثنا (الليث) بن سعد عالم مصر (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن خالد) زاد في رواية أبي ذر ابن مسافر أي الفهمي مولى الليث بن سعد أمير مصر لهشام بن عبد الملك، المتوفى سنة سبع وعشرين ومائة، وفي رواية حدّثني الليث حدّثه عبد الرحمن أي أنه حدّثه عبد الرحمن (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم) أي ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب (وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة، ولم يخرج له المؤلف سوى هذا الحديث مقرونًا بسالم. (أن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال: صلّى بنا النبي) وفي رواية الأربعة لنا باللام بدل الباء يعني إمامًا لنا، وإلاّ فالصلاة لله لا لهم، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني رسول الله بدل قوله النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العشاء) بكسر العين والمد أي صلاة العشاء (في آخر حياته) قبل موته عليه الصلاة والسلام بشهر، (فلما سلَّم) من الصلاة (قام فقال: أرأيتكم) أي أخبروني وهو من إطلاق

السبب على المسبب لأن مشاهدة هذه الأشياء طريق إلى الإخبار عنها والهمزة فيه مقررة أي قد رأيتم ذلك فأخبروني (ليلتكم) أي شأن ليلتكم أو خبر ليلتكم (هذه) هل تدرون ما يحدث بعدها من الأمور العجيبة، وتاء أرأيتكم فاعل والكاف حرف خطاب لا محل لها من الإعراب ولا تستعمل إلا في الاستخبار عن حالة عجيبة، وليلتكم نصب مفعول ثانٍ لأخبروني، (فإن رأس) وللأصيلي فإن على رأس (مائة سنة منها) أي من تلك الليلة (لا يبقى ممّن هو على ظهر الأرض أحد) ممن ترونه أو تعرفونه عند مجيئه، أو المراد أرضه التي بها نشأ ومنها بعث كجزيرة العرب المشتملة على الحجاز وتهامة ونجد فهو على حدّ قوله تعالى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33] أي بعض الأرض التي صدرت الجناية فيها، فليست أل للاستغراق، وبهذا يندفع قول من استدل بهذا الحديث على موت الخضر عليه السلام كالمؤلف وغيره، إذ يحتمل أن يكون الخضر في غير هذه الأرض المعهودة، ولئن سلمنا أن أل للاستغراق فقوله أحد عموم يحتمل إذ على وجه الأرض الجنّ والإنس والعمومات يدخلها التخصيص بأدنى قرينة، وإذا احتمل الكلام وجوهًا سقط به الاستدلال قاله الشيخ قطب الدين القسطلاني. وقال النووي: المراد أن كل من كان تلك الليلة على الأرض لا يعيش بعدها أكثر من مائة سنة سواء قلّ عمره قبل ذلك أم لا، وليس فيه نفي حياة أحد يولد بعد تلك الليلة مائة سنة. 117 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، ثُمَّ قَالَ: «نَامَ الْغُلَيِّمُ» -أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا- ثُمَّ قَامَ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ -أَوْ خَطِيطَهُ- ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ. [الحديث 117 - أطرافه في: 138، 183، 697، 698، 699، 726، 728، 859، 9924، 1198، 4569، 4570، 4571، 4572، 5919، 6215، 6316، 7452]. وبه قال: (حدّثنا آدم) أي ابن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا الحكم) بفتح الحاء والكاف ابن عتبة بضم العين تصغير عتبة ابن النهاس فقيه الكوفة، المتوفى سنة أربع عشرة وقيل: خمس عشرة ومائة. (قال: سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه (قال): (بت) بكسر الموحدة من البيتوتة (في بيت خالتي ميمونة بنت الحرث) الهلالية (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهي أخت أمه لبابة الكبرى بنت الحرث ولبابة هذه أوّل امرأة أسلمت بعد خديجة، وتوفيت ميمونة رضي الله عنها سنة إحدى وخمسين بسرف بالمكان الذي بنى بها فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصلى عليها ابن عباس لها في البخاري سبعة أحاديث. (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندها في ليلتها) المختصة بها بحسب قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أزواجه (فصلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العشاء) في المسجد، (ثم جاء) منه (إلى منزله) الذي هو بيت ميمونة أم المؤمنين، والفاء في فصلى هي التي تدخل بين المجمل والمفصل لأنّ التفصيل إنما هو عقب الإجمال لأن صلاته عليه الصلاة والسلام العشاء ومجيئه إلى منزله كانا قبل كونه عند ميمونة ولم يكونا بعد الكون عندها. (فصلى) عليه الصلاة والسلام عقب دخوله (أربع ركعات ثم نام) بعد الصلاة على التراخي، (ثم قام) من نومه (ثم قال: نام الغليم) بضم الغين المعجمة وفتح اللام وتشديد المثناة التحتية تصغير شفقة، ومراده ابن عباس وقوله نام استفهام حذفت همزته لقرينة المقام أو إخبار منه عليه الصلاة والسلام بنومه (أو) قال (كلمة تشبهها) أي تشبه كلمة نام الغليم شك من الراوي وعبر بكلمة على حدّ كلمة الشهادة (ثم قام) عليه الصلاة والسلام في الصلاة، (فقمت عن يساره) بفتح الياء وكسرها شبّهوها في الكسر بالشمال وليس في كلامهم كلمة مكسورة الياء إلا هذه، وحكي التشديد للسين لغة فيه عن ابن عباد (فجعلني عن يمينه فصلى) وفي رواية ابن عساكر وصلّى (خمس ركعات) وفي الرفع كأصله من غير رقم عشرة ركعة، (ثم صلى ركعتين ثم نام) عليه الصلاة والسلام (حتى) أي إلى أن (سمعت غطيطه) بفتح الغين المعجمة وكسر المهملة الأولى وهو صوت نفس النائم عند استثقاله. وفي العباب وغطيط النائم والمخنوق نخيرهما (أو خطيطه) بفتح الخاء المعجمة وكسر المهملة شك من الراوي وهو بمعنى الأوّل، ثم استيقظ عليه الصلاة والسلام (ثم خرج إلى الصلاة) ولم يتوضأ لأن من خصائصه أن نومه مضطجعًا لا ينقض وضوءه لأن عينه تنامان ولا ينام قلبه، لا يقال إنه معارض بحديث نومه عليه الصلاة والسلام في الوادي إلى أن طلعت الشمس لأن

42 - باب حفظ العلم

الفجر والشمس إنما يدركان بالعين لا بالقلب. ويأتي تمام البحث في ذلك في ذكر تهجده عليه الصلاة والسلام. فإن قلت: ما المناسبة بين هذا الحديث والترجمة؟ أجيب: باحتمال أن يطلق السمر على الكلمة وهي هنا قوله عليه الصلاة والسلام: "نام الغليم" أو هو ارتقاب ابن عباس لأحواله عليه الصلاة والسلام، لأنه لا فرق بين التعلم من القول والتعلم من الفعل. وتعقب بأن المتكلم بالكلمة الواحدة لا يسمى سامرًا، وبأن صنيع ابن عباس يسمى سهرًا لا سمرًا لأن السمر لا يكون إلا عن تحدّث. وأجيب: بأن حقيقة السمر التحدّث بالليل ويصدق بكلمة واحدة ولم يشترط أحد التعدّد، وكما يطلق السمر على القول يطلق على الفعل بدليل قولهم: سمر القوم الخمر إذا شربوها ليلاً. وأجاب الحافظ ابن حجر: بأن المناسبة مستفادة من لفظ آخر في هذا الحديث بعينه من طريق أخرى في التفسير عند المؤلف بلفظ: بتّ في بيت ميمونة، فتحدّث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أهله ساعة قال: وهذا أولى من غير تعسّف ولا رجم بالظن، لأن تفسير الحديث بالحديث أولى من الخوض فيه بالظن. وتعقبه العيني بأن من يعقد بابًا بترجمة ويضع فيه حديثًا، وكان قد وضع هذا الحديث في باب آخر بطريق أخرى وألفاظ متغايرة هل يقال مناسبة الترجمة في هذا الباب تستفاد من ذلك الحديث الموضوع في الباب الآخر. قال: وأبعد من هذا أنه علّل ما قاله بقوله لأن تفسير الحديث بالحديث أولى من الخوض فيه بالظن، لأن هؤلاء ما فسروا الحديث هنا بل ذكروا مطابقة الترجمة بالتقارب. 42 - باب حِفْظِ الْعِلْمِ هذا (باب حفظ العلم) وسقط لفظ باب للأصيلي. 118 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ. وَلَوْلاَ آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُ حَدِيثًا. ثُمَّ يَتْلُو {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ -إِلَى قَوْلِهِ تعالى- الرَّحِيمُ}. إِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وِإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الْعَمَلُ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشِبَعِ بَطْنِهِ، وَيَحْضُرُ مَا لاَ يَحْضُرُونَ، وَيَحْفَظُ مَا لاَ يَحْفَظُونَ. [الحديث 118 - أطرافه في: 119، 2047، 2350، 3648، 7354]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) أي الأويسي المدني (قال: حدّثني) بالتوحيد (مالك) هو ابن أنس إمام الأئمة (عن ابن شهاب) الزهري (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال): (إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة) أي الحديث كما في البيوع وهو حكاية كلام الناس وإلاّ لقال أكثرت. زاد المصنف في رواية في الزراعة ويقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدّثون مثل أحاديثه، (ولولا آيتان) موجودتان (في كتاب الله) تعالى (ما) أي لما (حدّثت حديثًا). قال الأعرج (ثم يتلو) أبو هريرة: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} إلى قوله تعالى: ({الرَّحِيمِ}) [البقرة: 159] وعبّر بالمضارع في قوله: ويتلو استحضارًا لصورة التلاوة، والمعنى لولا أن الله تعالى ذم الكاتمين للعلم لما حدّثتكم أصلاً، لكن لما كان الكتمان حرامًا وجب الإظهار، فلذلك حصلت الكثرة عنده، ثم ذكر سبب الكثرة بقوله: (إن إخواننا) جمع أخ ولم يقل إخوانه ليعود الضمير على أبي هريرة لغرض الالتفات وعدل عن الإفراد إلى الجمع لقصد نفسه وأمثاله من أهل الصفة وحذف العاطف على جعله جملة استئنافية كالتعليل للإكثار جوابًا للسؤال عنه، والمراد أخوّة الإسلام (من المهاجرين) الذين هاجروا من مكة إلى المدينة (كان يشغلهم) بفتح أوّله وثالثه من الثلاثي، وحكي ضم أوّله من الرباعي وهو شاذ (الصفق بالأسواق) بفتح الصاد وإسكان الفاء كناية عن التبايع لأنهم كانوا يضربون فيه يدًا بيد عند المعاقدة وسميت السوق لقيام الناس فيها على سوقهم، (وإن إخواننا من الأنصار) الأوس والخزرج (كان يشغلهم العمل في أموالهم) أي القيام على مصالح زرعهم (وإن أبا هريرة) عدل عن قوله: وإني لقصد الالتفات (كان يلزم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشبع بطنه) كذا للأصيلي بموحدة في أوّله، وفي رواية الأربعة باللام وكلاهما للتعليل أي لأجل شبع بطنه وهو بكسر الشين المعجمة وفتح الموحدة. وعن ابن دريد إسكانها وعن غيره الإسكان اسم لما أشبعك من الشيء، وفي رواية ابن عساكر في نسخة ليشبع بطنه بلام كي ويشبع بصورة المضارع المنصوب، والمعنى أنه كان يلازم قانعًا بالقوت لا يتجر ولا يزرع، (ويحضر ما لا يحضرون) من أحوال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه يشاهد ما لا يشاهدون، (ويحفظ ما لا يحفظون) من أقواله لأنه يسمع ما لا يسمعون. 119 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَبُو مُصْعَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنْسَاهُ. قَالَ: ابْسُطْ رِدَاءَكَ. فَبَسَطْتُهُ. قَالَ: فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ضُمُّهُ، فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدَهُ». حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ بِهَذَا. أَوْ قَالَ: غَرَفَ بِيَدِهِ فِيهِ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن أبي بكر) زاد في رواية عن أبي ذر وابن عساكر والأصيلي

(أبو مصعب) وهو كنية أحمد وهو أشهر بها وسقطت في رواية أبي ذر والأصيلي، واسم أبي بكر القاسم بن الحرث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري العوفي قاضي المدينة وعالمها صاحب مالك، المتوفى سنة اثنتين وأربعين ومائتين عن اثنتين وتسعين سنة (قال: حدّثنا محمد بن إبراهيم بن دينار) مفتي المدينة مع إمامها مالك بن أنس، المتوفى سنة اثنتين وثمانين ومائة (عن ابن أبي ذئب) بكسر الذال المعجمة، وهو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحرث بن أبي ذئب القرشي المدني العامري. قال الإمام أحمد: كان ابن أبي ذئب أفضل من مالك إلا أن مالكًا أشد تنقية للرجال منه، المتوفى بالكوفة سنة تسع وخمسين ومائة (عن سعيد) أي ابن أبي سعيد (المقبري) بفتح الميم وضم الموحدة المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه (قال: قلت يا رسول الله) وفي رواية ابن عساكر قلت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إني أسمع منك حديثًا كثيرًا) صفة لقوله حديثًا لأنه اسم جنس يتناول القليل والكثير (أنساه) صفة ثانية لحديثًا والنسيان زوال علم سابق عن الحافظة والمدركة والسهو زواله عن الحافظة فقط، ويفرق بينه وبين الخطأ بأن السهو ما ينتبه صاحبه بأدنى تنبيه بخلاف الخطأ. (قال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي هريرة وفي رواية فقال: (ابسط رداءك فبسطته) أي لما قال ابسط امتثلت أمره فبسطته، وإلا فيلزم منه عطف الخبر على الإنشاء وهو مختلف فيه. (قال فغرف) عليه الصلاة والسلام (بيديه) من فيض فضل الله فجعل الحفظ كالشيء الذي يغرف منه ورمى به في ردائه ومثل بذلك في عالم الحس. (ثم قال) عليه الصلاة والسلام لأبي هريرة: (ضمه) بالهاء مع ضم الميم تبعًا للضاد وفتحها وهي رواية أبي ذرّ لأن الفتح أخف الحركات وكسرها لأن الساكن إذا حرك حرك بالكسر وفك الإدغام فيصير اضممه والهاء فيه ترجع إلى الحديث، كما يدل عليه قوله في غير الصحيح فغرف بيده ثم قال: ضم الحديث، وعند المصنف في بعض طرقه: لن يبسط أحدكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمعها إلى صدره، وقد وقع في جامع الترمذي وحلية أبي نعيم التصريح بهذه المقالة المبهمة في حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما من رجل يسمع كلمة أو كلمتين مما فرض الله تعالى عليه فيتعلمهن ويعلمهن إلا دخل الجنة". ووقع في رواية الكشميهني وعزاها في الفرع للحموي والمستملي ضم بغير هاء. قال أبو هريرة: (فضممته فما نسيت شيئًا بعده) أي بعد الضم وفي رواية الأكثر بعد مقطوع عن الإضافة مبني على الضم وتنكير شيئًا بعد النفي ظاهر العموم في عدم النسيان منه لكل شيء في الحديث وغيره لأن النكرة في سياق النفي تدل عليه، لكن وقع في رواية ابن عيينة وغيره عن الزهري في الحديث السابق ما نسيت شيئًا سمعته منه وعند مسلم من رواية يونس فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئًا حدّثني به وهو يقتضي تخصيص عدم النسيان بالحديث، وأخصُّ منه ما جاء في رواية شعيب حيث قال: فما نسيت من مقالته تلك شيئًا، فإنه يفهم تخصيص عدم النسيان بهذه المقالة فقط. لكن سياق الكلام يقتضي ترجيح رواية يونس ومن وافقه لأن أبا هريرة نبّه به على كثرة محفوظه من الحديث فلا يصح حمله على تلك المقالة وحدها، ويحتمل أن يكون وقعت له قضيتان، فالتي رواها الزهري مختصة بتلك المقالة، والتي رواها سعيد المقبري عامّة، هكذا قرره في فتح الباري وهذا من المعجزات الظاهرات حيث رفع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أبي هريرة النسيان الذي هو من لوازم الإنسان حتى قيل إنه مشتق منه، وحصول هذا في بسط الرداء الذي ليس للعقل فيه مجال. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) بالذال المعجمة وسبق في أوّل كتاب العلم (قال: أخبرنا ابن أبي فديك) بضم الفاء وفتح الدال المهملة وهو أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل بن أبي فديك واسم أبي فديك دينار المدني الليثي، المتوفى سنة مائتين، وابن أبي فديك يرويه عن ابن أبي ذئب كما عند المؤلف في علامات النبوّة (بهذا) أي بهذا الحديث (أو قال) وفي رواية الكشميهني وقال: (غرف بيده فيه) بالإفراد مع زيادة فيه

43 - باب الإنصات للعلماء

والضمير للثوب، وللمستملي وحده يحذف فيه بالحاء المهملة والذال المعجمة والفاء من الحذف وهو الرمي، لكن حديث علامات النبوّة المنبّه عليه فيما سبق ليس فيه إلا الغرف، وبه استوضح الحافظ ابن حجر على أن يحذف تصحيف مع ما استشهد به مما في طبقات ابن سعد عن ابن أبي فديك حيث قال: فغرف. وتعقبه العيني بأن ما قاله لا يكون دليلاً لما ادّعاه من التصحيف، ولو كان كذلك لنبّه عليه صاحب المطالع، وأجيب بأنه لا يلزم من كون صاحب المطالع لم ينبّه عليه أن لا يكون تصحيفًا انتهى. لكن يبقى طلب الدليل على كونه تصحيفًا فافهم، وهذا المذكور من قوله: حدّثنا إبراهيم بن المنذر إلى آخر قوله فغرف أو يحذف بيده فيه ساقط في رواية أبي ذر والأصيلي والمستملي وابن عساكر. 120 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وِعَاءَيْنِ: فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالتوحيد وللأصيلي حدّثنا (أخي) عبد الحميد بن أبي أويس (عن ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن السابق قريبًا (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه (قال): (حفظت عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية الكشميهني من بدل عن وهي أصرح في تلقّيه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلا واسطة (وعاءين) بكسر الواو والمدّ تثنية وعاء وهو من باب ذكر المحل وإرادة الحال أي نوعين من العلم. (فأما أحدهما) أي أحد ما في الوعاءين من نوعي العلم (فبثثته) بموحدة مفتوحة ومثلثتين بعدهما مثناة فوقية ودخلته الفاء لتضمنه معنى الشرط أي نشرته زاد الأصيلي فبثثته في الناس، (وأما) الوعاء (الآخر فلو بثثته) أي نشرته في الناس (قطع) وفي روايهَ لقطع (هذا البلعوم) بضم الموحدة مرفوعًا لكونه ناب عن الفاعل وكُنِّي به عن القتل، وزاد في رواية ابن عساكر والأصيلي وأبي الوقت وأبي ذر والمستملي، قال أبو عبد الله أي البخاري: البلعوم مجرى الطعام أي في الحلق وهو المريء. قاله القاضي والجوهري وابن الأثير، وعند الفقهاء الحلقوم مجرى النفس خروجًا ودخولاً والمريء مجرى الطعام والشراب وهو تحت الحلقوم، والبلعوم تحت الحلقوم، وأراد بالوعاء الأوّل ما حفظه من الأحاديث وبالثاني ما كتمه من أخبار الفتن وأشراط الساعة وما أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام من فساد الدين على يدي أغيلمة من سفهاء قريش، وقد كان أبو هريرة يقول: لو شئت أن أسميهم بأسمائهم أو المراد الأحاديث التي فيها تبيين أسماء أمراء الجور وأحوالهم وذمهم، وقد كان أبو هريرة يكني عن بعض ذلك ولا يصرّح خوفًا على نفسه منهم، كقوله: أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، واستجاب الله تعالى دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة، وسيأتي ذلك مع مزيد له في كتاب الفتن إن شاء الله تعالى أو المراد به علم الأسرار المصون عن الأغيار المختص بالعلماء بالله من أهل العرفان والمشاهدات والاتقان التي هي نتيجة علم الشرائع والعمل بما جاء به الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والوقوف عند ما حدّه وهذا لا يظفر به إلا الغوّاصون في بحر المجاهدات، ولا يسعد به إلا المصطفون بأنوار المشاهدات، لكن في كون هذا هو المراد نظر من حيث إنه لو كان كذلك لما وسع أبا هريرة كتمانه مع ذكره من الآية الدالّة على ذم كتمان العلم لا سيما هذا الشأن الذي هو لبّ ثمرة العلم وأيضًا فإنه نفى بثّه على العموم من غير تخصيص، فكيف يستدل به لذلك؟ وأبو هريرة لم يكشف مستوره فيما أعلم، فمن أين علم أن الذي كتمه هو هذا فمن ادّعى ذلك فعليه البيان فقد ظهر أن الاستدلال بذلك لطريق القوم فيه ما فيه على أنهم في غنية عن الاستدلال إذ الشريعة ناطقة بأدلتهم، ومن تصفح الأخبار وتتبع الآثار مع التأمّل والاستنارة بنور الله ظهر له ما قلته والله يهدينا إلى سواء السبيل. 43 - باب الإِنْصَاتِ لِلْعُلَمَاءِ هذا (باب الإنصات) بكسر الهمزة أي السكوت والاستماع (للعلماء) أي لأجل ما يقولونه. 121 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ مُدْرِكٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: اسْتَنْصِتِ النَّاسَ. فَقَالَ: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». [الحديث 121 - أطرافه في: 4405، 6869، 7080]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن منهال (قال: حدّثنا شعبة) أي ابن الحجاج (قال: أخبرني) بالتوحيد (علي بن مدرك) بضم الميم وكسر الراء النخعي الكوفي،

44 - باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم فيكل العلم إلى الله

المتوفى سنة عشرين ومائة (عن أبي زرعة) هرم بفتح الهاء وكسر الراء، زاد في رواية أبي ذر والأصيلي ابن عمرو (عن جرير) هو ابن عبد الله البجلي، وهو جدّ أبي زرعة الراوي عنه هنا لأبيه وكان بديع الجمال طويل القامة بحيث يصل إلى سنام البعير وكان نعله ذراعًا وسبق في باب الدين النصيحة. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له) وعند المؤلف في حجة الوداع أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لجرير (في حجة الوداع) بفتح الحاء والواو عند جمرة العقبة واجتماع الناس للرمي وغيره (استنصت الناس) استفعال من الإنصات ومعناه طلب السكوت، وقد أنكر بعضهم لفظه له من قوله قال له في حجة الوداع معلّلاً بأن جريرًا أسلم قبل وفاته عليه الصلاة والسلام بأربعين يومًا، وتوقف المنذري لثبوتها في الطرف الصحيحة وقد ذكر غير واحد أنه أسلم في رمضان سنة عشر فأمكن حضوره مسلمًا لحجة الوداع وحينئذ فلا خلل في الحديث (فقال) عليه الصلاة والسلام بعد أن أنصتوا: (لا ترجعوا) أي لا تصيروا (بعدي) أي بعد موقفي هذا أو بعد موتي (كفارًا) نصب خبر لا ترجعوا المفسر بلا تصيروا (يضرب بعضكم رقاب بعض) مستحلين لذلك ويضرب بالرفع على الاستئناف بيانًا لقوله: لا ترجعوا أو حالاً من ضمير ترجعوا أي لا ترجعوا بعدي كفّارًا حال ضرب بعضكم رقاب بعض أو صفة. أي لا ترجعوا بعدي كفارًاً متصفين بهذه الصفة القبيحة أي ضرب بعضكم، وجوّز ابن مالك وأبو البقاء جزم الباء بتقدير شرط أي: فإن ترجعوا يضرب بعضكم بعضًا، والمعنى لا تتشبهوا بالكفار في قتل بعضهم بعضًا، ويأتي تمام البحث إن شاء الله تعالى في الفتن أعاذ الله تعالى منها. 44 - باب مَا يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ إِذَا سُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَيَكِلُ الْعِلْمَ إِلَى اللَّهِ هذا (باب ما يستحب) أي الذي يستحب (للعالم إذا سئل أي الناس) أي أيّ شخص من أشخاص الناس (أعلم) من غيره (فيكل) أي فهو يكل (العلم إلى الله) وحينئذ فإذا شرطية والفاء في جوابها، والجملة بيان لا يستحب أو إذا ظرف ليستحب والفاء تفسيرية على أن يكل في تقدير أن أي ما يستحب وقت السؤال هو الوكول إلى الله تعالى. 122 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ، فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ. فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ لي بِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهْوَ ثَمَّ. فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، وَحَمَلاَ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ، حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا وَنَامَا، فَانْسَلَّ الْحُوتُ مِنَ الْمِكْتَلِ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمِهِمَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا، لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا، وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى مَسًّا مِنَ النَّصَبِ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ. فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ. قَالَ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي. فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَلَمَّا آَتَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ إِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ -أَوْ قَالَ: تَسَجَّى بِثَوْبِهِ- فَسَلَّمَ مُوسَى، فَقَالَ الْخَضِرُ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا مُوسَى. فَقَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا. قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لاَ تَعْلَمُهُ أَنْتَ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَ الله لاَ أَعْلَمُهُ. قَالَ: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا. فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ، فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا، فَعُرِفَ الْخَضِرُ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ. فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى، مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ فِي الْبَحْرِ. فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ. فَقَالَ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا. قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. قَالَك لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ. فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا. فَانْطَلَقَا فَإِذَا غُلاَمٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ مِنْ أَعْلاَهُ فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ. فَقَالَ مُوسَى: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ؟ قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ (وقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَهَذَا أَوْكَدُ) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ، قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ. فَقَالَ لَهُ مُوسَى: لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى، لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا». وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) هو الجعفي المسندي بفتح النون (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا) وفي رواية ابن عساكر أخبرنا (عمرو) بفتح العين وهو ابن دينار (قال: أخبرني) بالتوحيد (سعيد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة (قال): (قلت لابن عباس) رضي الله عنهما (إن نوفًا) بفتح النون وسكون الواو آخره منصوبًا باسم إن منصرفًا في الفصحى بطن من العرب، ولئن سلمنا عجمته فمنصرف أيضًا لسكون وسطه كنوح ولوط واسم أبي نوف فضالة بفتحتين القاص (البكالي) بكسر الموحدة وفتحها وتخفيف الكاف وحكي تشديدها مع فتح الموحدة وعزاه في المطالع لأكثر المحدثين، والصواب التخفيف نسبة إلى بني بكال بطن من حمير وهو نصب نعتًا لنوف وكان تابعًا عالمًاً إمامًا لأهل دمشق وهو ابن امرأة كعب الأحبار على المشهور (يزعم أن) بفتح الهمزة مفعول يزعم أي يقول: إن (موسى) صاحب الخضر (ليس بموسى بني اسرائيل) المرسل لهم والباء زائدة للتوكيد حذفت في رواية الأربعة وأضيف لبني إسرائيل مع العلمية لأنه نكر بأن أوّل بواحد من الأمة المسماة ثم أضيف إليه (إنما هو موسى آخر) بتنوين موسى لكونه نكرة فانصرف لزوال علميته، وفي رواية بترك التنوين، قال الحافظ ابن حجر: كذا في روايتنا بغير تنوين فيهما وهو علم على شخص معين. قالوا: إنه موسى بن ميشا بكسر الميم وسكون المثناة التحتية وبالشين المعجمة (فقال) ابن عباس: (كذب عدوّ الله) نوف خرج منه مخرج الزجر والتحذير لا القدح في نوف، لأن ابن عباس قال ذلك في حال غضبه وألفاظ الغضب تقع على غير الحقيقة غالبًا وتكذيبه له لكونه قال غير الواقع ولا يلزم منه تعمده. (حدّثنا) في رواية أبوي ذر والوقت حدّثني (أُبي بن كعب) الصحابي رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال قام موسى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال

كونه (خطيبًا في بني إسرائيل فسئل أيّ الناس أعلم) أي منهم على حدّ الله أكبر أي من كل شيء (فقال: أنا أعلم) الناس أي بحسب اعتقاده وهذا أبلغ من السابق في باب الخروج في طلب العلم هل تعلم أن أحدًا أعلم منك؟ فقال: لا فإنه إنما نفى هناك علمه وهنا على البتّ، (فعتب الله عليه إذ) بسكون الدّال للتعليل (لم يردّ العلم إليه) فكان يقول نحو الله أعلم، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني إلى الله ويردّ بضم الدال اتباعًا لسابقها وبفتحها لخفته وبكسرها على الأصل في الساكن إذا حرك وجوّز الفك أيضًا، والعتب من الله محمول على ما يليق به فحمل على أنه لم يرض قوله شرعًا:، فإن العتب الذي هو معنى تغيير النفس مستحيل على الله تعالى: (فأوحى الله) تعالى (إليه أن عبدًا) بفتح الهمزة أي بأن وفي فرع اليونينية بكسرها على تقدير فقال إن عبدًا والمراد الخضر (من عبادي) كائنًا (بمجمع البحرين) أي ملتقى بحري فارس والروم من جهة الشرق أو بإفريقية أو طنجة (هو أعلم منك). أي بشيء مخصوص كما يدل عليه قول الخضر الآتي إن شاء الله تعالى إني على علم من علم الله علّمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم علمك لا أعلمه ولا ريب أن موسى أفضل من الخضر بما اختصّ به من الرسالة وسماع الكلام والتوراة، وأن أنبياء بني إسرائيل كلهم داخلون تحت شريعته ومخاطبون بحكم نبوّته حتى عيسى عليه السلام، وغاية الخضر أن يكون كواحد من أنبياء بني إسرائيل وموسى أفضلهم. وإن قلنا إن الخضر ليس بنبي بل وليّ، فالنبي أفضل من الوليّ وهو أمر مقطوع به، والقائل بخلافه كافر لأنه معلوم من الشرع بالضرورة، وإنما كانت قصة موسى مع الخضر امتحانًا لموسى ليعتبر، ووقع عند النسائي أنه عرض في نفس موسى عليه السلام أن أحدًا لم يؤت من العلم ما أُوتي وعلم الله بما حدّث به نفسه، فقال: يا موسى إن من عبادي من آتيته من العلم ما لم أُوتك. (قال: رب) بحذف أداة النداء وياء المتكلم تخفيفًا اجتزاء بالكسرة وفي بعض الأصول يا رب (وكيف لي به) أي كيف السبيل إلى لقائه؟ (فقيل له احمل) بالجزم على الأمر (حوتًا) أي سمكة كائنة (في مكتل) بكسر الميم وفتح المثناة الفوقية شبه الزنبيل يسع خمسة عشر صاعًا كذا في العباب (فإذا فقدته) بفتح القاف أي الحوت (فهو ثم) بفتح المثلثة بمعنى هناك أي العبد الأعلم منك هناك (فانطلق) موسى (وانطلق بفتاه يوشع) مجرور بالفتحة عطف بيان لفتاه غير منصرف للعجمة والعلمية (ابن نون) مجرور بالإضافة منصرف كنوح ولوط على الفصحى، وفي رواية أبي ذر وانطلق معه فتاه فصرح بالمعيّة للتأكيد وإلاّ فالمصاحبة مستفادة من قوله بفتاه (وحملا حوتًا في مكتل) كما وقع الأمر به، وقد قيل كانت سمكة مملوحة، وقيل شق سمكة (حتى كانا عند الصخرة) التي عند ساحل البحر الموعود بلقي الخضر عنده (وضعا رؤوسهما وناما) وفي رواية الأربعة فناما بالفاء وكلاهما للعطف على وضعا، (فانسل الحوت) الميت المملوح (من المكتل) لأنه أصابه من ماء عين الحياة الكائنة في أصل الصخرة شيء إذ إصابتها مقتضية للحياة كما عند المؤلف في رواية (فاتخذ سبيله) أي طريقه (في البر سربًا) أي مسلكًا زاد في سورة الكهف، وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عله مثل الطاق (وكان) إحياء الحوت المملوح وإمساك جرية الماء حتى صار مسلكًا (لموسى وفتاه عجبًا فانطلقا بقية) بالنصب على الظرف (ليلتهما) بالجر على الإضافة (ويومهما) بالنصب على إرادة سير جميعه وبالجر عطفًا على ليلتهما والوجه الأوّل هو الذي في فرع اليونينية، وفي مسلم كالمؤلف في التفسير بقية يومهما وليلتهما وهو الصواب لقوله، (فلما أصبح) إذ لا يقال أصبح إلا عن ليل (قال موسى لفتاه آتنًا غداءنا) بفتح الغين مع المد وهو الطعام يؤكل أوّل النهار (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا) أي تعبًا والإشارة لسير البقية والذي يليها ويدل عليه قوله (ولم يجد موسى) عليه السلام (مسًّا) وفي نسخة شيئًا (من النصب حتى جاوز المكان الذي أمر به) فألقي عليه الجوع

والنصب (فقال) وفي رواية الأصيلي قال (له فتاه: أرأيت) أي أخبرني ما دهاني (إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أي فقدته أو نسيت ذكره بما رأيت، زاد في رواية ابن عساكر: وما أنسانيه أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان، وإنما نسبه للشيطان هضمًا لنفسه (قال موسى ذلك) أي أمر الحوت (ما كنا نبغي) هو الذي كنا نطلّب لأنه علامة وجدان المطلوب وحذف العائد (فارتدا على آثارهما) أي فرجعا في الطريق الذي جاءا فيه يقصّان (قصصًا) أي يتبعان آثارهما اتباعًا، (فلما أتيا إلى الصخرة) وفي نسخة انتهيا (إذا رجل) مبتدأ وسوغ لتخصيصه بالصفة وهي قوله (مسجى) أي مغطى كله (بثوب) والخبر محذوف أي نائم (أو قال تسجى بثوبه) شك من الراوي، (فسلم موسى) عليه السلام (فقال الخضر وأنَّى) بهمزة ونون مشددة مفتوحتين أي كيف (بأرضك السلام) وهو غير معروف بها وكأنها كانت دار كفر وكانت تحيتهم غيره وعنده في التفسير وهل بأرضي من سلام (فقال) وفي رواية الأصيلي قال (أنا موسى فقال) له الخضر أنت (موسى بني اسرائيل) فهو خبر مبتدأ محذوف (قال نعم) أنا موسى بني إسرائيل فهو مقول القول ناب عن الجملة، وهذا يدل على أن الأنبياء ومن دونهم لا يعلمون من الغيب إلا ما علمهم الله تعالى، لأن الخضر لو كان يعلم كل غيب لعرف موسى قبل أن يسأله (قال هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت) أي من الذي علمك الله علمًا (رشدًا) ولا ينافي نبوّته وكونه صاحب شريعة أن يتعلم من غيره ما لم يكن شرطًا في أبواب الدين، فإن الرسول ينبغي أن يكون أعلم ممن أرسل إليه فيما بعث به من أصول الدين وفروعه لا مطلقًا، وقد راعى في ذلك غاية التواضع والأدب فاستجهل نفسه واستأذن أن يكون تابعًا له وسأل منه أن يرشده وينعم عليه بتعليم بعض ما أنعم الله عليه به قاله البيضاوي، لكن لم يكن موسى مرسلاً إلى الخضر فقد يوهم ما قاله دخوله فيهم من السياق فليتأمل. (قال إنك لن تستطيع معي صبرًا) فإني أفعل أمورًا ظاهرها مناكير وباطنها لم تحط به (يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه) جملة من الفعل والفاعل والمفعولين أحدهما ياء المفعول والثاني الضمير الراجع إلى العلم صفة لعلم (لا تعلمه أنت وأنت على علم) مبتدأ وخبره معطوف على السابق (علمك الله) جملة كالسابقة لكن الثاني محذوف تقديره علمك الله إياه. وفي فرع اليونينية علمكه الله بهاء الضمير الراجع إلى العلم (لا أعلمه) صفة أخرى وهذا لا بد من تأويله لأن الخضر كان يعرف من علم الشرع ما لا غنى للمكلف عنه وموسى كان يعرف من علم الباطن ما لا بدّ منه كما لا يخفى (قال ستجدني إن شاء الله صابرًا) معك غير منكر عليك وانتصاب صابرًا مفعول ثانٍ لستجدني وإن شاء الله اعتراض بين المفعولين (ولا أعصي لك أمرًا) عطف على صابرًا أي ستجدني صابرًا أو غير عاصٍ، قال القاضي: وتعليق الوعد بالمشيئة إما للتيمن وإما لعلمه بصعوبة الأمر فإن الصبر على خلاف المعتاد شديد (فانطلقا) على الساحل حال كونهما (يمشيان على ساحل البحر ليس لهما سفينة فمرت بهما سفينة فكلموهم) أي موسى والخضر ويوشع كلموا أصحاب السفينة (أن) أي لأن (يحملوهما) أي لأجل حملهم إياهما (فعرف الخضر فحملوهما) أي الخضر وموسى (بغير نول) بفتح النون أي بغير أُجرة ولم يذكر يوشع معهما كما في قوله، فانطلقا يمشيان لأنه تابع غير مقصود بالأصالة، ويحتمل أن يكون يوشع لم يركب معهما لأنه لم يقع له ذكر بعد ذلك وضمه معهما في كلام أهل السفينة لأن المقام يقتضي كلام التابع، لكن في رواية بفرع اليونينية كهي فعرف الخضر فحملوهم بالجمع وهو يقتضي الجزم بركوبه معهما في السفينة (فجاء عصفور) بضم أوّله، وحكى ابن رشيق في كتاب الغرائب فتحه قيل وسمي به لأنه عصى وفرّ قاله الدميري، وقيل إنه الصرد (فوقع على حرف السفينة فنقر نقرة) بالنصب على المصدر (أو نقرتين) عطف عليه (في البحر فقال الخضر يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله) أي من معلومه (إلا كنقرة هذا العصفور في البحر) وعند المؤلف

أيضًا ما علمي وعلمك في جنب علم الله تعالى إلا كما أخذ هذا العصفور بمنقاره من هذا البحر أي في جنب معلوم الله تعالى، وهو أحسن سياقًا من المسوق هنا وأبعد عن الإشكال ومفسر للواقع هنا والعلم يطلق، ويراد به المعلوم بدليل دخول حرف التبعيض وهو من في قوله من علم الله لأن العلم القائم بذات الله تعالى صفة قديمة لا تتبعض، فليس العلم هنا على ظاهره لأن علم الله تعالى لا يدخله نقص، وقيل نقص بمعنى أخذ لأن النقص أخذ خاص فيكون التشبيه واقعًا على الأخذ لا على المأخوذ منه إذ نقص العصفور لا تأثير له فكأنه لم يأخذ شيئًا فهو كقوله: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب أي ليس فيهم عيب. وقيل: هذا الطائر من الطيور التي تعلو مناقيرها بحيث لا يعلق بها ماء البتة، (فعمد الخضر) بفتح الميم كضرب (إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه) بفأس فانخرقت ودخل الماء (فقال) له (موسى) عليه السلام هؤلاء (قوم حملونا بغير نول) بفتح أوّله أي بغير أجر (عمدت) بفتح الميم (إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق) بضم المثناة الفوقية وكسر الراء على الخطاب مضارع أغرق أي لأن تغرق (أهلها) نصب على المفعولية ولا ريب أن خرقها سبب لدخول الماء فيها المفضي إلى غرق أهلها. وفي رواية ليغرق بفتح المثناة التحتية وفتح الراء على الغيب مضارع غرق أهلها بالرفع على الفاعلية. (قال) الخضر (ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا) ذكره بما قال له قبل (قال) موسى (لا تؤاخذني بما نسيت) أي بالذي نسيته أو بنسياني أو بشيء نسيته يعني وصيته بأن لا يعترض عليه وهو اعتذار بالنسيان أخرجه في معرض النهي عن المؤاخذة مع قيام المانع لها زاد في رواية أبوي ذر والوقت: ولا ترهقني من أمري عسرًا أي ولا تغشني عسرًا من أمري بالمضايقة والمؤاخذة على المنسي فإن ذلك يعسر على متابعتك، (فكانت) المسألة (الأولى من موسى) عليه السلام (نسيانًا) بالنصب خبر كان، (فانطلقا) بعد خروجهما من السفينة (فإذا غلام) بالرفع مبتدأ لكونه تخصص بالصفة وهو قوله: (يلعب مع الغلمان) والخبر محذوف والغلام اسم للمولود إلى أن يبلغ، وكان الغلمان عشرة وكان الغلام أظرفهم وأوضأهم، واسم الغلام حيسون أو حيسور. وعن الضحاك يعمل بالفساد ويتأذّى منه أبواه، وعن الكلبي يسرق المتاع بالليل فإذا أصبح لجأ إلى أبويه فيقولان لقد بات عندنا، (فأخذ الخضر برأسه من أعلاه) أي جرّ الغلام برأسه (فاقتلع رأسه بيده) وعنده في بدء الخلق فأخذ الخضر برأسه فقطعه هكذا وأومأ سفيان بأطراف أصابعه كأنه يقطف شيئًا. وعن الكلبي صرعه ثم نزع رأسه من جسده فقتله، والفاء في اقتلع للدلالة على أنه لما رآه اقتلع رأسه من غير تروٍّ واستكشاف حال (فقال موسى) للخضر عليه السلام: (أقتلت نفسًا زكية) بتشديد الياء أي طاهرة من الذنوب وهي أبلغ من زاكية بالتخفيف. وقال أبو عمرو بن العلاء: الزاكية التي لم تذنب قطّ. والزكية التي أذنبت ثم غفرت، ولذا اختار قراءة التخفيف فإنها كانت صغيرة لم تبلغ الحلم، وزعم قوم أنه كان بالغًا يعمل بالفساد واحتجوا بقوله: (بغير نفس) والقصاص إنما يكون في حق البالغ ولم يرها قد أذنبت ذنبًا يقتضي قتلها أو قتلت نفسًا فتقاد به نبّه به على أن القتل إنما يباح حدًّا أو قصاصًا، وكلا الأمرين منتفٍ. والهمزة في أقتلت ليست للاستفهام الحقيقي فهي كهي في قوله تعالى: {ألم يجدك يتيمًا فآوى} وكان قتل الغلام في أبلة بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام المفتوحة بعدها هاء مدينة قرب بصرة وعبادان (قال) الخضر لموسى عليهما السلام: (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا) بزيادة لك في هذه المرة زيادة في المكافحة بالعتاب على رفض الوصية والوسم بقلة الثبات والصبر لما تكرر منه الاشمئزاز والاستنكار ولم يرعو بالتذكير أوّل مرة حتى زاد في الاستكثار ثاني مرة (قال ابن عيينة) سفيان (وهذا أوكد) واستدل عليه بزيادة لك في هذه المرة (فانطلقا حتى أتيا) وفي رواية غير أبي ذر حتى إذا أتيا موافقة للتنزيل (أهل قرية) هي أنطاكية أو أبلة أو ناصرة أو برقة أو غيرهن فلما وافياها بعد غروب الشمس (استطعما أهلها) واستضافوهم

45 - باب من سأل وهو قائم عالما جالسا

(فأبوا أن يضيفوهما) ولم يجدوا في تلك القرية قرى ولا مأوى وكانت ليلة باردة (فوجدا فيها) أي في القرية (جدارًا) على شاطئ الطريق وكان سمكه مائتي ذراع بذراع تلك القرية وطوله على وجه الأرض خمسمائة ذراع وعرضه خمسون ذراعًا (يريد أن ينقض) أي يسقط فاستعيرت الإرادة للمشارفة وإلا فالجدار لا إرادة له حقيقة. وكان أهل القرية يمرون تحته على خوف (قال الخضر بيده) أي أشار بها وفي رواية قال فمسح بيده (فأقامه) وقيل نقضه وبناه وقيل بعمود عمده به، وفيه إطلاق القول على الفعل. وفي رواية أبي ذر والمستملي يريد أن ينقض فأقامه (قال موسى) وفي رواية غير أبي ذر فقال له موسى أي للخضر (لو شئث لاتخذت) بهمزة وصل وتشديد التاء وفتح الخاء على وزن افتعلت من تخذ كاتبع من تبع وليس من الأخذ عند البصريين، وفي رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر لتخذت أي لأخذت (عليه أجرًا) فيكون لنا قوتًا وبلغة على سفرنا، قال القاضي: كأنه لما رأى الحرمان ومساس الحاجة واشتغاله بما لا يعنيه لم يتمالك نفسه. (قال) الخضر لموسى عليه السلام: (هذا فراق بيني وبينك) بإضافة الفراق إلى البين إضافة المصدر إلى الظرف على الاتّساع والإشارة في قوله هذا إلى الفراق الموعود بقوله: فلا تصاحبني أو تكون الإشارة إلى السؤال الثالث أي هذا الاعتراض سبب للفراق أو إلى الوقت أي هذا الوقت وقت الفراق. (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يرحم الله موسى) إنشاء بلفظ الخبر (لوددنا) بكسر الدال الأول وسكون الثانية أي والله لوددنا (لو صبر) أي صبره لأنه لو صبر لأبصر أعجب الأعاجيب (حتى يقص) على صيغة المجهول (علينا من أمرهما) مفعول لم يسم فاعله، وفي هذه القصة حجة على صحة الاعتراض بالشرع على ما لا يسوغ فيه. ولو كان مستقيمًا في باطن الأمر على أنه ليس في شيء مما فعله الخضر مناقضة للشرع، فإن نقض لوح السفينة لدفع الظالم عن غصبها ثم إذا تركها أعيد اللوح جائز شرعًا وعقلاً، ولكن مبادرة موسى بالإنكار بحسب الظاهر وقد وقع ذلك صريحًا عند مسلم، ولفظه: فإذا جاء الذي يسخرها وجدها منخرقة. وأما قتله الغلام فلعله كان تلك الشريعة. وقد حكى القرطبي عن صاحب العرس والعرائس أن موسى لما قال للخضر: أقتلت نفسًا زاكية اقتلع الخضر كتف الصبي الأيسر وقشر عنه اللحم فإذا في عظم كتفه كافر لا يؤمن بالله أبدًا. وفي مسلم وأما الغلام فطبع يوم طبع كافرًا لا يؤمن بالله، وأما إقامة الجدار فمن باب مقابلة الإساءة بالإحسان. وهذا الحديث أخرجه البخاري في أكثر من عشرة مواضع، وفيه رواية تابعي عن تابعي وصحابي عن صحابي، وفيه التحديث والإخبار بصيغة الإفراد والسؤال. 45 - باب مَنْ سَأَلَ وَهْوَ قَائِمٌ عَالِمًا جَالِسًا هذا (باب من سأل وهو قائم عالمًا جالسًا) بالنصب صفة لعالمًا المنصوب على المفعولية بسأل ومن موصول والواو للحال، والمراد جواز فعل ذلك إذا أمنت النفس فيه من الإعجاب وليس هو من باب من يتمثل له الناس قيامًا. 123 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْقِتَالُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَإِنَّ أَحَدَنَا يُقَاتِلُ غَضَبًا وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً. فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ -قَالَ: وَمَا رَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا- فَقَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». [الحديث 123 - أطرافه في: 2810، 3126، 7458]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عثمان) بن أبي شيبة (قال: أخبرني) بالإفراد وفي رواية حدّثنا (جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) هو شقيق بن سلمة (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه (قال): (جاء رجل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله ما القتال في سبيل الله) مبتدأ وخبره وقع مقول القول، (فإن أحدنا يقاتل غضبًا) نصب مفعول له والغضب حالة تحصل عند غليان الدم في القلب لإرادة الانتقام، (ويقاتل حمية) نصب مفعول له أيضًا وهو بفتح الحاء وكسر الميم وتشديد المثناة التحتية وهي الأنفة من الشيء أو المحافظة على الحرم. (فرفع) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إليه) أي إلى السائل (رأسه) الشريف (قال) أبو موسى أو من دونه: (وما رفع إليه رأسه إلا أنه) أي السائل (كان قائمًا) أي ما رفع لأمر من الأمور إلا لقيام الرجل فإن واسمها وخبرها في تقدير المصدر وفيه جواز وقوف المستفتي لعذر أو لحاجة (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من قاتل) بمقتضى القوّة العقلية (لتكون) أي لأن تكون (كلمة الله) أي دعوته إلى الإسلام

46 - باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار

أو كلمة الإخلاص (هي العليا) لا من قاتل عن مقتضى القوّة الغضبية أو الشهوانية (فهو في سبيل الله عز وجل) ويدخل فيه من قاتل لطلب الثواب ورضاء الله فإنه من إعلاء كلمة الله، وقد جمع هذا الجواب معنى السؤال لا بلفظه لأن الغضب والحمية قد يكونان لله تعالى أو لغرض الدنيا فأجاب عليه السلام بالمعنى مختصرًا إذ لو ذهب يقسم وجوه الغضب لطال ذلك ولخشي أن يلبس عليه. فإن قلت: السؤال عن ماهية القتال والجواب ليس عنها بل عن المقاتل. أجيب: بأن فيه الجواب وزيادة أوان القتال بمعنى اسم الفاعل أي المقاتل بقرينة لفظ فإن أحدنا ويكون عبّر بما عن العاقل. 46 - باب السُّؤَالِ وَالْفُتْيَا عِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ هذا (باب السؤال) من جهة المستفتي (والفتيا) بضم الفاء من جهة المفتي (عند رمي الجمار) الكائنة بمعنى. 124 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ الْجَمْرَةِ وَهُوَ يُسْأَلُ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ. قَالَ: ارْمِ وَلاَ حَرَجَ. قَالَ آخَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ. قَالَ: انْحَرْ وَلاَ حَرَجَ. فَمَا سُئِلَ عَنْ شَىْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ». وبالسند إلى المؤلف رحمه الله قال: (حدّثنا أبو نعيم) بضم النون وفتح العين الفضل بن دكين (قال: حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة) نسبه لجده لشهرته به وإلا فأبوه عبد الله واسم أبي سلمة الماجشون بفتح الجيم وكسرها (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي التيمي (عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص رضي الله عنهما (قال): (رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند الجمرة) أي جمرة العقبة لأنها المقصودة عند الإطلاق فأل للعهد (وهو يسأل) بضم أوّله على صيغة المجهول (فقال رجل: يا رسول الله نحرت) الإبل (قبل أن أرمي قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي رواية الأصيلي وأبي الوقت فقال: (ارم ولا حرج) عليك. (قال آخر) وفي رواية الأصيلي فقال، وفي أخرى وقال وكلاهما للعطف على السابق (يا رسول الله حلقت) رأسي (قبل أن أنحر قال) عليه الصلاة والسلام: (انحر ولا حرج) عليك (فما سئل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن شيء) من المناسك (قدّم ولا أخّر إلا قال افعل ولا حرج) واعترض على الترجمة بأنه ليس في الخبر أن المسألة وقعت في خلال الرمي بل فيه أنه كان واقفًا عندها فقط وأجيب بأن المصنف كثيرًا ما يتمسك بالعموم فوقوع السؤال عند الجمرة أعمّ من أن يكون في حال اشتغاله بالرمي أو بعد الفراغ منه أو يقال: إن كونه عند الجمرة قرينة أنه كان يرمي أو في الذكر المقول عندها. 47 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} هذا (باب قول الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء: 85] وسقط لفظ باب للأصيلي. 125 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي خَرِبِ الْمَدِينَةِ -وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ- فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ تَسْأَلُوهُ، لاَ يَجِيءُ فِيهِ بِشَىْءٍ تَكْرَهُونَهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَنَسْأَلَنَّهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا الرُّوحُ؟ فَسَكَتَ. فَقُلْتُ: إِنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ، فَقُمْتُ. فَلَمَّا انْجَلَى عَنْهُ قَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}. قَالَ الأَعْمَشُ: هَكَذَا فِي قِرَاءَتِنَا. [الحديث 125 - أطرافه في: 4721، 7297، 7456، 7462]. وبالسند إلى المؤلف رحمه الله تعالى قال: (حدّثنا قيس بن حفص) هو ابن القعقاع الدارمي، المتوفى سنة سبع وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا عبد الواحد) بن زياد البصري (قال: حدّثنا الأعمش سليمان) زاد في رواية ابن عساكر بن مهران (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه (قال): (بينا أنا أمشي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في خرب المدينة) بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء آخره موحدة، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني بكسر ثم فتح جمع خربة وكلاهما في فرع اليونينية بل الأول في الأصل والثاني في هامشه مرقوم عليه علامة أبي ذر والكشميهني وعزا العيني الأول لضبط بعضهم أخذًا عن بعض الشارحين، ورده بأنه ليس بجمع خربة كما زعموا، وإنما جمع خربة خرب ككلمة وكلم كما ذكره الصغاني، وعند المؤلف في موضع آخر بالحاء المهملة المفتوحة وإسكان الراء وبالمثلثة آخره (وهو) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يتوكأ) جملة اسمية وقعت حالاً أي يعتمد (على عسيب) بفتح الأوّل وكسر الثاني المهملتين وسكون المثناة التحتية آخره موحدة أي عصا من جريد النخل (معه) صفة لعسيب (فمر بنفر) بفتح الفاء عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة (من اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه) أي النبي -صلى لله عليه وسلم- (عن الروح. وقال) وفي رواية أبي الوقت فقال (بعضهم لا تسألوه لا يجيء فيه بشيء تكرهونه) برفع يجيء على الاستئناف، وهو الذي في الفرع فقط والمعنى لا يجيء فيه بشيء تكرهونه وبجزمه على جواب النهي. قال ابن حجر: وهو الذي في روايتنا والمعنى لا تسألوه لا يجيء بمكروه وبنصبه على معنى لا تسألوه خشية أن يجيء فيه بشيء ولا زائدة وهو ماشٍ

48 - باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه

على مذهب الكوفيين (فقال بعضهم) لبعض: والله (لنسألنه) عنها (فقام رجل منهم فقال: يا أبا القاسم ما الروح)؟ وسؤالهم بقولهم ما الروح مشكل إذ لا يعلم مرادهم لأن الروح جاء في التنزيل على معانٍ منها القرآن وجبريل أو ملك غيره وعيسى، لكن الأكثرون على أنهم سألوه عن حقيقة الروح الذي في الحيوان. وروي أن اليهود قالوا لقريش: إن فسر الروح فليس بنبي، ولذا قال بعضهم لا تسألوه لا يجيء بشيء تكرهونه أي إن لم يفسره لأنه يدل على نبوّته وهم يكرهونها. (فسكت) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما سألوه. قال ابن مسعود (فقلت إنه يوحى إليه فقمت) حتى لا أكون مشوّشًا عليه أو فقمت حائلاً بينه وبينهم (فلما انجلى عنه) أي انكشف عنه عليه الصلاة والسلام الكرب الذي كان يتغشاه حال الوحي (فقال) وفي رواية الأربعة قال: (ويسألونك) بإثبات الواو كالتنزيل وفي رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر: يسألونك (عن الروح قل الروح من أمر ربي) أي من الإبداعيات الكائنة بكن من غير مادة وتولد من أصل، واقتصر على هذا الجواب كما اقتصر موسى عليه السلام في جواب {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 23] بذكر بعض صفاته إذ الروح لدقته لا تمكن معرفة ذاته إلا بعوارض تميزه عما يلتبس، فلذلك اقتصر على هذا الجواب، ولم يبين الماهية لكونها مما استأثر الله بعلمها، ولأن في عدم بيانها تصديقًا لنبوّة نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد كثر اختلاف العلماء والحكماء قديمًا وحديثًا في الروح وأطلقوا أعنّة النظر في شرحه وخاضوا في غمرات ماهيته، والذي اعتمد عليه عامّة المتكلمين من أهل السُّنَّة أنه جسم لطيف في البدن سار فيه سريان ماء الورد فيه، وعن الأشعري النفس الداخل الخارج. (وما أُوتوا) بصيغة الغائب في أكثر نسخ الصحيحين (من العلم إلا) علمًا أو إيتاء (قليلاً) أو إلا قليلاً منكم أي بالنسبة إلى معلومات الله تعالى التي لا نهاية لها (قال الأعمش) سليمان بن مهران: (هكذا في) وفي رواية الحموي والمستملي هكذا هي في (قراءتنا) أي أُوتوا بصيغة الغائب. قال ابن حجر: وقد أغفلها أبو عبيد في كتاب القراءات له من قراءة الأعمش اهـ. وليست في طرق مجموعي المفرد في فنون القراءات عن الأعمش وهي مخالفة لخط المصحف وفي رواية وما أُوتيتم بالخطاب موافقة للمرسوم وهو خطاب عامّ أو خاصّ باليهود، ويأتي البحث -إن شاء الله تعالى- في الروح في كتاب التفسير، والله الموفّق والمعين والحمد لله وحده. 48 - باب مَنْ تَرَكَ بَعْضَ الاِخْتِيَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَقْصُرَ فَهْمُ بَعْضِ النَّاسِ عَنْهُ فَيَقَعُوا فِي أَشَدَّ مِنْهُ (باب من) أي الذي (ترك بعض الاختيار) أي فعل الشيء المختار أو الإعلام به (مخافة) بغير تنوين أي لأجل خوف (أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا) نصب بإسقاط النون عطفًا على المضارع المنصوب بأن (في أشد منه) أي من ترك الاختيار وفي رواية الأصيلي في أشرّ بالراء، وفي أخرى لأبي ذر عن الكشميهني في شرّ منه بالراء مع إسقاط الهمزة. 126 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ الزُّبَيْرِ: كَانَتْ عَائِشَةُ تُسِرُّ إِلَيْكَ كَثِيرًا، فَمَا حَدَّثَتْكَ فِي الْكَعْبَةِ؟ قُلْتُ: قَالَتْ لِي: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا عَائِشَةُ لَوْلاَ قَوْمُكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ -قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: بِكُفْرٍ- لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ فَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ: بَابٌ يَدْخُلُ النَّاسُ، وَبَابٌ يَخْرُجُونَ». فَفَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ. [الحديث 126 - أطرافه في: 1583، 1584، 1585، 1586، 3368، 4484، 7243]. وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن موسى) العبسي مولاهم الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة نسبة إلى سبيع بن سبع، المتوفى سنة ستين ومائة (عن) جده (أبي إسحاق عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي أدرك الزمن النبوي وليست له رؤية، وتوفي بالكوفة سنة خمس وسبعين أنه (قال): (قال لي ابن الزبير) عبد الله الصحابي المشهور (كانت عائشة) رضي الله تعالى عنها (تسرّ إليك) أسرارًا (كثيرًا) من الإسرار ضد الإعلان، وفي رواية ابن عساكر تسرّ إليك حديثًا كثيرًا. فإن قلت: قوله كانت للماضي وتسر للمضارع فكيف اجتمعا؟ أجيب: بأن تسر تفيد الاستمرار وذكر بلفظ المضارع استحضارًا لصورة الإسرار. (فما حدّثتك في) شأن (الكعبة)؟ قال الأسود: (قلت) وفي رواية أبي ذر فقلت (قالت ليس قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا عائشة لولا قومك حديث عهدهم) بتنوين حديث ورفع عهدهم على إعمال الصفة (قال) وفي رواية الأصيلي فقال (ابن الزبير بكفر) كان الأسود نسي قولها بكفر فذكره ابن الزبير، وأما التالي الخ فيحتمل أن يكون مما نسي أيضًا أو مما ذكر، ورواه الإسماعيلي من طريق زهير بن معاوية عن أبي إسحاق بلفظ قلت حدّثني حديثًا حفظت أوله ونسيت آخره، وللترمذي كالمؤلف في الحج بجاهلية

49 - باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا

بدل قوله بكفر (لنقضت الكعبة) جواب لولا (فجعلت لها بابين باب يدخل) منه (الناس وباب يخرجون) منه ولأبي ذر بابًا في الموضعين بالنصب على أنه بدل أو بيان لبابين وضمير المفعول محذوف من يدخل ويخرجون. وفي رواية الحموي والمستملي كما في فرع اليونينية إثبات ضمير الثاني يخرجون منه وهي منازعة الفعلين (ففعله) أي النقص المذكور والبابين (ابن الزبير) وهذه المرة الرابعة من بناء البيت ثم بناه الخامسة الحجاج، واستمر. وقد تضمن الحديث معنى ما ترجم له لأن قريشًا كانت تعظم أمر الكعبة جدًّا فخشي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يظنوا لأجل قرب عهدهم بالإسلام أنه غير بناءها لينفرد بالفخر عليهم في ذلك. 49 - باب مَنْ خَصَّ بِالْعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ كَرَاهِيَةَ أَنْ لاَ يَفْهَمُوا وَقَالَ عَلِيٌّ: حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟. هذا (باب من خص بالعلم قومًا دون قوم) أي سوى قوم لا بمعنى إلا دون (كراهية) بتخفيف الياء والنصب على التعليل مضاف لقوله (أن لا يفهموا) وأن مصدرية، والتقدير لأجل كراهية عدم فهم القوم الذين هم سوى القوم الذين خصّهم بالعلم. ولفظ "أن" ساقط للأصيلي، وهذه الترجمة قريبة من السابقة لكنها في الأفعال وهذه في الأقوال (وقال علي) أي ابن أبي طالب رضي الله عنه (حدّثوا) بصيغة الأمر أي كلموا (الناس بما يعرفون) ويدركون بعقولهم ودعوا ما يشتبه عليهم فهمه (أتحبون) بالخطاب (أن يكذب الله ورسوله) لأن الإنسان إذا سمع ما لا يفهمه وما لا يتصوّر إمكانه اعتقد استحالته جهلاً فلا يصدق وجوده، فإذا أسند إلى الله تعالى ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لزم ذلك المحذور ويكذب بفتح الذال على صيغة المجهول. 127 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيٍّ بِذَلِكَ. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن موسى) العبسي مولاهم، وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني حدّثنا به (عن معروف بن خربوذ) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء المفتوحة وضم الموحدة آخره ذال معجمة مصروف باليونينية المكي مولى قريش ضعفه ابن معين، وليس له عند المؤلف سوى هذا الحديث وسقط في رواية أبي ذر وابن عساكر والأصيلي لفظ ابن خربوذ، (عن أبي الطفيل) بضم الطاء وفتح الفاء عامر بن واثلة وهو آخر الصحابة موتًا (عن عليّ بذلك) وللأصيلي زيادة ابن أبي طالب أي بالأثر المذكور، وهذا الإسناد من عوالي المؤلف لأنه يلتحق بالثلاثيات من جهة أن الراوي الثالث، وهو أبو الطفيل صحابي، وأخّر المؤلف هنا السند عن المتن ليميز بين طريقة إسناد الحديث وإسناد الأثر أو لضعف الإسناد بسبب ابن خربوذ أو للتفنّن وبيان الجواز، ومن ثم وقع في بعض النسخ مقدمًا وقد سقط هذا الأثر كله من رواية الكشميهني. 128 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَمُعَاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ- قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ. قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ. قَالَ: يَا مُعَاذُ. قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ (ثَلاَثًا). قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: إِذًا يَتَّكِلُوا». وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا. [الحديث 128 - طرفه في: 129]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (قال: حدّثنا) وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي أخبرنا (معاذ بن هشام) أي ابن أبي عبد الله الدستوائي، المتوفى بالبصرة سنة مائتين (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) هشام (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: حدّثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه. (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعاذ) أي ابن جبل (رديفه) أي راكب خلفه (على الرحل) بفتح الراء سكون الحاء المهملتين وهو للبعير أصغر من القتب، وعند المؤلف في الجهاد أنه كان على حمار (قال يا معاذ بن جبل) بضم معاذ منادى مفرد علم، واختاره ابن مالك لعدم احتياجه إلى تقدير ونصبه على أنه مع ما بعده كاسم واحد مركب كأنه أضيف، وهذا اختاره ابن الحاجب والنادى المضاف منصوب فقط (قال) أي معاذ (لبيك يا رسول الله وسعديك، قال) عليه الصلاة والسلام: (يا معاذ. قال) معاذ: (لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثًا) يعني أن نداءه عليه الصلاة والسلام لمعاذ وإجابة معاذ قيل ثلاثًا (قال: ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله) شهادة (صدقًا من قلبه إلا حرمه الله على النار) والجار والمجرور الأول وهو من قلبه يتعلق بقوله صدقًا أو بقوله يشهد، فعلى الأول الشهادة لفظية أي يشهد بلفظه ويصدق بقلبه، وعلى الثاني قلبية أي يشهد بقلبه ويصدّق بلسانه واحترز به عن شهادة المنافقين. فإن قلت: إن ظاهر هذا يقتضي عدم دخول

50 - باب الحياء في العلم

جميع من شهد الشهادتين النار لما فيه من التعميم والتأكيد وهو مصادم للأدلة القطعية الدالّة على دخول طائفة من عصاة الموحدين النار ثم يخرجون بالشفاعة؟ أجيب: بأن هذا مقيد بمن يأتي بالشهادتين تائبًا ثم يموت على ذلك، أو أن المراد بالتحريم هنا تحريم الخلود لا أصل الدخول أو أنه خرج مخرج الغالب إذ الغالب أن الموحد يعمل بالطاعات ويجتنب المعاصي، أو من قال ذلك مؤديًا حقه وفرضه، أو المراد تحريم النار على اللسان الناطق بالشهادتين كتحريم مواضع السجود. (قال) معاذ (يا رسول الله أفلا) بهمزة الاستفهام وفاء العطف الحذوف معطوفها والتقدير أقلت ذلك فلا (أخبر به الناس فيستبشروا) نصب بحذف النون والتقدير فأن يستبشروا، ولأبي ذر فيستبشرون بالنون أي فهم يستبشرون. (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذًا) أي إن أخبرتهم (يتَّكلوا) بتشديد المثناة الفوقية أي يعتمدوا على الشهادة المجردة، وللكشميهني ينكلوا بنون ساكنة وضم الكاف من النكول وهو الامتناع أي يمتنعوا عن العمل اعتمادًا على مجرد التلفّظ بالشهادتين (وأخبر) وفي رواية أخبر بغير واو (بها معاذ عند موته) أي موت معاذ (تأثمًا) بفتح المثناة الفوقية والهمزة وتشديد المثلثة نصب على أنه مفعول له أي تجنبًا عن الإثم إن كتم ما أمر الله بتبليغه حيث قال: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]. فإن قلت: سلمنا أنه تأثم من الكتمان، فكيف لا يتأثم من مخالفة الرسول عليه الصلاة والسلام في التبشير؟ أجيب بأن النهي كان مقيدًا بالاتكال، فأخبر به من لا يخشى عليه ذلك أو أن النهي إنما كان للتنزيه لا للتحريم، وإلاّ لما كان يخبر به أصلاً. وقد روى البزار من حديث أبي سعيد الخدري في هذه القصة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أذن لمعاذ في التبشير فلقيه عمر رضي الله عنه فقال: لا تعجل ثم دخل فقال: يا نبي الله أنت أفضل رأيًا لأن الناس إذا سمعوا ذلك اتكلوا عليها. قال: فرده فرده. وقد تضمن هذا الحديث أن يخص بالعلم قوم فيهم الضبط وصحة الفهم ولا يبذل المعنى اللطيف لمن لا يستأهله ومن يخاف عليه الترخيص، والاتكال لتقصير فهمه وهو مطابق لما ترجم له المؤلف. 129 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ: ذُكِرَ لِي أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِمُعَاذٍ: «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ». قَالَ: أَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «لاَ. إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَّكِلُوا». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان بن طرخان البصري نزيل بني تميم، المتوفى بالبصرة سنة سبع وثمانين ومائة (قال: سمعت أبي) سليمان المتوفى بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائة (قال: سمعت أنسًا) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر أنس بن مالك (قال ذكر لي) على صيغة المجهول ولم يسمّ أنس من ذكر له ذلك وهو غير قادح في صحة الحديث لأن متنه ثابت من طريق أخرى، وأيضًا فأنس لا يروي إلا عن عدل صحابي أو غيره فلا تضر الجهالة هنا، ويحتمل أن يكون عمرو بن ميمون أو عبد الرحمن بن سلمة. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لمعاذ): زاد في رواية غير أبوي ذر والوقت ابن جبل ومقول القول (من لقي الله) أي مات حال كونه (لا يشرك به شيئًا) حين الموت (دخل الجنة) وإن لم يعمل صالحًاً إما قبل دخوله النار أو بعده بفضل الله ورحمته، واقتصر على نفي الإشراك لأنه يستدعي التوحيد بالاقتضاء ولم يذكر إثبات الرسالة لأن نفي الإشراك يستدعي إثباتها للزوم أن من كذب رسل الله فقد كذب الله ومن كذب الله فهو كافر أو هو نحو من توضأ صحت صلاته أي عند وجود سائر الشروط فالمراد من لقي الله موحدًا بسائر ما يجب الإيمان به (قال) معاذ وفي رواية أبي ذر فقال: (ألا أبشر الناس) بذلك (قال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا) تبشرهم ثم استأنف فقال (أخاف أن يتكلوا) بتشديد المثناة الفوقية أي أخاف اتكالهم على مجرد التوحيد، وفي رواية كريمة وأبي الوقت قال: لا إني أخاف، وعلى الرواية الأولى ليست كلمة النهي داخلة على أخاف فافهم. 50 - باب الْحَيَاءِ فِي الْعِلْمِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لاَ يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ مُسْتَحْيٍ وَلاَ مُسْتَكْبِرٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ، لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ. هذا (باب الحياء) بالمد (في) تعلم (العلم) وتعليمه (وقال مجاهد) أي ابن جبر التابعي الكبير مما وصله أبو نعيم في الحلية من طريق علي بن المديني عن ابن عيينة من منصور عنه بإسناد صحيح على شرط المؤلف، (لا يتعلم العلم مستحييٍ) بإسكان الحاء وبياءين أخيرتهما ساكنة من

استحيا يستحيي على وزن يستفعل، ويجوز فيه مستحي أي بياء واحدة من استحى يستحي على وزن مستفع، ويجوز مستح من غير ياء على وزن مستف (ولا مستكبر) يتعاظم ويستنكف أن يتعلم العلم ويستكثر منه وهو أعظم آفات العلم، فالحياء هنا مذموم لكونه سببًا لترك أمر شرعي وليست لا ناهية بل نافية ومن ثم كانت ميم يتعلم مضمومة. (وقالت عائشة) رضي الله عنها مما وصله مسلم (نعم النساء نساء الأنصار) برفع نساء في الموضعين، فالأولى على الفاعلية، والثانية على أنها مخصوصة بالمدح والمراد من نساء الأنصار نساء أهل المدينة (لم يمنعهن الحياء) عن (أن يتفقهن) أي عن التفقه (في) أمور (الدين). 130 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: «جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ. فَغَطَّتْ أُمُّ سَلَمَةَ -تَعْنِي وَجْهَهَا- وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ، فَبِمَ يُشْبِهُهَا وَلَدُهَا؟». [الحديث 130 - أطرافه في: 282، 3328، 6091، 6121]. وبالسند إلى المؤلف قال (حدّثنا محمد بن سلام) بتخفيف اللام على الأشهر واقتصر عليه في فرع اليونينية وهو البيكندي (قال: أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم بمعجمتين الضرير التيمي (قال: حدّثنا هشام) وفي رواية ابن عساكر بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن زينب ابنة) وفي رواية الأربعة بنت (أم سلمة) وأبوها عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، توفيت سنة ثلاث وسبعين ونسبت لأمها أم المؤمنين أم سلمة بيانًا لشرفها لأنها ربيبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن أم سلمة) هند بنت أبي أمية زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، رضي الله عنها أنها (قالت): (جاءت أُم سليم) بضم المهملة وفتح اللام بنت ملحان بكسر الميم وسكون اللام وبالحاء المهملة والنون النجارية الأنصارية وهي والدة أنس بن مالك (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق) ليس الاستحياء هنا على بابه، وإنما هو جارٍ على سبيل الاستعارة التبعية التمثيلية أي أن الله لا يمتنع من بيان الحق، فكذا أنا لا أمتنع من سؤالي عما أنا محتاجة إليه، وإنما قالت ذلك بسطًا لعذرها في ذكر ما تستحيي النساء من ذكره عادة بحضرة الرجال لأن نزول المني منهنّ يدل على قوّة شهوتهنّ للرجال (فهل) يجب (على المرأة من غُسل) بضم الغين وفي رواية من غسل بفتحها وهما مصدران عند أكثر أهل اللغة. وقال آخرون بالضم الاسم وبالفتح المصدر وحرف الجر زائد (إذا) هي (احتلمت) أي رأت في منامها أنها تجامع (قال) وفي رواية أبي ذر وابن عساكر فقال (النبي) وفي رواية أبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عليها غسل (إذا) أي حين (رأت الماء) أي المني إذا استيقظت فإذا ظرفية، ويجوز أن تكون شرطية أي إذا رأت وجب عليها الغسل، وجعل رؤية المني شرطًا للغسل يدل على أنها إذا لم ترَ الماء لا غسل عليها. قالت زينب: (فغطت أم سلمة) رضي الله عنها أو قالته أم سلمة على سبيل الالتفات من باب التجريد كأنها جرّدت من نفسها شخصًا فأسندت إليه التغطية إذ الأصل فغطيت قال عروة أو غيره (تعني وجهها) بالمثناة الفوقية ولابن عساكر بالتحتية وعند مسلم من حديث أنس أن ذلك وقع لعائشة أيضًا فيحتمل حضورهما معًا في هذه القصة. (وقالت) أم سلمة (يا رسول الله وتحتلم المرأة) بحذف همزة الاستفهام وللكشميهني أو تحتلم بإثباتها وهو معطوف على مقدّر يقتضيه السياق أي أترى المرأة الماء، وتحتلم؟ (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نعم) تحتلم وترى الماء (تربت يمينك) بكسر الراء والكاف أي افتقرت وصارت على التراب وهي كلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون بها الدعاء على المخاطب. (فبِمَ) بحذف الألف (يشبهها ولدها) وفي حديث أنس في الصحيح: فمن أين يكون الشبه ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر فأيّهما علا أو سبق يكون منه الشبه. وفي هذا الحديث ترك الاستحياء لمن عرضت له مسألة. 131 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَهِيَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَاسْتَحْيَيْتُ. فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا بِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هِيَ النَّخْلَةُ». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي، فَقَالَ: لأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس ابن أُخت إمام دار الهجرة مالك (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار) المشهور (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما ثبت ابن عمرو الترضي لابن عساكر. (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهي) وللأصيلي هي بإسقاط الواو (مثل المسلم) بفتح الميم والمثلثة وفي رواية مثل بكسر الميم وسكون المثلثة (حدّثوني ما هي. فوقع الناس في شجر

51 - باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال

البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة. قال عبد الله: فاستحييت. فقالوا) ولابن عساكر والأصيلي قالوا: (يا رسول الله أخبرنا بها. فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هي النخلة. قال عبد الله فحدّثت أبي) عمر (بما) أي بالذي (وقع في نفسي) من أنها النخلة (فقال: لأن) بفتح اللام (تكون قلتها أحب إلي من أن يكون ليس كذا وكذا) أي من حمر النعم وغيرها. فإن قلت: لم قال قلتها بلفظ الماضي مع قوله تكون بلفظ المضارع وقد كان حقه أن يقول لأن كنت قلت؟ أجيب بأن المعنى لأن تكون في الحال موصوفًا بهذا القول الصادر في الماضي انتهى. وإنما تأسف عمر رضي الله عنه على كون ابنه لم يقل ذلك لتظهر فضيلته فاستلزم حياؤه تفويت ذلك وقد كان يمكنه إذا استحيا إجلالاً لمن هو أكبر منه أن يذكر ذلك لغيره سرًّا ليخبر به عنه فيجمع بين المصلحتين، ومن ثم عقبه المؤلف بقوله: 51 - باب مَنِ اسْتَحْيَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ بِالسُّؤَالِ (باب من استحيا) من العالم أن يسأل منه بنفسه (فأمر غيره بالسؤال) منه ولفظ باب ساقط للأصيلي. 132 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً، فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: «فِيهِ الْوُضُوءُ». [الحديث 132 - طرفاه في: 178، 269]. وبالسند إلى المؤلف رحمه الله قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد (قال: حدّثنا عبد الله بن داود) بن عامر الخريبي نسبة إلى خريبة بضم الخاء المعجمة وفتح الراء وسكون المثناة التحتيه وفتح الموحدة محلة بالبصرة، المتوفى سنة ثلاث عشرة ومائتين (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن منذر) بضم الميم وسكون النون وكسر المعجمة وكنيته أبو يعلى بفتح المثناة التحتية وسكون المهملة وفتح اللام (الثوري) بالمثلثة الكوفي (عن محمد ابن الحنفية) المتوفى سنة ثمانين أو إحدى وثمانين أو أربع عشرة ومائة ودفن بالبقيع والحنفية أمه وهي خولة بنت جعفر الحنفي اليمامي وكانت من سبي بني حنيفة (عن) أبيه (علي) رضي الله عنه، وللأصيلي زيادة ابن أبي طالب (قال): (كنت رجلاً مذّاء) بالمعجمة المشددة للمبالغة في كثرة الذي وهو بإسكان المعجمة الماء الذي يخرج من الرجل عند الملاعبة وهو منصوبة صفة رجلاً المنصوب خبر كان (فأمرت المقداد) بكسر الميم وسكون القاف ابن عمرو زاد في رواية ابن عساكر ابن الأسود وليس بأبيه وإنما رباه أو تبناه أو حالفه أو تزوّج بأمه فنسب إليه، وإنما أبوه عمرو بن ثعلبة البهراني وهو من السابقين إلى الإسلام، المتوفى سنة ثلاث وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه (أن يسأل) أي بأن يسأل (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسأله) عن حكم المذي (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فيه) أي في المذي (الوضوء) لا الغسل وقد استدل بعضهم بهذا الحديث على جواز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع وهو خطأ ففي النسائي أنّ السؤال وقع وعليّ حاضر قاله في الفتح. 52 - باب ذِكْرِ الْعِلْمِ وَالْفُتْيَا فِي الْمَسْجِد هذا (باب) جواز (ذكر العلم والفتيا في المسجد) وإن أدّت المباحثة في ذلك إلى رفع الصوت وسقط لفظ الباب للأصيلي. 133 - حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً قَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنْ أَيْنَ تَأْمُرُنَا أَنْ نُهِلَّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّأْمِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ». وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَيَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَمْ أَفْقَهْ هَذِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 133 - أطرافه في: 1522، 1525، 1527، 1528، 7344]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا) بالجمع وفي رواية المستملي حدّثني (قتيبة) ولغير أبوي ذر والوقت وابن عساكر بن سعيد بكسر العين (قال: حدَّثنا الليث بن سعد) إمام المصريين (قال: حدّثنا نافع) هو ابن سرجس بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم آخره سين مهملة وهو (مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب) المتوفى بالمدينة سنة سبع عشرة ومائة وفي رواية ابن عساكر بإسقاط لفظة ابن الخطاب (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما. (أن رجلاً قام في المسجد) النبوي ولم يعرف اسم الرجل (فقال: يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل)؟ أي بالإهلال وهو رفع الصوت بالتلبية في الحج والمراد به هنا الإحرام مع التلبية والسؤال عن موضع الإحرام وهو الميقات المكاني. (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يهل) بضم الياء أي يحرم (أهل المدينة من ذي الحليفة) بضم المهملة وفتح اللام، (ويهل أهل الشام من الجحفة) بضم الجيم وسكون المهملة، (ويهل أهل نجد) وهو ما ارتفع من أرض تهامة إلى أرض العراق (من قرن) بفتح القاف وسكون الراء وهو جبل مدوّر أملس كأنه هضبة مطل على عرفات، وقوله ويهل في الكل على صورة

53 - باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله

الخبر في الظاهر، والظاهر أن المراد منه الأمر فالتقدير ليهل. (وقال ابن عمر) رضي الله عنهما بواو العطف على لفظ عن عبد الله بن عمر عطفًا من جهة المعنى كأنه قال: قال نافع، قال ابن عمر وسقط الواو للأصيلي وابن عساكر. وقال: (ويزعمون) عطف على مقدر وهو قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك ولا بدّ من هذا التقدير لأن هذه الواو لا تدخل بين القول ومقوله (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ويهل أهل اليمن من يلملم) بفتح المثناة التحتية وفتح اللامين جبل من جبال تهامة على مرحلتين من مكة. (وكان ابن عمر) رضي الله عنهما (يقول لم أفقه) أي لم أفهم (هذه) أي الأخيرة (من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا من شدة تحرّيه وورعه، وأطلق الزعم على القول المحقق لأنه لا يريد من هؤلاء الزاعمين إلا أهل الحجة والعلم بالسُّنَّة، ومحُال أن يقولوا ذلك بآرائهم لأن هذا ليس مما يقال بالرأي وتأتي بقية مباحث الحديث إن شاء الله تعالى في الحج وبالله المستعان. 53 - باب مَنْ أَجَابَ السَّائِلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَه (باب من أجاب السائل بأكثر) وفي رواية ابن عساكر أكثر (مما سأله) فلا يلزم مطابقة الجواب للسؤال بل إذا كان السؤال خاصًّا والجواب عامًّا جاز وأما ما وقع في كلام كثير من أهل الأصول أنَّ الجواب يجب أن يكون مطابقًا للسؤال. فليس المراد بالمطابقة عدم الزيادة، بل المراد أن الجواب يكون مفيدًا للحكم المسؤول عنه ولفظ باب سقط عند الأصيلي. 134 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: «لاَ يَلْبَسِ الْقَمِيصَ وَلاَ الْعِمَامَةَ وَلاَ السَّرَاوِيلَ وَلاَ الْبُرْنُسَ وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ الْوَرْسُ أَوِ الزَّعْفَرَانُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ». [الحديث 134 - أطرافه في: 366، 1542، 1838، 1842، 5794، 5803، 5805، 5806، 5847، 5852]. وبالسند إلى المؤلف رحمه الله قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) بكسر الذال المعجمة والهمزة الساكنة واسمه محمد بن عبد الرحمن المدني (عن نافع) مولى ابن عمر رضي الله عنهما (عن ابن عمر) رضي الله عنهما، (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وعن الزهري) محمد بن مسلم (عن سالم) هو ابن عبد الله (عن ابن عمر) بضم العين وهو والد سالم (عن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي والزهري بإسقاط حرف الجر وكلاهما عطف على قوله عن نافع عن ابن عمر فهما إسنادان أحدهما عن آدم عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر، والآخر عن آدم عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن ابن عمر، وفي بعض النسخ ح للتحويل قبل، وعن الزهري: (أن رجلاً) لم أعرف اسمه (سأله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ما يلبس المحرم) بفتح المثناة التحتية والموحدة مضارع لبس بكسر الموحدة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (لا يلبس) بفتح الأوّل والثالث ويجوز ضم السين على أن لا نافية وكسرها على أنها ناهية، والأوّل لأبي ذر (القميص ولا العمامة) بكسر العين (ولا السراويل ولا البرنس) بضم الموحدة والنون (ولا ثوبًا مسّه الورس) بفتح الواو وسكون الراء آخره مهملة نبت أصفر من اليمن يصبغ به (أو الزعفران) بفتح الزاي والفاء للأصيلي مسّه الزعفران أو الورس (فإن لم يجد النعلين فليلبس الخفّين وليقطعهما) بكسر اللام وسكونها عطف على فليلبس (حتى) أن (يكونا) أي غاية قطعهما (تحت الكعبين). فإن قلت: السؤال قد وقع عما يلبس فكيف أجابه عليه السلام بما لا يلبس؟ أجيب: بأن هذا من بديع كلامه عليه الصلاة السلام وفصاحته لأن المتروك منحصر بخلاف الملبوس، لأن الإباحة هي الأصل فحصر ما يترك ليبيّن أن ما سواه مباح انتهى. وفي هذا الحديث السؤال عن حالة الاختيار فأجابه عليه الصلاة والسلام عنها وزاده حالة الاضطرار في قوله: فإن لم يجد النعلين وليست أجنبية عن السؤال لأن حالة السفر تقتضي ذلك، وتأتي مباحث الحديث إن شاء الله تعالى في الحج بعون الله وقوته وفضله ومنّته. وهذا آخر أحاديث كتاب العلم وعدة المرفوع منها مائة حديث وثلاثة أحاديث. ولما فرغ المؤلف من ذكر أحاديث الوحي الذي هو مادة الأحكام الشرعية وعقبه بالإيمان ثم بالعلم شرع يذكر أقسام العبادات مرتبًا لذلك على ترتيب حديث الصحيحين "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله، وأقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان" قدم الصلاة بعد الشهادتين على غيرها لكونها أفضل العبادات بعد الإيمان، وابتدأ المؤلف بالطهارة

4 - كتاب الوضوء

لأنها مفتاح الصلاة كما في حديث أبي داود بإسناد صحيح ولأنها أعظم شروطها، والشرط مقدّم على المشروط طبعًا فقدّم عليه وضعًا فقال: بسم الله الرحمن الرحيم 4 - كتاب الوضوء (بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الوضوء) وهو بالضم الفعل وبالفتح الماء الذي يتوضأ به، وحكي في كل الفتح والضم وهو مشتق من الوضاءة وهي الحسن والنظافة لأن الصلي يتنظف به فيصير وضيئًا، ولابن عساكر تأخير البسملة عن كتاب الوضوء، ولغير ابن عساكر وأَبي ذر باب بالتنوين في الوضوء. 1 - باب مَا جَاءَ فِي َقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَبَيَّنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً، وَتَوَضَّأَ أَيْضًا مَرَّتَيْنِ، وَثَلاَثًا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ثَلاَثٍ. وَكَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الإِسْرَافَ فِيهِ، وَأَنْ يُجَاوِزُوا فِعْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. هذا (باب ما جاء) من اختلاف العلماء (في) معنى (قول الله تعالى): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} أي مع المرافق، ودلّ على دخولها في الغسل الإجماع، كما استدل به الشافعي في الأم، وفعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما رواه مسلم أن أبا هريرة توضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم اليسرى حتى أشرع في العضد الحديث. وفيه: ثم قال هكذا رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتوضأ، فثبت غسله عليه الصلاة والسلام لها، وفعله بيان للوضوء المأمور به ولم ينقل تركه ذلك، ودل عليه الآية أيضًا بجعل اليد التي هي حقيقة إلى المنكب، وقيل إلى الكوع مجازًا إلى المرفق مع جعل إلى للغاية الداخلة هنا في المغيا أو للمعية كما في {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [الصف: 14] أو بجعل اليد باقية على حقيقتها إلى المنكب مع جعل إلى غاية للغسل أو للترك المقدّر كما قال بكلٍّ منهما جماعة، فعلى الأوّل منهما تدخل الغاية لا لكونها إذا كانت من جنس ما قبلها تدخل كما قيل لعدم اطّراده كما قال التفتازاني وغيره فإنها قد تدخل كما في قرأت القرآن إلى آخره، وقد لا تدخل كما في قرأت القرآن إلى سورة كذا، بل لقرينتي الإجماع والاحتياط للعبادة، قال المتولي: بناء على أنها حقيقة إلى المنكب لو اقتصر على قوله: {وأيديكم} لوجب غسل الجميع، فلما قال: {إلى المرافق} أخرج البعض عن الوجوب فما تحقّقنا خروجه تركناه وما شككنا فيه أوجبناه احتياطًا للعبادة انتهى. المعنى اغسلوا أيديكم من رؤوس أصابعها إلى المرافق، وعلى الثاني تخرج الغاية، والمعنى اغسلوا أيديكم واتركوا منها إلى المرافق {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} بالجر، وللأصيلي بالنصب {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] هل فيه تقدير أو الأمر على ظاهره وعمومه، فقال بالأوّل الأكثرون وأنه مطلق أُريد به التقييد، والمعنى إذا أردتم القيام إلى الصلاة محدثين. وقال الآخرون: بل الأمر على عمومه من غير تقدير حذف إلا أنه في حق المحدث واجب وفي حق غيره مندوب، وقيل كان ذلك في أول الأمر ثم نسخ فصار مندوبًا. واستدلوا له بحديث عبد الله بن حنظلة الأنصاري أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره بالوضوء لكل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر، فلما شق عليه وضع عنه الوضوء إلا من حدث رواه أبو داود وهو ضعيف لقوله عليه الصلاة والسلام: "المائدة من آخر القرآن نزولاً فأحلّوا حلالها وحرّموا حرامها" وافتتح المؤلف رحمه الله الباب بهذه الآية للتبرّك أو لأصالتها في استنباط مسائله وإن كان حق الدليل أن يؤخر عن المدلول لأن الأصل في الدعوى تقديم المدّعى، وعبّر عن إرادة الفعل في قوله: {إذا قمتم} بالفعل المسبب عنها للإيجاز والتنبيه على أن من أراد العبادة ينبغي له أن يبادر إليها بحيث لا ينفك الفعل عن الإرادة. واختلف في موجب الوضوء فصحح في التحقيق والمجموع، وشرح مسلم الحدث والقيام إلى الصلاة معًا وبعضهم القيام إلى الصلاة، ويدل له حديث ابن عباس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة" رواه أصحاب السُّنن. وقال الشيخ أبو علي: الحدث وجوبًا موسعًا وعليه يتمشى نيّة الفرضية قبل الوقت، ويجوز أن يقال ما يعني بها لزوم الإتيان ولهذا يصح من الصبي، بل المعنى إقامة طهارة الحدث المشروطة للصلاة وشروط الشيء تسمى فروضه، وهل الحدث يحل جميع البدن كالجنابة حتى يمنع من مس المصحف بظهره وبطنه، أو مختص بالأعضاء الأربعة؟ خلاف. والأصح الثاني؟ ووقع في رواية الأصيلي ما جاء في قوله الله دون ما قبله، وفي فرع اليونينية كأصلها ما جاء في الوضوء.

2 - باب لا تقبل صلاة بغير طهور

وقال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إلى {الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] ولكريمة باب في الوضوء وقول الله الخ. وفي نسخة صدر بها في فرع اليونينية عقب البسملة كتاب الطهارة باب ما جاء في الوضوء، وهو أنسب من السابق لأن الطهارة أعمّ من الوضوء، والكتاب الذي يذكر فيه نوع من الأنواع ينبغي أن يترجم بنوع عام حتى يشمل جميع ذلك، ولا بدَّ من التقييد بالماء لأن الطهارة تطلق على التراب كما قاله الشافعي، والطهارة بالفتح مصدر طهر بفتح الهاء وضمها والفتح أفصح يطهر بالفتح فيهما وهي لغة النظافة والخلوص من الأدناس حسيّة كالأنجاس أو معنوية كالعيوب يقال: تطهرت بالماء وهم قوم يتطهرون أي يتنزهون عن العيب وشرعًا، كما قال النووي في شرح المهذب رفع حدث أو إزالة نجس، أو ما في معناهما أو على صورتهما كالتيمم والاغتسالات المسنونة وتجديد الوضوء والغسلة الثانية والثالثة ومسح الأُذنين والمضمضة ونحوها من نوافل الطهارة وطهارة المستحاضة وسلس البول. (قال أبو عبد الله) يعني البخاري مما سيأتي موصولاً (وبيَّن) وفي رواية الأصيلي قال: وبين (النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن فرض الوضوء) المجمل في الآية السابقة غسل الأعضاء (مرة) للوجه (مرة) لليد إلى آخره، فالتكرار لإرادة التفصيل والنصب على أنه مفعول مطلق أو على الحال السادّة مسدّ الخبر أي يفعل مرة. وقال في الفتح: وهو في روايتنا بالرفع على الخبرية اهـ. وهو أقرب الأوجه، والأوّل هو الذي في فرع اليونينية فقط. (وتوضأ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أيضًا) وضوءًا (مرتين مرتين) كذا في رواية أبي ذر ولغيره مرتين بغير تكرار، (و) توضأ عليه الصلاة والسلام أيضًا (ثلاثًا) أي ثلاث مرات، وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وثلاثًا بالتكرار (ولم يزد) عليه الصلاة والسلام (على ثلاث) أي ثلاث مرات، بل ورد أنه ذم من زاد عليها كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عند أبي داود وغيره بإسناد جيد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضأ ثلاثًا ثلاثًا ثم قال: "من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم" أي ظلم بالزيادة بإتلاف الماء ووضعه في غير موضعه، وظاهره الذم بالنقص عن الثلاث وهو مشكل. وأجيب: بأن فيه حذفًا تقديره من نقص من واحدة فقد أساء. ويؤيده ما رواه نعيم بن حماد مرفوعًا: "الوضوء مرة ومرتين وثلاثًا فمن نقص من واحدة أو زاد على ثلاث فقد أخطأ". وهو مرسل ورجاله ثقات. وقال في المجموع عن الأصحاب وغيرهم: إنّ المعنى زاد على الثلاث أو نقص منها. قال: واختلف أصحابنا في معنى أساء وظلم، فقيل: أساء في النقص وظلم في الزيادة. فإن الظلم مجاوزة الحدود ووضع الشيء في غير محله، وقيل: عكسه لأن الظلم يستعمل بمعنى النقص لقوله تعالى: {آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف: 33] وقيل: أساء وظلم فيهما. واختاره ابن الصلاح لأنه ظاهر الكلام اهـ. وأجيب أيضًا: بأن الرواة لم يتفقوا على ذكر النقص فيه، بل أكثرهم اقتصر على قوله فمن زاد فقط كما رواه ابن خزيمة في صحيحه وغيره بل عدّ مسلم قوله أو نقص مما أنكر على عمرو بن شعيب، وإنما تحسب غسله إذا استوعب العضو فلو شك في العدد أثناء الوضوء، فقيل: يأخذ بالأكثر حذرًا من زيادة رابعة، والأصح بالأقل كالركعات والشك بعد الفراغ لا عبرة به على الأصح لئلا يؤدّيه الأمر إلى الوسوسة المذمومة، وفي رواية أبي ذر وابن عساكر على ثلاثة بالهاء، والأصل عدمها إذ المعدود مؤنث لكنه أوّله بأشياء، وفي أخرى على ثلاث. (وكره أهل العلم) المجتهدون (الإسراف فيه) كراهة تنزيه وهذا هو الأصح من مذهبنا وعبارة إمامنا الشافعي في الأم: لا أحب أن يزيد المتوضئ على ثلاث، فإن زاد لم أكرهه أي لم أحرمه لأنه قوله: لا أحب يقتضي الكراهة. وقال أحمد وإسحاق وغيرهما: لا تجوز الزيادة على الثلاث، وقال ابن المبارك: لا آمن أن يأثم. ثم عطف المؤلف على السابق لتفسيره قوله (وأن يجاوزوا) أي أهل العلم (فعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، فليس المراد بالإسراف إلا المجاوزة عن فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الثلاث، وفي مصنف ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: ليس بعد الثلاث شيء. 2 - باب لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُور هذا (باب) بالتنوين (لا تقبل) بضم المثناة

الفوقية على ما لم يسم فاعله (صلاة) بالرفع نائب عنه. وفي رواية بفرع اليونينية موافقة لما عند المؤلف في ترك الحيل لا يقبل الله صلاة (بغير طهور) بضم الطاء الفعل الذي هو المصدر، والمراد به ما هو أعم من الوضوء والغسل وبفتحها الماء الذي يتطهر به. وهذه الترجمة لفظ حديث ليس على شرط المؤلف رواه مسلم وغيره من حديث ابن عمر، وقد قال القاضي عياض في شرحه: إنه نص في وجوب الطهارة، وتعقبه أبو عبد الله الأبّي بأن الحديث إنما فيه أنها شرط في القبول والقبول أخصّ من الصحة وشرط الأخص لا يكون شرطًا في الأعم، وإنما كان القبول أخص لأن حصول الثواب على الفعل، والصحة وقوع الفعل مطابقًا للأمر فكل متقبل صحيح دون العكس، والذي ينتفي بانتفاء الشرط الذي هو الطهارة القبول لا الصحة، وإذا لم تنتف الصحة لم يتم الاستدلال بالحديث، والفقهاء يحتجون به وفيه من البحث ما سمعت. فإن قلت إذا فسرت الصحة بأنها وقوع الفعل مطابقًا للأمر فالقواعد تدل على أن الفعل إذا وقع مطابقًا للأمر كان سببًا في حصول الثواب، قلت: غرضنا إبطال التمسك بالحديث من قبل االشرطية وقد اتّضح، ثم نمنع أنها سبب في حصول الثواب لأن الأعم ليس سببًا في حصول أخصه المعين انتهى. ويجاب بأن المراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الأجزاء، وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة، ولما كان الإتيان بشروطها مظنة الأجزاء الذي القبول ثمرته عبّر عنه بالقبول مجازًا لأن الغرض من الصحة مطابقة العبادة للأمر، وإذا حصل ذلك ترتب عليه القبول، وإذا انتفى القبول انتفت الصحة لما قام من الأدلة على كون القبول من لوازمها، فإذا انتفى انتفت. وأما القبول النفي في نحو قوله: من أتى عرّافًا لم يقبل له صلاة فهو الحقيقي لأنه قد يصح العمل ويتخلّف القبول، ولهذا كان بعض السلف يقول لأن تقبل لي صلاة واحدة أحبّ إلي من جميع الدنيا. قال ابن عمر: لأن الله تعالى قال: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين} [المائدة: 27]. 135 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ». قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ. [الحديث 135 - طرفه في: 6954]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) بالظاء المعجمة (قال: أخبرنا عبد الرزاق) بن همام (قال: أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام بن منبه) بتشديد ميم الأوّل وضم ميم الثاني وفتح النون وتشديد الموحدة المكسورة (أنّه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول): (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تقبل) بضم المثناة الفوقية (صلاة من) أي الذي (أحدث) وصلاة بالرفع نائب عن الفاعل وفي رواية لا يقبل الله بالنصب على المفعولية من أحدث أي وجد منه الحدث الأكبر كالجنابة والحيض والأصغر الناقض للوضوء (حتى) أي إلى أن (يتوضأ) بالماء أو ما يقوم مقامه فيقبل حينئذ. قال في المصابيح، قال لي بعض الفضلاء: يلزم من حديث أبي هريرة أن الصلاة الواقعة في حال الأحدث إذا وقع بعدها وضوء صحّت، فقلت له: الإجماع يدفعه. فقال: يمكن أن يدفع من لفظ الشارع وهو أولى من التمسك بدليل خارج، وذلك بأن تجعل الغاية للصلاة لا لعدم القبول، والمعنى صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ لا تقبل اهـ. والذي يقوم مقام الوضوء بالماء هو التيمم أو أنه يسمى وضوءًا كما عند النسائي بإسناد صحيح من حديث أبي ذر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين" فأطلق عليه الصلاة والسلام على التيمم أنه وضوء لكونه قائمًا مقامه، وإنما اقتصر ذكر الوضوء نظرًا إلى كونه الأصل، ولا يخفى أن المراد بقبول صلاة من كان محدثًا فتوضأ أي مع باقي شروط الصلاة. واستدل بهذا الحديث على أن الوضوء لا يجب لكل صلاة لأن القبول انتفى إلى غاية الوضوء وما بعدها مخالف لما قبلها، فاقتضى ذلك قبول الصلاة بعد الوضوء مطلقًا وفيه الدليل على بطلان الصلاة بالحدث سواء كان خروجه اختياريًّا أو اضطراريًا لعدم التفرقة في الحديث بين حدث وحدث في حالة دون حالة. (قال رجل من حضرموت) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء والميم بلد باليمن وقبيلة أيضًا: (ما الحدث) وفي رواية فما الحدث. (يا أبا هريرة؟ قال)

3 - باب فضل الوضوء، والغر المحجلون من آثار الوضوء

هو (فساء) بضم الفاء والمد (أو ضراط) بضم الضاد وهما يشتركان في كونهما ريحًا خارجًا من الدبر، لكن الثاني مع صوت، وإنما فسر أبو هريرة الحدث بهما تنبيهًا بالأخف على الأغلظ، أو أنه أجاب السائل بما يحتاج إلى معرفته في غالب الأمر، وإلاّ فالحدث يطلق على الخارج المعتاد وعلى نفس الخروج وعلى الوصف الحكمي المقدر قيامه بالأعضاء قيام الأوصاف الحسية وعلى المنع من العبادة المترتب على كل واحد من الثلاثة، وقد جعل في الحديث الوضوء رافعًا للحدث فلا يعني بالحدث الخارج المعتاد ولا نفس الخروج، لأن الواقع لا يرتفع فلم يبق أن يعني إلا المنع أو الصفة. 3 - باب فَضْلِ الْوُضُوءِ، وَالْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ هذا (باب فضل الوضوء) بالجرّ على الإضافة (والغرّ المحجلون) بالرفع عطفًا على باب أي وباب الغرّ المحجلين فأقيم المضاف إليه مقام باب المحذوف أو الغرّ مبتدأ أو خبره محذوف أي مفضلون على غيرهم، ووقع في رواية الأصيلي وفضل الغرّ المحجلين (من آثار الوضوء) جمع أثر الشيء وهو بقيته. 136 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ قَالَ: رَقِيتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ فَتَوَضَّأَ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ». وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف وإسكان المثناة التحتية المصري (قال حدّثنا الليث) بن سعد المصري أيضًا (عن خالد) هو ابن يزيد من الزيادة الإسكندراني البربري الأصل المصري الفقيه المفتي التابعي، المتوفى سنة تسع وثلاثين ومائة (عن سعيد بن أبي هلال) التيمي مولاهم البصري المولد المدني المنشأ، المتوفى سنة خمس وثلاثين ومائة (عن نعيم) بضم النون وفتح العين وسكون المثناة التحتية ابن عبد الله المدني العدوي (المجمر) بضم الميم الأولى وكسر الثانية اسم فاعل من الإجمار على الأشهر، وقيل بتشديد الميم الثانية من التجمير وهو صفة لهما حقيقة أنه (قال): (رقيت) بكسر القاف أي صعدت (مع أبي هريرة) رضي الله عنه (على ظهر المسجد) النبوي (فتوضأ) بالفاء التعقيبية وفي نسخة بالواو، ولأبي ذر توضأ بدونهما، وللكشميهني يومًا بدل توضأ وهو تصحيف، وللإسماعيلي وغيره ثمّ توضأ (فقال) وفي رواية الأربعة قال بحذف حرف العطف على الاستئناف كأن قائلاً قال: ثم ماذا؟ فقال: قال: (إني سمعت النبي) وفي رواية أبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقول) بلفظ المضارع استحضارًا للصورة الماضية أو لأجل الحكاية عنها (إن أمتي) المؤمنين (يدعون) بضم أوّله وفتح ثالثه (يوم القيامة) على رؤوس الأشهاد حال كونهم (غرًّا) بضم الغين المعجمة وتشديد الراء جمع أغر أي ذو غرة وهي بياض في الجبهة، والمراد به النور يكون في وجوههم وحال كونهم (محجلين) من التحجيل وهو بياض في اليدين والرجلين، والمراد به النور أيضًا أي يدعون إلى يوم القيامة وهم بهذه الصفة فيكون معدّى بإلى نحو: {يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَاب الله} [آل عمران: 23] وتعقبه الدماميني بأن حذف مثل هذا الحرف ونصب المجرور بعد حذفه غير مقيس. قال: ولنا مندوحة عن ارتكابه بأن نجعل يوم القيامة ظرفًا أي يدعون فيه غرًّا محجلين اهـ. وقال ابن دقيق العيد: أو مفعول ثانٍ ليدعون بمعنى ينادون على رؤوس الأشهاد بذلك أو بمعنى يسمون بذلك. فإن قلت: الغرة والتحجيل في الآخرة صفات لازمة غير منتقلة فكيف يكونان حالين؟ أجيب: بأن الحال تكون منتقلة أو في حكم المنتقلة إذا كانت وصفًا ثابتًا مؤكدًا نحو قوله تعالى: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} [البقرة: 91] ومنه خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها، فأطول حالاً لازمة غير منتقلة، لكنها في حكم المنتقلة لأن المعلوم من سائر الحيوانات استواء القوائم الأربع فلا يخبر بهذا الأمر إلا من يعرفه، وكذلك هنا المعلوم في سائر الخلق عدم الغرة والتحجيل، فلما جعل الله ذلك لهذه الأمة دون سائر الأمم صارت في حكم المنتقلة بهذا العنى، ويحتمل أن تكون هذه علامة لهم في الموقف وعند الحوض، ثم تنتقل عنهم عند دخولهم الجنة فتكون منتقلة بهذا المعنى: (من) أي لأجل (آثار الوضوء) أو من سببية أي بسبب آثار الوضوء ومثله قوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح: 25] أي بسبب خطاياهم أغرقوا، وحرف الجرّ متعلق بمحجلين أو بيدعون على الخلاف في باب التنازع بين البصريين والكوفيين، والوضوء بضم الواو

4 - باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن

ويجوز فتحها فإن الغرة والتحجيل نشآ عن الفعل بالماء فيجوز أن ينسب إلى كُل منهما. (فمن استطاع) أي قدر (منكم أن يطيل غرته) بأن يغسل شيئًا من مقدّم رأسه وما يجاوز وجهه زائدًا على القدر الذي يجب غسله لاستيعاب كمال الوجه، وأن يطيل تحجيله بأن يغسل بعض عضده أو يستوعبها كما روي عن أبي هريرة وابن عمر (فليفعل) ما ذكر من الغرة والتحجيل فالمفعول محذوف للعلم به، ولمسلم فليطل غرّته وتحجيله، وادّعى ابن بطال وعياض وابن التين اتفاق العلماء على عدم استحباب الزيادة فوق المرفق والكعب، وردّ بأنه ثبت من فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفعل أبي هريرة. وأخرجه ابن أبي شيبة من فعل ابن عمر بإسناد حسن وعمل العلماء وفتواهم عليه، وقال به القاضي حسين وغيره من الشافعية والحنفية، وأما قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم" فالمراد به الزيادة في عدد المرّات أو النقص عن الواجب لا الزيادة على تطويل الغرّة والتحجيل وهما من خواص هذه الأمة لا أصل الوضوء، واقتصر هنا على الغرّة لدلالتها على الآخر وخصّها بالذكر لأن محلها أشرف أعضاء الوضوء، وأوّل ما يقع عليه النظر من الإنسان. وحمل ابن عرفة فمما نقله عنه أبو عبد الله الأبّي الغرّة والتحجيل على أنهما كناية عن إنارة كل الذات لا أنه مقصور على أعضاء الوضوء، ووقع عند الترمذي من حديث عبد الله بن بسر وصححه "أمتي يوم القيامة غرّ من السجود محجلة من الوضوء". قال في المصابيح: وهو معارض بظاهر ما في البخاري. 4 - باب لاَ يَتَوَضَّأُ مِنَ الشَّكِّ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ هذا (باب) بالتنوين (لا يتوضأ) بفتح أوّله، وفي رواية ابن عساكر باب من لا يتوضأ (من الشك) أي لأجله كقوله: وذلك من نبأ جاءني. والشك عند الفقهاء هو التردّد على السواء (حتى يستيقن). 137 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّىْءَ فِي الصَّلاَةِ. فَقَالَ: «لاَ يَنْفَتِلْ -أَوْ لاَ يَنْصَرِفْ- حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا». [الحديث 137 - طرفاه في: 177، 2056]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عليّ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابن عبد الله المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم (عن سعيد بن المسيب) بفتح الياء (وعن عباد بن تميم) بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة ابن يزيد الأنصاري المدني عدّه الذهبي في الصحابة وغيره في التابعين، ووقع في رواية كريمة سقوط واو العطف من قوله وعن عباد وهو خطأ لأنه لا رواية لسعيد بن المسيب عن عباد أصلاً، وحينئذ فالعطف على قوله عن سعيد بن السيب هو الصحيح لأن الزهري يروي عن سعيد وعباد وكلاهما (عن عمه) عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني قتل في ذي الحجة بالحرّة في آخر سنة ثلاث وستين، له في البخارى تسعة أحاديث. (أنه شكا) بالألف أي عبد الله بن زيد كما صرّح به ابن خزيمة (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرجل) بالنصب على المفعولية، وفي رواية أنه شكي بضم أوّله مبنيًّا للمفعول موافقة لمسلم كما ضبطه النووي رحمه الله تعالى الرجل بالضم، قال في التنقيح: وعلى هذين الوجهين أي في شكا يجوز في الرجل الرفع والنصب، وتعقبه البدر الدماميني بأن الوجهين محتملان على الأوّل وحده، وذلك أن ضمير أنه يحتمل أن يكون ضمير الشأن، وشكا الرجل فعل وفاعل مفسر للشأن، ويحتمل أن يعود إلى الراوي وشكا مسند إلى ضمير يعود إليه أيضًا والرجل مفعول به (الذي يخيل إليه) بضم المثناة التحتية وفتح المعجمة مبنيًّا لما لم يسمّ فاعله أي يشبه له (أنّه يجد الشيء) أي الحدث خارجًا من دبره وهو (في الصلاة، فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا ينفتل أو لا ينصرف) بالجزم فيهما على النهي وبالرفع على النفي، والشك من الراوي وكأنه من شيخ المؤلف عليّ (حتى) أي إلى أن (يسمع صوتًا) من دبره (أو يجد ريحًا) منه، والمراد تحقق وجودهما حتى أنه لو كان أخشم لا يشم أو أصم لا يسمع كان الحكم كذلك وذكرهما ليس لقصر الحكم عليهما، فكل حدث كذلك إلا أنه وقع جوابًا لسؤال، والمعنى إذا كان أوسع من الاسم أن الحكم للمعنى، وهذا كحديث إذا استهل الصبي ورث وصلي عليه إذ لم يرد تخصيص الاستهلال دون غيره من أمارات الحياة كالحركة والنبض ونحوهما، وهذا الحديث فيه قاعدة لكثير من الأحكام وهي استصحاب اليقين وطرح الشك الطارئ، والعلماء متفقون على ذلك فمن تيقن

5 - باب التخفيف في الوضوء

الطهارة وشك في الحدث عمل بيقين الطهارة أو تيقن الحدث وشك في الطهارة عمل بيقين الحدث فلو تيقنهما وجهل السابق منهما كما لو تيقن بعد طلوع الشمس حدثًا وطهارة ولم يعلم السابق فأوجه، أصحها إسناد الوهم لما قبل الطلوع فإن كان قبله محدثًا فهو الآن متطهر لأنه تيقن أن الحدث السابق ارتفع بالطهارة اللاحقة وشك هل ارتفع أم لا؟ والأصل بقاؤه وإن كان قبله متطهرًا نظر. إن كان ممن يعتاد تجديد الوضوء فهو الآن محدث لأن الغالب أنه بنى وضوءه على الأوّل فيكون الحدث بعده، وإن لم يعتد فهو الآن متطهر لأن طهارته بعد الحدث وإن لم يتذكر ما قبلهما توضأ للتعارض، واختار في المجموع لزوم الوضوء بكل حال احتياطًا. وذكر في شرح المهذب والوسيط أن الجمهور أطلقوا المسألة وأن المقيد لها المتولي والرافعيّ مع أنه نقله في أصل الروضة عن الأكثرين. قال في المهمات: وعليه الفتوى وقد أخذ بهذه القاعدة وهي العمل بالأصل جمهور العلماء خلافًا لمالك حيث روي عنه النقض مطلقًا أو خارج الصلاة دون داخلها. وروي هذا التفصيل عن الحسن البصري والأول مشهور مذهب مالك قاله القرطبي وهو رواية ابن القاسم عنه، وروى ابن نافع عنه لا وضوء عليه مطلقًا كقول الجمهور، وروى ابن وهب عنه أحبّ إليّ أن يتوضأ ورواية التفصيل لم تثبت عنه وإنما هي لأصحابه. وقال القرافيّ: ما ذهب إليه مالك أرجح لأنه احتاط للصلاة وهي مقصد وألغى الشك في السبب المبرئ وغيره احتياط للطهارة وهي وسيلة وألغى الشك في الحدث الناقض لها والاحتياط للمقاصد أولى من الاحتياط للوسائل. وجوابه: أن ذلك من حيث النظر أقوى لكنه مغاير لمدلول الحديث لأنه أمر بعدم الانصراف إلا أن يتحقق، والله سبحانه أعلم بالصواب. 5 - باب التَّخْفِيفِ فِي الْوُضُوءِ هذا (باب) جواز (التخفيف في الوُضوء). 138 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ صَلَّى -وَرُبَّمَا قَالَ اضْطَجَعَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى. ثُمَّ حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَانُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا - يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو وَيُقَلِّلُهُ- وَقَامَ يُصَلِّي، فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ عَنْ شِمَالِهِ- فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ. ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ أَتَاهُ الْمُنَادِي فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ، فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. قُلْنَا لِعَمْرٍو: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ. قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) [الصافات: 102]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا) بالجمع وفي رواية الكشميهني حدّثني (علّي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) أي ابن دينار أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (كريب) بضم الكاف وفتح الراء وسكون المثناة التحتية آخره موحدة ابن أبي مسلم القرشي مولى عبد الله بن عباس المكنّى بأبي رشدين بكسر الراء وسكون المعجمة وكسر المهملة وسكون المثناة التحتية آخره نون، المتوفى بالمدينة سنة ثمان وتسعين (عن ابن عباس) رضي الله عنهما: (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نام) مضطجعًا (حتى) أي إلى أن (نفخ ثم صلى) وفي رواية ابن عساكر بإسقاط ثم صلى (وربما قال) سفيان (اضطجع) عليه الصلاة والسلام (حتى) أي إلى أن (نفخ ثم قام فصلى) أي قالها بدون قوله نام وبزيادة قام قال علي بن المديني (ثم حدّثنا به سفيان) بن عيينة تحديثًا (مرة بعد مرة) أي كان يحدّثهم تارة مختصرًا وتارة مطوّلاً (عن عمرو) أي ابن دينار (عن كريب) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه (قال بتّ) بكسر الموحدة (عند خالتي) أم المؤمنين (ميمونة) بنت الحرث الهلالية (ليلة) بالنصب على الظرفية (فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مبتدئًا (من الليل) وفي رواية ابن السكن فنام من النوم، وصوّبها القاضي عياض لقوله: (فلما كان في) وفي رواية الحموي والمستملي من (بعض الليل قام النبي) وللأربعة رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتوضأ من شنّ) بفتح الشين المعجمة وتشديد النون أي من قربة خلقة (معلق) بالجر صفة لشنّ على تأويله بالجلد أو الوعاء وفي رواية معلقة بالتأنيث (وضوءًا خفيفًا) بالنصب على المصدرية في الأولى والصفة في الأخرى (يخففه عمرو) ابن دينار بالغسل الخفيف مع الإسباغ (ويقلله) بالاقتصار على المرة الواحدة، فالتخفيف من باب الكيف والتقليل من باب الكمّ وذلك أدنى ما تجوز به الصلاة (وقام) عليه الصلاة والسلام (يصلي) وفي رواية فصلى (فتوضأت) وضوءًا خفيفًا (نحوًا مما توضأ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية تأتي إن شاء الله تعالى فقمت فصنعت مثل ما صنع وهي تردّ على الكرماني حيث قال هنا لم يقل مثلاً لأن حقيقة مماثلته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يقدر عليها أحد غيره انتهى. ولا يلزم من إطلاق المثلية المساواة من كل وجه. (ثم جئت

6 - باب إسباغ الوضوء

فقمت عن يساره وربما قال سفيان) بن عيينة (عن شماله) وهو إدراج من ابن المديني (فحوّلني) عليه الصلاة والسلام (فجعلني عن يمينه ثم صلى) عليه الصلاة والسلام (ما شاء الله ثم اضطجع فنام حتى نفخ ثم أتاه المنادي فآذنه) بالمد أي أعلمه وفي رواية يؤذنه بلفظ المضارع من غير فاء وللمستملي فناداه (بالصلاة فقام) المنادي (معه) عليه السلام (إلى الصلاة فصلى) عليه السلام (ولم يتوضأ) من النوم. قال سفيان بن عيينة: (قلنا لعمرو) أي ابن دينار (إن ناسًا يقولون: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تنام عينه ولا ينام قلبه) ليعي الوحي إذا أُوحي إليه في المنام (قال عمرو) المذكور (سمعت عبيد بن عمير) بالتصغير فيهما ابن قتادة الليثي الكي التابعي (يقول: رؤيا الأنبياء وحي) رواه مسلم مرفوعًا، (ثم قرأ {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] واستدلاله بهذه الآية من جهة أن الرؤيا لو لم تكن وحيًا لما جاز لإبراهيم عليه السلام الإقدام على ذبح ولده. 6 - باب إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ الإِنْقَاءُ. هذا (باب إسباغ الوضوء) أي إتمامه من قوله تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَه} [لقمان: 20] أي أتمها (وقال ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه مما وصله عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح (إسباغ الوضوء الإنقاء) وهو من تفسير الشيء بلازمه إذ الإتمام يستلزم الإنقاء عادة، وكان ابن عمر يغسل رجليه في الوضوء سبع مرات كما رواه ابن المنذر بسند صحيح، وإنما بالغ فيهما دون غيرهما لكونهما محلاً للأوساخ غالبًا لاعتيادهم المشي حفاة، واستشكل بما تقدم من أن الزيادة على الثلاث ظلم وتعدّ، وأجيب: بأنه فيمن لم يرَ الثلاث سنة أما إذا رآها وزاد على أنه من باب الوضوء على الوضوء يكون نورًا على نور. وقال في المصابيح: والمعروف في اللغة أن إسباغ الوضوء إتمامه وإكماله والمبالغة فيه. 139 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ. فَقُلْتُ: الصَّلاَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: الصَّلاَةُ أَمَامَكَ. فَرَكِبَ. فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ، فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا. [الحديث 139 - أطرافه في: 181، 1667، 1669، 1672]. وبالسند إلى البخاري رحمه الله تعالى قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) إمام دار الهجرة (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش المدني، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائة ذي المغازي التي هي أصح المغازي (عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد) أي ابن حارثة الكلبي المدني الحب ابن الحب وأمه أم أيمن المتوفى بوادي القرى سنة أربع وخمسين له في البخاري سبعة عشر حديثًا (أنّه سمعه يقول): (دفع) أي رجر (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من) وقوف (عرفة) بعرفات الأوّل غير منوّن وهو اسم للزمان وهو التاسع من ذي الحجة، والثاني الوضع الذي يقف به الحاجّ وحينئذ فيكون المضاف فيه محذوفًا (حتى إذا كان) عليه السلام (بالشعب) بكسر الشين المعجمة وسكون العين المهملة الطريق المعهودة للحاج (نزل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فبالَ ثم توضأ) بماء زمزم كما في زوائد المسند بإسناد حسن (ولم يسبغ الوضوء) أي خفّفه لإعجاله الدفع إلى المزدلفة، وفي مسلم فتوضأ وضوءًا خفيفًا، وقيل: معناه توضأ مرة مرة لكن بالإسباغ أو خفّف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عاداته، واستبعد القول بأن المراد به الوضوء اللغوي وأبعد منه القول بأن المراد به الاستنجاء، ومما يقوّي استبعاده قوله في الرواية الآتية إن شاء الله تعالى في باب الرجل يوضئ صاحبه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدل إلى الشعب فقضى حاجته فجعلت أصبّ الماء عليه ويتوضأ، إذ لا يجوز أن يصبّ عليه أسامة إلا وضوء الصلاة لأنه كان لا يقرب منه أحد وهو على حاجته. (فقلت الصلاة) بالنصب على الإغراء أو بتقدير أتريد أو أتصلي الصلاة (يا رسول الله فقال) وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي قال: (الصلاة) بالرفع على الابتداء وخبره (أمامك) بفتح الهمزة أي وقت الصلاة أو مكانها قدامك، (فركب فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ) بماء زمزم أيضًا (فأسبغ الوضوء). فإن قلت: لِمَ أسبغ هذا الوضوء وخفّف ذلك؟ أجيب: بأن الأوّل لم يرد به الصلاة وإنما أراد به دوام الطهارة وفيه استحباب تجديد الوضوء وإن لم يصل بالأوّل، لكن ذهب جماعة إلى أنه ليس له ذلك قبل أن يصلي به لأنه لم يوقع به عبادة ويكون كمن زاد على ثلاث في وضوء واحد وهذا هو الأصح عند الشافعية، قالوا: ولا يسنّ تجديده إلاّ إذا صلى بالأوّل صلاة فرضًا أو نفلاً. (ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب) قبل حط الرحال (ثم أناخ كل إنسان) منا (بعيره في منزله ثم

7 - باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة

أقيمت العشاء) بكسر العين وبالمدّ أي صلاتها (فصلى ولم يصل بينهما) وتأتي مباحث الحديث في كتاب الحج إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته. 7 - باب غَسْلِ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ هذا (باب غسل الوجه) بفتح الغين (باليدين من غرفة واحدة) أي فلا يشترط الاغتراف باليدين معًا، والغرفة بفتح الغين المعجمة بمعنى المصدر وبالضم بمعنى الغروف وهي ملء الكف. 140 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ بِلاَلٍ -يَعْنِي سُلَيْمَانَ- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا أَضَافَهَا إِلَى يَدِهِ الأُخْرَى فَغَسَلَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ عَلَى رِجْلِهِ الْيُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ -يَعْنِي الْيُسْرَى- ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا) وللأصيلي بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم) بن أبي زهير البغدادي الملقب بصاعقة لسرعة حفظه وشدّة ضبطه البزاز، المتوفى سنة خمس وخمسين ومائتين (قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (أبو سلمة) بفتح السين واللام (الخزاعي منصور بن سلمة) البغدادي الحافظ، المتوفى بالمصيصة سنة عشرين ومائتين أو سنة عشر أو سبع أو تسع ومائتين (قال): (أخبرنا ابن بلال يعني سليمان) السابق في باب أمور الإيمان (عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أنه توضأ فغسل وجهه) من باب عطف المفصل على المجمل ثم بين الغسل على وجه الاستئناف فقال: (أخذ غرفة من ماء فمضمض بها) وفي رواية الأصيلى وابن عساكر فتمضمض بها (واستنشق ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى) أي جعل الماء الذي في يده في يديه جميعًا لكونه أمكن في الغسل لأن اليد قد لا تستوعب الغسل وسقط للأصيلي وابن عساكر من ماء (فغسل بها وجهه) أي بالغرفة وللأصيلي وكريمة فغسل بهما أي باليدين وظاهر قوله: إنه توضأ فغسل وجهه مع قوله أخذ غرفة أن المضمضة، والاستنشاق بغرفة من جملة غسل الوجه، لكن المراد بالوجه أوّلاً ما هو أعمّ من المفروض والمسنون بدليل أنه أعاد ذكره ثانيًا بعد ذكر المضمضة والاستنشاق بغرفة مستقلة. (ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة من ماء) أيضًا (فغسل بها يده اليسرى ثم مسح برأسه) بعد أن قبض قبضة من الماء ثم نفض يده كما في رواية أبي داود مع زيادة مسح أُذنيه ففي الحديث هنا حذف دلّ عليه ما رواه أبو داود. (ثم أخذ غرفة من ماء فرش) أي صب الماء قليلاً قليلاً (على رجله اليمنى حتى) أي إلى أن (غسلها) والرش قد يراد به الغسل، ويؤيد قوله هنا حتى غسلها والرش القوي يكون معه الإسالة وعبّر به تنبيهًا على الاحتراز عن الإسراف لأن الرجل مظنته في الغسل (ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله يعني اليسرى) وفي رواية أبوي ذر والوقت فغسل بها يعني رجله اليسرى والقائل يعني زيد بن أسلم أو من هو دونه من الرواة. (ثم قال) أي ابن عباس (هكذا رأيت رسول الله) ولأبي الوقت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتوضأ) حكاية حال ماضية، وفي رواية ابن عساكر توضأ، وفي هذا الحديث دليل الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة واحدة المحكي في الكفاية عن نصه في الأم، وهو يحتمل وجهين أن يتمضمض منها ثلاثًا ولاء ثم يستنشق كذلك، وأن يتمضمض ثم يستنشق ثم يفعل كذلك ثانيًا وثالثًا، وأولى الكيفيات أن يجمع بين ثلاث غرفات يتمضمض من كل واحدة ثم يستنشق، فقد صح من حديث عبد الله بن زيد وغيره وصححه النووي وتأتي بقية الكيفيات إن شاء الله تعالى في باب المضمضة في الوضوء. 8 - باب التَّسْمِيَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعِنْدَ الْوِقَاعِ هذا (باب التسمية على كل حال وعند الوقاع) بكسر الواو أي الجماع وهو من عطف الخاص على العام للاهتمام به، والحديث الذي في ساقه هنا شاهد للخاصّ لا للعامّ، لكن لما كان حال الوقاع أبعد حال من ذكر الله تعالى ومع ذلك سنّ التسمية فيه. ففي غيره أولى، ومن ثم ساقه المؤلف هنا لمشروعية التسمية عند الوضوء ولم يسق حديث لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه مع كونه أبلغ في الدلالة لكونه ليس على شرطه بل هو مطعون فيه. 141 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ». [الحديث 141 - أطرافه في: 3271، 3283، 5165، 6388، 7396]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة رافع الأشجعي مولاهم الكوفي التابعي، المتوفى سنة مائة (عن كريب) مولى ابن عباس

9 - باب ما يقول عند الخلاء

(عن ابن عباس) رضي الله عنهما حال كونه (يبلغ به) بفتح أوّله وضم ثالثه وسقط لفظ به لغير الأربعة أي يصل ابن عباس بالحديث (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا كلام كريب أي أنه ليس موقوفًا على ابن عباس، بل هو مسند إلى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكنه يحتمل أن يكون بواسطة بأن يكون سمعه من صحابي سمعه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأن يكون بدونها (قال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لو أن أحدكم إذا أتى أهله) أي زوجته وهو كناية عن الجماع (قال: بسم الله اللَّهمَّ جنّبنا) أي أبعد عنا (الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا) أي الذي رزقتناه، والمراد الولد وإن كان اللفظ أعم (فقضي) بضم القاف وكسر الضاد (بينهما) أي بين الأحد والأهل وللمستملي والحموي فقضي بينهم بالميم نظرًا إلى معنى الجمع في الأهل (ولد) ذكرًا كان أو أنثى (لم يضره) الشيطان بضم الراء على الأفصح أي لا يكون له على الولد سلطان، فيكون من المحفوظين، أو المعنى لا يتخبطه الشيطان ولا يداخله بما يضرّ عقله أو بدنه أو لا يطعن فيه عند ولادته أو لم يفتنه بالكفر، وروى ابن جرير في تهذيب الآثار بسنده عن مجاهد قال: إذا جامع الرجل أهله ولم يسم انطوى الجان على إحليله فجامع معه فذلك قوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 56]. 9 - باب مَا يَقُولُ عِنْدَ الْخَلاَءِ هذا (باب ما يقول عند) إرادة دخول (الخلاء) بالمد أي موضع قضاء الحاجة وهو المرحاض والكنيف والحش والمرفق وسمي به لأن الإنسان يخلو فيه. 142 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ». تَابَعَهُ ابْنُ عَرْعَرَةَ عَنْ شُعْبَةَ. وَقَالَ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ: "إِذَا أَتَى الْخَلاَءَ". وَقَالَ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ: "إِذَا دَخَلَ". وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ: "إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ". [الحديث 142 - طرفه في: 6322]. وبالسند إلى البخاري رحمه الله تعالى قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شُعبة) بن الحجاج (عن عبد العزيز بن صهيب) بضم الصاد المهملة (قال: سمعت أنسًا) حال كونه (يقول): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا دخل الخلاء) أي إذا أراد دخول الخلاء (قال: اللهمَّ إني أعوذ بك من الخبث) بضم المعجمة والموحدة وقد تسكن، وهي رواية الأصيلي كما في فرع اليونينية ونص عليها غير واحد من أهل اللغة. نعم صرح الخطابي بأن تسكينها ممنوع وعدَّه من أغاليط المحدثين، وأنكره عليه النووي وابن دقيق العيد لأن فعلاً بضم الفاء والعين تخفف عينه بالتسكين اتفاقًا، ورده الزركشي في تعليق العمدة بأن التخفيف إنما يطرد فيما لا يلبس كعنق من المفرد ورسل من الجمع لا فيما يلبس كحمر فإنه لو خفف ألبس بجمع أحمر، وتعقبه صاحب مصابيح الجامع بأنه لا يعرف هذا التفصيل لأحد من أئمة العربية بل في كلامه ما يدفعه فإنه صرّح بجواز التخفيف في عنق مع أنه يلبس حينئذ بجمع أعنق وهو الرجل الطويل العنق، والأنثى عنقاء بيّنة العنق وجمعهما عنه بضم العين وإسكان النون اهـ. (والخبائث) أي ألوذ بك وألتجئ من ذكران الشياطين وإناثهم، وعبّر بلفظة كان للدلالة على الثبوت والدوام، وبلفظ المضارع في يقول استحضارًا لصورة القول، وكان عليه الصلاة والسلام يستعيد إظهارًا للعبودية ويجهر بها للتعليم، وإلا فهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- محفوظ من الجنّ والإنس، وقد روى المعمري هذا الحديث من طريق عبد العزيز بن المختار عن عبد العزيز بن صهيب بإسناد على شرط مسلم بلفظ الأمر قال: "إذا دخلتم الخلاء فقولوا بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث" وفيه زيادة البسملة. قال الحافظ ابن حجر: ولم أرها في غير هذه الرواية انتهى. وظاهر ذلك تأخير التعوّذ عن البسملة. قال في المجموع: وبه صرّح جماعة لأنه ليس للقراءة، وخصّ الخلاء لأن الشياطين تحضر الأخلية لأنه يهجر فيها ذكر الله تعالى. (تابعه) ولابن عساكر: قال أبو عبد الله أي البخاري تابعه أي تابع آدم بن أبي إياس (ابن عرعرة) محمد في رواية هذا الحديث (عن شعبة) كما رواه المؤلف في الدعوات موصولاً، والحاصل أن محمد بن عرعرة روى هذا الحديث عن شعبة كما رواه آدم عن شعبة، وهذه هي المتابعة التامة ْوفائدتها التقوية. (وقال غندر) بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح المهملة آخره راء لقب محمد بن جعفر البصري (عن شعبة) مما وصله البزار في مسنده (إذا أتى الخلاء، وقال موسى) بن إسماعيل التبوذكي مما وصله البيهقي (عن حماد) ابن سلمة بن دينار الربعي وكان من الأبدال تزوّج سبعين امرأة فلم يولد له

10 - باب وضع الماء عند الخلاء

لأن البدل لا يولد به، المتوفى سنة سبع وستين ومائة (إذا دخل) الخلاء. (وقال سعيد بن زيد) أي ابن درهم الجهضمي البصري مما وصله المؤلف في الأدب المفرد (حدّثنا عبد العزيز) بن صهيب (إذا أراد أن يدخل) وسعيد بن زيد فيه من قبل حفظه، وليس له عند المؤلف غير هذا التعليق مع أنه لم ينفرد بهذا اللفظ، فقد رواه مسدد عن عبد الوارث عن عبد العزيز مثله. وأخرجه البيهقي من طريقه وهو على شرط المصنف. وهذه الروايات وإن كانت مختلفة اللفظ فمعناها متقارب يرجع إلى معنى واحد، وهو أن التقدير كان يقول ذلك إذا أراد الدخول في الخلاء، ولم يذكر المؤلف ما يقول بعد الخروج منه لأنه ليس على شرطه. وفي ذلك حديث عائشة رضي الله عنها عند ابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا خرج من الغائط قال: (غفرانك) وحديث أنس عند ابن ماجة إذا خرج من الخلاء قال: "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" وحديث ابن عباس عند الدارقطني مرفوعًا: "الحمد لله الذي أخرج عني ما يؤذيني وأمسك عليَّ ما ينفعني" ولابن عساكر بعد قوله: إذا أراد أن يدخل قال أبو عبد الله يعني البخاري، ويقال الخبث يعني بسكون الموحدة. 10 - باب وَضْعِ الْمَاءِ عِنْدَ الْخَلاَءِ هذا (باب وضع الماء عند الخلاء) ليستعمله المتوضئ بعد خروجه. 143 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ الْخَلاَءَ فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا. قَالَ: مَنْ وَضَعَ هَذَا؟ فَأُخْبِرَ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي الجعفي (قال: حدّثنا هاشم بن القاسم) أبو النضر بالضاد المعجمة التيمي الليثي الكناني الخراساني اللقب بقيصر الكوفي، المتوفى سنة سبع ومائتين (قال: حدّثنا ورقاء) بإسكان الراء مع المدّ ابن عمر اليشكري الكوفي المتوفى سنة تسع وستين ومائة (عن عبيد الله) بالتصغير (ابن أبي يزيد) من الزيادة المكي، المتوفى سنة ست وعشرين ومائة (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل الخلاء فوضعت له وضوءًا) بفتح الواو أي ماء يتوضأ به، وقيل ناوله إياه ليستنجي به. قال في الفتح: وفيه نظر. (قال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن خرج من الخلاء، وفي رواية ابن عساكر فقال: (من) استفهامية مبتدأ خبره (وضع هذا) الوضوء (فأخبر) على صيغة المجهول عطف على السابق وقد جوّزوا عطف الفعلية على الاسمية، والعكس أي أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنّه ابن عباس والمخبر خالته ميمونة بنت الحرث لأن ذلك كان في بيتها (فقال) عليه الصلاة والسلام: (اللهمّ فقّهه في الدين) إنما دعا له لما تفرس فيه من الذكاء مع صغر سنّه بوضعه الوضوء عند الخلاء لأنه أيسر له على الصلاة والسلام، إذ لو وضعه في لمكان بعيد منه لاقتضى مشقة ما في طلبه الماء ولو دخل به إليه لكان تعريضًا للاطّلاع عليه وهو يقتضي حاجته، ولما كان وضع الماء فيه إعانة على الدين ناسب أن يدعو له بالتفقّه فيه ليطلع به على أسرار الفقه في الدين ليحصل النفع به وكذا كان. 11 - باب لاَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةُ بِبَولٍ أو غَائطٍ، إِلاَّ عِنْدَ الْبِنَاءِ: جِدَارٍ أَوْ نَحْوِه هذا (باب) بالتنوين (لا يستقبل القبلة ببول ولا غائط) بفتح المثناة التحتية وكسر الموحدة من يستقبل مبنيًّا للفاعل والقبلة نصب على المفعولية وفي لام يستقبل الضم على أن لا نافية والكسر على أنها ناهية ويجوز في يستقبل ضم المثناة وفتح الموحدة مبنيًّا للمفعول ورفع القبلة مفعول ناب عن الفاعل. قال في الفتح: وهي روايتنا وكِلا الوجهين بفرع اليونينية، وفي رواية ابن عساكر: لا يستقبل القبلة بغائط ولا بول (إلا عند البناء جدار) بالجر بدل من البناء (أو نحوه) كالسواري والأساطين والخشب والأحجار الكبار، وللكشميهني مما ليس في اليونينية أو غيره بدل أو نحوه وهما متقاربان والباء في قوله بغائط ظرفية، والغائط هو الكان المطمئن من الأرض في الفضاء كان يقصد لقضاء الحاجة فيه. ثم كنّي به عن العذرة نفسها كراهة لذكرها بخاص اسمها. ومن عادة العرب استعمال الكنايات صونًا للألسنة عما تصان الأبصار والأسماع عنه فصار حقيقة عرفية غلبت على الحقيقة اللغوية، وليس في حديث الباب ما يدل على الاستثناء الذي ذكره فقيل: إنه أراد بالغائط معناه اللغوي، وحينئذ يصح استثناء الأبنية منه. وقيل: الاستثناء مستفاد من حديث ابن عمر رضي

12 - باب من تبرز على لبنتين

الله عنهما الآتي إن شاء الله تعالى إذ الحديث كله واحد وإن اختلفت طرقه أو أن حديث الباب عنده عامّ مخصوص. قال العيني: وعليه يتجه الاستثناء. 144 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلاَ يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلاَ يُوَلِّهَا ظَهْرَهُ، شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا». [الحديث 144 - طرفه في: 394]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثني ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحرث نسبه إلى جدّ جدّه لشهرته به (قال: حدْثني) بالإفراد وفي نسخة بالجمع (الزهري) محمد بن مسلم (عن عطاء بن يزيد) من الزيادة (الليثي) ثم الجندعي بضم الجيم وسكون النون وضم الدال المهملة المدني التابعي، المتوفى سنة سبع أو خمس ومائة (عن أبي أيوب) خالد بن زيد بن كليب (الأنصاري) رضي الله عنه وكان من كبار الصحابة شهد بدرًا ونزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قدم المدينة عليه. وتوفي غازيًا بالروم سنة خمسين، وقيل: بعدها له في البخاري سبعة أحاديث (قال): (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أتى) أي جاء (أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة) بكسر اللام على النهي وبضمها على النفي (ولا يولها ظهره) جزم بحذف الياء على النهي أي لا يجعلها مقابل ظهره، وفي رواية مسلم ولا يستدبرها ببول أو غائط، والظاهر منه اختصاص النهي بخروج الخارج من العورة ويكون مثاره إكرام القبلة عن المواجهة بالنجاسة، وقيل: مثال النهي كشف العورة، وحينئذ فيطرد في كل حالة تكشف فيها العورة كالوطء مثلاً، وقد نقله ابن شاس من المالكية قولاً في مذهبهم وكأن قائله تمسك برواية في الموطأ: لا تستقبلوا القبلة بفروجكم ولكنها محمولة على قضاء الحاجة جميعًا بين الروايتين (شرقوا أو غربوا) أي خذوا في ناحية المشرق أو ناحية المغرب، وفيه الالتفات من الغيبة إلى الخطاب وهو لأهل المدينة ومن كانت قبلتهم على سمتهم، أما من كانت قبلته إلى جهة المشرق أو المغرب فإنه ينحرف إلى جهة الجنوب أو الشمال، ثم إن هذا الحديث يدل على عموم النهي في الصحراء والبنيان، وهو مذهب أبي حنيفة ومجاهد وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأحمد في رواية عنه لتعظيم القبلة وهو موجود فيهما، فالجواز في البنيان إن كان لوجود الحائل فهو موجود في الصحراء كالجبال والأودية، وخصّ الشافعية والمالكية وإسحاق وأحمد في رواية هذا العموم بحديث ابن عمر الآتي الدالّ على جواز الاستدبار في الأبنية، وجائز عند أحمد وأبي داود وابن خزيمة الدال على جواز الاستقبال فيها، ولولا ذلك كان حديث أبي أيوب لا يخص من عمومه بحديث ابن عمر. إلا جواز الاستدبار فقط ولا يلحق به الاستقبال قياسًا لأنه لا يصح، وقد تمسك به قوم فقالوا بجواز الاستدبار دون الاستقبال. وحكى عن ابن حنيفة وأحمد وهو قول أبي يوسف وهل جوازهما في البنيان مع الكراهة أم لا؟ فقيل: يكره وفافًا للمجموع وجزم في التذنيب تبعًا للمتوليّ بالكراهة، واختار في المجموع بقاء الكراهة في استقبال بيت المقدس واستدباره، وذهب عروة بن الزبير وربيعة الرأي وداود إلى جواز الاستقبال والاستدبار مطلقًا جاعلين حديث ابن عمر منسوخًا بحديث جابر عند أبي داود والترمذي وأبناء ماجة وخزيمة وحبان نهانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نستقبل القبلة أو نستدبرها ببول، ثم رأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها وقد ضعفوا دعوى النسخ بأنه لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع، وحملوا حديث جابر هذا على أنه رآه في بناء أو نحوه لأن ذلك هو المعهود من حاله عليه السلام لمبالغته في التستر، ويستثنى من القول بالحرمة في الصحراء ما لو كان الريح يهب على يمين القبلة أو شمالها فإنهما لا يحرمان للضرورة قاله القفال في فتاويه، والاعتبار في الجواز في البنيان والتحريم في الصحراء بالساتر وعدمه، فحيث كان في الصحراء ولم يكن بينه وبينها ساتر أو كان وهو قصير - لا يبلغ ارتفاعه ثلثي ذراع أو بلغ ذلك وبعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع حرم وإلاّ فلا، في البنيان يشترط الستر كما ذكرنا وإلاّ فيحرمان إلا فيما بني لذلك وهذا التفصيل للخراسانيين وصحّحه في المجموع. 12 - باب مَنْ تَبَرَّزَ عَلَى لَبِنَتَيْنِ هذا (باب من تبرز) أي تغوّط جالسًا (على لبنتين) تثنية لبنة بفتح اللام وكسر الموحدة وتسكن مع فتح اللام وكسرها واحدة الطوب النيء. 145 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إِذَا قَعَدْتَ عَلَى حَاجَتِكَ فَلاَ تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلاَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَقَدِ ارْتَقَيْتُ يَوْمًا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلاً بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ. وَقَالَ: لَعَلَّكَ مِنَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ، فَقُلْتُ: لاَ أَدْرِي وَاللَّهِ. قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي الَّذِي يُصَلِّي وَلاَ يَرْتَفِعُ عَنِ الأَرْضِ، يَسْجُدُ وَهُوَ لاَصِقٌ بِالأَرْضِ. [الحديث 145 - أطرافه في: 148، 149، 3102]. وبالسند إلى المؤلف

13 - باب خروج النساء إلى البراز

قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري المدني (عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة الأنصاري النجاري بالجيم والنون المازني، المتوفى سنة إحدى وعشرين ومائة (عن عمه واسع بن حبان) بفتح المهملة ابن منقذ له رؤية ولأبيه صحبة رضي الله عنهما (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (أنه) أي عبد الله بن عمر كما صرح به مسلم (كان يقول): (إن ناسًا) كأبي هريرة وأبي أيوب الأنصاري ومعقل الأسدي وغيرهم ممن يرى عموم النهي في استقبال القبلة واستدبارها (يقولون: إذا قعدت على حاجتك) كناية عن التبرّز ونحوه وذكر القعود لكونه الغالب وإلاّ فلا فرق بينه وبين حالة القيام (فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس) بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال المخففة وبضم الميم وفتح القاف وتشديد الدال المفتوحة وبيت بالنصب عطفًا على القبلة والإضافة فيه إضافة الموصوف إلى صفته كمسجد الجامع (فقال عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما: وهذا ليس جوابًا بالواسع بل الفاء سببية، لأن ابن عمر أورد القول الأوّل منكرًا له، ثم بين سبب إنكاره بما رواه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان يمكنه أن يقول فلقد ارتقيت الخ. لكن الراوي عنه وهو واسع أراد التأكيد بإعادة قوله فقال عبد الله بن عمر والله: (لقد ارتقيت) أي صعدت وفي بعض الأصول رقيت (يومًا) بالنصب على الظرفية ولام لقد جواب قسم محذوف وسقط لابن عساكر لفظ يومًا (على ظهر بيت لنا) وفي رواية تأتي إن شاء الله تعالى على ظهر بيتنا (فرأيت) أي أبصرت (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (على لبنتين) وحال كونه (مستقبلاً بيت المقدس لحاجته) أي لأجل حاجته أو وقت حاجته، وللترمذي الحكيم بسند صحيح فرأيته في كنيف. قال في الفتح: وهذا يرد على من قال ممن يرى الجواز مطلقًا يحتمل أن يكون رآه في الفضاء وكونه على لبنتين لا يدل على البناء لاحتمال أن يكون جلس عليهما ليرتفع بهما عن الأرض، ويرد هذا الاحتمال أيضًا أن ابن عمر كان يرى المنع من الاستقبال في الفضاء إلا بستائر كما رواه أبو داود وغيره. وهذا الحديث مع حديث جابر عند أبي داود وغيره مخصص لعموم حديث أبي أيوب السابق ولم يقصد ابن عمر رضي الله عنهما الإشراف على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تلك الحالة وإنما صعد السطح لضرورة كما في الرواية الآتية إن شاء الله تعالى فحانت منه التفاتة كما في رواية البيهقي، نعم لما اتفق له رؤيته في تلك الحالة من غير قصد أحب أن لا يخلي ذلك من فائدة حفظ هذا الحكم الشرعي اهـ. (وقال) أي ابن عمر لواسع (لعلك من الذين يصلّون على أوراكهم) أي من الجاهلين بالسُّنّة في السجود من تجافي البطن عن الوركين فيه إذ لو كنت ممن لا يجهلها لعرفت الفرق بني الفضاء وغيره، والفرق بين استقبال الكعبة وبيت القدس قال: واسع (فقلت لا أدري والله) أنا منهم أم لا أو لا أدري السّنة في استقبال الكعبة أبي بيت القدس. (قال مالك) الإمام في تفسير الصلاة على الورك (يعني الذي يصلي ولا يرتفع عن الأرض يسجد وهو لاصق بالأرض). 13 - باب خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْبَرَازِ هذا (باب خروج النساء إلى البراز) بفتح الموحدة الفضاء الواسع من الأرض وكني به عن الخارج من باب إطلاق اسم المحل على الحال. 146 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ -وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ- فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْجُبْ نِسَاءَكَ. فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفْعَلُ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي عِشَاءً، وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فَنَادَاهَا عُمَرُ: أَلاَ قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ. حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ. [الحديث 146 - أطرافه في: 147، 4795، 5237، 6240]. وبالسند إلى المؤلف رحمه الله قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف (قال: حدّثنا الليث) بن سعد إمام أهل مصر (قال: حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها: (أن أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كن يخرجن بالليل) أي في الليل (إذا تبرزن) أي إذا خرجن إلى البراز للبول والغائط (إلى المناصع) بفتح الميم والنون وكسر الصاد آخره عين مهملتين مواضع آخر المدينة من جهة البقيع (وهو) أي المناصع (صعيد أفيح) بالفاء والحاء المهملة أي

14 - باب التبرز في البيوت

واسع (فكان عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (يقول للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: احجب نساءك) أي امنعهن من الخروج من البيوت (فلم يكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعل) ما قاله عمر رضي الله عنه (فخرجت سودة بنت زمعة) بالزاي والميم والعين المهملة المفتوحات أو بسكون الميم. قال في النهاية: وهو أكثر ما سمعنا من أهل الحديث والفقهاء يقولونه القرشية العامرية رضي الله عنها هي (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المتوفاة آخر خلافة عمر رضي الله عنه، وقيل في خلافة معاوية بالمدينة سنة أربع وخمسين (ليلة) أي خرجت في ليلة (من الليالي عشاء) بكسر العين والمدّ والنصب بدل من قوله ليلة (وكانت) أي سودة (امرأة طويلة فناداها عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام حرف استفتاح ينبّه به على تحقيق ما بعده (قد عرفناك يا سودة) بالبناء على الضم لأنه منادى مفرد معرفة (حرصًا) بالنصب مفعول له معمول لقوله فناداها (على أن ينزل) بضم المثناة مبنيًّا للمفعول وسقط لفظ على للأصيلي وفي نسخة في الفرع أن ينزل بفتحها مبنيًّا للفاعل وأن مصدرية أي على نزول (الحجاب فأنزل الله) عز وجل (الحجاب) ولغير الأصيلي: فأنزل الله تعالى آية الحجاب أي حكم الحجاب، وللمستملي فأنزل الله آية الحجاب، وزاد أبو عوانة في صحيحه من طريق الترمذي عن ابن شهاب فأنزل الله تعالى آية الحجاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} [الأحزاب: 53] الآية. ففسر المراد من آية الحجاب صريحًا وهذا أحد المواضع الأحد عشر التي وافق عمر فيها نزول القرآن الآتية مع تمام البحث في الحديث إن شاء الله تعالى في تفسير سورة الأحزاب بعون الله تعالى وقوّته. 147 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَدْ أُذِنَ أَنْ تَخْرُجْنَ فِي حَاجَتِكُنَّ». قَالَ هِشَامٌ: يَعْنِي الْبَرَازَ. وبه قال: (حدّثنا) ولابن عساكر وحدّثنا بالواو وفي رواية أيضًا حدّثني (زكريا) بن يحيى بن صالح اللؤلؤي البلخي الحافظ، المتوفى ببغداد سنة ثلاثين ومائتين (قال: حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة) رضي الله عنها (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) بعد نزول الحجاب: (قد أذن) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أي أذن الله (أن) أي بأن (تخرجن) أي بخروجكن (في حاجتكن قال هشام) أي ابن عروة (تعني) أي عائشة رضي الله عنها بالحاجة، وفي بعض الأصول يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (البراز) بفتح الموحدة كما مرّ. قال الداودي قوله قد أذن أن تخرجن دال على أنه لم يرد هنا حجاب البيوت فإن ذلك وجه آخر إنما أراد أن يستترن بالجلبابات حتى لا يبدو منهنّ إلاّ العين انتهى. وهذا الحديث طرف من حديث يأتي إن شاء الله في التفسير بطوله، والحاصل منه أن سودة خرجت بعدما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت عظيمة الجسم، فرآها عمر رضي الله عنه فقال: يا سودة أما والله لا تخفين علينا فانظري كيف تخرجين فرجعت فشكت ذلك إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يتعشى، فأوحى الله تعالى إليه فقال: إنه قد أذن لكنّ أن تخرجن لحاجتكنّ أي لضرورة عدم الأخلية في البيوت، فلما اتخذت فيها الكنف منعهنّ من الخروج إلا لضرورة شرعية ولهذا عقب المصنف رحمه الله هذا الباب بقوله: 14 - باب التَّبَرُّزِ فِي الْبُيُوتِ هذا (باب التبرز في البيوت). 148 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: ارْتَقَيْتُ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ حَفْصَةَ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الشَّأْمِ. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا) بالجمع وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني حدّثني (إبراهيم بن المنذر) بضم الميم وكسر الذال بلفظ اسم الفاعل القرشي الحرّاني (قال: حدّثنا أنس بن عياض) أبو ضمرة الليثي المدني المتوفى سنة مائتين (عن عبيد الله) بالتصغير ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي المدني، المتوفى سنة سبع وأربعين ومائة (عن محمد بن يحيى بن حبّان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة (عن) عمه (واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال ارتقيت) أي صعدت (فوق ظهر بيت حفصة) يعني أخته كما صرّح به مسلم (لبعض حاجتي) وفي رواية ارتقيت فوق بيت حفصة بإسقاط ظهر، وفي الرواية السابقة في باب من تبرز على

15 - باب الاستنجاء بالماء

لبنتين على ظهر بيت لنا. وفي رواية يزيد الآتية على ظهر بيتنا وطريق الجمع أن يقال: إضافة البيت إليه على سبيل المجاز لكونها أخته وحيث أضافه إلى حفصة كان باعتبار أنه البيت الذي أسكنها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه، واستمر في يدها إلى أن ماتت فورثه عنها وحيث أضافه إلى نفسه كان باعتبار ما آل إليه الحال لأنه ورث حفصة دون إخوته لكونها كانت شقيقته ولم تترك من يحجبه عن الاستيعاب. (فرأيت) أي فأبصرت (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقضي حاجته) وحال كونه (مستدبر القبلة مستقبل الشام) لا يقال شرط الحال أن تكون نكرة ومستدبر مضاف لتاليه فيعرف لأن إضافته لفظية وهي لا تفيد التعريف. 149 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ أَنَّ عَمَّهُ وَاسِعَ بْنَ حَبَّانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ قَالَ: لَقَدْ ظَهَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاعِدًا عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) بن يوسف الدورقي، وفي رواية غير أبوي ذر والوقت والأصيلي باب بالتنوين حدّثنا يعقوب بن إبراهيم (قال: حدّثنا يزيد) أي (ابن هارون) كما عند الأصيلي وأبي الوقت، وتوفي يزيد هذا بواسط سنة ست ومائتين (قال أخبرنا يحيى) بن سعيد الأنصاري المدني الذي روى عنه هذا الحديث مالك كما مرّ (عن محمد بن يحيى بن حبان أن عمه واسع بن حبان) بفتح المهملة فيهما (أخبره أن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (أخبره قال: لقد ظهرت) أي علوت وارتفعت وأكد باللام وقد (ذات يوم) أي يومًا فهو من إضافة المسمى إلى اسمه أي ظهرت في زمان هو مسمى لفظ اليوم وصاحبه (على ظهر بيتنا فرأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاعدًا على لبنتين) يقضي حاجته حال كونه (مستقبل بيت المقدس) ولم يقع في رواية يحيى الأنصاري هذه مستدبر القبلة كما في رواية عبيد الله لأن ذلك من لازم من استقبل الشام بالمدينة، وإنما ذكرت في رواية عبيد الله للتأكيد والتصريح به. وقال هنا مستقبل بيت القدس، وفي السابقة مستقبل الشام فغاير في اللفظين والمعنى واحد لأنهما في جهة واحدة. 15 - باب الاِسْتِنْجَاءِ بِالْمَاء هذا (باب الاستنجاء بالماء) استفعال أي طلب الإنجاء والهمزة للسلب الإزالة كالاستعتاب لطلب الإعتاب لا العتب والاستنجاء إزالة النجو وهو الأذى الباقي في فم أحد المخرجين بالحجر أو بالماء وأصله الإزالة والذهاب إلى النجو، وهو ما ارتفع من الأرض كانوا يستترون بها إذا قعدوا للتخلي، وقصد المؤلف بهذه الترجمة الرد على من كره الاستنجاء بالماء وعلى من نفى وقوعه من الشارع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 150 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي مُعَاذٍ -وَاسْمُهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ- قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَجِيءُ أَنَا وَغُلاَمٌ مَعَنَا إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ. يَعْنِي يَسْتَنْجِي بِهِ. [الحديث 150 - أطرافه في: 151، 152، 217، 500]. وبالسند أول الكتاب إلى المؤلف قال: (حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك) الطيالسي البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي معاذ) بضم الميم وبالذال المعجمة (واسمه عطاء بن أبي ميمونة) البصري التابعي القدري، المتوفى بعد الثلاثين والمائة. وفي رواية الاقتصار على أبي معاذ دون تاليه (قال: سمعت أنس بن مالك) حال كونه (يقول كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا خرج) من بيته أو من بين الناس (لحاجته) أي البول أو الغائط ولفظة كانت تشعر بالتكرار والاستمرار (أجيء أنا وغلام) زاد في الرواية الآتية منا أي من الأنصار كما صرّح به الإسماعيلي في روايته وكلمة إذ ظرف، ويحتمل أن يكون فيها معنى الشرط وهي أجيء، والجملة في محل نصب على أنها خبر كان والعائد محذوف أي أجيئه وأنا ضمير مرفوع أبرزه ليصح عطف غلام على ما قبله لئلا يلزم عطف اسم على فعل. والغلام الذي طرّ شاربه وقيل هو من حين يولد إلى أن يشب وفي أساس البلاغة الغلام هو الصغير إلى حدّ الالتحاء. فإن قيل له بعد الالتحاء غلام فهو مجاز ولم يسم الغلام، وقيل هو ابن مسعود ويكون سماه غلامًا مجازًا وحينئذٍ فقول أنس منا أي من الصحابة أو من خدمه عليه الصلاة والسلام، وأما رواية الإسماعيلي التي فيها من الأنصار فلعلها من تصرف الراوي حيث رأى في الرواية منا فحملها على القبيلة فرواها بالعنى، وقال من الأنصار أو من إطلاق الأنصار على جميع الصحابة رضي الله عنهم وإن كان العرف خصّه بالأوس والخزرج، وقيل أبو هريرة وقد وجد لذلك شاهد وسماه أنصاريًّا مجازًا، لكن يبعده أن إسلام أبي هريرة بعد بلوغ أنس وأبو هريرة كبير، فكيف يقول أنس كما في مسلم وغلام نحوي أي

16 - باب من حمل معه الماء لطهوره

مقارب لي في السن، ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي فأتبعه وأنا غلام بتقديم الواو فتكون حالية، ولكن تعقبه الإسماعيلي بأن الصحيح أنا وغلام بواو العطف (معنا) بفتح العين وقد تسكن (إداوة) بكسر الهمزة إناء صغير من جلد كالسطيحة مملوءة (من ماء) قال هشام (يعني) أنس (يستنجي به) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد تعقب الأصيلي البخاري في استدلاله بحديث الباب على الاستنجاء بالماء قال لأن قوله هنا به يستنجي به ليس هو من قول أنس إنما هو من قول أبي الوليد هشام الراوي، وقد رواه سليمان. بن حرب عن شعبة فلم يذكرها، فيحتمل أن يكون الماء لوضوئه انتهى. وزعم بعضهم أن قوله يستنجي به مدرج من قول عطاء الراوي عن أنس فيكون مرسلاً، وحينئذٍ فلا حجة فيه وهذا يردّه ما عن الإسماعيلي من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة، فانطلقت أنا وغلام من الأنصار معنا إداوة فيها ماء يستنجي منها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولمسلم من طريق خالد الحذاء عن عطاء عن أنس، فخرج علينا وقد استنجى بالماء، وللمؤلف من طريق روح بن القاسم عن عطاء بن أبي ميمونة إذا تبرز لحاجته أتيته بماء فيغسل به. وعند ابن خزيمة في صحيحه من حديث إبراهيم بن جرير عن أبيه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل الغيضة فقضى حاجته فأتاه جرير بإداوة من ماء فاستنجى بها. وفي صحيح ابن حبان من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج من غائط قطّ إلاّ مسّ ماء. وعند الترمذي وقال حسن صحيح أنها قالت: مُرْن أزواجكنّ أن يغسلوا أثر الغائط والبول، فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يفعله، وهذا يردّ على من كره الاستنجاء بالماء ومن نفى وقوعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متمسكًا بما رواه ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال: إذًا لا يزال في يده نتن. وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما كان لا يستنجي بالماء، وعن الزهري قال: ما كنا نفعله. وعن سعيد بن المسيب أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال: إنه وضوء النساء. ونقل ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استنجى بالماء، وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع من الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم، وقال بعضهم: لا يجوز الاستنجاء بالأحجار مع وجود الماء والسُّنّة قاضية عليهم، استعمل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأحجار وأبو هريرة معه ومعه إداوة من ماء، والذي عليه جمهور السلف والخلف رضي الله عنهما أن الجمع بين الماء والحجر أفضل فيقدم الحجر لتخفيف النجاسة وثقل مباشرتها بيده ثم يستعمل الماء وسواء فيه الغائط والبول كما قاله ابن سراقة وسليم الرازي، وكلام القفال الشاشي في محاسن الشريعة يقتضي تخصيصه بالغائط فإن أراد الاقتصار على أحدهما، فالماء أفضل لكونه يزيل عين النجاسة وأثرها والحجر يزيل العين فقط والخنثى المشكل يتعين فيه الماء على المذهب، ويشترط في الحجر الطهارة إلا في الجمع بينه وبين الماء كما نقله صاحب الإعجاز عن الغزالي. 16 - باب مَنْ حُمِلَ مَعَهُ الْمَاءُ لِطُهُورِهِ وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالطَّهُورِ وَالْوِسَادِ. هذا (باب من حمل) بضم الحاء وكسر الميم خفيفة (معه الماء لطهوره) بضم الطاء أي ليتطهر به وفي رواية ابن عساكر لطهور بفتح الطاء وحذف الضمير. (وقال أبو الدرداء) عويمر بن مالك بن عبد الله بن قيسّ ويقال عويمر بن يزيد بن قيس الأنصاري قاضي دمشق في خلافة عثمان رضي الله عنهما، المتوفى بها سنة إحدى أْو اثنتين وثلاثين يخاطب علقمة بن قيس ومن سأله من العراقيين عن أشياء لا كان بالشام مما وصله المؤلف في المناقب. (أليس فيكم صاحب النعلين) عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. (والطهور) بفتح الطاء (والوساد) بكسر الواو أي صاحب نعلي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومائه الذي يتطهّر به ومخدته والإسناد إليه مجاز لأجل الملابسة لأنه كان يخدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. أي: لَمِ لا تسألون ابن مسعود رضي الله عنه وهو في العراق بينكم وكيف تحتاجون معه إلى أهل الشام أو إلى مثلي. 151 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ تَبِعْتُهُ أَنَا وَغُلاَمٌ مِنَّا مَعَنَا إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء آخره موحدة الواشحي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج

17 - باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء

(عن عطاء بن أبي ميمونة) البصري التابعي وفي رواية غير أبي ذر والأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت عن أبي معاذ وهو عطاء بن أبي ميمونة (قال): (سمعت أنسًا) رضي الله عنه، وفي رواية الأصيلي أنس بن مالك حال كونه (يقول كان رسول الله) وفي رواية كان النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا خرج) من بيته أو من بين الناس (لحاجته) البول أو الغائط (تبعته أنا وغلام منّا) أي من الأنصار كما صرح به الإسماعيلي في روايته أو من قومنا أو من خدمه عليه الصلاة والسلام كما مر (معنا إداوة) مملوءة (من ماء). فإن قلت: إذا للاستقبال وخرج للمضي فكيف يصح هنا إذًا لخروج قد وقع؟ أجيب: بأن إذا هنا لمجرد الظرفية فيكون المعنى تبعته حين خرج أو هو حكاية للحال الماضية. 17 - باب حَمْلِ الْعَنَزَةِ مَعَ الْمَاءِ فِي الاِسْتِنْجَاء هذا (باب حمل العنزة) بفتح العين والنون والزاي عصا أقصر من الرمح (مع الماء في الاستنجاء). 152 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْخُلُ الْخَلاَءَ، فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلاَمٌ إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً، يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ. تَابَعَهُ النَّضْرُ وَشَاذَانُ عَنْ شُعْبَةَ. الْعَنَزَةُ عَصًا عَلَيْهِ زُجٌّ. وبالسند إلى المؤلف قال رحمه الله تعالى: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة وتشديد المعجمة الملقب ببندار (قال حدّثنا محمد بن جعفر) الملقب غندر (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عطاء بن أبي ميمونة) البصري التابعي أنه (سمع أنس بن مالك) رضي الله عنه (يقول): (كان رسول الله) ولابن عساكر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدخل الخلاء) بالمد أي المتبرز (فأحمل أنا وغلام إداوة) مملوءة (من ماء وعنزة) بالنصب عطفًا على إداوة وكان أهداها له عليه الصلاة والسلام النجاشي كما في طبقات ابن سعد ومفاتيح العلوم للخوارزمي، والمراد بالخلاء هنا الفضاء كما في الرواية الأخرى كان إذا خرج لحاجته ولقرينة حمل العنزة مع الماء فإن الصلاة إليها إنما تكون حيث لا سترة غيرها، ولأن الأخلية المتخذة في البيوت إنما يتولى خدمته فيها في العادة أهله (يستنجي) عليه الصلاة والسلام (بالماء) وينبش بالعنزة الأرض الصلبة عند قضاء الحاجة لئلا يرتدّ عليه الرشاش أو يصلي إليها في الفضاء أو يمنع بها ما يعرض من الهوام أو يركزها بجنبه لتكون إشارة إلى منع من يروم المرور بقربه لا ليستتر بها عند قضاء الحاجة لأن ضابط هذا ما يستر الأسافل والعنزة ليست كذلك. (تابعه) أي تابع محمد بن جعفر (النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل بضم الشين المعجمة المازني البصري من أتباع التابعين، المتوفى آخر سنة ثلاث أو أربع ومائتين (وشاذان) بالشين والذال المعجمتين آخره نون لقب الأسود بن عامر الشامي أو البغدادي، المتوفى سنة ثمان ومائتين (عن شعبة) فأما متابعة الأوّل فموصولة عند النسائي والثانية عند المؤلف في الصلاة وزاد في رواية كريمة فقط وفي اليونينية سقوطها للأربعة (العنزة عصا عليه زج) بضم الزاي المعجمة وبالجيم المشددة وهو السنان أقصر من الرمح. 18 - باب النَّهْيِ عَنْ الاِسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِين هذا (باب النهي عن الاستنجاء باليمين). 153 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتَوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ، وَإِذَا أَتَى الْخَلاَءَ فَلاَ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلاَ يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ». [الحديث 153 - طرفاه في: 154، 5630]. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع وفي رواية ابن عساكر حدّثني (معاذ بن فضالة) بفتع الميم وبالذال المعجمة في الأول وفتح الفاء والضاد المعجمة في الثاني البصري الزهراني (قال: حدّثنا هشام) أي ابن عبد الله (هو الدستوائي) بفتح الدال وسكون السين المهملتين وفتح المثناة الفوقية وبالهمز من غير نون (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الطائي (عن عبد الله بن أبي قتادة) السلمي، المتوفى سنة خمس وتسعين (عن أبيه) وفي رواية عن أبي قتادة بدل قوله عن أبيه واسم أبي قتادة الحرث أو النعمان أو عمرو بن ربعي الأنصاري فارس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهد أُحُدًا وما بعدها، واختلف في شهوده بدرًا له في البخاري ثلاثة عشر حديثًا، توفي بالمدينة أو بالكوفة سنة أربع وخمسين رضي الله عنه (قال): (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا شرب أحدكم) ماء أو غيره (فلا يتنفس) بالجزم على النهي كالفعلين اللاحقين والرفع على النفي (في الإناء) أي داخله وحذف المفعول يفيد العموم، ولذا قدّر بماء أو غيره، وهذا النهي للتأديب لإرادة البالغة في النظافة لأنه ربما يخرج منه ريق فيخالط الماء فيعافه الشارب، وربما تروّح الإناء من بخار رديء بمعدته فيفسد الماء للطافته، فيسنّ أن يبين الإناء عن فمه

19 - باب لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال

ثلاثًا مع التنفس في كل مرة ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى بعون الله في كتاب الأشربة (وإذا أتى الخلاء) فبال كما فسّرته الرواية الآتية (فلا يمس ذكره) وكذا دبره (بيمينه) حالة البول والفاء في فلا جواب الشرط كهي في السابقة، ويجوز في سين يمس فتحها لخفته وكسرها في الأصل في تحريك الساكن وفك الإدغام، وإنما يظهر الجزم فيها للإدغام فإذا زال ظهر (ولا يتمسح بيمينه) تشريفًا لها عن مماسّة ما فيه أذى أو مباشرته، وربما يتذكر عند تناوله الطعام ما باشرته يمينه من الأذى فينفر طبعه عن تناوله والنهي فيهما للتنزيه عند الجمهور كما صرحوا به، وعبارة الروضة يستحب باليسار وكلامه في الكافي يفهم أن الاستنجاء بها حرام فإنه قال: لو استنجى بيمينه صحّ كما لو توضأ من إناء فضة، وإنما خص الرجال بالذكر لكون الرجال في الغالب هم المخاطبون والنساء شقائق الرجال في الأحكام إلا ما خص، وقد استشكل ما ذكر من المسّ والاستجمار باليمين لأنه إذا استجمر باليسار استلزم مسّ الذكر باليمين، وإذا مسّ باليسار استلزم الاستجمار باليمين وكلاهما منهي عنه. وأجيب بأن التخلص من ذلك ما قاله إمام الحرمين والبغوي في تهذيبه والغزالي في وسيطه أنه يمر العضو بيساره على شيء يمسكه بيمينه وهي قارة غير متحركة، وحينئذ فلا يعدّ مستجمرًا باليمين ولا ماسًّا بها فهو كمن صبّ الماء بيمينه على يساره حالة الاستنجاء، ومحصله أنه لا يجعل يمينه محركة للذكر ولا للحجر ولا يستعين بها إلا لضرورة كما إذا استنجى بالماء أو بحجر لا يقدر على الاستنجاء به إلا بمسكه بها قاله ابن الصباغ. ولما فرغ من ذكر ما ترجم له وهو النهي عن الاستنجاء باليمين شرع يذكر ترجمة النهي عن مس الذكر بها فقال: 19 - باب لاَ يُمْسِكُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ إِذَا بَال هذا (باب) بالتنوين (لا يمسك) بالرفع في اليونينية على أن لا نافية وفي غيرها بالجزم وفي نسخة بالفرع كأصله لا يمس (ذكره بيمينه إذا بال). فإن قلت: حكم هذه الترجمة مرَّ في الحديث السابق فما فائدة هذه الترجمة؟ فالجواب: أن فائدتها اختلاف الإسناد مع ما وقع في لفظ المتن من الخلاف الآتي في بيانه وتحرّيه على عادته في تعدّد التراجم بتعدّد الأحكام المجموعة في الحديث الواحد كما في هذا. 154 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَلاَ يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ، وَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ». وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي (قال: حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو إمام أهل الشام (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة وقد صرّح ابن خزيمة في روايته بسماع يحيى له من عبد الله بن أبي قتادة فحصل الأمن من التدليس (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه) بنون التوكيد، ولغير أبي ذر مما ليس في اليونينية فلا يأخذ بإسقاطها، وفي الرواية السابقة إذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه (ولا يستنج بيمينه) مجزوم بحذف حرف العلة بعد الجيم على النهي، وفي رواية الأربعة ولا يستنجي بإثباتها على النفي وهو مفسر لقوله في الرواية السابقة: ولا يتمسح بيمينه ولفظ لا يستنجي أعمّ من أن يكون بالقبل أو بالدبر، وهو يردّ على الطيبي حيث قال في الرواية السابقة ولا يتمسح بيمينه مختص بالدبر (ولا يتنفس في الإناء) جملة استئنافية على أن لا نافية أو معطوفة على أنها ناهية ولا يلزم من كون المعطوف عليه مقيدًا بقيد أن يكون المعطوف مقيدًا به لأن التنفس لا يتعلق بحالة البول، وإنما هو حكم مستقل. 20 - باب الاِسْتِنْجَاءِ بِالْحِجَارَةِ هذا (باب الاستنجاء بالحجارة). 155 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْمَكِّيُّ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اتَّبَعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ، فَكَانَ لاَ يَلْتَفِتُ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقَالَ: «ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا -أَوْ نَحْوَهُ- وَلاَ تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلاَ رَوْثٍ. فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ بِطَرَفِ ثِيَابِي فَوَضَعْتُهَا إِلَى جَنْبِهِ وَأَعْرَضْتُ عَنْهُ، فَلَمَّا قَضَى أَتْبَعَهُ بِهِنَّ. [الحديث 155 - طرفه في: 3860]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) أي ابن أبي الوليد (المكي) الأزرقي جدّ أبي الوليد محمد بن عبد الله صاحب تاريخ مكة، المتوفى سنة أربع عشرة أو اثنتين وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو) بكسر عين سعيد (المكي) القرشي الأموي (عن جدّه) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي الثقة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه (قال): (أتبعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بقطع الهمزة من الرباعي أي لحقته قال تعالى: {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِين} [الشعراء: 60] وبهمزة وصل وتشديد المثناة الفوقية أي مشيت وراءه (و) قد (خرج لحاجته) جملة وقعت حالاً فلا بدّ فيها من قد إما ظاهرة أو مقدرة

21 - باب لا يستنجى بروث

(فكان) عليه الصلاة والسلام بفاء العطف ولغير أبي ذر مما ليس في اليونينية وكان (لا يلتفت) وراءه، وهذه كانت عادته عليه الصلاة والسلام في مشيه (فدنوت) أي قربت (منه) لأستأنس به كما في رواية الإسماعيلي وزاد فقال: من هذا؟ فقلت: أبو هريرة، (فقال: ابغني) بهمزة وصل من الثلاثي أي اطلب لي يقال: بغيتك الشيء أي طلبته لك وبهمزة قطع إذا كان من المزيد أي أعني على الطلب. يقال: أبغيتك الشيء أي أعنتك على طلبه. قال العيني كالحافظ ابن حجر وكلاهما روايتان، وللأصيلي فقال: أبغ ليس بهمزة قطع وباللام بعد الغين بدل النون، وللإسماعيلي ائتني (أحجارًا) نصب مفعول ثانٍ لابغني (أستنفض بها) بالنون والفاء المكسورة والضاد العجمة مجزوم جوابًا للأمر وهو الذي في فرع اليونينية كهي، ويجوز رفعه على الاستئناف والاستنفاض الاستخراج ويكنى به عن الاستنجاء كما قاله المطرزي، وفي القاموس استنفضه استخرجه وبالحجر استنجى (أو) قال عليه الصلاة والسلام (نحوه) بالنصب معمول قال، أي قال نحو هذا كأستنجي أو أستنظف والتردد من بعض رواته (ولا تأتي) بالجزم بحذف حرف العلة على النهي. وفي رواية ابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني ولا تأتيني بإثباته على النفي، وفي رواية في الفرع ولا تأتي (بعظم ولا روث) لأنهما مطعومان للجن كما عند المؤلف في البعث أن أبا هريرة رضي الله عنه قال للنبي صلى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أن فرغ: ما بال العظم والروث، قال "هما من طعام الجن" وفي حديث أبي داود عن ابن مسعود أن وفد الجن قدموا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: يا محمد أنّه أمتك عن الاستنجاء بالعظم والروث فإن الله تعالى جعل لنا فيه رزفًا فنهاهم عن ذلك وقال: "إنه زاد إخوانكم من الجن" وقيل النهي في العظم لأنه لزج فلا يتماسك لقطع النجاسة، وحينئذ فيلحق به كل ما في معناه كالزجاج الأملس أو لأنه لا يخلو غالبًا من بقية دسم تعلق به فيكون مأكولاً للناس، ولأن الروث نجس فيزيد ولا يزيل ويلحق به كل نجس ومتنجس، ولو أحرق العظم وخرج عن حال العظام فوجهان. أصحهما في المجموع المنع، ويلحق بالعظم كل مطعوم للآدمي لحرمته وإن اختصّ بالبهائم. قال الماوردي: لم يحرم. ومنعه ابن الصباغ، والغالب كالمختص أو استويا فوجهان. وقد نبّه في الحديث باقتصاره في النهي على العظم والروث على أن ما سواهما مجزئ ولو كان ذلك مختصًّا بالأحجار كما يقول بعض الحنابلة، والظاهرية لم يكن لتخصيص هذين بالنهي معنى، وإنما خص الأحجار بالذكر لكثرة وجودها. قال أبو هريرة (فأتيته) عليه الصلاة والسلام (بأحجار بطرف) أي في طرف (ثيابي فوضعتها) بتاء بعد العين الساكنة وفي رواية فوضعها (إلى جنبه وأعرضت) وللكشميهني في غير اليونينية واعترضت (عنه) بزيادة تاء بعد العين، (فلما قضى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاجته (أتبعه) بهمزة قطع أي ألحقه (بهن) أي أتبع المحل بالأحجار وكنى به عن الاستنجاء واستنبط منه مشروعية الاستنجاء وهل هو واجب أو سُنّة؟ وبالأول قال الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى لأمره عليه الصلاة والسلام بالاستنجاء بثلاثة أحجار، وكل ما فيه تعدد يكون واجبًا كولوغ الكلب. وقال مالك وأبو حنيفة والمزني من أصحابنا الشافعية: هو سنّة واحتجّوا بحديث أبي هريرة عند أبي داود مرفوعًا: "من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج" الحديث. قالوا: وهو يدل على انتفاء المجموع لا الإيتار وحده وأن يكون قبل الوضوء اقتداء به عليه الصلاة والسلام وخروجًا من الخلاف فإنه شرط عند أحمد وإن أخّره بعد التيمم لم يجزه. 21 - باب لاَ يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ هذا (باب) بالتنوين (لا يستنجى بروث) بضم المثناة التحتية وفتح الجيم مبنيًّا للمفعول، وثبت في رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر ما بعد الباب. 156 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ، وَلَكِنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ: أَتَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ: هَذَا رِكْسٌ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا زهير) هو ابن معاوية الجعفي المكي الكوفي (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي بفتح السين المهملة وكسر الموحدة التابعي وما ذكر من كون زهير سمع من أبي إسحاق بآخرة لا يقدح لثبوت سماعه منه هذا

22 - باب الوضوء مرة مرة

الحديث قبل الاختلاط بطرق متعددة (قال) أي أبو إسحاق (ليس أبو عبيدة) عامر بن عبد الله بن مسعود (ذكره) لي (ولكن) ذكره ليس وحدّثني به (عبد الرحمن بن الأسود) المتوفى سنة تسع وتسعين أي لست أرويه الآن عن أبي عبيدة، وإنما أرويه عن عبد الرحمن بن الأسود (عن أبيه) الأسود بن يزيد النخعي الكوفي صاحب ابن مسعود، وقد اختلف فيه على أبي إسحاق فرواه إسرائيل عنه عن أبي عبيدة عن أبيه وابن مغول وغيره عن الأسود عن أبيه عن عبد الله من غير ذكر عبد الرحمن، ورواه زكريا بن أبي زائدة عنه عن عبد الرحمن بن يزيد عن الأسود ومعمر عنه عن علقمة عن عبد الله، ويونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي الأحوص عن عبد الله، ومن ثم انتقده الدارقطني على المؤلف لكنه قال: أحسنها سياقًا الطريق التي أخرجها البخاري لكن في النفس منه شيء لكثرة الاختلاف فيه على أبي إسحاق. وأجيب: بأن الاختلاف على الحفاظ لا يوجب الاضطراب إلا مع استواء وجوه الاختلاف فمتى رجح أحد الأقوال قدم، ومع الاستواء لا بدّ أن يتعذر الجمع على قواعد المحدثين، وهنا يظهر عدم استواء وجود الاختلاف على أبي إسحاق فيه لأن الروايات المختلفة عنه لا يخلو إسناد منها عن مقال غير طريق زهير وإسرائيل مع أنه يمكن ردّ أكثر الطرق إلى رواية زهير. وقد تابع زهيرًا يوسف بن إسحاق كما سيأتي وهو يقتضي تقديم رواية زهير (أنه) بفتح الهمزة بتقدير الموحدة أي الأسود (سمع عبد الله) أي ابن مسعود رضي الله عنه (يقول): (أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الغائط) أي الأرض المطمئنة القضاء حاجته، فالمراد به معناه اللغوي (فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار) أي فأمرني بإتيان ثلاثة أحجار وفي طلبه الثلاثة دليل على اعتبارها وإلاّ لما طلبها، وفي حديث سلمان نهانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نكتفي بدون ثلاثة أحجار كما رواه مسلم وأحمد. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (فوجدت) أي أصبت (حجرين والتمست) أي طلب الحجر (الثالث فلم أجده) بالضمير المنصوب أي الحجر، ولأبي ذر فلم أجد بحذفه (فأخذت روثة) زاد ابن خزيمة في رواية له في هذا الحديث أنها كانت روثة حمار (فأتيته) عليه الصلاة والسلام (بها) أي بالثلاثة (فأخذ) عليه الصلاة والسلام (الحجرين وألقى الروثة وقال: هذا ركس) بكسر الراء أي رجس كما في رواية ابن خزيمة وابن ماجة في هذا الحديث أو طعام الجن، وعزي للنسائي أو الرجيع رد من حالة الطهارة إلى حالة النجاسة قاله الخطابي وذكر إشارة الروثة باعتبار تذكير الخبر على حدّ قوله تعالى: {هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 78] وفي بعض النسخ هذه ركس على الأصل. فإن قلت: ما وجه إتيانه بالروثة بعد أمره عليه الصلاة والسلام له بالأحجار؟ أجيب: بأنه قاس الروث على الحجر بجامع الجمود فقطع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قياسه بالفرق أو بإبداء المانع، ولكنه ما قاسه إلا لضرورة عدم المنصوص عليه، وزاد في رواية الأصيلي وابن عساكر وأبوي الوقت وذر. (وقال إبراهيم بن يوسف) بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني الكوفي، المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة (عن أبيه) يوسف بن أبي إسحاق الكوفي الحافظ، المتوفى في زمن أبي جعفر المنصور أو سنة سبع وخمسين ومائة (عن) جدّه (أبي إسحاق حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن) هو ابن الأسود بن يزيد أي بالإسناد السابق، وأراد المؤلف بهذا التعليق الردّ على رغم أن أبا إسحاق دل هذا الخبر وفي ذكر مبحث ذلك طول يخرج عن غرض الاختصار. وقد استدل الطحاوي بقوله: وألقى الروثة على عدم اشتراط الثلاث في الاستنجاء، وعلّله بأنه لو كان شرطًا لطلب ثالثًا، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وداود. وأجيب: بأن في رواية أحمد في مسنده بإسناد رجاله ثقات أثبات عن ابن مسعود في هذا الحديث، فألقى الروثة وقال: إنها ركس ائتني بحجر أو أنه عليه الصلاة والسلام اكتفى بطرف أحد الحجرين عن الثالث لأن المقصود بالثلاثة أن يمسح بها ثلاث مسحات وذلك حاصل ولو بواحد له ثلاثة أطراف، وتأتي بقية المباحث قريبًا إن شاء الله تعالى. 22 - باب الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً (باب الوضوء مرة مرة) لكل عضو. 157 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَوَضَّأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّةً مَرَّةً. وبه قال:

23 - باب الوضوء مرتين مرتين

(حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي أو الفريابي (قال: حدثنا سفيان) بن عيينة أو الثوري وجزم الحافظ ابن حجر والبرماوي بأن المراد محمد بن يوسف الفريابي لا البيكندي وسفيان الثوري لا ابن عيينة والتردد فيهما للكرماني وأقره العيني عليه (عن زيد بن أسلم) التابعي المدني (عن عطاء بن يسار) بفتح المثناة التحتية والسين المهملة المخففة (عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه (قال): (توضأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فغسل كل عضو من أعضاء الوضوء (مرة مرة) بالنصب فيهما على المفعول المطلق المبين للكمية وقيل على الظرفية أي توضأ في زمان واحد، وقيل على المصدر أي توضأ مرة من التوضؤ أي غسل الأعضاء غسلة واحدة. 23 - باب الْوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ (باب الوضوء مرتين مرتين) لكل عضو أيضًا. 158 - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، وفي رواية ابن عساكر حدّثني (حسين بن عيسى) بتصغير الأوّل ابن حمران بضم الحاء المهملة الطائي القومسي بالقاف والسين المهملة الدامغاني البسطاني، المتوفى بنيسابور سنة سبع وأربعين ومائتين وفي رواية ابن عساكر وأبي ذر الحسين بن عيسى (قال: حدّثنا يونس بن محمد) بن مسلم المؤدّب المعلّم المؤذن البغدادي الحافظ، المتوفى بعد المائتين سنة سبع أو ثمان أو غير ذلك (قال: حدّثنا) وفي رواية الأربعة أخبرنا (فليح بن سليمان) بضم الفاء وفتح اللام وسكون التحتية آخره مهملة واسمه عبد الملك (عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم) بفتح العين في الأوّل وفتح الحاء المهملة وسكون الزاي في الثاني المدني الأنصاري التابعي، المتوفى سنة خمس وثلاثين ومائة، وفي رواية أبي ذر أبي بكر بن محمد بن عمرو بزيادة ابن محمد بين أبي بكر وابن عمرو (عن عباد بن تميم) بتشديد الموحدة بعد العين ابن يزيد الأنصاري المختلف في صحبتها (عن عبد الله بن زيد) أي ابن عبد ربه صاحب رؤيا الأذان رضي الله عنه. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضأ) فغسل أعضاء الوضوء (مرتين مرتين) بالنصب فيهما على المفعول المطلق كالسابق. 24 - باب الْوُضُوءِ ثَلاَثًا ثَلاَثًا هذا (باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا) لكل عضو. 159 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاَثَ مِرَارٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». [الحديث 159 - أطرافه في: 160، 164، 1934، 6433]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي) بضم الهمزة وفتح الواو وسكون المثناة التحتية (قال: حدّثني) بالتوحيد (إبراهيم بن سعد) بسكون العين سبط عبد الرحمن بن عوف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن عطاء بن يزيد) التابعي (أخبره) أي أخبر ابن شهاب (أن) بفتح الهمزة بتقدير الباء (حمران) بضم الحاء المهملة وسكون الميم وبالراء ابن أبان بفتح الهمزة والموحدة المخففة ابن خالد (مولى عثمان) بن عفان رضي الله عنه، المتوفى سنة خمس وسبعين (أخبره) أي أن حمران أخبر عطاء. (أنه رأى) أي أبصر (عثمان بن عفان) بن أبي العاص بن أمية أمير المؤمنين الملقب بذي النورين ولا نعلم أن أحدًا أرخى سترًا على ابنتي نبيّ غيره قاله الحافظ الزين العراقي، المستشهد في يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين رضي الله عنه حال كونه قد (دعا بإناء) فيه ماء للوضوء (فأفرغ) بفاء التفسير أي فصب (على كفيه) إفراغًا (ثلاث مرار). والظاهر أن المراد أفرغ على واحدة بعد واحدة لا عليهما وقد بين في رواية أخرى أنه أفرغ بيده اليمنى على اليسرى ثم غسلهما، وقوله غسلهما قدر مشترك بين كونه غسلهما مجموعتين أو متفرقتين، والذي جزم به في الروضة من زوائده أن الكفين كالأذُنين، والصحيح في الأُذنين مسحهما معًا فكذلك يغسل الكفّين معًا. ويدل عليه من هذا الحديث أنه قال: فغسلهما ثلاثًا ولو أراد التفريق لقال غسلهما ثلاثًا ثلاثًا، وفي رواية الأصيلي وكريمة ثلاث مرات (فغسلهما) أي غسل كفّيه قبل إدخالهما الإناء (ثم أدخل يمينه في الإناء) فأخذ منه الماء وأدخله في فيه (فمضمض) بأن أدار الماء في فيه، وفي رواية الأصيلي فتمضمض بالتاء بعد الفاء (واستنشق) بأن أدخل الماء في أنفه، وفي رواية ابن عساكر والأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني واستنثر بالمثناة الفوقية المثلثة بينهما نون ساكنة أي أخرج الماء من أنفه بعد

الاستنشاق، وفي رواية أبي داود وابن المنذر فتمضمض ثلاثًا واستنثر ثلاثًا (ثم غسل وجهه) غسلاً (ثلاثًا) وحدّ الوجه من قصاص الشعر إلى أسفل الذقن طولاً، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأُذن عرضًا. وفيه تأخير غسل الوجه عن السابق كما دلّ عليه العطف بثم المقتضية للمهلة والترتيب احتياطًا للعبادة. لأن اعتبار أوصاف الماء لونًا وطعمًا وريحًا يدرك بالبصر والفم والأنف فظهر سر تقديم المسنون على المفروض (و) غسل (يديه) كل واحدة (إلى) أي مع (المرفقين) بفتح الميم وكسر الفاء وبالعكس لغتان مشهورتان غسلاً (ثلاث مرار ثم مسح برأسه) وسقط ثم لغير الأربعة ولم يذكر عددًا للمسح كغيره فاقتضى الاقتصار على مرة واحدة وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد، لأن المسح مبني على التخفيف فلا يقاس على الغسل لأنّ المراد منه المبالغة في الإسباغ. نعم روى أبو داود من وجهين صحح أحدهما ابن خزيمة وغيره في حديث عثمان تثليث مسح الرأس والزيادة من العدل مقبولة وهو مذهب الشافعي كغيره من الأعضاء. وأجيب: بأن رواية المسح مرة إنما هي لبيان الجواز. (ثم غسل رجليه) غسلاً (ثلاث مرار إلى) أي مع (الكعبين) وهما العظمان المرتفعان عند مفصل الساق والقدم. (ثم قال) عثمان رضي الله عنه (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من توضأ) وضوءًا (نحو وضوئي هذا) أي مثله لكن بين نحو ومثل فرق من حيث إن لفظ مثل يقتضي المساواة من كل وجه إلا في الوجه الذي يقتضي التغاير بين الحقيقتين بحيث يخرجان عن الموحدة، ولفظ "نحو" لا يقتضي ذلك، ولعلها استعملت هنا بمعنى المثل مجازًا أو لعله لم يترك مما يقتضي المثلية إلا ما لا يقدح في المقصود قاله ابن دقيق العيد. قال البرماوي في شرح العمدة: وإنما حمل نحو على معنى مثل مجازًا أو على جل المقصود لأن الكيفية المترتب عليها ثواب معين باختلال شيء منها يختل الثواب المترتب بخلاف ما يفعل لامتثال الأمر مثل فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه يكتفى فيه بأصل الفعل الصادق عليه الأمر انتهى. وقد وقع في بعض طرق الحديث بلفظ مثل كما عند المؤلف في الرقاق، وكذا عند مسلم وهو معارض لقول النووي إنما قال: نحو وضوئي ولم يقل مثل لأن حقيقة مماثلته لا يقدر عليها غيره. نعم علمه عليه الصلاة والسلام بحقائق الأشياء وخفيات الأمور لا يعلمه غيره، وحينئذ فيكون قول عثمان رضي الله عنه مثل بمقتضى الظاهر. (ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه) بشيء من المدنيا كما رواه الحكيم الترمذي في كتاب الصلاة له، وحينئذ فلا يؤثر حديث نفسه في أمور الآخرة أو يتفكر في معاني ما يتلوه من القرآن، وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجهز جيشه في صلاته، لكن قال البرماوي في شرح العمدة: ينبغي تأويله أي لكونه لا تعلق له بالصلاة إذ السائغ إنما هو ما يتعلق بها من فهم المتلو فيها أو غيره كما قرره الشيخ عز الدين بن عبد السلام. وقال في الفتح: المراد ما تسترسل النفس معه ويمكن المرء قطعه لأن قوله يحدث يقتضي تكسبًا منه، فأما ما يهجم من الخطرات والوساوس ويتعذر دفعه فذلك معفوّ عنه. نعم هو بلا ريب دون من سلم من الكل لأنه عليه الصلاة والسلام إنما ضمن الغفران لمن راعى ذلك بمجاهدة نفسه من خطرات الشيطان ونفيها عنها وتفرغ قلبه، ولا ريب أن المتجردين عن شواغل الدنيا الذين غلب ذكر الله على قلوبهم يحصل لهم ذلك. وروي عن سعد رضي الله عنه أنه قال: ما قمت في صلاة فحدّثت نفسي فيها بغيرها. قال الزهري رحمه الله: رحم الله سعدًا إن كان لمأمونًا على هذا ما ظننت أن يكون هذا إلا في نبي انتهى. وجواب الشرط قوله: (غفر له) بضم الغين مبنيًّا للمفعول، وفي رواية ابن عساكر غفر الله له (ما تقدم من ذنبه) من الصغائر دون الكبائر كما في مسلم من التصريح به، فالمطلق يحمل على المقيد، وزاد ابن أو شيبة: وما تأخر، ويأتي لفظه في باب المضمضة بعون الله تعالى. 160 - وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، وَلَكِنْ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ عَنْ حُمْرَانَ، فَلَمَّا تَوَضَّأَ عُثْمَانُ قَالَ: أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا لَوْلاَ آيَةٌ مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ؟ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ وَيُصَلِّي الصَّلاَةَ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاَةِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا». قَالَ عُرْوَةُ: الآيَةُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ}. [البقرة: 159]. (وعن إبراهيم) بن سعد السابق أوّل الباب وهو معطوف على قوله حدّثني إبراهيم بن سعد (قال: قال صالح بن كيسان) بفتح الكاف وسكون المثناة التحتية (قال: ابن شهاب) الزهري. (ولكن عروة) بن الزبير بن العوّام (يحدث عن

25 - باب الاستنثار في الوضوء

حمران) هذا استدراك من ابن شهاب، يعني أن شيخيه اختلفا في روايتهما له عن حمران عن عثمان رضي الله عنه فحدّثه عطاء على صفة وعروة على صفة، وليس ذلك اختلافًا وإنما هما حديثان متغايران، فأما صفة تحديث عطاء فتقدمت وأما صفة تحديث عروة عنه فأشار إليها بقوله: (فلما توضأ عثمان) رضي الله عنه عطف على محذوف تقديره عن حمران أنه رأى عثمان رضي الله عنه دعا بإناء فأفرغ على كفّيه إلى أن قال: فغسل رجليه إلى الكعبين، فلما توضأ (قال: ألا أحدّثكم) وفي رواية الأربعة لأحدّثنكم أي والله لأحدّثنكم (حديثًا لولا آية) ولابن عساكر لولا آية ثابتة في كتاب الله تعالى (ما حدّثتكموه) أي ما كنت حريصًا على تحديثكم به (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقول: لا يتوضأ) وفي رواية لا يتوضأن بنون التوكيد الثقيلة (رجل يحسن) وفي رواية الأربعة فيحسن (وضوءه) بأن ويأتي به كاملاً بآدابه وسننه، والفاء بمعنى ثم لأن إحسان الوضوء ليس متأخرًا عن الوضوء حتى يعطف عليه بالفاء التعقيبية، بل هي لبيان الرتبة دلالة على أن الإجادة في الوضوء أفضل وأكمل من الاقتصار فيه على الواجب، (ويصلي الصلاة) المفروضة (إلا) رجل (غفر له) بضم الغين وكسر الفاء (ما بينه وبين الصلاة) التي تليها كما في مسلم من رواية هشام بن عروة أي من الصغائر (حتى يصليها) أي يفرغ منها، فحتى غاية يحصل المقدر في الظرف إذ الغفران لا غاية له. وقال في الفتح: حتى يصليها أي يشرع في الصلاة الثانية. (قال عروة الآية: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا}. [البقرة: 159] ولابن عساكر {مَا أَنْزَلْنَا مِنَ البَيِّنَاتِ)، وفي رواية "مَا أَنْزَلْنَا" الآية أي التي في سورة البقرة إلى قوله: {ويلعنهم اللاعنون} كما في مسلم. وهذه الآية وإن كانت في أهل الكتاب فهي تحثّ على التبليغ، ومن ثم استدلّ بها في هذا المقام لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب على ما عرف في محله، ثم إن ظاهر الحديث يقتضي أن المغفرة لا تحصل بما ذكر من إحسان الوضوء بل حتى تنضاف إليه الصلاة. قال ابن دقيق العيد: الثواب الموعود به يترتب على مجموع الوضوء على النحو المذكور، وصلاة الركعتين بعده به والمترتب على مجموع أمرين لا يترتب على أحدهما إلا بدليل خارج، وقد أدخل قوم هذا الحديث في فضل الوضوء وعليهم في ذلك هذا السؤال. ويجاب بأن كون الشيء جزءًا فيما يترتب عليه الثواب العظيم كافٍ في كونه ذا فضل فيحصل المقصود من كون الحديث دليلاً على فضيلة الوضوء، ويظهر بذلك الفرق بين حصول الثواب المخصوص وحصول مطلق الثواب، فالثواب المخصوص يترتب على مجموع الوضوء على النحو المذكور والصلاة الموصوفة، وفضيلة الوضوء قد تحصل بما دون ذلك انتهى. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه الصحيح "إذا توضأ العبد خرجت خطاياه" الحديث. وفيه أن الخطايا تخرج مع آخر الوضوء حتى يفرغ من الوضوء نقيًّا من الذنوب وليس فيه ذكر الصلاة. وأجيب: بأن يحمل حديث أبي هريرة عليها لكن يبعده أن في رواية لمسلم من حديث عثمان رضي الله عنه وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة. وأجيب باحتمال أن يكون ذلك باختلاف الأشخاص، فربَّ متوضئ يحضره من الخشوع ما يستقل وضوءه بالتفكير وآخر عند تمام الصلاة، والله تعالى أعلم. 25 - باب الاِسْتِنْثَارِ فِي الْوُضُوءِ ذَكَرَهُ عُثْمَانُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب الاستنثار في الوضوء) وهو دفع الماء الذي يستنشقه المتوضئ أي يجذبه بريح أنفه لتنظيف ما في داخله فيخرجه بريح أنفه سواء كان بإعانة يده أم لا (ذكره) أي الاستنثار (عثمان) بن عفان رضي الله عنه فيما رواه المؤلف موصولاً في باب مسح الرأس كله كما تقدم، (وعبد الله بن زيد) فيما وصله المؤلف فيما سيأتي إن شاء الله تعالى، (وابن عباس رضي الله عنهم عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، وفي رواية ابن عساكر والأصيلي وعبد الله بن عباس وتقدم حديثه موصولاً عند المؤلف، في باب غسل الوجه من غرفة، لكن ليس فيه ذكر الاستنثار، قال في الفتح: كأن المصنف أشار بذلك إلى ما رواه أحمد وأبو داود والحاكم من حديثه موقوفًا استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثًا.

26 - باب الاستجمار وترا

161 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ». [الحديث 161 - طرفه في: 162]. وبه قال (حدّثنا عبدان) اسمه عبد الله بن عثمان المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) أي ابن المبارك (قال: أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالتوحيد (أبو إدريس) عائذ الله بالهمزة والذال المعجمة ابن عبد الله الخولاني بالمعجمة التابعي الجليل قاضي دمشق لمعاوية المتوفى سنة ثمانين. (أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (عن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) وفي رواية أبوي الوقت وذر عن المستملي أنه قال: (من توضأ فليستنثر) بأن يخرج ما في أنفه من أذى بعد الاستنشاق لما فيه من تنقية مجرى النفس الذي به تلاوة القرآن وبإزالة ما فيه من الثفل تصح مجاري الحروف، وفيه طرد الشيطان لما عند المؤلف رحمه الله تعالى في بدء الخلق: إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثًا، فإن الشيطان يبيت على خيشومه، والخيشوم أعلى الأنف ونوم الشيطان عليه حقيقة أو هو على الاستعارة لأن ما ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم قذارة توافق الشياطين فهو على عادة العرب في نسبتهم المستخبث والمستبشع إلى الشيطان، أو ذلك عبارة عن تكسيله عن القيام إلى الصلاة ولا مانع من حمله على الحقيقة، وهل مبيته لعموم النائمين أو مخصوص بمن لم يفعل ما يحترس به في منامه كقراءة آية الكرسي وظاهر الأمر فيه للوجوب فيلزم من قال بوجوب الاستنشاق لورود الأمر به كأحمد وإسحاق وغيرهما أن يقول به في الاستنثار. وظاهر كلام صاحب المغني من الحنابلة أنهم يقولون بذلك، وأن مشروعية الاستنشاق لا تحصل إلا بالاستنثار وقول العيني: إن الإجماع قائم على عدم وجوبه، يردّه تصريح ابن بطال بأن بعض العلماء قال بوجوبه، وقال الجمهور: إن الأمر فيه للندب مستدلين له بما أخرجه الترمذي وحسنه والحاكم وصححه من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للأعرابي: من توضأ كما أمر الله فأحال على الآية وليس فيها ذكر الاستنشاق. (ومن استجمر) أي مسح محل النجو بالجمار وهي الأحجار الصغار (فليوتر) وحمله بعضهم على استعمال البخور، فإنه يقال تجمر واستجمر أي فليأخذ ثلاث قطع من الطيب ويتطيب ثلاثًا أو أكثر وترًا حكاه ابن حبيب عن ابن عمرو لا يصح، وكذا حكاه ابن عبد البرّ عن مالك، وروى ابن خزيمة في صحيحه عنه خلافه والأظهر الأوّل. 26 - باب الاِسْتِجْمَارِ وِتْرًا (باب الاستجمار) بالأحجار حال كونه (وترًا). 162 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ ثُمَّ لِيَنْثُرْ. وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ. وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة ابن أنس الأصبحي (عن أبي الزناد) بكسر الزاي وبالنون واسمه عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا توضأ) أي إذا أراد أن يتوضأ (أحدكم فليجعل في أنفه) كذا في فرع اليونينية كهي بحذف المفعول لدلالة الكلام عليه وهو رواية الأكثرين أي فليجعل في أنفه ماء، ولأبي ذر إثباته كمسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد (ثم لينثر) بمثلثة مضمومة بعد النون الساكنة من باب الثلاثي المجرد، ولأبي ذر والأصيلي ثم لينتثر على وزن ليفتعل من باب الافتعال. يقال: نثر الرجل وانتثر إذا حرك النثرة وهي طرف الأنف في الطهارة، (ومن استجمر) بالأحجار (فليوتر) بثلاث أو خمس أو سبع أو غير ذلك، والواجب الثلاثة لحديث مسلم: لا يستنجي أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار، فأخذ بهذا الحديث الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث، فاشترطوا أن لا ينقص من الثلاثة فإن حصل الإنقاء بها وإلا وجبت الزيادة، واستحب الإيتار إن حصل الإنقاء بشفع للحديث الصحيح: "ومن استجمر فليوتر" وليس بواجب لزيادة لأبي داود بإسناد حسن قال: ومن لا فلا حرج والمدار عند المالكية والحنفية على أن الإنقاء حيث وجد اقتصر عليه. (وإذا استيقظ أحدكم من نومه) عطف على قوله: إذا توضأ (فليغسل) ندبًا (يده) بالإفراد وفي مسلم ثلاثًا (قبل أن يدخلها) أي قبل إدخالها (في) دون القلتين من (وضوئه) بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به، وللكشميهني كمسلم قبل أن يدخلها في الإناء وهو ظرف الماء المعد للوضوء لا يبلغ قلتين، (فإن أحدكم لا يدري أين باتت

27 - باب غسل الرجلين، ولا يمسح على القدمين

يده) من جسده أي: هل لاقت مكانًا طاهرًا منه أو نجسًا بثرة أو جرحًا أو أثر الاستنجاء بالأحجار بعد بلل المحل أو اليد بنحو عرق، ومفهومه أن من درى أين باتت يده كمن لفّ عليها خرقة مثلاً فاستيقظ وهي على حالها أنه لا كراهة. نعم يستحب غسلهما في الماء القليل، فقد صح عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غسلهما قبل إدخالهما في الإناء في حالة اليقظة فاستحبابه بعد النوم أولى، ومن قال كمالك إن الأمر للتعبد لا يفرق بين شاكٍّ ومتيقن، والأمر في قوله: فليغسل للندب عند الجمهور، فإنه علّله بالشك في قوله: فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده، والأمر المضمن بالشك لا يكون واجبًا في هذا الحكم استصحابًا لأصل الطهارة، وحمله الإمام أحمد رحمه الله على الوجوب في نوم الليل دون نوم النهار لقوله في آخر الحديث: أين باتت يده، لأن حقيقة المبيت تكون في الليل، ووقع التصريح به في رواية أبي داود بلفظ: إذا قام أحدكم من الليل، وكذا عند الترمذي وأجيب: بأن التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل، وإنما خصّ نوم الليل بالذكر للغلبة. قال الرافعي في شرح المسند: يمكن أن يقال الكراهة في الغمس لمن نام ليلاً أشد منها لمن نام نهارًا لأن الاحتمال في نوم الليل أقرب لطوله عادة وليس الحكم مختصًّاً بالنوم، بل المعتبر الشك في نجاسة اليد، واتفقوا على أنه لو غمس يده لم يضرّ الماء خلافًا لإسحاق وداود وغيرهما، وحيث ثبتت الكراهة فلا تزول إلا بتثليث الغسل كما نص عليه في البويطي، وهي المطلوبة عند كل وضوء. قال الإمام: حتى لو كان يتوضأ من قمقمة فيستحب غسلها احتياطًا لتوقع خبث وإن بعد لا للحدث واحترز بالإناء عن البرك والحياض، ويستفاد من الحديث استحباب غسل النجاسات ثلاثًا لأنه إذا أمر به في المشكوك ففي المحقق أولى، والأخذ بالاحتياط في العبادات وأن الماء ينجس بورود النجاسة عليه وفي الإضافة إلى المخاطبين في قوله: فإن أحدكم إشارة إلى مخالفة نومه عليه الصلاة والسلام لذلك فإن عينه تنام ولا ينام قلبه. وهذا الحديث أخرجه الستة، وهاهنا تنبيه وهو أنه ينبغي للسامع لأقواله عليه الصلاة والسلام أن يتلقاها بالقبول ودفع الخواطر الرادّة لها، فقد بلغنا أن شخصًا سمع هذا الحديث فقال: وأين تبيت يده منه فاستيقظ من النوم ويده داخل دبره محشوّة فتاب عن ذلك وأقلع، فنسأل الله تعالى أن يحفظ قلوبنا من الخواطر الرديئة والله الموفّق. 27 - باب غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَلاَ يَمْسَحُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ (باب غسل الرجلين) زاد أبو ذر فيما أفاده في الفتح (ولا يمسح على القدمين) أي إذا كانتا عاريتين وهي كذا في الفرع ثابتة من غير تعيين. 163 - حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنَّا فِي سَفْرَةٍ، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الْعَصْرَ، فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا. فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع وفي رواية أبي ذر حدّثني (موسى) بن إسماعيل التبوذكي (قال: حدّثنا) وفي رواية الأصيلي أخبرنا (أبو عوانة) بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون العجمة واسمه جعفر بن أبي وحشية الواسطي (عن يوسف بن ماهك) بكسر الهاء وفتحها منصرفًا وغير منصرف كما مرّ (عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص رضي الله عنه أنه (قال): (تخلّف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنّا في سفرة) من مكة إلى المدينة في حجة الوداع أو عمرة القضية، (فأدركنا) بفتح الكاف أي لحق بنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية كريمة وأبي الوقت في سفرة سافرناها فأدركنا (وقد أرهقنا العصر) بسكون القاف من الإرهاق ونصب العصر مفعوله أي أخّرناها حتى دنا وقتها وهذه رواية أبي ذر، ولكريمة والأصيلي أرهقتنا بتأنيث الفعل العصر بالرفع على الفاعلية ولمسلم رجعنا مع رسول الله "-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر أي قرب دخول وقتها فتوضؤوا وهم عجال الحديث (فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا) بالجمع مقابلة للجمع فالأرجل موزعة على الرجال (فنادى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بأعلى صوته: ويل) دعاء بوادٍ في جهنم (للأعقاب) أي لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها (من النار) أو العقاب خاص بالأعقاب إذا قصر في غسلها والألف واللام في الأعقاب للعهد أي الأعقاب المرئية إذ ذاك، والعقب مؤخر القدم (مرتين أو ثلاثًا) أي نادى مرتين أو ثلاثًا واستنبط من هذا الحديث الرد على الشيعة القائلين

28 - باب المضمضة في الوضوء

بأن الواجب المسح أخذًا بظاهر قراءة وأرجلكم بالخفض، إذ لو كان الفرض المسح لا توعد عليه بالنار. لا يقال إن ظاهر رواية مسلم أن الإنكار عليهم إنما هو بسبب الاقتصار على غسل بعض الرجل حيث قال: فانتهينا إليهم وأعقابهم بيض تلوح لم يمسها الماء، لأن هذه الرواية من أفراد مسلم، والأولى ما اتفقا عليه فهي أرجح فتحمل هذه الرواية عليها بالتأويل، فيحتمل أن يكون معنى قوله لم يمسّها الماء أي الغسل جمعًا بين الروايتين، وقد صرّح بذلك في رواية مسلم عن أبي هريرة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلاً لم يغسل عقبه، وأيضًا فالقائلون بالمسح لم يوجبوا مسح العقب، وقد تواترت الأخبار عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صفة وضوئه أنه غسل رجليه وهو المبين لأمر الله تعالى، وقد قال في حديث عمرو بن عنبسة المروي عند ابن خزيمة ثم يغسل قدميه كما أمره الله تعالى، وأما ما روي عن علي وابن عباس وأنس رضي الله عنهم من المسح، فقد ثبت عنهم الرجوع عنه. وهذا الحديث قد سبق بسنده في باب من أعاد الحديث ثلاثًا من كتاب العلم إلا أن الراوي الأوّل هناك أبو النعمان وهنا موسى، والله أعلم بالصواب. 28 - باب الْمَضْمَضَةِ فِي الْوُضُوءِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ -رضي الله عنهم- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. هذا (باب المضمضة في الوضوء) بإضافة باب لتاليه، وفي رواية باب بالتنوين المضمضة من الوضوء (قاله) أي ما ذكر من المضمضة (ابن عباس) فيما تقدم موصولاً في الطهارة (وعبد الله بن زيد) أي ابن عاصم فيما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى في باب غسل الرجلين إلى الكعبين (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 164 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِوَضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إِنَائِهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الْوَضُوءِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاَثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ كُلَّ رِجْلٍ ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا وَقَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) بالتوحيد (عطاء بن يزيد) من الزيادة (عن حمران) بضم المهملة (مولى عثمان بن عفان). (أنّه رأى عثمان) زاد الأصيلي وأبو ذر ابن عفان (دعا بوضوء) بفتح الواو وفي باب الوضوء ثلاثًا دعا بإناء فيه ماء للوضوء (فأفرغ) أي فصبَّ (على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات) أي قبل أن يدخلهما الإناء وفي السابقة فأفرغ على كفّيه ثلاث مرار (ثم أدخل يمينه في الوضوء) بفتح الواو فأخذ منه (ثم تمضمض) وفي رواية أبي ذر مضمض (واستنشق) بأن جذب الماء بريح أنفه (واستنثر) بأن أخرجه، وفي السابقة ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنثر والمضمضة وضع الماء في الفم وإدارته بالإصبع أو بقوّة الفم ثم مجّه، لكن المشهور عند الشافعية أنه لا يشترط تحريكه ولا مجّه، وإذا كان بالإصبع فاستحب بعضهم أن يكون باليمين لأن الشمال مسّت الأذى، وإذا كان في الفم درهم أداره ليصلَ الماء إلى محله، وفي رواية أبي داود وابن المنذر فمضمض ثلاثًا واستنثر ثلاثًا، وتقديم المضمضة على الاستنشاق مستحق لاختلاف العضوين. وقيل: مستحب كتقديم اليمين. قال في الفتح: واتفقت الروايات على تقديم المضمضة على الاستنشاق وهما سُنّتان في الوضوء والغسل وأوجبهما أحمد، والأفضل في كيفيتهما أن يفصل بينهما في أظهر القولين عند الرافعي. وعلى هذا فالأصح، ونص عليه في البويطي الفصل بغرفتين يتمضمض بغرفة ثلاثًا ثم يستنشق بأخرى ثلاثًا، وقيل بست غرفات إلحاقًا بسائر الأعضاء وقصدًا للنظافة، والقول الثاني أن الجمع أفضل وعلى هذا فالأولى أن يجمع بثلاث غرفات يتمضمض من كل واحدة ثم يستنشق وهو الأصح عند النووي، وقيل يجمع بغرفة واحدة حكاه في الكفاية عن نصه في الأم، وعلى هذا يتمضمض منها ثلاثًا ثم يستنشق كذلك، وقيل: يتمضمض منها ثم يستنشق ثم يفعل كذلك ثانيًاً وثالثًا، واستدل بعضهم بقوله: ثم أدخل يمينه على عدم أشراط نيّة الاغتراف ولا دلالة فيه نفيًا ولا إثباتًا. (ثم غسل وجهه) غسلاً (ثلاثًا و) غسل (يديه) كل واحدة (إلى) أي مع (المرفقين) غسلاً (ثلاثًا) وفي السابقة ثلاث مرات، (ثم مسح برأسه) زاد في رواية أبي داود وابن خزيمة فيِ صحيحه ثلاثًا (ثم غسل كل رجل) غسلاً (ثلاثًا) كذا للكشميهني والأصيلي، وفي رواية المستملي والحموي كل رجله وهي تفيد تعميم كل رجل بالغسل، وفي رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي كل رجليه بالتثنية. قال في الفتح: وهي بمعنى الأولى أي

29 - باب غسل الأعقاب. وكان ابن سيرين يغسل موضع الخاتم إذا توضأ

رواية الكشميهني والأصيلي، وفي رواية ابن عساكر كلتا رجليه وهي التي اعتمدها في عمدة الأحكام. (ثم قال) رضي الله عنه: (رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتوضأ نحو وضوئي هذا، وقال) وفي رواية ثم قال: (من توضأ) وضوءًا (نحو وضوئي هذا) وفي الرقاق عند المؤلف مثل وضوئي هذا (وصلَّى) وفي رواية ثم صلى (ركعتين لا يحدث فيهما نفسه) بشيء أصلاً كذا نقله القاضي عياض عن بعضهم، ويشهد له ما أخرجه ابن المبارك في الزهد بلفظ لم يسر فيهما، ورده النووي فقال: الصواب حصول هذه الفضيلة مع طريان الخواطر العارضة غير المستقرة (غفر الله له) وفي رواية غير المستملي غفر له مبنيًّا للمفعول (ما تقدم من ذنبه) من الصغائر، وفي الرواية السابقة في باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا. ثم غسل رجليه ثلاث مرات إلى الكعبين، ثم قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من توضأ نحو وضوئي هذا" الخ فوقع في الحديث المسوق هنا رفع صفة الوضوء إلى فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا الحديث رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ومسنده معًا بلفظ: حدّثنا خالد بن مخلد قال: حدّثنا إسحاق بن حازم قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: حدّثني حمران بن أبيان مولى عثمان قال دعا عثمان بن عفان رضي الله عنه بوضوء في ليلة باردة وهو يريد الخروج إلى الصلاة فجئته بماء فأكثر ترداد الماء على وجهه ويديه فقلت: حسبك فقد أسبغت الوضوء والليلة شديدة البرد، فقال: صبّ فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "لا يسبغ عبد الوضوء إلا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"، قال الحافظ ابن حجر: وأصل هذا الحديث في الصحيحين من أوجه وليس في شيء منها زيادة وما تأخر. وأخرجه أيضًا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن سعيد المروزي شيخ النسائي في مسند عثمان له، وتابع ابن أبي شيبة جماعة منهم محمد بن سعيد بن يزيد التستري أخرجه عنه عبد الرزاق وسقط لفظ نفسه لابن عساكر عن الكشميهني. 29 - باب غَسْلِ الأَعْقَابِ. وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَغْسِلُ مَوْضِعَ الْخَاتَمِ إِذَا تَوَضَّأَ (باب غسل الأعقاب) جمع عقب بفتح العين وكسر القاف أي وما يلحق بها مما فى معناها من جميع الأعضاء التي قد يحصل التساهل في إسباغها، ومن ثم ذكر موضع الخاتم لأنه قد لا يصل إليه الماء إذا كان ضيقًا فقال: (وكان ابن سيرين) محمد التابعي الجليل مما وصله ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح والمؤلف في تاريخه (يغسل موضع الخاتم إذا توضأ)، وذهب الشافعي والحنفية إلى أنه إن كان الخاتم واسعًا بحيث يدخل الماء تحته أجزأ من غير تحريكه وإن كان ضيفًا فليحرك. 165 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا وَالنَّاسُ يَتَوَضَّئُونَ مِنَ الْمِطْهَرَةِ - قَالَ: أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، فَإِنَّ أَبَا الْقَاسِمِ قَالَ: «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ». وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة وتخفيف المثناة التحتية، وسقط لابن عساكر لفظ ابن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدثنا محمد بن زياد) بكسر الزاي وتخفيف المثناة التحتية القرشي الجمحي المدني التابعي الجليل (قال): (سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه (وكان يمرّ بنا) جملة حالية من مفعول سمعت، وهو قول أبي هريرة ويمر بنا جملة في محل نصب خبر كان (والناس) مبتدأ خبره (يتوضؤون) والجملة حال من فاعل كان (من المطهرة) بكسر الميم الإناء المعدّ للتطهير وفتحها أجود، وصح في الحديث السواك مطهرة للفم (قال) أي سمعت أبا هريرة حال كونه قائلاً، وفي رواية الأربعة فقال بالفاء التفسيرية لأنه يفسر قال المحذوفة بعد قوله أبا هريرة، لأن التقدير سمعت أبا هريرة قال: وكان يمر بنا الخ فإن الذات لا تسمع فالمراد قول أبي هريرة: (أسبغوا الوضوء) بفتح الهمزة من الإسباغ وهو إبلاغه مواضعه وإيفاء كل عضو حقه (فإن أبا القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ويل للأعقاب من النار). والأعقاب جمع عقب بكسر القاف وهو العظم المرتفع عند مفصل الساق والقدم ويجب إدخاله في غسل الرجلين لقوله تعالى: {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] قال المفسرون أي مع الكعبين، وأل في الأعقاب للعهد، ويلحق بها ما يشاركها في ذلك. وفي حديث عبد الله بن الحرث عند الحاكم: ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار، والمعنى كما قاله البغوي ويل لأصحابها المقصرين في غسلها ففيه حذف المضاف، أو المعنى أن العقب يختص بالعقاب إذا

30 - باب غسل الرجلين في النعلين، ولا يمسح على النعلين

قصر في غسله لأن مواضع الوضوء لا تمسّها النار كما في مواضع السجود، ولو لم يكن واجبًا لما توعد عليه بالنار أعاذنا الله منها ومن سائر المكاره بمنّه وكرمه. وهذا الحديث من رباعياته رضي الله عنه، ورواته ما بين بصري وخراساني ومدني وفيه التحديث والسماع. 30 - باب غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي النَّعْلَيْنِ، وَلاَ يَمْسَحُ عَلَى النَّعْلَيْنِ هذا (باب غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين) لأنه لا يجزئ، وحديث مسحهما المروي في سنن أبي داود ضعفه ابن مهدي وغيره، وأما تمسك من أجازه بظاهر قوله تعالى: {بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُم} فأجيب: بأنه قرئ وأرجلكم بالنصب عطفًا على أيديكم أو على محل برؤوسكم، فقراءة الجر محمولة على مسح الخفين، وقراءة النصب على غسل الرجلين، وهو معنى قول الإمام الشافعي أراد بالنصب آخرين وبالجر آخرين: أو هو معطوف على برؤوسكم لفظًا ومعنىً ثم نسخ ذلك بوجوب الغسل وهو حكم آخر. 166 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا. قَالَ: وَمَا هِيَ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ لاَ تَمَسُّ مِنَ الأَرْكَانِ إِلاَّ الْيَمَانِيَيْنِ، وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ، وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْهِلاَلَ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَمَّا الأَرْكَانُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمَسُّ إِلاَّ الْيَمَانِيَيْنِ. وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلْبَسُ النَّعْلَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا. وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْبُغُ بِهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا. وَأَمَّا الإِهْلاَلُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ. [الحديث 166 - أطرافه في: 1514، 1552، 1609، 2865، 5851]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا) إمام الأئمة (مالك عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن عبيد بن جريج) بالجيم والتصغير فيهما المدني الثقة. (أنه قال لعبد الله بن عمر) رضي الله عنهما: (يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصنع أربعًا) أي أربع خصال (لم أبي أحدًا من أصحابك) وفي رواية أبي الوقت ما أصحابنا، والمراد أصحاب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يصنعها) مجتمعة وإن كان يصنع بعضها أو المراد الأكثر منهم (قال: وما هي يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان) أي أركان الكعبة الأربعة (إلا) الركنين (اليمانيين) تغليبًا، وإلاّ فالذي فيه الحجر الأسود عراقي لأنه إلى جهته ولم يقع التغليب باعتبار الأسود خوف الاشتباه على جاهل وهما باقيان على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ومن ثم خصّا أخيرًا بالاستلام. وعلى هذا لو بني البيت على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام الآن استلمت كلها اقتداء به، ولذا لما ردّهما ابن الزبير على القواعد استلمهما. وقد صح استلامهما أيضًا عن معاوية. وروي عن الحسن والحسين رضي الله عنهما. وظاهر ما في الحديث هنا انفراد ابن عمر رضي الله عنهما باستلام اليمانيين دون غيره ممن رآهم عبيد وإن سائرهم كان يستلم الأربعة ثم قال ابن جريح لابن عمر رضي الله عنهما. (ورأيتك تلبس) بفتح المثناة الفوقية والموحدة (النعال السبتية) بكسر المهملة وسكون الموحدة آخره مثناة فوقية التي لا شعر عليها من السبت وهو الحلق وهو ظاهر جواب ابن عمر الآتي أو هي التي عليها الشعر أو جلد البقر المدبوغ بالقرظ والسبت بالضم نبت يدبغ به أو كل مدبوغ أو التي أسبتت بالدباغ أي لانت، أو نسبة إلى سوق السبت، وإنما اعترض على ابن عمر رضي الله عنهما بذلك لأنه لباس أهل النعيم، وإنما كانوا يلبسون النعال بالشعر غير مدبوغة وكانت المدبوغة تعمل بالطائف وغيره (ورأيتك تصبغ) ثوبك أو شعرك (بالصفرة ورأيتك إذا كنت) مستقرًا (بمكة أهلّ الناس) أي رفعوا أصواتهم بالتلبية للإحرام بحج أو عمرة (إذا رأوا الهلال) أي هلال ذي الحجة (ولم) وفي رواية الأصيلي فلم (تهلّ أنت حتى كان يوم التروية) الثامن من ذي الحجة لأنهم كانوا يروون فيه من الماء ليستعملوه في عرفة شربًا وغيره، وقيل غير ذلك فتهلّ أنت حينئذٍ، ويوم بالرفع اسم كان وبالنصب خبرها، فعلى الأوّل كان تامة وعلى الثاني ناقصة والرؤية هنا تحتمل البصرية والعلمية. (قال عبد الله) بن عمر رضي الله عنهما مجيبًا لابن جريج: (أما الأركان) الأربعة (فإني لم أر رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمس) منها (إلا) الركنين (اليمانيين وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلبس النعال) ولغير الأربعة النعل بالإفراد (التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها) أي في النعل (فأنا) وفي رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي فإني (أحب أن ألبسها) فيه التصريح بأنه عليه الصلاة والسلام كان يغسل رجليه الشريفتين وهما في نعليه، وهذا موضع استدلال المصنف للترجمة. (وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصبغ بها فأنا أحب أن

31 - باب التيمن في الوضوء والغسل

أصبغ بها) يحتمل صبغ ثيابه لما في الحديث المروي في سُنن أبي داود وكان يصبغ بالورس والزعفران حتى عمامته أو شعره لا في السنن أنه كان يصفّر بهما لحيته، وكان أكثر الصحابة والتابعين رضي الله عنهم يخضب بالصفرة، ورجح الأول القاضي عياض. وأجيب عن الحديث المستدل به للثاني باحتمال أنه كان يتطيب بهما لا أنه كان يصبغ بهما. (وأما الإهلال) بالحج والعمرة (فإني لم أر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يهلّ حتى تنبعث به راحلته) أي تستوي قائمة إلى طريقه، والمراد ابتداء الشروع في أفعال النسك وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد وقال أبو حنيفة: يحرم عقب الصلاة جالسًا وهو قول عندنا لحديث الترمذي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهل بالحج حين فرغ من ركعتيه. وقال حسن وقال آخرون: الأفضل أن يهلّ من أول يوم من ذي الحجة. وهذا الحديث خماسي الإسناد ورواته كلهم مدنيون وفيه رواية الأقران لأن عبيدًا وسعيدًا تابعيان من طبقة واحدة، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في اللباس، ومسلم وأبو داود في الحج، والنسائي في الطهارة، وابن ماجة في اللباس، وبقية مباحثه تأتي إن شاء الله تعالى. 31 - باب التَّيَمُّنِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْل (باب التيمن) أي الأخذ باليمين (في الوضوء والغسل) بضم الغين اسم للفعل أو بفتحها وهو الذي في الفرع كأصله. 167 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُنَّ فِي غُسْلِ ابْنَتِهِ: «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا». [الحديث 167 - أطرافه في: 1253، 1254، 1255، 1256، 1257، 1258، 1259، 1260، 1261، 1262، 1263]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا إسماعيل) بن علية (قال: حدّثنا خالد) الحذاء (عن حفصة بنت سيرين) الأنصارية أخت محمد بن سيرين (عن أم عطية) نسيبة بضم النون وفتح المهملة وسكون المثناة التحتية بنت كعب أو بنت الحرث الأنصارية وكانت تغسل الموتى وتمرّض المرضى وشهدت خيبر رضي الله عنها (قالت قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهن) أي لأُم عطية ومن معها (في غسل ابنته) زينب رضي الله عنها كما في مسلم (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) وهذا الحديث من الخماسيات ورواته كلهم بصريون، وفيه رواية تابعية عن صحابية والتحديث والعنعنة، وأخرجه في الجنائز بتمامه واقتصر منه هنا على طرف لبيان قول عائشة رضي الله عنها الآتي: كان عليه الصلاة والسلام يعجبه التيمن إذ إنه لفظ مشترك بين الابتداء باليمين، وتعاطي الشيء باليمين، وأخرجه أيضًا مسلم والنسائي وابن ماجة جميعًا فيه. 168 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. [الحديث 168 - أطرافه في: 426، 5380، 5854، 5926]. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي البصري، المتوفى بالبصرة سنة خمس وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (أشعث) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح العين آخره مثلثة (ابن سليم) بالتصغير (قال: سمعت أبي) سليم بن الأسود المحاربي بضم الميم الكوفي (عن مسروق) هو ابن الأجدع الكوفي أبي عائشة أسلم قبل وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأدرك الصدر الأوّل من الصحابة (عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعجبه التيمن) بالرفع على الفاعلية أي لحسنه (في تنعله) بفتح المثناة الفوقية والنون وتشديد العين الضمومة أي حال كونه لابسًا النعل أي الابتداء بلبس اليمين (و) في (ترجله) أي الابتداء بالشق الأيمن في تسريح رأسه ولحيته (و) في (طهوره) بضم الطاء لأن المراد تطهره وتفتح أي البداءة بالشق الأيمن في الغسل وباليمن في اليدين والرجلين على اليسرى، وفي سنن أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا "إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم فإن قدّم اليسرى كره" نص عليه في الأم، ووضوءه صحيح، وأما الكفّان والخدَّان والأذنان فيطهران دفعة واحدة (و) كذا كان عليه الصلاة والسلام يعجبه التيمن (في شأنه كله) كذا في رواية أبي الوقت وفي بواو العطف وهو من عطف العام على الخاص ولغيره في شأنه بإسقاطها وتأكيد الشأن بقوله كله يدل على التعميم فيدخل فيه نحو: لبس الثوب والسروال والخف ودخول المسجد والصلاة على ميمنة الإمام وميمنة المسجد والأكل والشرب والاكتحال وتقليم الأظفار وقصّ الشارب ونتف الإبط وحلق الرأس والخروج من الخلاء وغير ذلك مما في معناه، إلا ما خص بدليل كدخول الخلاء والخروج من

32 - باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة

المسجد والامتخاط وخلع السراويل وغير ذلك، وإنما استحب فيها التياسر لأنه من باب الإزالة، والقاعدة أن كل ما كان من باب التكريم والتزيّن فباليمين وإلاّ فباليسار، ولا يقال حلق الرأس من باب الإزالة فيبدأ فيه بالأيسر لأنه من باب التزين، وقد ثبت الابتداء فيه بالأيمن كما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا، وفي رواية الأكثر من شأنه كله بحذف العاطف وهو جائز عند بعضهم حيث دلت عليه قرينة أو بدل من الثلاثة السابقة بدل اشتمال، والشرط في بدل الاشتمال أن يكون المبدل منه مشتملاً على الثاني أو متقاضيًا له بوجه ما وهاهنا كذلك على ما لا يخفى، وإذا لم يكن البدل منه مشتملاً على الثاني يكون بدل الغلط أو هو بدل كل من كل نقله في الفتح عن الطيبي، وعبارته قال الطيبي قوله في شأنه بدل من قوله في تنعله بإعادة العامل، وكأنه ذكر التنعل لتعلقه بالرجل والترجل لتعلقه بالرأس والطهور لكونه مفتاح أبواب العبادة، فكأنه نبّه على جميع الأعضاء فهو كبدل الكل من الكل، ثم قال في الفتح قلت: ووقع في رواية مسلم بتقديم قوله في شأنه كله على قوله في تنعله الخ. وعليها شرح الطيبي وكذا ذكره البرماوي ولم يعترضه، وتعقبه العيني بأن كلام الطيبي ليس هو على رواية البخاري بل على رواية مسلم ولفظها: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب التيمن في شأنه كله في طهوره وترجله وتنعله، فقال الطيبي في شرحه لذلك: قوله في طهوره وترجله وتنعله بدل من قوله في شأنه بإعادة العامل، فكأنه ظن أن كلام الطيبي في الرواية التي فيها ذكر الشأن متأخرًا كرواية البخاري هنا انتهى. وهو بدل كل من بعض وعليه قوله: نضر الله أعظمًا دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات أو يقدر لفظ يعجبه التيمن كما مرّ فتكون الجملة بدلاً من الجملة أو هو متعلق بيعجبه لا بالتيمن، والتقدير يعجبه في شأنه كله التيمن في تنعله الخ. أي لا يترك ذلك في سفر ولا حضر ولا في فراغه واشتغاله قاله في فتح الباري كالكرماني، وتعقبه العيني بأنه يلزم منه أن يكون إعجابه التيمن في هذه الثلاث مخصوصة في حالاته كلها وليس كذلك، بل كان يعجبه التيمن في كل الأشياء في جميع الحالات ألا ترى أنه أكد الشأن بمؤكد والشأن بمعنى الحال والمعنى في جميع حالاته. وفي هذا الحديث الدلالة على شرف اليمين وهو سداسي الإسناد، ورواته ما بين بصري وكوفي وفيه رواية الابن عن الأب وقرينين من أتباع التابعين أشعث وشعبة وآخرين من التابعين سليم ومسروق والتحديث والاخبار والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الصلاة واللباس، ومسلم في الطهارة، وأبو داود في اللباس، والترمذي في آخر الصلاة وقال: حسن صحيح والنسائي في الطهارة والزينة وابن ماجة في الطهارة. 32 - باب الْتِمَاسِ الْوَضُوءِ إِذَا حَانَتِ الصَّلاَةُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: حَضَرَتِ الصُّبْحُ فَالْتُمِسَ الْمَاءُ فَلَمْ يُوجَدْ، فَنَزَلَ التَّيَمُّمُ. هذا (باب التماس الوضوء) بفتح الواو أي طلب الماء لأجل الوضوء بالضم (إذا حانت الصلاة) أي قرب وقتها (وقالت) أم المؤمنين (عائشة) رضي الله عنها مما أخرجه المؤلف من حديثها في قصة ضياع عقدها المذكور في مواضع منها التيمم، وساقه هنا بلفظ عمرو بن الحرث في تفسير المائدة فقال: (حضرت الصبح) أنّثه باعتبار صلاة الصبح (فالتمس) بضم المثناة مبنيًّا للمفعول أي طلب (الماء) بالرفع مفعول نائب عن الفاعل (فلم يوجد) وفي رواية الكشميهني فالتمسوا الماء بالجمع والنصب على المفعولية فلم يجدوه بالجمع (فنزل التيمم) أي آيته وإسناد التيمم إلى النزول مجاز عقلي. 169 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَانَتْ صَلاَةُ الْعَصرِ، فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوَضُوءٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ يَدَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ. قَالَ: فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحتِ أَصَابِعِهِ، حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ. [الحديث 169 - أطرافه في: 195، 200، 3572، 3573، 3574، 3575]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (عن أنس بن مالك) الأنصاري رضي الله عنه (أنه قال): (رأيت) أي أبصرت (رسول الله) وفي رواية أبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) الحال أنه قد (حانت) بالمهملة أي قربت (صلاة العصر) وهو بالزوراء كما رواه قتادة عند المؤلف سوق بالمدينة (فالتمس) أي طلب (الناس الوضوء) بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به (فلم يجدوه) ولغير الكشميهني فلم يجدوا بغير الضمير المنصوب أي فلم يصيبوا الماء، (فأُتي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول

33 - باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان

(رسول الله) بالرفع مفعول نائب عن الفاعل (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بوضوء) بفتح الواو أي بإناء فيه ماء ليتوضأ به، وفي رواية ابن المبارك فجاء رجل بقدح فيه ماء يسير، وروى المهلب أنه كان مقدار وضوء رجل واحد (فوضع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك الإناء يده وأمر) عليه الصلاة والسلام (الناس أن) أي بأن (يتوضؤوا) أي بالتوضؤ (منه) أي من ذلك الإناء. (قال) أنس رضي الله عنه: (فرأيت) أي أبصرت (الماء) حال كونه (ينبع) بتثليث الموحدة أي يخرج (من تحت) وفي رواية يفور من بين (أصابعه) فتوضؤوا (حتى توضؤوا من عند آخرهم) أي توضأ الناس ابتداء من أوّلهم حتى انتهوا إلى آخرهم، ولم يبق منهم أحد، والشخص الذي هو آخرهم داخل في هذا الحكم لأن السياق يقتضي العموم والمبالغة لأن (عند) هنا تجعل لمطلق الظرفية حتى تكون بمعنى "في" كأنه قال: حتى توضأ الذين هم في آخرهم، وأنس داخل فيهم إذا قلنا يدخل المخاطب بكسر الطاء في عموم خطابه أمرًا أو نهيًا أو خبرًا، وهو مذهب الجمهور. وقال بعضهم: حتى حرف ابتداء يستأنف بعده جملة اسمية وفعلية فعلها ماضٍ نحو حتى عفوا وحتى توضؤوا ومضارع نحو: حتى يقول الرسول في قراءة نافع ومن للغاية لا للبيان خلافًا للكرماني لأنها لا تكون للبيان إلا إذا كان فيما قبلها إبهام ولا إبهام هنا. وبقية المباحث تأتي إن شاء الله تعالى في علامات النبوة، واستنبط من هذا الحديث استحباب التماس الماء لمن كان على غير طهارة والرد على من أنكر المعجزة من الملاحدة واغترف المتوضئ من الماء القليل وهو من الرباعيات، ورجاله ما بين تينسي ومدني وبصري وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المصنف في علامات النبوة، ومسلم والترمذي في المناقب وقال: حسن صحيح، والنسائي في الطهارة والله تعالى أعلم. 33 - باب الْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعَرُ الإِنْسَان وَكَانَ عَطَاءٌ لاَ يَرَى بِهِ بَأْسًا أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا الْخُيُوطُ وَالْحِبَالُ. وَسُؤْرِ الْكِلاَبِ وَمَمَرِّهَا فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إِذَا وَلَغَ فِي إِنَاءٍ لَيْسَ لَهُ وَضُوءٌ غَيْرُهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ. وَقَالَ سُفْيَانُ: هَذَا الْفِقْهُ بِعَيْنِهِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) وَهَذَا مَاءٌ. وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَىْءٌ، يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ. هذا (باب) حكم (الماء الذي يغسل به شعر الإنسان) هل هو طاهر أم لا؟ (وكان عطاء) هو ابن أبي رباح فيما وصله محمد بن إسحاق الفاكهي فى أخبار مكة بسند صحيح (لا يرى به) أي بالشعر (بأسًا) وفي رواية ابن عساكر لا يرى بأسًا (أن يتخذ منها) أي من الشعور، وفي رواية ابن عساكر منه أي من الشعر (الخيوط والحبال) جمع خيط وحبل ويفرق بينهما بالرقة والغلظ. (و) باب (سؤر الكلاب) بالهمزة أي بقية ما في الإناء بعد شربها (وممرها في المسجد) وفي رواية هنا زيادة وأكلها أي حكم أكلها وهو من إضافة المصدر إلى الفاعل، وظاهر صنيع المؤلف القول بالطهارة. (وقال) محمد بن مسلم بن شهاب (الزهري) فيما رواه الوليد بن مسلم في مصنفه عن الأوزاعي وغيره عنه، ورواه ابن عبد البر في التمهيد من طريقه بسند صحيح (إذا ولغ الكلب في إناء) فيه ماء بأن أدخل لسانه فيه فحركه فيه تحريكًا قليلاً أو كثيرًا، وفي رواية أبي ذر في الإناء أي والحال أنه (ليس له) أي لمريد الوضوء (وضوء) بفتح الواو ما يتوضأ به (غيره) أي غير ما ولغ الكلب فيه ويجوز في غير النصب والرفع (يتوضأ به) أي بالماء الباقي وهو جواب الشرط في إذا، وفي رواية أبي ذر حتى يتوضأ بها أي بالبقية وفي أخرى منه. (وقال سفيان) الثوري (هذا) أي الحكم بالتوضؤ به (الفقه بعينه) أي المستفاد من القرآن (يقول الله تعالى) وفي رواية أبي الوقت لقول الله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6]. وفي رواية القابسي عن أبي زيد المروزي يقول الله "فإن لم تجدوا" وهو مخالف للتلاوة، والظاهر أن الثوري رواه بالمعنى، ولعله كان يرى جواز ذلك، وقد تتبعت كثيرًا من القراءات فلم أر أحدًا قرأ بها، ووجه الدلالة من الآية أن قوله تعالى: (ماء) نكرة في سياق النفي ولا تخص إلا بدليل، كما قال (وهذا) أي المذكور (ماء) وفي رواية الأصيلي: فهذا ماء وتنجيسه بولوغ الكلب فيه غير متفق عليه بين أهل العلم، (وفي النفس منه شيء) لعدم ظهور دلالته أو لوجود معارض له من القرآن أو غيره، وحينئذ (يتوضأ به) أي بالماء المذكور وفي رواية منه (ويتيمم) لأن الماء الذي يشك فيه لأجل اختلاف العلماء رضي الله عنهم كالعدم فيحتاط للعبادة. 170 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: قُلْتُ لِعَبِيدَةَ. عِنْدَنَا مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصَبْنَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنَسٍ -أَوْ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ أَنَسٍ- فَقَالَ: لأَنْ تَكُونَ عِنْدِي شَعَرَةٌ مِنْهُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن غسان النهدي الحافظ الحجة العابد

33 م - باب إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا

المتوفى سنة عشر ومائتين (قال: حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن إسحاق السبيعي الهمداني أبو يوسف الكوفي الثقة المتكلم فيه بلا حجة من الطبقة السابعة المتوفى سنة ستين أو بعدها ومائة (عن عاصم) أي ابن سليمان الأحول البصري الثقة، المتوفى سنة اثنتين وأربعين ومائة (عن ابن سيرين) محمد أنه (قال): (قلت لعبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة آخرها هاء ابن عمرو أو ابن قيس بن عمرو السلماني بفتح السين وسكون اللام الكوفي أحد كبار التابعين المخضرمين أسلم قبل وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يره، المتوفى سنة اثنتين وسبعين ومقول قول ابن سيرين لعبيدة (عندنا) شيء (من شعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصبناه) أي حصل لنا (من قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة (أنس أو من قبل أهل أنس) هو ابن مالك، ووجه حصوله لابن سيرين أن سيرين والد محمد كان مولى لأنس بن مالك، وكان أنس بن مالك ربيبًا لأبي طلحة وهو-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاه لأبي طلحة رضي الله عنه كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الحديث الآتي (فقال) عبيدة: (لأن تكون عندي شعرة) واحدة (منه أحب إليّ من الدنيا وما فيها) من متاعها. وفي رواية الإسماعيلي: أحبّ إليّ من كل صفراء وبيضاء، ولام لأن تكون لام الابتداء للتأكيد وأن مصدرية أي كون شعرة، وأحب خبر لأن تكون وتكون ناقصة، ويحتمل أن تكون تامة. فإن قلت: ما وجه الدلالة من الحديث على الترجمة؟ أجيب: بأن ذلك من حفظ أنس لشعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتمنى عبيدة أن يكون عنده شعرة واحدة منه لطهارته وشرفه، فدلّ ذلك على أن مطلق الشعر طاهر، وإذا كان طاهرًا فالماء الذي يغسل به طاهر، وتعقب بأن شعره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكرم لا يقاس عليه غيره. وأجيب: بأن الخصوصية لا تثبت إلا بدليل، والأصل عدمها وعورض بما يطول فالله أعلم. وهذا الحديث خماسي ورواته ما بين بصري وكوفي وفيه تابعي عن تابعي والتحديث والعنعنة والقول. 171 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) صاعقة البغدادي (قال: أخبرنا) وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي حدّثنا (سعيد بن سليمان) الضبي البزار أبو عثمان سعدويه الحافظ الواسطي، المتوفى سنة خمس وثمانين عن مائة سنة. (قال: حدّثنا عباد) بتشديد الموحدة ابن العوام الواسطي أبو سهل، المتوفى سنة خمس وثمانين ومائة. (عن ابن عون) بفتح العين المهملة وآخره نون واسمه عبد الله تابعي سيد قراء زمانه (عن ابن سيرين) محمد (عن أنس) وللأصيلي زيادة ابن مالك. (أن رسول الله) وفي رواية أبي ذر أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما حلق رأسه) في حجة الوداع أي أمر الحلاق فحلقه فأضاف الفعل إليه مجازًا، واختلف في الذي حلق فالصحيح أنه معمر بن عبد الله كما ذكره البخاري رحمه الله، وقيل: هو خراش بن أمية بمعجمتين والصحيح أن خراشًا كان الحالق بالحديبية (كان أبو طلحة) زيد بن سهل بن الأسود الأنصاري النجاري زوج أم سليم والدة أنس شهد الشاهد كلها، المتوفى سنة سبعين كأبي هريرة (أول من أخذ من شعره) عليه الصلاة والسلام. وهذا الحديث من الخماسيات، ورواته ما بين تنيسي ومدني وكلهم أئمة أجلاء وفيه الإخبار والتحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي: حسن صحيح. 33 م - باب إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا هذا (باب) بالتنوين (إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا). 172 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا». (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (عن مالك) وللأربعة أخبرنا مالك الإمام (عن أبي الزناد) بكسر الزاي عبد الله بن ذكوان القرشي المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) أنه (قال): (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لفظ قال لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: (قال: إذا شرب الكلب) أي إذا ولغ الكلب ولو مأذونًا في اتخاذه بطرف لسانه (في) وفي رواية من (إناء أحدكم فليغسله سبعًا) أي سبع مرات لنجاسته المغلظة واستدلال بعضهم بقوله في إناء أحدكم على عدم تنجس الماء المستنقع إذا

ولغ فيه ولو كان قليلاً شاذ فإن ذلك إنما خرج مخرج الغالب لا للقيد وخرج بقوله: ولغ. وكذا شرب ما إذا كان جامدًا لأن الواجب حينئذ إلقاء ما أصابه الكلب بفمه ولا يجب غسل الإناء حينئذ إلا إذا أصابه فم الكلب مع الرطوبة فيجب غسل ما أصابه فقط سبعًا، لأنه إذا كان ما فيه جامدًا لا يسمى أخذ الكلب منه شربًا ولا ولوغًا كما لا يخفى ولم يقع في رواية مالك الترتيب، ولا ثبت في شيء من الروايات عن أبي هريرة إلا عن ابن سيرين، والإضافة التي في إناء أحدكم ملغى اعتبارها لأن الطهارة لا تتوقف على ملكه، ومفهوم الشرط في قوله: إذا ولغ يقتضي قصر الحكم على ذلك، لكن إذا قلنا إن الأمر بالغسل يتعدى الحكم إلى ما إذا لحس أو لعق مثلاً ويكون ذكر الولوغ للمغالب، وأما إلحاق باقي أعضائه كيده ورِجله فالمذهب المنصوص أنه كذلك لأنه فمه أشرفها فيكون غيره من باب أولى. وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى. وفي رواية ابن عساكر كما في الفرع كأصله قبل هذا الحديث باب إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا. حدّثنا عبد الله بن يوسف، وهو الذي شرح عليه الحافظ ابن حجر، لكن يليه عنده حديث إسحاق بن منصور الكوسج أن رجلاً. وفي رواية بهامش اليونينية بعد حديث عبد الله بن يوسف إذا شرب الكلب، وسقطت الترجمة والباب في بعض النسخ لأبي ذر والأصيلي. 173 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَّ رَجُلاً رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ». [الحديث 173 - أطرافه في: 2363، 2466، 6009]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب المروزي الثقة الثبت، المتوفى سنه إحدى وخمسين ومائتين وليس هو إسحاق بن إبراهيم الحمصي كما جزم به أبو نعيم في المستخرج (قال: أخبرنا عبد الصمد) بن عبد الوارث (قال: حدّثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار) المدني العدوي وتكلم فيه لكنه صدوق ولم ينفرد بهذا (قال): (سمعت أبي) عبد الله بن دينار التابعي مولى ابن عمر رضي الله عنهما (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن رجلاً) من بني إسرائيل (رأى) أي أبصر (كلبًا يأكل الثرى) بالمثلثة المفتوحة وبالراء المقصورة التراب الندي أي يلعقه (من العطش) أي بسببه (فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه) أي جعله ريان، وفي رواية: بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه الحرّ فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان نزل بي فنزل البئر فملأ خفّه ماء ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب (فشكر الله له) أي أثنى عليه أو جازاه (فادخله الجنة) من باب عطف الخاص على العام أو الفاء تفسيرية على حدّ قوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54] على ما فسر أن القتل كان نفس توبتهم، وفي الرواية الأخرى فشكر الله له فغفر له. قالوا: يا رسول الله إن لنا في البهائم أجْرًا؟ فقال: "إن في كل كبد رطبة أجْرًا". وقد استدل بعض المالكية للقول بطهارة الكلب بإيراد المؤلف هذا الحديث في هذه الترجمة من كون الرجل سقى الكلب في خفّه، واستباح لبسه في الصلاة دون غسله إذ لم يذكر الغسل في الحديث، وأجيب باحتمال أن يكون صب في شيء فسقاه أو لم يلبسه، ولئن سلمنا سقيه فيه فلا يلزمنا لأنه وإن كان شرع غيرنا فهو منسوخ في شرعنا. وهذا الحديث من السداسيات، ورواته ما بين مروزي وبصري ومدني وفيه تابعيان وهما: عبد الله بن دينار وأبو صالح والتحديث والإخبار والسماع والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الشرب والمظالم والأدب وذكر بني إسرائيل، ومسلم في الحيوان، وأبو داود في الجهاد. 174 - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتِ الْكِلاَبُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. (وقال أحمد بن شبيب) بفتح المعجمة وكسر الموحدة ابن سعيد أبو عبد الله التيمي الحنظلي البصري، المتوفى بعد المائتين وهو من شيوخ المؤلف (حدّثنا أبي) شبيب (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: حدّثي) بالإفراد (حمزة) بالحاء المهملة والزاي (ابن عبد الله) بن عمر بن الخطاب أبو عمارة القرشي العدوي المدني التابعي الثقة الجليل (عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه (قال): (كانت الكلاب تقبل وتدبر) حال كونها (في المسجد) النبوي المدني، وفي غير رواية الأربعة تبول وتقبل وتدبر في السجد (في زمان رسول الله

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يرشون) وفي رواية ابن عساكر فلم يكن، وفي رواية أبي ذر وابن عساكر في نسخة فلم يكونوا يرشون (شيئًا من ذلك) بالماء وفي ذكر الكون مبالغة ليست في حذفه كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم} [الأنفال: 33] حيث لم يقل وما يعذبهم، وكذا في لفظ الرش حيث اختاره على لفظ الغسل لأن الرش ليس فيه جريان الماء بخلاف الغسل فإنه يشترط فيه الجريان، فنفي الرش أبلغ من نفي الغسل، ولفظ شيئًا أيضًا عامّ لأنه نكرة في سياق النفي، وهذا كله للمبالغة في طهارة سؤره إذ في مثل هذه الصورة الغالب أن لعابه يصل إلى بعض أجزاء المسجد. وأجيب: بأن طهارة المسجد متيقنة وما ذكره مشكوك فيه واليقين لا يرتفع بالشك. ثم إن دلالته لا تعارض دلالة منطوق الحديث الوارد بالغسل من ولوغه، وقد زاد أبو نعيم والبيهقي في روايتهما لهذا الحديث من طريق أحمد بن شبيب الذكور موصولاً بصريح التحديث قبل قوله: تقبل تبول وبعدها واو العطف وذلك ثابت في فرع اليونينية، لكنه علم عليه علامة سقوط ذلك في رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر، وذكره الأصيلي في رواية عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد شيخ شبيب بن سعيد المذكور، وحينئذ فلا حجة فيه لمن استدل به على طهارة الكلاب للاتفاق على نجاسة بولها قاله ابن المنير، لكن يقدح في نقل الاتفاق القول بأنها تؤكل حيث صح عمن نقل عنه وأن بول ما يؤكل لحمه طاهر. وقال ابن المنذر: كانت تبول خارج المسجد في مواطنها ثم تقبل وتدبر في المسجد، ويبعد أن تترك الكلاب تنتاب في المسجد حتى تمتهنه بالبول فيه، والأقرب أن يكون ذلك في ابتداء الحال على أصل الإباحة، ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها وجعل الأبواب عليها، وبهذا الحديث استدل الحنفية على طهارة الأرض إذا أصابتها نجاسة وجفّت بالشمس أو الهواء وذهب أثرها، وعليه بوّب أبو داود حيث قال: باب طهور الأرض إذا يبست، ورجاله الستّ ما بين بصري وأيلي ومدني وفيه تابعي عن تابعي والقول والتحديث والعنعنة، وأخرجه أبو داود والإسماعيلي وأبو نعيم. 175 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِذَا أَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ». قُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ3 قَالَ: «فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ». [الحديث 175 - أطرافه في: 2054، 5475، 5476، 5477، 5483، 5484، 5485، 5486، 5487، 7397]. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث بن سخبرة بفتح المهملة وسكون المعجمة وفتح الموحدة النمري الأزدي البصري أبو عمر الحوضي ثقة ثبت عيب بأخذ الأجرة على الحديث من كبار العاشرة، توفي سنة خمس وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن ابن أبي السفر) بفتح السين والفاء عبد الله سعيد بن محمد أو أحمد الهمذاني الكوفي (عن الشعبي) بفتح الشين المعجمة واسمه عامر (عن عدي بن حاتم) أي ابن عبد الله بن سعيد بن الحشرج بفتح المهملة وسكون المعجمة آخره جيم الصحابي الشهير الطائي، المتوفى بالكوفة زمن المختار سنة ثمان وستين، وقيل: إنه عاش مائة وثمانين سنة له في البخاري سبعة أحاديث (قال): (سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن حكم صيد الكلاب كما صرّح به المؤلف في كتاب الصيد (فقال) وفي رواية الأربعة قال: (إذا أرسلت كلبك المعلم) بفتح اللام المشدّدة وهو الذي يسترسل بإرسال صاحبه أي يهيج بإغرائه وينزجر بانزجاره في ابتداء الأمر وبعد شدة العدو ويمسك الصيد ليأخذه الصائد ولا يأكل منه. (فقتل) الصيد (فكل وإذا أكل) الكلب الصيد (فلا تأكل) منه وعلل بقوله (فإنما أمسكه على نفسه) قال عدي بن حاتم (قلت) لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أرسل كلبي) المعلم (فأجد معه كلبًا آخر قال) عليه الصلاة والسلام (فلا تأكل) منه (فإنما سميت) أي ذكرت اسم الله (على كلبك) عند إرساله (ولم تسمّ على كلب آخر) ظاهره وجوب التسمية حتى لو تركها سهوًا أو عمدًا لا يحل وهو قول أهل الظاهر، وقال الحنفية والمالكية: يجوز تركها سهوًا لا عمدًا، واحتجوا مع أحديث بقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] وقال الشافعية: سُنّة فلو تركها عمدًا أو سهوًا يحل. قيل: وهذا الحديث حجة عليهم. وأجيب بحديث عائشة رضي الله عنها عند المصنف رحمه الله. قلت: يا رسول الله إن قومًا حديثو عهد بجاهلية أتونا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لم يذكروا

34 - باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين من القبل والدبر لقوله تعالى: {أو جاء أحد منكم من الغائط}

أنأكل منه أم لا؟ فقال: "اذكروا اسم الله عليه وكلوا". فلو كان واجبًا لما جاز الأكل مع الشك، وأما الآية ففسر الفسق فيها بما أهلّ لغير الله تعالى وتوجيهه: أن قوله. {وإنه لفسق} ليس معطوفًا لأن الجملة الأولى فعلية إنشائية، والثانية خبرية. ولا يجوز أن تكون جوابًا لمكان الواو فتعين كونها حالية فتقيد النهي بحال كون الذبح فسقًا، والفسق مفسر في القرآن بما أهلّ به لغير الله تعالى فيكون دليلاً لنا علينا وهذا نوع من القلب. وقال تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وهم لا يسمون وقد قام الإجماع على أن من أكل متروك التسمية ليس بفاسق. ومطابقة هذا الحديث للترجمة من قوله فيها وسؤر الكلاب لأن في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام أذن في أكل ما صاده الكلاب ولم يقيد ذلك بغسل موضع فمه، ولذا قال مالك: كيف يؤكل صيده ولكون لعابه نجسًا؟ وأجيب بأن الشارع وكله إلى ما تقرر عنده من غسل ما يماسه فمه. وهذا الحديث من الخماسيات، ررواته كلهم أئمة أجلاّء ما بين بصري وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في البيوع والصيد والذبائح ومسلم وابن ماجة كلاهما فيه أيضًا. 34 - باب مَنْ لَمْ يَرَ الْوُضُوءَ إِلاَّ مِنَ الْمَخْرَجَيْنِ مِنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ لقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} وَقَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ الدُّودُ أَوْ مِنْ ذَكَرِهِ نَحْوُ الْقَمْلَةِ: يُعِيدُ الْوُضُوءَ. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: إِذَا ضَحِكَ فِي الصَّلاَةِ أَعَادَ الصَّلاَةَ وَلَمْ يُعِدِ الْوُضُوءَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ أَخَذَ مِنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ أَوْ خَلَعَ خُفَّيْهِ فَلاَ وُضُوءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لاَ وُضُوءَ إِلاَّ مِنْ حَدَثٍ. وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَنَزَفَهُ الدَّمُ فَرَكَعَ وَسَجَدَ وَمَضَى فِي صَلاَتِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ. وَقَالَ طَاوُسٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَطَاءٌ وَأَهْلُ الْحِجَازِ: لَيْسَ فِي الدَّمِ وُضُوءٌ. وَعَصَرَ ابْنُ عُمَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ مِنْهَا الدَّمُ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وَبَزَعقَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى دَمًا فَمَضَى فِي صَلاَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ فِيمَنْ يَحْتَجِمُ: لَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ غَسْلُ مَحَاجِمِهِ. هذا (باب من لم ير الوضوء) واجبًا من مخرج من مخارج البدن (إلا من المخرجين القبل والدبر) بالجر فيهما عطف بيان أو بدل أي لا من مخرج آخر كالفصد والحجامة والقيء وغيرها، والقبل يتناول ذكر الرجل وفرج المرأة وزاد في رواية من قبل القبل والدبر (لقوله تعالى) وفي رواية غير الهروي والأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت، وقول الله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِط} [المائدة: 6] أي فأحدث بخروج الخارج من أحد السبيلين القبل والدبر، وأصل الغائط المطمئن من الأرض تقضى فيه الحاجة سمي باسم الخارج للمجاورة، لكن ليس في هذه الآية ما يدل على الحصر الذي ذكره المؤلف غاية ما فيها أن الله تعالى أخبر أن الوضوء أو التيمم عند فقد الماء يجب بالخارج من السبيلين وبملامسة النساء المفسرة بجسّ اليد كما فسّرها به ابن عمر رضي الله عنهما، واستدل بذلك الإمام الشافعي رضي الله عنه على نقض الوضوء به، والمعنى في النقض به أنه مظنة الالتذاذ المثير للشهوة. وقال الحنفية: الملامسة كناية عن الجماع فيكون دليلاً للغسل لا للوضوء، وأجيب: بأن اللفظ لا يختص بالجماع قال تعالى: {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: 7] وقال عليه الصلاة والسلام لماعز: "لعلك لمست". (وقال عطاء) أي ابن أبي رباح مما وصله ابن أبي شيبة في مصنفه بإسناد صحيح (فيمن يخرج من دبره الدود أو من ذكره نحو القملة) وغير ذلك من النادر. قال: (يعيد الوضوء) وهذا مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وسفيان الثوري والأوزاعي، وقال قتادة ومالك: لا وضوء فيه، وفي نسخة باليونينية يعيد الصلاة بدل الوضوء. (وقال جابر بن عبد الله) رضي الله عنه مما وصله سعيد بن منصور والدارقطني: (إذا ضحك) فظهر منه حرفان أو حرف مفهم (في الصلاة أعاد الصلاة لا الوضوء) والذي في اليونينية ولم يعد الوضوء. وقال أبو حنيفة: إذا قهقه في الصلاة ذات الركوع والسجود بصوت يسمعه جيرانه بطلت الصلاة وانتقض الوضوء وإن لم يسمعه جيرانه فلا لحديث "من ضحك في الصلاة قهقهة فليعد الوضوء والصلاة". أخرجه ابن عديّ في كامله سواء كان بصوت يسمع أو تبسم، والخلاف إنما هو في نقض الوضوء لا في إبطال الصلاة. (وقال الحسن) البصري مما أخرجه سعيد بن منصور، وابن المنذر بإسناد صحيح موصولاً (إن أخذ من شعره) أي شعر رأسه أو شاربه (أو) من (أظفاره) ولابن عساكر وأظفاره فلا وضوء عليه خلافًا لمجاهد والحكم بن عتيبة وحماد (أو خلع) وفي رواية ابن عساكر وخلع (خفّيه) أو أحدهما بعد المسح عليهما (فلا وضوء عليه) وهذا مما وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن هشيم عن يونس عن الحسن البصري، وإليه ذهب قتادة وعطاء وطاوس وإبراهيم النخعي وسلمان وداود، واختاره النووي في شرح المهذب كابن المنذر وفي قول يتوضأ لبطلان كل الطهارة ببطلان بعضها كالصلاة، والأظهر أنه يغسل قدميه فقط لبطلان طهرهما بالخلع أو

الانتهاء. (وقال أبو هريرة) رضي الله عنه مما وصله القاضي إسماعيل في الأحكام بإسناد صحيح من طريق مجاهد عنه: (لا وضوء إلا من حَدَث) هو في اللغة الشيء الحادث ثم نقل إلى الأسباب الناقضة للطهارة وإلى المنع المترتب عليها مجازًا من باب قصر العام على الخاص والأول هو المراد هنا، (ويذكر) بضم الياء (عن جابر) رضي الله عنه مما وصله ابن إسحاق في المغازي، وأخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم كلهم من طريق ابن إسحاق (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في غزوة ذات الرقاع فرمي رجل) وهو عباد بن بشر (بسهم فنزفه الدم) بفتح الزاي والفاء أي خرج منه دم كثير (فركع وسجد ومضى في صلاته) فلم يقطعها لاشتغاله بحلاوتها عن مرارة ألم الجرح وفيه رد على الحنفية حيث قالوا: ينتقض الوضوء إذ سال الدم، لكن يشكل عليه الصلاة مع وجود الدم في بدنه أو ثوبه المستلزم لبطلان الصلاة للنجاسة، وأجيب باحتمال عدم إصابة الدم لهما أو إصابة الثوب فقط ونزعه عنه في الحال ولم يسل على جسده إلا مقدار ما يعفى عنه كذا قرره الحافظ ابن حجر والبرماوي والعيني وغيرهم وهو مبني على عدم العفو عن كثير دم نفسه فيكون كدم الأجنبي فلا يعفى إلا عن قليله فقط، وهو الذي صححه النووي في المجموع والتحقيق، وصحح في المنهاج والروضة أنه كدم البثرة وقضيته العفو عن قليله وكثيره، وقد صح أن عمر رضي الله عنه صلى وجرحه ينزف دمًا. (وقال الحسن) البصري: (ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم) بكسر الجيم. قال العيني: منتصرًا لمذهبه: أي يصلون في جراحاتهم من غير سيلان الدم والدليل عليه ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن هشيم عن يونس عن الحسن أنه كان لا يرى الوضوء من الدم إلا ما كان سائلاً. هذا الذي روي عن الحسن بإسناد صحيح وهو مذهل الحنفية وحجة لهم على الخصم انتهى، وليس كما قال لأن الأثر الذي رواه البخاري ليس هو الذي ذكره هو، فإن الأول هو روايته عن الصحابة وغيرهم، والثاني مذهب للحسن فافهم. (وقال طاوس) اسمه ذكوان بن كيسان اليماني الحميري من أحد الأعلام فيما وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عبيد الله بن موسى بن حنظلة عنه، (و) قال (محمد بن علي) أي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني التابعي أبو جعفر المعروف بالباقر لأنه بقر العلم أي شقّه بحيث علم حقائقه مما وصله أبو بشر سمويه في فوائده من طريق الأعمش رضي الله عنهم أجمعين، (و) قال (عطاء) أي ابن أبي رباح مما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه، (و) قال (أهل الحجاز) كسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والفقهاء السبعة ومالك والشافعي وغيرهم: وهو من باب عطف العام على الخاص لأن الثلاثة السابقة طاوس ومحمد بن علي وعطاء حجازيون (ليس في الدم وضوء) سواء سأل أو يسل خلافًا لأبي حنيفة حيث أوجبه مع الإسالة مستدلاً بحديث الدارقطني إلا أن يكون دمًا سائلاً وأجيب: (وعصر ابن عمر) رضي الله عنهما (بثرة) بسكون المثلثة وقد تفتح خراجًا صغيرًا في وجهه (فخرج منها الدم) فحكه بين أصبعيه وصلى (ولم يتوضأ) وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي فخرج منها دم، وفي أخرى لهم الدم فلم، وفي أخرى لابن عساكر دم ولم، وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، (وبزق) بالزاي ويجوز بالسين كالصاد (ابن أبي أوفى) عبد الله الصحابي ابن الصحابي وهو آخر من مات من الصحابة بالكوفة سنة سبع وثمانين وقد كفّ بصره قبل، وقد رآه أبو حنيفة رضي الله عنه وعمره سبع سنين (دمًا) وهو يصلي (فمضى في صلاته) وهذا وصله سفيان الثوري في جامعه عن عطاء بن السائب بإسناد صحيح لأن سفيان سمع من عطاء قبل اختلاطه. (وقال ابن عمر) رضي الله عنهما (والحسن) البصري (فيمن يحتجم) وفي رواية الأربعة فيمن احتجم (ليس عليه إلاّ غسل محاجمه) لا الوضوء. والمحاجم جمع محجمة بفتح الميم موضع الحجامة، وقد وصل أثر ابن عمر الشافعي وابن أبي شيبة بلفظ: كان إذا احتجم غسل محاجمه، وأما أثر الحسن فوصله ابن أبي شيبة أيضًا بلفظ: إنه سئل عن الرجل يحتجم ماذا عليه؟

قال: يغسل أثر محاجمه. وفي رواية الكشميهني ليس عليه غسل محاجمه بإسقاط إلا وهو الذي ذكره الإسماعيلي. وقال ابن بطال: ثبتت في رواية المستملي دون رفيقيه انتهى. وكذا هي ثابتة في فرع اليونينية عنه وعن الهروي، وقال ابن حجر وهي في نسختي ثابتة من رواية أبي ذر عن الثلاثة. 176 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قال: عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ مَا لَمْ يُحْدِثْ». فَقَالَ رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ: مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: الصَّوْتُ (يَعْنِي الضَّرْطَةَ). [الحديث 176 - أطرافه في: 445، 477، 647، 648، 659، 2119، 3229، 4717]. وبالسند قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحرث بن أبي ذئب واسمه هشام (قال: حدّثنا سعيد المقبري) ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر عن سعيد المقبري (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال): (قال النبي) وفي رواية أبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا يزال العبد في) ثواب (صلاة) لا حقيقتها وإلاّ لامتنع عليه الكلام ونحوه (ما كان) وللكشميهني ما دام (في المسجد ينتظر الصلاة ما لم يحدث) أي ما لم يأت بالحدث وما مصدرية ظرفية أي مدة دوام عدم الحدث وهو يعمّ ما خرج من السبيلين وغيره، ونكر الصلاة في قوله في صلاة ليشمل انتظار كل واحدة منها (فقال رجل أعجمي) لا يفصح كلامه ولا يعينه وإن كان عربيًا: (ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: الصوت يعني الضرطة) ونحوها وفي رواية أبي داود وغيره لا وضوء إلا من صوت أو ريح فكأنه قال: لا وضوء إلا من ضراط أو فساء، وإنما خصّهما بالذكر دون ما هو أشد منهما لكونهما لا يخرج من المرء غالبًا في المسجد غيرهما، فالظاهر أن السؤال وقع عن الحدث الخاص وهو المعهود وقوعه غالبًا في الصلاة. وهذا الحديث من الرباعيات ورجاله كلهم مدنيون إلا آدم مع أنه دخل المدينة وفيه التحديث والعنعنة. 177 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي (قال: حدّثنا ابن عيينة) وفي رواية ابن عساكر سفيان بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عباد بن تميم) بتشديد الموحدة بعد العين المفتوحة الأنصاري (عن عمه) عبد الله بن زيد المازني رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا ينصرف) أي المصلي عن صلاته (حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) وفي رواية: لا ينفتل وهي بمعنى لا ينصرف أورده هنا مختصرًا اقتصر منه على الجواب وسبق تامًّا في باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن من طريق علي بن المديني، حدّثنا سفيان قال: حدّثنا الزهري عن سعيد بن المسيب، وعن عباد بن تميم ولفظه عن عمه: أنه شكى إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: "لا ينفتل أو لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا". وهذا الحديث من الخماسيات ورواته أئمة أجلاء ما بين بصري وكوفي ومدني وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف في الطهارة أيضًا وفي البيوع، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي كلهم في الطهارة. 178 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُنْذِرٍ أَبِي يَعْلَى الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: «فِيهِ الْوُضُوءُ». وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ. وبه قال (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (قال: حدّثنا جرير) أي ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن منذر أبي يعلى الثوري) بالمثلثة (عن محمد ابن الحنفية) أنه (قال): (قال علي) أي ابن أبي طالب أبوه رضي الله عنه (كنت رجلاً مذّاء) بالمعجمة والهمزة والنصب خبر كان وهو على وزن فعال بالتشديد أي كثيره (فاستحييت أن أسأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن حكمه (فأمرت المقداد بن الأسود) مجازًا إذ أبوه في الحقيقة ثعلبة البهراني نسب إلى الأسود لأنه تبناه أو حالفه أو لغير ذلك أن يسأله عليه الصلاة والسلام عن ذلك (فسأله فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يجب (فيه الوضوء) لا الغسل. (ورواه) وفي رواية ابن عساكر رواه بإسقاط الواو (شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان بن مهران عن منذر الخ، والحديث سبق في آخر كتاب العلم، ويأتي إن شاء الله تعالى في باب غسل المذي من كتاب الغسل، وأورده هنا لدلالته على إيجاب الوضوء من المذي وهو خارج من أحد المخرجين. 179 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ قال: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنْ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ -رضي الله عنه- قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ فَلَمْ يُمْنِ؟ قَالَ عُثْمَانُ: يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ. قَالَ عُثْمَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ -رضي الله عنهم- فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ. [الحديث 179 - طرفه في: 292]. وبه قال: (حدّثنا سعد بن حفص) بسكون العين أبو محمد الطلحي بالمهملتين الكوفي (قال: حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي أبو معاوية (عن يحيى) بن أبي كثير البصري التابعي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بفتح اللام عبد الله بن

عبد الرحمن بن عوف التابعي. (أن عطاء بن يسار) بفتح المثناة التحتية والسين المهملة المدني (أخبره أن زيد بن خالد) المدني الصحابي (أخبره أنه سأل عثمان بن عفان) رضي الله عنه (قلت) بتاء التكلم على سبيل الالتفات من الغيبة للتكلم لقصد حكاية لفظه بعينه إلاّ فكان أسلوب الكلام أن يقول قال: (أرأيت إذا جامع) الرجل امرأته أو أمته (فلم) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت ولم (يمن) بضم الياء وسكون الميم وقد يفتح الأوّل وقد يضم مع فتح الميم وشد النون يتوضأ. (قال عثمان) رضي الله عنه (يتوضأ كما يتوضأ للصلاة) أي الوضوء الشرعي لا الوضوء اللغوي، وإنما أمره بالوضوء احتياطًا لأن الغالب خروج المذي من المجامع وإن لم يشعر به (ويغسل ذكره) لتنجسه بالمذي وهل يغسل جميعه أو بعضه المتنجس؟ قال الإمام الشافعي بالثاني ومالك بالأوّل. ْفإن قلت: غسل الذكر متقدم على الوضوء فلم أخره؟ أجيب: بأن الواو لا تدل على الترتيب بل هو على مطلق الجمع فلا فرق بين أن يغسل الذكر قبل الوضوء أو بعده على وجه لا ينتقض الوضوء معه. (قال عثمان) رضي الله عنه: (سمعته) أي ما ذكر جميعه (من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال زيد: (فسألت عن ذلك عليًّا) أي ابن أبي طالب رضي الله عنه (والزبير) بن العوام (وطلحة) بن عبيد الله و (أُبي بن كعب) رضي الله عنهم (فأمروه) أي المجامع (بذلك) أي بأن يتوضأ والضمير المرفوع للصحابة والمنصوب للمجامع كما هو مأخوذ من دلالة التضمن في قوله: إذا جامع. وفي هذا الحديث وجوب الوضوء على من جامع ولم ينزل لا الغسل لكنه منسوخ كما سيأتي إن شاء الله قريبًا، وقد انعقد الإجماع على وجوب الغسل بعد أن كان في الصحابة من لا يوجب الغسل إلا بالإنزال كعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوّام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، ورافع بن خديج، وأبي سعيد الخدري، وأُبيّ بن كعب، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وعطاء بن أبي رباح، وهشام بن عروة، والأعمش، وبعض أصحاب الظاهر. فإن قلت: إذا كان الحديث منسوخًا فكيف يصح استدلال المصنف به؟ أجيب: بأن المنسوخ منه عدم وجوب الغسل لا عدم الوضوء، فحكمه باقٍ والحكمة في الأمر به قبل أن يجب الغسل إما لكون الجماع مظنة خروج الذي أو لملامسة الموطوءة فدلالته على الترجمة من هذه الجزئية وهي وجوب الوضوء من الخارج المعتاد لا على الجزء الأخير وهو عدم الوجوب في غير المنسوخ، ولا يلزم أن يدل كل حديث في الباب على كل الترجمة، بل تكفي دلالة البعض على البعض. ورجال هذا الحديث أحد عشر رجلاً ما بين كوفي وبصري ومدني، وفيهم ثلاثة من التابعين وصحابيان يروي أحدهما عن الآخر، والتحديث والعنعنة والإخبار والسؤال والقول، وأخرجه المؤلف أيضًا في الطهارة وكذا مسلم. 180 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ هو ابن منصورٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ ذَكْوَانَ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْسَلَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَجَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ»؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أُعْجِلْتَ -أَوْ قُحِطْتَ- فَعَلَيْكَ الْوُضُوءُ». تَابَعَهُ وَهْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَلَمْ يَقُلْ غُنْدَرٌ وَيَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ "الْوُضُوءُ". وبه قال: (حدّثنا) وفي رواية بالإفراد (إسحاق هو ابن منصور) وفي رواية كريمة بإسقاط قوله هو ابن منصور، وفي رواية أبي ذر إسحاق بن منصور أي ابن بهرام بفتح الموحدة الكوسج كما عند أبي نعيم (قال: أخبرنا النضر) بفتح النون وسكون العجمة ابن شميل بضم المعجمة أبو الحسن المازني البصري (قال: أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتح المهملة والكاف ابن عتيبة مصغر عتبة الباب (عن ذكوان أبي صالح) الزيات المدني (عن أبي سعيد الخدري) بالدال المهملة سعد بن مالك الأنصاري: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسل إلى رجل من الأنصار) هو عتبان بكسر العين المهملة وسكون التاء المثناة الفوقية وموحدة ثم نون بينهما ألف ابن مالك الأنصاري كما في مسلم، أو صالح الأنصاري فيما ذكره عبد الغني بن سعيد، أو رافع بن خديج كما حكاه ابن بشكوال، ورجح في الفتح الأول، ولمسلم مرّ على رجل فيحمل على أنه مرّ به فأرسل إليه (فجاء ورأسه يقطر) جملة وقعت حالاً من ضمير جاء أي ينزل منه الماء قطرة قطرة من أثر الاغتسال، وإسناد القطر إلى الرأس مجاز كسال الوادي (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له: (لعلنا) قد (أعجلناك) عن فراغ حاجتك من الجماع (فقال) الرجل، وفي رواية ابن عساكر قال

35 - باب الرجل يوضئ صاحبه

مقررًا له (نعم) أعجلتني (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إذا أعجلت) بضم الهمزة وكسر الجيم، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني عجلت بضم العين وكسر الجيم الخفيفة من غير همز، وفي رواية عجلت كذلك مع التشديد (أو قحطت) بضم الكاف وكسر الحاء من غير همزة، وفي رواية الأصيلي أو أقحطت بفتح الهمزة والحاء وكذا لمسلم، وفي رواية أقحطت بضم الهمزة وكسر الحاء أي لم تنزل استعارة من قحوط المطر وهو انحباسه (فعليك الوضوء) بالرفع مبتدأ خبره الجار والمجرور وبالنصب على الإغراء أو المفعولية لأنه اسم فعل، وأو في قوله أو قحطت للشك من الراوي أو لتنويع الحكم من الرسول عليه الصلاة والسلام أي سواء كان عدم الإنزال بأمر خارج عن ذات الشخص أو من ذاته لا فرق بينهما في إيجاب الوضوء لا الغسل لكنه منسوخ، وقد أجمعت الأمة الآن على وجوب الغسل بالجماع وإن لم يكن معه إنزال وهو مروي عن عائشة أم المؤمنين، وأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وابن عمر، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن عباس والمهاجرين، وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد وأصحابهم وبعض أصحاب الظاهر والنخعي والثوري. وهذا الحديث من السداسيات ورواته ما بين مروزي وبصري وواسطي وكوفي ومدني وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه مسلم في الطهارة وكذا ابن ماجة. (تابعه) أي تابع النضر بن شميل (وهب) أي ابن جرير بن حازم فيما وصله أبو العباس السراج في مسنده عن زياد بن أيوب عنه (قال) أي وهب (حدّثنا شعبة) وفي رواية ابن عساكر عن شعبة (قال أبو عبد الله) أي البخاري (ولم يقل) كذا لكريمة وابن عساكر ولغيرهما بإسقاط قال أبو عبد الله: إنما قال ولم يقل (غندر) واسمه محمد بن جعفر (ويحيى) بن سعيد القطان في روايتهما لهذا الحديث (عن شعبة) بهذا الإسناد والمتن (الوضوء) قال البرماوي كالكرماني: أي لم يقولا لفظ الوضوء بل قالا فعليك فقط بحذف المبتدأ للقرينة المسوّغة للحذف والمقدر عند القرينة كالملفوظ. وقال ابن حجر: فأما يحيى فهو كما قاله قد أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده عنه ولفظه فليس عليك غسل، وأما غندر فقد أخرجه أحمد أيضًا عنه ولفظه: فلا غسل عليك، عليك الوضوء، وهكذا أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة والإسماعيلي وأبو نعيم من طرق عنه، وكذا ذكره أصحاب شعبة كأبي داود الطيالسي وغيره عنه فكأن بعض مشايخ البخاري حدّثه به عن يحيى وغندر معًا فساقه له على لفظ يحيى اهـ. 35 - باب الرَّجُلِ يُوَضِّئُ صَاحِبَهُ (باب) حكم (الرجل يوضئ صاحبه). 181 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ عَدَلَ إِلَى الشِّعْبِ فَقَضَى حَاجَتَهُ. قَالَ أُسَامَةُ: فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي؟ فَقَالَ: «الْمُصَلَّى أَمَامَكَ». وبالسند قال: (حدّثنا) وفي رواية الأربعة حدّثني (محمد بن سلام) بالتخفيف على الصحيح ولكريمة حدّثنا ابن سلام (قال: أخبرنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي أحد الأعلام (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري التابعي (عن موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف الأسدي المدني التابعي (عن كريب مولى ابن عباس) التابعي (عن أسامة بن زيد) رضي الله عنه: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أفاض) أي رجع أو دفع (من) موقف (عرفة عدل) أي توجه (إلى الشعب) بكسر الشين الطريق في الجبل (فقضى حاجته. قال أسامة) أي ابن زيد كما صرح به في رواية أبي الوقت (فجعلت أصب عليه) الوضوء (و) هو (يتوضأ) مبتدأ وخبر أو نصب على الحال أي: والحال أنه يتوضأ. ويجوز وقوع الفعل المضارع المثبت حالاً (فقلت: يا رسول الله أتصلي؟ فقال) بفاء العطف وفي رواية الأربعة. قال-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (المصلى) بفتح اللام أي مكان المصلى (أمامك) بفتح الهمزة والميمين ظرف بمعنى قدامك. وفي الحديث جواز الاستعانة في الوضوء بالصب، وبه استدل المؤلف للترجمة ولم يذكر جوازًا ولا غيره، ويقاس على الاستعانة بالصب الاستعانة بالغسل والإحضار للماء بجامع الإعانة، فأما الصب فهو خلاف الأولى لأنه ترفه لا يليق بالمتعبد وعورض بأنه إذا فعله الشارع لا يكون خلاف الأولى. وأجيب: بأنه قد يفعله لبيان الجواز فلا يكون في حقه خلاف الأولى بخلافنا، وقيل مكروه

36 - باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره

وأما الاستعانة في غسل الأعضاء فمكروهة قطعًا إلا لحاجة، وأما في إحضار الماء فلا كراهة فيها أصلاً. قال ابن حجر: لكن الأفضل خلافه، وقال الجلال المحلي: ولا يقال إنها خلاف الأولى، وأما الحديث المرفوع: أنا لا أستعين في وضوئي بأحد، وأنه قاله عليه الصلاة والسلام لعمر وقد بادر لصب الماء عليه، فقال النووي في شرح المهذب: إنه حديث باطل لا أصل له. وهذا الحديث من سداسياته، ورواته ما بين بيكندي وواسطي ومدني، وفيهم ثلاثة من التابعين والتحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الطهارة والحج ومسلم فيه أيضًا. 182 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ يُحَدِّثُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ وَأَنَّهُ ذَهَبَ لِحَاجَةٍ لَهُ وَأَنَّ مُغِيرَةَ جَعَلَ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. [الحديث 182 - أطرافه في: 203، 206، 363، 388، 2918، 4421، 5798، 5799]. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عليّ) بفتح عين عمرو وسكون ميمه الفلاس البصري (قال: حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري (قال: سمعت يحيى بن سعيد) بكسر العين الأنصاري التابعي (قال: أخبرني) بالإفراد (سعد) بسكون العين (ابن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف القرشي التابعي (أن نافع بن جبير بن مطعم) القرشي النوفلي المدني التابعي (أخبره أنه سمع عروة بن المغيرة بن شعبة يحدث عن المغيرة) بضم الميم أبيه (ابن شعبة) بن مسعود الثقفي الصحابي الكوفي أسلم قبل الحديبية وولي إمرة الكوفة، توفي سنة خمسين على الصحيح، له في البخاري أحد عشر حديثًا. (أنه) أي المغيرة (كان مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر وأنه) عليه الصلاة والسلام (ذهب لحاجة له) وأدى عروة معنى كلام أبيه بعبارة نفسه وإلا فكان السياق يقتضي أن يقول قال أبي كنت وكذا قوله: (وأن مغيرة) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر: وأن المغيرة (جعل) أي طفق (يصب الماء عليه)، وفي رواية الإصيلي وابن عساكر جعل يصب عليه بلفظ المضارع لحكاية الحال الماضية (وهو يتوضأ) جملة اسمية وقعت حالاً (فغسل وجهه ويديه) أتى بغسل ماضيًا على الأصل، (ومسح برأسه) بباء الإلصاق (ومسح على الخفّين) أعاد لفظ مسح دون غسل لبيان تأسيس قاعدة المسح بخلاف الغسل فإنه تكرير لسابق. وهذا الحديث من سباعياته، ورواته ما بين بصري وكوفي ومدني، وفيه أربعة من التابعين يروي بعضهم عن بعض والتحديث والإخبار والسماع والعنعنة. 36 - باب قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْحَدَثِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ مَنْصُورٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: لاَ بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ، وَبِكَتْبِ الرِّسَالَةِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ. وَقَالَ حَمَّادٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: إِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ إِزَارٌ فَسَلِّمْ، وَإِلاَّ فَلاَ تُسَلِّمْ. (باب قراءة القرآن) العظيم (بعد الحدث) الأصغر (وغيره) أي غير قراءة القرآن ككتابة القرآن، هذا شامل للقولي والفعلي، وتمثيل الكرماني بالذكر والسلام ونحوهما لا وجه له لأنه إذا جاز للمحدث قراءة القرآن فالسلام والذكر ونحوهما بطريق الأولى. وقول الحافظ ابن حجر قوله وغيره من مظان الحدث، تعقبه العيني بأن الضمير لا يعود إلا على مذكور لفظًا أو تقديرًا بدلالة القرينة اللفظية أو الحالية، وبأن مظنة الحدث على نوعين مثل الحدث والآخر ليس مثله، فإن أراد الأوّل فهو داخل في قوله بعد الحدث، أو الثاني فهو خارج عنه وحينئذ فلا وجه لما قاله على ما لا يخفى اهـ. (وقال منصور) هو ابن المعتمر السلمي الكوفي (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي الفقيه مما وصله سعيد بن منصور عن أبي عوانة (لا بأس بالقراءة) للقرآن (في الحمام) خصّه بالذكر لأن القارئ فيه يكون محدثًا في الغالب، ونقل النووي في الأذكار عدم الكراهة عن الأصحاب، ورجحه السبكي نعم في شرح الكفاية للصيمري لا ينبغي أن يقرأ، وسوّى الحليمي بينة وبين القرآن حال قضاء الحاجة، وعن أبي حنيفة الكراهة لأن حكمه حكم بيت الخلاء والماء المستعمل في الحمام نجس، وعن محمد بن الحسن عدم الكراهة لطهارة الماء عنده (و) لا بأس (بكتب الرسالة) بموحدة مكسورة وكاف مفتوحة عطفًا على قوله بالقراءة (على غير وضوء) مع كون الغالب تصدير الرسائل بالبسملة، وقد يكون فيها ذكر أو قرآن والجار والمجرور متعلق بكتب لا بالقراءة في الحمام كذا قال البرماوي والحافظ ابن حجر، وتعقبه العيني فقال: لا نسلم ذلك فإن قوله: وبكتب الرسالة على الوجهين متعلق بالقراءة وقوله على غير وضوء متعلق بالمعطوف والمعطوف عليه لأنهما كشيء واحد، وهذا الأثر رواه عبد الرزاق موصولاً عن الثوري عن منصور ولفظه: قال سألت إبراهيم أأكتب الرسالة على غير وضوء؟ قال: نعم.

وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي ويكتب بلفظ مضارع كتب وهي رواية الأكثر، والأولى وهي رواية كريمة. قال العيني: أوجه. (وقال حمّاد) أي ابن سليمان شيخ أبي حنيفة وفقيه الكوفة (عن إبراهيم) النخعي مما وصله الثوري في جامعه عنه (إن كان عليهم) أي على الذين داخل الحمام للتطهير (إزار) اسم لا يلبس في النصف الأسفل (فسلم) زاد في رواية الأصيلي عليهم وتفسير ابن حجر قوله: إن كان عليهم بمن في الحمام. تعقبه العيني بأنه عامّ يشمل القاعد بثيابه في المسلخ وهو لا خلاف فيه، وأجيب: بأن المسلخ وإن أطلق عليه اسم الحمام فمجاز، والحمام في الحقيقة ما فيه الماء الحميم والأصل استعمال الحقيقة دون المجاز (وإلا) بأن لم يكن عليهم إزار (فلا تسلم) عليهم إهانة لهم لكونهم على بدعة أو لكون السلام عليهم يستدعي تلفظهم برد السلام الذي هو من أسمائه تعالى مع أن لفظ: سلام عليكم من التنزيل والمتعري عن الإزار يشبه من في الخلاء، وبهذا التقرير يتوجه ذكر هذا الأثر في هذه الترجمة، وقد روى مسلم من حديث ابن عمر كراهة ذكر الله بعد الحدث لكنه ليس على شرط المؤلف. 183 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَهِيَ خَالَتُهُ- فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ -أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ- اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ. ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ. ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس الأصبحي (قال: حدّثني) بالإفراد إمام دار الهجرة (مالك) وهو خال إسماعيل هذا (عن مخرمة بن سليمان) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء الوالبي المدني (عن كريب) بضم الكاف وفتح الراء آخره موحدة (مولى ابن عباس). (أن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما (أخبره أنه بات ليلة عند ميمونة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي خالته) رضي الله عنها (فاضطجعت) أي وضعت جنبي بالأرض وكان أسلوب الكلام أن يقول اضطجع مناسبة لقوله بات، أو يقول بت مناسبة لقوله اضطجعت لكنه سلك مسلك التفنن الذي هو نوع من الالتفات أو يقدر قال: فاضطجعت (في عرض الوسادة) بفتح العين كما في الفرع وهو المشهور، وقال النووي هو الصحيح وبالضم كما حكاه البرماوي والعيني وابن حجر وأنكره أبو الوليد الباجي نقلاً ومعنى لأن العرض بالضم الجانب وهو لفظ مشترك. وأجيب: بأنه لما قال في طولها تعين المراد وقد صحت به الرواية عن جماعة منهم الداودي والأصيلي فلا وجه لإنكاره، (واضطجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأهله) زوجته أم المؤمنين ميمونة (في طولها) أي الوسادة (فنام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى انتصف) كذا للأصيلي ولغيره حتى إذا انتصف (الليل أو قبله) أي قبل انتصافه (بقليل أو بعده) بعد انتصافه (بقليل استيقظ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إن جعلت إذا ظرفية فقبله ظرف لاستيقظ أي استيقظ وقت الانتصاف أو قبله، وإن جعلت شرطية فمتعلق بفعل مقدّر واستيقظ جواب الشرط أي حتى إذا انتصف الليل أو كان قبل الانتصاف استيقظ (فجلس) حال كونه (يمسح النوم عن وجهه) الشريف (بيده) بالإفراد أي يمسح بيده عينيه من باب إطلاق اسم الحال على المحل، لأن المسح لا يقع إلا على العين والنوم لا يمسح أو المراد مسح أثر النوم من باب إطلاق اسم السبب على المسبب قاله ابن حجر؛ وتعقبه العيني بأن أثر النوم من النوم لأنه نفسه، وأجيب بأن الأثر غير المؤثر فالمراد هنا ارتخاء الجفون من النوم ونحوه (ثم قرأ) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (العشر الآيات) من إضافة الصفة للموصوف واللام تدخل في العدد المضاف نحو الثلاثة الأثواب (الخواتيم من سورة آل عمران) التي أوّلها {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190] إلى آخر السورة والخواتيم نصب صفة لعشر المنصوب بقرأ (ثم قام إلى شنّ معلقة) بفتح الشين المعجمة وتشديد النون القربة الخلقة من أدم وجمعه شنان بكسر أوّله وذكره باعتبار لفظه أو الأدم أو الجلد وأنث الوصف باعتبار القربة، (فتوضأ) عليه الصلاة والسلام (منها فأحسن وضوءه) أي أتمه بأن أتى بمندوباته، ولا يعارض هذا قوله في باب تخفيف الوضوء وضوءًا خفيفًا لأنه يحتمل أن يكون أتى بجميع مندوباته مع التخفيف أو كان كلٍّ منهما في وقت، (ثم قام) عليه الصلاة والسلام (يصلي قال

37 - باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل

ابن عباس) رضي إلله عنه: (فقمت فصنعت مثل ما صنع) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم ذهبت فقمت إلى جنبه) الأيسر (فوضع) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يده اليمنى على رأسي) أي فأدارني على يمينه (وأخذ بأُذني اليمنى) بضم الهمزة والمعجمة حال كونه (يفتلها) أي يدلكها تنبيهًا عن الغفلة عن أدب الائتمام وهو القيام على يمين الإمام إذا كان الإمام وحده أو تأنيسًا له لكون ذلك كان ليلاً (فصلَّى) عليه الصلاة والسلام (ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين) المجموع اثنتا عشرة وهو يقيد المطلق في قوله في باب التخفيف فصلى ما شاء الله (ثم أوتر) بواحدة أو بثلاث وفيه بحث يأتي إن شاء الله تعالى (ثم اضطجع) عليه الصلاة والسلام (حتى أتاه المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج) من الحجرة إلى المسجد (فصلىَّ الصبح) بأصحابه رضي الله عنهم. قيل: ويؤخذ من قراءته عليه الصلاة والسلام العشر الآيات المذكورة بعد قيامه من النوم قبل أن يتوضأ جواز قراءة القرآن للمحدث. وعورض بأنه عليه الصلاة والسلام تنام عينه ولا ينام قلبه فلا ينتقض وضوءه به وأما وضوءه فللتجديد أو لحدث آخر. وأجيب: بأن الأصل عدم التجديد وغيره، وعورض بأن هذا عند قيام الدليل على ذلك، وههنا قام الدليل بأن وضوءه لم يكن لأجل الحدث وهو قوله: "تنام عيناي ولا ينام قلبي" وحينئذ يكون تجديد وضوئه لأجل طلبه زيادة النور حيث قال: "الوضوء نور على نور". فإن قلت: ما وجه المناسبة بين الترجمة والحديث؟ أجيب: من جهة أن مضاجعة الأهل في الفراش لا تخلو من الملامسة غالبًا. وعورض بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقبِّل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ. رواه أبو داود والنسائي، وأجيب: بأن المذهب الجزم بانتقاضه به كما قاله الأستاذ النووي رحمه الله، ولم يرد المؤلف أن مجرد نومه ينقض لأن في آخر هذا الحديث عنده في باب التخفيف في الوضوء، ثم اضطجع فنام حتى نفخ ثم صلىّ، ويحتمل أن يكون المؤلف احتج بفعل ابن عباس المعبّر عنه بقوله: فصنعت مثل ما صنع بحضرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. واستنبط من هذا الحديث استحباب التهجّد وقراءة العشر الآيات عند الانتباه من النوم وأن صلاة الليل مثنى، وهو من خماسياته ورجاله مدنيون، وفيه التحديث بصيغة الإفراد والجمع والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الصلاة وفي الوتر والتفسير ومسلم في الصلاة وأبو داود، وأخرجه ابن ماجة في الطهارة. 37 - باب مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ إِلاَّ مِنَ الْغَشْيِ الْمُثْقِلِ هذا (باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل) لا من الغشي غير المثقل وليس المراد من توضأ من الغشي المثقل لا من سبب آخر من أسباب الحدث، والغشي: بفتح الغين وسكون الشين المعجمتين ضرب من الإغماء إلا أنه أخف منه والثقل بضم الميم وكسر القاف صفة للغشي. 184 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنِ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ، وَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي. فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ. فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ أَىْ نَعَمْ. فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلاَّنِي الْغَشْيُ، وَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي مَاءً. فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْ شَىْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ". وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَىَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ -مِثْلَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ- فِتْنَةِ الدَّجَّالِ (لاَ أَدْرِي أَىَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ) يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ له: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ (أَوِ الْمُوقِنُ، لاَ أَدْرِي أَىَّ ذَلِكَ قَالَتْ: أَسْمَاءُ) فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا. فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا، فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا. وَأَمَّا الْمُنَافِقُ (أَوِ الْمُرْتَابُ، لاَ أَدْرِي أَىَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ) فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ. وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس (قال: حدّثني) بالإفراد وفي رواية ابن عساكر حدّثنا (مالك) هو ابن أنس الإمام (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوّام القرشي (عن امرأته فاطمة) بنت المنذر بن الزبير بن العوّام (عن جدّتها أسماء بنت أبي بكر) الصدّيق وهي زوجة الزبير بن العوّام، وفي بعض النسخ عن جدّته بتذكير الضمير وهو صحيح لأن أسماء جدّة لهشام ولفاطمة كليهما لأنها أم أبيه عروة كما أنها أم المنذر أبي فاطمة (أنها قالت): (أتيت عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين خسفت الشمس) بفتح الخاء والسين أي ذهب ضوءها كله أو بعضه (فإذا الناس قيام يصلون، وإذا هي) أي عائشة رضي الله عنها (قائمة تصلي فقلت: ما للناس؟ فأشارت) عائشة (بيدها نحو السماء وقالت) وفي رواية أبي ذر فقالت: (سبحان الله! فقلت آية) هي أي علامة لعذاب الناس: (فأشارت) عائشة برأسها (آن) ولكريمة أي (نعم) وهي الرواية المتقدمة في باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس وهما حرفا تفسير قالت أسماء: (فقمت حتى تجلاني) بالجيم أي غطاني (الغشي) من طول تعب الوقوف (وجعلت أصب فوق رأسي ماء) مدافعة للغشي، وهذا يدل على أن حواسها كانت مدركة وإلاّ فالإغماء الشديد المستغرق ينقض الوضوء بالإجماع، (فلما انصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ

38 - باب مسح الرأس كله، لقول الله تعالى: {وامسحوا برءوسكم}

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الصلاة أو من المسجد (حمد الله) تعالى (وأثنى عليه) من باب عطف العام على الخاص (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ما من شيء) من الأشياء (كنت لم أره إلاّ قد رأيته) رؤية عين حقيقة حال كوني (في مقامي هذا) بفتح الميم (حتى الجنة والنار) برفعهما ونصبهما وجرّهما وتقدم توجيهها مع استشكال البدر الدماميني وجه الجر فليراجع (ولقد أُوحي إليّ أنكم تفتنون في القبور) وفي رواية الأصيلي في قبوركم (مثل) فتنة المسيح الدجال (أو قريبًا) وفي رواية الأربعة قريب (من فتنة) المسيح (الدجال لا أدري أي ذلك قالت أسماء) رضي الله عنها: (يؤتى أحدكم فيقال له ما علمك بهذا الرجل) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فأما المؤمن أو الموقن) بنبوّته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت فاطمة بن المنذر: (لا أدري أي ذلك) المؤمن أو الموقن (قالت أسماء: فيقول: هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات) الدالّة على نبوّته (والهدى) الموصل للمراد (فأجبنا وآمنا واتبعنا) بحذف ضمير المفعول في الثلاثة، (فيقال نم) وفي رواية الحموي والأصيلي فيقال له نم حال كونك (صالحًا فقد علمنا أن كنت لموقنًا) به وفي همزة إن الكسر والفتح ورجحه البدر الدماميني، بل قال إنه المتعين كما سبق تقريره في باب من أجاب الفتيا بإشارة: اليد والرأس من كتاب العلم (وأما المنافق) غير المصدّق بقلبه بنبوّته عليه الصلاة والسلام (أو المرتاب) الشاك قالت فاطمة (لا أدري أي ذلك قالت أسماء) رضي الله عنها (فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته) ومحل استدلال المؤلف للترجمة من هذا الحديث فعل أسماء من جهة أنها كانت تصلي خلف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكان يرى الدين خلفه وهو في الصلاة ولم ينقل أنه أنكر عليها، وقد تقدم شيء من مباحث هذا الحديث في باب العلم ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في كتاب صلاة الخسوف. ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون، وفيه رواية الأقران هشام وزوجته فاطمة، وفيه التحديث بالإفراد والجمع والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلف في العلم والطهارة والكسوف والاعتصام والاجتهاد والسهو ومسلم في الصلاة. 38 - باب مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: الْمَرْأَةُ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ تَمْسَحُ عَلَى رَأْسِهَا. وَسُئِلَ مَالِكٌ: أَيُجْزِئُ أَنْ يَمْسَحَ بَعْضَ الرَّأْسِ؟ فَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْد. (باب مسح الرأس كله) في الوضوء، وفي رواية المستملي الاقتصار على مسح الرأس وإسقاط لفظ كله (لقول الله تعالى) وفي رواية ابن عساكر سبحانه وتعالى، وفي رواية الأصيلي عز وجل: ({وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}) [المائدة: 6] أي امسحوا رؤوسكم كلها فالباء زائدة عند المؤلف كمالك (وقال ابن المسيب) سعيد: (المرأة بمنزلة الرجل تمسح على رأسها) وهذا وصله ابن أبي شيبة ولفظه: المرأة والرجل في المسح سواء، وعن أحمد يكفي المرأة مسح مقدم رأسها. (وسئل مالك) الإمام الأعظم والسائل له إسحاق بن عيسى بن الطباع (أيجزئ) بضم المثناة التحتية من الإجزاء وهو الأداء الكافي لسقوط التعبد به وبفتح الياء من جزى ويجزي أي كفى والهمزة فيه للاستفهام (أن يمسح بعض) وفي رواية ابن عساكر ببعض (الرأس) وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي رأسه؟ (فاحتج) أي مالك على أنه لا يجزي (بحديث عبد الله بن زيد) هذا الآتي إن شاء الله تعالى. 185 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ -وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى- أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: نَعَمْ. فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ يَدَهُ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ: بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. [الحديث 185 - أطرافه في: 186، 191، 192، 197، 199]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا) وفي رواية الأصيلي حدّثنا (مالك) إمام الأئمة (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة بضم العين وتخفيف الميم (المازني عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي حسن. (أن رجلاً) هو عمرو بن أبي حسن كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الحديث الآتي من طريق وهيب (قال لعبد الله بن زيد) الأنصاري (وهو) أي الرجل المفسر بعمرو بن أبي حسن (جد عمرو بن يحيى) المازني المذكور مجازًا لا حقيقة لأنه عمّ أبيه، وإنما أطلق عليه الجدودة لكونه في منزلته: (أتستطيع أن تريني) أي هل تستطيع الإراءة إياي (كيف كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتوضأ) كأنه أراد أن يريه بالفعل ليكون أبلغ في التعليم (فقال عبد الله بن زيد) أي الأنصاري (نعم) أستطيع أن أريك (فدعا بماء) عقب قوله ذلك (فأفرغ) أي صبّ من الماء (على

يديه) بالتثنية، وفي رواية الأربعة على يده بالإفراد على إرادة الجنس (فغسل مرتين) وفي رواية الأربعة فغسل يديه مرتين كذا في رواية مالك وعند غيره من الحفاظ ثلاثًا فهي مقدمة على رواية الحافظ الواحد لا يقال أنهما واقعتان لاتحاد مخرجهما، والأصل عدم التعدد، لأن في رواية مسلم من طريق حبّان بن واسع عن عبد الله بن زيد أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضأ وفيه وغسل يده اليمنى ثلاثًا ثم الأخرى ثلاثًا، فيحمل على أنه وضوء آخر لكون مخرج الحديثين غير متحد، (ثم مضمض واستنثر ثلاثًا) أي بثلاث غرفات كما في رواية وهيب، وللكشميهني واستنشق ثلاثًا. والرواية الأولى تستلزم الثانية من غير عكس قاله ابن حجر، وعورض بأن ابن الأعرابي وابن قتيبة جعلاهما واحدًا وقد مرّ في المضمضة والاستنشاق. (ثم غسل وجهه ثلاثًا ثم غسل يديه مرتين مرتين) بالتكرار (إلى) أي مع (المرفقين) بالتثنية مع فتح الميم وكسر الفاء، وفي رواية الأصيلي بكسر الميم وفتح الفاء، وفي رواية المستملي والحموي إلى الرفق بالإفراد على إرادة الجنس وهو مفصل الذراع والعضد وسمي به لأنه يرتفق به في الاتكاء ويدخل في غسل اليدين خلافًا لزفر لأن إلى في قوله تعالى: {إلى المرفقين} بمعنى مع كالحديث كقوله تعالى: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود: 52] أو متعلقة بمحذوف تقديره مضافة إلى المرافق. قال البيضاوي: ولو كان كذلك لم يبق معنى للتحديد ولا لذكره مزيد فائدة لأن مطلق اليد يشتمل عليها. وقيل: (إلى) تفيد الغاية مطلقًا وأما بدخولها في الحكم أو خروجها منه فلا دلالة لها عليه وإنما يعلم من خارج، ولم يكن في الآية وكأن الأيدي متناولة لها فحكم بدخولها احتياطًا. وقيل: (إلى) من حيث أنها تفيد الغاية تقتضي خروجها وإلا لم تكن غاية كقوله: {فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ} وقوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] لكن لما لم تتميز الغاية هاهنا من ذي الغاية وجب دخولها احتياطًا اهـ. ووقف زفر مع المتيقن. وقال إسحاق بن راهويه: يحتمل أن تكون بمعنى الغاية وبمعنى مع فبينت السُنّة أنها بمعنى مع. وقال الإمام الشافعي في الأُم: لا أعلم مخالفًا في إيجاب دخول المرفقين في الوضوء، قال ابن حجر: فعلى هذا فزفر محجوج بالإجماع. (ثم مسح رأسه) زاد ابن الطباع في روايته كله كما في حديثه الروي عند ابن خزيمة في صحيحه (بيديه) بالتثنية (فأقبل بهما وأدبر) بهما ولمسلم مسح رأسه كله وما أقبل وما أدبر وصدغيه (بدأ بمقدم رأسه) بفتح الدال المشددة من بمقدم بأن وضع يديه عليه وألصق مسبحته بالأخرى وإبهاميه على صدغيه (حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردّهما إلى المكان الذي بدأ منه) ليستوعب جهتي الشعر بالمسح، وعلى هذا يختص ذلك بمن له شعر ينقلب وإلاّ فلا حاجة إلى الرد، فلو ردّ لم يحسب ثانية لأن الماء صار مستعملاً. وهذا التعليل يقتضي أنه لو ردّ ماء المرة الثانية حسب ثالثة بناء على الأصح من أن المستعمل في النفل طهور إلا أن يقال السنّة كون كل مرة بماء جديد، والجملة من قوله بدأ عطف بيان لقوله فأقبل بهما وأدبر، ومن ثم لم تدخل الواو على قوله بدأ، والظاهر أنه ليس مدرجًا من كلام مالك بل هو من الحديث، ولا يقال هو بيان للمسح الواجب كما قال به مالك وابن علية وأحمد في رواية وأصحاب مالك غير أشهب فبيانه واجب لأنه يلزم منه وجوب الرد إلى المكان الذي بدأ منه، ولا قائل بوجوبه. ويلزم أن يكون تثليث الغسل وتثنيته واجبين لأنهما بيان أيضًا، فالحديث ورد في الكمال ولا نزاع فيه بدليل أن الإقبال والإدبار لم يذكرا في غير هذا الحديث، وقد وقع في رواية خالد بن عبد الله الآتية قريبًا في باب من تمضمض واستنشق من غرفة واحدة ومسح برأسه ما أقبل وما أدبر كآية المائدة بالباء، واختلف فيها فقيل: زائدة للتعدية وتمسك به من أوجب الاستيعاب، وقيل للتبعيض. وعورض بأن بعض أهل العربية أنكر كونها للتبعيض. قال ابن برهان: من زعم أن الباء تفيد التبعيض فقد جاء عن أهل اللغة بما لا يعرفونه. وأجيب: بأن ابن هشام نقل التبعيض عن الأصمعي والفارسي والقتيبي وابن مالك والكوفيين وجعلوا منه {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] انتهى. وقال

39 - باب غسل الرجلين إلى الكعبين

بعضهم: الحكم في الآية مجمل في حق المقدار فقط لأن الباء للإلصاق باعتبار أصل الوضع، فإذا قرنت بآلة المسح يتعدى الفعل بها إلى محل المسح فيتناول جميعه كما تقول: مسحت الحائط بيدي ومسحت رأس اليتيم بيدي فيتناول مسح الحائط كله، وإذا قرنت بمحل المسح يتعدى الفعل بها إلى الآلة فلا تقتضي الاستيعاب، وإنما تقتضي التصاق الآلة بالمحل وذلك لا يستوعب الكل عادة فمعنى التبعيض إنما ثبت بهذا الطريق. وقال الشافعي احتمل قوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} جميع الرأس أو بعضه، فدلّت السُّنّة أن بعضه يجزئ. وروى الشافعي أيضًا من حديث عطاء أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضأ فحسر العمامة عن رأسه قال ابن حجر: وهو مرسل لكنه اعتضد من وجه آخر موصولاً أخرجه أبو داود من حديث أنس، وفي إسناده أبو معقل لا يعرف حاله فقد اعتضد كلٌّ من المرسل والموصول بالآخر وحصلت القوة من الصورة المجموعة، وهذا مثال لا ذكره الشافعي من أن الرسل يعتضد بمرسل آخر أو مسند، وصح عن ابن عمر الاكتفاء بمسح بعض الرأس قاله ابن المنذر وغيره ولم يصح من أحد من الصحابة إنكار ذلك قاله ابن جزم، وهذا كله مما يقوى به المرسل انتهى. وقد روى مسلم من حديث المغيرة بن شعبة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة، فلو وجب الكل لما اقتصر علي الناصية، وأما استدلال الحنفية على إيجاب مسح الربع بمسحه عليه الصلاة والسلام بالناصية وأنه بيان للإجمال في الآية لأن الناصية ربع الرأس. فأجيب عنه بأنه لا يكون بيانًا إلا إذا كان أوّل مسحه كذلك بعد الآية، وبأن قوله بناصيته يحتمل بعضها كما سبق نظيره في برؤوسكم، وقد ثبت وجوب أصل المسح فجاحده كافر لأنه قطعي واختلف في مقداره فجاحده لا يكفّر لأنه ظني. (ثم غسل رجليه) أطلق الغسل فيهما ولم يذكر فيه تثليثًا ولا تثنية كما سبق في بعض الأعضاء إشعارًا بأن الوضوء الواحد يكون بعضه بمرة وبعضه بمرتين وبعضه بثلاث، وإن كان الأكمل التثليث في الكل ففعله بيانًا للجواز والبيان بالفعل أوقع في النفوس منه بالقول وأبعد من التأويل. ورواة هذا الحديث الستة كلهم مدنيون إلا شيخ البخاري وقد دخلها، وفيه رواية الابن عن الأب والتحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف في الطهارة ومسلم فيها والترمذي مختصرًا والنسائي وابن ماجة. 39 - باب غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (باب غسل الرجلين إلى الكعبين) في الوضوء. 186 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ لَهُمْ وُضُوءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَأَكْفَأَ عَلَى يَدِهِ مِنَ التَّوْرِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثَ غَرَفَاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثنا وهيب) بالتصغير ابن خالد الباهلي (عن عمرو) بفتح العين ابن يحيى بن عمارة المازني شيخ مالك (عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي حسن بفتح الحاء (قال): (شهدت) أي حضرت (عمرو بن أبي حسن) أخا عمارة وعمّ يحيى بن عمارة وسماه في الرواية السابقة في باب مسح الرأس كله جدًّا مجازًا وليس جدّه لأمه خلافًا لمن زعم ذلك لأن أم عمرو بن يحيى ليست بنتًا لعمرو بن أبي حسن (سأل عبد الله بن زيد) الأنصاري (عن وضوء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدعا بتور) بفتح المثناة الفوقية وسكون الواو آخره راء إناء يشرب فيه أو طست أو قدح أو مثل القدر من صفر أو حجارة (من ماء فتوضأ لهم) أي لأجل السائل وأصحابه (وضوء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي مثل وضوئه وأطلق وضوءه عليه مبالغة (فأكفأ) بهمزتين أي أفرغ الماء (على يده من التور) المذكور (فغسل يديه) بالتثنية قبل أن يدخلهما في التور، وفي رواية فغسل يده بالإفراد على إرادة الجنس (ثلاثًا) أي ثلاث مرات (ثم أدخل يده في التور) أيضًا (فمضمض واستنشق واستنثر ثلاث) وفي رواية الأصيلي بثلاث (غرفات) بفتح الغين والراء ويجوز ضمهما وضم الغين مع إسكان الراء وفتحها يمضمض من كل واحدة من الثلاث ثم يستنشق وصححه النووي، أو بثلاث غرفات يتمضمض بها وثلاث يستنشق بها وهي أضعف الصور الخمسة المتقدمة التي ذكروها، والثالثة بغرفة بلا خلط، والرابعة بغرفة مع الخلط، والخامسة الفصل بغرفتين، والسُّنة تحصل بالوصل والفصل قاله في المجموع. وعطف استنثر على سابقه يدل على تغايرهما كما قاله البرماوي كالكرماني،

40 - باب استعمال فضل وضوء الناس

وتعقب بأن ابن الأعرابي وابن قتيبة جعلاهما واحدًا فلا تغاير، وحينئذ فيكون عطف تفسير. (ثم أدخل يده) بالإفراد في التور (فغسل وجهه ثلاثًا) وليس فيه ذكر اشتراط نية الاغتراف من الماء القليل (ثم غسل يديه) كل واحدة (مرتين إلى المرفقين) بكسر الميم وفتح الفاء العظم الناتئ في الذراع "وإلى" بمعنى "مع" أي مع المرفقين (ثم أدخل يده) بالإفراد في الإناء (فمسح رأسه) كله ندبًا بيديه (فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة ثم غسل رجليه إلى الكعبين) أي معهما وهما العظمان الناتئان عند ملتقى الساق والقدم، وقال مالك الملتصقان بالساق المحاذيان للعقب. 40 - باب اسْتِعْمَالِ فَضْلِ وَضُوءِ النَّاسِ وَأَمَرَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَهْلَهُ أَنْ يَتَوَضَّئُوا بِفَضْلِ سِوَاكِه. (باب استعمال فضل وضوء الناس) أي استعمال فضل الماء الذي يبقى في الإناء بعد الفراغ من الوضوء في التطهير وغيره كالشرب والعجين والطبخ، أو المراد ما استعمل في فرض الطهارة عن الحدث وهو ما لا بدّ منه أثم بتركه أولاً كالغسلة الأولى فيه من المكلف أو من الصبي لأنه لا بدّ لصحة صلاته من وضوئه، فذهب الشافعي في الجديد إلى أنه طاهر غير طهور لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يجمعوا المستعمل في أسفارهم القليلة الماء ليتطهروا به بل عدلوا عنه إلى التيمم، وفي القديم وهو مذهب مالك أنه طاهر طهور وهو قول النخعي والحسن والبصري والزهري والثوري لوصف الماء في قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] المقتضي تكرار الطهارة به كضروب لمن يتكرر منه الضرب. وأجيب: بتكرر الطهارة به فيما يتردّد على المحل دون المنفصل جمعًا بين الدليلين، وعن أبي حنيفة في رواية أبي يوسف أنه نجس مخفف، وفي رواية الحسن بزيادة عنه نجس مغلظ، وفي رواية محمد بن الحسن وزفر طاهر غير طهور وهو الذي عليه الفتوى عند الحنفية، واختاره المحققون من مشايخ ما وراء النهر، وقال في المفيد: إنه الصحيح والأصح أن المستعمل في نفل الطهارة طهور على الجديد. (وأمر جرير بن عبد الله) فيما وصله ابن أبي شيبة والدارقطني وغيرهما من طريق قيس بن أبي حازم عنه (أهله أن يتوضؤوا بفضل سواكه) وفي بعض طرقه كان جرير يستاك ويغمس رأس سواكه في الماء ثم يقول لأهله: توضؤوا بفضله لا نرى به بأسًا، وتعقب العيني المؤلف بأنه لا مطابقة بين الترجمة وهذا الأثر لأن الترجمة في استعمال فضل الماء الذي يفضل من المتوضئ، وهذا الأثر هو الوضوء بفضل السواك. وأجيب بأنه ثبت أن السواك مطهرة للفم فإذا خالط الماء ثم حصل الوضوء بذلك الماء كان فيه استعمال للمستعمل في الطهارة، أو يقال: إن المراد من فضل السواك هو الماء الذي في الظرف والمتوضئ يتوضأ منه وبعد فراغه من تسوّكه عقب فراغه من المضمضة يرمي السواك الملوّث بالماء المستعمل فيه. 187 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْهَاجِرَةِ، فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ فَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، فَصَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ. [الحديث 187 - أطرافه في: 376، 495، 499، 501، 633، 634، 3553، 3566، 5786، 5859]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا الحكم) بفتح الحاء المهملة والكاف ابن عتيبة بضم العين وفتح المثناة الفوقية وسكون التحتية وفتح الموحدة التابعي الصغير الكوفي (قال: سمعت أبا جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وبالفاء وهب بن عبد الله السوائي بضم المهملة والمدّ الثقفي الكوفي رضي الله عنه، توفي سنة أربع وسبعين، له في البخاري سبعة أحاديث حال كونه (يقول): (خرج علينا رسول الله) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالهاجرة) أي في وسط النهار عند شدة الحر في سفر، وفي رواية أن خروجه كان من قبة حمراء من أدم بالأبطح بمكة (فأتي) بضم الهمزة وكسر التاء (بوضوء) بفتح الواو أي بماء يتوضأ به (فتوضأ) منه (فجعل الناس يأخذون) في محل نصب خبر جعل الذي هو من أفعال المقاربة (من فضل وضوئه) عليه الصلاة والسلام بفتح الواو والماء الذي بقي بعد فراغه من الوضوء وكأنهم اقتسموه أو كانوا يتناولون ما سال من أعضاء وضوئه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فيتمسحون به) تبركًا به لكونه مسّ جسده الشريف المقدس، وفي ذلك دلالة بيِّنة على طهارة الماء الستعمل، وعلى القول بأن الماء المأخوذ ما فضل في الإناء بعد فراغه عليه الصلاة والسلام فالماء طاهر مع ما حصل له من

باب

التشريف والبركة بوضع يده المباركة فيه، والتمسح تفعل كأن كل واحد منهم مسح به وجهه ويديه مرة بعد أخرى نحو: تجرعه أي شربه جرعة بعد جرعة، أو هو من باب التكلف لأن كل واحد منهم لشدة الازدحام على فضل وضوئه عليه الصلاة والسلام كان يتعنى لتحصيله كتشجع وتصبر. (فصلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظهر ركعتين والعصر ركعتين) قصرًا للسفر (وبين يديه عنزة) بفتحات أقصر من الرمح وأطول من العصا فيها زج كزج الرمح، وإنما صلى إليها لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في الصحراء. ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين عسقلاني وكوفي وواسطي، وفيه التحديث والسماع، وأخرجه المؤلف أيضًا في الصلاة وكذا مسلم والنسائي فيها أيضًا. 188 - وَقَالَ أَبُو مُوسَى: دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: "اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا ". [الحديث 188 - طرفاه في: 196، 4328]. (وقال أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه مما أخرجه المؤلف في المغازي بلفظ: كنت عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجعرانة ومعه بلال فأتاه أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ قال: أبشر. الحديث واقتصر منه هنا على قوله: (دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه) أي صب ما تناوله من الماء بفيه في الإناء (ثم قال لهما) أي لبلال وأبي موسى (اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما) جمع نحر وهو موضع القلادة من الصدر، وهمزة اشربا همزة وصل من شرب، وهمزة أفرغا همزة قطع مفتوحة من الرباعي، واستدل به ابن بطال على أن لعاب الآدمي ليس بنجس كبقية شربه، وحينئذ فنهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن النفخ في الطعام والشراب إنما هو لئلا يتقذر بما يتطاير من اللعاب في المأكول والمشروب لا لنجاسته. ومطابقة الترجمة للحديث من حيث استعماله عليه الصلاة والسلام الماء في غسل يديه ووجهه وأمره لهما بشربه وإفراغه على وجوههما ونحورهما فلو لم يكن طاهرًا لا أمرهما به. 189 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: وَهُوَ الَّذِي مَجَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وَجْهِهِ وَهْوَ غُلاَمٌ مِنْ بِئْرِهِمْ. وَقَالَ عُرْوَةُ عَنِ الْمِسْوَرِ وَغَيْرِهِ يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ. وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني أحد الأئمة (قال: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بسكون العين وسبق ذكره في باب ذهاب موسى في البحر إلى الخضر (قال: حدّثنا أبي) إبراهيم (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) وفي رواية حدّثني بالإفراد فيهما (محمود بن الربيع) بفتح الراء (قال) أي ابن شهاب: (وهو) أي محمود (الذي مج) أي رمى (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من فيه ماء (في وجهه) يمازحه (وهو غلام) جملة اسمية وقعت حالاً (من بئرهم) أي بئر محمود وقومه، والذي أخبر به محمود هو قوله: عقلت من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو (وقال عروة) بن الزبير بن العوام مما وصله المؤلف في كتاب الشروط (عن المسور) بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو ابن مخرمة بفتح الميم وسكون المعجمة وفتح الراء الزهري ابن بنت عبد الرحمن بن عوف، المتوفى في زمن محاصرة الحجاج مكة بحجر أصابه من المنجنيق وهو يصلي في الحجر سنة أربع وستين بعد خمسة أيام من الإصابة المذكور (و) عن (غيره) هو مروان بن الحكم (يصدق كل واحد منهما) أي من المسور ومروان (صاحبه) أي حديث صاحبه الحديث إلى أن قال، قال عروة بن مسعود الثقفي حاكيًا لمشركي مكة زمن الحديبية شدة تعظيم الصحابة للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وإذا توضأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كادوا) ولأبي ذر في غير اليونينية كانوا بالنون (يقتتلون على وضوئه) بفتح الواو ومبالغة منهم في التنافس عليه، وصوّب الحافظ ابن حجر رواية الدال قال: لأنه لم يقع منهم قتال، وإنما حكى ذلك عروة بن مسعود لما رجع إلى قريش. باب (باب) بالتنوين بغير ترجمة كما في رواية المستملي وهو ساقط في رواية الأكثرين من غير فصل بين آخر الحديث السابق واللاحق. 190 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْجَعْدِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَقِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ. ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلِ زِرِّ الْحَجَلَةِ. [الحديث 190 - أطرافه في: 3540، 3541، 5670، 6352]. وبه قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن يونس) البغدادي المستملي لسفيان بن عيينة وغيره وهو أحد الحفاظ، المتوفى فجأة سنة أربع وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا حاتم بن إسماعيل) بالحاء المهملة والمثناة الفوقية الكوفي نزيل المدينة، المتوفى بها سنة ست وثمانين ومائة في خلافة هارون (عن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة، وللأكثرين الجعيد بالتصغير وهو المشهور ابن عبد الرحمن

41 - باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة

بن أوس المدني الكندي (قال): (سمعت السائب بن يزيد) بالسين المهملة والمثناة التحتية آخره موحدة والثاني من الزيادة الكندي من صغار الصحاية كان مع أبيه في حجة الوداع وهو ابن سبع سنين، وولد في السنة الثانية من الهجرة، وخرج مع الصبيان إلى ثنية الوداع لتلقي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقدمه من تبوك، وتوفي بالمدينة سنة إحدى وتسعين له في البخاري ستة أحاديث رضي الله عنه. (يقول: ذهبت) أي مضت (بي خالتي) لم تسم (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إن ابن أختي) علبة بالعين المهملة المضمومة واللام الساكنة والموحدة بنت شريح (وقع) بفتح الواو وكسر القاف والتنوين أي أصابه وجع في قدميه أو يشتكي لحم رجليه من الحفاء لغلظ الأرض والحجارة، وللكشميهني وقع بفتح القاف بلفظ الماضي أي وقع في المرض، وفي الفرع لأبي ذر وكريمة وأبي الوقت وجع بفتح الواو وكسر الجيم والتنوين وعليه الأكثرون، والعرب تسمي كل مرض وجعًا. قال السائب (فمسح) عليه الصلاة والسلام (رأسي) بيده الشريفة (ودعا ليس بالبركة ثم توضأ فشربت من وضوئه) بفتح الواو أي من الماء المتقاطر من أعضائه الشريفة، وبهذا التفسير تقع المطابقة بين الترجمة والحديث إذ فيه دلالة على طهارة الماء المستعمل (ثم قمت خلف ظهره) عليه الصلاة والسلام (فنظرت إلى خاتم النبوّة بين كتفيه) بكسر تاء خاتم أي فاعل الختم وهو الإتمام والبلوغ إلى الآخر وبفتحها بمعنى الطابع ومعناه الشيء الذي هو دليل على أنه لا نبي بعده، وفيه صيانة لنبوّته عليه الصلاة والسلام عن تطرق القدح إليها صيانة الشيء المستوثق بالختم، وفي رواية أحمد من حديث عبد الله بن سرجس في نغض كتفه اليسرى بضم النون وفتحها وسكون الغين المعجمة آخره ضاد معجمة أعلى الكتف أو العظم الدقيق الذي على طوفه (مثل) بكسر الميم وفتح اللام مفعول نظرت وللأصيلي مثل بكسرها بدل من المجرور (زرّ الحجلة) بكسر الزاي وتشديد الراء واحد الأزرار والحجلة بفتح المهملة والجيم واحدة الحجال، وهي بيوت تزين بالثيات والستور والأسرة لها عرى وأزرار، وفي رواية أحمد من حديث أبي رميمة التيمي قال: خرجت مع أبي حتى أتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرأيت على كتفه مثل التفاحة فقال أبي: إني طبيب ألا أطبها لك؟ قال طبيبها الذي خلقها. فإن قلت: هل وضع الخاتم بعد مولده عليه الصلاة والسلام أو ولد وهو به؟ أجيب: بأن في الدلائل لأبي نعيم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما ولد ذكرت أمه أنّ الملك غمسه في الماء الذي أنبعه ثلاث غمسات، ثم أخرج صرة من حرير أبيض فإذا فيها خاتم فضرب به على كتفه كالبيضة المكنونة تضيء كالزهرة، فهذا صريح في وضعه بعد مولده، وقيل: ولد به والله أعلم وفي كتابي المواهب مزيد لذلك، ويأتي إن شاء الله تعالى في صفته عليه الصلاة والسلام مزيد بحث لذلك. ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين بغدادي وكوفي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والسماع، وأخرجه المؤلف في صفته عليه الصلاة والسلام وفي الطب والدعوات، ومسلم في صفته عليه الصلاة والسلام، والترمذي في المناقب وقال حسن غريب من هذا الوجه، والنسائي في الطب. 41 - باب مَنْ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ (باب من مضمض) وفي رواية تمضمض (واستنشق من غرفة واحدة). 191 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ أَفْرَغَ مِنَ الإِنَاءِ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ أَوْ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفَّةٍ وَاحِدَةٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلاَثًا. فغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثاً ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَا أَقْبَلَ وَمَا أَدْبَرَ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) بالسين وفتح الدال المشددة المهملتين (قال: حدّثنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن الواسطي أبو الهيثم الطحان المتصدق بزنة بدنه فضة ثلاث مرات فيما حكي، المتوفى سنة سبع وسبعين ومائة (قال: حدّثنا عمرو بن يحيى) بفتح العين المازني الأنصاري (عن أبيه) يحيى بن عمارة (عن عبد الله بن زيد) الأنصاري. (أنه) أي عبد الله بن زيد (أفرغ) أي صب الماء (من الإناء على يديه فغسلهما ثم غسل) أي فيه (أو مضمض) شك من الراوي. قال في الفتح: والظاهر أنه من شيخ البخاري، وأخرجه مسلم بغير شك (واستنشق من كفة) بفتح الكاف وضمها آخره هاء تأنيث كغرفة وغرفة أي من حفنة (واحدة) فاشتق ذلك من اسم الكف عبارة عن ذلك المعنى، ولا يعرف في كلام العرب إلحاق

42 - باب مسح الرأس مرة

هاء التأنيث في الكف قاله ابن بطال وهي رواية أبي ذر. وقال ابن التين: اشتق ذلك من اسم الكف سمي الشيء باسم ما كان فيه، وعن الأصيلي فيما رأيته بهامش فرع اليونينية صوابه من كف واحد، وفي رواية ابن عساكر من كف واحدة، لكن كتب بإزائه صواب من كف واحد بتذكيرهما، وفي رواية أبي ذر غرفة كما في الفرع، وقال ابن حجر وفي نسخة أي من مروي أبي ذر غرفة واحدة (ففعل ذلك) أي المضمضة والاستنشاق (ثلاثًا) من غرفة واحدة وهذه إحدى الكيفيات الخمسة السابقة وتحصل السُّنَّة كما مرّ بفعل أيّها حصل نعم الأظهر تفضيل الجمع بثلاث غرف يتمضمض من كل ثم يستنشق كما سبق (فغسل وجهه ثلاثًا ثم غسل يديه الى) أي مع (المرفقين مرتين مرتين ومسح برأسه ما أقبل) أي منها (وما أدبر) منها مرة واحدة (وغسل رجليه إلى) أي مع (الكعبين) وسقط هنا ذكر غسل الوجه، وقد أخرج هذا الحديث المذكور مسلم والإسماعيلي وفيه بعد ذكر المضمضة والاستنشاق ثم غسل وجهه ثلاثًا، فدل على أن الاختصار من مسدد كما تقدم أن الشك منه. (ثم قال) عبد الله بن زيد بعد أن فرغ من وضوئه. (هكذا وضوء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وواسطي ومدني وفيه فعل الصحابي، ثم إسناده إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والتحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف كما مرَّ في خمسة مواضع ومسلم. 42 - باب مَسْحِ الرَّأْسِ مَرَّةً (باب مسح الرأس مرة) وللأصيلي مسحة وله في أخرى مرة واحدة بزيادة اللاحقة. 192 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ: شَهِدْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي حَسَنٍ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ عَنْ وُضُوءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ لَهُمْ، فَكَفَأَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلاَثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثًا بِثَلاَثِ غَرَفَاتٍ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ بِهِمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ. وَحَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: مَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّة. وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء (قال: حدّثنا وهيب) هو ابن خالد (قال: حدّثنا عمرو بن يحيى) بفتح العين (عن أبيه) يحيى (قال): (شهدت) بكسر الهاء (عمرو بن أبي حسن) بفح العين (سأل عبد الله بن زيد) الأنصاري (عن وضوء النبي) وفي رواية أبي ذر والأصيلي عن وضوء رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدعا بتور) بالمثناة الفوقية أي إناء (من ماء) لم يذكر التور في رواية الكشميهني بل قال فدعا بماء (فتوضأ لهم فكفأ) أيّ الإناء أي أماله، وفي نسخة فكفأه بالهاء وللأصيلي فأكفأ بهمزة أوّله (على يديه فغسلهما ثلاثًا) أي ثلاث مرات (ثم أدخل يده في الإناء فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثًا بثلاث غرفات من ماء) هذه إحدى الكيفيات الخمس، (ثم أدخل يده فغسل) وفي رواية الأصيلي ثم أدخل يده في الإناء فغسل (وجهه ثلاثًا ثم أدخل يده في الإناء فغسل يديه إلى) أي مع (المرفقين مرتين مرتين) بالتكرار (ثم أدخل يده في الإناء فمسح برأسه فأقبل بيده) بالتوحيد على إرادة الجنس (وأدبر بها) وفي رواية الكشميهني فأقبل بيديه وأدبر بهما أي كلاهما مسحة واحدة (ثم أدخل يده فغسل) وفي رواية الكشميهني يده في الإناء فغسل (رجليه). وبه قال (حدّثنا) وفي رواية وحدّثنا (موسى) بن إسماعيل التبوذكي (قال: حدّثنا وهيب) بالتصغير ابن خالد الباهلي وتمام هذا الإسناد كما سبق في باب غسل الرجلين عن عمرو بن يحيى عن أبيه قال شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحديث إلى أن قال (قال) وفي رواية أبي ذر وابن عساكر والأصيلي وقال: (مسح رأسه) وفي رواية أبي ذر برأسه (مرة) واحدة، وأحاديث الصحيحين ليس فيها ذكر عدد المسح، وبه قال أكثر العلماء. نعم روى أبو داود وابن ماجة من وجهين صحح أحدهما ابن خزيمة وغيره من حديث عثمان تثليث مسح الرأس والزيادة من الثقة مقبولة وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة، كما صرح به صاحب الهداية لكنه بماء واحد، وعبارته، والذي يروى من التثليث محمول على أنه بماء واحد وهو مشروع على ما يروى عن أبي حنيفة، وحينئذ فليس في رواية مسح مرة حجة على منع التعدد، لكن المفتى به عند الحنفية عدم التثليث أيضًا، ويحتج للتعدد أيضًا بظاهر رواية مسلم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وبالقياس على المغسول لأن الوضوء طهارة حكمية، ولا فرق في الطهارة الحكمية بين الغسل والمسح. وأجيب: بأن قوله: توضأ ثلاثًا ثلاثًا مجمل قد بين في الروايات الصحيحة أن المسح

43 - باب وضوء الرجل مع امرأته، وفضل وضوء المرأة وتوضأ عمر بالحميم من بيت نصرانية

لا يتكرر فيحمل على الغالب ويختص بالمغسول وبأن المسح مبني على التخفيف فلا يقاس على الغسل الذي المراد منه المبالغة في الإسباغ. وأجيب: بأن الخفة تقتضي عدم الاستيعاب وهو مشروع بالاتفاق فليكن العدد كذلك. 43 - باب وُضُوءِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ، وَفَضْلِ وَضُوءِ الْمَرْأَةِ وَتَوَضَّأَ عُمَرُ بِالْحَمِيمِ مِنْ بَيْتِ نَصْرَانِيَّة هذا (باب) حكم (وضوء الرجل مع امرأته) في إناء واحد وواو وضوء مضمومة على المشهور، لأن المراد منه الفعل، وفي بعض النسخ مع المرأة وهو أعم من أن تكون امرأته أو غيرها (وفضل وضوء المرأة) بفتح الواو أي الماء الفاضل في الإناء بعد فراغها من الوضوء وفضل مجرور عطفًا على المجرور السابق. (وتوضأ عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (بالحميم) بفتح الحاء المهملة أي الماء المسخن فعيل بمعنى مفعول، وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد صحيح بلفظ: إن عمر كان يتوضأ بالحميم ويغتسل منه واتفق على جوازه إلا ما نقل عن مجاهد. نعم يكره شديد السخونة لمنعه الإسباغ. (و) توضأ عمر أيضًا (من بيت نصرانية) فلما وصله الشافعي رضي الله عنه وعبد الرزاق وغيرهما عن سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر رضي الله عنه توضأ من ماء في جرة نصرانية، لكن ابن عيينة لم يسمع من زيد بن أسلم. فقد رواه البيهقي من طريق سعد بن نصر عنه. قال: وحدّثونا عن زيد بن أسلم فذكره مطوّلاً. وفي رواية كريمة بالحميم من بيت نصرانية بحذف واو العطف، وفي ذلك نظر لأنهما أثران مستقلان كما مرّ، ولم يظهر ليس مناسبتهما للترجمة. أما توضؤ عمر بالحميم فلا يخفى عدم مناسبته، وأما توضؤه من بيت نصرانية فلا يدل على أنه كان من فضل ما استعملته، بل الذي يدل عليه جواز استعمال مياههم، ولا خلاف في استعمال سؤر النصرانية لأنه طاهر خلافًا لأحمد وإسحاق رضي الله عنهما وأهل الظاهر، واختلف قول مالك رحمه الله ففي المدوّنة لا يتوضأ بسؤر النصراني ولا بما أدخل يده فيه. وفي العتبية أجازه مرة وكرهه أخرى، وفي رواية ابن عساكر حذف الأثرين وهو أولى لعدم المطابقة بينهما وبين الترجمة. 193 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَمِيعًا. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، وفي رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر عن ابن عمر (أنه قال): (كان الرجال والنساء) أي الجنس منهما (يتوضؤون في زمان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جميعًا) أي حال كونهم مجتمعين لا متفرقين. زاد ابن ماجة عن هشام بن عروة عن مالك في هذا الحديث من إناء واحد، وزاد داود من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ندلي فيه أيدينا. وفي صحيح ابن خزيمة من طريق معمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه أبصر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه يتطهرون والنساء معهم من إناء واحد كلهم يتطهر منه وهو محمول على ما قبل نزول الحجاب، وأما بعده فيختص بالزوجات والمحارم، وفي قوله: زمان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حجة للجواز فإن الصحابي إذا قال: كنا نفعل أو كانوا يفعلون في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكون حكمه الرفع كما هو الصحيح، وهذا الحديث يدل على الجزء الأوّل من الترجمة فقط، وأما فضل وضوء المرأة فيجوز عند الشافعية الوضوء منه للرجل سواء خلت به أم لا من غير كراهة، وبذلك قال مالك وأبو حنيفة رضي الله عنهما وجمهور العلماء. وقال أحمد وداود: لا يجوز إذا خلت به وعن الحسن وابن المسيب كراهة فضلها مطلقًا. ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين تنيسي ومدني وفيه الإخبار والتحديث والعنعنة والقول، وهو من سلسلة الذهب وهو عند المؤلف رحمه الله أصح الأسانيد. 44 - باب صَبِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَضُوءَهُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ هذا (باب صبّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وضوءه) بفتح الواو أي الماء الذي توضأ به (على المغمى عليه) بضم الميم وإسكان المعجمة من أصابه الإغماء ويكون العقل فيه مغلوبًا وفي المجنون مسلوبًا وفي النائم مستورًا. 194 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُنِي وَأَنَا مَرِيضٌ لاَ أَعْقِلُ فَتَوَضَّأَ وَصَبَّ عَلَىَّ مِنْ وَضُوئِهِ، فَعَقَلْتُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَنِ الْمِيرَاثُ، إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلاَلَةٌ؟ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ. [الحديث 194 - أطرافه في: 4577، 5651، 5664، 5676، 6723، 6743، 7309]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي (قال: حدّثنا شعبة) ابن الحجاج (عن محمد بن المنكدر) التيمي القرشي الزاهد المشهور المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة (قال: سمعت جابرًا) أي ابن عبد الله حال كونه (يقول): (جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يعودني وأنا)

45 - باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة

أي في حال أني (مريض لا أعقل) أي لا أفهم شيئًا فحذف مفعوله ليعم (فتوضأ) عليه الصلاة والسلام (وصبّ عليّ من وضوئه) بفتح الواو أي من الماء الذي توضأ به أو مما بقي منه (فعقلت) بفتح القاف (فقلت: يا رسول الله لمن الميراث) أي لمن ميراثي فأل عوض عن ياء المتكلم وعند المؤلف في الاعتصام كيف أصنع في مالي وهو يؤيد ذلك (إنما يرثني كلالة) غير ولد ولا والد، (فنزلت آية الفرائض): {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة} [النساء: 176] إلى آخر السورة، أو المراد: {يوصيكم الله} أي يأمركم الله ويعهد إليكم {في أولادكم} في شأن ميراثكم وهو إجمال تفصيله {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] إلى آخرها. واستنبط من هذا الحديث فضيلة عيادة الأكابر الأصاغر، ورواته الأربعة ما بين بصري وكوفي ومدني وفيه التحديث والعنعنة والسماع، وأخرجه المؤلف أيضًا في الطب والفرائض، وكذا مسلم فيها والنسائي وابن ماجة كذلك وفي التفسير والطب. 45 - باب الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ فِي الْمِخْضَبِ وَالْقَدَحِ وَالْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ (باب الغسل والوضوء في المخضب) بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الضاد المعجمتين آخره موحدة إجانة لغسل الثياب أو المركن أو إناء يغسل فيه (و) في (القدح) الذي يؤكل فيه ويكون من الخشب غالبًا مع ضيق فيه، (و) في الإناء من (الخشب) بفتح الخاء والشين المعجمتين وبضمتين وسكون الشين، (و) في الإناء من (الحجارة) النفيسة وغيرها وعطف الخشب والحجارة على سابقهما من باب العطف التفسيري، لأن المخضب والقدح قد يكونان من الخشب والحجارة، كما وقع في التصريح به من حديث الباب بمخضب من حجارة. 195 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ إِلَى أَهْلِهِ وَبَقِيَ قَوْمٌ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ، فَصَغُرَ الْمِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ. قُلْنَا: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: ثَمَانِينَ وَزِيَادَةً. وبالسند السابق إلى المؤلف قال: (حدّثنا عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون وسكون المثناة التحتية آخره راء، وفي رواية الأصيلي وابن عساكر ابن المنير بزيادة أل السهمي المروزي المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائتين أنه (سمع عبد الله بن بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف أبا وهب المصري، المتوفى ببغداد في خلافة المأمون سنة ثمان ومائتين (قال: حدّثنا حميد) بالتصغير ابن أبي حميد الطويل المتوفى وهو قائم يصلي سنة ثلاث وأربعين ومائة (عن أنس) هو ابن مالك رضي الله عنه (قال): (حضرت الصلاة) أي صلاة العصر (فقام من كان قريب الدار إلى أهله) لأجل تحصيل الماء والتوضؤ به (وبقي قوم) عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكونوا على وضوء (فأُتي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ونائب الفاعل قوله (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمخضب) متخذ (من حجارة فيه ماء) قليل (فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه) لصغره أي لأن يبسط وأن مصدرية أي لبسط كفه فيه (فتوضأ القوم) الذين بقوا عنده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كلهم) من ذلك المخضب الصغير (قلنا) وفي رواية ابن عساكر وكريمة فقلنا وفي أخرى وهو من كلام حميد الطويل الراوي عن أنس رضي الله عنه (كم) نفسًا (كنتم؟ قال): كنا (ثمانين) نفسًا (وزيادة) على الثمانين، وهذا الحديث رواته الأربعة ما بين مروزي ومصري وفيه التحديث والسماع والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في علامات النبوّة ومسلم ولفظهما مختلف. 196 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ وَمَجَّ فِيهِ. وبه قال (حدّثنا محمد بن العلاء) بالمهملة مع المد (قال حدّثنا أبو أسامة) بضم الهمزة حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء وسكون المثناة التحتية (عن أبي بردة) الحرث بن أبي موسى (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا بقدح) أي طلب قدحًا (فيه ماء) جملة اسمية في موضع جر صفة لقدح ثم عطف على دعا قوله (فغسل يديه ووجهه فيه ومج) أي صب (فيه) ولا دلالة فيه على الوضوء منه ولا الغسل بضم الغين. ورواة هذا الحديث الخمسة كوفيون وفيهم ثلاثة مكيون وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف معلقًا فيما سبق فى باب استعمال فضل وضوء الناس. 197 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَخْرَجْنَا لَهُ مَاءً فِي تَوْرٍ مِنْ صُفْرٍ، فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِهِ وَأَدْبَرَ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس قال: حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة) بفتح اللام الماجشون بفتح الجيم ونسبه كسابقه لجده لشهرة كلّ منهما به، وأبو كلّ منهما اسمه عبد الله (قال: حدّثنا عمرو بن يحيى) بفتح العين بن عمارة (عن أبيه) يحيى (عن

عبد الله بن زيد) الأنصاري (قال) (أتى) وفي رواية الكشميهني وأبي الوقت أتانا (رسول الله) وفي رواية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأخرجنا له ماء في تور) بالمثناة الفوقية (من صفر) بضم الصاد (فتوضأ فغسل وجهه ثلاثًا) تفسير لقوله فتوضأ، وفيه حذف تقديره فمضمض واستنشق، (و) غسل (يديه مرتين مرتين ومسح برأسه فأقبل به وأدبر) به (وغسل رجليه) ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي ومدني وفيه اثنان نسبًا إلى جدّهما واسم أبيهما عبد الله والتحديث والعنعنة. 198 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ فِي الأَرْضِ: بَيْنَ عَبَّاسٍ وَرَجُلٍ آخَرَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَتَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: هُوَ عَلِيٌّ -وَكَانَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- تُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ بَعْدَ مَا دَخَلَ بَيْتَهُ وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ: «هَرِيقُوا عَلَىَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ، لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ». وَأُجْلِسَ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ تِلْكَ القِرَبِ حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ. [الحديث 198 - أطرافه في: 664، 665، 679، 683، 687، 712، 713، 716، 2588، 3099، 3384، 4442، 4445، 5714، 7303]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بتصغير العبد (ابن عبد الله بن عتبة) بضم العين وسكون المثناة الفوقية زاد في رواية الأصيلي ابن مسعود (أن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (لما ثقل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم قاف ثقل أي أثقله المرض (واشتد به وجعه استأذن) عليه الصلاة والسلام (أزواجه) رضي الله عنهن (في أن يمرض) بضم المثناة التحتية وفتح الراء المشددة أي يخدم في مرضه (في بيتي فأذن له) بكسر المعجمة وتشديد النون أي أن يمرض في بيت عائشة (فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من بيت ميمونة أو زينب بنت جحش أو ريحانة والأوّل هو المعتمد (بين رجلين تخط) بضم الخاء المعجمة (رجلاه في الأرض بين عباس) عمه رضي الله عنه (ورجل آخر قال عبيد الله) الراوي عن عائشة وهذا مدرج من كلام الزهري الراوي عنه، (فأخبرت عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما بقول عائشة رضي الله عنها (فقال: أتدري من الرجل الآخر) الذي لم تسم عائشة؟ (قلت: لا) أدري (قال) عبد الله (هو علي) وفي رواية ابن أبي طالب، وفي رواية مسلم بين الفضل بن عباس، وفي أخرى بين رجلين أحدهما أسامة، وحينئذ فكان أي العباس أدومهم لأخذ يده الكريمة إكرامًا له واختصاصًا به، والثلاثة يتناوبون الآخذ بيده الأخرى، ومن ثم صرّحت عائشة بالعباس وأبهمت الآخر، أو المراد به علي بن أبي طالب ولم تسمه لما كان عندها منه مما يحصل للبشر مما يكون سببًا في الإعراض عن ذكر اسمه. (وكانت عائشة رضي الله عنها) بالعطف على الإسناد المذكور (تحدّث أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال بعد ما دخل بيته) ولابن عساكر بيتها أي عائشة وأضيف إليها مجازًا لملابسة السكنى فيه (واشتد وجعه) وللأصيلي واشتد به وجعه: (هريقوا) من هراق الماء يهريقه هراقة، وللأصيلي وأبوي ذر والوقت وابن عساكر أهريقوا بفتح الهمزة من أهراق الماء يريقه إهراقًا أي صبوا (عليّ من سبع قرب) بكسر القاف وفتح الراء جمع قربة وهي ما يستقى به (لم تحلل أوكيتهن) جمع وكاء وهو ما يربط به فم القربة (لعليّ أعهد) بفتح الهمزة أي أوصي (الى الناس. وأجلس) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية فأجلس بالفاء وكلاهما بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (في مخضب) بكسر الميم من نحاس كما في رواية ابن خزيمة {لحفصة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم طفقنا) بكسر الفاء وقد تفتح أي جعلنا (نصب عليه من تلك القرب) السبع (حتى طفق) أي جعل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يشير إلينا أن قد فعلتنّ) ما أمرتكن به من إهراق الماء من القرب المذكورة، وإنما فعل ذلك لأن الماء البارد في بعض الأمراض تردّ به القوّة والحكمة في عدم حلّ الأوكية لكونه أبلغ في طهارة الماء وصفائه لعدم مخالطة الأيدي، (ثم خرج) عليه الصلاة والسلام من بيت عائشة (إلى الناس) الذين في المسجد فصلَّى بهم وخطبهم كما يأتي إن شاء الله تعالى مع ما في الحديث من المباحث في الوفاة النبوية بحول الله وقوّته. واستنبط من الحديث وجوب القسم عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإراقة الماء على المريض لقصد الاستشفاء به. ورواته الخمسة ما بين حمصي ومدني، وفيه التحديث والإخبار بصيغة الجمع والإفراد والقول، وأخرجه المؤلف في ستة مواضع غير هذا في الصلاة في موضعين، وفي الهبة والخمس والمغازي وفي مرضه وفي الطب، ومسلم في الصلاة، والنسائي في عشرة النساء وفي الوفاة

46 - باب الوضوء من التور

والترمذي في الجنائز. 46 - باب الْوُضُوءِ مِنَ التَّوْرِ (باب الوضوء من التور) بالمثناة الفوقية إناء من صفر أو حجارة. 199 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَمِّي يُكْثِرُ مِنَ الْوُضُوءِ، قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: أَخْبِرْنِي كَيْفَ رَأَيْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ؟ فَدَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَكَفَأَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلاَثَ مِرَارٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّوْرِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاغْتَرَفَ بِهَا فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَمَسَحَ رَأْسَهُ فَأَدْبَرَ بِيَدَيْهِ وَأَقْبَلَ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ. وبالسند قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء وفتح اللام القطواني البجلي (قال حدّثنا سليمان) أي ابن بلال كما في رواية ابن عساكر (قال: حدّثني) بالإفراد (عمرو بن يحيى) بفتح العين (عن أبيه) يحيى (قال): (كان عمي) عمرو بن أبي حسن (يكثر من الوضوء. قال) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر فقال (لعبد الله بن زيد: أخبرني كيف رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتوضأ. فدعا بتور) بالمثناة إناء فيه شيء (من ماء فكفأ على يديه فغسلهما ثلاث مرار) وفي رواية أبي ذر والأصيلي مرات. (ثم أدخل يده في التور) ثم أخرجها (فمضمض واستنثر) بعد الاستنشاق (ثلاث مرات) حال كونه (من غرفة واحدة) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي مرار، وهذه إحدى الكيفيات الخمس السابقة، (ثم أدخل يده) بالإفراد (فاغترف بها) ثلاثًا، ولأبي ذر وابن عساكر: ثم أدخل يديه فاغترف بهما (فغسل وجهه ثلاث مرات) وللأصيلي والحموي والمستملي مرار (ثم غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين ثم أخذ بيده) بالإفراد، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر بيديه (ماء فمسح به رأسه فأدبر) وللأصيلي وأدبر (به) أي بالماء، وللأصيلي وأبوي ذر والوقت وابن عساكر بيديه (وأقبل) وفي الرواية السابقة بتقديم الإقبال ففعل عليه السلام كلاًّ من المختلفين لبيان الجواز والتيسير، (ثم غسل رجليه) مع كعبيه (فقال) أي عبد الله بن زيد وللأصيلي وقال: (هكذا رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتوضأ) وهذا الحديث من الخماسيات. 200 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُتِيَ بِقَدَحٍ رَحْرَاحٍ فِيهِ شَىْءٌ مِنْ مَاءٍ، فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِيهِ، قَالَ أَنَسٌ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْمَاءِ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ. قَالَ أَنَسٌ فَحَزَرْتُ مَنْ تَوَضَّأَ مَا بَيْنَ السَّبْعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا حماد) أي ابن زيد لا حماد بن سلمة لأنه لم يسمع منه مسدد (عن ثابت) البناني بضم الموحدة وبالنونين (عن أنس) هو ابن مالك رضي الله عنه. (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا بإناء من ماء فأُتي) بضم الهمزة (بقدح رحراح) بمهملات الأولى مفتوحة بعدها ساكنة أي متسع الفم أو الواسع الصحن القريب القعر (فيه شيء) قليل (من ماء). وعند ابن خزيمة عن أحمد بن عبدة عن حماد بن زيد قدح من زجاج بزاي مضمومة وجيمين بدل قوله رحراح المتفق عليها عند أصحاب حماد بن زيد ما عدا أحمد بن عبدة، فإن ثبتت روايته فيكون ذكر الجنس والجماعة وصفوا الهيئة، ويؤيده ما في مسند أحمد من حديث ابن عباس أن المقوقس أهدى للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قدحًا من زجاج، لكن في إسناده مقال كما نبّه عليه في الفتح (فوضع) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أصابعه فيه) أي في الماء (قال أنس) رضي الله عنه؛ (فجعلت أنظر إلى الماء ينبع) بتثليث الموحدة واقتصر في الفرع على الضم (من بين أصابعه) عليه الصلاة والسلام (قال أنس) رضي الله عنه: (فحزرت) بتقديم الزاي على الراء من الحزر أي قدرت (من توضأ منه ما بين السبعين إلى الثمانين) وفي رواية حميد السابقة أنهم كانوا ثمانين وزيادة، وفي حديث جابر كنا خمس عشرة ومائة، ولغيره زهاء ثلاثمائة فهي وقائع متعددة في أماكن مختلفة وأحوال متغايرة، وتأتي مباحث ذلك إن شاء الله تعالى في باب علامات النبوّة. ورواة هذا الحديث الأربعة كلهم أجلاّء بصريون وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم في الفضائل النبوية ووجه مطابقته لما ترجم له المؤلف من جهة إطلاق اسم التور على القدح فاعلمه. 47 - باب الْوُضُوءِ بِالْمُدِّ (باب الوضوء بالمد) بضم الميم وتشديد الدال. 201 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَبْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَغْسِلُ -أَوْ كَانَ يَغْتَسِلُ- بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ، وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدّ. وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) بضم النون الفضل بن دكين (قال: حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين ابن كدام بكسر الكاف وبالدال المهملة، المتوفى سنة خمس وخمسين ومائة (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن جبر) بفتى الجيم وسكون الموحدة أي عبد الله بن عبد الله بن جبر بن عتيك الأنصاري ونسبه إلى جدّه لشهرته به وليس هو ابن جبير سعيدًا بالتصغير لأنه لا رواية له عن أنس في هذا الصحيح (قال: سمعت أنسًا) بالتنوين حال كونه (يقول): (كان النبي) وللأصيلي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يغسل) جسده المقدس (أو كان يغتسل) كيفتعل

48 - باب المسح على الخفين

(بالصاع) إناء يسع خمسة أرطال وثلث رطل بالبغدادي، وربما زاد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ما ذكر (إلى خمسة أمداد و) كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يتوضأ بالمد) الذي هو ربع الصاع، وعلى هذا فالسُّنّة أن لا ينقص ماء الوضوء عن مدّ والغسل عن صاع. نعم يختلف باختلاف الأشخاص فضئيل الخلقة يستحب له أن يستعمل من الماء قدرًا يكون نسبته إلى جسده كنسبة المد والصاع إلى جسد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ومتفاحشها في الطول والعرض وعظم البطن وغيرها يستحب أن لا ينقص عن مقدار يكون بالنسبة إلى بدنه كنسبة المد والصاع إلى بدن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وفي حديث أم عمارة عند أبي داود: أنه عليه الصلاة والسلام توضأ فأُتي بإناء فيه قدر ثلثي المد، وعنده أيضًا من حديث أنس رضي الله عنه: وكان عليه الصلاة والسلام يتوضأ بإناء يسع رطلين ويغتسل بالصاع، ولابني خزيمة وحبان في صحيحيهما والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام أُتي بثلثي مدّ من ماء فتوضأ فجعل يدلك ذراعيه، ولمسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغتسل هي والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد، وفي أخرى كان يغتسل بخمس مكاكيك ويتوضأ بمكوك وهو إناء يسع المدّ وفي لفظ للبخاري من قدح يقال له الفرق بفتح الفاء والراء يسع ستة عشر رطلاً: وهي ثلاثة أصوع وبسكون الراء مائة وعشرون رطلاً قاله ابن الأثير، والجمع بين هذه الروايات كما نقله النووي عن الشافعي رحمهما الله ورضي عنهما أنها كانت اغتسالات في أحوال وجد فيها أكثر ما استعمله وأقله، وهو يدل على أنه لا حدّ في قدر ماء الطهارة يجب استيفاؤه بل القلة والكثرة باعتبار الأشخاص والأحوال كما مرّ، ثم إن الصاع أربعة أمداد كما أشير إليه والمد رطل وثلث بالبغدادي وهو مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، وحينئذ فيكون الصاع ستمائة درهم وخمسة وثمانين وخسة أسباع درهم كما صححه النووي رحمه الله ورضي عنه، والشك في قوله: أو كان يغتسل من الراوي وهل هو من البخاري، أو من أبي نعيم، أو من ابن جبر، أو من مسعر احتمالات. ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين بصري وكوفي وفيه التحديث والسماع. 48 - باب الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ (باب) حكم (المسح على الخفين) في الوضوء بدلاً عن غسل الرجلين. 202 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرٌو قال: حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: نَعَمْ، إِذَا حَدَّثَكَ شَيْئًا سَعْدٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ تَسْأَلْ عَنْهُ غَيْرَهُ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ سَعْدًا ... فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللَّهِ نَحْوَهُ. وبالسند قال: (حدّثنا أصبغ) بفتح الهمزة وسكون المهملة وفتح الموحدة آخره معجمة أبو عبد الله (بن الفرج) بالجيم القرشي الفقيه (المصري) المتوفى سنة ست وعشرين ومائتين (عن ابن وهب) القرشي المصري وكان أصبغ وراقًا أنه (قال: حدّثني) وفي رواية أخبرني بالإفراد فيهما (عمرو) بفتح العين ابن الحرث كما في رواية ابن عساكر أبو أمية المؤدب الأنصاري المصري الفقيه، المتوفى بمصر سنة ثمان وأربعين ومائة (قال: حدّثني) بالتوحيد (أبو النضر) بالضاد المعجمة الساكنة سالم بن أبي أمية القرشي المدني مولى عمر بن عبيد الله المتوفى سنة تسع وعشرين ومائة (عن أبي سلمة) بفتح اللام عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف القرشي الفقيه المدني (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (عن سعد بن أبي وقاص) رضي الله عنه: (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه مسح على الخفين) القويين الطاهرين الملبوسين بعد كمال الطهر الساترين لمحل الفرض وهو القدم بكعبيه من كل الجوانب غير الأعلى، فلو كان واسعًا ترى منه لم يضر (وأن عبد الله بن عمر) هو عطف على قوله عن عبد الله بن عمر فيكون موصولاً إن حملناه على أن أبا سلمة سمع ذلك من عبد الله، وإلا فأبو سلمة لم يدرك القضية (سأل) أباه (عمر) أي ابن الخطاب كما للأصيلي (عن ذلك) أي عن مسح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الخفين (فقال) عمر رضي الله عنه: (نعم) مسح عليه الصلاة والسلام على الخفين (إذا حدّثك شيئًا سعد عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا تسأل عنه غيره) لثقته بنقله وقد أخرج الحديث الإمام أحمد من طريق أخرى عن أبي النضر عن أبي سلمة عن ابن عمر قال: رأيت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

يمسح على خفّيه بالعراق حين توضأ فأنكرت ذلك عليه، فلما اجتمعنا عند عمر رضي الله عنه قال لي سعد سل أباك وذكر القصة. ورواه ابن خزيمة من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر نحوه، وفيه أن عمر رضي الله عنه قال: كنا ونحن مع نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نمسح على خفافنا لا نرى بذلك بأسًا، وإنما أنكر ابن عمر المسح على الخفين مع قدم صحبته وكثرة روايته لأنه خفي عليه ما اطّلع عليه غيره أو أنكر عليه مسحه في الحضر كما هو ظاهر رواية الموطأ من حديث نافع وعبد الله بن دينار أنهما أخبراه أن ابن عمر قدم الكوفة على سعد وهو أميرها فرآه يمسح على الخفين فأنكر ذلك عليه فقال له سعد: سل أباك فذكر القصة. وأما في السفر فقد كان ابن عمر يعلمه. ورواه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه الكبير، وابن أبي شيبة في مصنفه من رواية عاصم عن سالم عنه رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمسح على الخفّين بالماء في السفر، وقد تكاثرت الروايات بالطرق المتعددة عن الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا لا يفارقونه عليه الصلاة والسلام سفرًا ولا حضرًا، وقد صرح جمع من الحفاظ بتواتره وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثمانين منهم العشرة المبشرة وعن ابن أبي شيبة وغيره عن الحسن البصري، حدّثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين. واتفق العلماء على جوازه خلافًا للخوارج كبتهم الله لأن القرآن لم يرد به، وللشيعة -قاتلهم الله تعالى- لأن عليًّا رضي الله عنه امتنع منه ويرد عليهم صحته عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتواتره على قول بعضهم. كما تقدم. وأما ما ورد عن علي رضي الله عنه فلم يرد عنه بإسناد موصول يثبت بمثله كما قاله البيهقي، وقد قال الكرخي: أخاف الكفر على من لا يرى المسح على الخفين، وليس بمنسوخ لحديث المغيرة في غزوة تبوك وهي آخر غزواته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمائدة نزلت قبلها في غزوة المريسيع فأمن النسخ للمسح. ويؤيده حديث جرير رضي الله عنه أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد المائدة. ورواة الحديث السبعة ما بين مصري ومدني وفيه تابعي عن تابعي وصحابي عن صحابي، والتحديث بصيغة الجمع والإفراد والعنعنة، ولم يخرجه المؤلف في غير هذا الموضع، ولم يخرج مسلم في المسح إلا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهذا الحديث من أفراد المؤلف، وأخرجه النسائي في الطهارة أيضًا. (وقال موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف وفتح الموحدة التابعي صاحب المغازي، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائة مما وصله الإسماعيلي وغيره بهذا الإسناد. (أخبرني) بالإفراد (أبو النضر) التابعي (أن أبا سلمة) التابعي أيضًا (أخبره أن سعدًا) هو ابن أبي وقاص رضي الله عنه (حدّثه) أي حديث أبا سلمة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مسح على الخفّين (فقال عمر) ابن الخطاب رضي الله عنه (لعبد الله) ولده (نحوه) بالنصب لأنه مقول القول أي نحو قوله في الرواية السابقة: إذا حدّثك شيئًا سعد عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا تسأل عنه غيره، فقول عمر رضي الله عنه في هذه الرواية المعلقة بمعنى الموصولة السابقة لا بلفظها، والفاء في فقال عطف على قوله حدث المحذوف عند المصنف كما قدّرناه الخ، وإنما حذفه لدلالة السياق عليه. 203 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ فَاتَّبَعَهُ الْمُغِيرَةُ بِإِدَاوَةٍ فِيهَا مَاءٌ فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وبالسند قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين ابن فروخ بالفاء المفتوحة وضم الراء المشددة وفي آخره معجمة (الحراني) بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وبعد الألف نون نسبة إلى حران مدينة قديمة بين دجلة والفرات (قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام المصري (عن يحيى بن سعيد) بالمثناة التحتية الأنصاري (عن سعد بن إبراهيم) بسكون العين ابن عبد الرحمن بن عوف (عن نافع بن جبير) أي ابن مطعم (عن عروة بن المغيرة) بن شعبة (عن أبيه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه). (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه خرج لحاجته) في غزوة تبوك عند صلاة الفجر كما في الموطأ ومسند الإمام أحمد وسنن أبي داود من طريق عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة (فاتبعه المغيرة) بتشديد المثناة الفوقية (بإداوة) بكسر الهمزة أي مطهرة (فيها ماء فصبَّ) المغيرة (عليه) زاده الله شرفًا لديه (حين فرغ من حاجته

فتوضأ) فغسل وجهه ويديه كذا عند المؤلف في باب الرجل يوضئ صاحبه، وله في الجهاد أنه تمضمض واستنشق وغسل وجهه. زاد الإمام أحمد ثلاث مرات فذهب يخرج يديه من كميه فكانا ضيقين فأخرجهما من تحت الجبة، ولمسلم من وجه آخر: وألقى الجبة على منكبيه، وللإمام أحمد فغسل يده اليمنى ثلاث مرات ويده اليسرى ثلاث مرات، وللمصنف ومسح برأسه، (ومسح على الخفين). والسُّنَّة أن يمسح على أعلاهما الساتر لمشط الرجل وأسفلهما خطوطًا، وكيفية ذلك أن يضع يده اليسرى تحت العقب واليمنى على ظهر الأصابع ثم يمر اليمنى إلى ساقه واليسرى إلى أطراف الأصابع من تحت مفرجًا بين الأصابع يده، ولا يسنّ استيعابه بالمسح ويكره تكراره، وكذا غسل الخف، ولو وضع يده المبتلّة عليه ولم يمرها أو قطر عليه أجرأه ويكفي مسمى مسح يحاذي الفرض من ظاهر الخف دون باطنه الملاقي للبشرة فلا يكفي كما قال في شرح المهذب اتفاقًا، ولا يكفي مسح أسفل الرجل وعقبها على المذهب لأنه لم يرد الاقتصار على ذلك كما ورد الاقتصار على الأعلى فيقتصر عليه وقوفًا على محل الرخصة وحرفه كأسفله فلا يكفي الاقتصار عليه لقربه منه، وهل المسح على الخف أفضل أم غسل الرجل أفضل؟ قال في آخر صلاة السافر من الروضة بالثاني، ولا يجوز المسح عليه في الغسل واجبًا كان أو مندوبًا كما نقله في شرح المهذب لما في حديث صفوان عند الترمذي وصححه قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاث أيام ولياليهن إلا من جنابة، فدلّ الأمر بالنزع على عدم جواز المسح في الغسل والوضوء لأجل الجنابة فهي مانعة من المسح. ورواة هذا الحديث السبعة ما بين حراني ومصري ومدني وفيه أربعة من التابعين على الولاء يحيى وسعد وعروة والتحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف في مواضع من الطهارة وفي المغازي وفي اللباس، ومسلم في الطهارة والصلاة، وأبو داود والنسائي وابن ماجة في الطهارة. 204 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَتَابَعَهُ حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ وَأَبَانُ عَنْ يَحْيَى. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن يحيي) بن أبي كثير التابعي (عن أبي سلمة) بفتح اللام عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري) بالضاد المعجمة المفتوحة وعمرو بفتح العين التابعي الكبير، المتوفى سنة خمس وتسعين. (أن أباه) عمرو بن أمية المتوفى بالمدينة سنة ستين (أخبره أنه رأى النبي) وفي رواية رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمسح على الخفين). ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري وكوفي ومدني وفيه ثلاثة من التابعين يحيى وأبو سلمة وجعفر والتحديث والعنعنة والإخبار، وأخرجه النسائي وابن ماجة في الطهارة. (وتابعه) وفي رواية ابن عساكر قال أبو عبد الله أي البخاري وفي رواية الأصيلي تابعه بغير واو أي تابع شيبان المذكور (حرب) أي ابن شداد كما في رواية غير أبي ذر والأصيلي وهذا وصله النسائي والطبراني، (و) تابعه أيضًا (أبان) بفتح الهمزة والموحدة بالصرف على أن ألفه أصلية ووزنه فعال وبعدمه على أن الهمزة زائدة والألف بدل من الياء، وأصله بين وهو ابن يزيد العطار وهذا وصله الإمام أحمد والطبراني في الكبير كلاهما (عن يحيى) بن أبي كثير عن أبي سلمة. 205 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ. وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عبدان) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة لقب عبد الله بن عثمان العتكي الحافظ (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (قال: أخبرنا الأوزاعي عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بفتح اللام ابن عبد الرحمن بن عوف (عن جعفر بن عمرو) بفتح العين زاد الأصيلي وأبوا الوقت وذر وابن عساكر ابن أمية (عن أبيه) عمرو المذكور رضي الله عنه، وأسقط بعض الرواة عنه جعفرًا من الإسناد. قال أبو حاتم الرازي: وهو خطأ (قال) عمرو بن أمية: (رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمسح على عمامته) بعد مسح الناصية كما في رواية مسلم السابقة أو بعضها أو على عمامته فقط مقتصرًا عليها. (و) كذا رأيته يمسح على (خفّيه) أي في الوضوء، والاقتصار على المسح على العمامة هو مذهب الإمام أحمد

49 - باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان

لكن بشرط أن يعتم بعد كمال الطهارة ومشقة نزعها بأن تكون محنكة كعمائم العرب، لأنه عضو يسقط فرضه في التيمم، فجاز المسح على حائله كالقدمين، ووافق الإمام أحمد على ذلك الأوزاعي والثوري وأبو ثور وابن خزيمة. وقال ابن المنذر: إنه ثبت عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا" واحتج المانعون بقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُم} [المائدة: 6]. ومن مسح على العمامة لم يمسح على رأسه، وأجمعوا على أنه لا يجوز مسح الوجه في التيمم على حائل دونه فكذلك الرأس. وقال الخطابي: فرض الله مسح الرأس، والحديث في مسح العمامة محتمل للتأويل فلا يترك المتيقن للمحتمل. قال: وقياسه على مسح الخف بعيد لأنه يشق نزعه بخلافها اهـ. وأجيب بأن الآية لا تنفي الاقتصار على المسح عليها لا سيما عند من يحمل الشترك على حقيقته ومجازه لأن من قال: قبّلت رأس فلان يصدق ولو كان على حائل، وبأن الذين أجازوا الاقتصار على مسحها شرطوا فيه المشقة في نزعها كما في الخف، وقد مرَّ، والتقييد بالعمامة مخرج للقلنسوة ونحوها فلا يجوز الاقتصار في المسح عليها. نعم روي عن أنس رضي الله عنه أنه مسح على القلنسوة وتحصل سُنَّة مسح جميع الرأس عندنا بتكميله على العمامة عند عسر رفعها أو عند عدم إرادة نزعها. وقال الأصيلي فيما حكاه عنه ابن بطال: ذكر العمامة في هذا الحديث من خطأ الأوزاعي لأن شيبان وغيره رووه عن يحيى بدونها، فوجب تغليب رواية الجماعة على الواحد اهـ. وأجيب بأن تفرّد الأوزاعي بذكر العمامة على تقدير تسليمه لا يستلزم تخطئته لأنه زيادة من ثقة غير منافية لغيره فتقبل. ورواة هذا الحديث السبعة ما بين مروزي وشامي ومدني وفيه التحديث والإخبار والعنعنة. (وتابعه) بواو العطف وللأصيلي وابن عساكر تابعه بإسقاطها أي تابع الأوزاعي على رواية هذا المتن (معمر) أي ابن راشد (عن يحيى) ابن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن عمرو) بالواو بإسقاط جعفر الثابت في السابقة وهذا هو السبب في سياق المؤلف الإسناد ثانيًا ليبيّن أنه ليس في رواية معمر ذكر جعفر بين أبي سلمة وعمرو (قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يذكر المتن في هذه الرواية، وهذه المتابعة رواها عبد الرزاق في مصنفه عن معمر بدون ذكر العمامة وهي مرسلة، لكن أخرجها ابن منده في كتاب الطهارة له من طريق عمر بإثباتها وأبو سلمة لم يسمع من عمرو بل من ابنه جعفر فالمتابعة مرسلة. 49 - باب إِذَا أَدْخَلَ رِجْلَيْهِ وَهُمَا طَاهِرَتَان هذا (باب) بالتنوين (إذا أدخل رجليه) في الخفين (وهما طاهرتان) من الحدث. 206 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: «دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ». فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا زكريا) ابن أبي زائدة الكوفي (عن عامر) هو ابن شراحيل الشعبي التابعي. قال الحافظ ابن حجر: وزكريا مدلس ولم أره من حديثه إلا بالعنعنة، لكن أخرجه الإمام أحمد عن يحيى القطان عن زكريا والقطان لا يحمل عن شيوخه المدلسين إلا ما كان مسموعًا لهم صرّح بذلك الإسماعيلي انتهى. (عن عروة بن المغيرة عن أبيه) المغيرة بن شعبة رضي الله عنهم (قال): (كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) في رجب سنة تسع في غزوة تبوك (فأهويت) أي مددت يدي أو قصدت أو أشرت أو أومأت (لأنزع خفّيه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: دعهما) أي الخفين (فإني أدخلتهما) أي الرجلين حال كونهما (طاهرتين) من الحدثين، وللكشميهني وهما طاهرتان جملة اسمية حالية، ولأبي داود فإني أدخلت القدمين الخفّين وهما طاهرتان الحديث. ثم أحدث عليه الصلاة والسلام (فمسح عليهما) ولابني خزيمة وحبّان أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يومًا وليلة إذا تطهر فلبس خفّيه أن يمسح عليهما أي من الحدث بعد اللبس لأن وقت المسح يدخل بابتداء الحدث على الراجح، فاعتبرت مدته منه، واختار في المجموع قول أبي ثور وابن المنذر أن ابتداء المدة من المسح لأن قوة الأحاديث تعطيه، وحديث ابني خزيمة وحبان هذا موافق لحديث الباب في الدلالة على اشتراط الطهارة

50 - باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق

الكاملة عند اللبس، فلو لبس قبل غسل رجليه وغسلهما فيه لم يجز المسح إلا أن ينزعهما من مقرهما ثم يدخلهما فيه، ولو أدخل إحداهما بعد غسلها ثم غسل الأخرى وأدخلها لم يجز المسح إلا أن ينزع الأولى من مقرها ثم يدخلها فيه، لأن الحكم المترتب على التثنية غير الحكم المترتب على الموحدة. واستضعفه ابن دقيق العيد لأن الاحتمال باقٍ قال: ولكن إن ضم إليه دليل يدل على أن الطهارة لا تتبعض اتجه ولو ابتدأ اللبس بعد غسلهما ثم أحدث قبل وصولهما إلى موضع القدم لم يجز المسح، ولو غسلهما بنيّة الوضوء ثم لبسهما ثم أكمل باقي أعضاء الوضوء لم يجز له المسح عند الشافعي ومن وافقه على إيجاب الترتيب، وهذا الوضوء يجوز عند أبي حنيفة رضي الله عنه ومن وافقه على عدم وجوب الترتيب بناء على أن الطهارة لا تتبعض، ولم يخرج المصنف في هذا الكتاب ما يدل على توقيت المسح، وقد قال به الجمهور للحديث الذي قدمته وحديث مسلم وغيره، وخالف المالكية في المشهور عندهم فلم يجعلوا للمسح تأقيتًا بأيام مطلقًا بل يمسح عليه ما لم يخلعه أو يجب على الماسح غسل. نعم روى أشهب أن المسافر يمسح ثلاثة أيام ولم يذكر للمقيم وقتًا، وروى ابن نافع أن المقيم يمسح من الجمعة إلى الجمعة قال القاضي أبو محمد: هذا يحتمل الاستحباب، ثم قال: بل هو مقصود ووجهه أنه يغتسل للجمعة، وعزي إلى مالك في الرسالة المنسوبة إليه أنه حدّ للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يومًا وليلة، وأنكرت الرسالة المنسوبة لمالك. ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون وفيه رواية التابعي الكبير عن التابعي والعنعنة والتحديث. 50 - باب مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ وَالسَّوِيق وَأَكَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ -رضي الله عنهم- لَحْمًا فَلَمْ يَتَوَضَّئُوا. هذا (باب من لم يتوضأ من) أكل (لحم الشاة) ونحوها مما هو مثلها وما دونها (و) من أكل (السويق) وهو ما اتخذ من شعير أو قمح مقلو يدق فيكون كالدقيق إذا احتيج إلى أكله خلط بماء أو لبن أو ربّ ونحوه. (وأكل أبو بكر) الصديق (وعمر) الفاروق (وعثمان) ذو النورين (رضي الله عنهم فلم يتوضؤوا) كذا في رواية أبي ذر إلا عن الكشميهني بحذف المفعول وهو يعم كل ما مسّت النار وغيره، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني والحموي والأصيلي، وأكل أبو بكر وعمر وعثمان لحمًا بإثباته، وعند ابن أبي شيبة عن محمد بن المنكدر قال: أكلت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم خبرًا ولحمًا فصلّوا ولم يتوضؤوا، وكذا رواه الترمذي، وفي الطبراني في مسند الشاميين بإسناد حسن من طريق سليم بن عامر قال: رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مست النار ولم يتوضؤوا. 207 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. [الحديث 207 - طرفاه في: 5404، 5405]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة (عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر المدني (عن عطاء بن يسار) بمثناة تحتية فمهملة مخففة (عن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما. (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكل كتف شاة) أي أكل لحمه في بيت ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب وهي بنت عمّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو في بيت ميمونة رضي الله عنها (ثم صلّى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ولم يتوضأ) وهذا مذهب الأستاذ الثوري رحمه الله والأوزاعي وأبي حنيفة ومالك والشافعي والليث وإسحاق وأبي ثور رضي الله عنهم، وأما حديث زيد بن ثابت عند الطحاوي والطبراني في الكبير أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "توضؤوا مما غيّرت النار" وهو مذهب عائشة وأبي هريرة وأنس والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم، وحديث جابر بن سمرة عند مسلم أن رجلاً سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ" قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم توضأ من لحوم الإبل" وحديث البراء المصحح في المجموع قال: سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الوضوء من لحم الإبل فمر به، وبه استدل الإمام أحمد على وجوب الوضوء من لحم الجزور، فأجيب عن ذلك بحمل الوضوء على غسل اليد والمضمضة لزيادة دسومة اللحم وزهومة لحم الإبل، وقد نهى أن يبيت وفي يده أو فمه دسم خوفًا من عقرب ونحوها، وبأنهما منسوخان بخبر أبي داود والنسائي وغيرهما، وصححه ابنا خزيمة وحبان عن جابر قال: كان آخر الأمرين من رسول الله

51 - باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترك الوضوء مما مسّت النار، ولكن ضعف الجوابين في المجموع بأن الحمل على الوضوء الشرعي مقدم على اللغوي كما هو معروف في محله وترك الوضوء مما مسّت النار عامّ، وخبر الوضوء من لحم الإبل خاص والخاص مقدم على العام سواء وقع قبله أو بعده، لكن حكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال: لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح منها نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم أجمعين بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرجحنا به أحد الجانبين، وارتضى الأستاذ النووي هذا في شرح المهذب وعبارته: وأقرب ما يستروح إليه قول الخلفاء الراشدين وجماهير الصحابة رضي الله عنهم وما دل عليه الخبران هو القول القديم وهو وإن كان شاذًّا في المذهب فهو قوي في الدليل، وقد اختاره جماعة من محققي أصحابنا المحدثين وأنا ممّن اعتقد رجحانه اهـ. وقد فرّق الإمام أحمد بين لحم الجزور وغيره. وهذا الحديث من الخماسيات، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الأطعمة ومسلم وأبو داود في الطهارة. 208 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَلْقَى السِّكِّينَ فَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. [الحديث 208 - أطرافه في: 675، 2923، 5408، 5422، 5462]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (يحيى بن بكير) المصري نسبة إلى جدّه لشهرته به وأبوه عبد الله (قال: حدّثنا الليث) بن سعد المصري (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي المصري (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالتوحيد (جعفر بن عمرو بن أمية) بفتح العين (أنّ أباه) عمرًا (أخبره): أن (أنه رأى رسول الله) وفي رواية أبوي ذر والوقت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحتز) بالحاء المهملة وبالزاي المشددة أي يقطع (من كتف شاة) بفتح الكاف وكسر التاء وبكسر الكاف وسكون التاء زاد المؤلف في الأطعمة من طريق معمر عن الزهري يأكل منها (فدعي) بضم الدال (إلى الصلاة) وفي حديث النسائي عن أُم سلمة رضي الله عنها أن الذي دعاه إلى الصلاة بلال رضي الله عنه (فألقى) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (السكين) زاد في الأطعمة عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري فألقاها والسكين (فصلى) ولابن عساكر وصلى (ولم يتوضأ) زاد البيهقي من طريق عبد الكريم بن الهيثم عن أبي اليمان في آخر الحديث. قال الزهري: فذهبت تلك أي القصة في الناس، ثم أخبر رجال من أصحابه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونساء من أزواجه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "توضؤوا مما مسّت النار" قال: فكان الزهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مسّت النار ناسخ لأحاديث الإباحة لأن الإباحة سابقة، واعترض عليه بحديث جابر السابق قريبًا قال: كان آخر الأمرين من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترك الوضوء مما مسّت النار، لكن قال أبو داود وغيره: أن المراد بالأمر هنا الشأن والقصة لا ما قابل النهي، وأن هذا اللفظ مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاة فأكل منها ثم توضأ وصلى الظهر ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ، فيحتمل أن تكون هذه القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مسّت النار، وأن وضوءه لصلاة الظهر كان عن حدث لا بسبب الأكل من الشاة. قال الأستاذ النووي: كان الخلاف فيه معروفًا بين الصحابة والتابعين، ثم استقر الإجماع على أنه لا وضوء مما مسّت النار إلا ما ذكر من لحم الإبل قاله في الفتح. وقال المهلب: كانوا في الجاهلية قد ألِفوا قلة التنظيف فأمروا بالوضوء مما مسّت النار، فلما تقررت النظافة في الإسلام وشاعت نسخ الوضوء تيسيرًا على المسلمين، واستنبط من هذا الحديث جواز قطع اللحم بالسكين، ورواته الستة ثلاثة مصريون وثلاثة مدنيون وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وليس لعمرو بن أميّة رواية في هذا الكتاب إلا هذا، والحديث السابق في المسح، وأخرج المؤلف الحديث أيضًا في الصلاة والجهاد والأطعمة والنسائي في الوليمة وابن ماجة في الطهارة. 51 - باب مَنْ مَضْمَضَ مِنَ السَّوِيقِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ (باب من مضمض من السويق) بعد أكله (ولم يتوضأ). 209 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ -وَهِيَ أَدْنَى خَيْبَرَ- فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلاَّ بِالسَّوِيقِ، فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَكَلْنَا، ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. [الحديث 209 - أطرافه في: 215، 2981، 4175، 4195، 5384، 5390، 5454، 5455]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح المعجمة في السابق وبفتح المثناة التحتية والسين المهملة في اللاحق (مولى بني

52 - باب هل يمضمض من اللبن

حارثة أن سويد بن النعمان) بضم السين المهملة وفتح الواو وضم نون النعمان الأوسي المدني صحابي شهد أُحُدًا وما بعدها وليس له في البخاري سوى هذا الحديث ولم يروِ عنه سوى بشير بن يسار (أخبره). (أنه خرج مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام خيبر) غير منصرف للعلمية والتأنيث وسميت باسم رجل من العماليق اسمه خيبر نزلها (حتى إذا كانوا) الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه رضي الله عنهم (بالصهباء) بالمد (وهي أدنى) أي أسفل (خيبر) وطرفها مما يلي المدينة وعند المؤلف في الأطعمة وهي على روحة من خيبر (فصلى) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وللحموي نزل فصلى (العصر ثم دعا بالأزواد) جمع زاد وهو ما يؤكل في السفر (فلم يؤت إلا بالسويق فأمر) عليه الصلاة والسلام (به) أي بالسويق (فثري) بضم المثلثة مبنيًّا للمفعول ويجوز تخفيف الراء أي بلّ بالماء لما لحقه من اليبس (فأكل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) منه (وأكلنا) منه زاد في رواية سليمان الآتية إن شاء الله وشربنا. وفي الجهاد من رواية عبد الوهاب فلكنا وأكلنا وشربنا أي من الماء أو من مائع السويق (ثم قام إلى) صلاة (المغرب فمضمض) قبل الدخول في الصلاة (ومضمضنا) كذلك (ثم صلى ولم يتوضأ) بسبب أكل السويق وفائدة المضمضة منه وإن كان لا دسم له لأنه تحتبس بقاياه بين الأسنان ونواحي الفم فيشتغل ببلعه عن أمر الصلاة، وهذا يدل على استحباب المضمضة بعد الطعام، ورواة هذا الحديث الخمسة كلهم أجلاّء فقهاء كبار مدنيون إلا شيخ المؤلف وفيه رواية تابعي عن تابعي والتحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف في موضعين من كتاب الطهارة وموضعين في الأطعمة وفي المغازي والجهاد، وأخرجه النسائي في الطهارة والوليمة وابن ماجة. 210 - وَحَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكَلَ عِنْدَهَا كَتِفًا، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وحدّثنا (أصبغ) بالغين المعجمة ابن الفرج (قال: أخبرنا ابن وهب) عبد الله (قال: أخبرني) بالتوحيد (عمرو) بفتح العين أي ابن الحرث كما في رواية ابن عساكر (عن بكير) بضم الموحدة مصغرًا وهو ابن عبد الله بن الأشج (عن كريب) بضم الكاف مصغرًا أيضًا ابن أبي مسلم الهاشمي مولاهم المدني أبي رشدين مولى ابن عباس رضي الله عنهما (عن) أم المؤمنين (ميمونة) رضي الله عنها. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكل عندها كتفًا) أي لحم كتف (ثم صلى ولم يتوضأ) أي لم يجعله ناقضًا للوضوء، وليس بين هذا الحديث وبين الترجمة مطابقة وقد قالوا: إن وضعه من قلم الناسخين وأن نسخة الفربري التي بخطه تقديمه إلى الباب السابق ولم يذكر فيه المضمضة المترجم بها إشارة إلى بيان جواز تركها وإن كان المأكول دسمًا يحتاج إلى المضمضة منه، والحديث من السداسيات وفيه اسمان مصغران وهما تابعيان وفي رجاله ثلاثة مصريون وثلاثة مدنيون، وفيه الإخبار بالجمع والإفراد والتحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم في الطهارة. 52 - باب هَلْ يُمَضْمِضُ مِنَ اللَّبَن هذا (باب) بالتنوين (هل يمضمض) بضم الياء وفتح الميم الأولى وكسر الثانية وللأصيلي يتمضمض بزيادة مثناة فوقية بعد التحتية وفتح الميمين (من اللبن) إذا شربه. 211 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ وَقُتَيْبَةُ قَالاَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ وَقَالَ: «إِنَّ لَهُ دَسَمًا». تَابَعَهُ يُونُسُ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ. [الحديث 211 - طرفه في: 5609]. وبالسند قال: (حدثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة (وقتيبة) بضم القاف وفتح المثناة الفوقية والموحدة ابن سعيد أبو رجاء الثقفي (قالا: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله) بضم أوّل السابق وفتحه في اللاحق (ابن عتبة) بضم العين وسكون تاليه (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شرب لبنًا) زاد مسلم ثم دعا بماء (فمضمض وقال: إن له) أي اللبن (دسمًا) بفتحتين منصوبًا اسم إن وهو بيان لعلة المضمضة من اللبن والدسم ما يظهر على اللبن من الدهن ويقاس عليه استحباب المضمضة من كل ما له دسم. ورواة هذا الحديث السبعة ما بين مصري بالميم وهم: يحيى بن عبد الله بن بكير، والليث، وعقيل، وبلخي وهو قتيبة، ومدني وهما ابن شهاب وعبيد الله، وهو أحد الأحاديث التي

53 - باب الوضوء من النوم، ومن لم ير من النعسة والنعستين أو الخفقة وضوءا

اتفق الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي على إخراجها عن شيخ واحد وهو قتيبة وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي في الطهارة وكذا ابن ماجة. (تابعه) أي تابع عقيلاً (يونس) بن يزيد وحديثه موصول عند مسلم، (و) كذا تابع عقيلاً (صالح بن كيسان) وحديثه موصول عند أبي العباس السراج في مسنده كلاهما (عن) ابن شهاب (الزهري) وكذا تابعه الأوزاعي كما أخرجه المؤلف في الأطعمة عن أبي عاصم بلفظ حديث الباب، لكن رواه ابن ماجة من طريق الوليد بن مسلم بلفظ: مضمضوا من اللبن فذكره بصيغة الأمر وهو محمول على الاستحباب لما رواه الشافعي رحمه الله عن ابن عباس راوي الحديث أنه شرب لبنًا فمضمض ثم قال: لو لم أتمضمض ما باليت، وحديث أبي داود أنه عليه الصلاة والسلام شرب لبنًا فلم يتمضمض ولم يتوضأ وإسناده حسن. 53 - باب الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ، وَمَنْ لَمْ يَرَ مِنَ النَّعْسَةِ وَالنَّعْسَتَيْنِ أَوِ الْخَفْقَةِ وُضُوءًا هذا (باب) حكم (الوضوء من النوم) الكثير والقليل (و) باب (من لم ير من النعسة والنعستين) تثنية نعسة على وزن فعلة مرة من النعس من نعس بفتح العين ينعس من باب نصر ينصر، (أو الخفقة وضوءًا) من خفق بفتح الفاء يخفق خفقة إذا حرّك رأسه وهو ناعس، أو الخفقة النعسة، فلو زادت الخفقة على الواحدة أو النعسة على الاثنتين يجب الوضوء لأنه حينئذٍ يكون نائمًا مستغرفًا، وآية النوم الرؤيا، وآية النعاس سماع كلام الحاضرين وإن لم يفهمه. 212 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لاَ يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن هشام) أي ابن عروة كما للأصيلي (عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله عنها: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إذا نعس أحدكم وهو يصلي) جملة اسمية في موضع الحال (فليرقد) أي فلينم احتياطًا لأنه علّل بأمر محتمل كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وللنسائي من طريق أيوب عن هشام فلينصرف أي بعد أن يتم صلاته لا أنه يقطع الصلاة بمجرد النعاس خلافًا للمهلب حيث حمله على ظاهره (حتى يذهب عنه النوم) فالنعاس سبب للنوم أو سبب للأمر بالنوم (فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يستغفر) أو يريد أن يستغفر (فيسب نفسه) أي يدعو عليها والفاء عاطفة على يستغفر، وفي بعض الأصول يسب بدونها جملة حالية ويسب بالنصب جوابًا للعل والرفع عطفًا على يستغفر وجعل ابن أبي جمرة علة النهي خشية أن يوافق ساعة إجابة، والترجّي في لعل عائد إلى المصلي لا إلى المتكلم به أي لا يدري أمستغفر أم سابّ مترجيًا للاستغفار، وهو الواقع بضد ذلك. وغاير بين لفظي النعاس فقال في الأوّل: نعس بلفظ الماضي وهنا بلفظ اسم الفاعل تنبيهًا على أنه لا يكفي تجدد أدنى نعاس وتقضيه في الحال بل لا بدّ من ثبوته بحيث يفضي إلى عدم درايته بما يقول وعدم علمه بما يقرأ. فإن قلت: هل بين قوله نعس وهو يصلي وصلى وهو ناعس فرق؟ أجيب: بأن الحال قيد وفضلة والقصد في الكلام ما له القيد، ففي الأول لا شك أن النعاس هو علّة الأمر بالرقاد لا الصلاة فهو المقصود الأصلي في التركيب، وفي الثاني الصلاة علة الاستغفار إذ تقدير الكلام فإن أحدهم إذا صلى وهو ناعس يستغفر والفرق بين التركيبين هو الفرق بين ضرب قائمًا وقام ضاربًا، فإن الأوّل يحتمل قيامًا بلا ضرب، والثاني ضربًا بلا قيام. واختلف هل النوم في ذاته حدث أو هو مظنة الحدث، فنقل ابن المنذر وغيره عن بعض الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين وبه قال إسحاق والحسن والمزني وغيرهم: أنه في ذاته ينقض الوضوء مطلقًا وعلى كل حال وهيئة لعموم حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه المروي في صحيح ابن خزيمة إذ فيه: إلا من غائط أو بول أو نوم فسوَّى بينها في الحكم، وقال آخرون بالثاني لحديث أبي داود وغيره: العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ، واختلف هؤلاء فمنهم من قال: لا ينقض القليل وهو قول الزهري ومالك وأحمد رحمهم الله تعالى في إحدى الروايتين عنه، ومنهم من قال: ينقض مطلقًا إلا نوم ممكن مقعدته من مقرّه فلا ينقض لحديث أنس رضي الله عنه المروي عند مسلم أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا ينامون ثم

54 - باب الوضوء من غير حدث

يصلون ولا يتوضؤون، وحمل على نوم الممكن جمعًا بين الأحاديث ولا تمكين لمن نام على قفاه ملصقًا مقعدته بمقره ولا لمن نام محتبيًا وهو هزيل بحيث لا تنطبق أليتاه على مقره على ما نقله في الشرح الصغير عن الروياني، وقال الأذرعي: إنه الحق لكن نقل في المجموع عن الماوردي خلافًا واختار أنه متمكّن، وصحّحه في الروضة والتحقيق نظرًا إلى أنه متمكن بحسب قدرته ولو نام جالسًا فزالت أليتاه أو إحداهما عن الأرض، فإن زالت قبل الانتباه انتقض وضوءه أو بعده أو معه أو لم يدر أيهما أسبق فلا، لأن الأصل بقاء الطهارة وسواء وقعت يده أم لا. وهذا مذهب الأستاذ الشافعي وأبي حنيفة رحمهما الله ورضي عنهما. وقال مالك رحمه الله ورضي عنه: إن طال نقض وإلاّ فلا. وقال آخرون: لا ينقض النوم الوضوء بحال وهو محكي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وابن عمرو ومكحول رضي الله عنهم، ويقاس على النوم الغلبة على العقل بجنون أو إغماء أو سكر، لأن ذلك أبلغ في الذهول من النوم الذي هو مظنة الحدث على ما لا يخفى. ورواة هذا الحديث الخمسة مدنيون إلا شيخ المؤلف، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود في الصلاة. 213 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَنَمْ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأُ». وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المقعد (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان (قال: حدّثنا أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف وتخفيف اللام عبد الله بن زيد الجرمي (عن أنس) أي ابن مالك رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا نعس في الصلاة) بحذف الفاعل للعلم به، وفي رواية الأصيلي وابن عساكر إذا نعس أحدكم في الصلاة (فلينم) أي فليتجوز في الصلاة ويتمها وينم (حتى يعلم ما يقرأ) أي الذين يقرؤه ولا يقال إنما هذا في صلاة الليل لأن الفريضة ليست في أوقات النوم ولا فيها من التطويل ما يوجب ذلك لأنّا نقول: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيعمل به أيضًا في الفرائض إن وقع ما أمن بقاء الوقت، ورواة هذا الحديث الخمسة بصريون وفيه رواية تابعي عن تابعي، والتحديث والعنعنة، وأخرجه النسائي في الطهارة. 54 - باب الْوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ (باب) حكم (الوضوء من غير حدث). 214 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا. ح. قَالَ وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ. قُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: يُجْزِئُ أَحَدَنَا الْوُضُوءُ مَا لَمْ يُحْدِثْ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي (قال حدّثنا) ولابن عساكر أخبرنا (سفيان) الثوري (عن عمرو بن عامر) بالواو الأنصاري رضي الله عنه (قال سمعت أنسًا) وللأصيلي أنس بن مالك (ح) إشارة إلى التحويل أو الحائل أو إلى صح أو إلى الحديث كما مرّ البحث فيه. (قال) أي المؤلف رحمه الله تعالى: (وحدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري (قال: حدّثني) بالإفراد (عمرو بن عامر) الأنصاري (عن أنس) وللأصيلي أنس بن مالك رضي الله عنه (قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتوضأ عند كل صلاة) مفروضة من الأوقات الخمسة ولفظة كان تدل على المداومة فيكون ذلك له عادة لكن حديث سويد المذكور في الباب يدل على أن المراد الغالب، وفعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك كان على جهة الاستحباب وإلاّ لما كان وسعه ولا لغيره أن يخالفه، ولأن الأصل عدم الوجوب، وقال الطحاوي: يحتمل أنه كان واجبًا عليه خاصة، ثم نسخ يوم الفتح لحديث بريدة أي المروي في صحيح مسلم أنه عليه الصلاة والسلام صلى يوم الفتح الصلوات الخمس بوضوء واحد، وأن عمر رضي الله عنه سأله فقال عمدًا فعلته، وتعقب بأنه على تقدير القول بالنسخ كان قبل الفتح بدليل حديث سويد بن النعمان فإنه كان في خيبر وهي قبل الفتح بزمان اهـ. (قلت: كيف كنتم تصنعون) القائل قلت عمرو بن عامر والخطاب للصحابة رضي الله عنهم: (قال) أنس رضي الله عنه: (يجزئ) بضم أوّله من أجزأ أي يكفي (أحدنا الوضوء) بالرفع فاعل وأحدنا منصوب مفعول يجزئ (ما لم يحدث). وعند ابن ماجة: وكنا نحن نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد، ومذهب الجمهور أن الوضوء لا يجب إلاّ من حدث، وذهب طائفة إلى وجوبه لكل صلاة مطلقًا من غير حدث وهو مقتضى الآية، لأن الأمر فيها معلق بالقيام إلى الصلاة وهو يدل على تكرار الوضوء وإن لم يحدث، لكن

55 - باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله

أجاب جار الله في كشافه بأنه يحتمل أن يكون الخطاب للمحدثين أو أن الأمر للندب، ومنع أن يحمل عليهما معًا على قاعدتهم في عدم حمل المشترك على معنييه، لكن مذهبنا أنه يحمل عليهما، وخصّ بعض الظاهرية والشيعة وجوبه لكل صلاة بالمقيمين دون المسافرين. وذهب إبراهيم النخعي إلى أنه يصلي بوضوء واحد أكثر من خمس صلوات. وهذا الحديث من السداسيات، ورواته ما بين فريابي، وكوفي وبصري، وللمؤلف فيه سندان. ففي الأوّل التحديث بالجمع والعنعنة، وفي الثاني بصيغة الجمع والإفراد والعنعنة وفائدة إتيانه بالسندين مع أن الأوّل عالٍ لأن بين المؤلف وبين سفيان فيه رجل والثاني نازل لأن بينهما فيه اثنان أن سفيان مدلس وعنعنة المدلس لا يحتج بها إلا أن يثبت سماعه بطريق آخر، ففي السند الثاني أن سفيان قال: حدّثني عمرو وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة. 215 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُوَيْدُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَصْرَ، فَلَمَّا صَلَّى دَعَا بِالأَطْعِمَةِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلاَّ بِالسَّوِيقِ، فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ ثُمَّ صَلَّى لَنَا الْمَغْرِبَ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء (قال: حدّثنا) ولابن عساكر أخبرنا (سليمان) يعني ابن بلال كما في رواية عطاء (قال: حدّثني) ولابن عساكر حدّثنا (يحيى بن سعيد) الأنصاري (قال: أخبرني) بالإفراد (بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح المعجمة في السابق وبفتح المثناة التحتية والسين المهملة في اللاحق (قال: أخبرني) بالإفراد (سويد بن النعمان) بضم السين وفتح الواو الأوسي المدني (قال خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام خيبر حتى إذا كنا بالصهباء) وهي أدنى خيبر (صلى لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العصر فلما صلى دعا بالأطعمة فلم يؤت إلا بالسويق فأكلنا وشربنا) من الماء أو من مائع السويق، (ثم قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى) صلاة (المغرب فمضمض) من السويق (ثم صلى لنا) ولأبى ذر عن المستملي وصلى لنا (المغرب ولم يتوضأ) والجمع بين حديثي الباب أن فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأوّل كان غالب أحواله لكونه الأفضل، وفعله الثاني لبيان الجواز. وهذا حديث من الخماسيات، وفيه التحديث بالجمع والإفراد وليس للمؤلف حديث لسويد بن النعمان إلا هذا، وقد أخرجه في مواضع كما مرّ التنبيه عليه في باب من مضمض من السويق. 55 - باب مِنَ الْكَبَائِرِ أَنْ لاَ يَسْتَتِرَ مِنْ بَوْلِهِ هذا (باب) بالتنوين كما في الفرع (من الكبائر) التي وعد من اجتنبها بالمغفرة (أن لا يستتر من بوله) والكبائر جمع كبيرة وهي الفعلة القبيحة من الذنوب المنهي عنها شرعًا العظيم أمرها كالقتل والزنا والفرار من الزحف ويأتي تمام مباحثها إن شاء الله تعالى. 216 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ -أَوْ مَكَّةَ- فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ -ثُمَّ قَالَ- بَلَى، كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ». ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: «لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا». [الحديث 216 - أطرافه في: 218، 1361، 1378، 6052، 6055]. وبه قال: (حدّثنا عثمان) بن أبي شيبة الكوفي (قال: حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن مجاهد) أي ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة (عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه (قال): (مرّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحائط) أي بستان من النخل عليه جدار (من حيطان المدينة أو مكة) شك جرير، وعند المؤلف في الأدب المفرد من حيطان المدينة بالجزم من غير شك ويؤيده رواية الدارقطني في أفراده من حديث جابر أن الحائط كان لأم مبشر الأنصارية رضي الله عنها لأن حائطها كان بالمدينة وفي رواية الأعمش مرّ بقبرين (فسمع صوت إنسانين) حال كونهما (يعذبان) حال كونهما (في قبورهما) عبر بالجمع في موضع التثنية لأن استعمالها في مثل هذا قليل وإن كانت هي الأصل، لأن المضاف إلى المثنى إذا كان جزء ما أضيف إليه يسوغ فيه الإفراد نحو: أكلت رأس شاتين والجمع أجود بنحو {فقد صغت قلوبكما} وإن كان غير جزئه، فالأكثر مجيئه بلفظ التثنية نحو: سلّ الزيدان سيفيهما وإن أمن اللبس جاز جعل المضاف بلفظ الجمع كما في قوله في قبورهما، وقد تجتمع التثنية والجمع في نحو: ظهراهما مثل ظهور الترسين. قاله ابن مالك ولم يعرف اسم القبورين ولا أحدهما، فيحتمل أن يكون عليه الصلاة والسلام لم يسمهما قصد الستر عليهما وخوفًا من الافتضاح على عادة ستره وشفقته على أمته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو سماهما ليحترز غيرهما عن مباشرة ما باشراه وأبهمهما الراوي عمدًا لما مرّ (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يعذبان) أي صاحبا القبرين

(وما يعذبان في كبير) تركه عليهما (ثم قال): (بلى) إنه كبير من جهة المعصية، ويحتمل أنه عليه الصلاة والسلام ظن أن ذلك غير كبير، فأوحي إليه في الحال بأنه كبير فاستدرك، وقال البغوي وغيره، ورجحه ابن دقيق العيد وغيره: إنه ليس بكبير في مشقة الاحتراز أي كان لا يشق عليهما الاحتراز عن ذلك، والكبيرة هي الموجبة للحدّ أو ما فيه وعيد شديد. وعند ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يعذبان عذابًا شديدًا في ذنب هين. (كان أحدهما لا يستتر من بوله) بمثناتين فوقيتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة من الاستتار، أي لا يجعل بينه وبين بوله سترة أي لا يتحفظ منه وهي بمعنى رواية مسلم وأبي داود من حديث الأعمش يستنزه بنون ساكنة بعدها زاي ثم هاء من التنزّه وهو الإبعاد، ولا يقال إن معنى لا يستتر يكشف عورته لأنه يلزم منه أن مجرد كشف العورة سبب للعذاب المذكور لا اعتبار البول فيترتب العذاب على مجرد الكشف وليس كذلك، بل الأقرب حمله على المجاز، ويكون المراد بالاستتار التنزه عن البول والتوقي منه، إما بعدم ملابسته وإما بالاحتراز عن مفسدة تتعلق به كانتقاض الطهارة، وعبر عن التوقّي بالاستتار مجازًا، ووجه العلاقة بينهما أن الستتر عن شيء فيه بُعد عنه واحتجاب، وذلك شبيه بالبعد عن ملابسة البول، وإنما رجح المجاز وإن كان الأصل الحقيقة لأن الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية، فالحمل على ما يقتضيه الحديث المصرّح بهذه الخصوصية أولى وأيضًا فإن لفظة من لما أضيفت إلى البول وهي لابتداء الغاية حقيقة أو ما يرجع إلى معنى ابتداء الغاية مجازًا تقتضي نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول بمعنى أن ابتداء سبب عذابه من البول، وإذا حمل على كشف العورة زال هذا المعنى، وفي رواية ابن عساكر لا يستبرئ بموحدة ساكنة من الاستبراء أي لا يستفرغ جهده بعد فراغه منه، وهو يدل على وجوب الاستنجاء لأنه لما عذب على استخفافه بغسله وعدم التحرّز منه دلّ على أن من ترك البول في مخرجه ولم يستنج منه حقيق بالعذاب. (وكان الآخر يمشي بالنميمة) فعيلة من ثمَّ الحديث ينمه إذا نقله عن المتكلم به إلى غيره وهي حرام بالإجماع إذا قصد بها الإفساد بين المسلمين وسبب كونهما كبيرتين أن عدم التنزه من البول يلزم منه بطلان الصلاة وتركها كبيرة بلا شك، والمشي بالنميمة من السعي بالفساد وهو من أقبح القبائح، ويجاب عن استشكال كون النميمة من الصغائر بأن الإصرار عليها المفهوم هنا من التعبير بكان المقتضية له يصير حكمها الكبيرة لا سيما على تفسيرها بما فيه وعيد شديد، ووقع في حديث أبي بكرة عند الإمام أحمد والطبراني بإسناد صحيح يعذبان وما يعذبان في كبير وبلى وما يعذبان إلا في الغيبة، والبول بأداة الحصر وهي تنفي كونهما كافرين لأن الكافر وإن عذب على ترك أحكام المسلمين فإنه يعذب مع ذلك على الكفر بلا خلاف، وبذلك جزم العلاء بن العطار وقال: لا يجوز أن يقال إنهما كانا كافرين لأنهما لو كانا كافرين لم يدع لهما بتخفيف العذاب عنهما ولا ترجاه لهما، وقد ذكر بعضهم السرّ في تخصيص البول والنميمة بعذاب القبر، وهو أن القبر أوّل منازل الآخرة وفيه نموذج ما يقع في القيامة من العقاب والثواب والمعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان: حق لله وحق لعباده، وأوّل ما يقضى فيه من حقوق الله تعالى عز وجل الصلاة، ومن حقوق العباد الدماء، وأما البرزخ فيقضي فيه مقدمات هذين الحقين ووسائلهما، فمقدمة الصلاة الطهارة من الحدث والخبث ومقدمة الدماء النميمة فيبدأ في البرزخ بالعقاب عليهما. (ثم دعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بجريدة) من جريد النخل وهي التي ليس عليها ورق فأُتي بها (فكسرها كسرتين) بكسر الكاف تثنية كسرة وهي القطعة من الشيء المكسور، وقد تبين من رواية الأعمش الآتية إن شاء الله تعالى أنها كانت نصفًا، وفي رواية جرير عنه باثنتين (فوضع) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على كل قبر منهما كسرة) وفي الرواية الآتية: فغرز وهو يستلزم الوضع دون

56 - باب ما جاء في غسل البول

العكس (فقيل له يا رسول الله) ولابن عساكر فقيل يا رسول الله (لِمَ فعلت هذا) لم يعين السائل من الصحابة (قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعله أن يخفف) بضم أوّله وفتح الفاء أي العذاب وهاء لعله ضمير الشأن، وجاز تفسيره بأن وصلتها في حكم جملة لاشتمالها على مسند ومسند إليه، ويحتمل أن تكون زائدة مع كونها ناصبة كزيادة الباء مع كونها جارّة قاله ابن مالك، ويقوّي الاحتمال الثاني حذف أن في الرواية الآتية حيث قال: لعله يخفف (عنهما) أي المعذبين (ما لم تيبسا) بالمثناة الفوقية بالتأنيث باعتبار عود الضمير فيه إلى الكسرتين وفتح الموحدة من باب علم يعلم وقد تكسر وفي لغة شاذة. وفي رواية الكشميهني إلا أن تيبسا بحرف للاستثناء وللمستملي إلى أن ييبسا بإلى التي للغاية والمثناة التحتية بالتذكير باعتبار عود الضمير إلى العودين لأن الكسرتين هما العودان، وما مصدرية زمانية أي مدة دوامهما إلى زمن اليبس المحتمل تأقيته بالوحي كما قاله المازري، لكن تعقبه القرطبي بأنه لو كان بالوحي لما أتى بحرف الترجي. وأجيب: بأن لعل هنا للتعليل أو أنه يشفع لهما في التخفيف هذه المدة كما صرّح به في حديث جابر على أن القصة واحدة كما رجحه النووي وفيه نظر لما في حديث أبي بكرة عند الإمام أحمد والطبراني أنه الذي أتى بالجريدة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأنه الذي قطع الغصنين فدلّ ذلك على المغايرة، ويؤيد ذلك أن قصة الباب كانت بالمدينة وكان معه عليه الصلاة والسلام جماعة. وقصة جابر كانت في السفر وكان خرج لحاجته فتبعه جابر وحده فظهر التغاير بين حديث ابن عباس وحديث جابر، بل في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المروي في صحيح ابن حبّان ما يدل على الثالثة، ولفظه: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ بقبر فوقف فقال: ائتوني بجريدتين فجعل إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في باب وضع الجريدة على القبر من كتاب الجنائز. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي ودارمي ومكّي وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف هنا عن جرير عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما وفي الآتية عن الأعمش كمسلم عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس. فأسقط المؤلف طاوسًا الثابت في الثانية من الأولى، فانتقد عليه الدارقطني ذلك كما سيأتي مع الجواب عنه في الباب اللاحق إن شاء الله تعالى، وقد أخرج المؤلف الحديث أيضًا في الطهارة في موضعين وفي الجنائز والأدب والحج ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة في الطهارة، وكذا النسائي فيها أيضًا وفي التفسير والجنائز. 56 - باب مَا جَاءَ فِي غَسْلِ الْبَوْلِ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِصَاحِبِ الْقَبْرِ: كَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى بَوْلِ النَّاسِ. (باب ما جاء) في الحديث (في غسل البول) من الإنسان قال فيه للعهد الخارجي (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الحديث السابق (لصاحب القبر كان لا يستتر) بالمثناتين ولابن عساكر لا يستبرئ بالموحدة بعد المثناة (من بوله ولم يذكر سوى بول الناس) أخذ المؤلف هذا من إضافة البول إليه، وحينئذ فتكون رواية لا يستتر من البول محمولة على ذلك من باب حمل المطلق على المقيد، وعلى هذا فالقول بنجاسة البول خاص ببول الناس وليس عامًّا في بول جميع الحيوان. نعم للقائلين بعموم النجاسة فيه دلائل أُخر كالقائلين بطهارة بول المأكول، واللام في قوله لصاحب للتعليل أو بمعنى عن كما ذكره ابن الحاجب في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا} [الأحقاف: 11] الآية. 217 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا تَبَرَّزَ لِحَاجَتِهِ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فَيَغْسِلُ بِهِ. وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي (قال: حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت أخبرنا (إسماعيل بن إبراهيم) هو ابن علية وليس هو أخا يعقوب (قال: حدّثني) بالإفراد (روح بن القاسم) بفتح الراء على المشهور وعن القابسي ضمها وهو شاذ مردود التميمي العنبري من ثقات البصريين (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عطاء بن أبي ميمونة) أبو معاذ البصري مولى أنس (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه أنه (قال كان النبي) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا تبرز) بتشديد الراء أي خرج إلى البراز بفتح الموحدة وهو اسم للفضاء الواسع فكنّوا به عن قضاء الحاجة كما كنّوا عنه بالخلاء لأنهم كانوا يتبرزون في الأمكنة

باب

الخالية من الناس (لحاجته) أي لأجلها (أتيته بماء يغسل به) ذكره المقدّس بفتح المثناة التحتية وسكون الغين المعجمة وكسر السين وحذف المفعول لظهوره أو للاستحياء عن ذكره، ولأبي ذر فيغتسل بمثناة فوقية بين الغين والسين، ولابن عساكر فتغسل بفتح المثناة الفوقية وفتح الغين وتشديد السين المفتوحة يقال: تغسل يتغسل تغسلاً من التكلف والتشديد في الأمر، وقد استدل المؤلف بهذا الحديث هنا على غسل البول وهو أعمّ من الاستدلال به على الاستنجاء وغيره فلا تكرار فيه، وقد ثبتت الرخصة في حق المستجمر فيستدل به على وجوب غسل ما انتشر على المحل. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بغدادي وبصري وفيه التحديث بصيغة الإفراد والجمع والإخبار والعنعنة وأخرجه المؤلف أيضًا في الطهارة والصلاة ومسلم وأبو داود والنسائي في الطهارة والله أعلم. باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة. 218 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا». قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا مِثْلَهُ. وبالسند قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني (محمد بن المثنى) بضم الميم وفتح المثلثة وتشديد النون البصري (قال: حدّثنا محمد بن خازم) بالخاء المعجمة والزاي أبو معاوية الضرير الكوفي أحفظ الناس لحديث الأعمش، المتوفى سنة خمس وتسعين ومائة (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي الأسدي (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن طاوس) هو ابن كيسان (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال): (مرّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقبرين فقال: إنهما ليعذبان) أسند العذاب إلى المقبرين من باب ذكر المحل وإرادة الحال (وما يعذبان في كبير) يشق الاحتراز عنه وإن كان كبيرًا في المعصية (أما أحدهما فكان لا يستتر من البول) من الاستتار وهو بمعنى التنزّه منه المروي في مسلم وسنن أبي داود، ولابن عساكر لا يستبرئ بالموحدة من الاستبراء، (وأما الآخر) من المقبورين (فكان يمشي بالنميمة) بقصد الإضرار، فأما ما اقتضى فعل مصلحة أو ترك مفسدة فهو مطلوب، وقيل ليس ذلك بكبير بمجرده، وإنما صار كبيرًا بالمواظبة عليه ويرشد إلى ذلك السياق فإنه وقع التعبير عن كل منهما بما يدل على تجدد ذلك منه واستمراره عليه للإتيان بصيغة المضارعة بعد كان كما أشير إليه فيما سبق، (ثم أخذ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (جريدة رطبة فشقّها نصفين فغرز) وفي رواية وكيع في الأدب المفرد فغرسِ بالسين وهما بمعنى واحد (في كل قبر واحدة، قالوا) أي الصحابة رضي الله عنهم: (يا رسول الله لم فعلت) زاد أبو الوقت والأصيلي وابن عساكر هذا. وهي ساقطة عند المستملي والسرخسي (قال) عليه الصلاة والسلام: (لعله يخفف) بفتح الفاء الأولى المشددة (عنهما) العذاب (ما لم ييبسا) بالتذكير والتأنيث كما مرّ. ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري وكوفي ومكي ومدني وفيه التحديث والعنعنة، ووقع بينه وبين السابق اختلاف لأنه هناك عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس، وهنا عن الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس، ومن الوجه الثاني أخرجه مسلم وباقي الأئمة الستة كالمؤلف من طريق أخرى، وأخرجه أبو داود والنسائي من الوجه الأوّل، وانتقد الدارقطني على المؤلف إسقاط طاوس من السند الأول، وقال الترمذي بعد أن أخرجه رواه منصور عن مجاهد عن ابن عباس، وحديث الأعمش أصح يعني المتضمن للزيادة اهـ. وأجيب بأن مجاهدًا غير مدلس وسماعه عن ابن عباس صحيح في جملة الأحاديث ومنصور عندهم أتقن من الأعمش مع أن الأعمش أيضًا من الحفاظ، فالحديث كيفما دار على ثقة، والإسناد كيفما دار كان متصلاً، فالحاصل أن إخراج المؤلف له من هذين الطريقين صحيح لأنه يحتمل أن مجاهدًا سمعه تارة عن ابن عباس وتارة عن طاوس. (قال ابن المثنى) وللأصيلي وابن عساكر، وقال محمد بن المثنى (وحدّثنا) بواو العطف على قوله: حدّثنا محمد بن خازم (وكيع قال: حدّثنا الأعمش، قال: سمعت مجاهدًا مثله) صرّح بسماع الأعمش عن مجاهد ومن ثم ذكر المؤلف هذا الإسناد لأن الأوّل معنعن والأعمش مدلس وعنعنة المدلس غير معتبرة إلا إن علم سماعه، وقد وصل أبو نعيم هذا في مستخرجه من طريق محمد بن المثنى عن

57 - باب ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد

وكيع وأبي معاوية جميعًا عن الأعمش وعبر هنا بقال رعاية للفرق بينه وبين حدّثني، فإن قال أحطّ رتبة. 57 - باب تَرْكِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسِ الأَعْرَابِيَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ بَوْلِهِ فِي الْمَسْجِدِ (باب ترك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والناس) بالجر عطفًا على المضاف إليه أي وترك الناس (الأعراب) الذي قدم المدينة ودخل المسجد النبوي وبال فيه فلم يتعرّض له أحد بإشارته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى فرغ من بوله في المسجد) النبوي واللام في الأعراب للعهد الذهني والأعرابيّ واحد الأعراب وهم من سكن البادية عربًا كانوا أو عجمًا. 219 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى أَعْرَابِيًّا يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: دَعُوهُ. حَتَّى إِذَا فَرَغَ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ. [الحديث 219 - أطرافه في: 221، 6025]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي البصري ولابن عساكر بإسقاط لفظ ابن إسماعيل (قال حدّثنا همام) هو ابن يحيى بن دينار العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالذال المعجمة المتوفى سنة ثلاث وستين ومائة (قال: أخبرنا) ولابن عساكر والأصيلي حدّثنا (إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري (عن أنس) هو ابن مالك رضي الله عنه. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى) أي أبصر (أعرابيًا يبول) أي بائلاً (في المسجد) فزجره الناس (فقال) عليه الصلاة والسلام: (دعوه) أي اتركوا الأعرابيّ وهو الأقرع بن حابس فيما حكاه أبو بكر التاريخي أو ذو الخويصرة اليماني فيما نقل عن أبي الحسن بن فارس فتركوه خوفًا من مفسدة تنجيس بدنه أو ثوبه أو مواضع أخرى من المسجد أو يقطعه فيتضرر به (حتى إذا فرغ) أي من بوله كما للأصيلي وهذا كلام أنس وحتى للغاية أي فتركوه إلى أن فرغ منه فلما فرغ (دعا) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بماء) أي طلبه (فصبّه عليه) أي أمر بصبه عليه، وللأصيلي فصبّ بحذف ضمير المفعول، واستدل به على أن الأرض إذا تنجست تطهر بصب الماء عليها أي قدر ما يغمرها حتى تستهلك فيه، وقيل إن كانت صلبة بضم الصاد وإسكان اللام يصب عليها من الماء سبعة أمثاله. ونقل ذلك عن الشافعي رضي الله عنه من غير تقييد بصلابة، قيل: ولعله أخذ من نسبة بول الأعرابيّ في الحديث الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى إلى الذنوب المصبوب عليه، وإن كانت الأرض رخوة تحفر إلى ما وصلت إليه النداوة وينقل التراب بناء على أن الغسالة نجسة لحديث أبي داود عن عبد الله بن معقل رضي الله عنه خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه وأهريقوا على مكانه ماء، وهذا قوله أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنهم وعن أبي حنيفة رضي الله عنه لا تطهر الأرض حتى تحفر إلى الموضع الذي وصلت إليه النداوة وينقل التراب، وقيل يشترط في تطهير الأرض أن يصب علي بول الواحد ذنوب وعلى بول الاثنين ذنوبان وهكذا، والأظهر هو الأوّل لحديث الباب ولاحقه إذ لم يأمر عليه الصلاة والسلام فيهما بقلع التراب. وأما الحديث السابق الدال على قلعه فضعيف لأن إسناده غير متصل لأن ابن معقل لم يدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي الحديث أيضًا من الفقه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عنادًا، ولا سيما إن كان ممن يحتاج إلى استئلافه وبقية ما يستفاد من الحديث تأتي قريبًا إن شاء الله سبحانه وتعالى، ورواته الأربعة ما بين بصري ومدني وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الباب التالي، وفي الأدب ومسلم في الطهارة والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة، والله أعلم. 58 - باب صَبِّ الْمَاءِ عَلَى الْبَوْلِ فِي الْمَسْجِد (باب) حكم (صب الماء على البول فى المسجد) النبوي وغيره من سائر المساجد. 220 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «دَعُوهُ، وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ -أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ- فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ». [الحديث 220 - طرفه في: 6128]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله) بتصغير الابن وتكبير الأب (ابن عتبة) بضم العين وسكون المثناة الفوقية (ابن مسعود) رضي الله عنه (أن أبا هريرة) رضي الله عنه (قال): (قام أعراب فبال) أي شرع في البول (في المسجد) النبوي ولأبي ذر في السجد فبال (فتناوله الناس) بألسنتهم لا بأيديهم، وفي رواية أنس الآتية فزجره الناس، ولمسلم فقال الصحابة: مه مه، وللبيهقي من طريق عبدان شيخ المؤلف فصاح الناس به، وكذا للنسائي من طريق ابن المبارك (فقال لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعوه) يبول زاد الدارقطني في رواية له عسى أن يكون من أهل الجنة، (وهريقوا) وعنده

58 م - باب يهريق الماء على البول

في الأدب وأهريقوا (على بوله سجلاً من ماء) بفتح المهملة وسكون الجيم الدلو الملأى ماء لا فارغة أو الدلو الواسعة، (أو ذنوبًا من ماء) بفتح الذال المعجمة الدلو الملأى لا فارغة أو العظيمة وحينئذ فعلى الترادف أو الشك من الراوي، وإلا فهي للتخيير (فإنما بعثتم) حال كونكم (ميسرين ولم تبعثوا) حال كونكم (معسرين) أكد السابق بنفي ضده تنبيهًا على المبالغة في اليسر، وأسند البعث إلى الصحابة رضي الله عنهم على طريق المجاز لأنه عليه الصلاة والسلام هو المبعوث حقيقة، لكنهم لما كانوا في مقام التبليغ عنه في حضوره وغيبته أطلق عليهم ذلك، وقد كان عليه الصلاة والسلام إذا بعث بعثًا إلى جهة من الجهات يقول: "يسروا ولا تعسروا" في قوله "إنما بعثتم ميسرين" إشارة إلى تضعيف وجوب حفر الأرض إذ لو وجب لزال معنى التيسير وصاروا معسرين. ورواته الخمسة ما بين حمصي ومدني وبصري وفيه التحديث بالجمع والإخبار به بالتوحيد والعنعنة، وأما قوله: أخبرني عبيد الله فرواه كذلك أكثر الرواة عن الزهري، ورواه سفيان بن عيينة عنه عن سعيد بن المسيب بدل عبيد الله، وتابعه سفيان بن حسين قال في الفتح فالظاهر أن الروايتين صحيحتان. 221 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عبدان) بفتح المهملة وسكون الموحدة هو عبد الله العتكي (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا يحيى بن سعيد) الأنصاري (قال: سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أخرج البيهقي هذا الحديث من طريق عبدان هذا بلفظ: جاء أعرابي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما قضى حاجته قام إلى ناحية المسجد فبال فصاح به الناس فكفّهم عنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم قال: صبّوا عليه دلوًا من ماء، وفي بعض الأصول هنا ح علامة التحويل من سند إلى سند آخر وفي فرع اليونينية بدلها. 58 م - باب يُهَرِيقُ الْمَاءَ عَلَى الْبَوْل 221 م - وحَدَّثَنَا خَالِدٌ. قَالَ: وحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْه. (باب) بالتنوين (يهريق الماء على البول) بفتح الهاء وسقط الباب والترجمة في رواية الأصيلي والهروي وابن عساكر (وحدّثنا) بواو العطف على قوله: حدّثنا عبدان قال في الفتح وسقطت من رواية كريمة، وفي الفرع ثبوتها للأصيلي وابن عساكر (خالد) هو ابن مخلد كما للأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر وهو بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام (قال: وحدّثنا) وللأصلي وأبي الوقت قال: حدّثنا (سليمان) بن بلال (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري أنه (قال): (سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد) أي في قطعة من أرضه (فزجره الناس) على ذلك وهذا يدل على أن الاحتراز من النجاسة كان مقررًّا عندهم (فنهاهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن زجره للمصلحة الراجحة وهي دفع أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما، (فلما قضى) الأعرابي (بوله أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذنوب من ماء) بفتح الذال المعجمة الدلو المملوءة ماء أو العظيمة (فأهريق) بزيادة همزة مضمومة وسكون الهاء وضمها كذا في اليونينية ولأبي ذر فهريق بضم الهاء (عليه) أي على البول، وهذا يدل على أن الأرض المتنجسة لا يطهرها إلا الماء لا الجفاف بالريح أو الشمس، لأنه لو كان يكفي ذلك لما حصل التكليف بطلب الدلو، ولأنه لم يوجد المُزيل، ولهذا لا يجوز التيمم بها. وقال الحنفية غير زفر منهم: إذا أصابت الأرض نجاسة فجفت بالشمس وذهب أثرها جازت الصلاة على مكانها لقوله عليه الصلاة والسلام "زكاة الأرض يبسها" ولا دلالة هنا على نفي غير الماء لأن الواجب هو الإزالة والماء مزيل بطبعه فيقاس عليه كل ما كان مزيلاً لوجود الجامع. قالوا: وإنما لا يجوز التيمم به لأن طهارة الصعيد ثبتت شرطًا بنص الكتاب فلا تتأدّى بما ثبت بالحديث اهـ. وفي الحديث أن غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة لأن الماء المصبوب لا بدّ أن يتدافع عند وقوعه على الأرض ويصل إلى محل لم يصبه البول مما يجاوره، فلولا أن الغسالة طاهرة لكان الصب ناشرًا للنجاسة وذلك خلاف مقصود التطهير، وسواء كانت النجاسة على الأرض أو غيرها لكن الحنابلة فرّقوا بين الأرض وغيرها، والله أعلم. 59 - باب بَوْلِ الصِّبْيَانِ (باب) حكم (بول الصبيان)

بكسر الصاد ويجوز ضمها جمع صبي قال البرماوي والحافظ ابن حجر، وتعقبه العيني فقال: لا يقال في الضم إلا صبوان بالواو، وقد وهم هذا القائل حيث لم يعلم الفرق بين المادّة الواوية والمادّة اليائية قال: وأصل صبيان بالكسر صبوان لأن المادّة واوية فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها اهـ. قلت: وفيما قاله نظر، فإن الذي قاله ابن حجر موافق لما قاله إمام عصره في لسان العرب المجد الشيرازي في قاموسه، وعبارته الصبي من لم يفطم وجمعه أصبية وأصب وصبوة وصبية وصبوان وصبيان وتضم هذه الثلاثة اهـ وهو يردّ على العيني كما ترى. 222 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ. [الحديث 222 - أطرافه في: 5468، 6002، 6355]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما (عن عائشة أم المؤمنين) رضي الله عنها (أنها قالت أُتي) بضم الهمزة وكسر المثناة الفوقية ولابن عساكر عن عائشة أم المؤمنين قالت: أُتي (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بصبي) وهو الذي لم يأكل ولم يشرب غير اللبن للتغذي وهو ابن أم قيس المذكورة بعد أو الحسن بن علي رضي الله عنهما أو أخوه الحسين رضي الله عنه كما في الأوسط للطبراني (فبال على ثوبه) أي ثوب رسول الله -صى الله عليه وسلم- (فدعا بماء فأتبعه إياه) بفتح همزة أتبعه وإسكان المثناة وفتح الموحدة أي أتبع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البول الذي على الثوب الماء بصبه عليه حتى غمره من غير سيلان كما يدل عليه قوله الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى ولم يغسله، واكتفى بذلك لأن النجاسة مخففة وشمل قولي كأئمتنا لم يأكل غير اللبن لبن الآدمي وغيره وهو متجه كما في المهمات، وظاهره أنه لا فرق بين النجس وغيره، وأما قول الزركشي: لو شرب لبنًا نجسًا أو متنجسًا فينبغي وجوب غسل بوله كما لو شربت السخلة لبنًا نجسًا يحكم بنجاسة أنفحتها، وكذا الجلالة فإنه مردود بأن استحالة ما في الجوف تغير حكمه الذي كان بدليل قول الجمهور بطهارة لحم جدي ارتضع كلبة أو نحوها، فنبت لحمه على لبنها وبعدم تسبيغ المخرج فيما لو أكل لحم كلب، وإن وجب تسبيع الفم وما قاس عليه لم يذكره الأئمة كما اعترف هو به في أثناء كلامه وهو ممنوع لأن الأنفحة لبن جامد لم يخرج من الجوف كما ذكره الإمام والروياني وغيرهما فهي مستحيلة في الجوف، وقد عرف أن الحكم يتغير بالاستحالة والجلالة لحمها ولبنها طاهران كما صححه النووي كالجمهور، ونقله الرافعي عنهم، وإن صحح في المحرر خلافه قاله في شرح التنقيح. وهذا الحديث من الخماسيات وفيه التحديث والإخبار والعنعنة وأخرجه النسائي في الطهارة. 223 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حِجْرِهِ، فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ. [الحديث 223 - طرفه في: 5693]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) إمام الأئمة (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله) بتصغير الأول (ابن عتبة) بن مسعود رضي الله عنه (عن أُم قيس) بفتح القاف وسكون المثناة التحتية، وذكرها الذهبي في تجريده في الكنى ولم يذكر لها اسمًا وعند ابن عبد البر اسمها جذامة بالجيم وبالذال المعجمة، وعند السهيلي آمنة (بنت) ولأبي الوقت والأصيلي ابنة (محصن) بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين آخره نون وهي أخت عكاشة بن محصن وهي من السابقات المعمرات، ولها في البخاري حديثان. (أنها أتت بابن لها) ذكر (صغير) بالجر صفة ابن كقوله (لم يكل الطعام) لعدم قدرته على مضغه ودفعه لمعدته (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأجلسه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجره) بكسر الحاء وفتحها وسكون الجيم (فبال على ثوبه) أي ثوب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فدعا بماء فنضحه) أي رشه بماء عمه وغلبه من غير سيلان كما يدل عليه قوله (ولم يغسله) لأنه لم يبلغ الإسالة، وقد ادّعى الأصيلي أن قوله ولم يغسله من كلام ابن شهاب ليس من المرفوع والفاءات الأربعة في قوله فأجلسه فبال فدعا بماء فنضحه للعطف بين الكلام بمعنى التعقيب، ومراده بالصغير هنا الرضيع بدليل قوله: لم يأكل. وعبّر بالابن دون الولد لأن الابن لا يطلق إلا على الذكر بخلاف الولد فإنه يطلق عليهما، والحكم المذكور إنما هو للذكر لا لها، ولا بدّ في بولها من الغسل على الأصل. وقد

60 - باب البول قائما وقاعدا

روى ابن خزيمة والحاكم وصحّحاه يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام، وفرّق بينهما بأن الائتلاف بحمل الصبي أكثر فخفف في بوله، وبأنه أرق من بولها فلا يلصق بالمحل كلصوق بولها، ولأن بولها بسبب استيلاء الرطوبة والبرودة على مزاجها أغلظ وأنتن ومثلها الخنثى كما جزم به في المجموع ونقله في الروضة عن البغوي وأفهم قوله لم يأكل الطعام أنه لا يمنع النضح تحنيكه بتمر ونحوه ولا تناوله السفوف ونحوه للإصلاح، وممن قال بالفرق عليّ بن أبي طالب، وعطاء بن أبي رياح، والحسن وأحمد بن حنبل وابن راهويه وابن وهب من المالكية، وذهب أبو حنيفة ومالك رحمهما الله إلى عدم الفرق بين الذكر والأنثى بل قالا بالغسل فيهما مطلقًا سواء أكلا الطعام أم لا، واستدل لهما بأنه عليه الصلاة والسلام نضح والنضح هو الغسل لقوله عليه الصلاة والسلام في المذي فلينضح فرجه. رواه أبو داود وغيره من حديث المقداد، والمراد به الغسل كما وقع التصريح به في مسلم والقصة واحدة كالراوي. ولحديث أسماء في غسل الدم وانضحيه، وقد ورد الرش وأريد به الغسل كما في حديث ابن عباس في الصحيح لما حكى الوضوء النبوي أخذ غرفة من ماء ورش على رجله اليمنى حتى غسلها وأراد بالرش هنا الصب قليلاً قليلاً، وتأوّلوا قوله ولم يغسله أي غسلاً مبالغًا فيه بالعرك كما تغسل الثياب إذا أصابتها النجاسة وأجيب بأن النضح ليس هو الغسل كما دل عليه كلام أهل اللغة ففي الصحاح والجمل لابن فارس وديوان الأدب للفارابي والمنتخب لكراع والأفعال لابن طريف والقاموس للفيروزاباذي النضح الرش ولا نسلم أنه في حديث المقداد وأسماء بمعنى الغسل ولئن سلمناه فبدليل خارجي واستدل بعضهم بقوله ولم يغسله على طهارة بول الصبي وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور وحكي عن مالك والأوزاعي وأما حكايته عن الشافعي فجزم النووي بأنها باطلة قطعًا. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين تنيسي ومدني وفيه التحديث والإخبار والعنعنة. 60 - باب الْبَوْلِ قَائِمًا وَقَاعِدًا (باب) بيان حكم (البول) حال كون البائل (قائمًا و) حال كونه (قاعدًا). 224 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ، فَجِئْتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ. [الحديث 224 - أطرافه في: 225، 226، 2471]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) شقيق الكوفي (عن حذيفة) بن اليمان واسم اليمان حسيل بمهملتين مصغر أو يقال حسل بكسر ثم سكون العبسي بالموحدة حليف الأنصار صحابي جليل من السابقين صح في مسلم عنه أو رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعلمه بما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة أبوه صحابي أيضًا استشهد بأُحُد، ومات حذيفة في أوّل خلافة عليّ سنة ست وثلاثين له في البخاري اثنان وعشرون حديثًا (قال): (أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سباطة) بضم المهملة وتخفيف الموحدة مرمى تراب كناسة (قوم) من الأنصار تكون بفناء الدور مرتفقًا لأهلها أو السباطة الكناسة نفسها، وتكون في الغالب سهلة لا يرتد منها البول على البائل وإضافتها إلى القوم إضافة اختصاص لا ملك لأنها لا تخلو عن النجاسة، وفي رواية أحمد أتى سباطة قوم فتباعدت منه فأدناني حتى صرت قريبًا من عقبيه (فبال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الكناسة لدمثها حال كونه (قائمًا) بيانًا للجواز أو لأنه لم يجد للقعود مكانًا فاضطر للقيام أو كان بمأبضه بالهمزة الساكنة والموحدة المكسورة والضاد المعجمة وهو باطن ركبته الشريفة جرح أو استشفاء من وجع صلبه على عادة العرب في ذلك، أو أن البول قائمًا أحصن للفرج، فلعله خشي من البول قاعدًا مع قربه من الناس خروج صوت منه. فإن قلت: لِمَ بال عليه الصلاة والسلام في السباطة من غير أن يبعد عن الناس أو يبعدهم عنه؟ أجيب بأنه لعله كان مشغولاً بأمور المسلمين والنظر في مصالحهم، وطال عليه المجلس حتى لم يمكنه التباعد خشية الضرر، وقد أباح البول قائمًا جماعة كعمر وابنه وزيد بن ثابت، وسعيد بن المسيب، وابن سيرين والنخعي والشعبي وأحمد، وقال مالك: إن كان في مكان لا يتطاير عليه منه شيء فلا بأس به وإلاَّ فمكروه وكرهه للتنزيه عامّة العلماء. فإن قلت: في الترجمة البول قائمًا وقاعدًا وليس في الحديث إلا القيام أجيب: بأن وجه أخذه من الحديث أنه إذا جاز قائمًا

61 - باب البول عند صاحبه، والتستر بالحائط

فقاعدًاً أجوز لأنه أمكن. (ثم دعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بماء فجئته بماء فتوضأ) به وزاد عيسى بن يونس فيه عن الأعمش ما أخرجه ابن عبد البر في التمهيد بسند صحيح أن ذلك كان بالمدينة واستنبط من الحديث جواز البول بالقرب من الديار وأن مدافعة البول مكروهة. ورواته الخمسة ما بين خراساني وكوفي وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الطهارة وكذا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 61 - باب الْبَوْلِ عِنْدَ صَاحِبِهِ، وَالتَّسَتُّرِ بِالْحَائِطِ (باب البول) أي حكم بول الرجل (عند صاحبه والتستر) أي وبيان حكم تستره (بالحائط) فأل في البول بدل من المضاف إليه وهو كما قدرنا والضمير في صاحبه يرجع إلى المضاف إليه المقدّر وهو الرجل البائل. 225 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: رَأَيْتُنِي أَنَا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَتَمَاشَى، فَأَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ، فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ فَبَالَ، فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ، فَأَشَارَ إِلَىَّ فَجِئْتُهُ، فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغ. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) نسبه لجده الأعلى لشهرته به وإلاّ فاسم أبيه محمد بن إبراهيم الكوفي المتوفى سنة تسع وثلاثين ومائتين (قال: حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق الكوفي (عن حذيفة) بن اليمان رضي الله عنه (قال): (رأيتني) بضم المثناة الفوقية فعل وفاعل ومفعول وجاز كون الفاعل والمفعول واحدًا لأن أفعال القلوب يجوز فيها ذلك (أنا والنبي) بالنصب عطفًا على الضمير المنصوب على المفعولية أي رأيت نفسي، ورأيت النبي وأنا للتأكيد ولصحة عطف لفظ النبي على الضمير المذكور ويجوز رفع النبي عطفًا على أنا وكلاهما بفرع اليونينية (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كوننا (نتماشى فأتى سباطة قوم خلف حائط) أي جدار (فقام) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كما يقوم أحدكم فبال فانتبذت) بنون فمثناة فوقية فموحدة فمعجمة أي ذهبت ناحية (منه فاشار إليّ) عليه الصلاة والسلام بيده أو برأسه (فجئته) فقال: يا حذيفة استرني كما عند الطبراني من حديث عصمة بن مالك (فقمت عند عقبه) بالإفراد وللأصيلي عقبيه (حتى فرغ) وفي إشارته عليه الصلاة والسلام لحذيفة دليل على أنه لم يبعد منه بحيث لا يراه، والمعنى في إدنائه إياه مع استحباب الإبعاد في الحاجة أن يكون سترًا بينه وبين الناس إذ السباطة إنما تكون في الأفنية المسكونة أو قريبًا منها ولا تكاد تخلو عن مارّ وإنما انتبذ حذيفة لئلا يسمع شيئًا مما يقع في الحدث، فلما بال عليه الصلاة والسلام قائمًا وأمن منه ذلك أمره بالقرب منه. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي ورازي. 62 - باب الْبَوْلِ عِنْدَ سُبَاطَةِ قَوْمٍ (باب) حكم (البول عند سباطة قوم). 226 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ يُشَدِّدُ فِي الْبَوْلِ وَيَقُولُ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ أَحَدِهِمْ قَرَضَهُ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَيْتَهُ أَمْسَكَ، أَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بعينين وراءين مهملات (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق (قال): (كان أبو موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري) رضي الله عنه (يشدد في) الاحتراز من (البول) حتى كان يبول في قارورة خوفًا من أن يصيبه شيء من رشاشه (ويقول إن بني إسرائيل) بني يعقوب، وإسرائيل لقبه لأنه لما فاز بدعوة أبيه إسحاق دون أخيه عيصو توعده بالقتل فلحق بخاله ببابل أو بحران فكان يسير بالليل ويكمن بالنهار فسمي لذلك إسرائيل (كان) شأنهم (إذا أصاب) البول (ثوب أحدهم قرضه) أي قطعه، وللإسماعيلي قرضه بالمقراض، ولمسلم إذا أصاب جلد أحدهم أي الذي يلبسه أو جلد نفسه على ظاهره، ويؤيده رواية أبي داود إذا أصاب جسد أحدهم لكن رواية المؤلف صريحة في الثياب، فيحتمل أن بعضهم رواه بالمعنى (فقال حذيفة) بن اليمان (ليته) أي أبا موسى الأشعري (أمسك) نفسه عن هذا التشديد فإنه خلاف السُّنّة، فقد (أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سباطة قوم فبال قائمًا) فلم يتكلف البول في القارورة، واستدل به مالك على الرخصة في مثل رؤوس الإبر من البول. نعم يقول بغسلها استحبابًا، وأبو حنيفة يسهل فيها كيسير كل النجاسات، وعند الشافعي يغسلها وجوبًا، وفي الاستدلال على الرخصة المذكورة ببوله عليه السلام قائمًا نظر لأنه عليه الصلاة والسلام في تلك الحالة لم يصل إليه منه شيء. قال ابن حبان: إنما بال قائمًا لأنه لم يجد مكانًا يصلح للقعود فقام لكون الطرف الذي يليه من السباطة عاليًا فأمن من أن يرتد عليه شيء من بوله أو كانت

63 - باب غسل الدم

السباطة رخوة لا يرتد إلى البائل شيء من بوله. ورواة هذا الحديث الستة ما بين شامي ومصري وكوفي وفيه التحديث والعنعنة. 63 - باب غَسْلِ الدَّمِ (باب) حكم (غسل الدم) بفتح الغين أي دم الحيض. 227 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ قَالَ: «تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ وَتَنْضَحُهُ وَتُصَلِّي فِيهِ». [الحديث 227 - طرفه في: 307]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) بفتح النون المعروف بالزمن (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام) هو ابن عروة بن الزبير (قال: حدّثتني فاطمة) أي زوجته بنت المنذر بن الزبير (عن) ذات النطاقين (أسماء) بنت أبي بكر الصديق أم عبد الله بن الزبير من المهاجرات، وكانت تسمى ذات النطاقين لما ذكر في حديث الهجرة أسلمت بعد سبعة عشر إنسانًا كما قاله ابن إسحاق وهاجرت بابنها عبد الله، وكانت عارفة بتعبير الرؤيا حتى قيل: أخذ ابن سيرين التعبير عن ابن المسيب، وأخذه ابن المسيب عن أسماء، وأخذته أسماء عن أبيها وهي آخر المهاجرات وفاة، توفيت في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين بمكة بعد ابنها عبد الله بأيام بلغت مائة سنة لم يسقط لها سنّ ولم ينكر لها عقل لها في البخاري ستة عشر حديثًا رضي الله عنها (قالت): (جاءت امرأة النبي) وللأربعة إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) والمرأة هي أسماء كما وقع في رواية الإمام الشافعي بإسناد صحيح على شرط الشيخين عن سفيان بن عيينة عن هشام ولا يبعد أن يبهم الراوي اسم نفسه (فقالت: أرأيت) يا رسول الله (إحدانا تحيض) حال كونها (في الثوب) ومن ضرورة ذلك غالبًا وصول الدم إليه، وللمؤلف من طريق مالك عن هشام إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة، وأطلقت الرؤية وأرادت الإخبار لأنها سببه أي أخبرني والاستفهام بمعنى الأمر بجامع الطلب (كيف تصنع) به: (قال) عليه الصلاة والسلام وللأصيلي فقال: (تحته) بضم الحاء أي تفركه (ثم تقرصه بالماء) بفتى المثناة الفوقية وإسكان القاف وضم الراء والصاد المهملتين أي تفرك الثوب وتقلعه بدلكه بأطراف أصابعها أو بظفرها مع صب الماء عليه، وفي رواية تقرصه بتشديد الراء المكسورة، قال أبو عبيد: معنى التشديد تقطعه، (وتنضحه) بفتح الأوّل والثالث لا بكسره أي تغسله بأن تصب عليه الماء قليلاً قليلاً قال الخطابي: تحت المتجسد من دم لتزول عينه ثم تقرصه بأن تقبض عليه بإصبعها ثم تغمره غمرًا جيدًا وتدلكه حتى ينحل ما تشرّبه من الدم ثم تنضحه أي تصب عليه، والنضح هنا الغسل حتى يزول الأثر وفي نسخة: ثم تنضحه (وتصلي فيه) ولابن عساكر ثم تصلي فيه وفي الحديث تعيين الماء لإزالة جميع النجاسات دون غيره من المائعات، إذ لا فرق بين الدم وغيره، وهذا قول الجمهور خلافًا لأبي حنيفة وصاحبه أبي يوسف حيث قالا بجواز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر لحديث عائشة: ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم الحيض قالت بريقها فمصعته بظفرها فلو كان الريق لا يطهر لزادت النجاسة وأجيب: بأنها أرادت بذلك تحليل أثره ثم غسلته بعد ذلك، وفيه أن قليل دم الحيض لا يعفى عنه كسائر النجاسات بخلاف سائر الدماء، وعن مالك يعفى عن قليل الدم ويغسل قليل غيره من النجاسات وعن الحنفية يعفى عن قدر الدرهم. ورواة هذا الحديث ما بين مكي ومدني وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الصلاة والبيوع وأبو داود والترمذي وابن ماجة في الطهارة. 228 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ ابْنَةُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ. إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ. فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلاَةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي» قَالَ: وَقَالَ أَبِي: «ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلاَةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ». وبه قال: (حدثنا محمد) غير منسوب ولأبي الوقت وابن عساكر يعني ابن سلام، وللأصيلي حدثنا محمد بن سلام، ولأبي ذر محمد هو ابن سلام وهو بتخفيف اللام البيكندي (قال: حدثنا) ولابن عساكر أخبرنا (أبو معاوية) محمد بن خازم بمعجمتين الضرير (قال: حدثنا هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (جاءت فاطمة ابنة) ولأبوي والوقت والأصيلي وابن عساكر بنت (أبي حبيش) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة وسكون المثناة التحتية آخره شين معجمة قيس بن المطلب وهي قرشية أسدية (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إني امرأة استحاض) بضم الهمزة وفتح المثناة أي يستمر بي الدم بعد أيامي المعتادة إذ الاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه (فلا أطهر) لدوامه والسين

64 - باب غسل المني وفركه، وغسل ما يصيب من المرأة

في استحاض للتحول لأن دم الحيض تحوّل إلى غير دمه وهو دم الاستحاضة كما في استحجر الطين، وبني الفعل فيه للمفعول فقيل استحيضت المرأة بخلاف الحيض فيقال فيه حاضت المرأة لأن دم الحيض لما كان معتادًا معروف الوقت نسب إليها والآخر لما لكان نادرًا مجهول الوقت وكان منسوبًا إلى الشيطان كما في الحديث أنها ركضة الشيطان بني للمفعول وتأكيدها بأن لتحقيق القضية لندور وقوعها لا لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متردد أو منكر (أفأدع) أي أترك والعطف على مقدر بعد الهمزة لأن لها صدر الكلام أي أيكون لي حكم الحائض فأترك (الصلاة) أو أن الاستفهام ليس باقيًا بل للتقرير فزالت صدريتها (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا) تدعي الصلاة (إنما ذلك) بكسر الكاف (عرق) أي دم يخرج من قعر الرحم (فإذا أقبلت حيضتك) بفتح الحاء المرة وبالكسر اسم للدم والخرقة التي تستثفر بها المرأة والحالة أو الفتح خطأ والصواب الكسر لأن المراد بها الحالة قاله الخطابي، ورده القاضي بها عياض وغيره بل قالوا: الأظهر الفتح لأن المراد إذا أقبل الحيض وهو الذي في فرع اليونينية (فدعي الصلاة) أي اتركيها (وإذا أدبرت) أي انقطعت (فاغسلي عنك الدم) أي واغتسلي لانقطاع الحيض، وهذا مستفاد من أدلة أخرى تأتي إن شاء الله تعالى ومفهومه أنها كانت تميز بين الحيض والاستحاضة، فلذلك وكّل الأمر إليها في معرفة ذلك (ثم صلي) أول صلاة تدركينها. وقال مالك في رواية تستظهر بالإمساك عن الصلاة ونحوها ثلاثة أيام على عادتها. (قال) هشام بالإسناد المذكور، عن محمد عن أبي معاوية عن هشام. (وقال أبي) عروة بن الزبير (ثم توضئي) بصيغة الأمر (لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت) أي وقت إقبال الحيض وكاف ذلك مكسورة كما في فرع اليونينية وصحح عليه. وبقية مباحث الحديث تأتي في كتاب الحيض إن شاء الله تعالى، وتفاصيل حكمه مستوفاة في كتب الفقه أشير لشيء منها في محله إن شاء الله تعالى بعون الله. ورواة هذا الحديث ستة وفيه الإخبار والتحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم في الطهارة وكذا الترمذي والنسائي وأبو داود. 64 - باب غَسْلِ الْمَنِيِّ وَفَرْكِهِ، وَغَسْلِ مَا يُصِيبُ مِنَ الْمَرْأَةِ (باب غسل المني وفركه) من الثوب حتى يذهب أثره (وغسل ما يصيب) الثوب وغيره من الرطوبة الحاصلة - من فرج (المرأة) عند مخالطته إياها. 229 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ الْجَزَرِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كُنْتُ أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ فِي ثَوْبِهِ". [الحديث 229 - أطرافه في: 230، 231، 232]. وبالسند قال: (حدّثنا عبدان) بفتح العين وسكون الموحدة المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) أي ابن المبارك كما لأبوي الوقت وذر (قال: أخبرنا عمرو بن ميمون) بفتح العين وفي نسخة ابن مهران بدل ابن ميمون (الجزري) بالزاي المنقوطة والراء نسبة إلى الجزيرة (عن سليمان بن يسار) بفتح المثناة التحتية والسين المهملة المخففة مولى ميمونة أم المؤمنين فقيه المدينة، المتوفى سنة سبع ومائة (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (كنت أغسل الجنابة) أي أثرها لأن الجنابة معنى فلا تغسل أو عبرت بها عن ذلك مجازًا أو المراد المنيّ من باب تسمية الشيء باسم سببه، فإن وجوده سبب لبعده عن الصلاة ونحوها، أو أطلقت على المني اسم الجنابة، وحينئذ فلا حاجة إلى التقدير بالحذف أو بالمجاز (من ثوب النبيّ) ولابن عساكر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيخرج) من الحجرة (إلى) المسجد لأجل (الصلاة وإن بقع) بضم الموحدة وفتح القاف وآخره عين مهملة جمع بقعة أي موضع يخالف لونه ما يليه أي أثر (الماء في ثوبه) الشريف عليه الصلاة والسلام لأنه خرج مبادرًا للوقت، ولم يكن له ثياب يتداولها، ولابن ماجة وأنا أرى أثر الغسل عليه أي لم يجف، ولمسلم من حديث عائشة: كنت أفرك المني من ثوب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولابني خزيمة وحبان بسند صحيح كانت تحكه وهو يصلي ويجمع بينهما، وبين حديث الباب على القول بطهارته كما هو مذهب الإمام الشافعي وأحمد والمحدثين بحمل الغسل على الندب أو غسله لنجاسة الممر أو لاختلاطه برطوبة الفرج على القول بنجاسته، وحمل الحنفية الغسل على الرطب والفرك على اليابس. لنا ما في

65 - باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره

رواية ابن خزيمة من طريق أخرى عن عائشة كانت تسلت الني من ثوبه بعرق الإذخر ثم تصلي فيه، وتحته ثوبه يابسًا ثم يصلي فيه، فإنه يتضمن ترك الغسل في الحالين، وأيضًا لو كان نجسًا لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفركه، والحنفية لا يكتفون فيما لا يعفى عنه من الدم بالفرك وأجيب: بأنه لم يأت نص بجواز الفرك في الدم ونحوه، وإنما جاز في يابس المني على خلاف القياس، فيقتصر مورد النص، وحاصل ما في هذه المسألة أن مذهب الشافعي وأحمد طهارة المني. وقال أبو حنيفة ومالك رضي الله عنهما: نجس إلا أن أبا حنيفة يكتفي في تطهير اليابس منه بالفرك ومالك يوجب غسله رطبًا ويابسًا، وصحح النووي طهارة مني غير الكلب والخنزير وفرع أحدهما، ولمْ يذكر المؤلف حديثًا للفرك المذكور في الترجمة اكتفاء بالإشارة إليه فيها كعادته أو كان غرضه سوق حديث يتعلق به فلم يتفق له ذلك أو لم يجده على شرطه. وأما حكم ما يصيب من رطوبة فرج المرأة فلأن المني يختلط بها عند الجماع أو اكتفى بما سيجيء إن شاء الله تعالى في أواخر كتاب الغسل من حديث عثمان. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين مروزي ورقي ومدني وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح، والنسائي وابن ماجة كلهم في الطهارة. 230 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ ح. وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَتْ: "كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ وَأَثَرُ الْغَسْلِ فِي ثَوْبِهِ بُقَعُ الْمَاءِ". وبه قال (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (قال: حدّثنا يزيد) بفتح المثناة التحتية وكسر الزاي المعجمة يعني ابن زريع كما في رواية ابن السكن أحد الرواة عن الفربري كما نقله الغساني في كتاب تقييد المهمل، وكذا أشار إليه الكلاباذي، وصححه المزي أو هو ابن هارون كما رواه الإسماعيلي من طريق الدورقي وأحمد بن منيع، ورجحه القطب الحلبي والعيني وليس هذا الاختلاف مؤثرًا في الحديث لأن كلاًّ من ابن هارون وابن زريع ثقة على شرط المؤلف (قال: حدّثنا عمرو) بفتح العين يعني ابن ميمون كما في رواية أبي ذر عن المستملي ابن مهران (عن سليمان) هو ابن يسار كما لأبوي ذر والوقت والأصيلي (قال: سمعت عائشة) رضي الله عنها (ح) إشارة إلى التحويل. (وحدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا عبد الواحد) بن زياد بكسر الزاي ومثناة تحتية البصري (قال: حدّثنا عمرو بن ميمون) بفتح العين أي ابن مهران السابق (عن سليمان بن يسار) السابق (قال): (سألت عائشة) رضي الله عنها، وفي السابق سمعت، وكذا هو في مسلم والسماع لا يستلزم السؤال ولا السؤال السماع، ومن ثم ذكرهما ليدل على صحتهما وتصريحه بالسماع هنا يردّ على البزار حيث قال: سليمان بن يسار لم يسمع من عائشة (عن) الحكم في (المني يصيب الثوب) هل يشرع غسله أو فركه (فقالت) عائشة رضي الله عنها: (كنت أغسله من ثوب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيخرج) من الحجرة (إلى الصلاة وأثر الغسل في ثوبه) هو (بقع الماء) بالرفع خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل: ما الأثر الذي في ثوبه؟ فقلت: هو بقع الماء، ويجوز النصب على الاختصاص، والوجه الأوّل هو الذي في فرع اليونينية. ولفظة: كنت وإن اقتضت تكرار الغسل هنا فلا دلالة فيها على الوجوب لحديث الفرك المروي في مسلم، فالغسل محمول على الندب جميعًا بين الحديثين كما سبق. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وواسطي ومدني وفيه التحديث والعنعنة والسماع والسؤال. 65 - باب إِذَا غَسَلَ الْجَنَابَةَ أَوْ غَيْرَهَا فَلَمْ يَذْهَبْ أَثَرُهُ هذا (باب) بالتنوين (إذا غسل الجنابة أو غيرها) نحو دم الحيض وغيره من النجاسة العينية (فلم يذهب أثره) أي أثر ذلك الشيء المغسول يضر إذا كان سهل الزوال، أما إذا عسر إزالة لون أو ريح فيطهر كما صححه في الروضة، والأظهر أنه يضر اجتماعهما لقوّة دلالتهما على بقاء عين النجاسة، ولا خلاف كما في المجموع أن بقاء الطعم وحده يضرّ لسهولة إزالته غالبًا، ولأن بقاءه يدل على بقاء العين والفاء في فلم يذهب للعطف. 231 - حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ: سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ فِي الثَّوْبِ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: "كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ وَأَثَرُ الْغَسْلِ فِيهِ بُقَعُ الْمَاءِ". وبه قال: (حدّثنا موسى) لأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر ابن إسماعيل، ولأبي ذر المنقري أي بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف نسبة إلى بني منقر بطن من تميم التبوذكي. (قال: حدّثنا عبد الواحد) بن زياد (قال: حدّثنا

66 - باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها

عمرو بن ميمون) بفتح العين (قال): (سألت سليمان بن يسار) بالمثناة والمهملة الخفيقة أي قلت له ما تقول (في الثوب) الذي (تصيبه الجنابة) أو في بمعنى عن أي سألته عن الثوب، وللكشميهني وابن عساكر سمعت سليمان بن يسار أي يقول حكم الثوب الذي تصيبه الجنابة (قال: قالت عائشة) رضي الله عنها: (كنت أغسله) أي أثر الجنابة أو المني (من ثوب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فتذكير الضمير على التفسير بالمني أو أثر الجنابة (ثم يخرج) عليه الصلاة والسلام من الحجرة (إلى الصلاة) في المسجد (وأثر الغسل فيه) أي في ثوبه (بقع الماء) بدل من قوله أثر الغسل ولم يذكر في الباب حديثًا يدل على غير الجنابة، ويحتمل أن يكون قاس ذلك على سابقه. 232 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ أَرَاهُ فِيهِ بُقْعَةً أَوْ بُقَعًا. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين (قال: حدّثنا زهير) هو ابن معاوية الجعفي (قال: حدّثنا عمرو بن ميمون بن مهران) بفتح العين وكسر ميم مهران مع عدم صرفه (عن سليمان بن يسار) السابق (عن عائشة) رضي الله عنها (أنها كانت تغسل المني من ثوب النبي) ولابن عساكر من ثوب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قالت عائشة (ثم أراه) بفتح الهمزة أي أبصر الثوب (فيه) أي الأثر الدال عليه قوله تغسل المني أي أرى أثر الغسل في الثوب (بقعة أو بقعًا) وفي بعض النسخ: ثم أرى بدون الضمير المنصوب، فعلى هذا يكون الضمير المجرور في قوله فيه للثوب أي أرى في الثوب بقعة، فالنصب على المفعولية. وقوله بقعة أو بقعًا من قول عائشة أو شك من سليمان أو غيره من رواته. 66 - باب أَبْوَالِ الإِبِلِ وَالدَّوَابِّ وَالْغَنَمِ وَمَرَابِضِهَا وَصَلَّى أَبُو مُوسَى فِي دَارِ الْبَرِيدِ وَالسِّرْقِينِ، وَالْبَرِّيَّةُ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ: هَا هُنَا وَثَمَّ سَوَاءٌ. (باب) حكم (أبوال الإبل والدواب) جمع دابة وهي لغة اسم لما يدب على الأرض وعرفًا لذي الأربع فقط (و) حكم أبوال (الغنم و) حكم (مرابضها) بفتح الميم وكسر الموحدة وبالضاد المعجمة من ربض بالمكان يربض من باب ضرب يضرب إذا أقام به وهي للغنم كالمعاطن للإبل، وربوض الغنم كبروك الإبل، وعطف الدواب على الإبل من عطف العام على الخاص، والغنم على الدواب من عطف الخاص على العام. (وصلى أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري مما وصله أبو نعيم شيخ المؤلف في كتاب الصلاة له (في دار البريد) بفتح الموحدة منزل بالكوفة تنزله الرسل إذا حضروا من الخلفاء إلى الأمراء، وكان أبو موسى أميرًا على الكوفة من قبل عمر وعثمان، ويطلق البريد على الرسول وعلى مسافة اثنتي عشر ميلاً، (والسرقين) معطوف على المجرور السابق وهو بكسر المهملة وفتحها وسكون الراء وبالقاف. ويقال: السرجين بالجيم روث الدواب معرب لأنه ليس في الكلام فعليل بالفتح (والبرية) بفتح الموحدة وتشديد الراء أي الصحراء (إلى جنبه) الضمير لأبي موسى والجملة حالية (فقال) أبو موسى (هاهنا وثم) بفتح المثلثة أي ذلك والبرية (سواء) في جواز الصلاة فيه لأن ما فيها من الأرواث والبول طاهر فلا فرق بينها وبين البرية، ولفظ رواية أبي نعيم الموصولة صلّى بنا أبو موسى في دار البريد وهناك سرقين الدواب والبرية على الباب، فقالوا: لو صليت على الباب فذكره. وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه بلفظ: فصلى بنا على روث وتبن، فقلنا: تصلي هاهنا والبرية إلى جنبك. فقال: البرية وهاهنا سواء. وأراد المؤلف من هذا التعليق الاستدلال على طهارة بول ما يؤكل لحمه، لكنه لا حجة فيه لاحتمال أنه صلّى على حائل بينه وبين ذلك. وأجيب بأن الأصل عدمه، فالأولى أن يقال: إن هذا من فعل أبي موسى، وقد خالفه غيره من الصحابة كابن عمرو وغيره فلا يكون حجة. 233 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ -أَوْ عُرَيْنَةَ- فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلِقَاحٍ، وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَانْطَلَقُوا. فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَجَاءَ الْخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ. فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلاَ يُسْقَوْنَ. قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: فَهَؤُلاَءِ سَرَقُوا، وَقَتَلُوا، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ. [الحديث 233 - أطرافه في: 1501، 3018، 4192، 4193، 4610، 5685، 5686، 5727، 6802، 6803، 6804، 6805، 6899]. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي بمعجمة ثم مهملة البصري قاضي مكة المتوفى في سنة أربع وعشرين ومائتين وله ثمانون سنة. (قال: حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم الأزدي الجهضمي البصري (عن أيوب) السختياني البصري (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله (عن أنس) وللأصيلي ابن مالك (قال): (قدم أناس) بهمزة مضمومة وللكشميهني والسرخسي، والأصيلي ناس بغير همزة على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من عكل) بضم العين وسكون الكاف قبيلة من تيم الرباب (أو) من (عرينة) بالعين والراء المهملتين مصغرًا حيّ من بجيلة لا من قضاعة، وليس عرينة عكلاً لأنهما قبيلتان متغايرتان

لأن عكلاً من عدنان وعرينة من قحطان، والشك من حماد. وقال الكرماني: ترديد من أنس، وقال الداودي شك من الراوي، وللمؤلف في الجهاد عن وهب عن أيوب أن رهطًا من عكل ولم يشك، وله في الزكاة عن شعبة عن قتادة عن أنس أن أناسًا من عرينة ولم يشك أيضًا، وكذا لمسلم، وفي المغازي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن ناسًا من عكل وعرينة بالواو العاطفة. قال الحافظ ابن حجر: وهو الصواب. ويؤيده ما رواه أبو عوانة والطبري من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال: كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل. فإن قلت: هذا مخالف لا عند المؤلف في الجهاد والدّيات أن رهطًا من عكل ثمانية. أجيب: باحتمال أن يكون الثامن من غير القبيلتين، وإنما كان من أتباعهم، وقد كان قدومهم على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما قاله ابن إسحاق بعد قرد، وكانت في جمادى الأولى سنة ست، وذكرها المؤلف بعد الحديبية وكانت في ذي القعدة منها. وذكر الواقدي أنها كانت في شوّال منها، وتبعه ابن حبان وابن سعد وغيرهما، وللمؤلف في المحاربين أنهم كانوا في الصفة قبل أن يطلبوا الخروج إلى الإبل. (فاجتووا المدينة) بالجيم وواوين أي أصابهم الجوى وهو داء الجوف إذا تطاول أو كرهوا الإقامة بها لما فيها من الوخم، أو لم يوافقهم طعامها. وللمؤلف من رواية سعيد عن قتادة في هذه القصة فقالوا: يا نبي الله إنّا كنّا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف، وله في الطب من رواية ثابت عن أنس أن ناسًا كان بهم سقم قالوا يا رسول الله آوِنا وأطعمنا، فلما صحوا قالوا: إن المدينة وخمة والظاهر أنهم قدموا سقامًا من الهزال الشديد والجهد من الجوع مصفرة ألوانهم، فلما صحوا من السقم أصابهم من حمى المدينة فكرهوا الإقامة بها. ولمسلم عن أنس وقع بالمدينة الموم بضم الميم وسكون الواو وهو ورم الصدر فعظمت بطونهم، فقالوا: يا رسول الله إن المدينة وخمة (فأمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلقاح) بلام مكسورة جمع لقوح وهي الناقة الحلوب كقلوص وقلاص أي أمرهم أن يلقحوا بها. وعند المصنف في رواية همام عن قتادة فأمرهم أن يلحقوا براعيه، وعند أبي عوانة أنهم بدؤوا بطلب الخروج إلى اللقاح فقالوا: يا رسول الله قد وقع هذا الوجع فلو أذنت لنا فخرجنا إلى الإبل. وللمؤلف من رواية وهيب أنهم قالوا: يا رسول الله أبغنا رسلاً أي اطلب لنا لبنًا. قال: "ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود" وعند ابن سعد أن عدد لقاحه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان خمس عشرة، وعند أبي عوانة كانت ترعى بذي الجدر بالجيم وسكون الدال المهملة ناحية قباء قريبًا من عين على ستة أميال من المدينة. (و) أمرهم عليه الصلاة والسلام (أن يشربوا) أي بالشرب (من أبوالها وألبانها فانطلقوا) فشربوا منهما (فلما صحوا) من ذلك الداء وسمنوا ورجعت إليهم ألوانهم (قتلوا راعي النبي) وللأصيلي وابن عساكر راعي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يسارًا النوبي، وذلك أنهم لما عدوا على اللقاح أدركهم ومعه نفر فقاتلهم فقطعوا يده ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات، كذا في طبقات ابن سعد. (واستاقوا) من الاستياق أي ساقوا سوقًا عنيفًا (النعم) بفتح النون والعين واحد الأنعام وهي الأموال الراعية وأكثر ما يقع على الإبل، وفي بعض النسخ واستاقوا إبلهم (فجاء الخبر) عنهم (في أول النهار فبعث) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في آثارهم) أي وراءهم الطلب وهم سرية وكانوا عشرين وأميرهم كرز بن جابر، وعند ابن عقبة سعيد بن زيد فأدركوا في ذلك اليوم فأخذوا (فلما ارتفع النهار جيء بهم) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهم أسارى (فقطع) عليه الصلاة والسلام (أيديهم) جمع يد فأما أن يراد بها أقل الجمع وهو اثنان كما هو عند بعضهم لأن لكلٍّ منهم يدين، وأما أن يراد التوزيع عليهم بأن ينقطع من كل واحد منهم يدًا واحدة والجمع في مقابلة الجمع يفيد التوزيع، وإسناد الفعل فيه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجاز، ويشهد له ما ثبت في رواية الاصيلي وأبي الوقت والحموي والمستملي والسرخسي، فأمر بقطع، وفي فرع اليونينية فأمر فقطع أي أمر

بالقطع فقطع أيديهم (وأرجلهم) أي من خلاف كما في آية المائدة المنزلة في القضية كما رواه ابنا جرير وحاتم وغيرهما (وسمرت أعينهم) بضم السين. قال المنذري: وتخفيف الميم أي كحلت بالمسامير المحماة، قال: وشددها بعضهم والأول أشهر وأوجه، وقيل: سمرت أي فقئت أي كرواية مسلم سملت باللام مبنيًّا للمفعول أي فقئت أعينهم فيكونان بمعنى لقرب مخرج الراء واللام. وعند المؤلف من رواية وهيب عن أيوب، ومن رواية الأوزاعي عن يحيى كلاهما عن أبي قلابة ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها، وإنما فعل ذلك بهم قصاصًا لأنهم سملوا عيني الراعي وليس من المثلة المنهي عنها. (وألقوا) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (في الحرّة) بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء في أرض ذات حجارة سود بظاهر المدينة النبوية كأنها أحرقت بالنار، وكان بها الواقعة المشهورة أيام يزيد بن معاوية (يستسقون) بفتح أوله أي يطلبون السقي (فلا يسقون) بضم المثناة وفتح القاف. زاد وهيب والاوزاعي حتى ماتوا. وفي الطب من رواية أنس: فرأيت رجلاً منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت، ولأبي عوانة يكدم الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة، والمنع من السقي مع كون الإجماع على سقي من وجب قتله إذا استسقى إما لأنه ليس بأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإما لأنه نهى عن سقيهم لارتدادهم، ففي مسلم والترمذي أنهم ارتدوا عن الإسلام، وحينئذ فلا حرمة لهم كالكلب العقور، واحتجّ بشربهم البول من قال بطهارته نصًّا في بول الإبل وقياسًا في سائر مأكول اللحم وهو قول مالك وأحمد ومحمد بن الحسن من الحنفية وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبّان والإصطخري والروياني من الشافعية، وهو قول الشعبي وعطاء والنخعي والزهري وابن سيرين والثوري. واحتجّ ابن المنذر بأن ترك أهل العلم بيع الناس أبعار الغنم في أسواقهم، واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم قديمًا وحديثًا من غير نكير دليل على طهارهما. وأجيب بأن المختلف فيه لا يجب إنكاره فلا يدل ترك إنكاره على جوازه فضلاً عن طهارته، وذهب الشافعي وأبو حنيفة والجمهور إلى أن الأبوال كلها نجسة إلا ما عفي عنه، وحملوا ما في الحديث على التداوي فليس فيه دليل على الإباحة في غير حال الضرورة، وحديث أم سليم المروي عند أبي داود أن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها محمول على حالة الاختيار، وأما حالة الاضطرار فلا حرمة كالميتة للمضطر، لا يقال يرد عليه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الخمر أنها ليست بدواء إنها داء في جواب من سأل عن التداوي بها كما رواه مسلم، لأنّا نقول ذلك خاص بالخمر، ويلتحق به غيره من المسكر، والفرق بين الخمر وغيره من النجاسات أن الحدّ ثبت باستعماله في حالة الاختيار دون غيره، ولأن شربه يجر إلى مفاسد كثيرة، وأما أبوال الإبل فقد روى ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعًا: "إن في أبوال الإبل شفاء للذربة بطونهم" والذرب فساد المعدة فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه، وظاهر قول المؤلف في الترجمة أبوال الإبل والدواب جعل الحديث حجة لطهارة الأرواث والأبوال مطلقًا كالظاهرية إلا أنهم استثنوا بول الآدمي وروثه. وتعقب بأن القصة في أبوال المأكول ولا يسوغ قياس غير المأكول لظهور الفرق. وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى. ورواته الخمسة بصريون وفيه رواية تابعي عن تابعي والتحديث والعنعنة وأخرجه المؤلف هنا وفي المحاربين والجهاد والتفسير والمغازي والدّيات، ومسلم في الحدود وأبو داود في الطهارة والنسائي في المحاربة. (قال أبو قلابة) عبد الله (فهؤلاء) العرنيون والعكليون (سرقوا) لأنهم أخذوا اللقاح من حزر مثلها ولفظ السرقة قاله أبو قلابة استنباطًا، (وقتلوا) الراعي (وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله). أطلق عليهم محاربين لما ثبت عند أحمد من رواية حميد عن أنس في أصل الحديث. وهربوا محاربين. وقوله: وكفروا هو من روايته عن قتادة عن أنس في المغازي وكذا في رواية وهيب عن أيوب في الجهاد في أصل الحديث فليس

67 - باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء

قوله: وكفروا وحاربوا موقوفًا على أبي قلابة ثم إن قول قتادة هذا إن كان من مقول أيوب فهو مسند، وإن كان من مقول المؤلف فهو من تعاليقه. 234 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي -قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِدُ- فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ. [الحديث 234 - أطرافه في: 428، 429، 1868، 2106، 2771، 2774، 2779، 3932]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (أبو التياح) بفتح المثناة الفوقية وتشديد التحتية آخره مهملة يزيد بن حميد كما في رواية الأصيلي وأبي ذر (عن أنس) رضي الله عنه (قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي قبل أن يبنى المسجد) المدني (في مرابض الغنم) واستدل به على طهارة أبوالها وأبعارها، لأن المرابض لا تخلو عنهما، فدلّ على أنهم كانوا يباشرونها في صلاتهم فلا تكون نجسة. وأجيب باحتمال الصلاة على حائل دون الأرض، وعورض بأنها شهادة نفي، لكن قد يقال: إنها مستندة إلى الأصل أي الصلاة من غير حائل. وأجيب: بأنه عليه الصلاة والسلام صلى في دار أنس على حصير كما في الصحيحين، ولحديث عائشة الصحيح أنه كان يصلي على الخمرة. ورواة الحديث الأربعة ما بين خراساني وكوفي وبصري وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الصلاة وكذا مسلم والترمذي والنسائي في العلم. 67 - باب مَا يَقَعُ مِنَ النَّجَاسَاتِ فِي السَّمْنِ وَالْمَاءِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لاَ بَأْسَ بِالْمَاءِ مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ طَعْمٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ لَوْنٌ. وَقَالَ حَمَّادٌ: لاَ بَأْسَ بِرِيشِ الْمَيْتَةِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي عِظَامِ الْمَوْتَى -نَحْوَ الْفِيلِ وَغَيْرِهِ- أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ سَلَفِ الْعُلَمَاءِ يَمْتَشِطُونَ بِهَا وَيَدَّهِنُونَ فِيهَا لاَ يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ: وَلاَ بَأْسَ بِتِجَارَةِ الْعَاجِ. (باب) حكم (ما يقع من النجاسات) أي وقوع النجاسات (في السمن والماء. وقال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب مما وصله ابن وهب في جامعه عن يونس عنه (لا بأس بالماء) أي لا حرج في استعماله في كل حالة فهو محكوم بطهارته (ما لم يغيره) بكسر الياء فعل ومفعول والفاعل قوله (طعم) أي من شيء نجس، (أو ريح أو لون) منه. فإن قلت: كيف ساغ جعل أحد الأوصاف الثلاثة مغيرًا على صيغة الفاعل، والمغير إنما هو الشيء النجس المخالط للماء. أجيب: بأن المغير في الحقيقة هو الماء، ولكن تغييره لما كان لم يعلم إلا من جهة أحد أوصافه الثلاثة صار هو المغير فهو من باب ذكر السبب وإرادة المسبب، ومقتضى قول الزهري أنه لا فرق بين القليل والكثير، وإليه ذهب جماعة من العلماء، وتعقبه أبو عبيد في كتاب الطهور له بأنه يلزم منه أن من بال في إبريق ولم يغير للماء وصفًا أنه يجوز له التطهير به وهو مستبشع، ومذهب الشافعي وأحمد التفريق بالقلّتين فما كان دونهما تنجس بملاقاة النجاسة، وإن لم يظهر فيه تغير لمفهوم حديث القلّتين إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث صححه ابن حبان وغيره، وفي رواية لأبي داود وغيره بإسناد صحيح فإنه لا ينجس، وهو المراد بقوله لم يحمل الخبث أي يدفع النجس ولا يقبله وهو مخصص لمنطوق حديث الماء لا ينجسه شيء، وإنما لم يخرج المؤلف حديث القلتين للاختلاف الواقع في إسناده، لكن رواته ثقات وصححه جماعة من الأئمة إلا أن مقدار القلتين من الحديث لم يثبت، وحينئذ فيكون مجملاً، لكن الظاهر أن الشارع وإنما ترك تحديدهما توسعًا وإلا فليس بخاف أنه عليه الصلاة والسلام ما خاطب أصحابه إلا بما يفهمون، وحينئذ فينتفي الإجمال لكن لعدم التحديد وقع بين السلف في مقدارهما خلف، واعتبره الشافعي بخمس قرب من قرب الحجاز احتياطًا، وقالت الحنفية: إذا اختلطت النجاسة بالماء تنجس إلا أن يكون كثيرًا وهو الذي إذا حرك أحد جانبيه لم يتحرك الآخر، وقال المالكية: ليس للماء الذي تحلّه النجاسة قدر معلوم، ولكنه متى تغير أحد أوصافه الثلاثة تنجس قليلاً كان أو كثيرًا فلو تغير الماء كثيرًا بحيث يسلبه الاسم بطاهر يستغنى عنه ضرّ وإلا فلا. (وقال حماد) بتشديد الميم ابن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة مما وصله عبد الرزاق في مصنفه (لا بأس) أي لا حرج (بريش الميتة) من مأكول وغيره إذا لاقى الماء لأنه لا يغيره أو أنه طاهر مطلقًا وهو مذهب الحنفية والمالكية، وقال الشافعية: نجس. (وقال الزهري) محمد بن مسلم (في عظام الموتى نحو الفيل وغيره) مما لم يؤكل (أدركت ناسًا) كثيرين (من سلف العلماء يمتشطون بها) أي بعظام الموتى بأن يصنعوا منها مشطًا ويستعملوها (ويدهنون) بتشديد الدال (فيها) أي في عظام الموتى بأن يصفعوا منها آنية يجعلون فيها الدهن (لا يرون به بأسًا) أي حرجًا فلو كان عندهم نجسًا ما استعملوه امتشاطًا وادّهانًا، وحينئذ فإذا وقع عظم الفيل في الماء لا ينجسه

بناء على عدم القول بنجاسته، وهو مذهب أبي حنيفة لأنه لا تحله الحياة عنده، ومذهب الشافعي أنه نجس لأنه تحلّه الحياة قال تعالى: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة} [يس: 78، 79]. وعند مالك أنه يطهر إذا ذكي كغيره مما لم يؤكل إذا ذكي فإنه يطهر. (وقال) محمد (بن سيرين وإبراهيم) النخعي (لا بأس بتجارة العاج) ناب الفيل أو عظمه مطلقًا، وأسقط السرخسي ذكر إبراهيم النخعي كأكثر الرواة عن الفربري، ثم إن أثر ابن سيرين هذا وصله عبد الرزاق بلفظ: أنه كان لا يرى بالتجارة في العاج بأسًا، وهو يدل على أنه كان يراه طاهرًا، لأنه كان لا يجيز بيع النجس ولا المتنجس الذي لا يمكن تطهيره كما يدل له قصته المشهورة في الزيت، وإيراد المؤلف لهذا كله يدل على أن عنده أن الماء قليلاً كان أو كثيرًا لا ينجس إلا بالتغير كما هو مذهب مالك. 235 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ: «أَلْقُوهَا، وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ، وَكُلُوا سَمْنَكُمْ». [الحديث 235 - أطرافه في: 236، 5538، 5539، 5540]. وبالسند إلى المؤلف قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة (عن ابن شهاب) زاد الأصيلي الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) زاد ابن عساكر ابن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن ميمونة) أم المؤمنين رضي الله عنها: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سئل) بضم السين مبنيًّا للمفعول، ويحتمل أن يكون السائل ميمونة (عن فأرة) بهمزة ساكنة (سقطت في سمن) أي جامد كما عند عبد الرحمن بن مهدي وأبي داود الطيالسي والنسائي فماتت كما عند المؤلف في الذبائح (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ألقوها) أي ارموا الفأرة (وما حولها) من السمن (فاطرحوه) الجميع (وكلوا سمنكم) الباقي ويقاس عليه نحو العسل والدبس الجامدين وسقط للأربعة قوله: فاطرحوه وخرج بالجامد الذائب فإنه ينجس كله بملاقاة النجاسة ويتعذر تطهيره ويحرم أكله ولا يصح بيعه. نعم يجوز الاستصباح به والانتفاع به في غير الأكل والبيع، وهذا مذهب الشافعية والمالكية لقوله في الرواية الأخرى فإن كان مائعًا فاستصبحوا به، وحرم الحنفية أكله فقط لقوله: انتفعوا به، والبيع من باب الانتفاع ومنع الحنابلة من الانتفاع به مطلقًا لقوله في حديث عبد الرزاق وإن كان مائعًا فلا تقربوه. ورواة هذا الحديث الستة مدنيون وفيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة والقول، ورواية صحابي عن صحابية، وأخرجه المؤلف أيضًا في الذبائح وهو من إفراده عن مسلم، وأخرجه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح والنسائي. 236 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ: «خُذُوهَا وَمَا حَوْلَهَا فَاطْرَحُوهُ». قَالَ مَعْنٌ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ مَا لاَ أُحْصِيهِ يَقُولُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا معن) بفتح الميم وسكون العين آخره نون ابن عيسى أبو يحيى القزاز بالقاف والزايين المعجمتين أولاهما مشددة نسبة لشراء القز المدني، المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة (قال: حدّثنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله بن عتبة) بضم العين وسكون المثناة الفوقية (ابن مسعود عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن ميمونة) رضي الله عنها: (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سئل) يحتمل أن السائل هي ميمونة كما يدل عليه رواية يحيى القطان وجويرية عن مالك في هذا الحديث عند الدارقطني (عن فأرة) بالهمزة الساكنة (سقطت في سمن فقال) عليه الصلاة والسلام: (خذوها) أي الفأرة (وما حولها) من السمن (فاطرحوه) أي المأخوذ وهو الفأرة وما حولها أي وكلوا الباقي كما صرح به في الرواية السابقة فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم وفيه أنه ينجس، وإن لم يتغير بخلاف الماء، والمراد بطرحه أن لا يأكلوه أما الاستصباح فلا بأس به كما مرَّ. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة. (قال معن) القزاز فيما قاله علِي بن المديني بإسناده السابق (حدّثنا مالك ما لا أحصيه) بضم الهمزة أي ما لا أضبطه (يقول عن ابن عباس عن ميمونة) أي فهو من مسانيد ميمونة برواية ابن عباس كما في الموطأ من رواية يحيى بن يحيى وهو الصحيح، وقال الذهلي في الزهريات: إنه أشهر وليس هو من مسانيد ابن عباس، وإن رواه القعنبي وغيره في الموطأ وأسقط أشهب ابن عباس وأسقطه وميمونة يحيى بن بكير وأبو مصعب، ولهذا الاختلاف على مالك في

68 - باب البول في الماء الدائم

إسناده ذكر المؤلف معنا هذا بعد إسناده وسياق حديثه بنزول بالنسبة للإسناد السابق مع موافقته له في السياق. 237 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ الْمُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَهَيْئَتِهَا إِذْ طُعِنَتْ تَفَجَّرُ دَمًا: اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالْعَرْفُ عَرْفُ الْمِسْكِ». [الحديث 237 - طرفاه في: 2803، 5533]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) أي ابن موسى المروزي المعروف بمردويه بفتح الميم وسكون الراء وضم المهملة وسكون الواو وفتح المثناة التحتية (قال: أخبرنا) ولابن عساكر حدّثنا (عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين ساكنة ابن راشد (عن همام بن منبه) بكسر الموحدة المشددة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (كل كلم) بفتح الكاف وسكون اللام (يكلمه المسلم) بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول ويجوز بناؤه للفاعل أي كل جرح يجرحه وأصله يكلم به فحذف الجار وأضيف إلى الفعل توسعًا، وابن عساكر في نسخة كل كلمة يكلمها أي كل جراحة يجرحها المسلم (في سببل الله) قيد يخرج به ما إذا وقع الكلم في غير سبيل الله، زاد المؤلف في الجهاد والله أعلم بمن يكلم في سبيله (يكون) أي الكلم (يوم القيامة) وفي رواية الأصيلي وأبي ذر تكون بالمثناة الفوقية (كهيئتها) قال الحافظ ابن حجر: أعاد الضمير مؤنثًا لإرادة الجراحة اهـ. وتعقبه العيني فقال: ليس كذلك بل باعتبار الكلمة لأن الكلم والكلمة مصدران، والجراحة اسم لا يعبر به عن المصدر (إذ) بسكون الذال أي حين (طعنت) قال الكرماني: المطعون هو المسلم وهو مذكر لكن لما أريد طعن بها حذف الجار ثم أوصل الضمير المجرور بالفعل وصار المنفصل متصلاً، وتعقبه البرماوي بأن التاء علامة لا ضمير، فإن أراد الضمير المستتر فتسميته متصلاً طريقة، والأجود أن الاتصال والانفصال وصف للبارز، وفي بعض أصول البخاري كمسلم إذا طعنت بالألف بعد الذال وهي هاهنا لمجرد الظرفية أو هي بمعنى إذ وقد يتقارضان، أو لاستحضار صورة الطعن لأن الاستحضار كما يكون بصريح لفظ المضارع نحو: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} [فاطر: 9]. يكون بما في معنى المضارع كما فيما نحن فيه (تفجر دمًا) بفتح الجيم المشدّدة. وقال البرماوي كالكرماني هو بضم الجيم من الثلاثي وبفتحها مشددة من التفعل. قال العيني: أشار بهذا إلى جواز الوجهين لكنه مبني علي مجيء الرواية بهما وأصله تتفجر فحذف التاء الأولى تخفيفًا (اللون) ولأبي ذر واللون (لون الدم) يشهد لصاحبه بفضله على بذل نفسه وعلى ظالمه بفعله (والعرف عرف) بفتح العين وسكون الراء أي الريح ريح (المسك) لينتشر في أهل الموقف إظهارًا لفضله، ومن ثم لا يغسل دم الشهيد في المعركة ولا يغسل. فإن قلت: ما وجه إدخال هذا الحديث في هذه الترجمة؟ أجيب: بأن المسك طاهر وأصله نجس، فلما تغير خرج عن حكمه، وكذا الماء إذا تغير خرج عن حكمه أو أن دم الشهيد لما انتقل بطيب الرائحة من النجاسة حتى حكم له في الآخرة بحكم المسك الطاهر وجب أن ينتقل الماء الطاهر بخبث الرائحة إذا حلّت فيه نجاسة من حكم الطهارة إلى النجاسة، وتعقب بأن الحكم المذكور في دم الشهيد من أمور الآخرة والحكم في الماء بالطهارة والنجاسة من أمور الدنيا فكيف يقاس عليه اهـ. أو أن مراد المؤلف تأكيد مذهبه أن الماء لا ينجس بمجرد الملاقاة ما لم يتغير، فاستدل بهذا الحديث على أن تبدل الصفة يؤثر في الموصوف، فكما أن تغير صفة الدم بالرائحة الطيبة أخرجه من الذم إلى المدح، فكذلك تغير صفة الماء إذا تغير بالنجاسة يخرجه عن صفة الطهارة إلى النجاسة، وتعقب بأن الغرض إثبات انحصار التنجس بالتغير، وما ذكر يدل على أن التنجس يحصل بالتغير وهو وفاق لا أنه لا يحصل إلا به وهو موضع النزاع، وبالجملة فقد وقع للناس أجوبة عن هذا الاستشكال وأكثرها بل كلها متعقب والله أعلم. وسيأتي مزيد البحث في هذا الحديث إن شاء الله تعالى في باب الجهاد. ورواته الخمسة ما بين مروزي وبصري ويماني وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الجهاد وكذا مسلم. 68 - باب الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ (باب الماء الدائم) بالجر صفة للمضاف إليه أي الراكد ولفظ الباب ساقط عند

الأصيلي ولابن عساكر باب البول في الماء الدائم، وللأصيلي: لا تبولوا في الماء الدائم. 238 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ». [الحديث 238 - أطرافه في: 876، 896، 2956، 3486، 6624، 6887، 7036، 7495]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) بتخفيف الميم الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (قال: أخبرنا) ولابن عساكر حدّثنا (أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج حدّثه أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (أنه سمع) وللأصيلي قال: سمعت ولابن عساكر يقول: سمعت (رسول الله) ولابن عساكر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (نحن الآخرون) بكسر الخاء أي المتأخرون في الدنيا (السابقون) أي المتقدمون في الآخرة. 239 - وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ: «لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ». (وبإسناده) أي إسناد هذا الحديث السابق (قال): (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم) القليل الغير القلتين فإنه يتنجس وإن لم يتغير وهذا مذهب الشافعية. وقال المالكية: لا ينجس إلا بالتغير قليلاً كان أو كثيرًا جاريًا كان الماء أو راكدًا حديث: "خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه شيء" الحديث. وعند الحنفية: ينجس إذا بلغ الغدير العظيم الذي لا يتحرك أحد أطرافه بتحرك أحدها، وعن أحمد رواية صحّحوها في غير بول الآدمي وعذرته المائعة فأما هما فينجسان الماء وإن كان قلّتين فأكثر على المشهور ما لم يكثر أي بحيث لا يمكن نزحه، وقوله: (الذي لا يجري) قيل: هو تفسير للدائم وإيضاح لمعناه. وقيل: احترز به عن الماء الدائر لأنه جارٍ من حيث الصورة ساكن من حيث المعنى. وقال ابن الأنباري: الدائم من حروف الأضداد يقال للساكن والدائر، ويطلق على البحار والأنهار الكبار التي لا ينقطع ماؤها أنها دائمة بمعنى أن ماءها غير منقطع، وقد اتفق على أنها غير مرادة هنا وعلى هذين القولين فقوله الذي لا يجري صفة مخصصة لأحد معنيي المشترك، وهذا أولى من حمله على التوكيد الذي الأصل عدمه، ولا يخفى أنه لو لم يقل الذي لا يجري مجملاً بحكم الاشتراك الدائر بين الدائر والدائم، وحينئذ فلا يصح الحمل على التأكيد أو احترز به عن راكد يجري بعضه كالبرك. (ثم) هو (يغتسل فيه) أو يتوضأ وهو بضم اللام على المشهور في الرواية، وجوز ابن مالك في توضيحه صحة الجزم عطفًا على يبولن المجزوم موضعًا بلا الناهية، ولكنه فتح بناء لتأكيده بالنون والنصب على إضمار أن إعطاء لثم حكم واو الجمع. وتعقبه القرطبي في المفهم والنووي في شرح مسلم بأنه يقتضي أن النهي للجمع بينهما، ولم يقله أحد بل البول منهي عنه أراد الغسل منه أو لا. وأجاب ابن دقيق العيد بأنه لا يلزم أن يدل على الأحكام المتعددة لفظ واحد، فيؤخذ النهي عن الجمع بينهما من هذا الحديث إن ثبتت رواية النصب، ويؤخذ النهي عن الإفراد من حديث آخر انتهى. يعني كحديث مسلم عن جابر مرفوعًا: نهى عن البول في الماء الراكد. وقال القرطبي أبو العباس: لا يحسن النصب لأنه لا ينصب بإضمار أن بعد ثم، وقال أيضًا: إن الجزم ليس بشيء إذ لو أراد ذلك لقال ثم لا يغتسلن لأنه إذ ذاك يكون عطف فعل على فعل لا عطف جملة على جملة، وحينئذ يكون الأصل مشاركة الفعلين في المنهي عنه وتأكيدهما بالنون المشددة، فإن المحل الذي توارد عليه شيء واحد وهو الماء، فعدوله عن ثم لا يغتسلن إلى ثم يغتسل دليل على أنه لم يرد العطف، وإنما جاء يغتسل على التنبيه على مآل الحال، ومعناه: أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه فيمتنع عليه استعماله لما وقع فيه من البول. وتعقبه الزين العراقي بأنه لا يلزم من عطف النهي على النهي ورود التأكيد فيهما معًا كما هو معروف في العربية، قال: وفي رواية أبي داود لا يغتسل فيه من الجنابة فأتى بأداة النهي ولم يؤكده، وهذا كله محمول على القليل عند أهل العلم على اختلافهم في حدّ القليل، وقد تقدم قول من لا يعتبر إلا التغير وعدمه وهو قوي، لكن التفصيل بالقلتين أقوى لصحة الحديث فيه، وقد نقل عن مالك أنه حمل النهي على التنزيه فيما لا يتغير وهو قول الباقين في الكثير، وقد وقع في رواية ابن عيينة عن أبي الزناد: ثم يغتسل منه بالميم بدل فيه وكلٌّ منهما يفيد حكمًا بالنص وحكمًا بالاستنباط، فلفظة فيه بالفاء تدل على منع الانغماس بالنص وعلى منع التناول بالاستنباط ولفظه منه بالميم

69 - باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته

بعكس ذلك وكل ذلك مبني على أن الماء ينجس بملاقاة النجاسة. فإن قلت: ما وجه دخول نحن الآخرون في الترجمة، وما المناسبة بين أوّل الحديث وآخره؟ أجيب باحتمال أن يكون أبو هريرة سمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع ما بعده في نسق واحد فحدّث بهما جميعًا، وتبعه المؤلف ويحتمل أن يكون همام فعل ذلك وأنه سمعهما من أبي هريرة وإلاَّ فليس في الحديث مناسبة للترجمة. وتعقب بأن البخاري إنما ساق الحديث من طريق الأعرج عن أبي هريرة لا من طريق همام، فالاحتمال الثاني ساقط. وقال في فتح الباري والصواب أن البخاري في الغالب يذكر الشيء كما سمعه جملة لتضمنه موضع الدلالة المطلوبة منه وإن لم يكن باقيه مقصودًا. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين حمصي ومدني، وفيه التحديث بالإفراد والجمع والإخبار والسماع، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 69 - باب إِذَا أُلْقِيَ عَلَى ظَهْرِ الْمُصَلِّي قَذَرٌ أَوْ جِيفَةٌ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِ صَلاَتُهُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ دَمًا وَهُوَ يُصَلِّي وَضَعَهُ وَمَضَى فِي صَلاَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ: إِذَا صَلَّى وَفِي ثَوْبِهِ دَمٌ أَوْ جَنَابَةٌ أَوْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ تَيَمَّمَ فَصَلَّى ثُمَّ أَدْرَكَ الْمَاءَ فِي وَقْتِهِ لاَ يُعِيدُ. هذا (باب) بالتنوين (إذا ألقي) بضم الهمزة مبنيًّا لما لم يسم فاعله (على ظهر المصلي قذر) بالذال المعجمة المفتوحة مرفوع لكونه نائبًا عن الفاعل أي شيء نجس (أو جيفة) بالرفع عطفًا على السابق وهي جثة الميتة المريحة (لم تفسد عليه صلاته) جواب إذا (وكان) ولأبوي ذر والوقت قال وكان ابن (ابن عمر) رضي الله عنهما مما وصله ابن أبي شيبة في مصنفه بإسناد صحيح (إذا رأى في ثوبه دمًا وهو يصلي وضعه) أي ألقاه عنه (ومضى في صلاته) ولم يذكر فيه إعادة الصلاة، ومذهب الشافعي وأحمد يعيدها، وقيدها مالك بالوقت فإن خرج فلا قضاء. (وقال ابن المسيب) بفتح المثناة المشددة واسمه سعيد (والشعبي) بفتح الشين عامر مما وصله عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة بأسانيد متفرقة (إذا صلّى) المرء (وفي ثوبه دم) لم يعلمه، وللمستملي والسرخسي كان ابن المسيب والشعبي إذا صلّى أي كل واحد منهما، وفي ثوبه دم (أو جنابة) أي أثرها وهو المني وهو مقيد عند القائل بنجاسته بعدم العلم كالدم (أو لغير القبلة) إذا كان باجتهاد ثم أخطأ (أو تيمم) عند عدم الماء (وصلى) وللهروي والأصيلي وابن عساكر فصلى (ثم أدرك الماء في وقته) أي بعد أن فرغ (لا يعيد) الصلاة أما الدم فيعفى عنه إذا كان قليلاً من أجنبيّ ومطلقًا من نفسه وهو مذهب الشافعي. وأما القبلة، فعند الثلاثة والشافعي في القديم لا يعيد، وقال في الجديد: تجب الإعادة، وأما التيمم فعدم وجوب الإعادة بعد الفراغ من الصلاة قول الأئمة الأربعة وأكثر السلف. 240 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَاجِدٌ ح. قَالَ وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلاَنٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ. فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَجَاءَ بِهِ، فَنَظَرَ حَتَّى إِذَا سَجَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَأَنَا أَنْظُرُ لاَ أُغْنِي شَيْئًا، لَوْ كَانَ لِي مَنْعَةٌ. قَالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَاجِدٌ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَك «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ» ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ. قَالَ: وَكَانُوا يُرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ. ثُمَّ سَمَّى: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ» وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ نَحْفَظْهُ. قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَرْعَى فِي الْقَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ. [الحديث 240 - أطرافه في: 520، 2934، 3185، 3854، 3960]. وبه قال: (حدّثنا عبدان) بن عثمان (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عثمان بن جبلة بفتح الجيم والموحدة (عن شعبة) بن الحجاج (عن أبي اسحق) عمرو بن عبد الله السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة الكوفي التابعي (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين الكوفي الأودي بفتح الهمزة وبالدال المهملة أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يره وحج مائة حجة وعمرة، وتوفي سنة خمس وسبعين (عن عبد الله) بن مسعود، وفي رواية قال عبد الله: (قال بينا) بغير ميم وأصله بين أشبعت فتحة النون فصارت ألفًا وعامله قال في قوله بعد ذلك إذ قال بعضهم لبعض (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ساجد) بقيته من رواية عبدان المذكورة وحوله ناس من قريش من المشركين ثم ساق الحديث مختصرًا (ح) مهملة لتحويل الإسناد كما مرّ، ولابن عساكر قال أي البخاري. (وحدّثني) بالإفراد، وللأصيلي، وحدّثنا (أحمد بن عثمان) بن حكيم بفتح الحاء وكسر الكاف الأودي الكوفي المتوفى سنة ستين ومائتين (قال: حدّثنا شريح بن مسلمة) بضم الشين وفتح الراء وسكون المثناة التحتية آخره مهملة وابن مسلمة بفتح الميم واللام وسكون المهملة التنوخي بالمثناة الفوقية والنون المشددة والخاء المعجمة، كذا ضبطه الكرماني فالله أعلم المتوفى سنة اثنتين وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا إبراهيم بن يوسف) السبيعي، المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة (عن أبيه) يوسف بن إسحاق (عن أبي اسحق) عمرو بن عبد الله السابق قريبًا (قال حدّثني) بالإفراد (عمرو بن ميمون أن عبد الله بن مسعود) وللكشميهني عن عبد الله بن مسعود أنه (حدّثه

أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلي عند البيت) العتيق (وأبو جهل) عمرو بن هشام المخزومي عدوّ الله (وأصحاب) كائنون (له) أي لأبي جهل وهم السبعة المدعو عليهم بعد كما بينه البزار (جلوس) خبر المبتدأ الذي هو وأبو جهل وما عطف عليه، والجملة موضع نصب على الحال (إذ قال) ولابن عساكر جلوس قال (بعضهم) أي أبو جهل كما في مسلم (لبعض) زاد مسلم في روايته وقد نحرت جزور بالأمس: (أيكم يجيء بسلى جزور بني فلان) بفتح السين المهملة مقصورًا وهو الجلدة التي يكون فيها ولد البهائم كالمشيمة للآدميات، أو يقال فيهن أيضًا. وجزور بفتح الجيم وضم الزاي يقع على الذكر والأُنثى وجمعه جزر وهو بمعنى المجزور من الإبل أي المنحور، وزاد في رواية إسرائيل هنا فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها (فيضعه على ظهر محمد إذا سجد فانبعث أشقى القوم) عقبة بن أبي معيط بمهملتين مصغرًا أي بعثته نفسه الخبيثة من دونهم فأسرع السير، وإنما كان أشقاهم مع أن فيهم أبا جهل وهو أشد كفرًا منه وإيذاء للرسول عليه الصلاة والسلام لأنهم اشتركوا في الكفر والرضا، وانفرد عقبة بالمباشرة فكان أشقاهم، ولذا قتلوا في الحرب وقتل هو صبرًا، وللكشميهني والسرخسي فانبعث أشقى قوم بالتنكير وفيه مبالغة يعني أشقى كل قوم من أقوام الدنيا ففيه مبالغة ليست في المعرفة، لكن المقام يقتضي التعريف لأن الشقاء هنا بالنسبة إلى أولئك القوم فقط قاله ابن حجر، وتعقبه العيني بأن التنكير أولى لما فيه من المبالغة لأنه يدخل هنا دخولاً ثانيًا بعد الأوّل. قال: وهذا القائل يعني ابن حجر ما أدرك هذه النكتة (فجاء به فنظر حتى إذا سجد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وضعه على ظهره) المقدس (بين كتفيه) قال عبد الله بن مسعود (وأنا أنظر) أي أشاهد تلك الحالة (لا أغني) في كف شرهم، وللكشميهني والمستملي: لا أغير أي لا أغير من فعلهم (شيئًا لو كان) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر لو كانت (لي منعة) بفتح النون وسكونها أي لو كانت لي قوة أو جمع مانع لطرحته عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنما قال ذلك لأنه لم يكن له بمكة عشيرة لكونه هذليًّا حليفًا وكان حلفاؤه إذ ذاك كفارًا (قال: فجعلوا يضحكون) استهزاء قاتلهم الله (ويحيل) بالحاء المهملة (بعضهم على بعض) أي ينسب بعضهم فعل ذلك إلى بعض بالإشارة تهكّمًا، ولمسلم ويميل بعضهم على بعض فالميم أي من كثرة الضحك (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ساجد لا يرفع رأسه حتى جاءته) عليه الصلاة والسلام، ولأبي ذر جاءت (فاطمة) ابنته عليه الصلاة والسلام رضي الله عنها سيدة نساء هذه الأمة ومناقبها جمة، وتوفيت فيما حكاه ابن عبد البر بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بستة أشهر إلا ليلتين وذلك يوم الثلاثاء لثلاث ليالٍ خلت من شهر رمضان، وغسلها عليّ على الصحيح ودفنها ليلاً بوصيتها له في ذلك لها في البخاري حديث واحد زاد إسرائيل وهي جويرية فأقبلت تسعى وثبت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ساجدًا (فطرحت) ما وضعه أشقى القوم (عن ظهره) المقدس، ولغير الكشميهني فطرحته بالضمير المنصوب، زاد إسرائيل فأقبلت عليهم تسبّهم، وزاد البزار فلم يردّوا عليها شيئًا، (فرفع) عليه الصلاة والسلام (رأسه) من السجود، واستدل به على أن من حدث له في صلاته ما يمنع انعقادها ابتداء لا تبطل صلاته ولو تمادى، وعلى هذا ينزل كلام المؤلف: فلو كانت نجاسة وأزالها في الحال ولا أثر لها صحّت اتفاقًا، وأجاب الخطابي بأنه لم يكن إذ ذاك حكم بنجاسة ما ألقي عليه كالخمر فإنهم كانوا يلاقون بثيابهم وأبدانهم الخمر قبل نزول التحريم انتهى. ودلالته على طهارة فرث ما أكل لحمه ضعيفة لأنه لا ينفك عن دم بل صرّح به في رواية إسرائيل ولأنه ذبيحة عبدة الأوثان. وأجاب النووي بأنه عليه الصلاة والسلام لم يعلم ما وضع على ظهره فاستمر مستصحبًا للطهارة، وما ندري هل كانت الصلاة واجبة حتى تعاد على الصحيح أو لا فلا تعاد، ولو وجبت الإعادة فالوقت موسع، وتعقب بأنه عليه الصلاة والسلام أحس

بما ألقي على ظهره من كون فاطمة ذهبت به قبل أن يرفع رأسه. وأجيب: بأنه لا يلزم من إزالة فاطمة إياه عن ظهره إحساسه عليه الصلاة والسلام به لأنه كان إذا دخل في الصلاة استغرق باشتغاله بالله، ولئن سلمنا إحساسه به فقد يحتمل أنه لم يتحقق نجاسته لأن شأنه أعظم من أن يمضي في صلاته وبه نجاسة انتهى. ولابن عساكر فرفع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأسه (ثم قال) ولابن عساكر وقال: ووقع عند البزار من حديث الأجلح فرفع رأسه كما كان يرفعه عند تمام سجوده فلما قضى صلاته قال: (اللهم عليك بقريش) أي بإهلاك كفّارهم أو من سمى منهم بعد فهو عامّ أريد به الخصوص (ثلاث مرات) كرره إسرائيل في روايته لفظًا لا عددًا، وزاد مسلم في رواية زكريا وكان إذا دعا دعا ثلاثًا وإذا سأل سأل ثلاثًا (فشق عليهم إذ دعا عليهم) في مسلم فلما سمعوا صوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته. (قال) ابن مسعود. (وكانوا يرون) بضم أوّله على المشهور وبفتحه قاله البرماوي، وقال الحافظ ابن حجر بالفتح في روايتنا من الرأي أي يعتقدون وفي غيرها بالضم أي يظنون (أن الدعوة) ولابن عساكر يرون الدعوة (في ذلك البلد) الحرام (مستجابة) أي مجابة، يقال: استجاب وأجاب بمعنى واحد، وما كان اعتقادهم إجابة الدعوة إلا من جهة المكان لا من خصوص دعوة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولعل ذلك يكون مما بقي عندهم من شريعة الخليل عليه الصلاة والسلام (ثم سمى) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي عين في دعائه وفصل ما أجمل قبل (فقال: اللهمّ عليك بأبي جهل) اسمه عمرو بن هشام ويعرف بابن الحنظلية فرعون هذه الأمة وكان أحول مأبونًا، (وعليك بعتبة بن ربيعة) بفتح الراء في الثاني وضم العين المهملة وسكون المثناة الفوقية في الأول (وشيبة بن ربيعة) أخي عتبة، (والوليد بن عتبة) بفتح الواو وكسر اللام وعتبة بالمثناة الفوقية وفي مسلم بالقاف، واتفقوا على أنه وهم من ابن سفيان راوي مسلم، (وأمية بن خلف) في رواية شعبة أو أُبيّ بن خلف شك شعبة، (وعقبة) بالقاف (ابن أبي معيط) بضم الميم وفتح المهملة وسكون المثناة التحتية (وعد) النبي -صلى لله عليه وسلم- أو عبد الله بن مسعود أو عمرو بن ميمون (السابع فلم نحفظه) بنون أي نحن أو بياء فاعله ابن مسعود أو عمرو بن ميمون، نعم ذكره المؤلف في موضع آخر عمارة بن الوليد بن الغيرة وذكره البرقاني وغيره، ووقع في رواية الطيالسي عن شعبة في هذا الحديث أن ابن مسعود قال: ولم أره دعا عليهم إلا يومئذ، وإنما استحقوا الدعاء حينئذ لما قدموا عليه من التهكم حال عبادته لربه وإلاّ فحلمه عمن آذاه لا يخفى. (قال) ابن مسعود: (فوالذي نفسي بيده) ولابن عساكر في يده أي قدرته (لقد رأيت الذين) ولأبي ذر وابن عساكر الذي (عدّ) بحذف المفعول أي عدّهم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صرعى) جمع صريع بمعنى مصروع مفعول ثان لرأيت (في القليب) بفتح القاف وكسر اللام البشر قبل أن تطوى أو العادية القديمة (قليب بدر) بالجر بدل من قوله في القليب، ويجوز الرفع بتقدير هو والنصب بأعني، لكن الرواية بالجر وإنما ألقوا في القليب تحقيرًا لشأنهم ولئلاّ يتأذى الناس برائحتهم لا أنه دفن لأن الحربي لا يجب دفنه. وكان القاتل لأبي جهل معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء كما في الصحيحين، ومرّ عليه ابن مسعود وهو صريع فاحتزّ رأسه وأتى به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأما عتبة بن ربيعة فقتله حمزة أو علي، وأما شيبة بن ربيعة فقتله حمزة أيضًا، وأما الوليد بن عتبة بالتاء فقتله عبيدة بضم العين ابن الحرث أو علي أو حمزة أو اشتركًا، وأما أمية بن خلف فعند ابن عقبة قتله رجل من الأنصار من بني مازن، وعند ابن إسحاق معاذ بن عفراء وخارجة بن زيد وخبيب بن أساف اشتركوا في قتله. وفي السير من حديث عبد الرحمن بن عوف أن بلالاً خرج إليه ومعه نفرن من الأنصار فقتلوه وكان بدينًا فانتفخ فألقوا عليه التراب حتى غيّبه، وأما عقبة بن أبي معيط فقتله علي أو عاصم بن ثابت، والصحيح أن رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قتله بعرق الظبية، وأما عمارة بن الوليد فتعرض لامرأة النجاشي فأمر ساحرًا فنفخ في

70 - باب البزاق والمخاط ونحوه في الثوب

إحليله عقوبة له فتوحش وصار مع ابهائم إلى أن مات في خلافة عمر بأرض الحبشة. ورواة هذا الحديث العشرة كوفيون سوى عبدان وأبيه فإنهما مروزيان وفيه التحديث بالجمع والإفراد والإخبار بالإفراد والعنعنة، وقرن رواية عبدان برواية أحمد بن عثمان مع أن اللفظ لرواية أحمد تقوية لروايته برواية عبدان، لأن في رواية إبراهيم بن يوسف مقالاً، وفي رواية أحمد التصريح بالحديث لأبي إسحاق من عمرو بن ميمون ولعمرو من عبد الله بن مسعود، وأخرجه المؤلف في الجزية أيضًا وفي الشعب وفي الصلاة والجهاد والمغازي. وأخرجه مسلم في المغازي والنسائي في الطهارة والسير. 70 - باب الْبُزَاقِ وَالْمُخَاطِ وَنَحْوِهِ فِي الثَّوْبِ قَالَ عُرْوَةُ عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ: خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَمَنَ حُدَيْبِيَةَ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ: وَمَا تَنَخَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نُخَامَةً إِلاَّ وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ. (باب البزاق) بالزاي للأكثر وبالصاد. قال ابن حجر: وهي روايتنا وبالسين وضعفت والباء مضمومة في الثلاث وهو ما يسيل من الفم، (والمخاط) بضم الميم والجر عطفًا على المضاف إليه وهو ما يسيل من الأنف (ونحوه) بالجر أيضًا عطفًا على سابقه أي ونحو كلٍّ منهما كالعرق الكائن (في الثوب) أي والبدن ونحوه هل يضر أم لا. (وقال عروة) ابن الزبير التابعي فقيه المدينة مما وصله المؤلف في قصة الحديبية في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى في الشروط (عن المسور) بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو وآخره راء ابن مخرمة بفتح الميم وسكون المعجمة الصحابي (ومروان) بن الحكم بفتح الحاء والكاف الأموي، ولد في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يسمع منه لأنه خرج طفلاً مع أبيه الحكم إلى الطائف لما نفاه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليها لأنه كان يفشي سره، فكان فيه حتى استخلف عثمان فردّه إلى المدينة وكان إسلام الحكم يوم الفتح، وحينئذ فيكون حديث مروان مرسل صحابي وهو حجة لا سيما وهو مع رواية المسور تقوية لها وتأكيد (خرج النبي) ولأبوي ذر والوقت رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زمن) وللأصيلي في زمن (حديبية) وللهروي والأصيلي وابن عساكر الحديبية وهي بتخفيف المثناة التحتية الثانية عند الشافعي مشددة عند أكثر المحدثين قرية على مرحلة من مكة سميت ببئر هناك أو شجرة حدباء كانت تحتها بيعة الرضوان (فذكر) حذيفة (الحديث) الآتي إن شاء الله تعالى مسندًا في قصة الحديبية وفيه، (وما تنخم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نخامة) أي ما رمى بنخامة زمن الحديبية أو مطلقًا (إلا وقعت في كف رجل منهم) أي ما تنخم في حال من الأحوال إلا حال وقوعها في كف رجل منهم، والنخامة بضم النون النخاعة كما في المجمل والصحاح أو ما يخرج من الخيشوم وقال النووي ما يخرج من الفم بخلاف النخاعة فإنها تخرج من الحلق وقيل بالميم من الصدر والبلغم من الدماغ (فدلك بها) أي بالنخامة (وجهه وجلده) تبركًا به عليه الصلاة والسلام وتعظيمًا وتوقيرًا، واستدل به على طهارة الريق ونحوه من فم طاهر غير متنجس، وحينئذ فإذا وقع ذلك في الماء لا ينجسه ويتوضأ به. 241 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَزَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ثَوْبِهِ طَوَّلَهُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 241 - أطرافه في: 405، 412، 413، 417، 531، 532، 822، 1214]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي بكسر الفاء وسكون الراء (قال: حدّثنا سفيان) أي الثوري كما قاله الدارقطني (عن حميد) بضم الحاء أي الطويل (عن أنس) رضي الله عنه زاد الأصيلي ابن مالك (قال): (بزق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالزاي (في ثوبه) عليه الصلاة والسلام ولأبي نعيم وهو في الصلاة (طوّله) أي هذا الحديث أي ذكره مطوّلاً في باب حك البزاق باليد من المسجد ولأبوي ذر والوقت والأصيلي. قال أبو عبد الله طوّله (ابن أبي مريم) شيخ المؤلف سعيد بن الحكم المصري، المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين (قال: أخبرنا يحيى بن أيوب) الغافقي المصري مولى عمر بن مروان، المتوفى سنة ثمان وستين ومائة (قال: حدّثني) بالإفراد (حميد) الطويل (قال: سمعت أنسًا عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يعني مثل الحديث المذكور وهو مفعول سمعت الثاني حذف للعلم به وصرح بسماع حميد من أنس، فظهر أنه لم يدلس فيه خلافًا لمن زعمه. ورواة هذا الحديث ما بين مصري وبصري ومكي، وفيه التحديث بالجمع والإفراد والإخبار والعنعنة والسماع. 71 - باب لاَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ وَلاَ الْمُسْكِرِ وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَقَالَ عَطَاءٌ: التَّيَمُّمُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَاللَّبَنِ. هذا (باب) بالتنوين (لا يجوز الوضوء بالنبيذ) بالمعجمة وهو الماء الذي ينبذ فيه نحو التمر لتخرج حلاوته إلى الماء فعيل بمعنى مفعول أي مطروح (ولا المسكر) عطف على

السابق وإنما أفرد النبيذ لأنه محل الخلاف في التوضؤ، والمراد بالنبيذ ما لم يبلغ إلى حدّ الإسكار ولابن عساكر وأبي الوقت ولا بالمسكر (وكرهه) أي التوضؤ بالنبيذ (الحسن) البصري فيما رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق من طريقين عنه قال: لا يتوضأ بنبيذ. وروى أبو عبيدة من طريق أخرى عنه أنه لا بأس به، وحينئذ فكراهته عنده للتنزيه (و) كذا كرهه (أبو العالية) رفيع بن مهران الرياحي بكسر الراء ثم المثناة التحتية فيما رواه أبو داود في سننه بسند جيد عن أبي خلدة فقال: قلت لأبي العالية رجل ليس عنده ماء وعنده نبيذ أيغتسل به من الجنابة، قال: لا وهو عند ابن أبي شيبة بلفظ أنه كره أن يغتسل بالنبيذ. (وقال عطاء) أي ابن أبي رباح (التيمم أحب إليّ من الوضوء بالنبيذ) بالمعجمة (واللبن) روى أبو داود من طريق ابن جرير عن عطاء أنه كره الوضوء بالنبيذ واللبن. وقال: إن التيمم أعجب إليّ منه، وجوّز الأوزاعي الوضوء بسائر الأنبذة، وأبو حنيفة بنبيذ التمر خاصة خارج المصر والقرية عند فقد الماء بشرط أن يكون حلوًا رقيقًا سائلاً على الأعضاء كالماء. وقال محمد: يجمع بينه وبين التيمم، وقال أبو يوسف كالجمهور لا يتوضأ به بحال، وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد وإليه رجع أبو حنيفة كما قاله قاضي خان، لكن في المفيد من كتبهم إذا ألقي في الماء تمرات فحلا ولم يزل عنه اسم الماء جاز التوضؤ به بلا خلاف يعني عندهم، واحتجوا بحديث ابن مسعود ليلة الجنّ إذ قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أمعك ماء"؟ فقال: نبيذ. فقال: "أصبت شراب وطهور" أو قال: "ثمرة طيبة وماء طهور" ورواه أبو داود والترمذي فتوضأ به. وأجيب بأن علماء السلف أطبقوا على تضعيف هذا الحديث. ولئن سلمنا صحته فهو منسوخ لأن ذلك كان بمكة ونزول قوله تعالى: {فتيمموا} كان بالمدينة بلا خلاف عند فقد عائشة رضي الله تعالى عنها العقد. وأجيب: بأن الطبراني في الكبير والدارقطني رويا أن جبريل عليه السلام نزل على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأعلى مكة فهمز له بعقبه فأنبع الماء وعلمه الوضوء. وقال السهيلي الوضوء مكي ولكنه مدني التلاوة، وإنما قالت عائشة آية التيمم ولم تقل آية الوضوء لأن الوضوء كان مفروضًا قبل غير أنه لم يكن قرآنًا يُتلى حتى أنزلت آية التيمم، وحكى عياض عن أبي الجهم أن الوضوء كان سُنّة حتى نزل القرآن بالمدينة انتهى. أو هو محمول على ما ألقيت فيه تمرات يابسة لم تغير له وصفًا، وأما اللبن الخالص فلا يجوز التوضؤ به إجماعًا فإن خال ماء فيجوز عند الحنفية. 242 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ». [الحديث 242 - طرفاه في: 5585، 5586]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني بكسر الدال (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم وللأصيلي عن الزهري (عن أبي سلمة) بفتح اللام عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (عن عائشة) رضي الله عنها (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال كل شراب أسكر) كثيره (فهو حرام) قليله وكثيره وحدّ شاربه المكلف قليلاً كان أو كثيرًا من عنب أو تمر أو حنطة أو لبن أو غيرها نيئًا كان أو مطبوخًا وقال أبو حنيفة. نقيع التمر والزبيب إذا اشتد كان حرامًا قليله وكثيره ويسمى نقيعًا لا خميرًا، فإن أسكر ففي شربه الحد وهو نجس فإن طبخا أدنى طبخ حلّ منهما ما غلب على ظن الشارب منه أنه لا يسكر من غير لهو ولا طرب، فإن اشتدّ حرم الشرب منهما ولم يتغير في طبخهما أن يذهب ثلثاهما، وأما نبيذ الحنطة والذرة والشعير والأرز والعسل فإنه حلال عنده نقيعًا أو مطبوخًا، وإنما يحرم المسكر ويحدّ فيه، واستدل بحديث ابن عباس مرفوعًا وموقوفًا وإنما حرّمت الخمر لعينها والمسكر من كل شراب، فهذا يدل على أن الخمر قليلها وكثيرها أسكرت أم لا حرام، وعلى أن غيرها من الأشربة إنما يحرم عند الإسكار، ويأتي إن شاء الله تعالى مزيدًا لهذا في بابه بحول الله وقوّته. فإن قلت: ما وجه إدخال هذا الحديث في هذا الباب؟ أجيب: بأن المسكر حرام شربه وما لا يحل شربه لا يحل التوضؤ به اتفاقًا، وبأن النبيذ خرج عن اسم الماء لغة وشرعًا، وحينئذ فلا يتوضأ يه. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين مدني ومديني وكوفي وفيه رواية تابعي عن تابعي والتحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الأشربة، وكذا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

72 - باب غسل المرأة أباها الدم عن وجهه

72 - باب غَسْلِ الْمَرْأَةِ أَبَاهَا الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: امْسَحُوا عَلَى رِجْلِي فَإِنَّهَا مَرِيضَةٌ. (باب غسل المرأة أباهما الدم) المنصوب الأوّل وهو أباها مفعول بالمصدر المضاف لفاعله والدم بدل اشتمال من أباها أو بتقدير أعني (عن وجهه) وللكشميهني من وجهه ومن وعن بمعنى قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى: 25] أو يكون في رواية عن ضمن الغسل معنى الإزالة، قال في الفتح: ولابن عساكر غسل المرأة الدم عن وجه أبيها. (وقال أبو العالية) رفيع بضم الراء وفتح الفاء وسكون المثناة التحتية بعدما وضؤوه وبقيت إحدى رجليه وهو وجع مما وصله عبد الرزاق (امسحوا على رجلي فإنها مريضة) من جمرة. فإن قلت: ما المطابقة بين هذا وبين الترجمة؟ أجيب: من حيث جواز الاستعانة في الوضوء كهي في إزالة النجاسة. 243 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ وَسَأَلَهُ النَّاسُ -وَمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَحَدٌ- بِأَىِّ شَىْءٍ دُووِيَ جُرْحُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي: كَانَ عَلِيٌّ يَجِيءُ بِتُرْسِهِ فِيهِ مَاءٌ، وَفَاطِمَةُ تَغْسِلُ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ. فَأُخِذَ حَصِيرٌ فَأُحْرِقَ، فَحُشِيَ بِهِ جُرْحُهُ. [الحديث 243 - أطرافه في: 2903، 2911، 3037، 4075، 5248، 5722]. وبه قال: (حدّثنا محمد) يعني ابن سلام كما لابن عساكر، وفي رواية البيكندي كما في بعض الأصول (قال: أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي حدّثنا (سفيان بن عيينة عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي المكسورة سلمة بن دينار الأعرج المخزومي المدني الزاهد، المتوفى سنة خمس وثلاثين ومائة أنه (سمع سهل بن سعد الساعدي) الأنصاري المدني رضي الله عنه، المتوفى سنة إحدى وتسعين وهو ابن مائة سنة له في البخاري أحد وأربعون حديثًا (وسأله الناس) جملة من فعل ومفعول وفاعل محلها النصب على الحال (وما بيني وبينه أحد) يعني عند السؤال ليكون أدل على صحة سماعه منه لقربه منه والجملة حالية أيضًا إما من مفعول سأل فهما متداخلتان واما من مفعول سمع فهما مترادفتان أو الجملة معترضة لا محل لها. (بأي شيء) الجار متعلق بسأل والمجرور للاستفهام (دووي) بواوين الأولى ساكنة والثانية مكسورة مبني للمفعول من المداواة وربما حذف في بعض الأصول إحدى الواوين كداود في الخط (جرح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الذي أصابه في غزوة أُحُد لما شجّ رأسه وجرح وجهه؟ (فقال) سهل (ما بقي أحد) من الناس (أعلم به منّي) برفع أعلم صفة لأحد وبالنصب على الحال: وإنما قال سهل ذلك لأنه كان آخر من بقي من الصحابة بالمدينة كما وقع عند المؤلف في النكاح (كان علي) أي ابن أبي طالب (يجيء بترسه فيه ماء وفاطمة) رضي الله عنها (تغسل عن وجهه) الشريف (الدم فأخذ حصير فأحرق فحشي به) بضم الهمزة والحاء فيهما على البناء للمفعول والضمير لما أحرق (جرحه) بالرفع نائب عن الفاعل، وللمؤلف في الطب: فلما رأت فاطمة الدم يزيد على الماء كثرة عمدت إلى حصرها فأحرقتها وألصقتها على الجرح فرقأ الدم، وإنما فعلت ذلك لأن في رماد الحصير استمساك الدم. وفيه إباحة التداوي وأنه لا ينافي التوكل والاستعانة في المداواة وجواز وقوع الابتلاء بالأنبياء ليعظم أجرهم، وليتحقق الناس أنهم مخلوقون له فلا يفتتنون بما ظهر على أيديهم من المعجزات كما افتتن النصارى بعيسى. ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين مكيّ ومدني وفيه التحديث والعنعنة والسماع، وفي رواية الأخبار في موضع التحديث، وأخرجه المؤلف في الجهاد والنكاح، ومسلم في المغازي، والترمذي وابن ماجة في الطب، وقال الترمذي: حسن صحيح. 73 - باب السِّوَاكِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِتُّ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَنَّ. (باب السواك) بكسر السين وهو يطلق على الفعل والآلة وهو مذكر، وقيل: مؤنث وجمع السواك سوك ككتاب وكتب، ويجوز بالهمزة كما هو القياس في كل واو مضمومة ضمة لازمة كوقتت وأقتت وهو مشتق من ساك إذا دلك أو من جاءت الإبل تتساوك أي تتمايل هزالاً وهو من سنن الوضوء، فلذا ذكره المؤلف في بابه أو أن باب الطهارة يشمل الإزالة والسواك مطهرة للفم مرضاة لرب. (وقال ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله المؤلف في تفسير آل عمران مطوّلاً (بتّ عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستن) من الاستنان وهو دلك الأسنان وحكمها بما يجلوها مأخوذ من السنّ بفتح السين وهو إمرار ما فيه خشونة على آخر ليذهبها، وهذا التعليق ساقط من رواية المستملي. 244 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدْتُهُ يَسْتَنُّ بِسِوَاكٍ بِيَدِهِ يَقُولُ: «أُعْ، أُعْ»، وَالسِّوَاكُ فِي فِيهِ كَأَنَّهُ يَتَهَوَّعُ. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) بضم النون محمد بن الفضل ويشهر بعارم (قال: حدّثنا حماد بن زيد) بن درهم (عن غيلان) بفتح المعجمة (ابن جرير) بفتح الجيم وبالراء المكسورة المكررة المعولي بكسر

74 - باب دفع السواك إلى الأكبر

الميم وبفتحها وسكون العين المهملة وفتح الواو، المتوفى سنة تسع وعشرين ومائة (عن أبي بردة) بضم الموحدة عامر بن أبي موسى (عن أبيه) أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه (قال): (أتيت النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوجدته يستن بسواك) كان (بيده) جملة في موضع نصب مفعول ثانٍ لوجدته حال كونه (يقول) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجازًا (أع أع) بضم الهمزة والعين مهملة موضعه نصب على أنه مقول القول، وذكر ابن التين أن في رواية غير أبي ذر بفتح الهمزة، وفي هامش فرع اليونينية ما نصه عند الحافظ أبي القاسم أي ابن عساكر في أصله: أغ أغ بغين معجمة قال وفي نسخة العين المهملة اهـ. ورواه ابن خزيمة والنسائي عن أحمد بن عبدة عن حماد بتقديم العين المهملة على الهمزة، وكذا أخرجه البيهقي من طريق إسماعيل القاضي عن عارم شيخ المؤلف فيه، وفي صحيح الجوزقي إخ إخ بكسر الهمزة وبالخاء المعجمة، وإنما اختلف الرواة الثقات لتقارب مخارج هذه الأحرف وكلها ترجع إلى حكاية صوته عليه الصلاة والسلام إذ جعل السواك على طرف لسانه كما عند مسلم، والمراد طرفه الداخل كما عند أحمد ليستن إلى فوق، ولذا قال هنا: (والسواك في فيه كأنه يتهوع) أي يتقيأ يقال هاع يهوع إذا قاء بلا تكلف يعني أن له صوتًا كصوت المتقيئ على سبيل البالغة، ويفهم منه السواك على اللسان طولاً، أما الأسنان فالأحب أن يكون عرضًا لحديث "إذا استكتم فاستاكوا عرضًا" رواه أبو داود في مراسيله، والمراد عرض الأسنان قال في الروضة: كره جماعات من أصحابنا الاستياك طولاً أي لأنه يجرح اللثة وهو كما مرّ من سنن الوضوء لحديث "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء" أي أمر إيجاب. رواه ابن خزيمة وغيره، وكذا من سنن الصلاة لحديث الشيخين "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" أي أمر إيجاب ويستحب عند قراءة القرآن والاستيقاظ من النوم وتغير الفم، وفي كل حال إلا للصائم بعد الزوال فيكره، وقال ابن عباس: فيه عشر خصال يذهب الحفر ويجلو البصر ويشد اللثة ويطيب الفم وينقي البلغم وتفرح له الملائكة ويرضي الرب تعالى ويوافق السُّنّة ويزيد في حسنات الصلاة ويصح الجسم، وزاد الترمذي الحكيم: ويزيد الحافظ حفظًا وينبت الشعر ويصفي اللون وليبلع ريقه في أول استياكه فإنه ينفع من الجذام والبرص وكل داء سوى الموت ولا يبلغ بعده شيئًا فإنه يورث النسيان. ورواة الحديث ما بين بصري وكوفي وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في الطهارة. 245 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ. [الحديث 245 - طرفاه في: 889، 1136]. وبه قال: (حدّثنا عثمان) زاد الأصيلي وابن عساكر وأبو الوقت ابن أبي شيبة وهو أخو أبي بكر بن أبي شيبة (قال: حدّثنا جرير) أي ابن عبد الحميد (عن منصور) أي ابن المعتمر (عن أبي وائل) بالهمزة شقيق الحضرمي (عن حذيفة) بن اليمان رضي الله عنه (قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قام من الليل يشوص) بالشين المعجمة والصاد المهملة أي يدلك أو يغسل أو يحك (فاه بالسواك) لأن النوم يقتضي تغيير الفم لما يتصاعد إليه من أبخرة المعدة، والسواك آلة تنظيفه فيستحب عند مقتضاه. وقوله: إذا قام ظاهره يقتضي تعليق الحكم بمجرد القيام ولفظة كان تدل على المداومة والاستمرار. ورواة هذا الحديث الخمسة كوفيون إلا حذيفة فعراقي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الصلاة وفي فضل قيام الليل، ومسلم وأبو داود وابن ماجة في الطهارة والنسائي فيها وفي الطهارة. 74 - باب دَفْعِ السِّوَاكِ إِلَى الأَكْبَرِ (باب دفع السواك إلى الأكبر) سنًا. 246 - وَقَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَرَانِي أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَاءَنِي رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأَصْغَرَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ. فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأَكْبَرِ مِنْهُمَا». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: اخْتَصَرَهُ نُعَيْمٌ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ أُسَامَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. (وقال عفان) بن مسلم الصفارَ البصري الأنصاري، المتوفى ببغداد سنة عشرين ومائتين مما وصله أبو عوانة وأبو نعيم والبيهقي (حدّثنا صخر بن جويرية) بالجيم المضمومة تصغير جارية البصري التميمي (عن نافع) مولى ابن عمر القرشي العدوي (عن ابن عمر) رضي الله عنهما (أنّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (أراني أتسوّك بسواك) بفتح همزة أراني للأصيلي أي أرى نفسي فالفاعل والمفعول المتكلم، وهذا من خصائص أفعال القلوب وبضمها لغيره أي أظن نفسي كذا ضبطها البرماوي كالكرماني ووهمه

75 - باب فضل من بات على الوضوء

ابن حجر، وقال العيني: ليس بوهم والعبارتان مستعملتان وللمستملي رآني بتقديم الراء. قالوا: وهو خطأ لأنه إنما أخبر عما رآه في النوم (فجاءني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر فناولت) أي أعطيت (السواك الأصغر منهما فقيل لي) القائل له جبريل (كبر) أي قدم الأكبر في السن (فدفعته إلى الأكبر منهما قال أبو عبد الله) أي المؤلف: (اختصره) أي المتن (نعيم) هو ابن حماد (عن ابن المبارك) عبد الله (عن أسامة) بن زيد الليثي المدني (عن نافع عن ابن عمر) وصله الطبراني في الأوسط عن بكير بن سهل عنه بلفظ: أمرني جبريل عليه الصلاة والسلام أن أكبر، ويستفاد منه تقديم ذي السن في السواك والطعام والشراب والمشي والركوب والكلام، نعم إذا ترتب القوم في الجلوس فالسُّنّة تقديم الأيمن فالأيمن كما نبّه عليه المهلب. 75 - باب فَضْلِ مَنْ بَاتَ عَلَى الْوُضُوءِ (باب فضل من بات على الوضوء) بالألف واللام، ولأبوَي ذر والوقت والأصيلي وضوء بالتنكير. 247 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ. فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ. وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ». قَالَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا بَلَغْتُ «اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ». قُلْتُ: وَرَسُولِكَ. قَالَ «لاَ. وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ». [الحديث 247 - أطرافه في: 6311، 6313، 6315، 7488]. وبه قال (حدّثنا محمد بن مقاتل) بضم الميم المروزي (قال: أخبرنا) وللأصيلي وابن عساكر حدّثنا (عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر، وقيل سفيان هو ابن عيينة لأن ابن المبارك يروي عنهما وهما عن منصور، ولكن الثوري أثبت الناس في منصور فترجح إرادته (عن سعد بن عبيدة) بضم العين في الثاني وسكونها في الأوّل أبي حمزة بالزاي الكوفي، المتوفى في ولاية ابن هبيرة على الكوفة (عن البراء بن عازب) رضي الله عنه (قال): (قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أتيت) أي إذا أردت أن تأتي (مضجعك) بفتح الجيم من باب منع يمنع. وفي الفرع بكسرها (فتوضأ وضوءك للصلاة) أي إن كنت على غير وضوء والفاء جواب الشرط، وإنما ندب الوضوء عند النوم لأنه قد تقبض روحه في نومه فيكون قد ختم عمله بالوضوء، وليكون أصدق لرؤياه وأبعد عن تلاعب الشيطان به في منامه، وليس ذكر الوضوء في هذا الحديث عند الشيخين إلا في هذه الرواية، (ثم اضطجع على شقك الأيمن) لأنه يمنع الاستغراق في النوم لقلق القلب فيسرع الإفاقة ليتهجد أو ليذكر الله تعالى بخلاف الاضطجاع على الشق الأيسر، (ثم قل: اللهم أسلمت وجهي) ذاتي (إليك) طائعة لحكمك فأنا منقاد لك في أوامرك ونواهيك، وفي رواية أسلمت نفسي ومعنى أسلمت استسلمت أي سلمتها لك إذ لا قدرة لي ولا تدبير على جلب نفع ولا دفع ضر، فأمرها مفوّض إليك تفعل بها ما تريد واستسلمت لما تفعل فلا اعتراض عليك فيه أو معنى الوجه القصد والعمل الصالح، ولذا جاء في رواية أسلمت نفسي إليك ووجّهت وجهي إليك فجمع بينهما فدلّ على تغايرهما، (وفوّضت) من التفويض أي رددت (أمري إليك) وبرئت من الحول والقوّة إلا بك فاكفني همه (وألجأت) أي أسندت (ظهري إليك) أي اعتمدت عليك كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده إليه (رغبة) أي طمعًا في ثوابك (ورهبة إليك) الجار والمجرور متعلق برغبة ورهبة، وإن تعدى الثاني بمن لكنه أجري مجرى رغب تغليبًا كقوله: ورأيت بعلك في الوغى ... متقلدًا سيفًا ورمحا والرمح لا يتقلد، ونحوه: علفتها تبنًا وماءً باردا أي خوفًا من عقابك، وهما منصوبان على المفعول له على طريق اللف والنشر أي فوّضت أمري إليك رغبة وألجأت ظهري إليك رهبة من المكاره والشدائد لأنه (لا ملجأ ولا منجا منك إلاّ إليك) بالهمزة في الأوّل، وربما خفّف وتركه في الثاني كعصا، ويجوز هنا تنوينه إن قدر منصوبًا لأن هذا التركيب مثل لا حول ولا قوّة إلا بالله، فتجري فيه الأوجه الخمسة المشهورة وهي فتح الأوّل والثاني، وفتح الأوّل ونصب الثاني، وفتح الأوْل ورفع الثاني، ورفع الأوّل وفتح الثاني، ورفع الأوّل والثاني، ومع التنوين تسقط الألف. وقوله: منك إن قدر ملجأ ومنجا مصدرين فيتنازعان فيه وإن كانا مكانين فلا، والتقدير لا ملجأ منك إلى أحد إلا إليك ولا منجا إلا إليك. (اللهم آمنت) أي صدقت (بكتابك) القرآن (الذي أنزلت) أي أنزلته

على رسولك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والإيمان بالقرآن يتضمن الإيمان بجميع كتب الله المنزلة، ويحتمل أن يعم الكل لإضافته إلى الضمير لأن المعرّف باللام في احتماله الجنس والاستغراق والعهد بل جميع العارف كذلك. قال البيضاوي كالزمخشري في الكشاف في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ} [البقرة: 6] وتعريف الموصول إما للعهد، فالمراد به ناس بأعيانهم كأبي لهب وأبي جهل والوليد بن المغيرة وأحبار اليهود أو والجنس متناولاً من صمم على الكفر وغيرهم فخصّ منهم غير المصرين بما أسند إليه (و) آمنت (بنبيك الذي أرسلت) بحذف ضمير المفعول أي أرسلته، (فإن متّ من ليلتك فأنت على الفطرة) الإسلامية أو الدين القويم ملّة إبراهيم (واجعلهنّ) أي هذه الكلمات (آخر ما تتكلم به) ولابن عساكر تكلم به بحذف إحدى التاءين وللكشميهني من آخر ما تتكلم به، ولا يمتنع أن يقول بعدهنّ شيئًا مما شرع من الذكر عند النوم والفقهاء لا يعدّون الذكر كلامًا في باب الإيمان وإن كان هو كلامًا في اللغة. (قال) البراء: (فردّدتها) بتشديد الأولى وتسكين الثانية أي الكلمات (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأحفظهنّ، (فلما بلغت اللهمّ آمنت بكتابك الذي أنزلت قلت ورسولك) زاد الأصيلي الذي أرسلت (قال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لا) أي لا تقل ورسولك بل قل (ونبيك الذي أرسلت) وجه المنع لأنه لو قال ورسولك لكان تكرارًا مع قوله أرسلت، فلما كان نبيًّا قبل أن يرسل صرّح بالنبوّة للجمع بينها وبين الرسالة، وإن كان وصف الرسالة مستلزمًا وصف النبوّة مع ما فيه من تعديد النعم وتعظيم المنّة في الحالين، أو احترز به ممن أرسل من غير نبوّة كجبريل وغيره من الملائكة لأنهم رسل لا أنبياء، فلعله أراد تخليص الكلام من اللبس، أو لأن لفظ النبي أمدح من لفظ الرسول لأنه مشترك في الإطلاق على كل من أرسل بخلاف لفظ النبي فإنه لا اشتراك فيه عرفًا، وعلى هذا فقول من قال كل رسول نبي من غير عكس لا يصح إطلاقه قاله الحافظ ابن حجر، يعني فيقيد بالرسول البشري، وتعقبه العيني فقال: كيف يكون أمدح وهو لا يستلزم الرسالة بل لفظ الرسول أمدح لأنه يستلزم النبوّة اهـ. وهو مردود فإن المعنى يختلف فإنه لا يلزم من الرسالة النبوّة ولا عكسه ولا خلاف في المنع إذا اختلف المعنى، وهنا كذلك أو أن الأذكار توقيفية في تعيين اللفظ وتقدير الثواب، فربما كان في اللفظ سر ليس في الآخر، ولو كان يرادفه في الظاهر أو لعله أوحي إليه بهذا اللفظ، فرأى أن يقف عنده، وقال المهلب: إنما لم تبدل ألفاظه عليه الصلاة والسلام لأنها ينابيع الحكم وجوامع الكلم، فلو غيرت سقطت فائدة النهاية في البلاغة التي أعطيها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اهـ. وقد تعلق بهذا من منع الرواية بالمعنى كابن سيرين، وكذا أبو العباس النحوي قال: إذ ما من كلمتين متناظرتين إلا وبينهما فرق. وإن دقّ ولطف نحو: بلى ونعم، ولا حجة فيه لمن استدل به على عدم جواز إبدال لفظ النبي في الرواية بالرسول وعكسه، لأن الذات المخبر عنها في الرواية واحدة وبأي وصف وصفت به تلك الذات من أوصافها اللائقة بها علم القصد بالمخبر عنه ولو تباينت معاني الصفات كما لو أبدل اسمًا بكنية أو كنية باسم، فلا فرق بين أن يقول الراوي مثلاً عن أبي عبد الله البخاري أو عن محمد بن إسماعيل البخاري، وهذا بخلاف ما في حديث الباب لأن ألفاظ الأذكار توقيفية فلا يدخلها القياس، ويستفاد من هذا الحديث أن الدعاء عند النوم مرغوب فيه لأنه قد تقبض روحه في نومه، فيكون قد ختم عمله بالدعاء الذي هو من أفضل الأعمال كما ختمه بالوضوء. والنكتة في ختم المؤلف كتاب الوضوء بهذا الحديث من جهة أنه آخر وضوء أمر به المكلف في اليقظة، ولقوله في الحديث: واجعلهنّ آخر ما تتكلم به وأشعر ذلك بختم الكتاب. ورواته الستة ما بين مروزي وكوفي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في الدعوات، ومسلم في الدعاء، وأبو داود في الأدب والترمذي في الدعوات، والنسائي في اليوم والليلة.

5 - كتاب الغسل

بسم الله الرحمن الرحيم 5 - كتاب الغسل وقولِ اللهِ تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6] وقوله جَلَّ ذِكرُه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 43]. (بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الغسل) هو بفتح الغين أفصح وأشهر من ضمها مصدر غسل وبمعنى الاغتسال، وبكسرها اسم لما يغسل به من سدر وخطمي ونحوهما، وبالضم اسم للماء الذي يغتسل به وهو بالمعنيين الأولين لغة سيلان الماء على الشيء وشرعًا سيلانه على جميع البدن، مع تمييز ما للعبادة عن العادة بالنيّة، ووقع في رواية الأكثر تأخير البسملة عن كتاب الغسل وسقطت من رواية الأصيلي، وعنده باب بدل كتاب وهو أولى لأن الكتاب يجمع أنواعًا، والغسل نوع واحد من أنواع الطهارة وإن كان في نفسه يتعدد. ثم إن المؤلف افتتح كتاب الغسل بآيتي النساء والمائدة إشعارًا بأن وجوب الغسل على الجنب بنص القرآن فقال: (وقول الله تعالى) وللأصيلي عز وجل {وإن كنتم جنبًا فاطهّرُوا} أي فاغتسلوا، والجنب الذي أصابته الجنابة يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع لأنه يجري مجرى المصدر ({وإن كنتم مرضى}) مرضًا يخاف معه من استعمال الماء فإن الواجد له كالفاقد أو مرضًا يمنعه من الوصول إليه قال مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم نزلت في مريض من الأنصار لم يكن له خادم ولم يستطع أن يقوم ويتوضأ، {أو على سفر} طويلاً كان أو قصيرًا لا تجدونه فيه {أو جاء أحد منكم من الغائط} فأحدث بخروج الخارج من أحد السبيلين وأصل الغائط المطمئن من الأرض {أو لامستم النساء} أي ماسستم بشرتهن ببشرتكم، وبه استدل الشافعي على أن اللمس ينقض الوضوء وهو قول ابن مسعود وابن عمر وبعض التابعين، وقيل: أو جامعتموهن وهو قول عليّ، والثابت عن ابن عباس وعن أكثر الصحابة والتابعين {فلم تجدوا ماء} فلم تتمكنوا من استعماله إذ الممنوع عنه كالمفقود، ووجه هذا التقسيم أن المترخص بالتيمم إما محدث أو جنب، والحال المقتضية له في غالب الأمر مرض أو سفر والجنب لما سبق ذكره اقتصر على بيان حاله، والمحدث لما لم يجر ذكره ذكر أسبابه ما يحدث بالذات وما يحدث بالعرض، واستغنى عن تفصيل أحواله بتفصيل حال الجنب وبيان العذر مجملاً، وكأنه قيل: وإن كنتم جنبًا مرضى أو على سفر أو محدثين جئتم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء ({فتيمموا صعيدًا طيبًا}) أي اقصدوا ترابًا أو ما يصعد من الأرض طاهرًا أو حلالاً ({فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه}) أي من بعضه، ولذا قال أصحابنا لا بد أن يعلق باليد شيء من التراب ({ما يريد الله ليجعل عليكم}) بما فرض من الغسل والوضوء والتيمم ({من حرج}) ضيق ({ولكن يريد ليطهركم}) من الأحداث والذنوب فإن الوضوء تكفير لها، ({وليتم نعمته عليكم}) بيان ما هو مطهرة للقلوب والأبدان عن الآثام والأحداث ({لعلكم تشكرون}) [المائدة: 6] نعمتي فأزيدها عليكم. (وقوله جل ذكره: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون}) اجتنبوها حال السكر نزلت في جمع من الصحابة شربوا الخمر قبل تحريمها عند ابن عوف وتقدم عليّ للإمامة وقرأ: {قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون} رواه الترمذي وأبو داود، وقال الضحاك عنى به سكر النوم لا سكر الخمر. ({ولا جنبًا}) عطف على وأنتم سكارى إذ الجملة في موضع النصب على الحال ({إلا عابري سبيل}) مسافرين حين فقد الماء فإنه جائز للجنب حينئذ للصلاة أو المعنى لا تقربوا مواضع الصلاة في حال السكر ولا في حال الجنابة إلا حال العبور فيها فجاز المرور لا اللبث وعليه كلام أكثر السلف ({حتى تغتسلوا}) من الجنابة ({وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدًا طيبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم}) استدل به الحنفية على أنه لو ضرب المتيمم يده على حجر صلد ومسح أجزأه ({إن الله كان عفوًّا غفورًا}) [النساء: 43] يسهل ولا يعسر كذا ساق الآيتين بتمامهما في الفرع، وعند ابن عساكر ({فتيمموا}) إلى قوله: ({وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون}) وفي رواية ({وإن كنتم جنبًا فاطهروا}) الآية، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني والأصيلي {وإن كنتم جنبًا فاطهروا} إلى قوله: {لعلكم تشكرون} وفي رواية {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة} الآية إلى قوله: {إن الله كان عفوًّا

1 - باب الوضوء قبل الغسل

غفورًا} ولأبوي ذر والوقت والأصيلي {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} إلى قوله: {عفوًّا غفورًا}. 1 - باب الْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ (باب) سنّة (الوضوء قبل الغسل) بفتح الغين وضمها على ما سبق، وإنما قدّم الوضوء على الغسل لفضل أعضاء الوضوء، ولا يحتاج إلى إفراد هذا الوضوء بنيّة كما قاله الرافعي بناء على اندراجه في الغسل زاد في الروضة. قلت: المختار أنه إن تجردت جنابته عن الحدث نوى بوضوئه سُنَّة الغسل، وإن اجتمعا نوى به رفع الحدث الأصغر، وقال المالكية: ينوي به رفع حدث الجنابة عن تلك الأعضاء ولو نوى الفضيلة وجب عليه إعادة غسلها. 248 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعَرِهِ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ. [الحديث 248 - طرفاه في: 262، 272]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن هشام) هو ابن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا اغتسل) أي إذا أراد أن يغتسل (من الجنابة) أي لأجلها فمن سببية (بدأ فغسل يديه) قبل الشروع في الوضوء والغسل لأجل التنظيف مما بهما من مستقذر أو لقيامه من النوم، ويدل عليه زيادة ابن عيينة في هذا الحديث عن هشام قبل أن يدخلهما في الإناء رواه الترمذي، وزاد أيضًا ثم يغسل فرجه وكذا لمسلم وهي زيادة حسنة لأن تقديم غسله يحصل به إلا من مسّه في أثناء الغسل، (ثم يتوضأ) ولأبي ذر ثم توضأ (كما يتوضأ للصلاة) ظاهره أنه يتوضأ وضوءًا كاملاً وهو مذهب الشافعي ومالك. وقال الفاكهاني في شرح العمدة: وهو المشهور، وقيل يؤخر غسل قدميه إلى ما بعد الغسل لحديث ميمونة الآتي إن شاء الله تعالى، وللمالكية قول ثالث وهو إن كان موضعه وسخًا أخّر وإلا فلا، وعند الحنفية إن كان في مستنقع يؤخر وإلاّ فلا ثم إن ظاهره مشروعية التكرار ثلاثًا وهو كذلك، لكن قال عياض: إنه لم يأت في شيء من وضوء الجنب ذكر التكرار، وقد قال بعض شيوخنا إن التكرار في الغسل لا فضيلة فيه. وأجيب: بأن إحالتها على وضوء الصلاة تقتضيها ولا يلزم من أنه لا فضيلة في عمل الغسل أن لا تكون في وضوئه، ومن شيوخنا من كان يفتي سائله بالتكرار وكان غيره يفتي بتركه قاله أبو عبد الله الأبي. (ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها) أي بأصابعه التي أدخلها في الماء (أصول شعره) أي شعر رأسه كما يدل عليه رواية حماد بن سلمة عن هشام يخلل بها شق رأسه الأيمن، فيتبع بها أصول الشعر ثم يفعل بشقه الأيسر، كذلك رواه البيهقي وللمستملي والحموي أصول الشعر بالتعريف والحكمة في هذا تليين الشعر وترطيبه ليسهل مرور الماء عليه ويكون أبعد من الإسراف في الماء. وفى المهذب يخلل اللحية أيضًا، وأوجب المالكية والحنفية تخليل شعر المغتسل لقوله عليه الصلاة والسلام "خللوا الشعر وأنقوا البشرة فإن تحت كل شعرة جنابة" (ثم يصب على رأسه ثلاث غرف) من الماء (بيديه) استدل به على مشروعية التثليث وهو سُنّة عند الشافعية كالوضوء فيغسل رأسه ثلاثًا بعد تخليله في كل مرة ثم شقّه الأيمن ثلاثًا ثم شقه الأيسر ثلاثًا، وقال الباجي من المالكية: والثلاث يحتمل أنها لما جاء من التكرار وإنها مبالغة لإتمام الغسل إذ قد لا تكفي الواحدة، وخصّ الشيخ خليل الثلاث بالرأس، وقوله: غرف جمع غرفة بالضم وهي ملء الكف، وللأصيلي غرفات وهي الأصل في مميز الثلاثة لأنه جمع قلة فغرف حينئذ من إقامة جمع الكثرة موضع القلة أو أنه جمع قلة عند الكوفيين كعشر سور وثماني حجج، (ثم يفيض) عليه الصلاة والسلام أي يسيل (الماء على جلده كله) أكده بلفظ الكل ليدل على أنه عمّ جميع جسده بالغسل بعدما تقدم، وفيه دلالة على أن الوضوء قبل الغسل سُنّة مستقلة ولا يفهم منه الدلك وهو مستحب عند الشافعية والحنفية والحنابلة، وأوجبه المالكية في المشهور عندهم، وقيل: واجب لا لنفسه، واحتج ابن بطال للوجوب بالإجماع على وجوب إمرار اليد على أعضاء الوضوء عند غسلها، فيجب ذلك في الغسل قياسًا لعدم الفرق بينهما. وأجيب بأن جميع من لم يوجب الدلك أجازوا غمس اليد للمتوضئ من غير إمرار فبطل الإجماع وانتفت الملازمة. ورواة هذا

2 - باب غسل الرجل مع امرأته

الحديث الخمسة ما بين تنيسي وكوفي وفيه التحديث والإخبار والعنعنة وأخرجه مسلم والنسائي وأبو داود. 249 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ غَيْرَ رِجْلَيْهِ، وَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنَ الأَذَى، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، ثُمَّ نَحَّى رِجْلَيْهِ فَغَسَلَهُمَا. هَذِهِ غُسْلُهُ مِنَ الْجَنَابَةِ. [الحديث 249 - أطرافه في: 257، 259، 260، 265، 266، 274، 276، 281]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي لا البيكندي (قال: حدّثنا سفيان) الثوري لا ابن عيينة (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة (عن كريب) بضم الكاف (عن ابن عباس عن ميمونة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت توضأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وضوءه للصلاة) هو كالذي قبله احترازًا عن الوضوء اللغوي الذي هو غسل اليدين فقط (غير رجليه) فأخرهما. قال القرطبي: ليحصل الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء، والأرجح عند الشافعية والمالكية تكميل الوضوء. نعم نقل في الفتح عن مالك: إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخيرهما، وكذا نقل عن الشافعية أيضًا. وأجاب القائل بالتأخير بأن الاستثناء زائد على حديث عائشة والزيادة من الثقة مقبولة. وأجيب: بأن حديث عائشة هو الذي فيه زيادة الثقة لاقتضائه غسل الرجلين فيقدم، وحمل القائل بالتأخير إطلاقها أيضًا على فعل أكثر الوضوء حملاً للمطلق على المقيد. وأجيب بأنه ليس من المطلق والمقيد لأن ذلك في الصفات لا في غسل جزء وتركه، وحمله الحنفية على أنه كان في مستنقع كما تقدم قريبًا أن مذهبهم إن كان في مستنقع أخّر، وإلا فلا، قالوا: وكل ما جاء من الروايات التي فيها تأخير الرجلين فهو محمول عليه جمعًا بين الروايات. (وغسل) عليه الصلاة والسلام (فرجه) أي ذكره المقدس وأخّره لعدم وجوب التقديم، وهذا مذهب الشافعية، نعم قال النووي في زيادة الروضة: ينبغي أن يستنجي قبل الوضوء والتيمم فإن قدّمهما صحّ الوضوء لا التيمم اهـ. أو لأن الواو لا تقتضي الترتيب فيكون قدّمه، والمراد أنه جمع بين الوضوء وغسل الفرج، وهو وإن كان لا يقتضي تقديم أحدهما على الآخر على التعيين، فقد بيّن ذلك فيما رواه المؤلف في باب الستر في الغسل من طريق ابن المبارك عن الثوري فذكر أوّلاً غسل اليدين ثم غسل الفرج ثم مسح يده بالحائط ثم الوضوء غير رجليه، وأتى بثم الدالّة على الترتيب في جميع ذلك. (و) غسل عليه الصلاة والسلام (ما) أي الذي (أصابه من الأذى) الطاهر كالمني على الذكر والمخاط، ولو كان على جسد المغتسل نجاسة كفاه لها وللجنابة واحدة على ما صححه النووي، والسُّنّة البدء بغسلها ليقع الغسل على أعضاء طاهرة، (ثم أفاض) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عليه الماء ثم نحى رجليه فغسلهما هذه) الأفعال المذكورة (غسله) عليه الصلاة والسلام أو صفة غسله، وضبب عليها ابن عساكر وللكشميهني هذا غسله (من الجنابة) وفي هذا الحديث تابعي عن تابعي عن تابعي وصحابيان والتحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف في مواضع ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في الطهارة. 2 - باب غُسْلِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ (باب غسل الرجل مع امرأته) من إناء واحد. 250 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، مِنْ قَدَحٍ يُقَالُ لَهُ الْفَرَقُ. [الحديث 250 - أطرافه في: 261، 263، 273، 299، 5956، 7339]. وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) بكسر المعجمة محمد بن عبد الرحمن القرشي (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (كنت أغتسل أنا) أبرزت الضمير لتعطف عليه الظاهر وهو قولها (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فهو مرفوع، ويجوز أن يكون مفعولاً معه (من إناءٍ واحد من قدح) بفتحتين واحد الأقداح التي للشرب، (يقال له الفرق) بفتح الفاء والراء قال النووي وهو الأفصح وهو صاعان كما عليه الجماهير. وقال ابن الأثير: الفرق بالفتح ستة عشر رطلاً وبالإسكان مائة وعشرون رطلاً. قال في الفتح: وهو غريب، وقال الجوهري: مكيال معروف بالمدينة ستة عشر رطلاً، وكان من شبه بفتح الشين المعجمة والموحدة كما عند الحاكم بلفظ: تور من شبه وهو نوع من النحاس، ومن في قوله من إناء ابتدائية، وفي قوله من قدح بيانية. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة وأخرجه مسلم والنسائي. 3 - باب الْغُسْلِ بِالصَّاعِ وَنَحْوِهِ (باب الغسل بالصاع) أي بالماء الذي هو قدر ملء الصاع (ونحوه) من الأواني التي تسع ما يسع الصاع وهو خمسة أرطال وثلث على مذهب الحجازيين احتجاجًا بحديث الفرق، فإن تفسيره ثلاثة آصع، والمراد بالرطل

البغدادي وهو ما رجحه النووي مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم، وأنا احتجاج العراقيين لأن الصاع ثمانية أرطال بحديث مجاهد، دخلنا على عائشة فأتي بعس أي قدح عظيم فقالت عائشة: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يغتسل بمثله، قال مجاهد: فحزرته ثمانية أرطال إلى تسعة إلى عشرة فلا يقابل بما اشتهر بالمدينة، وتداولوه في معايشهم وتوارثوا ذلك خلفًا عن سلف كما أخرجه مالك لأبي يوسف حين قدم المدينة. وقال له: هذا صاع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوجده أبو يوسف خمسة أرطال وثلثًا، فرجع إلى قول مالك. فلا يترك نقل هؤلاء الدين لا يجوز تواطؤهم على الكذب إلى خبر واحد يحتمل التأويل لأنه حزر والحزر لا يؤمن فيه الغلط. 251 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنِي شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ دَخَلْتُ أَنَا وَأَخُو عَائِشَةَ عَلَى عَائِشَةَ فَسَأَلَهَا أَخُوهَا عَنْ غُسْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ نَحْوًا مِنْ صَاعٍ فَاغْتَسَلَتْ وَأَفَاضَتْ عَلَى رَأْسِهَا، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا حِجَابٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَبَهْزٌ وَالْجُدِّيُّ عَنْ شُعْبَةَ: قَدْرِ صَاعٍ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبوي ذر والوقت حدّثني (عبد الله بن محمد) الجعفي المسندي بضم الميم (قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر حدّثنا: (عبد الصمد) بن عبد الوارث التنوري (قال: حدّثني) بالإفراد ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر حدّثنا (شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو بكر بن حفص) أي ابن عمر بن سعد بن أبي وقاص (قال: سمعت أبا سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف حال كونه (يقول دخلت أنا وأخو عائشة) رضي الله عنها من الرضاعة كما صرح به مسلم في صحيحه وهو عبد الله بن يزيد البصري كما عند مسلم في الجنائز في حديث غير هذا، واختاره النووي وغيره أو هو كثير بن عبيد الله الكوفي رضيعها أيضًا كما في الأدب المفرد للمؤلف وسنن أبي داود، وليس عبد الرحمن بن أبي بكر ولا الطفيل بن عبد الله أخاها، لأمها، وعطف على الضمير المرفوع المتصل بضمير منفصل وهو أنا لأنه لا يحسن العطف على المرفوع المتصل بارزًا كان أو مستترًا إلا بعد توكيده بمنفصل (على عائشة) رضي الله عنها (فسألها أخوها) المذكور (عن) كيفية (غسل النبي) بفتح الغين كما في الفرع، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدعت بإناء نحو) بالجرّ منوّنًا صفة لإناء، ولكريمة نحوًا بالنصب نعت للمجرور باعتبار المحل أو بإضمار أعني (من صاع فاغتسلت وأفاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب) يستر أسافل بدنها مما لا يحل للمحرم بفتح الميم الأولى النظر إليه لا أعاليه الجائز له النظر إليها ليريا عملها في رأسها وأعالي بدنها، وإلاّ لم يكن لاغتسالها بحضرة أخيها وابن أُختها أم كلثوم من الرضاعة معنى، وفي فعلها ذلك دلالة على استحباب التعليم بالفعل لأنه أوقع في النفس من القول وأدل عليه. وهذا الحديث سباعي الإسناد وفيه التحديث والسماع والسؤال. (قال أبو عبد الله) المؤلف (قال) ولابن عساكر والأصيلي، وقال (يزيد بن هارون) بإسقاط قال أبو عبد الله وزيادة واو العطف في تاليه وطريقه مروية في مستخرجي أبي نعيم وأبي عوانة (وبهز) بفتح الموحدة وسكون الهاء آخره زاي ابن أسد الإمام الحجة البصري، المتوفى بمرو في بضع وتسعين ومائة وطريقه مروية عند الإسماعيلي، (والجُدِّي) بضم الجيم وتشديد الدال المكسورة نسبة لجدة ساحل البحر من جهة مكة المشرفة واسمه عبد الملك بن إبراهيم نزيل البصرة، المتوفى سنة خمس ومائتين الثلاثة رووه (عن شعبة) بن الحجاج المذكور (قدر صاع) بدل قوه نحوًا ممن صاع، وقدر بالنصب كما في اليونينية وبالجرّ على الحكاية. 252 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ وَأَبُوهُ، وَعِنْدَهُ قَوْمٌ فَسَأَلُوهُ عَنِ الْغُسْلِ، فَقَالَ: يَكْفِيكَ صَاعٌ. فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يَكْفِينِي. فَقَالَ جَابِرٌ كَانَ يَكْفِي مَنْ هُوَ أَوْفَى مِنْكَ شَعَرًا وَخَيْرٌ مِنْكَ. ثُمَّ أَمَّنَا فِي ثَوْبٍ. [الحديث 252 - طرفاه في: 255، 256]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد قال: حدّثنا يحيى بن آدم) الكوفي، المتوفى سنة ثلاث ومائتين (قال: حدّثنا) ولابن عساكر أخبرنا (زهير) بضم الزاي ابن معاوية الكوفي ثم الجزري (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي بفتح السين الكوفي (قال: حدّثنا أبو جعفر) الباقر محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (أنه كان عند جابر بن عبد الله هو وأبوه) عليّ بن الحسين (وعنده) أي عند جابر (قوم فسألوه عن الغسل) السائل هو أبو جعفر كما في مسند إسحاق بن راهويه (فقال) جابر (يكفيك صاع: فقال رجل) هو الحسن بن محمد ابن الحنفية خولة بنت جعفر، المتوفى سنة مائة ونحوها (ما يكفيني، فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى) أي أكثر (منك شعرًا وخير

4 - باب من أفاض على رأسه ثلاثا

منك) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخير بالرفع عطفًا على أوفى المخبر به عن هو، وللأصيلي وخيرًا بالنصب عطفًا على الموصول المصوب بيكفي (ثم أمّنا) جابر رضي الله عنه (في ثوب) واحد ليس عليه غيره. واستنبط من هذا الحديث كراهية الإسراف في استعمال الماء وأكثر رواته كوفيون وفيه التحديث والعنعنة والسؤال والجواب وأخرجه النسائي. 253 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَيْمُونَةَ كَانَا يَغْتَسِلاَنِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ أَخِيرًا: "عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ" وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن عمرو) بفتح العين أي ابن دينار (عن جابر بن زيد) أبي الشعثاء الأزدي البصري، المتوفى سنة ثلاث ومائة (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) أم المؤمنين (ميمونة كانا يغتسلان من) ولأبي الوقت في (إناء واحد) من الجنابة. فإن قلت: ما وجه تعلق هذا الحديث بهذا الباب: أجيب بأن المراد بالإناء الفرق المذكور أو لكونه كان معهودًا عندهم أنه الذي يسع الصاع أو أكثر فلم يحتج إلى التعريف، أو أن في الحديث اختصارًا، وكان في تمامه ما يدل عليه كما في حديث عائشة ولا يخفى ما في الثلاثة من التعسف. ورواته الخمسة ما بين كوفي وبصري ومكي وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة. (قال أبو عبد الله) أي البخاري (كان ابن عيينة) سفيان (يقول أخيرًا) من عمره (عن ابن عباس عن ميمونة) رضي الله عنهم، فجعل الحديث من مسندها ورجحه الإسماعيلي بكون ابن عباس لا يطلع على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حالة اغتساله معها، وهو يدل على أن ابن عباس أخذه عنها، (والصحيح) من الروايتين (ما رواه أبو نعيم) الفضل بن دكين أنه من مسند ابن عباس لا من مسندها وهو الذي صححه الدارقطني. 4 - باب مَنْ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثًا (باب من أفاض) الماء في الغسل (على رأسه ثلاثًا). 254 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلاَثًا» وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا زهير) أي ابن معاوية الجعفي (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي بفتح السين (قال: حدّثني) بالإفراد (سليمان بن صرد) بضم الصاد وفتح الراء آخره دال مهملات من أفاضل الصحابة نزيل الكوفة، المتوفى سنة خمس وستين (قال: حدّثني) بالإفراد (جبير بن مطعم) بضم الجيم وكسر العين القرشي، المتوفى بالمدينة سنة أربع وخمسين له في البخاري تسعة أحاديث (قال): (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أما أنا) بفتح الهمزة وتشديد الميم (فأفيض) بضم الهمزة (على رأسي ثلاثًا) أي ثلاث أكف وعند أحمد فآخذ ملء كفي فأصب على رأسي، (وأشار) عليه الصلاة والسلام (بيديه) الاثنتين (كلتيهما) وللكشميهني كلاهما بالألف بالنظر إلى اللفظ دون المعنى وفي بعض الروايات فيما حكاه ابن التين كلتاهما وهما على لغة لزوم الألف عند إضافتها للضمير كما في الظاهر كما قال: إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها وقسيم أما محذوف يدل عليه السياق، ففي مسلم من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق أن الصحابة تماروا في صفة الغسل عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال عليه الصلاة والسلام: أما أنا فأفيض أي وأما غيري فلا يفيض أو فلا أعلم حاله قال الحافظ ابن حجر كالكرماني، وتعقبه العيني بأنه لا يحتاج إلى تقدير شيء من حيث روي من طريق لأجل حديث آخر في بابه من طريق آخر، وبأن أما هنا حرف شرط وتفصيل وتوكيد، وإذا كانت للتوكيد فلا تحتاج إلى التقسيم ولا أن يقال إنه محذوف اهـ. وفي الحديث أن الإفاضة ثلاثًا باليدين على الرأس وألحق به أصحابنا سائر الجسد قياسًا على الرأس وعلى أعضاء الوضوء وهو أولى بالتثلث من الوضوء، فإن الوضوء مبني على التخفيف مع تكراره. ورواته الخمسة ما بين كوفي ومدني وفيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. 255 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مِخْوَلِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُفْرِغُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثًا. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد وللأصيلي حدّثنا (محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد الشين المعجمة الملقب ببندار وليس هو يسارًا بمثناة تحتية ومهملة مخففة وليس في الصحيحين محمد بن بشار وغيره (قال: حدّثنا غندر) محمد بن جعفر (قال:

5 - باب الغسل مرة واحدة

حدّثنا شعبة) ابن الحجاج (عن مخول بن راشد) بكسر الميم وسكون المعجمة، ولابن عساكر مخوّل بضم الميم وتشديد الواو المفتوحة، وكذا ضبطه الحاكم كما عزاه في هامش فرع اليونينية لعياض النهدي بالنون الكوفي، (عن محمد بن علي) أبي جعفر الباقر (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه أنه (قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفرغ) بضم الياء آخره غين معجمة من الإفراغ (على رأسه ثلاثًا) أي ثلاث غرفات وللإسماعيلي أظنه من غسل الجنابة. ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري وكوفي ومدني، وفيه التحديث بصيغة الإفراد والجمع والعنعنة وليس لمخول في البخاري غير هذا الحديث، وأخرجه النسائي في الطهارة أيضًا. 256 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَامٍ قال: حدثني أَبُو جَعْفَرٍ قَالَ: قَالَ لِي جَابِرٌ: أَتَانِي ابْنُ عَمِّكَ -يُعَرِّضُ بِالْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ- قَالَ: كَيْفَ الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ؟ فَقُلْتُ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْخُذُ ثَلاَثَةَ أَكُفٍّ وَيُفِيضُهَا عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ. فَقَالَ لِي الْحَسَنُ: إِنِّي رَجُلٌ كَثِيرُ الشَّعَرِ، فَقُلْتُ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكْثَرَ مِنْكَ شَعَرًا. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا معمر بن يحيى) بفتح الميمين وسكون العين في أكثر الروايات، وجزم به المزي وللقابسي معمر بضم الميم الأولى وتشديد الثانية على وزن محمد، وجزم به الحاكم، وجوّز الغساني الوجهين (ابن سام) بالمهملة وتخفيف الميم (قال: حدّثني) بالإفراد وللأصيلي حدّثنا (أبو جعفر) محمد بن علي الباقر (قال: قال لي جابر) الصحابي زاد الأصيلي ابن عبد الله (أتاني ابن عمك) أي ابن عم أبيك ففيه تجوّز لأنه ابن أخي والده علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حال كونه أي جابر (يعرض بالحسن بن محمد ابن الحنفية) زوج علي تزوجها بعد فاطمة الزهراء فولدت له محمدًا هذا فاشتهر بها والتعريض غير التصريح، وفي الاصطلاح هو كناية سيقت لموصوف غير مذكور، وفي الكشاف أن تذكر شيئًا تدل به على شيء لم تذكره، وسقطت الموحدة من قوله بالحسن لابن عساكر (قال) أي الحسن: (كيف الغسل من الجنابة) فيه إشعار بأن سؤاله كان في غيبة أبي جعفر فهو غير سؤال أبي جعفر السابق. قال جابر: (فقلت) له: (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأخذ ثلاثة أكف) كذا في رواية كريمة بالتاء ولغيرها ثلاث أكف جمع كف يذكر ويؤنث فيجوز دخول التاء وتركه، والمواد به يأخذ كل مرة كفين لأن الكف اسم جنس فيجوز حمله على الاثنين، ويدل له رواية إسحاق السابقة وأشار بيديه فيحمل اللاحق على السابق (ويفيضها) بالواو أي ثلاثة الأكف، وللكشميهني والأصيلي فيفيضها (على رأسه) وسقط لأبي ذر على رأسه، وفي قوله كان الدالة على الاستمرار ملازمته عليه الصلاة والسلام على ثلاثة أكف في غسل الرأس، وأنه يجزئ وإن كان كثير الشعر (ثم يفيض) الماء بعد رأسه (على سائر جسده) فمفعوله محذوف ولا يعود إلى ما سبق في المعطوف عليه وهو ثلاثة أكف، ويكون قرينته العطف لأن الثلاثة لا تكفي الجسد غالبًا قال جابر (فقال لي الحسن) بن محمد ابن الحنفية: (إني رجل كثير الشعر) أي لا يكفيني الثلاث. قال جابر: (فقلت كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكثر منك شعرًا) وقد كفاه ذلك. فالزيادة على ما كفاه عليه الصلاة والسلام تنطع، وقد يكون مثاره الوسواس من الشيطان فلا يلتفت إليه. فإن قلت: السؤال هنا وقع عن الكيفية لقوله كيف الغسل كما هو في الحديث السابق؟ أجاب في الفتح: بأنه عن الكمية كما أشعر به قوله في الجواب يكفيك صاع، وتعقبه العيني بأن لفظة كيف في السؤال السابق مطوية اختصارًا لأن السؤال في الموضعين عن حالة الغسل وصفته، والجواب في الموضعين بالكمية لأن هناك قال يكفيك صاع، وهنا قال ثلاثة أكف وكل منهما كم. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي ومدني وفيه التحديث بالجمع والإفراد والقول. 5 - باب الْغُسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً (باب) حكم (الغسل مرة واحدة). 257 - حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَاءً لِلْغُسْلِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ بِالأَرْضِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا موسى) التبوذكي وزاد أبو الوقت وذر وابن عساكر ابن إسماعيل (قال: حدّثنا عبد الواحد) بن زياد البصري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن سالم بن أبي الجعد) بسكون العين (عن كريب) بالتصغير (عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه (قال: قلت ميمونة) بنت الحرث أم المؤمنين رضي الله عنها: (وضعت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ماء للغسل فغسل يديه) كذا بالتثنية للكشميهني وللحموي والمستملي يده (مرتين أو ثلاثًا) الشك من الأعمش أو من

6 - باب من بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسل

ميمونة (ثم أفرغ على شماله فغسل مذاكيره) جمع ذكر على قياس فرقًا بينه وبين الذكر خلاف الأنثى، وعبر بلفظ الجمع وهو واحد إشارة إلى تعميم غسل الخصيتين وحواليهما معه كأنه جعل كل جزء من هذا المجموع كذكر في حكم الغسل. قال النووي: ينبغي للمغتسل من نحو إبريق أن يتفطن لدقيقة وهي أنه إذا استنجى يعيد غسل محل الاستنجاء بنية غسل الجنابة لأنه إذا لم يغسل الآن ربما غفل عنه بعد ذلك، فلا يصح غسله لتركه بعض البدن فإن تذكر احتاج لمسّ فرجه فينتقض وضوءه أو يحتاج إلى تكلّف لف خرقة على يده اهـ. (ثم مسح) عليه الصلاة والسلام (يده) بالإفراد (بالأرض ثم مضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه) بالتثنية، (ثم أفاض) الماء (على جسده) يتناول المرة فأكثر ومن ثم تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة. قال ابن بطال: لم يذكر في الإفاضة كمية فحمل على أقل ما يمكن وهو الواحد والإجماع على وجوب الإسباغ والتعميم لا العدد. (ثم تحول) عليه الصلاة والسلام (من مكانه فغسل قدميه). ورواة هذا الحديث ستة وفيه التحديث والعنعنة وأخرجه أصحاب الكتب الخمسة. 6 - باب مَنْ بَدَأَ بِالْحِلاَبِ أَوِ الطِّيبِ عِنْدَ الْغُسْلِ (باب من بدأ بالحلاب) بكسر الحاء المهملة وتخفيف اللام لا بتشديدها، ولأبي عوانة في صحيحه عن يزيد بن سنان عن أبي عاصم كان يغتسل من حلاب فيأخذ غرفة بكفّيه فيجعلها على شقة الأيمن ثم الأيسر، وهو يرد على من ظن أن الحلاب ضرب من الطيب ويؤيده قوله بعد: (أو الطيب عند الغسل) إذ العطف يقتضي التغاير، وقد عقد المؤلف الباب لأحد الأمرين الإناء والطيب حيث أتى بأو الفاصلة دون الواو الواصلة فوفى بذكر أحدهما وهو الإناء، وكثيرًا ما يترجم ثم لا يذكر في بعضه حديثًا لأمور سبق التنبيه عليها، ويحتمل أن يكون أراد بالحلاب الإناء الذي فيه الطيب يعني أنه يبدأ تارة بطلب ظرف الطيب وتارة بطلب نفس الطيب، لكن في رواية والطيب بإسقاط الألف. 258 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَىْءٍ نَحْوَ الْحِلاَبِ فَأَخَذَ بِكَفِّهِ فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ الأَيْسَرِ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (محمد بن المثنى) البصري (قال: حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد بفتح الميم وسكون المعجمة النبيل (عن حنظلة) بن أبي سفيان القرشي (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم المدني أفضل أهل زمانه التابعي أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، المتوفى سنة بضع ومائة (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا اغتسل) أي أراد أن يغتسل (من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب) بكسر الحاء أي طلب إناء مثل الإناء الذي يسمى الحلاب، وقد وصفه أبو عاصم كما أخرجه أبو عوانة في صحيحه عنه بأقل من شبر في شبر، وللبيهقي قدر كوز يسع ثمانية أرطال (فأخذ بكفّه) بالإفراد وللكشميهني بكفّيه (فبدأ بشق رأسه الأيمن) بكسر الشين المعجمة (ثم) بشق رأسه (الأيسر فقال بهما) أي بكفّيه وهو يقوي رواية الكشميهني بكفّيه (على رأسه) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر على وسط رأسه بفتح السين. قال الجوهري: كل موضع يصلح فيه بين فهو وسط بالسكون وإلا فهو بالتحريك وأطلق القول على الفعل مجازًا. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري ومكّي ومدني، وفيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي. 7 - باب الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ فِي الْجَنَابَةِ (باب) حكم (المضمضة والاستنشاق) هل هما واجبان أو سُنّتان (في) الغسل من (الجنابة). 259 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قال: حدَّثَنا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَتْنَا مَيْمُونَةُ قَالَتْ: صَبَبْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُسْلاً، فَأَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ الأَرْضَ فَمَسَحَهَا بِالتُّرَابِ، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَأَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ فَلَمْ يَنْفُضْ بِهَا. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) بضم العين المهملة في الأول وكسر المعجمة في الثالث وآخره مثلثة المتوفى سنة اثنتين وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا أبي) هو حفص بن غياث بن طلق النخعي الكوفي قاضي بغداد، المتوفى سنة ست وتسعين ومائة (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني) بالإفراد (سالم) هو ابن أي الجعد التابعي (عن كريب) بضم الكاف مصغرًا (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: حدّثتنا) بالمثناة الفوقية بعد المثلثة (ميمونة) أم المؤمنين رضي الله عنها (قالت): (صببت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غسلاً) بضم الغين أي ماء للاغتسال (فأفرغ) عليه الصلاة والسلام (بيمينه على يساره فغسلهما ثم غسل فرجه، ثم قال

8 - باب مسح اليد بالتراب ليكون أنقى

بيده الأرض) ولأبي ذر وابن عساكر على الأرض أي ضربها بيده (فمسحها بالتراب ثم غسلها) بالماء وأجرى القول مجرى الفعل مجازًا كما مرَّ (ثم تمضمض) بمثناة قبل الميم، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر مضمض (واستنشق) طلبًا للكمال المستلزم للثواب، وقد قال الحنفية بفرضيتهما في الغسل دون الوضوء لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]. قالوا: وهو أمر بتطهير جميع البدن إلا أن ما يتعذر إيصال الماء إليه خارج عن النص بخلاف الوضوء لأن الواجب غسل الوجه والمواجهة فيهما منعدمة، وأيضًا مواظبته عليه الصلاة والسلام عليهما بحيث لم ينقل عنه تركهما يدل على الوجوب لنا قوله عليه الصلاة والسلام عشر من الفطرة أي من السُّنّة وذكرهما منها، (ثم غسل) عليه الصلاة والسلام (وجهه وأفاض) أي صب الماء (على رأسه ثم تنحى) أي تحول إلى ناحية (فغسل قدميه ثم أُتي) بضم الهمزة (بمنديل) بكسر الميم (فلم ينفض بها) بضم الفاء وفي نسخه فلم ينتفض بمثناة فوقية بعد النون، وأنّث الضمير على معنى الخرقة لأن المنديل خرقة مخصوصة. زاد هنا في رواية كريمة قال أبو عبد الله: أي المؤلف يعني لم يتمسح به أي بالمنديل من بلل الماء لأنه أثر عبادة فكان تركه أولى. قال ابن التين: ما أُتي بالمنديل إلا أنه كان يتنشف به ورده لنحو وسخ كان فيه اهـ. وفي التنشف في الوضوء والغسل أوجه فقيل: يندب تركه لا ذكر، وقيل: يندب فعله ليسلم من غبار نجس ونحوه، وقيل: يكره فعله فيهما وإليه ذهب ابن عمرو. قال ابن عباس: يكره في الوضوء دون الغسل وقبل تركه وفعله سواء. قال النووي في شرح مسلم: وهذا هو الذي نختاره ونعمل به لاحتياج المنع والاستحباب إلى دليل، وقيل: يكره في الصيف دون الشتاء. قال في المجموع: وهذا كله إذا لم يكن حاجة كبرد أو التصاق نجاسة فإن كان فلا كراهة قطعًا اهـ. قال في الذخائر: وإذا تنشف فالأولى أن لا يكون بذيله وطرف ثوبه ونحوهما. ورواة هذا الحديث السبعة ما بين كوفي ومدني وفيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي وصحابي عن صحابي. 8 - باب مَسْحِ الْيَدِ بِالتُّرَابِ لِيَكُونَ أَنْقَى (باب مسح اليد) أي مسح المغتسل يده (بالتراب لتكون) بالفوقية لابن عساكر والأصيلي ولغيرهما بالتحتية (أنقى) بالنون والقاف أي أطهر من غير الممسوحة فحذف من الملازمة لأفعل التفضيل المنكر، وحينئذ فلا مطابقة بينهما لأن أفعل التفضيل إذا كان بمن فهو مفرد مذكر قاله العيني كالكرماني، وتعقبه البرماوي بأنه إن عنى أن اسمها ضمير اليد صح ما قاله قال: والظاهر أن اسمها يعود على المسح أو نحوه فالمطابقة حاصلة. 260 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَغَسَلَ فَرْجَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ دَلَكَ بِهَا الْحَائِطَ ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) بضم الحاء وفتح الميم ولأبي ذر عبد الله بن الزبير الحميدي (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة) رضي الله عنها: (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اغتسل من الجنابة) هذا مجمل فصله بقوله (فغسل فرجه بيده ثم دلك بها الحائط) وفي الرواية السابقة دلك يده على التراب (ثم غسلها) بالماء (ثم توضأ وضوءه للصلاة، فلما فرغ من غسله غسل رجليه) لأن المفصل يعقب المجمل فهو تفسير لاغتسل وإلا فغسل الفرج والدلك ليسا بعد الفراغ من الاغتسال. وقال العيني: الفاء عاطفة ولكنها للترتيب أي المستفاد من ثم الدالة عليه. قال: والمعنى أنه عليه الصلاة والسلام اغتسل فرتب غسله فغسل فرجه ثم يده ثم توضأ، وكون الفاء للتعقيب لا يخرجها عن كونها عاطفة. فإن قلت: سياق المؤلف لهذا الحديث تكرار لأن حكمه علم من السابق. أجيب بأن غرض المؤلف بمثله استخراج روايات الشيوخ مثلاً عمر بن حفص روى الحديث في معرض المضمضة والاستنشاق في الجنابة، والحميدي في معرض مسح اليد بالتراب هذا مع إفادة التقوية والتأكيد، وحينئذ فلا تكرار في سياقه له. وهذا الحديث من السباعيات وفيه التحديث والعنعنة. 9 - باب هَلْ يُدْخِلُ الْجُنُبُ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَدِهِ قَذَرٌ غَيْرُ الْجَنَابَةِ وَأَدْخَلَ ابْنُ عُمَرَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يَدَهُ فِي الطَّهُورِ وَلَمْ يَغْسِلْهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ. وَلَمْ يَرَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ بَأْسًا بِمَا يَنْتَضِحُ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ. هذا (باب) بالتنوين (هل يدخل الجنب يده في الإناء) الذي فيه ماء الغسل (قبل أن يغسلها) خارج الإناء (إذا لم يكن على يده قذر) بالذال المعجمة أي شيء مستكره من نجاسة أو غيرها

(غير الجنابة وأدخل ابن عمر) بن الخطاب (والبراء بن عازب) رضي الله عنهم (يده) بالإفراد أي أدخل كل واحد منهما يده (في الطهور) بفتح الطاء وهو الماء الذي يتطهر به (ولم يغسلها) قبل (ثم توضأ) كل منهما، ولأبي الوقت توضآ بالتثنية على الأصل. قال البرماوي كالكرماني وفي بعض النسخ يديهما ولم يغسلاهما ثم توضآ بالتثنية في الكل، وأثر ابن عمر وصله سعيد بن منصور بمعناه، وأثر البراء وصله ابن أبي شيبة بلفظ: أنه أدخل يده في المطهرة قبل أن يغسلها. واستنبط منه جواز إدخال الجنب يده في إناء الماء الذي يتطهر به قبل أن يغسلها إذا لم يكن على يده نجاسة. (ولم ير ابن عمر) بن الخطاب (وابن عباس) رضي الله عنهم (بأسًا بما ينتضح) أي يترشرش (من) ماء (غسل الجنابة) في الإناء الذي يغتسل منه لأنه يشق الاحتراز عنه. قال أحسن البصري فيما رواه ابن أبي شيبة: ومن يملك انتشار الماء إنّا لنرجو من رحمة الله ما هو أوسع من هذا. وأثر ابن عمر وصله عبد الرزاق هنا، وأثر ابن عباس وصله ابن أبي شيبة وعبد الرزاق. 261 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قال: أَخْبَرَنَا أَفْلَحُ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتى الميم واللام القعنبي (قال: أخبرنا) ولكريمة وعزاه في الفرع للأصيلى وابن عساكر حدّثنا (أفلح) غير منسوب، وللأصيلي وأبي الوقت ابن حميد بضم الحاء وفتح الميم الأنصاري المدني وليس هو أفلح بن سعيد لأن المؤلف لم يخرج له شيئًا (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم (عن عائشة) رضي الله عنها أنها (قالت): (كنت أغتسل أنا والنبي) بالرفع عطفًا على المرفوع في كنت وأبرز الضمير المنفصل ليصح العطف عليه وبالنصب مفعول معه فتكون الواو للمصاحبة أي اغتسل مصاحبة له (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من إناء واحد) نغترف منه جميعًا (تختلف أيدينا فيه) من الإدخال فيه والإخراج منه. زاد مسلم في آخره من الجنابة أي لأجلها، ولمسلم أيضًا من طريق معاذ عن عائشة فيبادرني حتى أقول دع لي، وللنسائي وأبادره حتى يقول دعي لي، وجملة تختلف الخ حالية من قوله من إناء واحد، والجملة بعد المعرفة حال وبعد النكرة صفة والإناء هنا موصوف. ومطابقة هذا الحديث للترجمة من حيث جواز إدخال الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها إذا لم يكن عليها قدّر لقولها تختلف أيدينا فيه واختلافها فيه لا يكون إلا بعد الإدخال، فدل ذلك على أنه غير مفسد للماء إذا لم يكن عليها ما ينجس يقينًا. ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون، وفيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة وأخرجه مسلم. 262 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَهُ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا حماد) هو ابن زيد لا حماد بن سلمة لأن المؤلف لم يرو عنه (عن هشام) هو ابن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا اغتسل من الجنابة غسل يده) قبل أن يدخلها الإناء، وهو محمول على ما إذا خشي أن يكون علق بها شيء والسابق كاللاحق في حال تيقن نظافتها، فاستعمل في اختلاف الحديثين ما جمع بينهما، ونفي التعارض عنهما، أو يحمل الفعل على الندب والترك على الجواز أو أن الترك مطلق والفعل مقيد فيحمل المطلق على المقيد. وهذا الحديث من الخماسيات، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف مختصرًا وأبو داود مطولاً لكنه قال: غسل يديه بالتثنية وهي نسخة في اليونينية. 263 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ جَنَابَةٍ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بكر بن حفص) السابق في باب الغسل بالصاع (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها: (كنت) ولابن عساكر قالت: كنت (أغتسل أنا والنبي) بالرفع والنصب كما مر (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) آخذين الماء (من إناء واحد من جنابة) وللكشميهني من الجنابة ثم عطف المؤلف على قوله عن أبي بكر بن حفص قوله: (وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة) رضي الله عنها لينبه على أن لشعبة فيه إسنادين إلى عائشة أحدهما عن عروة والآخر عن القاسم كلاهما عن عائشة (مثله) بالنصب والرفع أي مثل

10 - باب تفريق الغسل والوضوء

حديث شعبة عن أبي بكر بن حفص، وللأصيلي بمثله بزيادة الموحدة. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة. 264 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمَرْأَةُ مِنْ نِسَائِهِ يَغْتَسِلاَنِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ. زَادَ مُسْلِمٌ وَوَهْبٌ عَنْ شُعْبَةَ: مِنَ الْجَنَابَةِ. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) الطيالسي المذكور (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الله بن عبد الله) بالتكبير فيهما (ابن جبر) بفتح الجيم وسكون الموحدة (قال): (سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه حال كونه (يقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمرأة) بالرفع على العطف والنصب على المعية واللام للجنس فيشمل كل امرأة (من نسائه) رضي الله عنهن (يغتسلان من إناء واحد) وهذا الحديث انفرد به المؤلف وفيه التحديث والعنعنة والسماع والقول. (زاد مسلم) هو ابن إبراهيم الأزدي شيخ المؤلف (ووهب) وللأصيلي وأبي الوقت ابن جرير أي ابن حازم في روايتهما لهذا الحديث (عن شعبة) بهذا الإسناد الذي رواه عنه أبو الوليد في آخره لفظة (من الجنابة). فإن قلت: هل هذا من التعاليق؟ أجيب: بأن الظاهر كذلك لأنه حين وفاة وهب كان المؤلف ابن اثنتي عشرة سنة أو أنه سمعه منه وإدخاله في سلك مسلم يدل عليه. قال البرماوي: وعلى كل حال فزيادة وهب وصلها الإسماعيلي وزيادة مسلم قال بعض العصريين لم أجدها. 10 - باب تَفْرِيقِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ غَسَلَ قَدَمَيْهِ بَعْدَ مَا جَفَّ وَضُوءُهُ. (باب تفريق النسل والوضوء) هل هو جائز أم لا؟ (ويذكر) بضم أوله على صيغة المجهول (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (أنه غسل قدميه بعدما جف وضوءه) بفتح الواو أي الماء الذي توضأ به، وفي فرع اليونينية بضمها، وهذا نص صريح في عدم وجوب الموالاة بين الأعضاء في التطهير وهو مذهب أبي حنيفة، وأصح قولي الشافعي أنها سُنَّة لهذا الحديث، ولأن الله تعالى إنما أوجب غسل هذه الأعضاء فمن أتى به امتثل مواصلاً أو مفرقًا، وفي القديم للشافعي وجوبها لحديث أبي داود عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدميه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة، لكن قال في شرح المهذب: إنه ضعيف، وقال مالك بوجوبها إلا إن كان ناسيًا أو كان التفريق يسيرًا، ونقل عنه ابن وهب أنها مستحبة، وهذا التعليق وصله الشافعي في الأم عنه بلفظ أنه توضأ بالسوق فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه، ثم دعي لجنازة فدخل المسجد ليصلي عليها فمسح خفّيه ثم صلى عليها. قال الشافعي: لعله قد جف وضوءه وسنده صحيح، ولعل المؤلف إنما أورده بصيغة التمريض ولم يجزم به لكونه ذكره بالمعنى كما هو اصطلاحه. 265 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَتْ مَيْمُونَةُ: وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى مِنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْه. وبه قال: (حدّثنا محمد بن محبوب) بمهملة وموحدة مكررة أبو عبد الله البصري، المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا عبد الواحد) بن زياد البصري (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن سالم بن أبي الجعد) بسكون العين (عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال): (قالت ميمونة) أم المؤمنين رضي الله عنها (وضعت لرسول الله) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر للنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ماء يغتسل به) وفي الرواية السابقة في باب الغسل مرة واحدة ماء للغسل (فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين) من غير تكرار كذا في رواية غير أبي ذر والأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت، وفي الرواية السابقة فغسل يديه مرتين (أو ثلاثًا) شك من الراوي (ثم أفرغ) عليه الصلاة والسلام (بيمينه على شماله) وفي الرواية السابقة ثم أفرغ على شماله (فغسل مذاكيره ثم دلك يده بالأرض) وفي السابقة ثم مسح يده بالأرض خمس (ثم تمضمض) ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلى وابن عساكر ثم مضمض (واستنشق ثم غسل وجهه ويديه وغسل) ولأبوي ذر والوقت والأصيلى وابن عساكر ثم غسل (رأسه ثلاثًا) الظاهر عوده لجميع الأفعال السابقة، ويحتمل عوده للأخير فقط وهو يناسب قول الحنفية إن القيد المتعقب لجمل يعود على الأخيرة، وقال الشافعية يعود على الكل نبّه عليه البرماوي كغيره (ثم أفرغ) عليه الصلاة والسلام (على جسده) وفي السابقة ثم أفاض على جسده (ثم تنحى) أي بعد (من مقامه) بفتح الميم وفي السابقة ثم تحول من مكانه (فغسل

11 - باب من أفرغ بيمينه على شماله في الغسل

قدميه) وهذا الحديث من السباعيات وتقدم ما فيه من البحث. 11 - باب مَنْ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فِي الْغُسْلِ (باب من أفرغ) الماء (بيمينه على شماله في الغسل) وهذا الباب مقدم على سابقه عند الأصيلى وابن عساكر. 266 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قال: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ: وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُسْلاً وَسَتَرْتُهُ، فَصَبَّ عَلَى يَدِهِ فَغَسَلَهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ -قَالَ سُلَيْمَانُ: لاَ أَدْرِي أَذَكَرَ الثَّالِثَةَ أَمْ لاَ- ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ أَوْ بِالْحَائِطِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَغَسَلَ رَأْسَهُ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، فَنَاوَلْتُهُ خِرْقَةً فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَلَمْ يُرِدْهَا. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثنا أبو عوانة) بفتح العين الوضاح اليشكري (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن سالم بن أو الجعد) بسكون العين (عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن ميمونة بنت) وللأصيلي وأبي الوقت ابنة (الحارث) رضي الله عنها. (قالت وضعت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غسلاً) هو الماء الذي يغتسل به وبالفتح الصدر وبالكسر اسم ما يغتسل به كالسدر ونحوه (وسترته) بثوب كما في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى في باب نفض اليدين من الغسل من الجنابة رأسه أي غطيت رأسه، فأراد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الغسل فكشف رأسه فأخذ الماء (فصب على يده) منه (فغسلها مرة أو مرتين) شك من الراوي، والمراد باليد الجنس فتصح إرادة كلتيهما وفاء فصب عطف على محذوف كما مرَّ. قال أبو عوانة: (قال سليمان) بن مهران الأعمش: (لا أدري أذكر) سالم بن أبي الجعد (الثالثة أم لا). نعم في رواية عبد الواحد عن الأعمش السابقة فغسل يديه مرتين أو ثلاثًا. فإن قلت: وقع في رواية ابن فضيل عن الأعمش فيما أخرجه أبو عوانة في مستخرجه فصب على يديه ثلاثًا فلم يشك فكيف الجمع بينهما؟ أجيب: باحتمال أن الأعمش كان يشك فيه ثم تذكر فجزم لأن سماع ابن فضيل منه متأخر. (ثم أفرغ) عليه الصلاة والسلام (بيمينه على شماله فغسل فرجه ثم دلك يده بالأرض أو بالحائط) شك من الراوي وهو محمول على أنه كان في يده أذى فلذلك دلك يده بالأرض وغسلها قبل إدخالها وفيه أن تقديم الاستنجاء أولى، وإن تعذر تأخره لأنهما طهارتان مختلفتان (ثم تمضمض) بالتاء أوّله وللأصيلي مضمض (واستنشق وغسل وجهه ويديه وغسل رأسه ثم صب على جسده ثم تنحى) من مكانه (فغسل) بالفاء للأكثر ولأبي ذر وغسل (قدميه) قالت ميمونة: (فناولته خرقة) لينشف بها جسده الشريف (فقال) أي أشار عليه الصلاة والسلام (بيده هكذا) أي لا أتناولها (ولم يردها) بضم أوّله وسكون ثالثه من الإرادة مجزوم بحذف الياء. وما حكاه في المطالع مبهمًا ناقله من فتح أوّله وتشديد ثالثه عن رواية القابسي فتصحيف يفسد المعنى، وعند الإمام أحمد من حديث أبي عوانة فقال بيده هكذا أي لا أريدها، وقد تقدم في باب المضمضة والاستنشاق في الغسل من الجناية ما في التنشيف فليراجع ثم. 12 - باب إِذَا جَامَعَ ثُمَّ عَادَ. وَمَنْ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ هذا، (باب) بالتنوين (إذا جامع) الرجل امرأته أو أمته (ثم عاد) إلى جماعها مرة أخرى ما يكون حكمه؟ وللكشميهني ثم عاود أي الجماع وهو أعم من أن يكون لتلك المجامعة أو غيرها، (ومن دار على نسائه في غسل واحد) ما حكمه؟ وأشار به إلى ما روي في بعض طرق الحديث الآتي إن شاء الله تعالى: وإن لم يكن منصوصًا فيما أخرجه. وفي الترمذي وقال حسن صحيح أنه عليه الصلاة والسلام كان يطوف على نسائه في غسل واحد، ولم يختلفوا في أن الغسل بينهما لا يجب، واستدلوا لاستحبابه بين الجماعين بحديث أبي رافع عند أبي داود والنسائي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طاف على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه. قال: فقلت يا رسول الله ألا تجعله غسلاً واحدًا؟ قال: "هذا أزكى وأطيب". اختلف هل يستحب له أن يتوضأ عند وطء كل واحدة وضوءه للصلاة؟ فقال أبو يوسف: لا. وقال الجمهور: نعم، وحمله بعضهم على الوضوء اللغوي فيغسل فرجه، وعورض بحديث ابن خزيمة فليتوضأ وضوءه للصلاة. وذهب ابن حبيب والظاهرية إلى وجوبه لحديث مسلم: إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ. وأجيب بما في حديث ابن خزيمة فإنه أنشط للعود فدل على أن الأمر للإرشاد، وبحديث الطحاوي عن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام كان يجامع ثم يعود ولا يتوضأ. 267 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَكَرْتُهُ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا. [الحديث 267 - طرفه في: 270]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة والمعجمة المشددة المعروف ببندار (قال: حدّثنا أبن أبي عديّ) محمد بن إبراهيم، المتوفى بالبصرة سنة أربع وتسعين ومائة، (ويحيى بن سعيد) بالياء بعد

العين هو القطان كلاهما (عن شعبة) بن الحجاج (عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر) بضم الميم وسكون النون وفتح المثناة الفوقية وكسر المعجمة (عن أبيه) محمد (قال ذكرته لعائشة) أي ذكرت لها قول ابن عمر ما أحب أن أصبح محرمًا أنضح طيبًا الحديث الآتي إن شاء الله تعالى بعد باب غسل المذي، واختصره هنا للعلم بالمحذوف عند أهل الشأن أو رواه كذلك. (فقالت) عائشة (يرحم الله أبا عبد الرحمن) تريد عبد الله بن عمر، وفي ترحمها له إشعار بأنه سها فيما قاله في شأن النضح وغفل عن فعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (كنت أطيب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيطوف) أي يدور (على نسائه) أي في غسل واحد وهو كناية عن الجماع أو المراد تجديد العهد بهن كما ذكره الإسماعيلي، لكن قوله في الحديث الثاني أعطي قوة ثلاثين يدل على إرادة الأوّل، (ثم يصبح محرمًا ينضخ) بالخاء المعجمة وفتح أوّله وثالثه المعجم أو بالحاء المهملة أي يرش (طيبًا) أي ذريرة بالنصب على التمييز. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله فيطوف على نسائه، وفيه: أن غسل الجنابة ليس على الفور وإنما يتضيق عند إرادة القيام إلى الصلاة. ورواته السبعة ما بين كوفي وبصري، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلف في الباب الذي يليه، ومسلم في الحج، والنسائي في الطهارة، وبقية مباحثه تأتي إن شاء الله تعالى. 268 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ. قَالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ: أَوَ كَانَ يُطِيقُهُ؟ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلاَثِينَ. وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ إِنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ: تِسْعُ نِسْوَةٍ. [الحديث 268 - أطرافه في: 284، 5068، 5215]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) المذكور قريبًا (قال: حدَّثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) هشام (عن قتادة) الأكمه السدوسي (قال: حدّثنا أنس بن مالك قال) رضي الله عنه ولابن عساكر بإسقاط لفظ ابن مالك قال: (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدور على نسائه) رضي الله عنهن (في الساعة الواحدة من الليل والنهار) الواو بمعنى أو ومراده بالساعة قدر من الزمان لا ما اصطلح عليه الفلكيون (وهن) رضي الله عنهن (إحدى عشرة) امرأة تسع زوجات ومارية وريحانة، وأطلق عليهن نساء تغليبًا، وبذلك يجمع بين هذا الحديث وحديث وهن تسع نسوة أو يحمل على اختلاف الأوقات، والإطلاق السابق في حديث عائشة محمول على القيد في حديث أنس هذا حتى يدخل الأوّل في الترجمة، لأن النساء لو كن قليلات ما كان يتعذر الغسل من وطء كل واحدة بخلاف الإحدى عشرة إذ تتعذر المباشرة والغسل إحدى عشرة مرة في ساعة واحدة في العادة، وأما وطء الكل في ساعة فلا لأن القسم لم يكن واجبًا عليه كما هو وجه لأصحابنا الشافعية، وجزم به الإصطخري. أو أنه لا رجع من سفر وأراد القسم ولا واحدة أولى من الأخرى بالبدءة بها وطئ الكل، أو كان ذلك باستطابتهن أو الدوران كان في يوم القرعة للقسمة قبلي أن يقرع بينهن. وقال ابن العربي: أعطاه الله تعالى ساعة ليس لأزواجه فيها حق يدخل فيها على جميع أزواجه فيفعل ما يريد بهن، وفي مسلم عن ابن عباس أن تلك الساعة كانت بعد العصر، واستغرب هذا الأخير الحافظ ابن حجر وقال: إنه يحتاج إلى ثبوت ما ذكره مفصلاً. (قال) قتادة: (قلت لأنس) رضي الله عنه مستفهمًا (أو كان) عليه الصلاة والسلام (يطيقه) أي مباشرة المذكورات في الساعة الواحدة (قال) أنس: (كنا) معشر الصحابة (نتحدث أنه) عليه الصلاة والسلام (أعطي) بضم الهمزة وكسر الطاء وفتح الياء (قوة ثلاثين) رجلاً، وعند الإسماعيلي عن معاذ قوّة أربعين. زاد أبو نعيم عن مجاهد كل من أهل الجنة. وفي الترمذي وقال صحيح غريب عن أنس مرفوعًا: يعطى المؤمن في الجنة قوّة كذا وكذا في الجماع. قيل: يا رسول الله أو يطيق ذلك؟ قال: "يعطى قوّة مائة" والحاصل من ضربها في الأربعين أربعة آلاف. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة، وأخرجه النسائي في عشرة النساء. (وقال سعيد) بن أبي عروبة مما وصله المؤلف بعد اثني عشر بابًا (عن قتادة أن أنسًا حدّثهم) فقال في حديثه: (تسع نسوة) بدل إحدى عشرة وتسع مرفوع بدل من العدد المذكور ذلك

13 - باب غسل المذي والوضوء منه

خبر مبتدأ وهو وهن، وحكوا عن الأصيلي أنه قال: وقع في نسختي شعبة بدل سعيد. قال: وفي عرضنا على أبي زيد بمكة سعيد قال أبو علي الجياني وهو الصواب، ورواية شعبة هذه عن قتادة وصلها أحمد. 13 - باب غَسْلِ الْمَذْيِ وَالْوُضُوءِ مِنْهُ (باب غسل المذي) بفتح الميم وسكون المعجمة وتخفيف المثناة التحتية وبكسرها مع تشديد المثناة وهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع أو إرادته، (والوضوء منه). 269 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً، فَأَمَرْتُ رَجُلاً أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-لِمَكَانِ ابْنَتِهِ- فَسَأَلَ، فَقَالَ: «تَوَضَّأْ، وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام الطيالسي (قال: حدّثنا زائدة) بن قدامة بضم أوّله وتخفيف ثانية المهمل الثقفي الكوفي، المتوفى سنة ستين ومائة (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الكوفي التابعي (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن حبيب ربيعة بفتح الموحدة وتشديد التحتية السلمي بضم السين وفتح اللام مقرئ الكوفة أحد أعلام التابعين، المتوفى سنة خمس ومائة وصام ثمانين رمضان، (عن علي) هو ابن أبي طالب رضي الله عنه (قال: كنت رجلاً مذاء) صفة لرجل، ولو قال كنت مذاء صحّ إلا أن ذكر الموصوف مع صفته يكون لتعظيمه نحو: رأيت رجلاً صالحًا، أو لتحقيقه نحو: رأيت رجلاً فاسقًا، ولما كان المذي يغلب على الأقوياء الأصحاء حسن ذكر الرجولية معه لأنه يدل على معناها، وراعى في مذاء الثاني وهو كسر الذال. قال ابن فرحون: وهو خلاف الأشهر عندهم لأن كان تدخل على المبتدأ والخبر فرجلاً خبر وضمير المتكلم هو المبتدأ في المعنى، فلو راعاه لقال: كنت رجلاً أمذى، ومثل هذا قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ} [البقرة: 186] فراعى الضمير في إني، ولو راعى قريب لقال يجيب. قال أبو حيان: ومن اعتبار الأوّل قوله: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُون} [النمل: 47] {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون} [النمل: 55] ومن اعتبار الثاني قوله: أنا رجل يأمر بالمعروف وأنت امرؤ يأمر بالخير اهـ. وزاد أحمد: فإذا أمذيت اغتسلت ولأبي داود: فجعلت أغتسل حتى يتشقق ظهري، وزاد في الرواية السابقة في باب الوضوء من المخرجين من وجه آخر فأحببت أن أسأل. (فأمرت رجلاً) هو المقداد بن الأسود كما فى الحديث السابق (يسأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمكان ابنته) فاطمة بسبب كونها تحته (فسأل) وللحموي والسرخسي فسأله بالهاء، وعند الطحاوي من حديث رافع بن خديج أن عليًّا أمر عمارًا أن يسأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن المذي. قال: يغسل مذاكيره أي ذكره، وعنده أيضًا عن علي قال: كنت مذاء وكنت إذا أمذيت اغتسلت فسألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو عند الترمذي عنه بلفظ: سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن المذي، وجمع ابن حبان بينهما بأن عليًّا سأل عمارًا ثم أمر المقداد بذلك ثم سأل بنفسه، لكن صحح ابن بشكوال أن الذي سأل هو المقداد، وعورض بأنه يحتاج إلى برهان، وقد دل ما ذكر في الأحاديث السابقة أن كلاًّ منهما قد سأل، وأن عليًّا كذلك سأل، لكن يعكر عليه أنه استحيا أن يسأل بنفسه لأجل فاطمة فيتعين الحمل على المجاز بأن الراوي أطلق أنه سأل لكونه الآمر بذلك. (فقال) عليه الصلاة والسلام: (توضأ واغسل ذكرك) أي ما أصابه من الذي كالبول، ويؤيده ما في رواية أغسله أي المذي، وكذلك رواية فرجه، والفرج: المخرج، وهذا مذهب الشافعي والجمهور. وأخرجه ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: إذا أمذى الرجل غسل الحشفة وتوضأ وضوءه للصلاة، واحتجوا لذلك بأن الموجب لغسله إنما هو خروج الخارج فلا تجب المجاوزة إلى غير محله، وفي رواية عن مالك وأحمد يغسل ذكره كله لظاهر الإطلاق في قوله: اغسل ذكرك، وهل غسله كله معقول المعنى أو للتعبد؟ وأبدى الطحاوي له حكمة وهي: أنه إذا غسل الذكر كله تقلص فبطل خروج المذي كما في الضرع إذا غسل بالماء البارد يتفرّق اللبن إلى داخل الضرع فينقطع خروجه، وعلى القول بأنه للتعبد تجب النيّة. واستدل به ابن دقيق العيد على تعين الماء فيه دون الأحجار ونحوها لأن ظاهره تعين الغسل والمعين لا يقع الامتثال إلا به، وصححه النووي في شرح مسلم وصحح في غيره جواز الاقتصار على

14 - باب من تطيب ثم اغتسل، وبقي أثر الطيب

الأحجار إلحاقًا بالبول، وحمل الأمر بغسله على الاستحباب، أو أنه خرج مخرج الغالب، والفعلان بالجزم على الأمر وهو يشعر بأن المقداد سأل لنفسه، ويحتمل أن يكون سأل لمبهم، ويقوّيه رواية مسلم فسأل عن المذي يخرج من الإنسان أو لعليّ، فوجه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخطاب إليه، والظاهر أن عليًّا كان حاضرًا للسؤال فقد أطبق أصحاب الأطراف والمسانيد على إيراد هذا الحديث في مسند عليّ، ولو حملوه على أنه لم يحضره لأوردوه في مسند المقداد. ورواة هذا الحديث الخمسة كوفيون ما عدا أبا الوليد فبصري، وفيه التحديث والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي، وأخرجه المؤلف في العلم والطهارة ومسلم فيها والنسائي فيها وفي العلم أيضًا. 14 - باب مَنْ تَطَيَّبَ ثُمَّ اغْتَسَلَ، وَبَقِيَ أَثَرُ الطِّيبِ (باب من تطيب) قبل الاغتسال من الجنابة (ثم اغتسل) منها (وبقي أثر الطيب) في جسده وقد كانوا يتطيبون عند الجماع للنشاط. 270 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَذَكَرْتُ لَهَا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ: "مَا أُحِبُّ أَنْ أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا". فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا. وبه قال (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل (قال: حدّثنا أبو عوانة) الوضاح (عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه) محمد (قال سألت عائشة) رضي الله عنها عن الطيب قبل الإحرام (فذكرت) بالفاء، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر وذكرت (لها قول ابن عمر) بن الخطاب (ما أحب أن أصبح) بضم الهمزة فيهما (محرمًا أنضخ) بالخاء المعجمة أو المهملة روايتان (طيبًا) نصب على التمييز (فقالت عائشة) رضي الله عنها: (أنا طيبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم طاف في نسائه) كناية عن الجماع، ومن لازمه الاغتسال. وقد ذكرت أنها طيبته قبل ذلك (ثم أصبح محرمًا) ناضخًا طيبًا، وبذلك يحصل الرد على ابن عمر ومطابقة ترجمة الباب. 271 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُحْرِمٌ. [الحديث 271 - أطرافه في: 1538، 5918، 5923]. وبه قال: (حدّثنا آدم) ابن أبي إياس كما في رواية أبي الوقت وأبي ذر عن الكشميهني (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا الحكم) بفتحتين ابن عتيبة مصغر عتبة (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) خال إبراهيم (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت كأني أنظر إلى وبيص) بالصاد المهملة بعد المثناة التحتية اللاحقة للموحدة المكسورة بعد الواو المفتوحة أي بريق (الطيب) لعين قائمة لا لرائحة (في مفرق) بفتح الميم وكسر الراء وقد تفتح أي مكان فرق شعر (النبي) وفي رواية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو من الجبين إلى دائرة وسط الرأس (وهو محرم) ومطابقة هذا الحديث للترجمة من نظر وبيص الطيب بعد الإحرام ومن سنية الغسل عنده، ولم يكن عليه الصلاة والسلام يدعه، ومباحث تطيب المحرم تأتي إن شاء الله تعالى في الحج. ورواة هذا الحديث الستة ما بين خراساني وواسطي وكوفي وفيه ثلاثة من التابعين والتحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في اللباس ومسلم والنسائي في الحج. 15 - باب تَخْلِيلِ الشَّعَرِ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْه (باب تخليل الشعر) في غسل الجنابة (حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته) من الإرواء أي جعله ريان والبشرة ظاهر الجلد وهو ما تحت شعره (أفاض عليه) أي صب الماء على شعره وللأصيلي عليها أي على بشرته، واقتصر ابن عساكر على قوله أفاض ولم يقل عليه ولا عليها. 272 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعَرَهُ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنْ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ. وبه قال: (حدّثئا عبدان) هو عبد الله بن عثمان العتكي مولاهم المروزي وعبدان لقبه (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (هشام بن عروة عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا اغتسل) أي إذا أراد الاغتسال (من الجنابة غسل يديه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم اغتسل) أي أخذ في أفعال الاغتسال، (ثم يخلّل بيده شعره) كله وهو واجب عند المالكية في الغسل لقوله عليه الصلاة والسلام: "خللوا الشعر فإن تحت كل شعرة جنابة" سُنّة في الوضوء للحية عند أبي يوسف، فضيلة عند أبي حنيفة ومحمد، سُنّة فيهما عند الشافعية وفي الروضة وأصلها يخلل الشعر بالماء قبل إفاضته ليكون أبعد عن الإسراف في الماء، وفي المهذب يخلل اللحية أيضًا (حتى إذا ظن) أي علم أو على بابه ويكتفي فيه بالغلبة (أنه قد) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وللحموي

16 - باب من توضأ في الجنابة ثم غسل سائر جسده ولم يعد غسل مواضع الوضوء مرة أخرى

والمستملي أن قد بفتح الهمزة أي أنه قد أي فهي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن حذف وجوبًا (أروى بشرته أفاض عليه) أي على شعره (الماء ثلاث مرات) بالنصب على المصدرية لأنه عدد المصدر وعدد المصدر مصدر (ثم غسل سائر) أي بقية (جسده) لكن في الرواية السابقة في أوّل الغسل على جلده كله فيحتمل وإن يقال أن سائر هنا بمعنى الجميع. 273 - وَقَالَتْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ نَغْرِفُ مِنْهُ جَمِيعًا. (وقالت) عائشة رضي الله عنها بواو العطف على السابق فهو موصول الإسناد: (كنت أغتسل أنا والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنا تأكيد لاسم كان. مصحح للعطف على الضمير المرفوع المستكن، ويجوز فيه النصب على أنه مفعول معه أي مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والأكثرون على أن هذا العطف وما كان مثله من باب عطف المفردات. وزعم بعضهم أنه من باب عطف الجمل وتقديره في قوله تعالى: {لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ} [طه: 58] ولا تخلفه أنت و: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّة} [البقرة: 35] تقديره: وليسكن زوجك، وهكذا كنت أغتسل أنا ويغتسل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من إناء واحد) حال كوننا (نغرف) بالنون والغين المعجمة الساكنة (منه جميعًا) وصاحب الحال فاعل أغتسل وما عطف عليه ونظيره قوله تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} [مريم: 27] فقيل: هو حال من ضمير مريم ومن الضمير المجرور ضمير عيسى عليه الصلاة والسلام، لأن الجملة اشتملت على ضميرها وضميره، وقيل من ضميرها، وقيل من ضميره، ويحتمل أن يكون في محل الصفة لأناء صفة مقدرة بعد الصفة الظاهرة المذكورة أو بدلاً من أغتسل، ويقال: جاؤوا جميعًا أي كلهم قاله العيني كالكرماني. وتعقبه البرماوي فقال: إنه وهم فى ذلك واختار أنها حال أي نغرف منه حال كوننا جميعًا. قال: والجمع ضد التفريق، ويحتمل منا أن يراد جميع المغروف أو جميع الغارفين. وقال ابن فرحون: وجميعًا يرادف كلاً في العموم لا يفيد الاجتماع في الزمان بخلاف معًا، وعدّها ابن مالك من ألفاظ التوكيد، قال: وأغفلها النحويون، وقد نبّه سيبويه على أنها بمنزلة كل معنى واستعمالاً، ولم يذكروا شاهدًا من كلام العرب، وقد ظفرت بشاهد له وهو قول امرأة من العرب ترقص ابنًا لها: فداك حيّ خولان. جميعهم وهمدان. وهكذا قحطان. والأكرمون عدنان. 16 - باب مَنْ تَوَضَّأَ فِي الْجَنَابَةِ ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ وَلَمْ يُعِدْ غَسْلَ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مَرَّةً أُخْرَى (باب من توضأ في) غسل (الجنابة ثم غسل سائر) أي باقي (جسده ولم يعد) بضم الياء من الإعادة (غسل مواضع الوضوء منه مرة أخرى) كذا في رواية أبي ذر منه ولغيره بإسقاطها. 274 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَضُوءًا لِجَنَابَةٍ فَأَكْفَأَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ بِالأَرْضِ -أَوِ الْحَائِطِ- مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ، ثُمَّ غَسَلَ جَسَدَهُ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ. قَالَتْ: فَأَتَيْتُهُ بِخِرْقَةٍ فَلَمْ يُرِدْهَا، فَجَعَلَ يَنْفُضُ بِيَدِهِ. وبه قال: (حدّثنا يوسف بن عيسى) بن يعقوب المروزي. (قال: أخبرنا) وللهروي وأبي الوقت حدّثنا (الفضل بن موسى) السيناني (قال: أخبرنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن سالم) هو ابن أبي الجعد رافع الأشجعي مولاهم الكوفي (عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن ميمونة) أم المؤمنين رضي الله عنها (قالت): (وضع) بفتح الواو مبنيًّا للفاعل (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالرفع فاعل (وضوءًا للجنابة) بفتح الواو والتنوين والنصب على المفعولية وللجنابة في رواية الكشميهني بلامين، ولكريمة وأبوي ذر والوقت وضوءًا بالتنوين أيضًا لجنابة بلام واحدة، وللأكثر وضوء الجنابة بالإضافة، وإنما أضيف مع أن الوضوء بالفتح هو الماء المعدّ للوضوء لأنه صار اسمًا له، ولو استعمل في غير الوضوء فهو من إطلاق المقيد وإرادة المطلق قاله البرماوي كالكرماني، وقال ابن فرحون: قوله وضوء الجنابة يقع على الماء وعلى الإناء، فإن كان المراد الماء كان التقدير وضع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الماء المعدّ للجنابة ولا بدّ من تقدير في تور أو طست، وإن كان المراد الإناء كان هو الموضوع وأضيف إلى الجنابة بمعنى أنه معدّ لغسل الجنابة إضافة تخصيص، وفي رواية الحموي والمستملي وضع بضم الواو مبنيًّا للمفعول لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بزيادة اللام أي لأجله وضوء بالرفع والتنوين (فأكفأ) ولأبي ذر فكفأ أي قلب (بيمينه على يساره) وللمستملي وكريمة على شماله (مرتين أو ثلاثًا ثم غسل فرجه ثم ضرب يده بالأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثًا) جعل الأرض أو الحائط آلة الضرب

17 - باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب يخرج كما هو ولا يتيمم

والشك من الراوي، وللكشميهني ضرب بيده الأرض، فيحتمل أن تكون الأولى من باب القلب كقولهم: أدخلت القلنسوة في رأسي أي أدخلت رأسي في القلنسوة، ويحتمل أن يكون الفعل متضمنًا غير معناه، لأن المراد تعفير اليد بالتراب فكأنه قال: فعفر يده بالأرض، (ثم مضمض) وللهروي والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر تمضمض (واستنشق وغسل وجهه وذراعيه) أي ساعديه مع مرفقيه (ثم أفاض) أي أفرغ (على رأسه الماء ثم غسل جسده) أي ما بقي منه بعد ما تقدم، قال ابن المنير: قرينة الحال والعرف من سياق الكلام تخصّ أعضاء الوضوء وذكر الجسد بعد ذكر الأعضاء المعينة يفهم عرفًا بقية الجسد لا جملته لأن الأصل عدم التكرار، (ثم تنحى فغسل رجليه قالت) أي ميمونة وللأصيلي عائشة ولا يخفى غلطه (فأتيته بخرقة) أي ليتنشف بها (فلم يردها) بضم المثناة التحتية وكسر الراء وسكون الدال من الإرادة، وعند ابن السكن من الردّ بالتشديد وهو وهم كما قاله صاحب المطالع، ويدل له الرواية الآتية إن شاء الله تعالى فلم يأخذها (فجعل ينفض) زاد الهروي الماء (بيده) بياء الجر وللأصيلي يده. ورواة هذا الحديث سبعة وفيه التحديث والإخبار والعنعنة. 17 - باب إِذَا ذَكَرَ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّهُ جُنُبٌ يَخْرُجُ كَمَا هُوَ وَلاَ يَتَيَمَّمُ هذا (باب) بالتنوين (إذا ذكر) أي تذكر الرجل وهو (في السجد) قاله الحافظ ابن حجر، وتعقبه العيني بأن ذكر هنا من الباب الذي مصدره الذكر بضم الذال لا من الذي بكسرها. قال: وهذه دقة لا يفهمها إلا من له ذوق بنكات الكلام، قال: ولو ذاق ما ذكرنا ما احتاج إلى تفسير فعل بتفعل (أنّه جنب يخرج) كذا لأبي ذر وكريمة وللأصيلي وابن عساكر خرج (كما هو) أي على هيئته وحاله جنبًا (ولا يتيمم) عملاً بما نقل عن الثوري وإسحاق وبعض المالكية فيمن نام في المسجد فاحتلم يتيمم قبل أن يخرج، ولأبي حنيفة أن الجنب السافر يمرّ على مسجد فيه عين ماء يتيمم ويدخل السجد فيستقي ثم يخرج الماء من المسجد. 275 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ قِيَامًا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلاَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ فَقَالَ لَنَا: «مَكَانَكُمْ». ثُمَّ رَجَعَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَكَبَّرَ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ. تَابَعَهُ عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَرَوَاهُ الأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ. [الحديث 275 - طرفاه في: 639، 640]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) الجعفي المسندي (قال: حدّثنا عثمان بن عمر) بضم العين ابن فارس البصري (قال أخبرنا يونس) بن يزيد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال): (أقيمت الصلاة وعدّلت) أي سوّيت (الصفوف قيامًا) جمع قائم منصوب على الحال من مقدّر أي وعدل القوم الصفوف حال كونهم قائمين أو منصوب على التمييز لأنه مفسر لما في قوله: وعدّلت الصفوف من الإبهام أي سوّيت الصفوف من حيث القيام، (فخرج إلينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما قام في مصلاه) بضم الميم أي موضع صلاته (ذكر) بقلبه قبل أن يكبر ويدخل في الصلاة (أنّه جنب) وإنما فهم أبو هريرة ذلك بالقرائن، لأن الذكر باطني لا يطلع عليه (فقال) عليه الصلاة والسلام (لنا) وفي رواية الإسماعيلي فأشار بيده فيحتمل أن يكون جمع بينهما (مكانكم) بالنصب أي الزموه (ثم رجع) إلى الحجرة (فاغتسل ثم خرج إلينا ورأسه) أي والحال أن رأسه (يقطر) من ماء الغسل، ونسبة القطر إلى الرأس مجاز من باب ذكر المحل وإرادة الحال (فكبَّر) مكتفيًا بالإقامة السابقة كما هو ظاهر من تعقيبه بالفاء وهو حجة لقول الجمهور: إن الفصل جائز بينها وبين الصلاة بالكلام مطلقًا وبالفعل إذا كان لمصلحة الصلاة، وقيل: يمتنع فيؤوّل فكبّر أي مع رعاية ما هو وظيفة للصلاة كالإقامة، أو يؤوّل قوله أوّلاً أقيمت بغير الإقامة الاصطلاحية (فصلينا معه) ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري وأيلي ومدني، وفي التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا ومسلم في الصلاة وأبو داود في الطهارة والصلاة والنسائي في الطهارة. (تابعه) الضمير لعثمان أي تابع عثمان بن عمر السابق قريبًا (عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة البصري (عن معمر) بن راشد بفتح الميم (عن الزهري) محمد بن مسلم، وهذه متابعة ناقصة لكن وصلها أحمد عن عبد الأعلى. (ورواه) أي الحديث عبد الرحمن

18 - باب نفض اليدين من الغسل عن الجنابة

(الأوزاعي عن الزهري) محمد بن مسلم مما وصله المؤلف في أواخر أبواب الأذان ولم يقل المؤلف وتابعه الأوزاعي لأنه لم ينقل لفظ الحديث بعينه، وإنما رواه بمعناه لأن المفهوم من المتابعة الإتيان بمثله من غير تفاوت، والرواية أعم أو هو من التفنن في العبارة، وجزم به الحافظ ابن حجر وردّ الأوّل. 18 - باب نَفْضِ الْيَدَيْنِ مِنَ الْغُسْلِ عَنِ الْجَنَابَةِ (باب نفض اليدين من الغسل عن الجنابة) كذا لأبي ذر وكريمة، وفي رواية الحموي والمستملي من الجنابة، وللكشميهني وابن عساكر والأصيلي من غسل الجنابة أي من ماء غسلها. 276 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ: وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُسْلاً فَسَتَرْتُهُ بِثَوْبٍ وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ فَضَرَبَ بِيَدِهِ الأَرْضَ فَمَسَحَهَا، ثُمَّ غَسَلَهَا، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَأَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، فَنَاوَلْتُهُ ثَوْبًا فَلَمْ يَأْخُذْهُ، فَانْطَلَقَ وَةوَ يَنْفُضُ يَدَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو ابن عبد الله العتكي (قال: أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي حدّثنا (أبو حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون المروزي السكري سمي به لحلاوة كلامه، أو لأنه كان يحمل السكر في كمه (قال: سمعت الأعمش) سليمان بن مهران (عن سالم) أي ابن أبي الجعد بسكون العين كما في رواية ابن عساكر (عن كريب) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال قالت ميمونة) رضي الله عنها: (وضعت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غسلاً) أي ماء يغتسل به (فسترته بثوب) أي غطيت رأسه فأراد عليه الصلاة والسلام الغسل فكشف رأسه فأخذ الماء (وصب) الماء بالواو وفي السابقة بالفاء (على يديه فغسلهما ثم صبّ بيمينه على شماله فغسل فرجه فضرب بيده الأرض فمسحها) بها (ثم غسلها فمضمض) وللكشميهني فتمضمض (واستنشق وغسل وجهه وذراعيه) مع مرفقيه. (ثم صب) الماء (على رأسه وأفاض) الماء (على جسده ثم تنحى) من مكانه (فغسل قدميه) قالت ميمونة: (فناولته ثوبًا) لينشف به جسده من أثر الماء (فلم يأخذه فانطلق) أي ذهب (وهو ينفض يديه) من الماء جملة اسمية وقعت حالاً، واستدل به على إباحة نفض اليد في الوضوء والغسل، ورجحه في الروضة وشرح المهذب إذ لم يثبت في النهي عنه شيء والأشهر تركه لأن النفض كالتبرئ من العبادة فهو خلاف الأولى، وهذا ما رجحه في التحقيق وجزم به في المنهاج وفي المهمات أن به الفتوى، فقد نقله ابن كج عن نص الشافعي، وقيل فعله مكروه، وصححه الرافعي. ورواة هذا الحديث ما بين مروزي وكوفي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف قبل هذا في ستة مواضع وفي ثالث هذا الباب يأتي إن شاء الله تعالى. 19 - باب مَنْ بَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْمَنِ فِي الْغُسْلِ (باب من بدأ بشق) بكسر الشين المعجمة أي بجانب (رأسه الأيمن في الغسل). 277 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّا إِذَا أَصَابَتْ إِحْدَانَا جَنَابَةٌ أَخَذَتْ بِيَدَيْهَا ثَلاَثًا فَوْقَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ بِيَدِهَا عَلَى شِقِّهَا الأَيْمَنِ، وَبِيَدِهَا الأُخْرَى عَلَى شِقِّهَا الأَيْسَرِ. وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بتشديد اللام ابن صفوان الكوفي السلمي سكن مكة، وتوفي سنة سبع عشرة ومائتين (قال: حدّثنا إبراهيم بن نافع) المخزومي الكوفي (عن الحسن بن مسلم) بن يناق بفتح المثناة التحتية وتشديد النون وبالقاف المكي (عن صفية بنت شيبة) بن عثمان الحجبي القرشي العبدري وهي وأبوها من الصحابة لكنها من صغارهم، وللإسماعيلي أنه سمع صفية (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (كنا إذا أصاب) ولكريمة أصابت (إحدانا) أي من أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (جنابة أخذت بيديها) الماء فصبته (ثلاثًا فوق رأسها) ولكريمة والأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني والمستملي بيدها بالإفراد (ثم تأخذ بيدها) وفي بعض الأصول يدها بدون حرف الجرّ فينصب بنزع الخافض أو يجرّ بتقدير مضاف أي أخذت ملء يديها فتصبه (على شقها الأيمن و) تأخذ (بيدها الأخرى) فتصبه (على شقها الأيسر) أي من الرأس فيهما لا من الشخص وهذا من محاسن استنباطات المؤلف، وبه تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة. وقال ابن حجر: والذي يظهر أنه حمل الثلاث في الرأس على التوزيع، وظاهره أن الصب بكل يد على شق في حالة واحدة، لكن العادة إنما هي الصب باليدين معًا فتحمل اليد على الجنس الصادق عليهما، وعلى هذا فالمغايرة بين الأمرين بحسب الصفة وهو أخذ الماء أوّلاً وأخذه ثانيًا وإن لم تدل على الترتيب فلفظ أخرى يدل على سبق أولى وهي اليمنى، وللحديث حكم الرفع لأن الصحابي إذا قال: كنا نفعل أو كانوا يفعلون فالظاهر إطلاع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك، وتقريره سواء صرح الصحابي بإضافته إلى الزمن النبوي أم لا. ورواة هذا الحديث الخمسة

20 - باب من اغتسل عريانا وحده في الخلوة، ومن تستر فالتستر أفضل

مكيّون وخلاد سكنها وفيه التحديث والعنعنة ورواية صحابية عن صحابية، وأخرجه أبو داود. (بسم الله الرحمن الرحيم) هكذا لأبي ذر وسقطت لغيره كما في الفرع. 20 - باب مَنِ اغْتَسَلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ فِي الْخَلْوَةِ، وَمَنْ تَسَتَّرَ فَالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ وَقَالَ بَهْزٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَى مِنْهُ مِنَ النَّاسِ». (باب من اغتسل عريانًا) حال كونه (وحده في الخلوة) وللكشميهني في خلوة أي من الناس وهي تأكيد لقوله وحده واللفظان متلازمان بحسب المعنى، (ومن تستر) عطف على من اغتسل السابق وللحموي والمستملي ومن يستتر (فالتستر) ولأبوي الوقت وذر والأصيلي وابن عساكر والتستر (أفضل) بلا خلاف، ويفهم منه جواز الكشف للحاجة كالاغتسال كما هو مذهب الجمهور خلافًا لابن أبي ليلى لحديث أبي داود مرفوعًا "إذا اغتسل أحدكم فليستتر" قاله لرجل رآه يغتسل عريانًا وحده. وفي مراسيله حديث: لا تغتسلوا في الصحراء إلا أن تجدوا متوارى فإن لم تجدوا متوارى فليخط أحدكم كالدائرة فليسمّ الله تعالى وليغتسل فيه. وهذا حكاه الماوردي وجهًا لأصحابنا فيما إذا نزل عريانًا في الماء بغير مئزر لحديث "لا تدخلوا الماء إلا بمئزر فإن للماء عامرًا" وضعف فإن لم تكن حاجة للكشف فالأصح عند الشافعية التحريم. (وقال بهز) بفتح الموحدة وسكون الهاء وبالزاي المعجمة زاد الأصيلي ابن حكيم (عن أبيه) حكيم بفتح الحاء المهملة وكسر الكاف التابعي الثقة (عن جده) معاوية الصحابي فيما قاله في الكمال وأشعر به كلام المؤلف ابن حيدة بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية ابن معاوية القشيري. قال البغوي: نزل البصرة، وقال ابن الكلبي: أخبرني أبي أنه أدركه بخراسان ومات بها. وقال ابن سعد: له وفادة وصحبة علق له البخاري في الطهارة وفي الغسل رضي الله عنه. (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الله أحق أن يستحيى منه من الناس) يتعلق بأحق، وللسرخسي: الله أحق أن يستتر منه بدل أن يستحيى منه، وهذا التعليق قطعة من حديث وصله أحمد والأربعة، من طرق عن بهز وحسنه الترمذي وصححه الحاكم، ولفظ رواية ابن أبي شيبة قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟. قال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك وما ملكت يمينك". قلت: يا رسول الله أحدنا إذا كان خاليًا؟ قال: "الله أحق أن يستحيى منه من الناس" وفهم من قوله: إلا من زوجتك جواز نظرها ذلك منه، وقياسه جواز نظره لذلك منها إلا حلقة الدير كما قاله الدارمي من أصحابنا. وبهز وأبوه ليسا من شرط المؤلف. قال الحاكم: بهز كان من الثقات ممن يحتج بحديثه، وإنما لم تعدّ من الصحيح روايته عن أبيه عن جدّه لأنها شاذة لا متابع له فيها، نعم الإسناد إلى بهز صحيح، ومن ثم عرف أن مجرد جزمه بالتعليق لا يدل على صحة الإسناد إلا إلى من علق عنه بخلاف ما فوقه. 278 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَكَانَ مُوسَى يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلاَّ أَنَّهُ آدَرُ، فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ، فَخَرَجَ مُوسَى فِي إِثْرِهِ يَقُولُ: ثَوْبِي يَا حَجَرُ، حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى مُوسَى فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ. وَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا». فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَنَدَبٌ بِالْحَجَرِ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ ضَرْبًا بِالْحَجَرِ. [الحديث 278 - طرفاه في: 3404، 4799]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) نسبه هنا إلى جده وفي غيره إلى أبيه إبراهيم وقد مرّ ذكره في باب فضل من تعلم وعلم (قال: حدّثنا عبد الرزق) بن همام الصنعاني (عن معمر) أي ابن راشد (عن همام بن منبه) بكسر الموحدة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (كانت بنو إسرائيل) وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام وأنّث كانت على رأي من يؤنث الجموع مطلقًا، ولو كان الجمع سالمًا لمذكر كما هنا فإن بني جمع سلامة أصله بنون لكنه على خلاف القياس لتغير مفرده، وأما على قول من يقول كل جمع مؤنث إلا جمع السلامة المذكر فإما لتأويله بالقبيلة وإما لأنه جاء على خلاف القياس (يغتسلون) حال كونهم (عراة) حال كونهم (ينظر بعضهم إلى بعض) لكونه كان جائزًا في شرعهم وإلا لما أقرّهم موسى على ذلك أو كان حرامًا عندهم، لكنهم كانوا يتساهلون في ذلك وهذا الثاني هو الظاهر لأن الأوّل لا ينهض أن يكون دليلاً لجواز مخالفتهم له في ذلك، ويؤيده قول القرطبي: كانت بنو إسرائيل تفعل ذلك معاندة للشرع ومخالفة لموسى عليه الصلاة والسلام، وهذا من جملة عتوّهم وقلة مبالاتهم باتباع شرعه. (وكان موسى) زاد الأصيلي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يغتسل وحده) يختار الخلوة تنزهًا واستحبابًا وحياء ومروءة أو لحرمة التعري (فقالوا) أي بنو إسرائيل

(والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر) بالمد وتخفيف الراء كآدم أو على وزن فعل أي عظيم الخصيتين أي منتفخهما، (فذهب مرة) حال كونه (يغتسل فوضع ثوبه على حجر) قال سعيد بن جبير: هو الحجر الذي كان يحمله معه في الأسفار فيتفجر منه الماء، (ففرّ الحجر بثوبه فخرج) وللكشميهني والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر فجمع (موسى) أي ذهب يجري جريًا عاليًا (في أثره) بكسر الهمزة وسكون المثلثة، وفي بعد الأصول بفتحهما. قال في القاموس: خرج في أثره وإثره بعده حال كونه (يقول) ردّ أو أعطني (ثوبي يا حجر ثوبي يا حجر) مرتين ونصب ثوب بفعل محذوف كما قررناه. ويحتمل أن يكون مرفوعًا بمبتدأ محذوف تقديره هذا ثوبي، وعلى هذا الثاني المعنى استعظام كونه يأخذ ثوبه فعامله معاملة من لا يعلم كونه ثوبه كي يرجع عن فعله ويرد، وقوله ثوبي يا حجر الثانية ثابتة للأربعة، وإنما خاطبه لأنه أجراه مجرى من يعقل لفعله فعله إذ المتحرك يمكن أن يسمع ويجيب ولغير الأربعة ثوبي حجر، (حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى) عليه الصلاة والسلام، وفيه ردّ على القول بأن ستر العورة كان واجبًا وفيه إباحة النظر إلى العورة عند الضرورة الداعية إلى ذلك من مداواة أو براءة مما رمي به من العيوب كالبرص وغيره، لكن الأوّل أظهر ومجرد تستر موسى لا يدل على وجوبه لما تقرر في الأصول أن الفعل لا يدل بمجرده على الوجوب، وليس في الحديث أن موسى صلوات الله وسلامه عليه أمرهم بالتستر ولا أنكر عليهم التكشّف. وأما إباحة النظر إلى العورة للبراءة مما رمي به من العيوب، فإنما هو حيث يترتب على الفعل حكم كفسخ النكاح. وأما قصة موسى عليه الصلاة والسلام فليس فيها أمر شرعي ملزم يترتب على ذلك، فلولا إباحة النظر إلى العورة لما أمكنهم موسى عليه الصلاة والسلام من ذلك ولا خرج مارًّا على مجالسهم وهو كذلك. وأما اغتساله خاليًا فكان يأخذ في حق نفسه بالأكمل والأفضل، ويدل على الإباحة ما وقع لنبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقت بناء الكعبة من جعل إزاره على كتفه بإشارة العباس عليه بذلك ليكون أرفق به في نقل الحجارة، ولولا إباحته لما فعله لكنه ألزم بالأكمل والأفضل لعلوّ مرتبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (فقالوا) وللأصيلي وابن عساكر وقالوا (والله ما) أي ليس (بموسى من بأس) اسم ما وحرف الجر زائد (وأخذ) عليه الصلاة والسلام (ثوبه فطفق) بكسر الفاء الثانية وفتحها وللأصيلي وابن عساكر وطفق أي شرع (يضرب الحجر ضربًا) كذا للكشميهني والحموي وللأكثر فطفق بالحجر بزيادة الموحدة أي جعل يضربه ضربًا لما ناداه ولم يطعه. (فقال) وللأصيلي وابن عساكر قال (أبو هريرة) رضي الله عنه مما هو من تتمة مقول همام فيكون مسندًا أو مقول أبي هريرة فيكون تعليقًا وبالأوّل جزم في فتح الباري: (والله إنه لندب) بالنون والدال المهملة المفتوحتين آخره موحدة أي أثر (بالحجر ستة) بالرفع على البدلية أي ستة آثار أو بتقدير هي أو بالنصب على الحال من الضمير المستكن في قوله بالحجر، فإنه ظرف مستقر لندب أي أنه لندب استقر بالحجر حال كونه ستة آثار (أو سبعة) بالشك من الراوي (ضربًا بالحجر) بنصب ضربًا على التمييز أراد عليه الصلاة والسلام إظهار المعجزة لقومه بأثر الضرب في الحجر، ولعله أوحي إليه أن يضربه، ومشي الحجر بالثوب معجزة أخرى، ودلالة الحديث على الترجمة من حيث اغتسال موسى عليه الصلاة والسلام عريانًا وحده خاليًا من الناس وهو مبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا. ورواة هذا الحديث خمسة، وأخرجه مسلم في أحاديث الأنبياء وفي موضع آخر. 279 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ بَلَى: وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ لاَ غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ». وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ صَفْوَانَ بنِ سُلَيمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا .... ». [الحديث 279 - طرفاه في: 3391، 7493]. وبالسند السابق أول الكتاب إلى المؤلف قال: حال كونه عاطفًا على هذا السند السابق قوله: (وعن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بينا) بألف من غير ميم (أيوب) النبي ابن العوص بن رزاح بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم أو ابن رزاح بن روم بن عيص وأمه بنت لوط، وكان أعبد أهل زمانه وعاش ثلاثًا وستين أو تسعين سنة ومدة

21 - باب التستر في الغسل عند الناس

بلائه سبع سنين وأسمه أعجمي مبتدأ خبره (يغتسل) حال كونه (عريانًا) والجملة أضيف إليها الظرف وهو بينا وإنما لم يؤت في جواب بينا بإذ أو بإذا الفجائية لأن الفاء تقوم مقامها في جزاء الشرط كعكسه في قوله تعالى: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] أو العامل في بين قوله (فخرّ عليه) وما قيل أن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها لأن فيه معنى الجزائية إذ بين متضمنة للشرط فجوابه لا نسلم عدم عمله لا سيما في الظرف إذ فيه توسع وفاعل خرّ قوله (جراد من ذهب) سمي به لأنه يجرد الأرض فيأكل كل ما عليها، وهل كان جرادًا حقيقة ذا روح إلا أن اسمه ذهب، أو كان على شكل الجراد وليس فيه روح؟ قال في شرح التقريب: الأظهر الثاني وليس الجراد مذكر الجرادة، وإنما هو اسم جنس كالبقرة والبقر، فحق مذكره أن لا يكون مؤنثه من لفظه لئلا يلتبس الواحد المذكر بالجمع، (فجعل أيوب) عليه الصلاة والسلام (يحتثي) بإسكان المهملة وفتح المثناة بعدها مثلثة على وزن يفتعل من حتى أي يأخذ بيده ويرمي (في ثوبه) وفي رواية القابسي عن أبي زيد يحتثن بنون في آخره بدل الياء لكن قال العيني: أنه أمعن النظر في كتب اللغة فلم يجد لهذه الرواية الأخيرة معنى، (فناداه ربه) تعالى (يا أيوب) بأن كلمه كموسى أو بواسطة الملك (الم أكن أغنيتك) بفتح الهمزة (عما ترى) من جراد الذهب؟ (قال: بلى وعزتك) أغنيتني، ولم يقل نعم كآية {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] لعدم جوازه، بل يكون كفرًا لأن بلى مختصة يإيجاب النفي ونعم مقررة لما سبقها. قال في القاموس: بلى جواب استفهام معقود بالجحد يوجب ما يقال لك، ونعم بفتحتين وقد تكسر العين كلمة كبلى إلا أنه في جواب الواجب اهـ. وإنما لم يفرق الفقهاء بينهما في الأقارير لأنها مبنية على العرف. ولا فرق بينهما فيه ولا يحمل هذا على المعاتبة كما فهمه بعضهم وإنما هو استنطاق بالحجة. (ولكن لا غنى بي عن بركتك) أي خيرك وغنى بكسر الغين والقصر من غير تنوين على أن لا لنفي الجنس، ورويناه بالتنوين والرفع على أن لا بمعنى ليس ومعناهما واحد لأن النكرة في سياق النفي تفيد العموم وخبر لا يحتمل أن يكون بي أو عن بركتك، فالمعنى صحيح على التقديرين، واستنبط منه فضل الغنى لأنه سماه بركة، ومحال أن يكون أيوب صلوات الله عليه وسلامه أخذ هذا الماء حبًّا للدنيا، وإنما أخذه كما أخبر هو عن نفسه لأنه بركة من ربه تعالى لأنه قريب العهد بتكوين الله عز وجل أو أنه نعمة جديدة خارقة للعادة، فينبغي تلقّيها بالقبول ففي ذلك شكر لها وتعظيم لشأنها، وفي الإعراض عنها كفر بها وفيه جواز الاغتسال عريانًا لأن الله تعالى عاتبه على جمع الجراد ولم يعاتبه على الاغتسال عريانًا. (ورواه) أي هذا الحديث المذكور (إبراهيم) بن طهمان بفتح الطاء المهملة أبو سعيد الخراساني، المتوفى بمكة سنة ثلاث وستين ومائة فيما وصله النسائي بهذا الإسناد (عن موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف وفتح الموحدة التابعي (عن صفوان بن سليم) بضم السين المهملة وفتح اللام التابعي المدني. قيل: إنه لم يضع جنبه الأرض أربعين سنة وقال أحمد: يستنزل بذكره القطر، وتوفي بالمدينة سنة اثنتين أو ثلاث ومائة (عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال بينا) بغير ميم (أيوب يغتسل عريانًا) الحديث إلى آخره الإسناد عن المتن ليفيد أن له طريقًا آخر غير هذا وتركه وذكره تعليقًا الغرض من أغراض التعليقات، ثم قال: ورواه إبراهيم إشعارًا بهذا الطريق الآخر وهو تعليق أيضًا لأن البخاري لم يدرك إبراهيم. وفي هذا الحديث العنعنة ورواية تابعي عن تابعي عن تابعي. 21 - باب التَّسَتُّرِ فِي الْغُسْلِ عِنْدَ النَّاس (باب التستر في الغسل عند) وفي رواية عطاء عن (الناس). 280 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ. [الحديث 280 - أطرافه في: 357، 3171، 6158]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام زاد ابن عساكر ابن قعنب بفتح القاف وسكون العين (عن مالك) إمام دار الهجرة ابن أنس (عن أبي النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة واسمه سالم بن أبي أمية (مولى عمر) بضم العين (ابن عبيد الله) بالتصغير التابعي (أن أبا مرة) بضم الميم وتشديد الراء (مولى أم هانئ) بالهمزة المنوّنة بعد النون، وفي غير رواية الأصيلي زيادة بنت أبي طالب

22 - باب إذا احتلمت المرأة

هو ابن عبد المطلب بن هاشم الهاشمية ابنة عمّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قيل: اسمها فاختة، وقيل فاطمة، وقيل هند والأوّل أشهر. وروت أحاديث في الكتب الستة ولها في البخاري حديثان (أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب) رضي الله عنها حال كونها (تقول ذهبت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الفتح) أي فتح مكة في رمضان سنة ثمان (فوجدته) عليه الصلاة والسلام (يغتسل وفاطمة) ابنته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورضي الله عنها (تستره فقال: من هذه)؟ يدل على أن الستر كان كثيفًا وعرف أنها امرأة لكون ذلك الموضع لا يدخل عليه فيه الرجال (فقلت) ولابن عساكر قلت (أنا أم هانئ) فيه جواز الغسل بحضرة المحرم إذا حال بينهما ساتر من ثوب أو غيره. ورواة الحديث الخمسة مدنيون، وفيه التحديث والعنعنة والإخبار بالإفراد والسماع والقول ورواية تابعي عن تابعي عن صحابية، وأخرجه المؤلف أيضًا في الأدب والصلاة والجزية ومسلم في الطهارة والطلاق، والترمذي في الاستئذان والسِّيَر، والنسائي في الطهارة والسير، وابن ماجة في الطهارة. 281 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: سَتَرْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ، ثُمَّ مَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى الْحَائِطِ أَوِ الأَرْضِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ غَيْرَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ الْمَاءَ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ. تَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَابْنُ فُضَيْلٍ فِي السَّتْرِ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) عبد الله العتكي (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت حدّثنا (سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن سالم بن أبي الجعد) بسكون العين (عن كريب) بالتصغير مولى ابن عباس (عن ابن عباس عن ميمونة) أم المؤمنين رضي الله عنهم (قالت): (سترت النبي) وفي رواية رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بثوب (وهو يغتسل من الجنابة) الجملة في موضع الحال (فغسل يديه ثم صب بيمينه على شماله فغسل فرجه وما أصابه) من رطوبة فرج المرأة والبول وغيرهما، (ثم مسح بيده على الحائط والأرض) ولأبي ذر بيده الحائط (ثم توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه ثم أفاض الماء على جسده ثم تنحى) من مكانه (فغسل قدميه). (تابعه) أي تابع سفيان (أبو عوانة) الوضاح اليشكري في الرواية عن الأعمش وسبقت هذه المتابعة موصولة عند المؤلف في باب من أفرغ بيمينه. (و) تابع سفيان أيضًا (ابن فضيل) محمد في الرواية عن الأعمش فيما وصله أبو عوانة الإسفرايني في صحيحه كلاهما (في الستر) المذكور لا في بقية الحديث، وللأصيلي في التستر وسبقت مباحث الحديث. 22 - باب إِذَا احْتَلَمَتِ الْمَرْأَةُ هذا (باب) بالتنوين (إذا احتلمت المرأة) قيد بها ردًّا على من منع منه في حقها وتنبيهًا على أن حكمها كحكم الرجل قال عليه الصلاة والسلام في جواب سؤال أم سليم المرأة ترى في ذلك أعليها الغسل نعم النساء شقائق الرجال رواه أبو داود أي نظائر الرجال وأمثالهم في الأخلاف والطباع كأنهن شققن منهم. 282 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ». وبه قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال أخبرنا مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن زينب بنت أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ونسبها المؤلف في باب الحياء في العلم إلى أمها أم سلمة وهي هند بنت أبي أمية (عن أم سلمة أم المؤمنين) رضي الله عنها (أنها قالت): (جاءت أم سليم) بضم السين وفتح اللام سهلة أو رميلة أو رميثة بنت ملحان الخزرجية والدة أنس بن مالك، وكانت أسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يزورها فتتحفه بالشيء تضعه له، ولها في البخاري حديثان وهي (امرأة أبي طلحة) زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري البدري (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إن الله) عز وجل (لا يستحيي من الحق) أي لا يأمر بالحياء فيه أو لا يمنع من ذكره. وقالت ذلك قبل اللاحق تمهيدًا لعذرها في ذكر ما يستحيا منه (هل على المرأة من غسل) أي هل على المرأة غسل فحرف الجر زائد وقد سقط عند المؤلف في الأدب (إذا هي احتلمت) ولأحمد من حديث أُم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام أتغتسل؟ (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نعم) يجب عليها الغسل (إذا رأت الماء) أي المني بعد استيقاظها من النوم، فالرؤية بصرية فتتعدى لواحد، ويحتمل أن تكون علمية فتتعدى لمفعولين الثاني مقدّر أي: إذا رأت

23 - باب عرق الجنب، وأن المسلم لا ينجس

الماء موجودًا أو غير ذلك قال أبو حيان رحمه الله: حذف أحد مفعولي رأى وأخواتها عزيز، وقد قيل في قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} [آل عمران: 180] أي البخل خيرًا لهم، وأما حذفها جميعًا فجائز اختصارًا، ومنه قوله تعالى: {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْب} [النجم: 35] فهو يرى والظاهر أنها هنا بصرية، وينبني على ذلك أن المرأة إذا علمت أنها أنزلت ولم تره أنه لا غسل عليها، ولمسلم من حديث أنس أن أم سليم حدّثت أنها سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعائشة عنده فقالت: يا رسول الله المرأة ترى ما يرى الرجل في النام ومن نفسها ما يرى الرجل من نفسه. فقالت عائشة: يا أم سليم فضحت النساء. وعند ابن أبي شيبة فقال: هل تجد شهوة؟ قالت: لعله قال هل تجد بللاً؟ قالت: لعلّه فقال: فلتغتسل. فلقيتها النسوة فقلن فضحتنا عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: والله ما كنت لأنتهي حتى أعلم في حلٍّ أنا أم في حرام. وهذا يدل على أن كتمان ذلك من عادتهن لأنه يدل على شدة شهوتهن، وإنما أنكرت أم سلمة على أم سليم لكونها واجهت به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، واستدل به ابن بطال على أن كل النساء يحتلمن وعكسه غيره. وقال: فيه دليل على أن بعض النساء لا يحتلمن. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والظاهر أن مراد ابن بطال الجواز لا الوقوع أي فيهن قابلية ذلك. ورواة حديث الباب الستة مدنيون إلا شيخ المؤلف، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول وثلاث صحابيات، وأخرجه الستة واتفق الشيخان على إخراجه من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة، وقد جاء عن جماعة من الصحابيات أنهن سألت كسؤال أم سلمة منهن: خولة بنت حكيم كما عند النسائي وأحمد وابن ماجة، وسهلة بنت سهيل كما عند الطبراني، وبسرة بنت صفوان كما عند ابن أبي شيبة. 23 - باب عَرَقِ الْجُنُبِ، وَأَنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ (باب عرق الجنب وأن المسلم) طاهر (لا ينجس) ولو أجنب ومن لازم طهارته طهارة عرقه، وكذا عرق الكافر عند الجمهور. 283 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهْوَ جُنُبٌ، فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: كُنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ. فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ». [الحديث 283 - طرفه في: 285]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (قال: حدّثنا حميد) بضم الحاء الطويل التابعي (قال: حدّثنا بكر) بفتح الموحدة ابن عبد الله بن عمرو بن هلال المزني البصري (عن أبي رافع) نفيع بضم النون وفتح الفاء الصائغ بالغين المعجمة البصري ترحل إليها من المدينة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقيه في بعض طريق المدينة) بالإفراد ولكريمة في بعض طرق المدينة (وهو جنب) جملة اسمية حالية من الضمير المنصوب في لقيه. قال أبو هريرة: (فانخنست منه) بنون ثم معجمة ثم نون فمهملة أي تأخرت وانقبضت ورجعت، وفي رواية فانخنس، ولابن السكن والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر: فانبجست بالموحدة والجيم أي اندفعت، وللمستملي فانتجست بنون فمثناة فوقية فجيم من النجاسة من باب الافتعال أي اعتقدت نفسي نجسًا، (فذهب فاغتسل) بلفظ الغيبة من باب النقل عن الراوي بالمعنى، أو من قول أبي هريرة من باب التجريد وهو أنه جرّد من نفسه شخصًا وأخبر عنه وهو المناسب لرواية فانخنس. وفي رواية فذهبت فاغتسلت وهو المناسب لسابقه، وكان سبب ذهاب أبي هريرة ما رواه النسائي وابن حبان من حديث حذيفة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا لقي أحدًا من أصحابه ماسحه ودعا له، فلما ظن أبو هريرة رضي الله عنه أن الجنب ينجس بالجنابة خشي أن يماسه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كعادته فبادر إلى الاغتسال، (ثم جاء فقال) عليه الصلاة والسلام: (أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: كنت جنبًا) أي ذا جنابة لأنه اسم جرى مجرى المصدر وهو الإجناب، (فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة) جملة اسمية حالية من الضمير المرفوع في أجالسك (فقال) بالفاء قبل القاف وسقطت في كلام أبي هريرة على الأفصح في الجمل المفتتحة بالقول كما قيل في قوله تعالى: {أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الشعراء: 10] قوم فرعون ألا يتقون قال وما بعدها، وأما القول مع ضمير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فالفاء سببية رابطة فاجتلبت لذلك ولأبي ذر وابن عساكر والأصيلي قال: (سبحان الله) نصب بفعل لازم الحذف

24 - باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره

وأتى به هنا للتعجب والاستعظام أي: كيف يخفى مثل هذا الظاهر عليك. (إن المؤمن) وفي رواية مضبب عليها بفرع اليونينية إن المسلم (لا ينجس) أي في ذاته حيًّا ولا ميتًا، ولذا يغسل إذا مات. نعم يتنجس بما يعتريه من ترك التحفظ من النجاسات والأقذار، وحكم الكافر في ذلك كالمسلم، وأما قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس} [التوبة: 28] فالمراد بها نجاسة اعتقادهم، أو لأنه يجب أن يتجنب عنهم كما يتجنب عن الإنجاس، أو لأنهم لا يتطهرون ولا يتجنبون عن النجاسات فهم ملابسون لها غالبًا، وعن ابن عباس: إن أعيانهم نجسة كالكلاب، وبه قال ابن حزم، وعورض بحل نكاح الكتابيات للمسلم ولا تسلم مضاجعتهنّ من عرقهنّ، ومع ذلك لم يجب من غسلهن إلا مثل ما يجب من غسل المسلمات، فدل على أن الآدمي لي بنجس العين إذ لا فرق بين الرجال والنساء بل يتنجس بما يعرض له من خارج. ويأتي البحث إن شاء الله تعالى في الاختلاف في الميت في باب الجنائز، ورواة هذا الحديث الستة بصريون وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي والتحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم في الطهارة وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في الصلاة. 24 - باب الْجُنُبُ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ عَطَاءٌ: يَحْتَجِمُ الْجُنُبُ وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ. هذا (باب) بالتنوين (الجنب يخرج) من بيته (ويمشي في السوق وغيره) يجوز له ذلك عند الجمهور خلافًا لما حكاه ابن أبي شيبة عن علي وعائشة وابن عمرو وأبيه وشداد بن أوس وسعيد بن المسيب ومجاهد وابن سيرين والزهري ومحمد بن علي والنخعي. وحكاه البيهقي وزاد سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمرو وابن عباس وعطاء والحسن أنهم كانوا إذا أجنبوا لا يخرجون ولا يأكلون حتى يتوضؤوا والواو في قوله: ويمشي عطفًا على يخرج وفي غيره عطفًا على سابقه أي وفي غير السوق، وجوّز ابن حجر كالكرماني الرفع على أنه مبتدأ أي وغيره نحو أي فينام ويأكل كما يخرج فهو عطف عليه من جهة المعنى، لكن تعقبه البرماوي والعيني بأنه تكلف بلا ضرورة. (وقال عطاء) مما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه (يحتجم الجنب ويقلم أظفاره ويحلق رأسه وإن لم يتوضأ) زاد عبد الرزاق ويطلي بالنورة. 284 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ. وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) وللأصيلي بإسقاط ابن حماد (قال: حدّثنا يزيد بن زريع) بزاي فراء مصغر زرع (قال: حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة وللأصيلي شعبة بدل سعيد قال الغساني وليس صوابًا (عن قتادة) بن دعامة (أن أنس بن مالك) رضي الله عنه (حدّثهم) وفي رواية حدثه. (أن نبي الله) كذا لكريمة وفي رواية أبي ذر أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذٍ تسع نسوة) أي وله حينئذٍ إذ لا يوم لذلك معين ولفظة كان تدل على التكرار والاستمرار. وسبق بيان مباحث الحديث في باب إذا جامع ثم عاد، ومطابقته لهذه الترجمة تفهم من قوله: كان يطوف على نسائه لأن نساءه كان لهن حجر متقاربة، فبالضرورة أنه كان يخرج من حجرة إلى حجرة قبل الغسل. 285 - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى قال: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا جُنُبٌ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَمَشَيْتُ مَعَهُ حَتَّى قَعَدَ، فَانْسَلَلْتُ فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ وَهْوَ قَاعِدٌ فَقَالَ: «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيرةَ»؟ فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَبَا هُرَيرةَ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ». وبه قال: (حدّثنا عياش) بمثناة تحتية مشددة وشين معجمة ابن الوليد الرقام (قال: حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة (قال: حدّثنا حميد) الطويل (عن بكر) المزني (عن أبي رافع) نفيع (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال): (لقيني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا جنب فأخذ بيدي) وفي بعض الأصول بيميني (فمشيت معه حتى قعدنا فانسللت) أي خرجت أو ذهبت في خفية، ولابن عساكر فانسللت منه (فأتيت) وفي رواية وأتيت (الرحل) بالحاء المهملة الساكنة أي الذي آوى إليه (فاغتسلت ثم جئت وهو) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قاعد فقال: أين كنت) كان واسمها والخبر الظرف أو هي تامة فلا تحتاج لخبر (يا أبا هريرة)؟ وللكشميهني يا أبا هر بالترخيم. قال أبو هريرة: (فقلت له) الذي فعلته من المجيء للرحل والاغتسال (فقال) عليه الصلاة والسلام متعجبًا منه: (سبحان الله يا أبا هريرة) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت يا أبا هر (إن المؤمن) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر سبحان الله إن المؤمن (لا ينجس) بضم الجيم، وقد سبق الكلام على مباحث هذا

25 - باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ قبل أن يغتسل

الحديث قريبًا ومطابقته للترجمة في قوله فمشيت معه. واستنبط منه جواز أخذ العلم بيد تلميذه ومشيه معه معتمدًا عليه ومرتفقًا به وغير ذلك مما لا يخفى. 25 - باب كَيْنُونَةِ الْجُنُبِ فِي الْبَيْتِ إِذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ (باب) جواز (كينونة الجنب) أي استقراره (في البيت إذا توضأ) زاد أبو الوقت وكريمة (قبل أن يغتسل) وليس في رواية الحموي والمستملي إذا توضأ قبل أن يغتسل. 286 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَشَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْقُدُ وَهْوَ جُنُبٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. وَيَتَوَضَّأُ. [الحديث 286 - طرفه في: 288] وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا هشام) الدستوائي (وشيبان) بن عبد الرحمن النحوي المؤدب كلاهما (عن يحيى) زاد ابن عساكر ابن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال): (سألت عائشة) رضي الله عنها (أكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرقد وهو جنب؟ قالت: نعم) يرقد (ويتوضأ) الواو لا تقتضي الترتيب فالمراد أنه كان يجمع بين الوضوء والرقاد فكأنها قالت: إذا أراد النوم يقوم ويتوضأ ثم يرقد، ويدل له رواية مسلم: كان إذا أراد أن ينام وهو جنب يتوضأ وضوءه للصلاة. ورواة هذا الحديث ستة وفيه التحديث والعنعنة والسؤال. 26 - باب نَوْمِ الْجُنُبِ وقد زاد في رواية كريمة هنا (باب نوم الجنب) وهو ساقط في رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وهو أولى لحصول الاستغناء عنه باللاحق. 287 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهْوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ وَهُوَ جُنُبٌ». [الحديث 287 - طرفاه في: 289، 290]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (قال: حدّثنا الليث) بن سعد وللأصيلي عن الليث (عن نافع) مولى عبد الله بن عمر (عن ابن عمر): (أن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيرقد) ولغير ابن عساكر والأصيلي قال أيرقد (أحدنا) أي أيجوز الرقاد لأحدنا لأن السؤال إنما هو عن حكمه لا عن تعيين وقوعه (وهو جنب) جملة حالية؟ (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم إذا توضأ أحدكم فليرقد) أي إذا أراد الرقاد فليرقد بعد التوضؤ (وهو جنب) وهذا مذهب الأوزاعي وأبي حنيفة ومحمد ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المبارك وغيرهم، والحكمة فيه تخفيف الحدث لا سيما على القول بجواز تفريق الغسل فينويه فيرتفع الحدث عن تلك الأعضاء المخصوصة على الصحيح، ولابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن شداد بن أوس قال: إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف غسل الجنابة، وذهب آخرون إلى أن الوضوء المأمور به هو غسل الأذى وغسل ذكره ويديه وهو التنظيف، وأوجبه ابن حبيب من المالكية وهو مذهب داود. ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن جواز رقاد الجنب في البيت يقتضي جواز استقراره فيه. 27 - باب الْجُنُبِ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَنَامُ (باب الجنب يتوضأ ثم ينام). 288 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهْوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة نسبة إلى جدّه وأبوه عبد الله (قال: حدّثنا الليث) بن سعد (عن عبيد الله بن أبي جعفر) الفقيه المصري (عن محمد بن عبد الرحمن) أبي الأسود المدني يتيم عروة بن الزبير كان أبوه أوصى به إليه (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أراد أن ينام وهو جنب) جملة حالية (غسل فرجه) مما أصابه من الأذى (وتوضأ) وضوءًا شرعيًّا كما يتوضأ (للصلاة) وليس المراد أنه يصلي به لأن الصلاة تمنع قبل الغسل. واستنبط منه أن غسل الجنابة ليس على الفور، بل إنما يتضيق عند القيام إلى الصلاة. ورواة هذا الحديث الستة ثلاثة مصريون وثلاثة مدنيون وفيه التحديث والعنعنة والقول. 289 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: اسْتَفْتَى عُمَرُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهْوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثنا جويرية) بالجيم والراء مصغرًا واسم أبيه أسماء بن عبيد الضبعي (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) وللأصيلي وابن عساكر عن ابن عمر (قال): (استفتى عمر) بن الخطاب (النبي) أي طلب الفتوى من النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وصورة الاستفتاء قوله: (أينام أحدنا وهو جنب) جملة حالية: (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر فقال (نعم) ينام (إذا توضأ). 290 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار) ووقع في رواية ابن السكن كما حكاه أبو علي الجياني عن نافع بدل عبد الله بن دينار والحديث محفوظ لمالك عنهما نعم اتفق رواة الموطأ على روايته عن الأول (عن عبد الله بن عمر أنه قال): (ذكر

28 - باب إذا التقى الختانان

عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه) وللحموي والمستملي بأنه أي ابن عمر (تصيبه الجنابة من الليل) وفي رواية النسائي من طريق ابن عون عن نافع قال: أصاب ابن عمر جنابة فأتى عمر فذكر ذلك له فأتى عمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال له رسول الله) وللأصيلي فقال رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مخاطبًا لابن عمر (توضأ واغسل ذكرك) أي الجمع بينهما. قالوا: ولا تدل على الترتيب، وفي رواية ابن نوح عن مالك اغسل ذكرك ثم توضأ (ثم نم) فيه من البديع تجنيس التصحيف، ويحتمل أن يكون الخطاب لعمر في غيبة ابنه جوابًا لاستفتائه، ولكنه يرجع إلى ابنه لأن الاستفتاء من عمر إنما هو لأجل ابنه، وقوله: توضأ أظهر من الأول في إيجاب وضوء الجنب عند النوم. واستنبط من الحديث ندب غسل ذكر الجنب عند النوم. 28 - باب إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ 291 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ ح. هذا (باب) بالتنوين في بيان حكم (إذا التقى الختانان) من الرجل والمرأة، والمراد تلاقي موضع القطع من الذكر مع موضعه من فرج الأُنثى. وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء البصري (قال: حدّثنا هشام) الدستوائي (ح) للتحويل. َ291 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغَسْلُ». تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ شُعْبَةَ مِثْلَهُ. وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ مِثْلَه. (وحدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (عن هشام) هو الدستوائي السابق (عن قتادة) بن دعامة المفسر (عن الحسن) البصري (عن أبي رافع) نفيع (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا جلس) الرجل (بين شعبها) أي شعب المرأة (الأربع) بضم الشين المعجمة وفتح العين المهملة جمع شعبة وهي القطعة من الشيء، والمراد هنا على ما قيل اليدان والرجلان وهو الأقرب للحقيقة، واختاره ابن دقيق العيد أو الرجلان والفخذان أو الشفران والرجلان أو الفخذان والإسكتان، وهما ناحيتا الفرج آو نواحي فرجها الأربع ورجحه عياض، (ثم جهدها) بفتح الجيم والهاء أي بلغ جهده وهو كناية عن معالجة الإيلاج أو الجهد الجماع أي جامعها، وإنما كنى بذلك للتنره عمّا يفحش ذكره صريحًا، ولأبي داود إذا قعد بين شعبها الأربع وألزق الختان بالختان أي موضع الختان بالختان، ولمسلم من حديث عائشة ومس الختان الختان، وللبيهقي مختصرًا إذا التقى الختانان (فقد وجب الغسل) على الرجل وعلى المرأة وإن لم يحصل إنزال فالموجب غيبوبة الحشفة. هذا الذي انعقد عليه الإجماع، وحديث: إنما الماء من الماء منسوخ، قال الشافعي وجماعة أي كان لا يجب الغسل إلا بالإنزال ثم صار يجب الغسل بدونه، لكن قال ابن عباس: إنه ليس بمنسوخ بل المراد به نفي وجوب الغسل بالرؤية في النوم إذا لم ينزل، وهذا الحكم باقٍ. وليس المراد بالمس في حديث مسلم السابق حقيقته لأن ختانها في أعلى الفرج فوق مخرج البول الذي هو فوق مدخل الذكر ولا يمسه الذكر في الجماع، فالمراد تغييب حشفة الذكر، وقد أجمعوا على أنه لو وضع ذكره على ختانها ولم يولج لا يجب الغسل، فالمراد المحاذاة. وهذا هو المراد أيضًا بالتقاء الختانين، ويدل له رواية الترمذي بلفظ إذا جاوز. ومطابقة الحديث للترجمة من جهة قوله: ثم جهدها المفسر عند الخطابي بالجماع المقتضي لالتقاء الختانين على ما مرّ من المراد المصرّح به في رواية البيهقي السابقة، ولعل المؤلف أشار في التبويب إلى هذه الرواية كعادته في التبويب بلفظ إحدى روايات الباب. ورواة هذا الحديث السبعة كلهم بصريون وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة كلهم في الطهارة. (تابعه) أي تابع هشامًا (عمرو) بالواو أي ابن مرزوق كما صرح به في رواية كريمة البصري الباهلي مما وصله عثمان بن أحمد السماك (عن شعبة مثله) أي مثل حديث الباب، ولفظة مثله ساقطة عند الأصيلي وابن عساكر. (وقال موسى) بن إسماعيل التبوذكي شيخ المؤلف (حدّثنا) وللأصيلي أخبرنا (أبان) بن يزيد العطار (قال: حدّثنا قتادة) بن دعامة (قال: أخبرنا الحسن) البصري (مثله). صرّح بتحديث الحسن لقتادة لينفي تدليس قتادة إذ ربما يحصل لبس بعنعنته السابقة، وإنما قال هنا وهناك تابعه لأن المتابعة أقوى لأن القول أعمّ من نقله رواية وعلى سبيل المذاكرة. 29 - باب غَسْلِ مَا يُصِيبُ مِنْ رطوبة فَرْجِ الْمَرْأَةِ (باب غسل ما يصيب) الرجل (من رطوبة فرج المرأة). 292 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَمْ يُمْنِ؟ قَالَ عُثْمَانُ: "يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ". قَالَ عُثْمَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ -رضي الله عنهم- فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ. قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا

أبو معمر) بفتح الميمين عبد الله بن عمرو (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (عن الحسين) بن ذكوان ولأبي ذر زيادة المعلم قال الحسين (قال: يحيى) بن أبي كثير، ولفظة قال الأولى تحذف في الخط اصطلاحًا كما حذفت هنا. (وأخبرني أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف بالإفراد وأتى بالواو إشعارًا بأنه حدّثه بغير ذلك أيضًا، وأن هذا من جملته فالعطف على مقدر (أن عطاء بن يسار) بالمثناة التحتية والسين المهملة. (أخبره أن زيد بن خالد الجهني) بضم الجيم وفتح الهاء وبالنون نسبة إلى جهينة بن زيد (أخبره). (أنه سأل عثمان بن عفان) رضي الله عنه مستفتيًا له (فقال أرأيت) ولأبي ذر والأصيلي قال له أرأيت أي أخبرني (إذا جامع الرجل امرأته) أي أو أمته (فلم يمنِ) بضم أوله وسكون الميم أي لم ينزل المني (قال عثمان) رضي الله عنه: (يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره) مما أصابه من رطوبة فرج المرأة من غير غسل (قال) ولأبوي الوقت وذر وابن عساكر والأصيلي وقال (عثمان) رضي الله عنه (سمعته) أي الذي أفتي به من الوضوء وغسل الذكر (من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال زيد بن خالد المذكور (فسألت عن ذلك) الذي أفتاني به عثمان (عليّ بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأُبي بن كعب رضي الله عنهم فأمروه بذلك) أي بغسل الذكر والوضوء، وللإسماعيلي فقالوا مثل ذلك عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصرّح بالرفع بخلاف الذي أورده المؤلف هنا، لكن قال الإسماعيلي، لم يقل ذلك غير الحماني وليس هو من شرط هذا الكتاب، نعم روي عن عثمان وعلي وأُبيّ أنهم أفتوا بخلافه، ومن ثم قال ابن المديني: إن حديث زيد شاذ، وقال أحمد فيه علة. وأجيت: بأن كونهم أفتوا بخلافه لا يقدح في صحة الحديث، فكم من حديث منسوخ وهو صحيح فلا منافاة بينهما انتهى. فقد كانت الفتيا في أول الإسلام كذلك ثم جاءت السُّنّة بوجوب الغسل ثم أجمعوا عليه بعد ذلك، وعلله الطحاوي بأنه مفسد للصوم وموجب للحد والمهر وإن لم ينزل فكذلك الغسل انتهى. والضمير المرفوع في قوله فأمروه للصحابة الأربعة المذكورين والمنصوب للمجامع الذي يدل عليه قوله ولا إذا جامع الرجل امرأته، وإذا تقرر هذا فليتأمل قوله في فتح الباري فأمروه أن فيه التفاتًا لأن الأصل أن يقول فأمروني انتهى. (قال يحيى) بن أبي كثير: (وأخبرني أبو سلمة) بالإفراد وهو معطوف على الإسناد الأول وليس معلمًا ولأبي ذر بإسقاط قال يحيى كما في الفتح وغيره: وهو في الفرع مضبب عليه مع علامة الإسقاط للأصيلي وابن عساكر (أن عروة بن الزبير أخبره أن أبا أيوب) الأنصاري (أخبره أنه سمع ذلك) أي غسل الذكر والوضوء (من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). انتقد الدارقطني هذا بأن أبا أيوب لم يسمعه من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنما سمعه من أُبيّ بن كعب كما في رواية هشام عن أبيه عن أبي أيوب عن أُبي بن كعب الآتية قريبًا إن شاء الله تعالى. وأجيب: بأن الحديث روي من وجه آخر عند الدارمي وابن ماجة عن أبي أيوب عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو مثبت مقدم على المنفي، وبأن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أكبر قدرًا وسنًا وعلمًا من هشام بن عروة انتهى. ورواة إسناد هذا الحديث ستة وفيه التحديث والإخبار والعنعنة وأخرجه مسلم. 293 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَيُّوبَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُنْزِلْ؟ قَالَ: «يَغْسِلُ مَا مَسَّ الْمَرْأَةَ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الْغَسْلُ أَحْوَطُ، وَذَاكَ الآخيرُ، وَإِنَّمَا بَيَّنَّا لاِخْتِلاَفِهِمْ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بالمهملتين فيهما (قال: حدّثنا يحيى) القطان (عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي) عروة بن الزبير (قال: أخبرني أبو أيوب) خالد بن زيد الأنصاري (قال: أخبرني) بالإفراد في الثلاثة (أُبي بن كعب أنه قال): (يا رسول الله) في الرواية السابقة أن أبا أيوب سمعه من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلا واسطة، وذلك لاختلاف الحديثين لفظًا ومعنى، وإن توافقا في بعض فيكون سمعه من النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرة ومن أُبي مرة، فذكره أي أُبيًّا للتقوية أو لغرض غيره (إذا جامع الرجل المرأة) ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر امرأته (فلم ينزل) في السابقة فلم يمن وهما بمعنى واحد. (قال) عليه الصلاة والسلام: (يغسل ما مس المرأة منه) أي يغسل الرجل المذكور

6 - كتاب الحيض

العضو الذي مس رطوبة فرج المرأة من أعضائه وهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم، ففي مس ضمير وهو فاعله يعود إلى كلمة ما وموضعها نصب مفعولاً ليغسل (ثم يتوضأ) وضوءه للصلاة، كما زاد فيه عبد الرزاق عن الثوري عن هشام، وفيه التصريح بتأخير الوضوء عن غسل ما يصيبه من المرأة (ويصلي) وأصرح في الدلالة على ترك الغسل من الحديث السابق. والحديث سداسي الإسناد وفيه رواية صحابي عن صحابي والتحديث والإخبار بالإفراد والعنعنة. (قال أبو عبد الله) أي المؤلف وقائل ذلك هو الراوي عنه: (الغسل) بضم الغين أي الاغتسال من الإيلاج وإن لم ينزل، وفي الفرع الغسل بفتح الغين وليس إلا (أحوط) أي أكثر احتياطًا في أمر الدين من الاكتفاء بغسل الفرج، والوضوء المذكور في الحديث السابق وفتوى من ذكر من الصحابة أي على تقدير عدم ثبوت الناسخ وظهور الترجيح، (وذاك الأخير) بالمثناة من غير مد، ولغير أبي ذر الآخر بالمد من غير مثناة أي آخر الأمرين من فعل الشارع، وهو يشير إلى أن حديث الباب غير منسوخ بل ناسخ لما قبله، وضبطه البدر الدماميني كابن التين والآخر بفتح الخاء أي ذاك الوجه الآخر أو الحديث الآخر الدال على عدم الغسل (إنما) ولابن عساكر وإنما بالواو والأليق حذفها وهو يناسب رواية فتح خاء الآخر (بينا) وللأصيلي بيناه (لاختلافهم) أي إنما ذكرناه لأجل بيان اختلاف الصحابة في الوجوب وعدمه ولاختلاف المحدثين في صحته وعدمها، ولكريمة وابن عساكر: وإنما بينا اختلافهم، وفي نسخة الصغاني: إنما بينا الحديث الآخر لاختلافهم والماء أنقى. وقال البدر الدماميني كالسفاقسي: فيه جنوح لمذهب داود، وتعقب هذا القول البرماوي بأنه إنما يكون ميلاً لمذهب داود إذا فتحت خاء آخر أما بالكسر فيكون جزمًا بالنسخ والجمهور على إيجاب الغسل بالتقاء الختانين وهو الصواب. ولما فرغ المؤلف. . . (¬1). بسم الله الرحمن الرحيم 6 - كتاب الحيض وقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين} [البقرة: 222]. (بسم الله الرحمن الرحيم) كذا في الفرع بإثباتها مع رقم علامة إسقاطها عند ابن عساكر والأصيلي. هذا (كتاب) بيان أحكام (الحيض) وما يذكر معه من الاستحاضة والنفاس، ولأبي ذر تقديم كتاب على البسملة، وفي رواية باب بدل كتاب والتعبير بالكتاب أولى كما لا يخفى، وترجم بالحيض لكثرة وقوعه وله أسماء عشرة: الحيض، والطمث، والضحك، والإكبار، والإعصار، والدراس، والعراك، والفرا بالفاء، والطمس والنفاس. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة: "أنفست". والحيض في اللغة السيلان يقال: حاض الوادي إذا سال، وحاضت الشجرة إذا سال صمغها. وفي الشرع دم يخرج من قعر رحم المرأة بعد بلوغها في أوقات معتادة، والاستحاضة الدم الخارج في غير أوقاته ويسيل من عرق فمه في أدنى الرحم اسمه العاذل بالذال المعجمة قاله الأزهري. وحكى ابن سعيده إهمالها والجوهري بدل اللام راء. (وقول الله تعالى) وللأصيلي عز وجل بالجر عطفًا على قوله الحيض المجرور بإضافة كتاب إليه، وفي رواية قول الله بالرفع: {ويسألونك عن المحيض} مصدر كالمجيء والمبيت أي الحيض أي عن حكمه. وروى الطبري عن السدي أن الذي سأل أوّلاً عن ذلك أبو الدحداح، وسبب نزول الآية ما روى مسلم عن أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم أخرجوها من البيوت، فسأل الصحابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأنزل الله تعالى {ويسألونك عن المحيض} الآية، وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "افعلوا كل شيء إلا النكاح" ("قل هو أذى") أي الحيض مستقذر يؤدي من يقربه لنتنه ونجاسته، (فاعتزلوا النساء في المحيض) فاجتنبوا مجامعتهن في نفس الدم أي حال سيلانه أو زمن الحيض أو الفرج، والأوّل هو الأصح، وهو اقتصاد بين إفراط اليهود الآخذين في ذلك بإخراجهنّ من البيوت، وتفريط النصارى فإنهم كانوا يجامعونهنّ ولا يبالون بالحيض. وإنما وصفه بأنه أذى، ورتب عليه بالفاء إشعارًا بأنه العلة. ({ولا تقربوهن حتى يطهرن}) تأكيد للحكم، وبيان لغايته وهو أن يغتسلن بعد الانقطاع ¬

(¬1) بياض في الأصل.

1 - باب كيف كان بدء الحيض، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «هذا شىء كتبه الله على بنات آدم».

ويدل عليه صريحًا قراءة يطهرن بالتشديد بمعنى يغتسلن والتزامًا قوله: ({فإذا تطهرن فأتوهن}) فإنه يقتضي تأخر جواز الإتيان عن الغسل. وقال أبو حنيفة إن طهرت لأكثر الحيض جاز قربانها قبل الغسل ({من حيث أمركم}) أي المأتي الذي أمركم به وحلّله لكم ({إن الله يحب التوّابين}) من الذنوب ({ويحب المتطهرين}) [البقرة: 222] المتنزهين عن الفواحش والأقذار كمجامعة الحائض، والإتيان في غير المأتي، كذا ذكرت الآية كلها في رواية ابن عساكر، ولأبوي ذر والوقت: {فاعتزلوا} إلى قوله: {ويحب المتطهرين} وللأصيلي كذلك إلى قوله: {المتطهرين} وفي رواية {ويسألونك عن الحيض} الآية. 1 - باب كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْحَيْضِ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَذَا شَىْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ». وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الْحَيْضُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، قال أبو عبد الله وَحَدِيثُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكْثَر. هذا (باب كيف كان بدء الحيض) أي ابتداؤه ويجوز تنوين باب بالقطع عما بعده وتركه للإضافة لتاليه. (وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بجر قول ورفعه على ما لا يخفى (هذا) أي الحيض (شيء كتبه الله على بنات آدم) لأنه من أصل خلقتهن الذي فيه صلاحهن، ويدل له قوله تعالى: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90] المفسر بأصلحناها للولادة بردّ الحيض إليها عند عقرها، وقد روى الحاكم بإسناد صحيح من حديث ابن عباس: إن ابتداء الحيض كان حوّاء عليها الصلاة والسلام بعد أن أهبطت من الجنة، قال في الفتح: وهذا التعليق المذكور وصله المؤلف بلفظ شيء من طريق أخرى بعد خمسة أبواب اهـ. يعني في باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت. وتعقبه البرماوي فقال: ليس في الباب المذكور شيء، بل هو الحديث الذي أورده البخاري في هذا الباب فلا حاجة لادّعاء وصله بموضع آخر. نعم لفظه هناك أمر بدل شيء فشيء إما رواية بالمعنى وإما أنه مروي أيضًا اهـ. والصواب ما قاله ابن حجر فإنه في الباب المذكور كذلك. نعم قال فيه: فإن ذلك شيء بدل قوله هنا هذا شيء. (وقال بعضهم) هو عبد الله بن مسعود وعائشة (كان أوّل) بالرفع اسم كان (ما أرسل الحيض) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول والحيض نائب عن الفاعل (على) نساء (بني إسرائيل) خبر كان وكأنه يشير إلى حديث عبد الرزاق عن ابن مسعود بإسناد صحيح قال: كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعًا، فكانت المرأة تتشرف للرجل فألقى الله عليهن الحيض ومنعهن المساجد وعنده عن عائشة نحوه. (قال أبو عبد الله) البخاري وسقط لغير أبوي ذر والوقت وابن عساكر قال أبو عبد الله: (وحديث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم (أكثر) بالمثلثة أي أشمل من قول بعضهم السابق لأنه يتناول نساء بني إسرائيل وغيرهن وقال الداودي ليس بينهما مخالفة، فإن نساء بني إسرائيل من بنات آدم اهـ. والمخالفة كما ترى ظاهرة فإن هذا القول يلزم منه أن غير نساء بني إسرائيل لم يرسل عليهن الحيض، والحديث ظاهر في أن جميع بنات آدم كتب عليهن الحيض إسرائيليات كن أو غيرهن، وأجاب الحافظ ابن حجر بأنه يمكن أن يجمع بينهما مع القول بالتعميم بأن الذي أرسل على نساء بني إسرائيل طول مكثه بهن عقوبة لهن لا ابتداء وجوده، وتعقبه العيني فقال: كيف يقول لا ابتداء وجوده والخبر فيه أوّل ما أرسل وبينه وبين كلامه منافاة، وأيضًا من أين ورد أن الحيض طال مكثه في نساء بني إسرائيل، ومن نقل هذا ثم أجاب بأنه يمكن أن الله تعالى قطع حيض نساء بني إسرائيل عقوبة لهن ولأزواجهن لكثرة عنادهم ومضت على ذلك مدّة، ثم إن الله رحمهم وأعاد حيض نسائهم الذي جعله سببًا لوجود النسل، فلما أعاده عليهن كان ذلك أوّل الحيض بالنسبة إلى مدة الانقطاع فأطلق الأولية عليه بهذا الاعتبار لأنها من الأمور النسبية. وأجاب في المصابيح بالحمل على أن المراد بإرسال الحيض إرسال حكمه بمعنى أن كون الحيض مانعًا ابتدئ بالإسرائيليات، وحمل الحديث على قضاء الله على بنات آدم بوجود الحيض كما هو الظاهر منه اهـ. (فائدة): الذي يحيض من الحيوانات المرأة والضبع والخفاش والأرنب، ويقال إن الكلبة أيضًا كذلك، وروى أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: الأرنب تحيض وزاد بعضهم الناقة والوزغة. 1 م - باب الأَمْرِ بِالنُّفَسَاءِ إِذَا نُفِسْنَ (باب الأمر للنساء إذا نفسن) بفتح النون وكسر الفاء وسكون السين

2 - باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله

آخره نون أي حضن كذا في رواية أبوي الوقت وذر كما في الفرع، وفي غيره باب الأمر بالنفساء إذا نفسن، والضمير الذي فيه يرجع إلى النفساء وتذكيره باعتبار الشخص أو لعدم الإلباس لاختصاص الحيض بالنساء والجمع باعتبار الجنس والباء في بالنفساء زائدة لأن النفساء مأمورة لا مأمور بها. وفي أكثر الروايات الباب والترجمة ساقطان. 294 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: خَرَجْنَا لاَ نَرَى إِلاَّ الْحَجَّ، فَلَمَّا كُنَّا بِسَرِفَ حِضْتُ، فَدَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَبْكِي قَالَ: مَا لَكِ أَنُفِسْتِ؟. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ. فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» قَالَتْ: وَضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ. [الحديث 294 - أطرافه في: 305، 316، 317، 319، 328، 1516، 1518، 1556، 1560، 1561، 1562، 1638، 1650، 1709، 1720، 1733، 1757، 1762، 1771، 1772، 1783، 1786، 1787، 1788، 2952، 2984، 4395، 4401، 4408، 5329، 5548، 5559، 6157، 7229]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) ولابن عساكر علي يعني ابن عبد الله أي المديني بفتح الميم وكسر الدال (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت عبد الرحمن بن القاسم قال: سمعت) أبي (القاسم) بن محمد كما في رواية الأصيلى ابن أبي بكر الصديق حال كونه (يقول: سمعت عائشة) رضي الله عنها حال كونها (تقول): (خرجنا) حال كوننا (لا نرى) بضم النون أي لا نظن وفي الفرع لا نرى بفتحها (إلا الحج) إلا قصده لأنهم كانوا يظنون امتناع العمرة في أشهر الحج فأخبرت عن اعتقادها أو عن الغالب عن حال الناس أو حال الشارع (فلما كنا) وللكشميهني والأصيلي فلما كنت (بسرف) بفتح السين المهملة وكسر الراء آخره فاء موضع على عشرة أميال أو تسعة أو سبعة أو ستة من مكة غير منصرف للعلمية والتأنيث وقد يصرف باعتبار إرادة المكان (حضت) بكسر الحاء (فدخل علي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا أبكي) جملة اسمية حالية (فقال) ولأبي الوقت قال (ما لكِ) بكسر الكاف (أنفست) بهمزة الاستفهام وضم النون في فرع اليونينية لكنه ضبب عليها. قال النووي: الضم في الولادة أكثر من الفتح والفتح في الحيض أكثر من الضم، وقال الهروي الضم والفتح في الولادة وأما الحيض فبالفتح لا غير (قلت نعم) نفست (قال) عليه الصلاة والسلام: (إن هذا) الحيض (أمر) أي شأن (كتبه الله) عز وجل (على بنات آدم) امتحنهنّ به وتعبدهن بالصبر عليه (فاقضي ما يقضي) بإثبات الياء في اقضي لأنه خطاب لعائشة أي أدّي الذي يؤدّيه (الحاج) من المناسك (غير أن لا تطوفي بالبيت) أي غير أن تطوفي فلا زائدة وإلاّ فغير عدم الطواف هو نفس الطواف أو تطوفي مجزوم بلا أي لا تطوفي ما دمت حائضًا، وزاد في الرواية الآتية: حتى تطهري وأن مخففة من الثقيلة وفيها ضمير الشأن. (قالت) عائشة: (وضحى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن نسائه) التسع رضي الله عنهن بإذنهن (بالبقر) ولأبي ذر والحموي والمستملي بالبقبرة أي عن سبع منهن ويفهم منه جواز التضحية ببقرة واحدة عن النساء واشتراط الطهارة في الطواف، ويأتي تمام البحث في الحج إن شاء الله تعالى. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري ومكي ومدني وأخرجه المؤلف أيضًا في الأضاحي، ومسلم وابن ماجة في الحج والنسائي فيه وفي الطهارة. 2 - باب غَسْلِ الْحَائِضِ رَأْسَ زَوْجِهَا وَتَرْجِيلِهِ (باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله) بالجيم والجر عطفًا على غسل المجرور بالإضافة أي تسريح شعر رأسه وتنظيفه وتحسينه. 295 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا حَائِضٌ. [الحديث 295 - أطرافه في: 296، 301، 2028، 2031، 2046، 5925]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: حدّثنا) وللأصيلي وابن عساكر أخبرنا (مالك) بن أنس الأصبحي (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (كنت أرجل) بضم الهمزة وتشديد الجيم أمشط (رأس) أي شعر رأس (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وأرسله فهو من مجاز الحذف لأن الترجيل للشعر لا للرأس أو من إطلاق الحل على الحال مجازًاً (وأنا حائض) جملة اسمية حالية. ورواة هذا الحديث الخمسة مدنيون إلا شيخ المؤلف فهو تنيسي وأخرجه المؤلف أيضًا في اللباس والنسائي في الطهارة والاعتكاف. 296 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حدَّثَنا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامٌ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ سُئِلَ: أَتَخْدُمُنِي الْحَائِضُ أَوْ تَدْنُو مِنِّي الْمَرْأَةُ وَهْيَ جُنُبٌ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ: كُلُّ ذَلِكَ عَلَىَّ هَيِّنٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَخْدُمُنِي وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ فِي ذَلِكَ بَأْسٌ، أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهِيَ حَائِضٌ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَئِذٍ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ، يُدْنِي لَهَا رَأْسَهُ وَهْيَ فِي حُجْرَتِهَا فَتُرَجِّلُهُ وَهْيَ حَائِضٌ. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي الرازي الفراء يعرف بالصغير (قال: حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني من أبناء الفرس أكبر اليمانيين وأحفظهم وأتقنهم المتوفى سنة سبع وتسعين ومائة (أن ابن جريج) بضم الجيم وفتح الراء نسب لجدّه لشهرته به واسمه عبد الملك بن عبد العزيز المكي القرشي الموصلي أصله رومي أحد العلماء المشهورين قيل: هو أول من صنف في الإسلام

3 - باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض

المتوفى سنة خمسين ومائة (أخبرهم قال): (أخبرني) بالإفراد (هشام) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت هشام بن عروة (عن) أبيه (عروة) بن الزبير بن العوام (أنه) أي عروة (سئل) بضم أوله وكسر ثانيه (أتخدمني الحائض أو تدنو) أي تقرب (مني المرأة وهي جنب) يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع لأنه كما قال: جار الله اسم جرى مجرى المصدر، الذي هو الإجناب، والجملة اسمية حالية (فقال عروة كل ذلك) أي الخدمة والدنو (عليّ هين) بتشديد المثناة وقد تخفف أي سهل ولابن عساكر كل ذلك هين (وكل ذلك) أي الحائض والجنب وكل رفع بالابتداء أو منصوب على الظرفية وجازت الإشارة بذلك إلى اثنين كقوله: {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68] (تخدمني وليس على أحد) أنا وغيري (في ذلك بأس) أي حرج. (أخبرتني عائشة) رضي الله عنها (أنها كانت ترجل رسول الله) أي شعر رأسه، وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر يعني رأس رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي حائض) بالهمز والجملة حالية ولم يقل حائضة بالتاء لعدم الإلباس لاختصاص الحيض بالنساء: (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذ) أي حين الترجيل (مجاور) أي معتكف (في المسجد) المدني (يدني) بضم أوله أي يقرب (لها) أي لعائشة (رأسه) الشريف (وهي في حجرتها) بضم الحاء المهملة جملة حالية (فترجله وهي حائض) أي فترجل شعر رأسه والحال أنها حائض، واستنبط منه أن إخراج المعتكف جزءًا منه كيده ورأسه غير مبطل لاعتكافه كعدم الحنث في إدخال بعضه دارًا حلف لا يدخلها وجواز مباشرة الحائض، وأما النهي في آية {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] فعن الوطء أو ما دونه من دواعي اللذة لا المسّ، وألحق عروة الجنابة بالحيض قياسًا بجامع الحدث الأكبر، بل هو قياس جليّ لأن الاستقذار بالحائض أكثر من الجنب. ورواة هذا الحديث ما بين مروزي وصنعاني ومكي ومدني، وفيه التحديث والإخبار بالإفراد والعنعنة والقول. 3 - باب قِرَاءَةِ الرَّجُلِ فِي حَجْرِ امْرَأَتِهِ وَهْيَ حَائِضٌ وَكَانَ أَبُو وَائِلٍ يُرْسِلُ خَادِمَهُ وَهْيَ حَائِضٌ إِلَى أَبِي رَزِينٍ فَتَأْتِيهِ بِالْمُصْحَفِ فَتُمْسِكُهُ بِعِلاَقَتِهِ. (باب قراءة الرجل) حال كونه متكئًا (في) أي على (حجر امرأته) بفتح الحاء المهملة وكسرها وسكون الجيم (وهي) أي والحال أنها (حائض) وفي رواية عطية باب قراءة القرآن في حجر المرأة (وكان أبو وائل) بالهمزة شقيق بن سلمة التابعي المشهور، المتوفى في خلافة عمر بن عبد العزيز فيما قاله الواقدي مما وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح (يرسل خادمه) اسم لمن يخدم غيره أي جاريته بدليل تأنيثه في قوله: (وهي حائض إلى أبي رزين) بفتح الراء وكسر الزاي مسعود بن مالك الأسدي مولى أبي وائل الكوفي التابعي، (فتأتيه) وفي رواية أبوي الوقت وذر لتأتيه (بالمصحف فتمسكه بعلاقته) بكسر العين أي الخيط الذي يربط به كيسه، وغرض المؤلف رحمه الله الاستدلال على جواز حمل الحائض والجنب المصحف، لكن من غير مسّه لحديث: "إن المؤمن لا ينجس" ولكتابه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى هرقل وفيه من القرآن مع علمه أنهم يمسونه وهم أنجاس، ومنعه الجمهور لقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]. من الآدميين، ويمسه مجزوم بلا الناهية وضم السين لأجل الضمير كما صرح به جماعة وقالوا: إنه مذهب البصريين بل قال في الدر: إن سيبويه لم يحفظ في نحوه إلا الضم، والحمل أبلغ من المس ولو حمله مع أمتعة وتفسير حل تبعًا لها لأنها المقصودة، فلو قصده ولو معها أو كان أكثر من التفسير حرم. 297 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ سَمِعَ زُهَيْرًا عَنْ مَنْصُورٍ ابْنِ صَفِيَّةَ أَنَّ أُمَّهُ حَدَّثَتْهُ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَتَّكِئُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ. [الحديث 297 - طرفه في: 7549]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم الفضل بن دكين) بالدال المهملة أنه (سمع زهيرًا) أي ابن معاوية بن خديج الجعفي (عن منصور ابن صفية) هي أمه اشتهر بها وأبوه عبد الرحمن الحجبي العبدري (أن أمه) صفية بنت شيبة (حدّثته أنّ عائشة) رضي الله عنها (حدّثتها): (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يتكئ) بالهمز (في) أي على (حجري وأنا حائض) جملة حالية من ياء المتكلم في حجري (ثم يقرأ القرآن) في كتاب التوحيد كان يقرأ القرآن ورأسه في حجري وأنا حائض، وحينئذ فالمراد بالاتكاء وضع رأسه في حجرها، وقيل: مناسبة أثر أبي وائل للحديث من جهة أن ثيابها بمنزلة العلاقة

4 - باب من سمى النفاس حيضا.

والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمنزلة الصحف لأنه في جوفه وحامله، إذ غرض المؤلف بهذا الباب الدلالة على جواز حمل الحائض المصحف، فالمؤمن الحافط له أكبر أوعيته. وتعقب بأنه ليس في الحديث إشارة إلى الحمل، وإنما فيه الاتكاء وهو غير الحمل، وكون الرجل في حجر الحائض لا يدل على جواز الحمل، وإنما مراده الدلالة على جواز القراءة بقرب موضع النجاسة لا على جواز حمل الحائض المصحف. ورواة الحديث ما بين كوفي ومكي، وفيه التحديث بالجمع والإفراد والسماع والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في التوحيد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة في الطهارة. 4 - باب مَنْ سَمَّى النِّفَاسَ حَيْضًا. (باب من سمى النفاس حيضًا) واعترض عليه بأن الذي في الحديث الآتي أنفست أي أحضت فأطلق على الحيض النفاس، فكان حقه أن يقول من سمى الحيض نفاسًا. وأجيب بأنه أراد التنبيه على تساويهما في حكم تحريم الصلاة كغيرها، وعورض بأن الترجمة في التسمية لا في الحكم أو مراده من أطلق لفظ النفاس على الحيض، وبذلك تقع المطابقة بين ما في الحديث والترجمة زاد الكشميهني والحيض نفاسًا. 298 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهَا قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُضْطَجِعَةً فِي خَمِيصَةٍ إذْ حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي. قَالَ: أَنُفِسْتِ؟. قُلْتُ: نَعَمْ. فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ. [الحديث 298 - أطرافه في: 322، 323، 1929]. وبه قال: (حدّثنا المكي) وللأصيلي مكي (بن إبراهيم) بن بشر البلخي (قال: حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف ولمسلم قال: حدّثني أبو سلمة: (أن زينب ابنة) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر بنت (أُم سلمة) رضي الله عنهما (حدّثته أن أم سلمة) أم المؤمنين هند بنت أبي أمية (حدّثتها قالت: بينا) بغير ميم (أنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كوني (مضطجعة) أصله مضتجعة بالتاء من باب الافتعال فقلبت التاء طاء ويجوز رفعه على الخبرية (في خميصة) بفتح الخاء وكسر الميم كساء أسود مربع له علمان يكون من صوف وغيره (إذ حضت) جواب بينًا، وقد علم أن الأفصح في جواب بينا أن لا يكون فيه إذا ولا إذ (فانسللت) ذهبت في خفية تقدّرت نفسها أن تضاجعه وهي كذلك أو خشيت أن يصيبه من دمها أو أن يطلب منها استمتاعًا، (فأخذت ثياب حيضتي) بكسر الحاء كما في الفرع. قال النووي: وهو الصحيح المشهور اهـ. وبه جزم الخطابي وبفتحها، ورجحه القرطبي، وبهما رويناه فمعنى الأولى أخذت ثيابي التي أعددتها لألبسها حالة الحيض، ومعنى الثانية أخذت ثيابي التي ألبسها من الحيض لأن الحيضة بالفتح هي الحيض، ووقع في بعض الأصول حيضي بغير تاء وهو يؤيد وجه رواية الفتح. (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبوي ذر والوقت فقال: (أنفست) بضم النون كذا في الفرع لا غير وبفتحها. قال النووي: وهو الصحيح في اللغة بمعنى حضت والضم الأكثر في الولادة، وبالوجهين رواه ابن حجر ورويناه قالت أُم سلمة رضي الله عنها: (قلت نعم) نفست (فدعاني) عليه الصلاة والسلام (فاضطجعت معه في الخميلة) باللام بدل الصاد وهي القطيفة ذات الخمل وهو الهدب الذي ينسج ويفضل له فضول أو هي من صوف له خمل من أي نوع كان أن الأسود من الثياب. واستنبط من الحديث استحباب اتخاذ المرأة ثيابًا للحيض غير ثيابها المعتادة، وجواز النوم مع الحائض في ثيابها والاضطجاع في لحاف واحد. ورواته الستة ما بين بلخي وبصري ومدني ويماني، وفيه التحديث بصيغة الجمع والإفراد والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي وصحابية عن صحابية، وأخرجه المؤلف في الصوم والطهارة ومسلم والنسائي فيه أيضًا. 5 - باب مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ (باب مباشرة) الرجل زوجته (الحائض) أي التقاء بشرتيهما لا الجماع. 299 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا َالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ كِلاَنَا جُنُبٌ. وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وفتح الصاد المهملة ابن عقبة الكوفي (قال: حدّثنا سفيان) الثوري (عن منصور) أي ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (كنت أغتسل أنا والنبي) بالرفع عطفًا على الضمير المرفوع في كنت والنصب على أن الواو بمعنى مع أي مصاحبة للنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من إناء واحد) حالة كوننا (كلانا جنب) بالتوحيد أفصح من التثنية. 300 - وَكَانَ يَأْمُرُنِي فَأَتَّزِرُ فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ. [الحديث 300 - طرفاه في: 302، 2030]. (وكان) عليه الصلاة والسلام وللأصيلي

فكان (يأمرني فأتزر) بفتح الهمزة وتشديد المثناة الفوقية وأنكره أكثر النحاة وأصله فاأتزر بهمزة ساكنة بعد الهمزة المفتوحة ثم المثناة الفوقية بوزن افتعل. قال ابن هشام: وعوام المحدثين يحرّفونه فيقرؤونه بألف وتاء مشددة ولا وجه لأنه افتعل ففاؤه همزة ساكنة بعد همزة المضارعة المفتوحة. وقطع الزمخشري بخطأ الإدغام، وقد حاول ابن مالك جوازه. وقال: إنه مقصور على السماع كاتكل، ومنه قراءة ابن محيصن فليؤد الذي اتمن بهمزة وصل وتاء مشددة، وعلى تقدير أن يكون خطأ فهو من الرواة عن عائشة فإن صح عنها كان حجة في الجواز لأنها من فصحاء العرب، وحينئذ فلا خطأ. نعم نقل بعضهم أنه مذهب الكوفيين، وحكاه الصغاني في مجمع البحرين (فيباشرني) عليه الصلاة والسلام أي تلامس بشرته بشرتي (وأنا حائض) جملة حالية، وليس المراد المباشرة هنا الجماع إذ هو حرام بالإجماع فمن اعتقد حلّه كفر. 301 - وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إِلَىَّ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ. قالت عائشة: (وكان) عليه الصلاة والسلام (يخرج رأسه) من المسجد (إليَّ) أي وهي في حجرتها (وهو معتكف) في المسجد جملة حالية (فاغسله وأنا حائض) جملة حالية أيضًا. ورواة هذا الحديث كلهم إلى عائشة كوفيون وفيه التحديث والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي عن صحابية، وأخرجه المؤلف في آخر الصوم ومسلم في الطهارة وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 302 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ -هُوَ الشَّيْبَانِيُّ- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا. قَالَتْ: وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْلِكُ إِرْبَهُ؟ تَابَعَهُ خَالِدٌ وَجَرِيرٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (إسماعيل بن خليل) وللأصيلي وابن عساكر الخليل باللام للمح الصفة كالحرث والعباس الكوفي الخزاز بالخاء والزايين المعجمات وأولى الزايين مشددة. قال البخاري: جاءنا نعيه سنة خمس وعشرين ومائتين. (قال: أخبرنا علي بن مسهر) بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء آخره راء القرشي الكوفي، المتوفى سنة تسع وثمانين ومائة (قال: أخبرنا أبو إسحاق) سليمان بن فيروز التابعي، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائة (وهو الشيباني) بفتح الشين المعجمة وإنما قال هو لينبّه على أنه من قوله لا من قول الراوي عن أبي إسحاق (عن عبد الرحمن بن الأسود) التابعي، المتوفى سنة تسع وتسعين (عن أبيه) الأسود بن يزيد (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (كانت إحدانا) أي إحدى زوجاته عليه الصلاة والسلام (إذا كانت حائضًا فأراد رسول الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يباشرها) بملاقاة البشرة للبشرة من غير جماع (أمرها أن تتّزر) بتشديد المثناة الفوقية وللكشميهني أن تأتزر بهمزة ساكنة وهي أفصح. وقال في المصابيح على القياس (في فور) بفتح الفاء وسكون الواو آخره راء أي في ابتداء (حيضتها) قبل أن يطول زمنها، وفي سنن أبي داود فوح بالحاء المهملة (ثم يباشرها) بملامسة بشرته لبشرتها. (قالت) عائشة: (وأيكم يملك إربه) بكسر الهمزة وسكون الراء ثم موحدة. ورواة أبو ذر فيما حكاه في اللامع بفتح الهمزة والراء، وصوبه الخطابي والنحاس، وعزاه ابن الأثير لرواية أكثر المحدثين ومعناه أضبطكم لشهوته أو عضوه الذي يستمتع به (كما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-ويملك إربه) فلا يخشى عليه ما يخشى على غيره من أن يحوم حول الحمى، وكان يباشر فوق الإزار تشريعًا لغيره ممن ليس بمعصوم، وبه استدل الجمهور على تحريم الاستمتاع بما بين سرتها وركبتها بوطء أو غيره، وفي الترمذي وحسنه أنه سئل عما يحل من الحائض فقال: ما وراء الإزار وهو الجاري على قاعدة المالكية في سد الذرائع، وذهب كثير من العلماء إلى أن الممنوع هو الوطء دون غيره، واختاره النووي في التحقيق وغيره وقال به محمد بن الحسن من الحنفية، ورجحه الطحاوي واختاره أصبغ من المالكية لخبر مسلم: اصنعوا كل شيء إلا النكاح فجعلوه مخصصًا لحديث الترمذي السابق، وحملوا حديث الباب وشبهه على الاستحباب جمعًا بين الأدلة، وعند أبي داود بإسناد قوي حديث أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد من الحائض ألقى على فرجها ثوبًا، واستحسن في المجموع وجهًا ثالثًا أنه إن وثق بترك الوطء لورع أو قلة شهوة جاز الاستمتاع وإلاّ فلا. قال في التحقيق وغيره: فلو وطئ عامدًا عالمًا بالتحريم أو الحيض مختارًا فقد ارتكب كبيرة فيتوب

6 - باب ترك الحائض الصوم

والجديد لا غرم ويندب ما أوجبه القديم وهو دينار إن وطئ في قوة الدم وإلا فنصفه، وأما المباشرة فوق السرة وتحت الركبة فجائزة اتفاقًا، وهل يحل الاستمتاع بالسرة والركبة؟ قال في المجموع: لم أر فيه نقلاً والمختار الجزم بالحل، ويحتمل أن يخرج على الخلاف في كونهما عورة. قال في المهمات: وقد نص في الأم على الحل في السرة. ورواة الحديث الستة إلى عائشة كوفيون وفيه التحديث والإخبار والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي عن صحابية، وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجة في الطهارة. (تابعه) أي تابع علي بن مسهر في روايته هذا الحديث (خالد) هو ابن عبد الله الواسطي مما وصله أبو القاسم التنوخي في فوائده من طريق وهب بن بقية عنه، (و) تابعه (جرير) هو ابن عبد الحميد مما وصله أبو داود والإسماعيلي (عن الشيباني) أبي إسحاق المذكور أي عن عبد الرحمن إلى آخر الحديث. 303 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ تقول: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ أَمَرَهَا فَاتَّزَرَتْ وَهْيَ حَائِضٌ". وَرَوَاهُ سُفْيَانُ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي المعروف بعارم (قال: حدّثنا عبد الواحد) بن زياد البصري (قال: حدّثنا الشيباني) أبو إسحاق (قال: حدّثنا عبد الله بن شداد) بتشديد الدال ابن أسامة بن الهاد الليثي (قال): (سمعت ميمونة) أم المؤمنين رضي الله عنها (تقول: كان رسول الله) وفي رواية سمعت ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها تقول كان، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر قالت: كان النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه) رضي الله عنهنّ (أمرها) بالاتزار (فاتزرت) كما في فرع اليونينية. قال ابن حجر في روايتنا بإثبات الهمزة على اللغة الفصحى (وهي حائض) جملة حالية من مفعول يباشر على الظاهر أو من مفعول أمر أو من فاعل اتزرت. وقال الكرماني: يحتمل أنه حال من الثلاثة جميعًا. ورواة الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي ومدني وفيه التحديث والسماع ورواية تابعي عن تابعي عن صحابية، وأخرجه مسلم في الطهارة وأبو داود في النكاح وابن ماجة. (رواه) أي الحديث وللأصيلي وكريمة ورواه (سفيان) الثوري مما وصله أحمد في مسنده (عن الشيباني) أبي إسحاق وعبّر بقوله رواه دون تابعه، لأن الرواية أعمّ من المتابعة فلعله لم يروه متابعة، وقيل: المراد بسفيان هنا ابن عيينة وعلى كل تقدير فلا يضر إبهامه لأنهما على شرطه لكن جزم بالأول ابن حجر وغيره لما عند أحمد كما مر فافهم. 6 - باب تَرْكِ الْحَائِضِ الصَّوْمَ (باب ترك الحائض الصوم) في أيام حيضتها. 304 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَضْحًى -أَوْ فِطْرٍ- إِلَى الْمُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ. فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ. قُلْنَ وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟. قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا. أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا». [الحديث 304 - أطرافه في: 1462، 1951، 2658]. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم المصري الجمحي (قال: أخبرنا) ولأبي الوقت وابن عساكر حدّثنا (محمد بن جعفر) هو ابن أبي كثير الأنصاري أخو إسماعيل (قال: أخبرني) بالإفراد (زيد هو ابن أسلم) المدني وسقط هو ابن أسلم عند ابن عساكر والأصيلي (عن عياض بن عبد الله) هو ابن أبي سرح العامري (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه (قال): (خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من بيته أو مسجده (في) يوم (أضحى) بفتح الهمزة وسكون الضاد جمع أضحاة إحدى أربع لغات في اسمها بضم الهمزة وكسرها وضحية بفتح الضاد وتشديد الياء، والأضحى تذكر وتؤنث وهو منصرف سميت بذلك لأنها تفعل في الضحى وهو ارتفاع النهار (أو) في يوم (فطر) شك من الراوي أو من أبي سعيد (إلى المصلى) فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال: يا أيها الناس تصدقوا (فمر على النساء فقال: يا معشر النساء) المعشر كل جماعة أمرهم واحد وهو يرد على ثعلب حيث خصّه بالرجال إلا إن كان مراده بالتخصيص حالة إطلاق المعشر لا تقييده كما في الحديث (تصدقن فإني أريتكن) بضم الهمزة وكسر الراء أي في ليلة الإسراء (أكثر أهل النار) نعم وقع في حديث ابن عباس الآتي إن شاء الله تعالى في صلاة الكسوف أن الرواية المذكورة وقعت في صلاة الكسوف، والفاء في قوله فإني للتعليل وأكثر بالنصب مفعول أريتكن الثالث أو على الحال إذا قلنا بأن أفعل لا يتعرف بالإضافة كما صار إليه الفارسي وغيره، (فقلن) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر عن الحموي قلن (وبم يا رسول الله)

قال ابن حجر: والواو استئنافية والباء تعليلية والميم أصلها ما الاستفهامية فحذفت منها الألف تخفيفًا. وقال العيني: الواو للعطف على مقدر تقديره ما ذنبنا وبم الباء سببية وكلمة ما استفهامية فإذا جرت ما الاستفهامية وجب حذف ألفها وإبقاء الفتحة دليلاً عليها نحو: إلام وعلام وعلة حذف الألف الفرق بين الاستفهام والخبر نحو: فيم أنت من ذكراها؟ وأما قراءة عكرمة عما يتساءلون فنادر. (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لأنكن (تكثرن اللعن) المتفق على تحريم الدعاء به على من لا تعرف خاتمة أمره بالقطع أما من عرف خاتمة أمره بنص فيجوز كأبي جهل. نعم لعن صاحب وصف بلا تعيين كالظالمين والكافرين جائز (وتكفرن العشير) أي تجحدن نعمة الزوج وتستقللن ما كان منه، والخطاب عام غلبت عليه فيه الحاضرات على الغيب، واستنبط من التوعد بالنار على كفران العشير وكثرة اللعن أنهما من الكبائر ثم قال عليه الصلاة والسلام: (ما رأيت) أحدًا (من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) أذهب من الإذهاب على مذهب سيبويه حيث جوّز بناء أفعل التفضيل من الثلاثي المزيد فيه، وكان القياس فيه أشد إذهابًا. واللب بضم اللام وتشديد الموحدة العقل الخالص من الشوائب فهو خالص ما في الإنسان من قواه فكل لب عقل وليس كل عقل لبًّا، والحازم بالحاء المهملة والزاي أي الضابط لأمره وهو على سبيل المبالغة في وصفهن بذلك لأنه إذا كان الضابط لأمره ينقاد لهن فغيره أولى. (قلن) مستفهمات عن وجه نقصان دينهن وعقلهن لخفائه عليهن (وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجيبًا لهن بلطف وإرشاد من غير تعنيف ولا لوم: (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها) بكسر الكاف خطابًا للواحدة التي تولت خطابه عليه السلام. فإن قلت: إنما هو خطاب للإناث والمعهود فيه فذلكن، أجيب بأنه قد عهد في خطاب المذكر الاستغناء بذلك عن ذلكم قال تعالى: {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ} [البقرة: 85]. فهذا مثله في المؤنث على أن بعض النحاة نقل لغة بأنه يكتفى بكاف مكسورة مفردة لكل مؤنث، أو الخطاب لغير معين من النساء ليعم الخطاب كلاًّ منهنّ على سبيل البدل إشارة إلى أن حالتهن في النقص تناهت في الظهور إلى حيث يمتنع خفاؤها فلا تختص به واحدة دون الأخرى فلا تختص حينئذ بهذا الخطاب مخاطبة دون مخاطبة قاله في المصابيح، ويجوز فتح الكاف على أنه للخطاب العامّ. واستنبط من ذلك أن لا يواجه بذلك الشخص المعين فإن في الشمول تسلية وتسهيلاً، وأشار بقوله: مثل نصف شهادة الرجل إلى قوله تعالى: {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]. لأن الاستظهار بأخرى يؤذن بقلة ضبطها وهو يشعر بنقص عقلها. ثم قال عليه السلام (أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم) أي لما قام بها من مانع الحيض (قلن: بلى. قال) عليه الصلاة والسلام (فذلك من نقصان دينها) بكسر الكاف وفتحها كالسابق. قيل: وهذا العموم فيهن يعارضه حديث كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم، وفي رواية الترمذي وأحمد أربع: مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد. وأجيب بأن الحكم على الكل بشيء لا يستلزم الحكم على كل فرد من أفراده بذلك الشيء. فإن قلت: لِمَ خصّ بالذكر في الترجمة الصوم دون الصلاة وهما مذكوران في الحديث؟ أجيب: بأن تركها للصلاة واضح لافتقارها إلى الطهارة بخلاف الصوم، فتركها له مع الحيض تعبد محض فاحتيج إلى التنصيص عليه بخلاف الصلاة، وليس المراد بذكر نقص العقل والدين في النساء لومهن عليه لأنه من أصل الخلقة، لكن التنبيه على ذلك تحذيرًا من الافتتان بهنّ، ولهذا رتب العذاب على ما ذكر من الكفران وغيره لا على النقص وليس نقص الدين منحصرًا فيما يحصل من الإثم بل في أعم من ذلك قاله النووي لأنه أمر نسبي، فالكامل مثلاً ناقص عن الأكمل، ومن ذلك الحائض لا تأثم بترك الصلاة زمن الحيض لكنها ناقصة عن المصلي

7 - باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت

وهل تثاب على هذا الترك لكونها مكلفة به كما يثاب المريض على النوافل التي كان يفعلها في صحته وشغل عنها بمرضه. قال النووي: الظاهر لا لأن ظاهر الحديث أنها لا تثاب لأنه ينوي أنه يفعل لو كان سالمًا مع أهليته وهي ليست بأهل ولا يمكن أن تنوي لأنها حرام عليها. ورواة هذا الحديت الخمسة كلهم مدنيون إلا ابن أبي مريم فمصري، وفيه التحديث بصيغة الجمع والإخبار والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه المؤلف في الطهارة والصوم والزكاة مقطعًا وفي العيدين بطوله ومسلم في الإيمان والنسائي في الصلاة وابن ماجة. 7 - باب تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلاَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لاَ بَأْسَ أَنْ تَقْرَأَ الآيَةَ. وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْقِرَاءَةِ لِلْجُنُبِ بَأْسًا. وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ. وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ يَخْرُجَ الْحُيَّضُ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّ هِرَقْلَ دَعَا بِكِتَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَ فَإِذَا فِيهِ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} الآيَةَ. وَقَالَ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ: حَاضَتْ عَائِشَةُ فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلاَ تُصَلِّي. وَقَالَ الْحَكَمُ: إِنِّي لأَذْبَحُ وَأَنَا جُنُبٌ. وَقَالَ اللَّهُ تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}. هذا (باب) بالتنوين (تقضي) أي تؤدّي (الحائض) المتلبسة بالإحرام (المناسك كلها) المتعلقة بالحج أو العمرة كالتلبية (إلا الطواف بالبيت) لكونه صلاة مخصوصة. (وقال إبراهيم) النخعي مما وصله الدارمي: (لا بأس) لا حرج (أن تقرأ) الحائض (الآية) من القرآن، وروي نحوه عن مالك والجواز مطلقًا والتخصيص بالحائض دون الجنب، ومذهبنا كالحنفية والحنابلة التحريم ولو بعض آية لحديث الترمذي: لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئًا من القرآن وهو حجة على المالكية في قولهم: إنها تقرأ القرآن ولا يقرأ الجنب وعلل بطول أمد الحيض المستلزم نسيان القرآن بخلاف الجنب وهو بإطلاقه يتناول الآية فما دونها، فيكون حجة على النخعي وعلى الطحاوي في إباحته بعض الآية لكن الحديث ضعيف من جميع طرقه. نعم يحل له قراءة الفاتحة في الصلاة إذا فقد الطهورين، بل يجب كما صححه النووي لأنه نادر، وصحح الرافعي حرمتها لعجزه عنها شرعًا وكذا تحل أذكاره لا بقصده قرآن كقوله عند الركوب: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] فإن قصد القرآن وحده أو مع الذكر حرم وإن أطلق فلا كما اقتضاه كلام المنهاج خلافًا لا في المحرر. وقال في شرح المهذب: أشار العراقيون إلى التحريم (ولم ير ابن عباس) رضي الله عنهما (بالقراءة للجنب بأسًا) روى ابن المنذر بإسناده عنه أنه كان يقرأ ورده من القرآن وهو جنب فقيل له في ذلك فقال ما في جوفي أكثر منه. (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذكر الله) بالقرآن وغيره (على كل أحيانه) أي زمانه فدخل فيه حين الجنابة، وبه قال الطبري وابن المنذر وداود وهذا التعليق وصله مسلم من حديث عائشة. (قالت أم عطية) مما وصله المؤلف في العيدين بلفظ: (كنّا نؤمر أن يخرج) بفتح المثناة التحتية يوم العيد حتى تخرج البكر من خدرها وحتى يخرج (الحيض) بالرفع على الفاعلية، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر أن نخرج بنون مضمومة وكسر الراء الحيض بالنصب على المفعولية فيكنّ خلف الناس، (فيكبرن بتكبيرهم ويدعون) بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته، وللكشميهني يدعين بمثناة تحتية بدل الواو: وردّها العيني مخالفتها لقواعد التصريف لأن هذه الصيغة معتلة اللام من ذوات الواو يستوي في لفظ جماعة الذكور والإناث في الخطاب والغيبة جميعًا، وفي التقدير يختلف فوزن الجمع المذكر يفعلون والمؤنث يفعلن. (وقال ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله المؤلف في بدء الوحي (أخبرني) بالإفراد (أبو سفيان) بن حرب (أن هرقل دعا بكتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرأه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم ويا أهل الكتاب) بزيادة الواو للقابسي والنسفيّ وعبدوس وسقطت لأبي ذر والأصيلي {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} الآية [آل عمران: 64] استدل به على جواز القراءة للجنب لأن الكفار جنب، وإنما كتب لهم ليقرؤوه وذلك يستلزم جواز القراءة بالنص لا بالاستنباط. وأجيب: بأن الكتاب اشتمل على غير الآيتين فهو كما لو ذكر بعض القرآن في التفسير، فإنه لا يمنع قراءته ولا مسّه عند الجمهور لأنه لا يقصد منه التلاوة. (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري مما وصله المؤلف في باب قوله عليه السلام: لو استقبلت من أمري ما استدبرت من كتاب الأحكام أنه قال: (حاضت عائشة) رضي الله عنها (فنسكت) بفتح النون أي أقامت (المناسك) المتعلقة بالحج (كلها غير الطواف بالبيت ولا تصلي) ولفظة كلها ثابتة عند الأصيلي دون غيرة كما في الفرع. (وقال

8 - باب الاستحاضة

الحكم) بفتح الحاء المهملة والكاف ابن عتيبة بضم العين المهملة وفتح المثناة الفوقية والموحدة بينهما تحتية الكوفي مما وصله البغوي في الجعديات (أني لأذبح) الذبيحة (وأنا) أي والحال أني (جنب و) الذبح يستلزم ذكر الله. (وقال الله عز وجل: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] إذ المراد به لا تذبحوا بإجماع المفسرين، وظاهره تحريم متروك التسمية عمدًا أو نسيانًا، وإليه ذهب داود. وعن أحمد مثله: وقال مالك والشافعي بخلافه لقوله عليه السلام "ذبيحة المسلم حلال وإن لم يذكر اسم الله عليها". وفرق أبو حنيفة بين العمد والنسيان وأوّلوه بالميتة أو بما ذكر غير اسم الله عليه، وقد نوزع في جميع ما استدل به المؤلف مما يطول ذكره. 305 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ نَذْكُرُ إِلاَّ الْحَجَّ، فَلَمَّا جِئْنَا سَرِفَ طَمِثْتُ، فَدَخَلَ عَلَىَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ «مَا يُبْكِيكِ». قُلْتُ لَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنِّي لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ. قَالَ «لَعَلَّكِ نُفِسْتِ». قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ «فَإِنَّ ذَلِكَ شَىْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من المدينة في حجة الوداع (لا نذكر إلا الحج) لأنهم كانوا يعتقدون امتناع العمرة في أشهر الحج (فلما جئنا سرف) بفتح السين وكسر الراء (طمثت) بطاء مهملة مفتوحة وميم مكسورة يجوز فتحها أي حضت (فدخل عليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللأربعة فدخل النبي (وأنا أبكي) جملة حالية بالواو و (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما يبكيك؟ قلت لوددت) بكسر الدال الأولى وهو جواب قسم محذوف والقسم التالي وهو قوله: (والله) تأكيد له (أني لم أحج العام) أي لم أقصد الحج هذه السنة لأن قولها ذلك كان قبل شيء من الحج (قال) عليه السلام (لعلك) بكسر الكاف (نفست) بفتح النون وضمها أي حضت؟ (قلت: نعم) نفست، (قال) عليه السلام: (فإن ذلك) باللام وكسر الكاف، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي فإن ذاك (شيء كتبه الله على بنات آدم) ليس هو خاصًّا بك قاله تسلية لها وتخفيفًا لهما (فافعلي ما يفعل الحاج) من المناسك (غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري) طهارة كاملة بانقطاع الحيض والاغتسال لحديث الطواف بالبيت صلاة فيشترط له ما يشترط لها، نعم تعلق بهذه الغاية الحنفية في صحة الطواف بالانقطاع وإن لم تغتسل، لكن الأصح عندهم وجوبه لأنه يجب بتركه الجائز فلو طافت بعد الانقطاع قبل الغسل وجب عليها بدنة، وكذلك النفساء والجنب كما روي عن ابن العباس. وهذا الحديث تقدّم في أوّل كتاب الحيض. 8 - باب الاِسْتِحَاضَةِ (باب) حكم (الاستحاضة) وهي أن يجاوز الدم أكثر الحيض ويستمر وهي أربعة أقسام، مبتدأ أوّل ما ابتدأها الدم ومعتادة سبق لها حيض وطهر وكلاهما مميزة وهي التي دمها نوعان قوي وضعيف، وهذه تردّ إلى التمييز فيكون حيضها الأقوى إن لم ينقص عن أقل الحيض وهو قدر يوم وليلة متصلاً ولم يعبر أكثره وهو خمسة عشر يومًا بلياليها، وإن تفرق دمها ولم ينقص الضعيف المتصل بعضه ببعض عن أقل الطهر بين الحيضتين وهو خمسة عشر يومًا، ولا حدّ لأكثره، وأما غير المميزة فإن رأت الدم بصفة أو أكثر لكن فقدت شرطًا من شروط التمييز السابقة فإن كانت مبتدأة عارفة بوقت ابتداء دمها ردت لأقل الحيض في الطهر لأنه المتيقن وما زاده شكوك فيه، وإن كانت معتادة ردّت لعادتها قدرًا ووقتًا إن كانت حافظة لذلك، فإن نسيت عادتها بأن تعلم قدرها وتسمى المتحيرة فكالمبتدأة غير المميزة بجامع فقد العادة والتمييز، فيكون حيضها يومًا وليلة وطهرها بقية الشهر، والمشهور أنها ليست كالمبتدأة لاحتمال كل زمن يمر عليها للحيض والطهر فيجب الاحتياط فتكون في العبادة فرضها ونفلها كطهارة، وفي الوطء ومسّ المصحف والقراءة خارج الصلاة كحائض وتغتسل لكل فريضة بعد دخول وقتها عند احتمال الانقطاع، قال في شرح المهذب عن الأصحاب: فإن علمت وقت انقطاعه كعند الغروب لزمها الغسل كل يوم عقيب الغروب وتصلي به المغرب وتتوضأ لباقي الصلوات لاحتمال الانقطاع عند الغروب دون ما سواه. 306 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لاَ أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاَةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن هشام بن عروة) سقط لابن عساكر ابن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها (أنها قالت): (قالت فاطمه بنت أبي حبيش) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة وسكون المثناة التحتية آخره شين معجمة ابن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية الرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا رسول الله إني لا أطهر) أي بسبب إني أستحاض، وظنت أن طهارة الحائض إنما هي بالانقطاع فتكنت بعدم الطهر عن اتصال الدم، وكانت قد علمت أن الحائض لا تصلي، وظنت أن ذلك الحكم مقترن بجريان الدم من الفرج فأرادت تحقيق ذلك فقالت: (أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): لا تدعيها (إنما ذلك) بكسر الكاف (عرق) يسمى العاذل بالمعجمة يخرج منه (وليس بالحيضة) بفتح الحاء كما نقله الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم وإن كان قد اختار الكسر على إرادة الحال، لكن الفتح هنا أظهر، وقال النووي: وهو متعين أو قريب من المتعين لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد إثبات الاستحاضة ونفي الحيض اهـ. والذي في فرع اليونينية بعد كشط الفتح (فإذا قبلت الحيضة) بالفتح في الفرع، قال ابن حجر: والذي في روايتنا بالفتح في الموضعين، وجوّز النووي في هذه الأخيرة الكسر أيضًا (فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها) أي قدر الحيضة (فاغسلي عنك الدم وصلي) أي بعد الاغتسال كما صرح به في باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض، وزاد في رواية أبي معاوية في باب غسل الدم توضئي لكل صلاة أي مكتوبة فلا تصلي عند الشافعيهَ أكثر من فريضة واحدة مؤدّاة أو مقضية، وقال الحنفية: تتوضأ المستحاضة لوقت كل صلاة فتصلي بذلك الوضوء في الوقت ما شاءت من الفرائض الحاضر والفائت والنوافل. لنا أن اعتبار طهارتها ضرورة أداء المكتوبة فلا تبقى بعد الفراغ منها. وقال المالكية: يستحب لها الوضوء لكل صلاة ولا يجب إلا بحدث آخر بناء على أن دم الاستحاضة لا ينقض الوضوء. 9 - باب غَسْلِ دَمِ الْمَحِيضِ (باب غسل دم المحيض) بالميم ولأبي الوقت وابن عساكر الحيض، وفي رواية الحائض، وسبق في كتاب الوضوء باب غسل الدم وهذه الترجمة أخصّ منها على ما لا يخفى. 307 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ». وبه قال:

(حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس (عن هشام) زاد الأصيلي ابن عروة (عن فاطمة بنت المنذر) بن الزبير بن العوام (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق كما صرح به في رواية الأصيلي وهي جدّة فاطمة (أنها قالت): (سألت امرأة) هي أسماء بنت الصديق أبهمت نفسها لغرض صحيح (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله أرأيت) استفهام بمعنى الأمر لاشتراكهما في الطلب أي أخبرني (إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع) فيه؟ (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة) بفتح الحاء كالسابقة (فلتقرصه) بالقاف والراء المضمومة والصاد المهملة الساكنة أي تقلعه بظفرها أو أصابعها (ثم لتنضحه) بكسر الضاد وفتحها أي تغسله (بماء) بأن تصبه شيئًا فشيئًا حتى يزول أثره والحكمة في القرص تسهيل الغسل (ثم لتصلّي فيه) ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون إلا شيخ المؤلف. 308 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا تَحِيضُ ثُمَّ تَقْتَرِصُ الدَّمَ مِنْ ثَوْبِهَا عِنْدَ طُهْرِهَا فَتَغْسِلُهُ وَتَنْضَحُ عَلَى سَائِرِهِ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ. وبه قال: (حدّثنا أصبغ) بالغين المعجمة ابن الفرج الفقيه المصري (قال: أخبرني) بالتوحيد (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد وفي رواية: حدّثني (عمرو بن الحارث) بفتح العين المصري (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أنه (حدّثه عن أبيه) القاسم (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (كانت إحدانا) أي من أمهات المؤمنين رضي الله عنهنّ (تحيض ثم تقترص) بالقاف والصاد المهملة بوزن تفتعل، وفي رواية ثم تقرص (الدم من ثوبها عند طهرها) أي من الحيض وللمستملي وبالحموي عند طهره أي الثوب أي عند إرادة تطهيره (فتغسله) أي بأطراف أصابعها (وتنضح) الماء أي ترشه (على سائره) دفعًا للوسوسة (ثم تصلي فيه). ورواة هذا الحديث الستة ما بين مصري بالميم ومدني وفيه رواية

10 - باب الاعتكاف للمستحاضة

تابعي عن تابعي عن صحابة والتحديث بالجمع والإفراد والإخبار بالإفراد والعنعنة، وأخرجه ابن ماجة في الطهارة. 10 - باب الاِعْتِكَافِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ (باب) حكم (الاعتكاف) في المسجد (للمستحاضة) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي باب اعتكاف المستحاضة. 309 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعْتَكَفَ مَعَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ وَهْيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَرَى الدَّمَ، فَرُبَّمَا وَضَعَتِ الطَّسْتَ تَحْتَهَا مِنَ الدَّمِ. وَزَعَمَ أَنَّ عَائِشَةَ رَأَتْ مَاءَ الْعُصْفُرِ فَقَالَتْ: كَأَنَّ هَذَا شَىْءٌ كَانَتْ فُلاَنَةُ تَجِدُهُ. [الحديث 309 - أطرافه في: 310، 311، 2037]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن شاهين بكسر الهاء ولابن عساكر حدّثني إسحاق الواسطي (قال: حدّثنا) وللأصيلي وابن عساكر أخبرنا (خالد بن عبد الله) الطحان الواسطي المتصدّق بزنة نفسه ثلاث مرات فضة (عن خالد) هو ابن مهران الحذاء بالمهملة ثم المعجمة المثقلة (عن عكرمة) بن عبد الله مولى ابن عباس أصله بربري ثقة ثبت عالم بالتفسير لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر ولا ثبتت عنه بدعة، واحتج به البخاري وأصحاب السُّنن وأثنى عليه غير واحد من أهل عصره وهلمّ جرّا، (عن عائشة) رضي الله عنها: (أن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتكف معه) في مسجده (بعض نسائه) هي سودة بنت زمعة أو رملة أم حبيبة بنت أبي سفيان، وأسنده الحافظ ابن حجر لحاشية نسخة صحيحة من أصل أبي ذر رآها. وقيل: هي زينب بنت جحش الأسدية، وعورض بأن زينب لم تكن استحيضت إنما المستحاضة أختها حمنة، وإنكار ابن الجوزي على المؤلف قوله بعض نسائه وأوّله بالنساء المتعلقات به وهي أم حبيبة بنت جحش أخت زينب. ردّه الحافظ ابن حجر بقوله في الرواية الثانية: امرأة من أزواجه، وفي الثالثة بعض أمهات المؤمنين، ومن المستبعد أن يعتكف معه عليه الصلاة والسلام غير زوجاته، ثم رجح أنها أم سلمة بحديث في سنن سعيد بن منصور، ولفظه: إن أم سلمة كانت عاكفة وهي مستحاضة، وربما جعلت الطست تحتها وحينئذ فسلمت رواية المؤلف من المعارض ولله الحمد. (وهي مستحاضة) حال كونها (ترى الدم) وأتي بتاء التأنيث في المستحاضة وإن كانت الاستحاضة من خصائص النساء للإشعار بأن الاستحاضة حاصلة لها بالفعل لا بالقوّة (فربما وضعت الطست) بفتح الطاء (تحتها من الدم) أي لأجله: قال خالد بن مهران: (وزعم عكرمة) عطف على معنى العنعنة أي حدّثني عكرمة كذا وزعم (أن عائشة رأت ماء العصفر) هو زهر القرطم (فقالت: كأن) بتشديد النون بعد الهمزة (هذا) أي الأصفر (شيء كانت فلانة تجده) في زمان استحاضتها، وفلانة غير منصرف كناية عن علم امرأة وهي المرأة التي ذكرتها قبل على الاختلاف السابق. واستنبط منه جواز اعتكاف المستحاضة عند أمن تلويث المسجد كدائم الحدث. ورواته الخمسة ما بين واسطي وبصري ومدني وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف هنا وفي الصوم وكذا أبو داود وابن ماجة والنسائي في الاعتكاف. 310 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ فَكَانَتْ تَرَى الدَّمَ وَالصُّفْرَةَ وَالطَّسْتُ تَحْتَهَا وَهْيَ تُصَلِّي. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بضم القاف ابن سعيد (قال: حدّثنا يزيد بن زريع عن خالد) الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (اعتكفت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امرأة) مستحاضة (من أزواجه) هذا يردّ على ابن الجوزي اعتراضه على رواية المؤلف بعض نسائه كما سبق قريبًا (فكانت ترى الدم) الأحمر (والصفرة) كناية عن الاستحاضة (والطست تحتها) جملة حالية بالواو وفي بعض الأصول سقوطها (وهي تصلي) جملة حالية أيضًا فيه جواز صلاتها كاعتكافها لكن مع عدم التلويث فيهما. 311 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ بَعْضَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ اعْتَكَفَتْ وَهْيَ مُسْتَحَاضَةٌ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد (قال: حدّثنا معتمر) بضم الميم الأولى وكسر الثانية ابن سليمان بن طرخان البصري (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة عن عائشة). (أن بعض أمهات المؤمنين) إحدى المذكورات رضي الله عنهن (اعتكفت وهي مستحاضة). 11 - باب هَلْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي ثَوْبٍ حَاضَتْ فِيهِ؟ هذا (باب) بالتنوين (هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه). 312 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ مَا كَانَ لإِحْدَانَا إِلاَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ فَإِذَا أَصَابَهُ شَىْءٌ مِنْ دَمٍ قَالَتْ بِرِيقِهَا فَقَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا إبراهيم بن نافع) بالنون والفاء المخزومي أوثق شيخ بمكة (عن ابن أبي نجيح) عبد الله واسم أبي نجيح يسار ضد اليمين (عن مجاهد قالت) ولابن عساكر قال: قالت (عائشة) رضي الله عنها: (ما كان لإحدانا) أي من أمهات المؤمنين (إلا ثوب واحد تحيض فيه) النفي عام لكلهن لأنه نكرة في سياق النفي، لأنه لو كان

12 - باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض

لواحدة ثوب لم يصدق النفي ويجمع بين هذا وبين حديث أم سلمة السابق في باب النوم مع الحائض وهي في ثيابها الدال على أنه كان لها ثوب مختص بالحيض أن حديث عائشة هذا محمول على ما كان في أوّل الأمر، وحديث أم سلمة محمول على ما كان بعد اتساع الحال، ويحتمل أن يكون مراد عائشة بقولها: ثوب واحد مختص بالحيض وليس في سياقها ما ينفي أن يكون لها غيره في زمن الطهر فيوافق حديث أم سلمة قاله في فتح الباري، (فإذا أصابه) أي الثوب (شيء من دم) وللأصيلي من الدم (قالت) أي بلته (بريقها فقصعته) بالقاف والصاد والعين المهملتين كذا في الفرع، وعزاها الحافظ ابن حجر لرواية أبي داود. ومفهومه أنها ليست للبخاري، والمعنى فدلكته وعالجته، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر فمصعته بالميم وهي في هامش فرع اليونينية أي: حكته (بظفرها) بإسكان الفاء في الفرع، ويجوز ضمها. ووجه مطابقة هذه الترجمة من حيث أن من لم يكن لها إلا ثوب واحد تحيض فيه معلوم أنها تصلي فيه، إذا غسلته بعد الانقطاع، وليس هذا مخالفًا لما تقدم فهو من باب حمل المطلق على المقيد، أو لأن هذا الدم الذي مصعته قليل معفو عنه لا يجب عليها غسله، فلذا لم يذكر أنها غسلته بالماء، وأما الكثير فصح عنها أنها كانت تغسله قاله البيهقي، لكن يبقى النظر في مخالطة الدم بريقها فقد قالوا فيه حينئذ بعدم العفو وليس فيه أنها صلّت فيه، فلا يكون فيه حجة لمن أجاز إزالة النجاسة بغير الماء، وإنما أزالت الدم بريقها ليذهب أثره ولم تقصد تطهيره. فقد سبق بباب عنها ذكر الغسل بعد القرص. ورواة هذا الحديث خمسة وفيه التحديث والعنعنة والقول. 12 - باب الطِّيبِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ (باب) استحباب (الطيب للمرأة) غير المحرمة (عند غسلها من المحيض) وكذا من النفاس تطييبًا للمحل بل يكره تركه بلا عذر كما صرّح به في المجموع وغيره، ولأبي ذر من الحيض بغير ميم. 313 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلاَ نَكْتَحِلَ وَلاَ نَتَطَيَّبَ وَلاَ نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلاَّ ثَوْبَ عَصْبٍ. وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ، وَكُنَّا نُنْهَى عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ. قَالَ: رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 313 - أطرافه في: 1278، 1279، 5340، 5341، 5342، 5343]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري (قال: حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن حفصة) بنت سيرين زاد في رواية المستملي وكريمة، قال أبو عبد الله أي البخاري: أو هشام بن حسان بالصرف وتركه من الحسن أو الحسن عن حفصة فكأنه شك في شيخ حماد أهو أيوب السختياني أو هشام بن حسان، وليس ذلك عند بقية الرواة ولا عند أصحاب الأطراف، (عن أم عطية) نسيبة بضم النون وفتح السين مصغرًا بنت الحرث كانت تمرّض المرضى وتداوي الجرحى وتغسل الموتى. لها في البخاري خمسة أحاديث رضي الله عنها (قالت): (كنا ننهى) بضم النون الأولى وفاعل النهي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن تحد) أي المرأة وفي الفرع أن نحد بضم الأول مع كسر المهملة فيهما من الإحداد أي تمنع من الزينة (على ميت فوق ثلاث) يعني به الليالي مع أيامها (إلا على زوج) دخل بها أو لم يدخل صغيرة كانت أو كبيرة حرة أو أمة، نعم عند أبي حنيفة لا إحداد على صغيرة ولا أمة، وفي رواية المستملي والحموي إلا على زوجها، فالأولى وافقة للفظ نحدّ بالنون والثانية موافقة لرواية تحد بالغيبة أو توجه الثانية أيضًا على رواية النون بأن الضمير يعود على الواحدة المندرجة في قولها: كنا ننهى أي كل واحدة منهن تنهى أن تحدّ فوق ثلاث إلا على زوجها (أربعة أشهر وعشرًا) يعني عشر ليالٍ إذ لو أريد به الأيام لقيل عشرة بالتاء. قال البيضاوي في تفسير أربعة أشهر وعشرًا وتأنيث العشر باعتبار الليالي لأنها غرر المشهور والأيام، ولذلك لا يستعملون التذكير في مثله قط ذهابًا إلى الأيام حتى إنهم يقولون صمت عشرًا، ويشهد له قوله: إن لبثتم إلا عشرًا ثم أن لبثتم إلا يومًا، ولعل المقتضي لهذا التقدير أن الجنين في غالب الأمر يتحرك لثلاثة أشهر إن كان ذكرًا ولأربعة إن كان أنثى، واعتبر أقصى الأجلين، وزيد عليه العشر استظهارًا إذ ربما تضعف حركته في المبادئ فلا تحس بها. (ولا نكتحل) بالنصب وهو الذي في فرع اليونينية فقط عطفًا على المنصوب السابق كذا قرّروه، ولكن ردّه البدر الدماميني بأنه يلزم من عطفه عليه فساد المعنى لأن تقديره: كنا ننهى أن لا نكتحل نعم يصح العطف عليه على تقدير أن لا زائدة أكد بها في النهي معنى النفي، ورواية

13 - باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض وكيف تغتسل وتأخذ فرصة ممسكة فتتبع بها أثر الدم

الرفع هي الأحسن على ما لا يخفى. (ولا نتطيب ولا نلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب) بفتح العين وسكون الصد المهملتين في آخره موحدة برود يمانية يعصب غزلها أي يجمع ثم يصبغ ثم ينسج، (وقد رخص لنا) التطيب بالتبخر (عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها) لدفع رائحة الدم لما تستقبله من الصلاة (في نبذة) بضم النون وفتحها وسكون الموحدة وبالذال المعجمة أي في قطعة يسيرة (من كست أظفار) كذا في هذه الرواية بضم الكاف وسكون المهملة، وفي كتاب الطيب للمفضل بن سلمة القسط والكسط والكست ثلاث لغات وهو من طيب الأعراب، وسماه ابن البيطار راسنا والأظفار ضرب من العطر على شكل ظفر الإنسان يوضع في البخور، وقال ابن التين: صوابه قسط ظفار أي بغير همز نسبة إلى ظفار مدينة بساحل البحر يجلب إليها القسط الهندي، وحكي في ضبط ظفار عدم الصرف والبناء كقطام وهو العود الذي يتبخر به. (وكنا ننهى عن اتباع الجنائز) يأتي البحث فيه في محله إن شاء الله تعالى. ورواة هذا الحديث بصريون وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف هنا وفي الطلاق وكذا مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. (قال: ورواه) أي الحديث المذكور وللأصيلي وابن عساكر: قال أبو عبد الله أي المؤلف وفي رواية لابن عساكر روى، ولأبوي ذر والوقت: وروى (هشام بن حسان) الذكور مما سيأتي موصولاً عند المؤلف في كتاب الطلاق إن شاء تعالى (عن حفصة) بنت سيرين (عن أم عطية) رضي الله عن (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، ولم يقع هذا التعليق في رواية المستملي وفائدة ذكره الدلالة على أن الحديث السابق من قبيل المرفوع. 13 - باب دَلْكِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا إِذَا تَطَهَّرَتْ مِنَ الْمَحِيض وَكَيْفَ تَغْتَسِلُ وَتَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَتَّبِعُ بِهَا أَثَرَ الدَّمِِ (باب) بيان استحباب (دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض) مصدر كالجيء والمبيت، (و) بيان (كيف تغتسل و) كيف (تأخذ فرصة) بتثليث الفاء وسكون الراء وفتح الصاد المهملة كما حكاه ابن سعيده قطعة من قطن أو صوف أو خرقة (ممسكة) بتشديد السين وفتح الكاف (فتتبع) بلفظ الغائبة مضارع التفعل وحذف إحدى التاءات الثلاث، وفي الفرع فتتبع بتشديد التاء الثانية وتخفيف الموحدة المكسورة، ولأبي ذر تتبع بسكون التاء الثانية وفتح الموحدة (بها) أي الفرصة (أثر الدم). 314 - حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورِ ابْنِ صَفِيَّةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ قَالَ: «خُذِي فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا». قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ؟ قَالَ: تَطَهَّرِي بِهَا. قَالَتْ: كَيْفَ؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، تَطَهَّرِي، فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَىَّ فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ. [الحديث 314 - طرفاه في: 315، 7357]. وبه قال: (حدّثنا يحيى) أي ابن موسى البلخي الختي بفتح الخاء المعجمة وتشديد المثناة الفوقية فيما جزم به ابن السكن في روايته عن الفربري، وتوفي سنة أربعين ومائتين، أو يحيى بن جعفر البيكندي كما وجد في بعض النسخ (قال: حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن منصور ابن صفية) نسبه إليها لشهرتها واسم أبيه عبد الرحمن بن طلحة (عن أمه) صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري، ووقع التصريح بالسطع في جميع السند في مسند الحميدي (عن عائشة) رضي الله عنها. (أن امرأة) من الأنصار كما في حديث الباب التالي لهذا أو هي أسماء بنت شكل كما في مسلم، لكن قال الدمياطي: إنه تصحيف، وإنما هو سكن بالسين المهملة والنون نسبة إلى جدها، وجزم تبعًا للخطيب في مبهماته إنها أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية خطيبة النساء، وصوّبه بعض المتأخرين بأنه ليس في الأنصار من اسمه شكل، وتعقب بجواز تعدد الواقعة. ويؤيده تفريق ابن منده بين الترجمين، وبأن ابن طاهر وأبا موسى المديني وأبا علي الجياني جزموا بما في مسلم، ورواة ابن أبي شيبة وأبو نعيم كذلك فسلم مسلم من الوهم والتصحيف. (سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن غسلها من المحيض) أي الحيض (فأمرها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كيف تغتسل) أي بأن قال كما رواه مسلم بمعناه تطهري فأحسني الطهور ثم صبي على رأسك فادلكيه دلكًا شديدًا حتى يبلغ شؤون رأسك أي أصوله ثم صبي الماء عليك. (قال: خذي فرصة) بتثليث الفاء قطعة، وقيل بفتح القاف والصاد المهملة أي شيئًا يسيرًا مثل الفرصة بطرف الأصبعين، وقال ابن قتيبة: إنما هو بالقاف والضاد المعجمة أي قطعة، والرواية ثابتة بالفاء والصاد المهملة ولا مجال للرأي في مثله، والمعنى صحيح بنقل أئمة اللغة (من مسك) بكسر الميم دم الغزال، وروي

14 - باب غسل المحيض

بفتحها. قال القاضي عياض: وهي رواية الأكثرين وهو الجلد أي خذي قطعة وتحملي بها لمسح القبل، واحتجّ بأنهم كانوا في ضيق يمتنع معه أن يمتهنوا المسك مع غلاء ثمنه، ورجح النووي الكسر. (فتطهري) أي تنظفي (بها) أي بالفرصة. (قالت) أسماء: (كيف أتطهر بها؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (سبحان الله) متعجبًا من خفاء ذلك عليها (تطهري) ولابن عساكر تطهري بها قالت: كيف؟ قال: سبحان الله تطهري بها. قالت عائشة رضي الله عنها: (فاجتبذتها إلي) بتقديم الموحدة على الذال المعجمة، وفي رواية فاجتذبتها بتأخيرها (فقلت) لها (تتبعي بها) أي بالفرصة (أثر الدم) أي في الفرج، واستنبط منه أن العَالم يكني بالجواب في الأمور المستورة، وأن المرأة تسأل عن أمر دينها، وتكرير الجواب لإفهام السائل، وأن للطالب الحاذق تفهيم السائل قول الشيخ وهو يسمع، وفيه الدلالة على حسن خلق الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعظيم حلمه وحيائه، ووجه المطابقة بينه وبين الترجمة من جهة تضمنه طريق مسلم التي سبق ذكرها بالمعنى المصرّحة بكيفية الاغتسال والدلك المسكوت عنه في رواية المؤلف، ولم يخرجها لأنها ليست على شرطه لكونها من رواية إبراهيم بن مهاجر عن صفية. ورواة حديث هذا الباب ما بين بلخي ومكي وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف في الطهارة والاعتصام، وكذا مسلم والنسائي. 14 - باب غُسْلِ الْمَحِيضِ (باب غسل) المرأة من (المحيض) بفتح الغين وضمها كما في الفرع. 315 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قال: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَيْفَ أَغْتَسِلُ مِنَ الْمَحِيضِ؟ قَالَ: «خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِي ثَلاَثًا» ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَحْيَا فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ أَوْ قَالَ: تَوَضَّئِي بِهَا. فَأَخَذْتُهَا فَجَذَبْتُهَا فَأَخْبَرْتُهَا بِمَا يُرِيدُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا مسلم) زاد الأصيلي ابن إبراهيم (قال: حدّثنا وهيب) تصغير وهب ابن خالد (قال: حدّثنا منصور) هو ابن عبد الرحمن (عن أمه) صفية بنت شيبة (عن عائشة) رضي الله عنها. (أن امرأة من الأنصار) هي أسماء بنت شكل (قالت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كيف أغتسل من المحيض؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (خذي) أي بعد إيصال الماء لشعرك وبشرتك (فرصة ممسكة) بضم الميم الأولى وفتح الثانية ثم مهملة مشددة مفتوحة أي قطعة من صوف أو قطن مطيبة بالمسك (فتوضئي) الوضوء اللغوي وهو التنظيف، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: وتوضئي وفي رواية فتوضئي بها قال لها ذلك (ثلاثًا) أي ثلاث مرات. قالت عائشة: (ثم إن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استحيا فأعرض) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر وأعرض (بوجهه) الكريم (أو قال) شك من عائشة (توضئي بها) ولابن عساكر وقال: فزاد في هذه كالرواية السابقة لفظة بها أي بالفرصة. قالت عائشة: (فأخذتها فجذبتها فأخبرتها بما يريد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من التتبع وإزالة الرائحة الكريهة. والمطابقة بين الحديث والترجمة على رواية فتح غين غسل وتفسير المحيض باسم المكان ظاهرة، وعلى رواية ضم الغين والمحيض بمعنى الحيض فالإضافة بمعنى اللام الاختصاصية لأنه ذكر لها خاصة هذا الغسل. 15 - باب امْتِشَاطِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ الْمَحِيضِ (باب امتشاط المرأة) أي تسريح شعر رأسها (عند غسلها) بفتح الغين وضمها (من المحيض) أي الحيض. 316 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ قال: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَهْلَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَكُنْتُ مِمَّنْ تَمَتَّعَ وَلَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ. فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ وَلَمْ تَطْهُرْ حَتَّى دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، وَإِنَّمَا كُنْتُ تَمَتَّعْتُ بِعُمْرَةٍ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِكِ». فَفَعَلْتُ. فَلَمَّا قَضَيْتُ الْحَجَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ فَأَعْمَرَنِي مِنَ التَّنْعِيمِ، مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي نَسَكْتُ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني نزيل بغداد (قال: حدّثنا ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (أن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (أهللت) أي أحرمت ورفعت صوتي بالتلبية (مع رسول الله) وللأصيلي مع النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع، فكنت ممن تمتع ولم يسق الهدي) بفتح الهاء وسكون المهملة وتخفيف الياء أو كسر المهملة مع تشديد الياء اسم لما يهدى بمكة من الأنعام، وفيه التفات من المتكلم إلى الغائب، لأن الأصل أن تقول ممن تمتعت لكن ذكر باعتبار لفظ من (فزعمت أنها حاضت ولم تطهر) من حيضها (حتى دخلت ليلة عرفة) فيه دلالة على أن حيضها كان ثلاثة أيام خاصة لأن دخوله عليه الصلاة والسلام مكة كان في الخامس من الحجة، فحاضت يومئذٍ فطهرت يوم عرفة، ويدل على أنها حاضت يومئذٍ قوله عليه الصلاة والسلام في باب كيف تهلّ الحائض بالحج والعمرة من أحرم بعمرة الحديث. قالت: فحضت ففيه دليل على أن

16 - باب نقض المرأة شعرها عند غسل المحيض

حيضها كان يوم القدوم إلى مكة. قالت: فلم أزل حائضًا حتى كان يوم عرفة قاله البدر. (فقالت) وللأصيلي وابن عساكر قالت: (يا رسول الله هذه ليلة عرفة) وفي بعض النسخ هذا ليلة عرفة. قال البدر أي هذا الوقت، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي يوم عرفة (وإنما كنت تمتعت بعمرة) أي وأنا حائض وفيه تصريح بما تضمنه التمتع لأنه إحرام بعمرة في أشهر الحج ممن على مسافة القصر من الحرم ثم يحج من سنته (فقال لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: انقضي رأسك) بضم القاف أي حلّي شعرك (وامتشطي وأمسكي) بهمزة قطع (عن عمرتك) أي اتركي العمل في العمرة وإتمامها، فليس المراد الخروج منها فإن الحج والعمرة لا يخرج منهما إلا بالتحلل وحينئذٍ فتكون قارنة، ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام: "يكفيك طوافك لحجك وعمرتك" ولا يلزم من نقض الرأس والامتشاط إبطالها لجوازهما عندنا حال الإحرام، لكن يكرهان خوف نتف الشعر، وقد حملوا فعلها ذلك على أنه كان برأسها أذى، وقيل: المراد أبطلي عمرتك، ويؤيده قولها في العمرة وأرجع بحجة واحدة وقولها ترجع صواحبي بحج وعمرة وأرجع أنا بالحج، وقوله عليه الصلاة والسلام "هذه مكان عمرتك" قالت عائشة: (ففعلت) النقض والامتشاط والإمساك (فلما قضيت) أي أدّيت (الحج) بعد إحرامي به (أمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخي (عبد الرحمن) بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه (ليلة الحصبة) بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين وفتح الموحدة التي نزلوا فيها بالمحصب موضع بين مكة ومنى يبيتون فيه إذا نفروا منها (فأعمرني) أي اعتمر بي (من التنعيم) موضع على فرسخ من مكة فيه مسجد عائشة (مكان عمرتي التي نسكت) من النسك أي التي أحرمت بها وأردت أوّلاً حصولها منفردة غير مندرجة ومنعني الحيض، وفي رواية أبي زيد المروزي أي سكت بلفظ التكلم من السكوت أي التي تركت أعمالها وسكت عنها، وللقابسي شكت بالشين المعجمة والتخفيف والضمير فيه راجع إلى عائشة على سبيل الالتفات من التكلم للغيبة أو المعنى شكت العمرة من الحيض وإطلاق الشكاية عليها كناية عن اختلالها وعدم بقاء استقلالها، وإنما أمرها بالعمرة بعد الفراغ وهي قد كانت حصلت لها مندرجة مع الحج لقصدها عمرة منفردة كما حصل لسائر أزواجه عليه الصلاة والسلام حيث اعتمرن بعد الفراغ من حجهنّ المفرد عمرة منفردة عن حجهن حرصًا منها على كثرة العبادة. وتمام مباحث الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الحج بعون الله وقوّته. ورواته الخمسة ما بين بصري ومدني وفيه التحديث والعنعنة. 16 - باب نَقْضِ الْمَرْأَةِ شَعَرَهَا عِنْدَ غُسْلِ الْمَحِيضِ (باب) حكم (نقض المرأة شعرها) أي شعر رأسها (عند غسل المحيض) هل هو واجب أم لا ولابن عساكر باب من رأى نقض المرأة الخ. 317 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحِجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهْلِلْ، فَإِنِّي لَوْلاَ أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ». فَأَهَلَّ بَعْضُهُمْ بِعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ بَعْضُهُمْ بِحَجٍّ، وَكُنْتُ أَنَا مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «دَعِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِحَجٍّ». فَفَعَلْتُ. حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي أَخِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَخَرَجْتُ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي. قَالَ هِشَامٌ: وَلَمْ يَكُنْ فِي شَىْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ وَلاَ صَوْمٌ وَلاَ صَدَقَةٌ. وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) الهباري بفتح الهاء وتشديد الموحدة الكوفي، المتوفى سنة خمسين ومائتين (قال: حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن هشام) أي ابن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (خرجنا) من المدينة مكملين ذا القعدة (موافين) وفي رواية موافقين (لهلال ذي الحجة) كذا شرحه بعضهم والأولى أن يكون معنى موافين مشرفين. يقال: أوفى على كذا إذا أشرف عليه ولا يلزم منه الدخول فيه. وقال النووي: أي مقاربين لاستهلاله لأن خروجه عليه الصلاة والسلام كان لخمس ليال بقين من ذي القعدة يوم السبت. (فقال) ولأبوي ذر والوقت قال (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أحب أن يهلل) بلامين وللأصيلي وابن عساكر يهل بلام مشددة أي يحرم (بعمرة فليهلل) بعمرة (فإني لولا أني أهديت) أي سقت الهدي (لأهللت) كذا في رواية الحموي وكريمة ولأبوي الوقت وذر والأصيلي لأحللت (بعمرة) ليس فيه دلالة على أن التمتع أفضل من الإفراد لأنه عليه الصلاة والسلام، إنما قال ذلك لأجل فسخ الحج إلى العمرة الذي هو خاص بهم في تلك السنة المخالفة تحريم الجاهلية العمرة في أشهر الحج لا التمتع الذي فيه الخلاف وقاله ليطيب قلوب

17 - باب مخلقة وغير مخلقة

أصحابه إذ كانت نفوسهم لا تسمح بفسخ الحج إليها لإرادتهم موافقة عليه الصلاة والسلام أي ما يمنعني من موافقتكم فيما أمرتكم به إلا سوقي الهدي، ولولاه لوافقتكم، وإنما كان الهدي علة لانتفاء الإحرام بالعمرة لأن صاحب الهدي لا يجوز له التحلل حتى ينحره ولا ينحره إلا يوم النحر، والمتمتع يتحلل من عمرته قبله فيتنافيان. (فأهلَّ بعضهم بعمرة وأهلَّ بعضهم بحج) قالت عائشة: (وكنت أنا ممن أهل بعمرة فأدركني يوم عرفة وأنا حائض فشكوت) ذلك (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: دعي عمرتك) أي أفعالها وارفضيها (وانقضي رأسك) أي شعرها (وامتشطي وأهلّي بحج) أي مع عمرتك أو مكانها (ففعلت) ذلك كله (حتى إذا كان ليلة الحصبة) بفتح الحاء وسكون الصاد وليلة بالرفع على أن كان تامة أي وجدت وبالنصب على أنها ناقصة واسمها الوقت (أرسل) عليه الصلاة والسلام (معي أخي عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق رضي الله عنهم (فخرجت) معه (إلى التنعيم فأهللت بعمرة) منه (مكان عمرتي) التي تركتها. لا يقال ليس في الحديث دلالة على الترجمة لأن أمرها بنقض الشعر كان للإهلال وهي حائض لا عند غسلها لأنا نقول: إن نقض شعرها إن كان لغسل الإحرام وهو سُنّة فلغسل الحيض أولى لأنه فرض، وقد كان ابن عمر يقول بوجوبه، وبه قال الحسن وطاوس في الحائض دون الجنب، وبه قال أحمد لكن رجح جماعة من أصحابه الاستحباب فيهما، واستدل الجمهور على عدم وجوب النقض بحديث أم سلمة: إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟ قال: "لا". رواه مسلم، وقد حملوا حديث عائشة على الاستحباب جمعًا بين الروايتين. نعم إن لم يصل الماء إلا بالنقض وجب. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي ومدني وفيه التحديث والعنعنة. (قال هشام) أي ابن عروة (ولم يكن في شيء من ذلك هدي ولا صوم ولا صدقة). استشكل النووي نفي الثلاثة بأن القارن والمتمتع عليه الدم، وأجابب القاضي عياض بأنها لم تكن قارنة ولا متمتعة لأنها أحرمت بالحج ثم نوت فسخه في عمرة، فلما حاضت ولم يتم لها ذلك رجعت إلى حجها لتعذّر أفعال العمرة وكانت ترفضها بالوقوف فأمرها بتعجيل الرفض، فلما أكملت الحج اعتمرت عمرة مبتدأة وعورض بقولها: وكنت أنا ممن أهل بعمرة، وقولها ولم أهلَّ إلا بعمرة. وأجيب: بأن هشامًا لما لم يبلغه ذلك أخبر بنفيه ولا يلزم منه نفيه فى نفس الأمر، بل روى جابر أنه عليه الصلاة والسلام أهدى عن عائشة بقرة فافهم. 17 - باب مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ (باب مخلقة وغير مخلقة) أي مسوّاة لا نقص فيها ولا عيب وغير مسوّاة أو تامّة أو ساقطة أو مصوّرة وغير مصوّرة، وللأصيلي قول الله عز وجل: {مُخَلَّقَةٍ} [الحج: 5] قال ابن المنير: أدخل المؤلف هذه الترجمة في أبواب الحيض لينبّه بها على أن دم الحامل ليس بحيض، لأن الحمل إن تم فإن الرحم مشغول به، وما ينفصل عنه من دم إنما هو رشح غذائه أو فضلته أو نحو ذلك فليس بحيض، وإن لم يتم وكانت المضغة غير مخلقة مجها الرحم مضعة مائعة حكمها حكم الولد، فكيف يكون حكم الولد حيضًا؟ انتهى. وهذا مذهب الكوفيين وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل والأوزاعي والثوري، وذهب الإمام الشافعي في الجديد إلى أنها تحيض، وعن مالك روايتان، وما ادّعاه ابن المنير كغيره من أنه رشح غذاء الولد الخ يحتاج إلى دليل، وأما ما ورد في ذلك من خبر أو أثر نحو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الله رفع الحيض وجعل الدم رزقًا للولد مما تغيض الأرحام. رواه ابن شاهين، وقول ابن عباس مما رواه ابن شاهين أيضًا فقال الحافظ ابن حجر: لا يثبت لأن هذا دم بصفات الحيض في زمن إمكانه فله حكم دم الحيض، وأقوى حججهم أن استبراء الأمة اعتبر بالحيض لتحقيق براءة الرحم من الحمل، فلو كانت الحامل تحيض لم تتم البراءة بالحيض. 318 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا يَقُولُ: يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ مُضْغَةٌ. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهُ قَالَ: أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ، وَالأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا حماد) هو ابن زيد البصري (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن أبي بكر) بن أنس بن مالك الأنصاري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن الله عز وجل وكّل) بالتشديد. قال

18 - باب كيف تهل الحائض بالحج والعمرة؟

الحافظ ابن حجر: وفي روايتنا بالتخفيف من وكله بكذا إذا استكفاه وصرف أمره إليه (بالرحم ملكًا يقول) عند وقوع النطفة التماسًا لإتمام الخلقة، أو الدعاء بإقامة الصورة الكاملة عليها أو الاستعلام أو نحو ذلك فليس في ذلك فائدة الخبر ولا لازمة لأن الله تعالى عالم الكل فهو على نحو قوله تعالى: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} [آل عمران: 36] قالتها تحسّرًا وتحزّنًا إلى ربها (يا رب) بحذف ياء المتكلم هذه (نطفة) قال ابن الأثير: هي الماء القليل الكثير، والمراد بها هنا المني، وللقابسي نطفة بالنصب على إضمار فعل أي خلقت يا رب نطفة أو صارت نطفة (يا رب) هذه (علقة) قطعة من الدم جامدة (يا رب) هذه (مضغة) قطعة من اللحم وهي في الأصل قدر ما يمضع، ويجوز نصب الاسمين عطفًا على السابق المنصوب بالفعل المقدر بين قول الملك يا رب نطفة وقوله علقة أربعون يومًا كقوله: يا رب مضغة لا في وقت واحد وإلاّ تكون النطفة علقة مضغة في ساعة واحدة ولا يخفى ما فيه، (فإذا أراد) الله (أن يقضي) وللأصيلي فإذا أراد الله أن يقضي أي يتم (خلقه) أي ما في الرحم من النطفة التي صارت علقة ثم مضغة، وهذا هو المراد بقوله: {مخلقة وغير مخلقة} وقد علم بالضرورة أنه لم يرد خلقه تكون غير مخلقة وهذا وجه مناسبة الحديث للترجمة، وقد صرّح بذلك في حديث رواه الطبراني بإسناد صحيح من حديث ابن مسعود قال: إذا وقعت النطفة في الرحم بعث الله ملكًا فقال: يا رب مخلقة أو غير مخلقة؟ فإن قال غير مخلقة مجها الرحم دمًا. (قال) الملك (أذكر) هو (أم أُنثى) أو التقدير أهو ذكر أم أنثى؟ وسوّغ الابتداء به وإن كان نكرة لتخصيصه بثبوت أحد الأمرين إذ السؤال فيه عن التعيين، وللأصيلي أذكر أم أنثى بتقدير أتخلق ذكرًا أم أُنثى؟ (شقي) أي أعاصٍ لك هو (أم سعيد) مطيع وحذف أداة الاستفهام لدلالة السابق وللأصيلي شقيًّا أم سعيدًا؟ (فما الرزق) أي الذي ينتفع به؟ (و) ما (الأجل) أي وقت الموت أو مدة الحياة إلى الموت لأنه يطلق على المدة وعلى غايتها، وفي رواية أبي ذر: وما الأجل بزيادة ما كما وقع في الشرح (فيكتب) على صيغة المجهول أي المذكور، والكتابة إما حقيقة أو مجاز عن التقدير، وللأصيلي قال: فيكتب (في بطن أمه) ظرف لقوله يكتب أو أن الشخص مكتوب عليه في ذلك الظرف، وقد روي أنها تكتب على جبهته. ورواة هذا الحديث الأربعة بصريون، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا فى خلق آدم وفي القدر ومسلم فيه. 18 - باب كَيْفَ تُهِلُّ الْحَائِضُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؟ (باب كيف تهل الحائض بالحج والعمرة) ليس مراده الكيفية التي يراد بها الصفة بل بيان صحة إهلال الحائض. 319 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ. فَقَدِمْنَا مَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيُحْلِلْ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلاَ يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ بِنَحْرِ هَدْيِهِ. وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ». قَالَتْ: فَحِضْتُ، فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلَمْ أُهْلِلْ إِلاَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وَأَمْتَشِطَ وَأُهِلَّ بِحَجٍّ وَأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ حَتَّى قَضَيْتُ حَجِّي، فَبَعَثَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَمِرَ مَكَانَ عُمْرَتِي مِنَ التَّنْعِيمِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف (قال: حدّثنا الليث) بن سعد (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوام (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (خرجنا مع النبي) وللأصيلي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من المدينة (في حجة الوداع) لخمس بقين من ذي القعدة سنة عشر من الهجرة (فمنا من أهلَّ) أي أحرم (بعمرة ومنا من أهلَّ بحج) وفي رواية أبي ذر عن المستملي بحجة (فقدمنا مكة فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من أحرم بعمرة ولم يهدِ) بضم المثناة التحتية من الإهداء (فليحلل) بكسر اللام من الثلاثي أي قبل يوم النحر حتى يحرم بالحج، (ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى يحل) بفتح المثناة وكسر الحاء والضم في لام الأولى والفتح في لام الأخرى (بنحر هديه) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر حتى يحل نحر هديه أي يوم العيد لكونه أدخل الحج فيصير قارنًا ولا يكون متمتعًا فلا يحل، وأما توقفه على دخول يوم النحر مع إمكان التحلل بعد نصف ليلته فليس التحلل الكلي، أما التحلل الكلي المبيح للجماع فهو في يوم النحر، (ومن أهلَّ بحج) مفردًا ولأبي ذر وعزاها في الفتح للمستملي والحموي ومن أهلَّ بحجة (فليتم حجه) سواء كان معه هدي أم لا. (قالت) عائشة رضي الله عنها: (فحضت) أي بسرف (فلم أزل حائضًا حتى كان يوم عرفة) برفع يوم لأن كان تامة (ولم أهلل) بضم الهمزة وكسر اللام الأولى

19 - باب إقبال المحيض وإدباره

(إلا بعمرة فأمرني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أنقض) شعر (رأسي و) أن (أمتشط و) أن (أهلَّ) بضم الهمزة (بحج و) أن (أترك العمرة) أي أعمالها أو أبطلها (ففعلت ذلك) كله (حتى قضيت حجي) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي حجتي (فبعث) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (معي) أخي (عبد الرحمن بن أبي بكر) وللأصيلي زيادة الصديق، (وأمرني) عليه الصلاة والسلام، ولأبوي ذر والوقت: فأمرني بالفاء (أن أعتمر مكان عمرتي من التنعيم). ورواة هذا الحديث الستة ما بين مصري وايلّي ومدنيّ، وأخرجه مسلم في المناسك، ويأتي ما فيه من البحث في الحج إن شاء الله تعالى بعونه وقوّته. 19 - باب إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ: لاَ تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضَةِ. وَبَلَغَ ابْنَةَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ نِسَاءً يَدْعُونَ بِالْمَصَابِيحِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَنْظُرْنَ إِلَى الطُّهْرِ فَقَالَتْ: مَا كَانَ النِّسَاءُ يَصْنَعْنَ هَذَا. وَعَابَتْ عَلَيْهِنَّ. (باب إقبال المحيض وإدباره وكن نساء) بالرفع بدل من ضمير كن على لغة أكلوني البراغيث، وفائدة ذكره بعد أن علم من لفظ كنّ إشارة إلى التنويع والتنوين يدل عليه أي كان ذلك من بعضهن لا من كلهن (يبعثن إلى عائشة) رضي الله عنها (بالدرجة) بكسر الدال وفتح الراء والجيم جمع درج بالضم ثمّ السكون، وبضم أوّله وسكون ثانيه في قول ابن قرقول، وبه ضبطه ابن عبد البرّ في الموطأ، وعند الباجي بفتح الأوّلين ونوزع قيه وهي وعاء أو خرقة (فيها الكرسف) بضم الكاف وإسكان الراء وضم السين آخره فاء أي القطن (فيه) أي في القطن (الصفرة) الحاصلة من أثر دم الحيض بعد وضع ذلك في الفرج لاختبار الطهر، وإنما اختير القطن لبياضه ولأنه ينشف الرطوبة فيظهر فيه من آثار الدم ما لم يظهر في غيره. (فتقول) عائشة لهن: (لا تعجلن حتى ترين) بسكون اللام والمثناة التحتية (القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيضة) بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة ماء أبيض يكون آخر الحيض يتبين به نقاء الرحم تشبيهًا بالجص وهو النورة، ومنه قصص داره أي جصصها. وقال الهروي: معناه أن يخرج ما تحتشي به الحائض نقيًا كالقصة كأنه ذهب إلى الجفوف. قال القاضي عياض: وبينهما عند النساء وأهل المعرفة فرق بيِّن انتهى. قال في الصابيح وسببه أن الجفوف عدم والقصة وجود والوجود أبلغ دلالة، وكيف لا والرحم قد يجف في أثناء الحيض، وقد تنظف الحائض فيجف رحمها ساعة، والقصة لا تكون إلا طهرًا انتهى. وفيه دلالة على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض. وهذا الأثر رواه مالك في الموطأ من حديث علقمة بن أبي علقمة المدني عن أمه مرجانة مولاة عائشة، وقد علم أن إقبال المحيض يكون بالدفعة من الدم وإدباره بالقصة أو بالجفاف. (وبلغ ابنة) ولابن عساكر بنت (زيد بن ثابت) هي أم كلثوم زوج سالم بن عبد الله بن عمر أو أختها أم سعد والأول اختاره الحافظ ابن حجر (أن نساء) من الصحابيات (يدعون بالمصابيح) أي يطلبنها (من جوف الليل ينظرن إلى) ما يدل على (الطهر فقالت: ما كان النساء يصنعن هذا وعابت عليهن) ذلك لكون الليل لا يتبين فيه البياض الخالص من غيره، فيحسبن أنهم طهرن وليس كذلك فيصلين قبل الطهر. 320 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن هشام) أي ابن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها. (أن فاطمة بنت أبي حبيش) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة آخره معجمة (كانت تستحاض) بضم التاء مبنيًّا للمفعول (فسألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال ذلك) بكسر الكاف (عرق) بكسر العين وسكون الراء يسمى العاذل (ليست بالحيضة) بفتح الحاء وقد تكسر (فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي) لا يقتضي تكرار الاغتسال لكل صلاة بل يكفي غسل واحد، لا يقال إنه معارض باغتسال أم حبيبة لكل صلاة لأنه أجيب بأنه إما لأنها كانت ممن يجب عليه ذلك لاحتمال الانقطاع عند كل صلاة، أو كانت متطوعة به وبهذا نص الشافعي. 20 - باب لاَ تَقْضِي الْحَائِضُ الصَّلاَةَ وَقَالَ جَابِرٌ وَأَبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "تَدَعُ الصَّلاَةَ". هذا (باب) بالتنوين (لا تقضي الحائض الصلاة. وقال جابر) ولأبوي ذر والوقت جابر بن عبد الله مما رواه المؤلف في الأحكام بالمعنى (وأبو سعيد) الخدري رضي الله عنه مما رواه أيضًا بالمعنى في ترك الحائض الصوم (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تدع) الحائض (الصلاة) وترك الصلاة يستلزم عدم قضائها لأن

21 - باب النوم مع الحائض وهي في ثيابها

الشارع أمر بالترك ومتروكه لا يجب فعله فلا يجب قضاؤه. 321 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: حَدَّثَتْنِي مُعَاذَةُ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ: أَتَجْزِي إِحْدَانَا صَلاَتَهَا إِذَا طَهُرَتْ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ كُنَّا نَحِيضُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ يَأْمُرُنَا بِهِ. أَوْ قَالَتْ: فَلاَ نَفْعَلُهُ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثنا همام) بالتشديد ابن يحيى بن دينار العوذي، المتوفى سنة ثلاث وستين ومائة (قال: حدّثنا قتادة) الأكمه المفسر (قال: حدّثتني) بالتأنيث والإفراد (معاذة) بضم الميم وفتح العين المهملة والذال المعجمة بنت عبد الله العدوية. (أن امرأة) أبهمها همام وهي معاذة نفسها (قالت لعائشة) رضي الله عنها (أتجزي) بفتح الهمزة والمثناة الفوقية وكسر الزاي آخره مثناة تحتية من غير همز أي أتقضي (إحدانا صلاتها) التي لم تصلها زمن الحيض وصلاتها نصب على المفعولية (إذا طهرت) بفتح الطاء وضم الهاء؟ (فقالت) عائشة (أحرورية أنت) بفتح الحاء المهملة وضم الراء الأولى المخففة نسبة إلى حروراء قرية بقرب الكوفة كان أوّل اجتماع الخوارج بها أي أخارجية أنت لأن طائفة من الخوارج يوجبون على الحائض قضاء الصلاة الفائتة زمن الحيض وهو خلاف الإجماع، فالهمزة للاستفهام الإنكاري، وزاد في رواية مسلم عن عاصم عن معاذة فقلت، لا ولكني أسال سؤالاً لمجرد طلب العلم لا للتعنت. فقالت عائشة: (كنا) وللأصيلي قد كنا (نحيض مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي مع وجوده أو عهده أي فكان يطلع على حالنا في الترك (فلا) وللأصيلي ولا (يأمرنا به) أي بالقضاء لأن التقدير على ترك الواجب غير جائز (أو قالت) أي معاذة (فلا نفعله) وفرق بين الصلاة والصوم بتكررها فلم يجب قضاؤها للحرج بخلافه وخطابها بقضائه بأمر جديد لا بكونها خوطبت به أوّلاً. نعم استثنى من نفي قضاء الصلاة ركعتا الطواف. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث بالإفراد والجمع وأخرجه الستة. 21 - باب النَّوْمِ مَعَ الْحَائِضِ وَهْيَ فِي ثِيَابِهَا (باب النوم مع الحائض وهي) أي والحال أنها (في ثيابها) المعدة لحيضها. 322 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: حِضْتُ وَأَنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْخَمِيلَةِ، فَانْسَلَلْتُ فَخَرَجْتُ مِنْهَا فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَلَبِسْتُهَا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنُفِسْتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَدَعَانِي فَأَدْخَلَنِي مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ. قَالَتْ: وَحَدَّثَتْنِي أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ. وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنَ الْجَنَابَةِ. وبالسند قال: (حدّثنا سعد بن حفص) بسكون العين الكوفي الطلحي المعروف بالضخم (قال: حدّثنا شيبان) النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) عبد الله أو إسماعيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن زينب ابنه) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر بنت (أبي سلمة) بفتح اللام أنها (حدّثته أن أم سلمة) هند رضي الله عنها (قالت): (حضت وأنا مع النبي) وللأصيلي مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الخميلة) أي القطيفة (فانسللت فخرجت منها فأخذت ثياب حيضتي) بكسر الحاء (فلبستها فقال ليس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أنفست) بضم النون وكسر الفاء كما في الفرع. (قلت: نعم) نفست (فدعاني فأدخلني معه في الخميلة) هي الخميلة الأولى لأن المعرفة إذا أعيدت معرفة تكون عين الأولى. (قالت) أي زينب مما هو داخل تحت الإسناد الأول: (وحدّثتني) عطف على قالت الأولى أو عطف جملة كما في {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ} [البقرة: 35] أي وليسكن زوجك (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقبلها وهو صائم وكنت) أي وحدّثتني أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقبلها وهو صائم وبقولها: كنت (أغتسل أنا والنبي) وللأصيلي ورسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالرفع على ما في الفرع عطفًا على الضمير أو بالنصب مفعولاً معه أي أغتسل معه (من إناء واحد من الجنابة) ومن في قوله من إناء ومن الجنابة يتعلقان بقوله أغتسل، ولا يمتنع هذا لأنها في الأوّل من عين وهو الإناء، وفي الثاني من معنى وهو الجنابة، وإنما الممتنع إذا كان الابتداء من شيئين هما من جنس واحد كزمانين نحو: رأيته من شهر من سنة، أو مكانين نحو: خرجت من البصرة من الكوفة. 22 - باب مَنِ اتَّخَذَ ثِيَابَ الْحَيْضِ سِوَى ثِيَابِ الطُّهْرِ (باب من أخذ) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر من اتخذ وللكشميهني مما ذكره في فتح الباري من أعدّ بالعين من الإعداد أي من أخذ أو اتخذ أو أعدّ من النساء (ثياب الحيض سوى ثياب الطهر). 323 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُضْطَجِعَةً فِي خَمِيلَةٍ حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي، فَقَالَ: أَنُفِسْتِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ. وبالسند قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة أبو زيد الزهراني البصري (قال: حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن

23 - باب شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين، ويعتزلن المصلى

زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة) أم المؤمنين رضي الله عنها (قالت): (بينا أنا مع النبي) وللأصيلي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كوني (مضطجعة في خميلة) ولأبي الوقت في الخميلة (حضت فانسللت) منها (فأخذت ثياب حيضتي) بكسر الحاء كما في الفرع ولا تعارض بين هذا وبين قولها في الحديث السابق ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد لأنه باعتبار وقتين حالة الإقتار وحالة السعة، أو المراد خرق الحيضة وحفاظها فكنت بالثياب تجملاً وتأدّبًا (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أنفست) بضم النون كما في الفرع عن ضبط الأصيلي، لكن قال الهروي يقال ألا في الولادة بضم النون وفتحها، وإذا حاضت نفست بالفتح فقط ونحوه لابن الأنباري (فقلت) ولابن عساكر قلت (نعم) نفست (فدعاني) عليه الصلاة والسلام (فاضطجعت معه في الخميلة). 23 - باب شُهُودِ الْحَائِضِ الْعِيدَيْنِ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى (باب شهود الحائض) أي حضورها يوم (العيدين ودعوة المسلمين) كالاستسقاء (ويعتزلن) أي حال كونهن يعتزلن، ولابن عساكر واعتزالهن (المصلى) تنزيهًا وصيانة واحترازًا عن مخالطة الرجال من غير حاجة ولا صلاة، وإنما يحرم لأنه ليس مسجدًا وجمع الضمير مع رجوعه لمفرد لإرادة الجنس كما في سامرًا تهرجون. 324 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الْعِيدَيْنِ، فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ فَحَدَّثَتْ عَنْ أُخْتِهَا -وَكَانَ زَوْجُ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثِنْتَىْ عَشَرَةَ، وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتٍّ- قَالَتْ: كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى، وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى، فَسَأَلَتْ أُخْتِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَعَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لاَ تَخْرُجَ؟ قَالَ: «لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، وَلْتَشْهَدِ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ». فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ سَأَلْتُهَا: أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: بِأَبِي نَعَمْ -وَكَانَتْ لاَ تَذْكُرُهُ إِلاَّ قَالَتْ "بِأَبِي"- سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «تَخْرُجُ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ -أَوِ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ- وَالْحُيَّضُ، وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى». قَالَتْ حَفْصَةُ: فَقُلْتُ "الْحُيَّضُ"؟ فَقَالَتْ: أَلَيْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ وَكَذَا وَكَذَا؟. [الحديث 324 - أطرافه في: 351، 971، 974، 980، 981، 1652]. وبالسند قال: (حدّثنا محمد) ولأبي ذر كما في الفتح وابن عساكر كما في الفرع محمد بن سلام، ولكريمة هو ابن سلام وهو بتخفيف اللام البيكندي (قال: أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي عن الكشميهني حدّثنا (عبد الوهاب) الثقفي (عن أيوب) السختياني (عن حفصة) بنت سيرين الأنصارية البصرية أخت محمد بن سيرين أنها (قالت): (كنا نمنع عواتقنا) جمع عاتق وهي من بلغت الحلم أو قاربته واستحقت التزويج فعتقت عن قهر أبويها أو الكريمة على أهلها أو التي عتقت من الصبا والاستعانة بها في مهنة أهلها (يخرجن) إلى المصلى (في العيدين فقدمت امرأة) لم تسم (فنزلت قصر بني خلف) كان بالبصرة منسوب إلى خلف جدّ طلحة بن عبد الله بن خلف وهو طلحة الطلحات (فحدثت عن أختها) قيل هي أم عطية وقيل غيرها، (وكان زوج أختها) لم يسم أيضًا (غزا مع النبي) وللأصيلي مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثنتي عشرة) زاد الأصيلي غزوة، قالت المرأة: (وكانت أُختي معه) أي مع زوجها أو مع الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في ست) أي ست غزوات، وفي الطبراني أنها غزت معه سبعًا (قالت) أي الأخت لا المرأة (كنا) بلفظ الجمع لبيان فائدة حضور النساء الغزوات على سبيل العموم (نداوي الكلمى) بفتح الكاف وسكون اللام وفتح الميم أي الجرحى (ونقوم على المرضى فسألت أختي النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعلى إحدانا بأس) أي حرج وإثم (إذا) وللأصيلي إن (لم يكن لها جلباب) بكسر الجيم وسكون اللام وبموحدتين بينهما ألف أي خمار واسع كالملحفة تغطي به المرأة رأسها وظهرها أو القميص (أن لا تخرج) أي لئلا تخرج وأن مصدرية أي لعدم خروجها إلى المصلى للعيد. (قال) عليه الصلاة والسلام: (لتلبسها) بالجزم وفاعله (صاحبتها) وفي رواية: فتلبسها بالرفع وبالفاء بدل اللام (من جلبابها) أي لتعرها من ثيابها ما لا تحتاج المعيرة إليه، أو تشركها في لبس الثوب الذي عليها وهو مبني على أن الثوب يكون واسعًا وفيه نظر، أو هو على سبيل المبالغة أي يخرجن، ولو كانت اثنتان في ثوب واحد. (ولتشهد الخير) أي ولتحضر مجالس الخير كسماع الحديث والعلم وعيادة المريض ونحو ذلك. (ودعوة المسلمين) كالاجتماع لصلاة الاستسقاء، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ودعوة المؤمنين. قالت حفصة: (فلما قدمت أم عطية) نسيبة بنت الحرث أو بنت كعب (سألتها أسمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يقول المذكور؟ (قالت: بأبي) بهمزة وموحدة مكسورة ثم مثناة تحتية ساكنة، ولأبي ذر عن الكشميهني بيبي بقلب الهمزة ياء، ونسبها الحافظ ابن حجر لرواية عبدوس، وللأصيلي بأبا بفتح الموحدة وإبدال ياء المتكلم ألفًا، وفيها رابعة بيبا بقلب الهمزة ياء وفتح الموحدة أي فديته أو هو مفدي بأبي، وحذف المتعلق تخفيفًا

24 - باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض وما يصدق النساء في الحيض والحمل فيما يمكن من الحيض لقول الله تعالى (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن)

لكثرة الاستعمال، وفي الطبراني بأبي هو وأمي (نعم) سمعته (وكانت لا تذكره) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلا قالت بأبي) أي أفديه أو مفدي بأبي (سمعته) حال كونه (يقول تخرج) أي لتخرج (العوائق) فهو خبر متضمن للأمر لأن أخبار الشارع عن الحكم الشرعي متضمن للطلب لكنه هنا للندب لدليل آخر، (وذوات الخدور) بواوي العطف والجمع، ولأبي ذر ذوات بغير واو العطف وإثبات واو الجمع صفة للعوائق، ولأبي ذر عن الكشميهني والأصيلي ذات الخدور بغير عطف مع الإفراد والخدور بضم الخاء المعجمة والدال المهملة جمع خدور وهو السّتر في جانب البيت أو البيت نفسه، (والعواتق ذوات الخدور) على الشك ولأبي ذر عن الكشميهني والأصيلي ذات الخدر بغير واو فيهما. (والحيض) بضم الحاء وتشديد الياء جمع حائض وهو معطوف على العواتق (وليشهدن) ولابن عساكر يشهدن (الخير) عطف على تخرج المتضمن للأمر كما سبق أي: لتخرج العواتق ويشهدن الخير، (ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيض المصلى) أي فيكن فيمن يدعو ويؤمن رجاء بركة المشهد الكريم، ويعتزل بضم اللام خبر بمعنى الأمر كما في السابق، وخص أصحابنا من هذا العموم غير ذات الهيئات والمستحسنات، أما هن فيمنعن لأن المفسدة إذ ذاك كانت مأمونة بخلافها الآن، وقد قالت عائشة في الصحيح لو رأى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل، وبه قال مالك وأبو يوسف. (قالت حفصة فقلت) لأم عطية (الحيض) بهمزة ممدودة على الاستفهام التعجبي من اخبارها بشهود الحيض (فقالت) أم عطية (أليس) الحائض (تشهد) وأسم ليس ضمير الشأن وللكشميهني أليست بتاء التأنيث وللأصيلي أليس يشهدن بنون الجمع أي الحيض (عرفة) أي يومها (وكذا وكذا) أي نحو المزدلفة ومنى وصلاة الاستسقاء. ورواة هذا الحديث بين بخاري وبصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول والسؤال والسماع، وأخرجه المؤلف أيضًا في العيدين والحج، ومسلم في العيدين، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في الصلاة. 24 - باب إِذَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلاَثَ حِيَضٍ وَمَا يُصَدَّقُ النِّسَاءُ فِي الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ فِيمَا يُمْكِنُ مِنَ الْحَيْضِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ) وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ وَشُرَيْحٍ إِنِ امْرَأَةٌ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْضَى دِينُهُ، أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلاَثًا فِي شَهْرٍ. صُدِّقَتْ. وَقَالَ عَطَاءٌ أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ، وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ. وَقَالَ عَطَاءٌ الْحَيْضُ يَوْمٌ إِلَى خَمْسَ عَشْرَةَ. وَقَالَ مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ سَأَلْتُ ابْنَ سِيرِينَ عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى الدَّمَ بَعْدَ قَرْئِهَا بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ قَالَ النِّسَاءُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ. هذا (باب) بالتنوين في بيان حكم الحائض (إذا حاضت في شهر) واحد (ثلاث حيض) بكسر الحاء وفتح المثناة التحتية جمع حيضة (و) بيان (ما يصدق النساء) بضم الياء وتشديد الدال المفتوحة (في) مدة (الحيض) ومدة (الحمل) ولابن عساكر والحبل بالباء الموحدة المفتوحة (وفيما) بالفاء ولابن عساكر وما (يمكن من الحيض) أي من تكراره، والجار والمجرور متعلق بيصدّق فإذا لم يمكن لم تصدق (لقول الله تعالى) وللأصيلي عز وجل (وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ) [البقرة: 228] قال القاضي: من الولد والحيض استعجالاً في العدة وإبطالاً لحق الرجعة، وفيه دليل على أن قولها مقبول في ذلك، زاد الأصيلي (إن كن يؤمن) (ويذكر) بضم أوّله (عن علي) هو ابن أبي طالب (و) عن (شريح) بالشين المعجمة والحاء المهملة ابن الحرث بالمثلثة أي الكوفي أدرك الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يلقه استقضاه عمر بن الخطاب، وتوفي سنة ثمان وتسعين. وهذا التعليق وصله الدارمي بإسناد رجاله ثقات عن الشعبي قال: جاءت امرأة إلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه تخاصم زوجها طلقها فقالت: حضت في شهر ثلاث حيض، فقال عليّ لشريح اقضِ بينهما. قال: يا أمير المؤمنين وأنت هاهنا؟ قال: اقضِ بينهما، قال: (إن جاءت) ولكريمة إن امرأة جاءت (ببينة من بطانة أهلها) بكسر الموحدة أي من خواصها (ممن يرضى دينه) وأمانته بأن يكون عدلاً يزعم (أنها حاضت في شهر) ولابن عساكر في كل شهر (ثلاثًا صدّقت) وفي رواية الدارمي أنها حاضت ثلاث حيض تطهر عند كل قرء وتصلي جاز لها وإلاّ فلا قال في رضي الله عنه: قالون، قال، وقالون بلسان الروم أحسنت وليس عنده لفظة ببينة وطريق علم الشاهد بذلك مع أنه أمر باطني القرائن والعلامات، بل ذلك ما يشاهده النساء فهو

25 - باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض

ظاهر بالنسبة لهن (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح مما وصله عبد الرزاق عن ابن جريح عنه: (أقراؤها) جمع قرء بضم القاف وفتحها في زمن العدّة (ما كانت) قبل العدّة، فلو ادّعت في زمن الطلاق أقراء معدودة في مدة معينة في شهر مثلاً معتادة لما ادّعته فإذًا، وإن ادّعت في العدّة ما يخالف ما قبلها لم يقبل، (وبه) أي بما قال عطاء (قال إبراهيم) النخعي فيما وصله عبد الرزاق أيضًا. (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح مما وصله الدارمي أيضًا (الحيض يوم إلى خمس عشرة) فاليوم مع ليلته والخمسة عشر أكثره، ولابن عساكر وأبي ذر إلى خمسة عشر. (وقال معتمر) هو ابن سليمان العابد، كان يصلي الليل كله بوضوء العشاء (عن أبيه) سليمان بن طرخان مما وصله الدارمي أيضًا (سألت) ولأبي ذر والأصيلي قال سألت: (ابن سيرين) محمد (عن المرأة ترى الدم بعد قرئها) أي طهرها لا حيضها بقرينة رؤية الدم (بخمسة أيام. قال: النساء أعلم بذلك). 325 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ. أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ سَأَلَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ إِنِّي أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ فَقَالَ «لاَ، إِنَّ ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَكِنْ دَعِي الصَّلاَةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي». وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن أبي رجاء) بفتح الراء وتخفيف الجميم مع المد عبد الله بن أيوب الهرويّ حنفي النسب، المتوفى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين (قال: حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الكوفي (قال: سمعت هشام بن عروة، قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) رضي الله عنها. (أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت) وفي بعض الأصول فقالت بالفاء التفسيرية: (إني أستحاض) بضم الهمزة (فلا أطهر أفأدع) أي أترك (الصلاة: فقال) عليه الصلاة والسلام: (لا) تدعيها (إن ذلك) بكسر الكاف (عرق) أي دم عرق وهو يسمى العاذل بالذال المعجمة، (ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي). ومعنى الاستدراك لا تتركي الصلاة كل الأوقات، لكن اتركيها في مقدار العادة. ومناسبة الحديث للترجمة في قوله: قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها فيوكل ذلك إلى أمانتها وردّها إلى عادتها، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، وفيه دلالة على أن فاطمة كانت معتادة، واختلف في أقل الحيض وأقل الطهر فقال الشافعي: القرء الطهر وأقله خمسة عشر يومًا وأقل الحيض يوم وليلة، فلا تنقضي عدّتها في أقل من اثنين وثلاثين يومًا ولحظتين بأن تطلق وبقي من الطهر لحظة وتحيض يومًا وليلة، وتطهر خمسة عشرة يومًا ثم ستة عشر كذلك، ولا بدّ من الطعن في الحيضة الثالثة للتحقق، وقال أبو حنيفة: لا يجتمع أقل الطهر وأقل الحيض معًا، فأقل ما تنقضي به العدة عنده ستون يومًا، وعند مالك: لا حدّ لأقل الحيض ولا لأقل الطهر إلا بما بيّنته النساء. ورواة هذا الحديث ما بين هرويّ وكوفي ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والسماع. 25 - باب الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ (باب الصفرة والكدرة) تراهما المرأة (في غير أيام الحيض). 326 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ كُنَّا لاَ نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيْئًا. وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد قال: حدّثنا إسماعيل) بن علية (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أم عطية قالت): (كنا) أي في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع علمه وتقريره، ولأبي ذر عن أم عطية كنا (لا نعد الكدرة والصفرة شيئًا) أي من الحيض إذا كان في غير زمن الحيض أما فيه فهو مر الحيض تبعًا، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والليث وأبو حنيفة ومحمد والشافعي وأحمد، وأما الإمام مالك فيرى أنها حيض مطلقًا، وأورد عليه حديث أم عطية هذا. ورواة هذا الحديث خمسة، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة. 26 - باب عِرْقِ الاِسْتِحَاضَةِ (باب عرق الاستحاضة) بكسر العين وسكون الراء المسمى بالعاذل. 327 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ سِنِينَ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فَقَالَ «هَذَا عِرْقٌ». فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلاَةٍ. وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي بالحاء المهملة المكسورة والزاي المخففة (قال: حدّثنا معن) هو ابن عيسى القزاز (قال: حدّثني) بالإفراد وللأصيلي حدّثنا (ابن أبي ذئب) بكسر الذال المعجمة محمد بن عبد الرحمن (عن ابن شهاب) الزهريّ (عن عروة) بن الزبير (وعن عمرة) عطف على عروة أي ابن شهاب يرويه عنها أيضًا وهي عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد الأنصاري، المتوفاة سنة ثمان وتسعين، ولأبي الوقت وابن

27 - باب المرأة تحيض بعد الإفاضة

عساكر عن عروة عن عمرة بحذف الواو فيكون من رواية عروة عن عمرة والمحفوظ إثبات الواو (عن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (أن أُم حبيبة) بنت جحش زوج عبد الرحمن بن عوف أُخت زينب أُم المؤمنين (استحيضت سبع سنين) جمع سنة شذوذًا لأن شرط جمع السلامة أن يكون مفرده مذكرًا عاقلاً ويكون مفتوح الأوّل وهذا ليس كذلك، (فسألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك فأمرها أن) أي بأن (تغتسل) أي بالاغتسال (فقال: هذا عرق فكانت تغتسل لكل صلاة) وأمرها بالاغتسال مطلق فلا يدل على التكرار، وإنما كانت تغتسل لكل صلاة تطوّعًا كما نص عليه الشافعي، واليه ذهب الجمهور قالوا: لا يجب على المستحاضة الغسل كل صلاة إلا المتحيرة، لكن يجب عليها الوضوء، وما في مسلم من قوله: فأمرها بالغسل لكل صلاة طعن في النقاد لأن الإثبات من أصحاب الزهري لم يذكروها. نعم ثبتت في سنن أبي داود فيحمل على الندب جمعًا بين الروايتين، وقد عدّ المنذري المستحاضات في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمسًا: حمنة بنت جحش، وأم حبيبة بنت جحش، وفاطمة بنت أبي حبيش، وسهلة بنت سهيل القرشية العامرية، وسودة بنت زمعة. ورواة هذا الحديث السبعة مدنيون، وفيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة، وأخرجه مسلم والترمذيْ والنسائي وأبو داود في الطهارة. 27 - باب الْمَرْأَةِ تَحِيضُ بَعْدَ الإِفَاضَةِ (باب) حكم (المرأة) التي (تحيض بعد) طواف (الإفاضة) أي هل تمنع من طواف الوداع أم لا. 328 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ قَدْ حَاضَتْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا، أَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ مَعَكُنَّ». فَقَالُوا بَلَى. قَالَ «فَاخْرُجِي». وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (مالك) الإمام (عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي المدني الأنصاري (عن أبيه) أبي بكر (عن عمرة بنت عبد الرحمن) المذكورة في الباب السابق (عن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها قالت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا رسول الله إن صفية بنت حييّ) بضم الحاء وفتح المثناة الأولى المخففة وتشديد الثانية ابن أخطب بالخاء المعجمة النضرية بالضاد المعجمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، المتوفاة رضي الله عنها سنة ستين في خلافة معاوية أو ست ثلاثين في خلافة عليّ رضي الله عنهما (قد حاضت. قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لعلها تحبسنا) عن الخروج من مكة إلى المدينة حتى تطهر وتطوف بالبيت. (ألم تكن طافت معكنّ) طواف الركن، ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ألم تكن أفاضت أي طافت طواف الإفاضة وهو طواف الركن، (فقالوا) بالفاء، ولابن عساكر قالوا: أي الناس أو الحاضرون هناك وفيهم الرجال (بلى) طافت معنا الإفاضة. (قال) عليه الصلاة والسلام: (فاخرجي) لأن طواف الوداع ساقط بالحيض، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب أي: قال لصفية مخاطبًا لها أخرجي، أو خاطب عائشة لأنها المخبرة له أي أخرجي فإنها توافقك. أو قال لعائشة قولي لها أخرجي، وللأصيلي وابن عساكر كما في الفرع، وفي الفتح عن المستملي والكشميهني فأخرجن وهو مناسب للسياق. ورواة الحديث الستة مدنيون إلا شيخ المؤلف، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم والنسائي في الحج والنسائي في الطهارة أيضًا. 329 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا حَاضَتْ. [الحديث 329 - طرفاه في: 1755]. وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بضم الميم وتشديد اللام المفتوحة البصري المتوفى سنة تسع عشرة ومائتين (قال: حدّثنا وهيب) بضم الواو تصغير وهب بن خالد (عن عبد الله بن طاوس) المتوفى سنة اثنتين وثلاثين ومائة (عن أبيه) طاوس بن كيسان اليماني الحميري من أبناء الفرس، المتوفى سنة بضع عشرة ومائة (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال): (رخص للحائض) بضم الراء مبنيًّا للمفعول (أن تنفر) بفتح أوّله وكسر ثالثه وقد يضم أي رخص لها النفور وهو الرجوع من مكة إلى وطنها (إذا حاضت) من غير أن تطوف للوداع. 330 - وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ إِنَّهَا لاَ تَنْفِرُ. ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ تَنْفِرُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَخَّصَ لَهُنَّ. [الحديث 330 - طرفه في: 1761]. قال طاوس: (وكان ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (يقول في أوّل أمره إنها لا تنفر) أي لا ترجع حتى تطوف طواف الوداع، (ثم سمعته يقول: تنفر) أي

28 - باب إذا رأت المستحاضة الطهر

ولا تطوف رجع عن فتواه الأولى الصادرة عن اجتهاده حيث بلغه (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص لهنّ) الرجوع من غير طواف وداع وإنما جمع، وإن كان المراد الحائض نظرًا إلى الجنس. 28 - باب إِذَا رَأَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ الطُّهْرَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَلَوْ سَاعَةً، وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا إِذَا صَلَّتْ، الصَّلاَةُ أَعْظَم. هذا (باب) بالتنوين (إذا رأت المستحاضة الطهر) بأن انقطع دمها (قال ابن عباس) مما وصله ابن أبي شيبة والدارمي (تغتسل) أي المستحاضة (وتصلي) إذا رأت الطهر (ولو) كان الطهر (ساعة و) عن ابن عباس أيضًا مما وصله عبد الرزاق أن المستحاضة (يأتيها زوجها) ولأبي داود من وجه آخر صحيح عن عكرمة قال: كانت أم حبيبة تستحاض فكان زوجها يغشاها، وبه قال أكثر العلماء لأنه ليس من الأذى الذي يمنع الصوم والصلاة فوجب أن لا يمنع الوطء (إذا صلت) جملة ابتدائية لا تعلق لها سابقها أي المستحاضة إذا أرادت تغتسل وتصلي، أو التقدير إذا صلت تغتسل فعلى الأول يكون الجواب مقدّمًا وهو رأي كوفي، وعلى الثاني محذوفًا وهو رأي بصري (الصلاة أعظم) من الجماع فإذا جاز لها الصلاة فالجماع بطريق الأولى، وكأنه جواب عن مقدر كأنه قيل: كيف تأتي المستحاضة زوجها فقال: الصلاة الخ. 331 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَنْ زُهَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي». وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي الكوفي نسبة إلى جدّه لشهرته به (عن زهير) بن معاوية الجعفي الكوفي (قال: حدّثنا هشام) ولأبوي ذر والوقت هشام بن عروة (عن) أبيه (عروة عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (قال النبي) وللأصيلي، قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذا أقبلت الحيضة) بفتح الحاء (فدعي) أي اتركي (الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي) هذا مختصر من حديث فاطمة بنت حبيش، ومثله بالمخروم وتقدمت مباحثه في باب الاستحاضة. 29 - باب الصَّلاَةِ عَلَى النُّفَسَاءِ وَسُنَّتِهَا (باب الصلاة على النفساء) بضم النون وفتح الفاء مع المد مفرد وجمعه نفاس فليس قياسًا لا في المفرد ولا في الجمع، إذ ليس في الكلام فعلاء يجمع على فعال إلا نفساء وعشراء، والنفساء هي الحديثة العهد بالولادة (وسنّتها) أي سُنة الصلاة عليها. 332 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ امْرَأَةً مَاتَتْ فِي بَطْنٍ، فَصَلَّى عَلَيْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ وَسَطَهَا. [الحديث 332 - طرفاه في: 1331]. وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن أبي سريج) بضم السين المهملة وآخره جيم الصباح بتشديد الموحدة الرازي، قيل: نسبه المؤلف إلى جدّه لشهرته به واسم أبيه عمر (قال: أخبرنا) ولابن عساكر حدّثنا (شبابة) بفتح الشين المعجمة وتخفيف الموحدتين ابن سوار بفتح المهملة وتشديد الواو وآخره راء الفزاري بفتح الفاء وتخفيف الزاي (قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (شعبة) بن الحجاج (عن حسين المعلم) بكسر اللام المشدّدة المكتب (عن ابن بريدة) وللأصيلي عن عبد الله بن بريدة بضم الموحدة وفتح الراء ابن الحصيب بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين الأسلمي المروزي التابعي، (عن سمرة بن جندب) بضم الجيم وفتح الدال وضمها ابن هلال الفزاري، المتوفى سنة تسع وخمسين (أن امرأة) هي أُم كعب كما في مسلم (ماتت في) أي بسبب (بطن) أي ولادة بطن، فالمراد النفاس (فصلى عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقام وسطها) أي محاذيًا لوسطها بتحريك السين على أنه اسم وبتسكينها على أنه ظرف، وللكشميهني فقام عند وسطها. ورواة هذا الحديث ما بين رازي ومدني وبصري ومروزي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف في الجنائز وكذا مسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 35 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة وهو ساقط للأصيلي. 333 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ - اسْمُهُ الْوَضَّاحُ - مِنْ كِتَابِهِ قَالَ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ خَالَتِي مَيْمُونَةَ - زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لاَ تُصَلِّي، وَهْيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ، إِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي بَعْضُ ثَوْبِهِ. [الحديث 333 - أطرافه في: 379، 381، 517، 518]. وبالسند قال: (حدّثنا الحسن) بفتح الحاء المهملة (ابن مدرك) بضم الميم من الإدراك السدوسي البصري (قال: حدّثنا يحيى بن حماد) الشيباني، المتوفى سنة خمس عشرة ومائتين (قال: أخبرنا أبو عوانة) بفتح العين ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر اسمه الوضاح (من كتابه) أشار بذلك إلى ما قاله أحمد إذا حدّث من كتابه فهو أثبت، وإذا حدّث من غيره فربما وهم (قال: أخبرنا) ولأبي ذر عن الكشميهني حدّثنا (سليمان) بن أبي سليمان (الشيباني عن عبد الله بن شدّاد) هو ابن الهاد، وأمه سلمى بنت أبي عميس أخت ميمونة لأمها (قال):

7 - كتاب التيمم

(سمعت خالتي ميمونة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها) أي ميمونة (كانت تكون) إحداهما زائدة كقوله: وجيران لنا كانوا كرام فلفظة كانوا زائدة وكرام بالجر صفة لجيران أو في كان ضمير القصة وهو اسمها حائضًا وخبرها حائضًا، أو تكون هنا بمعنى تصير ولابن عساكر أنها تكون (حائضًا لا تصلي وهي مفترشة) أي منبسطة على الأرض (بحذاء) بكسر الحاء المهملة وبالذال المعجمة والد أي إزاء (مسجد) بكسر الجيم أي موضع سجود (رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من بيته لا مسجده المعهود كذا قرروه، وتعقبه في المصابيح بأن المنقول عن سيبويه أنه إذا أريد موضع السجود قيل مسجد بالفتح فقط. (وهو) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يصلي على خمرته) بضم الخاء المعجمة وسكون الميم سجادة صغيرة من خوص سميت بذلك لسترها الوجه والكفّين من حرّ الأرض وبردها، ومنه الخمار (إذا سجد) عليه الصلاة والسلام (أصابني بعض ثوب) هذا حكاية لفظها، وإلا فالأصل أن تقول أصابها. والجملة حالية، واستنبط منه عدم نجاسة الحائض والتواضع والمسكنة في الصلاة بخلاف صلاة المتكبرين على سجاجيد غالية الأثمان مختلفة الألوان. ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري وكوفي ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف في الصلاة وكذا مسلم وأبو داود وابن ماجة ولله الحمد. بسم الله الوحمن الوحيم 7 - كتاب التيمم {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]. (بسم الله الرحمن الرحيم) كذا لكريمة بتقديم البسملة على تاليها لحديث كل أمر ذي بال، ولأبي ذر تأخيرها بعد اللاحق كتأخيرها عن تراجم سور التنزيل، وسقطت من رواية الأصيلي (كتاب) بيان أحكام (التيمم) ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر باب التيمم وهو لغة القصد. يقال: تيممت فلانًا ويممته وتأممته وأممته أي قصدته. وشرعًا مسح الوجه واليدين فقط بالتراب، وإن كان الحدث أكبر وهو من خصوصيات هذه الأمة وهو رخصة. وقيل: عزيمة، وبه جزم الشيخ أبو حامد ونزل فرضه سنة خمس أو ست (قول الله تعالى) بلا واو مع الرفع مبتدأ خبره ما بعده، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي عز وجل بدل قوله تعالى، وللأصيلي وابن عساكر وقول الله بواو العطف على كتاب التيمم أو باب التيمم أي وفي بيان قول الله تعالى: (فلم تجدوا ماء) قال البيضاوي: فلم تتمكنوا من استعماله إذ الممنوع منه كالمفقود {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] أي فتعمدوا شيئًا من وجه الأرض طاهرًا، ولذلك قالت الحنفية: لو ضرب المتيمم يده على حجر صند ومسح أجزأه وقال أصحابنا الشافعية: لا بدّ من أن يعلق باليد شيء من التراب لقوله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} أي من بعضه، وجعل من لابتداء الغاية تعسف إذ لا يفهم من نحو ذلك إلا التبعيض، ووقع في رواية النسفيّ وعبدوس والمستملي والحموي (فإن لم تجدوا) قال الحافظ أبو ذر عند القراءة عليه التنزيل فلم تجدوا، ورواية الكتاب فإن لم تجدوا. قال عياض في المشارق: وهذا هو الصواب، ووقع في رواية الأصيلي (فلم تجدوا ماء فتيمموا) الآية وفي رواية أبي ذر إلى (وأيديكم) لم يقل منه وزيادتها لكريمة والشبوي وهي تعين آية المائدة دون النساء. 1 - باب 334 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ - أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ - انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا أَلاَ تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسِ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلاَ يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلاَّ مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى فَخِذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ. قَالَتْ فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ، فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ. [الحديث 334 - أطرافه في: 336، 3672، 3773، 4583، 4607، 4608، 5164، 5250، 5882، 6844، 6845]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن أبيه) القاسم (عن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) رضي الله عنها (قالت): (خرجنا مع رسول الله) ولابن عساكر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض أسفاره) وهو غزوة بني المصطلق كما قاله ابنا سعد وحبان، وجزم به ابن عبد البر في الاستذكار وكانت سنة ست كما ذكره المؤلف عن ابن إسحاق، أو خمس كما قاله ابن سعد، ورجحه أبو عبد الله الحاكم في الإكليل، وفي هذه الغزوة كانت قصة الإفك، وقال الداودي: وكانت قصة التيمم في غزوة الفتح ثم تردد في ذلك (حتى إذا كنا بالبيداء) بفتح الموحدة والمدّ أدنى إلى مكة من ذي الحليفة (أو بذات الجيش) بفتح الجيم وسكون المثناة التحتية آخره شين معجمة

موضعان بين مكة والمدينة والشك من أحد الرواة عن عائشة، وقيل: منها واستبعد والذي في غير هذا الحديث أنه كان بذات الجيش كحديث عمار بن ياسر رضي الله عنه عند أبي داود والنسائي بإسناد جيد، قال: عرّس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذات الجيش ومعه عائشة زوجه فانقطع عقدها الحديث، ولم يشك بينه وبين البيداء (انقطع عقد لي) بكسر العين وسكون القاف أي قلادة لي كان ثمنها اثني عشر درهمًا، والإضافة في قولها ليس باعتبار حيازتها اللعقد واستيلائها لمنفعته لا أنه ملك لها بدليل ما في الباب اللاحق أنها استعارت من أسماء قلادة (فأقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على التماسه) أي لأجل طلب العقد (وأقام الناس معه وليسوا على ماء) ولغير أبي ذر: وليسوا على ماء وليس معهم ماء. فالجملة الأخيرة وهي وليس معهم ماء ساقطة عند أبي ذر هنا فقط (فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق) رضي الله عنه (فقالوا) له (ألا ترى إلى ما صنعت عائشة) بإثبات ألف الاستفهام الداخلة على لا وعند الحموي لا ترى بسقوطها (أقامت برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والناس) بالجر (وليسوا على ماء وليس معهم ماء) أسند الفعل إليها لأنه كان بسببها (فجاء أبو بكر) رضي الله عنه (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واضع رأسه على فخذي) بالذال المعجمة (قد نام فقال: حبست رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) حبست (الناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء فقالت عائشة) رضي الله عنها: (فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول) فقال: حبست الناس في قلادة وفي كل مرة تكونين عناء (وجعل يطعنني بيده في خاصرتي) بضم العين وقد تفتح أو الفتح للقول كالطعن في النسب والضم للرمح، وقيل: كلاهما بالضم ولم تقل عائشة فعاتبني أبي بل أنزلته منزلة الأجنبي لأن منزلة الأبوّة تقتضي الحنوّ وما وقع من العتاب بالقول والتأديب بالفعل مغاير لذلك في الظاهر (فلا) وللأصيلي فما (يمنعني من التحرك إلاّ مكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على فخذي، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين أصبح) دخل في الصباح، وعند المؤلف في فضل أبي بكر فقام حتى أصبح (على غير ماء) متعلق بقام وأصبح فتنازعا فيه (فأنزل الله آية التيمم) التي بالمائدة، ووقع عند الحميدي في الحديث وفيه فنزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُم} الآية إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6] ولى يقل آية الوضوء وإن كان مبدوءًا به في الآية لأن الطارئ في ذلك الوقت حكم التيمم والوضوء كان مقررًّا يدل عليه وليس معهم ماء (فتيمموا) بلفظ الماضي أي تيمم الناس لأجل الآية، أو هو أمر على ما هو لفظ القرآن ذكره بيانًا أو بدلاً عن آية التيمم أي أنزله الله فتيمموا (فقال) وفي رواية قال (أسيد بن الحضير) بضم الهمزة في الأوّل مصغر أسد وبضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة في الآخر الأوسي الأنصاري الأشهلي أحد النقباء ليلة العقبة الثانية، المتوفى بالمدينة سنة عشرين (ما هي) أي البركة التي حصلت للمسلمين برخصة التيمم (بأول بركتكم يا آل أبي بكر) بل هي مسبوقة بغيرها من البركات، وفي رواية عمرو بن الحرث: لقد بارك الله للناس فيكم، وفي تفسير إسحاق البستي من طريق ابن أبي مليكة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ما أعظم بركة قلادتك" (قالت) عائشة رضي الله عنها: (فبعثنا) أي أثرنا (البعير الذي كنت) راكبة (عليه) حالة السير مع أسيد بن حضير (فأصبنا) ولابن عساكر فوجدنا (العقد تحته). وللمؤلف من هذا الوجه في فضل عائشة فبعث ناس من أصحابه في طلبها أي القلادة. وفي الباب التالي لهذا الباب فبعث عليه الصلاة والسلام رجلاً فوجدها، ولأبي داود فبعث أسيد بن حضير وناسًا معه وجمع بينها بأن أسيدًا كان رأس من بعث فلذلك سمي في بعض الروايات وكأنم لم يجدوا العقد أوّلاً، فلما رجعوا ونزلت آية التيمم وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير وجده أسيد بن حضير. وقال النووي: يحتمل أن يكون فاعل وجدها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. واستنبط من الحديث جواز تأديب ابنته ولو كانت مزوجة كبيرة وغير ذلك مما لا يخفى. ورواته

الخمسة مدنيون إلا الأوّل وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في النكاح والتفسير والمحاربين ومسلم والنسائي في الطهارة. 335 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ح قَالَ وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ قَالَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ - هُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ الْفَقِيرُ - قَالَ أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الَْغنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً». [الحديث 335 - طرفاه في: 438، 3122]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون زاد الأصيلي وهو العوفي بفتح العين المهملة والواو وكسر القاف الباهلي البصري (قال: حدّثنا) وفي رواية أخبرنا (هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة وسكون المثناة التحتية ابن بشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة الواسطي، المتوفى سنة ثلاث وثمانين ومائة (ح) مهملة للتحويل كما مرّ. (قال) أي البخاري (وحدّثني) بالإفراد وللأصيلي، وحدّثنا (سعيد بن النضر) بفتح النون وسكون المعجمة أبو عثمان البغدادي (قال أخبرنا هشيم) الذكور (قال: أخبرنا سيار) بفتح السين المهملة وتشديد المثناة التحتية آخره راء ابن أبي سيار وردان الواسطي (قال: حدّثنا يزيد) من الزيادة في غير رواية أبي ذر والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر كما في الفرع هو ابن صهيب (الفقير) لأنه كان يشكو فقار ظهره الكوفي أحد مشايخ أبي حنيفة (قال: أخبرنا) وفي رواية حدّثنا (جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (أعطيت) بضم الهمزة (خمسًا) أي خمس خضال، وعند مسلم من حديث أبي هريرة "فضلت على الأنبياء بست" ولعله اطلع أوّلاً على بعض ما اختص به ثم اطلع على الباقي، وإلاّ فخصوصياته عليه الصلاة والسلام كثيرة والتنصيص على عدد لا يدل على نفي ما عداه، وقد استوفيت من الخصائص جملة كافية مع مباحث وافية في كتابي الواهب اللدنية بالمنح المحمدية ولله الحمد. وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أحمد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ذلك عام غزوة تبوك (لم يعطهن أحد) من الأنبياء (قبلي) زاد في حديث ابن عباس لا أقولهن فخرًا وظاهر الحديث أن كل واحد من الخمس لم يكن لأحد قبله وهو كذلك (نصرت) بضم النون وكسر الصاد (بالرعب) بضم الراء الخوف يقذف في قلوب أعدائي (مسيرة شهر) جعل الغاية شهرًا لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه، (وجعلت لي الأرض) كلها (مسجدًا) بكسر الجيم موضع سجود لا يختص السجود منها بموضع دون آخر أو هو مجاز عن المكان المبني للصلاة، وهو من مجاز التشبيه إذ المسجد حقيقة عرفية في المكان المبني للصلاة، فلما جازت الصلاة في الأرض كلها كانت كالمسجد في ذلك فأطلق عليها اسمه. فإن قلت: أيّ داع إلى العدول عن حمله على حقيقته اللغوية وهي موضع السجود؟ أجاب في المصابيح بأنه إن بني على قول سبيويه أنه إذا أريد به موضع السجود قيل مسجد بالفتح فقط فواضح، وإن جوز الكسر فيه فالظاهر أن الخصوصية هي كون الأرض محلاً لإيقاع الصلاة بجملتها لا لإيقاع السجود فقط، فإنه لم ينقل عن الأمم الماضية أنها كانت تخص السجود بموضع دون موضع اهـ. نعم نقل ذلك في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا، وكان من قبل إنما يصلون في كنائسهم وهذا نص في موضع النزاع فتثبت الخصوصية، ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباس نحو حديث الباب، وفيه لم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه وعموم ذكر الأرض في حديث الباب مخصوص بما نهى الشارع عن الصلاة فيه، ففي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" ورواه أبو داود وقال الترمذي حديث فيه اضطراب، ولذا ضعّفه غيره، وفي حديث ابن عمر عند الترمذي وابن ماجة: نهى النبيب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يصلى في سبعة مواطن في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام وفي معاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله عز وجل. قال الترمذي إسناده ليس بالقوي: وقد تكلم في زيد بن جبير فمن قبل حفظه. (و) جعلت ليس الأرض (طهورًا) بفتح الطاء على المشهور واحتج به مالك وأبو حنيفة على جواز التيمم بجميع أجزاء الأرض لكن في حديث حذيفة عند مسلم، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء وهو خاص فيحمل العام عليه فتختص الطهورية

2 - باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا

بالتراب وهو قول الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى عنه، ومنع بعضهم الاستدلال بلفظ التربة على خصوصية التيمم بالتراب فقال: تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره. وأجيب بأنه ورد في الحديث المذكور بلفظ التراب ورواه ابن خزيمة وغيره، وفي حديث علي عند أحمد والبيهقي بإسناد حسن وجعل التراب لي طهورًا. (فأيما رجل) كائن (من أمتي أدركته الصلاة) جملة في موضع جر صفة لرجل وأي مبتدأ معنى الشرط زيد عليها ما لزيادة التعميم ورجل مضاف إليه، وفي رواية أبي أمامة عند البيهقي: فأيما رجل من أمتي أتى الصلاة فلم يجد ماء وجد الأرض طهورًاً ومسجدًا، وعند أحمد فعنده طهوره ومسجده، (فليصل) خبر المبتدأ أي بعد أن يتيمم أو حيث أدركته الصلاة، (وأحلت لي الغنائم) جمع غنيمة وهي ما حصل من الكفار بقهر، وللكشميهني كمسلم المغانم بميم قبل الغين (ولم تحل لأحد قبلي) لأن منهم من لم يؤذن له في الجهاد أصلاً، فلم يكن له مغانم، ومنهم من أذن له فيه لكن كانت الغنيمة حرامًا عليهم بل تجيء نار تحرقها. (وأعطيت الشفاعة) العظمى أو لخروج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان أو التي لأهل الصغائر والكبائر أو من ليس له عمل صالح إلا التوحيد، أو لرفع الدرجات في الجنة، أو في إدخال قوم الجنة بلا حساب، (وكان النبي) غيري (يبعث إلى قومه) المبعوث إليهم (خاصة وبعثت إلى الناس عامة) قومي وغيرهم من العرب والعجم والأسود والأحمر وفي رواية أبي هريرة عند مسلم: وأرسلت إلى الخلق كافة وهي أصرح الروايات وأشملها وهي مؤيدة لمن ذهب إلى إرساله عليه الصلاة والسلام إلى الملائكة كظاهر آية الفرقان ليكون للعالمين نذيرًا. ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري وواسطي وبغدادي وكوفي، وفيه التحديث والتحويل من سند إلى آخر، وأخرجه أيضًا في الصلاة ببعضه وكذا مسلم والنسائي في الطهارة والصلاة. 2 - باب إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلاَ تُرَابًا (باب إذا لم يجد ماء) للطهارة (ولا ترابًا) للتيمم بأن كان في سفينة لا يصل إلى الماء أو مسجونًا بكنيف نجسة أرضه وجداره هل يصلي أم لا. 336 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلاَدَةً فَهَلَكَتْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً، فَوَجَدَهَا فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلاَةُ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَصَلَّوْا، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لِعَائِشَةَ جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا، فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكِ لَكِ وَلِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ خَيْرًا. وبالسند قال: (حدّثنا زكريا بن يحيى) هو ابن صالح اللؤلؤي البلخي، المتوفى سنة ثلاثين ومائتين كما مال إليه الغساني والكلاباذي، أو هو زكريا بن يحيى بن عمر الطائي الكوفي أبو السكين بضم المهملة وفتح الكاف المتوفى سنة إحدى وخمسين ومائتين (قال: حدّثنا عبد الله بن نمير) بضم النون الكوفي (قال: حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها. (أنها استعارت من) أختها (أسماء) ذات النطاقين (قلادة) بكسر القاف (فهلكت) أي ضاعت (فبعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً) هو أسيد بن حضير (فوجدها) أي القلادة ولا منافاة بينه وبين قوله في الرواية السابقة، فأصبنا العقد تحت البعير لأن لفظ أصبنا عام شامل لعائشة وللرجل، فإذا وجد الرجل بعد رجوعه صدق قوله أصبنا أو أن النبي -صى الله عليه وسلم- هو الذي وجده بعد ما بعث، (فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء فصلّوا) أي بغير وضوء كما صرح به مسلم كالبخاري في سورة النساء في فضل عائشة، واستدل به على أن فاقد الطهورين يصلي على حاله وهو وجه المطابقة بين الترجمة والحديث، فكأن المصنف نزل فقد مشروعية التيمم منزلة فقد التراب بعد مشروعية التيمم فكأنه يقول: حكمهم في عدم المطهر الذي هو الماء خاصة كحكمنا في عدم المطهرين الماء والتراب، ففيه دليل على وجوب الصلاة لفاقد الطهورين لأنهم صلوا معتقدين وجوب ذلك، ولو كانت الصلاة حينئذ ممنوعة لأنكر عليهم الشارع عليه الصلاة والسلام، وبهذا قال الشافعي وأحمد وجمهور المحدثين وأكثر أصحاب مالك، لكن اختلفوا في وجوب الإعادة فنص الشافعي في الجديد على وجوبها إذا وجد أحد الطهورين، وصححه أكثر أصحابه محتجين بأنه عذر نادر فلم تسقط الإعادة، وفي القديم أقوال: أحدها: يندب له الفعل، والثاني يحرم ويعيد وجوبًا عليهما، والثالث يجب ولا يعيد، حكاه في أصل الروضة، واختاره في شرح المهذب لأنه أذى وظيفة الوقت، وإنما يجب القضاء بأمر جديد ولم

3 - باب التيمم في الحضر، إذا لم يجد الماء، وخاف فوت الصلاة وبه قال عطاء. وقال الحسن في المريض عنده الماء ولا يجد من يناوله يتيمم

يثبت فيه شيء وهو المشهور عن أحمد، وبه قال المزني وسحنون وابن المنذر ولحديث الباب، إذ لو كانت واجبة لبينها لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. وأجيب: بأن الإعادة ليست على الفور، ويجوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة، وقال مالك وأبو حنيفة، تحرم الصلاة لكونه محدثًا وتجب الإعادة، لكن الذي شهره الشيخ خليل من المالكية سقوط الأداء في الوقت وسقوط قضائها بعد خروجه. (فشكوا ذلك) بفتح الكاف المخففة (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنزل الله) عز وجل (آية التيمم) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} آية المائدة إلى آخرها. (فقال أسيد بن حضير لعائشة) رضي الله عنها: (جزاك الله خيرًاً فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله ذلك لك وللمسلمين فيه خيرًا) بكسر الكاف فيهما خطابًا للمؤنث، لكنه ضبب على ذلك في الفرع ونسبه لرواية أبي ذر وابن عساكر. ورواة هذا الحديث ما بين كوفي ومدني وفيه التحديث والعنعنة. 3 - باب التَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ، إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ، وَخَافَ فَوْتَ الصَّلاَةِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الْمَرِيضِ عِنْدَهُ الْمَاءُ وَلاَ يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ يَتَيَمَّمُ وَأَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ أَرْضِهِ بِالْجُرُفِ، فَحَضَرَتِ الْعَصْرُ بِمَرْبَدِ النَّعَمِ فَصَلَّى، ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ. (باب) حكم (التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء) أصلاً أو كان موجودًا لكنه لا يقدر على تحصيله كما إذا وجده في بئر وليس عنده آلة الاستقاء أو حال بينه وبينه عدو أو سبع (وخاف) وللأصيلي فخاف (فوت) وقت (الصلاة) تيمم (وبه) أي بتيمم الحاضر الخائف فوت الوقت عند فقد الماء (قال عطاء) هو ابن أبي رباح فيما وصله ابن أبي شيبة في مصنفه، وبه قال الشافعي لكن مع القضاء لندرة فقد الماء في الحضر بخلاف السفر. وفي شرح الطحاوي من الحنفية: التيمم في الحضر لا يجوز إلا في ثلاث: إذا خاف فوت الجنازة إن توضأ، أو فوت صلاة العيد، أو خاف الجنب من البرد بسبب الاغتسال. (وقال الحسن) البصري مما وصله القاضي إسماعيل في الأحكام من وجه صحيح (في المريض عنده الماء ولا يجد من يناوله) الماء ويعينه على استعماله (يتيمم)، بل عند الشافعية يتيمم إذا خاف من الماء محذورًا وإن وجد معينًا ولا يجب عليه القضاء، وفي رواية تيمم بصيغة الماضي. (وأقبل ابن عمر) بن الخطاب ومعه نافع مما وصله في الموطأ (من أرضه بالجر) بضم الجيم والراء وقد تسكن ما تجرفه السيول وتأكله من الأرض، والمراد به هنا موضع قريب من المدينة على ثلاثة أميال منها إلى جهة الشام. وقال ابن إسحاق: على فرسخ كانوا يعسكرون به إذا أرادوا الغزو (فحضرت العصر) أي صلاتها (بمربد النعم) بفتح الميم كما في الفرع. ورواه السفاقسي والجمهور على كسرها، وهو الموافق للغة وبسكون الراء وفتح الموحدة آخره مهملة موضع تحبس فيه الإبل والغنم وهو هنا على ميلين من المدينة، (فصلى) أي بعد أن تيمم كما في رواية مالك وغيره، وللشافعي ثم صلى العصر (ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة) عن الأفق، (فلم يعد) أي الصلاة. وهذا يدل على أن ابن عمر كان يرى جواز التيمم للحاضر لأن السفر القصير في حكم الحضر، وظاهره أن ابن عمر لم يراعِ خروج الوقت لأنه دخل المدينة والشمس مرتفعة، لكن يحتمل أنه ظن أنه لا يصل إلا بعد الغروب أو تيمم لا عن حدث، وإنما أراد تجديد الوضوء فلم يجد الماء، فاقتصر على التيمم بدل الوضوء. وقد ذهب مالك إلى عدم وجوب الإعادة على من تيمم في الحضر، وأوجبها الشافعي لندور ذلك: وعن أبي يوسف وزفر: لا يصلي إلا أن يجد الماء ولو خرج الوقت. فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الترجمة وهذا؟ أجيب: من كونه تيمم في الحضر لأن السفر القصير في حكم الحضر كما مرّ وإن كان المؤلف لم يذكر التيمم، لكن قال العيني: الظاهر أن حذفه من الناسخ واستمر الأمر عليه. 337 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَقْبَلْتُ أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جُهَيْمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الصِّمَّةِ الأَنْصَارِيِّ فَقَالَ أَبُو الْجُهَيْمِ أَقْبَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ، فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ. وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير نسبة لجده لشهرته به المخزومي المصري (قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل الكندي المصري، وفي رواية الإسماعيلي. حدّثني جعفر (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني، ولابن عساكر كما في الفرع عن حميد الأعرج وهو ابن قيس المكي أبو صفوان القاري من السادسة، توفي سنة ثلاثين أو بعدها (قال): (سمعت عميرًا) بضم العين مصغرًا ابن عبد الله الهاشمي (مولى ابن عباس قال: أقبلت أنا وعبد الله بن

4 - باب المتيمم هل ينفخ فيهما

يسار) بفتح المثناة التحتية والسين المهملة (مولى ميمونة زوج النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث) بالمثلثة، وجهيم بضم الجيم وفتح الهاء بالتصغير عبد الله (ابن الصمة) بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم ابن عمرو بن عتيك الخزرجي (الأنصاري، فقال أبو جهيم) وللأصيلي وأبي الوقت أبو الجهيم ولابن عساكر فقال الأنصاري: (أقبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من نحو بئر جمل) بالجيم والميم المفتوحتين موضع بقرب المدينة أي من جهة الموضع الذي يعرف ببئر الجمل، (فلقيه رجل) هو أبو الجهيم الراوي كما صرّح به الشافعي في روايته، (فسلم عليه فلم يردّ عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالحركات الثلاث في دال يرد الكسر لأنه الأصل والفتح لأنه أخف، وهو الذي في الفرع وغيره والضم لاتباع الراء (حتى أقبل على الجدار) الذي هناك وكان مباحًا فحتّه بعصًا ثم ضرب يده على الحائط (فمسح بوجهه ويديه) وللأصيلي وأبي الوقت: وبيديه بزيادة الموحدة، وللدارقطني وغيره ومسح وجهه وذراعيه، (ثم ردَّ عليه) أي على الرجل (السلام) زاد في رواية الطبراني في الأوسط، وقال: إنه لم يمنعني أن أردّ عليك إلا أني كنت على غير طهر أي أنه كره أن يذكر الله على غير طهارة. قال ابن الجوزي: لأن السلام من أسماء الله تعالى لكنه منسوخ بآية الوضوء، أو بحديث عائشة كان عليه الصلاة والسلام يذكر الله على كل أحيانه، قال النووي: والحديث محمول على أنه عليه السلام كان عادمًا للماء حال التيمم لامتناع التيمم مع القدرة سواء كان لفرض أو نفل. قال في الفتح: وهو مقتضى صنيع البخاري، لكن تعقب استدلاله به على جواز التيمم في الحضر بأنه ورد على سبب وهو إرادة ذكر الله فلم يرد به استباحة الصلاة. وأجيب: بأنه لما تيمم في الحضر لردّ السلام مع جوازه بدون الطهارة، فمن خشي فوات الصلاة في الحضر جاز له التيمم بطريق الأولى، واستدل به على جواز التيمم على الحجر لأن حيطان المدينة مبنية بحجارة سود. وأجيب: بأن الغالب وجود الغبار على الجدار، ولا سيما وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام حتّ الجدار بالعصا ثم تيمم كما في رواية الشافعي، فيحمل المطلق على المقيد. ورواة هذا الحديث السبعة ما بين مدنيين ومصريين، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في الطهارة. 4 - باب الْمُتَيَمِّمُ هَلْ يَنْفُخُ فِيهِمَا هذا (باب) بالتنوين (المتيمم هل ينفخ فيهما) أي في يديه بعدما يضرب بهما الصعيد وللأربعة باب هل ينفخ فيهما. 338 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ ذَرٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ الْمَاءَ. فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا». فَضَرَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكَفَّيْهِ الأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ. [الحديث 338 - أطرافه في: 339، 340، 341، 342، 343، 345، 346، 347]. وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا الحكم) بفتح الحاء والكاف ابن عتيبة بضم العين وفتح المثناة الفوقية وسكون التحتية وفتح الموحدة (عن ذر) بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء ابن عبد الله الهمداني بسكون الميم (عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالزاي المفتوحة مقصورًا وسعيد بكسر العين (عن أبيه) عبد الرحمن الصحابي الخزاعي الكوفي (قال): (جاء رجل) وفي رواية الطبراني من أهل البادية (إلى عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (فقال: إني أجنبت) يفتح الهمزة أي صرت جنبًا (فلم أصب الماء) بضم الهمزة من الإصابة أي لم أجده (فقال عمار بن ياسر) العنسي بالنون الساكنة وكان من السابقين الأوّلين وهو وأبوه شهد المشاهد كلها. وقال عليه الصلاة والسلام: "إن عمارًا ملئ إيمانًا" أخرجه الترمذي، واستأذن عليه فقال: "مرحبًا بالطيب المطيب" وقال: "من عادى عمارًا عاداه الله ومن أبغض عمارًا أبغضه الله" له في البخاري أربعة أحاديث منها قوله هنا (لعمر بن الخطاب) رضي الله عنه يا أمير المؤمنين (أما تذكر أنا) وللأصيلي إذا (كنا في سفر) ولمسلم في سرية وزاد فأجنبنا (أنا وأنت) تفسير لضمير الجمع في كنا وهمزة أم للاستفهام وكلمة ما للنفي وموضع أنا كنا نصب مفعول تذكر، (فاما أنت فلم تصل) أي لأنه كان يتوقع الوصول إلى الماء قبل خروج الوقت أو لاعتقاد أن التيمم عن الحدث الأصغر لا الأكبر وعمار قاسه عليه. (وأما أنا فتمعكت) أي تمرّغت في التراب كأنه لما رأى أن التيمم إذا وقع بدل الوضوء وقع على هيئة الوضوء رأى أن التيمم

5 - باب التيمم للوجه والكفين

عن الغسل يقع على هيئة الغسل، (فصليت فذكرت ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر فذكرته للنبي بإسقاط لفظ ذلك (فقال النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللأصيلي فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنما كان يكفيك هكذا) بالكاف بعد الهاء وللحموي والمستملي هذا (فضرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكفّيه) ولأبي ذر فضرب بكفّيه (الأرض) وللأصيلي في الأرض (ونفخ فيهما) نفخًا تخفيفًا للتراب، وهو محمول على أنه كان كثيرًا، (ثم مسح بهما وجهه وكفّيه) إلى الرسغين. وهذا مذهب أحمد فلا يجب عنده المسح إلى المرفقين ولا الضربة الثانية للكفين، واستشكل بأن ما يمسح به وجهه يصير مستعملاً، فكيف يمسح به كفّيه؟ وأجيب بأنه يمكن أن يمسح الوجه ببعض والكفّين بباقيهما، والمشهور عند المالكية وجوب ضربتين والمسح إلى المرفقين، واختلف عندهم إذا قتصر على الرسغين وصلى، فالمشهور أنه يعيد في الوقت، ومذهب أبي حنيفة والشافعي، وصححه النووي رحمه الله وجوب ضربة لمسح وجهه وأخرى ليديه والمسح إلى المرفقين قياسًا على الوضوء لحديث أبي داود أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تيمم بضربتين مسح بإحداهما وجهه، وروى الحاكم والدارقطني، عن أبي عمر، وعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين" وإلى هنا بمعنى مع والقياس على الوضوء دليل على أن المراد بقوله في حديث عمار وكفيه أي إلى المرفقين، وصحح الرافعي الاكتفاء بضربة لحديث الباب، والأوّل أصح مذهبًا، والثاني أصح دليلاً، وأما حديث الدارقطني والحاكم "التيمم ضربتان" الخ فالصواب وقفه على ابن عمر، وأما حديث أبي داود فليس بالقوي، وقضية حديث عمار الاكتفاء بمسح الوجه والكفين وهو قول قديم. قال في المجموع: وهو وإن كان مرجوحًا عند الأصحاب فهو القوي في الدليل كما قال الخطابي: الاقتصار على الكفين أصح في الرواية، ووجوب الذراعين أشبه بالأصول وأصح في القياس، ولو كان التراب ناعمًا كفى وضع اليد عليه من غير ضرب. وفي الحديث: إن مسح الوجه واليدين بدل في الجنابة عن كل البدن، وإنما لم يأمره بالإعادة لأنه عمل أكثر مما كان يجب عليه في التيمم. ورواة هذا الحديث الثمانية ما بين خراساني وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة والقول وثلاثة من الصحابة، وأخرجه المؤلف رحمه الله في الطهارة وكذا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن 5 - باب التَّيَمُّمُ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ هذا (باب) بالتنوين (التيمم للوجه والكفّين) التيمم للوجه مبتدأ والكفين عطف على الوجه والخبر محذوف قدّره الحافظ ابن حجر بقوله هو الواجب المجزئ والعيني: التيمم ضربة واحدة للوجه والكفّين. قال: ثم نقدّر بعد ذلك لفظ جوازًا يعني من حيث الجواز أو نقدّر وجوبًا يعني من حيث الوجوب. قال: والتقييد بالوجوب لا يفهم منه لأنه أعم من ذلك اهـ. وقد عقد المؤلف رحمه الله للضربة الواحدة بابًا يأتي إن شاء الله تعالى فليتأمل مع قول العيني ضربة واحدة. 339 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ عَنْ ذَرٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ عَمَّارٌ بِهَذَا، وَضَرَبَ شُعْبَةُ بِيَدَيْهِ الأَرْضَ، ثُمَّ أَدْنَاهُمَا مِنْ فِيهِ، ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ. وَقَالَ النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ ذَرًّا يَقُولُ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ الْحَكَمُ وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عَمَّارٌ. وبالسند قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن منهال بكسر الميم (قال: أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر حدّثنا (شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بن عتيبة الفقيه الكوفي وللأصيلي وكريمة أخبرني بالإفراد الحكم (عن ذر) بفتح الذال المعجمة ابن عبد الله الهمداني (عن سعيد بن عبد الرحمن) وللحموي والمستملي عن ابن عبد الرحمن (بن أبزى) بفتح الهمزة والزاي المعجمة بينهما موحدة ساكنة (عن أبيه) عبد الرحمن (قال عمار بهذا) إشارة إلى سياق المتن السابق من رواية آدم عن شعبة لكن ليس في رواية حجاج هذه قصة عمر قال حجاج (وضرب شعبة) بن الحجاج (بيديه الأرض ثم أدناهما) أي قرّبهما (من فيه) كناية عن النفخ وفيه إشارة إلى أنه كان نفخًا خفيفًا (ثم مسح وجهه) ولأبوي ذر والوقت ثم مسح بهما وجهه (وكفيه) أي إلى الرسغين أو إلى المرفقين. (وقال النضر) بالنون والضاد المعجمة ابن شميل مما وصله مسلم (أخبرنا شعبة) هو ابن الحجاج المذكور (عن الحكم) بن عتيبة (قال): (سمعت ذرًّا يقول) في السابقة عن ذر فصرح في هذه

بالسماع (عن ابن عبد الرحمن بن أبزى. قال الحكم) بن عتيبة المذكور: (وقد سمعته من ابن عبد الرحمن عن أبيه) عبد الرحمن، ولابن عساكر من ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه، وأفادت هذه أن الحكم سمعه من شيخ شيخه سعيد بن عبد الرحمن، قال في الفتح: والظاهر أنه سمعه من ذر عن سعيد ثم لقي سعيدًا فأخذه عنه، وكأنه سماعه له من ذر كان أتقن، ولهذا أكثر ما يجيء في الروايات بإثباته اهـ. (قال) عبد الرحمن بن أبزى (قال عمار) أي ابن ياسر زاد في غير الفرع "الصعيد الطيب" أي التراب الطاهر "وضوء المسلم يكفيه" أي يجزيه "من الماء" عند عدمه. قال الشافعي: الصعيد لا يقع إلا على تراب له غبار، وفي معناه الرمل إذا ارتفع له غبار فيكفي التيمم به إذا لم يلصق بالعضو بخلاف ما لا غبار له أو له غبار لكنه يلصق بالعضو. 340 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ ذَرٍّ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ شَهِدَ عُمَرَ وَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ كُنَّا فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا، وَقَالَ تَفَلَ فِيهِمَا. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي بمعجمة ثم مهملة البصري قاضي مكة (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بن عتيبة (عن ذر) ولأبي ذر والأصيلي سمعت ذرًّا (عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه). (أنه شهد) أي حضر (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه. (وقال له عمار) هو ابن ياسر (كنا في سرية فأجنبنا) أي صرنا جنبًا الحديث السابق. (وقال) مكان نفخ فيهما (تفل فيهما) أي في يديه، قال الجوهري: والتفل شبيه بالبزاق وهو أقل منه أوله البزاق ثم التفل ثم النفث ثم النفخ. 341 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ ذَرٍّ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ قَالَ عَمَّارٌ لِعُمَرَ تَمَعَّكْتُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ «يَكْفِيكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة (قال: أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن عبد الرحمن) ولابن عساكر زيادة ابن أبزى، ولأبي ذر عن الكشميهني والأصيلي وأبي الوقت عن أبيه بدل قوله عن عبد الرحمن (قال): (قال عمار لعمر) رضي الله عنهما (تمعكت) أي تمرّغت (فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فذكرت ذلك له، (فقال: يكفيك) أي لكل فريضة واحدة تيممت لها وما شئت من النوافل أو في كل الصلوات فرضها ونفلها (الوجه) بالرفع على الفاعلية (والكفّان) عطف عليه كذا في رواية الأصيلي وابن عساكر، ولأبي ذر وكريمة كما في فتح الباري الوجه والكفّين بالنصب فيهما أي تمسح الوجه والكفّين، ولغيرهم الوجه بالرفع على الفاعلية والكفين بالنصب على أنه مفعول معه أي يكفيك الوجه مع الكفين قيل: وروي الوجه والكفّين بالجر فيهما، ووجهه ابن مالك في التوضيح بوجهين أحدهما: أن الأصل يكفيك مسح الوجه فحذف المضاف وبقي المجرور به على ما كان عليه. والثاني أن تكون الكاف من يكفيك حرفًا زائدًا كما في (ليس كمثله شيء) وتعقبه الدماميني فقال يدفعه كتابة الكاف متصلة بالفعل اهـ. أي بقوله: يكفي والظاهر ثبوت الجر رواية فإنه ثابت مع بفية الأوجه السابقة في نسخة الفرع المقابلة على نسخة الحافظ شرف اليونيني الذي عوّل الناس عليه في ضبط روايات البخاري، حتى أن سيبويه عصره الجمال ابن مالك حضره عند سماع البخاري عليه، فكان إذا مرّ من الألفاظ ما يتراءى مخالفته لقوانين اللسان العربي سأله عنه فإن أجاب أنه كذلك أخذ ابن مالك في توجيهه، ومن ثم جمع كتابه التوضيح، ومعنى الحديث يكفيك مسح الوجه والكفّين في التيمم، ومفهومه أن ما زاد على الكفين ليس بفرض، وإليه ذهب الإمام أحمد كما مرّ، وحكي عن الشافعي في القديم وهو القوي من جهة الدليل، وأما القياس على الوضوء فجوابه أنه قياس في مقابلة النص فهو فاسد الاعتبار. وأجيب إن حديث عمار هذا لا يصلح الاحتجاج به لاضطرابه حيث روى والكفّين، وفي رواية أخرى والكوعين، وفي أخرى لأبي داود ويديه إلى نصف الذراع، وفي أخرى له والذراعين إلى نصف الساعد ولم يبلغ المرفقين، وفي أخرى له إلى المرفقين، وفي أخرى له أيضًا والنسائي وأيديهم إلى المناكب ومن بطون أيديهم إلى الآباط وهذه الزيادة على تسليم صحتها لو ثبت بالأمر دلّت على النسخ ولزم قبولها، لكن إنما وردت بالفعل فتحمل على الأكمل، وقد قال الحافظ ابن حجر: إن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه، ووقفه والراجح

6 - باب الصعيد الطيب وضوء المسلم، يكفيه من الماء

عدم رفعه، فأما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما مقال، وأما رواية الآباط فقال الشافعي وغيره: إن كان ذلك وقع بأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكل تيمم صح للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعده فهو ناسخ له، وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به، ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفّين كون عمار كان يفتي به بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولا سيما الصحابي المجتهد اهـ. وتعقب في قوله: لم يصح منها سوى حديث أبي الجهيم الخ بحديث جابر عند الدارقطني مرفوعًا "التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين" وأخرجه البيهقي أيضًا والحاكم وقال: هذا إسناد صحيح، وقال الذهبي أيضًا: إسناده صحيح ولا يلتفت إلى قول من يمنع صحته. 342 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ ذَرٍّ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ شَهِدْتُ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي البصري (عن شعبة) بن الحجاج (عن الحكم عن ذر عن ابن عبد الرحمن) ولأبي ذر عن الكشميهني زيادة ابن أبزى (عن عبد الرحمن قال): (شهدت) أي حضرت (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (فقال) بفاء العطف ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر قال (له عمار وساق الحديث) الذكور قريبًا قال للعهد. 343 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ ذَرٍّ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عَمَّارٌ فَضَرَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ الأَرْضَ، فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة (قال: حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال): (قال عمار فضرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده الأرض فمسح وجهه وكفيه) وقد أخرج المؤلف هذا الحديث في هذا الباب من رواية ستة أنفس، وبينه وبين شعبة بن الحجاج في هذه الطريق الأخيرة اثنان، وفي الطرق الخمسة السابقة واحد ولم يسقه تامًّا من رواية واحد منهم، ولم يذكر جواب عمر رضي الله عنه وليس ذلك من المؤلف، فقد أخرجه البيهقي من طريق آدم كذلك. نعم ذكر جوابه مسلم من طريق يحيى بن سعيد والنسائي من طريق حجاج بن محمد كلاهما عن شعبة ولفظهما فقال: لا تصل. زاد السراج: حتى تجد الماء، وهذا مذهب مشهور عن عمر وافقه عليه ابن مسعود، وجرت فيه مناظرة بين أبي موسى وابن مسعود تأتي إن شاء الله تعالى في باب التيمم ضربة. 6 - باب الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ، يَكْفِيهِ مِنَ الْمَاءِ وَقَالَ الْحَسَنُ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ مَا لَمْ يُحْدِثْ. وَأَمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لاَ بَأْسَ بِالصَّلاَةِ عَلَى السَّبَخَةِ وَالتَّيَمُّمِ بِهَا. هذا (باب) بالتنوين (الصعيد الطيب) مبتدأ وصفته والخبر قوله (وضوء المسلم يكفيه عن الماء) أي يغنيه عند عدمه حقيقة أو حكمًا، وقد روى أصحاب السنن نحوه مع زيادة وإن لم يجد الماء عشر سنين، وصححه الترمذي وابن حبان والدارقطني. (وقال الحسن) البصري مما هو موصول عند عبد الرزاق بنحوه (يجزئه) بضم المثناة التحتية مهموزًا أي يكفيه (التيمم ما لم يحدث) أي مدّة عدم الحدث، وهو عند سعيد بن منصور بلفظ: التيمم بمنزلة الوضوء إذا تيممت فأنت على وضوء حتى تحدث، وفي مصنف حماد بن سلمة عن يونس عن عبيد عن الحسن قال: يصلي الصلوات كلها بتيمم واحد مثل الوضوء ما لم يحدث وهو مذهب الحنفية لترتبه على الوضوء فله حكمه. وقال الأئمة الثلاثة: لا يصلي إلا فرضًا واحدًا لأنه طهارة ضرورة بخلاف الوضوء، وقد صح فيما قاله البيهقي عن ابن عمر إيجاب التيمم لكل فريضة. قال: ولا نعلم له مخالفًا من الصحابة. نعم روى ابن المنذر عن ابن عباس أنه لا يجب والنذر كالفرض، والأصح صحة جنائز مع فرض لشبه صلاة الجنازة بالنفل في جواز الترك وتعينها عند انفراد المكلف عارض، وقد أبيح عند الجمهور بالتيمم الواحد النوافل مع الفريضة إلا أن مالكًا اشترط تقدم الفريضة. (وأُمّ ابن عباس) رضي الله عنهما (وهو متيمم) من كان متوضئًا وهذا وصله البيهقي وابن أبي شيبة بإسناد صحيح وهو مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة والجمهور خلافًا للأوزاعي. قال: لضعف طهارته. نعم لا تصح ممن تلزمه الإعادة كمقيم تيمم لعدم الماء عند الشافعية. (وقال يحيى بن سعيد) الأنصاري: (لا بأس بالصلاة على السبخة) بالمهملة والموحدة والخاء المعجمة المفتوحات الأرض المالحة التي لا تكاد تنبت (و) كذا (التيمم بها) احتج ابن خزيمة لذلك بحديث عائشة رضي الله عنها أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "رأيت دار هجرتكم

سبخة ذات نخل" يعني المدينة قال: وقد سمى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة طيبة، فدل على أن السبخة داخلة في الطيب ولم يخالف في ذلك إلا إسحاق بن راهويه. 344 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ قَالَ كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنَّا أَسْرَيْنَا، حَتَّى كُنَّا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، وَقَعْنَا وَقْعَةً وَلاَ وَقْعَةَ أَحْلَى عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا، فَمَا أَيْقَظَنَا إِلاَّ حَرُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ فُلاَنٌ ثُمَّ فُلاَنٌ ثُمَّ فُلاَنٌ - يُسَمِّيهِمْ أَبُو رَجَاءٍ فَنَسِيَ عَوْفٌ - ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الرَّابِعُ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَامَ لَمْ يُوقَظْ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَسْتَيْقِظُ، لأَنَّا لاَ نَدْرِي مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عُمَرُ، وَرَأَى مَا أَصَابَ النَّاسَ، وَكَانَ رَجُلاً جَلِيدًا، فَكَبَّرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ لِصَوْتِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شَكَوْا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ قَالَ «لاَ ضَيْرَ - أَوْ لاَ يَضِيرُ - ارْتَحِلُوا». فَارْتَحَلَ فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ نَزَلَ، فَدَعَا بِالْوَضُوءِ، فَتَوَضَّأَ وَنُودِيَ بِالصَّلاَةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلاَتِهِ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ «مَا مَنَعَكَ يَا فُلاَنُ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ». قَالَ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلاَ مَاءَ. قَالَ «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ». ثُمَّ سَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاشْتَكَى إِلَيْهِ النَّاسُ مِنَ الْعَطَشِ فَنَزَلَ، فَدَعَا فُلاَنًا - كَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو رَجَاءٍ نَسِيَهُ عَوْفٌ - وَدَعَا عَلِيًّا فَقَالَ «اذْهَبَا فَابْتَغِيَا الْمَاءَ». فَانْطَلَقَا فَتَلَقَّيَا امْرَأَةً بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ - أَوْ سَطِيحَتَيْنِ - مِنْ مَاءٍ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، فَقَالاَ لَهَا أَيْنَ الْمَاءُ قَالَتْ عَهْدِي بِالْمَاءِ أَمْسِ هَذِهِ السَّاعَةَ، وَنَفَرُنَا خُلُوفًا. قَالاَ لَهَا انْطَلِقِي إِذًا. قَالَتْ إِلَى أَيْنَ قَالاَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَتِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ قَالاَ هُوَ الَّذِي تَعْنِينَ فَانْطَلِقِي. فَجَاءَا بِهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَدَّثَاهُ الْحَدِيثَ قَالَ فَاسْتَنْزَلُوهَا عَنْ بَعِيرِهَا وَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِنَاءٍ، فَفَرَّغَ فِيهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَتَيْنِ - أَوِ السَّطِيحَتَيْنِ - وَأَوْكَأَ أَفْوَاهَهُمَا، وَأَطْلَقَ الْعَزَالِيَ، وَنُودِيَ فِي النَّاسِ اسْقُوا وَاسْتَقُوا. فَسَقَى مَنْ شَاءَ، وَاسْتَقَى مَنْ شَاءَ، وَكَانَ آخِرَ ذَاكَ أَنْ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إِنَاءً مِنْ مَاءٍ قَالَ «اذْهَبْ، فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ». وَهْيَ قَائِمَةٌ تَنْظُرُ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِمَائِهَا، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أُقْلِعَ عَنْهَا، وَإِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشَدُّ مِلأَةً مِنْهَا حِينَ ابْتَدَأَ فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «اجْمَعُوا لَهَا». فَجَمَعُوا لَهَا مِنْ بَيْنِ عَجْوَةٍ وَدَقِيقَةٍ وَسَوِيقَةٍ، حَتَّى جَمَعُوا لَهَا طَعَامًا، فَجَعَلُوهَا فِي ثَوْبٍ، وَحَمَلُوهَا عَلَى بَعِيرِهَا، وَوَضَعُوا الثَّوْبَ بَيْنَ يَدَيْهَا قَالَ لَهَا «تَعْلَمِينَ مَا رَزِئْنَا مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَسْقَانَا». فَأَتَتْ أَهْلَهَا، وَقَدِ احْتَبَسَتْ عَنْهُمْ قَالُوا مَا حَبَسَكِ يَا فُلاَنَةُ قَالَتِ الْعَجَبُ، لَقِيَنِي رَجُلاَنِ فَذَهَبَا بِي إِلَى هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّابِئُ، فَفَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لأَسْحَرُ النَّاسِ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ وَهَذِهِ. وَقَالَتْ بِإِصْبَعَيْهَا الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ، فَرَفَعَتْهُمَا إِلَى السَّمَاءِ - تَعْنِي السَّمَاءَ وَالأَرْضَ - أَوْ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ ذَلِكَ يُغِيرُونَ عَلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلاَ يُصِيبُونَ الصِّرْمَ الَّذِي هِيَ مِنْهُ، فَقَالَتْ يَوْمًا لِقَوْمِهَا مَا أُرَى أَنَّ هَؤُلاَءِ الْقَوْمَ يَدَعُونَكُمْ عَمْدًا، فَهَلْ لَكُمْ فِي الإِسْلاَمِ فَأَطَاعُوهَا فَدَخَلُوا فِي الإِسْلاَمِ. [الحديث 344 - طرفاه في: 348، 3571]. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) ولأبي ذر كما في الفتح مسدد بن مسرهد (قال: حدّثني) بالإفراد وللأصيلي وابن عساكر حدّثنا (يحيى بن سعيد) القطان (قال: حدّثنا عوف) بالفاء هو الأعرابي (قال: حدّثنا أبو رجاء) بفتح الراء وتخفيف الجيم وبالمد عمران بن ملحان بكسر الميم وسكون اللام والحاء المهملة العطاردي، أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يره، وأسلم بعد الفتح، وتوفي سنة بضع ومائة (عن عمران) بن حصين الخزاعي قاضي البصرة، قال أبو عمر: كان من فضلاء الصحابة وفقهائهم يقول عنه أهل البصرة أنه كان يرى الحفظة وكانت تكلمه حتى اكتوى، وتوفي سنة اثنتين وخمسين، وله في البخاري اثنا عشر حديثًا (قال): (كنا في سفر) أي عند رجوعهم من خيبر كما في مسلم أو في الحديبية كما رواه أبو داود أو في طريق مكة كما في الموطأ من حديث زيد بن أسلم مرسلاً أو بطريق تبوك كما رواه عبد الرزاق مرسلاً (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنا أسرينا). قال الجوهري: تقول سريت وأسريت بمعنى إذا سرت ليلاً (حتى إذا كنا في آخر الليل وقعنا وقعة) أي نمنا نومة (ولا وقعة أحلى عند المسافر منها) أي من الوقعة في آخر الليل، وكلمة لا النفي الجن ووقعة اسمها وأحلى صفة للوقعة وخبر لا محذوف أو أحلى الخبر (فما) ولابن عساكر وما (أيقظنا) من نومنا (إلا حرّ الشمس وكان) ولأبي ذر والأصيلي فكان (أوّل من استيقظ فلان) اسم كان وأوّل بالنصب خبرها مقدمًا، أو فلان بدل من أوّل على أنه اسم كان التامة بمعنى وجد المستغنية عن الخبر، وقول الزركشي: ومن نكرة موصوفة فيكون أوّل أيضًا نكرة لإضافته إلى النكرة أي أوّل رجل استيقظ تعقبه البدر الدماميني بأنه لا يتعين لجواز كونها موصولة أي: وكان أوّل الذين استيقظوا وأعاد الضمير بالإفراد رعاية للفظ من اهـ. وفلان المستيقظ أوّلاً هو أبو بكر الصديق (ثم فلان) يحتمل أن يكون عمران الراوي لأن ظاهر سياقه أنه شاهد ذلك ولا يمكنه مشاهدته إلا بعد استيقاظه، قال في المصابيح: والأولى أن يجعل هذا من عطف الجمل أي ثم استيقظ فلان إذ ترتبهم في الاستيقاظ يدفع اجتماعهم جميعهم في الأوّلية، ولا يمتنع أن يكون من عطف المفردات ويكون الاجتماع في الأوّلية باعتبار البعض لا الكل أي أن جماعة استيقظوا على الترتيب وسبقوا غيرهم في الاستيقاظ، لكن هذا لا يتأق على رأي الزركشي لأنه قال: أي أوّل رجل فإذا جعل هذا من قبيل عطف المفردات لازم الإخبار عن جماعة بأنهم أول رجل استيقظ وهو باطل، (ثم فلان) يحتمل أيضًا أن يكون من شارك عمران في رؤية هذه القصة المعينة وهو ذو مخبر كما في الطبراني (يسميهم) أي المستيقظين (أبو رجاء) العطاردي (فنسي عوف) أي الأعرابي (ثم عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (الرابع) بالرفع صفة لعمر المرفوع عطفًا على ثم فلان أو بالنصب خبر كان. أي ثم كان عمر بن الخطاب الرابع من المستيقظين وأيقظ الناس بعضهم بعضًا، (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا نام لم يوقظ) بضم المثناة التحتية وفتح القاف مبنيًّا للمفعول مع الإفراد، وللأربعة لم نوقظه بنون المتكلم وكسر القاف، والضمير المنصوب للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى يكون هو يستيقظ لأنّا لا ندري ما يحدث له) بفتح المثناة وضم الدال من الحدوث (في نومه) أي من الوحي وكانوا يخافون انقطاعه بالإيقاظ، (فلما استيقظ عمر) رضي الله عنه (ورأى ما أصاب الناس) من نومهم عن صلاة الصبح حتى خرج وقتها وهم على غير ماء، وجواب لما محذوف تقدير فلما استيقظ كبّر، (وكان) أيما عمر (رجلاً جليدًا) بفتح الجيم وكسر اللام من الجلادة وهي الصلابة (فكبّر ورفع صوته بالتكبير فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته) بالموحدة أي بسبب صوته، وللأربعة لصوته باللام أي لأجل صوته (النبي -صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وإنما استعمل التكبير لسلوك طريق الأدب والجمع بين المصلحتين: إحداهما الذكر والأخرى الاستيقاظ، وخصّ التكبير لأنه الأصل في الدعاء إلى الصلاة، واستشكل هذا مع قوله عليه الصلاة والسلام "إن عيني تنامان ولا ينام قلبي".- وأجيب: بأن القلب إنما يدرك الحسيات اتعلقة به كالألم ونحوه، ولا يدرك ما يتعلق بالعين لأنها نائمة والقلب يقظان. (فلما استيقظ) عليه الصلاة والسلام (شكوا إليه الذي أصابهم) مما ذكر (قال) ولابن عساكر فقال بالفاء تأنيسًا لقلوبهم لما عرض لها من الأسف على خروج الصلاة عن وقتها (لا ضير أو لا يضير) أي لا ضرر يقال: ضاره يضوره ويضيره والشك من عوف كما صرّح به البيهقي (ارتحلوا) بصيغة أمر للجماعة المخاطبين من الصحابة. (فارتحل) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه ولأبي ذر وابن عساكر فارتحلوا أي عقب أمره عليه الصلاة والسلام بذلك، وكان السبب في الارتحال من ذلك الوضع حضور الشيطان فيه كما في مسلم (فسار) عليه الصلاة والسلام ومن معه (غير بعيد: ثم نزل) بمن معه (فدعا بالوضوء) بفتح الواو (فتوضأ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه (ونودي بالصلاة) أي أذن بها كما عند مسلم والمؤلف في آخر المواقيت، (فصلى بالناس فلما انفتل) أي انصرف (من صلاته إذا هو برجل) لم يسم أو هو خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري أخو رفاعة لكن وهموا قائله (معتزل) أي منفرد عن الناس (لم يصل مع القوم. قال: ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ قال) يا رسول الله (أصابتني جنابة ولا ماء) أي موجود بالكلية وماء بفتح الهمزة، وقول ابن حجر أي معي. تعقبه العيني بأن كلمة لا لنفي جنس الماء وعدم الماء معه لا يستلزم عدمه عند غيره، فحينئذ لا يستقيم نفي جنس الماء، ويحتمل أن تكون لا هنا بمعنى ليس فيرتفع الماء حينئذ، ويكون المعنى ليس ماء عندي، وقال ابن دقيق العين: حذف الخبر في قوله: ولا ماء أي موجود عندي، وفي حذف الخبر بسط لعذره لما فيه من عموم النفي كأنه نفى وجود الماء بالكلية بحيث لو وجد بسبب أو سعي أو غير ذلك لحصله فإذا نفى وجوده مطلقًا كان أبلغ في النفي وأعذر له. (قال) عليه الصلاة والسلام (عليك بالصعيد) المذكور في الآية الكريمة (فتيمموا صعيدًا طيبًا) وفي رواية سلم بن زرير عند مسلم فأمره أن يتيمم بالصعيد (فإنه يكفيك) لإباحة صلاة الفرض الواحد مع النوافل أو للصلاة مطلقًا ما لم تحدث، (ثم سار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاشتكى إليه) وإلى الله صلاته وسلامه عليه (الناس من العطش فنزل) عليه الصلاة والسلام (فدعا فلانًا) هو عمران بن حصين كما دلّ عليه رواية سلم بن زرير عند مسلم (كان يسمّيه أبو رجاء) العطاردي (نسيه) ولابن عساكر ونسيه (عوف) الأعراي (ودعا عليًّا) هو ابن أبي طالب (فقال) عليه الصلاة والسلام لهما: (اذهبا فابتغيا) بالمثناة الفوقية بعد الموحدة من الابتغاء، وللأصيلي فابغيا وهو من الثلاثي وهمزته همزة وصل أي فاطلبا (الماء فانطلقا فتلقيا امرأة بين مزادتين) تثنية مزادة بفتح الميم والزاي الرواية أو القربة الكبيرة، وسميت بذلك لأنه يزاد فيها جلدًا آخر من غيرها (أو) بين (سطيحتين) تثنية سطيحة بفتح السين وكسر الطاء المهملتين بمعنى المزادة أو وعاء من جلدين سطح أحدهما على الآخر، والشك من الراوي وهو عوف (من ماء على بعير لها) سقط من ماء عند ابن عساكر (فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس) بالبناء على الكسر عند الحجازيين ويعرب غير منصرف للعلمية والعدل عند تيمم فتفتح سينه إذا كان ظرفًا، ويحتمل أن يكون عهدي مبتدأ وبالماء متعلق به وأمس ظرف له. وقوله: (هذه الساعة) بدل من أمس بدل بعض من كل أي: مثل هذه الساعة، والخبر محذوف أي حاصل ونحوه أو هذه الساعة ظرف، قال ابن مالك: أصله في مثل هذه الساعة فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وجوّز أبو البقاء أن يكون أمس خبر عهدي لأن المصدر يخبر عنه بظرف الزمان، وعلى هذا تضم سين أمس على لغة تيمم. وجوّز في المصابيح أن يكون بالماء خبر عهدي وأمس ظرف لعامل هذا الخبر أي عهدي متلبس بالماء في أمس، ولم

يجعل الظرف متعلقًا بعهدي كما مرّ قال: لأني جعلت بالماء خبرًا، فلو علّق الظرف بالعهد مع كونه مصدرًا لزم الإخبار عن المصدر قبل استكمال معمولاته وهذا باطل اهـ. (ونفرنا) أي رجالنا (خلوفَا) بضم الخاء المعجمة واللام المخففة والنصب كما في رواية المستملي والحموي على الحال السادّة مسدّ الخبر قاله الزركشي والبدر الدماميني وابن حجر أي متروكون خلوفَا مثل (ونحن عصبة) [يوسف: 8] بالنمب، وتعقبه العيني فقال: ما الخبر هنا حتى يسدّ الحال مسدّه. قال: والأوجه ما قاله الكرماني إنه منصوب بكان المقدّرة، وللأصيلي خلوف بالرفع خبر المبتدأ أي غيب، أو خرج رجالهم للاستقاء وخلفوا النساء أو غابوا وخلفوهن. (قالا لها: انطلقي إذا قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قالت: الذي يقال له الصابئ) بالهمزة من صبأ أي خرج من دين إلى آخر، ويروى بتسهيله ياء من صبا يصبي أي المائل. (قالا: هو الذي تعنين) أي تريدين وفيه تخلص حسن لأنهما لو قالا: لا لفات المقصود، ولو قالا: نعم لكان فيه تقرير لكونه عليه الصلاة والسلام صائبًا، فتخلصا بهذا اللفظ وأشار إلى ذاته الشريفة لا إلى تسميتها (فانطلقي) معنا إليه (فجاءا) أي عليّ وعمران (بها إلى النبي) ولأبوي ذر والوقت إلى رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحدّثاه الحديث) الذي كان بينهما وبينها، (قال) عمران بن الحصين (فاستنزلوها عن بعيرها) أي طلبوا منها النزول عنه وجمع باعتبار غليّ وعمران ومن تبعهما ممن يعينهما، (ودعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد أن أحضروها بين يديه (بإناء ففرّغ فيه) عليه الصلاة والسلام من التفريغ، وللكشميهني فأفرغ من الإفراغ (من أفواه المزادتين) جمع في موضع التثنية على حد (فقد صغت قلوبكما) [التحريم: 4] (أو السطيحتين) أي أفرغ من أفواههما والشك من الراوي (وأوكأ) أي ربط (أفواههما وأطلق) أي فتح (العزالي) بفتح المهلمة والزاي وكسر اللام، ويجوز فتحها وفتح الياء جمع عزلاء بإسكان الزاي والمدّ أي فم المزادتين الأسفل وهي عروتها التي يخرج منها الماء بسعة، ولكل مزادة عزلاً وإن من أسفلها، (ونودي في الناس اسقوا) بهمزة وصل من سقى فتكسر أو قطع من أسقى فتفتح أي اسقوا غيرهم كالدواب، (واستقوا فسقى من سقى) ولابن عساكر فسقى من شاء، (واستقى من شاء) فرق بينه وبين سقى لأنه لنفسه وسقى لغيره من ماشية ونحوه، واستقى قيل بمعنى سقى، وقيل إنما يقال سقيته لنفسه واستقيته لماشيته، (وكان آخر ذلك) بنصب آخر خبر كان مقدمًا والتالي اسمها وهو قوله (أن) مصدرية (أعطى الذي أصابته الجنابة) وكان معتزلاً (إناء من ماء) ويجوز رفع آخر على أنّ أن أعطى الخبر، قال أبو البقاء: والأوّل أقوى لأن أن والفعل أعرف من انفعل المفرد، وقد قرئ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا بالوجهين (قال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للذي أصابته الجنابة: (اذهب فأفرغه عليك) بهمزة القطع فأفرغه (وهي) أي والحال أن المرأة (قائمة تنظر إلى ما يفعل) بالبناء للمجهول (بمائها) قيل: إنما أخذوها واستجازوا أخذ مائها لأنها كنت كافرة حربية، وعلى تقدير أن يكون لها عهد فضرورة العطش تبيح للمسلم الماء المملوك لغيره على عوض، وإلا فنفس الشارع تفدى بكل شيء على سبيل الوجوب، (وايم الله) بوصل الهمزة والرفع مبتدأ خبره محذوف أي قسمي (لقد أقلع) بضم الهمزة أي كف (عنها وأنه ليخيل إلينا أنها أشد ملاءة) بكسر الميم وسكون اللام وبعدها همزة ثم تاء تأنيث أي امتلاء (منها حين ابتدأ فيها) وهذا من أعظم آياته وباهر دلائل نبوّته حيث توضؤوا وشربوا وسقوا واغتسل الجنب، بل في رواية سلم بن زرير أنهم ملؤوا كل قربة كانت معهم مما سقط من الغزالي، وبقيت المزادتان مملوءتين بل تخيل الصحابة أن ماء هنا أكثر مما كان أولاً (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأصحابه: (اجمعوا لها) لعله تطييبًا لخاطرها في مقابلة حبسها في ذلك الوقت عن المسير إلى قومها وما نالها من مخافتها أخذ مائها لا أنه عوض عما أخذ من الماء، (فجمعوا لها من بين)

7 - باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو خاف العطش، تيمم

وفي رواية ما بين (عجوة) تمر أجود تمر المدينة (ودقيقة وسويقة) بفتح أوّلهما، ولكريمة ودقيقة وسويقة بضمها مصغرين (حتى جمعوا لها طعامًا) زاد أحمد في روايته كثيرًا، والطعام في اللغة ما يؤكل، قال الجوهري: وربما خص الطعام بالبرّ (فجعلوه) أي الذي جمعوه ولأبي ذر فجعلوها أي الأنواع المجموعة (في ثوب وحملوها) أي المرأة (على بعيرها ووضعوا الثوب) بما فيه (بين يديها) أي قدّامها على البعير (قال لها) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وللأصيلي قالوا لها أي الصحابة بأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تعلمين) بفتح التاء وسكون العين وتخفيف اللام أي اعلمي (ما رزئنا) بفتح الراء وكسر الزاي وقد تفتح وبعدها همزة ساكنة أي ما نقصنا (من مائك شيئًا) أي فجميع ما أخذناه من الماء مما زاده الله وأوجده، ويؤيده قوله: (ولكن الله هو الذي أسقانا) بالهمزة ولأبي عساكر سقانا، (فأتت أهلها وقد احتبست عنهم، قالوا) أي أهلها ولأبوي ذر والوقت فقالوا (ما) وللأصيلي فقالوا لها: ما (حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب) أي حبسني العجب (لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الذي) ولأبي ذر إلى هذا الرجل الذي (يقال له الصابئ ففعل كذا وكذا، فوالله إنه لأسحر الناس من بين هذه وهذه) عبّر بمن البيانية، وكان الناسب التعبير بفي بدل من على أن حروف الجر قد ينوب بعضها عن بعض، (وقالت) أي أشارت (بإصبعيها الوسطى والسبابة) لأنه يشار بهما عند المخاصمة والسب وهي السبحة لأنها يشار بها إلى التوحيد والتنزيه (فرفعتهما إلى السماء تعني) المرأة (السماء والأرض أو إنه لرسول الله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حقًا) هذا منها ليس بإيمان للشك لكنها أخذت في النظر فأعقبها الحق فآمنت بعد ذلك، (فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون) وللأصيلي بعد يغيرون بضم الياء من أغار. ويجوز فتحها من غار وهو قليل (على من حولها من المشركين ولا يصيبون الصرم الذي هي منه) بكسر الصاد وسكون الراء النفر ينزلون بأهليهم على الماء أو أبيات من الناس مجتمعة، وإنما لم يغيروا عليهم وهم كفرة للطمع في إسلامهم بسببها أو لرعاية ذمامها، (فقالت) أي المرأة (يومًا لقومها: ما أرى) بفتح الهمزة بمعنى أعلم أي الذي أعتقد (أن هؤلاء القوم) بفتح همزة أن مع تشديد النون (يدعونكم) بفتح الدال من الإغارة (عمدًا) لا جهلاً ولا نسيانًا ولا خوفًا منكم، بل مراعاة لما سبق بيني وبينهم، وفي رواية الأكثرين: ما أرى هؤلاء بفتح همزة أرى وإسقاط أن، والأول رواية أبي ذر ولابن عساكر: ما أرى بضم الهمزة أي أظن أن هؤلاء بكسر الهمزة كذا في الفرع، وللأصيلي وابن عساكر ما أدري أن بالدال بعد الألف وأن بفتح الهمزة والتشديد وهي في موضع المفعول، والمعنى ما أدري ترك هؤلاء إياكم عمدًا لماذا هو؟ وقال أبو البقاء: الجيد أن يكون أن هؤلاء بالكسر على الإهمال والاستئناف، ولا بفتح على إعمال أدري فيه لأنها قد عملت بطريق الظاهر، ولكون مفعول أدري محذوفًا، والمعنى ما أدري لماذا تمتنعون من الإسلام أن المسلمين تركوا الإغارة عليكم عمدًا مع القدرة (فهل لكم) رغبة (في الإسلام؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام). ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلف أيضًا في علامات النبوّة ومسلم في الصلاة، وزاد في رواية المستملي هنا مما ليس في الفرع. (قال أبو عبد الله) أي المؤلف في تفسير (صبأ) أي (خرج من دين إلى غيره). (وقال أبو العالية): رفيع بن مهران الرياحي مما وصله ابن أبي حاتم في تفسيره: (الصابئين) هم (فرقة من أهل الكتاب يقرؤون الزبور). وقال البيضاوي: والصابين قوم بين النصارى والمجوس، وقيل أصل دينهم دين نوح، وقيل: هم عبدة الملائكة، وقيل: عبدة الكواكب، وأورده المؤلف هنا ليبيّن الفرق بين الصابئ المروي في الحديث، والصابئ المنسوب لهذه الطائفة. 7 - باب إِذَا خَافَ الْجُنُبُ عَلَى نَفْسِهِ الْمَرَضَ أَوِ الْمَوْتَ أَوْ خَافَ الْعَطَشَ، تَيَمَّمَ وَيُذْكَرُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَجْنَبَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَتَيَمَّمَ وَتَلاَ (وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يُعَنِّف. هذا (باب) بالتنوين (إذا خاف الجنب على نفسه المرض) المتلف وغيره كزيادته أو نحو ذلك كشين فاحش في عضو طاهر، (أو الموت) من استعماله الماء، (أو خاف العطش) لحيوان محترم من نفسه

أو رفيقه ولو في المستقبل (تيمم) وللأصيلي وابن عساكر يتيمم أي مع وجود الماء. (ويذكر) مما وصله الدارقطني (أن عمرو بن العاصي) بن وائل بن هشام القرشي السهمي أمير مصر أسلم قبل الفتح في صفر سنة ثمان، وكان لا يرفع طرفه إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حياء منه، وله في البخاريّ ثلاثة أحاديث رضي الله عنه (أجنب في ليلة باردة) في غزوة ذات السلاسل (فتيمم) وصلى بأصحابه الصبح (وتلا) بالواو وللأصيلي فتلا: (ولا تقتلوا أنفسكم) أي بإلقائها إلى التهلكة {إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] (فذكر) بضم الذال (للنبيّ) وللأصيلي فذكر ذلك أي عمرو للنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يعنف) أي عمرًا وحذف المفعول للعلم به، قال الحافظ ابن حجر وللكشميهني فلم- يعنفه بضمير المفعول، وعزاها في الفرع لابن عساكر أي لم يلمه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعدم التعنيف تقرير، فيكون حجة على تيمم الجنب، وقد روى هذا التعليق أيضًا أبو داود والحاكم، لكن من غير ذكر التيمم. نعم ذكر أبو داود أن الأوزاعي روى عن حسان بن عطية هذه القصة فقال فيها فتيمم، وعلقه المؤلف بصيغة التمريض لكونه اختصره، ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو ولم يذكر التيمم ولم يقل عمرو الآية وهو جنب وإن أوهمه ظاهر السياق، وإنما تلاها بعد رجوعه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما يدل عليه سياق حديث أبي داود، ولفظه: فقال أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب"؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول (ولا تقتلوا أنفسكم) الآية. وفي الحديث جواز صلاة المتيمم بالمتوضئ لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك. 345 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - هُوَ غُنْدَرٌ - عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قَالَ أَبُو مُوسَى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ لاَ يُصَلِّي. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ رَخَّصْتُ لَهُمْ فِي هَذَا، كَانَ إِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمُ الْبَرْدَ قَالَ هَكَذَا - يَعْنِي تَيَمَّمَ وَصَلَّى - قَالَ قُلْتُ فَأَيْنَ قَوْلُ عَمَّارٍ لِعُمَرَ قَالَ إِنِّي لَمْ أَرَ عُمَرَ قَنِعَ بِقَوْلِ عَمَّارٍ. وبالسند قال: (حدّثنا بشر بن خالد) العسكري الفرائضي (قال: حدّثنا محمد) أي ابن جعفر البصري (هو غندر) وسقط ذلك عند الأصيلي (عن شعبة) بن الحجاج، وللأصيلي حدّثنا، ولابن عساكر أخبرنا شعبة (عن سليمان) الأعمش (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (قال): (قال أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (لعبد الله بن مسعود) رضي الله عنهما (إذا لم يجد) الجنب (الماء لا يصلي) كذا لكريمة بصيغة الغائب يجد ويصلي فيهما وللأصيلي وغيره: إذا لم تجد الماء لا تصلي بالخطاب فيهما فأبو موسى يخاطب عبد الله، (قال عبد الله) بن مسعود زاد في رواية ابن عساكر نعم، أي لا يصلي (لو رخصت لهم في هذا) أي في جواز التيمم للجنب (كان) ولابن عساكر: وكان (إذا وجد أحدهم البرد قال هكذا) قال أبو موسى مفسرًا قول ابن مسعود (يعني تيمم وصلى قال) أبو موسى (قلت فأين قول عمار) بن ياسر (لعمر) بن الخطاب رضي الله عنه أي قوله السابق كنا في سفر فأجنبت فتمعكت الخ (قال) أي ابن مسعود رضي الله عنه (إني) وفي رواية فإني (لم أر عمر قنع) بكسر النون (بقول عمار) بن ياسر، وإنما لم يقنع عمر بقول عمار لأنه كان حاضرًا معه في تلك السفرة ولم يذكر القصة فارتاب ذلك. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول. 346 - 346 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى أَرَأَيْتَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِذَا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدْ، مَاءً كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لاَ يُصَلِّي حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِقَوْلِ عَمَّارٍ حِينَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «كَانَ يَكْفِيكَ» قَالَ: أَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِذَلِك؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَدَعْنَا مِنْ قَوْلِ عَمَّارٍ، كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الآيَةِ؟ فَمَا دَرَى عَبْدُ اللَّهِ مَا يَقُولُ. فَقَالَ إِنَّا لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِي هَذَا لأَوْشَكَ إِذَا بَرَدَ عَلَى أَحَدِهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَدَعَهُ وَيَتَيَمَّمَ. فَقُلْتُ لِشَقِيقٍ فَإِنَّمَا كَرِهَ عَبْدُ اللَّهِ لِهَذَا قَالَ نَعَمْ. [الحديث 346 - أطرافه في: 338، 339، 340، 341، 342، 343، 345، 347]. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) بضم العين (قال: حدّثنا أبي) حفص بن غياث (عن الأعمش) سليمان بن مهران ولغير أبوي ذر والوقت حدّثنا الأعمش (قال: سمعت شقيق بن سلمة) هو أبو وائل (قال): (كنت عند عبد الله) بن مسعود (وأبي موسى) الأشعري رضي الله عنهما (فقال له) أي لابن مسعود (أبو موسى: أرأيت) أي أخبرني (يا أبا عبد الرحمن) هي كنية ابن مسعود (إذا أجنب) الرجل (فلم يجد ماء كيف يصنع)؟ ولابن عساكر: فلم يجد الماء، وفي رواية: إذا أجنبت فلم تجد الماء كيف تصنع بتاء الخطاب في الثلاثة؟ (فقال عبد الله: لا يصلي حتى) أي لا يصلي الرجل إلى أن (يجد الماء)، وللأصيلي حتى تجد بتاء الخطاب وسقط عنده، وابن عساكر لفظة الماء فاقتصرا على حتى تجد (فقال أبو موسى: فكيف تصنع بقول عمار حين قال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يكفيك) أي مسح الوجه والكفّين؟ (قال) ابن مسعود: (ألم تر عمر لم يقنع بذلك) زاد في رواية أبي ذر عن المستملي

8 - باب التيمم ضربة

والأصيلي وابن عساكر منه أي من عمار (فقال أبو موسى) له (فدعنا) أي اتركنا (من قول عمار) واقطع النظر عنه، (كيف تصنع بهذه الآية) أي قوله تعالى: (فلم يجدوا ماء فتيمموا) فانتقل في المحاجّة من دليل إلى آخر مما فيه الخلاف إلى ما عليه الاتفاق تعجيلاً لقطع خصمه وإفحامه، (فما درى) أي فلم يعرف (عبد الله) بن مسعود (ما يقول) في توجيه الآية على وفق فتواه، واستشكل ما ذهب إليه ابن مسعود كعمر رضي الله عنهما من إبطال هذه الرخصة مع ما فيها من إسقاط الصلاة عمن خوطب بها وهو مأمور بها، وأجيب: بأنهما إنما تأوّلا الملامسة في الآية، وهي قوله تعالى (أو لامستم النساء) [المائدة: 6] على مماسة البشرتين من غير جماع، إذ لو أراد الجماع لكان فيه مخالفة الآية صريحة لأنه تعالى قال: (وإن كنتم جنبًا فاطهروا) أي اغتسلوا ثم قال: (أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا) فجعل التيمم به بدلاً عن الوضوء، فلا يدل على جواز التيمم للجنب، ولعل مجلس المناظرة بين أبي موسى وابن مسعود ما كان يقتضي تطويل المناظرة، وإلاّ فكان لابن مسعود أن يجيب أبا موسى بأن الملامسة في الآية المراد بها تلاقي البشرتين بلا جماع كما مرّ والحاصل أن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما لا يريان تيمم الجنب لآية (وإن كنتم جنبًا فاطهروا) وآية (ولا جنبًا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) [النساء: 43] (فقال) أي ابن مسعود (إنّا لو رخصنا لهم في هذا) أي في التيمم للجنب (لأوشك) بفتح الهمزة أي قرب وأسرع (إذا برد على أحدهم الماء) بفتح الراء وضمها كذا ضبطه في الفرع كأصله، لكن قال الجوهري الفتح أشهر (أن يدعه ويتيمم). قال الأعمش: (فقلت لشقيق) أبي وائل (فإنما كره عبد الله) بن مسعود التيمم للجنب (لهذا) أي لأجل احتمال أن يتيمم للبرد (قال) شقيق ولأبوي ذر والوقت فقال: (نعم) كرهه لذلك. 8 - باب التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ (باب التيمم) حال كونه (ضربة) واحدة كذا للكشميهني بإضافة باب لتاليه. فإن قلت: ليس هذا من الصور الثلاث التي يقع فيها الحال من المضاف إليه وهي أن يكون المضاف جزءًا من المضاف إليه أو كجزئه أو عاملاً في الحال؟ أجيب: بأن المعنى باب شرح التيمم، فالتيمم بحسب الأصل مضاف إلى ما يصلح عمله في الحال فهو من الصور الثلاث قاله الدماميني، وفي رواية الأكثرين باب التنوين خبر مبتدأ محذوف التيمم مبتدأ ضربة خبره. 347 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَجْنَبَ، فَلَمْ يَجِدِ الْمَاءَ شَهْرًا، أَمَا كَانَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا)؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذَا لأَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا الصَّعِيدَ. قُلْتُ وَإِنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا؟ قَالَ نَعَمْ. فَقَالَ أَبُو مُوسَى أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ، فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ، فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَصْنَعَ هَكَذَا» - فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأَرْضِ ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بِهَا ظَهْرَ كَفِّهِ بِشِمَالِهِ، أَوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بِكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ وَزَادَ يَعْلَى عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى فَقَالَ أَبُو مُوسَى أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَنِي أَنَا وَأَنْتَ فَأَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْتُ بِالصَّعِيدِ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا». وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ وَاحِدَةً. وبالسند قال: (حدّثنا محمد) وفي غير رواية الأصيلي محمد بن سلام بتخفيف اللام وتشديدها كما في الفرع البيكندي (قال: أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي حدّثنا (أبو معاوية) محمد بن خازم بالمعجمتين الضرير (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن شقيق) أي أبي وائل بن سلمة (قال): (كنت جالسًا مع عبد الله) بن مسعود (وأبي موسى الأشعري) رضي الله عنهما (فقال له أبو موسى) تقول (لو أن رجلاً أجنب فلم يجد الماء شهرًا أما كان يتيمم ويصلي)؟ كذا لكريمة والأصيلي بالهمز كما قاله الحافظ ابن حجر، وما نافية على أصلها، والهمزة إما للتقرير المخرج عن معنى الاستفهام الذي هو المانع من وقوعه جزاء للشرط، وإما مقحمة فوجودها كالعدم، وإمّا للاستفهام، وعليه فهو جواب لو لكن يقدر في الأولين القول قبل لو كما مرّ، وفي الثالث قبل أما كان أي: لو أن رجلاً أجنب يقال في حقه أما يتيمم، ويجوز على هذا أن يكون جواب لو هو قوله: (فكيف تصنعون) أي مع قولكم لا يتيمم (بهذه الآية) التي (في سورة المائدة) وفي رواية الأكثرين ما كان بإسقاط الهمزة، ولمسلم كيف تصنع بالصلاة؟ وفي رواية قال أي أبو موسى: فكيف؟ وللأصيلي كما في الفتح فما تصنعون بهذه في سورة المائدة؟ وفي الفرع علامة للكشميهني على بهذه وعلى الآية. (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدًا طيبًا) وللأصيلي زاد في الفرع وأبي ذر: فإن لم تجدوا وهو مغاير للتلاوة، وقد قيل: إنه كذلك كان في نسخة أبي ذر ثم أصلحه على وفق التلاوة، وهو يؤيد ما في الفرع كما مرّ، وإنما عيّن سورة المائدة لكونها أظهر في مشروعية تيمم الجنب من آية النساء لتقديم حكم الوضوء في المائدة، ولأنها آخر

السور نزولاً (فقال عبد الله) بن مسعود: (لو رخص لهم في هذا لأوشكوا) بفتح الهمزة أي لأسرعوا (إذا برد) بفتح الراء وضمها (عليهم الماء أن يتيمموا) أي يقصدوا (الصعيد) وللأصيلي بالصعيد، قال الأعمش (قلت) لشقيق (وإنما) بالواو ولأبي ذر والأصيلي فإنما (كرهتم هذا) أي تيمم الجنب (لذا) أي لأجل تيمم صاحب البرد، وفي رواية حفص بن عمر السابقة فقلت لشقيق فإنما كره عبد الله لهذا. (قال) أي شقيق (ئعم) وهو يرد على البرماوي كالكرماني حيث قال في حديث هذا الباب قلت وهو قول شقيق (فقال) بالفاء، ولابن عساكر قال (أبو موسى ألم تسمع قول عمار لعمر) بن الخطاب رضي الله عنهما؟ (بعثني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حاجة) أي في سرية فذهبت (فأجنبت فلم) بالفاء ولأبي الوقت ولم (أجد الماء فتمرغت في الصعيد) وفي رواية في التراب (كما تمرغ الدابة) برفع الغين وحذف إحدى التاءين تخفيفًا كتلظى والكاف للتشبيه وموضعها مع مجرورها نصب على الحال، وأعربها أبو البقاء في قوله تعالى: (كما آمن الناس) [البقرة: 13] نعتًا لمصدر محذوف فيقدر تمرّغًا كتمرّغ الدابة، ومذهب سيبويه في هذا كله النصب على الحال من المصدر الفهوم من الفعل المتقدم المحذوف بعد الإضمار على طريق الاتّساع، فيكون التقدير: فتمرغت على هذه الحالة، ولا يكون عنده نعتًا لمصدر محذوف لأنه يؤدي إلى حذف الموصوف في غير المواضع المستثناة. قال عمار: (فدكرت ذلك للنبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إنما كان يكفيك أن تصنع) بالتراب (هكذا فضرب) بالفاء وللأربعة وضرب (بكفه) بالإفراد وللأصيلي بكفّيه (ضربة) واحدة (على الأرض) وفي غير هذه الطريق ضربتان، وهو الذي رجحه النووي وقال: إنه الأصح المنصوص كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى، (ثم نفضها) تخفيفًا للتراب (ثم مسح بها) أي بالضربة (ظهر كفّه) اليمنى (بشماله أو) مسح (ظهر شماله بكفه) اليمنى بالشك في جميع الروايات. نعم هو في رواية أبي داود من طريق معاوية من غير شك، (ثم مسح بهما) أي بكفيه، ولأبي الوقت وابن عساكر بها أي بالضربة (وجهه) فيه الاكتفاء بضربة واحدة، وتقديم مسح الكف على الوجه والاكتفاء بظهر كف واحدة وعدم مسح الذراعين ومسح الوجه بالتراب المستعمل في الكفّ، ولا يخفى ما في ذلك كله. وقد تعسف الكرماني فأجاب بأن الضربة الواحدة لأحد ظهري الكف، والتقدير: ثم ضرب ضربة أخرى ثم مسح بما لديه للإجماع على عدم الاكتفاء بمسح إحدى اليدين، فيكون السح الأول ليس لكونه من التيمم بل فعله عليه الصلاة والسلام خارجًا عنه لتخفيف التراب اهـ. وتعقب بأن حديث عمار لم يزد فيه على ضربة، والأصل عدم التقدير، وقد قال به ابن المنذر ونقله عن جمهور العلماء، وإليه ذهب الرافعي وهو مذهب أحمد، وقال النووي: الأصح المنصوص وجوب ضربتين، وأما عدم الترتيب فيتجه على مذهب الحنفية، أما عند الشافعية فواجب نعم لا يشترط ترتيب نقل التراب للعضو في الأصح، بل يستحب لأنه وسيلة، فلو ضرب بيديه دفعة واحدة ومسح بيمينه وجهه وبيساره يمينه جاز لأن الفرض المسح والنقل وسيلة، وقد روى أصحاب السنن أنه عليه الصلاة والسلام تيمم فمسح وجهه وذراعيه، والذراع اسم للساعد إلى المرفق. وعن القديم إلى الكوعين لحديث عمار هذا قال في المجموع: وهو الأقوى دليلاً، وفي الكفاية تعيين ترجيحه، وذكر في المحرر كيفية التيمم وجزم في الروضة باستحبابها، فإذا مسح اليمنى وضع بطون أصابع يساره غير الإبهام على ظهور أصابع يمينه غير الإبهام بحيث لا تخرج أنامل اليمنى عن مسحة اليسرى ولا تحازي مسحة اليمنى أطراف أنامل اليسرى ويمرها على ظهر الكف، فإذا بلغ الكوع ضم أطراف أصابعه على حرف الذراع ويمرها إلى المرفق، ثم يدير بطن كفّه إلى بطن الذراع ويمرها عليه وإبهامه مرفوعة، فإذا بلغ الكوع أمرّها على إبهام اليمنى ثم يمسح اليسار باليمنى كذلك، ثم يمسح إحدى

9 - باب

الراحتين بالأخرى ويخلل أصابعهما ولم تثبت هذه الكيفية في السنة بل في الكفاية عن الأم أنه يعكس فيجعل بطن راحتيه معًا إلى فوق، ثم يمر الماسحة وهي من تحت لأنه أحفظ للتراب. (فقال) بالفاء ولأبوي ذر والوقت والأصيلي قال (عبد الله) بن مسعود (ألم تر عمر) بن الخطاب، ولكريمة والأصيلي وهو في متن الفرع من غير عزو أفلم تر عمر (لم يقنع بقول عمار) وعند مسلم من رواية عبد الرحمن بن أبزى: اتق الله يا عمار أي فيما ترويه وتثبت فلعلك نسبت أو اشتبه عليك فإني كنت معك ولا أتذكر شيئًا من هذا (وزاد) بالواو ولأبوي ذر والوقت زاد (يعلى) بن عبيد الطنافسي الحنفي الكوفي مما وصله أحمد وغيره (عن الأعمش عن شقيق قال): (كنت مع عبد الله) بن مسعود (وأبي موسى) الأشعري (فقال أبو موسى) لعبد الله: (ألم تسمع قول عمار لعمر وإن رسول الله) وللأصيلي إن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثني أنا وأنت) لا يقال كان الوجه بعثني إياي وإياك لأن أنا ضمير رفع، فكيف وقع تأكيد للضمير المنصوب والمعطوف في حكم المعطوف عليه لأن الضمائر تتقارض فيحمل بعضها على بعض وتجري بينها المناوبة، (فأجنبت فتمعكت بالصعيد فأتينا رسول الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرناه فقال: وإنما كان يكفيك هكذا). وللكشميهني هذا (ومسح وجهه وكفيه) مسحة (واحدة) أو ضربة واحدة وهو المناسب لقول المؤلف في الترجمة باب التيمم ضربة. 9 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة، ولفظ باب ساقط عند الأصيلي فيكون داخلاً في الترجمة السابقة. 348 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَوْفٌ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ الْخُزَاعِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلاً مُعْتَزِلاً لَمْ يُصَلِّ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ «يَا فُلاَنُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ فِي الْقَوْمِ». فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلاَ مَاءَ. قَالَ «عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا عوف) الأعرابي (عن أبي رجاء) عمران بن ملحان العطاردي (قال): (حدّثنا عمران بن حصبن الخزاعي) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلاً معتزلاً) أي منفردًا عن الناس (لم يصل في القوم فقال) عليه الصلاة والسلام: (يا فلان ما منعك) هو كناية عن علم المذكر فيحتمل أن يكون -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاطبه باسمه، وكنى عنه الراوي لنسيان اسمه أو لغير ذلك ولابن عساكر ما يمنعك؟ (أن تصلي في القوم) مفعول ثانٍ لمنع أو على إسقاط الخافض أي من أن تصلي ففي محله المذهبان المشهوران هل هو نصب أو جر؟ (فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء) بالفتح كما مر والمراد عموم النفي إظهارًا لتمام العذر، فكأنه نفي وجود الماء بالكلية. (قال) عليه الصلاة والسلام: (عليك بالصعيد) المذكور في التنزيل. قال ابن عباس: المراد به التراب ولما صح وترابها طهور تعلق الحكم به، (فإنه يكفيك). فإن قلت: ما المطابقة بين الترجمة وبين هذا على رواية الأصيلي المسقطة للفظ باب؟ أجيب: بأنه لم يقيد بضربة ولا غيرها وأقله ضربة واحدة، فيدخل في الترجمة من ثم. وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة وهو مختصر من الحديث السابق في باب الصعيد الطيب. ولما فرغ المؤلف من ذكر أحكام الطهارة التي هي من شروط الصلاة شرع في بيان الصلاة التي هي المشروطة فقال: بسم الله الرحمن الرحيم 8 - كتاب الصلاة (بسم الله الرحمن الرحيم) وهي ساقطة عند ابن عساكر. هذا (كتاب الصلاة) أو خذ كتاب الصلاة واشتقاقها من الصلي وهو عرض خشبة معوجّة على نار لتقويمها وبالطبع عوج، فالمصلّي من وهج السطوة بتقويم اعوجاجه ثم يتحقق معراجه، ومن اصطلى بنار الصلاة وزال عوجه لا يدخل النار وهي صلة بين العبد وربّه تعالى، وجامعة لأنواع العبادات النفسانية والبدنية من الطهارة وستر العورة وصرف المال فيهما والتوجّه إلى الكعبة والعكوف على العبادة وإظهار الخشوع بالجوارح وإخلاص النيّة بالقلب ومجاهدة الشيطان ومناجاة الحق وقراءة القرآن والنطق بالشهادتين وكفّ النفس عن الأطيبين وشرع المناجاة فيها سرًّا وجهرًا ليجمع للعبد فيها ذكر السر وذكر العلانية، فالمصلّي في صلاته يذكر الله في ملأ الملائكة ومَن حضر من الموجودين السامعين وهو ما يجهر به من القراءة فيها قال الله في الحديث الثابت عنه: إن

1 - باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء؟

ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وقد يريد بذلك الملائكة المقربين والكروبيين خاصة الذين اختصّهم لحضرته، فلهذا الفضل شرع لهم في الصلاة الجهر بالقراءة والسرّ وهي لغة الدعاء بخير قال الله تعالى: {وصلِّ عليهم} [التوبة: 103] أي ادع لهم وشرعًا أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم. 1 - باب كَيْفَ فُرِضَتِ الصَّلواتُ فِي الإِسْرَاءِ؟ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ فِي حَدِيثِ هِرَقْلَ فَقَالَ: يَأْمُرُنَا -يَعْنِي النَّبِيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ. (باب كيف فرضت الصلاة) وللكشميهني والمستملي كيف فرضت الصلوات (في) ليلة (الإسراء) بجسده وروحه عليه الصلاة والسلام يقظة إلى السماوات، وقد اختلفوا مع اتفاقهم على أن فريضة الصلوات كانت ليلة الإسراء في وقته، فقيل: قبل الهجرة بسنة وعليه الأكثرون أو وخمسة أشهر أو ثلاثة أو قبلها بثلاث سنين، وقال الحربي: في سابع عشر ربيع الآخر، وكذا قال النووي في فتاويه، لكن قال في شرح مسلم: ربيع الأول، وقيل: سابع عشر رجب، واختاره الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي. (وقال ابن عباس) رضي الله عنهما فيما وصله المؤلف أوائل الكتاب: (حدّثني) بالإفراد (أبو سفيان) صخر بن حرب (في حديث هرقل) الطويل (فقال) أبو سفيان (يأمرنا يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالصلاة والصدق والعفاف) وقد أخرجه المؤلّف في أربعة عشر موضعًا، وأخرجه مسلم وأصحاب السُّنن الأربعة إلاّ ابن ماجة. 349 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ. قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ. قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَعِي مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَإِذَا رَجُلٌ قَاعِدٌ عَلَى يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَلَى يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، إِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَسَارِهِ بَكَى، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ لِجِبْرِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ. وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى. حَتَّى عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ. فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ، فَفَتَحَ». قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ آدَمَ وَإِدْرِيسَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يُثْبِتْ كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِدْرِيسَ قَالَ: "مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ. ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا مُوسَى. ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى. ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَا يَقُولاَنِ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ». قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى فَقَالَ: مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاَةً. قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ. فَرَاجَعني فَوَضَعَ شَطْرَهَا. فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى قُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا. فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ. فَرَاجَعْتُ، فَوَضَعَ شَطْرَهَا. فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ. فَرَاجَعْتُهُ فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهْيَ خَمْسُونَ، لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ. فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ. فَقُلْتُ: اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ. ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ». [الحديث 349 - طرفاه في: 1636، 3342]. وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة (قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس بن مالك) وسقط لفظ ابن مالك لابن عساكر (قال): (كان أبو ذر) رضي الله عنه (يحدّث أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: فرج) بضم الفاء وكسر الراء أي فتح (عن سقف بيتي) أضافه لنفسه لأن الإضافة تكون بأدنى ملابسه وإلاّ فهو بيت أُم هانئ كما ثبت (وأنا بمكة) جملة حالية اسمية (فنزل جبريل) عليه السلام من الوضع المفروج في السقف مبالغة في المفاجأة (ففرج) بفتحات أي شق (صدري) ولأبي ذر عن صدري (ثم غسله بماء زمزم) وإنما اختاره عن غيره من المياه لفضله على غيره من المياه أو لأنه يقوّي القلب، (ثم جاء بطست) بفتح الطاء وسكون السين المهملة وهي مؤنثة وتُذكّر على معنى الإناء (من ذهب) لا يقال فيه استعمال آنية الذهب لأنّا نقول إن ذلك كان قبل التحريم لأنه إنما وقع بالمدينة (ممتلئ) بالجرّ صفة لطست وذكر على معنى الإناء (حكمةً وإيمانًا) بالنصب فيهما على التمييز أي شيئًا يحصل بملابسته الحكمة والإيمان، فأطلقا عليه تسمية للشيء باسم مسبّبه أو هو تمثيل لينكشف بالمحسوس ما هو معقول كمجيء الموت فى هيئة كبش أملح والحكمة كما قاله النووي عبارة عن العلم المتّصف بالأحكام المشتملة على المعرفة بالله تعالى المصحوبة بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصدّ عن اتباع الهوى والباطل، وقيل: هي النبوّة، وقيل: هي الفهم عن الله تعالى. (فأفرغه) أي ما في الطست (في صدري ثم أطبقه) أي الصدر الشريف فختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء، فجمع الله تعالى له أجزاء النبوّة وختمها فهو خاتم النبيين وختم عليه فلم يجد عدوّه سبيلاً إليه لأن الشيء المختوم عليه محروس، وإنما فعل به ذلك ليتقوّى على استجلاء الأسماء الحسنى والثبوت في المقام الأسنى كما وقع له ذلك أيضًا في حال صباه لينشأ على أكمل الأخلاق وعند المبعث ليتلقّى الوحي بقلب قوي. قال عليه السلام: (ثم أخذ بيدي) جبريل (فعرج) أي صعد (بي إلى السماء الدنيا) ولأبي ذرّ عن الكشميهني وابن عساكر به على الالتفات أو التجريد جرّد من نفسه شخصًا وأشار إليه (فلما جئت إلى السماء الدنيا) وبينها وبين الأرض خمسمائة عام كما بين كل سماءين إلى السابعة وسقط لفظ الدنيا عند الأربعة. (قال جبريل لخازن السماء) الدنيا: (افتح) أي بابها، أو في رواية شريك عند المؤلّف فضرب بابًا من أبوابها. (قال) الخازن: (مَن هذا) الذي يقرع الباب، (قال: جبريل) ولغير أبي ذر قال: هذا جبريل لم يقال أنا للنهي عنه (قال: هل معك أحد؟ قال: نعم معي محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: أرسل إليه) للعروج به وليس السؤال

عن أصل رسالته لاشتهارها في الملكوت، ولأبي ذر أأرسل إليه بهمزتين الأولى للاستفهام وهي مفتوحة والأخرى للتعدية وهي مضمومة، وللكشميهني كما في الفتح أو أرسل بواو مفتوحة بين الهمزتين، وفي رواية شريك قال أو قد بعث إليه (قال) جبريل: (نعم) أرسل إليه (فلما فتح) الخازن (علونا السماء الدنيا) ضمير الجمع فيه يدلّ على أنه كان معهما ملائكة آخرون ولعله كان كلما عديا سماء تشيعهما الملائكة حتى يصلا إلى سماء أخرى والدنيا صفة السماء في موضع نصب، (فإذا) بالفاء وللأصيلي وابن عساكر إذا (رجل قاعد على يمينه أسودة) أشخاص جمع سواد كأزمنة جمع زمان (وعلى يساره أسودة إذا نظر قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة (يمينه ضحك وإذا نظر قبل) أي جهة (يساره بكى) وللأربعة شماله، (فقال) أي الرجل القاعد: (مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح) أي أصبت رحبًا لا ضيقًا وهي كلمة تُقال عند تأنيس القادم ولم يقل أحد مرحبًا بالنبي الصادق لأن الصلاح شامل لسائر الخصال المحمودة الممدوحة من الصدق وغيره، فقد جمع بين صلاح الأنبياء كأنه قال: مرحبًا بالنبي التامّ في نبوّته والابن البارّ في نبوّته. (قلت لجبريل) عليه السلام: (مَن هذا؟ قال: هذا آدم) عليه السلام (وهذه الأسودة) التي (عن يمينه وشماله نسم بنيه) بفتح النون والسين المهملة جمع نسمة وهي نفس الروح أي أرواح بنيه، (فأهل اليمين منهم أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار). يحتمل أن النار كانت في جهة شماله ويكشف له عنها حتى ينظر إليهم لا أنها في السماء لأن أرواحهم في سجين الأرض السابعة، كما أن الجنة فوق السماء السابعة في جهة يمينه كذلك، (فإذا نظر عن يمينه قبل شماله بكى. حتى عرج بي) جبريل ولابن عساكر به (إلى السماء الثانية فقال لخازنها: افتح. فقال له خازنها مثل ما قال الأول ففتح). (قال) وفي رواية فقال (أنس) (فذكر) أبو ذر (أنه) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وجد في السماوات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم صلوات الله عليهم ولم يثبت) من الاثبات (كيف منازلهم) أي لم يعين أبو ذر لكل نبي سماء (غير أنه ذر أنه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة) نعم في حديث أنس عن مالك بن صعصعة عند الشيخين أنه وجد آدم في السماء الدنيا كما مرّ وفي الثانية يحيى وعيسى، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس، وفي الخامسة هارون، وفي السادسة موسى، وفي السابعة إبراهيم وفيه بحث يأتي في بابه إن شاء الله تعالى. (قال أنس): ظاهره أن أنسًا لم يسمع من أبي ذر هذه القطعة الآتية وهي (فلما مرّ جبريل بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي مصاحبًا بالنبي (بإدريس) عليه السلام يتعلق الجار والمجرور في الموضعين بمرّ إلا أن الباء الأولى للمصاحبة كما مرّ والثانية للإلصاق أو بمعنى على. (قال) إدريس: (مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح) لم يقل والابن كآدم لأنه لم يكن من آبائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، (فقلت: مَن هذا) يا جبريل؟ (قال) وللأصيلي فقال: (هذا إدريس) عليه السلام قال عليه السلام: (ثم مررت بموسى) عليه السلام (فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح) سقط قوله والأخ الصالح في رواية الأربعة كما في الفرع قال عليه السلام. (قلت) وفي رواية فقلت: (مَن هذا) يا جبريل؟ (قال هذا موسى. ثم مررت بعيسى فقال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح) قال عليه السلام: (قلت) وفي رواية فقلت: (مَن هذا) يا جبريل؟ (قال: هذا عيسى) وسقطت لفظة هذا عند أبي ذر، وليست ثم هنا على بابها في الترتيب إلاّ أن قيل بتعدّد المعراج لأن الروايات قد اتفقت على أن المرور به كان قبل المرور بموسى. قال عليه السلام: (ثم مررت بإبراهيم) عليه السلام (فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح. قلت: مَن هذا) يا جبريل؟ (قال: هذا إبراهيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (فأخبرني) بالإفراد (ابن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي أبو بكر بن محمد بن عمرو بن

حزم الأنصاري قاضي المدينة وأميرها زمن الوليد، المتوفّى سنة عشرين ومائة عن أربع وثمانين سنة (أن ابن عباس وأبا حبة) بفتح المهملة وتشديد الموحدة على المشهور البدري (الأنصاري) وعند القابسي وأبا حبة بمثناة تحتية وغلط، ورواية أبي بكر بن حزم عن أبي حبة منقطعة لأنه استشهد بأُحُد قبل مولد أبي بكر بدهر، بل قبل مولد أبيه محمد أيضًا، ففي هذه الرواية وهم لأنه إما أن يُراد بابن حزم أبو بكر أو أبوه محمد، فالأول لم يدرك أبا حبة والثاني لم يدركه الزهري إلاّ أن يقال أن أبا بكر رواه عنه مرسلاً إذ قال إن ولم يقل سمعت ولا أخبرني وحينئذ فلا وهم، واختلف في اسم أبي حبة بالموحدة فقيل: عامر بن عبد عمرو بن عمير بن ثابت، وقيل: مالك، وأنكر الواحدي أن يكون في البدريين مَن يكنّى أبا حبّة بالموحدة، قال في الإصابة: وروى عنه أيضًا عمّار بن أبي عمّار وحديثه عنه في مسند ابن أبي شيبة وأحمد، وصحّحه الحاكم وصرّح بسماعه منه، وعلى هذا فهو غير الذي ذكر ابن إسحاق أنه استشهد بأُحد، وله في الطبراني آخر من رواية عبد الله بن عمرو بن عثمان عنه وسنده قوي إلاّ أن عبد الله بن عمرو بن عثمان لم يدركه، قال ابن حزم: (كانا) أي ابن عباس وأبو حبّة (يقولان): (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ثم عرج بي) بفتحات أو بضم الأول وكسر الثاني (حتى ظهرت) أي علوت (لمستوى) بواو مفتوحة أي موضع مشرف يستوي عليه وهو المصعد واللام فيه للعلّة أي علت لاستعلاء مستوى، وفي بعض الأصول بمستوى بموحدة بدل اللام (أسمع فيه صريف الأقلام) أي تصويتها حالة كتابة الملائكة ما يقضيه الله تعالى مما تنسخه من اللوح المحفوظ أو ما شاء الله أن يكتب لما أراد الله تعالى من أمره وتدبيره، والله تعالى غنيّ عن الاستذكار بتدوين الكتب إذ علمه محيط بكل شيء. (قال ابن حزم) عن شيخه، (و) قال (أنس بن مالك) عن أبي ذر قال الحافظ ابن حجر: كذا جزم أصحاب الأطراف، ويحتمل أن يكون مرسلاً من جهة ابن حزم ومن رواية أنس بلا واسطة. (قال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ففرض الله) زاد الأصيلي عزّ وجل (على أمتي خمسين صلاة) أي في كل يوم وليلة كما عند مسلم من حديث ثابت عن أنس، لكن بلفظ ففرض الله عليّ، وذكر الفرض عليه يستلزم الفرض على أمته وبالعكس إلاّ ما يستثنى من خصائصه، (فرجعت بذلك حتى مررت على موسى) عليه الصلاة والسلام (فقال: ما فرض الله لك على أمتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال) موسى: (فارجع إلى ربك) أي إلى الموضع الذي ناجيته فيه (فإن أمتك لا تطيق ذلك) سقطت لفظة ذلك في رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر (فراجعني) وللأربعة وعزاها في الفتح للكشميهني فراجعت والمعنى واحد (فوضع) أي ربي (شطرها) وفي رواية مالك بن صعصعة فوضع عني عشرًا وفي رواية ثابت فحط عني خمسًا وزاد فيها أن التخفيف كان خمسًا خمسًا، قال الحافظ ابن حجر: وهي زيادة معتمدة يتعيّن حمل ما في الروايات عليها، (فرجعت إلى موسى قلت) وللأصيلي فقلت: (وضع شطرها: فقال) ولأبي ذر والوقت قال: (راجع ربك) وفي رواية راجع إلى ربك (فإن أمتك لا تطيق) ذلك (فراجعت) ربي ولابن عساكر فرجعت (فوضع) عني (شطرها) فيه شيء على تفسير الشطر بالنصف، لأنه يلزم منه أن يكون وضع اثنتي عشرة صلاة ونصف صلاة وهو باطل فتفسيره بجزء منها أولى وأحسن منه الحمل على ما زاده ثابت خمسًا خمسًا كما مرّ، (فرجعت إليه) أي إلى موسى (فقال ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجعته) تعالى (فقال) جلّ وعلا: (هي خمس) بحسب الفعل (وهي خمسون) بحسب الثواب قال تعالى: {مَن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] ولأبي ذر عن المستملي، ونسبها في الفتح لغير أبي ذر هنّ خمس وهنّ خمسون، واستدلّ به على عدم فرضية ما زاد على الخمس كالوتر وفيه جواز النسخ قبل الفعل خلافًا للمعتزلة. قال ابن المنير: لكن الكل متّفقون على أن النسخ لا يتصوّر قبل البلاغ، وقد جاء به حديث الإسراء فأشكل على الطائفتين. وتعقب بأن الخلاف مأثور نص عليه ابن دقيق

العيد في شرح العمدة وغيره. نعم هو نسخ بالنسبة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه كلف بذلك قطعًا، ثم نسخ بعد أن بلغه وقبل أن يفعل فالنسخ في حقه صحيح التصوير. (لا يبدل القول) بمساواة ثواب الخمس الخمسين (لديّ) أو لا يبدّل القضاء المبرم لا المعلق الذي يمحو الله منه ما يشاء ويثبت ما يشاء، وأما مراجعته عليه الصلاة والسلام ربه في ذلك فللعلم بأن الأمر الأوّل ليس على وجه القطع والإبرام. قال عليه الصلاة والسلام: (فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربك) وللأصيلي ارجع إلى ربك (فقلت) ولأبي ذر قلت (استحييت) وللأصيلي قد استحييت (من ربي) وجه استحيائه أنه لو سأل الرفع بعد الخمس لكان كأنه قد سأل رفع الخمس بعينها، ولا سيما وقد سمع قوله تعالى: {لا يبدّل القول لديّ} [ق: 29]. (ثم انطلق بي) بفتح الطاء واللام وفي بعض النسخ إسقاط بي والاقتصار ثم انطلق (حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى) وللأربعة إلى السدرة المنتهى وهي في أعلى السماوات، وفي مسلم أنها في السادسة، فيحتمل أن أصلها فيها ومعظمها في السابعة، وسمّيت بالمنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد إلاّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو لأنه ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها أو تنتهي إليها أرواح الشهداء أو أرواح المؤمنين فتصلي عليهم الملائكة المقرّبون، (وغشيها ألوان لا أدري ما هي ثم أُدخلت الجنة فإذا فيها حبائل اللؤلؤ) بحاء مهملة فموحدة وبعد الألف مثناة تحتية ثم لام كذا هنا في جميع الروايات، وضبب عليها في اليونينية ثم ضرب على التضبيب وصحّح على لفظ حبائل ثلاث مرات. قيل: معناه أن فيها عقودًا وقلائد من اللؤلؤ، وردّ بأن الحبائل إنما تكون جمع حبالة أو حبيلة، وذكر غير واحد من الأئمة أنه تصحيف وإنما هي جنابذ كما عند المؤلّف في أحاديث الأنبياء بالجيم والنون وبعد الألف موحدة ثم معجمة جمع جنبذة وهي القبة، (وإذا ترابها المسك) أي تراب الجنة رائحته كرائحة المسك. ورواة هذا الحديث الستّة ما بين مصري ومدني وفيه رواية صحابي عن صحابي والتحديث بالجمع والإفراد والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في الحج مختصرًا وفي بدء الخلق وفي الأنبياء وباب وكلم الله موسى تكليمًا، ومسلم في الإيمان، والترمذي في التفسير، والنسائي في الصلاة. 350 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاَةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَرِ. [الحديث 350 - طرفاه في 1090، 3935]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس إمام الأئمة (عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة أُم المؤمنين) رضي الله عنها (قالت): (فرض الله) أي قدّر الله (الصلاة) الرباعية (حين فرضها) حال كونها (ركعتين ركعتين) بالتكرير لإفادة عموم التثنية لكل صلاة (في الحضر والسفر) زاد ابن إسحاق قال: حدّثني صالح بن كيسان بهذا الإسناد إلاّ المغرب فإنها ثلاث أخرجه أحمد، (فأقرّت صلاة السفر) ركعتين ركعتين (وزيد في صلاة الحضر) لمّا قدِمَ عليه الصلاة والسلام المدينة ركعتان ركعتان، وتركت صلاة الصبح لطول القراءة فيها وصلاة المغرب لأنها وتر النهار رواه ابنا خزيمة وحبّان والبيهقي، وقد تمسك بظاهره الحنفية على أن القصر في السفر عزيمة لا رخصة، فلا يجوز الإتمام إذ ظاهر قولها أقرّت يقتضيه. وأُجيب: بأنه على سبيل الاجتهاد، وهو أيضًا معارض بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عند مسلم: فرضت الصلاة في الحضر أربعًا وفي السفر ركعتين. وفيه نظر يأتي إن شاء الله تعالى في أبواب القصر، وبأن عائشة أتمّت في السفر، والعبرة عندهم برأي الصحابي لا بمرويه أن تؤول الزيادة في قولها: وزيد في صلاة الحضر في عدد الصلوات حتى بلغت خمسًا لا في عدد الركعات، ويكون قولها: فرضت الصلاة ركعتين أي قبل الإسراء فإنها كانت قبل الإسراء صلاة قبل المغرب وصلاة قبل طلوع الشمس، ويشهد له قوله تعالى: {وسبّح بحمد ربك بالعشي والإبكار} [غافر: 40] ودليلنا كمالك وأحمد قوله تعالى: {فليس عليكم جُناح أن تقصروا من الصلاة} [النساء: 101] لأن نفي الجناح لا يدلّ على العزيمة، والقصر يُنبئ عن تمام سابق. وقوله عليه الصلاة والسلام: (صدقة تصدّق الله بها عليكم). رواه مسلم. فالمفروض الأربع إلاّ أنه رخص بأداء ركعتين. وقال الحنفية

2 - باب وجوب الصلاة في الثياب، وقول الله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد} ومن صلى ملتحفا في ثوب واحد

المفروض ركعتان فقط، وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا أتمّ المسافر يكون الشفع الثاني عندنا فرضًا وعندهم نفلاً. لنا إن الوقت سبب للأربع والسفر سبب للقصر فيختار أيهما شاء، ولهم قول ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله فرض عليكم على لسان نبيّه عليه الصلاة والسلام والصلاة (للمقيم أربعة وللمسافر ركعتين) ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في محله في باب التقصير. ورواة هذا الحديث ما بين مصري ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وهو من مراسيل عائشة وهو حجّة. 2 - باب وُجُوبِ الصَّلاَةِ فِي الثِّيَابِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وَمَنْ صَلَّى مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَيُذْكَرُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَزُرُّهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ». فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ، وَمَنْ صَلَّى فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامِعُ فِيهِ مَا لَمْ يَرَ أَذًى، وَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ لاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. (باب وجوب الصلاة في الثياب) بالجمع على حدّ قولهم: فلان يركب الخيول ويلبس البرود، والمراد ستر العورة، وهو عند الحنفية والشافعية كعامّة الفقهاء وأهل الحديث شرط في صحة الصلاة. نعم الحنفية لا يشترطون الستر عن نفسه، فلو كان محلول الجيب فنظر إلى عورته لا تفسد صلاته، وقال بهرام من المالكية: اختلف هل ستر العورة شرط في الصلاة أم لا؟ فعند ابن عطاء الله: أنه شرط فيها ومن واجباتها مع العلم والقدرة على المعروف من الذهب، وفي القبس المشهور: أنه ليس من شروطها وقال التونسي: هو فرض في نفسه لا من فروضها، وقال إسماعيل وابن بكير والشيخ أبو بكر: هو من سُننها، وفي تهذيب الطالب والمقدمات وتبصرة ابن محرز: اختلف هل ذلك فرض أو سُنة اهـ. (و) بيان معنى (قول الله تعالى) وللأصيلي وابن عساكر عزّ وجلّ {خذوا زينتكم} أي ثيابكم لمواراة عوراتكم {عند كل مسجد} [الأعراف: 31] لطواف أو صلاة، وفيه دليل على وجوب ستر العورة في الصلاة، ففي الأوّل إطلاق اسم الحال على المحل، وفي الثاني إطلاق اسم المحل على الحال بوجود الاتصال الذاتي بين الحال والمحل، وهذا لأن أخذ الزينة نفسها وهي عرض محُال فأُريد محلها وهو الثوب مجازًا، لا يقال سبب نزولها أنهم كانوا يطوفون عُراة، ويقولون لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها فنزلت، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهذا عامّ لأنه قال: {عند كل مسجد} ولم يقل المسجد الحرام فيؤخذ بعمومه (ومَن صلّى ملتحفًا في ثوب واحد) كذا ثبت للمستملي وحده قوله، ومَن صلّى إلخ ساقط عند الأربعة من طريق الحموي والكشميهني. (ويذكر) بضم أوّله وفتح ثالثه (عن سلمة بن الأكوع أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: يزرّه) بالمثناة التحتية المفتوحة وتشديد الراء المضمومة أي بأن يجمع بين طرفيه كي لا ترى عورته، وللأصيلي تزره بالمثناة الفوقية، وفي رواية يزرّ بحذف الضمير، (ولو) لم يكن ذلك إلاّ بأن يزره (يشوكه) ويستمسك بها فليفعل، وهذا وصله المؤلّف في تاريخه وأبو داود وابنا خزيمة وحبّان من طريق الدراوردي عن موسى بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة عن سلمة بن الأكوع قلت: يا رسول الله إني رجل أتصيد أفأصلّي في القميص الواحد؟ قال: (نعم زرّه ولو بشوكة) هذا لفظ ابن حبّان. ورواه المؤلف عن إسماعيل بن أبي أُويس عن أبيه عن موسى بن إبراهيم عن أبيه عن سلمة فزاد في الإسناد رجلاً، ورواه أيضًا عن مالك بن إسماعيل عن عطاف بن خالد قال: حدّثنا موسى بن إبراهيم قال: حدّثنا سلمة فصرّح بالتحديث عن موسى وسلمة، فاحتمل أن تكون رواية ابن أبي أُويس من المزيد في متصل الأسانيد، أو كان التصريح في رواية عطاف وهما فهذا وجه قول المؤلّف (في) وللأربعة وفي (إسناده نظر) أو هو من جهة أن موسى هو ابن محمد التيمي المطعون فيه كما قاله ابن القطّان، وتبعه البرماوي وغيره، لكن ردّه الحافظ ابن حجر بأنه نسب في رواية البخاري وغيره مخزوميًا وهو غير التيمي بلا تردّد. نعم وقع عند الطحاوي موسى بن محمد بن إبراهيم، فإن كان محفوظًا فيحتمل على بُعد أن يكونا جميعًا رويا الحديث، وحمله عنهما الدراوردي وإلاّ فذكر محمد فيه شاذّ اهـ. من الفتح. وحينئذ فمَن صلىّ في ثوب واسع الجيب وهو القدر الذي يدخل فيه الرأس ترى عورته من جيبه في ركوع أو سجود فليزره أو يشدّ وسطه، (ومن) أي وباب من (صلّى في الثوب الذي يجامع فيه) امرأته أو أمته (ما لم يرَ فيه أذًى) أي نجاسة وللمستملي والحموي ما لم يرَ أذًى بإسقاط فيه، (وأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما رواه أبو هريرة في بعث عليّ في

3 - باب عقد الإزار على القفا في الصلاة

حجة أبي بكر مما وصله المؤلف قريبًا لكن بغير تصريح بالأمر (أن لا يطوف بالبيت) الحرام (عريان) وإذا منع التعرّي في الطواف فالصلاة أولى إذ يشترط فيها ما يشترط فيه وزيادة. 351 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلاَّهُنَّ. قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ. قَالَ: لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ حَدَّثَتْنَا أُمُّ عَطِيَّةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا. وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ: صَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ. وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي (قال: حدّثنا يزيد بن إبراهيم) التستري، المتوفى سنة إحدى وستين ومائة (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أُم عطية) نسيبة بنت كعب رضي الله عنها (قالت): (أُمرنا) بضم الهمزة وكسر الميم أي أمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما عند مسلم (أن نخرج الحُيَّض) بضم النون وكسر الراء في الأولى وضم المهملة وتشديد المثناة التحتية في الأخرى جمع حائض (يوم العيدين) وللكشميهني والمستملي يوم العيد بالإفراد (و) أن نخرج (ذوات الخدور) بالدال المهملة أي صواحبات الستور (فيشهدن) كلهنّ (جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزل الحيض) منهنّ (عن مصلاّهنّ) أي عن مصلّى النساء اللاتي لسن بحيض، وللمستملي مصلاّهم باليم بدل النون على التغليل، وللكشميهني عن المصلّى بضم الميم وفتح اللام موضع الصلاة. (قالت امرأة: يا رسول الله إحدانا) أي بعضنا مبتدأ خبره قوله (ليس بها جلباب) بكسر الجيم محلفة أي كيف تشهد ولا جلباب لها وذلك بعد نزول الحجاب؟ (قال) عليه الصلاة والسلام: (لتلبسها) بالجزم (صاحبتها من جلبابها) أي بأن تعيرها جلبابًا من جلابيبها، ووجه مطابقته للترجمة من جهة تأكيد الأمر باللبس حتى بالعارية للخروج إلى صلاة العيد فللصلاة أولى، وإذا وجب ستر العورة للنساء فللرجل كذلك. وهل ستر العورة واجب مطلقًا في الصلاة وغيرها؟ نعم هو واجب مطلقًا عند الشافعية. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون. (وقال عبد الله بن رجاء) بالجيم والمدّ الغداني بضم المعجمة وتخفيف المهملة وبعد الألف نون أي مما وصله الطبراني في الكبير. قال ابن حجر: ووقع عند الأصيلي في عرضه على أبي زيد بمكة حدّثنا عبد الله بن رجاء اهـ. ولابن عساكر قال محمد أي المؤلف، وقال عبد الله بن رجاء: (حدّثنا عمران) القطان (قال: حدّثنا محمد بن سيرين، قال: حدّثنا أُم عطية) نسيبة فيه تصريح ابن سيرين بتحديث أُم عطية له، وهو يردّ على مَن زعم أن ابن سيرين إنما سمعه من أُخته حفصة عن أُم عطية قالت (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) الحديث السابق. 3 - باب عَقْدِ الإِزَارِ عَلَى الْقَفَا فِي الصَّلاَةِ (باب) حكم (عقد) المصليّ (الإزار على القفا) بالقصر أي إزاره على قفاه وهو مؤخر عنقه، والحال أنه داخل (في الصلاة، وقال أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج الزاهد المدني مما وصله المؤلف في باب الثوب إذا كان ضيفًا (عن سهل) الأنصاري، المتوفى سنة إحدى وتسعين آخر مَن مات من الصحابة بالمدينة، وللأصيلي عن سهل بن سعد (صلّوا) أي الصحابة (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونهم (عاقدي أزرهم) بضم الهمزة وسكون الزاي جمع إزار وهو الملحفة (على عواتقهم) فكان أحدهم يعقد إزاره في قفاه، وللكشميهني عاقدو أزرهم بالواو، وحينئذ فيكون خبر مبتدأ محذوف أي صلّوا وهم عاقدوا أزرهم. 352 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: صَلَّى جَابِرٌ فِي إِزَارٍ قَدْ عَقَدَهُ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ وَثِيَابُهُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْمِشْجَبِ. قَالَ لَهُ قَائِلٌ: تُصَلِّي فِي إِزَارٍ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ لِيَرَانِي أَحْمَقُ مِثْلُكَ. وَأَيُّنَا كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ [الحديث 352 - أطرافه في: 353، 361، 370]. وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه إلى جدّه لشهرته به، وإلاَّ فأبوه عبد الله، وتوفي بالكوفة سنة سبع وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا عاصم بن محمد) أي ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (قال: حدّثني) بالإفراد (واقد بن محمد) بالقاف المكسورة والدال المهملة القرشي العدوي المدني أخو عاصم بن محمد الراوي عنه، (عن محمد بن المنكدر) التابعي المشهور (قال): (صلىّ جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (في إزار قد عقده من قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة (قفاه وثيابه موضوعة على المشجب) بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الجيم عيدان تضم رؤوسها ويفرج بين قوائمها توضع عليها الثياب وغيرها والجملة اسمية حالية. (قال) وللأربعة فقال (له قائل) هو عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت كما في مسلم (تصلّي في إزار واحد) بهمزة الإنكار المحذوفة (فقال) جابر: (إنما صنعت ذلك) باللام قبل الكاف وللحموي والكشميهني ذاك بإسقاطها، وللمستملي بدلها هذا أي الذي فعله من

4 - باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به

صلاته وإزاره معقود على قفاه وثيابه موضوعة على المشجب (ليراني أحمق) بالرفع غير منصرف أي جاهل. (مثلك) فينكر عليّ بجهله فأظهر له جوازه ليقتدي به الجاهل ابتداء، ومثلك بالرفع صفة أحمق لأنها وإن أُضيفت إلى معرفة لا تتعرّف لتوغلها في الإبهام إلاّ إذا أُضيفت لما اشتهر بالمماثلة وهنا ليس كذلك فلذا وقعت صفة للنكرة وهي أحمق. (وأيّنا كان له ثوبان) استفهام يفيد النفي وغرضه أن الفعل كان مقرّرًا (على عهد النبي) وللأصيلي على عهد رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وحينئذ فلا ينكر، وقد كان الخلاف في منع جواز الصلاة في الثوب الواحد قديمًا، فعن ابن مسعود قال: لا تصليّ في ثوب واحد وإن كان أوسع مما بين السماء والأرض. ورواه ابن أبي شيبة وعامّة الفقهاء على خلافه. ورواة هذا الحديث ما بين كوفي ومدني، وفي رواية الأخ عن أخيه وهما عاصم وواقد وتابعي عن تابعي وهما واقد ومحمد بن المنكدر، وفيه التحديث والعنعنة والقول. 353 - حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ أَبُو مُصْعَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ. وبه قال: (حدّثنا مطرف) بضم الميم وفتح الطاء وكسر الراء الهملتين وفي آخره فاء (أبو مصعب) بضم الميم وفتح العين ابن عبد الله بن سليمان الأصم المدني صاحب مالك الإمام (قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي) بفتح الميم على وزن الجواري، وفي الفرع الموالِ بغير ياء (عن محمد بن المنكدر قال) (رأيت جابر بن عبد الله يصلّي في ثوب واحد. وقال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي في ثوب) أي واحد، وهذا أوقع في النفس وأصرح في الرفع من الطريق السابق، وسقط عند الأصيلي لفظ ابن عبد الله. 4 - باب الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ مُلْتَحِفًا بِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: الْمُلْتَحِفُ الْمُتَوَشِّحُ، وَهْوَ الْمُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ، وَهْوَ الاِشْتِمَالُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ. قَالَ: وَقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: "الْتَحَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَوْبٍ وَخَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ". (باب) حكم (الصلاة في الثوب الواحد) حال كون الصليّ (ملتحفًا) أي متغطيًا به. (قال) وللأصيلي. وقال (الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (في حديثه) الذي رواه في الالتحاف مما وصله ابن أبي شيبة في مصنفه عنه عن سالم عن ابن عمر، أو المراد وصله أحمد عنه عن أبي هريرة: (الملتحف المتوشّح وهو المخالف بين طرفيه) أي الثوب (على عاتقيه وهو الاشتمال على منكبيه) أي منكبي التوشّح. قال ابن السكّيت: هو أن يأخذ طرف الثوب الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى، ويأخذ الذي ألقاه على منكبه الأيسر من تحت يده اليمنى ثم يعقد طرفيهما على صدره. (قال) أي المؤلّف وهذه ساقطة عند أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر. (قالت) وللأربعة وقالت (أُم هانئ) بالنون والهمزة فاختة بنت أبي طالب: (التحف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثوب وخالف) وللأصيلي في ثوب، ولأبي ذر عن الكشميهني بثوب له وخالف (بين طرفيه على عاتقيه) وصله المؤلّف في هذا الباب لكنه لم يقل فيه وخالد. نعم ثبت في مسلم من وجه آخر عن أبي مرّة عنها، وفائدة هذه المخالفة في الثوب كما قال ابن بطّال أن لا ينظر المصلّي إلى عورة نفسه إذا ركع أو أن لا يسقط عند الركوع والسجود. 354 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ. [الحديث 354 - طرفاه في: 355، 356]. وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن موسى) العبسي مولاهم الكوفي (قال: حدّثنا) وفي رواية ابن عساكر أخبرنا (هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عمر بن أبي سلمة) بفتح اللام وضمّ العين من عمر، واسم أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ربيب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأُمه أُم المؤمنين أُم سلمة، ولد بالحبشة في السنة الثانية، المتوفّى بالمدينة سنة ثلاث وثمانين، ووهم مَن قال أنه قتل بوقعة الجمل نعم شهدها وتوفي بالمدينة في خلافة عبد الملك بن مروان، له في البخاري حديثان: (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه). ورواة هذا الحديث ما بين كوفي ومدني وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي وهو سند عالٍ جدًّا، وله حكم الثلاثيات وإن لم يكن على صورتها لأن أعلى ما يقع للمؤلّف يكون بينه وبين الصحابي فيه اثنان، فإن كان الصحابي يرويه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصورة الثلاثي وإن كان عن صحابي آخر فلا، لكنه من حيث العلوّ واحد لصدق أن بينه وبين الصحابي اثنين، وبالجملة فهو من العلوّ النسبي. 355 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ قَدْ أَلْقَى طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى. قال: حدّثنا يحيى) القطان (قال: حدّثنا هشام)

عن أبيه عروة بن الزبير (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عروة (عن عمر بن أبي سلمة) بضم العين. (أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي في ثوب واحد في بيت أُمّ سلمة) أُم المؤمنين ظرف ليصلّي (قد ألقى طرفيه) أي طرفي ثوبه (على عاتقيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). إنما أورد المؤلّف هذا الحديث وإن كان أنزل من السابق بدرجة لما وقع فيه من تصريح هشام عن أبيه بأن عمر أخبره، وفي السابق وقع بالعنعنة وتصريح الصحابي بأنه شاهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعل ما نقل أوْلاً بالصورة المحتملة مع تعيين المكان، وزيادة كون طرفي الثوب على عاتقيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 356 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلاً بِهِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا عبيد) بضم العين مصغرًا من غير إضافة (ابن إسماعيل) الهباري بفتح الهاء وتشديد الموحدة الكوفي (قال: حدّثنا) ولابن عساكر أخبرنا (أبو أسامة) بضم الهمزة حماد بن أسامة (عن هشام) هو ابن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (أن عمر بن أبي سلمة) بضمّ العين (أخبره قال): (رأيت رسول الله) وللأصيلي رأيت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي في ثوب واحد) حال كونه (مشتملاً به) وللمستملى والحموي مشتمل بالجرّ على المجاورة قاله ابن حجر وغيره كالزركشي، وتعقّبه البدر الدماميني فقال: الأولى أن يجعل صفة لثوب ثم أورد سؤالاً فقال: فإن قلت: لو كان لبرز الضمير لجريان الصفة على غير مَن هي له. وأجاب: بأن الكوفيين قاطبة لا يُوجِبون إبرازه عند أمن اللّبس، ووافقهم ابن مالك ومذهبهم في المسألة أقوى واللبس في الحديث مُنتَفٍ اهـ. ولأبي ذر مشتمل بالرفع خبر مبتدأ محذوف (في بيت أُم سلمة) حال كونه (واضعًا طرفيه) بالتثنية أي الثوب (على عاتقيه) صلوات الله وسلامه عليه وفي بيت ظرف ليصلّي أو للاشتمال أولهما، وفي هذه الطريق النازلة السند أيضًا تصريح هشام عن أبيه بأن عمر أخبره، وفي السابقتين العنعنة وزيادة لفظ الاشتمال. 357 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ. قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟. فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً قَدْ أَجَرْتُهُ فُلاَنَ بْنَ هُبَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ». قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَاكَ ضُحًى. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أُويس) بضم الهمزة وفتح الواو مصغرًّا (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) وفي غير رواية ابن عساكر مالك بن أنس إمام دار الهجرة (عن أبي النضر) بفتح النون وسكون المعجمة سالم بن أبي أمية (مولى عمر بن عبيد الله) بضم العين في الأوّل والثاني، المتوفّى سنة تسع وعشرين ومائة (أن أبا مرّة) بضمّ الميم وتشديد الراء يزيد (مولى أُم هانئ) بالهمزة فاختة (بنت أبي طالب أخبره أنه سمع أُم هانئ بنت أبي طالب) رضي الله عنها حال كونها (تقول): (ذهبت إلى رسول الله) وللأصيلي إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الفتح) في رمضان سنة ثمان (فوجدته) حال كونه (يغتسل وفاطمة ابنته) رضي الله عنها (تستره) جملة حالية أيضًا (قالت) أم هانئ: (فسلّمت عليه، فقال) عليه الصلاة والسلام (مَن هذه؟) قالت: أُم هانئ (فقلت أنا) وللأصيلي قلت (أم هانئ بنت أبي طالب فقال) عليه الصلاة والسلام (مرحبًا بأُم هانئ) بباء الجرّ ولابن عساكر مرحبًا يا أم هانئ بيا النداء أي لقيت رحبًا وسعةً يا أُم هانئ (فلما فرغ) عليه الصلاة والسلام (من غسله) بضم الغين (قام فصلّى ثماني ركعات) حال كونه (ملتحفًا في ثوب واحد) بكسر نون ثماني وفتح الياء مفعول فصلّى، ولابن عساكر ثمان بفتح النون من غير ياء (فلما انصرف) عليه الصلاة والسلام من صلاته (قلت: يا رسول الله زعم) أي قال أو ادّعى (ابن أُمي) عليّ بن أبي طالب وهي شقيقته أُمهما فاطمة بنت أسد بن هاشم، لكن خصّت الأُم لكونها آكد في القرابة، ولأنها بصدد الشكاية في إخفار ذمتها فذكرت ما بعثها على الشكوى حيث أُصيبت من محل يقتضي أنها لا تصاب منه لما جرت العادة أن الأخوّة من جهة الأمُ أشدّ في اقتضاء الحنان والرعاية من غيرها. نعم في رواية الحموي زعم ابن أبي (أنه قاتل رجلاً) أي عازم على مقاتلة رجل (قد أجرته) بالراء أي أمنته هو (فلان بن هبيرة) بالرفع بتقدير هو كما مرَّ أو بالنصب بدلاً من رجلاً أو من الضمير المنصوب، وهبيرة بضم الهاء وفتح الموحدة ابن أبي وهب بن عمرو المخزومي زوج أُم هانئ ولدت منه أولادًا منهم هانئ الذي كنيت

5 - باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه

به هرب من مكة عام الفتح لما أسلمت هي ولم يزل مشركًا حتى مات، وترك عندها ولدها منه جعدة وهو ممّن له رؤية ولم تصحّ له صحبة، وابنه المذكور هنا يحتمل أن يكون جعدة هذا، ويحتمل أن يكون من غير أُم هانئ، ونسي الراوي اسمه، لكن قال ابن الجوزي: إن كان المراد بفلان ابنها فهو جعدة، وردّه ابن عبد البرّ وغيره لصغر سنّه إذ ذاك المقتضي لعدم مقاتلته، وحينئذ فلا يحتاج إلى الأمان وبأن عليًّا لا يقصد قتل ابن أُخته فكونه من غيرها أرجح، وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن اللذين أجارتهما أُم هانئ هما الحرث بن هشام وزهير بن أبي أُمية المخزوميان، وعند الأزرقي عبد الله بن أبي ربيعة بدل زهير، قال في الفتح: والذي يظهر لي أن في رواية الباب حذفًا كأنه كان فيه فلان ابن عمّ هبيرة فسقط لفظ عمّ أو كان فيه فلان قريب هبيرة، فتغيّر لفظ قريب بلفظ ابن وكلٌّ من: الحرث بن هشام، وزهير بن أبي أمية، وعبد الله بن أبي ربيعة يصحّ وصفه بأنه ابن عمّ هبيرة وقريبه لكون الجميع من بني مخزوم. (فقال رسول الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قد أجرنا مَن أجرت) أي أمّنّا مَن أمّنت (يا أُم هانئ) فلا لعليّ قتله (قالت أُم هانئ: وذاك) وللأصيلي وذلك باللام أي صلاته الثمان ركعات (ضحى) أي وقت ضحى أو صلاة ضحى، ويؤيّدها ما في رواية ابن شاهين قالت أُم هانئ: يا رسول الله ما هذه الصلاة؟ قال: الضحى. ورواة هذا الحديث مدنيون، وفيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة والإخبار والسّماع والقول. 358 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَائِلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الصَّلاَةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أَوَ لِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ»؟ [الحديث 358 - طرفه في: 365]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه. (أن سائلاً) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه لكن ذكر شمس الأئمة السرخسي الحنفيّ في كتابه المبسوط أنه ثوبان (سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الصلاة في ثوب واحد) ولأبي الوقت في الثوب الواحد بالتعريف (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أو لكلكم) أي أأنت سائل عن مثل هذا الظاهر ولكلكم (ثوبان) فهو استفهام إنكاري إبطالي. قال الخطابي: لفظه استخبار ومعناه الإخبار عمّا هم عليه من قلّة الثياب، ووقع في ضمنه الفتوى من طريق الفحوى، لأنه إذا لم يكن لكلٍّ ثوبان والصلاة لازمة، فكيف لم يعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد الساتر للعورة جائزة، وهذا مذهب الجمهور من الصحابة كابن عباس وعليّ ومعاوية وأنس بن مالك وخالد بن الوليد وأبي هريرة وعائشة وأُم هانئ، ومن التابعين الحسن البصري وابن سيرين والشعبي وابن المسيب وعطاء وأبو حنيفة، ومن الفقهاء أبو يوسف ومحمد والشافعي ومالك وأحمد في رواية وإسحاق بن راهويه. 5 - باب إِذَا صَلَّى فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَلْيَجْعَلْ عَلَى عَاتِقَيْهِ هذا (باب) بالتنوين (إذا صلّى في الثوب الواحد فليجعل) بعضه (على عاتقيه) بالتثنية، ولابن عساكر على عاتقه وهو ما بين المنكبين إلى أصل العنق. 359 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَىْءٌ». [الحديث 359 - طرفه في: 360]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد بفتح الميم البصري النبيل (عن مالك) هو ابن أنس الأصبحي (عن أبي الزناد) بالزاي المكسورة والنون (عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال): (قال النبي) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد) حال كونه (ليس على عاتقيه) بالتثنية، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر على عاتقه (شيء). زاد مسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد منه شيء، ولا نافية ويصلّي بإثبات الياء وهو خبر بمعنى النهي، وقال ابن الأثير: كذا في الصحيحين بإثبات الياء، وذلك لا يجوز لأنّ حذفها علامة الجزم بلا الناهية، فإن صحّت الرواية فتحمل على أن لا نافية اهـ. وقد صحّت الرواية بذلك فلا وجه للتردّد، وقد رواه الدارقطني في غرائب مالك لا يصلِّ بغير ياء، ومن طريق عبد الوهاب بن عطاء عن مالك بلفظ: لا يصلين بزيادة نون التوكيد، وهو عند الإسماعيلي بلفظ: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والنهي المذكور ليس محمولاً على التحريم، فقد ثبت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى في ثوب واحد كان أحد طرفيه على بعض نسائه وهي

6 - باب إذا كان الثوب ضيقا

نائمة، ومعلوم أن الطرف الذي هو لابسه من الثوب غير متّسع لأن يتّزر به ويفضل منه ما كان على عاتقه قال الخطابي فيما نقلوه عنه، لكن قال في الفتح: إن فيه نظرًا لا يخفى، نعم نقل السبكي وجوبه عن نص الشافعي واختاره، لكن المعروف عن الشافعية خلافه وعن أحمد لا تصحّ صلاة مَن قدر على ذلك فتركه جعله شرطًا وعنه تصحّ ويأثم جعله واجبًا مستقلاً. وفي الحديث التحديث والعنعنة. 360 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: سَمِعْتُهُ -أَوْ كُنْتُ سَأَلْتُهُ- قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ». وبه قال: (حدّثنا أيو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن عكرمة) مولى ابن عباس (قال: سمعته) أي قال يحيى سمعت عكرمة (أو كنت سألته) بالشك أي كنت سمعت منه إما ابتداء أو جواب سؤال لا أدري كيف وقع. (قال) ولابن عساكر فقال أي عكرمة (سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه حال كونه (يقول): (أشهد أنيّ سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: مَن صلّى في ثوب) وللكشميهني في ثوب واحد (فليخالف بين طرفيه) حمل الجمهور الأمر هنا على الاستحباب وأتى بلفظ أشهد تأكيدًا لحفظه وتحقيقًا لاستحضاره. 6 - باب إِذَا كَانَ الثَّوْبُ ضَيِّقًا هذا (باب) بالتنوين (إذا كان الثوب ضيقًا) كيف يفعل المصلّي. 361 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَقَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَجِئْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ أَمْرِي، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي وَعَلَىَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَاشْتَمَلْتُ بِهِ وَصَلَّيْتُ إِلَى جَانِبِهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: مَا السُّرَى يَا جَابِرُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِحَاجَتِي. فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: مَا هَذَا الاِشْتِمَالُ الَّذِي رَأَيْتُ؟ قُلْتُ: كَانَ ثَوْبٌ -يَعْنِي ضَاقَ- قَالَ: «فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ». وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن صالح) الوحاظيّ بضم الواو وتخفيف الحاء المهملة وبالظاء المعجمة الحمصي الحافظ الفقيه، المتوفى سنة اثنتين وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا فليح بن سليمان) بضم الفاء وفتح اللام آخره حاء مهملة في الأوّل وضمّ السين وفتح اللام في الثاني (عن سعيد بن الحارث) بالثاء المثلثة الأنصاريّ قاضي المدينة (قال): (سألنا جابر بن عبد الله) الأنصاري (عن الصلاة في الثوب الواحد فقال: خرجت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض أسفاره) في غزوة بواط كما في مسلم (فجئت ليلة) إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لبعض أمري) أي لأجل بعض حوائجي (فوجدته) -صى الله عليه وسلم- (يصلّي وعليّ ثوب واحدة فاشتملت به وصلّيت) منتهيًا (إلى جانبه) أو منضمًا إلى جانبه (فلما انصرف) عليه السلام من الصلاة (قال: ما السرى يا جابر) بضم السين والقصر أي ما سبب سيرك في الليل وإنما سأله لعلمه بأن الحامل له على الجيء في الليل أمر أكيد (فأخبرته بحاجتي، فلما فرغت قال) عليه الصلاة والسلام: (ما هذا الاشتمال الذي رأيت) هو استفهام إنكاري، وقد وقع في مسلم التصريح بسبب الإنكار وهو أن الثوب كان ضيقًا وأنه خالف بين طرفيه وتواقص أي انحنى عليه كأنه عند المخالفة بين طرفي الثوب لم يصر ساترًا فانحنى ليستتر فأعلمه عليه السلام بأن محل ذلك ما إذا كان الثوب واسعًا، فأما إذا كان ضيقًا فإنه يجزئه أن يتّزر به لأن القصد الأصلي ستر العورة وهو يحصل بالاتّزار ولا يحتاج إلى التواقص المغاير للاعتدال المأمور به، أو الذي أنكره عليه السلام هو اشتمال الصماء وهو أن يخلّل نفسه بثوب ولا يرفع شيئًا من جوانبه ولا يمكنه إخراج يديه إلاّ من أسفله خوفًا من أن تبدو عورته. قال جابر: (قلت كان) الذي اشتملت به (ثوبًا) واحدًا، ولكريمة وأبي ذر ثوب بالرفع. قال ابن حجر والبرماوي والعيني والزركشي: على أن كان تامّة فلا تحتاج إلى خبر، واعترضه البدر الدماميني فقال الاقتصار على ذلك لا يظهر وأيّ معنى لإخباره بوجود ثوب في الجملة فينبغي أن يقدّر ما يناسب المقام. زاد في فرع اليونينية يعني ضاق (قال) عليه الصلاة والسلام: (فإن كان) الثوب (واسعًا فالتحف) أي ارتدّ (به) أي بأن يأتزر بأحد طرفيه ويرتدي بالطرف الآخر منه، (وإن كان) الثوب (ضيقًا فاتزر به) بإدغام الهمزة المقلوبة تاء في التاء وهو يردّ على التصريفيين حيث جعلوه خطأ. 362 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: كَانَ رِجَالٌ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ كَهَيْئَةِ الصِّبْيَانِ، وَقَالَ لِلنِّسَاءِ: "لاَ تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا". [الحديث 362 - طرفاه في: 814، 1215]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) القطان (عن سفيان) الثوري لا ابن عيينة (قال: حدّثني) بالإفراد ولأبوي ذر والوقت حدّثنا (أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (عن سهل) الساعدي وللأصيلي عن سهل بن سعد (قال): (كان رجال) أي بعض الرجال لا كلهم فالتنكير للتبعيض (يصلون مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)

7 - باب الصلاة في الجبة الشأمية

حال كونهم (عاقدي أزرهم) بضم الهمزة وسكون الزاي ونون عاقدين سقطت للإضافة (على أعناقهم كهيئة الصبيان، وقال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وللكشميهنيّ ويقال وهو أعمّ من أن يكون القائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو من أمره. قال الحافظ ابن حجر: ويغلب على الظن أن القائل بلال (للنساء) اللاتي يصلّين وراء الرجال (لا ترفعن رؤوسكنّ) من السجود (حتى يستوي الرجال) حال كونهم (جلوسًا) جمع جالس أو مصدر بمعنى جالسين، وإنما قيل لهنّ ذلك لئلا يلمحن عند رفعهنّ من السجود شيئًا من عورات الرجال كما وقع التصريح فيه في حديث أسماء بنت أبي بكر المرويّ عند أحمد وأبي داود بلفظ: فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رؤوسهم كراهة أن يرين عورات الرجال. واستنبط منه النهي عن فعل مستحب خشية ارتكاب محذور، لأن متابعة الإمام من غير تأخير مستحبة فنهى عنها لما ذكر وأنه لا يحب الستر من أسفل بخلاف الأعلى. وفي الإسناد التحديث والإخبار والعنعنة. 7 - باب الصَّلاَةِ فِي الْجُبَّةِ الشَّأْمِيَّةِ وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الثِّيَابِ يَنْسُجُهَا الْمَجُوسِيُّ لَمْ يَرَ بِهَا بَأْسًا، وَقَالَ مَعْمَرٌ: رَأَيْتُ الزُّهْرِيَّ يَلْبَسُ مِنْ ثِيَابِ الْيَمَنِ مَا صُبِغَ بِالْبَوْلِ. وَصَلَّى عَلِيٌّ فِي ثَوْبٍ غَيْرِ مَقْصُورٍ. (باب الصلاة في الجبّة الشامية) التي ينسجها الكفّار ما لم تتحقق نجاستها. (وقال الحسن) البصري مما وصله أبو نعيم بن حماد في نسخته المشهورة (في الثياب ينسجها المجوسي) بضم سين ينسجها من باب نصر ينصر وبكسرها من باب ضرب يضرب، والأوّل هو الذي في الفرع فقط. والمجوسي بالياء بلفظ المفرد في رواية الحموي والكشميهني، والمارد الجنس ولغيرهما المجوس بصيغة الجمع والجملة صفة للثياب، لأن الجملة وإن كانت نكرة لكن المعرفة بلام الجنس كالنكرة ومنه قوله: ولقد أمُرُّ على اللئيم يسبني (لم ير بها) الحسن (بأسًا) أي قبل أن تغسل، وقد أجازه الشافعي والكوفيون وكره ذلك ابن سيرين كما رواه ابن أبي شيبة. ومطابقة هذا الأثر للترجمة ظاهرة ثم استطرد المؤلّف فقال: (وقال معمر) بفتح الميمين ابن راشد مما وصله عبد الرزاق في مصنفه (رأيت الزهريّ) محمد بن مسلم بن شهاب (يلبس من ثياب اليمن ما صبغ بالبول) أي بعد أن يغسله أو المراد بول المأكول وهو طاهر عند الزهري، (وصلّى عليّ) وللأصيلي وصلّى عليّ ابن أبي طالب مما رواه ابن سعد (في ثوب) خام (غير مقصور) قبل أن يغسله. 363 - حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ فَقَالَ: «يَا مُغِيرَةُ خُذِ الإِدَاوَةَ». فَأَخَذْتُهَا. فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فَقَضَى حَاجَتَهُ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَأْمِيَّةٌ، فَذَهَبَ لِيُخْرِجَ يَدَهُ مِنْ كُمِّهَا فَضَاقَتْ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ أَسْفَلِهَا، فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ فَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ صَلَّى. وبالسند قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن موسى أبو زكريا البلخي المعروف بخت بفتح الخاء المعجمة وتشديد المثناة الفوقية وليس هو يحيى بن معين ولا ابن جعفر البيكندي (قال: حدّثنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين أو هو أبو معاوية شيبان النحوي وجزم الحافظ ابن حجر بأنه الأوّل (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن مسلم) هو ابن صبيح بضم المهملة العطاردي، أو هو مسلم بن عمران البطين وجزم في فتح الباري بأنه الأوّل أيضًا (عن مسروق) هو ابن الأجدع الهمداني وسمّي به لأنه سرقه سارق في صغره (عن مغيرة بن شعبة) رضي الله عنه (قال): (كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) سنة تسع في غزوة تبوك (فقال) ولأبي ذر قال: (يا مغيرة خذ الإداوة) بكسر الهمزة وجمعها أداوي أي المطهرة (فأخذتها فانطلق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى توارى) أي غاب وخفي (عني ففض) بالفاء وللأصيلي وقضى (حاجته وعليه جبّة شامية) من نسج الكفّار الفارّين بالشام لأنها إذ ذاك كانت دارهم، (فذهب) عليه الصلاة والسلام (ليخرج يده من كمّها فضاقت) أي الجبّة لأن الثياب الشامية كانت حينئذ ضيقة الأكمام (فأخرج) عليه الصلاة والسلام (يده من أسفلها فصببت عليه) الماء (فتوضأ وضوءه للصلاة ومسح على خُفّيه ثم صلى). ورواة هذا الحديث ما بين بلخي وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الجهاد واللباس ومسلم في الطهارة وكذا النسائي وابن ماجة. 8 - باب كَرَاهِيَةِ التَّعَرِّي فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا (باب كراهية التعرّي في) نفس (الصلاة) وللكشميهني والحموي زيادة وغيرها أي غير الصلاة. 364 - حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ وَعَلَيْهِ إِزَارُهُ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِي لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الْحِجَارَةِ. قَالَ: فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 364 - طرفاه في: 1583، 3829]. وبالسند قال: (حدّثنا مطر بن الفضل) المروزي (قال: حدّثنا روح) بفتح الراء وسكون الواو ابن عبادة التنيسي (قال: حدّثنا زكريا بن إسحاق) المكّي (قال: حدّثنا عمرو بن دينار) بفتح العين الجمحي (قال): (سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري حال كونه (يحدّث أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

9 - باب الصلاة في القميص والسراويل والتبان والقباء

وَسَلَّمَ- كان ينقل معهم الحجارة) أي مع قريش (للكعبة) أي لبنائها وكان عمره عليه السلام إذ ذاك خمسًا وثلاثين سنة، وقيل: كان قبل المبعث بخمس عشرة سنة، وقيل كان عمره خمس عشرة سنة (وعليه إزاره) ولابن عساكر وعليه إزار بغير ضمير والجملة حالية بالواو، وفي بعض الأصول بغير واو (فقال له العباس عمّه) بالرفع عطف بيان (يا ابن أخي لو حللت إزارك) لكان أسهل عليك أو لو بمعنى التمنّي فلا جواب لها (فجعلت) وللكشميهني فجعلته بالضمير أي الإزار (على منكبيك دون الحجارة) أي تحتها (قال) جابر أو مَن حدّثه (فحلّه) أي حلّ عليه السلام الإزار (فجعله على منكبيه فسقط) عليه السلام حال كونه (مغشيًّا) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة أي مغمى (عليه) أي لانكشاف عورته، لأنه عليه الصلاة والسلام كان مجبولاً على أحسن الأخلاق من الحياء الكامل حتى كان أشدّ حياءً من العذراء في خدرها، فلذلك غشي عليه، ورُوِيَ مما هو في غير الصحيحين أن الملك نزل عليه فشدّ عليه إزاره (فما رُئِيَ) بضم الراء فهمزة مكسورة فمثناة تحتية مفتوحة أو بسكر الراء فياء ساكنة فهمزة مفتوحة (بعد ذلك عريانًا) بالنصب على الحال، وعند الإسماعيلي فلم يتعرّ بعد ذلك (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). فإن قلت: ما الجمع بين حديث الباب وما ذكره ابن إسحاق من أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تعرّى وهو صغير عند حليمة فلكمه لاكم فلم يعد يتعرّى بعد ذلك؟ أُجيب بأنه إن ثبت حمل النفي فيه على التعرّي لغير ضرورة عادية، والذي في حديث الباب على الضرورة العادية والنفي فيها على الإطلاق أو يتقيد بالضرورة الشرعية كحالة النوم مع الزوجة أحيانًا، واستنبط من الحديث منع بدوّ العورة إلاّ ما رخص من رؤية الزوجات لأزواجهنّ عُراة. ورواة هذا الحديث ما بين تنيسي ومروزي ومكّي وفيه التحديث والسماع، ورواية جابر له من مراسيل الصحابة لأن ذلك كان قبل البعثة فأما أن يكون سمع ذلك من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك أو من بعض مَن حضر ذلك من الصحابة، وقد اتفقوا على الاحتجاج بمرسل الصحابي إلاّ ما تفرّد به أبو إسحاق الإسفرايني لكن في السياق ما يستأنس لأخذ ذلك من العباس فلا يكون مرسلاً. 9 - باب الصَّلاَةِ فِي الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالتُّبَّانِ وَالْقَبَاءِ (باب الصلاة في القميص والسراويل والتبّان) بضم المثناة الفوقية وتشديد الموحدة سراويل صغيرة يستر العورة المغلظة فقط (والقباء) بفتح القاف وتخفيف الموحدة مع المدّ والقصر مشتق من القبو وهو الضم والجمع سمّي به لانضمام أطرافه، وأول مَن لبسه سليمان عليه الصلاة والسلام. 365 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، فَقَالَ: أَوَ كُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ. ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ، فَقَالَ: إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ فَأَوْسِعُوا: جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، صَلَّى رَجُلٌ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، فِي إِزَارٍ وَقَمِيصٍ، فِي إِزَارٍ وَقَبَاءٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ، فِي تُبَّانٍ وَقَبَاءٍ، فِي تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ، -قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ- فِي تُبَّانٍ وَرِدَاءٍ". وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) أبو أيوب (قال: حدّثنا حمّاد بن زيد) أبو إسماعيل (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال): (قام رجل) لم يُسَمَّ (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسأله عن الصلاة في الثوب الواحد) أي هل تصحّ أم لا؟ (فقال) عليه السلام (أو كلكم) بهمزة الاستفهام الإنكاري الإبطالي وواو العطف وأصل الكلام وأكلكم، لكن قدّم الاستفهام لأن له صدر الكلام أو الواو عاطفة على محذوف بين الهمزة والواو دلّ عليه المعطوف ولا تقديم ولا تأخير، فالتقدير هنا أكلكم يجد ثوبين وكلكم يجد ثوبين والأول أولى والتقديم والتأخير أسهل من الحذف، والمعنى ليس كلكم (يجد ثوبين) فلذا تصحّ الصلاة في الثوب الواحد، (ثم سأل رجل عمر) بن الخطاب رضي الله عنه أنهى عن الصلاة في الثوب الواحد. والسائل يحتمل أن يكون هو ابن مسعود أو أُبيًّا لأنهما اختلفا في ذلك كما رواه عبد الرزاق فقال أبي: الصلاة في الثوب الواحد لا تكره، وقال ابن مسعود: إنما كان ذلك وفي الثياب قلّة، (فقال) عمر رضي الله عنه مجيبًا للسائل: (إذا وسع الله فأوسعوا) فيه دليل على أن الثوب الواحد كاف وأن الزيادة استحسان (جمع) أي ليجمع (رجل عليه) أي على نفسه (ثيابه صلّى) أي ليصلّ (رجل في إزار) وهو ما يؤتزر به في النصف الأسفل (ورداء) للنصف الأعلى أو (في إزار وقميص) أو (في إزار وقباء) أو (في سراويل ورداء) غير منصرف على وزن مفاعيل، أو (في سرايل وقميص) أو (في

سراويل وقباء) أو (في تبّان وقباء) أو (في تبّان وقميص). (قال) أي أبو هريرة (وأحسبه) أي عمر (قال) أو (في تبّان ورداء) وهذه تسع صور، ولم يجزم أبو هريرة بل ذكره بالحسبان لإمكان أن عمر أهمل ذلك لأنّ التبّان لا يستر العورة كلها بناء على أن الفخذ من العورة، فالستر به حاصل مع القباء ومع القميص، وأما مع الرداء فقد لا يحصل. ورأى أبو هريرة أن انحصار القسمة يقتضي ذكر هذه الصورة والستر قد يحصل بها إذا كان الرداء سابغًا وقدّم ملابس الوسط لأنها محل ستر العورة، وهذه الجملة من قوله جمع إلى هنا من تتمة قول عمر وعبّر بصيغة الماضي ومراده الأمر أي ليجمع وليصل كما مرّ، ومثله في كلام العرب: اتقى الله امرؤ فعل خيرًا يثب عليه أي ليتّق الله وليفعل. وقال ابن المنير: الصحيح أنه كلام في معنى الشرط كأنه قال: إن جمع رجل عليه ثيابه فحسن وحذف أو العاطفة في المواضع التسعة على قول مَن يجوّز ذلك من النحاة، والأصل إثباتها كما قاله ابن مالك. وعورض بأنه لا يتعيّن أن يكون المحذوف حرف عطف، بل يحتمل أن يكون المحذوف فعلاً أي صلّى في إزار وقميص صلى في إزار وقباء وكذا الباقي أي ليجمع عليه ثيابة ليصلِّ إلي كذا، والحمل على هذا أولى لثبوته إجماعًا وحذف حرف العطف بابه الشعر فقط وعند بعض وقوعه في الشعر مختلف فيه أو أنها على سبيل التعداد فلا حاجة للعطف. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة. 366 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: لاَ يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلاَ السَّرَاوِيلَ وَلاَ الْبُرْنُسَ وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلاَ وَرْسَ، فَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ». وَعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا عاصم بن علي) هو ابن عاصم الواسطي (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن نسبه إلى جدّه لشُهرته به (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (قال): (سأل رجل) لم يُسمّ كما في الفتح (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) بالفاء التفسيرية إذ هو نفس سأل وللأصيلي قال (ما يلبس المحرم: فقال) عليه السلام: (لا يلبس القميص) بفتح القاف ولا ناهية فتكسر السين أو نافية فتضم (ولا السراويل ولا البرنس) بضم الموحدة والنون ثوب معروف رأسه ملصق فيه أو هو قلنسوة طويلة كان الناس يلبسونها في صدر الإسلام، والسراويل مفرد بلفظ الجمع وجمعه سراويلات (ولا ثوبًا) ويجوز رفعه بتقدير فعل مبني للمفعول أي ولا يلبس ثوب (منه الزعفران) بفتح الزاي والفاء ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر زعفران (ولا ورس) بفتح الواو وسكون الراء آخره سين مهملة نبت أصفر باليمن يصبغ به (فمَن لم يجد النعلين فليلبس الخفّين وليقطعهما حتى يكونا) وللحموي والمستملي حتى يكون بالإفراد أي كل واحد منهما (أسفل من الكعبين) هو إذن في ذلك لا أمر إذ لا يجب على مَن فقد النعلين لبس الخفّين المقطوعين، والمراد هنا من الحديث أن الصلاة تجوز بدون القميص والسراويل وغيرهما من المَخيط لأمر المحرم باجتناب ذلك وهو مأمور بالصلاة. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في اللباس والحج وتأتي بقية مباحثه فيه إن شاء الله تعالى بعون الله ثم عطف المؤلّف قوله. (وعن نافع) على قوله عن الزهري كما قال الحافظ ابن حجر، وقال البرماوي كالكرماني هو تعليق، ويحتمل أنه عطف على سالم فيكون متصلاً، وتعقبه ابن حجر بأن التجويزات العقلية لا يليق استعمالها في الأمور النقلية، فإن المؤلّف رحمه الله أخرج الحديث في آخر كتاب العلم عن آدم عن ابن أبي ذئب فقدّم طريق نافع وعطف عليها طريق الزهري عكس ما هنا، وانتصر العيني رحمه الله تعالى للكرماني رادًّا على ابن حجر بأنه تعليق بالنظر إلى ظاهر الصورة، مع أن الكرماني لم يجزم بذلك، بل قال: ويحتمل أن يكون عطفًا على سالم قال: ولا فرق بين أن يقال عطفًا على سالم أو عطفًا على الزهري، وأجاب ابن حجر في انتقاض الاعتراض بأنه إذا اتّضح المراد فأيّ وجه للنزول وبأن قوله عطفًا على سالم يصير كأن ابن أبي ذئب رواه عن الزهري عن نافع، فهو عند ابن أبي ذئب عن شيخين بالنزول عن الزهري عن سالم، وبالعكس عن نافع وسالم ونافع روياه جميعًا عن ابن عمر، قال: فمَن كان هذا مبلغ فهمه فكيف يليق به التصدّي للردّ على غيره اهـ. (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (عن

10 - باب ما يستر من العورة

النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله) أي مثل حديث سالم الرضي الله عنه. 10 - باب مَا يَسْتُرُ مِنَ الْعَوْرَةِ (باب ما يستر من العورة) بضم المثناة التحتية وفتح الفوقية ويجوز الفتح والضم وما مصدرية أو موصولة ومن بيانية والعورة السوأة وكل ما يستحيا منه. 367 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَىْءٌ". [الحديث 367 - أطرافه في: 1991، 2144، 2147، 5820، 5822، 6284]. وبه قال (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخيّ (قال: حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام وللأصيلي وابن عساكر الليث بالتعريف (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله) بتصغير الأول (ابن عتبة) بن مسعود (عن أبي سعيد الخدري) بالدال المهملة (أنه قال): (نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن اشتمال الصماء) بالمهملة والمدّ. قال الأصمعي: هو أن يشتمل بالثوب حتى يجلل به جسده لا يرفع منه جانبًا فلا يبقى ما يخرج منه يده اهـ. ومن ثم سميت صمّاء كما قال ابن قتيبة لسدّ المنافذ كلها كالصخرة الصمّاء ليس فيها خرق، فيكون النهي مكروهًا لعدم قدرته على الاستعانة بيديه فيما يعرض له في الصلاة كدفع بعض الهوام، وفي كتاب اللباس عند المؤلّف والصمّاء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقّيه وهو موافق لتفسير الفقهاء، وحينئذ فيحرم إن انكشف منه بعض العورة وإلاّ فيكره. (و) نهى عليه الصلاة والسلام أيضًا عن (أن يحتبي الرجل) أو وعن احتباء الرجل بأن يقعد على أليتيه وينصب ساقيه ملتفًا (في ثوب واحد ليس على فرجه منه) أي من الثوب (شيء) أما إذا كان مستور العورة فلا يحرم. ورواة هذا الحديث ما بين بلخي ومصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في اللباس والبيوع، وكذا مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. 368 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعَتَيْنِ: عَنِ اللِّمَاسِ وَالنِّبَاذِ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ". [الحديث 368 - أطرافه في: 584، 588، 1993، 2145، 2146، 5819، 5821]. وبه قال: (حدّثنا قبيصة بن عقبة) بفتح القاف في الأوّل وضمّ العين في الثاني وليس عند الأصيلي ابن عقبة (قال: حدّثنا سفيان) الثّوري (عن أبي الزناد) بكسر الزاي وبالنون عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) هو عبد الرحمن بن هرمز من كبار التابعين (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر (قال): (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بيعتين) بفتح الموحدة كما في الفرع وهو المشهور على الألسنة لكن الأحسن كسرها لأن المراد به الهيئة كالركبة والجلسة (عن اللماس) بكسر اللام وهو أن يلمس ثوبًا مطويًّا أو في ظلمة ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه أيضًا اكتفاء بلمسه عن رؤيته، أو يقول إذا لمسته فقد بعتكه اكتفاء بلمسه عن الصيغة أو يبيعه شيئًا على أنه متى لمسه لزم البيع وانقطع خيار المجلس. (و) عن (النباذ) بكسر النون والمعجمة آخره وهو أن يجعلا النبذ بيعًا اكتفاء به عن الصيغة، فيقول أحدهما أنبذ إليك ثوبي، بعشرة فيأخذه الآخر، أو يقول بعتك هذا بكذا على أني إذا نبذت إليك لزم البيع وانقطع الخيار والبطلان فيهما لعدم الرؤية أو عدم الصيغة أو للشرط الفاسد. (و) نهى عليه الصلاة والسلام أيضًا (أن يشتمل) أي عن اشتمال الثوب كاشتمال الصخرة (الصماء) لكونها مسدودة المنافذ فيعسر أو يتعذّر على المشتمل إخراج يده لما يعرض له في صلاته من دفع بعض الهوام ونحوها، أو لانكشاف عورته على التفسير السابق المعزوّ للفقهاء الموافق لما عند المؤلّف في اللباس كما مرّ ولابن عساكر وأن يشتمر بضم أوّله مبنيًّا للمفعول الصماء بالرفع نائبًا عن الفاعل، (و) نهى (أن يحتبي) بفتح أوّله وكسر الموحدة ولابن عساكر يحتبي بضم أوله وفتح الموحدة (الرجل) أي عن احتباء الرجل القاعد على أليتيه منتصبًا ساقه وقوله الرجل ساقط لابن عساكر ملتفًا (في ثوب واحد) والمطلق هنا في الاحتباء محمول على المقيد في الحديث السابق بقوله ليس على فرجه منه شيء. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول ورواية تابعي عن صحابي، وهو مما قيل فيه أنه أصح الأسانيد، وأخرجه المؤلّف في الصلاة واللباس، ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه في التجارات واللباس. 369 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: "بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ يَوْمَ النَّحْرِ تُؤَذِّنُ بِمِنًى أَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. قَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيًّا فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ: لاَ يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ". [الحديث 369 - أطرافه في: 1622، 3177، 4363، 4655، 4656، 4657]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن راهويه أو ابن منصور تردّد فيه لأنهما يرويان عن يعقوب نعم جزم بالأول إمام السُّنَّة وحافظها ابن حجر مستندًا إلى أن في نسخته من طريق أبي ذر إسحاق بن إبراهيم وهو ابن راهويه (قال: حدّثنا) وللأصيلي أخبرنا (يعقوب بن

11 - باب الصلاة بغير رداء

إبراهيم) بن سعد سبط عبد الرحمن بن عوف (قال: حدّثنا ابن أَخي ابن شهاب) هو محمد بن عبد الله بن أخي بن شهاب محمد بن مسلم (عن عمّه) محمد بن شهاب الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (حميد بن عبد الرحمن) بضم الحاء المهملة وفتح الميم (ابن عوف) التابعي (أن أبا هريرة) رضي الله عنه (قال): (بعثني أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (في تلك الحجة) التي حجّها أبو بكر بالناس قبل حجة الوداع بسنة (في مؤذنين) بكسر الذال والنون أي رهط يؤذنون في الناس (يوم النحر نؤذن) بنون فهمزة (بمنى أن لا يحجّ بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان) بإدغام نون أن في لا يحج، ويحتمل أن تكون تفسيرية فلا نافية ويحجّ ويطوف رفع، أو لا ناهية كما قاله ابن حجر وردّه العيني قال الدماميني: لأن بعده ولا يطوف، ويحتمل أن تكون ناصبة فيحجّ ويطوف نصب والظاهر كما قاله الكرماني أن قوله بعد العام أي بعد خروج هذا العام لا بعد دخوله، لكن قال العيني: ينبغي أن يدخل هذا العام أيضًا بالنظر إلى التعليل اهـ. وللكشميهني ألا لا يحج بتخفيف اللام للاستفهام قبل حرف النهي. (قال حميد بن عبد الرحمن) بن عوف التابعي (ثم أردف) أي أرسل (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليًّا) وراء أبي بكر (فأمره أن يؤذن ببراءة) بالرفع كما في اليونينية على الحكاية، ويجوز الفتح على أنها علم للسورة والكسر مع التنوين أي بسورة براءة والحكمة في تخصيص عليّ بذلك أن براءة تضمنت نقض العهد، وكان من سيرة العرب أن لا يحلّ العقد إلا الذي عقده أو رجل من أهل بيته، وهذا مرسل من تعاليق البخاري أو داخل تحت الإسناد وكذا قوله: (قال أبو هريرة) (فأذن) بتشديد الذال (معنا) بفتح العين وإسكانها (عليّ في أهل منى يوم النحر لا يحجّ بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان) بالرفع في يحج ويطوف فقط، وفيه إبطال ما كانت عليه الجاهلية من الطواف عُراة فستر العورة شرط خلافًا للحنفية لكن يكره عندهم. وفي هذا الحديث رواية التابعي عن التابعي والتحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في الجزية والمغازي والحج والتفسير، ومسلم في الحج، وكذا أبو داود والنسائي. 11 - باب الصَّلاَةِ بِغَيْرِ رِدَاءٍ (باب الصلاة بغير رداء). 370 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ مُلْتَحِفًا بِهِ وَرِدَاؤُهُ مَوْضُوعٌ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْنَا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تُصَلِّي وَرِدَاؤُكَ مَوْضُوعٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَحْبَبْتُ أَنْ يَرَانِي الْجُهَّالُ مِثْلُكُمْ. رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي هَكَذَا. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي (قال: حدّثنا ابن أبي الموالي) عبد الرحمن (عن محمد بن المنكدر قال): (دخلت على جابر بن عبد الله وهو يصلّي في ثوب) حال كونه (ملتحفًا به) أي بالثوب ويجوز ملتحف بالجرّ على الجوار أو صفة للثوب. قال الحافظ ابن حجرة: وهو في نسختي عن الحموي والمستملي؟ وفي رواية أبي ذر ملتحف بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هو ملتحف به (ورداؤه موضوع) على الأرض أو على المشجب ونحوه والجملة حالية اسمية، (فلما انصرف) من صلاته (قلنا يا أبا عبد الله) هي كنية جابر (تصليّ ورداؤك موضوع؟ قال: نعم) أي أصليّ وردائي موضوع (أحببت أن يراني الجهّال مثلكم) بالرفع صفة للجهّال وهي وإن كانت لا تتعرف بالإضافة فالموصوف وهو الجهّال قريب من النكرة لأن اللام فيه للجنس، وكون مثل مفردًّا وصف به جمع والتطابق بين الصفة الموصوف في الإفراد والجمع شرط فلأنه بمعنى المثيل على وزن فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث والإفراد والجمع، أو يقال أنه اكتسب الجمعية من المضاف إليه أو هو جنس يطلق على المفرد والمثنى والجمع، ويجوز النصب على الحال. (رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي كذا)، وللكشميهني هكذا، وسبب إغلاظ جابر أنه فهم من السائل الإنكار وأنه يحب أن يراه الجهّال ليتنبهوا لإفادة الحكم. 12 - باب مَا يُذْكَرُ فِي الْفَخِذِ وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَرْهَدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْفَخِذُ عَوْرَةٌ». وَقَالَ أَنَسٌ: حَسَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ فَخِذِهِ. وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ، وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ، حَتَّى يُخْرَجَ مِنِ اخْتِلاَفِهِمْ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى: غَطَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رُكْبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَىَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تُرَضَّ فَخِذِي. (باب ما يذكر في) حكم (الفخذ) وللكشميهني من الفخذ (ويروى) بضم الياء مبنيًّا للمفعول تعليق بصيغة التمريض ولأبوي ذر والوقت قال أبو عبد الله أي البخاري: ويروي (عن ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله أحمد والترمذي بسند فيه أبو يحيى القتات وهو ضعيف، (و) عن (جرهد) بفتح الجيم والهاء الأسلمي مما وصله في الموطأ وحسنه الترمذي وصحّحه ابن

حبّان (و) عن (محمد بن جحش) نسبة إلى جدّه لشُهرته به، وإلاّ فاسم أبيه عبد الله الأسدي وهو ابن أخي زينب أُم المؤمنين له ولأبيه صحبة، قال ابن حبّان: سمع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووصل حديثه هذا المؤلّف في تاريخه وأحمد والحاكم. (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الفخذ عورة. وقال أنس) مما وصله المؤلّف قريبًا وللأصيلي وقال أنس بن مالك (حسر) بالهملات المفتوحة أي كشف (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن فخذه، وحديث أنس) ولابن عساكر قال أبو عبد الله أي المؤلّف: وحديث أنس (أسند) أي أقوى وأحسن سندًا من الحديث السابق. (و) هو (حديث جرهد) وما معه لكن العمل به (أحوط) من حديث أنس أي أكثر احتياطًا في أمر الستر (حتى يخرج) بضم المثناة التحتية وفتح الراء، وفي رواية حتى يخرج بفتح المثناة التحتية وضمّ الراء كذا في الفرع، وقال الحافظ ابن حجر روايتنا بفتح النون وضم الراء (من اختلافهم) أي العلماء، فقال الجمهور من التابعين وأبو حنيفة ومالك في أصح أقواله، والشافعي وأحمد في أصح روايتيه، وأبو يوسف ومحمد الفخذ عورة. وذهب ابن أبي ذئب وداود وأحمد في إحدى روايتيه والإصطخري من الشافعية وابن حزم إلى أنه ليس بعورة قال في المحلىّ لو كان عورة ما كشفها الله تعالى من رسوله المطهر المعصوم من الناس ولا رآها أن ولا غيره. (وقال أبو موسى) الأشعري مما هو طرف من حديث موصول عند المؤلّف في مناقب عثمان رضي الله عنه: (غطى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركبتيه) بالتثنية وفي رواية ركبته (حين دخل عثمان) رضي الله عنه أدبًا معه واستحياء، ولذا قال كما في مسلم والبيهقي ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة، وقد كان عليه الصلاة والسلام يفعل مع كل واحد من أصحابه ما هو الغالب عليه، فلما كان الغالب على عثمان رضي الله عنه الحياء عامله بذلك جزاءً وفاقًا، كشف ركبته عليه الصلاة والسلام قبل دخول عثمان رضي الله عنه دليل على أنها ليست بعورة مع أن ستر العورة واجب مطلقًا ولو في خلوة إلاّ عن نفسه ويكره نظره سوأتيه ويُباح كشفها لغسل ونحوه خاليًا، وعورة الرجل والصبي والأمة قنة أو مبعضة أو مكاتبة أو مدبرة أو مستولدة، والحرّة عند المحارم عند الشافعية ما بين السرّة والركبة لحديث عورة الرجل ما بين سرّته إلى ركبته ورواه الحرث بن أبي أُسامة، وقيس بالرجل الأمة بجامع مع أن رأس كلٍّ منهما ليس بعورة، وفي السُّنن أن عورتها ما بين معقد إزارها إلى ركبتها، نعم يجب ستر بعض السرّة والركبة ليحصل الستر، وقيل هما عورة، وقيل الركبة دون السرّة لحديث الدارقطني: عورة الرجل ما دون سرّته حتى يجاوز ركبتيه وهو مذهب الحنفية، وعورة الحرّة في الصلاة وعند الأجنبي جميع بدنها إلاّ الوجه والكفّين أي اليدين ظاهرًا وباطنًا إلى الكوعين كما فسّر به ابن عباس قوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] والخنثى كالأُنثى، فلو استتر كالرجل بأن اقتصر على ستر ما بين سرّته وركبته وصلّى لم تصحّ صلاته على الأصح في الروضة، والأفقه في المجموع للشك في الستر وصحّح في التحقيق صحتها، وأما في الخلوة فالذي يجب ستره فيها هو العورة الكبرى قاله الإمام، وقال أبو حنيفة في أصحّ الروايتين عنه: قدم المرأة ليس بعورة لأن المرأة مبتلاة بإبداء قدميها في مشيها إذ ربما لا تجد الخفّ. (وقال زيد بن ثابت) الأنصاري البخاري، كتب الوحي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وجمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وتعلّم كتاب يهود في نحو نصف شهر، والسريانية في سبعة عشر يومًا بأمره عليه الصلاة والسلام، وكان من علماء الصحابة. وقال عليه الصلاة والسلام (أفرضكم زيد) رواه أحمد بإسناد صحيح، وتوفي سنة اثنتين أو ثلاث أو خمس وأربعين. وقال أبو هريرة حين توفي: مات حبر هذه الأمة، وعسى الله أن يجعل في ابن عباش منه خلفًا. وتعليقه هذا وصله المؤلّف في تفسير سورة النساء (أنزل الله) تعالى (على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} الآية [النساء: 95) (وفخذه) بواو الحال ولأبي ذر عن الكشميهني فخذه (على فخذي فثقلت) بضم

القاف أي فخذه عليه الصلاة والسلام (عليّ حتى خفت أن ترضّ) بفتح المثناة الفوقية وتشديد المعجمة أي تكسر (فخذي) نصب بفتح مقدّر، ويجوز ترضّ فخذي بضم المثناة وفتح الراء وفخذي رفع بضمة مقدّرة. قيل: لا وجه لإدخال المؤلّف هذا الحديث هنا لأنه لا دلالة فيه على حكم الفخذ نفيًا ولا إثباتًا. وأُجيب بالحمل على المسّ من غير حائل لأنه الأصل، وهو يقتضي النفي لأن مسّ العورة بلا حائل حرام كالنظر، وتعقب بأنه لو كان فيه تصريح بعدم الحائل لدلّ على أنه ليس بعورة، وإذ لو كان عورة لما مكّن عليه الصلاة والسلام فخذه على فخذ زيد. 371 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَزَا خَيْبَرَ فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلاَةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ». قَالَهَا ثَلاَثًا. قَالَ: وَخَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ، فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ؟ -قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا- وَالْخَمِيسُ يَعْنِي الْجَيْشَ. قَالَ: فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، فَجُمِعَ السَّبْيُ! "فَجَاءَ دِحْيَةُ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ. قَالَ: اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً. فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ. فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ لَكَ. قَالَ: ادْعُوهُ بِهَا. فَجَاءَ بِهَا. فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا. قَالَ: فَأَعْتَقَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَزَوَّجَهَا. فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: نَفْسَهَا، أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا. حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرُوسًا، فَقَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَىْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ. وَبَسَطَ نِطَعًا فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ"، قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَدْ ذَكَرَ السَّوِيقَ. قَالَ: فَحَاسُوا حَيْسًا، فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 371 - أطرافه في: 610، 947، 2228، 2235، 2889، 2893، 2943، 2944، 2945، 2991، 3085، 3086، 3367، 3647، 4083، 4084، 4197، 4198، 4199، 4200، 4201، 4211، 4212، 4213، 5085، 5159، 5169، 5387، 5425، 5528، 5968، 6185، 6363، 6369، 7333]. وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي (قال: حدّثنا إسماعيل بن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد المثناة التحتية مصغرًا وللأصيلِي حدّثني ابن علية وأبوه اسمه إبراهيم بن سهم البصري (قال: حدّثنا عبد العزيز بن صهيب) بضم الصاد المهملة البناني البصري الأعمى (عن أنس) وللأصيلي عن أنس بن مالك. (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزا خيبر) على ثمانية برد من المدينة وكانت في جمادى الأولى سنة سبع من الهجرة (فصلّينا عندها) خارجًا عنها (صلاة الغداة) أي الصبح (بغلس) بفتح الغين واللام ظلمة آخر الليل، (فركب نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) على حمار مخطوم برسن ليف وتحته الكاف من ليف رواه البيهقي والترمذي وضعّفه، (وركب أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري، المتوفى سنة اثنتين أو أربع وثلاثين بالمدينة أو بالشام أو في البحر (وأنا رديف أبي طلحة) جملة اسمية حالية. أي قال أنس وأنا رديف أبي طلحة، (فأجرى) من الإجراء (نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مركوبه (في زقاق خيبر) بضم الزاي وبالقافين أي سكة خيبر، (وإن ركبتي لتمسّ فخذ نبيّ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم حسر الإزار عن فخذه) الشريف عند سوق مركوبه ليتمكّن من ذلك، (حتى أني أنظر إلى بياض فخذ نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، وللكشميهني في الفرع لا نظر بزيادة لام التأكيد وحسر بفتح الحاء والسين المهملتين كما في الفرع وغيره: أي: كشف الإزار. وصوّب ابن حجر هذا الضبط مستدلاً بالتعليق السابق وهو قوله. قال أنس: حسر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال الزركشي: حسر بضم أوّله مبنيًّا للمفعول بدليل رواية مسلم فانحسر أي بغير اختياره لضرورة الإجراء، وحينئذ فلا دلالة فيه على كون الفخذ ليس بعورة. وتعقبه في فتح الباري بأنه لا يلزم من وقوعه كذلك في رواية مسلم أن لا يقع عند البخاري على خلافه. وأُجيب: بأن اللائق بحاله عليه الصلاة والسلام أن لا ينسب إليه كشف فخذه قصدًا مع ثبوت قوله عليه الصلاة والسلام (الفخذ عورة) ولعلّ أنسًا لما رأى فخذه عليه الصلاة والسلام مكشوفًا وكان عليه الصلاة والسلام سببًا في ذلك بالإجراء أسند الفعل إليه، وقد مرّ قول المؤلّف وحديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط فافهم. (فلما دخل) عليه الصلاة والسلام (القرية) أي خيبر وهو يشعر بأن الزقاق كان خارج القرية (قال: الله أكبر خربت خيبر) أي صارت خرابًا قاله على سبيل الإخبار، فيكون من الإنباء بالمغيبات أو على جهة الدعاء عليهم أي التفاؤل لما رآهم خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم التي هي من آلات الهدم {إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين} بفتح الذال المعجمة (قالها) عليه الصلاة والسلام (ثلاثًا. قال) أنس (وخرج القوم إلى) مواضع (أعمالهم) كذا قدّره البرماوي كالكرماني، لكن قال العيني: بل معناه خرج القوم لأعمالهم التي كانوا يعملونها وكلمة (إلى) بمعنى اللام، (فقالوا) هذا (محمد) أو جاء محمد (قال عبد العزيز) بن صهيب الراوي. (وقال بعض أصحابنا) هو محمد بن سيرين كما عند المؤلّف من طريقه أو ثابت البناني كما أخرجه مسلم من طريقه أو غيرهما، (والخميس) بالرفع عطفًا على محمد أو بالنصب على أن الواو بمعنى مع قال عبد العزيز أو من دونه (يعني الجيش) وأشار بهذا إلى أنه لم يسمع والخميس من أنس بل من

بعض أصحابه عنه، والحاصل أن عبد العزيز قال: سمعت من أنس قالوا جاء محمد فقط، وقال بعض أصحابه: قالوا محمد والخميس والتفسير مدرج وسمي بالخميس لأنه خمسة أقسام مقدمة وساقه وقلب وجناحان. (قال: فأصبناها) أي خيبر (عنوة) بفتح العين وسكون النون أي قهرًا في عنف أو صلحًا في رفق ضد، ومن ثم اختلف هل كانت صلحًا أو عنوة أو إجلاءً وصحّح المنذري أن بعضها أُخذ صلحًا وبعضها عنوة وبعضها إجلاء وبهذا يندفع التضادّ بين الآثار، (فجمع السبي) بضم الجيم مبنيًّا للمفعول (فجاء دحية) بكسر الدال وفتحها ولابن عساكر حية الكلبي (فقال: يا نبيّ الله أعطني جارية من السبي قال) عليه الصلاة والسلام، ولأبوي ذر والوقت فقال: (اذهب فخذ جارية) منه، فذهب (فأخذ صفية) بفتح الصاد المهملة قيل وكان اسمها زينب (بنت حيي) بضم الحاء المهملة وكسرها وفتح المثناة الأولى مخفّفة وتشديد الثانية ابن أخطب من بنات هارون عليه السلام، المتوفّاة سنة ست وثلاثين أو ست وخمسين، وكانت تحت كنانة بن أبي الحقيق قتل عنها بخيبر، وإنما أذن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لدحية في أخذ الجارية قبل القسمة لأن له عليه الصلاة والسلام صفي المغنم يعطيه لمَن يشاء أو تنفيلاً له من أصل الغنيمة أو من خمس الخمس بعد أن تميز أو قبل على أن يحسب منه إذا تميز أو أذن له في أخذها لتقوّم عليه بعد ذلك وتحسب من سهمه. (فجاء رجل) لم أعرف اسمه (إلى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة) بضم القاف وفتح الراء والظاء المعجمة (والنضير) بفتح النون وكسر الضاد المعجمة الساقطة قبيلتان من يهود خيبر (لا تصلح إلاّ لك) لأنها من بيت النبوّة من ولد هارون عليه السلام والرئاسة لأنها من بيت سيد قريظة والنضير مع الجمال العظيم، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكمل الخلق في هذه الأوصاف بل في سائر الأخلاق الحميدة. (قال) عليه الصلاة والسلام: (ادعوه) أي دحية (بها) أي بصفية فدعوه (فجاء بها فلما نظر إليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) له: (خذ جارية من السبي غيرها) وارتجعها منه لأنه إنما كان أذن له في جارية من حشو السبي لا من أفضلهنّ، فلما رآه أخذ أنفسهن نسبًا وشرفًا وجمالاً استرجعها لئلا يتميز دحية بها على سائر الجيش، مع أن فيهم مَن هو أفضل منه، وأيضًا لما فيه من انتهاكها مع علو مرتبتها، وربما ترتب على ذلك شقاق أو غيره مما لا يخفى فكان اصطفاؤه لها قاطعًا لهذه المفاسد. وفي فتح الباري نقلاً عن الشافعي في الأُم عن سيرة الواقدي: أنه عليه الصلاة والسلام أعطى دحية أُخت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق زوج صفية أي تطييبًا لخاطره، وفي سيرة ابن سيد الناس أنه أعطاه ابنتي عمّ صفية. (قال: فأعتقها) أي صفية (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتزوّجها، فقال له ثابت) البناني (يا أبا حمزة) بالحاء المهملة والزاي كنية أن (ما أصدقها) عليه الصلاة والسلام (قال) أنس: أصدقها (نفسها أعتقها) بلا عوض (وتزوّجها) بلا مهر أو أعتقها، وشرط أن ينكحها فلزمها الوفاء أو جعل نفس العتق صداقًا وكلها من خصائصه، وأخذ الإمام أحمد والحسن وابن المسيب وغيرهم بظاهره فجوّزوا ذلك لغيره أيضًا (حتى إذا كان) عليه الصلاة والسلام (بالطريق) في سدّ الروحاء على أربعين ميلاً من المدينة أو نحوها (جهزتها له أُم سليم) بضم السين وهي أُم أنس (فأهدتها) أي زفّتها (له) عليه الصلاة والسلام (من الليل). قال البرماوي كالكرماني. وفي بعضها أي النسخ أو الروايات فهدتها أي بغير همز وصوّبت لقول الجوهري الهداء مصدر هديت أنا المرأة إلى زوجها، (فأصبح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عروسًا) على وزن فعول يستوي فيه الذكر والمؤنث ما داما في إعراسهما وجمعه عرس وجمعها عرائس، (فقال) عليه الصلاة والسلام: (مَن كان عنده شيء فليجئ به وبسط) بفتحات (نطعًا) بكسر النون وفتح الطاء المهملة، وعليها اقتصر ثعلب في فصيحه، وكذا في الفرع وغيره في الأصول؟ ويجوز فتح النون وسكون الطاء وفتحهما وكسر النون وسكون الطاء. وقال الزركشي: فيه سبع لغات وجمعه

13 - باب في كم تصلي المرأة في الثياب

أنطاع ونطوع (فجعل الرجل يجيء بالتمر وجعل الرجل يجيء بالسمن قال) عبد العزيز بن صهيب (وأحسبه) أي أنسًا (قد ذكر السويق) نعم في رواية عبد الوارث الجزم بذكر السويق (قال فحاسوا) بمهملتين أي خلطوا أو اتخذوا (حيسًا) بفتح الحاء والسين المهملتين بينهما مثناة تحتية ساكنة وهو الطعام المتخذ من التمر والإقط والسمن، وربما عوّض بالدقيق عن الأقط، (فكانت) بالفاء. وفي رواية وكانت أي الثلاثة المصنوعة حيسًا (وليمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي طعام عرسه من الولم وهو الجمع، سمي به لاجتماع الزوجين. واستنبط منه مشروعية مطلوبية الوليمة للعرس وأنها بعد الدخول، وجوّز النووي كونها قبله أيضًا، وأن السنة تحصل بغير اللحم ومساعدة الأصحاب بطعام من عندهم. ورواة هذا الحديث ما بين كوفي وبصري، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في النكاح والمغازي، وأبو داود في الخراج، والنسائي في النكاح والوليمة. 13 - باب فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي الثِّيَابِ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَوْ وَارَتْ جَسَدَهَا فِي ثَوْبٍ لأَجَزْتُهُ. هذا (باب) بالتنوين (في كم) ثوبًا (تصلي المرأة من الثياب) ولغير الأربعة في الثياب وكم لها صدر الكلام فلا يقدح تأخرها عن في الجارّة لأن الجار والمجرور ككلمة واحدة. (وقال عكرمة) مولى ابن عباس مما وصله عبد الرزاق عنه بمعناه (لو وارت) أي سترت المرأة (جسدها في ثوب) واحد (لأجزته) كذا للكشميهني بفتح لام التأكيد والجيم وسكون الزاي، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر جاز. 372 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الْفَجْرَ فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ مُتَلَفِّعَاتٍ فِي مُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَرْجِعْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ. [الحديث 372 - أطرافه في: 578، 867، 872]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري: قال: أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (أن عائشة) رضي الله عنها (قالت): والله (لقد كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي الفجر فيشهد) أي فيحضر (معه) وفي رواية فشهد أي فحضر معه (نساء) جمع امرأة لا واحد له من لفظه (من المؤمنات) حال كونهنّ (متلفعات) بعين مهملة بعد الفاء المشدّدة أي مغطيات الرؤوس والأجساد (في مروطهنّ) جمع مرط بكسر أوّله كساء من خزّ أو صوف أو غيره، أو هي الملحفة أو الإزار أو الثوب الأخضر، وللأصيلي متلفعات بالرفع صفة للنساء، وله في غير الفرع متلفّفات بفاءين. قال ابن حبيب: التلفع أي بالعين لا يكون إلاّ بتغطية الرأس والتلفّف بتغطية الرأس وكشفه، (ثم يرجعن) من المسجد (إلى بيوتهنّ ما يعرفهنّ أحد) أي من الغلس كما عند المؤلّف في المواقيت، وقد اعترض على المؤلّف في استدلاله بهذا الحديث على جواز صلاة المرأة في الثوب الواحد بأن الالتفاع المذكور يحتمل أن يكون فوق ثياب أخرى. وأجيب: بأنه تمسك بأن الأصل عدم الزيادة على ما أشار إليه على أنه لم يصرّح بشيء إلاّ أن اختياره يؤخذ في العادة من الآثار التي يوردها في الترجمة قاله في الفتح، ورواة هذا الحديث ما بين حمصي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والإخبار ورواية تابعي عن تابعي عن صحابية، وأخرجه المؤلّف في الصلاة، وكذا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 14 - باب إِذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلاَمٌ، وَنَظَرَ إِلَى عَلَمِهَا هذا (باب) بالتنوين (إذا صلّى) الشخص (في ثوب) أي وهو لابس ثوبًا (له أعلام ونظر إلى علمها) أنّث بالنظر إلى الخميصة الآتية إن شاء الله تعالى. 373 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ فَنَظَرَ إِلَى أَعْلاَمِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَائْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ. فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاَتِي». وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عَلَمِهَا وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي». [الحديث 373 - طرفاه في: 752، 5817]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه لجدّه لشهرته به وأبوه عبد الله (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (قال: حدّثنا ابن شهاب) الزهري ولابن عساكر عن ابن شهاب (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) رضي الله عنها. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى في خميصة) بفتح الحاء المعجمة وكسر الميم وبالصاد المهملة كساء أسود مربع (لها أعلام) جملة وقعت صفة لخميصة (فنظر) عليه الصلاة والسلام (إلى أعلامها نظرة فلما انصرف) من صلاته (قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم) بفتح الجيم وسكون الهاء عامر بن حذيفة العدوي القرشي المدني أسلم يوم الفتح، وتوفي في آخر خلافة معاوية، (وائتوني بأنبجانية أبي جهم) بفتح الهمزة وسكون النون وكسر الموحدة وتخفيف الجيم وبعد

15 - باب إن صلى في ثوب مصلب أو تصاوير هل تفسد صلاته؟ وما ينهى عن ذلك

النون ياء نسبة مشدّدة كساء غليظ لا علم له، ويجوز كسر الهمزة وسكون النون وفتح الموحدة وتخفيف المثناة. قال ابن قرقول: نسبة إلى منبج بفتح الميم وكسر الموحدة موضع بالشام، وقيل نسبة إلى موضع يقال له أنبجان. وفي هذه قال ثعلب: يقال كساء أنبجاني وهذا هو الأقرب إلى الصواب في لفظ الحديث اهـ. (فإنها) أي الخميصة (ألهتني) من لهى بالكسر لا من لها لهوًا إذا لعب أي شغلتني (آنفًا) أي قريبًا (عن صلاتي) وعند مالك في الموطأ. فإني نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني، وفي التعليق الآتي إن شاء الله تعالى قريبًا فأخاف أن يفتنني فيحمل قوله: ألهتني على قوله كاد فيكون الإطلاق للمبالغة في القرب لا لتحقّق وقوع الإلهاء، ولا يقال أن المعنى شغلتني عن كمال الحضور في صلاتي لأنّا نقول قوله في التعليق الآتي فأخاف أن يفتتي يدلّ على نفي وقوع ذلك، وقد يقال أن له عليه الصلاة والسلام حالتين حالة بشرية وحالة يختصّ بها خارجة عن ذلك، فبالنظر إلى الحالة البشرية قال: ألهتني، وبالنظر إلى الحالة الثانية لم يجزم به، بل قال: أخاف ولا يلزم من ذلك الوقوع ونزع الخميصة ليستنّ به في ترك كل شاغل، وليس المراد أن أبا جهم يصلّي في الخميصة لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن ليبعث إلى غيره به، يكرهه لنفسه فهو كإهداء الحلّة لعمر رضي الله عنه مع تحريم لباسها عليه لينتفع بها ببيع أو غيره. واستنبط من الحديث الحثّ على حضور القلب في الصلاة وترك ما يؤدّي إلى شغله، وقد شهد القرآن بالفلاح للمصلّين الخاشعين والفلاح أجمع اسم لسعادة الآخرة وبانتفاء الخشوع ينتفي الفلاح فالمصلّي يناجي ربّه فعظّم في نفسك قدر مناجاته وانظر مَن تناجي وكيف تناجي وبماذا تناجي فاعلم واعمل تسلم. ورواة هذا الحديث ما بين كوفي ومدنيين، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابية والتحديث والعنعنة. (وقال هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله عنها مما رواه مسلم وغيره بالمعنى. قالت: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كنت أنظر إلى علمها) أي الخميصة (وأنا في الصلاة) جملة حالية (فأخاف أن تفتنني) بفتح المثناة الفوقية وكسر الثانية وبالنونين من باب ضرب يضرب وفي رواية يفتنني بفتح المثناة التحتية في أوّله بدل الفوقية. 15 - باب إِنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُصَلَّبٍ أَوْ تَصَاوِيرَ هَلْ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ؟ وَمَا يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ هذا (باب) بالتنوين (إن صلّى) الشخص حال كونه (في ثوب مصلب) بفتح اللام المشدّدة أي فيه صلبان منقوشة أو منسوجة (أو) في ثوب ذي (تصاوير هل تفسد صلاته) أم لا (وما ينهى عن ذلك) ولابن عساكر في نسخة، وأبي الوقت والأصيلي وما ينهى عنه بالضمير، ولأبي ذر وما ينهى من ذلك بدل عن. 374 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ: "كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا، فَإِنَّهُ لاَ تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلاَتِي». [الحديث 374 - طرفه في: 5959]. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو) بفتح العين وإسكان الميم (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (قال: حدّثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس) وللأصيلي عن أنس بن مالك (قال): (كان قرام) بكسر القاف وتخفيف الراء ستر رقيق من صور ذو ألوان أو رقم ونقوش (لعائشة) رضي الله عنها (سترت به جانب بيتها فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لها (أميطي) أمر من أماط يميط أي أزيلي (عنّا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاوير) بغير ضمير والهاء في فإنه ضمير الشأن، وفي رواية تصاويره بإضافته إلى الضمير فضمير أنه للثوب (تعرض) بفتح المثناة الفوقية وكسر الراء أي تلوح لي (في صلاتي) ولم يعد الصلاة ولم يقطعها نعم تكره الصلاة حينئذ لما فيه من سبب اشتغال القلب المفوّت للخشوع، ووجه إدخال حديث القرام في الترجمة لأنه إذا نهى عنه في التجمّل كان النهي عن لباسه في الصلاة بطريق الأولى، ويلحق المصلب بالمصوّر لاشتراكهما في كون كلٍّ منهما قد عبد من دون الله، وفي حديث عائشة عند المؤلّف في اللباس قالت: لم يكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يترك في بيته شيئًا فيه تصليب إلاّ نقضه، وأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالإماطة في حديث الباب يستلزم النهي عن الاستعمال، واستنبط منه الشافعية كراهة الصور مطلقًا، واستثنى الحنفية من ذلك ما يبسط، وبه قال المالكية وأحمد في رواية. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون وفيه

16 - باب من صلى في فروج حرير ثم نزعه

التحديث والعنعنة، وأخرجه في اللباس أيضًا والنسائي. 16 - باب مَنْ صَلَّى فِي فَرُّوجِ حَرِيرٍ ثُمَّ نَزَعَهُ (باب مَن صلّى في فرّوج حرير) بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وتخفيفها وآخره جيم وحكي ضمّ أوّله وخفّة الراء على وزن خروج قباء مشقوق من خلفه وهو من لبوس الأعاجم (ثم نزعه). 375 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: "أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُّوجُ حَرِيرٍ فَلَبِسَهُ فَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ وَقَالَ: لاَ يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ". [الحديث 375 - طرفه في: 5801]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: حدّثنا الليث) بن سعد (عن يزيد) ولابن عساكر والأصيلي عن يزيد بن أبي حبيب ولابن عساكر والأصيلي في نسخة هو يزيد بن أبي حبيب (عن أبي الخير) مرثد بفتح الميم والمثلثة اليزني (عن عقبة بن عامر) الجهني رضي الله عنه كان قارئًا فصيحًا شاعرًا كاتبًا وهو أحد مَن جمع القرآن في المصحف وكان مصحفه على غير تأليف مصحف عثمان وشهد صفّين مع معاوية وأمّره على مصر، وتوفي في خلافة معاوية على الصحيح وروى عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثيرًا وله في البخاري أحاديث (قال): (هدي) بضم الهمزة وكسر الدال (إلى النبي) وللأصيلي إلى رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرُّوج حرير) بالإضافة كثوب خزّ وخاتم فضّة وكان الذي أهداه له أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل (فلبسه) عليه الصلاة والسلام قبل تحريم الحرير (فصلّى فيه ثم انصرف) من صلاته، (فنزعه نزعًا شديدًا كالكاره له) وفي حديث جابر بن مسلم: صلّى في قباء ديباج ثم نزعه وقال: نهاني جبريل عليه الصلاة والسلام، فالنهي سبب نزعه له وذلك ابتداء تحريمه. (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا ينبغي استعمال (هذا) الحرير (للمتّقين) عن الكفر وهم المؤمنون، وعبّر بجمع المذكر ليخرج النساء لأنه حلال لهنّ فإن قلت: يدخلن تغليبًا، أُجيب: بأنهنّ خرجن بدليل آخر قال عليه الصلاة والسلام: (أحلّ الذهب والحرير لإناث أمتي وحرّم على ذكورها) وقال الترمذي: حسن صحيح. نعم الأصح عند الرافعي تحريم افتراشها إياه لأنه ليس في الفرش ما في اللبس من التزيّن للزوج المطلوب، وصحّح النووي حلّه. قال: وبه قطع العراقيون وغيرهم لإطلاق الحديث السابق، وبه قال أبو حنيفة وكرهه صاحباه، فلو صلّى فيه الرجل أجزأته صلاته لكنه ارتكب حرامًا. وقال الحنفية: تكره وتصح، وقال المالكية: يعيد في الوقت إن وجد ثوبًا غيره، ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد لذلك في باب اللباس. ورواة هذا الحديث كلهم مصريون وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في اللباس وكذا مسلم والنسائي في الصلاة. (باب) حكم (الصلاة في الثوب الأحمر). 17 - باب الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الأَحْمَرِ 376 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلاَلاً أَخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَاكَ الْوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بِلاَلاً أَخَذَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا، وَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا صَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ مِنْ بَيْنِ يَدَىِ الْعَنَزَةِ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بالعينين المهملتين وسكون الراء الأولى (قال: حدّثني) بالإفراد (عمر بن أبي زائدة) بضم العين الكوفي (عن عون بن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وهب بن عبد الله السوائي بضم السين المهملة وتخفيف الواو الكوفي (عن أبيه) أبي جحيفة رضي الله عنه (قال): (رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهو بالأبطح (في قبة حمراء من أدم) بفتح الهمزة والدال جلد (ورأيت بلالاً أخذ وضوء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الواو أي الماء الذي يتوضأ به (ورأيت الناس يبتدرون) أي يتسارعون ويتسابقون إلى (ذاك) بغير لام وللأصيلي وابن عساكر ذلك (الوضوء) تبرّكًا بآثاره الشريفة (فمَن أصاب منه شيئًا تمسح به ومن لم يصب منه شيئًا أخذه من بلل صاحبه) وفي رواية من بلال بفتح الباء وكسرها (ثم رأيت بلالاً أخذ عنزة) بفتح العين المهملة والنون والزاي مثل نصف الرمح أو أكبر لها سنّان كسنّان الرمح، وفي رواية عنزة له (فركّزها، وخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (في حلّة حمراء) بردين إزار ورداء يمانيين منسوجين بخطوط حمر مع الأسود حال كونه (مشمّرًا) ثوبه بكسر الميم الثاني قد كشف شيئًا من ساقيه. قال في مسلم: كأني أنظر إلى بياض ساقيه (صلى) ولمسلم تقدم فصلّى (إلى العنزة بالناس) الظهر (ركعتين، ورأيت الناس والدواب يمرّون بين يدي العنزة)، ولأبي ذر في نسخة من بين يدي العنزة وفيه استعمال المجاز وإلاّ فالعنزة لا يد لها. ورواة هذا الحديث ما بين بصري وكوفيين، وفى التحديث والعنعنة. والقول، وأخرجه المؤلّف في اللباس وفي الصلاة وكذا أبو داود والترمذي

18 - باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب

وأخرجه النسائي في الزينة وابن ماجة في الصلاة. 18 - باب الصَّلاَةِ فِي السُّطُوحِ وَالْمِنْبَرِ وَالْخَشَبِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُصَلَّى عَلَى الْجَمْدِ وَالْقَنَاطِرِ وَإِنْ جَرَى تَحْتَهَا بَوْلٌ أَوْ فَوْقَهَا أَوْ أَمَامَهَا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ. وَصَلَّى أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى سَققِ الْمَسْجِدِ بِصَلاَةِ الإِمَامِ، وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ عَلَى الثَّلْجِ. (باب) حكم (الصلاة في السطوح) بضم السين جمع سطح (والمنبر) بكسر الميم وفتح الموحدة (والخشب) بفتحتين أو بضمتين (قال أبو عبد الله) محمد بن إسماعيل البخاري: (ولم ير الحسن) البصري (بأسًا أن يصلّي) بضم الياء وفتح اللام المشددة (على الجمد) بفتح الجيم وضمها وسكون الميم ثم دال مهملة، وللأصيلي فيما ذكره ابن قرقول بفتح الميم، وحكى ابن التين ضمها، لكن قال القاضي عياض: الصواب السكون وهو الماء الجامد من شدة البرد، (والقناطر) وللحموي والمستملي والقناطير وهو ما ارتفع من البنيان، وفي اليونينية مما لم يرقّم له علامة على الخندق، (وإن جرى تحتها بول أو فوقها أو أمامها) أي القناطر وهمزة أمامها مفتوحة أي قدّامها (إذا كان بينهما) أي بين المصليّ وأمام القناطر (سترة) مانعة من ملاقاة النجاسة. (وصلّى أبو هريرة) رضي الله عنه، مما وصله ابن أبي شيبة (على سقف المسجد) ولأبي ذر والأصيلي وأبي الوقت على ظهر المسجد (بصلاة الإمام) وهو أسفل، لكنه في رواية ابن أبي شيبة صالح مولى التوأمة وتكلم فيه، لكنه تقوّى برواية سعيد بن منصور من وجه آخر، نعم يكره عندنا والحنفية ارتفاع كلٍّ من الإمام والمأموم على الآخر إلاّ لحاجة كتعليم الإمام المأمومين صفة الصلاة، وكتبليغ المأمومين تكبير الإمام فيستحب ارتفاعهما لذلك. (وصلّى ابن عمر) بن الخطاب (على الثلج) بالمثلثة والجيم. 377 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ قَالَ: سَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ مِنْ أَىِّ شَىْءٍ الْمِنْبَرُ؟ فَقَالَ: مَا بَقِيَ بِالنَّاسِ أَعْلَمُ مِنِّي، هُوَ مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ، عَمِلَهُ فُلاَنٌ مَوْلَى فُلاَنَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ عُمِلَ وَوُضِعَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، كَبَّرَ وَقَامَ النَّاسُ خَلْفَهُ، فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَرَكَعَ النَّاسُ خَلْفَهُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ بِالأَرْضِ. فَهَذَا شَأْنُهُ. قَالَ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَأَلَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: فَإِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَعْلَى مِنَ النَّاسِ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَكُونَ الإِمَامُ أَعْلَى مِنَ النَّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ كَانَ يُسْأَلُ عَنْ هَذَا كَثِيرًا فَلَمْ تَسْمَعْهُ مِنْهُ؟ قَالَ: لاَ. [الحديث 377 - أطرافه في: 448، 917، 2094، 2569]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عُيينة (قال: حدّثنا أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (قال): (سألوا سهل بن سعد) بسكون العين الساعديّ (من أي شيء المنبر) النبوي المدني، ولأبي داود: إن رجالاً أتوا سهل بن سعد الساعدي وقد امتروا في المنبر ممّ عوده (فقال) سهل: (ما بقي بالناس) وفي رواية من الناس، ولأبوي ذر والوقت في الناس (أعلم مني) أي بذلك (هو من أثل الغابة) بالغين المعجمة والموحدة موضع قرب المدينة من العوالي، والأثل: بفتح الهمزة وسكون المثلثة شجر كالطرفاء لا شوك له، وخشبه جيد يعمل منه القصاع والأواني، وورقه أشنان يغسل به القصارون (عمله) أي المنبر (فلان) بالتنوين هو ميمون. قال الحافظ ابن حجر: وهو الأقرب فيما قاله الصغاني، أو باقوم فيما قاله الغافقي وهو بموحدة فألف فقاف فواو فميم الرومي مولى سعيد بن العاص، أو باقول باللام فيما رواه عبد الرزاق أو قبيصة المخزومي (مولى فلانة) بعدم الصرف للتأنيث والعلمية أنصارية وهي عائشة فيما قاله البرماوي كالكرماني، ورواه الطبراني بلفظ: وأمرت عائشة فصنعت له منبره، لكن سنده ضعيف، وقيل: مينا بكسر الميم أو هو صالح مولى العباس، ويحتمل أن يكون الكل اشتركوا في عمله (لرسول الله) أي لأجله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقام عليه) أي على المنبر (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين عمل ووضع) بالبناء للمفعول فيهما، (فاستقبل) عليه السلام (القبلة كبّر) بغير واو جواب عن سؤال كأنه. قيل: ما عمل به بعد الاستقبال؟ قال: كبّر، وفي بعض الأصول: وكبّر بالواو، وفي أخرى فكبّر بالفاء، (وقام الناس خلفه فقرأ) عليه السلام (وركع وركع الناس خلفه ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى) نصب على أنه مفعول مطلق بمعنى الرجوع إلى خلف أي رجع الرجوع الذي يعرف بذلك، وإنما فعل ذلك لئلا يولي ظهره القبلة (فسجد على الأرض ثم عاد إلى المنبر ثم قرأ ثم ركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى حتى سجد بالأرض فهذا شأنه). ولاحظ في قوله على الأرض معنى الاستعلاء، وفي قوله بالأرض معنى الإلصاق. وفي هذا الحديث جواز ارتفاع الإمام على المأمومين، وهو مذهب الحنفية والشافعية وأحمد والليث، لكن مع الكراهة. وعن مالك المنع، وإليه ذهب الأوزاعي وأن العمل اليسير غير مبطل للصلاة. قال الخطابي: وكان المنبر ثلاث مراقي فلعله إنما قام على الثانية منها فليس في نزوله وصعوده إلاّ خطوتان، وجواز الصلاة على الخشب، وكرهه الحسن وابن سيرين كما رواه ابن أبي شيبة عنهما وأن ارتفاع الإمام

19 - باب إذا أصاب ثوب المصلي امرأته إذا سجد

لغرض التعليم غير مكروه. ورواته ما بين بصري ومكّي ومدني، وفيه التحديث والإخبار والسؤال، وأخرجه المؤلّف في الصلاة، وكذا مسلم وابن ماجة. (قال) وللأصيلي وقال (أبو عبد الله) أي البخاري، (قال علي بن عبد الله) ولأبي ذر قال علي بن المديني: (سألني أحمد بن حنبل) الإمام الجليل الذي وصفه ابن راهويه بأنه حجة بين الله وبين عباده في أرضه، المتوفّى ببغداد سنة إحدى وأربعين ومائتين (رحمه الله عن هذا الحديث. قال) وفي رواية فقال: (فإنما) ولابن عساكر والأصيلي وإنما (أردت أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أعلى من الناس فلا) ولابن عساكر ولا (بأس أن يكون الإمام أعلى من الناس بهذا الحديث) أي بدلالة هذا الحديث. (قال) أي علي بن المديني (فقلت) أي لابن حنبل، وفي رواية قلت: (إن سفيان) وللأصيلي وأبي الوقت: فإن سفيان (بن عيينة كان يسأل) بالبناء للمفعول (عن هذا كثيرًا فلم) أي أفلم (تسمعه منه؟ قال: لا) صريح في أن أحمد بن حنبل لم يسمع هذا الحديث من ابن عيينة. 378 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَجُحِشَتْ سَاقُهُ -أَوْ كَتِفُهُ- وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ دَرَجَتُهَا مِنْ جُذُوعٍ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَهُمْ قِيَامٌ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا». وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ آلَيْتَ شَهْرًا، فَقَالَ: «إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ». [الحديث أطرافه في: 689، 732، 733، 805، 1114، 1911، 2469، 5201، 5289، 6684]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحيم. قال: حدّثنا يزيد بن هارون. قال: أخبرنا حميد الطويل) بضم الحاء (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سقط عن فرس) في ذي الحجة سنة خمس من الهجرة، وفي رواية عن فرسه (فجحشت ساقه) بضم الجيم وكسر الحاء المهملة والشين المعجمة أي خدشت أو أشدّ منه قليلاً (أو) جحشت (كتفه) شك من الراوي، وفي رواية الزهري عن أنس عند الشيخين فجحش شقّه الأيمن وهو أشمل، وعند الإسماعيلي من رواية بشر بن المفضل عن حميد انفكّت قدمه (وآلى من نسائه) أي حلف لا يدخل عليهنّ (شهرًا) لا أنه حلف لا يقربهنّ أربعة أشهر فصاعدًا (فجلس) عليه الصلاة والسلام (في مشربة) بفتح الميم وسكون المعجمة وضم الراء وفتحها في غرفة (له) معلقة (درجتها من جذوع) بضم الجيم والمعجمة والتنوين بغير إضافة، وللكشميهني من جذوع النخل أي ساقها، (فأتاه أصحابه يعودونه) بالدال المهملة (فصلّى بهم) حال كونه (جالسًا وهم قيام) جملة اسمية حالية، (فلما سلم) من صلاته (قال إنما جعل الإمام) إمامًا (ليؤتم) أي ليقتدي (به) وتتبع أفعاله والمفعول الأوّل وهو قوله: الإمام قائم مقام الفاعل. (فإذا كبَّر) الإمام (فكبّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا) بفاء التعقيب المقتضية لمشروعية المأموم الإمام في الأفعال. (وإن صلّى) وللأصيلي. وإذا صلّى (قائمًا فصلّوا قيامًا) مفهومه وإن صلّى قاعدًا فصلّوا قعودًا وهو محمول على العجز أي: إذا كنتم عاجزين عن القيام كالإمام، والصحيح أنه منسوخ بصلاتهم في آخر عمره عليه الصلاة والسلام قيامًا وهو قاعد خلافًا لأحمد في مباحث تأتي إن شاء الله تعالى في موضعها. (ونزل) عليه الصلاة والسلام من المشربة (لتسع وعشرين) يومًا (فقالوا يا رسول الله إنك آليت شهرًا، فقال) عليه الصلاة والسلام: (إن الشهر) أي المحلوف عليه (تسع وعشرون) يومًا، وفي رواية تسعة وعشرون، واستنبط منه أنه لو نذر صوم شهر معين أو اعتكافه فجاء تسعًا وعشرين لم يلزمه أكثر من ذلك، بخلاف ما لو قال شهرًا فعليه ثلاثون إن قصد عددًا وإلاّ فشهر بالهلال. ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين بغدادي وواسطي وبصري، وأخرجه المؤلّف في المظالم والصوم والنذور والنكاح والطلاق، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة في الصلاة. 19 - باب إِذَا أَصَابَ ثَوْبُ الْمُصَلِّي امْرَأَتَهُ إِذَا سَجَدَ هذا (باب) بالتنوين (إذا أصاب ثوب المصلّي امرأته إذا سجد) فهل تفسد صلاته أم لا؟ 379 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَأَنَا حِذَاءَهُ وَأَنَا حَائِضٌ، وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبُهُ إِذَا سَجَدَ". قَالَتْ: "وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ". وبه قال: (حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد (عن خالد) هو ابن عبد الله الطحان (قال: حدّثنا سليمان الشيباني) التابعي (عن عبد الله بن شداد) هو ابن الهاد وسقط لفظ ابن شداد عند الأصيلي (عن) أُم المؤمنين (ميمونة) رضي الله عنها (قالت): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي وأنا حذاءه) بكسرُ المهملة وبالمعجمة وبالنصب كما في اليونينية على الظرفية، وفي غيرها حذاؤه بالرفع على الخبرية (وأنا حائض) جملة

20 - باب الصلاة على الحصير

اسمية حالية (وربما أصابني ثوبه إذا سجد) (قالت) ميمونة: (وكان) عليه الصلاة والسلام (يصلّي على الخمرة) بضم الخاء المعجمة وسكون الميم سجادة صغيرة من سعف النخل تزمل بخيوط، وسميت خمرة لأنها تستر وجه المصلّي عن الأرض كتسمية الخمار لسترة الرأس، واستنبط منه جواز الصلاة على الحصير، لكن رُوِيَ عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليه مبالغة في التواضع والخشوع، وأن بدن الحائض وثوبها طاهران، وأن الصلاة لا تبطل بمحاذاة المرأة. ورواته الخمسة ما بين بصري وواسطي وكوفي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة، ورواية التابعي عن التابعي عن الصحابية، وأخرجه المؤلّف في الطهارة -كما سبق- وفي الصلاة وكذا مسلم وأبو داود وابن ماجة. 20 - باب الصَّلاَةِ عَلَى الْحَصِيرِ وَصَلَّى جَابِرٌ وَأَبُو سَعِيدٍ فِي السَّفِينَةِ قَائِمًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: تُصَلِّي قَائِمًا مَا لَمْ تَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِكَ تَدُورُ مَعَهَا، وَإِلاَّ فَقَاعِدًا. (باب) حكم (الصلاة على الحصير) وهي ما اتخذ من سعف النخل وشبهه قدر طول الرجل وأكبر، والنكتة في هذه الترجمة الإشارة إلى ضعف حديث ابن أبي شيبة وغيره عن يزيد بن المقدام عن أبيه عن شريح بن هانئ أنه سأل عائشة: أكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي على الحصير والله تعالى يقول: {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرًا} [الإسراء: 8] فقالت: لم يكن يصلّي على الحصير لضعف يزيد بن المقدام أو ردّه لمعارضة ما هو أقوى منه. (وصلّى جابر) ولأبوي ذر والوقت جابر بن عبد الله (وأبو سعيد) الخدري مما وصله ابن أبي شيبة بسند صحيح (في السفينة) كل منهما حال كونه (قائمًا) كذا في الفرع وفي غيره قيامًا بالجمع وأراد التثنية، وأدخل المؤلّف هذا الأثر هنا لما بينهما من المناسبة بجامع الاشتراك في الصلاة على غير الأرض لئلا يتوهم من قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ: عفّر وجهك في التراب اشتراط مباشرة المصلّي الأرض. (وقال الحسن) البصري مما وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أيضًا خطابًا لمن سأله عن الصلاة في السفينة: هل يصلّي قائمًا أو قاعدًا. فأجابه (تصلّي) حال كونك (قائمًا ما لم تشق على أصحابك) بالقيام (تدور معها) أي مع السفينة حيثما دارت (وإلا) بأن كان يشق عليهم (فقاعدًا) أي فصلّ حال كونك قاعدًا لأن الحرج مرفوع، نعم جوّز أبو حنيفة الصلاة في السفينة قاعدًا مع القدرة على القيام، ولأبي ذر عن الكشميهني يصلّي بالمثناة التحتية، وكذا يشق على أصحابه بضمير الغائب يدور بالتحتية كذلك، وفي متن الفرع. وقال الحسن قائمًا إلخ فأسقط لفظ يصلي. 380 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: «قُومُوا فَلأُصَلِّ لَكُمْ». قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا. فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ. [الحديث 380 - أطرافه في: 727، 860، 871، 874، 1164]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله) أي التنيسي وللأربعة عبد الله بن يوسف (قال: أخبرنا مالك) هو إمام الأئمة (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري، وللكشميهني والحموي عن إسحاق بن أبي طلحة فأسقط أباه ونسبه لجدّه (عن أنس بن مالك). (أن جدّته) أي جدّة إسحاق لأبيه، وبه جزم ابن عبد البرّ وعياض وعبد الحق وصحّحه النووي واسمها (مليكة) بضم الميم بنت مالك بن عدي وهي والدة أمّ أنس لأن أمه أم سليم أمها مليكة المذكورة أو الضمير في جدّتها يعود على أنس نفسه، وبه جزم ابن سعد وابن مندة وابن الحصار وهو مقتضى ما في النهاية لإمام الحرمين لحديث إسحاق بن أبي طلحة عن أنس عند أبي الشيخ في فوائد العراقيين. قال: أرسلتني جدّتي (دعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لطعام) أي لأجل طعام (صنعته) مليكة جدّة إسحاق أو ابنتها أُم سليم والدة أنس (له) عليه الصلاة والسلام (فأكل منه ثم قال: قوموا فلأصلّي) بكسر اللام وضم الهمزة وفتح الياء على أنها لام كي والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة، واللام ومصحوبها خبر مبتدأ محذوف أي قوموا فقيامكم لأن أصلي لكم، ويجوز أن تكون الفاء زائدة على رأي الأخفش واللام متعلقة بقوموا، وفي رواية فلأصلّي بكسر اللام على أنه لام كي وسكون الياء على لغة التخفيف أو لام الأمر، وثبتت الياء في الجزم إجراء للمعتل مجرى الصحيح، وللأربعة فلأصلّي بفتح اللام مع سكون الياء على أن اللام لام ابتداء للتأكيد أو هي لام الأمر فتحت على لغة بني سليم، وثبتت الياء في الجزم إجراء للمعتل مجرى الصحيح كقراءة قنبل: مَن يتّقي ويصبر، أو اللام جواب قسم محذوف والفاء جواب شرط محذوف أي إن قمتم فوالله

21 - باب الصلاة على الخمرة

لأصلّي لكم. وتعقبه ابن السيد فقال: وغلط مَن توهّم أنه قسم لأنه لا وجه للقسم، ولو أُريد ذلك لقال لأصلينّ بالنون، وفي رواية الأصيلي: فالأصل بكسر اللام وحذف الياء على أن اللام للأمر والفعل مجزوم بحذفها، ولم يعزها في الفرع لأحد، وفي رواية حكاها ابن قرقول: فلنصل بكسر اللام وبالنون والجزم، وحينئذ فاللام للأمر وكسرها لغة معروفة. وفي رواية قيل: إنها للكشميهني. قال الحافظ ابن حجر، ولم أقف عليها في نسخة صحيحة فأصلّي بغير لام مع سكون الياء على صيغة الإخبار عن نفسه وهو خبر مبتدأ محذوف أي فأنا أصلي (لكم) أي لأجلكم وإن كان الظاهر أن يقول بكم بالموحدة والأمر في قوله قوموا. قال السهيلي فيما حكاه في فتح الباري بمعنى الخبر كقوله {فليمدد له الرحمن مدّا} [مريم: 75] أو هو أمر لهم بالائتمام، لكن أضافه إلى نفسه لارتباط تعليمهم بفعله اهـ. فإن قلت: لَمِ بدأ في قصة عتبان بن مالك بالصلاة قبل الطعام وهنا بدأ به قبل الصلاة؟ أُجيب: بأنه بدأ في كلٍّ منهما بأصل ما دعي لأجله أو دعي لهما، ولعل مليكة كان غرضها الأعظم الصلاة، ولكنها جعلت الطعام مقدّمة لها. (قال أنس) رضي الله عنه: (فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس) بضم اللام وكسر الباء الموحدة أي استعمل ولبس كل شيء بحسبه (فنضحته) أي رششته (بماء) تليينًا له أو تنظيفًا (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) على الحصير (وصففت واليتيم) هو ضميرة بن أبي ضميرة بضم الضاد المعجمة وفتح الميم مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في تجريد الصحابة للذهبي، وفي رواية غير المستملي والحموي. وصففت أنا واليتيم بزيادة ضمير الرفع المنفصل لتأكيد المتصل ليصحّ العطف عليه نحو {اسكن أنت وزوجك الجنة} [البقرة: 35] ورواية المستملي والحموي جارية على مذهب الكوفيين في جواز عدم التأكيد واليتيم بالرفع في رواية أبي ذر عطفًا على الضمير المرفوع، وبالنصب في نفس متن الفرع مصحّحًا عليه على المفعول معه أي وصففت أنا مع اليتيم (وراءه والعجوز) أي أُم سليم المذكورة (من ورائنا فصلّى لنا) أي لأجلنا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركعتين ثم انصرف) من الصلاة وذهب إلى بيته. وقد استنبط المالكية من هذا الحديث الحنث بافتراش الثوب المحلوف على لبسه. وأجاب الشافعية وبأنه لا يسمى لبسًا عرفًا والأيمان منوطة بالعرف، وحمل اللبس هنا على الافتراش إنما هو للقرينة ولأنه المفهوم وفيه مشروعية تأخر النساء عن صفوف الرجال وقيام المرأة صفًا وحدها إذا لم يكن معها امرأة غيرها، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في الصلاة وكذا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 21 - باب الصَّلاَةِ عَلَى الْخُمْرَةِ (باب الصلاة على الخمرة) بضم الخاء كما سبق. 381 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ". وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا سليمان الشيباني) التابعي (عن عبد الله بن شداد) هو ابن الهاد (عن) أُم المؤمنين (ميمونة) رضي الله عنها (قالت): (كان النبي) وللأصيلي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي على الخمرة) وقد سبق هذا الحديث قريبًا بغير سنده السابق مع الاختصار كما رواه عن شيخه أبي الوليد مع اختلاف استخراج الحكم فيه. 22 - باب الصَّلاَةِ عَلَى الْفِرَاشِ. وَصَلَّى أَنَسٌ عَلَى فِرَاشِه وَقَالَ أَنَسٌ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَسْجُدُ أَحَدُنَا عَلَى ثَوْبِهِ. (باب) حكم (الصلاة على الفراش) من أيّ نوع كان هو جائز سواء كان ينام عليه مع امرأته أم لا. (وصلّى أنس) هو ابن مالك (على فراشه) وصله ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور عن ابن المبارك عن حميد عنه، (وقال أنس) مما وصله في الباب اللاحق (كنّا نصلّي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيسجد أحدنا) أي بعضنا (على ثوبه) أي الذي لا يتحرك بحركته، لأن المتحرك بحركته كالجزء منه، وسقط لفظ أنس من رواية الأصيلي وهو يوهم أنه بقية الذي قبله وليس كذلك، وسقط هذا التعليق كله من روايته كما في الفرع. 382 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا قَالَتْ: "كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرِجْلاَىَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَىَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا. قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ". [الحديث 382 - أطرافه في: 383، 384، 508، 511، 512، 513، 514، 515، 519، 997، 1209، 6276]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن عبد الله بن أبي أُوس المدني ابن أُخت الإمام مالك بن أنس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) إمام دار الهجرة (عن أبي النضر) بفتح النون وسكون المعجمة سالم (مولى عمر) بضم العين (ابن عبد الله) بضم العين

23 - باب السجود على الثوب في شدة الحر

وفتح الموحدة التيمي (عن أبي سلمة) بفتح اللام عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف (عن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها قالت): (كنت أنام بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورجلاي في قبلته) جملة حالية أي في موضع سجوده (فإذا سجد) عليه الصلاة والسلام (غمزني) بيده أي مع حائل (فقبضت رجليّ) بفتح اللام وتشديد الياء بالتثنية وللمستملي والحموي رجلي بكسر اللام بالإفراد، (فإذا قام) عليه الصلاة والسلام (بسطتهما) بالتثنية وللمستملي والحموي بسطتها بالإفراد أيضًا. (قالت) عائشة رضي الله عنها معتذرة عن نومها على هذه الهيئة (والبيوت يومئذ) أي وقت إذ (ليس فيها مصابيح) أي إذ لو كانت لقبضت رجليها عند إرادته السجود ولما أحوجته للغمز. واستنبط الحنفية من هذا الحديث عدم نقض الوضوء بلمس المرأة. وأُجيب: باحتمال أن يكون بينهما حائل من ثوب أو غيره أو بالخصوصية، وأُجيب: بأن الأصل عدم الحائل في الرجل واليد عرفًا وبأن دعوى الخصوصية بلا دليل، وبأنه عليه الصلاة والسلام في مقام التشريع لا الخصوصية. ورواته الخمسة مدنيون وفيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي. 383 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي وَهْيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ اعْتِرَاضَ الْجَنَازَةِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا (قال: حدّثنا الليث) بن سعد (عن عقيل) بضم العين ابن خالد بن عقيل بفتح العين ولأبي الوقت وابن عساكر حدّثني بالإفراد عقيل (عن ابن شهاب) الزهري (قال أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير بن العوّام (أن عائشة) رضي الله عنها (أخبرته) (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّي) في حجرتها (وهي بينه وبين القِبلة) أي والحال أن عائشة بينه عليه الصلاة والسلام وبين موضع سجوده (على فراش أهله) وهي معترضة بينه وبين موضع القبلة (اعتراض الجنازة) بكسر الجيم وقد تفتح وهي التي في الفرع فقط أي اعتراضًا كاعتراض الجنازة بأن تكون نائمة بين يديه من جهة يمينه إلى جهة يساره كما تكون الجنازة بين يدي المصلّي عليها. ورواة هذا الحديث الستة ما بين مصري ومدني وفيه التحديث بصيغة الجمع والإفراد والإخبار بالإفراد والعنعنة، ورواية تابعي عن تابعي عن صحابية، وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجة. 384 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عِرَاكٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي وَعَائِشَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ عَلَى الْفِرَاشِ الَّذِي يَنَامَانِ عَلَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: حدّثنا الليث) بن سعد (عن يزيد) بن أبي حبيب (عن عراك) بكسر العين ابن مالك (عن عروة) بن الزبير بن العوّام. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّي وعائشة) رضي الله عنها (معترضة بينه) عليه الصلاة والسلام (وبين القبلة على الفراش الذي ينامان عليه) فيه تقييد الفراش بكونه الذي ينامان عليه بخلاف الرواية السابقة فإنها بلفظ فراش أهله وهي أعمّ من أن يكون هو الذي ناما عليه أو غيره، وفيه إشارة إلى أن حديث أبي داود عن عائشة كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يصلّي في لحفنا لم يثبت عنه. واستنبط منه أن الصلاة إلى النائم لا تكره وأن المرأة لا تُبطِل صلاة مَن صلّى إليها أو مرّت بين يده كما ذهب إليه مالك وأبو حنيفة والشافعي وغيرهم من جمهور السلف والخلف، لكن يكره عند خوف الفتنة بها واشتغال القلب بالنظر إليها. ورواته ما بين مصري ومدني وفيه رواية ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وفيه التحديث والعنعنة وصورته صورة المرسل، لكنه محمول على أنه سمع ذلك من عائشة بدليل الرواية السابقة. 23 - باب السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي شِدَّةِ الْحَرّ وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَيَدَاهُ فِي كُمِّهِ. (باب السجود على) طرف (الثوب) كالكمّ والذيل (في شدّة الحر) أي والبرد (وقال الحسن) البصري مما وصله ابن أبي شيبة وعبد الرزاق (كان القوم) أي الصحابة (يسجدون على العمامة) بكسر العين (والقلنسوة) بفتح القاف واللام وإسكان النون وضم السين المهملة وفتح الواو من ملابس الرأس كالبرنس الواسع يغطي بها العمائم من الشمس والمطر، (ويداه في كمّه) جملة حالية مبتدأ وخبر أي ويد كل واحد في كمّه، وللكشميهني ويديه بتقدير، ويجعل كل واحد يديه في كمّه، واستنبط منه أبو حنيفة جوازًا السجود

24 - باب الصلاة في النعال

على كور العمامة، وكرهه مالك ومنعه الشافعية محتجّين بأنه كما لم يقم المسح عليها مقام الرأس وجب أن يكون السجود كذلك، ولأن القصد من السجود التذلّل وتمامه بكشف الجبهة. 385 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنِي غَالِبٌ الْقَطَّانُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ. [الحديث 385 - طرفاه في: 542، 1208]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك) الطيالسي (قال: حدّثنا بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة في الأول وبضم الميم وفتح الفاء والضاد المعجمة الرقاشي بفتح الراء (قال: حدّثني) بالإفراد (غالب) بالغين المعجمة وكسر اللام ابن خطاف بضم الخاء المعجمة وفتحها وتشديد الطاء المهملة آخره فاء (القطان) بالقاف (عن بكر بن عبد الله) بفتح الموحدة وسكون الكاف المزنيّ البصري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال): (كنا نصلي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيضع أحدنا طرف الثوب) أي المنفصل أو المتصل الذي لا يتحرك بحركته (من شدّة الحرّ في مكان السجود) وعند ابن أبي شيبة: كنّا نصلّي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في شدّة الحرّ والبرد فيسجد على ثوبه، واحتجّ بذلك أبو حنيفة ومالك وأحمد وإسحاق على جواز السجود على الثوب في شدّة الحرّ والبرد، وبه قال عمر بن الخطاب وغيره؟ وأوّله الشافعية بالمنفصل أو المتصل الذي لا يتحرك بحركته كما مرّ فلو سجد على متحرك بحركته عامدًا عالمًا بتحريمه بطلت صلاته لأنه كالجزء منه أو جاهلاً أو ساهيًا لم تبطل صلاته، وتجب إعادة السجود قاله في شرح المهذب. نعم استثنى في المهمات ما لو كان بيده عود أو نحوه فسجد عليه، فإنه يجوز كما في شرح المهذب في نواقض الوضوء. ورواه هذا الحديث الخمسة بصريون، وفيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة، وأخرجه في الصلاة أيضًا وكذا مسلم وأبو داود والترمذيّ والنسائي. 24 - باب الصَّلاَةِ فِي النِّعَالِ (باب) حكم (الصلاة في النعال) أي على النعال أو بها لأن الظرفية غير صحيحة. 386 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَسْلَمَةَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ الأَزْدِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. [الحديث 386 - طرفه في: 5850]. وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) وليس عند الأصيلي ابن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرنا) وللأصيلي وابن عساكر حدّثنا (أبو مسلمة) بفتح الميم وسكون السين المهملة وفتح اللام (سعيد بن يزيد) بكسر العين (الأزدي) بفتح الهمزة (قال): (سألت أنس بن مالك) رضي الله عنه (أكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي في نعليه) أي عليهما أو بهما؟ (قال: نعم) أي إذا لم يكن فيهما نجاسة والاستفهام على سبيل الاستفسار، واختلف فيما إذا كان فيهما نجاسة، فعند الشافعية لا يطهرها إلاّ الماء، وقال مالك وأبو حنيفة إن كانت يابسة أجزأ حكمها وإن كانت رطبة تعين الماء. ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين عسقلاني وبصري وكوفي، وفيه التحديث والإخبار والسؤال، وأخرجه المؤلّف في اللباس ومسلم في الصلاة وكذا الترمذي والنسائي. 25 - باب الصَّلاَةِ فِي الْخِفَافِ (باب الصلاة في الخفاف) أي بها. 387 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: رَأَيْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، فَسُئِلَ فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَنَعَ مِثْلَ هَذَا. قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ، لأَنَّ جَرِيرًا كَانَ مِنْ آخِرِ مَنْ أَسْلَمَ. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان (قال: سمعت إبراهيم) النخعي (يحدّث عن همام بن الحرث) بفتح الهاء وتشديد الميم والحرث بالمثلثة (قال): (رأيت جرير بن عبد الله) بفتح الجيم البجلي الصحابي بال ثم توضأ ومسح على خفّيه ثم قام فصلّى) أي في خفّيه (فسئل) بضم السين مبنيًّا للمفعول أي سئل جرير عن المسح على الخُفين في الصلاة فيهما والسائل له همام كما في الطبراني (فقال) أي جرير: (رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صنع مثل هذا) أي من المسح والصلاة فيهما. (قال إبراهيم) النخعي: (فكان) حديث جرير (يعجبهم) أي القوم وفي طريق عليّ بن يونس، فكان أصحاب عبد الله أي ابن مسعود يعجبهم (لأن جريرًا كان من آخر) ولابن عساكر لأن جريرًا من آخر (من أسلم) ولمسلم: لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة، ووجه إعجابهم بقاء الحكم فلا نسخ بآية المائدة خلافًا لا ذهب إليه بعضهم لأنه لا كان إسلامه في السنة التي توفي فيها الرسول عليه الصلاة والسلام علمنا أن حديثه معمول به، وهو يبين أن المراد بآية المائدة غير صاحب الخف، فتكون السُنّة مخصّصة للآية. ورواة هذا الحديث ما بين بغداديّ وكوفيّ وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض عن الصحابي، وفيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة والقول والرؤية، وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وأبو

26 - باب إذا لم يتم السجود

داود في الطهارة. 388 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: "وَضَّأْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَصَلَّى". وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) بصاد مهملة نسبة إلى جدّه لشُهرته به وأبوه إبراهيم (قال: حدّثنا أبو أسامة) حماد (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن مسلم) أي ابن صبيح بضم الصاد المكنى بأبي الضحى أو هو مسلم المشهور بالبطين، وكلٌّ منهما يروي عن مسروق والأعمش يروي عن كلٍّ منهما (عن مسروق) أي ابن الأجدع (عن المغيرة بن شعبة) رضي الله عنه (قال): (وضأت النبي) وللأصيلي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسمح على خُفيه وصلّى) أي فيهما. ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون، وفيه ثلاثة من التابعين. والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه في الصلاة والجهاد واللباس ومسلم في الطهارة والنسائي وابن ماجة فيها والزينة. 26 - باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ السُّجُودَ هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يتم) المصليّ (السجود) حرم عليه لترتب الوعيد الشديد، وهذا الباب ثابت في رواية الأصيلي، وسقط في رواية المستملي لأن محله كالباب التالي في أبواب صفة الصلاة. 389 - أَخْبَرَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا مَهْدِيٌّ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ رَأَى رَجُلاً لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلاَ سُجُودَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْتَ. قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: لَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 389 - طرفاه في: 791، 808]. وبه قال: (أخبرنا) وللأربعة حدّثنا (الصلت بن محمد) الخاركي بالخاء المعجمة والراء والكاف نسبة إلى خارك من سواحل البصرة قال: (أخبرنا) وللأربعة حدّثنا (مهدي) هو ابن ميمون الأزدي (عن واصل) الأحدب (عن أبي وائل) بالهمز شقيق بن سلمة (عن حذيفة) بن اليمان. (أنه رأى رجلاً) لم أقف على اسمه (لا يتم ركوعه ولا سجوده) جملة وقعت صفة لرجلاً (فلما قضى) أي أدّى الرجل (صلاته) الناقصة الركوع والسجود (قال له حذيفة) رضيَ الله عنه: (ما صلّيت) نفى عنه الصلاة لأن الكل ينتفي بانتفاء الجزء فانتفاء تمام الركوع يلزم منه انتفاء الركوع المستلزم لانتفاء الصلاة، وكذا السجود. (قال) أبو وائل: (وأحسبه) أي حذيفة (قال) للرجل (لو مت) بضم الميم من مات يموت وبكسرها من مات يمات، وفي رواية ولو من (مت على غير سنة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي طريقته المتناولة للفرض والنفل، وفي حديث أنس مرفوعًا عند الطبراني: ومن لم يتم خشوعها ولا ركوعها ولا سجودها خرجت وهي سوداء مظلمة تقول ضيعك الله كما ضيعتني حتى إذا كانت حيث شاء الله لفت كما يلفّ الثوب الخلق ثم ضرب بها وجهه. ورئي ابن خيثم ساجدًا كخرقة ملقاة وعليه عصافير لا يشعر بها. ورواه هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة وهو من أفراد البخاري. 27 - باب يُبْدِي ضَبْعَيْهِ وَيُجَافِي فِي السُّجُودِ هذا (باب) بالتنوين من السنة (يبدي) بضم الياء يظهر المصلّي (ضبعيه) تثنية ضبع بفتح الضاد المعجمة وسكون الموحدة وسط العضد أو ما تحت الإبط أي لا يلصق عضديه بجنبيه (ويجافي) أي ويباعد عضديه ويرفعهما عن جنبيه (في السجود) وليست المفاعلة في يجافي على بابها، وهذا الباب كالسابق لم يكن عند المستملي كما سبق. 390 - أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ نَحْوَهُ. [الحديث 390 - طرفاه في: 807، 3564]. وبه قال: (أخبرنا) وللأربعة حدّثنا (يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف (قال: حدّثنا) وفي رواية أخبرنا (بكر بن مضر) بفتح الموحدة وسكون الكاف وضم ميم مضر وفتح ضادها قال البرماوي وابن الدماميني والعيني: غير منصرف للعدل والعلمية كعمر (عن جعفر) المصري، وللأصيلي عن جعفر بن ربيعة (عن ابن هرمز) بضم الهاء والميم عبد الرحمن الأعرج (عن عبد الله بن مالك ابن بحينة) بضم الموحدة وفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح النون أم عبد الله وهي صفة أخرى له لا صفة لمالك، وحينئذ فتحذف الألف من ابن السابقة لمالك خطأ لأنها وقعت بين علمين من غير فاصل فينوّن مالك وتثبت الألف من ابن بحينة، لأنه وإن كان صفة لعبد الله لكن وقع الفاصل. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا صلّى) أي سجد من إطلاق الكل على الجزء (فرج) بفتح الفاء. قال السفاقسي: رويناه بتشديد الراء والمعروف في اللغة التخفيف أي فتح (بين يديه) أي وجنبيه. قال الكرماني: ويحتمل أن يكون بين يديه على ظاهره يعني قدّامه وأراد يبعد قدامه من الأرض (حتى يبدو) بواو مفتوحة أي يظهر (بياض إبطيه) وفي رواية الليث: إذا سجد فرج يديه عن إبطيه وإذا فرج بين يديه لا بدّ من إبداء ضبعيه، وعند الحاكم وصحّحه من حديث عبد الله بن أقرم فكنت أنظر إلى عفرتي إبطيه.

28 - باب فضل استقبال القبلة يستقبل بأطراف رجليه

وفي حديث ميمونة إذا سجد لو شاءت بهيمة أن تمرّ بين يديه لمرّت والحكمة فيه أنه أشبه بالتواضع وأبلغ فى تمكين الجبهة من الأرض وأبعد من هيئات الكسالى، وأما المرأة فتضمّ بعضها إلى بعض لأنه أستر لها وأحوط وكذا الخنثى (وقال الليث) بن سعد مما وصله مسلم في صحيحه وهو عطف على بكر (حدّثني) بالإفراد (جعفر بن ربيعة نحوه) أي نحو حديث بكر، لكنه رواه بالحديث وبكر بالعنعنة. ورواة هذا الحديث ما بين مصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه في صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومسلم والنسائي في الصلاة. ولما فرغ المؤلّف رحمه الله تعالى من بيان أحكام ستر العورة شرع في بيان استقبال القبلة لأن الذي يريد الشروع في الصلاة يحتاج أولاً إلى ستر العورة، ثم إلى استقبال القبلة وما يتبعها من أحكام المساجد فقال: 28 - باب فَضْلِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَة ِيَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب فضل استقبال القبلة يستقبل) المصلّي (بأطراف رجليه القبلة) ولأبي ذر عن الكشميهني يستقبل القبلة بأطراف رجليه أي برؤوس أصابعهما نحو القبلة (قاله) في الفروع قال أبو حميد من غير هاء (أبو حميد) عبد الرحمن بن سعد الساعدي المدني الأنصاري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في صفة صلاته عليه الصلاة والسلام كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وسقط في رواية الأصيلي وابن عساكر من قوله: يستقبل إلى آخر قوله وسلم. 391 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمَهْدِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ». [الحديث 391 - طرفاه في: 392، 393]. وبالسند قال: (حدّثنا عمرو بن عباس) بفتح العين فيهما وتشديد الموحدة في الثاني الأهوازي البصري (قال: حدّثنا ابن المهدي) بفتح الميم وكسر الدال مع التعريف ابن حسان البصري اللؤلؤي، وللأصيلي وابن عساكر: حدّثنا ابن مهدي (قال: حدّثنا منصور بن سعد) بسكون العين البصري (عن ميمون بن سياه) بكسر السين المهملة وتخفيف المثناة التحتية وبعد الألف هاء منوّنة أو غير مصروف للعلمية والمعجمة وردّ بأنه غير علم في العجم ومعناه بالفارسية الأسود (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال): (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَن صلّى صلاتنا) أي من صلّى صلاة كصلاتنا المتضمنة للإقرار بالشهادتين، (واستقبل قبلتنا) المخصوصة بنا (وأكل ذبيحتنا) وإنما أفرد ذكر استقبال القبلة تعظيمًا لشأنها، وإلاّ فهو داخل في الصلاة لكونه من شروطها أو عطفه على الصلاة لأن اليهود لما تحوّلت القبلة شنّعوا بقولهم ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها وهم الذين يمتنعون من أكل ذبيحتنا أي صلّى صلاتنا وترك المنازعة في أمر القبلة، والامتناع عن أكل الذبيحة فهو من باب عطف الخاص على العامّ، فلما ذكر الصلاة عطف ما كان الكلام (فيه وما هو مهتم بشأنه عليها (فذلك) مبتدأ خبره (المسلم له ذمة الله) بكسر الذال المعجمة مرفوع أخبره له والموصول صفة المسلم والجملة صلته (وذمة رسوله) ولأبي ذر وذمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي أمان الله ورسوله أو عهدهما (فلا تخفروا) بضم المثناة الفوقية وإسكان المعجمة وكسر الفاء أي لا تخونوا (الله) أي ولا رسوله (في ذمته) أي ذمة الله أو ذمة المسلم أي لا تخونوا في تضييع مَن هذا سبيله، يقال: خفرت الرجل إذا حميته وأخفرته إذا نقضت عهده، والهمزة فيه للسلب أي أزلت خفارته كأشكيته إذا أزلت شكواه، واكتفى بذكر الله وحده دون ذكر الرسول لاستلزامه عدم إخفار ذمّة الرسول وإنما كره أوّلاً للتأكيد. واستنبط من هذا الحديث اشتراط استقبال عين الكعبة لصلاة القادر عليه، فلا تصح الصلاة بدونه إجماعًا بخلاف العاجز عنه كمريض لا يجد من يوجهه إلى القبلة ومربوط على خشبة فيصلّي على حاله ويعيد، ويعتبر الاستقبال بالصدر لا بالوجه أيضًا لأن الالتفات به لا يبطل. نعم لا يشترط الاستقبال في شدة الخوف ونفل السفر والفرض استقبال عين الكعبة يقينًا لمن بمكة وظنًّا لمن هو غائب عنها، فلا يكفي إصابة الجهة لحديث الصحيحين أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركع ركعتين قبل الكعبة وقال: هذه القبلة، وقبل بضم القاف والباء ويجوز إسكانها ومعناه مقابلها أو ما استقبلك منها وعند عامة الحنفية فرض الغائب عن مكة استقبال جهة الكعبة لا عينها. ورواة هذا الحديث الخمسة بصريون، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه

النسائي. 392 - حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: وحدّثنا بالواو (نعيم) هو ابن حماد الخزاعي (قال: حدّثنا ابن المبارك) عبد الله فهو موصول، ولأبوي ذر والوقت: حدّثنا نعيم، قال ابن المبارك: وفي رواية حماد بن شاكر عن المؤلّف. قال نعيم بن حماد: فيكون المؤلّف علقه عنه، وللأصيلي وكريمة وقال ابن المبارك: فيكون المؤلّف علقه عنه، ولابن عساكر قال محمد بن إسماعيل، وقال ابن المبارك: وقد وصله الدارقطني من طريق نعيم عن ابن المبارك (عن حميد الطويل عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال): (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمرت) بضم الهمزة وكسر الميم أي أمرني الله (أن) أي بأن (أقاتل الناس) أى بقتل المشركين (حتى يقولوا لا الله إلاّ الله) أي مع محمد رسول الله، واكتفى بالأولى لاستلزامها الثانية عند التحقيق أو أنها شعار للمجموع كما في قرأت الحمد أي كل السورة (فإذا قالوها) أي كلمة الإخلاص وحقّقوا معناها بموافقة الفعل لها (وصلّوا صلاتنا) أي بالركوع (واستقبلوا قبلتنا) التي هدانا الله لها (وذبحوا ذبيحتنا) أي ذبحوا المذبوح مثل مذبوحنا فعيل بمعنى المفعول لكنه استشكل دخول التاء فيه، لأنه إذا كان بمعنى المفعول يستوي فيه المذكّر والمؤنث فلا تدخله التاء، وأُجيب بأنه لا زال عنه معنى الوصفية وغلبت عليه الاسمية دخلت التاء وإنما يستوي الأمران فيه عند ذكر الموصوف، (فقد حرمت) بفتح الحاء وضمّ الراء كما في الفرع، وجوّز البرماوي كغيره ضم الأول وتشديد الثاني، لكن قال الحافظ ابن حجر: ولم أرَ في شيء من الروايات تشديد الراء (علينا دماؤهم وأموالهم إلاّ بحقها) أي إلا بحق الدماء والأموال وفي حديث ابن عمر: فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام (وحسابهم على الله) هو على سبيل التشبيه أيّ هو كالواجب على الله في تحقق الوقوع، وإلا فلا يجب على الله تعالى شيء. وقد استنبط ابن المنير من قوله: فإذا قالوها وصلوا صلاتنا حرمت دماؤهم قتل تارك الصلاة لأن مفهوم الشرط إذا قالوها، وامتنعوا من الصلاة لم تحرم دماؤهم منكرين للصلاة كانوا أو مقرّين لأنه رتب استصحاب سقوط العصمة على ترك الصلاة لا ترك الإقرار بها. لا يقال الذبيحة لا يقتل تاركها لأنّا نقول: إذا أخرج الإجماع بعضًا لم يخرج الكل انتهى من المصابيح. فإن قلت: لم خصّ الثلاثة بالذكر من بين الأركان وواجبات الدين أُجيب بأنها أظهر وأعظم وأسرع علمًا لأن في اليوم تعرف صلاة الشخص وطعامه غالبًا بخلاف الصوم والحج كما لا يخفى. 393 - قَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سَأَلَ مَيْمُونُ بْنُ سِيَاهٍ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا يُحَرِّمُ دَمَ الْعَبْدِ وَمَالَهُ؟ فَقَالَ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَصَلَّى صَلاَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَهُوَ الْمُسْلِمُ: لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ، وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ. وهذا الحديث رواه أبو داود في الجهاد، والترمذي في الإيمان، والنسائي في المحاربة. (وقال ابن أبي مريم) سعيد بن الحكم المصري (أخبرنا يحيى) وللأربعة يحيى بن أيوب الغافقي (قال: حدّثنا حميد) الطويل ولابن عساكر، وقال محمد أي المؤلّف قال ابن أبي مريم حدّثني (بالإفراد حميد (قال: حدّثنا أنس) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقد وصله محمد بن نصر وابن منده في الإيمان من طريق ابن أبي مريم، وقد ذكره المؤلّف استشهادًا وتقوية وإلاّ فيحيى بن أيوب مطعون فيه قال أحمد: سيئ الحفظ، (وقال علي بن عبد الله) أي المديني: (حدّثنا خالد بن الحرث قال: حدّثنا حميد) الطويل (قال: سأل ميمون بن سياه) بكسر السين المهملة آخره هاء (أنس بن مالك قال) ولأبوي ذر والوقت فقال وسقطت هذه الكلمة بالكلية عند الأصيلي. (يا أبا حمزة) بالحاء والزاي كنية أنس (وما يحرّم) بواو العطف على معطوف محذوف كأنه سأل عن شيء مثل هذا وغير هذا، وقول ابن حجر أو الواو استئنافية. تعقبه العيني بأن الاستئناف كلام مبتدأ، وحينئذ لا يبقى مقول لقال فيحتاج إلى تقدير، وفي رواية كريمة والأصيلي ما يحرّم (دم العبد وماله فقال) أنس: (من شهد أن لا إله إلاّ الله واستقبل قبلتنا وصلّى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما للمسلم) من النفع (وعليه ما على المسلم) من المضرة. ووجه مطابقة جواب أنس للسؤال عن سبب التحريم أنه يتضمنه لأنه لما ذكر الشهادة وما عطف عليها علم أن الذي يفعل هذا هو المسلم، والمسلم يحرم دمه وماله، إلاّ بحقه فهو مطابق له

29 - باب قبلة أهل المدينة وأهل الشأم والمشرق، ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة

وزيادة. 29 - باب قِبْلَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الشَّأْمِ وَالْمَشْرِقِ، لَيْسَ فِي الْمَشْرِقِ وَلاَ فِي الْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا». (باب) حكم (قبلة أهل المدينة وأهل الشام و) قبلة أهل (المشرق) أي وأهل المغرب في استقبالها واستدبارها المنهي عنه، وأهل بالجر عطفًا على المضاف إليه والمشرق عطفًا على المجرور قبله، والمراد بالمشرق مشرق الأرض كلها المدينة والشام وغيرهما، ولم يذكر المؤلّف المغرب مع أن العلّة فيهما مشتركة اكتفاء بذلك عنه كما في: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81] وخصّ المشرق بالذكر لأن أكثر بلاد الإسلام في جهته، ولما ذكر المؤلّف ذلك كأن سائلاً سأله فقال: كيف قبلة هذه المواضع؟ فقال: (ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة) أي ليس في التشريق والتغريب في المدينة والشام، ومَن يلحق بهم ممن هو على سمتهم قبلة، فأطلق المشرق والمغرب على التشريق والتغريب، والجملة استئنافية من تفقه المؤلّف جواب عن سؤال مقدّر كما مرّ، وفي رواية الأربعة بإسقاط قبلة هذه، وحينئذ يتعيّن تنوين باب بتقدير هذا باب، ورفع قبلة أهل المدينة على الابتداء وجر أهل عطفًا على المضاف إليه، وكذا المشرق والمغرب عطفًا على المجرور، وخبر المبتدأ قوله: ليس في المشرق لكن بتأويل قبلة بلفظ مستقبل، لأن التطابق في التذكير والتأنيث بين المبتدأ والخبر واجب والمشرق بالتشريق والمغرب بالتغريب أي: هذا باب بالتنوين مستقبل أهل المدينة وأهل الشام ليس في التشريق ولا في التغريب، وقد سقطت التاء من ليس فلا تطابق بينه وبين قبلة، فلذا أول بمستقبل ليتطابقا تذكيرًا. وحكى الزركشي ضم قاف مشرق للأكثرين عن عياض عطفًا على باب أي، وباب حكم المشرق، ثم حذف في الثاني باب وحكم وأقيم المشرق مقام الأوّل، وصوّبه الزركشي لما في الكسر من إشكال وهو إثبات قبلة لهم أي لأهل المشرق، وتعقبه الدماميني فقال: إثبات قبلة، لأهل المشرق في الجملة لا إشكال فيه لأنهم لا بدّ لهم أن يصلوا إلى الكعبة فلهم قبلة يستقبلونها قطعًا إنما الإشكال لو جعل المشرق نفسه قبلة مع استدبار الكعبة وليس في جرّ المشرق ما يقتضي أن يكون المشرق نفسه قبلة، وكيف يتوهم هذا، والمؤلّف قد ألصق بهذا الكلام قوله: ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة، ثم إن ما وجه به الرفع يمكن أن يوجه به الكسر، وذلك بأن يكون المشرق معطوفًا على ما أُضيف إليه الباب وهو قبلة لا على المدينة ولا على الشام، فكأنه قال: باب حكم قبلة أهل المدينة وحكم الشرق ولا إشكال البتّة. اهـ. ومراده بالمشرق والمغرب كما مرّ اللذان من ناحية المدينة والشام بخلاف مشرق مكة ومغربهما وكل البلاد التي تحت الخط المارّ عليها من مشرقها إلى مغربها، فإنها مخالفة المشرق والمغرب للمدينة والشام وما كان من جهتهما في حكم اجتناب الاستقبال والاستدبار بالتشريق والتغريب، فإن أولئك إذا شرقوا أو غربوا لا يكونون مستقبلي الكعبة ولا مستدبريها، ومشرق مكة ومغربها وما بينهما متى شرقوا استدبروا الكعبة أو غربوا استقبلوها، فينحرفون حينئذ للجنوب أو الشمال، وهو معنى قول المؤلّف: ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة القول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله النسائي والمؤلّف في الباب وغيره (لا تستقبلوا القبلة بغائط أو بول ولكن شرقوا أو غربوا) ظاهره التسوية بين الصحاري والأبنية فيكون مطابقًا للترجمة وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في رواية عنه. وقال مالك والشافعي: يحرم في الصحراء لا في البنيان لحديث الباب، ولأنه عليه الصلاة والسلام قضى حاجته في بيت حفصة مستقبل الشام مستدبر الكعبة، فجمع الشافعي رحمه الله بينهما بحمل حديث الباب المفيد للتحريم على الصحراء لأنها لسعتها لا يشق فيها اجتناب الاستقبال والاستدبار بخلاف البنيان، فقد يشق فيه اجتناب ذلك فيجوز فعله كما فعله عليه السلام لبيان الجواز، وإن كان الأولى لنا تركه، وتقدم مزيد لذلك في كتاب الوضوء. 394 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا». قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: فَقَدِمْنَا الشَّأْمَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ، فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ. وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المدينى (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا) محمد بن مسلم بن شهاب (الزهري عن عطاء بن يزيد)

30 - باب قول الله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة: 125]

ولأبوي ذر والوقت زيادة الليثي (عن أبي أيوب) خالد بن زيد (الأنصاري) رضي الله عنه. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إذا أتيتم الغائط) اسم للأرض المطمئنة لقضاء الحاجة (فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها) احترامًا لها وتعظيمًا، وهل هو من جهة خروج الخارج المستقذر أو من جهة كشف العورة، فيه خلاف مبني على جواز الوطء مستقبل القبلة مع كشف العورة، فمن علل بالخارج أباح ومن علل بالعورة منع، (ولكن شرقوا أو غربوا) مخصوص بأهل المدينة لأنهم المخاطبون، ويلحق بهم من كان على سمتهم ممن إذا استقبل المشرق أو المغرب لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها. (قال أبو أيوب) الأنصاري (فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض) بفتح الميم وكسر الحاء المهملة والضاد المعجمة جمع مرحاض بكسر الميم (بنيت) لقضاء حاجة الإنسان (قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي مقابل (القبلة فننحرف) عن جهة القبلة من الانحراف، وفي رواية فنتحرف (ونستغفر الله تعالى) لمن بناها، فإن الاستغفار للمؤمنين سنة أو من الاستقبال، ولعل أبا أيوب رضي الله عنه لم يبلغه حديث ابن عمر في ذلك أو لم يره مخصصًا، وحمل ما رواه على العموم. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري ومكي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في الطهارة. ثم عطف المؤلّف على قوله حدّثنا سفيان قوله: (وعن الزهري) بالإسناد المذكور (عن عطاء) أي ابن يزيد (قال): (سمعت أبا أيوب) الأنصاري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله) أي مثل الحديث السابق، والحاصل أن سفيان حدّث به عليًّا مرّتين: مرة صرح بتحديث الزهري له وفيه عنعنة عطاء، ومرة أتى بالعنعنة عن الزهري وبتصريح عطاء بالسماع. 30 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] (باب قوله تعالى: {واتخذوا} بكسر الخاء على الأمر أي وقلنا لهم: اتخذوا {من مقام إبراهيم مصلّى} [البقرة: 125] مدّعى يدعى عنده، وقال البرماوي موضع صلاة. وتعقب بأنه لا يصلى فيه بل عنده، ويترجح القول الأول بأنه جار على المعنى اللغوي والغرض البيت لا المقام لأن مَن صلّى إلى الكعبة لغير جهة المقام فقد أدّى فرضه، والأمر في: واتخذوا للاستحباب كما لا يخفى، ومقام إبراهيم هو الحجر الذي فيه أثر قدمه. وقال مجاهد: المراد بمقام إبراهيم الحرم كله، وقرأ نافع وابن عامر {واتّخذوا} بفتح الخاء بلفظ الماضي عطفًا على جعلنا البيت مثابة للناس وأمنًا واتخذوا. 395 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ الْعُمْرَةَ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. [الحديث 495 - أطرافه في: 1623، 1627، 1645، 1647، 1793]. وبالسند قال: (حدّثنا الحميدي) بضم الحاء وفتح الميم عبد الله بن الزبير القرشي المكّي (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا عمرو بن دينار) بفتح العين المكي (قال): (سألنا عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (عن رجل طاف بالبيت العمرة) بالنصب للمستملي والحموي أي طواف العمرة ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وللأربعة للعمرة بلام الجر أي لأجل العمرة (ولم يطف) أي لم يسع (بين الصفا والمروة أيأتي) أي هل حلّ من إحرامه حتى يجوز له أن يجامع (امرأته) ويفعل غير ذلك من محرمات الإحرام أم لا؟ (فقال) عبد الله بن عمر مجيبًا له: (قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فطاف بالبيت سبعًا، وصلّى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة، وقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة) فأجاب ابن عمر بالإشارة إلى وجوب اتباعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لا سيما وقد قال عليه الصلاة والسلام: (خذوا عني مناسككم). 396 - وَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: لاَ يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. [الحديث 396 - أطرافه في: 1624، 1646، 1794]. قال عمر بن دينار: (وسألنا جابر بن عبد الله) الأنصاري عن ذلك (فقال) (لا يقربنّها) جملة فعلية مؤكدة بالنون الثقيلة (حتى يطوف بين الصفا والمروة) فأجاب بصريح النهي. ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في الحج. ورواة هذا الحديث الثلاثة مكيّون، وفيه التحديث والسؤال وهو من مسند ابن عمر لا من مسند جابر لأنه لم يرفعه وأخرجه المؤلّف في الحج وكذا مسلم والنسائي وابن ماجة. 397 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سَيْفٍ -يعني ابن سليمان- قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا قَالَ: "أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ فَقِيلَ لَهُ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ الْكَعْبَةَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَأَقْبَلْتُ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ خَرَجَ، وَأَجِدُ بِلاَلاً قَائِمًا بَيْنَ الْبَابَيْنِ، فَسَأَلْتُ بِلاَلاً فَقُلْتُ: أَصَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِهِ إِذَا دَخَلْتَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ". [الحديث 397 - أطرافه في: 468، 504، 505، 506، 1167، 1598، 1599، 2988، 4289، 4400]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) القطان (عن سيف) بفتح السين زاد ابن عساكر يعني ابن أبي سليمان كما في الفرع المخزومي المكّي (قال: سمعت مجاهدًا) الإمام المفسّر (قال): (أُتي ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (فقيل له)

31 - باب التوجه نحو القبلة حيث كان

لم يعرف الحافظ ابن حجر اسم هذا القائل (هذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل الكعبة. فقال ابن عمر: فأقبلت والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد خرج) من الكعبة (وأجد بلالاً) حال كونه (قائمًا بين البابين) أي مصراعي الباب، إذ لم يكن للكعبة يومئذ إلاّ باب. وفي رواية الحموي: بين الناس بالنون والسين المهملة بدل البابين. قال في الفتح: وهي أوضح وعبّر بالمضارع في قوله وأجد حكاية عن الحال الماضية أو استحضارًا لتلك الصورة حتى كأن المخاطب يشاهدها، وإلاّ فكان المناسب للسياق أن يقول: ووجدت (فسألت بلالاً فقلت أصلى) بهمزة الاستفهام، ولأبي ذر والأصيلي صلّى بإسقاطها (النبي) وللأصيلي وحده رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الكعبة، قال: نعم) صلّى (ركعتين بين الساريتين) تثنية سارية وهي الأسطوانة (اللتين على يساره) أي الداخل أو يسار البيت أو هو من الالتفات ولأبي ذر عن الكشميهني يسارك بالكاف وهي أنسب لقوله: (إذا دخلت ثم خرج) من البيت (فصلّى في وجه) مواجهة (الكعبة ركعتين) عند مقام إبراهيم، وبذلك تحصل المطابقة لترجمة أو جهة الباب عمومًا، وقد أجمع أهل الحديث على الأخذ برواية بلال لأنه مثبت ومعه زيادة علم، فوجب ترجيح روايته على النافي كأسامة، وسبب نفيه اشتغاله بالدعاء في ناحية من نواحي البيت غير التي كان فيها الرسول مع غلق الباب وكان بلال قريبًا منه عليه الصلاة والسلام، فخفي على أسامة (لبعده واشتغاله ما شاهده بلال لقربه وجاز له النفي عملاً بالظن، أو أنه عليه الصلاة دخل البيت مرتين مرة صلّى ومرة دعا ولم يصلّ. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري ومكّي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الحج والصلاة والجهاد ومسلم في الحج وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجة. 398 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: "لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ. فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي قُبُلِ الْكَعْبَةِ وَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ». [الحديث 398 - أطرافه في: 1601، 3351، 3352، 4288]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) نسبة إلى جدّه لشهرته به وإلاّ فأبوه إبراهيم السعدي (قال: حدّثنا عبد الرزّاق) بن همام (قال: أخبرنا) وللأصيلي وأبي الوقت حدّثنا (ابن جريح) نسبة إلى جدّه لشهرته به واسمه عبد الملك بن عبد العزيز (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (قال: سمعت ابن عباس) رضي الله عنهما (قال): (لما دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البيت دعا في نواحيه كلها) جمع ناحية وهي الجهة (ولم يصل) فيه (حتى خرج منه) ورواية بلال المثبت أرجح من نفي ابن عباس هذا، لا سيما أن ابن عباس لم يدخل، وحينئذٍ فيكون مرسلاً لأنه أسنده عن غيره ممن دخل مع النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-الكعبة فهو مرسل صحابيّ، (فلما خرج) عليه الصلاة والسلام منه (ركع) أي صلّى (ركعتين) فأطلق الجزء وأراد به الكل (في قبل الكعبة) وما استقبله منها وهو وجهها بضم القاف والموحدة وقد تسكن (وقال) عليه الصلاة والسلام (هذه) أي الكعبة هي (القبلة) التي استقر الأمر على استقبالها فلا تنسخ كما نسخ بيت المقدس أو علمهم بذلك سنة موقف الإمام في وجهها دون أركانها وجوانبها الثلاثة، وإن كان الكل جائزًا أو أن من حكم من شاهد البيت وجوب مواجهة عينه جزمًا بخلاف الغائب أو أن الذي أمرتم باستقباله ليس هو الحرم كله ولا مكة ولا المسجد حول الكعبة بل الكعبة نفسها. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين مدني وصنعاني ومكّي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والسماع، وأخرجه مسلم في المناسك والنسائي. 31 - باب التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ حَيْثُ كَانَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَكَبِّرْ». (باب التوجه) في صلاة الفرض (نحو القبلة) أي جهتها (حيث كان) أي وجد المصلي في سفر أو حضر. (وقال أبو هريرة) رضي الله عنه مما وصله المؤلّف في الاستئذان من جملة حديث المسيء صلاته (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: استقبل القبلة) حيث كنت (وكبّر) بكسر الباء الموحدة فيهما على الأمر وكبر بالواو، وللأربعة فكبر، وفي رواية الأصيلي: قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استقبل فكبّر بالميم وفتح الموحدة فيهما. 399 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ -أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ- شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ -وَهُمُ الْيَهُودُ- {مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَا صَلَّى فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ فِي صَلاَةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ. فَتَحَرَّفَ الْقَوْمُ حَتَّى تَوَجَّهُوا نَحْوَ الْكَعْبَةِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) بتخفيف الجيم الغداني بضم الغين المعجمة (قال: حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله الكوفي (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي

جدّ إسرائيل (عن البراء بن عازب) رضي الله عنهما ثبت ابن عازب عند أبي ذر عن المستملي (قال): (كان رسول الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحو) أي جهة (بيت المقدس) بالمدينة (ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا) من الهجرة وكان ذلك بأمر الله تعالى له قاله الطبري، ويجمع بينه وبين حديث ابن عباس عند أحمد من وجه آخر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّي بمكة نحو بيت المقدس، والكعبة بين يديه بحمل الأمر في المدينة على الاستمرار باستقبال بيت المقدس، وفي حديث الطبري من طريق ابن جريج قال: أوّل ما صلّى إلى الكعبة ثم صرف إلى بيت المقدس وهو بمكة فصلّى ثلاث حجج، ثم هاجر فصلّى إليه بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرًا ثم وجّهه الله تعالى إلى الكعبة. (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب أن يوجه) بضم أوّله وفتح الجيم مبنيًّا للمفعول أي يؤمر بالتوجّه (إلى الكعبة) وفي حديث ابن عباس عند الطبري: وكان يدعو وينظر إلى السماء (فأنزل الله عز وجل: {قد نرى تقلّب وجهك في السماء} [البقرة: 144] تردد وجهك في جهة السماء تطلعًا للوحي، وكان عليه الصلاة والسلام يقع في روعه، ويتوقع من ربه أن يحوّله إلى الكعبة لأنها قبلة أبيه إبراهيم، وذلك يدل على كمال أدبه حيث انتظر ولم يسأل قاله البيضاوي (فتوجّه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد نزول الآية (نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس وهم اليهود: ما ولاهم) أي ما صرفهم {عن قبلتهم التي كانوا عليها} يعني بيت المقدس والقبلة في الأصل الحال التي عليها الإنسان من الاستقبال، فصارت عُرفًا للمكان المتوجّه إليه للصلاة {قل لله الشرق والمغرب} [البقرة: 142] لا يختصّ به مكان دون مكان بخاصة ذاتية تمنع إقامة غيره مقامه، وإنما العبرة بارتسام أمره لا بخصوص المكان. {يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} [البقرة: 142] وهو ما ترتضيه الحكمة وتقتضيه المصلحة من التوجّه إلى بيت المقدس تارة وإلى الكعبة أخرى (فصلّى) الظهر (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل) اسمه عباد بن بشر كما قاله ابن بشكوال، أو هو عباد بن نهيك بفتح النون وكسر الهاء، (ثم خرج) أي الرجل (بعدما صلّى) أي بعد صلاته أو بعد الذي صلّى، وللمستملي والحموي: فصلّى مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجال بالجمع ثم خرج أي بعض أولئك الرجال بعدما صلّى، (فمرّ على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو) أي جهة (بيت المقدس) وفي رواية الكشميهني في صلاة العصر: يصلّون نحو بيت المقدس (فقال) الرجل: (هو يشهد أنه صلّى مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنه) عليه الصلاة والسلام (توجّه نحو الكعبة) وللأربعة: وأنه نحو الكعبة (فتحرّف القوم حتى توجهوا نحو الكعبة) وعنى بقوله هو يشهد نفسه على طريق التجريد بأن جرد من نفسه شخصًا، أو على طريق الالتفات، أو نقل الراوي كلامه بالمعنى. وعند ابن سعد في الطبقات أنه عليه الصلاة والسلام صلّى ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين، ثم أمر أن يتوجّه إلى المسجد الحرام، فاستدار إليه ودار معه المسلمون، ويقال: إنه عليه الصلاة والسلام زار أُم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة فصنعت له طعامًا وحانت الظهر فصلّى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأصحابه ركعتين، ثم أمر فاستدار إلى الكعبة واستقبل الميزاب فسمي مسجد القبلتين. قال ابن سعد، قال الواقدي: هذا أثبت عندنا، ولا تنافي بين قوله هنا صلاة العصر وبين ثبوت الرواية عن ابن عمر في الصبح بقباء المروي عند الشيخين والنسائي لأن العصر ليوم التوجّه بالمدينة، والصبح لأهل قباء في اليوم الثاني، لأنهم خارجون عن المدينة من سوادها. واستنبط من حديث الباب قبول خبر الواحد، وجواز النسخ، وأنه لا يثبت في حق المكلّف حتى يبلغه. ورواته ما بين بصري وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في التفسير أيضًا ومسلم في الصلاة والترمذي والنسائي وابن ماجة. 400 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ. فَإِذَا أَرَادَ الْفَرِيضَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ". [الحديث 400 - أطرافه في: 1094، 1099، 4140]. وبه قال: (حدّثنا مسلم) وللأصيلي مسلم بن إبراهيم (قال: حدثنا هشام) الدستوائي وللأصيلي هشام بن عبد الله (قال: حدّثنا يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن محمد بن عبد

الرحمن) بن ثوبان العامري المدني وليس له في البخاري عن جابر غير هذا الحديث، وفي طبقته محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، ولم يخرج له البخاري عن جابر شيئًا قاله الحافظ ابن حجر (عن جابر) الأنصاري رضي الله عنه وللأصيلي جابر بن عبد الله (قال): (كان رسول الله) وللأربعة النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) النفل (على راحلته) ناقته التي تصلح لأن ترحل (حيث توجهت) به أي الراحلة، زاد ابن عساكر وأبو ذر عن الكشميهنى به، والمراد توجه صاحب الراحلة لأنها تابعة لقصد توجّهه، وفي حديث ابن عمر عند مسلم وأبي داود والنسائي: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي على حمار وهو متوجّه لخيبر، وعند أبي داود والترمذي وقال: حسن صحيح من حديث جابر: بعثني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حاجة فجئت وهو يصلّي على راحلته نحو المشرق السجود أخفض (فإذا أراد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يصلّي (الفريضة نزل) عن راحلته (فاستقبل القبلة) وصلّى، وهذا يدلّ على عدم ترك استقبال القبلة في الفريضة، وهو إجماع. نعم رخص في شِدة الخوف كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري ويماني ومدني، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه أيضًا في تقصير الصلاة وفي المغازي ومسلم. 401 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ إِبْرَاهِيمُ: لاَ أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ - فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَىْءٌ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا. فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ. فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ قَالَ: إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَىْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ يُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ». [الحديث 401 - أطرافه في: 404، 1226، 6671، 7249]. وبه قال: (حدّثنا عثمان) بن أبي شيبة (قال: حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي (قال): (قال عبد الله) بن مسعود ولأبي ذر عن عبد الله لكنه ضبب عليه في الفرع (صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الظهر أو العصر (قال إبراهيم) النخعي: (لا أدري زاد) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صلاته، ولابن عساكر: أزاد بالهمزة (أو نقص، فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث) بهمزة الاستفهام وفتح الحاء والدال أي أوقع (في الصلاة شيء) من الوحي يوجب تغييرها بزيادة أو نقص؟ (قال) عليه الصلاة والسلام: (وما ذاك) سؤال مَن لم يشعر بما وقع منه، (قالوا: صلّيت كذا وكذا) كناية عمّا وقع أما زائد على المعهود أو ناقص عنه، (فثنى) عليه الصلاة والسلام بتخفيف النون أي عطف (رجله) بالأفراد بأن جلس كهيئة قعود المتشهد، وللكشميهني والأصيلي رجليه بالتثنية (واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم) لم يكن سجوده عليه الصلاة والسلام عملاً بقولهم، لأن المصلّي لا يرجع إلى قول غيره، بل لما سألهم بقوله: وما ذاك تذكر فسجد أو أن قول السائل: أحدث شكًّا فسجد لحصول الشك الذي طرأ له لا لمجرّد إخبارهم، (فلما أقبل علينا بوجهه قال: إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبّأتكم) أي لأخبرتكم (به) أي بالحدوث وحذف لدلالة قوله لو حدث في الصلاة، واللام في لنبأتكم لام الجواب، ومفعوله الأول ضمير المخاطبين، والثاني به، والثالث محذوف، وفيه أنه كان يجب عليه تبليغ الأحكام إلى الأمة، (ولكن إنما أنا بشر مثلكم) أي بالنسبة إلى الاطّلاع على بواطن المخاطبين لا بالنسبة إلى كل شيء (أنسى كما تنسون) بهمزة مفتوحة وسين مخفّفة. قال الزركشي: ومن قيده بضم أوّله وتشديد ثالثه لم يناسب التشبيه، (فإذا نسيتُ فذكروني) في الصلاة بالتسبيح ونحوه، (وإذا شك أحدكم) بأن استوى عنده طرفا العلم والجهل (في صلاته فليتحرّ الصواب) أي فليجتهد وعن الشافعي فليقصد الصواب أي: فليأخذ باليقين وهو البناء على الأقل. وقال أبو حنيفة: معناه البناء على غالب الظن. ولا يلزم بالاقتصار على الأقل، ولمسلم فلينظر أقرب ذلك إلى الصواب (فليتم) بناءً (عليه ثم يسلم) وجوبًا (ثم يسجد) للسهو أي ندبًا (سجدتين) لا واحدة كالتلاوة وعبّر بلفظ الخبر في هذين الفعلين، وبلفظ الأمر في السابقين وهما: فليتحرّ وليتم لأنهما كانا ثابتين يومئذ بخلاف التحرّي والإتمام، فإنهما ثبتا بهذا الأمر، ولأبى ذر: يسلم بغير لام الأمر، وللأصيلي وليسجد بلام الأمر وهو محمول على الندب وعليه الإجماع في المسألتين. ودلالة الحديث على الترجمة من

32 - باب ما جاء في القبلة، ومن لا يرى الإعادة على من سها فصلى إلى غير القبلة

قوله فثنى رجليه واستقبل القبلة. واستنبط منه جواز النسخ عند الصحابة وأنهم كانوا يتوقعونه، وعلى جواز وقوع السهو من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الأفعال وعليه عامّة العلماء والنظّار كما قاله الشيخ تقي الدين. ورواته الستة كلهم كوفيون أئمة أجلاء، وإسناده من أصحّ الأسانيد، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في النذور ومسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجة. ولما فرغ المؤلّف من حكم التوجّه إلى القبلة شرع يذكر حكم مَن سها فصلّى إلى غير القبلة فقال: 32 - باب مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ، وَمَنْ لاَ يَرَى الإِعَادَةَ عَلَى مَنْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَقَدْ سَلَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَكْعَتَىِ الظُّهْرِ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ ثُمَّ أَتَمَّ مَا بَقِيَ. (باب ما جاء في القبلة) غير ما ذكر (ومن لا يرى الإعادة) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ومن لم يرَ الإعادة (على من سها فصلّى إلى غير القبلة) الفاء تفسيرية لأنه تفسير لقوله سها قاله البرماوي كالكرماني وتعقبه العيني فقال فيه بعد، والأولى أن تكون للسببية كقوله تعالى: {فتصبح الأرض مخضرّة} [الحج: 63] وأصل هذه المسألة في المجتهد في القبلة إذا صلّى به فتيقن الخطأ في الجهة في الوقت أو بعده فإنه يقضي على الأظهر، والثاني لا يجب القضاء لعذره بالاجتهاد، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وإبراهيم النخعي والثوري، لأن جهة تحرّيه هي التي خوطب باستقبالها حالة الاشتباه فأتى بالواجب عليه فلا يعيدها، وقال المالكية يعيد في الوقت المختار وهو مذهب المدوّنة، وقال أبو الحسن المرداوي من الحنابلة في تنقيح المقنع: ومَن صلّى بالاجتهاد سفرًا فأخطأ لم يعد. أهـ. فلو تيقن الخطأ في الصلاة وجب استئنافها عند الشافعية والمالكية ويستدير إلى جهة القبلة ويبني على ما مضى عند الحنفية وهو قول للشافعية، لأن أهل قباء لما بلغهم نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة استداروا في الصلاة إليها. (وقد سلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ركعتي الظهر) وللأصيلي ركعتين من الظهر (وأقبل على الناس بوجهه) الشريف، (ثم أتمّ ما بقي) من الركعتين الأخيرتين. وهذا التعليق قطعة من حديث أبي هريرة فى قصة اليدين المشهور، ووجه ذكره في الترجمة أنه عليه الصلاة والسلام بانصرافه وإقباله على الناس بوجهه بعد سلامه كان وهو عند نفسه الشريفة في غير صلاة، فلما مضى على صلاته كان وقت استدبار القبلة في حكم المصلّي، فيؤخذ منه أن من اجتهد ولم يصادف القبلة لا يعيد. 402 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: "وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاَثٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}، وَآيَةُ الْحِجَابِ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ". [الحديث 402 - أطرافه في: 4483، 4790، 4916]. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عون) بالنون أبو عثمان الواسطي البزاز بزايين نزيل البصرة، المتوفى سنة خمس وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة وسكون المثناة ابن بشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة (عن حميد) الطويل (عن أنس) وللأصيلي أنس بن مالك (قال): (قال عمر) بن الخطاب وللأصيلي رضي الله عنه: (وافقت ربي في ثلاث) أي وافقني ربي فيما أردت أن يكون شرعًا، فأنزل القرآن على وفق ما رأيت، لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه كذا قال العيني كابن حجر وغيره، لكن قال صاحب اللامع: لا يحتاج إلى ذلك، فإن مَن وافقك فقد وافقته انتهى. قال في الفتح: أو أشار به إلى حدث رأيه وقدم الحكم، وقوله في ثلاث أي قضايا أو أمور ولم يؤنّث مع أن الأمر مذكر لأن التمييز إذا لم يكن مذكورًا جاز في لفظ العدد التذكير والتأنيث، وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما ينفي الزيادة، فقد روي عنه موافقات بلغت الخمسة عشر: أسارى بدر، وقصة الصلاة على المنافقين، وتحريم الخمر. ويحتمل أن يكون ذلك قبل الموافقة في غير الثلاث، ونوزع فيه لأن عمر أخبر بهذا بعد موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا يتجه ما ذكر من ذلك. (قلت) ولغير الأربعة فقلت: (يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلّى) بين يدي القبلة يقوم الإمام عنده بحذف جواب لو أو هي للتمني فلا تفتقر إلى جواب، وعند ابن مالك هي لو المصدرية أغنت عن فعل التمني (فنزلت {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] وآية الحجاب) برفع آية على الابتداء والخبر محذوف أي كذلك أو على العطف على مقدر أي هو اتخاذ مصلّى، وآية الحجاب وبالنصب على الاختصاص وبالجرّ عطفًا على مقدّر، أي اتخاذ مصلّى من مقام إبراهيم وهو بدل من قوله ثلاث

(قلت يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلّمهنّ البرّ) بفتح الموحدة صفة مشبهة (والفاجر) الفاسق وهو مقابل البر (فنزلت آية الحجاب): {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنّ} [الأحزاب: 59] (واجتمع نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الغيرة عليه) بفتح الغين المعجمة وهي الحمية والأنفة (فقلت لهنّ: عسى ربه إن طلقكنّ أن يبدله أزواجًا خيرًا منكنّ) ليس في ما يدل على أن في النساء خيرًا منهن لأن المعلّق بما لم يقع لا يجب وقوعه (فنزلت هذه الآية). وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) سعيد بن محمد بن الحكم كذا في رواية كريمة ولأبي ذر عن المستملي، قال أبو عبد الله أي المؤلّف: وحدّثنا ابن أبي مريم، ولابن عساكر قال محمد أي المؤلّف أيضًا. وقال ابن أبي مريم، وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والكشميهني، وقال ابن أبي مريم: (أخبرنا يحيى بن أيوب) الغافقي (قال: حدّثني) بالإفراد (حميد) الطويل (قال: سمعت أنسًا) أي ابن مالك (بهذا) أي بالحديث المذكور سندًا ومتنًا، وفائدة إيراد هذا الإسناد ما فيه من التصريح بسماع حميد من أنس، فحصل الأمن من تدليسه، واستشكل بأن يحيى بن أيوب لم يحتج به البخاري، وإن خرّج له في المتابعات. وأُجيب: بأن هذه من جملة المتابعات ولم ينفرد يحيى بن أيوب بالتصريح المذكور، فقد أخرجه الإسماعيلي من رواية يوسف القاضي عن أبي الربيع الزهراني عن هشيم أخبرنا حميد حدّثنا أنس قاله في الفتح. 403 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: "بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا. وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ". [الحديث 403 - أطرافه في: 4488، 4490، 4491، 4493، 4494، 7251]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك بن أنس) وسقط قوله ابن أنس عند الأصيلي وابن عساكر (عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال): (بينا الناس بقباء) بالمد والتذكير والصرف على الأشهر أي بينا الناس بمسجد قباء وهم (في صلاة الصبح) ولا منافاة بين قوله هنا الصبح وقوله في حديث البراء العصر إذ المجيء إلى بني حارثة داخل المدينة وإلى بني عمرو بن عوف بقباء وقت الصبح، وقوله: بنا أضيف إلى المبتدأ والخبر وجوابه قوله: (إذ جاءهم) أي أهل قباء (آت) بالمد هو عباد بن بشر بتشديد الموحدة لأن القصد البعض، وفي رواية الأصيلي القرآن بأل التي للعهد أي قوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144] الأيات وأطلق الليلة على بعض اليوم الماضي وما يليه مجازًا، (وقد أمر) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (أن) أي بأن (يستقبل) أي باستقبال (الكعبة فاستقبلوها) بفتح الموحدة عند جمهور الرواة على أنه فعل ماضٍ، (وكانت وجوههم إلى الشام) تفسير من الراوي للتحوّل المذكور، والضمير في فاستقبلوها ووجوههم لأهل قباء أو للنبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-ومَن معه، وفي رواية الأصيلي فاستقبلوها بكسر الموحدة بصيغة الأمر لأهل قباء، ويؤيده ما عند المؤلّف في التفسير، وقد أمر أن يستقبل الكعبة ألا فاستقبلوها، (فاستداروا إلى الكعبة) بأن تحوّل الإمام من مكانه في مقدّم المسجد إلى مؤخره، ثم تحوّلت الرجال حتى صاروا خلفه؟ وتحوّل النساء حتى صرن خلف الرجال، واستشكل هذا لما فيه من العمل الكثير في الصلاة. وأُجيب باحتمال وقوعه قبل التحريم أو لم تتوال الخطأ عند التحويل بل وقعت مفرقة. واستنبط من الحديث أن الذي يؤمر به عليه الصلاة والسلام يلزم أمته، وأن أفعاله يؤتسى بها كأقواله حتى يقوم دليل على الخصوصية، وأن حكم الناسخ لا يثبت في حق المكلّف حتى يبلغه وقبول خبر الواحد ووجه استدلال المؤلّف به أنهم صلّوا إلى القبلة المنسوخة التي هي غير القبلة الواجب استقبالها جاهلين بوجوبه ولم يؤمروا بالإعادة. ورواة هذا الحديث أئمة مشهورون، وفيه التحديث والأخبار والعنعنة والقول، وأخرجه في التفسير ومسلم والنسائي في الصلاة. 404 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقَالُوا: أَزِيدَ فِي الصَّلاَةِ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) القطّان (عن شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بن عتيبة

33 - باب حك البزاق باليد من المسجد

(عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه (قال): (صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظهر خمسًا) أي خمس ركعات، (فقالوا: أزيد في الصلاة، قال) عليه الصلاة والسلام (وما ذاك) أي ما سبب هذا السؤال؟ (قالوا صلّيت خمسًا) قال (فثنى) عليه الصلاة والسلام أي عطف (رجليه) بالتثنية ولابن عساكر رجله بالإفراد (وسجد سجدتين) للسهو. ولما فرغ المؤلّف من بيان أحكام القبلة شرع في بيان أحكام المساجد فقال: 33 - باب حَكِّ الْبُزَاقِ بِالْيَدِ مِنَ الْمَسْجِدِ (باب حك البزاق) بالزاي لغة كالصاد والسين (باليد من المسجد) سواء كان بآلة أم لا. 405 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ، فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاَتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ - أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ. فَلاَ يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ». ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ، ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ: «أَوْ يَفْعَلْ هَكَذَا». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد الثقفي (قال: حدّثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد) الطويل (عن أنس) وللأصيلي عن أنس بن مالك رضي الله عنه. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى نخامة) بالميم مع ضم النون وهي ما يخرج من الصدر أو من الرأس (في) الحائط الذي في جهة (القبلة فشق ذلك عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى رئي) بضم الراء وكسر الهمزة وفتح الياء، وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني حتى ريء بكسر الراء وسكون الياء آخره همزة أي شوهد (في وجهه) أثر المشقة وفي رواية النسائي فغضب حتى احمرّ وجهه، (فقام) عليه الصلاة والسلام (فحكه) أي أثر النخامة (بيده فقال) عليه الصلاة والسلام ولابن عساكر وقال: (إن أحدكم إذا قام في صلاته) بعد شروعه فيها (فإنه يناجي ربّه) من جهة مساررته بالقرآن والإذكار، فكأنه يناجيه تعالى والربّ تعالى يناجيه من جهة لازم ذلك وهو إرادة الخير فهو من باب المجاز لأن القرينة صارفة عن إرادة الحقيقة إذ لا كلام محسوسًا إلاّ من جهة العبد، (أو إن) بفتح الهمزة وكسرها كما في اليونينية، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وإن (ربه) بواو العطف أي اطّلاع ربّه على ما (بينه وبين القبلة) إذ ظاهره مُحال لتنزيه الرب تعالى عن المكان، فيجب على المصلّي إكرام قبلته بما يكرم به من يناجيه من المخلوقين عند استقبالهم بوجهه، ومن أعظم الجفاء وسوء الأدب أن تتنخم في توجهك إلى رب الأرباب، وقد أعلمنا الله تعالى بإقباله على مَن توجّه إليه قاله ابن بطال. (فلا يبزقن) بنون التوكيد الثقيلة وللأصيلي فلا يبزق (أحدكم قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة (قبلته) التي عظمها الله تعالى فلا تقابل بالبزاق المقتضي للاستخفاف والاحتقار، والأصح أن النهي للتحريم (ولكن) يبزق (عن يساره) أي لا عن يمينه فإن عن يمينه كانت الحسنات كما رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح (أو تحت قديمه) بالتثنية، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر قدمه أي اليسرى كما في حديث أبي هريرة في الباب الآتي. قال النووي: هذا في غير المسجد أما فيه فلا يبزق إلاّ في ثوبه (ثم أخذ) عليه الصلاة والسلام (طرف ردائه فبصق فيه ثم ردّ بعضه على بعض فقال أو يفعل هكذا) عطف على المقدر بعد حرف الاستدراك أي ولكن ليبزق عن يساره أو يفعل هكذا، وفيه البيان بالفعل لأنه أوقع في النفس، وليست لفظة أو هنا للشك بل للتنويع أي هو مخيّر بين هذا وهذا، لكن سيأتي أن المصنّف حمل هذا الأخير على ما إذا بدره البزاق وحينئذ فأو للتنويع. وأخرج هذا الحديث المؤلّف في كفّارة البزاق في المسجد وفي باب إذا بدره البزاق وفي غيرهما، وكذا مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي. 406 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلاَ يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى». [الحديث 406 - أطرافه في: 753، 1213، 6111]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما: (أن رسول الله وصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى بصاقًا) وهو ما يسيل من الفم (في جدار القبلة) ولأبي ذر عن المستملي في جدار المسجد (فحكّه) أي البصاق (ثم أقبل على الناس فقال: إذا كان أحدكم يصلّي فلا يبصق قبل) بكيسر القاف وفتح الموحدة أي قدام (وجهه) ويبصق بالجزم على النهي (فإن الله) أي القصد منه تعالى أو ثوابه عز وجل أو عظمته (قبل وجهه) أي المصليّ (إذا صلّى)، وهذا التعليل يرشد إلى أن البصاق في القبلة حرام سواء كان في المسجد أم لا.

34 - باب حك المخاط بالحصى من المسجد

407 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ مُخَاطًا -أَوْ بُصَاقًا أَوْ نُخَامَةً- فَحَكَّهُ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسى (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأصبحي (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة أم المؤمنين) رضي الله عنها (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى في جدار القبلة مخاطًا) هو السائل من الأنف (أو بصاقًا) من الفم (أو نخامة) من الصدر وهي النخاعة أو النخاعة بالعين من الصدر وبالميم من الرأس (فحكّه) أي الذي رآه في الجدار. 34 - باب حَكِّ الْمُخَاطِ بِالْحَصَى مِنَ الْمَسْجِدِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ وَطِئْتَ عَلَى قَذَرٍ رَطْبٍ فَاغْسِلْهُ، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَلاَ. (باب حك المخاط بالحصى) أو نحوه وللأصيلي بالحصباء (من المسجد) لما كان المخاط فيه لزوجة يكون لها جرم في الغالب يحتاج في زواله إلى معاجة بنحو الحصى ترجم له. (وقال ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله ابن أبي شيبة بسند صحيح (إن وطئت على قدر) بالذال المعجمة طاهر أو نجس (رطب فاغسله وإن كان يابسًا فلا) تغسله لأنه لا يضرّك وطؤه. 408 و 409 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى نُخَامَةً فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَحَكَّهَا فَقَالَ: «إِذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَخَّمَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى». [الحديث 408 - طرفاه في: 410، 416]. [الحديث 409 - طرفاه في: 411، 414]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي البصريّ (قال: أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي حدّثنا (إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي المدني (قال: أخبرنا) وفي رواية حدّثنا (ابن شهاب) الزهري (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف القرشي الزهري (أن أبا هريرة) عبد الرحمن بن صخر (وأبا سعيد) سعد بن مالك الخدري رضي الله عنهما (حدّثاه): (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى نخامة في جدار المسجد) النبوي (فتناول حصاة فحكّها) بالكاف أي النخامة ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر فحتَّها) بالمثناة الفوقية بدل الكاف ومعناها واحد، (فقال) عليه الصلاة والسلام: (إذا تنخم أحدكم) أي رمى بالنخامة (فلا يتنخمن قبل وجهه ولا عن يمينه) فإن عن يمينه ملكًا، وعند ابن أبي شيبة بسند صحيح فعن يمينه كاتب الحسنات، (وليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى) ووجه دلالة الحديث على الترجمة أن المخاط والنخامة حكمهما واحد لأنهما من الفضلات الطاهرة. ورواته كلهم مدنيون إلاّ موسى بن إبراهيم فبصري، وفيه التحديث والأخبار والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الصلاة وكذا مسلم. 35 - باب لاَ يَبْصُقْ عَنْ يَمِينِهِ فِي الصَّلاَةِ هذا (باب) بالتنوين (لا يبصق) أي المصلّي (عن يمينه في الصلاة). 410 و 411 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى نُخَامَةً فِي حَائِطِ الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَصَاةً فَحَتَّهَا ثُمَّ قَالَ: «إِذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَخَّمْ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف (قال: حدّثنا الليث) بن سعد (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة وأبا سعيد) الخدري رضي الله عنهما (أخبراه) في الحديث السابق حدّثاه. (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى نخامة في حائط المسجد) وفي السابق في جدار السجد (فتناول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حصاة فحتّها) بالتاء (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (إذا تنخم أحدكم فلا يتنخم) وفي الفرع: إذا تنخمن فلا يتنخمن بنون مكتوبة فوقها معها (قبل وجهه) بكسر القاف وفتح الموحدة (ولا عن يمينه وليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى). ومطابقة الحديث للترجمة في قوله فلا يتنخم قبل وجهه ولا عن يمينه وحكم النخامة والبصاق واحد بدليل قوله في حديث أنس الآتي إن شاء الله تعالى قريبًا: لا يتفلن بعد رؤيته عليه الصلاة والسلام النخامة في القبلة. 412 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَتْفِلَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ رِجْلِهِ». وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين ابن الحرث الحوضي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (قتادة) بن دعامة (قال: سمعت أنا) وللأصيلي أنس بن مالك (قال). (قال النبي) في رواية رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا يتفلن) بكسر الفاء في الفرع ويجوز الضم أي لا يبزقن (أحدكم بين يديه ولا عن يمينه ولكن عن يساره أو تحت رجله) أي اليسرى، والتفل شبيه بالبزق لأن الأوّل البزق ثم التفل ثم النفث ثم النفخ وليس في هذا الحديث تقييد بحالة الصلاة إلاّ في رواية آدم الآتية إن شاء الله تعالى، وحديث أنس السابق في باب حك البصاق باليد من المسجد، وكأنه جنح إلى أن المطلق محمول على المقيد، وقد جزم النووي، بالمنع منه في

36 - باب ليبزق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى

الجهة اليمنى داخل الصلاة وخارجها سواء كان في المسجد أو غيره، ويؤيّده ما رواه عبد الرزّاق وغيره عن ابن مسعود أنه كره أن يبصق عن يمينه ولبس في صلاة، عن عمر بن عبد العزيز أنه نهى ابنه عنه مطلقًا، وعن معاذ بن جبل أنه قال: ما بصقت عن يميني منذ أسلمت، ونقل عن مالك أنه قال: لا بأس به يعني خارج الصلاة، وكأن الذي خصّه بحالة الصلاة أحده من علّة النهي المذكورة في رواية همّام عن أبي هريرة حيث قال: فإن عن يمينه ملكًا. 36 - باب لِيَبْزُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى هذا (باب) بالتنوين (ليبزق) بالزاي ولأبي ذر عن الكشميهني ليبصق بالصاد (عن يساره أو تحت قدمه اليسرى). 413 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلاَ يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا قتادة) بن دعامة (قال: سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال): (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن المؤمن إذا كان في الصلاة فإنما يناجي ربه) عز وجل والمناجاة قبل العبد حقيقة ومن قبل الرب إقباله تعالى عليه بالرحمة والرضوان، (فلا يبزقن) بالزاي والنون (بين يديه ولا عن يمينه ولكن عن يساره أو تحت قدمه) أي اليسرى حتى يطابق للترجمة، وقيد الترجمة السابقة بالصلاة والقدم باليسرى، وهنا أطلق الترجمة والقدم في الحديث، فيحمل كل مطلق منهما على مقيده وفي إسناده التحديث والتصريح بسماع قتادة من أنس. 414 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبْصَرَ نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَحَكَّهَا بِحَصَاةٍ. ثُمَّ نَهَى أَنْ يَبْزُقَ الرَّجُلُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ سَمِعَ حُمَيْدًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ... نَحْوَهُ. وبه قال: (حدّثنا) ولابن عساكر أخبرنا (علي) وللأصيلي علي بن عبد الله بن المديني (قال: حدّثنا) ولابن عساكر أخبرنا (قال: حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني لا الطويل (عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه، ولابن عساكر كما في الفرع عن أبي هريرة بدل أبي سعيد. قال الحافظ ابن حجر: وهو وهم. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبصر نخامة في قبلة المسجد فحكها) بالكاف (بحصاة) وللمستملي بحصى (ثم نهى أن يبزق الرجل بين يديه أو عن يمينه ولكن) يبزق (عن يساره أو تحت قدمه اليسرى) كذا للأكثرين ولأبي الوقت وتحت بواو العطف والأولى هي المطابقة للترجمة (وعن الزهري سمع حميدًا) هو ابن عبد الرحمن السابق (عن أبي سعيد) الخدري (نحوه) فيه التصريح بسماع الزهري من حميد. 37 - باب كَفَّارَةِ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ (باب كفارة) خطيئة (البزاق) بالزاي (في المسجد) بدفنه. 415 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا قتادة) بن دعامة (قال: سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال): (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البزاق) بالزاي (في المسجد خطيئة) بالهمزة أي إثم (وكفّارتها) أي الخطيئة (دفنها) في تراب المسجد ورمله وحصبائه إن كان وإلاّ فيخرجها، وقوله في المسجد ظرف للفعل فلا يشترط كون الفاعل فيه حتى لو بصق مَن هو خارج المسجد فيه يتناوله النهي. قال القاضي عياض، إنما يكون خطيئة إن لم يدفنه فمن أراد دفنه فلا. ويؤيده حديث أبي أمامة عند أحمد والطبراني بإسناد حسن مرفوعًا: (من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة وإن دفنه فحسنة) فلم يجعله سيئة إلاّ بقيد عدم الدفن، وردّه النووي فقال: هو خلاف صريح الحديث قال: وحاصل النزاع إن هاهنا عمومين تعارضًا، وهما قوله: البزاق في المسجد خطيئة، وقوله وليبصق عن يساره أو تحت قدمه، فالنووي يجعل الأول عامًّا ويخصّ الثاني بما إذا لم يكن في المسجد والقاضي يجعل الثاني عامًّا ويخصّ الأوّل بمن لم يرد دفنها، وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر كأن لم يتمكّن من الخروج من المسجد والمنع على ما إذا لم يكن له عذر. وفي هذا الحديث التحديث والقول والتصريح بسماع قتادة من أنس، وأخرجه مسلم في الصلاة وكذا أبو داود. 38 - باب دَفْنِ النُّخَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ (باب دفن النخامة في المسجد) جائز. 416 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَلاَ يَبْصُقْ أَمَامَهُ، فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ، وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا. وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنُهَا». وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) نسبة إلى جدّه واسم أبيه إبراهيم (قال: حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت أخبرنا (عبد الرزاق) صاحب المؤلّف ابن همام الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد وللأصيلي أخبرنا معمر (عن همام) هو ابن منبه بن كامل

39 - باب إذا بدره البزاق فليأخذ بطرف ثوبه

الصنعاني أخو وهب أنه (سمع أبا هريرة) رضي الله تعالى عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا قام أحدكم إلى الصلاة) أي شرع فيها (فلا يبصق) بالصاد والجزم على النهي (أمامه) بفتح الهمزة قدامه (فإنما) وللكشميهني فإنه (يناجي الله) عز وجل (ما دام في مصلاه) ظاهره تخصيص المنع بحالة الصلاة، لكن التعليل بتأذّي المسلم يقتضي المنع مطلقًا ولو لم يكن في الصلاة، نعم هو في الصلاة أشد إثمًا مطلقًا، وفي جدار القبلة أشد إثمًا من غيرها من جدار المسجد (ولا) يبصق (عن يمينه فإن عن يمينه ملكًا) يكتب الحسنات لأن الصلاة هي أمها، فلا دخل لكاتب السيئات الكائن عن اليسار فيها، وأن لكل أحد قرينًا وموقفه يساره كما في الطبراني، فلعل المصلّي إذا تفل يقع على قرينه وهو الشيطان ولا يصيب الملك منه شيء (ويبصق عن يساره أو تحت قدمه) اليسرى في غير المسجد أما في المسجد ففي ثوبه لأنه قد قال إنه خطيئة فلم يأذن فيه فلو تعذّر في جهة اليسار لوجود مصل فيها بصق تحت قدمه وفي ثوبه (فيدفنها) بالرفع وهو الذي في الفرع خبرًا لمبتدأ محذوف أي فهو يدفنها، وبالنصب جواب الأمر، وبالجزم عطفًا على الأمر أي فيغيب البصقة بالتعميق في باطن أرض المسجد إذا كانت غير متنجسة بحيث يأمن الجالس عليها من الإيذاء، فلو كان المسجد غير ترابي فليدلكها بشيء حتى يذهب أثرها البتّة. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بخاري وصنعاني وبصري، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة. 39 - باب إِذَا بَدَرَهُ الْبُزَاقُ فَلْيَأْخُذْ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ هذا (باب) بالتنوين (إذا بدره) أي غلب على المصلّي (البزاق) بالزاي لم يقدر على دفعه (فليأخذ بطرف ثوبه) وقد أنكر الشمس السروجي أن يقال بدره بل بدرت إليه وبادرته. وأجاب الزركشي والبرماوي والدماميني وابن حجر نصرة للمؤلّف بأنه من باب المغالبة أي بادر البزاق فبدره أي غلبه في السبق، قال الدماميني: وهذا غير منكر، وتعقب العيني ذلك على ابن حجر كعادته فقال: هذا كلام من لم يمس شيئًا من علم التصريف فإن في المغالبة يقال بادرني فبادرته، ولا يقال بادرت كذا فبدرني، والفعل اللازم في باب المغالبة يجعل متعديًا بلا حرف صلة يقال: كارمني فكرمته وليس هنا باب المغالبة حتى يقال بدره انتهى. 417 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَحَكَّهَا بِيَدِهِ، وَرُئِيَ مِنْهُ كَرَاهِيَةٌ -أَوْ رُئِيَ كَرَاهِيَتُهُ لِذَلِكَ وَشِدَّتُهُ عَلَيْهِ- وَقَال: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاَتِهِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ -أَوْ رَبُّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِبْلَتِهِ- فَلاَ يَبْزُقَنَّ فِي قِبْلَتِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ». ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَزَقَ فِيهِ وَرَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ: «أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا». وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) النهدي الكوفي (قال: حدّثنا زهير) بالتصغير ابن معاوية الكوفي الجعفي (قال: حدّثنا حميد) الطويل (عن أنس) رضي الله عنه وللأصيلي عن أنس بن مالك: (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى نخامة في القبلة) أي في جهة حائطها (فحكها بيده) بالكاف أي النخامة، وللأصيلي فحكه أي أثر النخامة أو البصاق، (ورئي) بضم الراء ثم همزة مكسورة ثم ياء مفتوحة، ولأبي ذر عن الكشميهني والأصيلي، وريء بكسر الراء ثم ياء ساكنة ثم همزة مفتوحة (منه) عليه الصلاة والسلام (كراهية أو رئي) بضم الراء ثم همزة مكسورة فياء مفتوحة (كراهيته) عليه الصلاة والسلام (لذلك) أي الفعل والشك من الراوي وكراهية مرفوع برئي المبني للمفعول (وشدته عليه) رفع عطفًا على كراهية أو جر عطفًا على قوله لذلك. (وقال) عليه الصلاة والسلام: (إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنما يناجي ربه) بكلامه وذكره ويناجيه ربه بلازم ذلك من إرادة الخير، قال النووي: وهو إشارة لإخلاص القلب وحضوره وتفريغه لذكر الله تعالى (أو ربه) تعالى مبتدأ خبره (بينه وبين قبلته) والجملة عطف على الجملة الفعلية قبلها، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر في نسخة وبين القبلة، وليس المراد ظاهر ذلك إذ هو محال لتنزيه الرب تعالى عن المكان، فيجب تأويله بنحو ما مرّ في باب حك البزاق باليد (فلا يبزقن) أحدكم (في قبلته ولكن) يبزق (عن يساره أو تحت قدمه) اليسرى، (ثم أخذ) عليه الصلاة والسلام (طرف ردائه فبزق فيه) بالزاي (ورد بعضه على بعض، قال) عليه الصلاة والسلام، وللأصيلي وابن عساكر فقال: (أو يفعل هكذا). فإن قلت: ليس في الحديث مطابقة للترجمة لأنه لم يذكر في الحديث

40 - باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة وذكر القبلة

بدر البزاق أجيب: بأنه أشار إلى ما في بعض طرق الحديث عند مسلم من حديث جابر، فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا، ثم طوى بعضه على بعض. واستنبط من الحديث أن على الإمام النظر في أحوال المساجد وتعاهدها ليصونها عن المؤذيات وأن البصق في الصلاة والتنحنح غير مفسد لها، لكن الأصح عند الشافعية والحنابلة أن التنحنح والنفخ إن ظهر من كلٍّ منهما حرفان أو حرف مفهم كق من الوقاية أو مدة بعد حرف بطلت الصلاة. وإلاَّ فلا تبطل مطلقًا لأنه ليس من جنس الكلام، وعن أبي حنيفة ومحمد تبطل بظهور ثلاثة أحرف. 40 - باب عِظَةِ الإِمَامِ النَّاسَ فِي إِتْمَامِ الصَّلاَةِ وَذِكْرِ الْقِبْلَةِ (باب عظة الإمام) أي وعظه (الناس) بالنصب على المفعولية (في) أي بسبب ترك (إتمام الصلاة وذكر القبلة) بجر ذكر عطفًا على عظة. 418 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا؟ فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَىَّ خُشُوعُكُمْ وَلاَ رُكُوعُكُمْ، إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي». [الحديث 418 - طرفه في: 741]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الكلاعي الدمشقي الأصل (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) بكسر الزاي وتخفيف النون عبد الله بن ذكوان القرشي المدنيّ (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. (أن رسول الله) ولأبي الوقت عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: هل ترون) بفتح التاء والاستفهام إنكاري أي أتحسبون (قبلتي هاهنا) وأنني لا أرى إلاّ ما في هذه الجهة (فوالله ما يخفى عليّ خشوعكم) أي في جميع الأركان أو المراد في سجودكم لأن فيه غاية الخشوع وبالسجود صرح في مسلم (ولا) يخفى عليّ (ركوعكم) إذا كنت في الصلاة مستدبرًا لكم فرؤيتي لا تختص بجهة قبلتي هذه، وإذا قلنا أن الخشوع المراد به الأعمّ فيكون ذكر الركوع بعده من باب ذكر الأخص بعد الأعم (إني لأراكم) بفتح الهمزة بدل من جواب القسم وهو قوله ما يخفى إلخ أو بيان له (من وراء ظهري) رؤية حقيقية أختصّ بها عليكم والرؤية لا يشترط لها مواجهة ولا مقابلة، وإنما تلك أمور عادية يجوز حصول الإدراك مع عدمها عقلاً أو كانت له عليه الصلاة والسلام عينان بين كتفيه مثل سم الخياط يبصر بهما لا تحجبهما الثياب أو غير ذلك مما ذكرته في المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصلاة. 419 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةً، ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ فِي الصَّلاَةِ وَفِي الرُّكُوعِ: «إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ وَرَائِي كَمَا أَرَاكُمْ». [الحديث 419 - طرفاه في: 742، 6655]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن صالح) الوحاظيّ بضم الواو وتخفيف المهملة ثم معجمة الحمصي، المتوفّى سنة اثنتين وعشرين ومائتين وقد جاوز السبعين (قال: حدّثنا فليح بن سليمان) بضم الفاء وفتح اللام وسكون المثناة التحتية آخره مهملة، المتوفّى سنة ثمان وستين ومائة (عن هلال بن علي) الفهري المدني (عن أنس بن مالك) الأنصاري رضي الله عنه (قال): (صلّى بنا) بالموحدة ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر صلّى لنا أي لأجلنا (النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة) بالتنكير للإبهام، (ثم رقي) بفتح الراء وكسر القاف وفتح الياء ويجوز فتح القاف على لغة طيء أي صعد (المنبر) بكسر الميم (فقال في) شأن (الصلاة وفي الركوع إني لأراكم من ورائي كما أراكم) أي من أمامي، وأفرد الركوع بالذكر اهتمامًا به لكونه أعظم الأركان لأن المسبوق يدرك الركعة بتمامها بإدراكه الركوع أو لكون التقصير كان فيه أكثر، وإطلاق الرؤية من ورائه يقتضي عمومه في الصلاة وغيرها، نعم السياق يقتضي أن ذلك في الصلاة فقط والكاف كما أراكم للتشبيه فالمشبّه به الرؤية المقيدة بالقدام والمشبه بالوراء. وقد أخرج المؤلّف هذا الحديث في الرقاق أيضًا. 41 - باب هَلْ يُقَالُ مَسْجِدُ بَنِي فُلاَنٍ؟ هذا (باب) بالتنوين (هل يقال) أي هل يجوز أن يضاف مسجد من المساجد إلى بانيه أو ملازم الصلاة فيه أو نحو ذلك. فيقال: (مسجد بني فلان) والجمهور على الجواز خلافًا لإبراهيم النخعي لقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] وحديث الباب يردّ عليه وأُجيب عن الآية بحمل الإضافة فيها إلى الله تعالى على الحقيقة، وإلى غيره على سبيل المجاز للتمييز والتعريف لا للملك. 420 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي أُضْمِرَتْ مِنَ الْحَفْيَاءِ، وَأَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضْمَرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا. [الحديث 420 - أطرافه في: 2868، 2869، 2870، 7336]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما. (أن رسول الله

42 - باب القسمة وتعليق القنو في المسجد

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سابق بين الخيل التي أضمرت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أي ضمرت بأن أدخلت في بيت وجلل عليها بجل ليكثر عرقها فيذهب رهلها ويقوى لحمها ويشتدّ جريها، وقيل غير ذلك مما سيأتي إن شاء الله تعالى في محله، وكان فرسه الذي سابق به يسمى السكب بالكاف وهو أوّل فرس ملكه وكانت المسابقة (من الحفياء) بفتح المهملة وسكون الفاء مع المدّ قال السفاقسي: وربما قرئ بضم الحاء مع القصر وهو موضع بقرب المدينة (وأمدها) بفتح الهمزة والميم أي غايتها (ثنية الوداع) بالمثلثة وبينها وبين الخفياء خمسة أميال أو ستة أو سبعة. (وسابق) عليه الصلاة والسلام (بين الخيل التي لم تضمر) بفتح الضاد المعجمة وتشديد الميم المفتوحة، وفي رواية لم تضمر بسكون الضاد وتخفيف الميم (من) المذكورة (إلى مسجد بني زريق) بضم الزاي المعجمة وفتح الراء وسكون المثناة التحتية آخره قاف ابن عامر، وإضافة المسجد إليهم إضافة تمييز لا ملك كما مرّ (وأن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (كان فيمن سابق بها) أي بالخيل أو بهذه المسابقة، وهذا الكلام إما من قول ابن عمر عن نفسه كما تقول عن نفسك العبد فعل كذا أو هو من مقول نافع الراوي عنه. واستنبط منه مشروعية تضمير الخيل وتمرينها على الجري وإعدادها لإعزاز كلمة الله تعالى ونصرة دينه قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [الأنفال: 60] الآية وجواز إضافة أعمال البر إلى أربابها ونسبتها إليهم ولا يكون ذلك تزكية لهم. وقد أخرج المؤلّف الحديث أيضًا في المغازي وأبو داود في الجهاد والنسائي في الخيل. 42 - باب الْقِسْمَةِ وَتَعْلِيقِ الْقِنْوِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الْقِنْوُ الْعِذْقُ، وَالاِثْنَانِ قِنْوَانِ، وَالْجَمَاعَةُ أَيْضًا قِنْوَانٌ. مِثْلَ صِنْوٍ وَصِنْوَانٍ. (باب القسمة) للشيء (وتعليق القنو) بكسر القاف وسكون النون (في المسجد) اللام للجنس والجار متعلق بقوله القسمة وتعليق (قال أبو عبد الله) أي البخاري رحمه الله: (القنو) هو (العذق) بكسر المهملة وسكون المعجمة وهي الكباسة بشماريخه وبسره وأما بفتح العين المهملة فالنخلة، (والاثنان قنوان) كفعلان بكسر الفاء والنون (والجماعة أيضًا قنوان) بالرفع والتنوين وبه يتميز عن المثنى كثبوت نونه عند إضافته بخلاف المثنى فتحذف (مثل صنو وصنوان) في الحركات والسكنات والتثنية والجمع والصاد فيهما مكسورة وهو أن تبرز نخلتان أو ثلاثة من أصل واحد، فكل واحدة منهنّ صنو واحد، والاثنان صنوان بكسر النون، والجمع صنوان بإعرابها، ولم يذكر المؤلّف جمعه لظهوره من الأوّل. وهذا التفسير من قوله قال إلخ ثابت عند أبي ذر وابن عساكر وأبي الوقت ساقط لغيرهم. 421 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ: انْثُرُوهُ فِي الْمَسْجِدِ. وَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الصَّلاَةِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَمَا كَانَ يَرَى أَحَدًا إِلاَّ أَعْطَاهُ. إِذْ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي، فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلاً. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خُذْ فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعُهُ إِلَىَّ. قَالَ: لاَ. قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَىَّ. قَالَ: لاَ. فَنَثَرَ مِنْهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عَلَىَّ. قَالَ: لاَ. قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَىَّ. قَالَ: «لاَ». فَنَثَرَ مِنْهُ. ثُمَّ احْتَمَلَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى كَاهِلِهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ -حَتَّى خَفِيَ عَلَيْنَا- عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ. فَمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ. [الحديث 421 - طرفاه في: 3049، 3165]. (وقال إبراهيم يعني ابن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء ابن شعبة الخراساني وسقط اسم أبيه في رواية الأربعة، وإثباته هو الصواب كما قاله ابن حجر ليزول الاشتباه، وقد وصله أبو نعيم في المستخرج والحاكم في المستدرك من طريق أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري عن إبراهيم بن طهمان (عن عبد العزيز بن صهيب) بضم الصاد وفتح الهاء (عن أنس رضي الله عنه قال): (أتي رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم أتي مبنيًّا للمفعول (بمال) وكان مائة ألف كما عند ابن أبي شيبة من طريق حميد مرسلاً وكان خراجًا (من البحرين) بلدة بين بصرة وعمان (فقال) عليه الصلاة والسلام: (انثروه) بالمثلثة أي صبوه (في المسجد وكان أكثر مال أُتي به رسول الله ل-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الصلاة ولم يلتفت إليه) أي إلى المال، (فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه فما كان يرى أحدًا إلاّ أعطاه) منه (إذ جاءه) (العباس) عمه (رضي الله عنه) قال في المصابيح: المعنى والله أعلم فبينما هو على ذلك إذ جاءه العباس (فقال: يا رسول الله أعطني) فإني فاديت نفسي يوم بدر (وفاديت عقيلاً) بفتح العين المهملة وكسر القاف ابن أخي أي حين أسرنا يوم بدر (فقال له) أي للعباس (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خذ. فحثى) بالمهملة والمثلثة من الحثية وهي ملء اليد (فى ثوبه) أي حثى العباس في ثوبه نفسه، (ثم ذهب) رضي الله عنه (يقله) بضم الياء أي يرفعه (فلم يستطع) حمله (فقال: يا رسول الله أؤمر بعضهم يرفعه إليَّ) بياء المضارعة. والجزم جوابًا للأمر أي فإن تأمره يرفعه أو بالرفع استئنافًا أي: هو يرفعه والضمير المستتر فيه يرجع إلى البعض، والبارز إلى المال الذي حثاه في ثوبه، وأؤمر بهمزة مضمومة فأخرى ساكنة، وتحذف الأولى عند الوصل وتصير الثانية ساكنة، وهذا جار على الأصل. وللأصيلي مُر على وزن على فحذف منه فاء الفعل لاجتماع المثلين في أوّل كلمة، وهو مؤدّ إلى الاستثقال فصار أمر فاستغنى عن همزة الوصل لتحرّك ما بعدها فحذفت، ولأبي ذر في نسخة يرفعه بالموحدة المكسورة وسكون الفاء. (قال) عليه السلام (لا) آمر أحدًا يرفعه. (قال: فارفعه أنت عليّ) قال: (لا) أرفعه وإنما فعل عليه السلام ذلك معه تنبيهًا له على الاقتصاد وترك الاستكثار من المال، (فنثر) العباس (منه ثم ذهب يقله) فلم يستطع حمله

43 - باب من دعا لطعام في المسجد، ومن أجاب فيه

(فقال) العباس (يا رسول الله اؤمر) وللأصيلي مر (بعضهم يرفعه) بالجزم أو الرفع (قال: لا) آمر (قال: فارفعه أنت عليّ، قال) عليه الصلاة والسلام (لا) أرفعه (فنثر منه) العباس (ثم احتمله فألقاه على كاهله) ما بين كتفيه، (ثم انطلق) رضي الله عنه (فما زال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتبعه) بضم أوّله وسكون ثانيه وكسر ثالثه من الاتباع أي ما زال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتبع العباس (بصره حتى خفي علينا عجبًا من حرصه) بفتح العين والنصب مفعولاً مطلقًا، (فما قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من ذلك المجلس (وثم) بفتح المثلثة أي وهناك (منها) أي من الدراهم (درهم) جملة حالية من مبتدأ مؤخر وهو درهم وخبره منها، ومراده نفي أن يكون هناك درهم فالحال قيد للمنفي لا للنفي، فالمجموع منتفٍ بانتفاء القيد لانتفاء المقيد وإن كان ظاهره نفي القيام حالة ثبوت الدراهم قاله البرماوي والعيني نحوه، ولم يذكر المؤلّف حديثًا في تعليق القنو، لكن قال ابن الملقن: أخذه من جواز وضع المال في المسجد بجامع أن كلاًّ منهما وضع لأخذ المحتاجين منه، وأشار بذلك إلى حديث عوف بن مالك الأشجعي عند النسائي بإسناد قوي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج وبيده عصا وقد علق رجل قنو حشف فجعل يطعن في ذلك القنو ويقول: لو شاء ربّ هذه الصدقة لتصدّق بأطيب من هذا وليس على شرطه. 43 - باب مَنْ دَعَا لِطَعَامٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَنْ أَجَابَ فِيهِ (باب من دعا) بفتح الدال والعين، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: من دُعي بضم الدال وكسر العين (لطعام في المسجد) الجار متعلق بدعا وعدى دعا هنا باللام لإرادة الاختصاص، فإذا أريد الانتهاء عدى بإلى نحو: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس: 25] أو معنى الطلب عدى بالباء نحو: دعا هرقل بكتاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتختلف صلة الفعل بحسب اختلاف المعاني المرادة، (ومن أجاب فيه) أي في المسجد، وللأربعة منه بدل فيه، فمن للابتداء والضمير للمسجد، وللكشميهني إليه أي إلى الطعام. 422 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعَ أَنَسًا قَالَ: "وَجَدْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ مَعَهُ نَاسٌ، فَقُمْتُ، فَقَالَ لِي: آرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: لِطَعَامٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ لِمَنْ معه: قُومُوا. فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ". [الحديث 422 - أطرافه في: 3578، 5381، 5450، 6688]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأصبحي (عن إسحاق بن عبد الله) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي زيادة ابن أبي طلحة كما في الفرع وهو ابن أخي أنس لأمه (سمع) وللأصيلي أنه سمع (أنسًا) وفي رواية أنس بن مالك رضي الله عنه. (وجدت) أي يقول وجدت ولابن عساكر قال وجدت أي أصبت (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (في المسجد) المدني حال كونه (معه ناس) ولأبي الوقت ومعه بالواو (فقمت فقال لي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أأرسلك أبو طلحة) زيد بن سهل أحد النقباء ليلة العقبة زوج أم أنس، المتوفّى بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين على الأصح، وقول ابن الملقن آرسلك بالمد وهو علم من أعلام نبوّته لأن أبا طلحة أرسله بغتة. تعقبه فى المصابيح فقال: لا يظهر هذا مع وجود الاستفهام إذ ليس فيه أخبار البتّة، وفي بعض الأصول أرسلك بغير همزة الاستفهام. (قلت) وللأصيلي وابن عساكر فقلت (نعم) أرسلن (فقال) عليه الصلاة والسلام، ولأبي ذر قال (لطعام) بالتنكير، وفي رواية للطعام (قلت: نعم، فقال) بفاء قبل القاف ولأبي ذر والأصيلي قال: (لمن

44 - باب القضاء واللعان في المسجد بين الرجال والنساء

معه) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر في نسخة لمن حوله فالنصب على الظرفية أي لمن كان حوله: (قوموا فانطلق) عليه الصلاة والسلام إلى بيت أبي طلحة، وفي بعض الأصول فانطلقوا أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه (وانطلقت بين أيديهم). وهذا الحديث أخرجه في علامات النبوّة والأطعمة والإيمان والنذور، ومسلم في الصلاة والأطعمة، وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي. 44 - باب الْقَضَاءِ وَاللِّعَانِ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (باب) حكم (القضاء و) حكم (اللعان في المسجد) زاد في غير رواية ب المستملي (بين الرجال والنساء) وهو الذي في الفرع من غير عزو، وسقطت في رواية المستملي إذ هي حشو كما لا يخفى. وقوله: واللعان بعد قوله انقضاء من عطف الخاص على العامّ، لأن القضاء أعمّ من أن يكون في اللعان وغيره، وسمي لعانًا لأن فيه لعن نفسه في الخامسة فهو من باب تسمية الكل باسم البعض. 423 - حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ: "أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً أَيَقْتُلُهُ؟ فَتَلاَعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ". [الحديث 423 - أطرافه في: 4745، 4746، 5259، 5308، 5309، 6854، 7165، 7166، 7304]. وبه قال: (حدّثنا يحيى) الختي بفتح الخاء المعجمة وتشديد المثناة الفوقية، وللكشميهني يحيى بن موسى (قال: أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر حدّثنا (عبد الرزّاق) بن همام الصنعانيّ (قال: أخبرنا ابن جريج) بضم أوّله وفتح ثانيه عبد الملك (قال: أخبرني) بالإفراد وللأصيلي. أخبرنا (ابن شهاب) الزهري (عن سهل بن سعد) بسكون العين الساعدي الخزرجي رضي الله عنه. (أن رجلاً) هو عويمر بن عامر العجلاني، أو هلال بن أمية، أو سعد بن عبادة. وتعقب بأن هذا الحديث فيه فتلاعنا، ولم يتفق لسعد ذلك أو هو عاصم العجلاني، وتعقب أيضًا بأن عاصمًا رسول هذه الواقعة لا سائل لنفسه لأن عويمرًا قال له: سل لي يا عاصم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فجاء عاصم فسأل فكره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسائل وعابها فجاء عويمر بعد ذلك وسأل لنفسه. (قال: يا رسول الله أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً) أي يزني بها (أيقتله) أم كيف يفعل فأنزل الله تعالى في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين. فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد قضى الله فيك وفي امرأتك. قال: (فتلاعنا) أي الرجل والمرأة اللعان المذكور في سورة النور (في المسجد وأنا شاهد) الحديث، وأورده المؤلّف هنا مختصرًا لينبّه على جواز القضاء في المسجد وهو جائز عند عامة الأئمة، وعن مالك أنه من الأمر القديم المعمول به، وعن ابن المسيب كراهته، وعن الشافعي كراهته إذا أعدّه لذلك دون ما إذا اتفقت له فيه حكومة. وتأتي بقية مباحث الحديث إن شاء الله تعالى في كتاب اللعان بحول الله وقوّته. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بلخي وصنعاني ومكّي ومدني، وفيه التحديث والأخبار بالجمع والإفراد والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في الطلاق والاعتصام والأحكام والمحاربين والتفسير، ومسلم في اللعان، وأبو داود في الطلاق، وكذلك النسائى وابن ماجة. 45 - باب إِذَا دَخَلَ بَيْتًا يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ، أَوْ حَيْثُ أُمِرَ، وَلاَ يَتَجَسَّس هذا (باب) بالتنوين (إذا دخل) الرجل (بيتًا) لغيره بإذنه هل (يصلّي) فيه (حيث شاء) اكتفاء بالإذن العام في الدخول (أو) يصلّي (حيث أمر) لأنه عليه الصلاة والسلام استأذن في موضع الصلاة ولم يصلِّ حيث شاء كما في حديث الباب، وحينئذ فيبطل حكم حيث شاء ويؤيده قوله: (ولا يتجسس) بالجيم أو الحاء المهملة وبالضم أو بالجزم أي ولا يتفحص موضعًا يصلّي فيه، لكن قال ابن المنير: والظاهر الأوّل وإنما استأذن عليه الصلاة والسلام لأنه دعي إلى الصلاة ليتبرك صاحب البيت بمكان صلاته، فسأله عليه الصلاة والسلام ليصلّي في البقعة التي يحب تخصيصها بذلك، وأما من صلّى لنفسه فهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عموم الإذن إلاّ أن يخص صاحب البيت ذلك العموم فيختص به. 424 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ لَكَ مِنْ بَيْتِكَ؟ قَالَ: فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى مَكَانٍ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. [الحديث 424 - أطرافه في: 425، 667، 686، 838، 840، 1186، 4009، 4010، 5401، 6423، 6938]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين سبط عبد الرحمن بن عوف (عن ابن شهاب) الزهري وفي مسند أبي داود الطيالسي التصريح بسماع إبراهيم بن سعد له من ابن شهاب (عن محمود بن الربيع) بفتح الراء الخزرجي الأنصاري الصحابي، وللمؤلّف من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه قال: أخبرني محمود (عن عتبان بن مالك) بكسر العين وضمها الأنصاري السالمي المدني

46 - باب المساجد في البيوت وصلى البراء بن عازب في مسجده في داره جماعة

الأعمى، وصرّح في رواية يعقوب بسماع محمود من عتبان. (أن النبى) ولأبي ذر أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتاه في منزله) يوم السبت ومعه أبو بكر وعمر كما عند الطبراني، وفي لفظ أنّ عتبان لقي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إني أحب أن تأتيني، وعند ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة أن رجلاً من الأنصار وفيه وذلك بعدما عمي: (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أين تحب أن أصلي لك من بيتك) وللكشميهني في بيتك، والإضافة في لك باعتبار الموضع المخصوص وإلاّ فالصلاة لله. (قال) عتبان: (فأشرت له) عليه الصلاة والسلام (إلى مكان) من بيتي (فكبّر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تكبيرة الإحرام (وصففنا) أي جعلنا صفًا (خلفه) ولأبي ذر فصففنا بالفاء بدل الواو، ولأبي ذر أيضًا وابن عساكر: وصفنا بالواو والإدغام (فصلّى ركعتين). ورواة هذا الحديث الخمسة مدنيون وفيه رواية صحابي عن صحابي والتحديث والعنعنة، وأخرجه في الرقاق والمغازي واستتابة المرتدّين والأطعمة، ومسلم في الصلاة والإيمان، والنسائي وابن ماجة في الصلاة. 46 - باب الْمَسَاجِدِ فِي الْبُيُوتِ وَصَلَّى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ فِي مَسْجِدِهِ فِي دَارِهِ جَمَاعَةً (باب) اتخاذ (المساجد في البيوت. وصلّى البراء بن عازب) رضي الله عنه (في مسجده) وللأربعة فى مسجد (في داره جماعة) كما رواه ابن أبي شيبة بمعناه، وللكشميهني في جماعة. 425 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ بِهِمْ. وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِينِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى. قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ عِتْبَانُ: فَغَدَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ قَالَ: فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَبَّرَ، فَقُمْنَا فَصَفَّنَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، قَالَ: وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ، قَالَ: فَثَابَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ فَاجْتَمَعُوا، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخَيْشِنِ -أَوِ ابْنُ الدُّخْشُنِ-؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ تَقُلْ ذَلِكَ، أَلاَ تَرَاهُ قَدْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ؟. قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ثُمَّ سَأَلْتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ -وَهْوَ أَحَدُ بَنِي سَالِمٍ وَهُوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ- عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَصَدَّقَهُ بِذَلِكَ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء نسبة إلى جدّه لشهرته به وأبوه كثير وعين سعيد مكسورة وهو مصري (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد المصري (قال: حدّثتي) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال): (أخبرني) بالإفراد (محمود بن الربيع) بفتح الراء (الأنصاري أن عتبان بن مالك) الأعمى وعين عتبان بالكسر والضم، وعند أبي عوانة من رواية الأوزاعي عن ابن شهاب التصريح بتحديث عتبان لمحمود كما عند المؤلّف التصريح بسماع محمود من عتبان، (وهو من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممّن شهد بدرًا من الأنصار) رضي الله عنهم (أنّه أتى رسول الله) ولمسلم أنه بعث إلى رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وجمع بينهما بأنه جاء إليه مرة بنفسه وبعث إليه أخرى (فقال: يا رسول الله قد أنكرت بصري) أراد به ضعف بصره كما لمسلم أو عماه كما عند غيره، والأولى أن يكون أطلق العمى لقربه منه ومشاركته له في فوات بعض ما كان يعهده في حال الصحة (وأنا أصلّي لقومي) أي لأجلهم يعني أنه كان يؤمّهم (فإذا كانت الأمطار) أي وجدت (سال) الماء في (الوادي الذي بيني وبينهم) فيحول بيني وبين الصلاة معهم لأني (لم أستطع أن آتي مسجدهم) ولابن عساكر المسجد (فأصلّي بهم) بالموحدة ونصب أصلي عطفًا على آتي، وللأصيلي فأصلّي لهم أي لأجلهم، (ووددت) بكسر الدال الأولى أي تمنيت (يا رسول الله أنك تأتيني فتصلّي) بالسكون أو بالنصب كما في الفرع جوابًا للتمنِّي (في بيتي فاتخذه مصلّى) برفع فاتخذه على الاستئناف أو بالنصب أيضًا كما في الفرع عطفًا على الفعل المنصوب، كذا قرّره الزركشي وغيره، وتعقبه الدماميني فقال: إن ثبتت الرواية بالنصب فالفعل منصوب بأن مضمرة وإضمارها هنا جائز لا لازم، وأن والفعل بتقدير مصدر المسبوك من أنك تأتيني أي: وددت إتيانك فصلاتك فاتخاذي مكان صلاتك مصلّى، وهذا معطوف على المصدر المسبوك ليس في شيء من جواب التمني الذي يريدونه، وكيف ولو ظهرت أن هنا لم يمتنع وهناك يمتنع، ولو رفع تصلي وما بعده بالعطف على الفعل المرفوع المتقدّم وهو قولك: تأتيني لصحّ والمعنى بحاله انتهى. (قال) الراوي (فقال له) أي لعتبان (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سأفعل) ذلك (إن شاء الله) علقه بمشيئة الله تعالى لآية الكهف لا لمجرّد التبرّك لأن ذاك حيث كان الشيء مجزومًا به قاله البرماوي كالكرماني، وجوز العيني كابن حجر كونه للتبرّك لأن اطّلاعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالوحي على الجزم، بأن ذلك سيقع غير مستبعد، (قال عتبان) يحتمل أن يكون محمود أعاد اسم شيخه اهتمامًا بذلك لطول الحديث، (فغدا رسول الله) ولأبي الوقت وأبي ذر عن

الكشميهني والأصيلي: فغدا عليّ رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر) الصديق رضي الله عنه زاد الإسماعيلي بالغد، وللطبراني أن السؤال كان يوم الجمعة والمجيء إليه يوم السبت (حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الدخول (فأذنت له) وفي رواية الأوزاعي: فاستأذنا فأذنت لهما أي للنبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وأبي بكر، وفي رواية أبي أُويس ومعه أبو بكر وعمر، ولمسلم من طريق أنس عن عتبان فأتاني ومَن شاء الله من أصحابه وجمع بأنه كان عند ابتداء التوجّه هو وأبو بكر، ثم عند الدخول اجتمع عمر وغيره فدخلوا معه عليه الصلاة والسلام، (فلم يجلس) عليه الصلاة والسلام (حين دخل البيت) وللكشميهني حتى دخل أي لم يجلس في الدار ولا غيرها حتى دخل البيت مبادرًا إلى ما جاء بسببه، (ثم قال: أين تحبّ أن أصلّي من بيتك) وللكشميهني في بيتك (قال) عتبان: (فأشرت له) عليه الصلاة والسلام (إلى ناحية من البيت) يصلّي فيها (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكبر فقمنا فصففنا) بالفك للأربعة، ونا فاعل، ولغيرهم: فصفنا بالإدغام، ونا مفعول (فصلّى) عليه الصلاة والسلام (ركعتين ثم سلّم) من الصلاة. واستنبط منه مشروعية صلاة النافلة في جماعة بالنهار (قال) عتبان: (وحبسناه) أي منعناه بعد الصلاة عن الرجوع (على خزيرة صنعناها له) بفتح الخاء المعجمة وكسر الزاي وسكون المثناة التحتية وفتح الراء آخرها تأنيث لحم يقطع صغارًا يطبخ بماء يذر عليه بعد النضج من دقيق، وإن عرف عن اللحم فعصيدة. وقال النضر: هي من النخالة والحريرة بالمهملات دقيق يطبخ بلبن (قال) عتبان (فثاب) بالمثلثة والموحدة بينهما ألف أي جاء (في البيت رجال من أهل الدار) أي المحلة (ذوو عدد) بعضهم إثر بعض لما سمعوا بقدومه عليه الصلاة والسلام (فاجتمعوا) الفاء للعطف، ومن ثم لا يحسن تفسير ثاب رجال باجتمعوا لأنه يلزم منه عطف الشيء على مرادفه وهو خلاف الأصل، فالأولى تفسيره بجاء بعضهم إثر بعض كما مرّ ونبّه عليه في المصابيح، (فقال قائل منهم) لم يسم: (أين مالك بن الدخيشن) بضم الدال المهملة وفتح الخاء المعجمة وسكون المثناة التحتية وكسر الشين المعجمة آخره نون (أو ابن الدخشن) بضم أوّله وثالثه وسكون ثانيه شك الراوي هل هو مصغّر أو مكبّر؟ لكن عند المؤلّف رحمه الله في المحاربين من رواية معمر مكبر من غير شك، وفي رواية لمسلم الدخشم بالميم، ونقل الطبراني عن أحمد بن صالح أنه الصواب، (فقال بعضهم) قيل هو عتبان بن مالك راوي الحديث: (ذلك) باللام أي لبن الدخيشن أو ابن الدخشن أو ابن الدخشم (منافق لا يحب الله ورسوله) لكونه يودّ أهل النفاق، (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) رادًّا على القائل مقالته هذه: (لا تقل ذلك) عنه (ألا تراه) بفتح المثناة (قد قال لا الله إلاّ الله) أي مع قول محمد رسول الله (يريد بذلك وجه الله) أي ذات الله تعالى، فانتفت عنه الظنّة بشهادة الرسول له بالإخلاص ولله المنّة ولرسوله. (قال) القائل: (الله ورسوله أعلم) بذلك، وعند مسلم: أليس يشهد أن لا إله إلاّ الله وكأنه فهم من الاستفهام عدم الجزم بذلك، ولذا (قال: فإنا نرى وجهه) أي توجهه (ونصيحته إلى المنافقين، قال) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلاّ الله يبتغي) أي يطلب (بذلك وجه الله) عز وجل إذا أدّى الفرائض واجتنب المناهي، وإلاّ فمجرّد التلفظ بكلمة الإخلاص لا يحرم النار لما ثبت من دخول أهل المعاصي فيها، أو المراد من التحريم هنا تحريم التخليد جميعًا بين الأدلة. (قال ابن شهاب) الزهري أي بالسند الماضي: (ثم سألت الحصين) وللكشميهني: ثم سألت بعد ذلك الحصين (بن محمد) بحاء مضمومة وصاد مفتوحة مهملتين ثم مثناة تحتية ساكنة، وضبطه القابسي بضاد معجمة وغلطوه (الأنصاري) المدني من ثقات التابعين (وهو أحد بني سالم وهو من سراتهم) بفتح السين المهملة أي

47 - باب التيمن في دخول المسجد وغيره

خيارهم (عن حديث محمود بن الربيع) ولابن عساكر زيادة الأنصاري (فصدقه بذلك) أي بالحديث المذكور. 47 - باب التَّيَمُّنِ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى، فَإِذَا خَرَجَ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُسْرَى. (باب التيمن) أي البداءة باليمين (في دخول المسجد وغيره) أي غير الدخول أو غير المسجد كالبيت (وكان ابن عمر) بن الخطاب إذا دخل المسجد (يبدأ برجله اليمنى فإذا خرج) منه (بدأ برجله اليسرى) قال ابن حجر: ولم أره أي هذا الأثر موصولاً عنه أي عن ابن عمر. 426 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ: فِي طُهُورِهِ، وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ". وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب، قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأشعث) بالمعجمة ثم المهملة ثم المثلثة (ابن سليم) بضم السين المهملة وفتح اللام (عن أبيه) سليم (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب التيمن) أي البداءة باليمين (ما استطاع) أي ما دام مستطيعًا واحترز به عما لا يستطاع فيه التيمن شرعًا كالخروج من المسجد والدخول للخلاء وتعاطي المستقذرات كالاستنجاء والتمخط أو ما موصولة بدل من التيمن والمحبة، وإن كانت من الأمور الباطنة فلعلها فهمت بالقرائن حبه لذلك، أو أخبرها عليه الصلاة والسلام به (في شأنه كله في طهوره) بضم الطاء أي طهره (و) في (ترجله) بالجيم (و) في (تنعله) بتشديد العين أي تمشيطه الشعر ولبسه النعل، وعمّ بقوله في شأنه كله ثم خصّ هذه الثلاثة بالذكر اهتمامًا بشأنها والجار وتاليه بدل من شأنه بدل البعض من الكل، وفي شأنه متعلق بالتيمن أو بالمحبة أو بهما فيكون من باب التنازع. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في اللباس والأطعمة، وكذا أخرجه غيره كما مرّ في باب التيمن في الوضوء والغسل. 48 - باب هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَيُتَّخَذُ مَكَانَهَا مَسَاجِدَ؟ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلاَةِ فِي الْقُبُورِ، وَرَأَى عُمَرُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: الْقَبْرَ الْقَبْرَ. وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإِعَادَةِ. هذا (باب) بالتنوين (هل تنبش قبور مشركي الجاهلية) الاستفهام للتقرير كقوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] أي يجوز نبشها لأنه لا حرمة لهم (ويتخذ مكانها مساجد) بالنصب مفعولاً ثانيًا ليتخذ المبني للمفعول ومكانها المفعول الأول وهو مرفوع نائب عن الفاعل، وفي رواية مساجد بالرفع نائبًا عن الفاعل في يتخذ ومكانها نصب على الظرفية فيتخذ متعدّ إلى مفعول واحد (لقول النبي) أي لأجل قوله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الموصول عند المؤلّف في أواخر المغازي كما سيأتي إن شاء الله تعالى: (لعن الله اليهود) لأجل كونهم (اتخذوا قبور أنبيانهم مساجد) سواء نبشت لما فيه من الاستهانة أو لم تنبش لما فيه من المغالاة في التعظيم بعبادة قبورهم والسجود لها، وكلاهما مذموم. ويلتحق بهم أتباعهم وحينئذ فيجوز نبش قبور المشركين الذين لا ذمة لهم واتخاذ المساجد مكانها لانتفاء العلّتين المذكورتين إذ لا حرج في استهانتها بالنبش واتخاذ المساجد مكانها وليس تعظيمًا لها، وإنما هو من قبيل تبديل السيئة بالحسنة، وعلى هذا فلا تعارض بين فعله عليه الصلاة والسلام فى نبش قبور المشركين واتخاذ مسجده مكانها، وبين لعنه عليه الصلاة والسلام من اتخذ قبور الأنبياء مساجد لما ذكر من الفرق. وفي هذا الحديث الاقتصار على لعن اليهود. فيكون قوله: اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد واضحًا، فإن النصارى لا يزعمون نبوّة عيسى، بل يدّعون فيه أنه ابن أو إله أو غير ذلك على اختلاف مِللهم الباطلة، ولا يزعمون موته حتى يكون له قبر، وأما من قال منهم: أنه قتل فله في ذلك كلام مشهور في موضعه، فتشكل حينئذ الرواية الآتية إن شاء الله تعالى في الباب التالي لباب الصلاة في البيعة، وفي أواخر المغازي بلفظ: لعن الله اليهود والنصارى، وتعقيبه بقوله: اتخذوا، ويأتي الجواب عن ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى. (وما يكره من الصلاة في القبور) سواء كانت عليها أو إليها أو بينها. فإن قلت: كيف عطف هذه الجملة الخبرية على جملة الاستفهام الطلبية؟ أجيب بأن جملة الاستفهام التقريري في حكم الخبرية. (ورأى عمر) أن ابن الخطاب رضي الله عنه كما في رواية الأصيلي (أنس بن مالك) رضي الله عنه (يصلّي عند قبر فقال: القبر القبر) بالنصب فيهما على التحذير محذوف العامل وجوبًا أي اتّق أو اجتنب القبر، (ولم يأمره بالإعادة) أي لم يأمر عمر أنسًا بإعادة صلاته تلك، فدلّ على

الجواز لكن مع الكراهة لكونه صلّى على نجاسة، ولو كان بينهما حائل، وهذا مذهب الشافعية أولاً كراهة لكونه صلّى مع الفرش على النجاسة مطلقًا كما قاله القاضي حسين، وقال ابن الرفعة: الذي دلّ عليه كلام القاضي أن الكراهة لحرمة الميت أما لو وقف بين القبور بحيث لا يكون تحته ميت ولا نجاسة فلا كراهة إلاّ في المنبوشة فلا تصح الصلاة فيها. قال في التوشيح: ويستثنى مقبرة الأنبياء فلا كراهة فيها لأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم، وأنهم أحياء في قبورهم يصلّون، ولا يشكل بحديث: (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) لأن اتخاذها مساجد أخص من مجرد الصلاة فيها، والنهي عن الأخص لا يستلزم النهي عن الأعم، قال في التحقيق: ويحرم أن يصلّي متوجهًا إلى قبره عليه الصلاة والسلام، ويكره إلى غيره مستقبل آدميّ لأنه يشغل القلب غالبًا، ويقاس بما ذكر فى قبره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سائر قبور الأنبياء -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولم يرَ مالك بالصلاة في المقبرة بأسًا، وذهب أبو حنيفة إلى الكراهة مطلقًا، وقال في تنقيح المقنع: ولا تصحّ الصلاة تعبدًا في مقبرة غير صلاة الجنازة ولا يضرّ قبران ولا ما دفن بداره. 427 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ فَذَكَرَتَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ. فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». [الحديث 427 - أطرافه في: 434، 1341، 3873]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) بالمثلثة ثم فتح النون المشددة (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام) هو ابن عروة (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة (عن عائشة) رضي الله عنها ولابن عساكر عن عائشة أُم المؤمنين. (أن أُم حبيرة) رملة بنت أبي سفيان بن حرب (وأم سلمة) هند بنت أبي أمية رضي الله عنها (ذكرتا) بلفظ التثنية للمؤنث، وللمستملي والحموي ذكرا بالتذكير ولعله سبق قلم من الناسخ كما لا يخفى (كنيسة) بفتح الكاف أي معبد للنصارى (رأينها بالحبشة) بنون الجمع على أن أقل الجمع اثنان أو على أنه كان معهما غيرهما من النسوة، ولأبي ذر والأصيلي رأتاها بالمثناة الفوقية بضمير التثنية على الأصل، وفي رواية رأياها بالمثناة التحتية (فيها تصاوير) أي تماثيل، والجملة في موضع نصب صفة لكنيسة، (فذكرتا ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فقال: إن أولئك) بكسر الكاف لأن الخطاب لمؤنث وقد تفتح (إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات) عطف على قوله كان وجواب إذا قوله (بنوا على قبره مسجدًا وصوّروا فيه تيك الصور) بكسر المثناة الفوقية وسكون التحتية، كذا في رواية الحموي والكشميهني كما في الفرع، وعزاها في الفتح للمستملي، وفي رواية أبي ذر وابن عساكر كما في الفرع تلك باللام بدل المثناة التحتية. (فأولئك) بكسر الكاف وقد تفتح (شرار الخلق عند الله يوم القيامة) بكسر الشين المعجمة جمع شر كبحر وبحار، وأما أشرار فقال السفاقسي: جمع شر كزند وأزناد، وإنما فعل سلفهم ذلك ليتأنسوا برؤية تلك الصور يتذكروا أحوالهم الصالحة ليجتهدوا كاجتهادهم، ثم خلف من بعدهم خلف جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فعبدوها، فحذر عليه الصلاة والسلام عن مثل ذلك سدًّا للذريعة المؤدية إلى ذلك. أما مَن اتخذ مسجدًا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا للتعظيم له ولا للتوجه إليه فلا يدخل في الوعيد المذكور. ورجال هذا الحديث بصريون، وفيه التحديث بالجمع والإخبار بالإفراد والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في هجرة الحبشة، ومسلم في الصلاة وكذا النسائي. 428 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى الْمَدِينَةِ فِي حَىٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا. قَالُوا: لاَ وَاللَّهِ لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ. فَقَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ: قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَفِيهِ خَرِبٌ، وَفِيهِ نَخْلٌ. فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ. فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التميمي (عن أدب التياح) بفتح المثناة الفوقية وتشديد التحتية آخره مهملة يزيد بن حميد الضبعي (عن أنس) وللأصيلي أنس بن مالك (قال): (قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة فنزل أعلى) وللأصيلي في أعلى (المدينة في حي) بتشديد الياء قبيلة (يقال لهم بنو عمرو بن عوف) بفتح العين فيهما (فأقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيهم أربعة عشرة ليلة) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر في نسخة أربعًا وعشرين، وصوب الحافظ ابن حجر الأولى. قال: وكذا رواه أبو داود عن مسدد شيخ المؤلّف فيه، (ثم

49 - باب الصلاة في مرابض الغنم

أرسل) عليه الصلاة والسلام (إلى بني النجار) أخواله عليه الصلاة والسلام (فجاؤوا) حال كونهم (متقلدي السيوت) بالجر وحذف نون متقلدين للإضافة كذا في رواية كريمة وفي رواية متقلدين بإثبات النون فلا إضافة والسيوف نصب بمتقلدين أي: جعلوا نجاد السيف على المنكب خوفًا من اليهود ليروه ما أعدّوه لنصرته عليه الصلاة والسلام (كأني أنظر إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على راحلته) أي ناقته القصواء، (وأبو بكر) الصديق (ردفه) بكسر الراء وسكون الدال جملة اسمية حالية أي راكب خلفه ولعله عليه الصلاة والسلام أراد تشريف أبي بكر بذلك وتنويهًا بقدره وإلاّ فقد كان له رضي الله عنه ناقة، (وملأ بني النجار) أي أشرافهم أو جماعتهم يمشون (حوله) عليه الصلاة والسلام أدبًا والجملة حالية (حتى ألقى) أي طرح رحله (بفناء) بكسر الفاء والمدّ أي بناحية متّسعة أمام دار (أبي أيوب) خالد بن زيد الأنصاري (وكان) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يحب أن يصلّي حيث أدركته الصلاة ويصلّي في مرابض الغنم) جمع مربض أي مأواها (وأنه) بكسر الهمزة، وفي فرع اليونينية بفتحها أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أمر) بفتح الهمزة (ببناء المسجد) بكسر الجيم وقد تفتح (فأرسل إلى ملأ من بني النجار) وللأربعة إلى ملأ بني النجار بإسقاط من (فقال: يا بني النجار ثامنوني) بالمثلثة أي ساوموني (بحائطكم) أي ببستانكم (هذا قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلاّ إلى الله) عز وجل أي من الله كما وقع عند الإسماعيلي، (فقال) ولابن عساكر قال (أنس) رضي الله عنه: (فكان فيه) أي في الحائط (ما أقول لكم قبور المشركين) بالرفع بدل أو بيان لقوله ما أقول لكم، (وفيه خرب) بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء اسم جمع واحده خربة كلكم وكلمة، ولأبي ذر خرب بكسر الخاء وفتح الراء جمع خربة كعنب وعنبة (وفيه نخل فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقبور المشركين فنبشت) وبالعظام فغيبت (ثم بالخرب) بفتح الخاء وكسر الراء (فسويت) بإزالة ما كان في تلك الخرب (و) أمر (بالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة المسجد) أي في جهتها (وجعلوا عضادتيه الحجارة) تثنية عضادة بكسر العين. قال صاحب العين: أعضاد كل شيء ما يشدّه من حواليه، وعضادتا الباب ما كان عليهما يغلق الباب إذا أصفق (وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون) أي يتعاطون الرجز تنشيطًا لنفوسهم ليسهل عليهم العمل (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يرتجز (معهم) جملة حالية كقوله (وهو) عليه الصلاة والسلام (يقول: اللهمّ لا خير إلاّ خير الآخرة فاغفر للأنصار) الأوس والخزرج الدين نصروه على أعدائه (والمهاجرة) الذين هاجروا من مكة إلى المدينة محبة فيه عليه الصلاة والسلام وطلبًا للأجْر، وللمستملي: فاغفر الأنصار على تضمين اغفر معنى استر، واستشكل قوله عليه الصلاة والسلام هذا مع قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْر} [يس: 69] وأجيب: بأن الممتنع عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنشاء الشعر لا إنشاده على أن الخليل ما عدّ المشطور من الرجز شعرًا، هذا وقد قيل أنه عليه الصلاة والسلام قالهما بالتاء متحركة، فخرج عن وزن الشعر. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في الصلاة والوصايا والهجرة والحج والبيوع، ومسلم في الصلاة، وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجة، وتأتي بقية مباحثه إن شاء الله تعالى. 49 - باب الصَّلاَةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ (باب) حكم (الصلاة في مرابض الغنم) جمع مربض بكسر الباء أي مأواها، وقال العيني وضبط بعضهم المربض بكسر الميم وهو غلط. 429 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ"، ثُمَّ سَمِعْتُهُ بَعْدُ يَقُولُ: "كَانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَبْلَ أَنْ يُبْنَى الْمَسْجِد". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي التياح) بفتح المثناة الفوقية وتشديد المثناة التحتية آخره مهملة يزيد بن حميد الضبعي (عن أنس) وللأصيلي عن أنس بن مالك (قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي في مرابض الغنم) مطلقًا (ثم سمعته) أي قال أبو التياح: سمعت أنسًا، أو قال شعبة سمعت أبا التياح (بعد) أي بعد ذلك القول (يقول) (كان) عليه الصلاة والسلام (يصلّي في مرابض الغنم

50 - باب الصلاة في مواضع الإبل

قبل أن يبنى المسجد) النبوي المدني ويفهم من هذه الزيادة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يصلِّ في مرابض الغنم بعد بناء المسجد نعم ثبت إذنه في ذلك مع السلامة من الأبوال والأبعاد، وسبق في كتاب الطهارة مزيد لذلك فليراجع. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول. 50 - باب الصَّلاَةِ فِي مَوَاضِعِ الإِبِلِ (باب) حكم (الصلاة في مواضع الإبل) أي معاطنها وهي مباركها لتشرب عللاً بعد نهل، وكره الصلاة فيها مالك والشافعي لنفارها السالب للخشوع، أو لكونها خلقت من الشياطين كما في حديث عبد الله بن مغفل المروي في ابن ماجة، وعند مسلم من حديث جابر بن سمرة أن رجلاً قال: يا رسول الله أصلّي في مبارك الإبل؟ قال (لا) وعند الترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعًا (صلّوا في مرابض الغنم ولا تصلّوا في أعطان الإبل). وعند الطبراني في الأوسط من طريق أسيد بن حضير (ولا تصلوا في مناخها) وهو بضم الميم وليس كل مبرك عطنًا، والمبرك أعمّ، وعبّر المصنّف بالمواضع لأنها أشمل. 430 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ قَال: َ رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُصَلِّي إِلَى بَعِيرِهِ وَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفْعَلُهُ. وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي (قال: أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت حدّثنا (سليمان بن حيان) بفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية منصرف وغير منصرف ابن خالد الأحمر الأزدي الجعفري الكوفي (قال: حدّثنا) ولابن عساكر أخبرنا (عبيد الله) بالتصغير ابن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن نافع) مولى ابن عمر (قال): (رأيت ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (يصلّي إلى بعيره وقال) ولأبي ذر فقال (رأيت النبي- يفعله) أي يصلّي، والبعير في طرف قبلته. فإن قلت لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأنه لا يلزم من الصلاة إلى البعير وجعله ستره عدم كراهة الصلاة في مبركه. أجيب بأن مراده الإشارة إلى ما ذكر من علة النهي عن ذلك وهي كونها من الشياطين كأنه يقول: لو كان ذلك مانعًا من صحة الصلاة لامتنع مثله في جعلها أمام المصلّي، وكذلك صلاة راكبها، وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلّي النافلة على بعيره قاله في الفتح، وتعقبه العيني فقال: ما أبعد هذا الجواب عن موقع الخطاب، فإنه متى ذكر علة النهي عن الصلاة في معاطن الإبل حتى يشير إليه اهـ. ورواة هذا الحديث ما بين مروزي وكوفي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم والترمذي وقال حسن صحيح. 51 - باب مَنْ صَلَّى وَقُدَّامَهُ تَنُّورٌ أَوْ نَارٌ أَوْ شَىْءٌ مِمَّا يُعْبَدُ فَأَرَادَ بِهِ اللَّهَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي أَنَسٌ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عُرِضَتْ عَلَىَّ النَّارُ وَأَنَا أُصَلِّي». (باب من صلّى وقدامه) بالنصب على الظرفية (تنور) بفتح المثناة الفوقية وتشديد النون المضمومة وهو ما يوقد فيه النار للخبز وغيره والجملة اسمية حالية وتنور مبتدأ خبره الظرف أي بينه وبين القبلة وعطف المؤلّف على قوله تنوّر قوله (أو نار) وهو من عطف العامّ على الخاص اهتمامًا به لأن عبدة النار من المجوس (أو) صلّى وقدامه (شيء يعبد) كالأصنام والأوثان (فأراد) المصلّي الذي قدامه شيء من هذه الأشياء (به) أي بفعله (الله تعالى) ولأبوي ذر والوقت وجه الله تعالى أي ذاته تعالى، وحينئذ فلا كراهة. نعم كرهه الحنفية لما فيه من التشبه بعبدة المذكورات ظاهرًا. (وقال) ابن شهاب (الزهري) مما وصله المؤلّف في باب وقت الظهر (أخبرني) بالإفراد (أنس) وللأصيلي أنس بن مالك (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عرضت عليّ النار) الجهنمية (وأنا أصلي). 431 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: «أُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) إمام دار الهجرة (عن زيد بن أسلم) مولى عمر بن الخطاب (عن عطاء بن يسار) بالمثناة التحتية والمهملة المخفّفة القاضي المدني الهلالي (عن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما (قال): (انخسفت الشمس) أي انكسفت أي تغير لونها أو ذهب ضوءها (فصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) صلاة الكسوف (ثم قال: أريت) بضم الهمزة وكسر الراء أي أبصرت (النار) في الصلاة رؤية عين (فلم أرَ منظرًا كاليوم) أي رؤية مثل رؤية اليوم (قط) بضم الطاء (أفظع) منه وبفاء وظاء معجمة ونصب العين صفة لمنظر أو صلة أفعل التفضيل محذوفة أي منه كالله أكبر أي من كل شيء أو بمعنى فظيع كأكبر بمعنى كبير، والفظيع الشنيع الشديد المجاوز المقدار قال السفاقسي: لا حجة في الحديث على ما بوّب له لأنه عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك مختارًا وإنما

52 - باب كراهية الصلاة في المقابر

عرض عليه ذلك لمعنى أراده الله تعالى تنبيهًا لعباده اهـ. وأجيب بأن الاختيار وعدمه في ذلك سواء منه لأنه عليه الصلاة والسلام لا يقرّ على باطل، فدل على أن مثله جائز قاله الحافظ ابن حجر. وتعقبه العيني فقال: لا نسلم التسوية فإن الكراهة تتأكد عند الاختيار، وأما عند عدمه فلا كراهة لعدم العلّة الموجبة للكراهة وهي التشبه بعبدة النار. ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون. نعم عبد الله بن مسلمة سكن البصرة وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في الكسوف والإيمان والنكاح وبدء الخلق ومسلم وأبو داود والنسائي في الصلاة. 52 - باب كَرَاهِيَةِ الصَّلاَةِ فِي الْمَقَابِرِ (باب) ذكر (كراهية الصلاة في المقابر) في حديث أبي سعيد الخدري عند أبي داود والترمذي بسند رجاله ثقات مرفوعًا الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام وليس هو على شرط المؤلّف. 432 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاَتِكُمْ، وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا». [الحديث 432 - طرفه في: 1187]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالمهملات ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) القطان (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا وللأصيلي عن عبيد الله بن عمر (قال): (أخبرني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم) النافلة، وفي الصحيحين حديث (صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة). وإنما شرع ذلك لكونه أبعد من الرياء ولتنزل الرحمة فيه والملائكة، لكن استثنى منه نفل يوم الجمعة قبل صلاتها، فالأفضل كونه في الجامع لفضل البكور وركعتا الطواف والإحرام، وكذا التراويح للجماعة. وعن بعضهم فيما حكاه عياض أن المعنى اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وغيرهنّ، لكن قال النووي: لا يجوز حمله على الفريضة. (ولا تتخذوها) أي البيوت (قبورًا) أي كالقبور مهجورة من الصلاة وهو من التشبيه البليغ البديع بحذف حرف التشبيه للمبالغة، وهو تشبيه البيت الذي لا يُصلّى فيه بالقبر الذي لا يتمكن الميت من العبادة فيه، وقد حمل المؤلّف هذا الحديث على منع الصلاة في المقابر، ولهذا ترجم به. وتعقب بأنه ليس فيه تعرض لجواز الصلاة في المقابر ولا منعها، بل المراد منه الحثّ على الصلاة في البيت فإن الموتى لا يصلون في بيوتهم، وكأنه قال: لا تكونوا كالموتى في القبور حيث انقطعت عنهم الأعمال وارتفعت التكاليف، ولو أريد ما تأوّله المؤلّف لقال المقابر. وأجيب بأنه قد ورد في مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ (المقابر) وتعقب بأنه كيف يقال حديث يرويه غيره بأنه مطابق لما ترجم به. وفي هذا الحديث التحديث والأخبار بالإفراد والعنعنة، وأخرجه مسلم وابن ماجة. 53 - باب الصَّلاَةِ فِي مَوَاضِعِ الْخَسْفِ وَالْعَذَابِ وَيُذْكَرُ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَرِهَ الصَّلاَةَ بِخَسْفِ بَابِلَ (باب) حكم (الصلاة في مواضع الخسف) بالجمع وللأصيلي في موضع بالإفراد (و) موضع نزول (العذاب) من باب عطف العامّ على الخاص لأن الخسف من جملة العذاب (ويذكر) مما وصله ابن أبي شيبة (أن عليًّا) رضي الله عنه (كره الصلاة بخسف بابل) بعدم الصرف. قال الأخفش: لتأنيثه، وقال البيضاوي والمشهور أنه بلد من سواد الكوفة اهـ. وقيل: المراد بالخسف المذكور ما في قوله تعالى: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} [النحل: 26] الآية وذلك أن نمروذ بن كنعان بنى الصرح ببابل سمكه خمسة آلاف ذراع ليترصّد أمر السماء، فأهبّ الله الريح فخرّ عليه وعلى قومه فهلكوا قيل: وبات الناس ولسانهم سرياني فأصبحوا وقد تفرقت لغتهم على اثنين وسبعين لسانًا كلٌّ يبلبل بلسانه فسمي الموضع بابلاً. 433 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاَءِ الْمُعَذَّبِينَ، إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لاَ يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ». [الحديث 433 - أطرافه في: 3380، 3381، 4419، 4420، 4702]. وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس (عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما). (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) لأصحابه لما مروا معه بالحجر ديار ثمود في حال توجههم إلى تبوك: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين) بفتح الذال المعجمة وهم قوم صالح أي لا تدخلوا ديارهم (إلا أن تكونوا

54 - باب الصلاة في البيعة

باكين) شفقة وخوفًا من حلول مثل ذلك، (فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم) وعند المؤلّف في أحاديث الأنبياء أن يصيبكم أي خشية أن يصيبكم (ما أصابهم) من العذاب، ويصيبكم بالرفع على الاستئناف، ولا تنافي في بين خوف إصابة العذاب وبين قوله تعالى {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] لأن الآية محمولة على عذاب يوم القيامة، ووجه الخوف هنا أن البكاء يبعثه على التفكّر والاعتبار، فكأنه أمرهم بالتفكّر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة، ثم إيقاع نقمه بهم وشدة عذابه، فمن مرّ عليهم ولم يتفكّر فيما يوجب البكاء اعتبارًا بأحوالهم، فقد شابههم في الإهمال ودلّ على قساوة قلبه وعدم خشوعه فلا يأمن أن يجرّه ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم قاله ابن حجر ومن قبله الخطابي. وقد تشاءم عليه الصلاة والسلام بالبقعة التي نام فيها عن الصلاة ورحل عنها ثم صلّى، فكراهية الصلاة في مواضع الخشف أولى لأن إباحة الدخول فيها إنما هو على وجه الاعتبار والبكاء، فمن صلّى هناك لا تفسد صلاته لأن الصلاة موضع البكاء والاعتبار. ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون. وفيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي والتفسير. 54 - باب الصَّلاَةِ فِي الْبِيعَةِ وَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: إِنَّا لاَ نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرَ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي الْبِيعَةِ إِلاَّ بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيل. (باب) حكم (الصلاة في البيعة) بكسر الباء الموحدة معبد النصارى كالكنائس والصلوات لليهود والصوامع للرهبان والمساجد للمسلمين والكنائس أيضًا للنصارى كالبيعة كما قاله الجوهري، وبه تحصل المطابقة بين الترجمة وذكر الكنائس الآتي إن شاء الله تعالى في قوله: (وقال عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه) مما وصله عبد الرزاق من طريق أسلم مولى عمر قال: لما قدم عمر الشام صنع له رجل من النصارى طعامًا وكان من عظمائهم وقال: أحبّ أن تجيبني وتكرمني فقال عمر: (إنّا لا ندخل كنائسكم) بكاف الخطاب وللأصيلي كنائسهم بضمير الجمع الغائب (من أجل التماثيل التي فيها الصور) جملة اسمية لأن الصور مبتدأ مرفوع خبره فيها أي في الكنائس، والجملة صلة الموصوف وقعت صفة للكنائس لا للتماثيل لفساد المعنى، لأن التماثيل هي الصور، وهذه رواية أبي ذر كما في الفرع، ووجهه في المصابيح بأن يكون خبر مبدأ محذوف والصلة فعلية أي التي استقرت فيها ووجهه الحافظ ابن حجر بقوله أي أن التماثيل مصوّرة، قال: والضمير على هذا للتماثيل. وتعقبه العيني فقال: هذا توجيه مَن لا يعرف من العربية شيئًا، وفي بعض الأصول الصور بالجر على البدل من التماثيل أو عطف بيان، ويكون الموصول مع صلته صفة للتماثيل. وصرّح ابن مالك بجوازه عطفًا بواو محذوفة، وللأصيلي والصور بواو العطف على التماثيل، والمعنى: ومن أجل الصور التي فيها. وفي رواية صحح عليها في الفرع بالنصب على إضمار أعني والتماثيل جمع تمثال بمثناة فوقية فمثلثة وبينه وبين الصورة عموم وخصوص مطلق فالصورة أعمّ من التمثال. (وكان ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله البغوي في الجعديات (يصلّي في البيعة إلاّ بيعة فيها تماثيل) فلا يصلّي فيها، وكرهه الحسن البصري، والمعنى فيه أنها مأوى الشياطين. 434 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ، فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنَ الصُّوَرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الْعَبْدُ الصَّالِحُ -أَوِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ- بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا محمد) غير منسوب، ولابن عساكر محمد بن سلام، وعزاها في الفتح لابن السكن وهو البيكندي (قال: أخبرنا) بالجمع وللأصيلي أخبرني (عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة واسمه عبد الرحمن بن سليمان (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة (عن عائشة). (أن أُم سلمة) رضي الله عنهما (ذكرت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها مارية) بالراء وتخفيف المثناة التحتية والرفع (فذكرت له) عليه الصلاة والسلام (ما رأت فيها) أي في الكنيسة (من الصور، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أولئك) بكسر الكاف خطابًا بالمؤنث ويجوز فتحها (قوم إذا مات فيهم العبد الصالح) نبيّ أو غيره (والرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا وصوّروا فيه) أي في المسجد (تلك الصور) ليتأنسوا بها. وفي رواية تيك بمثناة تحتية بدل اللام في تلك والكاف فيها تكسر وتفتح، ويؤخذ منه المطابقة

55 - باب

لما ترجم له لأن فيه إشارة إلى نهي المسلم عن أن يصلّي في الكنيسة فيتخذها بصلاته مسجدًا. (أولئك شرار الخلق عند الله) عز وجل زاد في باب: هل تنبش قبور مشركي الجاهلية يوم القيامة وفي كاف أولئك الكسر والفتح. 55 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة وهو كالفصل من الباب السابق وسقط لفظ باب في رواية الأصيلي. 435 و 436 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالاَ: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: -وَهْوَ كَذَلِكَ- «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. [الحديث 435 - أطرافه في 1330، 1390، 3453، 4441، 4443، 5815]. [الحديث 436 - أطرافه في: 3454، 4444، 5816]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله بن عتبة أن) الصدّيقة (عائشة وعبد الله بن عباس) رضي الله عنهم (قالا): (لما نزل) الموت (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حذف الفاعل للعلم به، ولأبي ذر عن الكشميهني والأصيلي نزل بضم النون مبنيًّا للمفعول (طفق) بكسر الفاء جواب لما أي جعل (يطرح خميصة) بالنصب مفعول يطرح أي كساء له أعلام الله على وجهه) الشريف (فإذا اغتمّ بها) بالغين المعجمة أي تسخن بالخميصة وأخذ بنفسه من شدّة الحر (كشفها عن وجهه، فقال) عليه الصلاة والسلام (وهو كذلك) أي في حالة الطرح والكشف (لعنة الله على اليهود والنصارى) وكأنه سئل ما سبب لعنهم، فقال: (اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وكأنه قيل للراوي ما حكمة ذكر ذلك في ذلك الوقت؟ فقال (يحذر) أمته أن يصنعوا بقبره مثل (ما صنعوا) أي اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم، والحكمة فيه أنه ربما يصير بالتدريج شبيهًا بعبادة الأوثان. فإن قلت: إن النصارى ليس لهم إلاّ نبي واحد وليس له قبر. أجيب: بأن الجمع بإزاء المجموع من اليهود والنصارى، فإن اليهود لهم أنبياء أو المراد الأنبياء وكبار أتباعهم فاكتفى بذكر الأنبياء، وفي مسلم ما يؤيد ذلك حيث قال في طريق جندب: كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد أو أنه كان فيهم أنبياء أيضًا لكنهم غير مرسلين كالحواريين ومريم في قول أو الضمير راجع إلى اليهود فقط، أو المراد من أمروا بالإيمان بهم كنوح وإبراهيم. ورواة هذا الحديث ما بين حمصي ومدني، وفيه رواية صحابي وصحابية والتحديث والأخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في اللباس والمغازي وذكر بني إسرائيل ومسلم والنسائي في الصلاة. 437 - حَدَّثَنًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مًالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهًابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قًالَ: «قًاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيًائِهِمْ مَسًاجِدَ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد بن المسيب) بفتح المثناة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: قاتل الله اليهود) أي قتلهم الله لأن فاعل يأتي بمعنى فعل أو المعنى أبعد الله اليهود بسبب أنهم (اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وخصص اليهود هنا لأنهم الذين ابتدؤوا ابتداع هذا الاتخاذ واتبعتهم النصارى فاليهود أظلم. ورواة هذا الحديث مدنيون، وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ والتحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم في الصلاة، وأبو داود في الجنائز والنسائي في الناس الوفاة. 56 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) فتجوز الصلاة على أيّ جزء كان من أجزائها وطاء طهورًا مفتوحة. 438 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ -هُوَ أَبُو الْحَكَمِ- قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) العوقي بفتح العين المهملة والواو بعدها قاف الباهلي البصري (قال: حدّثنا هشيم) بضم أوّله وفتح ثانيه ابن بشير بوزن عظيم الفقيه الثبت لكنه كثير التدليس والإرسال الخفي (قال: حدّثنا سيار) بتشديد المثناة التحتية (هو أبو الحكم) بفتحتين العنزي الواسطي (قال: حدّثنا يزيد) بن صهيب (الفقير قال: حدّثنا جابر بن عبد الله) الأنصاري (قال): (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُعطيت خمسًا) بضم الهمزة أي أعطاني الله خمس خصال (لم يعطهنّ أحد) قال الداودي: أي لم تجتمع لأحد (من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب) يقذف في قلوب أعدائي (مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا) أي موضع سجود قال ابن بطال: فدخل في العموم المقابر والمرابض والكنائس ونحوها اهـ. نعم تكره الصلاة فيها للتنزيه كما مرّ (و) جعل لي ترابها (طهورًا وأيما) بالواو وللأصيلي: فأيما

57 - باب نوم المرأة في المسجد

(رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) حيث أدركته الصلاة أو بعد أن يتيمّم، (وأحلّت لي الغنائم) ولم تحل لأحد من الأنبياء قبلي. (وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة) أي جميعًا ونصبه على الحالية لازم له، (وأعطيت الشفاعة) العظمى أو غيرها مما ذكر اختصاصه بها. ورواة هذا الحديث ما بين واسطي وكوفي، والله أعلم. 57 - باب نَوْمِ الْمَرْأَةِ فِي الْمَسْجِدِ (باب نوم المرأة في المسجد) وإقامتها فيه إذا لم يكن لها مسكن غيره. 439 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ وَلِيدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لِحَىٍّ مِنَ الْعَرَبِ فَأَعْتَقُوهَا فَكَانَتْ مَعَهُمْ. قَالَتْ: فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا وِشَاحٌ أَحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ. قَالَتْ: فَوَضَعَتْهُ -أَوْ وَقَعَ مِنْهَا- فَمَرَّتْ بِهِ حُدَيَّاةٌ وَهْوَ مُلْقًى، فَحَسِبَتْهُ لَحْمًا فَخَطَفَتْه. ُ قَالَتْ: فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ. قَالَتْ: فَاتَّهَمُونِي بِهِ. قَالَتْ: فَطَفِقُوا يُفَتِّشُونَ حَتَّى فَتَّشُوا قُبُلَهَا. قَالَتْ: وَاللَّهِ إِنِّي لَقَائِمَةٌ مَعَهُمْ إِذْ مَرَّتِ الْحُدَيَّاةُ فَأَلْقَتْهُ، قَالَتْ: فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ، قَالَتْ فَقُلْتُ: هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ زَعَمْتُمْ، وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ وَهُوَ ذَا هُوَ. قَالَتْ فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْلَمَتْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَ لَهَا خِبَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ حِفْشٌ، قَالَتْ فَكَانَتْ تَأْتِينِي فَتَحَدَّثُ عِنْدِي. قَالَتْ فَلاَ تَجْلِسُ عِنْدِي مَجْلِسًا إِلاَّ قَالَتْ: وَيَوْمَ الْوِشَاحِ مِنْ تعَاجِيبِ رَبِّنَا ... أَلاَ إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين وفتح الموحدة مصغرًا القرشي الهباري الكوفي، وفي بعض الأصول عبد الله وهو اسمه في الأصل وعبيد لقب غلب عليه وعرف به (قال: حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي (عن هشام) وللأصيلي زيادة ابن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) رضي الله عنها. (أن وليدة) بفتح الواو أي أمة (كانت سوداء) أي كانت امرأة كبيرة سوداء (لحيّ من العرب فأعتقوها فكانت معهم قالت) أي الوليدة: (فخرجت صبية لهم) أي لهؤلاء الحيّ وكانت الصبية عروسًا فدخلت مغتسلها وكان (عليها وشاح أحمر) بكسر الواو وتضم وقد تبدل همزة مكسورة (من سيور) جمع سير وهو ما يقدّ من الجلد. وقال الجوهري: الوشاح ينسج عرضًا من أديم ويرصع بالجواهر وتشدّه المرأة بين عاتقها وكشحها. وقال السفاقسي: خيطان من لؤلؤ يخالف بينهما وتتوشح به المرأة، وقال الداودي: ثوب كالبرد أو نحوه (قالت) أي عائشة: (فوضعته) أي الوشاح (أو وقع منها) شك الراوي (فمرّت به) أي بالوشاح (حدياة) بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وتشديد المثناة التحتية والأصل حديأة بهمزة مفتوحة بعد الياء الساكنة لأنه تصغير حدأة بالهمز بوزن عنبة، لكن أبدلت الهمزة ياء وأدغمت الياء في الياء ثم أشبعت الفتحة فصارت ألفًا، وللأربعة فمرت حدياة بإسقاط به (وهو ملقى) أي مرمى والجملة حالية (فحسبته لحمًا) سمينًا لأنه كان من جلد أحمر وعليه اللؤلؤ (فخطفته) بكسر الطاء المهملة لا بفتحها على اللغة الفصيحة. (قالت فالتمسوه) أي طلبوه وسألوا عنه (فلم يجدوه. قالت: فاتهموني به) (قالت) عائشة (فطفقوا يفتشون) وللأصيلي وابن عساكر يفتشوني (حتى فتشوا قبلها) بضم القاف والموحدة أي فرجها، وعبّر بضمير الغيبة لأنه من كلام عائشة وإلا فمقتضى السياق أن تقول قُبلي كما عند المؤلّف في أيام الجاهلية أو هو من كلام الوليدة على طريقة الالتفات أو التجريد كأنها جردت من نفسها شخصًا وأخبرت عنه (قالت: والله إني لقائمة معهم) زاد ثابت في دلائله فدعوت الله أن يبرئني (إذ مرت الحدياة فألقته. قالت: فوقع بينهم، قالت: فقلت هذا الذي اتهمتموني به زعمتم) أني أخذته (وأنا منه بريئة) جملة حالية (وهو ذا هو) حاضر، الضمير الأوّل ضمير الشأن وذا مبتدأ والإشارة إلى ما ألقته الحدياة، والضمير الثاني إلى الذي اتهمتموني به، لكن خبر الثاني محذوف أي حاضر كما مرّ أو الأوِّل مبتدأ وذا خبره، والضمير الثاني خبر بعد خبر أو الثاني تأكيد للأوّل أو تأكيد لذا أو بيان له، أو ذا مبتدأ ثانٍ وخبره الضمير الثاني والجملة خبر الأوّل (قالت) عائشة (فجاءت) أي المرأة (إلى رسول الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسلمت) (قالت عائشة) رضي الله عنها (فكانت) أي المرأة وللكشميهني فكان (لها خباء) بكسر الخاء المعجمة وفتح الموحدة وبالمد خيمة من صوف أو وبر (في المسجد) النبوي (أو حفش) بحاء مهملة مكسورة ثم فاء ساكنة ثم شين معجمة بيت صغير وفيه يبيت من لا مسكن له في المسجد سواء كان رجلاً أو امرأة عند أمن الفتنة وإباحة الاستظلال فيه بالخيمة ونحوها (قالت) عائشة: (فكانت) أي المرأة (تأتيني فتحدث عندي) أصله تتحدث بتاءين فحذفت إحداهما تخفيفًا. (قالت) عائشة (فلا تجلس عندي مجلسًا إلاّ قالت: ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا) بالمثناة الفوقية قبل العين كذا لأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر جمع أعجوبة، قال الزركشي: كابن سيده لا واحد له من

58 - باب نوم الرجال في المسجد

لفظه ومعناه عجائب. قال الدماميني: وكذا هو في الصحاح لكن لا أدري لم لا يجعل جمعًا لتعجيب مع أنه ثابت في اللغة يقال: عجبت فلانًا تعجيبًا إذا جعلته يتعجب وجمع الصدر باعتبار أنواعه لا يمتنع، وفي رواية غير المذكورين من أعاجيب ربنا بالهمز بدل التاء، (إلا) بتخفيف اللام (أنه من بلدة الكفر أنجاني) همزة إنه مكسورة والبيت من الطويل وأجزاؤه ثمانية وزنه فعولن مفاعيلن أربع مرات، لكن دخل البيت المذكور القبض في الجزء الثاني وهو حذف الخامس الساكن (قالت عائشة) رضي الله عنها (فقلت لها) أي للمرأة (ما شأنك لا تقعدين معي مقعدًا إلاّ قلت هذا) البيت (قالت فحدّثنني بهذا الحديث) أي المتضمن للقصة المذكورة. 58 - باب نَوْمِ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ أَبُو قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ: قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانُوا فِي الصُّفَّةِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ الْفُقَرَاءَ. (باب) جواز (نوم الرجال في المسجد) وفي بعض الأصول نوم الرجل بالإفراد. (وقال أبو قلابة) بكسر القاف وتخفيف اللام عبد الله بن زيد فيما وصله المؤلّف في المحاربين في قصة العرنيين (عن أنس) وللأصيلي عن أنس بن مالك (قدم رهط) هو ما دون العشرة من الرجال (من عكل) بضم العين المهملة وسكون الكاف قبيلة من العرب (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكانوا في الصفة) بضم الصاد وتشديد الفاء موضع مظلل في أُخريات المسجد النبوي تأوي إليه المساكين (وقال عبد الرحمن بن أبي بكر) وللأصيلي ابن أبي بكر الصديق مما وصله في حديث طويل يأتي إن شاء الله تعالى بعونه في علامات النبوّة. قال: (كان أصحاب الصفة الفقراء) بالنصب خبر كان أو بالرفع على أنه اسمها، وأصحاب خبر مقدم لأنهما معرفتان، وللأربعة فقراء بالتنكير وحينئذ يتعيّن خبريته. 440 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَهْوَ شَابٌّ أَعْزَبُ لاَ أَهْلَ لَهُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 440 - أطرافه في: 1121، 1156، 3738، 3740، 7015، 7028، 7030]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) القطان (عن عبيد الله) العمري (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (قال): (أخبرني) بالإفراد (عبد الله) بن عمر بن الخطاب (أنه كان ينام وهو شاب) جملة اسمية حالية (أعزب) بهمزة ثم مهملة فزاي وهي لغة قليلة بل أنكرها القزاز، ولأبي ذر عزب بفتح العين والزاي من غير همزة وهي اللغة الفصيحة، وضبطها البرماوي وابن حجر في الفتح بكسر الزاي وقال: إنه المشهور، لكن حكى في المقدمة الفتح وكذا ضبطه الدمياطي بخطه (لا أهل له) أي لا زوجة له وهو وإن كان مفهومًا من أعزب لكنه ذكره تأكيدًا أو هو من العام بعد الخاص فيشمل الأقارب والزوجة (في مسجد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الجار والمجرور متعلق بقوله ينام. ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث بالجمع والإفراد والإخبار بالإفراد والعنعنة، وأخرجه مسلم والنسائي في الصلاة وابن ماجة. 441 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟ قَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَىْءٌ فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لإِنْسَانٍ: انْظُرْ أَيْنَ هُوَ؟ فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ: قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ. [الحديث 441 - أطرافه في: 3703،د 6204، 6280]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين ابن جميل الثقفي اسمه يحيى وقتيبة لقب غلب عليه وعرف به (قال: حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي الموصوف بأنه لما يكن في المدينة أفقه منه بعد مالك (عن) أبيه (أبي حازم) سلمة بفتح اللام ابن دينار الأعرج (عن سهل بن سعد) هو ابن مالك الأنصاري (قال): (جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيت) ابنته (فاطمة فلم يجد عليًّا) ابن عمّه ابن أبي طالب (في البيت فقال) لها (أين ابن عمّك) ولم يقل أين زوجك ولا ابن عمّ أبيك استعطافًا لها على تذكّر القرابة القريبة بينهما لأنه فهم أنه جرى بينهما شيء (قالت) ولابن عساكر وقالت، وللأصيلي فقالت أي فاطمة رضي الله عنها (كان بيني وبينه شيء فغاضبني) من باب المفاعلة الموضوع لمشاركة اثنين (فخرج فلم) بالفاء وللأصيلي ولم (يقل عندي) بفتح أوّله وكسر القاف مضارع قال من القيلولة وهي نوم نصف النهار، وللأصيلي وابن عساكر يقل بضم أوّله (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لإنسان انظر أين هو) وعند الطبراني فأمر إنسانًا معه. قال الحافظ ابن حجر: يظهر ليس أنه راوي الحديث لأنه لم يذكر أنه كان معه غيره، وهذا لا ينافي ما وقع عنده في الأدب، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لفاطمة: أين ابن عمك؟ قالت: في المسجد لأنه يحتمل أن يكون المراد من قوله انظر أين هو المكان المخصوص من المسجد (فجاء) ذلك

59 - باب الصلاة إذا قدم من سفر

الإنسان (فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد فجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى المسجد ورآه (وهو مضطجع) جملة وقعت حالاً وكذا قوله (وقد سقط رداؤه عن شقّه) بكسر الشين أي جانبه (وأصابه تراب فجعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمسحه عنه، ويقول: قم) يا (أبا تراب قم) يا (أبا تراب) بحذف حرف النداء المقدّر. واستنبط منه الملاطفة بالأصهار ونوم غير الفقراء في المسجد وغير ذلك من وجوه الانتفاعات المباحة وجواز التكنية بغير الولد. ورواته الأربعة مدنيون إلاّ شيخ المؤلّف فبلخي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في الاستئذان وفي فضل عليّ ومسلم في الفضائل. 442 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا كِسَاءٌ قَدْ رَبَطُوا فِي أَعْنَاقِهِمْ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ، فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ. وبه قال: (حدّثنا يوسف بن عيسى) المروزي السابق في باب مَن توضأ من الجنابة (قال: حدّثنا ابن فضيل) بضم الفاء وفتح المعجمة مصغرًا هو محمد بن فُضيل بن غزوان الكوفي (عن أبيه) فضيل (عن أبي حازم) بالمهملة والزاي سلمان بسكون اللام الأشجعي الكوفي التابعي هو غير الراوي في الحديث السابق، والمميز بينهما أن الراوي عن سهل هو سلمة بن دينار والراوي عن أبي هريرة سلمان الأشجعي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال): (رأيت) وللأربعة قال لقد رأيت (سبعين من أصحاب الصفة) هم غير السبعين الذين استشهدوا ببئر معونة لأنهم استشهدوا قبل إسلام أبي هريرة (ما منهم رجل عليه رداء) بكسر الراء وهو ما يستر أعالي البدن فقط (إما إزار) فقط (وإما كساء) على الهيئة المذكورة في قوله (قد ربطوا) بحذف الضمير العائد على الكساء، والجمع باعتبار أن المراد بالرجل الجنس أي ربطوا الأكسية (في أعناقهم فمنها) أي الأكسية والجمع باعتبار أن الكساء جنس (ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه) الواحد منهم (بيده) زاد الأصيلي إن ذلك حال كونهم في الصلاة (كراهية أن ترى عورته). 59 - باب الصَّلاَةِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ. (باب الصلاة) في المسجد (إذا قدم) الرجل (من سفر، وقال كعب بن مالك) في حديثه الطويل في قصة تخلفه عن غزوة تبوك مما هو موصول عند المؤلّف: (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلّى فيه). 443 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ -قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهُ قَالَ ضُحًى- فَقَالَ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ. وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي. [الحديث 443 - أطرافه في: 1801، 2097، 2309، 2385، 2394، 2406، 2470، 2603، 2604، 2718، 2861، 2967، 3087، 3089، 3090، 4052، 5079، 5080، 5243، 5244، 5245، 5246، 5247، 5367، 6387]. وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بتشديد اللام بوزن فعال (قال: حدّثنا مسعر) بكسر الميم وفتح العين المهملة (قال: حدّثنا محارب بن دثار) بميم مضمومة بعدها حاء مهملة ثم راء مكسورة آخره موحدة في الأولى وكسر الدال المهملة وبالمثلثة آخره راء السدوسي قاضي الكوفة، (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (قال): (أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في المسجد) جملة حالية (قال مسعر أراه) بضم الهمزة أي أظنه (قال ضحى) هو كلام مدرج من الراوي والضمير المنصوب لمحارب أي أظنه قال بزيادة هذه اللفظة (فقال) لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (صل ّركعتين) أي للقدوم من السفر وليستا تحية المسجد قال جابر (وكان لي عليه دين) أوقية (فقضاني) أي عند قدومه من السفر (وزادني) وللحموي وكان له عليه دين أي كان لجابر على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وحينئذ ففي قوله بعد ذلك فقضاني التفات. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في نحو عشرين موضعًا مطوّلاً ومختصرًا موصولاً ومعلمًا، وفيه أنه وجد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على باب المسجد قال: الآن قدمت؟ قلت: نعم، قال: فادخل فصلّ ركعتين. ورواته كلهم كوفيون، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم في الصلاة والبيوع وكذا أبو داود والنسائي. 60 - باب إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ هذا (باب) بالتنوين (إذا دخل المسجد) وللأصيلي إذا دخل أحدكم المسجد (فليركع ركعتين) زاد في رواية ابن عساكر: قبل أن يجلس. 444 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ». [الحديث 444 - طرفه في: 1163]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن عامر بن عبد الله بن الزبير) بن العوّام القرشي المدني (عن عمرو بن سليم) بفتح العين وضم السين (الزرقي) بضم الزاي وفتح الراء وبالقاف الأنصاري (عن أبي قتادة) الحرث بالمثلثة ابن ربعي بكسر الراء وتسكين الموحدة (السلمي) بفتحتين

61 - باب الحدث في المسجد

وفي آخره ميم كذا ضبطه الأصيلي والجياني لأنه من الأنصار. قال القاضي عياض: وأهل العربية يفتحون اللام لكراهة توالي الكسرات وضبطه الأكثرون بكسر اللام نسبة إلى سلمة بكسرها، المتوفّى بالمدينة سنة أربع وخمسين (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إذا دخل أحدكم المسجد) أي وهو متوضئ (فليركع) أي فليصلِّ ندبًا (ركعتين) تحية المسجد (قبل أن يجلس) تعظيمًا للبقعة فلو خالف وجلس هل يشرع له التدارك؟ صرح جماعة بأنه لا يشرع له التدارك ولو جلس سهوًا وقصر الفصل شرع له ذلك كما جزم به في التحقيق، ونقله في الروضة عن ابن عبدان واستغربه وأيّده بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال وهو قاعد على المنبر يوم الجمعة لسليك الغطفاني لما قعد قبل أن يصلّي: (قم فاركع ركعتين) إذ مقتضاه كما في المجموع أنه إذا تركها جهلاً أو سهوًا شرع له فعلها إن قصر الفصل قال وهو المختار، قال في شرح المهذب: فإن صلّى أكثر من ركعتين بتسليمة واحدة جاز وكانت كلها تحية لاشتمالها على الركعتين، وتحصل بفرض أو نفل آخر سواء نويت معه أم لا، لأن المقصود وجود صلاة قبل الجلوس، وقد وجدت بما ذكر ولا تضرّه نيّة التحية لأنها سُنة غير مقصودة بخلاف نيّة فرض، وسُنة مقصودة لا تصحّ، ولا تحصل بركعة ولا بجنازة وسجدة تلاوة وشكر على الصحيح، ولا تسنّ لداخل المسجد الحرام لاشتغاله بالطواف واندراجها تحت ركعتيه ولا إذا اشتغل الإمام بالفرض لحديث الصحيحين: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلاّ المكتوبة، ولا إذا شرع المؤذن في إقامة الصلاة أو قرب إقامتها، ولا للخطيب يوم الجمعة عند صعوده المنبر على الأصح في الروضة، ولو دخل وقت كراهة كره له أن يصلّيها في قول أبي حنيفة وأصحابه ومالك، والصحيح من مذهب الشافعى عدم الكراهة. ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون إلا الأول، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 61 - باب الْحَدَثِ فِي الْمَسْجِدِ (باب) حكم (الحدث) الناقض للوضوء كالريح ونحوه الحاصل (في المسجد). 445 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأمام (عن أبي الزناد) بكسر الزاي وبالنون عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: الملائكة) وللكشميهني أن الملائكة والجمع المحلى بأل يفيد الاستغراق (تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه) بضم الميم أي ما دام في المكان (الذي صلّى فيه ما لم يحدث) بضم أوله وسكون ثانيه أي ما لم يحصل منه ما ينقض الطهارة، فإن أحدث حرم استغفارهم ولو استمر جالسًا معاقبة له لإيذائه لهم برائحته الخبيثة، وهو يدلّ على أنه أشدّ من النخامة لأن لها كفّارة وهي الدفن بخلافه وصلاة الملائكة (تقول اللهمَّ اغفر له) ذنوبه (اللهمّ ارحمه) ومباحثه تأتي إن شاء الله تعالى في باب من جلس ينتظر الصلاة، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة ومسلم وأبو داود والنسائي. 62 - باب بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: كَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ. وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ: أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ الْمَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ. وَقَالَ أَنَسٌ يَتَبَاهَوْنَ بِهَا ثُمَّ لاَ يَعْمُرُونَهَا إِلاَّ قَلِيلاً. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. (باب بنيان المسجد) النبوي (وقال أبو سعيد) الخدري رضي الله عنه مما وصله المؤلّف في الاعتكاف: (كان سقف المسجد) النبوي (من جريد النخل) أي الذي يجرد عنه الخوص فإن لم يجرد فسعف، (وأمر عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (ببناء المسجدِ) النبوي (وقال) للصانع: (أكنّ الناس من المطر) بفتح الهمزة وكسر الكاف وفتح النون المشددة على صيغة الأمر من الأكنان أي اصنع لهم كنَّا بالكسر وهو ما يسترهم من الشمس وهي رواية الأصيلي وهي الأظهر، وفي رواية: أكن كذلك لكن مع كسر النون، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أكن بضم الهمزة والنون المشددة بلفظ المتكلم من الفعل المضارع المرفوع، وضبطه بعضهم كن بحذف الهمزة وكسر الكاف وتشديد النون على صيغة الأمر على أن أصله أكن فحذفت الهمزة تخفيفًا. قال القاضي: وهو صحيح، وجوّز ابن مالك كن بضم الكاف وحذف الهمزة على أنه من كن فهو مكنون

63 - باب التعاون في بناء المسجد

أي صانه. قال العيني كغيره وهذا له وجه ولكن الرواية لا تساعده (وإياك) خطاب للصانع (أن تحمر أو تصفر) أي إياك وتحمير المسجد وتصفيره (فتفتن الناس) بفتح المثناة الفوقية وتسكين الفاء وفتح النون من فتن يفتن كضرب يضرب، وضبطه الزركشي بضم المثناة الفوقية على أنه من أفتن، وأنكره الأصمعي. (وقال أنس) مما وصله أبو يعلى في مسنده وابن خزيمة في صحيحه: (يتباهون) بفتح الهاء من المباهاة أي يتفاخرون (بها) أي بالمساجد (ثم لا يعمرونها) بالصلاة والذكر (إلا قليلاً) بالنصب ويجوز الرفع على البدل من ضمير الفاعل. (وقال ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله أبو داود وابن حبّان (لتزخرفنّها) بفتح لام القسم وضم المثناة الفوقية وفتح الزاي وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء وضم الفاء دلالة على واو الضمير المحذوفة عند اتصال نون التوكيد من الزخرفة وهي الزينة بالذهب ونحوه، (كما زخرفت اليهود والنصارى) كنائسهم وبيعهم لما حرّفوا الكتب وبدّلوها وضيّعوا الدين وعرجوا على الزخارف والتزيين. واستنبط منه كراهية زخرفة المساجد لاشتغال قلب المصلّي بذلك أو لصرف المال في غير وجهه. نعم إذا وقع ذلك على سبيل التعظيم للمساجد ولم يقع الصرف عليه من بيت المال فلا بأس به، ولو أوصى بتشييد مسجد وتحميره وتصفيره نفذت وصيته لأنه قد حدث للناس فتاوى بقدر ما أحدثوا، وقد أحدث الناس مؤمنهم وكافرهم تشييد بيوتهم وتزيينها، ولو بنينا مساجدنا باللبن وجعلناها متطامنة بين الدور الشاهقة وربما كانت لأهل الذمّة لكانت مستهانة قاله ابن المنير. وتعقب بأن المنع إن كان للحثّ على اتّباع السلف فى ترك الرفاهية فهو كما قال، وإن كان لخشية شغل بال المصلي بالزخرفة فلا لبقاء العلّة. 446 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا. ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ، وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ. وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) بن جعفر بن نجيح المشهور بابن المديني البصري (قال: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) وللأصيلي ابن إبراهيم بن سعد أي ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني الأصل العراقي الدار (قال: حدّثني) بالإفراد، وللأصيلي حدّثنا (أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح بن كيسان) مؤدّب ولد عمر بن عبد العزيز (قال: حدّثنا نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله) زاد الأصيلي ابن عمر (أخبره). (أن المسجد) النبوي (كان على عهد) أي زمان (رسول الله) وأيامه وللأصلي على عهد النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مبنيًّا باللبن) بفتح اللام وكسر الموحدة وهو الطوب النيء. (وسقفه الجريد وعمده) بضم العين والميم وبفتحهما (خشب النخل) بفتح الخاء والشين وبضمهما، (فلم يزد فيه أبو بكر) الصديق رضي الله عنه أي لم يغير فيه (شيئًا) بالزيادة والنقصان، (وزاد فيه عمر) بن الخطاب رضي الله عنه في الطول والعرض (و) لم يغير في بنيانه بل (بناه على بنيانه في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باللبن والجريد، وأعاد عمده) بضمتين أو بفتحتين (خشبًا) لأنها بليت، (ثم غيّره عثمان) بن عفان رضي الله عنه من جهة التوسيع وتغيير الآلات (فزاد) فيه (زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة) بدل اللبن (والقصة) بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة الجص بلغة أهل الحجاز. يقال: قصص داره إذا جصصها، وللحموي والمستملي بحجارة منقوشة بالتنكير، (وجعل عمده) بضمتين أو بفتحتين (من حجارة منقوشة وسقفه بالساج) بفتح القاف والفاء بلفظ الماضي عطفًا على جعل. وفي فرع اليونينية وسقفه بإسكان القاف وفتح الفاء عطفًا على عمده، وضبطه البرماوي وسقفه بتشديد القاف والساج بالجيم ضرب من الشجر يؤتى به من الهند الواحدة ساجة. ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه رواية الأقران صالح عن نافع لأنهما من طبقة واحدة وتابعي عن تابعي، والتحديث والأخبار والعنعنة، وأخرجه أبو داود في الصلاة. 63 - باب التَّعَاوُنِ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة: 17، 18]. (باب التعاون في بناء المسجد) بالإفراد، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بالجمع (ما كان) كذا في رواية أْبي ذر وللكشميهني، وقول الله عز وجل: (ما كان) ولابن عساكر قوله تعالى: ما كان (للمشركين) أي ما صحّ لهم

(أن يعمروا مساجد الله) أي شيئًا من المساجد فضلاً عن المسجد الحرام، وقيل هو المراد وإنما جمع لأنه قبلة المساجد وأمها وإمامها فعامره كعامر الجميع، ويدل عليه قراءة ابن كثير وأبما عمرو ويعقوب بالتوحيد (شاهدين على أنفسهم بالكفر) بإظهار الشرك، وتكذيب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين عمارة بيت الله وعبادة غيره، روي أنه لما أسر العباس يوم بدر عيَّره المسلمون بالشرك وقطيعة الرحم وأغلظ له عليّ رضي الله عنه في القول فقال: تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا إنّا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحجيج ونفك العاني فنزلت: {أولئك حبطت أعمالهم} التي يفتخرون بها لأن الكفر يذهب ثوابها {وفي النار هم خالدون} لأجله {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة} أي إنما تستقيم عمارتها لهؤلاء الجامعين للكمالات العلمية والعملية، ومن عمارتها تزيينها بالفرش وتنويرها بالسرج وإدامة العبادة والذكر ودرس العلم فيها وصيانتها مما لم تبن له كحديث الدنيا. وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في مسند عبد بن حميد مرفوعًا إن عمار المساجد أهل الله. وروي إن الله تعالى يقول: إن بيوتي في أرض المساجد وإن زوّاري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي فحق على المزور أن يكرم زائره. {ولم يخش إلاّ الله} في أبواب الدين {فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} [التوبة: 17، 18] قيل: الإتيان بلفظ عسى إشارة إلى ردع الكفار وتوبيخهم بالقطع في زعمهم أنهم مهتدون، فإن هؤلاء مع هذه الكمالات اهتداؤهم دائر بين عسى ولعل، فما ظنك بمن هو أضل من البهائم وإشارة أيضًا إلى منع المؤمنين من الاغترار والاتكال على الأعمال انتهى. وقد ذكر هاتين الآيتين هنا في الفرع لكنه رقم على قوله (شاهدين) علامة السقوط إلى آخرها، ولفظ رواية أبي ذر {أن يعمروا مساجد الله} الآية. ولفظ الأصيلي (مساجد الله) إلى قوله (من المهتدين). 447 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَلاِبْنِهِ عَلِيٍّ: انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ. فَانْطَلَقْنَا، فَإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ يُصْلِحُهُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا، حَتَّى أَتَى ذِكْرُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: "كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ. فَرَآهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ وَيَقُولُ: وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ. قَالَ يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ". [الحديث 447 - طرفه في: 2812]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد الأسدي البصري (قال: حدّثنا عبد العزيز بن مختار) الدباغ الأنصاري البصري (قال: حدّثنا خالد الحذاء) بفتح الحاء المهملة وتشديد الذال المعجمة (عن عكرمة) مولى ابن عباس. (قال لي ابن عباس) عبد الله رضي الله عنهما (ولابنه) أي لابن عبد الله بن عباس (علي) أبي الحسن العابد الزاهد المتوفى بعد العشرين والمائة، وكان مولده يوم قتل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فسمي باسمه، وكان فيما قيل أجمل قرشيّ في الدنيا (انطلقا إلى أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه (فاسمعا) ولأبي ذر واسمعا (من حديثه فانطلقنا فإذا هو) أي أبو سعيد (في حائط) أي بستان (يصلحه فأخذ رداءه فاحتبى) بالحاء المهملة والموحدة أي جمع ظهره وساقيه بنحو عمامته أو بيديه (ثم أنشأ) أي شرع (يحدّثنا حتى أتى ذكر) وللأربعة وكريمة حتى إذا أتى على ذكر وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني حتى أتى على ذكر (بناء المسجد) النبوي (فقال) أبو سعيد: (كنّا نحمل لبنة لبنة) بفتح اللام وكسر الموحدة الطوب النيء، (وعمار) هو ابن ياسر يحمل (لبنتين لبنتين) ذكرهما مرتين كلبنة، وزاد معمر في جامعه لبنة) عنه ولبنة عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فرآه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الضمير المنصوب لعمار رضي الله عنه (فينفض) بصيغة المضارع في موضع الماضي لاستحضار ذلك في نفس السامع كأنه يشاهده، ولأبي الوقت وابن عساكر فنفض بصيغة الماضي وللأصيلي وعزاها في الفتح للكشميهني فجعل ينفض (التراب عنه ويقول) في تلك الحالة (ويح عمار) بفتح الحاء والإضافة كلمة رحمة لمن وقع في هلكة لا يستحقها كما أن ويل كلمة عذاب لمن يستحقها (يدعوهم) أي يدعو عمار الفئة الباغية وهم أصحاب معاوية رضي الله عنه الذين قتلوه في وقعة صفين (إلى) سبب (الجنة) وهو طاعة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك، (ويدعونه إلى) سبب (النار) لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم

64 - باب الاستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر والمسجد

لأنهم كانوا مجتهدين ظانّين أنهم يدعونه إلى الجنة، وإن كان في نفس الأمر بخلاف ذلك فلا لوم عليهم في اتباع ظنونهم، فإن المجتهد إذا أصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر، وأعيد الضمير عليهم وهم غير مذكورين صريحًا، لكن وقع في رواية ابن السكن وكريمة وغيرهما، وثبت في نسخة الصغاني المقابلة على نسخة الفربري التي بخطه: ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم، والفئة: هم أهل الشام وهذه الزيادة حذفها المؤلّف لنكتة وهي أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه لم يسمعها من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما بين ذلك في رواية البزار من طريق داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه، ولفظه قال أبو سعيد: فحدّثني أصحابي ولم أسمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية" وإسناده على شرط مسلم لا المؤلّف، ومن ثم اقتصر على القدر الذي سمعه أبو سعيد من الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دون غيره. (قال يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن). واستنبط منه استحباب الاستعاذة من الفتن، ولو علم المرء أنه يتمسك فيها بالحق لأنها قد تفضي إلى ما لا يرى وقوعه، وفيه رد على ما اشتهر على الألسنة مما لا أصل له لا تستعيذوا من الفتن أو لا تكرهوا الفتن فإن فيها حصاد المنافقين. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في الجهاد والفتن. 64 - باب الاِسْتِعَانَةِ بِالنَّجَّارِ وَالصُّنَّاعِ فِي أَعْوَادِ الْمِنْبَرِ وَالْمَسْجِدِ (باب الاستعانة بالنجار والصناع) بضم الصاد وتشديد النون من عطف العام على الخاص (في أعواد المنبر والمسجد) جوّز الحافظ ابن حجر في الترجمة لفًّا ونشرًا مرتبًا، فقوله في أعواد المنبر يتعلق بالصناع أي في بنائه، وتعقبه العيني بأن النجار داخل في الصناع وشرط اللف والنشر أن يكون من متعدد. 448 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى امْرَأَةٍ أَنْ مُرِي غُلاَمَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلْ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) وللأصيلي قتيبة بن سعيد (قال: حدّثنا عبد العزيز) بن أبي حازم (عن أبي حازم) ولأبوي ذر والوقت حدّثني بالإفراد أبو حازم (عن سهل) هو ابن سعد الساعدي رضي الله عنه (قال): (بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى امرأة) من الأنصار واسمها عائشة (أن مري غلامك النجار) بأقوم أو ميمون أو مينًا بكسر الميم أو قبيصة أو غير ذلك، وأن مفسرة بمنزلة أي كهي في قوله تعالى: {أن اصنع الفلك} [المؤمنون: 27] وضبب في اليونينية على لفظ أن (يعمل لي أعوادًا) أي منبرًا مركبًا منها (أجلس عليهنّ) أي الأعواد، وأجلس بالرفع لأن الجملة صفة لأعواد ويعمل بالجزم جواب الأمر، ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين بلخي ومدني، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وكذا مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. 449 - حَدَّثَنَا خَلاَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ: "أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ؟ فَإِنَّ لِي غُلاَمًا نَجَّارًا. قَالَ: إِنْ شِئْتِ. فَعَمِلَتِ الْمِنْبَرَ". [الحديث 449 - أطرافه في: 918، 2095، 3584، 3585]. وبه قال: (حدّثنا خلاد) هو ابن يحيى بن صفوان السلمي الكوفي نزيل مكة (قال: حدّثنا عبد الواحد بن أيمن) بفتح الهمزة وسكون المثناة التحتية وفتح الميم آخره نون الحبشي مولى بني مخزوم (عن أبي) أيمن (عن جابر) وللأصيلي زيادة ابن عبد الله. (أن امرأة) هي المذكورة في حديث سهل (قالت يا رسول الله ألا) بتخفيف لام لا النافية بعد همزة الاستفهام (اجعل لك شيئًا تقعد عليه) إذا خطبت الناس (فإن ليس غلامًا نجارًا) وللكشميهني فإني لي غلام نجار (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها: (إن شئت) عملت (فعملت) المرأة (المنبر) وهذا إسناد مجازي كإضافتها الجعل، لأن الجاعل هو الغلام. وأجيب عما في هذين الحديثين من التعارض لأن في حديث سهل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سأل المرأة، وفي حديث جابر أنها السائلة باحتمال أنها بدأت بالسؤال، فلما أبطأ الغلام استنجزها إتمامه لا علم من طيب قلبها بما بذلت من صنعة غلامها أو أرسل إليها ليعرفها ما يصنعه الغلام بصفة للمنبر مخصوصة، أو أنه لما فوّض إليها الأمر بقوله لها: إن شئت كان ذلك سبب البطء لا أن الغلام كان شرع وأبطأ ولا أنه جهل الصفة. ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين كوفي ومكّي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في البيوع وعلامات النبوّة. 65 - باب مَنْ بَنَى مَسْجِدًا 450 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ الْخَوْلاَنِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ -عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ، وَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا -قَالَ بُكَيْرٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ- يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ». (باب) بيان فضل (من بنى مسجدًا) وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) بضم السين وفتح اللام الجعفي (قال: حدّثني) بالإفراد ولابن عساكر حدّثنا (ابن وهب) عبد الله

66 - باب يأخذ بنصول النبل إذا مر في المسجد

قال (أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن الحرث الملقب بدرة الغراص (أن بكيرًا) بضم الموحدة بالتصغير وهو ابن عبيد الله بن الأشج مدني سكن البصرة (حدّثه) وللأصيلي أخبره (أن عاصم بن عمر) بضم العين وفتح الميم (بن قتادة) الأنصاري، المتوفى بالمدينة سنة عشرين ومائة (حدّثه أنه سمع عبيد الله) بتصغير العبد ابن الأسود (الخولاني) بفتح الخاء المعجمة ربيب أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها (أنه سمع عثمان بن عفان رضي الله عنه) حال كونه (يقول عند قول الناس فيه) أي إنكارهم عليه (حين بنى) أي أراد أن يبني (مسجد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالحجارة المنقوشة والقصة، ويجعل عمده من الحجارة ويسقفه بالساج، وكان ذلك سنة ثلاثين على المشهور ولم يبن المسجد إنشاء وإنما وسعه وشيّده. (إنكم أكثرتم) أي الكلام في الإنكار على ما فعلته (وإني سمعت النبي) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقول: من بنى) حقيقةً أو مجازًا (مسجدًا) كبيرًا كان أو صغيرًا، ولابن خزيمة كمفحص قطاة أو أصغر ومفحصها بفتح الميم والحاء المهملة كمقعد هو مجثمها لتضع فيه بيضها وترقد عليه كأنها تفحص عنه التراب أي تكشفه، والفحص البحث والكشف. ولا ريب أنه لا يكفي مقداره للصلاة فيه فهو محمول على المبالغة لأن الشارع يضرب المثل في الشيء لما لا يكاد يقع كقوله: اسمعوا وأطيعوا ولو عبدًا حبشيًا، وقد ثبت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "الأئمة من قريش " أو هو على ظاهره بأن يزيد في المسجد قدرًا يحتاج إليه تكون تلك الزيادة هذا القدر أو يشترك جماعة فى بناء مسجد فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر، أو المراد بالمسجد موضع السجود وهو ما يسع الجبهة فأطلق عليه البناء مجازًا، لكن الحمل على الحقيقة أولى، وخصّ القطاة بهذا لأنها لا تبيض على شجرة ولا على رأس جبل، بل إنما تجعل مجثمها على بسيط الأرض دون سائر الطير، فلذلك شبّه به المسجد ولأنها توصف بالصدق، فكأنه أشار بذلك إلى الإخلاص في بنائه كما قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي خالص العبودية الاندماج في طيّ الأحكام من غير شُهرة ولا إرادة، وهذا شأن هذا الطائر. وقيل: لأن أفحوصها يشبه محراب المسجد في استدارته وتكوينه. (قال بكير) المذكور (حسبت أنه) أي شيخه عاصمًا (قال) بالإسناد السابق: (يبتغي به) أي ببناء المسجد (وجه الله) عز وجل أي ذاته تعالى طلبًا لمرضاته تعالى لا رياء ولا سمعة، ومن كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيدًا من الإخلاص قاله ابن الجوزي، وجملة يبتغي في موضع الحال من ضمير بنى إن كان من لفظ النبي، وإنما لم يجزم بكير بهذه الزيادة لأنه نسيها فذكرها بالمعنى مترددًا في اللفظ الذي ظنه، والجملة اعتراض بين الشرط وهو قوله من بنى، وجوابه وهو قوله: (بنى الله) عز وجل (له) مجازًا بناء (مثله) في مسمى البيت حال كونه (في الجنة) لكنه في السعة أفضل مما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وروى الإمام أحمد بإسناد لين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا "من بنى لله مسجدًا بنى الله له بيتًا أوسع منه". أو المراد بالجزاء أبنية متعددة أي بنى الله له عشرة أبنية مثله إذ الحسنة بعشر أمثالها، والأصل أن جزاء الحسنة الواحدة واحد بحكم العدل والزيادة عليه بحكم الفضل. ورواة هذا الحديث السبعة ثلاثة مصريون بالميم وثلاثة مدنيون والرابع بينهما مدني سكن مصر وهو بكير، وفيه التحديث بالجمع والإفراد والإخبار به والسماع وثلاثة من التابعين، وأخرجه مسلم والترمذي. 66 - باب يَأْخُذُ بِنُصُولِ النَّبْلِ إِذَا مَرَّ فِي الْمَسْجِدِ هذا (باب) بالتنوين وهو ساقط عند الأصيلي (يأخذ) الشخص (بنصول النبل إذا مرّ في المسجد) والنبل بفتح النون وسكون الموحدة السهام العربية لا واحد لها من لفظها ولابن عساكر يأخذ بنصال النبل، ولأبي ذر يأخذ نصول النبل. 451 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قُلْتُ لِعَمْرٍو: أَسَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَرَّ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ سِهَامٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا "؟. [الحديث 451 - طرفاه في: 7073، 7074]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بضم القاف، وللأربعة ابن سعيد أي جميل بفتح الجيم ابن طريف الثقفي البغلاني بفتح

67 - باب المرور في المسجد

الموحدة وسكون المعجمة (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة الكوفي ثم المكي تغير حفظه بآخرة وربما دلس لكن عن الثقات (قال) (قلت لعمرو) بفتح العين ابن دينار (أسمعت جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام بحاء مهملة وراء الأنصاري ثم السلمي بفتحتين حال كونه (يقول مرّ رجل) لم أقف على اسمه (في المسجد) النبوي (ومعه سهام) قد أبدى نصولها، ولمسلم من طريق أبي الزبير عن جابر أن المارّ المذكور كان يتصدق بالنبل في المسجد (فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أمسك بنصالها) كي لا تخدش مسلمًا، وهذا من كريم خلقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولم يذكر قتيبة في هذا السياق جواب عمرو بن دينار عن استفهام سفيان. نعم ذكر في رواية الأصيلي أنه قال في آخره فقال نعم، وكذا ذكرها المؤلّف في غير رواية قتيبة في الفتن والمذهب الراجح الذي عليه الأكثرون، وهو مذهب المؤلّف أن قول الشيخ نعم لا يشترط بل يكتفي بالسكوت إذا كان متيقظًا. ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين كوفي ومدني، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الفتن، ومسلم في الأدب، والنسائي في الصلاة، وأبو داود في الجهاد، وابن ماجة في الأدب. 67 - باب الْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ (باب) جواز (المرور في المسجد) بالنبل إذا أمسك بنصالها. 452 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ مَرَّ فِي شَىْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا أَوْ أَسْوَاقِنَا بِنَبْلٍ فَلْيَأْخُذْ عَلَى نِصَالِهَا لاَ يَعْقِرْ بِكَفِّهِ مُسْلِمًا». [الحديث 452 - طرفه في: 7075]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف التبوذكي بفتح المثناة الفوقية وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة (قال: حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم البصري (قال: حدّثنا أبو بردة) بضم الموحدة وسكون الراء يريد بموحدة وراء مصغرًا (بن عبد الله) بن أبي موسى الأشعري الكوفي (قال: سمعت) جدّي (أبا بردة) عامرًا (عن أبيه) أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) (من مرّ في شيء من مساجدنا أو أسواقنا بنبل) معه وأو للتنويع لا للشك من الراوي ومن موصول في موضع رفع على الابتداء خبره (فليأخذ على نصالها) زاد الأصيلي بكفّه ضمن كلمة الأخذ هنا معنى الاستعلاء للمبالغة فعدّيت بعلى، وإلاّ فالوجه تعديته بالباء والجار والمجرور متعلق بيأخذ أي فليأخذ على نصالها بكفّه (لا يعقر) جزم بلا الناهية ويجوز الرفع أي بلا يجرح (بكفّه مسلمًا) وللأصيلي بكفّه لا يعقر مسلمًا بسبب ترك أخذ النصال، ولمسلم من رواية أبي أسامة: فليمسك على نصالها بكفّه أن يصيب أحدًا من المسلمين. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي، وفيه التحديث والسماع والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في الفتن ومسلم في الأدب وأبو داود في الجهاد وابن ماجة في الأدب. 68 - باب الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ (باب) حكم إنشاد (الشعر في المسجد). 453 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَا حَسَّانُ أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ. [الحديث 453 - طرفاه في: 3212، 6152]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان الحكم بن نافع) البهراني بفتح الموحدة الحمصي وسقط أبو اليمان للأصيلي (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة بالحاء المهملة والزاي الأموي واسم أبي حمزة دينار الحمصي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) عبد الله أو إسماعيل (بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني، وعند المؤلّف في بدء الخلق من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري فقال عن سعيد بن السيب بدل أبي سلمة وهو غير قادح، لأن الراجح أنه عنده عنهما معًا فكان يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا. (أنه سمع حسان بن ثابت) أي ابن المنذر بن حرام بفتح المهملة والراء (الأنصاري) الخزرجي شاعر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حال كونه (يستشهد أبا هريرة) أي يطلب منه الشهادة أي الإخبار فأطلق عليه الشهادة مبالغة في تقوية الخبر (أنشدك الله) بفتح الهمزة وضم الشين والجلالة الشريفة نصب أي سألتك بالله (هل سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول يا حسان أجب) دافعًا وليس من إجابة السؤال أو المعنى أجب الكفّار (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إذ هجوه. وأصحابه، وفي رواية سعيد بن المسيب أجب عني فعبر عنه بما هنا تعظيمًا أو أنه عليه الصلاة والسلام قال ذلك كذلك تربية للمهابة وتقوية لداعي المأمور كما في قوله الخليفة رسم

69 - باب أصحاب الحراب في المسجد

بكذا بدل أنا رسمت (اللهمّ أيّده) أي قوّه (بروح القدس) جبريل صلوات الله وسلامه عليه. (قال أبو هريرة) رضي الله عنه: (نعم) سمعته يقول ذلك: فإن قلت: ليس في حديث الباب أن حسانًا أنشد شعرًا في المسجد بحضرته عليه الصلاة والسلام، وحينئذٍ فلا تطابق بينه وبين الترجمة. أجيب: بأن غرض المؤلّف تشحيذ الأذهان بالإشارات، ووجه ذلك هنا أن هذه المقالة منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دالّة على أن للشعر حقًّا يتأهل صاحبه لأن يؤيد في النطق به بجبريل صلوات الله عليه وسلامه، وما هذا شأنه يجوز قوله في المسجد قطعًا، والذي يحرم إنشاده فيه ما كان من الباطل المنافي لما اتخذت له المساجد من الحق أو أن روايته في بدء الخلق تدلّ على أن قوله عليه الصلاة والسلام لحسان أجب عني كان في المسجد، وأنه أنشد فيه ما أجاب به المشركين، ولفظة: مرّ عمر رضي الله عنه في المسجد وحسان ينشد فزجره فقال: كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله الحديث. ورواة حديث الباب الستة ما بين حمصي ومدني، وفيه التحديث بالجمع والإخبار به والإفراد والعنعنة والسماع، وأخرجه المؤلّف أيضًا في بدء الخلق، وأبو داود في الأدب، والنسائي في الصلاة وفى اليوم والليلة. 69 - باب أَصْحَابِ الْحِرَابِ فِي الْمَسْجِدِ (باب) جواز دخول (أصحاب الحراب في المسجد) ونصال حرابهم مشهورة والحراب بالكسر جمع حربة بفتحها. 454 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: "لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ. [الحديث 454 - أطرافه في: 455، 950، 988، 2906، 3529، 5190، 5236]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى القرشي العامري المدني (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) وللأصيلي زيادة ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام بن خويلد الأسدي المدني: (أن) أُم المؤمنين (عائشة رضي الله عنها قالت: لقد رأيت) أي والله لقد أبصرت (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا على باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد) للتدريب على مواقع الحروب والاستعداد للعدو ومن ثم جاز فعله في المسجد لأنه من منافع الدين، (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسترني بردائه أنظر إلى لعبهم) وآلاتهم لا إلى ذواتهم، إذ نظر الأجنبية إلى الأجنبي غير جائز، وهذا يدلّ على أنه كان بعد نزول الحجاب، ولعله عليه الصلاة والسلام تركها تنظر إلى لعبهم لتضبطه وتنقله لتعلمه بعد واللعب بفتح اللام وكسر العين أو بالكسر ثم السكون والجمل كلها أحوال. 455 - زَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ". (زاد) ولأبي الوقت وزاد (إبراهيم بن المنذر) بن عبد الله الأسدي الحازمي. فقال: (حدّثنا) ولابن عساكر وأبي الوقت حدّثني بالإفراد وفي رواية حدّثه (ابن وهب) عبد الله بن مسلم القرشي مولاهم المصري قال: (أخبرني) بالإفراد (يونس) هو ابن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت) (رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والحبشة يلعبون بحرابهم) هذه اللفظة الأخيرة هي التي زادها ابن المنذر في رواية يونس، وبها تحصل المطابقة بين الترجمة والحديث، ورواته التسعة ما بين مدني ومصري بالميم وأيلي، وفيه التحديث والإخبار بصيغة الإفراد والعنعنة وثلاثة من التابعين، وأخرجه المؤلّف في العيدين ومناقب قريش ومسلم في العيدين. 70 - باب ذِكْرِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الْمَسْجِدِ (باب ذكر البيع والشراء) أي في الأخبار عن وقوعهما (على المنبر في المسجد) لا عن وقوعهما على المنبر، ولأبي ذر على المنبر والمسجد أي وعلى المسجد فضمن على معنى في عكس {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71]. 456 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "أَتَتْهَا بَرِيرَةُ تَسْأَلُهَا فِي كِتَابَتِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتِ أَعْطَيْتُ أَهْلَكِ وَيَكُونُ الْوَلاَءُ لِي. وَقَالَ أَهْلُهَا: إِنْ شِئْتِ أَعْطَيْتِهَا مَا بَقِي"َ. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: "إِنْ شِئْتِ أَعْتَقْتِهَا وَيَكُونُ الْوَلاَءُ لَنَا. فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَّرَتْهُ ذَلِكَ فَقَالَ: ابْتَاعِيهَا فَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ. ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ" وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً "فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ". قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ يَحْيَى وَعَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ ... وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ عَنْ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ ... رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ أَنَّ بَرِيرَةَ ... وَلَمْ يَذْكُرْ صَعِدَ الْمِنْبَرَ. [الحديث 456 - أطرافه في: 1493، 2155، 2168، 2536، 2560، 2561، 2563، 2564، 2565، 2578، 2717، 2726، 2729، 2735، 5097، 5279، 5284، 5430، 6717، 6751، 6754، 6758، 6760]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) بن جعفر السعدي مولاهم المدني البصري (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري، وفي مسند الحميدي عن سفيان: حدّثنا يحيى (عن عمرة) بفتح العين وسكون الميم بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت) أي عائشة: (أتتها بريرة) بعدم الصرف لأنه منقول من بريرة واحدة البرير وهو ثمر الأراك وهي بنت صفوان فيما نقل عن النووي في التهذيب. قال الجلال البلقيني: لم يقله غيره وفيه نظر وفيه التفات إذ الأصل أن تقول: أتتني أو القائلة ذلك عمرة وحينئذٍ فلا التفات (تسألها) أي

حال كونها تستعين بها (في كتابتها) عبر بفي دون عن لأن السؤال للاستعطاء لا للاستخبار (فقالت) عائشة لها: (إن شئت أعطيت أهلك) أي مواليك بقية ما عليك فحذف مفعول أعطيت الثاني لدلالة الكلام عليه، (ويكون الولاء) بفتح الواو عليك (لي) دونهم (وقال أهلها) مواليها لعائشة رضي الله عنها: (إن شئت أعطيتها) أي بريرة (ما بقي) عليها من النجوم وموضع هذه الجملة النصب مفعول ثان لأعطيتها ومفعوله الأوّل الضمير المنصوب في أعطيتها. (وقال سفيان) بن عيينة (مرة) ومفهومه تحديثه به على وجهين وهو موصول بالسند السابق (إن شئت أعتقتها) هي بدل أعطيتها (ويكون الولاء) عليها (لنا) وكان المتأخر على بريرة من الكتابة خمس أواق نجمت عليها في خمس سنين كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الكتابة (فلما جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكرته ذلك) بتشديد كاف ذكرته وسكون تائها. بلفظ المتكلم كما في الفرع وأصله، أو بضمها مع سكون الراء فعلى الأوّل يكون من كلام الراوي بمعنى ما وقع منها، وعلى الثاني يكون من كلام عائشة رضي الله عنها. وقال الزركشي: صوابه ذكرت ذلك له انتهى. وهو الذي وقع في رواية مالك وغيره، وعلّل بأن التذكير يستدعي سبق علم بذلك. قال الحافظ ابن حجر: ولا يتجه تخطئة الرواية لاحتمال السبق أوّلاً على وجه الإجمال انتهى. وتعقّبه العيني بأنه لم يبيّن أحد هاهنا راوي التشديد ولا راوي التخفيف، واللفظ يحتمل أربعة أوجه ذكرته بالتشديد والضمير المنصوب، وذكرت بالتشديد من غير ضمير، وذكرت على صيغة المؤنثة الواحدة بالتخفيف بدون الضمير، وذكرته بالتخفيف والضمير لأن ذكرت بالتخفيف يتعدى. يقال: ذكرت الشيء بعد النسيان، وذكرته بلساني وبقلبي، وتذكرته وأذكرته غيري، وذكرته بمعنى انتهى. وقال الدماميني متعقبًا لكلام الزركشي وكأنه فهم أن الضمير المنصوب عائد إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وذلك مفعول فاحتاج إلى تقدير الحرف ضرورة أن ذكر إنما يتعدى بنفسه، وليس الأمر كما ظنه بل الضمير المنصوب عائد إلى الأمر المتقدم، وذلك بدل منه، والمفعول الذي يتعدى إليه هذا الفعل بحرف الجر حذف مع الحرف الجار له لدلالة ما تقدم عليه، فآل الأمر إلى أنها قالت: فلما جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكرت ذلك الأمر له وليت شعري ما المانع من حمل هذه الرواية الصحيحة على الوجه السائغ ولا غبار عليه. (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعائشة رضي الله عنها: (ابتاعيها) ولغير أبي ذر فقال ابتاعيها (فأعتقيها) بهمزة القطع في الثاني والوصل في الأوّل (فإن الولاء) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر فإنما الولاء (لمن أعتق ثم قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر) النبوي. (وقال سفيان مرة) (فصعد) بدل ثم قال (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر فقال ما بال) أي ما شأن (أقوام) كنى به عن الفاعل إذ من خلقه العظيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا يواجه أحدًا بما يكرهه (يشترطون شروطًا ليس) أي الاشتراط أو التذكير باعتبار جنس الشرط وللأصيلي ليست أي الشروط (في كتاب الله) عز وجل أي في حكمه سواء ذكر في القرآن أم في السنة، أو المراد بالكتاب المكتوب وهو اللوح المحفوظ (من اشترط شرطًا ليس فى كتاب الله فليس) ذلك الشرط (له) أي لا يستحقه، (وإن اشترط مائة مرة) للمبالغة لا لقصد التعيين، ولا يستدلّ به على أن ما ليس في القرآن باطل لأن قوله: إنما الولاء لمن أعتق ليس في كتاب الله، بل من لفظ الرسول إلا أن يقال لا قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] كان ما قاله عليه الصلاة والسلام كالمذكور في كتاب الله. وبقية مباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى، ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين مدني وكوفي ومديني وفيه تابعي عن تابعي عن صحابي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في الزكاة والعتق والبيوع والهبة والفرائض والطلاق والشروط والأطعمة وكفّارة الإيمان، ومسلم مختصرًا ومطوّلاً، وأبو داود في العتق، والترمذي في الوصايا، والنسائي في البيوع والعتق والفرائض والشروط، وابن

71 - باب التقاضي والملازمة في المسجد

ماجة في العتق. (قال علي) هو ابن المديني (قال يحيى) بن سعيد القطان (وعبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي، ولابن عساكر قال أبو عبد الله يعني البخاري قال يحيى وعبد الوهاب أي فيما وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن بشار عنهما، (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري، (عن عمرة) المذكورة. زاد الأصيلي نحو رواية مالك من صورة الإرسال وعدم ذكر المنبر وعائشة. (وقال جعفر بن عون) بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالنون مما وصله النسائي والإسماعيلي (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري رضي الله عنه (قال: سمعت عمرة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها) أفادت هذه الطريق التصريح بسماع كلِّ من يحيى وعمرة فأمن الإرسال بخلاف السابق فإنه بالعنعنة مع إسقاط عائشة، وإنما أفرد المؤلّف رواية سفيان لمطابقتها للترجمة بذكر المنبر فيها، ويؤيده أن التعليق عن مالك متأخر في رواية كريمة عن طريق جعفر بن عون قاله في الفتح. (رواه) كذا في الفرع تأخير رواه مالك عن قوله قال علّي قال يحيى وفي غيره تقديمه، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر، ورواه أي حديث الباب (مالك) الإمام فيما وصله المؤلف في باب المكاتب (عن يحيى) بن سعيد (عن عمرة) بنت عبد الرحمن المذكور (أن بريرة) فذكره لكنه لم يسنده إلى عائشة رضي الله عنها (ولم يذكر) فيه قوله (فصعد المنبر) وفي رواية على المنبر فصورة سياقه الإرسال. 71 - باب التَّقَاضِي وَالْمُلاَزَمَةِ فِي الْمَسْجِد (باب) حكم (التقاضي) أي مطالبة الغريم بقضاء الذين (و) حكم (الملازمة) للغريم لأجل طلب الدين (في المسجد). 457 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَال: َ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا) حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى: يَا كَعْبُ. قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا. وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ، أَىِ الشَّطْرَ قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُمْ فَاقْضِهِ. [الحديث 457 - أطرافه في: 471، 2418، 2424، 2706، 2710]. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولابن عساكر حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) هو ابن عبد الله بن جعفر المسندي (قال: حدّثنا عثمان بن عمر) بضم العين ابن فارس البصري العبدي (قال: أخبرنا يونس) بن يزيد (عن) ابن شهاب (الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك) الأنصاري السلمي المدني (عن) أبي (كعب) الشاعر أحد الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك. (أنه تقاضى) بوزن تفاعل أي أن كعبًا طالب (ابن أبي حدرد) بمهملات مفتوح الأوّل ساكن الثاني صحابي على الأصح، واسمه عبد الله بن سلامة كما ذكره المؤلّف في إحدى رواياته. قال الجوهري: ولم يأت من الأسماء فعلع بتكرير العين غير حدرد (دينًا) نصب بنزع الخافض أي بدين لأن تقاضى متعدٍّ لواحد وهو ابن (كان له عليه) أي كان لكعب على ابن أبي حدرد وجملة كان له في موضع نصب صفة لدينا، وللطبراني: إن الدين كان أوقيتين (في المسجد) الشريف النبوي متعلق بتقاضى (فارتفعت أصواتهما) من باب فقد صغت قلوبكما لعدم اللبس أو الجمع بالنظر لتنوّع الصوت (حتى سمعهما) ولغير الأصيلي وأبي ذر سمعها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وشرّف وكرّم (وهو في بيته) جملة حالية في موضع نصب، (فخرج إليهما) عليه الصلاة والسلام، وللأعرج فمرّ بهما أي أنه لما سمع صوتهما خرج لأجلهما ومرّ بهما وبهذا التوفيق ينتفي التعارض (حتى كشف سجف) بكسر السين المهملة وفتحها وإسكان الجيم أي ستر (حجرته) أو السجف الباب أو أحد طرفي الستر المفرج فنادى) عليه الصلاة والسلام: (يا كعب. قال) كعب: (لبيك يا رسول الله) تثنية اللب وهو الإقامة أي لبًّا بعد لب، ومعناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة، (فقال) عليه الصلاة والسلام له: (ضع) عنه (من دينك هذا وأومأ) بهمزة في أوّله وفي آخره (إليه أي الشطر) أي ضع عنه النصف كما فسره به في رواية الأعرج عند المؤلّف، وهو تفسير بالمقصود الذي أومأ إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفيه جواز الاعتماد على الإشارة وأنها تقوم مقام النطق إذا فهمت دلالتها عليه. (قال) كعب: والله (لقد فعلت يا رسول الله) ما أمرت به وخرج ذلك منه مخرج المبالغة في امتثال الأمر، ولذا أكد باللام مع ما فيه من معنى القسم، ولأبي ذر وابن عساكر والمستملي قد فعلت. (قال) عليه الصلاة والسلام لابن أبي حدرد: (قم فاقضه) حقه على الفور، والأمر

72 - باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان

على جهة الوجوب. وفيه إشارة إلى أنه لا يجتمع الوضيعة والتأجيل. فإن قلت: ما مطابقة الحديث للترجمة؟ أجيب: بأن التقاضي ظاهر، وأما الملازمة فمستنبطة من ملازمة ابن أبي حدرد خصمه في وقت التقاضي، أو أن المؤلّف أشار بالملازمة هاهنا إلى ما رواه في الصلح بلفظ إنه كان له على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي مال فلزمه انتهى. وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في محاله. ورواة هذا الحديث الستة ما بين بخاري وبصري ومدني، وفيه رواية الابن عن الأب والتحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في الصلح والملازمة، ومسلم في البيوع، وأبو داود والنسائي في القضاء، وابن ماجة في الأحكام. 72 - باب كَنْسِ الْمَسْجِدِ وَالْتِقَاطِ الْخِرَقِ وَالْقَذَى وَالْعِيدَانِ (باب كنس المسجد والتقاط الخرق) بكسر المعجمة وفتح الراء جمع خرقة (و) التقاط (العيدان) بكسر العين جمع عود (والقذى) بفتح القاف والمعجمة ما يسقط في العين والشراب، ثم استعمل في كل ما يقع في البيت وغيره إذا كان يسيرًا كالقش ونحوه. وفي رواية الأربعة القذي والعيدان، وللأصيلي والقذى منه أي من المسجد والجار والمجرور مضمر في رواية غيره ومتعلق بالالتقاط. 458 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً أَسْوَدَ -أَوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ- كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُ فَقَالُوا: مَاتَ. قَالَ: أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ، دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ -أَوْ قَالَ قَبْرِهَا- فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ. [الحديث 458 - طرفاه في: 460، 1337]. وبه قال: قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) بتصغير الأوّل وبالموحدة آخر الثاني الأزدي الواشحي بشين معجمة ثم حاء مهملة البصري قاضي مكة (قال: حدّثنا حمّاد بن زيد) هو ابن درهم الأزدي الحمصي البصري (عن ثابت) البناني (عن أبي رافع) نفيع بضم النون وفتح الفاء الصائغ التابعي لا الصحابي لأن ثابتًا لم يدركه (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. (أن رجلاً أسود أو امرأة سوداء) وعند ابن خزيمة من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ: امرأة سوداء من غير شك، وبه جزم أبو الشيخ في كتاب الصلاة له بسند مرسل، فالشك هنا من ثابت على الراجح، وسمّاها لي رواية البيهقي أم محجن (كان يقم) أو كانت تقم (المسجد) بضم القاف أي تكنسه، وفي بعض طرقه كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد وبذلك تقع المطابقة بين الترجمة والحديث، (فمات) أو ماتت (فسأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنه) أو عنها الناس (فقالوا: مات) أو ماتت، وأفاد البيهقي في روايته أن الذي أجاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه (قال) عليه الصلاة والسلام، ولأبوي ذر والوقت فقال: (أفلا) أئذا دفنتم فلا (كنتم آذنتموني) بالمد أي أعلمتموني (به) أو بها حتى أصلي عليه أو عليها، وعند المؤلّف في الجنائز فحقروا شأنه، ولابن خزيمة قالوا: مات من الليل فكرهنا أن نوقظك وحذف كانت بعد قوله كان يقم كحذف مؤنث باقيها الذي قدّرته للدلالة عليه، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (دلّوني على قبره أو قال على قبرها) على الشك، (فأتى) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قبره) ولابن عساكر قبرها (فصلّى عليها) وزاد الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وقال: إني رأيتها في الجنة تلقط القذى من المسجد، وللأصيلي عليه وهو حجة على المالكية حيث منعوا الصلاة على القبر. وتأتي مباحث الحديث إن شاء الله تعالى في محاله. ورواته الخمسة ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والجنائز، ومسلم وأبو داود وابن ماجة. 73 - باب تَحْرِيمِ تِجَارَةِ الْخَمْرِ فِي الْمَسْجِدِ (باب) ذكر (تحريم تجارة الخمر في المسجد) وتبيين أحكامه فيه، فالجار والمجرور يتعلق بتحريم لا بتجارة، وليس المراد اختصاص تحريمها بالمسجد لأنها حرام في المسجد وغيره، أو المراد أن الإعلام بتحريم تجارة الخمر كان في المسجد كما هو ظاهر تصريح حديث الباب. 459 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الآيَاتُ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرِّبَا خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ حَرَّمَ تِجَارَةَ الْخَمْرِ. [الحديث 459 - أطرافه في: 2084، 2226، 4540، 4541، 4542، 4543]. وبه قال: (حدّثنا عبدان) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة ابن عبد الله بن عثمان المروزي البصري الأصل (عن أبي حمزة) بالمهملة والزاي محمد بن ميمون السكري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن مسلم) هو ابن صبيح بضم المهملة وفتح الموحدة أبي الضحى الكوفي (عن مسروق) هو ابن الأجدع الكوفي (عن) أُم المؤمنين (عائشة) رضي الله عنها (قالت): (لما أنزل) بضم الهمزة وسكون النون وكسر الزاي، ولأبي ذر وابن عساكر أنزلت ولابن عساكر أيضًا نزلت (الآيات) التي (في سورة البقرة في الربوا) بالقصر، وإنما

74 - باب الخدم للمسجد

كتب بالواو كالصلاة للتفخيم على لغة، وزيدت الألف بعدها تشبيهًا بواو الجمع، والمراد قوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} [البقرة: 275] إلى آخر العشر، وبالأكل الأخذ، وإنما ذكر الأكل لأنه أعظم منافع المال، ولأن الربا شائع في المطعومات (خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المسجد فقرأهنّ على الناس ثم حرم تجارة الخمر)، وللإمام أحمد فحرم التجارة في الخمر وهو من تحريم الوسائل المفضية إلى المحرمات، ومفهومه سبق تحريم الخمر على تحريم الربا، ويؤيده ما نقل عن عياض أنه كان قبل نزول آيات الربا بمدة طويلة، فيحتمل وقوع الإخبار بالتحريم مرتين للتأكيد أو تأخر التحريم هنا عن تحريم عينها. وتأتي مباحث هذا الحديث إن شاء الله تعالى في تفسير سورة البقرة بعون الله تعالى. ورواة هذا الحديث الستة ما بين مروزي وكوفي، وفيه ثلاثة من التابعين والتحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في البيوع وفي التفسير، ومسلم وابن داود والنسائي وابن ماجة. 74 - باب الْخَدَمِ لِلْمَسْجِدِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا}: لِلْمَسْجِدِ يَخْدُمُهُ. (باب الخدم للمسجد) ولكريمة وأبي الوقت وابن عساكر في المسجد، وكان الأولى ذكر هذا الباب قبل سابقه. (وقال ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله ابن أبي حاتم بمعناه في تفسير قوله تعالى حكاية عن حنّة بفتح الحاء المهملة وتشديد النون بنت فاقوذا امرأة فرعون، وكانت عاقرًا فرأت يومًا طائرًا يزق فرخه فاشتهت الولد، فسألت الله أن يهبها ولدًا، فاستجاب الله دعاءها فواقعها زوجها فحملت منه، فلما تحقّقت الحمل قالت ما أخبر الله تعالى عنها {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا)} [آل عمران: 35] وللأصيلي تعني محررًا أي معتقًا (للمسجد) الأقصى (يخدمه) لا أشغله بشيء غيره، ولأبي ذر يخدمها أي المساجد أو الصخرة أو الأرض المقدسهّ، وكان النذر مشروعًا عندهم في الغلمان فلعلها بنت الأمر على التقدير أو طلبت ذكرًا {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} [آل عمران: 36] قالته تحسّرًا وتحزّنًا إلى ربها لأنها كانت ترجو أن تلد ذكرًا تحرّره للمسجد، فتقبلها ربها فرضي بها في النذر مكان الذكر بقبول حسن بوجه حسن تقبّل به النذائر وهو إقامتها مقام الذكر. 460 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً -أَوْ رَجُلاً- كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ -وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ امْرَأَةً- فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَبْرِهِ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن واقد) بالقاف نسبه لجدّه لشُهرته به وأبوه عبد الملك الحراني، المتوفى ببغداد سنة إحدى وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا حماد) وللأصيلي حماد بن زيد (عن ثابت) البناني (عن أبي رافع) نفيع (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن امرأة أو رجلاً كانت تقم المساجد) فحذف أو كان كما سبق فحذف من الأوّل خبر المؤنث وهنا خبر المذكر اعتبارًا بالسابق ليكون جاريًا على المهيع الكثير وهو الحذف من الثاني لدلالة الأوّل قاله الدماميني. نعم في رواية أبي ذر كان يقم المسجد بالتذكير. قال أبو رافع: (ولا أراه) بضم الهمزة أي لا أظنه (إلا امرأة فذكر) أبو هريرة (حديث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) السابق (أنه صلّى على قبره) ولأبي الوقت والأصيلي قبرها، وفي رواية على قبر بغير الضمير. 75 - باب الأَسِيرِ أَوِ الْغَرِيمِ يُرْبَطُ فِي الْمَسْجِدِ (باب) حكم (الأسير أو الغريم) حال كونه، (يربط في المسجد) الإباحة وأو للتنويع والأسير الأخيذ، ولابن السكن وابن عساكر الأسير والغريم بواو العطف. 461 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَىَّ الْبَارِحَةَ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- لِيَقْطَعَ عَلَىَّ الصَّلاَةَ، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} قَالَ رَوْحٌ: فَرَدَّهُ خَاسِئًا. [الحديث 461 - أطرافه في: 1210، 3284، 3423، 4808]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (روح) بفتح الراء ابن عبادة بضم العين المهملة وتخفيف الموحدة (ومحمد بن جعفر) المشهور بغندر كلاهما (عن شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن زياد) بكسر الزاي المعجمة وتخفيف المثناة التحتية القرشي الجمحي مولى آل عثمان بن مظعون (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال]: (إن عفريتًا) أي جنيًّا ماردًّا (من الجن) بيان له (تفلت عليّ البارحة) أي تعرّض لي فلتة أي بغتة في سرعة في أدنى ليلة مضت، وتفلت بفتحات مع تشديد اللام ونصب البارحة على الظرفية. (أو قال) عليه الصلاة والسلام (كلمة نحوها) أي كقوله في الرواية الآتية إن شاء الله تعالى في أواخر الصلاة عرض لي فشدّ عليّ، فالضمير لجملة تفلت عليّ البارحة (ليقطع) بفعله (عليّ الصلاة فأمكنني الله منه فأردت) بالفاء، ولأبوي ذر والوقت

76 - باب الاغتسال إذا أسلم، وربط الأسير أيضا في المسجد

والأصيلي وابن عساكر وأردت (أن أربطه) بكسر الموحدة (إلى سارية من سواري المسجد) أي أسطوانة من أساطينه (حتى تصبحوا) تدخلوا في الصباح (وتنظروا إليه كلكم) بالرفع توكيدًا للضمير المرفوع والفعل تام لا يحتاج إلى خبر، وهل كانت إرادته لربطه بعد تمام الصلاة أو فيها لأنه يسيرًا، حتمًا لأن ذكرهما ابن الملقن فيما نقله عنه في المصابيح (فذكرت قول أخي) في النبوّة (سليمان) بن داود عليهما السلام {ربّ اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي} من البشر مثله فتركه عليه الصلاة والسلام مع القدرة عليه حرصًا على إجابة الله عز وجل دعوة سليمان كذا في رواية أبي ذر كما في الفتح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا} [ص: 35] ولابن عساكر هب لي وإسقاط سابقه كما في الفرع وأصله ولغيرهما {رب هب لي} وحمله في الفتح على التغيير من بعض الرواة. وقال الكرماني: ولعله ذكره على قصد الاقتباس من القرآن لا على قصد أنه قرآن، وزاد في حاشية الفرع وأصله بعد قوله {من بعدي} مما ليس به رقم علامة أحد من الرواة {إنك أنت الوهاب}. ورواة هذا الحديث الستة ما بين مروزي بصري، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والتفسير وأحاديث الأنبياء وصفة إبليس اللعين، وأخرجه مسلم في الصلاة، والنسائي في التفسير. (قال روح) هو ابن عبادة في روايته دون رواية رفيقه محمد بن جعفر: (فردّه) عليه الصلاة والسلام أي العفريت حال كونه (خاسئًا) أي مطرودًا. نعم وقع عند المؤلّف في أحاديث الأنبياء عن محمد بن بشّار عن محمد بن جعفر وحده بلفظ فرددته خاسئًا. واستنبط من الحديث إباحة ربط الأسير في المسجد وربط الغريم بالقياس عليه، والله سبحانه الموفّق والمعين على الإتمام والمتفضل بالقبول والإقبال. 76 - باب الاِغْتِسَالِ إِذَا أَسْلَمَ، وَرَبْطِ الأَسِيرِ أَيْضًا فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ شُرَيْحٌ يَأْمُرُ الْغَرِيمَ أَنْ يُحْبَسَ إِلَى سَارِيَةِ الْمَسْجِدِ. (باب) بيان (الاغتسال) للكافر (إذا أسلم و) بيان (ربط الأسير أيضًا في المسجد) ولأي ذر في نسخة ويربط الأسير أيضًا. (وكان شريح) بالمعجمة أوله والمهملة آخره مصغرًا ابن الحرث الكندي النخعي أدرك زمنه عليه الصلاة والسلام لكنه لم يلقه، وكان قاضيًا بالكوفة لعمر، ومن بعده ستّين سنة، وتوفي قبل الثمانين أو بعدها (يأمر الغريم) أي بالغريم كما في أمرتك الخير أن تأتيه (أن يحبس) بضم أوله وفتح الموحدة أو يأمر الغريم أن يحبس نفسه (إلى سارية المسجد) وتمامه فيما وصله معمر عن أيوب عن ابن سيرين عنه: إلى أن يقوم بما عليه فإن أعطى الحق وإلاّ أمر به إلى السجن، لكن هذه الجملة من قوله: وربط الأسير إلى آخر قوله إلى سارية المسجد ساقطة في رواية الأصيلي وابن عساكر، وزاد في الفتح وكريمة وضبب عليها في رواية أبوي ذر والوقت كما نبّه عليه في الفرع وأصله: ووقع عند بعضهم سقوط الترجمة أصلاً والاقتصار على باب فقط وصوّب نظرًا إلى أن حديث الباب من جنس حديث سابقه وفصل بينهما لمغايرة ما. 462 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: "بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. [الحديث 462 - أطرافه في: 469، 2422، 2423، 4372]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: حدّثنا الليث) بن سعد المصري (قال: حدّثنا) بالجمع وللأربعة حدّثني (سعيد بن أبي سعيد) بكسر العين فيهما المقبري (أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر حدّثني بالإفراد أبو هريرة (قال): (بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لعشر ليال خلون من المحرم سنة ست إلى القرطاء نفر من بني أبي بكر بن كلاب (خيلاً) فرسانًا ثلاثين (قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة (نجد) بفتح النون وسكون الجيم (فجاءت برجل من بني حنيفة) بفتح الحاء المهملة (يقال له ثمامة بن أثال) بضم أول الاسمين والثاء المثلثة فيهما وهي مخففة كالميم (فربطوه) بأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما صرّح به ابن إسحاق في مغازيه. (بسارية من سواري المسجد) وحينئذ فيكون حديث ثمامة من جنس حديث العفريت فهناك هم بربطه، وإنما امتنع لأمر أجنبي وهنا أمر به، (فخرج إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أطلقوا ثمامة) منّا عليه أو تالفًا، أو لما علم من إيمان قلبه وأنه سيظهره أو أنه مرّ عليه فأسلم

77 - باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم

كما رواه ابنا خزيمة وحبّان من حديث أبي هريرة وهمزة أطلقوا همزة قطع فأطلقوه، (فانطلق) وفي رواية فذهب (إلى نخل قريب من المسجد) بالخاء المعجمة في نخل في أكثر الروايات، وفي النسخة المقروءة عن أبي الوقت إلى نجل بالجيم، وصوّبه بعضهم وهو الماء القليل النابع، وقال ابن دريد: هو الماء الجاري، (فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا رسول الله) وفيه مشروعية اغتسال الكافر إذا أسلم وأوجبه الإمام أحمد. ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين مصري بالميم ومدني، وفيه التحديث بالجمع والإفراد والسّماع والقول، وأخرجه المؤلّف في الصلاة والمغازي، ومسلم في المغازي، وأبو داود في الجهاد، والنسائي في الطهارة ببعضه وببعضه في الصلاة. 77 - باب الْخَيْمَةِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمَرْضَى وَغَيْرِهِمْ (باب) جواز نصب (الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم). 463 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ -وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ- إِلاَّ الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا، فَمَاتَ فِيهَا". [الحديث 463 - أطرافه في: 2813، 3901، 4117، 4122]. وبه قال: (حدّثنا زكريا بن يحيى) البلخي اللؤلؤي الحافظ (قال: حدّثنا عبد الله بن نمير) بضم النون وفتح الميم (قال: حدّثنا هشام) هو ابن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (أصيب سعد) هو ابن معاذ سيد الأوس المهتز لموته عرش الرحمن رضي الله عنه (يوم الخندق) وهو يوم الأحزاب في ذي القعدة (في الأكحل) بفتح الهمزة والمهملة بينهما كاف ساكنة عرق في وسط الذراع. قال الخليل: هو عرق الحياة وكان الذي أصابه ابن العرقة أحد بني عامر بن لؤي (فضرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيمة في المسجد) لسعد رضي الله عنه (ليعوده من قريب فلم يرعهم) أي لم يفزعهم (وفي المسجد خيمة من بني غفار) بكسر الغين المعجمة (إلا الدم يسيل إليهم فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهتكم؟ (فإذا سعد يغذو) بغين وذال معجمتين أي يسير (جرحه دمًا) نصب على التمييز وسابقه رفع فاعل يغذو الجيم مضمومة (فمات) سعد (فيها) أي في تلك المرضة أو في الخيمة، وللأربعة: وعزاها في الفتح للكشميهني والمستملي منها أي من الجراحة. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين مدني وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والمغازي والهجرة وأبو داود في الجنائز والنسائي في الصلاة. 78 - باب إِدْخَالِ الْبَعِيرِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْعِلَّةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "طَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَعِيرٍ". (باب) جواز (إدخال البعير في المسجد للعلة) أي للحاجة (وقال ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله المؤلّف في كتاب الحج: (طاف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بعير) وفي رواية على بعيره. 464 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: "شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَشْتَكِي. قَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ. فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ". [الحديث 464 - أطرافه في: 1619، 1626، 1633، 4853]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن محمد بن عبد الرحمن) بن الأسود (بن نوفل) بفتح النون والفاء يتيم عروة بن الزبير (عن عروة) ولأبي الوقت وابن عساكر زيادة ابن الزبير (عن زينب) ولأبي ذرّ برة (بنت أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومي (عن) أُم المؤمنين (أم سلمة) هند بنت أبي أمية رضي الله عنها (قالت): (شكوت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أني أشتكي) أي أتوجع وهو مفعول شكوت (قال) عليه الصلاة والسلام (طوفي) أي بالكعبة (من وراء الناس وأنت راكبة) قالت: (فطفت) راكبة البعير (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي إلى جنب البيت) الحرام (يقرأ بالطور وكتاب مسطور) أي بسورة الطور، ومن ثم حذفت واو القسم لأنه صار علمًا عليها، وقد قيل: إن ناقته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت منوّقة أي معلمة فيؤمن معها مما يحذر من التلويث وهي سائرة، فيحتمل أن يكون بعير أُم سلمة كان كذلك. ورواة هذا الحديث الستة مدنيون إلا شيخ المؤلّف، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول ورواية تابعي عن تابعي عن صحابية عن صحابية، وأخرجه أيضًا في الصلاة والحج ومسلم فيه. 79 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة. 465 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَمَعَهُمَا مِثْلُ الْمِصْبَاحَيْنِ يُضِيئانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا. فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ. [الحديث 465 - طرفاه في: 3639، 3805]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) من التثنية (قال: حدّثنا معاذ بن هشام، قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) هشام الدستوائي البصري (عن قتادة) بن دعامة السدوسي الأعمى البصري (قال: حدّثنا أنس) وللأصيلي أنس بن

80 - باب الخوخة والممر في المسجد

مالك (أن رجلين من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هما عباد بن بشر وأسيد بن حضير كما عند المؤلّف في المناقب (خرجا من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعدما كانا معه في المسجد (في ليلة مظلمة) بكسر اللام من أظلم الليل يظلم (ومعهما مثل المصباحين يضيئان بين أيديهما) إكرامًا لهما ببركة نبيّهما آية له عليه الصلاة والسلام، إذ خصّ بعض أصحابه بمثل هذه الكرامة عند حاجتهم إلى النور وإظهار السر قوله: بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة فعجل لهما مما ادّخر في الأخرى، (فلما افترقا صار مع كل واحد منهما) نور (واحد) يضيء له (حتى أتى أهله). ويأتي مزيد لما ذكرته في هذا الحديث في علامات النبوّة إن شاء الله تعالى بعونه وقوته. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في علامات النبوّة ومنقبة أسيد بن حضير وعباد بن بشر في مناقب الأنصار. 80 - باب الْخَوْخَةِ وَالْمَمَرِّ فِي الْمَسْجِدِ (باب الخوخة) بفتح الخاء المعجمة الباب الصغير (والممرّ) الكائنين (في المسجد). 466 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ. فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ، إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ؟ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ الْعَبْدَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا. قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ تَبْكِ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَىَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ. لاَ يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلاَّ سُدَّ، إِلاَّ بَابُ أَبِي بَكْرٍ". [الحديث 466 - طرفاه في: 3654، 3904]. وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة ثم نونين بينهما ألف (قال: حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام آخره حاء مهملة ابن سليمان (قال: حدّثنا أبو النضر) بفتح النون وسكون المعجمة سالم بن أبي أمية (عن عبيد بن حنين) بضم العين والحاء المهملتين فيهما وفتح النون في الثاني مصغرين المدني (عن بسر بن سعيد) بضم الموحدة وإسكان المهملة وكسر العين في الثاني المدني العابد مولى ابن الحضرمي، (عن أبي سعيد الخدري) ولأبي ذر والأصيلي عن أبي زيد عن عبيد بن حنين عن أبي سعيد الخدري فأسقطا بسر بن سعيد، وكذا وجد تصويبه على الأصل المسموع على الحافظ أبي ذر وأن الفربري قال: إن الرواية هكذا أي بإسقاطه. ونقل ابن السكن عن الفربري عن البخاري أنه قال: هكذا حدّث به محمد بن سنان عن فليح وهو خطأ، وإنما هو عن عبيد بن حنين وعن بسر بن سعيد يعني بواو العطف. قال الحافظ ابن حجر: فعلى هذا يكون أبو النضر سمعه من شيخين حدّثه كلٌّ منهما به عن أبي سعيد فحذف العاطف خطأ من محمد بن سنان أو من فليح، وحينئذٍ فانتقاد الدارقطني على المؤلّف هذا الحديث مع إفصاحه بما ذكر لا وجه له وليست هذه بعلة قادحة، والله أعلم. (قال): (خطب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إن الله سبحانه خيّر عبدًا) من التخيير (بين الدنيا وبين ما عنده) أي عند الله في الآخرة (فاختار) العبد (ما عند الله) سقط عند الأصيلي وابن عساكر قوله فاختار ما عند الله وضرب عليه عند أبي الوقت، (فبكى أبو بكر رضي الله عنه) وللأصيلي أبو بكر الصديق. قال أبو سعيد: (فقلت في نفسي ما يبكي هذا الشيخ) نصب على المفعولية وكلمة ما استفهامية (إن يكن الله خير عبدًا) كذا في رواية الأكثرين وهو بكسر همزة إن الشرطية، ويكن فعل الشرط مجزوم كسر لالتقاء الساكنين أي أيّ شيء يبكيه من كون الله خيّر عبدًا؟ وللكشميهني من غير اليونينية إن يكن لله عبد خير بكسر إن ويكن مجزوم به كذلك، وعبد مبتدأ وخبره لله مقدمًا وخير بضم الخاء مبنيًّا للمفعول في موضع رفع صفة لعبد، وفي بعض النسخ كما في اللامع أن بالفتح، وجعله الزركشي من تجويز السفاقسي أي لأجل أن، لكن يشكل الجزم حينئذ في يكن. وأجاب ابن مالك بأن يقال فيه ما قيل في حديث لن ترع فإن سكن مع الناصب وهو لن للوقف فأشبه المجزوم فحذفت الألف كما تحذف في المجزوم ثم أجرى الوصل مجرى الوقف اهـ. والجزاء محذوف يدلّ عليه السياق وفيه ورود الشرط مضارعًا مع حذف الجزاء أو الجزاء قوله فاختار، وفي اليونينية من غير علامة أن يكون عبدًا خير (بين الدنيا وبين ما عنده) تعالى (فاختار ما عند الله فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو العبد) المخير وسقط قوله فاختار ما عند الله للأصيلي وابن عساكر وضرب عليه أبو الوقت: (وكان أبو بكر) الصديق رضي الله عنه، (أعلمنا) حيث فهم أنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفارق الدنيا فبكى حزنًا

على فراقه، وعبّر بقوله عبدًا بالتنكير ليظهر نباهة أهل العرفان في تفسير هذا المبهم فلم يفهم المقصود غير صاحبه الخصيص به فبكى. وقال: بل نفديك بأموالنا فسكن الرسول جزعه (فقال) ولغير الأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني قال: (يا أبا بكر لا تبك) ثم خصّه بالخصوصية العظمى، فقال: (إن أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر) بفتح الهمزة والميم وتشديد النون من أمنّ أي أكثرهم جودًا بنفسه وماله بلا استثابة ولم يرد به المنّة لأنها تفسد الصنيعة، ولأنه لا منّة لأحد عليه عليه الصلاة والسلام، بل منّته والله على جميع الخلائق. وقال القرطبي: هو من الامتنّان يعني أن أبا بكر رضي الله عنه له من الحقوق ما لو كان لغيره لامتنّ بها، وذلك لأنه بادر بالتصديق ونفقة الأموال وبالملازمة وبالمصاحبة إلى غير ذلك بانشراح صدر ورسوخ علم بأن الله ورسوله لهما المنّة في ذلك، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام بجميل أخلاقه وكرم أعراقه اعترف بذلك عملاً بشكر النعم، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الترمذي مرفوعًا: "ما لأحد عندنا يد إلاّ كافأناه ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة". (ولو كنت متخذًا خليلاً) أي أختار وأصطفي (من أمتي) كذا للأربعة ولغيرهم: ولو كنت متخذًا من أمتي خليلاً (لاتخذت) منهم (أبا بكر) لكونه متأهلاً لأن يتخذه عليه الصلاة والسلام خليلاً لولا المانع، وهو أنه عليه الصلاة والسلام امتلأ قلبه بما تخلّله من معرفة الله تعالى ومحبته ومراقبته حتى كأنها مزجت أجزاء قلبه بذلك فلم يتّسع قلبه لخلّة غير الله عز وجل، وعلى هذا فلا يكون الخليل إلاّ واحدًا، ومن لم ينته إلى ذلك ممن تعلّق القلب به فهو حبيب، ولذلك أثبت عليه الصلاة والسلام لأبي بكر وعائشة رضي الله عنهما أنهما أحبّ الناس إليه ونفى عنهما الخلّة التي هي فوق المحبة، وللأصيلي: لاتخذت أبا بكر يعني خليلاً. (ولكن أخوّة الإسلام) أفضل، وللأصيلي ولكن خوّة الإسلام بحذف الهمزة نقل حركة الهمزة إلى النون وحذف الهمزة فتضم فينطق بها كذلك، ويجوز تسكينها تخفيفًا فيحصل فيها ثلاثة أوجه سكون النون مع ثبوت الهمزة على الأصل، ونقل ضمة الهمزة للساكن قبلها وهو النون والثالثة كذلك، لكن استثقلت ضمة بين كسرة وضمة فسكنت تخفيفًا فهذه فرع الفرع. (ومودّته) أي مودّة الإسلام وهي بمعنى الخلة، والفرق بينهما باعتبار المتعلق، فالمثبتة ما كان بحسب الإسلام، والمنفية بجهة أخرى يدلّ عليه قوله في الحديث الآخر: ولكن خلة الإسلام أفضل والمودّة الإسلامية متفاوتة بحسب التفاوت في إعلاء كلمة الله تعالى، وتحصيل كثرة الثواب. ولا ريب أن الصديق رضي الله عنه كان أفضل الصحابة رضي الله عنهم من هذه الحيثية. (لا يبقين في المسجد باب) بالبناء للفاعل والنون مشدّدة للتأكيد وباب رفع على الفاعلية والنهي راجع إلى المكلفين لا إلى الباب فكنّى بعدم البقاء عن عدم الإبقاء لأنه لازم له كأنه قال: لا يبقه أحد حتى لا يبقى، وفي نسخة لا يبقين مبنيًّا للمفعول، فلفظ باب نائب عن الفاعل أي لا يبق أحد في المسجد بابًا، (إلاّ) بابًا (سدّ) بحذف المستثنى المقدّر ببابًا والفعل صفته وحينئذ، فلا يقال الفعل وقع مستثنى ومستثنى منه ثم استثنى من هذا فقال: (إلاّ باب أبي بكر) الصديق رضي الله عنه بنصب باب على الاستثناء أو برفعه على البدل، وفيه دلالة على الخصوصية لأبي بكر الصدّيق رضي الله عنه بالخلافة بعده عليه الصلاة والسلام والإمامة دون سائر الناس، فأبقى خوخته دون خوخة غيره، وهو يدل على أنه يخرج منها إلى المسجد للصلاة كذا قرّره ابن المنير، وعورض بما في الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما "سدّوا الأبواب إلاّ باب علّي". وأجيب بأن الترمذي قال إنه غريب. وقال ابن عساكر: إنه وهم لكن للحديث طرق يقوّي بعضها بعضًا، بل قال الحافظ ابن حجر في بعضها إسناده قوي وفي بعضها رجاله ثقات، وفيه أن المساجد تُصان عن تطرّق الناس إليها في خوخات ونحوها إلاّ من أبوابها إلاّ لحاجة مهمة، وسيكون لنا عودة إن شاء الله تعالى إلى ما في ذلك من البحث

81 - باب الأبواب والغلق للكعبة والمساجد

في الفضائل. وفي الحديث التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في فضل أبي بكر رضي الله عنه، ومسلم في الفضائل. 467 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبٌ رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَىَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ. سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ". [الحديث 467 - أطرافه في: 3656، 3657، 6738]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد الجعفي) بضم الجيم وسكون العين المسندي (قال: حدّثنا وهب بن جرير) بفتح الجيم (قال: حدّثنا أبي) جرير بن حازم بالحاء المهملة والزاي العتكي (قال: سمعت يعلى بن حكيم) بفتح المثناة التحتية وسكون العين وفتح اللام في الأوّل وفتح الحاء وكسر الكاف في الثاني الثقفي المكّي ثم البصري الشامي المدني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عياس) رضي الله عنهما (قال): (خرج رسول الله) وللأصيلي خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في مرضه الذي مات فيه) حال كونه (عاصبًا رأسه بخرقة) ولغير الأربعة عاصب بالرفع أي وهو عاصب لكنه ضبب عليها في الفرع وأصله، (فقعد) عليه الصلاة والسلام (على المنبر فحمد الله) تعالى على وجود الكمال (وأثنى عليه) على عدم النقصان (ثم قال: إنه) أي الشأن (ليس من الناس أحد أمنّ عليّ في نفسه وماله) أي أبذل لنفسه وماله (من أبي بكر بن أبي قحافة) بضم القاف عثمان رضي الله عنهما. (ولو كنت متخذًا من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر) منهم (خليلاً ولكن خلة الإسلام أفضل) أي فاضلة، إذ المقصود أن الخلة بالمعنى الأوّل أعلى مرتبة وأفضل من كل خلة (سدّوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر) وللكشميهني كما في الفتح إلاّ بدل غير. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه في الفرائض بزيادة، وأخرجه النسائي في المناقب. 81 - باب الأَبْوَابِ وَالْغَلَقِ لِلْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: يَا عَبْدَ الْمَلِكِ لَوْ رَأَيْتَ مَسَاجِدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبْوَابَهَا. (باب) اتخاذ (الأبواب والغلق للكعبة و) لغيرها من (المساجد) لأجل صونها. (قال أبو عبد الله) أي البخاري: وسقط ذلك عند ابن عساكر والأصيلي (وقال لي عبد الله بن محمد) المسندي: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: قال لي ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام عبد الله بن عبد الرحمن، واسم أبي مليكة زهير بن عبد الله التيمي الأحول المكّي. (يا عبد الملك لو رأيت مساجد ابن عباس وأبوابها) لرأيت عجبًا أو حسنًا لإتقانها فحذف الجواب. 468 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ وَقُتَيْبَةُ قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمَ مَكَّةَ فَدَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ فَفَتَحَ الْبَابَ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِلاَلٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، ثُمَّ أُغْلِقَ الْبَابُ فَلَبِثَ فِيهِ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجُوا. قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَبَدَرْتُ فَسَأَلْتُ بِلاَلاً فَقَالَ: صَلَّى فِيهِ، فَقُلْتُ: فِي أَىٍّ؟ قَالَ: بَيْنَ الأُسْطُوَانَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَذَهَبَ عَلَىَّ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى؟. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) بضم النون محمد بن الفضل السدوسي البصري (وقتيبة) ولأبي ذر وقتيبة بن سعيد (قالا: حدّثنا حماد) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر حماد بن زيد (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما: (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قدم مكة) عام الفتح. (فدعا عثمان بن طلحة) الحجبي (ففتح الباب) أي باب الكعبة في (دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيها (و) دخل معه (بلال) مؤذنه وخادم أمر صلاته (و) دخل معه أيضًا (أسامة بن زيد) خادمه فيما يحتاج إليه (وعثمان بن طلحة) الحجبي حتى لا يتوهم الناس عزله عن سدانة البيت، (ثم أغلق الباب) لئلا يزدحم الناس عليه لتوقّر دواعيهم على مراعاة أفعاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليأخذوها عنه، وأغلق بضم الهمزة وكسر اللام مبنيًّا للمفعول، وفي رواية: ثم أغلق بفتح الهمزة واللام مبنيًّا للفاعل والباب نصب على المفعولية، (فلبث) عليه الصلاة والسلام (فيه ساعة ثم خرجوا) كلهم (قال ابن عمر): (فبدرت) أي أسرعت (فسألت بلالاً) هل صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه أم لا؟ (فقال: صلّى فيه فقلت في أيّ) بالتنوين أي في أيّ نواحيه؟ (قال: ببن الأسطوانتين) بضم الهمزة. (قال ابن عمر) (فذهب عليّ أن أسأله كم صلّى) أي فاتني سؤال الكمية. ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه أيضًا في المغازي والجهاد، ومسلم في الحج، وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجة. 82 - باب دُخُولِ الْمُشْرِكِ الْمَسْجِدَ (باب دخول المشرك المسجد). 469 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِد". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري. (أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيلاً) فرسانًا (قبل نجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها، ونجد ما ارتفع

83 - باب رفع الصوت في المساجد

من تهامة إلى العراق (فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال) بضم المثلثة وتخفيف الميم في الأوّل وضم الهمزة وتخفيف المثلثة في الثاني (فربطوه بسارية من سواري المسجد) لينظر حسن صلاة السلمين واجتماعهم عليها فيرقّ قلبه. وهذا الحديث سبق قريبًا في باب الاغتسال إذا أسلم، واختصره هنا مقتصرًا على مراد الترجمة وهو دخول المشرك المسجد، وعند الشافعية التفصيل بين المسجد الحرام وغيره فيمنع من دخوله لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام} [التوبة: 28] بخلاف سائر المساجد فإنه لا يمنع منه لهذا الحديث، ولأن ذات المشرك ليست بنجسة فيدخل بإذن المسلم، وعن الحنفية الجواز مطلقًا، وعن المالكية والمزني المنع مطلقًا تعظيمًا لشعائر الله تعالى، ويأتي الحديث بتمامه إن شاء الله تعالى بعونه عز وجل في المغازي. 83 - باب رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسَاجِدِ (باب) حكم (رفع الصوت في المساجد) هل هو ممنوع أم لا؟ ولأبي ذر في المسجد بالإفراد. 470 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ. فَجِئْتُهُ بِهِمَا. قَالَ: مَنْ أَنْتُمَا -أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا-؟ قَالاَ: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ. قَالَ لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (قال: حدّثنا الجعيد) بضم الجيم وفتح العين المهملة وسكون المثناة التحتية آخره دال مهملة مصغرًا ويقال له الجعد (بن عبد الرحمن) بن أوس (قال: حدّثني) بالإفراد (يزيد بن خصيفة) بخاء معجمة مضمومة وصاد مهملة مفتوحة وبالفاء نسبة لجدّه واسم أبيه عبد الله (عن السائب بن يزيد) بالسين المهملة الكندي الصحابي، وهو عمّ يزيد بن خصيفة (قال): (كنت قائمًا) بالقاف وفي نسخة نائمًا بالنون، ويؤيده رواية حاتم عند الإسماعيلي عن الجعيد بلفظ: كنت مضطجعًا (في المسجد فحصبني) أي رماني بالحصباء (رجل فنظرت) إليه (فإذا عمر بن الخطاب) رضي الله عنه حاضر أو واقف، (فقال) أي عمر للسائب: (اذهب فائتني بهذين) الشخصين وكانا ثقفيين كما في رواية عبد الرزاق (فجئته بهما. قال) أي عمر رضي الله عنه، ولأبوي ذر والوقت فقال: (من) ولأبي الوقت وابن عساكر ممن (أنتما أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف. قال) عمر رضي الله عنه: (لو كنتما من أهل البلد) أي المدينة (لأوجعتكما) جلدًا (ترفعان) جواب عن سؤال مقدّر كأنهما قالا: لم توجعنا؟ قال: لأنكما ترفعان (أصواتكما في مسجد رسول الله) وللأصيلي في مسجد النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عبّر بأصواتكما بالجمع دون صوتيكما بالتثنية لأن المضاف المثنى معنى إذا كان جزء ما أضيف إليه، فالأصح أن يذكر بالجمع كقوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4) وإن لم يكن جزأه فالأكثر مجيئه بلفظ التثنية نحو: سلّ الزيدان سيفيهما فإن من اللبس جاز جعل المضاف بلفظ الجمع كقوله عليه الصلاة والسلام (يعذبان في قبورهما) وإنما قال عمر رضي الله عنه لهما: من أين أنتما ليعلم أنهما إن كانا من أهل البلد وعلما أن رفع الصوت باللغط في المسجد غير جائز زجرهما وأدّبهما، فلما أخبراه أنهما من غير أهل البلد عذرهما بالجهل. ورواة هذا الحديث ما بين مديني ومدني وبصري، وفيه التحديث والعنعنة والقول. 471 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ وَنَادَى: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، يَا كَعْبُ. قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ. قَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُمْ فَاقْضِهِ. وبه قال: (حدّثنا أحمد) غير منسوب نعم في رواية أبي عليّ بن شبويه عن الفربري، حدّثنا أحمد بن صالح وبه جزم ابن السكن وهو مصري (قال: حدّثنا) ولأبي الوقت وابن عساكر أخبرنا (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (يونس بن يزيد) الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن كعب بن مالك) أن أباه (كعب بن مالك) الأنصاري السلمي المدني الشاعر (أخبره) (أنه تقاضى) أي طالب (ابن أبي حدرد) بالحاء المهملة المفتوحة والدالين المهملتين الساكنة أولاهما بينهما راء عبد الله بن سلامة (دينًا) أي بدين (له عليه) ولأبوي ذر والوقت كان له عليه (في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها) أي أصواتهما، وللأصيلي حتى سمعهما أي كعبًا وابن أبي حدرد (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في بيته) جملة حالية اسمية ولم ينكر عليهما رفع أصواتهما في المسجد، لأن ذلك لطلب حق ولا بد فيه من رفع الصوت كما لا يخفى. وقال مالك: لا يرفع الصوت في المسجد بعلم ولا بغيره، وأجازه أبو حنيفة رحمه الله، (فخرج إليهما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

84 - باب الحلق والجلوس في المسجد

حتى كشف سجف حجرته) بكسر السين المهملة وسكون الجيم وبالفاء أي ستر بيته. (ونادى: يا كعب بن مالك) الأوّل مضموم منادى مفرد، والثاني منصوب منادى مضاف، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ونادى كعب بن مالك (قال) وللأصيلي فقال كعب: (لبيك يا رسول الله فأشار بيده) الكريمة المباركة (أن ضع الشطر من دينك، قال كعب: قد فعلت) ذلك (يا رسول الله، قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مخاطبًا لابن أبي حدرد وآمرًا له: (قم فاقضه) دينه. 84 - باب الْحِلَقِ وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ (باب) جواز (الحلق) للعلم وقراءة القرآن والذكر وغيرها وهي بكسر الحاء المهملة وفتح اللام ولابن عساكر الحلق بفتحهما (و) جواز (الجلوس في المسجد). 472 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ- مَا تَرَى فِي صَلاَةِ اللَّيْلِ؟ قَالَ: مَثْنَى مَثْنَى. فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى" وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ وِتْرًا، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِهِ. [الحديث 42 - أطرافه في: 473، 990، 993، 995، 1137]. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة في الأوّل وضم الميم وفتح الفاء وتشديد الضاد المعجمة المفتوحة (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري، وللأصيلي حدّثنا عبيد الله (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، وللأصيلي عن عبد الله بن عمر (قال): (سأل رجل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (وهو على المنبر) جملة حالية (ما ترى) أي ما رأيك أو من رأى بمعنى علم، والمراد لازمه إذ العالم يحكم بما علم شرعًا (في صلاة الليل. قال) عليه الصلاة والسلام: (مثنى مثنى) أي صلاة الليل مثنى مثنى، فالمبتدأ محذوف ومثنى غير منصوف للعدل والوصف. أي اثنين اثنين وكرره للتأكيد. قال الزركشي رحمه الله في تعليق العمدة: استشكل بعضهم التكرار، فإنّ القاعدة فيما عدل من أسماء الأعداد أن لا يكرر فلا يقال: جاء القوم مثنى مثنى. وأجيب: بأنه تأكيد لفظي لا لقصد التكرار، فإن ذلك مستفاد من الصيغة ثم قال: وأقول إن أصل السؤال فاسد، بل لا بدّ من التكرار إذا كان العدل في لفظ واحد كمثنى مثنى وثلاث ثلاث. قال الشاعر: هنيئًا لأرباب البيوت بيوتهم ... وللآكلين التمر مخمس مخمسا ومنه الحديث مثنى مثنى، فإن وقعت بين لفظين أو ألفاظ مختلفة لم يجز التكرار كمثنى وثلاث ورباع، والحكمة في ذلك أن ألفاظ العدد المعدولة مشروطة بسبق ما يقع فيه التفصيل تحقيفًا نحو: {أولي أجنحة} [فاطر: 1] أو تقديرًا نحو: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أريد تفصيله من نوع واحد وجب تكريره، لأن وقوعه بعده إما على جهة الخبرية أو الحالية أو الوصفية، فحمله عليه يقتضي مطابقته له، فلا بدّ من تكريره لتحصل الموافقة له، إذ لا يحسن وصف الجماعة باثنين وإن كان من ألفاظ مقدرة متعددة، فالمجموع تفصيل للمجموع فكان وافيًا به فلأجل ذلك لم يكرر نحو قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وإنما كان العدل في هذه الألفاظ من غير تكرار ليصيب كل ناكح ما شاء من هذه الأعداد، إذ لو كان من لفظ واحد لاقتصر الناكحون على ذلك العدد اهـ. وتعقبه في المصابيح بأنه لا يعرف أحدًا من النحاة ذهب إلى هذا التفصيل الذي ذكره، وفي الصحاح: إذا قلت جاءت الخيل مثنى فالمعنى اثنين اثنين أي جاؤوا مزدوجين، فهذا مما يقدح في إيجاب التكرير في اللفظ الواحد ثم بناء ما ذكره على الحكمة التي أبداها بناء واهٍ لأن المطابقة حاصلة بدون تكرير اللفظ المعدول من جهة المعنى، وذلك أنك إذا قلت جاء القوم مثنى إنما معناه اثنين اثنين، وهكذا فهو بمعنى مزدوجين كما قال الجوهري، ولا شك في صحة حمل مزدوجين على القوم ثم تكرير اللفظ المعدول لا يوجب المطابقة لأن الثاني كالأوّل سواء وليس ثم حرف يقتضي الجمع حتى تحسن المطابقة التي قصدها فلا يظهر وجه صحيح لما قاله وبناه اهـ. (فإذا خشى) المصلي (الصبح صلّى) ركعة (واحدة فأوترت) تلك الركعة (له ما صلّى) احتجّ به الشافعية على أن أقل الوتر ركعة واحدة مع حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: "الوتر ركعة من آخر الليل" وقال المالكية أي ركعة مع شفع تقدمها

85 - باب الاستلقاء في المسجد، ومد الرجل

ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى. قال نافع: (وأنه) أي ابن عمر (كان يقول) (اجعلوا آخر صلاتكم وترًا) وللأصيلي وأبي الوقت في نسخة عنهما وابن عساكر: آخر صلاتكم بالليل فزاد لفظ بالليل، وعزاها في الفتح لرواية الكشميهني والأصيلي فقط، (فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر به) أي بالوتر أو بالجعل الذي يدلّ عليه قوله اجعلوا. فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة: أجيب: بأنّ كونه عليه الصلاة والسلام على المنبر يدل على جماعة جالسين في المسجد، وعنهم الرجل الذي سأل عن صلاة الليل. ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول. 473 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ "أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يَخْطُبُ فَقَالَ: كَيْفَ صَلاَةُ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ: مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ". قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَجُلاً نَادَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل (قال: حدّثنا حماد) وللأربعة حماد بن زيد (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما: (أن رجلاً جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يخطب) على المنبر (فقال: كيف صلاة الليل؟ فقال) ولأبي ذر قال (مثى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة توتر) بالرفع على الاستئناف أو بالجزم جواب الأمر، وزاد في رواية أبي الوقت في نسخة لك، وعزاها فى الفتح للكشميهني والأصيلي (ما قد صلّيت) وإسناد الإيتار إلى الصلاة مجاز (قال) وفي رواية وقال (الوليد بن كثير) بالمثلثة القرشي المخزومي المدني ثم الكوفي مما وصله مسلم: (حدّثني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) العمري (أن) أباه عبد الله (بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (حدّثهم) أن رجلاً نادى النبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في المسجد قيل: ليس فيه ما يدل على الحلق. وأجيب بأنه شبه جلوس الرجال في المسجد حوله عليه الصلاة والسلام وهو يخطب بالتحلق حول العالم، لأن الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام لا يكون في المسجد وهو على المنبر وعنده جمع جلوس إلاّ محدقين به كالتحلقين. 474 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: "بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَهَبَ وَاحِدٌ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فَجَلَسَ، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ. فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ الثَّلاَثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَى فَاسْتَحْيَى اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا) ولابن عساكر والأصيلي حدّثنا (مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أو طلحة أن أبا مرة) بضم الميم يزيد (مولى عقيل بن أبي طالب) بفتح العين (أخبره عن أبي واقد) بالقاف والدال المهملة الحرث بن عوف (الليثي قال): (بينما رسول الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) جالس حال كونه (في المسجد) زاد في كتاب العلم والناس معه (فأقبل ثلاثة نفر) من الطريق ودخلوا المسجد مارّين فيه وفيه زيادة الفاء على جواب بينما، وللأصيلي فأقبل نفر ثلاثة فـ (أقبل اثنان) من الثلاثة الذين أقبلوا من الطريق (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذهب واحد) عطف على فأقبل اثنان (فأما أحدهما) أما للتفصيل وأحدهما رفع بالابتداء والخبر قوله (فرأى فرجة فجلس) هذا موضع الترجمة وأدخل الفاء في فرأى لتضمن أما معنى الشرط وفي فجلس للعطف، وللأصيلي فرجة في الحلقة بإسكان اللام فجلس (وأما الآخر) بفتح الخاء أي الثاني (فجلس خلفهم) نصب على الظرفية (وأما الآخر فأدبر ذاهبًا) وهذه ساقطة من اليونينية، (فلما فرغ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما كان مشتغلاً به من الخطبة أو تعليم العلم أو غير ذلك (قال: ألا أخبركم عن الثلاثة) وللأصيلي عن النفر الثلاثة (أما أحدهم فأوى) بالقصر أي لجأ (إلى الله فآواه الله) عز وجل بالمد، (وأما الآخر فاستحيا) ترك المزاحمة (فاستحيا الله منه) جازاه بمثل فعله بأن رحمه ولم يعاقبه، (وأما الآخر فأعرض) عن مجلس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأعرض الله عنه) أي جازاه بأن غضب عليه فهو من باب ذكر الملزوم وإرادة اللازم، لأن نسبة الإيواء والاستحياء والإعراض في حقه تعالى محُال، فالمراد لازم ذلك وهو إرادة إيصال الخير وترك العقاب. وفي الحديث التحلّق للعلم والذكر وهو ظاهر فيما ترجم له، والحديث سبق في باب من قعد حيث ينتهي به المجلس من كتاب العلم. 85 - باب الاِسْتِلْقَاءِ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَدِّ الرِّجْلِ (باب) جواز (الاستلقاء في المسجد ومدّ الرجل) سقط قوله ومدّ الرجل عند الأصيلي وأبي ذر وابن عساكر، وثبت في نسخة عند أبي ذر وابن عساكر كما في الفرع، وكذا

86 - باب المسجد يكون في الطريق من غير ضرر بالناس

ثبت في نسخة الصغاني كما في الفتح. 475 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى. وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَفْعَلاَنِ ذَلِكَ. [الحديث 475 - طرفاه في: 5969، 6287]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن) إمام دار الهجرة (مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عباد بن تميم) بفتح العين وتشديد الموحدة (عن عمّه) عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه. (أنه رأى) أي أبصر (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (مستلقيًا) على ظهره (في المسجد) حال كونه (واضعًا إحدى رجليه على الأخرى) فعل ذلك ليبيّن جوازه، فحديث جابر المروي في مسلم نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يضع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلقٍ على ظهره إما منسوخ أو مقيد بما إذا ظهرت بذلك عورته، كأن يكون الإزار ضيقًا، فإذا وضع رِجلاً فوق الأخرى وهناك فرجة ظهرت منها العورة فإن أمنَ ذلك جاز. ورواة هذا الحديث الخمسة مدنيون، وفيه التحديث والعنعنة وأخرجه المؤلّف أيضًا في اللباس والاستئذان، ومسلم فى اللباس، وأبو داود في الأدب، والترمذى في الاستئذان وقال: حسن صحيح، والنسائي في الصلاة. (وعن ابن شهاب) الزهري بواو العطف على الإسناد السابق وصرّح به الداودي في روايته عن القعنبي، (عن سعيد بن المسيب) بفتح المثناة التحتية وكسرها ابن حزن القرشي المخزومي أحد العلماء الأعلام الأثبات المتفق على أن مرسلاته أصح المراسيل. وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علمًا منه، وتوفي بعد التسعين وقد ناهز الثمانين (قال: كان عمر) بن الخطاب (وعثمان) بن عفان (يفعلان ذلك) رضي الله عنهما أي الاستلقاء المذكور، وزاد الحميدي عن ابن مسعود أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يفعل ذلك أيضًا، وهذا يردّ على من قال: إن الاستلقاء من خصائصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 86 - باب الْمَسْجِدِ يَكُونُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِالنَّاسِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَأَيُّوبُ وَمَالِك. (باب) حكم بناء (المسجد يكون في الطريق) المباحة (من غير ضرر بالناس) ولأبي ذر للناس (وبه) أي بجوازه (قال الحسن) البصري (وأيوب) السختياني (ومالك) إمام دار الهجرة وعليه الجمهور، وأما ما رواه عبد الرزاق عن علي وابن عمر رضي الله عنهما من المنع فسنده ضعيف لا يحتج به. 476 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: "لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَرَفَىِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً. ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَقِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً لاَ يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ". [الحديث 476 - أطرافه في: 2138، 2263، 2264، 2297، 3905، 4093، 5807، 6079]. وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجدّه واسم أبيه عبد الله المخزومي المصري (قال: حدّثنا الليث) بن سعد المصري (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الإيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال): أخبرني بالإفراد، ولأبي ذر عن الكشميهني، فأخبرني بالفاء، ولأبي الوقت والأصيلي: وأخبرني بالواو وكلاهما عطف على مقدر أي أخبرني (عروة بن الزبير) بن العوام بكذا وأخبرني عقب هذا (أن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: لم أعقل) أي لم أعرف (أبوي) أبا بكر وأم رومان رضي الله عنهما (إلاّ وهما يدينان الدين) بكسر الدال أي يتدينان بدين الإسلام فهو نصب بنزع الخافض (ولم يمر علينا) وللأصيلى وأبي الوقت وابن عساكر عليهما أي الصديق وزوجته (يوم إلا يأتينا فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طرفي النهار بكرة وعشية) نصب على الظرفية فيهما (ثم بدا) أي ظهر (لأبي بكر) رضي الله عنه رأي بعد أن خرج مهاجرًا من مكة ورجع في جوار ابن الدغنة واشتراطه عليه أن لا يستعلن بعبادته القصة الآتية إن شاء الله تعالى في كتاب الهجرة إلى قوله: (فابتنى مسجدًا بفناء داره) بكسر الفاء مع المد ما امتد من جوانبها (فكان يصلّي فيه) أي في المسجد (ويقرأ القرآن) أي ما نزل منه إذ ذاك، (فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر) رضي الله عنه (رجلاً بكاءً) بتشديد الكاف مبالغة في باكٍ (لا يملك عينيه) أي لا يطيق إمساكهما ومنعهما مرّ البكاء (إذا قرأ القرآن فأفزع) بالزاي أي فأخاف (ذلك) الوقوف (أشراف قريش من المشركين) أن تميل أبناؤهم ونساؤهم إلى دين الإسلام. ووجه المطابقة بين الحديث والترجمة من جهة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اطّلع على بناء أبي بكر رضي الله عنه المسجد وأقرّه عليه. ورواته الستة ثلاثة منهم مصريون بالميم والآخرون مدنيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي والتحديث والعنعنة والإخبار، وأخرجه المؤلّف في الإجارة والكفالة

87 - باب الصلاة في مسجد السوق وصلى ابن عون في مسجد في دار يغلق عليهم الباب

والأدب والهجرة وبعضه في غزوة الرجيع. 87 - باب الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ السُّوقِ وَصَلَّى ابْنُ عَوْنٍ فِي مَسْجِدٍ فِي دَارٍ يُغْلَقُ عَلَيْهِمُ الْبَاب (باب) جواز (الصلاة في مسجد السوق) فلا دلالة في حديث: إن الأسواق شرّ البقاع وإن المساجد خير البقاع المروي عند البزار لعدم صحة إسناده، ولو صح لم يمنع وضع المسجد في السوق لأن بقعة المسجد حينئذ تكون بقعة خير ومسجد بالإفراد، وللأصيلي وابن عساكر مساجد السوق. (وصلّى ابن عون) بفتح العين المهملة وسكون الواو وآخره نون عبد الله (في مسجد في دار يغلق عليهم الباب) أي على ابن عون ومن معه وليس في هذا ذكر السوق فالله أعلم بوجه المطابقة. 477 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «صَلاَةُ الْجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ، وَأَتَى الْمَسْجِدَ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاَةَ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ. وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي -يَعْنِي عَلَيْهِ- الْمَلاَئِكَةُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدثنا أبو معاوية) محمد بن حازم الضرير (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي صالح) ذكوان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (صلاة الجميع) بياء بعد الميم المكسورة وفى رواية صلاة الجماعة (تزيد على صلاته) أي الشخص المنفرد (في بيته و) على (صلاته) بانفراده (في سوقه خمسًا وعشرين درجة) نصب على التمييز وخمسًا مفعول تزيد نحو قولك: زدت عليه خمسًا وسرّ الأعداد لا يوقف عليه إلا بنور النبوّة، وسيأتي إن شاء الله تعالى وجه المناسبة في التخصيص بعدد الخمس والعشرين في باب فضل الجماعة مع مباحث أخرى. (فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن) الوضوء بإسباغه ورعاية سُننه وآدابه وأسقط المفعول لدلالة السياق عليه. نعم ألحق في الفرع لا في أصله وضوءه بعد فأحسن، ويشبه أن يكون بغير خط كاتب الأصل، وللكشميهني في غير اليونينية بأن أحدكم بالموحدة بدل الفاء للسببية أو للمصاحبة أي تزيد بخمس وعشرين درجة مع فضائل أخرى هي رفع الدرجات وصلاة الملائكة ونحوهما. (وأتى المسجد) حال كونه (لا يريد إلاّ الصلاة) أو ما في معناها كاعتكاف ونحوه، واقتصر على الصلاة للأغلبية (لم يخط خطوة) بفتح الخاء (إلاّ رفعه الله بها درجة) سقط لفظ الجلالة للأصيلي (وحطّ عنه خطيئة) نصب فيهما على التمييز، وللأصيلي وحطّ عنه بها، وله وللكشميهني أو حط والواو أشمل (حتى يدخل المسجد) فالمشي إلى الجماعة يستلزم احتساب الأجْر بالخطوات والتنصّل عن الخطيئات، ومن توقَّى عن دركات الهلكات فقد ترقى إلى منجاة الدرجات (وإذا دخل المسجد كان في) ثواب (صلاة ما كانت) بتاء التأنيث، ولأبي ذرّ: ما كان (تحبسه) الصلاة أي مدّة دوام ذلك وحذف الفاعل للعلم به (وتصلّي يعني عليه الملائكة ما دام في مجلسه الذي يصلّي فيه) أي تستغفر وتطلب له الرحمة قائلين: (اللهم اغفر له اللهم ارحمه) وسقط عند أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر لفظ يعني ولفظ عليه عند ابن عساكر في نسخة، وثبت عنه في أخرى (ما لم يؤذ) المصلّي الملائكة (يحدث) من الإحداث بكسر الهمزة وبضم أول المضارعين مجزومين، واللاحق بدل من سابقه، ولأبي ذر وابن عساكر في نسخة، وأبي الوقت يحدث بالرفع على الاستئناف، وللكشميهني ما لم يؤذ بحدث فيه بلفظ الجار والمجرور متعلق بيؤذ، وفي نسخة ما لم يحدث فيه بإسقاط يؤذ أي ما لم يأتِ بناقض للوضوء. ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في باب الجماعة، ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة في الصلاة. 88 - باب تَشْبِيكِ الأَصَابِعِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ (باب) جواز (تشبيك الأصابع في المسجد وغيره). 478 و 479 - حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ بِشْرٍ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ حَدَّثَنَا وَاقِدٌ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -أَوِ ابْنِ عَمْرٍو- "شَبَّكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصَابِعَه". [الحديث 479 - طرفه في: 480]. وبه قال: (حدّثنا حامد بن عمر) بضم العين البكراوي، المتوفّى بنيسابور أوّل سنة ثلاث وثلاثين ومائتين (عن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن المفضل الرقاشي: كان يصوم يومًا ويفطر يومًا ويصلّي كل يوم أربعمائة ركعة، وتوفي سنة تسع وثمانين ومائة (قال: حدّثنا عاصم) هو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني (قال: حدّثنا) أخي (واقد) بالقاف ابن محمد (عن أبيه) محمد بن زيد (عن ابن عمر) بن الخطاب (أو ابن عمرو) هو ابن العاص رضي الله عنه والشك من واقد (قال): (شبك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصابعه) ولابن عساكر شبك أصابعه.

480 - حدثنا وقال عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي فَلَمْ أَحْفَظْهُ، فَقَوَّمَهُ لِي وَاقِدٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، كَيْفَ بِكَ إِذَا بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ ... بِهَذَا». قال البخاري رحمه الله: (وقال عاصم بن علي) هو ابن عاصم بن صهيب الواسطي شيخ المؤلّف، وتوفي سنة إحدى وعشرين ومائتين مما وصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث له (حدّثنا عاصم بن محمد) هو ابن زيد قال (سمعت هذا الحديث من أبي) محمد بن زيد (فلم أحفظه فقوّمه لي) أخي (واقد عن أبيه) محمد بن زيد (قال سمعت أبي وهو يقول): (قال عبد الله) بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يا عبد الله بن عمرو) بفتح العين: (كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس) بضم الحاء المهملة وتخفيف المثلثة (يهذا) أي بما سبق، وزاد الحميدي في الجمع بين الصحيحين نقلاً عن ابن مسعود: قد مرجت عهودهم وأمانتهم واختلفوا فصاروا هكذا وشبك بين أصابعه، وإنما شبك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أصابعه ليمثل لهم هيئة اختلاطهم من باب تصوير المعقول بصورة المحسوس. وهذا الحديث ساقط في أكثر الروايات، ولم يذكره الإسماعيلي ولا أبو نعيم في مستخرجيهما، وإنما وجد بخط البرزالي، وذكر أبو مسعود في الأطراف له أنه رآه في كتاب ابن رميح عن الفربري عن حماد بن شاكر عن البخاري، وفي اليونينية سقوطه للأصيلي فقط. ورواته ما بين بصري ومدني وفيه التحديث والعنعنة. 481 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا». وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ. [الحديث 481 - طرفاه في: 2446، 6026]. وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) السلمي الكوفي نزيل مكة (قال: حدّثنا سفيان) الثّوري (عن أبي بردة بن عبد الله) وللكشميهني في نسخة عن بريد وهو اسم أبي بردة (ابن أبي بردة عن جدّه) أبي بردة بن أبي موسى (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن المؤمن) ولابن عساكر قال المؤمن (للمؤمن كالبنيان) بضم الموحدة أي كالحائط (يشدّ بعضه بعضًا) نصب على المفعولية وسابقه فاعل لسابقه وللمستملي في غير اليونينية شدّ بلفظ الماضي (وشبك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصابعه) وللأصيلي بين أصابعه. ورواة هذا الحديث الخمسة كوفيون، وفيه رواية الابن عن جدّه، ورواية جدّه عن أبيه والتحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الأدب والمظالم، والترمذي في البر والنسائي. 482 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شُمَيْلٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِحْدَى صَلاَتَىِ الْعَشِيِّ -قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا، قَالَ-فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الأَيْمَنَ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى، وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالُوا: قَصُرَتِ الصَّلاَةُ. وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتِ الصَّلاَةُ؟ قَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ. فَقَالَ: أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ: ثُمَّ سَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ. [الحديث 482 - أطرافه في: 714، 715، 1227، 1228، 1229، 6051، 7250]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن منصور كما جزم به أبو نعيم (قال: حدّثنا ابن شميل) بضم المعجمة ولابن عساكر النضر بن شميل (قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (ابن عون) بفتح العين وسكون الواو عبد الله (عن ابن سيرين) محمد (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال): (صلّى بنا رسولُ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إحدى صلاتي العشي) بفتح العين المهملة وتشديد الياء وهو من أوّل الزوال إلى الغروب وللمستملي والحموي: صلاة العشاء بالمد، وهم في ذلك لا صح أنها الظهر أو العصر. (قال ابن سيرين) محمد: (قد سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا) أهي الظهر أم العصر. (قال: فصلّى بنا ركعتين ثم سلّم فقام إلى خشبة معروضة) أي موضوعة بالعرض أو مطروحة (في) ناحية (المسجد فاتكأ) عليه الصلاة والسلام (عليها كأنه غضبان ووضع يده اليمنى على اليسرى) ولأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر على يده اليسرى (وشبك بين أصابعه ووضع خدّه الأيمن على ظهر كفّه اليسرى) ولغير الكشميهني ووضع يده اليمنى بدل خدّه الأيمن، والرواية الأولى أولى لئلا يلزم التكرار. (وخرجت السرعان من أبواب المسجد) بفتح السين والراء المهملتين وضم النون فاعل خرج أي أوائل الناس الذين يتسارعون، وضبطه الأصيلي مما في غير اليونينية سرعان بضم السين وإسكان الراء جمع سريع ككثيب وكثبان وهو المسرع للخروج، وقول أبي الفرج فيما حكاه الزركشي: إن فيه ثلاث لغات فتح السين وكسرها وضمّها والراء ساكنة والنون نصب أبدًا، تعقبه الدماميني بأنه إنما هو في سرعان الذي هو اسم فعل أي سرع، ولذا قال: والنون نصب أبدًا أي مفتوحة لا تتغير عن الفتح لأنها حركة بناء، فأما جمع سريع فمعرب تعتور نونه الحركات الثلاث فنقل اللفظ في غير محله كما ترى اهـ. (فقالوا: قصرت الصلاة) بفتح القاف وضم الصاد على البناء للفاعل، أو قصرت من قصر يقصر بضم

89 - باب المساجد التي على طرق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-

القاف وكسر الصاد على البناء للمفعول وعزي لأصل الحافظ المنذري (وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا) بإسقاط الضمير المنصوب وفي رواية فهاباه أي خافاه (أن يكلماه) عليه السلام إجلالاً له؛ (وفي القوم رجل) هو الخرباق وكان (في يديه طول يقال له ذو اليدين قال) وفي رواية فقال: (يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة) بالفتح ثم الضم أو الضم ثم الكسر كالسابقة (قال) عليه الصلاة والسلام: (لم أنسَ) في ظني (ولم تقصر) أي الصلاة (فقال) عليه الصلاة والسلام للحاضرين: (أكما) أي الأمر كما (يقول ذو اليدين؟ فقالوا: نعم) الأمر ما يقول (فتقدم) عليه الصلاة والسلام (فصلّى ما ترك) أي الذي تركه وهو الركعتان (ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر ثم كبر) وسقط لابن عساكر ثم كبر (وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكَبّر فربما سألوه) أي سألوا ابن سيرين هل في الحديث (ثم سلم فيقول) وللأصيلي يقول: (نبئت) بضم النون أي أخبرت (أن عمران بن حصين قال ثم سلم) ولأبي داود والترمذي والنسائي من طريق أشعث عن ابن سيرين حدّثني خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمّه أبي المهلب عن عمران بن حصين: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى بهم فَسَها فسجد سجدتين ثم تشهّد ثم سلّم فبين أشعث الواسطة بين ابن سيرين وبين عمران. ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في باب السهو. ورواته الخمسة ما بين مروزي وبصري، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه أيضًا في السهو وكذا مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. 89 - باب الْمَسَاجِدِ الَّتِي عَلَى طُرُقِ الْمَدِينَةِ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب) بيان (المساجد التي على طرق المدينة) النبوية بينها وبين مكة (والمواضع التي صلّى فيها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولم تجعل مساجد. 483 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: رَأَيْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَتَحَرَّى أَمَاكِنَ مِنَ الطَّرِيقِ فَيُصَلِّي فِيهَا، وَيُحَدِّثُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا، وَأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ. وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ. وَسَأَلْتُ سَالِمًا فَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ وَافَقَ نَافِعًا فِي الأَمْكِنَةِ كُلِّهَا، إِلاَّ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مَسْجِدٍ بِشَرَفِ الرَّوْحَاءِ. [الحديث 483 - أطرافه في: 1535، 2336، 7345]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن أبي بكر) البصري، المتوفّى سنة أربع وثلاثين ومائتين (المقدمي) بضم الميم الأول وفتح القاف وتشديد الدال المهملة بلفظ المفعول (قال: حدثنا فضيل بن سليمان) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة وسليمان بضم السين النميري بضم النون (قال: حدّثنا موسى بن عقبة) بضم العين وإسكان القاف (قال): (رأيت سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم (يتحرّى) أي يقصد ويختار (أماكن من الطريق فيصلّي فيها ويحدث أن أباه) عبد الله بن عمر (كان يصلّي فيها وأنه) أي أبا عبد الله (رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي في تلك الأمكنة) سقط لفظ يصلّي لابن عساكر، وهذا مرسل من سالم إن كان الضمير له قال موسى بن عقبة: (وحدّثني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصلّي في تلك الأمكنة) قال ابن عقبة أيضًا: (وسألت سالمًا) أي ابن عبد الله بن عمر عن ذلك (فلا أعلمه إلاّ وافق نافعًا في الأمكنة كلها إلاّ أنهما اختلفا في مسجِد بشرف الروحاء) بفتح الشين المعجمة والراء آخره فاء في الأوّل وبفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة ممدودًا اسم موضع بينه وبين المدينة ستة وثلاثون ميلاً كما عند مسلم في الأذان، ولابن أبي شيبة ثلاثون، وقد قال فيه عليه الصلاة والسلام: "هذا وادٍ من أودية الجنة وقد صلّى فيه قبلي سبعون نبيًّا ومرّ به موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام حاجًّا أو معتمرًا". ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والرؤية. 484 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَنْزِلُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ يَعْتَمِرُ وَفِي حَجَّتِهِ حِينَ حَجَّ تَحْتَ سَمُرَةٍ فِي مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ. وَكَانَ إِذَا رَجَعَ مِنْ غَزْوٍ كَانَ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ هَبَطَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ، فَإِذَا ظَهَرَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي الشَّرْقِيَّةِ فَعَرَّسَ ثَمَّ حَتَّى يُصْبِحَ، لَيْسَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِحِجَارَةٍ وَلاَ عَلَى الأَكَمَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْمَسْجِدُ، كَانَ ثَمَّ خَلِيجٌ يُصَلِّي عَبْدُ اللَّهِ عِنْدَهُ فِي بَطْنِهِ كُثُبٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَمَّ يُصَلِّي، فَدَحَا السَّيْلُ فِيهِ بِالْبَطْحَاءِ حَتَّى دَفَنَ ذَلِكَ الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي فِيهِ. [الحديث 484 - أطرافه في: 1532، 1533، 1799]. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) بكسر الذال المعجمة ابن عبد الله المديني الحزامي بكسر الحاء المهملة وبالزاي (قال: حدّثنا أنس بن عياض) بكسر العين المهملة آخره معجمة المدني، المتوفى سنة ثمانين ومائة (قال: حدّثنا موسى بن عقبة بن نافع أن عبد الله) ولأبوي ذر والوقت أن عبد الله بن عمر وللأصيلي يعني ابن عمر (أخبره): (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ينزل بذي الحليفة) بضم الحاء المهملة وفتح اللام الميقات المشهور لأهل المدينة (حين يعتمر وفي حجته حين حج) حجة الوداع (تحت سمرة) بفتح المهملة وضم الميم أم غيلان وشجر الطلح ذات الشوك (في موضع المسجد الذي بذي الحليفة) وفي نسخة الذي كان بذي الحليفة (وكان) عليه

الصلاة والسلام (إذا رجع من غزو كان في تلك الطريق) أي طريق الحديبية وكان صفة لغزو، ولابن عساكر وأبي ذر في نسخة غزو وكان بالواو قبل الكاف، ولأبي الوقت والأصيلي غزوه كان بالهاء فتذكير الضمير باعتبار تأويلها بسفر، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي والأصيلي غزوة وكان بتاء التأنيث والواو، (أو) كان (في حج أو عمرة هبط من بطن وادٍ) هو وادي العقيق وسقط حرف الجر عند أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر، ولابن عساكر وحده هبط من ظهر وادٍ بدل بطن وادٍ (فإذا ظهر من بطن وادٍ أناخ) راحلته (بالبطحاء) أي بالمسيل الواسع المجتمع فيه دقاق الحصى من مسيل الماء وهي (التي على شفير الوادي) بفتح الشين المعجمة أي طرفه (الشرقية) صفة بطحاء (فعرّس) بمهملات مع تشديد الراء أي نزل آخر الليل للاستراحة، (ثم) بفتح المثلثة أي هناك (حتى يصبح) بضم أوّله أي يدخل في الصباح وهي تامة استغنت بمرفوعها (ليس عند المسجد الذي بحجارة ولا على الأكمة) بفتح الهمزة والكاف الموضع المرتفع على ما حوله أو تلّ من حجر واحد (التي عليها المسجد كان ثم) بفتح المثلثة هناك (خليج) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام آخره جيم وادٍ له عمق (يصلّي عبد الله) بن عمر (عنده في بطنه كثب) بضم الكاف والمثلثة جمع كثيب رمل مجتمع (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم) بفتح المثلثة هناك (يصلّي) قال البرماوي كالكرماني هو مرسل من نافع (فدحا) بالحاء المهملة أي دفع (السيل فيه) ولأبي ذر فدحا فيه السيل (بالبطحاء حتى دفن) السيل (ذلك المكان الذي كان عبد الله) بن عمر (يصلّي فيه). 485 - وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى حَيْثُ الْمَسْجِدُ الصَّغِيرُ الَّذِي دُونَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِشَرَفِ الرَّوْحَاءِ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْلَمُ الْمَكَانَ الَّذِي صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ثَمَّ عَنْ يَمِينِكَ حِينَ تَقُومُ فِي الْمَسْجِدِ تُصَلِّي، وَذَلِكَ الْمَسْجِدُ عَلَى حَافَةِ الطَّرِيقِ الْيُمْنَى وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الأَكْبَرِ رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. (وأن عبد الله بن عمر حدّثه) بالإسناد المذكور إليه (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى حيث المسجد الصغير) بالرفع صفة للمسجد المرفوع بتقدير حيث هو المسجد وحيث لا تضاف إلاّ إلى جملة، وفي بعض الأصول صلّى جنب المسجد بالجيم والنون والموحدة، وحينئذ فالمسجد مجرور بالإضافة (الذي دون المسجد الذي بشرف الروحاء) هي قرية جامعة على ليلتين من المدينة، وتقدّم أن بينها وبين المدينة ستة وثلاثين ميلاً (وقد كان عبد الله) بن عمر رضي الله عنهما (يعلم) بفتح أوّله وثالثه وسكون ثانيه من العلم، ولأبوي ذر والوقت يعلم بضم ثم سكون ثم كسر من العلامة ولهما أيضًا تعلم بمثناة فوقية وتشديد اللام مفتوحتين (المكان الذي كان صلّى) ولابن عساكر الذي صلّى (فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) المكان الموصوف (ثم) بفتح المثلثة هناك (عن يمينك حين تقوم في المسجد تصلّي وذلك المسجد على حافّة الطريق اليمنى) بتخفيف الفاء أي على جانبه (وأنت ذاهب إلى مكة بينه وبين المسجد الأكبر رمية بحجر أو نحو ذلك). 486 - وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي إِلَى الْعِرْقِ الَّذِي عِنْدَ مُنْصَرَفِ الرَّوْحَاءِ، وَذَلِكَ الْعِرْقُ انْتِهَاءُ طَرَفِهِ عَلَى حَافَةِ الطَّرِيقِ دُونَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُنْصَرَفِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ، وَقَدِ ابْتُنِيَ ثَمَّ مَسْجِدٌ فَلَمْ يَكُنْ عَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، كَانَ يَتْرُكُهُ عَنْ يَسَارِهِ وَوَرَاءَهُ وَيُصَلِّي أَمَامَهُ إِلَى الْعِرْقِ نَفْسِهِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَرُوحُ مِنَ الرَّوْحَاءِ فَلاَ يُصَلِّي الظُّهْرَ حَتَّى يَأْتِيَ ذَلِكَ الْمَكَانَ فَيُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ، وَإِذَا أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ مَرَّ بِهِ قَبْلَ الصُّبْحِ بِسَاعَةٍ أَوْ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ عَرَّسَ حَتَّى يُصَلِّيَ بِهَا الصُّبْح. (وأن ابن عمر كان يصلّي إلى العرق) بكسر العين وسكون الراء المهملتين وبالقاف الجبل الصغير أو عرق الظبية الوادي المعروف (الذي عند منصرف الروحاء) بفتح الراء فيهما أي عند آخرها، (وذلك العرق انتهاء طرفه على حافة الطريق) ولأبي ذر عن الكشميهني انتهى طرفه بالقصر ورفع طرفه (دون) أي قريب أو تحت (المسجد الذي بينه وبين المنصرف) بفتح الراء (وأنت ذاهب إلى مكة، وقد ابتني) بضم المثناة الفوقية مبنيًّا للمفعول (ثم) أي هناك (مسجد فلم يكن عبد الله يصلّي) وللأصيلي فلم يكن عبد الله بن عمر يصلّي (في ذلك المسجد كان) وللأصيلي وكان (يتركه عن يساره ووراءه) بالنصب على الظرفية بتقدير في أو الجر عطفًا على سابقه، (ويصلّي أمامه) أي قدام المسجد (إلى العرق نفسه، وكان عبد الله) بن عمر (يروح من الروحاء فلا يصلّي الظهر حتى يأتي ذلك المكان فيصلّي فيه الظهر، وإذا أقبل من مكة فإن مرّ به قبل الصبح بساعة أو من آخر السحر) ما بين الفجر الكاذب والصادق، والفرق بينه وبين قوله قبل الصبح بساعة أنه أراد بآخر السحر أقل من ساعة، وحينئذ فيغاير اللاحق السابق (عرّس حتى يصلّي بها الصبح). 487 - وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَنْزِلُ تَحْتَ سَرْحَةٍ ضَخْمَةٍ دُونَ الرُّوَيْثَةِ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ وَوِجَاهَ الطَّرِيقِ فِي مَكَانٍ بَطْحٍ سَهْلٍ حَتَّى يُفْضِيَ مِنْ أَكَمَةٍ دُوَيْنَ بَرِيدِ الرُّوَيْثَةِ بِمِيلَيْنِ وَقَدِ انْكَسَرَ أَعْلاَهَا فَانْثَنَى فِي جَوْفِهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ عَلَى سَاقٍ وَفِي سَاقِهَا كُثُبٌ كَثِيرَةٌ. (وأن عبد الله حدّثه) بالسند

السابق إليه (أن النبي) ولابن عساكر أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ينزل تحت سرحة) بفتح السين والحاء المهملتين بينهما راء ساكنة شجرة (ضخمة) أي عظيمة (دون الرويثة) بضم الراء وبالمثلثة مصغرًا قرية جامعة بينها وبين المدينة سبعة عشر فرسخًا (عن يمين الطريق ووجاه الطريق) بكسر الواو وضمها أي مقابلها والهاء خفض عطفًا على يمين أو نصب على الظرفية (في مكان بطح) بفتح الموحدة وسكون المهملة وكسرها واسع (سهل حتى) ولأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر حين (يفضي) أي يخرج عليه الصلاة والسلام (من أكمة) بفتح الهمزة والكاف والميم موضع مرتفع (دوين بريد الرويثة) بضم الدال وفتح الواو مصغرًا، ولابن عساكر دون الرويثة (بميلين) أي بينه وبين المكان الذي ينزل فيه البريد بالرويثة ميلان أو البريد الطريق، (وقد انكسر أعلاها فانثنى) بفتح المثلثة مبنيًّا للفاعل أي انعطف (في جوفها وهي قائمة على ساق) كالبنيان ليست متّسعة من أسفل (وفي ساقها كثب) بكاف ومثلثة مضمومتين جمع كثيب وهي تلال الرمل (كثيرة). 488 - وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي طَرَفِ تَلْعَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْعَرْجِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى هَضْبَةٍ عِنْدَ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ قَبْرَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ عَلَى الْقُبُورِ رَضْمٌ مِنْ حِجَارَةٍ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ عِنْدَ سَلِمَاتِ الطَّرِيقِ، بَيْنَ أُولَئِكَ السَّلِمَاتِ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَرُوحُ مِنَ الْعَرْجِ بَعْدَ أَنْ تَمِيلَ الشَّمْسُ بِالْهَاجِرَةِ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ. (وأن عبد الله بن عمر حدّثه) بالسند المتقدم إليه (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى في طرف تلعة) بفتح المثناة الفوقية وسكون اللام وفتح العين المهملة مسيل الماء من فوق إلى أسفل الهضبة فوق الكثيب في الارتفاع ودون الجبل (من وراء العرج) بفتح العين وسكون الراء المهملتين آخره جيم قرية جامعة بينها وبين الرويثة ثلاثة عشر أو أربعة عشر ميلاً، (وأنت ذاهب إلى هضبة) بفتح الهاء وسكون الضاد المعجمة جبل منبسط على وجه الأرض أو ما طال أو اتسع وانفرد من الجبال (عند ذلك المسجد قبران أو ثلاثة على القبور رضم) بفتح الراء وسكون المعجمة وللأصيلي رضم بفتحها أي صخور بعضها فوق بعض (من حجارة عن يمين الطريق عند سلمات الطريق) بفتح السين المهملة وكسر اللام صخرات، ولغير أبي ذر والأصيلي سلمات بفتح اللام شجرة يدبغ بورقها الأديم (بين أولئك السلمات كان عبد الله) بن عمر رضي الله عنهما (يروح من العرج بعد أن تميل الشمس بالهاجرة) نصف النهار عند اشتداد الحرّ (فيصلّي الظهر في ذلك المسجد). 489 - وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَزَلَ عِنْدَ سَرَحَاتٍ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ فِي مَسِيلٍ دُونَ هَرْشَى، ذَلِكَ الْمَسِيلُ لاَصِقٌ بِكُرَاعِ هَرْشَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ قَرِيبٌ مِنْ غَلْوَةٍ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي إِلَى سَرْحَةٍ هِيَ أَقْرَبُ السَّرَحَاتِ إِلَى الطَّرِيقِ وَهْيَ أَطْوَلُهُنَّ. (وأن عبد الله بن عمر حدّثه) بالسند السابق: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نزل عند سرحات) بفتح الراء شجرات (عن يسار الطريق في مسيل) بفتح الميم وكسر المهملة مكان منحدر (دون هرشى) بفتح الهاء وسكون الراء وبالشين المعجمة مقصور جبل على ملتقى طريق المدينة والشام قريب من الجحفة (ذلك المسيل لاصق بكراع) بضم الهاء وسكون الراء وبالشين المعجمة ثنية بين مكة والمدينة، وقيل جبل قريب من الجحفة (بينه وبين الطريق قريب من غلوة) بفتح الغين المعجمة غاية بلوغ السهم أو أمد جري الفرس (وكان عبد الله) بن عمر (يصلّي إلى سرحة) بفتح السين وسكون الراء (هي أقرب السرحات) بفتح الراء أي إلى شجرة هي أقرب الشجرات (إلى الطريق وهي أطولهنّ). 490 - وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَنْزِلُ فِي الْمَسِيلِ الَّذِي فِي أَدْنَى مَرِّ الظَّهْرَانِ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ يَهْبِطُ مِنَ الصَّفْرَاوَاتِ يَنْزِلُ فِي بَطْنِ ذَلِكَ الْمَسِيلِ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ لَيْسَ بَيْنَ مَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ الطَّرِيقِ إِلاَّ رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ. (وأن عبد الله بن عمر حدّثه) بالسند السابق: (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ينزل في المسيل) المكان المنحدر (الذي في أدنى مرّ الظهران) بفتح الميم وتشديد الراء في الأولى، وبفتح الظاء المعجمة وسكون الهاء في الأخرى المسمى الآن بطن مرو، وللأصيلي مرّ الظهران (قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي مقابل (المدينة حين يهبط) وفي رواية حتى يهبط (من الصفراوات) بفتح الصاد المهملة وسكون الفاء جمع صفراء وهي الأودية أو الجبال التي بعد مرّ الظهران (ينزل في بطن ذلك المسيل عن يسار الطريق) ينزل بالمثناة التحتية كما في الفرع وغيره، أو تنزل بتاء الخطاب ليوافق قوله: (وأنت ذاهب إلى مكة ليس بين منزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين الطريق إلاّ رمية بحجر). 491 - وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَنْزِلُ بِذِي طُوًى وَيَبِيتُ حَتَّى يُصْبِحَ يُصَلِّي الصُّبْحَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ وَمُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ لَيْسَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ وَلَكِنْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ. [الحديث 491 - طرفاه في: 1767، 1769]. (وأن عبد الله بن عمر حدّثه) بالسند السابق: (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ينزل بذي طوى) بضم الطاء موضع بمكة، ولأبي ذر عن الكشميهني طوى بكسرها

90 - باب سترة الإمام سترة من خلفه

وعزاه العيني كابن جابر للأصيلي وله في الفرع كأصله طوى بفتحها ولأبي ذر بذي الطواء بزيادة أل مع كسر الطاء والمد، وعزا العيني كابن حجر زيادة الألف واللام للحموي والمستملي وحكيا فتح الطاء عن عياض وغيره، وهو الذي في الفرع وليس فيه ضم الطاء البتّة، (ويبيت) بها (حتى يصبح يصلّي الصبح حين يقدم مكة ومصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك على أكمة) بفتح الهمزة والكاف والميم موضع مرتفع على ما حوله أو تل من حجر واحد (غليظة) وفي رواية عظيمة (ليس في المسجد الذي بني ثم ولكن أسفل من ذلك على أكمة غليظة). 492 - وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَقْبَلَ فُرْضَتَىِ الْجَبَلِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَبَلِ الطَّوِيلِ نَحْوَ الْكَعْبَةِ فَجَعَلَ الْمَسْجِدَ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ يَسَارَ الْمَسْجِدِ بِطَرَفِ الأَكَمَةِ وَمُصَلَّى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْفَلَ مِنْهُ عَلَى الأَكَمَةِ السَّوْدَاءِ تَدَعُ مِنَ الأَكَمَةِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا ثُمَّ تُصَلِّي مُسْتَقْبِلَ الْفُرْضَتَيْنِ مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ. (وأن عبد الله) زاد الأصيلي ابن عمر (حدّثه) بالسند السابق إليه: (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استقبل فرضتي الجبل) بضم الفاء وسكون الراء وفتح الضاد المعجمة مدخل الطريق إلى الجبل (الذي بينه) ولأبي الوقت وابن عساكر الذي كان بينه (وبين الجبل الطويل نحو الكعبة) أي ناحيتها. قال نافع: (فجعل) عبد الله (المسجد الذي بني ثم) بفتح الثاء أي هناك (يسار المسجد بطرف الأكمة ومصلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسفل منه) بالنصب على الظرفية أو بالرفع خبر مبتدأ محذوف (علي الأكمة السوداء تدع من الأكمة عشرة أذرع) بالذال المعجمة ولأبي ذر عشر أذرع (أو نحوها ثم تصلّي) حال كونك (مستقبل الفرضتين من الجبل الذي بينك وبين الكعبة)، وإنما كان ابن عمر رضي الله عنه يصلّي في هذه المواضع للتبرّك، وهذا لا ينافي ما روي من كراهية أبيه عمر لذلك لأنه محمول على اعتقاد من لا يعرف وجوب ذلك وابنه عبد الله مأمون من ذلك، بل قال البغوي من الشافعية: إن المساجد التي ثبت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى فيها لو نذر أحد الصلاة في شيء منها تعين كما تتعين المساجد الثلاثة، فحفظ اختلاف عمر وابنه عبد الله رضي الله عنهما عظيم في الدين ففي اقتفاء آثاره عليه الصلاة والسلام تبرك به وتعظيم له، وفي نهي عمر رضي الله عنه السلامة في الاتباع من الابتداع. ألا ترى أن عمر نبه على أن هذه المساجد التي صلّى فيها عليه الصلاة والسلام ليست من المشاعر ولا لاحقة بالمساجد الثلاثة في التعظيم ثم إن هذه المساجد المذكورة لا يعرف اليوم منها غير مسجد ذي الحليفة، ومساجد الروحاء يعرفها أهل تلك الناحية. وفي هذا السياق المذكور هنا تسعة أحاديث أخرجها الحسن بن سفيان في مسنده مفرقة إلا أنه لم يذكر الثالث، وأخرج مسلم الأخير في كتاب الحج ... ورواة هذا الحديث الخمسة مدنيون وفيه التحديث والعنعنة والإخبار. (أبواب سترة المصلي) وهذا ساقط في اليونينية. 90 - باب سُتْرَةُ الإِمَامِ سُتْرَةُ مَنْ خَلْفَهُ هذا (باب) بالتنوين (سترة الإمام) الذي يصلّي بالناس وليس بين يديه جدار ونحوه (ستره من) وفي رواية سترة لمن (خلفه) من المصلين. 493 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: "أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلاَمَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَىْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَىَّ أَحَد". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (مالك) الإمام الأعظم (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما، وسقط لابن عساكر عبد الله (أنه قال) وللمستملي أن عبد الله بن عباس قال: (أقبلت راكبًا على حمار أتان) بالمثناة الفوقية (وأنا يومئذ قد ناهزت) أي قاربت (الاحتلام ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي بالناس بمنى) ولمسلم من رواية ابن عيينة بعرفة وجمع بينهما النووي بأنهما واقعتان، وتعقب بأن الأصل عدم التعدّد، ولا سيما مع اتحاد مخرج الحديث. قال ابن حجر: والحق أن قول ابن عيينة بعرفة شاذ وكان في حجة الوداع من غير شك (إلى غير جدار) قال الشافعي إلى غير سترة وحينئذ فلا مطابقة بين الحديث والترجمة، وقد بوّب عليه البيهقي باب من صلّى إلى غير سترة، لكن استنبط بعضهم المطابقة من قوله إلى غير جدار لأن لفظ غير يشعر بأن ثمة سترة لأنها تقع دائمًا صفة، وتقديره إلى شيء غير جدار وهو أعمّ من أن يكون عصًا أو غير ذلك. (فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت) ولأبي ذر فأرسلت (الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك عليّ أحد) فدلّ على جواز المرور وصحة الصلاة معًا.

91 - باب قدر كم ينبغي أن يكون بين المصلي والسترة؟

فإن قلت: لا يلزم مما ذكر اطّلاعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك لاحتمال أن يكون الصف حائلاً دون رؤيته عليه الصلاة والسلام له. أجيب: بأنه عليه الصلاة والسلام كان يرى في الصلاة من ورائه كما يرى من أمامه، وفي رواية المصنف في الحج أنه مرّ بين يدي بعض الصف الأول فلم يكن هناك حائل دون الرؤية. 494 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأُمَرَاءُ. [الحديث 494 - أطرافه في: 498، 972، 973]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) ولابن عساكر إسحاق يعني ابن منصور، وبه جزم أبو نعيم وغيره (قال: حدّثنا عبد الله بن نمير) بضم النون (قال: حدّثنا عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي المدني، المتوفّى سنة تسع وأربعين ومائة (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا خرج يوم العيد أمر) خادمه (بالحربة) أي بأخذها (فتوضع بين يديه فيصلّي إليها والناس وراءه) نصب على الظرفية والناس رفع عطفًا على فاعل فيصلّي، (وكان) عليه الصلاة والسلام (يفعل ذلك) أي وضع الحربة والصلاة إليها (في السفر) فليس مختصًّا بيوم العيد. قال نافع: (فمن ثم) أي من هنا (اتخذها الأمراء) يخرج بها بين أيديهم في العيد ونحوه. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفيين ومدنيين، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود في الصلاة. 495 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ -وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ- الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عون بن أبي جحيفة) بفتح العين وسكون الواو (قال): (سمعت أبي) أبا جحيفة بضم الجيم وفتح المهملة واسمه وهب بن عبد الله السموائي بضم السين (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى بهم بالبطحاء) خارج مكة ويقال له الأبطح (وبين يديه عنزة) بفتح العين والنون كنصف رمح لكن سنانها في أسفلها بخلاف الرمح، فإنه في أعلاه والجملة حالية (الظهر ركعتين والعصر ركعتين) نصب على الحال أو بدل من المفعول، وزاد في رواية آدم عن شعبة عن عون أن ذلك كان بالهاجرة. قال النووي: فيكون عليه الصلاة والسلام جمع حينئذ بين الصلاتين في وقت الأولى منهما (يمرّ بين يديه) أي بين العنزة والقبلة (المرأة والحمار) لا بينه وبين العنزة، لأن في رواية عمر بن أبي زائدة في باب الصلاة في الثوب الأحمر، ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة، وقد اختلف فيما يقطع الصلاة فذهبت طائفة إلى ظاهر حديث أبي ذر المروي في مسلم من كون مرور الحمار والكلب يقطع الصلاة. وقال الإمام أحمد: لا شك في الكلب الأسود وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء، وذهب الشافعي إلى أنه لا يقطع الصلاة شيء لا الكلب ولا الحمار ولا المرأة ولا غيرها، والتشديد الوارد فيه هو لما يشغل قلب المصلي، ولا يخفى أن ما رواه ابن عباس كان قبل وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثمانين يومًا، فيكون ناسخًا لحديث أبي ذر المذكور والله أعلم. ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين بصري وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة والسماع، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وفي ستر العورة والأذان وصفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واللباس وفي باب السترة بمكة ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة في الصلاة. 91 - باب قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ؟ (باب) بيان (قدر كم) ذراع (ينبغي أن يكون بين المصلي) بكسر اللام (والسترة) كم وإن كان لها صدر الكلام استفهامية أو خبرية لكن تقدمها المضاف لأنه مع المضاف إليه في حكم كلمة واحدة. 496 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: "كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ الْجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ". [الحديث 496 - طرفه في: 7334]. وبالسند قال (حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين وضم الزاي ثم بالراء المكررة بين ألف، النيسابوري المتوفى سنة ثلاث وثمانين ومائتين (قال: أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (عبد العزيز بن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي واسمه سلمة (عن أبيه) سلمة بن دينار ولأبي ذر أخبرني أبي (عن سهل) الساعدي، وللأصيلي سهل بن سعد رضي الله عنه (قال): (كان بين مصلّى رسول الله) بفتح اللام بعد الصاد وللأصيلي النبي أي مقامه في صلاته (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين الجدار) أي جدار المسجد مما يلي القبلة كما في الاعتصام (ممر الشاة) أي موضع مرورها وهو بالرفع على أن كان تامّة أو ممر اسم كان بتقدير قدر أو نحوه والظرف الخبر. وقال الكرماني: ممر نصب على أنه خبر كان والاسم قدر المسافة، وهذا يحتاج إلى ثبوت

92 - باب الصلاة إلى الحربة

الرواية. فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة بالكسر؟ أجيب: بأنه بالفتح لازم له. ورواة هذا الحديث أربعة، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، ورواية الابن عن أبيه، وأخرجه مسلم وأبو داود في الصلاة. 497 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: "كَانَ جِدَارُ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، مَا كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوزُهَا". وبه قال: (حدّثنا المكي) ولأبي ذر والأصيلي المكي بن إبراهيم أي البلخي (قال: حدّثنا يزيد بن أبي عبيد) بضم العين الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع، المتوفّى سنة بضع وأربعين ومائة. (عن سلمة) بفتح السين واللام ابن الأكوع الأسلمي (قال): (كان جدار المسجد) النبوي (عند المنبر) تتمة اسم كان أي الجدار الذي عند المنبر والخبر قوله: (ما كادت الشاة تجوزها) بالجيم أي المسافة وهي ما بين الجدار والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ أو ما بين الجدار والمنبر. قال في الفتح: وهذا الحديث رواه الإسماعيلي من طريق أبي عاصم عن يزيد فقال: كان المنبر على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس بينه وبين حائط القبلة إلاّ قدر ما تمر العنز، فتبين بهذا السياق أن الحديث مرفوع، وللكشميهني: ما كادت الشاة أن تجوزها بزيادة أن واقتران خبر كاد بأن قليل كحذفها من خبر عسى، فحصل التقارض بينهما، ثم إن القاعدة أن حرف النفي إذا دخل على كاد يكون للنفي، لكنه هنا لإثبات جواز الشاة وقد قدروا ما بين المصلي والسترة بقدر ممر الشاة، وقيل: أقل ذلك ثلاثة أذرع، وبه قال الشافعي والإمام أحمد، ولأبي داود مرفوعًا من حديث سهل بن أبي حثمة: إذا صلّى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته. ورواة هذا الحديث ثلاثة، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم. 92 - باب الصَّلاَةِ إِلَى الْحَرْبَة (باب الصلاة إلى) جهة (الحربة) المركوزة بين المصلي والقبلة. 498 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُرْكَزُ لَهُ الْحَرْبَةُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر بن حفص عن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي المدني (قال: أخبرني) بالإفراد (نافع عن) مولاه (عبد الله) ولأبي ذر عبد الله بن عمر أي ابن الخطاب. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يركز) بالمثناة التحتية المضمومة وفتح الكاف، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر بالفوقية أي تغرز (له الحربة) وهي دون الرمح عريضة النصل (فيصلّي إليها) أي إلى جهتها. 93 - باب الصَّلاَةِ إِلَى الْعَنَزَةِ (باب الصلاة إلى) جهة (العنزة) بفتح العين المهملة والنون والزاي وهي أقصر من الحربة أو الحربة الرمح العريضة النصل والعنزة مثل نصف الرمح. 499 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: "خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْهَاجِرَةِ، فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ وَالْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ يَمُرُّونَ مِنْ وَرَائِهَا". وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج الواسطي ثم البصري (قال: حدّثنا عون بن أبي جحيفة) بفتح العين في عون وضم الجيم وفتح الحاء المهملة في جحيفة (قال: سمعت أبي) أبا جحيفة وهب بن عبد الله (قال) وللأصيلي يقول: (خرج علينا رسول الله) ولأبوي ذر والوقت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالهاجرة) وقت شدّة الحر عند قيام الظهيرة (فأتي) بضم الهمزة (بوضوء) بفتح الواو أي بماء (فتوضأ فصلّى) بالفاء وفي رواية: وصلّى (بنا الظهر والعصر) جميعًا في وقت الأولى (وبين يديه عنزة) جملة حالية (والمرأة والحمار) وغيرهما (يمرون من ورائها) أي من وراء العنزة، ولا بد من تقدير وغيرهما للمطابقة فيه حذف، ومثله قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد: 10]. قال البيضاوي: وقسيم من أنفق محذوف لوضوحه ودلالة ما بعده عليه أو هو من إطلاق اسم الجمع على التثنية، كما وقع مثله في فصيح الكلام، وحينئذ فلا يحتاج إلى تقدير. وقول الحافظ ابن حجر: كأنه أراد الجنس. تعقبه العيني بأنه إذا أريد به جنس المرأة وجنس الحمار فيكون تثنية أيضًا وحينئذ فلا مطابقة. قال: وقول ابن مالك أراد المرأة والحمار وراكبه، فحذف الراكب لدلالة الحمار عليه، ثم غلب تذكير الراكب المفهوم على تأنيث المرأة وذا العقل على الحمار فقال: يمرون، وقد وقع الإخبار عن مذكور ومحذوف في قولهم راكب البعير طليحان أي البعير وراكبه فيه تعسف وبعد. 500 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَاذَانُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ تَبِعْتُهُ أَنَا وَغُلاَمٌ وَمَعَنَا عُكَّازَةٌ أَوْ عَصًا أَوْ عَنَزَةٌ وَمَعَنَا إِدَاوَةٌ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ نَاوَلْنَاهُ الإِدَاوَةَ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن حاتم بن بزيع) بفتح الموحدة وكسر الزاي وسكون المثناة التحتية آخره مهملة، وحاتم بالحاء المهملة والمثناة الفوقية (قال: حدثنا شاذان) بالشين والذال المعجمتين آخره نون ابن عامر البغدادي (عن شعبة) بن الحجاج

94 - باب السترة بمكة وغيرها

(عن عطاء بن أبي ميمونة) البصري التابعي (قال) وفي رواية يقول: (سمع أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال): (كان النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا خرج لحاجته) للتخلّي (تبعته أنا وغلام) بضمير الفصل ليصح العطف (ومعنا عكازة) بضم العين وتشديد الكاف عصا ذات زج (و) قال (عصا أو عنزة) وهي أطول من العصا وأقصر من الرمح، ولأبي الهيثم أو غيره بالغين المعجمة والمثناة التحتية والراء أي غير كل واحد من العكازة والعصا، وصوّب الأولى عياض لموافقتها لسائر الأمهات، وحمل ابن حجر الثانية على التصحيف ونازعه العيني في ذلك. (ومعنا إداوة) بكسر الهمزة (فإذا فرغ من حاجته ناولناه الإداوة) فيستنجي بالماء أو بالحجر ويتوضأ بالماء وينبش بالعنزة الأرض الصلبة عند قضاء الحاجة خوف الرشاش ويصلّي عليها. 94 - باب السُّتْرَةِ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا (باب) استحباب (السترة) لدفع المارّ (بمكة وغيرها). 501 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْهَاجِرَةِ فَصَلَّى بِالْبَطْحَاءِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ وَنَصَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةً وَتَوَضَّأَ فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَمَسَّحُونَ بِوَضُوئِهِ. وبالسند قال: (حدّثنا سلمان بن حرب) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء آخره موحدة (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتح الحاء والكاف ابن عتيبة بضم العين وفتح المثناة الفوقية الكوفي (عن أبي جحيفة) وهب بن عبد الله رضي الله عنه (قال): (خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالهاجرة فصلّى بالبطحاء) أي بطحاء مكة (الظهر والعصر) كل واحدة منهما (ركعتين) جمع بينهما (ونصب بين يديه عنزة وتوضأ) الواو لمطلق الجمع لا للترتيب وحينئذ فلا إشكال هنا في سياق نصب العنزة والوضوء بعد الصلاة، (فجعل الناس يتمسحون بوضوئه) عليه الصلاة والسلام بقتح الواو بالماء الذي فضل منه أو بالماء المتقاطر من أعضائه حال التوضؤ، واستنبط منه التبرك بما يلامس أجساد الصالحين وطهارة الماء المستعمل، وحكمة السترة درء المارّ بين يديه، ويستحب بمكة وغيرها كما هو معروف عند الشافعية، ولا فرق في منع المرور بين يدي المصلي بين مكة وغيرها. نعم اغتفر بعضهم ذلك للطائفين دون غيرهم للضرورة. 95 - باب الصَّلاَةِ إِلَى الأُسْطُوَانَةِ وَقَالَ عُمَرُ: الْمُصَلُّونَ أَحَقُّ بِالسَّوَارِي مِنَ الْمُتَحَدِّثِينَ إِلَيْهَا. وَرَأَى عُمَرُ رَجُلاً يُصَلِّي بَيْنَ أُسْطُوَانَتَيْنِ فَأَدْنَاهُ إِلَى سَارِيَةٍ فَقَالَ: صَلِّ إِلَيْهَا. (باب) استحباب (الصلاة إلى) جهة (الاسطوانة) بهمزة قطع مضمومة. (وقال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه مما وصله ابن أبي شيبة: (المصلّون أحق بالسواري) في التستر بها (من المتحدثين) المستندين (إليها) لأنهما وإن اشتركا في الحاجة إليها فالمصلّي أحق إذ هو في عبادة محققة، (ورأى عمر) مما هو موصول عند ابن أبي شيبة أيضًا، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر في نسخة: رأى ابن عمر (رجلاً يصلّي بين أسطوانتين) بضم الهمزة (فأدناه) أي قربه (إلى سارية فقال: صل إليها). 502 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: كُنْتُ آتِي مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ فَيُصَلِّي عِنْدَ الأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ أَرَاكَ تَتَحَرَّى الصَّلاَةَ عِنْدَ هَذِهِ الأُسْطُوَانَةِ، قَالَ: فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَحَرَّى الصَّلاَةَ عِنْدَهَا. وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) البلخي (قال: حدّثنا يزيد بن أبي عبيد) بضم العين الأسلمي (قال): (كنت آتي مع سلمة بن الأكوع) الأسلمي (فيصلّي عند الأسطوانة) بقطع الهمزة المضمومة المتوسطة في الروضة المعروفة بالمهاجرين (التي عند المصحف) الذي كان في المسجد من عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال يزيد: (فقلت) لابن الأكوع؛ (يا أبا مسلم أراك) بفتح الهمزة أي أبصرك (تتحرى) تجتهد وتختار وتقصد (الصلاة عند هذه الأسطوانة قال: فإني رأيت النبي) وللأصيلي: رأيت رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتحرى الصلاة عندها) لأنها أولى أن تكون سترة من العنزة. ورواته ثلاثة، وفيه التحديث والقول، وأخرجه مسلم وابن ماجة في الصلاة. 503 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ كِبَارَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ عِنْدَ الْمَغْرِبِ. وَزَادَ شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَنَسٍ: حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 503 - طرفه في: 625]. وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وبالصاد المهملة ابن عقبة الكوفي (قال: حدّثنا سفيان) الثوري (عن عمرو بن عامر) بفتح العين وسكون الميم الكوفي الأنصاري (عن أنس) وللأصيلي أنس بن مالك (قال): (لقد رأيت) وللحموي والمستملي لقد أدركت (كبار أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبتدرون) بالدال المهملة (السواري) يتسارعون إليها (عند) أذان (المغرب). (وزاد شعبة) مما هو موصول في كتاب الأذان (عن عمرو) أي عامر الأنصاري (عن أنس) (حتى) وفي رواية حين (يخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ورواة هذا الحديث الأربعة كوفيون، وفيه التحديث والعنعنة. 96 - باب الصَّلاَةِ بَيْنَ السَّوَارِي فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍ (باب) حكم (الصلاة بين السواري في غير جماعة) أما فيها فكره قوم الصلاة بينها

97 - باب

لورود النهي الخاص عن الصلاة بينها في حديث أنس عند الحاكم بسند صحيح، وهو في السنن الثلاثة وحسنه الترمذي لأنه يقطع الصفوف والتسوية في الجماعة مطلوبة. 504 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَيْتَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ وَبِلاَلٌ فَأَطَالَ، ثُمَّ خَرَجَ، وَكُنْتُ أَوَّلَ النَّاسِ دَخَلَ عَلَى أَثَرِهِ، فَسَأَلْتُ بِلاَلاً: أَيْنَ صَلَّى؟ قَالَ: بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْن". وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي البصري (قال: حدّثنا جويرة) بضم الجيم ابن أسماء الضبعي البصري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال): (دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الكعبة (البيت) الحرام (وأسامة بن زيد) خادمه (وعثمان بن طلحة) الحجبي صاحب مفتاح البيت (وبلال) مؤذنه (فأطال) المكث فيه (ثم خرج) قال ابن عمر رضي الله عنه: (كنت) ولابن عساكر وكنت (أول الناس دخل على أثره) بفتح الهمزة والمثلثة أو بكسر ثم سكون، والذي فى اليونينية الفتح لا غير، (فسألت بلالاً أين صلّى) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ (قال) أي بلال، ولأبوي ذر والوقت فقال: صلّى (بين العمودين المقدمين) وللكشميهني المتقدمين. ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول. 505 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ الْكَعْبَةَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ، فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ وَمَكَثَ فِيهَا. فَسَأَلْتُ بِلاَلاً حِينَ خَرَجَ: مَا صَنَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ وَثَلاَثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ. وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى. وَقَالَ لَنَا إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ وَقَالَ: عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام رضي الله عنه (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما سقط عبد الله لابن عساكر. (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل الكعبة وأسامة بن زيد) بالرفع عطفًا على فاعل دخل أو بالنصب عطفًا على اسم إن (وبلال وعثمان بن طلحة الحجبي) بفتح الحاء المهملة والجيم وبالموحدة المكسورة نسبة إلى حجابة الكعبة (فأغلقها) أي الحجبي أغلق باب الكعبة (عليه) صلاة الله وسلامه عليه (ومكث فيها) بفتح الكاف وضمها قال ابن عمر: (فسألت بلالاً حين خرج ما صنع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الكعبة (قال) أي بلال: (جعل عمودًا عن يساره وعمودًا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه) ولا تنافي بين قوله في الرواية السابقة صلّى بين العمودين المقدمين، وبين قوله في هذه جعل عمودًا عن يساره وعمودًا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه. نعم استشكل قوله: وكانت البيت يومئذ على ستة أعمدة إذ فيه إشعار بكون ما عن يمينه أو يساره كان اثنين. وأجيب: بأن التثنية بالنظر إلى ما كان عليه البيت في الزمن النبوي والإفراد بالنظر إلى ما صار إليه بعد، ويؤيده قوله: (وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ثم صلّى) لأن فيه إشعارًا بأنه تغير عن هيئته الأولى، أو يقال لفظ العمود جنس يحتمل الواحد والاثنين فهو مجمل بينته رواية عمودين، أو لم تكن الأعمدة الثلاثة على سمت واحد بل عمودان متسامتان والثالث على غير سمتهما ولفظ المتقدمين في السابقة يشعر بهما. قال البخارى: (وقال لنا إسماعيل) وللأصيلي ابن أبي أويس ولكريمة قال لنا إسماعيل (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (وقال) ولأبي ذر فقال (عمودين عن يمينه) وقد وافق إسماعيل في قوله عمودين عن يمينه ابن القاسم والقعنبي وأبو مصعب ومحمد بن الحسن وأبو حذافة والشافعي وابن مهدي في إحدى الروايتين عنهما. 97 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة. 506 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ حِينَ يَدْخُلُ، وَجَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ، فَمَشَى حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلاَثَةِ أَذْرُعٍ صَلَّى يَتَوَخَّى الْمَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِهِ بِلاَلٌ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِيهِ. قَالَ: وَلَيْسَ عَلَى أَحَدِنَا بَأْسٌ إِنْ صَلَّى فِي أَىِّ نَوَاحِي الْبَيْتِ شَاءَ. وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي الوقت حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) الحزامي المدني (قال: حدّثنا أبو ضمرة) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم أنس بن عياض (قال: حدّثنا موسى بن عقبة عن نافع) مولى ابن عمر. (أن عبد الله) وللأصيلي عبد الله بن عمر بضم العين رضي الله عنهما (كان إذا دخل الكعبة مشى قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي مقابل (وجهه حين يدخل وجعل الباب قبل) أي مقابل (ظهره فمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل) أي مقابل (وجهه قريبًا) بالنصب وخطأه الزركشي، وخرجه البدر الدماميني على حذف الموصول وبقاء صلته أي حتى يكون الذي بينه قريبًا. ولكنه ليس بمقيس، وخرجه ابن حجر والبرماوي والعيني كالكرماني على أنه خبر كان والاسم محذوف أي القدر أو المكان قريبًا، وفي رواية قريب بالرفع اسمها والظرف المقدم خبرها

98 - باب الصلاة إلى الراحلة والبعير والشجر والرحل

(من ثلاثة أذرع) ولأبي ذر ثلاث بالتذكير والذراع يذكر ويؤنث (صلّى يتوخى) بالخاء المعجمة أي يتحرّى ويقصد (المكان الذي أخبره به بلال أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى فيه قال) ابن عمر رضي الله عنهما: (وليس على أحد) ولابن عساكر على أحدنا (بأس إن صلّى في أي نواحي البيت شاء) بكسر همزة إن وفتحها، وللكشميهني في غير اليونينية أن يصلّي بلفظ المضارع. 98 - باب الصَّلاَةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ وَالْبَعِيرِ وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ (باب) حكم (الصلاة إلى) جهة (الراحلة) أي الناقة تصلح لأن ترحل (و) إلى جهة (البعير) وسقط البعير للأصيلي كما في الفرع، وأصله وفي نسخة على بدل إلى فليتأمل والبعير وهو من الإبل ما دخل في الخامسة (و) إلى جهة (الشجر و) إلى جهة (الرحل) بالحاء المهملة الساكنة أصغر من القتب. 507 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا. قُلْتُ: أَفَرَأَيْتَ إِذَا هَبَّتِ الرِّكَابُ؟ قَالَ: كَانَ يَأْخُذُ هَذَا الرَّحْلَ فَيُعَدِّلُهُ فَيُصَلِّي إِلَى آخِرَتِهِ -أَوْ قَالَ مُؤَخَّرِهِ- وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه يَفْعَلُهُ. وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن أبي بكر المقدمي) بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة البصري (قال: حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان (عن عبيد الله) بضم العين وللأصيلي ابن عمر (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) رضي الله عنهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (أنه كان يعرض راحلته) بضم المثناة التحتية وفتح العين المهملة وتشديد الراء المكسورة أي يجعلها عرضًا، وفي رواية يعرض بسكون العين وضم الراء (فيصلّي إليها) قال عبيد الله: (قلت) لنافع كذا بينه الإسماعيلي وحينئذ فيكون مرسلاً لأن فاعل قوله يأخذ الآتي إن شاء الله تعالى هو الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يدركه نافع. (أفرأيت) وللأصيلي أرأيت (إذا هبّت الركاب) بكسر الراء أي هاجت الإبل وشوّشت على المصلي لعدم استقرارها. (قال) نافع (كان) عليه الصلاة والسلام (يأخذ الرحل) ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر يأخذ هذا الرحل (فيعدله) بضم المثناة التحتية وفتح العين وتشديد الدال من التعديل، وهو تقويم الشيء وضبطه الحافظ ابن حجر وغيره بفتح أوله وسكون العين وكسر الدال أي يقيمه تلقاء وجهه (فيصلّي إلى أخرته) بفتح الهمزة والمعجمة والراء من غير مد ويجوز المد لكن مع كسر الخاء. (أو قال مؤخره) بضم الميم ثم واو معجمة مفتوحتين وكسر الراء من غير همز كذا في اليونينية ليس إلا، وفي بعض الأصول مؤخره كذلك، لكن مع الهمزة وضبطه النووي بضم الميم وهمزة ساكنة وكسر الخاء وهي الخشبة التي يستند إليها الراكب. (وكان ابن عمر) رضي الله عنهما (يفعله) أي ما ذكر من التعديل والتعريض. فإن قلت: ما وجه مناسبة الحديث لما في الترجمة من البعير والشجر؟ أجيب: بأنه ألحق البعير بالراحلة للمعنى الجامع بينهما والشجر بالرحل بطريق الأولى، أو إشارة إلى ما رواه النسائي بإسناد حسن من حديث علي رضي الله عنه قال: لقد رأيتنا يوم بدر وما فينا إنسان إلا نائم إلا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه كان يصلّي إلى شجرة يدعو حتى أصبح. واستنبط من حديث الباب جواز التستر بما يستقر من الحيوان، وفيه التحديث والعنعنة، وهو من الرباعيات، وأخرجه مسلم والنسائي. 99 - باب الصَّلاَةِ إِلَى السَّرِيرِ (باب) حكم (الصلاة إلى السرير) ولابن عساكر في نسخة على السرير. 508 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَعَدَلْتُمُونَا بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ؟ لَقَدْ رَأَيْتُنِي مُضْطَجِعَةً عَلَى السَّرِيرِ فَيَجِيءُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَتَوَسَّطُ السَّرِيرَ فَيُصَلِّي، فَأَكْرَهُ أَنْ أُسَنِّحَهُ، فَأَنْسَلُّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَىِ السَّرِيرِ حَتَّى أَنْسَلَّ مِنْ لِحَافِي. وبالسند قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) نسبة لجدّه لشهرته به وإلا فأبوه محمد (قال: حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد الرازي الكوفي الأصل (عن منصور) هو ابن المعتمر السلمي الكوفي (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن) أم المؤمنين (عائشة) رضي الله عنها (قالت) لمن قال لحضرتها يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة: (أعدلتمونا) بهمزة الإنكار وفتح العين أي لِمَ عدلتمونا (بالكلب والحمار لقد) وفي رواية ولقد (رأيتني) بضم المثناة الفوقية أي لقد أبصرت نفسي حال كوني (مضطجعة على السرير فيجيء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيتوسط السرير فيصلّي) إليه كما بين في رواية مسروق عن عائشة رضي الله عنها عند المؤلّف في الاستئذان حيث قال: كان يصلّي والسرير بينه وبين القبلة، أو المراد أنه جعل نفسه الشريفة في وسط السرير فيصلّي عليه. ويؤيده رواية ابن عساكر باب الصلاة على السرير وحروف الجرّ ينوب بعضها عن بعض. وأجيب: عن

100 - باب يرد المصلي من مر بين يديه

حديث مسروق بالحمل على حالة أخرى غير المذكورة هنا (فكره أن أسنحه) بضم الهمزة وفتح السين المهملة وتشديد النون المكسورة وفتح الحاء المهملة، وللأصيلي أسنحه بضم ثم سكون فكسرة ففتحة كذا في الفرع وأصله، وفي فرع آخر أسنحه بفتح ثم سكون ففتحتين أي أكره أن أستقبله منتصبة ببدني في صلاته (فأنسل) بهمزة قطع وفتح السين المهملة وتشديد اللام عطفًا على أكره أي أخرج بخفية أو برفق (من قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة (رجلي السرير) بالتثنية مع الإضافة لتاليه (حتى أنسل من لحافي) بكسر اللام وهو كالمرور بين يديه، فيستنبط منه أن مرور المرأة غير قاطع للصلاة كما إذا كانت بين يدي المصلي. ورواة هذا الحديث كوفيون، وفيه رواية تابعي عن صحابية والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا بعد خمسة أبواب ومسلم في الصلاة. 100 - باب يَرُدُّ الْمُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَرَدَّ ابْنُ عُمَرَ فِي التَّشَهُّدِ، وَفِي الْكَعْبَةِ، وَقَالَ: إِنْ أَبَى إِلاَّ أَنْ تُقَاتِلَهُ فَقَاتِلْهُ. هذا (باب) بالتنوين (يردّ المصلي) ندبًا (من مرّ بين يديه) سواء كان المارّ آدميًّا أو غيره. (وردّ ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما مما وصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة (المارّ بين يديه) وهو عمرو بن دينار (في) حال (التشهد) في غير الكعبة (و) رد أيضًا المارّ بين يديه (في الكعبة) فالعطف على مقدرًا وهو على التشهد، فيكون الرد في حالة واحدة في التشهد وفي الكعبة، وحينئذٍ فلا حاجة لمقدر، وفي بعض الروايات كما حكاه ابن قرقول وفي الركعة بدل الكعبة. قال: وهو أشبه بالمعنى. وأجيب: بأنه وقع عند أبي نعيم شيخ المؤلّف في كتاب الصلاة من طريق صالح بن كيسان قال: رأيت ابن عمر يصلّي في الكعبة فلا يدع أحدًا يمر بين يديه يبادره. قال: أي يرده وبأن تخصيص الكعبة بالذكر لدفع توهم اغتفاره فيها لكثرة الزحام بها. (وقال) أي ابن عمر رضي الله عنهما مما وصله عبد الرزاق: (إن أبى) المارّ (إلا أن تقاتله) أيها المصلي بالمثناة الفوقية المضمومة (فقاتله) بكسر المثناة الفوقية وسكون اللام بصيغة الأمر، ولأبي ذر وابن عساكر قاتله بسكون اللام من غير فاء، لكن قال البرماوي كالكرماني كونه بلا فاء في جواب الشرط يقدّر له مبتدأ أي فأنت قاتله، ولغير الكشميهني في غير اليونينية إلا أن يقاتله أي المصلي قاتله بفتح المثناة واللام بصيغة الماضي، وهذا وارد على سبيل المبالغة إذ المراد أن يدفعه دفعًا شديدًا كدفع المقاتل. 509 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح. وَحَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ الْعَدَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ يُصَلِّي إِلَى شَىْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَفَعَ أَبُو سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ، فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إِلاَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعَادَ لِيَجْتَازَ فَدَفَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ أَشَدَّ مِنَ الأُولَى، فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ. ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَشَكَا إِلَيْهِ مَا لَقِيَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ خَلْفَهُ عَلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ: مَا لَكَ وَلاِبْنِ أَخِي كَ يَا أَبَا سَعِيدٍ؟ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَىْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ». [الحديث 509 - طرفه في: 3274]. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المقعد البصري المتوفى بها سنة أربع وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا عبد الوارث) ابن سعيد بن ذكوان العنبري البصري، المتوفّى سنة ثمانين ومائة (قال: حدّثنا يونس) بن عبيد بالتصغير ابن دينار البصري، المتوفّى سنة تسع وثلاثين ومائة (عن حميد بن هلال) بكسر الهاء وتخفيف اللام العدوي التابعي الجليل (عن أبي صالح) ذكوان السمان (أن أبا سعيد) سعد بن مالك الخدريّ رضي الله عنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح) مهملة للتحويل وهي ساقطة من اليونينية. قال البخاري: (وحدّثنا آدم) ولغير أي ذر والأصيلي آدم بن أي إياس (قال: حدّثنا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري (قال: حدّثنا حميد بن هلال العدوي، قال: حدّثنا أبو صالح) ذكوان (السمان) المذكوران وقرن المؤلّف رواية يونس برواية سليمان وساق لفظه دون لفظ يونس (قال): (رأيت أبا سعيد الخدري) رضي الله عنه (في يوم جمعة يصلّي إلى شيء يستره من الناس فأراد شاب من بني أبي معيط) قيل: هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط كما خرّجه أبو نعيم شيخ المؤلّف في كتاب الصلاة، وقيل غيره (أن يجتاز بين يديه) بالجيم والزاي من الجواز (فدفع أبو سعيد) الخدري رضي الله عنه (في صدره فنظر الشاب فلم يجد مساغًا) بفتح الميم والغين المعجمة أي طريقًا يمكنه المرور منها (إلاَّ بين يديه فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشد من) الدفعة (الأولى فنال) الشاب بالفاء والنون (من أبي سعيد) أي أصاب من عرضه بالشتم (ثم دخل) الشاب (على مروان) بن الحكم الأموي، المتوفى سنة خمس وستين وهو ابن ثلاث وستين سنة. (فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان فقال) مروان لأبي سعيد: (ما لك ولابن أخيك) أي في

101 - باب إثم المار بين يدى المصلي

الإسلام (يا أبا سعيد) وهو يردّ على من قال: إن المارّ هو الوليد بن عقبة لأن أباه عقبة قتل كافرًا. وقوله ما مبتدأ وخبره لك ولابن أخيك عطف عليه بإعادة الخافض (قال) أبو سعيد رضي الله عنه: (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: إذا صلّى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه) قال القرطبي رحمة الله عليه بالإشارة ولطيف المنع (فإن أبى فليقاتله) بكسر اللام الجازمة وسكونها. قال النووي رحمة الله عليه: لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بوجوب هذا الدفع، بل صرّح أصحابنا رحمهم الله تعالى بأنه مندوب. نعم قال أهل الظاهر بوجوبه، ونقل البيهقي عن الشافعي رحمهما الله تعالى أن المراد بالمقاتلة دفع أشد من الدفع الأول. وقال أصحابنا: يرده بأسهل الوجوه فإن أبى فبأشد ولو أدّى إلى قتله فقتله فلا شيء عليه، لأن الشّارع أباح له مقاتلته، والمقاتلة المباحة لا ضمان فيها وليس المراد المقاتلة بالسلاح ولا بالمشي إليه، بل والمصلي بمحله بحيث تناله يده ولا يكون عمله في مدافعته كثيرًا (فإنما هو شيطان) أي إنما فعله فعل شيطان، وإطلاق الشيطان على مارد الإنس سائغ على سبيل المجاز والحصر بإنما للمبالغة، فالحكم للمعاني لا للأسماء لأنه يستحيل أن يصير المارّ شيطانًا بمروره بين يدي المصلي. ورواة هذا الحديث الثمانية بصريون إلا أبا صالح فإنه مدني، وآدم فإنه عسقلاني، وفيه التحويل والتحديث والعنعنة والقول والرؤية، ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في صفة إبليس لعنة الله عليه، ومسلم وأبو داود في الصلاة. 101 - باب إِثْمِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَىِ الْمُصَلِّي (باب إثم المارّ بين يدي المصلي). 510 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَىِ الْمُصَلِّي، فَقَالَ أَبُو جُهَيْمٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَىِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لاَ أَدْرِي أَقَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام رضي الله عنه (عن أبي النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية (مولى عمر بن عبيد الله) بضم العين فيهما (عن بسر بن سعيد) بضم الموحدة وسكون المهملة وكسر العين الحضرمي المدني. (أن زيد بن خالد) الأنصاري الصحابي رضي الله عنه (أرسله) أي بسرًا (إلى أبي جهيم) بضم الجيم وفتح الهاء عبد الله الأنصاري (يسأله ماذا سمع من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المارّ بين يدي المصلي) أي أمامه بالقرب منه مقدار سجوده أو مقدار ثلاثة أذرع بينه وبينه أو رمية بحجر؟ (فقال أبو جهيم: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو يعلم المارّ بين يدي المصلي ماذا) أي الذي (عليه) زاد الكشميهني من الإثم. قال في الفتح: وليست هذه الزيادة في شيء من الروايات غيره، والحديث في الموطأ وباقي السُّنن والمسانيد والمستخرجات بدونها قال: ولم أرها في شيء من الروايات مطلقًا، لكن في مصنف ابن أبي شيبة يعني من الإثم فيحتمل أن تكون ذكرت في أصل البخاري حاشية، فظنها الكشميهني أصلاً لأنه لم يكن من أهل العلم ولا من الحفاظ، بل كان راوية وهي ثابتة في اليونينية من غير عزو، وجملة ماذا في موضع نصب سادّة مسدّ مفعولي يعلم وجواب لو قوله (لكان أن يقل) أي لو يعلم المار ما الذي عليه من الأثم في مروره بين يدي المصلي لكان وقوله (أربعين خيرًا له) نصب خبر كان وفي رواية خير بالرفع اسمها (من أن يمر) أي من مروره (بين يديه) أي المصلي لأن عذاب الدنيا وإن عظم يسير. قال مالك بالسند السابق: (قال أبو النضر) سالم ابن أبي أمية (لا أدري أقال) بهمزة الاستفهام، ولأبي ذر قال أي بسر بن سعيد (أربعين يومًا أو شهرًا أو سنة) وللبزار أربعين خريفًا، وفي صحيح ابن حبان عن أبي هريرة مائة عام، وكل هذا يقتضي كثرة ما فيه من الإثم. وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة وتابعي وصحابيان ورجاله ستة، وأخرجه بقية الستة. 102 - باب اسْتِقْبَالِ الرَّجُلِ صَاحِبَهُ أَوْ غَيْرَهُ فِي صَلاَتِهِ وَهُوَ يُصَلِّي وَكَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يُسْتَقْبَلَ الرَّجُلُ وَهُوَ يُصَلِّي، وَإِنَّمَا هَذَا إِذَا اشْتَغَلَ بِهِ. فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشْتَغِلْ فَقَدْ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا بَالَيْتُ، إِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَقْطَعُ صَلاَةَ الرَّجُل. (باب استقبال الرجل الرجل وهو) أي والحال أنه (يصلّي) وفي هامش الفرع باب استقبال الرجل وهو يصلّي، وللأربعة: هل يكره أم لا أو يفرق بين ما إذا ألهاه أو لا؟ وفي نسخة الصغاني: استقبال الرجل صاحبه أو غيره في صلاته وهو يصلّي وكذا في أصل الفرع واليونينية. (وكره عثمان) بن عفان رضي الله عنه (أن يستقبل الرجل) بضم المثناة

103 - باب الصلاة خلف النائم

التحتية مبنيًّا للمفعول وتاليه نائب الفاعل (وهو يصلّي) جملة اسمية حالية. قال البخاري رحمة الله عليه: (وإنما هذا) الذي كرهه عثمان رضي الله عنه، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي، وهذا (إذا اشتغل به) أي المستقبل بالمصلي عن الخشوع وحضور القلب، (فاما إذا لم يشتغل به) فلا بأس به، (فقد قال) فيما يدل لذلك (زيد بن ثابت) الأنصاري الفرضي كاتب الوحي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رضي الله عنه (ما باليت) بالاستقبال المذكور (إن الرجل لا يقطع صلاة الرجل) بكسر همزة إن لأنه استئناف لأجل علة عدم المبالاة المذكورة، وأثر عثمان رضي الله عنه هذا قال الحافظ ابن حجر لم أره عنه. 511 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ -يَعْنِي ابْنَ صُبَيْحٍ- عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلاَةَ، فَقَالُوا: يَقْطَعُهَا الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ، قَالَتْ: قَدْ جَعَلْتُمُونَا كِلاَبًا، لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - يُصَلِّي وَإِنِّي لَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ عَلَى السَّرِيرِ، فَتَكُونُ لِي الْحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَسْتَقْبِلَهُ فَأَنْسَلُّ انْسِلاَلاً. وَعَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ. وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل بن خليل) ولابن عساكر ابن خليل بالتعريف الخزاز بمعجمات الكوفي، المتوفّى سنة خمس وعشرين ومائتين قال: (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر أخبرنا (علي بن مسهر) بضم الميم وسكون السن المهملة وكسر الهاء القرشي الكوفي قاضي الموصل (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن مسلم) زاد في غير رواية أبي ذر وابن عساكر يعني ابن صبيح بضم الصاد المهملة وفتح الموحدة (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة) رضي الله عنها: (أنه ذكر عندها ما) أي الذي (يقطع الصلاة؟ فقالوا) ولأبي ذر وقالوا: (يقطعها الكلب والحمار والمرأة. قالت) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي فقالت: (لقد جعلتمونا كلابًا) أي كالكلاب في حكم قطع الصلاة. (لقد رأيت) أي أبصرت (النبى) وللأصيلي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي وإني) أي والحال إني (لبينه) عليه الصلاة والسلام (وبين القبلة وأنا) أي والحال إني (مضطجعة على السرير فتكون لي الحاجة فأكره) بالفاء، ولأبي ذر عن الكشميهني وأكره (أن أستقبله فانسلّ انسلالاً) أي أخرج خفية. (وعن الأعمش) أي وروي عن الأعمش بالسند السابق (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن عاشة) رضي الله عنها (نحوه) بالنصب مفعول أخبرنا أي نحو حديث مسلم عن مسروق عنها من جهة معناه، ونحو لا تقتضي المماثلة من كل وجه وفي نسخة مثله. 103 - باب الصَّلاَةِ خَلْفَ النَّائِمِ (باب الصلاة خلف النائم) بالهمزة جائزة من غير كراهة وأحاديث النهي عن الصلاة المروية عند أبي داود وابن ماجة وابن عدي والأوسط للطبراني كلها واهية لا يحتجّ بها. 512 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةٌ عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْت". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (قال: حدّثنا هشام) هو ابن عروة (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عروة (عن) أم المؤمنين (عائشة) رضي الله عنها (قالت): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي وأنا راقدة) جملة حالية (معترضة) صفة بعد صفة (على فراشه فإذا أراد) عليه الصلاة والسلام (أن يوتر) أي يصلّي الوتر (أيقظني فأوترت) معه بتاء المتكلم، وحكم النسائي في الأحكام الشرعية كالرجال إلاّ ما خصّه الدليل، وحينئذ فحصل التطابق بين الحديث والترجمة، أو المراد الشخص النائم أعمّ من الذكر والأُنثى، ولفظه كان في قولها: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تفيد التكرار، وكره مالك ومجاهد وطاوس الصلاة خلف النائم خشية ما يبدو منه مما يلهي المصلي عن صلاته وتنزيهًا للصلاة لما يخرج منهم وهم في قبلته. قال ابن بطال: والقول قول من أجاز ذلك للسُّنّة الثابتة، وأما ما رواه أبو داود من حديث ابن عباس، أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث) فإن في إسناده من لم يسمّ، وهشام بن يزيد البصري ضعيف. 104 - باب التَّطَوُّعِ خَلْفَ الْمَرْأَةِ (باب التطوع خلف المرأة) جائز. 513 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا قَالَتْ: "كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرِجْلاَىَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَىَّ فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا. قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي النضر) بالضاد المعجمة (مولى عمر بن عبيد الله) بالتصغير (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها قالت): (كنت أنام بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني) بيده (فقبضت رجلَّي) ليسجد مكانهما (فإذا قام بسطتهما) وقد اعتذرت رضي الله

105 - باب من قال: لا يقطع الصلاة شىء

عنها حيث (قالت): (والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح) إذ لو كانت فيها المصابيح لضمتهما عند سجوده ولم تحوجه إلى غمزها. ووجه مطابقته للتطوّع في الترجمة من جهة أنه عليه الصلاة والسلام إنما كان يصلّي الفرض في المسجد، وفيه: أن المرأة لا تقطع الصلاة ولا تفسدها، وإنما كره مالك الصلاة إليها خوف الفتنة والشغل بها، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا بخلاف غيره لملكه إربه، وحينئذ فيكون من الخصائص كما قالت عائشة رضي الله عنها في القبلة للصائم: وأيكم كان يملك إربه، الحديث. لكن قد يقال الأصل عدم الخصوصية حتى يصح ما يدل عليها، والله أعلم. 105 - باب مَنْ قَالَ: لاَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ شَىْءٌ (باب من قال لا يقطع الصلاة شيء) أي من فعل غير المصلي. 514 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ. قَالَ الأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنِي مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ: ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلاَةَ -الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ- فَقَالَتْ: شَبَّهْتُمُونَا بِالْحُمُرِ وَالْكِلاَبِ، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي، وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً، فَتَبْدُو لِي الْحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ. وبالسند قال: (باب حدّثنا عمر بن حفص) ولأبي ذر زيادة ابن غياث بالمثلثة (قال: حدّثنا أبي) حفص بن غياث (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثنا إبراهيم) النخعي ولابن عساكر عن إبراهيم (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن) أُم المؤمنين (عائشة) رضي الله عنها. (قال الأعمش) بسنده السابق (وحدّثني) بالإفراد (مسلم) هو ابن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة) رضي الله عنها أنه قال (ذكر عندها ما) أي الذي (يقطع الصلاة)؟ فقالوا: يقطعها (الكلب والحمار والمرأة) والموصول مبتدأ والكلب خبره وتاليه عطف عليه، (فقالت) عائشة رضي الله عنها: (شبهتمونا بالحمر والكلاب). قال ابن مالك: المشهور تعدّيه شبه إلى مشبه به بدون باء لقول امرئ القيس: فشبهتهم في الآل لما تكمشوا ... حدائق دوم أو سفينا مقيرا وقد كان بعض المعجبين بآرائهم يخطئ سيبويه وغيره من أئمة العربية في قولهم شبه كذا بكذا، ويزعم أنه لحن وليس زعمه صحيحًا، بل سقوط الباء وثبوتها جائزان وسقوطها أشهر في كلام القدماء وثبوتها لازم في عُرف العلماء، وفي طريق عبيد الله عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: بئس ما عدلتمونا بالكلب والحمار، وأرادت بخطابها ذلك ابن أختها عروة أو أبا هريرة رضي الله عنه، فعند مسلم من رواية عروة بن الزبير قال: قالت عائشة رضي الله عنها: ما يقطع الصلاة؟ قال: قلت: المرأة والحمار الحديث. وعند ابن عبد البر من رواية القاسم قال: بلغ عائشة أن أبا هريرة رضي الله عنهما يقول: إن المرأة تقطع الصلاة. فإن قلت: كيف أنكرت على من ذكر المرأة مع الحمار والكلب فيما يقطع الصلاة وهي قد روت الحديث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما رآه الإمام أحمد بلفظ: لا يقطع صلاة المسلم شيء إلا الحمار والكافر والكلب والمرأة فقالت عائشة: يا رسول الله لقد قرنًا بذوات سوء. أجيب؟ بأنها لم تنكر ورود الحديث ولم تكن تكذب أبا هريرة، وإنما أنكرت كودة الحكم باقيًا. هكذا فلعلها كانت ترى نسخه، ولذا قالت رضي الله عنها: (والله لقد رأيت النبي) وللأصيلي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي وإني) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وأنا (على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة) بالرفع خبر لقولها وأنا المبتدأ المقدّر، وعلى هذا التقدير تكون الجملة هذه حالية، وفي رواية بالنصب حال من عائشة، والوجهات في اليونينية، وصحّح على النصب ورقم على الكلمة علامة أبي ذر (فتبدو) أي تظهر (لي الحاجة فأكره أن أجلس) مستقبلة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، (فأوذي النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنسلّ) بالرفع عطفًا على فأكره أي فأمضي بتأنٍّ وتدريج (من عند رجليه) وإذا كانت المرأة لا تقطع الصلاة مع أن النفوس جبلت على الاشتغال بها فغيرها من الكلب والحمار وغيرهما كذلك بل أولى. نعم رأى القطع بالثلاثة قوم لحديث أبي ذر عند مسلم: يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود، وكذا حديث أبي داود وابن ماجة، وفيه تقييد المرأة بالحائض وأباه مالك والشافعي والأكثرون. وقال الإمام أحمد: يقطعها الكلب الأسود لنص الحديث وعدم المعارض، وفي قلبي من المرأة والحمار شيء لوجود المعارض وهو صلاته عليه الصلاة والسلام إلى أزواجه، ومن رأى القطع بها علّل بأن الجميع في معنى الشيطان الكلب بنص حديث

106 - باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة

أبي ذر المذكور والمرأة من جهة أنها تقبل في صورة شيطان وتدبر كذلك وأنها من حبائله، والحمار لما جاء من اختصاص الشيطان به في قصة نوح عليه الصلاة والسلام في السفينة، واحتج الأكثرون بحديث: لا يقطع الصلاة شيء، وحملوا القطع في حديث أبي ذر وابن عباس رضي الله عنهما على المبالغة في خوف الإفساد بالشغل بها. فإن قلت: تمسك الأكثرين بحديث: لا يقطع الصلاة شيء لا يحسن لأنه مطلق، وحديث الثلاثة مقيد، والمقيد يقضي على المطلق. أجيب: بأنه ورد ما يقضي على هذا المقيد، وهو صلاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أزواجه رضي الله عنهنّ وهنّ في قبلته. ومال الطحاوي وغيره إلى أن صلاته عليه الصلاة والسلام إلى أزواجه ناسخة لحديث أبي ذر وما وافقه، وعورض بأن النسخ لا يصار إليه إلاّ إذا علم التاريخ وتعذر الجمع والتاريخ هنا لم يتحقق والجمع لم يتعذر وأجيب: بأن ابن عمر رضي الله عنهما بعد ما روى أن المرور يقطع. قال: لا يقطع صلاة المسلم شيء فلو لم يثبت عنده نسخ ذلك لم يقل ذلك، وكذلك ابن عباس أحد الرواة للقطع روي عنه حمله على الكراهة. لكن قد مال الشافعي وغيره إلى تأويل القطع بأن المراد به نقص الخشوع لا الخروج من الصلاة، ويؤيد ذلك أن الصحابي راوي الحديث سأل عن الحكمة في التقييد بالأسود. فأجيب: بأنه شيطان. ومعلوم أن الشيطان لو مرّ بين يدي المصليّ لم تفسد صلاته. وفي هذا الحديث التحديث بصيغة الجمع والإفراد والعنعنة ورواته ثمانية. 515 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَمَّهُ عَنِ الصَّلاَةِ يَقْطَعُهَا شَىْءٌ؟ فَقَالَ: لاَ يَقْطَعُهَا شَىْءٌ. أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: "لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُومُ فَيُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ وَإِنِّي لَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ". وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن راهويه الحنظلي ولأبي ذر إسحاق بن منصور (قال: أخبرنا) وفي رواية حدّثنا (يعقوب بن إبراهيم) ولأبوي ذر والوقت إبراهيم بن سعد بسكون العين (قال: حدّثني) بالإفراد وللأصيلي حدّثنا ولأبي ذر أخبرنا (ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله بن مسلم: (أنه سأل عمّه) محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (عن الصلاة يقطعها شيء فقال) أي ابن شهاب وللأصيلي قال: (لا يقطعها شيء) عامّ مخصوص، فإن القول والفعل الكثير يقطعها أو المراد لا يقطعها شيء من الثلاثة التي وقع النزاع فيها المرأة والحمار والكلب، ثم قال ابن شهاب (أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: لقد كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقوم فيصلّي من الليل وإني لمعترضة بينه وبين القبلة) جملة اسمية حالية مؤكدة بأن واللام (على فراش أهله) متعلق بقوله فيصلّي وهو يقتضي أن صلاته كانت واقعة على الفراش، ولأبي ذر عن الحموي عن فراش أهله وهو متعلّق بقوله يقوم. ورواة هذا الحديث الستة مدنيون ما خلا إسحاق فإنه مروزي، وفيه التحديث والإخبار بصيغة الجمع والإفراد وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابية. 106 - باب إِذَا حَمَلَ جَارِيَةً صَغِيرَةً عَلَى عُنُقِهِ فِي الصَّلاَةِ وهذا (باب) بالتنوين (إذا حمل جارية صغيرة على عنقه) لا تفسد صلاته وزاد غير الأربعة (في الصلاة). 516 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي وَهْوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا". [الحديث 516 - طرفه في: 5996]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (مالك) إمام دار الهجرة (عن عامر بن عبد الله بن الزبير) بن العوام (عن عمرو بن سليم) بفتح العين وضم السين (الزرقي) بضم الزاي وفتح الراء الأنصاري (عن أبي قتادة) الحرث بن ربعي (الأنصار) السلمي رضي الله عنه: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّي وهو حامل أمامة) بتنوين حامل وضم همزة أمامة وتخفيف ميمها والنصب والجملة اسمية حالية، وروي حامل إمامة بالإضافة كان الله بالغ أمره بالوجهين ويظهر أثر الوجهين في قوله (بنت زينب) فيجوز فيها الفتح والكسر بالاعتبارين، وأما قوله (بنت رسول الله) وفي رواية ابنة رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فبجر بنت خاصة لأنها صفة لزينب المجرورة قطعًا (و) هي أي أمامة بنت (لأبي العاص) مقسم بكسر الميم وفتح السين أو لقيط أو القاسم أو لقيم أو مهشم أو هشيم أو ياسر أقوال وأسر يوم بدر كافرًا ثم أسلم وهاجر، وردّ عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابنته زينب وماتت معه وأثنى عليه في مصاهرته، وتوفي في خلافة أبي بكر رضي الله عنهما (بن ربيعة) بن عبد العزى (بن عبد شمس) كذا وقع في رواية الأكثرين عن مالك، والصواب ما رواه أبو مصعب

107 - باب إذا صلى إلى فراش فيه حائض

ومعن بن عيسى ويحيى بن بكير عن مالك الربيع بلا هاء، ونسبه مالك إلى جدّه لشهرته به، وكان حمله عليه الصلاة والسلام لأمامة على عنقه كما رواه مسلم من طريق أخرى وعبد الرزاق عن مالك، ولأحمد من طريق ابن جريج على رقبته. (فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها) وإنما فعل ذلك عليه الصلاة والسلام لبيان الجواز وهو جائز لنا وشرع مستمر إلى يوم الدين، وهذا مذهبنا ومذهب أبي حنيفة وأحمد، وادّعى المالكية بتحريم الحمل في الصلاة وهو مردود بأن قصة أمامة كانت بعد قوله عليه الصلاة والسلام: "إن في الصلاة لشغلاً" فإن ذلك كان قبل الهجرة، وقصة أمامة بعدها قطعًا بمدة مديدة، وحمل مالك لها فيما رواه أشهب على صلاة النافلة مدفوع بحديث مسلم: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يؤمّ الناس وأمامة على عاتقه، وحديث أبي داود: بينا نحن ننتظر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الظهر والعصر وقد دعاه بلال للصلاة إذ خرج إلينا وأمامة بنت أبي العاص بنت ابنته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عنقه فقام في الصلاة وقمنا خلفه، وفي كتاب النسب لابن بكار عن عمرو بن سليم أن ذلك كان في صلاة الصبح، وهذا يقتضي أنه كان في الفرض. وأجيب: باحتمال أنه كان في النافلة التي قبل الفرض، وردّ بأن إمامته في النافلة ليست معهودة وبأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يتنفل في المسجد بل في بيته قبل أن يخرج وإنما يخرج عند الإقامة وحمل الخطابي ذلك على عدم التعمّد منه عليه الصلاة والسلام لأنه عمل كثير في الصلاة بل كانت أمامة ألفته وأنست بقربه، فتعلقت به في الصلاة ولم يدفعها عن نفسه، فإذا أراد أن يسجد وضعها عن عاتقه حتى يكمل سجوده فتعود إلى حالتها الأولى فلا يدفعها، فإذا قام بقيت معه محمولة. وعورض بما رواه أبو داود من طريق المقبري عن عمرو بن سليم حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد، حتى إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردها في مكانها ولأحمد من طريق ابن جريج وإذا قام حملها فوضعها على رقبته، فهذا صريح في أن فعل الحمل والوضع كان منه لا منها، والأعمال في الصلاة إذا قلت أو تفرقت لا تبطلها، والواقع هنا عمل غير متوالٍ لوجود الطمأنينة في أركان صلاته، ودعوى خصوصيته عليه الصلاة والسلام بذلك كعصمته من بول الصبية بخلاف غيره مردودة بأن الأصل عدم الخصوصية، وكذا دعوى الضرورة حيث لم يجد من يكفيه أمرها لأنه عليه الصلاة والسلام لو تركها لبكت وشغلته في صلاته أكثر من شغله بحملها. قال النووي: وكلها باطلة لا دليل عليها وليس في الحديث ما يخالف قواعد الشرع انتهى. ورواة هذا الحديث الخمسة كلهم مدنيون إلاّ شيخ المؤلّف، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الأدب ومسلم في الصلاة وكذا أبو داود والنسائي. 107 - باب إِذَا صَلَّى إِلَى فِرَاشٍ فِيهِ حَائِض هذا (باب) بالتنوين (إذا صلّى) الرجل (إلى فراش فيه حائض) صحّت صلاته وهل يكره ذلك أم لا؟ 517 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي خَالَتِي مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ قَالَتْ: "كَانَ فِرَاشِي حِيَالَ مُصَلَّى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُبَّمَا وَقَعَ ثَوْبُهُ عَلَىَّ وَأَنَا عَلَى فِرَاشِي". وبالسند قال: (حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين وضم الزاي وفتح الراء المكررة بينهما ألف آخره تاء تأنيث ابن واقد بالقاف النيسابوري، المتوفى سنة ثمان وثلاثن ومائتين (قال: أخبرنا هشيم) بضم الهاء مصغرًا ابن بسر بضم الموحدة وسكون المهملة الواسطي (عن الشيباني) بفتح الشين المعجمة أبي إسحاق سليمان بن أبي سليمان الكوفي (عن عبد الله بن شداد) بن أسامة (بن الهاد) بتشديد دال شداد الليثي المدني من كبار التابعين الثقات (قال): (أخبرتني خالتي ميمونة بنت الحارث) زوجته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قالت: كان فراشي) الذي أنام عليه (حيال) بكسر الحاء المهملة وفتح المثناة التحتية الخفيقة أي بجنب (مصلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فربما وقع ثوبه عليّ) إذا صلّى (وأنا على فراشي) أي وأنا حائض كما في الرواية الآتية إن شاء الله تعالى. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين واسطي وكوفي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول. 518 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ سُلَيْمَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ تَقُولُ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ نَائِمَةٌ، فَإِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي ثَوْبُهُ وَأَنَا حَائِضٌ". وَزَادَ مُسَدَّدٌ عَنْ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ: "وَأَنَا حَائِضٌ". وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) بضم النون محمد بن الفضل (قال: حدّثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري (قال: حدّثنا الشيباني) بفتح الشين المعجمة أبو إسحاق (سليمان) بن فيروز التابعي،

108 - باب هل يغمز الرجل امرأته عند السجود لكى يسجد؟

وسقط سليمان عند الأصيلي وابن عساكر قال: (حدّثنا عبد الله بن شداد) بتشديد الدال ابن أسامة بن الهاد (قال): (سمعت) خالتي أُم المؤمنين (ميمونة) رضي الله عنها (تقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي وأنا إلى جنبه نائمة فإذا سجد أصابني ثوبه) وللمستملي والكشميهني كما في الفرع المكّي، ولأبي ذر كما في الآخر وأصله أصابني ثيابه، وللأصيلي وابن عساكر أصابتني ثيابه بتاء التأنيث (وأنا حائض) جملة حالية وهي ساقطة في رواية غير أبي ذر نعم زاد في رواية كريمة بعد قوله أصابني ثوبه وهي في اليونينية لغير الأربعة. (وزاد مسدد) بمهملات ابن مسرهد (عن خالد) هو ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان الواسطي (قال: حدّثنا سليمان الشيباني) الكوفي السابق (وأنا حائض)، يقال: حاضت المرأة فهي حائض وحائضة ولحوق التاء أصل تركت لعدم الالتباس تخفيفًا. 108 - باب هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عِنْدَ السُّجُودِ لِكَىْ يَسْجُدَ؟ هذا (باب) بالتنوين (هل يغمز الرجل امرأته عند السجود لكي يسجد)؟ 519 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "بِئْسَمَا عَدَلْتُمُونَا بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَزَ رِجْلَىَّ فَقَبَضْتُهُمَا". وبالسند قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين فيهما الفلاس الباهري (قال: حدّثنا يحيى) القطان (قال: حدّثنا عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة العمري (قال: حدّثنا القاسم) بن محمد بن أبي بكر (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت) في جواب أيقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب. (بئسما عدلتمونا) بتخفيف الدال وما نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس والمخصوص بالذم محذوف تقديره: عدلكم أي تسويتكم إيّانا (بالكلب والحمار لقد رأيتني) بضم التاء أي رأيت نفسي (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) جملة حالية كقوله (وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة، فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي) بيده (فقبضتهما) ليسجد، وتقدم الحديث مباحثه في باب الصلاة على الفراش، ورواته الخمسة ما بين بصري ومدني وفيه التحديث والعنعنة. 109 - باب الْمَرْأَةِ تَطْرَحُ عَنِ الْمُصَلِّي شَيْئًا مِنَ الأَذَى (باب المرأة تطرح عن المصلي شيئًا من الأذى). 520 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ أَلاَ تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي؟ أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلاَنٍ فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلاَهَا فَيَجِيءُ بِهِ، ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ! وَثَبَتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَاجِدًا. فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنَ الضَّحِكِ. فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ -عَلَيْهَا السَّلاَمُ- وَهْيَ جُوَيْرِيَةٌ -فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى وَثَبَتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَاجِدًا حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّلاَةَ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ. ثُمَّ سَمَّى: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَعُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً». وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن إسحاق السورماري) بضم السين المهملة وسكون الواو وفتح الراء بعدها ميم ثم راء مكسورة بينهما ألف، ولابن عساكر السرماري براء ساكنة بعد السين المضمومة فميم مفتوحة. وضبطه العيني كالكرماني وغيره بكسر السين وفتحها وسكون الراء الأولى، وهي نسبة إلى سرمار قرية من قرى بخارى، وكان شجاعًا يضرب به المثل قتل ألفًا من الترك، وتوفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين، وسقطت النسبة عند أبي ذر والأصيلي (قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين وفتح الموحدة ابن باذام الكوفي (قال: حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله (عن عمرو بن ميمونة) الكوفي الأودي (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه (قال) (بينما) بالميم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم) حال كونه (يصلّي عند الكعبة وجمع من قريش) والذي في الفرع وأصله بالإضافة ولفظه وجمع قريش (في مجالسهم إذ قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي) يتعبد في الملأ دون الخلوة (أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد) بكسر الميم ورفع الدال عطفًا على يقوم، وفي بعضها فيعمد بالنصب جوابًا للاستفهام أي يقصد (إلى فرثها ودمها وسلاها) بفتح السين المهملة والقصر وعاء الجنين (فيجيء به ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه فانبعث أشقاهم) أي انتهض أشقى القوم، وهو عقبة بن أبي معيط فجاء به، (فلما سجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وضعه بين كتفيه، وثبت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (ساجدًا فضحكوا حتى مال بعضهم إلى) وللأربعة على (بعض من الضحك فانطلق منطلق) قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون هو ابن مسعود رضي الله عنه (إلى فاطمة) رضي الله عنها (وهي) يومئذٍ (جويرية) صغيرة السنّ (فأقبلت تسعى، وثبت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (ساجدًا حتى ألقته) أي الذي وضعوه (عنه، وأقبلت) فاطمة الزهراء رضي الله عنها (عليهم تسبهم فلما قضى رسول الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: اللهم عليك

9 - كتاب مواقيت الصلاة

بقريش، اللهم عليك بقرش) قالها ثلاثًا أي أهلك كفّارهم أو أهلك قريشًا الكفار، فالأوّل على حذف المضاف، والثاني على حذف الصفة، (ثم سمى) عليه الصلاة والسلام فقال: (اللهم عليك بعمرو بن هشام) أبي جهل فرعون زمانه لعنه الله (وعتبة بن رييعة و) أخيه (شيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد) (قال عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه: (فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر) أي إلا عمارة بن الوليد فإنه لم يحضر بدرًا، وإنما توفي بجزيرة بأرض الحبشة (ثم سحبوا) أي جرّوا ما عدا عمارة بن الوليد (إلى القليب) البئر التي لم تطو (قليب بدر) بالجرّ بدلاً من القليب السابق، (ثم قال رسول (الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وأتبع أصحاب القليب لعنة) بضم الهمزة وأصحاب رفع نائب عن الفاعل إخبار من الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأن الله أتبعهم اللعنة أي: كما أنهم مقتولون في الدنيا فهم مطرودون في الآخرة عن رحمة الله عز وجل، ولأبي ذر وأتبع بفتح الهمزة وكسر الموحدة بصيغة الأمر عطفًا على عليك بقريش، وأصحاب نصب على المفعولية أي في حياتهم أي قال في حياتهم: اللهمّ أهلكهم وفي مماتهم أتبعهم اللعنة. بسم الله الرحمن الرحيم 9 - كتاب مواقيت الصلاة جمع ميقات وهو الوقت المضروب للفعل 1 - باب مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ وَفَضْلِهَا وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء: 103] مُوَقَّتًا، وقَّتَه عَلَيْهِمْ (بسم الله الرحمن الرحيم) كذا في رواية أبي ذر والمستملي، لكن بتقديم البسملة، ولرفيقه الكشميهني والحموي في رواية بسم الله الرحمن الرحيم باب مواقيت الصلاة وفضلها، وكذا لكريمة لكن بدون البسملة، وللأصيلي مواقيت الصلاة وفضلها من غير باب كذا قاله العيني كابن حجر، وفي فرع اليونينية كأصلها عزو الأولى لأبي ذر عن المستملي كما مرّ وقد جرى رسمهم أن يذكروا الأبواب بعد لفظ الكتاب بأنه يشمل الأبواب والفصول. (وقوله) بالجرّ عطفًا على مواقيت الصلاة وللأصيلي، وقوله عز وجل: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] أي (وقته عليهم) بتشديد القاف، واستشكله السفاقسي بأن المعروف في اللغة التخفيف. وأجيب: بأنهما جاءا في اللغة كما في المحكم، وكأنه لم يطلع عليه، وللأصيلي وأي ذر عن الحموي والمستملي (موقوتًا) مؤقتًا وقّته عليهم أي فرضًا محدودًا لا يجوز إخراجها عن وقتها في شيء من الأحوال. 521 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلاَةَ يَوْمًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلاَةَ يَوْمًا وَهْوَ بِالْعِرَاقِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ؟ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ قَالَ بِهَذَا أُمِرْتُ. فَقَالَ عُمَرُ لِعُرْوَةَ: اعْلَمْ مَا تُحَدِّثُ، أَوَ إِنَّ جِبْرِيلَ هُوَ أَقَامَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقْتَ الصَّلاَةِ؟ قَالَ عُرْوَةُ: كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح الميمين واللام القعنبي (قال: قرأت على مالك) إمام الأئمة ابن أنس (عن ابن شهاب) الزهري (أن عمر بن عبد العزيز) بن مروان أحد الخلفاء الراشدين (أخّر الصلاة) أي صلاة العصر (يومًا) حتى خرج الوقت المستحب، لا أنه أخّرها حتى غربت الشمس، ولا يليق أن يظن به أنه أخّرها عن وقتها، وحديث: دعا المؤذن لصلاة العصر فأمسى عمر بن عبد العزيز قبل أن يصلّيها المروي في الطبراني محمول على أنه قارب السماء لا أنه دخل فيه، وقد جوّز جمهور العلماء التأخير ما لم يخرج الوقت. (فدخل عليه عروة بن الزبير) بن العوّام (فأخبره أن المغيرة بن شعبة) الصحابي (أخّر الصلاة يومًا) لفظة يومًا تدلّ على أنه كان نادرًا من فعله (وهو بالعراق) جملة وقعت حالاً من المغيرة، والمراد عراق العرب وهو من عبادان للموصل طولاً ومن القادسية لحلوان عرضًا، ووقع في الموطأ رواية القعنبي وغيره عن مالك وهو بالكوفة وهي من جملة العراق، فالتعبير بها أخصّ من التعبير بالعراق، وكان المغيرة إذ ذاك أميرًا عليها من قبل معاوية بن أبي سفيان، (فدخل عليه أبو مسعود) عقبة بن عمرو البدري (الأنصاري فقال: ما هذا) التأخير (يا مغيرة أليس) قال الزركشي وابن حجر والعيني والبرماوي: الأفصح ألست بالتاء لأنه خاطب حاضرًا، لكن الرواية أليس بصيغة مخاطبة الغائب وهي جائزة، وتعقب ذلك في مصابيح الجامع بأنه يوهم جواز استعمال هذا التركيب مع

إرادة أن يكون ما دخلت عليه ضمير المخاطب، وليس كذلك بل هما تركيبان مختلفان وليس أحدهما بأفصح من الآخر، فإنه يستعمل كلٌّ منهما في مقام خاص، فإن أريد إدخال ليس على ضمير المخاطب تعين ألست قد علمت، وإن أريد إدخالها على ضمير الشأن مخبرًا عنه بالجملة التي أسند فعلها إلى المخاطب تعين أليس (قد علمت أن جبريل صلوات الله وسلامه عليه نزل) صبيحة ليلة الإسراء المفروض فيها الصلاة (فصلّى) وسقط فصلّى لابن عساكر. زاد في رواية أبي الوقت برسول الله عليه الصلاة والسلام (فصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صلّى) جبريل صلوات الله عليه وسلامه (فصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صلى) جبريل صلوات الله وسلامه عليه (فصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صلى) جبريل صلوات الله وسلامه عليه، (فصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صلى) جبريل (فصلّى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتكرير صلواتهما خمس مرات، وعبر بالفاء في صلاة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنها متعقبة لصلاة جبريل أي كانت بعد فراغها، وبثم في صلاة جبريل لأنها متراخية عن سابقتها، لكن ثبت من خارج في غيره أن جبريل أمّه عليهما السلام، فعند المصنف في رواية الليث نزل جبريل عليه الصلاة والسلام فأمّني فصليت فيؤوّل قوله صلّى فصلّى على أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان كلما فعل جبريل جزءًا من الصلاة تابعه عليه، لأن ذلك حقيقة الائتمام، وقيل: الفاء بمعنى الواو المقتضية لمطلق الجمع، وعورض بأنه يلزم أن يكون عليه الصلاة والسلام كان يتقدم في بعض الأركان على جبريل عليه الصلاة والسلام كما يقتضيه مطلق الجمع. وأجيب: بأن ذلك يمنع منه مراعاة التبيين، فكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتراخى عنه لذلك. (ثم قال) جبريل صلوات الله عليه وسلامه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بهذا) أي بأداء الصلوات في هذه الأوقات (أمرت) بضم الهمزة والتاء أي أن أصلي بك أو أبلغه لك، ولأبي ذر بفتح التاء وهو المشهور أي الذي أمرت به من الصلوات ليلة الإسراء مجملاً هذا تفسيره اليوم مفصلاً لا يقال ليس في الحديث بيان لأوقات هذه الصلوات لأنه إحالة على ما يعرف المخاطب (فقال عمر) بن عبد العزيز (لعروة) بن الزبير (اعلم) بصيغة الأمر (ما) أي الذي (تحدث به) وسقط لفظ به لغير أبي ذر (أو) علمت (أن جبريل) عليه الصلاة والسلام بفتح همزة الاستفهام والواو العاطفة وبكسر همزة أن على الأشهر وبفتحها على تقدير: أو علمت بأن جبريل صلوات الله وسلامه عليه (هو أقام) وللأصيلي هو الذي أقام (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللأصيلي عليهما وسلم (وقت) وللمستملي وقوت ولابن عساكر مواقيت (الصلاة) يا عروة وظاهر الإنكار عليه أنه لم يكن عنده علم أن جبريل هو المبين له ذلك بالفعل، فلذلك استثبت فيه. (قال عروة: كذلك) ولأبي ذر وكذلك (كان بشر بن أبي مسعود) بفتح الموحدة بوزن فعيل التابعي الجليل المشهور الأنصاري المدني رضي الله عنه له رؤية. قال العجلي: تابعي ثقة (يحدث عن أبيه) أبي مسعود عقبة بن عمرو وهذا يسمى مرسل صحابي لأنه لم يدرك القصة، فاحتمل أن يكون سمع ذلك من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو بلغه عنه بتبليغ من شاهده أو سمعه من صحابي آخر وفي رواية الليث عند المؤلّف فقال عروة: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول فذكره وهي تزيل الإشكال كله قاله ابن شهاب. 522 - قَالَ عُرْوَةُ: وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ. [الحديث 522 - أطرافه في: 544، 545، 546، 3103]. (قال عروة: لقد حدّثتني عائشة) رضي الله عنها: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّي العصر والشمس في حجرتها) في بيتها (قبل أن تظهر) أي تعلو، والمراد والفيء في حجرتها قبل أن يعلو على البيوت، فكنت بالشمس عن الفيء، لكن قال ابن السيد والفقهاء يقولون معناه قبل أن يظهر الظل على الجدار، والأول أليق بالحديث لأن ضمير تظهر عائد إلى الشمس ولم يتقدم للظل في الحديث ذكر اهـ. قال أبو عبد الله الأبي: وكل هذا حجة على عمر وأن الحكم التعجيل لأن هذا مع ضيق ْالحجرة وقصر البناء إنما يتأتى في وقت العصر اهـ. وليس في الحديث بيان الأوقات المذكورة ويأتي

2 - باب {منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين} [الروم: 31]

إن شاء الله تعالى ذلك مستوفى، واستنبط ابن العرب من هذا الحديث جواز صلاة المفترض خلف المتنفل من جهة أن الملك ليس مكلفًا بمثل ما كلّف به البشر. وأجيب: باحتمال أن تكون تلك الصلاة غير واجبة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذ، وعورض بأنها كانت صبيحة ليلة فرضها. وأجيب: باحتمال كون الوجوب معلقًا ببيان جبريل صلوات الله وسلامه عليه. فلم يتحقق الوجوب إلاّ بعد تلك الصلاة، وبأن جبريل عليه الصلاة والسلام كان مكلفًا بتبليغ تلك الصلاة فلم يكن متنفلاً، وحينئذ فهي صلاة مفترض خلف مفترض. ورواته التسعة مدنيون، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في بدء الخلق وفي المغازي ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. 2 - باب {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الروم: 31] هذا (باب) بالتنوين (قول الله تعالى) كذا لأبي ذر ولغيره باب قوله تعالى بالإضافة، وسقط للأصيلي لفظ باب وقال قول الله عز وجل: {منيبين إليه} راجعين إليه من أناب إذا رجع مرة بعد أخرى وقيل منقطعين {واتقوه} أي خافوه وراقبوه {وأقيموا الصلاة} التي هي الطاعة العظمى {ولا تكونوا من المشركين} [الروم: 31]. بل كونوا من الموحدين المخلصين له العبادة لا تريدون بها سواه. وهذه الآية مما استدل به من يرى تكفير تارك الصلاة لما يقتضيه مفهومها، لكن المراد أن ترك الصلاة من أفعال المشركين، فورد النهي عن التشبه بهم لا أن من وافقهم في الترك صار مشركًا وهي من أعظم ما ورد في القرآن في فضل الصلاة. 523 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ -هُوَ ابْنُ عَبَّادٍ- عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: إِنَّا مِنْ هَذَا الْحَىِّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِشَىْءٍ نَأْخُذْهُ عَنْكَ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا. فَقَالَ: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللَّهِ -ثُمَّ فَسَّرَهَا لَهُمْ- شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا إِلَىَّ خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ. وَأَنْهَى عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُقَيَّرِ، وَالنَّقِيرِ». [انظر الحديث 53 - وأطرافه]. وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بضم القاف وكسر العين وسقط ابن سعيد للأصيلي (قال: حدّثنا عباد هو) ولأبي ذر وهو (ابن عباد) بفتح العين وتشديد الموحدة فيهما ابن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة البصري (عن أبي جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران البصري (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. (قال: قدم وفد عبد القيس) بن أفصى بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح الصاد المهملة (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عام الفتح بمكة (فقالوا: إنا هذا الحي) بالنصب على الاختصاص، ولغير الأربعة إنّا من هذا الحي (من ربيعة) لأن عبد القيس من أولاد ربيعة (ولسنا نصل إليك إلاّ في الشهر الحرام) رجب كما عند البيهقي أو المراد الجنس فيشتمل الأربعة (فمرنا بشيء نأخذه منك) بالرفع على الاستئناف لا بالجزم جوابًا للأمر لقوله (ندعو إليه) إذ هو معطوف عليه مرفوع قاله العيني، والذي في اليونينية الجزم ليس إلا (من وراءنا) مفعول ندعو أي الذين خلفناهم في بلادنا (فقال) عليه الصلاة والسلام: (آمركم بأربع) من الخصال (وأنهاكم عن أربع) من الخصال: (الإيمان بالله) خفض وللأصيلي عز وجل بدل من أربع أو رفع بتقدير هي، (ثم فسرها لهم) أنّث الضمير بالنظر إلى كلمة الإيمان فقال هي (شهادة أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله، وإقام الصلاة) المكتوبة وقرنها بنفي الإشراك به تعالى لأن الصلاة أعظم دعائم الإسلام بعد التوحيد وأقرب الوسائل إليه تعالى. (وإيتاء الزكاة) المفروضة (وأن تؤدّوا إليّ خُمس ما غنمتم) أي الذي غنمتموه وذكر رمضان في الرواية السابقة في باب أداء الخمس من الايمان، ولم يذكره هنا مع أنه فرض في السنة الثانية من الهجرة، ووفادة هؤلاء كانت عام الفتح كما مرّ فقيل: هو إغفال من الرواة لا أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاله في موضع ولم يقله في آخر قاله ابن الصلاح (وأنهى) وللحموي والأصيلي وأنهاكم (عن) الانتباذ في (الدباء) بضم الدال وتشديد الموحدة ممدودًا اليقطين اليابس (و) عن الانتباذ في (الحنتم) بفتح المهملة الجرار الخضر أو غير ذلك (و) في (المقير) ما طلي بالقار (و) في (النقير) بفتح النون وكسر القاف ما ينقر في أصل النخلة فيوعى فيه. وقد سبقت مباحث هذا الحديث في باب أداء الخمس من الإيمان ووجه مطابقته للترجمة من جهة أن في الآية اقتران نفي الشرك بإقامة الصلاة، وفي الحديث اقتران إثبات التوحيد بإقامتها. ورواته الأربعة ما بين بلخي وبصري وفيه التحديث والعنعنة والقول. 3 - باب الْبَيْعَةِ عَلَى إِقَامَةِ الصَّلاَةِ (باب البيعة على إقام الصلاة)

4 - باب الصلاة كفارة

كذا لأبي ذر كما في الفرع وأصله ولغيره إقامة بالتاء وعزاها الحافظ ابن حجر لكريمة فقط. 524 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. [انظر الحديث 57 - وأطرافه]. وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) بتشديد النون المفتوحة (قال: حدّثنا يحيى) القطان (قال: حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد (قال: حدّثنا قيس) هو ابن أبي حازم بالمهملة والزاي البلخي الكوفي التابعي المخضرم (عن جرير بن عبد الله) بفتح الجيم البجلي، المتوفى سنة إحدى وخمسين (قال): (بايعت رسول الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على إقام الصلاة) المكتوبة (وإيتاء الزكاة) المفروضة (والنصح لكل مسلم) بالجر عطفًا على السابق، وخصّ مبايعة جرير بالنصيحة لأنه كان سيد بجيلة وقائدهم فأرشده إلى النصيحة لأن حاجته إليها أمسّ، بخلاف وفد عبد القيس ذكر لهم أداء الخمس لكونهم أهل محاربة مع من يليهم من كفار مضر، فذكر لكل قوم الأهم مما يحتاجون إليه ويخاف عليهم من جهته، وقد تقدمت مباحث الحديث في باب الدين النصيحة آخر كتاب الإيمان. 4 - باب الصَّلاَةُ كَفَّارَةٌ هذا (باب) بالتنوين (الصلاة كفارة) للخطايا، ولأبي ذر والمستملي وفي نسخة للأصيلي باب تكفير الصلاة لإضافة باب لتاليه. 525 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ قَالَ: "كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ -رضي الله عنه- فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْفِتْنَةِ؟ قُلْتُ: أَنَا، كَمَا قَالَهُ، قَالَ: إِنَّكَ عَلَيْهِ! أَوْ عَلَيْهَا -لَجَرِيءٌ. قُلْتُ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ وَالنَّهْيُ. قَالَ: لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ، وَلَكِنِ الْفِتْنَةُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ. قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا. قَالَ: يُكْسَرُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: يُكْسَرُ. قَالَ: إِذَنْ لاَ يُغْلَقَ أَبَدًا. قُلْنَا: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ. كَمَا أَنَّ دُونَ الْغَدِ اللَّيْلَةَ. إِنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ. فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ، فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: الْبَابُ عُمَرُ". [الحديث 525 - أطرافه في: 1435، 1895، 3586، 7096]. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيي) القطان (عن الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني) بالإفراد (شقيق) أبو وائل بن سلمة الأسدي (قال: سمعت حذيفة) بن اليمان، وللمستملي حدّثني بالإفراد حذيفة رضي الله عنه حال كونه (قال): (كنّا جلوسًا) أي جالسين (عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أيّكم يحفظ قول رسول الله) ولأبي ذر والأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الفتنة) المخصوصة وهي في الأصل الاختبار والامتحان. قال حذيفة رضي الله عنه: (قلت: أنا) أحفظ (كما قاله) أي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والكاف في كما زائدة للتأكيد (قال) عمر لحذيفة: (إنك عليه) أي على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أو عليها) على المقالة (لجريء) بوزن فعيل من الجرأة أي جسور مقدام قاله على جهة الإنكار والشك من حذيفة أو من غيره من الرواة. قال حذيفة: (قلت) هي (فتنة الرجل في أهله) بأن يأتي من أجلهم بما لا يحل من القول والفعل. (و) فتنته في (ماله) بأن يأخذه من غير مأخذه ويصرفه في غير مصرفه، (و) فتنته في (ولده) بفرط المحبة والشغل به عن كثير من الخيرات أو التوغّل في الاكتساب من أجلهم من غير اتقاء المحرمات (و) فتنته في (جاره) بأن يتمنى مثل حاله إن كان متسعًا مع الزوال هذه كلها (تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر) بالمعروف. (والنهى) عن المنكر كما صرح به في الزكاة وكلها تكفر الصغائر فقط لحديث "إن الصلاة إلى الصلاة كفّارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر" ففيه تقييد لما أطلق. فإن قلت: إذا كانت الصغائر مكفّرة باجتناب الكبائر فما الذي تكفره الصلوات الخمس؟ أجيب: بأنه لا يتم اجتناب الكبائر إلاّ بفعل الصلوات الخمسة فإن لم يفعلها لم يكن مجتنبًا للكبائر فتوقف التكفير على فعلها. (قال) عمر رضي الله عنه (ليس هذا) الذي ذكرته (أريد، ولكن) الذي أريده (الفتنة) بالنصب مفعول فعل مقدّر أي أريد الفتنة الكبرى الكاملة (التي تموج كما يموج البحر) أي تضطرب كاضطرابه، وما مصدرية (قال) حذيفة لعمر: (ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، وإن بينك وبينها بابًا) وللأربعة لبابًا (مغلقًا) بالنصب صفة لسابقه اسم مفعول من أغلق رباعيًا أي لا يخرج شيء من الفتن في حياتك (قال) عمر؛ (أيكسر) هذا الباب (أم يفتح؟ قال) حذيفة: (يكسر. قال) عمر: (إذا) جواب وجزاء أي إن انكسر (لا يغلق أبدًا) فإن الإغلاق إنما يكون في الصحيح؛ وأما الكسر فهو هتك لا يجبر، ولذلك انخرق عليهم بقتل عثمان رضي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الفتن ما لا يغلق إلى يوم القيامة، وإذا حرف ناصب ولا يغلق منصوب بها لوجود ما اشترط في عملها وهو تصديرها، وكون الفعل مستقبلاً واتصاله بها وانفصاله عنها بالقسم أو بلا النافية لا يبطل عملها، وفي كتابة إذا بالنون خلاف

5 - باب فضل الصلاة لوقتها

وللكشميهني لا يغلق بالرفع بتقدير نحو ب الباب أو هو قال شقيق. (قلنا) لحذيفة (أكان عمر) رضي الله عنه (يعلم الباب؟ قال: نعم) يعلمه (كما) يعلم (أن دون الغد الليلة) أي أن الليلة أقرب من الغد قيل: وإنما علمه عمر رضي الله عنه لأنه عليه الصلاة والسلام كان على حراء هو والعمران وعثمان رضي الله عنهم فاهتز فقال عليه الصلاة والسلام: "إنما عليك نبي وصديق وشهيدان" قال. حذيفة: (اني حدّثته) أي عمر (بحديث) صدق عن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ليس بالأغاليط) بفتح الهمزة جمع أغلوطة بضمها. قال شقيق: (فهبنا) أي خفنا (أن نسأل حذيفة) من الباب (فأمرنا مسروقًا) هو ابن الأجدع أن يسأله (فسأله، فقال) حذيفة: (الباب) هو (عمر) رضي الله عنه ولا تغاير بين "قوله" أولاً إن بينك وبينها بابًا مغلقًا، وبين قوله هنا: إنه هو الباب، لأن المراد بقوله بينك أي بين زمانك وزمان الفتنة وجود حياتك. وعلم حذيفة بذلك مستند إلى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقرينة السياق والسؤال والجواب، وقيل: إن عمر لما رأى الأمر كان يتغير سأل عن الفتنة التي تأتي بعده خوفًا أن يدركها مع أنه علم الباب الذي تكون الفتنة بعد كسره، لكنه من شدة الخوف خشي أن يكون نسي فسأل من ذكره. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصريين وكوفيين، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وعلامات النبوّة والفتن والصوم، ومسلم والترمذي وابن ماجة في الفتن. 526 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ "أَنَّ رَجُلاً أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِي هَذَا؟ قَالَ لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ». [الحديث 526 - طرفه في: 4687]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (قال: حدثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء وسكون المثناة التحتية (عن سليمان) بضم السين وفتح اللام ابن طرخان (التيمي) البصري (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ بلام مشددة مع تثليث الميم (النهدي) بفتح النون وسكون الهاء المخضرم العابد (عن ابن مسعود) عبد الله. (أن رجلاً) هو أبو اليسر بفتح المثناة التحتية والسين المهملة كعب بن عمرو الأنصاري أبو حبة بالموحدة التمار، أو ابن معتب الأنصاري؛ أو أبو مقبل عامر بن قيس الأنصاري، أو نبهان التمار أو عباد (أصاب من امرأة) أنصارية (قبلة) فقط من غير مجامعة (فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد أن ندم على فعله وعزم على تلافي حاله (فأخبره) بذلك (فأنزل الله عز وجل) {أقم الصلاة طرفي النهار} غدوة وعشية {وزلفًا من الليل} وساعات منه قريبة من النهار، فإنه من أزلفه إذا قربه وهو جمع زلفة، وصلاة الغداة صلاة الصبح لأنها أقرب الصلوات من أول النهار، وصلاة العشية العصر وقيل الظهر والعصر لأن ما بعد الزوال عشي وصلاة الزلف المغرب والعشاء {إن الحسنات يذهبن} أي يكفرن (السيئات) [هود: 114] الصغائر لحديث:"إن الصلاة إلى الصلاة مكفرات ما بينهما ما اجتنبت الكبائر" (فقال الرجل) المعهود: (يا رسول الله ألي هذا)؟ بهمزة الاستفهام واسم الإشارة مبتدأ مؤخر ولي خبر مقدم ليفيد الاختصاص (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هو (لجميع أمتي كلهم) مبالغة في التأكيد، لكن سقط كلهم من رواية المستملي كذا قاله العيني كابن حجر، والذي في الفرع كأصله رقم علامة سقوطها لأبي ذر عن الكشميهني والحموي والأصيلي والله أعلم. ورواته الخمسة بصريون ما خلا قتيبة، وفيه التحديث والعنعنة وفيه تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير ومسلم في التوبة والترمذي والنسائي في التفسير وابن ماجة في الصلاة. 5 - باب فَضْلِ الصَّلاَةِ لِوَقْتِهَا (باب فضل الصلاة لوقتها) أي في وقتها أو على وقتها. 527 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْعَيْزَارِ أَخْبَرَنِي قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ -وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: ثُمَّ أَىُّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ أَىُّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي". [الحديث 527 - أطرافه في: 2782، 5970، 7534]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك) الطيالسي البصري، وسقط من رواية الأصيلي هشام بن عبد الملك (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: الوليد بن العيزار) بعين مهملة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فزاي فألف فراء ابن حريث بضم المهملة آخره مثلثة الكوفي (أخبرني) بالإفراد هو على التقديم والتأخير أي حدّثنا شعبة قال: أخبرني الوليد بن العيزار (قال: سمعت أبا عمرو) سعد بن إياس بسكون العين وبكسر الهمزة في إياس وتخفيف المثناة التحتية (الشيباني) المخضرم

الكوفي، المتوفى سنة خمس أو ست وتسعين وله مائة وعشرون سنة (يقول: حدّثنا صاحب هذه الدار) هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كما صرّح به مالك بن مغول عند المؤلّف في الجهاد، (وأشار) أبو عمرو الشيباني (بيده إلى دار عبد الله) بن مسعود اكتفاء بالإشارة المهمة عن التصريح (قال: (سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أيّ العمل أحبّ إلى الله؟ قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-َ (الصلاة على وقتها) اتفق أصحاب شعبة على هذا اللفظ، وخالفهم علي بن حفص وهو ممن احتج به مسلم فقال: (الصلاة في أول وقتها) رواه الحاكم والدارقطني واحترز بقوله على وقتها عما إذا وقعت الصلاة خارج وقتها من معذور كالنائم والناسي، فإن إخراجهما لها عن وقتها لا يوصف بتحريم ولا بأنه أفضل الأعمال مع أنه محجوب، لكن إيقاعها في الوقت أحب. ووجه المطابقة بين الترجمة باللام وبين الحديث بعلى أن اللام قد تأتي بمعنى على وحروف الخفض ينوب بعضها عن بعض عند الكوفيين كهي في قوله تعالى: {ويخرّون للأذقان} [الإسراء: 109]. أي عليها {وتله للجبين} [الصافات: 103]. أي عليه أو هي لام التأقيت والتأريخ كهي في قوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1] أي وقتها وهو الطهر، فإن اللام في الأزمان وما أشبهها للتأقيت، ومن عدّ العدة بالحيض علق اللام بمحذوف مثل مستقبلات قاله البيضاوي، فعلى قول الكوفيين إن حروف الجر تنوب بعضها عن بعض فهما متطابقان، وإلاّ فمتغايران لأن على للاستعلاء على الوقت والتمكن من أداء الصلاة في أي جزء كان من أجزائه واللام لاستقبال الوقت، أو اللام بمعنى في لأن الوقت ظرف لها. قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] أي فيه. (قال) أي ابن مسعود قلت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ثم أي) بالتشديد والتنوين كما سمعه أبو الفرج بن الجوزي من ابن الخشاب. وقال: يعني ابن الخشاب لا يجوز غيره لأنه اسم معرب غير مضاف، وأجاب الزركشي في تعليق العمدة بأنه مضاف تقديرًا والمضاف إليه محذوف لوقوعه في الاستفهام والتقدير، ثم أي العمل أفضل؟ قال: فالأولى أن يوقف عليه بإسكان الياء، وتعقبه في المصابيح فقال: كأنه فهم أن ابن الخشاب نفى كونه مضافًا مطلقًا حتى أورد عليه أنه مضاف تقديرًا، وليس هذا مراد ابن الخشاب قطعًا إذ هو بصدد تعليل إيجاب التنوين فيه وهو يثبت بكونه غير مضاف لفظًا وتقدير الإضافة لا يوجب عدم تنوينه، بل ولا يجوزه، وتوجيه الفاكهاني في شرح العمدة بأنه موقوف عليه في الكلام، والسائل ينتظر الجواب منه عليه الصلاة والسلام، والتنوين لا يوقف عليه إجماعًا، وحينئذ فتنوينه ووصله بما بعده خطأ فيوقف عليه وقفة لطيفة ثم يؤتى بما بعده. أجيب: عنه بأن الحاكي لا يجب عليه في حالة وصل الكلام بما قبله أو بما بعده أن يراعي حال المحكي عنه في الابتداء والوقف، بل يفعل هو ما تقتضيه حالته التي هو فيها والاستعمالات الفصيحة شاهدة بذلك. قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] فهذا كلام محكي بدئ بهمزة قطع وختم بتنوين ولم يقل أحد بوجوب الوقف على ما قالوا محافظة على الإتيان بهمزة القطع كما كانت في كلامهم المحكي ولا بوجوب الوقف على الميم بالسكون كما وقفوا عليه. بل يجوز الوصل إجماعًا فتراعى حالته قاله الدماميني. (قال) عليه الصلاة والسلام: (بر الوالدين) بالإحسان إليهما والقيام بخدمتهما وترك عقوقهما وللمستملي ثم بر الوالدين (قال) أي ابن مسعود رضي الله عنه قلت: (ثم أي) بالتشديد والتنوين كما سبق (قال) عليه الصلاة والسلام: (الجهاد في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله عز وجل وإظهار شعائر الإسلام بالنفس والمال. (قال) ابن مسعود رضي الله عنه: (حدّثني بهن) أي بالثلاثة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولو استزدته) أي طلبت منه الزيادة في السؤال (لزادني) في الجواب. فإن قلت: ما الجمع بين حديث الباب ونحو: إن إطعام الطعام خير أعمال الإسلام؟ أجيب: بأن الجواب اختلف باختلاف أحوال السائلين. فأعلم كل قوم بما يحتاجون إليه أو بما هو لائق بهم، أو الاختلاف باختلاف

6 - باب الصلوات الخمس كفارة

الأوقات فقد كان الجهاد في ابتداء الإسلام أفضل الأعمال، لأنه وسيلة إلى القيام بها. ولا ريب أن الصلاة أفضل من الصدقة وقد تكون في وقت مؤاساة المضطر أفضل، أو أن أفعل ليست على بابها، بل المراد بها الفضل المطلق أو هو على حذف من وارداتها. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي، وفيه التحديث والإخبار والقول والسماع والسؤال، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الجهاد وفي الأدب والتوحيد، ومسلم في الإيمان، والترمذي في الصلاة وفي البر والصلة، والنسائي في الصلاة. 6 - باب الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كَفَّارَةٌ هذا (باب) بالتنوين (الصلوات الخمس كفارة) وللكشميهني كفّارات للخطايا إذا صلاّهنّ لوقتهنّ في الجماعة وغيرها، وسقط الباب والترجمة لأبي ذر والأصيلي، وضبب عليه في رواية أبي الوقت وعند أبي ذر وفي نسخة أبي الهيثم الباب والترجمة وعنده عوض كفّارة كفّارات وعوض لوقتهنّ لوقتها. 528 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ؟ قَالُوا: لاَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا. قَالَ: فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا». وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي ابن محمد بن حمزة الزبيري المدني (قال: حدّثني) بالإفراد وفي رواية أبي ذر حدّثنا (ابن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي عبد العزيز واسم أبي حازم سلمة بن دينار المدني (و) عبد العزيز بن محمد بن عبيد (الدراوردي) بفتح الدال والراء المهملتين فألف ثم واو مفتوحة ثم راء ساكنة ثم دال مهملة فياء قرية بخراسان نسب إليها كلاهما (عن يزيد) ولأبي ذر زيادة ابن عبد الله وللأصيلي يعني ابن عبد الله بن الهاد أي الليثي الأعرج التابعي الصغير (عن محمد بن إبراهيم) التيمي التابعي راوي حديث: إنما الأعمال بالنيّة، (عن أبي سلمة) بفتح اللام (بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أنه سمع رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (أرأيتم) بهمزة الاستفهام التقريري وتاء الخطاب أي أخبروني (لو) ثبت (أن نهرًا) بفتح الهاء وسكونها ما بين جنبتي الوادي سمي به لسعته صفته أنه (بباب أحدكم) ظرف مستقر حال كونه (يغتسل فيه كل يوم) ظرف ليغتسل (خمسًا) أي خمس مرات مصدر له (ما تقول) أيها السامع أي ما تظن، فأجرى فعل القول مجرى فعل الظن، كما نبّه عليه ابن مالك في توضيحه لأن ما الاستفهامية تقدمت ووليها فعل مضارع مسند إلى ضمير المخاطب، فاستحق أن يعمل عمل فعل الظن. وقال في المصابيح: جواب لو اقترن بالاستفهام كما اقترن به جواب أن الشرطية في مثل قوله: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14] هكذا مثله بعضهم، ومثل الرضى لذلك بقوله تعالى: {أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُون} [الأنعام: 47] وفيهما نظر. فإن اقتران الجواب في مثله بالفاء واجب ولا محل لهذه الجملة المتضمنة للاستفهام لأنها مستأنفة لبيان الحال المستخبر عنها كأنه لما قال: أرأيتم قالوا عن أي شيء تسأل؟ فقال: لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه في كل يوم خمسًا ما تقول. (ذلك) أي الاغتسال (يبقي) بضم أوله وكسر ثالثه المخفّف من الإبقاء وهو بالموحدة عند الجمهور. وحكى عياض عن بعض شيوخه أنه ينقي بالنون والأول أوجه (من درنه؟) بفتح أوله أي من وسخه زاد مسلم شيئًا وما الاستفهامية في موضع نصب يبقي، وقدم لأن الاستفهام له الصدر. فإن قيل: خاطب أولاً الجماعة بقوله أرأيتم ثم أفرد في تقول فما وجهه؟ أجاب في المصابيح: بأنه أقبل على الكل أولاً فخاطبهم جميعًا، ثم أفرد إشارة إلى أن هذا الحكم لا يخاطب به معين لتناهيه في الظهور فلا يختص به مخاطب دون مخاطب وقد مرَّ نظيره. (قالوا: لا يُبقي) بضم أوله وكسر ثالثه المخفّف وفاعله ضمير يعود إلى ما تقدم أي لا يبقي ذلك الفعل أو الاغتسال (من درنه) وسخه (شيئًا) نصب على المفعولية (قال): عليه الصلاة والسلام: (فذلك) الفاء جواب شرط محذوف أي إذا علمتم ذلك فهو (مثل الصلوات الخمس) بفتح الميم والمثلثة أو بالكسر والسكون (يمحو الله به الخطايا) أي الصغائر وتذكير الضمير باعتبار أداء الصلوات، وللأربعة بها أي بالتأنيث باعتبار الصلوات، وفائدة التمثيل التأكيد وجعل المعقول كالمحسوس. قال الدماميني رحمه الله تعالى: شبه على وجه التمثيل حال المسلم المقترف لبعض الذنوب المحافظ على أداء الصلوات الخمس في زوال الأذى عنه وطهارته من أقذار السيئات

7 - باب تضييع الصلاة عن وقتها

بحال المغتسل في نهر على باب داره كل يوم خمس مرات في نقاء بدنه من الأوساخ وزوالها عنه، ويجوز أن يكون هذا من تشبيه أشياء بأشياء، فشبهت الصلاة بالنهر لأنها تنقي صاحبها من درن الذنوب كما ينقي النهر البدن من الأوساخ التي تعلق به بالاغتسال فيه، وشبه قرب تعاطي الصلوات وسهولته بكون النهر قريبًا من مجاورته على باب داره، وشبه أداؤها كل يوم خمس مرات بالاغتسال المتعدد كذلك، وشبهت الذنوب بالأدران للتأذّي بملابستها وشبه محو السيئات عن المكلف بنقاء البدن وصفائه والأول أفحل وأجزل. ورواة هذا الحديث السبعة مدنيون، وفيه ثلاثة من التابعين يزيد ومحمد وأبو سلمة، وفيه التحديث والعنعنة والسماع، وأخرجه مسلم في الصلاة والترمذي في الأمثال. 7 - باب تَضْيِيعِ الصَّلاَةِ عَنْ وَقْتِهَا (باب تضييع الصلاة) بإضافة باب لتاليه، ولأبي ذر باب بالتنوين في تضييع الصلاة (عن وقتها) أي تأخيرها إلى أن يخرج وقتها، وسقط لابن عساكر والأصيلي الباب والترجمة. وقال الحافظ ابن حجر: هذه الترجمة ثابتة في رواية الكشميهني والحموي وسقطت للباقين. 529 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ عَنْ غَيْلاَنَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قِيلَ: الصَّلاَةُ. قَالَ: أَلَيْسَ صَنَعْتُمْ مَا صَنَعْتُمْ فِيهَا؟ وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي (قال: حدّثنا مهدي) هو ابن ميمون (عن غيلان) بفتح المعجمة ابن جرير المعولي بفتح الميم وإسكان العين المهملة وفتح الواو نسبة إلى المعاول بطن من الأزد (عن أنس) هو ابن مالك رضي الله عنه أنه (قال:) لما أخّر الحجاج الصلاة (ما أعرفُ شيئًا مما كان على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في رواية ابن سعد في الطبقات إلا شهادة أن لا إله إلاّ الله (قيل:) أي قال له أبو رافع (الصلاة) هي شيء مما كان على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي باقية، فكيف تصدق القضية السالبة العامّة؟ (قال:) أنس رضي الله عنه في الجواب (أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها؟) بالضاد المعجمة والمثناة التحتية المشددة واسم ليس ضمير الشأن المستتر فيها وضيعتم في موضع نصب خبرها، ولأبي ذر قد ضيعتم بزيادة قد والمراد بإضاعتها إخراجها عن وقتها. قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ} [مريم: 59] قال البيضاوي: تركوها أو أخّروها عن وقتها انتهى. والثاني هو قول ابن مسعود رضي الله عنه ويشهد له ما في الطبقات لابن سعد عن ثابت البناني فقال رجل: فالصلاة يا أبا حمزة؟ قال: جعلتم الظهر عند المغرب أفتلك صلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ وقيل: المراد بتضييعها تأخيرها عن وقتها المستحب لا عن وقتها بالكلية، ولغير النسفيّ صنعتم ما صنعتم بالصاد المهملة والنون فيها من الصنع، والأولى أوضح في مطابقة الترجمة. ورواة هذا الحديث الأربعة بصريون، وفيه التحديث والعنعنة وهو من أفراد المؤلّف. 530 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ وَاصِلٍ أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ أَخِي عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلاَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ، وَهَذِهِ الصَّلاَةُ قَدْ ضُيِّعَتْ. وَقَالَ بَكْرٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ نَحْوَه. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين وسكون الميم وزرارة بضم الزاي وراءين مفتوحتين بينهما ألف آخره هاء تأنيث (قال: أخبرنا عبد الواحد بن واصل أبو عبيدة) بضم العين آخره تاء تأنيث مصغرًا (الحداد) بحاء ودالين مهملات السدوسي البصري (عن عثمان بن أبي روّاد) بفتح الراء وتشديد الواو واسمه ميمون الخراساني نزيل البصرة (أخو) أي هو أخو (عبد العزيز) وللأصيلي زيادة ابن أبي رواد وللحموي والمستملي أخي بالياء بدلاً من قوله عثمان (قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب حال كونه (يقول: دخلت على أنس بن مالك) رضي الله عنه (بدمشق) بكسر الدال وفتح الميم لما قدمها شاكيًا من والي العراق الحجاج للوليد بن عبد الملك بن مروان (وهو) أي والحال أن أنسًا (يبكي فقلت له: ما يبكيك؟ فقال:) يبكيني أني (لا أعرف شيئًا مما أدركتُ) في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي شيئًا موجودًا من الطاعات معمولاً به على وجهه أي بالنسبة إلى ما شاهده من أمراء الشام والبصرة خاصة (إلاّ هذه الصلاة،) بالنصب على الاستثناء أو البدلية (وهذه الصلاة قد ضُيعت) بضم الضاد المعجمة وكسر المثناة التحتية المشددة بإخراجها عن وقتها، فقد صحّ أن الحجاج وأميره الوليد وغيرهما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها، وهو يردّ على من فسّره بتأخيرها عن وقتها المستحب على ما لا يخفى. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين نيسابوري

8 - باب المصلي يناجي ربه عز وجل

وخراساني وبصري ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول. (وقال بكر:) بفتح الموحدة وسكون الكاف، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر بكر بن خلف البصري نزيل مكة مما وصله الإسماعيلي (حدّثنا محمد بن بكر البرساني) بضم الموحدة وسكون الراء وبالسين المهملة وبالنون الواسطي (قال: أخبرنا عثمان بن أبي روّاد) المذكور (نحوه.) أي نحو سياق عمرو بن زرارة عن عبد الواحد. 8 - باب الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هذا (باب) بالتنوين (المصلّي يناجي) أي يخاطب (ربه عز وجل) ولا يخفى أن مناجاة الرب أرفع درجات العبد. 531 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلاَ يَتْفِلَنَّ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى». وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: لاَ يَتْفِلُ قُدَّامَهُ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. وَقَالَ شُعْبَةُ: لاَ يَبْزُقُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ. وَقَالَ حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَبْزُقْ فِي الْقِبْلَةِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ». وبالسند قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) البصري (قال: حدّثنا هشام) هو ابن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) وللأصلي أنس بن مالك (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن أحدكم إذا صلّى يناجي ربه،) زاد الأصيلي عز وجل: واعلم أنه لا تتحقق المناجاة إلا إذا كان اللسان معبرًا عما في القلب فالغفلة ضد، ولا ريب أن المقصود من القراءة والأذكار مناجاته تبارك وتعالى، فإذا كان القلب محجوبًا بحجاب الغفلة غافلاً عن جلال الله عز وجل وكبريائه، وكان اللسان يتحرك بحكم العادة فما أبعد ذلك عن القبول. وعن بشر الحافي رحمة الله عليه مما نقله الغزالي: من لم يخشع فسدت صلاته، وعن الحسن رحمة الله تعالى عليه كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع. سلمنا أن الفقهاء صحّحوها فهلاّ يأخذ بالاحتياط ليذوق لذة المناجاة؟ (فلا يتفلن عن يمينه) بكسر الفاء في الفرع، ويجوز ضمها. قال البرماوي: وإن أنكر ابن مالك الضم من التفل بالمثناة أقل من البزق (ولكن) يتفل (تحت قدمه اليسرى). وبالإسناد المذكور (قال سعيد) أي ابن أبي عروبة (عن قتادة:) وطريقه موصولة عند الإمام أحمد وابن حبّان (لا يتفل قدامه) بكسر الفاء وضمها وجزم اللام بلا الناهية. (أو) قال الراوي (بين يديه) أي قدامه فالشك في اللفظ (ولكن) يتفل (عن يساره أو تحت قدميه). ولأبوي ذر والوقت قدمه بالإفراد. (و) بالسند السابق أيضًا (قال شعبة:) بن الحجاج عن قتادة وطريقه موصولة عند المؤلّف فيما سبق عن آدم عنه (لا يبزق بين يديه) بالجزم على النهي، والذي في اليونينية الرفع فقط (ولا عن يمينه، ولكن) يبزق (عن يساره أو تحت) ولابن عساكر وتحت (قدمه). (و) بالإسناد السابق أيضًا (قال حميد) بضم الحاء المهملة وفتح الميم (عن أنس) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يبزق) أحدكم (في القبلة ولا) يبزق (عن يمينه، ولكن) يبزق (عن يساره أو تحت) ولابن عساكر وتحت (قدمه) بالإفراد وفي رواية قدميه بالتثنية. 532 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلاَ يَبْسُطْ ذِرَاعَيْهِ كَالْكَلْبِ، وَإِذَا بَزَقَ فَلاَ يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ». وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين ابن الحرث الأزدي النمريّ الحوضيّ (قال: حدّثنا يزيد بن إبراهيم) التستري بضم المثناة الفوقية وسكون المهملة وفتح المثناة ثم راء نزيل البصرة (قال: حدّثنا قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي البصري (عن أنس) وللأصيلي أنس بن مالك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:) ولأبي ذر عن الكشميهني أنه قال: (اعتدلوا في السجود) بوضع الكفّين على الأرض ورفع المرفقين عنها وعن الجنبين والبطن عن الفخذ إذ هو أشبه بالتواضع، وأبلغ في تمكين الجبهة من الأرض، وأبعد من هيئات الكسالى (ولا يبسط) بالجزم على النهي أي المصلي والفاعل مضمر ولأبي ذر ولا يبسط أحدكم بإظهاره (ذراعيه كالكلب،) فإن فيه مع ذلك إشعارًا بالتهاون بالصلاة وقلة الاعتناء بها والإقبال عليها (وإذا بزق) أحدكم (فلا يبزقن) بنون التأكيد الثقيلة وللأصيلي فلا يبزق (بين يديه ولا عن يمينه، فإنه) وللحموي والمستملي فإنما (يناجي ربه) عز وجل. 9 - باب الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ (باب) فضل (الإبراد بالظهر) أي بصلاتها (في شدة الحر) سقط باب للأصيلي. 533، 534 - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ: حَدَّثَنَا الأَعْرَجُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَنَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» [الحديث 533 - طرفه في: 536]. وبالسند قال: (حدّثنا أيوب بن سليمان) المدني ولأبوي ذر والوقت ابن سليمان بن بلال (قال: حدّثنا) وللأصيلي حدّثني (أبو بكر) عبد الحميد بن أبي أويس الأصبحي (عن سليمان بن بلال) والد أيوب شيخ المؤلّف

(قال صالح بن كيسان) بفتح الكاف (حدّثنا الأعرج عبد الرحمن) بن هرمز (وغيره) قال الحافظ ابن حجر هو أبو سلمة بن عبد الرحمن فيما أظن (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (ونافع) بالرفع عطفًا على الأعرج (مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (أنهما) أي أبا هريرة وابن عمر (حدّثاه) أي حدّثا من حدّث صالح بن كيسان أو الضمير في أنهما للأعرج ونافع يعني أن الأعرج ونافعًا حدّثاه يعني صالح بن كيسان عن شيخهما بذلك، ولابن عساكر وهو عند الإسماعيلي حدّثا بغير ضمير، وحينئذ فلا يحتاج إلى التقدير المذكور (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال): (إذا اشتد الحر فأبردوا) بقطع الهمزة وكسر الراء (بالصلاة) أي بصلاة الظهر كما في رواية أبي سعيد والمطلق يحمل على المقيد أي أخّروا صلاة الظهر عند شدة الحر وعند إرادة صلاتها بمسجد الجماعة حيث لا ظل لمنهاجه في بلد حار ندبًا عن وقت الهاجرة إلى حين يبرد النهار، فالتأخير إلى حين ذهاب شدّة الحر لا إلى آخر بردي النهار وهو برد العشي لأنه إخراج عن الوقت، ولا في بلد معتدل، ولا لمن يصلّي في بيته منفردًا، ولا لجماعة مسجد لا يأتيهم غيرهم، ولا لمن كانت منازلهم قريبة من المسجد، ولا لمن يمشون إليه من بُعد في ظل. واستدل به على استحباب الإبراد بالجمعة لدخولها في مسمى الصلاة، ولأن العلة وهي شدة الحر موجودة في وقتها، والأصح أنه لا يبرد بها لأن المشقّة في الجمعة ليست في التعجيل بل في التأخير، والمستحب لها التعجيل والباء في بالصلاة للتعدية فالمعنى: ادخلوا الصلاة في البرد. وللكشميهني: فأبردوا عن الصلاة فعن بمعنى الباء كاسأل به خبيرًا ورميت عن القوس، أو ضمن أبردوا معنى التأخير فعدّي بعن أي إذا اشتد الحر فتأخروا عن الصلاة مبردين أو أبردوا متأخرين عنها، وحقيقة التضمين أن يقصد بالفعل معناه الحقيقي مع فعل آخر يناسبه، وقد استشكل هذا بأن الفعل المذكور إن كان في معناه الحقيقي فلا دلالة على الفعل الآخر، وإن كان في معنى الفعل الآخر فلا دلالة على معناه الحقيقي، وإن كان فيهما جميعًا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز. وأجيب: بأنه في معناه الحقيقي مع حذف حال مأخوذ من الفعل الآخر بمعونة القرينة اللفظية، وقد يعكس كما مثلناه ومنه قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُم} [البقرة: 185] أي لتكبّروه مدين على ما هداكم، أو لتحمدوا الله مكبّرين على ما هداكم. فإن قيل: صلة المتروك تدل على زيادة القصد إليه فجعله أصلاً، وجعل المذكور حالاً وتبعًا أولى. فالجواب: أن ذكر صلته يدل على اعتباره في الجملة لا على زيادة القصد إليه إذ لا دلالة بدونه، فينبغي جعل الأوّل أصلاً والتبع حالاً قاله في المصابيح. (فإن شدة الحر من فيح) أي من سعة تنفس (جهنم). حقيقة للحديث الآتي إن شاء الله تعالى، فأذن لها بنفسين، ولا يمكن حمله على المجاز، ولو حملنا شكوى النار على المجاز لأن الإذن لها في التنفس ونشأة شدة الحر عنه لا يمكن فيه التجوّز أو هو من مجاز التشبيه أي مثل نار جهنم فاحذروه واخشوا ضرره، والأوّل أولى لا سيما والنار عندنا مخلوقة فإذا تنفست في الصيف للإذن لها قوّى لهب نفسها حرّ الشمس، والفاء في فإن للتعليل لأن علّة مشروعية الإبراد شدّة الحر لكونها تسلب الخشوع، أو لأنها ساعة تسجر فيها جهنم، وعورض بأن فعل الصلاة مظنّة وجود الرحمة. وأجيب: بأن التعليل من قبل الشارع يجب قبوله، وإن لم يدرك معناه. وبأن وقت ظهوره أثر الغضب لا ينجع فيه الطلب إلا لمن أذن له بدليل حديث الشفاعة إذ يعتذر كل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بغضب الله عز وجل إلاّ نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام المأذون له في الشفاعة. ورواة هذا الحديث الثمانية مدنيون وفيه صحابيان وثلاثة من التابعين، والتحديث والعنعنة والقول. 535 - حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْمُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: "أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ فَقَالَ: أَبْرِدْ أَبْرِدْ -أَوْ قَالَ -انْتَظِرِ انْتَظِرْ- وَقَالَ: شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّم، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ. حَتَّى رَأَيْنَا فَىْءَ التُّلُولِ". [الحديث 535 - أطرافه في: 539، 629، 3258]. وبه قال: (حدّثنا ابن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة وللأربعة محمد بن بشار الملقب ببندار العبدي (قال: حدّثنا غندر) اسمه محمد بن جعفر ابن امرأة شعبة (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن المهاجر أبي الحسن) بضم الميم بلفظ اسم الفاعل وهو اسم له وليس بوصف وأل فيه كالتي في العباس (سمع زيد بن وهب)

الهمداني الجهني (عن أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري الصحابي رضي الله عنه أنه (قال): (أذّن مؤذّن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). بلال (الظهر) بالنصب أي في وقت الظهر فحذف المضاف الذي هو الوقت وأقيم الظهر مقامه، وبهذا يرد على الزركشي حيث قال: إن الصواب بالظهر أو للظهر (فقال:) عليه الصلاة والسلام لبلال رضي الله عنه: (أبرد أبرد) مرتين (أو قال:) عليه الصلاة والسلام: (انتظر انتظر) مرتين كذلك. فإن قلت: الإبراد للصلاة فكيف أمر المؤذن به للأذان؟ أجيب: بأنه مبني على أن الأذان هل هو للوقت أو للصلاة؟ وفيه خلاف مشهور وظاهر هذا يقوّي القول بأنه للصلاة، لأن الأذان وقد وقع وانقضى، أو أن المراد بالأذان الإقامة. ويؤيده حديث الترمذي بلفظ: فأراد بلال أن يقيم، وفي رواية البخاري الآتية إن شاء الله تعالى في التالي، فأراد المؤذّن أن يؤذن للقهر فقال له: أبرد وهي تقتضي أن الإبراد راجع إلى الأذان، وأنه منعه من الأذان في ذلك الوقت. (وقال): عليه الصلاة والسلام: (شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة). أي إذا اشتد الحر فتأخروا عن الصلاة مبردين. قال أبو ذر: كان يقول ذلك (حتى) أي أخّرنا إلى أن (رأينا فيء التلول) بضم المثناة الفوقية وتخفيف اللام جمع تل بفتح أوّله كل ما اجتمع على الأرض من تراب أو رمل أو نحوهما، وهي في الغالب مسطحة غير شاخصة لا يظهر لها ظل إلا إذا ذهب أكثر وقت الظهر، والفيء ما بعد الزوال، والظل أعم منه يكون لما قبل وما بعد، والتلول لانبساطها لا يظهر فيها عقب الزوال فيء بخلاف الشاخص المرتفع. نعم دخول وقت الظهر لا بدّ فيه من فيء فالوقت لا يتحقق دخوله إلاّ عند وجوده، فيحمل الفيء هنا على الزائد على هذا المقدار، ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في باب الإبراد في السفر. ورواة هذا الحديث الستة ما بين مدني وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وفي صفة النار، ومسلم وأبو داود وابن ماجة في الصلاة. 536 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) ولأبي ذر بن عبد الله بن المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حفظناه من الزهري) وفي رواية عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة) ندبًا، والمراد الظهر لأنها الصلاة التي يشتد الحر غالبًا في أوّل وقتها. (فإن شدة الحر من فيح جهنم). فإن قلت: ظاهره يقتضي وجوب الإبراد. أجيب: بأن القرينة صرفته إلى الندبية لأن العلّة فيه دفع المشقّة عن المصلي لشدة الحر فصار من باب الشفقة والنفع. فإن قلت: ما الجمع بين هذا وبين حديث خباب شكونا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حرّ الرمضاء فلم يشنّا أي لم يزل شكوانا؟ أجيب: بأن الإبراد رخصة والتقديم أفضل، أو هو منسوخ بأحاديث الإبراد، والإبراد مستحب لفعله عليه الصلاة والسلام له وأمره به، أو حديث خباب محمول على أنهم طلبوا زائدًا على قدر الإبراد لأنه بحيث يحصل للحيطان ظل يمشى فيه. 537 - «وَاشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ». [الحديث 537 - طرفه في: 3260]. (واشتكت النار إلى ربها) شكاية حقيقية بلسان المقال بحياة يخلفها الله تعالى فيها قاله عياض. وتعقبه الأبي بأنه لا بد من خلق إدراك مع الحياة انتهى. لكن قال الأستاذ أبو الوليد الطرطوشي فيما نقله في المصابيح: وإذا قلنا بأنها حقيقية فلا يحتاج إلى أكثر من وجود الكلام في الجسم، أما في محاجة النار فلا بدّ من وجود العلم مع الكلام لأن المحاجّة تقتضي التفطّن لوجه الدلالة أو هي مجازية عرفية بلسان الحال عن لسان المقال كقوله: شكا إليّ جملي طول السرى. وقرّر البيضاوي ذلك فقال: شكواها مجاز عن غليانها، وأكل بعضها بعضًا مجاز عن ازدحام أجزائها، وتنفسها مجاز عن خروج ما يبرز منها. وصوّب النووي حملها على الحقيقة. وقال ابن المنير: هو المختار، وقد ورد مخاطبتها للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وللمؤمنين بقولها: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي، ويضعف حمل ذلك على المجاز قوله: (فقالت: يا رب) وللأربعة فقالت: رب (أكل بعضي بعضًا، فأذن لها) ربها تعالى (بنفسين): تثنية

10 - باب الإبراد بالظهر في السفر

نفس بفتح الفاء وهو ما يخرج من الجوف ويدخل فيه من الهواء (نفس في الشتاء ونفس في الصيف) بجر نفس في الموضعين على البدل أو البيان، ويجوز رفعهما بتقدير أحدهما ونصبهما بأعني فهو (أشد ما تجدون) أي الذي تجدونه (من الحر)، أي من ذلك النفس، وهذا لا يمكن الحمل معه على المجاز، ولو حملنا شكوى النار على المجاز لأن الإذن لها في التنفس ونشأة شدة الحر عنه لا يمكن فيه التجوّز، والذي رويناه أشد بالرفع مبتدأ محذوف الخبر، ويؤيده رواية النسائي من وجه آخر بلفظ: فأشد ما تجدون من الحر من حر جهنم الحديث، أو خبر مبتدأ محذوف أي فذلك، ويؤيده رواية غير أبوي ذر والوقت والأصيلي، وعزاها ابن حجر لرواية الإسماعيلي من هذا الوجه فهو أشد، ويجوز الجر على البدل من السابق، ويجوز النصب مفعول تجدون الواقع بعد. قال الدماميني: وفيه بعد (وأشد) بالرفع أو الجر أو النصب (ما تجدون من الزمهرير) من ذلك النفس ولا مانع من حصول الزمهرير من نفس النار، لأن المراد من النار محلها وهو جهنم وفيها طبقة زمهريرية، والذي خلق الملك من الثلج والنار قادر على جمع الضدّين في محل واحد، وفيه أن النار مخلوقة موجودة الآن وهو أمر قطعي للتواتر المعنوي خلافًا لمن قال من المعتزلة أنها إنما تخُلَق يوم القيامة. ورواته خمسة، وفيه التحديث والقول والحفظ والعنعنة، وأخرجه النسائي. 538 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ». تَابَعَهُ سُفْيَانُ وَيَحْيَى وَأَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَعْمَشِ. [الحديث 538 - طرفه في: 3259]. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) ولأبي ذر ابن حفص بن غياث بكسر الغين المعجمة آخره مثلثة (قال: حدّثنا أبي) حفص بن طلق بفتح الطاء وسكون اللام (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران وللأصيلي عن الأعمش (قال: حدّثنا أبو صالح) ذكوان (عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه: (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم) خصّ الشافعي الإبراد بالإمام المنتاب من بعد دون الفذ والجماعة بموضعهم كما مرّ ولم يقل بالإبراد في غير الظهر إلا أشهب. قال: يبرد بالعصر كالظهر، وقال أحمد: تؤخر العشاء في الصيف كالظهر، وعكس ابن حبيب فقال: إنما تؤخر في ليل الشتاء لطوله، وتعجل في الصيف لقصره، وقد يحتج بحديث الباب على مشروعية الإبراد للجمعة كما مرّ، وبه قال بعض الشافعية وهو مقتضى صنيع المؤلّف. وتأتي مباحث ذلك إن شاء الله تعالى. وفي هذا الحديث رواية الابن عن الأب والتحديث والعنعنة والقول: (تابعه) وفي رواية وتابعه أي تابع حفص بن غياث والد عمر المذكور (سفيان) الثوري مما وصله المصنف في صفة النار من بدء الخلق، (و) تابع حفصًا أيضًا (يحيى) بن سعيد القطان مما وصله الإمام أحمد في مسنده عنه، (و) كذا تابعه (أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله في روايتهم (عن الأعمش) سليمان بن مهران في لفظ: أبردوا بالظهر. 10 - باب الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ (باب الإبراد بالظهر في) حالة (السفر) كالحضر إذا كان المسافر غير سائر. 539 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُهَاجِرٌ أَبُو الْحَسَنِ مَوْلًى لِبَنِي تَيْمِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَبْرِدْ. ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ. حَتَّى رَأَيْنَا فَىْءَ التُّلُولِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَتَفَيَّأُ تَتَمَيَّلُ. وبالسند قال: (حدّثنا آدم) ولغير الأربعة (ابن أبي إياس قال): (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا مهاجر أبو الحسن مولى لبني تيم الله) وللحموي والكشميهني مولى بني تيم الله بالإضافة الكوفي (قال: سمعت زيد بن وهب) الجهني الكوفي المخضرم (عن أبي ذر الغفاري) رضي الله عنه (قال): (كنا مع النبي) ولأبي ذر وابن عساكر مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) قيده هنا بالسفر وأطلقه في السابقة مشيرًا بذلك إلى تلك الرواية المطلقة محمولة على هذه المقيدة، لأن المراد من الإبراد التسهيل ودفع المشقّة فلا تفاوت بين السفر والحضر، (فأراد المؤذن) بلال (أن يؤذن للظهر، فقال:) له (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أبرد ثم أراد أن يؤذن فقال له: أبرد) في رواية عن أبي الوليد عن شعبة مرتين أو ثلاثًا، وجزم مسلم بن إبراهيم عن شعبة بذكر الثالثة (حتى) أي إلى أن (رأينا فيء التلول،) وغاية الإبراد حتى يصير الظل ذراعًا بعد ظل الزوال، أو ربع قامة أو ثلثها أو نصفها. وقيل غير ذلك أو

11 - باب وقت الظهر عند الزوال

يختلف باختلاف الأوقات، لكن يشترط أن لا يمتد إلى آخر الوقت. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): عقب مقالته السابقة: (إن شدّة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا)، بهمزة قطع مفتوحة (بالصلاة). التي يشتد الحر غالبًا في أوّل وقتها وهي الظهر. (وقال ابن عباس رضي الله عنهما:) ولابن عساكر قال محمد أي البخاري، قال ابن عباس رضي الله عنهما فيما وصله ابن أبي حاتم في تفسيره، وهو ثابت في رواية لكريمة والمستملي ساقط عند غيرهما في تفسير قوله تعالى: (تتفيأ) معناه (لا تتميل) ظلاله، وفي رواية الفرع وأصله من غير رقم تفيأ تميل بحذف إحدى التاءين فيهما، وللكشميهني يتفيأ يتميل بمثناة تحتية قبل الفوقية فيهما. 11 - باب وَقْتِ الظُّهْرِ عِنْدَ الزَّوَالِ وَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِالْهَاجِرَة هذا (باب) بالتنوين (وقت الظهر) ولغير أبي ذر باب وقت الظهر بالإضافة أي ابتداؤه (عند الزوال) وهو ميل الشمس إلى جهة المغرب، (وقال جابر:) هو ابن عبد الله مما هو طرف حديث موصول عند المؤلّف في باب وقت المغرب (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يصلّي) الظهر (بالهاجرة.) وهي وقت اشتداد الحر في نصف النهار. 540 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ السَّاعَةَ، فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورًا عِظَامًا ثُمَّ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَىْءٍ فَلْيَسْأَلْ، فَلاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَىْءٍ إِلاَّ أَخْبَرْتُكُمْ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا». فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي الْبُكَاءِ، وَأَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِي». فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ». ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِي». فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا. فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ: «عُرِضَتْ عَلَىَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ، فَلَمْ أَرَ كَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ». وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة بالمهملة والزاي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد وللأصيلي بالجمع (أنس بن مالك) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خرج حين زاغت الشمس) أي مالت وللترمذي زالت أي عن أعلى درجات ارتفاعها. قال أبو طالب في القوت والزوال ثلاثة: زوال لا يعلمه إلا الله تعالى، وزوال تعلمه الملائكة المقربون، وزوال يعلمه الناس. قال: وجاء في الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. سأل جبريل صلوات الله وسلامه عليه هل زالت الشمس؟ قال: لا نعم. قال: ما معنى لا نعم؟ قال: يا رسول الله قطعت الشمس من فلكها بين قولي لا نعم مسيرة خمسمائة عام، أن الزوال الذي يعرفه الناس يعرف بمعرفة أقل الظل وطريقه بأن تنصب قائمًا معتدلاً في أرض معتدلة وتنظر إلى ظله في جهة المغرب وظله فيها أطول ما يكون غدوة وتعرف منتهاه، ثم كلما ارتفعت نقص الظل حتى تنتهي إلى أعلى درجات ارتفاعها فتقف وقفة الظل لا يزيد ولا ينقص وذلك وقت نصف النهار ووقت الاستواء، ثم تميل إلى أول درجات انحطاطها في الغروب فذلك هو الزوال وأوّل وقت الظهر (فصلّى الظهر،) في أول وقتها، ولم ينقل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى قبل الزوال، وعليه استقرّ الإجماع وهذا لا يعارض حديث الإبراد لأنه ثبت بالقول وذاك بالفعل والقول فيرجح عليه. وقال البيضاوي: الإبراد تأخير الظهر أدنى تأخير بحيث لا يخرج عن حد التهجير فإن الهاجرة تطلق على الوقت إلى أن يقرب العصر (فقام) بعد فراغه من الصلاة (على المنبر) لما بلغه أن قومًا من المنافقين يسألون منه ويعجزونه عن بعض ما يسألونه (فذكر الساعة فذكر أن فيها أمورًا عظامًا، ثم قال:) عليه الصلاة والسلام: (من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل،) أي فليسألني عنه (فلا) وللأصيلي لا (تسألوني عن شيء) بحذف نون الوقاية (إلاّ أخبرتكم) به (ما دمت في مقامي هذا.) بفتح ميم مقامي، واسم الإشارة ساقط عند أبي ذر والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر، واستعمل الماضي في قوله أخبرتكم موضع المستقبل إشارة إلى أنه كالواقع لتحقّقه، (فأكثر الناس في البكاء،) خوفًا من نزول العذاب العامّ المعهود في الأمم السالفة عند ردّهم على أنبيائهم بسبب تغيظه عليه الصلاة والسلام من مقالة المنافقين السابقة آنفًا، أو سبب بكائهم ما سمعوه من أهوال يوم القيامة والأمور العظام والبكاء بالمد مد الصوت في البكاء وبالقصر الدموع وخروجها، (وأكثر) عليه الصلاة والسلام (أن يقول: سلوني) ولأبي ذر والأصيلي سلوا أي أكثر القول بقوله: سلوني (فقام عبد الله بن حذافة السهمي) بضم الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة والسهمي بفتح السين المهملة وسكون الهاء المهاجري (فقال:) يا رسول الله (من أبي؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (أبوك حذافة)

وكان يدعى لغير أبيه (ثم كثر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن يقول: (سلوني) (فبرك عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (على ركبتيه) بالتثنية (فقال) ولابن عساكر قال: (رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نبيًّا. فسكت.) عليه الصلاة والسلام (ثم قال) (عرضت) بضم العين وكسر الراء (عليّ الجنة والنار آنفًا) بمد الهمزة والنصب على الظرفية لتضمنه معنى الظرف أي في أوّل وقت يقرب مني وهو الآن "في عُرض هذا الحائط بضم العين المهملة وسكون الراء أي جانبه وناحيته وعرضهما أما بأن تكونا رفعنا إليه، أو زوى له ما بينهما أو مثلاً له، وتأتي مباحثه إن شاء الله تعالى. (فلم أر) أي لم أبصر (كالخير) الذي في الجنة (والشر) الذي في النار أو ما أبصرت شيئًا كالطاعة والمعصية في سبب دخول الجنة والنار. 541 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الصُّبْحَ وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ. وَيُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ وَأَحَدُنَا يَذْهَبُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ. وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ. وَلاَ يُبَالِي بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ. -ثُمَّ قَالَ- إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ". وَقَالَ مُعَاذٌ قَالَ شُعْبَةُ: ثُمَّ لَقِيتُهُ مَرَّةً فَقَالَ: "أَوْ ثُلُثِ اللَّيْل". وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث الحوضي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي المنهال) وللكشميهني في غير اليونينية حدّثنا أبو المنهال وهو بكسر الميم وسكون النون سيار بن سلامة البصري (عن أبي برزة) بفتح الموحدة وسكون الراء ثم بالزاي الأسلمي واسمه نضلة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن عبيد مصغرًا رضي الله عنه: (كان) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي قال: كان (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي الصبح وأحدنا يعرف جليسه)، أي مجالسه الذي إلى جنبه والواو للحال (ويقرأ) عليه الصلاة والسلام (فيها) أي في صلاة الصبح (ما بين الستين) من أي القرآن وفوقها (إلى المائة) وحذف لفظ فوقها لدلالة السياق عليه، وإلاّ فلفظ بين يقتضي دخوله على متعدد فكان القياس أن يقول والماء بدون كلمة الانتهاء كما في قوله باب ما يكره من السمر بعد العشاء أنه يقرأ من الستين إلى المائة كما نبّه عليه الكرماني (وكان) عليه الصلاة والسلام (ويصلّي الظهر إذا زالت الشمس) أي مالت إلى جهة المغرب (و) يصلّي (العصر وأحدنا يذهب) من المسجد (إلى) منزله (أقصى المدينة) آخرها حال كونه (رجع) أي راجعًا من المسجد إلى منزله (والشمس حية) بيضاء لم يتغير لونها ولا حرّها، وليس المراد الذهاب إلى أقصى المدينة والرجوع من ثم إلى المسجد. ورواية عوف الآتية إن شاء الله تعالى قريبًا، ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حيّة توضح ذلك لأنه ليس فيها إلا الذهاب فقط دون الرجوع، ووقع في رواية غير أبى ذر والأصيلي ويرجع بالواو وصيغة المضارع، وفي رواية ثم يرجع، ومثل ذلك رواية أبي داود عن حفص بن عمر بلفظ: وإن أحدنا ليذهب أقصى المدينة ويرجع والشمس حيّة وهذا يغاير رواية عوف المذكورة وهي قد أوضحت أن المراد بالرجوع الذهاب إلى المنزل من المسجد، وطرق الحديث يبين بعضها بعضًا وإنما سمي رجوعًا لأن ابتداء المجيء كان من المنزل إلى المسجد، فكان الذهاب منه إلى المنزل رجوعًا. قال أبو المنهال (ونسيت ما قال) أبو برزة (في المغرب. و) كان عليه السلام (لا يبالي بتأخير) صلاة (العشاء إلى ثلث الليل.) الأوّل وهو وقت الاختيار (-ثم قال-) أبو المنهال (إلى شطر الليل) أي نصفه، ورجحه النووي في شرح مسلم وكلامه في شرح المهذب يقتضي أن الأكثرين عليه، والحاصل أن للعشاء أربعة أوقات: وقت فضيلة أوّل الوقت، ووقت اختيار إلى ثلث الليل على الأصح، ووقت جواز إلى طلوع الفجر الصادق، ووقت عذر وقت المغرب لمن يجمع (وقال معاذ) هو ابن معاذ بن نصر العنبري التابعي التيمي قاضي البصرة ولابن عساكر قال محمد أي البخاري: وقال معاذ (قال شعبة) بن الحجاج بإسناده السابق (ثم لقيته) أي أبا المنهال (مرة) أخرى بعد ذلك (فقال): (أو ثلث الليل) تردّد بين الشطر والثلث، ووقع عند مسلم من طريق حماد بن سلمة عن أبي سلمة الجزم بقوله إلى ثلث الليل. ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين بصري وواسطي، وفيه التحديث والقول، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي. 542 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -يَعْنِي ابْنَ مُقَاتِلٍ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي غَالِبٌ الْقَطَّانُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالظَّهَائِرِ فَسَجَدْنَا عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الْحَرِّ". وبه قال: (حدّثنا محمد -يعني ابن مقاتل-) بضم الميم المروزي وعند أبوي ذر والوقت والأصيلي إسقاط يعني لابن عساكر محمد يعني ابن معاذ لكن لا يعرف للمؤلّف شيخ اسمه محمد بن معاذ (قال: أخبرنا)

12 - باب تأخير الظهر إلى العصر

وللأصيلي وأبي ذر حدّثنا (عبد الله) بن المبارك الحنظلي المروزي (قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (خالد بن عبد الرحمن) بن بكير السلمي البصري ولم يذكر في هذا الكتاب إلاّ في هذا الموضع (قال: حدّثني) بالإفراد (غالب القطان) بن خطاف المشهور بابن أبي غيلان بفتح الغين المعجمة وسكون المثناة التحتية، (عن بكر بن عبد الله) بفتح الموحدة وسكون الكاف (المزني، عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال) (كنّا إذا صلينا خلف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالظهائر) جمع ظهيرة أي الهاجرة وأراد بها الظهر وجمعها بالنظر إلى تعدّد الأيام (فسجدنا على ثيابنا) بزيادة الفاء وهي عاطفة على مقدار أي فرشنا الثياب فسجدنا على ثيابنا أي الغير المتصلة بنا أو المتصلة الغير المتحركة بحركتنا ولأبي ذر والأصيلي سجدنا بغير فاء وصوّبه في هامش الفرع كأصله (اتقاء الحر) أي لأجل اتقاء الحر. ورواة هذا الحديث الستة ما بين مروزي وبصري، وفيه التحديث والعنعنة وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وكذا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 12 - باب تَأْخِيرِ الظُّهْرِ إِلَى الْعَصْرِ (باب تأخير) صلاة (الظهر إلى) أول وقت (العصر) بحيث أنه إذا فرغ منها يدخل وقت تاليها لا أنه يجمع بينهما في وقت واحد. 543 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، فَقَالَ أَيُّوبُ: لَعَلَّهُ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ؟ قَالَ عَسَى. [الحديث 543 - طرفاه في: 562، 1174]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل (قال: حدّثنا حماد بن زيد) ولغير الأربعة إلا ابن عساكر هو ابن زيد (عن عمرو بن دينار) بفتح العين وسكون الميم ولأبوي ذر والوقت وهو ابن دينار (عن جابر بن زيد) هو أبو الشعثاء (عن ابن عباس) رضي الله عنهما: (أن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صلّى بالمدينة سبعًا) أي سبع ركعات جمعًا (وثمانيًا) جمعًا (الظهر والعصر) ثمانيًا (والمغرب والعشاء)، سبعًا وهو لف ونشر غير مرتب والظهر نصب بدلاً أو عطف بيان أو على نزع الخافض (فقال) وفي رواية قال (أيوب) السختياني لجابر: (لعله) أي التأخير كان (في ليلة) أي مع يومها بقرينة الظهر والعصر (مطيرة؟) أي كثير المطر ويومها كذلك. (قال): جابر (عسى) أن يكون فيها، فحذف اسم عسى وخبرها وعلة جمعه للمطر خوف المشقّة في حضوره المسجد مرة بعد أخرى، وهذا قول الشافعي وأحمد بن حنبل، وتأوّله به مالك عقب إخراجه لهذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: بدل قوله بالمدينة من غير خوف ولا سفر، لكن الجمع بالمطر لا يكون إلا بالتقديم. فكيف تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة بالتأخير؟ وحمله بعضهم على الجمع للمرض، وقوّاه النووي رحمه الله تعالى لأن المشقّة فيه أشد من المطر، وتعقب بأنه مخالف لظاهر الحديث وتقييده به ترجيح بلا مرجح وتخصيص بلا مخصص اهـ. وقد أخذ آخرون بظاهر الحديث فجوّزوا الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذ عادة وبه قال أشهب والقفال الشاشي، وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث، وتأوّله آخرون على الجمع الصوري بأن يكون أخّر الظهر إلى آخر وقتها وعجّل العصر في أول وقتها وضعّف لمخالفته الظاهر. ورواة هذا الحديث الخمسة بصريون ما خلا عمرو بن دينار المكي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الصلاة وكذا مسلم وأبو داود والنسائي. 13 - باب وَقْتِ الْعَصْرِ. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ: مِنْ قَعْرِ حُجْرَتِهَا (باب وقت) صلاة (العصر. وقال أبو أسامة) بضم الهمزة حيث زاد على رواية أبي ضمرة الآتية (عن هشام:) هو ابن عروة أي عن أبيه عن عائشة مما وصله الإسماعيلي في مستخرجه التقييد بقوله: (من قعر حجرتها) ولأبي ذر في بدل من وهذا التعليق ساقط من رواية الأصيلي والكشميهني وابن عساكر وهو المناسب لما لا يخفى. 544 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ حُجْرَتِهَا". وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) بن عبد الله الأسدي الحزامي بالزاي (قال: حدّثنا أنس بن عياض) أبو ضمرة الليثي المدني (عن هشام) هو ابن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (أن عائشة) رضي الله عنها: (قالت) (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يصلّي العصر والشمس لم تخرج من حجرتها) أي بيت عائشة، وهو من باب التجريد كأنها جردت واحدة من النساء وأثبتت لها حجرة وأخبرت بما أخبرت به، وإلاّ فالقياس

التعبير بحجرتي، والمراد من الشمس ضوؤها لا عينها إذ لا يتصوّر دخولها في الحجرة حتى تخرج فهو من باب المجاز والواو في قوله والشمس للحال. وهذا الحديث سبق في مواقيت الصلاة وقد زاد هنا في رواية أبي ذر وكريمة وغيرهما أول الباب ما جرت به عادة المؤلّف من تأخيره للمعلقات بعد المسندات الموصلة، وهو قال أبو أسامة عن هشام من قعر حجرتها وهو أوضح في تعجيل العصر من رواية الإطلاق. 545 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا، لَمْ يَظْهَرِ الْفَىْءُ مِنْ حُجْرَتِهَا. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (قال: حدّثنا الليث) بن سعد إمام المصريين (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صلى العصر والشمس في حجرتها) باقية (لم يظهر الفيء) في الموضع الذي كانت الشمس فيه (من حجرتها) ولا يعارضه ما مر في المواقيت والشمس في حجرتها قبل أن تظهر أي تصعد لأن المراد بظهور الشمس خروجها من الحجرة، وبظهور الفيء انبساطه في الحجرة، وهذا لا يكون إلاّ بعد خروج الشمس. 546 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي صَلاَةَ الْعَصْرِ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ فِي حُجْرَتِي، لَمْ يَظْهَرِ الْفَىْءُ بَعْدُ". وَقَالَ مَالِكٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَشُعَيْبٌ وَابْنُ أَبِي حَفْصَةَ: "وَالشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ تَظْهَر". وبه قال (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: أخبرنا) وللأربعة حدّثنا (ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير بن العوام (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يصلّي صلاة العصر والشمس طالعة) ظاهرة (في حجرتي لم يظهر الفيء بعد) بالبناء على الضم لقطعه عن الإضافة لفظًا. (وقال مالك) الإمام، وللأصيلي قال مالك، ولأبوي الوقت وذر قال أبو عبد الله يعني المؤلّف، وقال مالك مما وصله المؤلّف في أوّل المواقيت، (ويحيى بن سعيد) الأنصاري مما وصله الذهلي في الزهريات (وشعيب) هو ابن أبي حمزة بالمهملة والزاي مما وصله الطبراني في مسند الشاميين، (وابن أبي حفصة) محمد بن ميسرة البصري مما في نسخة إبراهيم بن طهمان فيما رووه بهذا الإسناد بلفظ. (والشمس قبل أن تظهر) فالظهور في روايتهم للشمس، وفي رواية ابن عيينة للفيء. وكأن المؤلّف لما لم يقع له حديث على شرطه في تعيين أوّل وقت العصر وهو مصير ظل كل شيء مثله استغنى بهذا الحديث الدال على ذلك بطريق الاستنباط. 547 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلاَمَةَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ -الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى- حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ. وَيُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ. وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ. وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا. وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) أبو الحسن المروزي نزيل بغداد ثم مكة (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا عوف) بالفاء الأعرابي (عن سيار بن سلامة) بفتح السين المهملة وتشديد المثناة التحتية (قال: دخلت أنا وأبي) سلامة زمن أخرج ابن زياد من البصرة سنة أربع وستين (على أبي برزة) نضلة بن عبيد (الأسلمى، فقال له أبي) سلامة (كيف كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي المكتوبة؟) أي المفروضة (فقال:) أبو برزة: (كان) عليه الصلاة والسلام (يصلّي الهجير،) أي صلاة الظهر لأن وقتها، يدخل إذ ذاك (-التي تدعونها الأولى-) أنّث الضمير نظرًا إلى الصلاة وقيل لها الأولى لأنها أول صلاة في إمامة جبريل عليه السلام وقول البيضاوي لأنها أوّل صلاة النهار مدفوع بأن الصحيح أن الصبح نهارية فهي الأولى (حين تدحض الشمس) أي تزول عن وسط السماء إلى جهة المغرب (ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله) بالراء المفتوحة والحاء المهملة الساكنة أي منزله ومحل أثاثه (في أقصى المدينة) صفة لسابقتها لا ظرف للفعل (والشمس حية) بيضاء نقية والواو للحال قال سيار: (ونسيت ما قال) أبو برزة (في المغرب. وكان) عليه الصلاة والسلام وللكشميهني فكان (يستحب) بفتح أوّله وكسر رابعه (أن يؤخر العشاء) أي صلاتها، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي من العشاء أي من وقت، وحمل ابن دقيق العيد من فيه على التبعيضية باعتبار الوقت أو الفعل، واستنبط من ذلك استحباب التأخير قليلاً (التي تدعونها العتمة) بفتحات. (وكان) عليه الصلاة والسلام (يكره النوم قبلها والحديث) أي التحديث المدنيوي (بعدها) لا الديني. (وكان) عليه الصلاة والسلام (ينفتل) أي ينصرف من الصلاة أو يلتفت إلى المأمومين (من صلاة الغداة) أي الصبح (حين يعرف الرجل جليسه،

ويقرأ) في الصبح (بالستين إلى المائة) من الآي وقدرها الطبراني بالحاقة. 548 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَخْرُجُ الإِنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ". [الحديث 548 - أطرافه في: 550، 551، 7329]. وبه قال: (حدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن) إمام الأئمة (مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني (عن) عمه (أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال): (كنّا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف) بقباء لأنها كانت منازلهم وهي على ميلين من المدينة (فيجدهم) بالتحتية، وفي اليونينية فنجدهم بالنون فقط (يصلون العصر) أي عصر ذلك اليوم وإنما كانوا يؤخرون عن أول الوقت لاشتغالهم في زرعهم وحوائطهم، ثم بعد فراغهم يتأهبون للصلاة بالطهارة وغيرها فتتأخر صلاتهم إلى وسط الوقت. وهذا الحديث موقوف لفظًا مرفوع حكمًا، لأن الصحابي أورده في مقام الاحتجاج، ويؤيده رواية النسائي مرفوعًا بلفظ: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي العصر. ورواته أربعة وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا ومسلم والنسائي. 549 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: صَلَّيْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ مَا هَذِهِ الصَّلاَةُ الَّتِي صَلَّيْتَ؟ قَالَ: الْعَصْرُ، وَهَذِهِ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِي كُنَّا نُصَلِّي مَعَهُ. وبه قال: (حدّثنا ابن مقاتل) أبو الحسن محمد المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا أبو بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف) بالحاء المهملة مصغرًا وسكون هاء سهل الأنصاري الأوسي (قال: سمعت أبا أمامة) بضم الهمزة أسعد بن سهل بن حنيف بالمهملة المضمومة مصغرًا الأنصاري الصحابي على الأصح له رؤية لكنه لم يسمع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وللأصيلي أبا أمامة بن سهل (يقول: صلّينا مع عمر بن عبد العزبز) رضي الله عنه (الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك) في داره بجنب المسجد النبوي، وكان إذ ذاك وليَّ المدينة نائبًا (فوجدناه يصلي العصر فقلت): له (يا عم) بحذف الياء بعد الميم والأصل إثباتها وقال له ذلك توقيرًا وإكرامًا وإلاّ فليس هو عمه (ما هذه الصلاة التي صليت) في هذا الوقت أي أهي الظهر أم العصر؟ (قال) أنس: هي (العصر، وهذه صلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي كنّا نصلي معه). وإنما أخّر عمر بن عبد العزيز الظهر إلى آخر وقتها حتى كانت صلاة أنس العصر عقبها أما تبعًا لسلفه قبل أن تبلغه السُّنَّة في التعجيل، أو أخّر لعذر عرض له. ورواة هذا الحديث ما بين مروزي ومدني وفيه التحديث والإخبار والقول والسّماع وصحابي عن صحابي، وأخرجه مسلم والنسائي في الصلاة والله المستعان. (باب وقت العصر) وسقط التبويب والترجمة عند الأصيلي وابن عساكر وهو الصواب، لأن في إثباته تكرارًا عاريًا عن الفائدة. 550 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، وَبَعْضُ الْعَوَالِي مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ أَوْ نَحْوِهِ. وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: حدّثني) بالإفراد (أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال): (كان رسول الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي العصر والشمس مرتفعة حية) هو من باب الاستعارة والمراد بقاء حرّها وعدم تغير لونها والواو للحال (فيذهب الذاهب إلى العوالي) جمع عالية ما حول المدينة من القرى من جهة نجد (فيأتيهم) أي أهله (والشمس مرتفعة) دون ذلك الارتفاع. قال الزهري كما عند عبد الرزاق عن معمر عنه. (وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال أو نحوه) ولأبي ذر نحوه وللبيهقي كالمؤلّف في الاعتصام تعليقًا وبعد العوالي بضم الموحدة والدال، والدارقطني على ستة أميال، ولعبد الرزاق ميلين، وحينئذ فأقربها على ميلين وأبعدها على ستة أميال. وقال عياض: أبعدها ثمانية وبه جزم ابن عبد البر وصاحب النهاية. وفي الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يبادر بصلاة العصر في أول وقتها لأنه لا يمكن أن يذهب الذاهب أربعة أميال والشمس لم تتغير إلاّ إذا صلّى حين صار ظل الشيء مثله كما لا يخفى. وفي رواة هذا الحديث حمصيان ومدني والتحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. 551 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ مِنَّا إِلَى قُبَاءٍ فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا) إمام الأئمة (مالك عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس بن مالك)

14 - باب إثم من فاتته العصر

رضي الله عنه (قال): (كنا نصلي العصر) مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما عند الدارقطني في غرائبه (ثم يذهب الذاهب منا) يريد أنس نفسه لقوله في رواية أبي الأبيض عنه عند النسائي والطحاوي ثم أرجع إلى قومي في ناحية المدينة (إلى) أهل (قباء) بالمد والقصر والصرف وعدمه والتذكير والتأنيث، والأفصح فيه المد والصرف والتذكير موضع على ثلاثة أميال من المدينة وأصله اسم بئر. قال ابن عبد البر: الصواب إلى العوالي وقباء وهم من مالك لم يتابعه أحد من أصحاب الزهري عليه. وتعقب بأنه روي عن ابن أبي ذئب عن الزهري إلى قباء كما نقله الباجي عن الدارقطني، وقباء من العوالي وليست العوالي كل قباء (فيأتيهم) أي أهل قباء (والشمس مرتفعة). وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة والقول. 14 - باب إِثْمِ مَنْ فَاتَتْهُ الْعَصْرُ (باب إثم من فاتته العصر). 552 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «والَّذِي تَفُوتُهُ صَلاَةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ». وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب. ولأبوي الوقت وذر عن عبد الله بن عمر (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الذي تفوته صلاة العصر) بأن أخرجها متعمدًا عن وقتها بغروب الشمس أو عن وقتها المختار باصفرار الشمس كما ورد مفسرًا من رواية الأوزاعي في هذا الحديث قال فيه: وفواتها أن تدخل الشمس صفرة. قال في شرح التقريب: كذا ذكر عياض، وتبعه النووي، وظاهر إيراد أبي داود في سننه أنه من كلام الأوزاعي لا أنه من الحديث لأنه روي بإسناد منفرد عن الحديث عن الأوزاعي أنه قال: وذلك أن ترى ما على الأرض من الشمس أصفر، وفي العلل لابن أبي حاتم سألت أبي عن حديث رواه الأوزاعي عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا: من فاتته صلاة العصر، وفواتها أن تدخل الشمس صفرة فكأنما وتر أهله وماله. قال أبي: التفسير قول نافع اهـ. وقيل: المراد فواتها عن الجماعة، والراجح الأول، ويؤيده حديث ابن عمر عند ابن أبي شيبة في مصنفه مرفوعًا: "من ترك العصر حتى تغيب الشمس" أي من غير عذر (كأنما) وللكشميهني وابن عساكر فكأنما (وتر) وهو الذي فاتته العصر نقص أو سلب (أهله وماله) وترك فردًا منهما فبقي بلا أهل ولا مال فليحذر من تفويتها كحذره من ذهاب أهله وماله ووتر بضم الواو مبنيًّا للمفعول وأهله مفعول ثان له والأول الضمير المستتر فيه. وقيل: منصوب على نزع الخافض أي وتر في أهله وماله، فلما حذف الخافض انتصب، ويروى أهله بالرفع على أنه نائب الفاعل ولا يضمر في وتر بل يقوم أهل مقام الفاعل وماله عطف عليه أي انتزع منه أهله وماله. وقال ابن الأثير من ردّ النقص إلى الرجل نصبهما ومن ردّه إلى الأهل والمال رفعهما، والنصب هو الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور كما قاله النووي. وقال عياض: هو الذي ضبطناه عن جماعة شيوخنا. ووقع هنا في رواية المستملي زيادة وهي (قال أبو عبد الله) يعني المؤلّف مما يدل لنصب الكلمتين بوتر وهو قوله تعالى: {يتركم أعمالكم} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 35]. بنصب أعمالكم مفعول ثانٍ والأول كاف الخطاب، ثم أشار بقوله: (وترت الرجل إذا قتلت له قتيلاً) من قريب أو حميم فأفردته عنه (أو أخذت له مالاً) وللأصيلي والهروي وأبي الوقت: أو أخذت ماله إلى أن وتر يتعدى إلى مفعول واحد، وهو يؤيد رواية الرفع. قيل: وخصت صلاة العصر بذلك لاجتماع المتعاقبين من الملائكة فيها، وعورض بأن صلاة الفجر كذلك يجتمع فيها المتعاقبون. وأجيب: باحتمال أن التهديد إنما غلظ في العصر دون الفجر لأنه لا عذر في تفويتها لأنه وقت يقظة بخلاف الفجر. فربما كان النوم عندها عذرًا، وأوله ابن عبد البر على أنه خرج جوابًا لسائل عنها. فأجيب: أي فلا يمنع إلحاق غرها أو نبّه بالعصر على غيرها وخص بالذكر لأنها تأتي والناس في وقت تعبهم من أعمالهم وحرصهم على تمام اشتغالهم، وتعقب بأنه إنما يلحق غير المنصوص بالمنصوص إذا عرفت العلة واشتراكًا فيها والعلة هنا لم تتحقّق فلا يلحق غير العصر بها. وأجيب: بأن ما ذكره هذا المتعقب لا يدفع الاحتمال، وقد ورد ما يدل للعموم، فعند ابن أبي شيبة من طريق أبي قلابة عن أبي الدرداء مرفوعًا: "من ترك صلاة مكتوبة حتى

15 - باب من ترك العصر

تفوته" الحديث. وتعقب بأن في سنده انقطاعًا لأن أبا قلابة لم يسمع من أبي الدرداء، وقد رواه أحمد من حديث أبي الدرداء بلفظ: "من ترك الصلاة" فرجع حديث أبي الدرداء إلى تعيين العصر، قال ابن المنير: والحق أن الله تعالى يخص ما يشاء من الصلوات بما يشاء من الفضيلة. اهـ. وحديث الباب أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي، والله تعالى أعلم بالصواب. 15 - باب مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ (باب) إثم (من ترك العصر) عمدًا. 553 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ: كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ، فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلاَةِ الْعَصْرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ». [الحديث 553 - طرفه في: 594]. وبالسند قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي الأزدي البصري وسقط عند الأصيلي ابن إبراهيم (قال: حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر أخبرنا (هشام) هو ابن عبد الله الدستوائي (قال: حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الطائي اليمامي (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد (عن أبي المليح) بفتح الميم وكسر اللام آخره حاء مهملة عامر بن أسامة الهذلي (قال: كنّا مع بريدة) بن الحصيب الأسلمي آخر من مات من الصحابة رضي الله عنهم بخراسان سنة اثنتين وستين حال كوننا (في غزوة) وحال كوننا (في يوم ذي غيم، فقال): بريدة بعد معرفته بدخول الوقت بظهور الشمس في خلال الغيم أو بالاجتهاد بورد أو نحوه (بكروا) أي عجلوا وأسرعوا (بصلاة العصر فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من ترك صلاة العصر) أي متعمدًا كما زاده معمر في روايته (فقد حبط عمله) أي ثواب عمله أورده على سبيل التغليظ أو فكأنما حبط عمله لأن الأعمال لا يحبطها إلا الشرك. قال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِط عمله} [المائدة: 5] ووقع في رواية المستملي: من ترك صلاة العصر حبط عمله بإسقاط فقد، وإنما خص الغيم بذلك لأنه مظنة التأخير تنطعًا في الاحتياط وإخلادًا من النفس إلى التأخير الزائد على الحد بحجة الاحتياط فقابل ما في الطباع بالتنبيه على مخالفتها والاجتهاد في التلوّم إليها بالتحرّي بحسب الإمكان. قاله في المصابيح. ورواة هذا الحديث الستة بصريون، وفيه التحديث والقول وثلاثة من التابعين على الولاء، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والنسائي وابن ماجة. 16 - باب فَضْلِ صَلاَةِ الْعَصْرِ (باب فضل صلاة العصر) على غيرها من الصلوات لكونها الوسطى عند الأكثرين. 554 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً -يَعْنِي الْبَدْرَ- فَقَالَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لاَ تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا. ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: افْعَلُوا، لاَ تَفُوتَنَّكُمْ. [الحديث 554 - أطرافه في: 573، 4851، 7434، 7435، 7436]. وبالسند قال: (حدّثنا الحميدي) بضم الحاء عبد الله بن الزبير القرشي المكّي (قال: حدّثنا مروان بن معاوية) بن الحرث الفزاري (قال: حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم بالحاء المهملة البجلي الكوفي المخضرم ويقال له رؤية: قال في التقريب: قيس بن أبي حازم يقال له رؤية. ويقال أنه يروي عن العشرة، توفي بعد التسعين أو قبلها وقد جاوز المائة وتغير. (عن جرير) البجلي رضي الله عنه ولأبي الوقت والهروي والأصيلي عن جرير بن عبد الله (قال: كنا مع) وفي رواية وهي في اليونينية فقط عند (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنظر إلى القمر ليلة) أي في ليلة من الليالي (يعني البدر) وسقط يعني البدر عند الأربعة وهو كذلك عند مسلم كالمؤلّف من وجه آخر: (فقال): (إنكم سترون ربكم) عز وجل (كما ترون هذا القمر) رؤية محققة لا تشكون فيها (ولا تضامون) بضم المثناة الفوقية وتخفيف الميم أي لا ينالكم ضيم في رؤيته أي تعب أو ظلم فيراه بعضكم دون بعض بأن يدفعه عن الرؤية ويستأثر بها بل تشتركون في الرؤية فهو تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي. وروي لا تضامون بفتح أوله مع التشديد من الضم أي لا ينضم بعضكم إلى بعض وقت النظر لإشكاله وخفائه كما تفعلون عند النظر إلى الهلال ونحوه وفي رواية أولاً تضاهون بالهاء بدل الميم على الشك أي لا يشتبه عليكم وترتابون فيعارض بعضكم بعضًا. (في رؤيته) تعالى (فإن استطعتم أن لا تغلبوا) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول بأن تستعدوا لقطع أسبابها أي الغلبة المنافية للاستطاعة كنوم وشغل مانع (على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) يعني الفجر والعصر كما عند مسلم (فافعلوا) عدم المغلوبية التي لازمها الصلاة كأنه قال صلوا في هذين الوقتين. (ثم قرأ): عليه الصلاة والسلام

{وسبح} كما هو ظاهر السياق أو هو جرير الصحابي كما عند مسلم فيكون مدرجًا وللهروي وأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر فسبح بالقاء لكن التلاوة وسبح بالواو {بحمد ربك} أي نزهه عن العجز عما يمكن والوصف بما يوجب التشبيه حامدًا له على ما أنعم عليك {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]. يعني الفجر والعصر وقد عرفت فضيلة الوقتين على غيرهما مما سيأتي إن شاء الله تعالى من ذكر اجتماع الملائكة فيهما ورفع الأعمال إلى غير ذلك، وقد ورد أن الرزق يقسم بعد صلاة الصبح وإن الأعمال ترفع آخر النهار، فمن كان حينئذ في طاعة ربه بورك له في رزقه وعمله وأعظم من ذلك بل من كل شيء وهو مجازاة المحافظة عليهما بأفضل العطايا وهو النظر إلى وجه الله تعالى كما يشعر به سياق الحديث. (قال إسماعيل) بن أبي خالد في تفسيره: (افعلوا لا تفوتنكم) بنون التوكيد أي هذه الصلاة. وفي رواية لا يفوتنكم بالمثناة التحتية. ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله ورواته الخمسة ما بين مكي وكوفي وفيه تابعي عن تابعي والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والتفسير والتوحيد ومسلم في الصلاة وأبو داود. 555 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ -وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ-: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ». [الحديث 555 - أطرافه في: 3223، 7429، 7486]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر أخبرنا (مالك) إمام دار الهجرة ابن أنس (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان القرشي المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال): (يتعاقبون) أي الملائكة يتعاقبون بأن تأتي طائفة عقب الأخرى على باب المفاعلة (فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالهار) كذا أخرجه المؤلّف بهذا اللفظ، وأخرجه في بدء الخلق من طريق شعيب بن أبي حمزة بلفظ: "الملائكة يتعاقبون ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" وحينئذ ففي سياقه هنا إضمار الفاعل كأن الراوي اختصر المسوق هنا من المذكور في بدء الخلق، فملائكة المنكر بدل من الضمير أو بيان كأنه قيل: من هم؟ فقيل: هم ملائكة. وذهب سيبويه فيه وفي نظائره، وإلى ذلك ذهب أبو حيان والسهيلي، وناقشه أبو حيان بأن هذه الطريقة اختصرها الراوي، واحتج بحديث أبي هريرة من وجه آخر عند البزار: "إن لله ملائكة يتعاقبون فيكما ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" تعقبه في المصابيح بأنها دعوى لا دليل عليها فلا يلتفت إليها اهـ. فليتأمل مع ما مرّ. نعم شوحح في العزو إلى مسند البزار مع كونه في الصحيحين بهذا اللفظ فالعزو إليهما أولى وبالجملة فوقع في طريق الحديث ما يدل على أنه اختلف فيه على أبي الزناد، فالظاهر أنه كان تارة يذكره هكذا وتارة هكذا وذلك يقوّي ما مرّ أولاً، وحمله ابن مالك وغيره على لغة بني الحرث في أكلوني البراغيث، فالواو علامة الفاعل المذكور المجموع وهي لغة فاشية، ونازعه أبو حيان بما مرّ والتعاقب أن تأتي جماعة عقب الأخرى ثم تعود الأولى عقب الثانية، وتنكير ملائكة في الموضعين ليفيد أن الثانية غير الأولى كما قيل في قوله تعالى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6]. إنه استئناف وعده تعالى بأن اليسر مشفوع بيسر آخر لقوله: لن يغلب عسر يسرين، فإن العسر معرف فلا يتعدد سواء كان للعهد أو للجنس، واليسر منكر فيحتمل أن يراد بالثاني فرد ما يغاير ما أريد بالأول، والمراد بالملائكة الحفظة عند الأكثرين، وتعقب لأنه لم ينقل أن الحفظة يفارقون العبد ولا أن حفظة الليل غير حفظة النهار (ويجتمعون) في وقت (صلاة الفجر و) وقت (صلاة العصر). فإن قلت: التعاقب يغاير الاجتماع؟ أجيب: بأن تعاقب المصنفين لا يمنع أجتماعهما لأن التعاقب أعم من أن يكون معه اجتماع كهذا أو لا يكون معه اجتماع كتعاقب الضدّين أو المراد حضورهم معهم الصلاة في الجماعة فينزل على حالين، وتخصيص اجتماعهم في الورود والصدور بأوقات العبادة تكرمة بالمؤمنين ولطفًا بهم لتكون شهادتهم بأحسن الثناء وأطيب الذكر، ولم يجعل اجتماعهم معهم في حال خلواتهم بلذّاتهم وانهماكهم على شهواتهم فللَّه الحمد. (ثم يعرج) الملائكة (الذين باتوا فيكم) أيها المصلون وذكر

17 - باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب

الذين باتوا دون الذين ظلوا إما للاكتفاء بذكر أحد المثلين عن الآخر نحو: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81]. أي والبرد إما لأن طرفي النهار يعلم من طرفي الليل وإما لأنه استعمل بات في أقام مجازًا فلا يختص ذلك بليل دون نهار ولا نهار دون ليل، فكل طائفة منهم إذا صعدت سئلت، ويؤيد هذا ما رواه النسائي عن موسى بن عقبة عن أبي الزناد، ثم يعرج الذين كانوا فيكم، بل في حيث الأعمش عن صالح عن أبي هريرة عند ابن خزيمة في صحيحه مرفوعًا ما يغني عن كثير من الاحتمالات ولفظه: "يجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر فيجتمعون في صلاة الفجر فتصعد ملائكة الليل وتثبت ملائكة النهار، ويجتمعون في صلاة العصر فتصعد ملائكة النهار وتثبت ملائكة الليل". (فيسألهم) تعبدًا لهم كما تعبدهم بكتب أعمالهم (وهو أعلم بهم) أي بالمصلّين من الملائكة فحذف صلة أفعل التفضيل ولابن عساكر فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم (كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون) الواو للحال لكنه استشكل لأنه يلزم منه مفارقتهم قبل أن يشهدوها معهم والحديث صرح بأنهم شهدوها معهم. وأجيب: بالحمل على شهودهم لها مع المصلي لها أول وقتها، وشهدوا من دخل فيها ومن شرع في أسبابها بعد ذلك والمنتظر لها في حكم مصلّيها، وهذا آخر الجواب عن سؤالهم كيف تركتم، ثم زادوا في الجواب لإظهار فضيلة المصلّين والحرص على ذكر ما يوجب مغفرة ذنوبهم فقالوا: (وأتيناهم وهم يصلون). ولما كان المراد الإخبار عن صلاتهم والأعمال بخواتيمها حسن أن يخبروا عن آخر أعمالهم قبل أولها. ورواة هذا الحديث مدنيون إلا شيخ المؤلّف فتنيسي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد ومسلم في الصلاة وكذا النسائي فيها وفي البعوث. 17 - باب مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ (باب) حكم (من) أي الذي (أدرك ركعة من العصر) أي من صلاتها (قبل الغروب) وللأصيلي قبل المغرب، ويحتمل أن تكون من شرطية حذف جوابها وتقديره فليتم صلاته. 556 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاَتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاَتَهُ». [الحديث 556 - طرفاه في: 579، 580]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا) وللأصيلي أخبرنا (شيبان) بن عبد الرحمن التيمي (عن يحيى) ولأبي الوقت فى نسخة عن يحيى بن أبي كثير بالمثلثة (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا أدرك أحدكم سجدة) أي ركعة وهي إنما يكون تمامها بسجودها (من صلاة العصر قبل أن تغرب) وللأصيلي قبل أن تغيب (الشمس فليتم صلاته) أداء (إذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته) إجماعًا خلافًا لأبي حنيفة حيث قال: تبطل الصبح بطلوع الشمس لدخول وقت النهي، وهل هي أداء أم قضاء؟ الصحيح عندنا الأول أما دون الركعة فالكل قضاء عند الجمهور، والفرق أن الركعة تشتمل على معظم أفعال الصلاة إذ معظم الباقي كالتكرير لها، فجعل ما بعد الوقت تابعًا لها بخلاف ما دونها، وعلى القول بالقضاء يأثم المصلي بالتأخير إلى ذلك وكذلك على الأداء نظرًا إلى التحقيق، وقيل: لا نظرًا إلى الظاهر المستند إلى الحديث، وقوله: فليتم جواب معنى الشرط المتضمن لإذا، ولذا دخلت الفاء. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وكذا النسائي ومسلم وابن ماجة. 557 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا. ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ، فَعَمِلُوا إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا. ثُمَّ أُوتِينَا الْقُرْآنَ فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ. فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ: أَىْ رَبَّنَا أَعْطَيْتَ هَؤُلاَءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ وَأَعْطَيْتَنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلاً. قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَىْءٍ؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَهْوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ». [الحديث 557 - أطرافه في: 2268، 2269، 3459، 5021، 7467، 7533]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) وللأصيلي ابن عبد الله الأويسي بضم الهمزة نسبة إلى أويس أحد أجداده (قال: حدّثني) بالإفراد وللأصيلي حدثنا (إبراهيم) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر ابن سعد بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم بن عبد الله) بن عمر (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (أنّه أخبره أنّه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إنما بقاؤكم فيما) أي إنما بقاؤكم بالنسبة إلى ما (سلف قبلكم من الأمم كما بين) أجزاء وقت

(صلاة العصر) المنتهية (إلى غروب الشمس أوتي) بضم أوله وكسر ثالثه أي أعطي (أهل التوراة التوراة، فعملوا) زاد أبو ذر بها أي بالتوراة (حتى إذا انتصف النهار عجزوا) عن استيفاء عمل النهار كله من غير أن يكون لهم صنع في ذلك بل ماتوا قبل النسخ وللأصيلي ثم عجزوا (فأعطوا) أي أعطي كلٌّ منهم أجره (قيراطًا قيراطًا) فالأول مفعول أعطى الثاني وقيراطًا الثاني تأكيد، أو المعنى أعطوا أجرهم حال كونه قيراطًا فهو حال، أو المعنى أعطوا الأجر متساوين وانتصاب الثاني على التأكيد عند الزجاج. وتعقبه ابن هشام بأنه غير صالح للسقوط فلا تأكيد. وقال أبو حيان: الأولى انتصابه بالعامل في الأول، لأن المجموع هو الحال. وعند أبي الفتح انتصاب الثاني بالوصف وتعقب بأن معناه ولفظه كالموصوف فإنه جامد، والقيراط نصف دانق والمراد به النصيب. (ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا) من نصف النهار (إلى صلاة العصر ثم عجزوا) عن العمل أي انقطعوا فأعطوا قيراطًا قيراطًا. ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس، فأعطينا قيراطين قيراطين. فقال أهل الكتابين): أي اليهود والنصارى ولابن عساكر أهل الكتاب بالإفراد على إرادة الجنس (أي) من حروف النداء أي يا (ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعطيتنا قيراطًا قيراطًا، ونحن كنا أكثر عملاً) لأن الوقت من الصبح إلى الظهر أكثر من وقت العصر إلى الغروب، لكن قول النصارى لا يصح إلا على مذهب أبي حنيفة أن وقت العصر بصيرورة الظل مثليه، أو على مذهب صاحبيه والشافعية بمصير الظل مثله فمشكل، ويمكن أن يجاب بأن مجموع عمل الطائفتين أكثر وإن لم يكن عمل أحدهما أكثر أو أنه لا يلزم من كونهم أكثر عملاً أن يكون زمان عملهم أكثر لاحتمال كون الحمل أكثر في الزمان الأقل (قال: قال الله عز وجل): (هل ظلمتكم) أي نقصتكم (من أجركم) أي الذي شرطته لكم (من شيء) (قالوا: لا) لم تنقصنا من أجرنا شيئًا (قال: فهو) أي كل ما أعطيته من الثواب (فضلي أُوتيه من أشاء). فإن قلت: ما وجه مطابقة الحديث للترجمة؟ أجيب: من قوله إلى غروب الشمس، فإنه يدل على أن وقت العصر إلى غروب الشمس، وأن من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب فقد أدرك العصر في وقتها فليتم. ولا يخفى ما فيه من التعسف. ورواة هذا الحديث الخمسة مدنيون، وفيه التحديث والعنعنة والإخبار والقول والسماع وتابعي عن تابعي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الإجارة إلى نصف النهار، وفي باب فضل القرآن، وفي التوحيد وباب ذكر بني إسرائيل ومسلم والترمذي. 558 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلاً إِلَى اللَّيْلِ، فَعَمِلُوا إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالُوا: لاَ حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ، فَاسْتَأْجَرَ آخَرِينَ فَقَالَ: أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ وَلَكُمُ الَّذِي شَرَطْتُ. فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينَ صَلاَةِ الْعَصْرِ قَالُوا: لَكَ مَا عَمِلْنَا. فَاسْتَأْجَرَ قَوْمًا فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ». [الحديث 558 - طرفه في: 2271]. وبه قال (حدّثنا أبو كريب) بضم الكاف محمد بن العلاء (قال: حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة بضم الهمزة فيهما (عن بريد) بضم الموحدة آخره دال مهملة ابن عبد الله بن أبي بردة الكوفي (عن) جدّه (أبي بردة) عامر (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (مثل المسلمين) المثل في الأصل بمعنى النظير ثم استعير لكل حال أو قصة أو صفة لها شأن وفيها غرابة لإرادة زيادة التوضيح والتقرير، فإنه أوقع في القلب وأقمع للخصم الألدّ يريك المتخيل محققًا والمعقول محسوسًا، ولذا أكثر الله تعالى في كتابه الأمثال وفشت في كلام الأنبياء والمعنى هنا مثل المسلمين مع نبيهم (و) مثل (اليهود والنصارى) مع أنبيائهم (كمثل رجل استأجر قومًا يعملون له عملاً إلى الليل،) فالمثل مضروب للأمة مع نبيهم والمثل به الأجزاء مع من استأجرهم (فعملوا إلى نصف النهار فقالوا لا حاجة لنا إلى أجرك)، أي لا حاجة لنا في أجرتك التي شرطت لنا وما عملناه باطل (فاستأجر) قومًا (آخرين) بفتح الخاء وكسر الراء (فقال:) لهم (أكملوا) بهمزة قطع وبالكاف وكسر الميم من الإكمال وللكشميهني اعملوا بهمزة وصل وبالعين بدل الكاف وفتح الميم (بقية يومكم ولكم الذي شرطت). لهؤلاء من الأجر (فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر) بنصب حين خبر كان أي كان الزمان زمان حين الصلاة أو بالرفع على أن كان تامة (قالوا: لك

18 - باب وقت المغرب. وقال عطاء: يجمع المريض بين المغرب والعشاء

ما عملنا) باطل وذلك الأجر الذي شرطت لنا لا حاجة لنا فيه فقال أكملوا بقية يومكم فإنه ما بقي من النهار إلا شيء يسير وخذوا أجركم فأبوا عليه، وفي باب الإجارة إلى نصف النار فغضبت اليهود والنصارى أي الكفار منهم (فاستأجر قومًا) آخريق (فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس، واستكملوا أجر الفريقين). الأولين كله، فهذا مثل المسلمين الذي قبلوا هدى الله وما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، ومثل اليهود والنصارى الذين حرّفوا وكفروا بالنبي الذي بعد نبيهم بخلاف الفريقين السابقين في الحديث السابق حيث أعطوا قيراطًا لأنهم ماتوا قبل النسخ ولأنهم من أهل الأعذار لقوله فعجزوا. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي وبصري، وفيه التحديث والعنعنة والقول ورواية الرجل عن جده ورواية الابن عن أبيه، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الإجارة. 18 - باب وَقْتِ الْمَغْرِبِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يَجْمَعُ الْمَرِيضُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ (باب) بيان (وقت المغرب. وقال عطاء:) هو ابن أبي رباح مما وصله عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج عنه: (يجمع المريض بين المغرب والعشاء.)، وبه قال أحمد وإسحاق مطلقًا وبعض الشافعية، وجوّزه مالك بشرطه، والمشهور عن الشافعي وأصحابه المنع. قال في الروضة المعروف في المذهب أنه لا يجوز الجمع بالمرض والوحل. وقال جماعة من أصحابنا: يجوز بالمرض والوحل وممن قاله الخطابي والقاضي الحسين واستحسنه الروياني، ثم قال النووي قلت: القول بجواز الجمع للمرض ظاهر مختار، فقد ثبت في صحيح مسلم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: جمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر اهـ. قال في المهمات: وظاهر الميل إلى الجواز بالمرض، وقد ظفرت بنقله عن الشافعي كذا رأيته في مختصر المزني وهو مختصر لطيف سماه نهاية الاختصار في قول الأستاذ الشافعي فقال: والجمع بين الصلاتين في السفر والمطر والمرض جائز هذه عبارته. 559 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ صُهَيْبٌ مَوْلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ: "كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ". وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن مهران) بكسر الميم الجمال (قال: حدّثنا الوليد) بن مسلم بسكون السين وكسر اللام الخفيفة الأموي عالم الشام (قال: حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (قال: حدّثنا) ولأبي الوقت وابن عساكر حدّثني بالإفراد (أبو النجاشي) بنون مفتوحة وجيم مخففة وشين معجمة (مولى رافع بن خديج وهو عطاء بن صهيب) بضم الصاد مصغرًا (قال: سمعت رافع بن خديج) بالفاء في رافع والخاء المعجمة المفتوحة وكذا الدال المهملة في خديج وآخره جيم الأنصاري الأوسي المدني كذا لأبي ذر والأصيلي، ولأبي الوقت حدّثني أبو النجاشي مولى رافع بن خديج واسمه عطاء بن صهيب، وفي رواية أبو النجاشي هو عطاء بن صهيب، وفي رواية بالفرع أبو النجاشي صهيب والصواب الأوّل، ولابن عساكر حدّثني أبو النجاشي قال: سمعت رافع بن خديج حال كونه (يقول): (كنا نصلي المغرب مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،) أي في أوّل وقتها (فينصرف أحدنا) من المسجد (وأنه ليبصر) بضم المثناة التحتية واللام للتأكيد (مواقع نبله.) حين يقع لبقاء الضوء والنبل بفتح النون وسكون الموحدة ولأحمد بسند حسن من طريق علي بن بلال عن ناس من الأنصار قالوا كنّا نصلي مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المغرب، ثم نرجع نترامى حتى نأتي ديارنا فما تخفى علينا مواقع سهامنا وفيه دلالة على تعجيلها وعدم تطويلها. وأما الأحاديث الدالّة على التأخير لقرب سقوط الشفق فلبيان الجواز. ورواة حديث الباب الخمسة ما بين رازي وشامي ومدني، وفيه التحديث والقول والسماع، وأخرجه مسلم وابن ماجة في الصلاة. 560 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: قَدِمَ الْحَجَّاجُ فَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا: إِذَا رَآهُمُ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَوْا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ كَانُوا -أَوْ كَانَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ". [الحديث 560 - طرفه في: 565]. وبه قال (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة (قال: حدّثنا محمد بن جعفر) هو غندر (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد) بسكون العين ولغير أبي ذر عن الكشميهني عن سعد بن إبراهيم أي ابن عبد الرحمن بن عوف (عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي) هو ابن أبي طالب وعمرو بفتح العين وسكون الميم (قال: قدم الحجاج) بفتى الحاء المهملة وتشديد الجيم ابن يوسف الثقفي وَليِ المدينة أميرًا عليها من قبل عبد الملك

19 - باب من كره أن يقال للمغرب العشاء

بن مروان سنة أربع وسبعين عقب قتل ابن الزبير وكان يؤخر الصلاة (فسألنا جابر بن عبد الله) الأنصاري عن وقت الصلاة (فقال) جابر: (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي الظهر بالهاجرة) أي إلاّ أن يحتاج إلى الإبراد لشدة الحر (و) يصلّي (العصر والشمس نقية) بالنون قبل القاف وبعدها مثناة تحتية أي خالصة صافية بلا تغير (و) يصلّي (المغرب إذا وجبت) أي غابت الشمس، ولأبي عوانة حين تجب الشمس ولا يخفى أن محل دخول وقتها بسقوط قرص الشمس حيث لا يحول بين رؤيتها وبين الرائي حائل (و) يصلّي (العشاء أحيانًا) يعجلها (وأحيانًا) يؤخرها ويبين هذا التقدير قوله (إذا رآهم اجتمعوا عجل) العشاء لأن في تأخيرها تنفيرهم (وإذا رآهم أبطؤوا أخّرها)، لإحراز الفضيلة في الجماعة وفي اليونينية أبطؤوا بسكون الواو ليس إلاّ ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في باب وقت صلاة العشاء إذا اجتمع الناس، (و) كان عليه الصلاة والسلام يصلّي (الصبح كانوا) أي الصحابة رضي الله عنهم مجتمعين يصلونها معه عليه الصلاة والسلام بغلس (أو كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) منفردًا (يصلّيها بغلس.) ولا يصنع فيها مثل ما يصنع في العشاء من تعجيلها إذا اجتمعوا وتأخيرها إذا أبطؤوا الغلس بفتح اللام ظلمة آخر الليل، وقوله يصلّيها بغلس بدل من الأوّل أو حال، ويحتمل أن يكون شكًّا من الراوي. وقال الحافظ ابن حجر: أنه الحق ولفظ مسلم: والصبح كانوا أو قال كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّيها بغلس، فالتقدير كانوا يصلونها بغلس، أو قال كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّيها بغلس، فحذف من الأوّل لدلالة الثاني عليه، والمراد بهما واحد لأنهم كانوا يصلون معه، فأما أن يعود الضمير للكل أو له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهم تبع له، ويحتمل أن تكون كان تامة غير ناقصة بمعنى الحضور والوقوع فيكون المحذوف ما بعد أو خاصة أي أو لم يكونوا مجتمعين قاله السفاقسي. ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري ومدني وكوفي وفيه تابعيان والتحديث والعنعنة والقول والسؤال، وأخرجه أيضًا في الصلاة وأبو داود والنسائي. 561 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَغْرِبَ إِذَا تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ". وبه قال (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير البلخي (قال: حدّثنا يزيد بن أبي عبيد) بضم العين وفتح الموحدة مولى سلمة (عن سلمة) بن الأكوع الصحابيّ رضي الله عنه (قال: كنا نصلي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الغرب إذا توارت بالحجاب) أي غربت الشمس شبه غروبها بتواري المخبأة بحجابها وأضمرها من غير ذكر اعتمادًا على قرينة قوله المغرب ولمسلم عن يزيد بن أبي عبيد إذا غربت الشمس توارت بالحجاب. قال الحافظ ابن حجر: فدلّ على أن الاختصار في المتن من شيخ البخاري. ورواة هذا الحديث ثلاثة وفيه التحديث والعنعنة والقول وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة. 562 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْعًا جَمِيعًا، وَثَمَانِيًا جَمِيعًا". وبه قال: (حدثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا عمرو بن دينار) بفتح العين المكي الجمحي مولاهم (قال: سمعت جابر بن زيد) الأزدي الجوفي بفتح الجيم وسكون الواو بعدها فاء أبا الشعثاء البصري (عن ابن عباس) ولغير الكشميهني عن عبد الله بن عباس (قال): (صلّى) بنا (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبعًا) أي سبع ركعات (جميعًا، وثمانيًا) وفي رواية وثماني وفي نسخة وثمانية أي ركعات (جميعًا) أي جمع بين الظهرين والغربين واللفظ محتمل للتقديم والتأخير، لكن حمله على الثاني أولى ليطابق الترجمة وسبق الكلام على الحديث في باب تأخير الظهر إلى العصر والله المستعان. 19 - باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلْمَغْرِبِ الْعِشَاءُ (باب من كره أن يقال للمغرب العشاء). 563 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَغْلِبَنَّكُمُ الأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلاَتِكُمُ الْمَغْرِبِ، قَالَ: وَتَقُولُ الأَعْرَابُ: هِيَ الْعِشَاءُ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين (- هو عبد الله بن عمرو-) بفتح العين وسكون الميم النقري البصري وسقط لفظ هو للأصيلي (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العنبري مولاهم التنوري بفتح المثناة الفوقية وتشديد النون البصري (عن الحسين) بن ذكوان المعلم المكتب العوذي بفتح المهملة وسكون الواو بعدها معجمة البصري (قال: حدّثنا عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء قاضي مرو (قال: حدّثني)

20 - باب ذكر العشاء والعتمة، ومن رآه واسعا

بالإفراد (عبد الله) بن مغفل بالغين المعجمة المفتوحة والفاء المشددة (المزني أن النبي) وللأصيلي أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:): (لا تغلبنكم) بالمثناة الفوقية وللكشميهني لا يغلبنكم بالتحتية (الأعراب) سكان البوادي (على اسم صلاتكم المغرب) بالجر صفة لصلاة وللكشميهني المغرب بالرفع أي لا تتبعوا الأعراب في تسميتهم، لأن الله تعالى سمّاها مغربًا ولم يسمها عشاء، وتسمية الله تعالى أولى من تسميتهم، والسرّ في النهي خوف الاشتباه على غيرهم من السلمين، لكن حديث "لو تعلمون ما في العتمة" يوضح أن النهي ليس للتحريم، أو المعنى لا يغصب منكم الأعراب، فالنهي في الظاهر للأعراب، وفي الحقيقة للعموم. (قال وتقول) بالمثناة التحتية وثبتت الواو في ويقول للأصيلي وفي رواية الكشميهني وتقول (الأعراب هي) أي المغرب (العشاء). بكسر العين والمدّ، وفي رواية وهي التي في اليونينية قال الأعراب تقول: لكنه رقم عليها علامة التقديم والتأخير، وجعل الكرماني فاعل قال عبد الله المزني: راوي الحديث ونوزع فيه بأنه يحتاج إلى نقل خاص لذلك، وإلاّ فظاهر إيراد الإسماعيلي أنه من تتمة الحديث فإنه أورده بلفظ فإن الأعراب تسميها والأصل عدم الإدراج. ورواة الحديث الخمسة بصريون وفيه التحديث والعنعنة والقول وهو من أفراد المؤلّف. 20 - باب ذِكْرِ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ، وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَثْقَلُ الصَّلاَةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ الْعِشَاءُ وَالْفَجْرُ. وَقَالَ: «لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالْفَجْرِ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَالاِخْتِيَارُ أَنْ يَقُولَ الْعِشَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ}. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: "كُنَّا نَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ فَأَعْتَمَ بِهَا". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ: "أَعْتَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْعِشَاءِ". وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ عَائِشَةَ: "أَعْتَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْعَتَمَةِ". وَقَالَ جَابِرٌ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الْعِشَاءَ". وَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ". وَقَالَ أَنَسٌ: "أَخَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعِشَاءَ الآخِرَةَ". وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو أَيُّوبَ وَابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم-: "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ". (باب ذكر العشاء والعتمة) بفتحات والعين مهملة وللأصيلي أو العتمة (ومن رآه واسعًا) أي جائزًا. (قال) وللهروي وقال (أبو هريرة) رضي الله عنه فيما وصله المؤلّف في باب فضل العشاء جماعة (عن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (أثقل الصلاة على المنافقين العشاء والفجر). لأنه وقت راحة البدن (وقال): النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي هريرة فيما وصله في باب الاستفهام في الأذان (لو يعلمون ما في العتمة والفجر). أي لأتوهما ولو حَبْوًا فسماها عليه الصلاة والسلام تارة عشاء وتارة عتمة (قال أبو عبد الله) أي البخاري وسقط للأصيلي (والاختيار: أن يقول العشاء لقوله تعالى:) ولأبي ذر لقول الله تعالى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] (ويذكر) بضم أوّله (عن أبي موسى) الأشعري (قال: كنّا نتناوب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي نأتي نوبة بعد نوبة (عند صلاة العشاء فأعتم بها) أي أخّرها حتى اشتدت ظلمة الليل وعن الخليل العتمة اسم لثلث الليل الأوّل بعد غروب الشفق وإنما ساقه بصيغة التمريض لكونه رواه بالمعنى قال البدر الدماميني كالزركشي وهذا أحد ما يرد على ابن الصلاح في دعواه أن تعليقات البخاري التي يذكرها بصيغة التمريض لا تكون صحيحة عنده انتهى وتعقبه البرماوي فقال إنما قال: لا تدل على الصحة ولم يقل أنها تدل على الضعف وبينهما فرق (وقال ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله في باب النوم قبل العشاء (و) قالت: (عائشة) رضي الله عنها مما وصله أيضًا في باب فضل العشاء (أعتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعشاء. وقال بعضهم عن عائشة) مما وصله المؤلّف في باب خروج النساء إلى المساجد بالليل (أعتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعتمة) أي دخل في وقتها فهذه ثلاث تعليقات ذكر فيها العتمة وأعتم ثم أخذ يذكر تعليقات أخرى تشهد لذكر العشاء فقال: (وقال جابر) أي ابن عبد الله الأنصاري مما وصله في باب وقت المغرب وفي باب وقت العشاء مطَوّلاً (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي العشاء وقال: أبو برزة) الأسلمي مما وصله مطوّلاً في باب وقت العصر (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يؤخر العشاء. وقال: أنس) أي ابن مالك مما وصله مطوّلاً في باب العشاء إلى نصف الليل (أخر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العشاء الآخرة. وقال ابن عمر) بن الخطاب مما وصله في الحج (و) قال (أبو أيوب) الأنصاري مما وصله في حجة الوداع (و) قال (ابن عباس) رضي الله عنهم مما وصله في تأخير الظهر إلى العصر (صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المغرب والعشاء). 564 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَالِمٌ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً صَلاَةَ الْعِشَاءِ -وَهْيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ- ثُمَّ انْصَرَفَ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ". وبالسند قال (حدّثنا عبدان) بفتح أوّله وسكون الموحدة واسمه عبد الله بن

21 - باب وقت العشاء إذا اجتمع الناس أو تأخروا

عثمان المروزي (قال أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال سالم أخبرني) بالتوحيد أبي (عبد الله) بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (قال صلّى) إمامًا (لنا رسول الله) وللهروي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة) من الليالي (صلاة العشاء -وهي التي يدعو الناس العتمة-) فيه إشعار بغلبة هذه التسمية عند الناس ممّن لم يبلغهم النهي (ثم انصرف عليه الصلاة والسلام) من الصلاة (فأقبل علينا) بوجهه الكريم (فقال): (أرأيتم) وللأربعة أرأيتكم (ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة منها) أي من ليلتكم (لا يبقى) أي لا يعيش (ممن هو على ظهر الأرض أحد). بعدها أكثر من مائة سنة سواء قل عمره بعد ذلك أم لا: وليس فيه نفي عيش أحد بعد تلك الليلة فوق مائة سنة واحتجّ به البخاري وغيره على موت الخضر وأجاب الجمهور بأنه عامّ أريد به الخصوص أو أن المراد بالأرض أرضه التي نشأ منها عليه الصلاة والسلام وحينئذٍ فيكون في أرض غير هذه وقد تواترت أخبار كثيرين من العلماء والصلحاء باجتماعهم عليه مما يطول ذكره وسبق في باب السمر بالعلم من يد لذلك. ورواة الحديث الستة ما بين مروزي ومدني وإيلي وفيه تابعي عن تابعي عن صحابي والتحديث والعنعنة والقول وأخرجه مسلم في الفضائل. 21 - باب وَقْتِ الْعِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أَوْ تَأَخَّرُوا (باب) بيان (وقت) صلاة (العشاء إذا اجتمع الناس أو تأخروا). 565 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو -هُوَ ابْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ- قَالَ: "سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ صَلاَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالْعِشَاءَ: إِذَا كَثُرَ النَّاسُ عَجَّلَ، وَإِذَا قَلُّوا أَخَّرَ. وَالصُّبْحَ بِغَلَسٍ". وبالسند قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد بن إبراهيم) بسكون العين ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري قاضي المدينة (عن محمد بن عمرو -) بفتح العين (هو) وللأصيلي وابن عساكر وهو (ابن الحسن بن علي-) بن أبي طالب رضي الله عنهم وسقط ابن علي عند ابن عساكر (قال: سألنا) وفي رواية سألت (جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه (عن صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال:) ولابن عساكر قال: (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) وللأصيلي كان يصلّي (الظهر بالهاجرة) وقت شدّة الحرّ يهجر فيها الناس تصرفهم. (و) يصلّي (العصر والشمس حية،) نقية بيضاء (و) يصلّي (المغرب إذا وجبت) أي غابت الشمس (و) يصلّي (العشاء: إذا كثر الناس عجل) بصلاتها عقب غيبوبة الشفق الأحمر كما عند الشافعي ومحمد وأبي يوسف والأبيض عند أبي حنيفة والأوّل رواية عن أبي حنيفة أيضًا وعليه الفتوى عند الحنفية وعليه أطباق أهل اللسان (وإذا قلّوا أخّر) صلاتها إلى ثلث الليل الأوّل وهو اختيار كثير من الشافعية وبه قال: مالك وأحمد وأكثر الصحابة والتابعين وهو قول الشافعي في الجديد وقال في القديم تعجيلها أفضل وصحّحه النووي وجماعة وفي قول عند الشافعية تؤخر لنصفه لحديث لولا أن أشق على أمتي لأخّرت صلاة العشاء إلى نصف الليل وصحّحه الحاكم ورجّحه النووي في شرح مسلم وكلامه فى شرح المهذب يقتضي أن الأكثرين عليه وفيه إشارة إلى أن تأخير الصلاة للجماعة أفضل من صلاتها أوّل الوقت منفردًا بل فيه أخصّ من ذلك وهو أن التأخير لانتظار من تكثر بهم الجماعة أفضل نعم إذا فحش التأخير وشقّ على الحاضرين فالتقديم أولى (و) يصلّي (الصبح (بغلس) بفتح اللام ظلمة آخر الليل. وهذا الحديث سبق في باب وقت المغرب. 22 - باب فَضْلِ الْعِشَاءِ (باب فضل) صلاة (العشاء) أو فضل انتظارها. 566 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: "أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً بِالْعِشَاءِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ الإِسْلاَمُ، فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى قَالَ عُمَرُ: نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ فَقَالَ لأَهْلِ الْمَسْجِدِ: مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ غَيْرُكُمْ". [الحديث 566 - أطرافه في: 569، 862، 864]. وبالسند قال (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف نسبة إلى جده لشهرته وأبوه عبد الله المخزومي (قال حدّثنا الليث) بن سعد المصري (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوام (أن عائشة) رضي الله عنها (أخبرته قالت): (أعتم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة) من الليالي (بالعشاء) أي أخّر صلاتها وكانت صلاته عليه الصلاة والسلام تقديمها (وذلك قبل أن يفشو الإسلام) أي يظهر في غير المدينة وإنما ظهر في غيرها بعد فتح مكة (فلم يخرج) عليه الصلاة والسلام (حتى قال عمر:) بن الخطاب رضي الله

23 - باب ما يكره من النوم قبل العشاء

عنه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نام النساء والصبيان) أي الحاضرون في المسجد وخصّهم بالذكر دون الرجال لأنهم مظنة قلة الصبر عن النوم ولمسلم أعتم عليه الصلاة والسلام حتى ذهب عامّة الليل وحتى نام أهل المسجد (فخرج) عليه الصلاة والسلام (فقال لأهل المسجد: ما ينتظرها) أي الصلاة في هذه الساعة (أحد من أهل الأرض غيركم) وذلك إما لأنه لا يصلّي حينئذ إلاّ بالمدينة أو لأن سائر الأقوام ليس في دينهم صلاة وغيركم بالرفع صفة لأحد أو بالنصب على الاستثناء. ورواة هذا الحديث ستة وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي والتحديث والعنعنة والإخبار والقول وأخرجه المؤلّف أيضًا في باب النوم قبل العشاء لمن غلب ومسلم. 567 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: "كُنْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي الَّذِينَ قَدِمُوا مَعِي فِي السَّفِينَةِ نُزُولاً فِي بَقِيعِ بُطْحَانَ -وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ- فَكَانَ يَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ نَفَرٌ مِنْهُمْ، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ - عليه السلام - أَنَا وَأَصْحَابِي، وَلَهُ بَعْضُ الشُّغْلِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، فَأَعْتَمَ بِالصَّلاَةِ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ: عَلَى رِسْلِكُمْ أَبْشِرُوا، إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرُكُمْ". أَوْ قَالَ: «مَا صَلَّى هَذِهِ السَّاعَةَ أَحَدٌ غَيْرُكُمْ» لاَ يَدْرِي أَىَّ الْكَلِمَتَيْنِ قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى: "فَرَجَعْنَا فَفَرِحْنَا بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدثنا محمد بن العلاء) هو أبو كريب (قال: أخبرنا) وللهروي وابن عساكر والأصيلي حدّثنا (أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة ابن عبد الله بن أبي بردة الكوفي (عن) جده (أبي بردة) عامر (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (قال: كنت أنا وأصحابي الذين قدموا معي في السفينة نزولاً) جمع نازل كشهود وشاهد (في بقيع بطحان) وادٍ بالمدينة وهو بضم الموحدة وسكون الطاء في رواية المحدّثين وقيده أبو علي في بارعه كأهل اللغة بفتح الموحدة وكسر الطاء وقال البكري لا يجوز غيره، (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة، فكان يتناوب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند صلاة العشاء كل ليلة نفر منهم،) عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة، (فوافقنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنا وأصحابيّ وله بعض الشغل في بعض أمره) تجهيز جيش كما في معجم الطبراني من وجه صحيح وجملة وله بعض الشغل حالية (فأعتم) عليه الصلاة والسلام (بالصلاة) أي أخّرها عن أول وقتها (حتى ابهارَّ الليل،) بهمزة وصل ثم موحدة ساكنة فهاء فألف فراء مشددة أي انتصف أو طلعت نجومه واشتبكت أو كثرت ظلمته ويؤيد الأوّل حتى إذا كان قريبًا من نصف الليل، (ثم خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصلّى بهم فلما قضى صلاته. قال لمن حضره): (على رسلكم) بكسر الراء وقد تفتح أي تأنوا (أبشروا) بقطع الهمزة من أبشر الرباعي أو همزة وصل من بشر (إن) بكسر الهمزة على الاستئناف وبفتحها بتقدير الباء أي بأن لكن قال ابن حجر وهم من ضبطها بالفتح وفي رواية فإن (من نعمة الله عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلّي هذه الساعة غيركم) بفتح همزة أنه وجهًا واحدًا لأنها في موضع المفرد وهو اسم أن والجار والمجرور خبرها قدم للاختصاص أي أن من نعمة الله عليكم انفرادكم بهذه العبادة (أو قال) عليه الصلاة والسلام: (ما صلّى هذه الساعة أحد غيركم. لا يدرى) بالمثناة التحتية ولأبي الوقت وابن عساكر. لا أدرى (أيّ الكلمتين قال) عليه الصلاة والسلام. (قال أبو موسى) الأشعري رضي الله عنه. (فرجعنا) حال كوننا (فرحى بما سمعنا) أي بالذي سمعناه (من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.) أي من اختصاصنا بهذه العبادة التي هي نعمة عظيمة مستلزمة للمثوبة الجسيمة مع ما انضم لذلك من صلاتهم لها خلف نبيّهم، وفرحى بسكون الراء بوزن سكرى كما في رواية أبوي ذر والوقت فقط، ولابن عساكر فرحًا بفتح الراء على المصدر، وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني، وفرحنا بكسر الراء وسكون الحاء، ولأبي ذر في نسخة فرحنا بإسقاط الواو وفتح الراء، وفي رواية: ففرحنا. ورواة هذا الحديث ما بين كوفي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم في الصلاة وأبو داود والنسائي من حديث أبي سعيد وكذا ابن ماجة. 23 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ (باب ما يكره من النوم قبل) صلاة (العشاء.). 568 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا". وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن سلام) بتخفيف اللام كذا في رواية الهروي ووافقه ابن السكن، وفي أكثر الروايات حدّثنا محمد غير منسوب ورواية أبي ذر عينته (قال: أخبرنا) وللأربعة حدّثنا (عبد الوهاب) بن عبد المجيد بن الصلت (الثقفي) البصري (قال: حدّثنا خالد) هو ابن مهران أبو المنازل بفتح الميم وكسر الزاي البصري

24 - باب النوم قبل العشاء لمن غلب

(الحذاء) بفتح الحاء المهملة وتشديد الذال المعجمة (عن أبي المنهال) بكسر الميم سيار بن سلامة الرياحي بالمثناة التحتية (عن أبي برزة) بفتح الموحدة وسكون الراء وفتح الزاي نضلة الأسلمي رضي الله عنه: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يكره النوم) كراهة تنزيه (قبل) صلاة (العشاء) لأن فيه تعريضًا لفوات وقتها باستغراق النوم نعم من وكل به من يوقظه يباح له (و) كان عليه الصلاة والسلام يكره (الحديث بعدها) أي المحادثة بعد العشاء خوف السهر وغلبة النوم بعده فيفوت قيام الليل أو الذكر أو الصبح نعم لا كراهة فيما فيه مصلحة للدين كعلم وحكايات الصالحين ومؤانسة الضيف والعروس. ورواة هذا الحديث خمسة وفيه التحديث والعنعنة. 24 - باب النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ (باب) عدم كراهة (النوم قبل) صلاة (العشاء لمن غلب) بضم الغين وكسر اللام مبنيًّا للمفعول أي لمن غلب عليه النوم فخرج به من تعاطى ذلك مختارًا. 569 - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: "أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْعِشَاءِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ: الصَّلاَةَ، نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ فَقَالَ: مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ غَيْرُكُمْ. قَالَ: وَلاَ يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إِلاَّ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ". وبالسند قال: (حدّثنا أيوب بن سليمان) القرشي ولأبي ذر هو ابن بلال (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو بكر) هو عبد الحميد بن عبد الله بن أويس الأصبحي الأعشى (عن سليمان) القرشي المدني زاد في رواية أبوي ذر والوقت هو ابن بلال (قال صالح بن كيسان) بفتح الكاف المدني ولأبي ذر قال حدّثنا صالح بن كيسان قال: (أخبرني) بالإفراد (ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (أن) أم المؤمنين (عائشة) رضي الله عنها (قالت): (أعتم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعشاء) أي أخر صلاتها ليلة (حتى ناداه عمر:) بن الخطاب رضي الله عنه (الصلاة) بالنصب على الإغراء (نام النساء والصبيان) الذين بالمسجد (فخرج) عليه الصلاة والسلام (فقال): ولأبي ذر وابن عساكر وقال (ما ينتظرها) أي الصلاة (أحد من أهل الأرض غيركم) (قال): أي الراوي وهو عائشة (ولا تصلّى) بضم المثناة الفوقية وفتح اللام المشددة أي لا تصلّى العشاء في جماعة ولغير أبي ذر ولا يصلّى بالمثناة التحتية (يومئذ إلا بالمدينة) لأن من بمكة من المستضعفين كانوا يسرون وغير مكة والمدينة حينئذٍ لم يدخله الإسلام (وكانوا) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه ولأبوي الوقت وذر والأصيلي قال وكانوا (يصلون العشاء فيما بين أن يغيب الشفق) أي الأحمر المنصرف إليه الاسم وعند أبي حنيفة البياض دون الحمرة وليس في اليونينية ذكر العشاء وفي رواية فيما بين مغيب الشفق (إلى ثلث الليل الأوّل) بالجر صفة لثلث. ورواة هذا الحديث سبعة وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابية والتحديث والإخبار والقول. 570 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا، ثُمَّ رَقَدْنَا، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: «لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ غَيْرُكُمْ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يُبَالِي أَقَدَّمَهَا أَمْ أَخَّرَهَا، إِذَا كَانَ لاَ يَخْشَى أَنْ يَغْلِبَهُ النَّوْمُ عَنْ وَقْتِهَا. وَكَانَ يَرْقُدُ قَبْلَهَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ. وبه قال (حدّثنا محمود) زاد الأصيلي يعي ابن غيلان بفتح الغين المعجمة المروزي (قال: أخبرنا) وللأربعة حدّثنا (عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني مولاهم (قال: أخبرني) بالإفراد وللأربعة أخبرنا (ابن جريج) عبد الملك (قال: أخبرني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (قال: حدّثنا) وللأصيلي حدّثني (عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شغل عنها) بضم الشين مبنيًّا للمفعول أي شغل عن صلاة العشاء (ليلة) من الليالي (فأخّرها حتى رقدنا في المسجد) أي قعودًا ممكنين المقعدة أو مضطجعين غير مستغرقين في النوم أو مستغرقين ولكنهم توضؤوا ولم ينقل اكتفاء بأنهم لا يصلون إلا متوضئين (ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظنا) من النوم الخفيف كالنعاس مع الإشعار يقال: استيقظ من سنته وغفلته أو هو على ظاهره من الاستغراق وعدم الشعور (ثم خرج علينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الحجرة (ثم قال: ليس أحد من أهل الأرض ينتظر الصلاة غيركم) (وكان ابن عمر) رضي الله عنه (لا يبالي أقدّمها) أي أقدّم صلاة العشاء (أم أخّرها، إذا كان لا يخشى أن يغلبه النوم عن وقتها، وكان) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وقد كان (يرقد قبلها.) أي صلاة العشاء وحملوه على ما إذا لم يخش غلبة النوم عن وقتها وفيه أن كراهة النوم قبلها للتنزيه لا للتحريم. (قال ابن جريج) عبد الملك بالإسناد السابق (قلت لعطاء) أي ابن أبي رباح لا ابن يسار كما قاله الحافظ ابن حجر أي عما أخبرني به نافع (فقال) ولغير أبي ذر والأصيلي وابن عساكر وقال أي عطاء لابن جريج (سمعت ابن عباس) رضي الله عنهما (يقول): 571 - وَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: "أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً بِالْعِشَاءِ حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ وَاسْتَيْقَظُوا، وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: الصَّلاَةَ. قَالَ عَطَاءٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَخَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ الآنَ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا هَكَذَا". فَاسْتَثْبَتُّ عَطَاءً: كَيْفَ وَضَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَأْسِهِ يَدَهُ كَمَا أَنْبَأَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ؟ فَبَدَّدَ عَطَاءٌ بَيْنَ أَصَابِعِهِ شَيْئًا مِنْ تَبْدِيدٍ، ثُمَّ وَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ عَلَى قَرْنِ الرَّأْسِ ثُمَّ ضَمَّهَا يُمِرُّهَا كَذَلِكَ عَلَى الرَّأْسِ حَتَّى مَسَّتْ إِبْهَامُهُ طَرَفَ الأُذُنِ مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ عَلَى الصُّدْغِ وَنَاحِيَةِ اللِّحْيَةِ لاَ يُقَصِّرُ وَلاَ يَبْطُشُ إِلاَّ كَذَلِكَ، وَقَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوا هَكَذَا». [الحديث 571 - طرفه في: 7239]. (أعتم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة بالعشاء) أي بصلاتها (حتى رقد الناس) الحاضرون في المسجد (واستيقظوا، ورقدوا واستيقظوا، فقام عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (فقال: الصلاة) بالنصب على الإغراء (قال) ولابن عساكر فقال (عطاء قال ابن عباس) رضي الله عنهم (فخرج نبي الله) ولابن عساكر النبي وللهروي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كاني أنظر إليه الآن) حال كونه (يقطر رأسه ماء) بالنصب على التمييز المحول عن الفاعل أي ماء رأسه وحال كونه (واضعًا يده على رأسه) وكان عليه الصلاة والسلام قد اغتسل قبل أن يخرج وللكشميهني واضعًا يده على رأسي ووهم لما يأتي بعد (فقال:) عليه الصلاة والسلام (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا) وفي نسخة كذا أي في هذا الوقت قال ابن جريج (فاستثبت عطاء) أي ابن أبي

25 - باب وقت العشاء إلى نصف الليل

رياح (كيف وضع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده على رأسه كما أنبأه) أي أخبره (ابن عباس) رضي الله عنهما (فبدد) بالموحدة والدال المكررة المشددة أولاهما أي فرق (لي عطاء بين أصابعه شيئًا من تبديد، ثم وضع أطراف أصابعه على قرن الرأس) أي جانبه (ثم ضمها) أي أصابعه ولمسلم ثم صبها بالصاد المهملة والموحدة قال القاضي عياض وهو الصواب فإنه يصف عصر الماء من الشعر باليد (يمرها كذلك على الرأس حتى مست إبهامه طرف الأُذن) بنصب طرف مفعول مست ولغير الكشميهني أبهاميه بالتثنية منصوب على المفعولية طرف رفع على الفاعلية وأنت الفعل المسند لطرف المذكر لأن المضاف اكتسب التأنيث من المضاف إليه لشدة الاتصال بينهما (مما يلي الوجه على الصدغ) بضم الصاد (وناحية اللحية لا يقصر) بالقاف وتشديد الصاد المهملة المكسورة من التقصير أي لا يبطئ وللكشميهني والأصيلي لا يعصر بالعين المهملة الساكنة مع فتح أوّله وكسر ثالثه قال ابن حجر: والأول هو الصواب. (ولا يبطش) بضم الطاء في اليونينية أيّ لا يستعجل (إلا كذلك؛ وقال:) عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوا) وللهروي وأبي الوقت أن يصلوها أي العشاء (هكذا) أي في هذا الوقت. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين مروزي ويماني ومكّي ومدني وفيه التحديث والأخبار والقول أخرجه مسلم في الصلاة وأبو داود في الطهارة. 25 - باب وَقْتِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَحِبُّ تَأْخِيرَهَا. (باب وقت) صلاة (العشاء إلى نصف الليل) اختيارًا (وقال أبو برزة:) مما سبق موصولاً في باب وقت العصر مطولاً (كان النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يستحب تأخيرها) أي العشاء وليس فيه تصريح بقيد نصف الليل. 572 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "أَخَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ قَالَ: قَدْ صَلَّى النَّاسُ وَنَامُوا، أَمَا إِنَّكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا». وَزَادَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ سَمِعَ أَنَسًا: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ لَيْلَتَئِذٍ. [الحديث 572 - أطرافه في: 600، 661، 847، 5869]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الرحيم) بن عبد الرحمن بن محمد (المحاربي) الكوفي (قال حدّثنا زائدة) بالزاي ابن قدامة بضم القاف (عن حميد الطويل) ابن أبي حميد البصري، المتوفّى وهو قائم يصلي سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين ومائة (عن أنس) رضي الله عنه وللأصيلي أنس بن مالك (قال) (أخر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة العشاء) ليلة (إلى نصف الليل ثم صلّى) العشاء (ثم قال قد صلّى، الناس) أي المعهودون (وناموا أما) بالتخفيف للتنبيه (إنكم في صلاة ما انتظرتموها) أي مدة انتظاركم وظاهر هذا السياق أن وقت العشاء يخرج بالنصف والجمهور أنه وقت الاختيار ورجح النووي في شرح مسلم تأخيرها إليه. ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين كوفي وبصري وفيه التحديث والعنعنة والقول. (وزاد ابن أبي مريم:) سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي بالولاء المصري فقال (أخبرنا يحيى بن أيوب) الغافقي بمعجمة ثم فاء فقاف (قال: حدّثني) بالإفراد (حميد) الطويل (أنه سمع أنسًا) وللأصيلي سمع أنس بن مالك (قال كأني أنظر إلى وبيص خاتمه) عليه الصلاة والسلام بفتح الواو وكسر الموحدة وبالصاد المهملة أي بريقه ولعانه (ليلتئذٍ) أي ليلة إذ أخر العشاء والتنوين عوض عن المضاف إليه. وهذا التعليق وصله

26 - باب فضل صلاة الفجر

المخلص في فوائده، ومراد المؤلّف رحمه الله به بيان سماع حميد للحديث من أنس رضي الله عنه. 26 - باب فَضْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ (باب فضل صلاة الفجر) وفي رواية أبي ذر والحديث وتؤوّلت على وباب الحديث الوارد في فضله أي في فضل صلاة الفجر، واستبعده في الفتح ومال إلى أنها وهم وتصحيف فالله أعلم. 573 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ لِي جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لاَ تُضَامُّونَ -أَوْ لاَ تُضَاهُونَ- فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا». ثُمَّ قَالَ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد (قال: حدّثنا قيس) هو ابن أبي حازم (عن جرير بن عبد الله:) ولأبي الوقت وابن عساكر قال: قال جرير بن عبد الله وللأصيلي قال: قال لي جرير بن عبد الله: (كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال: أما إنكم) بتخفيف ميم أما إنكم والذي في اليونينية بالتشديد فقط (سترون ربكم كما ترون هذا) القمر (لا تضامون) بضم أوّله وتخفيف الميم وتشديدها أي لا ينالكم ضيم (أو لا) وفي رواية أو قال لا (تضاهون) بالهاء من المضاهاة أي لا يشتبه عليكم ولا ترتابون (في رؤيته) تعالى (فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا) ترك المغلوبية التي لازمها الإتيان بالصلاة كأنه قال: صلوا. وفيه دليل على أن الرؤية ترجى بالمحافظة على هاتين الصلاتين (ثم قال: ({فَسَبِّحْ}) بالفاء والتلاوة وسبح ({بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}) [طه: 130] وتقدم ما في هذا الحديث في باب فضل صلاة العصر. 574 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ». وَقَالَ ابْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ أَخْبَرَهُ بِهَذَا. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ عَنْ حَبَّانَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون الدال وفتح الموحدة القيسي البصري (قال حدّثنا همام) هو ابن يحيى (قال: حدّثني) بالإفراد وللأصيلي حدّثنا (أبو جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي البصري (عن أبي بكر بن أبي موسى) وسقط للأربعة ابن أبي موسى (عن أبيه) أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه. (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: من صلّى البردين) بفتح الموحدة وسكون الراء الفجر والعصر لأنهما في بردى النهار وهما طرقاه حين يطيب الهواء وتذهب سورة الحر (دخل الجنة). عبر بالماضي عن المضارع ليعلم أن الموعود به بمنزلة الآتي المحقق الوقوع وامتازت الفجر والعصر بذلك لزيادة شرفهما وترغيبًا في المحافظة عليهما لشهود الملائكة فيهما كما مر ومفهوم اللقب ليس بحجة فافهم. (قال ابن رجاء) بفتح الراء والجيم عبد الله البصري الغداني مما وصله الذهلي (حدّثنا) وللأصيلي أخبرنا (همام) هو ابن يحيى (عن أبي جمرة) بالجيم (أن أبا بكر بن عبد الله بن قيس) الأشعري (أخبره بهذا) الحديث، ومراده بهذا التعليق أن أبا بكر السابق في السند هو ابن أبي موسى الأشعري، فإنه اختلف فيه فقيل: إن الحديث محفوظ عن أبي بكر بن عمارة بن رؤيبة الثقفي فاعلم. وبه قال: (حدّثنا اسحاق) هو ابن منصور بن بهرام الكوسج التميمي المروزي وليس هو إسحاق بن راهويه (عن حبان) ولأبي ذر حبان وهو بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن هلال الباهلي (قال: حدّثنا همام، قال: حدّثنا أبو جمرة) بالجيم (عن أبي بكر بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن أبي موسى الأشعري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله). وفي رواية بمثله بزيادة الموحدة فاجتمعت الروايات على همام بأن شيخ أبي جمرة هو أبو بكر بن عبد الله لا أبو بكر بن عمارة بن رؤيبة. 27 - باب وَقْتِ الْفَجْرِ (باب وقت الفجر). 575 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُمْ تَسَحَّرُوا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ. قُلْتُ: ما بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ. يَعْنِي آيَةً. [الحديث 575 - طرفه في: 1921]. وبالسند قال (حدّثنا عمرو بن عاصم) بفتح العين وسكون الميم البصري (قال: حدّثنا همام) هو ابن يحيى (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) رضي الله عنه وللأصيلي أنس بن مالك (أن زيد بن ثابت) الأنصاري رضي الله عنه (حدّثه) وللأصيلي حدّثهم أي حدث أنسًا وأصحابه. (أنهم) أي زيدًا وأصحابه (تسحروا) أي أكلوا السحور وهو ما يؤكل في السحر أما بالضم فهو اسم لنفس الفعل (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاموا إلى الصلاة) أي صلاة الصبح قال: أنس (قلت) لزيد (كم بينهما) ولأبي ذر والأصيلي كم كان بينهما أي بين السحور والقيام إلى الصلاة (قال: قدر) قراءة (خمسين أو ستين يعني آية). ورواة هذا

الحديث الخمسة بصريون وفيه التحديث والعنعنة والقول ورواية صحابي عن صحابي، وأخرجه المؤلّف في الصوم وكذا مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة. 576 - حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ سَمِعَ رَوْحًا حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: "أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ تَسَحَّرَا، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّيا قُلْنَا لأَنَسٍ: كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلاَةِ؟ قَالَ: قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً". [الحديث 576 - طرفه في: 1134]. وبه قال (حدّثنا) وفي الفرع وأصله ح للتحويل وحدّثنا (حسن بن صباح) بتشديد الموحدة البزار بالزاي ثم الراء وللأربعة الحسن بن الصباح حال كونه قد (سمع روحًا) بفتح الراء ولأبي الوقت والهروي روح بن عبادة بضم العين وتخفيف الموحدة (قال حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وسقط عند ابن عساكر ابن مالك: (أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزيد بن ثابت تسحرا،) بالتثنية وللمستملي والسرخسي تسحروا بالجمع أي النبي وأصحابه (فلما فرغا من سحورهما) بفتح السين (قام نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الصلاة فصلّى) وللكشميهني فصليا أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزيد وللأكثرين فصلينا بالجمع أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه قال قتادة (قلت) ولغير أبي ذر قلنا (لأنس كم كان بين فراغهما من سحورهما) بفتح السين (ودخولهما في الصلاة) أي الصبح (قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية) من القرآن. ورواة هذا الحديث خمسة وفيه التحديث والعنعنة وهو من مسانيد أنس والسابق من مسانيد زيد بن ثابت. 577 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: "كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي ثُمَّ يَكُونُ سُرْعَةٌ بِي أَنْ أُدْرِكَ صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 577 - طرفه في: 1920]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس) عبد الله الأصبحي المدني ابن أُخت الإمام مالك بن أنس (عن أخيه) عبد الحميد أبي بكر بن أبي أويس (عن سليمان) بن بلال (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج المدني العابد (أنه سمع سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين ابن مالك الأنصاري الساعدي الصحابي ابن الصحابي (يقول): (كنت أتسحر في أهلي ثم يكون) بالمثناة التحتية وفي رواية تكون بالفوقية (سرعة بي أن أدرك صلاة الفجر مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.) أي لإدراكي وسرعة بضم السين وإسكان الراء والرفع اسم كان وبي صفتها، وأن مصدرية وأدرك خبر كان أو كان تامة أي ثم توجد سرعة بي لإدراك صلاة الفجر، ويجوز سرعة بالنصب خبر كان والاسم ضمير يعود لما يدل عليه لفظ السرعة أي تكون السرعة سرعة حاصلة بي لإدراك الصلاة. ورواة هذا الحديث الخمسة مدنيون وفيه رواية الأخ عن أخيه والتحديث والعنعنة والسماع. 578 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: "كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلاَةَ لاَ يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْغَلَسِ". وبه قال (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبة لجدّه واسم أبيه عن عبد الله المخزومي المصري (قال: أخبرنا) وللأربعة حدّثنا (الليث) بن سعد المصري الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوام (أن عائشة) رضي الله عنها (أخبرته قالت): (كن) وللأصيلي كنا (نساء) الأنفس أو الجماعة (المؤمنات) أوّل بهذا لئلا يلزم منه إضافة الشيء إلى نفسه. وقول ابن مالك فيه شاهد على إضافة الموصوف للصفة عن أمن اللبس وكان الأصل وكنّ النساء المؤمنات وهو نظير مسجد الجامع. تعقبه الدر الدماميني بأنه مؤوّل بناء على أن الأصل نساء الطوائف المؤمنات والطوائف أعمّ من النساء فهو كنساء الحي فلا يكون فيه شاهد اهـ. ونساء رفع في اليونينية. وقال الزركشي: يجوز فيه الرفع على أنه بدل من الضمير في (كن) والنصب على أنه خبر كان ويشهدن خبر ثانٍ، وتعقبه فقال: لا يظهر هذا الوجه إذ ليس القصد إلى الإخبار عن النسوة المصليات بأنهن نساء مؤمنات ولا المعنى عليه، والذي يظهر أنه مفعول لمحذوف، وذلك أنها لما قالت: كن فأضمرت ولا معاد في الظاهر قصدت رفع اللبس لما قالته. أي أعني نساء المؤمنات والخبر يشهدن، وكان الأصل أن تقول: كانت بالإفراد ولكنه على لغة أكلوني البراغيث، وحينئذٍ فنساء رفع بدل من الضمير في كن أو اسم كان وخبرها (يشهدن) أي يحضرون (مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة الفجر) حال كونهن (متلفعات) بالعين بعد الفاء أي متلفحات بالحاء (بمروطهنّ) جمع مرط بكسر الميم كساء من صوف أو خز يؤتزر به (ثم ينقلبن) أي يرجعن (إلى بيوتهنّ حين يقضين الصلاة لا يعرفهنّ أحد) أنساء أم رجال (من

28 - باب من أدرك من الفجر ركعة

الغلس) لأنه لا يظهر للرائي إلاّ أشخاصهنّ فقط فإنّ قلت هذا يعارضه حديث أبي برزة السابق أنه كان ينصرف من الصلاة حين يعرف الرجل جليسه أجيب بأن هذا إخبار عن رؤية المتلفعة من بعد وذلك إخبار عن الجليس القريب فافترقا والله تعالى أعلم بالصواب. 28 - باب مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْفَجْرِ رَكْعَةً (باب من أدرك من الفجر) أي من صلاته (ركعة) فليتم صلاته. 579 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَنِ الأَعْرَجِ يُحَدِّثُونَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ». وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) العدوي (عن عطاء بن يسار) بالسين المهملة المخففة الهلالي المدني مولى ميمونة، (وعن بسر بن سعيد) بضم الموحدة وسكون السين المهملة آخره راء المدني العابد (وعن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (يحدثونه) أي الثلاثة يحدثون زيد بن أسلم (عن أبي هريرة) رضي الله عنه: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس) أي وركعة بعدما تطلع الشمس (فقد أدرك الصبح) أداء وهذا مذهب الشافعي وأحمد والجمهور، خلافًا لأبي حنيفة حيث قال بالبطلان لدخول وقت النهي كما مرّ، أو المراد من أدرك من وقت الصبح قدر ركعة فلو أسلم الكافر وبلغ الصبي وطهرت الحائض وأفاق المجنون والمغمى عليه وبقي من الوقت قدر ركعة وجبت الصلاة، وكذا دونها كقدر تكبيرة لإدراك جزء من الوقت ويكون الوقت على هذا خرج مخرج الغالب، فإن الغالب الإدراك بركعة ونحوها. ولو بلغ الصبي بالسن في الصلاة أتمها وجوبًا وأجزأته. (ومن أدرك ركعة من العصر) أي من صلاتها (قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) أداء عند الجمهور كما مرّ في باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب. 29 - باب مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاَةِ رَكْعَةً (باب من أدرك من الصلاة ركعة) فقد أدرك الصلاة والفرق بين هذه الترجمة والسابقة أن الأولى على التفسير السابق فيها لخصوص الصلاتين لا يقع من فواتهما غالبًا وهذه للأعم وأما على التفسير اللاحق فذاك لمن أدرك بعض الوقت وهذه لمن أدرك بعض الصلاة. 580 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ». وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام الأعظم (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من أدرك ركعة من الصلاة) المكتوبة (فقد أدرك الصلاة) أي حكمها أو تكون أداء وإدراك الجماعة يحصل بدون الركعة ما لم يسلم والله أعلم. 30 - باب الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ (باب) حكم (الصلاة بعد) صلاة (الفجر حتى ترتفع الشمس). 581 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ، وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ". حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي نَاسٌ بِهَذَا. وبالسند قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي (قال: حدّثنا هشام) الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي العالية) الرياحي واسمه رفيع (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: شهد عندي) ليس بمعنى الشهادة عند الحاكم وإنما معناه أخبرني وأعلمني (رجال) عدول (مرضيون) لا شك في صدقهم ودينهم (وأرضاهم عندي عمر) بن الخطاب رضي الله عنه. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى) نهي تحريم (عن الصلاة) التي لا سبب لها (بعد) صلاة (الصبح حتى تشرق الشمس) بضم المثناة الفوقية وكسر الراء كذا لأبي ذر أي تضيء وترتفع كرمح ولغيره تشرق بفتح أوله وضم ثالثه بوزن تغرب أي حتى تطلع (و) تكره الصلاة أيضًا (بعد) صلاة (العصر حتى تغرب) الشمس، فلو أحرم بما لا سبب له كالنافلة المطلقة لم تنعقد كصوم يوم العيد بخلاف ما له سبب كفرض أو نفل فائتين فلا كراهة فيهما، لأنه عليه الصلاة والسلام صلّى بعد العصر سُنَّة الظهر التي فاتته رواه الشيخان، فالسُّنّة الحاضرة والفريضة الفائتة أولى، وكذا صلاة جنازة وكسوف وتحية مسجد وسجدة شكر وتلاوة. ومنع أبو حنيفة مطلقًا إلاّ عصر يومه والنهي في الحديث متعلق بأداء الصلاة لا بالوقت فتعين التقدير بالصلاة في الموضعين. نعم يتعلق أيضًا بمن لم يصل من الطلوع إلى الارتفاع كرمح ومن الاستواء إلى الزوال ومن الإصفرار حتى تغرب للنهي عن الصلاة فيها في

صحيح مسلم، لكن ليس فيه ذكر الرمح وأشار الرافعي إلى ذلك بقوله ربما انقسم الوقت الواحد إلى متعلق بالفعل وإلى متعلق بالزمان. ورواة هذا الحديث خمسة، وفيه روار تابعي عن تابعي عن صحابي والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 582 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَحَرَّوْا بِصَلاَتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا». [الحديث 582 - أطرافه في: 585، 589، 1192، 1629، 3273]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال سمعت أبا العالية) الرياحي (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: حدّثني) بالإفراد (ناس بهذا) أي بهذا الحديث بمعناه وفي هذه الطريق التصريح بسماع قتادة لهذا الحديث من أبي العالية ومتابعة شعبة لهشام. وبه قال: (حدّثنا مسدد) المذكور (قال: حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن هشام) أي ابن عروة (قال: أخبرني أبي) عروة بن الزبير (قال: أخبرني) وللأصيلي حدّثني بالإفراد فيهما (ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال): (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تحرّوا) بحذف إحدى التاءين تخفيفًا أي لا تقصدوا (بصلاتكم) بالموحدة وللأصيلي لصلاتكم (طلوع الشمس ولا غروبها). خرج بالقصد عدمه فلو استيقظ من نومه أو ذكر ما نسيه فليس بقاصد وفي الروضة كأصلها لو دخل المسجد في أوقات الكراهة ليصلّي التحية فوجهان. أقيسهما الكراهة كما لو أخر الفائتة ليقضيها فيها انتهى. قال في الغرر البهية: وينبغي أن يكون المكروه الدخول لغرض التحية وتأخير الفائتة إلى ذلك الوقت أما فعلها فيه فكيف يكون مكروهًا وقد يكون واجبًا بأن فاتته عمدًا بل العصر المؤداة تأخيرها لتفعل وقت الاصفرار مكروه، ولا نقول بعد التأخير أن إيقاعها فيه مكروه بل واجب، وأقول: بل فعل كلٌّ من ذلك فيما ذكر مكروه أيضًا لقوله: "لا تحرّوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها" لكن المؤداة منعقدة لوقوعها في وقتها بخلاف التحية والفائتة المذكورتين وكونها قد تجب لا يقتضي صحتها فيما ذكر لأنه بالتأخير إلى ذلك مراغم للشرع بالكلية، ولأن المانع مقدّم على المقتضي عند اجتماعهما. وقد قيل هذا الحديث مفسّر للسابق أي لا تكره الصلاة بعد الصلاتين إلا لمن قصد بها طلوع الشمس وغروبها، وجزم الأكثرون بأن المراد أنه نهي مستقل وجعلوا الكراهة مع القصد وعدمه، وقيل: إن قومًا كانوا يتحرّون طلوع الشمس وغروبها فيسجدون لها عبادة من دون الله، فنهى عليه الصلاة والسلام أن يتشبّه بهم. وفي هذا الحديث رواية الابن عن الأب والتحديث والعنعنة والإخبار والقول، وأخرجه المؤلّف في صفة إبليس لعنه الله تعالى، ومسلم والنسائي كلاهما مقطعًا في الصلاة. 583 - وَقَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَغِيبَ». تَابَعَهُ عَبْدَةُ. [الحديث 583 - طرفه في: 3272]. (وقال) عروة بن الزبير: (حدّثني) بالإفراد ولأبي الوقت والهروي قال وحدّثني (ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال): (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا طلع حاجب الشمس) أي طرفها الأعلى من قرصها سمي به لأنه أوّل ما يبدو منها فيصير كحاجب الإنسان وللأصيلي حاجب الشمس (فأخّروا الصلاة) أي التي لا سبب لها (حتى) أي إلى أن (ترتفع) الشمس (وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة) أي التي لا سبب لها (حتى تغيب). زاد المؤلّف في بدء الخلق من طريق عبدة "فإنها تطلع بين قرني شيطان". وعند مسلم من حديث عمرو بن عبسة: وحينئذٍ يسجد لها الكفّار، ومراد المؤلّف بسياق هذا الحديث المحافظة على لفظتي حدّثنا وأخبرنا بناء على الفرق أو المبالغة في التحفظ. (تابعه) ولابن عساكر قال محمد: يعني البخاري تابعه أي تابع يحيى القطان على رواية هذا الحديث عن هشام (عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان مما أخرجه المؤلّف في بدء الخلق. 584 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ، وَعَنْ لِبْسَتَيْنِ، وَعَنْ صَلاَتَيْنِ: نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. وَعَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَعَنْ الاِحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُفْضِي بِفَرْجِهِ إِلَى السَّمَاءِ. وَعَنِ الْمُنَابَذَة، ِ وَالْمُلاَمَسَةِ". وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين وفتح الموحدة القرشي الهباري بفتح الهاء والموحدة المشددة (عن أبي أسامة) بضم الهمزة حماد بن أسامة (عن عبد الله) بضم العين ابن عمر بن حفص العمري (عن خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأنصاري الخزرجي (عن حفص

31 - باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس

بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن بيعتين وعن لبستين) بكسر الموحدة واللام لأن المراد الهيئة لا المرة وفي الفرع كأصله فتح الموحدة واللام وبالوجهين ضبطهما العيني، (و) نهى (عن صلاتين نهى عن الصلاة بعد) صلاة (الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد) صلاة (العصر حتى تغرب الشمس) أي إلا لسبب كما مر، (وعن اشتمال الصماء،) بالصاد المهملة والمد، (وعن الاحتباء) بالحاء المهملة (في ثوب واحد) ورجلاه متجافيتان عن بطنه (يفضي بفرجه) وللهروي والأصيليّ وابن عساكر يفضي فرجه (إلى السماء. وعن المنابذة،) بالذال المعجمة بأن يطرح الرجل ثوبه بالبيع إلى رجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه، (وعن الملامسة) بأن يلمس الثوب قبل أن ينظر إليه، وللأصيلي وعن الملامسة والمنابذة. ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في محالها بعون الله وقوته. ورواة هذا الحديث الستة ما بين كوفي ومدنيّ، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في البيوع واللباس، ومسلم في البيوع وكذا النسائي، وأخرجه ابن ماجة مقطعًا في الصلاة والتجارات. 31 - باب لاَ يَتَحَرَّى الصَّلاَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ هذا (باب) بالتنوين (لا يتحرى) المصلي (الصلاة قبل غروب الشمس) وللأصيلي والهروي لا تتحرى بمثناتين فوقيتين أولاهما مضمومة والصلاة بالرفع نائبًا عن الفاعل ولابن عساكر لا تتحرّوا بمثناتين وصيغة الجمع. 585 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلاَ عِنْدَ غُرُوبِهَا». وبالسند السابق قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لا يتحرى) بثبوت حرف العلة المقتضي لخبرية الفعل وكون سابقه حرف نفي لكنه بمعنى النهي. وقال في شرح التقريب: لا يتحرى بإثبات الألف في الصحيحين والموطأ، والوجه حذفها لتكون علامة للجزم لكن الإثبات إشباع فهو كقوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف: 90] فيمن قرأ بإثبات الياء والتحرّي القصد أي لا يقصد (أحدكم فيصلّي عند طلوع الشمس، ولا عند غروبها). بنصب فيصلّي جوابًا للنهي المتضمن للا يتحرى كالمضارع المقرون بالفاء في قوله: ما تأتينا فتحدّثنا، فالمراد النهي عن التحري والصلاة معًا. وجوّز ابن خروف الجزم على العطف أي: لا يتحرّ ولا يصلّ والرفع على القطع أي لا يتحرى فهو يصلّي والنصب على جواب النهي كما مرّ. وفي الحديث النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها وهو مجمع عليه في الجملة، واقتصر فيه على حالتي الطلوع والغروب، وفي غيره أن النهي مستمر بعد الطلوع حتى ترتفع وأن النهي يتوجه قبل الغروب من حين اصفرار الشمس وتغيرها. 586 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ الْجُنْدَعِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ». [الحديث 586 - أطرافه في: 1188، 1197، 1864، 1992، 1995]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى القرشي الأويسي المدني (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي (عن صالح) هو ابن كيسان مؤدّب ولد عمر بن عبد العزيز (عن ابن شهاب) الزهري (قال أخبرني) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد فيهما وللأصيلي حدّثنا (عطاء بن يزيد) الليثي (الجندعي) بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال وقد تضم بعدها عين مهملة نسبة إلى جندع بن ليث (أنه سمع أبا سعيد) سعد بن مالك (الخدري) رضي الله عنه حال كونه (يقول سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) حال كونه (يقول): (لا صلاة) أي صحيحة أو حاصلة (بعد) صلاة (الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة) صحيحة أو حاصلة (بعد) صلاة (العصر حتى تغيب الشمس.) إلاّ لسبب أو المراد لا تصلوا بعد صلاة الصبح فيكون نفيًا بمعنى النهي وإذا كانت غير حاصلة فتحري الوقت لها كلفة لا فائدة فيها. ورواة هذا الحديث الستة كلهم مدنيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي والتحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم في الصلاة وكذا النسائي. 587 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: "إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلاَةً لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا. وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا" يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ. [الحديث 587 - طرفه في: 3766]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة حمدويه البلخي أو هو الواسطيّ قولان (قال: حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر

32 - باب من لم يكره الصلاة إلا بعد العصر والفجر

(قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي التياح) بالمثناة الفوقية وتشديد التحتية آخره مهملة يزيد بن حميد الضبعي البصري (قال: سمعت حمران بن أبان) بضم الحاء وبفتح الهمزة وتخفيف الموحدة في الثاني حال كونه (يحدث عن معاوية) بن أبي سفيان (قال: إنكم لتصلون صلاة) بفتح اللام للتأكيد (لقد صحبنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فما رأيناه يصلّيها.) أي الصلاة ولغير الحموي يصلّيهما أي الركعتين (ولقد نهى عنها.) أي عن الصلاة ولغير أبي ذر عنهما (يعني الركعتين بعد) صلاة (العصر) نفي معاوية معارض بإثبات غيره أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلّيهما بعد صلاة العصر والمثبت مقدّم على النافي. نعم ليس في رواية الإثبات معارضة لأحاديث النهي، لأن رواية الإثبات لها سبب فألحق بها ما له سبب وبقي ما عدا ذلك على عمومه. 588 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صَلاَتَيْنِ: بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) بتخفيف اللام على الراجح كما في التقريب السلمي البيكندي بكسر الموحدة وفتح الكاف وسكون النون (قال: حدّثنا عبدة) بن سليمان (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص (عن خبيب) بضم الخاء المعجمة وموحدتين بينهما مثناة تحتية مصغرًا ابن عبد الرحمن (عن حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال): (نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صلاتين بعد) صلاة (الفجر حتى تطلع الشمس) جعل الطلوع غاية النهي والمراد بالطلوع هنا الارتفاع للأحاديث الأُخر الدالّة على اعتباره في الغاية (وبعد) صلاة (العصر حتى تغرب الشمس) وسقط ذكر الشمس عند الأصيلي، وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد وهو مذهب الحنفية أيضًا، إلاّ أنهم رأوا النهي في هاتين الحالتين أخف منه في غيرهما وذهب آخرون إلى أنه لا كراهة في هاتين الصورتين، ومال إليه ابن المنذر وعلى القول بالنهي، فاتفق على أن النهي فيما بعد العصر متعلق بفعل الصلاة، فإن قدمها اتسع النهي، وإن أخّرها ضاق وأما الصبح فاختلفوا فيه، فقال الشافعي: هو كالذي قبله إنما تحصل الكراهة بعد فعله كما هو مقتضى الأحاديث، وذهب المالكية والحنفية إلى ثبوت الكراهة من طلوع الفجر سوى ركعتي الفجر وهو مشهور مذهب أحمد، ووجه عند الشافعية قال ابن الصباغ أنه ظاهر المذهب، وقطع به المتوليّ في التتمة. وفي سنن أبي داود عن يسار مولى ابن عمر رضي الله عنهما قال: رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد طلوع الفجر فقال: يا يسار إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة فقال "ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر إلاّ سجدتين". وفي لفظ للدارقطني "لا صلاة بعد طلوع الفجر إلاّ سجدتان" وهل النهي عن الصلاة في الأوقات المذكورة للتحريم أو للتنزيه؟ صحّح في الروضة وشرح المهذب أنه للتحريم وهو ظاهر النهي في قوله: "لا تصلوا" والنفي في قوله لا صلاة لأنه خبر معناه النهي. وقد نص الشافعي رحمه الله على هذا في الرسالة، وصحح النووي في تحقيقه أنه للتنزيه وهل تنعقد الصلاة لو فعلها أو باطلة صحح في الروضة كالرافعي بطلانها وظاهره أنها باطلة، ولو قلنا بأنه للتنزيه كما صرّح به النووي في شرح الوسيط كابن الصلاح، واستشكله الأسنوي في المهمات بأنه كيف يباح الإقدام على ما لا ينعقد وهو تلاعب ولا إشكال فيه لأن نهي التنزيه إذا رجع إلى نفس الصلاة كنهي التحريم كما هو مقرر في الأصول. وحاصله أن المكروه لا يدخل تحت مطلق الأمر وإلاّ يلزم أن يكون الشيء مطلوبًا منهيًّا. ولا يصح إلا ما كان مطلوبًا، واستثنى الشافعية من كراهة الصلاة في هذه الأوقات مكة فلا تكره الصلاة فيها في شيء منها لا ركعتا الطواف ولا غيرهما لحديث جبير مرفوعًا: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من الليل والنهار" رواه أبو داود وغيره، قال ابن حزم: وإسلام جبير متأخر جدًّا، وإنما أسلم يوم الفتح وهذا بلا شك بعد نهيه عليه الصلاة والسلام عن الصلاة في الأوقات، فوجب استثناء ذلك من النهي، والله تعالى أعلم. 32 - باب مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلاَةَ إِلاَّ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ رَوَاهُ عُمَرُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ. (باب من لم يكره الصلاة إلا بعد) صلاة (العصر و) صلاة (الفجر)، وسقط ذكر والفجر عند

33 - باب ما يصلى بعد العصر من الفوائت ونحوها

الأصيلي ومفهومه جوازها عندهم وقت استواء الشمس وهو قول مالك (رواه) أي عدم الكراهة (عمر،) بن الخطاب (وابن عمر) ولده (وأبو سعيد) الخدري (وأبو هريرة) مما وصله كله المؤلّف في البابين السابقين وليس في ذلك تعرض للاستواء. 589 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أُصَلِّي كَمَا رَأَيْتُ أَصْحَابِي يُصَلُّونَ، لاَ أَنْهَى أَحَدًا يُصَلِّي بِلَيْلٍ وَلاَ نَهَارٍ مَا شَاءَ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا. وبالسند قال (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حمّاد بن زيد) هو ابن درهم الأزديّ الجهضميّ البصري (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (قال): (أصلي كما رأيت أصحابي يصلون) أي وأقرّهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو أراد إجماعهم بعد وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن الإجماع لا ينعقد في حياته لأن قوله هو الحجة القاطعة: (لا أنهى أحدًا) بفتح الهمزة والهاء (يصلّي بليل ولا نهار) وللكشميهني أو نهار وللأصيلي وأبي ذر وابن عساكر وأبي الوقت بليل ونهار (ما شاء) أن يصلّي (غير أن لا تحروا) بإسقاط إحدى التاءين أي غير أن لا تقصدوا (طلوع الشمس ولا غروبها). استدلّ به على أنه لا بأس بالصلاة عند الاستواء وهو قول مالك، وروى ابن أبي شيبة أن مسروقًا كان يصلّي نصف النهار فقيل له: إن أبواب جهنم تفتح نصف النهار. فقال: الصلاة أحق ما أستعيذ به من جهنم حين تفتح أبوابها، ومنعه الشافعي وأبو حنيفة وأحمد لحديث عقبة بن عامر عند مسلم وحين يقوم قائم الظهيرة، ولفظ رواية البيهقي حين تستوي الشمس على رأسك كرمح، فإذا زالت فصلِّ، وقد استثنى الشافعي ومن وافقه من ذلك يوم الجمعة لأنه عليه الصلاة والسلام ندب الناس إلى التبكير يوم الجمعة، ورغب الناس في الصلاة إلى خروج الإمام وهو لا يخرج إلاّ بعد الزوال، وحديث أبي قتادة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كره الصلاة نصف النهار إلاّ يوم الجمعة لكن في سنده انقطاع، وذكر له البيهقي شواهد ضعيفة إذا ضمت قوي. 33 - باب مَا يُصَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ مِنَ الْفَوَائِتِ وَنَحْوِهَا وَقَالَ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ: شَغَلَنِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ». (باب) (ما يصلّى) بفتح اللام (بعد) صلاة (العصر من الفوائت ونحوها) كصلاة الجنازة ورواتب الفرائض. (وقال كريب) بضم الكاف مولى ابن عباس مما وصله المؤلّف مطوّلاً في باب إذا كلم وهو في الصلاة فأشار بيده وللأصيلي، قال أبو عبد الله يعني البخاري وقال كريب: عن أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (صلّى النبي) وللأصيلي قال ولابن عساكر قالت: (صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد) صلاة (العصر ركعتين وقال: شغلني ناس من عبد القيس عن الركعتين) المندوبتين (بعد) صلاة (الظهر). أي فهما هاتان واستدل به الشافعية على عدم كراهة ما له سبب وأجاب المانعون بأنها من الخصائص. 590 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ قَالَتْ: "وَالَّذِي ذَهَبَ بِهِ مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ، وَمَا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى ثَقُلَ عَنِ الصَّلاَةِ، وَكَانَ يُصَلِّي كَثِيرًا مِنْ صَلاَتِهِ قَاعِدًا -تَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ- وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّيهِمَا، وَلاَ يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ مَخَافَةَ أَنْ يُثَقِّلَ عَلَى أُمَّتِهِ، وَكَانَ يُحِبُّ مَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ". [الحديث 590 - أطرافه في: 591، 592، 593، 1631]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا عبد الواحد بن أيمن) بفتح الهمزة المخزومي المكي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) أيمن (أنّه سمع عائشة) أُم المؤمنين رضي الله عنها (قالت): (و) الله (الذي ذهب به) أي توفاه تعني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ما تركهما) من الوقت الذي شغل فيه عنهما بعد الظهر (حتى لقي الله،) عز وجل (وما لقي الله تعالى حتى ثقل عن الصلاة) بضم قاف ثقل (وكان) عليه الصلاة والسلام (يصلّي كثيرًا من صلاته) حال كونه (قاعدًا تعني) عائشة بقولها ما تركهما (الركعتين بعد) صلاة (العصر) قالت: (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّيهما، ولا يصلّيهما في المسجد مخافة أن يثقل) بضم المثناة التحتية وفتح المثلثة وكسر القاف المشدّدة وفي رواية يثقل بفتح المثناة وسكون المثلثة وضم القاف أي لأجل مخافة التثقيل (على أمته، وكان) عليه الصلاة والسلام (يحب ما يخفف عنهم)، بضم المثناة التحتية وتشديد الفاء المكسورة وضم آخره مبنيًّا للفاعل، ويجوز يخفف بفتح المشدّدة وضم آخره مبنيًا للمفعول، وللأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت وأبي ذر عن الحموي والكشميهني: ما خفف عنهم بصيغة الماضي، وأما ما عند الترمذي وقال حسن من طريق جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إنما صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الركعتين بعد العصر لأنه أتاه

34 - باب التبكير بالصلاة في يوم غيم

مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر فصلاّهما بعد العصر ثم لم يعد، فيحمل النفي على علم الراوي فإنه لم يطلع على ذلك والمثبت مقدم على النافي. ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين كوفي ومكّي وفيه التحديث والسماع والقول. 591 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قال: قَالَتْ عَائِشَةُ: "ابْنَ أُخْتِي مَا تَرَكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (قال: حدّثنا هشام قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوام (قال: قالت عائشة) رضي الله عنها: (يا بن أختي) لأن أم عروة هي أسماء بنت أبي بكر ولغير الأصيلي ابن أختي (ما ترك النبي) وللأصيلي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السجدتين) من باب إطلاق البعض على الكل أي الركعتين بأربع سجداتها (بعد) صلاة (العصر عندي قطّ) تمسك بهذا ونحوه من أجاز قضاء النفل بعد العصر وأجاب المانعون بأنها من الخصائص. وأجيب بأن الذي اختصّ به عليه الصلاة والسلام المداومة على ذلك لا أصل القضاء. 592 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "رَكْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَعُهُمَا سِرًّا وَلاَ عَلاَنِيَةً: رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري (قال: حدّثنا عبد الواحد) بن زياد (قال: حدّثنا الشيباني) أبو إسحاق سليمان (قال: حدثنا عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه) الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي المخضرم (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (ركعتان) أي صلاتان لأنه فسّرهما فيما يأتي بأربع ركعات (لم يكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعهما سرًّا ولا علانية) سقط في رواية ابن عساكر سرًّا ولا علانية (ركعتان قبل) صلاة (الصبح، وركعتان بعد) صلاة (العصر). لم ترد أنه كان يصلّي بعد العصر ركعتين من أوّل فرضها بل من الوقت الذي شغل فيه عنهما. 593 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: رَأَيْتُ الأَسْوَدَ وَمَسْرُوقًا شَهِدَا عَلَى عَائِشَةَ قَالَتْ: "مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْتِينِي فِي يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلاَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ". وبه قال (حدّثنا محمد بن عرعرة) بالمهملتين وسكون الراء الأولى (قال حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بالواو السبيعي (قال: رأيت الأسود) بن يزيد النخعي (ومسروقًا) هو ابن الأجدع أبو عائشة الوادعي الكوفي (شهدا على عائشة) رضي الله عنها (قالت): (ما) وللأصيلي وما (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأتيني في يوم بعد) صلاة (العصر إلاّ صلّى ركعتين) أي ما كان يأتيني بوجه أو بحالة إلا بهذا الوجه أو الحالة فالاستثناء مفرغ والجمع بين هذا وحديث النهي عن الصلاة بعد العصر أن ذلك فيما لا سبب له وهذا سببه قضاء فائتة الظهر كما مر. 34 - باب التَّبْكِيرِ بِالصَّلاَةِ فِي يَوْمِ غَيْمٍ (باب التبكير) أي المبادرة (بالصلاة في يوم غيم) خوفًا من فوات وقتها وللأصيلي في يوم الغيم. 594 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى -هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ- عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ أَنَّ أَبَا الْمَلِيحِ حَدَّثَهُ قَالَ: "كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ فَقَالَ: بَكِّرُوا بِالصَّلاَةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ". وبالسند قال (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء الزهراني البصري (قال: حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى -هو ابن أبي كثير-) بالمثلثة الطائي اليمامي (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (أن أبا المليح) عامر بن أسامة الهذلي ولأبي ذر أن أبا مليح (حدّثه قال: كنا مع بريدة) بضم الموحدة ابن الحصيب بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين الأسلمي (في يوم ذي غيم) في أول وقت العصر (فقال: بكروا بالصلاة) أي بادروا إليها أوّل وقتها (فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من ترك صلاة العصر حبط عمله). وفي رواية فقد حبط عمله بكسر الموحدة أي بطل ثواب عمله، أو المراد بتركها مستحلاً للترك أو على قول الإمام أحمد: أن تارك الصلاة يكفر فيحبط عمله بسبب كفره، أو هو على سبيل التغليظ أي فكأنما حبط عمله. وبقية الصلوات في التبكير كالعصر بجامع خوف خروج الوقت بالتقصير في ترك التبكير فالمطابقة بين الحديث والترجمة بالإشارة المفهومة من قوله: بكروا بالصلاة مع علة التبكير في العصر لا بالتصريح، وهذا الحديث سبق في باب من ترك العصر. 35 - باب الأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ (باب) حكم (الأذان بعد ذهاب الوقت) وسقط في رواية المستملي في غير اليونينية لفظ ذهاب. 595 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "سِرْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنِ الصَّلاَةِ. قَالَ بِلاَلٌ: أَنَا أُوقِظُكُمْ. فَاضْطَجَعُوا، وَأَسْنَدَ بِلاَلٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ. فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَالَ: يَا بِلاَلُ أَيْنَ مَا قُلْتَ؟ قَالَ: مَا أُلْقِيَتْ عَلَىَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ. قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ. يَا بِلاَلُ قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلاَةِ. فَتَوَضَّأَ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ قَامَ فَصَلَّى". [الحديث 595 - طرفه في: 7471]. وبالسند قال: (حدّثنا عمران بن ميسرة) ضد الميمنة أبو الحسن البصري الأدميّ (قال: حدّثنا محمد بن فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة ابن غزوان بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي الكوفي: (قال: حدّثنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين آخره نون ابن عبد الرحمن الواسطيّ (عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحرث

36 - باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت

بن ربعي (قال: سرنا مع النبي) وللأصيلي مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة،) مرجعه من خيبر كما جزم به بعضهم لما عند مسلم من حديث أبي هريرة ونوزع فيه (فقال بعض القوم:) قيل هو عمر وقال الحافظ ابن حجر لم أقف على تسمية هذا القائل. (لو عرست بنا يا رسول الله) أي لو نزلت بنا آخر الليل فاسترحنا. (قال) عليه الصلاة والسلام (أخاف أن تناموا عن الصلاة) حتى يخرج وقتها فمن يوقظنا (قال) وللهروي والأصيلي وابن عساكر فقال (بلال) المؤذن ظنًّا منه أنه يأتي على عادته في الاستيقاظ في مثل ذلك الوقت لأجل الأذان: (أنا أوقظكم فاضطجعوا،) بفتح الجيم بصيغة الماضي (وأسند بلال ظهره إلى راحلته) التي يركبها (فغلبته عيناه) أي بلال وللسرخسي فغلبت بغير ضمير (فنام) بلال (فاستيقظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد طلع حاجب الشمس) أي حرفها. (فقال) عليه الصلاة والسلام (يا بلال أين ما قلت؟) أي أين الوفاء بقولك أنا أوقظكم. قال له عليه الصلاة والسلام ذلك لينبهه على اجتناب الدعوى والثقة بالنفس وحسن الظن بها لا سيما في مظان الغلبة وسلب الاختيار. (قال) بلال (ما ألقيت) بضم الهمز مبنيًّا للمفعول (عليّ نومة) بالرفع نائبًا عن الفعل (مثلها) أي مثل هذه النومة في مثل هذا الوقت (قط. قال:) عليه الصلاة والسلام: (إن الله قبض أرواحكم) أي عن أبدانكم بأن قطع تعلقها عنها وتصرفها فيها ظاهرًا لا باطنًا (حين شاء، وردّها عليكم) عند اليقظة (حين شاء. يا بلال قم فأذّن بالناس بالصلاة). بتشديد الذال من التأذين وبالموحدتين في بالناس وبالصلاة، وللمستملي وعزاها في الفتح للكشميهني فآذن الناس بمدّ الهمزة وحذف الموحدة في الناس أي أعلمهم، وللأصيلي فآذن بالمد للناس بلام بدل الموحدة، وللكشميهني فأذّن بتشديد الذال الناس بإسقاط الموحدة وفيه ما ترجم له وهو الأذان للفائتة، وبه قال أحمد والشافعي في القديم، وقال في الجديد: لا يؤذن لها وهو قول مالك واختار النووي صحة التأذين لثبوت الأحاديث فيه. (فتوضأ) عليه الصلاة والسلام ولأبي نعيم في مستخرجه فتوضأ الناس (فلما ارتفعت الشمس وابياضت) بتشديد الضاد المعجمة بعد الألف كاحمارّت أي صفت (قام) عليه الصلاة والسلام (فصلّى.) بالناس الصبح. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي ومدني، وفيه رواية الابن عن أبيه والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد وأبو داود والنسائي. 36 - باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ (باب من صلّى بالناس) الفائتة حال كونهم (جماعة) أي مجتمعين (بعد ذهاب الوقت). 596 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا. فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا، فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ". [الحديث 596 - أطرافه في: 598، 641، 945، 4112]. وبالسند قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بقتح الفاء البصري (قال: حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (أن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (جاء يوم) حفر (الخندق) في السنة الرابعة من الهجرة (بعدما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش قال: يا رسول الله ما كدت) بكسر الكاف وقد تضم (أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب) أي ما صليت حتى غربت الشمس لأن كاد إذا تجرّدت عن النفي كان معناها إثباتًا، وإن دخل عليها نفي كان معناها نفيًا لأن قولك: كاد زيد يقوم معناه إثبات قرب القيام، وقولك ما كاد زيد يقوم معناه نفي قرب الفعل، وهاهنا نفي قرب الصلاة فانتفت الصلاة بالطريق الأولى (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: والله ما صليتها فقمنا إلى بطحان) بضم الموحدة وسكون الطاء أو بالفتح والكسر وادٍ بالمدينة (فتوضأ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (للصلاة وتوضأنا لها فصلّى العصر) بنا جماعة (بعدما غربت الشمس، ثم صلّى بعدها المغرب). هذا لا ينهض دليلاً للقول بوجوب ترتيب الفوائت إلا إذا قلنا أن أفعاله عليه الصلاة والسلام المجردة للوجوب. نعم لهم أن يستدلّوا بعموم قوله عليه الصلاة والسلام "صلوا كما رأيتموني أصلي" وفي الموطأ من طريق أخرى: أن الذي فاتهم الظهر والعصر. وأجيب بأن الذي في الصحيحين العصر وهو أرجح ويؤيده

37 - باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، ولا يعيد إلا تلك الصلاة

حديث عليّ رضي الله عنه: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، وقد يجمع بأن وقعة الخندق كانت أيامًا فكانت في يوم الظهر وفي الآخر العصر، وحملوا تأخيره عليه الصلاة والسلام على النسيان أو لم ينس، لكنه لم يتمكن من الصلاة وكان ذلك قبل نزول صلاة الخوف، وظاهر الحديث أنه صلاّها جماعة وذلك من قوله فقام وقمنا وتوضأنا بل وقع في رواية الإسماعيلي التصريح به إذ فيها فصلّى بنا العصر. ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في صلاة الخوف والمغازي ومسلم في الصلاة وكذا الترمذي والنسائي. 37 - باب مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، وَلاَ يُعِيدُ إِلاَّ تِلْكَ الصَّلاَةَ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: مَنْ تَرَكَ صَلاَةً وَاحِدَةً عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ يُعِدْ إِلاَّ تِلْكَ الصَّلاَةَ الْوَاحِدَةَ. هذا (باب) بالتنوين (من نسي صلاة) حتى خرج وقتها (فليصل إذا ذكرها،) ولأبوي الوقت وذر والأصيلي إذا ذكر (ولا يعيد) بصيغة النفي وللأصيلي ولا يعد بغير ياء بعد العين على النهي أي لا يقضي (إلا تلك الصلاة) وذهب مالك إلى أن من ذكر بعد أن صلّى صلاة أنه لم يصل التي قبلها أنه يصلّي التي ذكر ثم يصلّي التي كان صلاها مراعاة للترتيب استحبابًا (وقال إبراهيم:) النخعي مما وصله الثوري في جامعه عن منصور وغيره عنه (من ترك صلاة واحدة) نسيانًا (عشرين سنة) مثلاً (لم يعد إلا تلك الصلاة الواحدة) التي نسيها فقط. 597 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالاَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلاَّ ذَلِكَ: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي}. قَالَ مُوسَى قَالَ هَمَّامٌ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي}. وَقَالَ حَبَّانُ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ. وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (وموسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي (قالا: حدّثنا همام) هو ابن يحيى (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي زيادة ابن مالك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) (من نسي صلاة) مكتوبة أو نافلة مؤقتة زاد مسلم في رواية أو نام عنها (فليصل) وجوبًا في المكتوبة وندبًا في النافلة المؤقتة وللأصيلي وابن عساكر فليصلّي بالياء المفتوحة ولمسلم فليصلها (إذا ذكرها) مبادرًا بالمكتوبة وجوبًا إن فاتت بلا عذر وندبًا إن فاتت بعذر كنوم ونسيان تعجيلاً لبراءة الذمة ولأبي ذر إذا ذكر بإسقاط ضمير المفعول (لا كفّارة لها) أي لتلك الصلاة المتروكة (إلا ذلك) ({وَأَقِمِ الصَّلَاةَ}) وللأربعة أقم الصلاة ({لِذِكْرِي}) [طه: 14] بكسر الراء ولام واحدة كالتلاوة أي لتذكرني فيها وللأصيلي للذكرى بلامين وفتح الراء بعدها ألف مقصورة. (قال موسى) بن إسماعيل مما انفرد به عن أبي نعيم (قال همام:) المذكور (سمعته) أي قتادة (يقول بعد) أي بعد زمان رواية الحديث (وأقم) وللأربعة أقم (الصلاة لذكري) وللأصيلي رحمه الله للذكرى بلامين كما مرّ، والأمر في الآية لموسى عليه الصلاة والسلام، فنبّه نبينا عليه الصلاة والسلام بتلاوة هذه الآية على أن هذا شرع لنا أيضًا، وإذا شرع القضاء للناسي مع سقوط الإثم فالعامد أولى وإطلاق الصلاة في الحديث يشمل النوافل المؤقتة، نعم ذات السبب كالكسوف لا يتصوّر فيها فوات فلا تدخل. ورواة هذا الحديث الخمسة بصريون إلاّ شيخ المؤلّف أبا نعيم فكوفي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم في الصلاة وكذا أبو داود. (وقال حبّان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة ابن هلال وللأصيلي قال أبو عبد الله أي المؤلّف رحمه الله وقال حبّان (حدّثنا همام قال حدّثنا) ولابن عساكر أخبرنا (قتادة قال: حدّثنا أنى عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه.) وهذا التعليق وصله أبو عوانة في صحيحه عن عمار بن رجاء عن حبّان وفيه بيان سماع قتادة له من أنس لتزول شبهة تدليس قتادة. 38 - باب قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الأُولَى فَالأُولَى (باب قضاء الصلوات) الفائتة حال كونها (الأولى فالأولى) بضم الهمزة فيهما ولأبي الوقت وأبي ذر عن الحموي والمستملي الصلاة بالإفراد. 598 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى -هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "جَعَلَ عُمَرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَسُبُّ كُفَّارَهُمْ وَقَالَ: مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتْ. قَالَ: فَنَزَلْنَا بُطْحَانَ فَصَلَّى بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) ولابن عساكر يحيى القطان (عن هشام) هو ابن أبي عبد الله سنبر بفتح السين المهملة وسكون النون وفتح الموحدة بوزن جعفر البصري الدستوائي بفتح الدال ولأبي ذر حدّثنا هشام (قال: حدّثنا) وللأصيلي حدثني (يحيى -هو ابن أبي كثير-) بالمثلثة الطائي ووقع للعيني إسقاط يحيى الأوّل من سند الحديث ثم غلط الحافظ ابن حجر والكرماني في تفسيرهما له بالقطان ظانًّا أنه الثاني الذي فسره المؤلّف بقوله -هو ابن أبي كثير- (عن أبي سلمة) بفتح اللام ابن عبد الرحمن بن عوف

39 - باب ما يكره من السمر بعد العشاء

(عن جابر) وللأصيلي عن جابر بن عبد الله: (قال: جعل عمر) ابن الخطاب زاد أبو ذر رضي الله عنه ولابن عساكر رضوان الله عليه (يوم الخندق يسب كفّارهم) أي كفّار قريش (وقال: يا رسول الله) وللأربعة فقال: (ما كدت أصلي العصر حتى غربت) ولأبي ذر حتى غربت الشمس (قال فنزلنا بطحان فصلّى) عليه الصلاة والسلام (بعدما غربت الشمس ثم صلّى المغرب) بأصحابه. وهذا الحديث تقدم قريبًا. وأورده هنا مختصرًا. 39 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ (باب ما يكره من السمر) أي حديث الليل المباح (بعد) صلاة (العشاء) زاد في رواية أبي ذر هنا السامر أي المذكور في قوله تعالى سامرًا تهجرون مشتق من السمر بفتح الميم والجمع السمّار بضم السين وتشديد الميم ككاتب وكتّاب والسامر هاهنا يعني في هذا الوضع في موضع الجمع، وأصل السمر ضوء لون القمر وكانوا يتحدثون فيه. 599 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمِنْهَالِ قَالَ: "انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي إِلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: حَدِّثْنَا كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ قَالَ: كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ -وَهْيَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى- حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى أَهْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ. وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ. قَالَ: وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ. قَالَ: وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا. وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ أَحَدُنَا جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ مِنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) القطان (قال: حدّثنا عوف) الأعرابي (قال: حدّثنا أبو المنهال) سيار بن سلامة (قال: انطلقت مع أبي) سلامة (إلى أبي برزة) نضلة بن عبيد (الأسلمي)، فقال له أبي: حدّثنا كيف كان (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) الصلاة (المكتوبة؟ قال:) وللأصيلي فقال: (كان) عليه الصلاة والسلام (يصلّي الهجير) أي الظهر (-وهي التي تدعونها الأولى- حين تدحض الشمس) أي تزول عن وسط السماء إلى جهة المغرب كأنها دحضت أي زلقت (و) كان (يصلّي العصر ثم يرجع أحدنا إلى أهله في أقصى المدينة والشمس حية) أي لم تتغير قال أبو المنهال (ونسيت ما قال) أبو برزة (في المغرب). ولابن عساكر ما قال لي في المغرب (قال: وكان) عليه الصلاة والسلام (يستحب أن يؤخر العشاء) أي صلاتها (قال: وكان) عليه الصلاة والسلام (يكره النوم قبلها) خوفًا من إخراجها عن وقتها (و) يكره (الحديث بعدها). وهذه الأخيرة موضع الشاهد للترجمة لأن السمر قد يؤدي إلى النوم عن صلاة الصبح أو عن وقتها المختار أو عن قيام الليل لكن قد يفرق بين الليالي الطوال والقصار وأجيب بأن عمل الكراهة على الإطلاق أحرى حسمًا للمادة واستثنوا من الكراهة السمر في الخير كالفقه ونحوه كما سيأتي إن شاء الله تعالى (وكان) عليه الصلاة والسلام (ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف أحدنا جليسه،) أي مجالسه (ويقرأ من الستين) آية (إلى المائة). 40 - باب السَّمَرِ فِي الْفِقْهِ وَالْخَيْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ (باب السمر في) مباحثه (الفقه والخير) من عطف العامّ على الخاص (بعد) صلاة العشاء. 600 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: انْتَظَرْنَا الْحَسَنَ، وَرَاثَ عَلَيْنَا حَتَّى قَرُبْنَا مِنْ وَقْتِ قِيَامِهِ، فَجَاءَ فَقَالَ: دَعَانَا جِيرَانُنَا هَؤُلاَءِ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: "نَظَرْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى كَانَ شَطْرُ اللَّيْلِ يَبْلُغُهُ، فَجَاءَ فَصَلَّى لَنَا، ثُمَّ خَطَبَنَا فَقَالَ: أَلاَ إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا ثُمَّ رَقَدُوا، وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلاَةَ». قَالَ الْحَسَنُ: وَإِنَّ الْقَوْمَ لاَ يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا انْتَظَرُوا الْخَيْرَ. قَالَ قُرَّةُ: هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن الصباح) بالصاد المهملة وتشديد الموحدة آخره حاء مهملة ولأبي ذر ابن صباح أي العطار البصري (قال: حدّثنا أبو علي) عبيد الله بن عبد المجيد بتصغير عبد الأوّل (الحنفي) البصري (قال: حدّثنا قرّة بن خالد) بضم القاف وتشديد الراء السدوسي (قال: انتظرنا الحسن) البصري (وراث) بالمثلثة غير مهموز والواو للحال أي أبطأ (علينا حتى قربنا) وللهروي والأصيلي علينا حتى قريبًا أي كان الزمان أو ريثه قريبًا (من وقت قيامه،) أي قيام الحسن من النوم لأجل التهجد أو من المسجد لأجل النوم (فجاء فقال:) معتذرًّا عن تخلفه عن القعود معهم على عادته في المسجد لأخذ العلم عنه ولأبوي ذر والوقت وقال (دعانا جيراننا هؤلاء.) بكسر الجيم جمع جار (ثم قال:) أي الحسن (قال أنس) وللأصيلي أنس بن مالك: (نظرنا) وللكشميهني انتظرنا (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات ليلة) أي في ليلة (حتى كان شطر الليل) بالرفع على أن كان تامة أو ناقصة وخبرها قوله (يبلغه،) أي وصل إليه أو شارفه وفي بعض النسخ شطر بالنصب أي كان الوقت الشطر ويبلغه استئناف أو جملة مؤكدة (فجاء) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فصلّى لنا) أي بنا (ثم خطبنا فقال) في خطبته (ألا) بتخفيف اللام (إن الناس قد صلوا ثم رقدوا، وإنكم لم) بالميم وللأربعة لن (تزالوا في) ثواب (صلاة ما انتظرتم الصلاة) (وإن القوم) وفي الفرع كأصله قال الحسن: وإن القوم

41 - باب السمر مع الضيف والأهل

(لا يزالون بخير) وللأربعة في خير (ما انتظروا الخير). عمم الحسن الحكم في كل الخيرات تأنيسًا لأصحابه ومعرفًا لهم أن منتظر الخير في خير فلم يفتهم أجر ما كانوا يتعلمون منه في تلك الليلة (قال قرة:) بن خالد (هو) أي مقول القول الحسن وهو أن القوم لا يزالون إلى آخره (من) جملة (حديث أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ورواة هذا الحديث الخمسة كلهم بصريون وفيه التحديث والقول وأخرجه مسلم. 601 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةٍ لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ. فَوَهِلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - إِلَى مَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ. وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ». يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَخْرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنَ. وبه قال (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي (عن) ابن شهاب (الزهري قال: حدّثني) بالإفراد (سالم بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (وأبو بكر بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة نسبه إلى جدّه لشهرته به وأبوه سليمان (أن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال): (صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم) من الصلاة (قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال أرأيتكم) استفهام تعجب والكاف حرف خطاب أكد به الضمير لا محل له من الإعراب لأنك تقول أرأيتك زيدًا ما شأنه فلو رجعت الكاف مفعولاً كما قاله الكوفيون لعدّيت الفعل إلى ثلاثة مفاعيل وللزم أن يقال أرأيتموكم بل الفعل معلق أو المفعول محذوف تقديره أرأيتكم (ليلتكم هذه)، فاحفظوها واحفظوا تاريخها (فإن رأس مائة لا يبقى) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر مائة سنة لا يبقى (ممن هو اليوم على ظهر الأرض) كلها (أحد) ممن ترونه أو تعرفونه أو أل للعهد، والمراد أرضه التي نشأ بها وبعث منها قال ابن عمر: (فوهل الناس) بفتح الواو والهاء ويجوز كسرها أي غلطوا وذهب وهمهم إلى خلاف الصواب (في) تأويل (مقالة رسول الله) وللمستملي والكشميهني من مقالة رسول الله بالميم أي من حديثه ولأبي ذر في مقالة النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ما يتحدثون في هذه) وللحموي والمستملي من هذه (الأحاديث عن مائة سنة) فكان بعضهم يقول تقوم الساعة عند انقضاء مائة سنة كما في حديث أبي مسعود البدري عند الطبراني وردّ عليه ذلك علي بن أبي طالب فبيّن ابن عمر في هذا الحديث مراد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك فقال: (وإنما قال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) (لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض) (يريد بذلك) أي بقوله مائة سنة (أنها تخرم ذلك القرن.) الذي هو فيه فلا يبقى أحد ممن كان موجودًا حال تلك المقالة وفي ذلك علم من أعلام النبوّة فإنه استقرئ ذلك فكان آخر من ضبط عمره ممّن كان موجودًا إذ ذاك أبو الطفيل عامر بن واثلة. وقد أجمع المحدثون على أنه كان آخر الصحابة موتًا، وغاية ما قيل فيه أنه بقي إلى سنة عشر ومائة وهي رأس مائة سنة من مقالته عليه الصلاة والسلام، وقد تقدّم مزيد لذلك في باب السمر في العلم، والله المستعان. 41 - باب السَّمَرِ مَعَ الضَّيْفِ وَالأَهْلِ (باب السمر مع الأهل) الزوجة والأولاد والعيال (و) مع (الضيف) ولغير أبي ذر مع الضيف والأهل. 602 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: "أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَإِنْ أَرْبَعٌ فَخَامِسٌ أَوْ سَادِسٌ. وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلاَثَةٍ فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَشَرَةٍ. قَالَ: فَهْوَ أَنَا وَأَبِي وَأُمِّي -فَلاَ أَدْرِي قَالَ: وَامْرَأَتِي- وَخَادِمٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ. وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ لَبِثَ حَيْثُ صُلِّيَتِ الْعِشَاءُ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَاءَ بَعْدَمَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ. قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: وَمَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ -أَوْ قَالَتْ ضَيْفِكَ- قَالَ: أَوَ مَا عَشَّيْتِيهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ، قَدْ عُرِضُوا فَأَبَوْا. قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنَا فَاخْتَبَأْتُ. فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ -فَجَدَّعَ وَسَبَّ- وَقَالَ: كُلُوا لاَ هَنِيئًا. فَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَطْعَمُهُ أَبَدًا. وَأيْمُ اللَّهِ مَا كُنَّا نَأْخُذُ مِنْ لُقْمَةٍ إِلاَّ رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا. قَالَ: يَعْنِي حَتَّى شَبِعُوا، وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ. فَنَظَرَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هِيَ كَمَا هِيَ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا. فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ مَا هَذَا؟ قَالَتْ: لاَ وَقُرَّةِ عَيْنِي، لَهِيَ الآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلاَثِ مَرَّاتٍ. فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ -يَعْنِي يَمِينَهُ- ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ. وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَقْدٌ، فَمَضَى الأَجَلُ فَفَرَّقَنَا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ اللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ، فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ. أَوْ كَمَا قَالَ. [الحديث 602 - أطرافه في: 3581، 6140، 6141]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي (قال: حدّثنا معتمر بن سليمان) التيمي (قال: حدّثنا أبي) سليمان بن طرخان (قال: حدّثنا أبو عثمان) عبد الرحمن بن ملّ النهدي (عن عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما (أن أصحاب الصفة) التي كانت بآخر المسجد النبوي مظللاً عليها (كانوا أناسًا) بهمزة مضمومة وللكشميهني ناسًا (فقراء،) يأوون إليها (وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث) من أهل الصفة (وإن) كان عنده طعام (أربع فخامس) أي فليذهب معه بخامس منهم (أو سادس.) مع الخامس أي يذهب معه بواحد أو اثنين أو المراد إن كان عنده طعام خمسة فليذهب بسادس فهو من عطف جملة على جملة وفيه حذف حرف الجر وإبقاء عمله، ويجوز الرفع فيها على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ويضمر مبتدأ للفظ خامس أي فالمذهوب به خامس، وللأصيلي وأبي ذر وإن أربعة، وكلمة أو للتنويع والحكمة في كونه يزيد كل واحد واحدًا فقط أن عيشهم في ذلك

الوقت لم يكن متسعًا فمن كان عنده مثلاً ثلاثة أنفس لا يضيق عليه أن يطعم الرابع من قوتهم، وكذلك الأربعة فما فوقها أو للإباحة، واستنبط منه أن السلطان يفرق في المسغبة الفقراء على أهل السعة بقدر ما لا يجحف بهم (وأن أبا بكر) الصديق رضي الله عنه بفتح همزة أن ولأبي ذر وإن أبا بكر بكسرها (جاء بثلاثة) من أهل الصفة (فانطلق) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر، وانطلق (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعشرة) منهم (قال) عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه (فهو) أي الشأن (أنا) في الدار (وأبي وأمي) ولأبوي ذر والوقت عن الحموي أنا وأبي بالباء من غير ذكر الأم وللمستملي أنا وأمي بالميم من غير ذكر الأب قال أبو عثمان النهدي (فلا أدري قال:) وللأربعة ولا أدري هل قال أي عبد الرحمن، (وامرأتي) أميمة بنت عدي بن قيس السهمي (وخادم بيننا وبين بيت أبي بكر.) بين ظرف لخادم والمراد أنه شركة بينهما في الخدمة وللأربعة بين بيتنا وبيت أبي بكر ولأبي ذر بين بيتنا وبين بيت أبي بكر، (وأن أبا بكر) رضي الله عنه (تعشى) أي أكل العشاء وهو طعام آخر النهار (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم لبث) في داره (حيث) بالمثلثة وللكشميهني وأبي الوقت حتى ولابن عساكر في نسخة حين (صليت العشاء،) بضم الصاد وكسر اللام مشددة مبنيًّا للمفعول، (ثم رجع) أبو بكر إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلبث) عنده (حتى تعشى) ولمسلم حتى نعس (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفيه على رواية حتى تعشى مع، وأن أبا بكر تعشى تكرار يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في باب علامات النبوّة في الإسلام، (فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء الله قالت له امرأته:) أم رومان زينب بنت دهمان بضم المهملة وسكون الهاء أحد بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة (وما) وللأربعة ما (حبسك عن أضيافك -أو قالت ضيفك-) بالإفراد مع كونهم ثلاثة لإرادة الجنس (قال:) أبو بكر لزوجته (أو ما عشيتيهم؟) بهمزة الاستفهام والياء المتولدة من إشباع كسرة التاء وفي نسخة عشيتهم بحذفها والعطف على مقدر بعد الهمزة (قالت: أبوا) أي امتنعوا من الأكل (حتى تجيء، قد عرضوا) بضم العين وكسر الراء المخففة أي عرض الطعام على الأضياف فحذف الجار وأوصل الفعل أو هو من باب القلب نحو: عرضت الناقة على الحوض، وفي رواية عرضوا بفتح العين والراء مخففة أي الأهل من الولد والمرأة والخادم على الأضياف، (فأبوا) أن يأكلوا (قال:) عبد الرحمن (فذهبت أنا فاختبأت) خوفًا من أبي وشتمه (فقال:) أبو بكر (يا غنثر) بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح المثلثة وضمها أي يا ثقيل أو يا جاهل أو يا دنيء أو يا لئيم (- فجدّع) بفتح الجيم والدال المهملة المشددة وفي آخره عين مهملة أي دعا على ولده بالجدع وهو قطع الأذن أو الأنف أو الشفة. (وسب-) ولده ظنًّا منه أنه فرّط في حق الأضياف (وقال) أبو بكر رضي الله عنه لما تبين له أن التأخير منهم (كلوا لا هنيئًا،) تأديبًا لهم لأنهم تحكموا على ربّ المنزل بالحضور معهم ولم يكتفوا بولده مع إذنه لهم في ذلك أو هو خبر أي أنكم لم تتهنوا بالطعام في وقته. قال البرماوي: وهذا ينبغي الحمل عليه ثم حلف أبو بكر أن لا يطعمه (فقال: والله لا أطعمه أبدًا. وأيم الله،) قسمي بهمزة الوصل وقد تقطع (ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا) أي زاد (من أسفلها) أي اللقمة (أكثر منها.) برفع الراء فقط كما في اليونينية (قال:) عبد الرحمن يعني (حتى شبعوا،) ولأبوي الوقت وذر والأصيلي قال وشبعوا وفي رواية فشبعوا (وصارت) أي الأطعمة (أكثر) بالمثلثة وفي بعض النسخ أكبر بالموحدة (مما كانت قبل ذلك فنظر إليها أبو بكر) رضي الله عنه (فإذا هي) أي الأطعمة أو الجفنة (كما هي) على حالها الأوّل لم تنقص شيئًا (أو) هي (أكثر منها.) ولأبي ذر وابن عساكر أو أكثر بالرفع في اليونينية لا غير (فقال،) أبو بكر (لامرأته) أم عبد الرحمن (يا أخت بني فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء آخره سين مهملة أي

يا من هي من بني فراس وقد اختلف في نسبها اختلافًا كثيرًا ذكره ابن الأثير (ما هذا؟) استفهام عن حال الأطعمة ولابن عساكر ما هذه (قالت:) أم رومان (لا) شيء غير ما أقوله (و) حق (قرة عيني،) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ففيه الحلف بالمخلوق، أو المراد وخالق قرة عيني أو لفظة لا زائدة وقرّة العين يعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحبه الإنسان لأن العين تقرّ ببلوغ الأمنية فالعين تقر ولا تتشوّف لشيء وحينئذٍ يكون مشتقًا من القرار، وقول الأصمعي: أقرّ الله عينه أي أبرد دمعه لأن دمع الفرح بارد ودمع الحزن حار، تعقبه بعضهم فقال: ليس كما ذكره بل كل دمع حار ومعنى قولهم هو قرّة عيني إنما يريدون هو رضا نفسي (لهي) أي الأطعمة أو الجفنة (الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات)، وللأصيلي مرار وهذا النمو كرامة من كرامات الصديق آية من آيات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظهرت على يد أبي بكر (فأكل منها) أي من الأطعمة أو من الجفنة (أبو بكر) رضي الله عنه (وقال: إنما كان ذلك) بكسر الكاف وفتحها (من الشيطان -يعني يمينه-) وهي قوله والله لا أطعمه أبدًا فأخزاه بالحنث الذي هو خير أو المراد لا أطعمه معكم أو في هذه الساعة أو عند الغضب، لكن هذا مبني على جواز تخصيص العموم في اليمين بالنيّة أو الاعتبار بخصوص السبب لا بعموم اللفظ الوارد عليه قاله البرماوي والعيني كالكرماني، (ثم أكل) أبو بكر (منها) أي من الأطعمة أو من الجفنة (لقمة،) أخرى لتطييب قلوب أضيافه وتأكيدًا لدفع الوحشة (ثم حملها إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأصبحت عنده) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وكان بيننا وبين قوم عقد،) أي عهد مهادنة (فمضى الأجل) فجاؤوا إلى المدينة (ففرّقنا) حال كون المفرّق (اثني عشر رجلاً) ولغير الأربعة اثنا عشر بالألف على لغة من يجعل المثنى كالمقصور في أحواله الثلاثة، والمعنى ميّزنا أو جعلنا كل رجل من اثني عشر رجلاً فرقة، ولأبي ذر فعرفنا بالعين المهملة وتشديد الراء أي جعلناهم عرفًا. وفي اليونينية بسكون الفاء وفيها أيضًا بالتخفيف للحموي والمستملي والتثقيل لأبي الهيثم (مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل،) وجملة الله أعلم اعتراض أي أناس الله يعلم عددهم، وزاد في رواية منهم (فأكلوا منها) أي من الأطعمة (أجمعون- أو كما قال) عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما والشك من أبي عثمان. فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟ أجيب: من اشتغال أبي بكر بمجيئه إلى بيته ومراجعته لخبر الأضياف واشتغاله بما دار بينهم من المخاطبة والملاطفة والمعاتبة. ورواة هذا الحديث خمسة وفيه رواية صحابي عن صحابي ومخضرم وهو أبو عثمان والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في علامات النبوّة ومسلم في الأطعمة وأبو داود في الإيمان والنذور، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. وقد تمّ الجزء الأول من شرح صحيح البخاري للعلاّمة القسطلاني بعون الملك الوهّاب يليه الجزء الثاني وأوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الأذان والله المستعان على إكماله وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله.

10 - كتاب الأذان

بسم الله الرحمن الرحيم (بسم الله الرحمن الرحيم) كذا هي ثابتة في غير رواية ابن عساكر كما في الفرع وأصله. 10 - كتاب الأذان بالذال المعجمة وهو في اللغة الإعلام وفي الشرع إعلام مخصوص بألفاظ مخصوصة في أوقات مخصوصة ثابت لابن عساكر ساقط في رواية أبي ذر وغيره. 1 - باب بَدْءُ الأَذَانِ وقوله عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58]. وقوله: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9]. (باب بدء الأذان) بهمزة بعد الدال المهملة أي ابتدائه وللأصيلي وأبي ذر بدء الأذان فأسقط التبويب (وقوله) بالرفع أو بالجر عطفًا على المجرور السابق وللأصيلي وقول الله (عز وجل) (وإذا ناديتم) أذنتم داعين (إلى الصلاة) التي هي أفضل الأعمال عند ذوي الألباب {اتخذوها هزوًّا ولعبًا} أي اتخذوا الصلاة أو المناداة وفيه دليل على أن الأذان مشروع للصلاة {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58] معاني عبادة الله وشرائعه واستدلّ به على مشروعية الأذان بالنص لا بالمنام وحده قال الزهري: فيما ذكره ابن كثير الحافظ قد ذكر الله التأذين في هذه الآية رواه ابن أبي حاتم (وقوله) تعالى بالرفع والجر كما مر {إذا نودي للصلاة} أذن لها {مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] عند قعود الإمام على المنبر للخطبة زاد في رواية الأصيلي، الآية واللام للاختصاص، وعن ابن عباس فيما رواه أبو الشيخ أن فرض الأذان نزل مع الصلاة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] والأكثرون على أنه برؤيا عبد الله بن يزيد وغيره، ووجه المطابقة بين الترجمة والآيتين كونهما مدنيتين وابتداء الجمعة إنما كان بالمدينة فالراجح أن الأذان كان في السنة الأولى من الهجرة. 603 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ، فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَأُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ. [الحديث 603 - أطرافه في: 605، 606، 607، 3457]. وبالسند قال (حدّثنا عمران بن ميسرة) بفتح الميم وسكون المثناة التحتية الأدمي البصري (قال حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التنوري بفتح المثناة الفوقية وتشديد النون البصري (قال حدّثنا خالد) ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي (خالد الحذاء) (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد (عن أنس) وللأصيلي زيادة ابن مالك (قال ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى) كذا وقع مختصرًا في رواية عبد الوارث وساقه بتمامه عبد الوهاب في الباب اللاحق حيث قال لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء

يعرفونه فذكروا أن يوروا نارًا ويضربوا ناقوسًا (فأمر بلال) بضم الهمزة أي أمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما وقع مصرحًا به في رواية النسائي وغيره عن قتيبة عن عبد الوهاب (أن يشفع الأذان) بفتحات وسكون الشين أي يأتي بألفاظه مثنى إلا لفظ التكبير في أوّله فإنه أربع وإلا كلمة التوحيد في آخره فإنها مفردة فالمراد معظمه (وأن يوتر الإقامة) إلاّ لفظ الإقامة فإنه يثنى واستنبط من قوله فأمر بلال وجوب الأذان والجمهور على أنه سُنّة وأجاب القائل بالوجوب بأن الأمر إنما وقع بصفة الأذان في كونه شفعًا لا لأصل الأذان ولئن سلمنا أنه لنفس الأذان لكن الصيغة الشرعية واجبة في الشيء ولو كان نفلاً كالطهارة لصلاة النفل وأجيب بأنه إذا ثبت الأمر بالصفة لزم أن يكون الأصل مأمورًا به قاله ابن دقيق العيد. ورواة هذا الحديث الخمسة بصريون وفيه التحديث والعنعنة والقول وأخرجه المؤلّف في ذكر بني إسرائيل ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة. 604 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: "كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاَةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا. فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ. فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلاَ تَبْعَثُونَ رَجُلاً يُنَادِي بِالصَّلاَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاَةِ». وبه قال (حدّثنا محمود بن غيلان) بفتح الغين المعجمة العدوي المروزي (قال حدّثنا عبد الرزّاق) بن همام (قال أخبرنا ابن جريج) عبد الملك (قال أخبرني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر) بن الخطاب (كان يقول كان المسلمون حين قدموا المدينة) من مكة في الهجرة (يجتمعون فيتحينون الصلاة) بالحاء المهملة يتفعلون أي يقدّرون حينها ليدركوها في الوقت وللكشميهني فيتحينون للصلاة (ليس ينادى لها.) بفتح الذال مبنيًّا للمفعول وفيه كما نقلوا عن ابن مالك جواز استعمال ليس حرفًا لا اسم لها ولا خبر ويجوز أن يكون اسمها ضمير الشأن وخبرها الجملة بعد وفي رواية مسلم ما يؤيد ذلك ولفظه ليس ينادي بها أحد (فتكلموا) أي الصحابة رضي الله عنهم (يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا) بكسر الخاء على صورة الأمر (مثل ناقوس النصارى،) الذي يضربونه لوقت صلاتهم (وقال بعضهم: بل بوقًا) أي اتخذوا بوقًا بضم الموحدة (مثل قرن اليهود) الذي ينفخ فيه فيجتمعون عند سماع صوته ويسمى الشبور بفتح الشين المعجمة وتشديد الموحدة المضمومة فافترقوا فرأى عبد الله بن زيد الأذان فجاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقصّ عليه رؤياه فصدقه وسقطت واو وقال لأبي الوقت ويل في رواية أخرى (فقال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (أو لا) بهمزة الاستفهام وواو العطف على مقدّر أي أتقولون بموافقتهم ولا (تبعثون رجلاً) زاد الكشميهني منكم حال كونه (ينادي بالصلاة؟) وعلى هذا فالفاء هي الفصيحة والتقدير كما مرّ فافترقوا قاله القرطبي وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن سياق حديث عبد الله بن زيد يخالف ذلك فإن فيه أنه لما قصّ رؤيه على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال فسمع عمر الصوت فخرج فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: رأيت مثل الذي رأى فدلّ على أن عمر لم يكن حاضرًا لما قصّ عبد الله قال والظاهر أن إشارة عمر بإرسال رجل ينادي بالصلاة كانت عقب المشاورة فيما يفعلونه وأن رؤيا عبد الله كانت بعد ذلك وتعقبه العيني بحديث أبي بشر عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار عند أبي داود فإنه قال فيه بعد قول عبد الله بن زيد: إذ أتاني آتٍ فأراني الأذان وكان عمر قد رآه قبل ذلك فكتمه فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما منعك أن تخبرنا إلى آخره وليس فيه أن عمر سمع الصوت فخرج فقال فهو يقوّي كلام القرطبي ويردّ كلام بعضهم أي ابن حجر انتهى. وأجاب ابن جحر في انتقاض الاعتراض بأنه إذا سكت في رواية أبي عمير عن قوله فسمع عمر الصوت فخرج وأثبتها ابن عمر إنما يكون إثبات ذلك دالاًّ على أنه لم يكن حاضرًا فكيف يعترض بمثل هذا (فقال) بالفاء ولأبي الوقت وقال (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) (يا بلال، قم فنادِ بالصلاة) أي اذهب إلى موضع بارز فنادِ فيه بالصلاة ليسمعك الناس كذا قاله النووي متعقبًا من استنبط منه مشروعية الأذان قائمًا كابن خزيمة وابن

2 - باب الأذان مثنى مثنى

المنذر وعياض نعم هو سنة فيه وبه استدلّ العلاّمة الجلال المحلي للقيام موافقة لمن تعقبه النووي فإن قلت ما الحكمة في تخصيص الأذان برؤيا رجل ولم يكن بوحي، أجيب لما فيه من التنويه بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والرفع لذكره لأنه إذا كان على لسان غيره كان أرفع لذكره وأفخر لشأنه على أنه روى أبو داود في المراسيل أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوجد الوحي قد ورد بذلك فما راعه إلا أذان بلال فقال له عليه الصلاة والسلام: سبقك بها الوحي. ورواة هذا الحديث خمسة وفيه التحديث والإخبار والقول وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي. 2 - باب الأَذَانُ مَثْنَى مَثْنَى (باب الأذان مثنى مثنى) بغير تنوين مع التكرار للتوكيد أي مرتين مرتين ولابن عساكر وعزاها العيني كالحافظ ابن حجر لغير الكشميهني مثنى مفردًا بإسقاط الثانية. 605 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "أُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ إِلاَّ الإِقَامَةَ". وبالسند قال (حدّثنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي بمعجمة ثم مهملة البصري (قال حدّثنا حماد بن زيد) بن درهم الجهضمي البصري (عن سماك بن عطية) بكسر السين وتخفيف الميم البصري المزيدي بكسر الميم وسكون الزاي بعدها موحدة (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي البصري (عن أنس) وللأصيلي زيادة ابن مالك (قال: أمر) وفي الفرع المكي قال: قال أمر (بلال) بضم الهمزة أي أمره الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه الآمر الناهي وهذا هو الصواب خلافًا لمن زعم أنه موقوف ودفع بأن الخبر عن الشرع لا يحمل إلا على أمر الرسول (أن يشفع الأذان) بفتح المثناة التحتية أي يجعل أكثر كلماته مثناة (وأن يوتر) وفي رواية ويوتر (الإقامة) أي يفردها جميعًا (إلاّ الإقامة) أي لفظ الإقامة وهي قوله قد قامت الصلاة فإنها تشفع وسقط للأصيلي لفظ الإقامة الأولى. 606 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -وهو ابن سلامٍ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قَالَ: ذَكَرُوا أَنْ يَعْلَمُوا وَقْتَ الصَّلاَةِ بِشَىْءٍ يَعْرِفُونَهُ، فَذَكَرُوا أَنْ يُورُوا نَارًا أَوْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا، فَأُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ". وبه قال (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (محمد) زاد أبو ذر -وهو ابن سلام- (قال أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا ولأبي ذر حدّثني (عبد الوهاب) وللأربعة عبد الوهاب الثقفي (قال أخبرنا) ولابن عساكر حدّثنا (خالد الحذاء) بن مهران (عن أبي قلابة) رضي الله عنه (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال: لما كثر الناس) بتشديد الميم (قال ذكروا) جواب لما ولفظه قال الثانية زائدة لتأكيد قال السابقة (أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه،) بضم أوّل يعلموا وكسر ثالثه أي يجعلوا له علامة يعرف بها ولكريمة ولغير الأربعة أن يعلموا بفتحها من العلم (فذكروا أن يوروا) أي يوقدوا (نارًا أو يضربوا ناقوسًا) كالمجوس والنصارى (فأمر بلال) بضم الهمزة أي فأمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن يشفع الأذان) أي معظمه (وأن يوتر الإقامة) أي يأتي بألفاظها مفردة أي إلا لفظ قد قامت الصلاة فيأتي بها شفعًا كما في الحديث السابق وهذا مذهب الشافعي وأحمد والمراد معظمها فإن كلمة التوحيد في آخر الأذان مفردة والتكبير في أوّله أربع ولفظ الإقامة مثنى كما مرّ ولفظ الشفع يتناول التثنية والتربيع فليس في لفظ حديث الباب ما يخالف ذلك على أن تكرير التكبير تثنية في الصورة مفردة في الحكم ولذا يستحب أن يقالا بنفس واحد وذهب مالك وأتباعه إلى أن التكبير في أوّل الأذان مرتين لروايته من وجوه صحاح في أذان أبي محذورة وأذان ابن زيد والعمل عندهم بالمدينة على ذلك في آل سعد القرظ إلى زمانهم لنا حديث أبي محذورة عند مسلم وأبي عوانة والحاكم وهو المحفوظ عن الشافعي من حديث ابن زيد كما مر والإقامة إحدى عشرة كلمة والأذان تسع عشرة كلمة بالترجيع وهو أن يأتي بالشهادتين مرتين سرًّا قبل دخولهما جهرًا لحديث مسلم فيه وإنما اختصّ الترجيع بالشهادتين لأنهما أعظم الأذان وليس بسُنّة عند الحنفية للروايات المتفقة على أن لا ترجيع في أذان بلال وعمرو ابن أم مكتوم إلى أن توفيا والله أعلم. 3 - باب الإِقَامَةُ وَاحِدَةٌ إِلاَّ قَوْلَهُ: "قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ" هذا (باب) بالتنوين (الإقامة) التي تقام بها الصلاة ألفاظها (واحدة) لم يكرر لفظ واحدة مراعاة للفظ حديث ابن عمر عند ابن حبّان ولفظه الأذان مثنى والإقامة واحدة نعم في حديث أبي

4 - باب فضل التأذين

محذورة عند الدارقطني تكريره (إلاّ قوله) (قد قامت الصلاة) فإنه يكرّره. 607 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "أُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ" قَالَ إِسْمَاعِيلُ: فَذَكَرْتُ لأَيُّوبَ فَقَالَ: إِلاَّ الإِقَامَةَ. وبالسند قال (حدّثنا علي بن عبد الله) بن جعفر المديني البصري إمام عصره في الحديث وعلله (قال حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن علية (قال حدّثنا خالد) وفي رواية خالد الحذاء (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد (عن أنس) وللأصيلي أنس بن مالك (قال: أمر بلال أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة.) وهي الإعلام بالشروع في الصلاة بألفاظ مخصوصة وتمتاز عن الأذان بأن يأتي بها فرادى وهو حجة على الحنفية في تثنيتها واستدلوا بما اشتهر أن بلالاً كان يثني الإقامة إلى أن توفي وحديث عبد الله بن زيد عند الترمذي وكان أذان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شفعًا شفعًا في الأذان والإقامة (قال إسماعيل): ابن علية المذكور (فذكرت) بحذف ضمير المفعول أي حديث خالد وللكشميهني والأصيلي فذكرته (لأيوب) السختياني (فقال: إلاّ الإقامة) أي إلاّ لفظ قوله قد قامت الصلاة فإنها تشفع لأنها المقصود من الإقامة بالذات وما ادّعاه ابن مندة من أن قوله في حديث سماك في باب الأذان مثنى مثنى إلاّ الإقامة من قول أيوب غير مسند كما في رواية إسماعيل يعني هذه. وقول الأصيلي أنها من قول أيوب لا من قول سماك متعقب بحديث معمر عن أيوب عند عبد الرزاق، ولفظه كان بلال يثني الأذان ويوتر الإقامة إلاّ قوله قد قامت الصلاة والأصل أنّ ما كان في الخبر فهو منه حتى يدل دليل على خلافه ولا دليل في رواية إسماعيل هذه لأنه إنما يتحصل منها أن خالدًا كان لا يذكر الزيادة وكان أيوب يذكرها وكل منهما روى الحديث عن أبي قلابة عن أنس فكان في رواية أيوب زيادة من حافظ فتقبل قاله في الفتح والجمهور على شفعها إلاّ مالكًا ولا حجة له في الحديث الثاني من حديثي الباب السابق لما في سابقه واحتجاجه بعمل أهل المدينة معارض بعمل أهل مكة وهي تجمع الكثير في المواسم وغيرها ومعهم الحديث الصحيح. 4 - باب فَضْلِ التَّأْذِينِ 608 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا -لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ- حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى». [الحديث 608 - أطرافه في: 1222، 1231، 1232، 3285]. (باب فضل التأذين) وبالسند قال (حدّثنا عبيد الله بن يوسف) التنيسي قال (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) بكسر الزاي وبالنون الخفيفة عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله) ولأبي ذر أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (قال: إذا نودي للصلاة) أي لأجلها (أدبر الشيطان) أي جنس الشيطان أو المعهود هاربًا إلى الروحاء من سماع الأذان حال كونه (وله) ولأبي ذر والأصيلي له (ضراط) يشغل له نفسه (حتى) أي كي (لا يسمع التأذين) لعظم أمره لما اشتمل عليه من قواعد الدين وإظهار شرائع الإسلام أو حتى لا يشهد للمؤذن بما يسمعه إذا استشهد يوم القيامة لأنه داخل في الجن والإنس المذكورين في حديث: لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلاّ شهد له يوم القيامة، ودفع بأنه ليس أهلاً للشهادة لأنه كافر، والمراد في الحديث مؤمنو الجن وإنما يجيء عند الصلاة مع ما فيها من القرآن لأن غالبها سرّ ومناجاة فله تطرق إلى إفسادها على فاعلها وإفساد خشوعه بخلاف الأذان فإنه يرى اتفاق كل المؤذنين على الإعلان به ونزول الرحمة العامة عليهم مع يأسه عن أن يردّهم عمّا أعلنوا به ويوقن بالخيبة بما تفضل الله به عليهم من ثواب ذلك ويذكر معصية الله ومضادّته أمره فلا يملك الحدث لما حصل له من الخوف وقيل لأنه دعاء إلى الصلاة التي فيها السجود الذي امتنع من فعله لما أمر به ففيه تصميمه على مخالفة أمر الله واستمراره على معصية الله فإذا دعا داعي الله فرّ منه وللأصيلي وله ضراط بالواو على الأصل في الجملة الاسمية الحالية أن تكون بالواو وقد تقع بغيرها كما في {اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ} (فإذا قضى) المنادي (النداء) أي فرغ المؤذن من الأذان وللأصيلي وابن عساكر قضي بضم القاف مبنيًّا للمفعول النداء بالرفع لقيامه مقام الفاعل (أقبل) أي الشيطان زاد مسلم في رواية صالح عن أبي هريرة فوسوس (حتى إذا ثوّب للصلاة أدبر) الشيطان بضم المثلثة وكسر الواو المشدّدة من ثوّب أي أعيد الدعاء إليها والمراد الإقامة لا قوله في الصبح الصلاة

5 - باب رفع الصوت بالنداء

خير من النوم لأنه خاص به ولمسلم فإذا سمع الإقامة ذهب (حتى إذا قضى) المثوّب (التثويب) وللأصيلي وابن عساكر حتى إذا قضي بضم القاف التثويب بالرفع كالسابق (أقبل) أي الشيطان ساعيًا في إبطال الصلاة على المصلّين (حتى يخطر) بفتح أوّله وكسر الطاء كما ضبطه عياض عن المتقنين وهو الوجه أي يوسوس (بين المرء) أي الإنسان (ونفسه) أي قلبه ولأبي ذر يخطر بضم الطاء عن أكثر الرواة أي يدنو منه فيمر بين المرء وبين قلبه فيشغله ويحول بينه وبين ما يريده من إقباله على صلاته وإخلاصه فيها (يقول). أي الشيطان للمصلي (اذكر كذا، اذكر كذا) ولكريمة اذكر كذا واذكر كذا بواو العطف وكذا مسلم كالمؤلّف في صلاة السهو (لما) أي لشيء (لم يكن يذكر) قبل الصلاة (حتى) أي كي (يظل الرجل) بفتح الظاء المعجمة المشالة أي يصير وللأصيلي من غير اليونينية يضل بكسر الضاد الساقطة أي ينسى الرجل (لا يدري كم صلّى) من الركعات ولم يذكر في إدبار الشيطان ما ذكره في الأول من الضراط اكتفاء بذكره فيه أو لأن الشدّة في الأوّل تأتيه غفلة فتكون أهول وفي الحديث فضل الأذان وعظم قدره لأن الشيطان يهرب منه ولا يهرب عند قراءة القرآن في الصلاة التي هي أفضل. ورواة هذا الحديث خمسة وفيه التحديث والإخبار والعنعنة وأخرجه أبو داود والنسائي في الصلاة. 5 - باب رَفْعِ الصَّوْتِ بِالنِّدَاءِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا، وَإِلاَّ فَاعْتَزِلْنَا. (باب) ثواب (رفع الصوت بالنداء) أي الأذان (وقال عمر بن عبد العزيز:) فيما وصله ابن أبي شيبة بلفظ أن مؤذنًا أذن فطرّب في أذانه فقال له عمر بن عبد العزيز: (أذن) بلفظ الأمر (أذانًا سمحًا،) بسكون الميم بغير نغمات ولا تطريب (وإلاّ فاعتزلنا) أي اترك منصب الأذان فإن قلت النهي وقع عن التطريب فما المطابقة بينه وبين الترجمة أجيب بأن المؤلّف أراد أنه ليس كل رفع محمودًا إلا رفعًا بهذه المثابة غير مطرّب أو غير عالٍ فظيع. 609 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ: «إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ -أَوْ بَادِيَتِكَ- فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَىْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 609 - طرفاه في: 3296، 7548]. وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال (أخبرنا مالك) هو ابن أنس (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة) بمهملات مفتوحات إلاّ العين الأولى فساكنة عمرو بن زيد (الأنصاري ثم المازني) بالزاي والنون (عن أبيه) عبد الله (أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري) بالدال المهملة (قال له) أي لعبد الله بن عبد الرحمن (إني أراك تحب الغنم و) تحب (البادية) الصحراء التي لا عمارة فيها لأجل إصلاح الغنم بالرعي وهو في الغالب يكون فيها (فإذا كنت في) أي بين (غنمك) في غير بادية أو فيها (أو) في (باديتك) من غير غنم أو معها أو هو شك من الراوي ولأبي ذر وباديتك بالواو من غير ألف (فأذنت بالصلاة) أي أعلمت بوقتها وللأربعة للصلاة باللام بدل الموحدة أي لأجلها (فارفع صوتك بالنداء،) أي الأذان (فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن) أي غايته (جن ولا وإنس ولا شيء) من حيوان أو جماد بأن يخلق الله تعالى له إدراكًا وهو من عطف العامّ على الخاصّ ولأبي داود والنسائي المؤذن يغفر له مدّ صوته ويشهد له كل رطب ويابس ولابن خزيمة لا يسمع صوته شجر ولا مدر ولا حجر ولا جنّ ولا إنس (إلاّ شهد له) بلفظ الماضي وللكشميهني إلا يشهد له (يوم القيامة.) وغاية الصوت بلا ريب أخفى أن ابتدائه فإذا شهد له من بعد عنه ووصل إليه منتهى صوته فلأن يشهد له من دنا منه وسمع مبادي صوته أولى نبّه عليه القاضي البيضاوي. والسر في هذه الشهادة {وكفى بالله شهيدًا} اشتهار المشهود له بالفضل وعلوّ الدرجة وكما أن الله تعالى يفضح بالشهادة قومًا يكرم بها آخرين ولأحمد من حديث أبي هريرة مرفوعًا المؤذن يغفر له مدى صوته ويصدقه كل رطب ويابس قال الخطابي مدى الشيء غايته أي أنه يستكمل المغفرة إذا استوفى وسعه في رفع الصوت فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت أو لأنه كلام تمثيل وتشبيه يريد أن المكان الذي ينتهي إليه الصوت لو قدّر أن يكون بين أقصاه وبين مقامه الذي هو فيه ذنوب تملأ تلك المسافة غفرها الله تعالى له انتهى واستشهد المنذري للقول الأوّل برواية مدّ صوته بتشديد الدال أي بقدر مدّ صوته (قال أبو سعيد:) الخدري (سمعته)

6 - باب ما يحقن بالأذان من الدماء

أي قوله أنه لا يسمع إلى آخره (من رسول الله) وللأصيلي من النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.) وحينئذ فذكر الغنم والبادية موقف وقال الجلال المحلي أي سمعت ما قلت لك بخطاب ليس كما فهمه الماوردي والإمام الغزالي وأورده باللفظ الدال على ذلك ليظهر الاستدلال به على أذان المنفرد ورفع صوته به. ورواة هذا الحديث الخمسة مدنيون إلا شيخ المؤلّف وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والسماع وأخرجه المؤلّف أيضًا في ذكر الجن والتوحيد والنسائي وابن ماجة في الصلاة. 6 - باب مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ (باب ما يحقن بالأذان من الدماء) أي يمنع بسبب الأذان من إراقة الدماء. 610 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا قَوْمًا لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى يُصْبِحَ وَيَنْظُرَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عَلَيْهِمْ. قَالَ فَخَرَجْنَا إِلَى خَيْبَرَ، فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ لَيْلاً، فَلَمَّا أَصْبَحَ وَلَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا رَكِبَ وَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: فَخَرَجُوا إِلَيْنَا بِمَكَاتِلِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ فَلَمَّا رَأَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ. قَالَ فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ. خَرِبَتْ خَيْبَرُ. إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ». وبالسند قال (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت حدّثني (قتيبة) ولغير أبوي ذر والوقت وابن عساكر قتيبة بن سعيد (قال حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري (عن حميد) الطويل (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وسقط ابن مالك في رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر (أن النبي) ولأبي ذر عن الكشميهني والحموي عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كان) ولأبي ذر أنه كان (إذا غزا بنا) أي مصاحبًا لنا (قومًا لم يكن يغزو بنا) الواو بعد الزاي كذا لكريمة من الغزو والأصل إسقاط الواو للجزم ولكنه جاء على بعض اللغات وللمستملي من غير اليونينية يغز بنا كالسابقة إلا أنه بإسقاط الواو على الأصل مجزومًا بدل من يكن وللأصيلي وأبي الوقت يغير بنا بإثبات مثناة تحتية بعد الغين المعجمة ورفع الراء من الإغارة ولأبوي الوقت وذر والمستملي يغر بنا بإسقاط الياء والجزم من الإغارة أيضًا ولأبي الوقت أيضًا وابن عساكر يغز بنا بضم أوّله وإسكان الغين وحذف حرف العلة من الإغزاء ولأبي ذر عن الكشميهني والحموي يغز بنا بإسكان الغين وبالدال المهملة من غير واو من الغدوّ نقيض الرواح (حتى يصبح وينظر،) أي ينتظر (فإن سمع أذانًا كفّ عنهم وإن لم يسمع أذانًا أغار) بالهمزة ويقال غار ثلاثيًا أي هجم (عليهم) من غير علم منهم (قال) أنس بن مالك (فخرجنا) من المدينة (إلى خيبر فانتهينا إليهم) أي إلى أهل خيبر (ليلاً فلما أصبح) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ولم يسمع أذانًا ركب وركبت خلف أبي طلحة) زيد بن سهل وهو زوج أم أنس (وإن قدمي لتمس) بكسر الميم من الأولى وفتحها من الثانية (قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:) أنس (فخرجوا) أي أهل خيبر (إلينا بمكاتلهم) بفتح الميم جمع مكتل بكسرها أي بقففهم (ومساحيهم) جمع مسحاة أي مجازفهم التي من حديد (فلما رأوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالوا:) وللحموي والمستملي قال أي: قائلهم جاء (محمد والله،) جاء (محمد والخميس) بالرفع عطفًا على الفاعل أو بالنصب مفعولاً معه وللحموي والمستملي والجيش وهما بمعنى وسمي بالخميس لأنه قلب وميمنة وميسرة ومقدّمة وساقة (قال فلما رآهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: الله أكبر، الله أكبر.) بالجزم وفي اليونينية بالرفع (خربت خيبر) قاله عليه الصلاة والسلام بوحي أو تفاؤلاً بما في أيديهم من آلة الهدم من المساحي وغيرها (إنّا إذا نزلنا بساحة قوم) أي بفنائهم (فساء صباح المنذرين) بفتح الذال المعجمة أي فبئس ما يصيحون أي بئس الصباح صباحهم واستنبط من الحديث وجوب الأذان وأنه لا يجوز تركه لأنه من شعائر الإسلام الظاهرة فلو اتفق أهل بلد على تركه قوتلوا والصحيح عندنا كالحنفية والمالكية أنه سُنّة إلاّ أن المالكية قالوا إنه لجماعة طلبت غيرها بخلاف الفذ والجماعة التي لا تطلب غيرها. ومباحث بقية الحديث تأتي إن شاء الله تعالى وقد أخرج هذا الحديث المؤلّف أيضًا في الجهاد ومسلم طرفه المتعلق بالأذان. 7 - باب مَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ الْمُنَادِي (باب ما يقول) الرجل (إذا سمع المنادي) أي المؤذن. 611 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ». وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال أخبرنا) وفي رواية حدّثنا (مالك) هو ابن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة (عن ابن شهاب) الزهري (عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري) رضي الله تعالى عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا سمعتم النداء) أي الأذان (فقولوا) قولاً (مثل ما يقول المؤذن). أي مثل قول المؤذن وكذا

8 - باب الدعاء عند النداء

مثل قول المقيم أي إلا في الحيعلتين فيقول بدل كل منهما لا حول ولا قوّة إلاّ بالله كما يأتي قريبًا تقييده في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى وإلاّ في التثويب في الصبح فيقول بدل كل من كلمتيه صدقت وبررت. قال في الكفاية لخبر ورد فيه وإلاّ في قوله قد قامت الصلاة فيقول أقامها الله وأدامها وإلاّ إن كان في الخلاء أو بجامع فلا يجيب في الأذان ويكره في الصلاة فيجيب بعدها وليس الأمر للوجوب عند الجمهور خلافًا لصاحب المحيط من الحنفية وابن وهب من المالكية فيما حكي عنهما وعبر بالمضارع فى قوله ما يقول دون الماضي إشارة إلى أن قول السامع يكون عقب كل كلمة مثلها لا الكل عند فراغ الكل ويؤيده حديث النسائي عن أم حبيبة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا كان عندها فسمع المؤذن يقول مثل ما يقول حتى يسكت فلو لم يجبه حتى فرغ استحب له التدارك إن لم يطل الفصل قاله في المجموع بحثًا وهل إذا أذن مؤذن آخر يجيبه بعد إجابة الأوّل أم لا قال النوويّ لم أر فيه شيئًا لأصحابنا وقال في المجموع المختار أن أصل الفضيلة في الإجابة شامل للجميع إلا أنّ الأول متأكد ويكره تركه وقال ابن عبد السلام يجيب كل واحد بإجابة لتعدّد السبب وإجابة الأوّل أفضل إلا في الصبح والجمعة فهما سواء لأنهما مشروعان. 612 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَوْمًا فَقَالَ مِثْلَهُ إِلَى قَوْلِهِ: «وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ». حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى ... نَحْوَهُ. [الحديث 612 - طرفاه في: 613، 914]. وبه قال (حدّثنا معاذ بن فضالة) بضم ميم معاذ وفتح فاء فضالة (قال حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن محمد بن إبراهيم بن الحرث) المدنيّ وعند الإسماعيلي عن يحيى حدّثنا محمد بن إبراهيم (قال حدّثني) بالإفراد (عيسى بن طلحة) بن عبد الله (أنه سمع معاوية) بن أبي سفيان رضي الله عنهما يقول (يومًا) زاد في نسخة المؤذن (فقال مثله) أي مثل قول المؤذن ولابن عساكر وأبي الوقت بمثله بموحدة أوّله وقوله فقال مفسر ليقول المحذوف من النسخة الأخرى (إلى قوله) أي مع قوله (وأشهد أن محمدًا رسول الله) كذا أورده المؤلّف مختصرًا. 613 - قَالَ يَحْيَى وَحَدَّثَنِي بَعْضُ إِخْوَانِنَا أَنَّهُ قَالَ: "لَمَّا قَالَ حَىَّ عَلَى الصَّلاَةِ قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. وَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْنَا نَبِيَّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ". وبه قال (حدّثنا اسحاق بن راهويه) وسقط راهويه عند الأربعة (قال حدّثنا وهب بن جرير قال حدّثنا هشام) الدستوائي عن (يحيى) بن أبي كثير (نحوه) أي نحو الحديث السابق على أنه لم يسق لفظه كله. (قال يحيى) بن أبي كثير بإسناد إسحاق بن راهويه (وحدّثني) بالإفراد (بعض إخواننا) قال الحافظ ابن حجر يغلب على ظني أنه علقمة بن أبي وقاص إن كان يحيى بن أبي كثير أدركه وإلا فأحد ابنيه عبد الله بن علقمة أو عمرو بن علقمة وقال الكرماني هو الأوزاعي (أنه قال: لما قال) المؤذن (حيّ على الصلاة) أي هلم بوجهك وسريرتك إلى الهدى والنور عاجلاً والفوز بالنعيم آجلاً (قال:) معاوية (لا حول ولا قوّة إلاّ بالله) ولم يذكر حيّ على الفلاح اكتفاء بذكر أحدهما عن الآخر لظهوره ولابن خزيمة وغيره من حديث علقمة بن أبي وقاص فقال معاوية لما قال: حيّ على الصلاة قال: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله فلما قال: حيّ على الفلاح قال: لا حول ولا قوّة إلا بالله وقال بعد ذلك مثل ما قال المؤذن (وقال:) أي معاوية وللأصيلي قال: (هكذا سمعنا نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) ذلك وإنما لم يجب في الحيعلتين لأن معناهما الدعاء إلى الصلاة ولا معنى لقول السامع فيهما ذلك بل يقول فيهما الحوقلة لأنها من كنوز الجنة فعوّضها السامع عمّا يفوته من ثواب الحيعلتين وقال الطيبيّ في وجه المناسبة فكأنه يقول هذا أمر عظيم لا أستطيع مع ضعفي القيام به إلاّ إذا وفّقني الله تعالى بحوله وقوّته وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول والسماع. 8 - باب الدُّعَاءِ عِنْدَ النِّدَاءِ (باب الدعاء عند) تمام (النداء). 614 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ». [الحديث 614 - طرفه في: 4719]. وبالسند قال (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (عليّ بن عياش) بالمثناة التحتية والشين المعجمة الألهاني بفتح الهمزة الحمصي: (قال حدّثنا شعيب بن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي الحمصي (عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال (من قال حين يسمع النداء:) أي تمام الأذان المطلق محمول على الكل وليس المراد بظاهره أنه يقول ذلك حال سماع الأذان من غير تقييده بفراغه لحديث

9 - باب الاستهام في الأذان

مسلم عن ابن عمر قولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ فبين أن محله بعد الفراغ (اللهم رب هذه الدعوة) بفتح الدال أي ألفاظ الأذان (التّامة) التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل بل هي باقية إلى يوم النشور أو لجمعها العقائد بتمامها (والصلاة القائمة) الباقية قال الطيبي من قوله في أوّله إلى محمد رسول الله الدعوة التامة والحيعلة هي الصلاة القائمة في قوله يقيمون الصلاة (آتِ) بالمد أي أعط (محمدًا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الوسيلة) المنزلة العلية في الجنة التي لا تبتغى إلا له (والفضيلة) المرتبة الزائدة على سائر المخلوقين (وابعثه) عليه الصلاة والسلام (مقامًا محمودًا) يحمد فيه الأوّلون والآخرون (الذي وعدته). بقولك سبحانك {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} وهو مقام الشفاعة العظمى وانتصاب مقامًا على أنه مفعول به على تضمين بعث معنى أعطى ونكرة للتفخيم كأنه قال مقامًا وأيّ مقام وللنسائي في هذه الرواية من رواية علي بن عياش المقام المحمود بالتعريف والموصول بدل من النكرة أو صفة لها على رأي الأخفش والقائل بجواز وصفها به إذا تخصصت أو مرفوع خبر مبتدأ محذوف وللكشميهني مما ليس في الفرع وأصله الذي وعدته {إنك لا تخلف الميعاد} (حلت) أي وجبت (له شفاعتي) أي المناسبة له كشفاعته في المذنبين أو في إدخال الجنة من غير حساب أو رفع الدرجات (يوم القيامة) وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول وأخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في الصلاة. 9 - باب الاِسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ وَيُذْكَرُ أَنَّ أَقْوَامًا اخْتَلَفُوا فِي الأَذَانِ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ. (باب الاستهام) أي الاقتراع بالسهام التي يكتب عليها الأسماء فمن خرج له سهم جاء حظه (في) منصب (الأذان ويذكر) بضم أوّله مما وصله سيف بن عمر في الفتوح والطبراني من طريقه عنه عن عبد الله بن شبرمة عن شقيق وهو أبو وائل (أن أقوامًا) وللأصيلي وأبي ذر أن قومًا (اختلفوا في) منصب (الأذان) عند رجوعهم من فتح القادسية وقد أصيب المؤذن (فأقرع بينهم سعد) بن أبي وقاص بعد أن اختصموا إليه إذ كان أميرًا على الناس من قبل عمر بن الخطاب رضى الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزاد فخرجت القرعة لرجل منهم فأذن. 615 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا». [الحديث 615 - أطرافه في: 654، 721، 2689]. وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام (عن سمي) بضم أوّله وتشديد المثناة التحتية آخره (مولى أبي بكر) أي ابن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام القرشيّ (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (لو يعلم الناس ما في النداء) أي الأذان (و) لو يعلم الناس ما في (الصف الأوّل) الذي يلي الإمام أي من الخير والبركة كما في رواية أبي الشيخ (ثم لم يجدوا) شيئًا من وجوه الأولوية بأن يقع التساوي ولأبي ذر والأصيلي ثم لا يجدون (إلا أن يستهموا) أي يقترعوا (عليه) على ما ذكر من الأذان والصف الأوّل (لاستهموا) أي لاقترعوا عليه ولعبد الرزاق عن مالك لاستهموا عليهما وهو يبين أن المراد بقوله هنا عليه عائد على الاثنين وعدل في قوله لو يعلم الناس عن الأصل وهو كون شرطها فعلاً ماضيًا إلى المضارع قصد الاستحضار صورة المتعلق بهذا الأمر العجيب الذي يفضي الحرص على تحصيله إلى الاستهام عليه (ولو يعلمون ما في التهجير) أي (التبكير إلى الصلوات لاستبقوا إليه) أي إلى التهجير (ولو يعلمون ما في) ثواب أداء (صلاة العتمة) أي العشاء في الجماعة (و) ثواب أداء صلاة (الصبح) في الجماعة (لأتوهما ولو حبوًا). بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة أي مشيًا على اليدين والركبتين أو على مقعدته وحثّ عليهما لما فيهما من المشقة على النفوس وتسمية العشاء عتمة إشارة إلى أن النهي الوارد فيه ليس للتحريم بل لكراهة التنزيه. ورواة هذا الحديث مدنيون إلا شيخ المؤلّف وفيه التحديث والإخبار والعنعنة وأخرجه المؤلّف أيضًا في الشهادات ومسلم والنسائي والترمذي. 10 - باب الْكَلاَمِ فِي الأَذَانِ وَتَكَلَّمَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ فِي أَذَانِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَضْحَكَ وَهْوَ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ. (باب) جواز (الكلام في) أثناء (الأذان) بغير ألفاظه (وتكلم سليمان بن صرد) بضم الصاد المهملة وفتح الراء وفي آخره دال مهملة ابن أبي الجون الخزاعي الصحابي (في أذانه) كما وصله المؤلّف في تاريخه عن أبي نعيم مما

11 - باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره

وصله في كتاب الصلاة بإسناد صحيح بلفظ أنه كان يؤذن في العسكر فيأمر بالحاجة في أذانه (وقال الحسن) البصري (لا بأس أن يضحك) المؤذن (وهو يؤذن أو يقيم). 616 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ وَعَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: "خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ رَدْغٍ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمُؤَذِّنُ حَىَّ عَلَى الصَّلاَةِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ: الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ، فَنَظَرَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَقَالَ: فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ. وَإِنَّهَا عَزْمَةٌ". [الحديث 616 - طرفاه 668، 901]. وبالسند قال (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال حدّثنا حماد) هو ابن يزيد (عن أيوب) السختياني (وعبد الحميد) بن دينار (صاحب الزيادي وعاصم) أي ابن سليمان (الأحول) ثلاثتهم (عن عبد الله بن الحارث) البصري ابن عمّ محمد بن سيرين (قال: خطبنا ابن عباس) رضي الله عنهما يوم جمعة كما لابن علية (في يوم ردغ.) بالإضافة وفتح الراء وسكون الدال المهملة وبالغين المعجمة كذا للكشميهني وأبي الوقت وابن السكن أي يوم ذي طين قليل من مطر ونحوه أو وحل وفي الفرع بتنوين يوم للقابسي والأكثرين رزغ بزاي موضع الدال أي غيم بارد أو ماء قليل في الثماد (فلما بلغ المؤذن) إلى أن يقول (حي على الصلاة) أو أراد أن يقولها (فأمره) ابن عباس (أن ينادي: الصلاة في الرحال،) بدلها بنصب الصلاة بتقدير صلوا أو أدّوا ويجوز الرفع على الابتداء والرحال بالحاء المهملة جمع رحل وهو مسكن الشخص وما فيه أثاثه أي صلوا في منازلكم ولابن علية إذا قلت أشهد أن محمدًا رسول الله فلا تقل حيّ على الصلاة وفي حديث ابن عمر أنه قالها آخر ندائه والأمران جائزان نص عليهما الشافعي في الأم لكن بعده أحسن لئلا ينخرم نظام الأذان لعبد الرزاق بإسناد صحيح عن نعيم بن النحام قال أذن مؤذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للصبح في ليلة باردة فتمنيت لو قال ومن قعد فلا حرج فلما قال: الصلاة خير من النوم قالها ففيه الجمع بين الحيعلتين وقوله الصلاة في الرحال (فنظر القوم بعضهم إلى بعض) كأنهم أنكروا تغير الأذان وتبديل الحيعلتين بذلك (فقال:) ابن عباس (فعل هذا) الذي أمرته به (من هو خير منه) أي الذي هو خير من ابن عباس وهو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولابن عساكر مني وللكشميهني منهم أي من المؤذن والقوم (وإنها) أي الجمعة فإن قلت لم يسبق ما يدل على أنها الجمعة أجيب بأنه ليس من شروط معاد الضمير أن يكون مذكورًا بالضمير على أن قوله خطبنا يدل عليه مع ما وقع من التصريح في رواية ابن علية ولفظه أن الجمعة (عزمة.) بسكون الزاي أي واجبة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين فإن قلت ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة أجيب بأنه لما جازت الزيادة المذكورة في الأذان للحاجة إليها دل على جواز الكلام في الأذان لمن يحتاج إليه لكن نازع في ذلك الداودي بأنه لا حجة فيه على جواز الكلام في الأذان بل القول المذكور مشروع من جملة الأذان في ذلك المحل وقد رخص أحمد الكلام في أثنائه وهو قول عندنا في الطويل لكن قيده في المجموع بما لم يفحش بحيث لا يعد أذانًا ولا يضر اليسير جزمًا ورجح المالكية المنع مطلقًا لكن إن حصل مهمّ ألجأه إلى الكلام ففي الواضحة يتكلم وفي المجموعة عن ابن القاسم نحوه وقال الحنفية فيما نقله العينيّ أنه خلاف الأولى. ورواة هذا الحديث السبعة بصريون وفيه التحديث والعنعنة والقول وثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض وأخرجه أيضًا في الصلاة والجمعة ومسلم وأبو داود وابن ماجة في الصلاة. 11 - باب أَذَانِ الأَعْمَى إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ (باب) جواز (أذان الأعمى إذا كان له من يخبره) بدخول الوقت. 617 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ». ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى لاَ يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ. [الحديث 617 - أطرافه في: 620، 623، 1918، 2656، 7248]. وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح اللام القعنبى (عن مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قال) (إن بلالاً يؤذن) للصبح (بليل) أي في ليل (فكلوا واشربوا حتى) أي إلى أن (ينادي) أي يؤذن (ابن أم مكتوم) عمرو أو عبد الله بن قيس بن زائدة القرشي وأم مكتوم اسمها عاتكة بنت عبد الله المخزومية (قال) ولغير الأربعة ثم قال أي ابن عمر أو ابن شهاب (وكان) أي ابن أم مكتوم (رجلاً أعمى) عمي بعد بدر بسنتين أو ولد أعمى فكنيت أمه أم مكتوم لاكتتام نور بصره الأوّل هو المشهور (لا ينادي) أي لا يؤذن (حتى يقال له: أصبحت أصبحت.) بالتكرار للتأكيد وهي تامة

12 - باب الأذان بعد الفجر

تستغني بمرفوعها والمعنى قاربت الصبح على حد قوله تعالى: {فإذا بلغن أجلهن} أي آخر عدّتهن والأجل يطلق للمدة ولمنتهاها، والبلوغ هو الوصول إلى الشيء وقد يقال: للدنوّ منه وهو المراد في الآية ليصح أن يترتب عليه قوله {فأمسكوهن بمعروف} إذ لا إمساك بعد انقضاء الأجل وحينئذٍ فليس المراد من الحديث ظاهره وهو الإعلام بظهور الفجر بل التحذير من طلوعه والتحضيض له على النداء خيفة ظهوره وإلا لزِم جواز الأكل بعد طلوع الفجر لأنه جعل أذانه غاية للأكل نعم يعكر عليه قوله أن بلالاً يؤذن بليل فإن فيه إشعارًا بأن ابن أم مكتوم بخلافه وأيضًا وقع عند المؤلّف في الصيام من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر وأجيب بأن أذانه جعل علامة لتحريم الأكل وكأنه كان له من يراعي الوقت بحيث يكون أذانه مقارنًا لابتداء طلوع الفجر وفي هذا الحديث مشروعية الأذان قبل الوقت في الصبح وهل يكتفي به عن الأذان بعد الفجر أم لا ذهب إلى الأوّل الشافعي ومالك وأحمد وأصحابهم وروى الشافعي في القديم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال عجلوا الأذان بالصبح يدلج المدلج وتخرج العاهرة وصحّح في الروضة أن وقته من أوّل نصف الليل الآخر لأن صلاته تدرك الناس وهم نيام فيحتاجون إلى التأهّب لها وهذا مذهب أبي يوسف وابن حبيب من المالكية لكن يعكر على هذا قول القاسم بن محمد المروي عند المؤلّف في الصيام لم يكن بين أذانهما أي بلال وابن أم مكتوم إلاّ أن يرقى ذا وينزل ذا وهو مروي عند النسائي من قوله في روايته عن عائشة وهو ينفي كونه مرسلاً ويقيد إطلاق قوله إن بلالاً يؤذن بليل ومن ثم اختاره السبكي في شرح المنهاج وحكي تصحيحه عن القاضي حسين والمتولي قال وقطع به البغوي وهو أن الوقت الذي يؤذن فيه قبل الفجر هو وقت السحر وهو كما قال في القاموس قبيل الصبح، وقال الإمام أبو حنيفة ومحمد لا يجوز تقديمه على الفجر وإن قدم يعاد في الوقت لأنه عليه الصلاة والسلام قال لمن أذن قبل الوقت لا تؤذن حتى ترى الفجر والمشهور عند المالكية جوازه من السدس الأخير من الليل ونقل الماوردي أنه يؤذن لها إذا صليت العشاء وبقية مباحث الحديث تأتي في محالها إن شاء الله تعالى. 12 - باب الأَذَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ (باب الأذان بعد) طلوع (الفجر). 618 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: "أَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ الْمُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ وَبَدَا الصُّبْحُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلاَةُ". [الحديث 618 - طرفاه في: 1173، 1181]. وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال (أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال: أخبرتني حفصة) أم المؤمنين (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا اعتكف المؤذن للصبح) أي جلس ينتظر الصبح لكي يؤذن أو انتصب قائمًا للأذان كأنه من ملازمة مراقبة الفجر وهذا رواية الأصيلي والقابسي وأبي ذر فيما نقل عن ابن قرقول وهي التي نقلها جمهور رواة البخاري عنه ورواية عبد الله بن يوسف عن مالك أيضًا خلافًا لسائر رواة الموطأ حيث رووه بلفظ كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح قال الحافظ ابن حجر: وهو الصواب، ولأبي الوقت والأصيلي إذا اعتكف وأذن بواو العطف على سابقه والضمير هنا في اعتكف عائد على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستشكل لأنه يلزم منه أن يكون صنعه لذلك مختصًّا بحال اعتكافه وليس كذلك وأجيب بمنع الملازمة لاحتمال أن حفصة راوية الحديث شاهدته عليه الصلاة والسلام في ذلك الوقت معتكفًا ولا يلزم منه مداومته ولابن عساكر إذا اعتكف أذّن بإسقاط الواو ولأبي ذر وعزاها العيني كابن حجر للهمداني كان إذا أذن بدل قوله: اعتكف (وبدا) بالموحدة من غير همز ظهر (الصبح) والواو للحال (صلّى) عليه الصلاة والسلام (ركعتين خفيفتين) سنة الصبح (قبل أن تقام الصلاة) بضم المثناة الفوقية من تقام أي قيام صلاة فرض الصبح وجواب إذا قوله صلّى ركعتين. ورواة هذا الحديث الخمسة مدنيون إلاّ عبد الله بن يوسف فيه التحديث والإخبار والعنعنه وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة. 619 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالإِقَامَةِ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ". [الحديث 619 - طرفه في: 1159]. وبه قال (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن

13 - باب الأذان قبل الفجر

دكين (قال حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بفتح اللام عبد الرحمن بن عوف (عن عائشة:) رضي الله عنها (كان) وللأصيلي وأبي الوقت قالت كان ولابن عساكر أنها قالت: كان (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي ركعتين خفيفتين) سُنّة الصبح (بين النداء) أي الأذان (والإقامة من صلاة) فرض (الصبح) ومطابقة هذا الحديث للترجمة بطريق الإشارة لأن صلاته عليه الصلاة والسلام هاتين الركعتين بين الأذان والإقامة تدل على أنه صلاهما بعد طلوع الفجر وأن النداء كان بعد طلوع الفجر قال ابن المنير: وأخرج الحديث مسلم أيضًا. 620 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ بِلاَلاً يُنَادِي بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (مالك) هو ابن أنس (عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن بلالاً ينادي) وللأصيلي يؤذن (بليل) أي فيه (فكلوا واشربوا حتى) أي إلى أن (ينادي) يؤذن (ابن أم مكتوم) الأعمى المذكور في سورة عبس واستخلفه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاث عشرة مرة. وفي حديث ابن قرة عن ابن عمر أن ابن أم مكتوم كان يتوخى الفجر فلا يخطئه. فإن قلت: لا مطابقة بين الترجمة والحديث إذ لو كان أذانه بعد الفجر لما جاز الأكل إلى أذانه. أجيب: بأن أذانه كان علامة على أن الأكل صار حرامًا وقد مرّ قريبًا نحوه ووقع في صحيح ابن خزيمة إذا أذّن عمرو فإنه ضرير البصر فلا يغرنكم وإذا أذّن بلال فلا يطعمنّ أحد وهو يخالف حديث الباب وجمع بينهما ابن خزيمة كما نبّه عليه في الفتح باحتمال أن الأذان كان نوبًا بينهما أو كان لهما حالتان مختلفتان فكان بلال يؤذن أول ما شرع الأذان وحده ولا يؤذن للصبح حتى يطلع الفجر ثم أردف بابن أم مكتوم فكان يؤذن بليل واستمر بلال على حالته الأولى ثم في آخر الأمر أخّر ابن أم مكتوم لضعفه واستمر أذان بلال بليل وكان سبب ذلك ما رواه أبو داود وغيره أنه كان ربما أخطأ الفجر فأذن قبل طلوعه وأنه أخطأ مرة فأمره عليه الصلاة والسلام أن يرجع فيقول ألا إن العبد نام يعني أن غلبة النوم على عينيه منعته من تبيّن الفجر واستنبط من حديث الباب استحباب أذان واحد بعد واحد وجواز ذكر الرجل بما فيه من عاهة إذا كان القصد التعريف ونحوه وغير ذلك مما سيأتي إن شاء الله تعالى في محاله. 13 - باب الأَذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ (باب) حكم (الأذان قبل الفجر) هل هو مشروع أم لا وهل يكتفى به عن الذي بعد الفجر أم لا؟ 621 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ -أَوْ أَحَدًا مِنْكُمْ- أَذَانُ بِلاَلٍ مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ -أَوْ يُنَادِي- بِلَيْلٍ، لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، وَلِيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ. وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرُ أَوِ الصُّبْحُ -وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا إِلَى فَوْقُ وَطَأْطَأَ إِلَى أَسْفَلُ- حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا". وَقَالَ زُهَيْرٌ بِسَبَّابَتَيْهِ إِحْدَاهُمَا فَوْقَ الأُخْرَى، ثُمَّ مَدَّهَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ. [الحديث 621 - طرفاه في: 5298، 7247]. وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه لجدّه لشهرته به واسم أبيه عبد الله بن يونس بن عبد الله بن قيس التميمي اليربوعي الكوفي وصفه أحمد بشيخ الإسلام (قال حدّثنا زهير) هو ابن معاوية الجعفي (قال حدّثنا سليمان) بن طرخان (التميمي) البصري (عن أبي عثمان) عبد الرحمن (النهدي) بفتح النون (عن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يمنعن أحدكم) نصب على المفعولية لأذان الآتي (أو) قال (أحدًا منكم أذان بلال من) أكل (سحوره) بفتح السين ما يتسحر به وبضمها الفعل كالوضوءِ والوضوء وللحموي من سحره كما في الفرع وأصله ولم يذكرها الحافظ ابن حجر وقال العيني لا أعلم صحتها (فإنه) أي بلالاً (يؤذن - أو) قال - (ينادي- بليل)، أي فيه (ليرجع) بفتح المثناة التحتية وكسر الجيم المخففة مضارع رجع المتعدي إلى واحد كقوله تعالى: (فإن رجعك الله) أي ليردّ (قائمكم) المتهجد المجتهد لينام لحظة ليصبح نشيطًا أو يتسحر إن أراد الصيام (ولينبّه) يوقظ (نائمكم) ليتأهب للصلاة بالغسل ونحوه وبه قال أبو حنيفة ومحمد قالا: ولا بدّ من أذان آخر للصلاة لأن الأول ليس لها بل لا ذكر واحتج بعضهم لذلك أيضًا بأن أذان بلال كان نداء كما في الحديث أو ينادي لا أذانًا. وأجيب بأن للخصم أن يقول هو أذان قبل الصبح أقره الشارع وأما كونه للصلاة أو لفرض آخر فذلك بحث آخر وأما رواية ينادي فمعارضة برواية يؤذن والترجيح معنىً لأن كل أذان نداء ولا عكس فالعمل برواية

14 - باب كم بين الأذان والإقامة، ومن ينتظر الإقامة؟

يؤذن عمل بالروايتين وجمع بين الدليلين وهو أولى من العكس إذ ليس كذلك لا يقال إن النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الأذان وإنما كان تذكيرًا كما يقع للناس اليوم لأنا نقول إن هذا محدث قطعًا وقد تظاهرت الطرق على التعبير بلفظ الأذان فحمله على معناه الشرير مقدم (وليس) أي قال عليه الصلاة والسلام وليس في رواية فليس (أن يقول) أي يظهر (الفجر أو الصبح) شك من الراوي والفجر اسم ليس وخبره أن يقول (وقال) أي أشار عليه الصلاة والسلام (بأصابعه ورفعها) ولأبي ذر ورفعهما وفيه إطلاق القول على الفعل فيهما وفي بعض الأصول بإصبعه بالإفراد وللكشميهني من غير اليونينية بإصبعيه ورفعهما (إلى فوق) بالضم على البناء (وطأطأ) بوزن دحرج أي خفض أصبعيه (إلى أسفل) بضم اللام في اليونينية لا غير كفوق وقال أبو ذر إلى فوق بالجرّ والتنوين لأنه ظرف متصرف وبالضم على البناء وقطعه عن الإضافة قال في المصابيح ظاهره أن قطعه عن الإضافة مختص بحالة البناء على الضم دون حالة تنوينه وهو أمر قد ذهب إليه بعضهم ففرق بين جئت قبلاً وجئت من قبل بأنه أعرب الأول لعدم تضمين الإضافة ومعناه جئت متقدمًا وبنى الثاني لتضمنها ومعناه جئت متقدمًا على كذا والذي اختاره بعض المحققين أن التنوين عوض عن المضاف إليه وأنه لا فرق في المعنى بين ما أعرب من هذه الظروف المقطوعة وما بني منها قال وهو الحق انتهى. فأشار عليه الصلاة والسلام إلى الفجر الكاذب المسمى عند العرب بذنب السرحان وهو الضوء المستطيل من العلو إلى السفل وهو من الليل فلا يدخل به وقت الصبح ويجوز فيه التسحر وأشار إلى الصادق بقوله (حتى يقول) أي يظهر الفجر (هكذا. وقال زهير) الجعفي في تفسير معنى هكذا أي أشار (بسبابتيه) اللتين تليان الإبهام سميتا بذلك لأنهما يشار بهما عند السب (إحداهما فوق الأخرى، ثم مدّهما) كذا للأربعة بالتثنية ولغيرهم مدها (عن يمينه وشماله) كأنه جمع بين أصبعيه ثم فرّقهما ليحكي صفة الفجر الصادف لأنه يطلع معترضًا ثم يعمّ الأفق ذاهبًا يمينًا وشمالاً. ورواة هذا الحديث الخمسة أولهم كوفيان والآخران بصريان وفيه التحديث والقول والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي سليمان وأبو عثمان وأخرجه المؤلّف أيضًا في الطلاق وفي خبر الواحد ومسلم وأبو داود والنسائي في الصوم وابن ماجة في الصلاة. 622 و623 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ. ح. وَحَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عِيسَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ». [الحديث 622 - أطرافه في: 1919]. وبه قال (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت حدّثني (إسحاق) بن إبراهيم بن راهويه الحنظلي كما جزم به المزي فيما حكاه الحافظ ابن حجر وارتضاه أو هو إسحاق بن منصور الكوسج أو إسحاق بن نصر السعدي وكل ثقة على شرط المؤلّف فلا قدح في ذلك (قال أخبرنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (قال عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني (حدّثنا) وللأصيلي أخبرنا أي قال أبو أسامة حدّثنا عبيد الله (عن القاسم بن محمد) هو ابن أبي بكر الصديق (عن) أم المؤمنين (عائشة) رضي الله عنها (وعن نافع) مولى ابن عمر عطف على عن القاسم (عن ابن عمر) بن الخطاب (أن رسول الله) ولأبي ذر أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ح) للتحويل وكشطت من الفرع وليست في اليونينية قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد (يوسف بن عيسى المروزي) وسقط المروزي عند الأربعة (قال حدّثنا الفضل) ولأبي ذر الفضل بن موسى وللأصيلي يعني ابن موسى (قال حدّثنا عبيد الله بن عمر) العمري (عن القاسم بن محمد) هو ابن أبي بكر الصديق (عن عائشة) رضي الله عنهم (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه) سقط أنه للأصيلي (قال): (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى) أي إلى أن (يؤذن) وللكشميهني حتى ينادي (ابن أم مكتوم) هو ابن خال خديجة بنت خويلد وزاد المؤلّف في الصيام، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر. قال القاسم: لم يكن بين أذانهما إلاّ أن يرقى ذا وينزل ذا. 14 - باب كَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإِقَامَةَ؟ (باب) بالتنوين كذا

في الفرع وأصله لكن قال في الفتح في روايتنا بلا تنوين، في بيان (كم) ساعة أو صلاة أو نحوهما (بين الأذان والإقامة) للصلاة (و) حكم (من ينتظر إقامة الصلاة). ونسبت هذه الجملة الأخيرة من قوله من ينتظر إلى آخرها للكشميهني، وصوّب عدمها لأنها لفظ ترجمة تالية لهذه، ولذا ضرب عليها في فرع اليونينية. 624 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ -ثَلاَثًا- لِمَنْ شَاءَ». [الحديث 624 - طرفه في: 627]. وبالسند قال: (حدّثنا إسحاق) بن شاهين (الواسطي قال: حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان (عن الجريري) بضم الجيم وراءين مصغر، سعيد بن إياس (عن ابن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء، عبد الله بن حصيب الأسلمي قاضي مرو (عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء المفتوحة (المزني) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بين كل أذانين) أي الأذان والإقامة فهو من باب التغليب أو الإقامة أذان بجامع الإعلام فالأول للوقت والثاني للفعل (صلاة) وقت صلاة نافلة أو المراد الراتبة بين الأذان والإقامة قبل الفرض قال ذلك أي بين كل أذانين صلاة (ثلاثًا- لمن شاء). وللترمذي والحاكم بإسناد ضعيف من حديث جابر أنه قال لبلال: اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته. ورواة حديث الباب الخمسة ما بين واسطي وبصري، وفيه التحديث والعنعنة والقول. وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وكذا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 625 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الأَنْصَارِيَّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ الْمُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ شَىْءٌ". قَالَ عُثْمَانُ بْنُ جَبَلَةَ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ "لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلاَّ قَلِيلٌ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة والمعجمة المشدّدة (قال: حدّثنا غندر) بضم الغين المعجمة محمد بن جعفر ابن زوج شعبة (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت عمرو بن عامر) بفتح العين فيهما (الأنصاري عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال: كان المؤذن إذا أذّن) للمغرب، وللإسماعيلي: إذا أخذ المؤذن في أذان المغرب (قام ناس من) كبار (أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبتدرون السواري) يتسارعون ويستبقون إليها للاستتار بها ممّن يمرّ بين أيديهم لكونهم يصلون فرادى (حتى يخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من بيته إليهم (وهم) بالميم ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني: وهي (كذلك) أي في الابتدار والانتظار (يصلون الركعتين) ولابن عساكر: ركعتين (قبل المغرب). قال أنس: (ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء) كثير لا يقال: إن بين هذا الأثر وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام بين كل أذانين صلاة معارضة، لأن أثر أنس نافٍ، وقول الرسول مثبت، أو الأثر مخصص لعموم الحديث السابق، أي: بين كل أذانين صلاة إلا المغرب، فإنهم لم يكونوا يصلون بينهما، بل كانوا يشرعون في الصلاة في أثناء الأذان، ويفرغون مع فراغه، وتعقب بأنه ليس في الحديث ما يقتضي أنهم يفرغون مع فراغه، ولا يلزم من شروعهم في أثناء الأذان ذلك. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين واسطي ومدني وبصري وفيه التحديث والإخبار والسماع والعنعنة والقول. وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وكذا النسائي (قال) ولابن عساكر: قال أبو عبد الله أي البخاري (قال عثمان بن جبلة) بجيم وموحدة ولام مفتوحات ابن أبي روّاد ابن أخي عبد العزيز بن أبي روّاد (وأبو داود) قال الحافظ ابن حجر هو الطيالسي فيما يظهر لي وليس هو الحفري بفتح المهملة والفاء (عن شعبة لم يكن بينهما) أي بين الأذان والإقامة للمغرب (إلا قليل) فيه تقييد الإطلاق السابق في قوله: لم يكن بينهما شيء أو الشيء المنفي في السابق الكثير كما مرّ، والمثبت هنا القليل، ونفي الكثير يقتضي إثبات القليل، وقد وقع الاختلاف في صلاة الركعتين قبل المغرب. والذي رجحه النووي الاستحباب. وقال مالك بعدمه، وعن أحمد الجواز، وقال الحنفية: يفصل بين أذانيها بأدنى فصل، وهو سكتة لأن تأخيرها مكروه، وقدر زمن السكتة بثلاث خطوات. كذا عند إمامهم الأعظم، وعن صاحبيه بجلسة خفيفة كالتي بين الخطبتين. وتأتي بقية مباحث الحديث إن شاء الله تعالى في التطوع.

15 - باب من انتظر الإقامة

15 - باب مَنِ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ (باب من انتظر الإقامة) للصلاة بعد أن سمع الأذان. 626 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالأُولَى مِنْ صَلاَةِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الْفَجْرُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلإِقَامَةِ". [الحديث 626 - أطرافه في: 994، 1123، 1160، 1170، 6310]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال أخبرنا) وللأصيلي: حدّثنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد ولأبي ذر أخبرنا (عروة بن الزبير) بن العوام (أن) أم المؤمنين (عائشة) رضي الله عنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سكت المؤذن) بالمثناة الفوقية (بـ) بالمناداة (الأولى من صلاة الفجر) أي فرغ منها بالسكوت، وأوليتها باعتبار الإقامة، وأما باعتبار التي قبل الفجر فثانية، ويحتمل أن يكون التأنيث باعتبار تأويله بالمرّة أو الساعة أو لمؤاخاة الأذان للإقامة، وحكى السفاقسي أنه روي: سكب بالموحدة، وأصله من سكب الماء، وهو صبه أي صبّ الأذان وأفرغه في الأذان وجزم به الصغاني، وبه ضبط نسخته التي قال إنه قابلها على نسخة الفربري، وادّعى أن المثناة تصحيف من المحدّثين، قال الحافظ ابن حجر: وليس كما قال، ولم يثبت ذلك في شيء من الطرق، وإنما ذكرها الخطابي من طريق الأوزاعي عن الزهري فقال: إن سويد بن نصر راويها عن ابن المبارك عنه، ضبطها بالموحدة، وتعقب العيني ابن حجر بأنه لم يبين وجه الردّ قال: وليس الصغاني ممن يردّ عليه في مثل هذا، انتهى. قلت: قال الدماميني: الرواية بالمثناة صحيحة، وهي بينة الصواب. والباء التي في بالأولى بمعنى "عن مثل" فاسأل به خبيرًا، فلا وجه لنسبة المحدثين إلى التصحيف انتهى. وقال ابن بطال والسفاقسي: ولها أي سكب بالموحدة وجه من الصواب. قال العيني: بل هي عين الصواب لأن سكت بالمثناة الفوقية لا تستعمل بالموحدة، بل تستعمل بكلمة "من" أو "عن"، وسكب بالموحدة استعمل هنا بالباء، ثم أجاب عن مجيء الباء بمعنى "عن" بأن الأصل أن يستعمل كل حرف في بابه، ولا يستعمل في غير بابه إلا لنكتة، وأي نكتة هنا؟ انتهى. وجواب إذا قوله (قام) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فركع) ولأبي الوقت يركع (ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر بعد أن يستبين الفجر) بموحدة وآخره نون من الاستبانة، وللكشميهني يستنير بنون وآخره راء من الاستنارة، (ثم اضطجع) عليه الصلاة والسلام في بيته (على شقه) أي جنبه (الأيمن) جريًا على عادته الشريفة في حبه التيامن في شأنه كله، أو للتشريع، لأن النوم على الأيسر يستلزم استغراق النوم في غيره عليه الصلاة والسلام بخلافه هو، لأن عينه تنام ولا ينام قلبه، فعلى الأيمن أسرع للانتباه بالنسبة لنا، وهو نوم الصالحين. وعلى اليسار نوم الحكماء، وعلى الظهر نوم الجبارين والمتكبرين، وعلى الوجه نوم الكفار. (حتى يأتيه المؤذن للإقامة) استدل به على الحض على الاستباق إلى المسجد، وهو لمن كان على مسافة من المسجد لا يسمع فيها الإقامة، وأما من كان يسمع الأذان من داره، فانتظاره الصلاة، إذا كان متهيئًا لها، كانتظاره إياها في المسجد. قاله ابن بطال. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين حمصي ومدني وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول. وأخرجه النسائي في الصلاة. 16 - باب بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ لِمَنْ شَاءَ هذا (باب) بالتنوين (بين كل أذانين) الأذان والإقامة فهو على حدّ قولهم: العمرين للصدّيق والفاروق، (صلاة لمن شاء) أن يصلّي. والحديث الذي يسوقه المؤلّف هو السابق لكنه ترجم أولاً لبعض ما دل عليه، وهنا بلفظه مع ما فيه من بعض الاختلاف في رواته ومتنه كما ستراه إن شاء الله تعالى، وحينئذٍ فلا تكرار. 627 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ -ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ- لِمَنْ شَاءَ». وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن يزيد) المقري البصري ثم المكي (قال: حدّثنا) وفي رواية أخبرنا (كهمس بن الحسن) بفتح الكاف وسكون الهاء وفتح الميم وبالسين المهملة وفتح الحاء عن أبيه النمري بفتح النون والميم القيسي (عن عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة آخره هاء تأنيث (عن عبد الله بن مغفل) بفتح الغين المعجمة والفاء المشددة رضي الله عنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة) بالتكرار مرتين. ولفظ رواية الأصيلي: بين كل أذانين صلاة مرتين (ثم قال في) المرة (التالية- (لمن شاء)) قيد الثالثة

17 - باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد

هنا بقوله: لمن شاء، وأطلق في المرتين الأوليين، وقال في السابقة: بين كل أذانين صلاة، ثلاثًا، فأطلق. فالذي هنا قيد الإطلاق الذي هنا لأن المطلق يحمل على المقيد وزيادة الثقة مقبولة. 17 - باب مَنْ قَالَ: لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ (باب من قال ليؤذن) بالجزم بلام الأمر (في السفر مؤذن واحد) أذانًا واحدًا في الصبح وغيرها، وكان ابن عمر يؤذن للصبح أذانين في السفر، رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح، ولا مفهوم لقوله مؤذن واحد في السفر لأن الحضر أيضًا كذلك، والتأذين جماعة أحدثه بنو أمية. 628 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ "أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا. فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا قَالَ: ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَصَلُّوا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ». [الحديث 628 - أطرافه في: 630، 631، 658، 685، 819، 2848، 6008، 7246]. وبالسند قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بضم الميم وفتح العين المهملة واللام المشدّدة البصري (قال: حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغر، ابن خالد البصري الكرابيسي (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف، عبد الله بن زيد (عن مالك بن الحويرث) بضم الحاء المهملة وفتح الواو آخره مثلثة مصغرًا، ابن أشيم الليثي رضي الله عنه (أتيت النبي) وللأصيلى وابن عساكر قال: أتيت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فى نفر) بفتح الفاء عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة (من قومي) بني ليث بن بكر بن عبد مناف، وكان قدومهم فيما ذكره ابن سعد والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتجهز لتبوك، (فأقمنا عنده) عليه الصلاة والسلام (عشرين ليلة) بأيامها (وكان) عليه الصلاة والسلام (رحيمًا) بالمؤمنين (رفيقًا) بهم بفاء ثم قاف، من الرفق، وللكشميهني والأصيلي وابن عساكر: رقيقًا بقافين من الرقة، (فلما رأى) عليه الصلاة والسلام (شوقنا إلى أهالينا) بالألف بعد الهاء جمع أهل. قال في القاموس: أهل جمعه أهلون. وأهال وأهلات انتهى. فأهال جمع تكسير، وأهلون جمع تصحيح بالواو والنون، وأهلات جمع بالألف والتاء فهو من النوادر حيث جمع كذلك. وللأربعة: إلى أهلينا (قال) عليه الصلاة والسلام: (ارجعوا) إلى أهليكم (فكونوا فيهم وعلموهم وصلوا) في سفركم وحضركم كما رأيتموني أصلي (فأحضرت الصلاة) المكتوبة، أي حان وقتها، أي في السفر (فليؤذن لكم أحدكم) ظاهره أن ذلك بعد وصولهم إلى أهليهم، لكن الرواية الآتية: إذا أنتما خرجتما فأذّنا، (وليؤمكم أكبركم) في السن. وإنما قدّمه وإن كان الأفقه مقدمًا عليه، لأنهم استووا في الفضل، لأنهم مكثوا عنده عشرين ليلة، فاستووا في الأخذ عنه عادة، فلم يبق ما يقدم به السن. واستدل به على أفضلية الإمامة على الأذان، وعلى وجوب الأذان. لكن الإجماع صارف للأمر عن الوجوب. ورواة هذا الحديث الخمسة بصريون، وفيه رواية تابعي عن تابعي على قول من يقول: إن أيوب رأى أنس بن مالك، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والأدب والجهاد، ومسلم في الصلاة، وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 18 - باب الأَذَانِ لِلْمُسَافِرِين إِذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَالإِقَامَةِ، وَكَذَلِكَ بِعَرَفَةَ وَجَمْعٍ وَقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ: "الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ" فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوِ الْمَطِيرَةِ. (باب) حكم (الأذان للمسافر) بالإفراد، والألف واللام للجنس، وحينئذ فيطابق قوله (إذا كانوا جماعة) وللكشميهني للمسافرين بالجمع (والإقامة) بالجر عطفًا على الأذان (وكذلك) الأذان (بعرفة) مكان الوقوف (وجمع) بفتح الجيم وسكون الميم، وهو المزدلفة وسمي لاجتماع الناس فيها ليلة العيد (وقول المؤذّن) بالجر أيضًا، عطفًا على الإقامة، (الصلاة) أي أدّوها، أو بالرفع مبتدأ خبره (في الرجال) أي الصلاة تصلّى في الرجال، وجمع رحل بسكون الحاء المهملة (في الليلة الباردة أو) الليلة (المطيرة) بفتح الميم: فعيلة من المطر، أي فيها. وإسناد المطر إلى الليلة مجاز. 629 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْمُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ. ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ. ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ، حَتَّى سَاوَى الظِّلُّ التُّلُولَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ». وبالسند قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي القصاب البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن المهاجر أبي الحسن) التميمي مولاهم الكوفي (عن زيد بن وهب) الجهني أبي سليمان الكوفي المخضرم (عن أبي ذر) بالمعجمة جندب بن جنادة الغفاري المتوفى سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنهما (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن فقال له) عليه الصلاة والسلام: (أبرد) (ثم أراد) المؤذن (أن يؤذن فقال له:) عليه الصلاة والسلام: (أبرد) (ثم أراد) المؤذن (أن يؤذن فقال له:) عليه الصلاة

والسلام (أبرد) (حتى ساوى الظل التلول) أي صار الظل مساوي التل أي مثله، وثبتت لفظة المؤذن الأخيرة لأبي ذر (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن شدة الحر من فيح جهنم). 630 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: "أَتَى رَجُلاَنِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدَانِ السَّفَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِذَا أَنْتُمَا خَرَجْتُمَا فَأَذِّنَا، ثُمَّ أَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي (قاد: حدّثنا سفيان) الثوري (عن خالد الحذاء) بالحاء المهملة والذال المعجمة المشددة (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد (عن مالك بن الحويرث) بضم الحاء المهملة مصغرًا، (قال: أتى رجلان) هما مالك بن الحويرث ورفيقه (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريدان السفر، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) لهما: (إذا أنتما خرجتما) للسفر (فأذنا) بكسر الذال بعد الهمزة المفتوحة، أي: من أحبّ منكما أن يؤذن فليؤذن، أو أحدهما يؤذن والآخر يجيب، وقد يخاطب الواحد بلفظ التثنية، وليس المراد ظاهره من أنهما يؤذنان معًا، وإنما صرف عن ظاهره لقوله في الحديث السابق: فليؤذن لكم أحدكم. لا يقال المراد أن كلاً منهما يؤذن على حدة لأن أذان الواحد يكفي الجماعة. نعم، إذا احتيج إلى التعدد لتباعد أقطار البلد أذّن كل واحد في جهة، وقال الإمام الشافعي رحمة الله عليه في الأم: وأحب أن يؤذن مؤذن بعد مؤذن، ولا يؤذن جماعة معًا، وإن كان مسجد كبير فلا بأس أن يؤذن في كل جهة منه مؤذن يسمع من يليه في وقت واحد. (ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما) بسكون لام الأمر بعد ثم وكسرها وهو الذي في الفرع فقط، وفتح ميمه للخفة وضمه للإتباع والمناسبة. 631 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ: "أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا -أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا- سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، قَالَ: ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ -وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لاَ أَحْفَظُهَا - وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ». وبه قال (حدّثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي بفتح العين المهملة والنون والزاي (قال: حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد الحميد البصري (قال: حدّثنا أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد (قال: حدّثنا مالك) هو ابن الحويرث (قال: أتينا إلى النبي) ولابن عساكر قال: أتيت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-ونحن شببة) بفتحات جمع شاب (متقاربون) في السنّ (فأقمنا عنده عشرين يومًا وليلة) وسقط يومًا لابن عساكر وأبي الوقت (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رحيمًا رفيقًا) بالفاء من الرفق، كذا في الفرع كأصله، وفي غيره رقيقًا بالقاف، أي رقيق القلب، (فلما ظن) عليه الصلاة والسلام (أنا قد اشتهينا أهلنا) بفتح اللام (أو قد اشتقنا) بالشك من الراوي، ولأبي الوقت وابن عساكر: وقد اشتقنا أي إليهم بواو العطف (سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه قال) عليه الصلاة والسلام، وفي نسخة فقال: (ارجعوا إلى أهليكم) وفي رواية: أهاليكم (فأقيموا فيهم وعلموهم) شرائع الإسلام، (ومروهم) بما أمرتكم (-وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها-) شك من الراوي (وصلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم) ليس قاصرًا على وصولهم إلى أهليهم، بل يعم جميع أحوالهم منذ خروجهم من عنده. وهذا الحديث كالذي بعده ثابت هنا في رواية أبي الوقت، وعزا ثبوتهما في الفرع كأصله لرواية الحموي، وسقوطهما لأبي ذر. وقد سبق في الباب السابق بنحوه، ويأتي إن شاء الله تعالى في باب خبر الواحد. 632 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ: "أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ. فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ: أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوِ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ". [الحديث 632 - طرفه في: 666]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: أخبرنا) وللأربعة حدّثنا (يحيى) القطان (عن عبيد الله بن عمر) بضم العين فيهما (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (قال: أذن ابن عمر) بن الخطاب (في ليلة باردة بضجنان) بضاد معجمة مفتوحة وجيم ساكنة ونونين بينهما ألف على وزن فعلان، غير منصرف، جبيل على بريد من مكة، (ثم قال:) أي ابن عمر: (صلوا في رحالكم. فأخبرنا) أي ابن عمر ولأبوي ذر والوقت، وأخبرنا (أن رسول الله) وللأصيلي أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يأمر مؤذنًا يؤذن، ثم يقول) عطفًا على يؤذن (على إثره) بكسر الهمزة وسكون المثلثة وبفتحهما، بعد فراغ الأذان، وفي حديث مسلم يقول في آخر أذانه: (ألا) بتخفيف اللام مع فتح الهمزة (صلوا في الرحال) بالحاء المهملة جمع رحل (في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر) فعيلة بمعنى فاعلة، وإسناد المطر إليها مجاز وليست بمعنى مفعولة، أي ممطور فيها لوجود الهاء في قوله: مطيرة، إذ لا يصح ممطورة

19 - باب هل يتتبع المؤذن فاه ها هنا وها هنا، وهل يلتفت في الأذان؟

فيها. وليست أو للشك بل للتنويع، وفيه أن كل واحد من البرد والمطر عدر بانفراده. لكن في رواية: كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول: ألا صلوا في الرحال. فلم يقل في سفر. وفي بعض طرق الحديث عند أبي داود: ونادى منادي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المدينة في الليلة المطيرة والغداة القرّة، فصرّح بأن ذلك في المدينة ليس في سفر. فيحتمل أن يقال لما كان السفر لا يتأكد فيه الجماعة، ويشق الاجتماع لأجلها، اكتفى فيه بأحدهما، بخلاف الحضر فإن المشقة فيه أخفّ، والجماعة فيه آكد، وظاهره التخصيص بالليل فقط دون النهار، وإليه ذهب الأصحاب في الريح فقط دون المطر والبرد، فقالوا في المطر والبرد: إن كلاًّ منهما عذر في الليل والنهار، وفي الريح العاصفة عذر في الليل فقط، جزم به الرافعي والنووي. فإن قلت: في حديث ابن عباس السابق في باب الكلام في الأذان: فلما بلغ المؤذن: حيّ على الصلاة فأمره أن ينادي: الصلاة في الرحال. وهو يقتضي أن ذلك يقال بدلاً عن الحيعلة، وظاهر الحديث هنا أنه بعد الفراغ من الأذان، فما الجمع بينهما؟ أجيب بجواز الأمرين كما نص عليه الشافعي في الأم، لأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكلٍّ منهما، ويكون المراد من قوله: الصلاة في الرحال، الرخصة لمن أرادها، وهلموا إلى الصلاة الندب لمن أراد استكمال الفضيلة ولو تحمل المشقّة. وفي حديث جابر المروي في مسلم ما يؤيد ذلك ولفظه: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر فمطرنا، فقال: ليصلّ من شاء منكم في رحله. وقد تبين بقوله: من شاء. أن أمره عليه الصلاة والسلام بقوله: ألا صلوا في الرحال، ليس أمر عزيمة حتى لا يشرع لهم الخروج إلى الجماعة، إنما هو راجع إلى مشيئتهم، فمن شاء صلّى في رحله ومن شاء خرج إلى الجماعة. 633 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالأَبْطَحِ، فَجَاءَهُ بِلاَلٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ خَرَجَ بِلاَلٌ بِالْعَنَزَةِ حَتَّى رَكَزَهَا بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالأَبْطَحِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ". وبه قال: (حدّثنا إسحاق) وفي رواية: إسحاق بن منصور، وجزم به خلف في الأطراف له (قال: أخبرنا جعفر بن عون) بفتح العين المهملة وإسكان الواو (قال: حدّثنا أبو العميس) بضم العين المهملة وفتح الميم آخره سين مهملة مصغرًا (عن عون بن أبي جحيفة) بتقديم الجيم المضمومة على المهملة المفتوحة (عن أبيه) أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي رضي الله عنه (قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (بالأبطح) مكان بظاهر مكة معروف (فجاءه بلال) المؤذن (فأذنه) بالمدّ، أي أعلمه (بالصلاة، ثم خرج بلال) ولأبي الوقت ثم أخرج (بالعنزة) بفتح النون أطول من العصا، وهمزة أخرج بالضم مبنيًّا للمفعول (حتى ركزها بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالأبطح) سترة (وأقام) بلال (الصلاة). 19 - باب هَلْ يَتَتَبَّعُ الْمُؤَذِّنُ فَاهُ هَا هُنَا وَهَا هُنَا، وَهَلْ يَلْتَفِتُ فِي الأَذَانِ؟ وَيُذْكَرُ عَنْ بِلاَلٍ أَنَّهُ جَعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَجْعَلُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ: الْوُضُوءُ حَقٌّ وَسُنَّةٌ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ. هذا (باب) بالتنوين (هل يتتبع المؤذن فاه) بالمثناة التحتية والمثناتين الفوقيتين، والموحدة المشددة المفتوحات، من التتبّع وللأصيلي يتبع بضم أوله وإسكان المثناة الفوقية وكسر الموحدة من الإتباع. والمؤذن فاعل، وفاه مفعوله (هاهنا وهاهنا) أي جهتي اليمين والشمال. وعند أبي عوانة في صحيحه من رواية عبد الرحمن بن مهدي، فجعل يتتبع بفيه يمينًا وشمالاً وأعرب البرماوي كالكرماني المؤذن بالنصب وفاه بدلاً منه، والفاعل الشخص مقدّرًا قال: ليطابق قوله في الحديث: أتتبع فاه انتهى. وتعقب بأن فيه من التكلف ما لا يخفى، وليست المطابقة بلازمة، وجعل غير اللازم لازمًا لا يخفى ما فيه (وهل يلتفت) المؤذن برأسه (في الأذان) يمينًا وشمالاً، أي في حيعلتيه. (ويذكر) بضم الياء وفتح الكاف بصيغة التمريض، فيما رواه عبد الرزاق وغيره عن سفيان (عن بلال) المؤذن (أنه جعل) أنملتي (إصبعيه) مسبحتيه (في) صماخي (أذنيه) ليعينه ذلك على زيادة رفع صوته، أو ليكون علامة للمؤذن ليعرف مَن يراه على بعد، أو كان به صمم أنه يؤذن. ورواه أبو داود، ولفظ ابن ماجة من حديث سعد القرظ، أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أمر بلالاً أن يجعل إصبعيه في أُذنيه. لكن في إسناده ضعف، وهو عند أبي عوانة عن مؤمل عن سفيان وله شواهد. (وكان ابن عمر) بن الخطاب مما رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق نسير بالنون والمهملة مصغرًا ابن ذعلوق، بالذال المعجمة المضمومة وسكون العين المهملة وضم اللام، عنه

20 - باب قول الرجل فاتتنا الصلاة

(لا يجعل إصبعيه في أُذنيه) المراد بالإصبع كالسابقة الأنملة، فهو من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء، وعبر في الأول بقوله: ويذكر بالتمريض، وفي الثاني بالجزم، ليفيد أن ميله إلى عدم جعل إصبعيه في أُذنيه، فللَّه درّه من إمام أدق نظره. (قال إبراهيم) النخعي مما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن جرير عن منصور عنه: (لا بأس أن يؤذن) المؤذن وهو (على غير وضوء) نعم يكره للمحدث حدثًا أصغر لحديث الترمذي مرفوعًا لا يؤذن إلاّ متوضئ وفي إسناده ضعف. وقال الشافعي في الأم: ويكره الأذان بغير وضوء ويجزئ إن فعل انتهى. وللجنب أشدّ كراهة لغلظ الجنابة، والإقامة أغلظ من الأذان في الحديث والجنابة لقربها من الصلاة. (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح مما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه (الوضوء) وللأذان (حق) ثابت في الشرع (وسُنّة) مسنونة هو من الصلاة هو فاتحة الصلاة. (وقالت عائشة) أم المؤمنين رضي الله عنها مما وصله مسلم ويؤيد قول النخعي: (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذكر الله على كل أحيانه) سواء كان على وضوء أو لم يكن لأن الأذان ذكر فلا يشترط له الوضوء ولا استقبال القبلة كما لا يشترط لسائر الأذكار. وحينئذٍ، فلا يلحق الأذان بالصلاة لمخالفتها حكمه فيهما، ومن ثم عرفت مناسبة ذكره لهذه الآثار عقب هذه الترجمة، وأدنى المناسبة كافٍ ولاختلاف العلماء فيها ذكرها بلفظ الاستفهام ولم يجزم. 634 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَأَى بِلاَلاً يُؤَذِّنُ فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُ فَاهُ هَا هُنَا وَهَا هُنَا بِالأَذَانِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي (قال: حدّثنا سفيان) الثوري (عن عون بن أبي جحيفة) بضم الجيم (عن أبيه) أبي جحيفة وهب بن عبد الله (أنه رأى بلالاً) المؤذن (يؤذن)، قال أبو جحيفة: (فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا بالأذان) أي فيه. ولمسلم: فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يمينًا وشمالاً، يقول: حي على الصلاة حيّ على الفلاح، ففيه تقييد الالتفات في الأذان، وأن محله عند الحيعلتين، أي من غير تحويل صدره عن القبلة، وقدميه عن مكانهما، وأن يكون الالتفات يمنًا في الأولى وشمالاً في الثانية، وفائدته تعميم الناس بالإسماع. قال في المدوّنة وأنكر مالك دورانه لغير الإسماع. 20 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ فَاتَتْنَا الصَّلاَةُ وَكَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ أَنْ يَقُولَ: فَاتَتْنَا الصَّلاَةُ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَمْ نُدْرِكْ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصَحُّ. (باب قول الرجل فاتتنا الصلاة) أي هل يكره أو لا. (وذكره ابن سيرين) محمد مما وصله ابن أبي شيبة (أن يقول) الرجل: (فاتتنا الصلاة) وسقط لفظ الصلاة لغير أبي ذر (ولكن ليقل) وللأربعة وليقل: (لم ندرك) فيه نسبة عدم الإدراك إليه بخلاف فاتتنا. قال البخاري رادًّا على ابن سيرين (وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الطلق للفوات (أصح) أي صحيح بالنسبة إلى قول ابن سيرين، فإنه غير صحيح لثبوت النص بخلافه. وأفعل قد تذكر ويراد بها التوضيح لا التصحيح، وقول مرفوع مبتدأ خبره أصح. 635 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلاَةِ. قَالَ: فَلاَ تَفْعَلُوا. إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا». وبالسند قال (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا شيبان) بفتح الشين المعجمة وسكون المثناة التحتية بعدها موحدة، ابن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنهما، (قال: بينما) بالميم (نحن نصلي مع النبي) وفي رواية مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ سمع جلبة رجال) بفتح الجيم وتاليها أي أصواتهم حال حركاتهم، وسمَّى منهم الطبراني في روايته: أبا بكرة. ولكريمة والأصيلي: جلبة رجال (فلما صلّى) عليه الصلاة والسلام (قال): (ما شأنكم) بالهمزة أي ما حالكم حيث وقع منكم الجلبة (قالوا استعجلنا إلى الصلاة. قال) عليه الصلاة والسلام: (فلا) ولأبي ذر: لا (تفعلوا) أي لا تستعجلوا وعبر بلفظ تفعلوا مبالغة في النهي عنه (إذا أتيتم الصلاة) جمعة أو غيرها (فعليكم بالسكينة) بياء الجر واستشكل دخولها البرماوي كالزركشي وغيره لأنه يتعدّى بنفسه قال تعالى: {عليكم أنفسكم}. وأجيب بأن أسماء الأفعال وإن كان حكمها في التعدّي واللزوم حكم الأفعال التي هي بمعناها إلاّ أن الباء تزاد في مفعولها كثيرًا نحو عليك به. لضعفها في العمل فتتعدى بحرف عادته إيصال اللازم إلى المفعول، قاله الرضي وغيره فيما نقله البدر الدماميني، وفي

21 - باب لا يسعى إلى الصلاة، وليأت بالسكينة والوقار

الحديث الصحيح: عليكم برخصة الله فعليه بالصوم وعليكم بقيام الليل، وفي رواية ابن عساكر والأصيلي، فعليكم السكينة، بالنصب، بعليكم على الإغراء. وجوّز الرفع على الابتداء، والخبر سابقه، والمعنى: عليكم بالتأنّي والهينة. فإذا فعلتم ذلك (فما أدركتم) مع الإمام من الصلاة (فصلوا) معه (وما فاتكم) منها (فأتموا) أي أكملوا وحدكم وبقية المباحث تأتي في التالي إن شاء الله تعالى. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي وبصري وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الباب اللاحق ومسلم في الصلاة. 21 - باب لاَ يَسْعَى إِلَى الصَّلاَةِ، وَلْيَأْتِ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَقَالَ: مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا. قَالَهُ أَبُو قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. هذا (باب) بالتنوين فيه ذكر (لا يسعى) الرجل (إلى الصلاة وليأت) ولأبي ذر: وليأتها (بالسكينة والوقار) هل بين الكلمتين فرق أو هما بمعنى واحد، وذكر الثاني تأكيد للأوّل، ويأتي ما فيه قريبًا إن شاء الله تعالى. وقد سقطت هذه الترجمة من رواية الأصيلى، وكذا من رواية أبي ذر عن غير السرخسي، وصوّب ثبوتها لقوله فيها، قاله أبو قتادة، لأن الضمير يعود على ما ذكر في الترجمة بخلاف سقوطها فإنه يعود على المتن السابق ويلزم منه تكرار أبي قتادة من غير فائدة لأنه ساقه عنه، ووقع عند البرماوي كغيره وهو رواية الأربعة باب ما أدركتم فصلّوا. فأسقط قوله لا يسعى إلى الوقار. وقال: وفي بعضها باب: فليأتها بالسكينة والوقار. (وقال) عليه الصلاة والسلام (ما أدركتم) من الصلاة أي مع الإمام (فصلوا وما فاتكم) منها (فأتموا) (قاله) أي المذكور (أبو قتادة) راوي حديث الباب السابق (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 636 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَلاَ تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا». [الحديث 636 - طرفه في: 908]. وبالسند قال (حدّثنا آدم) بن إياس (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن ذئب (قال: حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (و) بإسناد السابق وهو عن آدم عن ابن أبي ذئب (عن الزهري عن أبي سلمة) بفتحات يعني أن ابن أبي ذئب حدّث به عن الزهري عن شيخين حدّثاه به (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا سمعتم الإقامة) للصلاة (فامشوا إلى الصلاة)، وإنما ذكر الإقامة للتنبيه بها على ما سواها، لأنه إذا نهى عن إتيانها سعيًا في حال الإقامة مع خوفه فوت بعضها فقبل الإقامة أولى، وفي رواية همام: إذا نودي بالصلاة فأتوها وأنتم تمشون. (وعليكم بالسكينة) أي بالتأنّي في الحركات واجتناب العبث (والوقار) في الهيئة: كغض البصر، وخفض الصوت، وعدم الالتفات، أو الكلمتان بمعنى واحد، والثاني تأكيد للأوّل. وللأربعة وعزاها ابن حجر لغير أبي ذر: وعليكم السكينة والوقار، بغير موحدة يجوز فيهما الرفع والنصب كما سبق آنفًا مع جواب استشكال دخول حرف الجرّ على السكينة المتعدي بنفسه، وقول ابن حجر لا يلزم من كونه يتعدّى بنفسه امتناع تعديته بالباء، تعقبه العيني بأن نفي الملازمة غير صحيح انتهى. وراء والوقار فيها الحركات الثلاثة كالسكينة في أحوالها الثلاثة للعطف عليها وذكر الإقامة تنبيهًا على غيرها، لأنه إذا نهى عن إتيانها مسرعًا في حال الإقامة مع خوف فوت بعضها فما قبلها أولى (ولا تسرعوا) بالإقدام ولو خفتم فوات تكبيرة الإحرام أو غيرها، ولو فاتت الجماعة بالكلية فإنكم في حكم المصلين المخاطبين بالخشوع والإجلال والخضوع، فالمقصود من الصلاة حاصل لكم وإن لم تدركوا منها شيئًا. والأعمال بالنيّات، وعدم الإسراع مستلزم لكثرة الخطأ وهو معنى مقصود بالذات وردت فيه أحاديث صحيحات. وفي مسلم: فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة، ففيه إشارة كما مر أن يتأدب بآداب الصلاة. فإذن قلت إن الأمر بالسكينة معارض بقوله تعالى في الجمعة {فاسعوا إلى ذكر الله} أجيب: بأنه ليس المراد من الآية الإسراع، بل المراد الذهاب أو هو بمعنى العمل والقصد كما تقول سعيت في أمري. (فما أدركتم) أي إذا فعلتم ما أمرتكم به من السكينة والوقار، وعدم الإسراع

22 - باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة؟

فما أدركتم مع الإمام من الصلاة (فصلوا) معه، وقد حصلت فضيلة الجماعة بالجزء المدرك منها (وما فاتكم) منها (فأتموا) أي أكملوه وحدكم. كذا في أكثر الروايات بلفظ: فأتموا. وفي بعضها: فاقضوا. والأول هو الصحيح في رواية الزهري. ورواه ابن عيينة بالثاني، وبه استدل الحنفية بأن ما أدرك المأموم مع الإمام هو آخر صلاته فيستحب له الجهر في الركعتين الأخيرتين وقراءة السورة مع الفاتحة. وبالأول أخذ الشافعية على أنها أوّلها، لكنه يقضي بمثل الذي فاته من قراءة السورة مع الفاتحة في الرباعية، ولم يستحبوا إعادة الجهر في الأخيرتين، أو ما يأتي به آخرها، لأن الإتمام لا يكون إلاّ للآخر، لأنه يستدعي سبق أوّل، وأجابوا بأن القضاء وإن كان يطلق على الفائت غالبًا، لكنه يطلق أيضًا على الأداء. ويأتي بمعنى الفراغ. قال تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا} وحينئذٍ فتحمل رواية فاقضوا على معنى الأداء والفراغ، وإذًا فلا تمسك بها. واستدل بقوله: وما فاتكم فأتموا، على أن من أدرك الإمام راكعًا لم تحسب له تلك الركعة. لأنه قد فاته القيام والقراءة أيضًا. واختاره ابن خزيمة وغيره وقوّاه السبكي والجمهور على أنه مدرك لها لقوله عليه الصلاة والسلام لأبي بكرة حيث ركع دون الصف: زادك الله حرصًا ولا تعد. ولم يأمره بإعادة تلك الركعة. وأنه يدرك فضيلة الجماعة بجزء من الصلاة وإن قل. ورواة هذا الحديث الستة مدنيون إلا شيخ المؤلّف فإنه عسقلاني، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في باب المشي إلى الجمعة، ومسلم والترمذي. 22 - باب مَتَى يَقُومُ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الإِمَامَ عِنْدَ الإِقَامَةِ؟ 637 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: كَتَبَ إِلَىَّ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي». [الحديث 637 - طرفاه في: 638، 909]. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (متى يقوم الناس) الطالبون للصلاة جماعة (إذا رأوا الإمام عند الإقامة) لها. وبالسند قال (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (قال: حدّثنا هشام) الدستوائي (قال: كتب إليّ يحيى) ولأبي ذر يحيى بن أبي كثير، والكتابة من جملة طرق التحديث وهي معدودة في السند الموصول (عن عبد الله بن أو قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحارث بن ربعي رضي الله عنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا أقيمت الصلاة) أي ذكرت ألفاظ الإقامة (فلا تقوموا) إلى الصلاة (حتى تروني) أي تبصروني خرجت، فإذا رأيتموني فقوموا وذلك لئلا يطول عليهم القيام، ولأنه قد يعرض له ما يؤخره. واختلف في وقت القيام إلى الصلاة، فقال الشافعي، والجمهور: عند الفراغ من الإقامة، وهو قول أبي يوسف. وعن مالك أولها، وفي الموطأ أنه يرى ذلك على طاقة الناس، فإن منهم الثقيل والخفيف. وعن أبي حنيفة أنه يقوم في الصف عند حيّ على الفلاح فإذا قال قد قامت الصلاة كبّر الإمام لأنه أمين الشرع، وقد أخبر بقياسها فيجب تصديقه. وقال أحمد إذا قال حيّ على الصلاة. 23 - باب لاَ يَسْعَى إِلَى الصَّلاَةِ مُسْتَعْجِلاً، وَلْيَقُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ هذا (باب) بالتنوين (لاّ يسعى) الرجل (إلى الصلاة) حال كونه (مستعجلاً وليقم) ملتبسًا (بالسكينة والوقار) كذا في رواية المستملي، ولأبي ذر وعزاها في الفتح للحموي: لا يقوم إلى الصلاة مستعجلاً وليقم إليها بالسكينة والوقار، ولأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر: لا يسعى إلى الصلاة ولا يقوم إليها مستعجلاً وليقم بالسكينة والوقار، فجمع بين النهي في السعي والقيام. 638 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي، وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ». تَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ. وبالسند قال (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحارث بن ربعي (قال: قال رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا) إليها (حتى تروني) خرجت فإذا رأيتموني فقوموا إليها (وعليكم بالسكينة) وللأصيلي وأبوي ذر والوقت: وعليكم السكينة بحذف الباء، وتقدم الحديث قريبًا. ورواة هذا الحديث خمسة، وفيه التحديث والعنعنة والكتابة والقول، وأخرجه المؤلّف في الصلاة أيضًا وكذا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. (تابعه) أي تابع شيبان عن يحيى بن أبي كثير على هذه الزيادة (عليّ بن المبارك) البصري مما وصله المؤلّف في الجمعة وفائدة المتابعة التقوية، وهي ساقطة في رواية غير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر. 24 - باب هَلْ يَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ لِعِلَّةٍ؟ هذا (باب) بالتنوين (هل يخرج) الرجل (من المسجد) بعد إقامة الصلاة (لعلة)

25 - باب إذا قال الإمام "مكانكم" حتى رجع انتظروه

كحدث. نعم يخرج كما دلّ عليه حديث الباب وقول أبي هريرة المروي في مسلم وغيره في رجل خرج من المسجد بعد الأذان. أما هذا فقد عصى أبا القاسم مخصوص بمن ليست له ضرورة لحديثه المرفوع المروي في الأوسط ولفظه: لا يسمع النداء في مسجدي هذا ثم يخرج منه إلاّ لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق. 639 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ: "رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ، حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلاَّهُ انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ، انْصَرَفَ قَالَ: عَلَى مَكَانِكُمْ. فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا، حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً وَقَدِ اغْتَسَلَ". وبالسند قال (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى القرشي الأويسي (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم الزهري المدني نزيل بغداد (عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف المدني (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري التابعي (عن أبي سلمة) بفتح اللام ابن عبد الرحمن التابعي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله) وللأصيلي أنّ النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج) من الحجرة (و) الحال أنه (قد أقيمت الصلاة) بإذنه (وعدلت الصفوت) أي سوّيت (حتى إذا قام) عليه الصلاة والسلام (في مصلاه انتظرنا أن يكبر) تكبيرة الإحرام، والجملة حالية وجواب إذا الشرطية قوله (انصرف) إلى الحجرة قبل أن يكبر، وأن مصدرية، أي انتظرنا تكبيره (قال) وللأصيلي وقال (على مكانكم) أي اثبتوا على مكانكم (فمكثنا على هيئتنا) بفتح الهاء وسكون المثناة التحتية وفتح الهمزة، أي الصورة التي كنا عليها من القيام في الصفوف المسواة، وللكشميهني هيئتنا بكسر الهاء وسكون التحتية وفتح النون من غير همز الرفق، والأولى أوجه (حتى خرج) عليه الصلاة والسلام (إلينا) من الحجرة حال كونه (ينطف) بكسر الطاء وضمها أي يقطر (رأسه ماء) قليلاً قليلاً، وماء نصب على التمييز (و) الحال أنه (قد اغتسل). زاد الدارقطني من وجه آخر عن أبي هريرة فقال: إني كنت جنبًا فنسيت أن أغتسل. ورواة هذا الحديث الستة مدنيون، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب فخرج كما هو ولا يقيم من كتاب الغسل، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي. 25 - باب إِذَا قَالَ الإِمَامُ "مَكَانَكُمْ" حَتَّى رَجَعَ انْتَظَرُوهُ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا قال الإمام) للجماعة الزموا (مكانكم حتى رجع) وللكشميهني في رواية أبي ذر: حتى نرجع بالنون قبل الراء، وللأصيلي، أرجع بالهمزة، ولأبي الوقت وابن عساكر: يرجع، بالمثناة التحتية، وجواب إذا قوله (انتظروه). 640 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَقَدَّمَ وَهْوَ جُنُبٌ. ثُمَّ قَالَ: عَلَى مَكَانِكُمْ. فَرَجَعَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً، فَصَلَّى بِهِمْ". وبالسند قال (حدّثنا إسحاق) هو ابن منصور كما جزم به المزي فيما نقله الحافظ ابن حجر وأقرّه، لا ابن راهويه (قال: حدّثنا) وللهروي وابن عساكر: أخبرنا (محمد بن يوسف) الفريابي (قال: حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو بفتح العين (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: أقيمت الصلاة) بضم الهمزة بعد أن أذن عليه الصلاة والسلام في إقامتها (فسوّى) أي فعدل (الناس صفوفهم، فخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إليهم من الحجرة (فتقدم) عليه الصلاة والسلام (وهو جنب) أي في نفس الأمر لا أنهم اطّلعوا على ذلك منه قبل أن يعلمهم، فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنب (فقال) ولغير أبي ذر ثم قال: (على مكانكم) أي اثبتوا فيه ولا تتفرّقوا (فرجع) إلى الحجرة (فاغتسل) وللأصيلي، واغتسل (ثم خرج) إلى المسجد (ورأسه يقطر ماء) نصب على التمييز. والجملة من المبتدأ والخبر حالية، (فصلّى بهم) من غير إعادة الإقامة كما هو ظاهر السياق. وفي بعض الأصول هنا زيادة نبّه عليها الحافظ ابن حجر لم أرها في الفرع ولا في اليونينية وهي، قيل لأبي عبد الله، أي البخاري، إن بدا لأحدنا مثل هذا يفعل كما فعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: فأي شيء يصنع؟ فقيل ينتظرونه قيامًا أو قعودًا قال أي البخاري: إن كان قبل التكبير للإحرام فلا بأس أن يقعدوا وإن كان بعد التكبير انتظروه حال كونهم قيامًا. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة وأبو داود في الطهارة والصلاة أيضًا. 26 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ: مَا صَلَّيْنَا (باب قول الرجل ما صلينا) ولأبي ذر قول الرجل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما صلينا. 641 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أَفْطَرَ الصَّائِمُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا. فَنَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى بُطْحَانَ وَأَنَا مَعَهُ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى -يَعْنِي الْعَصْرَ- بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ". وبالسند قال

27 - باب الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة

(حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (قال: سمعت أبا سلمة) بن عبد الرحمن حال كونه (يقول: أخبرنا جابر بن عبد الله) الأنصاري (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاءه عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (يوم) أي زمان وقعة (الخندق فقال: يا رسول الله، والله ما كدت) ولغير الكشميهني: يا رسول الله ما كدت، وفي الفرع عن أبي ذر عن الكشميهني إسقاط القسم (أن أصلي) العصر وللأصيلي: ما كدت أصلي (حتى كادت الشمس تغرب) أتى في الأوّل بأن في خبر كاد كما في عسى، وأسقطها في الثاني وهو أكثر في الاستعمال، وللأصيلي إسقاطها فيه كما مرّ (وذلك) أي الوقت الذي خاطب فيه عمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، (بعدما أفطر الصائم) أي بعد الغروب وليس المراد الوقت الذي صلّى عمر العصر، فإنه قبيل الغروب كما يدل عليه كاد (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (والله ما صلّيتها). فإن قلت: إن نفي الصلاة إنما وقع من الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا من عمر، وحينئذٍ فلا مطابقة بين الحديث والترجمة. أجيب، بأن المطابقة حصلت من قول عمر رضي الله عنه: ما كدت أصلي، لأنه بمعنى ما صليت بحسب عرف الاستعمال، أو من كون المؤلّف ترجم لبعض ما وقع في طرق الحديث المسوق له هنا، فقد وقع عنده في المغازي وقوع ذلك من عمر لكن الأولى أن تكون المطابقة بين الترجمة والحديث المسوق في بابها بلفظها، أو ما يدل عليه. قال جابر (فنزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى بطحان) بضم الموحدة وسكون الطاء، وادٍ بالمدينة غير منصرف، كذا يقوله المحدّثون قاطبة، وحكى أهل اللغة فتح أوّله وكسر ثانيه، قاله أبو علي القالي في البارع (وأنا معه، فتوضأ ثم صلّى العصر) ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي، ثم صلّى، يعني العصر (بعدما غربت الشمس، ثم صلّى بعدها المغرب) يحتمل أن يكون التأخير نسيانًا لا عمدًا للاشتغال بأمر العدوّ، وكان قبل نزول آية صلاة الخوف. ورواة هذا الحديث خمسة، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والسماع والقول. 27 - باب الإِمَامِ تَعْرِضُ لَهُ الْحَاجَةُ بَعْدَ الإِقَامَةِ (باب الإمام تعرض) بكسر الراء أي تظهر (له الحاجة بعد الإقامة) هل يباح له التشاغل بها قبل الدخول في الصلاة أم لا؟ نعم، يباح له ذلك. 642 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنَاجِي رَجُلاً فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَمَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ". [الحديث 642 - طرفاه في: 643، 6292]. وبالسند قال (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة (عبد الله بن عمرو) بفتح العين فيهما، المقعد التميمي المنقري مولاهم البصري (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بكسر العين التنوري (قال: حدّثنا عبد العزيز بن صهيب) بضم الصاد المهملة وفتح الهاء وسكون المثناة التحتية آخره موحدة، وللأربعة: عبد العزيز هو ابن صهيب (عن أنس) وللأصيلي زيادة: ابن مالك (قال: أقيمت الصلاة) أي العشاء، كما عند مسلم من رواية حماد عن ثابت عن أنس (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يناجي) أي يحدث (رجلاً في) ولابن عساكر: إلى (جانب المسجد) المدني، ولم يعرف الحافظ ابن حجر اسم الرجل، والجملة من مبتدأ وخبر حالية (فما قام) عليه الصلاة والسلام (إلى الصلاة حتى نام القوم). في مسند إسحاق بن راهويه، عن ابن علية عن عبد العزيز في هذا الحديث حتى نعس بعض القوم، وفيه دلالة على أن النوم المذكور لم يكن مستغرقًا، وزاد مسلم كالمؤلّف في الاستئذان، عن شعبة، عن عبد العزيز: ثم قام فصلّى. واستنبط من الحديث جواز الكلام بعد الإقامة، نعم كرهه الحنفية لغير ضرورة. ورواته كلهم بصريون وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم وأبو داود. 28 - باب الْكَلاَمِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ 643 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سَأَلْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ عَنِ الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ مَا تُقَامُ الصَّلاَةُ، فَحَدَّثَنِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَعَرَضَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ فَحَبَسَهُ بَعْدَ مَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ". وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنِ الْعِشَاءِ فِي جَمَاعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا. (باب الكلام إذا أقيمت الصلاة) وبالسند قال (حدّثنا عياش بن الوليد) بفتح العين المهملة وتشديد المثناة التحتية آخره معجمة، الرقام (قال: حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالسين المهملة والميم (قال: حدّثنا حميد) الطويل (قال: سألت ثابتًا البُناني) بضم الموحدة وتخفيف النون وبعد الألف نون ثانية مكسورة، كذا روى حميد عن أنس بواسطة، ورواه عامة أصحاب حميد عنه عن أنس بغير واسطة (غير الرجل يتكلم بعدما تقام الصلاة، فحدّثني عن أنس بن

29 - باب وجوب صلاة الجماعة

مالك) رضي الله عنه (قال: أقيمت الصلاة، فعرض للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل فحبسه) أي منعه من الدخول في الصلاة بسبب التكلم معه، زاد هشام في روايته: حتى نعس بعض القوم (بعدما أقيمت الصلاة) وفيه الردّ على من كره الكلام بعد الإقامة. زاد في غير رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر هنا زيادة ذكرها في الباب الآتي وهو اللائق كما لا يخفى وهي: وقال الحسن: إن منعته أمه عن العشاء في جماعة شفقة عليه لم يطلعها، ومبحث ذلك يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. ورواة هذا الحديث بصريون، وفيه التحديث والعنعنة والسؤال والقول، وأخرجه أبو داود في الصلاة. 29 - باب وُجُوبِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا. (باب وجوب صلاة الجماعة). أطلق المؤلّف الوجوب وهو يشمل الكفاية والعين لكن قوله (وقال الحسن) أي البصري (إن منعته) أي الرجل (أمه عن) الحضور إلى صلاة (العشاء في الجماعة) حال كون منعها (شفقة) أي لأجل شفقتها (عليه) وليس في الفرع هنا عليه، نعم هي لابن عساكر في السابق، وفي رواية في جماعة بالتنكير (لم يطعها) يشعر بكونه يريد وجوب العين. لأن طاعة الوالدين واجبة حيث لا يكون فيها معصية الله، وترك الجماعة معصية عنده. وهذا الأثر أخرجه موصولاً بمعناه في كتاب الصيام للحسين بن الحسن المروزي بإسناد صحيح عن الحسن في رجل يصوم تطوعًا، فتأمره أمه أن يفطر، قال: فليفطر ولا قضاء عليه وله أجر الصوم وأجر البر، قيل فتنهاه أن يصلّي العشاء في جماعة، قال: ليس ذلك لها، هذه فريضة. وقد أبدى الشيخ قطب الدين القسطلاني، رحمه الله، فيما نقله البرماوي في شرح عمدة الأحكام، لمشروعية الجماعة حكمة ذكرها في مقاصد الصلاة. منها: قيام نظام الألفة بين المصلين، ولذا شرعت المساجد في المحال ليحصل التعاهد باللقاء في أوقات الصلوات بين الجيران. ومنها: قد يتعلم الجاهل من العالم ما يجهله من أحكامها. ومنها: أن مراتب الناس متفاوتة في العبادة فتعم بركة الكامل على الناقص فتكمل صلاة الجميع. 644 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ». [الحديث 644 - أطرافه في: 657، 2420، 7224]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسيّ (قال: أخبرنا مالك) إمام الأئمة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد مسلم: فقد ناسًا في بعض الصلوات (قال): (و) الله (الذي نفسي بيده) أي بتقديره وتدبيره (لقد هممت) هو جواب القسم، أكده باللام وقد، والمعنى لقد قصدت (أن آمر بحطب فيحطب) بالفاء وضم المثناة التحتية وبعد الحاء الساكنة طاء مبنيًّا للمفعول منصوبًا عطفًا على المنصوب المتقدم، وكذا الأفعال الواقعة بعده. وللحموي والمستملي: ليحطب، بلام التعليل، ولابن عساكر وأبي ذر. يتحطب، بضم التحتية وفتح الفوقية والطاء، ولابن عساكر أيضًا فيحطب، بالفاء وتشديد الطاء. ولأبي الوقت: فيتحطب، بالفاء ومثناة فوقية مفتوحة بعد التحتية المضمومة وتشديد الطاء أيضًا، وفي رواية: فيحتطب، بالفاء ومثناة فوقية مفتوحة بعد الحاء الساكنة. وحطب واحتطب بمعنى واحد، قال في الفتح: أي يكسر ليسهل اشتعال النار به، وتعقبه العيني بأنه لم يقل أحد من أهل اللغة إن معنى يحطب يكسر، بل المعنى يجمع (ثم آمر) بالمد وضم الميم (بالصلاة) العشاء أو الفجر أو الجمعة أو مطلقًا، كلها روايات ولا تضاد لجواز تعدد الواقعة (فيؤذن لها) بفتح الذال المشددة، أي يعلم الناس لأجلها. والضمير مفعول ثانٍ، (ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف) المشتغلين بالصلاة قاصدًا (إلى رجال) لم يخرجوا إلى الصلاة (فأحرّق عليهم بيوتهم) بالنار عقوبة لهم، وقيد بالرجال ليخرج الصبيان والنساء، ومفهومه أن العقوبة ليست قاصرة على المال بل المراد تحريق المقصودين وبيوتهم، وأحرّق بتشديد الراء وفتح القاف وضمها كسابقه وهو مشعر بالتنكير والمبالغة في التحريق. وبهذا استدلّ الإمام أحمد ومن قال: إن الجماعة فرض عين لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق، ولو كانت فرض كفاية لكان قيامه عليه الصلاة والسلام ومن معه بها كافيًا. وإلى هذا ذهب عطاء والأوزاعي وجماعة من محدثي الشافعية، كابني خزيمة، وحبان، وابن المنذر وغيرهم من الشافعية، لكنها ليست بشرط

30 - باب فضل صلاة الجماعة

في صحة الصلاة كما قاله في المجموع. وقال أبو حنيفة ومالك: هي سُنَّة مؤكدة، وهو وجه عند الشافعية لقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخان: صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، ولمواظبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليها بعد الهجرة. وقرأت في شرح المجمع لابن قرشتاه مما عزاه العيني لشرح الهداية. وأكثر المشايخ على أنها واجبة وتسميتها سُنّة لأنه ثابت بالسُّنَّة اهـ. وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية وعليه جمهور أصحابه المتقدمين، وصحّحه النووي في المنهاج كأصل الروضة، وبه قال بعض المالكية، واختاره الطحاوي والكرخي وغيرهما من الحنفية لحديث أبي داود، وصحّحه ابن حبّان وغيره: ما من ثلاثة في قرية أو بلد ولا تقام فيه الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان أي غلب. ويمكن أن يقال التهديد بالتحريق وقع في حق تاركي فرض الكفاية لمشروعية قتال تاركي فرض الكفاية. وأجيب عن حديث الباب بأنه همّ ولم يفعل، ولو كانت فرض عين لما تركهم، أو أن فرضية الجماعة نسخت، أو أن الحديث ورد في قوم منافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون، ما يدل عليه السياق. فليس التهديد لترك الجماعة بخصوصه فلا يتم الدليل. وتعقب بأنه يبعد اعتناؤه عليه الصلاة والسلام بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة مع علمه بأنه لا صلاة لهم. وقد كان عليه الصلاة والسلام معرضًا عنهم وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم. وأجيب بأنه لا يتم إلاّ أن أدّعي أن ترك معاقبة المنافقين كان واجبًا عليه ولا دليل على ذلك ْوإذا ثبت أنه كان مخيرًا فليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم. وفي قوله في الحديث الآتي، إن شاء الله، بعد أربعة أبواب: ليس صلاة أثقل على المنافقين من العشاء والفجر، دلالة على أنه ورد في المنافقين. لكن المراد نفاق المعصية لا نفاق الكفر كما يدل عليه حديث أبي هريرة المروي في أبي داود، ثم آتي قومًا يصلون في بيوتهم ليست بهم علة. نعم سياق حديث الباب يدل على الوجوب من جهة المبالغة في ذم من تخلّف عنها. ومحل الخلاف إنما هو في غير الجمعة، أما هي فالجماعة شرط في صحتها وحينئذ فتكون فيها فرض عين. ثم إن التقييد بالرجال في قوله: ثم أخالف إلى رجال، يخرج الصبيان والنساء فليست في حقهن فرضًا جزمًا، والخلاف السابق في المؤداة. أما المقضية فليست الجماعة فيها فرض عين ولا كفاية، ولكنها سنة لأنه عليه الصلاة والسلام صلّى بأصحابه الصبح جماعة حين فاتتهم بالوادي. ثم أعاد عليه الصلاة والسلام القسم للمبالغة في التأكيد فقال: (و) الله (الذي نفسي بيده) بتقديره (لو يعلم أحدهم) أي المتخلفين (أنه يجد عرقًا سمينًا) بفتح العين المهملة وسكون الراء وبالقاف: العظم الذي عليه بقية لحم أو قطعة لحم (أو مرماتين حسنتين) بكسر الميم وقد تفتح، تثنية مرماة: ظلف الشاة أو ما بين ظلفها من اللحم كذا عن البخاري فيما نقله المستملي في روايته في كتاب الأحكام عن الفربري، أو اسم سهم يتعلم عليه الرمي (لشهد العشاء) أي صلاتها. فالمضاف محذوف. والمعنى لو علم أنه لو حضر الصلاة يجد نفعًا دنيويًّا وإن كان خسيسًا حقيرًا لحضرها لقصور همّته على الدنيا، ولا يحضرها لما لها من مثوبات الأخرى ونعيمها، فهو وصف بالحرص على الشيء الحقير من مطعوم أو ملعوب به، مع التفريط فبما يحصل به رفيع الدرجات ومنازل الكرامات، ووصف العرق بالسمن والمرماة بالحسن ليكون ثم باعث نفساني على تحصيلهما، واستنبط من قوله: لقد هممت، تقديم التهديد والوعيد على العقوبة، وسرّه أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزواجر اكتفى به على الأعلى، وبقية المباحث المتعلقة بالحديث تأتي في محالها إن شاء الله تعالى. ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون إلاّ شيخ المؤلّف وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الأحكام، والنسائي في الصلاة. 30 - باب فَضْلِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ وَكَانَ الأَسْوَدُ إِذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ ذَهَبَ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ. وَجَاءَ أَنَسٌ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً. (باب فضل صلاة الجماعة) على صلاة الفذ. (وكان الأسود) بن يزيد النخعي أحد كبار التابعين (إذا فاتته الجماعة) أي صلاتها في مسجد قومه (ذهب إلى مسجد آخر) وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ومطابقته للترجمة من

حيث أنه لولا ثبوت فضيلة الجماعة عند الأسود لما ترك فضيلة أول الوقت وتوجّه إلى مسجد آخر، أو من حيث أن الفضل الوارد في أحاديث الباب مقصور على من جمع في المسجد دون من جمع في بيته، لأنه لو لم يكن مختصًّا بالمسجد لجمع الأسود في بيته ولم يأت مسجدًا آخر لأجل الجماعة. (وجاء أنس) وللأصيلي وابن عساكر: أنس بن مالك فيما وصله أبو يعلى في مسنده، وقال: وقت صلاة الصبح (إلى مسجد) في رواية البيهقي أنه مسجد بني رفاعة وفي رواية أبي يعلى أنه مسجد بني ثعلبة. (قد صُلي فيه) بضم الصاد وكسر اللام (أذن وأقام وصلّى جماعة) قال البيهقي في روايته جاء أنس في عشرين من فتيانه. 645 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً». [الحديث 645 - طرفه في: 649]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب ولغير الأصيلي وابن عساكر عن ابن عمر (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (صلاة الجماعة تفضل) بفتح أوله وسكون الفاء وضم الضاد (صلاة الفذ) بفتح الفاء وتشديد الذال المعجمة أي المنفرد (بسبع وعشرين درجة) فيه أن أقل الجمع اثنان لأنه جعل هذا الفضل لغير الفذ وما زاد على الفذ فهو جماعة، لكن قد يقال: إنما رتب هذا الفضل لصلاة الجماعة وليس فيه تعرض لنفي درجة متوسطة بين الفذ والجماعة كصلاة الاثنين مثلاً، لكن قد ورد في غير حديث التصريح بكون الاثنين جماعة، فعند ابن ماجة من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اثنان فما فوقهما جماعة" لكنه فيه ضعف. 646 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الْفَذِّ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (الليث) بن سعد إمام المصريين (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن الهاد) يزيد بن عبد الله بن أسامة، ونسبه لجدّه لشهرته به (عن عبد الله بن خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة وبعد الألف موحدة ثانية، الأنصاري المدني التابعي، وليس هو ابن الأرت، إذ لا رواية له في الصحيحين (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه (أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقول): (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس) وللأصيلي تفضل خمسًا (وعشرين درجة). وهذا الحديث ساقط في رواية غير الأربعة، وفي حديث ابن عمر السابق: بسبع وعشرين، وفي حديث أبي سعيد هذا: بخمس وعشرين، وعامّة الرواة عليها إلا ابن عمر كما قال الترمذي، واتفق الجميع على الخمس والعشرين سوى رواية أُبيّ فقال: أربع أو خمس على الشك، ولأبي عوانة بضعًا وعشرين وليست مغايرة لصدق البضع على الخمس ولا أثر للشك فرجعت الروايات كلها إلى الخمس والسبع واختلف في الترجيح بينهما، فمن رجح الخمس لكثرة رواتها، ومن رجح السبع لزيادة العدل، الحافظ، وجمع بينهما بأن ذكر القليل لا ينفي الكثير، إذ مفهوم العدد غير معتبر، وأنه عليه الصلاة والسلام أخبر بالخمس، ثم أعلمه الله بزيادة الفضل فأخبر بالسبع، لكنه يحتاج إلى التاريخ. وعورض بأن الفضائل لا تنسخ فلا يحتاج إلى التاريخ أو الدرجة أقل من الجزء، والخمس والعشرون جزءًا هي سبع وعشرون درجة، ورد بأن لفظ الدرجة والجزء وردا مع كلٍّ من العددين. قال النووي: القول بأن الدرجة غير الجزء غفلة من قائله، أو أن الجزء في الدنيا والدرجة في الجنة، قال البرماوي في شرح العمدة: أبداه القطب القسطلاني احتمالاً. انتهى. أو هو بالنظر لقرب المسجد وبُعده، أو لحال المصلي كأن يكون أعلم أو أخشع. أو الخمس بالسرية والسبع بالجهرية. فإن قلت ما الحكمة في هذا العدد الخاص؟. أجيب باحتمال أن يكون أصله كون المكتوبات خمسًا. فأريد المبالغة في تكثيرها، فضربت في مثلها فصارت خمسًا وعشرين، وأما السبع فمن جهة عدد ركعات الفرائض ورواتبها. ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول والسماع. 647 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ. فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. وَلاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثنا عبد الواحد) بن زياد

31 - باب فضل صلاة الفجر في جماعة

العبدى (قال: حدّثنا) ولابن عساكر أخبرنا (الأعمش) سليمان بن مهران (قال: سمعت أبا صالح) ذكوان حال كونه (يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (صلاة الرجل في الجماعة) وللحموي والكشميهني في جماعة (تضعف) بضم الفوقية وتشديد العين أي تزاد (على صلاته في بيته وفي سوقه) منفردًا (خمسًا وعشرين ضعفًا) وفي لفظ للبخاري بخمس وعشرين جزءًا. ووجه حذف التاء من خمسًا بتأويل الضعف بالدرجة أو بالصلاة، وتوضيحه أن ضعفًا مميز مذكر فتجب التاء، فأول بما ذكر. وقَوّى البرماوي كالكرماني بأن التزام التاء حيث ذكر المميز وإلاّ فيستوي حذفها وإثباتها، أي: وهو هنا غير مذكور، فجاز الأمران. ولأبوي ذر والوقت: خمسة وعشرين ضعفًا لإثبات التاء. ومذهب الشافعي كما في المجموع أنه: من صلّى في عشرة فله سبع وعشرون درجة، ومن صلّى مع اثنين كذلك، لكن صلاة الأول أكمل وهو مذهب المالكية. لكن قال ابن حبيب منهم: تفضل صلاة الجماعة الجماعة بالكثرة وفضيلة الإمام اهـ. وروى الإمام أحمد، وأصحاب السُّنن، وصحّحه ابن خزيمة وغيره، من حديث أُبيّ بن كعب مرفوعًا: صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى. واستدلّ بالحديث على سنية الجماعة لأنه أثبت صلاة الفذ، وسماها صلاة، وهل التضعيف المذكور مختص بالجماعة في المسجد؟ قال في الفتح: جاء عن بعض ْالصحابة قصر التضعيف إلى خمس وعشرين على التجميع في المسجد العام، مع تقرير الفضل في غيره. وروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أوس المعافري أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاصي: أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلّى في بيته؟ قال: حسن جميل. قال: فإن صلّى في مسجد عشيرته؟ قال: خمس عشرة صلاة. قال: فإن مشى إلى مسجد جماعة فصلّى فيه؟ قال: خمس وعشرون. (وذلك) التضعيف المذكور سببه (أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج) من منزله (إلى المسجد لا يخرجه إلاّ الصلاة) أي إلا قصد الصلاة المكتوبة في جماعة (لم يخط خطوة) بفتح المثناة التحتية وضم الطاء في الأول وفتح الخاء في الثاني. قال الجوهري: بالضم ما بين القدمين، وبالفتح المرة الواحدة (إلا رفعت له بها) بالخطوة (درجة، وحط عنه بها خطيئة) بضم راء رفعت وحاء حط مبنيين للمفعول، ودرجة وخطيئة رفعًا نائبين عن الفاعل (فإذا صلّى) صلاة تامة (لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه) الذي أوقع فيه الصلاة من المسجد، وكذا لو قام إلى موضع آخر من المسجد مع دوام نيّة انتظاره للصلاة، فالأول خرج مخرج الغالب، وقد مرّ مبحث ذلك في باب: من جلس في المسجد ينتطر الصلاة (اللهمَّ صلّي عليه، اللهم ارحمه) أي لم تزل الملائكة تصلي عليه حال كونهم قائلين: يا الله ارحمه. وزاد ابن ماجة اللهم تب عليه. واستنبط منه أفضلية الصلاة على سائر العبادات، وصالحي البشر على الملائكة، كما لا يخفى (ولا يزال أحدكم في) ثواب (صلاة ما انتظر الصلاة). ورواة هذا الحديث ما بين كوفي وبصري ومدني، وفيه رواية تابعي عن تابعي، والتحديث والسماع والقول. 31 - باب فَضْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ فِي جَمَاعَةٍ (باب فضل صلاة الفجر في جماعة) وللأصيلي وابن عساكر: فضل الفجر، وفي رواية في الجماعة بالتعريف. 648 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: تَفْضُلُ صَلاَةُ الْجَمِيعِ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا، وَتَجْتَمِعُ مَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ». ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}. وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم ابن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب) بن حزن القرشي المخزومي التابعي، المتفق على أن مرسلاته أصح المراسيل (وأبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، اسمه عبد الله أو إسماعيل (أن أبا هريرة) رضي الله عنه (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقول): (تفضل) أي تزيد (صلاة الجميع صلاة أحدكم) إذا صلّى (وحده بخمس وعشرين جزءًا) بحذف التاء من خمس على تأويل الجزء بالدرجة، أو لأن المميز غير مذكور، وفي أكثر الأصول، وصحح عليه في اليونينية، بخمسة. بالتاء ولا إشكال فيه (وتجتمع) بالواو الفوقية للكشميهني، وفي رواية

32 - باب فضل التهجير إلى الظهر

أبوي ذر والوقت يجتمع (ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر) لأنه وقت صعودهم بعمل الليل ومجيء الطائفة الأخرى لعمل النهار. (ثم يقول أبو هريرة) مستشهدًا لذلك (فاقرؤوا وإن شئتم) قوله تعالى ({إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ}) ولابن عساكر وقرآن الفجر إن قرآن الفجر {كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء من الآية: 78] تشهده الملائكة. 649 - قَالَ شُعَيْبٌ: وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: تَفْضُلُهَا بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً. (قال شعيب) أي ابن أبي حمزة (وحدّثني) بالإفراد بالسند المذكور (نافع عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما نحوه إلا أنه (قال: تفضلها بسبع وعشرين درجة) فوافق رواية مالك وغيره عن نافع كما سبق. ورواة هذا الحديث الستة ما بين حمصي ومدني وفيه ثلاثة من التابعين، والتحديث والإخبار والعنعنة والسماع والقول. 650 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تَقُولُ: دَخَلَ عَلَىَّ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَهْوَ مُغْضَبٌ، فَقُلْتُ: مَا أَغْضَبَكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا إِلاَّ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا". وبه قال (حدّثنا عمر بن حفص) الكوفي (قال: حدّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق النخعي (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: سمعت سالمًا) بن أبي الجعد (قال: سمعت أم الدرداء) هجيمة الصغرى التابعية لا الكبرى الصحابية التي اسمها خيرة (تقول: دخل عليَّ أبو الدرداء وهو مغضب) بفتح الضاد المعجمة (فقلت: ما أغضبك؟ فقال:) وللأصيلي وابن عساكر قال (والله ما أعرف من أمة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا) أبقوه من الشريعة (إلاّ أنهم يصلون) الصلاة حال كونهم (جميعًا) أي مجتمعين وهو أمر نسبي، لأن ذلك كان في الزمن النبوي أتم مما صار إليه. وللحموي وعزاها في الفتح لأبي الوقت: من أمر أمة محمد، وللأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت: من محمد، أي: ما أعرف من شريعة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا لم يتغير عما كان عليه إلاّ الصلاة في جماعة، فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه. ورواة هذا الحديث الأربعة كوفيون، وفيه رواية تابعية عن صحابيّ، وتابعي عن تابعية، والتحديث والسماع والقول، وهو من إفراد المؤلّف. 651 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلاَةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن المعلى) بن كريب الهمداني الكوفي (قال: حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء (عن أبي بردة) عامر أو الحرث (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس، رضي الله عنه، ولابن عساكر: الأشعري (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أعظم الناس أجرًا) بالنصب على التمييز (في الصلاة أبعدهم) بالرفع خبر أعظم الناس (فأبعدهم ممشى) بفتح الميم الأولى وسكون الثانية، منصوب على التمييز أي: أبعدهم مسافة إلى المسجد لأجل كثرة الخطأ إليه، ومن ثم حصلت المطابقة بين الترجمة وهذا الحديث، لأن سبب أعظمية الأجْر في الصلاة بعد الممشى للمشقة، وفي صلاة الفجر زيادة المفارقة النومة المشتهاة، طبعًا مع مصادفة الظلمة أحيانًا. وفاء فأبعدهم، قال البرماوي، كالكرماني للاستمرار نحو: الأمثل فالأمثل، وتعقبه العيني بأنه لم يذكر أحد من النحاة أن الفاء تجيء بمعنى الاستمرار، ثم رجح كونها هنا بمعنى ثم، أي: أبعدهم. ثم أبعدهم ممشى. (والذي ينتظر الصلاة حتى يصلّيها مع الإمام) ولو في آخر الوقت (أعظم أجرًا من الذي يصلّي) في وقت الاختيار وحده أو مع الإمام من غير انتظار (ثم ينام) كما أن بُعد المكان مؤثر في زيادة الأجر كذلك طول الزمان للمشقة فيهما. 32 - باب فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ (باب فضل التهجير) أي التبكير، وهو المبادرة في أول الوقت (إلى) صلاة (الظهر) ذكر الظهر مع التهجير للتأكد، وإلا فهو يدل عليه. وفي رواية لابن عساكر إلى الصلاة وهي أعمّ وأشمل. 652 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ». [الحديث 652 - طرفه في: 2472]. وبالسند قال (حدّثنا) بالجمع، ولأبوي ذر والوقت: حدّثني (قتيبة) ولابن عساكر: قتيبة بن سعيد الثقفي، مولاهم البغلاني البلخي (عن مالك) إمام الأئمة (عن سمي) بضم السين وفتح الميم (مولى أبي بكر) وللأصيلي: أبي بكر بن عبد الرحمن، أي ابن الحرث بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي المدني (عن أبي صالح) ذكوان (السمان) كان يجلبه كالزيت للكوفة (عن أو هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بينما رجل) بالميم، وأصله: بين فأشبعت فتحة النون، فصارت ألفًا، وزيدت الميم ظرف زمان، مضاف إلى جملة من فعل وفاعل أو

33 - باب احتساب الآثار

مبتدأ وخبر، وهو هنا رجل، النكرة المخصصة بالصفة، وهي قوله (يمشي بطريق) أي فيها وخبر المبتدأ قوله (وجد غصن شوك على الطريق فأخره) عن الطريق وللحموي والمستملي فأخذه (فشكر الله له) ذلك أي رضي فعله وقبله منه وأثنى عليه (فغفر له) ذنوبه. 653 - ثُمَّ قَالَ «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». وَقَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا لاَسْتَهَمُوا عَلَيْهِ». [الحديث 653 - أطرافه في: 720، 2829، 5733]. (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (الشهداء خمسة:) جمع شهيد، سمي بذلك لأن الملائكة يشهدون موته فهو مشهود، فعيل بمعنى مفعول، ولأبي ذر عن الحموي خمس بغير تاء بتأويل الأنفس أو النسمات، أو المميز غير مذكور فيجوز الأمران (المطعون) أي الذي يموت في الطاعون، أي الوباء، (والمبطون): صاحب الإسهال أو الاستسقاء، أو الذي يموت بداء بدنه: (والغريق) بالياء بعد الغين المعجمة والراء وللأصيلي الغرق في الماء، (وصاحب الهدم) بفتح الهاء وسكون الدال، أي الذي مات تحت الهدم، (والشهيد) القتيل (في سبيل الله) أي الذي حكمه أن لا يغسل ولا يصلّى عليه، بخلاف الأربعة السابقة. فالحقيقة الأخير والذي قبله مجاز، فهم شهداء في الثواب كثواب الشهيد. وجوّز الشافعي الجمع بينهما، واستشكل التعبير بالشهيد في سبيل الله، مع قوله: الشهداء خمسة، فإنه يلزم منه حمل الشيء على نفسه، فكأنه قال: الشهيد هو الشهيد. وأجيب بأنه من باب: أنا أبو النجم وشعري شعري، أو معنى، الشهيد القتيل. وزاد في الموطأ صاحب ذات الجنب، والحريق، والمرأة تموت بجمع. وعند ابن ماجة من حديث ابن عباس: موت الغريب شهادة، وإسناده ضعيف. وعند ابن عساكر من حديث ابن عباس أيضًا الشريق، ومن أكله السبع. ويأتي مزيد لذلك في محاله إن شاء الله تعالى. (وقال:) عليه الصلاة والسلام. (لو يعلم الناس ما في النداء) التأذين للصلاة (والصف الأوّل، ثم لم يجدوا) شيئًا (إلا أن يستهموا، لاستهموا عليه) أي إلا أن يقترعوا عليه لاقترعوا، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه. 654 - وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا». (ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في الحتمة والصبح لأتوهما ولو) كان إتيانًا (حبوًا) وفي هذا المتن كما ترى ثلاثة أحاديث وكأن قتيبة حدث بذلك مجموعًا من مالك فلم يتصرف فيه المصنف كعادته في الاختصار. ورواته الخمسة كلهم مدنيون إلا قتيبة فبلخي، وفيه التحديث والعنعنة. وأخرج المؤلّف حديث: بينما رجل في الصلاة، ومسلم في الأدب، والترمذي في البرّ، وقال: حسن صحيح. وحديث: الشهداء. في الجهاد، وقوله: لو يعلم الناس ما في النداء، أخرجه المؤلّف في الصلاة، والشهادة. وكذا النسائي. وبقية مباحث ذلك تأتي، إن شاء الله تعالى، في محالها بعون الله وقوّته. 33 - باب احْتِسَابِ الآثَارِ (باب احتساب الآثار) أي الخطوات إلى المسجد للصلاة. 655 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا بَنِي سَلِمَةَ أَلاَ تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ». وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} قَالَ: خُطَاهُمْ. [الحديث 655 - طرفاه في: 656، 1887]. وبالسند قال (حدّثنا محمد بن عبد الله بن حوشب) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة آخره موحدة، الطائفي (قال: حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (قال: حدّثنا) بالجمع وفي بعض الأصول: حدّثني (حميد) الطويل (عن أنس) وللأصيلي: أنس بن مالك (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا بني سلمة) بفتح السين وكسر اللام بطن كبير من الأنصار (ألا تحتسبون آثاركم) بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيه، أي: ألا تعدون خطاكم عند مشيكم إلى المسجد، فإن بكل خطوة إليه درجة، وإنما خاطبهم عليه الصلاة والسلام بذلك حين أرادوا النقلة إلى قرب المسجد. ورواة هذا الحديث ما بين طائفي وبصري، وفيه التحديث والعنعنة والقول. (وقال مجاهد في) تفسير (قوله) تعالى ({ونكتب ما قدموا وآثارهم} قال: خطاهم) رواه ابن أبي نجيح وغيره عن مجاهد مما ذكره في تفسيره وللأصيلي وأبي ذر وقال: قال مجاهد: خطاكم، آثار المشي بأرجلكم في الأرض. ولابن عساكر، قال مجاهد: خطاهم: آثارهم، هي المشي في الأرض بأرجلهم. 656 - وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ حَدَّثَنِي أَنَسٌ: "أَنَّ بَنِي سَلِمَةَ أَرَادُوا أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْ مَنَازِلِهِمْ فَيَنْزِلُوا قَرِيبًا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُعْرُوا الْمَدِينَةَ فَقَالَ: أَلاَ تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ". قَالَ مُجَاهِدٌ: خُطَاهُمْ: آثَارُهُمْ، أَنْ يُمْشَى فِي الأَرْضِ بِأَرْجُلِهِمْ. وبه قال (حدّثنا) بواو العطف، ولغير أبي ذر، وقال (ابن أبي مريم) سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم الجمحي البصري (أخبرنا يحيى بن أيوب) الغافقي المصري (قال:

34 - باب فضل العشاء في الجماعة

حدّثني) بالإفراد (حميد) الطويل (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (أنس) هو ابن مالك رضي الله عنه، ولأبي ذر: عن أنس (أن بني سلمة) بكسر اللام (أرادوا أن يتحوّلوا عن منازلهم) لكونها كانت بعيدة من المسجد (فينزلوا) منزلاً (قريبًا من النبي) أي من مسجده (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال) أنس: (فكره رسول الله) ولأبي ذرّ: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يعروا المدينة) بضم المثناة التحتية وسكون العين المهملة وضم الراء أي: يتركوها خالية، وللكشميهني: أن يعروا منازلهم، فأراد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تبقى جهات المدينة عامرة بساكنيها، (فقال) (لا تحتسبون أثاركم) أي: ألا تعدون خطاكم عند مشيكم إلى المسجد، زاد في رواية الفزاري: في الحج، فأقاموا. ولمسلم، من حديث جابر، فقالوا: ما يسرنا أنّا كنّا تحوّلنا (قال مجاهد: خطاكم: آثارهم، أن يُمشى بضم أوّله وفتح ثالثه، وفي رواية: أن يمشوا. وفي رواية لأبي ذر: (والمشي في الأرض بأرجلهم). وزاد قتادة فقال: لو كان الله عز وجل مغفلاً شيئًا من شأنك يا ابن آدم، اغفل ما تعفي الرياح من هذه الآثار، ولكن أحصى على ابن آدم أثره وعمله كله حتى أحصى عليه هذا الأثر فيما هو من طاعة الله تعالى، أو من معصيته. فمن استطاع منكم أن يكتب أثره في طاعة الله فليفعل. وأشار المؤلّف بهذا التعليق، المسوق مرتين، إلى أن قصة بني سلمة كانت سبب نزول هذه الآية، وقد ورد مصرحًا به عند ابن ماجة بإسناد قوي، وكذا عند ابن أبي حاتم، قال الحافظ ابن كثير: وفيه غرابة من حيث ذكر نزول هذه الآية والسورة بكمالها مكية اهـ. قلت قال أبو حيان: السورة كلها مكية، لكن زعمت فرقة أن قوله: {ونكتب ما قدّموا وآثارهم} نزل في بني سلمة من الأنصار، وليس هذا زعمًا صحيحًا. اهـ. لكن يترجح الأوّل بقوّة إسناده. ورواة هذا الحديث ما بين طائفي وبصري، وفيه التحديث والقول. 34 - باب فَضْلِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ (باب فضل صلاة العشاء). حال كونها (في الجماعة) وسقط لفظ صلاة لابن عساكر. 657 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ صَلاَةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا. لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً يَؤُمُّ النَّاسَ، ثُمَّ آخُذَ شُعَلاً مِنْ نَارٍ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لاَ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ بَعْدُ». وبالسند قال (حدّثنا عمر بن حفص) بضم العين (قال: حدّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي. (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ليس صلاة أثقل) بالنصب، خبر ليس، كذا في رواية الكشميهني، وفي رواية أبي ذر وكريمة عنه وللأكثرين: ليس أثقل (على المنافقين)، بحذف اسم ليس (من الفجر). ولأبي الوقت وابن عساكر: من صلاة الفجر (و) صلاة (العشاء) لأن وقت الأولى وقت لذة النوم، والثانية وقت سكون واستراحة. وفي تعبيره بالفعل التفضيل دلالة على أن الصلاة جميعها ثقيلة على المنافقين، والصلاتان المذكورتان أثقل من غيرهما لقوّة الداعي المذكور إلى تركهما، وأطلق عليهم النفاق، وهم مؤمنون، على سبيل المبالغة في التهديد، لكونهم لا يحضرون الجماعة ويصلون في بيوتهم من غير عذر ولا علة، وقد تقدم التنبيه على ذلك في باب وجوب الجماعة (ولو يعلمون ما فيهما) أي الفجر والعشاء من مزيد الفضل (لأتوهما) إلى المسجد للجماعة (ولو) كان إتيانهم (حبوًا). يزحفون إذا تعذّر مشيهم كما يزحف الصغير، ولم يفوتوا ما في مسجد الجماعة من الفضل والخير، ومطابقة الحديث للترجمة في الجزء الثاني. (لقد) بغير واو، ولأبوي ذر والوقت: ولقد (هممت أن آمر) بالمدّ وضم الميم (المؤذن فيقيم ثم آمر) بالنصب عطفًا على آمر المنصوب بأن مثل فيقيم (رجلاً يؤم) برفع الميم (الناس) بنصب السين. والجملة في موضع نصب صفة لرجل المنصوب بثم آمر (ثم آخذ شعلاً من نار) بضم الشين المعجمة وفتح العين، والنصب مفعول آخذ المنصوب عطفًا على آمر (فأحرّق) بفتح الحاء وتشديد الراء المكسورة ونصب عطفًا على آخذ، وللكشميهني: فأحرق بسكون الحاء، (على مَن لا يخرج إلى الصلاة بعد) نقيض قبل، مبني على الضم. أي بعد أن يسمع النداء إلى الصلاة. وللكشميهني وأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر:

35 - باب اثنان فما فوقهما جماعة

يقدر، بمثناة تحتية فقاف ساكنة فدال مكسورة فراء، بدل بعد. أي: لا يخرج إلى الصلاة حال كونه يقدر. وفي رواية ادّعى في المصابيح أنها للجمهور: إلى الصلاة بعذر، بموحدة ثم عين مهملة مضمومة فذال معجمة فراء، وهي مشكلة لما لا يخفى، لا سيما ولم أرها في شيء من النسخ، نعم وقع عند الداودي الشائع فيما نقله الزركشي والحافظ ابن حجر: لا بعذر، بحرف النفي، وهي واضحة. لكن قال في الفتح: لم نقف عليها في شيء من الروايات عند غيره. ولأبي داود من حديث أبي هريرة: ثم آتي قومًا يصلون في بيوهم ليس بهم علة فأحرقها عليهم. 35 - باب اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ هذا (باب) بالتنوين (اثنان فما فوقهما جماعة) كذا رواه ابن ماجة من حديث أبي موسى، وكذا رواه غيره. وكلها ضعيفة. 658 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا». وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد الأسدي البصري الثقة (قال: حدّثنا يزيد ابن زريع) الأوّل من الزيادة، والثاني تصغير زرع، العايشي (قال: حدّثنا خالد) وللأصيلي: خالد الحذاء (عن أبي قلابة) بكسر القاف، عبد الله بن زيد (عن مالك بن الحويرث) بضم الحاء مصغرًا الليثي: رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) لرجلين أتياه يريدان السفر: (إذا حضرت الصلاة) المكتوبة (فأذنا وأقيما) أي أحدكما (ثم ليؤمكما أكبركما). فإن قلت ليس في حديث الباب ذكر صلاة الاثنين، وحينئذٍ فلا مطابقة بينه وبين الترجمة، أجيب: بأنه بالاستنباط من لازم الأمر بالإقامة، لأنه لو استوت صلاتهما معًا مع صلاتهما منفردين لاكتفى بأمرهما بالصلاة، كان يقول: أذنًا وأقيما وصليا. قاله ابن حجر، وتعقبه العيني، بأن هذا اللازم لا يستلزم كون الاثنين جماعة على ما لا يخفى، فكيف يستنبط منه مطابقته للترجمة؟ وأجاب بأنه يمكن أن يذكره وجه، وإن كان لا يخلو عن تكلف وهو أنه عليه الصلاة والسلام، إنما أمرهما بإمامة أحدهما الذي هو أكبرهما، التحصيل لهما فضيلة الجماعة. فصار الاثنان هاهنا كأنهما جماعة بهذا الاعتبار، لا باعتبار الحقيقة. وقال الدماميني: لما كان لفظ حديث الترجمة ضعيفًا، لا جرم أن البخاري اكتفى عنه بحديث مالك بن الحويرث، ونبّه في الترجمة عليه. 36 - باب مَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ، وَفَضْلِ الْمَسَاجِدِ (باب) بيان فضل (من جلس في المسجد) حال كونه (ينتظر الصلاة) ليصلّيها مع الجماعة (و) بيان (فضل المساجد). 659 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. لاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ، لاَ يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ الصَّلاَةُ». وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي الحارثي البصري المدني الأصل (عن مالك) هو ابن أنس، إمام دار الهجرة (عن أبي الزناد) بالزاي المكسورة وبالنون، عبد الله بن ذكوان القرشي المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن الملائكة تصلي على أحدكم) أي تستغفر له (ما دام في مصلاه) ينتظر الصلاة وهل المراد البقعة التي صلّى فيها من المسجد حتى لو انتقل إلى بقعة أخرى في المسجد لم يكن له هذا الثواب المرتب عليه، أو المراد بمصلاه جميع المسجد الذي صلّى فيه؟ يحتمل كلاًّ منهما، والثاني أظهر بدليل رواية: ما دام في المسجد وبه بوّب هنا، ويؤيد الأوّل ما في رواية مسلم وأبي داود: ما دام في مجلسه الذي صلّى فيه، (ما لم يحدث) بإخراج شيء من أحد السبيلين، أو فاحش من لسانه أو يده، حال كونهم، أي الملائكة المصلين على المصلي، قائلين: (اللَّهمّ اغفر له، اللهمّ ارحمه) وعبر: بتصلي ليناسب الجزاء العمل (لا) بغير واو في رواية: ولا (يزال أحدكم في) ثواب (صلاة ما دامت الصلاة تحبسه) أي مدّة دوام حبس الصلاة له، وللكشميهني: ما كانت الصلاة تحبسه (لا يمنعه أن ينقلب) أي لا يمنعه الانقلاب، وهو الرواح (إلى أهله إلاّ الصلاة) أي لا غيرها. ومقتضاه أنه إذا صرف نيته عن ذلك صارف آخر انقطع عنه الثواب المذكور، وكذا إذا شارك نيّة الانتظار أمر آخر. 660 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ. [الحديث 660 - أطرافه في: 1423، 6479، 6806]. وبه قال (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة ولابن عساكر ابن بشار بندار وهو لقب محمد (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بالتصغير، العمري (قال: حدّثني) بالإفراد (خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وموحدتين، أولاهما مفتوحة

بينهما مثناة تحتية، الأنصاري المدني (عن حفص بن عاصم) هو ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وهو جدّ عبيد الله المذكور، لأبيه، كما أنّ خبيبًا خاله (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:): (سبعة) من الناس، (يظلهم الله في ظله) أي ظل عرشه (يوم لا ظل) في القيامة ودنو الشمس من الخلق (إلاّ ظله) أحدهم. (الأمام) الأعظم (العادل) التابع لأوامر الله، فيضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط، وقدّم على تاليه لعموم نفعه، ويلتحق به من ولي شيئًا من أمور المسلمين فعدل فيه، لحديث: إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا. (و) الثاني من السبعة (شاب نشأ في عبادة ربه) لأن عبادته أشق لغلبة شهوته وكثرة الدواعي لطاعة الهوى، فلازمة العبادة حينئذٍ أشدّ وأدلّ على غلبة التقوى، وفي الحديث يعجب ربك من شاب ليست له صبوة. (و) الثالث: (رجل قلبه معلق) بفتح اللام كالقنديل (في المساجد) من شدة حبه لها، وإن كان جسده خارجًا عنها، وكُنِّيَ به عن انتظار أوقات الصلوات، فلا يصلّي صلاة في المسجد ويخرج منه إلا وهو ينتظر أخرى ليصلّيها فيه فهو ملازم للمسجد بقلبه وإن عرض لجسده عارض، وبهذا تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة. ولأبي ذر عن المستملي والحموي: متعلق بزيادة مثناة فوقية بعد الميم مع كسر اللام. (و) الرابع: (رجلان تحابا في الله) أي لأجله لا لغرض دنيوي (اجتمعا عليه) سواء كان اجتماعهما بأجسادهما حقيقة أم لا، وللحموي والمستملي: اجتمعا على ذلك أي: على الحب في الله. كالضمير في قوله (وتفرّقا عليه) أي استمرا على محبتهما لأجله تعالى حتى فرّق بينهما الموت، ولم يقطعاها لعارض دنيوي، وتحابا بتشديد الموحدة. وأصله، تحاببا. فلما اجتمع المثلان أسكن الأوّل منهما وأدغم في الثاني، وليس التفاعل هنا كهو، أي: أظهر الجهل من نفسه، والمحبة من نفسه. بل المراد التلبس بالحب كقوله: باعدته فتباعد. فهو عبارة عن معنى حصل عن فعل متعدّ. وقع في رواية حماد بن زيد: ورجلان قال كل منهما للآخر: إني أحبك في الله فصدرا على ذلك. (و) الخامس: (رجل طلبته ذات) وفي رواية كريمة طلبته امرأة ذات (منصب) بكسر الصاد المهملة، أصل أو شرف أو مال (وجمال) حسن للزنا (فقال) بلسانه زجرًا لها عن الفاحشة، أو بقلبه زجرًا لنفسه: (اني أخاف الله). زاد في رواية كريمة ربّ العالمين والصبر على الموصوفة، بما ذكر من الأصل والشرف والمال والجمال المرغوب فيها عادة، لعزّة ما جمع فيها من أكمل المراتب وأكمل المناصب، لا سيما وقد أغنت عن مشاق التوصّل إليها بمراودة ونحوها، وهي رتبة صدّيقية، ووراثة نبوية. (و) السادس: (رجل تصدّق) تطوعًا حال كونه قد (أخفى) الصدقة، ولأحمد: تصدق فأخفى. وللمؤلّف، في الزكاة، كمالك: فأخفاها. فحمل على أن راوي الأوّل حذف العاطف. وللأصيلي: تصدّق. إخفاء بكسر الهمزة والمدّ أي صدقة إخفاء. فنصب بمصدر محذوف، أو حالاً من الفاعل، أي مخفيًّا. قال البدر على تأويل المصدر باسم الفاعل جعل كأنه نفس الإخفاء مبالغة (حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) جملة في موضع نصب بتعلم ذكرت للمبالغة في إخفاء الصدقة والإسرار بها. وضرب المثل بهما لقربهما وملازمتهما. أي لو قدّر أن الشمال رجل متيقظ لما علم صدقة اليمين للمبالغة في الإخفاء فهو من مجاز التشبيه أو من مجاز الحذف، أي حتى لا يعلم ملك شماله أو حتى لا يعلم من على شماله من الناس، أو هو من باب تسمية الكل بالجزء، فالمراد بشماله نفسه، أي أن نفسه لا تعلم ما تنفق يمينه. ووقع في مسلم: حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، ولا يخفى أن الصواب ما في البخاري، لأن السُّنَّة المعهودة إعطاء الصدقة باليمين لا بالشمال، والوهم فيه من أحد رواته، وفي تعيينه خلاف. وهذا يسميه أهل الصناعة: المقلوب. ويكون في المتن والإسناد. (و) السابع: (رجل ذكر الله) بلسانه أو بقلبه حال كونه (خاليًا) من الخلق لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء، أو خاليًا من الالتفات إلى غير المذكور تعالى، وإن كان

37 - باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح

في ملأ ويدل له رواية البيهقي بلفظ: ذكر الله بين يديه (ففاضت عيناه) من الدمع لرقة قلبه وشدة خوفه من جلاله أو مزيد شوقه إلى جماله. والفيض انصباب عن امتلاء، فوضع موضع الإمتلاء للمبالغة، أو جعلت العين من فرط البكاء كأنها تفيض بنفسها. وذكر الرجال في قوله: ورجل لا مفهوم له، فتدخل النساء؟ نعم. لا يدخلن في الإمامة العظمى، ولا في خصلة ملازمة المسجد، لأن صلاتهنّ في بيتهنّ أفضل، لكن يمكن في الإمامة حيث يكن ذوات عيال فيعدلن، ولا يقال لا يدخلن في خصلة من دعته امرأة لأنًّا نقول: إنه يتصور في امرأة دعاها ملك جميل مثلاً للزنا، فامتنعت خوفًا من الله مع حاجتها. وذكر المتحابين لا يصير العدد ثمانية لأن المراد عدّ الخصال لا عدّ المتصفين بها. ومفهوم العدد بالسبعة لا مفهوم له، بدليل ورود غيرها. ففي مسلم من حديث أي اليسر مرفوعًا: من أنظر معسرًا أو وضع له أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. وزاد ابن حبّان، وصححه من حديث ابن عمر المغازي، وأحمد والحاكم من حديث سهل بن حنيف عون المجاهد، وكذا زاد أيضًا من حديثه: إرفاد الغارم، وعون المكاتب. والبغوي في شرح السُّنَّة: التاجر الصدوق. والطبراني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف: تحسين الخلق. ومن تتبع دواوين الحديث وجد زيادة كثيرة على ما ذكرته. وللحافظ ابن حجر مؤلف سماه: (معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال). ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في الزكاة والرقاق. ورواته الستة ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، ورواية الرجل عن خاله وجده، وأخرجه في الزكاة وفي الرقاق، ومسلم في الزكاة والنسائي في القضاء والرقاق. 661 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: "سُئِلَ أَنَسٌ: هَلِ اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، أَخَّرَ لَيْلَةً صَلاَةَ الْعِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ بَعْدَ مَا صَلَّى فَقَالَ: صَلَّى النَّاسُ وَرَقَدُوا وَلَمْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مُنْذُ انْتَظَرْتُمُوهَا. قَالَ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ". وبه قال (حدّثنا قتيبة) بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي (قال: حدّثنا إسماعيل بن جعفر) هو ابن كثير الأنصاري المدني (عن حميد) الطويل (قال: سئل أنس) وللأصيلي: أنس بن مالك (هل اتخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتمًا؟ فقال: نعم) اتخذه (أخَّر ليلة صلاة العشاء إلى شطر الليل) نصفه (ثم أقبل علينا بوجهه) الكريم (بعدما صلّى فقال): (صلى الناس) أي غيركم ممن صلّى في داره أو مسجد قبيلته (ورقدوا ولم تزالوا في) ثواب (صلاة منذ انتظرتموها) أي الصلاة. (قال) أنس: (فكأني) بالفاء وفي رواية وكأني (أنظر إلى وبيص خاتمه) بكسر الموحدة آخره صاد مهملة أي بريقه ولمعانه. وسبق الحديث في باب وقت العشاء إلى نصف الليل، وهو مطابق للجزء الأوّل من الترجمة في قوله: ولم تزالوا في صلاة منذ انتظرتموها. وبقية مباحثه تأتي في محالها إن شاء الله تعالى. 37 - باب فَضْلِ مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَمَنْ رَاحَ بيان (فضل من غدا إلى المسجد ومن راح) إليه. وللكشميهني: من خرج. بلفظ الماضي، وللحموي والمستملي: من يخرج بلفظ المضارع، والأولى موافقة للفظ الحديث الآتي إن شاء الله تعالى في الغدوّ والرواح، وأصل غدا: والأولى موافقة للفظ الحديث الآتي إن شاء الله في الغدوّ والرواح، وأصل غدا: خرج بغدوة، أي مبكرًا. وراح: رجع بعشي، وقد يستعملان في الخروج مطلقًا توسعًا، وتبين بالروايتين الأخيرتين أن المراد بالغدوّ الذهاب، وبالرواح الرجوع. 662 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ». وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) بن جعفر المديني البصري (قال: حدّثنا يزيد بن هارون) بن زاذان الواسطي (قال: أخبرنا محمد بن مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء المشدّدة وبالفاء، الليثي المدني، وفي رواية ابن المطرّف: بالألف واللام (عن زيد بن أسلم) بفتح الهمزة واللام، المدني، مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه (عن عطاء بن يسار) بفتح المثناة التحتية والسين المهملة، الهلالي، مولى أم المؤمنين ميمونة بنت الحرث (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) (من غدا إلى المسجد وراح أعدّ الله) أي هيّأ (له نزله) بضم النون والزاي مكانًا ينزله (من الجنة) وقد تسكن الزاي كعنق وعنق أو هيأ له ضيافته وللمستملي نزلاً بالتنكير ولابن عساكر فى الجنة (كلما غدا أو راح) للطاعة. ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري وواسطي ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول ورواية

38 - باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه مسلم أيضًا. 38 - باب إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ هذا (باب) بالتنوين (إذا أقيمت الصلاة) أي إذا شرع في الإقامة لها (فلا صلاة) كاملة أو لا تصلوا حينئذٍ (إلا المكتوبة). هذا لفظ رواية مسلم والسنن الأربعة وغيرها، ولم يخرجها البخاري لكونه اختلف على عمرو بن دينار في رفعه ووقفه، لكن حكمه صحيح، فذكره ترجمة، وساق لها ما يغني عنه. لكن حديث الباب مختص بالصبح، وحديث الترجمة أعم لشموله كل الصلوات. 663 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ: "مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرَجُلٍ ... " قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ مَالِكٌ ابْنُ بُحَيْنَةَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلاً وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَثَ بِهِ النَّاسُ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصُّبْحَ أَرْبَعًا، الصُّبْحَ أَرْبَعًا" تَابَعَهُ غُنْدَرٌ وَمُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ فِي مَالِكٍ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ سَعْدٍ عَنْ حَفْصٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ. وَقَالَ حَمَّادٌ: أَخْبَرَنَا سَعْدٌ عَنْ حَفْصٍ عَنْ مَالِكٍ. وبالسند قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى القرشي المدني (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين، الزهري المدني (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن (عن حفص بن عاصم) هو ابن عمر بن الخطاب (عن عبد الله بن مالك) هو ابن القشب بكسر القاف وسكون المعجمة بعدها موحدة (ابن بحينة) بضم الموحدة وفتح المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح النون آخره هاء تأنيث بنت الحرث بن المطلب بن عبد مناف، وهي أم عبد الله، ويكتب ابن بحينة بزيادة ألف، ويعرب إعراب عبد الله رضي الله عنه (قال: مر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برجل) هو عبد الله الراوي، كما عند أحمد من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عنه بلفظ: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ به وهو يصلّي، ولا يعارضه ما عند ابني حبان وخزيمة: أنه ابن عباس، لأنهما واقعتان (قال:) أي البخاري (وحدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن) زاد ابن عساكر: يعني ابن بشر، بكسر الموحدة وسكون المعجمة، أي الحكم النيسابوري (قال: حدّثنا بهز بن أسد) بفتح الموحدة وسكون الهاء آخره زاي، العمي البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد، وللأصيلي: حدّثني بالإفراد أيضًا (سعد بن إبراهيم) بسكون العين، ابن عبد الرحمن بن عوف (قال: سمعت حفص بن عاصم) هو ابن عمر بن الخطاب (قال: سمعت رجلاً من الأزد) بفتح الهمزة وسكون الزاي، وللأصيلي من الأسد، بالسين بدل الزاى، أي أسد شنوأة (يقال له: مالك بن بحينة) تابع شعبة على ذلك أبو عوانة وحماد بن سلمة، لكن حكم ابن معين وأحمد والشيخان والنسائي والإسماعيلي والدارقطني وغيرهم من الحفاظ بوهم شعبة في ذلك في موضعين، أحدهما: أن بحينة أم عبد الله لا مالك. ثانيهما: أن الصحبة والرواية لعبد الله لا لمالك. ولم يذكر أحد مالكًا في الصحابة. نعم ذكره بعض من لا تمييز له ممن تلقاه من هذا الإسناد (أن رسول الله رأى رجلاً وقد أقيمت الصلاة) هو ملتقى الإسنادين، والقدر المشترك بين الطريقين، إذ تقديره: مر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برجل. أو قال: قد رأى رجلاً وقد أقيمت الصلاة، أي نودي لها بالألفاظ المخصوصة، حال كونه (يصلّي ركعتين) نفلاً، (فلما انصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من صلاة الصبح (لاث به الناس) بالثاء المثلثة أي داروا به وأحاطوا (فقال) ولغير ابن عساكر وقال (له) أي لعبد الله المصلي (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) موبخًا بهمزة الاستفهام الإنكاري الممدودة وقد تقصر. (الصبح) نصب بتقدير أتصلي الصبح حال كونه (أربعًا الصبح) أي أتصلي الصبح حال كونه (أربعًا) ورفع بتقدير الصبح تصلي أربعًا مبتدأ أو الجملة التالية خبره، والضمير المنصوب محذوف. وأعرب البرماوي كالكرماني أربعًا على البدلية من سابقه، إن نصب، أو مفعول مطلق، إن رفع. وابن مالك على الحال. والمراد بذلك النهي عن فعله لأنها تصير صلاتين، وربما يتطاول الزمان فيظن وجوبهما. ولا ريب أن التفرغ للفريضة والشروع فيها تلو شروع الإمام أولى من التشاغل بالنافلة، لأن التشاغل بها يفوّت فضيلة الإحرام مع الإمام. وقد اختلف في صلاة سنة فريضة الفجر عند إقامتها، فكرهها الشافعي وأحمد وغيرهما وقال الحنفية لا بأس أن يصلّيها خارج المسجد إذا تيقن إدراك الركعة الأخيرة مع الإمام، فيجمع بين فضيلة السُّنَّة وفضيلة الجماعة. وقيّدوه بباب المسجد لأن فعلها في المسجد يلزم منه تنفله فيه مع إشغال إمامه بالفرض، وهو مكروه لحديث: إذا أقيمت الصلاة. وقال المالكية لا تبتدأ صلاة بعد الإقامة لا فرضًا ولا نفلاً لحديث: إذا أقيمت الصلاة

39 - باب حد المريض أن يشهد الجماعة

فلا صلاة إلا المكتوبة، أي الحاضرة. وإن أقيمت وهو في صلاة قطع إن خشي فوات ركعة. وإلاّ أتم. ورواة هذا الحديث ما بين نيسابوري ومدني وواسطي، وفيه التحديث والقول واثنان من التابعين وأخرجه مسلم في الصلاة. (تابعه) أي تابع بهز بن أسد في روايته عن شعبة بهذا الإسناد (غندر) بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة، محمد بن جعفر ابن زوج شعبة، مما وصله أحمد (ومعاذ) بالذال المعجمة، ابن معاذ البصري، مما وصله الإسماعيلي (عن شعبة) بن الحجاج في الرواية (عن مالك) أي ابن بحينة ولأبوي ذر والوقت ومعاذ عن مالك (وقال ابن اسحاق) محمد صاحب المغازي (عن سعد) بسكون العين، ابن إبراهيم (عن حفص) هو ابن عاصم (عن عبد الله بن بحينة) وهذه موافقة لرواية إبراهيم بن سعد عن أبيه، وهي الراجحة (وقال حماد) هو ابن أبي سلمة لا ابن زيد (أخبرنا سعد عن حفص عن مالك) فوافق شعبة في قوله عن مالك ابن بحينة والأول هو الصواب كما مر. 39 - باب حَدِّ الْمَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ (باب) بيان (حد المريض) بالحاء المهملة أي ما يحدّ للمريض (أن يشهد الجماعة) حتى إذا جاوز ذلك الحد لم يشرع له شهودها. وقال ابن بطال وغيره: معنى الحدّ هنا الحدة، كقول عمر في أبي بكر: كنت أداري منه بعض الحد، أي الحدة، والمراد الحض على شهودها. وقال ابن قرقول، مما عزاه للقابسي: باب جد بالجيم، أي اجتهاد المريض لشهود الجماعة. 664 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ الأَسْوَدُ: قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَذَكَرْنَا الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلاَةِ وَالتَّعْظِيمَ لَهَا قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَأُذِّنَ، فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. وَأَعَادَ، فَأَعَادُوا لَهُ، فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى، فَوَجَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ رِجْلَيْهِ تَِخُطَّانِ مِنَ الْوَجَعِ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ مَكَانَكَ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ". قِيلَ لِلأَعْمَشِ: وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَتِهِ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ؟ فَقَالَ بِرَأْسِهِ: نَعَمْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الأَعْمَشِ بَعْضَهُ. وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا. وبالسند قال (حدّثنا عمر بن حفص) بضم العين ولغير الأصيلي زيادة ابن غياث (قال: حدّثني) بالإفراد، وللأربعة حدّثنا (أبي) حفص بن غياث بن طلق، بفتح الطاء وسكون اللام (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (قال الأسود) ابن يزيد بن قيس النخعي المخضرم الكبير (كنّا) ولأبوي ذر والوقت: عن إبراهيم عن الأسود قال: كنا فقال: الثانية ثابتة مع عن ساقطة مع قال الأسود كنا (عند) أم المؤمنين (عائشة: رضي الله عنها، فذكرنا المواظبة على الصلاة والتعظيم لها) بالنصب عطفًا على المواظبة (قالت) عائشة: (لما مرض رسول الله) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مرضه الذي مات فيه) واشتد وجعه، وكان في بيت عائشة رضي الله عنها، (فحضرت الصلاة) أي وقتها (فأذن) بالصلاة بالفاء وضم الهمزة مبنيًّا للمفعول من التأذين وللأصيلي: وأذن، قال ابن حجر: وهو أوجه. قال العيني: لم يبين وجه الأوجهية بل الفاء أوجه على ما لا يخفى، انتهى. فليتأمل. وفي الفرع وأصله عن الأصيلي: فأوذن بالفاء وبعد الهمزة المضمومة واو وتخفيف المعجمة، وفي باب: الرجل يأتم بالإمام جاء بلال يؤذن بالصلاة فاستفيد منه تسمية المبهم، وأن معنى أذن أعلم. قلت وهو يؤيد رواية فأوذن السابقة. تنبيه: قال في المغني: لما، يكون جوابها فعلاً ماضيًا اتفاقًا نحو: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} [الإسراء: 67]. وجملة اسمية مقرونة بإذا الفجائية نحو: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65] أو بالفاء عند ابن مالك نحو: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} [لقمان: 32]. وفعلاً مضارعًا عند ابن عصفور نحو: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا} [هود: 74]. وهو مؤوّل: يجادلنا. وقيل في آية الفاء: إن الجواب محذوف، أي انقسموا قسمين، فمنهم مقتصد. وفي آية المضارع. إن الجواب جاءته البشرى على زيادة الواو، أو محذوف، أي: أقبل يجادلنا. قال ابن الدماميني: ولم يذكر في الحديث هنا بعد لما فعلاً ماضيًا مجردًا من الفاء يصلح جوابًا للماء، بل كلها بالفاء. اهـ. قلت يحتمل أن يكون الجواب محذوفًا تقديره: لما مرض عليه الصلاة والسلام، واشتد مرضه فحضرت الصلاة، فأذن أراد عليه الصلاة والسلام استخلاف أبي بكر في الصلاة (فقال) لمن حضره (مروا) بضمتين بوزن كلوا من غير همز تخفيفًا (أبا بكر) الصديق رضي الله عنه (فليصلِّ بالناس) بتسكين اللام الأولى وابن عساكر: فليصلّي بكسرها وإثبات الياء المفتوحة بعد الثانية، والفاء عاطفة أي: فقولوا له قولي فليصل، وقد خرج بهذا الأمر أن يكون من قاعدة الأمر بالأمر بالفعل، فإن الصحيح في ذلك أنه ليس أمرًا بالفعل (فقيل له) أي قالت عائشة له عليه الصلاة والسلام: (إن أبا بكر رجل أسيف)

بهمزة مفتوحة وسين مهملة مكسورة بوزن فعيل، بمعنى فاعل من الأسف، أي؛ شديد الحزن رقيق القلب سريع البكاء (إذا قام مقامك) ولغير الأربعة: إذا قام في مقامك (لم يستطع أن يصلّي بالناس) وفي رواية مالك عن هشام عنها قالت: قلت: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمر عمر (وأعاد) عليه الصلاة والسلام (فأعادوا) أي عائشة ومن معها في البيت. نعم وقع في حديث أبي موسى فعادت، ولابن عساكر فعاودت (له) عليه الصلاة والسلام تلك المقالة: إن أبا بكر رجل أسيف، (فأعاده) عليه الصلاة والسلام المرة (الثالثة) من مقالته: مروا أبا بكر فليصل بالناس (فقال) فيه حذف بيّنه مالك في روايته الآتية إن شاء الله تعالى، ولفظه: فقالت عائشة: فقلت لحفصة قولي له: إن أبا بكر إذا قام مقامك لا يسمع الناس من البكاء، فأمر عمر، فليصلّ بالناس. ففعلت حفصة، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مه (إنكن صواحب يوسف) الصديق، أي مثلهن في إظهار خلاف ما في الباطن. فإن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن الصديق لكونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه، ومرادها زيادة على ذلك، وهو أن لا يتشاءم الناس به، وهذا مثل زليخا، استدعت النسوة وأظهرت لهنّ الإكرام بالضيافة، وغرضها أن ينظرن إلى حُسْن يوسف ويعذرنها في محبته، فعبر بالجمع في قوله: إنكن، والمراد عائشة فقط. وفي قوله: صواحب، والمراد زليخا كذلك (مروا أبا بكر فليصل بالناس) بسكون اللام الأولى. وللأصيلي وابن عساكر: فليصلّي بكسرها وياء مفتوحة بعد الثانية، وللكشميهني: للناس باللام بدل الموحدة. وفي رواية موسى بن أبي عائشة الآتية إن شاء الله تعالى: فأتى بلال إلى أبي بكر فقال له: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبو بكر، وكان رجلاً رقيقًا يا عمر، صلً بالناس. فقال له عمر: أنت أحق بذلك مني (فخرج أبو بكر) رضي الله عنه (فصلى) بالفاء وفتح اللام، ولأبوي ذر والوقت: يصلي، بالمثناة التحتية بدل الفاء وكسر اللام، وظاهره أنه شرع فيها، فلما دخل فيها (فوجد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من نفسه خفة) في تلك الصلاة نفسها، لكن في رواية موسى بن أبي عائشة: فصلّى أبو بكر تلك الأيام، ثم إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجد من نفسه خفة (فخرج يهادى) بضم أوله مبنيًّا للمفعول، أي: يمشي (بين رجلين) العباس وعلي، أو بين أسامة بن زيد والفضل بن عباس، معتمدًا عليهما متمايلاً في مشيه من شدة الضعف (كأني أنظر رجليه) ولابن عساكر: إلى رجليه (يخطّان الأرض) أي: يجرهما عليها غير معتمد عليهما (من الوجع) وسقط لفظ الأرض من رواية الكشميهني، وعند ابن ماجة وغيره من حديث ابن عباس، بإسناد حسن، فلما أحس الناس به سبّحوا (فأراد أبو بكر) رضي الله عنه (أن يتأخر فأومأ إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لضعف صوته أو لأن مخاطبة من يكون في الصلاة بالإيماء أولى من النطق، وسقط لفظ النبي في رواية الأصيلي (أن مكانك) نصب بتقدير الجزم، والهمزة مفتوحة والنون مخففة (ثم أتي به) عليه الصلاة والسلام (حتى جلس إلى جنبه) أي جنب أبي بكر الأيسر، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في رواية الأعمش، وفي رواية موسى بن أبي عائشة: فقال أجلساني إلى جنبه فأجلساه (فقيل للأعمش) سليمان بن مهران بالفاء قبل القاف، ولغير أبوي ذر والوقت وابن عساكر: قيل للأعمش (وكان) بالواو، وللأربعة: فكان (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي، وأبو بكر يصلّي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر) أي بصوته الدالّ على فعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لا أنهم مقتدون بصلاته، لئلا يلزم الاقتداء بمأموم. ويأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى، ولأبوي ذر والأصيلي وابن عساكر: والناس يصلون بصلاة أبي بكر (فقال) الأعمش (برأسه: نعم) فإن قلت: ظاهر قوله فقيل للأعمش إلخ، إنه منقطع لأن الأعمش لم يسنده، أجيب بأن في رواية أبي معاوية عنه ذكر ذلك متصلاً بالحديث، وكذا في رواية موسى بن أبي عائشة، وغيرها قاله في الفتح (رواه) وفي رواية: ورواه أي الحديث المذكور (أبو داود) الطيالسي

مما وصله البزار (عن شعبة عن الأعمش) سليمان بن مهران (بعضه) نصب بدل من ضمير رواه، ولفظ البزار: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المقدم بين يدي أبي بكر. كذا رواه مختصرًا. (وزاد معاوية) محمد بن حازم الضرير في روايته عن الأعمش، مما وصله المؤلّف في باب: الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم، عن قتيبة عنه (جلس) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن يسار أبي بكر) رضي الله عنه (فكان) وفي رواية وكان (أبو بكر يصلّي) حال كونه (قائمًا) وعند ابن المنذر من رواية مسلم بن إبراهيم عن شعيب: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى خلف أبي بكر. وعند الترمذي، والنسائي، وابن خزيمة، من رواية شعبة عن نعيم بن أبي هند عن شقيق، أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى خلف أبي بكر. فمن العلماء من رجح أن أبا بكر كان مأمومًا، لأن أبا معاوية أحفظ لحديث الأعمش من غيره، واستدلّ الطبري بهذا على أن للإمام أن يقطع الاقتداء به، ويقتدي هو بغيره من غير أن يقطع الصلاة، وعلى جواز إنشاء القدوة في أثناء الصلاة، وعلى جواز تقدّم إحرام المأموم على الإمام بناءً على أن أبا بكر كان دخل في الصلاة، ثم قطع القدوة، وائتمّ برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ومنهم من رجح أنه كان إمامًا لقول أبي بكر، الآتي في باب: من دخل ليؤم الناس ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد جزم بذلك الضياء، وابن ناصر، وقال أنه صحّ، وثبت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى خلف أبي بكر مقتديًا به في مرضه الذي مات فيه، ولا ينكر هذا إلاّ جاهل انتهى. وقد ثبت في صحيح مسلم أنه صلّى خلف عبد الرحمن بن عوف في غزوة تبوك صلاة الفجر. وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد خرج لحاجته، فقدّم الناس عبد الرحمن فصلّى بهم. فأدرك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إحدى الركعتين، فصلّى مع الناس الركعة الأخيرة. فلما سلم عبد الرحمن قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتم صلاته، فأفزع ذلك المسلمين، فأكثروا التسبيح. فلما قضى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاته، أقبل عليهم ثم قال: أحسنتم. أو قال: قد أصبتم. يغبطهم أن يصلوا لوقتها. ورواه أبو داود بنحوه أيضًا. وقد روى الدارقطني، من طريق المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ما مات نبي حتى يؤمه رجل من قومه. ورواة حديث الباب كوفيون، وفيه رواية الابن عن الأب، والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة، وكذا مسلم والنسائي وابن ماجة. 665 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: "لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ. فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ الأَرْضَ، وَكَانَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَرَجُلٍ آخَرَ". قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ لِي: وَهَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. وبه قال (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد بن زاذان التيمي الرازي (قال: أخبرنا) وللأصيلي: أخبرني، ولأبي ذر: حدّثنا (هشام بن يوسف) الصنعاني (عن معمر) بفتح الميمين وسكون العين المهملة بينهما ابن راشد البصري، (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله) بضم العين الأولى مصغرًا وفتح الثانية، ابن عتبة بن مسعود، أحد الفقهاء السبعة (قال: قالت) أم المؤمنين (عائشة:) رضي الله عنها (لما ثقل النبي) بفتح المثلثة وضم القاف أي ركضت أعضاؤه عن خفة الحركات وفي رواية لما ثقل رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واشتد وجعه، استأذن أزواجه) أي طلب منهن الإذن (أن يمرّض في بيتي فأَذِنّ) رضي الله عنهنّ (له) عليه الصلاة والسلام بفتح الهمزة وكسر الذال المعجمة وتشديد نون جماعة النسوة (فخرج بين رجلين تخطّ رجلاه الأرض، وكان) بالواو، وللأصيلي: فكان (بين العباس) ولأبوي الوقت وذر، بين عباس (ورجل) وللأربعة: وبين رجل (آخر) لم تسمِّه. (قال عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة الذكور (فذكرت ذلك لابن عباس) ولابن عساكر: فذكرت لابن عباس (ما قالت عائشة) رضي الله عنها (فقال لي: وهل تدري من الرجل الذي لم تسمِّ عائشة؟ قلت: لا. قال: هو عليّ بن أبي طالب) رضي الله عنه. زاد الإسماعيلي من رواية عبد الرزاق عن معمر: ولكن عائشة لا تطيب نفسًا له بخير، ولابن إسحاق في المغازي عن الزهري: ولكنها لا تقدر أن تذكره بخير. ورواة هذا الحديث الستة ما بين رازي ويماني وبصري ومدني، وفيه رواية تابعي عن تابعي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول. وأخرجه المؤلّف أيضًا في باب:

40 - باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله

الغسل والوضوء من المخضب والخشب والحجارة والصلاة والطب والمغازي والهبة والخمس وذكر استئذان أزواجه، ومسلم والنسائي وابن ماجة. 40 - باب الرُّخْصَةِ فِي الْمَطَرِ وَالْعِلَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي رَحْلِهِ (باب الرخصة) للرجل (في المطر) أي عند نزوله ليلاً أو نهارًاً (و) عند (العلة) المانعة له من الحضور كالمرض والخوف من ظالم والريح العاصف بالليل دون النهار والوحل الشديد (أن يصلّي في رحله) أي في منزله ومأواه وذكر العلة من عطف العامّ على الخاصّ لأنها أعمّ من أن تكون بالمطر أو غيره مما ذكرته. 666 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ: "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَذَّنَ بِالصَّلاَةِ -فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ- ثُمَّ قَالَ: أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ -إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ وَمَطَرٍ- يَقُولُ: أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ". وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال أخبرنا) وللأصيلي: حدّثنا (مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (أذن) وللأصيلي: عن ابن عمر أنه أذن (بالصلاة في ليلة ذات برد) بسكون الراء (وريح ثم قال: ألا صلوا في الرحال. ثم قال: إن رسول الله -صلّى اله عليه وسلم- كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد) بسكون الراء (ومطر يقول:) (ألا صلّوا في الرحال). والمراد البرد الشديد والحر، كالبرد بجمع المشقّة. وسواء كان ذلك المطر ليلاً أو نهارًا، وخصّوا الريح العاصف، وبالليل لعظم مشقتها فيه دون النهار، وقاس ابن عمر الريح على المطر بجامع المشقّة العامة، والصلاة في الرحال أعم من أن تكون جماعة، أو منفردًا، لكنها مظنة الانفراد. والمقصود الأصلي في الجماعة إيقاعها في المسجد. 667 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ: "أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ وَهْوَ أَعْمَى، وَأَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا تَكُونُ الظُّلْمَةُ وَالسَّيْلُ، وَأَنَا رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَصَلِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى. فَجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ؟ فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن محمود بن الربيع) بفتح الراء (الأنصاري، أن عتبان) بكسر العين المهملة وسكون المثناة الفوقية وبالموحدة، (ابن مالك) هو ابن عمرو بن العجلاني الأنصاري الخزرجي السالمي (كان يؤمّ قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا رسول الله، إنها) أي القصة (تكون الظلمة والسيل) سيل الماء. وكان تامة اكتفت بمرفوعها عن الخبر (وأنا رجل ضرير البصر) أي ناقصه، قال ابن عبد البر: كان ضرير البصر ثم عمي، ويؤيده قوله في الرواية الأخرى: وفي بصري بعض الشيء، ويقال للناقص: ضرير البصر، فإذا عمي أطلق عليه ضرير من غير تقييد بالبصر، وذكر الثلاثة: الظلمة، والسيل، ونقص البصر، وإن كان كل قدر منها كافيًا في العذر عن ترك الجماعة ليبين كثرة موانعه، وأنه حريص على الجماعة، (فصلّي يا رسول الله في بيتي مكانًا) نصب على الظرفية وإن كان محدودًا لتوغله في الإبهام، فأشبه خلف ونحوها، أو على نزع الخافض (أتخذه) بالجزم لوقوعه في جواب الأمر، أي إن تصل فيه أتخذه وبالرفع، والجملة في محل نصب صفة لمكانًا، أو مستأنفة لا محل لها (مصلّى) بضم الميم. أي: موضعًا للصلاة، (فجاءه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (أين تحب أن أصلي) من بيتك؟ (فأشار) عتبان له عليه الصلاة والسلام (إلى مكان) معين (من البيت، فصلّى فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وساق المؤلّف هذا الحديث مساق الاحتجاج به على سقوط الجماعة للعذر، لكن قد يقال إنما يدل على الرخصة في ترك الجماعة في المسجد لا على تركها مطلقًا، نعم يؤخذ من قوله: فصل يا رسول الله في بيتي مكانًا أتخذه مصلّى صحة صلاة المنفرد، إذ لو لم تصح لبيّن عليه الصلاة والسلام له ذلك بأن يقول له مثلاً: لا تصح لك في مصلاك هذا صلاة حتى تجتمع فيه مع غيرك. وفي الحديث من الفوائد جواز إمامة الأعمى، واتخاذ موضع معين من البيت مسجدًا. 41 - باب هَلْ يُصَلِّي الإِمَامُ بِمَنْ حَضَرَ؟ وَهَلْ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَطَرِ؟ هذا (باب) بالتنوين (هل يصلّي الإمام بمن حضر) من أصحاب الأعذار المرخصة للتخلّف عن الجماعة؟ (وهل يخطب) الخطيب (يوم الجمعة في المطر) إذا حضر، وهم أيضًا ويصلّي بهم الجمعة؟ نعم يصلّي ويخطب من غير كراهة في ذلك. وحينئذ فالأمر بالصلاة في الرحال للإباحة لا للندب. 668 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي رَدْغٍ، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ لَمَّا بَلَغَ "حَىَّ عَلَى الصَّلاَةِ" قَالَ قُلِ: الصَّلاَةُ فِي الرِّحَالِ، فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا، فَقَالَ: كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا، إِنَّ هَذَا فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي -يَعْنِي النَّبِيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-إِنَّهَا عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ. وَعَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: "كَرِهْتُ أَنْ أُؤَثِّمَكُمْ، فَتَجِيئُونَ تَدُوسُونَ الطِّينَ إِلَى رُكَبِكُمْ". وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) البصري وللأصيلي: ابن عبد الوهاب الحجبي، بفتح الحاء المهملة والجيم وكسر الموحدة نسبة لحجابة الكعبة الشريفة (قال: حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم الأزدي الجهضمي البصري (قال: حدّثنا عبد الحميد) بن دينار الثقة (صاحب الزيادي، قال: سمعت عبد الله بن الحرث) بالمثلثة ابن

نوفل بن الحرث بن عبد المطلب المدني، له رؤية ولأبيه ولجدّه صحبة (قال: خطبنا ابن عباس في يوم ذي ردغ) بفتح الراء وسكون الدال المهملتين آخره غين معجمة، أي ذي وحل، وفي رواية: رزغ بالزاي بدل الدال (فأمر المؤذن لما بلغ: حيّ على الصلاة. قال: قل: الصلاة) بالرفع في الفرع وأصله أي الصلاة رخصة (في الرحال) وبالنصب أي الزموها (فنظر بعضهم إلى بعض كأنهم) وللأربعة: فكأنهم (أنكروا) ذلك (فقال) ابن عباس لهم: (كأنكم أنكرتم هذا) الذي فعلته؟ (إن هذا فعله) بفتحات، وللحموي والكشميهني: بكسر الفاء وسكون العين (من هو خير مني، يعني النبي) ولأبوي ذر والوقت رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إنها) أي الجمعة (عزمة) بفتح العين وسكون الزاي متحتمة (وإني كرهت) مع كونها عزمة (أن أحرجكم) بضم الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح الجيم، أي كرهت أن أؤثمكم وأضيق عليكم، وللأصيلي: كرهت أن أخرجكم، بالخاء المعجمة بدل الحاء المهملة. (وعن حماد) بالعطف على قوله حدّثنا حماد بن زيد، وليس بمعلق، وقد أخرجه في باب: الكلام في الأذان. عن مسدد عن حماد عن أيوب وعبد الحميد وعاصم (عن عاصم) الأحول (عن عبد الله بن الحرث) المذكور (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (نحوه) أي نحو الحديث المذكور بمعظم لفظه وجميع معناه (غير أنه قال: كرهت أن أؤثمكم) بهمزة مضمومة ثم أخرى مفتوحة وتشديد المثلثة، من التأثيم من باب التفعيل. أو أوثمكم: مضارع آثمه بالمد أوقعه، في الإثم من الإيثام، من باب الأفعال، بدل أن أحرجكم، وزاد قوله (فتجيئون) بالنون أي: فأنتم تجيئون. فيقطع عن سابقه، أو منصوب عطفًا على سابقه، على لغة من يرفع الفعل، بعد أن قاله الزركشي، وتعقبه في المصابيح بأن إهمال أن قليل، والقطع كثير مقيس. فلا داعي للعدول عنه إلى الثاني، ولأبي ذر عن الكشميهني: فتجيئوا بحذف النون عطفًا على ما قبله (تدوسون) أي وأنتم تطؤون (الطين إلى ركبكم). 669 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَقَالَ: جَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ السَّقْفُ -وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ- فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ". [الحديث 669 - أطرافه في: 813، 836، 2016، 2018، 2027، 2036، 2040]. وبه قال (حدّثنا مسلم) ولغير أبوي ذر والوقت وابن عساكر: مسلم بن إبراهيم أي الأزدي البصري (قال: حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال: سألت أبا سعيد) سعد بن مالك (الخدري) رضي الله عنه أي عن ليلة القدر كما بيّنه في الاعتكاف (فقال: جاءت سحابة فمطرت حتى سال السقف) أي سال الماء الذي أصاب سقف المسجد، كسال الوادي من باب ذكر المحل وإرادة الحال (وكان) السقف (من جريد النخل) وهو القضيب الذي جرّد عنه خوصه (فأقيمت الصلاة، فرأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين في جبهته) الشريفة. ورواة هذا الحديث ما بين بصري وأهوازي ويماني ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والسؤال والقول، وأخرجه أيضًا في الاعتكاف وفي الصلاة في موضعين. وفي الصوم. وأبو داود في الصلاة، والنسائي في الاعتكاف، وابن ماجة في الصوم. 670 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: "قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: إِنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الصَّلاَةَ مَعَكَ -وَكَانَ رَجُلاً ضَخْمًا- فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَعَامًا فَدَعَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَبَسَطَ لَهُ حَصِيرًا، وَنَضَحَ طَرَفَ الْحَصِيرِ صَلَّى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ آلِ الْجَارُودِ لأَنَسٍ: أَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: مَا رَأَيْتُهُ صَلاَّهَا إِلاَّ يَوْمَئِذٍ". [الحديث 670 - طرفاه في: 1179، 6080]. وبه قال (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا أنس بن سيرين) أخو محمد بن سيرين (قال: سمعت أنسًا) رضي الله عنه، وللأصيلي: أنس بن مالك (يقول: قال رجل من الأنصار) لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والرجل، قيل: هو عتبان بن مالك أو بعض عمومة أنس، وقد يقال إن عتبان عمّ أنس مجازًا لكونهما من الخزرج، لكن كلٌّ منهما من بطن: (إني لا أستطيع الصلاة معك) أي في الجماعة في المسجد، وزاد عبد الحميد عن أنس، وإني أحب أن تأكل في بيتي وتصلي. (وكان رجلاً ضخمًا) سمينًا وأشار به إلى علة تخلفه (فصنع للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طعامًا. فدعاه إلى منزله، فبسط) بفتحات (له حصيرًا ونضح طرف الحصير) تطهيرًا أو تليينًا لها (فصلّى) بالفاء، ولغير الأربعة: صلّى (عليه) أي: على الحصير، زاد عبد الحميد وصلينا معه (ركعتين، فقال رجل من آل الجارود:) بالجيم وضم الراء وبعد الواو مهملة، ويحتمل أنه عبد الحميد بن المنذر بن الجارود، كما عند ابني ماجة وحبّان،

42 - باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة، وكان ابن عمر يبدأ بالعشاء

من حديث عبد الله بن عون، عن أنس بن سيرين عنه، عن أنس (لأنس) رضي الله عنه، وللأصيلي زيادة: ابن مالك، مستفهمًا له بالهمزة (أكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي الضحى؟ قال) أنس: (ما رأيته صلاها إلاّ يومئذٍ) نفي رؤيته، لا يستلزم نفي فعلها، فهو كقول عائشة، رضي الله عنها: ما رأيته عليه الصلاة والسلام يصلّيها. وقولها: كان يصلّيها أربعًا. فالمنفي رؤيتها له، والمثبت فعله لها، بأخباره أو بأخبار غيره فروته. وبقية مباحث ذلك تأتي، إن شاء الله تعالى، ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلّي بسائر الحاضرين عند غيبة الرجل الضخم. ورواته الأربعة ما بين عسقلاني وواسطي وبصري، وفيه التحديث والسماع والقول، وأخرجه أيضًا في الضحى والأدب، وأبو داود فى الصلاة. 42 - باب إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِالْعَشَاءِ وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مِنْ فِقْهِ الْمَرْءِ إِقْبَالُهُ عَلَى حَاجَتِهِ حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى صَلاَتِهِ وَقَلْبُهُ فَارِغٌ. هذا (باب) بالتنوين (إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة) هل يبدأ بالطعام أو بالصلاة؟ وحدد المؤلّف ذلك لينبّه على أن الحكم فيه نفيًا وإثباتًا غير مجزوم به لقوّة الخلاف فيه، (وكان ابن عمر) بن الخطاب، مما هو مذكور بمعناه في هذا الباب (يبدأ بالعشاء) بفتح العين والمدّ خلاف الغداء. (وقال أبو الدرداء،) مما وصله عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد، ومن طريقه، محمد بن نصر المروزي، في تعظيم قدر الصلاة: (من فقه المرء إقباله على حاجته) أعمّ من الطعام وغيره (حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ) من الشواغل الدنيوية، ليقف بين يدي مالكه في مقام العبودية من المناجاة على أكمل الحالات من الخضوع والخشوع الذي هو سبب للفلاح {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2] والفلاح أجمع: اسم لسعادة الدارين، وفقد الخشوع ينفيه. 671 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ». [الحديث 671 - طرفه في: 5465]. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام) هو ابن عروة (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (قال: سمعت عائشة) رضي الله عنها (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال): (إذا وضع العشاء) أي عشاء مريد الصلاة، وللمؤلّف في الأطعمة. إذا حضر، وهو أعمّ من الوضع، فيحمل قوله حضر، أي: بين يديه. لتأْتلف الروايتان لاتحاد المخرج (وأقيمت الصلاة فابدؤوا) ندبًا (بالعشاء) إذا وسع الوقت، واشتدّ التوقان إلى الأكل. واستنبط منه كراهة الصلاة حينئذٍ لما فيه من اشتغال القلب عن الخشوع المقصود من الصلاة، إلا أن يكون الطعام مما يؤتى عليه مرة واحدة: كالسويق واللبن. ولو ضاق الوقت بحيث. لو أكل خرج يبدأ بها ولا يؤخرها محافظة على حرمة الوقت، ويستحب إعادتها عند الجمهور. وهذا مذهب الشافعي وأحمد. وعند المالكية يبدأ بالصلاة إن لم يكن معلق النفس بالأكل، أو كان متعلقًا به. لكنه لا يعجله عن صلاته، فإن كان يعجله بدأ بالطعام واستحب له الإعادة والمراد بالصلاة هنا المغرب لقوله في الحديث التالي: فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب. لكن ذكر المغرب لا يقتضي الحصر فيها، فحمله على العموم أولى نظرًا إلى العلّة، وهي التشويش المفضي إلى ترك الخشوع، إلحاقًا للجائع بالصائم، وللغداء بالعشاء، لا بالنظر إلى اللفظ الوارد. 672 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلاَةَ الْمَغْرِبِ وَلاَ تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ». [الحديث 672 - طرفه في: 5463]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف (قال: حدّثنا الليث) بن سعد، إمام المصريين (عن عقيل) بضم أوله وفتح ثانيه، ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (ان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) (إذا قدم العشاء) بضم القاف وكسر الدال المشددة وفتح العين، وزاد ابن حبان والطبراني في الأوسط، من رواية موسى بن أعين، عن عمرو بن الحرث، عن ابن شهاب: وأحدكم صائم. وموسى ثقة. (فابدؤوا به) أي بالعشاء (قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم) بفتح المثناة الفوقية والجيم، وفي نسخة قيل إنها مسموعة على الأصيلي: ولا تعجلوا. بضم الفوقية وفتح الجيم من الثلاثي فيهما، وروي: تعجلوا. بضم أوّله وكسر ثالثه، من الإعجال. وفيه كالسابق دليل على تقديم فضيلة الخشوع في الصلاة على فضيلة أوّل الوقت، فإنهما لما تزاحما قدم الشارع الوسيلة إلى حضور القلب على أداء الصلاة في أوّل الوقت. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين مصري وإيلي ومدني،

43 - باب إذا دعي الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكل

وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في موضع آخر. 673 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ، وَلاَ يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ وَتُقَامُ الصَّلاَةُ، فَلاَ يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإِمَامِ. [الحديث 673 - أطرافه في: 674، 5464]. وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين وفتح الموحدة، القرشي الكوفي الهباري، بفتح الهاء والموحدة الثقيلة (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (عن عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة، ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدؤوا) أنتم (بالعشاء) بفتح العين (ولا يعجل) أحدكم (حتى يفرغ) من معكم (منه) بالإفراد نظرًا إلى لفظ أحد، والجمع في: فابدؤوا نظرًا إلى ضمير أحدكم. قاله الطيبي. وأجاب البرماوي بأن النكرة في الشرط تعم، فيحتمل أن الجمع لأجل عموم أحد. انتهى. وإضافة عشاء لأحدكم تخرج عشاء غيره. نعم، لو كان جائعًا واشتغل خاطره بطعام غيره فلينتقل إلى مكان غير ذلك المكان، أو يأكل ما يُزيل به اشتغاله، ليتفرغ قلبه لمناجاة ربه في صلاته. ويؤيد هذا عموم قوله في رواية مسلم، من حديث عائشة: لا صلاة بحضرة الطعام. واستدل بعض الشافعية والحنابلة بقوله: فبدؤوا. على تخصيص ذلك بمن لم يشرع في الأكل. وأما من شرع فيه ثم أقيمت الصلاة، فلا يتمادى، بل يقوم إلى الصلاة. لكن صنيع ابن عمر بن الخطاب الذي أشار إليه المؤلّف بقوله: (وكان ابن عمر) مما هو موصول عطفًا على المرفوع السابق (يوضع له الطعام) وهو أعم من العشاء، (وتقام الصلاة) مغربًا أو غيرها، لكن رواة السراج من طريق يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع بلفظ: وكان ابن عمر إذا حضر عشاؤه (فلا يأتيها) أي الصلاة (حتى يفرغ) من أكله. (وإنه يسمع قراءة الإمام) وللكشميهني: وإنه ليسمع، بلام التأكيد يبطل ذلك. قال النووي: وهو الصواب، وتعقب بأن صنيع ابن عمر اختيار له وإلاّ فالنظر إلى المعنى يقتضي ما ذكروه، لأنه يكون قد أخذ من الطعام ما يدفع به شغل البال. نعم. الحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا، ولا يتقيد بكل ولا بعض. 674 - وَقَالَ زُهَيْرٌ وَوَهْبُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَلاَ يَعْجَلْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ، وَإِنْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ». رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ وَهْبِ بْنِ عُثْمَانَ، وَوَهْبٌ مَدِينِيٌّ. (وقال زهير) بضم الزاي وفتح الهاء، ابن معاوية الجعفي، مما وصله أبو عوانة في مستخرجه (ووهب بن عثمان) مما ذكر المصنف أن شيخه إبراهيم بن المنذر، رواه عنه كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى، (عن موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): (إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه وإن أقيمت الصلاة) (رواه) وفي رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي: قال أبو عبد الله، أي: البخاري، رواه أي: الحديث المذكور (إبراهيم بن المنذر) أي شيخه (عن وهب بن عثمان) السابق (ووهب مديني) بالياء بين الدال المكسورة والنون، وفي رواية: مدني بإسقاطها. وفتح الدال، وكلاهما نسبة لطيبة، رزقنا الله العود إليها بمنّه وكرمه على أحسن حال، غير أن القياس فتح الدال والحديث من تعاليقه لا غير. 43 - باب إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلاَةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ هذا (باب) بالتنوين (إذا دعي الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكل) أي الذي يأكله، أو وبيده الأكل أي المأكول. 675 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُ ذِرَاعًا يَحْتَزُّ مِنْهَا، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِّينَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى الأويسي المدني (قال: حدّثنا إبراهيم) بن سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (جعفر بن عمرو) بفتح العين (ابن أمية أن أباه) عمرو بن أمية رضي الله عنه (قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل ذراعًا) من الشاة (يحتز منها) بالحاء المهملة والزاي أي يقطع من لحمها بالسكين (فدعي إلى الصلاة) بضم الدال، دعاه بلال إليها (فقام) إليها (فطرح السكين) ألقاها من يده (فصلّى ولم يتوضأ) قدم عليه الصلاة والسلام الصلاة على الأكل، وأمر غيره بتقديم الأكل لعله أخذ من خاصة نفسه بالعزيمة، وأمر غيره بالرخصة، لأنه لا يقوى على مدافعة الشهوة قوّته. والاستدلال بفعله عليه الصلاة والسلام من كونه ألقى الكتف أثناء أكله منها على أن الأمر في قوله: فابدؤوا بالعشاء، للندب لا للإيجاب، إذ لو كان تقديم أكل واجبًا لما قام عليه الصلاة

44 - باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج

والسلام إلى الصلاة متعقب باحتمال أن يكون عليه الصلاة والسلام قضى حاجته من الأكل، فلا تتم الدلالة. ورواة هذا الحديث مدنيون، وفيه التحديث بالجمع والإخبار بالإفراد والعنعنة والقول. 44 - باب مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَخَرَجَ (باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج) إليها وترك تلك الحاجة، وهذا بخلاف حضور الطعام، فإن فيه زيادة وتشوّق تشغل القلب، ولو ألحقت به لم يبق للصلاة وقت في الغالب. 676 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ -تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ. [الحديث 676 - طرفاه في: 5363، 6039]. وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا الحكم) بفتح الحاء المهملة والكاف، ابن عتيبة تصغير عتبة (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (قال: سألت عائشة رضي الله عنها) فقلت لها مستفهمًا: (ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله) بفتح الميم وقد تكسر مع سكون الهاء فيهما، وأنكر الأصمعي الكسر، قال آدم بن أبي إياس في تفسيرها: (تعني) عائشة (في خدمة أهله) نفسه أو أعم، كتفليته ثوبه، وحلبه شاته، تواضعًا منه عليه الصلاة والسلام، وللمستملي وحده: في مهنة بيت أهله، وإضافة البيت للأهل لملابسة السكنى ونحوها، وإلاّ فالبيت له عليه الصلاة والسلام، واسم كان ضمير الشأن، وكررها القصد الاستمرار والمداومة وتفسير آدم للمهنة موافق للجوهري، لكن فسرها في المحكم، بالحذق بالخدمة والعمل. (فإذا حضرت الصلاة) ولابن عرعرة: فإذا سمع الأذان (خرج) عليه الصلاة والسلام (إلى الصلاة) وترك حاجة أهله. وهذا موضع الدلالة للترجمة. وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة والسؤال، وأخرجه أيضًا في الأدب والنفقات، والترمذي في الزهد وقال: صحيح. 45 - باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهْوَ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلاَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسُنَّتَهُ (باب من صلّى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم) بضم الياء وفتح العين وتشديد اللام مكسورة (صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسنته) بالنصب عطفًا على صلاة. 677 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: "جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا فَقَالَ: إِنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلاَةَ، أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي. فَقُلْتُ لأَبِي قِلاَبَةَ: كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي؟ قَالَ: مِثْلَ شَيْخِنَا هَذَا، قَالَ: وَكَانَ شَيْخًا يَجْلِسُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى". [الحديث 677 - أطرافه في: 802، 818، 824]. وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثنا وهيب) بضم الواو تصغير وهب، ابن خالد صاحب الكرابيسي (قال: حدّثنا أيوب) بن أبي تميمة السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف، عبد الله بن زيد الجرمي (قال: جاءنا مالك بن الحويرث) بضم الحاء المهملة وفتح الواو آخره مثلثة، الليثي (في مسجدنا هذا) مسجد البصرة (فقال:) وللأصيلي قال: (اني لأصلي بكم) بالموحدة، وللأصيلي: لأصلي لكم: باللام أي لأجلكم، ولام للتأكيد وهي مفتوحة، (وما أريد الصلاة) لأنه ليس وقت فرضها، أو كان قد صلاها، لكني أريد تعليمكم صفتها المشروعة بالفعل كما فعل جبريل عليه الصلاة والسلام، إذ هو أوضح من القول مع نيّة التقرب بها إلى الله، أو ما أريد الصلاة فقط، بل أريدها وأريد معها قرابة أخرى، وهي تعليمها. فنية التعليم تبعًا، فيجتمع نيتان صالحتان في عمل واحد، كالغسل بنية الجنابة والجمعة، (أصلي) هذه الصلاة (كيف) أي على الكيفية التي (رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) وكيف، نصب بفعل مقدّر، أي، لأريكم كيف رأيت. لكن كيفية الرؤية لا يمكن أن يريهم إياها، فالمراد لازمها وهو كيفية صلاته عليه الصلاة والسلام كما نبّه عليه الكرماني وأتباعه. قال أيوب السختياني: (فقلت لأبي قلابة: كيف كان يصلّى؟ قال:) كان يصلّي (مثل) صلاة (شيخنا هذا) هو عمرو بن سلمة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في باب: اللبث بين السجدتين (قال) أيوب (وكان) أي عمرو (شيخًا) بالتنكير، وللأربعة: وكان الشيخ (يجلس) جلسة خفيفة للاستراحة (إذا رفع رأسه من السجود) الثاني (قبل أن ينهض في الركعة الأولى) وهو سُنّة عندنا خلافًا لأبي حنيفة ومالك وأحمد، وحملوا جلوسه عليه الصلاة والسلام على سبب ضعف كان به، أو بعدما كبر وأسنّ. وتعقب بأن حمله على حالة الضعف بعيد، والأصل غيره، وبأن سنّه عليه الصلاة والسلام لا يقتضي عجزه عن النهوض، لا سيما وهو موصوف بمزيد القوة التامة، فثبتت المشروعية. والسُّنّة في هذه المجلسة الافتراش للاتباع، رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. والجار والمجرور يتعلق بقوله: من السجود أي السجود الذي في الركعة الأولى، لا ينهض، لأن النهوض يكون منها لا فيها. ورواة هذا الحديث الخمسة

46 - باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة

بصريون، وفيه تابعي عن تابعي عن صحابي والتحديث، والعنعنة، والقول، وأخرجه أيضًا في الصلاة، وكذا أبو داود والنسائي. 46 - باب أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ هذا (باب) بالتنوين (أهل العلم والفضل أحق بالإمامة) من غيرهم ممن ليس عنده علم. 678 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: "مَرِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ، فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ، إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. فَعَادَتْ. فَقَالَ: مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 678 - طرفه في: 3385]. وبالسند قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (إسحاق بن نصر) بالصاد المهملة الساكنة، نسبة إلى جده لشهرته به، واسم أبيه إبراهيم (قال: حدّثنا حسين) هو ابن علي بن الوليد الجعفي الكوفي (عن زائدة) بن قدامة (عن عبد الملك بن عمير) بضم العين وفتح الميم، ابن سويد الكوفي، (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو بردة) عامر بن أبي موسى (عن أبي موسى) عبد الله الأشعري (قال: مرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مرضه الذي مات فيه (فاشتد مرضه) وحضرت الصلاة (فقال) لمن حضره: (مروا أبا بكر) رضي الله عنه (فليصل بالناس) بسكون اللام، ولابن عساكر: فليصلّي بكسرها، وإثبات ياء مفتوحة بعد الثانية، أي: فقولوا له قولي: فليصل بالناس. (قالت عائشة) ابنته رضي الله عنها: (إنه رجل رقيق) قلبه (إذا قام مقامك لم يستطع) من البكاء لكثرة حزنه ورقة قلبه (أن يصلّي بالناس) (قال) عليه الصلاة والسلام للحاضرين (مروا) وللأربعة: مري (أبا بكر) أمرًا لعائشة (فليصل بالناس) بسكون اللام مع الجزم بحذف حرف العلة، ولابن عساكر والأصيلي: فليصلّي بالناس، بكسرها وإثبات الياء المفتوحة، كقراءة: يتقي ويصبر، برفع يتقي، وجزم يصبر. (فعادت) عائشة إلى قوله: إنه رجل رقيق إلخ. (فقال) عليه الصلاة والسلام لها (مري أبا بكر فليصلِّ بالناس) بسكون اللام، ولابن عساكر: فليصلّي بكسر اللام مع زيادة الياء المفتوحة آخره، (فإنكن) بلفظ الجمع على إرادة الجنس، وإلا فالقياس أن يقول: فإنك، بلفظ المفردة (صواحب يوسف) الصديق عليه الصلاة والسلام، تظهرن خلاف ما تبطن كهنّ. وكان مقصود عائشة أن لا يتطيّر الناس بوقوف أبيها مكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كإظهار زليخا إكرام النسوة بالضيافة، ومقصودها أن ينظرن إلى حُسْن يوسف ليعذرنها في محبته (فأتاه الرسول) بلال بتبليغ الأمر، والضمير المنصوب لأبي بكر فحضر (فصلّى بالناس في حياة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى أن توفاه الله تعالى. والإمامة الصغرى تدل على الكبرى، ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، فإن أبا بكر أفضل الصحابة، وأعلمهم وأفقههم، كما يدل عليه مراجعة الشارع بأنه هو الذي يصلّي، والأصح أن الأفقه أولى بالإمامة من الإقرار الأورع، وقيل: الأقرأ أولى من الآخرين، حكاه في شرح المهذّب. ويدل له فيما قيل حديث مسلم: إذا كانوا ثلاثة فليؤمّهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم. وأجيب بأنه في المستوين في غير القراءة كالفقه، لأن أهل العصر الأول كانوا يتفقهون مع القراءة فلا يوجد قارئ إلاّ وهو فقيه، فالحديث في تقديم الأقرأ من الفقهاء المستوين على غيره. ورواة حديث الباب الستة كوفيون غير شيخ المؤلّف، وفيه رواية تابعى عن تابعي عن صحابي، والتحديث بالإفراد والجمع، والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في أحاديث الأنبياء، ومسلم في الصلاة. 679 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي مَرَضِهِ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ. فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَهْ، إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ. فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا". وبه قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة (عن عائشة أم المؤمنين) رضي الله عنها، كذا رواه حماد عن مالك موصولاً، وهو في أكثر نسخ الموطأ مرسلاً لم يذكر عائشة، وسقط أم المؤمنين لأبي ذر (أنها قالت: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال في مرضه:) الذي توفي فيه: (مروا أبا بكر يصلّي بالناس) (قالت عائشة) رضي الله عنها: (قلت: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء) لرقة قلبه، (فمر عمر) بن الخطاب (فليصل بالناس) بالموحدة، وللكشميهني. للناس باللام بدلها، ولابن عساكر: فليصلّي بكسر اللام وإثبات ياء مفتوحة بعد الثانية (فقالت) ولأبوي ذر والوقت: قالت (عائشة) رضي الله عنها: (فقلت) بالفاء، ولأبي ذر: قلت (لحفصة) بنت عمر: (قولي له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس

من البكاء، فمر عمر فليصل) بالجزم، ولابن عساكر: فليصلّي (للناس) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: بالناس، بالموحدة بدل اللام، ولأبي ذر: يصلّي بالناس بإسقاط الفاء واللام (ففعلت حفصة) ذلك (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (مه) اسم فعل مبني على السكون، زجر بمعنى: اكففي (إنكن) ولأبي ذر في نسخة: فإنكن (لأنتنّ صواحب يوسف) عليه الصلاة والسلام، أي مثلهن. قال الشيخ عز الدّين ابن عبد السلام: وجه التشبيه بهنّ وجود مكر في القصتين، وهو مخالفة الظاهر لما في الباطن، فصواحب يوسف أتين زليخا ليعتبنها، ومقصودهنّ أن يدعون يوسف لأنفسهن، وعائشة رضي الله عنها، كان مرادها أن لا يطير الناس بأبيها لوقوفه مكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكن تعقبه الحافظ ابن حجر بأن سياق الآية ليس فيه ما يساعده على ما قاله: (مروا أبا بكر فليصل بالناس) وللكشميهني: للناس باللام، ولابن عساكر: فليصلّي بالناس. (فقالت حفصة لعائشة) رضي الله عنها (ما كنت لأصيب منك خيرًا). 680 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ -وَكَانَ تَبِعَ النَّبِيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَدَمَهُ وَصَحِبَهُ- أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الاِثْنَيْنِ وَهُمْ صُفُوفٌ فِي الصَّلاَةِ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتْرَ الْحُجْرَةِ يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَهْوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ. فَهَمَمْنَا أَنْ نَفْتَتِنَ مِنَ الْفَرَحِ بِرُؤْيَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ، وَظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَارِجٌ إِلَى الصَّلاَةِ، فَأَشَارَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، وَأَرْخَى السِّتْرَ، فَتُوُفِّيَ مِنْ يَوْمِهِ". [الحديث 680 - أطرافه في: 681، 754، 1205، 4448]. وبه قال (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك الأنصاري) رضي الله عنه، (وكان تبع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في العقائد والأفعال والأقوال والأذكار والأخلاق (وخدمه) عشر سنين، (وصحبه) فشرف بترقّيه في مدارج السعادة، وفاز بالحسنى وزيادة، (أن أبا بكر) الصديق رضي الله عنه (كان يصلّي بهم) إمامًا في المسجد النبوي، ولغير أبي ذر: يصلّي لهم (في وجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين) يرفع يوم على أن كان تامة، وبنصبه على الخبرية (وهم صفوف في الصلاة) جملة حالية (فكشف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ستر الحجرة) حال كونه (ينظر إلينا) وللكشميهني: فنظر إلينا، (وهو قائم، كأن وجهه ورقة مصحف) بفتح الراء وتثليث ميم مصحف، ووجه التشبيه: رقة الجلد وصفاء البشرة، والجمال البارع (ثم تبسم) عليه الصلاة والسلام حال كونه (يضحك) أي ضاحكًا فرحًا باجتماعهم على الصلاة، واتفاق كلمتهم، وإقامة شريعته: ولهذا استنار وجهه الكريم، لأنه كان إذا سر استنار وجهه، ولابن عساكر: ثم تبسم فضحك، بفاء العطف (فهممنا) أي قصدنا (أن نفتتن) بأن نخرج من الصلاة (من الفرح برؤية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فنكص أبو بكر رضي الله عنه على عقبيه) بالتثنية أي رجع القهقرى (ليصل الصف) أي: ليأتي إلى الصف (وظن أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أن أتموا صلاتكم، وأرخى الستر، فتوفي) عليه الصلاة والسلام، وللكشميهني: وتوفي (من يومه). 681 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "لَمْ يَخْرُجِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثًا، فَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَقَدَّمُ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحِجَابِ فَرَفَعَهُ، فَلَمَّا وَضَحَ وَجْهُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا نَظَرْنَا مَنْظَرًا كَانَ أَعْجَبَ إِلَيْنَا مِنْ وَجْهِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ وَضَحَ لَنَا. فَأَوْمَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ، وَأَرْخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحِجَابَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ". وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين، عبد الله بن عمر المنقري المقعد البصري (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (قال: حدّثنا عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس) وللأصيلي: أنس بن مالك (قال: لم يخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاثًا) أي ثلاثة أيام، وكان ابتداؤها من حين خرج عليه الصلاة والسلام فصلّى بهم قاعدًا (فأقيمت الصلاة، فذهب أبو بكر) حال كونه (يتقدم) ولأبي ذر: فتقدم، (فقال) أي أخذ (نبيّ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحجاب) الذي على الحجرة (فرفعه، فلما وضح) أي ظهر (وجه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ما رأينا) وللكشميهني: ما نظرنا (منظرًا كان أعجب إلينا من وجه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين وضح) أي ظهر (لنا، فأومأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده إلى أبي بكر أن يتقدم) أي بالتقدم إلى الصلاة ليؤم بهم (وأرخى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-الحجاب فلم يقدر عليه حتى مات) بضم المثناة التحتية وسكون القاف وفتح الدال مبنيًّا للمفعول، وللأصيلي: نقدر بالنون المفتوحة وكسر الدال، وفيه أن أبا بكر كان خليفة في الصلاة إلى موته عليه الصلاة والسلام ولم يعزل كما زعمت الشيعة أنه عزل بخروجه عليه الصلاة والسلام وتقدمه وتخلف أبي بكر. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وأخرجه مسلم في الصلاة. 682 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "لَمَّا اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَعُهُ قِيلَ لَهُ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَرَأَ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ. قَالَ: مُرُوهُ فَيُصَلِّي. فَعَاوَدَتْهُ قَالَ: مُرُوهُ فَيُصَلِّي، إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ". تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى الْكَلْبِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ عُقَيْلٌ وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال

47 - باب من قام إلى جنب الإمام لعلة

(حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي، نزيل مصر، المتوفى بها سنة ثمان أو سبع وثلاثين ومائتين (قال: حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: حدّثني (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن حمزة) بالزاي أخي سالم (بن عبد الله، أنه أخبره عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (قال: لما اشتد برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجعه) الذي مات فيه (قيل له في) شأن (الصلاة، فقال:) عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر قال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس) بالباء، ولابن عساكر: فليصلّي، بكسر اللام الأولى وياء بعد الثانية. (قالت عائشة: إن أبا بكر رجل رقيق) قلبه (إذا قرأ غلبه البكاء، قال:) (مروه فيصلّي) بغير لام بعد الفاء، ولابن عساكر: فيصلّي بلام مكسورة بعد الفاء، وياء مفتوحة بعد اللام الثانية، ولأبي ذر والأصيلي، وفي نسخة لابن عساكر: فليصل، بسكون اللام الأولى وحذف الياء الأخيرة، (فعاودته) عائشة، ولأبي ذر: بنون الجمع. أي عائشة ومن حضر معها من النساء. (قال) عليه الصلاة والسلام، ولأبي ذر والأصيلي: فقال: (مروه فيصلّي) وللأصيلي وأبي ذر: فليصل، ولابن عساكر: بالياء المفتوحة بعد اللام (إنكن) ولأبي ذر والأصيلي: فإنكن (صواحب يوسف). ورواة هذا الحديث ما بين كوفي ومصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه النسائي في عشرة النساء (تابعه) أيّ تابع يونس بن يزيد (الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة، محمد بن الوليد الحمصي، مما وصله الطبراني في مسند الشاميين من طريق عبد الله بن سالم الحمصي. عنه موصولاً موقوفًا (وابن أخي الزهري) محمد بن مسلم، مما وصله ابن عدي من رواية الدراوردي عنه، (وإسحاق بن يحيى الكلبي) الحمصي، مما وصله أبو بكر بن شاذان البغدادي، في نسخة: إسحاق بن يحيى، رواية يحيى بن صالح، الثلاثة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب. (وقال عقيل) بضم العين وفتح القاف، ابن خالد الأيلي مما وصله الذهلي في الزهريات (وقال معمر): بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة، ابن راشد، مما اختلف فيه فرواه عنه عبد الله بن المبارك مرسلاً، مما أخرجه ابن سعد وأبو يعلى من طريقه، ورواه عبد الرزاق عن معمر موصولاً، إلا أنه قال: عن عائشة بدل قوله: عن أبيه. كذا أخرجه مسلم (عن الزهري عن حمزة) بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). 47 - باب مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّةٍ (باب من قام) من المصلين (إلى جنب الإمام لعلّة) اقتضت ذلك. 683 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأْخَرَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ". وبالسند قال: (حدّثنا زكريا بن يحيى) البلخي (قال: حدّثنا) وللأصيلي: قال أخبرنا (ابن نمير) عبد الله (قال: أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) أم المؤمنين (رضي الله عنها، قالت: أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبا بكر) الصديق رضي الله عنه (أن يصلّي بالناس في مرضه) الذي توفي فيه؛ (فكان يصلّي بهم). (قال عروة) بن الزبير بالإسناد السابق (فوجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) ولأبوي ذر والوقت؛ والأصيلي؛ وابن عساكر: من (نفسه خفة، فخرج فإذا أبو بكر يؤم الناس؛ فلما رآه أبو بكر استأخر) أي تأخر؛ وفي اليونينية هنا مكتوب: إليه مرقوم عليه علامة السقوط للأربعة مضروب عليه (فأشار إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أن كما أنت) أي: كالذي أنت عليه أو فيه من الإمامة؛ فما موصولة، وأنت مبتدأ حذف خبره، والكاف للتشبيه. أي: ليكن حالك في المستقبل مشابَها لحالك في الماضي، أو الكاف زائدة، أي: الزم الذي أنت عليه، وهو الإمامة (فجلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حذاء أبي بكر) محاذيًا له بحيث لم يتقدم عقب أحدهما على عقب الآخر (إلى جنبه) لا خلفه ولا قدامه، واستشكل مطابقته للترجمة من حيث أن فيها من قام إلى جنب الإمام، وأجيب بأنه كان قائمًا في الابتداء، جالسًا في الانتهاء إلى جنبه، أو أنه قاس بالقيام على الجلوس، أو أن أبا بكر هو القائم إلى جنب الإمام، وهو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال البرماوي وهذا أظهر، والأصل

48 - باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول فتأخر الأول أو لم يتأخر جازت صلاته. فيه عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

تقدم الإمام على المأموم في الموقف، فإن تقدم بطلت صلاته، وتكره مساواته كما في المجموع، إلا إن ضاق المكان، أو لم يكن إلا مأموم واحد، وكذا لو كانوا عراة. ويقف بمكة خلف الإمام وليستديروا، ولو قربوا إلى الكعبة إلا في جهته. (فكان أبو بكر) قائمًا (يصلّي بصلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهو قاعد (والناس) قائمون (يصلون بصلاة أبي بكر) كالمبلغ لهم، وسقط لفظ يصلون في رواية أبي ذر. وفي الحديث صحة قدوة القائم بالقاعد، والمضطجع والقاعد بالمضطجع، لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى في مرض موته قاعدًا وأبو بكر والناس قيامًا، فهو ناسخ في الصحيحين وغيرها، إنما جعل الإمام ليؤتم به، من قوله: وإذا صلّى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعين، وقيس المضطجع على القاعد، فقدوة القاعد به من باب أولى. وفي حديث الباب، التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم في الصلاة. 48 - باب مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ فَتَأَخَّرَ الأَوَّلُ أَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ جَازَتْ صَلاَتُهُ. فِيهِ عَائِشَةُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب من دخل) المحراب مثلاً (ليؤمّ الناس) نائبًا عن الإمام الراتب، (فجاء الإمام) الأوّل الراتب (فتأخر الأوّل) الذي أراد أن ينوب عن الراتب، فهو أول بالنسبة لهذه الصلاة، وذاك أوّل لكونه راتبًا، فالقرينة صارفة العينية إلى الغيرية على ما لا يخفى، وللأصيلي في نسخة: فتأخر الآخر (أو لم يتأخر جازت صلاته). أي في التأخر وعدمه ما روته (عائشة) رضي الله عنها (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فالأول، ما رواه عنها عروة في الباب السابق، ولفظه: فلما رآه استأخر، والثاني، ما رواه عبيد الله عنها في باب حدّ المريض، ولفظه: فأراد أن يتأخر. 684 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ، فَحَانَتِ الصَّلاَةُ، فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسُ فِي الصَّلاَةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، فَصَفَّقَ النَّاسُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاَتِهِ. فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِ امْكُثْ مَكَانَكَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ؟ مَنْ رَابَهُ شَىْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيُسَبِّحْ، فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ". [الحديث 684 - أطرافه في: 1291، 1204، 1218، 1234، 2690، 2693، 7190]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي حازم بن دينار) بالحاء المهملة والزاي، واسمه سلمة (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين (الساعدي) الأنصاري، رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذهب) في أناس من أصحابه بعد أن صلّى الظهر (إلى بني عمرو بن عوف) بفتح العين فيهما، ابن مالك من الأوس، والأوس أحد قبيلتي الأنصار، وكانت منازلهم بقباء (ليصلح بينهم)، لأنهم اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، (فحانت الصلاة) أي صلاة العصر (فجاء المؤذن) بلال (إلى أبي بكر) بأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حيث قال له كما عند الطبراني، إن حضرت صلاة العصر ولم آتك فمر أبا بكر فليصلّ بالناس، (فقال) له (أتصلي للناس) باللام، وللأصيلي: بالناس في أوّل الوقت، أو تننتظر قليلاً ليأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فرجع عند أبي بكر المبادرة لأنها فضيلة متحققة فلا تترك لفضيلة متوهمة. (فأقيم). بالرفع، خبر مبتدأ محذوف، أي: فأنا أقيم، أو بالنصب جواب الاستفهام. (قال:) أبو بكر رضي الله عنه. (نعم) أقم الصلاة إن شئت، (فصلّى أبو بكر) أي: دخل في الصلاة (فجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والناس) دخلوا مع أبي بكر (في الصلاة) جملة حالية، (فتخلص) من شق الصفوف (حتى وقف في الصف) الأوّل، وهو جائز للإمام، مكروه لغيره. وفي رواية مسلم فخرق الصفوف حتى قام عند الصف، وفي رواية عبد العزيز: يمشي في الصفوف: (فصفق الناس) أي ضرب كل يده بالأخرى حتى سمع لها صوت، لكن في رواية عبد العزيز: فأخذ الناس في التصفيح، بالحاء المهملة. قال سهل: أتدرون ما التصفيح؟ هو التصفيق، وهو يدل على ترادفهما عنده. (وكان أبو بكر) رضي الله عنه (لا يلتفت في صلاته) لأنه اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة الرجل، رواه ابن خزيمة: (فلما أكثر الناس التصفيق التفت) رضي الله عنه (فرأى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأشار إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أن امكث مكانك) أي أشار إليه بالمكث (فرفع أبو بكر رضي الله عنه يديه) بالتثنية (فحمد الله) تعالى بلسانه (على ما أمره به) ولأبي ذر في نسخة وأبي الوقت: على ما أمر به (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ذلك) أي من الوجاهة في الدين، وليس في رواية الحميدي عن سفيان حيث قال: فرفع أبو بكر رأسه إلى السماء شكرًا لله تعالى، ما يمنع ظاهر قوله:

49 - باب إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم

فحمد الله من تلفظه بالحمد (ثم استأخر) أي تأخر (أبو بكر) رضي الله عنه من غير استدبار للقِبلة ولا انحراف عنها (حتى استوى في الصف، وتقدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصلّى) بالناس. واستنبط منه: أن الإمام الراتب إذا حضر بعد أن دخل نائبه في الصلاة يتخير: بين أن يأتم به أو يؤم هو، ويصير النائب مأمومًا، من غير أن يقطع الصلاة، ولا تبطل بشيء من ذلك صلاة أحد من المأمومين. والأصل عدم الخصوصية خلافًا للمالكية، وفيه جواز إحرام المأموم قبل الإمام، وإن المرء قد يكون في بعض صلاته إمامًا وفي بعضها مأمومًا. (فلما انصرف) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الصلاة (قال): (يا أبا بكر ما منعك أن تثبت) في مكانك (إذ) أي حين (أمرتك). (فقال أبو بكر) رضي الله عنه (ما كان لابن أبي قحافة) بضم القاف وتخفيف الحاء المهملة وبعد الألف فاء، عثمان بن عامر، أسلم في الفتح وتوفي سنة أربع عشرة في خلافة عمر رضي الله عنه، وعبر بذلك دون أن يقول: ما كان لي أو لأبي بكر، تحقيرًا لنفسه واستصغارًا لمرتبته (أن يصلّي بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: قدامه إمامًا به. (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ من رابه) بالراء، وللأربعة: نابه أي أصابه (شيء في صلاته فليسبح) أي فليقل: سبحان الله، كما في رواية يعقوب بن أبي حازم (فإنه إذا سبح التفت إليه) بضم المثناة الفوقية مبنيًّا للمفعول (وإنما التصفيق للنساء). زاد الحميدي والتسبيح للرجال. وبهذا قال مالك، والشافعي وأحمد، وأبو يوسف، والجمهور. وقال أبو حنيفة ومحمد: متى أتى بالذكر جوابًا بطلت صلاته، وإن قصد به الإعلام بأنه في الصلاة لم تبطل، فحملا التسبيح المذكور على قصد الإعلام بأنه في الصلاة، من نابه، على نائب مخصوص، وهو إرادة الإعلام بأنه في الصلاة. والأصل عدم هذا التخصيص لأنه عامّ لكونه في سياق الشرط، فيتناول كلاًّ منهما. فالحمل على أحدهما من غير دليل لا يصار إليه، لا سيما التي هي سبب الحديث، لم يكن القصد فيها إلاّ تنبيه الصديق على حضوره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأرشدهم صلوات الله عليه وسلامه إلى أنه كان حقهم عند هذا النائب التسبيح، ولو خالف الرجل المشروع في حقه وصفق لم تبطل صلاته، لأن الصحابة صفقوا في صلاتهم ولم يأمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالإعادة، لكن ينبغي أن يقيد بالقليل، فلو فعل ذلك ثلاث مرات متواليات بطلت صلاته لأنه ليس مأذونًا فيه. وأما قوله عليه الصلاة والسلام: ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ مع كونه لم يأمرهم بالإعادة، فلأنهم لم يكونوا علموا امتناعه: وقد لا يكون حينئذٍ ممتنعًا، أو أراد إكثار التصفيق من مجموعهم، ولا يضرّ ذلك إذا كان كل واحد منهم لم يفعله ثلاثًا. واستنبط منه. أن التابع إذا أمره المتبوع بشيء يفهم منه إكرامه به لا يتحتم عليه ولا يكون تركه مخالفة للأمر، بل أدبًا وتحريًا في فهم المقاصد. وبقية ما يستنبط منه يأتي إن شاء الله تعالى في محاله. ورواته الأربعة ما بين تنيسي ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في الصلاة في مواضع، وفي الصلح والأحكام، ومسلم وأبو داود والنسائي. 49 - باب إِذَا اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ هذا (باب) بالتنوين (إذا استووا) أي الحاضرون للصلاة (في القراءة فليؤمهم أكبرهم) سنًّا. 685 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: "قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ شَبَبَةٌ فَلَبِثْنَا عِنْدَهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَحِيمًا فَقَالَ: لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى بِلاَدِكُمْ فَعَلَّمْتُمُوهُمْ، مُرُوهُمْ فَلْيُصَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ». وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) بفتح الحاء وسكون الراء المهملتين آخره موحدة (قال: حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم، (عن أيوب) السختياني، (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي، (عن مالك بن الحويرث) بالحاء المهملة المضمومة آخره مثلثة، مصغرًا (قال: قدمنا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في نفر من قومي (ونحن شببة) بفتح الشين المعجمة والموحدتين، جمع شاب زاد في الأدب: متقاربون أي في السن. (فلبثنا عنده) عليه الصلاة والسلام (نحوًا من عشرين ليلة) بأيامها (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رحيمًا) زاد في رواية ابن علية وعبد الوهاب: رفيقًا، فظن أنّا اشتقنا إلى أهالينا، فسألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه (فقال): (لو رجعتم إلى بلادكم فعلمتموهم) دينهم

50 - باب إذا زار الإمام قوما فأمهم

(مروهم) استئناف كأنه قيل: ماذا نعلمهم؟ فقال: مروهم (فليصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم) سنًا في الإسلام. أي عند تساويهم في شروط الإمامة، وإلاَّ فالأفقه والأقرأ مقدّمان عليه، والأوّل على الثاني، لأنه يحتاج في الصلاة إلى الأفقه لكثرة الوقائع بخلاف الأقرأ، فإن ما يحتاج إليه من القراءة مضبوط. وقيل: الأقرأ مقدّم عليه. حكاه في شرح المهذّب. ويدل له ما في حديث مسلم: إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم. وأجيب بأنه في المستوين في غير القراءة. كالفقه، لأن الصحابة كانوا يتفقهون مع القراءة، فلا يوجد قارئ إلاّ وهو فقيه. فالحديث في تقديم الأقرأ من الفقهاء المستوين في غيره. 50 - باب إِذَا زَارَ الإِمَامُ قَومًا فَأَمَّهُمْ هذا (باب) بالتنوين (إذا زار الإمام قومًا فأمّهم) في الصلاة بإذنهم له. 686 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: "اسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَذِنْتُ لَهُ، فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ، فَقَامَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا". وبالسند قال: (حدّثنا معاذ بن أسد) المروزي، نزيل البصرة (قال: أخبرنا) وللأصيلي: حدّثنا (عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (محمود بن الربيع) بفتح الراء، الأنصاري (قال: سمعت عتبان بن مالك) بكسر العين الأنصاري الأعمى (قال: استأذن النبي) وللكشميهني: استأذن عليّ النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأذنت له، فقال:) (أين تحب أن أصلي من بيتك). (فأشرت له إلى المكان الذي أحب فقام) عليه الصلاة والسلام، (وصففنا) بفتح الفاء الأولى وسكون الثانية جمع للمتكلم، وفي رواية: وصفّنا بتشديد الفاء، أي فصفّنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (خلفه، ثم سلم وسلمنا) ولأبي ذر، وابن عساكر: فسلمنا، بالفاء بدل الواو. واستنبط منه أن مالك الدار أولى بالإمامة. وأن الإمام الأعظم أو نائبه، في محل ولايته، أولى من المالك. وكذا الأفقه. وفي مسلم: لا يُؤمّن الرجل في سلطانه. وفي رواية لأبي داود: في بيته ولا في سلطانه. فإن قلت إن الإمام الأعظم سلطان على المالك فلا يحتاج إلى استئذانه، أجيب: بأن في الاستئذان رعاية الجانبين. ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصريّ ومروزي ومدني، وفيه رواية تابعي عن تابعي، وصحابي عن صحابي، والتحديث والإخبار. إلى هنا سقطت الأبواب والتراجم، ومن هنا سقط الأبواب دون التراجم من سماع كريمة، كذا في اليونينية. 51 - باب إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ وَصَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ بِالنَّاسِ وَهْوَ جَالِسٌ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إِذَا رَفَعَ قَبْلَ الإِمَامِ يَعُودُ فَيَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا رَفَعَ ثُمَّ يَتْبَعُ الإِمَامَ. وَقَالَ الْحَسَنُ -فِيمَنْ يَرْكَعُ مَعَ الإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ: يَسْجُدُ لِلرَّكْعَةِ الآخِرَةِ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَقْضِي الرَّكْعَةَ الأُولَى بِسُجُودِهَا. وَفِيمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً حَتَّى قَامَ: يَسْجُدُ. هذا (باب) بالتنوين (إنما جعل الإمام ليؤتَم به) أي: ليُقتدى به في أفعال الصلاة، بأن يتأخر ابتداء فعل المأموم عن ابتداء فعل الإمام، ويتقدم ابتداء فعل المأموم على فراغ الإمام، فلا يجوز له التقدّم عليه ولا التخلّف عنه. نعم يدخل في عموم قوله: إنما جعل الإمام ليؤتم به، التخصيص كما أشار إليه المؤلّف بقوله مصدرًا به الباب، مما وصله فيما سبق عن عائشة رضي الله عنها: (وصلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرضه الذي توفي فيه بالناس وهو جالس) أي والناس خلفه قيامًا، ولم يأمرهم بالجلوس. فدلّ على دخول التخصيص في العموم السابق. (وقال ابن مسعود) رضي الله عنه، مما وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح بمعناه: (إذا رفع) المأموم رأسه من الركوع أو السجود (قبل الإمام، يعود بقدر ما رفع ثم يتبع الإمام). مذهب الشافعي: إذا تقدم المأموم بفعل، كركوع وسجود، إن كان بركنين، وهو عامد عالم بالتحريم بطلت صلاته وإلا فلا. (وقال الحسن) البصري، مما وصله ابن المنذر في كتابه الكبير، ورواه سعيد بن منصور عن هشيم. عن يونس عنه بمعناه، (فيمن يركع مع الإمام ركعتين ولا يقدر على السجود) لزحام ونحوه، والغالب كون ذلك يحصل في الجمعة؛ (يسجد للركعة الآخرة) ولأبي ذر وابن عساكر: الأخيرة، (سجدتين، ثم يقضي الركعة الأولى بسجودها) إنما لم يقل الثانية لاتصال الركوع الثاني به، وهذا وجه عند الشافعية، والأصح أنه يحسب ركوعه الأول لأنه أتى به وقت الاعتداد بالركوع، والثاني للمتابعة، فركعته، ملفقة من ركوع الأولى وسجود الثانية الذي يأتي به، ويدرك بها الجمعة في الأصح. (و) قال الحسن أيضًا، مما وصله ابن أبي شيبة بمعناه (فيمن نسي سجدة حتى قام: يسجد) أي يطرح

القيام الذي فعله على غير نظم الصلاة ويجعل وجوده كالعدم. 687 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: "دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ: أَلاَ تُحَدِّثِينِي عَنْ مَرَضِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: بَلَى، ثَقُلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ. قَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ. قَالَتْ: فَفَعَلْنَا فَاغْتَسَلَ فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ. قَالَتْ: فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: ضَعُوا لِي مَاءً فِي الْمِخْضَبِ، فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: أَصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا: لاَ، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ- وَالنَّاسُ عُكُوفٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُونَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِصَلاَةِ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ- فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِأَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -وَكَانَ رَجُلاً رَقِيقًا- يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ. فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الأَيَّامَ. ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ -أَحَدُهُمَا الْعَبَّاسُ- لِصَلاَةِ الظُّهْرِ، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَتَأَخَّرَ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَنْ لاَ يَتَأَخَّرَ، قَالَ: أَجْلِسَانِي إِلَى جَنْبِهِ، فَأَجْلَسَاهُ إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهْوَ يَأْتَمُّ بِصَلاَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسُ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاعِدٌ". قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لَهُ: أَلاَ أَعْرِضُ عَلَيْكَ مَا حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ عَنْ مَرَضِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: هَاتِ. فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَدِيثَهَا. فَمَا أَنْكَرَ مِنْهُ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: أَسَمَّتْ لَكَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْعَبَّاسِ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ هُوَ عَلِيٌّ. وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه لجده لشهرته به، واسم أبيه عبد الله التميمي اليربوعي الكوفي (قال: حدّثنا زائدة) بن قدامة البكري الكوفي (عن موسى بن أبي عائشة) الهمداني الكوفي (عن عبيد الله) بالتصغير (بن عبد الله بن عتبة) بضم العين وسكون المثناة الفوقية، ابن مسعود، أحد الفقهاء السبعة، وسقط عند الأربعة: ابن عتبة (قال: دخلت على عائشة) رضي الله عنها (فقلت) لها: (ألا) بالتخفيف للعرض والاستفتاح (تحدّثيني عن مرض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قالت: بلى،) أحدّثك، (ثقل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم القاف، اشتد مرضه، فحضرت الصلاة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أصلّى الناس)؟ (قلنا: لا. هم) ولأبي ذر: فقلنا: لا يا رسول الله، وهم. ولأبي الوقت: فقلنا: لا هم (ينتظرونك قال): (ضعوا لي ماء) ولأبي ذر عن المستملي والحموي: ضعوني، أي أعطوني ماء. أو على نزع الخافض، أي: ضعوني في ماء (في المخضب) بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الضاد المعجمتين، ثم موحدة: المركن، وهو الإحانة. (قالت) عائشة (ففعلنا) ما أمر به (فاغتسل) وللمستملي: ففعلنا فقعد فاغتسل (فذهب) وللكشميهني: ثم ذهب (لينوء) بنون مضمومة ثم همزة، أي: لينهض بجهد ومشقة (فأغمي عليه) واستنبط منه جواز الإغماء على الأنبياء لأنه مرض من الأمراض بخلاف الجنون فإنه نقص، وقد كملهم الله تعالى بالكمال التام. (ثم أفاق فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أصلّى الناس)؟ (قلنا: لا). أي لم يصلوا، (هم ينتظرونك يا رسول الله، قال): ولغير الأربعة: فقال: (ضعوا لي) وللحموي والكشميهني: ضعوني (ماء في المخضب)، وفي رواية: في ماء في المخضب (قالت) عائشة رضي الله عنها: (فقعد) عليه الصلاة والسلام (فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال) (أصلى الناس) (قلنا): ولغير الأربعة: فقلنا: (لا. هم ينتظرونك يا رسول الله، فقال): وللأربعة: قال (ضعوا لي) وللحموي والكشميهني: ضعوني (ماء في المخضب) (فقعد) وللكشميهني؛ قعد (فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال): (أصلّى الناس)؟ (فقلنا) وللأربعة: قلنا (لا. هم ينتظرونك يا رسول الله، والناس عكوف) مجتمعون (في المسجد ينتظرون النبي) ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لصلاة العشاء الآخرة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: الصلاة العشاء الآخرة. كأن الراوي فسر الصلاة المسؤول عنها في قوله: أصلّى الناس؟ أي الصلاة المسؤول عنها هي العشاء الآخرة، أو المراد: ينتظرون الصلاة العشاء الآخرة. (فأرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أبي بكر) رضي الله عنه (بأن يصلّي بالناس، فأتاه الرسول فقال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمرك أن تصلي بالناس. فقال أبو بكر: وكان رجلاً رقيقًا) لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، تواضعًا منه: (يا عمر، صلِّ بالناس) أو قال ذلك، لأنه فهم أن أمر الرسول في ذلك ليس للإيجاب أو للعذر المذكور، (فقال له عمر: أنت أحق بذلك) مني، أي لفضيلتك، أو لأمر الرسول إياك، (فصلّى أبو بكر تلك الأيام) التي كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها مريضًا، (ثم إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجد من نفسه خفة، فخرج) بالفاء للكشميهني وللباقين: وخرج (بين رجلين، أحدهما العباس) والآخر علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، (لصلاة الظهر). صرّح إمامنا الشافعي بأنه عليه الصلاة والسلام لم يصلِّ بالناس في مرض موته إلاّ هذه الصلاة التي صلّى فيها قاعدًا فقط، وفي ذلك ردّ على من زعم أنها الصبح، مستدلاً بقوله في رواية ابن عباس، المروي في ابن ماجة، بإسناد حسن. وأخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القراءة من حيث بلغ أبو بكر، ولا دلالة في ذلك، بل يحمل على أنه عليه الصلاة والسلام، لما قرب من أبي بكر سمع منه الآية التي كان انتهى إليها، لكونه كان يسمع القراءة فى السرية أحيانًا، كالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، (وأبو بكر يصلّي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأن لا يتأخر) ثم (قال) للعباس وللآخر:

(أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى جنب أبي بكر، قال: فجعل أبو بكر يصلّي وهو قائم) كذا للكشميهني وللباقين: يأتم (بالصلاة النبي) وللأصيلي: بصلاة رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والناس) يصلون (بصلاة أبي بكر) أي بتبليغه، (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاعد) وأبو بكر والناس قائمون. فهو حجة واضحة لصحة إمامة القاعد المعذور للقائم. وخالف في ذلك مالك في المشهور عنه، ومحمد بن الحسن فيما حكاه الطحاوي. وقد أجاب الشافعي، عن الاستدلال، بحديث جابر عن الشعبي مرفوعًا: لا يؤمنّ أحد بعدي جالسًا، فقال: قد علم من احتج بهذا أن لا حجة له فيه، لأنه مرسل ومن رواية رجل يرغب أهل العلم عن الرواية عنه أي جابر الجعفي. ودعوى النسخ لا دليل عليها يحتج به. (قال) ولأبوي ذر والوقت: وقال (عبيد الله) بن عبد الله بن عتبة بن مسعود (فدخلت على عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما (فقلت له) مستفهمًا للعرض عليه: (ألا أعرض عليك ما حدّثتني) به (عائشة عن مرض النبي) ولأبي ذر وابن عساكر: عن مرض رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال) ابن عباس: (هات). بكسر آخره (فعرضت عليه حديثها) هذا (فما أنكر منه شيئًا، غير أنه قال أسمّت لك الرجل الذي كان مع العباس؟ قلت: لا، قال: هو علي) ولأبي ذر والأصيلي: علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ورواة هذا الحديث خمسة، والثلاثة الأُول منهم كوفيون، وفيه التحديث والعنعنة والقول. وأخرجه مسلم والنسائي. 688 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِهِ وَهْوَ شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا». [الحديث 688 - أطرافه في: 1113، 1236، 5658]. وبه قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة أم المؤمنين) رضي الله عنها (أنها قالت: صلّى رسول الله) وللأصيلي صلّى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيته) أي مشربته التي في حجرة عائشة بمن حضر عنده (وهو شاك) بتخفيف الكاف، وأصله شاكي، نحو قاض أصله قاضي، استثقلت الضمة على الياء فحذفت وللأربعة: شاكي، بإثبات الياء على الأصل، أي موجع من فك قدمه بسبب سقوطه عن فرسه، (فصلّى) حال كونه (جالسًا، وصلّى وراءه قوم) حال كونهم (قيامًا، فأشار إليهم) عليه الصلاة والسلام، وللحموي: عليهم (أن أجلسوا، فلما انصرف) من الصلاة (قال) (إنما جعل الإمام ليؤتم به) ليقتدى به ويتبع، ومن شأن التابع أن يأتي بمثل فعل متبوعه ولا يسبقه ولا يساويه (فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلّى جالسًا فصلوا جلوسًا) زاد أبو ذر، وابن عساكر بعد قوله فارفعوا: وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، بواو العطف. ولغير أبي ذر بحذفها. واستدلّ أبو حنيفة بهذا على أن وظيفة الإمام التسميع، والمأموم التحميد، وبه قال مالك وأحمد في رواية. وقال الشافعي، وأحمد، وأبو يوسف، ومحمد: يأتي بهما لأنه قد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع بينهما، كما سيأتي قريبًا، والسكوت عنه هنا لا يقتضي ترك فعله، والمأموم فيجمع بينهما أيضًا خلافًا للحنفية. 689 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكِبَ فَرَسًا فَصُرِعَ عَنْهُ، فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَصَلَّى صَلاَةً مِنَ الصَّلَوَاتِ وَهْوَ قَاعِدٌ، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: قَوْلُهُ: «إِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا». هُوَ فِي مَرَضِهِ الْقَدِيمِ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا، لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْقُعُودِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ بِالآخِرِ فَالآخِرِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأصبحي الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركب فرسًا، فصرع) بضم الصاد المهملة وكسر الراء، أي: سقط (عنه) أي: عن الفرس (فجحش) بجيم مضمومة ثم حاء مهملة مكسرة، أي: خدش (شقّه الأيمن) بأن قشر جلده (فصلّى صلاة من الصلوات) المكتوبات وقيل من النوافل، (وهو) عليه الصلاة والسلام (قاعد، فصلّينا وراءه قعودًا) أي بعد أن كانوا قيامًا وأومأ لهم عليه الصلاة والسلام بالقعود، (فلما انصرف) عليه الصلاة والسلام من الصلاة، (قال): (إنما جعل الإمام ليؤتم) ليقتدى (به) في الأفعال الظاهرة، ولذا يصلّي الفرض خلف النفل، والنفل خلف الفرض، حتى الظهر خلف الصبح، والمغرب والصبح خلف الظهر في الأظهر. نعم إن اختلف فعل الصلاتين كمكتوبة وكسوف أو جنازة فلا على الصحيح، لتعذر المتابعة. هذا

52 - باب متى يسجد من خلف الإمام؟

مذهب الشافعي، وقال غيره: يتابعه في الأفعال والنيّات مطلقًا (فإذا صلّى قائمًا فصلّوا قيامًا) وسقط: هذا، في رواية عطاء (فإذا) بالفاء، ولأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر: وإذا (ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد. وإذا صلّى قائمًا فصلوا قيامًا) وسقط من قوله: وإذا صلّى إلخ. ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر، (وإذا صلّى جالسًا) أي في جميع الصلاة، لا أن المراد منه جلوس التشهّد، وبين السجدتين إذ لو كان مرادًا لقال: وإذا جلس فاجلسوا ليناسب قوله فإذا سجد فاسجدوا (فصلوا جلوسًا أجمعون) بالرفع على أنه تأكيد لضمير الفاعل في قوله صلوا. ولأبوي ذر والوقت: أجمعين، بالنصب على الحال، أي جلوسًا مجتمعين. قال البدر الدماميني أو تأكيد لجلوسًا وكلاهما لا يقول به البصريون لأن ألفاظ التوكيد معارف، أو على التأكيد لضمير مقدر منصوب، أي أعنيكم أجمعين. (وقال أبو عبد الله) أي البخاري: (قال الحميدي) بضم الحاء، عبد الله بن الزبير المكي: (قوله): (إذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا) (هو في مرضه القديم، ثم صلّى بعد ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في مرض موته، حال كونه (جالسًا، والناس خلفه قيامًا) بالنصب على الحال، ولأبي ذر: قيام (لم يأمرهم بالقعود، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النبي) وللأصيلي: من فعل رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، أي فما كان قبله مرفوع الحكم. وفي رواية ابن عساكر سقط لفظ: قال أبو عبد الله. وزاد في رواية: قال الحميدي. هذا منسوخ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى في مرضه الذي مات فيه والناس خلفه قيام لم يأمرهم بالقعود. 52 - باب مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإِمَامِ؟ قَالَ أَنَسٌ: فَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا. هذا (باب متى يسجد من) أي الذي (خلف الإمام) إذا اعتدل أو جلس بين السجدتين؟ (قال أنس) رضي الله عنه، ولأبوي ذر والوقت، وقال أنس، وزاد أبو الوقت وذر وابن عساكر: عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فإذا) بالفاء، وللمستملي: وإذا (سجد فاسجدوا). وهذا التعليق، قال الحافظ ابن حجر: هو طرف من حديثه الماضي في الباب الذي قبله، لكن في بعض طرقه دون بعض، وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب: إيجاب التكبير من رواية الليث، عن الزهري، بلفظه انتهى. وقد اعترضه العيني فقال: ليست هذه اللفظة في الحديث الماضي، وإنما، هي في باب: إيجاب التكبير، وهذا عجيب منه كيف اعترضه بعد قوله، لكن في بعض طرقه دون بعض فليتأمل. 690 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ وَهْوَ غَيْرُ كَذُوبٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) الثوري (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي، بفتح العين فيهما وفتح السين وكسر الموحدة في الثالث، (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن يزيد) بفتح المثناة التحتية وكسر الزاي، الخطمي، بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء (قال: حدّثني) بالإفراد وللأصيلي: حدّثنا (البراء) وللأصيلي: البراء بن عازب رضي الله عنهما، (وهو) أي: عبد الله بن يزيد الخطمي (غير كذوب) في قوله: حدّثني البراء، فالضمير لا يعود عليه لأن الصحابة عدول لا يحتاجون إلى تعديل، وهذا قول يحيى بن معين، وهو مبني على قوله: إن عبد الله بن يزيد غير صحابي، أو الضمير عائد على البراء، ومثل هذا لا يوجب تهمة في الراوي، إنما يوجب حقيقة الصدق له. وقد قال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهذا قول الخطابي، واعترض بعضهم التنظير المذكور، فقال له: كأنه لم يلم بشيء من علم البيان للفرق الواضح بين قوّلنا: فلان صدوق، وفلان غير كذوب. لأن في الأول إثبات الصفة للموصوف، وفي الثاني نفي ضدّها عنه. قال: والسر فيه أن نفي الضد كأنه وقع جوابًا لمن أثبته، بخلاف إثبات الصفة. انتهى. وفرق في فتح الباري بينهما بأنه يقع في الإثبات بالمطابقة، وفي النفي بالالتزام، واستشكل صاحب المصابيح إيراد هذه الصيغة في مقام التزكية لعدم دلالة اللفظ على انتفاء الكذب مطلقًا. فإن كذوبًا للمبالغة والكثرة، فلا يلزم من نفيها نفي أصل الكذب، والثاني هو المطلوب. لكن قد يقال: يحتمل بمعونة القرائن ومناسبة المقام أن المراد نفي مطلق الكذب لا نفي الكثير منه. (قال) أي البراء (كان

53 - باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام

رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قال): (سمع الله لمن حمده) بكسر الميم (لم يحن) بفتح الياء وكسر النون وضمها. يقال: حنيت العود وحنوته، أي: لم يقوس (أحد منّا ظهره، حتى يقع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حال كونه (ساجدًا). وفي عين: يقع الرفع والنصب، ولإسرائيل عن ابن إسحاق: حتى يقع جبهته على الأرض (ثم نقع) بنون المتكلم مع غيره، والعين رفع فقط، حال كوننا (سجودًا بعده) جمع ساجد، أي بحيث يتأخر ابتداء فعلهم عن ابتداء فعله عليه الصلاة والسلام، ويتقدم ابتداء فعلهم على فراغه عليه الصلاة والسلام من السجود، إذ أنه لا يجوز التقدم على الإمام ولا التخلّف عنه. ولا دلالة فيه على أن المأموم لا يشرع في الركن حتى يتمه الإمام، خلافًا لابن الجوزي. ورواة هذا الحديث ستة، وفيه صحابي عن صحابي ابن صحابي، كلاهما من الأنصار سكنا الكوفة، وفيه التحديث جميعًا وإفرادًا، والعنعنة، والقول، وأخرجه المؤلّف، وكذا مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ نَحْوَهُ بِهَذَا. [الحديث 690 - طرفاه في: 747، 811]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين، وفي رواية: قال، أي: المؤلّف، وحدّثنا أبو نعيم (عن سفيان) الثوري (عن أبي اسحاق) السبيعي (نحوه) أي الحديث (بهذا). وقد سقط قوله حدّثنا أبو نعيم إليّ بهذا عند الأصيلي وابن عساكر، وثبت جميع ذلك ما عدا بهذا عند أبي ذر، وكذا في الفرع، وعزا الحافظ ابن حجر ثبوت الكل لرواية المستملي وكريمة، والإسقاط للباقين. 53 - باب إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ (باب إثم من رفع رأسه) من السجود، أو منه ومن الركوع (قبل الإمام). 691 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ -أَوْ لاَ يَخْشَى أَحَدُكُمْ- إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ، أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ». وبالسند قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) السلمي الأنماطي البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن زياد) الجمحي المدني البصري السكن (سمعت) ولأبي ذر قال: سمعت (أبا هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (أما يخشى أحدكم -أو ألا يخشى أحدكم-) فالشك من الراوي، وأما وألا بهمزة الاستفهام التوبيخي، وتخفيف الميم واللام قبلها واو ساكنة، حرفا استفتاح. ولأبي ذر عن الكشميهني: أوَ لاَ بتحريك الواو، وفي الأخرى: وألا يخشى أحدكم (إذا رفع رأسه) أي من السجود، فهو نص في السجود لحديث حفص بن عمر، عن شعبة المروي في أبي داود: الذي يرفع رأسه والإمام ساجد، ويلتحق به الركوع لكونه في معناه، ونص على السجود المنطوق فيه لمزيد مزية فيه، لأن المصلي أقرب ما يكون فيه من ربه، ولأنه غاية الخضوع المطلوب، كذا قرره في الفتح، وتعقبه صاحب العمدة بأنه لا يجوز تخصيص رواية البخاري برواية أبي داود، ولأن الحكم فيهما سواء. ولو كان الحكم مقصورًا على الرفع من السجود، لكان لدعوى التخصيص وجه. قال: وتخصيص السجدة بالذكر في رواية أبي داود، من باب: سرابيل تقيكم الحرّ، ولم يعكس الأمر، لأن السجود أعظم. (قبل) رفع (الإمام أن يجعل الله رأسه) التي جنت بالرفع (رأس حمار) حقيقة بأن يمسخ إذ لا مانع من وقوع المسخ في هذه الأمة، كما يشهد له حديث أبي مالك الأشعري في المعازف، الآتي إن شاء الله تعالى في الأشربة، لأن فيه ذكره الخسف، وفي آخره: ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة. أو تحول هيئته الحسية أو المعنوية، كالبلادة الموصوف بها الحمار، فاستعير ذلك للجاهل، ورد بأن الوعيد بأمر مستقبل. وهذه الصفة حاصلة في فاعل ذلك عند فعله ذلك (أو يجعل الله صورته صورة حمار) بالشك من الراوي، والنصب عطفًا على الفعل السابق. ولمسلم: أن يجعل الله وجهه وجه حمار. ولابن حبّان؛ أن يحول الله رأسه رأس كلب. والظاهر أن الاختلاف حصل من تعدّد الواقعة، أو هو من تصرف الرواة. ثم إن ظاهر الحديث يقتضي تحريم الفعل المذكور للتوعد عليه بالمسخ، وبه جزم النووي في المجموع، لكن تجزئ الصلاة. وقال ابن مسعود لرجل سبق إمامه: لا وحدك صليت، ولا بإمامك اقتديت. ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين بصري وواسطي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه الأئمة الستة. 54 - باب إِمَامَةِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى وَكَانَتْ عَائِشَةُ يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ مِنَ الْمُصْحَفِ وَوَلَدِ الْبَغِيِّ وَالأَعْرَابِيِّ وَالْغُلاَمِ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «يَؤُمُّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ». (باب) حكم (إمامة العبد والمولى) أي المعتق. ولابن عساكر: والموالي بالجمع. (وكانت عائشة) رضي الله عنها، وفي رواية: وكان عائشة، مما

55 - باب إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه

وصله الشافعي وعبد الرزاق (يؤمها عبدها ذكوان من المصحف) وهو يومئذ غلام لم يعتق، وهذا مذهب الشافعي، وأبي يوسف ومحمد لأنه لم يقترن به ما يبطل الصلاة. وقال أبو حنيفة: يفسدها لأنه عمل كثير، نعم الحر أولى من العبد. (وولد البغي) بالجر عطفًا على المولى وفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد المثناة أي الزانية لأنه ليس عليه من وزرها شيء، (والأعرابي) الذي يسكن البادية، وإلى صحة إمامته ذهب الجمهور، خلافًا لمالك، لغلبة الجهل على سكان البادية، (والغلام) المميز (الذي لم يحتلم) بالجر فيه على العطف كسابقه، وهذا مذهب الشافعي. وقال الحنفية: لا تصح إمامته للرجال في فرض ولا نفل. وتصح لمثله. وقال المالكية، لا تصح في فرض، وبغيره تصح، وإن لم تجز. وقال المرداوي من الحنابلة: وتصح إمامة صبي لبالغ وغيره في نفل وفي فرض بمثله فقط، (لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث مسلم وأصحاب السنن: (يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله) قال المؤلّف: (ولا يمنع العبد من الجماعة) ولابن عساكر: عن الجماعة أي من حضورها (بغير علة) وللأصيلي: لغير علة، أي ضرورة لسيده، لأن حق الله تعالى مقدم على حقه. 692 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ الْعُصْبَةَ -مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ- قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا". [الحديث 692 - طرفه في: 7175]. وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي المدني (قال: حدّثنا أنس بن عياض) بكسر العين المهملة (عن عبيد الله) العمري، بضم العين فيهما (عن نافع) مولى ابن عمر، (عن ابن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي عن عبد الله بن عمر (قال: لما قدم المهاجرون الأولون) من مكة (العصبة) بفتح العين وإسكان الصاد المهملتين بعدها موحدة، أو بضم العين منصوب على الظرفية لقدم، هو (موضع) ولأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر: موضعًا، بالنصب بدل أو بيان (بقباء، قبل مقدم رسول الله) ولأبوي ذر والوقت: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المدينة، (كان يؤمّهم سالم) بالرفع اسم كان (مولى أبي حذيفة) هشام بن عتبة بن ربيعة قبل أن يعتق، وإنما قيل له مولى أبي حذيفة لأنه لازمه بعد أن أعتق، فتبناه، فلما نهوا عن ذلك، قيل له: مولاه (وكان) سالم (أكثرم) أي المهاجرين الأولين (قرأنًا) بالنصب على التمييز، وهذا سبب تقديمهم له مع كونهم أشرف منه. ووجه مطابقة هذا الحديث للترجمة، كون إمامة سالم بهم قبل عتقه، كما مر. ورواته كلهم مدنيون، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أبو داود في الصلاة. 693 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ». [الحديث 693 - طرفاه في: 696، 7142]. وبه قال: (حدّثنا) ولابن عساكر: حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج. (قال: حدّثني) بالإفراد ولأبوي ذر والوقت: حدّثنا (أبو التياح) بفتح المثناة الفوقية والتحتية آخره مهملة يزيد بن حميد الضبعي (عن أنس) وللأصيلي، زيادة ابن مالك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (اسمعوا وأطيعوا) فيما فيه طاعة الله (وإن استعمل) بضم المثناة، مبنيًّا للمفعول، أي: وإن جعل عاملاً عليكم عبد (حبشي كأن رأسه زبيبة) في شدة السواد، أو لقصر الشعر وتفلفله. فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟ أجيب بأنه: إذا أمر بطاعته أمر بالصلاة خلفه. ورواته ما بين بصري وواسطي، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والأحكام، وابن ماجة في الجهاد. 55 - باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ الإِمَامُ وَأَتَمَّ مَنْ خَلْفَهُ هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يتم الإمام) الصلاة بل قصرها (وأتم من خلفه) من المقتدين به، لا يضرهم ذلك. وهذا مذهب الشافعية كالمالكية، وبه قال أحمد، وعند الحنفية: إن صلاة الإمام متضمنة صلاة المقتدين صحة وفسادًا، ولابن عساكر: أتم من خلفه بغير واو. 694 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ». وبالسند قال: (حدّثنا الفضل بن سهل) البغدادي المعروف بالأعرج، المتوفى ببغداد يوم الاثنين لثلاث بقين من صفر سنة خمس وخمسين ومائتين، قبل المؤلّف بسنة (قال: حدّثنا الحسن بن موسى) بفتح الحاء (الأشيب) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة آخره موحدة بينهما مثناة تحتية مفتوحة، الكوفي، سكن بغداد، وأصله من خراسان، قاضي حمص والموصل وطبرستان، (قال: حدّثنا) بالجمع، وللأصيلي: حدّثني (عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار) مولى عبد الله بن عمر المدني (عن زيد بن أسلم)

56 - باب إمامة المفتون والمبتدع

مولى عمر بن الخطاب (عن عطاء بن يسار) بفتح المثناة التحتية وتخفيف المهملة، مولى أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله قال): (يصلون) أي الأئمة (لكم) أي لأجلكم (فإن أصابوا) في الأركان والشروط والسُّنن (فلكم) ثواب صلاتكم (ولهم) ثواب صلاتهم، كما عند أحمد. أو المراد إن أصابوا الوقت، لحديث ابن مسعود المروي في النسائي وغيره، بسند حسن، وفيه لعلكم تدركون أقوامًا يصلون الصلاة لغير وقتها، فإن أدركتموهم، فصلوا في بيوتكم في الوقت الذي تعرفون، ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة. أو المراد ما هو أهم من ترك إصابة الوقت، فلأحمد في هذا الحديث: فإن صلوا الصلاة لوقتها، وأتموا الركوع والسجود، فهي لكم ولهم (وان أخطؤوا) ارتكبوا الخطيئة في صلاتهم ككونهم محدثين (فلكم) ثوابها (وعليهم) عقابها. فخطأ الإمام في بعض غير مؤثر في صحة صلاة المأموم إذا أصاب، فلو ظهر بعد الصلاة أن الإمام جنب، أو محدث، أو في بدنه أو ثوبه نجاسة خفية، فلا تجب إعادة الصلاة على المؤتم به، بخلاف النجاسة الظاهرة، لكن قطع صاحب التتمة والتهذيب، وغيرهما بأن النجاسة كالحدث، ولم يفرقوا بين الخفية وغيرها. وظاهر قوله: أخطؤوا يدل على ما هو أعم مما ذكر، كالخطأ في الأركان، وهو وجه عند الشافعية، بشرط أن يكون الإمام هو الخليفة الأو نائبه، والأصح لا. ومذهب الحنفية أن صلاة الإمام متضمنة صلاة المأموم صحة وفسادًا، كما مرّ لحديث الحاكم وقال: صحيح عن سهل بن سعد: الإمام ضامن، يعني: صلاتهم ضمن صلاته صحة وفسادًا. ورواة هذا الحديث الستة ما بين بغدادي وكوفي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وتفرد بإخراجه البخاري. 56 - باب إِمَامَةِ الْمَفْتُونِ وَالْمُبْتَدِعِ وَقَالَ الْحَسَنُ صَلِّ وَعَلَيْهِ بِدْعَتُهُ. (باب) حكم (إمامة المفتون) الذي فتن بذهاب ماله وعقله، فضلّ عن الحق (و) حكم إمامة (المبتدع) بدعة قبيحة تخالف الكتاب والسُّنّة والجماعة. (وقال الحسن) البصري، مما وصله سعيد بن منصور، (صل) خلف المبتدع (وعليه بدعته). 695 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ "أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ -رضي الله عنه- وَهْوَ مَحْصُورٌ فَقَالَ: إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ، وَنَزَلَ بِكَ مَا تَرَى، وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ. فَقَالَ: الصَّلاَةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ". (قال أبو عبد الله) أي المؤلّف، وللأصيلي: وقال محمد بن إسماعيل، وسقط لابن عساكر وأبي الوقت (وقال لنا محمد بن يوسف) الفريابي، مذاكرة، أو هو مما تحمله إجازة أو مناولة عرضًا، وإنما يعبر المؤلّف بذلك للموقوف دون المرفوع (حدّثنا) عبد الرحمن بن عمرو (الأوزاعي، قال: حدّثنا) ابن شهاب (الزهري عن حميد بن عبد الرحمن) بضم الحاء وفتح الميم، ابن عوف (عن عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة (بن عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين وتشديد المثناة التحتية (بن خيار) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف المثناة التحتية وبالراء، ولأبي الوقت والهروي وابن عساكر: الخيار المدني التابعى، أدرك الزمن النبوي لكنه لم يثبت له رؤية، وتوفي زمن الوليد بن عبد الملك (أنه دخل على عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وهو محصور) أي محبوس في الدار، والجملة حالية (فقال) له: (إنك إمام عامّة) بالإضافة، أي إمام جماعة، (ونزل بك ما ترى) بالمثناة الفوقية، ولأبي ذر ما نرى بالنون، أي من الحصار، وخروج الخوارج عليك (ويصلي لنا) أي يؤمنا (إمام فتنة) أي: رئيسها عبد الرحمن بن عديس البلوي، أحد رؤوس المصريين الذين حصروا عثمان، أو هو كنانة بن بشر أحد رؤوسهم أيضًا، قال في فتح الباري: وهو المراد هنا (ونتحرج) أي نتأثم بمتابعته، أي نخاف الوقوع في الإثم (فقال) عثمان (الصلاة) مبتدأ خبره (أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم) فلا يضرك كونه مفتونًا بفسق وبجارحة أو اعتقاد، بل إذا أحسن فوافقه على إحسانه، واترك ما افتتن به. وهذا مذهب الشافعية. خلافًا للمالكية حيث قالوا: بدعم صحة الصلاة خلف الفاسق بالجارحة، وقال ابن بزيزة منهم: المشهور إعادة من صلّى خلف صاحب كبيرة، وأما الفاسق بالاعتقاد: كالحروري والقدري، فيعيد من صلّى خلفه في الوقت على المشهور. واستثنى الشافعية مما سبق منكري العلم بالجزئيات، وبالمعدوم، ومن يصرح بالتجسيم، فلا يجوز الاقتداء بهم كسائر الكفار، وتصح خلف مبتدع يقول بخلق القرآن أو بغيره من البدع التي

57 - باب يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواء إذا كانا اثنين

لا يكفر بها صاحبها. (وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم) من قول أو فعل أو اعتقاد. ورواة هذا الحديث خمسة، وفيه ثلاثة من التابعين، والتحديث، والعنعنة والقول. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: "لاَ نَرَى أَنْ يُصَلَّى خَلْفَ الْمُخَنَّثِ إِلاَّ مِنْ ضَرُورَةٍ لاَ بُدَّ مِنْهَا". (وقال الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة، محمد بن الوليد الشامي الحمصي (قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (لا نرى أن يصلّى) بضم المثناة التحتية وفتح اللام (خلف المخنث) بفتح النون، من يؤتى في دبره، وبكسرها من فيه تثن وتكسر خلقة كالنساء، أي من يتشبّه بهنّ عمدًا، لأن الإمامة لأهل الفضل، والمخنث مفتتن لتشبهه بالنساء، كإمام الفتنة والمبتدع، فإن كلاًّ مفتون في طائفته، فكرهت إمامته، (إلاّ من ضرورة لا بدّ منها)، كأن يكون صاحب شوكة، أو من جهته، فلا تعطل الجماعة بسببه. 696 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي ذَرٍّ: «اسْمَعْ وَأَطِعْ وَلَوْ لِحَبَشِيٍّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ». وبه قال (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن أبان) البلخي، مستملي وكيع (قال: حدّثنا غندر) محمد بن جعفر، ابن امرأة شعبة (عن شعبة) بن الحجاج (عن أبي التياح) يزيد بن حميد (أنه سمع أنس بن مالك) يقول: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي ذر): رضي الله عنه: (اسمع وأطع ولو) كانت الطاعة أو الأمر (لحبشي كأن رأسه زبيبة) وسواء كان ذلك الحبشي مبتدعًا أو مفتونًا. فإن قلت ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟ أجيب بأن هذه الصفة لا تكون غالبًا إلاّ لمن هو في غاية في الجهل، كالأعجمي، الحديث العهد بالإسلام، ولا يخلو من هذه صفته من ارتكاب البدعة واقتحام الفتنة، ولو لم يكن إلاّ افتتانه بنفسه حين تقدم لمامة، وليس من أهلها، لأن لها أهلاً من الحسب والنسب والعلم. 57 - باب يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإِمَامِ بِحِذَائِهِ سَوَاءً إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ هذا (باب) بالتنوين (يقوم) المأموم (عن يمين الإمام بحذائه) بكسر المهملة وذال معجمة ممدودة، أي بجنبه حال كونه (سواء) مسويًّا، بحيث لا يتقدم ولا يتأخر، وللأصيلي: يقوم بحذاء الإمام على يمينه، (إذا كانا اثنين) إمام ومأموم، لكن يندب تخلف المأموم عن الإمام قليلاً، وتكره المساواة كما قاله في المجموع. 697 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، فَجِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى خَمْسَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ نَامَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ -أَوْ قَالَ خَطِيطَهُ- ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ". [انظر الحديث 117 وأطرافه]. وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي، بمعجمة ثم مهملة، قاضي مكة، (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بن عتيبة، بضم العين مصغرًا (قال: سمعت سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: بت في بيت خالتي) أم المؤمنين (ميمونة) رضي الله عنها، (فصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العشاء) في المسجد (ثم جاء) إلى بيت ميمونة (فصلّى أربع ركعات) عقب دخوله، (ثم نام، ثم قام) من نومه فتوضأ. فأحرم بالصلاة (فجئت فقمت عن يساره، فجعلني عن يمينه، فصلّى خمس ركعات، ثم صلّى ركعتين، ثم نام حتى سمعت غطيطه) بالغين المعجمة (أو قال) الراوي: (خطيطه) بالخاء المعجمة، وهو بمعنى السابق، ثم استيقظ عليه الصلاة والسلام (ثم خرج إلى الصلاة) أي الصبح ولم يتوضأ، لأن عينيه تنامان ولا ينام قلبه، فهو من خصائصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وفي الحديث أن الذكر يقف عن يمين الإمام بالغًا كان المأموم أو صبيًّا، فإن حضر آخر في القيام أحرم عن يساره، ثم يتقدم الإمام أو يتأخران، حيث أمكن التقدم والتأخر لسعة المكان من الجانبين، وتأخرهما أفضل. روى مسلم عن جابر، قال: قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي، فقمت عن يساره، فأخذ بيدي حتى أدارني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فقام عن يساره، فأخذ بأيدينا جميعًا حتى أقامنا خلفه. 58 - باب إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ فَحَوَّلَهُ الإِمَامُ إِلَى يَمِينِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلاَتُهُمَا هذا (باب) بالتنوين (إذا قام الرجل) المأموم، ولابن عساكر: رجل (عن يسار الإمام) وثبت لفظه: عن، للأصيلي (فحوله الإمام إلى يمينه) وفي نسخة: على يمينه، وفي أخرى: عن يمينه (لم تفسد صلاتهما) أي المأموم والإمام، والجملة جواب إذا، وللأصيلي: لم تفسد صلاته، أي صلاة الرجل. وهذا مذهب الجمهور، وقال أحمد: من وقف عن يسار الإمام بطلت صلاته، لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يقر ابن عباس على ذلك. 698 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "نِمْتُ عِنْدَ مَيْمُونَةَ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ عَلَى يَسَارِهِ، فَأَخَذَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ نَامَ حَتَّى نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ، ثُمَّ أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ". قَالَ عَمْرٌو فَحَدَّثْتُ بِهِ بُكَيْرًا فَقَالَ: حَدَّثَنِي كُرَيْبٌ بِذَلِكَ. وبالسند قال (حدّثنا أحمد) أي ابن صالح، كما جزم به أبو نعيم في المستخرج (قال: حدّثنا ابن وهب) عبد الله (قال: حدّثنا عمرو) بفتح العين، ابن الحرث المصري (عن عبد ربه بن سعيد) بكسر العين، أخي يحيى بن سعيد الأنصاري (عن مخرمة بن سليمان، عن كريب) بضم الكاف (مولى ابن عباس عن ابن عباس

59 - باب إذا لم ينو الإمام أن يؤم ثم جاء قوم فأمهم

رضي الله عنهما قال: نمت) من النوم، وللكشميهني والأصيلي: قال بت، من البيتوتة (عند) خالتي (ميمونة) رضي الله عنها (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندها تلك الليلة) بالنصب أي في ليلتها (فتوضأ) الفاء فصيحة، أي نام عليه الصلاة والسلام (ثم قام) من نومه فتوضأ، ثم قام (يصلّي، فقمت عن يساره، فأخذني فجعلني عن يمينه)، هذا وجه المطابقة بين الحديث والترجمة، (فصلّى ثلاث عشرة ركعة، ثم نام حتى نفخ، وكان) عليه الصلاة والسلام (إذا نام نفخ، ثم أتاه المؤذن فخرج) من بيته إلى المسجد (فصلّى) بالناس (ولم يتوضأ) لأنه كان لا ينتقض وضوءه بالنوم مضطجعًا لاستيقاظ قلبه. ولا يعارض هذا حديث نومه في الوادي حتى طلعت الشمس، لأن رؤية الشمس والفجر بالعين لا بالقلب، كما مرّ في باب السمر في العلم. ويأتي تمامه في التهجد. (قال عمرو) بفتح العين، ابن الحرث بالإسناد المذكور إليه (فحدثت به) أي بهذا الحديث (بكيرًا) هو ابن عبد الله الأشج (فقال: حدّثني كريب) مولى ابن عباس، رضي الله عنهما (بذلك). وهذا الحديث من السباعيات، واستفاد عمرو بن الحرث برواية بكير العلوّ برجل، وفيه ثلاثة من التابعين مدنيون على نسق واحد، والتحديث، والعنعنة، وتقدم التنبيه على من أخرجه في باب القراءة بعد الحدث من كتاب الطهارة. 59 - باب إِذَا لَمْ يَنْوِ الإِمَامُ أَنْ يَؤُمَّ ثُمَّ جَاءَ قَوْمٌ فَأَمَّهُمْ هذا (باب) بالتنوين (إذا لم ينو الإمام أن يؤم) أي الإمامة، وسقط لابن عساكر: أن يؤم (ثم جاء) وللأصيلي: فجاء (قوم فأمّهم) صحت، لأنه لا يشترط للإمام نيّة الإمامة في صحة الاقتداء به، نعم، تستحب له لينال فضيلة الجماعة. وقال القاضي حسين، فيمن صلّى منفردًا فاقتدى به جمع ولم يعلم بهم: ينال فضيلة الجماعة، لأنهم نالوها بسببه. وفرق أحمد بين النافلة والفريضة، فشرط النية في الفريضة دون النافلة. وقال الإمام أبو حنيفة: إذا نوى الإمامة جاز أن يصلّي خلفه الرجال، وإن لم ينو بهم، ولا يجوز للنساء أن يصلّين خلفه إلا أن ينوي بهنّ، لاحتمال فساد صلاته بمحاذاتهنّ إياه. 699 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَقُمْتُ أُصَلِّي مَعَهُ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد (قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي البصري، عرف بابن علية (عن أيوب) السختياني (عن عبد الله بن سعيد بن جببر عن أبيه) سعيد بن جبير الأسدي، مولاهم، الكوفي المقتول بين يدي الحجاج سنة خمس وتسعين (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: بت عند خالتي) زاد أبو ذر والأصيلي وابن عساكر: ميمونة (فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي من الليل، فقمت) أي نهضت (أصلي معه) حال مقدرة (فقمت) في الصلاة (عن يساره، فأخذ برأسي، فأقامني) ولابن عساكر: وأقامني (عن يمينه). ورواة هذا الحديث الستة بصريون، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه النسائي في الصلاة. 60 - باب إِذَا طَوَّلَ الإِمَامُ وَكَانَ لِلرَّجُلِ حَاجَةٌ فَخَرَجَ فَصَلَّى هذا (باب) بالتنوين (إذا طول الإمام) صلاته (وكان للرجل) المأموم (حاجة فخرج) من الصلاة بالكلية، كما في رواية مسلم حيث قال: فانحرف رجل فسلم (فصلّى) وحده صحت صلاته، ولابن عساكر والحموي والمستملي: وصلّى بالواو. 700 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: "أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ". [الحديث 700 - أطرافه في: 701، 705، 711، 6106]. وبالسند قال: (حدّثنا مسلم) وللأصيلي: مسلم بن إبراهيم (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين، ابن دينار (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري، رضي الله عنه (أن معاذ بن جبل) رضي الله عنه، (كان يصلّي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عشاء الآخرة، كما زاد مسلم من رواية منصور عن عمرو، فلعلها التي كان يواظب فيها على الصلاة مرتين (ثم يرجع فيؤم قومه). وللمؤلّف في الأدب: فيصلّي بهم الصلاة المذكورة. وللشافعي: فيصلّيها بقومه في بني سلمة. وفي الحديث حجة للشافعي وأحمد: أنه تصح صلاة المفترض خلف المتنفل، كما تصح صلاة المتنفل خلف المفترض، لأن معاذًا كان قد سقط فرضه بصلاته مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكانت صلاته بقومه نافلة وهم مفترضون، وقد وقع التصريح بذلك في رواية الشافعي والبيهقي: وهي له تطوع ولهم مكتوبة، العشاء. قال الإمام في الأم: وهذه الزيادة صحيحة، وخالف في ذلك مالك وأبو حنيفة فقالا: لا تصح.

701 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ فَقَرَأَ بِالْبَقَرَةِ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ، فَكَأَنَّ مُعَاذًا تَنَاوَلَ مِنْهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: فَتَّانٌ، فَتَّانٌ، فَتَّانٌ "ثَلاَثَ مِرَارٍ" أَوْ قَالَ: فَاتِنًا فَاتِنًا، فَاتِنًا. وَأَمَرَهُ بِسُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَطِ الْمُفَصَّلِ. قَالَ عَمْرٌو: لاَ أَحْفَظُهُمَا". (قال) أي المؤلّف ولغير أبوي ذر والوقت إسقاط قال (وحدّثني) بواو العطف والإفراد، وسقطت واو: وحدّثني، لأبي ذر والأصيلي (محمد بن بشار) بالموحدة والشين المعجمة (قال: حدّثنا غندر) محمد بن جعفر (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) هو ابن دينار (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (قال: كان معاذ بن جبل يصلّي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط ابن جبل لابن عساكر (ثم يرجع) من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فيؤم قومه) بني سلمة بتلك الصلاة، (فصلّى) بهم (العشاء) ولأبي عوانة: المغرب، فحمل على تعدد الواقعة (فقرأ بالبقرة) بالموحدة، وفي نسخة: فقرأ البقرة، أي ابتدأ بقراءتها، ولمسلم: فافتتح سورة البقرة (فانصرف الرجل) هو حزم، بالحاء المهملة والزاي المعجمة الساكنة ابن أُبي بن كعب، كما رواه أبو داود وابن حبان، أو حرام، بالمهملة والراء، ابن ملحان بكسر الميم وبالمهملة، خال أنس، قاله ابن الأثير، أو هو مسلم، بفتح أوله وسكون اللام، ابن الحرث، حكاه الخطيب. أو الألف واللام للجنس. أي واحد من الرجال والمعرف تعريف الجنس كالنكرة في مؤداه. والنسائي: فانصرف الرجل فصلّى في ناحية المسجد، وهو يحتمل أن يكون قطع الصلاة أو القدوة. قال في شرح المهذّب: له أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفردًا، وإن لم يخرج منها. قال: وفي هذه المسألة ثلاثة أوجه. أحدها: أن يجوز لعذر ولغير عذر. والثاني: لا يجوز مطلقًا. والثالث: يجوز لعذر ولا يجوز لغيره، وتطويل القراءة عذر على الأصح انتهى. وفي مسلم كما مر: فانحرف رجل فسلم ثم صلّى وحده، وهو ظاهر في أنه قطع الصلاة من أصلها، ثم استأنفها. فيدل على جواز قطع الصلاة وإبطالها العذر. وقال الحنفية والمالكية، في المشهور عندهم: لا يجوز ذلك لأن فيه إبطال عمل. (فكأن معاذًا تناول منه) بسوء، فقال، كما لابن حبان والمصنف في الأدب: إنه منافق. وقوله: فكأن بهمزة ونون مشددة، وتناول بمثناة فوقية آخره لام قبلها واو، وللأربعة: فكان معاذ ينال منه، بإسقاط همزة كان وتخفيف النون، وينال بمثناة تحتية وإسقاط الواو، وهذه تدل على كثرة ذلك منه بخلاف تلك: (فبلغ) ذلك (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللنسائي، فقال معاذ: لئن أصبحت لأذكرن ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فذكر ذلك له، فأرسل إليه، فقال: ما الذي حملك على الذي صنعت؟ فقال: يا رسول الله عملت على ناضح لي بالنهار، فجئت وقد أقيمت الصلاة فدخلت المسجد، فدخلت معه في الصلاة، فقرأ سورة كذا وكذا، فانصرفت فصلّيت في ناحية المسجد، (فقال) عليه الصلاة والسلام: أنت (فتان) أنت (فتان). قال ذلك (ثلاث مرار)، ولابن عساكر في نسخة، مرات، وفتان: بالرفع في الثلاث خبر مبتدأ محذوف، أي أنت منفر عن الجماعة صادّ عنها، لأن التطويل كان سببًا للخروج من الصلاة وترك الجماعة. وفي الشعب للبيهقي بإسناد صحيح عن عمرو، لا تبغضوا الله إلى عباده، يكون أحدكم إمامًا فيطول على القوم حتى يبغض إليهم ما هم فيه. ولابن عيينة: أفتان، فهمزة الاستفهام الإنكاري والتكرار للتأكيد (أو قال فاتنًا، فاتنًا، فاتنًا) بالنصب في الثلاث خبر تكون المقدرة، أو تكون فاتنًا. لكن في غير رواية الأربعة: فاتن الأخيرة بالرفع بتقدير: أنت، والشك من الراوي. وقال البرماوي كالكرامي عن جابر: (وأمره) عليه الصلاة والسلام أن يقرأ (بسورتين من أوسط المفصل) يؤم بهما قومه. (قال عمرو) هو ابن دينار (لا أحفظهما) أي السورتين المأمور بهما. نعم في رواية سليم بن حبان عن عمرو: اقرأ {والشمس وضحاها} و {سبح اسم ربك الأعلى}، ونحوهما. وللسراج: أما يكفيك أن تقرأ: بالسماء والطارق والشمس وضحاها. وفي مذهب وهب اقرأ: {سبح اسم ربك الأعلى} و {الشمس وضحاها}. ولأحمد بإسناد قوي (اقتربت الساعة) والسور التي مثل بهن من قصار المفصل، فلعله أراد المعتدل. أي المناسب للحال منها، وكان قول عمرو الأول وقع منه في حال تحديثه لشعبة ثم ذكره. وأول المفصل من: الحجرات، أو من: القتال، أو من: الفتح، أو من: ق، وطواله إلى سورة عم، وأوساطه إلى: الضحى، أو طواله إلى: الصف، وأوساطه إلى:

61 - باب تخفيف الإمام في القيام، وإتمام الركوع والسجود

الانشقاق. والقصار إلى آخره، كلها أقوال. واستنبط من الحديث صحة اقتداء المفرض بالمتنفل لأن معاذًا كان فرضه الأولى والثانية نفل لزيادة في الحديث عند الشافعي، وعبد الرزاق، والدارقطني: هي له تطوع ولهم فريضة. وهو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح. وصرح ابن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه، فانتفت تهمة تدليسه، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة خلافًا للحنفية والمالكية. واستنبط منه أيضًا تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين. ورواة الحديث الأول أربعة، وهو مختصر، والظاهر أن قوله في الحديث الثاني: فصلّى العشاء إلى آخره، داخل تحت الطريق الأولى. وكان الحامل له على ذلك أنها لو دخلت على ذلك لما طابقت الترجمة ظاهرًا، لكن لقائل أن يقول: مراد البخاري بذلك الإشارة إلى أصل الحديث على عادته، واستفاد بالطريق الأولى علو الإسناد، كما أن في الطريق الثانية فائدة التصريح بسماع عمرو بن جابر، وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة. 61 - باب تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي الْقِيَامِ، وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (باب) حكم (تخفيف الإمام في القيام، وإتمام) أي مع إتمام (الركوع والسجود) وخص التخفيف بالقيام لأنه مظنة التطويل، فهو تفسير لقوله في الحديث، الآتي إن شاء الله تعالى، فليتجوز لأنه لا يأمر بالتجوّز المؤدي إلى إفساد الصلاة. 702 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: سَمِعْتُ قَيْسًا قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مَسْعُودٍ: "أَنَّ رَجُلاً قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلاَنٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا. فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ". وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه لجده لشهرته به، وأبوه عبد الله (قال: حدّثنا زهير) بضم الزاي، ابن معاوية الجعفي، (قال: حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد (قال: سمعت قيسًا) هو ابن حازم (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو مسعود) عقبة بن عمرو البدري الأنصاري (أن رجلاً) لم يسمّ، وليس هو حزم بن أُبي بن كعب (قال: والله يا رسول الله، إني لأتأخر عن صلاة الغداة) لا أحضرها مع الجماعة (من أجل فلان، مما يطيل بنا) أي من تطويله. من أجل، من: ابتدائية متعلقة بأتأخر، والثانية مع ما في حيزها بدل منها، فما مصدرية. وخص الغداة بالذكر لتطويل القراءة فيها غالبًا (فما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في موعظة) حال كونه (أشد غضبًا) بالنصب على التمييز (منه يومئذٍ) أي يوم أخبر بذلك، للتقصير في تعلم ما ينبغي تعلمه، أو لإرادة الاهتمام بما يلقيه عليه الصلاة والسلام لأصحابه، ليكونوا من سماعه على بال، لئلا يعود من فعل ذلك إلى مثله، (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (إن منكم منفرين) بصيغة الجمع (فأيكم) أي: أي واحد منكم، (ما صلّى بالناس) بزيادة ما لتأكيد التعميم، وزيادتها مع أي الشرطية كثير، (فليتجوز) جواب الشرط، أي فليخفف، بحيث لا يخل بشيء من الواجبات (فإن فيهم الضعيف، والكبير، وذا الحاجة) تعليل للأمر المذكور، ومقتضاه أنه متى لم يكن فيهم من يتصف بصفة من المذكورات، أو كانوا محصورين ورضوا بالتطويل لم يضر التطويل لانتفاء العلة. وقول ابن عبد البر إن العلة الموجبة للتخفيف عندي غير مأمونة، لأن الإمام وإن علم قوة من خلفه فإنه لا يدري ما يحدث بهم من حادث، شغل، وعارض من حاجة، وآفة من حديث بول أو غيره، تعقب بأن الاحتمال الذي لم يقم عليه دليل، لا يترتب عليه حكم، فإذا انحصر المأمومون ورضوا بالتطويل، لا يؤمر إمامهم بالتخفيف لعارض لا دليل عليه. وحديث أبي قتادة أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: إني لأقوم في الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز كراهة أن أشق على أمه يدل على إرادته عليه الصلاة والسلام أولاً التطويل، فيدل على الجواز، وإنما تركه لدليل قام على تضرر بعض المأمومين، وهو بكاء الصبي الذي يشغل خاطر أمه. ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي، والتحديث والإخبار والسماع والقول. 62 - باب إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ هذا (باب) بالتنوين (إذا صلّى) المرء (لنفسه فليطول ما شاء) نعم اختلف في التطويل حتى يخرج الوقت. 703 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ. وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ». وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا صلى أحدكم) إمامًا (للناس) فرضًا أو نفلاً تشرع الجماعة فيه،

63 - باب من شكا إمامه إذا طول

غير الخسوف (فليخفف) استحبابًا مراعاة لحال المأمومين (فإن فيهم) بالفاء، وللكشميهني: فإن منهم (الضعيف) الخلقة (والسقيم) المريض (والكبير) السن. وزاد مسلم، من وجه آخر عن أبي الزناد: والصغير، والطبراني: والحامل والمرضع. وعنده أيضًا، من حديث عدي بن حاتم: والعابر السبيل. وقوله في حديث أبي مسعود البدري السابق: وذا الحاجة. يشمل الأوصاف المذكورات. وقد ذهب جماعة كابن حزم، وأبي عمر بن عبد البر، وابن بطال، إلى الوجوب تمسكًا بظاهر الأمر، في قوله: فليخفف. وعبارة ابن عبد البر في هذا الحديث أوضح الدلائل على أن أئمة الجماعة يلزمهم التخفيف، لأمره عليه الصلاة والسلام إياهم بذلك، ولا يجوز لهم التطويل لأن في الأمر لهم بالتخفيف نهيًا عن التطويل، والمراد بالتخفيف أن يكون بحيث لا يخل بسننها ومقاصدها. (وإذا صلّى أحدكم لنفسه، فليطول ما شاء) في القراءة والركوع والسجود، ولو خرج الوقت كما صحّحه بعض الشافعية. لكن إذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل، ومفسدة إيقاع بعض الصلاة في غير الوقت، كانت مراعاة ترك المفسدة أولى، ومحل الجواز لخروج الوقت، على تقدير صحته مقيدة بما إذا أوقع ركعة في الوقت، كما ذكر الأسنوي أنه المتجه، وقيدوا التطويل أيضًا بما إذا لم يخرج إلى سهو، فإن أدّى إليه كره، ولا يكون إلاّ في الأركان التي تحتمل التطويل، وهي القيام والركوع والسجود والتشهد، لا الاعتدال والجلوس بين السجدتين. 63 - باب مَنْ شَكَا إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ وَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ طَوَّلْتَ بِنَا يَا بُنَىَّ. (وقال أبو أسيد) بضم الهمزة وفتح السين المهملة، وللمستملي، أبو أسيد، بفتح الهمزة، مالك بن ربيعة الأنصاري الساعدي المدني، لولده المنذر، مما وصله ابن أبي شيبة، وكان يصلّي خلفه. (طوّلت بنا يا بني) اسم ابنه النذر، كما رواه ابن أبي شيبة. (باب من شكًا إمامه إذا طوّل) عليهم في الصلاة. 704 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لأَتَأَخَّرُ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الْفَجْرِ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فُلاَنٌ فِيهَا. فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا رَأَيْتُهُ غَضِبَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ. ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَمَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ». وبالسند قال (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي (قال: حدّثنا سفيان) الثوري، (عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم) بالمهملة والزاي، (عن ابن مسعود) عقبة بن عمرو، بالواو، البدري (قال: قال رجل) للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يا رسول الله، إني لأتأخر عن الصلاة) جماعة (في الفجر، مما يطيل بنا فلان) معاذ، أو أُبي بن كعب (فيها) ويدل للثاني حديث أبي يعلى الموصلي أن أُبيًّا صلّى بأهل قباء، فاستفتح بسورة البقرة (فغضب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) غضبًا (ما رأيته غضب في موضع) وللأصيلي وابن عساكر في نسخة: في موعظة (كان أشد غضبًا منه يومئذ، ثم قال:): (يا أيها الناس إن منكم منفرين) وللأصيلي: لمنفرين، بلام التأكيد (فمن أمّ الناس فلْيتجوّز) أي: فليخفف في صلاته بهم (فإن خلفه) مقتديًا به (الضعيف والكبير وذا الحاجة) أي صاحبها. قال ابن دقيق العيد: التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية، فقد يكون الشيء خفيفًا بالنسبة إلى عادة قوم، طويلاً بالنسبة لعادة آخرين. قال: وقول الفقهاء: لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات، لا يخالف ما ورد عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنه كان يزيد على ذلك، لأن رغبة الصحابة في الخير تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلاً. 705 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: أَقْبَلَ رَجُلٌ بِنَاضِحَيْنِ! وَقَدْ جَنَحَ اللَّيْلُ - فَوَافَقَ مُعَاذًا يُصَلِّي، فَتَرَكَ نَاضِحَهُ وَأَقْبَلَ إِلَى مُعَاذٍ، فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ -أَوِ النِّسَاءِ- فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ، وَبَلَغَهُ أَنَّ مُعَاذًا نَالَ مِنْهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَشَكَا إِلَيْهِ مُعَاذًا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ -أَوْ فَاتِنٌ- (ثَلاَثَ مِرَارٍ)، فَلَوْلاَ صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ». أَحْسِبُ هَذَا فِي الْحَدِيثِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَتَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ وَمِسْعَرٌ وَالشَّيْبَانِيُّ. قَالَ عَمْرٌو وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ وَأَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: "قَرَأَ مُعَاذٌ فِي الْعِشَاءِ بِالْبَقَرَةِ". وَتَابَعَهُ الأَعْمَشُ عَنْ مُحَارِبٍ. وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا محارب بن دثار) بكسر الدال وبالمثلثة (قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري) رضي الله عنه (قال: أقبل رجل بناضحين) بالنون والضاد المعجمة والحاء المهملة، تثنية ناضح، وهو البعير الذي يسقى عليه النخل والزرع (وقد جنح الليل) بجيم ونون وحاء مهملة مفتوحات، أقبل بظلمته (فوافق معاذًا يصلّي) العشاء (فترك ناضحه) بتخفيف الراء بعد المثناة الفوقية والإفراد، ولأبي ذر في نسخة، والأصيلي: فبرك ناضحيه بالتشديد بعد الموحدة والتثنية، (وأقبل إلى معاذ، فقرأ) معاذ في صلاته (بسورة البقرة أو النساء) شك محارب، كما في رواية أبي داود الطيالسي (فانطلق الرجل، وبلغه) أي الرجل (أن معاذًا نال منه) ذكره بسوء، فقال: إنه منافق، (فأتى) الرجل (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فشكا إليه معاذًا) أي أخبر بسوء فعله (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لمعاذ، بعد أن أرسل إليه وحضر عنده: (يا معاذ أفتان أنت) صفة واقعة بعد

64 - باب الإيجاز في الصلاة وإكمالها

الاستفهام، رافعة للظاهر، فيجوز أن يكون مبتدأ، وأنت ساد مسد الخبر، ويجوز أن يكون أنت مبتدأ تقدم خبره، (أو) قال (أفاتن) بالهمزة، والشك من الراوي، ولابن عساكر: فاتن. زاد في رواية لأبوي ذر، والوقت، وابن عساكر في نسخة: أنت (-ثلاث مرار-) ولأبي ذر والأصيلي: مرات بالتاء بعد الراء (فلولا) فهلاً (صليت {بسبح اسم ربك الأعلى} و {الشمس وضحاها} و {الليل إذا يغشى}) أي ونحوها من قصار المفصل، كما في بعض الروايات (فإنه يصلّي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة). قال شعبة (أحسب في الحديث) وللكشميهني: أحسب هذا، في قوله فإنه يصلّي في الحديث، ولابن عساكر: وأحسب في هذا، وفي الحديث (تابعه) ولغير الأربعة: قال أبو عبد الله، أي البخاري وتابعه، أي تابع شعبة (سعيد بن مسروق) والد سفيان الثوري، فيما وصله أبو عوانة (و) تابعه أيضًا (مسعر) بكسر الميم وسكون المهملة، ابن كدام الكوفي، فيما وصله السراج (و) تابعه أيضًا (الشيباني) أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان فيروز الكوفي، فيما وصله البزار متابعة منهم لشعبة في أصل الحديث، لا في جميع ألفاظه. (قال عمرو) بفتح العين، ابن دينار، فيما تقدم عنه قبل بابين (وعبيد الله) بضم العين (بن مقسم) بكسر الميم المدني، فيما وصله ابن خزيمة (وأبو الزبير) بضم الزاي، محمد بن مسلم المكي، مولى حكيم بن حزام، ثلاثتهم (عن جابر قرأ معاذ في) صلاة (العشاء بالبقرة) خاصة ولم يذكروا النساء، (وتابعه) أي وتابع شعبة (الأعمش) سليمان بن مهران (عن محارب) أي ابن دثار مما وصله النسائي، ولم يعين السورة. 64 - باب الإِيجَازِ فِي الصَّلاَةِ وَإِكْمَالِهَا (باب الإيجاز في الصلاة وإكمالها) أي مع إكمال أركانها، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: بالتنوين من غير ترجمة، ولغير المستملي وكريمة إسقاط الباب والترجمة معًا. 706 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُوجِزُ الصَّلاَةَ وَيُكْمِلُهَا". وبالسند قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين، عبد الله بن عمرو المقعد (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (قال: حدّثنا عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس) وللأصيلي: أنس بن مالك (قال: كان النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يوجز الصلاة) من الإيجاز ضد الإطناب (ويكملها) من غير نقص، بل يأتي بأقل ما يمكن من الأركان والأبعاض. ورواة هذا الحديث بصريون، وفيه التحديث، والعنعنة، والقول، وأخرجه مسلم، وابن ماجة. 65 - باب مَنْ أَخَفَّ الصَّلاَةَ عِنْدَ بُكَاءِ الصَّبِيِّ (باب من أخفّ الصلاة عند بكاء الصبي). 707 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبِي قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنِّي لأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ». تَابَعَهُ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَبَقِيَّةُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ. [الحديث 707 - طرفه في: 868]. وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) زاد الأصيلي: هو الفراء، أي الرازي الملقب بالصغير (قال: أخبرنا) وللأصيلي والهروي: حدّثنا (الوليد)، ولابن عساكر: الوليد بن مسلم (قال: حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (عن يحيي بن أبي كثير) بالمثلثة (عن عبد الله بن أبي قتادة) الأنصاري السلمي (عن أبيه أبي قتادة) الحرث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه، وسقط للأصيلي وابن عساكر: أبي قتادة، (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوّل) أي التطويل (فيها) والجملة حالية (فأسمع بكاء الصبي) بالمد، أي صوته الذي يكون معه (فأتجوّز) أي فأخفف (في صلاتي كراهية أن أشق على أمه) أي المشقّة عليها، وكراهية نصب على التعليل، مضاف إلى أن المصدرية. روى ابن أبي شيبة، عن ابن سابط، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ فى الركعة الأولى بسورة نحو ستين آية، فسمع بكاء الصبي، فقرأ في الثانية بثلاث آيات. ورواة حديث الباب الستة ما بين رازي ودمشقي ويماني ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا أبو داود والنسائي في الصلاة. (تابعه) أي تابع الوليد بن مسلم (بشر بن بكر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، في الأول وبفتح الموحدة في الثاني، مما ذكره المؤلّف في باب: خروج النساء إلى المساجد، (و) تابعه أيضًا (ابن المبارك) عبد الله، فيما وصله النسائي (و) تابعه أيضًا (بقية) بن الوليد الكلاعي بتخفيف اللام وفتح الكاف، الحضرمي، سكن حمص الثلاثة (عن الأوزاعي). 708 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: "مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاَةً وَلاَ أَتَمَّ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ". وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة، البجلي الكوفى (قال: حدّثنا سليمان بن بلال) التيمي،

66 - باب إذا صلى ثم أم قوما

(قال: حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: حدّثني (شريك بن عبد الله) بن أبي نمر القرشي (قال: سمعت أنس بن مالك)، وسقط ابن مالك لابن عساكر (يقول: ما صليت وراء إمام قطّ أخفّ صلاة) بالنصب على التمييز، فأخف صفة لإمام (ولا أتم) عطف على سابقه (من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإن كان) إن هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، وكان خبرها، أي: إنه كان (ليسمع بكاء الصبي فيخفف) الصلاة، يقرأ بالسورة القصيرة، ويشهد له حديث ابن أبي شيبة السابق قريبًا (مخافة أن تفتن) بضم المثناة الفوقية مبنيًّا للمفعول، ومخافة نصب على التعليل مضاف إلى أن المصدرية أي تلتهي (أمه) عن صلاتها لاشتغال قلبها ببكائه. زاد عبد الرزاق، من مرسل عطاء: أو تتركه فيضيع، ولأبي ذر: أن يفتن بفتح المثناة التحتية وكسر ثالثه، مبنيًّا للفاعل، أمه بالنصب على المفعولية. ورواة هذا الحديث الأربعة مدنيون إلا شيخ المؤلّف فإنه كوفي، وفيه التحديث بالجمع والإفراد، والسماع والقول، وأخرجه مسلم. 709 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ». [الحديث 709 - طرفه في: 710]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) بن جعفر المديني (قال: حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء (قال: حدّثنا سعيد) أي ابن أبي عروبة (قال: حدّثنا قتادة) بن دعامة، ولابن عساكر: عن قتادة (أن أنس بن مالك) رضي الله عنه (حدّثه) وللأصيلي، وابن عساكر: حدّث، بإسقاط الضمير (أن النبي) ولهما ولأبوي ذر والوقت، أن نبي الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها) جملة حالية (فأسمع بكاء الصبي، فأتجوّز) أي أخفف (في صلاتي مما أعلم) ما صدرية أو موصولة، والعائد محذوف (من شدة وجد أمه) أي: حزنها (من بكائه) وهذا من كرائم عادته ومحاسن أخلاقه في خشيته من إدخال المشقّة على نفوس أمته، وكان بالمؤمنين رحيمًا. ورواة هذا الحديث بصريون، وأخرجه مسلم وابن ماجة في الصلاة. 710 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنِّي لأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ فَأُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ». وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبَانُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة، الملقب ببندار (قال: حدّثنا) بالجمع، وللأصيلي: حدّثني (ابن أبي عدي) محمد بن إبراهيم، وأبو عدي كنيته، البصري (عن سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة، عن أنس بن مالك) رضي الله عنه، وسقط لابن عساكر: ابن مالك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إني لأدخل في الصلاة فأريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوّز مما) وللكشميهني لما (أعلم من شدة وجد أمه من بكائه). واللام للتعليل، وذكر الأم هنا خرج مخرج الغالب وإلاّ فمن كان في معناها يلحق بها. وفي الحديث أن مَن قصد في الصلاة الإتيان بشيء مستحب لا يجب عليه الوفاء به، خلافًا لأشهب حيث ذهب إلى أن من تطوّع قائمًا فليس له أن يتمّه جالسًا. قاله في فتح الباري. ورواة هذا الحديث بصريون، وفيه التحديث والعنعنة. (وقال موسى) بن إسماعيل التبوذكي فيما وصله السراج (حدّثنا أبان) بن يزيد العطار (قال: حدّثنا قتادة قال: حدّثنا أن عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مثله) وسقط لفظ: مثله لابن عساكر والأصيلي. وفائدة هذا بيان سماع قتادة له من أنس. 66 - باب إِذَا صَلَّى ثُمَّ أَمَّ قَوْمًا هذا (باب) بالتنوين (إذا صلّى) الرجل مع الإمام (ثم أمّ قومًا) مجزئ ذلك. 711 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو النُّعْمَانِ قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ". وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي (وأبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي البصري الملقب بعارم بعين وراء مهملتين (قالا: حدّثنا حماد بن زيد، عن أيوب) السختياني، (عن عمرو بن دينار، عن جابر) وللأصيلي زيادة: ابن عبد الله (قال: كان معاذ) هو ابن جبل، رضي الله عنه (يصلّي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم يأتي قومه) بني سلمة (فيصلّي بهم) تلك الصلاة التي صلاها مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. واستدلّ به الشافعية على صحة اقتداء المفترض بالمتنفل، لأن فرض معاذ هو الأول، كما مرّ. وهذا قول أحمد، واختاره ابن المنذر وجماعة من السلف، خلافًا للحنفية والمالكية. 67 - باب مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ (باب من أسمع الناس تكبير الإمام). 712 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَتَاهُ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ. قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، إِنْ يَقُمْ مَقَامَكَ يَبْكِي فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ. قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ. فَقُلْتُ: مِثْلَهُ فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ -أَوِ الرَّابِعَةِ-: إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ. فَصَلَّى. وَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخُطُّ بِرِجْلَيْهِ الأَرْضَ. فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ صَلِّ، فَتَأَخَّرَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- وَقَعَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى جَنْبِهِ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ التَّكْبِيرَ". تَابَعَهُ مُحَاضِرٌ عَنِ الأَعْمَشِ. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد، (قال: حدّثنا عبد الله بن داود) بن عامر الهمداني الخريبي بالخاء المعجمة وبالراء والموحدة مصغرًا

68 - باب الرجل يأتم بالإمام، ويأتم الناس بالمأموم

(قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (من إبراهيم من الأسود) بن يزيد النخعي (من عائشة رضي الله عنها قالت: لما مرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرضه الذي مات فيه، أتاه بلال يؤذنه) بضم الياء وسكون الواو، أي يعلمه، وللأصيلي: أتاه بلال يؤذنه (بالصلاة، فقال) عليه الصلاة والسلام: (مروا أبو بكر فليصل) أمر مجزوم بحذف حرف العلة، زاد أبو ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر، بالناس. قالت عائشة: (قلت: إن أبا بكر رجل أسيف) شديد الحزن، رقيق القلب، سريع البكاء (إن يقم مقامك يبكي) من شدة الحزن، ويبكي بإثبات الياء. قال ابن مالك: من قبيل إجراء المعتل مجرى الصحيح، والاكتفاء بحذف الحركة، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: يبكِ بحذف الياء، (فلا يقدر على القراءة) من غلبة البكاء. (قال) وللأربعة فقال: (مروا أبا بكر فليصل)، زاد ابن عساكر: بالناس، ولغير الثلاثة: فليصلّي، بإثبات الياء كيبكي. قالت عائشة: (فقلت) بالفاء، وللأصيلي قلت (مثله) تعني أن أبا بكر رجل أسيف إلخ (فقال) عليه الصلاة والسلام (في الثالثة -أو الرابعة-) شك من الراوي: (إنكن صواحب يوسف) عليه الصلاة والسلام، المشار إليهنّ في سورته، أي مثلهن في إظهار خلاف ما تبطنّ، وقد مرّ ما في ذلك (مروا أبا بكر فليصل)، بالناس، ولغير الثلاثة: فليصلّي، بإثبات الياء كما سبق قريبًا. فأمروه (فصلّى) بالناس (وخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في أثناء صلاة أبي بكر (يهادى) بضم التحتية وفتح الدال المهملة، أي يمشي (بين رجلين) العباس وعلي، أو عليّ والفضل، قاله الخطيب، وصحح النووي أنهما قضيتان، فخروجه من بيت ميمونة لعائشة بين الفضل وعليّ (كأني أنظر إليه يخط برجليه الأرض) لعدم قدرته على رفعهما عنها (فلما رآه أبو بكر ذهب يتأخر) من مكانه (فأشار إليه) عليه الصلاة والسلام (أن صلِّ، فتأخر أبو بكر رضي الله عنه، وقعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى جنبه)، أي جنب أبي بكر (وأبو بكر يسمع الناس التكبير) وهذه مفسرة عند الجمهور للمراد بقوله في الرواية السابقة، فكان أبو بكر يصلّي بصلاته عليه الصلاة والسلام، والناس يصلون بصلاة أبي بكر، وهو المراد من الترجمة. والواو في قوله وأبو بكر للحال. (تابعه) أي تابع عبد الله بن داود (محاضر) بميم مضمومة وحاء مهملة وضاد معجمة مكسورة فراء، الهمداني الكوفي المتوفى سنة ست ومائتين (عن الأعمش) سليمان بن مهران على ذلك. 68 - باب الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ، وَيَأْتَمُّ النَّاسُ بِالْمَأْمُومِ وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ائْتَمُّوا بِي، وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ». (باب الرجل) بإضافة باب للاحقه وبتنوينه فيرفع الرجل (يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم). (ويذكر) بضم أوله وفتح ثالثه مما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وكذا أصحاب السُّنن. (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال مخاطبًا لأهل الصف الأوّل: (ائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم) من سائر الصفوف، أي يستدلوا بأفعالكم على أفعالي، وليس المراد أن المأموم يقتدي به غيره. 713 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ بِلاَلٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى مَا يَقُمْ مَقَامَكَ لاَ يُسْمِعُ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ. فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَإِنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ لاَ يُسْمِعِ النَّاسَ، فَلَوْ أَمَرْتَ عُمَرَ. قَالَ: إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ. فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَفْسِهِ خِفَّةً، فَقَامَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلاَهُ يَخُطَّانِ فِي الأَرْضِ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ ذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ يَتَأَخَّرُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي قَاعِدًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالنَّاسُ مُقْتَدُونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه". وبالسند قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وحدّثني (قتيبة) وفي غير رواية أبي ذر وابن عساكر: قتيبة بن سعيد (قال: حدّثنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين الضرير (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم، عن الأسود) بن يزيد النخعي، وسقط إبراهيم بين الأعمش والأسود من رواية أبي زيد المروزي، وهو وهم فيما قاله الجياني (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت: لما ثقل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في مرضه الذي توفي فيه (جاء بلال) المؤذن (يؤذنه) بسكون الواو: يعلمه (بالصلاة فقال): (مروا أبا بكر أن يصلّي) ولأبي ذر وابن عساكر فيصلّي (بالناس). قالت عائشة: (فقلت: يا رسول الله، إن أبا بكر رجل أسيف) بفتح الهمزة وكسر السين المهملة ثم فاء بعد المثناة التحتية الساكنة، شديد الحزن (وأنه متى ما يقم مقامك) في الإمامة وإثبات ما بعد متى ويقم مجزوم بحذف الواو بمتى الشرطية، لأبي ذر عن الكشميهني، وفي رواية الحموي والمستملي: متى يقوم بإثباتها، ووجهه ابن مالك بأنها أهملت حملاً على إذا، كما جزم بإذا حملاً على متى في قوله: إذا أخذتما مضاجعكما تكبّرا أربعًا

69 - باب هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس

وثلاثين (لا يسمع الناس) بضم الياء وإسكان السين، من الإسماع، ولأبي ذر: لم يسمع الناس (فلو أمرت عمر) بن الخطاب رضي الله عنه، إن كانت لو شرطية فالجواب محذوف أو للتمني فلا جواب، (فقال) عليه الصلاة والسلام: (مروا أبا بكر يصلّي) بحذف أن، ولأبوي ذر والوقت: أن يصلّي بالناس. قالت عائشة: (فقلت لحفصة: قولي له وإن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك) في الإمامة ولغير الكشميهني: يقوم بالواو، كما مرّ وللكشميهني: متى ما يقم. فما زائدة للتوكيد، قال ابن مالك إنها شرطية وجوابها (لا يسمع الناس) ولأبي ذر: لم يسمع الناس (فلو أمرت عمر قال): عليه الصلاة والسلام، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر فقال: (إنكن لأنتنّ صواحب يوسف، مروا أبا بكر أن يصلّي بالناس) ولابن عساكر بحذف أن من: أن يصلّي. (فلما دخل) أبو بكر (في الصلاة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فلما داخل في الصلاة، بألف بعد الدال، أسكن الخاء مكسورة في اليونينية (وجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نفسه خفة، فقام يهادى بين رجلين رجلاه يخطان) بالمثناة التحتية، ولأبوي ذر والوقت: تخطان، بالمثناة الفوقية (في الأرض حتى دخل المسجد، فلما سمع أبو بكر حسّه ذهب أبو بكر يتأخر، فأومأ إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أن اثبت مكانك، فتأخر أبو بكر (فجاء) وللأصيلي: فجاءه (رسول الله) وللأصيلي وابن عساكر والهروي: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى جلس عن يسار أبي بكر) لكونه كان جههّ حجرته فهو أخف عليه (فكان أبو بكر يصلّي قائمًا، وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي قاعدًا، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والناس مقتدون) بالميم على صيغة الجمع لاسم الفاعل، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: يقتدون بصيغة المضارع، أي مستدلون أو يستدلون (بصلاة أبي بكر رضي الله عنه) على صلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 69 - باب هَلْ يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ هذا (باب) بالتنوين (هل يأخذ الإمام إذا شك) في صلاته (بقول الناس) قال الشافعية لا يأخذ بقولهم، وقال الحنفية: نعم. 714 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْصَرَفَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَقَصُرَتِ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك بن أنس) الإمام، وسقط لفظ ابن أنس في رواية ابن عساكر (عن أيوب بن أبي تميمة السختياني) بفتح السين والتاء، وفي اليونينية بكسر التاء (عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انصرف من اثنتين) ركعتين من صلاة الظهر (فقال ذو اليدين) اسمه الخرياق بكسر الخاء المعجمة وبعد الراء الساكنة موحدة آخره قاف، مستفهمًا له عن سبب تغيير وضع الصلاة ونقص ركعاتها (أقصرت الصلاة) بفتح القاف وضم الصاد، على أنه قاصر، وبضم القاف وكسر الصاد مبنيًّا للمفعول، وهي الرواية المشهورة (أم نسيت يا رسول الله) حصر في الأمرين، لأن السبب إما من الله وهو القصر، أو من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو النسيان (فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) للحاضرين: (أصدق ذو اليدين) في النقص الذي هو سبب السؤال المأخوذ من مفهوم الاستفهام. (فقال الناس: نعم) صدق (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصلّى اثنتين) ركعتين (أخريين) بضم الهمزة وسكون الخاء المعجمة ومثناة مفتوحة وأخرى ساكنة تحتيتين (ثم سلم، ثم كبر فسجد) للسهو (مثل سجوده) السابق في صلاته (أو أطول) منه. فظاهره أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجع إلى قولهم لكن حمله إمامنا الشافعي رحمه الله على أنه تذكر، ويؤيده ما عند أبي داود، من طريق الأوزاعي، عن سعيد وعبيد الله، عن أبي هريرة في هذه القصة قال: ولم يسجد سجدتي السهو حتى يقنه الله تعالى ذلك. وقال مالك ومن تبعه: يرجع إلى قول المأمومين، واستدلوا له برجوعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خبر أصحابه حين صدقوا ذا اليدين، لكن عندهم خلاف في اشتراط العدد بناء على أنه يسلك به مسلك الشهادة أو الرواية. 715 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، فَقِيلَ: صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ". وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي (قال:

70 - باب إذا بكى الإمام في الصلاة

حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعيد بن إبراهيم) بسكون العين، ابن عبد الرحمن بن عوف (عن) عمّه (أبي سلمة) وللأصيلي زيادة: ابن عبد الرحمن (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: صلّى النبي) وللأصيلي: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظهر ركعتين، فقيل) له (صليت) وللمستملي: قد صليت (ركعتين، فصلّى) عليه الصلاة والسلام (ركعتين، ثم سلم، ثم سجد سجدتين) فيه تبيين للمراد بقوله في السابق: فسجد مثل سجوده، فافهم. 70 - باب إِذَا بَكَى الإِمَامُ فِي الصَّلاَةِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: سَمِعْتُ نَشِيجَ عُمَرَ وَأَنَا فِي آخِرِ الصُّفُوفِ يَقْرَأُ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}. هذا (باب) بالتنوين (إذا بكى الإمام في الصلاة) هل تفسد أم لا. (وقال عبد الله بن شداد) بفتح المعجمة وتشديد الدال ابن الهاد التابعي الكبير، له رؤية ولأبيه صحبة، مما وصله سعيد بن منصور: (سمعت (نشيج) بفتح النون وكسر الشين آخره جيم، أي بكاء (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه من خشية الله من غير انتحاب ولا ظهور حرفين ولا حرف مفهم (وأنا في أخر الصفوف، يقرأ) ولأبي ذر عن الحموي: فقرأ {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} زاد الأصيلي الآية. 716 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي مَرَضِهِ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ. فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ. قَالَتْ عَائِشَةُ لِحَفْصَةَ: قُولِي لَهُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ. فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَهْ، إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ. قَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا". بالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس الأصبحي المدني (قال: حدّثنا) وللأصيلي: حدّثني (مالك بن أنس) إمام دار الهجرة، خال ابن أبي أويس (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة أم المؤمنين) رضي الله عنها (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرضه) الذي توفي فيه: (مروا أبا بكر يصلّي بالناس) بالياء بعد اللام، وللأصيلي: فليصل، مجزوم بحذفها جواب الأمر، وعلى الرواية الأولى مرفوع استئنافًا أو أجرى المعتل مجرى الصحيح. (قالت عائشة: قلت: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء) إذ ذاك عادته إذا قرأ القرآن، لا سيما إذا قام في مقام الرسول وفقده منه (فمُر عمر) بن الخطاب (فليصل)، ولأبي ذر: يصلّي، لإثبات الياء، وزاد: بالناس. (فقال) عليه الصلاة والسلام: (مروا أبا بكر فليصل للناس) ولأبي الوقت: بالناس بالموحدة بدل اللام. (فقالت عائشة لحفصة) ولأبي ذر: وابن عساكر: فقالت عائشة: فقلت لحفصة (قولي له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إن أبا بكر إذا) ولأبي ذر: إن أبا بكر رجل أسيف إذا (قام في مقامك) ولأبي ذر: إذا قام مقامك (لم يسمع الناس من البكاء) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: في البكاء بفي، بالفاء بدل من الميم، أي لأجل البكاء، أو هو حال. أي كائنًا في البكاء، أو هو من باب إقامة بعض حروف الجر مقام بعض، (فمر عمر فليصل للناس، ففعلت حفصة) القول المذكور الذي قالته لها عائشة. (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مه) لمة زجر (إنكن لأنتنّ صواحب يوسف) تظهرن خلاف ما تبطنّ كهنّ (مروا أبا بكر فليصل للناس). (قالت) وللأربعة: فقالت، (حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرًا) وسقط لفظ: لعائشة لغير أبي ذر، ومباحث الحديث مرت. 71 - باب تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ عِنْدَ الإِقَامَةِ وَبَعْدَهَا (باب تسوية الصفوف عند الإقامة) للصلاة (وبعدها) قبل الشروع في الصلاة. 717 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ». وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك) الطيالسي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاح (قال: أخبرني) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد فيهما (عمرو بن مرة) بفتح العين في الأول وضم الميم وتشديد الراء في الثاني، الجهني الكوفي الأعمى (قال: سمعت سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين (قال: سمعت النعمان بن بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة (يقول، قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): والله (لتسون) بضم التاء وفتح السين وضم الواو المشددة وتشديد النون المؤكدة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لتسوون بواوين والنون للجمع (صفوفكم) باعتدال القائمين بها على سمت واحد، أو بسد الخلل فيها (أو ليخالفن الله) بالرفع على الفاعلية وفتح اللام الأولى المؤكدة وكسر الثانية وفتح الفاء، أي: ليوقعن الله المخالفة (بين وجوهكم) بتحويلها عن مواضعها إن لم تقيموا الصفوف جزاءً وفاقًا. ولأحمد من حديث أبي أمامة: لتسون الصفوف أو لتطمسن الوجوه. أو المراد وقوع العداوة والبغضاء، واختلاف القلوب، واختلاف الظاهر سبب لاختلاف الباطن. وفي

72 - باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف

رواية أبي ذر وغيره بلفظ: أو ليخالفن الله بين قلوبكم، أو المراد: تفترقون فيأخذ كل واحد وجهًا غير الذي يأخذه صاحبه، لأن تقدم الشخص على غيره مظنة للكبر المفسد للقلب الداعي للقطيعة، وعزى هذا الأخير للقرطبي. واحتج ابن حزم للقول بوجوب التسوية بالوعيد المذكور، لأنه يقتضيه. لكن قوله في الحديث الآخر: فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة، يصرفه إلى السُّنَّة، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك، فيكون الوعيد للتغليظ والتشديد. 718 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي». [الحديث 718 - طرفاه في: 719، 725]. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين، عبد الله بن عمرو المنقري المقعد (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد البصري (عن عبد العزيز) ولأبي ذر زيادة: ابن صهيب (عن أنس) وللأصيلي زيادة: ابن مالك، رضي الله عنه (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (أقيموا الصفوف) أي عدّلوها (فإني أراكم) بقوة إبصار يدرك بها، ولا يلزم رؤيتنا ذلك أو يريد: إني أبصركم بعيني المعهودة وأنتم (خلف ظهري) كما أبصركم وأنتم بين يدي، والفاء للسببية. 72 - باب إِقْبَالِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ عِنْدَ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ (باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف). 719 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: "أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوَجْهِهِ فَقَالَ: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي". وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن أبي رجاء) بفتح الراء وتخفيف الجيم والمد، عبد الله بن أيوب الحنفي الهروي (قال: حدّثنا معاوية بن عمرو) بإسكان الميم، ابن المهلب الأزفي الكوفي الأصل، وهو من قدماء شيوخ المؤلّف، لكنه روي له هنا بواسطة، ولعله لم يسمعه منه (قال: حدّثنا زائدة بن قدامة) بضم القاف (قال: حدّثنا حميد الطويل) بضم الحاء (قال: حدّثنا أنس) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: أنس بن مالك رضي الله عنه (قال: أقيمت الصلاة، فأقبل علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بوجهه، فقال): (أقيمو) سووا (صفوفكم) أيها الحاضرون لأداء الصلاة معي (وتراصوا) بضم الصاد المهملة المشدّدة أي تضاموا وتلاصقوا حتى يتصل ما بينكم (فإني أراكم) رؤية حقيقية (من وراء ظهري) أي من خلفه، بخلق حاسة باصرة فيه كما يشعر به التعبير بمن، فمبدأ الرؤية ومنشؤها من خلفه بخلاف الرواية السابقة العارية عن من: فإنها تحتمل ذلك، وتحتمل أن ذلك بالعين المعهودة كما مرّ. وقيل أنه كان له بين كتفيه عينان كسمّ الخياط يبصر بهما ولا يحجبهما الثياب، وزاد الأصيلي بعد قوله؛ من وراء ظهري: الحديث. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين هروي وبغدادي وكوفي وبصري، وفيه التحديث والقول. 73 - باب الصَّفِّ الأَوَّلِ (باب الصف الأول) وهو الذي يلي الإمام، قال النووي: وهو الصحيح المختار وعليه المحققون. 720 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَىٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الشُّهَدَاءُ: الْغَرِقُ، وَالْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْهَدِمُ». وبالسند قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن مالك) الإمام (عن سمي) بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد المثناة التحتية، القرشي المدني، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الشهداء: الغرق) بفتح الغين وكسر الراء، بمعنى الغريق (والمبطون) صاحب الإسهال (والمطعون والهدم) بكسر الدال الذي يموت تحت الهدم، وتسكن أي ذو الهدم الذي يموت بفعل الهادم، ونسب إلى الفعل مجازًا. 721 - وَقَالَ: «وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لاَسْتَهَمُوا». (وقال) عليه الصلاة والسلام: (ولو) بالواو، وللهروى والأصيلي: لو (يعلمون ما في التهجير) التبكير (لاستبقوا) زاد الهروي: إليه (ولو يعلمون ما في) صلاة (العتمة و) صلاة (الصبح) من الثواب (لأتوهما ولو) إتيانًا (حبوًا) زحفًا على الاست (ولو يعلمون ما في الصف المقدم) الأول من الفضل، وللأصيلي وابن عساكر: الأول (لاستهموا) لاقترعوا عليه لما فيه من الفضيلة، كالسبق لدخول المسجد، والقرب من الإمام، واستماع قراءته، والتعلم منه، والفتح عليه، والتبليغ عنه، والصف المقدم يتناول الصف الثاني بالنسبة للثالث فإنه مقدم عليه، وكذا الثالث بالنسبة للرابع، وهلم جرَّا. فرواية الصف الأول رافعة لذلك، معينة للمراد. ورواة هذا الحديث مدنيون إلا شيخ المؤلّف فبصري، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في فضل التهجير، وتقدمت مباحثه في باب الاستهام في الأذان. 74 - باب إِقَامَةِ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاَةِ هذا (باب) بالتنوين (إقامة الصف من) حسن

75 - باب إثم من لم يتم الصفوف

(تمام) إقامة (الصلاة) وثبت قوله تمام لأبي الوقت. 722 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلاَ تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ، وَأَقِيمُوا الصَّفَّ فِي الصَّلاَةِ، فَإِنَّ إِقَامَةَ الصَّفِّ مِنْ حُسْنِ الصَّلاَةِ». [الحديث 722 - طرفه في: 734]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي (قال: حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني اليماني (قال: أخبرنا معمر) هو ابن راشد البصري (عن همام) وللأصيلي زيادة: ابن منبّه (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال): (إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا ركع فاركعوا) عقبه (وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد) بغير واو، ولأبي ذر والأصيلي: ربنا ولك الحمد، أي بعد أن تقولوا سمع الله لمن حمده (وإذا سجد فاسجدوا) عقب سجوده (وإذا صلّى جالسًا فصلوا جلوسًا) جمع جالس (أجمعون) بالرفع تأكيد لفاعل صلوا، ولأبي ذر في نسخة: أجمعين، بالنصب تأكيد لجلوسًا، وهذا منسوخ بما في مرض موته من صلاته جالسًا وهم قيام كما مر (وأقيموا الصف) أي عدلوه (في الصلاة، فإن إقامة الصف من حسن الصلاة) الزائد على تمامها، فليس بفرض بل زائد عليه. فالأمر للاستحباب بدليل تعليله بقوله: فإن إقامة الصف إلخ. فإن قلت: ما ترجم به غير ما في الحديث، أجيب: بأنه أراد أن يبين المراد بالحسن هنا، وأنه لا يعني به الظاهر المرئي من الترتيب، بل المقصود به الحسن الحكمي. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بخاري وبصري ويماني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه مسلم في الصلاة. 723 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ». وبه) قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن أنس) رضي الله عنه، وللأصيلي زيادة: ابن مالك (عن النبي) ولابن عساكر قال: قال رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (سوّوا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف) بالجمع (من إقامة الصلاة) أي: من تمامها كما عند الإسماعيلي والبيهقي، واستدلّ به على سنية التسوية. 75 - باب إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ (باب إثم من لم يتم الصفوف) عند القيام إلى الصلاة، وللأصيلي: من لم يتم مشددة مفتوحة، وجوز البدر الدماميني كسرها على الأصل، قال: ولا سيما قبها كسر يمكن أن يراعى في الإتباع. 724 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّائِيُّ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: "أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا أَنْكَرْتَ مِنَّا مُنْذُ يَوْمِ عَهِدْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا إِلاَّ أَنَّكُمْ لاَ تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ". وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْمَدِينَةَ ... بِهَذَا. وبالسند قال: (حدّثنا معاذ بن أسد) بضم الميم والذال معجمة، المروزي نزيل البصرة (قال: أخبرنا) ولابن عساكر والأصيلي: حدّثنا (الفضل بن موسى) المروزي (قال: أخبرنا سعيد بن عبيد) بكسر العين في الأول، وضمها وفتح الموحدة في الثاني، (الطائي) الكوفي (عن بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة في الأول، وبالمثناة التحتية وتخفيف السين المهملة بعد المثناة التحتية في الثاني (الأنصاري، عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وسقط لفظ: ابن مالك عند ابن عساكر (أنه قدم المدينة) من البصرة (فقيل له: ما أنكرت) أي: أي شيء أنكرت (منا منذ) ولغير المستملي والكشميهني: ما أنكرت منذ (يوم عهدت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وجوّز البرماوي كالزركشي في ميم يوم التثليث، ولكن قال في مصابيح الجامع: إن ظاهره أن الثلاثة حركات إعراب وليس كذلك، فإن الفتح هنا حركة بناء قطعًا (قال) أنس: (ما أنكرت شيئًا إلاّ أنكم لا تقيمون الصفوف). فإن قلت: الإنكار قد يقع على ترك السُّنّة، فلا يدلّ على حصول الإثم، فكيف المطابقة بين الترجمة والحديث؟ أجيب باحتمال أن يكون المؤلّف أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله: سووا، ومن عموم قوله: صلوا كما رأيتموني أصلي، ومن ورود الوعيد على تركه، فترجح عنده بهذه القرائن، أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب. نعم مع القول بوجوب التسوية، صلاة من لم يسوّ صحيحة، ويؤيده أن أنسًا مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بالإعادة، والجمهور على أنها سنّة، وليس الإنكار للزوم الشرعي بل للتغليظ والتحريض على الإتمام. (وقال عقبة بن عبيد) بضم العين فيهما وسكون القاف وفتح الموحدة في عقبة، وهو الرحال بفتح الراء والحاء المشدّدة المهملتين، وهو أخو سعيد بن عبيد السابق، وليس لعقبة هذا في البخاري إلاّ هذا التعليق الموصول عند أحمد في مسنده عن يحيى القطان، عن عقبة بن عبيد (عن بشير بن يسار) بضم

76 - باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف

الموحدة وفتح المعجمة (قدم علينا أنس بن مالك المدينة. بهذا) أي المذكور، والفرق بين الطريقين أنه أراد بالثاني بيان سماع بشير بن يسار له من أنس، وسقط لابن عساكر وأبي ذر: ابن مالك. 76 - باب إِلْزَاقِ الْمَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ وَالْقَدَمِ بِالْقَدَمِ فِي الصَّفِّ وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ: رَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنَّا يُلْزِقُ كَعْبَهُ بِكَعْبِ صَاحِبِهِ. (باب إلزاق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم في الصف). (وقال النعمان بن بشير) هو ابن سعيد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي المدني الصحابي ابن الصحابي، سكن الشام ثم ولي إمرة الكوفة: (رأيت الرجل منّا يلزق كعبه بكعب صاحبه) وهذا طرف من حديث أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة. 725 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي. وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ". وبالسند قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) الحراني، سكن مصر، ولابن عساكر: عمرو هو ابن خالد (قال: حدّثنا زهير) بضم الزاي وفتح الهاء، ابن معاوية (عن حميد) الطويل (عن أنس) وللأصيلي زيادة: ابن مالك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهري). قال أنس: (وكان أحدنا) في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يلزق) بالزاي (منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه) المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف، وسد خلله. وقد ورد الأمر بسد خلل الصف والترغيب فيه في أحاديث كحديث ابن عمر المروي عند أبي داود، وصححه ابن خزيمة والحاكم، ولفظه: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفًّا وصله الله، ومن قطع صفًّا قطعه الله عز وجل. 77 - باب إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ تَمَّتْ صَلاَتُهُ هذا (باب) بالتنوين (إذا قام الرجل) المأموم (عن يسار الإمام، وحوله الإمام خلفه) بالنصب على الظرفية، أي في خلفه، أو بنزع الخافض، أي من خلفه (إلى يمينه، تمت صلاته) أي المأموم أو الإمام، قال البرماوي كالكرماني والإمام: وإن كان أقرب إلاّ أن الفاعل وإن تأخر لفظًا فمقدم رتبة فتساويا انتهى. وتعقب بأنه إذا عاد الضمير للإمام أفاد أنه احترز أن يحوله من بين يديه لئلا يصير كالمارّ بين يديه انتهى. وقد تقدّم أكثر لفظ هذه الترجمة قبل بنحو عشرين بابًا، لكن ليس هناك لفظ: خلفه، وقال هناك: لم تفسد صلاتهما، وهو يدل على جواز رجوع الضمير هنا إليهما. 726 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرَأْسِي مِنْ وَرَائِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى وَرَقَدَ، فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ". وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بضم القاف في الأول وكسر العين في الآخر، وسقط ابن سعيد لأبي ذر (قال: حدّثنا داود) بن عبد الرحمن العطار، المتوفى سنة خمس وتسعين ومائة (عن عمرو بن دينار) بفتح العين وسكون الميم، (عن كريب، مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: صليت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات ليلة) أي في ليلة، وذات مقحمة. قال جار الله، وهو من إضافة المسمى إلى اسمه (فقمت عن يساره، فأخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه) فيه أن الفعل القليل غير مبطل، ودلالة الترجمة فيه من قوله عن يساره إلى هنا (فصلّى) عليه الصلاة والسلام (ورقد، فجاءه المؤذن) ولابن عساكر: فجاء بحذف ضمير المفعول (فقام وصلّى) بالواو، وللكشميهني: فصلّى، بالفاء وللأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت وأبي ذر عن الحموي والمستملي: يصلّي بالمثناة التحتية، بلفظ المضارع (ولم يتوضأ) لأن نومه لا ينقض وضوءه لأن عينه تنام ولا ينام قلبه، وبقية مباحث الحديث تقدمت في باب السمر في العلم وتخفيف الوضوء. 78 - باب الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا تَكُونُ صَفًّا هذا (باب) بالتنوين (المرأة وحدها تكون صفًّا). قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: 38] المفسر: بأن الروح وهو ملك يكون وحده صفًا والملائكة صفًا آخر، أو المراد: أنها وقفت وحدها غير مختلطة بالرجال تكون في حكم الصف. 727 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمِّي -أُمُّ سُلَيْمٍ- خَلْفَنَا". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) السند الجعفي (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال: صلّيت أنا ويتيم) هو ضميرة بن أبي ضميرة، بضم الضاد المعجمة، الصحابي ابن الصحابي، وأتى بالضمير المرفوع ليصح العطف عليه، ولم يشترطه الكوفيون. (في بيتنا، خلف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأمي أم سليم) بضم السين عطف بيان، واسمها سهلة أو رميثة أو الرميصاء، زوجة أبي طلحة؛ تصلي (خلفنا). استنبط منه: أن المرأة لا تصف مع الرجال

79 - باب ميمنة المسجد والإمام

لما يخشى من الافتتان بها، فلو خالفت أجزأت صلاتها عند الجمهور. نعم عند الحنفية تفسد صلاة الرجل دونها. ولو صلّى الرجل وحده دون الصف صحت صلاته عند الشافعي ومالك وأبي حنيفة رضي الله عنهم، ولكن يكره عند الشافعية، فليدخل الصف إن وجد سعة، وإلاّ فليجر شخصًا منه بعد الإحرام، وليساعده المجرور فيقف معه صفًّا. روى البيهقي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لرجل صلّى خلف الصف: أيها الرجل المصلي هلاّ دخلت الصف، أو جررت رجلاً من الصف فيصلّي معك، أعد صلاتك، وضعفه. والأمر بالإعادة للاستحباب، ويؤخذ من الكراهة فوات فضيلة الجماعة. 79 - باب مَيْمَنَةِ الْمَسْجِدِ وَالإِمَامِ (باب ميمنة المسجد والإمام) سقط الباب للأصيلي. 728 - حَدَّثَنَا مُوسَى قال: حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قُمْتُ لَيْلَةً أُصَلِّي عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخَذَ بِيَدِي -أَوْ بِعَضُدِي- حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَقَالَ بِيَدِهِ مِنْ وَرَائِي". (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي (قال: حدّثنا ثابت بن يزيد) بالمثلثة في الأول، ويزيد من الزيادة، الأحول البصري (قال: حدّثنا عاصم) هو ابن سليمان الأحول البصري (عن الشعبي) بن عامر، شراحيل الكوفي (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: قمت ليلة أصلي عن يسار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأخذ بيدي أو) قال (بعضدي) شك من الراوي، أو من ابن عباس (حتى أقامني عن يمينه، وقال بيده) أي أشار بها تحول (من ورائي) أو المراد من وراء ابن عباس، ولأبي ذر عن الكشميهني: من ورائه، قال العيني كابن حجر: وهذا أوجه. والضمير للرسول عليه الصلاة والسلام. ومطابقته للترجمة من جهة الإمام، ولأبي داود بإسناد حسن عن عائشة مرفوعًا: إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف، ولا يعارضه قوله عليه الصلاة والسلام، في حديث ابن عمر المروي عند ابن ماجة، لما تعطلت مسيرة المسجد: من عمر ميسرة المسجد، كتب له كفلان من الأجر، لأن ما ورد لمعنى عارض يزول بزواله، لا سيما والحديث في إسناده مقال. ورواة حديث الباب ما بين كوفي وبصري، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وفيه من يلقب بالأحول عن الأحول، وساقه المؤلّف هنا مختصرًا. 80 - باب إِذَا كَانَ بَيْنَ الإِمَامِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ حَائِطٌ أَوْ سُتْرَةٌ وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ أَنْ تُصَلِّيَ وَبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ نَهَرٌ. وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: يَأْتَمُّ بِالإِمَامِ -وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَوْ جِدَارٌ- إِذَا سَمِعَ تَكْبِيرَ الإِمَامِ. هذا (باب) بالتنوين (إذا كان بين الإمام وبين القوم) المقتدين به (حائط أو سترة) لا يضر ذلك. وهذا مذهب المالكية، نعم إذا جمعهما مسجد، وعلم بصلاة الإمام بسماع تكبيرة أو بتبليغ، جاز عند الشافعية لإجماع الأمة على ذلك، كما سيأتي قريبًا. (وقال الحسن) البصري: (لا بأس أن تصلي وبينك وبينه) أي الإمام (نهر) سواء كان محوجًا إلى سباحة أم لا، وهذا هو الصحيح عند الشافعية، ولابن عساكر: نهير بضم النون وفتح الهاء مصغرًا، وهو يدل على أن المراد الصغير، وهو الذى يمكن العبور من أحد طرفيه إلى الآخر من غير سباحة، وهذا لا يضرّ جزمًا. وهذا التعليق قال ابن حجر: لم أره موصولاً بلفظه، وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عنه، في الرجل يصلّي خلف الإمام، وهو فوق سطح، يأتم به: لا بأس بذلك. (وقال أبو مجلز) بكسر الميم وسكون الجيم آخره زاي معجمة، اسمه لاحق بالحاء المهملة والقاف، ابن حميد بضم الحاء، ابن سعيد البصري الأعور التابعي المتوفى سنة مائة أو إحدى ومائة، مما وصله ابن أبي شيبة: (يأتم) المصلي (بالإمام وإن كان بينهما طريق) مطروق، وهذا هو الصحيح عند الشافعية، فغير المطروق من باب أولى (أو) كان بينهما (جدار) وجمعهما مسجد (إذا سمع تكبير الإمام) أو مبلغ عنه لإجماع الأمة على ذلك، ورحبة المسجد ملحقة به. وحكم المساجد المتلاصقة المتنافذة كمسجد الأصح وإن صلّى به خارج المسجد واتصلت به الصفوف جازت صلاته، لأن ذلك يعدّ جماعة وإن انقطعت ولم يكن دونه حائل جازت إذا لم يزد ما بينهما على ثلاثمائة ذراع تقريبًا. وإن كانا في بناءين: كصحن وصفة أو بيت، فطريقان: أصحهما: إن كان بناء المأموم يمينًا أو شمالاً وجب اتصال صف من أحد البناءين بالآخر، لأن اختلاف البناء يوجب كونهما متفرقين. فلا بد من رابطة يحصل بها الاتصال، ولا تضر فرجة لا تسع واقفًا، وإن كان بناء المأموم خلف بناء الإمام، فالصحيح صحة القدوة بشرط أن لا يكون بين الصفين أكثر من ثلاثة أذرع تقريبًا. والطريق الثاني، وصححها النووي تبعًا لمعظم العراقيين، لا يشترط إلا القرب كالفضاء، فيصح ما لم يزد بينه وبين آخر صف على ثلاثمائة

81 - باب صلاة الليل

ذراع إن لم يكن حائل. فإن كان بينهما حائل يمنع الاستطراق والمشاهدة، كالحائط، لم تصح باتفاق الطريقين، لأن الحائط معدّ للفصل بين الأماكن، وإن منع الاستطراق دون المشاهدة بأن يكون بينهما شباك، فالأصح في أصل الروضة البطلان. 729 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فِي حُجْرَتِهِ وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ، فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ، فَأَصْبَحُوا فَتَحَدَّثُوا بِذَلِكَ، فَقَامَ لَيْلَةَ الثَّانِيَةِ فَقَامَ مَعَهُ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ، صَنَعُوا ذَلِكَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَخْرُجْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ، فَقَالَ: إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ صَلاَةُ اللَّيْلِ. [الحديث 729 - أطرافه في: 730، 924، 1129، 2011، 2012، 5861]. وبالسند قال: (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: حدّثني (محمد) ولابن عساكر محمد بن سلام، وبه قال أبو نعيم، وهو السلمي البيكندي بكسر الموحدة وسكون المثناة التحتية وفتح الكاف وسكون النون، واختلف في لام أبيه، والراجح التخفيف. قال: (أخبرنا) وللأصيلي: حدّثنا (عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة، ابن سليمان الكوفي (عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة) بفتح العين وسكون الميم، بنت عبد الرحمن الأنصارية (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي من الليل في حجرته وجدار الحجرة قصير) وفي رواية حماد بن زيد عن يحيى عند أبي نعيم: في حجرة من حجر أزواجه، وهو يوضح أن المراد حجرة بيته لا التي كان احتجزها في المسجد بالحصير، ويدل له ذكر جدار الحجرة، لكن يحتمل أن تكون هي المراد، ويكون ذلك تعدد منه عليه الصلاة والسلام (فرأى الناس شخص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من غير تمييز منهم لذاته المقدسة، لأنه كان ليلاً، فلم يبصروا إلا شخصه (فقام أناس) بهمزة مضمومة. وللأربعة: فقام ناس (يصلون بصلاته) عليه الصلاة والسلام، ملتبسين بها أو مقتدين بها وهو داخل الحجرة وهم خارجها، وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى، وفيه جواز الائتمام بمن لم ينوِ الإمامة، (فأصبحوا) دخلوا في الصباح وهي تامّة (فتحدثوا بذلك، فقام ليلة) الغداة (الثانية) وللأصيلي: فقام الليلة الثانية، من باب إضافة الموصوف إلى صفته (فقام معه) عليه الصلاة والسلام (أناس) بالهمزة، وللأصيلي: ناس (يصلون بصلاته، صنعوا ذلك) أي الاقتداء به عليه الصلاة والسلام (ليلتين أو ثلاثة) وللأربعة: أو ثلاثًا (حتى إذا كان) الوقت أو الزمان (بعد ذلك، جلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يخرج) إلى الموضع المعهود الذي صلّى فيه تلك الصلاة الليلتين أو الثلاث، (فلما أصبح ذكر ذلك الناس) لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولمعمر عن الزهري عن عروة عن عائشة، عند عبد الرزاق أن الذي خاطبه بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إني خشيت أن تكتب) أي تفرض (عليكم صلاة الليل) أي من طريق الأمر بالاقتداء به عليه الصلاة والسلام، لأنه كان يجب عليه التهجد، لا من جهة إنشاء فرض آخر زائد على الخمسة، ولا يعارضه قوله في ليلة الإسراء: لا يبدل القول لديّ، فإن ذاك المراد به في التنقيص كما دل عليه السياق. 81 - باب صَلاَةِ اللَّيْلِ (باب صلاة الليل) كذا في رواية المستملي وحده، ولا وجه لذكره هنا لأن الأبواب هنا في الصفوف وإقامتها، وصلاة الليل بخصوصها أفرد لها المؤلّف كتابًا مفردًا في هذا الكتاب. 730 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الفُدَيْكٍ قَالَ: "حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لَهُ حَصِيرٌ يَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ وَيَحْتَجِرُهُ بِاللَّيْلِ، فَثَابَ إِلَيْهِ نَاسٌ فَصَلَّوْا وَرَاءَهُ". وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدّثنا ابن أبي فديك) بضم الفاء وفتح الدال المهملة وسكون التحتية وبالكاف. ولأبي ذر: ابن أبي الفديك بالألف واللام، واسمه محمد بن إسماعيل بن أبي مسلم بن أبي فديك، واسم أبي فديك دينار الديلمي المدني (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) بكسر الذال المعجمة وسكون الهمزة آخره موحدة، محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحرث بن أبي ذئب هشام المدني (عن المقبري) بفتح الميم وسكون القاف وضم الموحدة وكسرها، وقد تفتح نسبة لمجاورتهن المقبرة، سعيد بن أبي سعيد (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان له حصير يبسطه بالنهار) وللأصيلي: يبتسطه، بمثناة فوقية بعد الموحدة وكسر السين (ويحتجزه بالليل) بالراء المهملة أي يتخذه كالحجرة فيصلّي فيها، ولأبي ذر عن الكشميهني: ويحتجزه، بالزاي، أي يجعله حاجزًا بينه وبين غيره (فثاب) بمثلثة واحدة بينهما ألف أي رجع. ولأبي الوقت وابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والكشميهني: فثار بالراء بدل الموحدة، أي ارتفع أو قام (إليه الناس فصلوا) وللأربعة

82 - باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة

بدل قوله فصلوا فصفوا (وراءه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ورواة هذا الحديث الستة مدنيون وشيخ المؤلّف من أفراده، وفيه تابعي عن تابعي عن صحابية، والتحديث والعنعنة، والقول وأخرجه المؤلّف أيضًا في اللباس، ومسلم في الصلاة، وكذا الترمذي والنسائي وابن ماجة. 731 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتَّخَذَ حُجْرَةً -قَالَ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ حَصِيرٍ -فِي رَمَضَانَ فَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ، فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. فَلَمَّا عَلِمَ بِهِمْ جَعَلَ يَقْعُدُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ، إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ". قَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا مُوسَى سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ عَنْ بُسْرٍ عَنْ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 731 - طرفاه في: 6113، 7290]. وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) بتشديد الميم، ابن نصر (قال: حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًاً، ابن خالد (قال: حدّثنا موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأزدي (عن سالم أبي النضر) بسكون الضاد المعجمة، ابن أبي أمية (عن بسر بن سعيد) بضم الموحدة وسكون المهملة في الأول، وكسر العين في الثاني، (عن زيد بن ثايت) الأنصاري كاتب الوحي رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-اتخذ حجرة) بالراء، ولأبي ذر عن الكشميهني: حجزة بالزاي، أي شيئًا حاجزًا يعني مانعًا بينه وبين الناس (وقال) بسر: (حسبت) أي ظننت (أنه قال: من حصير في رمضان فصلّى فيها ليالي، فصلّى بصلاته ناس من أصحابه، فلما علم بهم جعل) أي طفق (يقعد، فخرج إليهم فقال): (قد عرفت) ولابن عساكر: علمت (الذي رأيت من صنيعكم) بفتح الصاد وكسر النون، ولأبي ذر عن الكشميهني: من صنعكم، بضم الصاد وسكون النون، أي حرصكم على إقامة صلاة التراويح، تحى رفعتم أصواتكم وصحتم، بل حصب بعضهم الباب لظنهم نومه عليه الصلاة والسلام (فصلوا أيها الناس في بيوتكم) أي النوافل التي لم تشرع فيها الجماعة (فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته) ولو كان المسجد فاضلاً (إلا) الصلوات الخمس (المكتوبة) وما شرع في جماعة: كالعيد والتراويح، فإن فعلها في المسجد أفضل منها في البيت ولو كان مفضولاً، وكذا تحية المسجد فإنها لا تشرع في البيت. ورواة هذا الحديث ثلاثة مدنيون وعبد الأعلى أصله من البصرة وسكن بغداد. وفيه التحديث والعنعنة. وأخرجه أيضًا في الاعتصام، وفي الأدب، ومسلم في الصلاة، وكذا أبو داود والترمذي والنسائي. (قال عفان) بن مسلم بن عبد الله الباهلي الصفار، البصري، المتوفى بعد المائتين (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء، ابن خالد (قال: حدّثنا موسى) بن عقبة (قال: سمعت أبا النضر) بن أبي أمية (عن بسر) هو ابن سعيد (عن زيد) أي ابن ثابت (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وفائدة هذا الطريق بيان سماع موسى بن عقبة له من أبي النضر، وسقط ذلك كله من رواية غير كريمة، وكذا لم يذكر ذلك الإسماعيلي ولا أبو نعيم. ولما فرغ المؤلّف رحمه الله من بيان أحكام الجماعة والإمامة وتسوية الصفوف، شرع في بيان صفة الصلاة وما يتعلق بذلك فقال: 82 - باب إِيجَابِ التَّكْبِيرِ وَافْتِتَاحِ الصَّلاَةِ (باب إيجاب التكبير) للإحرام (وافتتاح الصلاة) أي مع الشروع في الصلاة، ومجيء الواو بمعنى مع شائع ذائع، وأطلق الإيجاب والمراد: الوجوب تجوزًا لأن الإيجاب خطاب الشارع، والوجوب ما يتعلق بالمكلف وهو المراد هنا. ويتعين على القادر: الله أكبر لأنه عليه الصلاة والسلام كان يستفتح الصلاة به. رواه ابن ماجة وغيره. وفي البخاري: صلوا كما رأيتموني أصلّي. فلا يقوم مقامه تسبيح ولا تهليل لأنه محل اتباع، وهذا قول الشافعية والمالكية والحنابلة فلا يكفي: الله الكبير، ولا الرحمن أكبر، لكن عند الشافعية لا تضر زيادة ولا تمنع الاسم: كالله الجليل أكبر في الأصح، ومن عجز عن التكبير ترجم عنه بأي لغة شاء، ولا يعدل عنه إلى غيره من الأذكار. وقال الحنفية: ينعقد بكل لفظ يقصد به التعظيم، خلافًا لأبي يوسف فإنه يقتصر على المعروف والمنكر من التكبير، فيقول: الله أكبر، الله أكبر، الله كبير الله الكبير. وهل تكبيرة الإحرام ركن أو شرط؟ قال بالأول الشافعية والمالكية والحنابلة، وقال الحنفية بالثاني. 732 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكِبَ فَرَسًا فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ -قَالَ أَنَسٌ -رضي الله عنه- فَصَلَّى لَنَا يَوْمَئِذٍ صَلاَةً مِنَ الصَّلَوَاتِ وَهْوَ قَاعِدٌ، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، ثُمَّ قَالَ لَمَّا سَلَّمَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ». وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع البهراني الحمصي (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الأموي الحمصي. (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك الأنصاري) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركب فرسًا) في ذي الحجة سنة خمس من هجرته، وأتى الغابة فسقط عنها (فجحش) بضم الجيم وكسر الحاء المهملة ثم شين معجمة، أي خدش (شقه الأيمن، قال

أنس) وللأصيلي: أنس بن مالك (رضي الله عنه، فصلّى لنا يومئذ صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا وراءه قعودًا، ثم قال) عليه الصلاة والسلام (لما سلم): (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلّى قائمًا فصلوا قيامًا) زاد في باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلّى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون، وهو منسوخ بصلاتهم خلفه قيامًا وهو قاعد في مرض موته (وإذا ركع فاركعوا) وفي الرواية التالية لهذه: فإذا كبّر فكبّروا وإذا ركع فاركعوا. فالتكبير هنا مقدّر، إذ الركوع يستدعي سبق التكبير بلا ريب، فالمقدر كالملفوظ، والأمر للوجوب. وتعينت تكبيرة الإحرام دون غيرها بقوله: وافتتاح الصلاة المفسر بمع الشروع فيها، كما مر. وفي حديث أبي حميد: كان عليه الصلاة والسلام إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائمًا ورفع يديه ثم قال: الله أكبر. أخرجه ابن ماجة، وصحّحه ابنا خزيمة وحبّان. وحينئذ فحصلت المطابقة بين الحديث والترجمة من حيث الجزء الأول منها، وهو إيجاب التكبير. والجزء الثاني بطريق اللزوم، لأن التكبير أول الصلاة لا يكون إلا عند الشروع فيها. (وإذا رفع فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده) أي أجاب دعاء الحامدين (فقولوا: ربنا ولك الحمد) أي بعد قولكم: سمع الله لمن حمده، فقد ثبت الجمع بيهما من فعله عليه الصلاة والسلام. وقد قال: صلوا كما رأيتموني أصلي، فسمع الله لمن حمده للارتفاع، وربنا ولك الحمد للاعتدال. وسقط لغير أبي ذر عن المستملي: وإذا سجد فاسجدوا. ورواة هذا الحديث حمصيان ومدنيان، وفيه التحديث بالجمع، والإخبار بالجمع والإفراد والعنعنة، وهذا الحديث والتالي له حديث واحد عن الزهري عن ثابت، لكنه من طريقين: شعيب والليث. فاختصر شعيب، لكنه صرح الزهري فيها بإخبار أنس، وأتمه الليث. 733 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: "خَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ، فَصَلَّى لَنَا قَاعِدًا، فَصَلَّيْنَا مَعَهُ قُعُودًا، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: إِنَّمَا الإِمَامُ -أَوْ إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ- لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) ولغير أبوي الوقت وذر وابن عساكر: ابن سعيد، (قال: حدّثنا ليث) بالمثلثة هو ابن سعد، وللأربعة: الليث بلام التعريف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه، (أنه قال: خرّ) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء، أي سقط (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن فرس، فجحش) بتقديم الجيم على الحاء وآخره معجمة أي خدش، وهو قشر جلد العضو، وفي رواية: فجحش ساقه (فصلّى لنا قاعدًا فصلينا معه) وفي رواية: فصلينا وراءه (قعودًا، ثم انصرف) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فلما انصرف (فقال): (إنما الإمام -أو وإنما جعل الإمام- ليؤتم به) يحتمل أن يكون جعل بمعنى: سمي فيتعدى إلى مفعولين: أحدهما الإمام القائم مقام الفاعل، والثاني محذوف أي: إنما جعل الإمام إمامًا ويحتمل أن يكون بمعنى صار أي: إنما صير الإمام إمامًا، ويحتمل أن يكون فاعله ضمير الله، أي: جعل الله الإمام، أو ضمير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. واللام في ليؤتم به لام كي، والفعل منصوب بإضمار أن، والشك في زيادة لفظ جعل من الراوي (فإذا كبر فكبروا). الأمر للوجوب، وهو موضع الترجمة ومراده الرد على القائل من السلف إنه يجوز الدخول في الصلاة بغير لفظ بل بالنية فقط، وعلى القائل: إنه يجوز الدخول فيها بكل لفظ يدل على التعظيم، كما مر عن أبي حنيفة ووجوبه على المأموم ظاهر من الحديث، وأما الإمام فمسكوت عنه. ويمكن أن يقال: في السياق إشارة إلى الإيجاب لتعبير بإذا التي تختص بما يجزم بوقوعه، والأمر شامل لكل التكبيرات. إلا أن الدليل من خارج أخرج غير تكبيرة الإحرام من الوجوب إلى السنية: كربنا ولك الحمد. واستدلّ به على أن أفعال المأموم تكون متأخرة عن أفعال الإمام، فيكبر للإحرام بعد فراغ الإمام من التكبير، ويركع بعد شروع الإمام في الركوع وقبل رفعه منه، وكذا سائر الأفعال. فلو قارنه في تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته، أو في غيرها كره. وفاتته فضيلة الجماعة. واستدلال ابن بطال وابن دقيق العيد بذلك، بأنه رتب فعله على فعل الإمام، بالفاء المقتضية للترتيب والتعقيب، تعقبه الولي العراقي بأن الفاء المقتضية للتعقيب هي العاطفة، أما الواقعة في جواب الشرط فإنما هي للربط. قال والظاهر أنها لا دلالة لها على التعقيب، على أن في دلالتها على التعقيب

83 - باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء

مذهبين حكاهما أبو حيان في شرح التسهيل، ولعل أصلهما أن الشرط مع الجزاء أو متقدم عليه، وهذا يدل على أن التعقيب، إن قلنا به، فليس من الفاء، وإنما هو من ضرورة تقدم الشرط على الجزاء، والله أعلم انتهى. (وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا) مفعول فارفعوا محذوف كمفعول فاركعوا، (وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد) بغير واو، وفي السابقة بإثباتها، وهما سواء كما قال أصحابنا، نعم في رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ولك الحمد، بالواو، وهو يتعلق بما قبله أي: سمع الله لمن حمده، يا ربنا فاستجب حمدنا ودعاءنا، ولك الحمد على هدايتنا. (وإذا سجد فاسجدوا). 734 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) هو عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال النبي) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر) تكبيرة الإحرام أو غيرها (فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) بالواو أي بعد أن تقولوا: سمع الله لمن حمده، كما ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام. وإن كان ظاهر الحديث أن المأموم لا يزيد على: ربنا ولك الحمد، لكن ليس فيه حصر (وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلّى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعون) بالرفع توكيد للضمير في فصلوا، أو للضمير المستكن في الحال. وهو جلوسًا. وقيل روي: أجمعين بالنصب على الحال من ضمير جلوسًا لا مؤكدًا لجلوسًا لأنه نكرة فلا يؤكد. وردّ كونه حالاً بأن المعنى ليس عليه، وأنه لم يجيء في أجمعين إلا التأكيد في المشهور. لكن أجاز ابن درستويه حالية: أجمعين، وعليه يتخرج رواية النصب إن ثبتت، والأصح على تقدير ثبوتها أنها على بابها للتوكيد، لكن توكيدًا لضمير منصوب مقدّر كأنه قال: أعنيكم أجمعين. ولا يخفى ما فيه من البعد اهـ. قلت ثبت فيما سبق في باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، من رواية أبوي الوقت وذر: أجمعين بالنصب مع ما فيه. وهذا الحكم منسوخ بما ثبت في مرض موته. يستفاد من ذلك وجوب متابعة الإمام. فيكبر للإحرام بعد فراغ الإمام منه، فإن شرع فيه قبل فراغه لم تنعقد، لأن الإمام لا يدخل في الصلاة إلاّ بالفراغ من التكبير، فالاقتداء به في أثنائه اقتداء بمن ليس في صلاة، بخلاف الركوع والسجود ونحوهما، فيركع بعد شروع الإمام في الركوع، فإن قارنه أو سبقه فقد أساء ولا تبطل، وكذا في السجود يسلم بعد سلامه، فإن سلم قبله بطلت إلا أن ينوي المفارقة، أو معه فلا تبطل، لأنه تحلل، فلا حاجة فيه للمتابعة بخلاف لسبق، فإنه منافٍ للاقتداء. 83 - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَةِ الأُولَى مَعَ الاِفْتِتَاحِ سَوَاءً (باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح) بالتكبير أو بالصلاة، وهما متلازمان حال كون رفع اليدين مع الافتتاح (سواء). 735 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاَةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَكَانَ لاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ". [الحديث 735 - أطرافه في: 736، 738، 739]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) إمام دار الهجرة (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يرفع يديه) استحبابًا (حذو منكبيه) بالحاء المهملة والذال المعجمة، أي إزاءهما ندبًا لا فرضًا، خلافًا لأحمد بن سيار المروزي فيما نقله القفال في فتاويه، وممن قال بالوجوب أيضًا الأوزاعي والحميدي شيخ المؤلّف، وابن خزيمة من أصحابنا، والمراد بحذو منكبيه، كما قاله النووي في شرح مسلم وغيره؛ أن تحاذي أطراف أصابعه أعلى أُذنيه، وإبهاماه شحمتى أُذنيه، وراحتاه منكبيه (إذا افتتح الصلاة) أي: يرفعهما مع ابتداء التكبير، ويكون انتهاؤه مع انتهائه كما هو الأصح عند الشافعية، ورجحه المالكية، وقيل: يرفع بلا تكبير، ثم يبتدئ التكبير مع إرسال اليدين وقبل أن يركع. وقال صاحب الهداية من الحنفية: الأصح يرفع ثم يكبر، لأن الرفع صفة نفي الكبرياء عن غير الله، والتكبير إثبات ذلك له، والنفي سابق على الإثبات كما في كلمة الشهادة. (وإذا كبر للركوع) رفعهما أيضًا (إذا رفع رأسه) أي أراد رفعها (من الركوع، رفعهما كذلك)

84 - باب رفع اليدين إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع

أي حذو منكبيه (أيضًا) جواب لقوله: وإذا رفع رأسه (وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك) أي رفع يديه (في) ابتداء (السجود) ولا في الرفع منه. وهذا مذهب الشافعي، وأحمد، وقال الحنفية لا يرفع إلا في تكبيرة الإحرام، وهو رواية ابن القاسم عن مالك. قال ابن دقيق العيد وهو المشهور عند أصحاب مالك، والمعمول به عند المتأخرين منهم. وأجابوا عن هذا الحديث بأنه منسوخ. وقال أبو العباس القرطبي: مشهور مذهب مالك أن الرفع في المواطن الثلاثة هو آخر أقواله وأصحها، والحكمة في الرفع أن يراه الأصم فيعلم دخوله في الصلاة، كالأعمى يعلم بسماع التكبير، أو إشارة إلى رفع الحجاب بين العبد والمعبود، أو ليستقبل بجميع بدنه. وقال الشافعي هو تعظيم لله واتباع لسُنّة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة، وأخرجه النسائي في الصلاة. 84 - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا كَبَّرَ، وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ (باب رفع اليدين إذا كبر، وإذا ركع) أي إذا أراد التكبير للافتتاح وإذا أراد الركوع (و) رفعهما (إذا رفع) رأسه من الركوع. 736 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ فِي الصَّلاَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ". وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي، جاور بمكة وتوفي سنة ست وعشرين ومائتين (قال: أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله) ولابن عساكر زيادة: ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، ولأبي ذر: عن أبيه أنه (قال: رأيت رسول الله) وللأصيلي: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قام في الصلاة) أي شرع فيها (رفع يديه حتى يكونا) بمثناة تحتية، ولأبي ذر: تكونا بالفوقية، (حذو منكبيه) بالتثنية (وكان يفعل ذلك) أي يرفع يديه (حين يكبر للركوع) أي عند ابتداء الركوع، كإحرامه حذو منكبيه مع ابتداء التكبير (ويفعل ذلك) أيضًا (إذا رفع رأسه من الركوع) إذا أراد الرفع منه أيضًا (ويقول): (سمع الله لمن حمده) (ولا يفعل ذلك) أي الرفع (في السجود) أي: لا في الهويّ إليه، ولا في الرفع منه. وروى يحيى القطان، من مالك عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا، هذا الحديث وفيه: ولا يرفع بعد ذلك. أخرجه الدارقطني في غرائب مالك بإسناد حسن، وظاهره يشمل النفي عمّا عدا هذه المواضع الثلاثة. وقد روى رفع اليدين في الحديث خمسون من الصحابة، منهم العشرة. ورواة هذا الحديث الستة ما بين مروزي ومدني وإيلي، وفيه التحديث بالجمع والإخبار بالجمع والإفراد، والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم في الصلاة، وكذا النسائى. زاد ابن عساكر هنا: قال محمد، أي البخاري، قال علي بن عبد الله المديني: حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند تكبيرة الإحرام وغيرها، مما ذكر لحديث الزهري عن سالم، عن أبيه عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم. 737 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ: "أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ إِذَا صَلَّى كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَنَعَ هَكَذَا". وبه قال: (حدّثنا إسحاق الواسطي) هو ابن شاهين (قال: حدّثنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن الطحان (عن خالد) الحذاء، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: حدّثنا خالد (عن أبي قلابة) بكسر القاف، عبد الله بن زيد الجرمي (أنه) أي أن أبا قلابة (رأى مالك بن الحويرث) بضم الحاء المهملة وفتح الواو آخره مثلثة، الليثي (إذا صلّى) أي شرع في الصلاة (كبر) للإحرام (ورفع يديه) حتى يكونا حذو منكبيه، ولمسلم: ثم رفع يديه (وإذا أراد أن يركع رفع يديه) مع التكبير (وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه). وهذا مذهب الشافعي وأحمد خلافًا لأبي حنيفة ومالك في أشهر الروايات عنه. واستدلّ الحنفية برواية مجاهد: أنه صلّى خلف ابن عمر فلم يره يفعل ذلك، وأجيب بالطعن في إسناده، لأن أبا بكر بن عياش ساء حفظه بآخره وعلى تقدير صحته، فقد أثبت ذلك سالم ونافع وغيرهما. والمثبت مقدم على النافي، وأيضًا فإن ابن عمر لم يكن يراه واجبًا ففعله تارة، وتركه أخرى. وروي عن بعض الحنفية بطلان الصلاة. وأما الرفع في تكبيرة الإحرام فعليه الإجماع، وإنما قال: أراد في الركوع لأنه فيه عند إرادته بخلاف رفعهما في رفع الرأس منه، فإنه عند نفس الرفع

85 - باب إلى أين يرفع يديه؟

لا عند إرادته، وكذا في: إذا صلّى كبّر التكبير عند فعل الصلاة. قال أبو قلابة (وحدّث) مالك بن الحويرث (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صنع هكذا) أي مثل ما صنع مالك بن الحويرث، والواو للحال لا للعطف على رأي لأن المحدث مالك والرائي أبو قلابة. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة. 85 - باب إِلَى أَيْنَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ؟ وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ "رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ". هذا (باب) بالتنوين (إلى أين يرفع) المصلي (يديه) عند افتتاح الصلاة وغيره. (وقال) وحذف الواو الأصيلي وابن عساكر (أبو حميد) بضم الحاء عبد الرحمن بن سعد الساعدي الأنصاري، مما هو موصول عنده في باب: سُنّة الجلوس في التشهد (في أصحابه) أي: حال كونه بين أصحابه من الصحابة رضي الله عنهم: (رفع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي يديه (حذو منكبيه) ولابن عساكر: إلى حذو منكبيه. 738 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- افْتَتَحَ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلاَةِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ حَتَّى يَجْعَلَهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَهُ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَعَلَ مِثْلَهُ وَقَالَ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ وَلاَ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرنا) بالجمع وللأربعة: أخبرني (سالم بن عبد الله أن) أباه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، قال: رأيت النبي) ولابن عساكر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- افتتح التكبير في الصلاة، فرفع يديه حين يكبر حتى يجعلها حذو منكبيه) بفتح الميم وكسر الكاف، تثنية منكب، وهو مجمع عظم العضد والكتف، أي: إزاء منكبيه. وبهذا أخذ الشافعي والجمهور، خلافًا للحنفية حيث أخذوا بحديث مالك بن الحويرث عند مسلم ولفظه: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي منكبيه بحيث يحاذي أطراف أصابعه فروع أُذنيه. وقد جمع الشافعي بينهما فقال: يرفع يديه حذو منكبيه بحيث يحاذي أطراف أصابعه فروع أُذنيه، أي أعلى أُذنيه، وإبهاماه شحمتي أُذنيه، وراحتاه منكبيه. (وإذا كبّر للركوع فعل مثله) أي مثل المذكور من رفع اليدين حذو المنكبين (وإذا قال): (سمع الله من حمده) (فعل مثله) من الرفع حذو المنكبين أيضًا (وقال): (ربنا ولك الحمد)، (ولا يفعل ذلك) الرفع المذكور (حين يسجد، ولا حين يرفع رأسه من السجود) ولابن عساكر والأصيلي: ولا حين يرفع من السجود فحذف لفظ رأسه. 86 - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ (باب رفع) المصلي (اليدين إذا قام من الركعتين) بعد التشهد. 739 - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَإِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ. وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَرَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مُخْتَصَرًا. وبالسند قال: (حدّثنا عياش) بفتح العين المهملة وتشديد المثناة التحتية آخره معجمة، ابن الوليد الرقام البصري (قال: حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي، بالسين المهملة، البصري (قال: حدّثنا عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة، ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، كان إذا دخل) أي أراد الدخول (في الصلاة) ولابن عساكر: دخل الصلاة (كبّر ورفع يديه) حذو منكبه (وإذا ركع) كبّر و (رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه) حذو منكبيه أيضًا (وإذا قام من الركعتين) بعد التشهد (رفع يديه) كذلك، (ورفع ذلك ابن عمر إلى نبي الله) ولأبي ذر: إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أضافه إليه. وكذا رفعه عبد الوهاب الثقفي، ومعتمر، عن عبيد الله، عن الزهري، عن سالم عن ابن عمر، كما أخرجه المؤلّف في جزء: رفع اليدين له، وفيه الزيادة. وقد توبع نافع على ذلك عن ابن عمر. وهو فيما رواه أبو داود، وصححه المؤلّف في الجزء المذكور من طريق محارب بن دثار، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه، وله شواهد؛ منها: حديث أبي حميد الساعدي. وحديث علي بن أبي طالب، أخرجهما أبو داود وصححهما ابنا خزيمة وحبان. وقال المؤلّف في جزء: الرفع ما زاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة من الرفع عند القيام من الركعتين: صحيح لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة، فاختلفوا فيها، وإنما زاد بعضهم على بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم. اهـ. وقال ابن خزيمة: هو سُنّة وإن لم يذكره الشافعي، والإسناد صحيح، وقد قال: قولوا باليمنة ودعوا قولي انتهى. وتعقب بأن وصية الشافعي يعمل بها إذا عرف أن الحديث لم يطلع عليه الشافعي، أما

87 - باب وضع اليمنى على اليسرى

إذا عرف أنه اطلع عليه ورده، أو تأوّله بوجه من الوجوه، فلا والأمر هنا محتمل. وصحح النووي تصحيح الرفع، وعبارة النووي خلافًا للأكثرين، وقد قال أبو داود: إن الحديث رواه الثقفي عن عبيد الله فلم يرفعه وهو الصحيح، وكذا رواه موقوفًا الليث وابن جريج ومالك. ورواة الحديث الخمسة ما بين بصري ومدني وشيخ المؤلّف من أفراده، وفيه التحديث والعنعنة وأخرجه أبو داود. (ورواه حماد بن سلمة، عن أيوب عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وصله المؤلّف في جزء: رفع اليدين عن موسى بن إسماعيل عن حماد مرفوعًا بلفظ: إذا كبر رفع يديه، وإذا ركع رفع رأسه من الركوع. (ورواه ابن طهمان) إبراهيم (عن أيوب، وموسى بن عقبة مختصرًا) وصله البيهقي من طريق عمر بن عبد الله بن رزين، عن إبراهيم بن طهمان، عن أيوب وموسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر أنه: كان يرفع يديه حين يفتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا استوى قائمًا من ركوعه، حذو منكبيه، ويقول: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعل ذلك. وقال الدارقطني: ورواه ابن صخر، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا. 87 - باب وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى (ياب وضع) المصلي يده (اليمنى على) اليد (اليسرى) أي في حال القيام. وزاد الأصيلي والهروي: في الصلاة، وسقط الباب للأصيلي. 740 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: "كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاَةِ. قَالَ أَبُو حَازِمٍ لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ يَنْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يُنْمَى ذَلِكَ" وَلَمْ يَقُلْ "يَنْمِي". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) إمام دار الهجرة (عن أبي حازم) بالحاء المهملة، ابن دينار الأعرج (عن سهل بن سعد) بسكون العين الساعدي الأنصاري (قال: كان الناس يؤمرون)، الآمر لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن) أي: بأن (يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة) أي يضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى، والرسغ من الساعد. كما في حديث واثلة المروي عند أو داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة. والحكمة في ذلك أن القائم بين يدي الملك الجبار يتأدب بوضع يده على يده، أو هو أمنع للعبث، وأقرب إلى الخشوع. والرسغ المفصل بين الساعد والكف، والسُّنّة أن يجعلهما تحت صدره. الحديث عند ابن خزيمة: أنه وضعهما تحت صدره. لأن القلب موضع النية، والعادة أن من احترز على حفظ شيء جعل يديه عليه. وقال في عوارف المعارف: إن الله تعالى بلطيف حكمته جعل الآدمي محل نظره، ومورد وحيه، ونخبة ما في أرضه وسمائه، روحانيًّا جسمانيًّا، أرضيًا سماويًّا، منتصب القامة، مرتفع الهيئة، فنصفه الأعلى من حدّ الفؤاد مستودع أسرار السماوات، ونصفه التحتاني مستودع أسرار الأرض، فمحل نفسه ومركزها النصف الأسفل، ومحل روحه الروحاني، والقلب النصف الأعلى، فجواذب الروح مع جواذب النفى يتطاردان ويتجاذبان ويتحاربان، وباعتبار تطاردهما وتغالبهما لمة الملك ولمة الشيطان، ووقت الصلاة يكثر التطارد لوجوب التجاذب بين الإيمان والطبع، فيكاشف المصلي الذي صار قلبه سماويًّا مترددًا بين الفناء والبقاء بجواذب النفس، متصاعدًا من مركزها، وللجوارح وتصرفها وحركتها مع معاني الباطن ارتباط وموازنة، فبوضع اليمنى على الشمال حصر النفس ومنع من صعود جواذبها، وأثر ذلك يظهر برفع الوسوسة، وزوال حديث النفس في الصلاة. وروى ابن القاسم، عن مالك، الإرسال وصار إليه أكثر أصحابه، وعن الحنفية: يضع يديه تحت سرّته إشارة إلى ستر العورة بين يدي الله تعالى، وكان الأصل أن يقول: يضعون فوضع المظهر موضع المضمر. (قال أبو حازم) الأعرج: (لا أعلمه) ولابن عساكر: ولا أعلمه، أي الأمر (إلاّ) أن سهلاً (ينمي ذلك) بفتح أوله، أي: يسنده ويرفعه (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال إسماعيل) هو ابن أبي أويس، لا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ولابن عساكر: قال محمد: قال إسماعيل، ويعني بمحمد المؤلّف (ينمي ذلك) بضم الياء وفتح الميم، بالبناء للمفعول (ولم يقل) أبو حازم: (ينمي) بفتح أوله وكسر الميم، كرواية القعنبي. ولما فرغ من الكلام في وضع اليمنى على اليسرى، وهي صفة السائل الذليل، وأنه أقرب إلى الخشوع، شرع يذكر الخشوع، حثًّا للمصلّي على ملازمته

88 - باب الخشوع في الصلاة

فقال. 88 - باب الْخُشُوعِ فِي الصَّلاَةِ (باب الخشوع في الصلاة). الصلاة صلة العبد بربه، فمن تحقّق بالصلة في الصلاة لمعت له طوالع التجلي، فيخشع. وقد شهد القرآن بفلاح مُصلِّ خاشع قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2]. أي: خائفون من الله، متذللون له، يلزمون أبصارهم مساجدهم. وعلامة ذلك أن لا يلتفت الصلي يمينًا ولا شمالاً. ولا يجاوز بصره موضع سجوده. صلّى بعضهم في جامع البصرة فسقطت ناحية من المسجد، فاجتمع الناس عليها ولم يشعر هو بها. والفلاح أجمع اسم لسعادة الآخرة، وفقد الخشوع ينفيه، وقد قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]. وظاهر الأمر الوجوب، فالغفلة ضد، فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيمًا للصلاة لذكره تعالى، فافهم واعمل، فليقبل العبد على ربه، ويستحضر بين يدي من هو واقف. كان مكتوبًا في محراب داود عليه الصلاة والسلام، أيها المصلي، من أنت ولمن أنت؟ وبين يدي من أنت، ومن تناجي؟ ومن يسمع كلامك، ومن ينظر إليك؟ وقال الخراز: ليكن إقبالك على الصلاة كإقبالك على الله يوم القيامة، ووقوفك بين يديه وهو مقبل عليك وأنت تناجيه. 741 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَاهُنَا؟ وَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَىَّ رُكُوعُكُمْ وَلاَ خُشُوعُكُمْ، وَإِنِّي لأَرَاكُمْ وَرَاءَ ظَهْرِي». وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس، إمام دار الهجرة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (هل ترون) بفتح التاء، والاستفهام إنكاري أي أتظنون (قبلتي) أي مقابلتي ومواجهتي (هاهنا) فقط؟ (والله ما)، ولأبي ذر عن الحموي: لا (يخفى عليّ ركوعكم ولا خشوعكم) تشبيه لهم على التلبس بالخشوع في الصلاة، لأنه إنما قال لهم ذلك لما رآهم يلتفتون غير ساكنين، وذلك ينافي كمال الصلاة. فيكون مستحبًّا لا واجبًا، إذ لم يأمرهم هنا بالإعادة. وقد حكى النووي الإجماع على عدم وجوبه، قال في شرح التقريب وفيه نظر، فقد روينا في كتاب الزهد لابن المبارك، عن عمار بن ياسر، قال: لا يكتب للرجل من صلاته ما سها عنه، وفي كلام غير واحد من العلماء ما يقتضي وجوبه انتهى. والخشوع: الخوف أو السكون، أو هو معنى يقوم بالنفس يظهر عنه سكون في الأطراف يلائم مقصود العبادة. وفي مصنف ابن أبي شيبة، عن سعيد بن السيب، أنه رأى رجلاً يلعب بلحيته في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه. وقد تتحرك اليد مع وجود الخشوع، ففي سنن البيهقي، عن عمرو بن حريث، قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ربما مسّ لحيته وهو يصلّي. وهذا موضع الترجمة. (وإني لأراكم) بفتح الهمزة، أي: أبصركم (وراء ظهري) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي. من وراء ظهري، أي ببصره العهود إبصارًا انخرقت له فيه العادة أو بغيره كما مرّ. 742 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي -وَرُبَّمَا قَالَ- مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي إِذَا رَكَعْتُمْ وَسَجَدْتُمْ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة (قال: حدّثنا غندر) اسمه محمد بن جعفر البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج، ولابن عساكر: عن شعبة (قال: سمعت قتادة) بن دعامة يقول (عن أنس بن مالك) وسقط لفظ: ابن مالك عند ابن عساكر: (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (أقيموا) أي أكملوا (الركوع والسجود، فوالله إني لأراكم) بفتح اللام المؤكدة والهمزة (من بعدي) أي: من خلفي (-وربما قال: من بعد ظهري-) (إذا ركعتم وسجدتم) ولأبي ذرّ: وإذا سجدتم. وأغرب الداودي حيث فسر البعدية هنا بما بعد وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني: إن أعمال أمته تعرض عليه، ولا يخفى بعده لأن سياق الحديث يأباه. 89 - باب مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ (باب ما يقول) وللمستملي وابن عساكر؛ ما يقرأ (بعد التكبير). 743 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلاَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ". وبالسند قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث الحوضي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) وللأصيلي: عن أنس بن مالك (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبا بكر، وعمر) رضي الله عنهما (كانوا يفتتحون الصلاة) أي قراءتها، فلا دلالة فيه على دعاء الافتتاح (بالحمد لله ربّ العالمين) بضم الدال

على الحكاية، لا يقال: إنه صريح في الدلالة على ترك البسملة أولها، لأن المراد الافتتاح بالفاتحة، فلا تعرض لكون البسملة منها أو لا. ولمسلم لم يكونوا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، وهو محمول على نفي سماعها، فيحتمل إسرارهم بها. ويؤيده رواية النسائي وابن حبّان: فلم يكونوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم. فنفي القراءة محمول على نفي السماع، ونفي السماع على نفي الجهر، ويؤيده رواية ابن خزيمة: كانوا يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم. وقد قامت الأدلة والبراهين للشافعي على إثباتها، ومن ذلك، حديث أم سلمة المروي في البيهقي وصحيح ابن خزيمة، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ بسم الله الرحمن الرحيم في أول الفاتحة في الصلاة، وعدّها آية. وفي سنن البيهقي عن علي وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم أن الفاتحة هي السبع المثاني، وهي سبع آيات، وأن البسملة هي السابعة. عن أبي هريرة مرفوعًا: إذا قرأتم الحمد لله فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم، إنها أُم القرآن وأُم الكتاب والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها. قال الدارقطني: رجال إسناده كلهم ثقات. وأحاديث الجهر بها كثيرة عن جماعة من الصحابة، نحو العشرين صحابيًّا كأبي بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس، وأبي هريرة، وأُم سلمة. 744 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً -قَالَ أَحْسِبُهُ قَالَ هُنَيَّةً- فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَاىَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَاىَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي (قال: حدّثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي البصري (قال: حدّثنا عمارة بن القعقاع (قال: حدّثنا أبو زرعة) هرم، أو عبد الرحمن، أو عمرو، أو جرير بن عمرو البجلي، (قال: حدّثنا أبو هريرة قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسكت) بفتح أوله (بين التكبير وبين القراءة إسكاتة) بكسر الهمزة بوزن إفعالة، وهو من المصادر الشاذة إذ القياس سكوتًا، وهو منصوب مفعولاً مطلقًا، أي سكوتًا يقتضي كلامًا بعده. (قال) أبو زرعة (أحسبه) أي أظن أبا هريرة (قال: هنية) بضم الهاء وفتح النون وتشديد المثناة التحتية من غير همز -كذا عند الأكثر أي: يسيرًا وللكشميهني والأصيلي: هنيهة بهاء بعد المثناة الساكنة. وفي نسخة: هنيئة بهمزة مفتوحة بعد المثناة الساكنة، قال عياض والقرطبي: وأكثر رواة مسلم قالوه بالهمز، لكن قال النووي: إنه خطأ، قال: وأصله هنوة، فلما صغرت صارت هنيوة، فاجتمعت واو وياء وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ثم أدغمت. وتعقب بأنه لا يمنع ذلك إجازة الهمزة، فلقد تقلب الواو همزة. (فقلت بأبي وأمي) أي أنت مفدى أو أفديك بهما (يا رسول الله إسكاتك) بكسر الهمزة وسكون السين والرفع، قال في الفتح: وهو الذي في رواية الأكثرين، وأعربه مبتدأ، لكنه لم يذكر خبره، أو هو منصوب على ما قاله المظهري، أي أسألك إسكاتك، أو في إسكاتك وللمستملي والسرخسي: أسكاتك؟ بفتح الهمزة وضم السين على الاستفهام، ولهما في نسخة أسكوتك؟ (بين التكبير والقراءة) ولأبي ذر، والأصيلي، وأبي الوقت، وابن عساكر: وبين القراءة (ما تقول) فيه؟ (قال) عليه الصلاة والسلام: (أقول) فيه (اللهمّ باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت) أي كتبعيدك (بين المشرق والمغرب) هذا من المجاز لأن حقيقة المباعدة إنما هي في الزمان والمكان، أي: امح ما حصل من خطاياي، خل بيني وبين ما يخاف من وقوعه حتى لا يبقى لها مني اقتراب بالكلية. وهذا الدعاء صدر منه عليه الصلاة والسلام على سبيل المبالغة في إظهار العبودية، وقيل: إنه على سبيل التعليم لأمته، وعورض بكونه: لو أراد ذلك لجهر به، وأجيب بورود الأمر بذلك في حديث سمرة عند البزار وأعاد لفظ: بين هنا ولم يقل: وبين المغرب لأن العطف على الضمير المخفوض يعاد معه العامل بخلاف الظاهر، كذا قرره الكرماني، لكن يرد عليه قوله: بين التكبير وبين القراءة. (اللهمَّ نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس) أي الوسخ وقاف نقني بالتشديد في الموضعين. وهذا مجاز عن إزالة الذنوب ومحو أثرها. وشبه بالثوب الأبيض لأن الدنس فيه أظهر من غيره من الألوان (اللهمّ اغسل خطاياي بالماء والثلج) بالمثلثة وسكون اللام، وفي اليونينية بفتحها (والبرد) بفتح الراء. وذكر الأخيرين بعد الأول للتأكيد

90 - باب

أو لأنهما ماءان لم تمسّهما الأيدي ولم يمتهنهما الاستعمال قاله الخطابي. واستدلّ بالحديث على مشروعية دعاء الافتتاح بعد التحرم بالفرض أو النفل خلافًا للمشهور عن مالك. وفي مسلم حديث عليّ: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين. زاد ابن حبان: لكن قيده بصلاة الليل. وأخرجه الشافعي وابن خزيمة وغيرهما بلفظ: إذا صلّى المكتوبة، واعتمده الشافعي في الأم. وفي الترمذي وصحيح ابن حبّان من حديث أبي سعيد: الافتتاح بسبحانك اللهمّ وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك. ونقل الساجي عن الشافعي استحباب الجمع بين التوجيه والتسبيح، وهو اختيار ابن خزيمة وجماعة من الشافعية، ويسنّ الإسرار في السرية والجهرية. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي وبصري، وفيه التحديث والقول، وأخرجه ابن ماجة. 90 - باب وزاد الأصيلي هنا (باب) بالتنوين من غير ترجمة، وسقط من رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر. ووجه مناسبة الحديث الآتي للسابق في قوله: حتى قلت: أي رب وأنا معهم. لأنه وإن لم يكن فيه دعاء ففيه مناجاة واستعطاف، فيجمعه مع السابق جواز دعاء الله تعالى ومناجاته بكل ما فيه خضوع، ولا يختص بما ورد في القرآن لبعض الحنفية. قاله ابن رشيد فيما نقله في فتح الباري. 745 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى صَلاَةَ الْكُسُوفِ، فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ رَفَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: قَدْ دَنَتْ مِنِّي الْجَنَّةُ حَتَّى لَوِ اجْتَرَأْتُ عَلَيْهَا لَجِئْتُكُمْ بِقِطَافٍ مِنْ قِطَافِهَا. وَدَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ: أَىْ رَبِّ وَأَنَا مَعَهُمْ؟ فَإِذَا امْرَأَةٌ -حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ- تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ، قُلْتُ: مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ قَالُوا: حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، لاَ أَطْعَمَتْهَا، وَلاَ أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ -قَالَ نَافِعٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ- مِنْ خَشِيشِ أَوْ خُشَاشِ الأَرْضِ. [الحديث 745 - طرفه في: 2364]. وبالسند قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) سعيد بن محمد بن الحكم الجمحي، مولاهم البصري (قال: أخبرنا نافع بن عمر) بن عبد الله بن جميل الجمحي القرشى، المتوفى سنة تسع وستين ومائة (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن أبي مليكة) عبد الرحمن واسم أبي مليكة، بضم الميم وفتح اللام، زهير بن عبد الله التيمي الأول المكي (عن أسماء بنت أبي بكر) وللأصيلي زيادة: الصديق رضي الله تعال عنهما. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى صلاة الكسوف) بالكاف. أي صلاة كسوف الشمس (فقام) عليه الصلاة والسلام (فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم قام فأطال القيام ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فأطال القيام) وللأصيلي قال: فأطال القيام (ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فسجد) وللأصيلي: ثم سجد (فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم انصرف. فقال): (قد دنت) أي: قربت (مني الجنة حتى لو اجترأت عليها) أي على الجنة (لجئتكم بقطاف من قطافها). بكسر القاف فيهما أي بعنقود من عناقيدها، أو اسم لكل ما يقطف. قال العيني وأكثر المحدثين يروونه بفتح القاف وإنما هو بالكسر. واجترأت من الجرأءة، وإنما قال ذلك لأنه لأنه لم يكن مأذونًا له من عند الله بأخذه. (ودنت مني النار حتى قلت: أي ربّ أوَ أنا معهم) بهمزة الاستفهام بعدها واو عاطفة، كذا لأبوي الوقت وذر وللأصيلي، ونسبه في الفتح للأكثرين، قال. ولكريمة، وأنا معهم بحذف الهمزة، وهي مقدرة وثبت قوله: رب، ولأبي ذر عن الحموي. (فإذا امرأة) قال نافع بن عمر: (حسبت أنه) أي ابن أبي مليكة (قال): (تخدشها) بفتح المثناة الفوقية وكسر الدال ثم شين معجمة، أي تقشر جلدها (هرة) بالرفع، فاعل لتخدشها (قلت ما شأن هذه) المرأة؟ (قالوا: حبستها حتى ماتت جوعًا لا أطعمتها) أي: لا أطعمت الهرة، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: لا هي أطعمتها بالضمير الراجع للمرأة (ولا أرسلتها) وللأصيلي وابن عساكر ولا هي أرسلتها (تأكل) - (قال نافع) الجمحي: (حسبت أنه) أي ابن أبي مليكة وللأصيلي حسبته (قال): (من خشيش) بفتح الخاء المعجمة لا بالمهملة وكسر الشين المعجمة، أي حشرات الأرض (أو) قال: (خشاش)، مثلت الأول. وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني زيادة: الأرض. وفي الحديث أن تعذيب الحيوانات غير جائز، وأن من ظلم منها شيئًا يسلط على ظالمه يوم القيامة. ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين مصري ومكّي، وفيه

91 - باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة

تابعي عن صحابية، والتحديث بالجمع والإفراد والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الشرب، والنسائي وابن ماجة في الصلاة. 91 - باب رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى الإِمَامِ فِي الصَّلاَةِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ: «فَرَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ». (باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة). (قالت عائشة) رضي الله عنها، مما هو طرف حديث وصلة المؤلّف في باب: إذا انفلتت الدابة (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صلاة الكسوف) (فرأيت) بالفاء قبل الراء، ولأبوي الوقت وذر وابن عساكر: رأيت (جهنم يحطم) بكسر الطاء، أي يأكل (بعضها بعضًا حين رأيتموني تأخرت). 746 - حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: "قُلْنَا لِخَبَّابٍ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْنَا: بِمَ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ ذَاكَ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ". [الحديث 746 - أطرافه في: 760، 761، 777]. وبالسند قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي (قال: حدّثنا عبد الواحد) وللأصيلي عبد الواحد بن زياد، بكسر الزاي وتخفيف المثناة (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران، (عن عمارة) بضم العين وتخفيف الميم (بن عمير) تصغير عمر التيمي الكوفي، (عن أبي معمر) بفتح الميمين، عبد الله بن سخبرة الأزدي (قال: قلنا لخباب) بفتح المعجمة، وتشديد الموحدة الأولى، ابن الأرت، بفتح الهمزة والراء وتشديد المثناة الفوقية (أكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في) صلاة (الظهر و) صلاة (العصر)؟ أي غير الفاتحة؟ إذ لا شك في قراءتها (قال: نعم. قلنا) ولأبي ذر: فقلنا، بفاء العطف (بم) بحذف الألف تخفيفًا، (كنتم تعرفون ذاك)؟ أي قراءته، ولابن عساكر والأصيلي: ذلك (قال) أي خباب، (باضطراب لحيته) بكسر اللام أي بتحريكها. ويستفاد منه ما ترجم له، وهو رفع البصر إلى الإمام، ويدل للمالكية حيث قالوا: ينظر إلى الإمام وليس عليه أن ينظر إلى موضع سجوده. ومذهب الشافعية يسن إدامة نظره إلى موضع سجوده لأنه أقرب إلى الخشوع. ورجال هذا الحديث ما بين بصري وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة، وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجة. 747 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يَخْطُبُ قَالَ: "حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ وَكَانَ غَيْرَ كَذُوبٍ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا صَلَّوْا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامُوا قِيَامًا حَتَّى يَرَوْنَهُ قَدْ سَجَدَ". وبه قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن منهال، لا حجاج بن محمد، لأن المؤلّف لم يسمع منه (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أنبأنا) أي أخبرنا، وهو يطلق في الإجازة، بخلاف أخبرنا، فلا يكون إلاّ مع التقييد بأن يقول أخبرنا إجازة (أبو اسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سمعت عبد الله بن يزيد) من الزيادة، الأنصاري الخطمي الصحابي، وكان أميرًا على الكوفة، حال كونه (يخطب، قال: حدّثنا) وللأصيلي: أخبرنا (البراء) بن عازب، (وكان غير كذوب، أنهم كانوا إذا صلوا مع رسول الله) ولأبي ذر وابن عساكر: مع النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فرفع رأسه) الشريف (من الركوع، قاموا قيامًا) نصب على المصدرية، والجملة جواب إذا (حتى يرونه) بإثبات النون بعد الواو، ولأبي ذر والأصيلي: حتى يره، حال كونه (قد سجد). ورواة هذا الحديث خمسة، وفيه التحديث والإنباء والسماع والقول، ورواية صحابي عن صحابي. 748 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَصَلَّى، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلُ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ. قَالَ: إِنِّي أُرِيتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الأصبحي، إمام دار الهجرة (عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار) بالمثناة التحتية والسين المهملة المخففة (عن عبد الله بن عباس) رضي عنهما، (قال: خسفت الشمس) بفتح الخاء المعجمة (على عهد رسول الله) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: على عهد النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). فيه دليل لمن يقول: إن الخسوف يطلق على كسوف الشمس، لكن أكثر على استعماله في القمر، والكاف في الشمس، (فصلى) عليه الصلاة والسلام صلاة الخسوف المذكورة في الباب السابق (قالوا) ولأبي ذر: فقالوا: (يا رسول الله! رأيناك تناول) أصله تتناول بمثناتين فوقيتين، فحذفت إحداهما تخفيفًا، وللأصيلي وابن عساكر: تناولت (شيئًا في مقامك) بفتح الميم الأولى (ثم رأيناك تكعكعت) أي تأخرت ورجعت وراءك (قال): ولأبوي ذر والوقت: فقال: (إني أريت) بهمزة مضمومة ثم راء مكسورة وللكشميهني رأيت (الجنة) من غير حائل (فتناولت) أي أردت أن آخذ (منها عنقودًا) بضم العين، وعلى هذا التأويل لا تضادّ بينه وبين قوله: (ولو أخذته) أي العنقود (لأكلتم)

92 - باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة

بميم الجمع وللكشميهني: لأكلت (منه ما بقيت الدنيا) أي مدة بقاء الدنيا إلى انتهائها، لأن طعام الجنة لا يفنى. فإن قلت: لِمَ لم يأخذ العنقود؟ أجيب بأنه من طعام الجنة الذي لا يفنى، ولا يجوز أن يؤكل في الدنيا إلاّ ما يفنى لأن الله تعالى أوجدها للفناء، فلا يكون فيها شيء مما يبقى. اهـ. واختصر هنا الجواب عن تأخره، وذكر في باقي الروايات: إنه لدنوّ نار جهنم. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: رأيناك تكعكعت، لأن رؤية تكعكعه عليه الصلاة والسلام تدلّ على أنهم كانوا يراقبونه عليه الصلاة والسلام. 749 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ رَقَا الْمِنْبَرَ فَأَشَارَ بِيَدَيْهِ قِبَلَ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ الآنَ -مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكُمُ الصَّلاَةَ- الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِي قِبْلَةِ هَذَا الْجِدَارِ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. ثَلاَثًا". وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون، وبعد الألف نون ثانية، العوفي الباهلي الأعمى، المتوفى سنة ثلاثة وعشرين ومائتين، (قال: حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام، ابن سليمان بن أبي الغيرة الأسلمي المدني، وقيل اسمه عبد الملك (قال: حدّثنا هلال بن علي) بن أسامة العامري المدني وقد نسب إلى جده (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه، وسقط لابن عساكر لفظ ابن مالك (قال: صلّى لنا) باللام. وفي نسخة: بنا (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم رقى) بالألف المقصورة، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: رقي: بكسر القاف وفتح الياء، أي صعد (المنبر، فأشار بيديه) بالتثنية، وللأربعة: بيده (قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة، أي جهة، (قبلة المسجد، ثم قال): (لقد رأيت الآن) اسم للوقت الذي أنت فيه، وهو ظرف غير متمكن، وقد وقع معرفة واللام فيه ليست معرّفة لأنه ليس له ما يشاركه حتى يميز، ولا يشكل عليه أن رأى للماضي، فكيف يجتمع مع الحال لدخول قد، فإنها تقرّبه للحال (منذ) زمان (صلّيت لكم الصلاة الجنة والنار ممثلتين) أي: مصوّرتين (في قبلة هذا الجدار) حقيقة أو عرض على مثالهما، وضرب له ذلك في الصلاة، كأنهما في عرض الحائط (فلم أر) منظرًا (كاليوم) أي مثل نظر اليوم (في) أحوال (الخير والشر). قال ذلك (ثلاثًا). وقوله: صليت لكم بالماضي قطعًا واستشكل اجتماعه مع الآن، وأجيب بأنه إما أن يكون كما قال ابن الحاجب: كل مخبر أو منشئ فقصده الحاضر، فمثل صليت يكون للماضي الملاصق للحاضر، وإما أنه أريد بالآن ما يقال عرفًا أنه الزمان الحاضر، لا اللحظة الحاضرة الغير المنقسمة. ووجه مطابقة الحديث للترجمة أن فيه رفع البصر إلى الإمام. ورواته أربعة، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والرقاق، والله أعلم. 92 - باب رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلاَةِ (باب) كراهية (رفع البصر إلى) جهة (السماء في الصلاة) لأن فيه نوع إعراض عن القبلة، وخروج عن هيئة الصلاة. 750 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلاَتِهِمْ؟ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ». وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: أخبرنا)، وللأربعة: حدّثنا (يحيى بن سعيد) القطان (قال: حدثنا ابن أبي عروبة) بفتح العين المهملة وتخفيف الراء المضمومة وفتح الموحدة، سعيد بن مهران (قال: حدّثنا قتادة) بن دعامة (أن أنس بن مالك حدّثهم) بميم الجمع، ولأبي ذر: حدّثه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بعدما صلّى بأصحابه، وأقبل عليهم بوجهه الكريم كما عند ابن ماجة. (ما بال أقوام) أبهم خوف كسر قلب من يعنيه، لأن النصيحة في الملأ فضيحة. وبال: بضم اللام، أي: ما حالهم وشأنهم (يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم) زاد مسلم، من حديث أبي هريرة: عند الدعاء، فإن حمل المطلق على هذا المقيد اقتضى اختصاص الكراهية بالدعاء الواقع في الصلاة. قاله في الفتح وتعقبه العيني فقال: ليس الأمر كذلك، بل المطلق يجري على المقيد، والمقيد على تقييده، والحكم عام في الكراهة، سواء كان رفع بصره في الصلاة عند الدعاء، أو بدون الدعاء، لما رواه الواحدي في باب النزول من حديث أبي هريرة: أن فلانًا كان إذا صلّى رفع رأسه إلى السماء، فنزلت: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] ورفع البصر مطلقًا ينافي الخشوع الذي أصله السكون، (فاشتد قوله) عليه الصلاة والسلام (في ذلك) أي في رفع البصر، إلى السماء في الصلاة، (حتى قال): والله، (لينتهُنَّ) بفتح أوله وضم الهاء، لتدل على واو الضمير المحذوفة، لأن أصله: لينتهوننّ، وللمستملي والحموي: لينتهين بضم أوله وفتح المثناة الفوقية والهاء

93 - باب الالتفات في الصلاة

والمثناة التحتية آخره نون توكيد ثقيلة فيهما، مبنيًّا للفاعل في الأولى، وللمفعول في الثاني (عن ذلك) أي: عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة (أو) قال عليه الصلاة والسلام (لتخطفن) بضم المثناة الفوقية، وسكون الخاء المعجمة وفتح الطاء والفاء، مبنيًّا للمفعول أي: لتعمين (أبصارهم). وكلمة: أو، للتخيير تهديدًا، وهو خبر بمعنى الأمر، أي: ليكوننّ منكم الانتهاء عن رفع البصر أو تخطف الأبصار عند الرفع من الله، وهو كقوله تعالى: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] أي يكون أحد الأمرين. وفيه النهي الوكيد والوعيد الشديد، وحملوه على الكراهة دون الحرمة للإجماع على عدمها، وأما رفع البصر إلى السماء في غير الصلاة في دعاء ونحوه، فجوّزه أكثرون، لأن السماء قبلة الداعين، كالكعبة قبلة المصلين، وكرهه آخرون. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث بالجمع والإفراد والقول، وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة في الصلاة. 93 - باب الاِلْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ (باب) كراهية (الالتفات في الصلاة) لأنه ينافي الخشوع المأمور به أو ينقصه. 751 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ الاِلْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ: هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ الْعَبْدِ". [الحديث 751 - طرفه في: 3291]. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا أبو الأحوص) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح الواو وبالصاد المهملة سلام بتشديد اللام، ابن سليم، بضم السين، الحافظ الكوفي (قال: حدّثنا أشعث بن سليم) بضم السين وفتح اللام، وأشعث بالشين المعجمة والعين المهملة ثم مثلثة (عن أبيه) سليم بن الأسود المحاربي الكوفي، أبو الشعثاء (عن مسروق) هو ابن الأجدع الهمداني الكوفي (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الالتفات) بالرأس يمينًا وشمالاً (في الصلاة فقال) عليه الصلاة والسلام: (هو اختلاس) أي اختطاف بسرعة (يختلسه الشيطان) بإبراز الضمير المنصوب، وهو رواية الكشميهني، وللأكثر: يختلس الشيطان (من صلاة العبد) فيه الحض على إحضار المصلي قلبه لمناجاة ربه. ولما كان الالتفات فيه ذهاب الخشوع، استعير لذهابه اختلاس الشيطان، تصويرًا لقبح تلك الفعلة بالمختلس، لأن المصلي مستغرق في مناجاة ربه، والله مقبل عليه، والشيطان مراصد له ينتظر فوات ذلك، فإذا التفت المصلي، اغتنم الشيطان الفرصة فيختلسها منه. قاله الطيبي في شرح المشكاة. والجمهور على كراهة الالتفات فيها للتنزيه. وقال المتولي: حرام إلاّ لضرورة، وهو قول الظاهرية. ومن أحاديث النهي عنه، حديث أنس عند الترمذي مرفوعًا، وقال حسن: يا بني إياك والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان ولا بدّ ففي التطوع لا في الفريضة. وحديث أبي داود والنسائي عنه، وصحّحه الحاكم: لا يزال الله مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه انصرف عنه. وللبزار من حديث جابر بسند فيه الفضل بن عيسى: إذا قام الرجل في الصلاة أقبل الله عليه بوجهه، فإذا التفت، قال: يا ابن آدم إلى من تلتفت؟ إلى من هو خير مني؟ أقبل إليَّ. فإذا التفت الثانية قال مثل ذلك، فإذا التفت الثالثة صرف الله وجهه عنه. ولابن حبان في الضعفاء، عن أنس مرفوعًا: المصلي يتناثر على رأسه الخير من عنان السماء إلى مفرق رأسه. وملك ينادي: لو يعلم العبد من يناجي ما التفت. والمراد بالالتفات المذكور ما لم يستدبر القبلة بصدره أو كله. فإن قلت: لِمَ شرع سجود السهو للمشكوك فيه دون الالتفات، وغيره مما ينقص الخشوع؟ أجيب: بأن السهو لا يؤاخذ به المكلف، فشرع له الجبر دون العمد ليتيقظ العبد فيجتنبه. ورواة هذا الحديث الستة كوفيون إلا شيخ المؤلّف فبصري، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في صفة إبليس اللعين، وأبو داود، والنسائي، في: الصلاة. 752 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ فَقَالَ: شَغَلَتْنِي أَعْلاَمُ هَذِهِ، اذْهَبُوا بِهَا إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةٍ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى في خميصة) بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم وفتح الصاد المهملة، كساء أسود مربع (لها أعلام، فقال) عليه الصلاة والسلام: (شغلتني) بمثناة فوقية بعد اللام، وللحموي والسرخسي: شغلني (أعلام

94 - باب هل يلتفت لأمر ينزل به، أو يرى شيئا أو بصاقا في القبلة

هذه) الخميصة (اذهبوا بها) ولأبي ذر: به (إلى الجحيم) بفتح الجيم وسكون الهاء، وللكشميهني: جهيم بالتصغير (وائتوني بأنبجانية) بفتح الهمزة وكسر الموحدة وتشديد المثناة التحتية. وفي نسخة: بأنبجانية، بضمير أبي جهم. ووجه مطابقته لترجمة من جهة أن أعلام الخميصة إذا لحظها وهي على عاتقه، كان قريبًا من الالتفات، ولذلك خلعها، وعلل بأن أعلامها شغلته، ولا يكون إلاَّ بوقوع بصره عليها، وفي وقوع بصره عليها التفات. وسبق الحديث بمبحثه في باب: إذا صلّى في ثوب له أعلام. 94 - باب هَلْ يَلْتَفِتُ لأَمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ، أَوْ يَرَى شَيْئًا أَوْ بُصَاقًا فِي الْقِبْلَةِ وَقَالَ سَهْلٌ: الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- فَرَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا (باب) بالتنوين (هل يلتفت) الصلي في صلاته (لأمر ينزل به) كخوف سقوط حائط، أو قصد سبع أو حيّة (أو يرى شيئًا) قدامه، أو من جهة يمينه أو يساره، سواء كان في القبلة أم لا (أو) يرى (بصاقًا) ونحوه (في القبلة) وجواب هل محذوف أي .... (وقال سهل) هو ابن سعد بسكون العين ابن مالك الأنصاري، الصحابي ابن الصحابي ابن الصحابي، مما وصله المؤلّف من حديث في باب: من دخل ليؤمّ الناس: (التفت أبو بكر) الصديق (رضي الله عنه فرأى النبي) وفي نسخة فرأى: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي فلم يأمره عليه الصلاة والسلام بالإعادة، بل أشار إليه أن يتمادى على إمامته، لأن التفاته كان لحاجة. 753 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: "رَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ وَهْوَ يُصَلِّي بَيْنَ يَدَىِ النَّاسِ فَحَتَّهَا، ثُمَّ قَالَ حِينَ انْصَرَفَ: إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَلاَ يَتَنَخَّمَنَّ أَحَدٌ قِبَلَ وَجْهِهِ فِي الصَّلاَة". رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ. وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (قتيبة بن سعيد) ولأبي ذر وابن عساكر إسقاط ابن سعيد (قال: حدّثنا ليث) هو ابن سعد إمام الصريين، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: الليث بلام التعريف (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (أنه قال: رأى) ولأبي ذر: أرى: ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: أنه قال: رأى (النبي) ولأبي ذر وابن عساكر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نخامة) وفي باب: حك البزاق باليد من المسجد: رأى بصاقًا (في قبلة المسجد) المدني (وهو يصلّي بين يدي الناس، فحتها) بمثناة فوقية، أي فحكّها وأزالها وهو داخل الصلاة، كما هو ظاهر هذا الحديث، ولم يبطل ذلك الصلاة لكونه فعلاً قليلاً. وفي رواية مالك السابقة غير مقيد بحال الصلاة، (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (حين انصرف) من الصلاة: (إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإن الله قبل وجهه) بكسر القاف وفتح الموحدة أي يطلع عليه كأنه مقابل لوجهه (فلا يتنخمن) أي: لا يرمين (أحد) النخامة، وللأصيلي: أحدكم (قبل) أي تلقاء (وجهه في الصلاة) (رواه) أي الحديث المذكور (موسى بن عقبة) الأسدي المديني، مما وصله مسلم من طريقه (و) رواه أيضًا (ابن أبي رواد) بفتح الراء وتشديد الواو آخره دال مهملة، عبد العزيز واسم أبيه ميمون؛ مولى المهلب، أي ابن أبي صفرة العتكي (عن نافع) مما وصله أحمد عن عبد الرزاق عنه. وفيه: أن الحك كان بعد الفراغ من الصلاة. 754 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَنَسٌ قَالَ: "بَيْنَمَا الْمُسْلِمُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ، فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ، وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ لَهُ الصَّفَّ، فَظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ، وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلاَتِهِمْ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، فَأَرْخَى السِّتْرَ، وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة المخزومي المصري (حدّثنا ليث بن سعد) إمام مصر، وللأربعة: الليث بالتعريف (عن عقيل) بضم العين، ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك) كذا في رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي لفظ: ابن مالك لغيرهم (قال: بينما) بالميم (المسلمون في صلاة الفجر)، وأبو بكر يؤمهم في مرض موت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لم يفجأهم) هو العامل في بينما (إلاّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (قد كشف ستر حجرة عائشة، فنظر إليهم) عليه الصلاة والسلام (وهم صفوف) جملة اسمية حالية (فتبسم يضحك) حال مؤكدة، (ونكص) أي رجع (أبو بكر رضي الله عنه على عقبيه ليصل له الصف) نصب بنزع الخافض، أي إلى الصف، وسقط لفظ: له، في رواية ابن عساكر (فظن) أي نكص بسبب ظنه (أنّه يريد الخروج) إلى المسجد، (وهمّ المسلمون) أي قصدوا (أن يفتتنوا) أي يقعوا في الفتنة (في) فساد (صلاتهم) وذهابها فرحًا بصحة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وسرورًا برؤيته (فأشار إليهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أتموا) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: أن أتموا (صلاتكم، فأرخى) بالفاء، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: وأرخى (الستر،

95 - باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت

وتوفي) عليه الصلاة والسلام (من آخر ذلك اليوم). فيه أنهم التفتوا حين كشف الستر، ويدل له قول أنس: فأشار، ولولا التفاتهم لما رأوا إشارته. 95 - باب وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ لِلإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَمَا يُجْهَرُ فِيهَا وَمَا يُخَافَتُ (باب وجوب القراءة) أي الفاتحة اللإمام والمأموم في الصلوات كلها، في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت) أي يسر، والياء في الفعلين مضمومة على البناء للمفعول، وهذا مذهب الجمهور خلافًا للحنفية، حيث قالوا: لا تجب على المأموم، لأن قراءة الإمام قراءة له. 755 - حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: "شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ -رضي الله عنه- فَعَزَلَهُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا، فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ يُصَلِّي. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنَّ هَؤُلاَءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لاَ تُحْسِنُ تُصَلِّي. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا أَخْرِمُ عَنْهَا، أُصَلِّي صَلاَةَ الْعِشَاءِ فَأَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ وَأُخِفُّ فِي الأُخْرَيَيْنِ. قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ. فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلاً -أَوْ رِجَالاً- إِلَى الْكُوفَةِ فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إِلاَّ سَأَلَ عَنْهُ، وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا. حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ قَالَ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لاَ يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ، وَلاَ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ، وَلاَ يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ. قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللَّهِ لأَدْعُوَنَّ بِثَلاَثٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَأَطِلْ عُمْرَهُ، وَأَطِلْ فَقْرَهُ، وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ. وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الْكِبَرِ، وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ". [الحديث 755 - طرفاه في: 758، 770]. وبالسند قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري التبوذكي (قال: حدّثنا أبو عوانة) بفتح المهملة، الوضاح، بتشديد الضاد المعجمة بعد الواو المفتوحة آخره مهملة بعد الألف، ابن عبد الله اليشكري، بالمعجمة بعد المثناة التحتية، الواسطي، المتوفى سنة خمس أو ست وسبعين ومائة (قال: حدّثنا عبد الملك بن عمير) بضم العين المهملة مصغرًا، ابن سويد الكوفي، يقال له: الفرسي بفتح الفاء والراء ثم مهملة، نسبة إلى فرس له سابق (عن جابر بن سمرة، بضم الميم، ابن جنادة العامري السوائي، الصحابي ابن الصحابي، وهو ابن أخت سعد بن أبي وقاص (قال: شكا أهل الكوفة سعدًا) هو ابن أبي وقاص، واسم أبي وقاص: مالك بن أهيب، لما كان أميرًا عليهم (إلى عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه) أي شكاه بعضهم، فهو من باب إطلاق الكل على البعض. ويدل لذلك ما في صحيح أبي عوانة من رواية زائدة، عن عبد الملك: جعل ناس من أهل الكوفة، وسمي منهم عند سيف والطبراني: الجراح بن سنان، وقبيصة، وأربد الأسديون، وذكر العسكري في الأوائل منهم: الأشعث بن قيس، وعند عبد الرزاق عن معمر عن عبد الملك عن جابر بن سمرة، قال: كنت جالسًا عند عمر إذ جاء أهل الكوفة يشكون إليه سعد بن أبي وقاص حتى قالوا: إنه لا يحسن الصلاة، (فعزله) عمر رضي الله تعالى عنه (واستعمل عليهم) في الصلاة (عمارًا) هو ابن ياسر، (فشكوا) منه في كل شيء (حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلّي، فأرسل إليه) عمر رضي الله عنه، فوصل إليه الرسول فجاء إلى عمر (فقال) له: (يا أبا إسحاق) وهي كنية سعد، (إن هؤلاء) أي أهل الكوفة (يزعمون أنك لا تحسن تصلي. قال: أبو إسحاق) وسقط: أبو إسحاق، وللأربعة (أما) هم فقالوا وأما (أنا، والله) جواب القسم محذوف، يدل عليه قوله: (فإني) وللأصيلي: إني (كنت أصلي بهم صلاة رسول الله) أي صلاة مثل صلاته (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ما أخرم) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وكسر الراء، أي ما أنقص (عنها) أي عن صلاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفيه المطابقة لقوله في الترجمة: وما يجهر فيها وما يخافت (أصلي صلاة العشاء) صلاة بالإفراد، وفي الباب اللاحق: صلاتي العشي بالتثنية، والعشي بكسر الشين وتشديد الياء وعينها، إما لكونهم شكوه فيها، أو لأنها في وقت الراحة، فغيرها من باب أولى. والأول أظهر لأنه يأتي مثله في الظهر والعصر، لأنهما وقت الاشتغال بالقائلة والمعاش، (فأركد) بضم الكاف، أي أطول القيام حتى تنقضي القراءة (في) الركعتين (الأوليين، وأخف) بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة، وللكشميهني: وأحذف، بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة، أي أحذف التطويل (في) الركعتين (الأخريين) وليس المراد حذف أصل القراءة فكأنه قال: أحدف الركود، والركود يدل على القراءة عادة. وهذا يدل لقوله في الترجمة: وجوب القراءة للإمام، ولا دلالة فيه لوجوب قراءة المأموم، ولا خلاف في وجوب قراءة الفاتحة، وإنما الخلاف في أنها فرض. فإن أراد من القراءة غير الفاتحة فالركود لا يدل على الوجوب، وحينئذ فالإشكال في المطابقة باقٍ. (قال) عمر رضي الله عنه (ذاك) بغير لام، أي: ما تقول، مبتدأ خبره (الظن بك)، ولأبي ذر عن الكشميهني: ذلك الظن بك (يا أبا إسحاق، فأرسل) عمر رضي الله عنه (معه) أي مع سعد (رجلاً) هو محمد بن مسلمة بن خالد الأنصاري، فيما ذكره الطبري (أو رجالاً إلى الكوفة) جمع رجل، فيحتمل أن يكونوا محمد بن مسلمة المذكور، ومليح بن عوف السلمي، وعبد الله بن أرقم، والشك من الراوي. وهذا يقتضي أنه أعاده

إلى الكوفة ليحصل الكشف عنه بحضرته، ليكون أبعد من التهمة، (فسأل) بالفاء (عنه) أي عن سعد، وللأربعة: يسأل عنه (أهل الكوفة) كيف حاله بينهم؟ (ولم) بالواو، وللأصيلي وابن عساكر: فلم (يدع) أي: فلم يترك الرجل المرسل (مسجدًا) من مساجد الكوفة (إلاّ سأل عنه) أي عن سعد (و) الحال أن أهل الكوفة (يثنون عليه معروفًا) أي خيرًا (حتى دخل مسجدًا لبني عبس) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة آخره مهملة، قبيلة كبيرة من قي، زاد سيف في روايته، فقال محمد بن مسلمة: أنشد الله رجلاً يعلم حقًا إلاّ قال. (فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة يكنى) بضم الياء وسكون الكاف وفتح النون (أبا سعدة) بفتح السين وسكون العين المهملتين (قال) وللأصيلي: فقال: (أما) بتشديد الميم أي: أما غيري فأثنى عليه، وأما نحن (إذ) أي حين (نشدتنا) بفتح الشين، أي سألتنا بالله (فإن سعدًا كان لا يسير) وللأصيلي: فإن سعدًا لا يسير (بالسرية) بفتح السين المهملة وكسر الراء المخففة، القطعة من الجيش والباء للمصاحبة، أي لا يخرج بنفسه معها، فنفى عنه الشجاعة التي هي كمال القوة الغضبية، وفي رواية جرير وسفيان: لا ينفر في السرية (ولا يقسم بالسوية) فنفى عنه العفّة التي هي كمال القوة الشهوانية، (ولا يعدل في القضية) أي الحكومة والقضاء، وفي رواية سيف: ولا يعدل في الرعية، فنفى عنه الحكمة التي هي كمال القوة العقلية، وفيه سلب للعدل عنه بالكلية، وهو قدح في الدين. (وقال سعد: أما والله) بتخفيف الميم حرف استفتاح (لأدعون) عليك (بثلاث) من الدعوات، واللام كالنون الثقيلة للتوكيد: (اللهمّ إن كان عبدك هذا كاذبًا) أي فيما نسبني إليه (قام رياء وسمعة) ليراه الناس ويسمعوه فيشهروا ذلك عنه ليذكر به، وعلق الدعاء بشرط كذبه، أو كون الحامل له على ذلك الغرض الدنيوي، فراعى الإنصاف والعدل رضي الله عنه (فأطل عمره) في اليونينية بسكون الميم أي: عمره بحيث يرد إلى أسفل سافلين، ويصير إلى أرذل العمر، ويضعف قواه وينتكس في الخلق، فهو دعاء عليه لا له. (وأطل فقره) وفي نسخة: وأقلل رزقه، وفي رواية جرير: وشدد فقره، وفي رواية سيف: وأكثر عياله. وهذه الحالة بئست الحالة، وهي طول العمر مع الفقر وكثرة العيال، نسأل الله العفو والعافية. (وعرضه بالفتن) بالموحدة، وفي نسخة: للفتن، أي اجعله عرضة لها. وإنما ساغ لسعد أن يدعو على أخيه المسلم بهذه الدعوات لأنه ظلمه بالافتراء عليه. فإن قلت: إن الدعاء بمثل هذا يستلزم تمنّي المسلم وقوع المسلم في المعاصي، أجيب: بأن ذلك جائز من حيث كون ذلك يؤدي إلى نكاية الظالم وعقوبته، كتمني الشهادة المشروع، وإن كان حاصله تمني قتل الكافر للمسلم وهو معصية، ووهن في الدين. لكن الغرض من تمني إلشهادة ثوابها لا نفسها، وقد وجد ذلك في دعوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كقول نوح: {وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالاً} [نوح: 24]. وإنما ثلث عليه الدعوة لأنه ثلث في نفي الفضائل عنه، لا سيما الثلاث التي هي أصول الفضائل كما مرّ، والثلاث تتعلق بالنفس والمال والدين، فقابلها بمثلها. فبالنفس، طول العمر، وبالمال: الفقر، وبالدين: الوقوع في الفتن. (قال) عبد الملك بن عمير، كما بينه جرير في روايته (وكان) بالواو، ولأبوي الوقت وذر والأصيلي: فكان (بعد) أي فكان أبو سعدة بعد ذلك (إذا سئل) عن حال نفسه، وفي رواية ابن عيينة: إذا قيل له: كيف أنت؟ (يقول): أنا (شيخ كبير) صفة الخبر المقدر مبتدؤه بأنا (مفتون، أصابتني دعوة سعد) أفرد الدعوة وهي ثلاثة على إرادة الجنس، وفي رواية ابن عيينة: ولا تكون فتنة إلاّ وهو فيها، فإن قلت: لِمَ لَمْ يذكر الدعوة الأخرى، وهي الفقر، أجيب، بأنها داخلة في قوله: أصابتني. لكن وقع التصريح بذلك عند الطبراني، ولفظه: قال عبد الملك، فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك، فإذا سألوه قال: كبير فقير مفتون. (قال عبد الملك) بن عمير: (فأنا) بالفاء، ولأبي الوقت: وأنا (رأيته بعد، قد سقط حاجباه) أي شعرهما (على عينيه من الكبر) بكسر الكاف وفتح الموحدة، (وإنه) أي أبا سعدة (ليتعرض

للجواري في الطريق) بالإفراد، لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر ولغيرهم: في الطرق (يغمزهن) أي يعصر أعضاءهن بأصابعه. وفيه إشارة إلى الفتنة والفقر، إذ لو كان غنيًّا لما احتاج إلى ذلك. وفي رواية سيف: فعمي واجتمع عنده عشر بنات. وكان إذا سمع بحسّ المرأة تشبث بها، فإذا أنكر عليه، قال: دعوة المبارك سعد، الحديث. وكان سعد معروفًاً بإجابة الدعوة، لأنه عليه الصلاة والسلام دعا له فقال: اللهمَّ استجب لسعد إذا دعاك. رواه الترمذي وابن حبّان والحاكم. وفي الحديث أن من سعى به من الولاة يسأل عنه في موضع عمله أهل الفضل، وأن الإمام يعزل من شكي وإن كذب عليه إذا رآه مصلحة. قال مالك: قد عزل عمر سعدًا وهو أعدل ممن يأتي بعده إلى يوم القيامة. والحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة، وكذا مسلم وأبو داود والنسائي. 756 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني، (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم (عن محمود بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة، ابن سراقة الخزرجي الأنصاري (عن عبادة بن الصامت) بضم العين وتخفيف الموحدة، رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا صلاة لمن لم يقرأ) فيها (بفاتحة الكتاب) أي في كل ركعة منفردًا أو إمامًا أو مأمومًا، سواء أسرّ الإمام أو جهر. قال المازري: اختلف الأصوليون في مثل هذا اللفظ، يعني قوله: لا صلاة إلخ. فقيل: إنه مجمل لأنه حقيقة في نفي الذات، والذات واقعة، والواقع لا يرتفع، فينصرف لنفي الحكم، وهو متردد بين نفي الكمال ونفي الصحة، وليس أحدهما أولى فيلزم الإجمال، وهو خطأ، لأن العرب لم تضعه لنفي الذات، وإنما تورده للمبالغة، ثم تذكر الذات ليحصل ما أرادت من المبالغة. وقيل: هو عامّ مخصوص عامّ في نفي الذات وأحكامها، ثم خصّ بإخراج الذات لأن الرسول لا يكذب. وقيل: هو عامّ غير مخصوص لأن العرب لم تضعه لنفي الذات، بل لنفي كل أحكامها، وأحكامها في مسألتنا الكمال والصحة، وهو عامّ فيهما. وردّه المحققون بأن العموم إنما يحسن إذا لم يكن في تنافٍ، وهو هنا لازم، لأن نفي الكمال يصح معه الإجزاء، ونفي الصحة لا يصح معه الإجزاء، وصار المحققون إلى الوقف، وأنه تردد بين نفي الكمال والإجزاء، فإجماله من هذا الوجه لا مما قاله الأوّلون. وعلى هذا المذهب يتخرّج قوله: لا صلاة. وتعقبه الأبي فقال: ما رد به الأول لا يرفع الإجمال لأنه وإن سلم أنه لنفي الحكم فالأحكام متعددة، وليس أحدهما أولى كما تقدم. وإنما الجواب ما قيل من أنه لا يمتنع نفي الذات، أي الحقيقة الشرعية، لأن الصلاة في عرف الشرع اسم للصلاة الصحيحة، فإذا فقد شرط صحتها انتفت، فلا بد من تعلق النفي بالمسمى الشرعي، ثم لو سلم عوده إلى الحكم فلا يلزم الإجمال لأنه في نفي الصحة أظهر، لأن مثل هذا اللفظ يستعمل عرفًا لنفي الفائدة، كقولهم: لا علم إلاّ ما نفع، ونفي الصحة أظهر في بيان نفي الفائدة. وأيضًا اللفظ يشعر بالنفي العامّ، ونفي الصحة أقرب إلى العموم من نفي الكمال، لأن الفاسد لا اعتبار له بوجه. ومن قال إنه عامّ مخصوص، فالمخصص عنده الحس، لأن الصلاة قد وقعت كقوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: 25]. فإن الحس يشهد بأنها لم تدمر الجبال انتهى. وقال في فتح القدير: قوله لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، هو مشترك الدلالة، لأن النفي لا يرد إلا على النسب لا على نفي نفس المفرد، والخبر الذي هو متعلق الجار محذوف، فيمكن تقديره صحيحة، فيوافق رأي الشافعي، أو كاملة فيخالفه. وفيه نظر، لأن متعلق المجرور الواقع خبرًا استقرار عام، فالحاصل: لا صلاة كائنة، وعدم الوجود شرعًا هو عدم الصحة. هذا هو الأصل بخلاف: لا صلاة لجار المسجد إلخ، ولا صلاة للعبد الآبق. فإن قيام الدليل على الصحة أوجب كون المراد كونًا خاصًّا أي كاملة. فعلى هذا يكون من حذف الخبر لا من وقوع الجار والمجرور خبرًا. ثم إن الشافعية يثبتون ركنية الفاتحة لا على معنى الوجوب. عند الحنفية، فإنهم لا يقولون بوجوبها قطعًا بل ظنًّا، غير أنهم لا يخصّون الفرضية والركنية بالقطعي، فلهم أن يقولوا بموجب الوجه المذكور: وإن جوّزنًا الزيادة بخبر الواحد لكنها ليست بلازمة هنا، فإنا إنما قلنا

بركنيتها وافتراضها بالمعنى الذي سميتموه وجوبًا، فلا زيادة. واختلف المالكية هل تجب الفاتحة في كل ركعة أو الحل؟ والقولان في المدونة. وشهر ابن شاس الرواية الأولى. قال القاضي عبد الوهاب وهو المشهور من المذهب، والذي رجع إليه، هي الرواية الثانية. قال القرافي: وهو ظاهر المذهب قاله بهرام. وحديث الباب لا دلالة فيه على وجوبها في كل ركعة، بل مفهومه الدلالة على الصحة بقراءتها في ركعة واحدة منها لأن فعلها في ركعة واحدة يقتضي حصول اسم قراءتها في تلك الصلاة، والأصل عدم وجوب الزيادة على المرة الواحدة. نعم يدل للقائلين بوجوبها في كل ركعة وهم الجمهور قوله عليه الصلاة والسلام: وافعل ذلك في صلاتك كلها بعد أن أمره بالقراءة، وقوله في حديث أحمد وابن حبان. ثم افعل ذلك في كل ركعة. ولم يفرضها الحنفية لإطلاق قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ} [المزمل: 20]. فتجوز الصلاة بأي قراءة كانت. قالوا والزيادة على النص تكون نسخًا لإطلاقه، وذا غير جائز، ولا يجوز أن يجعل بيانًا للآية، لأنه لا إجمال فيها، إذ المجمل ما يتعذر العمل به قبل البيان، والآية ليست كذلك وتعيين الفاتحة إنما ثبت بالحديث، فيكون واجبًا إثم تاركه، وتجزئ الصلاة بدونه. والفرض آية قصيرة عند أبي حنيفة كمدهامتان، وقال صاحباه آية طويلة أو ثلاث آيات، وتتعين ركعتان لفرض القراءة لقوله عليه الصلاة والسلام، القراءة في الأوليين قراءة في الأخريين، وتسن في الأخريين الفاتحة خاصة، وإن سبّح فيهما أو سكت جاز لعدم فرضية القراءة فيهما. لنا قوله عليه الصلاة والسلام: لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، رواه الإسماعيلي بسند حديث الباب من طريق العباس بن الوليد النرسي، أحد شيوخ البخاري، وقوله عليه الصلاة والسلام: لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب، رواه ابن خزيمة. واستدلّ من أسقطها عن المأموم مطلقًا كالحنفية بحديث: من صلّى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة. قال في الفتح وهو حديث ضعيف عند الحفاظ. واستدلّ من أسقطها عنه في الجهرية، كالمالكية بحديث: فإذا قرأ فأنصتوا. رواه مسلم، ولا دلالة فيه لإمكان الجمع بين الأمرين، فينصت فيما عدا الفاتحة، أو ينصت إذا قرأ الإمام، ويقرأ إذا سكت. وعلى هذا فيتعين على الإمام السكوت في الجهرية ليقرأ المأموم لئلا يوقعه في ارتكاب النهي، حيث لا ينصت إذا قرأ الإمام. وقد ثبت الإذن بقراءة الفاتحة للمأموم في الجهرية بغير قيد، فيما رواه المؤلّف في جزء القراءة، والترمذي وابن حبان عن عبادة قال: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثقلت عليه القراءة في الفجر، فلما فرغ قال: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم. قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة إلاّ بها. ورواة حديث الباب ما بين بصري ومكّي، وفيه التحديث والعنعنة والقول أخرجه مسلم في الصلاة أيضًا، وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 757 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَدَّ وَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ (ثَلاَثًا). فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي: فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا". [الحديث 757 - أطرافه 793، 6251، 6252، 6667]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (قال: حدّثني) بالإفراد، وللأصيلي: حدَّثنا (سعيد بن أبي سعيد) بكسر العين فيهما (عن أبيه) أبي سعيد المقبري. قال الدارقطني: خالف يحيى القطان أصحاب عبيد الله كلهم في هذا الإسناد فإنهم لم يقولوا عن أبيه، ويحيى حافظ، فيشبه أن يكون عبيد الله حدّث به على الوجهين. قال الحافظ ابن حجر: ولكلٍّ من الروايتين وجه يرجح، فأما رواية يحيى فللزيادة من الحافظ، وأما الرواية الأخرى فللكثرة، ولأن سعيدًا لم يوصف بالتدليس، وقد ثبت سماعه من أبي هريرة، ومن ثم أخرج الشيخان الطريقين، فأخرج البخاري طريق يحيى هنا في باب: وجوب القراءة. وأخرج في: الاستئذان طريق عبيد الله بن نمير، وفي: الإيمان والنذور طريق أبي أسامة، كلاهما عن عبيد الله ليس فيه عن أبيه. وأخرجه مسلم من رواية الثلاثة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، دخل المسجد، فدخل رجل) هو خلاد بن رافع، جدّ علي بن يحيى بن خلاد، (فصلّى) زاد في رواية داود

96 - باب القراءة في الظهر

بن قيس عند النسائي: ركعتين (فسلم) وفي رواية: ثم جاء فسلم (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فرد) عليه الصلاة والسلام السلام (وقال) ولأبي ذر، وابن عساكر: فقال: (ارجع فصل)، ولابن عساكر: وصل (فإنك لم تصل) نفي للصحة لأنها أقرب لنفي الحقيقة من نفي الكمال، فهو أولى المجازين كما مر. فإن قلت: التعبير بلم دون لما فيه لبس لأن لم محتملة لاستمرار النفي نحو: {لم يلد ولم يولد} [الإخلاص: 3 - 4]. وانقطاعه نحو: {لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1]. لأن المعنى أنه كان بعد ذلك شيئًا بخلاف لما، فإن منفيها مستمر النفي إلى الحال وهو المراد هنا. أجيب: بأنه لما دلت المشاهدة على أن عدم اعتداله كان، واتصل بالحال، كان ذلك قرينة على أن لم وقعت موقع لما، فلا لبس. وفي رواية ابن عجلان: فقال: أعد صلاتك (فرجع يصلّي) بياء المضارعة، على أن الجملة حال منتظرة مقدرة، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: فصلّى بالفاء (كما صلى) أولاً (ثم جاء فسلم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال) له عليه الصلاة والسلام: (ارجع فصل فإنك لم تصل). (ثلاثًا) أي ثلاث مرات (فقال) بزيادة فاء، ولابن عساكر: قال: (والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فعلمني) واستشكل كونه عليه الصلاة والسلام تركه ثلاث مرات يصلّي صلاة فاسدة. وأجاب التوربشتي بأن الرجل لما رجع ولم يستكشف الحال من مورد الوحي، كأنه اغترّ بما عنده من العدم، فسكت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن تعليمه زجرًا له وتأديبًا وإرشادًا إلى استكشاف ما استبهم عليه، فلما طلب كشف الحال من مورده أرشده إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وللأصيلي وابن عساكر، قال: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر) أي تكبيرة الإحرام (ثم اقرأ ما) وللكشميهني: بما (تيسر معك من القرآن) وفي حديث أبي داود، في قصة المسيء صلاته، من رواية رفاعة بن رافع، رفعه: إذا قمت وتوجهت، فكبر، ثم اقرأ بأُم القرآن وما شاء الله أن تقرأ، ولأحمد وابن حبان: ثم اقرأ بأُم القرآن ثم اقرأ بما شئت، (ثم اركع حتى تطمئن) حال كونك (راكعًا ثم ارفع حتى تعتدل) حال كونك (قائمًا) وفي رواية ابن ماجة حتى تطمئن قائمًا (ثم اسجد حتى تطمئن) حال كونك (ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن) حال كونك (جالسًا) فيه دليل على إيجاب الاعتدال والجلوس بين السجدتين، والطمأنينة في الركوع والسجود، فهو حجة على أبي حنيفة رحمه الله في قوله، وليس عنه جواب صحيح. (وافعل ذلك) المذكور من: التكبير، وقراءة ما تيسر، وهو الفاتحة، أو ما تيسر من غيرها بعد قراءتها، والركوع، والسجود، والجلوس (في صلاتك كلها) فرضًا ونفلاً. وإنما لم يذكر له عليه الصلاة والسلام بقية الواجبات في الصلاة: كالنيّة، والقعود في التشهّد الأخير، لأنه كان معلومًا عنده، أو لعل الراوي اختصر ذلك. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والاستئذان، ومسلم وأبو داود في الصلاة، وكذا النسائي والترمذي وابن ماجة. 96 - باب القراءَةِ في الظُّهرِ (باب القراءة في) صلاة (الظهر). 758 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ سَعْدٌ: "كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاَتَىِ الْعَشِيِّ لاَ أَخْرِمُ عَنْهَا: أَرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ وَأَحْذِفُ فِي الأُخْرَيَيْنِ. فَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: ذَلِكَ الظَّنُّ بِكَ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي البصري (قال: حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري الواسطي (عن عبد الملك بن عمير) الكوفي (عن جابر بن سمرة) بفتح السين وضم الميم العامري، الصحابي ابن الصحابي: (قال: قال سعد) لعمر بن الخطاب: (كنت) ولابن عساكر: قد كنت (أصلي بهم صلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلاتي العشي) تثنية صلاة. والعشي بفتح العين وكسر الشين المعجمة، أي الظهر والعصر، وهو وجه مطابقة الترجمة، ولابن عساكر: العشاء (لا أخرم) أي لا أنقص (عنها) أي عن صلاته عليه الصلاة والسلام (كنت أركد) أي أطول القيام (في) الركعتي (الأوليين وأحذف في) الركعتي (الأخريين). وليس المراد الترك بالكلية لأن الحذف من الشيء نقصه، وللمستملي والحموي: وأخف، بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة، وهو يقوي أن المراد في الترجمة ما بعد الفاتحة، لأن الحذف لا يتصور فيها. واستفيد منه عدم سنية سورة بعد الفاتحة في الثالثة والرابعة

وهذا هو الأظهر عند الشافعية. قال الجلال المحلي: ومقابل الأظهر دليله الاتباع في حديث مسلم، وهو في الظهر والعصر، ويقاس عليهما غيرهما، والسورة على الثاني أقصر، كما اشتمل عليه الحديث. ثم في ترجيحهم الأول تقديم النافي على دليل الثاني المثبت، عكس الراجح في الأصول لما قام في ذلك عندهم انتهى. وذلك لأن دليل النافي لقراءة السورة في الأخريين مقدم على حديث إثباتها المذكور لكونه في رواية مسلم والأول من روايتهما معًا. (فقال) ولأبي ذر والأصيلي: قال (عمر) رضي الله عنه: (ذلك) باللام، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ذاك (الظن بك). وهذا الحديث مر في الباب السابق، وهو هنا محذوف في رواية غير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر، ثابت في روايتهم كما في الفرع وأصله، ولم يذكره في فتح الباري هنا. 759 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ وَيُسْمِعُ الآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ". [الحديث 759 - أطرافه في: 762، 776، 778، 779]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن (عن يحيى) بن أبي كثير (عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه) أبي قتادة الحرث بن ربعي رضي الله عنه (قال: كان النبي) ولأبي ذر: كان رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في الركعتين الأوليين) بمثناتين تحتيتين وضم الهمزة تثنية الأولى (من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين) في كل ركعة سورة (يطول في) قراءة الركعة (الأولى ويقصر في) قراءة الركعة (الثانية) لأن النشاط في الأولى يكون أكثر، فناسب التخفيف في الثانية حذرًا من الملل. واستدلّ به على استحباب تطويل الأولى على الثانية، وجمع بينه وبين حديث سعد السابق حيث قال: أركد في الأوليين، بأن المراد تطويلهما على الأخريين لا التسوية بينهما في الطول. واستفيد من هذا أفضلية قراءة سورة كاملة ولو قصرت، على قراءة قدرها من طويلة. قال النووي وزاد البغوي: ولو قصرت السورة عن المقروء. (ويسمع الآية أحيانًا) أي في أحيان، جمع حين، وهو يدل على تكرار ذلك منه. وللنسائي من حديث البراء: فنسمع منه الآية من سورة لقمان، والذاريات، ولابن خزيمة {سبّح اسم ربك الأعلى} و {هل أتاك حديث الغاشية}. فإن قلت: العلم بقراءة السورة في السرية لا يكون إلاّ بسماع كلها، وإنما يفيد يقين ذلك لو كان في الجهرية. أجيب: باحتمال أن يكون مأخوذًا من سماع بعضها مع قيام القرينة على قراءة باقيها، أو أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يخبرهم عقب الصلاة دائمًا أو غالبًا بقراءة السورتين. وهو بعيد جدًّا، قاله ابن دقيق العيد رحمه الله. (وكان) عليه الصلاة والسلام (يقرأ في) صلاة (العصر بفاتحة الكتاب وسورتين) في كل ركعة سورة واحدة (وكان يطوّل) في قراءة غير الفاتحة (في) الركعة (الأولى) منها، أي ويقصر الثانية، (وكان يطول في) قراءة الركعة (الأولى من صلاة الصبح، وبقصر في الثانية) ويقاس المغرب والعشاء عليها. والسُّنّة عند الشافعية أن يقرأ في الصبح والظهر من طوال المفصل، وفي العصر والعشاء من أوساطه، وفي المغرب من قصاره لأن الظهر وقت القيلولة، فطول ليدرك المتأخر، والعصر وقت إتمام الأعمال فخفف، وأما المغرب فإنها تأتي عند إعياء الناس من العمل وحاجتهم إلى العشاء، لا سيما الصوام. ومحل سنية الطوال والأوساط إذا كان المصلي منفردًا، فإن كان إمامًا وكان المأمومون محصورين، وآثروا التطويل، استحب وإن لم يكونوا محصورين أو كانوا ولكن لم يؤثروا التطويل فلا يسن. هكذا جزم به النووي في شرح المهذّب، فقال: هذا الذي ذكرناه من استحباب طوال المفصل وأوساطه هو فيما إذا آثر المأمومون المحصورون ذلك. وإلاّ خفف. وجزم به أيضًا في التحقيق، وشرح مسلم، وقال الحنابلة: في الصبح من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره، وفي الباقي من أوساطه. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا، وكذا مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. 760 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَارَةُ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: "سَأَلْنَا خَبَّابًا أَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْنَا: بِأَىِّ شَىْءٍ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ: قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ". وبالسند قال: (حدّثنا عمر بن حفص) بضم العين، وللأصيلي حذف لفظ: ابن حفص (قال: حدّثني أبي) حفص بن غياث (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني) بالإفراد (عمارة) بن عمير بضم العين فيهما (عن أبي معمر) بميمين مفتوحتين، عبد الله

97 - باب القراءة في العصر

بن سخبرة الأسدي الكوفي (قال: سألنا خبابًا) بفتح الخاء وتشديد الموحدة الأولى ابن الأرت، بالمثناة الفوقية بعد الراء، رضي الله عنه (أكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم) كان يقرأ فيهما (قلنا) بنون الجمع، وللحموي والمستملي: قلت (بأي شيء كنتم تعرفون؟ قال) ولأبي ذر: تعرفون ذلك؟ قال: (باضطراب لحيته) بكسر اللام ومثناة فوقية بعد التحتية، وللأصيلي لحييه بفتح اللام ومثناتين تحتيتين. فإن قلت إن اضطراب لحيته الشريفة المستدل به على قراءته يحصل مثله أيضًا بالذكر والدعاء أيضًا، فما وجه تعيين القراءة دونهما؟ أجيب بأنها تعينت بقرينة: والظاهر أنهم نظروه بالجهرية لأن ذلك المحل منها هو محل القراءة لا الذكر والدعاء، وإذا انضم إلى ذلك قول أبي قتادة: كان يسمعنا الآية أحيانًا قوي الاستدلال. 97 - باب الْقِرَاءَةِ فِي الْعَصْرِ (باب القراءة في) صلاة (العصر). 761 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: "قُلْتُ لِخَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ: أَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ قُلْتُ بِأَىِّ شَىْءٍ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قِرَاءَتَهُ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ". وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي، بكسر الموحدة وسكون المثناة التحتية وفتح الكاف وسكون النون (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن عمارة بن عمير، عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة (قال: قلت) وللكشميهني والأصيلي: قلنا (لخباب بن الأرت) بفتح الهمزة والراء وتشديد المثناة الفوقة (أكان النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بهمزة الاستفهام على سبيل الاستخبار (يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم) كان يقرأ فيهما (قال: قلت: بأي شيء كنتم تعلمون) أي تعرفون، لأنه متعدٍّ لمفعول (قراءته) عليه الصلاة والسلام؟ (قال): أي خباب (باضطراب لحيته) الكريمة، وفي اليونينية رقم على قوله: قال نعم، علامة السقوط لابن عساكر. 762 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا". وبه قال: (حدّثنا المكي) بالتعريف، ولأبي ذر والأصيلي: مكي (بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد التيمي الحنظلي البلخي (عن هشام) الدستوائي (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحرث بن ربعي (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في الركعتين) الأوليين (من الظهر والعصر) أي من كلٍّ منهما (بفاتحة الكتاب وسورة سورة) بالخفض عطفًا على سابقه، وبالتكرير لأنه موزع على الركعات، يعني يقرأ في كل ركعة من ركعتيهما سورة بعد الفاتحة، (ويسمعنا الآية أحيانًا). 98 - باب الْقِرَاءَةِ فِي الْمَغْرِبِ (باب القراءة في) صلاة (المغرب). 763 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ أُمَّ الْفَضْلِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ: {وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفًا} فَقَالَتْ: يَا بُنَىَّ، وَاللَّهِ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ إِنَّهَا لآخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ". [الحديث 763 - طرفه في: 4429]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أبي الأصبحي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله) بالتصغير (بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن) أمه (أم الفضل) لبابة بنت الحرث، زوج العباس، أخت ميمونة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سمعته وهو) أي ابن عباس (يقرأ {والمرسلات عرفًا}) والجملة حالية، وفيه التفات من الحاضر إلى الغائب، لأن القياس أن يقول: سمعتني وأنا أقرأ {والمرسلات عرفًا} (فقالت: يا بني) بضم الموحدة مصغرًا (والله لقد) ولأبي ذر والأصيلي: يا بني لقد (ذكرتني) بتشديد الكاف شيئًا نسيته (بقراءتك) وفي نسخة: بقرآنك بضم القاف وبالنون (هذه السورة) منصوب بقوله: بقراءة عند البصريين، أو بذكرتني عند الكوفيين، (إنها) أي السورة (لآخر ما سمعت) بحذف ضمير المفعول، ولابن عساكر: ما سمعته (من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقرأ بها في) صلاة (المغرب) أي في بيته كما رواه النسائي. وأمّا ما في حديث عائشة أنها الظهر، فكانت في المسجد. وأجيب عن قول أم الفضل عند الترمذي: خرج إلينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو عاصب رأسه، بالحمل على أنه خرج إليهم من المكان الذي كان راقدًا فيه إلى الحاضرين في البيت، فصلّى بهم فيه. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي، ومسلم في الصلاة، وكذا أبو داود وابن ماجة. 764 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: "قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارٍ، وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ بِطُولى الطُّولَيَيْنِ". وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (أبو عاصم) النبيل (عن ابن جريج) عبد الملك (عن ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام زهير بن عبد الله المكي الأحول (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن مروان بن الحكم) المدني الأموي (قال:

قال لي زيد بن ثابت: ما لك تقرأ في المغرب بقصار) بتنوين العوض عن المضاف إليه، أي بقصار المفصل، وللكشميهني: بقصار المفصل، ولأبي ذر: يعني المفصل، وهو استفهام على سبيل الإنكار، وكان مروان حينئذٍ أميرًا على المدينة من قبل معاوية، وللنسائي بقصار السور (وقد سمعت) بضم التاء، وفي بعضها بفتحها (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ بطولى الطوليين؟) أي بأطول السورتين الطويلتين، وطولى تأنيث أطول، والطوليين بمثناتين تحتيتين تثنية طولى، وهذه رواية الأكثر، وعزاها في الفرع لأبي الوقت والأصيلي، وفي رواية كريمة: بطول الطوليين، بضم الطاء وسكون الواو وباللام فقط. ووجهه البرماوي كالكرماني بأنه أطلق المصدر، وأراد الوصف. أي كان يقرأ بمقدار طول الطوليين اللتين هما البقرة والنساء أو الأعراف. وتعقبه في فتح الباري بأنه يلزم منه أن يكون قرأ بقدر السورتين، وليس هو المراد، ولم يقع تفسير السورتين في رواية البخاري. وفي رواية أبي الأسود، عن عروة، عن زيد بن ثابت، عند النسائي بأطول الطوليين: المص، ولأبي داود: فقلت وما طولى الطوليين؟ قال: الأعراف. لكن بيَّن النسائي في رواية له أن التفسير من قول عروة، وزاد أبو داود قال: يعني ابن جريح، وسألت أنا اين أبي مليكة فقال لي من قبل نفسه: المائدة والأعراف، وعند الجوزقي مثله، إلاّ أنه قال: الأنعام بدل المائدة، وعند الطبراني وأبي نعيم في مستخرجه بدل الأنعام، يونس. وفي تفسير الأخرى ثلاثة أقوال المحفوظ فيها: الأنعام، ولم يرد البقرة. وإلا لقال: طولى الطول. فدلّ على أنه أراد الأطول من بعد البقرة وذلك هو الأعراف، وتعقب بأن النساء هي الأطول بعدها. وأجيب بأن عدد آيات الأعراف أكثر من عدد النساء وغيرها من السبع بعد البقرة، وإن كان كلمات النساء تزيد على كلمات الأعراف. وقد جنح ابن المنير إلى أن تسمية الأعراف والأنعام بالطوليين، إنما هو لعرف فيهما، لا أنهما أطول من غيرهما، وجمع ابن المنير بين الآثار المختلفة في إطالة القراءة في المغرب وتخفيفها، بأن تحمل الإطالة على الندرة تنبيهًا على المشروعية، ويحمل التخفيف على العادة تنبيهًا على الأولى، قال: ولذلك قال في الإطالة: سمعته يقرأ، وفي التخفيف كان يقرأ انتهى. وتعقبه في فتح الباري بأنه غفل عمّا في رواية البيهقي من طريق أبي عاصم شيخ المؤلّف فيه بلفظ: لقد كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ، ومثله في رواية حجاج بن محمد عن ابن جريج عند الإسماعيلي. واستنبط من الحديث امتداد وقت المغرب إلى غيبوبة الشفق الأحمر، واستشكل بأنه إذا قرأ الأعراف يدخل وقت العشاء قبل الفراغ. وأجيب بجوابين. أحدهما: أنه لا يمتنع إذا أوقع ركعة في الوقت، وتعقب بأن إخراج بعض الصلاة عن الوقت ممنوع، ولو أجزأت فلا يحمل ما ثبت عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك. الثاني: أنه يحتمل أنه أراد بالسورة بعضها. وليس الحديث نصًّا في أنه أتم السورة كذا. قاله البرماوي والأبي، وفيه نظر، لأنه لو كان قرأ بشيء منها يكون قدر سورة من قصار المفصل لما كان لإنكار زيد معنى. وروى حديث زيد هشام بن عروة عن أبيه، عنه كما عند ابن خزيمة، أنه قال لمروان: إنك تخفف القراءة في الركعتين من المغرب، فوالله لقد كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ فيها بسورة الأعراف في الركعتين جميعًا. وما ذكره البرماوي من اشتراط إيقاع الركعة في الوقت هو الذي عليه الأسنوي والأذرعي وابن المقري. وتعقب بإطلاق الشيخين الرافعي والنووي، كغيرهما عدم العصيان، ولم يقيداه بما إذا أتى بركعة في الوقت. وكذا أجاب البغوي في فتاويه بالإطلاق، وجعل التقييد بالإتيان بركعة احتمالاً، فليعتمد الإطلاق. وظاهر كلام الخادم اعتماده، انتهى. والمستحب القراءة في المغرب بقصار المفصل، وهو مذهب أبي حنيفة، وصاحبيه، ومالك، وأحمد، وإسحاق. ويؤيده حديث رافع السابق، في المواقيت: إنهم كانوا ينتضلون بعد صلاة المغرب. فإنه يدل على تخفيف القراءة فيها. وعند ابن ماجة بسند صحيح، عن ابن عمر: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في المغرب {قل يا أيها الكافرون}

99 - باب الجهر في المغرب

و {قل هو الله أحد} وكان الحسن يقرأ فيها بـ {إذا زلزلت} {والعاديات} ولا يدعهما. ورواة حديث الباب الستة ما بين بصري ومكّي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أبو داود والنسائي في الصلاة. 99 - باب الْجَهْرِ فِي الْمَغْرِبِ (باب) حكم (الجهر) بالقراءة (في) صلاة (الغرب). 765 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ". [الحديث 765 - أطرافه في: 3050، 4023، 4854]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي المصري (قال: أخبرنا مالك) الإمام إمام الأئمة الأصبحي (عن ابن شهاب) الزهري (عن محمد بن جبير بن مطعم) بضم الميم وكسر العين، وقد وقع التصريح بالتحديث من طريق سفيان عن الزهري (عن أبيه) جبير بن مطعم بن عدي (قال: سمعت رسول الله) ولأبي ذر: سمعت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ) ولابن عساكر: يقرأ (في) صلاة (المغرب بالطور) أي بسورة الطور كلها. وقول ابن الجوزي يحتمل أن تكون الباء بمعنى من كقوله تعالى: {عينًا يشرب بها عباد الله} يعني فيكون المراد أنه عليه الصلاة والسلام، قرأ بعض سورة الطور. واستدلال الطحاوي لذلك بما رواه من طريق هشيم، عن الزهري، في حديث جبير بقوله فسمعته يقول: {إن عذاب ربك لواقع} قال: فأخبر أن الذي سمعه من هذه السورة هي هذه الآية خاصة، معارض بما عند المؤلّف في التفسير، حيث قال: سمعته يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} الآيات إلى قوله {المسيطرون} كاد قلبي يطير. وفي رواية أسامة، ومحمد بن عمرو وسمعته يقرأ {والطور وكتاب مسطور} وزاد ابن سعد في رواية: فاستمعت قراءته حتى خرجت من المسجد، على أن رواية هشيم عن الزهري بخصوصها مضعفة، وقد كان سماع جبير لقراءته عليه الصلاة والسلام لما جاء في أسارى بدر كما عند المؤلّف في الجهاد، وكان ذلك أوّل ما وقر الإسلام في قلبه، كما في المغازي عند المصنف أيضًا. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول والسماع، وأخرجه أيضًا في الجهاد والتفسير، ومسلم وأبو داود في الصلاة، وكذا النسائي فيها وفي التفسير، وابن ماجة فيه. 100 - باب الْجَهْرِ فِي الْعِشَاءِ (باب الجهر) بالقراءة (في) صلاة (العشاء). 766 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فَسَجَدَ، فَقُلْتُ لَهُ: قَالَ: سَجَدْتُ خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ". [الحديث 766 - أطرافه في: 768، 1074، 1078]. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل (قال: حدّثنا معتمر عن أبيه) سليمان بن طرخان (عن بكر) بسكون الكاف، ابن عبد الله المزني (عن أبي رافع) بالفاء والعين المهملة، نفيع الصائغ (قال: صلّيت مع أبي هريرة) رضي الله عنه (العتمة) أي صلاة العشاء (فقرأ) فيها بعد الفاتحة ({إذا السماء انشقت}) [الانشقاق: 1] (فسجد) أي عند محل السجود منها سجدة (فقلت له) أي: سألته عن حكم السجدة (قال: سجدت) زاد في الرواية الآتية في الباب التالي لهذا: بها، وفي رواية هناك بدل بها: فيها (خلف أبي القاسم) رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الصلاة (فلا أزال أسجد بها) أي بالسجدة، أو الباء ظرفية، أي فيها يعني السورة {إذا السماء انشقت} (حتى ألقاه) أي حتى موت. فإن قلت: قوله فلا أزال أسجد بها، أعم من أن يكون داخل الصلاة، أو خارجها فلا حجة فيه على الإمام مالك، حيث قال: لا سجدة فيها. وحيث كره في المشهور عنه السجدة في الفريضة، لأنه ليس مرفوعًا. أجيب بأن المكابرة في رفعه مكابرة في المحسوس، إذ كونه مرفوعًا غير خافٍ، ويدل له أيضًا ما أخرجه ابن خزيمة من رواية أبي الأشعث عن معتمر بهذا الإسناد: صليت خلف أبي القاسم فسجد بها، وما أخرجه الجوزقي من طريق يزيد بن هارون، عن سليمان التيمي، بلفظ: صليت مع أبي القاسم فسجد فيها. فهو حجة على مالك رحمه الله مطلقًا. ورواة هذا الحديث الستة أربعة منهم بصريون، وأبو رافع مدني، وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في سجود القرآن، ومسلم وأبو داود والنسائي في الصلاة. 767 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ فِي سَفَرٍ، فَقَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ". [الحديث 767 - أطرافه في: 769، 4952، 7546]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي) هو ابن ثابت الأنصاري (قال: سمعت البراء) بن عازب رضي الله عنه (أن النبى) وللأصيلي: أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في سفر، فقرأ في) صلاة (العشاء، في إحدى الركعتين) في رواية النسائي في الركعة الأولى ({بالتين والزيتون}) وفي الرواية الآتية:

101 - باب القراءة في العشاء بالسجدة

والتين، على الحكاية، وإنما قرأ عليه الصلاة والسلام في العشاء بقصار المفصل لكونه كان مسافرًا، والسفر يطلب فيه التخفيف لأنه مظنة المشقة، وحينئذٍ فيحمل حديث أبي هريرة السابق على الحضر، فلذا قرأ فيها بأوساط المفصل. وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة والقول والسماع، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير، والتوحيد، والخمسة في الصلاة. 101 - باب الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ بِالسَّجْدَةِ هذا (باب القراءة في) صلاة (العشاء بالسجدة) أي بالسورة التي فيها سجدة التلاوة. 768 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي التَّيْمِيُّ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ، فَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فَسَجَدَ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ: سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر في نسخة: حدّثني، بالإفراد (مسدد) أي ابن مسرهد (قال: حدّثنا يزيد بن زريع) تصغير زرع (قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: حدّثنا (التيمي) سليمان بن طرخان (عن بكر) بسكون الكاف، ابن عبد الله المزني (عن أبي رافع) نفيع الصائغ (قال: صليت مع أبي هريرة) رضي الله عنه (العتمة فقرأ) فيها بسورة ({إذا السماء انشقت} فسجد، فقلت) له: (ما هذه) السجدة؟ (قال: سجدت بها) ولأبوي ذر والوقت: فيها (خلف أبي القاسم، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في الصلاة (فلا أزال أسجد بها) وفي رواية لأبوى ذر والوقت وابن عساكر: فيها (حتى ألقاه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو كناية عن الموت. 102 - باب الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ هذا (باب القراءة في) صلاة (العشاء). 769 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ سَمِعَ الْبَرَاءَ رضي الله عنه قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} فِي الْعِشَاءِ، وَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ أَوْ قِرَاءَةً". وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان السلمي الكوفي، المتوفى بمكة قريبًا من سنة ثلاث عشرة ومائتين، (قال: حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون المهملة، ابن كدام الكوفي (قال: حدّثنا عدي بن ثابت) بالمثلثة، ونسبه هنا لأبيه بخلاف الرواية السابقة (سمع) ولأبي الوقت: أنه سمع (البراء رضي الله عنه، قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ) ({والتين}) بالواو على الحكاية، وفي رواية لأبي ذر: بالتين ({والزيتون} في) صلاة (العشاء) ولأبي ذر في نسخة: يقرأ في العشاء (بالتين والزيتون) (وما سمعت أحدًا أحسن صوتًا منه أو) أحسن (قراءة) منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شك الراوي. وإنما كرر هذا الحديث لتضمنه ما ترجم له، ولاختلاف بعض الرواة فيه، ولما فيه من زيادة قوله: وما سمعت أحدًا، إلخ ... شيخ البخاري فيه من أفراده، وتأتي بقية مباحثه في آخر التوحيد، إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته. 103 - باب يُطَوِّلُ فِي الأُولَيَيْنِ، وَيَحْذِفُ فِي الأُخْرَيَيْنِ هذا (باب) بالتنوين (يطوّل) المصلي (في) الركعتين (الأوليين) من العشاء، (ويحذف) يترك القراءة (في) الركعتين (الأخريين) منها. 770 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ: "قَالَ عُمَرُ لِسَعْدٍ: لَقَدْ شَكَوْكَ فِي كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى الصَّلاَةِ. قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَمُدُّ فِي الأُولَيَيْنِ وَأَحْذِفُ فِي الأُخْرَيَيْنِ، وَلاَ آلُو مَا اقْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ صَدَقْتَ، ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ، أَوْ ظَنِّي بِكَ". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب، قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي عون)، وللأصيلي زيادة: محمد بن عبد الله الثقفي (قال: سمعت جابر بن سمرة، قال: قال عمر) بن الخطاب (لسعد) أي، ابن أبي وقاص: (لقد) باللام، ولأبي الوقت والأصيلي: قد (شكوك في كل شيء حتى الصلاة) بالجرّ في الفرع وأصله. قال الزركشي: لأن حتى جارّة، وتعقبه البدر الدماميني بأن الجارّة تكون بمعنى إلى وليست هنا كذلك، وإنما هي عاطفة. وللأصيلي: حتى في الصلاة بإعادة حرف الجر، وضبطها العيني بالرفع على أن حتى هنا غاية لا قبلها بزيادة، كما في قولهم: مات الناس حتى الأنبياء والمعنى: حتى الصلاة شكوك فيها، فيكون ارتفاعه على الابتداء وخبره محذوف. (قال) سعد: (أما أنا فأمد) بضم الميم أي أطوّل القراءة (في) الركعتين (الأوليين، وأحذف) القراءة (في) الركعتين (الأخريين ولا آلو) بمدّ الهمزة وضم اللام، أي لا أقصر (ما اقتديت به من صلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال) عمر: (صدقت، ذاك الظن بك، أو) قال: (ظني بك) شك الراوي. وهذا الحديث قد سبق في باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم مطوّلاً، وأخرجه هنا لغرض الترجمة مع ما بينهما من الزيادة والنقص، واختلاف رواة الإسناد. 104 - باب الْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالطُّورِ. (باب القراءة في) صلاة (الفجر). (وقالت أم سلمة) مما وصله المؤلّف في الحج: طفت وراء الناس، (قرأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالطور) لكن ليس فيه تعيين صلاة الصبح.

نعم، روى المؤلّف الحديث من طريق يحيى بن أبي زكريا الغساني، عن هشام بن عروة عن أبيه، أن أم سلمة شكت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني أشتكي الحديث، وفيه فقال: إذا أقيمت الصلاة للصبح فطوفي. وأما حديث ابن خزيمة وهو يقرأ في العشاء فشاذ. 771 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ سَلاَمَةَ قَالَ: "دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ وَيَرْجِعُ الرَّجُلُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ. وَلاَ يُبَالِي بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَلاَ يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَلاَ الْحَدِيثَ بَعْدَهَا، وَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَعْرِفُ جَلِيسَهُ. وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ". وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس: (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا سيار بن سلامة) زاد الأصيلي: هو ابن المنهال (قال: دخلت أنا وأبي على أبي برزة) بفتح الموحدة، نضلة بن عبيد (الأسلمي، فسألناه عن وقت الصلوات) المكتوبات، ولأبي ذر والأصيلي: عن وقت الصلاة، بالإفراد (فقال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي الظهر حين تزول الشمس و) يصلّي (العصر، ويرجع الرجل إلى أقصى) آخر (المدينة والشمس حيّة) أي باقٍ حرّها لم تتغير، قال أبو النهال: (ونسيت ما قال) أبو برزة (في المغرب، ولا يبالي) عليه الصلاة والسلام (بتأخير العشاء إلى ثلث الليل) عطف على قوله: يصلّي، كقوله (ولا يحب النوم قبلها، ولا الحديث بعدها)، أي العشاء، (ويصلّي الصبح فينصرف) وللأصيلي وأبي ذر: وينصرف (الرجل فيعرف جليسه) أي مجالسه (وكان يقرأ في الركعتين) اللتين هما الصبح (أو) في (إحداهما ما بين الستين إلى المائة) من آيات القرآن. قال الحافظ ابن حجر: وهذه الزيادة تفرد بها شعبة عن أبي المنهال، والشك فيها منه، وقدّرها في رواية الطبراني بالحاقة ونحوها. وفي رواية لمسلم أنه عليه الصلاة والسلام: قرأ فيها بالصافات، وللحاكم: بالواقعة، وللسراج بسند صحيح: بأقصر سورتين في القرآن. وهذا الاختلاف وغيره بحسب اختلاف الأحوال. وقد أشار البرماوي، كالكرماني، إلى أن القياس أن يقول: ما بين الستين والمائة، لأن لفظة بين تقتضي الدخول على متعدد، ويحتمل أن يكون التقدير: ويقرأ ما بين الستين وفوقها، فحذف لفظ: فوقها لدلالة الكلام عديه. 772 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "فِي كُلِّ صَلاَةٍ يُقْرَأُ، فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْمَعْنَاكُمْ، وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ. وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ". وبه قال:

105 - باب الجهر بقراءة صلاة الفجر

(حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن علية (قال: أخبرنا ابن جريج) بضم الجيم الأولى، عبد الملك (قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (أنّه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: في كل صلاة يقرأ) القرآن وجوبًا، سواء كان سرًا أو جهرًا، ويقرأ بالبناء للمفعول. وللأصيلي وابن عساكر: نقرأ بالنون المفتوحة مبنيًّا للفاعل، أي نحن نقرأ، كذا هو موقوف، لكن روي مرفوعًا عند مسلم من رواية أبي أسامة عن حبيب بن الشهيد، بلفظ: لا صلاة إلا بقراءة. إلا أن الدارقطني أنكره على مسلم وقال: إن المحفوظ عن أبي أسامة وقفه كما رواه أصحاب ابن جريج. وكذا رواه أحمد عن يحيى القطان وأبي عبيد الحداد، كلاهما عن حبيب المذكور، موقوفًا. وأخرجه أبو عوانة من طريق يحيى بن أبي الحجاج عن ابن جريج، كرواية الجماعة، لكن زاد في آخره: وسمعته يقول: لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب، فظاهره أن ضمير سمعته للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فيكون مرفوعًا بخلاف رواية الجماعة. نعم، قوله: (فما أسمَعَنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أسمعناكم، وما أخفى عنا أخفينا عنكم) يشعر بأن جميع ما ذكر متلقى عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فيكون للجميع حكم الرفع. وسقط لفظ عنكم للأربعة، وزاد مسلم في روايته عن أبي خيثمة وغيره من إسماعيل: فقال له الرجل: وإن لم أزد؟ قال: (وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت) من الإجزاء. وهو الأداء الكافي، لسقوط التعبد. وللقابسي: جزت بغير همز ومفهومه أن الصلاة بغير الفاتحة لا تجزئ، فهو حجة على الحنفية. (وإن زدت) عليها (فهو خير) لك. ورواة هذا الحديث خمسة، وفيه التحديث والإخبار والسماع والقول، وأخرجه مسلم، وقد تكلم يحيى بن معين في حديث إسماعيل بن علية عن ابن جريج خاصة، لكن تابعه عليه جماعة، فقوي والله المعين. 105 - باب الْجَهْرِ بِقِرَاءَةِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: طُفْتُ وَرَاءَ النَّاسِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَيَقْرَأُ بِالطُّورِ. (باب الجهر بقراءة صلاة الفجر) ولأبي ذر: صلاة الصبح. (وقالت أم سلمة) مما وصله المؤلّف في الحج: (طفت) بالكعبة (وراء الناس، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) أي الصبح (ويقرأ بالطور) وللأصيلي وابن عساكر: يقرأ، بغير واو. 773 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "انْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ. قَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلاَّ شَىْءٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهْوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَقَالُوا: {يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {قُلْ أُوحِيَ إِلَىَّ} وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ". [الحديث 773 - طرفه في: 4921]. وبه قال (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا أبو عوانة) الوضاح (عن أبي بشر) بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة، ولأبي ذر والأصيلي: هو جعفر بن أبي وحشية، كذا في الفرع، واسم أبي وحشية إياس (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس) وللأصيلي، عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما، قال: انطلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قبل الهجرة بثلاث سنين (في طائفة) ما فوق الواحد (من أصحابه) حال كونهم (عامدين) أي قاصدين (إلى سوق عكاظ) بضم المهملة وتخفيف الكاف آخره معجمة، بالصرف وعدمه كما في الفرع وأصله، قال السفاقسي: هو من إضافة الشيء إلى نفسه، لأن عكاظ اسم سوق للعرب بناحية مكة، قال في المصابيح: لعل العلم هو مجموع قولنا: سوق عكاظ، كما قالوا في شهر رمضان، وإن قالوا: عكاظ فعلى الحذف، كقولهم: رمضان (وقد حيل) أي حجز (بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب) بضم الهاء جمع شهب، وهو شعلة نار ساطعة ككوكب ينقض (فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟، فقالوا) بالفاء، ولغير أبي ذر: قالوا: (حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب قالوا) أي الشياطين: (ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا) أي سيروا (مشارق الأرض ومغاربها) أي فيهما، فالنصب على الظرفية (فانظروا) وللأصيلي وابن عساكر: وانظروا (ما هذا الذي) بإثبات اسم الإشارة، ولابن عساكر: ما الذي (حال بينكم وبين خبر السماء) ولغير ابن عساكر: حيل، لكنه في اليونينية ضبب عليها وشطب (فانصرف أولئك) الشياطين (الذين توجهوا نحو تهامة) بكسر التاء، مكة. وكانوا من جنّ نصيبين (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو بنخلة) بفتح النون وسكون الخاء المعجمة، غير منصرف للعلمية، والتأنيث موضع على ليلة من مكة، حال كونهم (عامدين إلى سوق عكاظ، وهو) عليه الصلاة والسلام (يصلّي صلاة الفجر) الصبح (فلما سمعوا القرآن استمعوا له) أي قصدوه وأصغوا إليه، وهو ظاهر في الجهر المترجم له (فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، وقالوا) بالواو، وفي رواية قالوا: وهو العامل في ظرف المكان ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: فقالوا: بالفاء، وحينئذٍ فالعامل في الظرف: رجعوا، مقدّرًا يفسره المذكور ({يا قومنا إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا}) بديعًا مباينًا لسائر الكتب من حسن نظمه، وصحة معانيه، وهو مصدر وصف به للمبالغة ({يهدي إلى الرشد}) يدعو إلى الصواب ({فآمنا به}) أي بالقرآن ({ولن نشرك بربنا أحدا}) [الجن: 201] فأنزل الله تعالى على نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ({قل أوحي إليّ}) زاد الأصيلي: {أنه استمع نفر من الجن} (وإنما أوحي إليه قول الجن). وأراد بقول الجن الذي قصه ومفهومه: أنّ الحيلولة بين الشياطين وخبر السماء حدثت بعد نبوّة نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولذلك أنكرته الشياطين، وضربوا مشارق الأرض ومغاربها ليعرفوا خبره، ولهذا كانت الكهانة فاشية في العرب، حتى قطع بينهم وبين خبر السماء، فكان رميها من دلائل النبوّة. لكن في مسلم ما يعارض ذلك، فمن ثمة وقع الاختلاف، فقيل: لم تزل الشهب منذ كانت الدنيا، وقيل: كانت قليلة فغلظ أمرها وكثرت بعد البعث. وذكر المفسرون أن حراسة السماء والرمي بالشهب كان موجودًا، لكن عند حدوث أمر عظيم من عذاب ينزل بأهل الأرض، أو إرسال رسول إليهم، وقيل كانت الشهب مرئية معلومة، ولكن رمي الشياطين بها وإحراقهم لم يكن إلا بعد النبوّة. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وواسطي وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير، ومسلم في الصلاة، والترمذي والنسائي في التفسير، وهذا الحديث مرسل صحابي لأن ابن عباس لم يرفعه ولا هو مدرك للقصة. 774 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا أُمِرَ، وَسَكَتَ فِيمَا أُمِرَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}. {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. وبه قال: (حدّثنا مسدّد) بن مسرهد (قال: حدّثنا إسماعيل) بن علية (قال: حدّثنا أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) رضي الله

106 - باب الجمع بين السورتين في الركعة

عنهما (قال: قرأ) أي: جهر (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما أُمِرَ)، أي أسرَّ (فيما أمر) بضم الهمزة فيهما، والآمر الله تعالى. لا يقال معنى سكت: ترك القراءة، لأنه عليه الصلاة والسلام لا يزال إمامًا، فلا بدّ من القراءة سرًّا أو جهرًا ({وما كان ربك نسيًّا}) حيث لم ينزل في بيان أفعال الصلاة قرآنًا يتلى، وإنما وكّل الأمر في ذلك إلى بيان نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الذي شرع لنا الاقتداء به، وأوجب علينا اتباعه في أفعاله التي هي لبيان مجمل الكتاب ({ولقد}) ولغير أبوي الوقت وذر الأصيلي وابن عساكر: لقد ({كان لكم في رسول الله أُسوة}) بضم الهمزة وكسرها، أي: قدوة ({حسنة}) فتجهروا فيما جهر، وتسروا فيما أسر. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وهو من أفراده. 106 - باب الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ وَالْقِرَاءَةِ بِالْخَوَاتِيمِ، وَبِسُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ، وَبِأَوَّلِ سُورَةٍ. وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ: "قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُؤْمِنُونَ فِي الصُّبْحِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ". وَقَرَأَ عُمَرُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ آيَةً مِنَ الْبَقَرَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنَ الْمَثَانِي. وَقَرَأَ الأَحْنَفُ بِالْكَهْفِ فِي الأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِيُوسُفَ أَوْ يُونُسَ. وَذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ عُمَرَ -رضي الله عنه- الصُّبْحَ بِهِمَا. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنَ الأَنْفَالِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ. وَقَالَ قَتَادَةُ -فِيمَنْ يَقْرَأُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ، أَوْ يُرَدِّدُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ-: كُلٌّ كِتَابُ اللَّهِ. (باب) حكم (الجمع بين السورتين في الركعة) الواحدة من الصلاة، ولابن عساكر وأبي ذر: في ركعة (و) حكم (القراءة بالخواتيم) بالمثناة التحتية بعد الفوقية، ولأبي ذر والأصيلي: بالخواتم، أي أواخر السور، (و) القراءة (بسورة). بموحدة، أوّله، ولابن عساكر: وسورة (قبل سورة) مخالفًا ترتيب المصحف العثماني (و) القراءة (بأوّل سورة). (ويذكر) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول (عن عبد الله بن السائب) بن أبي السائب، مما وصله مسلم من طريق ابن جريج: (قرأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {المؤمنون}) بالواو على الحكاية، ولأبي ذر: المؤمنين وللأصيلي {قد أفلح المؤمنون} (في) صلاة (الصبح) بمكة. (حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون) أيّ قوله تعالى: {ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون} (أو ذكر عيسى) أي {وجعلنا ابن مريم وأمه آية} (أخذته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سعلة) بفتح السين وقد تضم، ولابن ماجة: فلما بلغ ذكر عيسى وأمه أخذته سعلة، أو قال: شهقة وفي رواية: شرقة (فركع). قيل فيه جواز قطع القراءة، وجواز القراءة ببعض السورة، وهو يردّ على مالك حيث كره ذلك. وأجيب: بأن الذي كرهه مالك هو أن يقتصر على بعض السورة مختارًا، والمستدل به هنا ظاهر في أنه كان للضرورة، فلا يرد عليه. نعم، الكراهية لا تثبت إلا بدليل، وأدلة الجواز كثيرة، منها حديث زيد بن ثابت: أنه في قرأ الأعراف في الركعتين، ولم يذكر ضرورة. (وقرأ عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (في الركعة الأولى) من الصبح (بمائة وعشرين آية من البقرة، وفي) الركعة (الثانية بسورة من المثاني) وهو ما يبلغ مائة آية، أو لم يبلغها، أو ما عدا السبع الطوال إلى المفصل، سمي مثاني لأنها ثنت السبع، أو لكونها قصرت عن المئين وزادت على المفصل، أو ولأن المئتين جعلت مبادي والتي تليها مثاني، ثم الفصل. وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة لكن بلفظ: يقرأ في الصبح بمائة من البقرة، ويتبعها بسورة من المثاني. (وقرأ الأحنف) بالمهملة، ابن قيس بن معد يكرب الكندي الصحابي، رضي الله عنه، في صلاة الصبح (بالكهف في) الركعة (الأولى، وفي الثانية بيوسف أو يونس) شك الراوي (وذكر) الأحنف (أنه صلّى مع عمر رضي الله عنه) أي وراءه (الصبح) فقرأ (بهما) أي بالكهف في الأولى، وبإحدى السورتين في الثانية. وهذا مكروه عند الحنفية، لأن رعاية ترتيب المصحف العثماني مستحبة، وقيل مكروه في الفرائض دون النوافل. وهذا التعليق وصله أبو نعيم في المستخرج، وقال في الثانية يونس ولم يشك. (وقرأ ابن مسعود) عبد الله، فيما وصله عبد الرزاق (بأربعين آية من الأنفال) في الركعة الأولى، ولفظ سعيد بن منصور، من وجه آخر: فافتتح الأنفال حتى بلغ {ونعم النصير} وهو رأس الأربعين آية، (وفي) الركعة (الثانية بسورة من المفصل) من سورة القتال، أو الفتح، أو الحجرات، أو ق، إلى آخر القرآن. (وقال قتادة) مما وصله عبد الرزاق (فيمن يقرأ سورة واحدة) ولأبي ذر: بسورة واحدة يفرّقها (في ركعتين) وللأصيلي: في الركعتين، (أو يردّد) أي يكرر (سورة واحدة في ركعتين) بأن يقرأ في الثانية بعين السورة التي قرأها في الأولى، فالتكرير أخف من قسم السورة في ركعتين، قاله ابن المنير. قال في فتح الباري: وسبب

الكراهة فيما يظهر أن السورة يرتبط بعضها ببعض، فأي موضع قطع فيه لم يكن كانتهائه إلى آخر السورة، فإنه إن انقطع في وقف غير تام كانت الكراهة ظاهرة، وإن وقف في تام فلا يخفى أنه خلاف الأولى. اهـ. واستنبط جواز جميع ما ذكره في الترجمة من قول قتادة: (كل) أي كل ذلك (كتاب الله) عز وجل. فعلى أي وجه يقرأ لا كراهة فيه. ويؤيد الصورة الأولى من قول قتادة قراءته عليه الصلاة والسلام في المغرب: بآل عمران، فرّقها في ركعتين رواه النسائي. والثاني حديث معاذ بن عبد الله الجهني: أن رجلاً من جهينة أخبره، أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في الصبح {إذا زلزلت} في الركعتين كلتيهما، فلا أدري أنسي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أم قرأ ذلك عمدًا. ولم يذكر المؤلّف في الترجمة ترديد السورة. 774 م - وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: "كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلاَةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ لاَ تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَإِمَّا أَنْ تَقْرَأَ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ. وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ -فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: يَا فُلاَنُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ، وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا. فَقَالَ: حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ» ". (وقال عبيد الله) بضم العين مصغرًا، ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري، مما وصله الترمذي والبزار عن المؤلّف، عن إسماعيل بن أبي أويس، عنه (عن ثابت) البناني (عن أنس) ولأبي ذر والأصيلي كما في الفرع وأصله زيادة: ابن مالك: (كان رجل من الأنصار) اسمه كلثوم بضم الكاف، ابن هدم، بكسر الهاء وسكون الدال، (يؤمهم في مسجد قباء، وكان) بالواو، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: فكان (كلما افتتح سورة) ولأبي ذر والأصيلي: بسورة، بموحدة في الأوّل (يقرأ بها لهم في الصلاة، مما يقرأ به) بالضم مبنيًا للمفعول، أي: في الصلوات التي يقرأ فيها جهرًا، ولابن عساكر: مما يقرأ بها وجواب كلما قوله: (افتتح) بعد الفاتحة (بـ {قل هو الله أحد} حتى يفرغ منها) أي: إذا أراد الافتتاح وإلاّ فهو إذا افتتح سورة لا يكون مفتتحًا بغيرها، (ثم يقرأ سورة) ولأبي ذر: بسورة (أخرى معها) أي مع {قل هو الله أحد} (وكان يصنع ذلك) الذي ذكر من الافتتاح بالإخلاص، ثم بسورة معها (في كل ركعة، فكلمة أصحابه) لأن فعله ذلك بخلاف ما يعهدونه، (فقالوا) بالفاء، ولأبوي ذر والوقت: وقالوا: (إنك تفتتح بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تجزئك) بضم أوّله مع الهمز، كما في الفرع وأصله، من الإجزاء. ويروى: تجزيك بفتحة من جزى، أي لا ترى أنها تكفيك، (حتى تقرأ بأخرى) ولأبي ذر والأصيلي: بالأخرى (فإما أن تقرأ بها) ولغير أبي ذر: فإما تقرأ بها (وإما أن تدعها) تتركها (وتقرأ بأخرى) غير {قل هو الله أحد} (فقال) الرجل (ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم. وكانوا يرون أنه) وللأصيلي: يرونه (من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره) لكونه من أفضلهم، أو لكونه عليه الصلاة والسلام هو الذي قرره (فلما أتاهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبروه) هذا (الخبر) المذكور، فأل للعهد (فقال) له عليه الصلاة والسلام: (يا فلان! ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به) أي الذي يقوله لك (أصحابك) من قراءة سورة الإخلاص فقط، أو غيرها فقط، وليس هذا أمرًا على الأصطلاح، لأن الأمر هو قول القائل لغيره، افعل كذا. على سبيل الاستعلاء، فالعاري عنه يسمى التماسًا، وإنما جعله أمرًا هنا لأنه لازم التخيير المذكور، وكأنهم قالوا له: الفعل كذا أو كذا. (وما يحملك) أي وما الباعث لك (على لزوم) قراءة (هذه السورة) {قل هو الله أحد}. (في كل ركعة) سأله عن أمرين. (فقال) الرجل مجيبًا عن الثاني منهما (إني أحبها) أي أقرأها لمحبتي إياها إذ لا يصح أن يكون جوابًا عن الأول لأن محبتها لا تمنع أن يقرأ بها فقط وهم إنما خيّروه بينها فقط أو غيرها فقط لكنه مستلزم للأول بانضمام شيء آخر وهو إقامة السُّنّة المعهودة من الصلاة بقراءة سوة أخرى فالمانع مركب من المحبة وعهد الصلاة. (فقال) له عليه الصلاة والسلام: (حبك إياها) أي سورة الإخلاص، والحب مصدر مضاف لفاعله، وارتفاعه بالابتداء والخبر قوله (أدخلك الجنة) لأنها صفة الرحمن تعالى، فحبها يدل على حسن اعتقاده في الدين، وعبر بالماضي، وإن كان دخول الجنة مستقبلاً، لتحقّق الوقوع. وفيه جواز الجمع بين السورتين في ركعة واحدة، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وروي عن عثمان

107 - باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب

وابن عمر وحذيفة وغيرهم. 775 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ. فَقَالَ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ. لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرِنُ بَيْنَهُنَّ. فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ من آل حاميم فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. [الحديث 775 - طرفاه في: 4996، 5043]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) بضم الميم وتشديد الراء، ابن أبي عبد الله الكوفي الأعمى، وفي رواية لأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: حدّثنا عمرو بن مرة (قال: سمعت أبا وائل) بالهمز، شقيق بن سلمة (قال: جاء رجل) هو نهيك بفتح النون وكسر الهاء، ابن سنان، بكسر السين المهملة، البجلي (إلى ابن مسعود فقال) له: (قرأت المفصل) كله (الليلة في ركعة) واحدة (فقال) له ابن مسعود منكرًا عليه عدم التدبّر، وترك الترتيل لا جواز الفعل: (هذا) بفتح الهاء وتشديد المعجمة، أي أتهذّ هذًّا (كهذِّ الشعر) أي سردًا وإفراطًا في السرعة، لأن هذه الصفة كانت عادتهم في إنشاد الشعر، (لقد عرفت النظائر) أي السور المتماثلة في المعاني، كالمواعظ والحكم والقصص، لا المماثلة في عدد الآي، أو هي المرادة كما سيأتي من ذكرهن المقتضى اعتبارهن لإرادة التقارب في المقدار، (التي كان النبي) ولأبي ذر والأصيلي: كان رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرن بينهنّ) بفتح أوله وضم الراء، ويجوز كسرها. (فذكر عشرين سورة من المفصل، سورتين في كل ركعة) وهي: الرحمن، والنجم في ركعة، واقتربت، والحاقة في ركعة، والذاريات، والطور في ركعة، والواقعة، ون في ركعة، وسأل، والنازعات في ركعة، وعمّ، والمرسلات في ركعة، وإذا الشمس كورت، والدخان في ركعة، رواه أبو داود. وهذا على تأليف مصحف ابن مسعود. وهو يؤيد قول القاضي أبي بكر الباقلاني: إن تأليف السور كان عن اجتهاد من الصحابة، لأن تأليف عبد الله مغاير لتأليف مصحف عثمان، واستشكل عدّ الدخان من المفصل، وأجيب بأن ذكرها معهن فيه تجوّز. وفي الحديث ما ترجم له، وهو الجمع بين السورتين، لأنه إذا جمع بين سورتين جاز الجمع بين ثلاثة فصاعدًا لعدم الفرق. وسقط لفظ: كل من قوله: سورتين في ركعة، لابن عساكر وأبي الوقت. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي وواسطي وعسقلاني، وفيه التحديث والسماع والقول، وأخرجه مسلم والنسائي في الصلاة. 107 - باب يَقْرَأُ فِي الأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ هذا (باب) بالتنوين (يقرأ) المصلي (في) الركعتين الأوليين بأم الكتاب، وسورتين، وفي (الأخريين) من الرباعية، وثالثة المغرب، (بفاتحة الكتاب) من غير زيادة. 776 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ، وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مَا لاَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي (قال: حدّثنا همام) هو ابن يحيى (عن يحيى) بن أبي كثير (عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقرأ في) صلاة (الظهر في) الركعتين (الأوليين بأُم الكتاب وسورتين) في كل ركعة منهما بسورة، (وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب ويسمعنا الآية) بضم أوله: من الإسماع (ويطوِّل في الركعة الأولى ما لا يطول في الركعة الثانية) كذا لكريمة من التطويل، وما: نكرة موصوفة، أي تطويلاً لا يطيله في الثانية، أو مصدرية: أي غير إطالته في الثانية. فتكون هي مع ما في حيزها صفة لمصدر محذوف، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ما لا يطيل، بالياء ولأبي ذر عن المستملي والحموي: بما لا، بالموحدة كذا في الفرع وأصله، (وهكذا) يقرأ في الأوليين بأم الكتاب وسورتين، وفي الأخريين بها فقط، ويطول في الأولى (في) صلاة (العصر، وهكذا) يطيل في الركعة الأولى (في) صلاة (الصبح) فالتشبيه في تطويل المقروء بعد الفاتحة في الأولى فقط، بخلاف التشبيه بالعصر فإنه أعم. وفي الحديث حجة للقول بوجوب الفاتحة، ويؤيده التعبير: بكان، المشعر بالاستمرار مع قوله عليه الصلاة والسلام: صلوا كما رأيتموني أصلي. وهذا الحديث قد سبق في باب القراءة في الظهر. 108 - باب مَنْ خَافَتَ الْقِرَاءَةَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ (باب من خافت) أي أسرّ (القراءة) ولأبي ذر والكشميهني بالقراءة (في) صلاة (الظهر و) صلاة (العصر). 777 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ: "قُلْتُ لِخَبَّابٍ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين، وهو ساقط للأربعة: (قال: حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن عمارة بن

109 - باب إذا أسمع الإمام الآية

عمير) بضم العين فيهما إلاّ أن الثاني مصغر (عن أبي معمر) بفتح الميمين وسكون العين بينهما، عبد الله بن سخبرة (قلت) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: قال: قلنا (لخباب) هو ابن الأرت (أكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في) صلاة (الظهر و) صلاة (العصر) غير الفاتحة؟ إذ لا شك في قراءتها (قال) خباب: (نعم) كان يقرأ فيهما. (قلنا) له: (من أين علمت) ذلك؟ (قال: باضطراب لحيته) الكريمة، أي بحركتها. واستدلّ به البيهقي على أن الإسرار بالقراءة لا بدّ فيه من إسماع المرء نفسه، وذلك لا يكون إلا بتحريك اللسان بالشفتين بخلاف ما لو أطبق شفتيه وحرك لسانه، فإنه لا تضطرب بذلك لحيته، فلا يسمع نفسه. اهـ. قاله في الفتح وفيه نظر لا يخفى. 109 - باب إِذَا أَسْمَعَ الإِمَامُ الآيَةَ هذا (باب) بالتنوين (إذا أسمع الإمام) المأمومين (الآية) في الصلاة السرية لا يضرّه ذلك، وللكشميهني: سمع بتشديد الميم بغير همز من التسميع، والرواية الأولى من الإسماع. 778 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ، وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أَحْيَانًا، وَكَانَ يُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى". وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي (قال: حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت حدّثني (الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (قال: حدّثني) بالإفراد (يحيى بن أبي كثير، قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عبد الله بن أبي قتادة) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: عن عبد الله بن أبي قتادة (عن أبيه) أبي قتادة (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقرأ بأم الكتاب وسورة معها في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر و) صلاة (العصر ويسمعنا الآية) من السورة (أحيانًا) ... (وكان يطيل) ولأبي ذر: يطول أي السورة (في الركعة الأولى) وهذا الباب إلخ ثابت للحموي، وللكشميهني. . . (¬1) 110 - باب يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى هذا (باب) بالتنوين (يطول) المصلي (في الركعة الأولى) بالسورة في جميع الصلوات. 779 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كان يطوّل في الركعة الأولى من صلاة الظهر، ويقصر في) الركعة (الثانية. ويفعل ذلك في صلاة الصبح) وكذا في بقية الصلوات. لكن قال البيهقي: يطول في الأولى إن كان ينتظر أحدًا، وإلا فيسوي بين الأوليين. ونحوه قول عطاء: إني لأحب أن يطوّل الإمام الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس، فإذا صليت لنفسي فإني أحرص على أن أجعل الأوليين سواء. وعن أبي حنيفة: يطوّل الأولى من الصبح خاصة دائمًا، وذكر في حكمة اختصاصها بذلك أنها تكون عقب النوم والراحة، وفي ذلك الوقت يواطئ السمع واللسان القلب. والسُّنَّة تطول قراءة الأولى على الثانية مطلقًا. 111 - باب جَهْرِ الإِمَامِ بِالتَّأْمِينِ وَقَالَ عَطَاءٌ: آمِينَ دُعَاءٌ. أَمَّنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ وَرَاءَهُ حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً. وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُنَادِي الإِمَامَ: لاَ تَفُتْنِي بِآمِينَ. وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَدَعُهُ، وَيَحُضُّهُمْ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا. (باب جهر الإمام بالتأمين) عقب قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية. والتأمين مصدر أمّن بالتشديد، أي قال: آمين وهو بالمد والتخفيف مبني على الفتح لاجتماع ساكنين، نحو كيف. وإنما لو يكسر لثقل الكسرة بعد الياء، ومعناه عند الجمهور: اللهم استجب. وقيل هو اسم من أسماء الله تعالى، رواه عبد الرزاق عن أبي هريرة بإسناد ضعيف. وأنكره جماعة منهم النووي، وعبارته في تهذيبه: هذا لا يصح لأنه ليس في أسماء الله تعالى اسم مبني ولا غير معرب، وأسماء الله تعالى لا تثبت إلا بالقرآن أو السُّنَّة. وقد عدم الطريقان. وما حكي من تشديد ميمها فخطأ. (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح مما وصله عبد الرزاق: (آمين دعاء) يقتضي أن يقوله الإمام، لأنه فى مقام الداعي، بخلاف قول المانع. إنه جواب مختص بالمأموم، ويؤيد ذلك قول عطاء: (أمن ابن الزبير) عبد الله على إثر أم القرآن (و) أمن (من وراءه) من المقتدين بصلاته (حتى إن للمسجد) أي لأهل المسجد (للجة) بلامين، الأولى لام الابتداء الواقعة في اسم إن المكسورة بعد حتى، واللام الثانية من نفس الكلمة، والجيم مشدّدة، هي الصوت المرتفع. ويروى: لجلبة، بفتح الجيم واللام الموحدة، وهي الأصوات المختلفة. وفي اليونينية مما صحح عليه من غير رقم: لزجة، بالزاي المنقوطة، وفي غيرها بالراء بدل اللام، وعزاها في الفتح لرواية البيهقى. ومناسبة قول عطاء هذا للترجمة أنه حكم بأن التأمين دعاء، فاقتضى ذلك أن يقوله الإمام لأنه في مقام الداعي، بخلاف قول المانع إنها ¬

(¬1) هكذا في الأصل.

جواب الدعاء فتختص بالمأموم، وجوابه أن التأمين بمثابة التلخيص بعد البسط، فالداعي يفصل والمؤمن يجمل، وموقعها بعد القائل: اللَّهمّ استجب لنا ما دعوناك به، من الهداية إلى {الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم} ولا تجعلنا من {المغضوب عليهم} تلخيص، ذلك تحت قوله: آمين. فإن قالها الإمام فكأنه دعا مرتين مفصلاً ثم مجملاً، وإن قالها المأموم فكأنه اقتدى بالإمام، حيث دعا بدعاء الفاتحة فدعا بها هو مجملاً. (وكان أبو هريرة) رضي الله عنه (ينادي الإمام) هو العلاء بن الحضرمي، كما عند عبد الرزاق (لا تفتني) بضم الفاء وسكون المثناة الفوقية، من الفوات، ولابن عساكر: لا تسبقني (بآمين) من السبق. وعند البيهقي: كان أبو هريرة يؤذن لمروان، فاشترط أبو هريرة أن لا يسبقه (بالضالين) حتى يعلم أنه دخل في الصف، وكأنه كان يشتغل بالإمامة، وتعديل الصفوف، وكان مروان يبادر إلى الدخول في الصلاة قبل فراغ أبي هريرة، فكان أبو هريرة، ينهاه عن ذلك. (وقال نافع) مولى ابن عمر، مما وصله عبد الرزاق، عن ابن جريج، عنه قال: (كان ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه إذا ختم أم القرآن (لا يدعه) أي التأمين، (ويحضّهم) بالضاد المعجمة على قوله عقبها، قال نافع: (وسمعت منه) أي من ابن عمر (في ذلك) أي التأمين (خيرًا) بسكون المثناة التحتية، أي فضلاً وثوارًا، وللحموي والمستملي وابن عساكر: خبرًا بفتح الموحدة أي حديثًا مرفوعًا. 780 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ "وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: آمِينَ» ". [الحديث 780 - طرفه في: 6402]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (مالك) أي ابن أنس الأصبحي (عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبده الرحمن أنهما أخبراه، عن أبي هريرة، أن النبي) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (إذا أمَّن الإمام) أي إذا أراد الإمام التأمين أي أن يقول: آمين بعد قراءة الفاتحة (فأمّنوا) فقولوا: آمين مقارنين له، كما قاله الجمهور، وعلّله إمام الحرمين، بأن التأمين لقراءة الإمام لا لتأمينه، فلذلك لا يتأخر عنه، وظاهر قوله: إذا أمَّن الإمام فأمنوا، أن المأموم إنما يؤمن إذا أمن الإمام لا إذا ترك، وبه قال بعض الشافعية، وهو مقتضى إطلاق الرافعي الخلاف. وادّعى النووي الاتفاق على خلافه، ونص الشافعي في الأم على أن المأموم يؤمن، ولو ترك الإمام عمدًا أو سهوًا واستدلّ به على مشروعية التأمين للإمام، قيل: وفيه نظر لكونها قضية شرطية. وأجيب بأن التعبير بإذا يشعر بتحقيق الوقوع. وخالف مالك في إحدى الروايتين عنه، وهي رواية ابن القاسم فقال: لا يؤمن الإمام في الجهرية، وفي رواية عنه: لا يؤمن مطلقًا. وأوّلوا قوله: إذا أمَّن الإمام بدعاء الفاتحة من قوله: اهدنا إلخ، وحينئذٍ فلا يؤمن الإمام لأنه داعٍ. قال القاضي أبو الطيب: هذا غلط، بل الداعي أولى بالاستيجاب، بل استبعد ابن العربي تأويلهم لغةً وشرعًا، وقال: الإمام أحد الداعين وأولهم وأولاهم. اهـ. وقد ورد التصريح بأن الإمام يقولها في رواية معمر عن ابن شهاب، عند أبي داود والنسائي، ولفظه: إذا قال الإمام {ولا الضالين} فقولوا: آمين. فإن الملائكة تقول: وإن الإمام يقول آمين. (فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) زاد الجرجاني في أماليه، عن أبي العباس الأصم، عن بحر بن نصر، عن ابن وهب عن يونس: وما تأخر: لكن قال الحافظ ابن حجر: إنها زيادة شاذة، وظاهره يشمل الصغائر والكبائر، لكن قد ثبت أن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما. ما اجتنبت الكبائر، فإذا كانت الفرائض لا تكفّر الكبائر فكيف تكفّرها سنّة التأمين إذا وافقت التأمين؟ وأجيب بأن المكفّر ليس التأمين الذي هو فعل المؤمّن، بل وفاق الملائكة، وليس ذلك إلى صنعه، بل فضل من الله تعالى، وعلامة على سعادة من وافق. قاله التاج بن السبكي في الأشباه والنظائر: والحق أنه عامّ خصّ منه ما يتعلق بحقوق الناس، فلا تغفر بالتأمين للأدلة فيه، لكنه شامل للكبائر كما تقدم، إلا أن يدعي خروجها بدليل آخر. وفي كلام ابن المنير ما يشير إلى أن المقتضي للمغفرة هو موافقة المأموم لوظيفة التأمين، وإيقاعه في محله على ما ينبغي، كما هو شأن الملائكة، فذكر موافقتهم ليس لأنه سبب للمغفرة

112 - باب فضل التأمين

بل للتنبيه على المسبب، وهو مماثلتهم في الإقبال والجدّ، وفعل التأمين على أكمل وجه. اهـ. وهو معارض بما في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعًا: إذا قال أحدكم: آمين، وقالت الملائكة في السماء: آمين، ووافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه. فدلّ على أن المراد الموافقة في القول والزمان، لا في الإخلاص والخشوع وغيرهما مما ذكر. وهل المراد بالملائكة الحفظة أو الذين يتعاقبون منهم؟ أو الأولى حمله على الأعم، لأن اللام للاستغراق، فيقولها الحاضر منهم ومن فوقهم إلى الملأ الأعلى، والظاهر الأخير. وبالسند المتصل برواية مالك (قال: ابن شهاب) الزهري: (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول:) (آمين) بيّن بهذا أن المراد بقوله في الحديث: إذا أمّن حقيقة التأمين، لا ما أوّل به، وهو وإن كان مرسلاً فقد اعتضد بصنيع أبي هريرة رواية. وإذا قلنا بالراجح وهو مذهب الشافعي وأحمد: إن الإمام يؤمّن فيجهر به فى الجهرية، كما ترجم به المصنف وفاقًا للجمهور. فإن قلت من أين يؤخذ الجهر من الحديث؟ أجيب بأنه لو لم يكن التأمين مسموعًا للمأموم لم يعلم به، وقد علّق تأمينه بتأمينه. وقد أخرج السراج هذا الحديث بلفظ: فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قال: {ولا الضالين} جهر بالتأمين. ولابن حبان من رواية الزبيدي، في حديث الباب عن ابن شهاب: فإذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال: آمين. وزاد أبو داود من حديث أبي هريرة: حتى يسمع من يليه من الصف. وفي حديث وائل بن حجر عند أبي داود: صليت خلف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فجهر: بآمين. وقال الحنفية والكوفيون ومالك في رواية عنه بالإسرار: لأنه دعاء، وسبيله الإخفاء لقوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعًا وخفيةً} وحملوا ما روي من جهره عليه الصلاة والسلام به على التعليم، والمستحب الاقتصار على التأمين عقب الفاتحة من غير زيادة عليه اتباعًا للحديث. وأما ما رواه البيهقي من حديث وائل بن حجر: أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قال: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: رب اغفر لي آمين. فإن في إسناده أبا بكر النهشلي وهو ضعيف. قال إمامنا الشافعي في الأم: فإن قال آمين رب العالمين كان حسنًا، ونقله النووي في زوائد الروضة. وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي في الصلاة. 112 - باب فَضْلِ التَّأْمِينِ (باب فضل التأمين). 781 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ، وَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ، فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (إذا قال أحدكم آمين)، عقب قراءة الفاتحة، خارج الصلاة أو فيها، إمامًا أو مأمومًا، كما أفهمه إطلاقه هنا، أو هو مخصوص بالصلاة، لحديث مسلم: إذا قال أحدكم في صلاته، حملاً للمطلق على المقيد، لكن في حديث أبي هريرة عند أحمد ما يدل على الإطلاق ولفظه: إذا أمّن القارئ فأمّنوا، وحينئذٍ فيجري المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده، إلا أن يراد بالقارئ الإمام إذا قرأ الفاتحة، فيبقى التخصيص على حاله (وقالت الملائكة في السماء آمين، فوافقت إحداهما الأخرى) أي وافقت كلمة تأمين أحدكم كلمة تأمين الملائكة في السماء، وهو يقوّي أن المراد بالملائكة لا يختص بالحفظة، كما مر (غفر له) أي للقائل منكم (ما تقدم من ذنبه) أي ذنبه المتقدم كله، فمن بيانية لا تبعيضية. وهذا الحديث أخرجه النسائي، في: الصلاة. وفي: الملائكة. 113 - باب جَهْرِ الْمَأْمُومِ بِالتَّأْمِينِ (باب جهر المأموم بالتأمين) وراء الإمام، وللمستملي والحموي: باب جهر الإمام بآمين، والأوّل هو الصواب، لئلا يلزم التكرار. 782 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قَالَ الإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَنُعَيْمٌ الْمُجْمِرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه. [الحديث 782 - طرفه في: 4475]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن سمي) بضم المهملة وفتح الميم وتشديد المثناة التحتية (مولى أبي بكر) بن عبد الرحمن بن الحرث (عن أبي صالح) ذكوان، وللأصيلي في روايته زيادة: السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (إذا قال الإمام {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} وأراد قول: آمين (فقولوا: آمين)

114 - باب إذا ركع دون الصف

موافقين له في قولها (فإنه من وافق قوله قول الملائكة) بالتأمين (غفر له ما تقدم من ذنبه). فإن قلت ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟. أجيب بأن في الحديث الأمر بقول: آمين، والقول إذا وقع به الخطاب مطلقًا حمل على الجهر، ومتى ما أريد به الإسرار أو حديث بالنفس قيد بذلك، ويؤيد ذلك ما مر عن عطاء، أن من خلف ابق الزبير كانوا يؤمنون جهرًا، وعن عطاء أيضًا: أدركت مائتين من الصحابة في هذا المسجد، إذا قال الإمام: ولا الضالين، سمعت لهم رجّة بآمين. رواه البيهقي. ورواة حديث الباب كلهم مدنيون، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. (تابعه) أي تابع سميًّا (محمد بن عمرو) بفتح العين ابن علقمة الليثي، مما وصله الدارمي وأحمد والبيهقي (عن أبي سلمة، عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (و) تابع سميًّا فيما وصله النسائي (نعيم الجمر، عن أبي هريرة رضي الله عنه) أيضًا. 114 - باب إِذَا رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ هذا (باب) بالتنوين (إذا ركع) المصلي (دون الصف) أي قبل وصوله إلى الصف جاز مع الكراهة، لكن استنبط بعضهم من قوله في حديث الباب: لا تعد. أن ذلك كان جائزًا، ثم ورد النهي عنه بقوله: لا تعد. فحرّم. هذه طريقة المؤلّف في جواز القراءة خلف الإمام. قيل: وكان اللائق ذكر هذه الترجمة في أبواب الإمامة. وأجيب بأن المناسبة بينها وبين السابق، من حيث أن الركوع يكون بعد القراءة. 783 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنِ الأَعْلَمِ -وَهْوَ زِيَادٌ- عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ: "أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا، وَلاَ تَعُدْ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي (قال: حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ابن يحيى (عن الأعلم) بوزن الأفضل، وقيل له ذلك لأنه كان مشقوق الشفة السفلى أو العليا، (وهو زياد) بكسر الزاي وتخفيف المثناة ابن حسان بن قرّة الباهلي، من صغار التابعين (عن الحسن) البصري (عن أبي بكرة) بفتح الموحدة، وسكون الكاف، نفيع بن الحرث بن كلدة وكان من فضلاء الصحابة بالبصرة، وفي رواية سعد بن أبي عروبة عند أبي داود والنسائي عن الأعلم، قال: حدّثني الحسن أن أبا بكرة حدّثه (أنه انتهى إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو) أي: والحال أنه عليه الصلاة والسلام (راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف) وعند الأصيلي، ضرب على: إلى، (فذكر ذلك) الذي فعله من الركوع دون الصف (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال) عليه الصلاة والسلام له: (زادك الله حرصًا) على الخير، (ولا تعد) إلى الركوع دون الصف منفردًا فإنه مكروه لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف". والنهي محمول على التنزيه، ولو كان للتحريم لأمر أبا بكرة بالإعادة، وإنما نهاه عن العود إرشادًا إلى الأفضل. وذهب إلى التحريم أحمد وإسحاق وابن خزيمة من الشافعية، لحديث وابصة عند أصحاب السُّنن، وصححه أحمد وابن خزيمة: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلاً يصلّي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد الصلاة. زاد ابن خزيمة في رواية له: لا صلاة لمنفرد خلف الصف. وأجاب الجمهور بأن المراد: لا صلاة كاملة، لأن من سنة الصلاة مع الإمام اتصال الصفوف وسدّ الفُرَج. وقد روى البيهقي من طريق مغيرة عن إبراهيم، فيمن صلّى خلف الصف وحده، فقال: صلاته تمامه. أو المراد: لا تعد إلى أن تسعى إلى الصلاة سعيًا بحيث يضيق عليك النفس، لحديث الطبراني: أنه دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة، فانطلق يسعى، وللطحاوي: وقد حفزه النفس. أو المراد: لا تعد تمشي وأنت راكع إلى الصف، لرواية حماد عند الطبراني: فلما انصرف عليه الصلاة والسلام، قال: أيكم دخل الصف وهو راكع؟ ولأبي داود: أيكم الذي ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف؟ فقال أبو بكرة: أنا. وهذا، وإن لم يفسد الصلاة لكونه خطوة أو خطوتين، لكنه مثل بنفسه في مشيه راكعًا، لأنها كمشية البهائم. فإن قلت أو الكلام يفهم تصويب الفعل، وآخره تخطئته. أجاب ابن المنير، مما نقله عنه في المصابيح، وأقره: بأنه صوّب من فعله الجهة العامة، وهي الحرص على إدراك فضيلة الجماعة، فدعا له بالزيادة منه، وردّ عليه الحرص الخاص، حتى ركع منفردًا. فنهاه عنه، فينصرف حرصه بعد إجابة الدعوة فيه إلى

115 - باب إتمام التكبير في الركوع

البادرة إلى المسجد أوّل الوقت. اهـ. قال في فتح الباري: وهو مبنيّ على أن النهي إنما وقع عن التأخر وليس كذلك. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه رواية تابعي عن تابعي، عن صحابي، والتحديث والقول والعنعنة، وما فيه من عنعنة الحسن، وأنه لم يسمع من أبي بكرة، وإنما يروي عن الأحنف عنه مردود بحديث أبي داود المصرح فيه بالتحديث كما مر وأخرجه أبو داود والنسائي في الصلاة. 115 - باب إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوعِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فِيهِ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ. (باب إتمام التكبير في الركوع) بمدّه من الانتقال من القيام إلى الركوع، حتى يقع راؤه، أي راء الله أكبر فيه، أو المراد تبيين حروفه من غير مدّ وفيه، أو إتمام عدد تكبيرات الصلاة بالتكبير في الركوع. وأما حديث ابن أبزى عند أبي داود، قال: صلّيت خلف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يتم التكبير فقال أبو داود الطيالسي، فيما رواه المؤلّف في تاريخه. إنه عندنا حديث باطل. وقال البزار: تفرّد به الحسن بن عمران، وهو مجهول، وعلى تقدير صحته فلعله فعله لبيان الجواز، أو مراده أنه لم يتم الجهر به أو لم يمده. (قال) أي: ذلك، ولأبوي ذر والوقت: وقال. وفي رواية لأبي الوقت أيضًا. والأصيلي وابن عساكر كما في الفرع وأصله: قال: أي. إتمام التكبير (ابن عباس، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالمعنى، كما سيأتي لفظه، إن شاء الله تعالى، في حديثه الوصول في آخر الباب التالي لهذا حيث قال عكرمة، لما أخبره عن الرجل الذي كبر في الظهر ثنتين وعشرين تكبيرة: إنها صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فيستلزم ذلك أنه نقل عنه عليه الصلاة والسلام إتمام التكبير، ومن لازمه التكبير في الركوع، وهو يبعد الاحتمال الأوّل كما قاله في فتح الباري. (و) يدخل (فيه) أي في الباب (مالك بن الحويرث) أي حديثه الآتي، إن شاء الله تعالى، في باب: المكث بين السجدتين، وفيه: فقام ثم ركع فكبّر. 784 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: "صَلَّى مَعَ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ: ذَكَّرَنَا هَذَا الرَّجُلُ صَلاَةً كُنَّا نُصَلِّيهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَفَعَ وَكُلَّمَا وَضَعَ". [الحديث 784 - طرفاه في: 786، 826]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن شاهين (الواسطي قال: حدّثنا) ولأبى ذرّ والأصيلي: أخبرنا (خالد) هو ابن عبد الله الطحان (عن الجريري) بضم الجيم وفتح الراء الأولى، سعيد بن إياس (عن أبي العلاء) يزيد بن عبد الله بن الشخير (عن) أخيه (مطرّف) بن عبد الله (عن عمران بن حصين، قال): إنه (صلّى مع علي) وهو ابن أبي طالب (رضي الله عنه بالبصرة) بعد وقعة الجمل، (فقال) أي عمران: (ذكرنا) بتشديد الكاف وفتح الراء، من التذكير (هذا الرجل) هو عليّ، جملة من فعل ومفعول وفاعل (صلاة كنا نصليها مع رسول الله)، وللأصيلي: مع النبي، (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فذكر أنه كان يكبر كلما رفع وكلما وضع) ليحصل تجدّد العهد في أثناء الصلاة بالتكبير الذي هو شعار النّيَّة التي كان ينبغي استصحابها إلى آخر الصلاة، وهذا مفهومه العموم في جميع الانتقالات، لكنه مخصوص بحديث: سمع الله لمن حمده، عند الاعتدال. وفيه مشروعية التكبير في كل خفض ورفع لكل مصلٍّ، فالجمهور على ندبية ما عدا تكبيرة الإحرام. وذهب أحمد إلى وجوب جميع التكبيرات، وقد قال الشافعية: لو ترك التكبير عمدًا أو سهوًا حتى ركع أو سجد لم يأت به لفوات محله، ولا سجود. وقال المالكية: يجب السجود بترك ثلاث تكبيرات من أثنائها، لأنه ذكر مقصود فى الصلاة، ثم إن في قوله: ذكرنا إشارة إلى أن التكبير الذي ذكره قد كان ترك. ويدل له حديث أبي موسى الأشعري عند أحمد والطحاوي بإسناد صحيح، قال ذكرنا عليّ صلاة كنّا نصليها مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نسيناها أو تركناها عمدًا، الحديث. وأوّل من تركه عثمان بن عفان حين كبر وضعف صوته، وفي الطبراني معاوية وعن أبي عبيد زياد، وكأن زيادًا تركه بترك معاوية، ومعاوية بترك عثمان، لكن يحتمل أن يراد بترك عثمان ترك الجهر به. ولذلك حمل بعض العلماء فعل الأخيرين عليه. ورواة هذا الحديث ما بين بصري ووسطي، وفيه رواية الأخ عن الأخ، والتحديث والإخبار والعنعنة والقول، وشيخ المؤلّف من أفراده. 785 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فَيُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ، فَإِذَا انْصَرَفَ قَالَ: إِنِّي لأَشْبَهُكُمْ صَلاَةً بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 785 - أطرافه في: 789، 795، 803]. وبه قال، (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أنه كان يصلّي بهم) إمامًا، وللكشميهني لهم، باللام بدل

116 - باب إتمام التكبير في السجود

الموحدة، (فيكبر كلما خفض و) كلما (رفع، فإذا انصرف) من الصلاة (قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في تكبيرات الانتقالات والإتيان بها. 116 - باب إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي السُّجُودِ (باب إتمام التكبير في السجود) بأن يبتدئ به من انتقال القيام إلى السجود حتى يقع راؤه فيه، كما مرّ في الركوع، مع بقية الاحتمالات فيه. 786 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ أَخَذَ بِيَدِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَقَالَ: قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَوْ قَالَ- لَقَدْ صَلَّى بِنَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي (قال: حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن غيلان بن جرير) بفتح الغين المعجمة والجيم (عن مطرف بن عبد الله) بن الشخير (قال: صليت خلف علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنا وعمران بن حصين، فكان) عليّ (إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه) من السجود (كبّر، وإذا نهض من الركعتين كبّر) خصّ ذكر السجود والرفع والنهوض من الركعتين هنا، وعمّم في رواية أبي العلاء إشعارًا بأن هذه المواضع الثلاثة هي التي كان يترك التكبير فيها حتى تذكرها عمران بصلاة عليّ، (فلما قضى الصلاة) أي فرغ منها (أخذ بيدي) بالإفراد (عمران بن حصين، فقال: قد) وللكشميهني والأصيلي: لقد (ذكرني هذا) أي علي (صلاة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأنه كان يكبر في جميع انتقالاته (أو قال: لقد صلّى بنا صلاة محمد عليه الصلاة والسلام) شك من حماد أو غيره من الرواة. 787 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: "رَأَيْتُ رَجُلاً عِنْدَ الْمَقَامِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ، وَإِذَا قَامَ وَإِذَا وَضَعَ. فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أَوَ لَيْسَ تِلْكَ صَلاَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ أُمَّ لَكَ"؟ [الحديث 787 - طرفه في: 788]. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عون) بفتح العين فيهما وآخر الثاني نون، ابن أوس (قال: حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة، ابن بشير السلميّ الواسطي، كالذي قبله (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، حفص بن أبي وحشية الواسطي (عن عكرمة) مولى ابن عباس (قال: رأيت رجلاً) هو أبو هريرة، كما في الأوسط للطبراني (عند المقام) بمكة، حال كونه (يكبر) في صلاة الظهر كما في مستخرج أبي نعيم، ولابن عساكر: فكبر بالفاء على صيغة الماضي (في كل خفض ورفع وإذا قام وإذا وضع، فأخبرت ابن عباس رضي الله عنهما، قال): ولأبي ذر وابن عساكر: فقال مستفهمًا، بالهمزة استفهام إنكار، للإنكار المذكور، ومقتضاه الإثبات، لأن نفي النفي إثبات، (أو ليس تلك صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا أم لك)؟ كلمة ذم تقولها العرب عند الزجر ذمّه حيث جهل هذه السُنّة. وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة والقول، وثلاثة من رواته واسطيون على التوالي. 117 - باب التَّكْبِيرِ إِذَا قَامَ مِنَ السُّجُودِ (باب التكبير إذا قام من السجود). 788 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: "صَلَّيْتُ خَلْفَ شَيْخٍ بِمَكَّةَ، فَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً، فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ أَحْمَقُ، فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ مُوسَى: "حَدَّثَنَا أَبَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي، (قال: أخبرنا) ولأبي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: حدّثنا (همام) هو ابن يحيى (عن قتادة) بن دعامة (عن عكرمة) مولى ابن عباس (قال: صليت خلف شيخ) هو أبو هريرة (بمكة) عند المقام، الظهر (فكبر) فيها (ثنتين وعشرين تكبيرة) لأن في كل ركعة خمس تكبيرات، فيحصل في كل رباعية عشرون تكبيرة سوى تكبيرة الإحرام. وتكبيرة القيام من التشهد الأوّل، وفي الثلاثية سبع عشرة، وفي الثنائية إحدى عشرة وفي الخمس أربع وتسعون تكبيرة، وسقط لفظ تكبيرة لغير أبي ذر والأصيلي، قال عكرمة: (فقلت لابن عباس) رضي الله عنهما: (إنّه) أي الشيخ (أحمق) أي قليل العقل، (فقال) ولابن عساكر: قال: (ثكلتك) بالمثلثة المفتوحة والكاف المكسورة، أي فقدتك (أمك) هذا الذي فعله الشيخ من التكبير المعدود (سنة أبي القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ويجوز نصب سنة بتقدير فعل. واستحق عكرمة الدعاء عند ابن عباس بما ذكر، لكونه نسب أبا هريرة إلى الحمق الذي هو غاية الجهل وهو بريء من ذلك. (وقال) وفي رواية. قال (موسى) بن إسماعيل التبوذكي، الراوي أوّلاً عن همام: (حدّثنا أبا) بن يزيد القطان (قال: حدّثنا قتادة، قال: حدّثنا عكرمة) فهو متصل عنده عن أبان وهمام كلاهما عن قتادة، وإنما أفردهما لكونه على شرطه في الأصول بخلاف أبان، فإنه على شرطه في المتابعات مع زيادة فائدة تصريح قتادة بالتحديث عن عكرمة. 789 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لَمِنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ - قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ: وَلَكَ الْحَمْدُ- ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف، نسبة لجدّه لشهرته به، وإلا فأبوه عبد الله المخزومي البصري، (قال: حدّثنا الليث) بن سعد المصري، (عن عقيل) بضم العين وفتح

118 - باب وضع الأكف على الركب في الركوع

القاف، ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث) القرشي المدني، أحد الفقهاء السبعة (أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم) تكبيرة الإحرام، (ثم يكبر حين يركع) يبدأ به حين يشرع في الانتقال إلى الركوع ويمدّه حتى يصل إلى حدّ الركوع، وكذا في السجود والقيام، (ثم يقول): (سمع الله لمن حمده) (حين يرفع صلبه من الركعة) ولأبي ذر: من الركوع، (ثم يقول وهو قائم): (ربنا لك الحمد) كذا بإسقاط الواو لأبي ذر عن الحموي والمستملي، جملة حالية. وفيه تصريح بأن الإمام يجمع بين التسميع والتحميد، وهو قول الشافعي، وأحمد، وأبي يوسف، ومحمد وفاقًا للجمهور، لأن صلاته، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الموصوفة محمولة على حال الإمامة لكون ذلك هو الأكثر الأغلب من أحواله. وخالف ذلك أبو حنيفة، ومالك، وأحمد، في رواية عنه، لحديث: إذا قال سمع الله لمن حمده: فقولوا: ربنا لك الحمد. وهذه قسمة منافية للشركة، كقوله عليه الصلاة والسلام: البيّنة على المدّعي، واليمين على من أنكر. وأجابوا عن حديث الباب بأنه محمول على انفراده عليه الصلاة والسلام في صلاة النفل، توفيقًا بين الحديثين، والمنفرد يجمع بينهما في الأصح، وسيأتي البحث في ذلك في باب: ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع إن شاء الله تعالى. (قال عبد الله) ولأبي ذر: (ابن صالح)، كاتب الليث، في روايته (عن الليث): (ولك الحمد) بزيادة الواو الساقطة في رواية يحيى، وإنما لم يورد الحديث عنهما معًا، وهما شيخاه، لأن يحيى من شرطه في الأصول، وابن صالح في المتابعات. وقد قال العلماء إن رواية الواو أرجح، وهي زائدة. وقال الأصمعي: سألت أبا عمرو عنها فقال زائدًا، تقول العرب: بعني هذا، فيقول المخاطب: نعم، وهو لك بدرهم. فالواو زائدة، وقيل عاطفة، أي: ربنا حمدناك، ولك الحمد، وسقط لابن عساكر قول: قال عبد الله: ولك الحمد. (ثم يكبر حين يهوي) بفتح أوّله وكسر ثالثه، أي حين يسقط ساجدًا (ثم يكبر حين يرفع رأسه) من السجود (ثم يكبر حين يسجد) الثانية (ثم يكبر حين يرفع رأسه) منها. (ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين) أي الركعتين الأوليين (بعد الجلوس) للتشهد الأوّل. وهذا الحديث مفسر لما سبق من قوله: كان يكبر في كل خفض ورفع. ورواته ستة، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والسماع والقول، ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي. 118 - باب وَضْعِ الأَكُفِّ عَلَى الرُّكَبِ فِي الرُّكُوعِ وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ: أَمْكَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ. (باب وضع الأكف على الركب في) حال (الركوع). (وقال أبو حميد) بضم الحاء، عبد الرحمن الساعدي الأنصاري المدني، في حديثه في صفة صلاته عليه الصلاة والسلام: الآتي إن شاء الله تعالى في باب الجلوس في التشهد وكان (في) نفر من (أصحابه) عليه الصلاة والسلام: (أمكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديه من ركبتيه) أي في الركوع. 790 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: "صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّىَّ ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَىَّ، فَنَهَانِي أَبِي وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينَا عَنْهُ وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ". وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي يعفور) بمثناة تحتية مفتوحة فعين مهملة ساكنة ففاء مضمومة فواو ساكنة فراء، اسمه: وقدان، بواو مفتوحة فقاف ساكنة فدال مهملة وبعد الألف نون، العبدي الكوفي، وهو الأكبر كما جزم به الحافظ ابن حجر، كالمزني وقال النووي إنه الأصغر أي عبد الرحمن بن عبيد بن النسطاس، وتعقب بأن الأصغر ليس مذكورًا في الآخذين عن مصعب ولا في أشياخ شعبة، (قال: سمعت مصعب بن سعد) هو ابن أبي وقاص المدني، المتوفى سنة ثلاث ومائة، حال كونه (يقول: صليت إلى جنب أبي) سعد أحد العشرة (فطبقت بين كفّي) أي بأن جمع بين أصابعهما (ثم وضعتهما بين فخذي، فنهاني أبي) عن ذلك (وقال: كنا نفعله) أي التطبيق (فنهينا عنه) بضم النون، في كتاب الفتوح لسيف عن مسروق، أنه سأل عائشة عن التطبيق فأجابته بما محصله، أنه من صنيع اليهود، وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نهى عنه لذلك،

119 - باب إذا لم يتم الركوع

وكان عليه الصلاة والسلام يعجبه موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه، ثم أمر في آخر الأمر بمخالفتهم. وفي حديث ابن عمر عند ابن المنذر بإسناد قوي، قال: إنما فعله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرة، يعني: التطبيق، فقد ثبت نسخ التطبيق، وأنه كان متقدّمًا. قال الترمذي التطبيق منسوخ عند أهل العلم لا خلاف بينهم في ذلك إلا ما روي عن ابن مسعود وبعض أصحابه أنهم كانوا يطبقون اهـ. قيل: ولعل ابن مسعود لم يبلغه النسخ، واستبعد لأنه كان كثير الملازمة للرسول عليه الصلاة والسلام، لأنه كان صاحب نعله، يلبسه إياها إذا قام وإذا جلس أدخلها في ذراعه، فكيف يخفى عليه أمر وضع يديه على ركبتيه، أو لم يبلغه النسخ؟. وروى عبد الرزاق عن علقمة والأسود قالا: صلّينا مع عبد الله فطبق، ثم لقينا عمر فصلينا معه فطبقنا، فلما انصرف قال: ذاك شيء كنا نفعله فترك. (وأمرنا) بضم الهمزة، مبنيًّا للمفعول، كنون نهينا. والفاعل الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأنه الذي يأمر وينهى، فله حكم الرفع (أن نضع أيدينا) من إطلاق الكل على الجزء، أي: أكفّنا (على الركب) شبّه القابض عليها مع تفريق أصابعهما للقبلة حالة الوضع. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والسماع والقول، وتابعي عن تابعي عن صحابي، والابن عن الأب، وأخرجه: مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة. 119 - باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ الرُّكُوعَ هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يتم) المصلي (الركوع) يعيد صلاته ويتم بميم مشددة مفتوحة. 791 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: "رَأَى حُذَيْفَةُ رَجُلاً لاَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قَالَ: مَا صَلَّيْتَ، وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين، الحوضي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (قال: سمعت زيد بن وهب) الجهني الكوفي (قال: رأى حذيفة) بن اليمان، رضي الله عنه (رجلاً) لم يعرف اسمه، لكن عند ابن خزيمة، أنه كندي، (لا يتم الركوع والسجود) في رواية عبد الرزاق، فجعل ينقر ولا يتم ركوعه (قال) حذيفة للرجل، ولأبي ذر: فقال: (ما صليت) نفي للحقيقة، كقوله عليه الصلاة والسلام للمسيء صلاته: فإنك لم تصلّ. واستدلّ به على وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود، وهو مذهب مالك والشافعي وأبي يوسف وأحمد، أو نفي للكمال كقوله: لا وضوء لمن لم يسم الله، وإليه ذهب أبو حنيفة ومحمد، لأن الطمأنينة في الركوع والسجود عندهما ليست فرضًا، بل واجبة. (ولو مت) على هذه الحالة، (مت على غير الفطرة التي فطر الله محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد الكشميهني، وابن عساكر: عليها، أي على الدين. وبخه على سوء فعله ليرتدع. وليس المراد أن تركه لذلك مخرج له من دين الإسلام، فهو كحديث: من ترك الصلاة فقد كفر، أي يؤدّيه التهاون بها إلى جحدها، فيكفر. أو المراد بالفطرة السُّنّة، فهو كحديث: خمس من الفطرة، ويرجحه وروده من وجه آخر بلفظ سنة محمد. وميم متّ مضمومة، ويجوز كسرها على لغة من يقول: مات يمات، كخاف يخاف، والأصل: موت بكسر العين، كخوف، فجاء مضارعه على: يفعل بفتح العين. فعلى هذه اللغة يلزم أن يقال في الماضي المسند إلى التاء مت بالكسر ليس إلا، وهو: أنا نقلنا حركة الواو إلى الفاء بعد سلب حركتها، دلالة على بنية الكلمة في الأصل. وهذا الحديث فيه التحديث والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه النسائي في الصلاة. 120 - باب اسْتِوَاءِ الظَّهْرِ فِي الرُّكُوعِ وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ فِي أَصْحَابِهِ: رَكَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ. (باب استواء الظهر في) حالة (الركوع) من غير ميل رأس المصلي عن بدنه إلى جهة فوق أو أسفل. (وقال أبو حميد) الساعدي، في الحديث المنبّه عليه في باب: وضع الأكف على المركب في الركوع، (في) حضور (أصحابه) رضي الله عنهم: (ركع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فوضع يديه على ركبتيه، (ثم هصر) بفتح الهاء والصاد المهملة، أي أمال (ظهره) للركوع في استواء من رقبته ومتن ظهره من غير تقويس، وللكشميهني: ثم حنى ظهره بالحاء المهملة والنون الخفيفة، وهما بمعنى. 121 - باب حَدِّ إِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالاِعْتِدَالِ فِيهِ، وَالاِطْمَأْنِينَةِ وللكشميهني للأربعة هنا: (باب حدّ إتمام الركوع والاعتدال فيه) أي في الركوع (والإطمأنينة) بكسر الهمزة وسكون الطاء وبعد الألف نون مكسورة ثم مثناة تحتية ثم نون مفتوحة ثم هاء، وللكشميهني: بضم الطاء. وهي أكثر في الاستعمال، وليس عند غير

122 - باب أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي لا يتم ركوعه بالإعادة

الكشميهني، هنا باب. وإنما الجميع مذكور في ترجمة واحدة إلا أنهم جعلوا التعليق السابق عن أبي حميد في أثنائها لاختصاصه بالجملة الأولى، فصار: باستواء الظهر في الركوع. وقال أبو حميد في أصحابه: ركع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم هصر ظهره، وحدّ إتمام الركوع والاعتدال فيه والطمأنينة. 792 - حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: "كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسُجُودُهُ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ -مَا خَلاَ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ- قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ". [الحديث 792 - طرفاه في: 801، 820]. وبه قال: (حدّثنا بدل بن المحبر) بموحدة فدال مفتوحتين في الأوّل، وميم مضمومة فحاء مهملة فموحدة مشدّدة مفتوحتين في الثاني (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر: أخبرنا، وللأصيلي: حدّثنا (الحكم) بن عتبة الكوفي (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن الأنصاري الكوفي (عن البراء) ولأبي ذر والأصيلي زيادة ابن عازب (قال: كان ركوع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) اسم كان (وسجوده) عطف عليه (وبين السجدتين) عطف على ركوع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تقدير المضاف، أي زمان ركوعه وسجوده وبين السجدتين، أي: الجلوس بينهما (إذا رفع) أي اعتدل (من الركوع)، ولأبي ذر: وإذا رفع رأسه من الركوع، أي: وقت رأسه من الركوع، وإذًا هنا لمجرد الزمان منسلخًا عن الاستقبال، (ما خلا) بمعنى: إلا (القيام) الذي هو للقراءة (و) إلا (القعود) الذي هو للتشهد (قريبًا من السواء) بفتح السين والمدّ من المساواة. والاستثناء هنا من المعنى، كأن معناه: كان أفعال صلاته كلها قريبة من السواء، ما خلا القيام والقعود، فإنه كان يطوّلهما. وفيه إشعار بالتفاوت والزيادة على أصل حقيقة الركوع والسجود وبين السجدتين، والرفع من الركوع. وهذه الزيادة لا بدّ أن تكون على القدر الذي لا بدّ منه، وهو الطمأنينة، وهذا موضع المطابقة بين الحديث والترجمة. وأما قول البدر الدماميني في المصابيح: إن قوله: قريبًا من السواء لا يطابق الترجمة، لأن الاستواء المذكور فيها هي الهيئة المعلومة السالمة من الحنوة والحدبة، والمذكور في الحديث، إنما هو تساوي الركوع والسجود والجلوس بين السجدتين في الزمان، إطالةً وتخفيفًا، فقد سبقه إليه العلاّمة ناصر الدين بن المنير. وأجيب: بأن دلالة الحديث، إنما هي على قوله في الترجمة وحدّ إتمام الركوع والاعتدال فيه. وكان المعترض لم يتأمل ما بعد حديث أبي حميد من بقية الترجمة. وأما مطابقة الحديث لقوله: حدّ إتمام الركوع، فمن جهة أنه دل على تسوية الركوع والسجود، والاعتدال والجلوس بين السجدتين، وقد ثبت في بعض طرقه، عند مسلم: تطويل الاعتدال، فيؤخذ منه إطالة الجميع والله أعلم. وقد جزم بعضهم بأن المراد القيام بالاعتدال، وبالقعود الجلوس بين السجدتين، وردّه ابن القيم في حاشيته على السُّنن، فقال هذا سوء فهم من قائله لأنه قد ذكرهما بعينهما، فكيف يستثنيهما؟ وهل يحسن قول القائل: جاء زيد وعمرو وبكر وخالد إلا زيدًا وعمرًا؟ فإنه متى أراد نفي المجيء عنهما كان متناقضًا. انتهى. وتعقب بأن المراد بذكرها إدخالها في الطمأنينة، وباستثناء بعضها، إخراج المستثنى من المساواة. وقد وقع هذا الحديث في باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع بغير استثناء، وإذا جمع بين الروايتين ظهر من الأخذ بالزيادة فيهما أن المراد بالقيام المستثنى القيام للقراءة، وبالقعود، القعود للتشهد كما سبق. وقد اختلف هل الاعتدال ركن طويل أم قصير، وحديث أنس الآتي في باب الطمأنينة، إن شاء الله تعالى، أصرح من حديث الباب في أنه طويل، لكن المرجح عند الشافعية أنه قصير تبطل الصلاة بتطويله، ويأتي البحث في ذلك، إن شاء الله تعالى، في باب الطمأنينة. ورواة هذا الحديث الخمسة كوفيون إلا بدل بن المحبر فبصري، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وشيخ المؤلّف من أفراده، ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة، وكذا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 122 - باب أَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ بِالإِعَادَةِ (باب: أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي لا يتم ركوعه بالإعادة) للصلاة، وفي نسخة باب بالتنوين أمر بفتحات. 793 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَرَدَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِ السَّلاَمَ فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ (ثَلاَثًا) فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ فَمَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي. قَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا». وبه قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد (قال: أخبرني) بالإفراد، ولأبوي ذر والوقت الأصيلي وابن عساكر: حدّثنا (يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بضم العين، ابن

123 - باب الدعاء في الركوع

عمر العمري (قال: حدّثنا) وللأربعة: حدّثني (سعيد المقبري، عن أبيه) كيسان الليثي الخندعي، ويحيى كما قال الدارقطني: حافظ عمدة، لا تقدح مخالفته جميع أصحاب عبيد الله في حديثه هذا، حيث رووه كلهم عنه، عن سعيد، من غير ذكر أبيه، وحينئذ فالحديث صحيح لا علة فيه، ولا يغتر بذكر الدارقطني له في الاستدراكات، (عن أبي هريرة)، رضي الله عنه، وللكشميهني: أن أبا هريرة قال: (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل المسجد) ولأبي ذر عن المستملي والحموي، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دخل المسجد (فدخل) بالفاء، ولأبي ذر: ودخل (رجل) هو خلاد بن رافع الزرقي، جدّ علي بن يحيى بن عبد الله بن خالد، (فصلّى) ركعتين، كما للنسائي، وهل كانتا نفلاً أو فرضًا؟ الظاهر الأول والأقرب أنهما ركعتا تحية المسجد، (ثم جاء فسلم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فردّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليه السلام فقال) له: وعليك السلام، (ارجع فصل، فإنك لم تصل) نفي للصحة لأنها أقرب لنفي الحقيقة من نفي الكمال، فهي أولى المجازين، وأيضًا فلما تعذرت الحقيقة وهي نفي الذات، وجب صرف النفي إلى سائر صفاتها، (فصلّى، ثم جاء فسلم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في رواية أبي أسامة: فجاء فسلم، وهي أولى، لأنه لم يكن بين صلاته ومجيئه تراخٍ (فقال) له عليه الصلاة والسلام بعد قوله: وعليك السلام (ارجع فصل فإنك لم تصل -ثلاثًا-) أي: ثلاث مرات، قال البرماوي: وهو متعلق بصلى وقال، وسلم وجاء، فهو من تنازع أربعة أفعال، وإنما لم يعلمه أوّلاً لأن التعليم بعد تكرار الخطأ أثبت من التعليم ابتداء، وقيل تأديبًا له، إذ لم يسأل، واكتفى بعلم نفسه، ولذا لما سأل وقال: لا أحسن، علمه. وليس فيه تأخير البيان، لأنه كان في الوقت سعة إن كانت صلاة فرض. (فقال: والذي بعثك بالحق، فما) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ما (أحسن غيره، فعلمني. قال) عليه الصلاة والسلام، ولأبي الوقت فقال: (إذا قمت إلى الصلاة فكبّر) تكبيرة الإحرام (ثم اقرأ ما) وللأصيلي: بما (تيسر معك من القرآن)، أي الفاتحة، لأنها ميسرة لكل أحد، وعند أبي داود ثم اقر بأم القرآن، أو بما شاء الله، ولأحمد وابن حبان: ثمّ اقرأ بأم القرآن، ثمّ اقرأ بما شئت، (ثم اركع حتى تطمئن) حال كونك (راكعًا. ثم ارفع حتى تعتدل) حال كونك (قائمًا) في رواية ابن نمير عند ابن ماجة، بإسناد على شرط الشيخين: حتى تطمئن قائمًا. فالظاهر أن إمام الحرمين لم يقف على هذه الرواية، حيث قال: وفي إيجاب الطمأنينة في الرفع من الركوع شيء، لأنها لم تذكر في حديث: المسيء صلاته. (ثم اسجد حتى تطمئن) حال كونك (ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن) حال كونك (جالسًا ثم اسجد حتى تطمئن) حال كونك (ساجدًا، ثم الفعل ذلك) المذكور من كل واحد من التكبير للإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع، والسجود، والجلوس (في) كل ركعة واحدة من (صلاتك كلها) فرضًا ونفلاً. ولم يذكر له بقية الواجبات في الصلاة لكونه كان معلومًا عنده. فإن قلت: من أين تؤخذ المطابقة بين الترجمة والحديث فإنه لم يقع فيه بيان ما نقصه المصلّى المذكور؟. أجيب: بأنه ورد في حديث رفاعة بن رافع، عند ابن أبي شيبة، في هذه القصة: دخل رجل فصلّى صلاة خفيفة لم يتم ركوعها ولا سجودها، فالظاهر أن المؤلّف أشار بالترجمة إلى ذلك، وأجاب ابن المنير بأنه عليه الصلاة والسلام، لما قال له: اركع حتى تطمئن راكعًا إلى آخر ما ذكر له من الأركان، اقتضى ذلك تساويها في الحكم لتناول الأمر كل فرد منها، فكل من لم يتم ركوعه أو سجوده، أو غير ذلك مما ذكر مأمور بالإعادة. اهـ. وهذا الحديث قد سبق في باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم. 123 - باب الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ (باب الدعاء في الركوع). 794 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي". [الحديث 794 - أطرافه في: 817، 4293، 4967، 4968]. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين، الحوضي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن منصور) هو ابن المعتمر السلمي (عن أبي الضحى) بضم الضاد المعجمة وفتح الحاء المهملة مقصورًا، مسلم بن صبيح، بضم الصاد المهملة وفتح الموحدة آخره مهملة، الكوفي العطار التابعي، المتوفى في زمن خلافة عمر بن عبد العزيز، (عن مسروق) هو ابن الأجدع

124 - باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع

الهمداني الكوفي (عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي) وللأصيلي: كان رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. يقول، في رجوعه وسجوده) امتثالاً لما أمره الله به في قوله تعالى {فسبح بحمد ربك واستغفره} على أحسن الوجوه وأفضل الحالات في فرض الصلاة ونفلها. (سبحانك اللهمّ) بالنصب بفعل محذوف لزومًا، أي: أسبح سبحانك اللهم (ربنا و) سبحت (بحمدك) فمتعلق الباء محذوف، أي بتوفيقك وهدايتك لا بحولي وقوتي، ففيه شكر الله تعالى على هذه النعمة، والاعتراف بها. والواو فيه للحال، أو لعطف الجملة على الجملة، سواء قلنا إضافة الحمد إلى الفاعل. والمراد من الحمد لازمه مجازًا، وهو ما يوجب الحمد من التوفيق والهداية، أو إلى المفعول، ويكون معناه: وسبحت ملتبسًا بحمدي لك. (اللهم) أي يا الله (اغفر لي) ... فيه دلالة الحديث على الترجمة قيل: وإنما نص فيها على الدعاء دون التسبيح، وإن كان الحديث شاملاً لهما لقصد الإشارة إلى الرد على من كره الدعاء في الركوع، كمالك رحمه الله. وأما التسبيح فمتفق عليه، فاهتم هنا بالتنصيص على الدعاء لذلك، واحتج المخالف بحديث ابن عباس عند مسلم، مرفوعًا: فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم. وأجيب بأنه: لا مفهوم له، فلا يمتنع الدعاء في الركوع كما لا يمتنع التعظيم في السجود، وإنما سأل عليه الصلاة والسلام المغفرة مع كمال عصمته لبيان الافتقار إلى الله تعالى والإذعان له، وإظهارًا للعبودية، أو كان عن ترك الأولى أو لإرادة تعليم أمته. ورواة هذا الحديث ما بين بصري وواسطي وكوفي، وشيخ المؤلّف فيه من أفراده، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلف: في المغازي. والتفسير، ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة: في الصلاة. 124 - باب مَا يَقُولُ الإِمَامُ وَمَنْ خَلْفَهُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ 795 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ يُكَبِّرُ، وَإِذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ". (باب ما يقول الإمام ومن خلفه) من المقتدين به (إذا رفع رأسه من الركوع). وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن، واسم جدّه أبي ذئب هشام (عن سعيد المقبري عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قال): (سمع الله لمن حمده)) في حال انتقاله من الركوع إلى الاعتدال، (قال) في حال اعتداله: (اللهم ربنا) أي: يا الله، يا ربنا. ففيه تكرار النداء. وفي بعض الروايات قال: ربنا (ولك الحمد) بإثبات الواو. ونص أحمد، فيما رواه عنه الأثرم، على ثبوتها في عدة أحاديث، وفي بعض الروايات: ربنا لك الحمد، بحذفها. قال النووي: لا ترجيح لأحدهما على الآخر. وقال ابن دقيق العيد: كأن إثباتها دالّ على معنى زائد، لأنه يكون التقدير مثلاً: ربنا استجب ولك الحمد. فيشتمل على معنى الدعاء ومعنى الخبر. قال في الفتح: وهذا بناء منه على أن الواو عاطفة. وقد قيل: إنها واو الحال، قاله ابن الأثير، وضعف ما عداه. ومطابقة الحديث للترجمة من جهة الإمام واضحة من هذا، أما من جهة المأموم فبالقياس عليه أو اكتفاءً بالحديث الذي قدمه، وهو: إنما جعل الإمام ليؤتم به. أو بضم حديث: صلوا كما رأيتموني أصلي، إلى حديث الباب. وفي حديث أبي هريرة: كنا إذا صلينا خلف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: سمع الله لمن حمده. قال من وراءه: سمع الله لمن حمده. لكن قال الدارقطني: المحفوظ في ذلك فليقل من وراءه: ربنا لك الحمد. (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا ركع وإذا رفع رأسه) أي من السجود لا من الركوع (يكبر) عبر بالجملة الفعلية المضارعية، لأن المضارع يفيد الاستمرار، أي كان تكبيره ممدودًا من أول الركوع والرفع إلى آخرهما بخلاف التكبير للقيام، فإنه لا يستمر. ولهذا قال مالك: لا يكبر للقيام من الركعتين حتى يستوي قائمًا. (وإذا قام من السجدتين قال): وفي الأولى: بالفعلية. فغاير بينهما للتفنن في الأكم أو لإرادة التعميم، لأن التكبير بتناول التعريف ونحوه: قال البرماوي، كالكرماني. وأما قوله في الفتح، الذي يظهر أنه من تصرف الرواة: فقال العيني: إن الذي قاله الكرماني أولى من نسبة الرواة إلى التصرف في الألفاظ التي نقلت عن الصحابة. 125 - باب فَضْلِ "اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ". (باب فضل اللهم ربنا لك الحمد) وللأصيلي: ولك الحمد بالواو، وعزاها في فتح الباري للكشميهني، ولفظ: باب، ساقط في

126 - باب

رواية أبي ذر والأصيلي. 796 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قَالَ الإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». [الحديث 796 - طرفه في: 3228]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) إمام الأئمة (عن سمي) بضم المهملة وفتح الميم، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده. فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد) وللأصيلي: ولك الحمد، بالواو. وقال النووي: فيكون متعلقًا بما قبله، أي: سمع الله لمن حمده. ربنا استجب دعاءنا، ولك الحمد على هدايتنا. وفيه رد على أن ابن القيم حيث جزم بأنه لم يرد الجمع بين اللهم والواو في ذلك. واستدلّ بهذا الحديث المالكية والحنفية على أن الإمام لا يقول ربنا لك الحمد، وعلى أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده. لكون ذلك لم يذكر في هذه الرواية، وأنه عليه الصلاة والسلام قسم التسميع والتحميد، فجعل التسميع الذي هو طلب التحميد للإمام، والتحميد الذي هو طلب الإجابة للمأموم. ويدل له قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم: وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا لك الحمد، يسمع الله لكم. ولا دليل لهم في ذلك، لأنه ليس فى حديث الباب ما يدل على النفي، بل فيه أن قول المأموم: ربنا لك الحمد يكون عقب قول الإمام: سمع الله لمن حمده. ولا يمتنع أن يكون الإمام طالبًا ومجيبًا، فهو كمسألة التأمين السابقة. وقد ثبت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع بينهما، وقد قال عليه الصلاة والسلام: صلوا كما رأيتموني أصلّى، فيجمع بينهما الإمام والمنفرد عند الشافعية والحنابلة وأبي يوسف ومحمد والجمهور. والأحاديث الصحيحة تشهد لذلك، وزاد الشافعية: أن المأموم يجمع بينهما أيضًا. (فإنه من وافق قوله قول الملائكة) أي: فمن وافق حمده حمد الملائكة، (غفر له ما تقدم من ذنبه). وهو نظير ما تقدم في مسألة التأمين، وظاهره أن الموافقة في الحمد في الصلاة لا مطلقًا. 126 - باب (باب) بالتنون من غير ترجمة، كذا للجميع. قاله الحافظ ابن حجر، وعزاه البرماوي لبعض النسخ بعد أن قال: باب القنوت. ولفظ: باب ساقط كالترجمة عند الأصيلي، والراجح إثباته كما أن الراجح حذفه من الذي قبله، لأن الأحاديث المذكورة فيه لا دلالة له فيها على فضل: اللهم ربنا لك الحمد إلا بتكلف فالأولى أن يكون بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله. 797 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "لأُقَرِّبَنَّ صَلاَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ، وَصَلاَةِ الْعِشَاءِ وَصَلاَةِ الصُّبْحِ بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ. [الحديث 797 - أطرافه في: 804، 1006، 2932، 3381، 4560، 4598، 6200، 6393، 6940]. وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة البصري (قال: حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن، ولمسلم من طريق معاذ بن هشام، عن أبيه، عن يحيى، حدّثني أبو سلمة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه (قال: لأقربن) لكم (صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من التقريب مع نون التوكيد الثقيلة، أي لأقربكم إلى صلاته، أو لأقرب صلاته إليكم وللطحاوي لأرينكم (فكان) بالفاء التفسيرية، ولابن عساكر: وكان (أبو هريرة رضي الله عنه يقنت في الركعة الأخرى) بضم الهمزة وسكون الخاء وفتح الراء، ولأبي ذر عن الكشميهني: في الركعة الآخرة (من) ثلاث صلوات: (صلاة الظهر، وصلاة العشاء، وصلاة الصبح، بعدما يقول: سمع الله لمن حمده) فيه القنوت بعد الركوع في الاعتدال وقال مالك: يقنت قبله دائمًا (فيدعو للمؤمنين، ويلعن الكفار) الغير المعينين، أما المعين فلا يجوز لعنه حيًّا كان أو ميتًا إلا من علمنا بالنصوص موته على الكفر: كأبي لهب. وظاهر سياق الحديث أنه مرفوع إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وليس موقوفًا على أبي هريرة، لقوله لأقربن لكم صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثم فسره بقوله: فكان أبو هريرة إلى آخره. وقيل المرفوع منه وجود القنوت لا وقوعه في الصلوات المذكورة ويدل له ما في رواية شيبان عن يحيى عند المؤلّف في تفسيره سورة النساء، من تخصيص المرفوع بصلاة العشاء لكن لا ينفي هذا كونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قنت في غير العشاء. فالظاهر أن جميعه مرفوع. ورواة الحديث ما بين بصري ودستوائي ويماني ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وشيخ المؤلّف فيه من أفراده، أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في الصلاة. 798 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ". [الحديث 798 - طرفه في: 1004]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) هو جد أبيه، نسب إليه لشهرته به، واسم أبيه: محمد بن حميد البصري، المتوفى سنة ثلاث

وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا إسماعيل) بن علية بضم العين وفتح اللام وتشديد المثناة التحتية (عن خالد الحذاء) سقط: الحذاء لابن عساكر (عن أبي قلابة) بكسر القاف، عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي (عن أنس)، وللأصيلي زيادة: ابن مالك (رضي الله عنه، قال: كان القنوت) في أول الأمر، أي: في الزمن النبوي، فله حكم الرفع (في) صلاة (المغرب) وصلاة (الفجر) ثم ترك في غير صلاة الفجر، وبقية مباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في الوتر. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وشيخ المؤلّف فيه من أفراده، وفيه التحديث والعنعنة والقول. 799 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلاَّدٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: "كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: مَنِ الْمُتَكَلِّمُ؟ قَالَ: أَنَا. قَالَ: رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ» ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) إمام دار الهجرة (عن نعيم بن عبد الله المجمر) بضم الميم الأولى، وكسر الثانية والخفض، صفة لنعيم وأبيه (عن علي بن يحيى بن خلاد الزرقي) بضم الزاي وفتح الراء الأنصاري المدني، المتوفى سنة تسع وعشرين ومائة، وفي رواية ابن خزيمة: إن علي بن يحيى حدّثه (عن أبيه) يحيى بن خلاد الذي حنكه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن رفاعة بن رافع) بكسر الراء وتخفيف الفاء وبعد الألف عين مهملة في الأول، وبالراء المفتوحة وبالفاء في الآخر (الزرقي) أيضًا أنه (قال: كنا يومًا) من الأيام (نصلي) ولأبي ذر: كنا نصلي يومًا (وراء النبي) وللأصيلي: وراء رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المغرب (فلما رفع رأسه) أي: فلما شرع في رفع رأسه (من الركعة قال): (سمع الله لمن حمده) وأتمه في الاعتدال. (قال رجل) هو رفاعة بن رافع: قال في المصابيح: وهل هو راوي الحديث أو غيره يحتاج إلى تحرير. اهـ. قلت جزم الحافظ ابن حجر بأنه راوي الحديث، وكذا قال ابن بشكوال، وهو في الترمذي. وإنما كنى عن نفسه لقصد إخفاء عمله. ونقل البرماوي عن ابن مندة أنه جعله غير راوي الحديث. وأن الحاكم جعله معاذ بن رفاعة، فوهم في ذلك. ولأبوي ذر والوقت: فقال رجل: (ربنا) وللكشميهني: فقال رجل من ورائه: ربنا (ولك الحمد) بالواو (حمدًا) منصوب بفعل مضمر دل عليه قوله: لك الحمد (كثيرًا طيبًا) خالصًا عن الرياء والسمعة (مباركًا) أي كثير الخير (فيه) زاد في رواية رفاعة بن يحيى: كما يحب ربنا ويرضى وفيه من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد. (فلما انصرف) عليه الصلاة والسلام من الصلاة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من المتكلم)؟ بهذه الكلمات زاد رفاعة بن يحيي: في الصلاة، فلم يتكلم أحد. ثم قالها الثانية، فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثالثة (قال) رفاعة بن رافع (أنا) المتكلم بذلك، أرجو الخير. فإن قلت: لِمَ أخر رفاعة إجابة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى كرر سؤاله ثلاثًا مع وجوب إجابته عليه، بل وعلى غيره ممن سمع، فإنه عليه الصلاة والسلام عمّم السؤال، حيث قال: من المتكلم؟. أجيب: بأنه لما لم يعين واحدًا بعينه، لم تتعين المبادرة بالجواب من المتكلم ولا من واحد بعينه، وكأنهم انتظروا بعضهم ليجيب، وحملهم على ذلك خشية أن يبدو في حقه شيء ظنًّا منهم أنه أخطأ فيما فعل، ورجوا أن يقع العفو عنه. ويدل له ما في رواية سعيد بن عبد الجبار عن رفاعة بن يحيى، عند ابن نافع، قال رفاعة: فوددت أني خرجت من مالي، وأني لم أشهد مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تلك الصلاة. الحديث. وكأنه عليه الصلاة والسلام لما رأى سكوتهم فهم ذلك فعرفهم أنه لم يقل بأسًا، ويدل لذلك حديث مالك بن ربيعة عند أبي داود قال: من القائل الكلمة؟ فلم يقل بأسًا؟ (قال) عليه الصلاة والسلام: (رأيت بضعة) بتاء التأنيث، وللحموي والمستملي: بضعًا (وثلاثين ملكًا) أي على عدد حروف الكلمات: أربعة وثلاثين، لأن البضع بكسر الباء وتفتح ما بين الثلاث والتسع، ولا يختص بما دون العشرين خلافًا للجوهري، والحديث يرد عليه، فأنزل الله تعالى بعدد حروف الكلمات ملائكة في مقابلة كل حرف ملكًا تعظيمًا لهذه الكلمات، وأما ما وقع في حديث أن عند مسلم، فالموافقة فيه كما أفاده في الفتح بالنظر لعدد الكلمات على اصطلاح النحاة، ولفظه: لقد رأيت اثني عشر ملكًا (يبتدرونها) أي: يسارعون إلى الكلمات المذكورة (أيهم) بالرفع مبتدأ خبره (يكتبها أول) بالبناء على الضم لنية

127 - باب الإطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع

الإضافة ويجوز أن يكون معربًا بالنصب على الحال وهو غير منصرف، والوجهان في فرع اليونينية كهي. قال في المصابيح وأي استفهامية تتعلق بمحذوف دل عليه: يبتدرونها، والتقدير يبتدرونها ليعلموا أيهم يكتبها أول، أو ينظرون أيهم يكتبها. ولا يصح أن يكون متعلقًا: بيبتدرون، لأنه ليس من الأفعال التي تعلق بالاستفهام، ولا مما يحكى به. فإن قلت: والنظر أيضًا ليس من الأفعال القلبية والتعليق من خواصها، فكيف ساغ لك تقديره؟ وأجاب بأن في كلام ابن الحاجب وغيره من المحققين ما يقتضي أن التعليق لا يخص أفعال القلوب المتعدية إلى اثنين، بل يخص كل قلبي، وإن تعدى إلى واحد: كعرف، والنظر هاهنا يحمل على نظر البصيرة، فيصح تعليقه: واقتصر الزركشي حيث جعلها استفهامية على أن المعلق هو: يبتدرون، وإن لم يكن قلبيًّا، وهذا مذهب مرغوب عنه. اهـ. ويجوز نصب: أيّهم، بتقدير ينظرون، والمعنى أن كل واحد منهم يسرع ليكتب هذه الكلمات قبل الآخر ويصعد بها إلى حضرة الله تعالى لعظم قدرها. ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون، وفيه رواية الأكابر عن الأصاغر، لأن نعيمًا أكبر سنًّا من علي بن يحيى. وأقدم سمعًا منه، وفيه ثلاثة من التابعين، والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أبو داود والنسائي. 127 - باب الإِطْمَأْنِينَةِ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتَوَى جَالِسًا حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ. (باب الإطمأنينة) بكسر الهمزة قبل الطاء الساكنة، وفي بعضها بضم الهمزة، وللكشميهني: الطمأنينة، بضم الطاء بغير الهمز (حين يرفع) المصلي (رأسه من الركوع). (وقال أبو حميد) الساعدي، ما يأتي موصولاً، إن شاء الله تعالى، في باب: سنة الجلوس للتشهد؛ (رفع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأسه). من الركوع (واستوى) بالواو، ولأبي ذر: فاستوى، أي: قائمًا (حتى يعود كل فقار مكانه) بفتح الفاء والقاف الخفية، خرزات الصلب: وهي مفاصله، والواحدة فقارة. وقد حصلت المطابقة بين هذا التعليق والترجمة بقوله: واستوى أي قائمًا. نعم: في رواية كريمة: واستوى جالسًا، وحينئذ فلا مطابقة. لكن المحفوظ سقوطها. وعزاه في الفرع وأصله للأصيلي وأبي ذر فقط، وعلى تقدير ثبوتها فيحتمل أنه عبر عن السكون بالجلوس، فيكون من باب: ذكر الملزوم وإرادة اللازم. 800 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: "كَانَ أَنَسٌ يَنْعَتُ لَنَا صَلاَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَ يُصَلِّي، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى نَقُولَ قَدْ نَسِيَ". [الحديث 800 - طرفه في: 821]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن ثابت) البناني (قال: كان أنس) ولأبي ذر والأصيلي: كان أنس بن مالك رضي إلله عنه (ينعت) بفتح العين، أي يصف (لنا صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكان يصلّي، فإذا) بالفاء، ولغير أبي ذر والأصيلي، وإذا (رفع رأسه من الركوع قام حتى نقول) بالنصب، أي: إلى أن نقول (قد نسي) وجوب الهوي إلى السجود، أو أنه في صلاة، أو ظن أنه وقت القنوت من طول قيامه، وهذا صريح في الدلالة على أن الاعتدال ركن طويل، بل هو نص فيه، فلا ينبغي العدول عنه لدليل ضعيف، وهو قولهم: لم يسنّ فيه تكرير التسبيحات كالركوع والسجود، ووجه ضعفه أنه قياس في مقابلة النص، فهو فاسد. وقد اختار النووي جواز تطويل الركن القصير خلافًا للمرجح في المذهب، واستدلّ لذلك بحديث حذيفة عند مسلم: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ في ركعة بالبقرة وغيرها، ثم ركع نحوًا مما قرأ؛ ثم قام بعد أن قال: ربنا لك الحمد، قيامًا طويلاً قريبًا مما ركع. قال النووي: الجواب عن هذا الحديث صعب، والأقوى جواز الإطالة بالذكر. 801 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ "كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسُجُودُهُ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ". وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) الطيالسي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم عن ابن أبي ليلى، عن البراء) بن عازب (رضي الله عنه، قال: كان ركوع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) اسم كان وتاليه عطف عليه. وهو قوله: (وسجوده، وإذا رفع) أي اعتدل (من الركوع)، ولكريمة: وإذا رفع رأسه من الركوع (و) جلوسه (بين السجدتين قريبًا من السواء) بالفتح والمدّ وسابقه نصب خبر كان. والمراد أن زمان ركوعه وسجوده واعتداله وجلوسه متقارب. قال بعضهم: وليس المراد أنه كان يركع بقدر قيامه، وكذا السجود والاعتدال، بل المراد أن صلاته كانت معتدلة، فكان إذا أطال القراءة أطال بقية الأركان، وإذا أخفها أخف بقية الأركان، فقد ثبت أنه قرأ في الصبح: بالصافّات، وثبت في السُّنن

128 - باب يهوي بالتكبير حين يسجد

عن أنس أنهم حزروا في السجود قدر عشر تسبيحات، فيحمل على أنه إذا قرأ بدون الصافات اقتصر على دون العشر، وأقله كما ورد في السُّنن أيضًا ثلاث تسبيحات. اهـ من الفتح. ولم يقع في هذه الطريق الاستثناء الذي في باب: استواء الظهر، وهو قوله: ما خلا القيام والقعود. 802 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: "كَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ يُرِينَا كَيْفَ كَانَ صَلاَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَاكَ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلاَةٍ: فَقَامَ فَأَمْكَنَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَمْكَنَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَنْصَتَ هُنَيَّةً. قَالَ فَصَلَّى بِنَا صَلاَةَ شَيْخِنَا هَذَا أَبِي بُرَيْدٍ، وَكَانَ أَبُو بُرَيْدٍ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الآخِرَةِ اسْتَوَى قَاعِدًا، ثُمَّ نَهَضَ". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي (قال: حدّثنا حماد بن زيد) بن درهم (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد (قال: كان) وللكشميهني: قال قام (مالك بن الحويرث) الليثي (يرينا) بضم أوله من الإراءة (كيف كان صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وذاك) أي الفعل (في غير وقت صلاة) لأجل التعليم، ولأبي ذر والأصيلي: في غير وقت الصلاة بالتعريف (فقام فأمكن القيام) أي مكن بالتشديد (ثم ركع فأمكن الركوع، ثم رفع رأسه فانصبّ) بهمزة وصل وتشديد الموحدة، كأنه كنى عن رجوع أعضائه من الانحناء إلى القيام بالانصباب، والذي في اليونينية بتخفيف الموحدة، ولابن عساكر والأصيلي وأبوي الوقت وذر، عن الكشميهني: فأنصت، بهمزة قطع آخره مثناة فوقية بدل الموحدة من الإنصات: أي سكت (هنية) بضم الهاء وفتح النون وتشديد المثناة التحتية، قليلاً. فلم يكبر للهوي في الحال، وللإسماعيلي: فأنتصب قائمًا، وهو أوضع في المراد كما لا يخفى. (قال أبو قلابة: فصلّى بنا) مالك (صلاة شيخنا) أي كصلاة شيخنا (هذا) عمرو بن سلمة بكسر اللام الجرمي (أبي بريد) بضم الموحدة وفتح الراء المهملة، وصوّبه أبو ذر كما في الفرع وأصله، وكذا ضبطه مسلم في كتاب الكنى وللحموي والمستملي: أبي يزيد، بالمثناة التحتية والزاي المعجمة، غير منصرف، وجزم به الجياني. وقال الحافظ عبد الغني بن سعيد: لم أسمعه من أحد إلا بالزاي، لكن مسلم أعلم في أسماء المحدثين. قال أبو قلابة (وكان أبو بريد) أو أبو يزيد (إذا رفع رأسه من السجدة الآخرة استوى) حال كونه (قاعدًا) للاستراحة (ثم نهض) أي قام. وهذا الحديث قد سبق في باب: من صلّى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم، مع اختلاف في المتن والإسناد، ومطابقته للترجمة في قوله: ثم رفع رأسه فانصب هنية. 128 - باب يَهْوِي بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَسْجُدُ وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ. هذا (باب) بالتنوين (يهوي) بفتح أوله وضمه وكسر ثالثه أي ينحط أو يهبط المصلي. (بالتكبير حين يسجد). (وقال نافع) مولى ابن عمر، مما وصله ابن خزيمة والطحاوي وغيرهما، من طريق عبد العزيز الدراوردي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، قال: (كان ابن عمر) بن الخطاب إذا سجد (يضع يديه) أي كفيه (قبل) أن يضع (ركبتيه) هذا مذهب مالك، قال: لأنه أحسن في خشوع الصلاة ووقارها، واستدلّ به بحديث أبي هريرة المروي في السنن بلفظ: إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه، وعورض بحديث عن أبي هريرة أيضًا، أخرجه الطحاوي لكن إسناده ضعيف. ومذهب الثلاثة وفاقًا للجمهور: يضع ركبتيه قبل يديه، لأن الركبتين أقرب للأرض. واستدل له بحديث وائل بن حجر المروي في السُّنن، وقال الترمذي: حديث حسن، ولفظه قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه. قال الخطابي وهو أثبت من حديث تقديم اليدين، وأرفق بالمصلي، وأحسن في الشكل، ورأي العين. وقال الدارقطني: قال ابن أبي داود: وضع الركبتين قبل اليدين تفرد به شريك القاضي عن عاصم بن كليب، وشريك ليس بالقوي فيما ينفرد به. وقال البيهقي: هذا الحديث يعدّ في إفراد شريك هكذا ذكره البخاري وغيره من حفّاظ المتقدمين، وفي المعرفة، قال همام: وحدّثنا شقيق، يعني أبا الليث، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرسلاً، وهو المحفوظ. وعن أبي هريرة، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه. رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد، ولم يضعفه أبو داود. وعن سعد بن أبي وقاص قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين قبل اليدين، رواه ابن خزيمة في صحيحه، وادعى أنه ناسخ لتقديم اليدين، قال في المجموع: ولذا اعتمده أصحابنا، ولكن لا حجة فيه لأنه ضعيف ظاهر الضعف، بين البيهقي وغيره ضعفه، وهو من رواية يحيى

بن سلمة بن كهيل، وهو ضعيف باتفاق الحفاظ، ولذا قال النووي: لا يظهر ترجيح أحد المذهبين على الآخر من حيث السُّنّة. لكن قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: من أحاديث الأحكام، حديث أبي هريرة: إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه، أقوى من حديث وائل: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سجد، وضع ركبتيه قبل يديه. لأن لحديث أبي هريرة شاهدًا من حديث ابن عمر، صححه ابن خزيمة، وذكره البخاري معلقًا موقوفًا اهـ. ومراده بذلك قوله هنا، وقال نافع إلخ، فإن قلت: ما وجه مطابقة هذا الأثر للترجمة؟ أجيب: من جهة اشتمالها عليه لأنها في الهوي بالتكبير إلى السجود، فالهوي فعل، والتكبير قول. فكما أن أبي هريرة الآتي، إن شاء الله تعالى في هذا الباب يدل على القول، كذلك أثر ابن عمر هذا يدل على الفعل، والحاصل أن للهوي إلى السجود صفتين: صفة قولية، وأخرى فعلية. فأثر ابن عمر أشار إلى الصفة الفعلية، وحديث أبي هريرة إليهما معًا. 803 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ صَلاَةٍ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ فَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ يَقُولُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الْجُلُوسِ فِي الاِثْنَتَيْنِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الصَّلاَةِ، ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَنْصَرِفُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. إِنْ كَانَتْ هَذِهِ لَصَلاَتَهُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: حدّثنا) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر أخبرنا (شعيب) أي ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري، قال: أخبرني) بالإفراد (أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة) رضي الله عنه: (كان يكبر) أي حين استخلفه مروان على المدينة، كما عند النسائي (في كل صلاة من المكتوبة وغيرها من رمضان وغيره) وسقط وغيره في بعضها (فيكبر حين يقول) للإحرام (ثم يكبر حين يركع) أي: حين يشرع في الانتقال إلى الركوع، ويحده حتى يصل إلى حد الراكعين، ثم يشرع في تسبيح الركوع، (ثم يقول: سمع الله لمن حمده) في الرفع، من الركوع، ويمدّه حتى ينتصب قائمًا (ثم يقول: ربنا ولك الحمد) بالواو في الاعتدال (قبل أن يسجد، ثم يقول: الله أكبر، حين يهوي ساجدًا) بفتح المثناة التحتية وسكون الهاء وكسر الواو، ولأبي ذر يهوي بضمها، أي يبتدئ به من حين الشروع في الهوي بعد الاعتدال، حتى يضع جبهته على الأرض، ثم يشرع في تسبيح السجود (ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود) حتى يجلس، ثم يشرع في دعاء الجلوس (ثم يكبر حين يسجد) الثانية (ثم يكبر حين يرفع رأسه من السجود، ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في) الركعتين (الاثنتين) يشرع فيه من حين ابتداء القيام إلى الثالثة بعد التشهد الأول، (ويفعل ذلك) المذكور من التكبير وغيره (في كل ركعة حتى يفرغ من الصلاة، ثم يقول حين ينصرف) منها: (والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبهًا بصلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إن كانت) بكسر همزة إن المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، واسم ْكان قوله (هذه) أي الصلاة التي صليتها (لصلاته) عليه الصلاة والسلام، خبر كان واللام للتأكيد، (حتى فارق الدنيا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 804 - قَالاَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: "وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ- يَدْعُو لِرِجَالٍ فَيُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ. وَأَهْلُ الْمَشْرِقِ يَوْمَئِذٍ مِنْ مُضَرَ مُخَالِفُونَ لَهُ". (قالا) أي: أبو بكر بن عبد الرحمن، وأبو سلمة بن عبد الرحمن المذكوران بالإسناد السابق إليهما: (وقال: أبو هريرة رضي الله عنه: وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين يرفع رأسه) من الركوع (يقول) (سمع الله لمن حمده) وفي الاعتدال: (ربنا ولك الحمد) بالواو فيجمع بينهما (يدعو) خبر آخر لكان، أو عطف بدون حرف العطف اختصارًا، وهو جائز معروف في اللغة، وقال العيني: الأوجه أن يكون حالاً من ضمير يقول أي يقول حال كونه يدعو (لرجال) من المسلمين، واللام تتعلق بيدعو (فيسميهم بأسمائهم). استدلّ به وبما يأتي علي أن تسمية الرجال بأسمائهم فيما يدعى لهم وعليهم لا تفسد الصلاة. (فيقول) عليه الصلاة والسلام: (اللهم أنج الوليد بن الوليد) بن المغيرة المخزومي، أخا خالد بن الوليد، وهمزة أنج قطع مفتوحة مجزوم بالطلب، وكسر لالتقاء الساكنين (و) أنج (سلمة بن هشام) بفتح اللام، أخا أبي جهل بن هشام (و) أنج (عياش بن أبي ربيعة) أخا أبي جهل لأمه، وعياش بفتح العين وتشديد المثناة التحتية، وكل هؤلاء الذين دعا لهم عليه الصلاة والسلام نجوا من أسر الكفار ببركة دعائه عليه الصلاة والسلام (و) أنج (المستضعفين

من المؤمنين) من باب عطف العام على الخاص. ثم يقول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اللهم اشدد) بهمزة وصل، وقول العيني: بضم الهمزة محمول على الابتداء بها (وطأتك) بفتح الواو وسكون الطاء وفتح الهمزة، من الوطء. وهو شدة الاعتماد على الرجل، والمراد اشدد بأسك أو عقوبتك (على) كفار قريش أولاد (مضر) فالمراد القبيلة، ومضر بميم مضمومة وضاد معجمة غير منصرف، وهو ابن نزار بن معد بن عدنان (واجعلها) قال الزركشي: الضمير للوطأة أو للأيام وإن لم يسبق له ذكر لما دل عليه المفعول الثاني الذي هو سنين. قال في المصابيح: ولا مانع من أن يجعل عائدًا على السنين لا إلى الأيام التي دلّت عليها سنين، وقد نصوا على جواز عود الضمير على المتأخر لفظًا ورتبةً إذا كان مخبرًا عنه بخبر يفسره، مثل {إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن} من هذا القبيل. انتهى. أي واجعل السنين (عليهم سنين) جمع سنة، والمراد بها هنا زمن القحط (كسني يوسف) الصديق عليه السلام السبع الشداد في القحط، وامتداد زمان المحنة والبلاء، وبلوغ غاية الجهد والضراء، وأسقط نون سنين للإضافة جريًا على اللغة الغالبة فيه. وهي إجراؤه مجرى جمع المذكر السالم، لكنه شاذ لكونه غير عاقل، ولتغيير مفرده بكسر أوّله. ولهذا أعربه بعضهم بحركات على النون، كالمفرد كقوله: دعاني من نجد فإن سنينه ... لعبن بنا شيبًا وشيَّبننا مُردا وليس قوله: سنين عند أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر كما في الفرع وأصله. (وأهل المشرق يومئذٍ من مضر مخالفون له) عليه الصلاة والسلام. ورواة هذا الحديث ما بين حمصي ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه أبو داود والنسائي في الصلاة. 805 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: "سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ فَرَسٍ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ مِنْ فَرَسٍ- فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا وَقَعَدْنَا. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: صَلَّيْنَا قُعُودًا، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا. قَالَ سُفْيَانُ: كَذَا جَاءَ بِهِ مَعْمَرٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ لَقَدْ حَفِظَ. كَذَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَلَكَ الْحَمْدُ، حَفِظْتُ مِنْ شِقِّهِ الأَيْمَنِ. فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ الزُّهْرِيِّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَأَنَا عِنْدَهُ: فَجُحِشَ سَاقُهُ الأَيْمَنُ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني البصري (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (غير مرة) تأكيد لروايته (عن) ابن شهاب (الزهري، قال: سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه (يقول: سقط رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن فرس وربما قال سفيان) بن عيينة: (من) بدل عن، وللأصيلي: وربما قال من (فرس) فأسقط لفظ سفيان، (فجحش) بضم الجيم وكسر الحاء آخره شين معجمة، أي خدش (شقه الأيمن، فدخلنا عليه) حال كوننا (نعوده، فحضرت الصلاة، فصلّى بنا) عليه الصلاة والسلام حال كونه (قاعدًا، وقعدنا) بالواو، وللأصيلي: فقعدنا. (وقال سفيان) بن عيينة (مرة: صلينا قعودًا) مصدر أو جمع قاعدًا (فلما قضى) عليه الصلاة والسلام (الصلاة) أي فرغ منها، (قال) عليه الصلاة والسلام: (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد) بالواو، أي بعد قوله: سمع الله لمن حمده (وإذا سجد فاسجدوا). (كذا) ولغير أبي ذر والأصيلي: قال سفيان، أي لعلي المديني مستفهمًا له بهمزة مقدرة قبل قوله: كذا (جاء به معمر) بفتح الميمين، ابن راشد البصري، قال عليّ: (قلت: نعم) جاء به معمر. كذا قال الحافظ ابن حجر، كأن مستند عليّ في ذلك رواية عبد الرزاق عن معمر، فإنه من مشايخه بخلاف معمر فإنه لم يدركه، وإنما يروي عنه بواسطة وكلام الكرماني يوهم خلاف ذلك. انتهى. قلت: بل صرّح به البرماوي حيث قال: فابن المديني كما يرويه عن سفيان، عن الزهري، يرويه عن معمر عن الزهري. وما قاله الحافظ يردّه. (قال) سفيان: والله (لقد حفظ) معمر عن الزهري حفظًا صحيحًا متقنًا. (كذا قال الزهري) أي: كما قال معمر: (ولك الحمد) بالواو وفيه إشارة إلى أن بعض أصحاب الزهري لم يذكر الواو. وأراد سفيان بهذا الاستفهام تقرير روايته برواية معمر له، وفيه تحسين حفظه. قال سفيان بن عيينة (حفظت) ولابن عساكر: وحفظت أي: من الزهري أنه قال: فجحش (من شقه الأيمن، فلما خرجنا من عند) ابن شهاب (الزهري، قال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أنا عنده) أي عند الزهري: فقال: (فجحش ساقه الأيمن) بلفظ: الساق بدل الشق، فهو عطف على مقدّر، أو جملة حالية من فاعل قال مقدّرًا. أي: قال الزهري وأنا عنده: ويحتمل أن يكون هذا مقول سفيان لا مقول ابن

129 - باب فضل السجود

جريج والضمير حينئذٍ راجع للزهري. قاله البرماوي كالكرماني. قال في فتح الباري: وهذا أقرب إلى الصواب، ومقول ابن جريج هو: فجحش إلخ ... ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومكي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والسماع، وسبق في باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، والله أعلم. 129 - باب فَضْلِ السُّجُودِ 806 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا "أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: هَلْ تُمَارُونَ فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ؟ قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَهَلْ تُمَارُونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الشَّمْسَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الْقَمَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَّبِعُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ. فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَيَدْعُوهُمْ فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَىْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلاَّ الرُّسُلُ، وَكَلاَمُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلاَّ اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ: فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو، حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ رَحْمَةَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ اللَّهُ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَيُخْرِجُونَهُمْ، وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إِلاَّ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ. ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ -وَهْوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولاً الْجَنَّةَ- مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا. فَيَقُولُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ فُعِلَ ذَلِكَ بِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ. فَيُعْطِي اللَّهَ مَا يَشَاءُ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ رَأَى بَهْجَتَهَا، سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ. فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَأَلْتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لاَ أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ. فَيَقُولُ: فَمَا عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: لاَ، وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُ غَيْرَ ذَلِكَ. فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا فَرَأَى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ فَيَقُولُ اللَّهُ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ! أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ. فَيَضْحَكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: تَمَنَّ فَيَتَمَنَّى. حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ أُمْنِيَّتُهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مِن كَذَا وَكَذَا -أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ- حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لأَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما-: - إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: قَالَ اللَّهُ: لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَمْ أَحْفَظْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ قَوْلَهُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ» ". [الحديث 806 - طرفاه في: 6573، 7437]. (باب فضل السجود). وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) أي ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب، وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة) رضي الله عنه (أخبرهما أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى) أي نبصر (ربنا يوم القيامة؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (هل تمارون) بضم التاء والراء، من المماراة، وهي: المجادلة وللأصيلي: تمارون، بفتح التاء والراء، وأصله. تتمارون حذفت إحدى التاءين. أي هل تشكون (في) رؤية (القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب)؟ (قالوا: لا يا رسول الله. قال): (فهل تمارون) بضم التاء والراء أو بفتحهما (في الشمس) ولأبي ذر والأصيلي: في رؤية الشمس (ليس دونها سحاب) (قالوا: لا. قال): وللأصيلي: قالوا: لا يا رسول الله. قال. (فإنكم ترونه) تعالى (كذلك) بلا مرية ظاهرًا جليًّا ينكشف تعالى لعباده بحيث تكون نسبة ذلك الانكشاف إلى ذاته المخصوصة، كنسبة الإبصار إلى هذه المبصرات المادّية، لكنه يكون مجرّدًا عن ارتسام صورة المرئي، وعن اتصال الشعاع بالمرئي، وعن المحاذاة، والجهة، والمكان لأنها وإن كانت أمورًا رزمة للرؤية عادة، فالعقل يجوّز ذلك بدونها، (ويحشر الناس يوم القيامة فيقول): الله تعالى، أو: فيقول القائل (من كان يعبد شيئًا فليتبع) بتشديد المثناة الفوقية وكسر الموحدة، ولأبوي ذر والوقت: فليتبعه، بضمير المفعول مع التشديد والكسر، أو التخفيف مع الفتح، وهو الذي في اليونينية لا غير (فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت) جمع طاغوت، الشيطان أو الصنم، أو كل رأس في الضلال أو كل ما عبد من دون الله، وصدّ عن عبادة الله، أو الساحر، أو الكاهن، أو مردة أهل الكتاب، فعلوت من الطغيان، قلب عينه ولامه (وتبقى هذه الأمة) المحمدية (فيها منافقوها) يستترون بها كما كانوا في الدنيا، واتبعوهم لما انكشفت لهما الحقيقة لعلهم ينتفعون بذلك، حتى {ضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب} (فيأتيهم الله عز وجل) أي يظهر لهم في غير صورته، أي: في غير صفته التي يعرفونها من الصفات التي تبعدهم بها عن الدنيا امتحانًا منه، ليقع التمييز بينهم وبين غيرهم ممن يعبد غيره تعالى، (فيقول: أنا ربكم) فيستعيذون بالله منه لم يظهر لهم بالصفات التي يعرفونها بل بما استأثر بعلمه تعالى، لأن معهم منافقين لا يستحقون الرؤية، وهم من ربهم محجوبون، (فيقولون: هذا مكاننا) بالرفع خبر المبتدأ الذي هو اسم الإشارة (حتى يأتينا) يظهر لنا (ربنا، فإذا جاء) ظهر (ربنا عرفناه، فيأتيهم الله) عز وجل، أي: يظهر متجليًّا بصفاته المعروفة عندهم، وقد تميز المؤمن من المنافق (فيقول: أنا ربكم) فإذا رأوا ذلك عرفوه به تعالى (فيقولون: أنت ربنا). ويحتمل أن يكون الأوّل قول المنافقين، والثاني قول المؤمنين. وقيل: الآتي في الأوّل ملك، ورجحه عياض أي: يأتيهم ملك الله، حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وعورض بأن الملك معصوم، فكيف يقول: أنا ربكم. وأجيب: بأنّا لا نسلم عصمته من هذه الصغيرة، وردّ بأنه يلزم منه أن يكون قول فرعون: أنا ربكم من الصغائر، فالصواب ما سبق. (فيدعوهم) ربهم، (فيضرب) بالفاء وضم الياء وفتح الراء مبنيًّا للمفعول، ولأبوي ذر والوقت وذر والأصيلي وابن عساكر: ويضرب (الصراط بين ظهراني جهنم) بفتح الظاء وسكون الهاء وفتح النون، أي ظهري، فزيدت الألف والنون للمبالغة، أي على وسط جهنم (فأكون أوّل من يجوز) بالواو، وفي بعض النسخ: يجيز، بالياء مع ضم أوّله، وهي لغة في: جاز. يقال: جاز بمعنى، أي: يقطع مسافة الصراط. (من الرسل) عليهم الصلاة والسلام

(بأمته، ولا يتكلم) لشدّة الهول (يومئذ) أي حال الإجازة على الصراط (أحد إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ) على الصراط: (اللهم سلّم سلّم) شفقة منهم على الخلق ورحمة (وفي جهنم كلاليب) جمع كلوب، بفتح الكاف وضم اللام (مثل شوك السعدان) بفتح أوّله، نبت له شوك من جيد مراعي الإبل، يضرب به المثل فيقال: مرعى ولا كالسعدان. (هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم) رأيناه (قال: فإنها) أي الكلاليب (مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله) تعالى، (تخطف) بفتح الطاء في الأفصح، وقد تكسر، وللكشميهني: فتختطف بالفاء في أوّله وفوقية بعد الخاء وكسر الطاء، أي تأخذ (الناس) بسرعة (بأعمالهم) أي بسبب أعمالهم السيئة، أو على حسب أعمالهم، أو بقدرها (فمنهم من يوبق) بموحدة، مبنيًّا للمفعول، أي: يهلك (بعمله) وقال الطبري: يوثق بالمثلثة، من الوثاق، (ومنهم من يخردل) بخاء معجمة ودال مهمة، وعن عبيد بالذال المعجمة، أي يقطع صغارًا كالخردل، والمعنى: أنه تقطعه كلاليب الصراط حتى يهوي إلى النار، وللأصيلي: بالجيم، من الجردلة، بمعنى: الإشراف على الهلاك (ثم ينجو، حتى إذا أراد الله) عز وجل (رحمة من أراد من أهل النار) أي الداخلين فيها وهم المؤمنون الخلص، إذ الكافر لا ينجو منها أبدًا، (أمر الله الملائكة أن يخرجوا) منها (من كان يعبد الله) وحده، (فيخرجونهم) منها، (ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله) عز وجل (على النار أن تأكل أثر السجود) أي موضع أثره، وهي الأعضاء السبعة، أو الجهة خاصة لحديث، إن قومًا يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم، رواه مسلم: وهذا موضع الترجمة. واستشهد له ابن بطال بحديث: أقرب ما يكون العبد إذا سجد، وهو واضح. وقال الله تعالى {واسجد واقترب} [العلق: 19]. وقال بعضهم: إن الله تعالى يباهي بالساجدين من عبيده ملائكته المقرّبين. يقول لهم: يا ملائكتي أنا قربتكم ابتداءً، وجعلتكم من خواص ملائكتي، وهذا عبدي جعلت بينه وبين القربة حجبًا كثيرة، وموانع عظيمة مِن أغراض نفسية، وشهوات حسيّة، وتدبير أهل ومال وأهوال، فقطع كل ذلك وجاهد حتى سجد واقترب، فكان من المقربين. قال: ولعن الله إبليس لإبائه عن السجود لعنة أبلسه بها وآيسه من رحمته إلى يوم القيامة. اهـ. وعورض بأن السجود الذي أمر به إبليس لا تعلم هيئته ولا تقتضي اللعنة اختصاص السجود بالهيئة العرفية، وأيضًا فإبليس إنما استوجب اللعنة بكفره حيث جحد ما نص الله عليه من فضل آدم، فجنح إلى قياس فاسد يعارض به النص، ويكذبه، ولعنه الله. قاله ابن المنير: (فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار) أي: فكل أعضاء ابن آدم تأكلها النار (إلا أثر السجود) أي: مواضع أثره (فيخرجون من النار قد امتحشوا) بالمثناة الفوقية والمهملة المفتوحتين والشين المعجمة، بالبناء للفاعل، وفي بعض النسخ: امتحشوا، بضم المثناة وكسر الحاء، بالبناء للمفعول. أي: احترقوا واسودّوا. (فيصب عليهم) بضم المثناة مبنيًّا للمفعول، والنائب عن الفاعل قوله: (ماء الحياة) الذي من شرب منه أو صب عليه لم يمت أبدًا، (فينبتون كما تنبت الحبة) بكسر الحاء المهملة. بزور الصحراء مما ليس بقوت (في حميل السيل) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم، ما جاء به من طين ونحوه. شبه به لأنه أسرع في الإنبات (ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد)، الإسناد فيه مجازي، لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن، فالمراد إتمام الحكم بين العباد بالثواب والعقاب، (ويبقى رجل بين الجنة والنار، وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة) حال كونه (مقبلاً بوجهه قبل النار) بكسر القاف وفتح الموحدة: أي: جهتها. ولغير أبوي ذر والوقت وابن عساكر: مقبل بالرفع، خبر مبتدأ محذوف، أي: هو مقبل (فيقول: يا رب اصرف وجهي عن النار) وللحموي والمستملي: من النار (قد) ولأبي ذر: فقد (قشبني) بقاف فشين معجمة مخففة فموحدة مفتوحات، والذي في اللغة بتشديدة الشين، أي سمني وأهلكني (ريحها)، وكل مسموم قشيب، أي: صار

ريحها كالسم في أنفي (وأحرقني ذكاؤها) بفتح الذال المعجمة والمد، وهو الذي في فرع اليونينية. قال النووي، وهو الذي وقع في جميع الروايات، أي: أحرقني لهبها واشتعالها وشدة وهجها، ولأبي ذر، مما في هامش الفرع، وصحح عليه: ذكاها بالفتح والقصر. قال النووي: وهو الأشهر في اللغة، وذكر جماعة أنهما لغتان. اهـ. وعورض بأن ذكا النار مقصور يكتب بالألف، لأنه من الواو من قولهم: ذكت النار تذكو ذكوًا، فأما ذكاء بالمدّ فلم يأت عنهم في النار، وإنما جاء في الفهم. (فيقول) الله تعالى: (هل عسيت) بفتح السين وكسرها، وهي لغة مع تاء الفاعل مطلقًا، ومع نا، ومع نون الإناث، نحو: عسينا وعسين، وهي لغة الحجاز، لكن قول الفراء: لست أستحبها لأنها شاذة يأبى كونها حجازية. وأجيب بأن المراد بكونها شاذة أي: قليلة بالنسبة إلى الفتح، وإن ثبتت فعند أقلهم جمعًا بين القولين. (إن فعل ذلك) الصرف الذي يدل عليه قوله الآتي، إن شاء الله تعالى: الصرف وجهي عن النار. والهمزة من أن مكسورة حرف شرط، وفعل بضم الفاء وكسر العين، مبنيًّا للمفعول، (بك أن تسأل) بفتح همزة أن الخفيفة، وتاليها نصب بها (غير ذلك) بالنصب بتسأل. (فيقول) الرجل: (لا، و) حق (عزتك) لا أسأل غيره، (فيعطي الله) أي الرجل (ما يشاء) بياء المضارعة، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: ما شاء، (من عهد) يمين (وميثاق، فيصرف الله) تعالى (وجهه عن النار، فإذا أقبل به على الجنة رأى بهجتها) أي: حسنها ونضارتها، وهذه الجملة بدل من جملة: أقبل على الجنة (سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم قال: يا رب قدّمني عند باب الجنة. فيقول الله) عز وجل. (له: أليس قد أعطيت العهود والميثاق) اسم ليس ضمير الشأن، ولأبي ذر والأصيلي: والمواثيق (أن لا تسأل غير الذي كنت سألت؟ فيقول: يا رب) أعطيت العهود، لكن كرمك يطمعني (لا أكون أشقى خلقك). قال الكرماني: أي لا أكون كافرًا، وللكشميهني: لا أكونن. وقال السفاقسي: المعنى: إن أنت أبقيتني على هذه الحالة ولا تدخلني الجنة، لأكونن أشقى خلقك الذين دخلوها. والألف زائدة في: لا أكون. (فيقول) الله: (فما عسيت) بكسر السين وفتحها. (إن أعطيت ذلك): التقديم إلى باب الجنة (أن لا تسأل غيره). بكسر همزة إن الأولى: شرطية، وفتح الثانية: مصدرية وضم همزة أعطيت، ولا زائدة كهي في {لئلا يعلم أهل الكتاب} [الحديد: 129] أو أصلية. وما في قوله: فما عسيت نافية، ونفي النفي إثبات، أي: عسيت أن تسأل غيره. وأن لا تسأل خبر عسى وذلك: مفعول ثان لأعطيت، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: أن تسأل، بإسقاط لا. فما استفهامية، وإنما قال الله تعالى ذلك، وهو عالم كان وما يكون، إظهارًا لا عهد من بني آدم من نقض العهد، وأنهم أحق بأن لهم ذلك، فمعنى عسى راجع للمخاطب لا إلى الله تعالى. (فيقول) الرجل (لا و) حق (عزتك لا أسأل) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: لا أسالك، (غير ذلك فيعطي) الرجل (ربه ما شاء من عهد وميثاق، فيقدمه) الله (إلى باب الجنة، فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها) بفاء العطف على بلغ، كقوله (وما فيها من النضرة) بالضاد المعجمة الساكنة، أي البهجة (والسرور) تحير، (فيسكت ما شاء الله أن يسكت)، بالفاء التفسيرية، وأن مصدرية أي: ما شاء الله سكوته حياءً من ربه، وهو تعالى يحب سؤاله لأنه يحب صوته، فيباسطه بقوله: لعلك إن أعطيت هذا تسأل غيره؟ وهذه حالة المقصر، فكيف حالة المطيع. وليس نقض هذا العبد عهده جهلاً منه، ولا قلة مبالاة، بل علمًا منه أن نقض هذا العهد أولى من الوفاء، لأن سؤاله ربه أولى من إبرار قسمه. قال عليه الصلاة والسلام: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير. وجواب إذا محذوف وتقديره نحو: تحير كما مر. (فيقول: يا رب أدخلني الجنة. فيقول الله) عز وجل: (ويحك) نصب بفعل محذوف، وهي كلمة رحمة، كما أن ويلك كلمة عذاب (يا ابن آدم ما أغدرك!) صيغة تعجب من الغدر، وهو ترك الوفاء (أليس قد أعطيت العهد والميثاق) بفتح

130 - باب يبدي ضبعيه ويجافي في السجود

الهمزة والطاء مبنيًّا للفاعل وللكشميهني العهود والمواثيق (أن لا تسأل غير الذي أعطيت)؟ بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك. فيضحك الله عز وجل منه) أي من فعل هذا الرجل، وليس في رواية الأصيلي لفظ: منه. والمراد من الضحك هنا لازمه، وهو كتاب الرضا وإرادة الخير كسائر الإسنادات في مثله مما يستحيل على الباري تعالى، فإن المراد لوازمها (ثم يأذن له) الله تعالى (في دخول الجنة. فليقول له: تمنّ، فيتمنى. حتى إذا انقطع) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني: انقطعت (أمنيته قال الله عز وجل) له: (زاد من كذا وكذا) أي: من أمانيك التي كانت لك قبل أن أذكرك بها، ولابن عساكر: تمنّ، بدل: زد (أقبل يذكره ربه عز وجل) الأماني بدل من قوله: قال الله عز وجل زد (حتى إذا انتهت به الأماني) بتشديد الياء، جمع أمنية (قال الله تعالى) له: (لك ذلك) الذي سألته من الأماني (ومثله معه) جملة حالية من المبتدأ والخبر. (قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة رضي الله عنهما: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (قال الله) عز وجل (لك ذلك وعشرة أمثاله) أي: أمثال ما سألت. (قال أبو هريرة: لم أحفظ من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلاّ قوله): (لك ذلك ومثله معه) وللحموي والمستملي: لم أحفظه بضمير المفعول. (قال أبو سعيد الخدري: إني سمعته يقول): (ذلك لك) وللكشميهني لك ذلك (وعشرة أمثاله). ولا تنافي بين الروايتين، فإن الظاهر أن هذا كان أوّلاً، ثم تكرم الله فأخبر به عليه الصلاة والسلام ولم يسمعه أبو هريرة. ورواة هذا الحديث الستة ما بين حمصي ومدني، وفيه ثلاثة من التابعين، والتحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في صفة الجنة ومسلم في الإيمان. 130 - باب يُبْدِي ضَبْعَيْهِ وَيُجَافِي فِي السُّجُودِ هذا (باب) بالتنوين (يبدي) بضم المثناة التحتية وسكون الموحدة، أي يظهر الرجل المصلي (ضبعيه) بفتح الضاد المعجمة وسكون الموحدة، تثنية ضبع، أي وسط عضديه أو اللحمتين تحت إبطيه (ويجافي) أي: يباعد بطنه عن فخذيه (في السجود) وخرج بالرجل المرأة والخنثى فلا يجافيان بل يضمان بعضهما إلى بعض، لأنه أستر لها وأحوط له. 807 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ". وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ نَحْوَهُ. وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) ولأبي ذر: يحيى بن عبد الله بن بكير (قال: حدّثني) بالإفراد. وللأصيلي: حدّثنا (بكر بن مضر) بفتح الموحدة وسكون الكاف في الأوّل، وضم الميم وفتح المعجمة غير منصرف في الثاني (عن جعفر) هو ابن ربيعة (عن ابن هرمز) عبد الرحمن الأعرج (عن عبد الله بن مالك ابن بحينة) صفة لعبد الله لأنها أمه لا لمالك، فيكتب ابن بالألف وتنوين مالك: (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا صلّى فرج بين يديه) بتشديد الراء، أي نحَّى كل يد عن الجنب الذي يليها (حتى يبدو بياض إبطيه) لأنه أشبه بالتواضع، وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض، مع مغايرته لهيئة الكسلان. وفي حديث ميمونة المروي في مسلم: كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجافي يديه فلو أن بهيمة أرادت أن تمرّ لمرّت. وفي حديث عائشة مما روي في مسلمًا أيضًا: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع. وفي حديت البراء عند مسلم أيضًا، رفعه: إذا سجدت فضع كفّيك وارفع مرفقيك، وظاهرهما الوجوب. وقول الحافظ ابن حجر أن حديث أبي هريرة عند أبي داود: شكا أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا، فقال: استعينوا بالركب، أي بوضع المرفقين على الركبتين، كما فسره ابن عجلان أحد رواته، وترجم له أبو داود بالرخصة في ترك التفريج يدل على الاستحباب فيه نظر، لأن ظاهره الرخصة مع وجود العذر، وهو المشقّة عليهم. لكن في مصنف ابن أبي شيبة، عن ابن عون قال: قلت لمحمد: الرجل يسجد إذا اعتمد بمرفقيه على ركبتيه؟ قال: ما أعلم به بأسًا، وكان ابن عمر يضم يديه إلى جنبيه إذا سجد، وسأله رجل: أأضع مرفقيّ على فخذي إذا سجدت؟ فقال: اسجد كيف تيسر عليك. وقال الشافعي في الأم: يسن للرجل أن يجافي مرفقيه عن جنبيه ويرفع بطنه عن فخذيه. (وقال الليث) بن سعد: (حدّثني جعفر بن

131 - باب يستقبل بأطراف رجليه القبلة. قاله أبو حميد الساعدي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ربيعة، نحوه) وصله مسلم بلفظ: كان إذا سجد فرج يديه عن إبطيه حتى إني لأرى بياض إبطيه. 131 - باب يَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ. قَالَهُ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. هذا (باب) بالتنوين (يستقبل) المصلي حال سجوده (بأطراف رجليه القبلة)، وللأصيلي وأبي ذر: باب يستقبل القبلة بأطراف رجليه، بأن يجعل قدميه قائمتين على بطون أصابعهما، وعقبيه مرتفعتين، فيستقبل بظهور قدميه القبلة، ومن ثم ندب ضم الأصابع في السجود لأنها لو تفرقت انحرفت رؤوس بعضها عن القبلة، (قاله) أي الاستقبال المذكور (أبو حميد)، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: الساعدي، (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وهذا الباب والذي قبله ثبتا في الفرع كأصله وفي كثير من الأصول، وسقطا في بعضهما. قال الكرماني: لأنهما ذكرا مرة قبل باب: فضل استقبال القبلة، وتعقب بأنه لم يذكر هناك إلا قوله: باب يبدي ضبعيه ويجافي جنبيه في السجود. وأما الباب الثاني فلم يذكر هناك ترجمة، فلهذا كان الصواب إثباتهما. 132 - باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ السُّجُودَ هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يتم) الصلي (السجود) ولأبي ذر سجوده. 808 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ "رَأَى رَجُلاً لاَ يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلاَ سُجُودَهُ. فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْتَ. قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَلَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ سُنَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا الصلت بن محمد) البصري الخاركي، نسبة إلى خارك، بالخاء المعجمة والراء، من سواحل البصرة (قال: حدّثنا مهدي) الأزدي، وللأصيلي: مهدي بن ميمون، (عن واصل) الأحدب (عن أبي وائل) بالهمز: شقيق بن سلمة، (عن حذيفة) بن اليمان رضي الله عنه (أنه رأى رجلاً) حال كونه (لا يتم ركوعه ولا سجوده، فلما قضى صلاته) أي أدّاها (قال له حذيفة: ما صليت) نفى الصلاة عنه لأن الكل ينتفي بانتفاء الجزء، فانتفاء إتمام الركوع والسجود مستلزم لانتفائهما المستلزم لانتفاء الصلاة. (قال) أبو وائل: (وأحسبه) بالواو أي حذيفة ولأبي ذر: فأحسبه (قال: ولو) بواو قبل اللام، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي: لو (مت)، وللحموي والمستملي: لمت (على غير سُنة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي طريقته. 133 - باب السُّجُودِ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ (باب السجود على سبعة أعظم). 809 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ "أُمِرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ، وَلاَ يَكُفَّ شَعَرًا، وَلاَ ثَوْبًا: الْجَبْهَةِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ". [الحديث 809 - أطرافه في: 810، 812، 815، 816]. وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وبالصاد المهملة، ابن عقبة بن عامر الكوفي (قال: حدّثنا سفيان) الثوري (عن عمرو بن دينار عن طاوس) هو ابن كيسان (عن ابن عباس) رضي الله عنهما: (أمر النبي) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول، أي أمر الله النبي، وهو يقتضي الوجوب، وعرف ابن عباس هذا بإخباره عليه الصلاة والسلام له أو لغيره، ولابن عساكر أنه قال: أمر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يسجد على سبعة أعضاء)، عبر في الترجمة بسبعة أعظم، فسمى كل واحد عظمًا باعتبار الجملة. وإن اشتمل كل واحد على عظام، ويجوز أن يكون من باب تسمية الجملة باسم بعضها، نعم. وقع في رواية الأصيلي هنا: على سبعة أعظم (ولا يكف) أي ولا يضم ولا يجمع (شعرًا) لرأسه (ولا ثوبًا) بيديه عند الركوع والسجود في الصلاة، وهذا ظاهر الحديث وإليه مال الداودي. وردّه القاضي عياض بأنه خلاف ما عليه الجمهور، فإنهم كرهوا ذلك للمصلي سواء فعله في الصلاة أو خارجها، والنهي هنا محمول على التنزيه، والحكمة فيه أن الشعر والثوب يسجد معه، أو أنه إذا رفع شعره أو ثوبه عن مباشرة الأرض أشبه المتكبر. وقوله: يكف بضم الكاف والفعل منصوب عطفًا على المنصوب السابق، وهو أن يسجد، أي أمره الله أن يسجد، وأن لا يكفه وهذا هو الذي في الفرع، ويجوز رفعه على أن الجملة مستأنفة، وهي معترضة بين المجمل، وهو قوله: سبعة أعضاء، والفسر وهو قوله: (الجبهة) بالكسر عطف بيان لقوله: سبعة أعضاء، وكذا ما بعدها عطف عليها، وهو قوله: (واليدين) أي، وباطن الكفّين (والركبيتن و) أطراف أصابع (الرجلين). فلو أخلّ المصلي بواحد من هذه السبعة بطلت صلاته. نعم، في السجود على اليدين والركبتين والرجلين قولان عند الشافعية، صحح الرافعي الاستحباب فلا يجب، لأنه لو وجب وضعها لوجب الإيماء بها عند العجز عن وضعها، كالجبهة ولا يجب الإيماء، فلا يجب وضعها. واستدلّ له بعضهم بحديث المسيء صلاته حيث قال فيه: ويمكن جبهته. وأجيب بأن غايته أنه مفهوم لقب، والمنطوق مقدم عليه، وليس هو

134 - باب السجود على الأنف

من باب تخصيص العموم. وصحح النووي الوجوب لحديث الباب وهو مذهب أحمد وإسحاق، ويكفي وضع جزء من كل واحد منها. والاعتبار في اليدين بباطن الكفّين سواء الأصابع والراحة، وفي الرجلين ببطون الأصابع، ولا يجب كشف شيء منها إلا الجبهة. نعم: يسن كشف اليدين والقدمين لأن في سترهما منافاة للتواضع، ويكره كشف الركبتين لما يحذر من كشف العورة، فإن قلت: ما الحكمة في عدم وجوب كشف القدمين؟ أجيب: بأن الشارع وقت المسح على الخف بمدة يقع فيها الصلاة بالخف، فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخف المقتضي لنقض الطهارة، فتبطل الصلاة. وعورض بأن المخالف له أن يقول يخص لابس الخف لأجل الرخصة. 810 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أُمِرْنَا أَنْ نَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ وَلاَ نَكُفَّ ثَوْبًا وَلاَ شَعَرًا». وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) هو ابن دينار (عن طاوس) هو ابن كيسان (عن ابن عباس) أيضًا، رضي الله عنهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) (أمرنا) بضم الهمزة أي: أنا وأمتي (أن نسجد على سبعة أعظم) أي أعضاء كما في الرواية الأخرى (ولا نكف ثوبًا ولا شعرًا) بنصب نكف ورفعها كما مرّ. 811 - حَدَّثَنَا آدَمُ قال: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ -وَهْوَ غَيْرُ كَذُوبٍ- قَالَ: "كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَضَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَبْهَتَهُ عَلَى الأَرْضِ". وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني، بالإفراد، وللأصيلي: أخبرنا، بالجمع (إسرائيل) بن يونس (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله بفتح العين فيهما، الكوفي (عن عبد الله بن يزيد الخطمي) بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة وكسر الميم، وسقط لفظ: الخطمي في رواية أبي ذر والأصيلي (قال: حدّثنا البراء بن عازب، وهو غير كذوب قال: كنا نصلي خلف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فإذا قال): (سمع الله لمن حمده لم يحن) بفتح الياء وكسر النون وضمها أي لم يقوّس (أحد منا) ولابن عساكر: أحدنا (ظَهره حتى يضع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبهته) الشريفة (على الأرض). هذا موضع الترجمة، وخص الجبهة بالذكر لأنها أدخل في الوجوب من بقية الأعضاء السبعة ولذا لم يختلف في وجوب السجود بها. واختلف في غيرها من بقية الأعضاء وليس فيه ما ينفي الزيادة في غيره، أو أن العادة وضع الجبهة إنما هو بالاستعانة بالستة الأعضاء الأخرى غالبًا. 134 - باب السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ (باب السجود على الأنف). وسقط للاّصيلي الباب والترجمة. 812 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: عَلَى الْجَبْهَةِ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ- وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ. وَلاَ نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَالشَّعَرَ». وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمي البصري، ولابن عساكر: العلى بزيادة أل (قال: حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد الباهلي البصري (عن عبد الله بن طاوس عن أبيه) طاوس (عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أمرت) بضم الهمزة (أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة) أي: أسجد على الجبهة، حال كون السجود على سبعة أعظم، فلفظ على الثانية متعلق بمحذوف كما مرّ، والأولى متعلقة بأمرت. (وأشار) عليه الصلاة والسلام (بيده على أنفه) كأنه ضمن أشار معنى: أمرّ بتشديد الراء، فلذا عدّاه بعلى دون: إلى. ووقع في بعض الأصول من رواية كريمة هنا بلفظ: إلى بدل: على وعند النسائي من طريق سفيان بن عيينة، عن ابن طاوس قال: ووضع يده على جبهته، وأمرّها على أنفه، وقال: هذا واحد أي أنهم كالعضو الواحد، لأن عظم الجبهة هو الذي منه عظم الأنف، والألزم أن تكون الأعضاء ثمانية وعورض بأنه يلزم منه أن يكتفي بالسجود على الأنف، كما يكتفي بالسجود على بعض الجبهة. وأجيب: بأن الحق أن مثل هذا لا يعارض التصريح بذكر الجبهة وإن أمكن أن يعتقد أنهما كعضو واحد، فذاك في التسمية والعبارة لا في الحكم الذي دلّ عليه الأمر وعند أبي حنيفة يجزئ أن يسجد عليه دون جبهته، وعند الشافعية والمالكية والأكثرين: يجزئ على بعض الجبهة. ويستحب على الأنف. قال الخطابي: لأنه إنما ذكر بالإشارة فكان مندوبًا، والجبهة هي الواقعة في صريح اللفظ فلو ترك السجود على الأنف جاز ولو اقتصر عليه وترك الجبهة لم يجز. وقال أبو حنيفة، وابن القاسم: له أن يقتصر على أيّهما شاء. وقال الحنابلة وابن حبيب: يجب عليهما الظاهر، الحديث. وأجيب: بأن ظاهره أنهما في حكم عضو واحد كما مرّ، وقوله: وأشار بيده إلى آخره جملة معترضة بين المعطوف عليه، وهو: الجبهة، والمعطوف وهو قوله: (واليدين)

135 - باب السجود على الأنف والسجود على الطين

أي باطن الكفّين (والركبتين وأطراف) أصابع (القدمين، ولا نكفت الثياب و) لا (الشعر) بفتح النون وسكون الكاف وكسر الفاء آخره مثناة فوقية والنصب، وهو بمعنى: الكف في السابقة، ومنه {ألم نجعل الأرض كفاتًا} [المرسلات: 25] أي كافتة. اسم لما يكفت، أي: يضم ويجمع. 135 - باب السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ وَالسُّجُودِ عَلَى الطِّينِ (باب السجود على الأنف) حال كونه (في الطين) كذا للأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت وأبي ذر عن الحموي والكشميهني، زاد المستملي: والسجود على الطين، والأول أحسن لئلا يلزم التكرار. 813 - حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَقُلْتُ أَلاَ تَخْرُجُ بِنَا إِلَى النَّخْلِ نَتَحَدَّثْ؟ فَخَرَجَ. فَقَالَ: "قُلْتُ حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ؟ قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرَ الأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ. فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ. قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ: مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلْيَرْجِعْ فَإِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَإِنِّي نُسِّيتُهَا، وَإِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ، وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ. وَكَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ جَرِيدَ النَّخْلِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا، فَجَاءَتْ قَزْعَةٌ فَأُمْطِرْنَا، فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ وَالْمَاءِ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَرْنَبَتِهِ تَصْدِيقَ رُؤْيَاهُ". وبه قال (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي (قال: حدّثنا همام) هو: ابن يحيى (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال: انطلقت إلى أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) رضي الله عنه (فقلت،: ألا تخرج بنا إلى النخل) وللأصيلي: ألا تخرج إلى النخل، حال كوننا (نتحدث) بالجزم، في الفرع ولأبي ذر نتحدث، بالرفع (فخرج، فقال): ولأبي ذر والأصيلي: قال (قلت) وللأصيلي، وأبي الوقت فقلت: (حدّثني ما سمعت من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ليلة القدر، قال: اعتكف رسول الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشر الأُول) بضم الهمزة وتخفيف الواو، بإضافة العشر لتاليه، وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر وأبي الوقت: العشر الأُول، وفي بعض النسخ كما في المصابيح: اعتكف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأوّل، بغير موصوف، والهمزة مفتوحة (من رمضان، واعتكفنا معه، فأتاه جبريل) عليه الصلاة والسلام (فقال: إن الذي تطلب) هو (أمامك) بفتح الميم الثانية أي قدامك. (فاعتكف العشر الأوسط) كذا في أكثر الروايات، والمراد بالعشر: الليالي، وكان من حقها أن توصف بلفظ التأنيث، ووصفت بالمذكر على إرادة الوقت، أو الزمان، أو التقدير الثلث، كأنه قال: ليالي العشر التي هي الثلث الأوسط من الشهر (فاعتكفنا) بالفاء، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: واعتكفنا (معه فأتاه جبريل) عليه الصلاة والسلام (فقال) له: (إن الذي تطلب) هو (أمامك قام) كذا لأبي ذر، وللأصيلي: فقام، وفي رواية: ثم قام (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (خطيبًا صبيحة عشرين) نصب على الظرفية، أي في صبيحة عشرين (من رمضان، فقال) عليه الصلاة والسلام: (من اعتكف مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي معي، فهو من باب الالتفات من التكلم للغيبة، (فليرجع) إلى الاعتكاف (فإني أُريت) بهمزة مضمومة قبل الراء على البناء لغير معين من الرؤيا، أي أعلمت، أو من الرؤية. وللحموي والمستملي: فإني رأيت، أي: أبصرت (ليلة القدر) وإنما رأى علامتها، وهي السجود في الماء والطين (وإني نسيتها) بضم النون وتشديد السين المهملة المكسورة، وفي بعض النسخ: أنسيتها، بهمزة مضمومة. ففي الروايتين أنه نسيها بواسطة، ولأبي ذر: نسيتها بفتح النون وتخفيف السين: أي نسيتها من غير واسطة، والمراد أنه نسي علم تعيينها في تلك السنة (وأنها في العشر الأواخر في وتر) جمع آخره، قال في المصابيح وهذا جارٍ على القياس، قال ابن الحاجب: ولا يقال هنا جمع لأخرى لعدم دلالتها على التأخير الوجودي، وهو مراد وفيه بحث. اهـ. (وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء). (وكان سقف المسجد جريد النخل وما نرى في السماءِ شيئًا) من السحاب (فجاءت قزعة) بفتح القاف والزاي المعجمة والعين المهملة وقد تسكن الزاي، قطعة من سحاب رقيقة (فأمطرنا) بضم الهمزة وكسر الطاء (فصلّى بنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حتى رأيت أثر الطين والماء) ولابن عساكر: أثر الماء والطين (على جبهة رسول الله) وللأصيلي: على جبهة النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأرنبته) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح النون والموحدة، طرف أنفه. وحمله الجمهور على الأثر الخفيف، لكن يعكر عليه قوله في بعض طرقه: ووجهه ممتلئ طينًا وماءً. وأجاب النووي بأن الامتلاء المذكور لا يستلزم ستر جميع الجبهة، وقول الخطابي فيه دلالة على وجوب السجود على الجبهة والأنف، ولولا ذلك لصانهما عن لثق الطين. تعقبه ابن المنير بأن الفعل

136 - باب عقد الثياب وشدها ومن ضم إليه ثوبه إذا خاف أن تنكشف عورته

لا يدل على الوجوب، فلعله أخذنا بالأكمل وأخذه من قوله: صلوا كما رأيتموني أصلي معارض بأن المندوب في أفعال الصلاة أكثر من الواجب، فعارض الغالب ذلك الأصل. اهـ. وكان ما ذكر من أثر الطين والماء (تصديق رؤياه) عليه الصلاة والسلام وتأويلها. وضبطه البرماوي والعيني كالكرماني بالرفع بتقدير: هو. وفي الفرع وأصله، بالنصب فقط. وزاد في رواية ابن عساكر: قال أبو عبد الله، أي المؤلّف، كان الحميدي، أي شيخه، يحتج بهذا الحديث، يقول: لا يمسح المساجد جبهته من أَثر الأرض. وأخرج المؤلّف الحديث في الصلاة والصوم والاعتكاف، ومسلم في الصوم، وأبو داود في الصلاة، والنسائي في الاعتكاف، وابن ماجة في الصوم. 136 - باب عَقْدِ الثِّيَابِ وَشَدِّهَا وَمَنْ ضَمَّ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ إِذَا خَافَ أَنْ تَنْكَشِفَ عَوْرَتُهُ (باب عقد الثياب وشدها) عند الصلاة. (ومن ضم إليه ثوبه) من المصلين (إذا خاف) وللأصيلي: مخافة (أن تنكشف عورته) أي خوف انكشاف عورته وهو في الصلاة، وهذا يومئ إلى أن النهي الوارد عن كفّ الثياب في الصلاة محمول على حالة غير الاضطرار. 814 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: "كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُمْ عَاقِدُو أُزْرِهِمْ مِنَ الصِّغَرِ عَلَى رِقَابِهِمْ، فَقِيلَ لِلنِّسَاءِ لاَ تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا". وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة (قال: أخبرنا سفيان) الثوري (عن أبي حازم) بالحاء المهملة، سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي (قال: كان الناس يصلون مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهم عاقدو) بالرفع خبر المبتدأ مضاف إلى (أزرهم) بضم الهمزة والزاي: وبسكونها في اليونينية وكسر الراء، جمع إزار. وسقطت نون عاقدون للإضافة. وللحموي والمستملي: عاقدي بالياء نصبًا على الحال. أي وهم مؤتزرون حال كونهم عاقدي أزرهم، فسدّ مسدَّ الخبر، أو خبر كان محذوفة، أي: هم كانوا عاقدي أزرهم (من الصغر) أي من أجل صغر أزرهم (على رقابهم، فقيل للنساء: لا ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوسًا) أي جالسين نهاهنّ أن يرفعن رؤوسهن قبل الرجال خوف أن يقع بصرهنّ على عوراتهم. 137 - باب لاَ يَكُفُّ شَعَرًا هذا (باب) بالتنوين (لاّ يكف) بضم الفاء، كذا في فرع اليونينية، كهي وهو الذي ضبطه الحافظ ابن حجر في روايته، قال: وهو الراجح، ويجوز الفتح. وقال الدماميني والبرماوي: بفتح الفاء عند المحدثين وضمها عند المحققين من النحاة، وكذا لا يكف ثوبه في الصلاة أي في الترجمة الآتية. والمعنى: لا يضم المصلي (شعرًا) من رأسه في صلاته. 815 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ -وَهْوَ ابْنُ زَيْدٍ- عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "أُمِرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، وَلاَ يَكُفَّ ثَوْبَهُ وَلاَ شَعَرَهُ". وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي (قال: حدّثنا حماد وهو ابن زيد) وللأصيلي وابن عساكر: حماد بن زيد، ولأبي ذر هو ابن زيد (عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة وكسر الميم (أن يسجد على سبعة أعظم): الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين، (ولا يكف ثوبه ولا شعره) الذي في رأسه. ومناسبة هذه الترجمة لأحكام السجود من جهة أن الشعر يسجد مع الرأس إذا لم يكف أو يلف، وجاء في حكمة النهي عن ذلك أن غرزة الشعر يقعد فيها الشيطان حالة الصلاة، كما سنن أبي داود بإسناد جيد مرفوعًا. 138 - باب لاَ يَكُفُّ ثَوْبَهُ فِي الصَّلاَةِ 816 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةٍ، لاَ أَكُفُّ شَعَرًا وَلاَ ثَوْبًا». هذا (باب) بالتنوين (لا يكف) بالضم أو النصب المصلي، (ثوبه في الصلاة). وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي، وسقط لفظ: إسماعيل عند ابن عساكر (قال: حدّثنا أبو عوانة) الواضح اليشكري (عن عمرو) هو ابن دينار (عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (أُمرت) بضم الهمزة (أن أسجد على سبعة) ولابن عساكر: أعظم (لا أكف شعرًا) من رأسي (ولا ثوبًا). 139 - باب التَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ (باب التسبيح والدعاء في السجود). 817 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي. يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) القطان (عن سفيان) الثوري (قال: حدّثني) بالإفراد (منصور) ولأبي ذر والأصيلي: منصور بن المعتمر (عن مسلم) زاد الأصيلي: هو ابن صبيح، أي بضم الصاد المهملة وفتح الموحدة آخره مهملة أبي الضحى، بضم الضاد المعجمة والقصر (عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: (سبحانك اللهمّ ربنا وبحمدك اللهمّ اغفر لي). (يتأول القرآن) أي يفعل ما أمر به فيه، أي في قوله تعالى:

140 - باب المكث بين السجدتين

{فسبح بحمد ربك واستغفره} [النصر: 3] أي سبح بنفس الحمد لما تضمنه الحمد من معنى التسبيح الذي هو التنزيه لاقتضاء الحمد نسبة الأفعال المحمود عليها إلى الله تعالى. فعلى هذا يكفي في امتثال الأمر الاقتصار على الحمد أو المراد فسبح ملتبسًا بالحمد. فلا يمتثل حتى يجمعهما وهو الظاهر. وفي رواية الأعمش عن أبي الضحى كما في التفسير عند المؤلّف: ما صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة بعد أن نزلت عليه {إذا جاء نصر الله والفتح} إلا يقول فيها، الحديث. وهو يقتضي مواظبته عليه الصلاة والسلام على ذلك. واستدلّ به على جواز الدعاء في الركوع والسجود والتسبيح في السجود، ولا يعارضه قوله، عليه الصلاة والسلام، المروي في مسلم وأبي داود والنسائي أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء. لكن يحتمل أن يكون أمر في السجود بتكثير الدعاء لإشارة قوله: فاجتهدوا فيه في الدعاء. والذي وقع في الركوع من قوله: اللهم اغفر لي، ليس بكثير، فلا يعارض ما أمر به في السجود، وفيه تقديم الثناء على الدعاء. 140 - باب الْمُكْثِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (باب المكث بين السجدتين) ولأبي ذر عن الحموي بين السجود. 818 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ "أَنَّ مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ قَالَ لأَصْحَابِهِ: أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَ وَذَاكَ فِي غَيْرِ حِينِ صَلاَةٍ- فَقَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَكَبَّرَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَامَ هُنَيَّةً، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ هُنَيَّةً -فَصَلَّى صَلاَةَ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ شَيْخِنَا هَذَا- قَالَ أَيُّوبُ: كَانَ يَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ أَرَهُمْ يَفْعَلُونَهُ، كَانَ يَقْعُدُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ". وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) السدوسي (قال: حدّثنا حماد) ولأبي ذر والأصيلي: حماد بن زيد (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (أن مالك بن الحويرث) بضم الحاء المهملة وفتح الواو آخره مثلثة (قال لأصحابه: ألا أنبئكم صلاة رسول الله) وللأصيلي: صلاة النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). الإنباء يتعدى بنفسه، قال تعالى {من أنبأك هذا} وبالباء قال تعالى: {قل أؤنبئكم بخير من ذلكم} [آل عمران: 15] (قال) أبو قلابة (وذاك) أي الإنباء الذي دل عليه: أنبئكم (في غير حين صلاة) من الصلوات المفروضة. (فقام) أي: مالك، فأحرم بالصلاة (ثم ركع فكبر ثم رفع رأسه) من الركوع (فقام هنية) بضم الهاء وفتح النون وتشديد المثناة التحتية أي قليلاً (ثم سجد، ثم رفع رأسه هنية) هذا موضع الترجمة، لأنه يقتضي الجلوس بين السجدتين قدر الاعتدال. قال أبو قلابة: (فصلّى صلاة عمرو بن سلمة) بكسر اللام (شيخنا هذا) بالجر عطف بيان لعمرو والمجرور بالإضافة، أي: كصلاته. (قال أيوب) السختياني بالسند المسوق إليه: (كان) أي الشيخ المذكور (يفعل شيئًا لم أرهم يفعلونه، كان يقعد) أي يجلس آخر (الثالثة و) (الرابعة) ذا في الفرع، والرابعة بغير ألف، وعزاها ابن التين لأبي ذر، وقال وأراه غير صحيح. اهـ. ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي مما في الفرع وأصله أو الرابعة، بالشك من الراوي أيّهما قال: والمتردّد فيه واحد، لأن المراد بدء الرابعة، لأن الذي بعدها جلوس التشهد وذلك انتهاء الثالث. وفيه استحباب جلسة الاستراحة، وبه قال الشافعي وإن خالفه الأكثر. 819 - قَالَ: "فَأَتَيْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ فَقَالَ: «لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى أَهْلِيكُمْ، صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ». (قال) ابن الحويرث: أسلمنا أو أرسلنا قومنا (فأتينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قأقمنا عنده) زاد في رواية ابن عساكر: شهرًا (فقال) عليه الصلاة والسلام: (لو) أي إذا، أو إن (رجعتم إلى أهليكم) بسكون الهاء. ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي: أهاليكم بفتح الهاء ثم ألف بعدها (صلوا صلاة كذا، في حين كذا، صلوا) وللأصيلي وابن عساكر: وصلوا، لزيادة واو قبل الصاد (صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم). 820 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: "كَانَ سُجُودُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرُكُوعُهُ وَقُعُودُهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) المعروف بصاعقة (قال: حدّثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري) بضم الزاي وفتح الموحدة وبالراء بعد المثناة التحتية (قال: حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون المهملة، ابن كدام (عن الحكم) بفتح الحاء والكاف، ابن عتيبة الكوفي (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء) بن عازب أنه (قال كان سجود النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) اسم كان وتاليه معطوف عليه، وهو قوله: (وركوعه وقعوده بين السجدتين) أي: كان زمان سجوده وركوعه وجلوسه بين السجدتين (قريبًا من السواء) بالمدّ أي المساواة. قال الخطابي: هذا أكمل صفة صلاة الجماعة، وأما الرجل وحده فله أن يطيل في الركوع والسجود أضعاف ما يطيل بين السجدتين وبين الركوع والسجدة. 821 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "إِنِّي لاَ آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِنَا -قَالَ ثَابِتٌ: كَانَ أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيْئًا لَمْ أَرَكُمْ تَصْنَعُونَهُ- كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ قَدْ نَسِيَ، وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ قَدْ نَسِيَ". وبه

141 - باب لا يفترش ذراعيه في السجود

قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي (قال: حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم (عن ثابت) البناني (عن أنس) رضي الله عنه، ولأبي ذر والأصيلي زيادة: ابن مالك (قال: إني لا آلو) بمدّ الهمزة وضم اللام، أي: لا أقصر (أن أصلي بكم كما رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي بنا قال ثابت: كان أنس) ولأبي ذر والأصيلي: كان أنس بن مالك (يصنع شيئًا في صلاته لم أركم تصنعونه) في صلاتكم (كان إذا رفع رأسه من الركوع قام) فيمكث معتدلاً (حتى يقول القائل: قد نسي) بفتح النون (و) يمكث جالسًا (بين السجدتين، حتى يقول القائل: قد نسي) أي من طول قيامه. قال في فتح الباري: وفيه إشعار بأن من خاطبهم ثابت كانوا لا يطيلون بين السجدتين، ولكن السُّنّة إذا ثبتت لا يبالي من تمسك بها مخالفة من خالفها. 141 - باب لاَ يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُودِ وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: سَجَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلاَ قَابِضِهِمَا. هذا (باب) بالتنوين (لا يفترش) بالرفع في الفرع كأصله على النفي، وهو بمعنى النهي، ويجوز الجزم على النهي، أي: لا يبسط المصلي (ذراعيه) أي ساعديه على الأرض، ويتكئ عليهما (في السجود وقال أبو حميد) الساعدي، في حديثه الآتي مطوّلاً إن شاء الله تعالى بعد ثلاثة أبواب: (سجد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ووضع يديه) على الأرض حال كونه (غير مفترش) بأن وضع كفّيه على الأرض وأقل ساعديه غير واضعهما على الأرض (ولا قابضهما) بأن ضمهما إليه غير مجافيهما عن جنبيه، وتسميه الفقهاء بالتخوية. 822 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلاَ يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ». وبالسند السابق أوّل الكتاب قال المؤلّف: (حدّثنا محمد بن بشار) بموحدة مفتوحة فمعجمة مشددة ويقال له بندار (قال: حدّثنا محمد بن جعفر) المعروف بغندر (قال: حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه، صرّح في الترمذي بسماع قتادة له من أنس (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (اعتدلوا) أي: توسطوا بين الافتراش والقبض (في السجود، ولا يبسط)، بمثناة تحتية فموحدة ساكنة من غير نون ولا مثناة فوقية (أحدكم ذراعيه) فينبسط (انبساط الكلب) بنون ساكنة فموحدة مكسورة. كذا في رواية ابن عساكر في الكلمتين. وللأكثرين: ولا ينبسط بنون ساكنة بعد المثناة التحتية فموحدة مفتوحة، من باب: ينفعل، انبساط الكلب، بتسكين النون وكسر الموحدة، كرواية ابن عساكر. وللحموي: ولا يبتسط بموحدة ساكنة بعد المثناة التحتية، فمثناة فوقية مفتوحة من غير نون، من باب: يفتعل، ابتساط الكلب، بموحدة ساكنة فمثناة مكسورة من غير نون. والحكمة فيه أنه أشبه بالتواضع، وأبلغ في تمكين الجبهة من الأرض، وأبعد من هيئات الكسالى، فإن المنبسط يشبه الكسالى، ويشعر حاله بالتهاون، لكن لو تركه صحّت صلاته. نعم، يكون مسيئًا مرتكبًا لنهي التنزيه والله أعلم. والحديث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 142 - باب مَنِ اسْتَوَى قَاعِدًا فِي وِتْرٍ مِنْ صَلاَتِهِ ثُمَّ نَهَضَ (باب من استوى قاعدًا) للاستراحة (في وتر) أي في الركعة الأولى أو الثالثة (من صلاته، ثم نهض) قائمًا. 823 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ اللَّيْثِيُّ "أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي، فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلاَتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا". وبه قال: (حدّثنا محمد بن الصباح) بفتح المهملة وتشديد الموحدة، الدولابي (قال: أخبرنا هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة، ابن بشير، بفتح الموحدة (قال: أخبرنا خالد الحذاء، عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد (قال: أخبرنا) وفي رواية لأبي ذر: أخبرني (مالك بن الحويرث الليثي، أنه رأى النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض) إلى القيام (حتى يستوي قاعدًا) للاستراحة. وبذلك أخذ الشافعي، وطائفة من أهل الحديث، ولم يستحبها الأئمة الثلاثة كالأكثر. واحتج الطحاوي له بخلو حديث أبي حميد عنها، فإنه ساقه بلفظ: قام ولم يتورك، وكذا أخرجه أبو داود. وأجابوا عن حديث ابن الحويرث: بأنه، عليه الصلاة والسلام، كانت به علّة فقعد لأجلها، لا أن ذلك من سُنّة الصلاة، ولو كانت مقصودة لشرع لها ذكر مخصوص. وأجيب: بأن الأصل عدم العلة، وأما الترك فلبيان الجواز على أنه لم تتفق الرواة عن أبي حميد على نفيها، بل أخرج أبو داود أيضًا من وجه آخر عنه إثباتها، وبأنها جلسة خفيفة جدًّا، فاستغنى فيها

143 - باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة

بالتكبير المشروع للقيام. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بغدادي، وهو شيخ المؤلّف، وما بين واسطي وبصري، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في الصلاة. 143 - باب كَيْفَ يَعْتَمِدُ عَلَى الأَرْضِ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَةِ هذا (باب) بالتنوين (كيف يعتمد) المصلي (على الأرض إذا قام من الركعة) أي: أي ركعة كانت، وللمستملي والكشميهني: من الركعتين، أي: الأولى والثالثة. 824 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: "جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فَصَلَّى بِنَا فِي مَسْجِدِنَا هَذَا فَقَالَ: إِنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلاَةَ، وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي. قَالَ أَيُّوبُ: فَقُلْتُ لأَبِي قِلاَبَةَ وَكَيْفَ كَانَتْ صَلاَتُهُ؟ قَالَ: مِثْلَ صَلاَةِ شَيْخِنَا هَذَا -يَعْنِي عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ- قَالَ أَيُّوبُ: وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْخُ يُتِمُّ التَّكْبِيرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ عَنِ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ جَلَسَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ قَامَ". وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمي (قال: حدّثنا) ولابن عساكر: أخبرنا (وهيب) بضم الواو، مصغرًا، ابن خالد (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (قال: جاءنا مالك بن الحويرث، فصلّى بنا في مسجدنا هذا، فقال) ولابن عساكر: قال: (إني لأصلي بكم، وما أريد الصلاة، ولكن) بغير نون الوقاية، وللأصيلي وأبي ذر والحموي والمستملي: ولكنني، بإثباتها، ولابن عساكر: لكن بحذف الواو والياء، (أريد أن أريكم كيف رأيت النبي) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: رأيت رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي). (قال أيوب) السختياني: (فقلت لأبي قلابة: وكيف كانت صلاته؟ قال): كانت (مثل صلاة شيخنا هذا، يعني عمرو بن سلمة). بكسر اللام (قال أيوب: وكان ذلك الشيخ يتم التكبير) أي يكبر عند كل انتقال غير الاعتدال، ولا ينقص من تكبيرات الانتقالات شيئًا، أو كان يمدّه من أوّل الانتقال إلى آخره (وإذا) بالواو، ويروى: فإذا (رفع رأسه عن السجدة الثانية) وللمستملي والكشميهني: في، بدل عن، ولأبى ذر في بعض نسخه من السجدة (جلس واعتمد على الأرض) بباطن كفّيه، كما يعتمد الشيخ العاجن إذا عجن الخمير (ثم قام). 144 - باب يُكَبِّرُ وَهْوَ يَنْهَضُ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُكَبِّرُ فِي نَهْضَتِهِ هذا (باب) بالتنوين (يكبر) المصلي (وهو ينهض من السجدتين) أي: عند ابتداء القيام من التشهد الأوّل إلى الركعة الثالثة كغيره. فالمراد بالسجدتين: الركعتان الأوليان، لأن السجدة تطلق على الركعة من باب إطلاق الجزء على الكل. (وكان ابن الزبير) عبد الله، مما وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح (يكبر في) أوّل (نهضته) من السجدتين. 825 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: "صَلَّى لَنَا أَبُو سَعِيدٍ، فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ وَحِينَ سَجَدَ وَحِينَ رَفَعَ وَحِينَ قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن صالح) أبو زكريا الواحظي الحمصي، (قال: حدّثنا فليح بن سليمان) بضم الفاء وفتح اللام، واسمه عبد الملك، وفليح لقبه، فغلب على اسمه وشهر به (عن سعيد بن الحرث) بكسر العين، ابن المعلى الأنصاري المدني (قال: صلّى لنا أبو سعيد) سعد بن مالك الخدري. رضي الله عنه، بالمدينة لما غاب أبو هريرة، وكان يصلّي بالناس في إمارة مروان على المدينة، وكان مروان وغيره من بني أمية يسرّون بالتكبير (فجهر) أبو سعيد (بالتكبير) زاد الإسماعيلي: حين افتتح وحين ركع وحين سجد، (حين رفع رأسه من السجود وحين سجد وحين رفع) زاد الأصيلي: رأسه (وحين قام من الركعتين) زاد الإسماعيلي: فلما انصرف قيل له: قد اختلف الناس على صلاتك، فقام عند المنبر فقال: إني والله ما أبالي اختلفت صلاتكم أو لم تختلف، (وقال هكذا رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يصلّي. قال في الفتح: والذي يظهر أن الاختلاف بينهم كان في الجهر بالتكبير والإسرار به، وفيه أن التكبير للقيام يكون مقارنًا للفعل، وهو مذهب الجمهور، خلافًا لمالك، حيث قال: يكبر بعد الاستواء، وكأن شبهه بأوّل الصلاة من حيث أنها فرضت ركعتين، ثم زيدت الرباعية فيكون افتتاح المزيد كافتتاح المزيد عليه. كذا قاله بعض أتباعه. لكن كان ينبغي أن يستحب رفع اليدين، حينئذٍ، لتكمل المناسبة، ولا قائل به منهم. اهـ. ورواة هذا الحديث ما بين حمصي ومدنيين، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وتفرد به المؤلّف عن أصحاب الكتب الستة. 826 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: "صَلَّيْتُ أَنَا وَعِمْرَانُ صَلاَةً خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ كَبَّرَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَخَذَ عِمْرَانُ بِيَدِي فَقَالَ: لَقَدْ صَلَّى بِنَا هَذَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَوْ قَالَ- لَقَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي (قال: حدّثنا حماد بن زيد، قال: حدّثنا غيلان بن جرير) بفتح الغين المعجمة وسكون المثناة التحتية في الأوّل، وفتح الجيم في الثاني، (عن مطرف) هو ابن عبد الله بن الشخير العامرى (قال: صليت أنا وعمران) ابن حصين (صلاة) من الصلوات (خلف علي بن أبي طالب) رضي الله عنه بالبصرة (فكان

145 - باب سنة الجلوس في التشهد وكانت أم الدرداء تجلس في صلاتها جلسة الرجل، وكانت فقيهة

إذا سجد كبر، وإذا رفع) رأسه من السجود (كبر، إذا نهض من الركعتين) الأوليين بعد التشهد (كبر) عند ابتداء القيام وهذا موضع الترجمة. (فلما سلم) أي: عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، (أخذ عمران) بن حصين (بيدي) بكسر الدال (فقال: لقد صلّى بنا هذا) يعني علي بن أبي طالب (صلاة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي مثل صلاته، (أو قال: لقد ذكرني) بتشديد الكاف (هذا صلاة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) شك مطرف. 145 - باب سُنَّةِ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ وَكَانَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ تَجْلِسُ فِي صَلاَتِهَا جِلْسَةَ الرَّجُلِ، وَكَانَتْ فَقِيهَةً (باب سنة الجلوس) أي هيئته (في التشهد) كالافتراش مثلاً أو مراده نفس الجلوس، على أن يكون المقصود بالسُّنَّة الطريقة الشاملة للواجب والمندوب. (وكانت أم الدرداء)، مما وصله المؤلّف في تاريخه الصغير من طريق مكحول، (تجلس في صلاتها جلسة الرجل) بكسر الجيم، لأن المراد الهيئة، أي كما يجلس الرجل، بأن تنصب الرجل اليمنى، وتفرش اليسرى، قال مكحول (وكانت) أي: أم الدرداء (فقيهة). وكذا وصله ابن أبي شيبة لكنه لم يقل: كانت فقيهة، فجزم مغلطاي وابن الملقن بأنه من قول البخاري، كأنهما لم يقفا على رواية تاريخ المؤلّف، وجزم الحافظ ابن حجر بأنه من كلام مكحول لرواية التاريخ، ومسند الفريايي، فإنه أخرجه فيه كذلك تمامًا، وبأن أم الدرداء، هذه هي الصغرى، هجيمة التابعية، لا الكبرى: خيرة بنت أبي حدرد الصحابية، لأن مكحولاً لم يدرك الكبرى، وإنما أدرك الصغرى، وأما استدلال العيني على أنها الكبرى بقوله: وكانت فقيهة، فليس بشيء كما لا يخفى. 827 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ "أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلاَةِ إِذَا جَلَسَ، فَفَعَلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ، فَنَهَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ: إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلاَةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتَثْنِيَ الْيُسْرَى، فَقُلْتُ: إِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّ رِجْلَىَّ لاَ تَحْمِلاَنِي". وبالسند السابق إلى المصنف قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) إمام دار الهجرة (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عبد الله بن عبد الله أنه أخبره) صريح في أن عبد الرحمن بن القاسم أخذه عن عبد الله، فيحمل ما رواه الإسماعيلي عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الله، على أن عبد الرحمن أخذه عن أبيه عن عبد الله، ثم أخذه عنه بغير واسطة، (أنه كان يرى) أباه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، يتربع في الصلاة، إذا جلس) للتشهد. (ففعلته) أي التربع (وأنا يومئذٍ حديث السن، فنهاني) عنه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (وقال) بالواو، ولأبي ذر في نسخة له، وهي رواية أبي الوقت قال بإسقاطها، ولابن عساكر: فقال: (إنما سُنّة الصلاة) أي: التي سنّها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن تنصب رجلك اليمني) أي لا تلصقها بالأرض (وتثني) بفتح أوّله أي تعطف رجلك (اليسرى). وفي رواية يحيى بن سعيد عند مالك في موطئه: أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد، فنصب رجله اليمنى وثنى اليسرى وجلس على وركه اليسرى، ولم يجلس على قدمه، فبيّن في رواية القاسم الإجمال الذي في رواية ابنه، لأنه لم يبيّن ما يصنع بعد أن يثني اليسرى، هل يجلس فوقها أو يتورك. قال عبد الله: (فقلت: إنك تفعل ذلك) أي التربع. (فقال: إن رجليّ) بتشديد الياء، تثنية رجل، ولأبي الوقت وابن عساكر: إن رجلاي بالألف على إجراء المثنى مجرى المقصور كقوله: إن أباها أو أباها. أو أن: أن بمعنى نعم، ثم استأنف فقال: رجلاي (لا تحملاني) بتخفيف النون، ولأبي ذر، لا تحملاني بتشديدها. وهذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي. 828 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ. وَحَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ وَيَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ: أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَذَكَرْنَا صَلاَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ: "أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، رَأَيْتُهُ إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلاَ قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ" وَسَمِعَ اللَّيْثُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ، وَيَزِيدُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَلْحَلَةَ، وَابْنُ حَلْحَلَةَ مِنَ ابْنِ عَطَاءٍ. قَالَ أَبُو صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ "كُلُّ فَقَارٍ". وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُ "كُلُّ فَقَارٍ". وبه قال: (حدّثنا، يحيى بن بكير) المصري (قال: حدّثنا الليث) بن سعد المصري أيضًا (عن خالد) هو ابن يزيد الجمحي المصري (عن سعيد) الليثي المدني، زاد أبو ذر. هو ابن أبي هلال (عن محمد بن عمرو بن حلحلة) بفتح العين، وكذا الحاءين المهملتين وسكون اللام الأولى الديلي المدني (عن محمد بن عمرو بن عطاء) بفتح العين قبل الميم الساكنة القرشي العامري المدني. (وحدّثنا) بالواو، وفي بعض الأصول قبله: ح للتحويل إلى سند آخر، ولابن عساكر قال: حدّثني، بحذف الواو والإفراد، أي: قال يحيى بن بكير: حدّثني أو حدّثنا (الليث) بن سعد (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد المصري (ويزيد بن محمد) القرشي كلاهما (عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن

محمد بن عمرو بن عطاء أنه) أي ابن عطاء (كان جالسًا مع نفر) كذا لكريمة بلفظ مع، ولغيرها، وعزاه في الفرع لأبي ذر والأصيلي: في نفر، اسم جمع يقع على الرجال خاصة، ما بين الثلاثة إلى العشرة، وفي سنن أبي داود وصحيح ابن خزيمة أنهم كانوا عشرة (من أصحاب النبي) ولأبي الوقت: من أصحاب رسول الله، أي: حال كونهم من أصحابه (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) منهم أبو قتادة بن ربعي، وأبو أسيد الساعدي، وسهل بن سعد، ومحمد بن مسلمة، وأبو هريرة رضي الله عنهم، (فذكرنا صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال أبو حميد) عبد الرحمن أو المنذر (الساعدي) الأنصاري، رضي الله عنه: (أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله) وللأصيلي: لصلاة النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). زاد في رواية أبي داود: قالوا فلم؟ فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعًا، ولا أقدمنا له صحبة، وللطحاوي. قالوا: من أين؟ قال: رقبت ذلك منه حتى حفظت صلاته. (رأيته) عليه الصلاة والسلام (إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه) ولأبي ذر، حذو منكبيه، زاد ابن إسحاق: ثم قرأ بعض القرآن (وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره) بالصاد المهملة، أي أماله في استواء من رقبته، ومتن ظهره من غير تقويس، (فإذا رفع رأسه استوى) قائمًا معتدلاً (حتى يعود كل فقار مكانه) بفتح الفاء والقاف جمع فقارة، واستعمل الفقار للواحد تجوّزًا، وفي المطالع، ونسب للأصيلي كسر الفاء. وحكي عن الأصيلي أيضًا: كل قفار، بتقديم القاف، وهو تصحيف لأنه جمع قفر وهو المفازة، ولا معنى له هنا. والفقار بتقديم الفاء ما انتضد من عظام الصلب من لدن الكاهل إلى العجب، قاله في المحكم: وهو ما بين كل مفصلين. وقال صاعد: وهن أربع وعشرون، سبع في العنق، وخمس في الصلب، واثنتا عشرة في أطراف الأضلاع وقال الأصمعي: خمس وعشرون. وفي رواية الأصيلي: حتى يعود كل فقار إلى مكانه (فإذا سجد وضع يديه) حال كونه (غير مفترش) ساعديه، وغير حامل بطنه على شيء من فخذيه (ولا قابضهما) أي: ولا قابض يديه. وهو أن يضمهما إليه. وفي رواية فليح بن سليمان: ونحى يديه عن جنبيه، ووضع يديه حذو منكبيه، (واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين) الأوليين للتشهد (جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى) وهذا هو الافتراش. (وإذا جلس في الركعة الآخرة) للتشهد الآخر (قدّم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته)، وهذا هو التورك، وفيه دليل للشافعية في: أن جلوس التشهد الأخير مغاير لغيره. وحديث ابن عمر المطلق محمول على هذا الحديث المقيد، نعم. في حديث عبد الله بن دينار المروي في الموطأ التصريح بأن جلوس ابن عمر المذكور كان في التشهد الأخير. وعند الحنفية يفترش في الكل، وعند المالكية يتورك في الكل، والمشهور وعن أحمد اختصاص التورك بالصلاة التي فيها تشهدان. فإن قلت: ما الحكمة في أخذ الشافعية بالتغاير في الجلوس الأوّل والثاني؟ أجيب: لأنه أقرب إلى عدم اشتباه عدد الركعات، ولأن الأول تعقبه الحركة بخلاف الثاني، ولأن المسبوق إذا رآه علم قدر ما سبق به. ورواة هذا الحديث ما بين مصريين بالميم ومدنيين، وفيه إرداف الرواية النازلة بالعالية، ويزيد ابن محمد من أفراد المؤلّف، والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. قال المؤلّف مفيدًا: إن العنعنة الواقعة في هذا الحديث بمنزلة السماع. (وسمع الليث) بن سعد (يزيد بن أبي حبيب) وسقط للأصيلي واو: وسمع، (ويزيد بن محمد بن عمرو بن حلحلة) وللأصيلي: ويزيد بن محمد، محمد (¬1) بن حلحلة، ولأبي ذر: ويزيد محمدًا وللأصيلي أيضًا: ويزيد سمع من محمد بن حلحلة. (وابن حلحلة) سمع (من ابن عطاء) وقد سقط ذلك أعني من قوله: سمع إلى آخر قوله ابن عطاء، عند ابن عساكر. (وقال) بواو العطف، ولغير أبي ذر وابن عساكر: قال (أبو صالح) كاتب الليث، وليس هو: أبو صالح عبد الغفار البكري، مما وصله الطبراني، (عن الليث) بإسناده الثاني السابق، عن يزيد بن أبي حبيب، ويزيد بن محمد: ¬

(¬1) كذا في الأصل "يزيد بن محمد محمد" بتكرير "محمد".

146 - باب من لم ير التشهد الأول واجبا لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام من الركعتين ولم يرجع

(كل فقار) بغير إضافة إلى ضمير وتقديم الفاء على القاف، كما فى الفرع، وقال الحافظ ابن حجر: ضبط في روايتنا بتقديم القاف على الفاء، وكذا للأصيلي. اهـ. وقد قالوا: إنها تصحيف كما مر، وعند الباقين كرواية يحيى بن بكير يعني بتقديم الفاء، لكن ذكر صاحب المطالع أنهم كسروا الفاء. (وقال ابن المبارك) عبد الله، مما وصله الفريابي في صفة الصلاة له، والجوزقيّ في جمعه، وإبراهيم الحربي في غريبه: (عن يحيى بن أيوب، قال: حدّثني) بالإفراد (يزيد بن أبي حبيب أن محمد بن عمرو حدّثه)، ولأبي ذر: أن محمد بن عمرو بن حلحلة حدّثه: (كل فقار) بتقديم الفاء من غير ضمير أيضًا، وللكشميهني وحده: كل فقاره، بهاء الضمير كما في الفرع. أي: حتى يعود جميع عظام ظهره أو فقاره، بهاء التأنيث، أي: حتى تعود كل عظمة من عظام الظهر مكانها. 146 - باب مَنْ لَمْ يَرَ التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ وَاجِبًا لأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَرْجِعْ (باب من لم ير التشهد الأوّل) في الجلسة الأولى من الرباعية والثلاثية (واجبًا). والتشهد: تفعل من تشهد، سمي بذلك لاشتماله على النطق بشهادة الحق، تغليبًا له على بقية أذكاره لشرفها، وهو من باب إطلاق اسم البعض على الكل. وقد استدلّ المؤلّف لما ترجم له بقوله: (لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قام من الركعتين ولم يرجع) إلى التشهد، ولو كان واجبًا لرجع إليه لما سبحوا به، كما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا. 829 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ مَوْلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -وَقَالَ مَرَّةً: مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ- أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ بُحَيْنَةَ وَهْوَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ، فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ لَمْ يَجْلِسْ! فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلاَةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهْوَ جَالِسٌ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ سَلَّمَ". [الحديث 829 - أطرافه في: 830، 1224، 1225، 1230، 6670]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا) وللأصيلي: حدّثنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة، دينار (عن) ابن شهاب محمد بن مسلم (الزهري قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج (مولى بني عبد المطلب) نسبه لجد مواليه الأعلى (- قال) الزهري (مرة، مولى ربيعة بن الحرث-) بن عبد المطلب، فنسبه لمولاه الحقيقي، فلا منافاة بينهما: (إن عبد الله بن بحينة) بضم الموحدة وفتح المهملة، اسم أمه، (وهو) أي ابن بحينة (من أزد شنوأة) بفتح الهمزة وسكون الزاي بعدها دال مهملة في الأولى، وفتح الشين وضم النون وفتح الهمزة في الثانية، بوزن فعولة، قبيلة مشهورة (وهو) أي ابن بحينة أيضًا (حليف لبني عبد مناف) بالحاء المهملة، لأن جدّه حالف المطلب بن عبد المناف (وكان من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هو مقول التابعي الراوي عنه، (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى بهم الظهر، فقام في الركعتين الأوليين) إلى الثالثة حال كونه (لم يجلس) للتشهد، ولابن عساكر، ولم يجلس، بالواو. وفي مسلم، بالفاء (فقام الناس معه) زاد الضحاك بن عثمان، عن الأعرج فيما رواه ابن خزيمة: فسبحوا به، فمضى (حتى إذا قضى الصلاة) أي فرغ منها (وانتظر الناس تسليمه، كبر وهو جالس) جملة حالية (فسجد سجدتين) للسهو بعد التشهد (قبل أن يسلم، ثم سلم) فيه ندبية التشهد الأول، لأنه لو كان واجبًا لرجع وتداركه. وهذا مذهب الجمهور، خلافًا لأحمد حيث قال: يجب، لأنه عليه الصلاة والسلام فعله وداوم عليه، وجبره بالسجود حين نسيه، وقد قال: صلوا كما رأيتموني أصلي. وتعقب: بأن جبره بالسجود، دليل عليه لا له، لأن الواجب لا يجبر بذلك، كالركوع وغيره. وممّن قال بالوجوب أيضًا: إسحاق، وهو قول للشافعي، ورواية عند الحنفية. وفي الحديث مباحث تأتي إن شاء الله تعالى في السهو. ورواته ما بين حمصي ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والسهو والنذور، ومسلم والنسائي وابن ماجة في الصلاة والله المعين. 147 - باب التَّشَهُّدِ فِي الأُولَى (باب) مشروعية (التشهد في) الجلسة (الأولى) من الثلاثية والرباعية. 830 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ، فَقَامَ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ. فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهْوَ جَالِسٌ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين، وسقط في رواية ابن عساكر لفظ: ابن سعيد (قال: حدّثنا) وللأصيلي: أخبرنا (بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف، وفي بعضها: بكر بن مضر (عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل المصري (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن عبد الله بن مالك ابن بحينة) بتنوين مالك، وكتابة ابن بعده بألف، وإعرابه إعراب عبد الله، لأن بحينة اسم أمه (قال: صلّى بنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظهر، فقام وعليه جلوس) للتشهد الأوّل، (فلما كان في آخر

148 - باب التشهد في الآخرة

صلاته سجد سجدتين) للسهو (وهو جالس) قبل أن يسلم وبعد أن تشهد. قيل وفيه إشعار بالوجوب حيث قال: فقام وعليه جلوس، وفيه نظر. 148 - باب التَّشَهُّدِ فِي الآخِرَةِ (باب) وجوب (التشهد في) الجلسة (الآخرة). 831 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْنَا: السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ. فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ -فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ- أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ". [الحديث 831 - أطرافه في: 835، 1202، 6230، 6265، 6328، 7381]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن شقيق بن سلمة) هو أبو وائل (قال: قال عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه (كنّا إذا صلَّينا خلف النبيّ) ولأبي ذر والأصيلي: خلف رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في رواية أبي داود عن مسدد: إذا جلسنا، (قلنا): السلام على الله من عباده، (السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان) زاد في رواية عبدِ الله بن نمير عن الأعمش عند ابن ماجة: يعنون الملائكة. والأظهر كما قاله أبو عبد الله الأبّي، أن هذا كان استحسانًا منهم، وأنه عليه الصلاة والسلام لم يسمعه إلاّ حين أنكره عليهم. قال: ووجه الإنكار عدم استقامة المعنى، لأنه عكس ما يجب أن يقال، كما يأتي قريبًا إن شاء الله. وقوله: كنا، ليس من قبيل المرفوع، حتى يكون منسوخًا بقوله: إن الله هو السلام لأن النسخ إنما يكون فيما يصح معناه، وليس تكرر ذلك منهم مظنة سماعه له منهم، لأنه في التشهد، والتشهد سرّ. (فالتفت إلينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): ظاهره أنه عليه الصلاة والسلام كلمهم في أثناء الصلاة، لكن في رواية حفص بن غياث، أنه بعد الفراغ من الصلاة ولفظه: فلما انصرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الصلاة، قال: (إن الله هو السلام) أي أنه اسم من أسمائه تعالى، ومعناه السالم من سمات الحدوث، أو المسلم عباده من المهالك، أو المسلم عباده في الجنة أو أن كل سلام ورحمة له ومنه وهو مالكهما ومعطيهما، فكيف يدعى له بهما وهو المدعو؟ وقال ابن الأنباري: أمرهم أن يصرفوه إلى الخلق لحاجتهم إلى السلامة، وغناه سبحانه عنها، (فإذا صلّى أحدكم) قال ابن رشيد: أي أتمّ صلاته، لكن تعذر الحمل على الحقيقة لأن التشهد لا يكون بعد السلام، فلما تعين المجاز كان حمله على آخر جزء من الصلاة أولى لأنه الأقرب إلى الحقيقة. وقال العيني: أي إذا أتم صلاته بالجلوس في آخرها، فليقل وفي رواية حفص بن غياث فإذا جلس أحدكم في الصلاة (فليقل) بصيغة الأمر المقتضية للوجوب، وفي حديث ابن مسعود عند الدارقطني بإسناد صحيح: وكنا لا ندري ما نقول قبل أن يفرض علينا التشهد (التحيات لله) جمع تحية وهو السلام أو البقاء، أو الملك، أو السلامة من الآفات، أو العظمة أي أنواع التعظيم له، وجمع لأن الملوك كان كل واحد منهم يحييه أصحابه بتحية مخصوصة، فقيل: جميعها لله وهو المستحق لها حقيقة، (والصلوات) أي الخمس واجبة لله، لا يجوز أن يقصد بها غيره، أو هو إخبار عن قصد إخلاصنا له تعالى، أو العبادات كلها، أو الرحمة، لأنه المتفضل بها (والطيبات) التي يصلح أن يثني على الله بها دون ما لا يليق به، أو ذكر الله أو الأقوال الصالحة. أو التحيات: العبادات القولية، والصلوات: العبادات الفعلية، والطيبات: العبادات المالية. وأتى بالصلوات والطيبات منسوقًا بالواو لعطفه على التحيات، أو أن الصلوات مبتدأ خبره محذوف والطيبات معطوف عليها، فالأولى عطف الجملة على الجملة والثانية عطف المفرد على الجملة، قاله البيضاوي. وقال ابن مالك: إذا جعلت التحيات مبتدأ، أو لم تكن صفة لموصوف محذوف، كان قولك: والصلوات، مبتدأ، لئلا يعطف نعت على منعوته، فيكون من باب عطف الجمل بعضها على بعض، وكل جملة مستقلة بفائدتها. وهذا المعنى لا يوجد عند إسقاط الواو. وقال العيني: كل واحد من الصلوات والطيبات مبتدأ حذف خبره، أي الصلوات لله، والطيبات لله، فالجملتان معطوفتان على الأولى وهي: التحيات لله .. (السلام) أي: السلامة من المكاره، أو السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء، أو الذي سلمه الله عليك ليلة المعراج (عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته). فأل للعهد التقريري، أو المراد حقيقة السلام الذي يعرفه كل أحد عمّن يصدر، وعلى من ينزل، فتكون أل للجنس أو هي للعهد الخارجي إشارة إلى قوله تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59]. وأصل سلام عليك:

سلمت سلامًا، ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه، وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره. وإنما قال: عليك، فعدل عن الغيبة إلى الخطاب مع أن لفظ الغيبة يقتضيه السياق لأنه إتباع لفظ الرسول بعينه حين علم الحاضرين من أصحابه وأمرهم أن يفردوه بالسلام عليه لشرفه ومزيد حقه. (السلام) الذي وجه إلى الأمم السالفة من الصلحاء (علينا) يريد به المصلي نفسه والحاضرين من الإمام والمأمومين والملائكة (وعلى عباد الله الصالحين) القائمين بما عليهم من حقوق الله وحقوق العباد، وهو عموم بعد خصوص. وجوّز النووي، رحمه الله، حذف اللام من السلام في الموضعين، قال: والإثبات أفضل وهو الموجود في روايات الصحيحين. اهـ. وتعقبه الحافظ ابن حجر بأنه: لم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بحذف اللام، وإنما اختلف في ذلك في حديث ابن عباس، وهو من أفراد مسلم. (فإنكم إذا قلتموها) أي قوله: وعلى عباد الله الصالحين (أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض) جملة اعتراض بين قوله: الصالحين وتاليها الآتي، فائدة الإتيان بها الاهتمام بها لكونه أنكر عليهم عدّ الملائكة واحدًا واحدًا، ولا يمكن استيفاؤهم. وفيه أن الجمع المحلى بالألف واللام للعموم، وأن له صيغًا، وهذه منها. قال ابن دقيق العيد: وهو مقطوع به عندنا في لسان العرب، وتصرفات ألفاظ الكتاب والسُّنّة. اهـ وفيه خلاف عند أهل الأصول. (أشهد أن لا إله إلاّ الله) زاد ابن أبي شيبة: وحده لا شريك له. وسنده ضعيف، لكن ثبتت هذه الزيادة في حديث أبي موسى عند مسلم، وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ (وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) بالإضافة إلى الضمير. وفي حديث ابن عباس عند مسلم وأصحاب السُّنن: وأشهد أن محمدًا رسول الله بالإضافة إلى الظاهر وهو الذي رجّحه الشيخان الرافعي والنووي، وأن الإضافة للضمير لا تكفي. لكن المختار أنه يجوز: ورسوله. لما ثبت في مسلم، رواه البخاري هنا. وحديث التشهد روي عن جماعة من الصحابة منهم: ابن مسعود رضي الله عنه، رواه المؤلّف والباقون، ولفظ مسلم: علمني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التشهد، كفى بين كفيه، كما يعلمنا السورة من القرآن، فقال: "إذا قعد أحدكم فليقل: إلخ. وزاد في غير الترمذي وابن ماجة: "وليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به"، واختاره أبو حنيفة وأحمد والجمهور لأنه أصح ما في الباب، واتفق عليه الشيخان قال النووي: إنه أشدها صحة باتفاق المحدثين، وروي من نيف وعشرين طريقًا وثبتت فيه الواو بين الجملتين، وهي تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، فتكون كل جملة ثناء مستقلاً بخلاف غيرها من الروايات، فإنها ساقطة وسقوطها يصيرها صفة لما قبلها، ولأن السلام فيه معرّف وفي غيره منكر، والمعرّف أعمّ. ومنهم ابن عباس عند الجماعة إلا البخاري ولفظه: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، وكان يقول: "التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله". واختاره الإمام الشافعي، رحمه الله، لزيادة لفظ: المباركات فيه. وهي موافقة لقوله تعالى: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61]. وأجيب: بأن الزيادة مختلف فيها، وحديث ابن مسعود متفق عليه. ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رواه الطحاوي عن عبد الرحمن بن عبد القاري، أنه سمع عمر بن الخطاب يعلم الناس التشهد على المنبر، وهو يقول: "التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله". واختاره ابن مالك. لأنه علمه الناس على المنبر ولم ينازعه أحد، فدلّ على تفضيله وتعقب بأنه موقوف، فلا يلحق بالمرفوع. وأجيب بأن ابن مردويه رواه في كتاب التشهد مرفوعًا. ومنهم ابن عمر، عند أبي داود والطبراني في الكبير. ومنهم عائشة عند البيهقي. ومنهم جابر بن عبد الله عند النسائي، وابن ماجة، والترمذي في العلل، ولفظه كان

149 - باب الدعاء قبل السلام

رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن: "بسم الله، وبالله، التحيات لله ... إلخ". وصححه الحاكم، لكن ضعفه البخاري والترمذي والنسائي والبيهقي، كما قاله النووي في الخلاصة. ومنهم أبو سعيد الخدري عند الطحاوي. ومنهم أبو موسى الأشعري عند مسلم، وأبي داود، والنسائي. ومنهم سلمان الفارسي عند البزار. ومذهب الشافعي أن التشهد الأول سنة، والثاني واجب، وقال أبو حنيفة ومالك: سنتان. وقال أحمد: الأول واجب يجبر تركه بالسجود، والثاني ركن تبطل الصلاة بتركه. ورواة حديث الباب ما بين حمصي ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وكذا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 149 - باب الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلاَمِ (باب الدعاء) بعد التشهد (قبل السلام) وللأصيلي: قبل التسليم. 832 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ. فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ؟ فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ». [الحديث 832 - أطرافه في: 833، 2397، 6368، 6375، 6376، 6377، 7129]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) أي ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرنا عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط قوله: زوج النبي إلخ. ولأبي ذر وابن عساكر: أنها (أخبرته أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يدعو في) آخر (الصلاة) بعد التشهد قبل السلام، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم مرفوعًا: إذا تشهد أحدكم فليقل: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) بفتح الميم وكسر السين مخففة. وقيده بالدجال ليمتاز عن عيسى ابن مريم عليه السلام، والدجل الخلط. وسمي به لكثرة خلطه الباطل بالحق، أو من دجل: كذب والدجال: الكذاب. وبالمسيح، لأن إحدى عينيه ممسوحة، فعيل بمعنى مفعول، أو لأنه يمسح الأرض أي يقطعها في أيام معدودة، فهو بمعنى فاعل، أو لأن الخير مسح منه فهو مسيح الضلال. (وأعوذ بك من فتنة المحيا) ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان، أي: الابتلاء بالدنيا والشهوات والجهالات، (وفتنة الممات) ما يفتتن به عند الموت في أمر الخاتمة، أعاذنا الله من ذلك، أضيفت إليه لقربها منه. أو فتنة القبر، ولا تكرار مع قوله أولاً عذاب القبر، لأن العذاب مرتب على الفتنة، والسبب غير المسبب. (اللهم إني أعوذ بك من المأثم) أي ما يأثم به الإنسان، أو هو الإثم نفسه، وضعًا للمصدر موضع الاسم (و) أعوذ بك من (المغرم) أي الدَّين، فيما لا يجوز أو فيما يجوز، ثم يعجز عن أدائه. فأما دين احتاجه وهو قادر على أدائه فلا استعاذة منه، والأول حق الله، والثاني حق العباد. (فقال له) أي للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قائل) في رواية النسائي من طريق معمر عن الزهري أن السائل عائشة، ولفظها: فقلت: يا رسول الله (ما أكثر) بفتح الراء على التعجب (ما تستعيذ من المغرم)؟ في محل نصب به، أي: ما أكثر استعاذتك من المغرم (فقال) عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل إذا غرم) بكسر الراء، وجواب قوله: (حدث فكذب) بأن يحتج بشيء في وفاء ما عليه ولم يقم به، فيصير كاذبًا. وذال كذب مخففة وهو عطف على حدث. (ووعد فأخلف). كأن قال لصاحب الدين: أوفيك دينك في يوم كذا، ولم يوف، فيصير مخلفًا لوعده. والكذب وخلف الوعد من صفات المنافقين. وللحموي والمستملي: وإذا وعد أخلف. وهذا الدعاء صدر منه عليه الصلاة والسلام على سبيل التعليم لأمته، وإلاّ فهو عليه الصلاة والسلام معصوم من ذلك، أو أنه سلك به طريق التواضع، وإظهار العبودية، وإلزام خوف الله تعالى، والافتقار إليه ولا يمنع تكرار الطلب مع تحقّق الإجابة لأن ذلك يحصل الحسنات، ويرفع الدرجات. وزاد أبو ذر عن المستملي، هنا: قال محمد بن يوسف بن مطر الفربري: يحكى عن المؤلّف أنه قال: سمعت خلف بن عامر الهمذاني يقول في المسيح، بفتح الميم وتخفيف السين، والمسيح مشدد مع كسر الميم ليس بينهما فرق، وهما واحد في اللفظ، أحدهما عيسى ابن مريم عليه السلام، والآخر الدجال لا اختصاص لأحدهما بأحد الأمرين، لكن إذا أريد الدجال قيد به كما مر. وقال أبو داود في السُّنن: المسيح مثقل. هو الدجال، ومخفف: عيسى عليه السلام، وحكي عن بعضهم أن الدجال مسيخ بالخاء المعجمة، لكن نسب إلى التصحيف. وفي الحديث: التحديث بالجمع والإخبار ورواية تابعي عن

150 - باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد، وليس بواجب

تابعي عن صحابية ورواته ما بين حمصي ومدني، وأخرجه المؤلّف في الاستقراض، ومسلم في الصلاة وكذا أبو داود والنسائي. 833 - وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَعِيذُ فِي صَلاَتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ". (و) بالسند السابق إلى شعيب (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) بالإفراد (عن عروة أن عائشة) ولأبي ذر والأصيلي: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة (رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستعيذ في) آخر (صلاته من فتنة الدجال). ساقه هنا مختصرًا، وفي السابق مطولاً، ليفيد أن الزهري رواه كذلك مع زيادة ذكر السماع عن عائشة رضي الله عنها. فإن قلت: كيف استعاذ من فتنة الدجال مع تحقق عدم إدراكه. أجيب: بأن فائدته تعليم أمته، لأن ينتشر خبره بين الأمة جيلاً بعد جيل بأنه: كذاب، مبطل، ساعٍ على وجه الأرض بالفساد، حتى لا يلتبس كفره عند خروجه من يدركه. 834 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو "عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي. قَالَ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». [الحديث 834 - طرفاه في: 6326، 7388]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين (قال: حدّثنا الليث) بن سعد (عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير) مرثد بفتح الميم وسكون الراء وفتح المثلثة، آخره دال مهملة ابن عبد الله اليزني (عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاصي (عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، أنه قال لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علمني دعاء أدعو به في صلاتي) أي: في آخرها بعد التشهد الأخير: قبل السلام. وقال الفاكهاني: الأولى أن يدعو به في السجود وبعد التشهد، لأن قوله: في صلاتي يعم جميعها. وتعقب بأنه: لا دليل له على دعوى الأولوية، بل الدليل الصريح عامّ في أنه بعد التشهد قبل السلام، (قال) له عليه الصلاة والسلام: (قل: اللهم إني ظلمت نفسي) بارتكاب ما يوجب العقوبة (ظلمًا كثيرًا) بالمثلثة، ولأبي ذر في نسخة: كبيرًا بالموحدة، وسقط لأبي ذر لفظ: نفسي "ولا يغفر الذنوب إلاَّ أنت". إقرار بالوحدانية واستجلاب للمغفرة. "فاغفر لي مغفرة" عظيمة لا يدرك كنهها "من عندك" تتفضل بها علي، لا تسبب لي فيها بعمل ولا غيره، "وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم". في هاتين الصفتين مقابلة حسنة، فالغفور مقابل لقوله: اغفر لي. والرحيم مقابل لقوله: ارحمني. قال في الكواكب: وهذا الدعاء من جوامع الكلم إذ فيه الاعتراف بغاية التقصير، وهو كونه ظالمًا ظلمًا كثيرًا وطلب غاية الإنعام التي هي المغفرة والرحمة، فالأول عبارة عن الزحزحة عن النار، والثاني إدخال الجنة. وهذا هو الفوز العظيم، اللهم اجعلنا من الفائزين بكرمك يا أكرم الأكرمين. ورواة هذا الحديث سوى طرفيه مصريون، وفيه تابعي عن تابعي، وصحابي عن صحابي، والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: الدعوات، وكذا مسلم والترمذي وابن ماجة، وأخرجه النسائي في الصلاة، وزاد أبو ذر في نسخة عنه هنا: بسم الله الرحمن الرحيم، وهي ساقطة عند الكل. 150 - باب مَا يُتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ (باب ما يتخير) بضم أوّله للمفعول (من الدعاء بعد) فراغه من (التشهد) قبل السلام (وليس بواجب). 835 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ الأَعْمَشِ حَدَّثَنِي شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الصَّلاَةِ قُلْنَا: السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ، السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ تَقُولُوا السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ! فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ -أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) القطان (عن الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني) بالإفراد (شفيق) هو أبو وائل (عن عبد الله) بن مسعود وضي الله عنه (قال: كنا إذا كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الصلاة، قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام) أي فكيف يدعى له به. وهو مالكه، وإليه يعود، لأنّه المرجوع إليه بالمسائل عن المعاني المذكورة. وسقط لفظ: في الصلاة، لابن عساكر (ولكن قولوا: التحيات لله) وللأصيلي وابن عساكر: ولكن التحيات له (والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) بكاف الخطاب في قوله عليك. وكان السياق يقتضي أن يقول: السلام على النبي فينتقل من تحية الله إلى تحية النبي، وأجيب عنه بما مرّ قريبًا. وقال الطيبي: إن المصلين لما استفتحوا باب الملكوت بالتحيات، أذن لهم بالدخول في حرم الحي الذي لا يموت، فقرّت أعينهم بالمناجاة، فنبهوا على أن ذلك بواسطة نبي الرحمة

151 - باب من لم يمسح جبهته وأنفه حتى صلى

وبركة متابعته، فالتفتوا، فإذا الحبيب في حرم الحبيب حاضر، فأقبلوا عليه قائلين السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وهذا على طريقة أهل العرفان. قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله تعالى: وقد ورد في بعض طرق ابن مسعود ما يقتضي المغايرة بين زمانه عليه الصلاة والسلام، فيقال بلفظ الخطاب، وأما بعده فبلفظ الغيبة. ففي الاستئذان من صحيح البخاري، من طريق أبي معمر عن ابن مسعود، بعد أن ساق حديث التشهد، قال: وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا: السلام، يعني على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذا في البخاري وأخرجه أبو عوانة في صحيحه، والسراج، والجوزقيّ، وأبو نعيم الأصبهاني، والبيهقي من طرق متعددة إلى أبي نعيم، شيخ البخاري، فيه بلفظ: فلما قبض قلنا: السلام على النبي، بحذف لفظ: يعني. قال السبكي في شرح المنهاج، بعد أن ذكر هذه الرواية من عند أبي عوانة وحده: إن صح هذا عن الصحابة دلّ على أن الخطاب في السلام بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير واجب، فيقال السلام على النبي. اهـ. قال في فتح الباري: قد صح بلا ريب، وقد وجدت له متابعًا قويًا. قال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج، أخبرني عطاء أن الصحابة كانوا يقولون، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حي: السلام عليك أيها النبي، فلما مات قالوا: السلام على النبي، وهذا إسناد صحيح. (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنكم إذا قلتم، أصاب) ولابن عساكر وأبي الوقت وأبي ذر عن الكشميهني: إذا قلتم ذلك أصاب (كل عبد) صالح (في السماء أو) قال (بين السماء والأرض- أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ثم يتخير)، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ثم ليتخير (من الدعاء أعجبه إليه فيدعو). زاد مسدد في رواية أبي داود: فيدعو به، وللنسائي فليدع به. وهذا موضع الترجمة. وهو مع الترجمة يشير إلى أن الدعاء السابق في الباب الذي قبله لا يجب، وإن كان ورد بصيغة الأمر. ثم إن المنفي في قوله في الترجمة: وليس بواجب، يحتمل أن يكون الدعاء. أي: لا يجب دعاء مخصوص. وإن كان التخيير مأمورًا به، ويحتمل أن يكون المنفي التخيير، ويحمل الأمر الوارد به على الندب، ويحتاج إلى دليل. قال ابن رشيد: ليس التخيير في آحاد الشيء بدالٍّ على عدم وجوبه، فقد يكون أصل الشيء واجبًا ويقع التخيير في وصفه. وقال ابن المنير: ثم ليتخير، وإن كان بصيغة الأمر لكنها كثيرًا ما ترد للندب. اهـ. ثم إن قوله: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه، شامل لكل دعاء مأثور وغيره مما يتعلق بالآخرة، كقوله: اللهم أدخلني الجنة. أو الدنيا، مما يشبه كرم الناس كقوله: اللهم ارزقني زوجة جميلة ودراهم جزيلة، وبذلك أخذ الشافعية والمالكية ما لم يكن إثمًا. وقصره الحنفية على ما يناسب المأثور فقط، مما لا يشبه كلام الناس، محتجين بقوله عليه الصلاة والسلام: "إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس". ولنا قوله، عليه الصلاة والسلام: "سلوا الله حوائجكم حتى الشسع لنعالكم، والملح لقدوركم". نعم استثنى بعض الشافعية ما يقبح من أمر الدنيا، قال في الفتح: فإن أراد الفاحش من اللفظ فمحتمل، وإلاّ فلا شك أن الدعاء بالأمور المحرمة مطلقًا لا يجوز. اهـ. وهذا الاستثناء ذكره أبو عبد الله الأبي وعبارته: واستثنى بعض الشافعية من مصالح الدنيا ما فيه سوء أدب، كقوله: اللهم أعطني امرأة جميلة، هنها كذا، ثم يذكر أوصاف أعضائها. اهـ. وقال ابن المنير: الدعاء بأمور الدنيا في الصلاة، خطر، وذلك أنه قد تلتبس عليه الدنيا الجائزة بالمحظورة، فيدعو بالمحظورة، فيكون عاصيًا متكلمًا في الصلاة، فتبطل صلاته، وهو لا يشعر، ألا ترى أن العامّة، يلتبس عليها الحق بالباطل، فلو حكم حاكم على عامي بحق فظنه باطلاً، فدعا على الحاكم باطلاً بطلت صلاته، وتمييز الحظوظ الجائزة من المحرمة عسر جدًّا، فالصواب أن لا يدعو بدنياه إلاّ على تثبت من الجواز. اهـ. 151 - باب مَنْ لَمْ يَمْسَحْ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ حَتَّى صَلَّى قَالَ أَبُو عَبدِ اللهِ: رأيتُ الحُمَيديَّ يحتجُّ بهذا الحديثِ أن لا يمسَحَ الجبهةَ في الصلاةِ. (باب من لم يمسح جبهته وأنفه) من الماء والطين وهو في الصلاة (حتى صلّى). (قال أبو عبد الله) البخاري (رأيت الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي (يحتج بهذا الحديث) الآتي: (أن لا يمسح) المصلي (الجبهة) والأنف وهو (في الصلاة). وفي اليونينية، بهامشها، وهذا ثابت عند الأربعة هنا، وهو في الأصول

152 - باب التسليم

ثابت. 836 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ". وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم قال حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال سألت أبا سعيد الخدري) رضي الله عنه أي عن ليلة القدر (فقال رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسجد في الماء والطين حتى رأيت أثر الطين في جبهته) بعد المسح أو ترك المسح ناسيًا أو عامدًا لتصديق رؤياه ليراه الناس فيستدلوا على عين تلك الليلة ويحتمل أن يكون لم يشعر به أو تركه عمدًا لبيان الجواز أو لأن ترك المسح أولى لأن المسح عمل وإن كان قليلاً ومن ثم وكّل المؤلّف الأمر فيه إلى نظر المجتهد هل يوافق الحميدي المستدل أو يخالفه أشار إليه ابن المنير. 152 - باب التَّسْلِيمِ (باب التسليم) في آخر الصلاة. 837 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأُرَى -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ مُكْثَهُ لِكَىْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنِ انْصَرَفَ مِنَ الْقَوْمِ. [الحديث 837 - طرفاه في: 849، 850]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين، ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (قال: حدّثنا) ابن شهاب (الزهري عن هند بنت الحرث) التابعية (أن أم سلمة) أم المؤمنين (رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سلم) من الصلاة (قام النساء حين يقضي) ولابن عساكر: حتى يقضي أي يتم (تسليمه) ويفرغ منه (ومكث يسيرًا قبل أن يقوم، قال ابن شهاب) الزهري: (فأرى) بضم الهمزة أي أظن (والله أعلم أن مكثه) عليه الصلاة والسلام يسيرًا كان (لكي ينفذ النساء) بفتح المثناة التحتية وضم الفاء آخره ذال معجمة، أي: يخرجن (قبل أن يدركهن) بنون النسوة، ولأبي ذر في نسخة: قبل أن يدركهم (من انصرف من القوم) المصلين. وموضع الترجمة قوله: كان إذا سلم. ويمكن أن يستنبط الفرضية من التعبير بلفظ: كان، المشعر بتحقق مواظبته عليه الصلاة والسلام، وهو مذهب الجمهور، فلا يصح التحلل من الصلاة، إلا به، لأنه ركن. وفي حديث علي بن أبي طالب، عند أبي داود، بسند حسن مرفوعًا: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم. وهو يحصل بالأولى، أما الثانية فسُنّة. وقال الحنفية، يجب الخروج من الصلاة به، ولا نفرضه، لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا قعد الإمام في آخر صلاته، ثم أحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته". قالوا وما استدلّ به الشافعية لا يدل على الفرضية، لأنه خبر الواحد بل يدل على الوجوب، وقد قلنا به: اهـ. وهذا جارٍ على قاعدتهم. وقال المرداوي من الحنابلة في مقنعه: يسلم مرتبًا معرّفًا وجوبًا مبتدئًا عن يمينه جهرًا مسرًّا به عن يساره. اهـ. ولم يذكر في هذا الحديث التسليمتين، لكن رواهما مسلم من حديث ابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، بل ذكرهما الطحاوي من حديث ثلاثة عشر صحابيًّا، وزاد غيره سبعة، وبذلك أخذ الإمام الشافعي، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد. وقال المالكية: السلام واحدة، واستدلّ له بحديث عائشة المروي في السُّنن: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يسلم تسليمة واحدة: السلام عليكم. يرفع بها صوته حتى يوقظنا بها. وأجيب: بأنه حديث معلول، كما ذكره العقيلي، وابن عبد البر، وبأنه في قيام الليل. والذين رووا عنه التسليمتين رووا ما شهدوا في الفرض والنفل، وحديث عائشة ليس صريحًا في الاقتصار على تسليمة واحدة، بل أخبرت أنه كان يسلم تسليمة يوقظهم بها، ولم تنفِ الأخرى، بل سكتت عنها، وليس سكوتها عنها مقدمًا على رواية من حفظها وضَبَطَها وهم أكثر عددًا، وأحاديثهم أصح. فرع من المجموع، قال الشافعي والأصحاب: إذا اقتصر الإمام على تسليمة، سنّ للمأموم تسليمتان، لأنه خرج عن المتابعة بالأولى، بخلاف التشهد الأوّل، لو تركه الإمام لزم المأموم تركه، لأن المتابعة واجبة عليه قبل السلام. 153 - باب يُسَلِّمُ حِينَ يُسَلِّمُ الإِمَامُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَسْتَحِبُّ إِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ أَنْ يُسَلِّمَ مَنْ خَلْفَهُ. هذا (باب) بالتنوين (يسلم) المأموم (حين يسلم الإمام) وهذه الترجمة لفظ حديث الباب، ومقتضاه مقارنة سلام المأموم لسلام الإمام، وهو جائز كبقية الأركان، إلا تكبيرة الإحرام، لأنه لا يصير في صلاة حتى يفرغ منها. فلا يربط صلاته بمن ليس في صلاة. وكأن المؤلّف أشار إلى أنه يندب أن لا يتأخر المأموم في سلامه بعد الإمام متشاغلاً بدعاء وغيره. واستدلّ له بقوله: (وكان ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما) مما وصله ابن أبي شيبة عنه لكن بمعناه (يستحب إذا سلم الإمام) من

154 - باب من لم ير رد السلام على الإمام، واكتفى بتسليم الصلاة

صلاته (أن يسلم من خلفه) من المقتدين، ونبّه العيني على أنّ: إذا، ليست شرطية، بل لمجرّد الظرفية. 838 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ قَالَ: "صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ". وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا حبّان بن موسى) بكسر الحاء المهملة، المروزي، المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (قال: أخبرنا معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين ساكنة، ابن راشد البصري (عن) ابن شهاب (الزهري) محمد بن مسلم (عن محمود بن الربيع) الأنصاري الصحابي، ولأبوي ذر والوقت: عن محمود، هو ابن الربيع. وسقط قوله: ابن الربيع، عند ابن عساكر (عن عتبان) بكسر العين وسكون المثناة الفوقية، الأنصاري الأعمى، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي زيادة: ابن مالك أنه (قال: صلّينا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلمنا حين سلم) أي معه بحيث كان ابتداء سلامهم بعد ابتداء سلامه، وقبل فراغه منه. وجوّز الزين بن المنير أن يكون المراد أن ابتداءهم بعد إتمامه، والحديث قد سبق مطوّلاً. 154 - باب مَنْ لَمْ يَرَ رَدَّ السَّلاَمِ عَلَى الإِمَامِ، وَاكْتَفَى بِتَسْلِيمِ الصَّلاَةِ (باب من لم يردّ السلام) من المأمومين (على الإمام) بتسليمة ثالثة بين التسليمتين (واكتفى بتسليمة الصلاة) وهو التسليمتان، خلافًا لمن استحب ذلك من المالكية. 839 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ وَزَعَمَ أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا مِنْ دَلْوٍ كَانَ فِي دَارِهِمْ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة الأزدي المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا عمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (محمود بن الربيع، وزعم) المراد به هنا: الخبر المحقق، لأنه اللائق بالمقام، لأن محمودًا موثق عند الزهري، فقوله عنده محقق (أنه عقل) بفتح القاف، أي: فهم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعقل مجة) نصب بعقل (مجها من دلو) جملة في محل نصب على أنها صفة لمجة، ومِنْ: بيانية (كان) أي الدلو (في دارهم). ولأبوي ذر والوقت: كانت، أي: من بئر كانت في دارهم. 840 - قَالَ سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصَارِيَّ -ثُمَّ أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ- قَالَ: "كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بَنِي سَالِمٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي، فََلَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَ فَصَلَّيْتَ فِي بَيْتِي مَكَانًا حَتَّى أَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا. فَقَالَ: أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَغَدَا عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ فَأَشَارَ إِلَيْهِ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي أَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ، فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، ثُمَّ سَلَّمَ، وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ". (قال: سمعت عتبان بن مالك الأنصاري -ثم أحد بني سالم-) بنصب أحد عطفًا على الأنصاري المنصوب، صفة لعتبان المنصوب بسمعت. وجوّز الكرماني أن يكون أحد عطفًا على عتبان، يعني: سمعت عتبان وسمعت أحد بني سالم أيضًا، فيكون السماع من اثنين. ثم فسر المبهم: بالحصين بن محمد الأنصاري. وتعقبه الحافظ ابن حجر: بأن الأصل عدم التقدير في إدخال سمعت بين: ثم واحد. وبأنه يلزم منه أن يكون الحصين بن محمد هو صاحب القصة المذكورة، أو أنها تعدّدت له ولعتبان، وليس كذلك. فإن الحصين المذكور لا صحبة له. اهـ. وتعقبه العيني بأن الملازمة ممنوعة، لأن كون الحصين غير صحابي لا يقتضي الملازمة التي ذكرها، لأنه يحتمل أن يكون الحصين سمع ذلك من صحابي آخر، والراوي طوى ذكره اكتفاء بذكر عتبان. اهـ. فليتأمل. (قال) أي عتبان: (كنت أصلي لقومي بني سالم، فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقلت) له: (إني أنكرت بصري، وأن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي) بحاء مهملة مضمومة، أي: تكون حائلة تصدّني عن الوصول إلى مسجد قومي، (فلوددت) أي فوالله لوددت (أنك جئت فصليت في بيتي مكانًا أتخذه) بالرفع والجزم، لوقوعه جواب التمنّي المستفاد من وددت، وفي غير رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر: حتى أتخذه (مسجدًا. فقال) عليه الصلاة والسلام: (أفعل) ذلك (إن شاء الله) تعالى. قال عتبان: (فغدا عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وأبو بكر) الصدّيق رضي الله عنه (معه، بعدما اشتد النهار) أي: ارتفعت الشمس (فاستأذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الدخول لبيتي (فأذنت له) فدخل (فلم يجلس حتى قال): (أين تحب أن أصلي من بيتك؟ فأشار إليه من المكان الذي أحب أن يصلّي فيه) فيه التفات، إذ ظاهر السياق يقتضي أن يقول: فأشرت. أو الذي أشار هو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إلى المكان الذي هو محبوب لعتبان أن يصلّي فيه. قال العيني: وفيه إظهار معجزة له عليه الصلاة والسلام، حيث أشار إلى المكان الذي كان مراد عتبان صلاته عليه الصلاة والسلام فيه. اهـ. ويحتمل أن تكون مِن للتبعيض، ولا ينافي ما في الرواية فأشرت لاحتمال أن كلاًّ منهما أشار معًا، أو متقدّمًا

155 - باب الذكر بعد الصلاة

أو متأخرًا. (فقام) عليه الصلاة والسلام (فصففنا) بالفاء فصاد مهملة ثم فاءين. وللأصيلي: وصففنا (خلفه، ثم سلم، وسلمنا حين سلم). هذا موضع الترجمة، وظاهره أنهم سلموا نظير سلامه. وسلامه: إما واحدة وهي التي يتحلّل بها من الصلاة، وإما هي وأخرى معها، فيحتاج من استحب تسليمة ثالثة على الإمام بين التسليمتين إلى دليل خاص. قال التيمي، فيما نقله البرماوي: كان مشيخة مسجد المهاجرين يسلمون واحدة. ولا يردون على الإمام، ومسجد الأنصار تسليمتين. وقال مالك: يسلم المأموم عن يمينه، ثم يرد على الإمام. ومن قال بتسليمتين من أهل الكوفة يجعلون التسليمة الثانية ردًّا على الإمام. اهـ. وقال شيخ المالكية خليل، في مختصره: وردّ مقتدٍ على إمامه، ثم يساوره، وبه أحد، وجهر بتسليمة التحليل فقط. قال شارحه: أما سلام التحليل فيستوي فيه الإمام والمأموم والفذ، ويسنّ للمأموم أن يزيد عليه تسليمتين إن كان على يساره أحد، أولاهما يردها على إمامه، والثانية على مَن على يساره، ومن السنن الجهر بتسليمة التحليل فقط، قال مالك رحمه الله، ويخفي تسليمة الرد. 155 - باب الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلاَةِ (باب الذكر بعد) الفراغ من (الصلاة) المكتوبة. 841 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ أَبَا مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ: "أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ -حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ- كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ". [الحديث 841 - طرفه في: 842]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر (قال: حدَّثنا) ولابن عساكر: أخبرنا (عبد الرزاق) بن همام (قال: أخبرنا ابن جريج) بضم الجيم أوّله وفتح الراء، عبد الملك بن عبد العزيز، (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين، ابن دينار (إن أبا معبد) بفتح الميم وسكون العين وفتح الموحدة آخره دال مهملة، اسمه نافذ (مولى ابن عباس، أخبره أن ابن عباس، رضي الله عنهما، أخبره أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من) الصلاة (المكتوبة كان على عهد النبي) ولأبي ذر في نسخة، وأبي الوقت: على رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: على زمانه، فله حكم الرفع. وحمل الشافعي، رحمه الله، فيما حكاه النووي، رحمه الله، هذا الحديث على أنهم جهروا به وقتًا يسيرًا لأجل تعليم صفة الذكر لا أنهم داوموا على الجهر به، والمختار أن الإمام والمأموم يخفيان الذكر إلا إن احتيج إلى التعليم. (و) بالإسناد السابق كما عند مسلم، عن إسحاق بن منصور، عن عبد الرزاق به (قال ابن عباس) رضي الله عنهما، وسقط: واو "وقال" للأصيلي: (كنت أعلم) أي أظن (إذا انصرفوا بذلك) أي: أتعلم وقت انصرافهم برفع الصوت (إذا سمعته) أي الذكر. وظاهره أن ابن عباس لم يكن يحضر الصلاة في الجماعة في بعض الأوقات لصغره، أو كان حاضرًا لكنه في آخر الصفوف، فكان لا يعرف انقضاءها بالتسليم، وإنما كان يعرفه بالتكبير. قال الشيخ تقي الدين: ويؤخذ منه أنه لم يكن هناك مبلغ جهير الصوت يسمع من بعد. اهـ. وسقط للأصيلي قوله: وقال ابن عباس، رضي الله عنهما. 842 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مَعْبَدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالتَّكْبِيرِ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني، وسقط لفظ: ابن عبد الله عند الأصيلي، (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا عمرو) بفتح العين، ابن دينار، كذا للأبوين وابن عساكر والأصيلي، بثبوت عمرو، وسقط في بعض النسخ، ولا بدّ من ثبوته، وللأصيلي: عن عمرو، بدل: حدّثنا (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو معبد) مولى ابن عباس (عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: كنت أعرف انقضاء صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالتكبير) أي بعد الصلاة وفي السابقة بالذكر، وهو أعمّ من التكبير، والتكبير أخص. أو هذا مفسر للسابق. (قال عليّ): هو ابن المديني، وفي رواية المستملي والكشميهني: وقال، بالواو، وللأصيلي: حدّثنا عليّ، بدل: قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (قال: كان أبو معبد أصدق موالي ابن عباس)، رضي الله عنهما، التفضيل فيه باعتبار إفراد الخبر، وإلاّ فنفس الصدق لا يتفاوت. (قال عليّ: واسمه نافذ) بالنون وكسر الفاء آخره معجمة. وزاد مسلم: قال عمرو، يعني: ابن دينار ذكرت ذلك لأبي معبد فأنكره، وقال: لم أحدّثك بهذا. قال عمرو: وقد أخبرنيه قبل ذلك، وهذه مسألة معروفة عند أهل علم الحديث، وهي إنكار الأصل تحديث الفرع، وصورتها أن يروي ثقة عن ثقة حديثًا، فيكذبه المروي عنه.

وفي ذلك تفصيل، لأنه إما أن يجزم بتكذيبه له أم لا. وإذا جزم، فتارة يصرّح بالتكذيب، وتارة لم يصرّح به، فإن لم يجزم بتكذيبه كان قال: لا أذكره، فاتفقوا على قبوله، لأن الفرع ثقة والأصل لم يطعن فيه، وإن جزم وصرّح بتكذيبه، فاتفقوا على ردّه، لأن جزم الفرع بكون الأصل حدّثه يستلزم تكذيبه للأصل في دعواه أنه كذب عليه، وليس قبول قول أحدهما أولى من الآخر، وإن جزم ولم يصرّح بالتكذيب، كقول معبد: لم أحدّثك بهذا، فسوى ابن الصلاح، تبعًا للخطيب، بينهما أيضًا، وهو الذي مشى عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرح النخبة. لكن قال في فتح الباري: إن الراجح عند الحدّثين القبول، وتمسك بصنيع مسلم حيث أخرج حديث عمرو بن دينار هذا مع قول أبي معبد لعمرو: لم أحدثك به. فإن دل على أن مسلمًا كان يرى صحة الحديث، ولو أنكره راويه. إذا كان الناقل عنه ثقة، ويعضده تصحيح البخاري أيضًا، وكأنهم حملوا الشيخ على النسيان. ويؤيده قول الشافعي، رحمه الله، في هذا الحديث بعينه، كأنه نسي بعد أن حدّثه، لكن إلحاق هذه الألفاظ بالصورة الثانية أظهر، ولعل تصحيح هذا الحديث بخصوصه لمرجحٍ اقتضاه تحسينًا للظن بالشيخين، لاسيما وقد قيل، كما أشار إليه الإمام فخر الدين في المحصول: إن الردّ إنما هو عند التساوي، فلو رجح أحدهما عمل به. قال الحافظ ابن حجر: وهذا الحديث من أمثلة هذا، مع أنه قد حكي عن الجمهور من الفقهاء في هذه الصورة القبول، وعن بعض الحنفية، ورواية عن أحمد: الرد قياسًا على الشاهد، وبالجملة فظاهر صنيع ابن حجر اتفاق المحدّثين على الردّ على صورة التصريح بالكذب، وقصر الخلاف على هذه، وفيه نظر. فإن الخلاف موجود، فمن متوقفٍ، ومن قائل بالقبول مطلقًا، وهو اختيار ابن السبكي تبعًا لأبي المظفر بن السمعاني، وقال به أبو الحسين بن القطان وإن كان الآمدي والهندي حكيا الاتفاق على الردّ من غير تفصيل وهو مما يساعد ظاهر صنيع الحافظ ابن حجر في الصورة الثانية وينازع في الثالثة. ويجاب بأن الاتفاق في الثانية والخلاف في الثالثة إنما هو بالنظر للمحدثين خاصة وهذه الجملة من قوله قال علي إلى آخرها ثابتة في أوّل الحديث اللاحق عند الأصيلي وفي آخره عند الثلاثة الأبوين وابن عساكر. 843 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سُمَىٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: "ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلاَ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ: يُصَلُّونَ مَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ. قَالَ: أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ بِأَمْرٍ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ، إِلاَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ: تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا: فَقَالَ بَعْضُنَا نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ. فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: تَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ". [الحديث 843 - طرفه في: 6329]. وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا محمد بن أبي بكر) بن عليّ بن عطاء بن مقدّم المقدّمي البصري (قال: حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان بن طرخان البصري، ولابن عساكر: المعتمر (عن عبيد الله) بضم العين، ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني، (عن سميّ) بضم السين المهملة وفتح الميم، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: جاء الفقراء) فيهم أبو ذر كما عند أبي داود، وأبو الدرداء كما عند النسائي (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالوا: ذهب أهل الدثور) بضم الدال المهملة والمثلثة، جمع: دثر، بفتح الدال وسكون المثلثة (من الأموال) بيان للدثور وتأكيد له، لأن الدثور يجيء بمعنى المال الكثير، وبمعنى الكثير من كل شيء (بالدرجات العلا) في الجنة، أو المراد: علوّ القدر عنده تعالى (وبالنعيم المقيم) الدائم المستحق بالصدقة، (يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم)، زاد في حديث أبي الدرداء، عند النسائي في: اليوم والليلة: ويذكرون كما نذكر وللبزار من حديث ابن عمر: وصدّقوا تصديقنا، وآمنوا إيماننا (ولهم فضل الأموال) بالإضافة، ولأبي ذر عن الكشميهني: ولهم فضل من أموال، وللأصيلي: فضل الأموال (يحجون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدقون) في رواية ابن عجلان عن سميّ عند مسلم: ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق. (قال) عليه الصلاة والسلام، وللأصيلي وأبي ذر: فقال: (ألا أحدّثكم بما) أي بشيء (إن أخذتم أدركتم) بذلك الشيء، وضبب في اليونينية على قوله: أحدثكم، ولأبي ذر في نسخة، والأصيلي: ألا أحدثكم بأمرٍِ إن أخذتم به أدركتم (من سبقكم) من أهل الأموال في الدرجات العلا، والجملة في موضع نصب مفعول أدركتم، وسقط قوله: بماء في أكثر الرويات. وكذا قوله: به، وقد فسر الساقط في الرواية الأخرى، وسقط

أيضًا قوله: من سبقكم، في رواية الأصيلي. والسبقية المذكورة رجح ابن دقيق العيد أن تكون معنوية، وجوّز غيره أن تكون حسية، قال الحافظ: والأوّل أولى. اهـ. (ولم يدرككم أحد بعدكم) لا من أصحاب الأموال ولا من غيرهم، (وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه) بفتح النون مع الإفراد، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: بين ظهرانيهم، أي: من أنتم بينهم (إلا مَن عمل) من الأغنياء (مثله) فلستم خيرًا. لأن هذا هو نقيض الحكم الثابت للمستثنى منه، وانتقاء خيرية المخاطبين بالنسبة إلى من عمر مثل عملهم صادق بمساواتهم لهم في الخيرية، وبها يجُاب عن استشكال ثبوت الأفضلية في خير مع التساوي في العمل الفهوم من قوله: أدركتم، وهو أحسن من التأويل: بإلا مَن عمل مثله. وزاد: بغيره من فعل البر، أشار إليه البدر الدماميني، لكن لا يمتنع أن يفوق الذكر مع سهولته الأعمال الشاقّة الصعبة من الجهاد، ونحوه، وإن ورد: أفضل العبادات أحمزها، لأن في الإخلاص في الذكر من المشقّة، ولا سيما الحمد في حال الفقر، ما يصير به أعظم الأعمال. وأيضًا فلا يلزم أن يكون الثواب على قدر المشقّة، في كل حال، فإن ثواب كلمة الشهادتين مع سهولتها، أكثر من العبادات الشاقة. وإذا قلنا إن الاستثناء يعود على كل من السابق والمدرك، كما هو قاعدة الشافعي، رحمه الله، في أن الاستثناء المتعقب للجمل عائد على كلها، يلزم قطعًا أن يكون الأغنياء أفضل: إذ معناه: إن أخذتم أدركتم إلا مَن عمل مثله فإنكم لا تدركون. (تسبّحون، وتحمدون، وتكبرون خلف كل صلاة) أي مكتوبة. وعند المصنف في الدعوات: دبر كل صلاة، ورواية: خلف، مفسرة لرواية: دبر، وللفريابي من حديث أبي ذر: إثر كل صلاة، أي: تقولون كل واحد من الثلاثة (ثلاثًا وثلاثين) فالمجموع لكل فرد فرد، والأفعال الثلاثة تنازعت في الظرف، وهو: خلف، و: في ثلاثًا وثلاثين، وهو مفعول مطلق، وقيل المراد المجموع للجميع. فإذا وزع كان لكل واحد من الثلاثة أحد عشر، ويبدأ بالتسبيح لأنه يتضمن نفي النقائص عنه تعالى، ثم ثنى بالتحميد لأنه يتضمن إثبات الكمال له، إذ لا يلزم من نفي النقائص إثبات الكمال، ثم ثلث بالكبير إذ لا يلزم من نفي النقائص. وإثبات الكمال نفي أن يكون هناك كبير آخر. وقد وقع في رواية ابن عجلان تقديم التكبير على التحميد، ومثله لأبي داود من حديث أم حكيم، وله في حديث أبي هريرة: يكبر ويحمد ويسبح، وهذا الاختلاف يدل على أن لا ترتيب فيه، ويستأنس له بقوله في حديث: "الباقيات الصالحات لا يضرك بأيّهنّ بدأت". لكن ترتيب حديث الباب الموافق لأكثر الأحاديث أولى لما مر. قال سميّ: (فاختلفنا بيننا) أي: أنا وبعض أهلي، هل كل واحد ثلاثًا وثلاثين أو المجموع (فقال بعضنا: نسبح ثلاثًا وثلاثين، ونحمد ثلاثًا وثلاثين ونكبر أربعًا وثلاثين)، قال سميّ: (فرجعت إليه) أي، أبي صالح. والقائل أربعًا وثلاثين بعض أهل سميّ، أو القائل، فاختلفنا، أبو هريرة. والضمير في: فرجعت له، وفي إليه، للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والخلاف بين الصحابة وهم القائلون: أربعًا وثلاثين، كما هو ظاهر الحديث، لكن الأول أقرب لوروده في مسلم، ولفظه: قال سميّ: فحدثت بعض أهلي هذا الحديث. فقال: وهمت. فذكر كلامه، قال: فرجعت إلى أبي صالح، إلا أن مسلمًا لم يوصل هذه الزيادة. (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو أبو صالح (تقول): (سبحان الله والحمد لله، والله أكبر، حتى يكون) العدد (منهن كلهن ثلاثًا وثلاثين). وهل العدد للجميع أو المجموع؟. ورواية ابن عجلان ظاهرها أن العدد للجميع، ورجحه بعضهم للإتيان فيه بواو العطف. والمختار أن الإفراد أولى لتميزه باحتياجه إلى العدد، وله على كل حركة لذلك، سواء كان بأصابعه أو بغيرها ثواب لا يحصل لصاحب الجمع منه إلا الثلث، ثم إن الأفضل الإتيان بهذا الذكر متتابعًا في الوقت الذي عين فيه، وهل إذا زيد على العدد المنصوص عليه من الشارع يحصل ذلك الثواب المترتب عليه أم لا؟ قال بعضهم: لا يحصل، لأن لتلك الأعداد حكمة وخاصية، وإن خفيت علينا، لأن كلام الشارع لا يخلو عن حكم، فربما يفوت بمجاوزة ذلك العدد

والمعتمد الحصول لأنه قد أتى بالمقدار الذي رتب على الإتيان به ذلك الثواب، فلا تكون الزيادة مزيلة له بعد حصوله بذلك العدد، أشار إليه الحافظ زين الدين العراقي. وقد اختلفت الروايات في عدد هذه الأذكار الثلاثة. ففي حديث أبي هريرة، ثلاثًا وثلاثين، كما مرّ. وعند النسائي من حديث زيد بن ثابت خمسًا وعشرين، ويزيدون فيها: لا إله إلاّ الله خمسًا وعشرين وعند البزار من حديث ابن عمر: إحدى عشرة، وعند الترمذي والنسائي من حديث أن: عشرًا، وفي حديث أن في بعض طرقه: ستًا، وفي بعض طرقه أيضًا مرة واحدة. وعند الطبراني، في الكبير، من حديث زميل الجهني، قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا صلّى الصبح قال: وهو ثان رجليه: "سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله إنه كان توّابًا" سبعين مرة، ثم يقول: "سبعين بسبعمائة". الحديث. وعند النسائي، في اليوم والليلة، من حديث أبى هريرة مرفوعًا: "من سبح دبر كل صلاة مكتوبة مائة، وكبّر مائة وحمد مائة، غفرت له ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر". وهذا الاختلاف يحتمل أن يكون صدر في أوقات متعددة، أو هو وارد على سبيل التخيير، أو بختلف باختلاف الأحوال. وقد زاد مسلم في رواية ابن عجلان عن سميّ، قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، فقالوا مثله. فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [المائدة: 54]. قال المهلب: في حديث أبي هريرة: "فضل الغني" نصًّا لا تأويلاً إذا استوت أعمالهم المفروضة، فللغني حينئذ من فضل عمل البر ما لا سبيل للفقير إليه، وتعقبه ابن المنير بأن الفضل المذكور فيه خارج عن محل الخلاف، إذ لا يختلفون في أن الفقير لم يبلغ فضل الصدقة، وكيف يختلفون فيه وهو لم يفعل الصدقة، وإنما الخلاف إذا قابلنا مزية الفقير بثواب الصبر على مصيبة شظف العيش، ورضاه بذلك، بمزية الغني بثواب الصدقات، أيهما أكثر ثوابًا اهـ. ويأتي إن شاء الله تعالى مباحث هذه المسألة في: كتاب الأطعمة. ورواة حديث الباب ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم أيضًا: في الصلاة، والنسائي: في اليوم والليلة. 844 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: "أَمْلَى عَلَىَّ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ -فِي كِتَابٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ. اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ". وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بِهَذَا وَعَنِ الْحَكَمِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ عَنْ وَرَّادٍ بِهَذَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْجَدُّ غِنًى. [الحديث 844 - أطرافه في: 1477، 2408، 5975، 6330، 6473، 6615، 7292]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي (قال: حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الملك بن عمير) بضم العين وفتح الميم (عن وراد) بفتح الواو وتشديد الراء آخره دال مهملة (كاتب المغيرة) بالإضافة، ولأبي ذر: كاتب للمغيرة (بن شعبة قال: أملى عليّ المغيرة بن شعبة) سقط: ابن شعبة في رواية أبي ذر والأصيلي، (-في كتاب إلى معاوية-) وكان المغيرة إذ ذاك أميرًا على الكوفة من قبل معاوية، وكان السبب في ذلك أن معاوية كتب إليه اكتب إليّ بحديث سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكتب إليه (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول في دبر كل صلاة) بضم الدال والموحدة وقد تسكن، أي: عقب كل صلاة (مكتوبة). (لا إله إلا الله) بالرفع على الخبرية للا، أو على البدلية من الضمير المستتر في الخبر المقدّر، أو من اسم: لا، باعتبار محله قبل دخولها، أو أن إلا بمعنى: غير، أي: لا إله إلاّ الله في الوجود، لأنّا لو حملنا: إلا، على الاستثناء لم تكن الكلمة توحيدًا محضًا. وعورض: بأنه على تأويل: إلاّ، بغير، يصير المعنى نفي: إله، مغاير له، ولا يلزم من نفي مغاير الشيء إثباته هنا، فيعود الإشكال. وأجيب بأن إثبات: الإله كان متفقًا عليه بين العقلاء، إلاّ أنهم كانوا يثبتون الشركاء والأنداد، فكان المقصود بهذه الكلمة نفي ذلك، وإثبات الإله من لوازم المعقول، سلمنا: أن لا إله إلا الله، دلّت على نفي سائر الآلهة، وعلى إثبات الإلهية لله تعالى، إلاّ أنها بوضع الشرع، لا بمفهوم أصل اللغة. اهـ. وقد يجوز النصب على الاستثناء أو الصفة لاسم: لا إذا كانت بمعنى غير، لكن المسموع الرفع. قال البيضاوي في آية {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ} [الأنبياء: 22] أي غير الله وصف: بإلاَّ، لما تعذر الاستثناء لعدم شمول ما قبلها لما بعدها ودلالته على ملازمة الفساد لكون الآلهة فيهما دونه. والمراد ملازمته لكونها مطلقًا أو معه، حملاً لها على غير، كما استثنى: بغير، حملاً لها عليها. ولا يجوز الرفع على البدل لأنه متفرع على الاستثناء، ومشروط بأن يكون في كلام

غير موجب. وقد أشبعنا القول في مباحث ذلك في أوّل كتاب الإيمان عند قوله: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله". ثم اعلم أنه: لا خلاف أن في قولك: قام القوم إلا زيدًا، مخرجًا، ومخرجًا منه، وأن المخرج ما بعد إلا، والمخرج منه ما قبلها. ولكن قبل إلاّ شيئان: القيام والحكم به. والقاعدة أن ما خرج من نقيض دخل في النقيض الآخر. واختلفوا هل زيد مخرج من القيام أو من الحكم به؟ والذي عليه محققو النحاة والفقهاء: أنه مخرج من القيام، فيدخل في عدم القيام، فهو غير قائم، وقيل: مخرج من الحكم بالقيام فيدخل في عدم الحكم، فهو غير محكوم عليه، وهو قول قوم من الكوفيين، ووافقهم الحنفية. فعندنا: أن الاستثناء من النفي إثبات ومن الإثبات نفي. وعندهم: أن المستثنى غير محكوم عليه بشيء ومن حجج الجمهور الاتفاق على حصول التوحيد بقوّلنا: لا إله إلا الله. وذلك إنما يتمشى على قوّلنا: أن المستثنى محكوم عليه، لا على قولهم: إنه مسكوت عنه. فافهمه. قاله ابن هشام: (وحده) بالنصب على الحال أي: لا إله منفردًا وحده (لا شريك له) عقلاً ونقلاً. أما أوّلاً: فلأن وجود إلهين محُال، إذ لو فرضنا وجودهما لكان كلٍّ منهما قادرًا على كل المقدورات، فلو فرضنا أن أحدهما أراد تحريك زيد والآخر تسكينه، فإما أن يقع المرادان، وهو محال لاستحالة الجمع بين الضدين، أو لا يقع واحد منهما، وهو محال لأن المانع من وجود مراد كل واحد منهما حصول مراد الآخر ولا يمتنع وجود مراد هذا إلاّ عند وجود مراد الآخر وبالعكس، فلو امتنعا معًا لوجدا معًا وذلك محال، لوجهين: الأول: أنه لما كان كل واحد منهما قادرًا على ما لا نهاية له امتنع كون أحدهما أقدر من الآخر، بل يستويان في القدرة، فيستحيل أن يصير مراد أحدهما أولى بالوقوع من الآخر، إذ يلزم ترجيح أحد المتساوين من غير مرجح، وهذا محال. الثاني: أنه إن وقع مراد أحدهما دون الآخر، فالذي يحصل مراد إله قادر، والذي لا يحصل مراده عاجز، فلا يكون إله قادر، والذي لا يحصل مراده عاجز، فلا يكون إلهًا. وأما ثانيًا: فلقوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163] {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] {لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ} [النحل: 51] {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ} [الحديد: 3]. والأوّل: هو الفرد السابق وذلك يقتضي أن لا شريك له وهو تأكيد لقوله: وحده، لأن المتّصف بالوحدانية لا شريك له. (له الملك) بضم الميم أي: أصناف المخلوقات، (وله الحمد) زاد الطبراني من طريق أخرى عن المغيرة: يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير (وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت) أي الذي أعطيت (ولا معطي لما منعت) أي: الذي منعته. وزاد في مسند عبد بن حميد من رواية معمر؛ عن عبد الملك بن عمير، بهذا الإسناد: "ولا رادّ لما قضيت". وقد أجاز البغداديون، كما نبّه عليه صاحب المصابيح، ترك تنوين الاسم المطوّل، فأجازوا: لا طالع جبلاً، أجروه في ذلك مجرى المضاف، كما أجرى مجراه في الإعراب. قال ابن هشام: وعلى ذلك يتخرج الحديث، وتبعه الزركشي في تعليق العمدة، قال الدماميني: بل يتخرج الحديث على قول البصريين أيضًا، بأن يجعل مانع اسم: لا، مفردًّا مبنيًّا معها، إما لتركيبه معها تركيب خمسة عشر، وإما لتضمنه معنى من الاستغراقية، على الخلاف المعروف في المسألة. والخبر محذوف، أي: لا مانع مانع لما أعطيت، واللام للتقوية. فلك أن تقول: تتعلق، ولك أن تقول: لا تتعلق. وكذا القول في: ولا معطي لما منعت، وجوز الحذف ذكر مثل المحذوف، وحسنه دفع التكرار، فظهر بذلك أن التنوين على رأي البصريين ممتنع، ولعل السرّ في العدول عن تنوينه إرادة التنصيص على الاستغراق، ومع التنوين يكون الاستغراق ظاهرًا لا نصًّا. فإن قلت: إذا نون الاسم كان مطولاً، ولا، عاملة، وقد تقرر أنها عند العمل ناصّة على الاستغراق. قلت: خص بعضهم الاستغراق بحالة البناء من جهة تضمن معنى: من الاستغراقية، ولو سلّم ما قلته لم يعين عملها في هذا الاسم المنصوب حتى يكون النص على الاستغراق حاصلاً، لاحتمال أن يكون منصوبًا بفعل محذوف، أي لا نجد ولا نرى مانعًا ولا معطيًا، فعدل إلى البناء لسلامته من هذا الاحتمال. اهـ. (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) بفتح الجيم

156 - باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم

فيهما أي: لا ينفع ذا الغنى عندك غناه، إنما ينفعه العمل الصالح. فمن، في: ملك بمعنى البدل، كقوله تعالى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ} [التوبة: 38] أي: بدل الآخرة. (وقال شعبة) مما وصله السراج في سنده، والطبراني: في الدعاء، وابن حبّان (عن عبد الملك) في رواية أبي ذر، والأصيلي زيادة: ابن عمير (بهذا) الحديث السابق، أي: رواه عنه كما رواه سفيان عنه (و) قال شعبة، أيضًا (عن الحكم) بن عتيبة، مما وصله السراج والطبراني وابن حبان، وثبتت واو: وعن الحكم لابن عساكر (عن القاسم بن مخيمرة) بضم الميم وفتح المعجمة وسكون المثناة وكسر الميم بعدها مفتوحة، (عن وراد بهذا) الحديث أيضًا، ولفظه كلفظ عبد الملك بن عمير، إلا أنهم قالوا فيه: كان إذا قضى صلاته وسلم قال: إلخ (وقال الحسن) البصري، مما وصله ابن أبي حاتم، من طريق أبي رجاء، وعبد بن حميد من طريق سليمان التيمي، كلاهما عن الحسن، أنه قال في قوله تعالى {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [الجن: 3] (جدُّ غنى) بالرفع بلا تنوين على سبيل الحكاية، مبتدأ خبره غنى، أي: الجد تفسيره غنى، ولكريمة: الجد غنى، وسقط هذا الأثر في رواية الأصيلي وابن عساكر، وتعليق الحكم مؤخر عن تعليق الحسن في رواية أبي ذر، ومقدّم عليه في رواية كريمة، وهو الأصوب. لأن قوله: عن الحكم، معطوف على قوله: عن عبد الملك، وقوله: قال الحسن: جد غنى، معترض بين المعطوف والمعطوف عليه. ورواة هذا الحديث الخمسة كوفيون إلا محمد بن يوسف، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الاعتصام، والرقاق، والقدر والدعوات، ومسلم وأبو داود والنسائي في: الصلاة. 156 - باب يَسْتَقْبِلُ الإِمَامُ النَّاسَ إِذَا سَلَّمَ هذا (باب) بالتنوين (يستقبل الإمام الناس) بوجهه (إذا سلم) من الصلاة. 845 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ". [الحديث 845 - أطرافه في: 1143، 1386، 2085، 2791، 3236، 3354، 4674، 6096، 7047]. وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثني موسى بن إسماعيل) التبوذكي، (قال: حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي (قال: حدّثنا أبو رجاء) بتخفيف الجيم ممدودًا، عمران بن تميم العطاردي (عن سمرة بن جندب) بضم الميم وضم الدال المهملة وفتحها، رضي الله عنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا صلى صلاة) أي فرغ منها (أقبل علينا بوجهه) الشريف. ابن المنير: استدبار الإمام للمأمومين إنما هو لحق الإمامة، فإذا انقضت الصلاة زال السبب، فاستقبالهم حينئذ يرفع الخيلاء والترفّع على المأمومين. اهـ. وقيل: الحكمة فيه تعريف الداخل بأن الصلاة انقضت، إذ لو استمر على حاله لأوهم أنه في التشهد مثلاً. 846 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ -عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ- فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ: فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ". [الحديث 846 - أطرافه في: 1038، 4147، 7503]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي، وللأصيلي: قال عبد الله بن مسلمة (عن مالك) إمام دار الهجرة (عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) بتصغير العبد في الأوّل، وضم العين وإسكان المثناة الفوقية في الثالث (عن زيد بن خالد الجهني، أنه قال: صلّى لنا) أي لأجلنا (رسول الله) وللأصيلي وأبي ذر: صلّى لنا النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة الصبح بالحديبية) بحاء مضمومة ودال مفتوحة مهملة مخففة الياء عند بعض المحققين، وهو الذي في الفرع، مشددة عند أكثر المحدثين. موضع على نحو مرحلة من مكة، سمي ببئر هناك، وبه كانت بيعة الرضوان تحت الشجرة سنة ست من الهجرة. (على أثر سماءٍ كانت) بضمير التأنيث، عائد إلى سماء، وإثر بكسر الهمزة وإسكان المثلثة في الفرع، ويجوز فتحهما، أي: على أثر مطر كانت (من الليلة) ولأبي ذر من الليل (فلما انصرف) عليه الصلاة والسلام من الصلاة (أقبل على الناس) بوجهه الشريف (فقال) لهم: (هل تدرون ماذا قال ربكم) استفهام على سبيل التنبيه. (قالوا: الله ورسوله أعلم) بما قال. (قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر) الكفر الحقيقي، لأنه قابله بالإيمان حقيقة. لأنه أعتقد ما يفضي إلى الكفر، وهو اعتقاد أن الفعل للكوكب. وأما من اعتقد أن الله هو خالقه ومخترعه، وهذا ميقات له وعلامة بالعادة، فلا يكفر. أو المراد كفر النعمة لإضافة الغيث إلى الكوكب. قال الزركشي: والإضافة في عبادي للتغليب وليست للتشريف، كهي في قوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] لأن الكافر ليس من أهله. وتعقبه في المصابيح فقال: التغليب على

157 - باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام

خلاف الأصل، ولِمَ لا يجوز أن تكون الإضافة لمجرد الملك. (فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب) بالتنوين، وللأربعة: مؤمن، بغير تنوين. وثبت قوله: لأبي ذر وسقطت لغيره، وسقطت واو: وكافر، لابن عساكر وأبي ذر: (وأما من قال: بنوء كذا وكذا) بفتح النون وسكون الواو في آخر همزة، أي: بكوكب كذا وكذا، سمى نجوم منازل القمر أنواء، وسمي نوءًا لأنه ينوء طالعًا عند مغيب مقابله بناحية المغرب. وقال ابن الصلاح: النوء ليس نفس الكوكب، بل مصدر ناء النجم إذا سقط وقيل: نهض وطلع، وبيانه أن ثمانية وعشرين نجمًا معروفة المطالع في أزمنة السنة وهي المعروفة بمنازل القمر، يسقط في كل ثلاث عشرة ليلة نجم منها في المغرب مع طلوع مقابله في المشرق، فكانوا ينسبون المطر للغارب، وقال الأصمعي: للطالع، فتسمية النجم نوءًا تسمية للفاعل بالمصدر. وللكشميهني: مطرنا بنوء كذا وكذا، (فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب). وسقطت الواو لأبوي ذر والوقت وابن عساكر، وقد أجاز العلماء أن يقال: مطرنا في نوء كذا. 847 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ سَمِعَ يَزِيدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّلاَةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا، فَلَمَّا صَلَّى أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَرَقَدُوا، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلاَةَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله) أي ابن منير، كما في رواية أبي ذر وابن عساكر، بصيغة اسم الفاعل من أثار، وللأصيلي وأبي الوقت: أبي المنير بالألف واللام، لأن الاسم إذا كان في الأصل صفة يجوز فيه الوجهان، أنه (سمع يزيد) زاد الأصيلي وأبو ذر: ابن هارون (قال: أخبرنا حميد) بضم الحاء وفتح الميم (عن أنس) وللأصيلي زيادة: ابن مالك (قال: أخر رسول الله) ولأبى ذر والأصيلي: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصلاة ذات ليلة) من باب إضافة المسمى إلى اسمه، أو لفظة: ذات، مقحمة (إلى شطر الليل) الأول (ثم خرج علينا، فلما صلّى) أي فرغ من الصلاة (أقبل علينا بوجهه) الشريف (فقال): (إن الناس) الغير الحاضرين في المسجد (قد صلوا ورقدوا، وإنكم لن) بالنون (تزالوا في) ثواب (صلاة ما انتظرتم الصلاة) أي: مدة انتظارها. 157 - باب مُكْثِ الإِمَامِ فِي مُصَلاَّهُ بَعْدَ السَّلاَمِ (باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام) من الصلاة. 848 - وَقَالَ لَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: "كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْفَرِيضَةَ، وَفَعَلَهُ الْقَاسِمُ، وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: لاَ يَتَطَوَّعُ الإِمَامُ فِي مَكَانِهِ. وَلَمْ يَصِحَّ". وبالسند إلى المؤلّف قال: (وقال لنا آدم) بن أبي إياس. وعادة المؤلّف أن يستعمل هذا اللفظ في المذاكرة، وهي أحطّ رتبة، وعلى ذلك مشى الكرماني، وتبعه البرماوي والعيني، قال في الفتح: وليس بمطّرد، فقد وجدت كثيرًا مما قال فيه ذلك قد أخرجه في تصانيف أخرى بصيغة التحديث، وإنما عبّر بذلك ليغاير بينه وبين المرفوع كما عرفته بالاستقرار من صنيعه، وتعقبه العيني بأنه: لا يلزم من كونه وجده ... إلخ. أن يكون المؤلّف أسند هذا الأثر في تصنيف آخر بصيغة التحديث. اهـ. (حدّثنا) وللأصيلي: أخبرنا (شعبة) بن الحجاج (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (قال: كان ابن عمر) بن الخطاب (يصلّي) النفل (في مكانه الذي صلّى فيه الفريضة)، ولأبي ذر عن الحموي فريضة. ورواه ابن أبي شيبة من وجه آخر، عن أيوب، عن نافع، قال: كان ابن عمر يصلّي سبحته مكانه. (وفعله) أي: صلاة النفل في موضع الفرض، (القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله عنهم، وهذا وصله ابن أبي شيبة. (ويذكر) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول، مما وصله أبو داود، وابن ماجة لكن بمعناه، (عن أبي هريرة رفعه) بفتحات في الفرع، أي: إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي غير الفرع: رفعه، بفتح فسكون فضم، مصدر مضاف للفاعل، مرفوع نائبًا عن الفاعل في يذكر، ومفعوله جملة (لا يتطوع الإمام) بضم العين أو مجزوم بلا، وكسر لالتقاء الساكنين (في مكانه) الذي صلّى فيه الفريضة. (ولم يصح). ولابن عساكر: ولا يصح هذا التعليق لضعف إسناده واضطرابه، تفرد به ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف واختلف عليه فيه. وفي الباب عن المغيرة بن شعبة مرفوعًا أيضًا مما رواه أبو داود بإسناد منقطع بلفظ: لا يصلّى الإمام في الموضع الذي صلّى فيه حتى يتحوّل عن مكانه. ولابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي، قال: من السُّنّة أن لا يتطوّع الإمام حتى يتحوّل عن مكانه. وكأن المعنى في كراهة ذلك خشية التباس النافلة بالفريضة على الداخل. 849 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا سَلَّمَ يَمْكُثُ فِي مَكَانِهِ يَسِيرًا. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَنُرَى -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- لِكَىْ يَنْفُذَ مَنْ يَنْصَرِفُ مِنَ النِّسَاءِ". وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) أي هشام بن عبد الملك

كما في رواية أبوي الوقت وذر (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين (قال: حدّثنا) ابن شهاب (الزهري عن هند بنت الحرث) بالمثلثة، التابعية، بالصرف وعدمه في هند لكون علم أنثى على ثلاثة أحرف، ساكن في الوسط ليس أعجميًّا، ولا منقولاً من مذكر لمؤنث، لكن المنع أولى، (عن أم سلمة) رضي الله عنها، (أن النبي كان إذا سلم) من الصلاة (يمكث في مكانه) الذي صلّى فيه (يسيرًا). (قال ابن شهاب) الزهري بالإسناد المذكور: (فنرى) بضم النون أي فنظن (والله أعلم) أن مكثه عليه الصلاة والسلام في مكانه كان (لكي ينفذ) بفتح أوّله وضم ثالثه والذال معجمة، أي: يخرج (من ينصرف من النساء) قبل أن يدركهن من ينصرف من الرجال، ومقتضى هذا أن المأمومين إذا كانوا رجالاً فقط أنه لا يستحب هذا المكث. 850 - وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَتَبَ إِلَيْهِ قَالَ: حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْفِرَاسِيَّةُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَكَانَتْ مِنْ صَوَاحِبَاتِهَا- قَالَتْ: "كَانَ يُسَلِّمُ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ فَيَدْخُلْنَ بُيُوتَهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَتْنِي هِنْدُ الْفِرَاسِيَّةُ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ الْفِرَاسِيَّةُ. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ الْحَارِثِ الْقُرَشِيَّةَ أَخْبَرَتْهُ -وَكَانَتْ تَحْتَ مَعْبَدِ بْنِ الْمِقْدَادِ وَهْوَ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ- وَكَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ الْقُرَشِيَّةُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدٍ الْفِرَاسِيَّةِ. وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ حَدَّثَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". (وقال ابن أبي مريم) مما وصله في الزهريات: (أخبرنا نافع بن يزيد، قال: أخبرني) بالإفراد ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: حدّثني (جعفر بن ربيعة، أن ابن شهاب) الزهري (كتب إليه، قال: حدّثتني هند بنت) ولأبوي ذر والوقت ابنة (الحرث الفراسية) بكسر الفاء وتخفيف الراء وكسر السين المهملة وتشديد المثناة التحتية، نسبة إلى بني فراس، بطن من كنانة (عن أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكانت من صواحباتها) هو من جمع الجمع المكسر جمع سلامة وهو مسموع في هذه اللفظة (قالت: كان) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يسلم، فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). أفادت هذه الرواية الإشارة إلى أقل مقدار كان يمكثه عليه الصلاة والسلام. (وقال ابن وهب) عبد الله، مما وصله النسائي عن محمد بن سلمة عنه (عن يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري: (أخبرتني هند الفراسية) وفي رواية: القرشية، بالقاف والشين المعجمة من غير ألف. (وقال عثمان بن عمر) مما سيأتي موصولاً، إن شاء الله تعالى بعد أربعة أبواب. (أخبرنا يونس) بن يزيد (عن) ابن شهاب (الزهري، حدّثتني هند الفراسية) ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: القرشية، بالقاف والشين المعجمة. (وقال) محمد بن الوليد (الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة، مما وصله الطبراني في مسند الشاميين، من طريق عبد الله بن سالم، عنه: (أخبرني) بالإفراد: ابن شهاب (الزهري أن هند بنت الحرث) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: أن هندًا (القرشية) بالقاف والشين المعجمة من غير ألف، نسبة لقريش، ومراد المؤلّف بذلك التنبيه على أنه اختلف في نسبة هند، ولا مغايرة بين النسبتين، لأن كنانة جماع قرشي (أخبرته وكانت تحت معبد ابن المقداد) بفتح الميم وسكون العين وفتح الموحدة في الأوّل، وكسر الميم في الثاني، ابن الأسود الكندي المدني الصحابي (وهو) أي معبد (حليف بني زهرة) بحاء مهملة مفتوحة (وكانت) هند (تدخل على أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ورضي عنهن. (وقال شعيب) هو ابن حمزة، مما وصله في الزهريات (عن الزهري) أنه قال: (حدّثتني هند القرشية) بالقاف والشين المعجمة. (وقال ابن أبي عتيق) بفتح العين، هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق، مما وصله في الزهريات أيضًا (عن الزهري، عن هند الفراسية) بالفاء والسين المهملة. (وقال الليث) بن سعد (حدّثني) بالإفراد (يحيى بن سعيد) بكسر العين، الأنصاري، أنه (حدّثه عن ابن شهاب) ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: حدّثه ابن شهاب، (عن امرأة)، وللكشميهني: أن امرأة (من قريش) هي هند بنت الحرث المذكورة (حدّثته عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا غير موصول لأن هندًا تابعية. وفي قوله: امرأة من قريش، الرد على من زعم أن قوله: القرشية بالقاف والشين المعجمة، تصحيف من الفراسية بالفاء والسين المهملة. قال في الفتح: واستنبط من مجموع الأدلة أن للإمام أحوالاً، لأن الصلاة إما أن تكون مما يتنفل بعدها أو لا. فإن كان الأوّل، فاختلف: هل يتشاغل قبل التنفل بالذكر المأثور ثم يتنفل؟ وبذلك أخذ الأكثرون لحديث معاوية. وعند الحنفية:

158 - باب من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم

يكره له المكث قاعدًا يشتغل بالدعاء، والصلاة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والتسبيح قبل أن يصلّي السُّنّة. لأن القيام إلى السُّنّة بعد أداء الفريضة أفضل من الدعاء والتسبيح والصلاة، ولأن الصلاة مشتقة من المواصلة، وبكثرة الصلاة يصل العبد إلى مقصوده هـ. من المحيط. وأما الصلاة التي لا يتنفل بعدها: كالعصر، فيتشاغل الإمام ومن معه بالذكر المأثور، ولا يتعين له مكان، بل إن شاؤوا انصرفوا وذكروا، وإن شاؤوا مكثوا وذكروا. وعلى الثاني: إن كان للإمام عادة أن يعلمهم أو يعظهم فيستحب أن يقبل عليهم جميعًا، وإن كان لا يزيد على الذكر المأثور، فهل يقبل عليهم جميعًا أو ينتقل فيجعل يمينه من قبل المأمومين ويساره من قبل القبلة ويدعو؟ جزم بالثاني أكثر الشافعية. ويحتمل أنه إن قصر زمن ذلك يستمر مستقبلاً للقبلة من أجل أنها أليق بالدعاء. ويحمل الأوّل على ما لو أطال الذكر والدعاء. اهـ. والله الموفق. 158 - باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَذَكَرَ حَاجَةً فَتَخَطَّاهُمْ (باب من صلّى بالناس فذكر حاجة فتخاطهم) بعد أن سلم وترك المكث. 851 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ قَالَ: "صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ فَقَالَ: ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ". [الحديث 851 - أطرافه في: 1221، 1430، 6275]. وبالسند إلى المؤلّف، قال: (حدّثنا محمد بن عبيد) بضم العين، العلاف، ولابن عساكر: ابن ميمون (قال: حدّثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي، كان يغزو سنة ويحج أخرى توفي سنة سبع وثمانين ومائة، (عن عمر بن سعيد) بضم العين وفتح الميم في الأوّل. وكسر العين في الثاني، ابن أبي حسن النوفلي المكي (قال: أخبرني ابن أبي مليكة) بضم الميم (عن عقبة) بن الحرث النوفلي، أبي سروعة، بكسر السين وفتحها (قال: صلّيت وراء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة، العصر، فسلم ثم قام) كذا للكشميهني، وفي رواية الحموي والمستملي: فسلم فقام، حال كونه (مسرعًا؛ فتخطى) بغير همز، أي تجاوز (رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه). فيه أن للإمام أن ينصرف متى شاء، وأن التخطي لما لا غنى عنه مباح، وأن من وجب عليه فرض فالأفضل مبادرته إليه. (ففزع الناس) بكسر الزاي: أي خافوا (من سرعته) وكانت هذه عادتهم، إذا رأوا منه عليه الصلاة والسلام، غير ما يعهدونه، خشية أن ينزل فيهم شيء فيسوءهم، (فخرج) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الحجرة (عليهم) ولابن عساكر، إليهم (فرأى أنهم عجبوا) وللكشميهني: أنهم قد عجبوا (من سرعته، فقال) عليه الصلاة والسلام: (ذكرت) بفتح الذال والكاف، أو بالضم والكسر، وأنا في الصلاة (شيئًا من تبر) بكسر المثناة شيئًا من ذهب أو فضة غير مضوغ، أو من ذهب فقط. وفي رواية أبي عاصم: تبرًا من الصدقة (عندنا، فكرهت أن يحبسني) أي: يشغلني التفكّر فيه عن التوجه والإقبال على الله تعالى (فأمرت بقسمته) بكسر القاف والمثناة الفوقية بعد الميم، ولأبي ذر وابن عساكر: بقسمة القاف من غير مثناة، وفي رواية أبي عاصم: فقسمته. ويؤخذ منه أن عروض الذكر في الصلاة في أجنبي عنها من وجوه الخير، وإنشاء العزم في أثنائها على الأمور المحمودة، لا يفسدها، ولا يقدح في كمالها. واستنبط منه ابن بطال: أن تأخر الصدقة يحبس صاحبها يوم القيامة في الموقف. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي ومكّي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وشيخ البخاري من أفراده، وأخرجه أيضًا في الصلاة والزكاة والاستئذان، والنسائي في الصلاة. 159 - باب الاِنْفِتَالِ وَالاِنْصِرَافِ عَنِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ وَكَانَ أَنَسٌ يَنْفَتِلُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، وَيَعِيبُ عَلَى مَنْ يَتَوَخَّى -أَوْ مَنْ يَعْمِدُ- الاِنْفِتَالَ عَنْ يَمِينِهِ. (باب الانفتال) لاستقبال المأمومين (والانصراف) لحاجته (عن اليمين والشمال) أي عن يمين المصلي وعن شماله، فالألف واللام عوض عن المضاف إليه. (وكان أنس) ولأبي ذر: أنس بن مالك، مما وصله مسدد في مسنده الكبير، من طريق سعيد عن قتادة، قال: كان أنس (ينفتل) أي ينصرف (عن يمينه وعن يساره، ويعيب على من يتوخى) بالخاء المعجمة المشددة، أي يقصد ويتحرى (-أو من يعمد- الانفتال عن يمينه) بفتح المثناة التحتية وسكون العين وكسر الميم، شك من الراوي. وفي رواية أبي ذر: أو من تعمد، بفتح المثناة الفوقية والعين والميم المشدّدة، ولابن عساكر والأصيلي: أو يعمد، بفتح المثناة التحتية وسكون العين وكسر الميم مع إسقاط: من. فإن قلت: هذا يخالف ما في مسلم من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن

160 - باب ما جاء في الثوم النىء والبصل والكراث

السدي، قال: أنسًا كيف أنصرف إذا صليت، عن يميني أو عن يساري؟ قال: أمّا أنا، فأكثر ما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينصرف عن يمينه. أجيب بأن أنسًا إنما عاب من يعتقد تحتّم ذلك ووجوبه، وأما إذا استوى الأمران، فجهة اليمين أولى، لأنه عليه الصلاة والسلام: كان أكثر انصرافه لجهة اليمين، كما سيأتي في الحديث الآتي، إن شاء الله تعالى، ويجب التيامن في شأنه كله. 852 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "لاَ يَجْعَلْ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلاَتِهِ يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَنْصَرِفَ إِلاَّ عَنْ يَمِينِهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ". وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك (قال: حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (شعبة) بن الحجاج، (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن عمارة بن عمير) بضم العين فيهما، (عن الأسود) بن يزيد النخعي (قال: قال عبد الله) بن مسعود، رضي الله عنه: (لا يجعل) وللكشميهني: لا يجعلن، بنون التوكيد، (أحدكم للشيطان شيئًا) ولمسلم: جزءًا (من صلاته يرى) بفتح أوّله، أي: يعتقد، ويجوز الضم أي: يظن (أن حقًّا عليه أن لا ينصرف إلاّ عن يمينه) بيان لما قبله، وهو الجعل أو استئناف بياني. كأنه قيل: كيف يجعل للشيطان شيئًا من صلاته؟ فقال: يرى أن حقًّا عليه إلى آخره. وقوله: أن لا ينصرف، في موضع رفع خبر أن، واستشكل بأنه معرفة، إذ تقديره عدم الانصراف، فكيف يكون اسمها نكرة وهو معرفة؟ وأجيب: بأن النكرة المخصوصة كالمعرفة، أو من باب القلب، أي: يرى أن عدم الانصراف حق عليه. قاله البرماوي تبعًا للكرماني. وتعقبه العيني فقال: هذا تعسف، والظاهر أن المعنى: يرى واجبًا عليه عدم الانصراف إلا عن يمينه والله (لقد رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثيرًا) حال كونه (ينصرف عن يساره). واستنبط ابن المنير منه: أن المندوب ربما انقلب مكروهًا إذا خيف على الناس أن يرفعوه عن رتبته، لأن التيامن مستحب. لكن لما خشي ابن مسعود أن يعتقد وجوبه، أشار إلى كراهته. قال أبو عبيدة لن انصرف عن يساره: هذا أصاب السُّنّة، يريد والله أعلم، حيث لم يلزم التيامن على أنه سُنّة مؤكدة أو واجب، وإلا فما يظن أن التياسر سُنّة حتى يكون التيامن بدعة، إنما البدعة في رفع التيامن عن رتبته. قاله في المصابيح. ورواة هذا الحديث ما بين كوفي وواسطي وبصري، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وثلاثة من التابعين، وأخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة: في الصلاة. والله أعلم. 160 - باب مَا جَاءَ فِي الثُّومِ النَّىِّء وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ وَقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَكَلَ الثُّومَ أَوِ الْبَصَلَ مِنَ الْجُوعِ أَوْ غَيْرِهِ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا». (باب ما جاء في) أكل (الثوم النيء) بنون مكسورة فمثناة تحتية فهمزة ممدودة، وقد تدغم، وهو مجرور، صفة لسابقه المضموم المثلثة، أي غير النضيج (و) ما جاء في أكل (البصل والكراث) بضم الكاف وتشديد الراء آخره مثلثة. (وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بجرّ لام القول عطفًا على المجرور السابق، ومقول قوله عليه الصلاة والسلام (من أكل الثوم أو البصل) أي: النيء (من الجوع، أو غيره) كالأكل للتشهّي، والتأدّم بالخبز (فلا يقربن مسجدنا) بنون التأكيد المشددة. وليس هذا لفظ حديث، بل هو من تفقه المصنف، وتجويزه لذكر الحديث بالمعنى. والتقييد: بالجوع أو غيره، مأخوذ من كلام الصحابي في بعض طرق حديث جابر، المروي في مسلم، ولفظه: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أكل البصل والكراث، فغلبتنا الحاجة، فأكلنا منه ... الحديث. والحاجة تشمل الجوع وغيره. وأصرح منه ما في حديث أبي سعيد: ثم بعد أن فتحت خيبر فوقعنا في هذه البقلة والناس جياع ... الحديث. 853 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ: مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ -يَعْنِي الثُّومَ- فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا". [الحديث 853 - أطرافه في: 4215، 4217، 4218، 5521، 5522]. وبالسند إلى البخاري رحمه الله قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين، ابن عمر العمري (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال، في غزوة خيبر) سنة سبع من الهجرة: (من أكل من هذه الشجرة) (يعني الثوم) يحتمل أن يكون القائل: يعني، هو عبيد الله العمري، كما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله (فلا يقربن مسجدنا) بنون التأكيد المشددة أي: المكان الذي أعدّه ليصلّي فيه مدة إقامته بخيبر، أو المراد بالمسجد: الجنس، والإضافة إلى المسلمين

ويدل له رواية أحمد عن يحيى القطان فيه بلفظ: فلا يقربن المساجد: وحكم رحبة المسجد حكمه لأنها منه، ولذا كان عليه الصلاة والسلام إذا وجد ريحها في المسجد أمر بإخراج مَن وجدت منه إلى البقيع، كما ثبت في مسلم عن عمر رضي الله عنه، ويلحق بالثوم كل ذي ريح كريه. وألحق بعضهم به من بفيه بخر، أو لجرحه رائحة، وكالمجذوم والأبرص، وأصحاب الصنائع الكريهة: كالسماك، وتاجر الكتان، والغزل. وعورض بأن آكل الثوم أدخل على نفسه باختياره هذا المانع، بخلاف: الأبخر والمجذوم، فكيف يلحق المضطر بالمختار. اهـ. وزاد مسلم من رواية ابن نمير عن عبيد الله: حتى ذهب ريحها. وسمى الثوم بالشجرة، والشجرة ما كان على ساق له وما لا ساق له يسمى نجمًا. كما أن اسم كلٍّ منهما قد يطلق على الآخر، ونطق أفصح الفصحاء من أقوى الدلائل. 854 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ -يُرِيدُ الثُّومَ- فَلاَ يَغْشَانَا فِي مَسَاجِدِنَا». قُلْتُ: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ يَعْنِي إِلاَّ نِيئَهُ. وَقَالَ مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: إِلاَّ نَتْنَهُ. [الحديث 854 - أطرافه في: 855، 5452، 7359]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) أي: ابن اليمان الجعفي المسندي المتوفى سنة تسع وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل، شيخ المؤلّف، وربما روى عنه بواسطة كما هنا (قال: أخبرنا ابن جريج) عبد الملك (قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من كل من هذه الشجرة) (يريد الثوم) يحتمل أن يكون الذي فسر هو ابن جريج كما قاله الحافظ ابن حجر، رحمه الله تعالى. (فلا يغشانا) بألف بعد الشين المعجمة إجراء للمعتل مجرى الصحيح، كقوله: إذا العجوز غضبت فطلق ... ولا ترضاها ولا تملق أو الألف من إشباع فتحية يغشنا، أو خبر بمعنى النهي، أي: فلا يأتنا (في مساجدنا) وللحموي والمستملي: مسجدنا، بالإفراد. قال عطاء (قلت) لجابر: (ما يعني به) أي: بالثوم أنضيجًا أم نيًّا؟ (قال) جابر: (ما أراه) بضم الهمزة أي: ما أظنه عليه الصلاة والسلام (يعني) أي يقصد (إلا نيئه) بكسر النون مع الهمزة والمد، كما في الفرع وأصله وجزم الكرماني بأن السائل عطاء. والمسؤول جابر، وتبعه البرماوي، والعيني. وقال الحافظ ابن حجر: أظن السائل ابن جريج والمسؤول عطاء. وفي مصنف عبد الرزاق ما يرشد إلى ذلك. اهـ. ومقتضى قوله: إلا نيئه، أنه لا يكره المطبوخ. وفي حديث عليّ، المروي عند أبي داود، قال: نهى عن أكل الثوم إلا مطبوخًا. وفي حديث معاوية بن قرة، عن أبيه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن هاتين الشجرتين، وقال: "من أكلهما فلا يقربن مسجدنا". وقال: "إن كنتم لا بدّ آكليهما فأميتوهما طبخًا". (وقال مخلد بن يزيد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ويزيد من الزيادة، والحراني المتوفى سنة ثلاث وتسعين ومائة، يروي (عن ابن جريج) عبد الملك: (إلا نتنه) بفتح النون وسكون المثناة الفوقية بعدها نون أخرى. أي: قال بدل نيئه، نتنه. وهو الرائحة الكريهة. ونقل ابن التين عن مالك أنه قال: الفجل إن كان يظهر ريحه فهو كالثوم، وقيده القاضي عياض بالجشاء: ونص في الطبراني الصغير، في حديث أبي الزبير عن جابر: على الفجل، لكن في إسناده يحيى بن راشد وهو ضعيف. وقد وقع حديث جابر هذا مقدمًا على سابقه في بعض الأصول، وعلى أولهما في فرع اليونينية، كهي، علامة التقديم والتأخير، ورمز أبي ذر وعليه شرح العيني. ورواة حديث جابر هذا ما بين بخاري وبصري ومكّي وشيخ المؤلّف المسندي من أفراده، وفيه التحديث والإخبار والسماع والقول، وأخرجه مسلم والنسائي: في الصلاة، والترمذي في الأطعمة. 855 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا -أَوْ قَالَ- فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ. وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا، فَسَأَلَ، فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُولِ قَالَ: قَرِّبُوهَا -إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ- فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا قَالَ: كُلْ، فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لاَ تُنَاجِي". وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ ابْنُ وَهْبٍ "أُتِيَ بِبَدْرٍ" قَالَ ابنُ وَهبٍ: يَعْنِي طَبَقًا فِيهِ خُضَرَاتٌ. وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّيْثُ وَأَبُو صَفْوَانَ عَنْ يُونُسَ قِصَّةَ الْقِدْرِ، فَلاَ أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ أَوْ فِي الْحَدِيثِ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير، بضم العين المهملة وفتح الفاء، المصري (قال: حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري أيضًا (عن يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري (زعم عطاء) هو ابن أبي رباح أي: قال: لأن المراد بالزعم هنا القول المحقق وللأصيلي: عن عطاء (أن جابر بن عبد الله) الأنصاري (زعم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) (من أكل ثومًا أو بصلاً فليعتزلنا) (أو قال: فليعتزل)

ولابن عساكر أو فليعتزل (مسجدنا) شك من الزهري - (وليقعد) بواو العطف، ولأبي ذر: أو ليقعد (في بيته). بالشك. وهو أخص من الاعتزال لأنه أعمّ من أن يكون في البيت أو غيره. وبه قال المؤلّف (و) حدّثنا سعيد بن عفير بإسناده (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: لما قَدِمَ المدينة من مكة، ونزل في بيت أبي أيوب الأنصاري (أتي) من عند أبي أيوب (بقدر) بضم الهمزة وكسر القاف، ما يطبخ فيه الطعام (فيه خضرات) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين، ولأبي ذر، وعزاها القاضي عياض وابن قرقول للأصيلي: خضرات، بضم الخاء وفتح الضاد، جمع خضرة (من بقول) أي مطبوخة، (فوجد لها ريحًا) لأن الرائحة لم تمت منها بالطبخ، فكأنها نيئة (فسأل، فأخبر) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول، أي أُخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بما فيها) أي القدر (من البقول فقال) وفي رواية قال: (قربوها) أي القدر أو الخضرات أو البقول مشيرًا (إلى بعض أصحابه كان معه)، هو أبو أيوب الأنصاري. استدلّ في فتح الباري لكونه أبا أيوب بحديث مسلم، في قصة نزوله عليه الصلاة والسلام عليه، قال: وكان يقدم للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طعامًا، فإذا جيء به إليه، أي بعد أن يأكل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منه، سأل عن موضع أصابع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فصنع ذلك مرة، فقيل له: لم يأكل، وكان الطعام فيه ثوم، فقال: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: "لا، ولكن أكرهه" اهـ. أو هو وغيره حديث أم أيوب المروي عند ابني خزيمة وحبان. قالت: نزل علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتكلفنا له طعامًا فيه بعض البقول ... الحديث. وفيه: قال: كلوا، فإني لست كأحد منكم، فهذا أمر بالأكل للجماعة. (فلما رآه) أي فلما رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبا أيوب أو غيره (كره أكلها قال) ولأبي ذر والأصيلي فقال: (كل فإني أناجي مَن لا تناجي) أي من الملائكة. وعند ابني خزيمة وحبان، من وجه آخر: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسل إليه بطعام من خضرة فيه بصل أو كراث، فلم ير فيه أثر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأبى أن يأكل. فقال له: ما منعك أن تأكل؟ فقال: لم أر أثر يدك قال: أستحيي من ملائكة الله، وليس بمحرم. وعندهما أيضًا: إني أخاف أن أُوذي صاحبيّ. ورواة هذا الحديث ما بين مصري بالميم ومكّي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه البخاري في الاعتصام، ومسلم في الصلاة، وأبو داود في الأطعمة، والنسائي في الوليمة. (وقال أحمد بن صالح) المصري، شيخ المؤلّف من أفراده، يروي (عن ابن وهب) عبد الله: (أتي) بضم الهمزة (ببدر) بفتح الموحدة وسكون الدال آخره راء، فخالف سعيد ابن عفير شيخه المذكور في لفظة قدر بالقاف فقط، وشاركه في سائر الحديث عن ابن وهب بإسناده المذكور. وقد رواه المؤلّف في الاعتصام: (قال ابن وهب) في تفسير بدر: (يعني طبقًا) شبّهه بالبدر، وهو القمر عند كماله لاستدارته (فيه خضرات) أي من بقول، وظاهره أن البقول كانت فيه نيئة، لكن لا مانع من كونها كانت مطبوخة. وقد رجح جماعة من الشرّاح رواية أحمد بن صالح هذه، لكن ابن وهب فسر البدر بالطبق، فدل على أنه حدث به كذلك. والذي يظهر أن رواية القدر أصح لما تقدم من حديث أبي أيوب وأم أيوب جميعًا، فإن فيه التصريح بالطعام. (ولم يذكر الليث) بن سعد فيما وصله الذهلي في الزهريات (وأبو صفوان) عبد الله بن سعيد الأموي، فيما وصله المؤلّف: في الأطعمة، عن علي بن المديني عنه، (عن يونس) بن يزيد عن عطاء عن جابر (قصة القدر) بل اقتصر على الحديث الأوّل. قال المؤلّف أو شيخه: سعيد بن عفير، أو ابن وهب، وبالأوّل جزم ابن حجر رحمه الله. (فلا أدري هو من قول الزهري) مدرجًا (أو) هو مروي (في الحديث) المذكور. وفي متن الفرع كأصله بعد قوله: وقال أحمد بن صالح، بعد حديث يونس، عن ابن شهاب، وهو يثبت قول يونس: هذا لفظه، وعليه علامة السقوط عند أبوي ذر والوقت، والأصيلي وابن عساكر، وبالهامش مكتوب: ظع. عن ابن شهاب ثبتت، وبالهامش أيضًا بقية قوله: وقال أحمد بن صالح إلى آخر قوله: أو في الحديث خرج له من آخر قوله ابن صالح. وقال تلو ذلك: هذا

161 - باب وضوء الصبيان، ومتى يجب عليهم الغسل والطهور؟ وحضورهم الجماعة والعيدين والجنائز وصفوفهم

المكتوب جميعه في هامش اليونينية في هذا الموضع وليس عليه رقم. اهـ. وقد ثبت أيضًا في الفرع: كهو، قوله: وقال أحمد بن صالح إلى آخر قوله: أو في الحديث في الهامش بعد قوله: وقال مخلد بن يزيد عن ابن جريج، إلا نتنه. وقال في آخره: هذا مكتوب في اليونينية في المتن في هذا الوضع، ومكتوب إلى جانبه: يؤخر إلى بعد قوله: من لا تناجي عند: هـ. ص. ش. ظ. صحـ. وسيأتي بعد مكتوبًا في هذه النسخة على ما ذكر: أنه عند أصحاب هذه العلامات فليعلم. اهـ. 856 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: "سَأَلَ رَجُلٌ أَنَسًا: مَا سَمِعْتَ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي الثُّومِ؟ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلاَ يَقْرَبْنَا -أَوْ- لاَ يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا». [الحديث 856 - طرفه في: 5451]. وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله، المقعد البصري (قال: حدّثنا عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري (عن عبد العزيز) بن صهيب البناني البصري (قال: سأل رجل)، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: لم أعرف اسمه (أنسًا) ولأبي ذر والأصيلي: أنس بن مالك: (ما سمعت نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في الثوم) بفتح تاء سمعت على الخطاب، وما استفهامية، ولأبي ذر: يذكر، وللأصيلي وأبي الوقت: يقول في الثوم؟ (فقال) أنس (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من أكل من هذه الشجرة) أي الثوم (فلا يقربنا) بفتح الراء والموحدة وبنون التأكيد المشددة (ولا يصلّين معنا) عطف عليه بنون التأكيد المشددة أيضًا، وعين معنا تسكن وتفتح، أي: مصاحبًا لنا. وليس فيه تقييد النهي بالمسجد. فيستدل بعمومه على إلحاق حكم الجامع بالمساجد، كمصلي العيد، والجنائز، ومكان الوليمة. لكن قد علّل المنع في الحديث بترك أدّى الملائكة، وترك أدّى المسلمين. فإن كان كلٌّ منهما جزء علة اختص النهي بالمساجد، وما في معناها وهذا هو الأظهر. وإلاَّ فيعمّ النهي كل مجمع. كالأسواق، ويؤيد هذا البحث قوله في حديث أبي سعيد عند مسلم: "من أكل من هذه الشجرة شيئًا فلا يقربنا في المسجد". قال ابن العربي ذكر الصفة في الحكم يدل على التعليل بها، ومن ثم رد على الماوردي حيث قال: لو أن جماعة مسجد أكلوا كلهم ما له رائحة كريهة لم يمنعوا منه، بخلاف ما إذا أكل بعضهم، لأن المنع لم يختص بهم، بل بهم وبالملائكة. وعلى هذا يتناول المنع من تناول شيئًا من ذلك. ودخل المسجد مطلقًا، وإن كان وحده، قاله في فتح الباري. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث والعنعنة والسؤال والقول، وأخرجه البخاري أيضًا في الأطعمة، ومسلم في الصلاة. 161 - باب وُضُوءِ الصِّبْيَانِ، وَمَتَى يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْغَسْلُ وَالطُّهُورُ؟ وَحُضُورِهِمِ الْجَمَاعَةَ وَالْعِيدَيْنِ وَالْجَنَائِزَ وَصُفُوفِهِمْ (باب وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الغسل والطهور) بضم الطاء، وهو من عطف العامّ على الخاص، وضم غين الغسل لأبي ذر. (وحضورهم الجماعة) بجر حضور عطفًا على وضوء، ونصب جماعة بالمصدر المضاف إلى فاعله (والعيدين) عطف عليه (والجنائز) كذلك (وصفوفهم) بالجر عطفًا على وضوء. فإن قلت: وصفوفهم، يلزم منه أن تكون للصبيان صفوف تخصّهم، وليس في الباب ما يدل له. أجيب: بأن المراد بصفوفهم: وقوفهم في الصف مع غيرهم. 857 - حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيَّ قَالَ: "سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ مَرَّ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَأَمَّهُمْ وَصَفُّوا عَلَيْهِ. فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَمْرٍو مَنْ حَدَّثَكَ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ". [الحديث 857 - أطرافه في: 1247، 1319، 1321، 1322، 1326، 1336، 1340]. وبالسند إلى المؤلّف قال رحمه الله تعالى: (حدّثنا ابن المثنى) ولأبي ذر: حدّثنا محمد بن المثنى أي ابن عبد الله الأنصاري البصري (قال: حدّثني) بالإفراد، وللأربعة: حدّثنا (غندر) محمد بن جعفر البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت سلمان) بن أبي سليمان. فيروز (الشيباني قال: سمعت) عامرًا (الشعبي قال: أخبرني) بالإفراد (من مرّ) من الصحابة ممّن لم يسم، وجهالة الصحابي غير قادحة في الإسناد (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قبر منبوذ) بفتح الميم وسكون النون وضم الموحدة آخره معجمة مع التنوين، نعتًا لسابقه، أي: قبر منفرد في ناحية عن القبور، ولأبي ذر: قبر منبوذ بإضافة قبر إلى منبوذ أي: قبر لقيط، أي: قبر ولد مطروح. (فأمهم) عليه الصلاة والسلام في الصلاة عليه (وصفوا عليه) أي على القبر، والصاد مفتوحة والفاء مضمومة، ولأبي ذر عن الكشميهني: وصفوا خلفه. قال الشيباني: (فقلت): (يا أبا عمرو) بفتح العين (من حدّثك) بهذا؟ (فقال) وللأربعة: قال، أي حدّثني (ابن عباس) رضي الله عنهما. والغرض منه أن ابن عباس حضر صلاة الجماعة، ولم يكن إذ ذاك بالغًا. فهو مطابق للجزء الثالث. وللجزء السادس في قوله: وصفوفهم. وكذا في الأول لأنه لم يكن يصلّي إلاّ بوضوء. ورواة هذا الحديث ما بين بصري وواسطي

وكوفي، وفيه تابعى عن تابعي، والتحديث والإخبار والسماع والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: الجنائز، وكذا مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة. 858 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ». [الحديث 858 - أطرافه في: 879، 880، 895، 2665]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني البصري (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثني) بالإفراد (صفوان بن سليم) بضم السين المهملة، المقول فيه: إن جبهته تعبت من كثرة السجود، (عن عطاء بن يسار) الهلالي، مولى أم المؤمنين ميمونة (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (الغسل يوم الجمعة واجب) أي كالواجب في التوكيد (عن كل محتلم) أي بالغ. فوقت إيجاب الغسل على الصبي بلوغه، وهو مطابق للجزء من الترجمة، وهو قوله: ومتى يجب عليه الغسل. ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومكّي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا: في الصلاة، وفي الشهادات، وكذا مسلم، وأخرجه أبو داود في الطهارة، والنسائي وابن ماجة في الصلاة. 859 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً، فَنَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا -يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو وَيُقَلِّلُهُ جِدًّا- ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ. فَأَتَاهُ الْمُنَادِي يُؤْذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ". قُلْنَا لِعَمْرٍو: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ. قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: "إِنَّ رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ" ثُمَّ قَرَأَ: "إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني، وسقط ابن عبد الله في رواية أبي ذر (قال: أخبرنا) وللأربعة: هـ ظ ص ش: حدّثنا (سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو: ابن دينار (قال: أخبرني) بالإفراد (كريب) بضم الكاف وفتح الراء، مولى ابن عباس (عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: بتّ عند خالتي) أم المؤمنين (ميمونة) رضي الله عنها (ليلة، فنام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما كان في بعض الليل، قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فتوضأ من شن) بفتح المعجمة: قربة خلقة (معلق) بالتذكير على معنى الجلد أو السقاء، (وضوءًا خفيفًا يخففه عمرو) أي ابن دينار (ويقلله جدًّا). من باب الكمّ، بخلاف: يخففه فإنه من باب الكيف، وهذا هو الفارق، وهو مدرج من ابن عيينة (كم قام) عليه الصلاة والسلام (يصلّي، فقمت فتوضأت نحوًا مما توضأ، ثم جئت فقمت عن يساره، فحوّلني فجعلني عن يمينه، ثم صلّى ما شاء الله، ثم اضطجع فنام حتى نفخ فأتاه المنادي) ولأبي ذر عن الكشميهني في نسخة: فأتاه المؤذن (يأذنه) بكسر الذال، ولأبي ذر: يأذنه، بفتحها مع الأول وسكون الهمز فيهما، وللأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت في نسخة: يؤذنه، بضم أوّله وسكون الهمزة، بلفظ المضارع من غير فاء، أي: يعلمه. وللكشميهني: فآذنه، بفاء فهمزة مفتوحة ممدودة فذال مفتوحة، أي: أعلمه (بالصلاة، فقام معه) أي مع المؤذن أو مع الإيذان (إلى الصلاة، فصلّى ولم يتوضأ). قال سفيان: (قلنا) ولابن عساكر: فقلنا: (لعمرو) هو ابن دينار: (إن ناسًا يقولون: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تنام عينه ولا ينام قلبه). (قال عمرو: سمعت عبيد بن عمير) بضم العين فيهما (يقول: إن رؤيا الأنبياء وحي) وسقط لفظ: إن، عند الأربعة (ثم قرأ {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102]) يستدل بها لما ذكر، لأنها لو لم تكن وحيًا لما جاز لإبراهيم عليه الصلاة والسلام الإقدام على ذبح ولده فإن ذلك حرام. ومطابقته للجزء الأول من الترجمة من قوله: فتوضأت نحوًا مما يتوضأ. وكان إذ ذاك صغيرًا، وصلّى معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأقره على ذلك بأن حوّله فجعله عن يمينه. ولم يبيّن المؤلّف رحمه الله في الترجمة ما حكم وضوء الصبي هل هو واجب أو مندوب؟ لأنه لو قال: مندوب، لاقتضى صحة الصلاة بغير وضوء، ولو قال: واجب، لاقتضى أن الصبي يعاقب على تركه، فسكت عن ذلك ليسلم من الاعتراض. وأما حديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة، عن أبيه، عن جدّه مرفوعًا: "علّموا الصبي الصلاة ابن سبع واضربوه عليها ابن عشر". فهو وإن اقتضى تعيين وقت الوضوء لتوقف الصلاة على الوضوء، فلم يقل بظاهره إلا بعض أهل العلم. قالوا: تجب الصلاة على الصبي للأمر بضربه على تركها. وهذه صفة الوجوب. وبه قال أحمد، رحمه الله، في رواية: وحكى البندنيجي أن الشافعي رحمه الله أومأ إليه. وذهب الجمهور إلى أنها لا تجب عليه إلاّ بالبلوغ. وقالوا: الأمر بضربه للتدريب. 860 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ "أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ فَقَالَ: قُومُوا فَلأُصَلِّيَ بِكُمْ. فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِثَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْيَتِيمُ مَعِي وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك) رضي الله عنه، (أن

جدّتها مليكة) بضم الميم وفتح اللام وسكون المثناة التحتية، والضمير في جدته عائد إلى إسحاق، لأنها أم أنس (دعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لطعام صنعته، فأكل منه) عليه الصلاة والسلام (فقال) وفي نسخة: ثم قال: (قوموا فلأصلي بكم) بلام مكسورة وفتح الياء، على أنها لام كي، والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة، إما على زيادة الفاء على رأي الأخفش، واللام متعلقة بقوموا. أو أن: أن والفعل، في تأويل المصدر واللام، ومصحوبها خبر مبتدأ محذوف، أي قوموا فقيامكم لصلاتي بكم. ويجوز تسكين الياء على أن اللام لام كي، وأسكنت الياء تخفيفًا، وهي لغة مشهورة. ومنه قراءة الحسن {وذروا ما بقي من الربا}. ويحتمل أن تكون لام الأمر، وثبتت الياء في الجزم إجراء للمعتل مجرى الصحيح، كقراءة قنبل: {إنه من يتقي ويصبر}. (فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبث، فنضحته بماء، فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، واليتيم معي) برفع اليتيم عطفًا على الضمير المرفوع المتصل بلا فصل، واسمه: ضميرة، بضم الضاد المعجمة وسكون المثناة التحتية وبالراء، ابن سعد الحميري (والعجوز) أم سليم (من ورائنا) بكسر ميم: مِن على الأشهر على أنها حجارة، وجوّز الفتح على أنها موصولة. (فصلّى بنا) عليه الصلاة والسلام (ركعتين). مطابقته للجزء الأخير من الترجمة في قوله: واليتيم معي، أي في الصف. لأن اليتيم دالّ على الصبي إذ لا يتم بعد الاحتلام. 861 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: "أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلاَمَ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَىْ بَعْضِ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَىَّ أَحَدٌ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بضم العين في الأول والثالث، وسكون المثناة الفوقية، (عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أنه قال: أقبلت) حال كوني (راكبًا على حمار أتان) بفتح الهمزة والمثناة الفوقية، أي أنثى الحمير، ولا يقال: أتانة، بخلاف: حمارة، وهو بالجر، بدل من حمار (وأنا يومئذٍ قد ناهزت) بالزاي، أي: قاربت (الاحتلام) أي: البلوغ. فليس المراد: خصوص الحلم وهو الذي يراه النائم من الماء، (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي بالناس بمنى) بالصرف والياء، في الفرع. قال النووي رحمه الله: والأجود صرفه وكتابته بالألف لا بالياء. (إلى جدار) سترة بالكلية (فمررت بين يدي بعض الصف) الواحد أو المراد الجنس، أي بعض الصفوف (فنزلت وأرسلت الأتان ترتع) بضم العين أي: تسرع المشي، أو تأكل (ودخلت في الصف، فلم ينكر) بكسر الكاف (ذلك) الفعل (عليّ أحد) لا النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولا أحد من أصحابه الحاضرين. ولأبي ذر: عليّ ذلك أحد. ومطابقته للترجمة في الجزء الأول منها في الوضوء، والثالث في حضور الصبيان الجماعة، والسادس في قوله: وصفوفهم. فإن ابن عباس كان في ذلك الوقت صغيرًا وحضر الجماعة، ودخل في صفهم، وصلّى معهم ولم يكن صلّى إلاّ بوضوء. 862 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: "أَعْتَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... ". وَقَالَ عَيَّاشٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْعِشَاءِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ: قَدْ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ يُصَلِّي هَذِهِ الصَّلاَةَ غَيْرُكُمْ. وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ يُصَلِّي غَيْرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهال (الزهري) ولغير أبي ذر عن المستملي: عن ابن شهاب الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير: أن عائشة) رضي الله عنها (قالت: أعتم النبي) ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (وقال عياش) بالمثناة التحتية والشين المعجمة: (حدّثنا عبد الأعلى قال: حدّثنا) ولابن عساكر: أخبرنا (معمر) هو ابن راشد (عن) ابن شهاب (الزهري، عن عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أعتم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: أخّر حتى اشتدت عتمة الليل، أي: ظلمته (في العشاء، حتى) أي: إلى أن (ناداه عمر) بن الخطاب، ولأبي ذر عن الكشميهني: حتى نادى عمر: (قد نام النساء والصبيان) أي الحاضرون للصلاة مع الجماعة، (فخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إليهم من الحجرة (فقال): (إنه ليس أحد من أهل الأرض يصلّي هذه الصلاة) العشاء (غيركم) بالرفع والنصب، كقوله: ما جاءني أحد غير زيد. (ولم يكن أحد يومئذ يصلي غير أهل المدينة) بنصب غير، ولأبي ذر وابن عساكر: غير، بالرفع وتوجيهها كالسابقة. ولابن عساكر: ولم يكن يومئذ فأسقط، لفظ أحد. ومطابقته للترجمة ظاهرة

162 - باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس

من قوله: قد نام النساء والصبيان الحاضرون. 863 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ رَجُلٌ: شَهِدْتَ الْخُرُوجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَوْلاَ مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ -يَعْنِي مِنْ صِغَرِهِ- أَتَى الْعَلَمَ الَّذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُهْوِي بِيَدِهَا إِلَى حَلْقِهَا تُلْقِي فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ، ثُمَّ أَتَى هُوَ وَبِلاَلٌ الْبَيْتَ". وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم، ابن بحر البصرى الصيرفي (قال: حدّثنا يحيى) القطان (قال: حدّثنا سفيان) الثوري (قال: حدّثني) بالإفراد، وفي بعضها: حدّثنا (عبد الرحمن بن عابس) بألف بعد العين المهملة ثم موحدة مكسورة فسين مهملة (سمعت) وللأصيلي: قال سمعت (ابن عباس رضي الله عنهما، قال) وللأربعة: وقال (له رجل) لم يسم، أو هو الراوي: (شهدت الخروج) إلى مصلّى العيد (مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)؟ بالخطاب في شهدت والاستفهام مقدر، أي: أحضرت خروج النساء معه عليه الصلاة والسلام؟ (قال: نعم) شهدته (ولولا مكاني منه) أي: ولولا قربي منه عليه الصلاة والسلام (ما شهدته) قال الراوي: (يعني من صغره أتى) عليه الصلاة والسلام (العلم) بفتح العين واللام، الراية أو العلامة أو المنار (الذي عند دار كثير بن الصلت) بفتح الصاد المهملة وسكون اللام آخره مثناة فوقية، ابن معد يكرب الكندي (ثم خطب، ثم أتى النساء فوعظهنّ وذكرهنّ) بتشديد الكاف، من التذكير (وأمرهن أن يتصدقن) لأنهن أكثر أهل النار، أو: أن الوقت كان وقت حاجة، والمواساة والصدقة كانت يومئذ أفضل وجوه البر (فجعلت المرأة تهوي) بضم أوله من الرباعي، وبفتحها من الثلاثي أي: تومئ (بيدها إلى حلقها) بفتح الحاء واللام وبكسر الحاء أيضًا، الخاتم لا فصّ له، أو القرط، وللأصيلي: إلى حلقها بسكون اللام مع فتح الحاء، أي المحل الذي تعلق فيه (تلقي) من الإلقاء أي: ترمي (في ثوب بلال) الخاتم والقرط (ثم أتى) عليه الصلاة والسلام (هو وبلال البيت) ولأبي الوقت: إلى البيت. ومطابقته للجزء الأول من الترجمة في قوله: ما شهدته يعني من صغره. ورواة هذا الحديث ما بين كوفي وبصري، وفيه التحديث والسماع والقول، وأخرجه البخاري أيضًا في العيدين والاعتصام، وأبو داود والنسائي في الصلاة. والحديث الأول يأتي: في كتاب الجنائز، والثاني في الجمعة، والثالث في الوتر، والرابع ( ... ) (¬1). 162 - باب خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ وَالْغَلَسِ (باب) حكم (خروج النساء) الشواب وغيرهنّ (إلى المساجد) للصلاة (بالليل والغلس) بفتح الغين المعجمة واللام، بقية ظلمة الليل، والجار والمجرور متعلق بالخروج. 864 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْعَتَمَةِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ: نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ غَيْرُكُمْ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ. وَلاَ يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إِلاَّ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانُوا يُصَلُّونَ الْعَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ". وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أعمّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعتمة) بفتحات، أي: أبطأ بصلاة العشاء وأخّرها (حتى ناداه عمر) بن الخطاب رضي الله عنه: (نام النساء والصبيان) الحاضرون في المسجد، (فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (ما ينتظرها) أي صلاة العشاء (أحد غيركم) بالنصب والرفع (من أهل الأرض) (ولا يصلّى) بالمثناة التحتية المضمومة وفتح الصاد واللام، ولأبي ذر والأصيلي: ولا تصلّى بمثناة فوقية أي العشاء (يومئذ إلاّ بالمدينة، وكانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول) بالجر، صفة لثلث لا الليل. واستشكل إضافة: بين، إلى غير متعدد، وكان مقتضى الظاهر أن يقال: فيما بين أن يغيب الشفق وثلث الليل، بالواو ولا بإلى. وأجيب: بأن المضاف إليه الدال على التعدّد محذوف والتقدير: فيما بين أزمنة الغيبوبة إلى الثلث الأول. ومطابقة الترجمة للحديث في قوله: نام النساء. وقيده: بالليل لينبّه على أن حكم النهار خلاف ( ... ) (¬2). المطلق في نحو قوله في حديث: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله. على المقيد هنا بالليل، وبنى المؤلّف الترجمة عليه. وهل شهودهنّ للجماعة مندوب أو مباح فقط؟ قال محمد بن جرير الطبري إطلاق الخروج لهن إلى المساجد إباحة لا ندب ولا فرض، وفرق بعضهم بين الشابة والعجوز وفيه إباحة خروج النساء لمصالحهنّ، لكن فرق بعض المالكية وغيرهم بين الشابة وغيرها. وأجيب بأنها إذا كانت مستترة غير متزينة ولا متعطرة حصل الأمن عليها، ولا سيما إذا كان ذلك بالليل. وقال أبو حنيفة رحمه الله: أكره للنساء شهود الجمعة، وأرخص للعجوز أن تشهد العشاء والفجر، وأما غيرهما من الصلوات فلا. وقال أبو يوسف رحمه الله: لا بأس أن ¬

(¬1) هكذا في الأصل. (¬2) هكذا في الأصل.

163 - باب انتظار الناس قيام الإمام العالم

تخرج العجائز في الكل، وأكره للشابة. 865 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ». تَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 865 - أطرافه في: 873، 899، 900، 5238]. وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين مصغرًا، العبسي الكوفي (عن حنظلة) بن أبي سفيان الأسود الجمحي، من مكة (عن سالم بن عبد الله) بن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد) للعبادة (فأذنوا لهن) أي: إذا أمنت المفسدة منهنّ وعليهنّ، وذلك هو الأغلب في ذلك الزمان، بخلاف زماننا هذا الكثير الفساد والمفسدين. وهل الأمر للأزواج أمر ندب أو وجوب؟ حمله البيهقي على الندب لحديث: "وصلاتكن في دوركن أفضل من صلاتكن في مسجد الجماعة"، وقيده بالليل لكونه: "أستر لكن". لم يذكر أكثر الرواة عن حنظلة قوله: بالليل، وكذا رواه بقيد الليل مسلم وغيره، والزيادة من الثقة مقبولة. ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين كوفي ومكّي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم في الصلاة. (تابعه) أي تابع عبيد الله بن موسى (شعبة) بن الحجاح فيما وصله أحمد في مسنده (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن مجاهد عن ابن عمر) بن الخطاب (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 163 - باب انْتِظَارِ النَّاسِ قِيَامَ الإِمَامِ الْعَالِمِ زاد في رواية كريمة هنا: باب انتظار الناس قيام الإمام العالم، وليس ذلك بمعتمد، إذ لا تعلق لذلك بهذا الموضع. وقد تقدم ذلك في الإمامة بمعناه، وهو ثابت في الفرع لكن عليه علامة السقوط عند الأربعة: ظ ص ش. 866 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهَا "أَنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ الرِّجَالُ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي (قال: حدّثنا عثمان بن عمر) بضم العين، ابن فارس البصري (قال: أخبرنا يونس) بن يزيد (عن) ابن شهاب (الزهري قال: حدّثتني هند بنت الحرث) بالمثلثة (أن أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرتها أن النساء في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كنّ إذا سلمن من) الصلاة (المكتوبة قمن، وثبت) عطف على: فمن، أي: كن إذا سلمن ثبت (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في مكانه بعد قيامهنّ (و) ثبت أيضًا (من صلّى) معه عليه الصلاة والسلام (من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قام الرجال). مطابقته للترجمة من حيث أن النساء كن يخرجن إلى المساجد، وهو أعم من أن يكون بالليل أو بالنهار. 867 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ ح. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك ح) للتحويل من سند إلى آخر. (وحدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن يحيى بن سعيد) بكسر العين (عن عمرة بنت عبد الرحمن) بفتح العين وسكون الميم (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت: إن كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر الهمزة وتخفيف الوزن، وهي المخففة من الثقيلة (ليصلّي الصبح) بفتح اللام الأولى، وهي الفارقة عند البصريين بين النافية والمخففة، والكوفيون يجعلونها بمعنى: إلا، وإن: نافية (فينصرف النساء) حال كونهن (متلفعات) بكسر الفاء المشددة وبالعين المهملة المفتوحة، والفاع ما يغطي الوجه ويلتحف به، أي: متلحفات (بمروطهنّ) بضم الميم جمع مرط بكسرها، وهو كساه من صوف أو خز يؤتزر به (ما يعرفن من الغلس) أنساء هنّ أم رجال. ومطابقته للترجمة من حيث خروج النساء إلى المساجد بالليل. 868 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّي لأَقُومُ إِلَى الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن مسكين) بكسر الميم وسكون المهملة وكسر الكاف، وزاد الأصيلي: يعني ابن نميل بنون مضمومة وميم مفتوحة اليماني نزيل بغداد (قال: حدّثنا بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، التنيسي البجلي، دمشقي الأصل، ولأبي ذر: بشر بن بكر (قال: أخبرنا) ولأبي ذر وابن عساكر: حدّثنا (الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (قال: حدَّثني) بالإفراد (يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري عن أبيه) أبي قتادة رضي الله عنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوّز) أي: فأخفف (في صلاتي كراهية) بالنصب على التعليل أي: لأجل، ولأبي ذر، عن الكشميهني: مخافة (أن أشق على أمه). فيه دلالة على حضور النساء إلى المساجد مع النبي

164 - باب صلاة النساء خلف الرجال

وهو موضع الترجمة. 869 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَوَ مُنِعْنَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأصبحي الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمرة بنت عبد الرحمن) بفتح العين وإسكان الميم، ابن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، توفيت قبل المائة أو بعدها (عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لو أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما أحدث النساء) من حسن الزينة بالحلي والحلل، أو التطيب وغير ذلك، مما يحرك الداعية للشهوة (لمنعهن) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر في نسخة: المسجد، بالإفراد، وللأصيلي: المساجد (كما منعت نساء بني إسرائيل) من ذلك بمقتضى شريعتهم؛ أو كما منعهن بعد الإباحة. وموضع: ما أحدث، نصب مفعول أدرك. قال يحيى بن سعيد: (قلت لعمرة) بنت عبد الرحمن (أو) نساء بني إسرائيل (منعن) بضم الميم وكسر النون، أي: من المساجد؟ (قالت) عمرة: (نعم) منعن منها. والظاهر أنها تلقت ذلك عن عائشة رضي الله عنها، أو عن غيرها. وقد ثبت ذلك من حديث عروة عن عائشة موقوفًا بلفظ: قالت عائشة: كن نساء بني إسرائيل يتخذن أرجلاً من خشب يتشرفن للرجال في المساجد، فحرم الله عليهن المساجد، وسلطت عليهن الحيضة. رواه عبد الرزاق بسند صحيح. وهذا، وإن كان موقوفًا فحكمه الرفع، لأنه لا يقال بالرأي. واستدلّ بعضهم لمنع النساء مطلقًا، بقول عائشة رضي الله عنها هذا. وأجيب: بأنه لا يترتب عليه تغير الحكم لأنها علقته على شرط لم يوجد بناء على ظن ظنته، فقالت: لو رأى لمنع، فيقال عليه: لم ير، ولم يمنع، واستمر الحكم حتى إن عائشة لم تصرح بالمنع، وإن كان كلامها يُشعِر بأنها كانت ترى المنع. وأيضًا، فقد علم الله تعالى ما سيحدثن، فما أوحى إلى نبيه عليه الصلاة والسلام بمنعهنّ، ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهن من المساجد لكان منعهنّ من غيرها الأسواق أولى. وأيضًا فالإحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهن، فإن تعين المنع فليكن لمن أحدثت، والأولى أن ينظر إلى ما يخشى منه الفساد فيجتنب، لإشارته عليه الصلاة والسلام إلى ذلك بمنع التطيب والزينة. نعم، صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد. ففي حديث ابن عمر، المروي في أبي داود، وصححه ابن خزيمة: "لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهنّ خير لهن". واستنبط من قول عائشة هذا أنه يحدث للناس فتاوى بقدر ما أحدثوا، كما قاله إمام الأئمة مالك، وليس هذا من التمسك بالمصالح المرسلة المباينة للشرع كما توهمه بعضهم، وإنما مراده كمراد عائشة، أي: يحدثون أمرًا تقتضي أصول الشريعة فيه غير ما اقتضته قبل حدوث ذلك الأمر، ولا غرو في تبعية الأحكام للأحوال. اهـ. 164 - باب صَلاَةِ النِّسَاءِ خَلْفَ الرِّجَالِ (باب صلاة النساء خلف) صفوف (الرجال). 870 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَيَمْكُثُ هُوَ فِي مَقَامِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ. قَالَ: نَرَى -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَىْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ". وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحات، المؤذن المكي (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين، الزهري المدني (عن) ابن شهاب (الزهري، عن هند بنت الحرث) الفراسية (عن أم سلمة، رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سلم) من الصلاة (قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث هو) عليه الصلاة والسلام (في مقامه يسيرًا) بفتح الميم، اسم مكان القيام (قبل أن يقوم). (قال) الزهري (نرى) بفتح النون، ولأبي ذر: نرى، بضمها، أي نظن (والله أعلم- أن ذلك) الفعل (كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال) ولأبي ذر: قبل أن يدركهن أحد من الرجال. لكن في هامش الفرع وأصله ضبب على ابن عساكر على: من. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث أن صف النساء، لو كان أمام الرجال أو بعضهم، للزم من انصرافهنّ قبلهم أن يتخطينهم، وذلك منهي عنه. 871 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقُمْتُ وَيَتِيمٌ خَلْفَهُ. وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا ابن عيينة) ولأبي ذر: سفيان بن عيينة (عن إسحاق) ولأبي ذر: والأصيلي وابن عساكر: عن إسحاق بن عبد الله (عن أنس)، رضي الله عنه وللأصيلي زيادة: ابن مالك (قال: صلّى النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيت أم سليم) ولأبي ذر، في نسخة في بيت أم سلمة (فقمت ويتيم خلفه) هو ضميره، وهو مرفوع عطفًا على الضمير المرفوع

165 - باب سرعة انصراف النساء من الصبح وقلة مقامهن في المسجد

المتصل بلا تأكيد وهو مذهب الكوفيين. أما البصريون فيوجبون في مثله النصب مفعولاً معه، (وأم سليم خلفنا). هذا موضع الترجمة، فإنها صلّت خلف الرجال وهم أنس ومن معه. وفي هامش فرع اليونينية: هنا ما نصه: وهذا الباب في الأصل مخرج في الحاشية، مصحح عليه، ثم ذكره بعد ببابين. اهـ. 165 - باب سُرْعَةِ انْصِرَافِ النِّسَاءِ مِنَ الصُّبْحِ وَقِلَّةِ مَقَامِهِنَّ فِي الْمَسْجِدِ (باب سرعة انصراف النساء من الصبح، وقلة مقامهن في المسجد) خوفًا من أن يعرفن بسبب انتشار الضوء إذا مكثن، وميم مقامهن بالفتح وبضمها مصدر ميمي من: أقام، أي: قلة إقامتهن. وقيده بالصبح لأن طول التأخر فيه يفضي إلى الإسفار، فناسب الإسراع بخلاف العشاء فإنه يفضي إلى زيادة الظلمة فلا يضر المكث. 872 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ فَيَنْصَرِفْنَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لاَ يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ، أَوْ لاَ يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا". وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا يحيى بن موسى) الختيّ (قال: حدّثنا سعيد بن منصور) هو شيخ المصنف، روى عنه هنا بالواسطة، (قال: حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام، ابن سليمان المدني (عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، (عن عائشة) رضي الله عنها (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّي الصبح بغلس، فينصرفن نساء المؤمنين) بإثبات الإناث على لغة يتعاقبون فيكم ملائكة. وقيل في نسخة، كما ذكره الكرماني: نساء المؤمنات، أي: نساء الأنفس المؤمنات، أو النساء بمعنى الفاضلات، أي: فاضلات المؤمنات، لأنه لما كانت صورة اللفظ أنه من إضافة الشيء إلى نفسه، وهي ممنوعة عند الجميع، احتيج إلى التأويل، والتأويل بالتقدير المذكور يرجع إلى أن إضافة الموصوف إلى الصفة: كمسجد الجامع وجانب الغربي. وفيه بين البصريين والكوفيين خلاف. (لا يعرفن من الغلس) بضم أوله وفتح ثالثه وإثبات نون الإناث كذلك (أو) قالت: (لا يعرفن بعضهنّ بعضًا) بفتح أول يعرف وكسر ثالثه، بالإفراد على الأصل. ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لا يعرفن، بفتح أوله وكسر ثالثه ونون الإناث على اللغة المذكورة، وهي لغة بني الحرث. 166 - باب اسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَسْجِدِ (باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد) لأجل العبادة. 873 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَمْنَعْهَا». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يزيد بن زريع) بتقديم الزاي على الراء، مصغرًا، البصري (عن معمر) هو ابن راشد (عن) ابن شهاب (الزهري، عن سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا استأذنت امرأة أحدكم) في أن تخرج إلى المسجد، أو ما في معناه، كشهود العيد، وعيادة المريض (فلا يمنعها) بالجزم والرفع. وليس في الحديث التقييد بالمسجد، إنما هو مطلق يشمل مواضع العبادة وغيرها. نعم، أخرجه الإسماعيلي من هذا الوجه بذكر: المسجد، وكذا أحمد عن عبد الأعلى عن معمر، ومقتضاه أن جواز خروج المرأة يحتاج إلى إذن زوجها، لتوجه الأمر إلى الأزواج بالإذن قاله النووي. وتعقبه الشيخ تقي الدين: بأنه إذا أخذ من المفهوم، فهو مفهوم لقب، وهو ضعيف، لكن يتقوى بأن يقال: إن منع الرجال نساءهم أمر مقرر. اهـ. 166 م - باب صَلاَةِ النِّسَاءِ خَلْفَ الرِّجَالِ 874 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقُمْتُ وَيَتِيمٌ خَلْفَهُ وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا". 875 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدَ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَهُوَ يَمْكُثُ فِي مَقَامِهِ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ. قَالَتْ نُرَى -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِكَىْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ الرِّجَالُ". وزاد في فرع اليونينية، كهي، هنا باب صلاة النساء خلف الرجال، وهو ثابت فيه قبل ببابين، فكرره فيه ونبّه على سقوط الأخير في الهامش بإزائه عند أبي ذر، وهو ساقط في جميع الأصول التي وقفت عليها لكونه لا فائدة في تكريره. نعم، فيه: حين يقضي تسليمه وهو يمكث، وفي السابق: حين يقضي تسليمه ويمكث، هو، وفيه أيضًا: قالت، بتاء التأنيث، ولابن عساكر: قال: بالتذكير. وفي الأول: قال، فقط وفي الأخير، قدّم حديث أبي نعيم على حديث يحيى بن قزعة. بسم الله الرحمن الرحيم 11 - كتاب الجمعة بضم الميم إتباعًا لضمة الجيم، كعسر في عسر، اسم من الاجتماع أضيف إليه اليوم والصلاة، ثم كثر الاستعمال حتى حذف منه الصلاة. وجوز إسكانها على الأصل للمفعول كهزأة، وهي لغة تميم؛ وقرأ بها المطوعي عن الأعمش، وفتحها بمعنى فاعل، أي: اليوم الجامع، فهو كهمزة، ولم يقرأ بها، واستشكل

1 - باب فرض الجمعة

كونه أنّث، وهو صفة اليوم. وأجيب: بأن التاء ليست للتأنيث بل للمبالغة، كما في رجل علاّمة، أو هو صفة للساعة وحكي الكسر أيضًا. (بسم الله الرحمن الرحم). كذا ثبتت البسملة هنا في رواية الأكثرين، وقدمت في رواية، وسقطت لكريمة ولأبي ذر، عن الحموي. 1 - باب فَرْضِ الْجُمُعَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة الجمعة: 9]. (باب فرض الجمعة). (لقول الله تعالى: {إذا نُودي للصلاة}) أذن لها عند قعود الإمام على المنبر (من يوم الجمعة) بيان وتفسير لإذا، وقيل بمعنى في ({فاسعوا إلى ذكر الله}) موعظة الإمام أو الخطبة أو الصلاة، أو هما معًا، والأمر بالسعي لها يدل على وجوبها إذ لا يدل السعي إلا على واجب، أو هو مأخوذ من مشروعية النداء لها، إذ الأذان من خواص الفرائض، واستدلال المصنف بهذه الآية على الفرضية، كالشافعي رضي الله عنه في الأم، ({وذروا الببع}) المعاملة، فإنها حرام حينئذ، وتحريم المباح لا يكون إلاّ لواجب ({ذلكم}) أي: السعي إلى ذكر الله ({خير لكم}) [الجمعة: 9]. من المعاملة، فإن نفع الآخرة خير وأبقى ({إن كنتم تعلمون}) إن كنتم من أهل العلم. ولفظ رواية ابن عساكر: فاسعوا إلى قوله: تعلمون، وزاد أبو ذر عن الحموي تفسير: فاسعوا، قال: فامضوا. وبها قرأ عمر، رضي الله عنه، كما سيأتي في التفسير، إن شاء الله تعالى. وعن الحسن: ليس المراد السعي على الأقدام، ولقد نهوا أن يأتوا المسجد إلا وعليهم السكينة والوقار، ولكن بالقلوب والنيّة والخشوع. وعن الشافعي رحمه الله: السعي، في هذا الموضع: العمل، ومذهب الشافعية والمالكية والحنابلة وزفر: أن الجمعة فرض الوقت، والظهر بدل عنها. وبه قال محمد في رواية عنه، وفي القديم للشافعي. وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف الفرض الظهر. وقال محمد في رواية: الفرض أحدهما. 876 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ: الْيَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ». وبالسند السابق إلى المؤلّف قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (قال: حدّثنا أبو الزناد) بكسر الزاي، عبد الله بن ذكوان (أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، مولى ربيعة بن الحارث، حدّثه أنه سمع أبا هريرة، رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول): (نحن الآخرون) زمانًا في الدنيا (السابقون) أهل الكتاب وغيرهم منزلة وكرامة (يوم القيامة) في الحشر والحساب والقضاء لهم قبل الخلائق، وفي دخول الجنة. ورواه مسلم بلفظ: "نحن الآخرون من أهل الدنيا، والسابقون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق". (بيد أنهم) بفتح الموحدة وسكون المثناة التحتية وفتح الدال المهملة، بمعنى غير الاستثنائية، أي: نحن السابقون للفضل، غير أن اليهود والنصارى، (أوتوا الكتاب) التوراة والإنجيل (من قبلنا). زاد في رواية أبي زرعة الدمشقي، عن أبي اليمان، شيخ المؤلّف، فيما رواه الطبراني في مسند الشاميين عنه: "وأوتيناه. أي: القرآن، من بعدهم". وذكره المؤلّف من وجه آخر عن أبي هريرة تامًّا بعد أبواب. (ثم هذا) أي: يوم الجمعة (يومهم الذي فرض عليهم) وعلينا تعظيمه بعينه، أو الاجتماع فيه. وروى ابن أبي حاتم عن السدي: "أن الله فرض على اليهود الجمعة، فقالوا: يا موسى، إن الله لم يخلق يوم السبت شيئًا فاجعله لنا؛ فجعل عليهم". وفي بعض الآثار مما نقله أبو عبد الله الأبي: أن موسى عليه الصلاة والسلام عيّن لهم يوم الجمعة، وأخبرهم بفضيلته، فناظروه بأن السبت أفضل، فأوحى الله تعالى إليه: دعهم وما اختاروا". والظاهر أنه عينّه لهم، لأن السياق دلّ على ذمّهم في العدول عنه. فيجب أن يكون قد عيّنه لهم. لأنه لو لم يعيّنه لهم ووكّل التعيين إلى اجتهادهم، لكان الواجب عليهم تعظيم يوم لا بعينه. فإذا أدّى الاجتهاد إلى أنه السبت أو الأحد، لزم المجتهد ما أدى الاجتهاد إليه، ولا يأثم ويشهد له قوله: "هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه". فإنه ظاهر. أو نص في التعيين وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم، وكيف لا، وهم القائلون: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [البقرة: 93، والنساء: 46]. ولأبي ذر وابن عساكر، عن الحموي: هذا يومهم الذي فرض الله عليهم (فاختلفوا فيه) هل يلزم بعينه، أم يسوغ لهم إبداله بغيره من الأيام، فاجتهدوا في ذلك فأخطأوا (فهدانا الله له) بأن نص لنا عليه ولم يكلنا إلى اجتهادنا لاحتمال أن يكون، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، علمه بالوحي، وهو بمكة، فلم يتمكن من إقامتها بها. وفيه حديث عن ابن عباس عند الدارقطني:

2 - باب فضل الغسل يوم الجمعة وهل على الصبي شهود يوم الجمعة، أو على النساء؟

ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة، كما ذكره ابن إسحاق وغيره، أو: هدانا الله له بالاجتهاد. كما يدل عليه مرسل ابن سيرين عند عبد الرزاق بإسناد صحيح، ولفظه: جمع أهل المدينة قبل أن يقدمها النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقبل أن ينزل الجمعة، قالت الأنصار: إن لليهود يومًا يجتمعون فيه كل سبعة أيام، وللنصارى مثل ذلك، فهلمّ فلنجعل يومًا نجتمع فيه، فنذكر الله تعالى ونصلي ونشكره، فجعلوه يوم العروبة، واجتمعوا فيه إلى أسعد بن زرارة، فصلّى بهم. الحديث. وله شاهد بإسناد حسن عند أبي داود، وصححه ابن خزيمة وغيره من حديث كعب بن مالك. قال: كان أول مَن صلّى بنا الجمعة قبل مقدم رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة أسعد بن زرارة. (فالناس لنا فيه تبع) ولأبي ذر: فالناس لنا تبع (اليهود) أي: تعييد اليهود (غدًا) يوم السبت (و) تعييد (النصارى بعد غد) يوم الأحد كذا قدّره ابن مالك ليسلم من الأخبار بظرف الزمان عن الجنة. ووجه اختيار اليهود يوم السبت لزعمهم أنه يوم فرغ الله فيه من خلق الخلق، قالوا: فنحن نستريح فيه من العمل، ونشتغل بالعبادة والشكر. والنصارى: الأحد، لأنه أول يوم بدأ فيه بخلق الخلق، فاستحق التعظيم. وقد هدانا الله تعالى للجمعة لأنه خلق فيه آدم عليه الصلاة والسلام، والإنسان إنما خلق للعبادة. وهو اليوم الذي فرضه الله تعالى عليهم، فلم يهدهم له، وادّخره لنا. واستدلّ به النووي رحمه الله تعالى على فرضية الجمعة لقوله: فرض عليهم، فهدانا الله له. فإن التقدير فرض عليهم وعلينا، فضلوا وهدينا. ويؤيده رواية مسلم عن سفيان عن أبي الزناد: كتب علينا. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين حمصي ومدني، وفيه التحديث والسماع والقول، وأخرجه مسلم والنسائي. 2 - باب فَضْلِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهَلْ عَلَى الصَّبِيِّ شُهُودُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، أَوْ عَلَى النِّسَاءِ؟ (باب فضل الغسل يوم الجمعة، وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو على النساء)؟ 877 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» [الحديث 877 - طرفاه في: 894، 919]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب، ولابن عساكر: عن ابن عمر (رضي الله عنهما: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا جاء) أي: إذا أراد (أحدكم الجمعة، فليغتسل) بإضافة أحد إلى ضمير الجمع، ليعمّ الرجال والنساء والصبيان. واستشكل دلالة الحديث على ما ترجم له من شهود الصبي والمرأة للجمعة، فإن القضية الشرطية لا تدل على وقوع المجيء. وأجيب بأنه استفيد من: إذا، فإنها لا تدخل إلا في مجزوم بوقوعه. وتعقب بأنه خرج بقوله، في ثالث حديث الباب: على كل محتلم: الصبي، وبعموم النهي في منع النساء من المساجد إلا بالليل حضورهنّ الجمعة. وفي بعض طرق حديث نافع عند أبي داود بإسناد صحيح، لكنه ليس على شرط المصنف، عن طارق بن شهاب مرفوعًا: لا جمعة على امرأة ولا صبي. نعم، لا بأس بحضور العجائز بإذن الأزواج، وليحترزن من الطيب والزينة. وظاهر قوله: إذا جاء فليغتسل. أن الغسل يعقب المجيء، وليس كذلك. وإنما التقدير: إذا أراد أحدكم ... كما مرّ. وقد وقع ذلك صريحًا عند مسلم في رواية الليث، عن نافع، ولفظه: إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة ... فهو كآية الاستعاذة. وفي حديث أبي هريرة: من اغتسل يوم الجمعة ثم راح ... ، وهو صريح في تأخر الرواح عن الغسل. وقد علم من تقييد الغسل بالمجيء أن الغسل للصلاة لا لليوم، وهو مذهب الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة، رحمهم الله، فلو اغتسل بعد الصلاة لم يكن للجمعة، ولو اغتسل بعد الفجر أجزأه عند الشافعية والحنفية، خلافًا للمالكية والأوزاعي. وفي حديث إسماعيل بن أمية، عن نافع، عند أبي عوانة وغيره: كان الناس يغدون في أعمالهم، فإذا كانت الجمعة جاؤوا وعليهم ثياب متغيرة، فشكوا ذلك إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل". فأفاد سبب الحديث. واستدلّ به المالكية في أنه يعتبر أن يكون الغسل متصلاً بالذهاب، لئلا يفوت الغرض. وهو رعاية الحاضرين من التأذّي بالروائح حال الاجتماع، وهو غير مختص بمن تلزمه قالوا: ومن اغتسل ثم اشتغل عن الرواح إلى أن بعد ما بينهما عرفًا، فإنه يعيد الغسل لتنزيل البعد منزلة الترك. وكذا إذا نام اختيارًا بخلاف من غلبه

النوم أو أكل أكلاً كثيرًا بخلاف القليل. اهـ. ومقتضى النظر: أنه إذا عرف أن الحكمة في الأمر بالغسل يوم الجمعة التنظيف رعاية للحاضرين، كما مر، فمَن خشي أن يصيبه في أثناء النهار ما يزيل تنظيفه استحب له أن يؤخر الغسل لوقت ذهابه، كما مر عن المالكية، وبه صرّح في الروضة وغيرهما. ومفهوم الحديث: أن الغسل لا يشرع لمن لا يحضرها، كالمسافر والعبد، وقد صرح به في رواية عثمان بن واقد عند أبي عوانة، وابني خزيمة وحبان في صحاحهم، ولفظه: "من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل، ومن لم يأتها فليس عليه غسل". وهو الأصح عند الشافعية. وبه قال الجمهور، خلافًا لأكثر الحنفية. وذكر المجيء في قوله: إذا جاء أحدكم الجمعة للغالب، وإلاّ فالحكم شامل لمجاور الجامع ومن هو مقيم به. 878 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ قَالَ: إِنِّي شُغِلْتُ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّأْذِينَ، فَلَمْ أَزِدْ أَنْ تَوَضَّأْتُ. فَقَالَ: وَالْوُضُوءُ أَيْضًا؟ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ". [الحديث 878 - طرفه في: 882]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) الضبعي، بضم المعجمة وفتح الموحدة، البصري. وسقط: ابن أسماء، وفي رواية الأصيلي (قال: حدّثنا) ولغير ابن عساكر: أخبرنا (جويرية) بضم الجيم وفتح الواو ولأبي ذر: جويرية بن أسماء الضبعي البصري، عمّ محمد الراوي عنه، (عن مالك) الإمام (عن) ابن شهاب (الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر) العمري، (عن ابن عمر) رضي الله عنهما (أن) أباه (عمر بن الخطاب، بينما) بالميم (هو قائم) على المنبر (في الخطبة يوم الجمعة، إذ دخل رجل) هو جواب: بينما، والأفصح أن لا يكون فيه، إذ، أو: إذا. ولأبوي ذر والوقت في رواية الحموي والكشميهني: إذ جاء رجل (من المهاجرين الأولين) ممّن شهد بدرًا أو أدرك بيعة الرضوان، أو صلّى للقبلتين (من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هو: عثمان بن عفان، (فناداه عمر) رضي الله عنهما، أي قال له: يا فلان (أية ساعة هذه)؟ استفهام إنكار لينبّه على ساعة التبكير التي رغب فيها، وليرتدع من هو دونه، أي: لم تأخرت إلى هذه الساعة؟ (قال) عثمان معتذرًا عن التأخر: (إني شغلت) بضم الشين وكسر الغين المعجتين، مبنيًّا للمفعول (فلم أنقلب) أي: فلم أرجع (إلى أهلي حتى سمعت التأذين) بين يدي الخطيب (فلم أزد أن توضأت) أي: لم أشتغل بشيء بعد أن سمعت النداء إلاّ بالوضوء، وأن صلة زيدت لتأكيد النفي. وللأصيلي: فلم أزد على أن توضأت. (فقال) عمر إنكارًا آخر على ترك السُّنّة المؤكدة وهي الغسل (والوضوء أيضًا) بنصب الوضوء. قال الحافظ ابن حجر: كذا في روايتنا، وعليه اقتصر النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم، وبالواو عطفًا على الإنكار الأول، أي: والوضوء اقتصرت عليه واخترته دون الغسل؟ أي: ما اكتفيت بتأخير الوقت، وتفويت الفضيلة، حتى تركت الغسل، واقتصرت على الوضوء. وقال القرطبي: الواو عوض عن همزة الاستفهام، كقراءة قنبل، عن ابن كثير {قَالَ فِرْعَوْنُ وآَمَنْتُمْ بِهِ} [الأعراف: 123]. وكذا قاله البرماوي والزركشي. وتعقبه في المصابيح: بأن تخفيف الهمزة بإبدالها واوًا صحيح في الآية لوقوعها مفتوحة بعد ضمة، وأما في الحديث فليس كذلك. لوقوعها مفتوحة بعد فتحة، فلا وجه لإبدالها فيه واوًا. ولو جعله على حذف الهمزة أي: أو تخص الوضوء أيضًا؟ لجرى على مذهب الأخفش في جواز حذفها قياسًا عند أمن اللبس، والقرينة الحالية المقتضية للإنكار شاهدة بذلك فلا لبس. اهـ. ولأبي ذر عن الحموي والمستملي، قال: الوضوء، وهو بالنصب أيضًا، أي: أتتوضأ الوضوء فقط؟ وجوز الرفع. وهو الذي في اليونينية على أنه مبتدأ خبره محذوف. أي: والوضوء تقتصر عليه؟ ويجوز أن يكون خبرًا حذف مبتدؤه، أي: كفايتك الوضوء أيضًا. ونقل البرماوي والزركشي وغيرهما عن ابن السيد: أنه يروى بالرفع على لفظ الخبر، والصواب أن الوضوء بالمد على لفظ الاستفهام، كقوله تعالى: {آلله أذن لكم}. وتعقبه البدر بن الدماميني بأن نقل كلام ابن السيد بقصد توجيه ما في البخاري به غلط، فإن كلام ابن السيد في حديث الموطأ وليس فيه واو إنما هو: "فقال له عمر: الوضوء أيضًا"؟ وهذا يمكن فيه المد بجعل همزة الاستفهام داخلة على همزة الوصل، وأما في حديث البخاري فالواو داخلة على همزة الوصل، فلا يمكن الإتيان بعدها بهمزة الاستفهام. اهـ. قلت: والظاهر أن البدر لم يطلع على رواية

3 - باب الطيب للجمعة

الحموي، والمستملي، قال: الوضوء، بحذف الواو كما ذكرته، وحينئذ فلا اعتراض. والله أعلم. وقوله: أيضًا منصوب على أنه مصدر من: آض يئيض، أي عاد ورجع، والمعنى: ألم يكفك أن فاتك فضل التبكير حتى أضفت إليه ترك الغسل المرغب فيه؟ (و) الحال أن (قد علمت أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يأمر) في رواية جويرية: كنّا نؤمر (بالغسل)؟ لمن يريد المجيء إلى الجمعة. وفي حديث أبي هريرة في هذه القصة في الصحيحين: أن عمر قال: "ألم تسمع أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل". ورواة حديث الباب ما بين بصري ومدني، وفيه رواية الابن عن الأب، وتابعي عن تابعي عن صحابي، والتحديث والعنعنة، وأخرجه الترمذي: في الصلاة. 879 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو: ابن أنس (عن صفوان بن سليم) بضم السين، الزهري المدني (عن عطاء بن يسار) بالمثناة التحتية والمهملة المخففة، مولى ميمونة رضي الله عنها (عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (غسل يوم الجمعة) تمسك به من قال: الغسل لليوم، للإضافة إليه ومذهب الشافعية والمالكية وأبي يوسف: للصلاة لزيادة فضيلتها على الوقت، واختصاص الطهارة بها، كما مرّ، دليلاً وتعليلاً (واجب) أي: كالواجب في تأكيد الندبية، أو واجب في الاختيار وكرم الأخلاق والنظافة، أو في الكيفية لا في الحكم، (على كل محتلم) أي بالغ، فخرج الصبي، وذكر الاحتلام لكونه الغالب. وقد تمسك به من قال بالوجوب، وهو مذهب الظاهرية. وحكي عن جماعة من السلف منهم أبو هريرة وعمار بن ياسر، وحكي عن أحمد في إحدى الروايتين عنه لنا قوله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل". رواه الترمذي وحسنه، وهو صارف للوجوب المذكور، وقوله: فبها، أي: فبالسنة أخذ، أي: بما جوّزته من الاقتصار على الوضوء، ونعمت الخصلة. أي: الفعلة، والغسل معها أفضل. واستدلّ الشافعي رحمه الله في الرسالة لعدم الوجوب بقصة عثمان وعمر السابقة، وعبارته: فلما لم يترك عثمان الصلاة للغسل، ولم يأمره عمر بالخروج للغسل، دلّ ذلك على أنهم قد علما أن الأمر بالغسل للاختيار. اهـ. وقيل: الوجوب منسوخ، وعورض بأن النسخ لا يصار إليه إلاّ بدليل. ومجموع الأحاديث يدل على استمرار الحكم، فإن في حديث عائشة: إن ذلك كان في أوّل الحال حيث كانوا مجهودين: وكان أبو هريرة وابن عباس إنما صحبا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن حصل التوسع بالنسبة إلى ما كانوا فيه أولاً، ومع ذلك، فقد سمع كلٌّ منهما منه عليه الصلاة والسلام الأمر بالغسل، والحثّ عليه، والترغيب فيه. فكيف يدّعي النسخ مع ذلك. وأما تأويل القدوري، من الحنفية، قوله: واجب، بمعنى ساقط. و: على، بمعنى: عن، فلا يخفى ما فيه من التكلّف. وأما قول بعضهم: إنه ليس بشرط بل واجب مستقل تصح الصلاة بدونه، وكان أصله قصد التنظيف وإزالة الروائح التي تتأذى منها الملائكة والناس، فيلزم منه تأثيم سيدنا عثمان رضي الله عنه. وأجيب: بأنه كان معذورًا لأنه إنما تركه ذاهلاً عن الوقت. 3 - باب الطِّيبِ لِلْجُمُعَةِ (باب الطيب للجمعة). 880 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: "أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَأَنْ يَسْتَنَّ، وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ". قَالَ عَمْرٌو: أَمَّا الْغُسْلُ فَأَشْهَدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَأَمَّا الاِسْتِنَانُ وَالطِّيبُ فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَوَاجِبٌ هُوَ أَمْ لاَ، وَلَكِنْ هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هُوَ أَخُو مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَلَمْ يُسَمَّ أَبُو بَكْرٍ هَذَا. رَوَاهُ عَنْهُ بُكَيْرُ بْنُ الأَشَجِّ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلاَلٍ وَعِدَّةٌ. وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ يُكْنَى بِأَبِي بَكْرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ". وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن المديني، ولابن عساكر: عليّ بن عبد الله بن جعفر (قال: حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: أخبرنا (حرمي بن عمارة) بفتح الحاء والراء المهملتين وكسر الميم في الأول، وبضم العين وتخفيف الميم في الآخر (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بكر بن المنكدر) بضم الميم وسكون النون وفتح الكاف، ابن عبد الله بن ربيعة التابعي (قال: حدّثني) بالإفراد (عمرو بن سليم) بفتح العين وسكون الميم في الأول، وضم المهملة وفتح اللام في الثاني (الأنصاري) التابعي (قال: أشهد على أبي سعيد) الخدري، رضي الله عنه، (قال: أشهد على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عبر بلفظ أشهد، للتأكيد أنه (قال): (الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) أي بالغ. وهو مجاز لأن الاحتلام يستلزم البلوغ، والقرينة المانعة عن الحمل على الحقيقة أن الاحتلام إذا كان معه الإنزال موجب للغسل، سواء كان يوم الجمعة أو لا

4 - باب فضل الجمعة

(وأن يستن) عطف على معنى الجملة السابقة، و: أن مصدرية، أي: والاستنان. والمراد بذلك الاستنان بالسواك و (وأن يمس طيبًا إن وجد) الطيب، أو السواك والطيب، وقوله: يمس، بفتح الميم. (قال عمرو) المذكور بالإسناد السابق إليه (أما الغسل فأشهد أنه واجب) أي كالواجب في التأكيد (وأما الاستنان والطيب، فالله أعلم أواجب هو أم لا؟ ولكن هكذا في الحديث) أشار به إلى العطف لا يقتضي التشريك من جميع الوجوه، فكان القدر المشترك تأكيدًا لطلب للثلاثة، وجزم بوجوب الغسل دون غيره للتصريح به في الحديث، وتوقف فيما عداه لوقوع الاحتمال فيه. وقوله: واجب، أي مؤكد كالواجب، كما مر ... كذا حمله الأكثرون على ذلك بدليل عطف الاستنان والطيب عليه، المتفق على عدم وجوبهما، فالمعطوف عليه كذلك. ورواة هذا الحديث ما بين بصري وواسطي ومدني، وفيه التحديث والقول، ولفظ: أشهد، وأخرجه مسلم وأبو داود في الطهارة. (قال أبو عبد الله) البخاري: (هو) أي: أبو بكر بن المنكدر السابق في السند (أخو محمد بن المنكدر) لكنه أصغر منه (ولم يسم) بالبناء للمفعول (أبو بكر هذا) الراوي هنا بغير أبي بكر، بخلاف أخيه محمد، فإنه، وإن كان يكنّى أبا بكر، لكن كان مشهورًا باسمه دون كنيته (رواه) أي الحديث المذكور، ولأبي ذر في غير اليونينية: روى (عنه) أي عن أبي بكر بن المنكدر (بكير بن الأشج) بضم الموحدة وفتح الكاف مصغرًا وفتح الشين المعجمة بعد الهمزة المفتوحة آخره جيم، (وسعيد بن أبي هلال، وعدة) أي عدد كثير من الناس. قال الحافظ ابن حجر: وكأن المراد أن شعبة لم ينفرد برواية هذا الحديث عنه، لكن بين رواية بكير وسعيد مخالفة في موضع من الإسناد فرواية بكير موافقة لرواية شعبة، ورواية سعيد أدخل فيها بين عمرو بن سليم وأبي سعيد واسطة، كما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق عمرو بن الحرث: أن سعيد بن أبي هلال، وبكير بن الأشج حدّثناه عن أبي بكر بن المنكدر، عن عمرو بن سليم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه: وقال في آخره: إلا أن بكيرًا لم يذكر عبد الرحمن. فانفرد سعيد بن أبي هلال بزيادة عبد الرحمن. اهـ. (وكان محمد بن المنكدر يكنى بأبي بكر، وأبي عبد الله) وقد سقط من قول: قال أبو عبد الله إلخ. في رواية ابن عساكر. 4 - باب فَضْلِ الْجُمُعَةِ (باب فضل الجمعة) شامل لليوم والصلاة. 881 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن سميّ) بضم المهملة وفتح الميم (مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح) ذكوان (السمان) نسبة إلى بيعه، (عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من اغتسل يوم الجمعة) من ذكر أو أنثى، حرّ أو عبد (غسل الجنابة) بنصب اللام، صفة لمصدر محذوف، أي: غسلاً كغسل الجنابة. وعند عبد الرزاق من رواية ابن جريج، عن سميّ: "فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة" فالتشبيه للكيفية لا للحكم، أو أشار به إلى الجماع يوم الجمعة، ليغتسل فيه من الجنابة، ليكون أغضّ لبصره، وأسكن لنفسه في الرواح إلى الجمعة. ولا تمتد عينه إلى شيء يراه (ثم راح) أي ذهب، زاد في الموطأ: في الساعة الأولى. وصحح النووي، رحمه الله وغيره، إنها من طلوع الفجر، لأنه أول اليوم شرعًا: لكن يلزم منه أن يكون التأهب قبل طلوع الفجر. وقد قال الشافعي، رحمه الله: يجزئ الغسل إذا كان بعد الفجر، فأشعر بأن الأولى أن يقع بعد ذلك. (فكأنما قرّب بدنة) من الإبل، ذكرًا أم أُنثى، والتاء للوحدة لا للتأنيث، أي: تصدق بها متقربًا إلى الله تعالى. وفي رواية ابن جريج عند عبد الرزاق: فله من الأجر مثل الجزور، وظاهره: أن الثواب لو تجسد لكان قدر الجزور. (ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرّب بقرة) ذكرًا أو أُنثى، والتاء للوحدة، (ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشًا) ذكرًا (أقرن) وصفه به لأنه أكمل وأحسن صورة، ولأن قرنه ينتفع به. وفي رواية النسائي: ثم كالمهدي شاة. (ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما

قرب دجاجة) بتثليث الدال والفتح هو الفصيح (ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة). استشكل التعبير: بالدجاجة والبيضة بقوله، في رواية الزهري: كالذي يهدي، لأن الهدي لا يكون منهما. وأجيب: بأنه من باب المشاكلة، أي من تسمية الشيء، باسم قرينه، والمراد بالهدي هنا التصدق، كما دلّ عليه لفظ: قرب وهو يجوز بهما. والمراد بالساعات عند الجمهور من أوّل النهار، وهو قول الشافعي رحمه الله، وابن حبيب من المالكية، وليس المراد من الساعات الفلكية الأربعة والعشرين التي قسم عليها الليل والنهار، بل ترتيب درجات السابقين على من يليهم في الفضيلة، لئلا يستوي فيه رجلان جاءا في طرفي ساعة، ولأنه لو أريد ذلك لاختلف الأمر في اليوم الشاتي والصائف. وقال في شرح المهذّب، وشرح مسلم: بل المراد الفلكية، لكن بدنة الأوّل أكمل من بدنة الأخير، وبدنة المتوسط متوسطة، فمراتبهم متفاوتة، وإن اشتركوا في البدنة مثلاً، كما في درجات صلاة الجماعة الكثيرة والقليلة، وحينئذٍ فمراده بساعات النهار الفلكية اثنتا عشرة زمانية صيفًا أو شتاءً. وقد روى النسائي مرفوعًا: يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة. وقال الماوردي: إنه من طلوع الشمس موافقة لأهل الميقات، ليكون ما قبل ذلك من طلوع الفجر زمان غسل وتأهب. واستشكل بأن الساعات ست لا خمس، والجمعة لا تصح في السادسة بل في السابعة. نعم، عند النسائي بإسناد صحيح بعد الكبش: بطة، ثم دجاجة ثم بيضة. وفي أخرى: دجاجة ثم عصفورًا، ثم بيضة. ومعلوم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يخرج إلى الجمعة متصلاً بالزوال، وهو بعد انقضاء الساعة السادسة. وفي حديث واثلة عند الطبراني في الكبير مرفوعًا: "إن الله تعالى يبعث الملائكة يوم الجمعة على أبواب المسجد يكتبون القوم: الأول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس، فإذا بلغوا السابع كانوا بمنزلة من قرب العصافير". وقال مالك، رحمه الله، وإمام الحرمين، والقاضي حسين: إنها لحظات لطيفة بعد الزوال، لأن الرواح لغة لا يكون إلا من الزوال، والساعة في اللغة الجزء من الزمان، وحملها على الزمانية التي يقسم النهار فيها إلى اثني عشر جزءًا يبعد إحالة الشرع عليه لاحتياجه إلى حساب ومراجعة آلات تدل عليه، ولأنه عليه الصلاة والسلام قال: إذا كان يوم الجمعة قام على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس الأول فالأول، فالمتهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة، الحديث. فإن قالوا: قد تستعمل الهاجرة في غير موضعها فيجب الحمل عليه جمعًا. قلنا: ليس إخراجها عن ظاهرها بأولى من إخراج الساعة الأولى عن ظاهرها، فإذا تساويا على ما زعمت فما أرجح؟ قلت: عمل الناس جيلاً بعد جيل، لم يعرف أن أحدًا من الصحابة رضي الله عنهم كان يأتي المسجد لصلاة الجمعة عند طلوع الشمس، ولا يمكن حمل حالهم على ترك هذه الفضيلة العظيمة. اهـ. وأجيب: بأن الرواح، كما قاله الأزهري، يطلق لغة على الذهاب، سواء كان أول النهار أو آخره أو الليل، وهذا هو الصواب الذي يقتضيه الحديث، والمعنى: فدلّ على أنه لا فضيلة لمن أتى بعد الزوال، لأن التخلّف بعد النداء حرام، ولأن ذكر الساعات إنما هو للحثّ على التبكير إليها والترغيب في فضيلة السبق، وتحصيل الصف الأول، وانتظارها والاشتغال بالتنفل والذكر ونحوه، وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال. وحكى الصيدلاني: أنه من ارتفاع النهار وهو وقت الهجير. (فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة) الذين وظيفتهم كتابة حاضري الجمعة، وما تشتمل عليه من ذكر وغيره، وهم غير الحفظة (يستمعون الذكر) أي الخطبة. وزاد في رواية الزهري الآتية طووا صحفهم. ولمسلم من طريقه: فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاؤوا يستمعون الذكر. فكان ابتداؤه خروج الإمام، وانتهاؤه بجلوسه على المنبر وهو أول سماعهم للذكر. وفي حديث ابن عمر عند أبي نعيم في الحلية مرفوعًا "إذا كان يوم اجمعة بعث الله ملائكة بصحف من نور"، الحديث. ففيه صفة الصحف، وأن الملائكة المذكورين غير الحفظة. والمراد بطيّ الصحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلى الجمعة دون

5 - باب

غيرها من سماع الخطبة وإدراك الصلاة والذكر والدعاء ونحو ذلك، فإنه يكتبه الحافظان قطعًا. وفي حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن خزيمة: "فيقول بعض الملائكة لبعض: ما حبس فلانًا؟ فيقول: اللهم إن كان ضالاًّ فاهده، وإن كان فقيرًا فأغنه وإن كان مريضًا فعافه". وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما ذكر فضل الاغتسال يوم الجمعة، وفضل التبكير إليها. وإن الفضل المذكور إنما يحصل لمن جمعهما، وعليه يحمل ما أطلق في باقي الروايات من ترتب الفضل على التبكير من غير تقييد بالغسل، ولو تعارض الغسل والتبكير فمراعاة الغسل، كما قال الزركشي أولى، لأنه مختلف في وجوبه، ولأن نفعه متعدٍّ إلى غيره بخلاف التبكير. تنبيه: السُّنَّة في التبكير إنما هي لغير الإمام، أما الإمام فيندب له التأخير إلى وقت الخطبة لاتباعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخلفائه. قاله الماوردي، ونقله في المجموع، وأقرّه. والله أعلم. 5 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة، وهو كالفصل من الباب السابق. 882 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ عُمَرَ -رضي الله عنه- بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ. فَقَالَ عُمَرُ: لِمَ تَحْتَبِسُونَ عَنِ الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: مَا هُوَ إِلاَّ سَمِعْتُ النِّدَاءَ فَتَوَضَّأْتُ فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا شيبان) بفتح المعجمة والموحدة، ابن عبد الرحمن التميمي النحوي، نسبة إلى بطن من الأزد، لا إلى علم النحو، البصري، نزيل الكوفة (عن يحيى) زاد أبو ذر: هو ابن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه، بينما) بالميم (هو يخطب يوم الجمعة) أي: على المنبر، وجواب بينما، قوله، (إذ دخل رجل) هو عثمان بن عفان رضي الله عنه (فقال) له (عمر) وللأصيلي: عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: (لم تحتبسون عن) الحضور إلى (الصلاة) في أول وقتها؟ (فقال الرجل) عثمان: (ما هو) أي الاحتباس (إلا أن سمعت النداء) الأذان، ولغير أبي ذر والأصيلي وابن عساكر: إلاّ سمعت النداء (فتوضأت فقال): عمر له ولمن حضر من الصحابة: (ألم تسمعوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) كذا لأبي ذر والأصيلي، ولغيرهما: قال: (إذا راح أحدكم) أي: أراد أحدكم الرواح (إلى) صلاة (الجمعة فليغتسل) ندبًا، كما مرّ. ووجه مطابقته للترجمة السابقة من حيث إنكار عمر على عثمان احتباسه عن التبكير بمحضر من الصحابة، وكبار التابعين، مع عظم جلالته، فلولا عظم فضل ذلك لما أنكر عليه، وإذا ثبت الفضل في التبكير إلى الجمعة ثبت الفضل لها. ورواة الحديث الخمسة ما بين كوفي ويماني ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم في الصلاة، وأبو داود في الطهارة، والله أعلم. 6 - باب الدُّهْنِ لِلْجُمُعَةِ (باب) استعمال (الدهن للجمعة) بضم الدال، ويجوز فتحها مصدر: دهنت دهنًا، وحينئذٍ فلا يحتاج إلى تقدير. 883 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنِ ابْنِ وَدِيعَةَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى». [الحديث 883 - طرفه في: 910]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحرث بن أبي ذئب، واسمه هشام القرشي العامري المدني (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة، نسبة إلى مقبرة بالمدينه، كان مجاورًا بها، التابعي (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) أبو سعيد، كيسان المقبري التابعي (عن ابن وديعة) عبد الله الأنصاري المدني التابعي، أو هو صحابي (عن سلمان الفارسي) رضي الله عنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يغتسل رجل يوم الجمعة) غسلاً شرعيًا (ويتطهر ما استطاع من طهر) بالتنكير للمبالغة في التنظيف، أو المراد به التنظيف: بأخذ الشارب والظفر والعانة، أو المراد بالغسل: غسل الجسد، وبالتطهير: غسل الرأس وتنظيف الثياب، ولأبي ذر وابن عساكر عن الحموي والمستملي: من الطهر (وبدهن من دهنه) بتشديد الدال بعد المثناة التحتية، من باب: الافتعال أي: يطلي بالدهن ليزيل شعث رأسه ولحيته به، (أو يمس) بفتح المثناة التحتية والميم (من طيب بيته) إن لم يجد دهنًا أو: أو، بمعنى الواو، فلا ينافي الجمع بينهما، وأضاف الطيب إلى البيت إشارة إلى أن السُّنَّة اتخاذ الطيب في البيت، ويجعل استعماله له عادة. وفي حديث أبي داود عن ابن عمر: "أو يمس من طيب امرأته" أي: إن لم يتخذ

لنفسه طيبًا فليستعمل من طيب امرأته، وزاد فيه: "ويلبس من صالح ثيابة"، ولابن عساكر: ويمسّ من طيب بيته (ثم يخرج) زاد ابن خزيمة، عن أبي أيوب: إلى المسجد، ولأحمد من حديث أبي الدرداء: ثم يمشي وعليه السكينة (فلا يفرق بين اثنين) في حديث ابن عمر عند أبي داود، ثم لم يتخطّ رقاب الناس، وهو كناية عن التبكير، أي: عليه أن يبكر فلا يتخطى رقاب الناس، أو المعنى، لا يزاحم رجلين فيدخل بينهما، لأنه ربما ضيق عليهما، خصوصًا في شدة الحرّ واجتماع الأنفاس، (ثم يصلّي ما كتب له) أي فرض من صلاة الجمعة، أو قدر فرضًا أو نفلاً. وفي حديث أبي الدرداء: "ثم يرجع ما قضى له، وفي حديث أبي أيوب: "فيركع إن بدا له". وفيه مشروعية النافلة قبل صلاة الجمعة. (ثم ينصت) بضم أوله من: أنصت، وفتحه من: نصت، أي سكت (إذا تكلم الإمام) أي: شرع في الخطبة، زاد في رواية قرثع، بقاف مفتوحة وراء ساكنة ثم مثلثة، الضبي، بالمعجمة والموحدة، عند ابن خزيمة: حتى يقضي صلاته (إلا غفر له ما بينه) أي ما بين الجمعة الحاضرة (وبين الجمعة الأخرى) الماضية. أو المستقبلة. لأنها تأنيث الآخر بفتح الخاء لا بكسرها والمغفرة تكون للمستقبل كما للماضي قال الله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2]. لكن في رواية الليث، عن ابن عجلان، عند ابن خزيمة ما بينه وبين الجمعة التي قبلها. وزاد في رواية أبي هريرة عند ابن حبان، وزيادة ثلاثة أيام من التي بعدها. والمراد: غفران الصغائر لما زاده في حديث أبي هريرة عند ابن ماجة: ما لم تغش الكبائر، أي فإنها إذا غشيت لا تكفر، وليس المراد أن تكفير الصغائر مشروط باجتناب الكبائر، إذ اجتناب الكبائر بمجرده يكفر الصغائر، كما نطق به القرآن العزيز في قوله: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31] أي: كل ذنب فيه وعيد شديد {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] أي نمح عنكم صغائركم. ولا يلزم من ذلك أن لا يكفر الصغائر إلا اجتناب الكبائر، فإذا لم يكن له صغائر تكفر، رجي له أن يكفر عنه بمقدار ذلك من الكبائر، وإلا أعطي من الثواب بمقدار ذلك. وقد تبين بمجموع ما ذكر: من الغسل والتطيب إلى آخره أن تكفير الذنوب من الجمعة إلى الجمعة مشروط بوجود جميعها. ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون، وفيه ثلاثة من التابعين، إن لم يكن ابن وديعة صحابيًّا، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة. 884 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ طَاوُسٌ: "قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا الْغُسْلُ فَنَعَمْ، وَأَمَّا الطِّيبُ فَلاَ أَدْرِي". [الحديث 884 - طرفه في: 885]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو: ابن حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري، قال طاوس) هو: ابن كيسان الحميري الفارسي اليماني، قيل: اسمه ذكوان. وطاوس لقبه: (قلت لابن عباس) رضي الله عنهما (ذكروا) يحتمل أن يكون المبهم في: أبا هريرة لرواية ابني خزيمة وحبان والطحاوي، من طريق عمرو بن دينار عن طاوس، عن أبي هريرة، نحوه (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (اغتسلوا يوم الجمعة) إن كنتم جنبًا (واغسلوا رؤوسكم) تأكيد: لاغتسلوا، من عطف الخاص على العامّ، لينبّه على أن المطلوب الغسل التام، لئلا يتوهم أن إفاضة الماء دون حل الشعر مثلاً تجزئ في غسل الجمعة، أو المراد بالثاني: التنظيف من الأذى. واستعمال الدهن ونحوه. (وإن لم تكونوا جنبًا) فاغتسلوا للجمعة، ولفظ الجنب يستوي فيه المذكر والمؤنث، والمفرد والمثنى والجمع، قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] (وأصيبوا من الطيب) من للتبعيض قائم مقام المفعول، أي: استعملوا بعض الطيب. وليس في هذه الرواية ذكر الدهن المترجم له، ويحتمل أن المؤلّف أراد أن حديث طاوس عن ابن عباس واحد، وقد ذكر فيه إبراهيم بن ميسرة: الدهن، ولم يذكره الزهري، وزيادة الثقة الحافظ مقبولة. (قال ابن عباس) مجيبًا لطاوس عن قوله: ذكروا ... إلخ (أما الغسل المذكورة فنعم) قاله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وأما الطيب فلا أدري) أي: فلا أعلم. قاله عليه الصلاة والسلام أم لا، لكن رواية صالح بن أبي الأخضر عن الزهري، عن عبيد بن السباق عند ابن ماجة مرفوعًا: "من جاء إلى الجمعة فليغتسل وإن كان له طيب فليمس منه". تخالف ذلك، لكن صالح ضعيف، وقد خالفه مالك، فرواه عن الزهري عن عبيد بن السباق، مرسلاً. 885 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ: "عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: أَيَمَسُّ طِيبًا أَوْ دُهْنًا إِنْ كَانَ عِنْدَ أَهْلِهِ؟ فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُهُ". وبه قال: (حدّثنا

7 - باب يلبس أحسن ما يجد

إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي الفراء الرازي الحافظ (قال: أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني، قاضي صنعاء، المتوفى سنة تسع وتسعين ومائة باليمن، رحمه الله تعالى (أن ابن جريج) عبد الملك (أخبرهم، قال: أخبرني) بالإفراد (إبراهيم بن ميسرة) بفتح الميم وسكون المثناة التحتية وفتح السين والراء المهملتين، الطائفي المكي التابعي (عن طاوس) اليماني (عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أنه ذكر قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الغسل يوم الجمعة). قال طاوس: (فقلت لابن عباس: أيمس طيبًا) نصب: بيمس، والهمزة للاستفهام (أو) يمس (دهنًا وإن كان) أي الطيب أو الدهن (عند أهله؟ فقال) ابن عباس: (لا أعلمه) من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولا من كونه مندوبًا. ورواة هذا الحديث ما بين رازي وصنعاني ومكّي وطائفي ويماني، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، والتحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم في الصلاة والله أعلم. 7 - باب يَلْبَسُ أَحْسَنَ مَا يَجِدُ هذا (باب) بالتنوين (يلبس) من أراد المجيء إلى صلاة الجمعة (أحسن ما يجد) من الثياب الجائز لبسها. 886 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةَ سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ. ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهَا حُلَلٌ، فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- مِنْهَا حُلَّةً، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا. فَكَسَاهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- أَخًا لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا". [الحديث 886 - أطرافه في: 948، 2104، 2612، 2619، 3054، 5841، 5981، 6081]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) ولأبي ذر في نسخة: عن مالك (عن نافع عن عبد الله بن عمر، أن) أباه (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (رأى حلة سيراء عند باب المسجد) بكسر السين المهملة وفتح المثناة التحتية ثم راء ممدودة، أي: حرير بحت، وأهل العربية على إضافة حلة لتاليه، كثوب خز. وذكر ابن قرقول ضبطه كذلك عن المتقنين، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: حلة سيراء، بالتنوين على الصفة، أو البدل، وعليه أكثر المحدثين. لكن قال سيبويه: لم يأت فعلاء وصفًا، والحلة لا تكون إلا من ثوبين، وسميت: سيراء لما فيها من الخطوط التي تشبه السيور، كما يقال: ناقة عشراء إذا كمل لحملها عشرة أشهر. (فقال) عمر: (يا رسول الله، لو اشتريت هذه) الحلة (فلبستها يوم الجمعة، وللوفد إذا قدموا عليك) لكان حسنًا، أو: لو: للتمني لا للشرط، فلا تحتاج للجزاء. وفي رواية البخاري أيضًا: فلبستها للعيد وللوفد، (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنما يلبس هذه) أي: الحلة الحرير (من لا خلاق له) أي: من لا حظ له ولا نصيب له من الخير (في الآخرة). كلمة من تدل على العموم، فيشمل الذكور والإناث. لكن الحديث مخصوص بالرجال لقيام دلائل أُخر على إباحة الحرير للنساء. (ثم جاءت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها) أي من جنس الحلة السيراء (حلل، فأعطى عمر بن الخطاب رضي الله عنه منها) أي من الحلل (حلة) ولأبي ذر: فأعطى منها عمر بن الخطاب رضي الله عنه حلة، (فقال عمر: يا رسول الله) وللأصيلي: فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، (كسوتنيها) أي الحلة (وقد قلت في حلة عطارد) بضم المهملة وكسر الراء، وهو ابن حاجب بن زرارة التميمي، قدم في وفد بني تميم على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأسلم له صحبة (ما قلت) من أنه: "إنما يلبسها من لا خلاق له "؟ (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له: (إني لم أكسكها لتلبسها) بل لتنتفع بها في غير ذلك. وفيه دليل على أنه يقال: كساه إذا أعطاه كسوة لبسها أم لا، ولمسلم: أعطيتكها تبيعها وتصيب بها حاجتك، ولأحمد: أعطيتكه تبيعه، فباعه بألفي درهم. لكنه يشكل بما هنا من قوله: (فكساها عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخًا له) من أمه: عثمان بن حكيم، قاله المنذري، أو هو أخو أخيه زيد بن الخطاب لأمه أسماء بنت وهب، قاله الدمياطي، أو كان أخاه من الرضاعة. وانتصاب أخًا على أنه مفعول ثان لكسا، يقال: كسوته جبة، فيتعدى إلى مفعولين وقوله: له في محل نصب صفة لقوله: أخًا تقديره أخًا كائنًا له. وكذا قوله: (بمكة مشوكًا) نصب صفة بعد صفة. واختلف في إسلامه، فإن قلت: الصحيح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ومقتضى تحريم لبس الحرير عليهم، فكيف كساها عمر أخاه المشرك؟ أجيب: بأنه يقال كساه إذا أعطاه كسوة لبسها أم لا، كما مر. فهو إنما أهداها له لينتفع بها، ولا يلزم لبسها. ومطابقة الحديث للترجمة من

8 - باب السواك يوم الجمعة

جهة دلالته على استحباب التجمل يوم الجمعة، والتجمل يكون بأحسن الثياب، وإنكاره عليه الصلاة والسلام على عمر، لم يكن لأجل التجمل، بل لكون تلك الحلة كانت حريرًا. تنبيه: أفضل ألوان الثياب البياض، لحديث: "البسوا من ثيابكم البياض، فإنها خير ثيابكم، وكفّنوا فيها موتاكم" ... رواه الترمذي وغيره، وصححوه. ثم ما صبغ غزله قبل نسجه: كالبرد، لا ما صبغ منسوجًا، بل يكره لبسه كما صرح به البندنيجي وغيره، ولم يلبسه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولبس البرود. ففي البيهقي عن جابر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان له برد يلبسه في العيدين والجمعة، وهذا في غير المزعفر والمعصفر. والسُّنّة أن يزيد الإمام في حُسْن الهيئة والعمّة والارتداء للاتباع، ويترك السواد لأنه أولى. إلاَّ إن خشي مفسدة تترتب على تركه من سلطان أو غيره. وقد أخرج المؤلّف الحديث في الهبة، ومسلم في اللباس وأبو داود والنسائي في الصلاة. 8 - باب السِّوَاكِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَسْتَنُّ. (باب) استعمال (السواك يوم الجمعة) السواك مذكر على الصحيح، وفي المحكم: تأنيثه، وأنكره اللأزهري. (وقال أبو سعيد) الخدري، رضي الله عنه، في حديثه المذكور في باب الطيب للجمعة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يستن) من الاستنان، أي: يدلك أسنانه بالسواك. 887 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي -أَوْ عَلَى النَّاسِ- لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ». [الحديث 887 - طرفه في: 7240]. وبالسند إلى البخاري قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة، رضي إلته عنه، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لولا) مخافة (أن أشق على أمتي -أو على الناس-) شك من الراوي، ولأبي ذر "أو لولا أن أشق على الناس". بإعادة: لولا أن أشق. وقد أخرجه الدارقطني في الموطآت من طريق الموطأ لعبد الله بن يوسف، شيخ البخاري، فيه بهذا الإسناد، فلم يعد: لولا أن أشق ... ، وكذا رواه كثير من رواة الموطأ، ورواه أكثرهم بلفظ: المؤمنين، بدل: أمتي. وأن في قوله: لولا أن أشق، مصدرية في محل رفع على الابتداء، والخبر محذوف وجوبًا. أي: لولا المشقّة موجودة (لأمرتهم) أمر إيجاب (بـ) استعمال (السواك مع كل صلاة) فرضًا أو نفلاً. فهو عام يندرج في الجمعة، بل هي أول لما اختصت به من طلب تحسين الظاهر من الغسل والتنظيف والتطيب، خصوصًا تطييب الفم الذي هو محل الذكر والمناجاة، وإزالة ما يضرّ بالملائكة وبني آدم من تغير الفم. وفي حديث علي عند البزار، "أن الملك لا يزال يدنو من المصلي يستمع القرآن حتى يضع فاه على فيه ... " الحديث. ولأحمد وابن حبان: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب"، وله وابن خزيمة: "فضل الصلاة التي يستاك لها، على الصلاة التي لا يستاك لها سبعون ضعفًا". فإن قلت: قوله: "لولا أن أشق على أمتي". في ظاهره إشكال، لأن: لولا، كلمة لربط امتناع الثاني لوجود الأولى، نحو: لولا زيد لأكرمتك، أي: لولا زيد موجود. وهاهنا العكس، فإن الممتنع المشقّة، والموجود الأمر، إذ قد ثبت أمره بالسواك، كحديث ابن ماجة عن أبي أمامة مرفوعًا: (تسوّكوا)، ونحوه لأحمد عن العباس، وحديث الموطأ: "عليكم بالسواك ... ". أجيب بأن التقدير: لولا مخافة أن أشق لأمرتكم ... أمر إيجاب، كما مر تقديره، ففيه نفي الفرضية. وفي غير من الأحاديث إثبات الندبية، كحديث مسلم، عن عائشة رضي تعالى عنها: عشر من الفطرة ... فذكر منها: السواك. وقال إمامنا الشافعي، رحمه الله، في حديث الباب: فيه دليل على أن السواك ليس بواجب لأنه لو كان واجبًا لأمرهم به، شق أو لم يشق. اهـ. وقال الشيخ أبو إسحاق، في اللمع: فيه دليل على أن الاستدعاء على جهة الندب ليس بأمر حقيقة، لأن السواك عند كل صلاة مندوب، وقد أخبر الشارع أنه لم يأمر به. اهـ. والمرجح في الأصول أن المندوب مأمور به. 888 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ الْحَبْحَابِ حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَكْثَرْتُ عَلَيْكُمْ فِي السِّوَاكِ». وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة، عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج، واسمه ميسرة التميمي البصري (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (قال: حدّثنا شعيب بن الحبحاب) بفتح الحاءين المهملتين بينهما موحدة ساكنة وبعد الألف أخرى، البصري، وسقط لفظ: ابن الحبحاب في رواية ابن عساكر (قال: حدّثنا أنس) هو ابن مالك رضي الله عنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أكثرت عليكم في) استعمال

9 - باب من تسوك بسواك غيره

(السواك) أي: بالغت في تكرير طلبه منكم، أو في إيراد الترغيب فيه. ومطابقة الترجمة من جهة أن الإكثار في السواك، والحثّ عليه يتناول الفعل عند كل الصلوات، والجمعة أولاها، لأنه يوم ازدحام، فشرع فيه تنظيف الفم تطيبًا للنكهة الذي هو أقوى من الغسل على ما لا يخفى. 889 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ وَحُصَيْنٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة (قال: أخبرنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعمر (وحصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن عبد الرحمن، كلاهما (عن أبي وائل) بالهمزة، شقيق بن سلمة الكوفي (عن حذيفة) بن اليمان رضي الله عنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قام من الليل) للتهجد (يشوص فاه) بفتح أوّله وضم الشين المعجمة آخره صاد مهملة، أي: يدلك أسنانه، أو يغسلها. وإذا كان السواك شرع ليلاً لتجمّل الباطن، فللجمعة أحرى وأولى، لشروعية التجمّل ظاهرًا وباطنًا. ورواة الحديث كوفيون إلا شيخ المؤلّف فبصري، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، ورواية واحد عن اثنين، وسبقت مباحثه في باب السواك من كتاب الوضوء. 9 - باب مَنْ تَسَوَّكَ بِسِوَاكِ غَيْرِهِ (باب من تسوّك بسواك غيره) ولابن عساكر: من يتسوك بسواك غيره. 890 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ: قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْطَانِيهِ، فَقَصَمْتُهُ ثُمَّ مَضَغْتُهُ، فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَنَّ بِهِ وَهْوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِي". [الحديث 890 - أطرافه في: 1389، 3100، 3774، 4438، 4446، 4449، 4450، 4451، 5217، 6510]. وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (سليمان بن بلال. قال: قال هشام بن عروة: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: دخل) أخي (عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق، رضي الله عنه، حجرتي في مرضه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، (و) الحال أنه (معه سواك) حال كونه (يستن) أي: يستاك (به فنظر، إليه) أي: إلى عبد الرحمن (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قالت عائشة: (فقلت له) أي: لعبد الرحمن (أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن، فأعطانيه) فأخذته (فقصمته) بفتح القاف والصاد المهملة عند الأكثرين، أي كسرته، فأبنت منه الموضع الذي كان عبد الرحمن يستن منه، وللأصيلي وابن عساكر، كما في فرع اليونينية، وعزاها العيني، كالحافظ ابن حجر، لكريمة وابن السكن، زاد العيني والحموي والمستملي: فقضمته، بالضاد المعجمة المكسورة، من القضم. وهو الأكل بأطراف الأسنان. وقال في المطالع: أي مضعته بأسناني ولينته، وفي رواية: فقضمته، بالفاء بدل القاف، وبالصاد المهملة أي: كسرته من غير إبانة (ثم مضغته) بالضاد والغين المعجمتين (فأعطيته رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فاستنّ به وهو مستند إلى صدري) بسينين مهملتين بينهما مثناة فوقية وبعد الثانية نون من باب الاستفعال، والجملة اسمية وقعت حالاً، وفي رواية مستند بسين واحدة. ورواته مدنيون، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في الجنائز، والفضائل، والخمس، والمغازي، ومرضه عليه الصلاة والسلام، وفضل عائشة، وكذا أخرجه مسلم في فضلها أيضًا. 10 - باب مَا يُقْرَأُ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (باب ما يقرأ بضم المثناة التحتية، مبنيًّا للمفعول، وفي رواية: يقرأ، بفتحها مبنيًّا للفاعل، أي: الذي يقرؤه الرجل (في صلاة الفجر يوم الجمعة)، سقط في أكثر النسخ قوله: يوم الجمعة وهو مراد، وثبت في الفرع. 891 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -هُوَ ابْنُ هُرْمُزَ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ {الم * تَنْزِيلُ} السَّجْدَةَ وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} ". [الحديث 891 - طرفه في: 1068]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين، وبهامش الفرع وأصله، وضبب عليه: حدّثنا محمد بن يوسف، أي الفريابي، وعزاه في الفتح وغيره لنسخة من رواية كريمة، وذكر في بعض النسخ جميعًا (قال: حدّثنا سفيان) الثوري (عن سعيد بن إبراهيم) بسكون العين، ابن عبد الرحمن بن عوف التابعي الصغير، وللأصيلي: هو ابن إبراهيم، (عن عبد الرحمن، هو ابن هرمز الأعرج) التابعي الكبير، وسقط لفظ: هو من رواية الأربعة والأعرج، من غير رواية أبي ذر (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في الفجر، يوم الجمعة) كذا لأبي ذر وابن عساكر، وفي رواية كريمة والأصيلي: في الجمعة في صلاة الفجر: ({ألم تنزيل}) في الركعة الأولى، ولام: تنزيل، بالضم على الحكاية. وزاد في رواية كريمة: السجدة بالنصب عطف بيان، و {هل أتى على الإنسان} [الإنسان:1]، في الركعة الثانية بكمالهما، ويسجد كما في المعجم

11 - باب الجمعة في القرى والمدن

الصغير للطبراني، من حديث علي: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سجد في صلاة الصبح في {تنزيل} السجدة، لكن في إسناد ضعف. وزاد الأصيلي {حين من الدهر}. والحكمة في قراءتهما، الإشارة إلى ما فيهما من ذكر خلق آدم وأحوال يوم القيامة، لأن ذلك كان ويكون في يوم الجمعة، والتعبير: بكان يُشعِر بمواظبته عليه الصلاة والسلام على القراءة بهما فيها، وعورض بأنه ليس في الحديث ما يقتضي فعل ذلك دائمًا اقتضاء قومًا، وأكثر العلماء على أن: كان لا تقتضي الداومة. وأجيب: بأنه ورد في حديث ابن مسعود التصريح بمداومته عليه الصلاة والسلام على ذلك؛ أخرجه الطبراني بلفظ: -"يديم ذلك"، وأصله في ابن ماجة بدون هذه الزيادة، ورجاله ثقات، لكن صوّب أبو حاتم إرساله. وبالجملة فالزيادة نص في ذلك، فدلّ على السنية، وبه أخذ الكوفيون، والشافعي، وأحمد وإسحاق، وقال به أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين. وكره مالك رحمه الله في المدوّنة للإمام أن يقرأ بسورة فيها سجدة خوف التخليط على المصلين، ومن ثم فرق بعضهم بين الجهرية والسرية، لأن الجهرية يؤمن معها التخليط. وأجيب: بأنه صح من حديث ابن عمر عند أبي داود أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ بسورة فيها سجدة في صلاة الظهر، فسجد بهم، فبطلت التفرقة. وعلله بعض أصحابه بأن سجدات الصلاة محصورة، فزيادة سجدة خلاف التحديد. قال القرطبي: وهو تعليل فاسد بشهادة هذا الحديث. وقيل: تجوز قراءتها في صلاة الجهر لهذا الحديث، ورواه ابن وهب. وقال أشهب: إذا قلت الجماعة قرأها وإلا فلا، وقيل: العلة خشية اعتقاد العامي وجوبها، وحينئذٍ فتترك أحيانًا لتندفع الشبهة، وبمثله قال صاحب المحيط من الحنفية. وهل يقرأ سورة فيها سجدة غير {الم} منع منه ابن عبد السلام، وقال: إنه مبطل للصلاة. وقال النووي رحمه الله في زيادات الروضة: لم أر فيه كلامًا لأصحابنا، وقياس مذهبنا أنه يكره في الصلاة إذا قصده. اهـ. ومقتضاه عدم البطلان. وفي المهمات، مقتضى كلام القاضي الحسين: الجواز، وفي فوائد المهذّب للفارقيّ: لا تستحب قراءة سجدة غير {تنزيل} فإن ضاق الوقت عن قراءتها قرأ بما أمكن منها، ولو بآية السجدة منها، ووافقه ابن أبي عصرون في كتاب الانتصار. اهـ. وعند ابن أبي شيبة، بإسناد قوي عن إبراهيم النخعي، أنه قال: يستحب أن يقرأ في صبح الجمعة بسورة فيها سجدة. قال: وسألت محمد بن سيرين عنه فقال: لا أعلم به بأسًا. ورواة حديث الباب ما بين كوفي ومدني، وفيه رواية التابعي عن التابعي، والتحديث، والعنعنة، وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة في الصلاة. 11 - باب الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى وَالْمُدْنِ (باب) حكم الصلاة (الجمعة في القرى) والقرية: واحدة القرى، كل مكان اتصلت فيه الأبنية واتخذ قرارًا، ويقع ذلك على المدن وغيرها، والأمصار المدن الكبار، واحدها مصر، والكفور القرى الخارجة عن المصر، وأحدها كفر. بفتح الكاف (والمدن) بضم الميم وسكون الدال، جمع مدينة. وقد تضم الدال. وللأصيلي: والمدائن، بفتح الميم والدال، جمع مدينة أيضًا، قال أبو علي الفسوي: بالهمزة إن كان من: مدن، وبتركه إن كان من: دين أي ملك. 892 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ -بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى مِنَ الْبَحْرَيْنِ". [الحديث 892 - طرفه في: 4371]. وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي الوقت ونسخة لأبي ذر: حدّثني (محمد بن المثنى) العنزي البصري (قال: حدّثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمر (العقدي) بفتح العين المهملة والقاف، نسبة إلى العقد، قوم من قيس (قال: حدّثنا إبراهيم بن طهمان) بفتح المهلة وسكون الهاء، الخراساني (عن أبي جمرة) بالجيم والراء، نصر بن عبد الرحمن بن عصام (الضبعي) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة وبالعين المهملة، نسبة إلى ضبيعة، أبي حي من بكر بن وائل (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أنه قال: إن أول جمعة جمعت) بضم الجيم وتشديد الميم المكسورة، وزاد في رواية أبي داود، عن وكيع، عن ابن طهمان في الإسلام (بعد جمعة) زاد المصنف في أواخر المغازي: جمعت (في مسجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: في المدينة، ما في رواية وكيع (في مسجد عبد القيس) قبيلة كانوا ينزلون البحرين، موضع قريب من عمان، بقرب القطيف والأحشاء (بجؤاثى من البحرين) بضم الجيم وتخفيف الواو، وقد تهمز ثم مثلثة خفيفة،

وهي قرية من قرى عبد القيس، أو مدينة أو حصن، وفي رواية وكيع: قرية من قرى البحرين. واستدلّ به إمامنا الأعظم الشافعي، وأحمد على: أن الجمعة تقام في القرية إذا كان فيها أربعون رجلاً أحرارًا بالغين، مقيمين، ولا يظعنون عنها صيفًا ولا شتاء إلا لحاجة، سواء كانت أبنيتها من حجر أو طين، أو خشب أو قصب، أو نحوها، فلو انهدمت أبنيتها فأقام أهلها على العمارة لزمتهم الجمعة فيها، لأنها وطنهم، سواء كانوا في مظال أم لا، وسواء فيها المسجد والدار والفضاء، بخلاف الصحراء. وخصه المالكية بالجامع المبني، وبالعتيق: في كل قرية فيها مسجد وسوق. واشترط الحنفية لإقامتها المصر أو فناءه، لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا جمعة ولا تشريق إلاّ في مصر جامع". رواه عبد الرزاق. وأجابوا عن قوله جؤاثى: إنها مدينة، كما قاله البكري، وقول امرئ القيس: ورحنا كأنا من جؤاثى عشية ... نعالي النعاج بين عدل ومحقب يريد: كأنا من تجار جؤاثى لكثرة ما معهم من الصيد، وأراد: كثرة أمتعة تجار جؤاثى، وكثرة الأمتعة تدل غالبًا على كثرة التجار، وكثرة التجار تدل على أن جؤاثى مدينة قطعًا، لأن القرية لا يكون فيها تجار غالبًا عادة، ولئن سلمنا أنها قرية، فليس في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام اطّلع على ذلك وأقرّهم عليه. اهـ. وقد سبق في نفس الحديث من رواية وكيع: أنها قرية من قرى البحرين، وفي أخرى عنه: من قرى عبد القيس. وكذا للإسماعيلي من رواية محمد بن أبي حفصة، عن ابن طهمان، وهو نص في موضع النزاع، فالمصير إليه أولى من قول البكري وغيره، على أنه يحتمل أنها كانت في الأول قرية، ثم صارت مدينة. والظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لما عرف من عادة الصحابة من عدم الاستبداد بالأمور الشرعية في زمن الوحي، ولأنه لو كان ذلك لا يجوز لنزل فيه القرآن، كما استدل جابر وأبو سعيد على جواز العزل، بأنهم فعلوه والقرآن ينزل، فلم ينهوا عنه. والمصر عند أبي حنيفة، رحمه الله: كل بلدة فيها ملك وأسواق ولها رساتيق ووالٍ لدفع الظلم، وعالم يرجع إليه في الحوادث. وعند أبي يوسف، رحمه الله: كل موضع له أمير وقاضٍ ينفذ الأحكام، وهو مختار الكرخي، وعنه أيضًا أن: يبلغ سكانه عشرة آلاف، وأما فناؤه فهو ما أعدّ لحوائج المصر، من: ركض الخيل، والخروج للرمي، وغيرهما. وفي الخانية: لا بدّ أن يكون متصلاً بالمصر، حتى لو كان بينه وبين المصر فرجة، من المزارع والمراعي لا يكون فناء له، ومقدار التباعد أربعمائة ذراع، وعند أبي يوسف ميلان. اهـ. ورواة هذا الحديث ما بين بصري وهروي، وفيه التحديث والعنعنة والقول. 893 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ». وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ: يُونُسُ كَتَبَ رُزَيْقُ بْنُ حُكَيْمٍ إِلَى ابْنِ شِهَابٍ -وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِوَادِي الْقُرَى-: هَلْ تَرَى أَنْ أُجَمِّعَ؟ وَرُزَيْقٌ عَامِلٌ عَلَى أَرْضٍ يَعْمَلُهَا وَفِيهَا جَمَاعَةٌ مِنَ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ، وَرُزَيْقٌ يَوْمَئِذٍ عَلَى أَيْلَةَ، فَكَتَبَ ابْنُ شِهَابٍ -وَأَنَا أَسْمَعُ- يَأْمُرُهُ أَنْ يُجَمِّعَ، يُخْبِرُهُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ -قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». [الحديث 893 - أطرافه في: 2409، 2554، 2558، 2751، 5188، 5200، 7138]. وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (المروزي) السجستاني، وسقط: المروزي، عند ابن عساكر (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن) ابن شهاب (الزهري) أنه (قال: أخبرنا) بالجمع، ولأبي ذر وابن عساكر: أخبرني (سالم بن عبد الله) بن عمر، وسقط: ابن عبد الله للأربعة (عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما) أنه (قال: سمعت) ولكريمة: قال إن (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (كلكم راعٍ) أي: حافظ ملتزم صلاح ما قام عليه، وما هو تحت نظره، فكل مَن كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه في دينه ومتعلقاته، فإن وفى ما عليه من الرعاية، حصل له الحظ الأوفر، والجزاء الأكبر، وإلاَّ طالبه كل واحد من رعيته في الآخرة بحقه. (وزاد الليث) بن سعد، إمام المصريين، رحمه الله، في روايته على رواية عبد الله بن المبارك، مما وصله الذهلي عن أبي صالح، كاتب الليث، عنه (قال يونس) بن يزيد: (كتب رزيق بن حكيم) بتقديم الراء المضمومة على الزاي المفتوحة في الأوّل، وضم الحاء المهملة وفتح الكاف على صيغة تصغير الثلاثي في الثاني، الفزاري، مولى بني فزارة، ولابن عساكر: وكتب (إلى ابن شهاب) الزهري (وأنا معه يومئذ بوادي القرى) من أعمال المدينة، فتحه عليه الصلاة والسلام في جمادى الآخرة سنة سبع من الهجرة، لما انصرف من خيبر. (هل ترى أن أجمع) أي: أن أصلي بمن معي

الجمعة بضم الهمزة وتشديد الميم المكسورة، (ورزيق) يومئذ (عامل على أرض يعملها) أي يزرعها (وفيها جماعة من السودان وغيرهم، ورزيق يومئذ) أمير من قبل عمر بن عبد العزيز (على أيلة) بفتح الهمزة وسكون المثناة التحتية وفتح اللام، كانت مدينة ذات قلعة، وهي الآن خراب ينزل بها حجاج مصر وغزة، وبعض آثارها ظاهر. والذي يظهر أنه سأله عن إقامة الجمعة في الأرض التي كان يزرعها من أعمال أيلة، لا عن أيلة نفسها، لأنها كانت بلدًا لا يسأل عنها. قال يونس: (فكتب) إليه (ابن شهاب) بخطه وقرأه (وأنا أسمع) حال كونه (يأمره) أي: ابن شهاب يأمر رزيق بن حكيم في كتابه إليه: (أن يجمع) أي: بأن يصلّي بالناس الجمعة، أو أملاه ابن شهاب على كاتبه، فسمعه يونس منه، فالمكتوب الحديث، والمسموع المأمور به. كذا قرره البرماوي كالكرماني. وقال في الفتح: والذي يظهر أن المكتوب عين المسموع، وهو الأمر والحديث معًا. ثم استدل ابن شهاب على أمره رزيق بن حكيم بالجمعة، حال كونه (يخبره) أي: رزيقًا في كتابه إليه، والجملة حالية من الضمير المرفوع فهي متداخلة والحالان السابقان، أعني: وأنا أسمع، ويأمره، مترادفان (أن سالمًا حدّثه أن) أباه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (يقول) ولأبي ذر وابن عساكر عن الكشميهني: قال: (سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حال كونه يقول): (كلكم راعٍ وكلكم) في الآخرة (مسؤول عن رعيته) ولأبى الوقت: وابن عساكر، والأصيلي: كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته: (الإمام راعٍ) فيمن ولي عليهم، يقيبم فيهم الحدود والأحكام على سنن الشرع. وهذا موضع الترجمة، لأنه لما كان رزيق عاملاً من جهة الإمام على الطائفة التي ذكرها، فكان عليه أن يراعي حقوقهم، ومن جملتها إقامة الجمعة، فيجب عليه إقامتها وإن كانت في قرية. فهو راع عليهم (ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله) يوفّيهم حقهم من النفقة والكسوة والعشرة (وهو مسؤول عن رعيته) سقط لفظ: وهو عند الأربعة في رواية الكشميهني (والمرأة راعية في بيت زوجها) بحسن تدبيرها في المعيشة والنصح له، والأمانة في ماله، وحفظ عياله، وأضيافه ونفسها، (ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده) يحفظه ويقوم بما يستحق من خدمته (ومسؤول عن رعيته). (قال) ابن عمر، أبو سالم، أو يونس (وحسبت أن قد قال) كلمة: أن، مخففة من الثقيلة، ولأبي ذر والأصيلي عن الكشميهني: أنه قال، أي: النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (والرجل راعٍ في مال أبيه) يحفظه ويدبر مصلحته (ومسؤول) وفي رواية أبي ذر والأصيلي: وهو مسؤول (عن رعيته، وكلكم راعٍ) أي: مؤتمن حافظ ملتزم إصلاح ما قام عليه (ومسؤول عن رعيته) ولابن عساكر: "فكلكم راعٍ مسؤول عن رعيته، بالفاء بدل الواو، وإسقاط الواو من: ومسؤول، ولأبي ذر في نسخة: "فكلكم راعٍ". بالفاء، "وكلكم مسؤول"، وكذا للأصيلي، لكنه قال: "بالواو" بدل الفاء. وفي هذا الحديث من النكت أنه: عمم أوّلاً، ثم خصص ثانيًا. وقسم الخصوصية إلى أقسام: من جهة الرجل، ومن جهة المرأة، ومن جهة الخادم، ومن جهة النسب. ثم عمم ثالثًا وهو قوله: "وكلكم راعٍ" ... إلخ ... تأكيدًا، وردًّا للعجز إلى الصدر بيانًا لعموم الحكم أوّلاً وآخرًا. قيل: وفي الحديث: أن الجمعة تقام بغير إذن من السلطان إذا كان في القوم من يقوم بمصالحهم، وهذا مذهب الشافعية إذ إذن السلطان عندهم ليس شرطًا لصحتها، اعتبارًا بسائر الصلوات. وبه قال المالكية وأحمد في رواية عنه. وقال الحنفية وهو رواية عن أحمد أيضًا: إنه شرط، لقوله عليه الصلاة والسلام: "مَن ترك الجمعة وله إمام، جائر أو عادل، لا جمع الله شمله". رواه ابن ماجة والبزار وغيرهما، فشرط فيه أن يكون له إمام ويقوم مقامه نائبه وهو الأمير، أو القاضي، وحينئذ فلا دلالة فيه للشافعية، لأن رزيقًا كان نائب الإمام. ورواة الحديث ما بين مدني ومروزي وأيلي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول والسماع والكتابة، وشيخ المؤلّف من أفراده، وأخرجه أيضًا في: الوصايا والنكاح، ومسلم في: المغازي، وكذا الترمذي.

12 - باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم؟

12 - باب هَلْ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْهَدِ الْجُمُعَةَ غُسْلٌ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ؟ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّمَا الْغُسْلُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ. هذا (باب) بالتنوين (هل) ولابن عساكر: وهل (على من لم) ولأبو ذر والوقت: من لا (يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم)؟ كالعبد والمسافر والمسجون، ممن لا تجب عليهم، والمريض والأعمى. (وقال ابن عمر) بن الخطاب، مما وصله البيهقي بإسناد صحيح، عنه: (إنما الغسل على من تجب عليه الجمعة) ممن اجتمع فيه شروط وجوبها، فمن لم تجب عليه لا يجب عليه الغسل. نعم، يندب له إن حضر. 894 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ». وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا)، وللأصيلي: حدّثنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري، قال: حدّثني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أنه سمع) أباه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما، حال كونه (يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من جاء منكم الجمعة) أي أراد المجيء إليها، وإن لم تلزمه: كالمرأة، والخنثى، والصبي، والعبد، والسافر. (فليغتسل). ندبًا مؤكدًا فيكره تركه لقوله: فليغتسل، وغيره من التعبير بالوجوب المحمول عندهم على تأكيد الندبية، والتقييد. بمن جاء، مخرج لمن لم يجيء. فمفهوم الشرط معمول به لأن الغسل للصلاة لا لليوم، وفيه التنبيه على أن مراده بالاستفهام في الترجمة الحكم بعدم الوجوب على من لم يحضرها. وفي البيهقي بسند صحيح: "من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل، ومن لم يأتها فليس عليه غسل". وسبق مباحث الحديث. 895 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي، (عن مالك) الإمام (عن صفوان بن سليم) بضم المهملة وفتح اللام، الزهري المدني (عن عطاء بن يسار) بالمثناة التحتية والمهملة المخففة، الهلالي المدني، مولى ميمونة (عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه) وسقط: الخدري، لابن عساكر (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (غسل يوم الجمعة) لصلاتها (واجب) أي: كالواجب (على كل محتلم). مفهومه: عدم وجوب الغسل على مَن لم يحتلم، ومن لم يحتلم لا يشهد الجمعة، والحديث سبقت مباحثه. 896 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ، فَغَدًا لِلْيَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى» فَسَكَتَ. وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي البصري (قال: حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (وهيب) بضم الواو وفتح الهاء، ابن خالد البصري (قال: حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (ابن طاوس) عبد الله، ولابن عساكر: عن ابن طاوس (عن أبيه) طاوس بن كيسان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (نحن) يعني نفسه الشريفة عليه الصلاة والسلام وأمته أو نفسه الكريمة فقط، أو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (الآخرون) في الزمان (السابقون) في الفضل والفضيلة (يوم القيامة، أوتوا) أهل الكتاب (الكتاب): التوراة والإنجيل (من قبلنا، وأُوتيناه) بضمير المفعول، أي: القرآن العزيز، ولأبي ذر في نسخة عن الحموي، والمستملي: وأوتينا (من بعدهم، فهذا اليوم) أي يوم الجمعة (الذي اختلفوا فيه) بعد أن عين لهم، وأمروا بتعظيمه، فتركوه وغلبوا القياس، فعظمت اليهود السبت للفراغ من الخلق، وظنت ذلك فضيلة توجب عظم اليوم، وعظمت النصارى الأحد لما كان ابتداء الخلق فيه، (فهدانا الله) إليه بالوحي الوارد في تعظيمه، أو بالاجتهاد الموافق للمراد. والإشارة في قوله: فهدانا إلى سبقنا، لأن الهداية سبب للسبق يوم المعاد، وللأصيلي: وهدانا الله، بالواو، بدل الفاء (فغدا) مجتمع (لليهود، وبعد غد) مجتمع (للنصارى) والتقدير: بنحو، مجتمع لا بدّ منه، لأن الظروف لا تكون أخبارًا عن الجثث كما مر. وروي فغد، بالرفع مبتدأ في حكم المضاف، فلا يضر كونه في الصورة نكرة، تقديره: فغد الجمعة لليهود وغد بعد غد للنصارى (فسكت) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 897 - ثُمَّ قَالَ: «حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ». [الحديث 897 - طرفاه في: 898، 3487]. ثم قال: (حق) وفي بعض النسخ: فحق، بالفاء. ويجوز أن تكون جواب شرط محذوف أي: إذا كان الأمر كذلك، (على كل مسلم) محتلم حضر الجمعة (أن يغتسل في كل سبعة أيام يومًا) زاد النسائي: هو يوم الجمعة، (يغسل فيه) أي في اليوم (رأسه و) يغسل (جسده). ذكر الرأس وإن كان الجسد يشمله للاهتمام به، لأنهم كانوا يجعلون فيه الدهن والخطمى ونحوهما، وكانوا يغسلونه أوّلاً، ثم تغتسلون. وقد أورد المؤلّف، كما

13 - باب

أفاده في الفتح هذا الحديث، في ذكر بني إسرائيل من وجه آخر، عن وهيب بهذا الإسناد دون قوله: فسكت إلخ .... ثم قال ويؤكد كونه مرفوعًا رواية مجاهد عن طاوس المقتصرة على الحديث الثاني، وهذه النكتة أورده بعده فقال. 898 - رَوَاهُ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَقٌّ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا». (رواه) أي الحديث المذكور (أبان بن صالح) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة، مما وصله البيهقي، من طريق سعيد بن أبي هلال، عن أبان، (عن مجاهد، عن طاوس، عن أبي هريرة قال: قال النبي) وللأصيلي: قال رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لله تعالى على كل مسلم) محتلم (حق أن يغتسل في كل سبعة أيام يومًا) هو يوم الجمعة إذا حضرها. والصارف لذلك عن الوجوب حديث مسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فدانا" ... (¬1). وحديث الترمذي: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت"، كما مر. ورواة الحديث الأوّل ما بين بصري ويماني، وفيه رواية الابن عن الأب، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في ذكر بني إسرائيل، ومسلم في الجمعة، وكذا النسائي. 13 - باب 899 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ائْذَنُوا لِلنِّسَاءِ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسَاجِدِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا شبابة) بفتح الشين المعجمة وموحدتين مخففتين بينهما ألف، الفزاري المدايني قال: (حدّثنا ورقاء) بفتح الواو وسكون الراء وبالقاف ممدودًا، ابن عمرو المدايني (عن عمرو بن دينار، عن مجاهد) هو ابن جبر (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد) قيّد الإذن بالليل لكون الفساق في شغل بفسقهم أو نومهم، بخلاف النهار، فإنهم ينتشرون فيه، فلا يخرجن فيه، والجمعة نهارية. فمفهومه: يخرج الجمعة في حق النساء، فلا يخرجن إليها، ومن لم يشهدها فليس عليه غسل. وقال الإسماعيلي: أورد حديث مجاهد عن ابن عمرو، وأراد بذلك أن الإذن إنما وقع لهنّ بالخروج إلى المساجد بالليل، فلا تدخل الجمعة. اهـ. وقرره البرماوي، كالكرماني: بأنه إذا أذن لهنّ بالخروج إلى المساجد بالليل، فالنهار أولى أن يخرجن فيه، لأن الليل مظنة الريبة، تقديمًا لمفهوم الموافقة على المخالفة، بل هو مفهوم لا يعمل به أصلاً على الراجح. أي: فلهن شهودها. 900 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "كَانَتِ امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلاَةَ الصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ. فَقِيلَ لَهَا: لِمَ تَخْرُجِينَ وَقَدْ تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَغَارُ؟ قَالَتْ: وَمَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي؟ قَالَ: يَمْنَعُهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ". وبه قال: (حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد بن بلاد، القطان الكوفي، المتوفى ببغداد سنة اثنتين وخمسين ومائتين، قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الليثي، قال: (حدّثنا) ولابن عساكر: أخبرنا (عبيد الله بن عمر) بتصغير العبد، ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني (عن نافع)، ولابن عساكر: أخبرنا نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب (قال: كانت امرأة لعمر) هي: عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، أخت سعد، أحد العشرة المبشّرة، وكانت تخرج إلى المسجد. فلما خطبها عمر شرطت عليه أن لا يمنعها من المسجد، فأجابها على كره منه، فكانت (تشهد) أي تحضر (صلاة الصبح، و) صلاة (العشاء في الجماعة في المسجد، فقيل لها) أي: لامرأة عمر: (لم تخرجين، و) الحال أن (قد تعلمين أن عمر يكره ذلك) الخروج، وكاف، ذلك مكسورة، لأن الخطاب لمؤنثة (ويغار)؟ كيخاف: من الغيرة. والقائل لها ذلك كله عمر نفسه، كما عند عبد الرزاق وأحمد، ولا مانع أن يعبر عن نفسه بقوله: إن عمر إلخ ... فهو من باب التجريد، وحينئذٍ فيكون الحديث من مسند عمر؟ وذكره المزي في الأطراف في مسند ابن عمر. (قالت: وما) بالواو، وللأربعة: فما (يمنعه أن ينهاني)؟ أن مصدرية في محل رفع على الفاعلية، والتقدير: فما يمنعه أن ينهاني، أي بنهيه إياي؟. (قال: يمنعه قول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) أي بالليل، حملاً لهذا المطلق على المقيد السابق به، والجمعة تخرج عنه لأنها نهارية، فحينئذٍ لا يشهدنها، ومن لم يشهدها لا غسل عليه. وقرره البرماوي كالكرماني بأن قوله: "لا تمنعوا"، يشمل الليل والنهار، فما سبق في الحديث من ذكر الليل، من ذكر فرد من العام، فلا يخصص على الأصح في الأصول كحديث: "دباغها طهورها"، في شاة ميمونة، مع حديث: "أيما إهاب دبغ فقد طهر". قال: وأما مطابقة الحديث للترجمة فلما فيه من أن النساء لهن شهود الجمعة، قال: وأيضًا قد تقرر أن شاهد الجمعة يغتسل، فشملها طلب غسل الجمعة، فدخلت في الترجمة. ¬

(¬1) هكذا في الأصل.

14 - باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر

اهـ. ورواة هذا الحديث ما بين كوفي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وشيخ المؤلّف من أفراده. 14 - باب الرُّخْصَةِ إِنْ لَمْ يَحْضُرِ الْجُمُعَةَ فِي الْمَطَرِ (باب الرخصة إن لم يحضر) المصلي صلاة (الجمعة)، بفتح المثناة وضم الضاد، من: يحضر، وكسر همزة إن الشرطية، وللأصيلي: لمن لم يحضر الجمعة (في المطر). 901 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: "ابْنُ عَبَّاسٍ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ: إِذَا قُلْتَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلاَ تَقُلْ حَىَّ عَلَى الصَّلاَةِ، قُلْ: صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ. فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا، قَالَ: فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا إسماعيل) بن علية (قال: أخبرني) يالإفراد (عبد الحميد) بن دينار (صاحب الزيادي، قال: حدّثنا عبد الله بن الحرث، ابن عمّ محمد بن سبرين). قال الدمياطي: ليس ابن عمه، وإنما كان زوج بنت سيرين، فهو صهره. قال في الفتح: لا مانع أن يكون بينهما أخوة من الرضاع، ونحوه. فلا ينبغي تغليط الرواية الصحيحة مع وجود الاحتمال المقبول. (قال ابن عباس لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت أشهد أن محمدًا رسول الله، فلا تقل حيّ على الصلاة) بل (قل: صلوا في بيوتكم) بدل الحيعلة، منع إتمام الأذان. (فكأن الناس استنكروا) قوله: فلا تقل: حيّ على الصلاة، قل صلوا في بيوتكم، (قال) ابن عباس ولأبي ذر وابن عساكر: فقال (فعله) أي الذي قلته للمؤذن، (من له خير مني) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إن الجمعة عزمة) بفتح العين وسكون الزاي، أي واجبة، فلو تركت المؤذن يقول: حيّ على الصلاة لبادر من سمعه إلى المجيء في المطر، فيشق عليه، فأمرته أن يقول: صلوا في بيوتكم، ليعلموا أن المطر من الأعذار التي تصير العزيمة رخصة. وهذا مذهب الجمهور. لكن عند الشافعية والحنابلة مقيد بما يؤذن ببل الثوب، فإن كان خفيفًا، أو وجد كنًّا يمشي فيه، فلا عذر. وعن مالك رحمه الله: لا يرخص في تركها بالمطر، والحديث حجة عليه. (إني كرهت أن أحرجكم) بضم الهمزة وسكون الحاء المهملة، من الحرج، ويؤيده الرواية السابقة: أؤثمكم، أي أن أكون سببًا في إكسابكم الإثم عند حرج صدوركم: فربما يقع تسخط أو كلام غير مرضي، وفي بعض النسخ: أخرجكم، بالخاء المعجمة من الخروج (فتمشون في الطين والدحض) بفتح الدال المهملة وسكون الحاء المهملة، وقد تفتح آخره معجمة، أي الزلق. وسبق الحديث بمباحثه في الأذان. 15 - باب مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى الْجُمُعَةُ، وَعَلَى مَنْ تَجِبُ؟ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] وَقَالَ عَطَاءٌ إِذَا كُنْتَ فِي قَرْيَةٍ جَامِعَةٍ فَنُودِيَ بِالصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تَشْهَدَهَا، سَمِعْتَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ تَسْمَعْهُ. وَكَانَ أَنَسٌ -رضي الله عنه- فِي قَصْرِهِ أَحْيَانًا يُجَمِّعُ، وَأَحْيَانًا لاَ يُجَمِّعُ، وَهْوَ بِالزَّاوِيَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ. هذا (باب) بالتنوين (من أين تؤتى الجمعة) بضم المثناة الأولى وفتح الثانية، مبنيًّا للمفعول من الإتيان وأين استفهام عن المكان (وعلى من تجب) الجمعة. (لقول الله تعالى {إذا نودي}) أذن ({للصلاة من يوم الجمعة}) والإمام على المنبر، ({فاسعوا إلى ذكر الله}) [الجمعة: 9]. أوردها استدلالاً للوجوب، كالشافعي في الأم، لأن الأمر بالسعي لها يدل عليه، أو هو من مشروعية النداء لها، لأنه من خواص الفرائض، وسقط في غير رواية أبي ذر والأصيلي: {فاسعوا إلى ذكر الله}. (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح، مما وصله عبد الرزاق، عن ابن جريج، عنه: (إذا كنت في قرية جامعة فنودي) بالفاء، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: نودي، أي: أذن (بالصلاة من يوم الجمعة، فحق عليك أن تشهدها، سمعت النداء أو لم تسمعه) أي: إذا كنت داخلها، كما صرح به أحمد. ونقل النووي أنه لا خلاف فيه، وزاد عبد الرزاق فيه، عن ابن جريح، قلت لعطاء: ما القرية الجامعة؟ قال: ذات الجماعة، والأمير، والقاضي، والدور المجتمعة الآخذ بعضها ببعض، مثل جدّة. (وكان أنس) هو ابن مالك (رضي الله عنه) مما وصله مسدد في مسنده الكبير، (في قصره أحيانًا) نصب على الظرفية، أي في بعض الأوقات (يجمع) أي يصلّي بمن معه الجمعة، أو يشهد الجمعة بجامع البصرة (وأحيانًا لا يجمع، وهو) أي القصر (بالزاوية) بالزاي، موضع بظاهر البصرة معروف (على فرسخين) من البصرة، وهو ستة أميال، فكان أنس يرى أن التجميع ليس بحتم لبعد المسافة. 902 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: "كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَالْعَوَالِي فَيَأْتُونَ فِي الْغُبَارِ يُصِيبُهُمُ الْغُبَارُ وَالْعَرَقُ، فَيَخْرُجُ مِنْهُمُ الْعَرَقُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنْسَانٌ مِنْهُمْ -وَهْوَ عِنْدِي- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا". وبالسند قال: (حدّثنا أحمد) غير منسوب، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي، ووافقهما ابن السكن: أحمد بن صالح، أي المصري وليس هو ابن عيسى، وإن جزم به أبو نعيم في مستخرجه، (قال: حدّثنا عبد الله بن وهب) المصري (قال: أخبرني) بالإفراد، ولابن عساكر: أخبرنا (عمرو بن الحرث، عن

16 - باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس

عبيد الله) بالتصغير (ابن أبي جعفر) القرشي الأموي المصري (أن محمد بن جعفر بن الزبير) بن العوّام القرشي (حدّثه، عن عروة بن الزبير) بن العوام (عن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قالت: كان الناس ينتابون الجمعة) بفتح المثناة التحتية وسكون النون وفتح المثناة الفوقية، يفتعلون من النوبة، أي يحضرونها نوبًا. وفي رواية: يتناوبون، بمثناة تحتية فأخرى فوقية، فنون بفتحات. ولغير أبي ذر وابن عساكر: يوم الجمعة (من منازلهم) القريبة من المدينة (و) من (العوالي) جمع عالية، مواضع وقرى شرقي المدينة، وأدناها من المدينة على أربعة أميال أو ثلاثة، وأبعدها ثمانية. (فيأتون في الغبار)، كذا في الفرع، وهو رواية الأكثرين، وعند القابسي: فيأتون في العباء، بفتح العين المهملة والمد، جمع عباءة (يصبيهم الغبار والعرق، فيخرج منهم العرق، فأتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنسان منهم) وللإسماعيلي: أناس منهم (-وهو عندي-) جملة حالية (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو أنكم تطهرتم)، لو: تختص بالدخول على الفعل، فالتقدير: لو ثبت تطهركم (ليومكم) أي: في يومكم (هذا) لكان حسنًا. أو: لو، للتمني فلا تحتاج إلى تقدير جواب الشرط المقدّر هنا. وهذا الحديث كان سببًا لغسل الجمعة، كما في رواية ابن عباس عند أو داود. واستدلّ به على أن الجمعة تجب على من كان خارج المصر، وهو يرد على الكوفيين حيث قالوا بعدم الوجوب. وأجيب: بأنه لو كان واجبًا على أهل العوالي ما تناوبوا، ولكانوا يحضرون جميعًا. وقال الشافعية: إنما تجب على من يبلغه النداء. وحكاه الترمذي عن أحمد، لحديث: الجمعة على من سمع النداء. رواه أبو داود بإسناد ضعيف، لكن ذكر له البيهقي شاهدًا بإسناد جيد، والمراد به: من سمع نداء بلد الجمعة، فمن كان في قرية لا يلزم أهلها إقامة الجمعة لزمته إن كان بحيث يسمع النداء من صيت على الأرض، من طرف قريته الذي يلي بلد الجمعة مع اعتدال السمع، وهدوّ الأصوات، وسكون الرياح، وليس المراد من الحديث أن الوجوب متعلق بنفس السماع، وإلاّ لسقطت عن الأصم، وإنما هو متعلق بمحل السماع. وقال المالكية على من بينه وبين النار ثلاثة أميال، أما من هو في البلد، فتجب عليه، ولو كان من المنار على ستة أميال. رواه عليّ عن مالك. وقال آخرون: تجب على من آواه الليل إلى أهله لحديث أبي هريرة مرفوعًا: الجمعة على من آواه الليل إلى أهله. رواه الترمذي والبيهقي وضعفاه، أي: أنه إذا جمع مع الإمام أمكنه العود إلى أهله آخر النهار، قبل دخول الليل. ورواة الحديث ما بين مصري ومدني، وفيه رواية الرجل عن عمه، والتحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم وأبو داود في الصلاة. 16 - باب وَقْتُ الْجُمُعَةِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ رضي الله عنهم. هذا (باب) بالتنوين (وقت الجمعة) أوّله (إذا زالت الشمس) عن كبد السماء. (وكذلك يروى) بضم أوّله وفتح الواو، ويروى في نسخة عن الأربعة: يذكر (عن فضلاء الصحابة): (عمر) بن الخطاب، فيما وصله ابن أبي شيبة، وشيخ المؤلّف: أبو نعيم في كتاب الصلاة له، من رواية عبد الله بن سيدان بكسر المهملة وسكون المثناة التحتية وغيره (وعلي) هو: ابن أبي طالب، مما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، (والنعمان بن بشير) مما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أيضًا، عم سماك بن حرب (وعمر بن حريث) بفتح العين وسكون الميم في الأوّل، وبالتصغير في الثاني، مما وصله ابن أبي شيبة أيضًا، من طريق الوليد بن العيزار (رضي الله عنهم)، وهو مذهب عامّة العلماء. وذهب أحمد إلى صحة وقوعها قبل الزوال، متمسكًّا بما روي عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، رضي الله عنهم: أنهم كانوا يصلون الجمعة قبل الزوال، من طريق لا تثبت. وما روي أيضًا، من طريق عبد الله بن سلمة، بكسر اللام: أن عبد الله بن مسعود صلّى بهم الجمعة ضحى، وقال: خشيت عليكم الحر. وأجيب: بأن عبد الله، وإن كان كبيرًا، لكنه تغير لا كبر. قاله شعبة. وقول بعض الحنابلة، محتجًّا بقوله عليه الصلاة والسلام: "إن هذا يوم جعله الله عيدًا للمسلمين"، فلما سماه عيدًا جازت الصلاة فيه في وقت العيد: كالفطر والأضحى، معارض بأنه لا يلزم من تسمية يوم الجمعة عيدًا أن يشتمل على جميع أحكام العيد، بدليل أن يوم العيد يحرم صومه مطلقًا، سواء صام قبله أو بعده، بخلاف يوم

17 - باب إذا اشتد الحر يوم الجمعة

الجمعة باتفاقهم. اهـ. 903 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَمْرَةَ عَنِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَتْ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: "كَانَ النَّاسُ مَهَنَةَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانُوا إِذَا راحوا إلى الجُمعةِ راحوا في هَيْئتِهم، فقيلَ لهم: لَوِ اغتسَلْتم". [الحديث 903 - طرفه في: 2071]. وبالسند قال: (حدّثنا عبدان) بفتح المهملة وسكون الموحدة وتخفيف الدال المهملة، هو عبد الله بن عثمان بن جبلة الأزدي المروزي، المتوفى سنة إحدى وعشرين ومائتين، (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا) ولابن عساكر: حدّثنا (يحيى بن سعيد) الأنصاري (أنه سأل عمرة) بفتح العين المهملة وسكون الميم، بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية. (عن الغسل يوم الجمعة، فقالت: قالت عائشة، رضي الله عنها: كان الناس مهنة) بفتحات جمع: ماهن، ككتبة وكاتب، أي: خدمة (أنفسهم) وفي نسخة لأبي ذر، عن الحموي والمستملي، وعزاها العيني كالحافظ ابن حجر لحكاية ابن التين: مهنة، بكسر الميم وسكون الهاء، مصدر. أي: ذوي مهنة أنفسهم (وكانوا إذا راحوا) أي: ذهبوا بعد الزوال (إلى) صلاة (الجمعة، راحوا في هيئتهم) من العرق المتغير الحاصل بسبب جهد أنفسهم في المهنة (فقيل لهم: لو اغتسلتم) لكان مستحبًّا لنزول تلك الرائحة الكريهة التي يتأذى بها الناس والملائكة. وتفسير الرواح هنا بالذهاب بعد الزوال هو على الأصل مع تخصيص القرينة له به؛ وفي قوله: "من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى"، القرينة قائمة في إرادة مطلق الذهاب، كما مر عن الأزهري، فلا تعارض. ورواة هذا الحديث ما بين مروزي ومدني، وفيه التحديث والإخبار والسؤال والقول، وأخرجه مسلم في الصلاة، وأبو داود فى الطهارة. 904 - حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ". وبه قال: (حدّثنا سريج بن النعمان) بالسين المهملة المضمومة آخره جيم مصغر، وضم نون: النعمان، وسكون عينه، البغدادي، المتوفى سنة سبع عشرة ومائتين (قال: حدّثنا فليح بن سليمان) بضم الفاء وفتح اللام آخره مهملة في الأول، وضم المهملة في الثاني مصغرين (عن عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان التيمي، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه)، صرّح الإسماعيلي من طريق زيد بن الحباب، عن فليح، بسماع عثمان له من أنس: (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يصلّي الجمعة حين تميل الشمس) أي: تزول عن كبد السماء. وأشعر التعبير، بكان بمواظبته عليه الصلاة والسلام على صلاة الجمعة بعد الزوال. 905 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كُنَّا نُبَكِّرُ بِالْجُمُعَةِ، وَنَقِيلُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ". [الحديث 905 - طرفه في: 940]. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا حميد، عن أنس قال) ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي: عن أنس بن مالك قال: (كنّا نبكر بالجمعة) أي: نبادر بصلاتها قبل القيلولة. وقد تمسك بظاهره الحنابلة في صحة وقوعها باكر النهار. وأجيب: بأن التبكير يطلق على فعل الشيء في أول وقته، وتقديمه على غيره. فمن بادر إلى شيء فقد بكر إليه، أي: وقت. كأن يقال: بكر بصلاة الغرب، إذا أوقعها في أول وقتها. وطريق الجمع أولى من دعوى التعارض. وأيضًا فالتبكير شامل لما قبل طلوع الشمس، والإمام أحمد لا يقول به، بل يجوزها قبل الزوال. فالمنع في أول النهار اتفاق فإذا تعذر أن يكون بكرة، دل على أن يكون المراد به المبادرة من الزوال. كذا قرره البرماوي، كغيره. (ونقيل) بفتح أوله، مضارع. قال قيلولة، أي: ننام (بعد) صلاة (الجمعة) عوضًا عن القيلولة عقب الزوال الذي صليت فيه الجمعة، لأنه كان من عادتهن في الحر يقيلون ثم يصلون الظهر لمشروعية الإبراد. وفيه: أن الجمعة لا تصلّى ولا يفعل شيء منها ولا من خطبتها في غير وقت ظهر يومها، ولو جاز تقديم الخطبة لقدمها، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لتقع الصلاة أول الوقت. وما رواه الشيخان عن سلمة بن الأكوع من قوله: كنا نصلي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل به، محمول على شدة التعجيل بعد الزوال جمعًا بين الأدلة على أن هذا الحديث إنما ينفي ظلاُّ يستظل به، لا أصل الظل. 17 - باب إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هذا (باب) بالتنوين (إذا اشتد الحر يوم الجمعة) أبرد المصلي بصلاتها كالظهر. 906 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ -هُوَ خَالِدُ بْنُ دِينَارٍ- قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلاَةِ. وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلاَةِ" يَعْنِي الْجُمُعَةَ. قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو خَلْدَةَ فَقَالَ: "بِالصَّلاَةِ" وَلَمْ يَذْكُرِ الْجُمُعَةَ. وَقَالَ بِشْرُ بْنُ ثَابِتٍ: حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ قَالَ: "صَلَّى بِنَا أَمِيرٌ الْجُمُعَةَ، ثُمَّ قَالَ لأَنَسٍ -رضي الله عنه-: كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الظُّهْرَ"؟ وبه قال: (حدّثنا محمد بن أبي بكر المقدمي) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الدال المفتوحة (قال: حدّثني حرمي بن عمارة) بفتح الحاء والراء المهملتين، وكسر الميم في الأولى، وضم العين المهملة وتخفيف الميم في الثاني (قال: حدّثنا أبو خلدة) بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام وفتحها (هو) وفي نسخة لأبي ذر، وأبي الوقت، وهو (خالد بن

18 - باب المشي إلى الجمعة، وقول الله جل ذكره: {فاسعوا إلى ذكر الله}

دينار) التميمي السعدي البصري، الخياط (قال: سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه، حال كونه (يقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا اشتد البرد بكر بالصلاة) صلاها في أول وقتها على الأصل، (وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة) قال الراوي: (يعني الجمعة) قياسًا على الظهر، لا بالنص. لأن أكثر الأحاديث يدل على التفرقة في الظهر، وعلى التبكير في الجمعة مطلقًا من غير تفصيل. والذي نحا إليه المؤلّف مشروعية الإبراد بالجمعة، ولم يثبت الحكم بذلك، لأن قوله: يعني الجمعة، يحتمل أن يكون قول التابعي مما فهمه، وأن يكون من نقله، فرجح عنده إلحاقها بالظهر لأنها إما ظهر وزيادة، أو بدل عن الظهر، قاله ابن المنير. ورواة حديث الباب كلهم بصريون، وفيه التحديث والسماع والقول. (قال) ولأبي ذر: وقال: (يونس بن بكير) بالتصغير فيما وصله المؤلّف في: الأدب المفرد (أخبرنا أبو خلدة، وقال) بالواو، ولكريمة: فقال: (بالصلاة) أي: بلفظها فقط، (ولم يذكر الجمعة). ولفظه في: الأدب المفرد: "كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا كان الحر أبرد بالصلاة، وإذا كان البرد بكر بالصلاة". وكذا أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر، عن يونس، وزاد: يعني الظهر. وهذا موافق لقول الفقهاء: يندب الإبراد بالظهر، في شدّة الحر بقطر حار، لا بالجمعة لشدة الخطر في فواتها المؤدي إليه تأخيرها بالتكاسل، ولأن الناس مأمورون بالتبكير إليها، فلا يتأذّون بالحر. وما في الصحيحين من: أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كان يبرد بها، بيان للجواز فيها جمعًا بين الأدلة. (وقال بشر بن ثابت) مما وصله الإسماعيلي والبيهقي: (حدّثنا أبو خلدة، قال: صلّى بنا أمير الجمعة) هو: الحكم بن أبي عقيل الثقفي، نائب ابن عمه الحجاج بن يوسف، وكان على طريقة ابن عمه في تطويل الخطبة يوم الجمعة، حتى يكاد الوقت أن يخرج (ثم قال لأنس، رضي الله عنه، كيف كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي الظهر)؟ في رواية الإسماعيلي والبيهقي: كان إذا كان الشتاء بكَّر بالظهر، وإن كان الصيف أبرد بها. 18 - باب الْمَشْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وَمَنْ قَالَ السَّعْيُ الْعَمَلُ وَالذَّهَابُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا}. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَحْرُمُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ: تَحْرُمُ الصِّنَاعَاتُ كُلُّهَا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهْوَ مُسَافِرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ. (باب المشي إلى) صلاة (الجمعة، وقول الله جل ذكره) بجر لام قول، عطفًا على المشي المجرور بالإضافة، وبالضم على الاستئناف ({فاسعوا إلى ذكر الله}) [الجمعة: 9] أي: فامضوا، لأن السعي على المضي وعلى العدو، فبينت السنة المراد به، كما في الحديث الآتي في هذا الباب: "فلا تأتوها تسعون وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة". نعم، إذا ضاق الوقت فالأولى الإسراع. وقال المحب الطبري: يجب إذا لم تدرك الجمعة إلا به. (ومن قال) في تفسيره (السعي: العمل) لها (والذهاب) إليها القوله تعالى ({وسعى لها}) أي للآخرة ({سعيها}) [الإسراء: 19] المفسر: يعمل لها حقها من السعي، وهو الإتيان بالأوامر، والانتهاء عن النواهي. (وقال ابن عباس رضي الله عنهما) مما وصله ابن حزم، من طريق عكرمة عنه، لكن بمعناه (يحرم البيع) أي: ونحوه من سائر العقود، مما فيه تشاغل عن السعي إليها: كإجارة وتولية، ولا تبطل الصلاة (حينئذٍ). أي: إذا نودي بها بعد جلوس الخطيب على المنبر لآية {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] وقيس على البيع نحوه. وإنما لم تبطل الصلاة لأن النهي لا يختص به، فلم يمنع صحته، كالصلاة في أرض مغصوبة. ويصح البيع عند الجمهور، لأن النهي ليس لمعنى في العقد داخل ولا لازم، بل خارج عنه. وقال المالكية: يفسخ ما عدا: النكاح، والهبة، والصدقة، وحيث فسخ تردّ السلعة إن كانت قائمة، ويلزم قيمتها يوم القبض إن كانت فائتة. والفرق بين الهبة والصدقة، وبين غيرهما، أن غير الهبة والصدقة يردّ على كل واحد ما له، فلا يلحقه كبير مضرة، ولا كذلك الهبة والصدقة، لأنه ملك الشيء بغير عوض فيبطل عليه، فتلحقه المضرة. وأما عدم فسخ النكاح فللاحتياط في الفروج. اهـ. وتقييد الأذان بكونه بعد جلوس الخطيب لأنه الذي كان في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، فانصرف النداء في الآية إليه. أما الأذان الذي عند الزوال، فيجوز البيع عنده مع الكراهة لدخول وقت الوجوب. لكن، قال الأسنوي: ينبغي أن لا يكره في بلد

يؤخرون فيها تأخيرًا كثيرًا، كمكة، لما فيه من الضرر، فلو تبايع مقيم ومسافر أثما جميعًا لارتكاب الأول النهي وإعانة الثاني له عليه. نعم، يستثنى من تحريم البيع ما لو احتاج إلى ماء طهارته، أو إلى ما يواري به عورته، أو يقوته عند اضطراره، ولو باع وهو سائر إليها، وأو في الجامع جاز، لأن المقصود أن لا يتأخر عن السعي إلى الجمعة. لكن يكره البيع ونحوه في المسجد، لأنه ينزّه عن ذلك. وعند الحنفية يكره البيع مطلقًا ولا يحرم. (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح، مما وصله عبد بن حميد في تفسيره: (تحرم الصناعات كلها) لأنها بمنزلة البيع في الشاغل عن الجمعة. (وقال إبراهيم بن سعد) بسكون العين، ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني، (عن) ابن شهاب (الزهري: إذا أذن المؤذن يوم الجمعة، وهو مسافر، فعليه) أي: على طريق الاستحباب، (أن يشهد) أي الجمعة. لكن اختلف على الزهري فيه، فروي عنه هذا، وروي عنه: لا جمعة على مسافر على طريق الوجوب. قال ابن المنذر: وهو كالإجماع، ويحتمل أن يكون مراده بقوله: فعليه أن يشهد، ما إذا اتفق حضور المسافر في موضع تقام فيها الجمعة فسمع: النداء لها، إلا أنه يلزمه حضورها مطلقًا، حتى يحرم عليه السفر قبل الزوال من البلد الذي يدخله مجتازًا. وقال المالكية: تجب عليه، إذا أدركه صوت المؤذن قبل مجاوزة الفرسخ. 907 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ قَالَ: أَدْرَكَنِي أَبُو عَبْسٍ وَأَنَا أَذْهَبُ إِلَى الْجُمُعَةِ فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ». [الحديث 907 - طرفه في: 2811]. وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا الوليد بن مسلم، قال: حدّثنا يزيد ابن أبي مريم) الدمشقي إمام جامعها، قال الزركشي: ووقع في أصل كريمة: بريد، بضم الموحدة وبالراء، وهو: غلط، وللأصيلي ابن أبي مريم الأنصاري: (قال: حدّثنا عباية بن رفاعة) بفتح العين المهملة وتخفيف الموحدة وكسر راء، رفاعة بن خديج الأنصاري (قال: أدركني أبو عبس) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة آخره مهملة، عبد الرحمن بن جبر، بالجيم المفتوحة والموحدة الساكنة والراء، الأنصاري (وأنا أذهب إلى الجمعة)، جملة اسمية حالية (فقال: سمعت النبي) ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول): (من أغبرت قدماه) أي: أصابهما غبار (في سبيل الله) اسم جنس مضاف يفيد العموم، فيشمل الجمعة، (حرمه الله) كله (على النار). وجه المطابقة من قوله: أدركني أبو عبس ... ، لأنه لو كان يعدو لما احتمل الوقت المحادثة لتعذرها مع العدو. ورواة الحديث ما بين مديني ودمشقي، وليس لأبي عبس في البخاري إلا هذا الحديث، ويزيد أفراده، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي والتحديث والسماع والقول، وأخرجه المؤلّف في الجهاد، وكذا الترمذي والنسائي. 908 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَحَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ عَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) عبد الرحمن (قال: حدّثنا) ابن شهاب (الزهري، عن سعيد) بكسر العين، ابن المسيب (و) عن (أبي سلمة) ابن عبد الرحمن (عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ثم ساق لهذا سندًا آخر فقال: (وحدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو: اين أبي حمزة: (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) رضي الله تعالى عنه (أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها) حال كونكم (تسعون)، لما يلحق الساعي من التعب وضيق النفس المنافي للخشوع المطلوب، (و) لكن (ائتوها تمشون، عليكم) ولأبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر: وعليكم (السكينة) بالرفع، مبتدأ أخبر عنه بسابقه. والجملة حال من ضمير: وأتوها تمشون وبالنصب لغير أبي ذر على الإغراء، أي: الزموا السكينة أي: الهينة والتأني. والنهي متوجه إلى السعي، لا إلى الإتيان، واستشكل النهي بما في قوله تعالى: {فاسعوا} [الجمعة: 9]. وأجيب: بأن المراد به في الآية: القصد، أو الذهاب، أو العمل، كما مر. وفي الحديث: الإسراع، لأنه قابله بالمشي حيث قال: وأتوها تمشون. قال الحسن: ليس السعي الذي في الآية على الأقدام بل على القلوب. (فما أدركتم) مع الإمام من الصلاة (فصلوا، وما فاتكم فأتموا). فيه أن ما يدرك المرء من باقي صلاة

19 - باب لا يفرق بين اثنين يوم الجمعة

الإمام هو أوّل صلاته، لأن الإتمام إنما يكون بناء على ما سبق له. وقد سبق الحديث بمباحثه في باب: لا يسعى إلى الصلاة، وليأتها بالسكينة والوقار، آخر كتاب الأذان. 909 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ». وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم، الفلاَّس، (قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر والأصيلي: حدّثنا (أبو قتيبة) بضم القاف وفتح المثناة الفوقية، سلم: بفتح المهملة وسكون اللام، ابن قتيبة الشعيري: بفتح المعجمة، الخراساني، سكن البصرة (قال: حدّثنا علي بن المبارك) الهنائي، بضم الهاء وتخفيف النون ممدودًا، (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة، (عن عبد الله بن أبي قتادة) الأنصاري المدني (لا أعلمه إلاّ عن أبيه). زاد أبو ذر، في روايته عن المستملي: قال أبو عبد الله، أي: البخاري: لا أعلمه، أي: لا أعلم رواية عبد الله هذا الحديث إلا عن أبيه، أبي قتادة الحرث، ويقال: عمرو، أو النعمان بن ربعي، بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة، ابن بلدمة، بضم الموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة، السلمي، بفتحتين، المدني. قال الحافظ ابن حجر: كأنه وقع عنده، يعني المؤلّف، توقف في وصله لكونه كتبه من حفظه أو لغير ذلك، وهو في الأصل موصول لا ريب فيه، أخرجه الإسماعيلي عن ابن ناجية، عن أبي حفص، وهو عمرو بن علي شيخ المؤلّف، فقال: عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، ولم يشك. اهـ. قلت: وكذا في الفرع وأصله في رواية ابن عساكر: عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تقوموا حتى تروني، وعليكم السكينة) بالرفع والنصب كما مر قريبًا. وسبق الحديث في آخر كتاب الأذان، في باب: متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة، مع مباحثه. 19 - باب لاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هذا (باب) بالتنوين (لاّ يفرّق) الداخل المسجد (بين اثنين يوم الجمعة) لا: ناهية، والفعل من التفريق مبني للفاعل أو المفعول. والتفرقة تتناول، أمرين أحدهما: التخطي، والثاني: أن يزحزح رجلين عن مكانهما ويجلس بينهما. فأما الأوّل: فهو مكروه لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، رأى رجلاً يتخطى رقاب الناس فقال له: "اجلس، فقد آذيت وآنيت". أي تأخرت. رواه ابن ماجة، والحاكم وصححاه. وفي الطبراني أنه عليه الصلاة والسلام قال لرجل: "رأيتك تتخطى رقاب الناس وتؤذيهم، من آذى مسلمًا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله". وللترمذي: "من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسرًا إلى جهنم". قال العراقي: المشهور: اتخذ مبنيًّا للمفعول، أي: يجعل جسرًا على طريق جهنم ليوطأ، ويتخطى كما تخطى رقاب الناس، فإن الجزاء من جنس العمل، ويحتمل أن يكون على بناء الفاعل، أي: اتخذ لنفسه جسرًا يمشي عليه إلى جهنم بسبب ذلك. ولأبي داود، من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه رفعه: "ومن تخطى رقاب الناس كانت له ظهرًا"، أي: لا تكون له كفّارة لما بينهما. نعم: لا يكره للإمام إذا لم يبلغ المحراب إلاّ بالتخطي لاضطراره إليه، ومن لم يجد فرجة بأن لم يبلغها إلاّ بتخطي صف أو صفين، فلا يكره، وإن وجد غيرها لتقصير القوم بإخلاء الفرجة، لكن يستحب له إن وجد غيرها أن لا يتخطى. وهل الكراهة المذكورة للتنزيه أم للتحريم؟ صرّح بالأول في المجموع، ونقل الشيخ أبو حامد الثاني عن نص الشافعي رحمه الله، واختاره في الروضة في: الشهادات، وقيد المالكية والأوزاعي الكراهة بما إذا كان الإمام على المنبر لحديث أحمد الآتي: وأما الثاني: وهو، أن يزحزح رجلين عن مكانهما ويجلس بيهما، فيأتي إن شاء الله تعالى في الباب التالي. 910 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ وَدِيعَةَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتَطَهَّرَ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، ثُمَّ ادَّهَنَ أَوْ مَسَّ مِنْ طِيبٍ، ثُمَّ رَاحَ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ إِذَا خَرَجَ الإِمَامُ أَنْصَتَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى». وبالسند قال: (حدّثنا عبدان) هو ابن عبد الله بن عثمان المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا) ولابن عساكر: حدّثنا (ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن أبيه) أبي سعيد، كيسان (عن ابن وديعة) بفتح الواو، عبد الله (عن سلمان الفارسي) رضي الله عنه، ولابن عساكر: حدّثنا سلمان الفارسي (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من اغتسل يوم الجمعة، وتطهر بما استطاع من طهر) كقص الشارب، وقلم الظفر، وحلق العانة، وتنظيف الثياب (ثم ادّهن) بتشديد الدال: طلى جسده به (أو مسَّ من طيب) بأو التي للتفصيل (ثم راح) ذهب

20 - باب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد في مكانه

إلى صلاة الجمعة (فلم) بالفاء، وللأصيلي: ولم (يفرق) في المسجد (بين اثنين) بالتخطي أو بالجلوس بينهما، وهو كناية عن التبكير، كما مرّ، لأنه إذا بكر لا يتخطى ولا يفرق (فصلّى ما كتب له) أي فرض من صلاة الجمعة، أو ما قدره فرضًا أو نفلاً (ثم إذا خرج الإمام أنصت) لسماع الخطبة، (غفر له ما بينه) أي بين يوم الجمعة الماضية (وبين) يوم (الجمعة الأخرى) المستقبلة. والحديث سبق في باب الدهن للجمعة مع شرحه. 20 - باب لاَ يُقِيمُ الرَّجُلُ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَقْعُدُ فِي مَكَانِهِ هذا (باب) بالتنوين (لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد في مكانه) لا: نافية، والفعل مرفوع، والخبر في معنى النهي، ويقعد بالرفع عطفًا على يقيم، أو على أن الجملة حالية، أي: وهو يقعد، أو بالنصب، بتقدير: أن، فعلى الأول كلٌّ من الإقامة والقعود منهي عنه، وعلى الثاني والثالث: النهي عن الجمع بينهما، حتى: لو أقامه ولم يقعد لم يرتكب النهي. ولم يذكر المؤلّف حديث مسلم عن جابر من طريق أبي الزبير المقيد، كالترجمة، بيوم الجمعة ليطابقها، ولفظه: "لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة، ثم يخالف إلى مقعده فيقعد فيه، ولكن يقول: تفسحوا". لأنه ليس على شرطه، لكنه أشار إليه بالقيد المذكور في الترجمة كعادته، رحمه الله. 911 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ أَخَاهُ مِنْ مَقْعَدِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ". قُلْتُ لِنَافِعٍ: الْجُمُعَةَ؟ قَالَ الْجُمُعَةَ وَغَيْرَهَا. [الحديث 911 - طرفاه في: 6269، 6270]. وبالسند إليه قال: (حدّثنا محمد) زاد أبو ذر: هو ابن سلام، أي: بتشديد اللام كما في الفرع، وضبطها العيني بالتخفيف، وهو البيكندي (قال: أخبرنا مخلد بن يزيد) بفتح الميم وسكون المعجمة، ويزيد من الزيادة (قال: أخبرنا ابن جريج) عبد الملك (قال: سمعت نافعًا) مولى ابن عمر، حال كونه (يقول: سمعت ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما) حال كونه (يقول: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقيم الرجل أخاه) أي: نهى عن إقامة الرجل أخاه، فأن مصدرية. ولأبوي ذر والوقت في نسخة، والأصيلي وابن عساكر: أن يقيم الرجل الرجل (من مقعده) بفتح الميم، موضع قعوده (ويجلس فيه) بالنصب عطفًا على أن يقيم، أي: وأن يجلس. والمعنى: أن كل واحد منهي عنه وظاهر النهي التحريم، فلا يصرف إلا بدليل، فلا يجوز أن يقيم أحدًا من مكانه ويجلس فيه، لأن من سبق إلى مباح فهو أحق به. ولأحمد حديث: "إن الذي يتخطى رقاب الناس أو يفرق بين اثنين بعد خروج الإمام كالجار قصبه في النار". وهو بضم القاف، أي: أمعاءه. والتفرقة صادقة بأن يزحزح رجلين عن مكانهما، ويجلس بينهما. نعم، لو قام الجالس باختياره، وأجلس غيره فلا كراهة في جلوس غيره، ولو بعث من يقعد له في مكان ليقوم عنه إذا جاء هو، جاز أيضًا من غير كراهة، ولو فرش له نحو سجادة، فلغيره تنحيتها والصلاة مكانها، لأن السبق بالأجسام لا بما يفرش، ولا يجوز له الجلوس عليها بغير رضاه. نعم، لا يرفعها بيده أو غيرها، لئلا تدخل في ضمانه. واستنبط من قوله في حديث مسلم السابق: ولكن يقول تفسحوا، إن الذي يتخطى بعد الاستئذان لا كراهة في حقه. قال ابن جريج: (قلت لنافع: الجمعة؟ قال: الجمعة وغيرها) بالنصب في الثلاثة على نزع الخافض، أي في الجمعة وغيرها. ولأبي ذر: والجمعة؟ قال: الجمعة وغيرها. بالرفع في الثلاثة على الابتداء، وغيرها عطف عليه، والخبر محذوف، أي: الجمعة وغيرها متساويان في النهي عن التخطي في مواضع الصلوات. ورواة الحديث ما بين: بخاري، وحراني، ومكّي، ومدني، وفيه التحديث والإخبار، والسماع والقول، وشيخ المؤلّف رحمه الله من أفراده، وأخرجه مسلم في الاستئذان. 21 - باب الأَذَانِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (باب) وقت مشروعية (الأذان يوم الجمعة). 912 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: "كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ -رضي الله عنهما-. فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ -رضي الله عنه-. وَكَثُرَ النَّاسُ -زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ". [الحديث 912 - أطرافه في: 913، 915، 916]. وبه قال: (حدثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن) ابن شهاب (الزهري عن السائب بن يزيد) الكندي (قال: كان النداء) أي: الذي ذكره الله في القرآن (يوم الجمعة، أوّله) بالرفع، بدل، من اسم كان، وخبرها، قوله (إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، و) خلافة (أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان رضي الله عنه) خليفة، (وكثر الناس) أي المسلمون بمدينة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، (زاد) بعد مضي مدّة من خلافته (النداء الثالث) عند دخول الوقت (على الزوراء) بفتح الزاي وسكون الواو وفتح الراء ممدودًا، أو سماه ثالثًا باعتبار كونه مزيدًا على الأذان بين يدي الإمام، والإقامة للصلاة. وزاد ابن

22 - باب المؤذن الواحد يوم الجمعة

خزيمة، في رواية وكيع، عن ابن أبي ذئب: فأمر عثمان بالأذان الأول. ولا منافاة بينهما، لأنه أول باعتبار الوجود، ثالث باعتبار مشروعية عثمان له باجتهاده، وموافقة سائر الصحابة له بالسكوت وعدم الإنكار، فصار إجماعًا سكوتيًّا. وأطلق الأذان على الإقامة، تغليبًا بجامع الإعلام فيهما ومنه قوله عليه الصلاة والسلام "بين كل أذانين صلاة لمن شاء". وزاد أبو ذر في روايته: (قال أبو عبد الله) أي البخاري: (الزوار موضع بالسوق بالمدينة) قيل إنه مرتفع كالمنارة، وقيل حجر كبير عند باب المسجد. ورواة هذا الحديث أربعة، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الجمعة، وأبو داود في الصلاة، وكذا الترمذي وابن ماجة. 22 - باب الْمُؤَذِّنِ الْوَاحِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (باب المؤذن الواحد يوم الجمعة). 913 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ: "أَنَّ الَّذِي زَادَ التَّأْذِينَ الثَّالِثَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ -رضي الله عنه-حِينَ كَثُرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ- وَلَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُؤَذِّنٌ غَيْرَ وَاحِدٍ، وَكَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الإِمَامُ" يَعْنِي عَلَى الْمِنْبَرِ. وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة) بفتح اللام، هو ابن عبد الله بن أبي سلمة (الماجشون) بكسر الجيم وفتحها، بعدها معجمة مضمومة، المدني، نزيل بغداد، (عن) ابن شهاب (الزهري عن السائب بن يزيد) الكندي: (أن الذي زاد التأذين الثالث) الذي هو الأول وجودًا كما مر قريبًا (يوم الجمعة: عثمان بن عفان، رضي الله عنه) أثناء خلافته (حين كثر أهل المدينة -ولم يكن للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مؤذن غير واحد) أي: يؤذن يوم الجمعة وإلا فله بلال، وابن أم مكتوم، وسعد القرظ. وغير: بالنصب: خبر كان، ولأبي ذر: غير واحد، بالرفع، وهو الظاهر في إرادة نفي تأذين اثنين معًا. أو المراد: أن الذي كان يؤذن هو الذي كان يقيم. وقد نص الشافعي رحمه الله على كراهة التأذين جماعة. (وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام، يعني على المنبر) قبل الخطبة، وفي نسخة لأبوي ذر والوقت: حين يجلس الإمام على المنبر، فأسقط لفظ: يعني. 23 - باب يُجِيبُ الإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ هذا (باب) بالتنوين (يجيب الإمام) المؤذن هو (على المنبر إذا سمع النداء) أي الأذان، ولكريمة: يؤذن الإمام، بدل: يجيب، وكأنه سماه: أذانًا لكونه بلفظه. 914 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ مُعَاوِيَةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا. فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا. فَلَمَّا أَنْ قَضَى التَّأْذِينَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، "إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى هَذَا الْمَجْلِسِ -حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ- يَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ مِنِّي مِنْ مَقَالَتِي". وبالسند قال: (حدّثنا ابن مقاتل) المروزي، ولابن عساكر: أخبرنا محمد بن مقاتل (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك، المروزي (قال: أخبرنا أبو بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف) بفتح السين وسكون الهاء وضم الحاء المهملة، من حنيف مصغرًا (عن) عمه (أبي أمامة) بضم الهمزة، أسعد (بن سهل بن حنيف، قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب بن أمية، (وهو جالس على المنبر) جملة اسمية حالية (أذن المؤذن. قال): ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: فقال: (الله أكبر الله أكبر، قال) وللثلاثة: فقال (معاوية: الله أكبر الله أكبر، قال) المؤذن، ولأبي ذر: فقال (أشهد أن لا إله إلاّ الله. فقال) وفي نسخة لأبي ذر: قال: (معاوية: وأنا) أي: أشهد به، وأقول مثله، (فلما قال) أي: المؤذن، ولكريمهّ: فقال (أشهد أن محمدًا رسول الله. فقال) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: قال (معاوية: وأنا) أي: أشهد، وأقول مثله، (فلما أن قضى) المؤذن (التأذين) أي: فرغ منه، وللأصيلي وابن عساكر: فلما قضى، فأسقطا كلمة: أن، الزائدة ولأبي ذر عن الكشميهني: فلما أن انقضى التأذين. بالرفع على أنه فاعل، أي: انتهى (قال) معاوية: (يا أيها الناس إني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على هذا المجلس، -حين أذن المؤذن- يقول ما سمعتم مني من مقالتي) أي التي أوجبت بها المؤذن. وفيه: أن قول المجيب: وأنا كذلك، أو نحوه، يكون إجابة للمؤذن. ورواته ما بين: مروزي ومدني وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وشيخ المؤلّف من أفراده، ورواية الرجل عن عمه، والصحابي عن الصحابي، وأخرجه النسائي في الصلاة، وفي اليوم والليلة. 24 - باب الْجُلُوسِ عَلَى الْمِنْبَرِ عِنْدَ التَّأْذِينِ (باب) سنة (الجلوس) للخطيب (على المنبر) قبل الخطبة (عند التأذين) بقدر الأذان. 915 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ "أَنَّ التَّأْذِينَ الثَّانِيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَمَرَ بِهِ عُثْمَانُ -حِينَ كَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ- وَكَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الإِمَامُ". وبالسند: قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة (قال: حدّثنا الليث) بن سعد، إمام المصريين، رحمه الله (عن عقيل) بضم العين، ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (أن السائب بن يزيد) بن سعيد الكندي حج به في حجة الوداع، وهو ابن سبع سنين، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة، وكان في سنة إحدى وتسعين أو قبلها: (أخبره

25 - باب التأذين عند الخطبة

أن التأذين الثاني) هو ثان بالنظر إلى الأذان الحقيقي، ثالث بالنظر إليه والإقامة (يوم الجمعة أمر به عثمان -حين) ولأبي ذر والأصيلي: أمر به عثمان بن عفان حين (كثر أهل المسجد-) النبوي، في أثناء خلافته (وكان التأذين يوم الجمعة حين يجلس الإمام) على المنبر. وهو يردّ على الكوفيين حيث قالوا: الجلوس على المنبر عند التأذين غير مشروع، والحكمة للجمهور في سنيته سكون اللغط، والتهيؤ للإنصات لسماع الخطبة، وإحضار الذهن للذكر والموعظة. 25 - باب التَّأْذِينِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ (باب التأذين عند) إرادة (الخطبة). 916 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: "إِنَّ الأَذَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ أَوَّلُهُ حِينَ يَجْلِسُ الإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ -رضي الله عنهما- فَلَمَّا كَانَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ -رضي الله عنه-وَكَثُرُوا- أَمَرَ عُثْمَانُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالأَذَانِ الثَّالِثِ، فَأُذِّنَ بِهِ عَلَى الزَّوْرَاءِ، فَثَبَتَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا يونس) بن يزيد (عن) ابن شهاب (الزهري، قال: سمعت السائب بن يزيد) الكندي (يقول: إن الأذان يوم الجمعة) قبل أمر عثمان بالأذان (كان أوله حين يجلس الإمام يوم الجمعة على المنبر) قبل الخطبة (في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، فلما كان في خلافة عثمان، رضي الله عنه)، وللأصيلي زيادة: ابن عفان (وكثروا) أي: الناس (أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث) أول الوقت عند الزوال، فهو ثالث بالنسبة لإحداثه، وإلاّ فهو الأوّل وجودًا. كما مر. (فأذن به) بضم الهمزة، مبنيًّا للمفعول (على الزوراء، فثبت الأمر) في الأذان (على ذلك) أي: على أذانين وإقامة في جميع الأمصار، ولله الحمد. 26 - باب الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَالَ أَنَسٌ -رضي الله عنه-: خَطَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ. (باب) مشروعية (الخطبة) للجمعة وغيرها (على المنبر) بكسر الميم. (وقال أنس) هو ابن مالك، مما وصله المؤلّف في: الاعتصام والفتن مطوّلاً: (خطب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر) فيستحب فعلها عليه. فإن لم يكن منبر فعلى مرتفع، لأنه أبلغ في الإعلام، فإن تعذر، استند إلى خشبة أو نحوها، لما سيأتي إن شاء الله تعالى، أنه عليه الصلاة والسلام المكان يخطب، إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر، وأن يكون المنبر على يمين المحراب، والمراد به يمين مصلّى الإمام قال الرافعي، رحمه الله: هكذا وضع منبره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 917 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيُّ الْقُرَشِيُّ الإِسْكَنْدَرَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمِ بْنُ دِينَارٍ: "أَنَّ رِجَالاً أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، وَقَدِ امْتَرَوْا فِي الْمِنْبَرِ مِمَّ عُودُهُ؟ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْرِفُ مِمَّا هُوَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ، وَأَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى فُلاَنَةَ -امْرَأَةٍ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ- مُرِي غُلاَمَكِ النَّجَّارَ أَنْ يَعْمَلَ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ، فَأَمَرَتْهُ فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ هَا هُنَا. ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَيْهَا، وَكَبَّرَ وَهْوَ عَلَيْهَا، ثُمَّ رَكَعَ وَهْوَ عَلَيْهَا، ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ. ثُمَّ عَادَ. فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا، وَلِتَعَلَّمُوا صَلاَتِي». وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط: ابن سعيد، عند أبي ذر وابن عساكر (قال: حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري) بالقاف والمثناة المشددة من غير همز، نسبة إلى القارة، قبيلة (القرشي) الحلف في بني زهرة من قريش، قال عياض: كذا لبعض رواة البخاري: القرشي، وسقط للأصيلي، وكلاهما صحيح، (الإسكندراني) السكن والوفاة، وكانت سنة إحدى وثمانين ومائة، (قال: حدّثنا أبو حازم بن دينار) بالحاء المهملة والزاي، واسمه سلمة الأعرج (أن رجالاً)، قال الحافظ ابن حجر، لم أقف على أسمائهم، (أتوا سهل بن سعد الساعدي) بإسكان الهاء والعين (وقد امتروا) جملة حالية، أي: تجادلوا أو شكوا، من المماراة، وهي: المجادلة. قال الراغب: الامتراء والماراة، ومنه {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا} [الكهف: 22]. وفي رواية عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عند مسلم: أن نفرًا تماروا، أي تجادلوا. قاله ابن حجر، وجعله البرماوي كالكرماني من: الامتراء. قال: هو: الشك. قال العيني متعقبًا للحافظ ابن حجر: وهو الأصوب، ولم يبين لذلك دليلاً. (في المنبر) النبوي (مِمَّ عوده)؟ أي: من أي شيء هو؟ (فسألوه) أي: سهل بن سعد (عن لك) الممترى فيه (فقال: والله إني لأعرف مما هو) بثبوت ألف ما الاستفهامية المجرورة على الأصل، وهو قليل. وهي قراءة عبد الله وأُبيّ في {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1] والجمهور بالحذف، وهو المشهور، وإنما أتى بالقسم مؤكدًا بالجملة الاسمية، وبأن، التي للتحقيق، و: بلام التأكيد في الخبر، لإرادة التأكيد فيما قاله للسامع (ولقد رأيته) أي المنبر (أوّل) أي: في أوّل (يوم وضع) موضعه، هو زيادة على السؤال، كقوله: (وأوّل يوم) أي: في أول يوم (جلس عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وفائدة هذه الزيادة المؤكدة: باللام، وقد، إعلامهم بقوة معرفته بما سألوه عنه. ثم شرح الجواب بقوله: (أرسل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى فلانة امرأة) بعدم الصرف في فلانة، للتأنيث والعلمية. ولا يعرف اسم المرأة، وقيل: هي فكيهة بنت عبيد بن دليم، أو: علاثة، بالعين المهملة وبالمثلثة، وقيل: إنه تصحيف فلانة، أو: هي

عائشة، قيل: وهو تصحيف الصحف السابق. وزاد الأصيلي من الأنصار، (قد سماها سهل) فقال لها: (مري) أصله: أومري، على وزن: افعلي، فاجتمعت همزتان فثقلتا، فحذفت الثانية، واستغني عن همزة الوصل، فصار: مري على وزن: علي لأن المحذوف فاء الفعل (غلامك النجار) بالنصب، صفة لغلام (أن يعمل لي أعوادًا أجلس عليهن إذا كلمت الناس) أجلسُ بالرفع في اليونينية، أي: أنا أجلس وفي غيرها أجلس بالجزم جواب للأمر. والغلام: اسمه ميمون، كما عند قاسم بن أصبغ، أو: إبراهيم، كما في الأوسط للطبراني، أو: باقول بالموحدة والقاف المضمومة واللام، كما عند عبد الرزاق، وباقوم، بالميم بدل اللام، كما عند ابن نعيم في المعرفة، أو: وصباح، بضم الصاد المهملة بعدها موحدة خفيفة آخره حاء مهملة، كما عند ابن بشكوال، أو: قبيصة المخزومي، مولاهم، كما ذكره عمر بن شبة في الصحابة، أو: كلاب، مولى ابن عباس، أو: تميم الداري، كما عند أبي داود والبيهقي، أو ثمينًا، كما ذكره ابن بشكوال، أو: رومي، كما عند الترمذي وابن خزيمة وصححاه. ويحتمل أن يكون المراد به: تميمًا الداري لأنه كان كثير السفر إلى أرض الروم. وأشبه الأقوال بالصواب أنه: ميمون. ولا اعتداد بالأخرى لوهاها. وحمله بعضهم على أن الجميع اشتركوا في عمله، وعورض بقوله في كثير من الروايات السابقة، ولم يكن بالمدينة إلا نجار واحد. وأجيب: باحتمال أن المراد بالواحد، الماهر في صناعته والبقية. أعوان له. (فأمرته) أي: أمرت المرأة غلامها أن يعمل، (فعملها) أي: الأعواد (من طرفاء الغابة) بفتح الطاء وسكون الراء المهملتين وبعد الراء فاء ممدودة، شجر من شجر البادية، والغابة: بالغين المعجمة بالموحدة، موضع من عوالي المدينة من جهة الشام، (ثم جاء) الغلام (بها) بعد أن عملها، (فأرسلت) أي: المرأة (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تعلمه بأنه فرغ منها. (فأمر بها)، عليه الصلاة والسلام، (فوضعت هاهنا. ثم رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليها) أي: على الأعواد المعمولة منبرًا ليراه من قد تخفى عليه رؤيته إذا صلّى على الأرض (وكبّر وهو عليها) جملة حالية، زاد في رواية سفيان، عن أبي حازم: فقرأ (ثم ركع، وهو عليها) جملة حالية أيضًا، كذلك، زاد سفيان أيضًا: ثم رفع رأسه (ثم نزل القهقرى) أي رجع إلى خلفه محافظة على استقبال القبلة. (فسجد في أصل المنبر) أي على الأرض إلى جنب الدرجة السفلى منه، (ثم عاد) إلى المنبر. وفي رواية هشام بن سعد، عن أبي حازم، عند الطبراني: فخطب الناس عليه، ثم أقيمت الصلاة، فكبر وهو على المنبر، فأفادت هذه الرواية تقدم الخطبة على الصلاة. (فلما فرغ) من الصلاة (أقبل على الناس) بوجهه الشريف (فقال) عليه الصلاة والسلام، مبينًّا لأصحابه رضي الله عنهم حكمة ذلك. (أيها الناس، إنما صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي) بكسر اللام وفتح المثناة الفوقية والعين، أي: لتتعلموا فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا. وفيه جواز العمل اليسير في الصلاة. وكذا الكثير إن تفرق، وجواز قصد تعليم المأمومين أفعال الصلاة بالفعل، وارتفاع الإمام على المأمومين، وشروع الخطبة على المنبر لكل خطيب، واتخاذ المنبر لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه. ورواة الحديث: واحد منهم بلخي، وهو شيخ المؤلّف، والاثنان بعده مدنيان، وفيه التحديث والقول، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي. 918 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كَانَ جِذْعٌ يَقُومُ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا وُضِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ سَمِعْنَا لِلْجِذْعِ مِثْلَ أَصْوَاتِ الْعِشَارِ، حَتَّى نَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ". قَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) وهو سعيد بن الحكم بن سالم بن أبي مريم، الجمحي بالولاء، المصري، المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا محمد بن جعفر) هو ابن كثير الأنصاري (قال: أخبرني) بالإفراد (يحيى بن سعيد) الأنصاري (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن أنس) هو: حفص بن عبيد الله بن أنس (أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري، رضي الله عنه (قال: كان جذع) بكسر الجيم وسكون المعجمة، واحد جذوع النخل (يقوم إليه) ولأبوي ذر والوقت، عن الحموي، والمستملي: يقوم عليه (النبي) وللأصيلي: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إذا خطب الناس (فلما وضع له

27 - باب الخطبة قائما

المنبر) أي لأجل الخطبة، وهو موضع الترجمة (سمعنا للجذع) المذكور صوتًا (مثل أصوات العشار) بكسر العين المهملة ثم سين معجمة، جمع عشراء، بضم العين وفتح الشين، الناقة الحامل التي مضت لها عشرة أشهر، أو التي معها أولادها (حتى نزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من المنبر (فوضع يده) الشريفة (عليه) فسكن. وفي حديث أبي الزبير عن جابر عن النسائي في الكبرى: اضطربت تلك السارية كحنين الناقة الخلوج، وهي بفتح الخاء المعجمة وضم اللام الخفيفة آخره جيم، الناقة التي انتزع منها ولدها، والحنين: هو صوت المتألم المشتاق عند الفراق. (قال) ولابن عساكر: وقال (سليمان) هو ابن بلال، مما وصله المصنف في: علامات النبوّة، (عن يحيى) هو: ابن سعيد قال: (أخبرني) بالإفراد (حفص بن عبيد الله بن أنس أنه سمع جابرًا) ولأبي ذر والأصيلي: جابر بن عبد الله. 919 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: مَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ". وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي أياس) سقط: ابن أبي أياس، لغير أبي ذر والأصيلي (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن) ابن شهاب (الزهري، عن سالم) هو: ابن عبد الله القرشي العدوي المدني (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (قال سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يخطب على المنبر) هو موضع الترجمة (فقال) في خطبته: (من جاء إلى) صلاة (الجمعة فليغتسل). 27 - باب الْخُطْبَةِ قَائِمًا وَقَالَ أَنَسٌ: بَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ قَائِمًا. (باب الخطبة) يكون الخطيب فيها (قائمًا). (وقال أنس) هو: ابن مالك، مما وصله المؤلّف مطوّلاً في الاستسقاء: (بينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب) حال كونه (قائمًا). استفيد منه القيام للخطبة المترجم له، وبينا، بغير ميم، ظرف زمان مضاف إلى الجملة من مبتدأ وخبر، وجوابها في حديث الاستسقاء المذكور. 920 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ قَائِمًا، ثُمَّ يَقْعُدُ، ثُمَّ يَقُومُ، كَمَا تَفْعَلُونَ الآنَ". [الحديث 920 - طرفه في: 928]. ْوبالسند قال: (حدّثنا عبيد الله بن عمر) بضم العين فيهما، ابن ميسرة (القواريري) نسبة لعملها أو بيعها، البصري (قال: حدّثنا خالد بن الحارث) بن سليم الهجيمي البصري، (قال: حدّثنا عبيد الله بن عمر) بضم العين فيهما، وسقط لغير أبوي ذر والوقت والأصيلي: ابن عمر، (عن نافع، عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب) زاد أحمد والبزار في روايتيهما: يوم الجمعة، حال كونه (قائمًا). استدلّ به علماء الأمصار على مشروعية القيام في الخطبة، وهو من شروطها التسعة عند الشافعية، لقوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]. ولهذا الحديث، وحديث مسلم: أن كعب بن عجرة دخل المسجد، وعبد الرحمن بن أبي الحكم يخطب قاعدًا، فأنكر عليه، وتلا الآية، ولمواظبته عليه الصلاة والسلام على القيام. نعم، تصح خطبة العاجز عنه قاعدًا، ثم مضطجعًا، كالصلاة. ولفعل معاوية المحمول على العذر، بل صرح به في رواية ابن أبي شيبة، ولفظه: إنما خطب قاعدًا لما كثر شحم بطنه، ويجوز الاقتداء بمن خطب من غير قيام، سواء قال: لا أستطيع، أم سكت، لأن الظاهر أنه إنما قعد، أو اضطجع لعجزه، فإن ظهر أنه كان قادرًا، فكإمام ظهر أنه كان جنبًا. وقال شيخ المالكية، خليل، رحمه الله: وفي وجوب قيامه لهما تردّد. وقال القاضي عبد الوهاب منهم: إذا خطب جالسًا أساء ولا شيء عليه. وقال القاضي عياض: المذهب وجوبه من غير اشتراط. وظاهر عبارة المازري أنه شرط، قال: ويشترط القيام لها. اهـ. وهذا مذهب الجمهور، خلافًا للحنفية حيث لم يشترطوه لها، محتجين بحديث سهل: "مري غلامك النجار يعمل لي أعوادًا أجلس عليهن". وأجابوا عن آية {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] بأنه إخبار عن حالته التي كان عليها عند انفضاضهم، وبأن حديث الباب لا دلالة فيه على الاشتراط، وأن إنكار كعب على عبد الوحمن إنما هو لتركه السُّنّة. ولو كان شرطًا لا وصلوا معه مع تركه له. وأجيب: بأنه إنما صلّى خلفه مع تركه القيام الذي هو شرط خوف الفتنة، أو أن الذي قعد، إن لم يكن معذورًا فقد يكون قعوده نشأ عن اجتهاد منه، كما قالوا في إتمام عثمان الصلاة في السفر، وقد أنكر ذلك ابن مسعود، ثم إنه صلّى خلفه، فأتم معه واعتذر بأن الخلاف شر. (ثم) كان عليه الصلاة والسلام (يقعد) بعد الخطبة الأولى، (ثم يقوم) للخطبة الثانية، (كما تفعلون الآن) من القيام، وكذا القعود المترجم له بعد بابين، الآتي ذكر حكمه إن شاء الله

28 - باب يستقبل الإمام القوم، واستقبال الناس الإمام إذا خطب واستقبل ابن عمر وأنس رضي الله عنهم الإمام

تعالى ثم. ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم والترمذي في الصلاة. 28 - باب يَسْتَقْبِلُ الإِمَامُ الْقَوْمَ، وَاسْتِقْبَالِ النَّاسِ الإِمَامَ إِذَا خَطَبَ وَاسْتَقْبَلَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ رضي الله عنهم الإِمَامَ (باب يستقبل الإمام القوم) بوجه، ويستدبر القبلة. رواه الضياء المقدسي في المختارة. (واستقبال الناس الإمام إذا خطب) ليتفرغوا لسماع موعظته ويتدبروا كلامه، ولا يشتغلوا بغيره ليكون أدعى إلى انتفاعهم، ليعملوا بما أعلموا. وثبت قوله: واستقبال الناس، إلى قوله: إذا خطب. وقوله: يستقبل الإمام القوم، هو كذا في رواية كريمة، ولغيرها باب: استقبال الناس ... إلخ ... فقط. (واستقبل ابن عمر) بن الخطاب (وأنس) هو ابن مالك (رضي الله عنهم الإمام) وصله البيهقي عن الأوّل، وأبو نعيم في نسخته بإسناد صحيح عن الثاني. 921 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: "إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ". [الحديث 921 - أطرافه في: 1465، 2842، 6427]. وبالسند قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء، الزهراني، أو: الطفاوي البصري (قال: حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن هلال بن أبي ميمونة)، هو: ابن علي بن أسامة العامري المدني، وقد ينسب إلى جده، قال: (حدّثنا عطاء بن يسار) بالمثناة والمهملة المخففة (أنه سمع أبا سعيد الخدري)، رضي الله عنه، (قال: إن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، جلس ذات يوم على المنبر) أي مستدبر القبلة، (وجلسنا حوله) أي: ينظرون إليه وهو عين الاستقبال. وهو مستحب عند الشافعية كالجمهور. ومن لازم استقبال الإمام، استدباره هو القبلة، واغتفر لئلا يصير مستدبر القوم الذين يعظهم، وهو قبيح، خارج عن عرف المخاطبات. ولو استقبل الخطيب، أو استدبر الحاضرون القبلة، أجزأ، كما في الأذان، وكره. وهذا الحديث طرف من حديث طويل يأتي إن شاء الله تعالى بمباحثه في الزكاة، في باب: الصدقة على اليتامى، وكتاب الرقاق أيضًا. ورواة هذا الحديث ما بين بصري ويماني ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والسماع والقول، وشيخه من أفراده، وأخرجه أيضًا في الزكاة، والجهاد، والرقاق. كما مر، ومسلم في الزكاة، وكذا النسائي والترمذي. 29 - باب مَنْ قَالَ فِي الْخُطْبَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ: أَمَّا بَعْدُ رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (باب من قال في الخطبة بعد الثناء) على الله تعالى: (أما بعد) فقد أصاب السُّنَّة، أو: من، موصول. والمراد منه: النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (رواه) أي: أما بعد، في الخطبة (عكرمة)، مولى ابن عباس، مما وصله في آخر الباب (عن ابن عباس)، رضي الله عنهما، (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 922 - وَقَالَ مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: "دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ، قُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَقُلْتُ آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا -أَىْ نَعَمْ- قَالَتْ: فَأَطَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِدًّا حَتَّى تَجَلاَّنِي الْغَشْيُ وَإِلَى جَنْبِي قِرْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ فَفَتَحْتُهَا، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ مِنْهَا عَلَى رَأْسِي، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ وَحَمِدَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ. قَالَتْ: وَلَغِطَ نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْكَفَأْتُ إِلَيْهِنَّ لأُسَكِّتَهُنَّ. فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا قَالَ؟ قَالَتْ قَالَ: مَا مِنْ شَىْءٍ لَمْ أَكُنْ أُرِيتُهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ. وَإِنَّهُ قَدْ أُوحِيَ إِلَىَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ -أَوْ قَرِيبَ مِنْ- فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ -أَوْ قَالَ الْمُوقِنُ، شَكَّ هِشَامٌ- فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ، هُوَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَآمَنَّا وَأَجَبْنَا، وَاتَّبَعْنَا وَصَدَّقْنَا، فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا، قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ إِنْ كُنْتَ لَتُؤْمِنُ بِهِ. وَأَمَّا الْمُنَافِقُ -أَوْ قَالَ الْمُرْتَابُ، شَكَّ هِشَامٌ- فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا، فَقُلْتُ". قَالَ هِشَامٌ: فَلَقَدْ قَالَتْ لِي فَاطِمَةُ فَأَوْعَيْتُهُ، غَيْرَ أَنَّهَا ذَكَرَتْ مَا يُغَلِّظُ عَلَيْهِ. (وقال محمود) هو ابن غيلان شيخ المؤلّف، وكلام أبي نعيم في: المستخرج، يشعر بأنه قال: حدّثنا محمود، وحينئذ فلم تكن: قال، هنا للمذاكرة والحاورة: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الليثي (قال: حدّثنا هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام (قال: أخبرتني) بالإفراد (فاطمة بنت المنذر) بن الزبير العوّام، امرأة هشام بن عروة (عن أسماء بنت أبي بكر) ولأبي ذر والأصيلي زيادة: الصديق (قالت: دخلت على) أختي (عائشة) رضي الله عنه، (والناس يصلون) جملة حالية، (قلت) ولابن عساكر: فقلت، أي مستفهمة. (ما شأن الناس) قائمين قزعين؟ (فأشارت) عائشة (برأسها إلى) أن الشمس في (السماء) انكسفت والناس يصلون لذلك، قالت أسماء: (فقلت) أهذه (آية)؟ علامة لعذاب الناس كأنها مقدّمة له، (فأشارت) عائشة (برأسها -أي: نعم-) هي آية: (قالت) أسماء (فأطال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الصلاة (جدًّا حتى تجلاني) بفتح المثناة الفوقية والجيم وتشديد اللام، أي: علاني (الغشي) بفتح الغين وسكون الشين المعجمتين آخره مثناة تحتية مخففة (وإلى جنبي قربة فيها ماء، ففتحتها، فجعلت أصب منها على رأسي، فانصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد تجلت الشمس) بالجيم وتشديد اللام، أي انكشفت، والجملة حالية. (فخطب الناس) عليه الصلاة والسلام (وحمد الله) بالواو، ولأبي الوقت وابن عساكر وأبي ذر والأصيلي، عن الكشميهني: فحمد الله (بما هو أهله ثم قال): (أما بعد) ليفصل بين الثناء على الله، وبين الخبر الذي يريد إعلام الناس به حتى في الخطبة. وبعد: مبني على الضم، كسائر الظروف المقطوعة عن الإضافة. واختلف في أوّل من قالها، فقيل:

داود، وإنها فصل الخطاب الذي أُوتيه، أو: يعرب بن قحطان، أو: كعب بن لؤي، أو: سحبان بن وائل، أو قس بن ساعدة، أو: يعقوب، عليه الصلاة والسلام أو غيرهم. (قالت) أسماء: (ولغط نسوة من الأنصار) بفتح اللام والغين المعجمة والمهملة، ويجوز كسر الغين، وهو الأصوات المختلفة والجلبة (فانكفأت) أي: ملت بوجهي ورجعت (إليهنّ لأسكتهنّ، فقلت لعائشة: ما قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ (قالت: قال): (ما من شيء) يصح أن يرى، لأن شيئًا: أعم العام، وقع في نفي، وبعض الأشياء لا تصح رؤيته لأنه قد خصّ، إذ ما من عام إلا وخص، إلا في نحو قوله: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282، النساء: 176، النور: 35 و64، الحجرات: 16، والتغابن: 11]. والتخصيص يكون عقليًّا وعرفيًّا، فهنا خصصه العقل بما يصح، أو الحس كما في قوله تعالى: {وأُوتيت من كل شيء} أو العرف بما يليق إبصارها به مما يتعلق بأمر الدين والجزاء ونحو ذلك. نعم، يدخل في العموم أنه رأى الله. و: ما نافية، و: من زائدة لتأكيد النفي، و: شيء اسم ما. والتالي، صفة لشيء، وهو قوله: (لم كن أريته) بهمزة مضمومة قبل الراء (إلا قد) استثناء مفرغ. وكل مفرغ متصل، والتفريغ من الحال. أي: لم أكن أريته كائنًا في حالة من الحالات إلا حال رؤيتي إياه. ولأبي ذر: إلا وقد (رأيته). والرؤية هنا يحتمل أن تكون رؤية عين، بأن كشف الله تعالى له عن ذلك، ولا حاجب يمنع: كرؤيته المسجد الأقصى حتى وصفه لقريش، أو رؤية علم ووحي بإطلاعه وتعريفه من أمورها تفصيلاً بما لم يكن يعرفه قبل ذلك، (في مقامي هذا، حتى الجنة) مرئية، أو نصب على أن: حتى، عاطفة على الضمير المنصوب في رأيته، أو جرّ على أن: حتى، جارّة (والنار) عطف على الجنة (وإنّه قد أُوحي إليّ) بكسر همزة إن وضمها في: أوحي مبنيًّا لما لم يسم فاعله. (أنكم) بفتح الهمزة (تفتنون) أي تمتحنون (في القبور مثل -أو قريب) بغير ألف ولا تنوين، ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي: قريبًا، بالتنوين (من فتنة المسيح الدجال. يؤتى أحدكم) بضم المثناة التحتية وفتح الفوقية من: يؤتى، مبنيًا لما لم يسم فاعله، وهو بيان: لتفتنون، ولذا لم يعطف (فيقال له: ما علمك بهذا الرجل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ والخطاب للمفتون، وأفرده بعد أن قال: في قبوركم، بالجمع، لأن السؤال عن العلم يكون لكل أحد، وكذا الجواب: (فأما المؤمن أو قال الموقن) أي المصدق بنبوّته عليه الصلاة والسلام، (شك هشام) أي ابن عروة (فيقول: هو رسول الله، هو محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، جاءنا بالبينات) المعجزات (والهدى) الموصل (فآمنا) به (وأجبنا) هـ (واتبعنا) هـ (وصدقنا) هـ (فيقال له: نم) نومًا (صالحًا) أي منتفعًا بأعمالك (قد كنا نعلم أن كنت لتؤمن به). أن مخففة من الثقيلة. أي: أن الشأن كنت، وهي مكسورة، ودخلت اللام في: لتؤمن، للفرق بينها وبين أن النافية، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي، وابن عساكر في نسخة: لمؤمنا به. (وأما المنافق)، المظهر خلاف ما يبطن (أو قال المرتاب) وهو الشاك (شك هشام-) (فيقال له: ما علمك بهذا الرجل؟ فيقول: لا أدري! سمعت الناس يقولون شيئًا فقلت) ولأبي ذر عن الكشميهني: فقلته، بضمير النصب. (قال هشام: فلقد قالت لي فاطمة) بنت المنذر (فأوعيته) أي أدخلته وعاء قلبي، ولأبي الوقت: وعيته، بغير همز على الأصل، يقال: وعيت العلم، أي: حفظته، وأوعيت المتاع. وللكشميهني، في اليونينية: وما وعيته (غير أنها ذكرت ما يغلظ عليه). ورواة هذا الحديث ما بين: مروزي وكوفي ومدني، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول، ورواية التابعية عن الصحابية، والصحابية عن التابعية. 923 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِمَالٍ -أَوْ سَبْيٍ- فَقَسَمَهُ، فَأَعْطَى رِجَالاً وَتَرَكَ رِجَالاً. فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتَبُوا، فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَوَاللَّهِ إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَأَدَعُ الرَّجُلَ وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي، وَلَكِنْ أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنَى وَالْخَيْرِ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ" فَوَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُمْرَ النَّعَمِ. تَابَعَهُ يُونُسُ. [الحديث 923 - طرفاه في: 3145، 7535]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن معمر) بفتح الميمين وبينهما عين مهملة ساكنة، البصري القيسي، المعروف بالبحراني (قال: حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن جرير بن حازم) بفتح الجيم وبالراءين في الأوّل، والحاء المهملة والزاي في الثاني (قال: سمعت الحسن) البصري (يقول: حدّثنا عمرو بن تغلب) بفتح العين وسكون الميم في الأوّل، وبفتح المثناة الفوقية ثم غين معجمة ساكنة غلام مكسورة فموحدة، غير مصروف، العبدي التميمي البصري، رضي الله عنه،

(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتي بمال) بضم الهمزة (أو سبي) بسين مهملة مع حذف الموحدة في أوّله، وللكشميهني: بسبي، بإثباتها، ولأبي الوقت: شيء، بشين معجمة آخره همزة مع حذف الموحدة، ولأبي ذر وابن عساكر، عن الحموي والمستملي: بشيء، بالموحدة والمعجمة والهمزة (فقسمه) عليه الصلاة والسلام (فأعطى رجالاً، وترك رجالاً، فبلغه أن الذين ترك) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عتبوا) على ترك (فحمد الله) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما بلغه ذلك (ثم أثنى) ولأبي ذر في نسخة: وأثنى (عليه) تعالى بما هو أهله (ثم قال): (أما بعد) أي: بعد حمد الله والثناء عليه. (فوالله إني لأعطي) بلام بعدها همزة مضمومة ثم عين ساكنة ثم طاء مكسورة، بلفظ المتكلم، لا بلفظ المجهول من الماضي، ولابن عساكر: إني أعطي (الرجل، وأدع الرجل) الآخر فلا أعطيه، (والذي أدع أحبّ إليّ من الذي أعطي)، عائد الموصول محذوف، (ولكن)، ولأبي الوقت، والأصيلي، وابن عساكر، وأبي ذر، عن الكشميهني: ولكني (أعطي أقوامًا لما أرى) من نظر القلب، لا من نظر العين، (في قلوبهم من الجزع)، بالتحريك، ضدّ: الصبر (والهلع) بالتحريك أيضًا: أفحش الفزع (وأكِل أقوامًا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى) النفسي (والخير) الجبلي الداعي إلى الصبر والتعفّف عن المسألة والشره (فيهم: عمرو بن تغلب). قال عمرو: (فوالله، ما أحب أن لي بكلمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، الباء في: بكلمة، للبدل، وتسمى: باء المقابلة. أي: ما أحب أن لي بدل كلمته عليه الصلاة والسلام (حمر النعم) بضم الحاء المهملة وتسكين الميم، وكيف لا {وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 17]. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث والعنعنة والسماع والقول، وهو من أفراده، وأخرجه أيضًا في الخمس، وفي: التوحيد. ووقع في بعض الأصول هنا زيادة ساقطة في رواية أبوي ذر والوقت، والأصيلي وابن عساكر، وهي: (تابعه يونس) أي ابن عبيد بن دينار العبدي البصري، فيما وصله أبو نعيم، في مسند يونس بن عبيد له، بإسناده عن الحسن، عن عمرو بن تغلب. 924 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ، فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّوْا مَعَهُ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ. فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ. فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَىَّ مَكَانُكُمْ، لَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا». تَابَعَهُ يُونُسُ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة (قال: حدّثنا الليث) بن سعد (عن عقيل) بضم العين، هو ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (أن عائشة) رضي الله تعالى عنها (أخبرته أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج ذات ليلة) ولأبي ذر وابن عساكر: خرج ليلة، فأسقط لفظ ذات (من جوف الليل، فصلّى في المسجد، فصلّى رجال بصلاته) مقتدين بها. (فأصبح الناس) أي دخلوا في الصباح فأصبح تامة غير محتاجة لخبر (فتحدثوا) بذلك، ولأحمد من رواية ابن جريج عن ابن شهاب: فلما أصبح تحدثوا أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى في المسجد من جوف الليل، (فاجتمع) في الليلة الثانية (أكثر منهم) برفع أكثر فاعل اجتمع وقول الكرماني بالنصب، وفاعل اجتمع ضمير الناس، تعقبه البرماوى بأن ضمير الجمع يجب بروزه، (فصلوا معه) عليه الصلاة والسلام. (فأصبح الناس فتحدثوا) بذلك (فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إليهم وصلّى (فصلوا بصلاته) مقتدين بها (فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله) فلم يأتهم، (حتى خرج) عليه الصلاة والسلام (لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر، أقبل على الناس) بوجهه الكريم، (فتشهد) في صدر الخطبة (ثم قال): (أما بعد فإنه لم يخف عليّ مكأنكم، لكني خشيت أن تفرض عليكم) صلاة الليل (فتعجزوا عنها) بجيم مكسورة مضارع عجز بفتحها، أي فتتركوها مع القدرة. وليس المراد العجز الكلي، فإنه يسقط التكليف من أصله. وزاد ابن عساكر هنا: قال أبو عبد الله، أي البخاري: (تابعه) أي عقيلاً (يونس) بن يزيد الأيلي، فرواه عن ابن شهاب مما وصله مسلم. 925 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: "أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلاَةِ فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ". تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَأَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ". تَابَعَهُ الْعَدَنِيُّ عَنْ سُفْيَانَ فِي "أَمَّا بَعْدُ". [الحديث 925 - أطرافه في: 1500، 2597، 6636، 6979، 7174، 7197]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان)، الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري، قال: أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (عن أبي حميد) عبد الرحمن (الساعدي أنه أخبره أن رسول الله

30 - باب القعدة بين الخطبتين يوم الجمعة

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قام عشية بعد الصلاة، فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال): (أما بعد) ... كذا ساقه هنا مختصرًا، وفي الإيمان والنذور مطوّلاً، وفيه قصة ابن اللتبية لما استعمله عليه الصلاة والسلام على الصدقة، فقال: هذا لي، وهذا لكم. فقام عليه الصلاة والسلام على المنبر، فقال: "أما بعد ... " إلخ. وأخرجه مسلم في المغازي، وأبو داود في الخراج. (تابعه) أي: الزهري (أبو معاوية) محمد بن خازم، بالخاء والزاي المعجمة، الضرير الكوفي، مما وصله مسلم في المغازي، (وأبو أسامة) حماد بن أسامة، مما وصله مسلم أيضًا، والمؤلّف باختصار في الزكاة، (عن هشام) هو ابن عروة (عن أبيه) عروة، (عن أبي حميد) ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي زيادة: الساعدي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (أما بعد). (تابعه العدني) محمد بن يحيى (عن سفيان) بن عيينة (في) قوله: (أما بعد). فقط، لا في تمام الحديث. وسقط: في أما بعد، عند أبي ذر والأصيلي. 926 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: "قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ". تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ. [الحديث 926 - أطرافه في: 3110، 3714، 3729، 3767، 5230، 5278]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: حدّثني) بالإفراد (علي بن حسين) بضم الحاء، ولأبي ذر: ابن الحسين، أي: ابن علي بن أبي طالب، الملقب: بزين العابدين، المتوفى سنة أربع وتسعين، (عن المسور بن مخرمة) بكسر الميم ثم مهملة في الأول، وفتحها ثم معجمة ساكنة فراء مفتوحة في الثاني، (قال: قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فسمعته حين تشهد يقول): (أما بعد) ... هو طرف من حديث المسور، في قصة خطبة علي بن أبي طالب بنت أبي جهل، الآتي إن شاء الله تعالى؛ في: المناقب، مع مباحثه. (تابعه الزبيدي) بضم الزاي مصغرًا، محمد بن الوليد (عن) ابن شهاب (الزهري)، فيما وصله الطبراني في مسند الشاميين. 927 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْغَسِيلِ قَالَ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "صَعِدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمِنْبَرَ وَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ مُتَعَطِّفًا مِلْحَفَةً عَلَى مَنْكِبَيْهِ قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسِمَةٍ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِلَىَّ. فَثَابُوا إِلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ هَذَا الْحَىَّ مِنَ الأَنْصَارِ يَقِلُّونَ وَيَكْثُرُ النَّاسُ. فَمَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَطَاعَ أَنْ يَضُرَّ فِيهِ أَحَدًا أَوْ يَنْفَعَ فِيهِ أَحَدًا فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئهِمْ". [الحديث 927 - طرفاه في: 3628، 3800]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة وبعد الألف نون، الوراق الأزدي الكوفي (قال: حدّثنا ابن الغسيل) بفتح المعجمة، عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة، غسيل الملائكة، لما استشهد بأحد جنبًا، (قال: حدّثنا عكرمة) مولى ابن عباس، (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال): (صعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المنبر، وكان) ذلك (آخر مجلس جلسه، متعطفًا) مرتديًا (ملحفة) بكسر الميم وسكون اللام وفتح الحاء، إزارًا كبيرًا (على منكبيه) بفتح الميم وكسر الكاف مع التثنية، وللأصيلي، وأبوي ذر والوقت: منكبه بالإفراد، (قد عصب رأسه) بتخفيف الصاد، أي: ربطها (بعصابة) أي: بعمامة (دسمة) بفتح أوله وكسر السين المهملة، سوداء أو كلون الدسم، كالزيت من غير أن يخالطها دسم، أو متغيرة اللون من الطيب والغالية، (فحمد الله) تعالى (وأثنى عليه، ثم قال): (أيها الناس)، تقربوا (إلي) (فثابوا) بالمثلثة بعد الفاء وبموحدة بعد الألف، أي اجتمعوا (إليه، ثم قال): (أما بعد، فإن هذا الحي من الأنصار) الذين نصروه عليه الصلاة والسلام من أهل المدينة (يقلون) بفتح أوله وكسر ثانيه (ويكثر الناس) هو من إخباره عليه الصلاة والسلام بالمغيبات، فإن الأنصار قلّوا، وكثر الناس كما قال: (فمن ولي شيئًا من أمة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستطاع أن يضرَّ فيه) أي: في الذي وليه (أحدًا أو ينفع فيه أحدًا فليقبل من محسنهم) الحسنة (ويتجاوز) بالجزم، عطفًا على السابق. أي: يعف (عن مسيئهم) أي: السيئة، أي: في غير الحدود. ومسيئهم بالهمز، وقد تبدل ياء مشددة. وشيخ المؤلّف من أفراده، وهو كوفي، وبقية الرواة مدنيون، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في: علامات النبوة، وفضائل الأنصار. 30 - باب الْقَعْدَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ 928 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا". (باب) حكم (القعدة) الكائنة (بين الخطبتين يوم الجمعة). وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدثنا بشر بن المفضل) الرقاشي البصري (قال: حدّثنا عبيد الله بن عمر) بضم العين فيهما، وسقط في غير رواية الأصيلي وأبي ذر: ابن عمر، (عن نافع، عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما، وسقط لغير الأصيلي وأبي ذر، وابن عساكر: ابن عمر رضي الله عنهما، (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب خطبتين يقعد بينهما). استدلّ به الشافعية على

31 - باب الاستماع إلى الخطبة

وجوب الجلوس بين الخطبتين لمواظبته عليه الصلاة والسلام على ذلك، مع قوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي". وتعقبه ابن دقيق العيد بأن ذلك يتوقف على ثبوت أن إقامة الخطبتين داخلة تحت كيفية الصلاة، وإلا فهو استدلال بمجرد الفعل. انتهى. فهو أصل لا يتناول الخطبة، لأنها ليست بصلاة حقيقة. وعورض أيضًا الاستدلال للوجوب بمواظبته عليه، بأنه عليه الصلاة والسلام قد واظب على الجلوس قبل الخطبة الأولى، فإن كانت مواظبته دليلاً على شرطية الجلسة بينهما، فلتكن دليلاً على شرطية الجلسة الأولى. وأجيب: بأن كل الروايات عن ابن عمر ليس فيها هذه الجلسة الأولى. وهي من رواية عبد الله بن عمر المضعف، فلم تثبت المواظبة عليها بخلاف التي بين الخطبتين. ولم يشترط الحنفية والمالكية والحنابلة هذه القعدة، إنما قالوا بسنيتها للفصل بين الخطبتين. نعم، نقل الحافظ العراقي في شرح الترمذي اشتراطها عن مشهور مذهب أحمد، وقال المازري، من المالكية: يشترط القيام لهما والجلوس بينهما. وقال القاضي أبو بكر: القيام والجلوس واجبان، وهو يرد على الطحاوي حيث زعم أن الشافعي تفرّد بالاشتراط. لكن الذي شهره الشيخ خليل السنيّة، وكذا مشهر مذهب الحنابلة علاي الدين المرداوي في تنقيح المقنع، والله أعلم. ويستحب أن يكون جلوسه بينهما قدر سورة الإخلاص تقريبًا، لاتباع السلف والخلف، وأن يقرأ فيه شيئًا من كتاب الله للاتباع، رواه ابن حبّان. 31 - باب الاِسْتِمَاعِ إِلَى الْخُطْبَةِ (باب الاستماع) أي، الإصغاء (إلى الخطبة) يوم الجمعة. 929 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَقَفَتِ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ. وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَالَّذِي يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَبْشًا، ثُمَّ دَجَاجَةً، ثُمَّ بَيْضَةً. فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ طَوَوْا صُحُفَهُمْ وَيَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ». [الحديث 929 - طرفه في: 3211]. وبالسند، قال: (حدّثنا آدم) بن أبي أياس (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن) ابن شهاب (الزهري، عن أبي عبد الله) سلمان الجهني، مولاهم، (الأغرّ) لقبًا، الأصبهاني أصلاً، المدني (عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأوّل فالأوّل) قال في المصابيح: نصب على الحال، وجاءت معرفة وهو قليل (ومثل المهجر) بضم الميم وتشديد الجيم المكسورة أي، وصفة المبكر، أو المراد: الذي يأتي في الهاجرة، فيكون دليلاً للمالكية، وسبق البحث فيه، (كمثل الذي يهدي) بضم أوله وكسر ثالثه أي: يقرّب، وللأصيلي: كالذي يهدي (بدنة) من الإبل، خبر عن قوله مثل الهجر، والكاف لتشبيه صفة بصفة أخرى (ثم) الثاني (كالذي يهدي بقرة، ثم) الثالث كالذي يهدي (كبشًا، ثم) الرابع كالذي يهدي (دجاجة، ثم) الخامس كالذي يهدي (بيضة). إنما قدرنا بالثاني لأنه كما قال في المصابيح: لا يصح العطف على الخبر لئلا يقعا معًا خبرًا عن واحد، وهو مستحيل، وحينئذ فهو خبر مبتدأ محذوف مقدّر بما مر، وكذا قوله: ثم كبشًا، لا يكون معطوفًا على بقرة، لأن المعنى يأباه، بل هو معمول فعل محذوف دلّ عليه التقدم، والتقدير كما مر، ثم الثالث: كالذي يهدي كبشًا، وكذا ما بعده. (فإذا خرج الإمام طوَوْا) أي الملائكة، (صحفهم) التي كتبوا فيها درجات السابقين على من يليهم في الفضيلة، (ويستمعون الذكر) أي الخطبة. وأتى بصيغة المضارع لاستحضار صورة الحال اعتناءً بهذه المرتبة، وحملاً على الاقتداء بالملائكة. وهذا موضع الاستشهاد على الترجمة. قال التيمي: في استماع الملائكة حضّ على استماعها والإنصات إليها. وقد ذكر كثير من المفسرين أن قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] ورد في الخطبة، وسميت قرآنًا لاشتمالها عليه، والإنصات: السكوت، والاستماع: شغل السمع بالسماع، فبينهما عموم وخصوص من وجه. واختلف العلماء في هذه المسألة، فعند الشافعية، يكره الكلام حال الخطبة من ابتدائها لظاهر الآية، وحديث مسلم عن أبي هريرة: "إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة، والإمام يخطب، فقد لغوت". ولا يحرم، للأحاديث الدالّة على ذلك، كحديث أنس المروي في في الصحيحين: بينما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب يوم الجمعة، قام أعرابي، فقال: يا رسول الله، هلك المال، وجاع العيال، فادعُ الله لنا، فرفع يديه ودعا. وحديث أنس أيضًا، المروي بسند صحيح عند البيهقي: أن رجلاً دخل والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب يوم الجمعة، فقال: متى الساعة؟ فأومأ

32 - باب إذا رأى الإمام رجلا جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين

الناس إليه بالسكوت فلم يقبل، وأعاد الكلام، فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في الثالثة: "ما أعددت لها"؟ قال: حبّ الله وحب رسوله. قال: "إنك مع مَن أحببت". وجه الدلالة منه أنه لم ينكر عليه الكلام، ولم يبين له وجه السكوت. والأمر في الآية للندب، ومعنى: لغوت، تركت الأدب، جمعًا بين الأدلة. وقال أبو حنيفة: وخروج الإمام قاطع للصلاة والكلام، وأجاز صاحباه إلى كلام الإمام له، قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا خرج الإمام لا صلاة ولا كلام". ولهما، قوله عليه الصلاة والسلام: "خروج الإمام يقطع الصلاة، وكلامه يقطع الكلام". وقال المالكية والحنابلة أيضًا بالمنع، لحديث: إذا قلت لصاحبك أنصت. وأجابوا عن حديث أنس السابق، وما في معناه، بأنه غير محل النزاع، لأن محل النزاع الإنصات والإمام يخطب، وأما سؤال الإمام وجوابه فهو قاطع لكلامه، فيخرج عن ذلك. وقد بنى بعضهم القولين على الخلاف في أن الخطبتين بدل عن الركعتين، وبه صرّح الحنابلة، وعزوه لنص إمامهم، أو هي صلاة على خيالها، لقول عمر رضي الله عنه: الجمعة ركعتان، تمام غير قصر، على لسان نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد خاب من افترى. رواه الإمام أحمد وغيره، وهو: حديث حسن كما قاله في المجموع. فعلى الأول يحرم لا على الثاني. ومن ثم، أطلق من أطلق منهم إباحة الكلام ولو كان به صمم، أو بعد عن الإمام بحيث لا يسمع. قال المالكية: يحرم عليه أيضًا لعموم وجوب الإنصات، ولما روي عن عثمان، رضي الله عنه، من كان قريبًا استمع وأنصت، ومن كان بعيدًا افترى. وقال الحنفية، الأحوط السكوت. وأما الكلام قبل الخطبة وبعدها، وفي جلوسه بينهما، وللداخل في أثنائها ما لم يجلس، فعند الشافعية والحنابلة وأبي يوسف: يجوز من غير كراهة. وقال المالكية: يحرم في جلوسه بينهما، لا في جلوسه قبل الشروع فيها، ولو سلم داخل على مستمع الخطبة وجب الرد عليه، بناء على أن الإنصات سُنّة، كما سبق. وصرّح في المجموع وغيره مع ذلك بكراهة السلام، ونقلها عن النص وغيره. لكن إذا قلنا: لا يشرع السلام فكيف يجب الرد؟ وفي المدوّنة: لا يسلم الداخل، وإن سلم فلا يردّ عليه لأنه سكوت واجب، فلا يقطع بسلام ولا رده كالسكوت في الصلاة، وكذا قال الحنفية. 32 - باب إِذَا رَأَى الإِمَامُ رَجُلاً جَاءَ وَهْوَ يَخْطُبُ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ هذا (باب) بالتنوين (إذا رأى الإمام رجلاً جاء) في محل نصب صفة، لرجلاً، (وهو يخطب) جملة اسمية حالية وجواب، إذا، (أمره أن يصلّي) أي بأن يصلّي، وأن مصدرية، أي أمره بصلاة (ركعتين). 930 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ يَا فُلاَنُ؟ قَالَ لاَ. قَالَ: قُمْ فَارْكَعْ". [الحديث 930 - طرفاه في: 931، 1166]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي (قال: حدّثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله) الأنصاري، وسقط في رواية ابن عساكر: ابن عبد الله، (قال: جاء رجل) هو: سليك، بضم السين المهملة وفتح اللام وسكون المثناة التحتية وبالكاف الغطفاني، بفتحات (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب الناس يوم الجمعة) سقط لفظ الناس، عند أبي ذر، وثبت عنده: لأبي الهيثم، في نسخة، وزاد مسلم، عن الليث، عن أبي الزبير عن جابر، فقعد سليك قبل أن يصلّي (فقال) له عليه الصلاة والسلام. (أصليت) بهمزة الاستفهام، ولأبي ذر والأصيلي، وابن عساكر. فقال: صليت (يا فلان)؟ (قال) ولأبي ذر فقال: (لا. قال): (قم فاركع). زاد المستملي والأصيلي ركعتين. وزاد في رواية الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر عند مسلم، وتجوز فيهما. ثم قال: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوّز فيهما". واستدلّ به الشافعية والحنابلة على أن الداخل للمسجد والخطيب يخطب على المنبر، يندب له صلاة تحية المسجد، لا في آخر الخطبة، ويخففها وجوبًا ليسمع الخطبة. قال الزركشي: والمراد بالتخفيف، فيما ذكر، الاقتصار على الواجبات، لا الإسراع. قال: ويدل له ما ذكروه من أنه إذا ضاق الوقت، وأراد الوضوء اقتصر على الواجبات. اهـ. ومنع منهما المالكية والحنفية لحديث ابن ماجة أنه عليه الصلاة والسلام قال للذي دخل المسجد يتخطى رقاب الناس: "أجلس فقد آذيت". وأجابوا عن قصة سليك: بأنها واقعة عين لا عموم لها، فتختص بسليك؛ ويؤيد ذلك حديث أبي سعيد، المروي في السنن، أنه عليه الصلاة والسلام قال له: "صل ركعتين". وحض على

33 - باب من جاء والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين

الصدقة، الحديث، فأمره أن يصلّي ليراه بعض الناس وهو قائم، فيتصدق عليه. ولأحمد: إن هذا الرجل دخل المسجد، في هيئة بزة، فأمرته أن يصلّي ركعتين، وأنا أرجو أن يتفطن له رجل فيتصدق عليه، وبأن تحية المسجد تفوت بالجلوس. وأجيب، بأن الأصل عدم الخصوصية، والتعليل بقصد التصدق عليه لا يمنع القول بجواز التحية. وقد ورد ما يدل لعدم الانحصار في قصد التصدّق، وهو أنه عليه الصلاة والسلام أمره بالصلاة في الجمعة الثانية بعد أن حصل له في الأولى ثوبين، فدخل في الثاني، فتصدّق بأحدهما، فنهاه عليه الصلاة والسلام عن ذلك، بل عند أحمد وابن حبان أنه كرّر أمره بالصلاة ثلاث جمع، وبأن التحية لا تفوت بالجلوس في حق الجاهل أو الناسي، فحال هذا الرجل الداخل محمولة في الأولى على أحدهما، وفي الأخرى على النسيان. وبأن قوله للذي يتخطى رقاب الناس. "أجلس" أي: لا تتخطّ. أو ترك أمره بالتحية لبيان الجواز، فإنها ليست واجبة، أو لكون دخوله وقع في آخر الخطبة بحيث ضاق الوقت عن التحية، أو كان قد صلّى التحية في مؤخر المسجد، ثم تقدم ليقرب من سماع الخطبة، فوقع منه التخطّي، فأنكر عليه. 33 - باب مَنْ جَاءَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ (باب مَن جاء والإمام يخطب) جملة حالية، و: مَنْ. في موضع رفع مبتدأ، وخبره قوله: (صلى ركعتين خفيفتين). 931 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرًا قَالَ: "دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ". وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو: ابن دينار، أنه (سمع جابرًا) هو ابن عبد الله الأنصاري (قال دخل رجل يوم الجمعة والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب، فقال) له: (أصليت)؟ بهمزة الاستفهام ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر، عن الحموي والكشميهني، فقال: صليت؟ (قال: لا. قال): (فصلِّ). ولأبي ذر: ثم فصلِّ (ركعتين). مطابقته للترجمة ظاهرة، لكن ليس فيه التقييد بكونهما خفيفتين. نعم، جرى البخاري على عادته في الإشارة إلى بعض طرق الحديث فقد أخرجه في السُّنن من طريق أبي قرة، عن الثوري، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، بلفظ: "قم فاركع ركعتين خفيفتين". وعند مسلف "فيتجوّز فيهما"، كما مر. تنبيه: لو جاء في آخر الخطبة فلا يصلّي لئلا يفوته أوّل الجمعة مع الإمام. قال في المجموع: وهذا محمول على تفصيل ذكره المحققون من أنه إن غلب على ظنه أنه إن صلاها فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام، لم يصلِّ التحية، بل يقف حتى تُقام الصلاة، ولا يقعد لئلا يكون جالسًا في المسجد قبل التحية. قال ابن الرفعة: ولو صلاّها في هذه الحالة استحب للإمام أن يزيد في كلام الخطبة بقدر ما يكملها، فإن لم يفعل الإمام ذلك، قال في الأم: كرهته له، فإن صلاها وقد أقيمت الصلاة، كرهت ذلك له. اهـ. 34 - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْخُطْبَةِ. (باب رفع اليدين في الخطبة). 932 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ يُونُسَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "بَيْنَمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَهَلَكَ الشَّاءُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا. فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا". [الحديث 932 - أطرافه في: 933، 1013، 1014، 1015، 1016، 1017، 1018، 1019، 1021، 1029، 1033، 3582، 6093، 6342]. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد (قال: حدّثنا حماد بن زيد) بن درهم البصري (عن عبد العزيز) ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي زيادة: ابن صهيب (عن أنس، وعن يونس) بن عبيد، عطف على الإسناد المذكور، أي: وحدّثنا مسدّد أيضًا عن حماد بن زيد، عن يونس، وقد أخرجه أبو داود عن مسدّد أيضًا بالإسنادين معًا (عن ثابت، عن أنس) هو ابن مالك، (قال: بينما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب يوم الجمعة) ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي، يوم جمعة (إذ قام رجل، فقال: يا رسول الله! هلك الكراع) بضم الكاف اسم لما يجمع من الخيل، (وهلك الشاء) بالواو في أوّله، أي: الغنم، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر، هلك الشاء (فادع الله) لنا (أن يسقينا). (فمدَّ) عليه الصلاة والسلام (يديه) بالتثنية، ولأبي ذر، فمدّ يده (ودعا) في الحديث الذي بعده، فرفع يديه، وهو موافق للترجمة، والظاهر أنه أراد أن يبين أن المراد بالرفع هنا المدّ، لا كالرفع الذي في الصلاة. 35 - باب الاِسْتِسْقَاءِ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (باب الاستسقاء) وهو طلب السقيا، بضم السين، أي: المطر (في الخطبة يوم الجمعة). 933 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا. فَرَفَعَ يَدَيْهِ -وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً- فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِنَ الْغَدِ، وَبَعْدَ الْغَدِ، وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى. وَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ -أَوْ قَالَ غَيْرُهُ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا. فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا. فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلاَّ انْفَرَجَتْ، وَصَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ. وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاَّ حَدَّثَ بِالْجَوْدِ". وبالسند قال (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) بن عبد الله بن المنذر الحزامي، بالزاي، الأسدي (قال: حدّثنا أبو الوليد) ولأبي ذر، والأصيلي، الوليد بن مسلم، أي، القرشي الدمشقي (قال: حدّثنا أبو عمرو) بفتح العين، عبد الرحمن، ولأبي ذر، والأصيلي: أبو عمرو الأوزاعي، نسبة إلى الأوزاع، قبائل شتى، أو بطن من ذي الكلاع من اليمن، أو الأوزاع

36 - باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب

قرية بدمشق (قال: حدّثني) بالإفراد (إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال: أصابت الناس سنة) بفتح السين المهملة، أي: شدة وجهد من الجدوبة، (على عهد النبي) أي: زمنه، ولابن عساكر: على عهد رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فبينما النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب في يوم جمعة، قام أعرابي) من سكان البادية، لا يعرف اسمه (فقال: يا رسول الله! هلك المال) الحيوانات، لفقد ما ترعاه (وجاع العيال) لعدم وجود ما يعيشون به من الأقوات المفقودة بحبس المطر (فادع الله لنا) أن يسقينا. (فرفع) عليه الصلاة والسلام (يديه -وما نرى في السماء قزعة-) بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحات، قطعة من سحاب، أو رقيقه الذي إذا مرّ تحت السحاب الكثيرة كان كأنه ظل. قال أنس: (فوالذي نفسي بيده، ما وضعها) أي: يده، ولأبي ذر، والأصيلي، عن الكشميهني: ما وضعهما، أي: يديه (حتى ثار السحاب) بالمثلثة، أي: هاج وانتشر (أمثال الجبال) من كثرته، (ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر) ينحدر، أي: ينزل ويقطر (على لحيته) الشريفة (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فمطرنا) بضم الميم وكسر الطاء، أي: حصل لنا المطر (يومنا) نصب على الظرفية، أي: في يومنا (ذلك، ومن الغد) حرف الجر إما بمعنى في، أو للتبعيض، (وبعد الغد) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: ومن بعد الغد (والذي يليه، حتى الجمعة الأخرى) بالجر في الفرع وأصله، على أن حتى: جارة، ويجوز النصب، عطفًا على سابقه المنصوب، والرفع، على أن مدخولها مبتدأ خبره محذوف. (وقام) بالواو، ولأبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر: فقام (ذلك الأعرابي -أو قال) قام (غيره- فقال: يا رسول الله! تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا). (فرفع) عليه الصلاة والسلام (يده فقال): (اللهمَّ) ولأبي ذر، وابن عساكر: فرفع يديه: اللهم (حوالينا) بفتح اللام أي: أنزل أو أمطر حوالينا (ولا) تنزله (علينا) أراد به الأبنية. (فما يشير) عليه الصلاة والسلام (بيده) الشريفة (إلى ناحية من السحاب إلا انفرجت) إلا انكشفت، أو تدوّرت كما يدوّر جيب القميص. (وصارت المدينة مثل الجوبة) بفتح الجيم وسكون الواو وفتح الموحدة، الفرجة المستديرة في السحاب أي: خرجنا والغيم والسحاب محيطان بأكناف المدينة. (وسال الوادي قناة) بقاف مفتوحة فنون مخففة فألف فهاء تأنيث، مرفوع على البدل، من الوادي غير منصرف للتأنيث والعلمية، إذ هو اسم لوادٍ معين من أودية المدينة، أي: جرى فيه المطر (شهرًا. ولم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود) بفتح الجيم، أي: بالمطر الغزير. ورواة الحديث ما بين: مدني ودمشقي، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وشيخه من أفراده، وأخرجه أيضًا في الاستسقاء والاستئذان، ومسلم والنسائي في الصلاة. 36 - باب الإِنْصَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ وَإِذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَا. وَقَالَ سَلْمَانُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ. (باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب). (وإذا قال) الرجل (لصاحبه) إذا سمعه يتكلم (أنصت) أمر من أنصت ينصت إنصاتًا، أي: اسكت (فقد لغا). قال: اللغو، وهو الكلام الذي لا أصل له، من الأباطيل أو غير ذلك، مما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقوله: إذا قال ... إلخ، من بقية الترجمة، وهو لفظ حديث الباب في بعض طرقه عند النسائي. (وقال سلمان) مما وصله مطوّلاً في باب الدهن للجمعة، فيما سبق (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ينصت) بضم أوّله على الأفصح، مضارع: أنصت، للأصيلي: وينصت، بالواو، أي: يسكت (إذا تكلم الامام). 934 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: أَنْصِتْ -وَالإِمَامُ يَخْطُبُ- فَقَدْ لَغَوْتَ». وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة (قال: حدّثنا الليث) بن سعد (عن عقيل) بضم العين، هو ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة) رضي الله عنه (أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا قلت لصاحبك) الذي تخاطبه إذا ذاك، أو جليسك (يوم الجمعة أنصت -والإمام يخطب-) جملة حالية مُشعِرة بأن ابتداء الإنصات من الشروع في الخطبة: خلافًا لمن قال بخروج الإمام، كما مر. نعم، الأحسن الإنصات كما مر. (فقد لغوت).

37 - باب الساعة التي في يوم الجمعة

أي تركت الأدب جميعًا بين الأدلة، أو صارت جمعتك ظهرًا لحديث عبد الله بن عمرو، مرفوعًا، "ومن تخطى رقاب الناس كانت له ظهرا"، رواه أبو داود، وابن خزيمة. ولأحمد من حديث علّي مرفوعًا: "ومن قال: صه! فقد تكلم، ومن تكلم فلا جمعة له". والنفي للكمال، وإلا فالإجماع على سقوط فرض الوقت عنه، وزاد أحمد من رواية الأعرج، عن أبي هريرة، في آخر حديث الباب بعد قوله: "فقد لغوت" "عليك بنفسك". واستدلّ به على منع جميع أنواع الكلام حال الخطبة، وبه قال الجمهور. نعم، لغير السامع عند الشافعية أن يشتغل بالتلاوة والذكر، وكلام المجموع يقتضي أن الاشتغال بهما أولى، وهو ظاهر خلافًا لمن منع، كما مر، ولو عرض مهم ناجز: كتعليم خير، ونهي عن منكر، وتحذير إنسان عقربًا، أو أعمى بئرًا، لم يمنع من الكلام، بل قد يجب عليه. لكن يستحب أن يقتصر على الإشارة إن أغنت. نعم، منع المالكية نهي اللاغي بالكلام، أو رميه بالحصى: أو الإشارة إليه بما يفهم النهي حسمًا للمادة، وقد استثني من الإنصات ما إذا انتهى الخطيب إلى كل ما لم يشرع في الخطبة، كالدعاء للسلطان مثلاً. وبقية مباحث ذلك سبقت قريبًا في باب: الاستماع إلى الخطبة. 37 - باب السَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ (باب الساعة التي) يستجاب فيها الدعاء (في يوم الجمعة). 935 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: «فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ». وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا. [الحديث 935 - طرفاه 5294، 6400]. وبالسند قال. (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ذكر يوم الجمعة فقال): (فيه ساعة) أبهمها هنا كليلة القدر، والاسم الأعظم، والرجل الصالح، حتى تتوفر الدواعي على مراقبة ذلك اليوم. وقد روي: "إن لربكم في أيام دهركم نفحات، ألا فتعرضوا لها"، ويوم الجمعة من جملة تلك الأيام، فينبغي أن يكون العبد في جميع نهاره متعرضًا لها بإحضار القلب، وملازمة الذكر والدعاء، والنزوع عن وساوس الدنيا، فعساه يحظى بشيء من تلك النفحات. وهل هذه الساعة باقية أو رفعت؟ وإذا قلنا بأنها باقية، وهو الصحيح، فهل هي في جمعة واحدة من السنة؟ أو في كل جمعة منها؟ قال بالأول كعب الأحبار لأبي هريرة، وردّه عليه فرجع لما راجع التوراة إليه. والجمهور على وجودها في كل جمعة. ووقع تعيينها في أحاديث كثيرة: أرجحها حديث مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، مرفوعًا: "أنها ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة". رواه مسلم وأبو داود. وقول عبد الله بن سلام، المروي عند مالك، وأبي داود والترمذي والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان، من حديث أبي هريرة أنه قال لعبد الله بن سلام: أخبرني ولا تضنّ. فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة في يوم الجمعة. قال أبو هريرة: فقلت: كيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة وقد قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلّي ... " وتلك الساعة لا يصلّى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من جلس مجلسًا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلّي ... " الحديث. واختلف أيّ الحديثين أرجح؟ فرجح مسلم، فيما ذكره البيهقي، حديث أبي موسى، وبه قال جماعة منهم ابن العربي، والقرطبي، وقال: هو نص في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره، وجزم في الروضة بأنه الصواب. ورجحه بعضهم أيضًا بكونه مرفوعًا صريحًا، وبأنه في أحد الصحيحين. وتعقب بأن الرجيح بما فيهما، أو في أحدهما، إنما هو حيث لم يكن مما انتقده الحفاظ، وهذا قد انتقد لأنه أعلّ بالانقطاع والاضطراب، لأن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه، قاله أحمد، عن حماد بن خالد، عن مخرمة نفسه. وقد رواه أبو إسحاق، وواصل الأحدب، ومعاوية بن قرة، وغيرهم عن أبي بردة من قوله، وهؤلاء من الكوفة، وأبو بردة منها أيضًا، فهو أعلم بحديثه من بكير المدني، وهم عدد وهو واحد. ورجح آخرون: كأحمد وإسحاق، قول ابن سلام، واختاره ابن الزملكاني، وحكاه عن نص الشافعي ميلاً إلى: أن هذه رحمة من الله تعالى للقائمين بحق هذا اليوم، فأوان إرسالها عند الفراغ من تمام العمل. وقيل في تعيينها غير ذلك مما يبلغ نحو الأربعين، أضربت

38 - باب إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة فصلاة الإمام ومن بقي جائزة

عنها خوف الإطالة، لا سيما وليست كلها متغايرة، بل كثير منها يمكن اتحاده مع غيره. وما عدا القولين المذكورين موافق لهما. أو لأحدهما، أو ضعيف الإسناد، أو موقوف استند قائله إلى اجتهاد دون توقيف. وحقيقة الساعة المذكورة: جزء من الزمان مخصوص، وتطلق على جزء من اثني عشر من مجموع النهار، أو على جزء مقدّر من الزمان فلا يتحقق، أو على الوقت الحاضر. ووقع في حديث جابر، المروي عند أبي داود وغيره مرفوعًا بإسناد حسن، ما يدل للأوّل، ولفظه: "يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة، فيه ساعة ... إلخ". (لا يوافقها) أي لا يصادفها (عبد مسلم) قصدها أو اتفق له وقوع الدعاء فيها (وهو قائم) جملة اسمية حالية، (يصلّي) جملة فعلية حالية. والجملة الأولى خرجت مخرج الغالب، لأن الغالب في المصلي أن يكون قائمًا، فلا يعمل بمفهومها. وهو أنه لم يكن قائمًا لا يكون له هذا الحكم: أو المراد بالصلاة: انتظارها، أو الدعاء. وبالقيام: الملازمة والمواظبة، لا حقيقة القيام، لأن منتظر الصلاة في حكم الصلاة، كما مر من قول عبد الله بن سلام لأبي هريرة، جمعًا بينه وبين قوله: إنها من العصر إلى الغروب. ومن ثم، سقط عند أبي مصعب وابن أبي أويس، ومطرف، والتنيسي وقتيبة قوله: قائم يصلّي (يسأل الله تعالى) فها (شيئًا) مما يليق أن يدعو به المسلم، ويسأل فيه ربه تعالى. ولمسلم من رواية محمد بن زياد، عن أبي هريرة، كالمصنف في الطلاق من رواية ابن علقمة، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة: "يسأل الله خيرًا". ولابن ماجة. من حديث أبي أمامة: "ما لم يسأل حرامًا". ولأحمد من حديث سعد بن عبادة: "ما لم يسأل إثمًا أو قطيعة رحم". وقطيعة رحم من جملة الإثم، فهو من عطف الخاص على العام للاهتمام به. (إلاّ أعطاه إياه) (وأشار) في رواية أبي مصعب عن مالك: وأشار رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بيده) الشريفة حال كونه (يقللها) من التقليل، خلاف الكثير. وللمصنف من رواية سلمة بن علقمة المذكورة: ووضع أنملته على بطن الوسطى، أو الخنصر، قلنا: يزهدها. وبيّن أبو مسلم الكجي أن الذي وضع هو: بشر بن الفضل، راوية عن سلمة بن علقمة، وكأنه فسر الإشارة بذلك: وأنها ساعة لطيفة، تنتقل ما بين وسط النهار إلى قرب آخره، وبهذا يحصل الجمع بينه وبين قوله: يزهدها، أي: يقللها. ولمسلم: وهي ساعة خفيفة. فإن قلت: قد سبق حديث "يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة، فيه ساعة ... إلخ "، ومقتضاه أنها غير خفيفة. أجيب: بأنه ليس المراد أنها مستغرقة للوقت المذكور، بل المراد أنها لا تخرج عنه، لأنها لحظة خفيفة، كما مر. وفائدة ذكر الوقت أنها تنتقل فيه، فيكون ابتداء مظنتها ابتداء الخطبة مثلاً، وانتهاؤها وانتهاء الصلاة. واستشكل حصول الإجابة لكل داع بشرطه، مع اختلاف الزمان باختلاف البلاد والمصلي، فيتقدم بعض على بعض، وساعة الإجابة متعلقة بالوقت، فكيف يتفق مع الاختلاف؟ وأجيب: باحتمال أن تكون ساعة الإجابة متعلقة بفعل كل مصلٍّ، كما قيل نظيره في ساعة الكراهة. ولعل هذه فائدة جعل الوقت الممتد مظنة لها، وإن كانت هي خفيفة. قاله في فتح الباري. وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في الجمعة. 38 - باب إِذَا نَفَرَ النَّاسُ عَنِ الإِمَامِ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ فَصَلاَةُ الإِمَامِ وَمَنْ بَقِيَ جَائِزَةٌ (باب) بالتنوين (إذا نفر الناس عن الإمام) أي: خرجوا عن مجلسه، وذهبوا (في صلاة الجمعة، فصلاة الإمام و) صلاة (من بقي) معه (جائزة) بالرفع، خبر المبتدأ الذي هو: فصلاة الإمام، وللأصيلي: تامّة. وظاهر الترجمة أنه يشترط استدامة من تنعقد بهم الجمعة من ابتدائها إلى انتهائها، بل يشترط بقاء بقية ما منهم، ولم يذكر المؤلّف رحمه الله حديثًا يستدل به على عدد مَن تنعقد بهم الجمعة، لأنه لم يجد فيه شيئًا على شرطه. ومذهب الشافعية والحنابلة اشتراط أربعين، منهم الإمام، وأن يكونوا مسلمين أحرارًا متوطنين ببلد الجمعة، لا يظعنون شتاءً ولا صيفًا إلاّ لحاجة، لحديث كعب بن مالك، قال: "أوّل من جمع بنا في المدينة أسعد بن زرارة، قبل مقدمه عليه الصلاة والسلام المدينة، في نقيع الخضمات، وكنا أربعين رجلاً". رواه البيهقي وغيره، وصححوه. وروى البيهقي أيضًا: أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، جمع بالمدينة وكانوا أربعين رجلاً. وعورض بأنه لا يدل على شرطيته. وأجيب بما قاله في المجموع،

وهو: أن الأصحاب قالوا: وجه الدلالة منه، أي من حديث كعب، أن الأمة أجمعوا على اشتراط العدد، والأصل الظهر، فلا تصح الجمعة إلا بعدد ثبت فيه توقيف، وقد ثبت جوازها بأربعين، وثبت: "صلوا كما رأيتموني أصلي". ولم تثبت صلاته لها بأقل من ذلك، فلا تجوز بأقل منه. وقال المالكية: اثني عشر. لحديث الباب. وقال أبو حنيفة ومحمد: أربعة بالإمام، لأن الجمع الصحيح إنما هو الثلاث، لأنه جمع تسمية ومعنى، والجماعة شرط على حدة، وكذا الإمام فلا يعتبر منهم. وقال أبو يوسف: ثلاثة به، لأن في الاثنين معنى الاجتماع وهي منبئة عنه. اهـ. 936 - حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا، فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}. [الحديث 936 - أطرافه في: 2058، 2064، 4899]. وبالسند قال: (حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين، ابن المهلب، الأزدي البغدادي الكوفي الأصل، المتوفّى ببغداد سنة أربع عشرة ومائتين، (قال: حدّثنا زائدة) بن قدامة الكوفي (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن عبد الرحمن الواسطي، (عن سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين، رافع الكوفي (قال: حدّثنا جابر بن عبد الله) الأنصاري (قال: بينما) بالميم، وفي نسخة لأبي ذر: بينا (نحن نصلي) أي الجمعة (مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). المراد بالصلاة هنا: انتظارها، جمعًا بينه وبين رواية عبد الله بن إدريس، عن حصين عند مسلم: ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب، فهو من باب: تسمية الشيء باسم ما قاربه، وهذا أليف بالصحابة تحسينًا للظن بهم. سلمنا أنه كان في الصلاة، لكن يحتمل أنه وقع قبل النهي. نعم، في المراسيل لأبي داود، عن مقاتل بن حيان: أن الصلاة حينئذ كانت قبل الخطبة، فإذا ثبت زال الإشكال. لكنه مع شذوذه معضل. وجواب بينما قوله: (إذ أقبلت عير) بكسر العين، إبل (تحمل طعامًا) من الشام لدحية الكلبي، أو لعبد الرحمن بن عوف: روى الأوّل الطبراني، والثاني ابن مردويه، وجمع بينهما باحتمال أن تكون لعبد الرحمن، ودحية سفير، أو كانا مشتركين (فالتفتوا إليها) أي انصرفوا إلى العير، وفي رواية ابن فضيل في البيوع: فانفضّ الناس، أي فتفرقوا، وهو موافق للفظ الآية، (حتى ما بقي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا اثنا عشر رجلاً) في رواية علي بن عاصم. عن حصين: حتى لم يبق معه إلا أربعون رجلاً. رواه الدارقطني. ولو سلم من ضعف حفظ علي بن عاصم وتفرده، فإنه خالفه أصحاب حصين كلهم، لكان من أقوى الأدلة للشافعية. وردّ المالكية على الشافعية والحنابلة، حيث اشترطوا لصحة الجمعة أربعين رجلاً، بقوله في حديث الباب: حتى ما بقي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا اثنا عشر رجلاً: وأجيب: بأنه ليس فيه أنه ابتدأها باثني عشر، بل يحتمل عودهم قبل طول الزمان، أو عود غيرهم مع سماعهم أركان الخطبة. وقد اختلف فيما إذا انفضوا، فقال الشافعية والحنابلة: لو انفض الأربعون أو بعضهم في أثناء الخطبة، أو بينها وبين الصلاة، أو في الركعة الأولى ولم يعودوا، أو عادوا بعد طول الفصل، استأنف الإمام الخطبة والصلاة. ولو انفض السامعون للخطبة بعد إحرام تسعة وثلاثين لم يسمعوا الخطبة، أتم بهم الجمعة، لأنهم إذا لحقوا والعدد تام، صار حكمهم واحدًا، فسقط عنهم سماع الخطبة، أو انفضوا قبل إحرامهم استأنف الخطبة بهم، لأنه لا تصح الجمعة بدونها، وإن قصر الفضل لانتفاء سماعهم ولحوقهم. وقال أبو حنيفة: إذا نفر الناس قبل أن يركع الإمام ويسجد إلا النساء، استقبل الظهر. وقال صاحباه: إذا نفروا عنه بعدما افتتح الصلاة، صلّى الجمعة. وإن نفروا عنه بعدما ركع وسجد سجدة، بنى على الجمعة في قولهم جميعًا، خلافًا لزفر. وقال المالكية: إن انفضوا بحيث لا يبقى مع الإمام أحد، فلا تصح الجمعة، وإن بقي معه اثنا عشر صحت، ويتم بهم جمعة إذا بقوا إلى السلام، فلو انفض منهم شيء قبل السلام بطلت. (فنزلت هذه الآية {وإذا رأوا تجارة أو لهوًا} هو الطبل الذي كان يضرب لقدوم التجارة فرحًا بقدومها وإعلامًا ({انفضوا إليها وتركوك قائمًا}). لم يقل: إليهما، لأن اللهو لم يكن مقصودًا لذاته، وإنما كان تبعًا للتجارة، أو حذف لدلالة أحدها على الآخر. أي: وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها وإذا رأوا لهوًا انفضوا إليه. أو أُعيد الضمير إلى مصدر الفعل المتقدم وهو الرؤية، أي: انفضوا إلى

39 - باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها

الرؤية الواقعة على التجارة أو اللهو. والترديد للدلالة على أن منهم من انفض لمجرد سماع الطبل ورؤيته. وقد استشكل الأصيلي حديث الباب، مع وصفه تعالى الصحابة بأنهم {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37] وأجاب باحتمال أن يكون هذا الحديث قبل نزول الآية. قال في فتح الباري: وهذا الذي يتعين المسير إليه مع أنه ليس في آية النور، التصريح بنزولها في الصحابة، وعلى تقدير ذلك، فلم يكن تقدّم لهم نهي عن ذلك، فلما نزلت آية الجمعة وفهموا منها ذمّ ذلك اجتنبوه، فوصفوا بما في آية النور. اهـ. ورواة الحديث ما بين: بغدادي وكوفي وواسطي، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في البيوع، والتفسير، ومسلم في الصلاة، والترمذي في التفسير، وكذا النسائي فيه وفي الصلاة. 39 - باب الصَّلاَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَقَبْلَهَا (باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها) قدم البعد على القبل خلافًا لعادته لورود الحديث في البعد صريحًا دون القبل. 937 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ. وَكَانَ لاَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ". [الحديث 937 - أطرافه في: 1165، 1172، 1180]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما، ولابن عساكر: عن ابن عمر (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كان يصلّي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ركعتين في بيته، وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يصلّي بعد الجمعة حتى ينصرف) من المسجد إلى بيته (فيصلّي) فيه (ركعتين) لأنه لو صلاهما في المسجد ربما يتوهم أنهما اللتان حذفتا. وصلاة النفل في الخلوة أفضل، ولم يذكر شيئًا في الصلاة قبلها، والظاهر أنه قاسها على الظهر. وأقوى ما يستدل به في مشروعيتها، عموم ما صححه ابن حبان من حديث عبد الله بن الزبير، مرفوعًا: "ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان". وأما احتجاج النووي في الخلاصة على إثباتها بما في بعض طرق حديث الباب، عند أبي داود وابن حبّان، من طريق أيوب، عن نافع، قال: كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة، ويصلّي بعدها ركعتين في بيته، ويحدث: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يفعل ذلك. فتعقب بأن قوله: كان يفعل ذلك، عائد على قوله: ويصلّي بعد الجمعة ركعتين في بيته. ويدل له رواية الليث، عن نافع، عن عبد الله: أنه كان إذا صلّى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته. ثم قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصنع ذلك. رواه مسلم. وأما قوله: كان يطيل الصلاة قبل الجمعة، فإن كان المراد بعد دخول الوقت فلا يصح أن يكون مرفوعًا، لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كان يخرج إذا زالت الشمس، فيشتغل بالخطبة، ثم بصلاة الجمعة، وإن كان المراد قبل دخول الوقت، فذاك مطلق نافلة، لا صلاة راتبة، فلا حجة فيه لسُنّة الجمعة التي قبلها، بل هو تنفل مطلق، قاله في الفتح. وينبغي أن يفصل بين الصلاة التي بعد الجمعة وبينها، ولو بنحو كلام أو تحول، لأن معاوية أنكر على من صلّى سُنّة الجمعة في مقامها، وقال له: إذا صليت الجمعة فلا تصلّها بصلاة حتى تخرج؛ أو تتكلم، فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرنا بذلك، أن لا نوصل صلاة بصلاة حتى نخرج أو نتكلم، رواه مسلم. وقال أبو يوسف: يصلّي بعدها ستًّا، وقال أبو حنيفة ومحمد: أربعًا كالتي قبلها، له: أنه عليه الصلاة والسلام، كان يصلّي بعد الجمعة أربعًا، ثم يصلّي ركعتين إذا أراد الانصراف، ولهما، قوله عليه الصلاة والسلام، من شهد منكم الجمعة فليصل أربعًا قبلها، وبعدها أربعًا. رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن عبد الرحمن السهمي، وهو ضعيف عند البخاري وغيره. وقال المالكية: لا يصلّي بعدها في المسجد، لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان ينصرف بعد الجمعة، ولم يركع في المسجد. وقال صاحب تنقيح المقنع، من الحنابلة: ولا سُنّة لجمعة قبلها نصًّا، وما بعدها في كلامه. وحديث الباب أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة. 40 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (باب قول الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة} أي: فرغتم من صلاة الجمعة ({فانتشروا في الأرض}) للتكسب والتصرف في حوائجكم ({وابتغوا من فضل الله}) [لجمعة: 10]. أي: رزقه، أو تعليم العلم. والأمر في الموضعين للإباحة بعد الحظر، وقول: إنه للوجوب في حق من يقدر على الكسب قول شاذ، ووهم من زعم أن الصارف للأمر عن الوجوب، هنا، كونه

ورد بعد الحظر، لأن ذلك لا يستلزم عدم الوجوب، بل الإجماع هو الدال على أن الأمر المذكور للإباحة. والذي يترجح أن في قوله: انتشروا، وابتغوا، إشارة إلى استدراك ما فاتكم من الذي انفضضتم إليه، فلينحل إلى أنها قضية شرطية، أي: من وقع له في حال خطبة الجمعة وصلاتها، زمان يحصل فيه ما يحتاج إليه في أمر دنياه ومعاشه، فلا يقطع العبادة لأجله، بل يفرغ منها، ويذهب حينئذ ليحصل حاجته. وقيل: هو في حق من لا شيء عنده ذلك اليوم، فأمره بالطلب، بأي صورة اتفقت، ليفرح عياله ذلك اليوم لأنه يوم عيد. وعن بعض السلف: من باع أو اشترى بعد الجمعة بارك الله له سبعين مرة. وفي حديث أنس مرفوعًا: {وابتغوا من فضل الله} ليس لطلب دنياكم، وإنما هو عيادة مريض، وحضور جنازة، وزيارة أخ في الله. 938 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: "كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ تَجْعَلُ عَلَى أَرْبِعَاءَ فِي مَزْرَعَةٍ لَهَا سِلْقًا، فَكَانَتْ إِذَا كَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ تَنْزِعُ أُصُولَ السِّلْقِ فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ ثُمَّ تَجْعَلُ عَلَيْهِ قَبْضَةً مِنْ شَعِيرٍ تَطْحَنُهَا فَتَكُونُ أُصُولُ السِّلْقِ عَرْقَهُ. وَكُنَّا نَنْصَرِفُ مِنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا، فَتُقَرِّبُ ذَلِكَ الطَّعَامَ إِلَيْنَا فَنَلْعَقُهُ، وَكُنَّا نَتَمَنَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِطَعَامِهَا ذَلِكَ". [الحديث 938 - أطرافه في: 939، 941، 2349، 5403، 6248، 6279]. وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبوي ذر، والوقت: حدّثني، (سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي، مولاهم، البصري (قال: حدّثنا أبو غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة المثقلة، محمد بن مطر المدني، (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو حازم) بالحاء والزاي، سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) هو ابن مالك الأنصاري الساعدي، وسقط في رواية غير أبي ذر: ابن سعد (قال: كانت فينا امرأة) لم يعرف اسمها (تجعل) بالجيم والعين، ولأبي ذر، والأصيلي، عن الكشميهني: تحقل، بالحاء المهملة والقاف المكسورة، وزاد في اليونينية: وبالفاء، أي: تزرع (على أربعاء) بكسر الموحدة، جدول أو ساقية صغيرة تجري إلى النخل، أو النهر الصغير لسقي الزرع (في مزرعة لها) بفتح الراء، وحكي تثليثها (سلقًا) بكسر المهملة وسكون اللام، منصوب على المفعولية، لتجعل أو تحقل، على الروايتين، ولأبي ذر، وعزاها القاضي عياض للأصيلي، كما في اليونينية: سلق بالرفع. وهو يرد على العيني وغيره، حيث زعم أن الرواية لم تجيء بالرفع بل بالخصب قطعًا، ووجهها عياض كما في الفرع، بأن يكون مفعولاً لم يسم فاعله لتجعل أو تحقل، بضم الأول مبنيًّا للمفعول، أو أن الكلام تم بقوله: في مزرعة، ثم استأنف لها فيكون: سلق، مبتدأ خبره لها مقدم. (فكانت) أي المرأة (إذا كان يوم الجمعة تنزع أصول السلق، فتجعله في قدر، ثم تجعل عليه قبضة من شعير) حال كونها (تطحنها) بفتح الحاء المهملة، من الطحن، والأبي ذر، عن المستملي: تطبخها بالموحدة والخاء المعجمة، من الطبخ. والقبضة، بفتح القاف والضاد المعجمة، بينهما موحدة ساكنة، كما في الفرع، ويجوز الضم أو هو الراجح، قال الجوهري: بالضم، ما قبضت عليه من شيء، يقال: أعطاه قبضة من سويق أو تمر، أو كفًا منه. وربما جاء بالفتح. (فتكون أصول السلق عرفه) بفتح العين وسكون الراء المهملتين بعدها قاف ثم هاء ضمير اللحم الذي على العظم، أي: أصول السلق عوض اللحم، وللكشميهني، كما في الفتح: غرفة بفتح الغين المعجمة وكسر الراء وبعد القاف هاء تأنيث، يعني: أن السلق يغرق في المرق لشدة نضجه، ولأبي الوقت، والأصيلي: غرفه بالغين المعجمة المفتوحة والراء الساكنة وبالفاء، أي: مرقه الذي يغرف. قال الزركشي: وليس بشيء. (وكنا ننصرف من صلاة الجمعة، فنسلم عليها فتقرب ذلك الطعام إلينا، فنلعقه) بفتح العين المهملة (وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك). مطابقة الحديث للترجمة من حيث أنهم: كانوا بعد انصرافهم من الجمعة يبتغون ما كانت تلك المرأة تهيئه من أصول السلق، وهو يدل على قناعة الصحابة وعدم حرصهم على الدنيا، رضي الله عنهم. ورواة هذا الحديث مدنيون، ما عدا شيخ المؤلّف البصري، وفيه التحديث والعنعنة والقول. 939 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ بِهَذَا وَقَالَ: "مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلاَ نَتَغَدَّى إِلاَّ بَعْدَ الْجُمُعَةِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح الميمين القعنبي (قال: حدّثنا ابن أبي حازم) هو عبد العزيز بن أبي حازم، بالحاء المهملة والزاي المعجمة، سلمة بن دينار المدني، (عن أبيه عن سهل) هو ابن سعد الأنصاري (بهذا) أي: بهذا الحديث السابق، فأبو غسان وابن أبي حازم عن أبي حازم. (وقال) عبد العزيز، زيادة على رواية أبي غسان: (ما كنا نقيل) بفتح النون، أي: نستريح نصف النهار (ولا نتغدى) بالغين المعجمة والدال المهملة، أي: نأكل أوّل النهار (إلا بعد) صلاة (الجمعة). وتمسك به الإمام أحمد، لجواز صلاة

41 - باب القائلة بعد الجمعة

الجمعة قبل الزوال. وأجيب: بأن المراد بأن قائلتهم وغداءهم عوض عما فاتهم، فالغداء عما فات من أول النهار، والقيلولة عما فات وقت المبادرة بالجمعة عقب الزوال، بل ادعى الزين بن المنير أنه: يؤخذ منه أن الجمعة تكون بعد الزوال، لأن العادة في القائلة أن تكون قبل الزوال، فأخبر الصحابي: أنهم كانوا يشتغلون بالتهيؤ للجمعة عوض القائلة، ويؤخرون القائلة حتى تكون بعد صلاة الجمعة. اهـ. 41 - باب الْقَائِلَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ (باب القائلة بعد) صلاة (الجمعة) أي القيلولة، وهي الاستراحة في الظهيرة، سواء كان معها نوم أم لا. 940 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: "كُنَّا نُبَكِّرُ إِلَى الْجُمُعَةِ ثُمَّ نَقِيلُ". وبالسند (قال): (حدّثنا محمد بن عقبة) بضم العين وسكون القاف، ابن عبد الله (الشيباني) ولابن عساكر: الكوفي، (قال: حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد (الفزاري) بتخفيف الزاي المعجمة (عن حميد) بضم الحاء، ابن أبي حميد الطويل البصري (قال: سمعت أنسًا يقول) ولأبي ذر: عن أنس قال: (كنا نبكر) من التبكير، وهو الإسراع (إلى الجمعة) وللأصيلي، وابن عساكر، وأبي الوقت، وأبي ذر في نسخة: يوم الجمعة (ثم نقيل) بعد الصلاة. ورواته ما بين كوفي ومصيصي وبصري، وشيخه من أفراده، وفيه: التحديث والعنعنة والقول. 941 - حدثنا سعيدُ بنُ أبي مريمَ قال: حدّثنا أبو غَسّانَ قال: حدَّثني أبو حازم عن سَهلٍ قال: "كنا نُصلِّي معَ النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجُمعةَ، ثم تكونُ القائلة". وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم، قال: حدّثنا أبو غسان. قال: حدّثني) بالإفراد (أبو حازم، عن سهل) ولأبي ذر: عن سهل بن سعد (قال: كنا نصلي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجمعة، ثم تكون القائلة) أي: القيلولة. وهذا الحديث مرّ قريبًا. بسم الله الرحمن الرحيم 12 - كتاب الخوف 1 - باب صَلاَةِ الْخَوْفِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا * وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 101 - 102]. بسم الله الرحمن الرحيم (باب صلاة الخوف) أي كيفيتها من حيث أنه يحتمل في الصلاة عنده، ما لا يحتمل فيها عند غيره. وقد جاءت في كيفيتها سبعة عشر نوعًا، لكن يمكن تداخلها. ومن ثم قال في زاد المعاد: أصولها ست صفات، وبلغها بعضهم أكثر، وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجهًا من فعله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وإنما هو من اختلاف الرواة. قال في فتح الباري: وهذا هو المعتمد. اهـ. والإفراد في باب للأصيلي وكريمة. وفي رواية أبي ذر، عن المستملي، وأبي الوقت: أبواب، بالجمع. وسقط للباقين: (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه، ولأبوي ذر، والوقت: قال الله تعالى ({وإذا ضربتم في الأرض}) سافرتم ({فليس عليكم جناح}) إثم ({أن تقصروا من الصلاة}) بتنصيف ركعاتها. ونفي الحرج فيه يدل على جوازه لا على وجوبه، أنه عليه الصلاة والسلام: أتم في السفر. وأوجبه أبو حنيفة، لقول عمر المروي في النسائي، وابن ماجة، وابن حبان: صلاة السفر ركعتان تام غير قصر، على لسان نبيكم ولقول عائشة، رضي الله عنها، المروي عند الشيخين: أوّل ما فرض الصلاة فرضت ركعتين، فأقرت في السفر وزيدت في الحضر. وأجيب: بأن الأول: مؤول بأنه كالتام في الصحة والإجزاء، والثاني: لا ينفي جواز الزيادة. لكن أكثر السلف على وجوبه. وقال كثير منهم هذه الآية في صلاة الخوف. فالمراد أن تقصروا من جميع الصلوات، بأن تجعلوها ركعة واحدة، أو من كيفيتها، إلا من كميتها، والآية الآتية فيها تبيين وتفصيل لها، كما سيجيء. وسئل ابن عمر، رضي الله عنهما، إنّا نجد في كتاب الله قصر صلاة الخوف، ولا نجد قصر صلاة المسافر فقال ابن عمر: إنّا وجدنا نبينا يعمل فعملنا به. وعلى هذا فقوله ({إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا}) بالقتال بالتعرض لما يكره، شرط له باعتبار الغالب في ذلك الوقت. وإذا لم يعتبر مفهومه، فإن الإجماع على جواز القصر في السفر من غير خوف ({وإن الكافرين كانوا لكم عدوًّا مبينًا وإذا كنت فيهم}) أيها الرسول، علمه طريق صلاة الخوف ليقتدي الأئمة بعده به، عليه الصلاة والسلام ({فأقمت لهم الصلاة}) وتمسك بمفهومه من خص صلاة الخوف بحضرته، عليه الصلاة والسلام، وهو أبو يوسف، والحسن بن زياد اللؤلؤي من أصحابه، وإبراهيم بن علية. وقالوا: ليس هذا لغيره، لأنها إنما شرعت بخلاف القياس لإحراز فضيلة، الصلاة معه، عليه الصلاة والسلام، وهذا المعنى انعدم بعده. وأجيب: بأن عامة الفقهاء على أن الله تعالى علم الرسول كيفيتها ليؤتم به، كما مر. أي: بيّن لهم بفعلك، لكونه أوضح من القول. وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على فعله بعده، عليه الصلاة والسلام، وبقوله عليه الصلاة

والسلام: "صلوا كما رأيتموني أصلي" فعموم منطوقه مقدم على ذلك المفهوم. وادعى المزني نسخها، لتركه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها يوم الخندق. وأجيب: بتأخر نزولها عنه، لأنها نزلت سنة ست، والخندق كان سنة أربع أو خمس. ({فلتقم طائفة منهم معك}) فاجعلهم طائفتين، فلتقم إحداهما معك يصلون، وتقوم الطائفة الأخرى في وجه العدو ({وليأخذوا أسلحتهم}) أي: المصلون، حزمًا. وقيل: الضمير للطائفة الأخرى، وذكر الطائفة الأولى يدل عليهم ({فإذا سجدوا}) يعني: المصلين ({فليكونوا}) أي: غير المصلين ({من ورائكم}) يحرسونكم، يعني: النبي ومن يصلّي معه، فغلب المخاطب على الغائب، ({ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا}) لاشتغالهم بالحراسة ({فليصلوا معك}) ظاهره أن الإمام يصلّي مرتين، بكل طائفة مرة كما فعله عليه الصلاة والسلام ببطن نخل ({وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم}) جعل الحذر، وهو التحرز والتيقظ، آلة يستعملها المغازي، فجمع بينه وبين الأسلحة في الأخذ ({ودّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة}) بالقتال فلا تغفلوا ({ولا جناح}): لا وزر ({عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم}) رخصة لهم في وضعها إذا ثقل عليهم أخذها بسبب مطر أو مرض، وهذا يؤيد أن الأمر للوجوب دون الاستحباب ({خذوا حذركم}) أمرهم مع ذلك بأخذ الحذر كي لا يهجم عليهم العدو ({إن الله أعدّ للكافرين عذابًا مهينًا}) [النساء: 101 - 102] وعد للمؤمنين بالنصر، وإشارة إلى أن الأمر بالحزم ليس لضعفهم وغلبة عدوهم، بل لأن الواجب في الأمور التيقظ. وقد ثبت سياق الآيتين بلفظهما إلى آخر قوله: ({مهينًا}) كما ترى في رواية كريمة، ولفظ رواية أبي ذر ({فلتقم طائفة منهم معك}) إلى قوله: ({عذابًا مهينًا}) وله أيضًا، ولابن عساكر، وأبي الوقت: ({وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح}) إلى قوله: ({عذابًا مهينًا}) ولابن عساكر: ({إن الله أعدّ للكافرين عذابًا مهينًا}) وزاد الأصيلي: ({أن تقصروا من الصلاة}) إلى قوله: ({عذابًا مهينًا}). 942 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَأَلْتُهُ هَلْ صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَعْنِي صَلاَةَ الْخَوْفِ- قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِبَلَ نَجْدٍ، فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ فَصَافَفْنَا لَهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي لَنَا، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ تُصَلِّي، وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَنْ مَعَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ، فَجَاءُوا فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ". [الحديث 942 - أطرافه في: 943، 4132، 4133، 4535]. وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو: ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال): شعيب: (سألته) أي: الزهري. كذا بإثبات: قال، ملحقة بين الأسطر في فرع اليونينية، وكذا رأيته فيها ملحقًا بين سطورها، مصححًا عليه. قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله: ووقع بخط بعض من نسخ الحديث، عن الزهري، قال: سألته. فأثبت: قال، ظنًّا منه أنها حذفت خطأ على العادة، وهو محتمل. ويكون حذف فاعل قال، لا أن الزهري هو الذي قال، والمتجه حذفها. وتكون الجملة حالية، أي: أخبرني الزهري حال سؤالي إياه (هل صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ يعني صلاة الخوف -قال) أي: الزهري ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي وابن عساكر فقال: (أخبرني سالم) هو: ابن عبد الله بن عمر (أن) أباه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب، (رضي الله عنهما، قال: غزوت مع رسول الله) ولأبي ذر: مع النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة، أي: جهة (نجد) بأرض غطفان، وهو كل ما ارتفع من بلاد العرب، من تهامة إلى العراق، وكانت الغزوة ذات الرقاع، وأول ما صلّيت صلاة الخوف فيها سنة أربع أو خمس أو ست أو سبع، وقول الغزالي، رحمه الله في الوسيط، وتبعه الرافعي: إنها آخر الغزوات، ليس بصحيح، وقد أنكر عليه ابن الصلاح في: مشكل الوسيط. (فوازينا العدو) بالزاي، أي: قابلناهم (فصاففنا لهم) باللام، ولأبي ذر، عن الكشميهني: فصاففناهم، (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي لنا) أي: لأجلنا، أو: بنا، بالموحدة (فقامت طائفة معه) زاد في غير رواية أبي ذر: تصلي، أي: إلى حيث لا تبلغهم سهام العدو (وأقبلت طائفة على العدو، وركع) بالواو، ولأبي ذر عن المستملي، فركع (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمن معه، وسجد سجدتين) ثم ثبت قائمًا (ثم انصرفوا) بالنيّة، وهم في حكم الصلاة عند قيامه، عليه الصلاة والسلام، إلى الثانية

2 - باب صلاة الخوف رجالا وركبانا. راجل: قائم

منتصبًا، أو عقب رفعه من السجود (مكان الطائفة التي لم تصل) أي: فقاموا في مكانهم في وجه العدو (فجاؤوا) أي: الطائفة الأخرى التي كانت تحرس، وهو عليه الصلاة والسلام قائم في الثانية، وهو عليه الصلاة والسلام قارئ منتظر لها، (فرع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهم ركعة، وسجد سجدتين، ثم سلم) عليه الصلاة والسلام (فقام كل واحد منهم، فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين) ويأتي في المغازي، إن شاء الله تعالى، ما يدل على أنها كانت العصر. وظاهر قوله: فقام كل واحد منهم ... إلخ. أنهم أتموا في حالة واحدة. ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب، وهو الراجح من حيث المعنى، والاً فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة وهذه الصورة اختارها الحنفية. واختار الشافعية في كيفيتها: أن الإمام ينتظر الطائفة الثانية ليسلم بها، كما في حديث صالح بن خوّات، المروي في مسلم، عمن شهد مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة الخوف يوم ذات الرقاع: أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو فصلّى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا، فصلّوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلّى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسًا فأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم: بالطائفة الثانية بعد التشهد. قال مالك: هذا أحسن ما سمعت في صلاة الخوف، وهو دليل المالكية، غير قوله: ثم ثبت جالسًا. وإنما اختار الشافعية هذه الكيفية لسلامتها من كثرة المخالفة، ولأنها أحوط لأمر الحرب، فإنها أخف على الفريقين. ويكره كون الفرقة المصلية معه، والتي في وجه العدو أقل من ثلاثة، لقوله تعالى: {وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائهم} مع قوله: {ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} فذكروهم بلفظ الجمع. وأقله ثلاثة: فأقل الطائفة هنا ثلاثة، وهذا النوع بكيفيتيه حيث يكون العدوّ في غير القبلة، أو فيها لكن حال دونهم حائل يمنع رؤيتهم لو هجموا. ويجوز للإمام أن يصلّي مرتين، كل مرة بفرقة، فتكون الثانية نافلة. وهذه صلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ببطن نخل، رواها الشيخان، لكن الأولى أفضل من هذه لأنها أعدل بين الطائفتين، ولسلامتها عمّا في هذه من اقتداء المفترض بالمتنفل المختلف فيه. وتتأتى في تلك الصلاة الجمعة، بشرط أن يخطب بجميعهم، ثم يفرقهم فرقتين، أو يخطب ثم يجعل منها مع كل من الفرقتين أربعين: فلو خطب بفرقة وصلّى بأخرى لم يجز، وكذا لو نقصت الثانية فطريقان، أصحهما: ألا يضرّ للحاجة والمسامحة في صلاة الخوف. ذكره في المجموع وغيره. وأما إن كانوا في جهة القبلة، فيأتي قريبًا في باب: يحرس بعضهم بعضًا، إن شاء الله تعالى. فإن كانت الصلاة رباعية، وهم في الحضر، أو في السفر وأتموا صلّى بكل من الفرقتين ركعتين، وتشهد بهما. وانتظر الثانية في جلوس التشهد، أو قيام الثالثة، وهو أفضل. لأنه محل التطويل، بخلاف جلوس التشهد الأول. وإن كانت مغربًا، فيصلّي بفرقة ركعتين، وبالثانية ركعة، وهو أفضل من عكسه، لسلامته من التطويل في عكسه بزيادة تشهد في أول الثانية، وينتظر الثانية في الركعة الثالثة، أي: في القيام لها. وهذا كله إذا لم يشتد الخوف. أما إذا اشتد فيأتي حكمه في الباب التالي إن شاء الله تعالى. ورواة هذا الحديث الأربعة: حمصيان ومدنيان، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والسؤال والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي، ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي. 2 - باب صَلاَةِ الْخَوْفِ رِجَالاً وَرُكْبَانًا. رَاجِلٌ: قَائِمٌ (باب صلاة الخوف) حال كون المصلين (رجالاً وركبانًا) عند الاختلاط وشدّة الخوف، فلا تسقط الصلاة عند العجز عن نزول الدابة، بل يصلون ركبانًا فرادى يومؤون بالركوع والسجود إلى أي جهة شاؤوا. (راجل: قائم) يريد أن قوله في الترجمة: رجالاً، جمع: راجل، لا جمع: رجل، والمراد به هنا القائم. وسقط: راجل: قائم. عند أبي ذر، وثبت ذلك في رواية أبي الهيثم، والحموي، وأبي الوقت. 943 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ إِذَا اخْتَلَطُوا قِيَامًا. وَزَادَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُصَلُّوا قِيَامًا وَرُكْبَانًا». وبالسند قال: (حدّثنا سعيد بن يحيى بن سعيد القرشي) البغدادي (قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أبي) يحيى المذكور (قال: حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن

3 - باب يحرس بعضهم بعضا في صلاة الخوف

عبد العزيز (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش، مولى الزبير بن العوام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (نحوًا من قول مجاهد) الموقوف عليه، مما صدر منه عن رأيه عن روايته عن ابن عمر، مما رواه الطبري عن سعيد بن يحيى، شيخ البخاري فيه بإسناده المذكور إلى ابن عمر، قال (إذا اختلطوا) أي: اختلط المسلمون بالكفار، يصلون حال كونهم (قيامًا) أي قائمين. وكذا أخرجه الإسماعيلي، عن الهيثم بن خلف، عن سعيد، وزاد، كالطبري في روايته السابقة، بعد قوله: اختلطوا، فإنما هو الذكر، وإشارة بالرأس. وتبين من هذا أن قوله هنا: قيامًا، تصحيف من قوله: فإنما. (وزاد ابن عمر) بن الحظاب، حال كونه مرفوعًا (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فليس صادرًا عن رأيه. (وإن) وللكشميهني: وإذا (كانوا) أي: العدو (أكثر) عند اشتداد الخوف (من ذلك) أي: من الخوف الذي لا يمكن معه القيام في موضع ولا إقامة صف (فليصلوا) حينئذ، حال كونهم (قيامًا) على أقدامهم (وركبانًا) على دوابهم، لأن فرض النزول سقط. ولمسلم في آخر هذا الحديث، قال ابن عمر: فإذا كان خوف أكثر من ذلك، فليصل راكبًا أو قائمًا، يومئ إيماء. وزاد مالك في الموطأ في آخره، أيضًا: مستقبل القبلة أو غير مستقبلها. والمراد: أنه إذا اشتد الخوف والتحم القتال، واشتد الخوف ولم يأمنوا أن يدركوهم لو ولوا أو انقسموا، فليس لهم تأخير الصلاة عن وقتها، بل يصلون ركبانًا ومشاةً، ولهم ترك الاستقبال إذا كان بسبب القتال، والإيماء عن الركوع والسجود عند العجز للضرورة، ويكون السجود أخفض من الركوع ليتميزا، فلو انحرف عن القبلة لجماح الدابة، وطال الزمان، بطلت صلاته، ويجوز اقتداء بعضهم ببعض مع اختلاف الجهة كالمصلين حول الكعبة، ويعذر في العمل الكثير لا في الصياح لعدم الحاجة إليه. وحكم الخوف على نفس، أو منفعة من سبع أو حيّة أو عرق أو على مال ولو لغيره، كما في المجموع، فكالخوف في القتال، ولا إعادة في الجميع. ورواة الحديث ما بين: بغدادي وكوفي ومكّي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم والنسائي، واللهُ أعلم. 3 - باب يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ هذا (باب) بالتنوين (يحرس) المصلون (بعضهم بعضًا في صلاة الخوف). 944 - حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا مَعَهُ، وَرَكَعَ وَرَكَعَ نَاسٌ مِنْهُمْ، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ. ثُمَّ قَامَ لِلثَّانِيَةِ فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا وَحَرَسُوا إِخْوَانَهُمْ، وَأَتَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا مَعَهُ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي صَلاَةٍ وَلَكِنْ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا". وبالسند قال: (حدّثنا حيوة بن شريح) بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وفتح الواو في الأوّل، وضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون المثناة التحتية ثم حاء مهملة في الآخر، الحمصي الحضرمي، وهو حيوة الأصغر، المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا محمد بن حرب) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء ثم موحدة، الخولاني الحمصي الأبرش (عن الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة، محمد بن الوليد، الشامي الحمصي، وللإسماعيلي: حدّثنا الزبيدي (عن) ابن شهاب (الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بسكون المثناة الفوقية وضم عين الأوّل، والثالث: ابن مسعود المدني، أحد الفقهاء السبعة (عن ابن عباس، رضي الله عنهما)، أنه (قال: قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقام) بالواو، ولأبي ذر في نسخة: فقام (الناس معه) طائفتين، طائفة خلفه وأخرى خلفها (فكبر وكبروا) كلهم (معه، وركع وركع ناس منهم) صادق بالطائفة التي تليه عليه الصلاة والسلام، وبالأخرى، وزاد الكشميهني: معه (ثم سجد) عليه الصلاة والسلام (وسجدوا) أي: الذين ركعوا (معه) والطائفة الأخرى قائمة تحرس (ثم قام) عليه الصلاة والسلام (للثانية) أي: للركعة الثانية، ولابن عساكر: ثم قام الثانية (فقام الذين سجدوا) معه، عليه الصلاة والسلام، (وحرسوا إخوانهم، وأتت الطائفة الأخرى) الذين لم يركعوا ولم يسجدوا معه في الركعة الأولى، وتأخرت الطائفة الأخرى إلى مقام الأخرى يحرسونهم (فركعوا وسجدوا معه) عليه الصلاة والسلام، وهذا فيما إذا كانوا في جهة القبلة، ولا حائل يمنع رؤيتهم، وفي القوم كثرة بحيث يحرس بعضهم بعضًا كما قال: (والناس كلهم فى صلاة) ولأبي الوقت: في الصلاة، بالتعريف (ولكن يحرس بعضهم بعضًا) هذا موضع الترجمة.

4 - باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو

وظاهر هذا السياق صادق بأن تسجد الطائفة الأولى معه في الركعة الأولى، والثانية في الثانية، وعكسه بأن تسجد الثانية معه في الأولى، والأولى في الثانية، مع تحول كل منهما إلى مكان الأخرى كما مرّ، فتكون صفتين. والذي في مسلم، وأبي داود: هو الصفة الأولى مع التحوّل أيضًا، ولفظ رواية أبي داود، عن أبي عياش الزرقيّ، قال: صلينا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العصر بعسفان، فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمشركون أمامه، واصطفوا صفًّا خلفه، وخلف الصف صف آخر، فركع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وركعوا جميعًا ثم سجد الصف الذي يليه وقام الآخر يحرسونهم، فلما قضى بهم السجدتين وقاموا، سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين، وتقدّم الآخرون إلى مقام الأوّلين، ثم ركع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وركعوا جميعًا، ثم سجد فسجد الصف الذي يليه. وقام الآخرون يحرسونهم، فلما جلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سجد الآخرون وجلسوا جميعًا، فسلم بهم. ولمسلم نحوه. وهذا السياق مغاير لحديث الباب، فإن فيه: أن الصفين ركعوا معه، عليه الصلاة والسلام، وسجدت معه الأولى وقامت الأخرى من الركوع تحرس، ثم سجدت الحارسة بعد فراغ أولئك. وفي حديث الباب أنه ركع طائفة منهم وسجدوا معه، ثم جاءت الطائفة الأخرى كذلك، ولم يقع في رواية الزهري هذه: هل أكملوا الركعة الثانية أم لا. نعم، زاد النسائي في رواية له، من طريق أبي بكر بن أبي الجهم، عن شيخه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، فزاد في آخره: ولم يقضوا. وهذا كالصريح في اقتصارهم على ركعة ركعة. ولمسلم، وأبي داود، والنسائي، من طريق مجاهد عن ابن عباس، قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيّكم، في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة. لكن الجمهور على أن قصر الخوف قصر هيئة لا قصر عدد، وتأوّلوا رواية مجاهد هذه على أن المراد ركعة مع الإمام، وليس فيه نفي الثانية. ورواة حديث الباب ثلاثة حمصيون، واثنان مدنيان. وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه النسائي في الصلاة. 4 - باب الصَّلاَةِ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ الْحُصُونِ وَلِقَاءِ الْعَدُوِّ وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: إِنْ كَانَ تَهَيَّأَ الْفَتْحُ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلاَةِ صَلَّوْا إِيمَاءً كُلُّ امْرِئٍ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الإِيمَاءِ أَخَّرُوا الصَّلاَةَ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْقِتَالُ أَوْ يَأْمَنُوا فَيُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا صَلَّوْا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ لاَ يُجْزِئُهُمُ التَّكْبِيرُ وَيُؤَخِّرُوهَا حَتَّى يَأْمَنُوا وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ. وَقَالَ أَنَسٌ: حَضَرْتُ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ حِصْنِ تُسْتَرَ عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ -وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ الْقِتَالِ- فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلاَةِ، فَلَمْ نُصَلِّ إِلاَّ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ، فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى، فَفُتِحَ لَنَا. وَقَالَ أَنَسٌ: وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلاَةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا (باب الصلاة عند مناهضة الحصون) أي إمكان فتحها وغلبة الظن على القدرة عليها (و) الصلاة عند (لقاء العدوّ). (وقال) عبد الرحمن (الأوزاعي)، فيما ذكره الوليد بن مسلم في كتاب السير: (إذ كان تهيأ الفتح) بمثناة فوقية فهاء فمثناة تحتية مشدّدة فهمزة مفتوحات، أي: اتفق وتمكن. وللقابسي، فيما حكاه في الفتح وغيره: إن كان بها الفتح، بموحدة. وهاء: بضمير، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وهو تصحيف، (و) الحال أنهم (لم يقدروا على) إتمام (الصلاة) أركانًا وأفعالاً (صلوا إيماءً) أي مومئين (كل امرئ) شخص يصلّي (لنفسه) بالإيماء منفردًا، (فإن لم يقدروا على الإيماء) بسبب اشتغال الجوارح، لأن الحرب إذا بلغ الغاية في الشدة تعذر الإيماء على القاتل لاشتغال قلبه وجوارحه عند القتال (أخروا الصلاة خى ينكشف القتال، أو يأمنوا، فيصلوا ركعتين). استشكل كونه جعل الإيماء مشروطًا بتعذر القدرة، والتأخير مشروطًا بتعذر الإيماء، وجعل غاية التأخير انكشاف القتال ثم قال: أو يأمنوا فيصلوا ركعتين ... فجعل الأمن قسيم الانكشاف، وبالانكشاف يحصل الأمن، فكيف يكون قسيمه؟. وأجيب: بأن الانكشاف قد يحصل، ولا يحصل الأمن لخوف المعاودة، كما أن الأمن قد يحصل بزيادة القوّة واتصال المدد بغير انكشاف، فعلى هذا فالأمن قسيم الانكشاف أيهما حصل اقتضى صلاة ركعتين. (فإن لم يقدروا) على صلاة ركعتين، بالفعل أو بالإيماء (صلوا ركعة وسجدتين، فإن لم يقدروا) أي على صلاة وسجدتين (لا يجزيهم)، ولغير الأربعة: وسجدتين لا يجزيهم، ولأبي ذر: فلا يجزيهم (التكبير) خلافًا لمن قال: إذا التقى الزحفان وحضرت الصلاة يجزيهم التكبير عن الصلاة بلا إعادة. (ويؤخرونها) أي: الصلاة، ولغير أبي ذر: يؤخروها (حتى يأمنوا) أي: حتى يحصل لهم الأمن التام. واحتج الأوزاعي، كما قال ابن

5 - باب صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء

بطال على ذلك، بكونه عليه الصلاة والسلام أخّرها في الخندق حتى صلاها كاملة، لما كان فيه من شغل الحرب. فكذا الحال التي هي أشد. وأجيب: بأن صلاة الخوف، إنما شرعت بعد الخندق. (وبه) أي: وبقول الأوزاعي (قال مكحول) الدمشقي التابعي، مما وصله عبد بن حميد في تفسيره عنه من طريق الأوزاعي بلفظ: إذا لم يقدر القوم على أن يصلوا على الأرض صلوا على ظهر الدواب ركعتين، فإن لم يقدروا فركعة وسجدتين، فإن لم يقدروا أخّروا الصلاة حتى يأمنوا فيصلوا بالأرض. (وقال أنس) ولأبي ذر، وقال أنس بن مالك، مما وصله ابن سعد وعمر بن شبة من طريق قتادة: (حضرت عند مناهضة) ولابن عساكر: حضرت مناهضة (حصن تستر) بمثناتين فوقيتين، أولاهما مضمومة والثانية مفتوحة، بينهما سين مهملة ساكنة آخره راء، مدينة مشهورة من كور الأهواز، فتحت سنة عشرين في خلافة عمر (عند إضاءة الفجر -واشتد اشتعال القتال-) بالعين المهملة، وتشبيه القتال بالنار: استعارة بالكناية، (فلم يقدروا على الصلاة) لعجزهم عن النزول، أو عن الإيماء، فيوافق السابق عن الأوزاعي، أو أنهم لم يجدوا إلى الوضوء سبيلاً من شدّة القتال، وبه جزم الأصيلي، (فلم نصلّ إلا بعد ارتفاع النهار) في رواية عمر بن شبة: حتى انتصف النهار (فصليناها، ونحن مع أبي موسى) الأشعري (ففتح لنا) الحصن. (وقال) وللأصيلي: فقال، ولأبوي ذر والوقت، وابن عساكر: قال (أنس) هو ابن مالك: (وما يسرّني بتلك الصلاة) أي بدل تلك الصلاة ومقابلها، فالباء للبدلية، كقوله: فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا. وللكشميهني: من تلك الصلاة (الدنيا وما فيها). 945 - حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُبَارَكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "جَاءَ عُمَرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتُ الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغِيبَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَأَنَا وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا بَعْدُ. قَالَ فَنَزَلَ إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ، وَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَابَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ بَعْدَهَا". وبالسند قال: (حدّثنا يحيى) ولأبي ذر: عن المستملي، كما في فرع اليونينية: يحيى بن جعفر البخاري البيكندي، وهو من أفراد البخاري (قال: حدّثنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف (عن عليّ بن المبارك) ولابن عساكر: ابن المبارك (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن أبي سلمة) بفتح اللام، ابن عبد الرحمن (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري، رضي الله عنه (قال: جاء عمر) بن الخطاب، رضي الله عنه (يوم) حفر (الخندق) لا تحزبت الأحزاب سنة أربع (فجعل يسب كفّار قريش) لتسببهم في اشتغال المؤمنين بالحفر عن الصلاة حتى فاتت (ويقول: يا رسول الله. ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغيب). فيه دخول: أن، على خبر كاد، والأكثر تجريده منها، كما في رواية أبي ذر: حتى كادت الشمس تغيب. وظاهره: أنه صلّى قبل الغروب، لكن قد يمنع ذلك بأنه إنما يقتضي أن كيدودته كانت عند كيدودتها، ولا يلزم منه وقوع الصلاة فيها، بل يلزم أن لا تقع الصلاة فيها إذ حاصله عرفًا: ما صليت حتى غربت الشمس. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تطييبًا لقلب عمر لما شق عليه تأخيرها: (وأنا والله ما صليتها) أي العصر (بعد). (قال) جابر: (فنزل) عليه الصلاة والسلام (إلى بطحان) بضم الموحدة وسكون المهملة غير منصرف، كذا يرويه المحدّثون، وعند اللغويين بفتح الموحدة وكسر الطاء، (فتوضأ وصلّى العصر بعدما غابت الشمس). وهذا التأخير كان قبل صلاة الخوف، ثم نسخ أو كان نسيانًا أو عمدًا لتعذر الطهارة، أو للشغل بالقتال، وإليه ذهب البخاري هنا. ونزل عليه الآثار التي ترجم لها بالشروط المذكورة، وهو موضع الجزء الثاني من الترجمة، وهو لقاء العدوّ ومن جملة أحكامه المذكورة: تأخير الصلاة إلى وقت الأمن، وكذا في الحديث: أخر عليه الصلاة والسلام الصلاة حتى نزل بطحان، (ثم صلّى) عليه الصلاة والسلام (المغرب بعدها) أي بعد العصر. وسبق الحديث بمباحثه في باب: من صلّى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت. 5 - باب صَلاَةِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ رَاكِبًا وَإِيمَاءً وَقَالَ الْوَلِيدُ: ذَكَرْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ صَلاَةَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ وَأَصْحَابِهِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ فَقَالَ: كَذَلِكَ الأَمْرُ عِنْدَنَا إِذَا تُخُوِّفَ الْفَوْتُ. وَاحْتَجَّ الْوَلِيدُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ». (باب صلاة الطالب و) صلاة (المطلوب) حال كونه (راكبًا وإيماءً) مصدر: أومأ. كذا لأبي ذر الكشميهني، والمستملي: إيماء، ولأبوي ذر والوقت عن الحموي: وقائمًا بالقاف من القيام، وفي رواية قائمًا. وقد اتفقوا على صلاة المطلوب راكبًا، واختلفوا في الطالب، فمنعه الشافعي وأحمد، رحمهما الله، وقال مالك: يصلّي راكبًا حيث توجه إذا خاف فوت العدوّ إن نزل. (وقال الوليد) بن مسلم القرشي الأموي (ذكرت للأوزاعي)

عبد الرحمن بن عمرو (صلاة شرحبيل بن السمط) بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة وكسر الموحدة في الأوّل، وكسر السين المهملة وسكون الميم في الثاني، كذا في الفرع، وضبطه ابن الأثير: بفتح ثم كسر، ككتف، الكندي المختلف في صحبته، وليس له في البخاري غير هذا الموضع، (و) صلاة (أصحابه على ظهر الدابة. فقال) أي الأوزاعي، ولابن عساكر: قال: (كذلك الأمر) أي: أداء الصلاة على ظهر الدابة بالإيماء هو الشأن والحكم (عندنا إذا تخوّف) الرجل (الفوت) بفتح أوّل تخوّف مبنيًّا للفاعل. والفوت نصب على المفعولية، ويجوز كما في الفرع وأصله ضبطه بالبناء للمفعول، ورفع الفوت نائبًا عن الفاعل. زاد المستملي فيما ذكره في الفتح في الوقت: (واحتج الوليد) لمذهب الأوزاعي في مسألة الطالب (بقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الآتي: (لا يصلّين أحد العصر إلا في بني قريظة) لأنه عليه الصلاة والسلام لم يعنف على تأخيرها عن وقتها المفترض، وحينئذٍ فصلاة من لا يفوّت الوقت بالإيماء أو بما يمكن أولى من تأخيرها حتى يخرج وقتها. وقد أخرج أبو داود في: صلاة الطالب، حديث عبد الله بن أنيس، إذا بعثه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى سفيان الهذلي، قال: فرأيته، وحضرت العصر، فخشيت فوتها، فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومئ إيماءً. وإسناده حسن. هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة، كذا في الفرع وأصله، ولأبي ذر إسقاطه. 946 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ: لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ. فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ. فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ. [الحديث 946 - طرفه في: 4119]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) بالفتح غير منصرف، ابن عبيد بن مخراق الضبعي البصري (قال: حدّثنا جويرية) تصغير جارية بن أسماء، وهو عمّ عبد الله الراوي عنه (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما، (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنا، لما رجع من الأحزاب). غزوة الخندق سنة أربع إلى المدينة، ووضع المسلمون السلاح، وقال له جبريل، عليه الصلاة والسلام، ما وضعت الملائكة السلاح بعد، وإن الله يأمرك أن تسير إلى بني قريظة فإني عائد إليهم. فقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه: (لا يصلّين) بنون التوكيد الثقيلة (أحد) منكم (العصر إلا في بني قريظة) بضم القاف وفتح الراء والظاء المعجمة، فرقة من اليهود. (فأدرك بعضهم العصر في الطريق) بنصب بعضهم ورفع تاليه، مفعول وفاعل، مثل قوله: {وإن يدركني يومك} والضمير في بعضهم: لأحد. (فقال) وللأربعة: وقال (بعضهم)، الضمير فيه كالآتي لنفس بعض الأوّل: (لا نصلي حتى نأتيها) عملاً بظاهر قوله: "لا يصلّين أحد"، لأن النزول معصية للأمر الخاص بالإسراع، فخصّوا عموم الأمر بالصلاة أوّل وقتها بما إذا لم يكن عذر، بدليل أمرهم بذلك. (وقال بعضهم: بل نصلي) نظرًا إلى المعنى لا إلى ظاهر اللفظ، (لم يرد منا ذلك) ببناء يرد للمفعول، كما ضبطه العيني والبرماوي، والبناء للفاعل كما ضبطه في المصابيح، والخفضة مكشوطة في الفرع، فعريت الراء فيه عن الضبط، ولم يضبطها في اليونينية. والمعنى: أن المراد من قوله: "لا يصلين أحد" لازمه وهو الاستعجال في الذهاب لبني قريظة، لا حقيقة ترك الصلاة، كأنه قال: صلوا في بني قريظة، إلاّ أن يدرككم وقتها قبل أن تصلوا إليها. فجمعوا بين دليلي وجوب الصلاة، ووجوب الإسراع. فصلوا ركبانًا لأنهم لو نزلوا للصلاة لكان فيه مضادة للأمر بالإسراع، وصلاة الراكب مقتضية للإيماء، فطابق الحديث الترجمة. لكن عورض بأنهم: لو تركوا الركوع والسجود لخالفوا قوله تعالى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] وأجيب: بأنه عامّ خصّ بدليل، كما أن الأمر بتأخير الصلاة إلى إتيان بني قريظة خصّ بما إذا لم يخش الفوات. والقول: بأنهم صلوا ركبانًا لابن المنير، قال في الفتح: وفيه نظر، لأنه لم يصرّح لهم بترك النزول، فلعلهم فهموا أن المراد بأمرهم: أن لا يصلوا العصر إلا فى بني قريظة، المبالغة في الأمر بالإسراع، فبادروا إلى امتثال أمره، وخصّوا وقت الصلاة من ذلك لماّ تقرّر عندهم من تأكيد أمرها، فلا يمتنع أن ينزلوا فيصلوا، ولا يكون في ذلك مضادّة لما أمروا به ودعوى أنهم: صلوا ركبانًا، تحتاج إلى دليل، ولم أره صريحًا في شيء من طرق هذه القصة. (فذكر ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلم يعنف واحدًا) ولأبوي ذر، والوقت

6 - باب التبكير والغلس بالصبح، والصلاة عند الإغارة والحرب

عن الحموي والكشميهني والمستملي: أحدًا (منهم)، لا التاركين لأول الوقت عملاً بظاهر النهي، ولا الذين فهموا أنه كناية عن العجلة. قال النووي، رحمه الله: لا احتجاج به على إصابة كل مجتهد، لأنه لم يصرّح بإصابتهما، بل ترك التعنيف، ولا خلاف أن المجتهد لا يعنف ولو أخطأ إذا بذل وسعه، قال: وأما اختلافهم فسببه تعارض الأدلة عندهم، فالصلاة مأمور بها في الوقت، والمفهوم من: "لا يصلّين" المبادرة، فأخذ بذلك من صلّى لخوف فوات الوقت، والآخرون أخّروها عملاً بالأمر بالمبادرة لبني قريظة. اهـ. واستشكل قوله هنا: العصر، مع ما في مسلم: الظهر. وأجيب: بأن ذلك كان بعد دخول وقت الظهر، فقيل لمن صلاّها بالمدينة: لا تصلّ العصر إلاّ في بني قريظة، ولمن لم يصلها: لا تصلِّ الظهر إلا فيهم. ويأتي مزيد لذلك، إن شاء الله تعالى في المغازي، بعون الله تعالى. ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم، كالبخاري في المغازي. 6 - باب التَّبْكِيرِ وَالْغَلَسِ بِالصُّبْحِ، وَالصَّلاَةِ عِنْدَ الإِغَارَةِ وَالْحَرْبِ (باب التبكير). بالموحدة قبل الكاف وبعد المثناة. كذا في رواية أبي ذر، عن الكشميهني، من: بكر، إذا أسرع وبادر، ولأبي ذر أيضًا، والأصيلي وأبي الوقت، عن الحموي، والمستملي: التكبير، بالموحدة بعد الكاف، أي قول: الله أكبر (والغلس) بفتح الغين المعجمة واللام، الظلمة آخر الليل، أي: التغليس (بالصبح والصلاة) والتكبير (عند الإغارة) بكسر الهمزة، أي الهجوم على العدوّ غفلة (و) عند (الحرب). 947 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ وَثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ رَكِبَ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ. فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ وَيَقُولُونَ: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ -قَالَ: وَالْخَمِيسُ الْجَيْشُ- فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذَّرَارِيَّ، فَصَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، وَصَارَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَهَا". فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ لِثَابِتٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَنْتَ سَأَلْتَ أَنَسًا مَا أَمْهَرَهَا؟ قَالَ أَمْهَرَهَا نَفْسَهَا. فَتَبَسَّمَ. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا حماد) ولأبي ذر: حماد بن زيد (عن عبد العزيز بن صهيب، وثابت البناني) بموحدة مضمومة ونونين بينهما ألف وآخره ياء النسب، كلاهما (عن أنس بن مالك) سقط من رواية ابن عساكر: ابن مالك (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى الصبح) عند خيبر (بغلس) أي: في أوّل وقتها، على عادته الشريفة، أو لأجل مبادرته إلى الركوب، (ثم ركب فقال) لما أشرف على خيبر: (الله أكبر: خربت خيبر) ثقة بوعد الله تعالى، حيث يقول: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 171 - 173] {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ} [الصافات: 177]. فلما نزل جند الله بخيبر مع الصباح لزم الإيمان بالنصر وفاء بالعهد، ويبين هذا قوله: (إنّا إذا نزلنا بساحة قوم) أي: بفنائهم (فساء صباح المنذرين) أي: فبئس صباح المنذرين صباحهم، فكأن ذلك تنبيهًا على مصداق الوعد بمجموع الأوصاف. (فخرجوا) أي: أهل خيبر، حال كونهم (يسعون في السكك) بكسر السين، جمع سكة، أي: في أزقة خيبر (ويقولون): جاء أو: هذا (محمد والخميس) برفع الخميس، عطفًا على سابقه، ونصبه على المفعول معه. (قال: والخميس) هو: (الجيش) لانقسامه إلى خمسة: ميمنة وميسرة وقلب ومقدمة وساقة. (فظهر عليهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقتل) النفوس (المقاتلة) بكسر المثناة الفوقية، أي: وهي الرجال (وسبى الذراري) بالذال المعجمة وتشديد الياء وتخفيفها، كالعواري، جمع: ذرية، وهي: الولد. والمراد بالذراري: غير المقاتلة (فصارت صفية) بنت حيي، سيد بني قريظة والنضير (لدحية الكلبي) أعطاها له عليه الصلاة والسلام قبل القسمة، لأن له صفيّ المغنم يعطيه لمن يشاء (وصارت) أي: فصارت، أو: ثم صارت بعده (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) استرجعها منه برضاه، أو اشتراها منه، لما جاء: أنه أعطاه عنها سبعة أرؤس، أو: أنه إنما كان أذن له في جارية من حشوا السبي، لا من أفضلهن، فلما رآه أخذ أنفسهن نسبًا وشرفًا وجمالاً استرجعها، لأنه لم يأذن له فيها، ورآى أن في إبقائها مفسدة لتميّزه بها على سائر الجيش، ولما فيه من انتهاكها مع مرتبتها، وربما ترتب على ذلك شقاق، فكان أخذها لنفسه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاطعًا لهذه المفاسد، (ثم تزوّجها) عليه الصلاة والسلام (وجعل صداقها عتقها) لأن عتقها كان عندها أعز من الأموال الكثيرة، ولأبي ذر: عتقتها، بزيادة مثناة فوقية بعد القاف. (فقال عبد العزيز) بن صهيب المذكور (الثابت) البناني: (يا أبا محمد! أنت) بحذف همزة الاستفهام

13 - كتاب العيدين

في الفرع واصله، وفي بعض الأصول: أنت، بإثباتها (سألت أنا)، ولأبي ذر: أنس بن مالك: (وما أمهرها)؟ أي: ما أصدقها؟ ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: ما مهرها؟ بحذف الألف. وصوّبه القطب الحلبي، وهما لغتان. (قال أمهرها نفسها) بالنصب، أي أعتقها وتزوجها بلا مهر، وهو من خصائصه، (فتبسم). وموضع الترجمة قوله: صلّى الصبح بغلس، ثم ركب فقال: الله أكبر. وفيه أن التكبير يشرع عند كل أمر مهول، وعندما يسرّ به من ذلك إظهارًا لدين الله تعالى، وظهور أمره، وتنزيهًا له تعالى عن كل ما نسبه إليه أعداؤه، ولا سيما اليهود، قبّحهم الله تعالى. وقد تقدم هذا الحديث في باب: ما يذكر في الفخذ، وتأتي بقية مباحثه إن شاء الله تعالى في: المغازي، والنكاح. بسم الله الرحمن الرحيم ثبتت البسملة هنا لغير أبي ذر عن المستملي كما قال في الفتح، ولغير ابن عساكر في الفرع وأصله. 13 - كتاب العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى، والعيد مشتق من العود لتكرره كل عام، وقيل: لعود السرور بعوده، وقيل: لكثرة عوائد الله على عباده فيه. وجمعه، أعياد وإنما جمع بالياء، وإن كان أصله الواو، وللزومها في الواحد، وقيل: للفرق بينه وبين أعواد الخشب. 1 - باب فِي الْعِيدَيْنِ وَالتَّجَمُّلِ فِيهِ هذا (باب) بالتنوين (في العيدين) كذا لأبي علي بن شبويه، ولابن عساكر: باب ما جاء في العيدين. (والتجمل فيه) أي: في جنس العيد. وللكشميهني: فيهما بالتثنية، أي: في العيدين، ولأبي ذر عن المستملي: أبواب، بالجمع بدل: كتاب، واقتصر في رواية الأصيلي، والباقين على قوله: باب إلخ ... 948 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: [أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْتَعْ هَذِهِ، تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ». فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ قُلْتَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ، وَأَرْسَلْتَ إِلَىَّ بِهَذِهِ الْجُبَّةِ فَقَالَ، لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا حَاجَتَكَ»]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو: ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري، قال: أخبرني) بالإفراد، (سالم بن عبد الله، أن) أباه (عبد الله بن عمر قال: أخذ عمر) بن الخطاب، رضي الله عنه، بهمزة وخاء وذال معجمتين، قال الكرماني: أراد ملزوم الأخذ، وهو الشراء، وتعقب بأنه لم يقع منه ذلك، فلعله أراد السوم. وفي بعض النسخ: وجد، بواو وجيم، قال ابن حجر، رحمه الله تعالى؛ وهو أوجه. وكذا أخرجه الإسماعيلي والطبراني في مسند الشاميين، وغير واحد، من طرق إلى أبي اليمان، شيخ البخاري فيه، (جبة من إستبرق) بكسر الهمزة أي: غليظ الديباج، وهو المتخذ من الإبريسم، فارسي معرب (تباع في السوق) جملة في موضع جر، صفة لإستبرق، (فأخذها) عمر، (فأتى رسول الله)، وللأصيلي: فأتى بها رسول الله، (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله، ابتع هذه) الجبة (تجمل، بها). بجزم: ابتع وتجمل، على الأمر. كذا قاله الزركشي وغيره، لكن، قال في المصابيح: الظاهر أن الثاني مضارع مجزوم، واقع في جواب الأمر، أي: فإن تبتعها تتجمل، فحذفت إحدى التاءين، وللحموي والمستملي: ابتاع هده تجمل؟ بهمزة استفهام مقصورة كما في الفرع واصله، وقد تمدّ وتضم لام تجمل على أن أصله: تتجمل، فحذفت إحدى التاءين أيضًا، (للعيد والوفود) سبق في الجمعة، في رواية نافع: للجمعة بدل: العيد، وكأن ابن عمر ذكرهما معًا، فأخذ كل راوٍ واحدًا منهما. وهذا موضع الجزء الأخير من الترجمة، وفيه التجمل بالثياب الحسنة أيام الأعياد وملاقاة الناس. (فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنما هذه لباس من لا خلاق له) أي: من لا نصيب له في الجنة، خرج مخرج التغليظ في النهي عن لبس الحرير، وإلاّ فالمؤمن العاصي لا بدّ من دخوله الجنة، فله نصيب منها. ولذا خص من عمومه النساء فإنهن خرجن بدليل آخر. (فلبث عمر ما شاء الله أن يلبث، ثم أرسل إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بجبة ديباج، فأقبل بها عمر، فأتى بها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله، إنك قلت: "إنما هذه لباس من لا خلاق له" وأرسلت إليّ بهذه الجبة، فقال له رسول الله): (تبيعها وتصيب بها) أي بثمنها (حاجتك) وللكشميهني: أو تصيب، وهي إما بمعنى الواو، أو للتقسيم أي: كإعطائها لبعض نسائه

2 - باب الحراب والدرق يوم العيد

الجائز لهنّ لبس الحرير. ويأتي الحديث ومباحثه، إن شاء الله تعالى، في: كتاب اللباس، بعون الله وقوّته. 2 - باب الْحِرَابِ وَالدَّرَقِ يَوْمَ الْعِيدِ (باب) إباحة (الحراب والدرق) يلعب بها السودان (يوم العيد) للسرور به. 949 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَسَدِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: [دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ. وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-! فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَقَالَ: «دَعْهُمَا». فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا"]. [الحديث 949 - أطرافه في: 952، 987، 2907، 3530، 3931]. وبالسند قال: (حدّثنا أحمد) غير منسوب، ولأبي ذر وابن عساكر: حدّثنا أحمد بن عيسى، وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج، واسم جده حسان التستري المصري الأصل، المتوفى سنة ثلاث وأربعين ومائتين. وفي رواية أبي علي بن شبويه، كما في الفتح: حدّثنا أحمد بن صالح، وهو مقتضى إطلاق أبي علي بن السكن حيث قال: كل ما في البخاري: حدّثنا أحمد، غير منسوب فهو ابن صالح. (قال: حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرنا عمرو) هو ابن الحرث (أن محمد بن عبد الرحمن) بن نوفل بن الأسود (الأسدي) بفتح الهمزة والسين المهملة، القرشي، المتوفى سنة سبع عشرة ومائة (حدّثه عن عروة) بن الزبير بن العوام (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (قالت: دخل عليّ رسول الله) وللأصيلي، وابن عساكر، وأبي ذر في نسخة: دخل عليّ النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أيام منى (وعندي جاريتان)، أي: دون البلوغ، من جواري الأنصار (تغنيان)، ترفعان أصواتهما بإنشاد العرب، وهو قريب من الحداء، وتدففان، أي: تضربان بالدف بضم الدال. إحداهما لحسان بن ثابت. كما في الطبراني، أو كلاهما لعبد الله بن سلام، كما في أربعي السلمي. وفي العيدين: لابن أبي الدنيا، من طريق فليح، عن هشام بن عروة، عن أبيه، بإسناد صحيح، عن عائشة قالت: "دخل علّي أبو بكر، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متقنع، وحمامة وصاحبتها تغنيان عندي". لكن لم يذكر أحد من مصنفى أسماء الصحابة حمامة هذه. نعم، ذكر الذهبي في التجريد: حمامة أم بلال، اشتراها أبو بكر وأعتقها. (بغناء) بكسر المعجمة والمدّ يوم (بعاث) بضم الموحدة وفتح العين المهملة آخره مثلثة، بالصرف وعدمه، وقال عياض: أعجمها أبو عبيد وحده وقال ابن الأثير: أعجمها الخليل، لكن جزم وموسى في ذيل الغريب، وتبعه صاحب النهاية، بأنه تصحيف. اهـ. وهو اسم حصن وقع الحرب عنده بين الأوس والخزرج، وكان به مقتلة عظيمة، وانتصر الأوس على الخزرج، واستمرت المقتلة مائة وعشرين سنة، حتى جاء الإسلام، فألّف الله بينهم ببركة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. كذا ذكره ابن إسحاق. وتبعه البرماوي، وجماعة من الشرّاح، وتعقب بما رواه ابن سعد بأسانيده: أن النفر السبعة: أو الثمانية، الذين لقوه عليه الصلاة والسلام بمنى، أول من لقيه من الأنصار، كان من جملة ما قالوه، لما دعاهم إلى الإسلام والنصرة: إنما كانت وقعة بعاث عام الأول، فموعدك الموسم القابل، فقدموا في السنة التي تليها فبايعوه البيعة الأولى، ثم قدموا الثانية فبايعوه، وهاجر عليه الصلاة والسلام في أوائل التي تليها. فدلّ ذلك على أن وقعة بعاث كانت قبل الهجرة بثلاث سنين، وهو المعتمد، ويأتي مزيد لذلك، إن شاء الله تعالى، في أوائل الهجرة. (فاضطجع) عليه الصلاة والسلام (على الفراش، وحوّل وجهه) للإعراض عن ذلك، لأن مقامه يقتضي أن يرتفع عن الإصغاء إليه، لكن عدم إنكاره يدل على تسويغ مثله على الوجه الذى أقره، إذ أنه عليه الصلاة والسلام لا يقرّ على باطل. والأصل التنزّه عن اللعب واللهو، فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتًا وكيفيةً، (ودخل أبو بكر) الصديق (فانتهرني) أي لتقريرها لهما على الغناء، وللزهري: فانتهرهما، أي: الجاريتين لفعلهما ذلك. والظاهر على طريق الجمع أنه: شرك بينهن في الزجر. (وقال: مزمارة الشيطان عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر الميم آخره هاء تأنيث. يعني: الغناء أو الدف، لأن المزمارة والمزمار مشتق من الزمير، وهو الصوت الذي له صفير، ويطلق على الصوت الحسن وعلى الغناء، وأضافها إلى الشيطان لأنها تلهي القلب عن ذكر الله تعالى، وهذا من الشيطان. وهذا من الصديق، رضي الله عنه، إنكار لما سمع معتمدًا على ما تقرر عنده من تحريم اللهو والغناء مطلقًا، ولم يعلم أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أقرّهنّ على هذا القدر اليسير، لكونه دخل فوجده مضطجعًا، فظنه نائمًا، فتوجه له الإنكار. (فأقبل

3 - باب سنة العيدين لأهل الإسلام

عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): يا أبا بكر (دعهما) أي الجاريتين، ولابن عساكر: دعها، أي عائشة، وزاد في رواية هشام: "يا أبا بكر إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا". فعرفه عليه الصلاة والسلام الحال مقرونًا ببيان الحكمة بأنه يوم عيد، أي يوم سرور شرعي. فلا ينكر فيه مثل هذا، كما لا ينكر في الأعراس. قالت عائشة: (فلما غفل) أبو بكر، بفتح الفاء (غمزتهما فخرجتا) بفاء العطف ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، عن الحموي والمستملي: خرجتا بدون الفاء. بدل أو استئناف. 950 - وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِمَّا قَالَ: «تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ»؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَهُوَ يَقُولُ: «دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ». حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ: «حَسْبُكِ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ «فَاذْهَبِي». (و) قالت عائشة: (كان) ذلك (يوم عيد)، وهذا حديث آخر، وقد جمعه مع السابق بعض الرواة، وأفردهما آخرون. (يلعب السودان)، ولأبي ذر: يلعب فيه السودان، وللزهري: والحبشة يلعبون في المسجد (بالدرق والحراب، فإما سألت النبي) ولأبي ذر عن المستملي: فإما سألت رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،وإما قال): (أتشتهين تنظرين) أي: النظر إلى لعب السودان؟ (قلت: نعم) أشتهي، (فأقامني وراءه) حال كوني (خدي على خده) متلاصقين (وهو) عليه الصلاة والسلام (يقول) للسودان، آذنًا لهم ومنشطًا. (دونكم) بالنصب على الظرف بمعنى الإغراء، أي: الزموا هذا اللعب (يا بني أرفدة) بفتح الهمزة وإسكان الراء وكسر الفاء، وقد تفتح وبالدال المهملة، وهو جدّ الحبشة الأكبر. وزاد الزهري عن عروة: فزجرهم عمر، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أمنا بني أرفدة". (حتى إذا مللت) بكسر اللام الأولى (قال): (حسبك)؟ أي: يكفيك هذا القدر؟ بحذف همزة الاستفهام المقدرة. كذا قاله البرماوي وغيره كالزركشي، وتعقبه في المصابيح: بأنه لا داعي إليه، مع أن في جوازه كلامًا، اهـ. يشير إلى ما نقله في حاشيته، رحمه الله تعالى، على المغني، من تصريح بعضهم بأن حذفها عند أمن اللبس من الضرورات. وللنسائي، من رواية يزيد بن رومان: "أما شبعت؟ أما شبعت"؟ قالت: فجعلت أقول لا. لأنظر منزلتي عنده. وله من رواية أبي سلمة عنها، قلت: "يا رسول الله لا تعجل. فقام لي، ثم قال: حسبك؟ قلت: لا تعجل"، قالت: وما بي حب النظر إليهم، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي، ومكاني منه. (قلت: نعم) حسبي (قال) (فاذهبي). فإن قلت: قولها: نعم، يقتضي فهمها الاستفهام، أجاب في المصابيح: بأنه ممنوع، لأن: نعم تأتي لتصديق المخبر، ولا مانع من جعلها هنا كذلك. واستدلّ به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التدريب للحرب، والتنشيط له، ولم يرد المؤلّف الاستدلال على أن حمل الحراب والدرق من سنن العيد، كما فهمه ابن بطال، وإنما مراده الاستدلال على أن العيد يغتفر فيه من اللهو واللعب ما لا يغتفر في غيره، فهو استدلال على إباحة ذلك، لا على ذنبه. فإن قلت: قد اتفق على أن نظر المرأة إلى وجه الأجنبي حرام بالاتفاق، إذا كان بشهوة وبغيرها على الأصح، فكيف أقرّ النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عائشة على رؤيتها للحبشة؟ أجيب: بأنها ما كانت تنظر إلى لعبهم بحِرابهم، لا إلى وجوههم وأبدانهم. (باب) سنيّة (الدعاء في العيد) كذا زاده هنا أبو ذر في روايته عن الحموي، ومطابقته لحديث البراء الآتي إن شاء الله تعالى في قوله: يخطب، فإن الخطبة تشتمل على الدعاء كغيره. وقد روى ابن عدي من حديث واثلة أنه: لقي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم عيد، فقال: تقبل الله منّا ومنك، فقال: نعم، تقبل الله منّا ومنك. لكن في إسناده محمد بن إبراهيم الشامي، وهو ضعيف، وقد تفرد به مرفوعًا وخولف فيه، فروى البيهقي من حديث عبادة بن الصامت أنه: سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك، فقال: (ذاك فعل أهل الكتابين) وإسناده ضعيف أيضًا. لكن في المحامليات بإسناد حسن، عن جبير بن نفير، أن أصحاب النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كانوا إذا التقوا يوم العيد، يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منّا ومنك. وقد ضرب في اليونينية على قوله: الدعاء في العيد، وهو ساقط في رواية ابن عساكر. وقال ابن رشيد: أراه تصحيفًا، وكأنه كان فيه: اللعب في العيد، أي فيناسب حديث عائشة الثاني من حديثي الباب. 3 - باب سُنَّةِ الْعِيدَيْنِ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ وللأكثرين، وعزاه في الفرع لرواية أبي ذر، عن الكشميهني والمستملي، (باب سُنّة العيدين لأهل الإسلام) وعليه اقتصر الإسماعيلي في المستخرج وأبو نعيم. وقيد

بأهل الإسلام إشارة إلى أن سُنّة أهل الإسلام في العيد خلاف ما يفعله غير أهل الإسلام في أعيادهم. 951 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي زُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فَقَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا». [الحديث 951 - أطرافه في: 955، 965، 968، 976، 983، 5545، 5556، 5557، 5560، 5563، 6673]. وبالسند قال: (حدَّثنا حجاج) هو: ابن منهال السلمي البصري (قال: حدَّثنا شعبة) ابن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (زبيد) بضم الزاي وفتح الموحدة، ابن الحرث اليامي الكوفي (قال: سمعت الشعبي) بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة، عامر بن شراحيل (عن البراء) بن عازب، رضي الله عنه، (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يخطب فقال): (إن أول ما نبدأ به من) ولأبي ذر، عن الحموي والمستملي، في (يومنا هذا) يوم عيد النحر (أن نصلي) صلاة العيد. أي أوّل ما يكون الابتداء به في هذا اليوم الصلاة التي بدأنا بها، فعبّر بالمستقبل عن الماضي. وفي رواية محمد بن طلحة، عن زبيد، الآتية إن شاء الله تعالى في هذا الحديث بعينه، خرج عليه الصلاة والسلام يوم أضحى، إلى البقيع، فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه الشريف وقال: "إن أوّل نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة، ثم نرجع فننحر". وأوّل عيد صلاّه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة. وقد اختلف في حكم صلاة العيد بعد إجماع الأمة على مشروعيتها. فقال أبو حنيفة، رحمه الله: واجبة على الأعيان. وقال المالكية والشافعية: سُنّة مؤكدة. وقال أحمد وجماعة: فرض على الكفاية. واستدل الأوّلون بمواظبته عليه الصلاة والسلام عليها من غير ترك. واستدلّ إلا المالكية والشافعية بحديث الأعرابي في الصحيحين: هل عليّ غيرها؟ قال: "لا إلاّ أن تطوّع". وحديث: "خمس صلوات كتبهنّ الله في اليوم والليلة". وحملوا ما نقله المزني عن الشافعي: أن من وجب عليه الجمعة وجب عليه حضور العيدين، على التأكيد، فلا إثم ولا قتال بتركها. واستدلّ الحنابلة بقوله تعالى: {فصل لربك وانحر} وهو يدل على الوجوب. وحديث الأعرابي يدل على: أنها لا تجب على كل أحد، فتعين أن تكون فرضًا على الكفاية. وأجيب: بأنا لا نسلّم أن المراد بقوله: فصلّ صلاة العيد، سلّمنا ذلك، لكن ظاهره يقتضي وجوب النحر، وأنتم لا تقولون به، سلّمنا أن المراد من النحر ما هو أعمّ، لكن وجوبه خاصّ به، فيختص وجوب صلاة العيد به، سلّمنا الكل، وهو أن الأمر الأوّل غير خاصّ به، والأمر الثاني خاصّ. لكن لا نسلّم أن الأمر للوجوب. فنحمله على الندب جمعًا بينه وبين الأحاديث الأُخَر، سلّمنا جميع ذلك، لكن صيغة: صلِّ، خاصة به، فإن حملت عليه وأمتّه وجب إدخال الجميع، فلما دلّ الدليل على إخراج بعضهم؛ كما زعمتم، كان ذلك قادحًا في القياس، قاله البساطي. (ثم نرجع) بالنصب عطفًا على نصلي، وبالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: نحن نرجع (فننحر) بالنصب (فمن فعل) بأن ابتداء بالصلاة، ثم رجع فنحر (فقد أصاب سُنّتنا). قال الزين بن المنير، فيه إشعار بأن صلاة ذلك اليوم هي الأمر المهم، وإن ما سواها من الخطبة والنحر وغير ذلك من أعمال البرّ يوم العيد، فبطريق التبع، وهذا القدر مشترك بين العيدين، وبذلك تحصل المناسبة بين الحديث والترجمة من حيث أنه قال فيها: العيدين، بالتثنية، مع أنه لا يتعلق إلا بعيد النحر. ورواة الحديث، الأوّل: بصري، والثاني: واسطي، والثالث والرابع: كوفيان، وأخرجه المؤلّف في العيدين أيضًا، وفي الأضاحي، والإيمان والنذور، ومسلم في الذبائح، وأبو داود في الأضاحي، وكذا الترمذي. وأخرجه النسائي في الصلاة، والأضاحي. 952 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: [دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا»]. وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) الهباري القرشي الكوفي (قال: حدّثنا أبو أسامة) بضم الهمزة، حماد بن أسامة (عن هشام) هو: ابن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل) عليّ (أبو بكر) رضي الله عنه (وعندي جاريتان من جواري الأنصار) إحداهما: لحسان بن ثابت، أو كلاهما لعبد الله بن سلام، واسم إحداهما: حمامة كما مر، ويحتمل أن تكون الثانية اسمها: زينب، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في النكاح، (تغنيان) ولمسلم في رواية هشام أيضًا: بدف، وللنسائي: بدفين، ويقال له أيضًا: الكربال، بكسر الكاف، وهو الذي لا جلاجل فيه، فإن كانت فيه فهو المزهر، (بما) ولأبوي ذر والوقت، عن الكشميهني: مما بميمين

4 - باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج

(تقاولت الأنصار) أي: بما قال بعضهم لبعض من فخر أو هجاء وللمصنف في الهجرة: بما تعازفت، بعين مهملة وزاي، وفي رواية: تقاذفت، بقاف بدل العين وذال معجمة بدل الزاي من القذف وهو هجاء بعضهم لبعض (يوم بعاث) بضم الموحدة، حصن للأوس، أو موضع في ديار بني قريظة فيه أموالهم. (قالت) عائشة: (وليستا) أي: الجاريتان (بمغنيتين) نفت عنهما من طريق المعنى ما أثبتته لهما باللفظ، لأن الغناء يطلق على: رفع الصوت، وعلى الترنم، وعلى الحداء، ولا يسمى فاعله مغنيًا، وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسر، وتهييج وتشويق، بما فيه تعريض بالفواحش، أو تصريح بما يحرك الساكن، ويبعث الكامن، وهذا لا يختلف في تحريمه. ومباحث هذه المادة تأتي إن شاء الله تعالى في: كتاب الأشربة، عند الكلام على: حديث المعازف. (فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان) بالرفع على الابتداء، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي وابن عساكر: أبمزامير، أي: أتشتغلون بمزامير الشيطان (في بيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ وذلك في يوم عيد. فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا أبا بكر! إن لكل قوم عيدًا، وهذا) اليوم (عيدنا)، وإظهار السرور فيه من شعائر الدين. واستدلّ به على جواز سماع صوت الجارية بالغناء، ولو لم تكن مملوكة، لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينكر على أبي بكر سماعه، بل أنكر إنكاره. ولا يخفى أن محل الجواز ما إذا أمنت الفتنة بذلك. 4 - باب الأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ (باب الأكل يوم) عيد (الفطر قبل الخروج) إلى الصلّى لصلاة العيد. 953 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ["كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ". وَقَالَ مُرَجَّأُ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا"]. وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحمن) المشهور: بصاعقة، قال: (حدّثنا) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: أخبرنا (سعيد بن سليمان) الملقب: سعدويه (قال: حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة، ابن بشير، بضم الموحدة، وفتح المعجمة، ابن القاسم السلمي الواسطي (قال: أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، عن) جدّه (أنس) رضي الله عنه، ولأبي ذر: عن أنس بن مالك (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يغدو يوم) عيد (الفطر حتى يأكل تمرات) ليعلم نسخ تحريم الفطر قبل صلاته، فإنه كان محرمًا قبلها أوّل الإسلام. وخصّ التمر، لما في الحلو من تقوية النظر الذي يضعفه الصوم ويرق القلب، ومن ثم استحبّ بعض التابعين أن يفطر على الحلو مطلقًا: كالعسل. رواه ابن أبي شيبة، عن معاوية بن قرة، وابن سيرين وغيرهما. والشرب كالأكل، فإن لم يفعل ذلك قبل خروجه استحب له فعله في طريقه، أو في المصلّى إن أمكنه، ويكره له تركه، كما نقله في شرح المهذّب من نصر الأم. (وقال مرجأ بن رجاء) بضم الميم وفتح الراء وتشديد الجيم آخره همزة في الأول، كذا في الفرع وأصله، وضبطه في الفتح بغير همزة، على وزن: معلى، وبفتح الراء والجيم المخففة ممدودًا في الثاني، السمرقندي البصري، المختلف في الاحتجاج به، وليس له في البخاري غير هذا الموضع، مما وصله الإمام أحمد، عن حرمي بن عمارة، والمؤلّف في تاريخه عنه. قال: (حدثني) بالإفراد (عبيد الله) بن أبي بكر المذكور (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (أنس، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وزاد (ويأكلهن وترًا). إشارة إلى الوحدانية، كما كان عليه الصلاة والسلام يفعله في جميع أموره، تبرّكًا بذلك. وزاد ابن حبان: ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا. وفائدة ذكر المؤلّف، رحمه الله تعالى، لهذا التعليق، تصريح عبيد الله فيه بالإخبار عن أنس، لأن السابقة فيها: عنعنة، ولمتابعته فيها هشيمًا. 5 - باب الأَكْلِ يَوْمَ النَّحْرِ. (باب الأكل يوم) عيد (النحر) بعد صلاته لحديث بريدة، المروي عند أحمد والترمذي وابن ماجة بأسناد حسنة وصححه الحاكم، وابن حبان. قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ويوم النحر حتى يرجع فيأكل من نسيكته. وإنما فرّق بينهما لأن السُّنّة أن يتصدّق في عيد الفطر قبل الصلاة، فاستحب له الأكل ليشارك المساكين في ذلك، والصدقة في يوم النحر إنما هي بعد الصلاة من الأضحية، فاستحب موافقتهم. وليتميز اليومان عما قبلهما، إذا ما قبل يوم الفطر يحرم فيه الأكل، بخلاف ما قبل يوم النحر. 954 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيُعِدْ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ، وَذَكَرَ مِنْ جِيرَانِهِ، فَكَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَدَّقَهُ، قَالَ: وَعِنْدِي جَذَعَةٌ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ شَاتَىْ لَحْمٍ. فَرَخَّصَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلاَ أَدْرِي أَبَلَغَتِ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لاَ". [الحديث 954 - أطرافه في: 984، 5546، 5549، 5561]. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا إسماعيل) بن علية (عن أيوب) السختياني (عن محمد) ولأبوي

ذر، والوقت، والأصيلي: عن محمد بن سيرين (عن أنس) هو: ابن مالك رضي الله عنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من ذبح) أضحيته (قبل الصلاة) أي: صلاة العيد (فليعد) أضحيته، لأن الذبح للضحية لا يصح قبلها. واستدلّ بأمره عليه الصلاة والسلام بإعادة التضحية لأبي حنيفة، رحمه الله، على وجوبها، لأنها لو لم تكن واجبة لما أمر بإعادتها عند وقوعها في غير محلها. (فقام رجل) هو: أبو بردة بن نيار (فقال: هذا يوم يشتهى فيه اللحم) أطلق اليوم في الترجمة كما هنا، وبذلك يحتمل أن تقع المطابقة بينهما (وذكر من جيرانه) بكسر الجيم، جمع جار، فقرأ وحاجة (فكأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صدّقه) فيما قال عن جيرانه، (قال: وعندي جذعة) أي من المعز، بفتح الجيم والذال المعجمة والعين المهملة، التي طعنت في الثانية، هي (أحب إليّ من شاتي لحم) لطيب لحمها وسمنها، وكثرة ثمنها، (فرخص له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال أنس: (فلا أدري أبلغت الرخصة) في تضحية الجذعة (من سواه) أي: الرجل، فيكون الحكم عامًّا لجميع المكلفين (أم لا) فيكون خاصًّا به. وهذه المسألة وقع للأصوليين فيها خلاف، وهو أن خطاب الشرع للواحد هل يختص به أو يعمّ. والثاني: قول الحنابلة، والظاهر أن أنسًا لم يبلغه قوله عليه الصلاة والسلام، المروي في مسلم، لا تذبحوا إلا مسنّة. وحديث أنس هذا رواه المؤلّف أيضًا في الأضاحي والعيد، ومسلم في الذبائح، والنسائي في الصلاة والأضاحي، وأخرجه ابن ماجة في الأضاحي أيضًا. 955 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "خَطَبَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الأَضْحَى بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ، وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ قَبْلَ الصَّلاَةِ وَلاَ نُسُكَ لَهُ». فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ خَالُ الْبَرَاءِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي نَسَكْتُ شَاتِي قَبْلَ الصَّلاَةِ وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي، فَذَبَحْتُ شَاتِي وَتَغَدَّيْتُ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الصَّلاَةَ. قَالَ: «شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ». قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ عِنْدَنَا عَنَاقًا لَنَا جَذَعَةً هِيَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ شَاتَيْنِ أَفَتَجْزِي عَنِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» ". وبه قال: (حدّثنا عثمان) بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي أخو أبي بكر بن أبي شيبة (قال: حدّثنا جرير) بفتح الجيم، ابن عبد الحميد الضبي الرازي (عن منصور) هو: ابن المعتمر الكوفي (عن الشعبي) بفتح المعجمة، عامر بن شراحيل، (عن البراء بن عازب) رضي الله عنهما (قال: خطبنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) عيد (الأضحى بعد الصلاة) أي: صلاة العيد (فقال): (من صلى صلاتنا، ونسك) بفتح النون والسين (نسكًا) بضم النون والسين ونصب الكاف، أي: ضحى مثل ضحيتنا (فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فإنه) أي: النسك (قبل الصلاة). استشكل اتحاد الشرط والجزاء. وأجيب: بأن المراد لازمه، فهو كقوله: فهجرته إلى ما هاجر إليه. أي: غير صحيحة، أو غير مقبولة، فالمراد به هنا التحقير، والمراد به هنا عدم الاعتداد بما قبل الصلاة، إذ هو المقرر في النفوس، وحينئذ فيكون قوله: (ولا نسك له) كالتوضيح والبيان له. وقال في الفتح: فإنه قبل الصلاة لا يجزئ ولا نسك له. قال: وفي رواية النسفيّ: فإنه قبل الصلاة لا نسك له، بحذف الواو، وهو أوجه. (فقال أبو بردة) بضم الموحدة وإسكان الراء، هانئ، بالنون والهمزة (بن نيار) بكسر النون وتخفيف المثناة التحتية وبعد الألف راء، البلوي المدني (خال البراء) بن عازب (يا رسول الله، فإني نسكت شاتي قبل الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل) بفتح الهمزة (وشرب) بضم المعجمة. وجوز الزركشي، في تعليق العمدة، فتحها كما قيل له في أيام منى: أيام أكل وشرب. وتعقبه في المصابيح: بأنه ليس محل قياس، وإنما المعتمد فيه الرواية. (وأحببت أن تكون شاتي أول شاة تذبح في بيتي) بنصب: أول، خبر تكون. وبالرفع: اسمها، فتكون شاتي خبرها مقدّمًا، وفي رواية: أول ما يذبح، ولأبوي ذر، والوقت: أول تذبح، بدون الإضافة، بفتح أول لأنه مضاف إلى الجملة، فيكون مبنيًّا على الفتح، أو منصوبًا خبرًا لتكون، كذا قال الكرماني وفيه نظر ظاهر. ويجوز الضم: كقبل وغيره من الظروف المقطوعة عن الإضافة. (فذبحت شاتي وتغديت) بالغين المعجمة من الغداء (قبل أن آتي الصلاة، قال) عليه الصلاة والسلام له: (شاتك شاة لحم) أي: فليست أضحية ولا ثواب فيها، بل هي على عادة الذبح للأكل المجرد من القربة، فاستفيد من إضافتها إلى اللحم نفي الإجزاء. (قال) أي: أبو بردة، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: فقال: (يا رسول الله، فإن عندنا عناقًا) بفتح العين (لنا جذعة) صفتان لعناقًا المنصوب بأن الذي هو: أنثى ولد المعز (هي أحب إليّ) لسمنها، وطيب لحمها، وكثرة قيمتها (من

6 - باب الخروج إلى المصلى بغير منبر

شاتين) وسقط: هي، للأربعة (أفتجزئ) بفتح الهمزة للاستفهام، والمثناة الفوقية وسكون الجيم من غير همز كقوله: {لا يجزي والد عن ولده} [لقمان: 33] أي: أتكفي، لم و: تقضي (عني؟). وقول البرماوي وغيره: وجوّز بعضهم: تجزئ، بالضم من الرباعي المهموز، وبه قال الزركشي في تعليق العمدة معتمدًا على نقل الجوهري: إن بني تميم تقول: أجزأت عنك شاةً، بالهمزة، متعقب بأن الاعتماد إنما يكون على الرواية لا على مجرد نقل الجوهري عن التميميين جوازه. (قال) عليه الصلاة والسلام: (نعم) أي: تجزي عنك، (ولن تجزي) جذعة (عن أحد بعدك) أي: غيرك، لأنه لا بدّ في تضحية المعز من الثنيّ، فهو مما اختص به أبو بردة، كما اختصّ خزيمة بقيام شهادته مقام شاهدين. ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون، وجرير أصله من الكوفة، وفيه التحديث والعنعنة والقول. 6 - باب الْخُرُوجِ إِلَى الْمُصَلَّى بِغَيْرِ مِنْبَرٍ (باب الخروج إلى المصلّى) بالصحراء لصلاة العيدين (بغير منبر). 956 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَىْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ -وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ- فَيَعِظُهُمْ، وَيُوصِيهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ. فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ أَوْ يَأْمُرَ بِشَىْءٍ أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ -وَهْوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ- فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ، فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ، فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ، فَجَبَذَنِي، فَارْتَفَعَ فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: غَيَّرْتُمْ وَاللَّهِ، فَقَالَ: أَبَا سَعِيدٍ قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ، فَقُلْتُ مَا أَعْلَمُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا لاَ أَعْلَمُ. فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ". وبالسند قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم قال: حدّثنا محمد بن جعفر) هو: ابن أبي كثير المدني (قال: أخبرني) بالإفراد (زيد)، ولأبي ذر: زيد بن أسلم (عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح) بفتح المهملة وسكون الراء ثم بالحاء المهملة، واسم جده سعد القرشي المدني (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله تعالى عنه (قال: كان رسول الله) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: كان النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يخرج يوم) عيد (الفطر و) يوم عيد (الأضحى) إلى المصلّى موضع خارج باب المدينة، بينه وبين باب المسجد ألف ذراع. قاله ابن شبة في أخبار المدينة عن أبي غسان صاحب مالك، واستدلّ به على استحباب الخروج إلى الصحراء لأجل صلاة العيد، وأن ذلك أفضل من صلاتها في المسجد لمواظبته عليه الصلاة والسلام على ذلك، مع فضل مسجده، وهذا مذهب الحنفية. وقال المالكية والحنابلة: تسنّ في الصحراء إلا بمكة، فبالمسجد الحرام لسعته. وقال الشافعية: وفعلها في المسجد الحرام وبيت المقدس أفضل من الصحراء، تبعًا للسلف والخلف، ولشرفهما ولسهولة الحضور إليهما، ولوسعهما، وفعلها في سائر المساجد إن اتسعت، أو حصل مطر ونحوه كثلج، أولى لشرفها ولسهولة الحضور إليها مع وسعها في الأول، ومع العذر في الثاني فلو صلّى في الصحراء كان تاركًا للأولى مع الكراهة في الثاني دون الأصل، وإن ضاقت المساجد، ولا عذر، كره فعلها فيها للمشقة بالزحام، وخرج إلى الصحراء، واستخلف في المسجد من يصلّي بالضعفاء كالشيوخ والمرضى ومن معهم من الأقوياء، لأن عليًّا استخلف أبا مسعود الأنصاري في ذلك، رواه الشافعي بإسناد صحيح. (فأول شيء يبدأ به الصلاة) برفع: أول، مبتدأ نكرة مخصصة بالإضافة، خبره: الصلاة. لكن الأولى جعل أول: خبرًا مقدّمًا، والصلاة: مبتدأ لأنه معرفة. وإن تخصص أول، فلا يخرج عن التنكير، وجملة: يبدأ به، في محل جر صفة لشيء. (ثم ينصرف) عليه الصلاة والسلام من الصلاة (فيقوم مقابل الناس) أي مواجهًا لهم. ولابن حبان، من طريق داود بن قيس، فينصرف إلى الناس قائمًا في مصلاه. ولابن خزيمة: خطب يوم عيد على رجليه، وفيه إشعارًا بأنه لم يكن إذ ذاك في المصلّى منبر. (والناس جلوس على صفوفهم) جملة اسمية حالية (فيعظهم) أي: يخوفهم عواقب الأمور (ويوصيهم) بسكون الواو، أي: بما تنبغي الوصية به (ويأمرهم) بالحلال، وينهاهم عن الحرام. (فإن) بالفاء، ولابن عساكر: وإن (كان) عليه الصلاة والسلام (يريد) في ذلك الوقت (أن يقطع بعثًا) بفتح الموحدة وسكون المهملة ثم مثلثة، أي مبعوثًا من الجيش إلى الغزو (قطعه، أو) كان يريد أن (يأمر بشيء، أمر به، ثم ينصرف) إلى المدينة. (قال) ولأبي ذر، في نسخة، وأبي الوقت: فقال (أبو سعيد) الخدري: (فلم يزل الناس على ذلك) الابتداء بالصلاة والخطبة بعدها (حتى خرجت مع مروان) بن الحكم (-وهو أمير المدينة-) من قبل معاوية، والواو في: وهو، للحال (في) عيد (أضحى أو) في عيد (فطر فلما أتينا المصلّى) المذكور (إذا منبر) مبتدأ خبره (بناه كثير بن الصلت) بفتح الصاد المهملة وسكون اللام ثم مثناة فوقية، ابن معاوية الكندي التابعي الكبير، المولود في الزمن

7 - باب المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة

النبوي. والعامل في إذا، معنى المفاجأة، أي فاجأنا مكان المنبر زمان الإتيان، أو: الخبر مقدّر، أي: هناك. فيكون بناه حالاً. وإنما اختص كثير ببناء المنبر بالمصلّى لأن داره كانت في قبلتها. (فإذا مروان يريد أن يرتقيه) أي: يريد صعود المنبر، فأن مصدرية (قبل أن يصلّي) قال أبو سعيد: (فجبدت بثوبه) ليبدأ بالصلاة قبل الخطبة على العادة ولأبي ذر عن المستملي: فجبذته بثوبه (فجبذني فارتفع) على المنبر (فخطب قبل الصلاة، فقلت له) ولأصحابه: (غيرتم والله) سُنّة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخلفائه، لأنهم كانوا يقدّمون الصلاة على الخطبة، فحمله أبو سعيد على التعيين. (فقال) مروان: يا (أبا سعيد، قد ذهب ما تعلم) قال أبو سعيد: (فقلت: ما أعلم) أي الذي أعلمه (والله خير) ولأبي ذر في نسخة: خير والله (مما لا أعلم) أي لأن الذي أعلمه طريق الرسول وخلفائه، والقسم معترض بين المبتدأ والخبر. (فقال) مروان معتذرًا عن ترك الأولى: (إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها) أي الخطبة (قبل الصلاة) فرأى أن المحافظة على أصل السُّنَّة، وهو استماع الخطبة، أولى من المحافظة على هيئة فيها ليست من شرطها. ومذهب الشافعية: لو خطب قبلها لم يعتدّ بها، وأساء. وأما ما فعل مروان بن الحكم من تقديم الخطبة، فقد أنكره عليه أبو سعيد كما ترى. ورواد هذا الحديث كلهم مدنيون. 7 - باب الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ إِلَى الْعِيدِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلاَ إِقَامَةٍ (باب المشي والركوب إلى) صلاة (العيد، و) باب تقديم (الصلاة قبل الخطبة، و) باب صلاته (بغير أذان) عند صعود الإمام المنبر، ولا عند غيره (ولا إقامة) عند نزوله ولا عند غيره. وسقط في غير رواية أبي ذر، وابن عساكر: والصلاة قبل الخطبة. 957 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمْرَانَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي فِي الأَضْحَى وَالْفِطْرِ، ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلاَةِ". [الحديث 957 - طرفه في: 963]. وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي، بكسر الحاء المهملة وبالزاي المخففة (قال: حدّثنا أنس) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: أنس بن عياض (عن عبيد الله) بالتصغير، ابن عمر بن حفص بن عاصم ابن عمر، العمري المدني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، وسقط: عبد الله، لابن عساكر: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يصلّي في) عيد (الأضحى و) عيد (الفطر) ولأبي ذر: في الفطر والأضحى (ثم يخطب بعد الصلاة) صرّح بتقديم الصلاة، فهو مطابق للجزء الثاني من الترجمة. وقد اختلف في أول من غير هذا، فقدم الخطبة على الصلاة. وحديث مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد صريح أنه مروان. وقيل: معاوية، رواه عبد الرزاق. وقيل: زياد. والظاهر أن مروان وزيادًا فعلا ذلك تبعًا لمعاوية، لأن كلاًّ منهما كان عاملاً له. وقيل: بل سبقه إليه عثمان لأنه رأى ناسًا لم يدركوا الصلاة فصار يقدّم الخطبة. رواه ابن المنذر بإسناد صحيح إلى الحسن البصري، وهذه العلة غير التي اعتلّ بها مروان لأنه راعى مصلحتهم في استماع الخطبة. لكن قيل: إنهم كانوا في زمنه يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سبّ مَن لا يستحق السبّ، والإفراط في مدح بعض الناس، فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه. وأما عثمان فراعى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة. على أنه يحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك أحيانًا، بخلاف مروان فواظب على ذلك، فنسب إليه. وقيل: عمر بن الخطاب، رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة بإسناد صحيح، لكن يعارضه حديث ابن عباس المذكور في الباب الذي بعده. وكذا حديث ابن عمر. فإن جمع بوقوع ذلك نادرًا، وإلاّ فما في الصحيحين أصح. أشار إليه في الفتح. وقد تقدم قريبًا في آخر الباب السابق، أنه. لا يعتدّ بالخطبة إذا تقدمت على الصلاة. فهو كالسُّنّة الراتبة، بعد الفريضة إذا قدّمها عليها. فلو لم يعد الخطبة لم تلزمه إعادة ولا كفّارة. وقال المالكية. إن كان قريبًا أمر بالإعادة وإن بَعُدَ فات التدارك. وهذا بخلاف الجمعة، إذ لا تصح إلا بتقديم الخطبة، لأن خطبتها شرط لصحتها، وشأن الشرط أن يقدّم. ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون، وشيخ المؤلّف من أفراده، وفيه التحديث والعنعنة والقول. 958 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ". [الحديث 958 - طرفاه في: 961، 978]. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي الرازي الصغير (قال: أخبرنا) ولابن عساكر:

حدّثنا (هشام) هو: ابن يوسف الصنعاني اليماني، قاضيها (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو: ابن أبي رباح (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (قال: سمعته) أي: كلامه حال كونه (يقول: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج يوم) عيد (الفطر) إلى المصلّى. (فبدأ بالصلاة قبل الخطبة). 959 - قَالَ وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي أَوَّلِ مَا بُويِعَ لَهُ: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ بِالصَّلاَةِ يَوْمَ الْفِطْرِ، إِنَّمَا الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلاَةِ". قال ابن جريج، بالإسناد السابق: (وأخبرني) بالإفراد (عطاء أن ابن عباس) رضي الله عنهما، (أرسل إلى ابن الزبير) عبد الله (في أول ما بويع له)، أي: لابن الزبير بالخلافة سنة أربع وستين، عقب موت يزيد بن معاوية، (أنه لم يكن يؤذّن) في زمنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بالصلاة يوم) عيد (الفطر) وذال يؤذن بالفتح مبنيًّا للمجهول، خبر كان واسمها ضمير الشأن، وكذا اسم إن المذكورة قبلها. (وإنما الخطبة بعد الصلاة) لا قبلها. ولغير أبوي ذر والوقت، والكشميهني: إنما، بغير واو، ولأبي ذر، عن الحموي والمستملي: وأما، بغير نون. قيل هو تصحيف. وأجيب: بأنه لا وجه لادعاء تصحيفه، ومعناه: وأما الخطبة فتكون بعد الصلاة. ورواة هذا الحديث ما بين رازي ويماني ومكّي، وهشام من أفراده. وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود في الصلاة. 960 - وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالاَ: [لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلاَ يَوْمَ الأَضْحَى]. قال ابن جريج بالسند المذكور (وأخبرني عطاء) أيضًا (عن ابن عباس، وعن جابر بن عبد الله) الأنصاري (قالا: لم يكن يؤذن) بفتح الذال (يوم) عيد (الفطر، ولا يوم) عيد (الأضحى) في زمنه عليه الصلاة والسلام. وفي رواية يحيى القطان، عن ابن جريج، عن عطاء عن ابن عباس، قال لابن الزبير: لا تؤذن لها، ولا تقم. أخرجه ابن أبي شيبة. ولمسلم، عن عطاء عن جابر: فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة. وعنده أيضًا من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر قال: لا أذان للصلاة يوم العيد ولا إقامة ولا شيء. واستدلّ المالكية والجمهور بقوله: ولا إقامة ولا شيء، أنه لا يقال قبلها: الصلاة جامعة، ولا: الصلاة. واحتج الشافعية على استحباب قوله، بما روى الشافعي عن الثقة عن الزهري، قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمر المؤذن في العيدين فيقول: الصلاة جامعة. وهذا مرسل يعضده القياس على صلاة الكسوف لثبوته فيها، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. فلنتوق ألفاظ الأذان كلها، أو بعضها، فلو أذن أو أقام، كره له كما نص عليه في الأم. وأول من أحدث الأذان فيها: معاوية، رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، زاد الشافعي في روايته عن الثقة، عن الزهري، فأخذ به الحجاج حين أمّر على المدينة. أو: زياد، بالبصرة، رواه البن المنذر، أو: مروان، قاله: الداودي، أو: هشام، قاله ابن حبيب، أو: عبد الله بن الزبير، ورواه ابن المنذر أيضًا. 961 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ بَعْدُ، فَلَّمَا فَرَغَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلاَلٍ، وَبِلاَلٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ صَدَقَةً". قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَتَرَى حَقًّا عَلَى الإِمَامِ الآنَ أَنْ يَأْتِيَ النِّسَاءَ فَيُذَكِّرَهُنَّ حِينَ يَفْرُغُ؟ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ عَلَيْهِمْ، وَمَا لَهُمْ أَنْ لاَ يَفْعَلُوا؟ (و) بالإسناد أيضًا (عن جابر بن عبد الله قال: سمعته يقول: إن النبي) وللأصيلى، وأبي الوقت، وأبي ذر، في نسخة: عن جابر بن عبد الله أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قام، فبدأ بالصلاة) يوم العيد (ثم خطب للناس بعد). أي: بعد الصلاة. (فلما فرغ نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الخطبة (نزل). فإن قلت: قد سبق أنه عليه الصلاة والسلام كان يخطب في المصلّى على الأرض، وقوله هنا: نزل، يُشعِر بأنه كان يخطب على مكان مرتفع. أجيب: باحتمال أن الراوي ضمن النزول معنى الانتقال، أي: انتقل. (فأتى النساء، فذكرهن) بتشديد الكاف، أي: وعظهن (وهو يتوكأ) أي: يعتمد (على يد بلال). قيل: يحتمل أن يكون المؤلّف استنبط من قوله: وهو يتوكأ على يد بلال، مشروعية الركوب لصلاة العيد لمن احتاج إليه، بجامع الارتفاع بكلّ منهما، فكأنه يقول: الأولى المشي للتواضع حتى يحتاج إلى الركوب، كما خطب عليه الصلاة والسلام قائمًا على قدميه، فلما تعب توكأ على يد بلال. وفي الترمذي، عن علي، قال: من السُّنّة أن يخرج إلى العيد ماشيًا. وفي ابن ماجة، عن سعد القرظ: أنه عليه الصلاة والسلام، كان يخرج إلى العيد ماشيًا، وفيه عن أبي رافع نحوه، ولم يذكرها المؤلّف لضعفها. واستدلّ الشافعية بحديث: إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وائتوها وأنتم تمشون. قالوا: ولا بأس بركوب العاجز للعذر، وكذا الراجع منها، ولو كان قادرًا ما لم يتأذّ به أحد، لانقضاء العبادة. وجملة: وهو يتوكأ، حالية. وكذا

8 - باب الخطبة بعد العيد

قوله: (وبلال باسط ثوبه يلقي) بضم المثناة التحتية، أي يرمي (فيه النساء صدقة). قال جريج: (قلت لعطاء: أترى) بفتح التاء (حقًّا على الإمام الآن أن يأتي النساء) وسقط: أن، لابن عساكر (فيذكرهن حين يفرغ) أي: من الخطبة. وحقًّا مفعول ثانٍ لقوله: أترى، قدّم على الثاني، وهو: أن يأتي النساء للاهتمام به. (قال) عطاء: (إن ذلك لحق عليهم، وما لهم أن لا يفعلوا) ذلك. وما، نافية أو: استفهامية. 8 - باب الْخُطْبَةِ بَعْدَ الْعِيدِ (باب الخطبة بعد) صلاة (العيد). هذه الترجمة من جملة التراجم الثلاثة السابقة في الباب المتقدم، ولعله أعادها لمزيد الاعتناء، وهو مما يرجح رواية أبي ذر، وابن عساكر بسقوطها في الباب السابق، واقتصارهم على ترجمتين فقط. كما مر. 962 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ -رضي الله عنهم- فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل البصري (قال: أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (الحسن بن مسلم) بضم الميم وسكون السين وكسر اللام، ابن يناق، بفتح المثناة التحتية وتشديد النون وبعد الألف قاف (عن طاوس) هو: ابن كيسان (عن ابن عباس) رضي الله عنهما، (قال: شهدت العيد مع رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، رضي الله عنهم، فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة). هذا صريح فيما ترجم له، وشيخ المؤلّف بصري، والثاني والثالث مَكِّيّان، والرابع يماني، وفيه التحديث، والإخبار، والعنعنة، والقول. وأخرجه المؤلّف في: التفسير، ومسلم في الصلاة، وكذا أخرجه أبو داود. 963 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -رضي الله عنهما- يُصَلُّونَ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ". وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي (قال: حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (قال: حدّثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا، ابن عمر بن حفص العمري (عن نافع، عن ابن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما، (قال: كان رسول الله) ولأبي ذر في رواية، وأبي الوقت، والأصيلي: كان النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبو بكر، وعمر رضي الله عنهما، يصلون العيدين قبل الخطبة). 964 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا. ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ، تُلْقِي الْمَرْأَةُ خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي بمعجمة، ثم مهملة، البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) بالمثلثة، الأنصاري الكوفي (عن سعيد بن جبير) الأسدي، مولاهم الكوفي، المقتول بين يدي الحجاج سنة خمس وتسعين (عن ابن عباس) رضي الله عنهما، (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى يوم) عيد (الفطر ركعتين) لا أربعًا. وما روي عن عليّ أنها تُصلّى في الجامع أربعًا، وفي المصلّى ركعتين، مخالف لما انعقد عليه الإجماع. (لم يصلّ قبلها ولا بعدها) تطوعًا. وحكم ذلك يأتي إن شاء الله تعالى (ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة) لكونه رآهن أكثر أهل النار. (فجعلن يلقين) الصدقة في ثوب بلال، (تلقي المرأة خرصها) بضم الخاء المعجمة وقد تكسر، أي؛ حلقتها الصغيرة التي تعلق بالأُذن (و) تلقي (سخابها) بكسر السين المهملة والخاء المعجمة مخففة وبعد الألف موحدة، خيط من خرز. وقال البخاري: قلادة من طيب أو مسك أو قرنفل ليس فيه من الجوهر شيء، وسمي به لصوت خرزه، عند الحركة من السخب، وهو اختلاط الأصوات، ويجوز فيه الصاد. 965 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ. فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسْكِ فِي شَىْءٍ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْتُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. فَقَالَ: «اجْعَلْهُ مَكَانَهُ وَلَنْ تُوفِيَ -أَوْ تَجْزِيَ- عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا زبيد) بضم الزاي وفتح الموحدة مصغرًا، ابن الحرث اليامي، بالمثناة التحتية (قال: سمعت الشعبي) عامر بن شراحيل (عن البراء بن عازب) رضي الله عنه (قال، قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في خطبته بعد أن صلّى العيد: (إن أول ما نبدأ) به (في يومنا هذا) يوم عيد الأضحى، وكذا عيد الفطر (أن نصلي) الصلاة التي قدمنا فعلها، فعبر بالمستقبل عن الماضي (ثم نرجع فننحر). نصب عطفًا على السابق، والتعقيب بثم لا يستلزم عدم تخلّل أمر آخر بين الأمرين (فمن فعل ذلك) أي البدء بالصلاة، ثم رجع فنحر (فقد أصاب سنّتنا، ومن نحر قبل الصلاة) إبلاً أو ذبح غيرها، المشهور أن النحر في الإبل، والذبح في غيرها، وقد يطلق النحر على الذبح لأن كلاًّ منهما يحصل به إنهار الدم (فإنما هو لحم قدّمه لأهله، ليس من النسك في شيء) بسكون السين في اليونينية. (فقال رجل من الأنصار يقال له: أبو بردة) بضم الموحدة

9 - باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم

وسكون الراء (بن دينار) بكسر النون وتخفيف المثناة التحتية: (يا رسول الله، ذبحت) شاتي قبل أن آتي الصلاة (وعندي جذعة) من المعز ذات سنة هي (خير) لسمنها وطيب لحمها وكثرة ثمنها (من مسنّة) أي: ثنية من المعز ذات سنتين (فقال) عليه الصلاة والسلام، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي قال: (اجعله مكانه) بتذكير الضميرين مع عودهما لمؤنث، اعتبارًا بالمذبوح (ولن توفي) بضم المثناة الفوقية وسكون الواو وكسر الفاء مخففة، كذا في اليونينية، وضبطه البرماوي وغيره؛ توفي، بفتح الواو وتشديد الفاء (أو تجزي) بفتح أوله من غير همز، شك من الراوي، أي: لن تكفي جذعة (عن أحد بعدك)، خوصية له، لا تكون لغيره، إذ كان له، عليه الصلاة والسلام، أن يخص من شاء بما شاء من الأحكام. 9 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ حَمْلِ السِّلاَحِ فِي الْعِيدِ وَالْحَرَمِ وَقَالَ الْحَسَنُ: نُهُوا أَنْ يَحْمِلُوا السِّلاَحَ يَوْمَ عِيدٍ، إِلاَّ أَنْ يَخَافُوا عَدُوًّا. (باب ما يكره من حمل السلاح في العيد و) أرض (الحرم) بطرًا وأشرًا من غير أن يتحفظ، حال حمله وتجريده، من إصابة أحد من الناس، لا سيما عند المزاحمة والمسالك الضيقة. وهذا بخلاف ما ترجم له فيما سبق من: لعب الحبشة بالحراب والدرق يوم العيد للتدريب والإدمان لأجل الجهاد مع الأمن من الإيذاء. (وقال الحسن) البصري: (نهوا) بضم النون والهاء. أصله: نهيوا، استثقلوا الضمة على الياء، فنقلت إلى ما قبلها بعد سلب حركة ما قبلها، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين. (أن يحملوا السلاح يوم عيد) خوفًا أن يصل الإيذاء لأحد و: عيد، بالتنكير، وللأصيلي، وأبي الوقت، وأبي ذر، في نسخة، يوم العيد. (إلاّ أن يخافوا عدوًّا) فيباح حمله للضرورة. وقد روى ابن ماجة، بإسناد ضعيف عن ابن عباس: أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نهى أن يلبس السلاح في بلاد الإسلام إلا أن يكونوا بحضرة العدوّ. وروى مسلم عن جابر: نهى أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يحمل السلاح بمكة. 966 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى أَبُو السُّكَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: "كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ حِينَ أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ، فَلَزِقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ، فَنَزَلْتُ فَنَزَعْتُهَا. وَذَلِكَ بِمِنًى -فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ فَجَعَلَ يَعُودُهُ. فَقَالَ الْحَجَّاجُ: لَوْ نَعْلَمُ مَنْ أَصَابَكَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَنْتَ أَصَبْتَنِي. قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: حَمَلْتَ السِّلاَحَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ، وَأَدْخَلْتَ السِّلاَحَ الْحَرَمَ، وَلَمْ يَكُنِ السِّلاَحُ يُدْخَلُ الْحَرَمَ". [الحديث 966 - طرفه في: 967]. وبالسند قال: (حدّثنا زكريا بن يحيى) الطائي الكوفي، كنيته (أبو السكين) بضم المهملة وفتح الكاف، مصغرًا (قال: حدّثنا المحاربي) بضم الميم وبالمهملة وبعد الألف والراء المكسورة موحدة، عبد الرحمن بن محمد، لا ابنه عبد الرحيم (قال: حدّثنا محمد بن سوقة) بضم المهملة وسكون الواو وفتح القاف التابعي الصغير الكوفي (عن سعيد بن جبير قال): (كنت مع ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه) بإسكان الخاء المعجمة وفتح الميم ثمّ صاد مهملة، ما دخل من القدم، فلم يصب الأرض عند المشي، (فلزقت) بكسر الزاي (قدمه بالركاب، فنزلت فنزعتها). أنّث الضمير مع عوده إلى السنان المذكر، إما باعتبار إرادة الحديدة، أو السلاح لأنه مؤنث، أو: هو راجع إلى القدم، فيكون من باب القلب، كما في: أدخلت الخفّ في الرِجل. (وذلك) أي: وقوع الإصابة (بمنى) بعد قتل عبد الله بن الزبير بسنة. (فبلغ الحجاج) بن يوسف الثقفي، وكان إذ ذاك أميرًا على الحجاز (فجعل يعوده). جعلَ من أفعال المقاربة الموضوعة للشروع في العمل، ويعوده خبره، ولأبي ذر، وابن عساكر: عن المستملي: فجاء يعوده. والجملة حالية. (فقال الحجاج) له: (لو نعلم من أصابك) عاقبناه، ولأبي الوقت، عن الحموي والمستملي، كما في الفرع: وقال العيني، كالحافظ ابن حجر، ولأبي ذر، بدل: أبي الوقت: ما أصابك. (فقال ابن عمر) للحجاج: (أنت أصبتني) نسب الفعل إليه لأنه أمر رجلاً معه حربة يقال: إنها كانت مسمومة، فلصق ذلك الرجل به، فأمرّ الحربة على قدمه، فمرض منها أيامًا ثم مات. وذلك في سنة أربع وسبعين. وكان سبب ذلك أن عبد الملك كتب إلى الحجاج: أن لا تخالف ابن عمر، فشقّ عليه ذلك، وأمر ذلك الرجل بما ذكر. حكاه الزبيري في الأنساب. وفي كتاب الصريفيني: لما أنكر عبد الله على الحجاج نصب المنجنيق، يعني: على الكعبة، وقتل عبد الله بن الزبير، أمر الحجاج بقتله، فضربه رجل من أهل الشام ضربة، فلما أتاه الحجاج يعوده قال له عبد الله: تقتلني ثم تعودني؟ كفى الله حكمًا بيني وبينك. فصرّح أنه أمر بقتله، وأنه قاتله، بخلاف ما حكاه الزبيري فإنه غير صريح. (قال) الحجاج: (وكيف) أصبتك؟ (قال) ابن عمر له:

10 - باب التبكير إلى العيد

(حملت السلاح) أي: أمرت بحمله (في يوم لم يكن يحمل فيه) السلاح، وهو يوم العيد (وأدخلت السلاح الحرم) المكي، ولأبوي ذر، والوقت: في الحرم (ولم يكن السلاح يدخل الحرم) بضم المثناة التحتية مبنيًّا للمفعول. أي فخالفت السُّنّة في الزمان والمكان، وفيه: أن قول الصحابي: كان يفعل كذا، مبنيًّا للمفعول له حكم الرفع. ورواة هذا الحديث كوفيون، وفيه تابعي عن تابعي، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وشيخ المؤلّف من أفراده، وأخرجه أيضًا: في العيدين. 967 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "دَخَلَ الْحَجَّاجُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: كَيْفَ هُوَ؟ فَقَالَ: صَالِحٌ. فَقَالَ: مَنْ أَصَابَكَ؟ قَالَ: أَصَابَنِي مَنْ أَمَرَ بِحَمْلِ السِّلاَحِ فِي يَوْمٍ لاَ يَحِلُّ فِيهِ حَمْلُهُ" يَعْنِي الْحَجَّاجَ". وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يعقوب) المسعودي الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد (إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي) بفتح عين عمرو وسكون ميمه، وكسر عين سعيد، كلاهما الأموي القرشي (عن أبيه) سعيد المذكور (قال): (دخل الحجاج) بن يوسف (على ابن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما (وأنا عنده فقال: كيف هو؟ فقال: صالح. فقال) أي: الحجاج، ولأبي ذر: قال: (من أصابك؟ قال) ابن عمر: (أصابني من أمر بحمل السلاح في يوم لا يحلّ فيه حمله) وهو يوم العيد. (يعني) ابن عمر: (الحجاج). نصب على المفعولية. وزاد الإسماعيلي في هذه الطريق: قال: لو عرفناه لعاقبناه. قال: وذلك لأن الناس نفروا عشية، ورجل من أصحاب الحجاج عارض حربته، فضرب ظهر قدم ابن عمر، فأصبح وهنًا منها، ثم مات. فإن قلت: هذه الرواية فيها تعريض بالحجاج حيث قال: أصابني من أمر، ورواية سعيد بن جبير المتقدمة مصرّحة بأنه الذي فعل ذلك، حيث قال: أنت أصبتني. أجيب: باحتمال تعدّد الواقعة، أو السؤال، فلعله عرّض به أولاً، فلما أعاد عليه صرّح. 10 - باب التَّبْكِيرِ إِلَى الْعِيدِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ: إِنْ كُنَّا فَرَغْنَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ. وَذَلِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ. (باب التبكير للعيد) أي: لصلاة العيد. والتبكير بتقديم الموحدة على الكاف من بكر إذا بادر وأسرع، ولأبي ذر، والأصيلي، عن الكشميهني: التكبير، بتأخير الموحدة بعد الكاف. وعزاها العيني، كالحافظ ابن حجر، للمستملي قال: وهو تحريف. (وقال عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وإسكان المهملة، المازني السلمي، الصحابي ابن الصحابي، آخر من مات من الصحابة بالشام، فجأة، سنة ثمان وثمانين، مما وصله أحمد، من طريق خمير، بضم الخاء المعجمة مصغرًا، قال: خرج عبد الله بن بسر مع الناس يوم عيد فطر أو أضحى، فأنكر بإبطاء الإمام، وقال (إن كنا فرغنا في هذه الساعة) في رواية أحمد المذكورة إن كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد فرغنا. فصرح برفعه، وأثبت قد، وهي ساقطة من البخاري كما في اليونينية. وعند الحافظ ابن حجر في فتح الباري، والعلاّمة العيني في شرحه. نعم، في كلام البرماوي والزركشي ما يدل على ثبوتها، ولا مانع من ثبوتها في بعض الأصول تبعًا لأصول التعليق عند أحمد، لكنهما حكيا أن الصواب: لقد فرغنا، بإثبات اللام الفارقة. وتعقب ذلك العلامة البدر الدماميني؛ بأنها إنما تكون لازمة عند خوف اللبس. قال ابن مالك: فإن أمن اللبس لم يلزم، كقراءة أبي رجاء {وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا} [الزخرف: 35]. بكسر اللام ومنه. إن كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب التيمّن، وإن كان من أحب الناس إلى غير ذلك. اهـ. وإن في قوله: إن كنا، هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن. (وذلك) أي: وقت الفراغ (حين التسبيح) أي وقت صلاة السبحة، وهي النافلة، إذ مضى وقت الكراهة. وفي رواية صحيحة للطبراني: وذلك حين تسبيح الضحى، واختلف في وقت الغدوّ إليها، ومذهب الشافعية والحنابلة: أن المأموم يذهب مع صلاة الصبح، وأما الإمام فعند إرادة الإحرام بها للاتباع، رواه الشيخان. وقال المالكية، بعد طلوع الشمس، في حق الإمام والمأموم، فلفعل ابن عمر. ووقتها عند الشافعية: ما بين طلوع الشمس وزوالها، وإن كان فعلها عقب الطلوع مكروهًا لأن مبنى المواقيت على أنه إذا خرج وقت صلاة دخل وقت غيرها. وبالعكس، لكن الأفضل إقامتها من ارتفاعها قيد رمح للاتباع، وليخرج وقت الكراهة، وللخروج من الخلاف. وقال المالكية، والحنفية، والحنابلة: من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال. لنا ما سبق عن

11 - باب فضل العمل في أيام التشريق

عبد الله بن بسر حيث قال: إن كنا قد فرغنا ساعتنا هذه: وذلك حين صلاة التسبيح. واحتج الثلاثة بفعله عليه الصلاة والسلام، ونهيه عن الصلاة وقت طلوع الشمس، وأجابوا عن حديث ابن بسر هذا بأنه كان قد تأخر عن الوقت، بدليل ما تواتر عن غيره، وبأن الأفضل ما عليه الجمهور، وهو فعلها بعد الارتفاع قيد رمح. فيكون ذلك الوقت أفضل بالإجماع. وهذا الحديث، لو بقي على ظاهره لدلّ على أن الأفضل خلافه. 968 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَىْءٍ». فَقَامَ خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ، وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. قَالَ: «اجْعَلْهَا مَكَانَهَا -أَوْ قَالَ اذْبَحْهَا- وَلَنْ تَجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ». وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب، قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن زبيد) اليامي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن البراء) بن عازب، رضي الله عنه، (قال): (خطبنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم النحر) أي بعد أن صلّى العيد (فقال): (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا) أي: وفي يوم عيد الفطر (أن نصلي) صلاة العيد التي صليناها قبل، (ثم نرجع فننحر) بالنصب عطفًا على ما سبق والنحر للإبل، والذبح لغيرها، أو يطلق النحر على الذبح بجامع إنهار الدم. (فمن فعل ذلك) بأن قدّم الصلاة على الخطبة ثم نحر (فقد أصاب سنّتنا، ومن ذبح قبل أن يصلّي) العيد (فإنما هو) أي: الذي ذبحه (لحم عجله لأهله، ليس من النسك) المتقرب بها (في شيء)، ولأبي ذر، عن الكشميهني: فإنها، أي: ذبيحته لحم. قال البراء: (فقام خالي أبو بردة بن نيار) بكسر النون وتخفيف المثناة (فقال: يا رسول الله! أنا) ولأبي ذر، والأصيلي، وأبي الوقت، عن الحموي والمستملي: إني (ذبحت) شاتي (قبل أن أصلي، وعندي جذعة) من المعز، هي (خير من مسنة)، لها سنتان، لنفاستها لحمًا وثمنًا. (قال) عليه الصلاة والسلام له، ولأبي الوقت، فقال: (اجعلها مكانها -أو قال اذبحها-) شك من الراوي (ولن تجزي جذعة عن أحد بعدك) وفي رواية: غيرك. ووجه الدلالة للترجمة من قوله: "أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ... " من جهة أن المؤخر لصلاة العيد عن أول النهار بدأ بغير الصلاة، لأنه بدأ بتركها، والاشتغال عنها بما لا يخلو الإنسان منه عند خلوه عن الصلاة، وهو استنباط خفي يجنح إلى الجمود على اللفظ، والإعراض عن النظر إلى السياق، وله وجه. ويحقق ما قلناه، أنه قال في طريق أخرى، تأتي إن شاء الله تعالى: "إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ... " فالأوّلية باعتبار المناسك، لا باعتبار النهار: قاله في المصابيح. 11 - باب فَضْلِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَات}: أَيَّامُ الْعَشْرِ. وَالأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ. (باب فضل العمل في أيام التشريق) الثلاثة بعد يوم النحر، أو: هو منها عملاً بسبب التسمية به، لأن لحوم الأضاحي كانت تشرك فيها بمنى، أيّ تقدد، ويبزر بها للشمس. أو: أنها كلها أيام تشريق لصلاة يوم النحر، لأنها إنما تصلّي بعد أن تشرق الشمس، فصارت تبعًا ليوم النحر. أو: من قول الجاهلية: أشرق ثبير كيما نغير أي ندفع فننحر. وحينئذ فإخراجهم يوم النحر منها إنما هو لشهرته بلقب خاص، وهو: يوم العيد، وإلاّ فهي في الحقيقة تبع له في التسمية. وقد روى أبو عبيد، من مرسل الشعبي، بسند رجاله ثقات: "من ذبح قبل التشريق فليعد". أي: قبل صلاة العيد. لكن مقتضى كلام الفقهاء واللغويين: أنها غيره، والله تعالى أعلم. (وقال ابن عباس) رضي الله عنهما، مما وصله عبد بن حميد في تفسيره (واذكروا {الله في أيام معلومات}) [الحج: 28] باللام هي: (أيام العشر) الأول من ذي الحجة. قال: (والأيام المعدودات) بالدال: هي (أيام التشريق) الثلاثة: الحادي عشر من ذي الحجة: يوم القرّ بفتح القاف، لأن الحجاج يقرّون فيه بمنى، والثاني عشر، والثالث عشر: المسمّيان بالنفر الأول لجواز النفر فيه لمن تعجل، والنفر الثاني. ويقال لها: أيام منى، لأن الحجاج يقيمون فيها بمنى. وهذا، أي قوله: واذكروا {الله في أيام معلومات} باللام، رواية كريمة وابن شبويه، وهي خلاف التلاوة، لأنها في سورة البقرة: معدودات بالدال، ولأبي ذر، عن الحموي والمستملي {واذكروا الله في أيام معدودات) بالدال، وهي مخالفة للتلاوة أيضًا، لأنها، وإن كانت موافقة لآية البقرة في {معدودات} بالدال لكنها مخالفة لها من حيث التعبير بفعل الأمر، موافقة لآية الحج في التعبير بالمضارع، لكن تلك: أي: آية الحج، {معلومات} باللام مع إثبات: اسم، في قوله: {ويذكروا اسم الله} ولأبي ذر أيضًا، عن الكشميهني، مما في الفتح

والعمدة {ويذكروا الله في أيام معلومات} باللام بلفظ سورة الحج، لكنه حذف لفظ: اسم. وبالجملة فليس في هذه الروايات الثلاثة ما يوافق التلاوة، ومن ثم استشكلت. وأجيب: بأنه لم يقصد بها التلاوة، وإنما حكي كلام ابن عباس. وابن عباس إنما أراد تفسير المعدودات والمعلومات. نعم، في فرع اليونينية، مما رقم له بعلامة أبي ذر، عن الكشميهني: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} باللام، وهذا موافق لما في الحج. (وكان ابن عمر) بن الخطاب (وأبو هريرة) رضي الله عنهم، مما ذكره البغوي والبيهقي معلقًا عنهما، (يخرجان إلى السوق في أيام العشر) الأول من ذي الحجة (يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما). قال البرماوي كالكرماني: هذا لا يناسب الترجمة، إلا أن المصنف، رحمه الله كثيرًا ما يضيف إلى الترجمة ما له أدنى ملابسة استطرادًا. وقال في الفتح: الظاهر أنه أراد تساوي أيام التشريق بأيام العشر، لجامع ما بينهما مما يقع فيهما من أعمال الحج. (وكبر محمد بن علي) الباقر، فيما وصله الدارقطني في: المؤتلف، عنه في: أيام التشريق بمنى، (خلف النافلة) كالفريضة. وفي ذلك خلاف يأتي إن شاء الله تعالى في الباب اللاحق مع غيره. 969 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ». قَالُوا: وَلاَ الْجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الْجِهَادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَىْءٍ». وبالسند قال: (حدثنا محمد بن عرعرة) بفتح العينين المهملتين، وبالراءين (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش، (عن مسلم البطين) بفتح الموحدة وكسر المهملة وسكون التحتية آخره نون، لقب به لعظم بطنه، وهو كوفي (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال): (ما العمل) مبتدأ، يشمل أنواع العبادات: كالصلاة والتكبير، والذكر، والصوم، وغيرها (في أيام) من أيام السنة، وهو متعلق المبتدأ، أو خبره قوله: (أفضل منها) الجار والمجرور متعلق بأفضل، والضمير عائد إلى العمل، بتقدير الإعمال كما في قوله تعالى {أو الطفل الذين} [النور: 31] كذا قرره البرماوي والزركشي. وتعقبه المحقق ابن الدماميني فقال: هذا غلط، لأن الطفل يطلق على الواحد والجماعة بلفظ واحد، بخلاف العمل، وزاد فخرّجه على أن يكون الضمير عائدًا إلى العمل، باعتبار إرادة القربة مع عدم تأويله بالجمع، أي: ما القربة في أيام أفضل منها (في هذا العشر) الأول من ذي الحجة. كذا في رواية أبي ذر عن الكشميهني بالتصريح: بالعشر، وكذا عند أحمد، عن غندر، عن شعبة بالإسناد المذكور. بل في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة بلفظ: عشر الحجة. وممن صرّح بالعشر أيضًا ابن ماجة، وابن حبان، وأبو عوانة. ولكريمة عن الكشميهني: "ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه". بتأنيث الضمير مع إبهام الأيام. وفسرها بعض الشارحين بأيام التشريق لكون المؤلّف ترجم لها، وهو يقتضي نفي أفضلية العمل في أيام العشر على أيام التشريق. ووجهه صاحب بهجة النفوس: بأن أيام التشريق أيام غفلة، والعبادة في أوقات الغفلة فاضلة على غيرها، كمن قام في جوف الليل وأكثر الناس نيام، وبأنه وقع فيها محنة الخليل بولده عليهما الصلاة والسلام، ثم منّ عليه بالفداء. وهو معارض بالنقول كما قاله في الفتح: فالعمل في أيام العشر أفضل من العمل في غيرها من أيام الدنيا من غير استثناء شيء. وعلى هذا فرواية كريمة شاذة لمخالفتها رواية أبي ذر، وهو من الحفاظ عن شيخهما الكشميهني، لكن يعكر عليه ترجمة المؤلّف: بأيام التشريق. وأجيب: باشتراكهما في أصل الفضيلة لوقوع أعمال الحج فيهما، ومن ثم اشتركا في مشروعية التكبير. وفي رواية أبي الوقت، والأصيلي وابن عساكر: "ما العمل في أيام أفضل منها في هذه". بتأنيث الضمير، وهي ظرف مستقر، حال من الضمير المجرور "بمن" وإذا كان العمل في أيام العشر أفضل من العمل في أيام غيره من السنة، لزم منه أن تكون أيام العشر أفضل من غيرها من أيام السنة، حتى يوم الجمعة منه أفضل منه في غيره، لجمعه الفضيلتين. وخرج البزار وغيره، عن جابر مرفوعًا: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر". وفي حديث عند ابن عمر المروي "ليس يوم أعظم عند الله من يوم الجمعة، ليس العشر". وهو يدل على أن أيام العشر أفضل من يوم الجمعة الذي هو أفضل الأيام، وأيضًا فأيام العشر

12 - باب التكبير أيام منى، وإذا غدا إلى عرفة

تشتمل على يوم عرفة وقد روي: أنه أفضل أيام الدنيا، والأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي تبعًا، وقد أقسم الله تعالى بها، فقال: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1 - 2] وقد زعم بعضهم: أن ليالي عشر رمضان: أفضل من لياليه لاشتمالها على ليلة القدر. قال الحافظ ابن رجب: وهذا بعيد جدًّا، ولو صح حديث أبي هريرة، المروي في الترمذي: "قيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر". لكان صريحًا في تفضيل لياليه على ليالي عشر رمضان، فإن عشر رمضان فضل بليلة واحدة، وهذا جمع لياليه متساوية. والتحقيق ما قاله بعض أعيان المتأخرين من العلماء: إن مجموع هذا العشر أفضل من مجموع عشر رمضان، وإن كان في عشر رمضان ليلة لا يفضل عليها غيرها. انتهى. واستدلّ به على فضل صيام عشر الحجة لاندراج الصوم في العمل، وعورض بتحريم صوم يوم العيد. وأجيب: بحمله على الغالب، ولا ريب أن صيام رمضان أفضل من صوم العشر، لأن فعل الفرض أفضل من النفل من غير تردّد، وعلى هذا فكل ما فعل من فرض في العشر فهو أفضل من فرض فعل في غيره، وكذا النفل. (قالوا): يا رسول الله (ولا الجهاد)؟ أفضل منه، وزاد أبو ذر: في سبيل الله (قال) عليه الصلاة والسلام. (ولا الجهاد) في سبيل الله، ثم استثنى جهادًا واحدًا هو أفضل الجهاد فقال: (إلا رجل خرج) أي: إلا عمل رجل. فهو مرفوع على البدل، والاستثناء متصل، وقيل: منقطع أي: لكن رجل خرج يخاطر بنفسه فهو أفضل من غيره أو مساوٍ له. وتعقبه في المصابيح بأنه: إنما يستقيم على اللغة التميمية، وإلا فالمنقطع عند غيرهم واجب النصب. ولأبي ذر، عن المستملي: إلا من خرج حال كونه (يخاطر) من المخاطرة، وهي ارتكاب ما فيه خطر (بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء) من ماله، وإن رجع هو أو لم يرجع هو ولا ماله، بأن ذهب ماله واستشهد. كذا قرره ابن بطال. وتعقبه الزين بن المنير بأن قوله فلم يرجع بشيء، يستلزم أنه يرجع بنفسه ولا بد. وأجيب: بأن قوله: "فلم يرجع بشيء" نكرة في سياق النفي فتعمّ ما ذكره. وعند أبي عوانة من طريق إبراهيم بن حميد عن شعبة: إلا من عقر جواده، وأهريق دمه وعنده، من رواية القاسم بن أيوب: إلا من لا يرجع بنفسه ولا ماله. وفي هذا الحديث أن العمل المفضول في الوقت الفاضل يلتحق بالعمل الفاضل في غيره، ويزيد عليه لمضاعفة ثوابه وأجره. ورواته كوفيون إلا شيخه فبصري، والثاني بسطامي، وفيه التحديث، والعنعنة، وأخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة: في الصيام، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب. 12 - باب التَّكْبِيرِ أَيَّامَ مِنًى، وَإِذَا غَدَا إِلَى عَرَفَةَ وَكَانَ عُمَرُ -رضي الله عنه- يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الأَيَّامَ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الأَيَّامَ جَمِيعًا. وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزَ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ. (باب التكبير أيام منى) يوم العيد، الثلاثة بعده. (و) التكبير (إذا غدا) صبيحة التاسع (إلى عرفة) للوقوف بها. (وكان عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه) مما وصله سعيد بن منصور، من رواية عبيد بن عمير عنه، وأبو عبيدة من وجه آخر، والبيهقي من طريقه، ولأبي ذر مما في فرع اليونينية: وكان ابن عمر (يكبر في قبته) بضم القاف وتشديد الموحدة، بيت صغير من الخيام مستدير من بيوت العرب (بمنى) في أيامها (فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق) بتكبيره (حتى ترتج منى) بتشديد الجيم، أي: تضطرب وتتحرك مبالغة في اجتماع رفع الأصوات (تكبيرًا) بالنصب، أي: لأجل التكبير. وقد أبدى الخطابي للتكبير أيام منى حكمة وهي: أن الجاهلية كانوا يذبحون لطواغيتهم فيها، فشرع التكبير فيها إشارة إلى تخصيص الذبح له، وعلى اسمه عز وجل. (وكان ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، مما وصله ابن المنذر، والفاكهي في أخبار مكة، من طريق ابن جريج أخبرني نافع أن ابن عمر كان (يكبر بمنى تلك الأيام) أي: أيام منى (وخلف الصلوات) المكتوبات وغيرها (وعلى فراشه) بالإفراد، وللحموي والمستملي: وعلى فراشه، (وفي فسطاطه) بضم الفاء وقد تكسر: بيت من شعر (ومجلسه وممشاه) بفتح الميم الأولى، موضع مشيه (تلك الأيام) ظرف للمذكورات. أي: في تلك الأيام وكررها للتأكيد والمبالغة، ثم أكد ذلك أيضًا بقوله (جميعًا). ويروي، وتلك بواو العطف (وكانت ميمونة) بنت الحرث الهلالية المتوفاة بسرف، بين مكة

والمدينة، حيث بنى بها عليه الصلاة والسلام، سنة إحدى وخمسين (تكبر يوم النحر) قال الحافظ ابن حجر، رحمه الله تعالى: لم أقف على أثرها هذا موصولاً، وقال صاحب العمدة: روى البيهقي تكبيرها يوم النحر. (وكن النساء) على لغة: أكلوني البراغيث، ولأبي ذر: وكان النساء (يكبّرن خلف أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة وبعد الألف نون (بن عثمان) بن عفان، وكان أميرًا على المدينة في زمن ابن عمّ أبيه، عبد الملك بن مروان (و) خلف أمير المؤمنين (عمر بن عبد العزيز) أحد الخلفاء الراشدين، مما وصله أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب العيد (ليالي) أيام (التشريق مع الرجال في المسجد). فهذه الآثار قد اشتملت على وجود التّكبير في تلك الأيام عقب الصلوات وغيرها من الأحوال، وللعلماء في ذلك اختلاف: هل يختص بالمكتوبات أو يعمّ النوافل؟ وبالمؤداة أو يعمّ المقضية؟ وهل ابتداؤه من صبح عرفة أو من ظهره؟ أو من صبح يوم النحر أو من ظهره؟ وهل الانتهاء إلى ظهر يوم النحر أو إلى ظهر ثانيه؟ أو إلى صبح آخر أيام التشريق أو إلى عصره؟ وقد اجتمع من هذه: ستة وسبعون. بيان ذلك: أن تضرب أربعة الابتداء في خمسة الانتهاء تبلغ عشرين. يسقط منها كون ظهر النحر مبتدأ ومنتهى كليهما معًا، تصير تسعة عشر. تضربها في الأربعة الأولى الباقية تبلغ: ستة وسبعين. كذا قرره البرماوي، مع ما نقله عن الكرماني وغيره. ويزاد على ذلك: هل يختص بالرجال أو يعمّ النساء؟ وبالجماعة أو يعمّ المنفرد؟ وبالمقيم أو يعمّ المسافر؟ وساكن مصر أو يعمّ أهل القرى؟ فهي ثمانية حكاها مع سابقها النووي، وزاد غيره في الانتهاء، فقال: وقيل: إلى عصر يوم النحر. قال في الفتح، وقد رواه البيهقي عن أصحاب ابن مسعود: ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حديث، وأصح ما ورد فيه عن الصحابة قول علي وابن مسعود: إنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى، أخرجهما ابن المنذر وغيره. والصحيح من مذهب الشافعية: أن استحبابه يعمّ الصلاة فرضًا ونفلاً، ولو جنازة ومندورة ومقضية في زمن استحبابه لكل مصلٍّ: حاجّ أو غيره؟ مقيم أو مسافر؟ ذكر أو أُنثى؟ منفرد أو غيره؟ من صبح عرفة إلى عقيب عصر آخر أيام التشريق للاتباع، رواه الحاكم، وصححه، لكن ضعفه البيهقي. قال في الجموع: والبيهقي أتقن من شيخه الحاكم وأشد تحريًّا. ِوهذا في غير الحج وعليه العمل كما قاله النووي وصححه في الأذكار، وقال في الروضة: إنه الأظهر عند المحققين، لكن صحح في المنهاج كأصله: أن غير الحاج كالحاج يكبّر من ظهر يوم النحر إلى صبح آخر أيام التشريق. وخصّ المالكية استحبابه بالفرائض الحاضرة، وهو عندهم: من ظهر يوم النحر إلى آخر اليوم الرابع. وقال أبو حنيفة: يجب من صلاة صبح يوم عرفة وينتهي بعصر يوم النحر، وقال صاحباه: يختم بعصر ثالث أيام التشريق. وهو: على المقيمين بالمصر خلف الفرائض في جماعة مستحبة عند أبي حنيفة، فلا يجب على أهل القرى، ولا بعد النوافل والوتر، ولا على منفرد ونساء إذا صلين في جماعة. وقال صاحباه: يجب على كل من يصلّي المكتوبة لأنه شرع تبعًا لها. وأما صفة التكبير، فقال المالكية: الله أكبر، ثلاثًا وإن قال: "الله أكبر الله أكبر لا إله إلاّ الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد" كان حسنًا، لما روي أن جابرًا صلّى في أيام التشريق، فلما فرغ قال: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر" قيل: واستمر عيه العمل فلذا أخذ به مالك من غير تضييق. وقال الحنفية: يقول مرة واحدة: "الله أكبر الله أكبر لا إله إلاّ الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد". قالوا: وهذا هو المأثور عن الخليل. وقال الشافعية: يكبّر ثلاثًا نسقًا اتباعًا للسلف والخلف، ويزيد: "لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد". قال الشافعي: وما زاد من ذكر الله فحسن، واستحسن في الأمُ أن تكون زيادته: "الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، لا إله إلاّ الله ولا نعبد إلاّ إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده. ونصر عبده، وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، والله أكبر". وأن يرفع بذلك صوته. وأصحّ ما ورد في صفته، ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان، قال: كبّروا الله: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر،

13 - باب الصلاة إلى الحربة يوم العيد

كبيرًا". 970 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيُّ قَالَ: [سَأَلْتُ أَنَسًا -وَنَحْنُ غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ- عَنِ التَّلْبِيَةِ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: كَانَ يُلَبِّي الْمُلَبِّي لاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ]. [الحديث 970 - طرفه في: 1659]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا مالك بن أنس) إمام دار الهجرة، (قال: حدّثني) بالإفراد (محمد بن أبي بكر) هو: ابن عوف (الثقفي) بالمثلثة والقاف المفتوحتين (قال: سألت أنسًا) ولأبي ذر: سألت أنس بن مالك (ونحن غاديان) أي: والحال أنّا سائران (من منى إلى عرفات- عن التلبية): (كيف كنتم تصنعون مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: كان) الشأن (يلبي الملبي لا ينكر عليه، ويكبّر المكبّر فلا ينكر عليه) هذا موضع الجزء الأخير من الترجمة، وهو قوله: وإذا غدا إلى عرفة. وظاهره: أن أنسًا احتج به على جواز التكبير في موضع التلبية، أو المراد أنه يدخل شيئًا من الذكر خلال التلبية، لا أنه يترك التلبية بالكلية. لأن السُّنّة أن لا يقطع التلبية إلا عند رمي جمرة العقبة. وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وقال مالك: إذا زالت الشمس. وقوله: ينكر، مبني للمفعول في الموضعين، كما في الفرع وفي غيره بالبناء للفاعل فيهما، والضمير المرفوع في كل منهما يرجع إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقوله: لا ينكر الأول بغير فاء. والثاني: فلا ينكر بإثباتها. وفي هذا الحديث: التحديث والسؤال والقول، وأخرجه أيضًا: في الحج، ومسلم في المناسك، وكذا النسائي وابن ماجة. 971 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَاصِمٍ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: " [كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ، حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا، حَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ، يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ] ". وبه قال: (حدّثنا محمد) غير منسوب (قال: حدّثنا عمر بن حفص) كذا لأبي ذر، وكريمة، وأبي الوقت. وفي اليونينية: أن على حاشية نسخة أبي ذر ما لفظه: يشبه أن يكون محمد بن يحيى الذهلي، قاله أبو ذر. اهـ. ولابن السكن، وأبي زيد المروي، وأبي أحمد الجرجاني: حدّثنا عمر بن حفص، بإسقاط لفظ: محمد. وفي رواية الأصيلي، عن بعض مشايخه: حدّثنا محمد البخاري، وله مما هو في نسخته كما ذكره في الفرع وأصله: حدّثنا عمر في حفص. وعلى هذا فلا واسطة بين البخاري وبين عمر بن حفص. وقد حدّث المؤلّف عنه بالكثير من غير واسطة، وربما أدخلها أحيانًا والراجح سقوطها هنا في هذا الإسناد، وبذلك جزم أبو نعيم في المستخرج. قاله الحافظ ابن حجر. وعمر بن حفص هو: ابن غياث النخعي الكوفي (حدّثنا أبي) حفص (عن عاصم) هو: ابن سليمان الأحول (عن حفصة) بنت سيرين الأنصارية، أخت محمد بن سيرين، (عن أم عطية) نسيبة بنت كعب الأنصارية (قالت: كنا نؤمر) بالبناء للمفعول، وهو من المرفوع، وقد وقع التصريح برفعه في الرواية الآتية قريبًا عن أبي ذر، وعن الحموي والمستملي (أن نخرج) بأن نخرج أي: بالإخراج (يوم العيد حتى نخرج البكر) بضم النون وكسر الراء، والبكر: بالنصب على المفعولية، وللأصيلي وأبي ذر: حتى تخرج، بالمثناة الفوقية المفتوحة وضم الراء، البكر: بالرفع على الفاعلية (من خدرها) بكسر الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة، أي: من سترها. وللحموي والمستملي، وعزاها في الفتح للكشميهني: من خدرتها بالتأنيث (حتى نخرج الحيض) بضم النون وكسر الراء في الأول: وضم الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية ونصب المعجمة على المفعولية، ولأبي ذر، والأصيلى: حتى تخرج الحيض، بفتح المثتاة الفوقية وضم الراء، ورفع الحيض على الفاعلية، جمع: حائض. وحتى الثانية غاية للغاية الأولى، أبي عطف عليها بحذف الأداة (فيكن خلف الناس فيكبّرن) النساء (بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته) بضم الطاء المهملة وسكون الهاء: أي التطهّر من الذنوب. وتأتي مباحث الحديث بعد بابين، إن شاء الله تعالى. ووجه مطابقته للترجمة من جهة: أن يوم العيد كأيام منى بجامع أنها أيام مشهودات، والذهلي: نيسابوري، والراوي الثاني والثالث. كوفيان، والرابع والخامس: بصريان، وأخرج المؤلّف بعضه في حديث طويل من باب: شهود الحائض للعيدين، وفي الحج، وكذا أخرجه بقية الستة، والله أعلم. 13 - باب الصَّلاَةِ إِلَى الْحَرْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ (باب الصلاة إلى الحربة) زاد أبو ذر، عن الكشميهني: يوم العيد. 972 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: [أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَت تُرْكَزُ الْحَرْبَةُ قُدَّامَهُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، ثُمَّ يُصَلِّي]. وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن بشار) بالموحدة المفتوحة والمعجمة المشددة (قال: حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (قال: حدّثنا

14 - باب حمل العنزة -أو الحربة بين يدى الإمام يوم العيد

عبيد الله) بالتصغير، هو: العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما، (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كانت تركز) بضم أوّله وفتح الكاف. أي: تغرز، وزاد أبو ذر: له (الحربة) في الأرض (قدامه) لتكون سترة له في صلاته (يوم) عيد (الفطر و) يوم عيد (النحر، ثم يصلّي) إليها. وأما صلاته في منى إلى غير جدار، فلبيان أنها ليست فريضة، بل سُنّة. والحربة دون الرمح. وسبق الحديث في باب: سترة الإمام سترة لمن خلفه. 14 - باب حَمْلِ الْعَنَزَةِ -أَوِ الْحَرْبَةِ بَيْنَ يَدَىِ الإِمَامِ يَوْمَ الْعِيدِ (باب حمل العنزة). بفتحات وهي أقصر من الرمح في طرفها زج (-أو الحربة- بين يدي الإمام يوم العيد) عند خروجه للصلاة. واستشكل بما سبق من النهي عن حمل السلاح يوم العيد. وأجيب: بأن النهي إنما هو عند خوف التأذّي به كما مرّ. 973 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: [كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَغْدُو إِلَى الْمُصَلَّى وَالْعَنَزَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ تُحْمَلُ وَتُنْصَبُ بِالْمُصَلَّى بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا]. وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) زاد أبو ذر: الحزامي بالحاء المهملة المكسورة والزاي (قال: حدّثنا الوليد) بن مسلم (قال: حدّثنا أبو عمرو) بفتح العين، عبد الرحمن، ولأبي ذر: أبو عمرو الأوزاعي (قال: أخبرني) وللأربعة: حدّثني بالإفراد فيهما، (نافع عن ابن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما، (قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يغدو إلى المصلّى، والعنزة بين يديه، تحمل وتنصب بالمصلّى، بين يديه) سقط في رواية أبي ذر: بين يديه، الثانية (فيصلّي إليها) ولأبي ذر، والأصيلي، عن الحموي والكشميهني: نصلي بنون الجماعة، ولأبي ذر، أيضًا، فصلّى، بالفاء وفتح اللام بصيغة الماضي، وسقط لابن عساكر، فيصلّي إليها. 15 - باب خُرُوجِ النِّسَاءِ وَالْحُيَّضِ إِلَى الْمُصَلَّى (باب خروج النساء) الطاهرات (والحيض إلى المصلّى) يوم العيد بواو العطف على: النساء، وهو من عطف الخاص على العام، ولابن عساكر: خروج النساء الحيض، بإسقاطها، وللأصيلي: خروج الحيض، فأسقط لفظ: النساء. 974 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: [أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ]. وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ بِنَحْوِهِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ قَالَ: -أَوْ قَالَتِ-[الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، وَيَعْتَزِلْنَ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب، قال: حدّثنا حماد) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: حماد بن زيد (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو: ابن سيرين (عن أُم عطية) نسيبة بنت كعب أنها (قالت): (أُمرنا) بضم الهمزة، ولأبي ذر، عن الحموي والمستملي، قالت: أمرنا نبيّنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن نخرج العواتق) جمع عاتق، وهي: التي عتقت من الخدمة، أو: من قهر أبويها (ذوات الخدور) أي الستور، وهو منصوب بالكسرة: كمسلمات، صفة للعواتق، ولغير أبي ذر، وذوات، بالواو عطفًا على سابقه. (وعن أيوب) السختياني بالسند المذكور (عن حفصة) بنت سيرين (بنحوه) أي بنحو رواية أيوب عن محمد. (وزاد) أيوب (في حديث حفصة) في روايته عنها (قال) أي: أيوب: (أو قالت) حفصة: (العواتق وذوات الخدور) شك منه في عطف، ذوات، بالواو. وقد صرّح في حديث أُم عطية الآتي بعلّة الحكم، وهو: شهودهنّ الخير، ودعوة المسلمين، ورجا بركة ذلك اليوم وطهرته، وقد أفتت به أُم عطية بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمدة، ولم يثبت عن أحد من الصحابة مخالفتها في ذلك. (ويعتزلن الحيض المصلّى) فلا يختلطن بالمصليات خوف التنجيس والإخلال بتسوية الصفوف، وإثبات النون في: يعتزلن، على لغة: أكلوني البراغيث، وللأصيلي: ويعتزل، بإسقاطها. والمنع من المصلّى منع تنزيه، إذ لو كان مسجدًا لحرّم، واستحباب خروجهن مطلقًا إنما كان في ذلك الزمن حيث كان الأمن من فسادهن. نعم، يستحب حضور العجائز، وغير ذوات الهيئات بإذن أزواجهن، وعليه حمل حديث الباب، وليلبسن ثياب الخدمة، ويتنظفن بالماء من غير تطييب ولا زينة، إذ يكره لهن ذلك. أما ذوات الهيئات والجمال فيكره لهن الحضور، وليصلّين العيد في بيوتهن. 16 - باب خُرُوجِ الصِّبْيَانِ إِلَى الْمُصَلَّى (باب خروج الصبيان إلى المصلّى) في الأعياد مع الناس وإن لم يصلوا. 975 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: [خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَصَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ]. وبالسند قال: (حدّثنا عمرو بن عباس) بسكون الميم وتشديد الموحدة وبعد الألف مهملة، ولابن عساكر: ابن العباس، بالتعريف (قال: حدّثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي العنبري (قال: حدّثنا سفيان) الثوري. (عن عبد الرحمن)، وللأربعة زيادة: ابن عباس، بالموحدة المكسورة ثم المهملة (قال: سمعت ابن عباس) أي: كلامه حال كونه (قال: خرجت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) عيد (فطر، أو)

17 - باب استقبال الإمام الناس في خطبة العيد

عيد (أضحى) شك من الراوي، أو هو من عبد الرحمن بن عباس، وفي حديث ابن عباس من وجه آخر بعد بابين الجزم بأنه يوم الفطر (فصلّى العيد، ثم خطب، ثم أتى النساء فوعظهنّ) أنذرهنّ العقاب (وذكرهنّ) بالتشديد من التذكير، تفسير لقوله، وعظهنّ، أو تأكيد له. ولأبي ذر في نسخة: فذكرهن بالفاء بدل الواو (وأمرهنّ بالصدقة). واستشكل وجه المطابقة بين الحديث والترجمة. وأجيب: بأنه أشار على عادته إلى بعض طرق الحديث الآتي بعد باب إن شاء الله تعالى؛ ولولا مكاني من الصغر ما شهدته. ورواة الحديث ما بين بصري وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة والسماع والقول، وشيخ المؤلّف من أفراده، وأخرجه في الصلاة أيضًا، والعيدين، والاعتصام، وأبو داود والنسائي في الصلاة. 17 - باب اسْتِقْبَالِ الإِمَامِ النَّاسَ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُقَابِلَ النَّاسِ. (باب استقبال الإمام الناس في خطبة العيد) بعد الصلاة. (قال) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلى، وقال (أبو سعيد) الخدري، مما وصله المؤلّف في حديث طويل في باب: الخروج إلى المصلّى (قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقابل الناس). 976 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: [خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أَضْحًى إِلَى الْبَقِيعِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ وَقَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ. فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ شَىْءٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَىْءٍ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي ذَبَحْتُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. قَالَ: «اذْبَحْهَا، وَلاَ تَفِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ»]. وبالسند قال (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا محمد بن طلحة) بن مصرف (عن زبيد) اليامي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن البراء) بن عازب، رضي الله عنه، (قال): (خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أضحى) وللأصيلي: يوم الأضحى إلى البقيع، مقبرة المدينة (فصلّى العيد ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه) الكريم، هذا موضع الترجمة (وقال) بعد أن صلّى: (إن أول نسكنا في يومنا هذا) وفي اليونينية: نسكنا، بسكون السين (أن نبدأ بالصلاة، ثم نرجع فننحر، فإن فعل ذلك فقد وافق سنّتنا، ومن ذبح قبل ذلك) أي: الصلاة (فإنما هو شيء) وللأصيلي، وأبي الوقت، وأبي ذر، عن الكشميهني والحموي: فإنه شيء (عجله لأهله ليس من النسك في شيء). (فقام رجل) هو ابن نيار (فقال: يا رسول الله! إني ذبحت) قبل الصلاة (وعندي جذعة) من المعز هي (خير من مسنّة) لنفاستها (قال) عليه الصلاة والسلام. (اذبحها، ولا تفي عن أحد بعدك) بفتح المثناة الفوقية وكسر الفاء، وللكشميهني: ولا تغني بضم المثناة وسكون الغين المعجمة وبالنون، ومعناهما متقارب، والحديث قد مرّ غير مرة. 18 - باب الْعَلَمِ الَّذِي بِالْمُصَلَّى (باب العلم الذي) جعل (بالمصلّى) ليعرف به، ولأبي ذر، والأصيلي: باب العلم بالمصلّى. 977 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ قَالَ: [سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قِيلَ لَهُ: أَشَهِدْتَ الْعِيدَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَوْلاَ مَكَانِي مِنَ الصِّغَرِ مَا شَهِدْتُهُ خَرَجَ، حَتَّى أَتَى الْعَلَمَ الَّذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَرَأَيْتُهُنَّ يُهْوِينَ بِأَيْدِيهِنَّ يَقْذِفْنَهُ فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَبِلاَلٌ إِلَى بَيْتِهِ]. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) أي القطان، وللأصيلي: يحيى بن سعيد (عن سفيان) الثوري ولا ذر: حدّثنا سفيان (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن عابس) بالمهملة بعد الموحدة (قال: سمعت ابن عباس) رضي الله عنهما، (قيل) وللأصيلي): وقيل (له: أشهدت) بهمزة الاستفهام، أي: أحضرت (العيد) أي صلاته (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: نعم) شهدته (ولولا مكاني من الصغر) أي: لولا مكاني منه عليه الصلاة والسلام لأجل الصغر (ما شهدته، خرج) عليه الصلاة والسلام (حتى أتى العلم الذى عند دار كثير بن الصلت) والدار المذكورة بعد العهد النبوي، وإنما عرف المصلّى بها لشهرتها (فصلى) العيد (ثم خطب)، ثم أتى النساء ومعه بلال، فوعظهن وذكرهن، وأمرهن بالصدقة، قال ابن عباس: (فرأيتهنّ يهوين بأيديهن) بفتح المثناة التحتية، من يَهوين. كذا في اليونينية، وفي غيرها، يهُوين، بضمها من: أهوى، أي: يمددن أيديهن بالصدقة ليتناول بلال، حال كونهن (يقذفنه) أي: يرمين المتصدق به (في ثوب بلال، ثم انطلق) عليه الصلاة والسلام (هو وبلال إلى بيته). ووقع في رواية أبي عليّ الكشاني، هنا عقب هذا الحديث: قال محمد بن كثير: العلم. اهـ. وهذا قد وصله المؤلّف في كتاب الاعتصام، وفي فرع اليونينية علامة سقوطه في رواية ابن عساكر، وعليه ضرب من قال إلى آخر قوله. اهـ. والله أعلم. 19 - باب مَوْعِظَةِ الإِمَامِ النِّسَاءَ يَوْمَ الْعِيدِ (باب موعظة الإمام النساء يوم العيد) إذا لم يسمعن الخطبة مع الرجال. 978 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: [قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى، فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ ثُمَّ خَطَبَ. فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلاَلٍ، وَبِلاَلٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ]. قُلْتُ لِعَطَاءٍ: زَكَاةَ يَوْمِ الْفِطْرِ؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ صَدَقَةً يَتَصَدَّقْنَ حِينَئِذٍ: تُلْقِي فَتَخَهَا وَيُلْقِينَ. قُلْتُ: أَتُرَى حَقًّا عَلَى الإِمَامِ ذَلِكَ وَيُذَكِّرُهُنَّ؟ قَالَ إِنَّهُ لَحَقٌّ عَلَيْهِمْ، وَمَا لَهُمْ لاَ يَفْعَلُونَهُ؟ وبالسند قال قال: (حدّثني) بالإفراد، للأصيلي وابن عساكر: حدّثنا (إسحاق بن إبراهيم بن نصر) السعدي البخاري، وسقط للأصيلي: ابن إبراهيم بن نصر (قال: حدّثنا

عبد الرزاق) بن همام صاحب المسند والمصنف (قال: حدّثنا) وللأربعة: أخبرنا (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو: ابن أبي رباح (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري، رضي الله عنه (قال: سمعته يقول): (قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) عيد (الفطر، فصلّى، فبدأ بالصلاة، ثم خطب. فلما فرغ) من الخطبة (نزل) أي انتقل، كما مرّ في باب: المشي والركوب إلي صلاة العيد والصلاة قبل الخطبة، (فأتى النساء فذكرهن) بتشديد الكاف (وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه) نصب على المفعولية وجوّز إضافة باسط (يلقي فيه النساء الصدقة) وللأصيلي: صدقة. قال ابن جريج بالإسناد السابق: (قلت لعطاء) أكانت الصدقة (زكاة يوم الفطر)؟ ولأبي ذر: زكاة، بالرفع أي: أهي زكاة الفطر؟ (قال) عطاء: (لا ولكن) كانت (صدقة) ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: ولكن هي صدقة (يتصدقن حينئذ) بها، (تلقي) النساء، بضم المثناة الفوقية وسكون اللام وكسر القاف، من الإلقاء (فتخها) بفتح الفاء والمثناة والمعجمة، منصوبًا على المفعولية، لتلقي، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي، فتختها، بفتحات وزيادة تاء التأنيث، والفتخة: حلقة من فضة لا فصّ لها، (ويلقين) كل نوع من حليهن، وكرر الإلقاء لإفادة العموم. قال ابن جريح بالإسناد المذكور: (قلت) لعطاء: (أترى) بضم التاء، كما في اليونينية، وضبطه البرماوي بفتحها (حقًّا على الإمام ذلك؟) إشارة إلى ما ذكر من أمرهن بالصدقة (ويذكرهن) ولأبي ذر: يذكرهن بغير واو وللأصيلي: يأتيهن ويذكرهن؟ (قال) ابن جريج: (إنّه لحق عليهم، وما لهم لا يفعلونه)؟ 979 - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "شَهِدْتُ الْفِطْرَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ -رضي الله عنهم- يُصَلُّونَهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ يُخْطَبُ بَعْدُ، خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حِينَ يُجْلِسُ بِيَدِهِ. ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ حَتَّى جَاءَ النِّسَاءَ مَعَهُ بِلاَلٌ فَقَالَ: " {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} " الآيَةَ. ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ مِنْهَا: «آنْتُنَّ عَلَى ذَلِكَ»؟ قَالَتِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ -مِنْهُنَّ لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا- نَعَمْ. لاَ يَدْرِي حَسَنٌ مَنْ هِيَ. قَالَ: «فَتَصَدَّقْنَ» فَبَسَطَ بِلاَلٌ ثَوْبَهُ ثُمَّ قَالَ: "هَلُمَّ، لَكُنَّ فِدَاءٌ أَبِي وَأُمِّي. فَيُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ". قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: الْفَتَخُ: الْخَوَاتِيمُ الْعِظَامُ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. (قال ابن جريج: وأخبرني الحسن بن مسلم) هو ابن يناق المكي، أي: بالإسناد المذكور، وللأصيلي، وابن عساكر، وأخبرني حسن، عن طاوس: هو: ابن كيسان (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال): (شهدت الفطر) أي صلاته (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، رضي الله عنهم) فكلهم كانوا (يصلونها) أي: صلاة الفطر (قبل الخطبة، ثم يخطب) بضم المثناة التحتية وفتح الطاء، مبنيًّا للمفعول، أو: بالفتح والضم للفاعل، أي: يخطب كل منهم (بعد) مبنيًّا على الضم لقطعه عن الإضافة، أي: بعد الصلاة. قال ابن عباس: (خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، وقيل: أصله: وخرج بالواو المقدّرة، وفي تفسير سورة الممتحنة، من وجه آخر عن ابن جريج، فنزل نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولابن عساكر، ثم يخطب، بعد خروج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أي: بعد الوقت الذي كان يخرج فيه (كأني أنظر إليه حين يجلس) بضم أوله وسكون الجيم، من الإجلاس، ولأبي ذر: يجلس بفتح الجيم وتشديد اللام من التجليس، أي: يجلس الرجال (بيده) أي: يشير بيده يأمرهم بالجلوس، لينتظروه حتى يفرغ مما يقصده، ثم ينصرفوا جميعًا (ثم أقبل) عليه الصلاة والسلام (يشقهم) أي: صفوف الرجال الجالسين (حتى أتى النساء)، والذي في اليونينية: حتى جاء النساء (معه بلال) جملة حالية بغير واو (فقال) عليه الصلاة والسلام تاليًا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة: 12] ليذكرهن البيعة التي وقعت بينه وبين النساء لما فتح مكة على الصفا، وذكر لهن وما ذكر في هذه الآية (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (حين فرغ منها) أي: من قراءة الآية. (أنتنّ على ذلك) بكسر الكاف. قال في المصابيح: وهذا مما وقع فيه ذلك بالكسر موقع، ذلكن، والإشارة إلى ما ذكر في الآية. (قالت امرأة) ولأبي ذر، فقالت امرأة واحدة (منهن، -لم يجبه غيرها- نعم.) نحن على ذلك. (لا يدري حسن) هو: ابن مسلم، الراوي عن طاوس، (من هي) المجيبة. قيل: يحتمل أنها: أسماء بنت يزيد، لرواية البيهقي: أنها خرجت مع النساء، وأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: "يا معشر النساء إنكن أكثر حطب جهنم". قالت: فناديت، يا رسول الله، -وكنت عليه جريئة- لِمَ يا رسول الله؟ قال: "لأنكن تكثرن اللعن، وتكفرن العشير"، الحديث. لأن القصة واحدة، فلعل بعض

20 - باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد

الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر، فالله أعلم. (قال) عليه الصلاة والسلام: (فتصدقن) الفاء، يجوز أن تكون للسببية، وأن تكون في جواب شرط محذوف، أي: إن كنتن على ذلك فتصدقن. (فبسط بلال ثوبه، ثم قال): (هلم لكنّ فداء) بكسر الفاء مع المد والقصر والرفع، خبر لقولهن: (أبي وأمي) عطف عليه، والتقدير: أبي وأمي فداء لكن، ويجوز النصب. (فيلقين) بضم الياء، من الإلقاء، أي: يرمين (الفتخ والخواتيم في ثوب بلال). (قال عبد الرزاق: الفتخ: الخواتيم العظام كانت في الجاهلية) قال ثعلب: إنهن كن يلبسنها في أصابع الأرجل. 20 - باب إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ فِي الْعِيدِ هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يكن لها) أي: للمرأة (جلباب في) يوم (العيد) تعيرها صاحبتها جلبابًا من جلابيبها فتخرج فيه إلى المصلّى. والجلباب، بكسر الجيم وسكون اللام وموحدتين بينهما ألف، ثوب أقصر وأعرض من الخمار، أو هو: المقنعة، أو ثوب واسع يغطي صدرها وظهرها، أو هو: كالملحفة. أو: هو الإزار أو الخمار. 980 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ: "كُنَّا نَمْنَعُ جَوَارِيَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ الْعِيدِ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فَأَتَيْتُهَا، فَحَدَّثَتْ أَنَّ زَوْجَ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثِنْتَىْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، فَكَانَتْ أُخْتُهَا مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ، فَقَالَتْ: فَكُنَّا نَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى، وَنُدَاوِي الْكَلْمَى. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ -إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ- أَنْ لاَ تَخْرُجَ؟ فَقَالَ: «لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، فَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ». قَالَتْ حَفْصَةُ: فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ أَتَيْتُهَا فَسَأَلْتُهَا: أَسَمِعْتِ فِي كَذَا وَكَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، بِأَبِي -وَقَلَّمَا ذَكَرَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ قَالَتْ بِأَبِي- قَالَ: «لِيَخْرُجِ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ -أَوْ قَالَ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ، شَكَّ أَيُّوبُ- وَالْحُيَّضُ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى، وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ». قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهَا: آلْحُيَّضُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَلَيْسَ الْحَائِضُ تَشْهَدُ عَرَفَاتٍ وَتَشْهَدُ كَذَا وَتَشْهَدُ كَذَا؟ ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما مهملة ساكنة، عبد الله (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التميمي (قال: حدّثنا أيوب) السختياني (عن حفصة بنت سيرين) الأنصارية (قالت: كنا نمنع جوارينا أن يخرجن يوم العيد) إلى المصلّى، (فجاءت امرأة) لم تسم (فنزلت قصر بني خلف) بفتح الخاء المعجمة واللام، جدّ طلحة بن عبد الله بن خلف بالبصرة (فأتيتها فحدّثت، أن زوج أُختها) قيل: هي أخت أم العطية، وقيل، غيرها. ونص القرطبي أنها: أم عطية، ولم يعلم اسم زوج أختها (غزا مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثنتي عشرة غزوة) قالت المرأة المحدّثة: (فكانت أختها معه) أي: مع زوجها، أو: مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في ست غزوات، فقالت) أي الأخت لا المرأة، ولأبوي ذر، والوقت، وابن عساكر، والأصيلي: قالت: (فكنا) بالجمع لقصد العموم (نقوم على المرضى، ونداوي الكلمى) بفتح الكاف وسكون اللام، الجرحى، محارم وغيرهم، أي: إذا كانت المعالجة بغير مباشرة كإحضار الدواء مثلاً. نعم، إن احتيج إليها وأمنت الفتنة جاز. (فقالت: يا رسول الله. عليّ) ولأبي ذر: أعلى (إحدانا بأس) أي: حرج وإثم (-إذا لم يكن لها جلباب- أن لا تخرج) إلى المصلّى للعيد؟ (فقال) عليه الصلاة والسلام: (لتلبسها) بضم المثناة الفوقية وسكون اللام وكسر الموحدة وجزم المهملة (صاحبتها) أي: تعيرها (من جلبابها) أي: من جنس جلبابها. ويؤيده رواية ابن خزيمة: من جلابيبها، أي: ما لا تحتاج إليه، أو هو على سبيل المبالغة، أي: يخرجن ولو كان ثنتان في ثوب واحد. قال ابن بطال: فيه تأكيد خروجهن للعيد، لأنه إذا أمر من لا جلباب لها، فمن لها جلباب أولى. وقال أبو حنيفة: ملازمات البيوت لا يخرجن. (فليشهدن الخير) أي: مجالس الخير، كسماع الحديث، وعيادة المرضى، رجاء البركة (ودعوة المؤمنين) كالاجتماع لصلاة الاستسقاء. (قالت حفصة: فلما قدمت أم عطية) نسبة (أتيتها فسألتها: أسمعت) بهمزة الاستفهام أي: النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في كذا)؟ زاد أبو ذر في رواية الكشميهني والحموي، وكذا. (قالت) أم عطية: (نعم) سمعته، كذا لأبي ذر، وابن عساكر: قالت بغير فاء، ولهما وللأصيلي: أسمعت في كذا؟ فقالت: نعم (بأبي) أفديه، عليه الصلاة والسلام، كذا لكريمة، وأبي الوقت: بأبي، بكسر الموحدة الثانية كالأولى، ولغيرهما: بأبا، بموحدتين بينهما همزة مفتوحة، والثانية خفيقة (وقلما ذكرت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أم عطية (إلاّ قالت: بأبي) أفديه عليه الصلاة والسلام، ولأبي ذر في رواية، والأصيلي: بأبا. (قال) ولابن عساكر، قالت: (لتخرج العواتق ذوات الخدور) أي الستور، كذا للأكثر، ذوات، بغير واو، صفة لسابقه، ولأبي ذر عن الكشميهني، وذوات الخدور بواو العطف (أو قال) عليه الصلاة والسلام: (العواتق وذوات الخدور) ولأبي ذر، وابن عساكر عن الحموي والمستملي: ذات الخدور، بغير واو. بعد الذال وقبلها (شك أيوب) السختياني، هل هو بواو العطف أم لا؟ (والحيض، ويعتزل الحيض المصلّى)

21 - باب اعتزال الحيض المصلى

أي مكان الصلاة، ولأبي ذر عن الكشميهني والأصيلي، وابن عساكر: فيعتزل، ولأبي ذر في رواية أيضًا: فيعتزلن (وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين). (قالت) أي المرأة: (فقلت لها): أي لأم عطية مستفهمة (الحيض) بالمدّ، يشهدن العيد؟ (قالت: نعم) وللأصيلي: فقالت: نعم (أليس الحائض) بهمزة الاستفهام واسمها ضمير الشأن (تشهد عرفات) أي: يومها (وتشهد كذا، وتشهد كذا)؟ أي: نحو المزدلفة، ورمي الجمار؟ فيه مشروعية خروج النساء إلى شهود العيدين سواء كنّ شواب أو ذوات هيئات أم لا. والأولى أن يخصّ ذلك بمن يؤمن عليها وبها الفتنة، فلا يترتب على حضورها محذور، ولا تزاحم الرجال في الطرق، ولا في المجامع. وقد مر في باب: خروج النساء إلى العيدين نحو ذلك. 21 - باب اعْتِزَالِ الْحُيَّضِ الْمُصَلَّى (باب اعتزال الحيض المصلّى). 981 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: [أُمِرْنَا أَنْ نَخْرُجَ فَنُخْرِجَ الْحُيَّضَ وَالْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ -قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: أَوِ الْعَوَاتِقَ ذَوَاتِ الْخُدُورِ- فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ وَيَعْتَزِلْنَ مُصَلاَّهُمْ]. وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) بضم الميم وفتح المثلثة وتشديد النون المفتوحة (قال: حدّثنا ابن أبي عدي) محمد بن إبراهيم (عن ابن عون) عبد الله (عن محمد) هو ابن سيرين (قال: قالت أم عطية: أمرنا) بضم الهمزة وكسر الميم (أن نخرج) بفتح النون وضم الراء، من: الخروج (فنخرج الحيض) بضم النون وكسر الراء، من: الإخراج (والعواتق، وذوات الخدور) بواو العطف، أي: الستور، والعواتق جمع: عاتق، وهي البنت التي بلغت. (-قال) ولأبي ذر: وقال (ابن عون) الراوي عن ابن سيرين (أو العواتق ذوات الخدور-) شك فيه، هل هو بالواو، أو بحذفها؟ كما شك أيوب. (فأما الحيض فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم) رجاء بركة ذلك اليوم وطهرته (ويعتزلن مصلاّهم) خوف التنجيس والإخلال بتسوية الصفوف. والمنع من المصلّى منع تنزيه لأنه ليس مسجدًا. وقال بعضهم: يحرم اللبث فيه كالمسجد لكونه موضع الصلاة، والصواب الأوّل: فيأخذن ناحية في المصلّى عن المصلين، ويقفن بباب المسجد لحرمة دخولهنّ له. وإنما ترجم المؤلّف لهذا الحكم وإن كان هو بعض ما تضمنه الحديث المسوق في الباب السابق للاهتمام به. 22 - باب النَّحْرِ وَالذَّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمُصَلَّى (باب النحر) للإبل (والذبح) لغيرها (بالمصلّى يوم النحر). والذي في اليونينية: يوم النحر بالمصلّى، ليس إلاّ. 982 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَنْحَرُ -أَوْ يَذْبَحُ- بِالْمُصَلَّى". [الحديث 982 - أطرافه في: 1710، 1711، 5551، 5552]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: حدّثنا الليث) بن سعد (قال: حدّثني) بالإفراد (كثير بن فرقد) بالمثلثة في الأولى. وفتح الفاء والقاف بينهما راء ساكنة آخره دال مهملة، نزيل مصر (عن نافع، عن ابن عمر) بن الخطاب (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ينحر -أو يذبح- بالمصلّى) يوم العيد للإعلام ليترتب عليه ذبح الناس. ولأن الأضحية من القرب العامة، فإظهارها أفضل لأن فيه إحياء لسُنّتها. قال مالك: لا يذبح أحد حتى يذبح الإمام. نعم، أجمعوا على أن الإمام لو لم يذبح حل الذبح للناس إذا دخل وقت الذبح، فالمدار على الوقت لا الفعل. وإنما عطف المؤلّف الذبح على النحر في الترجمة، وإن كان حديث الباب بأو المقتضية للتردّد، ليفهم أنه لا يمتنع الجمع بين النسكين: ما يذبح، وما ينحر في ذلك اليوم، أو إشارة إلى أنه ورد في بعض طرق الحديث بالواو. ويأتي إن شاء الله تعالى الحديث بمباحثه في كتاب الأضاحي، وقد أخرجه النسائي في الأضاحي والصلاة. 23 - باب كَلاَمِ الإِمَامِ وَالنَّاسِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ وَإِذَا سُئِلَ الإِمَامُ عَنْ شَىْءٍ وَهْوَ يَخْطُبُ (باب كلام الإمام والناس) بالجر عطفًا على سابقه (في خطبة العيد). و) باب (إذا سئل الإمام عن شيء) من أمر الدين (وهو يخطب) خطبة العيد. يجيب السائل؟ 983 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا، وَنَسَكَ نُسْكَنَا، فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ. وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَتِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ. فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ نَسَكْتُ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى الصَّلاَةِ، وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، فَتَعَجَّلْتُ، وَأَكَلْتُ وَأَطْعَمْتُ أَهْلِي وَجِيرَانِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ. قَالَ فَإِنَّ عِنْدِي عَنَاقَ جَذَعَةٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَىْ لَحْمٍ، فَهَلْ تَجْزِي عَنِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ». وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد، (قال: حدّثنا أبو الأحوص) بحاء وصاد ممهملتين، سلام بن سليم الحنفي الكوفي (قال: حدّثنا منصور بن المعتمر عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن البراء بن عازب) رضي الله عنه (قال: خطبنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم النحر بعد الصلاة) أي: صلاة العيد (فقال) بالفاء قبل القاف، ولابن عساكر، قال: (من صلّى صلاتنا ونسك نسكنا) أي: قرّب قرباننا (فقد أصاب النسك) المجزئ عن الأضحية، (ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم) تؤكل، ليست من النسك في شيء. (فقام أبو بردة بن نيار) بكسر النون وتخفيف المثناة (فقال: يا رسول الله! والله لقد نسكت) ذبحت (قبل أن أخرج

24 - باب من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد

إلى الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، فتعجلت وأكلت) بالواو، ولابن عساكر، فأكلت (وأطعمت أهلي وجيراني) بكسر الجيم جمع جار. (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (تلك) أي: المذبوحة قبل الصلاة (شاة لحم) غير مجزئة عن الأضحية. وهذه المراجعة الواقعة بينه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وبين أبي بردة تدل للحكم الأول من الترجمة، وتاليها يدل على الثاني منها وهو قوله: (قال) أي: أبو بردة: (فإن عندي عناق جذعة) بنصب عناق اسم: إن، وجر جذعة على الإضافة، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: عناقًا جذعةً، بنصبهما، قال في المصابيح، ففي الإضافة حينئذ إشكال. (هي) وللأصيلي وأبي ذر: لهي (خير من شاتي لحم) لنفاستها، (فهل تجزي عني)؟ بفتح المثناة الفوقية من غير همز أي: هل تكفي عني؟ (قال) عليه الصلاة والسلام: (نعم) تجزي عنك (ولن تجزي عن أحد بعدك) فهي خصوصية له كما مر. 984 - حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ خَطَبَ فَأَمَرَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ أَنْ يُعِيدَ ذَبْحَهُ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِيرَانٌ لِي -إِمَّا قَالَ: بِهِمْ خَصَاصَةٌ، وَإِمَّا قَالَ بِهِمْ فَقْرٌ- وَإِنِّي ذَبَحْتُ قَبْلَ الصَّلاَةِ، وَعِنْدِي عَنَاقٌ لِي أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ شَاتَىْ لَحْمٍ. فَرَخَّصَ لَهُ فِيهَا". وبه قال: (حدّثنا حامد بن عمر) بضم العين البكراوي، من ولد أبي بكرة، قاضي كرمان، المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين (عن حماد بن زيد) وللأصيلي: عن حماد، هو: ابن زيد (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو: ابن سيرين (أن أنس بن مالك قال: إن) بكسر الهمزة، ولأبي ذر: عن أنس بن مالك أن، بإسقاط قال: وفتح همزة أن (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى يوم النحر) صلاة العيد (ثم خطب) أي: الناس (فأمر من ذبح قبل الصلاة أْن يعيد ذبحه) بفتح الذال المعجمة في اليونينية، مصدر ذبح، وفي نسخة غيرها: ذبحه، بكسرها، اسم للشيء المذبوح (فقام رجل من الأنصار) هو أبو بردة بن نيار (فقال: يا رسول الله، جيران) مبتدأ وقوله (لي) صفته، والجملة اللاحقة خبره، وهي قوله (-إما قال) الرجل: (بهم خصاصة) بالتخفيف: جوع (وإما قال: فقر-) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، عن الكشميهني: وإما قال بهم فقر. (إني ذبحت قبل الصلاة، وعندي عناق لي) هي (أحب إليّ من شاتي لحم) لأنها أغلى ثمنًا وأعلى لحمًا. (فرخص له) عليه الصلاة والسلام (فيها) ولم تعمّ الرخصة غيره. 985 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ جُنْدَبٍ قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ ذَبَحَ فَقَالَ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ أُخْرَى مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ". [الحديث 985 - أطرافه في: 5500، 5562، 6674، 7400]. وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأسود) هو ابن قيس العبدي، بسكون الموحدة، الكوفي (عن جندب) بضم الجيم وسكون النون وفتح الذال وضمها، ابن عبد الله البجلي، رضي الله عنه (قال: صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم النحر) صلاة العيد (ثم خطب ثم ذبح، فقال) أي في خطبته، ولأبوي ذر، والوقت. (وقال): (من ذبح قبل أن يصلّي) العيد (فليذبح) ذبيحة (أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله) أي: لله. فالباء بمعنى اللام، أو متعلقة بمحذوف. أي: بسُنّة الله، أو تبرّكًا باسم الله تعالى. ومذهب الحنفية وجوب الأضحية على المقيم بالمصر، المالك للنصاب. والجمهور: أنها سُنّة، لحديث مسلم مرفوعًا: من رأى هلال ذي الحجة فأراد أن يضحي، فليمسك عن شعره وأظفاره. والتعليق بالإرادة بنا في الوجوب. ورواة حديث الباب الأخير ما بين: بصري وواسطي وكوفي، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في: الأضاحي، والتوحيد، والذبائح. ومسلم والنسائي وابن ماجة في الأضاحي. 24 - باب مَنْ خَالَفَ الطَّرِيقَ إِذَا رَجَعَ يَوْمَ الْعِيدِ (باب من خالف الطريق) التي توجه منها إلى المصلّى (إذا رجع يوم العيد) بعد الصلاة. 986 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ". تَابَعَهُ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ فُلَيْحٍ. وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ. وبالسند قال: (حدّثنا محمد) غير منسوب، ولابن عساكر هو: ابن سلام، كما في هامش فرع اليونينية. وفي رواية أبي على بن السكن، فيما ذكره في الفتح: حدّثنا محمد بن سلام، وكذا للحفصي، وجزم به الكلاباذي وغيره، ولأبي علي بن شبويه: إنه محمد بن مقاتل. قال الحافظ ابن حجر: والأول هو المعتمد. (قال: أخبرنا) وللأصيلي، وابن عساكر: حدّثنا (أبو تميلة) المثناة الفوقية وسكون التحتية بينهما ميم مفتوحة، مصغرًا (يحيى بن واضح) الأنصاري المروزي. قيل: إنه ضعيف، لذكر المؤلّف له في الضعفاء، وتفرد به شيخه، وهو مضعف عند ابن معين، والنسائي وأبي داود. وثّقه آخرون، فحديثه من قبيل الحسن، لكن له شواهد من حديث

25 - باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين

ابن عمر، وسعد القرظ، وأبي رافع، وعثمان بن عبيد الله التميمي، فصار من القسم الثاني من قسمي الصحيح. قاله شيخ الصنعة: ابن حجر. (وعن فليح بن سليمان) بضم أولهما وفتح ثانيهما (عن سعيد بن الحرث) بن المعلى الأنصاري المدني، قاضيها (عن جابر) ولأبي ذر، وابن عساكر: عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما (قال): كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا كان يوم عيد بالرفع فاعل كان، وهي تامة تكتفي بمرفوعها، أي: إذا وقع يوم عيد وجواب: إذا، قوله: (خالف الطريق) رجع في غير طريق الذهاب إلى المصلّى. قال في المجموع: وأصح الأقوال في حكمته: أنه كان يذهب في أطولهما تكثيرًا للأجْر، ويرجع في أقصرهما. لأن الذهاب أفضل من الرجوع. وأما قول إمام الحرمين وغيره: إن الرجوع ليس بقربه، فعورض بأن أجر الخطا يكتب في الرجوع أيضًا، كما ثبت في حديث أُبيّ بن كعب عند الترمذي وغيره. وقيل: خالف ليشهد له الطريقان، أو أهلهما من الجن والإنس، أو ليتبرك به أهلهما، أو ليُستفتى فيهما، أو ليتصدق على فقرائهما، أو ليزور قبور أقاربه فيهما، أو ليصل رحمه، أو للتفاؤل بتغير الحال إلى المغفرة والرضا، أو لإظهار شعار الإسلام فيهما، أو ليغيظ المنافقين أو اليهود، أو ليرهبهم بكثرة من معه، أو حذرّا من إصابة العين، فهو في معنى قول يعقوب لبنيه، عليهم الصلاة والسلام: {لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} [يوسف: 67]. ثم من شاركه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المعنى، ندب له ذلك وكذا من لم يشاركه في الأظهر تأسيًا به عليه الصلاة والسلام: كالرّمل والاضطباع سواء فيه الإمام والقوم. واستحب في الأم أن يقف الإمام في طريق رجوعه إلى القبلة، ويدعو، وروي فيه حديثًا. اهـ. ورواة الحديث: الثاني: مروزي، والثالث والرابع: مدنيان، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول. (تابعه) أي: تابع أبا تميلة المذكور (يونس بن محمد) البغدادي المؤدب، فيما وصله الإسماعيلي من طريق ابن لم شيبة (عن فليح) ولأبي ذر، وعن سعيد (عن أبي هريرة). (وحديث جابر أصح). كذا عند جمهور رواة البخاري من طريق الفربري. واستشكل: بأن المتابعة لا تقتضي المساواة، فكيف تقتضي الأضحية؟ وأجيب: بأنه سقط في رواية إبراهيم بن معقل النسفيّ، عن البخاري، فيما أخرجه الجياني، قوله: وحديث جابر أصح. وبأن أبا نعيم في مستخرجه قال: أخرجه البخاري عن أبي نميلة. وقال: تابعه يونس بن محمد عن فليح. وقال محمد بن الصلت، عن فليح، عن سعيد، عن أبي هريرة. وحديث جابر أصح، وبذلك جزم أبو مسعود في الأطراف، فيكون حديث أبي هريرة صحيحًا، وحديث جابر أصح منه، ولذلك قال الترمذي، بعد أن ساق حديث أبي هريرة: حديث غريب. وحينئذ فيكون سقط من رواية الفربري قوله: وقال محمد بن الصلت عن فليح فقط. هذا على رواية ابن السكن، وأما على رواية الباقين فسقط إسناد محمد بن الصلت كله. والحاصل كما قاله الكرماني: أن الصواب إما طريقة النسفيّ التي بالإسقاط، وإما طريقة أبي نعيم وأبي مسعود بزيادة حديث ابن الصلت الموصولة عند الدارمي، طريقة الفربري. 25 - باب إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ وَمَنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ وَالْقُرَى، لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَذَا عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ». وَأَمَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَوْلاَهُمُ ابْنَ أَبِي عُتْبَةَ بِالزَّاوِيَةِ فَجَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ وَصَلَّى كَصَلاَةِ أَهْلِ الْمِصْرِ وَتَكْبِيرِهِمْ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَهْلُ السَّوَادِ يَجْتَمِعُونَ فِي الْعِيدِ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يَصْنَعُ الإِمَامُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. هذا (باب) بالتنوين (إذا فاته العيد) أي: إذا فات الرجل صلاة العيد مع الإمام، سواء كان لعارض أم لا، (يصلّي ركعتين) كهيئتها مع الإمام، لا أربعًا. خلافًا لأحمد فيما نقل عنه، وعبارة المرداوي في تنقيح المقنع: وإن فاتته سنّ قضاؤها قبل الزوال وبعده على صفاتها، وعنه: أربع بلا تكبير بسلام، قال بعضهم: كالظهر. اهـ. واستدلّ بما روى سعيد بن منصور، بإسناد صحيح عن ابن مسعود من قوله: من فاته العيد مع الإمام فليصل أربعًا. وقال المزني وغيره: إذا فاتته لا يقضيها. وقال الحنفية: لا تقضى، لأن لها شرائط لا يقدر المنفرد على تحصيلها. (وكذلك النساء) اللاتي لم يحضرن المصلّى مع الإمام (و) كذلك (من كان في البيوت) ممن لم يحضرها معه أيضًا (و) كذلك من كان في (القرى) ولم يحضر (لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هذا عيدنا أهل الإسلام). بنصب أهل على الاختصاص، أو منادى مضاف حذف منه حرف النداء، ويؤيده رواية أبي ذر في نسخة عن الكشميهني: يا أهل الإسلام؛ وأشار إلى حديث عائشة

26 - باب الصلاة قبل العيد وبعدها

في الجاريتين اللتين كانتا تغنيان في بيتها، إذ فيه قوله عليه الصلاة والسلام: "وهذا عيدنا". وحديث عقبة بن عامر المروزي عند أبي داود والنسائي وغيرهما أنه، عليه الصلاة والسلام، قال في أيام التشريق: "عيدنا أهل الإسلام". قيل: وجه الدلالة على الترجمة من ذلك أن قوله هذا إشارة إلى الركعتين، وعمم: بأهل، من كان مع الإمام، أو لم يكن، كالنساء وأهل القرى وغيرهم. اهـ. فليتأمل. وأشار المؤلّف بقوله: ومن كان في البيوت والقرى، إلى مخالفة ما روي عن علي: جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع. (وأمر أنس بن مالك) لما فاتته صلاة العيد مع الإمام، فيما وصله ابن أبي شيبة، (مولاهم) أي: مولى أنس وأصحابه، ولأبي ذر عن الكشميهني: مولاه (ابن أبي عتبة) بنصب ابن بدل من مولى أو بيان؟ وبضم العين وسكون المثناة الفوقية وفتح الموحدة على الأكثر الأشهر، وهو الذي في الفرع وأصله، ولأبي ذر. كما في الفتح: غنية، بالمعجمة المفتوحة والنون والمثناة التحتية المشددة (بالزاوية) بالزاي، موضع على فرسخين من البصرة، كان بها قصر وأرض لأنس، (فجمع) له (أهله وبنيه) بتخفيف ميم: فجمع (وصلّى) بهم أنس صلاة العيد (كصلاة أهل المصر) ركعتين (وتكبيرهم). (وقال عكرمة)، فيما وصله ابن أبي شيبة أيضًا: (أهل السواد يجتمعون في) يوم (العيد يصلون) صلاة العيد (ركعتين كما يصنع الإمام). (وقال عطاء) هو: ابن أبي رباح، مما وصله الفريابي في مصنفه، وللكشميهني: وكان عطاء (إذا فاته العيد) أي صلاته مع الإمام (صلّى ركعتين) زاد ابن أبي شيبة، من وجه آخر عن أبي جريج: ويكبر، وهو يقتضي أن تصلي كهيئتها لا أن الركعتين مطلق نفل. 987 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: "أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ -وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ- فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ. وَتِلْكَ الأَيَّامُ أَيَّامُ مِنًى". وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف (قال: حدّثنا الليث) بن سعد (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف، ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة، أن أبا بكر) الصديق رضي الله عنه (دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متغش) مستتر، ولأبي ذر: متغشى (بثوبه- فانتهرهما) زجرهما (أبو بكر، فكشف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن وجهه) الثوب (وقال): (دعهما) أي: اتركهما (يا أبا بكر، فإنها) أي: هذه الأيام (أيام عيد) (وتلك الأيام أيام منى) أضاف الأيام إلى العيد ثم إلى منى: إشارة إلى الزمان ثم المكان. 988 - حدّثنا وَقَالَتْ عَائِشَةُ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتُرُنِي وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دَعْهُمْ. أَمْنًا بَنِي أَرْفِدَةَ". يَعْنِي مِنَ الأَمْنِ. (وقالت عائشة) بالإسناد السابق (رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد فزجرهم، فقال النبي) بحذف فاعل الزجر، ولكريمة: فزجرهم عمر، فقال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (دعهم) أي: اتركهم من جهة أنا أمناهم (أمنًا) بسكون الميم والنصب على المصدر، أو بنزع الخافض، أي: للأمن، أو على الحال أي: العبوا آمنين يا (بني أرفدة) بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء والدال مهملة، وحذف منه حرف النداء. قال المؤلّف في تفسير أمنًا: (يعني من الأمن) ضدّ الخوف، لا الأمان الذي للكفار. واستشكل مطابقة الحديث للترجمة لأنه ليس فيه للصلاة ذكر. وأجاب ابن المنير: بأنه يؤخذ من قوله: أيام عيد، وتلك أيام منى فأضاف سنة العيد إلى اليوم على الإطلاق، فيستوي في إقامتها: الفذ والجماعة، والنساء والرجال. وقال ابن رشيد، لا سمى أيام منى: أيام عيد، كانت محلاً لأداء هذه الصلاة، أي: فيؤديها فيها إذا فاتته مع الإمام، لأنها شرعت ليوم العيد ومقتضاه أنها تقع أداء، وأن وقت أدائها: آخر أو هو آخر أيام منى. حكاه في الفتح، ولا يخفى ما فيه من التكلف. 26 - باب الصَّلاَةِ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا وَقَالَ أَبُو الْمُعَلَّى: سَمِعْتُ سَعِيدًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَرِهَ الصَّلاَةَ قَبْلَ الْعِيدِ. (باب الصلاة قبل) صلاة (العيد وبعدها) هل تجوز أم لا؟. (وقال أبو المعلى) بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد اللام المفتوحة، يحيى بن ميمون العطار الكوفي، وليس له في البخاري سوى هذا، أو هو يحيى بن دينار: (سمعت سعيدًا) هو: ابن جبير (عن ابن عباس) رضي الله عنهما، أنه (كره الصلاة قبل) صلاة (العيد). 989 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا، وَمَعَهُ بِلاَلٌ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي (قال: حدّثنا شعبة) ابن الحجاج (قال: حدّثني)، ولأبي

14 - كتاب الوتر

ذر في نسخة، وابن عساكر والأصيلي: أخبرني؟ بالإفراد فيهما (عدي بن ثابت) الأنصاري (قال: سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، خرج يوم) عيد (الفطر فصلّى) صلاة العيد (ركعتين لم يصلِّ قبلها ولا بعدها) بإفراد الضمير فيهما، نظرًا إلى الصلاة. وللكشميهني: قبلهما ولا بعدهما، بتثنيتهما، نظرًا إلى الركعتين (ومعه بلال) جملة حالية. قال الشافعية: يكره للإمام بعد الحضور التنفل قبلها وبعدها لاشتغاله بغير الأهم ولمخالفته فعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأنه صلّى عقب حضوره، وخطب عقب صلاته. وأما المأموم فلا يكره له ذلك قبلها مطلقًا، ولا بعدها إن لم يسمع الخطبة، لأنه لم يشتغل بغير الأهم بخلاف من يسمعها، لأنه بذلك معرض من الخطيب بالكلية. وقال الحنفية: يكره قبلها لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا صلاة في العيد قبل الإمام". وقال المالكية والحنابلة: لا قبلها ولا بعدها. وعبارة المرداوي في تنقيحه: ويكره التنفل في موضعها قبل الصلاة وبعدها، وقضاء فائتة نصًّا قبل مفارقته. والله أعلم. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 14 - كتاب الوتر 1 - باب مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ (بسم الله الرحمن الرحيم). (باب ما جاء في الوتر) بكسر الواو، وقد تفتح، ولأبي ذر، عن المستملي: أبواب الوتر، بسم الله الرحمن الرحيم، لكن في فتح الباري تقديم البسملة على قوله: أبواب للمستملي، ولأبي الوقت، مما في الفرع، وأصله بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب الوتر. وسقطت البسملة عند كريمة وابن شبويه والأصيلي، كما نبه عليه في الفتح. واختلف في الوتر، فقال أبو حنيفة بوجوبه لقوله عليه الصلاة والسلام، المروي عنه: "إن الله زادكم صلاة، ألا، وهي: الوتر". والزائد لا يكون إلا من جنس المزيد عليه، فيكون فرضًا. لكن لم يكفر جاحده لأنه ثبت بخبر الواحد، ولحديث أبي داود، بإسناد صحيح: "الوتر حق على كل مسلم". والصارف له عن الوجوب عند الشافعية قوله تعالى: {والصلاة الوسطى} ولو وجب لم يكن للصلوات وسطى، وقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ، لما بعثه إلى اليمن: "فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة". وليس قوله: حق، بمعنى: واجب في عرف الشرع. 990 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ "أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا) ولأبي ذر في نسخة: حدّثنا (مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (وعبد الله بن دينار) كلاهما (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، (أن رجلاً سأل) قيل: هو ابن عمر كما هو في المعجم الصغير. وعورض برواية عبد الله بن شقيق، عن ابن عمر، عند مسلم: أن رجلاً سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأنا بينه وبين السائل. وقيل: هو من أهل البادية، ولا تنافي لاحتمال تعدد من سأل (رسول الله) ولأبي ذر، والأصيلي: سأل النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) عدد (صلاة الليل) أو: عن الفصل والوصل (فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:). (صلاة الليل مثنى مثنى) غير مصروف للعدل، والوصف والتكرير للتأكيد لأنه في معنى: اثنين، اثنين: أربع مرات. والمعنى: يسلم من كل ركعتين، كما فسره به ابن عمر في حديثه عند مسلم. واستدلّ بمفهومه للحنفية على أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعًا. وعورض بأنه مفهوم لقب، وليس حجة على الراجح، ولئن سلمناه لا نسلم الحصر في الأربع. على أنه قد تبين من رواية أخرى أن حكم المسكوت عنه حكم المنطوق به، ففي السنن وصححه ابن خزيمة، وغيره من طريق علي الأزدي، عن ابن عمر، مرفوعًا: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى". لكن أكثر أئمة الحديث أعلوا هذه الزيادة، وهي قوله: والنهار، بأن الحفاظ من أصحاب ابن عمر لم يذكروها عنه، وحكم النسائي على راويها بأنه: أخطأ فيها. (فإذا خشي أحدكم الصبح) أي: فوات صلاة الصبح (صلّى ركعة واحدة توتر له) تلك الركعة الواحدة (ما قد صلّى). فيه أن أقل الوتر ركعة، وأنها تكون مفصولة بالتسليم مما قبلها، وبه قال الأئمة الثلاثة خلافًا للحنفية حيث قالوا: يوتر بثلاث كالمغرب، لحديث عائشة: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يوتر بها. كذلك رواه الحاكم وصححه. نعم، قال الشافعية: لو أوتر بثلاث موصولة فأكثر وتشهد في الأخيرتين، أو في

الأخيرة جاز للاتباع، رواه مسلم: لا أن تشهد في غيرهما فقط، أو معهما، أو مع أحدهما، لأنه خلاف المنقول بخلاف النفل المطلق، لأنه لا حصر لركعاته وتشهداته. لكن الفصل، ولو بواحدة، أفضل من الوصل، لأنه أكثر أخبارًا وعملاً، ثم الوصل بتشهد أفضل منه بتشهدين، فرقًا بينه وبين المغرب. وروى الدارقطني بإسناد رواته ثقات حديث: "لا توتروا بثلاث، ولا تشبهوا الوتر بصلاة المغرب". وثلاثة موصولة أفضل من ركعة لزيادة العبادة، بل قال القاضي أبو الطيب: إن الإيتار بركعة مكروه. اهـ. واستدلّ به المالكية على تعيين الشفع قبل الوتر، لأن المقصود من الوتر أن تكون الصلاة كلها وترًا لقوله عليه الصلاة والسلام صلّى ركعة توتر له ما قد صلّى. وأجيب: بأن سبق الشفع شرط في الكمال لا في الصحة، لحديث أبي داود والنسائي، وصححه ابن حبان، عن أبي أيوب مرفوعًا: الوتر حق، فمن شاء أوتر بخمس، ومن شاء بثلاث، ومن شاء بواحدة. 991 - حدثنا وَعَنْ نَافِعٍ "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوِتْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ". (وعن نافع) بالإسناد السابق، كما قاله الحافظ ابن حجر، وقال العيني: إنما هو معلق، ولو كان مسندًا لم يفرقه، (أن عبد الله بن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما (كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته) ظاهره أنه كان يصلّي الوتر موصولاً، فإن عرضت له حاجة فصل ثم بنى على ما مضى. وعند سعيد بن منصور بإسناد صحيح، عن بكر بن عبد الله المزني، قال: صلّى ابن عمر ركعتين، ثم قال: يا غلام ارحل لنا، ثم قام فأوتر بركعة. وهذا الحديث الأول أخرجه أبو داود، والنسائي. 992 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ -وَهْيَ خَالَتُهُ- فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ وِسَادَةٍ -وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، فَاسْتَيْقَظَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَصَنَعْتُ مِثْلَهُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي يَفْتِلُهَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ. ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام، ولأبي ذر، والأصيلي: عن مالك بن أنس (عن مخرمة بن سليمان) بإسكان الخاء المعجمة وفتح غيرها، الأسدي الوالبي (عن كريب) بضم الكاف وفتح الراء، ابن أبي مسلم الهاشمي، مولاهم المدني، أبي رشدين، مولى ابن عباس (أن ابن عباس) رضي الله عنهما، (أخبره أنه بات عند) أم المؤمنين (ميمونة -وهي خالته) أخت أمه لبابة. وزاد شريك بن أبي نمر، عن كريب، عند مسلم، قال: فرقبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كيف يصلّي. وزاد أبو عوانة في صحيحه من هذا الوجه: بالليل، (فاضطجعت في عرض وسادة) بفتح العين، وقد تضم، وفي رواية محمد بن الوليد عند محمد بن نصر في كتاب: قيام الليل: وسادة من أدم حشوها ليف، (واضطجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأهله في طولها). قال ابن عبد البر: كان، والله أعلم، ابن عباس مضطجعًا عند رجل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو عند رأسه. (فنام) عليه الصلاة والسلام (حتى انتصف الليل أو) صار (قريبًا منه) أي: من الانتصاف (فاستيقظ) عليه الصلاة والسلام (يمسح النوم عن وجهه) أي: يمسح أثر النوم عن وجهه (ثم قرأ عشر آيات من) سورة (آل عمران) أي من: {إن في خلق السماوات والأرض} [آل عمران: 190] إلى آخرها. واستشكل قوله: حتى انتصف الليل أو قريبًا منه، بجزم شريك في روايته عند مسلم، كالبخاري في تفسير سورة آل عمران: بثلث الليل الأخير. وأجيب: بأن استيقاظه عليه الصلاة والسلام وقع مرتين، ففي الأولى تلا الآيات، ثم عاد لمضجعه فنام، وفي الثانية أعاد ذلك. (ثم قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى شن معلقة) أنث على تأويله بالقربة، وزاد محمد بن الوليد: ثم استفرغ من الشن في إناء (فتوضأ) منها للتجديد لا للنوم لأنه تنام عينه ولا ينام قلبه (فأحسن الوضوء) أتمه بأن أتى بمندوباته، ولا ينافي التخفيف، (ثم قام يصلّي). قال ابن عباس: (فصنعت مثله) في الوضوء ومسح النوم عن وجهه، وقراءة الآيات، وغير ذلك، أو هو محمول على الأغلب، (فقمت)، بالفاء قبل القاف، ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي: وقمت (إلى جنبه، فوضع يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني يفتلها) بكسر المثناة الفوقية، أي: يدلكها لينتبه، أو لإِظهار محبته (ثم صلّى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين) ست مرات باثنتي عشرة ركعة (ثم أوتر) بركعة. يقتضي أنه صلى ثلاث عشرة ركعة، وظاهره أنه فصل بين كل ركعتين. وصرح بذلك في رواية طلحة بن نافع، حيث قال

2 - باب ساعات الوتر

فيها: يسلم بين كل ركعتين. (ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن، فقام، فصلّى ركعتين) سنة الفجر (ثم خرج) من الحجرة، إلى المسجد (فصلّى الصبح) بالجماعة. 993 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْصَرِفَ فَارْكَعْ رَكْعَةً تُوتِرُ لَكَ مَا صَلَّيْتَ». قَالَ الْقَاسِمُ: وَرَأَيْنَا أُنَاسًا مُنْذُ أَدْرَكْنَا يُوتِرُونَ بِثَلاَثٍ، وَإِنَّ كُلاًّ لَوَاسِعٌ، أَرْجُو أَنْ لاَ يَكُونَ بِشَىْءٍ مِنْهُ بَأْسٌ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي، نزيل مصر (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) المصري، ولأبي ذر: عبد الله بن وهب (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو أن عبد الرحمن) بإسكان الميم بعد العين المفتوحة، ولأبوي ذر، والوقت والأصيلي، عن المستملي: عمرو بن الحرث: أن عبد الرحمن (بن القاسم حدثه، عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله عنهم، (عن عبد الله عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما. (قال: قال النبي) ولأبي ذر، في نسخة، قال رسول الله: (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أردت أن تنصرف، فاركع ركعة) وحدة (توتر لك ما صليت). وفيه ردّ على من ادعى من الحنفية أن الوتر بواحدة مختص بمن خشي طلوع الفجر، لأنه علقه بإرادة الانصراف، وهو أعم من أن يكون لخشية طلوع الفجر، وغيره. (قال القاسم) بن محمد بن أبي بكر بالإسناد السابق، كما في مستخرج أبي نعيم، أو هو معلق. لكن، قال الحافظ ابن حجر: جعله معلقًا وهم، وتعقبه صاحب عمدة القارئ بأن فصله عما قبله يصيره ابتداء كلام، فالصواب أنه معلق. (ورأينا أناسًا منذ أدركنا) بلغنا الحلم، أو عقلنا (يوترون بثلاث، وإن كلاًّ) من الوتر بركعة واحدة وثلاث (لواسع، أرجو) ولأبي ذر: وأرجو (أن لا يكون بشيء منه بأس) فلا حرج في فعل أيهما شاء. 994 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً كَانَتْ تِلْكَ صَلاَتَهُ -تَعْنِي بِاللَّيْلِ- فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلصَّلاَةِ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب محمد بن مسلم (الزهري، عن عروة) بن الزبير، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر، قال: حدثني بالإفراد، عروة (أن عائشة) رضي الله عنها (أخبرته أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يصلّي إحدى عشرة ركعة) هي أكثر الوتر عند الشافعي لهذا الحديث، ولقولها ما كان، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يزيد في رمضان، ولا غيره، على إحدى عشرة ركعة ولا يصح زيادة عليها، فلو زاد عليها لم يجز، ولم يصح وتره بأن أحرم بالجميع دفعة واحدة فإن سلم من كل ثنتين صح إلا الإحرام السادس فلا يصح وترًا، فإن علم المنع وتعمده فالقياس البطلان، وإلا وقع نفلاً كإحرامه بالظهر قبل الزوال غالطًا. ولا تنافي بين حديث عائشة هذا وحديث ابن عباس السابق، ثلاثة عشر، فقد قيل: أكثره ثلاثة عشر، لكن تأوله الأكثرون بأن من ذلك ركعتين، سنة العشاء. قال النووي: وهذا تأويل ضعيف منابذ للأخبار. قال السبكي: وأنا أقطع بحل الإيتار بذلك وصحته، لكني أحب الاقتصار على إحدى عشرة فأقل، لأنه غالبِ أحواله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (كانت تلك صلاته تعني) عائشة (بالليل فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر) سنته (ثم يضطجع على شقه الأيمن) لأنه كان يحب التيمن. لا يقال: حكمته أن لا يستغرق في النوم لأن القلب في اليسار، ففي النوم عليه راحة له فيستغرق فيه، لأنا نقول: صح أنه عليه الصلاة والسلام كان: تنام عينه ولا ينام قلبه. نعم، يجوز أن يكون فعله لإرشاد أمته وتعليمهم. (حتى يأتيه المؤذن للصلاة) ولابن عساكر: بالصلاة بالموحدة بدل اللام. 2 - باب سَاعَاتِ الْوِتْرِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَوْصَانِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ. (باب ساعات الوتر) أي: أوقاته. (قال) ولأبي ذر: وقال (أبو هريرة) مما وصله إسحاق بن راهويه، في مسنده: (أوصاني النبي) ولأبي ذر: في رواية رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالوتر قبل النوم) محمول على من لم يثق بتيقظه آخر الليل جمعًا بينه وبين حديث: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا". 995 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: "قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: أَرَأَيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ أُطِيلُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ وَكَأَنَّ الأَذَانَ بِأُذُنَيْهِ". قَالَ حَمَّادٌ: أَىْ سُرْعَةً. وبالسند قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي (قال: حدّثنا حماد بن زيد، قال: حدّثنا أنس بن سيرين) أخو محمد بن سيرين (قال: قلت لابن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما: (أرأيت) بهمزة الاستفهام، أي: أخبرني عن (الركعتين) اللتين (قبل صلاة الغداة أطيل فيهما القراءة)؟ كذا للكشميهني: أطيل، بجعل المضارع فيه للمتكلم، وهمزة الاستفهام محذوفة. وللحموي: أتطيل بهمزة الاستفهام مع

3 - باب إيقاظ النبي -صلى الله عليه وسلم- أهله بالوتر

جعل المضارع للمخاطب. وللباقين من غير اليونينية: نطيل بنون الجمع من أطال يطيل إذا طول؛ وفي الفرع لأبي ذر عن الحموي والمستملي: تطيل، بالفوقية من غير همز. (فقال) أي: ابن عمر، ولأبي ذر والأصيلي، وابن عساكر: قال: (كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّي من الليل). ولابن عساكر: يصلّي بالليل- (مثنى مثنى) فيه فضل الفصل لأنه أمر به وفعله، بخلاف الوصل فإنه فعله فقط. (ويوتر بركعة، ويصلّي الركعتين) السنة، ولأبوي ذر، والوقت، ويصلّي ركعتين (قبل صلاة الغداة) أي: الصبح، (وكأن الأذان) أي الإقامة (بأذنيه) بالتثنية والكاف حرف تشبيه، ونون كأن مشددة، والجملة حال من فاعل يصلّي في قولها: يصلّي ركعتين قبل صلاة الغداة. لا يقال: إنها لإنشاء التشبيه، لأن الجملة الإنشائية لا تقع حالاً، قاله في المصابيح. (قال حماد) المذكور بالسند السابق في تفسير: كأن الأذان (أي سرعة) ولأبوي ذر، والوقت، كما في الفرع، وزاد في الفتح، وابن شبويه: بسرعة، بموحدة قبل السين. والمعنى: أنه عليه الصلاة والسلام كان يسرع بركعتي الفجر إسراع من يسمع إقامة الصلاة خشية فوات أول الوقت، ويلزم منه تخفيف القراءة فيهما، فيحصل به الجواب عن سؤال أنس بن سيرين عن قدر القراءة فيهما. ورواة الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث والقول، وأخرجه مسلم، والترمذي، وابن ماجة: في الصلاة. 996 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كُلَّ اللَّيْلِ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ". وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) بضم العين، النخعي الكوفي (قال: حدّثنا أبي) حفص بن غياث، قاضي الكوفة (قال: حدّثنا) سليمان بن مهران (الأعمش قال: حدّثني) بالإفراد (مسلم) هو: أبو الضحى الكوفي، لا ابن كيسان (عن مسروق) هو: ابن عبد الرحمن الكوفي (عن عائشة)، رضي الله عنها، (قالت): (كل الليل) صالح لجميع أجزائه، وكل بالنصب على الظرفية، أو بالرفع: مبتدأ خبره ما بعده. وهو قوله (أوتر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وانتهى وتره إلى السحر) قبيل الصبح. ولأبي داود، عن مسروق، قلت لعائشة: متى كان يوتر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقالت: أوتر أوّل الليل، وأوسطه، وآخره، ولكن انتهى وتره حين مات إلى السحر. فقد يكون أوتر من أوّله لشكوى حصلت له، وفي وسطه لاستيقاظه إذ ذاك، وكان آخر أمره أن أخره إلى آخر الليل. ويحتمل أن يكون فعله أوله وأوسطه لبيان الجواز، وأخره إلى الليل تنبيهًا على أنه الأفضل لمن يثق بالانتباه. "من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوّله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة" وذلك أفضل. وورد عن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وغيرهم واستحبه مالك، وقد قال عليه الصلاة والسلام لأبي بكر: متى توتر؟ قال: أوّل الليل. وقال لعمر: متى توتر؟ قال: آخر الليل. فقال لأبي بكر: أخذت بالحزم، وقال لعمر: أخذت بالقوّة. واستشكل اختيار الجمهور لفعل عمر في ذلك مع أن أبا بكر أفضل منه. وأجيب بأنهم فهموا من الحديث ترجيح فعل عمر، لأنه وصفه بالقوّة، وهي أفضل من الحزم لمن أعطيها. وقد اتفق السلف والخلف على أن وقته من بعد صلاة العشاء إلى الفجر الثاني، لحديث معاذ، عند أحمد مرفوعًا: زادني ربي صلاة، وهي الوتر، وقتها من العشاء إلى طلوع الفجر. قال المحاملي: ووقتها المختار إلى نصف الليل. وقال القاضي أبو الطيب وغيره: إلى نصفه، أو ثلثه. والأقرب فيهما أن يقال: بعيد ذلك ليجامع وقت العشاء المختار، مع أن ذلك منافٍ لقولهم: يسن جعله آخر صلاة الليل، وقد علم أن التهجد في النصف الثاني أفضل، فيكون مستحبًا. ووقته المختار إلى ما ذكر، وحمل البلقيني ذلك على من لا يريد التهجد. ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون، وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض: الأعمش ومسروق ومسلم، والتحديث، والعنعنة والقول، وأخرجه: مسلم، وأبو داود في الصلاة. 3 - باب إِيقَاظِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهْلَهُ بِالْوِتْرِ (باب إيقاظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهله بالوتر) وللكشميهني: للوتر، باللام بدل الموحدة. وإيقاظ مصدر مضاف لفاعله وأهله مفعوله. 997 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَأَنَا رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةً عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال حدّثنا يحيى) القطان (قال: حدّثنا هشام) هو: ابن عروة (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عروة بن

4 - باب ليجعل آخر صلاته وترا

الزبير بن العوام (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) صلاة الليل (وأنا راقدة) حال كوني (معترضة على فراشه) ولأبي ذر: معترضة، بالرفع (فإذا أراد أن يوتر أيقظني) فقمت وتوضأت (فأوترت) امتثالاً لقوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} [طه: 132] واستدلّ به على جعل الوتر آخر الليل، ولو نام قبله سواء تهجد، أي: صلّى بعد الهجود، أي: النوم أو لم يتهجد، ومحله إذا وثق أن يستيقظ بنفسه أو بإيقاظ غيره. ولا يلزم من إيقاظه عليه الصلاة والسلام لها لأجل الوتر وجوبه؛ نعم، يدل على تأكيده، وأنه فوق غيره من النوافل. 4 - باب لِيَجْعَلْ آخِرَ صَلاَتِهِ وِتْرًا هذا (باب) بالتنوين (ليجعل) أي: المصلي (آخر صلاته) بالليل (وترًا). 998 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا». وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة، ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع عن عبد الله) ولأبي ذر، والأصيلي: عن عبد الله بن عمر، أي: ابن الخطاب رضي الله عنهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:). (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا). قيل: الحكمة فيه أن أول صلاة الليل المغرب، وهي وتر، وللابتداء والانتهاء اعتبار زائد على اعتبار الوسط، فلو أوتر ثم تهجد لم يعده، لحديث أبي داود والترمذي، وحسنه: "لا وتران في ليلة". وروي عن الصديق أنه قال: أما أنا فأنام على وتر، فإن استيقظت صليت شفعًا حتى الصباح لأن إعادته تصير الصلاة كلها شفعًا، فيبطل المقصود منه. وكان ابن عمر ينقض وتره بركعة، ثم يصلّي مثنى مثنى، ثم يوتر. والأمر ليس للوجوب بقرينة صلاة الليل، فإنها غير واجبة اتفاقًا. فكذا آخرها. وأما قوله في حديث أبي داود: "فمن لم يوتر فليس منا"، فمعناه: ليس آخذًا بسنتنا. 5 - باب الْوِتْرِ عَلَى الدَّابَّةِ (باب) صلاة (الوتر على الدابة) بعير وغيره. 999 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: "كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ ثُمَّ لَحِقْتُهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ: خَشِيتُ الصُّبْحَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ فَقُلْتُ: بَلَى وَاللَّهِ. قَالَ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ". [الحديث 999 - أطرافه في: 1000، 1095، 1096، 1098، 1105]. وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب) ليس له في البخاري غير هذا الحديث الواحد، (عن سعيد بن يسار) بالمثناة التحتية والمهملة المخففة (أنه قال:). (كنت أسير مع عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (بطريق مكة، فقال سعيد: فلما خشيت الصبح) بكسر الشين المعجمة، أي: دخول وقت الصبح (نزلت) أي: عن مركوبي (فأوترت) على الأرض (ثم لحقته). (فقال) لي (عبد الله بن عمر: أين كنت؟ فقلت) له: (خشيت الصبح فنزلت فأوترت فقال عبد الله: أليس لك في رسول الله أسوة حسنة) بكسر الهمزة وضمها، أي: قدوة. (فقلت: بلى والله، قال: فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يوتر على البعير) وسيأتي إن شاء الله تعالى أن ابن عمر كان يصلّي من الليل على دابته وهو مسافر. فلو كان واجبًا لما جازت صلاته على الدابة، وأما ما رواه عبد الرزاق عن ابن عمر أيضًا أنه كان يوتر على راحلته، وربما نزل فأوتر بالأرض، فطلب الأفضل، لا أنه واجب. لكن، يُشْكِلُ على ما ذُكِرَ أن الوتر كان واجبًا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكيف صلاه راكبًا؟. وأجيب: باحتمال الخصوصية أيضًا كخصوصية وجوبه عليه. وعورض بأنه أنه دعوى لا دليل عليها لأنه لم يثبت دليل وجوبه عليه حتى يحتاج إلى تكلف هذا الجواب. اهـ. أو يقال، كما في اللامع: إنه تشريع للأمة بما يليق بالسنة في حقهم، فصلاه على الراحلة لذلك، وهو في نفسه واجب عليه، فاحتمل الركوب فيه لمصلحة التشريع. ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة في الصلاة. 6 - باب الْوِتْرِ فِي السَّفَرِ (باب الوتر في السفر) كالحضر. 1000 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً صَلاَةَ اللَّيْلِ إِلاَّ الْفَرَائِضَ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ". وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعبل) التبوذكي (قال: حدّثنا جويرية بن أسماء) بفتح الهمزة ممدودًا (عن نافع، عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال): (كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّي في السفر على راحلته حيث توجهت به) فيصير صوب سفره قبلته حال كونه (يومئ إيماء) نصب على المصدرية (صلاة الليل) نصب على المفعولية ليصلّي، وفيه أن المراد بقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144، و150]، الفرائض (إلا الفرائض)

7 - باب القنوت قبل الركوع وبعده

أي: لكن الفرائض فلم يكن يصلّيها على الراحلة، فالاستثناء منقطع لا متصل، لأن المراد خروج الفرائض من الحكم، ليلية أو نهارية، ولابن عساكر: إلا الفرض، بالإفراد (ويوتر) بعد فراغه من صلاة الليل (على راحلته). وفي الحديث ردّ على قول الضحاك: لا وتر على المسافر، وأما قول ابن عمر، المروي في مسلم وأبي داود. "لو كنت مسبحًا في السفر لأتممت". فإنما أراد به راتبة المكتوبة لا النافلة المقصودة: كالوتر، قاله في الفتح. ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين: بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول. 7 - باب الْقُنُوتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ (باب) مشروعية (القنوت) وهو: اللهم اهدني فيمن هديت. الخ ... (قبل الركوع وبعده) في جميع الصلوات الشاملة للوتر. وغيره. 1001 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: "سُئِلَ أَنَسٌ أَقَنَتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الصُّبْحِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقِيلَ لَهُ: أَوَقَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ؟ قَالَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا". [الحديث 1001 - أطرافه 1002، 1003، 1300، 2801، 2814، 3064، 3170، 4088، 4089، 4090، 4091، 4092، 4094، 4095، 4096، 6394، 7341]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد (قال: حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن محمد) ولأبي ذر: عن محمد بن سيرين (قال سئل أنس) ولأبي ذر، والأصيلي: سئل أنس بن مالك: (أقنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) صلاة (الصبح؟ قال: نعم). قنت فيها (فقيل: أوقنت) بهمزة استفهام فواو عاطفة، ولغير أبوي ذر، والوقت، والأصيلي: فقيل له: أوقنت؟ وزاد رواية أبوي ذر، والوقت: أو قلت؟ وللكشميهني: أقنت؟ بغير واو (قبل الركوع؟ قال: قنت بعد الركوع يسيرًا) أي: شهرًا، كما في رواية عاصم التالية لهذه. وهي ترد على البرماوي حيث قال، كالكرماني أي: زمانًا قليلاً بعد الاعتدال التام، وقد صح أنه لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا. رواه عبد الرزاق والدارقطني، وصححه الحاكم، وثبت عن أبي هريرة أنه كان يقنت في الصبح في حياة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وبعد وفاته. وحكى العراقي: أن ممن قال به من الصحابة في الصبح: أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليًّا وأبا موسى الأشعري، وابن عباس، والبراء. ومن التابعين: الحسن البصري، وحميد الطويل، والربيع بن خيثم، وسعيد بن المسيب، وطاوسًا، وغيرهم. ومن اللأئمة: مالكًا، والشافعي، وابن مهدي، والأوزاعي. فإن قلت: روي أيضًا عن الخلفاء الأربعة، وغيرهم، أنهم ما كانوا يقنتون. أجيب: بأنه إذا تعارض إثبات ونفي قدّم الإثبات على النفي. 1002 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الْقُنُوتِ. فَقَالَ: قَدْ كَانَ الْقُنُوتُ. قُلْتُ: قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ. قَالَ: فَإِنَّ فُلاَنًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ: بَعْدَ الرُّكُوعِ. فَقَالَ: "كَذَبَ، إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا، أُرَاهُ كَانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلاً إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ دُونَ أُولَئِكَ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَهْدٌ، فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ". وبه قال: (حدّثنا مسدد، قال: حدّثنا عبد الواحد) وللأصيلي عبد الواحد بن زياد (قال: حدّثنا عاصم) هو: ابن سليمان الأحول (قال: سألت أنس بن مالك) رضي الله عنه (عن القنوت) الظاهر أن أنسًا ظن أن عاصمًا سأله عن مشروعية القنوت (فقال) له: (قد كان القنوت) أي: مشروعًا. قال عاصم (قلت) له: هل كان محله (قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبله) أي: لأجل التوسعة لإدراك المسبوق، كذا قرّره المهلب، وهو مذهب المالكية. وتعقبه ابن المنير: بأن هذا يأباه نهيه عن إطالة الإمام في الركوع ليدركه الداخل، ونوقض بالفذ، وإمام قوم محصورين (قال) أي: عاصم، وللأصيلي. قلت (فإن فلانًا) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تسمية هذا الرجل صريحًا، ويحتمل أن يكون: محمد بن سيرين، بدليل روايته المتقدمة. فإن فيها: سأل محمد بن سيرين أنسًا (أخبرني) بالإفراد (عنك أنك) ولأبوي ذر، والوقت، عن المستملي، والحموي: كأنك (قلت) إنه (بعد الركوع). (فقال: كذب) أي: أخطأ إن كان أخبرك أن القنوت بعد الركوع دائمًا، أو أنه في جميع الصلوات. وأهل الحجاز يطلقون الكذب على ما هو أعم من العمد والخطأ. (إنما قنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد الركوع شهرًا). أخرج ابن ماجة بإسناد قوي، من رواية حميد عن أنس: سئل عن القنوت فقال: قبل الركوع وبعده. وعند ابن المنذر عنه: إن بعض الصحابة قنت قبل الركوع وبعضهم بعده. ورجح الشافعي أنه بعده، لحديث أبي هريرة الآتي إن شاء الله تعالى. قال أنس: (أراه) بضم الهمزة، أي: أظن أنه عليه الصلاة والسلام (كان بعث قومًا) من أهل الصفة (يقال لهم) ولأبي ذر: لها، وضبب عليها في اليونينية: (القرّاء) حال كونهم (زهاء) بضم الزاي وتخفيف الهاء ممدودًا، أي مقدار (سبعين رجلاً، إلى قوم من المشركين) أهل نجد من بني عامر. وكان رأسهم أبو براء عامر بن مالك المعروف بملاعب

الأسنة ليدعوهم إلى الإسلام ويقرؤوا عليهم القرآن. فلما نزلوا بئر معونة قصدهم عامر بن الطفيل في أحيائهم: رعل وذكوان وعصية، فقاتلوهم، فلم ينج منهم إلا كعب بن زيد الأنصاري. وذلك في السنة الرابعة من الهجرة. (دون أولئك) المدعوّ عليهم المبعوث إليهم (وكان بينهم) أي: بين بني عامر المبعوث إليهم (وبين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عهد) فغدروا، وقتلوا القرّاء، (فقنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الصلوات الخمس (شهرًا) متتابعًا (يدعو عليهم) أي: في كل صلاة إذا قال: "سمع الله لمن حمده" من الركعة الأخيرة، رواه أبو داود والحاكم، واستنبط منه: أن الدعاء على الكفار والظلمة لا يقطع الصلاة. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه: التحديث والسؤال والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: المغازي، والجنائز، والجزية، والدعوات؛ ومسلم في: اللصلاة. 1003 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "قَنَتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ". وبه قال: (أخبرنا) ولابوي ذر والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: حدّثنا (أحمد بن يونس) هو: أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي الكوفي (قال: حدّثنا زائدة) بن قدامة الكوفي (عن التيمي) سليمان بن طرخان البصري (عن أبي مجلز) بكسر الميم وقد تفتح وسكونه الجيم وفتح اللام آخره زي، لاحق بن حميد السدوسي البصري (عن أنس) ولأبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر: عن أنس بن مالك (قال): (قنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهرًا) متتابعًا (يدعو) في اعتدال الركعة الأخيرة من كل الصلوات الخمس (على رعل) بكسر الراء وسكون العين المهملة (وذكوان) بفتح الذال المعجمة وسكون الكاف آخره نون منصرف، قبيلتان من سليم، لما قتلوا القرّاء. فقد صح قنوته عليه الصلاة والسلام على قتلة القرّاء شهرًا أو أكثر في صلاة مكتوبة. وصح أنه لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا، فإن نزل نازلة بالمسلمين، من خوف أو قحط أو وباء أو جراد أو نحوها، استحب القنوت في سائر المكتوبات، وإلاّ ففي الصبح، وكذا في أخيرة الوتر في النصف الأخير من رمضان. رواه البيهقي. ورواة هذا الحديث ما بين: بصري وكوفي، وفيه رواية تابعي عن تابعي: سليمان الأحول ولاحق: والتحديث، والعنعنة، والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: المغازي، ومسلم والنسائي في: الصلاة. 1004 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ". وبه قال: (حدّثنا مسدد، قال: حدّثنا إسماعيل) بن علية (قال: حدّثنا)، وللأربعة: أخبرنا (خالد) الحذاء (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (عن أنس) وللأصيلي: عن أنس بن مالك (قال): (كان القنوت) أي في زمنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في) صلاة (المغرب و) صلاة (الفجر). وللأصيلي: في الفجر والمغرب لكونهما طرفي النهار، لزيادة شرف وقتهما رجاء إجابة الدعاء فكان تارة يقنت فيهما، وتارة في جميع الصلوات حرصًا على إجابة الدعاء، حتى نزل {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] فترك إلا في الصبح. كما روى أنس: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا. كما مر. كذا قرره البرماوي كالكرماني. وتعقب بأن قوله: في الصبح، يحتاج إلى دليل، وإلاّ فهو نسخ فيهما. وقال الطحاوي: أجمعوا على نسخه في المغرب، فيكون في الصبح كذلك. اهـ. وقد عارضه بعضهم فقال: قد أجمعوا على أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قنت في الصبح، ثم اختلفوا، هل ترك فيتمسك بما أجمعوا عليه حتى يثبت ما اختلفوا فيه؟. فإن قلت: ما وجه إيراد هذا الباب في أبواب الوتر ولم يكن في أحاديثه تصريح به؟. أجيب: بأنه ثبت أن المغرب وتر النهار، فإذا ثبت فيها ثبت في وتر الليل بجامع ما بينهما من الوترية. وفي حديث الحسن بن علي، عند أصحاب السنن، قال: علمني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلمات أقولهن في قنوت الوتر: "اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت. تباركت ربنا وتعاليت ... " الحديث .. وصححه الترمذي وغيره، لكن ليس على شرط المؤلّف. وروى البيهقي، عن ابن عباس وغيره، أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يعلمهم هذه الكلمات ليقنت بها في الصبح والوتر. وقد صح أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قنت قبل الركوع أيضًا، لكن رواة القنوت بعده

15 - أبواب الاستسقاء.

أكثر وأحفظ، فهو أولى، وعليه درج الخلفاء الراشدون في أشهر الروايات عنهم، وأكثرها. فلو قنت شافعي قبل الركوع لم يجزه لوقوعه في غير محله، فيعيده بعده، ويسجد للسهو، قال في الام: لأن القنوت عمل من أعمال الصلاة، فإذا عمله في غير محله أوجب سجود السهو، وصورته: أن يأتي به بنية القنوت، وإلاّ فلا يسجد. قاله الخوارزمي. وخرج بالشافعي غيره ممن يرى القنوت قبله، كالمالكي، فيجزيه عنده. وقال الكوفيون: لا قنوت إلا في الوتر قبل الركوع. اهـ. ورواة هذا الحديث ما بين بصري وواسطي وشامي، وفيه التحديث والإخبار، والعنعنة، والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: الصلاة. بسم الله الرحمن الرحيم 15 - أبواب الاستسقاء. (بسم الله الرحمن الرحيم أبواب الاستسقاء) أي: الدعاء لطلب السقيا، بضم السين، وهي المطر من الله تعالى عند حصول الجدب على وجه مخصوص. 1 - باب الاِسْتِسْقَاءِ، وَخُرُوجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الاِسْتِسْقَاءِ (باب الاستسقاء، وخروج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الاستسقاء) إلى الصحراء. كذا في رواية أبي ذر عن المستملي. بلفظ: أبواب، بالجمع ثم الإفراد من غير بسملة، وسقط ما قبل باب من رواية الحموي والكشميهني، ولأبي الوقت، والأصيلي: كتاب الاستسقاء. وثبتت البسملة في رواية أبي عليّ بن شبويه. والاستسقاء ثلاثة أنواع. أحدها: أن يكون بالدعاء مطلقًا، فرادى ومجتمعين. وثانيها: أن يكون بالدعاء خلف الصلاة ولو نافلة كما في البيان وغيره عن الأصحاب، خلافًا لما وقع للنووي في شرح مسلم من تقييده بالفرائض، وفي خطبة الجمعة. وثالثها: وهو الأفضل، أن يكون بالصلاة والخطبتين، وبه قال مالك، وأبو يوسف، ومحمد. وعن أحمد: لا خطبة، وإنما يدعو ويكثر الاستغفار. والجمهور على سنية الصلاة خلافًا لأبي حنيفة. وسيأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى. 1005 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: "خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَسْقِي وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ". [الحديث 1005 - أطرافه في: 1011، 1012، 1023، 1024، 1025، 1026، 1027، 1028، 6343]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الله بن أبي بكر) أي: ابن محمد بن عمرو بن حزم، قاضي المدينة (عن عباد بن تميم) أي: ابن زيد بن عاصم الأنصاري المازني (عن عمه) عبد اللَّه بن زيد بن عاصم بن كعب، رضي الله عنه (قال): (خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في شهر رمضان سنة ست من الهجرة إلى المصلّى حال كونه (يستسقي) أي: يريد الاستسقاء (وحوّل رداءه) عند استقباله القبلة في أثناء الاستسقاء، فجعل يمينه يساره، وعكسه. ورواة هذا الحديث مدنيون إلا شيخ المؤلّف، وشيخ شيخه فكوفيان، وفيه تابعي عن تابعي. والتحديث، والعنعنة، والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: الاستسقاء والدعوات، ومسلم في: الصلاة وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 2 - باب دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ) باب دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أجعلها سنين كسني) بسكون الياء المخففة (يوسف) الصديق السبع المجدبة وأضيفت إليه لأنه الذي قام بأمور الناس فيها. وفي فرع اليونينية ضرب بالحمرة على: اجعلها، مع التنبيه عليه في الحاشية، ولغير أبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر زيادة: "اجعلها عليهم سنين كسني يوسف". ولأبي الوقت: اجعلها كسني يوسف. فاسقط: سنين. 1006 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قال حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ. وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ". قال ابنُ أبي الزنادِ عن أبيهِ هذا كلُّه في الصبحِ. وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (قال: حدّثنا مغيرة بن عبد الرحمن) الحزامي بكسر الحاء المهملة وتخفيف الزاي، المدني (عن أبي الزناد) بالزاى والنون، عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان إذا رفع رأسه من الركعة الآخرة يقول): (اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة) بكسر الجيم بعد همزة القطع، وهي للتعدية. يقال: نجا فلان وأنجيته. (اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد) وهؤلاء قوم من أهل مكة أسلموا ففتنتهم قريش وعذبوهم، ثم نجوا منهم، ببركته عليه الصلاة والسلام، ثم هاجروا إليه. (اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين) عام بعد خاص (اللهم اشدد وطأتك) بهمزة وصل في: اشدد، وفتح الواو وسكون الطاء في قوله: وطأتك، أي: اشدد عقوبتك (على) كفار قريش أولاد (مضر، اللهم اجعلها) أي: الوطأة والسنين أو الأيام (سنين كسني يوسف) عليه الصلاة والسلام في بلوغ غاية الشدة. وسنين جمع سنة، وفيه شذوذان: تغيير مفرده من الفتح إلى الكسر،

3 - باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا

وكونه جميعًا لغير عاقل، وحكمه أيضًا مخالف لجموع السلامة في جواز إعرابه: كمسلمين، وبالحركات على النون، وكونه منوّنًا وغير منوّن، منصرفًا وغير منصرف. (وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال في الفتح: هذا حديث آخر، وهو عند المؤلّف بالإسناد المذكور، وكأنه سمعه هكذا فأورده كما سمعه، (قال): (غفار) بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء، أبو قبيلة من كنانة (غفر الله لها وأسلم) بالهمزة واللام المفتوحتين، قبيلة من خزاعة (سالمها الله) تعالى، من: المسالمة. وهي ترك الحرب، أو بمعنى: سلمها. وهل هو إنشاء دعاء أو خبر؟ رأيان. وعلى كل وجه، ففيه جناس الاشتقاق. وإنما خص القبيلتين بالدعاء لأن غفار أسلموا قديمًا، وأسلم سالموه عليه الصلاة والسلام. (قال ابن أبي الزناد) عبد الرحمن (عن أبيه) أبي الزناد: (هذا) الدعاء (كله) كان (في) صلاة (الصبح). والحديث سبق في باب: يهوي بالتكبير حين يسجد. 1007 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: "إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا رَأَى مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا قَالَ: اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ. فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَىْءٍ، حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ وَالْجِيَفَ، وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى الدُّخَانَ مِنَ الْجُوعِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ -إِلَى قَوْلِهِ- عَائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ مَضَتِ الدُّخَانُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَآيَةُ الرُّومِ". [الحديث 1007 - أطرافه في: 1020، 4693، 4767، 4774، 4809، 4820، 4821، 4822، 4823، 4824، 4825]. وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، أخو أبي بكر بن أبي شيبة (قال: حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو: ابن المعتمر الكوفي (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح العطار الهمداني الكوفي (عن مسروق) هو: ابن الأجدع الهمداني (قال: كنا عند عبد الله) ابن مسعود، رضي الله عنه (فقال: وإن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لما رأى من الناس) أي: قريش (إدبارًا) عن الإسلام (قال): (اللهم) ابعث، أو سلط عليهم (سبعًا) من السنين. ولغير أبوي ذر، والوقت، والأصيلي: سبع، بالرفع. خبر مبتدأ محذوف، أي: مطلوبي منك فيهم سبع (كسبع يوسف) التي أصابهم فيها القحط. (فأخذتهم) أي: قريشًا (سنة) أي قحط وجدب (حصت) بالحاء والصاد المشددة الممهملتين، أي: استأصلت وأذهبت (كل شيء) من النبات (حتى أكلوا)، ولأبي ذر، والأصيلي عن الكشميهني: حتى أكلنا (الجلود والميتة والجيف) بكسر الجيم وفتح المثناة التحتية، جثة الميت إذا أراح، فهو أخص من مطلق الميتة لأنها ما لم تذك (وينظر أحدهم) بالهاء ونصب الفعل بحتى، أو برفعه على الاستئناف. والأول أظهر، والثاني في نسخة أبي ذر، وأبي الوقت، كما نبه عليه في اليونينية. ولأبي ذر، عن الحموي والمستملي: وينظر يحدكم (إلى السماء فيرى الدخان من الجوع) لأن الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان من ضعف بصره. (فأتاه) عليه الصلاة والسلام (أبو سفيان) صخر بن حرب (فقال: يا محمد، إنك تأمر بطاعة الله، وبصلة الرحم، وإن قومك) ذوي رحمك (قد هلكوا) أي: من الجدب والجوع بدعائك (فادع الله لهم). لم يقع في هذا السياق التصريح بأنه دعا لهم. نعم، وقع ذلك في سورة الدخان، ولفظه: فاستسقى لهم فسقوا (قال الله تعالى {فارتقب}) أي: انتظر يا محمد عذابهم ({يوم تأتي السماء بدخان مبين -إلى قوله- عائدون}) [الدخان: 10 - 15] أي إلى الكفر. ولأبي ذر، والأصيلي: إنكم عائدون ({يوم نبطش البطشة الكبرى}) زاد الأصيلي: {إنّا منتقمون} [الدخان: 16]. (فالبطشة) بالفاء، ولأبي ذر، والأصيلي: والبطشة (يوم بدر) لأنهم ما التجؤوا إليه عليه الصلاة والسلام، وقالوا: ادع الله أن يكشف عنّا فنؤمن لك، فدعا وكشف، ولم يؤمنوا انتقم الله منهم يوم بدر. وعن الحسن: البطشة الكبرى يوم القيامة. قال ابن مسعود: (وقد) ولأبوي ذر، والوقت، وابن عساكر: فقد (مضت الدخان) وهو الجوع (والبطشة، واللزام) بكسر اللام وبالزاي القتل (وآية) أول سورة (الروم). قإن قلت: ما وجه إدخال هذه الترجمة في الاستسقاء؟. أجيب: بأنه للتنبيه على أنه كما شرع الدعاء بالاستسقاء للمؤمنين، كذلك شرع الدعاء بالقحط على الكافرين، لأن فيه إضعافهم، وهو نفع للمسلمين. فقد ظهر من ثمرة ذلك التجاؤهم إلى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ليدعو لهم برفعه القحط. ورواه هذا الحديث كلهم كوفيون إلا جريرًا فرازي، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في الاستسقاء أيضًا، وفي التفسير، ومسلم في: التوبة، والترمذي والنسائي في: التفسير. 3 - باب سُؤَالِ النَّاسِ الإِمَامَ الاِسْتِسْقَاءَ إِذَا قَحَطُوا (باب سؤال الناس) المسلمين وغيرهم (الإمام الاستسقاء إذا قحطوا) بفتح القاف والحاء مبنيًا للفاعل. يقال قحط المطر قحوطًا إذا احتبس

المسلمين فيكون من باب القلب لأن المحتبس المطر لا الناس، أو يقال: إذا كان محتبسًا عنهم، فهم محبوسون عنه. وحكى الفراء قحط بالكسر، وللأصيلي، وأبي ذر: قحطوا، بضم القاف وكسر الحاء مبنيًّا للمفعول. وقد سمع قحط القوم. وسؤال مصدر مضاف لفاعله، والإمام مفعوله، وتاليه نصب على نزع الخافض، أي: عن الاستسقاء. يقال: سألته الشيء، وعن الشيء. 1008 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ: وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ [الحديث 1008 - طرفه في: 1009]. وبالسند قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بإسكان الميم، ابن بحر الباهلي البصري الصيرفي (قال: حدّثنا أبو قتيبة) بضم القاف وفتح التاء الفوقية، سلم، بفتح السين وسكون اللام، الخراساني البصري (قال: حدّثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن أبيه) عبد الله (قال:) (سمعت ابن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما (يتمثل بشعر أبي طالب) أي: ينشده. زاد ابن عساكر فقال. (وأبيض) أعربه ابن هشام في مغنيه مجرورًا بالفتحة، برب: مضمرة. وتعقبه البدر الدماميني في حاشيته عليه، ومصابيحه، فقال في آخرهما: وليس كذلك، وفي أوّلهما: والظاهر أنه منصوب عطفًا على: سيدًا المنصوب في البيت قبله، وهو قوله: وما ترك قوم لا أبا لك سيدًا ... يحوط الذمارِ غير ذرب مواكل قال: وهو من عطف الصفات التي موصوفها واحد، ويجوز الرفع، وهو في اليونينية أيضًا: خبر مبتدأ محذوف. هو أبيض (يستسقى الغمام) بضم المثناة التحتية وفتح القاف، مبنيًا للمفعول: أي يستسقي الناس الغمام (بوجهه) الكريم (ثمال اليتامى) أي: بإفضاله، أو يطعمهم عند الشدة، أو عمادهم، أو ملجؤهم، أو مغيثهم. وهو بكسر المثلثة والنصب أو الرفع، صفة لأبيض، كقوله (عصمة) أي: مانع (للأرامل) يمنعهم مما يضرهم. وفي غير اليونينية: ثمال وعصمة، بالجر فيهما مع الوجهين الآخرين، صفة لأبيض على تقدير جره برب، وفيه ما مر. والأرامل: جمع أرملة، وهي الفقيرة التي لا زوج لها، والأرمل: الرجل الذي لا زوج له. قال: هذي الأرامل قد قضيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر؟ نعم، استعماله في الرجل مجاز لأنه لو أوصى للأرامل خص النساء دون الرجال. واستشكل إدخال هذا الحديث في هذه الترجمة، إذ ليس فيه أن أحدًا سأله أن يستسقي بهم. وأجاب ابن رشيد: باحتمال أن يكون أراد بالترجمة الاستدلال بطريق الأولى، لأنهم إذا كانوا يسألون الله به فيسقيهم، فأحرى أن يقدموه للسؤال. اهـ. قال في الفتح وهو حسن. 1009 - وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ: حَدَّثَنَا سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ: "رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَسْقِي، فَمَا يَنْزِلُ حَتَّى يَجِيشَ كُلُّ مِيزَابٍ". وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالَ الْيَتَامَى عِصْمَةً لِلأَرَامِلِ وَهْوَ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ. (وقال عمر بن حمزة) بضم العين وفتح الميم في الأول، وبالحاء المهملة والزاي في الثاني، ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، مما وصله أحمد وابن ماجة قال: (حدّثنا) عمي (سالم، عن أبيه) عبد الله بن عمر، قال: (ربما ذكرت قول الشاعر -وأنا أنظر-) جملة حالية (إلى وجه النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، حال كونه (يستسقي) زاد ابن ماجة: على المنبر (فما ينزل) عنه (حتى يجيش كل ميزاب) بفتح المثناة التحتية وكسر الجيم، من يجيش، وآخره شين معجمة من: جاش يجيش إذا هاج، وهو كناية عن كثرة المطر. والميزاب ما يسيل منه الماء من موضع عال، ولأبي ذر، والأصيلي عن الحموي، والكشميهني: لك ميزاب، بتقديم اللام على الكاف. قال الحافظ ابن حجر: وهو تصحيف. (وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل وهو قول أبي طالب). ومطابقة هذا التعليق للترجمة من قوله: يستسقي، ولم يكن استسقاؤه عليه الصلاة والسلام إلا عن سؤال. والظاهر أن طريق ابن عمر الأولى مختصرة من هذه المعلقة المصرحة بمباشرته عليه الصلاة والسلام للاستسقاء بنفسه الشريفة. وأصرح من ذلك رواية البيهقي في دلائله، عن أنس، قال، جاء أعرابي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله، أتيناك وما لنا بعير يئط، ولا صبي يغط. فقام عليه الصلاة والسلام يجر رداءه. حتى صعد المنبر، فقال: "اللهم أسقنا .. الحديث" وفيه، ثم قال، عليه الصلاة والسلام: "لو كان أبو طالب حيًا لقرّت عيناه". من ينشدنا قوله؟ فقام عليّ فقال: يا رسول الله! كأنك أردت قوله:

4 - باب تحويل الرداء في الاستسقاء

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل واقتصر ابن عساكر في روايته على قوله: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه. وأسقط باقيه اكتفاء بالسابق. وقدّم قوله: وهو قول أبي طالب، على قوله: وأبيض، بعد قوله: كل ميزاب. وسقط قوله: وهو عند أبوي ذر والوقت. وهذا البيت من قصيدة جليلة بليغة من بحر الطويل، وعدّة أبياتها مائة بيت وعشرة أبيات، قالها لما تمالأ قريش على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ونفروا عنه من يريد الإسلام. فإن قلت: كيف قال أبو طالب: يستسقى الغمام بوجهه؟ ولم يره قط استسقى وإنما كان بعد الهجرة؟. فالجواب: أنه أشار إلى ما أخرجه ابن عساكر، عن جلهمة بن عرفطة، قال: قدمت مكة وهم في قحط، فقالت قريش: يا أبا طالب! أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهلم فاستسق. فخرج أبو طالب معه غلام يعني: النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كأنه شمس دجن تجلت عن سحابة قتماء، وحوله أغيلمة، فأخذه أبو طالب، فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ الغلام، وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من ههنا وههنا، وأغدق واغدودق، وانفجر له الوادي وأخصب النادي والبادي، وفي ذلك يقول أبو طالب: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه. فإن قلت: قد تكلم في عمر بن حمزة، وفي عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار السابق في الطريق الموصولة، فكيف احتج المؤلّف بهما؟ أجيب: بأن إحدى الطريقين عضدت الأخرى، وهذا أحد قسمي الصحيح كما تقرر في علوم الحديث. 1010 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا. قَالَ: فَيُسْقَوْنَ". [الحديث 1010 - طرفه في: 371]. وبه قال: (حدّثنا الحسن بن محمد) هو: ابن الصباح الزعفراني البغدادي، صاحب الشافعي (قال: حدّثنا محمد بن عبد الله) بن المثنى (الأنصاري) ولأبي ذر: حدّثنا الأنصاري (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي، عبد الله) برفع عبد الله عطف بيان على: أبي المرفوع على الفاعلية (ابن المثنى) بن عبد الله بن أنس بن مالك (عن) عمه (ثمامة بن عبد الله بن أنس) بن مالك الأنصاري البصري، قاضيها. وثمامة، بضم المثلثة وتخفيف الميم (عن) جدّه (أنس) رضي الله عنه، ولأبي ذر والأصيلي: عن أنس بن مالك. (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان إذا قحطوا) بفتح القاف والحاء، في الفرع مصححًا عليه، وضبطه الحافظ ابن حجر: قحطوا، بضم القاف وكسر الحاء، أي: أصابهم القحط (استسقى) متوسلاً (بالعباس بن عبد المطلب) رضي الله عنه للرحم التي بينه وبين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فأراد عمر أن يصلها بمراعاة حقه إلى من أمر بصلة الأرحام، ليكون ذلك وسيلة إلى رحمة الله تعالى (فقال:) (اللهم إنّا كلنا نتوسل إليك بنبينا) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حال حياته (فتسقينا، وإنا) بعده (نتوسل إليه بعم نبينا) العباس، (فاسقنا). (قال فيسقون). وقد حكي عن كعب الأحبار: أن بني إسرائيل كانوا إذا قحطوا استسقوا بأهل بيت نبيهم. وقد ذكر الزبير بن بكار في الأنساب: أن عمر استسقى بالعباس عام الرمادة، أي: بفتح الراء وتخفيف الميم، وسمي به العام لما حصل من شدة الجدب، فاغبرت الأرض جدًّا. وذكر ابن سعد وغيره: أنه كان سنة ثماني عشرة، وكان ابتداؤه مصدر الحاج منها، ودام تسعة أشهر، وكان من دعاء العباس ذلك اليوم، فيما ذكره في الأنساب: اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث. فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس. وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة والقول. 4 - باب تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ (باب تحويل الرداء في الاستسقاء) وللجرجاني، فيما حكاه في المصابيح: تحريك الرداء بالراء والكاف. قيل: وهو وهم. 1011 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَسْقَى، فَقَلَبَ رِدَاءَهُ". وبالسند قال: (حدّثنا إسحاق) بن إبراهيم الحنظلي (قال: حدّثنا وهب) وللأصيلي: وأبي ذر: وهب بن جرير، بالجيم، هو: ابن حازم الأزدي البصري (قال: أخبرنا) ولابن عساكر: حدّثنا (شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن أبي بكر) هو: ابن محمد بن عمر بن حزم، أخو عبد الله بن أبي بكر الآتي (عن عباد بن تميم) المازني الأنصاري (عن) عمه (عبد الله بن زيد) هو ابن عاصم المازني. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استسقى، فقلب رداءه) عند استقباله القبلة في أثناه الاستسقاء فجعل اليمين على الشمال، والشمال

على اليمين تفاؤلاً بتحويل الحال عما هي عليه، إلى الخصب والسعة. أخرجه الدارقطني بسند رجاله ثقات مرسلاً، عن جعفر بن محمد، عن أبيه بلفظ: حوّل رداءه ليتحوّل القحط. وزاد أحمد: وحوّل الناس معه، وهو حجة على من خصه بالإمام. ولأبي داود، والحاكم: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، استسقى وعليه خميصة سوداء، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها، فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه. فهمه بذلك يدل على استحبابه، وتركه للسبب المذكور. والجمهور على استحباب التحويل فقط، ولا ريب أن الذي اختاره الشافعي أحوط. ولم يقم في حديث عبد الله بن زيد سبب خروجه عليه الصلاة والسلام، ولا صفته حال ذهابه إلى المصلّى، ولا وقت ذهابه. نعم، في حديث عائشة المروي عند أبي داود وابن حبان: شكا الناس إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قحط المطر، فأمر بمنبر وضع له في المصلّى، ووعد الناس يومًا يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر ... الحديث. وبهذا أخذ الحنفية، والمالكية، والحنابلة، فقالوا: إن وقت صلاتها وقت العيد، والراجح عند الشافعية: أنه لا وقت لها معين، وإن كان أكثر أحكامها كالعيد، بل جميع الليل والنهار وقت لها، لأنها ذات سبب. فدارت مع سببها كصلاة الكسوف. لكن وقتها المختار وقت صلاة العيد كما صرح به الماوردي وابن الصلاح لهذا الحديث. وعند أحمد وأصحاب السنن من حديث ابن عباس: خرج -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متبذلاً متواضعًا متضرعًا حتى أتى المصلّى، فرقي المنبر، أي لابسًا ثياب بذلة، بكسر الموحدة وسكون المعجمة، المهنة، لأنه اللائق بالحال، وفارق العيد بأنه يوم عيد، وهذا يوم مسألة واستكانة. وفي الرواية السابقة، أول الاستسقاء: وحول رداءه، بدل قوله هنا فقلب رداءه. وهما بمعنى واحد. وأعاد الحديث هنا لأنه ذكره أولاً لمشروعية الاستسقاء والخروج إلى الصحراء، وهنا لمشروعية تحويل الرداء خلافًا لمن نفاه. 1012 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يُحَدِّثُ أَبَاهُ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: هُوَ صَاحِبُ الأَذَانِ، وَلَكِنَّهُ وَهْمٌ لأَنَّ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيُّ، مَازِنُ الأَنْصَارِ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا عبد الله بن أبي بكر)، أخو محمد بن أبي بكر السابق، ولأبي ذر، وعزاه العيني كابن حجر للحموي والمستملي: عن عبد الله بن أبي بكر، وقد صرح ابن خزيمة في روايته بتحديث عبد الله به لا بن عيينة (أنّه سمع عباد بن تميم) المازني (يحدث أباه) أي أبا عبد الله بن أبي بكر، ولا يعود الضمير على عباد (عن عمه عبد الله بن زيد) أي ابن عاصم. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، خرج إلى المصلّى) بالصحراء، لأنه أبلغ في التواضع وأوسع للناس. (فاستسقى، فاستقبل) بالفاء، ولابن عساكر. واستقبل (القبلة، وقلب) ولأبي ذر: وحول (رداءه، وصلّى) بالناس (ركعتين) أي: كما يصلّي في العيدين. رواه ابن حبان وغيره. وقال الترمذي: حسن صحيح. وقياسه: أن يكبر في أول الأولى: سبعًا، وفي الثانية: خمسًا، ويرفع يديه ويقف بين كل تكبيرتين مسبحًا حامدًا مهللاً، ويقرأ جهرًا في الأولى {ق} وفي الثانية {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: 1] أو {سبح} و {الغاشية}. واستدلّ الشيخ أبو إسحاق، في المهذّب له، بما رواه الدارقطني: أن مروان أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سنة الاستسقاء؟ فقال: سنة الاستسقاء الصلاة كالصلاة في العيدين، ألا أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قلب رداءه. فجعل يمينه يساره، ويساره يمينه، وصلّى ركعتين كبر في الأول سبع تكبيرات، وقرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] وقرأ في الثانية: (هَلْ أَتَاكَ} [الغاشية: 1] وكبر خمس تكبيرات. لكن قال في المجموع: إنه حديث ضعيف. نعم، حديث ابن عباس عند الترمذي، ثم صلّى ركعتين كما يصلّي في العيدين، كما مر ... أخذ بظاهره الشافعي، فقال: يكبر فيهما كما سبق. وذهب الجمهور إلى أنه: يكبر فيهما تكبيرة واحدة للإحرام كسائر الصلوات. وبه قال: مالك، وأحمد، وأبو يوسف، ومحمد، لحديث الطبراني في الأوسط، عن أنس: أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، استسقى، فخطب قبل الصلاة واستقبل القبلة، وحول رداءه، ثم نزل فصلّى ركعتين لم يكبر فيهما إلا تكبيرة. وأجابوا عن قوله، في حديث الترمذي: كما يصلّي في العيدين، يعني: في العدد والجهر بالقراءة، وكون الركعتين قبل الخطبة. ومذهب الشافعية والمالكية: أنه يخطب بعد الصلاة، لحديث ابن ماجة وغيره: أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

5 - باب انتقام الرب جل وعز من خلقه بالقحط إذا انتهكت محارم الله

وَسَلَّمَ- خرج إلى الاستسقاء فصلّى ركعتين، ثم خطب ولو خطب قبل الصلاة جاز لما سبق. (قال أبو عبد الله) أي: البخاري: (كان ابن عيينة) سفيان (يقول: هو) أي: راوي حديث الاستسقاء، عبد الله بن زيد بن عبد ربه بن ثعلبة (صاحب) رؤيا (الأذان) في النوم. (ولكنه وهم) بسكون الهاء، ولأبي ذر، وهم. بكسرها وفتح الميم، وللأصيلي: ولكنه هو وهم (لأن هذا) أي: راوي حديث الاستسقاء (عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، مازن الأنصار) لا مازن بني تميم، وغيره. 5 - باب انْتِقَامِ الرَّبِّ جَلَّ وَعَزَّ مِنْ خَلْقِهِ بِالْقَحْطِ إِذَا انْتُهِكَت مَحَارِمُ اللَّهِ 6 - باب الاِسْتِسْقَاءِ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ (باب) جواز (الاستسقاء في المسجد الجامع) أي: فلا يشترط الخروج إلى الصحراء. ولأبي ذر عن الحموي: باب انتقام الرب، عز وجل، من خلقه بالقحط إذا انتهكت محارمه. 1013 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَذْكُرُ "أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وُجَاهَ الْمِنْبَرِ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْمَوَاشِي، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا اللَّهُمَّ اسْقِنَا، قَالَ أَنَسٌ: وَلاَ وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلاَ قَزَعَةً وَلاَ شَيْئًا، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلاَ دَارٍ. قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ. فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ- قَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا. ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ -وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمٌ يَخْطُبُ- فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الإكَامِ وَالْجِبَالِ وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ». قَالَ: فَانْقَطَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ. قَالَ شَرِيكٌ: فَسَأَلْتُ أَنَسًا: أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي. وبالسند قال: (حدّثنا محمد) هو: ابن سلام البيكندي (قال: أخبرنا) وللأصيلي: حدّثنا (أبو ضمرة) بفتح الضاد المعجمة. وسكون الميم (أنس بن عياض) بكسر العين المهملة، الليثي المدني المتوفى سنة مائتين (قال: حدّثنا شريك بن عبد الله بن أبي نمر) بفتح النون وكسر الميم، المدني (أنه سمع أنس بن مالك) رضي الله عنه (يذكر: أن رجلاً) قيل: هو كعب بن مرة وقيل: أبو سفيان بن حرب، وضعف الثاني بما سيأتي (دخل يوم الجمعة من باب) من المسجد النبوي بالمدينة (كان وجاه المنبر) بكسر الواو، وللأصيلي، وأبي الوقت: وجاه، بضمها أي: مواجهه، ومقابله. (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم) حال كونه (يخطب) والجملة السابقة حالية أيضًا (فاستقبل) الرجل (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (قائمًا فقال): (يا رسول الله) فيه دلالة على أن السائل كان مسلمًا، فامتنع أن يكون أبا سفيان لأنه حين سؤاله لذلك لم يكن أسلم، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في حديث ابن مسعود قريبًا (هلكت المواشي) من عدم ما تعيش به من الأقوات المفقودة بحبس المطر. كذا في رواية أبي ذر، وكريمة عن الكشميهني: المواشي. ولغيرهما: هلكت الأموال، وهي في الفرع لأبي ذر أيضًا عنه، والمراد بالأموال المواشي أيضًا لا الصامت. والمال عند العرب هي: الإبل، كما أن المال عند أهل التجارة: الذهب والفضة، ولابن عساكر: قال أبو عبد الله هلكت: يعني الأموال، وأبو عبد الله هو البخاري. (وانقطعت السبل) بضم السين والموحدة، أي: الطرق، فلم تسلكها الإبل لهلاكها، أو ضعفها بسبب قلة الكلأ، أو بإمساك الأقوات فلم تجلب، أو بعدمها يحمل عليها، وللأصيلي: وتقطعت بالمثناة الفوقية وتشديد الطاء، من باب التفعل، والأولى من باب الانفعال. (فادع الله) فهو (يغيثنا) أو الرفع على أن الأصل: فادع الله أن يغيثنا. فحذفت أن، فارتفع الفعل. وهل ذلك مقيس فيه خلاف. ولأبي ذر: أن يغيثنا، وضبطها البرماوي وغيره بالجزم جوابًا للطلب وهو الأوجه، لكن الذي رويناه هنا هو الرفع والنصب كما مر. نعم، وقع في رواية الكشميهني، الآتية إن شاء الله تعالى في الباب التالي، بالجزم، وأما أول الفعل هنا فمضموم في جميع الفروع والأصول التي وقفت عليها، من باب: أغاث يغيث إغاثة، من مزيد الثلاثي المجرد: من الغوث، وهو: الإجابة، أو هو من طلب الغيث، أي: المطر. لكن المشهور عند اللغويين فتحها، من الثلاثي المجرد في المطر يقال: غاث الله الناس والأرض يغيثهم، بالفتح. قال ابن القطاع: غاث الله عباده غيثًا وغياثًا: سقاهم المطر، وأغاثهم: أجاب دعاءهم. ويقال غاث وأغاث بمعنى، والرباعي أعلى. وقال بعضهم، فيما نقله أبو عبد الله الأبي: على تقدير أنه من الإغاثة لا من طلب الغيث، إنه من ذلك بالتعدية يعني: اللهم هب لنا غيثًا، كما يقال: سقاه الله وأسقاه، أي: حصل له سقياه، على من فرق بين اللفظين. وضبطها البرماوي والوجهين مقدمًا للفتح، وكذا جوزهما في الفتح، لكن يبقى النظر في الرواية نعم، ثبت الوجهان في الرواية اللاحقة في فرع اليونينية. (قال) أنس: (فرفع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديه) أي: حذاء وجهه، ودعا (فقال) في دعائه: (اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا) ثلاث مرات لأنه كان إذا دعا دعا ثلاثًا. وهمزة اسقنا، فيها وصل كما في الفرع، وجوز الزركشي قطعها معللاً بأنه ورد في القرآن ثلاثيًا ورباعيًا. قال في المصابيح إن ثبتت الرواية بهما، أي بالوصل والقطع

فلا كلام، وإلا اقتصرنا من الجائزين على ما وردت الرواية به. اهـ. (قال أنس: ولا) بالواو ولأبي ذر وابن عساكر: فلا (والله) أي: فلا نرى والله (ما نرى في السماء من سحاب) أي: مجتمع، وحذف نرى بعد فلا لدلالة قوله: ما نرى عليه، وكرر النفي للتأكيد (ولا قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة، ثم هاء تأنيث مفتوحًا على التبعية، لقوله: من سحاب محلاً. ولأبوي ذر والوقت: ولا قزعة، مكسورًا كسر إعراب على التعبثة له لفظًا، وهي: قطعة من سحاب رقيقة كأنها ظل، إذا مرت من تحت السحاب الكثير، وخصه أبو عبيد بما يكون في الخريف. (ولا) نرى (شيئًا) من ريح وغيره مما يدل على المطر (وما) ولأبي ذر: ولا (بيننا وبين سلع) بفتح السين وسكون اللام: كفلس، جبل بالمدينة (من بيت ولا دار) يحجبنا عن رؤيته. (قال: فطلعت) أي ظهرت (من ورائه) من وراء سلع (سحابة مثل الترس) في الاستدارة لا في القدر، زاد في رواية حفص بن عبيد الله، عند أبي عوانة: فنشأت سحابة مثل رجل الطائر، وأنا أنظر إليها، وهو يدل على صغرها، (فلما توسطت) السحابة (السماء انتشرت) بعد استمرارها مستديرة (ثم أمطرت). (قال) أي أنس، ولابن عساكر: فقال، بزيادة الفاء (والله) بالواو ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: فوالله (ما رأينا الشمس ستًا) بكسر السين وتشديد المثناة الفوقية، أي: ستة أيام، كذا في رواية الحموي، والمستملي. ورواه سعيد بن منصور، عن الدراوردي ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: عن الكشميهني: سبتًا. بفتح السين وسكون الموحدة أي أسبوعًا، وعبر به لأنه أوّله من باب تسمية الشيء باسم بعضه، ولا تنافي بين الروايتين، لأن من قال: سبعًا بالموحدة أضاف إلى الستة يومًا ملفقًا من الجمعتين، ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى قريبًا. (ثم دخل رجل) غير الأول، لأن النكرة إذا تكررت دلت على التعدد، أو هذه القاعدة محمولة على الغالب، لما سيأتي إن شاء الله تعالى عند قول أنس، آخر الحديث: لا أدري. وفي رواية إسحاق عن أنس: فقام ذلك الرجل أو غيره، بالشك، ولأبي عوانة، من طريق حفص، عن أنس: فما زلنا نمطر حتى جاء ذلك الأعرابيّ (من ذلك الباب) الذي دخل منه السائل أولاً (في الجمعة المقبلة ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم) حال كونه (يخطب) ولأبي ذر: قائمًا، بالنصب على الحال، من فاعل يخطب، وهو الضمير المستكن فيه (فاستقبله قائمًا) نصب على الحال من الضمير المرفوع في: استقبله لا من المنصوب (فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال) أي: المواشي بسبب كثرة المياه، لأنه انقطع المرعى، فهلكت المواشي من عدم الرعي (وانقطعت السبل) لتعذر سلوكها من كثرة المطر (فادع الله) بالفاء، ولأبي ذر، والأصيلي: ادع الله (يمسكها) بالجزم، جوابًا للطلب. ولأبي ذر، وابن عساكر، عن الكشميهني: أن يمسكها، بزيادة: أن. ويجوز الرفع، أي: هو يمسكها. والضمير للأمطار أو السحابة. (قال) أنس: (فرفع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديه، ثم قال): (اللهم حوالينا) بفتح اللام، أي: أنزل المطر حوالينا (ولا) تنزله (علينا). والمراد صرفه عن الأبنية. وفي الواو، من قوله: ولا علينا بحث يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. ثم بين المراد بقوله حوالينا فقال: (اللهم على الاكام) بكسر الهمزة على وزن الجبال، وبهمزة مفتوحة ممدودة جمع أكمة بفتحات: التراب المجتمع، أو: أكبر من الكدية، أو: الهضبة الضخمة، أو: الجبل الصغير، وما ارتفع من الأرض (والجبال) زاد في غير رواية أبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: والآجام، بالمد والجيم (والظراب) بكسر الظاء المعجمة آخره موحدة، جمع ظرب، ككتف بكسر الراء، جبل منبسط على الأرض، أو: الروابي الصغار دون الجبل. أي: أنزل المطر حيث لا نستضر به. قال البرماوي والزركشي: وخصت بالذكر لأنها أوفق للزراعة من رؤوس الجبال. اهـ. وتعقبه في المصابيح بأن الجبال مذكورة في لفظ الحديث هنا، فما هذه الخصوصية بالذكر؟ ولعله يريد الحديث الذي في الترجمة الآتية، فإنه لم يذكر فيه الجبال. (والأودية، ومنابت

7 - باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة

الشجر) أي: المرعى، لا في الطرق المسلوكة. فلم يدع عليه الصلاة والسلام برفعه، لأنه رحمة، بل دعا بكشف ما يضرهم، وتصييره إلى حيث يبقى نفعه وخصبه، ولا يستضر به ساكن ولا ابن سبيل. وهذا من أدبه الكريم، وخلقه العظيم، فينبغي التأدب بمثل أدبه. واستنبط من هذا أن من أنعم الله عليه بنعمة لا ينبغي له أن يتسخطها لعارض يعرض فيها بل يسأل الله تعالى رفع ذلك العارض، وإبقاء النعمة. (قال) أنس: (فانقطعت) أي: الأمطار عن المدينة (وخرجنا نمشي في الشمس). (قال شريك) الراوي (فسألت) وللأصيلي: فسألنا (أنسًا: أهو) أي: السائل الثاني (الرجل الأول؟ قال: لا أدري). عبر أنس أولا بقوله: إن رجلاً دخل المسجد، وعبر ثانيًا بقوله ثم دخل رجل. فأتى برجل نكرة في الموضعين، مع تجويزه أن يكون الثاني هو الأول ففيه أن النكرة إذا أعيدت نكرة لا يجزم بأن مدلولها ثانيًا غير مدلولها أولاً، بل الأمر محتمل والمسألة مقررة في محلها، قاله في المصابيح. فإن قلت: لِمَ لَمْ يباشر سؤاله، عليه الصلاة والسلام، الاستسقاء بعض أكابر أصحابه؟. أجيب: بأنهم كانوا يسلكون الأدب بالتسليم، وترك الابتداء بالسؤال. ومنه قول أنس: كان يعجبنا أن يجيء الرجل من البادية فيسأل. واستنبط منه أبو عبد الله الأبي: أن الصبر على المشاق، وعدم التسبب في كشفها أرجح، لأنهم إنما يفعلون الأفضل. وفي هذا الحديث: التحديث، والإخبار، والسماع، والقول، وشيخ المؤلّف من أفراده، وهو من الرباعيات، وأخرجه أيضًا في الاستسقاء. وكذا مسلم وأبو داود والنسائي. 7 - باب الاِسْتِسْقَاءِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةِ (باب الاستسقاء في خطبة الجمعة) حال كون الخطيب (غير مستقبل القبلة). 1014 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ "أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ -وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمٌ يَخْطُبُ- فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمًا ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا. فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا. قَالَ أَنَسٌ: وَلاَ وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلاَ قَزَعَةً، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلاَ دَارٍ. قَالَ فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ. فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَلاَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا. ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ -وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمٌ يَخْطُبُ- فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا. قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ". قَالَ: فَأَقْلَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ. قَالَ شَرِيكٌ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَهُوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ؟ فَقَالَ: مَا أَدْرِي. وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين (قال: حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري المدني (عن شريك) هو: ابن عبد الله بن أبي نمر (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. (أن رجلاً دخل المسجد) النبوي بالمدينة (يوم جمعة) بالتنكير لكريمة، كما في الفتح، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: يوم الجمعة (من باب كان نحو دار القضاء) التي بيعت في قضاء دين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الذي كان أنفقه من بيت المال، وكتبه على نفسه، وكان ستة وثمانين ألفًا، وأوصى ابنه عبد الله أن يباع فيه ماله، فباع ابنه هذه الدار من معاوية، وكان يقال لها: دار قضاء دين عمر. ثم طال ذلك فقيل لها دار القضاء. (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم) حال كونه (يخطب فاستقبل) الرجل (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (قائمًا، ثم قال: يا رسول الله! هلكت الأموال) أي: المواشي (وانقطعت السبل) الطرف (فادع الله يغيثنا) بضم أوله، من: أغاث، أي: أجاب. وفتحه، من: غاث للمطر. كذا ثبت الوجهان هنا في فرع اليونينية، وبرفع المثلثة بتقدير: هو، أو: أن أصله: أن يغيثنا، بالجزم على الجواب، كما مر. (فرفع رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يديه) زاد ابن خزيمة من رواية حميد، عن أنس: حتى رأيت بياض إبطيه. وللنسائي: ورفع الناس أيديهم مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعون (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا) ثلاث مرات كما في السابقة. لكنه قال فيها: اسقنا. قال الزركشي: كذا الرواية أغثنا بالهمز رباعيًا، أي: هب لنا غيثًا. والهمزة فيه للتعدية، وقيل: صوابه غثنا من غاث. قالوا: وأما أغثنا، فإنه من الإغاثة وليس من طلب الغيث. قال في المصابيح: وعلى تقدير تسليمه لا يضر اعتبار الإغاثة من الغوث في هذا المقام، ولا ثم ما ينافيه. والرواية ثابتة به، ولها وجه، فلا سبيل إلى دفعها. بمجرد ما قيل. اهـ. وأشار بقوله: ولها وجه إلى ما مر في الباب السابق أنه يقال: غاث، وأغاث، بمعنى. وقال ابن دريد: الأصل: غاثه الله يغوثه غوثًا، فأميت. واستعمل: أغاثه. ويحتمل أن يكون معنى أغثنا أعطنا غوثًا وغيثًا. (قال أنس): (ولا) بالواو، وللأصيلي: فلا (والله ما نرى) كرّر النفي قبل القسم وبعده للتأكيد، وإلا فلو قال: فوالله ما نرى لكان الكلام مستقيمًا. وكذا لو قال: فلا نرى والله (في السماء من سحاب) مجتمع (ولا قزعة) بالقاف والزاي والمهملة المفتوحات والنصب على التبعية، لسحاب

من جهة المحل. ولأبوي ذر والوقت. والأصيلي: قزعة، بالجر على التبعية له من جهة اللفظ. وهي: القطعة الرقيقة من السحاب. كما مر. (وما بيننا وبين سلع) الجبل المعروف (من بيت ولا دار) يحجب عن الرؤية. (قال: فطلعت من ورائه) أي الجبل (سحابة مثل الترس) في الاستدارة والكثافة، (فلما توسطت) السحابة (السماء، انتشرت) وسقط عند الأربعة لفظ: السماء (ثم أمطرف، فلا والله ما رأينا الشمس ستًا) بكسر السين، أي: ستة أيام، ولأبوي ذر، والوقت، وابن عساكر: سبتًا، بفتح السين وسكون الموحدة أي: من سبت إلى سبت، بدليل الرواية الأخرى: من جمعة إلى جمعة، أو: السبت قطعة من الزمان. وقد استدلّ الأبي لتصحيح رواية: ستًا بالكسر، برواية: من جمعة إلى جمعة قال: لأنه إذا أزيلت الجمعتان اللتان دعا فيهما صح ذلك. اهـ. وقد مر: أنه لا تنافي بين الروايتين، وحينئذٍ فرواية: ستًا بكسر السين لا تصحيف فيها، كما زعم بعضهم، وكيف يقال ذلك مع رواية الثقات الأثبات لها والتوجيه الصحيح، فتأمل. وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني: سبعًا، بالعين بعد الموحدة أي: سبعة أيام. (ثم دخل رجل) آخر أو: وهو الأول (من ذلك الباب في الجمعة) زاد في رواية أبي ذر والأصيلي: يعني الثانية (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم) حال كونه (يخطب، فاستقبله) حال كونه (قائمًا فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال) بسبب غير السبب الأول، وهو: كثرة الماء المانع للماشية من الرعي، أو: لعدم ما يكنها (وانقطعت السبل) لتعذر سلوكها من كثرة، المطر، (فادع الله يمسكها عنا) بالجزم على الطلب، ولأبي ذر، والأصيلي: أن يمسكها. وفي رواية قتادة: فادع ربك يحبسها عنا. فضحك، وفي رواية ثابت: فتبسم، وزاد في رواية حميد: لسرعة ملال ابن آدم. (قال: فرفع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديه)، ثم (قال: اللهم حوالينا ولا علينا) فيه حذف، أي: أمطر في الأماكن التي حوالينا، ولا تمطر علينا. وفي إدخال الواو في قوله: ولا علينا معنى دقيق، وذلك أنه: لو أسقطها لكان مستسقيًا للاكام والظراب، ونحوها، مما لا يستسقى له لقلة الحاجة إلى الماء هنالك. وحيث أدخل الواو: آذن بأن طلب المطر على هذه الجهات ليس مقصودًا لعينه، ولكن ليكون وقاية من أذى المطر على نفس المدينة، فليست الواو ومتمحضة للعطف ولكنها كواو التعليل وهو كقولهم: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها. فإن الجوع ليس مقصودًا لعينه ولكن لكونه مانعًا من الرضاعة بأجرة إذ كانوا يكرهون ذلك. اهـ. قال ابن الدماميني، بعد أن نقل ذلك عن ابن المنير: فليست الواو مخلصة للعطف، ولكنها كواو التعليل وفائه. فالمراد أنه إن سبق في قضائك أن لا بد من المطر، فاجعله حول المدينة. ويدل على أن الواو ليست لمحض العطف اقترانها بحرف النفي، ولم يتقدم مثله. ولو قلت: اضرب زيدًا ولا عمرًا ما استقام على العطف. قلت: لم يستقم لي إجراء هذا الكلام على القواعد، وليس لنا في كلام العرب واو وضعت للتعليل، وليست لا هنا للنفي، وإنما هي الدعائية مثل: {رَبَّنَا لاَ تُؤاخِذْنَا} [البقرة: 286] فالمراد: أنزل المطر حوالينا حيث لا نستضر به، ولا تنزله علينا حيث نستضر به. فلم يطلب منع الغيث بالكلية، وهو من حسن الأدب في الدعاء، لأن الغيث رحمة الله ونعمته المطلوبة، فكيف يطلب منه رفع نعمته؟ وكشف رحمته؟ وإنما يُسأل سبحانه كشف البلاء، والمزيد من النعماء، وكذا فعل عليه الصلاة والسلام. فإنما سأل جلب النفع، ودفع الضرر، فهو استسقاء بالنسبة إلى محلين. والواو: لمحض العطف، ولا: جازمة لا نافية ولا إشكال البتة. ولو حذفت الواو، وجعلت لا نافية، وهي مع ذلك للعطف لاستقام الكلام. لكن أوثر الأوّل، والله أعلم، لاشتماله على جملتين طلبيتين، والمقام يناسبه. (اللهم) أنزله (على الآكام) بكسر الهمزة وبفتحها مع المدّ، وهي: ما دون الجبل وأعلى من الرابية (و) على (الظراب) بكسر المعجمة: الروابي الصغار: وقيل فيهما غير ذلك، كما مر (وبطون الأودية ومنابت الشجر قال فأقلعت) بفتح الهمزة من الإقلاع أي: كفت وأمسكت السحابة الماطرة عن المدينة. وفي رواية سعيد، عن شريك: فما هو إلا أن تكلم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك، تمزق السحاب حتى

8 - باب الاستسقاء على المنبر

ما نرى منه شيئًا أي: في المدينة. (وخرجنا نمشي في الشمس). (قال شريك سألت أنس بن مالك) وللأربعة: فسألت، بالفاء، ولأبي ذر: فسألت أنسًا: (أهو الرجل الأول؟ فقال: ما أدري). 8 - باب الاِسْتِسْقَاءِ عَلَى الْمِنْبَرِ (باب الاستسقاء على المنبر). 1015 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَحَطَ الْمَطَرُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا. فَدَعَا، فَمُطِرْنَا، فَمَا كِدْنَا أَنْ نَصِلَ إِلَى مَنَازِلِنَا، فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ. قَالَ فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ -أَوْ غَيْرُهُ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنَّا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا. قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ السَّحَابَ يَتَقَطَّعُ يَمِينًا وَشِمَالاً، يُمْطَرُونَ وَلاَ يُمْطَرُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا أبو عوانة) بفتح العين، الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) بن مالك، رضي الله عنه، (قال): (بينما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يخطب يوم الجمعة) على المنبر، وهذا موضع الترجمة، لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بعد اتخاذ المنبر لم يخطب يوم الجمعة إلا عليه، قاله الإسماعيلي، والجمعة بالتعريف، ولأبي ذر في نسخة، والأصيلي وابن عساكر، وأبي الوقت يوم جمعة (إذ جاءه رجل) أعرابي (فقال: يا رسول الله! قحط المطر) بفتح القاف والحاء، أي: احتبس، ولأبي الوقت، في نسخة قحط، بضم القاف وكسر الحاء (فادع الله أن يسقينا. فدعا) عليه الصلاة والسلام (فمطرنا) بضم الميم وكسر الطاء. استعمله ثلاثيًّا، وهي لغة فيه بمعنى الرباعي، وفرق بعضهم فقال: أمطر في العذاب، ومطر في الرحمة. والأحاديث واردة بخلافه. (فما كدنا أن نصل إلى منازلنا) أي: كاد أن يتعذر وصولنا إلى منازلنا من كثرة المطر. و: أن نصل، خبر كاد مع أن لأن بينها وبين عسى مقارضة في دخول أن وعدمها. ولأبي ذر: فما كدنا نصل إلى منازلنا، بإسقاط أن، وللمصنف في الجمعة من وجه آخر: فخرجنا نخوض في الماء حتى أتينا منازلنا (فما زلنا نمطر) بضم النون وسكون الميم وفتح الطاء، من الجمعة (إلى الجمعة المقبلة. قال) أنس: (فقام ذلك الرجل -أو غيره-) شك فيه (فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يصرفه) أي: المطر أو السحاب (عنا فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اللهم حوالينا) بفتح اللام، ويقال فيه: حولنا وحولينا (ولا علينا). (قال فلقد رأيت السحاب يتقطع) حال كونه (يمينًا وشمالاً) ويتقطع بفتح المثناة التحتية والفوقية والقاف وتشديد الطاء، من باب: التفعل (يمطرون) أهل اليمين وأهل الشمال (ولا يمطر أهل المدينة). 9 - باب مَنِ اكْتَفَى بِصَلاَةِ الْجُمُعَةِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ (باب من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء) من غير أن ينويه مع الجمعة كغيرها من المكتوبات والنوافل، وهي إحدى صوره الثلاثة كما مر، خلافًا لأبي حنيفة حيث قال: لا يسن فيه صلاة أصلاً، وتجويزها من غير تحويل فيه ولا استقبال. 1016 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَلَكَتِ الْمَوَاشِي، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، فَدَعَا، فَمُطِرْنَا مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ. ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا. فَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلَى الإكَامِ وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ. فَانْجَابَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن شريك بن عبد الله) بن أبي نمر (عن أنس) رضي الله عنه، وللأصيلي عن: أنس بن مالك (قال: جاء رجل إلى النبي) وللأربعة إلى: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: (هلكت المواشي) من قلة الأقوات بسبب عدم المطر والنبات، (وتقطعت السبل) فلم تسلكها الإبل لضعفها بسبب قلة الكلأ أو عدمه، وتقطعت بالمثناة الفوقية وتشديد الطاء. (فدعا) عليه الصلاة والسلام ربه (فمطرنا) وللأصيلي: فادع الله، بدل قوله: فدعا. وكل من اللفظين مقدر فيما لم يذكر فيه، أي: قال الرجل: ادع الله، فدعا، فمطرنا (من الجمعة إلى الجمعة، ثم جاء) فاعله ضمير يعود على قوله: جاء رجل، فيلزم اتحاد الرجل الجائي وكأنه تذكره بعد أن نسيه، أو نسيه بعد أن كان تذكره (فقال) يا رسول الله: (تهدمت البيوت وتقطعت السبل) بالمثناة وتشديد الدال والطاء فيهما (وهلكت المواشي) من كثرة المطر (فادع الله يمسكها. فقال) عليه الصلاة والسلام: (اللهم) أنزله (على الاكام) بكسر الهمزة أو بفتحها مع المد، ولأبوي ذر، والوقت والأصيلي: فقام فقال اللهم. ولغير ابن عساكر، وأبي ذر، والأصيلي: وهلكت المواشي، فادع الله يمسكها بالجزم على الطلب، فقام -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: اللهم على الاكام (والظراب و) على بطون (الأودية ومنابت الشجر). (فانجابت) بالجيم والموحدة (عن المدينة) الشريفة (انجباب الثوب) أي: خرجت كما يخرج الثوب عن لابسه، أو تقطعت كما يتقطع الثوب قطعًا متفرقة. 10 - باب الدُّعَاءِ إِذَا تَقَطَّعَتِ السُّبُلُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَطَرِ (باب) جواز (الدعاء) بالاستصحاء (إذا تقطعت السبل) بالمثناة الفوقية وتشديد الطاء ولأبوي

11 - باب ما قيل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحول رداءه في الاستسقاء يوم الجمعة

ذر والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: إذا انقطعت السبل (من كثرة المطر). 1017 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الْمَوَاشِي، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ. فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمُطِرُوا مِنْ جُمُعَةٍ إِلَى جُمُعَةٍ. فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُمَّ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ وَالإكَامِ. وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ. فَانْجَابَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ". وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام، خال إسماعيل المذكور (عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال): (جاء رجل إلى رسول الله) ولأبي ذر والأصيلي: إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله! هلكت المواشي) بسبب قحوط المطر، (وانقطعت السبل) بالنون بعد ألف الوصل، ولأبي ذر: انقطعت السبل، وهلكت المواشي، ولابن عساكر: وتقطعت السبل، بالمثناة وتشديد الطاء (فادع الله) لنا يغيثنا. (فدعا رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فمطروا من جمعة إلى جمعة؛ فجاء رجل إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله! تهدمت البيوت، وتقطعت السبل) بالمثناة وتشديد الطاء، وفي رواية حميد عن ابن خزيمة: واحتبس الركبان (وهلكت المواشي) من كثرة المطر، فادع الله أن يصرفه عنا (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اللهم) أنزله (على رؤوس الجبال و) على (الآكام، وبطون الأودية، ومنابت الشجر). (فانجابت) أي: السحب الممطرة (عن المدينة) المقدسة (انجياب الثوب). وأصل الجوبة، من: جاب: إذا قطع، ومنه قوله تعالى: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} [الفجر: 9]. وموضع الترجمة قوله: يا رسول الله تهدمت البيوت ... الخ، أي: من كثرة المطر. 11 - باب مَا قِيلَ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُحَوِّلْ رِدَاءَهُ فِي الاِسْتِسْقَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (باب ما قيل وإن النبي،-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لم يحوّل رداءه في الاستسقاء يوم الجمعة) قيده بالجمعة ليبين أن تحويل الرداء في الباب السابق أوّل كتاب الاستسقاء خاص بالمصلي. 1018 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: "أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَلاَكَ الْمَالِ وَجَهْدَ الْعِيَالِ، فَدَعَا اللَّهَ يَسْتَسْقِي. وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَلاَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ". وبالسند قال: (حدّثنا الحسن بن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، البجلي الكوفي (قال: حدّثنا معافى) بضم الميم وفتح العين المهملة والفاء (ابن عمران) الموصلي، ياقوتة العلماء (عن الأوزاعي) عبد الرحمن (عن إسحاق بن عبد الله) ولأبي ذر زيادة، ابن أبي طلحة (عن) عمه (أنس بن مالك) رضي الله عنه: (أن رجلاً شكا إلى النبي،-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، هلاك المال)، الماشية لا الصامت من فقد الكلأ بسبب قحوط المطر، (وجهد العيال) بفتح الجيم، أي مشقتهم بسبب ذلك. (فدعا الله) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حال كونه (يستسقي) لهم، (ولم يذكر) أي: أنس أو غيره، ممن دونه، ولهذا التردد عبر المصنف في الترجمة بقوله: باب ما قيل: (أنه) عليه الصلاة والسلام (حول رداءه، ولا استقبل القبلة) أي: في استسقائه يوم الجمعة. وتعقب الإسماعيلي المؤلّف، فقال: لا أعلم أحدًا ذكر في حديث أنس تحويل الرداء. وإذا قال المحدث: لم يذكر أنه حول، لم يجز أن يقال: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يحوّل، لأن عدم ذكر الشيء لا يوجب عدم ذلك الشيء، فكيف يقول البخاري لم يحول؟ اهـ. وتمسك بهذا الحديث أبو حنيفة فقال: لا صلاة ولا تحويل في الاستسقاء، ولعله لم تبلغه الأحاديث المصرحة بذلك. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في: الاستسقاء والاستئذان، ومسلم في: الصلاة، وكذا النسائي، والله أعلم. 12 - باب إِذَا اسْتَشْفَعُوا إِلَى الإِمَامِ لِيَسْتَسْقِيَ لَهُمْ لَمْ يَرُدُّهُمْ هذا (باب) بالتنوين (إذا استشفعوا) أي: الناس (إلى الإمام) عند الحاجة إلى المطر (ليستسقي لهم) أي: لأجلهم (لم يردهم)، بل عليه أن يجيب سؤالهم فيستسقي لهم، وإن كان ممن يرى تفويض الأمر إلى الله تعالى. 1019 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الْمَوَاشِي، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ. فَدَعَا اللَّهَ فَمُطِرْنَا مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ. فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُمَّ عَلَى ظُهُورِ الْجِبَالِ وَالإكَامِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ. فَانْجَابَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف): التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام الأعظم، (عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر) بفتح النون وكسر الميم (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (أنه قال:). (جاء رجل) هو: كعب بن مرة وقيل غيره (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله، هلكت المواشي وتقطعت السبل) بالمثناة الفوقية وتشديد الطاء، من: تقطعت. والسبل، بضمتين جمع سبيل، وهو الطريق يذكر ويؤنث. قال تعالى: {وأن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلاً} وقال {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف: 108] وانقطاعها، إما بعدم المياه التي يعتاد المسافرون ورودها، وإما باشتغال الناس وشدة القحط عن الضرب في الأرض. (فادع الله) لنا (فدعا الله، فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة) الأخرى (فجاء رجل)

13 - باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط

هو الأول (إلى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله! تهدمت البيوت) من كثرة المطر (وتقطعت السبل) بالمثناة الفوقية وتشديد الطاء أي: تعذر سلوكها (وهلكت المواشى) فادع الله يمسكها (فقال رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اللهم) أي: يا الله انزل المطر (على ظهور الجبال والاكام) بكسر الهمزة جمع: أكمة، بفتحها: ما غلظ من الأرض ولم يبلغ أن يكون جبلاً وكان أكبر ارتفاعًا مما حوله. ويروى: الآكام بفتح الهمزة ومدها، والاكم بضم الهمزة والكاف. جمع: إكام ككتاب وكتب (وبطون الأودية، ومنابت الشجر) جمع منبت بكسر الموحدة، أي: ما حولها مما يصلح أن ينبت فيه، لأن نفس النبت لا يقع عليه المطر. (فانجابت) أي: السحب الممطرة (عن المدينة انجياب الثوب). فإن قلت: تقدم باب: سؤال الناس الإمام إذا قحطوا، فما الفرق بينه وبين هذا الباب؟. أجاب الزين بن المنير: بأن الأولى لبيان ما على الناس أن يفعلوه إذا احتاجوا للاستسقاء. والثانية: لبيان ما على الإمام من إجابة سؤالهم. وأجاب ابن المنير أيضًا عن السر في كونه عليه الصلاة والسلام لم يبدأ بالاستسقاء حتى سألوه، مع أنه عليه الصلاة والسلام، أشفق عليهم منهم، وأولى بهم من أنفسهم، بأن مقامه عليه الصلاة والسلام التوكل والصبر على البأساء والضراء، ولذلك كان أصحابه الخواص يقتدون به، وهذا المقام لا يصل إليه العامة وأهل البوادي، ولهذا، والله أعلم، كان السائل في الاستسقاء بدويًّا، فلما سألوه أجاب رعاية لهم وإقامة لسنة هذه العبادة فيمن بعده من أهل الأزمنة التي يغلب على أهلها الجزع، وقلة الصبر على اللأواء، فيؤخذ منه أن الأفضل للأئمة الاستسقاء، ولن ينفرد بنفسه، بصحراء أو سفينة، الصبر والتسليم للقضاء، لأنه عليه الصلاة والسلام قبل السؤال فوّض ولم يستسق. 13 - باب إِذَا اسْتَشْفَعَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ عِنْدَ الْقَحْطِ هذا (باب) بالتنوين (إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط). 1020 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ وَالأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: أَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: "إِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا عَنِ الإِسْلاَمِ، فَدَعَا عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا، وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ. فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، جِئْتَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ تَعَالَى. فَقَرَأَ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} يَوْمَ بَدْرٍ -قَالَ وَزَادَ أَسْبَاطٌ عَنْ مَنْصُورٍ-: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسُقُوا الْغَيْثَ، فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ سَبْعًا. وَشَكَا النَّاسُ كَثْرَةَ الْمَطَرِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا. فَانْحَدَرَتِ السَّحَابَةُ عَنْ رَأْسِهِ، فَسُقُوا النَّاسُ حَوْلَهُمْ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي البصري (عن سفيان) الثوري (قال: حدّثنا منصور والأعمش) سليمان بن مهران، كلاهما (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح بالتصغير (عن مسروق) هو: ابن الأجدع (قال: أتيت ابن مسعود) عبد الله رضي الله عنه. وفي سورة الروم من التفسير عن مسروق قال: بينما رجل يحدث في كندة فقال: يجيء دخان يوم القيامة، فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، يأخذ المؤمن كهيئة الزكام، ففزعنا، فأتيت ابن مسعود (فقال:). (إن قريشًا أبطأوا) أي: تأخروا (عن الإسلام) ولم يبادروا إليه (فدعا عليهم النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقال (اللهم أعني عليهم بسع كسبع يوسف) (فأخذتهم سنة) بفتح السين، أي: جدب وقحط (حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام) ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان من ضعف بصره بسبب الجوع. (فجاءه أبو سفيان) صخر بن حرب (فقال: يا محمد، جئت تأمر بصلة الرحم، وإن قومك) ذوي رحمك (هلكوا) وللكشميهني: قد هلكوا، أي: بدعائك عليهم من الجدب والجوع (فادع الله تعالى) لهم، فإن كشف عنا نؤمن بك (فقرأ) عليه الصلاة والسلام ({فارتقب}) أي: انتظر لهم ({يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}) [الدخان: 10] زاد أبو ذر: الآية. (ثم عادوا) لما كشف الله عنهم (إلى كفرهم) فابتلاهم الله تعالى بيوم البطشة (فذلك قوله تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} [الدخان: 16] يوم بدر) أو: يوم القيامة، زاد الأصيلي {إنا منتقمون}. والعامل في: يوم، فعل: دل عليه: إنّا منتقمون، لأن إن مانع من عمله فيما قبله، أو: بدل من يوم تأتي، وهذا يدل على أن مجيء أبي سفيان إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان قبل الهجرة، لأنه لم ينقل أن أبا سفيان قدم المدينة قبل بدر. (قال) أي: البخاري (وزاد) ولابن عساكر: قال أبو عبد الله وسقط ذلك كله لأبي ذر، واقتصر على قوله: وزاد (أسباط) بفتح الهمزة وسكون المهملة وبالموحدة آخره طاء مهملة، ابن نصر، لا: أسباط بن محمد (عن منصور) عن أبي الضحى، يعني بإسناده السابق. (فدعا رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فسقوا الغيث) بضم السين والقاف، مبنيًّا للمفعول،

14 - باب الدعاء إذا كثر المطر "حوالينا ولا علينا"

ونصب الغيث، مفعوله الثاني (فأطبقت) أي: دامت وتواترت (عليهم سبعًا) أي: سبعة أيام، وسقطت التاء لعدم ذكر المميز. فإنه يجوز فيه الأمران حينئذ. وفي تفسير سورة الدخان، من رواية أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي الضحى، في هذا الحديث: فقيل: يا رسول الله! استسق الله لمضر فإنها قد هلكت. قال: لمضر: إنك لجريء، فاستسقى فسقوا. اهـ. والقائل: يا رسول الله، الظاهر أنه أبو سفيان، لما ثبت في كثير من طرق هذا الحديث في الصحيحين: فجاء أبو سفيان، وإنما قال: لمضر، لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز. وكان الدعاء بالقحط على قريش، وهم سكان مكة، فسرى القحط إلى من حولهم، ولعل السائل عدل عن التعبير بقريش، لئلا يذكره بجرمهم. فقال: لمضر، ليندرجوا فيهم، ويشير أيضًا إلى أن غير المدعوّ عليهم قد هلكوا بجريرتهم. وقوله لمضر: إنك لجريء: أي: أتطلب أن أستسقي لهم مع ما هم عليه من معصية الله والإشراك به. وفي دلائل البيهقي عن كعب بن مرة، أو مرة بن كعب، قال: دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على مضر، فأتاه أبو سفيان بمكة، فقال: ادع الله لقومك، فإنهم قد هلكوا. ورواه أحمد، وابن ماجة، عن كعب بن مرة قال: جاءه رجل فقال: استسق الله لمضر. فقال: إنك لجريء ألمضر؟ قال: يا رسول الله، استنصرت الله فنصرك، ودعوت الله فأجابك. فرفع يديه فقال "اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا، مريعًا طبقًا، عاجلاً غير رائث، نافعًا غير ضار ... " الحديث. فظهر بذلك أن هذا الرجل المبهم المقول له: إنك لجريء، هو أبو سفيان. وأخرج أحمد أيضًا، والحاكم، عن كعب بن مرة أيضًا، قال: دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على مضر، فأتيته، فقلت: يا رسول الله! إن الله قد نصرك، وأعطاك، واستجاب لك. وإن قومك قد هلكوا ... الحديث. فظهر أن فاعل قال: يا رسول الله في الحديث الذي قبل هذا، هو: كعب بن مرة. راويه، وعلى هذا فكأن أبا سفيان وكعبًا حضرًا جميعًا. فكلمه أبو سفيان بشيء، فدلّ على اتحاد قصتهما. وقد ثبت في هذه ما ثبت في تلك، من قوله: إنك لجريء. وغير ذلك. وسياق كعب بن مرة مشعر بأن ذلك وقع بالمدينة، لقوله: استنصرت الله فنصرك، ولا يلزم من هذا اتحاد هذه القصة مع قصة أنس السابقة، فهي واقعة أخرى، لأن في رواية أنس: فلم ينزل عن المنبر حتى مطروا. وفي هذه: فما كان إلا جمعة أو نحوها حتى مطروا. والسائل في هذه القصة، غير السائل في تلك. فهما قصتان، وقع في كل منهما طلب الدعاء بالاستسقاء، ثم طلب الدعاء بالاستصحاء. كذا قرره الحافظ ابن حجر، رادًّا به على من غلط أسباط بن نصر في هذه الزيادة، ونسبه إلى أنه أدخل حديثًا في آخر. فقال: وإن قوله: فسقوا الغيث، إنما كان في قصة المدينة التي رواها أنس، لا في قصة قريش. وأجاب البرماوي بأن المعنى: أن سفيان يروي عن منصور واقعة مكة، وسؤال أهل مكة وهو بها قبل الهجرة، وزاد عليه أسباط، عن منصور، ذكر الواقعتين، لا أن الثانية مسببة عن الأولى، ولا أن السؤال فيهما معًا كان بالمدينة. اهـ. (وشكا الناس) إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كثرة المطر، قال) وللأربعة، فقال: (اللهم) أنزل المطر (حوالينا ولا) تنزله (علينا فانحدرت السحابة عن رأسه فسقوا الناس حولهم) برفع الناس على البدل من الضمير، أو فاعل على لغة: أكلوني البراغيث. ويجوز النصب على الاختصاص، أي: أعني الناس الذين في المدينة وحولها. 14 - باب الدُّعَاءِ إِذَا كَثُرَ الْمَطَرُ "حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا" (باب الدعاء إذا كثر المطر "حوالينا ولا علينا") بإضافة باب لتاليه. 1021 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَقَامَ النَّاسُ فَصَاحُوا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَحَطَ الْمَطَرُ، وَاحْمَرَّتِ الشَّجَرُ، وَهَلَكَتِ الْبَهَائِمُ، فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِينَا. فَقَالَ: اللَّهُمَّ اسْقِنَا (مَرَّتَيْنِ). وَايْمُ اللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً مِنْ سَحَابٍ، فَنَشَأَتْ سَحَابَةٌ وَأَمْطَرَتْ، وَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَصَلَّى. فَلَمَّا انْصَرَفَ لَمْ تَزَلْ تُمْطِرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا. فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ صَاحُوا إِلَيْهِ: تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسُهَا عَنَّا. فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا. فَكُشِطَتِ الْمَدِينَةُ، فَجَعَلَتْ تُمْطِرُ حَوْلَهَا، وَلاَ تَمْطُرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً، فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِي مِثْلِ الإِكْلِيلِ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر، وأبي الوقت، بالتوحيد (محمد بن أبي بكر) المقدمي الثقفي البصري (قال: حدّثنا معتمر) هو: ابن سليمان التيمي (عن عبيد الله) بضم العين، ابن عمر بن حفص بن عاصم العمري (عن ثابت) البناني (عن أنس) ولأبي ذر: أنس بن مالك، رضي الله عنه، أنه (قال): (كان النبي) ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يخطب يوم جمعة) بالتنكير، ولأبي ذر، في نسخة، وابن عساكر: يوم الجمعة (فقام) إليه (الناس، فصاحوا فقالوا: يا رسول الله! قحط المطر) بفتح القاف والحاء والطاء، أي: احتبس (واحمرت الشجر) أي: تغير لونها من الخضرة إلى الحمرة من اليبس، وأنث الفعل باعتبار

15 - باب الدعاء في الاستسقاء قائما

جنس الشجر (وهلكت البهائم) بفتح اللام، ومضارعه يهلك بكسرها، وفيه لغة قليلة بالعكس، ويروى: هلكت المواشي: أي الأنعام والدواب (فادع الله يسقينا) ولأبوي ذر والوقت، وابن عساكر: أن يسقينا (فقال) عليه الصلاة والسلام: (اللهم اسقنا مرتين) طرف للقول لا للسقي أي: قال ذلك مرتين (وايم الله) بهمزة الوصل (ما نرى في السماء قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة، قطعة (من سحاب). قال أبو عبيد: وأكثر ما يكون القزع في الخريف (فنشأت سحابة وأمطرت) بالواو، ولأبي ذر في نسخة: فأمطرت. (ونزل) عليه الصلاة والسلام (عن المنبر فصلّى) الجمعة (فلما انصرف، لم تزل تمطر) بضم المثناة الفوقية وسكون الميم وكسر الطاء، ولأبي ذر: لم يزل المطر (إلى الجمعة التي تليها، فلما قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يخطب، صاحوا إليه: تهدمت البيوت، وانقطعت السبل) بالنون قبل القاف، (فادع الله يحبسها عنا) بالجزم على الطلب، وبالرفع على الاستئناف. (فتبسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم قال) ولأبي ذر، وابن عساكر: فقال، ولأبوي ذر، والوقت: وقال: (اللهم) أمطر في الأماكن التي (حوالينا ولا) تمطر (علينا). قال الشافعي في الأم: وإذا كثرت الأمطار وتضرر الناس، فالسنة أن يدعى برفعها: "اللهم حوالينا ولا علينا". ولا يسرع لذلك صلاة، لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يصل لذلك. (فكشطت المدينة) بفتح الفاء والكاف والشين المعجمة والطاء المهملة، وفي الفتح: فكشطت، مبنيًّا للمفعول، ولأبوي ذر، والوقت، وابن عساكر: وتكشطت، بالواو والمثناة الفوقية والكاف والمعجمة المشددة المفتوحات، أي: تكشفت (فجعلت تمطر) بفتح أوله وضم ثالثه، ويجوز: تمطر، بضم ثم كسر، وهي رواية أبي ذر (حولها ولا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي، وابن عساكر: وما (تمطر) بفتح المثناة الفوقية وضم الطاء (بالمدينة قطرة، فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الإكليل) بكسر الهمزة وهو: ما أحاط بالشيء وروضة مكللة محفوفة بالنور، وعصابة تزين بالجوهر ويسمى التاج: إكليلاً. 15 - باب الدُّعَاءِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ قَائِمًا (باب الدعاء في الاستسقاء) حال كونه (قائمًا) في الخطبة، وغيرها، ليراه الناس فيقتدوا به. 1022 - وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ "خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الأَنْصَارِيُّ وَخَرَجَ مَعَهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ رضي الله عنهم فَاسْتَسْقَى، فَقَامَ بِهِمْ عَلَى رِجْلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مِنْبَرٍ، فَاسْتَغْفَرَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ، وَلَمْ يُؤَذِّنْ وَلَمْ يُقِمْ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبالسند إلى المؤلّف قال: (وقال لنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (عن زهير) بضم الزاي وفتح الهاء، ابن معاوية الكوفي (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي، قال: (خرج عبد الله بن يزيد) من الزيادة (الأنصاري) الأوسي الخطمي إلى الصحراء ليستسقي في سنة أربع وستين، حين كان أميرًا على الكوفة من جهة عبد الله بن الزبير، (وخرج معه البراء بن عازب، وزيد بن أرقم رضي الله عنهم، فاستسقى، فقام) أي: عبد الله بن يزيد (بهم) ولأبوي ذر، والوقت، وابن عساكر: لهم (على رجليه على غير منبر، فاستغفر) كذا لأبي الوقت، وابن عساكر، وأبي ذر، وللكشميهني والحموي، والمستملي: فاستقى (ثم صلّى ركعتين) حال كونه (يجهر بالقراءة) فيهما وظاهره أنه أخر الصلاة عن الخطبة، وصرّح بذلك الثوري في روايته، والذي عليه الجمهور تقديمها (ولم يؤذن ولم يقم). (قال أبو إسحاق) السبيعي (ورأى) بالهمز، من: الرؤية (عبد الله بن يزيد الأنصاري النبي) وثبت الأنصاري لابن عساكر، وللحموي وحده وروي، بالواو من الرواية، عبد الله بن يزيد، عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكذا هو في نسخة الصغاني روي، من: الرواية. وعلى هذا، فإن أريد به رواية ما صدر عنه من الصلاة وغيرها، كان مرفوعًا، وإن أريد أنه روي عنه في الجملة، فيكون موقوفًا. وهو يثبت له الصحبة. وقد ذكره ابن طاهر في الصحابة الذين خرج لهم في الصحيحين، أما سماع هذا الحديث بخصوصه فلا يثبت، وهذا الحديث أخرجه مسلم في: المغازي. 1023 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ أَنَّ عَمَّهُ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَهُ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي لَهُمْ، فَقَامَ فَدَعَا اللَّهَ قَائِمًا، ثُمَّ تَوَجَّهَ قِبَلَ الْقِبْلَةِ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ فَأُسْقُوا". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: حدّثنا شعيب) هو ابن حمزة الحمصي (عن) ابن شهاب (الزهري، قال: حدّثني) بالإفراد (عباد بن تميم) المازني (أن عمه) عبد الله بن زيد المازني (وكان من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أخبره): (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج بالناس

16 - باب الجهر بالقراءة في الاستسقاء

يستسقي لهم فقام) على رجليه لا على منبر (فدعا الله) حال كونه (قائمًا، ثم توجه قبل القبلة) بكسر القاف وفتح الموحدة، أي: جهتها (وحول رداءه، فأسقوا) بهمزة وقاف مضمومتين بينهما مهملة ساكنة، ولابن عساكر: فسقوا، بفاء فسين فقاف مضمومتين، وكلاهما مبني للمفعول. 16 - باب الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ (باب الجهر بالقراءة في) صلاة (الاستسقاء). 1024 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: "خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إِلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن) ابن شهاب (الزهري، عن عباد بن تميم عن عمه) عبد الله بن زيد المازني، رضي الله عنه (قال): (خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالناس إلى المصلّى (يستسقي) لهم، (فتوجه إلى القبلة) في أثناء الخطبة الثانية (يدعو، وحول رداءه) فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن. رواه أبو داود بإسناد حسن. ثم صلّى) بالناس (ركعتين) حال كونه (جهر) بلفظ الماضي، ولأبوي ذر، والوقت: يجهر (فيهما بالقراءة) كصلاة العيد، ونقل ابن بطال الإجماع عليه. 17 - باب كَيْفَ حَوَّلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظَهْرَهُ إِلَى النَّاسِ هذا (باب) بالتنوين (كيف حوّل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظهره إلى الناس). 1025 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمَّا خَرَجَ يَسْتَسْقِي، قَالَ: فَحَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ". وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن) ابن شهاب (الزهري، عن عباد بن تميم، عن عمه) عبد الله بن زيد، رضي الله عنه (قال): (رأيت النبي،-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يوم خرج) بالناس إلى المصلّى (يستسقي) لهم (قال: فحول إلى الناس ظهره) عند إرادة الدعاء بعد فراغه من الموعظة، فالتفت بجانبه الأيمن لأنه كان يعجبه التيامن في شأنه كله. استشكل (¬1) قوله: فحوّل إلى الناس ظهره، لأن الترجمة لكيفية التحويل. والحديث دل على وقوع التحويل فقط. وأجاب الكرماني: بأن معناه حوله حال كونه داعيًا، وحمل الزين ابن المنير قوله: كيف؟ على الاستفهام، فقال لما كان التحويل المذكور لم يتبين كونه في ناحية اليمين أو اليسار، احتاج إلى الاستفهام. اهـ. منه. (واستقبل القبلة) حال كونه (يدعو، ثم حول رداءه) ظاهره: أن الاستقبال وقع سابقًا لتحويل الرداء، وهو ظاهر كلام الشافعي. ووقع في كلام كثير من الشافعية أنه يحول حال الاستقبال. والفرق بين تحويل الظهر، والاستقبال، أنه ابتداء التحويل وأوسطه يكون منحرفًا حتى يبلغ الانحراف غايته، فيصير مستقبلاً. قاله في الفتح. (ثم صلّى لنا ركعتين) حال كونه (جهر فيهما بالقراءة). واستدلّ ابن بطال من التعبير: بثم، في قوله: ثم حول رداءه، أن الخطبة قبل الصلاة، لأن ثم للترتيب. وأجيب: بأنه معارض بقوله في حديث الباب التالي استسقى فصلّى ركعتين وقلب رداءه، لأنه اتفق على أن قلب الرداء إنما يكون في الخطبة. وتعقب: بأنه لا دلالة فيه على تقديم الصلاة لاحتمال أن تكون الواو في: وقلب، للحال أو: للعطف، ولا ترتيب فيه. نعم، في سنن أبي داود، بإسناد صحيح: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطب ثم صلّى، ويدل له ما وقع في حديث الباب، فلو قدم الخطبة جاز كما نقله في الروضة عن صاحب التتمة، لكنه في حقنا أفضل، لأن رواية تأخير الخطبة أكثر رواة، ومعتضدة بالقياس على خطبة العيد والكسوف. وعن الشيخ أبي حامد مما نقله في المجموع عن أصحابنا تقديم الخطبة للحديث، يعني: حديث الباب السابق، وغيره ( .......... ) (¬2). الجواز في بعض المواضع. 18 - باب صَلاَةِ الاِسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ (باب صلاة الاستسقاء ركعتين) أراد به بيان كميتها، وأشار إليها بقوله: ركعتين، على طريق عطف البيان على سابقه المجرور بالإضافة. 1026 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَسْقَى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عبد الله بن أبي بكر) أي: ابن محمد بن عمرو بن حزم (عن عباد بن تميم)، ولأبي ذر في نسخة، ولأبي الوقت: سمع عباد بن تميم (عن عمه) عبد الله بن زيد، رضي الله عنه (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استسقى فصلّى ركعتين) كصلاة العيد فيما لها، كالتكبير في أول الأولى سبعًا، وفي أول الثانية خمسًا. ورفع يديه، وغير ذلك، إلا في تسعة أشياء. في المناداة قبلها، بأن يأمر الإمام من ينادي بالاجتماع لها في وقت معين. وفي صوم يومها، لأن له أثرًا في رياضة النفس. وفي إجابة الدعاء؛ وصوم ثلاثة قبله. وترك الزينة فيها بأن يلبس عند خروجه لها ثياب بذلة، وهي التي ¬

(¬1) قوله "استشكل قوله. . . " الخ، هذه الجملة إلى قوله "انتهى منه" موجودة في نسخ الطبع جميعها، وليست في نسخ الخط التي بأيدينا ا. هـ. مصححه (¬2) كذا بياض في الأصل.

19 - باب الاستسقاء في المصلى

تلبس حال الشغل للاتباع رواه الترمذي، وصححه، وينزعها بعد فراغه من الخطبة. وإكثار الاستغفار في الخطبة بدل إكثار التكبير الذي في خطبة العيد. وقراءة آية الاستغفار: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10]. الآية في الخطبة، ويسر ببعض الدعاء فيها. ويستقبل القبلة بالدعاء، ويرفع ظهر يديه إلى السماء. ويحوّل رداءه، كما أشار إليه بقوله: (وقلب رداءه) عطف على قوله: فصلّى ركعتين بالواو. وهي لا تدل على الترتيب بل لمطلق الجمع. 19 - باب الاِسْتِسْقَاءِ فِي الْمُصَلَّى (باب) صلاة (الاستسقاء في المصلّى) التي في الصحراء، لا في المسجد، حيث لا عذر كمرض للاتباع كما سيأتي، ولأنه يحضرها غالب الناس، والصبيان، والحيض والبهائم، وغيرهم. فالصحراء أوسع لهم وأليق. واستثنى صاحب الخصال المسجد الحرام وبيت المقدس. قال الأذرعي: وهو حسن وعليه عمل السلف والخلف لفضل البقعة واتساعها، كما مر في العيد. اهـ. لكن الذي عليه أصحابنا استحبابها في الصحراء مطلقًا للاتباع والتعليل السابق. 1027 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: "خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ -قَالَ سُفْيَانُ: فَأَخْبَرَنِي الْمَسْعُودِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ- جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عبد الله بن أبي بكر) أي: ابن محمد بن عمرو بن حزم أنه (سمع عباد بن تميم عن عمه) عبد الله بن زيد، رضي الله عنه، (قال): (خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المصلّى) بالصحراء، حال كونه (يستسقي) للناس (واستقبل القبلة، فصلّى ركعتين، وقلب رداءه قال سفيان) بن عيينة (فأخبرني المسعودي) عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود (عن أبي بكر) والد عبد الله المذكور (قال) مفسرًا قلب رداءه (جعل اليمين) من ردائه (على) عاتقه (الشمال) والشمال منه على عاتقه اليمين. وليس قوله: قال سفيان تعليقًا كما زعمه المزي، حيث علم على المسعودي في التهذيب علامة التعليق، بل هو موصول عند المؤلّف، معطوف على حديث عبد الله بن محمد المسندي عن سفيان، قاله الحافظ ابن حجر في المقدمة. 20 - باب اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ (باب استقبال القبلة) في الدعاء (في الاستسقاء) في أثناء الخطبة الثانية، وهو نحو ثلثها، كما قاله النووي في دقائقه، لأن الدعاء مستقبلها أفضل. فإن استقبل له في الأولى لم يعده في الثانية. قال النووي: ويلحق باستحباب استقبال القبلة للدعاء بالوضوء، والغسل، والأذكار، والقراءة، وسائر الطاعات إلا ما خرج بدليل، كالخطبة. 1028 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى يُصَلِّي، وَأَنَّهُ لَمَّا دَعَا -أَوْ أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ- اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ" قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: ابْنُ زَيْدٍ هَذَا مَازِنِيٌّ، وَالأَوَّلُ كُوفِيٌّ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ. وبه قال: (حدّثنا محمد) غير منسوب، ولأبي ذر في نسخة: محمد بن سلام (قال: أخبرنا) ولأبي ذر، وابن عساكر: حدّثنا، ولأبي ذر في نسخة، وأبي الوقت: حدّثني (عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (قال: حدّثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري (قال: أخبرني) بالتوحيد (أبو بكر بن محمد) أي: ابن عمرو بن حزم (أن عباد بن تميم أخبره أن) عمه (عبد الله بن زيد الأنصاري) رضي الله عنه (أخبره): (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، خرج) بهم (إلى المصلّى) بالصحراء، حال كونه (يصلّي) بالمثناة التحتية أوله وكسر اللام، ولابن عساكر: فصلّى، بالفاء وفتح اللام، وللمستملي: يدعو (وأنه لما دعا -أو أراد أن يدعو-) شك الراوي (استقبل القبلة) واستدبر الناس (وحول رداءه) فجعل ما على كل جانب من الأيمن والأيسر على الآخر. (قال أبو عبد الله) البخاري: (ابن زيد هذا) راوي حديث الباب: (مازني) أنصاري، ولأبي ذر: عبد الله بن زيد ... الخ. (والأول) السابق في باب الدعاء في الاستسقاء قائمًا. (كوفي، هو ابن يزيد) عبد الله بالمثناة التحتية في أوله، من الزيادة. قال في فتح الباري؛ كذا في رواية الكشميهني وحده هنا. اهـ. وفي الفرع وأصله ساقط لأبي ذر، وابن عساكر. قال: وثبت عند أبي الهيثم لأبوي ذر والوقت، واستشكل إثباته هنا، لأنه لا ذكر لعبد الله بن يزيد هنا. وأجيب: باحتمال أن يكون مراده بالأول: المذكور فيما مضى في باب الدعاء في الاستسقاء قائمًا، كما مر وبالجملة، فلو ذكره في باب: الدعاء في الاستسقاء قائمًا، حيث ذكر فيه عن عبد الله بن يزيد حديثًا، وعن عبد الله بن زيد حديثًا، لكان أليق، ليظهر تغايرهما حيث ذكرهما جميعًا، ولعل هذا من تصرف الكشميهني، كأنه رأى ورقة مفردة فكتبها هنا احتياطًا. 21 - باب رَفْعِ النَّاسِ أَيْدِيَهُمْ مَعَ الإِمَامِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ (باب رفع الناس أيديهم مع) رفع (الإمام) يديه في الدعاء (في الاستسقاء) وسقط لابن عساكر: مع الإمام. 1029 - قَالَ أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: "أَتَى رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْمَاشِيَةُ، هَلَكَ الْعِيَالُ، هَلَكَ النَّاسُ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ يَدْعُو، وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَهُ يَدْعُونَ. قَالَ: فَمَا خَرَجْنَا مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى مُطِرْنَا، فَمَا زِلْنَا نُمْطَرُ حَتَّى كَانَتِ الْجُمُعَةُ الأُخْرَى، فَأَتَى الرَّجُلُ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَشِقَ الْمُسَافِرُ، وَمُنِعَ الطَّرِيقُ". (قال) ولأبي ذر: وقال (أيوب بن سليمان) بن بلال، شيخ

المؤلّف مما وصله أبو نعيم (حدّثني) بالإفراد (أبو بكر بن أبي أويس) الأصبحي المدني، أخو إسماعيل بن أبي أويس (عن سليمان بن بلال) التيمي، مولاهم (قال يحيى بن سعيد) الأنصاري، ولأبي ذر: عن يحيى بن سعيد قال: (سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال): (أتى رجل أعرابي)، ولابن عساكر: أتى أعرابي (من أهل البدو) فيه تضعيف قول من قال: إنه العباس (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الجمعة) وهو قائم يخطب، فاستقبله قائمًا (فقال) وللأصيلي قال: (يا رسول الله! هلكت الماشية). وسبق في باب الدعاء إذا كثر المطر، قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب يوم جمعة، فقام الناس فصاحوا، فقالوا: يا رسول الله! قحط المطر ... والجمع بين الروايتين أن الرجل قام أولاً فتبعه الناس، وكذا في الجمعة الأخرى، أو أنهم صاحوا، فقام الرجل فتكلم عنهم، أو المراد بالناس: الرجل لأنه لما كان قائمًا عنهم عبر عنه بهم، وكأنهم هم الذين صاحوا. قاله ابن التين. وإذا قلنا بتخصيص الرجل الأعرابي بالكلام، فترك خواص الصحابة لذلك، لأن مقامهم العليّ يقتضي الرضا والتسليم، بخلاف مقام السائل، فإنه مقام فقر وتمسكن. (هلك العيال) ولابن عساكر: هلكت العيال، بتأنيث الضمير، (هلك الناس. فرفع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديه) حال كونه (يدعو، ورفع الناس أيديهم معه) ولأبوي ذر، والوقت، وابن عساكر: مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يدعون). استدلّ به على استحباب رفع اليدين في الدعاء للاستسقاء، ولذا لم يرو عن الإمام مالك، رحمه الله، أنه رفع يديه إلاّ في دعاء الاستسقاء خاصة. وهل ترفع في غيره من الأدعية أم لا؟ الصحيح الاستحباب في سائر الأدعية. رواه الشيخان وغيرهما. أما حديث أنس، المروي في الصحيحين وغيرهما، الآتي في الباب التالي إن شاء الله تعالى: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلاّ في الاستسقاء، فإنه: كان يرفع يديه حتى يُرى بياضُ إبطيه. فمؤوّل على أنه لا يرفعهما رفعًا بليغًا، ولذا قال في المستثنى: حتى يُرى بياضُ إبطيه. نعم، ورد رفع يديه عليه الصلاة والسلام في مواضع. كرفع يديه حتى ريء عفرة إبطيه، حين استعمل ابن اللتبية على الصدقة، كما في الصحيحين. ورفعهما أيضًا في قصة خالد بن الوليد، قائلاً: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد، رواه البخاري والنسائي. ورفعهما على الصفا، رواه مسلم وأبو داود. ورفعهما ثلاثًا بالبقيع مستغفرًا لأهله، رواه البخاري في رفع اليدين، ومسلم حين تلا قوله تعالى: ({إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} [إبراهيم: 36] الآية قائلاً: "اللهم أمتي أمتي" رواه مسلم. ولما بعث جيشًا فيهم عليّ قائلاً: "اللهم لا تمتني حتى تريني عليًّا". رواه الترمذي. ولما جمع أهل بيته، وألقى عليهم الكساء، قائلاً "اللهم هؤلاء أهل بيتي". رواه الحاكم. وقد جمع النووي في شرح المهذّب نحوًا من ثلاثين حديثًا في ذلك من الصحيحين وغيرهما، وللمنذري فيه جزء. قال الروياني: ويكره رفع اليد النجسة في الدعاء، قال: ويحتمل أن يقال: لا يكره بحائل. وفي مسلم وأبي داود، عن أنس، أنه-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يستسقي هكذا، ومدّ يديه، وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه. فقال أصحابنا الشافعية وغيرهم: السنة في دعاء القحط، ونحوه من رفع بلاء، أن يجعل ظهر كفيه إلى السماء، وهي صفة الرهبة، وإن سأل شيئًا يجعل بطونهما إلى السماء. والحكمة أن القصد رفع البلاء بخلاف القاصد حصول شيء، أو تفاؤلاً ليقلب الحال ظهرًا لبطن، وذلك نحو صنيعه في تحويل الرداء، أو إشارة إلى ما يسأله، وهو أن يجعل بطن السحاب إلى الأرض لينصب ما فيه من المطر. (قال) أنس: (فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا) بدون همزة، مبنيًّا للمفعول. (فما زلنا نمطر) بضم النون وفتح الطاء (حتى كانت الجمعة الأخرى. فأتى رجل) أي الأول، لأن الألف واللام للعهد الذكري. وقد مر ما فيه، لكن رواية ابن عساكر: فأتى رجل، صارفة لتعيينه، مثبتة للتردد. (إلى نبي الله) ولأبوي ذر، والوقت، وابن عساكر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله! بشق) بالموحدة المفتوحة والمعجمة المكسورة، وبالقاف، كذا قيده كراع في المنضد، ولأبوي ذر، والوقت: بشق، بفتح المعجمة، وقيد به الأصيلي، أي: مل،

22 - باب رفع الإمام يده في الاستسقاء

أو: تأخر، أو: اشتد عليه الضرر، أو: حبس (المسافر، ومنع الطريق). 1030 - وَقَالَ الأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَشَرِيكٍ سَمِعَا أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أَنَّهُ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ". (وقال الأويسي) عبد العزيز بن عبد الله، مما وصله أبو نعيم في مستخرجه، (حدّثني) بالإفراد (محمد بن جعفر) هو ابن أبي كثير المدني (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (وشريك) هو: ابن عبد الله بن أبي نمر (سمعا أنسًا عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رفع) ولابن عساكر: أنه رفع (يديه حتى رأيت بباض إبطيه). استدلّ به غير واحد على خصوصيته عليه الصلاة والسلام ببياض إبطيه. وعورض بقول عبد الله بن أقرم الخزاعي، كنت أنظر إلى عفرة إبطيه إذا سجد. رواه الترمذي، وحسنه غيره. والعفرة بياض ليس بناصع. نعم، الذي يعتقد فيه عليه الصلاة والسلام، أنه لم يكن لإبطه رائحة كريهة، بل كان عطر الرائحة، كما ثبت في الصحيحين. وفي رواية ابن عساكر: حتى يُرى بياضُ إبطيه، وقول الأويسي هذا ثابت للمستملي، وابن عساكر، وأبي الوقت. قال في الفتح: وثبت لأبي الوقت، وكريمة في آخر الباب بعده، وسقط للباقين رأسًا لأنه مذكور عند الجميع في: كتاب الدعوات. 22 - باب رَفْعِ الإِمَامِ يَدَهُ فِي الاِسْتِسْقَاءِ (باب رفع الإمام يده في الاستسقاء) كذا للحموي والمستملي. ولا تكرار في هاتين الترجمين، هذه وسابقتها، لأن الأولى لبيان اتباع المأمومين الإمام في رفع اليدين، وهذه لإثبات رفعهما له في الاستسقاء، قاله ابن المنير. 10311031 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَىْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلاَّ فِي الاِسْتِسْقَاءِ، وَإِنَّهُ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ". [الحديث 1031 - طرفاه في: 3565، 6341]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (محمد بن بشار) بموحدة مفتوحة ومعجمة مشددة، ابن عثمان العبدي البصري يقال له: بندار. (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (وابن أبي عدي) محمد بن إبراهيم (عن سعيد) هو: ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) وفي رواية يزيد بن زريع عند المؤلّف، في صفته عليه الصلاة والسلام: عن سعيد عن قتادة أن أنسًا حدثهم. وسقط عند ابن عساكر: ابن مالك (قال): (كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وإنه يرفع) يديه (حتى يرى بياض إبطيه) بسكون الموحدة. وظاهره نفي الرفع في دعاء غير الاستسقاء، وهو معارض بما ذكرته من الأحاديث السابقة في الباب السابق، فليحمل النفي في هذا الحديث على صفة مخصوصة: إما الرفع البليغ كما يدل عليه قوله: حتى يرى بياض إبطيه كما مر. وإما على: صفة اليدين في ذلك، كما في مسلم: استسقى عليه الصلاة والسلام، فأشار بظهر كفيه إلى السماء. كما مر. أو على: نفي رؤية أنس لذلك. وهو لا يستلزم نفي رؤية غيره، ورواية المثبت مقدمة على النافي. والحاصل: استحباب الرفع في كل دعاء إلا ما جاء من الأدعية مقيدًا بما يقتضي عدمه، كدعاء الركوع والسجود ونحوهما. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في: صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ومسلم والنسائي وابن ماجة في: الاستسقاء. 23 - باب مَا يُقَالُ إِذَا أَمْطَرَتْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كَصَيِّبٍ}: الْمَطَرُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: صَابَ وَأَصَابَ يَصُوبُ. (باب ما يقال إذا أمطرت) أي السماء. وما، بمعنى: الذي، أو موصوفة أي: شيء يقال، فيكون: ما، الذي بمعنى شيء قد اتصف بقوله: يقال. أو: استفهامية، أي: أي شيء يقال. وأمطرت بالهمزة المفتوحة من الرباعي، ولأبي ذر: مطرت، بفتحات من غير همزة من الثلاثي المجرد، وهما بمعنى، أو الأول للشر، والثاني للخير. (وقال ابن عباس) رضي الله عنهما، مما وصله الطبري من طريق علي بن طلحة في تفسير قوله تعالى: أو ({كصيب}) [البقرة: 19]. هو: (المطر) وهو قول الجمهور. (وقال غيره) غير ابن عباس: (صاب وأصاب يصوب) راجع إلى: صاب أي، مضارعه: يصوب، فهو أجوف واوي، وأما: أصاب بالهمزة فيقال فيه يصيب. والظاهر أن النساخ قدموا لفظة أصاب على يصوب، وإنما كان: صاب يصوب وأصاب. وأشار به إلى الثلاثي المجرد والمزيد فيه. اهـ. 1032 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - هُوَ ابْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ - قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ: صَيِّبًا نَافِعًا". تَابَعَهُ الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ. وَرَوَاهُ الأَوْزَاعِيُّ وَعُقَيْلٌ عَنْ نَافِعٍ. وبه قال: (حدّثنا محمد هو ابن مقاتل، أبو الحسن المروزي) بفتح الواو، المجاور بمكة، وسقطت الكنية والنسبة عند: أبوي ذر، والوقت، وابن عساكر. (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا عبيد الله) بضم العين. ابن عمر العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن القاسم بن محمد) هو: ابن أبي بكر الصديق (عن عائشة) رضي الله عنها، (أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان إذا رأى المطر، قال): (اللهم) اسقنا أو: اجعله (صيّبًا) بفتح الصاد

24 - باب من تمطر في المطر حتى يتحادر على لحيته

المهملة وتشديد المثناة التحتية، وهو المطر الذي يصوب، أي ينزل ويقع. وفيه مبالغات من جهة التركيب والبناء والتكثير، فدلّ على أنه نوع من المطر شديد هائل، ولذا تممه بقوله: (نافعًا) صيانة عن الأضرار والفساد. ونحوه قول الشاعر: فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة تهمي لكن نافعًا في الحديث أوقع وأحسن، وأنفع من قوله: غير مفسدها. قال في المصابيح: وهذا، أي قوله: "صيّبًا نافعًا" كالخبر الموطئ في قولك: زيد رجل فاضل، إذ الصفة هي المقصودة بالإخبار بها، ولولا هي لم تحصل الفائدة. هذا إن بنينا على قول ابن عباس: إن الصيب هو: المطر. وإن بنينا على أنه: المطر الكثير، كما نقله الواحدي، فكل من: صيبًا ونافعًا مقصود، والاقتصار عليه محصل للفائدة اهـ. وللمستملي: اللهم صبّا بالموحدة المشددة من غير مثناة من الصب، أي: يا ألله اصببه صبّا نافعًا. (تابعه القاسم بن يحيى) بن عطاء المقدمي الهلالي الواسطي، المتوفى سنة سبع وتسعين ومائة (عن عبيد الله) العمري المذكور، يعني: بإسناده قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على هذه الرواية موصولة. (ورواه) أي الحديث المذكور (الأوزاعي)، عبد الرحمن بن عمرو، وفيما أخرجه النسائي في: عمل يوم وليلة، وأحمد: لكن بلفظ: هنيئًا بدل نافعًا. (و) رواه (عقيل) بضم العين وفتح القاف، ابن خالد، فيما ذكره الدارقطني، (عن نافع) مولى ابن عمر كذلك، وغاير بين قوله: تابعه، ورواه، لإفادة العموم في الثاني لأن الرواية أعم من أن تكون على سبيل المتابعة أم لا، أو: للتفنن في العبارة. والحديث فيه رازيان، والثلاثة مدنيون. وفه رواية تابعي عن تابعي عن صحابية، والتحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه النسائي في: عمل يوم وليلة، وابن ماجة: في الدعاء. 24 - باب مَنْ تَمَطَّرَ فِي الْمَطَرِ حَتَّى يَتَحَادَرَ عَلَى لِحْيَتِهِ (باب من تمطّر في المطر) بتشديد الطاء كتفعل، أي: تعرض للمطر، وتطلب نزوله عليه (حتى يتحادر) المطر (على لحيته) لأنه حديث عهد بربه كما في مسلم أي: قريب العهد بتكوين ربه، ولم تمسه الأيدي الخاطئة ولم تكدره ملاقاة أرض عبد عليها غير الله تعالى. ولله در القائل: تضوع أرواح نجد من ثيابهم ... عند القدوم لقرب العهد بالدار 1033 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: "أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا أَنْ يَسْقِيَنَا. قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ. قَالَ: فَثَارَ سَحَابٌ أَمْثَالُ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ. قَالَ: فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَفِي الْغَدِ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى. فَقَامَ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ أَوْ رَجُلٌ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا. قَالَ: فَمَا جَعَلَ يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إِلاَّ تَفَرَّجَتْ، حَتَّى صَارَتِ الْمَدِينَةُ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ، حَتَّى سَالَ الْوَادِي -وَادِي قَنَاةَ- شَهْرًا، قَالَ: فَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاَّ حَدَّثَ بِالْجَوْدِ". وبالسند قال: (حدّثنا محمد) ولأبوي ذر؟ والوقت، وابن عساكر: محمد بن مقاتل (قال: أخبرنا عبد الله) ولأبي ذر: عبد الله بن المبارك (قال: أخبرنا الأوزاعي) أبو عمرو، عبد الرحمن (قال: حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري) المدني (قال: حدّثني) بالإفراد (أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال): (أصابت الناس سنة) بفتح السين أي: شدة وجهد من الجدب، فاعل مؤخر، (على عهد رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فبينا) بغير ميم بعد النون (رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يخطب على المنبر يوم الجمعة، قام أعرابي) من أهل البدو، لا يعرف اسمه (فقال: يا رسول الله! هلك المال) ألفه منقلبة عن واو بدليل ظهورها في الجمع. وإنما جمع وإن كان اسم جنس، لاختلاف أنواعه، وهو: كل ما يتملك وينتفع به. والمراد به هنا: مال خاص، وهو ما يتضرر بعدم المطر من الحيوان والنبات، لكن لا مانع من حمله على عمومه على معنى: أن شدة الغلاء تذهب أموال الناس في شراء ما يقتاتون به، فقد هلكت الأموال. وإن اختلف السبب. (وجاع العيال) لقلة الأقوات أو عدمها بحبس المطر (فادع الله لنا أن يسقينا). (قال) أنس: (فرفع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديه) أي: حتى رئي بياض إبطيه (وما في السماء قزعة) بفتحات، قطعة من سحاب (قال) أنس: (فثار السحاب) بالمثلثة، وفى نسخة اليونينية: سحاب، أي: هاج (أمثال الجبال) لكثرته (ثم لم ينزل) عليه الصلاة والسلام (عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته) المقدسة، وهذا موضع الترجمة، لأن تفعّل، في قوله: تمطر، كما قال في الفتح: الأليق به هنا أن يكون بمعنى مواصلة العمل في مهلة، نحو: تفكّر. وكأن المؤلّف أراد أن يبين أن تحادر المطر على لحيته عليه

25 - باب إذا هبت الريح

الصلاة والسلام، لم يكن اتفاقًا إذ كان يمكنه التوقي منه بثوب ونحوه، كما قاله في المصابيح، أو بنزوله عن المنبر أول ما وكف السقف، لكنه تمادى في خطبته حتى كثر نزوله بحيث تحادر على لحيته، كما قاله في الفتح، فترك فعل ذلك قصدًا للتمطر. وتعقبه العيني: بأن، يأتي لمعان: للتكلف، كتشجع لأن معناه كلف نفسه الشجاعة، وللاتخاذ: نحو: توسدت التراب، أي اتخذته وسادة. وللتجنب: نحو، تأثم أي جانب الإثم. وللعمل: يعني فيدل على أن أصل الفعل حصل مرة بعد مرة نحو: تجرعته، أي شربته جرعة بعد جرعة. قال ولا دليل في قوله: حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته، على التمطر الذي هو من التفعل الدال على التكلف، ودعوى أنه قصد التمطر لا برهان عليها، وليس في الحديث ما يدل لها. واستدلاله بقوله: لأنه لو لم يكن باختياره لنزل عن المنبر لا يساعده لأن لقائل أن يقول: عدم نزوله عن المنبر، إنما كان لئلا يقطع الخطبة. كذا قال فليتأمل. (قال) أنس (فمطرنا يومنا) ظرف، أي: في يومنا (ذلك، وفي الغد) ولأبوي ذر: والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: ومن الغد (ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي أو) قال أنس: قام (رجل غيره) ولا منافاة بين تردد أنس هنا وبين قوله في الرواية الأخرى: فأتى الرجل بالألف واللام المفيدة للعهد الذكري إذ ربما نسي، ثم تذكر، أو كان ذاكرًا ثم نسي. (فقال: يا رسول الله! تهدم البناء وغرق المال) من كثرة المطر (فادع الله لنا) يمسكها عنا. (فرفع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديه، وقال) بالواو، ولأبي ذر وابن عساكر. وأبي الوقت: فقال: (اللهم) أي: يا الله أنزل المطر (حوالينا ولا) تنزله (علينا) وفي بعض الروايات: حولنا من غير ألف، وهما بمعنى. وهو في موضع نصب إما على الظرف، وإما على المفعول به. والمراد بحوالى المدينة: مواضع النبات أو الزرع، لا في نفس المدينة وبيوتها، ولا فيما حوالى المدينة من الطرق، إلا لم تزل بذلك شكواهم جميعًا. ولم يطلب عليه الصلاة والسلام رفع المطر من أصله، بل سأل رفع ضرره، وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق، بحيث لا يتضرر به ساكن ولا ابن سبيل، بل سأل إبقاءه في مواضع الحاجة، لأن الجبال والصحارى، ما دام المطر فيها، كثرت الفائدة فيها في المستقبل من كثرة المرعى والمياه وغير ذلك من المصالح، وفي هذا دليل على قوّة إدراكه عليه الصلاة والسلام للخير على سرعة البديهة. (قال) أنس: (فما جعل) عليه الصلاة والسلام (يشير بيده) ولأبي ذر: فما جعل يشير رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده (إلى ناحية من السماء إلا تفرجت) بفتح المثناة الفوقية والفاء وتشديد الراء بالجيم، أي: تقطع السحاب، وزال عنها امتثالاً لأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وفيه دلالة على عظم معجزته عليه الصلاة والسلام، وهو: أن سخرت له السحب كلما أشار إليها امتثلت بالإشارة دون كلام (حتى صارت المدينة في مثل الجوبة) بفتح الجيم وسكون الواو وبالموحدة، أي: تقطع السحاب عن المدينة وصار مستديرًا حواليها، وهي خالية منه (حتى سال الوادي- وادي قناة) بفتح القاف والنون الخفيفة، واد من أودية المدينة عليه حرث ومزارع، وأضافه هنا إلى نفسه، أي: جرى فيه الماء من المطر (شهرًا). وهو من أبعد أمد المطر الذي يصلح الأرض التي هي متوعرة جبلية، لأنه يتمكن في تلك الأيام بطولها الري فيها، لأنها بارتفاع أقطارها لا يثبت الماء عليها فتبقى فيها حرارة، فإذا دام سكب المطر عليها قلت تلك الحرارة وخصبت الأرض. (قال) أنس: (فلم يجيء أحد من ناحية إلا حدث بالجود) بفتح الجيم وسكون الواو، أي: بالمطر الكثير. 25 - باب إِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ هذا (باب) بالتنوين (إذا هبت الريح) ماذا يفعل أو يقول. 1034 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: "كَانَتِ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ إِذَا هَبَّتْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو: سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم (قال: أخبرنا محمد بن جعفر) المدني (قال: أخبرني) بالإفراد (حميد) الطويل (أنه سمع أنسًا) رضي الله عنه، زاد أبو ذر والوقت، ابن مالك، حال كونه (يقول): (كانت الريح الشديدة إذا هبت، عُرِف ذلك في وجه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: ظهر فيه أثر الخوف، مخافة أن يكون في ذلك الريح ضرر. وحذر أن يصيب أمته العقوبة بذنوب

26 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- «نصرت بالصبا»

العاصين منهم رأفة ورحمة منه عليه الصلاة والسلام. ولمسلم من حديث عائشة: كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا عصفت الريح قال: اللهم إني أسألك خيرها. وخير ما فيها وخير ما أرسلت به. وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به. قالت: وإذا تخيلت السماء تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سرّي عنه، فعرفت ذلك عائشة فسألته، فقال: "لعله يا عائشة كما قال قوم عاد {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24]. وعصف الريح: اشتداد هبوبها، وريح عاصف: شديدة الهبوب. وتخيل السماء هنا بمعنى: السحاب، وتخيلت إذا ظهر في السحاب أثر المطر. وسرّي عنه، أي: كشف عنه الخوف وأزيل، والتشديد فيه للمبالغة. وعارض: سحاب عرض ليمطر وقوله في حديث الباب: الريح الشديدة، مخرج للخفيفة. وروى الشافعي: ما هبت الريح إلا جثا النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على ركبتيه، قال: "اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابًا، اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا". 26 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «نُصِرْتُ بِالصَّبَا» (باب قول النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. نصرت بالصبا) بفتح الصاد والموحدة والقصر. 1035 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ». [الحديث 1035 - أطرافه في: 3205، 3343، 4105]. وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو: ابن إبراهيم (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين، هو: ابن عتيبة (عن مجاهد) هو: ابن جبر المفسر (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:). (نصرت بالصبا) الريح التي تجيء من قبل ظهرك إذا استقبلت القبلة وأنت بمصر، ويقال لها: القبول، بفتح القاف، لأنها تقابل باب الكعبة إذ مهبها من مشرق الشمس. وقال ابن الأعرابي: مهبها من مطلع الثريا إلى بنات نعش. وفي التفسير: أنها التي حملت ريح يوسف إلى يعقوب قبل البشير إليه. فإليها يستريح كل محزون. ونُصْرَته عليه الصلاة والسلام بالصبا كانت يوم الأحزاب، وكانوا زهاء اثني عشر ألفًا حين حاصروا المدينة، فأرسل الله عليهم ريح الصبا باردة، في ليلة شاتية، فسفت التراب في وجوههم، وأطفأت نيرانهم، وقلعت خيامهم، فانهزموا من غير قتال. ومع ذلك فلم يهلك منهم أحد، ولم يستأصلهم، لما علم الله من رأفة نبيه عليه الصلاة والسلام بقومه رجاء أن يسلموا. (وأهلكت) بضم الهمزة وكسر اللام (عاد) قوم هود (بالدبور) بفتح الدال، التي تجيء من قبل وجهك إذا استقبلت القبلة أيضًا، فهي تأتي من دبرها. وقال ابن الأعرابي: الدبور من مسقط النسر الطائر إلى سهيل، وهي الريح العقيم، وسميت عقيمًا لأنها أهلكتهم، وقطعت دابرهم. وروى شهر بن حوشب، مما ذكره السمرقندي، عن ابن عباس، قال: ما أنزل الله قطرة من ماء إلا بمثقال، ولا أنزل سفوة من ريح إلا بمكيال، إلا قوم نوح وقوم عاد، فأما قوم نوح طغى على خزانه الماء، فلم يكن لهم عليه سبيل، وعتت الريح يوم عاد على خزانها، فلم يكن لهم عليها سبيل. وقال غيره: كانت تقلع الشجر، وتهدم البيوت، وترفع الظعينة بين السماء والأرض، حتى ترى كأنها جرادة، وترميهم بالحجارة فتدق أعناقهم. وعن ابن عباس: دخلوا البيوت وأغلقوها، فجاءت الريح ففتحت الأبواب وسفت عليهم الرمل، فبقوا تحته سبع ليال وثمانية أيام، فكان يسمع أنينهم تحت الرمل. وبقية مباحث الحديث تأتي، إن شاء الله تعالى، في بدء الخلق. واستنبط منه ابن بطال تفضيل المخلوقات بعضها على بعض من جهة إضافة النصر للصبا، والإهلاك للدبور. وتعقب بأن كل واحدة منهما أهلكت أعداء الله، ونصرت أنبياءه وأولياءه. اهـ. وأما الريح التي مهبها من جهة يمين القبلة: فالجنوب، والتي من جهة شمالها: الشمال. ولكل من الأربعة طبع: فالصبا: حارة يابسة؟ والدبور: باردة رطبة، والجنوب: حارة رطبة والشمال: باردة يابسة، وهي ريح الجنة التي تهب عليهم، رواه مسلم. 27 - باب مَا قِيلَ فِي الزَّلاَزِلِ وَالآيَاتِ (باب ما قيل في الزلازل والآيات). 1036 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ -وَهْوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ- حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (قال: أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت، وابن عساكر: حدّثنا (أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال النبي): (لا تقوم الساعة) أي: القيامة

(حتى يقبض العلم) بموت العلماء وكثرة الجهلاء (وتكثر الزلازل) جمع، زلزلة، وهي حركة الأرض واضطرابها، حتى ربما يسقط البناء القائم عليها (ويتقارب الزمان). فتكون كما في الترمذي، من حديث أنس مرفوعًا: السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كالضرمة بالنار. أي: كزمان اتقاد الضرمة. وهي ما توقد به النار أولاً: كالقضب والكبريت، أو يحمل ذلك: على قلة بركة الزمان، وذهاب فائدته، أو: على أن الناس، لكثرة اهتمامهم بما دهمهم من النوازل والشدائد، وشغل قلوبهم بالفتن العظام، لا يدرون كيف تنقضي أيامهم ولياليهم. فإن قلت: العرب تستعمل قصر الأيام والليالي في المسرات، وطولها في المكاره. أجيب: بأن المعنى الذي يذهبون إليه في القصر والطول، مفارق للمعنى الذي ذهب إليه هنا، فإن ذلك راجع إلى تمني الإطالة للرخاء، أو إلى تمني القصر للشدة. والذي ذهب إليه ثم راجع إلى زوال الإحساس بما يمر عليهم من الزمان، لشدة ما هم فيه، وذلك أيضًا صحيح. نعم، حمله الخطابي على زمان المهدي، لوقوع الأمن في الأرض، فيُستَلذّ العيش عند ذلك، لانبساط عدله، فتستقصر مدته، لأنهم يستقصرون مدة أيام الرخاء، وإن طالت. ويستطيلون أيام الشدة، وإن قصرت. وتعقبه الكرماني: بأنه لا يناسب أخواته من ظهور الفتن، وكثرة الهرج، وغيرهما، قال في الفتح: وإنما احتاج الخطابي إلى تأويله بما ذكر لأنه لم يقع نقص في زمانه، وإلا فالذي تضمنه الحديث قد وجد في زماننا هذا، فإنا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا، وإن لم يكن هناك عيش مستلذ. والحق أن المراد نزع البركة من كل شيء حتى من الزمان، وذلك من علامة قرب الساعة. وحمله بعضهم على تقارب الليل والنهار في عدم ازدياد الساعات، وانتقاصها. بأن يتساويا: طولاً وقصرًا. قال أهل الهيئة: تنطبق دائرة منطقة البروج على دائرة معدل النهار، فحينئذٍ يلزم تساويهما ضرورة. (وتظهر الفتن) أي: تكثر وتُشْتَهَر (ويكثر الهرج) بفتح الهاء وإسكان الراء وبالجيم (-وهو القتل القتل-) مرتين، وهو صريح في أن تفسير الهرج مرفوع، ولا يعارض ذلك بمجيئه في رواية أخرى موقوفًا. وقد سبق الحديث في: كتاب العلم، من طريق سالم بن عبد الله بن عمر، سمعت أبا هريرة في آخرة قيل يا رسول الله! وما الهرج؟ فقال: هكذا، بيده، فحرفها كأنه يريد القتل، فيجمع بأنه جمع بين الإشارة والنطق، فحفص بعض الرواة ما لم يحفظ بعض. (حتى يكثر فيكم المال) لقلة الرجال، وقلة الرغبات، وقصر الآمال للعلم بقرب الساعة (فيفيض) بفتح حرف المضارعة وبالفاء والضاد المعجمة والرفع، خبر مبتدأ محذوف، أي: هو يفيض، ولأبي ذر: فيفيض، بالنصب عطفًا على: يكثر، وهو غاية، لكثرة الهرج، أو: معطوف على: ويكثر، بإسقاط العاطف. كالتحيات المباركات، أي: والمباركات. ويفيض استعارة من: فيض الماء لكثرته، كقوله: شكوت وما الشكوى لمثلي عادة ... ولكن تفيض الكأس عند امتلائها يقال: فاض الماء يفيض إذا كثر حتى سال على ضفة الوادي، أي: جانبه، وأفاض الرجل إناءه، أي: ملأه حتى فاض. والمعنى: يفيض المال حتى يكثر، فيفضل منه بأيدي مالكيه ما لا حاجة لهم به. وقيل: بل ينتشر في الناس ويعمهم. 1037 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا. قَالَ: قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا. قَالَ: قَال: هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ". [الحديث 1037 - طرفه في: 7094]. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر في نسخة: حدّثني (محمد بن المثنى) العنزي الزمن البصري (قال: حدّثنا حسين بن الحسن) بتصغير الأول مع التنكير، ابن يسار، ضد اليمين، البصري (قال: حدّثنا ابن عون) عبد الله بن أرطبان، بفتح الهمزة، البصري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب أنه (قال اللهم) ولأبي ذر، قال: قال: اللهم أي: يا الله (بارك لنا في شامنا وفي يمننا) كذا بصورة الموقوف على ابن عمر، من قوله: لم يرفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ولابد من ذكره كما نبه عليه القابسي، لأن مثله لا يقال بالرأي. وقد جاء مصرحًا برفعه في رواية أزهر السمان، ووافقه عليه بعضهم، كما سيأتي، إن شاء الله تعالى في الفتن. والمراد: بشامنا

28 - باب قول الله تعالى: ({وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون}) [الواقعة: 82].

ويمننا: الإقليمان المعروفان، أو: البلاد التي عن: يميننا وشمالنا أعم منهما. (قال: قالوا) بعض الصحابة. (وفي نجدنا) وهو خلاف الغور، وهو: تهامة، وكل ما ارتفع من بلاد تهامة إلى أرض العراق، (قال: قال) ولأبي ذر: فقال: قال: اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا قال: قالوا: وفي نجدنا؟ قال: (هناك الزلازل) ولأبوي ذر. والوقت، وابن عساكر: هنالك، بلام قبل الكاف (و) هناك (الفتن وبها) أي: بنجد (يطلع قرن الشيطان) أي أمته وحزبه. وإنما ترك الدعاء لأهل المشرق، لأنه علم العاقبة، وأن القدر سبق بوقوع الفتن فيها، والزلازل، ونحوها من العقوبات. والأدب أن لا يدعى بخلاف القدر مع كشف العاقبة، بل يحرم حينئذٍ. والله أعلم. "تكميل". ويستحب لكل أحد أن يتضرع بالدعاء عند الزلازل ونحوها، كالصواعق، والريح الشديدة، والخسف وأن يصلّي منفردًا لئلا يكون غافلاً. لأن عمر، رضي الله عنه، حث على الصلاة في زلزلة. ولا يستحب فيها الجماعة. وما روي عن علي: أنه صلّى في زلزلة جماعة، قال النووي: لم يصح. ولو صح قال أصحابنا: محمول على الصلاة منفردًا. قال في الروضة: قال الحليمي: وصفتها عند ابن عباس وعائشة كصلاة الكسوف. ويحتمل أن لا تغير عن المعهود إلا بتوقيف. قال الزركشي: وبهذا الاحتمال جزم ابن أبي الدم، فقال: تكون كهيئة الصلوات، ولا تصلّى على هيئة الخسوف قولاً واحدًا، ويسن الخروج إلى الصحراء وقت الزلزلة. قاله العبادي. ويقاس بها نحوها، وتقدم ما كان عليه الصلاة والسلام يقوله: إذا عصفت الريح قريبًا ... والله أعلم. 28 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ({وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}) [الواقعة: 82]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شُكْرَكُمْ. (باب قول الله تعالى {وتجعلون رزقكم}) الرزق بمعنى الشكر في لغة، أو أراد: شكر رزقكم الذي هو المطر، ففيه إضمار ({أنكم تكذبون}) بمعطيه، وتقولون: مطرنا بنوء كذا، أو تجعلون حظكم ونصيبكم من القرآن تكذيبكم به. (قال ابن عباس) رضي الله عنهما: (شكركم) روى منصور بن سعيد بإسناد صحيح، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ: وتجعلون شكركم، أنكم تكذبون. ولا يقرأ به لمخالفته السواد. نعم، روي نحو أثر ابن عباس مرفوعًا من حديث علي عند عبد بن حميد، لكنه يدل على التفسير لا على القراءة، ولفظه {وتجعلون رزقكم} قال: تجعلون شكركم، تقولون: مطرنا بنوء كذا. 1038 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ». وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو: ابن أنس، إمام دار الهجرة (عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله بن عبد الله) بضم العين في الأول (ابن عتبة بن مسعود، عن زيد بن خالد الجهني، أنه قال): (صلّى لنا) أي: لأجلنا وهو من باب المجاز وإلا فالصلاة لله لا لغيره، أو: اللام بمعنى الباء، أي: صلّى بنا (رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلاة الصبح بالحديبية) مخففة الياء كما في الفرع وأصله، وعليه المحققون، مشددة عند الأكثر من المحدثين. سميت بشجرة حدباء كانت بيعة الرضوان تحتها، حال كون صلاته (على إثر سماء) بكسر الهمزة وسكون المثلثة، على المشهور، أي: عقب مطر، وأطلق عليه سماء لكونه ينزل من جهتها، وكل جهة علو تسمى سماء (كانت) أي: السماء (من الليلة) بالإفراد، وللأصيلي، والكشميهني: من الليل (فلما انصرف النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من صلاته أو مكانه (أقبل على الناس) بوجهه الكريم (فقال) لهم: (هل تدرون ماذا قال ربكم)؟ لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه التنبيه. وللنسائي: من رواية سفيان، عن صالح: ألم تسمعوا ما قال ربكم الليلة؟. (قالوا الله ورسوله أعلم) قال: (قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر) كفر إشراك لمقابلته للإيمان، أو: كفر نعمة بدلالة ما في مسلم: قال الله: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين والإضافة في عبادي للملك لا للتشريف (فأما من قال: مطرنا بفضل الله، ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب) وللحموي، وابن عساكر، وأبي الوقت: مؤمن بي وكافر بالكوكب، (وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا) بفتح النون، وسكون الواو والهمزة، بكوكب كذا، معتقدًا ما كان

29 - باب لا يدري متى يجيء المطر إلا الله

عليه بعض أهل الشرك، من إضافة المطر إلى النوء، وأن المطر كان من أجل أن الكوكب ناء أي: سقط وغاب، أو نهض وطلع، وأنه الذي هاجه (فذلك كافر بي) لأن النوء وقت، والوقت مخلوق ولا يملك لنفسه ولا لغيره مشيئًا (مؤمن بالكوكب). ومن قال: مطرنا في وقت كذا فلا يكون كفرًا، قال الإمام الشافعي وغيره: من الكلام أحب إليّ، يعني: حسمًا للمادة، فمن زعم أن المطر يحصل عند سقوط الثريا مثلاً، فإنما هو إعلام للوقت والفصول، فلا محذور فيه، وليس من وقت، ولا زمن إلا وهو معروف بنوع من مرافق العباد يكون فيه دون غيره. وحكي عن أبي هريرة: أنه كان يقول: مطرنا بنوء الله تعالى. وفي رواية: مطرنا بنوء الفتح، ثم يتلو {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: 2]. وقال ابن العربي: أدخل الإمام مالك هذا الحديث في أبواب الاستسقاء، لوجهين: أحدهما: أن العرب كانت تنتظر السقيا في الأنواء، فقطع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، هذه العلاقة بين القلوب والكواكب. الوجه الثاني: أن الناس أصابهم القحط في زمن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فقال للعباس، رضي الله عنه: كم بقي من أنواء الثريا؟ فقال له العباس: زعموا، يا أمير المؤمنين، أنها تعترض في الأفق سبعًا، فما مرّت حتى نزل المطر. فانظروا إلى عمر، والعباس، وقد ذكر الثريا ونوأها، وتوكفا ذلك في وقتها. ثم قال: إن من انتظر المطر من الأنواء على أنها فاعلة له من دون الله فهو كافر، ومن اعتقد أنها فاعلة بما جعل الله فيها فهو كافر، لأنه لا يصح الخلق، والأمر إلا لله، كما قال الله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: 54]. ومن انتظرها وتوكف المطر منها على أنها عادة أجراها الله تعالى، فلا شيء عليه، لأن الله تعالى قد أجرى العوائد في السحاب والرياح والأمطار، لمعان ترتبت في الخلقة، وجاءت على نسق في العادة. اهـ. وقوله: كذا وكذا ... هنا، كلمة مركبة من: كاف التشبيه وذا للإشارة، مكنيًا بها عن العدد، وتكون كذلك مكنيًا بها عن غير عدد، كما في الحديث: "إنه يقال للعبد يوم القيامة أتذكر يوم كذا وكذا، فعلت كذا وكذا ... ". وتكون أيضًا كلمتين باقيتين على أصلهما من: كاف التشبيه وذا للإشارة، كقوله: رأيت زيدًا فاضلاً، ورأيت عمرًا كذا. وتدخل عليها: هاء التنبيه كقوله تعالى: {أَهَكَذَا عَرْشُكِ} [النمل: 42] فهذه الثلاثة الأوجه المعروفة في ذلك. ووجه المطابقة بين الترجمة والحديث من جهة أنهم كانوا ينسبون الأفعال إلى غير الله تعالى، فيظنون أن النجم يمطرهم ويرزقهم، فنهاهم الله تعالى عن نسبة الغيوث التي جعلها الله تعالى حياة لعباده وبلاده إلى الأنواء، وأمرهم أن يضيفوا ذلك إليه لأنه من نعمته عليهم، وأن يفردوه بالشكر على ذلك. ولما كان هذا الباب متضمنًا أن المطر إنما ينزل بقضاء الله وأنه لا تأثير للكوكب في نزوله، وقضية ذلك أنه لا يعلم أحد متى يجيء المطر إلا هو، عقب المصنف رحمه الله هذا الباب بقوله. 29 - باب لاَ يَدْرِي مَتَى يَجِيءُ الْمَطَرُ إِلاَّ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ». (باب) بالتنوين (لا يدري) أحد (متى يجيء المطر إلا الله) تعالى. (وقال أبو هريرة) رضي الله عنه: (عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في سؤال جبريل عليه السلام إياه عن الإيمان والإسلام: (خمس لا يعلمهن إلا الله). رواه المؤلّف في الإيمان، وتفسير لقمان، لكن بلفظ: في خمس. 1039 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مِفْتَاحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللَّهُ: لاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي غَدٍ، وَلاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي الأَرْحَامِ، وَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، وَمَا يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَجِيءُ الْمَطَرُ». [الحديث 1039 - أطرافه في: 4627، 4697، 4778، 7379]. وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي (قال: حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الله بن دينار عن) عبد الله (بن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما (قال: قال رسول الله) ولأبي الوقت في نسخة، وأبي ذر، وابن عساكر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مفتاح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله) قال الزجاج: فمن ادعى علم شيء منها فقد كفر بالقرآن العظيم. والمفتاح، بكسر الميم وسكون الفاء، وللكشميهني: مفاتح بوزن مساجد. أي: خزائن الغيب، جمع مفتح الميم. وهو المخزن. ويؤيده تفسير السدي فيما رواه الطبري قال: مفاتح الغيب: خزائن الغيب؛ أو المراد: ما يتوصل به إلى المغيبات مستعار من المفاتح الذي هو جمع مفتح، بالكسر، وهو المفتاح. ويؤيده قراءة ابن السميقع {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام: 59] والمعنى: إنه الموصل إلى المغيبات، المحيط علمه بها، لا يعلمها إلا هو، فيعلم أوقاتها وما في تعجيلها وتأخيرها من الحكم، فيظهرها على ما اقتضته حكمته، وتعلقت به مشيئته. والحاصل أن المفتاح يطلق على ما كان

16 - كتاب الكسوف

محسوسًا مما يحل غلقًا: كالقفل، وعلى ما كان معنويًّا. وذكر خمسًا وإن كان الغيب لا يتناهى، لأن العدد لا ينفي زائدًا عليه، أو لأن هذه الخمس هي التي كانوا يدعون علمها: (لا يعلم أحد) غيره تعالى (ما يكون في غد)، شامل لعلم وقت قيام الساعة وغيره، وفي رواية سالم عن أبيه، في سورة الأنعام، قال: مفاتيح الغيب خمس {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] ... إلى آخر سورة لقمان. (ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام) أذكر أم أنثى، شقي أم سعيد إلا حين أمره الملك بذاك. (ولا تعلم نفس ماذا تكسب غدًا) من خير أو شر، وربما تعزم على شيء وتفعل خلافه. (وما تدري نفس بأي أرض تموت) كما لا تدري في أي وقت تموت. روي أن مالك الموت مرّ على سليمان بن داود، عليهما الصلاة والسلام، فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه، فقال الرجل: من هذا؟ فقال: ملك الموت. فقال: كأنه يريدني، فأمر الريح أن تحملني وتلقيني بالهند، ففعل. ثم أتى ملك الموت سليمان، فسأله عن نظره ذلك، قال: كنت متعجبًا منه إذ أمرت أن أقبض روحه بالهند في آخر النهار، وهو عندك. (وما يدري أحد متى يجيء المطر) زاد الإسماعيلي: إلا الله، أي: إلا عند أمر الله به، فإنه يعلم حينئذ، وهو يرد على القائل: إن لنزول المطر وقتًا معينًا لا يتخلف عنه. وعبر بالنفس في قوله: "وما تدري نفس بأي أرض تموت". وفي قوله: "ولا تعلم نفس ماذا تكسب غدًا" وفي الثلاثة الأخرى بلفظ: أحد، لأن النفس هي الكاسبة، وهي التي تموت. قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] فلو عبر: بأحد، لاحتمل أن يفهم منه: لا يعلم أحد ماذا تكسب نفسه، أو: بأيض أر تموت نفسه، فتفوت المبالغة المقصودة بنفي علم النفس أحوالها، فكيف غيرها؟ وعدل عن لفظ القرآن، وهو: تدري إلى لفظ: تعلم، في ماذا تكسب غدًا لإرادة زيادة المبالغة، إذ نفي العام مستلزم نفي الخاص من غير عكس، فكأنه قال: لا تعلم أصلاً سواء احتالت أم لا. وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في سورة الأنعام، والرعد، ولقمان. بسم الله الرحمن الرحيم (بسم الله الرحمن الرحيم) كذا ثبتت البسملة، هنا في رواية كريمة، وسقطت لغيرها، وهي ثابتة في اليونينية. 16 - كتاب الكسوف هو بالكاف: للشمس والقمر، أو بالخاء: للقمر، وبالكاف: للشمس، خلاف يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى، حيث عقد المؤلّف له بابًا. والكسوف هو التغير إلى السواد، ومنه: كسف وجهه إذا تغير، والخسوف بالخاء المعجمة: النقصان، قاله الأصمعي. والخسف أيضًا: الذال، والجمهور على أنهما يكونان لذهاب ضوء الشمس والقمر بالكلية، وقيل: بالكاف في الابتداء، وبالخاء في الانتهاء. وقيل بالكاف: لذهاب جميع الضوء، وبالخاء لبعضه. وقيل: بالخاء لذهاب كل اللون، وبالكاف: لتغيره. وزعم بعض علماء الهيئة أن كسوف الشمس لا حقيقة له، فإنها لا تتغير في نفسها، وإنما القمر يحول بيننا وبينها ونورها باق، وأما كسوف القمر فحقيقة، فإن ضوءه من ضوء الشمس، وكسوفه بحيلولة ظل الأرض بين الشمس وبينه بنقطة التقاطع، فلا يبقى فيه ضوء البتة، فخسوفه ذهاب ضوئه حقيقة. اهـ. وأبطله ابن العربي بأنهم: زعموا أن الشمس أضعاف القمر، وكيف يحجب الأصغر الأكبر إذا قابله. وفي أحكام الطبري في الكسوف فوائد: ظهور التصرف في هذين الخلقين العظيمين، وإزعاج القلوب الغافلة، وإيقاظها، وليرى الناس نموذج القيامة، وكونهما يفعل بهما ذلك ثم يعادان، فيكون تنبيهًا على خوف المكر، ورجاء العفو، والإعلام بأنه قد يؤاخذ من لا ذنب له، فكيف من له ذنب؟. وللمستملي: أبواب الكسوف بدل: كتاب الكسوف. 1 - باب الصَّلاَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ (باب) مشروعية (الصلاة في كسوف الشمس) وهي: سنة مؤكدة لفعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأمره، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. والصارف

عن الوجوب ما سبق في العيد، وقول الشافعي في الأم: لا يجوز تركها، حملوه على الكراهة لتأكدها، ليوافق كلامه في مواضع أخر، والمكروه قد يوصف بعدم الجواز من جهة إطلاق الجائز على مستوى الطرفين، وصرح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها، وإليه ذهب بعض الحنفية. واختاره صاحب الأسرار. 1040 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ». [الحديث 1040 - أطرافه في: 1048، 1062، 1063، 5785]. وبه قال: (حدَّثنا عمرو بن عون) بفتح العين الواسطي (قال: حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الواسطي (عن يونس) بن عبيد (عن الحسن عن أبي بكرة) نفيع بن الحرث، رضي الله عنه، والحسن هو: البصري، كما عند البخاري وشيخه ابن المديني. خلافًا للدارقطني، حيث انتقد على المؤلّف: بأن الحسن البصري إنما يروي عن الأحنف عن أبي بكرة، وتأوّله أنه: الحسن بن علي. وأجيب: بأنه قد وقع التصريح بسماع الحسن البصري من أبي بكرة، في باب: قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يخوف الله عباده بالكسوف" حيث قال: وتابعه موسى، عن مبارك عن الحسن، قال: أخبرني أبو بكرة. وفي باب: قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للحسن بن علي: "ابني هذا سيد" حيث قال فيه: فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .... ثم قال المؤلّف فيه: قال لي علي بن عبد الله، أي المديني إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث، يعني لتصريحه فيه بالسماع. (قال): (كنا عند رسول الله) ولأبي ذر: عند النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فانكسفت الشمس) بوزن انفعلت، وهو يردّ على القزاز حيث أنكره (فقام النبي) ولأبوي ذر، والوقت: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يجرّ رداءه) من غير عجب ولا خيلاء، حاشاه الله من ذلك زاد في اللباس من وجه آخر، عن يونس: مستعجلاً. وللنسائي: من العجلة (حتى دخل المسجد، فدخلنا) معه، (فصلّى بنا ركعتين) زاد النسائي كما تصلون. واستدلّ به الحنفية على أنها كصلاة النافلة، وأيّده صاحب عمدة القاري، منهم، بحديث ابن مسعود عند ابن خزيمة في صحيحه، وابن سمرة عبد الرحمن عند مسلم، والنسائي، وسمرة بن جندب عند أصحاب السنن الأربعة، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند الطحاوي، وصححه الحاكم وغيرهم، وكلهم مصرحة بأنها ركعتان. وحمله ابن حبان والبيهقي، من الشافعية، على أن المعنى: كما كانوا يصلون في الكسوف، لأن أبا بكرة خاطب بذلك أهل البصرة، وقد كان ابن عباس علمهم أنها ركعتان، في كل ركعة ركوعان، كما روى ذلك الشافعي وابن أبي شيبة وغيرهما. ويؤيد ذلك: أن في رواية عبد الوارث عن يونس، الآتية في أواخر الكسوف، أن ذلك وقع يوم مات إبراهيم ابن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد ثبت في حديث جابر عند مسلم مثله، وقال فيه: إن في كل ركعة ركوعين، فدلّ ذلك على اتحاد القصة. وظهر أن رواية أبي بكرة مطلقة. وفي رواية جابر زيادة بيان في صفة الركوع والأخذ بها أولى، ووقع في أكثر الطرق، عن عائشة أيضًا: أن في كل ركعة ركوعين. قاله في فتح الباري؛ وتعقبه العيني بأن حمل ابن حبان والبيهقي على أن المعنى: كما يصلون في الكسوف، بعيد وظاهر الكلام يرده، وبأن حديث أبي بكرة، عن الذي شاهده من صلاة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وليس فيه خطاب أصلاً، ولئن سلمنا أنه خاطب بذلك من الخارج، فليس معناه كما حمله ابن حبان والبيهقي، لأن المعنى: كما كانت عادتكم فيما إذا صليتم ركعتين بركوعين وأربع سجدات. على ما تقرر من شأن الصلاة. نعم، مقتضى كلام أصحابنا الشافعية كما في المجموع، أنه: لو صلاها كسنة الظهر صحت، وكان تاركًا فضل، أخذًا من حديث قبيصة: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاها بالمدينة ركعتين؟ وحديث النعمان: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جعل يصلّي ركعتين ركعتين ويسأل عنها حتى انجلت، رواهما أبو داود، وغيره، بإسنادين صحيحين. وكأنهم لم ينظروا إلى احتمال أنه صلاها ركعتين بزيادة ركوع في كل ركعة، كما في حديث عائشة وجابر وابن عباس وغيرهم، حملاً للمطلق على المقيد، لأنه خلاف الظاهر، وفيه نظر، فإن الشافعي لما نقل ذلك قال: يحمل المطلق على المقيد، وفد نقله عنه البيهقي في المعرفة، وقال: الأحاديث على بيان الجواز، ثم قال: وذهب

جماعة من أئمة الحديث، منهم ابن المنذر، إلى تصحيح الروايات في عدد الركعات، وحملوها على أنه صلاها مرات، وأن الجميع جائز. والذي ذهب إليه الشافعي ثم البخاري، من ترجيح أخبار الركوعين، بأنها أشهر وأصح، وأولى لما مر من أن الواقعة واحدة. اهـ. لكن، روى ابن حبان في الثقات: أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى لخسوف القمر، فعليه الواقعة متعددة، وجرى عليه السبكي والأذرعي، وسبقهما إلى ذلك النووي في شرح مسلم، فنقل فيه عن ابن المنذر وغيره: أنه يجوز صلاتها على كل واحدة من الأنواع الثابتة، لأنها جرت في أوقات، واختلاف صفاتها محمول على جواز الجميع، قال: وهذا أقوى. اهـ. وقد وقع لبعض الشافعية، كالبندنيجي: أن صلاتها ركعتين كالنافلة لا تجزي. (حتى انجلت الشمس) بالنون بعد همزة الوصل أي صفت وعاد نورها. واستدل به على إطالة الصلاة حتى يقع الانجلاء، ولا تكون الإطالة إلا بتكرار الركعات وعدم قطعها إلى الانجلاء. وزاد ابن خزيمة: فلما كشف عنا خطبنا (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الشمس والقمر) آيتان من آيات الله (لا ينكسفان) بالكاف (لموت أحد). قاله عليه الصلاة والسلام لما مات ابنه إبراهيم. وقال الناس: إنما كسفت لموته إبطالاً لما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثير الكواكب في الأرض (فإذا رأيتموهما) بميم بعد الهاء بتثنية الضمير أي: الشمس والقمر، ولأبي الوقت: رأيتموها بالإفراد، أي: الكسفة التي يدل عليها قوله: لا ينكسفان، أو: الآية، لأن الكسفة آية من الآيات، (فصلوا وادعوا) الله (حتى ينكشف ما بكم) غاية للمجموع من الصلاة والدعاء. وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة، ورواته كلهم بصريون إلا خالدًا، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: صلاة الكسوف، واللباس والنسائي: في الصلاة، والتفسير. 1041 - حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا فَصَلُّوا». [الحديث 1041 - طرفاه في: 1057، 3204]. وبه قال: (حدّثنا شهاب بن عباد) العبدي الكوفي، المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا) ولأبي ذر في نسخة: أخبرنا (إبراهيم بن حميد) الرؤاسي، بضم الراء ثم همزة خفيفة وسين مهملة (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو: ابن أبي حازم (قال: سمعت أبا مسعود) عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري، رضي الله عنه، حال كونه (يقول: قال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الشمس والقمر لا ينكسفان) بالكاف بعد النون الساكنة (لموت أحد من الناس) لم يقل في هذه: ولا لحياته، وسيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى ما فيها، (ولكنهما) أي انكسافهما (آيتان) علامتان (من آيات الله) الدالة على وحدانيته، وعظيم قدرته، أو: على تخويف عباده من بأسه وسطوته (فإذا رأيتموهما) كذا، بالتثنية للكشميهني، أي: كسوف كل واحد منهما على انفراده، لاستحالة وقوعهما معًا في وقت واحد عادة، واستدلّ به على مشروعية صلاة كسوف القمر، ولغير الكشميهني، فإذا رأيتموها، بالإفراد، أي: الآية التي يدل عليها قوله آيتان (فقوموا فصلوا). اتفقت الروايات على أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بادر إليها، فلا وقت لها معين إلا رؤية الكسوف في كل وقت من النهار، وبه قال الشافعي وغيره. لأن المقصود إيقاعها قبل الانجلاء. وقد اتفقوا على أنها لا تقضى بعد الانجلاء، فلو انحصرت في وقت لأمكن الانجلاء قبله، فيفوت المقصود. واستثنى الحنفية أوقات الكراهة، وهو مشهور مذهب أحمد. وعن المالكية وقتها من وقت حل النافلة إلى الزوال كالعيدين، فلا تصلّى قبل ذلك لكراهة النافلة حينئذ، نص عليه الباجي، ونحوه في المدوّنة .. ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه المؤلّف في الكسوف أيضًا، و: بدء الخلق، ومسلم في: الخسوف، وكذا النسائي وابن ماجة. 1042 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا». [الحديث 1042 - طرفه في: 3201]. وبه قال: (حدّثنا أصبغ) بن الفرج المصري، بالميم (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري، بالميم أيضًا (قال: أخبرني) بالإفراد أيضًا (عمرو) بفتح العين، ابن الحرث المصري أيضًا (عن عبد الرحمن بن القاسم) أنه (حدثه عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله عنهم،

2 - باب الصدقة في الكسوف

(عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، أنه كان يخبر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (أن الشمس والقمر لا يخسفان) بالخاء المعجمة مع فتح أوله، على أنه لازم، ويجوز الضم على أنه متعد. لكن نقل الزركشي عن ابن الصلاح أنه حكى منعه، ولم يبين لذلك دليلاً. والذي في اليونينية: فتح التحتية والسين وكسرها، فلينظر. أي: لا يذهب الله نورهما (لموت أحد) من العظماء (ولا لحياته) تتميم للتقسيم، إلا فلم يدع أحد أن الكسوف لحياة أحد، أو ذكر لدفع توهم من يقول: لا يلزم من نفي كونه سببًا للفقد أن لا يكون سببًا للإيجاد، فعمم الشارع النفي لدفع هذا التوهم. (ولكنهما) أي: خسوفهما (آيتان من آيات الله) يخوف الله بخسوفهما عباده (فإذا رأيتموهما) بالتثنية، وللكشميهني والأصيلي: فإذا رأيتموها، بالإفراد (فصلوا) ركعتين، في كل ركعة ركوعان أو ركعتين، كسنة الظهر. ورواة هذا الحديث ثلاثة مصريون بالميم، والباقي مدنيون، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا: في بدء الخلق، ومسلم في الصلاة، وكذا النسائي. 1043 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ النَّاسُ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ». [الحديث 1043 - طرفاه في: 1060، 6199]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي (قال: حدّثنا هاشم بن القاسم) هو أبو النضر الليثي (قال: حدّثنا شيبان أبو معاوية) النحوي (عن زياد بن علاقة) بكسر العين المهملة وتخفيف اللام وبالقاف (عن المغيرة بن شعبة) رضي الله تعالى عنه (قال): (كسفت الشمس على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يوم مات) ابنه من مارية القبطية (إبراهيم) بالمدينة في السنة العاشرة من الهجرة، كما عليه جمهور أهل السير، في ربيع الأوّل، أو في رمضان، أو ذي الحجة في عاشر الشهر، وعليه الأكثر. أو: في رابعه أو رابع عشره، ولا يصح شيء منها على قول: ذي الحجة، لأنه قد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام شهد وفاته من غير خلاف، ولا ريب أنه عليه الصلاة والسلام كان إذ ذاك بمكة، في حجة الوداع. لكن قيل: إنه كان في سنة تسع، فإن ثبت، صح ذلك. وجزم النووي بأنها كانت سنة الحديبية، وبأنه كان حينئذ بالحديبية، ويجاب بأنه رجع منها في آخر القعدة، فلعلها كانت في أواخر الشهر، وفيه رد على أهل الهيئة، لأنهم يزعمون أنه لا يقع في الأوقات المذكورة. (فقال الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم) بفتح الكاف والسين والفاء (فقال رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الشمس والقمر لا ينكسفان) بسكون النون بعد المثناة التحتية المفتوحة وكسر السين (لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم) شيئًا من ذلك فحذف المفعول (فصلوا وادعوا الله) تعالى. وإنما ابتدأ المؤلّف بالأحاديث المطلقة في الصلاة بغير تقييد بصفة إشارة منه إلى أن ذلك يعطي أصل الامتثال، وإن كان إيقاعها على الصفة المخصوصة عنده أفضل، والله أعلم. ورواة هذا الحديث ما بين بخاري وخراساني وبغدادي وبصري وكوفي، وفيه: التحديث بالعنعنة والقول، وشيخ المؤلّف من أفراده، وأخرجه أيضًا في: الأدب، ومسلم: في: الصلاة. 2 - باب الصَّدَقَةِ فِي الْكُسُوفِ (باب الصدقة في) حالة (الكسوف). 1044 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّاسِ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ -وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ- ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الأُولَى، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدِ انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا. ثُمَّ قَالَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ. يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا". [الحديث 1044 - أطرافه في: 1046، 1047، 1050، 1056، 1058، 1064، 1065، 1066، 1212، 3203، 4624، 5221، 6631]. - وبه قال (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي (عن مالك) هو: ابن أنس، إمام دار الهجرة (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها (أنها قالت): (خسفت الشمس) بفتح الخاء وتالييها (في عهد رسول الله) أي: زمنه (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم مات ابنه إبراهيم (فصلّى رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بالناس) صلاة الخسوف (فقام فأطال القيام) لطول القراءة فيه، وفي رواية ابن شهاب الآتية، قريبًا إن شاء الله تعالى: فاقترأ قراءة طويلة (ثم ركع فأطال الركوع) بالتسبيح، وقدروه بمائة آية من البقرة (ثم قام) من الركوع (فأطال القيام، وهو دون القيام الأول) الذي ركع منه (ثم ركع) ثانيًا (فأطال الركوع) بالتسبيح أيضًا (وهو دون الركوع الأول) وقدروه بثمانين آية (ثم سجد فأطال السجود) كالركوع (ثم فعل) عليه الصلاة والسلام (في الركعة الثانية) ولأبوي ذر، والوقت، وابن عساكر: في الركعة الأخرى (مثل ما فعل في الأولى) من إطالة الركوع، لكنهم قدروه في الثالث بسبعين آية، بتقديم

السين على الموحدة، وفي الرابع: بخمسين تقريبًا في كلها ثبوت التطويل من الشارع بلا تقدير. لكن قال الفاكهاني: إن في بعض الروايات تقدير القيام الأول بنحو سورة: البقرة، والثاني بنحو سورة: آل عمران، والثالث بنحو: سورة النساء، والرابع بنحو: سورة المائدة. واستشكل تقدير الثالث: بالنساء، مع كون المختار أن يكون القيام الثالث أقصر من القيام الثاني، والنساء أطول من آل عمران. ولكن الحديث الذي ذكره غير معروف، إنما هو من قول الفقهاء. نعم، قالوا: يطول القيام الأول نحوًا من سورة البقرة، لحديث ابن عباس الآتي في باب صلاة الكسوف جماعة، وإن الثاني دونه، وإن القيام الأول من الركعة الثانية نحو القيام الأول. وكذا الباقي. نعم، في الدارقطني، من حديت عائشة أنه قرأ في الأول: بالعنكبوت والروم، وفي الثاني: بيس. (ثم انصرف) عليه الصلاة والسلام من الصلاة (وقد انجلت الشمس) بنون بعد ألف الوصل، أي: صفت وعاد نورها، ولأبي ذر: تجلت، بالمثناة الفوقية وتشديد اللام (فخطب الناس) خطبتين كالجمعة (فحمد الله وأثنى عليه) زاد النسائي، من حديث سمرة: وشهد أنه عبد الله ورسوله، (ثم قال): (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله. لا ينخسفان) بنون ساكنة بعد المثناة التحتية وبالخاء مع كسر السين، ولأبوي ذر، والوقت، وابن عساكر: لا يخسفان، بإسقاط النون (لموت أحد) من الناس (ولا لحياته) وإنما يخوف الله بكسوفهما عباده (فإذا رأيتم ذلك) الكسوف في أحدهما (فادعوا الله) وللحموي، والمستملي: فاذكروا الله بدل رواية الكشميهني: فادعو الله (وكبروا وصلوا) كما مر (وتصدقوا) وهذا موضع الترجمة. (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته) برفع أغير، صفة لأحد، باعتبار المحل، والخبر محذوف منصوب أي موجودًا على أن: ما، حجازية، أو يكون: أحد مبتدأ، أو: أغير، خبره. على أن: ما، تميمية. ويجوز نصب: أغير، على أنها خبر: ما، الحجازية. ومن زائدة للتأكيد، وأن يكون مجرورًا بالفتحة على الصفة للمجرور باعتبار اللفظ، والخبر المحذوف مرفوع على أن: ما، تميمية. وقوله: "أن يزني" متعلق "بأغير" وحذف من قبل: أن، قياس مستمر. واستشكل نسبة الغيرة إلى الله لكونها ليست من الصفات اللائقة به تعالى، إذ، هي: هيجان الغضب بسبب هتك من يذب عنه، والله تعالى منزه عن كل تغيير. وأجيب: تأويله بلازم الغيرة، وهو المنع. وزيادة الغيرة معناها زيادة المنع، والزيادة هنا حقيقة، لأن صفات الأفعال حادثة عندنا، تقبل التفاوت، أو يؤول بإرادة الانتقام، ليكون من صفات الذات. أو التفضيل هنا مجازي، لأن القديم لا يتفاوت إلا أن يراد باعتبار المتعلق. وتأوله ابن فورك على الزجر والتحريم، وابن دقيق العيد: على شدّة المنع والحماية، فهو من مجاز الملازمة، ومجاز الملازمة يحتمل كلاًّ من التأويلين، لأن ذلك، إما من إطلاق اللازم على الملزوم، أو الملزوم على اللازم. على كل حال فاستعمل هذا اللفظ جاريًا على ما ألف من كلام العرب. قال الطيبي: ووجه اتصال هذا المعنى بما تقدم من قوله فاذكروا الله ... الخ، هو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لما خوّف أمته من الكسوفين، وحرضهم على الفزع والالتجاء إلى الله تعالى بالتكبير والدعاء، والصلاة والصدقة، أراد أن يردعهم عن المعاصي التي هي من أسباب حدوث البلاء، وخص منها الزنا لأنه أعظمها. والنفس إليه أميل، وخص العبد والأمة بالذكر، رعاية لحسن الأدب. ثم كرر الندبة فقال: (يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم) من عظمة الله وعظيم انتقامه من أهل الجرائم، وشدة عقابه، وأهوال القيامة وما بعدها (لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا)، لتفكركم فيما علمتموه: والقلة هنا بمعنى العدم، كما في قوله: قليل التشكي. أي عديمه وقوله تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} [التوبة: 82] أي غير منقطع. واستدلّ بهذا الحديث على أن لصلاة الكسوف هيئة تخصها من التطويل الزائد على العادة في القيام وغيره، ومن زيادة ركوع في كل ركعة. وقد وافق عائشة على رواية ذلك، عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، ومثله عن أسماء بنت أبي بكر، كما مر

3 - باب النداء بالصلاة جامعة في الكسوف

في صفة الصلاة، وعن جابر عند مسلم، وعن علي عند أحمد، وعن أبي هريرة عند النسائي، وعن ابن عمر عند البزار، وعن أم سفيان عند الطبراني، وفي رواياتهم زيادة رواها الحفاظ الثقات فالأخذ بها أولى من إلغائها. وقد وردت الزيادة في ذلك من طرق أخرى، فعند مسلم، من وجه آخر عن عائشة، وآخر عن جابر: أن في كل ركعة ثلاث ركوعات. وعنده من وجه آخر، عن ابن عباس: أن في كل ركعة أربع ركوعات، ولأبي داود من حديث أبي بن كعب، والبزار من حديث علي: أن في كل ركعة خمس ركوعات. ولا يخلو إسناد منها عن علة: ونقل ابن القيم عن الشافعي، وأحمد والبخاري: أنهم كانوا يعدون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطًا من بعض الرواة، فإن أكثر طرق الحديث يمكن رد بعضها إلى بعض، ويجمعها أن ذلك كان يوم مات إبراهيم، وإذا اتحدت القصة تعين الأخذ بالراجح. قاله في فتح الباري. 3 - باب النِّدَاءِ بِالصَّلاَةُ جَامِعَةٌ فِي الْكُسُوفِ (باب النداء بالصلاة جامعة في الكسوف) بنصب: الصلاة جامعة، على الحكاية فيهما، أي: بهذا اللفظ. وحروف الجر لا يظهر عملها في باب الحكاية، ومعمولها محذوف، تقديره: باب النداء بقوله: الصلاة جامعة. ونصب الصلاة في الأصل على الإغراء، وجامعة على الحال. ويجوز رفع الصلاة على الابتداء، وجامعة على الخبر، أي: الصلاة تجمع الناس في المسجد الجامع. ويجوز أن تكون الصلاة ذات جماعة، أي: تصلّى جماعة لا منفردة، كسنن الرواتب فالإسناد مجازي: كنهر جار، وطريق سائر. 1045 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلاَّمِ بْنِ أَبِي سَلاَّمٍ الْحَبَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نُودِيَ: إِنَّ الصَّلاَةَ جَامِعَةٌ". [الحديث 1045 - طرفه في: 1051]. وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبوي ذر، والوقت: حدّثني (إسحاق) غير منسوب، فقال الجياني: هو ابن منصور الكوسج، وقال أبو نعيم: هو ابن راهويه (قال أخبرنا يحيى بن صالح) الوحاظي، بضم الواو، والحاء المهملة نسبة إلى: وحاظ، بطن من حمير، وهو حمصي من شيوخ البخاري، وربما أخرج عنه بالواسطة كما هنا (قال: حدّثنا معاوية بن سلام بن أبي سلام) بفتح السين وتشديد اللام فيهما (الحبشي) بفتح الحاء المهملة والموحدة وكسر الشين المعجمة، نسبة إلى بلاد الحبشة، أو: حي من حمير، ونسب إلى الأصيلي ضبطها هنا: بضم الحاء وسكون الموحدة كعجم: بفتحتين، وعجم: بضم العين وسكون الجيم. قال الحافظ ابن حجر: وهو وهم، (الدمشقي، قال: أخبرنا يحيي بن أبي كثير) بالمثلثة (قال أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، عن عبد الله بن عمرو) هو: ابن العاصي (رضي الله عنهما، قال: لما كسفت الشمس) بفتح الكاف والسين (على عهد رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نودي) بضم أوله مبنيًا للمفعول، وفي الصحيحين من حديث عائشة: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث مناديًا فنادى (إن الصلاة جامعة) بفتح الهمزة وتخفيف النون، وهي المفسرة. وفي رواية: إن الصلاة، بكسر الهمزة وتشديد النون والخبر محذوف تقديره: إن الصلاة ذات جماعة حاضرة، ويروى: برفع جامعة، على أنه الخبر، وهو الذي في الفرع وأصله، وللكشميهني: نودي بالصلاة جامعة، وفيه ما تقدم في لفظ الترجمة، وجوز بعضهم في الصلاة جامعة النصب فيهما، والرفع فيهما، ورفع الأول ونصب الثاني، والعكس. وظاهر الحديث أنس ذلك كان قبل اجتماع الناس، وليس فيه: أنه بعد اجتماعهم نودي بالصلاة جامعة، حتى يكون ذلك بمنزلة الإقامة التي يعقبها الفرض. ومن ثم لم يعول في الاستدلال على أنه لا يؤذن لها، وأنه يقال فيها: الصلاة جامعة، إلا على ما أرسله الزهري. قال في الأم: ولا أذان لكسوف، ولا لعيد، ولا لصلاة غير مكتوبة. وإن أمر الإمام من يفتتح الصلاة جامعة، أحببت ذلك له، فإن الزهري يقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمر المؤذن في صلاة العيدين أن يقول: الصلاة جامعة. وفي حديث الباب رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، والتحديث بالجمع والإفراد والإخبار بالإفراد والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: الكسوف: ومسلم في: الصلاة، وكذا النسائي. 4 - باب خُطْبَةِ الإِمَامِ فِي الْكُسُوفِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ: خَطَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب خطبة الإمام في الكسوف). (وقالت عائشة وأسماء) بنتا أبي بكر الصديق، رضي الله عنهم: (خطب النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، في الكسوف. وحديث عائشة سبق موصولاً في باب: الصدقة في الكسوف، وحديث أسماء يأتي،

إن شاء الله تعالى بعد أحد عشر بابًا. 1046 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ح. وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: "خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَكَبَّرَ، فَاقْتَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَامَ وَلَمْ يَسْجُدْ وَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً هِيَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ وَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ أَدْنَى مِنَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَالَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ. ثُمَّ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: هُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ". وَكَانَ يُحَدِّثُ كَثِيرُ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- كَانَ يُحَدِّثُ يَوْمَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: إِنَّ أَخَاكَ يَوْمَ خَسَفَتْ بِالْمَدِينَةِ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ الصُّبْحِ، قَالَ: أَجَلْ، لأَنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ. وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو: يحيى بن عبد الله بن بكير، بضم الموحدة وفتح الكاف، المصري. وللأصيلي: حدّثنا ابن بكير (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد المصري (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف، الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري. (ح) للتحويل. (وحدّثني) بالإفراد (أحمد بن صالح) أبو جعفر البصري، عرف بابن الطبراني (قال: حدّثني عنبسة) بفتح العين والموحدة بينهما نون ساكنة والسين مهملة، ابن خالد بن يزيد الأيلي (قال: حدّثنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال: حدّثني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (عن عائشة زوج النبى، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قالت): (خسفت الشمس) بفتح الخاء والسين (في حياة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فخرج) من الحجرة (إلى المسجد) لا الصحراء لخوف الفوت بالانجلاء، والمبادرة إلى الصلاة مشروعة (فصف) بالفاء، ولابن عساكر: وصف (الناس وراءه) برفع الناس، فاعل: صف (فكبر) تكبيرة الإحرام (فاقترأ) بالفاء فيهما (رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قراءة طويلة) في قيامه نحوًا من سورة البقرة بعد الفاتحة، والتعوذ، ولأبي داود: قالت: فقام فحزرت قراءته، فرأيت أنه قرأ سورة البقرة (ثم كبر، فركع ركوعًا طويلاً) مسبحًا فيه قدر مائة آية من البقرة (ثم قال): (سمع الله لمن حمده) ربنا ولك الحمد. (فقام) من الركوع (ولم يسجد، وقرأ قراءة طويلة) في قيامه (هي أدنى من القراءة الأولى) نحوًا من سورة: آل عمران بعد قراءة الفاتحة والتعوذ، ولأبي داود: قالت فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة آل عمران (ثم كبر، وركع ركوعًا طويلاً وهو) بالواو، ولأبي ذر في نسخة، وأبي الوقت: بإسقاطها (أدنى من الركوع الأول) مسبحًا فيه قدر ثمانين آية (ثم قال): (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) كذا ثبتت: ربنا ولك الحمد، هنا دون الأولى. ولأبي داود: فاقترأ قراءة طويلة، ثم كبر، فركع ركوعًا طويلاً، ثم رفع رأسه، فقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، ثم قام فاقترأ قراءة طويلة، هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر، فركع ركوعًا طويلاً، هو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ... الحديث (ثم سجد) مسبحًا قدر مائة آية (ثم قال) أي: فعل (في الركعة الآخرة) بمد الهمزة من غير ياء بعد الخاء (مثل ذلك) أي: مثل ما فعل في الركعة الأولى. لكن القراءة في أولهما: كالنساء، وفي ثانيهما: كالمائدة. وهذا نص الشافعي في البويطي. قال السبكي: وقد ثبت بالإخبار تقدير القيام الأول بنحو البقرة، وتطويله على الثاني والثالث، ثم الثالث على الرابع. وأما نقص الثالث عن الثاني، أو زيادته عليه فلم يرد فيه شيء فيما أعلم، فلأجله لا يعد في ذكر سورة النساء فيه وآل عمران في الثاني. نعم، إذا قلنا بزيادة ركوع ثالث فيكون أقصر من الثاني كما ورد في الخبر. اهـ. والتسبيح في أولها قدر سبعين، والرابع خمسين. قال الأذرعي: وظاهر كلامهم استحباب هذه الإطالة، وإن لم يرض بها المأمومون، وقد يفرق بينهما وبين المكتوبة بالندرة، أو: أن يقال: لا يطيل بغير رضا المحصورين، لعموم حديث: "إذا صلّى أحدكم بالناس فليخفف". وتحمل إطالته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أنه علم رضا أصحابه، أو أن ذلك مغتفر لبيان تعليم الأكمل بالفعل. (فاستكمل) عليه الصلاة والسلام (أربع ركعات في) ركعتين و (أربع سجدات) وسمي الزائد ركوعًا باعتبار المعنى اللغوي، وإن كانت الركعة الشرعية إنما هي الكاملة: قيامًا وركوعًا وسجودًا. (وانجلت الشمس) بنون قبل الجيم، أي: صفت (قبل أن ينصرف) من صلاته. (ثم قام) أي خطيبًا (فأثنى على الله بما هو أهله) وهذا موضع الترجمة. ولم يقع التصريح في هذا الحديث بالخطبة. نعم، صرح بها في حديث عائشة من رواية هشام المعلق هنا، الموصول قبل بباب، وأورد المؤلّف حديثها هذا من طريق ابن شهاب ليبين أن الحديث واحد، وأن الثناء المذكور في طريق ابن شهاب هذه كان في الخطبة: واختلف فيها فيه. فقال الشافعي: يستحب أن يخطب لها بعد الصلاة

5 - باب هل يقول كسفت الشمس أو خسفت؟ وقال الله تعالى: {وخسف القمر} [القيامة: 8]

وقال ابن قدامة: لم يبلغنا عن أحد ذلك؟ وقال الحنفية والمالكية: لا خطبة فيها، وعلله صاحب الهداية من الحنفية: بأنه لم ينقل. وأجيب: بأن الأحاديث ثابتة فيه، وهي ذات كثرة على ما لا يخفى. وعلله بعضهم بأن خطبته عليه الصلاة والسلام، إنما كانت للرد عليهم في قولهم: إن ذلك لموت إبراهيم، فعرفهم أن ذلك لا يكون لموت أحد ولا لحياته. وعورض بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بالخطبة، وحكاية شرائطها من: الحمد، والثناء، والموعظة، وغير ذلك مما تضمنته الأحاديث، فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف، والأصل مشروعية الاتباع. والخصائص لا تثبت إلا بدليل، والمستحب أن تكون خطبتين كالجمعة في الأركان، فلا تجزئ واحدة. (ثم قال) عليه الصلاة والسلام في الخطبة: (هما) أي كسوف الشمس والقمر (آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموها) أي: كسوف الشمس والقمر، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: رأيتموها، بالإفراد، أي: الكسفة (فافزعوا) بفتح الزاي، أي التجئوا وتوجهوا (إلى الصلاة) المعهودة الخاصة، السابق فعلها منه عليه الصلاة والسلام، قبل الخطبة، لأنها ساعة خوف. ورواة هذا الحديث كلهم: مصريون بالميم، إلا الزهري، وعروة: فمدنيان، وفيه التحديث، والعنعنة، والقول، وأخرجه أيضًا في: الصلاة، ومسلم: في الكسوف، وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجة. قال الزهري، عطفًا على قوله: حدّثني عروة (وكان يحدث كثير بن عباس) بن عبد المطلب الهاشمي، أبو تمام، صحابي صغير، وهو بالمثلثة والرفع: اسم كان، وخبرها يحدث مقدمًا، أي: وكان كثير يحدث (أن) أخاه لأبيه (عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، كان يحدث يوم خسفت الشمس) بفتح الخاء والسين (بمثل حديث عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها في مسلم، عن عروة، عنها أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فصلّى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات. قال الزهري: وأخبرني كثير بن عباس، عن ابن عباس، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه صلّى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات ... الحديث. قال الزهري (فقلت لعروة) بن الزبير بن العوام الفقيه التابعي، المتوفى سنة أربع وتسعين ومائة: (إن أخاك) أي عبد الله بن الزير بن العوام الصحابي، رضي الله عنه، (يوم خسفت الشمس بالمدينة) بفتح الخاء والسين (لم يزد على) صلاة (ركعتين مثل) صلاة (الصبح) في العدد والهيئة. (قال) عروة: (أجل) يعني: نعم، صلّى كذلك (لأنه أخطأ السنة) ولأبي الوقت من غير اليونينية: إنه أخطأ السنة، أي: جاوزها سهوًا، أو عمدًا بأن أدى اجتهاده إلى ذلك، لأن السنة أن يصلّي في كل ركعة ركوعان. نعم، ما فعله عبد الله يتأدى به أصل السنة، وإن كان فيه تقصير بالنسبة إلى كمال السنة. فإن قلت: الأولى الأخذ بفعل عبد الله لكونه صحابيًا، لا بقول أخيه عروة التابعي. أجيب: بأن قول عروة: السنة كذا، وإن قلنا إنه مرسل على الصحيح. لكن قد ذكر عروة مستنده في ذلك، وهو خبر عائشة المرفوع، فانتفى عنه احتمال كونه موقوفًا أو منقطعًا. فترجح المرفوع على الموقوف، فلذلك حكم على صنيع أخيه بالخطأ بالنسبة إلى الكمال. والله أعلم. 5 - باب هَلْ يَقُولُ كَسَفَتِ الشَّمْسُ أَوْ خَسَفَتْ؟ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 8] هذا (باب) بالتنوين (هل يقول) القائل (كسفت الشمس) بالكاف (أو) يقول (خسفت) بالخاء المعجمة. زاد ابن عساكر فقال: أو خسفت الشمس. قيل أورده ردًا على المانع من إطلاقه بالكاف على الشمس. رواه سعيد بن منصور بإسناد صحيح موقوف عن عروة من طريق الزهري بلفظ: لا تقولوا: كسفت الشمس، ولكن قولوا: خسفت. والأصح أن الكسوف والخسوف المضافين للشمس والقمر بمعنى يقال: كسفت الشمس والقمر، وخسفتا بفتح الكاف والخاء مبنيًّا للفاعل، و: كسفًا وخسفًا: بضمهما مبنيًّا للمفعول وانكسفا وانخسفا، انفعل، ومعنى المادتين واحد، أو يختص ما بالكاف بالشمس، وما بالخاء بالقمر. وهو المشهور على ألسنة الفقهاء. واختاره ثعلب، وادعى الجوهري أفصحيته، ونقل عياض عكسه، وعورض بقوله تعالى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 8] ويدل

للقول الأول إطلاق اللفظين في المحل الواحد في الأحاديث. قال الحافظ عبد العظيم المنذري، ومن قبله القاضي أبو بكر بن العربي: حديث الكسوف رواه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبعة عشر نفسًا، رواه جماعة منهم بالكاف، وجماعة بالخاء. وجماعة باللفظين جميعًا. اهـ. ولا ريب أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف، لأن الكسوف، بالكاف: التغير إلى سواد، والخسوف، بالخاء النقص والذل. كما مر. في أول كتاب الكسوف. فإذا قيل في الشمس: كسفت أو خسفت، لأنها تتغير ويلحقها النقص ساغ ذلك، وكذلك القمر، ولا يلزم من ذلك أن الكسوف والخسوف مترادفان. (وقال الله تعالى) في سورة القيامة ({وَخَسَفَ الْقَمَرُ}) [القيامة: 8] في إيراده لها إشعار باختصاص القمر بخسف الذي بالخاء، واختصاصها بالذي بالكاف كما اشتهر عند الفقهاء، أو أنه يجوز الخاء في الشمس كالقمر لاشتراكهما في التغير الحاصل لكل منهما. 1047 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى يَوْمَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ فَقَامَ فَكَبَّرَ فَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. وَقَامَ كَمَا هُوَ، ثُمَّ قَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً وَهْيَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْيَ أَدْنَى مِنَ الرَّكْعَةِ الأُولَى، ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلاً، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَلَّمَ -وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ- فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ: إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ". وبالسند قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو: سعيد بن كثير، بالمثلثة، ابن عفير، بضم العين وفتح الفاء، الأنصاري البصري (قال: حدّثنا الليث) بن سعد (قال: حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين، المصري (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوام، التابعي (أن عائشة) رضي الله عنها (زوج النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أخبرته). (أن رسول الله) وللأصيلي: أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى يوم خسفت الشمس) بالخاء المفتوحة (فقام فكبر) للإحرام (فقرأ) بعد الفاتحة (قراءة طويلة، ثم ركع) بعد أن كبر، (ركوعًا طويلاً، ثم رفع رأسه) من الركوع (فقال): (سمع الله لمن حمده) ربنا لك الحمد (وقام) بالواو ولأبي ذر في نسخة: فقام (كما هو، ثم قرأ قراءة طويلة، وهي أدنى من القراءة الأولى، ثم ركع) ثانيًا (ركوعًا طويلاً وهي) أي: الركعة (أدنى من الركعة الأولى، ثم سجد سجودًا طويلاً، ثم فعل في الركعة الآخرة) بمد الهمزة بغير ياء قبل الراء (مثل ذلك) من طول القراءة وزيادة الركوع بعد، لكنه أدنى قراءة وركوعًا من الأولى، والرابعة أدنى من الثالثة. فيستحب أن يقرأ في الأربعة السور الأربعة الطوال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة. ويسبح في الركوع الأول والسجود، في كل منهما، قدر مائة آية من البقرة، وفي الثاني قدر ثمانين، وفي الثالث قدر سبعين، وفي الرابع قدر خمسين تقريبًا كما مر. ولا يطيل في غير ذلك من الاعتدال بعد الركوع الثاني، والتشهد والجلوس بين السجدتين. لكن قال في الروضة، بعد نقله عن قطع الرافعي وغيره: إنه لا يطيل الجلوس. وقد صح في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سجد، فلم يكد يرفع، ثم رفع فلم يكد يسجد، ثم سجد فلم يكد يرفع، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك. ومقتضاه كما قال في شرح المهذّب: استحباب إطالته، واختاره في الأذكار. (ثم سلم -وقد تجلت الشمس-) بالمثناة الفوقية وتشديد اللام (فخطب الناس، فقال في كسوف الشمس والقمر) بالكاف: (إنهما آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته) بفتح المثناة التحتية وكسر السين بينهما خاء معجمة. وهذا موضع الترجمة، لأنه استعمل كل واحد من الكسوف والخسوف في كل واحد من القمرين. وقول ابن المنير، متعقبًا المصنف في استدلاله بقوله: يخسفان، على جواز إطلاق ذلك على كل من الشمس والقمر، حيث قال: أما الاستشهاد على الجواز في حال الانفراد بالإطلاق في التثنية فغير متجه، لأن التثنية باب تغليب، فلعله غلب أحد الفعلين كما غلب أحد الاسمين. تعقبه صاحب مصابيح الجامع: بأن التغليب مجاز، فدعواه على خلاف الأصل، فالاستدلال بالحديث متأت، وقوله: كما غلب أحد الاسمين إن أراد في هذا الحديث الخاص، فممنوع. وإن أراد فيما هو خارج: كالقمرين، فلا يفيده بل ولو كان في هذا الحديث ما يقتضي تغليب أحد الاسمين لم يلزم منه تغليب أحد الفعلين. اهـ. (فإذا رأيتموهما) بضمير التثنية، ولأبي ذر في نسخة: فإذا رأيتموها، بالإفراد (فافزعوا إلى الصلاة) بفتح الزاي، وبالعين

6 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يخوف الله عباده بالكسوف»

المهملة، أي: توجهوا إليها. واستنبط منه: أن الجماعة ليست شرطًا في صحتها لأن فيه إشعار بالمبادرة إلى الصلاة والمسارعة إليها، وانتظار الجماعة قد يؤدي إلى فواتها أو إلى إخلاء بعض الوقت من الصلاة. نعم، يستحب لها الجماعة. وفي قوله: ثم سجد سجودًا طويلاً، الرد على من زعم أنه يسن تطويل السجود في الكسوف: ويأتي البحث فيه حيث ذكره المؤلّف في باب مفرد. 6 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُخَوِّفُ اللَّهُ عِبَادَهُ بِالْكُسُوفِ» قَالَهُ أَبُو مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب قول النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يخوف الله عباده بالكسوف قاله أبو موسى) كذا للأربعة، ولغيرهم: وقال أبو موسى (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله المؤلّف، بعد ثمانية أبواب. 1048 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ». وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ الْوَارِثِ وَشُعْبَةُ وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ: «يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ».وَتَابَعَهُ أشعثُ عن الحسنِ. وَتَابَعَهُ مُوسَى عَنْ مُبَارَكٍ عَنِ الْحَسَنِ. قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ». وبه قال (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي البغلاني، وسقط: ابن سعيد، لأبي ذر في نسخة، ولأبي الوقت، وابن عساكر، والأصيلي: (قال: حدّثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي الجهضمي البصري (عن يونس) بن عبيد (عن الحسن) البصري (عن أبي بكرة) نفيع بن الحرث، رضي الله عنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما كسفت الشمس، وقالوا: إنما كسفت لموت إبراهيم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله) أي: كسوفهما، لأن التخويف إنما هو بخسوفهما، لا بذاتهما، وإن كان كل شيء من خلقه آية من آياته. ولذا قال الشافعي، فيما رأيته في سنن البيهقي، في قوله: {وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [فصلت: 37] الآية وقوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ} [البقرة: 164] مع ما ذكر الله من الآيات في كتابه، ذكر الله الآيات ولم يذكر معها سجودًا إلا مع الشمس والقمر، فأمر بأن لا يسجد لهما. وأمر بأن يسجد له، فاحتمل أمره أن يسجد له عند ذكر حادث في الشمس والقمر. واحتمل أن يكون إنما نهى عن السجود لهما، كما نهى عن عبادة ما سواه، فدلّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على: أن يصلّى لله عند كسوفهما، ولا يفعل ذلك في شيء من الآيات غيرهما .. اهـ. (لا ينكسفان لموت أحد) إذ هما خلقان مسخران، ليس لهما سلطان في غيرهما، ولا قدرة على الدفع عن أنفسهما، وزاد أبو ذر هنا: ولا لحياته. بلام قبل الحاء، وله في أخرى: ولا حياته بحذفها (ولكن الله تعالى يخوف بها) أي بالكسفة، وللأصيلي، وابن عساكر: بهما (عباده) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ولكن يخوف الله بهما عباده. ولأبي ذر عن الكشميهني: ولكن الله يخوّف بها عباده. فالكسوف من آياته تعالى المخوّفة. أما إنه آية من آيات الله فلأن الخلق عاجزون عن ذلك، وأما إنه من الآيات المخوفة فلأن تبديل النور بالظلمة تخويف، والله تعالى إنما يخوف عباده ليتركوا المعاصي، ويرجعوا لطاعته التي بها فوزهم، وأفضل الطاعات بعد الإيمان الصلاة. وفيه رد على أهل الهيئة حيث قالوا: إن الكسوف أمر عادي لا تأخير فيه ولا تقديم. لأنه لو كان كما زعموا لم يكن فيه تخويف ولا فزع، ولم يكن للأمر بالصلاة والصدقة معنى: ولئن سلمنا ذلك، فالتخويف باعتبار أنه يذكر القيامة لكونه إنموذخًا قال الله تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة: 7 - 8] ... ومن ثم، قام عليه الصلاة والسلام فزعًا، فخشي أن تكون الساعة، كما في رواية أخرى. وكان عليه الصلاة والسلام إذا اشتد هبوب الرياح تغير ودخل وخرج خشية أن تكون كريح عاد، وإن كان هبوب الرياح أمرًا عاديًا. وقد كان أرباب الخشية والمراقبة يفزعون من أقل من ذلك إذ كل ما في العالم، علويه وسفليه، دليل على نفوذ قدرة الله تعالى، وتمام قهره. فإن قلت: التخويف عبارة عن إحداث الخوف بسبب، ثم قد يقع الخوف وقد لا يقع، وحينئذ يلزم الخلف في الوعيد. فالجواب كما في المصابيح: المنع، لأن الخلف وضده من عوارض الأقوال، وأما الأفعال، فلا. إنما هي من جنس المعاريض، والصحيح عندنا فيما يتميز به الواجب، أنه التخويف ولهذا لم يلزم الخلف على تقدير المغفرة. فإن قيل: الوعيد لفظ فكيف يخلص من الخلف؟. فالجواب: أن لفظ الوعيد عام أريد به الخصوص، غير أن كل واحد يقول: لعلي داخل في العموم، فيحصل له التخويف، فيحصل الخوف وإن كان الله تعالى لم يرده في العموم، ولكن أراد تخويفه بإيراد العموم، وستر العاقبة عنه في بيان أنه

7 - باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف

خارج منه، فيجتمع حينئذ الوعيد والمغفرة، ولا خلف. ومصداقه في قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] قاله الدماميني. (وقال أبو عبد الله) أيّ البخاري، وسقط ذلك كله للأربعة (لم) ولأبي الوقت، والأصيلي، وابن عساكر: ولم (يذكر عبد الوارث) بن سعيد التنوري بفتح المثناة الفوقية وتشديد النون، البصري فيما أخرجه المؤلّف في صلاة كسوف القمر (وشعبة) بن الحجاج، مما سيأتي إن شاء الله تعالى في كسوف القمر (وخالد بن عبد الله) الطحان الواسطي، مما سبق في أول الكسوف (وحماد بن سلمة) بفتح اللام، ابن دينار الربعي، مما وصله الطبراني من رواية حجاج بن منهال عنه (عن يونس) بن عبيد المذكور: (ويخوف الله بها) وللحموي: بهما (عباده). وسقطت الجلالة لغير أبي ذر. (وتابعه) أي: تابع يونس في روايته عن الحسن (أشعث) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح المهملة وبالمثلثة، ابن عبد الملك الحمراني، بضم الحاء المهملة، البصري، مما وصله النسائي (عن الحسن) البصري يعني في حذف قوله: "يخوّف الله بهما عباده". (وتابعه موسى) هو: ابن إسماعيل التبوذكي، كما جزم به المزي أو هو: ابن داود الضبي، كما قاله الدمياطي، لكن رجح الحافظ ابن حجر الأول بأن ابن إسماعيل معروف في رجال البخاري، بخلاف ابن داود (عن مبارك) بضم الميم وفتح الموحدة، هو ابن فضالة بن أبي أمية القرشي العدوي البصري، وقد روى هذا الطبراني من رواية أبي الوليد، وقاسم بن أصبغ من رواية سليمان بن حرب، كلاهما عن مبارك (عن الحسن، قال: أخبرني) بالإفراد (أبو بكرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الله تعالى يخوّف بهما) أي: بالكسوفين، ولابن عساكر: بها أي: بالكسفة، ولأبي الوقت: عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يخوّف الله بهما، ولأبي ذر كذلك إلا أنه قال: يخوّف بهما (عباده) فأسقط لفظ الجلالة بعد: يخوّف، ولفظ: إن الله تعالى، قبلها، كأبي الوقت. وفي هذه المتابعة الرد على ابن خيثمة، حيث نفى سماع الحسن من أبي بكرة، فإنه قال فيها: أخبرني أبو بكرة، والمثبت مقدم على النافي، وقد سبق مزيد لذلك قريبًا. ووقع في اليونينية في رواية غير أبي ذر متابعة أشعث عن الحسن عقب قوله في آخر متابعة موسى: يخوّف بهما عباده قال في الفتح: والصواب تقديمها لخلو رواية أشعث من قوله: يخوّف بهما عباده. نعم في بعض النسخ سقوط متابعة أشعث، وثبتت في هامش اليونينية، لأبوي ذر، والوقت، والأصيلي وابن عساكر متقدمة على متابعة موسى، والله أعلم. 7 - باب التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الْكُسُوفِ (باب التعوذ) بالله (من عذاب القبر في) صلاة (الكسوف) حين يدعو فيها، أو بعد الفراغ منها. 1049 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ". [الحديث 1049 - أطرافه في: 1055، 1372، 6366]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح اللام، القعنبي (عن مالك) إمام الأئمة، الأصبحي (عن يحيى بن سعيد) القطان (عن عمرة) بفتح العين وسكون الميم (بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة، الأنصارية المدنية (عن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) رضي الله عنها. (أن) امرأة (يهودية) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمها، (جاءت تسألها) عطية (فقالت لها: أعاذك الله) أي: أجارك (من عذاب القبر، فسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مستفهمة منه عن قول اليهودية ذلك، لكونها لم تعلمه قبل: (أيعذب الناس في قبورهم؟) بضم الياء بعد همزة الاستفهام، وفتح الذال المعجمة المشدّدة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عائذًا بالله) على وزن فاعل، وهو من الصفات القائمة مقام المصدر، وناصبه محذوف أي يعود عياذًا به، كقولهم: عوفي عافية، أو منصوب على الحال المؤكدة، النائبة مناب المصدر، والعامل فيه محذوف أي: أعوذ حال كوني عائذًا بالله (من ذلك) أي من عذاب القبر. وفي رواية مسروق عن عائشة عند المؤلّف في الجنائز فسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عن عذاب القبر، فقال: "نعم عذاب القبر حق". قالت عائشة: فما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد صلّى صلاة إلا تعوّذ من عذاب القبر. ومناسبة التعوّذ عند الكسوف، أن ظلمة النهار بالكسوف، تشابه ظلمة القبر، وإن كان نهارًا

8 - باب طول السجود في الكسوف

والشيء بالشيء يذكر، فيخاف من هذا كما يخاف من هذا، فيحصل الاتعاظ بهذا في التمسك بما ينجي من غائلة الآخرة. قاله ابن المنير في الحاشية. فإن قلت: هل كان عليه الصلاة والسلام يعلم ذلك ولا يتعوّذ؟ أو كان يعوذّ ولم تشعر به عائشة؟ أو سمع ذلك عن اليهودية فتعوّذ؟. أجاب التوربشتي: بأن الطحاوي نقل: أنه، عليه الصلاة والسلام، سمع اليهودية بذلك، فارتاع ثم أوحي إليه بعد ذلك بفتنة القبر، أو: أنه عليه الصلاة والسلام، لما رأى استغراب عائشة حين سمعت ذلك من اليهودية، وسألته عنه، أعلن به بعد ما كان يسر، ليرسخ ذلك في عقائد أمته، ويكونوا منه على خيفة. اهـ. 1050 - "ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا فَخَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَرَجَعَ ضُحًى. فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ ظَهْرَانَىِ الْحُجَرِ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ، ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ، وَانْصَرَفَ فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ". (ثم ركب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات غداة مركبًا) بفتح الكاف، وذات غداة هو من إضافة المسمى إلى اسمه، أو: ذات، زائدة (فخسفت الشمس) بالخاء والسين المفتوحتين (فرجع ضحى) بضم الضاد المعجمة مقصورًا منوّنًا ارتفاع النهار، ولا دلالة فيه على أنها لا تفعل في وقت الكراهة، لأن صلاته لها في الضحى وقع اتفاقًا فلا يدل على منع ما سواه (فمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين ظهراني الحجر) بفتح الظاء المعجمة والنون على التثنية، والحجر بضم الحاء المهملة وفتح الجيم، جمع: حجرة بسكون الجيم. والألف والنون زائدتان، أي: ظهر الحجر، أو الكلمة كلها زائدة (ثم قام يصلّي) صلاة الكسوف (وقام الناس وراءه) يصلون (فقام قيامًا طويلاً) قرأ فيه نحو سورة البقرة (ثم ركع ركوعًا طويلاً) نحو مائة آية (ثم رفع) من الركوع (فقام قيامًا طويلاً) نحو آل عمران، ولأبي ذر، في نسخة، والأصيلي: ثم قام قيامًا. وسقط في رواية ابن عساكر: ثم رفع (وهو) أي: القيام (دون القيام) وفي نسخة: دون قيام (الأوّل، ثم ركع) ثانيًا (ركوعًا طويلاً) نحو ثمانين آية (وهو دون الركوع الأوّل، ثم رفع) منه (فسجد) بفاء التعقيب، وهو يدل على عدم إطالة الاعتدال بعد الركوع الثاني، وتقدم (ثم قام) من سجوده، ولأبي ذر: ثم رفع (فقام قيامًا طويلاً) نحو سورة النساء (وهو دون القيام الأوّل، ثم رجع) ثالثًا (ركوعًا طويلاً) نحو سبعين آية، (وهو دون الركوع الأوّل، ثم رفع فسجد) ظاهره: أن الثانية لم يقم فيها قيامين، ولا ركع ركوعين. والظاهر أن الراوي اختصره. نعم، في فرع اليونينية، كهي، مما رقم عليه علامة السقوط. (ثم قام) أي من الركوع، ولأبي ذر ثم رفع فقام قيامًا طويلاً نحوًا من المائدة (وهو دون القيام الأوّل). اختلف هل المراد به الأوّل من الثانية، أو يركع إلى الجميع فيكون كل قيام دون الذي قبله؟ ومن ثم اختلف في القيام الأوّل من الثانية، وركوعه. ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في: باب الركعة الأولى في الكسوف أطول. (ثم ركع) رابعًا (ركوعًا طويلاً) نحو خمسين آية (وهو دون الركوع الأوّل، ثم رفع فسجد) بفاء التعقيب أيضًا. (وانصرف) من صلاته بعد التشهد بالسلام (فقال) عليه الصلاة والسلام (ما شاء الله أن يقول) مما ذكر في حديث عروة، من أمره لهم بالصلاة والصدقة والذكر، وغير ذلك (ثم أمرهم أن يتعوّذوا من عذاب القبر) وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى. وفي الحديث: أن اليهودية كانت عارفة بعذاب القبر، ولعله من كونه فى التوراة، أو شيء من كتبهم؟ وإن عذاب القبر حق يجب الإيمان به. وقد دل القرآن في مواضع على أنه حق، فخرّج ابن حبان في صحيحه، من حديث أبي هريرة، عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قوله {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124] قال: عذاب القبر. وفي الترمذي، عن علي: قال ما زلنا في شك من عذاب القبر حتى نزلت {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر: 1 - 2]. وقال قتادة والربيع بن أنس في قوله تعالى: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة: 101] أن أحدهما في الدنيا والآخر عذاب القبر. وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الجنائز، وكذا مسلم والنسائي. 8 - باب طُولِ السُّجُودِ فِي الْكُسُوفِ (باب طول السجود في) صلاة (الكسوف) أراد به الرد على من نفى تطويله. 1051 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: "لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نُودِيَ: إِنَّ الصَّلاَةَ جَامِعَةٌ. فَرَكَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، ثُمَّ جَلَسَ، ثُمَّ جُلِّيَ عَنِ الشَّمْسِ. قَالَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: مَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهَا". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا شيبان) بفتح المعجمة والموحدة بينهما مثناة تحتية ساكنة

9 - باب صلاة الكسوف جماعة

آخره نون، ابن عبد الرحمن التميمي البصري، سكن الكوفة (عن يحيى) بن أبي كثير اليمامي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الله بن عمرو) وهو ابن العاص، وللكشميهني: عمر، بضم العين أي ابن الخطاب، قال الحافظ ابن حجر: وهو وهم (أنه قال): (لما كسفت الشمس) بالكاف المفتوحة (على عهد رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي زمنه (نودي) بضم النون مبنيًّا للمفعول: (إن الصلاة جامعة) بالرفع، خبر إن، والصلاة اسمها، ولأبي الوقت: أن الصلاة، بفتح الهمزة وتخفيف النون، ورفع الصلاة وجامعة. وقد مر مزيد لذلك قريبًا (فركع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ركعتين في سجدة) أي في ركعة، وقد يعبر بالسجود عن الركعة من باب إطلاق الجزء على الكل (ثم قام) من السجود (فركع ركعتين في سجدة) أي: في ركعة كذلك (ثم جلس، ثم جلي عن الشمس) بضم الجيم وتشديد اللام المكسورة مبنيًا للمفعول، من التجلية أي: كشف عنها بين جلوسه في التشهد والسلام، ولأبي ذر في نسخة: ثم جلس حتى جلي، أي: إلى أن جلي عنها. (قال) أبو سلمة، أو: عبد الله بن عمرو: (وقالت عائشة رضي الله عنها: ما سجدت سجودًا قط كان أطول منها) عبرت بالسجود عن الصلاة كلها. كأنها قالت: ما صليت صلاة قط أطول منها، غير أنها أعادت الضمير المستكن في كان على السجود اعتبارًا بلفظه، وهو مذكر، وأعادت ضمير منها عليه اعتبارًا بمعناه إذ هو مؤنث، أو يكون قولها: منها، على حذف مضاف، أي: من سجودها. قاله في المصابيح. ولا يقال هذا لا يدل على تطويل السجود لاحتمال أن يراد بالسجدة الركعة، كما مر، لأن الأصل الحقيقة، وإنما حملنا لفظ السجدة فيما مر أوّلاً على الركعة للقرينة الصارفة عن إرادة الحقيقة، إذ لا يتصوّر ركعتان في سجدة وهاهنا لا ضرورة في الصرف عنها، قاله الكرماني. واختلف في استحباب إطالة السجود في الكسوف، وصحح الرافعي عدم إطالته كسائر الصلوات، وعليه جمهور أصحاب الشافعي. وصحح النووي التطويل، وقال: إنه المختار. بل الصواب؛ وعليه المحققون من أصحابنا للأحاديث الصحيحة الصريحة، وقد نص عليه الشافعي في مواضع قال: وعليه فالمختار ما قاله البغوي: إن السجدة الأولى كالركوع الأوّل، والثانية كالثاني. وهو مشهور مذهب المالكية. 9 - باب صَلاَةِ الْكُسُوفِ جَمَاعَةً وَصَلَّى ابْنُ عَبَّاسٍ لَهُمْ فِي صُفَّةِ زَمْزَمَ. وَجَمَعَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ. وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ. (باب) مشروعية (صلاة الكسوف جماعة). (وصلّى ابن عباس) رضي الله عنهما (بهم) بالقوم، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: وصلّى لهم ابن عباس (في صفة زمزم) وصله الإمام الأعظم الشافعي، وسعيد بن منصور، بلفظ: كسفت الشمس، فصلّى ابن عباس في صفة زمزم ست ركعات في أربع سجدات. (وجمع) بتشديد الميم، وفي اليونينية؛ بالتخفيف (علي بن عبد الله بن عباس) التابعي، المدعوّ بالسجاد، لأنه كان يسجد كل يوم ألف سجدة، وهو جد الخلفاء العباسيين. ولد ليلة قتل علي بن أبي طالب، فسمي باسمه، أي: جمع الناس لصلاة الكسوف. (وصلى ابن عمر) بن الخطاب صلاة الكسوف بالناس، وهذا وصله ابن أبي شيبة بمعناه، ومراد المؤلّف بذلك كله الاستشهاد على مشروعية الجماعة في صلاة الكسوف. 1052 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ كَعْكَعْتَ. قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا وَلَوْ أَصَبْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا. وَأُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ. وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ. قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بِكُفْرِهِنَّ. قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) بمثناة تحتية، وسين مهملة مخففة (عن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما (قال انخسفت الشمس) بنون بعد ألف الوصل ثم خاء، (على عهد رسول الله) أي: زمنه، ولأبي ذر، في نسخة، والأصيلي، وأبي الوقت: على عهد النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: بل الجماعة ليدل على الترجمة (فقام قيامًا طويلاً نحوًا من قراءة سورة البقرة) وهو يدل على أن القراءة كانت سرًا، ولذا قالت عائشة، كما في بعض الطرق عنها: فحزرت قراءته، فرأيت أنه قرأ سورة البقرة. وأما قول بعضهم: إن ابن عباس كان صغيرًا، فمقامه آخر الصفوف، فلم يسمع القراءة، فحزر المدة. فمعارض بأن في بعض طرقه: قمت إلى جانب النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فما سمعت منه حرفًا. ذكره أبو عمر. (ثم ركع ركوعًا طويلاً) نحوًا من مائة آية (ثم رفع) من

الركوع (فقام قيامًا طويلاً) نحوًا من قراءة آل عمران (وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً) نحوًا من ثمانين آية (وهو دون الركوع الأول، ثم سجد) أي: سجدتين (ثم قام قيامًا طويلاً) نحوًا من النساء (وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً) نحوًا من سبعين آية (وهو دون الركوع الأول، ثم رفع، فقام قيامًا طويلاً) نحوًا من المائدة (وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً) نحوًا من خمسين آية (وهو دون الركوع الأول، ثم سجد) سجدتين (ثم انصرف) من الصلاة (وقد تجلت الشمس) أي: بين جلوسه في التشهد والسلام. كما دل عليه قوله في الباب السابق: ثم جلس، ثم جلي عن الشمس. (قال) بالفاء، وللأصيلي: وقال: "-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" (إن الشمس والقمر) كسوفهما (آيتان من آيات الله لا يخسفان) بفتح الياء وسكون الخاء وكسر السين (لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فاذكروا الله قالوا: يا رسول الله! رأيناك تناولت شيئًا في مقامك) كذا للأكثر: تناولت بصيغة الماضي، وللكشميهني: تناول، بحذف إحدى التاءين تخفيفًا، وضم اللام بالخطاب، وللمستملي: تتناول، بإثباتها (ثم رأيناك كعكعت) بالكافين المفتوحتين والممهملتين الساكنتين، وللكشميهني: تكعكعت، بزيادة مثناة فوقية أوّله، أي: تأخرت، أو تقهقرت. وقال أبو عبيدة: كعكعته فتكعكع، وهو يدل على: أن كعكع متعد، وتكعكع لازم. وكعكع يقتضي مفعولاً، أي: رأيناك كعكعت نفسك. ولمسلم رأيناك كففت نفسك من الكف وهو المنع. (قال) ولأبي ذر في نسخة: (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إني رأيت الجنة) أي: رؤيا عين كشف له عنها، فرآها على حقيقتها، وطويت المسافة بينهما كبيت المقدس حين وصفه لقريش. وفي حديث أسماء الماضي في أوائل صفة الصلاة ما يشهد له، حيث قال فيه: دانت مني الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطاف من قطافها، أو مثلت له في الحائط كانطباع الصور في المرآة، فرأى جميع ما فيها. وفي حديث أنس الآتي، إن شاء الله تعالى، في التوحيد، ما يشهد له حيث قال فيه: عرضت عليّ الجنة والنار آنفًا في عرض هذا الحائط، وأنا أصلي. وفي رواية: لقد مثلت، ولمسلم: صوّرت، ولا يقال الانطباع إنما هو في الأجسام الصقيلة لأن ذلك شرط عادي فيجوز أن تنخرق العادة خصوصًا له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (فتناولت) أي: في حال قيامه الثاني من الركعة الثانية، كما رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن زيد بن أسلم (عنقودًا) منها أي: من الجنة: أي: وضعت يدي عليه بحيث كنت قادرًا على تحويله، لكن لم يقدّر لي قطفه (ولو أصبته) أي: لو تمكنت من قطفه. في حديث عقبة بن عامر، عند ابن خزيمة، ما يشهد لهذا التأويل، حيث قال فيه: أهوى بيده ليتناول شيئًا (لأكلتم منه) أي: من العنقود (ما بقيت الدنيا). وجه ذلك أنه يخلق الله تعالى مكان حبة تنقطف حبة أخرى، كما هو المروي في خواص ثمر الجنة، والخطاب عام في كل جماعة يتأتى مهم السماع، والأكل إلى يوم القيامة لقوله: ما بقيت الدنيا. وسبب تركه، عليه الصلاة والسلام، تناول العنقود، قال ابن بطال: لأنه من طعام الجنة، وهو لا يفنى والدنيا فانية ولا يجوز أن يؤكل فيها ما لا يفنى. وقال صاحب المظهر: لأنه لو تناوله ورآه الناس لكان إيمانهم بالشهادة لا بالغيب، فيخشى أن يقع رفع التوبة، قال تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ} [الأنعام: 158] وقال غيره: لأن الجنة جزاء الأعمال، والجزاء لا يقع إلا في الآخرة. (ورأيت النار) بضم الهمزة وكسر الراء، مبنيًا للمفعول، وأقيم المفعول الذي هو الرائي في الحقيقة مقام الفاعل، والنار نصب مفعول ثانٍ لأن أريت من الإراءة، وهو يقتضي مفعولين، ولغير أبي ذر كما في الفتح: ورأيت بتقديم الراء على الهمزة مفتوحتين. وكانت رؤيته النار قبل رؤيته للجنة، كما يدل له رواية عبد الرزاق حيث قال فيها: عرضت على النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النار، فتأخر عن مصلاه حتى إن الناس ليركب بعضهم بعضًا، وإذ رجع عرضت عليه الجنة، فذهب يمشي حتى وقف في مصلاه. ويؤيده حديث مسلم، حيث قال فيه: قد جيء بالنار، وذلك حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني

10 - باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف

من لفحها. وفيه: ثم جيء بالجنة، حين رأيتموني تقدّمت حتى قمت مقامي ... الحديث. واللام في النار للعهد، أي: رأيت نار جهنم. (فلم أر منظرًا كاليوم قط) منظرًا نصب بـ "أَرَ" وقط بتشديد الطاء وتخفيفها، ظرف للماضي، وقوله: (أفظع) أقبح وأشنع وأسوأ صفة للمنصوب، وكاليوم قط اعتراض بين الصفة والموصوف، وأدخل كاف التشبيه عليه لبشاعة ما رأى فيه. وجوّز الخطابي في: أفظع وجهين: أن يكون بمعنى فظيع، كأكبر بمعنى كبير، وأن يكون أفعل تفضيل على بابه على تقدير منه. فصفة أفعل التفضيل محذوفة. قال ابن السيد: العرب تقول: ما رأيت كاليوم رجلاً، وما رأيت كاليوم منظرًا. والرجل والمنظر لا يصح أن يشبها باليوم. والنحاة تقول: معناه ما رأيت كرجل أراه اليوم رجلاً: وما رأيت كمنظر رأيته اليوم منظرًا، وتلخيصه: ما رأيت كرجل اليوم رجلاً، وكمنظر اليوم منظرًا، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وجازت إضافة الرجل والمنظر إلى اليوم لتعلقهما به، وملابستهما له، باعتبار رؤيتهما فيه. وقال غيره: الكاف هنا اسم، وتقديره: ما رأيت مثل منظر هذا اليوم منظرًا. ومنظرًا تمييز. ومراده باليوم: الوقت الذي هو فيه، ذكره الدماميني والبرماوي؛ لكن تعقب الدماميني الأخير، وهو قوله: وقال غيره ... الخ، بأن اعتباره في الحديث يلزم منه تقدم التمييز على عامله، والصحيح منعه، فالظاهر في إعرابه أن منظرًا: مفعول أر، وكاليوم: ظرف مستقر، صفة له وهو بتقدير مضاف محذوف، كما تقدم أي: كمنظر اليوم، وقط: ظرف لأر، وأفظع: حال من اليوم على ذلك التقدير، والمفضل عليه وجاره محذوفان، أي كمنظر اليوم حال كونه أفظع من غيره. انتهى. وللحموي والمستملي: فلم أنظر كاليوم قط أفظع. (ورأيت أكثر أهلها النساء) استشكل مع حديث أبي هريرة: إن أدنى أهل الجنة منزلة من له زوجتان من الدنيا، ومقتضاه أن النساء ثلثا أهل الجنة. وأجيب: بحمل حديث أبي هريرة على ما بعد خروجهن من النار، وأنه خرج مخرج التغليظ والتخويف، وعورض بإخباره عليه الصلاة والسلام بالرؤية الحاصلة. وفي حديث جابر: "وأكثر من رأيت فيها النساء اللاتي، إن ائتمنّ أفشين، وإن سئلن بخلن، وإن سألن ألحفن، وإن أعطين لم يشكرن. فدلّ على أن المرئي في النار منهن من اتصف بصفات ذميمة. (قالوا: بم يا رسول الله؟) أصله: بما، بالألف، وحذفت تخفيفًا (بكفرهن قيل: يكفرن بالله) وللأربعة: أيكفرن بالله؟ بإثبات همزة الاستفهام (قال) عليه الصلاة والسلام (يكفرن العشير) الزوج أي: إحسانه لا ذاته، وعدي الكفر بالله بالباء ولم يعد كفر العشير بها، لأن كفر العشير لا يتضمن معنى الاعتراف. ثم فسر كفر العشير بقوله: (ويكفرن الإحسان) فالجملة مع الواو مبينة للجملة الأولى، على طريق: أعجبني زيد وكرمه، وكفر الإحسان تغطيته وعدم الاعتراف به، أو جحده وإنكاره، كما يدل عليه قوله: (لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله) عمر الرجل، أو الزمان جميعه، لقصد المبالغة، نصب على الظرفية (ثم رأت منك شيئًا) قليلاً لا يوافق غرضها في أي شيء كان (قالت: ما رأيت منك خيرًا قط). وليس المراد من قوله: أحسنت، خطاب رجل بعينه، بل كل من يتأتى منه الرؤية، فهو خطاب خاص لفظًا، عام معنى. 10 - باب صَلاَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْكُسُوفِ (باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف). 1053 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنِ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهَا قَالَتْ: "أَتَيْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ -فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ، وَإِذَا هِيَ قَائِمَةٌ تُصَلِّي. فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ. فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَأَشَارَتْ أَىْ نَعَمْ. قَالَتْ: فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلاَّنِي الْغَشْيُ، فَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي الْمَاءَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْ شَىْءٍ كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلاَّ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي مَقَامِي هَذَا، حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَىَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ مِثْلَ -أَوْ قَرِيبًا مِنْ- فِتْنَةِ الدَّجَّالِ (لاَ أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ)، يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ -أَوِ الْمُوقِنُ- (لاَ أَدْرِي أَىَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ) فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا. فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ صَالِحًا، فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُوقِنًا. وَأَمَّا الْمُنَافِقُ -أَوِ الْمُرْتَابُ- (لاَ أَدْرِي أَيَّتَهُمَا قَالَتْ أَسْمَاءُ) فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن امرأته، فاطمة بنت المنذر) بن الزبير بن العوام (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق، جدة فاطمة وهشام لأبويهما (رضي الله عنهما أنها قالت): (أتيت عائشة) بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما (زوج النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حين خسفت الشمس) بالخاء المفتوحة (فإذا الناس قيام يصلون، وإذا) بالواو، ولأبي ذر في نسخة: فإذا (هي قائمة تصلي، فقلت: ما للناس) قائمين فزعين؟ (فأشارت) عائشة (بيدها إلى السماء) تعني: انكسفت الشمس (وقالت: سبحان الله. فقلت: آية؟) أي علامة لعذاب الناس (فأشارت أي: نعم)

11 - باب من أحب العتاقة في كسوف الشمس

وللكشميهني: أن نعم، بالنون بدل الياء. (قالت) أسماء: (فقمت حتى تجلاني) بالجيم وتشديد اللام: أي غطاني (الغشي) من طول تعب الوقوف، بفتح الغين وسكون الشين المعجمتين آخره مثناة تحتية مخففة، وبكسر الشين وتشديد المثناة: مرض قريب من الإغماء، (فجعلت أصب فوق رأسي الماء) ليذهب الغشي، وهو يدل على أن حواسها كانت مجتمعة، وإلا فالإغماء الشديد المستغرق ينقض الوضوء بالإجماع. (فلما انصرف رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الصلاة (حمد الله، وأثنى عليه) من عطف العام على الخاص (ثم قال): (ما من شيء) من الأشياء (كنت لم أره إلا قد) ولأبي ذر: وقد (رأيته) رؤيا عين (في مقامي هذا) بفتح الميم الأولى، وكسر الثانية (حتى الجنة والنار) بالرفع فيهما على أن حتى ابتدائية، والجنة مبتدأ حذف خبره، أي: حتى الجنة مرئية، والنار عطف عليه، والنصب على أنها عاطفة عطفت الجنة على الضمير المنصوب في رأيته، والجر على أنها جارة. واستشكل في المصابيح الجر بأنه لا وجه له إلا العطف على المجرور المتقدم، وهو ممتنع لما يلزم عليه من زيادة: من، مع المعرفة والصحيح منعه. (ولقد أوحي إلي أنكم) بفتح الهمزة (تفتنون) أي: تمتحنون (في القبور مثل) فتنة (-أو قريبًا- من فتنة) المسيح (الدجال) بغير تنوين في: مثل، وإثباته في: قريبًا. قالت فاطمة: (لا أدري أيتهما) بالمثناة التحتية والفوقية، أي: لفظ مثل أو قريبًا. (قالت أسماء): (يؤتى أحدكم) في قبره (فيقال له: ما علمك) مبتدأ خبره قوله (بهذا الرجل) محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يقل رسول الله لأنه يصير تلقينًا لحجته (فأما المؤمن -أو الموقن-) ولأبي ذر، والأصيلي، أو: قال الموقن (لا أدري أي ذلك قالت أسماء) الشك من فاطمة بنت المنذر. (فيقول:) هو، (محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هو (جاءنا بالبينات) بالمعجزات الدالة على نبوته (والهدى) الموصل إلى المراد (فأجبنا وآمنا) بحذف ضمير المفعول للعلم به، أي: قبلنا نبوته معتقدين مصدقين (واتبعنا. فيقال له: نم) حال كونك (صالحًا، فقد علمنا إن كنت) بكسر الهمزة (لموقنًا) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: لمؤمنًا. (وأما المنافق) الغير المصدق بقلبه لنبوته (أو المرتاب) الشاك، قالت فاطمة: (لا أدري أيتهما) بالمثناة الفوقية بعد التحتية، ولأبي ذر في نسخة ولأبي الوقت، والأصيلي: أيهما بإسقاط الفوقية (قالت أسماء): (فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته). قال ابن بطال، فيما ذكره في المصابيح: فيه ذم التقليد، وأنه لا يستحق اسم العلم التام على الحقيقة. ونازعه ابن المنير بأن ما حكي عن حال هذا المجيب لا يدل على أنه كان عنده تقليد معتبر، وذلك لأن التقليد المعتبر هو الذي لا وهن عند صاحبه، ولا حصول شك. وشرطه أن يعتقد كونه عالمًا. ولو شعر بأن مستنده كون الناس قالوا شيئًا فقاله لانحل اعتقاده، ورجع شكًا. فعلى هذا لا يقول المعتقد المصمم يومئذ سمعت الناس يقولون، لأنه يموت على ما عاش عليه، وهو في حال الحياة قد قررنا أنه لا يشعر بذلك، بل عبارته هناك، إن شاء الله، مثلها هنا من التصميم، وبالحقيقة فلا بد أن يكون للمصمم أسباب حملته على التصميم غير مجرد القول، وربما لا يمكن التعبير عن تلك الأسباب كما تقول في العلوم العادية، أسبابها لا تنضبط. انتهى. 11 - باب مَنْ أَحَبَّ الْعَتَاقَةَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ (باب من أحب العتاقة في) حال (كسوف الشمس) بالكاف. والعتاقة بفتح العين، تقول: أعتق العبد يعتق بالكسر عتقًا وعتاقًا وعتاقة. 1054 - حَدَّثَنَا رَبِيعُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: "لَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ". وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر في نسخة، ولأبي الوقت، والأصيلي: حدّثني (ربيع بن يحيى) البصري المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا زائدة) بن قدامة (عن هشام) هو: ابن عروة بن الزبير بن العوام (عن) زوجته (فاطمة) بنت المنذر بن الزبير بن العوام (عن أسماء) بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما، (قالت): (لقد أمر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أمر ندب (بالعتاقة في كسوف الشمس) بالكاف، ليرفع الله بها البلاء عن عباده، ولأبي ذر: بالعتاقة

12 - باب صلاة الكسوف في المسجد

في الكسوف، وهل يقتصر على العتاقة، أو هي من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى؟ الظاهر الثاني لقوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] وإذا كانت من التخويف، فهي داعية إلى التوبة والمسارعة إلى جميع أفعال البر، كل على قدر طاقته. ولما كان أشد ما يتوقع من التخويف: النار، جاء الندب بأعلى شيء يتقي به النار، لأنه قد جاء: من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضوًا منه من النار، فمن لم يقدر على ذلك فليعمل بالحديث العام، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: "اتقوا النار ولو بشق تمرة". ويأخذ من وجوه البر ما أمكنه، قاله ابن أبي جمرة. 12 - باب صَلاَةِ الْكُسُوفِ فِي الْمَسْجِدِ (باب صلاة الكسوف في المسجد). 1055 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها: "أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ". وبالسند قال (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمرة) بفتح العين، وسكون الميم (بنت) ولأبي ذر، في نسخة، ولأبي الوقت: ابنة (عبد الرحمن) بن سعد الأنصارية (عن عائشة رضي الله عنها): (أن يهودية جاءت تسألها) عطية (فقالت) لها (أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة) رضي الله عنها (رسول الله،-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أيعذب الناس في قبورهم؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (عائذًا) أي: أعوذ عياذًا، أو: أعوذ حال كوني عائذًا (بالله) ولأبي ذر في نسخة: عائذ بالرفع، خبر لمحذوف أي: أنا عائذ بالله (من ذلك) أي من عذاب القبر. 1056 - "ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا فَكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَرَجَعَ ضُحًى فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ ظَهْرَانَىِ الْحُجَرِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ سُجُودًا طَوِيلاً، ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ وَهْوَ دُونَ السُّجُودِ الأَوَّلِ. ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ". (ثم ركب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات غداة مركبًا) بسبب موت ابنه إبراهيم (فكسفت الشمس)، بفتح الكاف كمركبًا (فرجع) من الجنازة (ضُحًى) بالتنوين. قال في الصحاح: تقول لقيته ضحى، وضحى إذا أردت به ضحى يومك لم تنوّنه، ثم بعده الضحاء ممدود مذكر، وهو عند ارتفاع النهار الأعلى. (فمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين ظهراني الحجر) بفتح النون، ولا تقل: ظهرانيهم، بكسرها. والألف والنون زائدتان، والحجر: بضم الحاء وفتح الجيم، بيوت أزواجه عليه الصلاة والسلام، وكانت لاصقة بالمسجد. وعند مسلم من رواية سليمان بن بلال: عن يحيى، عن عمرة: فخرجت في نسوة بين ظهراني الحجر في المسجد، فأتى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من مركبه حتى انتهى إلى مصلاه الذي كان يصلّي فيه ... الحديث؛ فصرح بكونها في المسجد. ودل على سنيتها فيه كونه رجع إلى المسجد، ولم يصلها في الصحراء. ولولا ذلك لكانت صلاتها في الصحراء أجدر برؤية الانجلاء. وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى. (ثم قام) عليه الصلاة والسلام (فصلّى) صلاة الكسوف (وقام الناس وراءه) يصلون (فقام قيامًا طويلاً، ثم ركع ركوعًا طويلاً، ثم رفع فقام) ولأبي ذر في نسخة: وقام (قيامًا طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلاً، وهو دون الركوع الأول) من الركعة الأولى (ثم رفع، فسجد) ولأبي ذر في نسخة: ثم سجد (سجودًا طويلاً، ثم قام) إلى الركعة الثانية (فقام قيامًا طويلاً، وهو دون القيام الأول) من الركعة الأولى (ثم ركع ركوعًا طويلاً وهو دون الركوع الأول) من الأولى (ثم قام قيامًا طويلاً، وهو دون القيام الأول) من هذه الثانية (ثم ركع ركوعًا طويلاً، وهو دون الركوع الأول) من هذه الثانية، وسقط لأبي ذر من قوله: ثم ركع إلى قوله (ثم سجد وهو دون السجود الأول) من الركعة الأولى، وندب قراءة البقرة بعد الفاتحة، ثم موالياتها في القيامات كما مر. (ثم انصرف) من الصلاة بعد التشهد بالتسليم (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ما شاء الله أن يقول) من أمره لهم: بالصدقة، والعتاقة، والذكر والصلاة (ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر) لعظم هوله، وأيضًا: فإن ظلمة الكسوف إذا عمت الشمس تناسب ظلمة القبر. 13 - باب لاَ تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ وَالْمُغِيرَةُ وَأَبُو مُوسَى وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهم. هذا (باب) بالتنوين: (لا تنكسف الشمس) بالكاف (لموت أحد ولا) تنكسف (لحياته). (رواه) أي قوله: "لا تنكسف الشمس لموت أحد ولا لحياته"، هؤلاء الصحابة (أبو بكرة) نفيع بن الحرث (والمغيرة) بن شعبة، كما تقدم حديثهما في أول باب الكسوف، (وأبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري، كما سيأتي في الباب التالي (وابن عباس) عبد الله كما تقدم

14 - باب الذكر في الكسوف، رواه ابن عباس -رضي الله عنهما-

في باب صلاة الكسوف جماعة (وابن عمر): عبد الله بن عمر بن الخطاب، كما تقدم في الباب الأول (رضي الله عنهم). 1057 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا». وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) القطان البصري، وللأصيلي: يحيى بن سعيد (عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد (قيس عن أبي مسعود) عقبة بن عامر الأنصاري البدري، رضي الله عنه، أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الشمس والقمر لا ينكسفان) بالنون بعد المثناة التحتية ثم الكاف (لموت أحد ولا لحياته). لما كانت الجاهلية تعتقد أنهما ينخسفان لموت عظيم، والمنجمون يعتقدون تأثيرهما في العالم، وكثير من الكفرة يعتقد تعظيمهما لكونهما أعظم الأنوار حتى أفضى الحال إلى أن عبدهما كثير منهم، خصهما -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالذكر، تنبيهًا على سقوطهما عن هذه المرتبة، لما يعرض لهما من النقص، وذهاب ضوئهما الذي عظما في النفوس من أجله. وسقط للأربعة لفظ: ولا لحياته، وقد مر أنه من باب التتميم، وإلا فلم يدع أحد أن الكسوف لحياة أحد. (ولكنهما) أي: كسوفهما، (آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموهما) بالتثنية، ولأبي ذر: رأيتموها بالإفراد، أي: كسفة أحدهما (فصلوا). 1058 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَأَطَالَ الْقِرَاءَةَ، وَهْيَ دُونَ قِرَاءَتِهِ الأُولَى، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ دُونَ رُكُوعِهِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُرِيهِمَا عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي (قال: حدّثنا هشام) هو: ابن يوسف الصنعاني (قال: أخبرنا معمر) بفتح اليمين وسكون العين المهملة بينهما، ابن راشد (عن) ابن شهاب (الزهري، وهشام بن عروة) بن الزبير، كلاهما (عن عروة) أبي هشام (عن عائشة رضي الله عنها، قالت): (كسفت الشمس) بفتح الكاف والسين (على عهد رسول الله) ولأبي ذر، والأصيلي: على عهد النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: زمنه (فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فصلّى بالناس) صلاة الكسوف (فأطال القراءة، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه) من الركوع قائمًا (فأطال القراءة، وهي) أي: القراءة وللكشميهني والمستملي: وهو، أي: القيام، أو المقروء (دون قراءته الأولى، ثم ركع) ثانيًا (فأطال الركوع) وهو (دون ركوعه الأول، ثم رفع رأسه) قائمًا (فسجد سجدتين، ثم قام فصنع في الركعة الثانية مثل ذلك) المذكور من الركوعين وطوّلهما وطول القراءة في القيامين، ثم انصرف من صلاته (ثم قام) خطيبًا (فقال) بعد الحمد والثناء: (إن الشمس والقمر لا يخسفان) بفتح أوله وسكون الخاء وكسر السين (لموت أحد) من الناس (ولا لحياته) فيجب تكذيب من زعم أن الكسوف علامة على موت أحد أو حياته (ولكنهما آيتان من آيات الله يريهما عباده) ليتفرغوا لعبادته ويتقربوا إليه بأنواع قرباته، ولذا قال: (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا) بفتح الزاي، أي: فالجأوا (إلى الصلاة) وغيرها من الخيرات، كالصدقة، وفك الرقاب، لأنها تقي أليم العذاب. 14 - باب الذِّكْرِ فِي الْكُسُوفِ، رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- (باب الذكر في الكسوف، رواه) أي: الذكر عند كسوف الشمس (ابن عباس، رضي الله عنهما) عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كما سبق في صلاة كسوف الشمس جماعة ولفظه "فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله". 1059 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: "خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ وَقَالَ: هَذِهِ الآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ لاَ تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ". وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن العلاء، قال: حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة، الكوفي (عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء (ابن عبد الله) بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري الكوفي (عن أبي بردة) الحرث بن أبي موسى (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (قال): (خسفت الشمس) بفتح الخاء والسين (فقام النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فرغًا) بكسر الزاي: صفة مشبهة، أو بفتحها: مصدر بمعنى الصفة، أو: مفعول لمقدر (يخشى) أي: يخاف (أن تكون) في موضع نصب مفعول يخشى (الساعة) رفع: على أن تكون تامة، أو: على أنها ناقصة والخبر محذوف، أي: أن تكون الساعة قد حضرت، أو: نصب: على أنها ناقصة واسمها محذوف، أي: تكون هذه الآية الساعة، أي: علامة حضورها. واستشكل هذا بكون الساعة لها مقدمات كثيرة لم تكن وقعت: كفتح البلاد، واستخلاف الخلفاء، وخروج الخوارج، ثم الأشراط: كطلوع الشمس من مغربها،

15 - باب الدعاء في الخسوف

والدابة، والدجال، والدخان، وغير ذلك .... وأجيب: باحتمال أن يكون هذا قبل أن يعلمه الله تعالى بهذه العلامات، فهو يتوقع الساعة كل لحظة. وعورض: بأن قصة الكسوف متأخرة جدًّا، فقد تقدم أن موت إبراهيم كان في العاشرة، كما اتفق عليه أهل الأخبار، وقد أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكثير من الأشراط والحوادث قبل ذلك. وقيل هو من باب التمثيل من الراوي، كأنه قال: فزغًا كالخاشي أن تكون القيامة وإلا فهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عالم بأن الساعة لا تقوم وهو بين أظهرهم أو أن الراوي ظن أن الخشية لذلك لقرينة قامت عنده، لكن لا يلزم من ظنه أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خشي ذلك حقيقة، قال في المظهر: لم يعلم أبو موسى ما في قلبه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. اهـ. وأجيب: بأن تحسين الظن بالصحابي يقتضي أنه لا يجزم بذلك إلا بتوقيف. وقيل إنه، عليه الصلاة والسلام، جعل ما سيقع كالواقع إظهارًا لتعظيم شأن الكسوف، وتنبيهًا لأمته أنه إذا وقع لهم ذلك كيف يخشون ويفزعون إلى ذكر الله، والصلاة، والصدقة ليدفع عنهم البلايا. (فأتى المسجد، فصلّى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط يفعله) بدون كلمة: ما، وقط، بفتح القاف وضم الطاء، لكن لا يقع، قط، إلا بعد الماضي المنفي، فحرف النفي هنا مقدر كقوله تعالى: {تَفْتَؤ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] أي: لا تفتؤ، ولا تزال تذكره تفجعًا، فحذف: لا، أو أن لفظ أطول، فيه معنى عدم المساواة، أي: بما لم يساو قط قيامًا رأيته يفعله، أو: قط، بمعنى حسب أي: صلّى في ذلك اليوم فحسب بأطول قيام رأيته يفعله، وتكون بمعنى: أبدًا لكن إذا كانت بمعنى: حسب، تكون القاف مفتوحة والطاء ساكنة. قال في المصابيح: وموضع: رأيته، جر على الصفة، أما للمعطوف الأخير، وهو: سجود، وإما للمعطوف عليه أولاً، وهو قيام. وحذف رأيته من الأول الذي هو القيام لدلالة الثاني، أو بالعكس، قال: وإنما قلنا ذلك لأنه ليس في هذه الجملة ضمير غيبة إلا ما هو للواحد الذكر. وقد تقدمت ثلاثة أشياء، فلا تصلح من حيث هي ثلاثة أن تكون معادًا له. وضمير الغيبة في: رأيته، يحتمل عوده على النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كما أن فاعل: يفعله، يعود الضمير عليه، ويحتمل أن يعود على ما عاد عليه المنصوب من: يفعله. فإن قلت لِمَ لم تجعل الجملة صفة لأطول قيام وركوع وسجود، وأطول مفرد مذكر يصح عود الضمير المذكر عليه، ولا حاجة إلى الحذف؟ إذن قلت: لأنه يلزم أن يكون المعنى: أنه فعل في قيام الصلاة لكسوف الشمس وركوعها وسجودها مثل أطول شيء كان يفعله في ذلك في غيرها من الصلوات، ولم يفعل طولاً زائدًا على ما عهد منه في سواها، وليس كذلك، اللهم إلا أن يكون صلّى قبل هذه المرة لكسوف آخر، فيصدق حينئذ أنه فعل مثل أطول شيء كان يفعله لكنه يحتاج إلى ثبت فحرره. اهـ. قلت: في أوائل الثقات لابن حبان: إن الشمس كسفت في السنة السادسة، فصلّى عليه الصلاة والسلام صلاة الكسوف، وقال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ... " الحديث. ثم كسفت في السنة العاشرة، يوم مات ابنه إبراهيم، (وقال) عليه الصلاة والسلام: (هذه الآيات) أي: كسوف النيرين، والزلزلة، وهبوب الريح الشديدة (التي يرسل الله، لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوف الله به) أي: بالكسوف، وللأربعة: بهما، أي: بالكسفة أو الآيات (عباده) قال الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] (فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكره) بفتح زاي: افزعوا، وللحموي والمستملي: إلى ذكر الله. وهذا موضع الترجمة كما لا يخفى (ودعائه واستغفاره). 15 - باب الدُّعَاءِ فِي الْخُسُوفِ قَالَهُ أَبُو مُوسَى وَعَائِشَةُ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب الدعاء في الخسوف) كذا بالخاء، وعزاه الحافظ ابن حجر لكريمة وأبي الوقت، وفي الفرع وأصله عن أبي ذر والأصيلي في الكسوف وبالكاف. (قاله) أي الدعاء فيه (أبو موسى) الأشعري، في حديثه السابق قريبًا (وعائشة) في حديثها الآتي، إن شاء الله تعالى في الباب الآتي (رضي الله عنهما، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 1060 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلاَقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ: "انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ انْكَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ». وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي (قال: حدّثنا زائدة) بن قدامة الثقفي الكوفي. (قال: حدّثنا زياد بن علاقة) بكسر العين وبالقاف، الثعلبي، بالمثلثة ثم المهملة، الكوفي. وللأصيلي: عن

16 - باب قول الإمام في خطبة الكسوف: أما بعد

زياد بن علاقة (قال: سمعت المغيرة بن شعبة) الثقفي، المتوفى سنة خمسين عند الأكثر، رضي الله عنه، حال كونه (يقول): (انكسفت الشمس) بنون ساكنة بعد ألف الوصل، ثم كاف (يوم مات إبراهيم) ابنه عليه الصلاة والسلام (فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،) رادًّا عليهم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله) مخلوقتان له، لا صنع لهما (لا ينكسفان) بنون بعد المثناة التحتية، ثم كاف (لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما) بضمير التثنية أي: الشمس والقمر: باعتبار كسوفهما. وللحموي والمستملي: رأيتموها، بالإفراد أي: الآية (فادعوا الله). ولأبي داود، من حديث أبي بن كعب: ثم جلس كما هو مستقبل القبلة يدعو: وقد ورد الأمر بالدعاء أيضًا في حديث أبي بكرة وغيره، كما هنا، وقد حمله بعضهم على الصلاة لكونه كالذكر من أجزائها، والأول أولى لأنه جمع بينهما في حديث أبي بكرة كما هنا، حيث قال: (وصلوا حتى ينجلي) بالمثناة التحتية لأبي ذر، أي: يصفو، وفي الفرع تنجلي بالفوقية من غير عزو، وعند سعيد بن منصور من حديث ابن عباس، فاْذكرو الله، وكبروه، وسبحوه، وهللوه، وهو من عطف الخاص على العام. 16 - باب قَوْلِ الإِمَامِ فِي خُطْبَةِ الْكُسُوفِ: أَمَّا بَعْدُ (باب قول الإمام في خطبة الكسوف: أما بعد) هي من الظروف المقطوعة المبنية على الضم. 1061 - وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: "فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ". (وقال أبو أسامة) حماد بن أسامة الليثي، مما ذكره موصولاً مطوّلاً في كتاب الجمعة، (حدّثنا هشام) هو: ابن عروة بن الزبير بن العوام (قال: أخبرتني) بتاء التأنيث والإفراد (فاطمة بنت المنذر) بن الزبير بن العوّام. ووقع عند ابن السكن: حدّثنا هشام عن عروة بن الزبير عن فاطمة. قال الجياني: وهو وهم، والصواب حذف عروة بن الزبير. لكن اعتذر الحافظ ابن حجر عن ابن السكن باحتمال أنه كان عنده: هشام بن عروة بن الزبير، فتصحفت من الناسخ، فصارت: عن وإلاّ فابن السكن من كبار الحفاظ. اهـ. (عن أسماء) بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما (قالت): (فانصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الصلاة (وقد تجلت الشمس) بالمثناة الفوقية وتشديد اللام (فخطب) عليه الصلاة والسلام (فحمد الله بما هو أهله، ثم قال): (أما بعد) ليفصل بين الحمد السابق، وبين ما يريده من الموعظة والإعلام بما ينفع السامع. وقد قال أبو جعفر النحاس، عن سيبويه: إن معنى: أما بعد مهما يكن من شيء بعد. 17 - باب الصَّلاَةِ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ (باب) مشروعية (الصلاة في كسوف القمر) بالكاف. 1062 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ". وبالسند قال: (حدّثنا محمود) المروزي وللأصيلي: محمود بن غيلان، بفتح الغين المعجمة وسكون المثناة التحتية (قال: حدّثنا سعيد بن عامر) بكسر العين بعد السين، الضبعي، بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة، البصري (عن شعبة) بن الحجاج (عن يونس) بن عبيد (عن الحسن) البصري (عن أبي بكرة) نفيع بن الحرث (رضي الله عنه قال): (انكسفت الشمس) بنون بعد الألف وبالكاف (على عهد رسول الله) أي: زمنه، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: على عهد النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فصلّى ركعتين) بزيادة ركوع في كل ركعة منهما، كما مر. واعترض الإسماعيلي على المؤلّف: بأن هذا الحديث لا مدخل له في هذا الباب، لأنه لا ذكر للقمر فيه، لا بالتنصيص، ولا بالاحتمال. وأجيب: بأن ابن التين ذكر: أن في رواية الأصيلي في هذا الحديث: انكسف القمر، بدل قوله: الشمس، لكن نوزع في ثبوت ذلك. وحينئذٍ فيجاب: بأن هذا الحديث مختصر من الحديث اللاحق له، فأراد المؤلّف أن يبين أن المختصر بعض المطوّل، والمطوّل يؤخذ منه المقصود، كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. وقد روى ابن أبي شيبة هذا الحديث بلفظ: انكسفت الشمس أو القمر. وفي رواية هشيم: انكسف: الشمس والقمر. 1063 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: "خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَسْجِدِ، وَثَابَ النَّاسُ إِلَيْهِ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، فَانْجَلَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَإِنَّهُمَا لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَإِذَا كَانَ ذَاكَ فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ. وَذَاكَ أَنَّ ابْنًا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَاتَ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ فِي ذَاكَ". وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين، عبد الله بن عمرو المقعد المنقري، بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف، البصري (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري (قال: حدّثنا يونس) بن عبيد (عن الحسن) البصري (عن أبي بكرة) نفيع بن الحرث، رضي الله عنه (قال): (خسفت الشمس) بالخاء المفتوحة

18 - باب الركعة الأولى في الكسوف أطول

(على عهد رسول الله) ولأبي ذر، والأصيلي: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فخرج يجر رداءه) لكونه مستعجلاً (حتى انتهى إلى المسجد، وثاب الناس إليه) بالمثلثة أي: اجتمعوا إليه (فصلّى بهم ركعتين) بزيادة ركوع في كل ركعة (فانجلت الشمس) بنون بعد الألف (فقال) عليه الصلاة والسلام: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا يخسفان) بفتح المثناة التحتية وسكون الخاء وكسر السين (لموت أحد) ولأبي الوقت في غير اليونينية: (وإذا) بالواو، ولأبي ذر: فإذا (كان ذاك) أي الكسوف فيهما، وللأربعة: ذلك، باللام (فصلوا وادعوا، حتى يكشف ما بكم) بضم أوله وفتح الشين. وفي رواية حتى ينكشف، بفتح أوّله، وزيادة نون ساكنة وكسر الشين، غاية لمقدر، أي: صلوا من ابتداء الخسوف منتهين إما إلى الانجلاء، أو: إحداث الله أمرًا. وهذا موضع الترجمة، إذ أمر بالصلاة بعد قوله: "إن الشمس والقمر .. ". وعند ابن حبان، من طريق نوح بن قيس، عن يونس بن عبيد في هذا الحديث: "فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فصلوا ... " وهو أدخل في الباب من قوله هنا "فإذا كان ذلك ... " لأن الأول نص، وهذا محتمل لأن تكون الإشارة عائدة إلى كسوف الشمس، لكن الظاهر عود ذلك إلى خسوفهما معًا. وأصرح من ذلك ما وقع في حديث أبي مسعود السابق: كسوف أيهما انكسف. وعند ابن حبان من طريق النضر بن شميل، عن أشعث بإسناده في هذا الحديث: صلّى في كسوف الشمس والقمر ركعتين مثل صلاتكم ... وفيه رد على من أطلق، كابن رشيد: أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يصل فيه. وأول بعضهم قوله: صلّى، أي: أمر بالصلاة، جمعًا بين الروايتين. وذكر صاحب جمع العدة، أن خسوف القمر وقع في السنة الرابعة، في جمادى الآخرة، ولم يشتهر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع له الناس للصلاة. وقال صاحب الهدى: لم ينقل أنه صلّى في كسوف القمر في جماعة، لكن حكى ابن حبان في السيرة له: أن القمر خسف في السنة الخامسة، فصلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأصحابه الكسوف، فكانت أول صلاة كسوف في الإسلام. قال في فتح الباري: وهذا إن ثبت انتفى التأويل المذكور. وقال مالك والكوفيون: يصلّى في كسوف القمر فرادى ركعتين، كسائر النوافل، في كل ركعة ركوع واحد، ولا يجمع لها بل، يصلونها أفرادًا، إذ لم يرد أنه عليه الصلاة والسلام صلاها في جماعة، ولا دعا إلى ذلك. ولأشهب جواز الجمع، قال اللخمي: وهو أبين. والمذهب أن الناس يصلونها في بيوتهم، ولا يكلفون الخروج لئلا يشق ذلك عليهم. (وذاك) وللأربعة: وذلك، بل للام (أن اْبنًا للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مات، يقال له: إبراهيم، فقال الناس في ذاك) ولأبي ذر، والأصيلي في ذلك، باللام أي: قالوا ما كانوا يعتقدونه من أن النيرين يوجبان تغيرًا في العالم من موت وضرر، فأعلم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ذلك باطل. 18 - باب الرَّكْعَةُ الأُولَى فِي الْكُسُوفِ أَطْوَلُ (باب الركعة الأولى في الكسوف أطول) من الثانية، والثانية أطول من الثالثة، وهي أطول من الرابعة. وللحموي والكشميهني باب الركعة في الكسوف تطوّل. 1064 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِهِمْ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي سَجْدَتَيْنِ، الأَوَّلُ الأَوَّلُ أَطْوَلُ". وبه قال: (حدّثنا)، ولأبي ذر: أخبرنا (محمود)، ولأبي ذر والأصيلي: محمود بن غيلان (قال: حدّثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله الزبيري الأسدي الكوفي (قال: حدّثنا سفيان) الثوري (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن عمرة) بنت عبد الرحمن الأنصارية (عن عائشة رضي الله عنها): (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى بهم في كسوف الشمس) بالكاف (أربع ركعات، في سجدتين) أي: ركعتين (الأول والأول) بفتح الهمزة فيهما، وتشديد الواو. وفي نسخة: الأول فالأول، بالفاء أي: الركوع الأول (أطول) من الثاني. قال ابن بطال: لا خلاف أن الركعة الأولى بقياميها وركوعيها أطول من الركعة الثانية بقياميها وركوعيها، واتفقوا على أن القيام الثاني وركوعه فيهما أقصر من القيام الأول وركوعه فيهما. واختلفوا في القيام الأول من الثانية وركوعه، وسبب هذا الخلاف فهم معنى قوله: وهو دون القيام الأول. هل المراد به: الأول من الثانية، أو يرجع إلى الجميع فيكون كل قيام دون الذي قبله؟

19 - باب الجهر بالقراءة في الكسوف

ورواية الإسماعيلي تعين هذا الثاني، ويرجحه أيضًا أنه: لو كان المراد من قوله: القيام الأول: أول قيام من الأولى فقط لكان القيام الثاني والثالث مسكوتًا عن مقدارهما، فالأول أكثر فائدة. قاله في فتح الباري. وفي رواية أبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر، كما في فرع اليونينية، وعزاها في فتح الباري لرواية الإسماعيلي الأولى: فالأولى بضم الهمزة فيهما، أي: الركعة الأولى أطول من الثانية. ووقع في رواية المستملي، باب: صب المرأة على رأسها الماء إذا أطال الإمام القيام في الركعة الأولى. بدل قوله: الركعة الأولى في الكسوف أطول الثابت في رواية الكشميهني، والحموي، والظاهر: أن المصنف ترجم لها، وأخلى بياضًا ليذكر لها حديثًا كعادته، فلم يتفق، فضم بعضهم الكتابة بعضها إلى بعض، فوقع الخلط. ووقع في رواية أبي علي بن شبويه، عن الفربري: أنه ذكر باب صب المرأة أوّلاً. وقال في الحاشية: ليس فيه حديث، ثم ذكر باب: الركعة الأولى أطول، وأورد فيه حديث عائشة هذا. وكذا في مستخرج الإسماعيلي: قال الحافظ ابن حجر: فعلى هذا فالذي وقع من صنيع شيوخ أبي ذر، من اقتصار بعضهم على إحدى الترجمين ليس بجيد، أما من اقتصر على الأولى: وهو المستملي، فخطأ محض، إذ لا تعلق لها بحديث عائشة. وأما الآخران فمن حيث أنهما حذفا الترجمة أصلاً، وكأنهما استشكلاها فحذفاها. وكذا حذفت من رواية كريمة أيضًا عن الكشميهني. وكذا من رواية الأكثر. 19 - باب الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْكُسُوفِ (باب الجهر بالقراءة في) صلاة (الكسوف) بالكاف. 1065 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ نَمِرٍ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها:- "جَهَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي صَلاَةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ كَبَّرَ فَرَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. ثُمَّ يُعَاوِدُ الْقِرَاءَةَ فِي صَلاَةِ الْكُسُوفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن مهران) بكسر الميم، الجمال، بالجيم، الرازي (قال: حدّثنا الوليد) القرشي الأموي الدمشقي، ولأبي ذر، والأصيلي: ابن مسلم (قال: أخبرنا) ولأبي ذر، والأصيلي: حدّثنا (ابن نمر) بفتح النون وكسر الميم، عبد الرحمن الدمشقي، وثقه دحيم الذهلي وابن البرقي، وضعفه ابن معين لأنه لم يرو عنه غير الوليد، وليس له في الصحيحين غير هذا الحديث. وقد تابعه عليه الأوزاعي وغيره أنه (سمع ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوام (عن عائشة رضي الله عنها) أنها قالت: (جهر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في صلاة الخسوف) بالخاء (بقراءته). حمل الشافعية والمالكية وأبو حنيفة وجمهور الفقهاء هذا الإطلاق على صلاة خسوف القمر لا الشمس، لأنها نهارية، بخلاف الأولى، فإنها ليلية: وتعقب بأن الإسماعيلي روى حديث الباب من وجه آخر عن الوليد، بلفظ كسفت الشمس في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... فذكر الحديث. واحتج الإمام الشافعي بقول ابن عباس: قرأ نحوًا من قراءة سورة البقرة، لأنه لو جهر لم يحتج إلى التقدير. وعورض باحتمال أن يكون بعيدًا منه. وأجيب: بأن الإمام الشافعي ذكر تعليقًا عن ابن عباس: أنه صلّى بجنب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الكسوف، فلم يسمع منه حرفًا، ووصله البيهقي من ثلاثة طرق أسانيدها واهية. وأجيب: على تقدير صحتها بأن مثبت الجهر معه قدر زائد فالأخذ به أولى، وإن ثبت التعدد فيكون عليه الصلاة والسلام فعل ذلك لبيان الجواز. قال ابن العربي: والجهر عندي أولى لأنها صلاة جامعة ينادى لها ويخطب، فأشبهت العيد، والاستسقاء. وقال أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وأحمد بن حنبل: يجهر فيها، وتمسكوا بهذا الحديث (فإذا فرغ من قراءته، كبر فركع، وإذا رفع) رأسه (من الركعة قال): (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) بالواو (ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات) بنصب أربع عطفًا على أربع السابق. 1066 - وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبَعَثَ مُنَادِيًا بِالصَّلاَةُ جَامِعَةٌ، فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ". قَالَ الوَلِيد وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ مِثْلَهُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ مَا صَنَعَ أَخُوكَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَا صَلَّى إِلاَّ رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ الصُّبْحِ إِذْ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ. قَالَ: أَجَلْ، إِنَّهُ أَخْطَأَ السُّنَّةَ. تَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الْجَهْرِ. (وقال الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمر وهو معطوف على قوله: حدّثنا ابن نمر لأنه مقول الوليد (وغيره) أي: وقال غير الأوزاعي أيضًا (سمعت) ابن شهاب (الزهري) فيما وصله مسلم عن محمد بن مهران، عن الوليد بن مسلم، حدّثنا الأوزاعي عن الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوام (عن عائشة، رضي الله عنها): (أن الشمس خسفت) بفتح الخاء المعجمة والسين (على عهد رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فبعث مناديًا) يقول: (الصلاة جامعة) كذا للكشميهني، أي: أحضروا الصلاة حال كونها جامعة. وروي برفعهما: مبتدأ وخبر.

17 - كتاب سجود القرآن

ولغير الكشميهني: مناديًا بالصلاة جامعة، بإدخال الموحدة مع الوجهين على الحكاية. (فتقدم) عليه الصلاة والسلام (فصلّى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات) بنصب أربع عطفًا على السابق. وليس في رواية الأوزاعي تصريح بالجهر نعم، ثبت الجهر في رواية عند أبي داود والحاكم بلفظ: قرأ قراءة طويلة فجهر بها. (قال الوليد) ثبت: قال الوليد في نسخة (وأخبرني عبد الرحمن بن نمر) بكسر الميم بعد النون المفتوحة: بكذا وأخبرني أنه (سمع ابن شهاب) الزهري (مثله) أي مثل الحديث الأول. (قال الزهري) ابن شهاب (فقلت) لعروة: (ما صنع أخوك ذلك، عبد الله بن الزبير؟) برفع عبد الله، عطف بيان لقوله: أخوك، المرفوع على الفاعلية لصنع، والإشارة في قوله: ذلك، لفعل أخيه المشار إليه بقوله: (ما صلّى إلا ركعتين مثل الصبح إذ) أي: حين (صلّى بالمدينة) النبوية في الكسوف بركعتين. (قال: أجل) بفتح الجيم وسكون اللام، أي: نعم (إنه) بكسر الهمزة للابتداء (أخطأ السنة) وللكشميهني قال: من أجل أنه بسكون الجيم وفتح الهمزة للإضافة. (تابعه) أي: تابع ابن نمر (سفيان بن حسين) فيما وصله الترمذي (وسليمان بن كثير) بالمثلثة العبدي، بالموحدة الساكنة فيما وصله أحمد (عن الزهري في الجهر) وسفيان وسليمان ضعيفان، لكن تابعهما على ذكر الجهر عن الزهري عقيل عند الطحاوي، وإسحاق بن راشد عند الدارقطني وغيرهما فاعتضدا وقويا. ولله الحمد. بسم الله الرحمن الرحيم 17 - كتاب سجود القرآن (بسم الله الرحمن الرحيم). 1 - أَبْوَاب سُجُودِ الْقُرْآنِ وَسُنَّتِهَا (أبواب سجود القرآن) كذا للمستملي، وسقطت البسملة لأبي ذر، ولغير المستملي: باب ما جاء في سجود القرآن (وسنتها) بتاء التأنيث. أي: سجدة التلاوة، وللأصيلي: وسنته بتذكير الضمير تاء التأنيث، أي: سنة السجود وهي من السنن المؤكدة عند الشافعية، لحديث ابن عمر عند أبي داود والحاكم: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه. وقال المالكية: وهل هي سنة أو فضيلة، قولان مشهوران. وقال الحنفية: واجبة لقوله تعالى: {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [فصلت: 37، والنجم: 62] وقوله: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] ومطلق الأمر للوجوب. ولنا: أن زيد بن ثابت قرأ على النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {والنجم} فلم يسجد رواه الشيخان. وقول عمر: أمرنا بالسجود يعني: للتلاوة، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه، رواه البخاري. ووردت في القرآن في خمسة عشر موضعًا لحديث عمرو بن العاص عند أبي داود والحاكم بإسناد حسن: أقرأني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمس عشرة سجدة في القرآن، منها: ثلاث في المفصل، وفي {الحج} سجدتان. واتفقت الشافعية والحنفية على السجود في أربع عشرة منها، إلا أن الشافعية قالوا: في الحج، سجدتان وليس سجدة: {ص}، سجدة تلاوة. والحنفية عدوها لا ثانية الحج. فيسجد في: الأعراف، عقب آخرها [الأعراف: 206] وفي الرعد، عقب {والآصال} [الرعد: 15] وفي: النحل، {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] وفي: الإسراء {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109] وفي: مريم {وَبُكِيًّا} [مريم: 58] وأولى الحج: {يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] وثانيتها {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] وفي الفرقان، {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60] وفي النمل، {الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26] وعند الحنفية {وَمَا يُعْلِنُونَ} [النمل: 25] و: ألم السجدة {لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] و: ص، {وَأَنَابَ} [ص: 24] و: فصلت، {يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] وعند المالكية {تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37] وآخر: النجم، والانشقاق {لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] و: العلق، آخرها [العلق: 19]. فلو سجد قبل تمام الآية ولو بحرف لم يصح، لأن وقتها إنما يدخل بتمامها: والمشهور عند المالكية، وهو القول القديم للشافعي: إنها أحد عشر، فلم يعدوا ثانية الحج، ولا ثلاثة المفصل، لحديث: لم يسجد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة. وأجيب: بأنه ضعيف، وناف وغيره صحيح ومثبت، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: سجدنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] وكان إسلام أبي هريرة سنة سبع من الهجرة. اهـ. 1067 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الأَسْوَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّجْمَ بِمَكَّةَ فَسَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ، غَيْرَ شَيْخٍ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا. فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا". [الحديث أطرافه في: 1070، 3853، 3972، 4863]. وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة، بندار البصري (قال: حدّثنا غندر) بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة، محمد بن جعفر (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) السبيعي، واسمه: عمرو بن عبد الله الكوفي

2 - باب سجدة تنزيل السجدة

(قال: سمعت الأسود) بن يزيد النخعي (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه، قال): (قرأ النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، النجم) أي: سورتها حال كونه (بمكة، فسجد فيها) أي في آخرها (وسجد من معه غير شيخ) هو: أمية بن خلف، كما يأتي في سورة النجم، إن شاء الله تعالى، أو: الوليد بن المغيرة، أو: عتبة بن ربيعة، أو أبو أحيحة سعيد بن العاصي، أو: أبو لهب، أو: المطلب بن أبي وداعة. والأول أصح (أخذ كفًّا من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته) وفي سورة النجم: فسجد عليه (وقال: يكفيني) بفتح المثناة التحتية أول يكفيني (هذا). قال عبد الله بن مسعود، (فرأيته) أي: الشيخ المذكور (بعد ذلك قتل كافرًا) أي: ببدر، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: بعد قتل كافرًا. فإن قلت: لم بدأ المؤلّف بالنجم؟. أجيب: لأنها أول سورة أنزلت فيها سجدة، كما عند المؤلّف في رواية إسرائيل: وعورض: بأن الإجماع بأن سورة: اقرأ، أوّل ما نزل. وأجيب: بأن السابق من اقرأ أوائلها، وأما بقيتها فبعد ذلك، بدليل قصة أبي جهل في نهيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الصلاة. ورواة الحديث ما بين: بصري وواسطي وكوفي، وفيه رواية الرجل عن زوج أمه، لأن غندرًا ابن امرأة شعبة، والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في هذا الباب، وفي: مبعث النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمغازي، والتفسير، وأبو داود والنسائي فيه أيضًا. 2 - باب سَجْدَةِ تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ (باب سجدة تنزيل السجدة) بالجر على الإضافة، وبالرفع على الحكاية. 1068 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ {الم * تَنْزِيلُ} السَّجْدَةَ وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي (قال: حدّثنا سفيان) الثوري (عن سعد بن إبراهيم) بسكون العين، ابن عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الرحمن) بن هرمز الأعرج (عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه (قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في الجمعة، في صلاة الفجر) في الركعة الأولى بعد الفاتحة ({ألم تنزيل} السجدة) [السجدة: 1] بضم اللام على الحكاية، والسجدة نصب عطف بيان (و) في الثانية ({هل أتى على الانسان}) [الإنسان: 1]. ولم يصرح بالسجود هنا. نعم، في المعجم الصغير للطبراني بإسناد ضعيف من حديث علي: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سجد في صلاة الصبح في {تنزيل} السجدة. ورواة حديث الباب ما بين: كوفي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة، وسبقت مباحثه في: كتاب الجمعة. 3 - باب سَجْدَةِ ص (باب) حكم (سجدة) سورة: (ص). 1069 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو النُّعْمَانِ قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: ص لَيْسَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْجُدُ فِيهَا. [الحديث 1069 - طرفه في: 3422]. وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء آخره موحدة (وأبو النعمان) بضم النون، محمد بن الفضل السدوسي (قالا: حدّثنا حماد) ولأبي الوقت، وللأصيلي: حماد بن زيد، ولأبي ذر: هو ابن زيد (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال): السجود في سورة (ص ليس من عزائم السجود) أي: ليست من المأمور بها، والعزم في الأصل عقد القلب على الشيء، ثم استعمل في كل أمر محتوم، وفي الاصطلاح، ضدّ الرخصة وهي ما ثبت على خلف الدليل لعذر (وقد رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسجد فيها) موافقة لأخيه داود، صلوات الله وسلامه عليهما، وشكرًا لقبول توبته. وللنسائي من حديث ابن عباس، قال: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سجد في: ص، وقال: "سجدها داود توبة ونسجدها شكرًا". وفي حديث أبي سعيد الخدري، عند أبي داود بإسناد صحيح على شرط البخاري: خطبنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا فقرأ ص، فلما مر بالسجود تشزنا بتشديد الزاي والنون، أي: تهيأنا له، فلما رآنا قال: "إنما هي توبة نبي، ولكن قد استعددتم للسجود". فنزل وسجد، فيستحب السجود لـ "ص". في غير الصلاة، لما ذكر، ويحرم فيها لأن سجود الشكر لا يشرع داخل الصلاة. فإن سجد فيها عامدًا عالمًا بتحريمها، بطلت صلاته. بخلاف فعلها سهوًا أو جهلاً للعذر، لكنه يسجد للسهو، ولو سجدها إمامه باعتقاد منه كحنفي، لم يتبعه، بل يفارقه، أو ينتظره قائمًا. وإذا انتظره لا يسجد للسهو على الأصح. قال في الروضة: لأن المأموم لا سجود لسهوه، أي لا سجود عليه في فعل يقتضي سجود السهو، لأن الإمام يتحمله عنه، فلا يسجد لانتظاره. ووجه السجود أنه

4 - باب سجدة النجم

يعتقد أن إمامه زاد في صلاته جاهلاً، وإن سجود السهو توجه عليهما. فإذا لم يسجد الإمام سجد المأموم. ذكره في المجموع وغيره: ووقع عند المؤلّف في تفسير سورة: ص، من طريق مجاهد، قال: سألت ابن عباس: من أين سجدت؟ فقال: أو ما تقرأ {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام: 84] ... {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90] ففي هذا أنه استنبط مشروعية السجود فيها من الآية. وفي حديث الباب: أنه أخذه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولا تعارض بينهما لاحتمال أن يكون استفاد من الطريقين. وزاد في أحاديث الأنبياء، من طريق مجاهد أيضًا، فقال ابن عباس: نبيكم ممن أمر أن يقتدى بهم، فاستنبط منه وجه سجود النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فيها، من الآية. والمعنى: إذا كان نبيكم مأمورًا بالاقتداء بهم، فأنت أولى. وإنما أمره بالاقتداء بهم ليستكمل بجميع فضائلهم الجميلة، وخصائلهم الحميدة، وهي نعمة ليس وراءها نعمة. فيجب عليه الشكر لذلك. وفي الحديث: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في: أحاديث الأنبياء، وأبو داود والترمذي في: الصلاة، والنسائي في: التفسير. 4 - باب سَجْدَةِ النَّجْمِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (باب سجدة) سورة (النجم). (قاله) أي: روى السجود في سورة النجم (ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كما سيأتي في الباب التالي لهذا الباب. 1070 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ فَسَجَدَ بِهَا، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلاَّ سَجَدَ، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى وَجْهِهِ وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا. فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا". وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين، الحوضي الأزدي البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه): (أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ سورة النجم، فسجد بها) ولأبي الوقت في نسخة: فسجد فيها، أي: لما فرغ من قراءتها (فما بقي أحد من القوم) الذين اطلع عليهم عبد الله بن مسعود (إلا سجد) معه عليه الصلاة والسلام. (فأخذ رجل من القوم) الحاضرين: أمية بن خلف، أو غيره (كفًّا من حصى أو تراب) شك الراوي (فرفعه إلى وجهه، وقال: يكفيني هذا) بفتح أول يكفيني. (فلقد) زاد أبو ذر، والوقت، والأصيلي: قال عبد الله، أي: ابن مسعود: فلقد (رأيته) أي: الرجل (بعد قتل كافرًا). فيه أن من سجد معه من المشركين أسلم. 5 - باب سُجُودِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، وَالْمُشْرِكُ نَجَسٌ لَيْسَ لَهُ وُضُوءٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَسْجُدُ عَلَى غير وُضُوءٍ. (باب سجود المسلمين مع المشركين، والمشرك نجس) بفتح الجيم (ليس له وضوء) صحيح لأنه ليس أهلاً للعبادة. (وكان ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، يسجد) في غير الصلاة (على غير وضوء). لم يوافقه أحد عليه، لأن السجود في معنى الصلاة، فلا يصح إلا بالوضوء، أو: بدله بشروطه. نعم، وافق ابن عمر الشعبي فيما رواه ابن أبي شيبة عنه بسند صحيح. واعترض على الترجمة بأنه: إن أراد المؤلّف الاحتجاج لابن عمر بسجود المشركين، فلا حجة فيه، لأن سجودهم لم يكن للعبادة. وإن أراد الرد على ابن عمر بقوله: والمشرك نجس، فهو أشبه بالصواب. وفي رواية الأصيلي: يسجد على وضوء، فأسقط لفظ: غير، والأولى ثبوتها لانطباق تبويب المصنف، واستدلاله عليه. ويؤيده ما عند ابن أبي شيبة، أن ابن عمر كان ينزل عن راحلته فيريق الماء، ثم يركب، فيقرأ السجدة، فيسجد وما يتوضأ. 1071 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَجَدَ بِالنَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ". وَرَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ. [الحديث 1071 - طرفه في: 4862]. وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا مسدد) أي: ابن مسرهد (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (قال: حدّثنا أيوب) هو السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس رضي الله عنهما): (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سجد بالنجم) زاد الطبراني في معجمه الصغير: بمكة. وفيه تنبيه على اتحاد قصة ابن مسعود السابقة، وابن عباس هذه. قيل: وإنما سجد، عليه الصلاة والسلام لما وصفه الله تعالى في مفتتح السورة من أنه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] وذكر بيان قربه منه تعالى وأنه {رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18] وأنه {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 17] شكرًا لله تعالى على هذه النعمة العظمى. (وسجد معه المسلمون والمشركون) أي: الحاضر منهم، أي: لما سمعوا ذكر طواغيتهم {اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 19 - 20] لا لما قيل، مما لا يصح: أنه أثنى على آلهتهم. وكيف يتصوّر ذلك، وقد أدخل همزة الإنكار على الاستخبار، بعد الفاء في قوله في السورة

6 - باب من قرأ السجدة ولم يسجد

{أَفَرَأَيْتُمُ} [النجم: 19] المستدعية لإنكار فعل الشرك؟. والمعنى: أتجعلون هؤلاء أي: اللات والعزى ومناة، شركاء؟ فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كانت آلهة وما هي {إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} بمجرد متابعة الهوى، لا عن حجة أنزل الله تعالى بها. ملخصًا من شرح المشكاة. وليكن لنا إلى تحرير المبحث في هذه القصة عودة في سورة: الحج، إن شاء الله تعالى. وفي كتابي: المواهب اللدنية، من ذلك ما يكفي ويشفي، ولله الحمد والمنة. (و) كذا سجد معه عليه الصلاة والسلام (الجن والإنس) هو من باب الإجمال بعد التفصيل، كما في قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} قاله الكرماني. وزاد صاحب اللامع الصبيح: أو تفصيل بعد إجمال، لأن كلاًّ من المسلمين والمشركين شامل للإنس والجن. فإن قلت: من أين علم ابن عباس سجود الجن؟ جوزنا جواز رؤيتهم بطريق الكشف، لكن ابن عباس لم يحضر القصة لصغر سنه؟. أجيب: باحتمال استناده في ذلك إلى إخباره عليه الصلاة والسلام، إما بالمشافهة له، أو بواسطة. (ورواه) أي الحديث (ابن طهمان) بفتح الطاء وسكون الهاء آخره نون، ولأبي الوقت في نسخة، وأبي ذر والأصيلي: إبراهيم بن طهمان (عن أيوب) السختياني. والحديث أخرجه أيضًا في التفسير، والترمذي في: الصلاة. 6 - باب مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَسْجُدْ (باب من قرأ السجدة) أي آيتها (و) الحال أنه (لم يسجد). 1072 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: "أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- فَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {وَالنَّجْمِ} فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا". [الحديث 1072 - طرفه في: 1073]. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن داود أبو الربيع) الزهراني البصري (قال: حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري المدني (قال: أخبرنا) ولأبي الوقت، والأصيلي: حدّثنا (يزيد بن خصيفة) من الزيادة، وخصيفة بضم المعجمة وفتح المهملة والفاء (عن ابن قسيط) بضم القاف، وفتح السين المهملة مصغرًا، هو: يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي الأعرج المدني (عن عطاء بن يسار) بالمثناة التحتية، وتخفيف المهملة (أنه أخبره) أي: عطاء أخبر ابن قسيط. (أنه سأل زيد بن ثابت) الأنصاري (رضي الله عنه) عن السجود في آخر النجم (فزعم) أي: فأخبر (أنه قرأ على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (والنجم) أي سورتها (فلم يسجد فيها) لبيان الجواز، لأنه لو كان واجبًا لأمره بالسجود. وقد روى البزار والدارقطني بإسناد رجاله ثقات، عن أبي هريرة: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سجد في سورة النجم، وسجدنا معه. وعند ابن مردويه في التفسير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أنه رأى أبا هريرة يسجد في خاتمة النجم، فسأله، فقال: إنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسجد فيها، وأبو هريرة إنما أسلم بالمدينة. وأما قول ابن القصار: إن الأمر بالسجود في النجم ينصرف إلى الصلاة فمردود بفعله. ورواة حديث الباب مدنيون إلا شيخ المؤلّف، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والسؤال، وأخرجه المؤلّف في سجود القرآن، ومسلم في الصلاة، وكذا أبو داود والترمذي. وقال: حسن صحيح، والنسائي. 1073 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: "قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {وَالنَّجْمِ}، فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا". وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة وتخفيف التحتية (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) بالذال المعجمة، هو: محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة القرشي المدني (قال: حدّثنا يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن عطاء بن يسار) الهلالي، وهو المذكور قريبًا (عن زيد بن ثابت) الأنصاري، رضي الله عنه، أنه (قال): (قرأت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {والنجم} فلم يسجد فيها). تمسك به المالكية، وبنحو حديث عطاء بن يسار: سألت أبي بن كعب فقال: ليس في المفصل سجدة. قال الشافعي في القديم: قال مالك: في القرآن إحدى عشرة سجدة، ليس في المفصل منها شيء. قال الشافعي وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، في: العلم بالقرآن، كما لا يجهله أحد زيد قرأ على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام مات، وقرأ أبي على النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مرتين وقرأ ابن عباس على أبي، وهم ممن لا يشك إن شاء الله أنهم لا يقولونه إلا بالإحاطة مع قول من لقينا من أهل المدينة. وكيف يجهل أبي بن كعب سجود القرآن وقد بلغنا أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأبي: إن الله أمرني أن أقرئك القرآن؟ قال البيهقي: ثم قطع الشافعي في الجديد بإثبات السجود في المفصل في: رواية المزني، ومختصر البويطي، والربيع، وابن أبي الجارود. 7 - باب سَجْدَةِ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} (باب سجدة {إِذَا

8 - باب من سجد لسجود القارئ

السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]. 1074 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ وَمُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالاَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: "رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فَسَجَدَ بِهَا، فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَلَمْ أَرَكَ تَسْجُدُ؟ قَالَ: لَوْ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْجُدُ لَمْ أَسْجُدْ". وبه قال: (حدّثنا مسلم) ولأبي ذر: مسلم بن إبراهيم، أي: القصاب البصري (ومعاذ بن فضالة) بفتح الفاء والمعجمة، ابن يزيد الزهراني البصري (قالا: أخبرنا هشام) هو ابن أبي عبد الله الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بفتح اللام: ابن عبد الرحمن بن عوف (قال): (رأيت أبا هريرة رضي الله عنه قرأ) سورة ({إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فسجد بها) الباء ظرفية، وللكشميهني وأبي الوقت في نسخة: فيها. قال أبو سلمة (فقلت: بل أبا هريرة، ألم أرك تسجد؟ قال: لو لم أر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسجد، لم أسجد) ولأبوي ذر والوقت: سجد، بلفظ الماضي بدل: يسجد المضارع، والهمزة في: ألم أرك؟ للاستفهام الإنكاري المشعر بأن العمل استقرّ على خلاف السجود فيها. كما روي أنه لم يسجد في المفصل منذ تحوّل إلى المدينة. وكذلك أنكر عليه أبو رافع كما في حديثه الآتي إن شاء الله تعالى في باب: من قرأ السجدة في الصلاة فسجد فيها. حيث قال لهما: هذه السجدة. لكن أبو سلمة، وأبو رافع لم ينازعا أبا هريرة بعد أن أعلمهما أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سجد فيها، ولا احتجا عليه بالعمل، وحينئذٍ فلا دلالة فيه لمن لا يرى السجود فيها في الصلاة، ولا لمن قال: إن النظر أن لا يسجد فيها، لأنها إخبار بأنه {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21]. 8 - باب مَنْ سَجَدَ لِسُجُودِ الْقَارِئِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِتَمِيمِ بْنِ حَذْلَمٍ -وَهْوَ غُلاَمٌ- فَقَرَأَ عَلَيْهِ سَجْدَةً فَقَالَ: اسْجُدْ، فَإِنَّكَ إِمَامُنَا فِيهَا. (باب من سجد) للتلاوة (لسجود القارئ). (وقال ابن مسعود) عبد الله، مما وصله سعيد بن منصور (لتميم بن حذلم) بفتح الحاء المهملة وإسكان الذال المعجمة وفتح اللام، وفتح تاء تميم وكسر ميمه، أبو سلمة الضبي (وهو غلام) جملة حالية (فقرأ عليه سجدة فقال) أي: ابن مسعود (اسجد) أنت لنسجد نحن أيضًا (فإنك إمامنا) أي متبوعنا لتعلق السجدة بنا من جهتك، وزاد الحموي: فيها أي: إمامنا في السجدة. وليس معناه إن لم تسجد لا نسجد، لأن السجدة كما تتعلق بالقارئ، تتعلق بالسامع غير القاصد السماع، والمستمع القاصد، ولو لقراءة محدث، وصبي، وكافر، وامرأة، ومصل، وتارك لها، لكنها في المستمع والسامع عند سجود القارئ آكد منها عند عدم سجوده، لما قيل: إن سجودهما يتوقف على سجوده، وإذا سجدا معه فلا يرتبطان به، ولا ينويان الاقتداء به. ولهما الرفع من السجود قبله. ذكره في الروضة. قال القاضي: ولا سجود لقراءة جنب وسكران، أي لأنها غير مشروعة لهما، زاد الأسنوي في الكوكب: ولا ساه، ونائم، لعدم قصدهما التلاوة. وقال الزركشي: وينبغي السجود لقراءة ملك أو جنيّ، لا لقراءة درّة. ونحوها لعدم القصد انتهى. وسقط قوله: وقال ابن مسعود الخ عند الأصيلي. 1075 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَوْضِعَ جَبْهَتِهِ". [الحديث 1075 - طرفاه في: 1076، 1079]. وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) القطان (عن عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة ابن عمر بن حفص بن عاصم بن الخطاب، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: حدّثنا عبيد الله (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، قال): (كان النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ علينا السورة فيها السجدة، فيسجد ونسجد) معه (حتى ما يجد أحدنا) أي بعضنا (موضع جبهته) لكثرة الساجدين وضيق المكان. 9 - باب ازْدِحَامِ النَّاسِ إِذَا قَرَأَ الإِمَامُ السَّجْدَةَ (باب ازدحام الناس إذا قرأ الإمام السجدة). 1076 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ السَّجْدَةَ وَنَحْنُ عِنْدَهُ، فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ، فَنَزْدَحِمُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا لِجَبْهَتِهِ مَوْضِعًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ". وبه قال: (حدّثنا بشر بن آدم) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، الضرير وليس له في البخاري إلا هذا الحديث فقط (قال: حدّثنا علي بن مسهر) بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء (قال: أخبرنا عبيد الله) بن عمر العمري (عن نافع عن ابن عمر) بضم العين (قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ السجدة، ونحن عنده) جملة حالية (فيسجد) عليه الصلاة والسلام (ونسجد) نحن (معه فنزدحم) لضيق الموضع وكثرتنا (حتى ما يجد أحدنا) ليس المراد كل واحد، بل البعض غير المعين (لجبهته موضعًا يسجد عليه) جملة في محل نصب لأنها وقعت صفة لموضعًا المنصوب على المفعولية ليجد. وقد روى البيهقي بإسناد صحيح، عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: إذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه. أي: ولو بغير إذنه، مع أن الأمر فيه يسير، قاله

10 - باب من رأى أن الله عز وجل لم يوجب السجود

في المطلب، ولا بد من إمكانه مع القدرة على رعاية هيئة الساجد، بأن يكون على مرتفع، والمسجود عليه في منخفض. وبه قال أحمد، والكوفيون، وقال مالك: يمسك، فإذا رفعوا سجد، وإذا قلنا بجواز السجود في الفرض فهو أجوز في سجود القرآن لأنه سنة، وذاك فرض. 10 - باب مَنْ رَأَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُوجِبِ السُّجُودَ وَقِيلَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: الرَّجُلُ يَسْمَعُ السَّجْدَةَ وَلَمْ يَجْلِسْ لَهَا. قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ قَعَدَ لَهَا. كَأَنَّهُ لاَ يُوجِبُهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ سَلْمَانُ: مَا لِهَذَا غَدَوْنَا. وَقَالَ عُثْمَانُ -رضي الله عنه-: إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنِ اسْتَمَعَهَا. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لاَ يَسْجُدُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا، فَإِذَا سَجَدْتَ وَأَنْتَ فِي حَضَرٍ فَاسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، فَإِنْ كُنْتَ رَاكِبًا فَلاَ عَلَيْكَ حَيْثُ كَانَ وَجْهُكَ. وَكَانَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ لاَ يَسْجُدُ لِسُجُودِ الْقَاصِّ. (باب من رأى أن الله عز وجل لم يوجب السجود) لحديث الباب الآتي إن شاء الله تعالى، ولحديث زيد بن ثابت السابق قريبًا: أنه قرأ على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {والنجم} فلم يسجد فيها. وأما قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62] وقوله: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] فمحمول على الندب أو على أن المراد به سجود الصلاة، أو في الصلاة المكتوبة على الوجوب، وفي سجود التلاوة على الندب على قاعدة الشافعي في حمل المشترك على معنييه. وأوجبه الحنفية لأن آيات السجدة كلها دالة على الوجوب لاشتمال بعضها على الأمر بالسجود لأن مطلق الأمر للوجوب، واحتواء بعضها على الوعيد الشديد على تركه، وانطواء بعضها على استنكاف الكفرة عن السجود، والتحرز عن التشبه بهم واجب، وذلك بالسجود وانتظام بعضها على الإخبار عن فعل الملائكة والاقتداء بهم لازم لأن فيه تبرأ من الشيطان حيث لم يقتد به. وحديث زيد لا ينفي الوجوب لأنه لا يقتضي إلا تركها متصلة بالتلاوة، والأمر في الآيتين للوجوب لتجرده عن القرينة الصارفة عن الوجوب، وحمله على سجود الصلاة يحتاج إلى دليل. واستعماله في الصلاة المكتوبة على الوجوب، وفي سجدة التلاوة على الندب، استعمال لمفهومين مختلفين في حالة واحدة وهو ممتنع. انتهى. واحتج الطحاوي للندبية بأن الآيات التي في سجود التلاوة منها ما هو بصيغة الخبر، ومنها ما هو بصيغة الأمر. وقد وقع الخلاف في التي بصيغة الأمر: هل فيها سجود أو لا، وهي: ثانية الحج، وخاتمة النجم، واقرأ. فلو كان سجود التلاوة واجبًا لكان ما ورد بصيغة الأمر أولى أن يتفق على السجود فيه مما ورد بصيغة الخبر. (وقيل لعمران بن حصين) مما وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح بمعناه: (الرجل يسمع السجدة ولم يجلس لها) أي: لقراءة السجدة، أي لا يكون مستمعًا؟ (قال) عمران: (أرأيت) أي: أخبرني (لو قعد لها؟) وهمزة: أرأيت. للاستفهام الإنكاري قال المؤلّف: (كأنه) أي عمران (لا يوجبه) أي: السجود (عليه) أي الذي قعد لها للاستماع. وإذا لم يجب على المستمع فعدمه على السامع أولى. (وقال سلمان) الفارسي، مما وصله عبد الرزاق بإسناد صحيح من طريق أبي عبد الرحمن السلمي، قال: مر سلمان على قوم قعود فقرؤوا السجدة، فسجدوا، فقيل له، فقال: (ما لهذا) أي: للسماع (غدونا) أي: لم نقصده، فلا نسجد. (وقال عثمان) بن عفان (رضي الله عنه: إنما السجدة على من استمعها) أي: قصد سماعها وأصغى إليها، لا على سامعها. وهذا وصله عبد الرزاق بمعناه. بإسناد صحيح، عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عنه: (وقال) ابن شهاب (الزهري)، مما وصله عبد الله بن وهب عن يونس عنه: (لا يسجد إلا أن يكون) بالمثناة التحتية فيهما ورفع الدال، ولأبوي ذر، والوقت: لا تسجد إلا أن تكون ... ، بالفوقية فيهما وسكون الدال، (طاهرًا، فإذا سجدت وأنت في حضر فاستقبل القبلة، فإن كنت راكبًا) أي: في سفر، لأنه قسيم الحضر (فلا عليك حيث كان وجهك) أي: لا بأس عليك أن تستقبل القبلة عند السجود، وهذا موضع الترجمة، لأن الواجب لا يؤدى على الدابة في الأمن. (وكان السائب بن يزيد) بن سعيد الكندي أو: الأزدي، المعروف بابن أخت النمر، والنمر خال أبيه يزيد هو النمر بن جليّ، وتوفي السائب فيما قاله أبو نعيم: سنة اثنتين وثمانين، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة (لا يسجد لسجود القاص) بتشديد الصاد المهملة، الذي يقرأ القصص، والأخبار، والمواعظ لكونه ليس قاصدًا لتلاوة القرآن، أو: لا يكون قاصدًا للسماع، أو: كان يسمعه ولم يكن يستمع، أو: كان لم يجلس له، فلا يسجد. قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على هذا الأثر موصولاً. انتهى. 1077 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ التَّيْمِيِّ -قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَانَ رَبِيعَةُ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ- عَمَّا حَضَرَ رَبِيعَةُ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ، فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ - رضي الله عنه". وَزَادَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما: "إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلاَّ أَنْ نَشَاءَ". وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد التيمي الرازي، المعروف بالصغير (قال: أخبرنا هشام بن

11 - باب من قرأ السجدة في الصلاة فسجد بها

يوسف) الصنعاني (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز المكي (أخبرهم، قال: أخبرني) بالإفراد (أبو بكر بن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام، عبد الله بن عبيد الله، واسم أبي مليكة: زهير بن عبد الله الأحول (عن عثمان بن عبد الرحمن) بن عثمان (التيمي) القرشي، (عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير) بضم الهاء وفتح الدال المهملة وسكون المثناة التحتية ثم راء (التميمي) القرشي المدني التابعي الجليل، (قال أبو بكر) أي ابن أبي مليكة: (وكان ربيعة) بن عبد الله بن الهدير (من خيار الناس: عما حضر ربيعة من عمر بن الخطاب رضي الله عنه) الجار متعلق: بأخبرني، والأول وهو عن عثمان متعلق بمحذوف، لا بأخبرني، لأن حرفي جر بمعنى لا يتعلقان بفعل واحد، والتقدير: أخبرني أبو بكر راويًا عن عثمان عن ربيعة عن قصة حضوره مجلس عمر أنه: (قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل، حتى إذا جاء السجدة) {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 49، 50] (نزل) عن المنبر (فسجد) على الأرض (وسجد الناس) معه (حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها) أي بسورة النحل (حتى إذا جاء السجدة). ولأبي ذر: جاءت السجدة (قال: يا أيها الناس إنا) وللكشميهني: إنما بزيادة ميم بعد النون، (نمرّ بالسجود) أي: بآيته (فمن سجد فقد أصاب) السنة، (ومن لم يسجد فلا إثم عليه) ظاهر في عدم الوجوب. لأن انتفاء الإثم عمن ترك الفعل مختارًا يدل على عدم وجوبه، وقد قاله بمحضر من الصحابة ولم ينكره عليه أحد، فكان إجماعًا سكوتيًا. (ولم يسجد عمر رضي الله عنه وزاد نافع) مولى ابن عمر أي: وقال ابن جريج: أخبرني ابن أبي مليكة بالإسناد السابق أن نافعًا زاد (عن ابن عمر رضي الله عنهما) مما هو موقوف عليه. (إن الله لم يفرض السجود) ولأبي ذر: لم يفرض علينا السجود، أي: بل هو سنة. وأجاب بعض الحنفية بالتفرقة بين الفرض. والواجب، على قاعدتهم، بأن نفي الفرض لا يستلزم نفي الوجوب. وأجيب: بأن انتفاء الإثم عن الترك مختارًا يدل على الندبية. (إلا أن نشاء) السجود فالمرء مخير: إن شاء سجد، وإن شاء ترك. وحينئذٍ فلا وجوب. وادعاء المزي كالحميدي: أن هذا معلق غير موصول: وهم، ويشهد لاتصاله أن عبد الرزاق قال في مصنفه، عن ابن جريج: أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة ... فذكره، وقال في آخره: قال ابن جريج: وزادني نافع عن ابن عمر أنه قال: لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء. وكذلك رواه الإسماعيلي والبيهقي وغيرهما، قاله في الفتح. 11 - باب مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ فِي الصَّلاَةِ فَسَجَدَ بِهَا (باب من قرأ السجدة في الصلاة فسجد بها) أي بتلك السجدة لا يكره له ذلك خلاقًا لمالك حيث قال بكراهة ذلك في الفريضة الجهرية والسرية منفردًا، وفي جماعة وسقط لفظ: بها، للأصيلي. 1078 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي بَكْرٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ، فَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فَسَجَدَ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ: سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلاَ أَزَالُ أَسْجُدُ فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد (قال: حدّثنا معتمر) بضم الميم الأولى وكسر الثانية، ابن سليمان التيمي (قال: سمعت) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (أبي) سليمان بن طرخان التيمي (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (بكر) هو: ابن عبد الله المزني (عن أبي رافع) نفيع (قال): (صليت مع أبي هريرة) رضي الله عنه، (العتمة) أي: صلاة العشاء (فقرأ) سورة ({إذا السماء انشقت} فسجد) أي: عند آخر السجدة منها. (فقلت) له: (ما هذه) السجدة التي سجدتها في الصلاة. (قال: سجدت بها خلف أبي القاسم، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، أي: داخل الصلاة، كما في رواية أبي الأشعث عن معمر (فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه) أي: حتى أموت. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة، وكذا مسلم وأبو داود والنسائي. 12 - باب مَنْ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا لِلسُّجُودِ مِنَ الزِّحَامِ (باب من لم يجد موضعًا للسجود من الزحام) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: للسجود مع الإمام من الزحام. 1079 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ السُّورَةَ الَّتِي فِيهَا السَّجْدَةُ، فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ، حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَكَانًا لِمَوْضِعِ جَبْهَتِهِ". وبالسند قال: (حدّثنا صدقة) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: صدقة بن الفضل (قال: أخبرنا يحيى) القطان، ولأبي ذر، والأصيلي: يحيى بن سعيد (عن عبيد الله) بضم العين. ابن عمر بن حفص العمري (عن نافع، عن ابن

18 - أبواب التقصير

عمر، رضي الله عنهما. قال): (كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقرأ السورة التي فيها السجدة) زاد علي بن مسهر في روايته عن عبيد الله: ونحن عنده (فيسجد) عليه الصلاة والسلام (ونسجد) نحن (حتى) وللكشميهني: ونسجد معه حتى (مما يجد أحدنا مكانًا لموضع جبهته) من الزحام، أي: في غير وقت صلاة، كما في رواية مسلم. وزاد الطبراني من طريق مصعب بن ثابت، عن نافع في هذا الحديث: حتى يسجد الرجل على ظهر أخيه. وله أيضًا، من رواية المسور بن مخرمة، عن أبيه، قال: أظهر أهل مكة الإسلام، يعني في أول الأمر حتى، أن كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليقرأ السجدة فيسجد، وما يستطيع بعضهم أن يسجد من الزحام، حتى قدم رؤساء أهل مكة، وكانوا في الطائف فرجعوهم عن الإسلام. بسم الله الرحن الرحيم 18 - أبواب التقصير (بسم الله الرحمن الرحيم). (أبواب التقصير) كذا للمستملي، وسقطت البسملة لأبي ذر، ولأبي الوقت: أبواب تقصير الصلاة. 1 - باب مَا جَاءَ فِي التَّقْصِيرِ، وَكَمْ يُقِيمُ حَتَّى يَقْصُرَ (باب ما جاء في التقصير) مصدر قصر بالتشديد أي: تقصير الفرض الرباعي إلى ركعتين في كل سفر طويل مباح، طاعة كان كسفر الحج أو غيرها، ولو مكروهًا. كسفر تجارة تخفيفًا على المسافر لما يلحقه من تعب السفر. والأصل فيه، مع ما سيأتي إن شاء الله تعالى، قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [النساء: 101]. قال يعلى بن أمية: قلت لعمر: إنما قال الله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] وقد أمن الناس، فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: "صدقة تصدّق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته" رواه مسلم؛ فلا قصر في الصبح والمغرب، ولا في سفر معصية، خلافًا لأبي حنيفة حيث أجازه في كل سفر. وفي شرح المسند لابن الأثير: كان قصر الصلاة في السنة الرابعة من الهجرة، وفي تفسير الثعلبي، قال ابن عباس: أوّل صلاة قصرت، صلاة العصر، قصرها رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بعسفان في غزوة أنمار. (وكم يقيم حتى يقصر؟) وفي نسخة اليونينية: يقصر بالتشديد، أي: وكم يومًا يمكث المسافر لأجل القصر، فكم، هنا استفهامية بمعنى: أي عدد، ولا يكون تمييزه، إلا مفردًا خلافًا للكوفيين. ويكون منصوبًا. ولفظة: حتى، هنا للتعليل لأنها تأتي في كلام العرب لأحد ثلاثة معان: انتهاء الغاية، وهو الغالب. والتعليل، وبمعنى إلا الاستثنائية. وهذا أقلها. ولفظه: يقيم، معناها: يمكث؛ وجواب: كم، محذوف تقديره: تسعة عشر يومًا، كما في حديث الباب، قاله العيني. 1080 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ وَحُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ، فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا، وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا". [الحديث 1080 - طرفاه 4298، 4299]. وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي (قال: حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن عاصم) هو: ابن سليمان الأحول (وحصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن عبد الرحمن السلمي، كلاهما (عن عكرمة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال): (أقام النبي) ولأبي ذر: رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في فتح مكة (تسعة عشر) بتقديم الفوقية على السين، أي: يومًا بليلته حال كونه (يقصر) الصلاة الرباعية، لأنه كان مترددًا متى تهيأ له فراغ حاجته، وهو انجلاء حرب هوازن، ارتحل. ويقصر بضم الصاد، وضبطها المنذري بضم الياء وتشديد الصاد، من: التقصير. وقد أخرج الحديث: أبو داود من هذا الوجه، بلفظ: سبعة عشر، بتقديم السين على الموحدة، وله أيضًا، من حديث عمران بن حصين: غزوت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الفتح، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة، لا يصلّي إلاّ ركعتين. قال في المجموع: في سنده من لا يحتج به، لكن رجحه الشافعي على حديث ابن عباس: تسعة عشر. ولأبي داود، أيضًا عن ابن عباس: "أقام -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بمكة عام الفتح، خمسة عشر يقصر الصلاة". وضعفها النووي في الخلاصة. قال ابن حجر: وليس بجيد، لأن رواتها ثقات، ولم ينفرد بها ابن إسحاق، فقد أخرجها النسائي من رواية عراك بن مالك، عن عبيد الله كذلك وإذا ثبت أنها صحيحة، فليحمل على أن الراوي ظن أن الأصل رواية سبعة عشر، فحذف منها يومي الدخول والخروج، فذكر أنها خمسة عشر. اهـ. وقال البيهقي: أصح الروايات فيه رواية ابن عباس، وهي التي ذكرها البخاري، ومن ثم اختارها ابن الصلاح، والسبكي. ويمكن الجمع، كما قاله البيهقي، بأن راوي: تسعة عشر، عدّ يومي

2 - باب الصلاة بمنى

الدخول والخروج، وراوي: سبعة عشر لم يعدهما، وراوي: ثماني عشرة عد أحدهما، وهذا الجمع يشكل على قولهم: يقصر ثمانية عشر غير يومي الدخول والخروج. اهـ. قال ابن عباس: (فنحن إذا سافرنا) فأقمنا (تسعة عشر) يومًا (قصرنا) الصلاة الرباعية، وذلك عند توقع الحاجة يومًا فيومًا (وإن زدنا) في الإقامة على تسعة عشر يومًا (أتممنا) الصلاة أربعًا. ورواة هذا الحديث ما بين: بصري وواسطي وكوفي ومدني، وفيه ثلاثة من التابعين: عاصم، وحصين، وعكرمة، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في المغازي، وأبو داود والترمذي وابن ماجة: في الصلاة. 1081 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ. قُلْتُ: أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا". [الحديث 1081 - طرفه في: 4297]. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين، عبد الله بن عمرو المنقري المقعد (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري (قال: حدّثنا يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي (قال سمعت أنسًا) رضي الله عنه (يقول): (خرجنا مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من المدينة) يوم السبت، بين الظهر والعصر، لخمس ليال بقين من ذي القعدة (إلى مكة) أي: إلى الحج، كما في رواية شعبة عن يحيى بن أبي إسحاق، عند مسلم (فكان) عليه الصلاة والسلام (يصلّي) الفرائض (ركعتين ركعتين) أي إلا المغرب، رواه البيهقي. (حتى رجعنا إلى المدينة). قال يحيى؛ (قلت) لأنس: (أقمتم) بحذف همزة الاستفهام (بمكة شيئًا؟ قال: أقمنا بها) أي: وبضواحيها (عشرًا) أي: عشرة أيام، وإنما حذف التاء من العشرة، مع أن اليوم مذكر، لأن المميز إذا لم يذكر جاز في العدد التذكير والتأنيث. واستشكل إقامته، عليه الصلاة والسلام، المدة المذكورة، يقصر الصلاة، مع ما تقرر أنه لو نوى المسافر إقامة أربعة أيام بموضع عينه، انقطع سفره بوصوله ذلك الموضع، بخلاف ما لو نوى دونها، وإن زاد عليه لحديث: "يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثًا" وكان يحرم على المهاجرين الإقامة بمكة ومساكنة الكفار. رواهما الشيخان. فالترخيص في الثلاث يدل على بقاء حكم السفر بخلاف الأربعة، ولا ريب أنه عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع كان جازمًا بالإقامة بمكة المدة المذكورة. وأجيب: بأنه عليه الصلاة والسلام، قدم مكة لأربع خلون من ذي الحجة، فأقام بها غير يومي الدخول والخروج إلى منى، ثم بات بمنى، ثم سار إلى عرفات، ورجع فبات بمزدلفة، ثم سار إلى منى، فقضى نسكه، ثم إلى مكة، فطاف، ثم رجع إلى منى، فأقام بها ثلاثًا يقصر، ثم نفر منها بعد الزوال في ثالث أيام التشريق، فنزل بالمحصب، وطاف في ليلته للوداع، ثم رحل من مكة قبل صلاة الصبح، فلم يقم بها أربعًا في مكان واحد. وقال أبو حنيفة: يجوز القصر ما لم ينو الإقامة خمسة عشر يومًا. ورواة هذا الحديث الأربعة كلهم بصريون، وفيه: التحديث والسماع والقول، وأخرجه أيضًا في المغازي، ومسلم في الصلاة، وكذا أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وأخرجه النسائي فيها والحج. 2 - باب الصَّلاَةِ بِمِنًى (باب) حكم (الصلاة بمنى) بكسر الميم يذكر ويؤنث. فإن قصد الموضع: فمذكر، ويكتب بالألف وينصرف، وإن قصد البقعة: فمؤنث، ولا ينصرف، ويكتب بالياء. والمختار: تذكيره. وسمي منًى، لما يمنى فيه، أي: يراق من الدماء. والمراد: الصلاة بها في أيام الرمي. واختلف في المقيم بها: هل يقصر أو يتم؟. ومذهب المالكية: القصر حتى أهل مكة وعرفة ومزدلفة للسنة، إلا فليس ثم مسافة قصر، فيتم أهل منى بها، ويقصرون بعرفة ومزدلفة؛ وضابطه عندهم: أن أهل كل مكان يتمون به ويقصرون فيما سواه. وأجيب بحديث: أنه عليه الصلاة والسلام. كان يصلّي بمكة ركعتين، ويقول: يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر، رواه الترمذي. فكأنه ترك إعلامهم بذلك بمنى: استغناء بما تقدم بمكة. وأجيب: بأن الحديث ضعيف لأنه من رواية علي بن جدعان، سلمنا صحته، لكن القصة كانت في الفتح، ومنى: كانت فى حجة الوداع، فكان لا بد من بيان ذلك لبعد العهد. 1082 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا". [الحديث 1082 - طرفه في: 1655]. وبه قال: (حدّثنا مسدد قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين، ابن عمر بن حفص (قال: أخبرني) بالإفراد (نافع عن عبد الله، رضي الله عنه) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما (قال): (صليت مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بمنى) أي: وغيره، كما عند مسلم من رواية سالم عن أبيه: الرباعية

3 - باب كم أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجته؟

(ركعتين) للسفر (و) كذا مع (أبي بكر) الصديق (وعمر) الفاروق (ومع عثمان) ذي النورين رضي الله عنهم (صدرًا من إمارته) بكسر الهمزة، أي: من أول خلافته، وكانت مدتها ثمان سنين، أو ست سنين (ثم أتمها) بعد ذلك لأن الإتمام والقصر جائزان، ورأى ترجيح طرف الإتمام لما فيه من المشقّة. 1083 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: "صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آمَنَ مَا كَانَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ". [الحديث 1083 - طرفه في: 1656]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي (قال: حدّثنا) وللأصيلي: أخبرنا (شعبة) بن الحجاج (قال: أنبأنا) من الإنباء، وهو في عرف المتقدمين بمعنى الأخبار والتحديث، ولم يذكر هذا اللفظ فيما سبق (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سمعت حارثة بن وهب) بالحاء المهملة والمثلثة، الخزاعي، أخا عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه (قال): (صلّى بنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أمن) بمد الهمزة وفتحات، أفعل تفضيل من الأمن، ضد الخوف (ما كان) وللحموي والكشميهني: ما كانت، بزيادة تاء التأنيث (بمنى) الرباعية (ركعتين). وكلمة: ما، مصدرية ومعناه الجمع، لأن ما أضيف إليه التفضيل يكون جمعًا، والمعنى: صلّى بنا، والحال إنّا أكثر أكواننا في سائر الأوقات أمنًا من غير خوف. وإسناد الأمن إلى الأوقات مجاز، والباء في "بمنى" ظرفية تتعلق بقوله: صلّى، وفيه دليل على جواز القصر في السفر من غير خوف. وإن دل ظاهر قوله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] على الاختصاص، لأن ما في الحديث رخصة، وما في الآية عزيمة، يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام، المروي في مسلم: "صدقة تصدق الله بها عليكم". ورواة هذا الحديث ما بين: بصري وواسطي وكوفي، وفيه: التحديث والإنباء والسماع والقول، وأخرجه أيضًا في الحج، ومسلم في: الصلاة وأبو داود في: الحج، وكذا الترمذي والنسائي. 1084 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: "صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ -رضي الله عنه- بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-، فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ". [الحديث 1084 - طرفه 1657]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة)، ولأبي ذر، والأصيلي: قتيبة بن سعيد (قال: حدّثنا عبد الواحد) العبدي، ولأبي ذر: ابن زياد (عن الأعمش) سليمان بن مهران. (قال: حدّثنا) بالجمع، ولابن عساكر: حدّثني (إبراهيم) النخعي لا التيمي (قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد) من الزيادة النخعي (يقول): (صلّى بنا عثمان بن عفان رضي الله عنه) المكتوبة الرباعية (بمنى) في حال إقامته بها أيام الرمي (أربع ركعات). (فقيل ذلك) وللأصيلي، وأبي ذر: فقيل في ذلك أي: فما ذكر من صلاة عثمان أربع ركعات (لعبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، فاسترجع) قال: إنّا لله وإنا إليه راجعون، لما رأى من تفويت عثمان لفضيلة القصر، لا لكون الإتمام لا يجزي (ثم قال): (صليت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المكتوبة (بمنى ركعتين، وصليت مع أبي بكر) ولأبوي ذر، والوقت والأصيلي زيادة: الصديق (رضي الله عنه بمنى، وصليت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بمنى ركعتين) وسقط قوله: بمنى، عند أبي ذر في أصل، وثبت في غيره (فليت حظي) بالحاء المهملة والظاء المعجمة، أي: فليت نصيبي (من أربع ركعات ركعتان) وللأصيلي: من أربع ركعتان (متقبلتان). من، في قوله: من أربع للبدلية كهي في {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ} [التوبة: 38]. وفيه تعريض بعثمان، أي: ليته صلّى ركعتين بدل الأربع، كما صلّى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وصاحباه وهو إظهار لكراهة مخالفتهم. لا يقال: إن ابن مسعود كان يرى القصر واجبًا كما قال الحنفية، وإلاّ لما استرجع، ولا أنكر بقوله: "صليت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... " إلى آخره. لأنا نقول: قوله: ليت حظي من أربع ركعات يرد ذلك، لأن ما لا يجزئ لا حظ له فيه، لأنه فاسد، ولولا جواز الإتمام لم يتابع هو والملأ من الصحابة عثمان عليه. ويؤيده ما روى أبو داود: أن ابن مسعود صلّى أربعًا فقيل له: عبت على عثمان، ثم صليت أربعًا فقال: الخلاف شر إذ لو كان بدعة لكان مخالفته خيرًا وصلاحًا. ورواة هذا الحديث ما بين: بلخي وبصري وكوفي وفيه: التحديث والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه أيضًا في الحج، ومسلم في: الصلاة، وأبو داود في الحج وكذا النسائي. 3 - باب كَمْ أَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّتِهِ؟ هذا (باب) بالتنوين (كم أقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجته؟). 1085 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَّاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، إِلاَّ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ". تَابَعَهُ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ. [الحديث 1085 - أطرافه في: 1564، 2505، 3832]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي البصري (قال: حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد (قال: حدّثنا أيوب) السختياني (عن أبي العالية البراء) بتشديد الراء، وكان يبري

4 - باب في كم يقصر الصلاة؟ وسمى النبي -صلى الله عليه وسلم- يوما وليلة سفرا

النبل أو القصب، واسمه زياد بن فيروز على المشهور، وليس هو أبا العالية الرياحي (عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال): (قدم النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأصحابه) مكة يوم الأحد (لصبح رابعة) من ذي الحجة، وخرج إلى منى: في الثامن، فصلّى بمكة إحدى وعشرين صلاة، من أول ظهر الرابع إلى آخر ظهر الثامن، فهي أربعة أيام ملفقة، وهذا موضع الترجمة، وإن لم يصرح في الحديث بغاية فإنها معروفة في الواقع. أو المراد: إقامته إلى أن توجه إلى المدينة وهي عشرة أيام سواء، كما مر في حديث أنس. وكنى بقوله (يلبون بالحج) عن الإحرام، والجملة حالية، أي: قدم، عليه السلام، وأصحابه، حال كونهم محرمين بالحج (فأمرهم) عليه الصلاة والسلام (أن يجعلوها) أي حجتهم (عمرة) وليس هذا من باب الإضمار قبل الذكر، لأن قوله: بالحج، يدل على الحجة (إلا من معه) وللكشميهني: إلا من كان معه (الهدي) بفتح الهاء وسكون الدال: ما يهدى من النعم تقربًا إلى الله تعالى. ووجه استثناء المهدي أنه لا يجوز له التحلل {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]. وفسخ الحج خاص بالصحابة الذين حجوا معه عليه الصلاة والسلام، كما رواه أبو داود، وابن ماجة. ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: هدي بالتنكير. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم والنسائي في الحج. (تابعه) أي: تابع أبا العالية (عطاء) أي: ابن أبي رباح في روايته (عن جابر) أي: ابن عبد الله، وهي موصولة عند المؤلّف في: باب التمتع والقران والإفراد، من كتاب الحج. 4 - باب فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ؟ وَسَمَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا وَلَيْلَةً سَفَرًا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، وَهْيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا. هذا (باب) بالتنوين (في كم يقصر) المصلي (الصلاة؟) بفتح المثناة التحتية وسكون القاف وضم الصاد، ولأبوي ذر، والوقت: تقصر الصلاة، بضم المثناة الفوقية وفتح القاف والصاد المشددة، وللأصيلي: تقصر الصلاة، بضم الفوقية وسكون القاف وفتح الصاد مخففة، مبنيًّا للمفعول فيهما. والصلاة رفع نائب عنه فيهما أيضًا. (وسمى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث هذا الباب (يومًا وليلة سفرًا) وللأربعة، وعزاها في الفتح لأبي ذر فقط: السفر يومًا وليلة، أي: وسمى مدة اليوم والليلة سفرًا. (وكان ابن عمر) بن الخطاب (وابن عباس رضي الله عنهم)، مما وصله البيهقي بسند صحيح، (يقصران) بضم الصاد (ويفطران) بضم أوله وكسر الطاء (في أربعة برد) بضم الموحدة والراء وقد تسكن ذهابًا غير الإياب، ومثله إنما يفعل عن توقيف. فلو قصد مكانًا على مرحلة بنية أن لا يقيم فيه، فلا قصر له ذهابًا ولا إيابًا، وإن نالته مشقة مرحلتين متواليتين، لما روى الشافعي بسند صحيح عن ابن عباس، أنه سئل: أتقصر الصلاة إلى عرفة؟ فقال: لا ولكن إلى عسفان، وإلى جدة، وإلى الطائف. فقدرها بالذهاب وحده. وقد روي عنه مرفوعًا بلفظ: "يا أهل مكة! لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد، من مكة إلى عسفان". رواه الدارقطني، وابن أبي شيبة. لكن في إسناده ضعف من أجل عبد الوهاب بن مجاهد. قال البخاري: (وهي) أي الأربعة برد (ستة عشر فرسخًا) يقينًا أو ظنًا، ولو باجتهاد، إذ كل بريد أربعة فراسخ، وكل فرسخ ثلاثة أميال، فهي: ثمانية وأربعون ميلاً هاشمية، نسبة لبني هاشم، لتقديرهم لها وقت خلافتهم بعد تقدير بني أمية لا هاشم نفسه، كما وقع للرافعي. والميل من الأرض منتهى مد البصر، لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه، وبذلك جزم الجوهري. وقيل: أن ينظر إلى شخص في أرض مصطحبة، فلا يدري أهو رجل أو امرأة، أو هو ذاهب أو آت، وهو أربعة آلاف خطوة، والخطوة: ثلاثة أقدام، فهو اثنا عشر ألف قدم، وبالذراع ستة آلاف، والذراع أربعة وعشرون إصبعًا معترضات، والإصبع: ست شعيرات معتدلات معترضات، والشعيرة: ست شعرات من شعر البرذون. وقد حرر بعضهم الذراع المذكور بذراع الحديد المستعمل الآن بمصر والحجاز، في هذه الأعصار فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن، فعلى هذا، فالميل، بذراع الحديد على القول المشهور: خمسة آلاف ذراع ومايتان وخمسون ذراعًا. انتهى. فمسافة القصر بالبرد أربعة، وبالفراسخ ستة عشر، وبالأميال ثمانية وأربعون ميلاً، وبالأقدام خمسمائة ألف وستة وسبعون ألفًا، وبالأذرع مائتا ألف وثمانية

وثمانون ألفًا وبالأصابع ستة آلاف وتسعمائة ألف واثنا عشر ألفًا وبالشعيرات أْحد وأربعون ألف ألف حبة وأربعماية ألف واثنان وسبعون ألفًا، وبالشعرات مائتا ألف ألف وثمانية وأربعون ألف ألف وثمانمائة ألف واثنان وثلاثون ألفًا، وبالزمن من يوم وليلة مع المعتاد من النزول والاستراحة والأكل والصلاة ونحوها. وعن ابن عباس قال تقصر الصلاة في مسيرة يوم وليلة، رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، وذلك: مرحلتان بسير الأثقال ودبيب الأقدام، وضبطها بذلك تحديد لثبوت تقديرها بالأميال عن الصحابة، كما مر. ولأن القصر والجمع على خلاف الأصل، فيحتاط فيه بتحقيق تقدير المسافة، بخلاف تقدير القلتين ونحوهما، والبر كالبحر، فلو قطع المسافة فيه في ساعة قصر انتهى. ولأبي ذر عن الحموي والمستملي، وهو ستة عشر بالتذكير، بدل: وهي، وسقط ذلك كله إلى قوله فرسخًا لابن عساكر. 1086 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ». [الحديث 1086 - طرفه في: 1087]. وبالسند قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) المعروف بابن راهويه (الحنظلي) بفتح الحاء المهملة والظاء المعجمة، أو: هو ابن نصر السعدي، أو: ابن منصور الكوسج، والأول هو الراجح. وسقط: إبراهيم الحنظلي لأبي ذر، والأصيلي (قال: قلت لأبي أسامة) حماد بن أسامة الليثي (حدثكم عبيد الله) بن عمر بن عاصم العمري، واستدلّ به على أنه: إذا قيل للشيخ حدثكم فلان بكذا مع القرينة صح التحمل، لكن في مسند إسحاق، في آخره، فأقر به أبو أسامة وقال: نعم، (عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تسافر المرأة) بكسر الراء لالتقاء الساكنين، سفرًا مباحًا أو لحج فرض (ثلاثة أيام) بلياليها، ولمسلم: ثلاث ليال، أي: بأيامها، وللكشميهني: فوق ثلاثة أيام، وللأصيلي: لا تسافر المرأة ثلاثًا (إلا مع ذي محرم) بفتح الميم وسكون الحاء، الذي لا يحل له نكاحها. وتمسك به الحنفية في أن سفر القصر ثلاثة أيام، لأن المرأة يجوز لها الخروج في أقل منها لقصر المسافة، وخفة الأمر. وإنما الرخصة في طويل فيه مشقة وتعب. وأجيب: بأنه لو كانت العلة ذلك لجاز للمرأة السفر فيما دون ذلك بلا محرم، لكنه لم يجز والنهي للمرأة من السير وحدها متعلق بالزمان، فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة مثلاً في يوم تام تعلق بها النهي، بخلاف المسافر، فإنه لو قطع مسيرة نصف يوم مثلاً في يومين لم يقصر، فافترقا. ورواة هذا الحديث ما بين: مروزي وكوفي ومدني، وفيه: التحديث والنعنة، وأخرجه مسلم. 1087 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلاَثًا إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ». تَابَعَهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد بن مغربل الأسدي البصري (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) العمري (عن نافع)، ولأبي ذر، والأصيلي: أخبرني، بالإفراد نافع (عن ابن عمر، رضي الله عنهما، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (لا تسافر المرأة) مجزوم بلا الناهية والكسرة لالتقاء الساكنين (ثلاثًا إلا مع ذي محرم) جعلها كالأولى تابعة، وللأصيلي: إلا معها ذو محرم، فجعلها متبوعة. ولا فرق بينهما في المعنى، ولأبي ذر: إلا ومعها ذو محرم، بالواو قبل معها. وليس في اليونينية واو، ولمسلم، وأبي داود، من حديث أبي سعيد: "إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها". (تابعه) أي تابع عبيد الله (¬1) (أحمد) بن محمد المروزي، أحد شيوخ المؤلّف، وليس أحمد بن حنبل حيث رواه (عن ابن المبارك) عبد الله (عن عبيد الله) العمري (عن نافع عن ابن عمر، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 1088 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ». تَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَسُهَيْلٌ وَمَالِكٌ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) هو: محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحرث بن أبي ذئب، واسم أبي ذئب: هشام العامري المدني (قال: حدّثنا) وللأصيلي: أخبرنا (سعيد) هو: ابن أبي سعيد (المقبري) بضم الموحدة، نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان مجاوزًا بها (عن أبيه) أبي سعيد كيسان (عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي) وللأصيلي: عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) خرج مخرج الغالب. وليس المراد إخراج سوى المؤمنة، لأن الحكم يعم كل امرأة مسلمة أو كافرة، كتابية كانت أو حربية، أو هو وصف لتأكيد التحريم لأنه تعريض أنها إذا سافرت بغير محرم فإنها مخالفة ¬

(¬1) بياض في الأصل.

5 - باب يقصر إذا خرج من موضعه

شرط الإيمان بالله واليوم الآخر، لأن التعريض إلى وصفها بذلك إشارة إلى التزام الوقوف عند ما نهيت عنه، وأن الإيمان بالله واليوم الآخر يقضي لها بذلك. (أن تسافر) أي: لا يحل لامرأة مسافرتها (مسيرة يوم وليلة) حال كونها (ليس معها حرمة) بضم الحاء وسكون الراء، أي: رجل ذو حرمة منها. بنسب أو غير نسب. ومسيرة: مصدر ميمي بمعنى: السير، كالمعيشة، بمعنى: العيش، وليست التاء فيه للمرة. واستشكل قوله في رواية الكشميهني في الحديث الأول: فوق ثلاثة أيام، حيث دل على عدم جواز سفرها وحدها فوق ثلاثة. والحديث الثاني: على عدم جواز ثلاثة، والثالث: على عدم جواز يومين، فمفهوم الأول ينافي الثاني، والثاني ينافي الثالث. وأجيب: بأن مفهوم العدد لا اعتبار به، قاله الكرماني. لكن قوله: والثالث، على عدم جواز يومين، فيه نظر، إلا أن يقدر في الحديث يوم بليلته، وليلة بيومها. قال: واختلاف الأحاديث لاختلاف جواب السائلين. (تابعه) أي: ابن أبي ذئب في لفظ متن روايته السابقة (يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة، مما وصله أحمد (وسهيل) هو: ابن أبي صالح، مما وصله أبو داود، وابن حبان (ومالك) الإمام، مما وصله مسلم وغيره، (عن المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه). قال ابن حجر: واختلف على سهيل، وعلى مالك، وكأن الرواية التي جزم بها المصنف أرجح عنده عنهم. ورجح الدارقطني أنه: عن سعيد عن أبي هريرة ليس فيه عن أبيه، كما رواه معظم رواة الموطأ، لكن الزيادة من الثقة مقبولة، ولا سيما إذا كان حافظًا. وقد وافق ابن أبي ذئب على قوله: عن أبيه الليث بن سعد، عند أبي داود، والليث وابن أبي ذئب من أثبت الناس في سعيد. وأما رواية سهيل، فذكر ابن عبد البر: أنه اضطرب في إسنادها ومتنها. 5 - باب يَقْصُرُ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ وَخَرَجَ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَقَصَرَ وَهْوَ يَرَى الْبُيُوتَ، فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ: هَذِهِ الْكُوفَةُ، قَالَ: لاَ، حَتَّى نَدْخُلَهَا. هذا (باب) بالتنوين (يقصر) الرباعية (إذا خرج من موضعه) قاصدًا سفرًا طويلاً. (وخرج عليّ) من الكوفة، ولأبي ذر، والأصيلي: علي بن أبي طالب (رضي الله عنه، فقصر) الصلاة الرباعية (وهو يرى البيوت) أي: والحال أنه يرى بيوت الكوفة (فلما رجع) من سفره هذا (قيل له: هذه الكوفة) فهل تتم الصلاة أو تقصر، وسقط لفظ: له، في رواية أبي ذر (قال: لا) نتمها (حتى ندخلها) لأنا في حكم المسافرين حتى ندخلها. وهذا التعليق وصله الحاكم من رواية الثوري عن ورقاء بن أياس بكسر الواو وبعد الراء قاف ثم مدة، عن علي بن ربيعة قال: خرجنا مع عليّ، فذكره، فموضع الترجمة من هذا الأثر ظاهر. واختلف متى يحصل ابتداء السفر حتى يباح القصر. فعند الشافعية يحصل ابتداؤه من بلد له سور بمفارقة سور البلد المختص به، وإن كان داخله مواضع خربة ومزارع، لأن جميع ما هو داخله معدود من البلدة، فإن كان وراءه دور متلاصقة صحح النووي عدم اشتراط مجاوزتها لأنها لا تعد من البلد، فإن لم يكن له سور فمبدؤه مجاوزة العمران حتى لا يبقى بيت متصل ولا منفصل، لا الخراب الذي لا عمارة وراءه، ولا البساتين والمزارع المتصلة بالبلد، والقرية كبلد فيشترط مجاوزة العمران فيها لا الخراب والبساتين والمزارع، وإن كانت محوطة. وأول سفر ساكن الخيام، كالأعراب، مجاوزة الحلة. وقال الحنفية: إذا فارق بيوت المصر، وفي المبسوط: إذا خلف عمران المصر. وقال المالكية: يشترط في ابتداء القصر أن يجاوز البلدي البلد، والبساتين المسكونة التي في حكمها على المشهور، وهو ظاهر المدونة. وعن مالك: إن كانت قرية جمعة فحتى يجاوز ثلاثة أميال، وأن يجاوز ساكن البادية حلته، وهي البيوت التي ينصبها من شعر أو غيره، وأما الساكن بقرية لا بناء بها ولا بساتين فبمجرد الانفصال عنها. 1089 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّيْتُ الظُّهْرَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ". [الحديث 1089 - أطرافه في: 1546، 1547، 1548، 1551، 1712، 1714، 1715، 2951، 2986]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا سفيان) الثوري كما نص عليه المزي في الأطراف (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله القرشي التيمي (وإبراهيم بن ميسرة) بفتح الميم وسكون التحتية، الطائفي المكي (عن أنس) ولأبي ذر، والأصيلي: عن أنس بن مالك (رضي الله عنه، قال): (صليت الظهر مع النبي) ولأبي الوقت: مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بالمدينة أربعًا) أي: أربع ركعات (وبذي الحليفة) بضم المهملة وفتح اللام

وللكشميهني: والعصر بذي الحليفة. أي: وصليت صلاة العصر بذي الحليفة (ركعتين) قصرًا لا يقال: إنه يدل على استباحة قصر الصلاة في السفر القصير، لأن بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال، لأن ذا الحليفة لم تكن غاية سفره، وإنما خرج قاصدًا مكة، فنزل بها، فحضرت العصر فصلاها بها. 1090 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: "الصَّلاَةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَان، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَأُتِمَّتْ صَلاَةُ الْحَضَرِ" قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ؟ قَالَ: تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن) ابن شهاب (الزهري، عن عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها قالت): (الصلاة) بالإفراد (أول ما فرضت ركعتان) أي: لمن أراد الاقتصار عليهما. والصلاة مبتدأ، وأول، بدل منه أو مبتدأ ثان خبره ركعتان، والجملة خبر المبتدأ الأول، ويجوز نصب لفظ أول على الظرفية. والصلاة: مبتدأ والخبر محذوف. أي: فرضت ركعتين في أول فرضها، وأصل الكلام: الصلاة فرضت ركعتين في أول أزمنة فرضها، فهو ظرف للخبر المقدر، وما: مصدرية، والمضاف محذوف كما تقرر. ولغير أبوي ذر، والوقت، والأصيلي: ركعتين بالياء نصب على الحال السادّ مسدّ الخبر، وللكشميهني، كما في الفرع، ولم يعرفها صاحب المصابيح: الصلوات بالجمع، واستشكلها من حيث اقتصار عائشة رضي الله عنها معها على قولها: ركعتين لوجوب التكرير في مثله، وقد وجدت في رواية كريمة وهي من رواية الكشميهني: ركعتين ركعتين بالتكرير، وحينئذ فزال الإشكال ولله الحمد. (فأقرت صلاة السفر) قال النووي: أي على جواز الإتمام (وأتمت صلاة الحضر) على سبيل التحتم. وقد استدلّ بظاهره الحنفية على عدم جواز الإتمام في السفر، على أن القصر عزيمة لا رخصة، ورد بقوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101]. لأنه يدل على أن الأصل الإتمام، لأن القصر إنما يكون عن تمام سابق، ونفي الجناح يدل على جوازه دون وجوبه. فإن قلت: فما الجواب عن تقييد الآية بالخوف؟ أجيب: بأنها، وإن دلت بمفهوم المخالفة على أنه لا يجوز القصر في غير حالة الخوف، لكن من شرط مفهوم المخالفة إن لم يخرج مخرج الأغلب، فلا اعتبار بذلك الشرط كما في الآية؛ فإن الغالب من أحوال المسافرين الخوف. اهـ. وقال البيضاوي: شريطة باعتبار الغالب في ذلك الوقت، ولذلك لم يعتبر مفهومها، وقد تظاهرت السنن على جوازه أيضًا في حالة الأمن، أي: في السفر، ولا حاجة في القصر إلى تأويل الآية، كما أوله الحنفية نصرة لمذهبهم بأنهم ألفوا الأربع، فكان مظنة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصانًا في القصر، فسمي الإتيان بها قصرًا على ظنهم، ونفي الجناح فيه لتطيب أنفسهم بالقصر، قاله البيضاوي. ورأيته في بعض شروح الهداية. ويؤيد القول بالرخصة حديث: "صدقة تصدق الله بها عليكم"، لأن الواجب لا يسمى رخصة، وقول عائشة المروي عند البيهقي بإسناد صحيح: يا رسول الله قصرت وأتممت وأفطرت وصممت، قال: "أحسنت يا عائشة". وحديث الباب من قولها غير مرفوع، فلا يستدل به، كما أنها لم تشهد زمان فرض الصلاة. وتعقب بأنه مما لا مجال للرأي فيه، فله حكم الرفع، ولئن سلمنا أنها لم تشهد فرض الصلاة لكنه مرسل صحابي، وهو حجة لاحتمال أخذها له عنه عليه الصلاة والسلام، أو عن أحد من أصحابه ممن أدرك ذلك. وأجاب في الفتح: بأن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم زيدت بعد الهجرة، عقب الهجرة إلاّ الصبح، كما روي من طريق الشعبي، عن مسروق، عن عائشة. قالت: فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين، فلما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة واطمأن زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان، وتركت صلاة الفجر لطول القراءة فيها، وصلاة المغرب لأنها وتر النهار، ورواه ابنا خزيمة وحبان وغيرهما. ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول قوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101]. وبهذا تجتمع الأدلة، ويؤيده أن في شرح المسند أن قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة. (قال) ابن شهاب (الزهري فقلت لعروة) بن الزبير (ما) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: فما (بال عائشة) رضي الله عنها (تتم) بضم أوله الصلاة (قال:

6 - باب يصلي المغرب ثلاثا في السفر

تأولت ما تأول عثمان) بن عفان، رضي الله عنه، من جواز القصر والإتمام، فأخذ بأحد الجائزين وهو الإتمام أو أنه كان يرى القصر مختصًّا بمن كان سائرًا. وأما من أقام في مكان في أثناء سفره، فله حكم المقيم، فيتم فيه، والحجة فيه ما رواه أحمد بإسناد حسن، عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لما قدم علينا معاوية حاجًّا، صلّى بنا الظهر ركعتين بمكة، ثم انصرف إلى دار الندوة، فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا: لقد عبت أمر ابن عمك لأنه كان قد أتم الصلاة. قال: وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة يصلّي بها الظهر والعصر والعشاء أربعًا أربعًا، ثم إذا خرج إلى منًى وعرفة قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة، وهذا القول رجحه في الفتح لتصريح الراوي بالسبب، وقيل غير ذلك مما يطول ذكره. ورواة حديث الباب ما بين بخاري ومكّي ومدني، وفيه: تابعي عن تابعي عن صحابية، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم والنسائي في الصلاة، وتقدم شيء من مباحثه فيها. 6 - باب يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ثَلاَثًا فِي السَّفَرِ هذا (باب) بالتنوين (يصلّي) المسافر (المغرب) ولأبي ذر: يصلّى المغرب (ثلاثًا في السفر) كالحضر لأنها وتر النهار. ويجوز في تصلّى فتح اللام مع المثناة الفوقية، والغرب بالرفع نائبًا عن الفاعل. فإن قلت: ما وجه تسمية صلاة المغرب بوتر النهار مع كونها ليلية؟ أجيب: بأنها لما كانت عقب آخر النهار، وندب إلى تعجيلها عقب الغروب، أطلق عليها وتر النهار لقربها منه. 1091 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ". قَ الَ سَالِمٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَفْعَلُهُ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ. [الحديث 1091 - أطرافه في: 1092، 1106، 1109، 1668، 1673، 1805، 3000]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو: ابن حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم عن) أبيه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما قال): (رأيت رسول الله) وللأصيلي: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا أعجله السير في السفر) قيد يخرج به ما إذا أعجله السير في الحضر، كأن كان خارج البلد في بستان مثلاً (يؤخر المغرب) أي: صلاة المغرب (حتى يجمع بينها وبين العشاء) جمع تأخير، وهو الأفضل للسائر، أي: فيصلّيها ثلاثًا، كما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا. (قال سالم: وكان) أبي (عبد الله يفعله) أي: التأخير المذكور، ولأبي ذر: وكان عبد الله بن عمر يفعله (إذا أعجله السير). 1092 - وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ سَالِمٌ: "كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ". قَالَ سَالِمٌ: "وَأَخَّرَ ابْنُ عُمَرَ الْمَغْرِبَ، وَكَانَ اسْتُصْرِخَ عَلَى امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلاَةُ. فَقَالَ: سِرْ. فَقُلْتُ: الصَّلاَةُ. فَقَالَ: سِرْ. حَتَّى سَارَ مِيلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ فَيُصَلِّيهَا ثَلاَثًا ثُمَّ يُسَلِّمُ، ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ الْعِشَاءَ فَيُصَلِّيَهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَلاَ يُسَبِّحُ بَعْدَ الْعِشَاءِ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ". (وزاد الليث) بن سعد على رواية شعيب في قصة صفية: وفعل ابن عمر خاصة. وفي التصريح بقوله: قال عبد الله: "رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقط ... ". مما وصله الإسماعيلي، كما في الفتح، والذهلي في الزهريات، كما في مقدمته .. (قال: حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري (قال سالم): (كان ابن عمر رضي الله عنهما يجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة) ورواه أسامة عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلفظ: جمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة في وقت العشاء. (قال سالم): (وأخر ابن عمر المغرب) حتى دخل وقت العشاء (وكان استُصرخ) بضم التاء آخره معجمة مبنيًا للمفعول من الصراخ، وهو: الاستغاثة بصوت مرتفع (على امرأته: صفية بنت أبي عبيد) أخت المختار بن أبي عبيد الثقفي أي: أخبر بموتها بطريق مكة. قال سالم: (فقلت له الصلاة) بالنصب على الإغراء أو بالرفع على الابتداء أي: الصلاة حضرت. أو: الخبرية، أي: هذه الصلاة، أي: وقتها. (فقال) عبد الله لسالم: (سر) أمر من سار يسير. قال سالم: (فقلت: الصلاة) بالرفع والنصب، كما مر. ولأبي ذر: فقلت له: الصلاة (فقال) عبد الله له (سر، حتى سار ميلين أو ثلاثة) والميل أربعة آلاف خطوة، وهو ثلث فرسخ كما مر، والشك من الراوي (ثم نزل) أي: بعد غروب الشفق (فصلّى) أي: المغرب، والعتمة، جمع بينهما. رواه المؤلّف في: كتاب الجهاد. (ثم قال) عبد الله بن عمر: (هكذا رأيت النبي) ولأبي ذر، والأصيلي: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّي إذا أعجله السير). (وقال عبد الله) بن عمر (رأيت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا أعجله السير يؤخر المغرب) من: التأخير، وللمستملي والكشميهني: يعتم بعين مهملة ساكنة ثم فوقية مكسورة، بدل يؤخر، أي: يدخل في العتمة، وللأربعة: يقيم، بالقاف بدل العين من الإقامة (فيصلّيها) أي: المغرب (ثلاثًا) أي: ثلاث ركعات، إذ لا يدخل القصر فيها، وقد نقل ابن المنذر، وغيره في ذلك الإجماع.

7 - باب صلاة التطوع على الدواب، وحيثما توجهت

وأما جواب أبي الخطاب بن دحية للملك الكامل حين سأله عن حكمها بجواز قصرها إلى ركعتين فباطل، كالحديث الذي رواه له فيه، بل قيل: إنه واضعه، والمختلق له وقد رمي مع غزارة علمه وكثرة حفظه بالمجازفة في النقل، وذكر أشياء لا حقيقية لها. (ثم يسلم) عليه الصلاة والسلام منها (ثم قلما يلبث) بفتح أوله والموحدة وآخره مثلثة، وما مصدرية. أي: قل لبثه (حتى يقيم العشاء فيصلّيها ركعتين، ثم يسلم) منها (ولا يسبح) أي: لا يتطوع بالصلاة (بعد العشاء حتى يقوم من جوف الليل) وإنما خص ابن عمر صلاة المغرب والعشاء بالذكر لوقوع الجمع له بينهما. 7 - باب صَلاَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّوَابِّ، وَحَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ (باب صلاة التطوع على الدواب) بالجمع ولأبي ذر، والأصيلي: الدابة (وحيثما توجهت) زاد غير أبي ذر: به. 1093 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ". [الحديث 1093 - طرفاه في: 1097، 1104]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى (قال: حدّثنا معمر) بفتح الميمين ابن راشد (عن) ابن شهاب (الزهري، عن عبد الله بن عامر) ولأبي ذر: عامر بن ربيعة العنزي، بفتح المهملة والنون والزاي (عن أبيه) عامر بن ربيعة (قال): (رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّي) النافلة (على راحلته) ناقته التي تصلح لأن ترحل (حيث توجهت)، ولغير أبي ذر: حيثما توجهت (به) أي: في جهة مقصده إلى قبل القبلة أو غيره، فصوب الطريق بدل من القبلة، فلا يجوز له الانحراف عنه، كما لا يجوز الانحراف في الفرض عن القبلة. ورواته ما بين: مدني وبصري ومديني، وفيه: رواية صحابي عن صحابي، قال الذهبي: لعبد الله ولأبيه صحبة، وفيه: التحديث والقول والرؤية، وأخرجه أيضًا في تقصير الصلاة ومسلم في الصلاة. 1094 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ وَهْوَ رَاكِبٌ فِي غَيْرِ الْقِبْلَةِ". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن محمد بن عبد الرحمن) بن ثوبان، بفتح المثلثة، العامري المدني (أن جابر بن عبد الله) الأنصاري (أخبره): (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يصلّي التطوع وهو راكب، في غير القبلة) يتناول الدابة والراحلة والدابة أعم، فاختار المؤلّف في الترجمة لفظًا أعم ليتناول اللفظين المذكورين. وفي المغازي: من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة، عن جابر: أن ذلك كان في غزوة أنمار، وكانت أرضهم قبل الشرق لمن يخرج من المدينة، فتكون القبلة على يسار القاصد إليهم. 1095 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: "كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا. وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَفْعَلُهُ". وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) النرسي الباهلي البصري (قال: حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء، ابن خالد البصري (قال: حدّثنا موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي (عن نافع قال): (كان ابن عمر، رضي الله عنهما، يصلّي على راحلته) في السفر (ويوتر) أي: يصلّي (عليها) الوتر (ويخبر) ابن عمر (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يفعله) أي ما ذكر. لكن يشكل صلاته عليه الصلاة والسلام الوتر على الراحلة مع كونه واجبًا عليه. وأجيب: بأن من خصائصه فعله عليها كما في شرح المهذّب. فإن قلت: ما الجمع بين ما رواه أحمد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير: أن ابن عمر كان يصلّي على الراحلة تطوعًا، فإذا أراد أن يوتر نزل فأوتر على الأرض، وبين قوله في حديث الباب: ويوتر على الراحلة. أجيب: بأنه محمول على أنه فعل كلاًّ من الأمرين. ويؤيد رواية الباب ما سبق في أبواب الوتر، أنه أنكر على سعيد بن يسار نزوله على الأرض ليوتر، وإنما أنكره عليه مع كونه كان يفعله لأنه أراد أن يبين له أن النزول ليس بحتم، ويحتمل أن ينزل فعل ابن عمر على حالين: فحيث أوتر على الراحلة كان مجدًا في السير، وحيث نزل فأوتر على الأرض كان بخلاف ذلك، قاله في فتح الباري. وفي الحديث: جواز الوتر كغيره من النوافل على الراحلة، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، ولو صلّى منذورة أو جنازة على الراحلة لم يجز لسلوكهم بالأولى مسلك واجب الشرع، ولأن الركن الأعظم في الثانية القيام، وفعلها على الدابة السائرة يمحو صورته، ولو فرض إتمامه عليها، فكذلك كما اقتضاه كلامهم لأن الرخصة في النفل إنما كانت لكثرته وتكراره، وهذه زيادة. وصرح الإمام بالجواز، وصوّبه الأسنوي، قال: وكلام الرافعي يقتضيه، وقيس بالراكب الماشي، ولا يشترط طول السفر، فيجوز في القصير. قال الشيخ أبو حامد وغيره: مثل أن يخرج إلى ضيعة مسيرتها ميل أو نحوه، لكن

8 - باب الإيماء على الدابة

خصه مالك بالسفر الذي تقصر فيه الصلاة، وحجته أن هذه الأحاديث إنما وردت في أسفاره عليه الصلاة والسلام، ولم ينقل أنه سافر سفرًا قصيرًا فصنع ذلك، وحجة الجمهور مطلق الأخبار في ذلك. وقال الحنفية: لا يجوز إلاّ على الأرض. 8 - باب الإِيمَاءِ عَلَى الدَّابَّةِ (باب الإيماء) في صلاة النفل (على الدابة) للركوع والسجود لمن لم يتمكن منهما. 1096 - حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: "كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ يُومِئُ. وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَفْعَلُهُ". وبه قال: (حدّثنا موسى) التبوذكي، ولأبي موسى بن إسماعيل (قال: حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي (قال: حدّثنا عبد الله بن دينار) العدوي المدني (قال): (كان عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، يصلّي) النفل (في السفر) حال كونه (على راحلته أينما توجهت) حال كونه (يومئ) بالهمزة، أي: يشير برأسه إلى الركوع والسجود من غير أن يضع جبهته على ظهر الراحلة. وكان يومئ للسجود أخفض من الركوع تمييزًا بينهما، وليكون البدل على وفق الأصل. لكن ليس في هذا الحديث أنه، عليه السلام، فعل ذلك، ولا أنه لم يفعله. نعم، في حديث جابر المروي في أبي داود والترمذي: بعثني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في حاجة، فجئت وهو يصلّي على راحلته نحو المشرق، والسجود أخفض من الركوع. قال الترمذي: حسن صحيح. وإنما جاز ذلك في النافلة تيسيرًا لتكثيرها، فإن ما اتسع طريقه سهل فعله. وللكشميهني وأبي الوقت: توجهت به يومئ. (وذكر عبد الله) بن عمر (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يفعله) أي: الإيماء الذي يدل عليه قوله: يومئ، وهذا الحديث تقدم في أبواب الوتر في باب: الوتر في السفر. 9 - باب يَنْزِلُ لِلْمَكْتُوبَةِ هذا (باب) بالتنوين (ينزل) الراكب (للمكتوبة) أي: لأجل صلاتها. 1097 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ يُسَبِّحُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ قِبَلَ أَىِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف (قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين، ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن) أباه (عامر بن ربيعة أخبره، قال): (رأيت رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو) أي: حال كونه (على الراحلة) حال كونه (يسبح) يصلّي النفل، حال كونه (يومئ برأسه) إلى الركوع والسجود، والسجود أخفض (قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة، أي: مقابل (أي وجه توجه، ولم يكن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصنع ذلك في الصلاة) وللأصيلي: في صلاة (المكتوبة) أي: المفروضة. قال الشيخ في الدين: قد يتمسك به على أن صلاة الفرض لا تصلّى على الراحلة، وليس بقوي في الاستدلال لأنه ليس فيه إلا ترك الفعل المخصوص، وليس الترك بدليل على الامتنّاع. وقد يقال: إن دخول وقت الفريضة مما يكثر على المسافر، فترك الصلاة على الراحلة دائمًا مع فعل النوافل على الراحلة يشعر بالفرق بينهما في الجواز وعدمه. اهـ. وقد حكى ابن بطال إجماع العلماء على: أنه لا يجوز لأحد أن يصلّي الفريضة على الدابة من غير عذر إلا ما ذكر من صلاة شدة الخوف. 1098 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ سَالِمٌ: "كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُسَافِرٌ، مَا يُبَالِي حَيْثُ مَا كَانَ وَجْهُهُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَىِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ". (وقال الليث) بن سعد، مما وصله الإسماعيلي (حدّثني يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري (قال: قال سالم) (كان عبد الله يصلّي) ولأبي ذر، والأصيلي: كان عبد الله بن عمر يصلّي (على دابته من الليل وهو مسافر) جملة حالية (ما يبالي حيث كان) كذا في رواية أبي ذر، والأصيلي والكشميهني ولغيرهم: حيثما كان (وجهه). (قال ابن عمر) بن الخطاب: (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسبح) يصلّي النافلة (على الراحلة قبل) بفتح الموحدة بعد القاف المكسورة (أي وجه توجه؛ ويوتر عليها، غير أنه لا يصلّي عليها المكتوبة) أي: وهي سائرة. فلو صليت على هودج عليها وهي واقفة صحت، وكذا لو كان في سرير يحمله رجال، وإن مشوا به بخلاف الدابة السائرة، لأن سيرها منسوب إليه، بدليل جواز الطواف عليها. وفرق المتولي بينها وبين الرجال السائرين بالسرير بأن الدابة لا تكاد تثبت على حالة واحدة فلا تراعى الجهة، بخلاف الرجال. قال: حتى لو كان للدابة من يلزم لجامها ويسيرها بحيث لا تختلف الجهة جاز ذلك. اهـ. 1099 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ: "حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ". وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة، الزهراني (قال: حدّثنا هشام) الدستواني (عن يحيى) بن

10 - باب صلاة التطوع على الحمار

أبي كثير (عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان) بالمثلثة المفتوحة، العامري (قال: حدّثني) بالإفراد (جابر بن عبد الله) الأنصاري، رضي الله عنه: (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يصلّي) التطوّع (على راحلته) وهي سائرة (نحو المشرق، فإذا أراد أن يصلّي المكتوبة نزل) عن راحلته (فاستقبل القبلة). قال ابن بطال: أجمع العلماء على اشتراط ذلك، وقال المهلب: هذه الأحاديث تخص قوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] وتبين أن قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] في النافلة. 10 - باب صَلاَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الْحِمَارِ (باب) حكم (صلاة التطوع على الحمار). 1100 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: "اسْتَقْبَلْنَا أَنَسًا حِينَ قَدِمَ مِنَ الشَّأْمِ، فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ، فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الْجَانِبِ -يَعْنِي عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ- فَقُلْتُ: رَأَيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَلَهُ لَمْ أَفْعَلْهُ". رَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن سعيد) بكسر العين ابن صخر الدارمي المروزي (قال: حدّثنا حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة، ابن هلال البصري (قال: حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم، ابن يحيى العوذي بفتح العين المهملة (حدّثنا أنس بن سيرين) أخو محمد بن سيرين (قال): (استقبلنا) بسكون اللام (أنسًا) ولأبي ذر، والأصيلي: أنس بن مالك رضي الله عنه (حين قدم من الشام) أي: لما سافر إليها يشكو الحجاج الثقفي إلى عبد الملك بن مروان، وكان ابن سيرين خرج إليه من البصرة قال: (فلقيناه بعين التمر) بالمثناة وسكون الميم، موضع بطرف العراق مما يلي الشام (فرأيته يصلّي) التطوّع (على حمار) وللأصيلي على الحمار (ووجهه من ذا الجانب يعني عن يسار القبلة). وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد، قال: رأيت أنسًا وهو يصلّي على حمار وهو متوجه إلى غير القبلة يركع ويسجد إيماء من غير أن يضع جبهته على شيء. (فقلت) له: (رأيتك تصلي لغير القبلة) أنكر عليه عدم استقباله القبلة فقط لا الصلاة على الحمار (فقال) أنس مجيبًا له: (لولا أني رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعله) أي: ترك الاستقبال الذي أنكره عليه أو أعم حتى يشمل صلاته على الحمار، ولأبي ذر: يفعله مضارعًا (لم أفعله). وروى السراج بإسناد حسن، من طريق يحيى بن سعيد عن أنس: أنه رأى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّي على حمار، وهو ذاهب إلى خيبر. ولمسلم من طريق عمرو بن يحيى المازني، عن سعيد بن يسار عن ابن عمر، قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي على حمار، وهو متوجه إلى خيبر. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون إلا شيخ المؤلّف فمروزي وفيه، التحديث بصيغة الجمع، والقول وأخرجه مسلم. (ورواه ابن طهمان) بفتح المهملة وسكون الهاء الهروي، ولأبي ذر، والأصيلي: إبراهيم بن طهمان (عن حجاج) هو ابن حجاج الباهلي البصري الملقب بزق العسل (عن أن بن سيرين عن أنس) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: زيادة ابن مالك (رضي الله عنه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): قال في الفتح: لم يسق المصنف المتن، ولا وقفنا عليه موصولاً من طريق إبراهيم. نعم، وقع عند السراج من طريق عمرو بن عامر، عن حجاج بلفظ: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّي على ناقته حيث توجهت به، قال فعلى هذا كأن أنسًا قاس الصلاة على الراحلة بالصلاة على الحمار. اهـ. 11 - باب مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ فِي السَّفَرِ دُبُرَ الصَّلاَةِ وَقَبْلَهَا (باب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة) بالإفراد، ويجوز الجمع، وكلاهما في اليونينية، وزاد الحموي: وقبلها، وسقط لابن عساكر: دبر الصلاة، كما في متن فرع اليونيني. وزاد في الهامش سقوطه أيضًا عند الأصيلي، وأبي الوقت، وثبوته عند أبي ذر: ودبر، بضم الدال والموحدة بإسكانها أيضًا. 1101 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ حَدَّثَهُ قَالَ: "سَافَرَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فَقَالَ: صَحِبْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ أَرَهُ يُسَبِّحُ فِي السَّفَرِ، وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ". [الحديث 1101 - طرفه في: 1102]. وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (ابن وهب) عبد الله (قال: حدّثني) بالإفراد (عمر بن محمد) بضم العين، ابن يزيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العسقلاني (أن حفص بن عاصم) هو: ابن عمر بن الخطاب حدّثه (قال): (سافر ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما)، وللكشميهني والأصيلي وابن عساكر، وأبي الوقت: سألت ابن عمر (فقال): (صحبت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلم أره) حال كونه (يسبح) يصلّي الرواتب التي قبل الفرائض وبعدها (في السفر وقال الله جل ذكره: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أي قدوة ({حَسَنَةٌ}) [الأحزاب: 21] وسنة صالحة فاقتدوا به. ورواة هذا الحديث ما بين: كوفي

12 - باب من تطوع في السفر في غير دبر الصلوات وقبلها وركع النبي -صلى الله عليه وسلم- ركعتى الفجر في السفر

ومصري بالميم ومدني، وأخرجه أيضًا في هذا الباب، وأخرجه مسلم في الصلاة، وكذا أبو داود وابن ماجة. 1102 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عِيسَى بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: "صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَكَانَ لاَ يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ، - رضي الله عنهم". وبه قال: (حدّثنا مسدد) الأسدي البصري (قال: حدّثنا يحيى) القطان (عن عيسى بن حفص بن عاصم) هو ابن عمر بن الخطاب (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) حفص بن عاصم (أنه سمع ابن عمر) بن الخطاب (يقول): (صحبت رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكان لا يزيد في السفر) في عدد ركعات الفرض (على ركعتين) أو مراده: لا يزيد نفلاً. ويدل له ما رواه مسلم بلفظ: صحبت ابن عمر في طريق مكة، فصلّى لنا الظهر ركعتين، ثم أقبل وأقبلنا معه، حتى جاء رحله وجلسنا معه، فحانت منه التفاتة فرأى ناسًا قيامًا فقال: "ما يصنع هؤلاء؟ " قلت: يسبحون، قال: "لو كنت مسبحًا لأتممت يعني أنه لو كان مخيرًا بين الإتمام وصلاة الراتبة لكان الإتمام أحب إليه". لكنه فهم من القصر التخفيف، فلذلك كان لا يصلّي الراتبة ولا يتم. (و) صحبت (أبا بكر) الصديق (وعمر) بن الخطاب (وعثمان) بن عفان (كذلك) أي: صحبتهم كما صحبته، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في السفر (رضي الله عنهم) وكانوا لا يزيدون في السفر على ركعتين. واستشكل ذكر عثمان لأنه كان في آخر أمره يتم الصلاة كما مر: وأجيب: بأنه جاء فيه في مسلم، وصدرًا من خلافته، قال في المصابيح، وهو الصواب أو أنه كان يتم إذا كان نازلاً، وأما إذا كان سائرًا فيقصر. قال الزركشي: ولعل ابن عمر أراد في هذه الرواية أيام عثمان في سائر أسفاره في غير منى، لأن إتمامه كان بمنى. وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مرسلاً: أن عثمان إنما أتم الصلاة، لأنه نوى الإقامة بعد الحج. وردّ بأن الإقامة بمكة للمهجرين أكثر من ثلاث لا تجوز. كما سيأتي إن شاء الله تعالى في المغازي في الكلام على حديث العلاء بن الحضرمي. وقد سبق أنه إنما فعل ذلك متاولاً جوازهما، فأخذ بأحد الجائزين. 12 - باب مَنْ تَطَوَّعَ فِي السَّفَرِ فِي غَيْرِ دُبُرِ الصَّلَوَاتِ وَقَبْلَهَا وَرَكَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ (باب من تطوّع في السفر في غير دبر الصلاة وقبلها) وسقط عند أبي الوقت، وابن عساكر والأصيلي: في غير دبر الصلاة وقبلها، وثبت عند أبي ذر (وركع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ركعتي الفجر) السنة (في السفر) ولأبي ذر: في السفر ركعتي الفجر. رواه مسلم من حديث أبي قتادة في قصة النوم عن صلاة الصبح، ففيه أنه صلّى ركعتين قبل الصبح ثم صلّى الصبح. 1103 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: "مَا أَنْبَأَنا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هَانِئٍ: ذَكَرَتْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ فِي بَيْتِهَا فَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، فَمَا رَأَيْتُهُ صَلَّى صَلاَةً أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ". [الحديث 1103 - طرفاه في: 1176، 4292]. وبالسند قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين، ولأبي ذر: عمرو بن مرة بضم الميم وتشديد الراء، ابن عبد الله الجملي، بفتح الجيم والميم، الكوفي الأعمى (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن الأنصاري المدني الكوفي، اختلف في سماعه من عمر (قال): (ما أنبأنا) ولأبي ذر: ما أخبرنا (أحد أنه رأى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى الضحى غير أم هانئ) بالهمز، ورفع: غير، بدلاً من أحد، وذلك أنها (ذكرت أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يوم فتح مكة، اغتسل في بيتها، فصلّى ثمان ركعات). وليس فيه دلالة على نفي الوقوع، لأن ابن أبي ليلى إنما نفى ذلك عن نفسه، فلا ترد عليه الأحاديث الواردة في الإثبات، وقوله: ثمان بفتح المثلثة والنون وكسرها: من غير ياء استغناء بكسرة النون، ولأبي ذر، ثماني، بإثباتها. قالت: (فما رأيته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (صلّى صلاة أخف منها) أي: من هذه الثمان (غير أنه) عليه الصلاة والسلام (يتم الركوع والسجود) قالته دفعًا لتوهم من يفهم أنه نقص منهما حيث عبر: بأخف. وموضع الترجمة، من حيث إنه، عليه الصلاة والسلام، صلّى الضحى في السفر، ولم تكن في دبر صلاة من الصلوات. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي، ومسلم في الصلاة، وكذا أبو داود والترمذي والنسائي. 1104 - وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى السُّبْحَةَ بِاللَّيْلِ فِي السَّفَرِ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ". (وقال الليث) بن سعد الإمام، فيما وصله الذهلي في الزهريات (حدَّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن عامر) العنزي، ولأبي الوقت في نسخة، وأبي ذر، والأصيلي، زيادة: ابن ربيعة (أن أباه) عامر بن ربيعة (أخبره): (أنه رأى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلى) وفي نسخة يصلّي (السبحة) النافلة

13 - باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء

(بالليل في السفر على ظهر راحلته حيث توجهت به) سقط قوله: به، عند الأصيلي. 1105 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر، والأصيلي: أخبرنا (سالم بن عبد الله عن ابن عمر) بضم العين (رضي الله عنهما). (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يسبح) أي: يتنفل (على ظهر راحلته حيث كان وجهه) حال كونه (يومئ برأسه) إلى الركوع والسجود، وهو أخفض. وهذا لا ينافي ما مر من قوله: لم يسبح إذ معناه: لم أره يصلّي النافلة على الأرض في السفر، لأنه روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقوم جوف الليل في السفر، ويتهجد فيه، فغير ابن عمر رآه، فيقدم المثبت على النافي، ويحتمل أنه تركه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لبيان التخفيف في نفل السفر. (وكان ابن عمر يفعله) عقب المرفوع بالموقوف إشارة إلى أن العمل به مستمر لم يلحقه معارض ولا ناسخ. 13 - باب الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ (باب الجمع في السفر) الطويل لا القصير (بين المغرب والعشاء) والظهر والعصر، لا الصبح مع غيرها، والعصر مع المغرب، لعدم وروده، ولا في القصير لأن ذلك إخراج عبادة عن وقتها، فاختص بالطويل. ولو لمكي، لأن الجمع للسفر لا للنسك، ويكون تقديمًا وتأخيرًا، فيجوز في الجمعة والعصر تقديمًا، كما نقله الزركشي واعتمده، لا تأخيرًا، لأن الجمعة لا يتأتى تأخيرها عن وقتها، ولا تجمع المتحيرة تقديمًا. والأفضل تأخير الأولى إلى الثانية للسائر وقت الأولى، ولمن بات بمزدلفة، وتقديم الثانية إلى الأولى للنازل في وقتها، والواقف بعرفة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وإلى جواز الجمع ذهب كثير من الصحابة والتابعين، ومن الفقهاء: الثوري، والشافعي وأحمد، إسحاق وأشهب. ومنعه قوم مطلقًا إلا بعرفة: فيجمع بين الظهر والعصر، ومزدلفة: فيجمع بين المغرب والعشاء، وهو قول الحسن، والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه. وقال المالكية: يختص بمن يجد في السير، وبه قال الليث. وقيل: يختص بالسائر دون النازل، وهو قول ابن حبيب. وقيل: يختص بمن له عذر وحكي عن الأوزاعي. وقيل: يجوز جمع التأخير دون التقديم، وهو مروي عن مالك وأحمد، واختاره ابن حزم. 1106 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت) محمد بن مسلم بن شهاب (الزهري، عن سالم، عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب (قال): (كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يجمع بين المغرب والعشاء) جمع تأخير (إذا جد به السير) أي: اشتد أو عزم وترك الهوينا. ونسبة السير إلى الفعل مجاز، وإنما اقتصر ابن عمر على ذكر المغرب والعشاء، دون جمع الظهر والعصر، لأن الواقع له جمع المغرب والعشاء، وهو ما سئل عنه، فأجاب به حين استصرخ على امرأته صفية بنت عبيد، فاستعجل، فجمع بينهما جمع تأخير كما سبق في باب: يصلّي المغرب ثلاثًا. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة وكذا النسائي. 1107 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنِ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاَةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ". (وقال إبراهيم بن طهمان) مما وصله البيهقي (عن الحسين) بالتعريف، ابن ذكوان العوذي ولأبوي ذر، والوقت والأصيلي: عن حسين (المعلم) بكسر اللام المشددة من التعليم (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال): (كان رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يجمع بين صلاة الظهر والعصر) جمع تأخير (إذا كان على ظهر سير) بإضافة ظهر إلى سير، وللأصيلي: وابن عساكر، وأبي الوقت، وأبي ذر عن الكشميهني: ظهر، بالتنوين يسير، بلفظ المضارع، أي: حال كونه يسير. وعزا في الفتح الأولى للأصيلي، والثانية للكشميهني، ولفظ: ظهر، مقحم كقوله: "الصدقة عن ظهر غنى". وقد يزاد في مثل هذا الكلام اتساعًا كأن السير مستند إلى ظهر قوي من المطي مثلاً؛ وفيه جناس التحريف، بين الظهر والظهر. (ويجمع بين المغرب والعشاء). 1108 - وَعَنْ حُسَيْنٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ". وَتَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ وَحَرْبٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ حَفْصٍ عَنْ أَنَسٍ "جَمَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 1108 - طرفه في: 1110]. (و) قال، إبراهيم بن طهمان (عن حسين) المعلم كما جزم به أبو نعيم، أو هو تعليق عن الحسين، لا بقيد كونه من رواية ابن طهمان (عن يحيى بن أبي كثير، عن حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال): (كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يجمع بين صلاة المغرب والعشاء في السفر) لم يقيده بجد في السير ولا بعدمه، لكن من يشترط الجد فيه يقول هو:

14 - باب هل يؤذن أو يقيم، إذا جمع بين المغرب والعشاء؟

مطلق، فيحمل على المقيد. وأجيب: بأن هذا عام، وذلك ذكر بعض أفراده، فلا يخصص به. وقال ابن بطال: كل راو يروي ما رآه وكل سنة. (وتابعه) بالوا وأي: حسينًا المعلم، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: تابعه (علي بن المبارك) البصري، مما وصله أبو نعيم في المستخرج، من طريق عثمان بن عمر بن فارس عنه (وحرب) هو: ابن شداد اليشكري (عن يحيى) القطان البصري (عن حفص) هو: ابن عبيد (عن أنس) هو: ابن مالك: (جمع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط قوله: وحرب في رواية أبي ذر، كما في فرع اليونينية. والله الموفق. 14 - باب هَلْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ، إِذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ؟ هذا (باب) بالتنوين (هل يؤذن) المصلي (أو يقيم) من غير أذان، أو معه (إذا جمع بين المغرب والعشاء) وبين الظهر والعصر، في السفر الطويل. 1109 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ صَلاَةَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ. قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَفْعَلُهُ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ، وَيُقِيمُ الْمَغْرِبَ فَيُصَلِّيهَا ثَلاَثًا ثُمَّ يُسَلِّمُ، ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ الْعِشَاءَ فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَلاَ يُسَبِّحُ بَيْنَهَا بِرَكْعَةٍ وَلاَ بَعْدَ الْعِشَاءِ بِسَجْدَةٍ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو: ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (سالم من) أبيه (عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، قال): (رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا أعجله) استحثه (السير في السفر) الطويل (يؤخر صلاة المغرب) أي إلى أن يغيب الشفق، كما رواه مسلم، كالمؤلّف في: الجهاد، ولعبد الرزاق عن نافع، فأخر المغرب بعد ذهاب الشفق حتى ذهب هوي من الليل (حتى يجمع بينها وبين) صلاة (العشاء). (قال سالم) بالسند المذكور: (وكان عبد الله يفعله) أي التأخير والجمع بين الصلاتين، ولأبوي ذر، والوقت: وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يفعله (إذا أعجله) استحثه (السير ويقيم) ولأبي ذر: يقيم بإسقاط الواو (المغرب). يحتمل الإقامة وحدها، أو يريد ما تقام به الصلاة من أذان وإقامة، وليس المراد نفس الأذان. وعن نافع عن ابن عمر: عند الدارقطني: فنزل فأقام الصلاة، وكان لا ينادي بشيء من الصلاة في السفر. (فيصلّيها) أي: المغرب (ثلاثًا ثم يسلم) منها (ثم قلما يلبث) أي: ثم قل مدة لبثه، وذلك اللبث لقضاء بعض حوائجه مما هو ضروري، كما وقع في الجمع بمزدلفة في إناخة الرواحل (حتى يقيم العشاء فيصلّيها ركعتين ثم يسلم) منها (ولا يسبح) ولا ينتفل (بينها) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: بينهما، أي بين المغرب والعشاء (بركعة) من إطلاق الجزء على الكل (ولا) يسبح أيضًا (بعد) صلاة (العشاء بسجدة) أي: بركعتين، كما في قوله: بركعة (حتى) إلى أن (يقوم من جوف الليل) يتهجد. وروى ابن أبي شيبة عن نافع عن ابن عمر: أنه كان لا يتطوع في السفر قبل الصلاة ولا بعدها، وكان يصلّي من الليل. وفي حديث حفص بن عاصم السابق في باب: من لم يتطوع في السفر دبر الصلوات، قال: سافر ابن عمر، فقال: صحبت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلم أره يسبح في السفر ... وهو شامل لرواتب الفرائض وغيرها. قال النووي: لعل النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يصلّي الرواتب في رحله ولا يراه ابن عمر، أو لعله تركها بعض الأوقات لبيان الجواز. انتهى. وإذا قلنا بمشروعية الرواتب فيه، وهو مذهبنا، فإن جمع الظهر والعصر قدم سنة الظهر التي قبلها، وله تأخيرها، سواء جمع تقديمًا أو تأخيرًا، وتوسيطها إن جمع تأخيرًا سواء قدم الظهر أو العصر، وأخر سنتها التي بعدها، وله توسيطها إن جمع تأخيرًا وقدم الظهر، وأخر عنهما سنة العصر، وله توسيطها وتقديمها إن جمع تأخيرًا سواء قدم الظهر أو العصر، وإذا جمع المغرب والعشاء أخر سنتيهما مرتبة: سنة المغرب، ثم سنة العشاء، ثم الوتر. وله توسيط سنة المغرب إن جمع تأخيرًا وقدم المغرب، وتوسيط سنة العشاء إن جمع تأخيرًا وقدم العشاء، وما سوى ذلك ممنوع. قاله في شرح الروض. 1110 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا حَرْبٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ أَنَسًا -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلاَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، يَعْنِي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ". وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولابن عساكر: حدّثني (إسحاق) هو: ابن راهويه، كما جزم به أبو نعيم، أو إسحاق بن منصور الكوسج، كما قاله أبو علي الجياني (قال: حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: أخبرنا (عبد الصمد) التنوري، ولأبي ذر: عبد الصمد بن عبد الوارث (قال: حدّثنا حرب) بالمهملة المفتوحة وإسكان الراء آخره موحدة، ابن شداد اليشكري (قال: حدّثنا يحيى) بن أبي كثير (قال: حدّثني) بالإفراد (حفص بن عبيد الله) بضم

15 - باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس فيه ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

العين (ابن أنس أن أنسًا رضي الله عنه حدثه): (أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يجمع بين هاتين الصلاتين في السفر، يعني المغرب والعشاء) يحتمل جمع التقديم والتأخير. وأورد المؤلّف هذا الحديث مفسرًا بحديث ابن عمر السابق، لأن في حديث أنس إجمالاً، والمفسر بالفتح تابع للمفسر بالكسر. ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري ويماني ومروزي. 15 - باب يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلَى الْعَصْرِ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا (باب) بالتنوين (يؤخر) المسافر (الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس) بزاي وغين معجمة، أي: قبل أن تميل، وذلك إذا فاء الفيء. (فيه ابن عباس) رضي الله عنهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) رواه أحمد بلفظ: "كان إذا زاغت في منزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب، وإذا لم تزغ له في منزله سار حتى إذا كانت العصر نزل فجمع بين الظهر والعصر". 1111 - حَدَّثَنَا حَسَّانُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ". [الحديث 1111 - طرفه في: 1112]. وبه قال: (حدّثنا حسان) بن عبد الله بن سهل الكندي (الواسطي) أبوه قدم مصر فولد له بها حسان المذكور، واستمر بها إلى أن توفي سنة ثنتين وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا المفضل) بضم الميم وفتح الفاء والضاد المعجمة المشددة (ابن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة المخففة (عن عقيل) بضم العين، ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال): (كان رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا ارتحل قبل أن تزيغ) أي: تميل (الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم يجمع بينهما) في وقت العصر، (إذا زاغت) أي: الشمس قبل أن يرتحل (صلّى الظهر) أي: والعصر، كما رواه إسحاق بن راهويه، في هذا الحديث عند الإسماعيلي، كما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى، (ثم ركب). وقد حمل أبو حنيفة أحاديث الجمع على الجمع المعنوي الصوري، وهو: أنه أخر الظهر مثلاً إلى آخر وقتها، وعجل العصر في أول وقتها. وأجيب: بأنه صرح بالجمع في وقت إحدى الصلاتين، حيث قال: أخر الظهر إلى وقت العصر. ورجال هذا الحديث الخمسة ما بين مصري بالميم، وأيلي ومدني، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وشيخه من أفراده، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي: في الصلاة. 16 - باب إِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ مَا زَاغَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ هذا (باب) بالتنوين (إذا ارتحل) المسافر (بعد ما زاغت الشمس) أي: مالت (صلّى الظهر) أي: والعصر، جمع تقديم (ثم ركب). 1112 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ". وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة) ولأبوي ذر، والوقت: قتيبة بن سعيد (قال: حدّثنا المفضل بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة فيهما (عن عقيل) بضم العين، الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال): (كان رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل) عن راحلته (فجمع بينهما، فإن) ولأبوي ذر، والوقت فإذا (زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلّى الظهر، ثم ركب). كذا في الكتب المشهورة عن عقيل بغير ذكر العصر. وقد تمسك به من منع جمع التقديم. وقد قال أبو داود: وليس في تقديم الوقت حديث قائم، انتهى. وقد روى إسحاق بن راهويه حديث الباب، عن شبابة بن سوار، فقال: إذا كان فى سفر فزالت الشمس صلّى الظهر والعصر جميعًا ثم ارتحل. أخرجه الإسماعيلي. ولا يقدح تفرد إسحاق به عن شبابة، ولا تفرد جعفر الفريابي به عن إسحاق، لأنهما إمامان حافظان. والمشهر في جمع التقديم حديث أبي داود، والترمذي من طريق الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل: أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان في غزوة تبوك، إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر، فيصلّيهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلّى الظهر والعصر جميعًا ... الحديث. لكنه أعل بتفرد قتيبة به عن الليث، بل أشار البخاري إلى أن بعض الضعفاء أدخله على قتيبة، كما حكاه الحكام في علوم الحديث. وله طريق أخرى عن معاذ بن جبل، أخرجها أبو داود من رواية هشام بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل. لكن هشام مختلف فيه، فقد ضعفه ابن معين وقال: أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به. وقد خالف الحفاظ من أصحاب أبي

17 - باب صلاة القاعد

الزبير: كمالك والثوري وقرة بن خالد، فلم يذكروا في روايتهم جمع التقديم. وقد ورد فيه حديث عن ابن عباس أخرجه أحمد، وتقدم أول الباب السابق. وأورده أبو داود تعليقًا، والترمذي في بعض الروايات عنه، وفي إسناده: حسين بن عبد الله الهاشمي، وهو ضعيف. لكن له شاهد من طريق حماد عن أيوب عن أبي قلابة، عن ابن عباس لا أعلمه إلاَّ مرفوعًا: أنه كان إذا نزل منزلاً في السفر فأعجبه أقام فيه حتى يجمع بين الظهر والعصر، ثم يرتحل، فإذا لم يتهيأ له المنزل مدّ في السير، فسار حتى ينزل فيجمع بين الظهر والعصر، أخرجه البيهقي، ورجاله ثقات، إلا أنه مشكوك في رفعه، والمحفوظ أنه موقوف. وقد أخرجه البيهقي من وجه آخر مجزومًا بوقفه على ابن عباس، ولفظه: إذا كنتم سائرين ... فذكر نحوه، قاله في فتح الباري. وقد روى مسلم عن جابر: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع بين الظهر والعصر بعرفة في وقت الظهر. فلو لم يرد من فعله إلاّ هذا لكان أدل دليل على جواز جمع التقديم في السفر. قال الزهري: سألت سالمًا: هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ فقال: نعم، ألا ترى إلى صلاة الناس بعرفة؟. ويشترط لجمع التقديم ثلاثة شروط: تقديم الأولى على الثانية، لأن الوقت لها والثانية تبع، فلا تتقدم على متبوعها. وأن ينوي الجمع في الأول. وأن يوالي بينهما، لأن الجمع يجعلهما كصلاة واحدة، ولأنه عليه الصلاة والسلام لما جمع بينهما بنمرة والى بينهما، وترك الرواتب، وأقام الصلاة بينهما. رواه الشيخان. نعم، لا يضر فصل يسير في العرف، وإن جمع تأخيرًا فلا يشترط إلا نيّة التأخير للجمع في وقت الأولى، ما بقي قدر ركعة فإن أخّرها حتى فات وقت الأداء بلا نيّة للجمع عصى وقضى. 17 - باب صَلاَةِ الْقَاعِدِ (باب صلاة القاعد) متنفلاً لعذر أو غيره، ومفترضًا عند العجز، إمامًا كان المصلي أو مأمومًا أو منفردًا. 1113 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِهِ وَهْوَ شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) وسقط قوله: ابن سعيد، عند الأصيلي، وأبي الوقت (عن مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة، رضي الله عنها أنها قالت): (صلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيته وهو) أي: والحال أنه (شاك) بتخفيف الكاف والتنوين، أي: موجع يشكو من مزاجه انحرافًا عن الاعتدال، ولأبي الوقت، والأصيلي، وابن عساكر: شاكي، بإثبات الياء، وفيه شذوذ. (فصلّى جالسًا) لكونه خدش شقه (وصلّى وراءه قوم قيامًا فأشار إليهم) عليه الصلاة والسلام: (أن أجلسوا). وهذا منسوخ بصلاته، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في مرض موته جالسًا والناس خلفه قيامًا، كما مر، في باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به. (فلما انصرف) عليه الصلاة والسلام من صلاته (قال إنما جعل الإمام ليؤتم به) أي: ليقتدى به (فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع) من الركوع (فارفعوا) منه. 1114 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ فَرَسٍ فَخُدِشَ -أَوْ فَجُحِشَ- شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى قَاعِدًا فَصَلَّيْنَا قُعُودًا قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن) ابن شهاب (الزهري، عن أنس) ولأبي ذر، والأصيلي: أنس بن مالك (رضي الله عنه، (قال): (سقط رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من) ولابن عساكر: عن (فرس فخدش) بضم الخاء وكسر الدار، أي: انقشر جلده (-أو فجحش- شقه الأيمن) بكسر الشين المعجمة، وجحش بضم الجيم وكسر المهملة وبالمعجمة آخره، شك من الراوي، وهما بمعنى (فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة فصلّى) الفرض (قاعدًا) لمشقة القيام (فصلينا قعودًا) اقتداء به، لكنه منسوخ كما مر قريبًا (وقال): (إنما جعل الإمام ليؤتم به) أي: ليقتدى به (فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع) رأسه من الركوع (فارفعوا) منه (وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا) ولأبوي ذر والوقت: فقولوا: اللهم ربنا (ولك الحمد) بالواو، أي: بعد قولهم: سمع الله لمن حمده. 1115 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَأَلَ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح. أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ -وَكَانَ مَبْسُورًا- قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا فَقَالَ: إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَهْوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ". [الحديث 1115 - طرفاه في: 1116، 1117]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) الكوسج (قال: أخبرنا روح بن عبادة) بفتح الراء في الأول وضم العين وتخفيف الموحدة (قال: أخبرنا حسين) المعلم (عن عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة (عن عمران بن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (رضي الله عنه أنه سأل نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وبه قال: (ح، وأخبرنا إسحاق) وللحموي والمستملي، والكشميهني. في نسخة: وحدّثنا، بالجمع. ولابن عساكر: وحدّثني، وللكشميهني، والمستملي في

18 - باب صلاة القاعد بالإيماء

نسخة وزاد: إسحاق هو شيخه ابن منصور السابق، كما قاله ابن حجر، أو: إسحاق بن إبراهيم، كما نص الكلاباذي، والمزي في الأطراف فيما نقله العيني (قال: أخبرنا عبد الصمد) التنوري (قال: سمعت أبي) عبد الوارث بن سعيد (قال: حدّثنا الحسين) بالألف واللام، للمح الصفة لأنهما لا يدخلان في الاعلام، وهو المعلم السابق (عن ابن بريدة) بضم الموحدة، عبد الله، وفي اليونينية: عن أبي بريدة، وقال في هامشها: إن صوابه بالنون بدل الياء، (قال: حدّثني) بالإفراد (عمران بن حصين) بضم الحاء مع التنكير، ولأبي ذر: الحصين. وفيه التصريح بالتحديث عن عمران، واستغنى به عن تكلف ابن حبان في إقامة الدليل على أن ابن بريدة عاصر عمران. (وكان) ابن حصين (مبسورًا) بفتح الميم وسكون الموحدة وبعدها سين مهملة، أي: كان به بواسير، وهي في عرف الأطباء نفاطات تحدث في نفس المقعدة ينزل منها مادّة (قال): (سألت) ولأبي ذر، والأصيلي، وأبي الوقت في نسخة أنه: سأل (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صلاة الرجل) أي: النفل أو الفرض، حال كونه (قاعدًا فقال) عليه الصلاة والسلام: (إن صلّى) حال كونه (قائمًا فهو أفضل، ومن صلّى) نفلاً حال كونه (قاعدًا فله نصف أجر القائم، ومن صلّى) حال كونه (نائمًا) بالنون، يعني: مضطجعًا على هيئة النائم، كما يدل عليه قوله في رواية أبي داود: "فإن لم تستطع فعلى جنب". وكذا في رواية الترمذي، وابن ماجة، وأحمد في سننه، وفيها: عن عمران بن حصين قال: "كنت رجلاً ذا أسقام كثيرة". وبالاضطجاع فسره به المؤلّف كما يأتي في الباب التالي، إن شاء الله تعالى. وهذا كله يرد على الخطابي حيث حمل النوم على الحقيقي الذي إذا وجده يقطع الصلاة، وادعى أن الرواية: ومن صلّى بإيماء، على أنه جار ومجرور، وأن المجرور مصدر، أومأ، وغلط فيه النسائي، وقال: إنه صحفه. (فله نصف أجر القاعد) إلا النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن صلاته قاعدًا لا ينقص أجرها عن صلاته قائمًا لحديث عبد الله بن عمرو المروي في مسلم وأبي داود والنسائي. قال: بلغني أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "صلاة الرجل قاعدًا على نصف أجر الصلاة ... ". فأتيته فوجدته يصلّي جالسًا، فوضعت يدي على رأسي، فقال: ما لك يا عبد الله، فأخبرته فقال: أجل، ولكني لست كأحد منكم. وهذا ينبني على أن المتكلم داخل في عموم خطابه، وهو الصحيح، وقد عد الشافعية هذه المسألة في خصائصه. وسؤال عمران بن حصين عن الرجل خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، فالمرأة والرجل في ذلك سواء، والنساء شقائق الرجال، وهل ترتيب الأجر فيما ذكر في المتنفل أو المفترض؟ حمله بعضهم على المتنفل القادر، ونقله ابن التين وغيره: عن أبي عبيدة، وابن الماجشون، وإسماعيل القاضي، وابن شعبان، والإسماعيلي، والداودي، وغيرهم. ونقله الترمذي عن الثوري. وحمله آخرون، منهم الخطابي، على المفترض الذي يمكنه أن يتحامل فيقوم مع مشقة وزيادة ألم، فجعل أجره على النصف من أجر القائم ترغيبًا له في القيام، لزيادة الأجر، وإن كان يجوز قاعدًا. وكذا في الاضطجاع. وعند أحمد، بسند رجاله ثقات، من طريق ابن جريج، عن ابن شهاب، عن أنس، قال: قدم النبي المدينة وهي محمة، فحم الناس، فدخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسجد والناس يصلون من قعود، فقال: "صلاة القاعد نصف صلاة القائم". وصنيع المؤلّف يدل على ذلك، حيث أدخل في الباب حديثي عائشة وأنس، وهما في صلاة المفترض قطعًا. ورواة هذا الحديث بطريقيه كلهم بصريون إلا شيخ المؤلّف، وابن بريدة فمروزيان، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في البابين التاليين لهذا، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 18 - باب صَلاَةِ الْقَاعِدِ بِالإِيمَاءِ (باب صلاة القاعد بالإيماء) ظاهره أن المؤلّف يختار جواز الإيماء، وهو أحد الوجهين للشافعية، والموافق للمشهور عند المالكية من جوازه قاعدًا مع القدرة على الركوع والسجود. والأصح عند المتأخرين عدم الجواز للقادر، وإن جاز التنفل مضطجعًا، بل لا بد من الإتيان بهما حقيقة. 1116 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ وَكَانَ رَجُلاً مَبْسُورًا. وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ مَرَّةً: عَنْ عِمْرَانَ قَالَ: "سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَهْوَ قَاعِدٌ فَقَالَ: مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهْوَ أَفْضَلُ؛ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو معمر) بميمين مفتوحتين، بينهما عين مهملة ساكنة (قال: حدّثنا

19 - باب إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب

عبد الوارث، قال: حدّثنا حسين المعلم) بكسر اللام المشدّدة (عن عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة (أن عمران بن حصين، وكان رجلاً مبسورًا) بالموحدة الساكنة. (وقال أبو معمر) شيخ المؤلّف (مرة عن عمران) بدل قوله: أن عمران، ولأبي ذر زيادة: ابن حصين (قال: سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عن صلاة الرجل وهو) أي والحال أنه (قاعد، فقال): (من صلى) حال كونه (قائمًا فهو أفضل) من القاعد (ومن صلى) حال كونه (قاعدًا فله نصف أجر القائم، ومن صلّى) حال كونه (نائمًا) بالنون (فله نصف أجر القاعد). ليس فيه ذكر ما ترجم له من الإيماء، إنما فيه ذكر النوم. وقد اعترضه الإسماعيلي فنسبه إلى تصحيف: نائمًا الذي بالنون بمعنى اسم الفاعل، بإيماء، بالموحدة التي بعدها مصدر: أومأ، فلذا ترجم به، وليس كما قال الإسماعيلي. فقد وقع في رواية غير أبوي ذر، والوقت، والأصيلي: هنا. قال أبو عبد الله، أي البخاري: قوله عندي، أن معناه مضطجعًا. وأطلق عليه النوم لكثرة ملازمته له، وهذا التفسير وقع مثله في رواية عفان عن عبد الوارث، في هذا الحديث، عند الإسماعيلي، قال عبد الوارث: النائم المضطجع، وهذا يرد على الإسماعيلي، كما ترى. وكأن البخاري كوشف به، وحكاه ابن رشيد عن رواية الأصيلي: بإيماء بالموحدة على التصحيف، ولا يخفى ما فيه، والله الموفق. 19 - باب إِذَا لَمْ يُطِقْ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبٍ وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ. هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يطق) أي: المصلي أن يصلّي (قاعدًا صلّى على جنب). (وقال عطاء) هو: ابن أبي رباح؛ مما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه بمعناه (إن)، وللمستملي، والحموي إذا (لم يقدر) لمانع شرعي من مرض أو غيره (أن يتحول إلى القبلة، صلّى حيث كان وجهه). مطابقته للترجمة من حيث العجز، لكن الأول من حيث العجز عن القعود، وهذا عن التحول إلى القبلة. 1117 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ الْمُكْتِبُ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الصَّلاَةِ فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ". وبالسند قال: (حدّثنا عبدان) هو: عبد الله (عن عبد الله) بن المبارك (عن إبراهيم بن طهمان، قال: حدّثني) بالإفراد (الحسين المكتب) بضم الميم وإسكان الكاف وكسر المثناة الفوقية مخففة، وقيل بتشديدها مع فتح الكاف، وهي رواية أبي ذر كما في الفرع وأصله، وهو: ابن ذكوان المعلم الذي يعلم الصبيان الكتابة، (عن ابن بريدة، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال): (كانت بي بواسير، فسألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الصلاة) أي: صلاة المريض، كما رواه الترمذي، ودل عليه قوله في أوله: وكانت بي بواسير (فقال) عليه الصلاة والسلام: (صل) حال كونك (قائمًا، فإن لم تستطع) بأن وجدت مشقة شديدة بالقيام، أو خوف زيادة مرض، أو هلاك، أو غرق، ودوران رأس لراكب سفينة، (فقاعدًا) أي: فصل حال كونك قاعدًا كيف شئت. نعم قعوده مفترشًا أفضل لأنه قعود لا يعقبه سلام كالقعود للتشهد الأول، والإقعاء، وهو: أن يجلس على وركيه وينصب فخذيه، وزاد أبو عبيدة: ويضع يديه على الأرض مكروه للنهي عنه في الصلاة، كما رواه الحاكم. وقال: صحيح على شرط البخاري. (فإن لم تستطع) أي: القعود للمشقة المذكورة (فعلى) أي: فصل على (جنب) وجوبًا مستقبل القبلة بوجهك. رواه الدارقطني من حديث علي. واضطجاعه على الأيمن أفضل، ويكره على الأيسر بلا عذر، كما جزم به في المجموع. وزاد النسائي: فإن لم تستطع فمستلقيًا، أي: وأخمصاه للقبلة، ورأسه أرفع بأن ترفع وسادته ليتوجه بوجهه للقبلة، لكن هذا كما قاله في المهمات في غير الكعبة، أما فيها فالمتجه جواز الاستلقاء على ظهره وعلى وجهه لأنه، كيفما توجه متوجه لجزء منها، ويركع ويسجد بقدر إمكانه، فإن قدر المصلي على الركوع فقط كرره للسجود، ومن قدر على زيادة على أكمل الركوع، تعينت تلك الزيادة للسجود، لأن الفرق بينهما واجب على المتمكن، ولو عجز عن السجود إلاّ أن يسجد بمقدم رأسه أو صدغه وكان بذلك أقرب إلى أرض وجب، لأن المبسور لا يسقط بالمعسور، فإن عجز عن ذلك أيضًا أومأ برأسه، والسجود أخفض من الركوع، فإن عجز عن إيمائه فببصره، فإن عجز عن الإيماء ببصره إلى أفعال الصلاة أجراها على قلبه بسننها، ولا إعادة عليه. ولا تسقط عنه الصلاة وعقله ثابت

20 - باب إذا صلى قاعدا ثم صح، أو وجد خفة، تمم ما بقي

لوجود مناط التكليف. وهذا الترتيب قال به معظم الشافعية، لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". هكذا استدلّ به الغزالي، وتعقبه الرافعي: بأن الخبر أمر بالإتيان بما يشتمل عليه المأمور، والقعود لا يشتمل على القيام، وكذا ما بعده إلى آخر ما ذكره. وأجاب عنه ابن الصلاح بأنا لا نقول: إن الآتي بالقعود آت بما استطاعه من القيام مثلاً، ولكنا نقول: يكون آتيًا بما استطاعه من الصلاة، لأن المذكورات أنواع لجنس الصلاة بعضها أدنى من بعض، فإذا عجز عن الأعلى وأتى بالأدنى كان آتيًا بما استطاع من الصلاة. وتعقب: بأن كون هذه المذكورات من الصلاة فرع لشرعية الصلاة بها، وهو محل النزاع. انتهى. واستدلّ بقوله في حديث النسائي: "فإن لم تستطع فمستلقيًا ... " أنه لا ينتقل المريض بعد عجزه عن الاستلقاء إلى حالة أخرى، كالإشارة إلى آخر ما مر، وهو قول الحنفية والمالكية وبعض الشافعية. 20 - باب إِذَا صَلَّى قَاعِدًا ثُمَّ صَحَّ، أَوْ وَجَدَ خِفَّةً، تَمَّمَ مَا بَقِيَ وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ شَاءَ الْمَرِيضُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَائِمًا، وَرَكْعَتَيْنِ قَاعِدًا. هذا (باب) بالتنوين (إذا صلى) المريض العاجز عن القيام فرضًا أو نفلاً (قاعدًا، ثم صح) في أثناء صلاته بأن عوفي (أو وجد خفة) في مرضه بحيث وجد قدرة على القيام (تمم ما بقي) من صلاته. ولا يستأنفها خلافًا لمحمد بن الحسن، وللكشميهني: يتم، بضم المثناة التحتية وكسر الفوقية، وللأصيلي: يتمم، بفتح الفوقية وكسر الميم الأولى. (وقال الحسن) البصري، مما وصله ابن أبي شيبة بمعناه: (إن شاء المريض صلّى) الفرض (ركعتين) حال كونه (قائمًا وركعتين) حال كونه (قاعدًا) عند عجزه عن القيام. ولفظ ابن أبي شيبة: يصلّي المريض على الحالة التي هو عليها. انتهى. ونازع العيني في كونه بمعنى ما ذكره المؤلّف، ولأبي ذر: صلّى ركعتين قاعدًا وركعتين قائمًا، بالتقديم والتأخير. 1118 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ "أَنَّهَا لَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي صَلاَةَ اللَّيْلِ قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى أَسَنَّ، فَكَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ ثَلاَثِينَ آيَةً أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً ثُمَّ رَكَعَ". [الحديث 1118 - أطرافه في: 1119، 1148، 1161، 1168، 4837]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) بن أنس، إمام دار الهجرة (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها، أم المؤمنين أنها أخبرته أنها (لم تر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي صلاة الليل) حال كونه (قاعدًا قط حتى أسنّ) أي: دخل في السن. وسيأتي في أثناء صلاة الليل من هذا الوجه: حتى إذا كبر. وعند مسلم من رواية عثمان بن أبي سلمة، عن عائشة: لم يمت حتى كان أكثر صلاته جالسًا. وعنده أيضًا من حديث حفصة: ما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى في سبحته قاعدًا حتى كان قبل وفاته بعام، فكان يصلّي في سبحته قاعدًا. (فكان يقرأ) حال كونه (قاعدًا حتى إذا أراد أن يركع قام، فقرأ نحوًا من ثلاثين آية، أو أربعين آية) قائمًا (ثم ركع) ولأبي ذر: يركع بصيغة المضارع، وسقط عند أبوي: ذر، والوقت، والأصيلي: لفظ آية، الأولى، وقوله: أو أربعين آية، شك من الراوي أن عائشة قالت: أحدهما، أو هما معًا، بحسب وقوع ذلك منه مرة كذا ومرة كذا، أو بحسب طول الآيات وقصرها. 1119 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ وَأَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا فَيَقْرَأُ وَهْوَ جَالِسٌ، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهَا وَهْوَ قَائِمٌ، ثُمَّ يَرْكَعُ، فَإِذَا قَضَى صَلاَتَهُ نَظَرَ فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي، وَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً اضْطَجَعَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) إمام الأئمة (عن عبد الله بن يزيد) من الزيادة، المخزومي الأعور المدني (وأبي النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، سالم بن أبي أمية القرشي المدني (مولى عمر بن عبيد الله) بضم العين فيهما، ابن معمر التيمي (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّي جالسًا فيقرأ وهو جالس، فإذا بقي من قراءته نحو) بالرفع. وهو واضح مع التنوين. وفي اليونينية بغير تنوين، وروي نحوًا بالنصب: مفعول به على أن من زائدة في قول الأخفش، مفعول به بالمصدر المضاف إلى الفاعل، وهو قراءته. و: من زائدة على قول الأخفش، أو على أن من قراءته صفة لفاعل بقي قامت مقامه لفظًا، ونوى ثبوته. وانتصب نحوًا على الحال أي: فإذا بقي باق من قراءته نحوًا (من ثلاثين) زاد أبو ذر، والأصيلي: آية (أو أربعين آية، قام فقرأها وهو قائم، ثم يركع) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: ثم ركع بصيغة الماضي (فإذا قضى صلاته) وفرغ من ركعتي الفجر (نظر،

19 - كتاب التهجد

فإن كنت يقظى تحدث معي، وإن كنت نائمة اضطجع) للراحة من تعب القيام. والشرط مع الجزاء جواب الشرط الأول، ولا منافاة بين قول عائشة: كان يصلّي جالسًا، وبين نفي حفصة المروي في الترمذي: ما رأيته صلّى في سبحته قاعدًا حتى قبل وفاته بعام، فكان يصلّي في سبحته قاعدًا لأن قول عائشة: كان يصلّي جالسًا لا يلزم منه أن يكون صلّى جالسًا قبل وفاته بأكثر من عام، لأن كان لا تقتضي الدوام، بل ولا التكرار على أحد القولين عند أهل الأصول. ولئن سلمنا أنه صلّى قبل وفاته بأكثر من عام جالسًا فلا تنافي، لأنها إنما نفت رؤيتها، لأن وقوع ذلك في الجملة. قال في الفتح: ودل حديث عائشة على جواز القعود في أثناء صلاة النافلة لمن افتتحها قائمًا، كما يباح له أن يفتتحها قاعدًا ثم يقوم، إذ لا فرق بين الحالتين، ولا سيما مع وقوع ذلك منه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الركعة الثانية، خلافًا لمن أبى ذلك. واستدل به على أن من افتتح صلاته مضطجعًا ثم استطاع الجلوس أو القيام أتمها على ما أدت إليه حاله. بسم الله الرحمن الرحيم 19 - كتاب التهجد (بسم الله الرحمن الرحيم) كذا بإثباتها في غير رواية أبي ذر. 1 - باب التَّهَجُّدِ بِاللَّيْلِ، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} (باب التهجد) أي: الصلاة (بالليل) وأصله ترك الهجود، وهو النوم. قال ابن فارس: المتهجد: المصلي ليلاً. وللكشميهني: من الليل، وهو أوفق للفظ القرآن، (وقوله عز وجل) بالجر، عطفًا على سابقه المجرور بالإضافة، وبالرفع على الاستئناف: ({ومن الليل}) أي: بعضه ({فتهجد به}) أي: اترك الهجود للصلاة: كالتأثم والتحرج، والضمير للقرآن ({نافلة لك}) [الإسراء: 79]. فريضة زائدة لك على الصلوات المفروضة، خصصت بها من بين أمتك. روى الطبراني بإسناد ضعيف، عن ابن عباس: أن النافلة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاصة لأنه أمر بقيام الليل، وكتب عليه دون أمته. لكن صحّح النووي أنه نسخ عنه التهجد، كما نسخ عن أمته قال: ونقله الشيخ أبو حامد عن النص، وهو الأصح، والصحيح. ففي مسلم عن عائشة ما يدل عليه. أو فضيلة لك، فإنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وحينئذ فلم يكن فعل ذلك يكفر شيئًا. وترجع التكاليف كلها في حقه عليه الصلاة والسلام قرة عين وإلهام طبع، وتكون صلاته في الدنيا مثل تسبيح أهل الجنة في الجنة، ليس على وجه الكلفة، ولا التكليف وهذا كله مفرع على طريقة إمام الحرمين. وأما طريقة القاضي حيث يقول: لو أوجب الله شيئًا لوجب، وإن لم يكن وعيد، فلا يمتنع حينئذ بقاء التكاليف في حقه، عليه الصلاة والسلام، على ما كانت عليه، مع طمأنينته، عليه الصلاة والسلام. من ناحية الوعيد، وعلى كلا التقديرين فهو معصوم، ولا عتب ولا ذنب. لا يقال: إنه لم يأمره أن يستغفر في قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر: 3]. ونحوه إلا مما يغفره له، لأنا نقول استغفاره تعبد على الفرض، والتقدير، أي: أستغفرك مما عساه أن يقع لولا عصمتك إياي. وزاد أبو ذر في رواية تفسير قوله تعالى: {فتهجد به} أي: اسهر به. 1120 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَوْ لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ". قَالَ سُفْيَانُ: وَزَادَ عَبْدُ الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ «وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ». قَالَ سُفْيَانُ قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ سَمِعَهُ مِنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 1120 - أطرافه في: 6317، 7385، 7442، 7499]. وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا سليمان بن أبي مسلم) المكي الأحول (عن طاوس) هو ابن كيسان أنه (سمع ابن عباس، رضي الله عنهما، قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا قام من الليل) حال كونه (يتهجد) أي: من جوف الليل، كما في رواية مالك، عن أبي الزبير، عن عائشة (قال) في موضع نصب خبر كان أي: كان عليه الصلاة والسلام، عند قيامه من الليل متهجدًا يقول. وقال الطيبي: الظاهر أن قال، جواب إذا، والجملة الشرطية خبر كان. (اللهم لك الحمد، أنت قيم السنوات والأرض ومن فيهن) وفي رواية أبي الزبير المذكورة، قيام بالألف، ومعناه: والسابق والقيوم، معنى واحد. وقيل: القيم: معناه القائم بأمور الخلق، ومدبرهم، ومدبر العالم في جميع أحواله، ومنه قيم الطفل. والقيوم: هو القائم بنفسه مطلقًا لا بغيره، ويقوم به كل موجود، حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إلا به. قال التوربشتي: والمعنى: أنت الذي تقوم بحفظها، وحفظ من أحاطت به، واشتملت عليه، تؤتي كلامًا به قوامه، وتقوم على كل شيء من خلقك بما تراه من تدبيرك، وعبّر بقوله:

من، في قوله: ومن فيهن، دون: ما، تغليبًا للعقلاء على غيرهم. (ولك الحمد، لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، نور السماوات والأرض) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: "ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض" بزيادة: أنت، المقدرة في الرواية الأولى، فيكون قوله فيها: نور: خبر مبتدأ محذوف، وإضافة النور إلى السماوات والأرض للدلالة على سعة إشراقه، وفشوّ إضاءته وعلى هذا فسر قوله تعالى: {اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ} أي منوّرهما يعني: أن كل شيء استنار منهما واستضاء. فبقدرتك وجودك، والأجرام النيرة بدائع فطرتك، والعقل والحواس خلقك وعطيتك. قيل: وسمي بالنور لما اختص به من إشراق الجلال، وسبحات العظمة التي تضمحل الأنوار دونها، ولما هيأ للعالم من النور ليهتدوا به في عالم الخلق. فهذا الاسم على هذا المعنى لا استحقاق لغيره فيه، بل هو المستحق له المدعوّ به {وللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} وزاد في رواية أبوي ذر، والوقت، والأصيلي: ومن فيهن. ({ولك الحمد، أنت ملك السماوات والأرض}) كذا للحموي، والمستملي، وفي رواية الكشميهني: لك ملك السماوات والأرض، والأوّل أشبه بالسياق، (ولك الحمد، أنت الحق) المتحقق وجوده. وكل شيء ثبت وجوده وتحقق فهو حق، وهذا الوصف للرب جل جلاله بالحقيقة والخصوصية لا ينبغي لغيره، إذ وجوده بذاته لم يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم، ومن عداه ممن يقال فيه ذلك فهو بخلافه. (ووعدك الحق) الثابت المتحقق، فلا يدخله خلف ولا شك في وقوعه، وتحققه، (ولقاؤك حق) أي: رؤيتك في الدار الآخرة حيث لا مانع، أو لقاء جزائك لأهل السعادة والشقاوة. وهو داخل فيما قبله. فهو من عطف الخاص على العام، وقيل: ولقاؤك حق، أي: الموت، وأبطله النووي. (وقولك حق) أي: مدلوله ثابت (والجنة حق، والنار حق) أي كل منهما موجود (والنبيون حق، ومحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حق، والساعة حق،) أي: يوم القيامة. وأصل الساعة الجزء القليل من اليوم أو الليلة، ثم استعير للوقت الذي تقام فيه القيامة، يريد فيه القيامة، يريد أنها ساعة خفيفة، يحدث فيها أمر عظيم. وتكرير الحمد للاهتمام بشأنه، وليناط به كل مرة معنى آخر، وفي تقديم الجار والمجرور إفادة التخصيص، وكأنه عليه الصلاة والسلام، لما خص الحمد بالله، قيل: لم خصصتني بالحمد؟ قال: لأنك أنت الذي تقوم بحفظ المخلوقات إلى غير ذلك. فإن قلت: لم عرّف الحق في قوله: أنت الحق، ووعدك الحق، ونكر في البواقي؟ قال الطيبي عرفها للحصر، لأن الله هو الحق الثابت الدائم الباقي، وما سواه في معرض الزوال، قال لبيد: ألاَ كل شيء ما خلا الله باطل وكذا وعده مختص بالإنجاز دون وعد غيره. وقال السهيلي: التعريف للدلالة على أنه المستحق لهذا الاسم بالحقيقة، إذ هو مقتضى هذه الأداة. وكذا: في وعدك الحق، لأن وعده كلامه، وتركت في البواقي لأنها أمور محدثة، والمحدث لا يجب له البقاء من جهة ذاته، وبقاء ما يدوم منه علم بالخبر الصادق لا من جهة استحالة فنائه. وتعقبه في المصابيح بأنه يرد عليه قوله في هذا الحديث: وقولك حق، مع أن قوله كلامه القديم فينظر وجهه. اهـ. قال الطيبي: وهاهنا سر دقيق، وهو: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما نظر إلى المقام الإلهي، ومقربي حضرة الربوبية، عظم شأنه، وفخم منزلته، حيث ذكر النبيين. وعرفها باللام الاستغراقي، ثم خص محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من بينهم، وعطفه عليهم، إيذانًا بالتغاير، وأنه فائق عليهم بأوصاف مختصة به، فإن تغير الوصف بمنزلة التغير في الذات. ثم حكم عليه استقلالاً بأنه حق، وجرده عن ذاته كأنه غيره، وأوجب عليه تصديقه. ولما رجع إلى مقام العبودية ونظر إلى افتقار نفسه، نادى بلسان الاضطرار في مطاوي الانكسار: (اللهم لك أسلمت) أي انقدت لأمرك ونهيك (وبك آمنت) أي: صدقت بك وبما أنزلت (وعليك توكلت) أي: فوّضت أمري إليك (وإليك أنبت): رجعت إليك مقبلاً بقلبي عليك (وبك) أي: بما آتيتني من البراهين والحجج (خاصمت) من خاصمني من الكفار، أو بتأييدك ونصرتك قاتلت (وإليك حاكمت) كل من أبى قبول ما أرسلتني به. وقدم جميع صلاة هذه الأفعال عليها إشعارًا بالتخصيص، وإفادة

2 - باب فضل قيام الليل

للحصر. (فاغفر لي ما قدمت) قبل هذا الوقت (وما أخرت) عنه (وما أسررت) أخفيت (وما أعلنت). أظهرت، أي: ما حدثت به نفسي، وما تحرك به لساني. قاله تواضعًا وإجلالاً لله تعالى، أو تعليمًا لأمته وتعقب في الفتح الأخير بأنه: لو كان للتعليم فقط لكفى في أمرهم بأن يقولوا، فالأولى أنه للمجموع. (أنت المقدم) لي في البعث في الآخرة (وأنت المؤخر) لي في البعث في الدنيا. وزاد ابن جريج في الدعوات: أنت إلهي (لا الله إلا أنت أو لا الله غيرك). (قال سفيان) بن عيينة بالإسناد السابق، كما بينه أبو نعيم، أو هو من تعاليقه. ولذا علم عليه المزي علامة التعليق، لكن قال الحافظ ابن حجر: إنه ليس بجيد. (وزاد عبد الكريم أبو أمية) بن أبي المخارق البصري: (ولا حول ولا قوّة إلا بالله). (قال سفيان) بن عيينة، بالإسناد السابق أيضًا (قال سليمان بن أبي مسلم) الأحول خال أبي نجيح: (سمعه) وللأصيلي سمعته (من طاوس، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). صرّح سفيان بسماع سليمان له من طاوس، لأنه أورده قبل بالعنعنة، ولم يقل سليمان في روايته: ولا حول ولا قوّة إلا بالله. ولأبي ذر وحده؛ قال عليّ بن خشرم بفتح الخاء وسكون الشين المعجمتين وفتح الراء آخره ميم، قال سفيان: وليس ابن خشرم من شيوخ المؤلّف؟ نعم، هو من شيوخ الفربري، فالظاهر أنه من روايته عنه. 2 - باب فَضْلِ قِيَامِ اللَّيْلِ (باب فضل قيام الليل) في مسلم من حديث أبي هريرة، أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل، وهو يدل على أنه أفضل من ركعتي الفجر، وقوّاه النووي في الروضة. لكن الحديث اختلف في وصله وإرساله، وفي رفعه ووقفه، ومن ثم لم يخرجه المؤلّف. والمعتمد تفضيل الوتر على الرواتب وغيرها: كالضحى إذ قيل بوجوبه، ثم: ركعتي الفجر، لحديث عائشة المروي في الصحيحين: "لم يكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على شيء من النوافل أشدّ تعاهدًا منه على ركعتي الفجر". وحديث مسلم: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها، وهما أفضل من ركعتين في جوف الليل". وحملوا حديث أبي هريرة السابق على أن النفل المطلق المفعول في الليل، أفضل من المطلق المفعول في النهار. وقد مدح الله المتهجدين في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17]. {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64] {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] ويكفي: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} وهي الغاية. فمن عرف فضيلة قيام الليل بسماع الآيات، والأخبار، والآثار الواردة فيه، واستحكم رجاؤه وشوقه إلى ثوابه، ولذة مناجاته به، هاجه الشوق وباعث التوق، وطردا عنه النوم. قال بعض الكبراء من القدماء: أوحى الله تعالى إلى بعض الصدّيقين: إن لي عبادًا يحبوني وأحبهم، ويشتاقون إليّ وأشتاق إليهم، ويذكروني وأذكرهم. فإن حذوت طريقهم أحببتك. قال: يا رب! وما علاماتهم؟ قال: يحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها، فإذا جَنَّهم الليل نصبوا إليّ أقدامهم، وافترشوا إليّ وجوههم، وناجوني بكلامي، وتملقوا بإنعامي، فبين صارخ وباك، ومتأوهٍ وشاكٍ بعيني ما يتحملون من أجلي، وبسمعي ما يشتكون من حبي، أوّل ما أعطيهم أن أقذف من نوري في قلوبهم، فيخبرون عني كما أخبر عنهم. 1121 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح. وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا فَأَقُصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَىِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ، وَإِذَا فِيهَا أُنَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ. قَالَ: فَلَقِيَنَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي: لَمْ تُرَعْ". وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسنديّ (قال: حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (قال: أخبرنا معمر) هو: ابن راشد. (ح) لتحويل السند، وليست في اليونينية. (وحدّثني) بالإفراد (محمود) هو: ابن غيلان المروزي (قال: حدثنا عبد الرزاق) بن همام (قال أخبرنا معمر) المذكور (عن) ابن شهاب (الزهري، عن سالم، عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (قال): (كان الرجل في حياة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا رأى رؤيا) كفعلى، بالضم من غير تنوين، أي: في النوم (قصها على رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فتمنيت أن أرى) وللكشميهني: أني أرى (رؤيا) زاد في التعبير، من وجه آخر: فقلت في نفسي: لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء (فأقصها) بالنصب، وفاء قبل الهمزة، أي: أخبره بها، ولأبي الوقت في نسخة، والأصيلي، وابن عساكر: أقصها (على رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكنت غلامًا شابًا، وكنت أنام

3 - باب طول السجود في قيام الليل

في المسجد على عهد رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية) أي: مبنية الجوانب (كطي البئر، وإذا لها قرنان) بفتح القاف، أي: جانبان (وإذا فيها أناس) بضم الهمزة (قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار. قال فلقينا ملك آخر، فقال لي: لم ترع) بضم المثناة الفوقية وفتح الراء وجزم المهملة، أي: لِم تخف، والمعنى: لا خوف عليك بعد هذا، وللكشميهني في التعبير: لن تراع، بإثبات الألف، وللقابسي: لن ترع، بحذف الألف. واستشكل من جهة أن لن، حرف نصب، ولم تنصب هنا. وأجيب: بأنه مجزوم بلن، على اللغة القليلة المحكية عن الكسائي، أو سكنت العين للوقف، ثم شبه بسكون المجزوم، فحذف الألف قبله، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، قاله ابن مالك. وتعقبه في المصابيح، فقال: لا نسلم أن فيه إجراء الوصل مجرى الوقف، إذ لم يصله الملك بشيء بعده. ثم قال: فإن قلت: إنما وجه ابن مالك بهذا في الرواية التي فيها: لم ترع، وهذا يتحقق فيه ما قاله من إجراء الوصل مجرى الوقف. وأجاب عنه، فقال: لا نسلم، إذ يحتمل أن الملك نطق بكل جملة منها منفردة عن الأخرى، ووقف على آخرها فحكاه كما وقع. اهـ. 1122 - "فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ. فَكَانَ بَعْدُ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً". [الحديث 1122 - أطرافه في: 1157، 3739، 3741، 7016، 7029، 7031]. (فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال): (نعم الرجل عبد الله) وفي التعبير من رواية نافع عن ابن عمر: إن عبد الله رجل صالح (لو كان يصلّي من الليل) لو للتمني لا للشرط، ولذا لم يذكر الجواب. قال سالم: (فكان) بالفاء، أي: عبد الله، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: وكان (بعد لا ينام من الليل إلا قليلاً). فإن قلت: من أين أخذ عليه الصلاة والسلام التفسير بقيام الليل من هذه الرؤيا؟. أجاب المهلب: بأنه إنما فسر عليه الصلاة والسلام هذه الرؤيا بقيام الليل، لأنه لم ير شيئًا يغفل عنه من الفرائض، فيذكر بالنار. وعلم مبيته بالمسجد، فعبر عن ذلك بأنه منبه على قيام الليل فيه. وفي الحديث: (إن قيام الليل ينجي من النار). وفيه، كراهة كثرة النوم بالليل. وقد روى سنيد، عن يوسف بن محمد بن المنكدر، عن أبيه، عن جابر مرفوعًا: قالت أم سليمان لسليمان: يا بني لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيرًا يوم القيامة. وكان بعض الكبراء يقف على المائدة كل ليلة ويقول: معاشر المريدين لا تأكلوا كثيرًا فتشربوا كثيرًا فترقدوا كثيرًا فتتحسروا عند الموت كثيرًا. وهذا هو الأصل الكبير، وهو تخفيف المعدة عن ثقل الطعام. وفي هذا الحديث: التحديث، والعنعنة، والقول، وأخرجه أيضًا في: باب نوم الرجل في المسجد، كما سبق وفي: باب فضل من تعارّ من الليل، ومناقب ابن عمر، ومسلم في: فضائل ابن عمر. 3 - باب طُولِ السُّجُودِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ (باب طول السجود في قيام الليل) للدعاء والتضرع إلى الله تعالى، إذ هو أبلغ أحوال التواضع والتذلل، ومن ثم كان: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد. 1123 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلْكَ صَلاَتَهُ، يَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ. ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُنَادِي لِلصَّلاَةِ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا) وللأصيلي: حدّثنا (شعيب) هو: ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري، قال: أخبرني) ولأبي ذر، والأصيلي؛ حدّثني، بالإفراد فيهما (عروة) بن الزبير (أن عائشة، رضي الله عنها، أخبرته): (أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يصلّي) من الليل (إحدى عشرة ركعة، كانت تلك) أي: الإحدى عشرة ركعة (صلاته) بالليل. قال البيضاوي: بنى الشافعي عليه مذهبه في الوتر، وقال: إن أكثر الوتر إحدى عشرة ركعة، ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى. (يسجد السجدة من ذلك) الألف واللام لتعريف الجنس، فيشمل سجود الإحدى عشرة، والتاء فيه لا تنافي ذلك، والتقدير: يسجد سجدات تلك الركعات طويلة (قدر) أي: بقدر، ويصح جعله وصفًا لمصدر محذوف، أي: سجودًا قدر، أو يمكث مكثًا قدر (ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه) من السجدة. وكان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي. رواه المؤلّف فيما سبق في صفة الصلاة من حديث عائشة. وعنها: كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في صلاة الليل في سجوده: "سبحانك لا إله إلا أنت".

4 - باب ترك القيام للمريض

رواه أحمد في مسنده بإسناد رجاله ثقات. وكان السلف يطوّلون السجود أسوة حسنة به عليه الصلاة والسلام، وقد كان ابن الزبير يسجد حتى تنزل العصافير على ظهره كأنه حائط. (ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر، ثم يضطجع على شقه الأيمن) للاستراحة من مكابدة الليل، ومجاهدة التهجد (حتى يأتيه المنادي للصلاة) أي صلاة الصبح. وموضع الترجمة منه قوله: يسجد السجدة. الخ ... لأن ذلك يستدعي طول زمان السجود. 4 - باب تَرْكِ الْقِيَامِ لِلْمَرِيضِ (باب ترك القيام) أي: قيام الليل (للمريض). 1124 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدَبًا يَقُولُ: "اشْتَكَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ". [الحديث 1124 - أطرافه في: 1125، 4950، 4951، 4983]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأسود) بن قيس (قال: سمعت جندبًا) بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال وضمها آخره موحدة، ابن عبد الله البجلي (يقول): (اشتكى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: مرض، (فلم يقم) لصلاة الليل (ليلة أو ليلتين) نصب على الظرفية. وزاد في فضائل القرآن: فأتته امرأة فقالت: يا محمد! ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فأنزل الله تعالى {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ} إلى قوله: {وَمَا قَلَى} ورواته الأربعة كوفيون، وفيه: التحديث والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه في قيام الليل أيضًا، وفضائل القرآن، والتفسير. ومسلم في المغازي، والترمذي، والنسائي في التعبير. 1125 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "احْتَبَسَ جِبْرِيلُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَبْطَأَ عَلَيْهِ شَيْطَانُهُ"، فَنَزَلَتْ: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة (قال: أخبرنا سفيان) الثوري (عن الأسود بن قيس، عن جندب بن عبد الله) البجلي (رضي الله عنه، قال احتبس جبريل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على) ولأبي ذر، والأصيلي: عن (النبي،-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالت امرأة من قريش) هي: أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان، امرأة أبي لهب {حمالة الحطب} [المسد: 4] كما رواه الحاكم: (أبطأ عليه شيطانه) برفع النون فاعل، أبطأ (فنزلت) سورة ({والضحى}) صدر النهار، أو: النهار كله ({والليل إذا سجى}) أقبل بظلامه ({ما ودعك}) جواب القسم، أي ما قطعك ({ربك وما قلى}) [الضحى: 1 - 2] أي: ما قلاك، أي: ما أبغضك. وهذا الحديث قد رواه شعبة عن الأسود بلفظ آخر أخرجه المصنف في التفسير، قال: قالت امرأة: يا رسول الله ما أرى صاحبك إلا أبطأ عنك، قال في الفتح: وهذه المرأة فيما يظهر لي غير المرأة المذكورة في حديث سفيان، لأن هذه عبرت بقولها: صاحبك، وتلك، عبرت بقولها: شيطانك. وهذه عبرت بقولها: يا رسول الله وتلك عبرت بقولها: يا محمد، وسياق هذه يشعر بأنها قالته توجعًا وتأسفًا، وتلك قالته شماتة وتهكمًا. وفي تفسير بقيّ بن مخلد، قال: قالت خديجة للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حين أبطأ عليه الوحي: إن ربك قد قلاك، فنزلت: {والضحى}. وأخرجه إسماعيل القاضي في أحكامه، والطبري في تفسيره، وأبو داود في أعلام النبوة وإسناد قويّ وتعقب بالإنكار، لأن خديجة قوية الإيمان لا يليق نسبة هذا القول إليها. وأجيب: بأنه ليس فيه ما ينكر، لأن المستنكر قول المرأة: شيطانك، وليست عند أحد منهم. وفي رواية إسماعيل القاضي، وغيره: ما أرى صاحبك، بدل: ربك، والظاهر أنها عنت بذلك: جبريل عليه السلام. فإن قلت: ما موضع الترجمة من الحديث؟ أجيب: بأنه من حيث كونه تتمة الحديث السابق، وذلك أنه أراد أن ينبه على أن الحديث واحد لاتحاد مخرجه، وإن كان السبب مختلفًا. وعند ابن أبي حاتم عن جندب: رمى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحجر في أصبعه، فقال: هل أنت إلا أصبع دميتِ ... وفي سبيل الله ما لقيتِ قال: فمكث ليلتين أو ثلاثًا لم يقم، فقالت له امرأة: ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فنزلت {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 1 - 3]. 5 - باب تَحْرِيضِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى صَلاَةِ اللَّيْلِ وَالنَّوَافِلِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ وَطَرَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةَ وَعَلِيًّا - عليهما السلام - لَيْلَةً لِلصَّلاَةِ (باب تحريض النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أمته، أو: المؤمنين (على صلاة الليل) وفي رواية أبي ذر، وابن عساكر: على قيام الليل (والنوافل من غير إيجاب). يحتمل أن يكون قوله: على قيام الليل، أعم: من الصلاة والقراءة والذكر والشكر. وغير ذلك، وحينئذٍ يكون قوله: والنوافل من عطف الخاص على العام. (وطرق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الطروق، أي: أتى بالليل (فاطمة وعليًّا عليهما السلام ليلة للصلاة) أي للتحريض على القيام للصلاة. 1126 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَيْقَظَ لَيْلَةً فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتْنَةِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ؟ يَا رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ". وبه قال: (حدّثنا ابن مقاتل) ولأبي ذر: محمد بن مقاتل (قال: حدّثنا) ولغير الأصيلي: أخبرنا (عبد الله)

بن المبارك (قال: أخبرنا معمر) هو: ابن راشد (عن) ابن شهاب (الزهري، عن هند بنت الحرث) لم ينوّن في اليونينية: هند (عن أم سلمة، رضي الله عنها أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، استيقظ ليلة فقال:) متعجبًا: (سبحان الله) نصب على المصدر (ماذا أنزل الليلة) كالتقرير والبيان لسابقه، لأن: ما استفهامية متضمنة لمعنى التعجب والتعظيم، والليلة، ظرف للإنزال. أي: ماذا أنزل في الليلة (من الفتنة) بالإفراد، وللحموي والكشميهني: من الفتن. قال في المصابيح: أي الجزئية القريبة المأخذ أو المراد: ماذا أنزل من مقدّمات الفتن. وإنما التجأنا إلى هذا التأويل لقوله عليه الصلاة والسلام: "أنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت جاء أصحابي ما يوعدون" فزمانه عليه الصلاة والسلام جدير بأن يكون حمى من الفتن. وأيضًا، فقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: 3] وإتمام النعمة أمان من الفتن. وأيضًا فقول حذيفة لعمران: بينك وبينها بابًا مغلقًا، يعني بينه وبين الفتن التي تموج كموج البحر، وتلك إنما استحقت بقتل عمر رضي الله عنه. وأما الفتن الجزئية فهي كقوله: "فتنة الرجل في أهله وماله يكفرها الصلاة والصيام والصدقة". (ماذا أنزل) بالهمزة المضمومة، وللأصيلي: (من الخزائن) أي: خزائن الأعطية، أو الأقضية مطلقًا. وقال في شرح المشكاة: عبر عن الرحمة بالخزائن كثرتها وعزتها، قال تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} [الإسراء: 100] وعن العذاب بالفتن. لأنها أسباب مؤدّية إليه وجمعهما لكثرتهما وسعتهما. (من يوقظ) ينبه (صواحب الحجرات). زاد في رواية شعيب عن الزهري عند المصنف في الأدب وغيره: في هذا الحديث يريد أزواجه حتى يصلّين، وبذلك تظهر المطابقة بين الحديث والترجمة، فإن فيه التحريض على صلاة الليل، وعدم الإيجاب يؤخذ من ترك إلزامهن بذلك، وفيه جرى على قاعدته في الحوالة على ما وقع في بعض طرق الحديث الذي يورده (يا) قوم (رب) نفس (كاسية) من ألوان الثياب عرفتها (في الدنيا عارية) من أنواع الثياب (في الآخرة) وقيل: عارية من شكر المنعم، وقيل: نهى عن لبس ما يشف من الثياب، وقيل: نهى عن التبرج. وقال في شرح المشكاة: هو كالبيان لموجب استنشاط الأزواج للصلاة، أي: لا ينبغي لهن أن يتغافلن عن العبادة، ويعتمدن على كونهن أهالي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقوله: عارية، بالجرّ صفة لكاسية، أو: بالرفع، خبر مبتدأ مضمر، أي: هي عارية، و: رب، للتكثير، وإن كان أصلها التقليل متعلقة وجوبًا بفعل ماض متأخر، أي: عرفتها ونحوه كما مر. وهذا الحديث، وإن خص بأزواجه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالتقدير: رب نفس، كما مر، أو: نسمة. 1127 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - لَيْلَةً فَقَالَ: أَلاَ تُصَلِّيَانِ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا. فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَىَّ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهْوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهْوَ يَقُولُ: {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلاً} ". [الحديث 1127 - أطرافه في: 4724، 7347، 7465]. وبه قال (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو: ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (على بن حسين) بضم الحاء، المشهور: بزين العابدين (أن) أباه (حسين بن علي أخبره أن علي بن أبي طالب أخبره): (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طرقه وفاطمة بنت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي اليونينية: عليه السلام، بدل التصلية، وفاطمة؛ نصب عطفًا على الضمير المنصوب في سابقه (ليلة) من الليالي، ذكرها تأكيدًا وإلاّ فالطروق هو الإتيان ليلاً (فقال) عليه الصلاة والسلام لهما، حثًا وتحريضًا: (ألا تصليان)؟ (فقلت: يا رسول الله أنفسنا بيد الله) هو من المتشابه، وفيه طريقان: التأويل والتفويض. وفي رواية حكيم بن حكيم عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عند النسائي، قال علي: فجلست وأنا أحرك عيني، وأنا أقول: والله ما نصلي إلا ما كتب الله لنا، إنما أنفسنا بيد الله (فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا) بفتح المثناة فيهما، أي: إذا شاء الله أن يوقظنا. (فانصرف) عليه الصلاة والسلام عنا معرضًا مدبرًا (حين قلنا) وللأربعة: حين قلت له (ذلك. ولم يرجع إليّ شيئًا) بفتح أول يرجع أي: لم يجبني بشيء (ثم سمعته، وهو) أي: والحال أنه (مول) معرض مدبر حال كونه (يضرب فخذه) متعجبًا من سرعة جوابه، وعدم موافقته له على الاعتذار بما اعتذر به، قاله النووي: (وهو يقول:

{وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف: 54]. قيل: قاله تسليمًا لعذره، وإنه لا عتب عليه، قال ابن بطال: ليس للإمام أن يشدد في النوافل، فإنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ قنع بقوله: أنفسنا بيد الله، فهو عذر في النافلة لا في الفريضة. ورواة هذا الحديث الستة ما بين حمصي ومدني وإسناد زين العابدين من أصح الأسانيد وأشرفها الواردة فيمن روى عن أبيه عن جده، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: الاعتصام والتوحيد، ومسلم في: الصلاة، وكذا النسائي. 1128 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهْوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ، وَمَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ، وَإِنِّي لأُسَبِّحُهَا". [الحديث 1128 - طرفه في: 1177]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) إمام الأئمة (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة، رضي الله عنها قالت): (إن كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر همزة إن مخففة من الثقيلة، وأصله: إنه كان فحذف ضمير الشأن وخفف النون، (ليدع العمل) بفتح لام: ليدع، التي للتأكيد، أي: ليترك العمل (وهو يحب أن يعمل به خشية) أي: لأجل خشية (أن يعمل به الناس، فيفرض عليهم) بنصب فيفرض عطفًا على أن يعمل. وليس مراد عائشة أنه كان يترك العمل أصلاً، وقد فرضه الله عليه أو ندبه، بل المراد ترك أمرهم أن يعملوه معه، بدليل ما في الحديث الآتي: أنهم لما اجتمعوا إليه في الليلة الثالثة، أو الرابعة، ليصلوا معه التهجد لم يخرج إليهم، ولا ريب أنه صلّى حزبه تلك الليلة. (وما سبح) وما تنفل (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها) أي: لأصليها. وللكشميهني والأصيلي: وإني لأستحبها من الاستحباب. وذكر هذه الرواية العيني، ولم يعزها، والبرماوي والدماميني عن الموطأ، وهذا من عائشة إخبار بما رأت. وقد ثبت: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاها يوم الفتح، وأوصى بها أبوي ذر، وهريرة، بل عدها العلماء من الواجبات الخاصة به. ووجه مطابقة هذا الحديث للترجمة من قول عائشة: "إن كان ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به". لأن كل شيء أحبه استلزم التحريض عليه لولا ما عارضه من خشية الافتراض. 1129 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رضي الله عنها "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلاَّ أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوام (عن عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها): (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى) صلاة الليل (ذات ليلة) أي: في ليلة من ليالي رمضان (في المسجد، فصلّى بصلاته ناس، ثم صلّى من) الليلة (القابلة) أي: الثانية. وللمستملي: ثم صلّى من القابل، أي: من الوقت القابل (فكثر الناس. ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). زاد أحمد في رواية ابن جريج: حتى سمعت ناسًا منهم يقولون الصلاة. والشك ثابت في رواية مالك. ولمسلم من رواية يونس، عن ابن شهاب، فخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في الليلة الثانية فصلوا معه، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله. ولأحمد من رواية سفيان بن حسين عنه: فلما كانت الليلة الرابعة غص المسجد بأهله، (فلما أصبح) عليه الصلاة والسلام (قال): (قد رأيت الذي صنعتم) أي: من حرصكم على صلاة التراويح. وفي رواية عقيل: فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس، فتشهد ثم قال: "أما بعد؛ فإنه لم يخف عليّ مكانكم". (ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم). زاد في رواية يونس: صلاة الليل فتعجزوا عنها، أي: يشق عليكم فتتركوها مع القدرة. وليس المراد العجز الكلي، فإنه يسقط التكليف من أصله. قالت عائشة: (وذلك) أي: ما ذكر كان (في رمضان). واستشكل قوله: إني خشيت أن تفرض عليكم، مع قوله في حديث الإسراء هن خمس، وهن خمسون لا يبدل القول لديّ. فإذا أمن التبديل فكيف يقع الخوف من الزيادة. وأجاب في فتح الباري باحتمال: أن يكون المخوف افتراض قيام الليل، بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة شرطًا في صحة التنفل بالليل، ويومئ إليه قوله في حديث زيد بن ثابت: "حتى

6 - باب قيام النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى ترم قدماه

خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم". فمنعهم من التجميع في المسجد إشفاقًا عليهم من اشتراطه، وأمن مع إذنه في المواظبة على ذلك في بيوتهم من افتراضه عليهم، أو يكون المخوف افتراض قيام الليل على الكفاية لا على الأعيان. فلا يكون ذلك زائدًا على الخمس. أو يكون الخوف افتراض قيام رمضان خاصة، كما سبق: أن ذلك كان في رمضان. وعلى هذا يرتفع الإشكال، لأن قيام رمضان لا يتكرر كل يوم في السنة، فلا يكون ذلك قدرًا زائدًا على الخمس. اهـ. 6 - باب قِيَامِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: حَتَّى تَفَطَّرَ قَدَمَاهُ. وَالْفُطُورُ: الشُّقُوقُ. انْفَطَرَتْ: انْشَقَّتْ. (باب قيام النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد الحموي في نسخة، والمستملي، والكشميهني، والأصيلي: الليل. وسقط عند أبي الوقت وابن عساكر (حتى ترم قدماه) بفتح المثناة الفوقية، وكسر الراء من الورم. وسقط ذلك أي: حتى ترم قدماه من رواية أبوي ذر، والوقت، والأصيلي. وللكشميهني في نسخة، والحموي والمستملي: باب قيام الليل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (وقالت عائشة رضي الله عنها) مما وصله في سورة الفتح من التفسير (حتى) وللكشميهني كان يقوم، ولأبي ذر، عن الحموي والمستملي: قام حتى (تفطر قدماه) بحذف إحدى التاءين وتشديد الطاء وفتح الراء، بصيغة المضارع. وللأصيلي: قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى تتفطر قدماه، بمثناتين فوقيتين على الأصل وفتح الراء. (والفطور: الشقوق) كما فسره به أبو عبيدة في المجاز: (انفطرت: انشقت). كذا فسره الضحاك، فيما رواه ابن أبي حاتم عنه موصولاً. 1130 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "إِنْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيَقُومُ -لِيُصَلِّيَ- حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ -أَوْ سَاقَاهُ- فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا"؟ [الحديث 1130 - طرفاه في: 4836، 6471]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين المهملة، ابن كدام العامري الهلالي (عن زياد) بكسر الزاي وتخفيف الياء ابن علاقة الثعلبي (قال: سمعت المغيرة) بن شعبة (رضي الله عنه، يقول): (إن كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليقوم ليصلّي) بكسر همزة إن وتخفيف النون، وحذف ضمير الشأن تقديره: إنه كان، وبفتح لام ليقوم للتأكيد، وكسر لام ليصلّي. ولكريمة: ليقوم يصلّي، بحذف لام، يصلّي، وللأربعة: أو ليصلّي، مع فتح اللام على الشك .. (حتى ترم قدماه) بكسر الراء وتخفيف الميم منصوبة بلفظ المضارع، ويجوز رفعها (-أو ساقاه-) شك من الراوي، وفي رواية خلاد بن يحيى: حتى ترم، أو تنتفخ قدماه (فيقال له:) {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2]. وفي حديث عائشة: لِم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك؟ (فيقول): (أفلا) الفاء مسبب عن محذوف، أي: أأترك قيامي وتهجدي لما غفر لي فلا (أكون عبدًا شكورًا) يعني: غفران الله لي سبب لأن أقوم وأتهجد شكرًا له. فكيف أتركه؟ كأن المعنى: ألا أشكره، وقد أنعم عليّ وخصني بخير الدارين. فإن الشكور من أبنية المبالغة يستدعي نعمة خطيرة، وتخصيص العبد بالذكر مشعر بغاية الإكرام والقرب من الله تعالى، ومن ثم وصفه به في مقام الإسراء، ولأن العبودية تقتضي صحة النسبة، وليست إلاّ بالعبادة، والعبادة عين الشكر، وفيه أخذ الإنسان على نفسه بالشّدة في العبادة، وإن أضر ذلك ببدنه. لكن، ينبغي تقييد ذلك بماذا لم يفض إلى الملال، لأن حالة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت أكمل الأحوال، فكان لا يمل من العبادة، وإن أضر ذلك ببدنه، بل صح أنه قال: "وجعلت قرة عيني في الصلاة" رواه النسائي. فأما غيره، عليه الصلاة والسلام، فإذا خشي الملل ينبغي له أن لا يكدّ نفسه حتى يمل. نعم الأخذ بالشدة أفضل لأنه إذا كان هذا فعل المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكيف من جهل حاله وأثقلت ظهره الأوزار، ولا يأمن عذاب النار؟ ورواة هذا الحديث كوفيون، وهو من الرباعيات، وفيه التحديث والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه أيضًا في: الرقاق والتفسير، ومسلم في: أواخر الكتاب، والترمذي: في الصلاة، وكذا النسائي وابن ماجة. 7 - باب مَنْ نَامَ عِنْدَ السَّحَرِ (باب من نام عند السحر) بفتحتين قبيل الصبح، وللكشميهني والأصيلي: عند السحور: بفتح السين وضم الحاء. ما يتسحر به، ولا يكون إلا قبيل الصبح أيضًا. 1131 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ «أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا». [الحديث 1131 - أطرافه في: 1152، 1153، 1974، 1975، 1976، 1977، 1978، 1979، 1980، 3418، 3419، 3420، 5052، 5053، 5054، 5199، 6134، 6277]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا عمرو بن دينار أن عمرو بن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو، الثقفي الطائفي التابعي الكبير، وليس بصحابي، نعم، أبوه صحابي وعمرو في الموضعين بالواو (أخبره أن عبد الله

بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، أخبره أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال له) أي: لابن عمرو: (أحب الصلاة) أي: أكثر ما يكون محبوبًا (إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام) أي: أحب، بمعنى محبوبًا (إلى الله، صيام) وفي رواية: وأحب الصوم إلى الله صوم (داود). واستعمال: أحب، بمعنى: محبوب قليل، لأن الأكثر في أفعل التفضيل أن يكون بمعنى الفاعل، ونسبة المحبة فيهما إلى الله تعالى على معنى إرادة الخير لفاعلهما. (وكان) داود، عليه الصلاة والسلام، (ينام نصف الليل ويقوم ثلثه) في الوقت الذي ينادي فيه الرب تعالى: هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ (وينام سدسه) ليستريح من نصب القيام في بقية الليل. وإنما كان هذا أحب إلى الله تعالى، لأنه أخذ بالرفق على النفوس التي يخشى منها السآمة التي هي سبب إلى ترك العبادة، والله تعالى يحب أن يوالي فضله، ويديم إحسانه، قاله الكرماني. وإنما كان ذلك أرفق، لأن النوم بعد القيام يريح البدن، ويذهب ضرر السهر، وذبول الجسم، بخلاف السهر إلى الصباح، وفيه من المصلحة أيضًا استقبال صلاة الصبح وأذكار النهار بنشاط وإقبال، ولأنه أقرب إلى عدم الرياء، لأن من نام السدس الأخير أصبح ظاهر اللون، سليم القوى، فهو أقرب إلى أن يخفى عمله الماضي على من يراه، أشار إليه ابن دقيق العيد. (ويصوم يومًا ويفطر يومًا) وقال ابن المنير: كان داود عليه الصلاة والسلام يقسم ليله ونهاره لحق ربه وحق نفسه، فأما الليل فاستقام له ذلك في كل ليلة، وأما النهار فلما تعذر عليه أن يجزئه بالصيام لأنه لا يتبعض، جعل عوضًا من ذلك أن يصوم يومًا ويفطر يومًا، فيتنزل ذلك منزلة التجزئة في شخص اليوم. ورواة هذا الحديث مكيُّون إلاّ شيخ المؤلّف فمدني، وفيه: رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، والتحديث والإخبار، وأخرجه أيضًا في: أحاديث الأنبياء. ومسلم في: الصوم، وكذا أبو داود وابن ماجة والنسائي فيه، وفي الصلاة أيضًا. 1132 - حَدَّثَنِي عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَشْعَثَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ سَمِعْتُ مَسْرُوقًا قَالَ "سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَيُّ الْعَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتِ: الدَّائِمُ قُلْتُ: مَتَى كَانَ يَقُومُ؟ قَالَتْ: يَقُومُ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ". حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنِ الأَشْعَثِ قَالَ: "إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ قَامَ فَصَلَّى". [الحديث 1132 - طرفاه في: 6461، 6462]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر، والوقت، والأصيلي: حدّثنا (عبدان) هو: لقب عبد الله (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عثمان بن جبلة، بفتح الجيم والموحدة الأزدي العتكي (عن شعبة) بن الحجاج (عن أشعث) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة آخره مثلثة (قال: سمعت أبي) أبا الشعثاء، سليم بن أسود المحاربي (قال: سمعت مسروقًا) هو: ابن الأجدع (قال): (سألت عائشة رضي الله عنها: أي العمل كان أحب إلى النبي) ولأبي ذر، والأصيلي: إلى رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قالت) هو (الدائم) الذي يستمر عليه عامله، والمراد بالدوام العرفي لا شمول الأزمنة، لأنه متعذر. قال مسروق: (قلت) لعائشة (متى كان يقوم) عليه الصلاة والسلام؟. (قالت: يقوم) فيصلّي، ولأبي ذر، قالت: كان يقوم (إذا سمع الصارخ) وهو الديك لأنه يكثر الصياح في الليل. قال ابن ناصر: وأول ما يصيح نصف الليل غالبًا، وهذا موافق لقول ابن عباس: نصف الليل، أو قبله بقليل أو بعده بقليل. وقال ابن بطال: يصرخ عند ثلث الليل. وروى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجة عن زيد بن خالد الجهني: أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: "لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة". وإسناده جيد. وفي لفظ: فإنه يدعو إلى الصلاة. وليس المراد أن يقول بصراخه حقيقة الصلاة، بل العادة جرت أنه يصرخ صرخات متتابعة عند طلوع الفجر وعند الزوال، فطرة فطره الله عليها، فيذكر الناس بصراخه الصلاة. وفي معجم الطبراني، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: "إن لله ديكًا أبيض، جناحاه مُوشيان بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ، جناح بالمشرق وجناح بالمغرب، رأسه تحت العرش، وقوائمه في الهواء، يؤذن في كل سحر، فيسمع تلك الصيحة أهل السماوات والأرضين إلا الثقلين: الجن والإنس، فعند ذلك تجيبه ديوك الأرض، فإذا دنا يوم القيامة قال الله تعالى: ضم جناحيك وغض صوتك، فيعلم أهل السماوات والأرض إلاّ الثقلين أن الساعة قد اقتربت". وعند الطبراني، والبيهقي في الشعب، عن محمد بن المنكدر، عن جابر: أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: "إن لله ديكًا، رجلاه في التخوم، وعنقه تحت العرش مطوية، فإذا كان هنية من الليل صاح:

8 - باب من تسحر فلم ينم حتى صلى الصبح

سبوح قدوس، فصاحت الديكة. وهو في كامل ابن عدي، في ترجمة علي بن علي اللهبي، قال: وهو يروي أحاديث منكرة عن جابر. وفي حديث الباب الاقتصاد في العبادة، وترك التعمق فيها. ورواته ما بين: مروزي وواسطي وكوفي، وفيه رواية الابن عن الأب، والتابعي عن الصحابية، والتحديث والإخبار والعنعنة، والسماع والقول. وأخرجه أيضًا في هذا الباب، وفي الرقاق، ومسلم في: الصلاة، وكذا أبو داود والنسائي. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) بتخفيف اللام، ولأبي ذر، عن السرخسي، وهو في اليونينية لابن عساكر: محمد بن سالم، بتقديم الألف على اللام، وهو سهو من السرخسي لأنه ليس من شيوخ المؤلّف أحد يقال له محمد بن سالم، وضبب عليها في اليونينية. ولأبي الوقت، والأصيلي: حدّثنا محمد (قال: أخبرنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الكوفي (عن الأشعث) بن أبي الشعثاء بإسناد المذكور (قال): (إذا سمع الصارخ) الديك في نصف الليل، أو ثلثه الأخير، لأنه إنما يكثر الصياح فيه (قام فصلّى). لأنه وقت نزول الرحمة، والسكون، وهدوّ الأصوات. وأفادت هذه الرواية ما كان يصنع إذا قام، وهو قوله: قام فصلّى، بخلاف رواية شعبة فإنها مجملة، وللمستملي والحموي: ثم قام إلى الصلاة. 1133 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ ذَكَرَ أَبِي عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "مَا أَلْفَاهُ السَّحَرُ عِنْدِي إِلاَّ نَائِمًا" تَعْنِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) هو: ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (قال: ذكر أبي) سعد بن إبراهيم، ولأبي داود: حدّثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه (عن) عمه (أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن عائشة، رضي الله عنها، قالت:) (ما ألفاه) بالفاء أي: وجده عليه الصلاة والسلام (السحر) بالرفع فاعل ألفى (عندي إلاّ نائمًا) بعد القيام الذي مبدؤه عند سماع الصارخ. جمعًا بينه وبين رواية مسروق السابقة. وهل المراد حقيقة النوم أو اضطجاعه على جنبه لقولها في الحديث الآخر: فإن كنت يقظى حدثني، وإلاّ اضطجع. أو كان نومه خاصًّا بالليالي الطوال، وفي غير رمضان دون القصار، لكن يحتاج إخراجها إلى دليل. (تعني) عائشة (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). فسر الضمير المنصوب في ألفاه: بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وليس بإضمار قبل الذكر، لأن أم سلمة كانت سألت عائشة عن نوم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقت السحر بعد ركعتي الفجر، كانتا في ذكره عليه الصلاة والسلام. وفي هذا الحديث رواية التابعي عن التابعي، والتحديث والرواية بطريق الذكر. والعنعنة والقول، ورواية الابن عن الأب. وأخرجه مسلم في: الصلاة، وكذا أبو داود وابن ماجة. 8 - باب مَنْ تَسَحَّرَ فَلَمْ يَنَمْ حَتَّى صَلَّى الصُّبْحَ (باب من تسحر فلم) بالفاء، وللكشميهني: ولم (ينم حتى صلّى الصبح) وللحموي والمستملي: من تسحر ثم قام إلى الصلاة. 1134 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا رَوْحٌ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- تَسَحَّرَا. فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى. قُلْنَا لأَنَسٍ -كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلاَةِ؟ قَالَ: كَقَدْرِ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً". وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي (قال: حدّثنا روح) بفتح الراء، ابن عبادة بضم العين وتخفيف الموحدة (قال: حدّثنا سعيد) ولأبي ذرة سعيد بن أبي عروبة، بفتح العين وضم الراء مخففًا (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك، رضي الله عنه): (أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وزيد بن ثابت، رضي الله عنه، تسحرا) أكلا السحور (فلما فرغا من سحورهما) بفتح السين، اسم لما يتسحر به، وقد تضم كالوُضوء والوَضوء (قام نبي الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إلى الصلاة) أي: صلاة الصبح (فصلّى. قلنا) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: فقلنا (لأنس: كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: كقدر ما يقرأ الرجل خمسين آية). قال التوربشتي: هذا تقدير لا يجوز لعموم المسلمين الأخذ به، وإنما أخذ به عليه الصلاة والسلام لاطلاع الله إياه، وقد كان عليه الصلاة والسلام معصومًا من الخطأ في أمر الدين، وسبق هذا الحديث في باب: وقت الفجر. 9 - باب طُولِ الْقِيَامِ فِي صَلاَةِ اللَّيْلِ (باب طول القيام في صلاة الليل) وللحموي، والمستملي: طول الصلاة في قيام الليل، وهي توافق حديث الباب لأنه يدل بظاهره على طول الصلاة لا على طول القيام بخصوصه، لكنه يلزم من طولها طوله على ما لا يخفى. وللكشميهني: باب القيام في صلاة الليل. 1135 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً، فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سَوْءٍ. قُلْنَا: وَمَا هَمَمْتَ؟ قَالَ: هَمَمْتَ أَنْ أَقْعُدَ وَأَذَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي، الأزدي

10 - باب كيف كان صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكم كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل؟

البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأزدي (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه، قال): (صليت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة) من الليالي (فلم يزل قائمًا حتى هممت) قصدت (بأمر سوء) بفتح السين إضافة أمر إليه. (قلنا: وما) ولأبي الوقت: ما (هممت؟ قال: هممت أن أقعد) من طول قيامه (وأذر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالمعجمة أي. أتركه، وإنما جعله سوءًا وإن كان القعود في النفل جائزًا لأن فيه ترك الأدب معه، عليه الصلاة والسلام، وصورة مخالفته. وقد كان ابن مسعود قويًا محافظًا على الاقتداء به، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلولا أنه طوّل كثيرًا لم يهم بالقعود. وقد اختلف: هل الأفضل في صلاة النفل كثرة الركوع والسجود؟ أو طول القيام؟ فقال بكل قومٌ. فأما القائلون بالأول، فتمسكوا بنحو حديث ثوبان، عند مسلم: "أفضل الأعمال كثرة الركوع والسجود". وتمسك القائلون بالثاني بحديث مسلم أيضًا: "أفضل الصلاة طول القنوت". والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال. ورواة هذا الحديث ما بين: بصري وواسطي وكوفي، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم وابن ماجة في: الصلاة، والترمذي في: الشمائل. 1136 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا قَامَ لِلتَّهَجُّدِ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ". وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين الحوضي (قال: حدّثنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن الطحان (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن عبد الرحمن السلمي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن حذيفة) بن اليمان (رضي الله عنه): (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا قام للتهجد) أي: قام لعادته (من الليل، يشوص) بشين معجمة وصاد مهملة، أي: يدلك (فاه بالسواك). استشكل ابن بطال هذا الحديث، حتى عدّ ذكره هنا غلطًا من ناسخ، أو: أن المؤلّف اخترمته المنية قبل تنقيحه. وأجيب: باحتمال أنه أراد حديث حذيفة في مسلم: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ البقرة والنساء وآل عمران في ركعة، لكن لم يذكره لأنه ليس على شرطه، وأن رواية شوصه بالسواك هي ليلة صلّى فيها، فحكى البخاري بعضه تنبيهًا على بقيته، أو تنبيهًا بأحد حديثي حذيفة على الآخر. وقال ابن المنير: يحتمل عندي أن يكون أشار إلى معنى الترجمة من جهة أن استعمال السواك حينئذ يدل على ما يناسبه من كمال الهيئة والتأهب للعبادة، وأخذ النفس حينئذ بما تؤخذ به في النهار، وكان ليله عليه الصلاة والسلام نهار، وهو دليل طول القيام فيه. ويدفع أيضًا وهم من لعله يتوهم أن القيام كان خفيفًا بما ورد من حديث ابن عباس: فتوضأ وضوءًا خفيفًا. وابن عباس إنما أراد وضوءًا رشيقًا مع كمال وإسباغ يدل على كماله. اهـ. وتعقبه في المصابيح فقال: أطال الخطابة ولم يكشف الخطب، والحق أحق أن يتبع. اهـ. وقال ابن رشيد: إنما أدخله لقوله: إذا قام للتهجد، أي: إذا قام لعادته. وقد بينت عادته في الحديث الآخر، ولفظ التهجد مع ذلك مشعر بالسهر، ولا شك أن في السواك عونًا على دفع النوم، فهو مشعر بالاستعداد للإطالة. قال في الفتح: وهذا أقرب هذه التوجيهات. ورواة هذا الحديث ما بين: بصري وواسطي وكوفي، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في السواك كما سبق في الوضوء. 10 - باب كَيْفَ كَانَ صَلاَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَمْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ؟ هذا (باب) بالتنوين (كيف كان صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكم كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي من الليل؟) ولأبي الوقت في نسخة، وأبي ذر، وابن عساكر: بالليل. وسقط كان الأولى عند أبوي ذر والوقت والأصيلي، والتبويب كله عند الأصيلي، وللمستملي: باب كيف صلاة الليل؟ وكيف ... ، ولأبي ذر، عن الكشميهني: وكم كان النبي يصلّي بالليل؟. 1137 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "إِنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ صَلاَةُ اللَّيْلِ؟ قَالَ: مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو: ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرني) بالإفراد، وللأصيلي: أخبرنا (سالم بن عبد الله أن) أباه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، قال): (إن رجلاً) في المعجم الصغير للطبراني: أن ابن عمر هو السائل، لكن يعكر عليه ما في مسلم: عن ابن عمر أن رجلاً سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأنا بينه وبين السائل، وفي أبي داود: أن رجلاً من أهل البادية (قال:

يا رسول الله! كيف صلاة الليل)؟ أي عددها؟ (قال): (مثنى مثتى) يسلم من كل ركعتين. ومثنى في محل رفع خبر مبتدأ وهو قوله: صلاة الليل. والتكرير للتأكيد، لأن الأول مكرر معنى: لأن معناه: اثنان اثنان ولذلك امتنع من الصرف. وقال الزمخشري: وإنما لم ينصرف لتكرار العدل فيه، وزعم سيبويه أن عدم صرفه للعدل والصفة. وتعقبه في الكشاف: بأن الوصفية لا يعرج عليها لأنها لو كانت مؤثرة في المنع من الصرف لقلت: مررت بنسوة أربع، مفتوحًا فلما صرف علم أنها ليست بمؤثرة، والوصفية ليست بأصل لأن الواضع لم يضعها لتقع وصفًا، بل عرض لها ذلك نحو: مررت بحية ذراع، ورجل أسد. فالذراع والأسد ليسا بصفتين، للحية والرجل، حقيقة. (فإذا خفت الصبح) أي: دخول وقته (فأوتر بواحدة). ركعة مفردة، وهو حجة للشافعية على جواز الإيتار بركعة واحدة. قال النووي: وهو مذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: لا يصح بواحدة، ولا تكون الركعة الواحدة صلاة قط. والأحاديث الصحيحة ترد عليه، ومباحث ذلك سبقت في باب الوتر. وهذا الحديث يطابق الجزء الأول من الترجمة، وبه احتج أبو يوسف، ومحمد، ومالك، والشافعي، وأحمد: أن صلاة الليل مثنى مثنى. وهو أن يسلم في آخر كل ركعتين. وأما صلاة النهار، فقال أبو يوسف، ومحمد: أربع. وعند أبي حنيفة: أربع في الليل والنهار، وعند الشافعي: مثنى مثنى فيهما. واحتج بما رواه الأربعة من حديث ابن عمر مرفوعًا: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى. نعم: له أن يحرم بركعة، وبمائة مثلاً، وفي كراهة الاقتصار على ركعة فيما لو أحرم مطلقًا وجهان: أحدهما: نعم يكره بناء على القول بأنه إذا نذر صلاة لا تكفيه ركعة. والثاني: لا بل قال في المطلب: الذي يظهر استحبابه خروجًا من خلاف بعض أصحابنا، وإن لم يخرج من خلاف أبي حنيفة من أنه يلزمه بالشروع ركعتان. فإن لم ينو عددًا أو جهل كم صلّى؟ جاز، لما في مسند الدارمي أن أبا ذر صلّى عددًا كثيرًا، فلما سلم قال له الأحنف بن قيس: هل تدري انصرفت على شفع أو على وتر؟ فقال: إن لا أكن أدري فإن الله يدري، فإن نوى عددًا فله أن ينوي الزيادة عليه والنقصان منه. والعدد عند النحاة ما وضع لكمية الشيء، فالواحد عدد، فتدخل فيه الركعة. وعند جمهور الحساب: ما ساوى نصف مجموع حاشيتيه القريبتين أو البعيدتين على السواء، فالواحد ليس بعدد، فلا تدخل فيه الركعة، لكنه يدخل في حكمه هنا بالأولى، لأنه إذا جاز التغيير بالزيادة في الركعتين، ففي الركعة التي قيل يكره الاقتصار عليها في الجملة أولى. ومعلوم أن تغييرها بالنقص ممتنع، فإن نوى أربعًا وسلم من ركعتين، أو من ركعة، أو قام إلى خامسة عامدًا قبل تغيير النية، بطلت صلاته لمخالفته ما نواه بغير نيّة، لأن الزائد صلاة، فتحتاج إلى نية. ولو قام إليها ناسيًا، فتذكر وأراد الزيادة، ولم يردها، لزمه العود إلى القعود، لأن المأتي به سهوًا لغوي، وسجد للسهو آخر صلاته لزيادة القيام. ومن نوى عددًا فله الاقتصار على تشهد آخر صلاته، وله أن يتشهد بلا سلام في كل ركعتين، كما في الرباعية. وفي كل ثلاث أو أكثر كما في التحقيق، والمجموع، لأن ذلك معهود في الفرائض في الجملة، لا في ركعة. لأنه اختراع صورة في الصلاة لم تعهد، قاله في أسنى المطالب. 1138 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "كَانَ صَلاَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يَعْنِي بِاللَّيْلِ". وبه قال: (حدّثنا مسدد قال: حدَّثني يحيى) القطان (عن شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو جمرة) بالجيم والراء المهملة، نصر بن عمران الضبعي (عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال): (كان) ولأبي ذر: كانت (صلاة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثلاث عشرة ركعة) أي يسلم من كل ركعتين، كما صرح به في رواية طلحة بن نافع (يعني بالليل). وسبق الحديث في أول أبواب الوتر. 1139 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ "سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِاللَّيْلِ فَقَالَتْ: سَبْعٌ وَتِسْعٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ، سِوَى رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ". وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (إسحاق) هو: ابن راهويه، كما جزم به أبو نعيم لا ابن سيار النصيبي، ولا رواية له في الكتب الستة (قال: حدّثنا) ولأبي الوقت، والأصيلي: أخبرنا (عبيد الله) بضم العين، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: عبيد الله بن موسى أي: ابن باذام (قال: أخبرني إسرائيل) بن يونس بن إسحاق السبيعي (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين، عثمان بن عاصم الأسدي (عن يحيى بن وثاب) بفتح الواو وتشديد المثلثة وبعد الألف موحدة (عن

11 - باب قيام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالليل ونومه، وما نسخ من قيام الليل

مسروق) هو ابن الأجدع (قال): (سألت عائشة، رضي الله عنها، عن) عدد (صلاة رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بالليل؟ فقالت): تارة (سبع و) تارة (تسع و) أخرى (إحدى عشرة) وقع ذلك منه في أوقات مختلفة بحسب اتساع الوقت وضيقه، أو عذر من مرض أو غيره، أو كبر سنه. وفي النسائي عنها: أنه كان يصلّي من الليل تسعًا، فلما أسن صلّى سبعًا. قيل: وحكمة اقتصاره على إحدى عشرة ركعة أن التهجد والوتر يختص بالليل، وفرائض النهار الظهر أربع، والعصر أربع، والمغرب ثلاث، وتر النهار، فناسب أن تكون صلاة الليل كصلاة النهار في العدد جملة وتفصيلاً. قاله في فتح الباري. ويعكر عليه صلاة الصبح فإنها نهاية لآية: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] والمغرب ليلية لحديث: "إذا أقبل الليل من هاهنا، فقد أفطر الصائم". فليتأمل. (سوى ركعتي الفجر) فالمجموع: ثلاث عشرة ركعة. وأما ما رواه الزهري، عن عروة. عنها: كما سيأتي إن شاء الله تعالى، في باب: ما يقرأ في ركعتي الفجر؟ بلفظ: كان يصلّي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلّي إذا سمع النداء للصبح ركعتين خفيفتين، وظاهره يخالف ما ذكر؟ فأجيب: باحتمال أن تكون أضافت إلى صلاة الليل سنة العشاء، لكونه كان يصلّيها في بيته، أو ما كان يفتتح به صلاة الليل. فقد ثبت في مسلم عنها: أنه كان يفتتحها بركعتين خفيفتين. ويؤيد هذا الاحتمال رواية أبي سلمة، عند المصنف، وغيره: يصلّي أربعًا ثم أربعًا ثم ثلاثًا. فدل على أنها لم تتعرض للركعتين الخفيفتين، وتعرضت لهما في رواية الزهري. والزيادة من الحافظ مقبولة. 1140 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، مِنْهَا الْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ". وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين، مصغرًا العبسي الكوفي (قال: أخبرنا حنظلة) بن أبي سفيان الأسود بن عبد الرحمن (عن القاسم بن محمد) ابن أبي بكر الصديق (عن عائشة، رضي الله عنها، قالت): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّي من الليل ثلاث عشرة ركعة) بالبناء على الفتح وسكون شين عشرة، كما أجازه الفراء (منها) أي: من ثلاث عشرة: (الوتر، وركعتا الفجر). وفي بعض النسخ: وركعتي الفجر، نصب على المفعول معه، وفي رواية مسلم: من هذا الوجه كانت صلاته عشر ركعات، ويوتر بسجدة، ويركع ركعتي الفجر، فتلك ثلاث عشرة. وهذا كان غالب عادته عليه السلام. 11 - باب قِيَامِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِاللَّيْلِ وَنَوْمِهِ، وَمَا نُسِخَ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وِطَاءً وَأَقْوَمُ قِيلاً * إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاً}. وَقَوْلِهِ: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: نَشَأَ قَامَ بِالْحَبَشِيَّةِ. وِطَاءً قَالَ: مُوَاطَأَةَ الْقُرْآنِ، أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَقَلْبِهِ. {لِيُوَاطِئُوا} لِيُوَافِقُوا. (باب قيام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: صلاته (بالليل ونومه) بواو العطف ولأبي ذر من نومه (و) باب (ما نسخ من قيام الليل). (وقوله تعالى) بالجر عطفًا على قوله وما نسخ (يا أيها المزمل) أصله: المتزمل، وهو الذي يتزمل في الثياب، أي يلتف فيها، قلبت التاء زايًا وأدغمت في الأخرى أي: يا أيها الملتف في ثيابه. وروى ابن أبي حاتم، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] أي: يا محمد قد زملت القرآن. ({قم الليل إلا قليلاً}) منه ({نصفه أو أنقص منه قليلاً أو زد عليه}) [المزمل: 1 - 3]. قم أقل من نصف الليل، والضمير في: منه للنصف. أي: على النصف:، وهو بدل من الليل، وإلا قليلاً: استثناء من النصف، كأنه قال: قم أقل من نصف الليل، والضمير في منه، للنصف. والمعنى التخيير بين أمرين: أن يقوم أقل من النصف على البت، وبين أن يختار أحد الأمرين النقصان من النصف والزيادة عليه، قاله في الكشاف. وتعقبه في البحر: بأنه يلزم منه التكرار، لأنه على تقديره: قم أقل من نصف الليل يكون قوله: {أو أنقص} من نصف الليل تكرارًا. أو: بدلاً من قليلاً. وكأن في الآية تخييرًا بين ثلاث: بين قيام النصف بتمامه، أو قيام أنقص منه، أو أزيد. ووصف النصف بالقلة بالنسبة إلى الكل: قال في الفتح: وبهذا، أي: الأخير جزم الطبري، وأسند ابن أبي حاتم معناه عن عطاء الخراساني. وفي حديث مسلم، من طريق سعد بن هشام عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: افترض الله تعالى قيام الليل في أول هذه السورة، يعني: {يا أيها المزمل} فقام نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأصحابه حولاًَ حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوّعًا بعد فريضة. وقال البرهان النسفي في الشفاء: أمره أن يختار على الهجود التهجد، وعلى التزمل التشمر للعبادة، والمجاهدة في الله تعالى، فلا جرم أنه عليه السلام قد تشمر لذلك وأصحابه حق التشمر، وأقبلوا على إحياء لياليهم، ورفضوا الرقاد والدعة، وجاهدوا في الله حتى انتفخت أقدامهم،

واصفرت ألوانهم، وظهرت السيما على وجوههم، حتى رحمهم ربهم، فخفف عنهم. وحكى الشافعي، عن بعض أهل العلم: أن آخر السورة نسخ افتراض قيام الليل إلا ما تيسر منه، بقوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ} [المزمل: 20] ثم نسخ فرض ذلك بالصلوات الخمس. ({وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً}) أي اقرأه مرتلاً بتبيين الحروف وإشباع الحركات من غير إفراط، وقال أبو بكر بن طاهر: تدبر لطائف خطابه، وطالب نفسك بالقيام بأحكامه، وقلبك بفهم معانيه، وسرك بالإقبال عليه ({إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيكَ قَوْلاً ثَقِيلاً}) أي: القرآن لثقل العمل به، أخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن، أو ثقيلاً في الميزان يوم القيامة، أخرجه عنه أيضًا من طريق أخرى ({إن ناشئة الليل}) مصدر: من نشأ إذا قام ونهض ({هي أشد وطأ}) بكسر الواو وفتح الطاء ممدودًا كما في قراءة أبي عمرو، وابن عامر، والباقون بفتح الواو وسكون الطاء من غير مد، أي: قيامًا ({وأقوم قيلاً}) أشد مقالاً وأثبت قراءة لهدو الأصوات، وقيل: أعجل إجابة للدعاء ({إن لك في النهار سبحًا طويلاً}) [المزمل: 73] تصرفًا وتقلبًا في مهماتك وشواغلك. وعن السدي: تطوّعًا كثيرًا. وقال السمرقندي: فراغًا طويلاً تقضي حوائجك فيه، ففرغ نفسك لصلاة الليل. (وقوله تعالى: {علم أن لن تحصوه}) أي: علم الله أن لن تطيقوا قيام الليل، أو: الضمير المنصوب فيه يرجع إلى مصدر مقدر، أي: علم أن لا يصح منكم ضبط للأوقات، ولا يتأتى حسابها بالتسوية إلا بالاحتياط، وهو شاق عليكم ({فتاب عليكم}) رخص لكم في ترك القيام المقدر ({فاقرؤوا ما تيسر من القرآن}) فصلوا ما تيسر عليكم من قيام الليل، وهو ناسخ للأول، ثم نسخا جميعًا بالصلوات الخمس، أو المراد: قراءة القرآن بعينها، ثم بيَّن حكمة النسخ بقوله: ({علم أن سيكون منكم مرضى}) لا يقدرون على قيام الليل ({وآخرون يضربون}) يسافرون ({في الأرض يبتغون من فضل الله}) في طلب الرزق منه تعالى ({وآخرون يقاتلون في سبيل الله}) يجاهدون في طاعة الله ({فاقرؤوا ما تيسر منه}) أي: من القرآن، قيل: في صلاة المغرب والعشاء ({وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}) الواجبتين أو المراد: صدقة الفطر، لأنه لم يكن بمكة زكاة، ومن فسرها بها جعل آخر السورة من المدني. ({وأقرضوا الله قرضًا حسنًا}) بسائر الصدقات المستحبة، وسماه: قرضًا، تأكيدًا للجزاء ({وما تقدموا لأنفسكم من خير}) عمل صالح وصدقة بنية خالصة ({تجدوه}) أي: ثوابه ({عند الله}) في الآخرة ({هو خيرًا}) نصب ثاني مفعولي: وجد ({وأعظم أجرًا}) زاد في نسخة: {واستغفروا الله} لذنوبكم {إن الله غفور} لمن تاب {رحيم} [المزمل: 20] لمن استغفر. (قال ابن عباس رضي الله عنهما) مما وصله عبد بن حميد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير، عنه، ولأبي ذر، والأصيلي: قال أبو عبد الله أي: المؤلّف: قال ابن عباس: (نشأ) بفتحات، مهموزًا معناه (قام) بتهجد (بالحبشية) أي: بلسان الحبشة. وليس في القرآن شيء بغير العربية، وإن ورد من ذلك شيء فهو من توافق اللغتين، وعلى هذا، فناشئة، كما مر، مصدر بوزن فاعلة، من: نشأ إذا قام، أو اسم فاعل: أي: النفس الناشئة بالليل، أي التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة أي: تنهض، وفي الغريبين لأبي عبيد: كل ما حدث بالليل وبدا فهو ناشئ. وفي المجاز لأبي عبيدة: ناشية الليل: آناء الليل، ناشئة بعد ناشئة. (وطأ) بكسر الواو (قال) المؤلّف، مما وصله عبد بن حميد، من طريق مجاهد، معناه: (مواطأة القرآن). ولأبي ذر، والوقت، مواطأة للقرآن، بالتنوين واللام (أشد موافقة لسمعه وبصره وقلبه) ثم ذكر ما يؤيد هذا التفسير، فقال في قوله تعالى في سورة براءة {يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا} [التوبة: 37] (ليواطؤوا) معناه: (ليوافقوا) وقد وصله الطبري عن ابن عباس، لكن بلفظ: ليشابهوا. 1141 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا. وَكَانَ لاَ تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلاَّ رَأَيْتَهُ، وَلاَ نَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتَهُ". تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ حُمَيْدٍ. [الحديث 1141 - أطرافه في: 1972، 1973، 3561]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى القرشي العامري (قال: حدّثني) بالإفراد (محمد بن جعفر) هو: ابن أبي كثير المدني (عن حميد) الطويل (أنه سمع أنسًا) ولأبي ذر، والأصيلي: أنس بن مالك (رضي الله عنه، يقول): (كان رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه) أي: من الشهر، زاد الأصيلي، وأبو ذر: شيئًا (و) كان، عليه الصلاة والسلام

12 - باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل

(يصوم) منه (حتى نظن أن لا يفطر) بالنصب، وللأصيلي: أنه لا يفطر، بالرفع، (منه شيئًا وكان) عليه الصلاة والسلام (لا تشاء أن تراه من الليل مصليًا إلا رأيته) مصليًا (ولا) تشاء أن تراه من الليل (نائمًا إلا رأيته) نائمًا. أي: ما أردنا منه، عليه الصلاة والسلام، أمرًا إلا وجدناه عليه، إن أردنا أن يكون مصليًا، وجدناه مصليًا، وإن أردنا أن نراه نائمًا، وهو يدل على أنه ربما نام كل الليل، وهذا سبيل التطوع، فلو استمر الوجوب في قوله: {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 2] لما أخل بالقيام. وفيه أيضًا أن صلاته ونومه كانا يختلفان بالليل، وأنه لا يرتب وقتًا معينًا، بل بحسب ما تيسر له من قيام الليل. لا يقال: يعارضه قول عائشة: كان إذا سمع الصارخ قام. فإن كلاً من عائشة وأنس أخبر بما اطلع عليه. ورواته ما بين: مدني وبصري، وفيه: التحديث والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصوم. (تابعه) أي تابع محمد بن جعفر، عن حميد (سليمان) هو: ابن بلال كما جزم به خلف (وأبو خالد) سليمان بن حيان (الأحمر) أو: الواو زائدة في: وأبو، من الناسخ، فإن أبا خالدًا اسمه سليمان، (عن حميد) الطويل. ومتابعة أبي خالد وصلها المؤلّف في: الصوم. 12 - باب عَقْدِ الشَّيْطَانِ عَلَى قَافِيَةِ الرَّأْسِ إِذَا لَمْ يُصَلِّ بِاللَّيْلِ (باب عقد الشيطان على قافية الرأس) أي: قفاه، أو مؤخر العنق، أو مؤخر الرأس، أو وسطه، (إذا) نام و (لم يصل) صلاة العشاء (بالليل). 1142 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ. فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ». [الحديث 1142 - طرفه في: 3269]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (يعقد الشيطان) إبليس، أو أحد أعوانه (على قافية رأس أحدكم). ظاهره التعميم في المخاطبين، ومن في معناهم، ويمكن أن يخص منه من صلّى العشاء في جماعة، كما مر، ومن ورد في حقه أنه يحفظ من الشيطان: كالأنبياء، ومن يتناوله قوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: 65] وكمن قرأ آية الكرسي عند نومه، وقد ثبت أنه يحفظ من الشيطان حتى يصبح. (إذا هو نام) وللحموي والمستملي: إذا هو نائم، بوزن فاعل، قال الحافظ ابن حجر: والأول أصوب، وهو الذي في الموطأ. وتعقبه العيني: بأن رواية الموطأ لا تدل على أن ذلك أصوب، بل الظاهر أن رواية المستملي أصوب لأنها جملة اسمية والخبر فيها اسم (ثلاث عقد) نصب مفعول يعقد، وعقد بضم العين وفتح القاف، جمع عقدة (يضرب) بيده (كل عقدة) منها ولأبي ذر: على مكان كل عقدة، وللأصيلي وأبي ذر، عن الكشميهني: عند مكان كل عقدة، تأكيدًا وأحكامًا لما يفعله قائلاً: باق (عليك ليل طويل) أو: عليك ليل مبتدأ، أو خبر مقدم. فليل رفع على الابتداء أي: باق عليك، أو إضمار فعل أي: بقي عليك (فارقد). كأن الفاء رابطة شرط مقدر، أي: وإذا كان كذلك، فارقد ولا تعجل بالقيام، ففي الوقت متسع. وهل هذا العقد حقيقة فيكون من باب عقد السواحر {النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] وذلك بأن يأخذن خيطًا، فيعقدن عليه منه عقدة، ويتكلمن عليه بالسحر، فيتأثر المسحور حينئذ بمرض أو تحريك قلب أو نحوه، وعلى هذا فالمعقود شيء عند قافية الرأس لا قافية الرأس نفسها. وهل العقد في شعر الرأس أو غيره؟ الأقرب أنه في غيره، لأنه ليس لكل أحد شعر، وفي رواية ابن ماجة على قافية رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد، ولأحمد: إذا نام أحدكم عقد على رأسه بجرير، وهو بفتح الجيم: الحبل. وقيل العقد مجاز كأنه شبه فعل الشيطان بالنائم بفعل الساحر بالسحور، فلما كان الساحر يمنع بعقده ذلك تصرف من يحاول عقده، كان هذا مثله من الشيطان للنائم، وقيل: معنى يضرب، يحجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ، ومنه قوله تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ} [الكهف: 11] أي: حجبنا الحس أن يلج في آذانهم، فينتبهوا. فالمراد تثقيله في النوم وإطالته، فكأنه قد شد عليه شداد، أو عقد عليه ثلاث عقد. والتقييد بالثلاث: إما للتأكيد، وأن الذي ينحل به عقده ثلاثة: الذكر، والوضوء، والصلاة. كما أشار إليه بقوله: (فإن استيقظ) من نومه (فذكر الله) بكل ما صدق عليه الذكر، كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، والاشتغال بالعلم الشرعي (انحلت عقدة) واحدة من الثلاث (فإن توضأ انحلت عقدة) أخرى ثانية (فإن صلّى) الفريضة أو النافلة (انحلت عقدة)

الثلاث كلها. وظاهره: أن العقد كلها تنحل بالصلاة، وهو خاصة، كذلك، في حق من لم يحتج إلى الطهارة، كمن نام متمكنًا مثلاً ثم انتبه فصلّى من قبل أن يذكر أو يتطهر، لأن الصلاة تستلزم الطهارة، وتتضمن الذكر. وقوله: عقده، ضبطها في اليونينية بلفظ الجمع والإفراد، كما ترى قال ابن قرقول في مطالعه، كعياض رحمه الله في مشارقه: اختلف في الآخرة منها فقط، فوقع في الموطأ لابن وضاح على الجمع، وكذا ضبطناها في البخاري، وكلاهما، يعني: الجمع والإفراد، صحيح. والجمع أوجه، لا سيما وقد جاء في رواية مسلم: في الأولى عقدة وفي الثانية عقدتان، وفي الثالثة العقد. اهـ. فقد تبين أن قول من قال: إنه في اليونينية بلفظ الجمع مع نصب الدال ناشئ عن عدم تأمله لما في اليونينية، ولعله لم يقف على اليونينية نفسها، بل على ما هو مقابل عليها، أو مكتوب منها، وخفي على الكاتب أو القابل ذلك لدقة ذلك، كمواضع فيها محيت لا تدرك إلا بالتأمل التام. ويؤيد ما قلته، قول القاضي السابق، فتأمله. وأما تخريج النصب على الاختصاص أو غيره، فلا يصار إليه إلا عند ثبوت الرواية: ولا أعرفه. ومن ادعى أن النصب مع الجمع رواية، فعليه البيان. وقوله: (فأصبح نشيطًا) أي لسروره بما وفقه الله له من الطاعة، وما وعد به من الثواب، وما زال عنه من عقد الشيطان، (طيب النفس) لما بارك الله له في نفسه من هذا التصرف الحسن، كذا قيل: قال في الفتح والظاهر أن في صلاة الليل سرًّا في طيب النفس، وإن لم يستحضر المصلي شيئًا مما ذكر (وإلا) بأن ترك الذكر والوضوء والصلاة (أصبح خبيث النفس) بتركه ما كان اعتاده أو قصده، من فعل الخير. ووصف النفس بالخبث. وإن كان وقع النهي عنه في قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يقولن أحدكم خبثت نفسي"، للتنفير، والتحذير أو النهي لمن يقول ذلك. وهنا إنما أخبر عنه بأنه كذلك فلا تضادّ. (كسلان) لبقاء أثر تثبيط الشيطان، ولشؤم تفريطه، وظفر الشيطان به بتفويته الحظ الأوفر من قيام الليل، فلا يكاد يخف عليه صلاة ولا غيرها من القربات. وكسلان: غير منصرف للوصف، وزيادة الألف والنون مذكر: كسلى، ومقتضى قوله: وإلا أصبح أنه إن لم يجمع الأمور الثلاثة دخل تحت من يصبح خبيثًا كسلان. وإن أتى ببعضها، لن يختلف ذلك بالقوة والخفة، فمن ذكر الله مثلاً كان في ذلك أخف ممن لم يذكر أصلاً. وهذا الذم مختص بمن لم يقم إلى الصلاة وضيعها. أما من كانت له عادة، فغلبته عينه، فقد ثبت أن الله يكتب له أجر صلاته ونومه عليه صدقة، ولا يبعد أن يجيء مثل ما ذكر في نوم النهار كالنوم حالة الابراد مثلاً، ولا سيما على تفسير البخاري من أن المراد بالحديث الصلاة المفروضة. قاله في الفتح. فإن قلت: الحديث مطلق يدل على عقده رأس جميع المكلفين: من صلّى ومن لم يصل، وإنما تنحل عمن أتى بالثلاث، والترجمة مقيدة برأس من لم يصل. فما وجه المطابقة؟ أجيب: بأن مراده أن استدامة العقد إنما تكون على من ترك الصلاة، وجعل من صلّى وانحلت عقده كمن لم يعقد عليه لزوال أثره. قاله المازري. وقوله في الترجمة: إذا لم يصل، أعم من أن لا يصلّي العشاء أو غيرها من صلاة الليل، ولا قرينة للتقييد بالعشاء. وظاهر الحديث يدل على أن العقد يكون عند النوم، سواء صلّى قبله أو لم يصل. قاله في عمدة القارئ، رادًا على صاحب الفتح حيث قال: ويحتمل أن تكون الصلاة المنفية في الترجمة صلاة العشاء، فيكون التقدير: إذا لم يصل العشاء، فكأنه يرى أن الشيطان إنما يفعل ذلك بمن نام قبل صلاة العشاء، بخلاف من صلاها لا سيما في الجماعة، فإنه كمن قام الليل في حل عقد الشيطان. وهذا الحديث أخرجه أبو داود. 1143 - حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الرُّؤْيَا قَالَ: "أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ". وبه قال: (حدّثنا مؤمل بن هشام) بفتح الميم الثانية المشددة البصري (قال: حدّثنا إسماعيل) ولأبي ذر والأصيلي: إسماعيل ابن علية بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد التحتية، اسم أمه، واسم أبيه: إبراهيم بن سهم الأسدي البصري (قال: حدّثنا عوف) الأعرابي (قال: حدّثنا أبو رجاء) عمران بن ملحان العطاردي (قال: حدّثنا سمرة بن جندب) بفتح الدال وضمها (رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في الرؤيا قال): (أما الذي يثلغ رأسه بالحجر) بمثلثة ساكنة ولام مفتوحة بعدها غين

13 - باب إذا نام ولم يصل بال الشيطان في أذنه

معجمة، مبنيًا للمفعول أي يشق أو يخدش (فإنه) الرجل (يأخذ القرآن فيرفضه) بكسر الفاء وضمها والضاد المعجمة، أي: يترك حفظه والعمل به (وينام) ذاهلاً (عن الصلاة المكتوبة) العشاء حتى يخرج وقتها، أو الصبح. لأنها التي تفوت بالنوم غالبًا. 13 - باب إِذَا نَامَ وَلَمْ يُصَلِّ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ هذا (باب) بالتنوين (إذا نام ولم يصل بال الشيطان في أذنه) قال في الفتح: كذا للمستملي وحده، ولغيره باب، فقط، وهو بمنزلة الفصل من سابقه، وفي اليونينية: باب إذا نام ولم يصل بال الشيطان في أذنه، فليتأمل مع ما قبله. 1144 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ فَقِيلَ: مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ، مَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ فَقَالَ: بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ". [الحديث 1144 - طرفه في: 3270]. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد قال: حدّثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم (قال: حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (منصور) هو: ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه قال): (ذكر عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل). قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه، لكن أخرج سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، عن ابن مسعود ما يؤخذ منه. أنه هو، ولفظه بعد سياق الحديث بنحوه: وايم الله لقد بال في أذن صاحبكم ليلة يعني نفسه. (فقيل) أي؛ قال رجل من الحاضرين (ما زال) الرجل المذكور (نائمًا حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة) اللام للجنس، أو المراد: المكتوبة، فتكون للعهد. ويدل له قول سفيان، فيما أخرجه ابن حبان في صحيحه: هذا عبد نام عن الفريضة. (فقال) عليه الصلاة والسلام: (بال الشيطان في أذنه) بضم الهمزة والذال وسكونها، ولا استحالة أن يكون بوله حقيقة، لأنه ثبت أنه يأكل ويشرب وينكح، فلا مانع من بوله، أو: وهو كناية عن صرفه عن الصارخ بما يقره في أذنه حتى لا ينتبه، فكأنه ألقى في أذنه بوله فاعتل سمعه بسبب ذلك. وقال التوربشتي: يحتمل أن يقال إن الشيطان ملأ سمعه بالأباطيل، فأحدث فى أذنه، وقرأ عن استماع دعوة الحق. وقال في شرح المشكاة، خص الأذن بالذكر. والعين أنسب بالنوم إشارة إلى ثقل النوم، فإن المسامع هي موارد الانتباه بالأصوات، ونداء: حي على الصلاة. قال الله تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ} [الكهف: 11] أي: أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم فيها الأصوات. وخص البول من بين الأخبثين لأنه مع خباثته أسهل مدخلاً في تجاويف الخروق والمعروف، ونفوذه فيها، فيورث الكسل في جميع الأعضاء. ورواة هذا الحديث كوفيون إلا شيخ المؤلّف فبصري، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في صفة إبليس، ومسلم والنسائي وابن ماجة في: الصلاة. 14 - باب الدُّعَاءِ وَالصَّلاَةِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ وَقَالَ عز وجل: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} أَىْ مَا يَنَامُونَ {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}. (باب الدعاء والصلاة) بواو العطف، ولأبي ذر في الصلاة (من آخر الليل) وهو الثلث الأخير منه. (وقال) ولأبوي ذر. والوقت: وقال الله (عز وجل) وللأصيلي: وقول الله عز وجل ({كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون}) رفع بقليلاً على الفاعلية (أي: ما ينامون) وللحموي: ما يهجعون: ينامون، وما زائدة. ويهجعون: خبر كان، وقليلاً إما ظرف أي: زمانًا قليلاً، ومن الليل إما صفة أو: متعلق بيهجعون، وإما مفعول مطلق أي: هجوعًا قليلاً. ولو جعلت: ما، مصدرية، فما يهجعون فاعل قليلاً، ومن الليل: بيان أو حال من المصدر. ومن، للابتداء. ولا يجوز أن تكون نافية، لأن ما بعدها لا يعمل فيما قبلها. ولابن عساكر: ما ينامون، وعند الأصيلي يهجعون الآية. ({وبالأسحار هم يستغفرون}) أي: أنهم مع قلة هجوعهم وكثرة تهجدهم إذا أسحروا أخذوا في الاستغفار كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم. وسقط في رواية الأصيلي: ما بعد يهجعون إلى يستغفرون، وسقط عند أبي ذر، والأصيلي، وأبي الوقت: {وبالأسحار هم يستغفرون}. 1145 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ». [الحديث 1145 - : طرفاه في: 6321، 7494]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن) إمام الأئمة (مالك، عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (وأبي عبد الله) سلمان (الأغر) بغين معجمة وراء مشددة، الثقفي، كلاهما (عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (ينزل ربنا، تبارك وتعالى) نزول رحمة، ومزيد لطف، وإجابة دعوة، وقبول معذرة، كما هو ديدن الملوك الكرماء، والسادة الرحماء، إذا نزلوا بقرب قوم محتاجين ملهوفين، فقراء مستضعفين، لا نزول حركة وانتقال لاستحالة ذلك على الله تعالى، فهو نزول معنويّ. نعم، يجوز حمله على الحسي، ويكون راجعًا إلى أفعاله لا إلى ذاته، بل هو عبارة عن ملكه

15 - باب من نام أول الليل وأحيا آخره

الذي ينزل بأمره ونهيه. وقد حكى ابن فورك: أن بعض المشايخ ضبطه بضم الياء من: ينزل. قال القرطبي: وكذا قيده بعضهم، فيكون معدّى إلى مفعول محذوف، أي: ينزل الله ملكًا. قال: ويدل له رواية النسائي: إن الله عز وجل يمهل حتى شطر الليل الأول، ثم يأمر مناديًا يقول: هل من داع فيستجاب له الحديث. وبهذا يرتفع الإشكال. قال الزركشي: لكن روى ابن حبان في صحيحه "ينزل الله إلى السماء فيقول لا أسأل عن عبادي غيري". وأجاب عنه في المصابيح بأنه لا يلزم من إنزاله الملك أن يسأله عما صنع العباد، ويجوز أن يكون الملك مأمورًا بالمناداة، ولا يسأل البتة عما كان بعدها، فهو سبحانه وتعالى أعلم بما كان وبما يكون، لا تخفى عليه خافية، وقوله: تبارك وتعالى، جملتان معترضتان بين الفعل وظرفه، وهو قوله: (كل ليلة إلى السماء الدنيا) لأنه لما أسند ما لا يليق إسناده بالحقيقة، أتى بما يدل على التنزيه (حين يبقى ثلث الليل الآخر) منه، بالرفع صفة وتخصيصه بالليل، وبالثلث الأخير منه لأنه وقت التهجد، وغفلة الناس عمن يتعرض لنفحات رحمة الله، وعند ذلك تكون النية خالصة والرغبة إلى الله تعالى وافرة، وذلك مظنة القبول والإجابة. ولكن اختلفت الروايات في تعيين الوقت على ستة أقوال يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى في كتاب: الدعاء نصف الليل بعون الله. (يقول من يدعوني فأستجيب له) بالنصب على جواب الاستفهام، وبالرفع على تقدير مبتدأ أي: فأنا أستجيب له. وكذلك حكم: فأعطيه فأغفر له. وليست السين للطلب بل أستجيب بمعنى: أجيب (من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له). وزاد حجاج بن أبي منيع، عن جده، عن الزهري عند الدارقطني في آخر الحديث: حتى الفجر. والثلاثة: الدعاء، والسؤال، والاستغفار، أما بمعنى واحد، فذكرها للتوكيد، وإما لأن المطلوب لدفع المضار أو جلب المسار، وهذا إما دنيوي أو ديني ففي الاستغفار إشارة إلى الأول، وفي السؤال إشارة إلى الثاني، وفي الدعاء إشارة إلى الثالث. وإنما خص الله تعالى هذا الوقت بالتنزل الإلهي، والتفضل على عباده باستجابة دعائهم، وإعطائهم سؤلهم، لأنه وقت غفلة واستغراق في النوم. واستلذاذ به، ومفارقة اللذة والدعة صعب لا سيما أهل الرفاهية، وفي زمن البرد، وكذا أهل التعب، ولا سيما في قصر الليل. فمن آثر القيام لمناجاة ربه والتضرع إليه مع ذلك دل على خلوص نيته وصحة رغبته فيما عند ربه تعالى. ورواة الحديث مدنيون إلا ابن مسلمة سكن البصرة، وفيه، التحديث والعنعنة، وأخرجه أيضًا في: التوحيد والدعوات، ومسلم في: الصلاة، وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 15 - باب مَنْ نَامَ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَأَحْيَا آخِرَهُ وَقَالَ سَلْمَانُ لأَبِي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنهما-: نَمْ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ: قُمْ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «صَدَقَ سَلْمَانُ». (باب من نام أوّل الليل وأحيا آخره) بالصلاة أو القراءة أو الذكر ونحوها. (وقال سلمان) الفارسي (لأبي الدرداء، رضي الله عنهما) وفي نسخة: وقاله سلمان، وضبب في اليونينية على الهاء، مما وصله المؤلّف في حديث طويل، في كتاب الأدب، عن جحيفة لما زاده، وأراد أن يقوم للتهجد. (نم) فنام (فلما كان من آخر الليل قال) سلمان له: (نَمْ) قال: فصلينا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فذكر له ذلك (قال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (صدق سلمان) أي في جميع ما ذكر. 1146 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ -وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ قَالَ- حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: كَيْفَ صَلاَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِاللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَنَامُ أَوَّلَهُ وَيَقُومُ آخِرَهُ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَثَبَ، فَإِنْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ اغْتَسَلَ، وَإِلاَّ تَوَضَّأَ وَخَرَجَ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي، ولأبي ذر: قال أبو الوليد: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج، قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد (سليمان) بن حرب الواشحي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن الأسود) بن يزيد (قال): (سألت عائشة، رضي الله عنها: كيف صلاة النبي) وللأصيلي: كيف كانت، ولأبي الوقت: كيف كان صلاة النبي؟ ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالليل)؟. (قالت: كان ينام أوّله ويقوم آخره، فيصلّي، ثم يرجع إلى فراشه) فإن كان به حاجة إلى الجماع جامع، ثم ينام (فإذا أذن المؤذن وثب) بواو ومثلثة وموحدة مفتوحات، أي: نهض (فإن كان) ولأبي ذر: فإن كانت (به حاجة) للجماع قضى حاجته و (اغتسل) فجواب الشرط محذوف، وهو قضى حاجته كما مر، ولفظ اغتسل يدل عليه، وليس بجواب (وإلا) بأن لم يكن جامع

16 - باب قيام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالليل في رمضان وغيره

(توضأ وخرج) إلى المسجد للصلاة. ولمسلم: قالت: كان ينام أوّل الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته، ثم ينام، فإذا كان عند النداء الأوّل، وثب ولا والله ما قالت: قام فأفاض عليه الماء ولا والله ما قالت: اغتسل: وأنا أعلم ما تريد. وإن لم يكن جنبًا توضأ وضوء الرجل للصلاة، ثم صلّى ركعتين. فصرّح بجواب إن الشرطية، وفي التعبير: بثم، في حديث الباب فائدة، وهي: أنه عليه السلام كان يقضي حاجته من نسائه بعد إحياء الليل بالتهجد، فإن الجدير به عليه السلام أداء العبادة قبل قضاء الشهوة. قال في شرح المشكاة: ويمكن أن يقال: إن ثم، هنا لتراخي الإخبار، أخبرت أوّلاً أن عادته عليه السلام كانت مستمرة بنوم أوّل الليل. وقيام آخره، ثم إن اتفق أحيانًا أن يقضي حاجته من نسائه فيقضي حاجته ثم ينام في كلتا الحالتين، فإذا انتبه عند النداء الأوّل، إن كان جنبًا اغتسل وإلا توضأ. ورواة الحديث ما بين: بصري وواسطي وكوفي، وفيه: حدّثنا أبو الوليد، وفي الرواية الأخرى؛ قال لنا، بصورة التعليق. وقد وصله الإسماعيلي. وفيه: التحديث والسؤال والقول والعنعنة. وأخرجه مسلم والنسائي. 16 - باب قِيَامِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِاللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ (باب قيام النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي صلاته (بالليل في) ليالي (رمضان وغيره) وسقط قوله: بالليل، عند المستملي والحموي. 1147 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ "سَأَلَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً: يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ. ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَىَّ تَنَامَانِ وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي". [الحديث 1147 - طرفاه في: 2013، 3569]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه أخبره): (أنه سأل عائشة، رضي الله عنها، كيف كانت صلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) ليالي (رمضان؟). (فقالت: ما كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يزيد في رمضان، ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) أي: غير ركعتي الفجر. وأما ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي في رمضان عشرين ركعة، والوتر، فإسناده ضعيف. وقد عارضه حديث عائشة هذا، وهو في الصحيحين مع كونها أعلم بحاله، عليه الصلاة والسلام، ليلاً من غيرها. (يصلّي أربعًا) أي أربع ركعات، وأما ما سبق من أنه كان يصلّي: مثنى مثنى، ثم واحدة فمحمول، على وقت آخر، فالأمران جائزان (فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) لأنهن في نهاية من كمال الحسن والطول، مستغنيات لظهور حسنهن وطولهن عن السؤال عنه والوصف، (ثم يصلّي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلّي ثلاثًا). (قالت عائشة) رضي الله عنها: (فقلت) بفاء العطف على السابق، وفي بعضها: قلت (يا رسول الله أتنام) بهمزة الاستفهام الاستخباري (قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي) ولا يعارض بنومه عليه الصلاة والسلام بالوادي، لأن طلوع الفجر متعلق بالعين لا بالقلب، وفيه دلالة على كراهة النوم قبل الوتر، لاستفهام عائشة عن ذلك، كأنه تقرر عندها منع ذلك، فأجابها بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ليس هو في ذلك كغيره. وهذا الحديث أخرجه في: أواخر الصوم، وفي: صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ومسلم في: الصلاة، وكذا أبو داود، والترمذي، والنسائي. 1148 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي شَىْءٍ مِنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ جَالِسًا، حَتَّى إِذَا كَبِرَ قَرَأَ جَالِسًا، فَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ السُّورَةِ ثَلاَثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهُنَّ، ثُمَّ رَكَعَ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) بن عبد الله الزمن (قال: حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن هشام قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة، رضي الله عنها، قالت): (ما رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في شيء من صلاة الليل) حال كونه (جالسًا، حتى إذا كبر) بكسر الموحدة أي: أسن، وكان ذلك قبل موته بعام (قرأ) حال كونه (جالسًا، فإذا بقي عليه من السورة ثلاثون) زاد الأصيلي: آية (أو أربعون آية) شك من الراوي (قام فقرأهن، ثم ركع). فيه رد على من اشترط على من افتتح النافلة قاعدًا، أن يركع قاعدًا، أو قائمًا أن يركع قائمًا. وهو محكي عن أشهب وبعض الحنفية. وحديث مسلم الذي احتجوا به لا يلزم منه ما رواه عروة عنها، فإنه كان يفعل كلاًّ من ذلك بحسب النشاط. ورواته ما بين: بصري ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم. 17 - باب فَضْلِ الطُّهُورِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (باب فضل الطهور بالليل والنهار) بضم الطاء، وزاد أبو ذرّ عن الكشميهني:

وفضل الصلاة عند الطهور بالليل والنهار، وهي المناسبة لحديث الباب، وفي بعض النسخ، وهي رواية أبي الوقت: بعد الوضوء بدل قوله عند الطهور. 1149 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِبِلاَلٍ عِنْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ: يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَىَّ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلاَّ صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: دَفَّ نَعْلَيْكَ، يَعْنِي تَحْرِيكَ. وبالسند قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) نسبة إلى جده. وإلا فهو: إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي المروزي. قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن أبي حيان) بالمهملة المفتوحة والمثناة التحتية المشدّدة، يحيى بن سعيد (عن أبي زرعة) هرم بن جرير البجلي (عن أبي هريرة، رضي الله عنه): (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لبلال) مؤذنه (عند صلاة الفجر) في الوقت الذي كان عليه الصلاة والسلام يقص فيه رؤياه. ويعبر ما رآه غيره من أصحابه: (يا بلال، حدّثني بأرجى عمل عملته في الإسلام) أرجى: على وزن: أفعل التفضيل المبني من المفعول وهو سماعي. مثل: أشغل وأعذر، أي: أكثر مشغولية ومعذورية، فالعمل ليس براجٍ للثواب، وإنما هو مرجوّ الثواب، وأضيف إلى العمل لأنه السبب الداعي إليه، والمعنى: حدّثني بما أنت أرجى من نفسك به من أعمالك (فإني سمعت) أي الليلة، كما في مسلم في: النوم، لأنه لا يدخل أحد الجنة، وإن كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدخلها يقظة كما وقع له في المعراج إلا أن بلالاً لم يدخل. وقال التوربشتي: هذا شيء كوشف به، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من عالم الغيب في نومه أو يقظته، ونرى ذلك، والله أعلم عبارة عن مسارعة بلال إلى العمل الموجب لتلك الفضيلة قبل ورود الأمر عليه، وبلوغ الندب إليه، وذلك من قبيل قول القائل لعبده: تسبقني إلى العمل؟ أي تعمل قبل ورود أمري إليك؟ انتهى. لكنه لما كان ما استنبطه موافقًا لمرضاة الله ورسوله أقره واستحمده عليه. (دف نعليك) بفتح الدال المهملة والفاء المشدّدة أي: صوت مشيك فيهما (بين يدي في الجنة) ظرف للسماع. (قال: ما عملت عملاً أرجى عندي) من (أني) بفتح الهمزة، ومن المقدرة قبلها، صلة لأفعل التفضيل، وثبتت في رواية مسلم، وللكشميهني: أن، بنون خفيفة بدل أني (لم أتطهر طهورًا) زاد مسلم: تامًا، والظاهر أنه لا مفهوم له، أي: أتوضأ وضوءًا (في ساعة ليل أو نهار) بغير تنوين ساعة على الإضافة، كما في بعض الأصول المقابل على اليونينية، ورأيته بها كذلك، وفي بعضها: ساعة، بالتنوين وجر: ليل، على البدل. وهو الذي ضبطه به الحافظ ابن حجر، والعيني، ولم يتعرض لضبطه البرماوي كالكرماني. ونكر ساعة لإفادة العموم فتجوز هذه الصلاة في الأوقات المكروهة. وعورض: بأن الأخذ بعموم هذا ليس بأولى من الأخذ بعموم النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة. وأجيب: بأنه ليس فيه ما يقتضي الفورية، فيحمل على تأخير الصلاة قليلاً ليخرج وقت الكراهة، ورُدّ بأنه في حديث بريدة، عند الترمذي وابن خزيمة، في نحو هذه القصة: ما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها. ولأحمد من حديثه: إلا توضأت وصليت ركعتين. فدلّ على أنه كان يعقب الحدث بالوضوء الوضوء بالصلاة في أي وقت كان. (إلا صليت) زاد الإسماعيلي: لربي (بذلك الطهور) بضم الطاء (ما كتب لي أن أصلي) أي: ما قدّر عليّ أعم من النوافل والفرائض، ولأبي ذر: ما كتب إلي بتشديد الياء. وكتب على صيغة المجهول، والجملة في موضع نصب، و: أن أصلي، في موضع رفع. قال ابن التين: إنما أعتقد بلال ذلك لأنه علم من النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن الصلاة أفضل الأعمال. وأن عمل السر أفضل من عمل الجهر. قال في الفتح: والذي يظهر أن المراد بالأعمال التي سأله عن أرجاها، الأعمال المتطوّع بها، وإلا فالمفروض أفضل قطعًا. اهـ. والحكمة في فضل الصلاة على هذا الوجه من وجهين: أحدهما: إن الصلاة عقب الطهور أقرب، إلى اليقين منها إذا تباعدت لكثرة عوارض الحدث من حيث لا يشعر المكلف. ثانيهما: ظهور أثر الطهور باستعماله في استباحة الصلاة وإظهار آثار الأسباب مؤكد لها ومحقق. وتقدم بلال بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام في الجنة على عادته في اليقظة، لا يستدعي أفضليته على العشرة المبشرة بالجنة، بل هو سبق خدمة، كما يسبق العبد سيده. وفيه إشارة بقائه على ما هو عليه في حال حياته واستمراره على قرب منزلته: وذلك منقبة

18 - باب ما يكره من التشديد في العبادة

عظيمة لبلال. والظاهر أن هذا الثواب وقع بذلك العمل، ولا معارضة بينه وبين ما في حديث: لن يدخل أحد الجنة بعمله، لأن أصل الدخول إنما يقع برحمة الله تعالى، واقتسام المنازل بحسب الأعمال. (قال أبو عبد الله) البخاري مفسرًا: (دف نعليك؟ يعني: تحريك) نعليك، يقال: دف الطائر إذا حرك جناحيه. وسقط قول أبي عبد الله هذا: إلى تحريك، عند أبوي ذر، والوقت والأصيلي. كذا في حاشية الفرع، وفي أصله علامة السقوط، أيضًا لابن عساكر. ورواة الحديث كوفيون إلا شيخه. وفيه: التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم في: الفضائل، والنسائي في: المناقب. 18 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّشْدِيدِ فِي الْعِبَادَةِ (باب ما يكره من التشديد في العبادة) خشية الملال المفضي إلى تركها، فيكون كأنه رجع فيما بذله من نفسه وتطوّع به. 1150 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: مَا هَذَا الْحَبْلُ؟ قَالُوا: هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ، فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ، حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المنقري (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري (عن عبد العزيز بن صهيب) البناني، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: حدّثنا عبد العزيز بن صهيب (عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال): (دخل النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المسجد (فإذا حبل ممدود بين الساريتين) الأسطوانتين المعهودتين (فقال): (ما هذا الحبل؟ قالوا) أي: الحاضرون من الصحابة، وللأصيلي: فقالوا (هذا حبل لزينب) بنت جحش أم المؤمنين، رضي الله عنها، (فإذا فترت) بالفاء والفوقية والراء المفتوحات، أي: كسلت عن القيام (تعلقت) به (فقال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لا) يكون هذا الحبل، أو: لا يمد أو: لا تفعلوه، وسقطت هذه الكلمة عند مسلم (حلوه ليصل أحدكم نشاطه) بكسر لام: ليصل، وفتح نون: نشاطه، أي: ليصل أحدكم وقت نشاطه، أو الصلاة التي نشط لها. وقال بعضهم: يعني، ليصل الرجل عن كمال الإرادة والذوق، فإنه في مناجاة ربه، فلا تجوز له المناجاة عند الملال. انتهى. وللأصيلي: بنشاطه، بزيادة الموحدة، أوّله أي: متلبسًا به. (فإذا فتر) في أثناء القيام (فليقعد) ويتم صلاته قاعدًا، أو: إذا فتر بعد فراغ بعض التسليمات فليقعد لإيقاع ما بقي من نوافله قاعدًا، أو: إذا فتر بعد انقضاء البعض فليترك بقية النوافل جملة، إلى أن يحدث له نشاط، أو: إذا فتر بعد الدخول فيها فليقطعها، خلافًا للمالكية حيث منعوا من قطع النافلة بعد التلبس بها. 1151 - قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، فَدَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قُلْتُ: فُلاَنَةُ، لاَ تَنَامُ بِاللَّيْلِ -فَذُكِرَ مِنْ صَلاَتِهَا- فَقَالَ: مَهْ، عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنَ الأَعْمَالِ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا". (قال: وقال عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) قال الحافظ ابن حجر: كذا للأكثر، وفي رواية الحموي والمستملي: حدّثنا عبد الله، وكذا رويناه في الموطأ من رواية القعنبي. قال ابن عبد البر تفرد القعنبي بروايته عن مالك في الموطأ دون بقية رواته، فإنهم اقتصروا على طرف منه مختصر. (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة، رضي الله عنها، (قالت): (كانت عندي امرأة من بني أسد، فدخل عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال): (من هذه؟ قلت) وللأصيلي: فقلت: (فلانة) غير منصرف، وهي: الحولاء بنت تويت (لا تنام من الليل) ولأبي ذر، والأصيلي: لا تنام الليل، بالنصب على الظرفية. قال عروة (فذكر من صلاتها). بفاء العطف وضم الذال مبنيًا للمفعول، وللمستملي: تذكر، بفتح أوّله وضم ثالثه بلفظ المضارع، وللحموي: يذكر بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول، ويحتمل أن يكون على هاتين الروايتين من قول عائشة، وعلى كل من الثلاثة تفسير لقولها: لا تنام الليل (فقال) عليه الصلاة والسلام: (مه) بفتح الميم وسكون الهاء بمعنى: اكفف (عليكم) أي: الزموا (ما) ولأبي الوقت: بما (تطيقون من الأعمال) صلاة وغيرها، (فإن الله لا يمل حتى تملوا) بفتح الميم فيهما. قال البيضاوي، الملال فتور يعرض للنفس من كثرة مزاولة شيء، فيورث الكلال في الفعل والإعراض عنه، وأمثال ذلك على الحقيقة إنما تصدق في حق من يعتريه التغير والانكسار. فأما من تنزه عن ذلك فيستحيل تصوّر هذا المعنى في حقه. فإذا أسند إليه أوّل بما هو منتهاه وغاية معناه، كإسناد الرحمة والغضب والحياء والضحك، إلى الله تعالى. والمعنى، والله أعلم؛ اعملوا حسب وسعكم وطاقتكم، فإن الله تعالى لا يعرض عنكم إعراض الملول، ولا ينقص ثواب أعمالكم ما بقي لكم نشاط، فإذا فترتم

19 - باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه

فاقعدوا فإنكم إذا مللتم من العبادة وأتيتم بها على كلال وفتور، كانت معاملة الله معكم حينئذٍ معاملة الملول. وقال التوربشتي: إسناد الملال إلى الله على طريقة الازدواج والمشاكلة: والعرب تذكر إحدى اللفظتين موافقة للأخرى، وإن خالفتها معنى، قال الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]. 19 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ لِمَنْ كَانَ يَقُومُهُ (باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه) لإشعاره بالإعراض عن العبادة. 1152 - حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا مُبَشِّرٌ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ -ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ- قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ ح حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا عَبْدَ اللَّهِ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ». وَقَالَ هِشَامٌ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الْعِشْرِينَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ مِثْلَهُ. وَتَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ. وبالسند قال: (حدّثنا عباس بن الحسين) بالموحدة والمهملة، والحسين مصغر، البغدادي القنطري، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وآخر في الجهاد (قال: حدّثنا مبشر) بضم الميم وفتح الموحدة وتشديد المعجمة، ضدّ المنذر، الحلبي، ولأبي ذر، والأصيلي: مبشر بن إسماعيل (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو: قال المؤلّف (ح). (حدّثني) بالإفراد (محمد بن مقاتل أبو الحسن) المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا الأوزاعي، قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر، حدّثنا، وللأصيلي: أخبرنا (يحيى بن أبي كثير، قال: ح حدّثني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن عمرو بن العاصي، رضي الله عنهما، قال: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا عبد الله! لا تكن مثل فلان) لم يسم (كان يقوم الليل) أي: بعضه، ولأبي الوقت في نسخة، ولأبي ذر: من الليل أي: فيه كـ {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] أي: فيها (فترك قيام الليل). (وقال هشام) هو: ابن عمار الدمشقي، مما وصله الإسماعيلي، وغيره (حدّثنا ابن أبي العشرين) بكسر العين والراء بينهما معجمة ساكنة، عند الحميد بن حبيب الدمشقي البيروتي، كاتب الأوزاعي تكلم فيه، (قال حدّثنا الأوزاعي قال: حدّثني) بالإفراد، وللأصيلي، وأبي ذر: حدّثنا (يحيى) بن أبي كثير (عن عمر) بضم العين وفتح الميم (ابن الحكم) بفتح الكاف (ابن ثوبان) بفتح المثلثة، (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن (مثله) ولأبوي ذر والوقت بهذا مثله. وفائدة ذكر المؤلّف لذلك، التنبيه على أن زيادة عمر بن الحكم بن ثوبان بين: يحيى وأبي سلمة، من المزيد في متصل الأسانيد، لأن يحيى قد صرح بسماعه من أبي سلمة. ولو كان بينهما واسطة لم يصرح بالتحديث. (وتابعه) بواو العطف، ولأبي ذر: تابعه، بإسقاطها، أي: تابع ابن أبي العشرين على زيادة عمر بن الحكم (عمرو بن أبي سلمة) بفتح اللام، أبو حفص الشامي (عن الأوزاعي) وقد وصل هذه المتابعة مسلم. 20 - باب (باب) بالتنوين من غير ترجمة وهو كالفصل من سابقه. 1153 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ؟ قُلْتُ إِنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ. قَالَ: فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ، وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ حَقٌّ وَلأَهْلِكَ حَقًّا فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ". وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين وسكون الميم، ابن دينار (عن أبي العباس) بالموحدة المشددة آخره مهملة، السائب بن فروخ، بفتح الفاء وضم الراء المشدّدة وبالخاء المعجمة، الشاعر الأعمش التابعي المشهور (قال: سمعت عبد الله بن عمرو) هو: ابن العاصي (رضي الله عنهما، قال): (قال لي النبي) ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ألم أخبر) بضم الهمزة وسكون المعجمة وفتح الموحدة مبنيًّا للمفعول، والهمزة فيه للاستفهام. ولكنه خرج عن الاستفهام الحقيقي. ومعناه هنا حمل المخاطب على الإقرار بأمر قد استقر عنده ثبوته (أنك) بفتح الهمزة، لأنه مفعول ثان للإخبار (تقوم الليل وتصوم النهار؟) نصب على الظرفية كالليل. قال عبد الله (قلت: إني أفعل ذلك) القيام والصيام (قال) عليه الصلاة والسلام: (فإنك إذا فعلت ذلك هجمت) بفتح الهاء والجيم والميم أي: غارت، أي: دخلت (عينك) في موضعها، وضعف بصرها لكثرة السهر، ولأبي ذر: إذا فعلت هجمت عينك. وزاد الداودي: ونحل جسمك (ونفهت) بفتح النون وكسر الفاء، وعن القطب الحلبي، فتحها أي: كلت، وأعيت (نفسك) من مشقة التعب (وإن لنفسك) عليك (حق) رفع على الابتداء، ولنفسك خبره مقدمًا، والجملة خبر إن واسمها ضمير الشأن محذوفًا، أي: إن الشأن لنفسك حق، وهذه رواية كريمة، وابن عساكر. وفي رواية أبوي ذر، والوقت، والأصيلي: حقًا، نصب على أنه اسم إن: أي: تعطيها ما تحتاج إليه ضرورة

21 - باب فضل من تعار من الليل فصلى

البشرية مما أباحه الله لها من الأكل والشرب والراحة التي يقوم بها البدن، ليكون أعون على الطاعة. نعم، من حقوق النفس قطعها عما سوى الله تعالى بالكلية، لكن ذلك يختص بالتعلقات القلبية. (ولأهلك) زوجك، أو أعم، ممن يلزمك نفقته عليك (حق) رفع أيضًا، ولأبوي ذر والوقت فقط: حقًا بالنصب، ومرّ توجيهها، أي: تنظر لهما فيما لا بدّ لهما منه من أمور الدنيا والآخرة. وسقط لفظ: عليك هنا في الموضعين، وزاد في الصيام من وجه آخر: "وإن لعينك عليك حقًا". وفي رواية: وإن لزورك عليك حقًا، أي: لزائرك. (فصم) في بعض الأيام (وأفطر) بقطع الهمزة في بعضها، لتجمع بين المصلحتين، وفيه إشارة إلى ما سبق من صوم داود (وقم) صل في بعض الليل (ونم) في بعضه. والأمر فيها للندب. واستنبط منه: أن من تكلف الزيادة، وتحمل المشقّة على ما طبع عليه، يقع له الخلل في الغالب، وربما يغلب ويعجز. ورواته: سفيان وعمرو وأبو العباس مكيون، وشيخه من أفراده، وفيه، التحديث والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه أيضًا في: الصوم، و: أحاديث الأنبياء، ومسلم في: الصوم، وكذا الترمذي والنسائي وابن ماجة. 21 - باب فَضْلِ مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى (باب فضل من تعار) بفتح المثناة الفوقية والعين المهملة وبعد الألف راء مشددة، أي: انتبه (من الليل فصلّى) مع صوت، من استغفار أو تسبيح أو نحوه. وإنما استعمله هنا: دون الانتباه والاستيقاظ لزيادة معنى، وهو الأخبار: بأن من هب من نومه ذاكرًا الله تعالى مع الهبوب، فسأل الله تعالى خيرًا أعطاه. فقال: تعار، ليدل على المعنيين. 1154 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ قال أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ. الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي -أَوْ دَعَا- اسْتُجِيبَ. فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ». وبالسند قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي، وسقط لأبي ذر: ابن الفضل (قال: أخبرنا الوليد) زاد أبو ذر: هو ابن مسلم (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو، وللأصيلي: أخبرنا، ولأبي ذر: حدّثنا اللأوزاعي (قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر، والأصيلي: حدّثنا (عمير بن هانئ) بضم العين مصغرًا، الدمشقي (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (جنادة بن أبي أمية) بضم الجيم، وتخفيف النون والدال المهملة وهاء التأنيث، مختلف فى صحبته (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عبادة بن الصامت) رضي الله عنه (عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (من تعار من الليل فقال) لما كان التعار اليقظة مع صوت احتمل أن تكون الفاء تفسيرية لا يصوّت به المستيقظ، لأنه قد يصوت بغير ذكر، فخصه بمن صوّت بقوله: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد) زاد أبو نعيم، في الحلية من وجهين، عن علي بن المديني: يحيي ويميت (وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان اله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله) زاد النسائي، وابن ماجة، وابن السني: العلي العظيم، وسقط قوله: لا إله إلا الله، عند الأصيلي، وأبوي ذر والوقت، (ثم قال: اللهم اغفر لي -أو دعا- استجيب) زاد الأصيلي، له، وأو، للشك، وعند الإسماعيلي: ثم قال: رب اغفر لي، غفر له أو قال: فدعا، استجيب له. شك الوليد، واقتصر النسائي على الشق الأول (فإن توضأ، قبلت) ولأبوي ذر، والوقت: وصلّى، قبلت (صلاته) إن صلّى. والفاء في: فإن توضأ، للعطف على دعا، أو: على قوله: لا إله إلا الله. والأول أظهر، قاله الطيبي. وترك ذكر الثواب ليدل على ما لا يدخل تحت الوصف، كما في قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} إلى قوله: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 16 - 17] وهذا إنما يتفق لمن تعوّد الذكر واستأنس به، وغلب عليه، حتى صار الذكر له حديث نفسه، في نومه ويقظته، فأكرم من اتصف بذلك بإجابة دعوته، وقبول صلاته. وقد صرح، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، باللفظ، وعرض بالمعنى بجوامع كلمه التي أوتيها حيث قال: "من تعارّ من الليل ... " إلى آخره. ورواته: كلهم شاميون إلا شيخه فمروزي، وفيه: رواية صحابي عن صحابي على قول من يقول بصحبة جنادة، والتحديث والأخبار والعنعنة والقول، وأخرجه أبو داود في: الأدب، والنسائي في: اليوم والليلة، والترمذي في: الدعوات، وابن ماجة في الدعاء. 1155 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قال أَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-وَهُوَ يَقْصُصُ فِي قَصَصِهِ- وَهُوَ يَذْكُرُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ أَخًا لَكُمْ لاَ يَقُولُ الرَّفَثَ، يَعْنِي بِذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ ... إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الْفَجْرِ سَاطِعُ أَرَانَا الْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا ... بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ ... إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ تَابَعَهُ عُقَيْلٌ. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدٍ، وَالأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه. [الحديث 1155 - طرفه في: 6151]. وبه قال (حدّثنا يحيى بن بكير) هو: يحيى بن عبد الله بن بكير (قال: حدّثنا الليث)

بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (الهيثم) بفتح الهاء وسكون المثناة التحتية بعدها مثلثة مفتوحة (ابن أبي سنان) بكسر المهملة ونونين، الأولى خفيفة (أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه -وهو يقصص) بسكون القاف جملة حالية ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي: وهو يقص (في) جملة (قصصه) بكسر القاف، جمع قصة. والذي في اليونينية وفرعها، فتح قاف، قصصه أي: مواعظه (وهو) أي، والحال أنه (يذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (إن أخًا لكم) هو قول أبي هريرة، أو: من قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمعنى: إن الهيثم سمع أبا هريرة يقول وهو يعظ، وانجر كلامه إلى ذكره عليه الصلاة والسلام، وذكر ما قال من قوله عليه السلام: إن أخًا لكم (لا يقول الرفث) يعني الباطل من القول، والفحش، قال الهيثم، أو قال الزهري: (يعني بذلك عبد الله بن رواحة) بفتح الراء وتخفيف الواو وفتح الحاء، الأنصاري الخزرجي، حيث قال يمدح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وفينا رسول الله يتلو كتابه). القرآن، والجملة حالية (إذا) ولأبي الوقت في نسخة كما (انشق معروف) فاعل: انشق (من الفجر) بيان لمعروف (ساطع) مرتفع صفة لمعروف أي أنه يتلو كتاب الله وقت انشقاق الوقت الساطع من الفجر (أرانا) ولأبي الوقت: أنار (الهدى) مفعول ثان لأرانا (بعد العمى) بعد الضلالة (فقلوبنا به) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (موقنات: أنّ ما قال) من المغيبات (واقع يبيت) حال كونه (يجافي) يرفع (جنبه عن فراشه) كناية عن صلاته بالليل (إذا استثقلت بالمشركين المضاجع). وهذه الأبيات من الطويل وأجزاؤه ثمانية: فعولن مفاعيلن ... إلى آخره؛ والبيت الأخير منها بمعنى الترجمة، لأن التعار هو: السهر والتقلب على الفراش، وكان ذلك إما للصلاة، أو للذكر، أو للقراءة. وفي البيت الأول الإشارة إلى علمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي الثالث إلى عمله، وفي الثاني إلى تكميله الغير، فهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كامل مكمل. (تابعه) أي تابع يونس بن يزيد (عقيل) بضم العين وفتح القاف، ابن خالد عن ابن شهاب فيما أخرجه الطبراني في الكبير. (وقال الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة، محمد بن الوليد الحمصي، مما وصله البخاري في التاريخ الصغير، والطبراني في الكبير قال: (أخبرني) بالإفراد، محمد بن مسلم (الزهري عن سعيد) هو: ابن المسيب (والأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة رضي الله عنه). وأشار به إلى أنه اختلف على الزهري في هذا الإسناد، فاتفق يونس وعقيل على أن شيخه فيه: الهيثم، وخالفهما الزبيدي، فأبدله: بسعيد بن المسيب والأعرج. قال الحافظ ابن حجر: ولا يبعد أن يكون الطريقان صحيحين، فإنهم حفاظ ثقات، والزهري صاحب حديث مكثر، ولكن ظاهر صنيع البخاري ترجيح رواية يونس لمتابعة عقيل له بخلاف الزبيدي. 1156 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ "رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَأَنَّ بِيَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ فَكَأَنِّي لاَ أُرِيدُ مَكَانًا مِنَ الْجَنَّةِ إِلاَّ طَارَتْ إِلَيْهِ. وَرَأَيْتُ كَأَنَّ اثْنَيْنِ أَتَيَانِي أَرَادَا أَنْ يَذْهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَتَلَقَّاهُمَا مَلَكٌ فَقَالَ: لَمْ تُرَعْ، خَلِّيَا عَنْهُ". وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي (قال: حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما. قال): (رأيت على عهد النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كأن بيدي قطعة إستبرق) بهمزة قطع: ديباج غليظ، فارسي معرب (فكأني لا أريد مكانًا من الجنة إلا طارت إليه) في التعبير: إلا طارت بي إليه (ورأيت كأن اثنين) بسكون المثلثة وفتح النون، ولأبي الوقت: آتيين على صيغة اسم الفاعل، من الإتيان (أتياني، أرادا أن يذهبا بي إلى النار، فتلقاهما ملك فقال:) لي (لم ترع) بضم الفوقية وفتح الراء، أي: لا يكون بك خوف (خليا عنه)، فقصصتها على حفصة. 1157 - فَقَصَّتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِحْدَى رُؤْيَاىَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ. فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ -رضي الله عنه- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ». (فقصت حفصة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إحدى رؤياي) اسم جنس مضاف إلى ياء المتكلم (فقال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلّي من الليل). قال نافع: (فكان عبد الله) بن عمر (رضي الله عنه يصلّي من الليل). 1158 - "وَكَانُوا لاَ يَزَالُونَ يَقُصُّونَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرُّؤْيَا أَنَّهَا فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَتْ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيْهَا فَلْيَتَحَرَّهَا مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ". [الحديث 1158 - طرفاه في: 2015، 6991]. (وكانوا) أي: الصحابة (لا يزالون يقصون على النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الرؤيا أنها) أي ليلة القدر (في الليلة السابعة من العشر الأواخر) من رمضان (فقال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):

22 - باب المداومة على ركعتى الفجر

(أرى رؤيكم قد تواطت) بغير همز، ولأبي ذر: تواطأت بالهمز بوزن تفاعلت، وكذا هو في أصل الدمياطي، أي: توافقت (في العشر الأواخر) من رمضان (فمن كان متحريها) بسكون التحتية في اليونينية (فليتحرها) أي: طالبًا ومجتهدًا لها، فليطلبها (من العشر الأواخر) وللكشميهني: في العشر الأواخر. 22 - باب الْمُدَاوَمَةِ عَلَى رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ (باب المداومة على) صلاة (ركعتي الفجر) التي قبل فرض الصبح سفرًا وحضرًا. 1159 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ هُوَ ابْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعِشَاءَ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ وَرَكْعَتَيْنِ جَالِسًا، وَرَكْعَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدَعُهُمَا أَبَدًا". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد) من الزيادة (قال: حدثنا سعيد هو ابن أبي أيوب) مقلاص، بكسر الميم وسكون القاف وبالصاد المهملة (قال: حدّثني) بالإفراد (جعفر بن ربيعة) نسبة لجده، وأبوه: شرحبيل القرشي (عن عراك بن مالك) بكسر العين المهملة وتخفيف الراء آخره كاف، القرشي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن عائشة، رضي الله عنها، قالت): (صلّى النبي) وللأصيلي: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، العشاء، ثم صلّى) ولأبي ذر، وأبي الوقت عن الحموي، والمستملي: وصلّى، بواو العطف (ثمان ركعات) بفتح النون، وهو شاذ، ولأبي ذر: ثماني، بكسرها ثم ياء مفتوحة على الأصل، (وركعتين) حال كونه (جالسًا، وركعتين بين النداءين): أذان الصبح وأقامته، ولمسلم: ركعتين خفيفتين بين النداء والإقامة (ولم يكن) عليه الصلاة والسلام (يدعهما) يتركهما، وفي اليونينية بسكون عين يدعهما بدل: فعل من فعل، أي: لم يدعهما على حدّ قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ} [الفرقان: 68 - 69] (أبدًا) نصب على الظرفية. واستعمله للماضي، وإن كان المقرر استعماله للمستقبل، و: قط للماضي للمبالغة إجراء للماضي مجرى الستقبل، كأن ذلك دأبه، لا يتركه. واستدلّ به القائل بالوجوب، وهو مروي عن الحسن البصري، كما أخرجه عن ابن أبي شيبة، واستدلّ به بعض الشافعية للقديم في أنها أفضل التطوعات، والجديد أن أفضلها الوتر. ورواته: ما بين بصري ومصري ومدني، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أبو داود والنسائي في: الصلاة. 23 - باب الضِّجْعَةِ عَلَى الشِّقِّ الأَيْمَنِ بَعْدَ رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ (باب الضجعة على الشق الأيمن بعد ركعتي الفجر) بكسر الضاد من الضجعة، لأن المراد الهيئة، ويجوز الفتح على إرادة المرة. 1160 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا صَلَّى رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ". وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع، وللأصيلي وأبي ذر: حدّثني (عبد الله بن يزيد) من الزيادة (قال: حدّثنا سعيد بن أبي أيوب) مقلاص (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو الأسود) محمد بن عبد الرحمن النوفلي، يتيم عروة (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة، رضي الله عنها، قالت): (كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا صلّى ركعتي الفجر، اضطجع على شقه الأيمن) لأنه كان يحب التيامن في شأنه كله، أو تشريع لنا لأن القلب في جهة اليسار. فلو اضطجع عليه لاستغرق نومًا لكونه أبلغ في الراحة بخلاف اليمين، فيكون معلقًا، فلا يستغرق. وهذا بخلافه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لأن عينه تنام ولا ينام قلبه. وروى أبو داود بإسناد على شرط الشيخين: إذا صلّى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه، فقال مروان بن الحكم: أما يجزي أحدنا ممشاه في المسجد حتى يضطجع على يمينه؟ قال: لا واستدلّ به ابن حزم على وجوبها. وأجيب: بحمل الأمر فيه على الاستحباب، فإن لم يفصل بالاضطجاع فبحديث: أو تحول عن مكانه، أو نحوهما. واستحب البغوي في شرح السنة، الاضطجاع بخصوصه، واختاره في شرح المهذّب للحديث السابق، وقال: فإن تعذر عليه فصل بكلام. وأما إنكار ابن مسعود الاضطجاع، وقول إبراهيم النخعي: هي ضجعة الشيطان، كما أخرجه ابن أبي شيبة، فهو محمول على أنه لم يبلغهما الأمر بفعله، وكلام ابن مسعود يدل على: أنه إنما أنكر تحتمه، فإنه قال في آخر كلامه: إذا سلم فقد فصل. 24 - باب مَنْ تَحَدَّثَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَضْطَجِعْ (باب من تحدث بعد الركعتين) سنة الفجر (ولم يضطجع). 1161 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا صَلَّى سُنَّةَ الْفَجْرِ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلاَّ اضْطَجَعَ حَتَّى يُؤْذَنَ بِالصَّلاَةِ". وبالسند قال: (حدّثنا بشر بن الحكم) بكسر الموحدة وسكون المعجمة وفتح الحاء والكاف، من الحكم، العبدي النيسابوري (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثني) بالإفراد (سالم أبو النضر) بن أبي أمية (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف، (عن عائشة، رضي الله عنها). (أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان إذا صلّى سنة

25 - باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى

الفجر فإن كنت مستيقظة حدّثني) ولا تضادّ بين هذا وبين ما في سنن أبي داود، من طريق مالك أن كلامه عليه الصلاة والسلام لعائشة كان بعد فراغه من صلاة الليل، وقبل أن يصلّي ركعتي الفجر، لاحتمال أن يكون كلامه لها كان قبل ركعتي الفجر وبعدهما. (وإلا) أي: وإن لم أكن مستيقظة (اضطجع) للراحة من تعب القيام، أو: ليفصل بين الفرض والنفل بالحديث أو الاضطجاع. (حتى يؤذن بالصلاة) بضم الياء وإسكان الهمزة وفتح المعجمة، مبنيًا للمفعول. كذا في الفرع. وضبطه في الفتح بضم أوله وفتح المعجمة الثقيلة. وللكشميهني: حتى نودي، من النداء. واستدلّ به على عدم استحباب الضجعة. وأجيب: بأنه لا يلزم من كونه ربما تركها عدم الاستحباب، بل يدل تركه لها أحيانًا على عدم الوجوب، والأمر بها في رواية الترمذي محمول على الإرشاد إلى الراحة والنشاط لصلاة الصبح، وفيه أنه لا بأس بالكلام المباح بعد ركعتي الفجر. قال ابن العربي: ليس في السكوت في ذلك الوقت فضل مأثور، إنما ذلك بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس. ورواته: ما بين نيسابوري ومكّي ومدني، وفيه: التحديث والعنعنة، وأخرجه أيضًا مسلم والترمذي. 25 - باب مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عَمَّارٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَنَسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالزُّهْرِيِّ -رضي الله عنهم-. وقال يحيى بنُ سعيد الأنصاريُّ: ما أدرَكتُ فُقهاءَ أرضِنا إلا يُسلِّمونَ في كل اثنتينِ منَ النهارِ. (باب ما جاء في التطوّع مثنى مثنى) ركعتين ركعتين يسلم من كل ثنتين. وهذا الباب ثابت هنا في الفرع وأصله، وفي أكثر النسخ بعد باب: ما يقرأ في ركعتي الفجر، وعليه مثى في فتح الباري وغيره. (ويذكر ذلك) أي: ما ذكر من التطوع مثنى مثنى (عن عمار) أي ابن ياسر، ولأبي ذر، والأصيلي: قال محمد، يعني: البخاري ويذكر، ولأبي الوقت: قال ويذكر، عن عمار (وأبي ذر وأنس) الصحابيين (وجابر بن زيد) أبي الشعثاء البصري (وعكرمة والزهري) التابعيين (رضي الله عنهم). (وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: ما أدركت فقهاء أرضنا) أي أرض المدينة، وقد أدرك كبار التابعين: كسعيد بن المسيب، ولحق قليلاً من صغار الصحابة: كأنس بن مالك (إلا يسلمون في كل اثنتين) بتاء التأنيث. أي: ركعتين، ولأبي ذر: اثنين (من النهار) ولم يقف الحافظ ابن حجر عليه موصولاً كالذي قبله. 1162 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ: إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ. ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاقْدُرْهُ لِي، وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ. وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ قَالَ: وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ". [الحديث 1162 - طرفاه في: 6382، 7390]. وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي) بفتح الميم والواو، واسمه، كما في تهذيب الكمال: زيد (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري، (رضي الله عنهما قال): (كان رسول الله) وللأصيلي: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعلمنا الاستخارة) أي: صلاتها ودعاءها، وهو طلب الخيرة بوزن العنبة (في الأمور) ولأبي ذر، والأصيلي زيادة: كلها، جليلها وحقيرها، كثيرها وقليلها ليسأل أحدكم حتى شسع نعله (كما يعلمنا السورة من القرآن) اهتمامًا بشان ذلك (يقول): (إذا هم أحدكم بالأمر) أي قصد أمرًا مما لا يعلم وجه الصواب فيه، أما ما هو معروف خيره: كالعبادات وصنائع المعروف، فلا. نعم، قد يفعل ذلك لأجل وقتها لمخصوص، كالحج في هذه السنة لاحتمال عدو أو فتنة أو نحوهما (فليركع) فليصل ندبًا في غير وقت كراهة (ركعتين) من باب: ذكر الجزء وإرادة الكل. واحترز بالركعتين عن الواحدة فإنها لا تجزئ. وهل إذا صلّى أربعًا بتسليمة يجزئ؟ وذلك لحديث أبي أيوب الأنصاري، المروي في صحيح ابن حبان وغيره: "ثم صلِّ ما كتب الله لك"، فهو دال على أن الزيادة على الركعتين لا تضر، وهذا موضع الترجمة لأمره، عليه الصلاة والسلام، بصلاة ركعتين. (من غير الفريضة) بالتعريف، فلا تحصل سنتها بوقوع دعائها بعد فرض، وللأصيلي: من غير فريضة (ثم ليقل) ندبًا بكسر لام الأمر المعلق بالشرط: وهو إذا هم أحدكم بالأمر. (اللهم إني أستخيرك) أي: أطلب منك بيان ما هو خير لي (بعلمك، وأستقدرك بقدرتك) أي: أطلب منك أن تجعل لي قدرة عليه، والباء فيهما للتعليل، أي: بأنك أعلم وأقدر، أو للاستعانة أو الاستعطاف، كما في {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [القصص: 17] أي: بحق قدرتك وعلمك الشاملين (وأسألك من فضلك العظيم) إذ كل عطائك فضل ليس لأحد عليك حق في نعمة (فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب) استأثرت بها، لا يعلمها

غيرك إلا من ارتضيته. وفيه إذعان بالافتقار إلى الله تعالى في كل الأمور، والتزام لذلة العبودية. (اللهم وإن كنت تعلم أن هذا الأمر) وهو: كذا وكذا، ويسميه (خير لي في ديني ومعاشي) حياتي (وعاقبة أمري -أو قال: عاجل أمري وآجله-) الشك من الراوي (فاقدره لي) بضم الدال في اليونينية، وحكى عياض: فاقدره، بكسرها عن الأصيلي. قال القرافي، في آخر كتاب أنوار البروق: من الدعاء المحرم، الدعاء المرتب على استئناف المشيئة، كمن يقول: أقدر لي الخير، لأن الدعاء بوضعه اللغوي إنما يتناول المستقبل دون الماضي، لأنه طلب. وطلب الماضي محال، فيكون مقتضى هذا الدعاء أن يقع تقدير الله في المستقبل من الزمان، والله تعالى يستحيل عليه استئناف المشيئة. والتقدير: بل وقع جميعه في الأزل، فيكون هذا الدعاء مقتضى مذهب من يرى أن لا قضاء، وأن الأمر أُنُفٌ، كما أخرجه مسلم عن الخوارج، وهو فسق بالإجماع، وحينئذ فيجاب عن قوله هنا: فاقدره لي بأن يتعين أن يعتقد: أن المراد بالتقدير هنا التيسير على سبيل المجاز، والداعي، إنما أراد هذا المجاز، وإنما يحرم الإطلاق عند عدم النية. (ويسره لي، ثم بارك لي فيه) أدمه وضاعفه (وإن كنت تعلم أن هذا الأمر) وهو: كذا وكذا، ويسميه (شر لي في ديني ومعاشي) حياتي (وعاقبة أمري -أو قال-) شك من الراوي (في عاجل أمري وآجله -فاصرفه عني، واصرفني عنه) فلا تعلق بالي بطلبه. وفي دعاء بعض العارفين: اللهم لا تتعب بدني في طلب ما لم تقدره لي. ولم يكتف بقوله: فاصرفه عني، لأنه قد يصرف الله تعالى عن المستخير ذلك الأمر ولا يصرف قلبه عنه، بل يبقى متعلقًا متشوقًا إلى حصوله، فلا يطيب له خاطر، فإذا صرفه الله وصرفه عنه كان ذلك أكمل، ولذا قال: (واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به) بهمزة قطع، أي: اجعلني راضيًا به لأنه إذا قدر له الخير ولم يرض به كان منكد العيش آثمًا بعدم رضاه، بما قدره الله له، مع كونه خيرًا له. (قال: ويسمي حاجته) أي: في أثناء دعائه عند ذكرها بالكناية عنها، في قوله: إن هذا الأمر كما سبق. وشيخ المؤلّف بلخي، وعبد الرحمن، ومحمد مدنيان؛ وتفرد ابن أبي الموالي بروايته. وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في: التوحيد، وأبو داود في: الصلاة، وكذا الترمذي وابن ماجة فيها. والنسائي في: النكاح والبعوث واليوم والليلة. 1163 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيَّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ». وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشر بن فرقد البرجمي التميمي الحنظلي (عن عبد الله بن سعيد) بكسر العين، ابن أبي هند المديني (عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سليم) بفتح العين وضم السين وفتح اللام (الزرقي) أنه (سمع أبا قتادة) الحرث (بن ربعي) بكسر الراء، وإسكان الموحدة (الأنصاري، رضي الله عنه قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا دخل أحدكم المسجد) وللكشميهني: المجلس (فلا يجلس حتى يصلّي ركعتين) تحية السجد ندبًا. والحديث سبق في باب: إذا دخل المسجد فليركع ركعتين. 1164 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال): (صلى لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما دعته مليكة، جدة أنس، لطعام صنعته له، فأكل منه ثم قال: "قوموا فلأصل لكم". قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وصففت أنا واليتيم والعجوز من ورائنا، فصلّى لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ركعتين، ثم انصرف). 1165 - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ قال حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ". وبه قال: (حدّثنا ابن بكير) وللأصيلي، وأبي ذر، يحيى بن بكير (قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم عن) أبيه (عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما قال): (صليت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد الجمعة، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء). 1166 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَخْطُبُ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ -أَوْ قَدْ خَرَجَ- فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ". وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي أياس (قال: أخبرنا) ولأبي ذر، والأصيلي: حدّثنا (شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرنا) ولأبوي ذر، والوقت،

26 - باب الحديث يعني بعد ركعتى الفجر

والأصيلي: حدّثنا (عمرو بن دينار) بفتح العين وسكون الميم (قال: سمعت جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو) أي والحال أنه (يخطب) يوم الجمعة: (إذا جاء أحدكم والإمام يخطب -أو قد خرج- فليصل ركعتين) ندبًا. 1167 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَيْفُ قال سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: "أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فِي مَنْزِلِهِ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ. قَالَ فَأَقْبَلْتُ فَأَجِدُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ خَرَجَ وَأَجِدُ بِلاَلاً عِنْدَ الْبَابِ قَائِمًا، فَقُلْتُ: يَا بِلاَلُ، صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ فَأَيْنَ؟ قَالَ: بَيْنَ هَاتَيْنِ الأُسْطُوَانَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "أَوْصَانِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرَكْعَتَىِ الضُّحَى". وَقَالَ عِتْبَانُ "غَدَا عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- بَعْدَ مَا امْتَدَّ النَّهَارُ وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا سيف) المخزومي، وفي هامش الفرع وأصله من غير رقم ابن سليمان المكي (قال: سمعت مجاهدًا) الإمام المفسر (يقول أتي ابن عمر) بن الخطاب، بضم همزة: أتي، مبنيًّا للمفعول (رضي الله عنهما في منزله) بمكة (فقيل له: هذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قد دخل الكعبة. قال: فأقبلت فأجد) بصيغة المتكلم وحده من المضارع، وكان القياس أن يقول: فوجدت، بعد: فأقبلت، لكن عدل عنه لاستحضار صورة الوجدان وحكايته عنها، (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد خرج) من الكعبة (وأجد بلالاً) مؤذنه (عند الباب). وللكشميهني، وابن عساكر: على الباب، حال كونه (قائمًا. فقلت: يا بلال! صلّى) بإسقاط همزة الاستفهام المنوية، وللكشميهني، أصلّى (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الكعبة. قال: نعم) صلّى فيها. (قلت فأين) صلّى فيها؟ (قال: بين هاتين الأسطوانتين) بضم الهمزة والطاء (ثم خرج) من الكعبة (فصلّى ركعتين في وجه الكعبة) أي مواجهة بابها، أو في جهتها. فيكون أعم من جهة الباب. وسبق الحديث في باب: قول الله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] في أوائل الصلاة. (قال أبو عبد الله) البخاري، وفي الفرع وأصله علامة سقوط ذلك عن ابن عساكر، وفي هامشهما التصريح بسقوطه أيضًا، عن أبوي ذر، والوقت، والأصيلي (قال أبو هريرة) مما وصله في باب: صلاة الضحى في الحضر، ولأبي ذر، والأصيلى: وقال أبو هريرة (رضي الله عنه: أوصاني النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بركعتي الضحى). (وقال عتبان) بكسر العين وسكون الفوقية، مما سبق موصولاً في باب: المساجد في البيوت، ولأبي ذر، والأصيلي: عتبان بن مالك (غدًا عليّ رسول الله) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبو بكر) الصديق (رضي الله عنه، بعدما امتد النهار، وصففنا وراءه، فركع ركعتين). قال في المصابيح: قال ابن المنير: رأى البخاري الاستدلال بالاستخارة والتحية والأفعال المستمرة أولى من الاستدلال بقوله: صلاة الليل مثنى مثنى، لأنه لا يقوم الاستدلال به على النهار إلاّ بالقياس، ويكون القياس حينئذ كالمعارض لمفهوم قوله: صلاة الليل ... فإن ظاهره أن صلاة النهار ليست كذلك، وإلاّ سقطت فائدة تخصيص الليل. والجواب أنه عليه الصلاة والسلام، إنما خص الليل لأجل أن فيه الوتر، خشية أن يقاس على الوتر، فيتنفل المصلي بالليل أوتارًا، فبين أن الوتر لا يعاد، وأن بقية صلاة الليل: مثنى مثنى، وإذا ظهرت فائدة التخصيص سوى المفهوم، صار حاصل الكلام: صلاة النافلة مثنى مثنى، فيعم الليل والنهار، فتأمله، فإنه لطيف جدًّا. اهـ. 26 - باب الْحَدِيثِ يَعْنِي بَعْدَ رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ (باب الحديث بعد ركعتي الفجر) ولغير أبوي ذر، والوقت، والأصيلي: يعني بعد ركعتي الفجر. 1168 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قال حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَبُو النَّضْرِ حدثني أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي، وَإِلاَّ اضْطَجَعَ" قُلْتُ لِسُفْيَانَ: فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَرْوِيهِ رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ، قَالَ سُفْيَانُ: هُوَ ذَاكَ. وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال أبو النضر) سالم (حدّثني) بالإفراد (أبي) أبو أمية (عن أبي سلمة) بفتح اللام، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: قال أبو النضر: حدّثني عن أبي سلمة (عن عائشة، رضي الله عنها أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يصلّي ركعتين، فإن كنت مستيقظة حدّثني، وإلاّ اضطجع). قال علي بن عبد الله المديني: (قلت لسفيان) بن عيينة (فإن بعضهم) هو: مالك بن أنس الإمام، كما أخرجه الدارقطني (يرويه: ركعتي الفجر) اللتين قبل الفرض (قال سفيان: هو ذاك) أي الأمر ذاك. 27 - باب تَعَاهُدِ رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ، وَمَنْ سَمَّاهُمَا تَطَوُّعًا (باب تعاهد ركعتي الفجر ومن سماهما) أي: الركعتين، وللحموي والكشميهني: سماها، بالإفراد، أي: سنة الفجر (تطوعًا) نصب مفعول ثان لسماها. 1169 - حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى شَىْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ". وبالسند قال: (حدّثنا بيان بن عمرو) بفتح الموحدة وتخفيف التحتية وبعد الألف نون، وعمرو: بفتح العين وسكون الميم، قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان، قال:

28 - باب ما يقرأ في ركعتى الفجر

(حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن عطاء) هو: ابن أبي رباح (عن عبيد بن عمير) بضم العين فيهما على التصغير، الليثي القاص (عن عائشة، رضي الله عنها) أنها (قالت: لم يكن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على شيء من النوافل أشد منه) عليه الصلاة والسلام (تعاهدًا) أي: تفقدًا أو تحفظًا، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: أشد تعهدًا منه (على ركعتي الفجر) وفي هامش الفرع ما نصه: منه، الأولى ساقطة عند الأصيلي، وأبوي ذر، والوقت: مكررة في أصل السماع. 28 - باب مَا يُقْرَأُ فِي رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ (باب ما يقرأ) بضم أوله، مبنيًا للمفعول، والذي في اليونينية مبنيًا للفاعل (في) سنة (ركعتي الفجر). 1170 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ يُصَلِّي إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها، قالت): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّي بالليل ثلاث عشرة ركعة) منها: الركعتان الخفيفتان اللتان يفتتح بهما صلاته (ثم يصلّي إذا سمع النداء بالصبح) سنته (ركعتين خفيفتين) يقرأ فيهما بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ} [الكافرون: 1]. و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]. رواه مسلم. ولأبي داود {قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} [آل عمران: 84]. في الركعة الأولى، وفي الثانية: {رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ} [آل عمران: 53]. وقد نوزع في مطابقة الحديث للترجمة لخلوه عن ذكر القراءة. وأجيب: بأن كلمة: ما، في الأصل للاستفهام عن ماهية الشيء، مثلاً، إذا قلت ما الإنسان؟ أي: ما ذاته؟ وما حقيقته؟ فجوابه: حيوان ناطق. وقد يستفهم بها عن صفة الشيء كقوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17]. أي: ما لونها. هاهنا أيضًا قوله: ما يقرأ؟ استفهام عن صفة القراءة هل هي طويلة أو قصيرة؟ فقوله: خفيفتين، يدل على أنها كانت قصيرة. ورواة هذا الحديث ما بين: بخاري ومصري ومكّي، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، ورواية تابعي عن تابعي، وأخرجه مسلم في: الصلاة، وكذا أبو داود والنسائي. 1171 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمَّتِهِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح. وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ حَتَّى إِنِّي لأَقُولُ: هَلْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة (قال: حدّثنا محمد بن جعفر) الملقب: غندر، قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصاري (عن عمته عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة (عن عائشة رضي الله عنها، قالت): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح) مهملة لتحويل السند. (وحدّثنا) ولأبي ذر، قال: حدّثنا (أحمد بن يونس) هو: أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي (قال: حدّثنا زهير) هو: ابن معاوية الجعفي (قال: حدّثنا يحيى: هو ابن سعيد) بكسر العين الأنصاري (عن محمد بن عبد الرحمن) بن زرارة السابق (عن) عمته (عمرة عن عائشة رضي الله عنها. قالت): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح) قراءة وأفعالاً (حتى إني لأقول) بلام التأكيد (هل قرأ بأم الكتاب) أم لا؟ و: حتى، للابتداء، و: إني بكسر الهمزة. وللحموي: بأم القرآن. وليس المعنى أنها شكت في قراءته بأم القرآن، بل المراد أنه كان في غيرها من النوافل يطول، وفي هذه يخفف أفعالها وقراءتها، حتى إذا نسبت إلى قراءة غيرها كانت كأنها لم يقرأ فيها. ورواته ما بين: بصري وواسطي ومدني وكوفي، وفيه: التحديث والعنعنة والقول. أبواب التطوع (أبواب) أحكام (التطوع) بالصلاة. وهذه الترجمة ساقطة في غالب الأصول، كفرع اليونينية. والتطوع عند الشافعية ما رجح الشرع فعله على تركه وجاز تركه، فالتطوع، والسنة، والمستحب، والمندوب، والنافلة، والمرغب فيه، ألفاظ مترادفة. 29 - باب التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ (باب التطوع) بها (بعد) الصلاة (المكتوبة) المفروضة، والحكمة في مشروعيته تكميل الفرائض به إن فرض فيها نقصان. 1172 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ. فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَفِي بَيْتِهِ". قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ "بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي أَهْلِهِ". تَابَعَهُ كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ وَأَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بضم العين، مصغرًا، ابن عمر بن حفص بن عمر بن الخطاب (قال: أخبرني) بالإفراد، ولغير أبوي ذر، والوقت: أخبرنا (نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب، (رضي الله عنهما، قال): (صليت مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، سجدتين قبل) صلاة (الظهر) لا يعارضه

30 - باب من لم يتطوع بعد المكتوبة

قوله في حديث عائشة الآتي في باب الركعتين قبل الظهر: "كان لا يدع أربعًا قبل الظهر" لأنه كان تارة يصلّي أربعًا وتارة ركعتين. أو كان يصلّي اثنتين في بيته، واثنتين في المسجد. أو غير ذلك، مما يأتي إن شاء الله تعالى، (وسجدتين بعد) صلاة (الظهر). وقيل: من الرواتب أربع بعد الظهر، لحديث الترمذي، وصححه، من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدها حرمه الله على النار. (وسجدتين بعد) صلاة (المغرب، وسجدتين بعد) صلاة (العشاء، وسجدتين بعد) صلاة (الجمعة) هذا الذي أخذ به في الروضة. وبحديث مسلم: إذا صلّى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعًا، كما في المنهاج. المراد: بالسجدتين، في كلها: ركعتان، و: بمع، التبعية في الاشتراك في فعلها لا أنه اقتدى به فيها. (فأما المغرب والعشاء) أي: سنتاهما (ففي بيته) المقدس كان يصلّيهما. قيل: لأن فعل النوافل الليلية في البيوت أفضل من المسجد بخلاف النهارية. وأجيب: بأن الظاهر أنه، عليه الصلاة والسلام، إنما فعل تلك لتشاغله بالناس في النهار غالبًا وبالليل يكون في بيته. اهـ. وحديث الصحيحين: "صلوا أيها الناس في بيوتكم. إن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة". يدل لأفضلية النوافل في البيت مطلقًا. نعم، تفضل نوافل في المسجد منها: راتبة الجمعة، ونوافل يومها. لفضل التبكير، والتأخير لطلب الساعة. نص على نحوه في الأم وذكره غيره. وقسيم: أما، التفصيلية في قوله: فأما المغرب والعشاء، محذوف يدل عليه السياق، أي: وأما سنن المكتوبات الباقية ففي المسجد. لا يقال: إن بين قوله في حديث ابن عمر السابق في باب الصلاة بعد الجمعة إنه عليه الصلاة والسلام كان لا يصلّي بعد الجمعة حتى ينصرف، وبين ما هنا تناف؟ لأن الانصراف أعم من الانصراف إلى البيت. ولئن سلمنا، فالاختلاف إنما كان لبيان جواز الأمرين. 1173 - وَحَدَّثَتْنِي أُخْتِي حَفْصَةُ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَ مَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ وَكَانَتْ سَاعَةً لاَ أَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا". وَقَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ "بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي أَهْلِهِ". تَابَعَهُ كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ وَأَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ. قال عبد الله بن عمر بن الخطاب: (وحدّثتني أختي حفصة) زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّي سجدتين) وللكشميهني: ركعتين (خفيفتين بعدما يطلع الفجر). قال ابن عمر: (وكانت) أي الساعة التي بعد طلوع الفجر (ساعة لا أدخل على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها) لأنه لم يكن يشتغل فيها بالخلق، وهذا يدل على أنه إنما أخذ عن حفصة وقت إيقاع الركعتين اللتين قبل الصبح، لا أصل مشروعيتهما. وقد تقدم في: أواخر الجمعة، من رواية مالك عن نافع، وليس فيه ذكر الركعتين اللتين قبل الصبح أصلاً، قاله ابن حجر. (وقال ابن أبي الزناد) بكسر الزاي، وتخفيف النون، عبد الرحمن بن أبي الزناد اسمه عبد الله بن ذكوان (عن موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف (عن نافع) أي: عن ابن عمر أنه قال: (بعد العشاء في أهله) بدل قوله في الحديث في بيته. (تابعه) أي تابع عبيد الله المذكور (كثير بن فرقد) بفتح الفاء والقاف بينهما راء ساكنة (و) تابعه أيضًا (أيوب) السختياني (عن نافع). كذا عند أبي ذر، والأصيلي بتقديم: قال ابن أبي الزناد، على قوله: تابعه. ولغيره تأخيره. ووقع في بعض النسخ بعد قوله: أما المغرب والعشاء ففي بيته. قال ابن أبي الزناد ... إلى آخره. وبعده قوله: تابعه كثير إلى آخره. 30 - باب مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ (باب من لم يتطوع بعد المكتوبة). 1174 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الشَّعْثَاءِ جَابِرًا قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَمَانِيًا جَمِيعًا وَسَبْعًا جَمِيعًا" قُلْتُ: يَا أَبَا الشَّعْثَاءِ، أَظُنُّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ وَعَجَّلَ الْعَصْرَ، وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ. قَالَ: وَأَنَا أَظُنُّهُ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (قال: سمعت أبا الشعثاء) بفتح الشين المعجمة وسكون المهملة وبالمثلثة، ممدودًا (جابرًا) هو: ابن زيد (قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما، قال: صليت مع رسول الله) وفي بعض الأصول: مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثمانيًا) أي: ثمان ركعات، الظهر والعصر (جميعًا) لم يفصل بينهما بتطوع ولو فصل لزم عدم الجمع بينهما فصدق أنه صلّى الظهر ولم يتطوع بعدها (وسبعًا) المغرب والعشاء (جميعًا) لم يفصل بينهما بتطوع، فلم يتطوع بعد المغرب. وأما التطوع بعد الثانية فمسكوت عنه، وكذا التطوع قبل الأولى محتمل. قال عمرو بن دينار: (قلت: يا أبا الشعثاء! أظنه) عليه الصلاة والسلام (أخر الظهر، وعجل العصر، وعجل العشاء، وأخر المغرب)؟ (قال) أبو الشعثاء: (وأنا أظنه) عليه الصلاة

31 - باب صلاة الضحى في السفر

والسلام فعل ذلك. وسبق الحديث في: المواقيت في باب: تأخير الظهر إلى العصر. 31 - باب صَلاَةِ الضُّحَى فِي السَّفَرِ (باب) حكم (صلاة الضحى في السفر) أي: هل تصلّى فيه أم لا؟ ويدل للنفي: حديث ابن عمرو، وللإثبات: حديث أم هانئ. وهما حديثا الباب. 1175 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ تَوْبَةَ عَنْ مُوَرِّقٍ قَالَ: "قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أَتُصَلِّي الضُّحَى؟ قَالَ: لاَ. قُلْتُ: فَعُمَرُ؟ قَالَ: لاَ. قُلْتُ: فَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: لاَ. قُلْتُ: فَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: لاَ إِخَالُهُ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن توبة) بفتح المثناة الفوقية وسكون الواو وفتح الموحدة ابن كيسان بن المورّع، بفتح الواو وكسر الراء المشددة، العنبري التابعي الصغير، المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة (عن مورق) بضم الميم وفتح الواو وتشديد الراء المكسورة، ابن المشمرج بضم الميم وفتح الشين المعجمة وسكون الميم وفتح الراء وبكسرها وبالجيم، أبو المعتمر العجلي البصري (قال): (قلت لابن عمر رضي الله عنهما أتصلي) صلاة (الضحى؟ قال:) ابن عمر: (لا) أصليها، قال: (قلت) له: فعمر؟ قال: (لا) أي: لم يصلها (قلت: فأبو بكر؟ قال: لا) أي: لم يصلها. (قلت: فالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،؟ قال: لا إخاله) برفع اللام وكسر الهمزة في الأشهر، وفتحها. قال في القاموس في لغية أي: لا أظنه عليه الصلاة والسلام صلاها. وكان سبب توقفه في ذلك أنه بلغه من غيره أنه صلاها، ولم يثق بذلك عمن ذكره. نعم، جاء عنه الجزم بكونها محدثة من حديث سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن مجاهد عنه، واستشكل إيراد المؤلّف هذا الحديث هنا، إذ اللائق به باب: من لم يصل الضحى. وجوابه ظاهر بما قدرته، كالعيني، بهل تصلّى فيه أم لا؟ واختلف رأي الشراح في ذلك؛ فحمله الخطابي على غلط الناسخ، وابن المنير: على أنه لما تعارضت عنده أحاديثها نفيًا، كحديث ابن عمر هذا، إثباتًا كحديث أبي هريرة في الوصية بها، نزل حديث النفي على السفر، وحديث الإثبات على الحضر. ويؤيد بذلك أنه ترجم لحديث أبي هريرة بصلاة الضحى في الحضر مع ما يعضده من قول ابن عمر: لو كانت مسبحًا لأتممت في السفر. قاله ابن حجر. ورواة هذا الحديث بصريون إلاّ ابن الحجاج، فإنه واسطي، وإلاّ مورقًا فقيل: كوفي، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وشيخ المؤلّف من أفراده كالحديث. 1176 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: "مَا حَدَّثَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الضُّحَى غَيْرَ أُمِّ هَانِئٍ فَإِنَّهَا قَالَتْ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَاغْتَسَلَ وَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، فَلَمْ أَرَ صَلاَةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ". وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا عمرو بن مرة) بفتح العين في الأول وضم الميم وتشديد الراء في الثاني (قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي) ليلى، يقول): (ما حدثنا أحد أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) صلاة (الضحى غير أم هانئ) فاختة، شقيقة عليّ بن أبي طالب، وهو يدل على إرادته صلاة الضحى المشهورة، ولم يرد به الظرفية. وغيره بالرفع بدل من أحد. واستفيد منه العمل بخبر الواحدة، (فإنها قالت): (إن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، دخل بيتها يوم فح مكة، فاغتسل) أي في بيتها، كما هو ظاهر التعبير بالفاء المقتضية للترتيب والتعقيب. لكن في مسلم، كالموطأ، من طريق أبي مرّة عنها، أنها قالت: ذهبت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بأعلى مكة، فوجدته يغتسل. فلعله تكرر ذلك منه. (وصلّى ثماني) بالياء التحتية، وللأصيلي، وأبي ذر، ثمان (ركعات) زاد كريب عنها فيما رواه ابن خزيمة: يسلم من كل ركعتين (فلم أر صلاة قط أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود). نعم، قد ثبت في حديث حذيفة عند ابن أبي شيبة: أنه، صلّى الضحى فطوّل فيها، فيحتمل أن يكون خففها ليتفرغ لمهمات الفتح لكثرة شغله به. واستنبط منه سنية صلاة الضحى، خلافًا لمن قال: ليس في حديث أم هانئ دلالة لذلك، بل هو إخبار منها بوقت صلاته فقط. وكانت صلاة الفتح، أو أنها كانت قضاء عما شغل عنه تلك الليلة من حزبه فيها. وأجيب: بأن الصواب صحة الاستدلال به لقولها في حديث أبي داود، وغيره: صلّى سبحة الضحى. ومسلم في الطهارة: ثم صلّى ثمان ركعات سبحة الضحى، وفي التمهيد، لابن عبد البر، قالت: قدم عليه الصلاة والسلام مكة، فصلّى ثمان ركعات، فقلت: ما هذه الصلاة؟ قال: "هذه صلاة الضحى". واستدلّ به، أي بحديث الباب، النووي على أن أفضلها ثمان ركعات، وقد ورد فيها ركعتان، وأربع، وست، وثمان، وعشر، وثنتا عشرة، وهي أكثرها كما قاله الروياني، وجزم به في المحرر، والمنهاج. وفي حديث أبي ذر، مرفوعًا قال: إن صليت

32 - باب من لم يصل الضحى ورآه واسعا

الضحى عشرًا لم يكتب لك ذلك اليوم ذنب، وإن صليتها اثنتي عشرة ركعة، بنى الله لك بيتًا في الجنة، رواه البيهقي، وقال: في إسناده نظر، وضعفه في شرح المهذّب، وقال فيه: أكثرها عند الأكثرين ثمانية. وقال في الروضة: أفضلها ثمان، وأكثرها ثنتا عشرة، ففرق بين الأكثر والأفضل. واستشكل من جهة كونه إذا زاد أربعًا يكون مفضولاً. وينقص من أجره. والأفضل المداومة عليها لحديث أبي هريرة في الأوسط: إن في الجنة بابًا يقال له: باب الضحى، فإذا كان يوم القيامة، نادى منادٍ، أين الذين كانوا يديمون صلاة الضحى؟ هذا بابكم فادخلوا برحمة الله. وعن عقبة بن عامر قال: أمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نصلي الضحى بسورتيها: {والشَّمْسِ وَضُحَاهَا} و {الضُّحَى}. ثم إن وقتها، فيما جزم به الرافعي، من ارتفاع الشمس إلى الاستواء. وفي شرح المهذّب والتحقيق: إلى الزوال وفي الروضة، قال: أصحابنا: وقت الضحى من طلوع الشمس. ويستحب تأخيرها إلى ارتفاعها. 32 - باب مَنْ لَمْ يُصَلِّ الضُّحَى وَرَآهُ وَاسِعًا (باب من لم يصل) صلاة (الضحى، ورآه) أي: الترك (واسعًا) مباحًا، نصب مفعول ثانٍ: لرأى. 1177 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى، وَإِنِّي لأُسَبِّحُهَا". وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا) وللأصيلي: أخبرنا (ابن أبي ذئب) عبد الرحمن (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: (ما رأيت رسول الله) ولأبي ذر، والأصيلي: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، سبح سبحة الضحى) بفتح السين في الأولى، وضمها في الثانية، أي: ما صلّى صلاتها. وأصلها من التسبيح، وخصت النافلة بذلك لأن التسبيح الذي في الفريضة نافلة. فقيل لصلاة النافلة: سبحة، لأنها كالتسبيح في الفريضة. (وإني لأسبحها) بضم الهمزة وكسر الموحدة المشددة، وعدم رؤيتها لا يستلزم عدم الوقوع، لا سيما وقد روى إثبات فعلها، وأمره بها جماعة من الصحابة أنس، وأبو هريرة، وأبو ذر، وأبو أمامة، وعقبة بن عبد السلمي وابن أبي أوفى، وأبو سعيد، وزيد بن أرقم، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وجبير بن مطعم، وحذيفة بن اليمان، وابن عمر، وأبو موسى، وعتبان بن مالك، وعقبة بن عامر، وعليّ بن أبي طالب، ومعاذ بن أنس، والنواس بن سمعان، وأبو بكرة، وأبو مرة الطائفي، وغيرهم. والإثبات مقدم على النفي أو: المنفي المداومة عليها، وقولها: وإني لأسبحها، أي: أداوم عليها. وأما قولها في حديث مسلم: كان عليه الصلاة والسلام يصلّيها أربعًا، ويزيد ما شاء الله، فمحمول على أنه كان يفعل ذلك، بإخباره عليه الصلاة والسلام لها أو إخبار غيره، فروته. وأما قولها عند مسلم أيضًا، لما سألها عبد الله بن شقيق: هل كان عليه الصلاة والسلام يصلّيها؟ لا. إلا أن يجيء من مغيبه، فالنفي مقيد بغير المجيء من مغيبه. قاله عتبانُ بنُ مالكٍ عنِ النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 33 - باب صَلاَةِ الضُّحَى فِي الْحَضَرِ (باب صلاة الضحى في الحضر، قاله عتبان بن مالك) الأنصاري (عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله أحمد بلفظ: إنه عليه الصلاة والسلام صلّى في بيته سبحة الضحى، فقاموا وراءه، وصلوا بصلاته. 1178 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْجُرَيْرِيُّ هُوَ ابْنُ فَرُّوخَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلاَثٍ لاَ أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاَةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ". [الحديث 1178 - طرفه في: 1981]. وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي القصاب (قال: أخبرنا) وللأصيلي، وأبي ذر: حدّثنا (شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا عباس) بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة (الجريري) بضم الجيم وفتح الراء، نسبة إلى جرير بن عباد، بضم العين وتخفيف الموحدة (هو ابن فرّوخ) بفتح الفاء وضم الراء المشددة آخره خاء معجمة، وذلك ساقط عند أبوي ذر، والوقت، والأصيلي (عن أبي عثمان النهدي) بفتح النون وسكون الهاء (عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال): (أوصاني خليلي)، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي تخللت محبته قلبي فصار في خلاله، أي: في باطنه. وقوله هذا لا يعارضه قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لو كنت متخذًا خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر"، لأن الممتنع أن يتخذ هو، عليه الصلاة والسلام، غيره تعالى خليلاً، لا أن غيره يتخذه هو. (بثلاث لا أدعهن) بضم العين، أي: لا أتركهن (حتى) أي: إلى أن (أموت: صوم ثلاثة أيام) البيض (من كل شهر) لتمرين النفس على نجس الصيام، ليدخل في واجبه بانشراح، ويثاب ثواب صوم الدهر بانضمام ذلك لصوم رمضان، إذ الحسنة بعشر أمثالها. وصوم بالجر بدل من: ثلاث، وبالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هي صوم. وصلاة ونوم التاليان معطوفان عليه، فيجران، أو يرفعان.

34 - باب الركعتين قبل الظهر

(وصلاة الضحى) في كل يوم، كما زاده أحمد: ركعتين، كما يأتي في الصيام، وهما أقلها، ويجزئان عن الصدقة التي تصبح على مفاصل الإنسان في كل يوم، وهي ثلثمائة وستون مفصلاً، كما في حديث مسلم، عن أبي ذر، وقال فيه: ويجزي عن ذلك ركعتا الضحى (ونوم على وتر) ليتمرن على جنس الصلاة في الضحى، كالوتر قبل النوم في المواظبة؛ إذ الليل وقت الغفلة والكسل، فتطلب النفس فيه الراحة. وقد روي أن أبا هريرة كان يختار درس الحديث بالليل على التهجد، فأمره بالضحى بدلاً عن قيام الليل، ولهذا أمره عليه الصلاة والسلام أنه: لا ينام إلا على وتر، ولم يأمر بذلك أبا بكر، ولا عمر، ولا غيرهما من الصحابة. لكن، قد وردت وصيته عليه الصلاة والسلام بالثلاث أيضًا لأبي الدرداء، كما عند مسلم، ولأبي ذر، كما عند النسائي، فقيل خصهم بذلك لكونهم فقراء لا مال لهم، فوصاهم بما يليق بهم، وهو الصوم والصلاة، وهما من أشرف العبادات البدنية. فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟ أجيب: بأنه يتناول حالتي: الحضر والسفر، كما يدل عليه قوله: لا أدعهن حتى أموت، فحصل التطابق من أحد الجانبين، وهو الحضر، وذلك كاف في المطابقة. وفي الحديث استحباب تقديم الوتر على النوم، لكنه في حق من لم يثق بالاستيقاظ، أما من وثق به، فالتأخير أفضل لحديث مسلم: "من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل" فإن أوتر ثم تهجد لم يعده، لحديث أبي داود، وقال الترمذي: حسن، لا وتران في ليلة. ورواة حديث الباب بصريون إلا شعبة فإنه واسطي، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصوم، ومسلم والنسائي في: الصلاة. 1179 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ -وَكَانَ ضَخْمًا- لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ الصَّلاَةَ مَعَكَ. فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَعَامًا فَدَعَاهُ إِلَى بَيْتِهِ، وَنَضَحَ لَهُ طَرَفَ حَصِيرٍ بِمَاءٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنِ ابْنِ الجَارُودٍ لأَنَسٍ -رضي الله عنه-: أَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الضُّحَى؟ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُهُ صَلَّى غَيْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ". وبه قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين (قال: أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن أنس بن سيرين) أخي محمد بن سيرين، مولى أنس بن مالك (قال: سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه، زاد في غير رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي: الأنصاري (قال): (قال رجل من الأنصار) هو عتبان بن مالك فيما قيل (-وكان ضخمًا-) سمينًا، (للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني لا أستطيع الصلاة معك) في المسجد (فصنع للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، طعامًا، فدعاه إلى بيته، ونضح له طرف حصير بماء) تطهيرًا له، أو تليينًا (فصلّى عليه) أي: على الحصير، وصلينا معه (ركعتين). (وقال) بالواو، ولأبي ذر: فقال (فلان ابن فلان) عبد الحميد بن المنذر (بن الجارود) ولغير أبي ذر، والأصيلي: ابن جارود (لأنس). (أكان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّي) صلاة (الضحى؟ فقال) بالفاء، ولأبي ذر، والأصيلي، وأبي الوقت: قال أنس (ما رأيته صلّى) الضحى (غير ذلك اليوم) فنفي رؤية أنس لا يستلزم نفي فعلها قبل، فهو كنفي عائشة رؤيتها، وإثباتها فعله لها بطريق إخبار غيرها لها، كما مر. وفي قول ابن الجارود: أكان عليه الصلاة والسلام يصلّي الضحى؟ إشارة إلى أن ذلك كان كالمتعارف عندهم، وقد سبق حديث عتبان في باب: هل يصلّي الإمام بمن حضر، من أبواب الامامة. 34 - باب الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ (باب الركعتين) اللتين (قبل) صلاة (الظهر) ولغير أبوي ذر، والوقت، والأصيلي وابن عساكر: باب بالتنوين: الركعتان، بالرفع بتقدير: هذا باب يذكر فيه الركعتان. 1180 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ وَكَانَتْ سَاعَةً لاَ يُدْخَلُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) بفتح المهملة وسكون الراء (قال: حدّثنا حماد بن زيد) ولأبي ذر: هو: ابن زيد (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، قال): (حفظت من النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عشر ركعات) رواتب الفرائض: (ركعتين قبل) صلاة (الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد) صلاة (المغرب في بيته، وركعتين بعد) صلاة (العشاه في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح، كانت) بإسقاط الواو، ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي: وكانت، أي: تلك الساعة (ساعة لا يدخل على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها) لاشتغاله فيها بربه لا بغيره. 1181 - حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ "أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَطَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ". (حدثتني) بمثناة فوقية بعد المثلثة والإفراد (حفصة) زوجه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أنه) عليه الصلاة والسلام (كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلّى ركعتين) وهذا الحديث ظاهر فيما ترجم له المؤلّف. 1182 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لاَ يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ". تَابَعَهُ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَعَمْرٌو عَنْ شُعْبَةَ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد

35 - باب الصلاة قبل المغرب

(قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر) بضم الميم وسكون النون وفتح المثناة الفوقية وكسر الشين المعجمة، ابن أخي مسروق الهمداني (عن أبيه) محمد بن المنتشر بن الأجدع (عن عائشة، رضي الله عنها). ومحمد بن المنتشر قد سمع من عائشة كما صرح به في رواية وكيع عند الإسماعيلي، وكذا وافق وكيعًا على ذلك محمد بن جعفر كما عند الإسماعيلي أيضًا، وحينئذ فرواية عثمان بن عمر عن شعبة، بإدخال مسروق بين محمد بن المنتشر وعائشة مردودة، فهو من المزيد في متصل الأسانيد، ونسب الإسماعيلي الوهم في ذلك إلى عثمان نفسه، وبه جزم الدارقطني في العلل: (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لا يدع) أي: لا يترك (أربعًا قبل) صلاة (الظهر، وركعتين قبل) صلاة (الغداة). ولا تعارض بينه وبين حديث ابن عمر لأنه يحتمل أنه كان إذا صلّى في بيته صلّى أربعًا، وإذا صلّى في المسجد فركعتين، أو أنه كان يفعل هذا وهذا، فحكى كل من ابن عمر وعائشة ما رأى، أو كان الأربع وردًّا مستقلاً بعد الزوال، لحديث ثوبان عند البزار: أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يستحب أن يصلّي بعد نصف النهار، وقال فيه: إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، وينظر الله إلى خلقه بالرحمة. وأما سنة الظهر فالركعتان التي قال ابن عمر: نعم، قيل في وجه عند الشافعي: إن الأربع قبلها راتبة عملاً بحديثها. (تابعه) أي: تابع يحيى بن سعيد (ابن أبي عدي) محمد بن إبراهيم البصري (وعمرو) بفتح العين ابن مرزوق (عن شعبة). 35 - باب الصَّلاَةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ (باب الصلاة قبل) صلاة (المغرب). 1183 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنِ الْحُسَيْنِ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "صَلُّوا قَبْلَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ -قَالَ فِي الثَّالِثَةِ- لِمَنْ شَاءَ. كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً". [الحديث 1183 - طرفه في: 7368]. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين، عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري، قال: (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد أبو عبيدة (عن الحسين) بن ذكوان المعلم (عن ابن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: عن عبد الله بن بريدة (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الله) بن مغفل بضم الميم وفتح المعجمة والفاء المشدّدة (المزني) بضم الميم (عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (صلوا قبل صلاة المغرب) أي ركعتين، كما عند أبي داود، قال ذلك ثلاثًا، كما يدل عليه قوله (قال) عليه الصلاة والسلام (في) المرة (الثالثة لمن شاء) صلاتهما. (كراهية أن يتخذها الناس سنة) لازمة يواظبون عليها، ولم يرد نفي استحبابها، لأنه لا يأمر بما لا يستحب. وكأن المراد انحطاط رتبتها عن رواتب الفرائض، ومن ثم لم يذكرها أكثر الشافعية في الرواتب. ويدل له أيضًا حديث ابن عمر عند أبي داود، بإسناد حسن، قال: ما رأيت أحدًا يصلّي ركعتين قبل المغرب، على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. لكنه معارض بحديث عقبة بن عامر، التالي لهذا: أنهم كانوا يصلونها في العهد النبوي. قال أنس: وكان يرانا نصليها فلم ينهنا. وقد عدها بعضهم من الرواتب، وتعقب بأنه لم يثبت أنه عليه الصلاة والسلام واظب عليها، والذي صححه النووي: أنها سنة، للأمر بها في حديث الباب. وقال مالك بعدم السنية، وعن أحمد الجواز، وقال في المجموع: واستحبابها قبل الشروع في الإقامة، فإن شرع فيها كره الشروع في غير المكتوبة. لحديث مسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة". اهـ وقال النخعي: إنها بدعة، لأنه يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها. وأجيب: بأنه منابذ للسنة، وبأن زمنهما يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها، وحكمة استحبابهما رجاء إجابة الدعاء، لأنه بين الأذانين لا يردّ. وكلما كان الوقت أشرف، كان ثواب العبادة فيه أكثر. ومجموع الأحاديث يدل على استحباب تخفيفهما كركعتي الفجر. ورواة هذا الحديث بصريون إلا ابن بريدة، فإنه مروزي وفيه: التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: الاعتصام، وأبو داود في الصلاة. 1184 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ سَمِعْتُ مَرْثَدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيَّ قَالَ: "أَتَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ فَقُلْتُ: أَلاَ أُعْجِبُكَ مِنْ أَبِي تَمِيمٍ، يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ. فَقَالَ عُقْبَةُ: إِنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قُلْتُ: فَمَا يَمْنَعُكَ الآنَ؟ قَالَ: الشُّغْلُ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد) زاد الهروي: هو المقري (قال: حدّثنا سعيد بن أبي أيوب) الخزاعي، وسعيد بكسر العين (قال: حدّثني) بالإفراد (يزيد بن أبي حبيب) أبو رجاء، واسم أبيه سويد (قال: سمعت مرثد بن عبد الله) بفتح الميم وسكون الراء وفتح المثلثة (اليزني) بفتح المثناة التحتية

36 - باب صلاة النوافل جماعة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكره أنس وعائشة -رضي الله عنهما-

وبالزاي والنون، نسبة إلى يزن، بطن من حمير (قال أتيت عقبة بن عامر الجهني) بضم الجيم والي مصر، رضي الله عنه (فقلت: ألا أعجبك) بضم الهمزة وسكون المهملة، ولأبوي ذر، والوقت والأصيلي: ألا أعجبك، بفتح العين وتشديد الجيم (من أبي تميم) بفتح المثناة الفوقية: عبد الله بن مالك (يركع ركعتين قبل صلاة المغرب) زاد الإسماعيلي: حين يسمع أذان المغرب؟. (فقال عقبة) رضي الله عنه: (إنّا كنا نفعله على عهد رسول الله) ولأبي ذر، والأصيلي: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قلت) ولأبي ذر: فقلت (فما يمنعك الآن) من صلاتهما. (قال: الشغل) بسكون الغين المعجمة وضمها. ورواة هذا الحديث مصريون إلا شيخ المؤلّف، وقد دخلها. 36 - باب صَلاَةِ النَّوَافِلِ جَمَاعَةً، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَهُ أَنَسٌ وَعَائِشَةُ -رضي الله عنهما- (باب صلاة النوافل جماعة، ذكره) أي حكم صلاتها جماعة (أنس) أي: ابن مالك، مما وصله المؤلّف في باب: الصلاة على الحصير (وعائشة، رضي الله عنها)، مما وصله أيضًا في باب: الصدقة في الكسوف، من بابه كلاهما (عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 1185 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ "أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِهِ مِنْ بِئْرٍ كَانَتْ فِي دَارِهِمْ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبى ذر، والأصيلي: حدّثنا (إسحاق) هو: ابن راهويه. أو: ابن منصور. والأول روى الحديث في مسنده، بهذا الإسناد إلا أن في لفظه اختلافًا يسيرًا، ويستأنس للقول بأنه الأول بقوله: (أخبرنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، لأن ابن راهويه لا يعبر عن شيوخه إلا بذلك. لكن في رواية كريمة، وأبي الوقت، وغيرهما حدّثنا يعقوب، قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد، بسكون العين (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (محمود بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة، ابن سراقة (الأنصاري). (أنه عقل) بفتحات. أي عرف (رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعقل مجة مجها) أي: رمى بها حال كونها (في وجهه) يداعبه بها، استئلافًا لأبويه، وإكرامًا للربيع، (من بئر كانت) أي: البئر، وللحموي والمستملي: كان، أي الدلو (في دارهم). 1186 - فَزَعَمَ مَحْمُودٌ أَنَّهُ سَمِعَ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصَارِيَّ -رضي الله عنه-وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَقُولُ "كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بِبَنِي سَالِمٍ، وَكَانَ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَادٍ إِذَا جَاءَتِ الأَمْطَارُ، فَيَشُقُّ عَلَىَّ اجْتِيَازُهُ قِبَلَ مَسْجِدِهِمْ. فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإِنَّ الْوَادِيَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَ قَوْمِي يَسِيلُ إِذَا جَاءَتِ الأَمْطَارُ، فَيَشُقُّ عَلَىَّ اجْتِيَازُهُ، فَوَدِدْتُ أَنَّكَ تَأْتِي فَتُصَلِّي مِنْ بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَأَفْعَلُ. فَغَدَا عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَبَّرَ، وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ. فَحَبَسْتُهُ عَلَى خَزِيرٍ يُصْنَعُ لَهُ، فَسَمِعَ أَهْلُ الدَّارِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِي فَثَابَ رِجَالٌ مِنْهُمْ حَتَّى كَثُرَ الرِّجَالُ فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: مَا فَعَلَ مَالِكٌ؟ لاَ أَرَاهُ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: ذَاكَ مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ تَقُلْ ذَاكَ، أَلاَ تَرَاهُ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، أَمَّا نَحْنُ فَوَاللَّهِ لاَ نَرَى وُدَّهُ وَلاَ حَدِيثَهُ إِلاَّ إِلَى الْمُنَافِقِينَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ". قَالَ مَحْمُودٌ: فَحَدَّثْتُهَا قَوْمًا فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَتِهِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا وَيَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِمْ بِأَرْضِ الرُّومِ- فَأَنْكَرَهَا عَلَىَّ أَبُو أَيُّوبَ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَظُنُّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ مَا قُلْتَ قَطُّ. فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَىَّ، فَجَعَلْتُ لِلَّهِ عَلَىَّ إِنْ سَلَّمَنِي حَتَّى أَقْفُلَ مِنْ غَزْوَتِي أَنْ أَسْأَلَ عَنْهَا عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- إِنْ وَجَدْتُهُ حَيًّا فِي مَسْجِدِ قَوْمِهِ، فَقَفَلْتُ فَأَهْلَلْتُ بِحَجَّةٍ -أَوْ بِعُمْرَةٍ- ثُمَّ سِرْتُ حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَأَتَيْتُ بَنِي سَالِمٍ، فَإِذَا عِتْبَانُ شَيْخٌ أَعْمَى يُصَلِّي لِقَوْمِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ مِنَ الصَّلاَةِ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ مَنْ أَنَا، ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ، فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثَنِيهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ". (فزعم) أي أخبر (محمود) المذكور فهو من إطلاق الزعم على القول (أنه سمع عتبان بن مالك) بكسر العين (الأنصاري، رضي الله عنه، وكان ممن شهد بدرًا) أي: وقعة بدر (مع رسول الله) ولأبي ذر: والأصيلي: مع النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول): (كنت) وللكشميهني: يقول إني كنت (أصلي لقومي ببني سالم) بموحدتين، وللهروي: بني سالم بإسقاط الأولى منهما (وكان يحول بيني وبينهم وادٍ إذا جاءت الأمطار فيشق) بمثناة تحتية بعد الفاء، وللكشميهني: فشق، بصيغة الماضي، وفي رواية يشق بإثبات المثناة، وحذف الفاء (عليّ اجتيازه) بجيم ساكنة ومثناة وزاي (قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة (مسجدهم: فجئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقلت له): (إني) وللأصيلي: فقلت إني (أنكرت بصري) يريد به العمى، أو ضعف الإبصار (وإن الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار، فيشق عليّ اجتيازه، فوددت أنك تأتي فتصلي من بيتي مكانًا) بالنصب على الظرفية، وإن كان محدودًا لتوغله في الإبهام، فأشبه خلف ونحوها، أو هو على نزع الخافض (أتخذه مصلّى) برفع المعجمة، والجملة في محل نصب صفة لمكانًا أو مستأنفة لا محل لها، أو: هي مجزومة جوابًا للأمر، أي: إن تصل فيه أتخذه موضعًا للصلاة. (فقال رسول الله) وللهروي، والأصيلي: فقال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (سأفعل) زاد في الرواية الآتية، إن شاء الله تعالى. قال عتبان: (فغدا عليّ رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبو بكر رضي الله عنه، بعدما اشتد النهار) في الرواية السابقة: حين ارتفع النهار (فاستأذن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأذنت له) فدخل (فلم يجلس حتى قال) لي: (أين تحب أن أصلي) بضم الهمزة وللحموي، والمستملي، أن نصلّى بنون الجمع (من بيتك). قال عتبان: (فأشرت له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى المكان الذي أحب أن أصلي فيه) بهمزة مضمومة، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: يصلّي، بمثناة تحتية مضمومة مع كسر اللام، (فقام رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكبر) وفي نسخة: مكبرًا للصلاة (وصففنا) بفاءين (وراءه، فصلّى) بنا (ركعتين، ثم سلم، وسلمنا)

37 - باب التطوع في البيت

بالواو، ولأبي الوقت: فسلمنا (حين سلم) عليه الصلاة والسلام (فحبسته على خزير) بفتح الخاء وكسر الزاي المعجمتين: طعام (يصنع) من لحم ودقيق (له) عليه الصلاة والسلام (فسمع أهل الدار) أي: أهل المحلة (رسول الله) بالرفع، ولأبوي ذر، والوقت والأصيلي: أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيتي، فثاب) بالمثلثة بعد الفاء وموحدة بعد الألف، أي: جاء (رجال منهم حتى كثر الرجال في البيت، فقال رجل منهم: ما فعل مالك) هو: ابن الدخشن (لا أراه) بفتح الهمزة أي: لا أبصره (فقال رجل) آخر (منهم: ذاك) أي: مالك (منافق لا يحب الله ورسوله، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تقل ذلك، ألا تراه) بفتح التاء (قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله) أي ذاته؟ (فقال) بالإفراد، وللكشميهني فقالوا: (الله ورسوله أعلم. أما) بفتح الهمزة وتشديد الميم، وللحموي، والمستملي: إنما (نحن، فوالله لا) وفي نسخة: ما (نرى وده، ولا حديثه إلا إلى المنافق، قال) بغير: فاء، وللهروي والأصيلي: فقال (رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (فإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله) مع قول: محمد رسول الله، (يبتغي بذلك وجه الله) أي: ذاته. وهذه شهادة منه عليه الصلاة والسلام له بإيمانه، وبأنه تشهد مخلصًا نافيًا بها تهمة النفاق عنه. (قال محمود) بالإسناد السابق، زاد الهروي، والأصيلي: ابن الربيع (فحدّثتها قومًا) أي: رجالاً (فيهم أبو أيوب) خالد بن زيد الأنصاري (صاحب رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوته) سنة خمسين أو بعدها في خلافة معاوية، ودخلوا فيها إلى القسطنطينية وحاصرها، (التي توفي فيها) وأوصي أن يدفن تحت أقدام الخيل، ويغيب قبره، فدفن إلى جدار القسطنطينية. كما ذكره ابن سعد، وغيره (ويزيد بن معاوية) بن أبي سفيان أمير (عليهم) من قبل أبيه معاوية (بأرض الروم) وهي ما وراء البحر، وبها مدينة القسطنطينية (فأنكرها) أي الحكاية، أو القصة (علي، أبو أيوب) الأنصاري (قال) وللهروي، والأصيلي: وقال: (والله ما أظن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال ما قلت قط). قيل: والباعث له على الإنكار استشكاله قوله: إن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله، لأن ظاهره لا يدخل أحد من عصاة الموحدين النار، وهو مخالف لآيات كثيرة وأحاديث شهيرة. وأجيب: بحمل التحريم على الخلود. قال محمود (فكبر) بضم الموحدة، أي عظم (ذلك) الإنكار من أبي أيوب (عليّ، فجعلت لله عليّ إن سلمني) ولأبوي: ذر، والوقت: فجعلت لله إن سلمني (حتى أقفل) بضم الفاء، أي: أرجع، وسقط لفظ: حتى لأبي ذر (من غزوتي) وللمستملي: عن غزوتي (أن أسال عنها عتبان بن مالك، رضي الله عنه، إن وجدته حيًّا في مسجد قومه). قال في الفتح: وكأن الحامل لمحمود على الرجوع إلى عتبان ليسمع الحديث منه ثانيًا، أن أبا أيوب لما أنكر عليه، اتهم نفسه بأن يكون ما ضبط القدر الذي أنكره عليه. (فقفلت) أي: فرجعت (فأهللت) أي: أحرمت (بحجة -أو بعمرة) بالموحدة، وفي نسخة بإسقاطها (ثم سرت حتى قدمت المدينة، فأتيت بني سالم، فإذا عتبان) بن مالك (شيخ أعمى، يصلّي لقومه، فلما سلم من الصلاة) وللأصيلي: من صلاته (سلمت عليه، وأخبرته من أنا، ثم سألته عن ذلك الحديث) الذي حدثت به، وأنكره أبو أيوب عليّ (فحدثنيه) عتبان (كما حدثنيه أول مرة). ومطابقة الحديث للترجمة من قوله: فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وصففنا وراءه، ثم سلم وسلمنا حين سلم. 37 - باب التَّطَوُّعِ فِي الْبَيْتِ (باب) صلاة (التطوع في البيت). 1187 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «اجْعَلُوا فى بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاَتِكُمْ، وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا». تَابَعَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) أي: ابن نصر المتوفى، فيما قاله المؤلّف: سنة سبع وثلاثين ومائتين، قال: (حدّثنا وهيب) بالتصغير، هو ابن خالد (عن أيوب) السختياني (وعبيد الله) بالتصغير والجر، عطفًا على سابقه. ابن عمر كلاهما (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اجعلوا في بيوتكم) شيئًا (من صلاتكم) النافلة. قال النووي: ولا يجوز حمله على الفريضة، وفي الصحيحين: صلوا أيها الناس في بيوتكم

20 - كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة

فإن: فضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة. وإنما شرع ذلك لكونه أبعد من الرياء، ولتنزل الرحمة وفيه الملائكة. وفي حديث، ذكر ابن الصلاح أنه مرسل: فضل صلاة النفل فيه على فعلها في المسجد، كفضل صلاة الفريضة في المسجد على فعلها في البيت. لكن، قال صاحب قوت الإحياء: إن ابن الأثير ذكره في: معرفة الصحابة، عن عبد العزيز بن ضمرة بن حبيب، عن أبيه، عن جده، حبيب بن ضمرة. ورواه الطبراني، وأسنده مرفوعًا بنحو ما تقدم عن صهيب بن النعمان، عنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ويستثنى من ذلك نفل يوم الجمعة، وركعتا الطواف، والإحرام، والتراويح للجماعة. (ولا تتخذوها قبورًا) أي: مثل القبور التي ليست محلاًّ للصلاة بأن لا تصلوا فيها، كالميت الذي انقطعت عنه الأعمال. أو المراد: لا تجعلوا بيوتكم أوطانًا للنوم، لا تصلون فيها، فإن النوم أخو الموت. (تابعه) أي تابع وهيبًا (عبد الوهاب) الثقفي مما وصله مسلم، عن محمد بن المثنى عنه، (عن أيوب) السختياني لكن بلفظ: "صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا". بسم الله الرحمن الرحيم 20 - كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (بسم الله الرحمن الرحيم) كذا ثبتت البسملة في نسخة الضعاني، وهي لأبي ذر في اليونينية مما صحح عليه. 1 - باب فَضْلِ الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ (باب فضل الصلاة) مطلقًا، أو المكتوبة فقط (في مسجد مكة و) مسجد (المدينة). 1188 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ قَزَعَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ -رضي الله عنه- أَرْبَعًا قَالَ سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثِنْتَىْ عَشْرَةَ غَزْوَةً. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين، ابن الحرث بن سخبرة، بفتح المهملة وسكون المعجمة وفتح الموحدة، الأزدي النمري، بفتح النون والميم، الحوضي البصري المتوفى سنة خمس وعشرين ومائتين، قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج الواسطي (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الملك) زاد أبو ذر، والأصيلي: ابن عمير، بالتصغير، القبطي، قاضي الكوفة بعد الشعبي، المتوفى سنة ست وثلاثين ومائة، وله مائة سنة وثلاث سنين (عن قزعة) بالقاف والزاي والعين المفتوحات، وقد تسكن الزاى، ابن يحيى، ويقال: ابن الأسود البصري، مولى زياد (قال: سمعت أبا سعيد) سعد بن مالك الأنصاري الخدري، (رضي الله عنه، قال): (أربعًا) هي الآتية قريبًا في باب: مسجد بيت المقدس. كما قاله ابن رشيد، وهي: لا تسافر المرأة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم، ولا صوم في يومين: الفطر والأضحى، ولا صلاة بعد صلاتين، بعد: الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب، ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد. (قال: سمعت من النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، قال قزعة: (وكان) أبو سعيد (غزا مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثنتي عشرة غزوة). كذا اقتصر المؤلّف على هذا القدر لقصد الإغماض، لينبّه غير الحافظ على فائدة الحفظ، كما نبّه عليه ابن رشيد. وفي هذا السند: التحديث والإخبار بالإفراد والسماع والقول، وفيه: رواية تابعي عن تابعي عن صحابيّ، وأخرج حديثه المؤلّف في: الصلاة ببيت المقدس، والحج، والصوم. ومسلم في: المناسك، والترمذي في: الصلاة، والنسائي في: الصوم، وابن ماجة فيه، وفي: الصلاة. (ح) للتحويل من سند إلى آخر، كما مر. 1189 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَسْجِدِ الأَقْصَى». قال المؤلّف (حدّثنا) ولأبي ذر، وابن عساكر: وحدّثنا (علي) هو: ابن المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد) بكسر العين هو: ابن المسيب (عن أبي هريرة، رضي الله عنه)، وليس هذان السندان للمتن التالي، لأن حديث أبي سعيد اشتمل على أربعة أشياء، كما مر. ومتن أبي هريرة هذا، اقتصر على شد الرحال فقط، حيث روى (عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (لا تشدّ الرحال) بضم المثناة الفوقية وفتح المعجمة. والرحال بالمهملة، جمع: رحل للبعير، كالسرج للفرس. وهو أصغر من القتب وشده كناية عن السفر، لأنه لازم له. والتعبير بشدها خرج مخرج الغالب في ركوبها للمسافر، فلا فرق بين ركوب الرواحل وغيرها، والمشي في هذا المعنى، ويدل لذلك قوله في بعض طرقه: "إنما يسافر ... " أخرجه مسلم، والنفي هنا بمعنى النهي، أي: لا تشدّ الرحال إلى مسجد للصلاة فيه. (إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام) بمكة بخفض دال المسجد بدل من ثلاثة أو بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هي: المسجد الحرام والتاليان، عطف عليه. والمراد هنا بالمسجد الحرام أرض الحرم كلها، قيل لعطاء، فيما رواه الطيالسي: هذا الفضل في المسجد وحده

أو في الحرم، قال: بل في الحرم؛ لأنه كله مسجد. (ومسجد الرسول) محمد (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بطيبة عبر به دون مسجدى، للتعظيم أو هو من تصرف الرواة. وروى أحمد بإسناد رواته الصحيح، من حديث أنس رفعه: "من صلّى في مسجدي أربعين صلاة لا تفوته صلاة، كتبت له براءة من النار، وبراءة من العذاب، وبراءة من النفاق". (ومسجد الأقصى): بيت المقدس، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة عند الكوفيين، والبصريون يؤولونه بإضمار المكان أي و: مسجد المكان الأقصى. وسمي به لبعده عن مسجد مكة في المسافة، أو لأنه لم يكن وراءه مسجد. وقد بطل بما مر من التقدير: بلا تشد الرحال إلى مسجد للصلاة فيه، المعتضد بحديث أبي سعيد، المروي في مسند أحمد، بإسناد حسن مرفوعًا: لا ينبغى للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة، غير المسجد الحرام، والأقصى ومسجدي. هذا قول ابن تيمية. حيث منع من زيارة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو من أبشع المسائل المنقولة عنه. وقد أجاب عنه المحققون من أصحابه أنه كره اللفظ أدبًا، لا أصل الزيارة، فإنها من أفضل الأعمال، وأجل القرب الموصلة إلى ذي الجلال، وأن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع. اهـ. فشد الرحال للزيارة أو نحوها: كطلب علم ليس إلى المكان، بل إلى من فيه، وقد التبس ذلك على بعضهم، كما قاله المحقق التقي السبكي، فزعم أن شد الرحال إلى الزيارة في غير الثلاثة داخل في المنع، وهو خطأ، لأن الاستثناء كما مر إنما يكون من جنس المستثنى منه، كما إذا قلت ما رأيت إلا زيدًا كان تقديره: ما رأيت رجلاً واحدًا إلا زيدًا، لا، ما رأيت شيئًا أو حيوانًا إلا زيدًا. وقد استدلّ بالحديث على أن من نذر إتيان أحد هذه المساجد، لزمه ذلك. وبه قال مالك، وأحمد والشافعي في البويطي، واختاره، أبو إسحاق المروزي. وقال أبو حنيفة: لا يجب مطلقًا. وقال الشافعي في الأم: يجب في المسجد الحرام لتعلق النسك به، بخلاف المسجدين الآخرين. وهذا هو المنصوص لأصحابه. واستدلّ به أيضًا على أن من نذر إتيان غير هذه الثلاثة، لصلاة أو غيرها لا يلزمه، لأنه لا فضل لبعضها على بعض، فتكفي صلاته في أي مسجد كان. قال النووي: لا اختلاف فيه إلا ما روي عن الليث أنه قال: يجب الوفاء به، وعن الحنابلة رواية: أنه يلزمه كفارة يمين، ولا ينعقد نذره. وعن المالكية رواية: أنه إن تعلقت به عبادة تختص به كرباط. وإلاّ فلا. وذكر عن محمد بن مسلمة، أنه يلزم في مسجد قباء لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يأتيه كل سبت. فإن قلت: ما المطابقة بين الترجمة والحديث. أجيب: بأنه من التعبير بالرحلة إلى المساجد، لأن المراد بالرحلة إليها، قصد الصلاة فيها لأن لفظ: المساجد، يشعر بالصلاة. وفي هذا السند الثاني: التحديث والعنعنة والقول، ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي. وأخرج حديثه هذا: مسلم وأبو داود في الحج، والنسائي في الصلاة. 1190 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ رَبَاحٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) إمام الأئمة الأصبحي (عن زيد بن رباح) بفتح الراء وتخفيف الموحدة وبالحاء المهملة المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة (وعبيد الله) بالتصغير والخفض، عطفًا على سابقه (ابن أبي عبد الله الأغر) كلاهما (عن أبي عبد الله) سلمان (الأغر) بفتح الهمزة والغين المعجمة وتشديد الراء، المدني، شيخ الزهري (عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي) ولأبوي: ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: صلاة)، فرضًا أو نفلاً (في مسجدي هذا خير) من جهة الثواب (من ألف صلاة) تصلّى (فيما سواه) من المساجد (إلا المسجد الحرام) أي: فإن الصلاة فيه خير من الصلاة في مسجده. ويدل له حديث أحمد، وصححه ابن حبان من طريق عطاء عن عبد الله بن الزبير، رفعه: وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا. وعند البزار، وقال: إسناده حسن، والطبراني، من حديث أبي الدرداء، رفعه: الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة. وأوّله المالكية، ومن وافقهم، بأن الصلاة في مسجدي تفضله بدون الألف. قال ابن عبد البر: لفظ دون يشمل الواحد،

2 - باب مسجد قباء

فيلزم أن تكون الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في مسجد مكة بتسعمائة وتسع وتسعين صلاة. وأوّله بعضهم على التساوي بين المسجدين ورجحه ابن بطال معللاً: بأنه لو كان مسجد مكة فاضلاً أو مفضولاً لم يعلم مقدار ذلك إلا بدليل، بخلاف المساواة. وأجيب: بأن دليله قوله في حديث أحمد وابن حبان السابق: وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا. وكأنه لم يقف عليه، وهذا التضعيف يرجع إلى الثواب كما مر. ولا يتعدى إلا جزاء بالاتفاق، كما نقله النووي وغيره. وعليه يحمل قول أبي بكر النقاش المفسر في تفسيره: حسبت الصلاة في المسجد الحرام، فبلغت صلاة واحدة بالمسجد الحرام خمس وخمسين سنة وستة أشهر وعشرين ليلة. وهذا مع قطع النظر عن التضعيف بالجماعة، فإنها تزيد سبعًا وعشرين درجة، كما مر. قال البدر بن الصاحب الأثاري: إن كل صلاة بالمسجد الحرام فرادى بمائة صلاة، وكل صلاة فيه جماعة بألفي ألف صلاة وسبعمائة ألف صلاة، والصلوات الخمس فيه بثلاثة عشر ألف ألف وخمسمائة ألف صلاة، وصلاة الرجل منفردًا في وطنه غير المسجدين العظمين كل مائة سنة شمسية بمائة ألف وثمانين ألف صلاة، وكل ألف سنة بالف ألف صلاة وثمانمائة ألف صلاة، فتلخص من هذا أن صلاة واحدة في المسجد الحرام جماعة، يفضل ثوابها على ثواب من صلّى في بلده فرادى، حتى بلغ عمر نوح بنحو الضعف. اهـ. لكن هل يجتمع التضعيفان أو لا؟ محل بحث. وهل يدخل في التضعيف ما زيد في المسجد النبوي في زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم؟ أم لا:؟ إن غلبنا اسم الإشارة في قوله: مسجدي هذا انحصر التضعيف فيه ولم يعم ما زيد فيه، لأن التضعيف إنما ورد في مسجده وقد أكده يقوله: هذا. وقد صرح بذلك النووي، بخلاف المسجد الحرام، فإنه يعم الحرم كله كما مر. واستنبط منه تفضيل مكة على المدينة، لأن الأمكنة تشرف بفضل العبادة فيها على غيرها مما تكون العبادة فيه مرجوحة، وهو قول الجمهور. وحكي عن مالك، وابن وهب، ومطرف، وابن حبيب، من أصحابه: لكن المشهور عن مالك وأكثر أصحابه تفضيل المدينة. وقد رجع عن هذا القول أكثر المنصفين من المالكية. واستثنى القاضي عياض البقعة التي دفن فيها النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فحكى الاتفاق على أنها أفضل بقاع الأرض. بل قال ابن عقيل الحنبلي: إنها أفضل من العرش. ورواة هذا الحديث الستة مدنيون، إلا شيخ المؤلّف فأصله من دمشق وهو من أفراده، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم في: المناسك، والترمذي وابن ماجة في: الصلاة، النسائي في: الحج. 2 - باب مَسْجِدِ قُبَاءٍ فضل (مسجد قباء) بضم القاف ممدودًا. وقد يقصر ويذكر على أنه اسم موضع، فيصرف ويؤنث على أنه اسم بقعة. وبينه وبين المدينة ثلاثة أميال، أو ميلان. وهو أولّ مسجد أسسه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمسجد المؤسس على التقوى في قول جماعة من السلف، منهم ابن عباس، وهو مسجد بني عمرو بن عوف. وسمي باسم بئر هناك، وفي وسطه مبرك ناقته، عليه الصلاة والسلام، وفي صحنه، مما يلي القبلة، شبه محراب هو أوّل موضع ركع فيه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثَمَّ. 1191 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانَ لاَ يُصَلِّي مِنَ الضُّحَى إِلاَّ فِي يَوْمَيْنِ. يَوْمَ يَقْدَمُ بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ كَانَ يَقْدَمُهَا ضُحًى فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ، وَيَوْمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَرِهَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ. قَالَ: وَكَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَزُورُهُ رَاكِبًا وَمَاشِيًا". [الحديث 1191 - أطرافه في: 1193، 1194، 7326]. وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) بن كثير، زاد الهروي، هو الدورقي، نسبة إلى لبس القلانس الدورقية، قال: (حدّثنا ابن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد المثناة التحتية، إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، وعلية أمه، قال: (أخبرنا أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر: (أن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، كان لا يصلّي من الضحى) أي: في الضحى، أو: من جهة الضحى (إلا في يومين: يوم يقدم بمكة) بجر يوم، بدلاً من يومين، أو بالرفع، خبر مبتدأ محذوف. أي: أحدهما يوم. وللهروي والأصيلي: يوم، كاللاحق بالنصب على الظرفية، ودال: يقدم مفتوحة. وقال العيني: مضمومة، وبمكة، بموحدة، ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: مكة بحذفها. (فإنه) أي ابن عمر (كان يقدمها) أي مكة (ضحى) أي: في ضحوة النهار، (فيطوف بالبيت) الحرام (ثم يصلّى ركعتين) سنة الطواف (خلف المقام ويوم) عطف على يوم

3 - باب من أتى مسجد قباء كل سبت

السابق فيعرب إعرابه (يأتي مسجد قباء، فإنه كان يأتيه كل سبت. فإذا دخل المسجد كره أن يخرج منه حتى يصلّي فيه) ابتغاء الثواب. روى النسائي حديث سهل بن حنيف مرفوعًا: "من خرج حتى يأتي قباء فيصلّي فيه، كان له عدل عمرة". وعند الترمذي، من حديث أسيد بن حضير، رفعه: "الصلاة في مسجد قباء كعمرة". وعند ابن أبي شيبة، في أخبار المدينة بإسناد صحيح، عن سعد بن أبي وقاص قال: لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين، أحب إلي من أن آتي بيت المقدس مرتين، لو يعلمون ما في قباء لضربوا إليه أكباد الإبل. وفيه: فضل مسجد قباء والصلاة فيه، لكن لم يثبت فيه تضعيف كالمساجد الثلاثة. (قال) نافع (وكان) ابن عمر (يحدث: أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يزوره) أي مسجد قباء، أي: يوم السبت. كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى في الباب اللاحق، حال كونه (راكبًا وماشيًا). 1192 - قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ "إِنَّمَا أَصْنَعُ كَمَا رَأَيْتُ أَصْحَابِي يَصْنَعُونَ، وَلاَ أَمْنَعُ أَحَدًا أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَىِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَتَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا". (قال وكان) أي: ابن عمر، ولأبي ذر" وماشيًا". وكان (يقول) أي: لنافع (إنما أصنع كما رأيت أصحاب يصنعون، ولا أمنع أحدًا أن يصلّي) بفتح الهمزة أي: لا أمنع أحدًا الصلاة، وللهروي والأصيلي. وأبي الوقت: إن صلّى بكسر الهمزة، وفي نسخة: أن يصلّي (في أي ساعة شاء من ليل أو نهار، غير أن لا تتحروا) أي: لا تقصدوا (طلوع الشمس ولا غروبها) فتصلوا في وقتيهما. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين: بصري ومدني وكوفي، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: الصلاة، ومسلم في: الحج وأبو داود. 3 - باب مَنْ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ (باب من أتى مسجد قباء كل سبت). 1193 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَفْعَلُهُ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (موسى بن إسماعيل) المنقري، بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف، التبوذكي بفتح المثناة الفوقية وضم الموحدة وفتح المعجمة (قال: حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي بفتح القاف وسكون المهملة مخففًا، البصري (عن عبد الله بن دينار) العدوي المدني، مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، قال): (كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يأتي مسجد قباء كل سبت) حال كونه (ماشيًا) تارة (وراكعًا) أخرى. وأطلق في السابقة إتيانه عليه الصلاة والسلام مسجد قباء من غير تقييد بيوم، وقيده هنا، فيحمل المطلق على هذا المقيد، لأنه قيد في السابقة في الموقوف، بخلاف المرفوع. وخص السبت لأجل مواصلته لأهل قباء وتفقد حال من تأخر منهم عن حضور الجمعة معه في مسجده بالمدينة. (وكان عبد الله) بن عمر (رضي الله عنه) وللأصيلي والهروي: وكان ابن عمر رضي الله عنهما (يفعله) أي الإتيان يوم السبت كما مر. 4 - باب إِتْيَانِ مَسْجِدِ قُبَاءٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا (باب إتيان مسجد قباء راكبًا وماشيًا). 1194 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْتِي قُبَاءً رَاكِبًا وَمَاشِيًا" زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ "حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال حدّثنا يحيى) زاد الأصيلي: ابن سعيد، أي: القطان (عن عبيد الله) بالتصغير، ابن عمر العمري (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأتي قباء) وللهروي، والأصيلي، وابن عساكر: مسجد قباء (راكبًا) تارة (وماشيًا) أخرى بحسب ما يتيسر. والواو، بمعنى: أو. واستدلّ به ابن حبيب، من المالكية، كما نقله العيني: على أن المدني إذا نذر الصلاة في مسجد قباء لزمه ذلك، وحكاه عن ابن عباس. (زاد ابن نمير) بضم النون وفتح الميم، عبد الله، مما وصله مسلم، وأبو يعلى: فقال: (حدّثنا عبيد الله) بالتصغير (عن نافع) أي عن ابن عمر. (فيصلّي فيه) أي: في مسجد قباء (ركعتين) ادعى الطحاوي أن هذه الزيادة مدرجة قالها أحد الرواة من عنده، لعلمه أنه عليه السلام كان من عادته أنه لا يجلس حتى يصلّي. واستدلّ به على أن صلاة النهار. كصلاة الليل، ركعتين. وعورض بحديث سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن أبيه، عن جدّه رفعه، "من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم غدا إلى مسجد قباء، لا يريد غيره، ولا يحمله على الغدوّ إلا الصلاة في مسجد قباء، فصلّى فيه أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة بأم القرآن، كان له أجر المعتمر إلى بيت الله". رواه الطبراني، لكن فيه يزيد بن عبد الملك النوفلي، وهو ضعيف. ولما ذكر المؤلّف

5 - باب فضل ما بين القبر والمنبر

فضل الصلاة في المسجد الشريف النبوي المدني، شرع ينبه على أن بعض بقاعه أفضل من بعض فقال: 5 - باب فَضْلِ مَا بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ (باب فضل ما بين القبر) الشريف (والمنبر) المنيف. 1195 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي، قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن عبد الله بن أبي بكر) الأنصاري (عن عباد بن تميم) بفتح العين وتشديد الموحدة، ابن زيد بن عاصم الأنصاري (عن) عمه (عبد الله بن زيد المازني) بكسر الزاي بعدها نون، الأنصاري (رضي الله عنه، أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (ما بين بيتي ومنبري) الموصول: مبتدأ خبره قوله: (روضة من رياض الجنة) منقولة منها كالحجر الأسود، أو: تنقل بعينها إليها كالجذع حنَّ إليه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو: توصل الملازم للطاعات فيها إليها. فهو مجاز باعتبار المآل، كقوله: الجنة تحت ظلال السيوف، أي: الجهاد مآله الجنة. فهذه البقعة المقدسة روضة من رياض الجنة الآن وتعود إليها. ويكون للعامل فيها روضة بالجنة. والمراد بالبيت: قبره أو مسكنه، ولا تفاوت بينهما، لأن قبره في حجرته، وهي بيته. ويأتي مزيد لذلك في أواخر فضل المدينة إن شاء الله بعونه وقوّته. ورواة هذا الحديث مدنيون إلا شيخ المؤلّف وهو من أفراده. وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة وأخرجه مسلم في: المناسك، والنسائي: فيه وفي الصلاة. 1196 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي». [الحديث 1196 - أطرافه في: 1888، 6588، 7335]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (عن يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بالتصغير، زاد الأصيلي والهروي: ابن عمر، أي: العمري (قال: حدّثني) بالإفراد (خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة وسكون المثناة التحتية آخره موحدة (عن حفص بن عاصم) أي: ابن عمر بن الخطاب، (عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي) ولأبي ذر، مما صح عند اليونينية أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)، لم يثبت خبر عن بقعة أنها من الجنة بخصوصها إلا هذه البقعة المقدّسة. (ومنبري) هذا بعينه (على حوضي) نهر الكوثر الكائن داخل الجنة، لا حوضه الذي خارجها بجانبها، المستمد من الكوثر، يعيده الله فيضعه عليه، أو: أن له هناك منبرًا على حوضه يدعو الناس عليه إليه. وعند النسائي: ومنبري على ترعة من ترع الجنة. ووقع في رواية أبي ذر الهروي سقوط: ومنبري على حوضي. ورواة الحديث مدنيون إلا شيخه فبصري من أفراده، وفيه: التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في أواخر: الحج وفي: الحوض والاعتصام، ومسلم في: الحج. 6 - باب مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ (باب) فضل (مسجد بيت المقدس) بفتح الميم وسكون القاف وكسر الدال، وبفتح القاف بعد ضم الميم مع تشديد الدال. والقدس: بغير ميم مع ضم القاف وسكون الدال وبضمها، وله عدة أسماء تقرب من العشرين منها إيلياء بالمد والقصر وبحذف الياء الأولى. 1197 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ سَمِعْتُ قَزَعَةَ مَوْلَى زِيَادٍ قَالَ: "سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- يُحَدِّثُ بِأَرْبَعٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْجَبْنَنِي وَآنَقْنَنِي قَالَ: لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إِلاَّ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ. وَلاَ صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ: الْفِطْرِ وَالأَضْحَى. وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ صَلاَتَيْنِ: بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ. وَلاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَمَسْجِدِي". وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي، قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك) بن عمير (قال: سمعت قزعة) بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحة (مولى زياد) بالزاي وتخفيف المثناة التحتية (قال): (سمعت أبا سعيد الخدري، رضي الله عنه، يحدث بأربع عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كلها حكم (فأعجبنني) الأربع، وهي بسكون الموحدة بصيغة الجمع للمؤنث (وآنقنني) بهمزة ممدودة ثم نون مفتوحة ثم قاف ساكنة بعدها نونان، أي: أفرحنني وأسررنني. إحداها (قال لا تسافر المرأة يومين إلا معها زوجها). ولأبوي ذر والوقت: إلا ومعها بالواو (أو: ذو محرم) وهو من النساء من حرم نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها، فاحترز بقوله: على التأبيد، من: أخت المرأة. وبقوله: بسبب مباح، من: أم الموطوءة بشبهة، لأن وطء الشبهة لا يوصف بالإباحة وبحرمتها من الملاعنة، فإن تحريمها ليس لحرمتها بل عقوبة وتغليظًا. (و) الثانية (لا صوم في يومين) يوم عيد (الفطر) ليحصل الفصل بين الصوم والفطر (والأضحى) لأن فيه دعوة الله التي دعا عباده إليها من تضييفه وإكرامه لأهل مِنًى وغيرهم لما شرع لهم من ذبح النسك

21 - أبواب العمل في الصلاة

والأكل منها، والإجماع على تحريم صومهما، لكن مذهب أبي حنيفة: لو نذر صوم يوم النحر أفطر وقضى يومًا مكانه. (و) الثالثة (لا صلاة بعد صلاتين بعد) صلاة (الصبح حتى تطلع الشمس وبعد) صلاة (العصر حتى تغرب) الشمس. (و) الرابعة (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) الاستثناء مفرّغ والتقدير: لا تشد الرحال إلى موضع، ولازمه منع السفر إلى كل موضع غيرها، كزيارة صالح أو قريب أو صاحب، أو طلب علم أو تجارة، أو نزعة. لأن المستثنى منه في المفرغ يقدر بأعم العام. لكن المراد بالعموم هنا الموضع المخصوص، وهو المسجد كما تقدم تقديره: (مسجد الحرام) بمكة (ومسجد) المكان (الأقصى) الأبعد عن المسجد الحرام في المسافة، أو عن الأقذار والخبث، وهو: مسجد بيت المقدس. وقد روى ابن ماجة حديث أنس مرفوعًا: "وصلاة في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة". وعند الطبراني عن أبي الدرداء، رفعه أيضًا: "والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة". وعند النسائي وابن ماجة، عن ابن عمر: أن سليمان بن داود، لما فرغ من بناء بيت المقدس، سأل الله تعالى: أن لا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. الحديث. (ومسجدي) بطيبة. واختصاص هذه الثلاثة بالأفضلية لأن الأول فيه: حج الناس وقبلتهم أحياء وأمواتًا، والثاني: قبلة الأمم السالفة، والثالث: أسس على التقوى وبناه خير البرية، زاده الله شرفًا. والأفضلية بينهم بالترتيب المذكور في الحديث الأول، من الباب الأول، واختلف في: شد الرحال إلى غيرها، كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتًا، وإلى المواضع الفاضلة للصلاة فيها، والتبرك بها. فقال أبو محمد الجويني: يحرم عملاً بظاهر هذا الحديث؛ واختاره القاضي حسين، وقال به القاضي عياض وطائفة. والصحيح عند إمام الحرمين، وغيره من الشافعية، الجواز، وخصوا النهي بمن نذر الصلاة في غير الثلاثة، وأما قصد غيرها لغير ذلك، كالزيارة فلا يدخل في النهي. وخص بعضهم النهي فيما حكاه الخطابي بالاعتكاف في غير الثلاثة، لكن قال في الفتح: ولم أر عليه دليلاً. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين: بصري وواسطي وكوفي، وفيه: التحديث والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه المؤلّف في: الصوم. بسم الله الرحمن الرحيم 21 - أبواب العمل في الصلاة (بسم الله الرحمن الرحيم) كذا ثبتت البسملة في غير رواية أبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر (أبواب) حكم (العمل في الصلاة) كذا في نسخة الصاغاني، مع إثبات البسملة. 1 - باب اسْتِعَانَةِ الْيَدِ فِي الصَّلاَةِ إِذَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الصَّلاَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: يَسْتَعِينُ الرَّجُلُ فِي صَلاَتِهِ مِنْ جَسَدِهِ بِمَا شَاءَ. وَوَضَعَ أَبُو إِسْحَاقَ قَلَنْسُوَتَهُ فِي الصَّلاَةِ وَرَفَعَهَا. وَوَضَعَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- كَفَّهُ عَلَى رُصْغِهِ الأَيْسَرِ. إِلاَّ أَنْ يَحُكَّ جِلْدًا أَوْ يُصْلِحَ ثَوْبًا. (باب) حكم (استعانة اليد) أي: وضعها على شيء (في الصلاة إذا كان) ذلك (من أمر الصلاة) احترز به عما يصدر عن قصد العبث فإنه مكروه. (وقال ابن عباس، رضي الله عنهما: يستعين الرجل في صلاته من جسده بما شاء) كيده إذا كان من أمر الصلاة، مثل: تحويله، عليه السلام، ابن عباس إلى جهة يمينه في الصلاة الآتي في الحديث التالي، وإذا جازت الاستعانة بها للصلاة فكذا بما شاء من جسده قياسًا عليها. (ووضع أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي التابعي المتوفى سنة عشرين ومائة، وله من العمر ست وتسعون سنة (قلنسوته) بفتح القاف واللام وسكون النون وضم المهملة، بيده حال كونه (في الصلاة، ورفعها) بها كذا بالواو وللنسفي، وأبي ذر والأصيلي: وفي رواية القابسي: أو رفعها على الشك. (ووضع علي) هو ابن أبي طالب (رضي الله عنه كفه) الأيمن (على رصغه الأيسر) أي: في الصلاة والرصغ بالصاد، لغة في الرسغ بالسين، وهي أفصح من الصاد، وهو المفصل بين الساعد والكف (إلا أن يحك) أي: علي (جلدًا، أو يصلح ثوبًا) كذا أخرجه في السفينة الجرائدية بتمامه، لكن قال: إذا قام إلى الصلاة ضرب، بدل قوله: وضع. وزاد: فلا يزال كذلك حتى يركع. وكذا أخرجه ابن أبي شيبة، من هذا الوجه، لكن بلفظ: إلا أن يصلح ثوبه، أو يحك جسده. وليس هذا الاستثناء من بقية ترجمة الباب، كما توهمه الإسماعيلي وتبعه ابن رشيد، ونقله مغلطاي

2 - باب ما ينهى عنه من الكلام في الصلاة

في شرحه عن أولهما، ويدخل في الاستعانة التعلق بالحبل، والاعتماد على العصا، ونحوهما. 1198 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ "أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها-وَهْيَ خَالَتُهُ- قَالَ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ؛ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسَ فَمَسَحَ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ آيَاتٍ خَوَاتِيمَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي، وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا بِيَدِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ، فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن مخرمة) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة (ابن سليمان) بضم السين وفتح اللام، الوالبي (عن كريب) مصغرًا (مولى ابن عباس أنه أخبره) أي أن كريبًا أخبر مخرمة (عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما أنه بات) ليلة (عند ميمونة) الهلالية (أم المؤمين، رضي الله عنها -وهي خالته- قال فاضطجعت على) وفي نسخة: في (عرض الوسادة) بفتح العين على المشهور (واضطجع رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأهله) زوجته ميمونة (في طولها) أي: طول الوسادة (فنام رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حتى انتصف الليل أو قبله) أي: قبل انتصافه (بقليل أو بعده) أي: بعد انتصافه (بقليل، ثم استيقظ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فجلس، فمسح النوم عن وجهه بيده) بالإفراد ولأبوي: ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: بيديه. أي: مسح بهما عينيه، من باب إطلاق الحال، وهو النوم على المحل وهو العين إذ النوم لا يمسح، (ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام (العشر آيات) بإسقاط: أل، ولأبوي: ذر، والوقت، والأصيلي: الآيات (خواتيم) بالمثناة التحتية بعد الفوقية، ولهم ولابن عساكر: خواتم بإسقاط التحتية (سورة آل عمران) {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190] إلى آخر السورة (ثم قام) عليه الصلاة والسلام (إلى شن) بفتح المعجمة قربة خلقة (معلقة، فتوضأ منها فأحسن وضوءه) بأن أتى به وبمندوباته (ثم قام يصلّي). (قال عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما: فقمت فصنعت مثل ما صنع) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من قراءة العشر الآيات والوضوء (ثم ذهبت، فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى) حال كونه (يفتلها) بكسر المثناة أي: يدلكها (بيده) لينبهه من غفلة أدب الائتمام، وهو القيام على يمين الإمام إذا كان الإمام وحده أو ليؤنسه، لكون ذلك كان ليلاً. وفي الرواية السابقة، في باب: التخفيف في الوضوء: فحولني فجعلني عن يمينه. وقد استنبط المؤلّف من هذا استعانة المصلي بما يتقوى به على صلاته، فإنه إذا جاز للمصلي أن يستعين بيده في صلاته فيما يختص بغيره فاستعانته بها في أمر نفسه ليتقوى بذلك على صلاته، وينشط لها إذا احتاج أولى. (فصلّى) عليه الصلاة والسلام (ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين) الجملة: ثنتا عشرة ركعة (ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن، فقام فصلّى ركعتين خفيفتين) سنة الصبح، ولم يتوضأ، لأن: عينيه تنامان ولا ينام قلبه: فلا ينتقض وضوؤه (ثم خرج) عليه الصلاة والسلام إلى المسجد (فصلّى الصبح) فيه. ورواة هذا الحديث الخمسة: مدنيون، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في اثني عشر موضعًا. 2 - باب مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنَ الْكَلاَمِ فِي الصَّلاَةِ (باب ما ينهى من الكلام) وللأصيلي: ما ينهى عنه من الكلام (في الصلاة) وبه قال: 1199 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ قال حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا. فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا وَقَالَ: إِنَّ فِي الصَّلاَةِ شُغْلاً ". [الحديث 1199 - طرفاه في: 1216]. (حدّثنا ابن نمير) بضم النون وفتح الميم، محمد بن عبد الله، ونسبه لجده لشهرته به الهمذاني الكوفي (قال: حدّثنا ابن فضيل) بضم الفاء وفتح المعجمة، محمد الضبي الكوفي (قال، حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه، أنه قال): (كنا نسلم على النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو في الصلاة، فيرد علينا) السلام وفي رواية أبي وائل: ويأمر بحاجتنا (فلما رجعنا من عند النجاشي) بفتح النون، وقيل بكسرها، ملك الحبشة إلى مكة من الهجرة الأولى، أو: إلى المدينة من الهجرة الثانية، وكان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حينئذ يتجهز لغزوة بدر. (سلمنا عليه فلم يرد علينا) أي باللفظ. فقد روى ابن أبي شيبة، من مرسل ابن سيرين: أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، رد على ابن مسعود في هذه القصة السلام، بالإشارة. وزاد مسلم، في رواية ابن فضيل: قلنا: يا رسول الله، كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا ... الحديث. (وقال) عليه الصلاة والسلام، لما فرغ من الصلاة: (إن في

الصلاة شغلاً) عظيمًا، لأنها مناجاة مع الله تعالى تستدعي الاستغراق في خدمته، فلا يصلح فيها الاشتغال بغيره، أو التنوين للتنويع أي: كقراءة القرآن، والذكر والدعاء. وزاد في رواية أبي وائل، أيضًا: إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن الله تعالى قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة. وزاد في رواية كلثوم الخزاعى: إلا بذكر الله. وفي رواية أبي ذر، كما في الفرع، وعزاه في الفتح لأحمد عن ابن فضيل: لشغلاً، بزيادة لام التأكيد. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال (حدّثنا ابن نمير) محمد بن عبد الله قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) زاد الهروي والأصيلي: السلولي، بفتح المهملة وضم اللام الأولى نسبة إلى: سلول، قبيلة من هوازن، قال: (حدّثنا هريم بن سفيان) بضم الهاء وفتح الراء، الجبلي الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن علقمة، عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله منه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه) أي نحو طريق محمد بن فضيل، عن الأعمش الخ. ورجال الحديث من الطريقين كلهم كوفيون. 1200 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ "إِنْ كُنَّا لَنَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ بِحَاجَتِهِ، حَتَّى نَزَلَتْ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} الآيَةَ، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ". [الحديث 1200 - طرفه في: 4534]. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد بن زاذان التميمي الفراء، قال: (أخبرنا عيسى) زاد الهروي، والأصيلي، وابن عساكر: هو ابن يونس (عن إسماعيل) بن أبي خالد بن سعد الأحمسي البجلي (عن الحارث بن شبيل) بضم الشين المعجمة وفتح الموحدة آخره لام بعد المثناة التحتية الساكنة، الأحمسي (عن أبي عمرو) بفتح العين، سعد بن أبي أياس (الشيباني) بفتح المعجمة الكوفي (قال: قال لي زيد بن أرقم) بفتح الهمزة والقاف، الأنصاري الخزرجي، وليس للشيباني عن ابن أرقم غير هذا الحديث. (إن كنا لنتكلم) بتخفيف النون بعد الهمزة المكسورة، ولام التأكيد (في الصلاة على عهد النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يكلم أحدنا صاحبه بحاجته) وفي لفظ: ويسلم بعضنا على بعض في الصلاة (حتى) أي: إلى أن (نزلت {حافظوا}) أي: داوموا ({على الصلوات} اللآية) ولأبوي ذر والوقت، (على الصلوات والصلاة الوسطى أي: العصر، وعليه الأكثرون {وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] أي ساكنين لأن لفظ الراوي يشعر به، فحمله عليه أولى وأرجح، لأن المشاهد للوحي والتنزيل يعلم سبب النزول. وقال أهل التفسير: خاشعين ذليلين بين يديه، وحينئذ فالكلام مناف للخشوع إلا ما كان من أمر الصلاة، وللأصيلي: والصلاة الوسطى. الآية. (فأمرنا بالسكوت) بضم الهمزة أي: عما كنا نفعله من ذلك، وزاد مسلم، ونهينا عن الكلام، وليس المراد مطلقًا، فإن الصلاة ليس فيها حالة سكوت حقيقية. واستدلّ بهذه الآية على أن الأمر بشيء ليس نهيًا عن ضده، إذ لو كان كذلك لم يحتج إلى قوله: ونهينا عن الكلام. وأجيب: بأن دلالته على ذلك دلالة التزام، ومن ثم وقع الخلاف، فلعله ذكر لكونه أصرح. وقال ابن دقيق العيد قوله: ونهينا عن الكلام، يقتضي أن كل شيء يسمى كلامًا فهو منهي عنه، حملاً للفظ على عمومه، ويحتمل أن تكون اللام للعهد الراجع إلى قوله: يكلم الرجل منا صاحبه بحاجته، وظاهر هذا أن نسخ الكلام في الصلاة وقع في المدينة لأن الآية مدنية باتفاق. فتعين أن المراد بقوله: فلما رجعنا من عند النجاشي في الهجرة الثانية، ولم يكونوا يجمعون بمكة إلا نادرًا. والذي تقرر: أن الصلاة تبطل بالنطق عمدًا من غير: القرآن، والذكر، والدعاء بحرفين أفهما، أو لا نحو: قم وعن، أو حرف مفهم نحو: ق، من الوقاية. وكذا مدة بعد حرف، لأنها ألف، أو واو، أو: ياء لحديث مسلم: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس". والكلام يقع على المفهم وغيره الذي هو حرفان، وتخصيصه بالمفهم اصطلاح النحاة، واختلف في الناسي ومن سبق لسانه، فلا يبطلها قليل كلامهما، عند الشافعية، والمالكية، وأحمد والجمهور، خلافًا للحنفية مطلقًا. لنا حديث ذي اليدين، وكذا الجاهل للتحريم إن قرب عهده بالإسلام بخلاف بعيد العهد به، لتقصيره بترك التعلم، وهذا بخلاف الكثير، فإنه مبطل. ويعذر في التنحنح، وإن ظهر به حرفان للغلبة، وتعذر قراءة الفاتحة لا الجهر، لأنه سنة لا ضرورة إلى التنحنح له، ولو أكره على الكلام بطلت لندرة الإكراه، ولا تبطل بالذكر والدعاء العاري عن المخاطبة، فلو خاطب كقوله

3 - باب ما يجوز من التسبيح والحمد في الصلاة للرجال

لعاطس: رحمك الله، بطلت بخلاف: رحمه الله، بالهاء. ولو تكلم بنظم القرآن قاصدًا التفهيم: كيا يحيى خذ الكتاب، مفهمًا به من يستأذن في أخذ شيء أن يأخذه، إن قصد معه القراءة لم تبطل، فإن قصد التفهيم فقط بطلت. وإن لم يقصد شيئًا ففي التحقيق الجزم بالبطلان. وقوله: إن كنا لنتكلم، حكمه حكم المرفوع. وكذا قوله: أمرنا، لقوله فيه: على عهد النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حتى ولو لم يقيد بذلك لكان ذكر نزول الآية كافيًا في كونه مرفوعًا. ورواة هذا الحديث الستة كوفيون إلا شيخ المؤلّف فرازي، وفيه، التحديث والأخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: التفسير، وأخرجه مسلم في: الصلاة، وكذا أبو داود، وأخرجه الترمذي فيها وفي: التفسير. 3 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ فِي الصَّلاَةِ لِلرِّجَالِ (باب ما يجوز من التسبيح والحمد في) أثناء (الصلاة للرجال) إذا نابهم فيها شيء، كتنبيه إمام على سهو، وإذن لمستاذن في الدخول، وإنذار أعمى أن يقع في بئر ونحوها. وقيد بالرجل ليخرج النساء. وأتى بالحمد بعد التسبيح تنبيهًا على أن الحمد يقوم مقام التسبيح، لأن الغرض التنبيه على عروض أمر لا مجرد التسبيح والتحميد. 1201 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصْلِحُ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَحَانَتِ الصَّلاَةُ، فَجَاءَ بِلاَلٌ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنهما- فَقَالَ: حُبِسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَؤُمُّ النَّاسَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنْ شِئْتُمْ. فَأَقَامَ بِلاَلٌ الصَّلاَةَ، فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- فَصَلَّى، فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ يَشُقُّهَا شَقًّا حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِالتَّصْفِيحِ -قَالَ سَهْلٌ: هَلْ تَدْرُونَ مَا التَّصْفِيحُ؟ هُوَ التَّصْفِيقُ- وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- لاَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاَتِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا الْتَفَتَ، فَإِذَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الصَّفِّ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ: مَكَانَكَ. فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ، وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم، واللام، ابن قعنب، قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم) بالمهملة والزاي، واسمه سلمة (عن أبيه) سلمة بن دينار (عن سهل) بفتح المهملة وإسكان الهاء (رضي الله عنه) زاد الأصلي، والهروي: ابن سعد، بسكون العين (قال): (خرج النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،) حال كونه (يصلح بين بني عمرو بن عوف) بسكون الميم، زاد الأصيلي والهروي أيضًا: ابن الحرث (وحانت الصلاة) أي: حضرت (فجاء بلال) المؤذن (أبا بكر) الصدّيق (رضي الله عنهما، فقال: حبس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: تأخر في بني عمرو (فتؤم الناس) بحذف همزة الاستفهام (قال) أبو بكر: (نعم) أؤمهم (إن شئتم) فيه: أنه لا يؤم جماعة إلا برضاهم، وإن كان أفضلهم. (فأقام بلال الصلاة، فتقدم أبو بكر رضي الله عنه فصلّى) أي: فشرع في الصلاة بالناس (فجاء النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من بني عمرو، حال كونه (يمشي في الصفوف) حال كونه (يشقها شقًّا، حتى قام في الصف الأول، فأخذ الناس بالتصفيح) بالموحدة والحاء المهملة، ولابن عساكر: "فى التصفيح" وهو مأخوذ من صفحتي الكف وضرب إحداهما على الأخرى. (قال سهل) أي: ابن سعد المذكور، ولأبوي ذر والوقت، مما صح عند اليونيني: فقال سهل (هل تدرون ما التصفيح؟) أي: تفسيره (هو التصفيق) بالقاف بدل الحاء. وهذا يؤيد قول الخطابي، وأبي علي القالي، والجوهري، وغيرهم: إنهما المعنى واحد. وفي الإكمال، للقاضي عياض حكاية قول: إنه بالحاء الضرب بظاهر إحدى اليدين على الأخرى، وبالقاف بباطنها على باطن الأخرى، فبطل دعوى ابن حزم نفي الخلاف في أنهما: بمعنى واحد. وقيل: بالحاء الضرب بأصبعين للإنذار والتنبيه، وبالقاف بجميعها للهو واللعب. (وكان أبو بكر، رضي الله عنه، لا يلتفت في صلاته، فلما أكثروا) من التصفيح (التفت فإذا النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في الصف، فأشار) عليه السلام (إليه) رضي الله عنه: (مكانك) أي: الزمه ولا تتغير عما أنت فيه. (فرفع أبو بكر) رضي الله عنه (يديه) بالتثنية للدعاء (فحمد الله) تعالى، حيث رفع الرسول عليه الصلاة والسلام مرتبته بتفويض الإمامة إليه (ثم رجع القهقرى وراءه، وتقدم) بالواو، ولابن عساكر: فتقدم (النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فصلّى) بالناس. فإن قلت: ما وجه مطابقة الحديث للترجمة، فإنه ذكر فيها لفظ التسبيح، وليس هو فيه؟ أجيب: من حيث أنه ذكر هذا الحديث بتمامه في باب: من دخل ليؤم الناس، فجاء الإمام الأول، لأن فيه قوله عليه الصلاة والسلام: "من نابه شيء في صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء". فاكتفي به، لأن الحديث واحد. ولا يقال: علم التسبيح من الحمد بالقياس عليه، لأنا نقول: حمد أبي بكر إنما كان على تأهيل الرسول له للإمامة، كما مر. وقد صرح بذلك، في رواية باب: من دخل ليؤم الناس، ولفظه: فحمد الله على ما أمره به رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من ذلك. فإن قلت:

4 - باب من سمى قوما أو سلم في الصلاة على غيره مواجهة وهو لا يعلم

لِمَ لا يكون المراد من الترجمة جواز التسبيح والحمد مطلقًا في الجملة من غير تقييد بتنبيه، وتحصل المطابقة بين الترجمة وما ساقه من الحديث، ويكون التسبيح مقيسًا على الحمد، والحديث مخصصًا لعموم قوله في الترجمة السابقة، حيث قال: باب ما ينهى من الكلام في الصلاة؟ فالجواب: لعلهم إنما حملوا هذه الترجمة على ما ذكر لقوله بعد، باب: التصفيق للنساء، إذ مقابله التسبيح، وهما كما وقع التصريح به من الشارع عليه الصلاة والسلام لمن نابه شيء في صلاته. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في سبعة مواضع، وترجم في كل منها بما يناسبه. 4 - باب مَنْ سَمَّى قَوْمًا أَوْ سَلَّمَ فِي الصَّلاَةِ عَلَى غَيْرِهِ مُوَاجَهَةً وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ (باب) حكم (من سمى قومًا) في الصلاة (أو سلم في الصلاة على غيره مواجهة) بفتح الجيم والنصب على المصدرية (وهو) أي والحال أن السلم (لا يعلم) حكم ذلك إبطالاً وصحة. هل يكون حكمه حكم العامد، أو حكم الناسي؟ وقد ثبتت لفظة: مواجهة، للحموي والكشميهني، وعزاها في الفتح لكريمة، وسقطت لأبي الوقت، والأصيلي وابن عساكر، وحكى ابن رشيد إسقاط هاء غيره، وإضافة: مواجهة، عن رواية أبي ذر، عن الحموي. وللكرماني حكاية رواية أخرى، وهي على غير مواجهة بلفظ اسم الفاعل المضاف إلى الضمير، وإضافة الغير إليه. 1202 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا نَقُولُ: التَّحِيَّةُ فِي الصَّلاَةِ وَنُسَمِّي وَيُسَلِّمُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ. فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ". وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عيسى) بسكون الميم الضبعي بضم المعجمة قال: (حدّثنا أبو عبد الصمد) زاد الهروي: العمي، بفتح العين المهملة وتشديد الميم، هو (عبد العزيز بن عبد الصمد) البصري، وذكره بكنيته، ثم باسمه، قال: (حدّثنا حصين بن عبد الرحمن) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال): (كنا نقول التحية) بالإفراد، والرفع، مبتدأ خبره (في الصلاة) ويروى: التحية، بالنصب مفعول نقول. واستشكل من حيث أن مقول القول لا بد أن يكون جملة، وقوله: التحية مفرد. وأجيب: بأنه في حكم الجملة، لأنه عبارة عن قولهم: السلام على فلان، كقولهم: قلت قصة، وقلت خبرًا. (ونسمي) أي: نقول السلام على جبريل وميكائيل، كما في حديث: باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد (ويسلم بعضنا على بعض) في حديث باب: ما ينهى من الكلام، السابق قريبًا: كنا نسلم على النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو في الصلاة فيرد علينا، وهو في الصلاة ... الحديث. وكان ابن مسعود قد هاجر إلى الحبشة، وعهده وعهد أصحابه أن الكلام في الصلاة جائز، فوقع النسخ في غيبتهم ولم يبلغهم، فلما قدموا فعلوا العادة في أول صلاة صلوها معه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما سلم نهاهم في المستقبل، وعذرهم لغيبتهم وجهلهم بالحكم، فلم يلزمهم الإعادة. مع أن إمكان العلم كان يتأتى في حقهم بأن يسألوا قبل الصلاة: أحدث أمر أم لا؟ وبهذا إيجاب عن استشكال المطابقة بين الحديث والترجمة. وقال في المصابيح: إنه الجواب الصحيح. (فسمعه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: ما ذكر من تسميتهم وتسليمهم (فقال): (قولوا التحيات) أي: أنواع التعظيم (لله) المتفضل بها (والصلوات): الدعاء، أو الخمس المعروفة وغيرها، أو الرحمة (والطيبات) ما طاب من الكلام وحسن، ومعناه أن التحيات وما بعدها مستحقة لله تعالى، لا تصلح حقيقتها لغيره، (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) أي: السلام الذي وجه إلى الأنبياء المتقدمة، موجه إليك أيها النبي، والسلام الذي وجه إلى الأمم السابقة من الصلحاء علينا وعلى إخواننا. فالتعريف للعهد التقريري، قاله الطيبي، وقيل غير ذلك. وقوله: وعلى عباد الله الصالحين، بعد قوله: السلام علينا، من ذكر الخاص بعد العام. (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله). أمرهم بإفراد السلام عليه بالذكر، لشرفه ومزيد حقه عليهم، وتخصيص أنفسهم. فإن الاعتمام بها أهم، ثم اتبعه بشهادة التوحيد لله، والرسالة لنبيه عليه الصلاة والسلام، لأنه منبع الخيرات وأساس الكمالات. ثم قال: (فإنكم إِنْ فعلتم ذلك) أي قلتم ما ذكر (فقد سلمتم على كل عبد لله صالح) بالجر، صفة لعبد، وما بينهما اعتراض (في السماء والأرض) من ملك أو مؤمن. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وشيخ المؤلّف

5 - باب التصفيق للنساء

من أفراده وأخرجه ابن ماجة في الصلاة. 5 - باب التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ (باب التصفيق للنساء) بإضافة باب لتاليه، ولغير أبي ذر: بالتنوين أي: هذا باب يذكر فيه التصفيق للنساء. 1203 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (التسبيح) بأن يقول من نابه شيء في صلاته، كتنبيه إمامه، وإنذاره أعمى: "سبحان الله" لا يكون إلاّ (للرجال، والتصفيق) بالصاد والقاف، لا يكون إلا اللنساء) إذا نابهن شيء في صلاتهن. وهذا مذهب الجمهور للأمر به في رواية حماد بن زيد، عن أبي حازم في الأحكام بلفظ: فليسبح الرجال ولتصفق النساء. خلافًا لمالك حيث قال: التسبيح للرجال والنساء جميعًا. وأما قوله: والتصفيق للنساء، أي: من شأنهن في غير الصلاة، وهو على جهة الذم له، ولا ينبغي فعله في الصلاة لرجل، ولا امرأة، ورواية حماد السابقة تعارض ذلك، إذ هي نص فيه، وكأن منع المرأة من التسبيح لأنها مأمورة بخفض صوتها مطلقًا لما يخشى من الافتتان. ومن ثم منعت من الأذان مطلقًا، ومن الإقامة للرجال، ومنع الرجال من التصفيق لأنه من شأن النساء. وهذا الحديث أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، في: الصلاة. 1204 - حَدَّثَنَا يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى) قال ابن حجر: هو ابن جعفر أي: البلخي، وجوز الكرماني أن يكون يحيى بن موسى الختي، بفتح الخاء المعجمة وتشديد المثناة الفوقية، لأنهما رويا عن وكيع في الجامع فيما قاله الكلاباذي، قال: (أخبرنا) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: حدّثنا (وكيع عن سفيان) الثوري (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي، سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين (رضي الله عنه، قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (التسبيح للرجال والتصفيح) بالحاء المهملة، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: والتصفيق بالقاف، بأن تضرب بطن اليمنى على ظهر اليسرى (للنساء). فلو ضربت على بطنها، على وجه اللعب، بطلت صلاتها، وإن كان قليلاً لمنافاة اللعب للصلاة. ولو صفق الرجل جاهلاً بذلك، فليس عليه إعادة صلاته، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يأمر من صفق جاهلاً بالإعادة، لأنه عمل يسير لا يفسد الصلاة. كما تقرر. ويأتي في كلام المصنف باب من صفق من الرجال جاهلاً في صلاته لم تفسد صلاته. 6 - باب مَنْ رَجَعَ الْقَهْقَرَى فِي صَلاَتِهِ أَوْ تَقَدَّمَ بِأَمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ رَوَاهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب من رجع القهقري) بفتح القافين بينهما هاء ساكنة، وبفتح الراء أي: مشى إلى خلف من غير أن يعيد وجهه إلى جهة مشيه (في صلاته) ولأبي ذر، مما صح عند اليونيني: في الصلاة (أو تقدم بأمر) أي: لأجل أمر (ينزل به). (رواه) أي: كل واحد من رجوع المصلي القهقرى، وتقدمه لأمر ينزل به، (سهل بن سعد) المذكور آنفًا (عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما رواه المؤلّف في: الصلاة على المنبر والسطوح، من أوائل كتاب الصلاة، بلفظ: "فاستقبل القبلة، وكبر وقام الناس خلفه، فقرأ وركع فركع الناس خلفه، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى، فسجد على الأرض، ثم عاد إلى المنبر، ثم قرأ، ثم ركع، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى حتى سجد بالأرض" الحديث. 1205 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ يُونُسُ قَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ "أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَا هُمْ فِي الْفَجْرِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- يُصَلِّي بِهِمْ، فَفَجَأَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ، وَهُمْ صُفُوفٌ، فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ. فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- عَلَى عَقِبَيْهِ وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلاَةِ، وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلاَتِهِمْ فَرَحًا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ رَأَوْهُ. فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ أَتِمُّوا. ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ. وَتُوُفِّيَ ذَلِكَ الْيَوْمَ". وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، المروزي، قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك، قال: (قال يونس) بن يزيد (قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب: (أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك) رضي الله عنه. (إن المسلمين بينا هم في) صلاة (الفجر يوم الاثنين، وأبو بكر رضي الله عنه يصلّي بهم، ففجأهم) بفتح الجيم، ولأبي ذر: مما صح عند اليونيني: ففجئهم، بكسرها وصوبه وقال ابن التين: كذا وقع في الأصل بالألف، وحقه أن يكتب بالياء، لأن عينه مكسورة: كوطئهم أي: فجأهم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد كشف ستر حجرة عائشة رضي الله عنها)، كذا في أصل الحافظ شرف الدين الدمياطي بخطه، وهو الذي في اليونينية، وقال القطب الحلبي الحافظ: في سماعنا إسقاط لفظة حجرة (فنظر) عليه الصلاة والسلام (إليهم وهم

7 - باب إذا دعت الأم ولدها في الصلاة

صفوف فتبسم يضحك فنكص) بالصاد المهملة، وللحموي والمستملي: فنكس، بالسين المهملة أي: رجع بحيث لم يستدبر القبلة، أي: رجع (أبو بكر رضي الله عنه) إلى وراء (على عقبيه) بالتثنية (وظن أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يريد أن يخرج إلى الصلاة وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم) بأن يخرجوا منها حال كون ذلك (فرحًا) أي: فرحين (بالنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حين رأوه، فأشار بيده أن: أتموا) صلاتكم أي: أشار بالإتمام فأن مصدرية (ثم دخل الحجرة، وأرخى الستر، وتوفي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ذلك اليوم) ولأبي الوقت في غير اليونينية في ذلك اليوم. 7 - باب إِذَا دَعَتِ الأُمُّ وَلَدَهَا فِي الصَّلاَةِ هذا (باب) بالتنوين (إذا دعت الأم ولدها) وهو (في الصلاة) لا يجيبها، فإن أجابها بطلت صلاته على الأصح فيهما. وقيل: تجب وتبطل صلاته، وقيل: تجب ولا تبطل. كذا في البحر للروياني. وقيل: إن كانت فرضًا وضاق وقتها لا يجيب، وإلاّ فيجيب. وقد روي في الوجوب حديث مرسل، رواه ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن المنكدر، عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إذا دعتك أمك في الصلاة فأجبها، وإن دعاك أبوك فلا تجبه، وأول على إجابتها بالتسبيح. وقال ابن حبيب: إن كان في نافلة فليخفف ويسلم ويجبها. 1206 - وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «نَادَتِ امْرَأَةٌ ابْنَهَا وَهْوَ فِي صَوْمَعَةٍ قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلاَتِي. قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، قَالَ اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلاَتِي. قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ، قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلاَتِي. قَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ يَمُوتُ جُرَيْجٌ حَتَّى يَنْظُرَ فِي وَجْهِ الْمَيَامِيسِ. وَكَانَتْ تَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ رَاعِيَةٌ تَرْعَى الْغَنَمَ، فَوَلَدَتْ، فَقِيلَ لَهَا: مِمَّنْ هَذَا الْوَلَدُ؟ قَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ. قَالَ جُرَيْجٌ: أَيْنَ هَذِهِ الَّتِي تَزْعُمُ أَنَّ وَلَدَهَا لِي؟ قَالَ: يَا بَابُوسُ. مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: رَاعِي الْغَنَمِ». [الحديث 1206 - أطرافه في: 2482، 3436، 3466]. (وقال الليث) بن سعد المصري، مما وصله الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي، شيخ المؤلّف عنه مطولاً قال: (حدّثني) بالإفراد (جعفر) ولأبي ذر: مما صح في اليونيني: ابن ربيعة أي: ابن شرحبيل بن حسنة المصري (عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج المدني (قال: قال أبو هريرة، رضي الله عنه، قال رسول الله) وللأصيلي: قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (نادت امرأة ابنها) جريجًا (وهو) أي: والحال أنه (في صومعة) بفتح الصاد المهملة بوزن: فوعلة، من صمعت إذا دققت لأنها دقيقة الرأس. ولأبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر، وأبي الوقت: في صومعته، بزيادة مثناة فوقية قبل الهاء، وكان في صلاته، قيل: ولم يكن في الصلاة ممنوعًا في شريعته (قالت: يا جريج) بضم الجيم وفتح الراء وسكون المثناة التحتية ثم الجيم (قال) جريج، ولأبي ذر، والأصيلي: فقال: (اللهم) قد اجتمع حق إجابة (أمي و) حق إتمام (صلاتي) فوفقني لأفضلهما، ثم (قالت) ثانيًا: (يا جريج! قال: اللهم) قد اجتمع حق إجابة (أمي و) حق إتمام (صلاتي) ثم (قالت) في الثالثة: (يا جريج! قال: اللهم) قد اجتمع حق إجابة (أمي و) حق إتمام (صلاتي) وعدم إجابتها لها مع ترديد ندائها له يفهم ظاهره أن الكلام عنده يقطع الصلاة. ولما لم يجبها في الثالثة، وآثر استمراره في صلاته ومناجاته على إجابتها، واختار التزام مراعاة حق الله على حقها (قالت) داعية عليه بلفظ النفي (اللهم لا يموت جريج حتى ينظر في وجه) بالإفراد، ولأبي ذر: في وجوه (المياميس) بميمين، الأولى مفتوحة، والثانية مكسورة بعد كل منهما مثناة، الثانية ساكنة، جمع: مومسة، بكسر الميم، وهي: الزانية. وغلط ابن الجوزي إثبات المثناة الأخيرة وصوّب حذفها. وخرّج على إشباع الكسرة. وقد كان من كرامة الله تعالى لجريج أن ألهم الله أمه الاقتصاد في الدعوة، فلم تقل: اللهم امتحنه، إنما قالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المياميس. فلم تقتض الدعوة إلاّ كدرًا يسيرًا، بل أعقبت سرورًا كثيرًا. (وكانت تأوي إلى صومعته) امرأة (راعية ترعى الغنم) الضأن، فوقع عليها رجل (فولدت) منه غلامًا (فقيل لها ممن هذا الولد؟ قالت من جريج) صاحب الصومعة (نزل من صومعته) وأحبلني هذا الولد. (قال جريج) لما بلغه ذلك: (أين هذه) المرأة (التي تزعم أن ولدها لي) ثم (قال) ولابن عساكر: فقال: (يا بابوس) بفتح الموحدة وبعد الألف موحدة أخرى مضمومة وبعد الواو الساكنة سين مهملة بوزن: فاعول، هو الصغير، أو: اسم للرضيع، أو لذلك الولد بعينه. (من أبوك) أي: خلقت من ماء من؟ فأنطق الله الغلام آية له، و (قال: راعي الغنم) وسماه: أبًا مجازًا أو: يكون في شرعهم أنه يلحقه. واعلم: أنه لا تعارض عند جريج حق الصلاة، وحق الصلاة لأمه، رجح حق الصلاة، وهو الحق، لكن

8 - باب مسح الحصى في الصلاة

حق الصلة المرجوح لم يذهب هدرًا. ولذا أجيبت فيه الدعوة اعتبارًا لكونه ترك الصلة، وحسنت عاقبته وظهرت كرامته اعتبارًا بحق الصلاة. ولم يكن ذلك تناقضًا، بل هو من جنس قوله عليه الصلاة والسلام "واحتجبي منه يا سودة" اعتبارًا للشبه الرجوح. وقول ابن بطال: إن سبب دعائها عليه لإباحة الكلام إذ ذاك، معارض بقول جريج المشهود له بالكرامة: أمي وصلاتي، إذ ظاهره عدم إباحته كما مر، وهو مصيب في ذلك ولا يقال: إن كان جريج مصيبًا في نظره، وأوخذ بإجابة الدعوة فيه لزم التكليف بما لا يطاق، لأن الحق أن المؤاخذة هنا ليست عقوبة، وإنما هي تنبيه على عظم حق الأم، وإن كان مرجوحًا، قال ابن المنير، فيما نقله في المصابيح. ورواة هذا الحديث ما بين: مصري ومدني، وفيه: التحديث بصيغة الإفراد والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في باب {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم: 16]. وفي: ذكر بني إسرائيل، ومسلم في باب: بر الوالدين. 8 - باب مَسْحِ الْحَصَى فِي الصَّلاَةِ (باب مسح الحصى) أو التراب أو غيرهما مما يصلّى عليه، ولأبي ذر، مما صح عند اليونيني: الحصاة (في الصلاة). 1207 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قال حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَيْقِيبٌ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ قَالَ: إِنْ كُنْتَ فَاعِلاً فَوَاحِدَةً". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا شيبان) بفتح المعجمة، ابن عبد الرحمن (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال: حدّثني) بالإفراد (معيقيب) بضم الميم وفتح المهملة وسكون المثناة التحتية وكسر القاف بعدها مثناة تحتانية ساكنة ثم موحدة، ابن أبي فاطمة الدوسي المدني، رضي الله عنه. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال في) شأن (الرجل) حال كونه (يسوي التراب، حيث) أي: في المكان الذي (يسجد) فيه (قال) عليه الصلاة والسلام: (إن كنت فاعلاً) أي: مسويًا التراب (فواحدة) بالنصب، بتقدير فامسح واحدة. أو: الفعل واحدة، أو: فليكن واحدة، أو: بالرفع مبتدأ وحذف خبره أي: فواحدة تكفيك، أو: خبر مبتدأ محذوف أي: المشروع فعلة واحدة أي: لئلا يلزم العمل الكثير المبطل، أو عدم المحافظة على الخشوع، أو لئلا يجعل بينه وبين الرحمة التي تواجهه حائلاً. وأبيح له المرة لئلا يتأذى به في سجوده. وفي حديث أبي ذر، عند أصحاب السنن مرفوعًا: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى" وقوله: إذا قام، أراد به الدخول في الصلاة ليوافق حديث الباب، فلا يكون منهيًا عن المسح قبل الدخول فيها، بل الأولى أن يفعل ذلك حتى لا يشتغل باله وهو في الصلاة به، والتعبير بالرجل، خرج مخرج الغالب وإلاّ فالحكم جار في جميع المكلفين. وحكاية النووي الاتفاق على كراهة مسح الحصى وغيره في الصلاة، معارضة بما في المعالم للخطابي عن مالك، أنه لم في به بأسًا، وكان يفعله، ولعله لم يبلغه الخبر. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين: كوفي وبصري ومدني، وفيه التحديث بالإفراد والجمع والعنعنة. وليس لمعيقيب في هذا الكتاب غير هذا الحديث، وأخرجه مسلم في: الصلاة، وكذا أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة. 9 - باب بَسْطِ الثَّوْبِ فِي الصَّلاَةِ لِلسُّجُودِ (باب) جواز (بسط الثوب) على الأرض (في الصلاة للسجود) عليه، لأنه عمل يسير. 1208 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ حَدَّثَنَا غَالِبٌ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنَ الأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن المفضل بالضاد المعجمة المشددة المفتوحة، قال: (حدّثنا غالب) بالمعجمة وكسر اللام، ولأبي ذر: غالب القطان (عن بكر بن عبد الله) بفتح الموحدة وإسكان الكاف المزني البصري (عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال): (كنا نصلي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه من الأرض) من شدة الحر (بسط ثوبه) المنفصل عنه أو المتصل به، غير المتحرك بحركته عمدًا (فسجد عليه). وإنما لم تبطل الصلاة بذلك، مع أنه من غير جنسها لقلته. إذ كل عمل قليل: كالخطوتين أو الضربتين غير مبطل، بخلاف الكثير. كالثلاث المتواليات. نعم، يستثنى من القليل الأكل، فتبطل به لإشعاره بالإعراض عنها، إلا أن يكون ناسيًا أو جاهلاً تحريمه، فلا تبطل به. وأما الكثير فتبطل به مع النسيان أو جهل التحريم في الأصح. وقد

10 - باب ما يجوز من العمل في الصلاة

سبق الحديث في باب: السجود على الثوب في شدة الحر في أوائل كتاب الصلاة. 10 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الْعَمَلِ فِي الصَّلاَةِ (باب ما يجوز من العمل في الصلاة) غير ما تقدم. 1209 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كُنْتُ أَمُدُّ رِجْلِي فِي قِبْلَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُصَلِّي، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَرَفَعْتُهَا، فَإِذَا قَامَ مَدَدْتُهَا". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي الحارثي قال: (حدّثنا مالك) إمام الأئمة، ابن أنس الأصبحي (عن أبي النضر) سالم بن أبي أمية المدني (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن عائشة رضي الله عنها قالت): (كنت أمدّ رجلي) بكسر اللام (في قبلة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو يصلّي، فإذا سجد غمزني) يحتمل أن يكون من غير مماسة، بل بحائل من ثوب ونحوه (فرفعتها، فإذا قام مددتها) ولأبي الوقت، والأصيلي، عن الكشميهني: أمد رجلي، ورفعتهما، ومددتهما بالتثنية في الثلاثة. ومطابقة الترجمة للحديث من حيث أن الغمز عمل يسير لا تبطل به الصلاة. 1210 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ صَلَّى صَلاَةً قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي فَشَدَّ عَلَىَّ يَقْطَعَ الصَّلاَةَ عَلَىَّ، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَذَعَتُّهُ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُوثِقَهُ إِلَى سَارِيَةٍ حَتَّى تُصْبِحُوا فَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - {رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} فَرَدَّهُ اللَّهُ خَاسِئًا". ثُمَّ قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ فَذَعَتُّهُ بِالذَّالِ أَيْ خَنَقْتُهُ. وَفَدَعَّتُّهُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ {يَوْمَ يُدَعُّونَ} أَىْ يُدْفَعُونَ. وَالصَّوَابُ فَدَعَتُّهُ، إِلاَّ أَنَّهُ كَذَا قَالَ بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ وَالتَّاءِ. وبه قال: (حدّثنا محمود) هو: ابن غيلان، قال: (حدّثنا شبابة) بمعجمة وموحدتين، الأولى مخففة بينهما ألف، ابن سوار المدائني الخراساني الأصل، قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن زياد) بكسر الزاي وتخفيف المثناة التحتية، الجمحي، أبي الحرث المدني، نزيل البصرة (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه صلّى صلاة قال) ولأبوي ذر، والوقت، فقال: (إن الشيطان عرض لي) في صفة هرّ. وفي رواية شعبة السابقة، من وجه آخر في باب: ربط الغريم في المسجد، إن عفريتًا من الجن تفلت علّي، فظاهره أن المراد بالشيطان في هذه الراوية غير إبليس كبير الشياطين. (فشد) بالشين المعجمة أي: حمل (عليّ) حال كونه (يقطع الصلاة علّي) ولغير الحموي، والمستملي: ليقطع بلام التعليل. فإن قلت: قد ثبت أن الشيطان يفر من ظل عمر، وأنه يسلك في غير فجه، ففراره من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أولى، فكيف شدّ عليه، عليه الصلاة والسلام، وأراد قطع صلاته، عليه الصلاة والسلام. أجيب: بأنه ليس المراد حقيقة الفرار، بل بيان قوة عمر، رضي الله عنه، وصلابته على قهر الشيطان. وقد وقع التصريح بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قهره وطرده ما قال. (فأمكنني الله منه) لكونه شخصًا في صورة يمكن أخذه معها، وهي صورة الهر، (فذعته) بالذال المعجمة والعين المهملة المفتوحتين والمثناة الفوقية المشددة، فعل ماض للمتكلم وحده، والفاء عاطفة أي: غمزته غمزًا شديدًا. وعند ابن أبي شيبة: بالدال المهملة، أي: دفعته دفعًا شديدًا (ولقد هممت أن أوثقه) أي: قصدت ربطه (إلى سارية) من سواري المسجد (حتى تصبحوا فتنظروا إليه) وللحموي والمستملي: أو تنظروا إليه، بالشك (فذكرت قول) أخي (سليمان عليه السلام {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35] (فرده الله) حال كونه (خاسئًا) مطرودًا مبعدًا متحيرًا. زاد في رواية كريمة عن الكشميهني هنا: (ثم قال النضر بن شميل: فذعته، بالذال) المعجمة وتخفيفها (أي: خنقته و) أما (فدعته) بالدال والعين المشددة المهملتين مع تشديد المثناة فـ (من قول الله تعالى {يَوْمَ يُدَعُّونَ) إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطور: 13]. (أي يدفعون والصواب فدعته) بالمهملة وتخفيف العين (إلا أنه) يعني شعبة (كذا قال بتشديد العين والتاء). وهذه الزيادة ساقطة عند أبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر. ومطابقة الحديث للترجمة من قوله: فدعته على معنى: دفعته من حيث كونه عملاً يسيرًا. واستنبط منه: أن العمل اليسير غير مبطل للصلاة كما مر. 11 - باب إِذَا انْفَلَتَتِ الدَّابَّةُ فِي الصَّلاَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنْ أُخِذَ ثَوْبُهُ يَتْبَعُ السَّارِقَ وَيَدَعُ الصَّلاَةَ. هذا (باب) بالتنوين (إذا انفلتت الدابة) وصاحبها (في الصلاة) ماذا يفعل؟ (وقال قتادة) مما وصله عبد الرزاق عن عمر عنه بمعناه: (إن أخذ ثوبه) بضم الهمزة أي: المصلي (يتبع السارق ويدع الصلاة) أي: يتركها. والعين مضمومة أو مكسورة. وزاد عبد الرزاق: فيرى صبيًّا على بئر فيتخوف أن يسقط فيها، قال: ينصرف له أي: وجوبًا. ومذهب الشافعية: أن من أخذ ماله ظلمًا وهو في الصلاة يصلّي صلاة شدة الخوف. وكذا في كل مباح: كهرب من حريق وسيل، وسبع لا معدل عنه، وغريم له عند إعساره وخوف حبسه بأن لم يصدقه غريمه، وهو المدائن في إعساره، وهو عاجز عن بينة الإعسار. 1211 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَزْرَقُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: "كُنَّا بِالأَهْوَازِ نُقَاتِلُ الْحَرُورِيَّةَ، فَبَيْنَا أَنَا عَلَى جُرُفِ نَهَرٍ إِذَا رَجُلٌ يُصَلِّي، وَإِذَا لِجَامُ دَابَّتِهِ بِيَدِهِ، فَجَعَلَتِ الدَّابَّةُ تُنَازِعُهُ، وَجَعَلَ يَتْبَعُهَا -قَالَ شُعْبَةُ: هُوَ أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ- فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ افْعَلْ بِهَذَا الشَّيْخِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ الشَّيْخُ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ قَوْلَكُمْ، وَإِنِّي غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتَّ غَزَوَاتٍ أَوْ سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَثَمَانَ، وَشَهِدْتُ تَيْسِيرَهُ، وَإِنِّي أَنْ كُنْتُ أَنْ أُرَاجِعَ مَعَ دَابَّتِي أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَدَعَهَا تَرْجِعُ إِلَى مَأْلَفِهَا فَيَشُقَّ عَلَىَّ". [الحديث 1211 - طرفه في: 6127]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن

أبي أياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا الأزرق بن قيس) بفتح الهمزة وسكون الزاي، الحارثي البصري (قال): (كنا بالأهواز) بفتح الهمزة وسكون الهاء وبالزاي، سبع كور بين البصرة وفارس، لكل كورة منها اسم، ويجمعها: الأهواز. ولا ينفرد واحد منها بهوز، قاله صاحب العين، وغيره. (نقاتل الحرورية) بمهملات، أي: الخوارج لأنهم اجتمعوا بحروراء، قرية من قرى الكوفة وبها كان التحكيم، وكان الذي يقاتلهم إذ ذاك هو المهلب بن أبي صفرة. كما في رواية عمرو بن مرزوق، عن شعبة، عند الإسماعيلي (فبينا أنا) مبتدأ خبره (على جرف نهر) بضم الجيم والراء بعدها فاء، وقد تسكن الراء. مكان أكله السيل، وللكشميهني: حرف نهر، بالحاء المهملة المفتوحة وسكون الراء، أي: جانبه، واسم النهر: دجيل، بالجيم مصغرًا (إذا رجل) وللمستملي، والحموي، وعزاها العيني كابن حجر للكشميهني، بدل المستملي: إذ جاء رجل (يصلّي) العصر (وإذا لجام دابته) فرسه (بيده، فجعلت الدابة تنازعه، وجعل يتبعها). قد أجمعوا على أن المشي الكثير المتوالي في الصلاة المكتوبة يبطلها، فيحمل حديث أبي برزة على القليل، وفي رواية عمرو بن مرزوق ما يؤيد ذلك فإنه قال: فأخذها، ثم رجع القهقرى. فإن في رجوعه القهقرى ما يشعر بأن مشيه إلى قصدها ما كان كثيرًا، فهو عمل يسير، ومشي قليل، ليس فيه استدبار القبلة؛ فلا يضر. (قال شعبة) بن الحجاج (هو) أي: الرجل المصلي المتنازع (أبو برزة) نضلة بن عبيد (الأسلمي) نزيل البصرة (فجعل رجل) مجهول (من الخوارج يقول: اللهم افعل بهذا الشيخ) يدعو عليه ويسبه، وفي رواية حماد: انظروا إلى هذا الشيخ، ترك صلاته من أجل فرس. وزاد عمرو بن مرزوق في آخره قال: فقلت للرجل: ما أرى الله إلا مخزيك، شتمت رجلاً من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلما انصرف الشيخ) أبو برزة من صلاته (قال إني سمعت قولكم) الذي قلتموه آنفًا، (وإني غزوت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ست غزوات، أو سبع غزوات، أو ثمان) بغير ياء ولا تنوين، وللحموي والمستملي: ثماني، بياء مفتوحة من غير تنوين. وخرجه ابن مالك في شرح التسهيل على أن الأصل ثماني غزوات، فحذف المضاف وأبقى المضاف إليه على حاله وحسن الحذف دلالة المتقدم، أو أن الإضافة غير مقصودة، وترك تنوينه لمشابهة جواري لفظًا وهو ظاهر معنى لدلالته على جمع، أو يكون في اللفظ ثمانيًا بالنصب والتنوين، إلا أنه كتب على اللغة الربيعية، فإنهم يقفون على المنون المنصوب بالسكون، فلا يحتاج الكاتب على لغتهم إلى ألف. اهـ. وتعقب الأخير في المصابيح: بأن التخريج إنما هو لقوله؛ ثماني، بلا تنوين. وقد صرح هو بذلك في التوضيح، فلا وجه حينئذ للوجه الثالث، وللكشميهني: أو ثمانيًا. وفي رواية عمرو بن مرزوق الجزم بسبع غزوات من غير شك. (وشهدت تيسيره) أي: تسهيله على أمته في الصلاة وغيرها، وأشار به إلى الرد على من شدد عليه في أن يترك دابته تذهب، ولا يقطع صلاته، ولا يجوز أن يفعله أبو برزة من رأيه دون أن يشاهده من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وإني) بكسر الهمزة وتشديد النون والياء اسمها (إن كنت) بكسر الهمزة، شرطية، والتاء اسم كان (أن أراجع) بضم الهمزة وفتح الراء ثم ألف، وللحموي، والمستملي، والأصيلي، وابن عساكر: أرجع، بفتح الهمزة وسكون الراء (مع دابتي) وأن بفتح الهمزة مصدرّية بتقدير لام العلة قبلها، أي: إن كنت لأن أراجع، وخبر كان (أحب إليَّ من أن أدعها) أي: أتركها (ترجع إلى مألفها) بفتح اللام الذي ألفته واعتادته. وهذه الجملة الشرطية سدت مسد خبر إن في إني، وفي بعض الأصول بفتح همزة أن كنت، على المصدرية، ولام العلة محذوفة، والضمير المرفوع في: كنت، اسمها، وأن أرجع، بفتح الهمزة بتأويل مصدر مرفوع بالابتداء خبره: أحب إليَّ، والجملة اسمية خبر كان. وعلى هذا فخبر إن في إني، محذوف لدلالة الحال عليه، أي: وإني إن فعلت ما رأيتموه من اتباع الفرس لأجل كون رجوعها أحب إليّ من تركها. (فيشق عليّ) بنصب

12 - باب ما يجوز من البصاق والنفخ في الصلاة ويذكر عن عبد الله ابن عمرو: نفخ النبي -صلى الله عليه وسلم- في سجوده في كسوف

القاف عطفًا على المنصوب في قوله: أحب إليَّ من أن أدعها، وبالرفع على معنى: فذلك يشق عليَّ، لأن منزله كان بعيدًا، فلو تركها وصلّى، لم يأت أهله اٍلى الليل، لبعد المسافة. 1212 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- "خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَ سُورَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ بِسُورَةٍ أُخْرَى، ثُمَّ رَكَعَ حَتَّى قَضَاهَا وَسَجَدَ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى يُفْرَجَ عَنْكُمْ. لَقَدْ رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَىْءٍ وُعِدْتُهُ، حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ، وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَىٍّ وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ". وبه قال (حدّثنا محمد بن مقاتل) بضم الميم وكسر المثناة الفوقية، المجاور بمكة، قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد (عن) ابن شهاب (الزهري عن عروة) بن الزبير (قال: قالت عائشة رضي الله عنها): (خسفت الشمس) بفتح الخاء والسين (فقام النبي) ولأبي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: فقام رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقرأ سورة طويلة، ثم ركع فأطال) الركوع (ثم رفع رأسه) من الركوع (ثم استفتح بسورة) بباء الجر، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: سورة (أخرى، ثم ركع حتى) وللكشميهني، والأصيلي، وابن عساكر: حين (قضاها) أي: فرغ من الركعة (وسجد، ثم فعل ذلك) المذكور من القيامين والركوعين (في) الركعة (الثانية، ثم قال): (إنهما) أي: الشمس والقمر (آيتان من آيات الله، فإذا رأيتم ذلك) أي: الخسوف الذي دل عليه، قوله: خسفت (فصلوا حتى يفرج عنكم) بضم المثناة التحتية والجيم، مبنيًّا للمفعول من: الإفراج (لقد رأيت في مقامي هذا) بفتح الميم (كل شيء وعدته) بضم الواو وكسر العين، مبنيًّا للمفعول جملة في محل خفض صفة لشيء (حتى لقد رأيت) وللكشميهني، والحموي: رأيته، بإثبات الضمير، ولمسلم: لقد رأيتني. قال ابن حجر: وهو أوجه، وقال الزركشي: قيل وهو الصواب، وتعقبه في المصابيح فقال: لا نسلم انحصار الصواب فيه، بل الأول صواب أيضًا وعليه فالضمير المنصوب محذوف لدلالة ما تقدم عليه. والمعنى: أبصرت ما أبصرت حال كوني: (أريد أن آخذ قطفًا) بكسر القاف، ما يقطف، أي: يقطع ويجتنى، كالذبح، بمعنى: المذبوح. والمراد به: عنقود من العنب، أي: أريد أخذه (من الجنة حين رأيتموني جعلت) أي: طلّقت (أتقدم. ولقد رأيت جهنم يحطم) بكسر الطاء (بعضها بعضًا، حين رأيتموني تأخرت). لم يقل: جعلت أتأخر، كما قال: جعلت أتقدم. لأن التقدم كاد أن يقع بخلاف التأخر فإنه وقع. قاله الكرماني. واعترضه الحافظ أبو الفضل: بأنه وقع التصريح بوقوع التقدم والتأخر جميعًا في حديث جابر عند مسلم. وأجاب العيني: بأنه لا يرد على الكرماني ما قاله، لأن جعلت في قوله هنا بمعنى: طفقت، الذي وضع للدلالة على الشروع، وقد بنى الكرماني السؤال والجواب عليه، وأيضًا، لا يلزم أن يكون حديث عائشة مثل حديث جابر من كل الوجوه، وإن كان الأصل متحدًا. (ورأيت فيها) أي جهنم (عمرو بن لحي) بفتح العين وسكون الميم، وبضم اللام وفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية، مصغرًا (وهو الذي سيب) أي: سمى النوق التي تسمى (السوائب) جمع سائبة وهي ناقة لا تركب ولا تحبس عن كلأ وماء لنذر صاحبها إن حصل ما أراد من شفاء المريض أو غيره أنها سائبة. فإن قلت: من أين تؤخذ المطابقة بين الترجمة والحديث. أجيب: من التقدم والتأخر المذكورين، وحملا على اليسير دون الكثير المبطل. فافهم. وسبق الحديث في باب الكسوف. 12 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الْبُصَاقِ وَالنَّفْخِ فِي الصَّلاَةِ وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرٍو: نَفَخَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سُجُودِهِ فِي كُسُوفٍ (باب ما يجوز من البصاق) بالصاد، ويجوز إبدالها زايًا (و) ما يجوز من (النفخ في الصلاة). (ويذكر) بضم المثناة التحتية، وفتح الكاف مما وصله أحمد، وصححه ابنا خزيمة وحبان من حديث عطاء بن السائب عن أبيه (عن عبد الله بن عمرو) أي: ابن العاصي، في حديث قال فيه (نفخ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سجوده في كسوف) ولابن عساكر في الكسوف. وهو محمول على أنه لم يظهر فيه حرفان، فلو ظهرا أفهما أو لم يفهما، بطلت الصلاة إن كان عامدًا عالمًا بالتحريم: وعورض بما ثبت في حديث ابن عمرو، عند أبي داود، فإن فيه: ثم نفخ في آخر سجوده فقال: أف أف. فصرح بظهور الحرفين. وهذه الزيادة من رواية حماد بن سلمة عن عطاء، وقد سمع منه قبل الاختلاط في قول يحيى بن معين وأبي داود والطحاوي وغيرهم. وأجاب الخطابي: بأن أف لا تكون كلامًا حتى تشدّد الفاء، قال: والنافخ في نفخه

13 - باب من صفق جاهلا من الرجال في صلاته لم تفسد صلاته فيه سهل بن سعد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

لا يخرج الفاء صادقة من مخرجها، وتعقبه ابن الصلاح بأنه لا يستقيم على قول الشافعية: إن الحرفين كلام مبطل أفهما أو لم يفهما. وعبر المصنف بلفظ: يذكر المقتضى للتمريض، لأن عطاء بن السائب مختلف في الاحتجاج به، وقد اختلط في آخر عمره. لكن أورده ابن خزيمة من رواية سفيان الثوري عنه، وهو ممن سمع منه قبل اختلاطه، وأبوه وثقه العجلي، وابن حبان وليس هو من شرطه. 1213 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَتَغَيَّظَ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قِبَلَ أَحَدِكُمْ، فَإِذَا كَانَ فِي صَلاَتِهِ فَلاَ يَبْزُقَنَّ -أَوْ قَالَ- لاَ يَتَنَخَّمَنَّ -ثُمَّ نَزَلَ فَحَتَّهَا بِيَدِهِ". وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "إِذَا بَزَقَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْزُقْ عَلَى يَسَارِهِ". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي، بمعجمة ثم مهملة، البصري قال: (حدّثنا حماد) بن زيد بن درهم الجهضمي البصري (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما): (أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، رأى نخامة في) جدار (قبلة المسجد) النبوي المدني (فتغيظ على أهل المسجد، وقال): (إن الله) أي: القصد منه تعالى، أو: ثوابه عز وجل، أو: عظمته تعالى (قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي: مواجهة (أحدكم، فإذا) ولأبوي: ذر، والوقت، وابن عساكر والأصيلي: إذا (كان في صلاته فلا يبزقن) بضم الزاي ونون التوكيد الثقيلة (-أو قال: لا يتنخمن-) بالميم بعد الخاء، من النخامة، بضم النون. لما يخرج من الصدر، وفي رواية الأربعة: فلا يتنخعن، بالعين وهو بمعنى الميم، وقيل: بالعين من الصدر، وبالميم من الرأس (ثم نزل فحتها). بالمثناة الفوقية، وللكشميهني: فحكها، بالكاف، أي: اللنخامة (بيده). سبق في رواية باب: حك المخاط بالحصى، فتناول حصاة فحكها. (وقال ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما). (إذا بزق أحدكم فليبزق) بالزاي، فيهما (على) وللكشميهني: عن (يساره)، لا عن يمينه. وهذا الموقوف، قد روي مرفوعًا من حديث أنس. 1214 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلاَ يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ شِمَالِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى». وبه قال (حدّثنا محمد) هو: ابن بشار بالموحدة والمعجمة المشددة، العبدي. بالموحدة، البصري قال: (حدثنا غندر) بضم الغين المعجمة، محمد بن جعفر البصري، قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي الواسطي، ثم البصري (قال: سمعت قتادة) بن دعامة (عن أنس) زاد أبوا: ذر، والوقت، والأصيلي: ابن مالك (رضي الله عنه، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا كان) المؤمن (في الصلاة) ولأبوي: ذر، والوقت: إذا قام أحدكم في الصلاة (فإنه) أي: المصلي (يناجي ربه) من جهة مساررته بالقرآن، والذكر. والبارئ، سبحانه وتعالى، يناجيه من جهة لازم ذلك، وهو إرادة الخير، فهو من باب المجاز. فإن القرينة صارفة له عن إرادة الحقيقة، إذ لا كلام محسوس، إلا من جهة العبد (فلا يبزقن) المصلي (بين يديه) في جهة القبلة المعظمة (ولا عن يمينه) فإن عليه كاتب الحسنات (ولكن) يبزق (عن شماله، تحت قدمه اليسرى)، أي: في غير المسجد، أما فيه: فلا يبزقن إلا في ثوبه. وهذا محمول على عدم النطق فيه بحرفين، كما في النفخ، أو التنخم، أو البكاء، أو الضحك، أو الأنين، أو التأوّه، أو التنحنح. وكره مالك النفخ فيها، وقال: لا يقطعها كما يقطعها الكلام، وهو قول أبي يوسف، وأشهب، وأحمد، وإسحاق. وفي المدونة النفخ بمنزلة الكلام، فيقطعها. وعن أبي حنيفة ومحمد، إن كان يسمع فهو بمنزلة الكلام، وإلاّ فلا. وقال الحنفية: إن كان البكاء من خشية الله، لا تبطل به الصلاة مطلقًا. 13 - باب مَنْ صَفَّقَ جَاهِلاً مِنَ الرِّجَالِ فِي صَلاَتِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلاَتُهُ فِيهِ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب) حكم (من صفق) حال كونه (جاهلاً من الرجال) لتنبيه إمام أو غيره (في صلاته، لم تفسد صلاته) لأنه عليه الصلاة والسلام لم يأمر الناس بإعادة الصلاة لما فعلوه فيها في قصة إمامة الصديق. وقيد بالجاهل ليخرج العامد وبالرجال ليخرج النساء. (فيه) أي: فيما ترجم له (سهل بن سعد، رضي الله عنه) وسقط عند الأصيلي: سهل بن سعد (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حيث قال، لما أخذ الناس في التصفيح لتنبيه الصديق على مكانه، عليه الصلاة والسلام: التسبيح للرجال والتصفيق للنساء، كما مر. ولم يأمرهم بالإعادة لجهلهم بالحكم. 14 - باب إِذَا قِيلَ لِلْمُصَلِّي: تَقَدَّمْ أَوِ انْتَظِرْ فَانْتَظَرَ -فَلاَ بَأْسَ هذا (باب) بالتنوين (إذا قيل للمصلي: تقدم أو انتظر، فانتظر، فلا بأس). 1215 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُمْ عَاقِدُو أُزْرِهِمْ مِنَ الصِّغَرِ عَلَى رِقَابِهِمْ، فَقِيلَ لِلنِّسَاءِ: لاَ تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا". وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة، العبدي البصري، قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي، سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) بإسكان الهاء والعين

15 - باب لا يرد السلام في الصلاة

الساعدي (رضي الله عنه، قال): (كان الناس يصلون مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهم عاقدو) بالواو ولأبي الوقت: عاقدي، أي: وهم كانوا عاقدي (أزرهم) بضمتين، جمع إزار، وهو: الملحفة. وفي الفرع أزرهم، بسكون الزاي (من الصغر) أي: من صغر أزرهم (على رقابهم) فكان أحدكم يعقد إزاره على رقبته، وكان هذا في أول الإسلام حين قلة ذات اليد (فقيل للنساء)، إذ كن متأخرات عن صف الرجال قبل أن يدخلن في الصلاة، ليدخلن فيها على علم، أو وهن فيها، كما يقتضيه التعبير بفاء العطف في قوله: فقيل للنساء: (لا ترفعن رؤوسكن) من السجود (حتى يستوي الرجال) حال كونهم (جلوسًا) لما عرف من ضيق أزر الرجال، لئلا تقع أعينهن على عوراتهم. واستنبط منه التنبيه على جواز إصغاء المصلي في الصلاة إلى الخطاب الخفيف وتفهمه، وهو مبني على أنه: قيل لهن ذلك داخل الصلاة، لكن جزم الإسماعيلي بأنه خارجها. وحينئذ فلا معنى لقول المؤلّف في الترجمة للمصلي، ولا وجه لجزمه. بل، الأمر محتمل لأن يكون القول خارج الصلاة وداخلها، ويكون القائل في غير الصلاة، فلا يتعين أحد الاحتمالين إلا بدليل. نعم، مقتضى التعبير بالفاء في قوله: فقيل للنساء، يعين وقوعه وهن داخلها، كما مر. لكن وقع عند المؤلّف في باب: إذا كان الثوب ضيقًا، بدون التعبير بالفاء، ولفظه: وقال، وفسر القائل به: عليه الصلاة والسلام، وللكشميهني: ويقال، وهو أعم من أن يكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو غيره. 15 - باب لاَ يَرُدُّ السَّلاَمَ فِي الصَّلاَةِ هذا (باب) بالتنوين (لاّ يرد) المصلي (السلام) باللفظ على المسلم (في الصلاة) لأنه خطاب آدمي. 1216 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قال حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كُنْتُ أُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَيَرُدُّ عَلَيَّ، فَلَمَّا رَجَعْنَا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَىَّ وَقَالَ: إِنَّ فِي الصَّلاَةِ شُغْلاً". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي شيبة) الكوفي الحافظ، أخو عثمان (قال: حدّثنا ابن فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة، محمد، واسم جده: غزوان (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي (عن عبد الله) بن مسعود، رضي الله عنه (قال): (كنت أسلم على النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو في الصلاة فيرد عليّ) السلام (فلما رجعنا) من عند النجاشي، ملك الحبشة إلى المدينة (سلمت عليه) وهو في الصلاة (فلم يرد عليّ) السلام باللفظ (وقال) عليه الصلاة والسلام لما فرغ من الصلاة وللمستملي: قال: (إن في الصلاة شغلاً) لا يمكن معه الاشتغال بغيرها، وللكشميهني، والأصيلي، وابن عساكر، وأبي الوقت: لشغلاً، بزيادة لام التأكيد. 1217 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ شِنْظِيرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَاجَةٍ لَهُ، فَانْطَلَقْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ وَقَدْ قَضَيْتُهَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَىَّ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَدَ عَلَىَّ أَنِّي أَبْطَأْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَىَّ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَشَدُّ مِنَ الْمَرَّةِ الأُولَى، ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَىَّ فَقَالَ: إِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي. وَكَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُتَوَجِّهًا إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ". وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين وسكون العين، بينهما، عبد الله بن عمرو التميمي المقعد المنقري، بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري، بفتح المثناة وتشديد النون، البصري، قال: (حدّثنا كثير بن شنظير) بكسر المعجمة وسكون النون بعدها ظاء معجمة مكسورة، وهو لغة السيئ الخلق، علم عليه (عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة آخره مهملة (عن جابر بن عبد الله عنهما، قال): (بعثني رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في حاجة له) في غزوة بني المصطلق: (فانطلقت، ثم رجعت وقد قضيتها، فأتيت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فسلمت عليه، فلم يرد عليّ) السلام باللفظ (فوقع في قلبي) سقط من الحزن (ما الله أعلم به) مما لا أقدر قدره، ولا يدخل تحت العبارة، و: ما، فاعل بقوله: وقع، والجلالة الشريفة، مبتدأ أو خبره التالي (ففلت في نفسي: لعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وجد) بفتح الواو والجيم، أي: غضب (علي أني) وللكشميهني: أن (أبطأت عليه، ثم سلمت عليه، فلم يرد علي) السلام باللفظ (فوقع في قلبي) من الحزن (أشد من) الذي وقع فيه في (المرة الأولى). في رواية مسلم، من طريق الزبير عن جابر: فقال لي بيده هكذا. وفي رواية أخرى: فأشار إلي. فيحمل قوله في رواية البخاري، فلم يرد علي، أي باللفظ، كما مر. وكأن جابرًا لم يعرف أولاً أن المراد بالإشارة الرد عليه، فلذلك قال: فوقع في قلبي ما الله أعلم به. (ثم سلمت عليه فرد علي) السلام بعد أن فرغ من صلاته باللفظ (فقال) في رواية: وقال: (إنما منعني أن أرد عليك) السلام إلا (أني كنت أصلي). (وكان) عليه الصلاة السلام يصلّي نفلاً وهو راكب

16 - باب رفع الأيدي في الصلاة لأمر ينزل به

(على راحلته) حال كونه (متوجهًا إلى غير القبلة) مستقبلاً صوب سفره. ورواة هذا الحديث الخمسة بصريون، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم في: الصلاة. 16 - باب رَفْعِ الأَيْدِي فِي الصَّلاَةِ لأَمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ (باب رفع الأيد في الصلاة لأمر ينزل به) أي: بالمصلي. 1218 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَىْءٌ، فَخَرَجَ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَحُبِسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَانَتِ الصَّلاَةُ، فَجَاءَ بِلاَلٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ حُبِسَ وَقَدْ حَانَتِ الصَّلاَةُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ. فَأَقَامَ بِلاَلٌ الصَّلاَةَ وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- فَكَبَّرَ لِلنَّاسِ، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ يَشُقُّهَا شَقًّا حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ، فَأَخَذَ النَّاسُ فِي التَّصْفِيحِ -قَالَ سَهْلٌ: التَّصْفِيحُ هُوَ التَّصْفِيقُ- قَالَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- لاَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاَتِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ الْتَفَتَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَشَارَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- يَدَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ. ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ، وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى لِلنَّاسِ. فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَىْءٌ فِي الصَّلاَةِ أَخَذْتُمْ بِالتَّصْفِيحِ، إِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ. مَنْ نَابَهُ شَىْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ لِلنَّاسِ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد بن جميل، بفتح الجيم، الثقفي البغلاني، بفتح الموحدة وإسكان المعجمة، قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن أبي حازم سلمة (عن أبي حازم) سلمة بن دينار المدني الأعرج (عن سهل بن سعد) بإسكان الهاء والعين، ابن مالك بن خالد الأنصاري الساعدي (رضي الله عنه، قال): (بلغ رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن بني عمرو بن عوف) بسكون الميم (بقباء كان بينهم شيء) من خصومة، (فخرج) عليه الصلاة والسلام (يصلح بينهم في أناس من أصحابه، فحبس) بضم الحاء أي: تعوّق هناك (رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وحانت الصلاة) أي: حضرت، والواو للحال (فجاء بلال إلى أبي بكر، رضي الله عنهما، فقال: يا أبا بكر! إن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قد حبس، وقد حانت الصلاة، فهل لك) رغبة في (أن تؤم الناس؟ قال) أبو بكر: (نعم) أؤمهم (إن شئت) أي: يا بلال، وللحموي: إن شئتم. (فأقام بلال الصلاة) لأن المؤذن هو الذي يقيم الصلاة، كما أنه هو الذي يقدّم للصلاة لأنه خادم الإمامة (وتقدم أبو بكر، رضي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكبر للناس) شارعًا في الصلاة، ولأبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر: وكبر الناس (وجاء رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يمشي في الصفوف، يشقها شقًّا، حنى قام في الصف) وللحموي، والمستملي: قام في الصف (فأخذ الناس في التصفيح) بالحاء. (قال سهل) في تفسيره: (التصفيح) بالحاء المهملة (هو التصفيق) بالقاف. (قال) سهل (وكان أبو بكر، رضي الله عنه، لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس) التصفيح (التفت، فإذا رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأشار إليه يأمره أن يصلي) بالناس (فرفع أبو بكر رضي الله عنه يده) بالإفراد، وللكشميهني: والأصيلي: يديه (فحمد الله) تعالى على ما أنعم عليه به من تفويض الرسول إليه أمر الإمامة، لما فيه من مزيد رفعة درجته. وهذا موضع الترجمة، واستنبط منه: أن رفع اليدين للدعاء ونحوه، في الصلاة لا يبطلها، ولو كان في غير موضعه، ولذا أقر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أبا بكر عليه. (ثم رجع) أبو بكر (القهقرى وراءه حتى قام في الصف) لما تأدب الصديق هذا التأدب معه، عليه الصلاة والسلام، أورثه مقامه، والإمامة بعده، فكان ذلك التأخر إلى خلفه. وقد أومأ إليه أن أثبت مكانك سعيًا بكل خطوة إلى وراء مراحل إلى قدام تنقطع فيها أعناق المطي. (وتقدم رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فصلّى) بالفاء، ولأبي ذر: وصلّى (للناس، فلما فرغ) من صلاته (أقبل على الناس) بوجهه الكريم (فقال): (يا أيها الناس: ما لكم حين نابكم شيء في الصلاة) ولأبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر: حين نابكم في الصلاة (أخذتم بالتصفيح، وإنما التصفيح للنساء. من نابه) من الرجال (شيء) أي: من نزل به أمر من الأمور (في صلاته، فليقل: سبحان الله). (ثم التفت) عليه السلام (إلى أبي بكر، رضي الله عنه، فقال): (يا أبا بكر! ما منعك أن تصلي للناس حين) ولأبي ذر أن تصلي حين (أشرت إليك) ولأبي ذر، عن المستملي، والحموي: حيث أشرت عليك. (قال أبو بكر) رضي الله عنه: (ما كان ينبغي لابن أبي قحافة) بضم القاف وتخفيف الحاء المهملة، واسمه عثمان، أسلم يوم الفتح، وتوفي في الحرم سنة أربع عشرة، وهو ابن سبع وتسعين سنة، وكانت وفاة ولده الصديق قبله، فورث منه السدس، فرده على ولد أبي بكر، وإنما لم يقل الصديق: ما كان لي، أو: ما كان لأبي بكر، تحقيرًا لنفسه واستصغارًا لمرتبته (أن يصلّي بين يدي) أي: قدام (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 17 - باب الْخَصْرِ فِي الصَّلاَةِ (باب) حكم (الخصر في الصلاة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الصاد المهملة، من الخاصرة، وهو وضع اليد عليها في المشهور، أو: من المخصرة، وهي: العصا، أي: يأخذها بيده يتوكأ، أو: من الاختصار. ضد التطويل، أي: يختصر السورة، أو يخفف الصلاة، فيحذف الطمأنينة. 1219 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "نُهِيَ عَنِ الْخَصْرِ فِي الصَّلاَةِ". وَقَالَ هِشَامٌ وَأَبُو هِلاَلٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 1219 - طرفه في: 1220]. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان)

18 - باب تفكر الرجل الشىء في الصلاة وقال عمر -رضي الله عنه-: إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة

محمد بن الفضل السدوسي، قال: (حدّثنا حماد) أي: ابن زيد (عن أيوب) هو: السختياني (عن محمد) هو: ابن سيرين (عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال): (نهي) بضم النون مبنيًا للمفعول، أي: نهي النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كما في رواية هشام الآتية قريبًا إن شاء الله تعالى. ووقع في رواية أبي ذر عن الحموي، والمستملي: نهى مبنيًّا للفاعل، ولم يسمه. (عن الخصر في الصلاة) لأن إبليس أهبط مختصرًا. رواه ابن أبي شيبة، أو: أن اليهود تكثر من فعله فنهى عنه كراهة التشبه بهم، أخرجه المؤلّف في بني إسرائيل أو: لأنه راحة أهل النار، رواه ابن أبي شيبة. والنهي محمول على الكراهة عند ابن عمر، وابن عباس وعائشة. وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، ومالك. وذهب إلى التحريم أهل الظاهر. (وقال هشام) هو: ابن حسان القردوسي، بضم القاف، مما وصله المؤلّف هنا (و) قال (أبو هلال) محمد بن سليم الراسبي، مما وصله الدارقطني في الأفراد، من طريق عمرو بن مرزوق، عنه (عن ابن سيرين) محمد (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي) وللأصيلي، وابن عساكر. وأبي الوقت، وفي بعض الأصول نهى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وبهذا الطريق صار الحديث مرفوعًا. 1220 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "نُهِيَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا". وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عليّ) بسكون الميم، الصيرفي الفلاس، قال (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان، قال: (حدّثنا هشام) القردوسي قال (حدّثنا محمد) هو: ابن سيرين (عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال): (نهي) بضم النون، مبنيًّا للمفعول، وللكشميهني: نهى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن يصلّي الرجل مختصرًا) وللكشميهني: مختصرًا، بتشديد الصاد. 18 - باب تَفَكُّرِ الرَّجُلِ الشَّىْءَ فِي الصَّلاَةِ وَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: إِنِّي لأُجَهِّزُ جَيْشِي وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ هذا (باب) بالتنوين (يفكر الرجل) وكذا كل مكلف (الشيء) بضم المثناة التحتية وسكون الفاء وكسر الكاف مخففة، والشيء: نصب على المفعولية، ولابن عساكر، وأبي ذر: تفكر الرجل، بفتح المثناة الفوقية والفاء وضم الكاف المشددة، ولابن عساكر: شيئًا، وللأصيلي: في الشيء (في الصلاة). (وقال عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه) مما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن حفص بن عاصم، عن أبي عثمان النهدي عنه (إني لأجهز جيشي) لأجل الجهاد (وأنا في الصلاة). وروى ابن أبي شيبة أيضًا من طريق عروة بن الزبير، قال عمر رضي الله عنه: إني لأحسب جزية البحرين وأنا في الصلاة. وروى صالح بن أحمد بن حنبل، في كتاب المسائل، عن أبيه، عن طريق همام بن الحرث قال: إن عمر، رضي الله عنه، صلّى المغرب فلم يقرأ، فلما انصرف، قالوا: يا أمير المؤمنين إنك لم تقرأ. فقال: إني حدثت نفسي وأنا في الصلاة بعير جهزتها من المدينة حتى دخلت الشام، ثم أعاد وأعاد القراءة. وهذا يدل على أنه إنما أعاد لترك القراءة لا لكونه كان مستغرقًا في الفكرة. 1221 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا عُمَرُ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ -رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَصْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ سَرِيعًا دَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ وَرَأَى مَا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ لِسُرْعَتِهِ فَقَالَ: ذَكَرْتُ -وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ- تِبْرًا عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ -أَوْ يَبِيتَ- عِنْدَنَا فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ". وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) الكوسج، قال: (حدّثنا روح) بفتح الراء بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي البصري، قال: (حدّثنا عمر) بضم العين (هو: ابن سعيد) بكسر العين المكي (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن أبي مليكة) عبد الله، ومليكة: بضم الميم وفتح اللام مصغرًا (عن عقبة بن الحارث) بضم العين وسكون القاف (رضي الله عنه، قال): (صليت مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، العصر، فلما سلم قام سريعًا دخل على بعض نسائه) رضي الله عنهن (ثم خرج، ورأى ما في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته، فقال): (ذكرت) أي: تفكّرت (-وأنا في الصلاة- تبرًا عندنا) من تبر الصدقة، وهو ما كان من الذهب غير مضروب (فكرهت أن يمسي أو) قال: (يبيت عندنا) خوفًا من حبس صدقة المسلمين (فأمرت بقسمته). فإن قلت: ما موضع الترجمة؟ أجيب: من قوله: ذكرت وأنا في الصلاة تبرًا، لأنه تفكّر في أمر التبر وهو في الصلاة، ولم يعدها. 1222 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرٍ عَنِ الأَعْرَجِ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أُذِّنَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ أَدْبَرَ، فَإِذَا سَكَتَ أَقْبَلَ، فَلاَ يَزَالُ بِالْمَرْءِ يَقُولُ لَهُ اذْكُرْ مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى لاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى». قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِذَا فَعَلَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَسَمِعَهُ أَبُو سَلَمَةَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) أبوه عبد الله ونسبه إلى جده لشهرته به، المخزومي، مولاهم، المصري المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائتين، (قال: حدّثنا الليث) بن سعد المصري (عن جعفر) هو ابن ربيعة المصري (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (قال: قال) لي (أبو هريرة) في رواية الإسماعيلي: عن أبي هريرة (رضي الله عنه،

22 - كتاب السهو

قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا أذن بالصلاة) بضم الهمزة وكسر الذال (أدبر الشيطان) حال كونه (له ضراط) حقيقة أو مجازًا عن شغله نفسه بالتصويت (حتى لا يسمع التأذين، فإذا سكت المؤذن) بعد الفراغ من التأذين (أقبل) الشيطان (فإذا ثوب) بضم المثلثة وكسر الواو، أي: أقيمت الصلاة (أدبر) الشيطان (فإذا سكت) بعد الفراغ من الإقامة (أقبل) الشيطان (فلا يزال بالمرء) المصلي (يقول له: اذكر ما لم يكن يذكر حتى لا يدري) وهو في الصلاة (كم صلى) أثلاثًا أم أربعًا. (قال أبو سلمة بن عبد الرحمن) مما هو طرف من حديث يأتي في السهو، وليس هو من رواية جعفر بن ربيعة عن أبي سلمة (وإذا فعل أحدكم ذلك) أي: ما ذكر من كونه لا يدري وهو في صلاته كم صلّى (فليسجد) ندبًا (سجدتين) للتردد في زيادتها (وهو قاعد) بعد أن يأخذ باليقين ويطرح المشكوك فيه، ويأتي بالباقي ولا يرجع في فعلها إلى ظنه، ولا إلى قول غيره وإن كان جميعًا كثيرًا. (وسمعه أبو سلمة) بن عبد الرحمن (من أبي هريرة رضي الله عنه): 1223 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "يَقُولُ النَّاسُ أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ. فَلَقِيتُ رَجُلاً فَقُلْتُ: بِمَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَارِحَةَ فِي الْعَتَمَةِ؟ فَقَالَ: لاَ أَدْرِي. فَقُلْتُ: لَمْ تَشْهَدْهَا؟ قَالَ: بَلَى. قُلْتُ: لَكِنْ أَنَا أَدْرِي، قَرَأَ سُورَةَ كَذَا وَكَذَا". وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) بن عبيد المعروف بالزمن العنزي، بفتح النون والزاي، البصري، قال: (حدّثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي (قال: أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر، والأصيلي: أخبرنا (ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن سعيد المقبري قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه): (يقول الناس: أكثر أبو هريرة) في الرواية عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلقيت رجلاً) لم يسم (فقلت: بما) بإثبات ألف ما الاستفهامية مع دخول الجار عليها، وهو قليل. ولأبي ذر: بم (قرأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، البارحة) نصب على الظرفية، أقرب ليلة مضت (في العتمة) في صلاة العشاء (فقال: لا أدري) ما قرأ. (فقلت: لم) بغير همزة (تشهدها) شهودًا تامًا وكأنه اشتغل بغير أمر الصلاة حتى نسي السورة التي قرئت. (قال) الرجل: (بلى) شهدتها. قال أبو هريرة: (قلت: لكن أنا أدري، قرأ سورة كذا وكذا). كأن أبا هريرة شغل فكره بأفعال الصلاة حتى ضبطها وأتقنها. ورواة الحديث الخمسة ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وهو من أفراده. والله أعلم. بسم الله الرحمن الرحيم 22 - كتاب السهو (بسم الله الرحمن الرحيم). 1 - باب مَا جَاءَ فِي السَّهْوِ إِذَا قَامَ مِنْ رَكْعَتَىِ الْفَرِيضَةِ (باب ما جاء في) حكم (السهو) الواقع في الصلاة (إذا قام) المصلي (من ركعتي الفريضة) ولم يجلس عقبهما، وللكشميهني، والأصيلي، وأبي الوقت، وابن عساكر: من ركعتي الفرض ولفظ: باب، ساقط في رواية أبي ذر. 1224 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ، فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ. فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ وَنَظَرْنَا تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، ثُمَّ سَلَّمَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك بن أنس) إمام دار الهجرة، وسقط: ابن أنس، لأبي ذر (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) ولفظ عبد الرحمن ساقط في رواية الهروي، وأبي الوقت، والأصيلي، وابن عساكر. وقال في الفتح: ثابتة في رواية كريمة، ساقطة في رواية الباقين. (عن عبد الله ابن بحينة) بضم الموحدة وفتح الحاء المهملة وألف قبل باء: ابن، لأنها اسم أمه أو أم أبيه (رضي الله عنه أنه قال): (صلّى لنا) أي: بنا، أو: لأجلنا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ركعتين من بعض الصلوات) في الرواية التالية: أنها الظهر (ثم قام) إلى الركعة الثالثة (فلم يجلس) أي: ترك التشهد مع قعوده المشروع له، المستلزم تركه ترك التشهد (فقام الناس معه) إلى الثالثة. زاد الضحاك بن عثمان، عن الأعرج، عند ابن خزيمة: فسبحوا به، فمضى في صلاته. واستنبط منه: أن من سها عن التشهد الأول حتى قام إلى الركعة ثم ذكر لا يرجع. فقد سبحوا به عليه الصلاة والسلام فلم يرجع لتلبسه بالفرض، فلم يبطله للسنة. فلو عاد عامدًا عالمًا بتحريمه بطلت صلاته لزيادته قعودًا عمدًا أو ناسيًا أنه في الصلاة فلا تبطل. ويلزمه القيام عند تذكره أو جاهلاً تحريمه، فكذا لا تبطل في الأصح. وأنه لو تخلف المأموم عن انتصابه للتشهد بطلت صلاته إلا أن ينوي مفارقته، فيعذر. ولو عاد الإمام قبل قيام المأموم، حرم قعوده معه لوجوب القيام عليه بانتصاب الإمام، ولو انتصب معه ثم عاد هو لم تجز متابعته في العود

2 - باب إذا صلى خمسا

لأنه إما مخطئ به فلا يوافقه في الخطأ، أو عامد فصلاته باطلة. بل يفارقه أو ينتظره حملاً على أنه عاد ناسيًا. وقيل: لا ينتظر، فلو عاد معه عالمًا بالتحريم بطلت صلاته، أو ناسيًا أو جاهلاً لم تبطل. (فلما قضى) عليه الصلاة والسلام (صلاته) فرغ منها. أي: ما عدا تسليم التحليل بدليل قوله: (ونظرنا) أي: وانتظرنا (تسليمه كبر قبل التسليم فسجد سجدتين) للسهو ندبًا عند الجمهور، وفرضًا عند الحنفية (وهو جالس) أي: أنشأ السجود جالسًا، فالجملة حالية (ثم سلم) بعد ذلك وسلم الناس معه. قال الزهري: وفعله قبل السلام هو آخر الأمرين من فعله عليه الصلاة والسلام، ولأنه لمصلحة الصلاة. فكان قبل السلام، كما لو نسي سجدة منها. وأجابوا، عن سجوده بعده في خبر اليدين الآتي إن شاء الله تعالى بحمله على أنه لم يكن عن قصد، وهو يرد على من ذهب إلى أن جميعه بعد السلام كالحنفية، وفيه: أن سجود السهو، وإن كثر السهو، سجدتان. فلو اقتصر على واحدة ساهيًا لم يلزمه شيء أو عامدًا بطلت صلاته لتعمده الإتيان بسجدة زائدة ليست مشروعة. لكن جزم القفال في فتاويه: بأنها لا تبطل، وأنه يكبر لهما كما يكبر في غيرهما من السجود، وأن المأموم يتابع الإمام ويلحقه سهو إمامه. فإن سجد لزمه متابعته، فإن تركها عمدًا بطلت صلاته، وإن لم يسجد إمامه فيسجد هو على النص. 1225 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ مِنِ اثْنَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ لَمْ يَجْلِسْ بَيْنَهُمَا. فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن يحيى بن سعيد) القطان (عن عبد الرحمن الأعرج عن عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه أنه قال): (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قام من اثنتين) أي: من ركعتين (من الظهر لم يجلس بينهما) أي: بين الاثنتين (فلما قضى صلاته) أي: فرغ منها حقيقة بأن سلم منها. أو مجازًا، بأن فرغ من التشهد المختوم بالصلاة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وآله (سجد سجدتين) للسهو، وسجدهما الناس معه (ثم سلم بعد ذلك) أي: بعد أن سجد السجدتين من غير تشهد بعدهما كسجود التلاوة. وذهب الحنفية إلى أنه يتشهد واستدلوا بقوله: فلما قضى صلاته، ونظرنا تسليمه، أن السلام ليس من الصلاة، حتى لو أحدث بعد أن جلس وقبل أن يسلم تمت صلاته. 2 - باب إِذَا صَلَّى خَمْسًا هذا (باب) بالتنوين (إذا صلّى) المصلي الرباعية (خمسًا) أي خمس ركعات فزاد ركعة. 1226 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَقِيلَ لَهُ: أَزِيدَ فِي الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ". وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين، ابن عتيبة، بالمثناة ثم الموحدة مصغرًا، الفقيه الكوفي (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه): (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى الظهر خمسًا. فقيل له) عليه الصلاة والسلام لما سلم (أزيد في الصلاة)؟ بهمزة الاستفهام الاستخباري (فقال) عليه الصلاة والسلام، وللأصيلي: قال (وما ذاك؟) أي: وما سؤالكم عن الزيادة في الصلاة؟ (قال: صليت خمسًا فسجد) عليه الصلاة والسلام بعد أن تكلم (سجدتين) للسهو (بعدما سلم) أي: بعد سلام الصلاة لتعذر السجود قبله، لعدم علمه بالسهو. ولم يذكر في الحديث هل انتظره الصحابة أو اتبعوه في الخامسة. والظاهر أنهم اتبعوه لتجويزهم الزيادة في الصلاة، لأنه كان زمان توقع النسخ. أما غير الزمن النبوي فليس للمأموم أن يتبع إمامه في الخامسة مع علمه بسهوه، لأن الأحكام استقرت. فلو تبعه بطلت صلاته لعدم العذر، بخلاف من سها كسهوه. واستدلّ الحنفية بالحديث على أن سجود السهو كله بعد السلام، وظاهر صنيع المصنف، يقتضي التفرقة بين ما إذا كان السهو بالنقصان أو الزيادة، ففي النقصان: يسجد قبل السلام كما في الترجمة السابقة، وفي الزيادة يسجد بعده. وبذلك لما ذكر: قال مالك، والمزني والشافعي، في القديم، وحمل في الجديد السجود فيه على أنه تدارك للمتروك قبل السلام سهوًا، لما في حديث أبي سعيد، عند مسلم الآمر بالسجود قبل السلام من التعرض للزيادة ولفظه: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلّى، فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم. وفي قول قديم ثان للشافعي

3 - باب إذا سلم في ركعتين أو في ثلاث فسجد سجدتين مثل سجود الصلاة أو أطول

أيضًا: يتخير إن شاء سجد قبل السلام، وإن شاء بعده لثبوت الأمرين عنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كما مر. ورجحه البيهقي. ونقل الماوردي وغيره، الإجماع على جوازه، وإنما الخلاف في الأفضل. ولذا أطلق النووي، وتعقب: بأن إمام الحرمين نقل في النهاية الخلاف في الاجزاء عن المذهب. واستبعد القول بالجواز. وذهب أحمد إلى أنه يستعمل كل حديث فيما يرد فيه، وما لم يرد فيه شيء يسجد قبل السلام. 3 - باب إِذَا سَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ أَوْ فِي ثَلاَثٍ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ مِثْلَ سُجُودِ الصَّلاَةِ أَوْ أَطْوَلَ هذا (باب) بالتنوين (إذا سلم) المصلي (في ركعتين أو) سلم (في ثلاث، فيسجد سجدتين مثل سجود الصلاة أو أطول) منه ما يكون الحكم، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: سجد، بغير فاء، وهي أوجه. وفي بمعنى: من. 1227 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ -أَوِ الْعَصْرَ- فَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: الصَّلاَةُ يَا رَسُولَ اللَّهَ أَنَقَصَتْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَصْحَابِهِ: أَحَقٌّ مَا يَقُولُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ". قَالَ سَعْدٌ "وَرَأَيْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ صَلَّى مِنَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، فَسَلَّمَ وَتَكَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى مَا بَقِيَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَقَالَ: هَكَذَا فَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد بن إبراهيم) بسكون العين (عن أبي سلمة) بفتح اللام، عبد الله، أو إسماعيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال): (صلّى بنا النبي) وللأصيلي: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظهر -أو العصر-) بالشك، وسبق في باب الإمامة الجزم بأنها الظهر، وكذا مسلم في رواية له. وفي أخرى له أيضًا الجزم بالعصر. والشك من أبي هريرة، كما تبين من رواية عون، عن محمد بن سيرين، عند النسائي، ولفظه: قال أبو هريرة، رضي الله عنه: صلّى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إحدى صلاتي العشي. قال أبو هريرة: لكني نسيت. فبين أبو هريرة أن الشك منه، وهو يعكر على ما حكاه النووي عن المحققين أنهما قضيتان، بل يجمع بأن أبا هريرة رواه كثيرًا على الشك، ومرة غلب على ظنه أنها الظهر، فجزم بها ومرة أنها العصر فجزم بها. وفي قول أبي هريرة: صلّى بنا تصريح بحضوره ذلك، ويؤيده ما في رواية مسلم وأحمد وغيرهما، من طريق يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة في هذا الحديث، عن أبي هريرة: بينما أنا أصلي مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو يرد على الطحاوي حيث حمل قوله: صلّى بنا على المجاز. وأن المراد: صلّى بالمسلمين، متمسكًا بما قاله الزهري. ووهموه فيه، وهو أن القصة لذي الشمالين فقط المستشهد ببدر قبل إسلام أبي هريرة بأكثر من خمس سنين، فالصواب أن القصة لذي اليدين فقط وهو غيره. قال أبو عمرو: وقول من قال: إن ذا اليدين قتل يوم بدر غير صحيح، ولسنا ندافعهم أن ذا الشمالين قتل ببدر، فقد ذكر ابن إسحاق وغيره من أهل السير ذا الشمالين فيمن قتل ببدر، وأنه خزاعي. وأما ذو اليدين الذي شهد سهو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلمي، واسمه الخرباق. نعم، روى النسائي ما يدل على أنهما واحد، ولفظه فقال له ذو الشمالين ابن عمرو أنقصت الصلاة أم نسيت؟ فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما يقول ذو اليدين؟ فصرح بأن ذا الشمالين هو ذو اليدين. لكن نص الشافعي في اختلاف الحديث فيما نقله في الفتح، وأبو عبد الله الحاكم والبيهقي وغيرهم: أن ذا الشمالين غير ذي اليدين. وقال النووي في الخلاصة: إنه قول الحفاظ، وسائر العلماء إلاّ الزهري، واتفقوا على تغليطه. وقال أبو عمرو: أما قول الزهري إنه ذو الشمالين فلم يتابع عليه، وقد اضطرب الزهري في حديث ذي اليدين اضطرابًا أوجب عند أهل العلم بالنقل تركه من روايته، خاصة ولم يعول عليه فيه أحد، فليس قوله: إنه المقتول ببدر حجة، فقد تبين غلطه في ذلك والله أعلم (فسلم) عليه الصلاة والسلام في الركعتين (فقال ذو اليدين) الخرباق السلمي: (الصلاة يا رسول الله) بالرفع مبتدأ خبره (أنقصت) بهمزة الاستفهام وفتح النون، فيكون الفعل لازمًا، وبضمها متعديًا (فقال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأصحابه) الذين صلوا معه، رضي الله عنهم: (أحق) بالرفع، مبتدأ دخلت عليه همزة الاستفهام، وقوله: (ما يقول) أي: ذو اليدين؟ سادّ مسد الخبر أو: أحق، خبر، وتاليه مبتدأ. (قالوا: نعم) حق ما يقول (فصلّى) عليه الصلاة والسلام (ركعتين أخريين) بمثناتين تحتيتين بعد الراء، ولأبي الوقت، وابن عساكر: أخراوين، بألف ثم واو بعد الراء على خلاف القياس (ثم سجد) عليه الصلاة والسلام (سجدتين) للسهو كسجدتي الصلاة يجلس مفترشًا بينهما. ويأتي بذكر السجود للصلاة فيهما، وعن بعضهم أنه يندب له أن يقول فيهما: سبحان من لا ينام ولا يسهو. قال النووي، كالرافعي:

4 - باب من لم يتشهد في سجدتى السهو

وهو لائق بالحال. قال الزركشي: إنما يتم إذا لم يتعمد ما يقتضي السجود، فإن تعمد فليس بلائق، بل اللائق الاستغفار ثم يتورك ويسلم ولا يستشهد بعد السجود، وإنما بنى عليه الصلاة والسلام على الركعتين بعد أن تكلم لأنه كان ساهيًا، لظنه عليه الصلاة والسلام أنه خارج الصلاة، والكلام سهوًا لا يقطعها، خلافًا للحنفية. وأما كلام ذي اليدين والصحابة. فلأنهم لم يكونوا على اليقين من البقاء في الصلاة لتجويزهم نسخ الصلاة من الأربع إلى الركعتين. وتعقب بأنهم تكلموا بعد قوله عليه الصلاة والسلام: لم تقصر، أو: أن كلامهم كان خطابًا له، عليه الصلاة والسلام، وهو غير مبطل عند قوم، أو: أنهم لم يقع منهم كلام، إنما أشاروا إليه أي: نعم، كما في سنن أبي وإسناد صحيح بلفظ: أومأوا!. وبالإسناد السابق (قال سعد) بسكون العين، ابن إبراهيم المذكور، وهو مما أخرجه ابن أبي شيبة عن غندرعن شعبة. (ورأيت عروة بن الزبير صلّى من المغرب ركعتين، فسلم) عقبهما (وتكلم) ساهيًا (ثم صلّى ما بقي) منها (وسجد) رضي الله عنه (سجدتين) للسهو (وقال: هكذا فعل النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). فإن قلت: ليس في حديث الباب إلاّ التسليم في اثنتين، وليس فيه التسليم في ثلاث، وحينئذ فلا مطابقة بينه وبين الترجمة في الجزء الثاني. أجيب: بأنه قد ورد التسليم في ثلاث، عند مسلم، من حديث عمران بن الحصين فكأنه أشار إليه في الترجمة. 4 - باب مَنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ فِي سَجْدَتَىِ السَّهْوِ وَسَلَّمَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ وَلَمْ يَتَشَهَّدَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: لاَ يَتَشَهَّدُ. (باب من لم يتشهد في سجدتي السهو) أي: بعدهما (وسلم أنس) هو: ابن مالك (والحسن) هو البصري عقب سجدتي السهو (ولم يتشهدا) كما وصله ابن أبي شيبة من طريق قتادة عنهما (وقال قتادة: لا يتشهد) بحرف النفي. كما فى الفرع وغيره من الأصول، وهو موافق لما رواه قتادة عن أنس والحسن، فاقتدى بهما في ذلك. لكن حمل الحافظ ابن حجر لفظ: لا، على الزيادة، لما في رواية عبد الرزاق عن معمر عنه، قال: يتشهد في سجدتي السهو، من غير ذكر: لا. وتعقبه العيني: بأنه يجوز أن يكون عن قتادة روايتان، وبأنه إذا قيل بزيادة: لا، فيما ذكره البخاري، فلقائل أن يقول: لعلها سقطت فيما رواه عبد الرزاق. اهـ. 1228 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْصَرَفَ مِنِ اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ أَقُصِرَتِ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ". حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ قَالَ: "قُلْتُ لِمُحَمَّدٍ: فِي سَجْدَتَىِ السَّهْوِ تَشَهُّدٌ؟ قَالَ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك بن أنس) الأصبحي (عن أيوب) وللأصيلي: أخبرنا مالك عن أيوب (بن أبي تميمة السختياني) بفتح السين وكسر التاء (عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه): (أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انصرف من اثنتين) أي: ركعتين (فقال له ذو اليدين) الخرباق، بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة آخره قاف، وكان في يديه طول (أقصرت الصلاة) بفتح القاف وضم الصاد (أم نسيت يا رسول الله؟ فقال) ولأبي ذر: قال (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) للناس المصلين معه: (أصدق ذو اليدين) فيما قال؟ (فقال الناس: نعم) أي: صدق (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: اعتدل، لأنه كان مستندًا إلى الخشبة، كما يأتي إن شاء الله تعالى، أو: أن فيه تعريضًا بأنه أحرم ثم جلس، ثم قام. قال في المصابيح، وهو أحد القولين: وإلاّ فلا يتصور استئناف القيام إلا بهذه الطريقة. (فصلى) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اثنتين) ركعتين (أخريين، ثم سلم، ثم كبر، فسجد) ثم كبر فرفع، ثم كبر فسجد، وكان سجوده فيهما (مثل سجوده) الذي للصلاة (أو أطول) منه، (ثم رفع) من سجوده ولم يتشهد، ثم سلم. وهذا يهدم قاعدة المالكية ومن وافقهم، أنه إذا كان السهو بالنقصان يسجد قبل السلام. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) بفتح المهملة وتسكين الراء آخره موحدة، قال: (حدّثنا حماد) هو: ابن زيد (عن) أبي بشر (سلمة بن علقمة) التميمي البصري (قال: قلت لمحمد) بن سيرين (في سجدتي السهو تشهد؟ قال) ولأبي الوقت: فقال: (ليس في حديث أبي هريرة) تشهد، ومفهومه وروده في غير حديثه. ويؤيده حديث عمران بن حصين، عند أبي داود وابن حبان والحاكم: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى بهم فسها، فسجد سجدتين، ثم تشهد ثم سلم. وضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما، ووهموا أشعث

5 - باب من يكبر في سجدتى السهو

راويه لمخالفته غيره من الحفاظ عن ابن سيرين. 5 - باب مَنْ يُكَبِّرُ فِي سَجْدَتَىِ السَّهْوِ (باب يكبر) الساهي في صلاته (في سجدتي السهو) ولغير الأربعة: باب من يكبر. 1229 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِحْدَى صَلاَتَىِ الْعَشِيِّ -قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَكْثَرُ ظَنِّي الْعَصْرَ- رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -رضي الله عنهما- فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ، فَقَالُوا: أَقَصُرَتِ الصَّلاَةُ؟ وَرَجُلٌ يَدْعُوهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ؟ فَقَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ. قَالَ: بَلَى قَدْ نَسِيتَ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَكَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ". وبالسند قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث بن سخبرة الحوضي (قال: حدّثنا يزيد بن إبراهيم) التستري (عن محمد) هو: ابن سيرين (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلّى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إحدى صلاتي العشي) بفتح العين وكسر الشين وتشديد الياء: الظهر أو العصر (قال محمد) أي: ابن سيرين بالإسناد المذكور (وأكثر) بالمثلثة أو الموحدة (ظني أنها العصر ركعتين) بنصب العصر على المفعولية. ولأبي ذر: العصر، بالرفع. وفي حديث عمران الجزم بأنها العصر، وفي رواية يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عند مسلم: الجزم بأنها الظهر. وكذا عند البخاري في لفظ من رواية سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة. وقد أجاب النووي عن هذا الاختلاف بما حكاه عن المحققين: أنهما قضيتان لكن قال في شرح تقريب الأسانيد: والصواب أن قصة أبي هريرة واحدة، وأن الشك من أبي هريرة. ويوضح ذلك ما رواه النسائي من رواية ابن عون، عن محمد بن سيرين قال: قال أبو هريرة: صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إحدى صلاتي العشي ... قال أبو هريرة: ولكني نسيت. قال: فصلّى بنا ركعتين ... فبين أبو هريرة في روايته هذه وإسنادها صحيح، أن الشك منه. وإذا كان كذلك فلا يقال: هما واقعتان. وأما قول ابن سيرين السابق، أكثر ظني فهو شك آخر من ابن سيرين، وذلك أن أبا هريرة حدثه بها معينة كما عينها لغيره، ويدل على أنه عينها له قول البخاري في بعض طرقه، قال ابن سيرين: سماها أبو هريرة ولكني نسيت أنا. (ثم سلم) في حديث عمران بن حصين المروي في مسلم: أنه سلم في ثلاث ركعات، وليس باختلاف، بل هما قضيتان، كما حكاه النووي في الخلاصة عن المحققين (ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد) بتشديد الدال المفتوحة، أي: في جهة القبلة. وفي رواية ابن عون: فقام إلى خشبة معروضة أي موضوعة بالعرض (فوضع يده عليها) أي: على الخشبة (وفيهم) أي: المصلين معه (أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما، فهابا أن يكلماه) أي: غلب عليهما احترامه وتعظيمه عن الاعتراض عليه. وفي رواية ابن عون: فهاباه، بزيادة الضمير (وخرج سرعان الناس)، رفع على الفاعلية وبالمهملات المفتوحات؛ أي: الذين يسارعون إلى الشيء، ويقدمون عليه بسرعة. وفي القاموس: وسرعان الناس، محركة أوائلهم الستبقون إلى الأمر، ويسكن. وقال عياض: ضبطه الأصيلي في البخاري، سرعان الناس بضم السين وإسكان الراء: ووجهه أنه جمع: سريع، كقفيز وقفزان، وكثيب وكثبان (فقالوا: أقصرت الصلاة؟) بهمزة الاستفهام وضم الصاد مبنيًّا للمفعول وفتحها على صيغة المعلوم، وفي رواية ابن عون بحذف همزة الاستفهام (ورجل) هناك (يدعوه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذو اليدين) وللأربعة: ذا اليدين، بالنصب أي: يسميه ذا اليدين (فقال) للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما غلب عليه من الحرص على تعلم العلم: (أنسيت أم) بالميم، ولأبي الوقت: أو (قصرت)؟ أي: الصلاة بفتح القاف وضم الصاد. وإنما سكت العمران ولم يسألاه لكونهما هاباه، كما مر، مع علمهما أنه سيبين أمر ما وقع، ولعله كان بعد النهي عن السؤال. ولم ينفرد ذو اليدين بالسؤال، فعند أبي داود، والنسائي بإسناد صحيح من حديث معاوية بن خديج أنه سأله عن ذلك طلحة بن عبيد الله. ولكنه ذكر فيه أنه كان بقيت من الصلاة ركعة، ويجوز أن تكون العصر فيوافق حديث عمران بن حصين، فيكون قد سأله طلحة مع الخرباق أيضًا. (فقال) عليه الصلاة والسلام (لم أنس) في اعتقادي، لا في نفس الأمر (ولم تقصر) بضم أوله وفتح ثالثه، ولأبي ذر: ولم تقصر، بفتح أوله وضم ثالثه. وهذا صريح في نفي النسيان، وفي نفي القصر، وهو يفسر المراد بقوله في رواية أبي سفيان عن أبي هريرة عند مسلم: كل ذلك لم يكن، وهو أشمل من لو قيل: لم يكن كل ذلك. لأنه من باب تقوي الحكم، فيفيد التأكيد في المسند والمسند إليه. بخلاف الثاني إذ ليس فيه تأكيد أصلاً، فيصح أن يقال: لم يكن كل ذلك، بل كان بعضه. ولا يصح أن يقال: كل ذلك لم يكن بل بعضه. كما تقرر في البيان، وهذا القول

6 - باب إذا لم يدر كم صلى -ثلاثا أو أربعا- سجد سجدتين وهو جالس

من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ردّ على ذي اليدين في موضع استعماله الهمزة، وأم، وليس بجواب، لأن السؤال بالهمزة وأم عن تعيين أحد المستويين، وجوابه تعيين أحدهما، يعني: كل ذلك لم يكن، فكيف تسأل بالهمزة وأم. ولذلك بيّن السائل بقوله، في رواية أبي سفيان: قد كان بعض ذلك. وفي بعض هذه الرواية (قال: بلى قد نسيت) لأنه لما نفى الأمرين وكان مقررًا عند الصحابي أن السهو غير جائز عليه في الأمور البلاغية جزم بوقوع النسيان لا القصر، وفائدة جواز السهو في مثل هذا بيان الحكم الشرعي إذا وقع مثله لغيره. (فصلّى ركعتين) بانيًا على ما سبق بعد أن تذكر أنه لم يتمها، كما رواه أبو داود في بعض طرقه، قال: ولم يسجد سجدتي السهو حتى يقنه الله ذلك، فلم يقلدهم في ذلك، إذا لم يطل الفصل (ثم سلم، ثم كبر فسجد) للسهو (مثل سجوده أو أطول) منه، (ثم رفع رأسه) من السجود (فكبر، ثم وضع رأسه فكبر، فسجد مثل سجوده أو أطول) منه، (ثم رفع رأسه) من السجود (وكبر). وظاهره الاكتفاء بتكبيرة السجود، ولا يشترط تكبيرة الإحرام، وهو قول الجمهور. وحكى القرطبي: أن قول مالك لم يختلف في وجوب السلام بعد سجدتي السهو، قال: وما يتحلل منه بسلام لا بد له من تكبيرة الإحرام. ويؤيده ما رواه أبو داود من طريق حماد بن زيد عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين في هذا الحديث، قال: فكبر ثم كبر وسجد للسهو. وقال أبو داود: لم يقل أحد: فكبر ثم كبر إلا حماد بن زيد، فأشار إلى شذوذ هذه الزيادة. اهـ. وقد اشتمل حديث الباب على فوائد كثيرة، واستدلّ به من قال من أصحاب الشافعي ومالك أيضًا: إن الأفعال الكثيرة في الصلاة التي ليست من جنسها، إذا وقعت على وجه السهو لا تبطلها، لأنه خرج سرعان الناس، وفي بعض طرق الصحيح أنه، عليه الصلاة والسلام، خرج إلى منزله، ثم رجع. وفي بعضها: أتى جذعًا في قبلة المسجد واستند إليه وشبك بين أصابعه، ثم رجع ورجع الناس، وبنى بهم. وهذه أفعال كثيرة. لكن للقائل: بأن الكثير يبطل، أن يقول: هذه غير كثيرة، كما قاله ابن الصلاح، وحكاه القرطبي عن أصحاب مالك. والرجوع في الكثرة والقلة إلى العرف على الصحيح، والمذهب الذي قطع به جمهور أصحاب الشافعي: أن الناسي في ذلك كالعامد، فيبطلها الفعل الكثير ساهيًا. ورواة الحديث كلهم بصريون، وفيه: التحديث والعنعنة. 1230 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ الأَسْدِيِّ حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ فِي صَلاَةِ الظُّهْرِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ. فَلَمَّا أَتَمَّ صَلاَتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فَكَبَّرَ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ، مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنَ الْجُلُوسِ". تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي التَّكْبِيرِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي، قال: (حدّثنا ليث) هو: ابن سعد الإمام، وللأصيلي، وابن عساكر: الليث (عن ابن شهاب) الزهري (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن عبد الله ابن بحينة) بنت الحرث بن عبد الطلب، وهي: أم عبد الله، أو أم أبيه، ويكتب ابن بحينة بألف قبل الباء، واسم أبيه: مالك بن القشب، بكسر القاف وسكون المعجمة ثم موحدة، جندب (الأسدي) بسكون السين، وأصله: الأزدي نسبة إلى أزد، فأبدلت الزاي سينًا (حليف بني عبد المطلب) الصواب إسقاط بني، لأن جده حالف المطلب بن عبد مناف. (أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قام في صلاة الظهر، وعليه جلوس) مع التشهد فيه، وقام الناس معه إلى الثالثة (فلما أتم صلاته) ولم يسلم (سجد سجدتين) للسهو (فكبر) بالفاء، وللأربعة: يكبر، بالمثناة التحتية المضمومة وكسر الموحدة (في كل سجدة، وهو جالس قبل أن يسلم) جملة حالية وسجدهما الناس معه) لأن سهو الإمام غير المحدث يلحق المأموم، بخلاف ما إذا بأن إمامه محدثًا، فلا يلحقه سهوه، ولا يتحمل هو عنه، إذ لا قدوة حقيقة حال السهو (مكان ما نسي من الجلوس) المستلزم تركه ترك التشهد على ما لا يخفى. (تابعه) أي: تابع الليث (ابن جريج) عبد العزيز بن عبد الملك، مما وصله عبد الرزاق (عن ابن شهاب) الزهري (في التكبير) في سجدتي السهو. والحديث سبق قريبًا في باب: ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفريضة. 6 - باب إِذَا لَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى -ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا- سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهْوَ جَالِسٌ (باب) بالتنوين (إذا لم يدر) المصلي (كم صلّى -ثلاثًا أو أربعًا، سجد سجدتين وهو جالس) أي: والحال أنه جالس. 1231 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّسْتَوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا نُودِيَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ الأَذَانَ، فَإِذَا قُضِيَ الأَذَانُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا -مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ! حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى. فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى -ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا- فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهْوَ جَالِسٌ". وبالسند قال:

7 - باب السهو في الفرض والتطوع وسجد ابن عباس -رضي الله عنهما- سجدتين بعد وتره

(حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء، الزهراني، قال: (حدّثنا هشام بن أبي عبد الله الدستوائي) بفتح الدال والفوقية مع المدّ (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا نودي بالصلاة، أدبر الشيطان وله) وللأصيلي، وابن عساكر: له (ضراط حتى لا يسمع الأذان) أي: أدبر وله ضراط إلى غاية لا يسمع فيها الأذان. ويحتمل أن تكون: حتى، ليست لغاية الإبعاد في الإدبار، بل غاية للزيادة في الضراط، أي: أنه يقصد بما يفعله من ذلك تصميم أذنه عن سماع صوت المؤذن. لكن يدل على أن المراد زيادة البعد ما في مسلم عن جابر مرفوعًا: إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة، ذهب حتى يكون مكان الروحاء. قال سليمان، يعني الأعمش، فسألته عن الروحاء، فقال: هي من المدينة على ستة وثلاثين ميلاً. قال الطيبي: وشبه شغل الشيطان نفسه وإغفاله عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه ضراطًا تقبيحًا له. (فإذا قضي الأذان) بضم القاف مبنيًا للمفعول، ولأبي ذر: قضى، بفتح القاف مبنيًّا للفاعل، والأذان نصب على المفعولية، أي: فرغ منه (أقبل) الشيطان. (فإذا ثوب بها) بضم المثلثة مبنيًا للمفعول، أي: أقيم (أدبر) الشيطان، (فإذا قضي التثويب) أي: فرغ من الإقامة (أقبل) الشيطان (حتى يخطر). قال القاضي عياض: بكسر الطاء، ضبطته عن المتقنين، وهو الوجه، يعني: يوسوس. وأكثر الرواة على الضم، ومعناه: السلوك والمرور أي: يدنو فيمر (بين المرء) الإنسان (ونفسه) فيذهله عما هو فيه (يقول: اذكر كذا وكذا -ما لم يكن يذكر- حتى يظل الرجل) بفتح الظاء أي: يصير (إن يدري) بكسر الهمزة، وهي نافية أي: ما يدري (كم صلى). قال المهلب: وإنما يهرب الشيطان من سماع الأذان، ويجيء عند الصلاة، لاتفاق الكل على الإعلان بشهادة التوحيد وإقامة الشريعة، كما يفعل يوم عرفة لما روي من اتفاق الكل على شهادة التوحيد، وتنزل الرحمة، فييأس أن يردّهم عما أعلنوا به من ذلك، ويوقن بالخيبة بما تفضل الله به عليهم من ثواب ذلك، لئلا يسمعه، ويذكر معصية الله ومصادمة أمره، فلا يملك الحدث لما حصل له من الخوف. اهـ. وقيل: لئلا يسمع الأذان، فيضطر إلى أن يشهد له يوم القيامة، لقوله عليه الصلاة والسلام: لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة. أو: هو إبقاء له على مخالفة أمر الله، واستمراره على معصيته وعدم الانقياد إليه فإذا دعا داعي الله، فرّ منه وأعرض عنه، فإذا حضرت الصلاة حضر مع المصلين غير مشارك لهم في الصلاة، بل ساعيًا في إبطالها عليهم، وهذا أبلغ في المعصية مما لو غاب عن الصلاة بالكلية، فصار حضوره عند الصلاة من جنس هربه عند الأذان. قاله في شرح التقريب. (فإذا لم يدر أحدكم كم صلّى -ثلاثًا أو أربعًا- فليسجد سجدتين وهو جالس) أي: قبل التسليم بعد أن يأخذ بالأقل، لحديث أبي سعيد الخدري، المروي في مسلم: فليطرح الشك وليبن على ما استيقن فيحمل حديث أبي هريرة عليه فيأتي بركعة يتم بها. قيل: ولا معنى للسجود، والأظهر أن له معنى، وهو تردّده. فإن كان المأتي به زائدًا فالزيادة تقتضيه، وإلا فالتردد يضعف النية، ويحوج إلى الجبر، ولا يقلد غيره، وإن كثروا وراقبوه، لقوله في حديث أبي سعيد المذكور: وليبن على اليقين. ولأنه تردد في فعل نفسه، فلا يأخذ بقول غيره فيه، كالحاكم إذا حكم ونسي حكمه، لا يأخذ بقول الشهود عليه. 7 - باب السَّهْوِ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ وَسَجَدَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ وِتْرِهِ (باب السهو في الفرض والتطوع) أي: هل هما سواء أو يفترق حكمهما. (وسجد ابن عباس، رضي الله عنهما) مما وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أبي العالية (سجدتين بعد وتره) وكان يراه سنة، فدلّ ذلك على أن حكمه كالفرض. 1232 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَ الشَّيْطَانُ فَلَبَسَ عَلَيْهِ حَتَّى لاَ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ». وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي. قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (إن أحدكم إذا قام يصلّي) فرضًا أو نفلاً، فإن قلت: قوله في الرواية السابقة

8 - باب إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع

قبل هذه إذا نودي بالصلاة، قرينة في أن المراد الفريضة، وكذا قوله: إذا ثوب؟ أجيب: بأن ذلك لا يمنع تناول النافلة، لأن الإتيان بها حينئذ مطلوب، لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بين كل أذانين صلاة". (جاء الشيطان فلبس عليه) بتخفيف الموحدة المفتوحة على الصحيح، أي: خلط عليه أمر صلاته (حتى لا يدري) أحدكم (كم صلّى، فإذا وجد ذلك أحدكم، فليسجد سجدتين وهو جالس). والجمهور على مشروعية سجود السهو في التطوّع إلا ابن سيرين وقتادة، فإنهما قالا: لا سجود فيه. 8 - باب إِذَا كُلِّمَ وَهُوَ يُصَلِّي فَأَشَارَ بِيَدِهِ وَاسْتَمَعَ هذا (باب) بالتنوين (إذا كلم) بضم الكاف وكسر اللام المشددة (وهو يصلّي فأشار بيده واستمع) أي المصلي لم تفسد صلاته. 1233 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ "أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ -رضي الله عنهم- أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَقَالُوا: اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنَّا جَمِيعًا وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ صَلاَةِ الْعَصْرِ وَقُلْ لَهَا: إِنَّا أُخْبِرْنَا أَنَّكِ تُصَلِّينَهُمَا. وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكُنْتُ أَضْرِبُ النَّاسَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْهُمَا. فَقَالَ كُرَيْبٌ: فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي، فَقَالَتْ: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ. فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرْتُهُمْ بِقَوْلِهَا، فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِي بِهِ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها-: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عَنْهَا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ يُصَلِّيهِمَا حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَىَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْجَارِيَةَ فَقُلْتُ: قُومِي بِجَنْبِهِ قُولِي لَهُ: تَقُولُ لَكَ أُمُّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا، فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي عَنْهُ. فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ، فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ، سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَإِنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ". [الحديث 1233 - طرفه في: 4370]. وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أي: ابن يحيى الجعفي (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو) هو: ابن الحرث (عن بكير) هو: ابن عبد الله بن الأشج (عن كريب) مولى ابن عباس، بضم الموحدة في الأوّل والكاف في الثاني مصغرين. (أن ابن عباس، والمسور بن مخرمة) بكسر الميم في الأول، وفتحها في الثاني، هو: الزهري الصحابيّ (وعبد الرحمن بن أزهر) على وزن: أفعل، القرشي الزهري الصحابيّ، عم عبد الرحمن بن عوف، (رضي الله عنهم، أرسلوه) بالهاء وفي نسخة: أرسلوا، أي: كريبًا (إلى عائشة، رضي الله عنها، فقالوا: اقرأ عليها السلام منا جميعًا، وسلها) أصله: اسألها (عن الركعتين) أي: عن صلاتهما (بعد صلاة العصر، وقل لها): (إنا أخبرنا) بضم الهمزة على صيغة المجهول، قيل: المخبر عبد الله بن الزبير (أنك) وللأصيلي: عنك أنك (تُصلّينَهما) بنون قبل الهاء مع التثنية أي: الركعتين، ولابن عساكر في نسخة، وأبوي ذر، والوقت: تصليهما، بحذفها، ولأبي ذر أيضًا، وابن عساكر: تصليها، بحذفها على الإفراد أي: الصلاة (وقد بلغنا). فيه إشارة إلى أنهم لم يسمعوا ذلك منه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد سمى ابن عباس الواسطة، كما سبق في المواقيت، حيث قال: شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر. (أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نهى عنها) أي: عن الصلاة، ولأبي ذر عن الكشميهني: عنه، أي: عن الفعل. (و) بالإسناد السابق (قال ابن عباس) رضي الله عنهما: (وكنت أضرب الناس مع عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (عنها) أي: عن الصلاة، أي: لأجلها، وللأصيلي: عنهما. بالتثنية، أي: عن الركعتين، وللكشميهني: عنه، أي: عن الفعل. وروى ابن أبي شيبة، من طريق الزهري، عن السائب، هو: ابن يزيد، قال: رأيت عمر، رضي الله عنه، يضرب المنكدر على الصلاة بعد العصر، ولأبي الوقت في نسخة: عليها. (فقال) وللأربعة: قال (كريب) بالإسناد السابق. (فدخلت على عائشة رضي الله عنها، فبلغتها ما أرسلوني) به (فقالت: سل أم سلمة، فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها، فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة) رضي الله عنها (فقالت أم سلمة، رضي الله عنها: سمعت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ينهى عنها) أي: عن الصلاة (ثم رأيته يصلّيهما) أي: الركعتين (حين صلّى العصر، ثم دخل علي) فصلاهما حينئذ بعد الدخول (وعندي نسوة من بني حرام) بفتح المهملتين (من الأنصار، فأرسلت إليه الجارية) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمها، ويحتمل أن تكون بنتها زينب، لكن في رواية المصنف في المغازي: فأرسلت إليه الخادم (فقلت: قومي بجنبه قولي) ولأبي الوقت، والأصيلي: فقولي (له: تقول لك أم سلمة: يا رسول الله، سمعتك تنهى عن هاتين) ولأبي الوقت في غير اليونينية: عن هاتين الركعتين اللتين بعد العصر (وأراك تصليهما! فإن أشار بيده، فاستأخري عنه؛ ففعلت الجارية) ما أمرت به من القيام والقول (فأشار) عليه الصلاة والسلام (بيده، فاستأخرت عنه. فلما انصرف قال): (يا بنت أبي أمية) هو: والد أم سلمة، واسمه سهيل، أو: حذيفة بن المغيرة المخزومي، ولأبي ذر: يا ابنة أبي أمية (سألت عن الركعتين) اللتين (بعد العصر، وإنه أتاني ناس) ولأبي الوقت، في غير اليونينية: أناس (من عبد القيس) زاد في المغازي: بالإسلام من قومهم، وعند الطحاوي من وجه آخر: فجاءني مال، (فشغلوني

9 - باب الإشارة في الصلاة قاله كريب عن أم سلمة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان) الركعتان اللتان كنت أصليهما بعد الظهر، فشغلت عنهما فصليتهما الآن. وقد كان من عادته، عليه الصلاة والسلام، أنه إذا فعل شيئًا من الطاعات لم يقطعه أبدًا. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: ففعلت الجارية، فكلمته مثل ما قالت لها أم سلمة، فأشار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده. ورواته ما بين: كوفي ومصري ومدني وفيه أربعة من الصحابة رجلان وامرأتان، والتحديث والإخبار، والعنعنة والقول، والإرسال والبلاغ، وأخرجه أيضًا في: المغازي، ومسلم في الصلاة، وكذا أبو داود. 9 - باب الإِشَارَةِ فِي الصَّلاَةِ قَالَهُ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب) حكم (الإشارة) الواقعة (في الصلاة) من المصلي (قاله، كريب، عن أم سلمة، رضي الله عنها، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما مر في الحديث السابق. 1234 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَلَغَهُ أَنَّ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَىْءٌ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ فِي أُنَاسٍ مَعَهُ، فَحُبِسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَانَتِ الصَّلاَةُ، فَجَاءَ بِلاَلٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ حُبِسَ، وَقَدْ حَانَتِ الصَّلاَةُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ. فَأَقَامَ بِلاَلٌ، وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- فَكَبَّرَ لِلنَّاسِ، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ، فَأَخَذَ النَّاسُ فِي التَّصْفِيقِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- لاَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاَتِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ الْتَفَتَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُهُ أَنْ يُصَلِّيَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَرَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَىْءٌ فِي الصَّلاَةِ أَخَذْتُمْ فِي التَّصْفِيقِ؟ إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ، مَنْ نَابَهُ شَىْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ حِينَ يَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ إِلاَّ الْتَفَتَ. يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ لِلنَّاسِ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: مَا كَانَ يَنْبَغِي لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي، مولاهم، البغلاني البلخي، قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله القاري، بتشديد الياء، المدني، نزيل الإسكندرية (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي، سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد الساعدي) الأنصاري (رضي الله عنه). (أن رسول الله، بلغه أن بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء) وهو: أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأخبر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلح بينهم في أناس معه، فحبس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وحانت الصلاة) صلاة العصر، (فجاء بلال) المؤذن لما حضرت العصر (إلى أبي بكر رضي الله عنه). وكان عليه الصلاة والسلام قال لبلال: إن حضرت صلاة العصر ولم آتك فمر أبا بكر فليصل بالناس. (فقال: يا أبا بكر! إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد حبس، وقد حانت الصلاة، فهل لك أن تؤم الناس؟ قال) أبو بكر: (نعم) أؤمهم (إن شئت). (فأقام بلال) الصلاة (وتقدم أبو بكر، رضي الله عنه، فكبر للناس) أي: تكبيرة الإحرام لأجل الناس (وجاء رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يمشي في الصفوف حتى قام في الصف، فأخذ الناس في التصفيق) شرعوا فيه، وهذا موضع الترجمة، لأن التصفيق يكون باليد وحركتها به كحركتها بالإشارة (وكان أبو بكر، رضي الله عنه، لا يلتفت في صلاته) لعلمه بالنهي عنه. (فلما أكثر الناس) التصفيق (التفت) أبو بكر (فإذا رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأشار إليه رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يأمره أن يصلّي) بالناس (فرفع أبو بكر، رضي الله عنه، يديه، فحمد الله) بلفظه صريحًا، أو: رفع رأسه إلى السماء شكرًا لله تعالى (ورجع القهقرى وراءه حتى قام في الصف) وفهم الصديق أن الأمر للتكريم لا للإيجاب، وإلا لم تجز له المخالفة (فتقدم رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فصلّى للناس) وللكشميهني: بالناس، بالموحدة بدل اللام (فلما فرغ أقبل على الناس، فقال): (يا أيها الناس) وللأربعة: وقال أيها الناس (ما لكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم) شرعتم (في التصفيق؟ إنما التصفيق للنساء من نابه شيء في صلاته) وفي نسخة: في الصلاة (فليقل: سبحان الله، فإنه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان الله إلا التفت. يا أبا بكر! ما منعك أن تصلي للناس حين أشرت إليك؟ فقال أبو بكر، رضي الله عنه: ما كان ينبغي لابن أبي قحافة) بضم القاف وتخفيف الحاء المهملة وبعد الألف فاء اسمه عثمان بن عامر، ولم يقل: ما لي، ولا: ما لأبي بكر؟ تحقيرًا لنفسه (أن يصلّي بين يدي رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأن الإمامة محل رياسة وموضع فضيلة. 1235 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ "دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- وَهِيَ تُصَلِّي قَائِمَةً وَالنَّاسُ قِيَامٌ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ. فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ فَقَالَتْ بِرَأْسِهَا أَىْ نَعَمْ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي، الكوفي، نزيل مصر، قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله قال: (حدّثنا) سفيان (الثوري) بالمثلثة (عن هشام) هو، ابن عروة بن الزبير (عن فاطمة) بنت المنذر بن الزبير (عن أسماء) بنت أبي بكر الصديق (قالت): (دخلت على عائشة) بنت الصديق (رضي الله عنها، وهي تصلي) حال كونها (قائمة والناس قيام، فقلت: ما شأن الناس؟) جملة اسمية من مبتدأ وخبر، وقعت مقول القول (فأشارت برأسها إلى السماء، فقلت) ولأبي ذر: قلت: (آية؟) بحذف

23 - كتاب الجنائز

همزة الاستفهام، خبر مبتدأ محذوف، أي هي علامة لعذاب الناس (فقالت) ولأبي ذر: فأشارت (برأسها، أي: نعم) تفسير لقولها فأشارت. وهو قطعة من حديث سبق في باب: من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس من باب العلم. 1236 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا قَالَتْ: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِهِ -وَهُوَ شَاكٍ- جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) وللأصيلي إسماعيل بن أبي أويس (قال حدَّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن هشام) هو: ابن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة، رضي الله عنها، زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنها قالت صلّى رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في بيته -وهو شاك-) بتخفيف الكاف، وأصله: شاكي نحو: قاض، استثقلت الضمة على الياء، فحذفت. وهو من الشكاية وهي المرض، أي: شاك عن مزاجه لانحرافه عن الصحة، وللأصيلي وابن عساكر، وأبي الوقت: شاكي بإثبات الياء (جالسًا) نصب على الحال (وصلّى وراءه قوم) حال كونهم (قيامًا، فأشار إليهم) بيده (أن اجلسوا، فلما انصرف) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الصلاة (قال): (إنما جعل الإمام ليؤتم به) أي: يقتدى به ويتبع، ومن شأن التابع أن لا يسبق متبوعه، ولا يتقدم في موقفه (فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع) رأسه (فارفعوا) رؤوسكم. والفاء فيهما للتعقيب. وسبق الحديث في باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به. بسم الله الرحمن الرحيم 23 - كتاب الجنائز (بسم الله الرحمن الرحيم). 1 - باب فِي الْجَنَائِزِ، وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَقِيلَ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَلَيْسَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إِلاَّ لَهُ أَسْنَانٌ فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ، وَإِلاَّ لَمْ يُفْتَحْ لَكَ. (باب) بالتنوين، وهو ساقط لأبي ذر (في الجنائز) بفتح الجيم، جمع جنازة بالفتح والكسر: اسم للميت في النعش، أو بالفتح: اسم لذلك، وبالكسر اسم للنعش وعليه اليت، وقيل عكسه، وقيل: هما لغتان فيهما، فإن لم يكن عليه الميت فهو سرير ونعش. وهي: من جنزه يجنزه إذا ستره. ذكره ابن فارس وغيره، وقال الأزهري: لا يسمى جنازة حتى يشد الميت عليه مكفنًا. وذكر هذا الباب هنا دون الفرائض لاشتماله على الصلاة، ولأبي الوقت، والأصيلي: كتاب الجنائز، بسم الله الرحمن الرحيم، باب ما جاء في الجنائز. ولابن عساكر: بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب الجنائز. (ومن كان آخر كلامه) عند خروجه من الدنيا: (لا إله إلا الله) أي: دخل الجنة. كما رواه أبو داود بإسناد حسن، والحاكم بإسناد صحيح، فحذف جواب من، وآخر: بالنصب لأبي ذر، خبر كان تقدم على اسمها، وهو: لا إله إلا الله. وساغ كونها مسندًا إليها مع أنها جملة لأن المراد بها لفظها، فهي في حكم الفرد. ولغير أبي ذر: آخر، بالرفع اسم كان، وكأنه لم يثبت عند المؤلّف في التلقين حديث على شرطه، فاكتفى بما يدل عليه. ولمسلم من حديث أبي هريرة، من وجه آخر: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله". قال في المجموع: أي من قرب موته. وهذا من باب تسمية الشيء باسم ما يصير إليه، كقوله: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: 36] فيذكر عند المحتضر: لا إله إلا الله ليتذكر، بلا زيادة عليها، فلا تسن زيادة: محمد رسول الله، لظاهر الأخبار. وقيل: تسن زيادته لأن المقصود بذلك التوحيد. ورد: بأن هذا موحد. ويؤخذ من هذه العلة ما بحثه الأسنوي، أنه: لو كان كافرًا لقن الشهادتين وأمر بهما. (وقيل لوهب بن منبه) بكسر الموحدة، مما وصله المؤلّف في التاريخ، وأبو نعيم في الحلية: (أليس لا إله إلا الله) أي: كلمتا الشهادة (مفتاح الجنة؟) بنصب مفتاح في رواية أبي ذر ورفعه لغيره على أنه خبر ليس، أو اسمها. (قال) وهب: (بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان) جياد (فتح لك). فهو من باب حذف النعت إذا دل السياق عليه، لأن مسمى المفتاح لا يعقل إلا بالأسنان. ومراده بالأسنان الأعمال المنجية المنضمة إلى كلمة التوحيد وشبهها، بأسنان المفتاح من حيث الاستعانة بها في فتح المغلقات وتيسير المستصعبات. وقول الزركشي، أراد بها القواعد التي بني الإسلام عليها، تعقبه في المصابيح: بأن من جملة القواعد كلمة الشهادة التي عبر عنها بالمفتاح، فكيف تجعل بعد ذلك من الأسنان؟. (وإلاّ) بأن جئت بمفتاح لا أسنان له (لم يفتح لك) فتحًا تامًا: أو في أول الأمر. وهذا بالنسبة إلى الغالب، وإلاّ فالحق أن أهل الكبائر في مشيئة الله تعالى، ومن قال: لا إله إلا الله مخلصًا أتي بمفتاح له أسنان، لكن

من خلط ذلك بالكبائر مات مصرًا عليها، لم تكن أسنانه قوية، فربما طال علاجه. وهذا رواه ابن إسحاق في السير، مرفوعًا بلفظ: إن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لما أرسل العلاء بن الحضرمي قال له: إذا سئلت عن مفتاح الجنة؟ فقل: مفتاحها لا إله إلا الله. وروي عن معاذ بن جبل، مما أخرجه البيهقي في الشعب، مرفوعًا نحوه، وزاد: ولكن مفتاح بلا أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلاّ لم يفتح لك. وهذه الزيادة نظير ما أجاب به وهب، فيحتمل أن تكون مدرجة في حديث معاذ. 1237 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَأَخْبَرَنِي -أَوْ قَالَ: بَشَّرَنِي- أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ. قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ". [الحديث 1237 - أطرافه في: 1408، 2388، 3222، 5827، 6268، 6443، 6444، 7487]. وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي. قال: (حدّثنا مهدي بن ميمون) بفتح الميم فيهما، الأزدي، قال: (حدّثنا واصل) هو: ابن حيان بفتح المهملة وتشديد المثناة التحتية (الأحدب، عن المعرور) بفتح الميم وإسكان العين المهملة وبالراء المكررة (ابن سويد، عن أبي ذر) جندب بن جنادة (رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أتاني) في المنام (آت) هو جبريل (من ربي فأخبرني -أو قال: بشرني-) جزم في التوحيد بقوله: فبشرني (أنه من مات من أمتي) أمة الإجابة أو أمة الدعوة (لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة) نفي الشرك يستلزم إثبات التوحيد. قال أبو ذر: (قلت) لأبي الوقت في نسخة، ولأبي ذر: فقلت: أيدخل الجنة (وإن زنى وإن سرق) وللترمذي، قال أبو ذر: يا رسول الله! وجملة الشرط في محل نصب على الحال. (قال: وإن زنى وإن سرق) يدخل الجنة. لا يقال: مفهوم الشرط أنه إذا لم يزن ولم يسرق لا يدخل إذ انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، لأنه على حد: "نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه"، فمن لم يزن ولم يسرق أولى بالدخول ممن زنى وسرق. واقتصر من الكبائر على نوعين، لأن الحق إما لله، أو: للعباد، فأشار بالزنا إلى حق الله، وبالسرقة إلى حق العباد. لكن الذي استقرت عليه قواعد الشرع أن حقوق الآدميين لا تسقط بمجرد الموت على الإيمان نعم، لا يلزم من عدم سقوطها أن لا يتكفل الله بها عمن يريد أن يدخله الجنة. ومن ثم، ردّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على أبي ذر استبعاده، أو المراد بقوله: دخل الجنة أي: صار إليها إما ابتداءً من أول الحال، وإما بعد أن يقع ما يقع من العذاب، نسأل الله العفو والعافية. وفي الحديث دليل على أن الكبائر لا تسلب اسم الإيمان، فإن من ليس بمؤمن لا يدخل الجنة وفاقًا، وأنها لا تحيط الطاعات. 1238 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ. وَقُلْتُ أَنَا: مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ". [الحديث 1238 - طرفاه في: 4497، 6683]. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) النخعي، قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا شقيق) أبو وائل بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كلمة: (من مات يشرك بالله شيئًا دخل النار) وسقط لأبي ذر، وابن عساكر: شيئًا. قال ابن مسعود: (وقلت أنا:) كلمة أخرى (من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة) لأن انتفاء السبب يوجب انتفاء المسبب. فإذا انتفى الشرك انتفى دخول النار، وإذا انتفى دخول النار لزم دخول الجنة، إذ لا دار بين الجنة والنار. وأصحاب الأعراف قد عرف استثناؤهم من العموم، ولم تختلف الروايات في الصحيحين في أن المرفوع: الوعيد، والموقوف: الوعد. نعم، قال النووي: وجد في بعض الأصول المعتمدة من صحيح مسلم عكس هذا، قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة"، قلت أنا: ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار. وهكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين، عن صحيح مسلم، وكذا رواه أبو عوانة في كتابه المخرج على مسلم، والظاهر أن ابن مسعود نسي مرة، وهي الرواية الأولى، وحفظ مرة وهى الأخرى فرواهما مرفوعين، كما رواهما جابر عند مسلم بلفظ: قيل يا رسول الله، ما الموجبتان؟ قال: "من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار" لكن: قال في الفتح: إنه وهم، وإن الإسماعيلي بيَّن أن المحفوظ عن وكيع كما في البخاري، وبذلك جزم ابن خزيمة في صحيحه. والصواب رواية الجماعة. وتعقبه العيني فقال: كيف يكون وهمًا وقد وقع عند مسلم؟ كذا قال: فليتأمل. قال في المصابيح: وكأن المؤلّف أراد أن يفسر معنى قوله: من كان آخر كلامه بالموت على الإيمان حكمًا أو لفظًا، ولا يشترط أن يتلفظ

2 - باب الأمر باتباع الجنائز

بذلك عند الموت، إذا كان حكم الإيمان بالاستصحاب. وذكر قول وهب أيضًا تفسيرًا لكون مجرد النطق لا يكفي، ولو كان عند الخاتمة، حتى يكون هناك عمل، خلافًا للمرجئة، وكأنه يقول: لا تعتقد الاكتفاء بالشهادة، وإن قارنت الخاتمة، ولا تعتقد الاحتياج إليها قطعًا إذا تقدمت حكمًا، والله أعلم. ورواة حديث الباب كلهم كوفيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في: التفسير، والإيمان، والنذور، ومسلم في: الإيمان، والنسائي في: التفسير: 2 - باب الأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ (باب الأمر باتباع الجنائز). 1239 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قال حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَشْعَثِ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَمَرَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، وَرَدِّ السَّلاَمِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ. وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَخَاتَمِ الذَّهَبِ، وَالْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالْقَسِّيِّ، وَالإِسْتَبْرَقِ". [الحديث 1239 - أطرافه في: 2445، 5175، 5635، 5650، 5838، 5849، 5863، 6222، 6235، 6654]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي (قال: حدّثنا شعبة) ابن الحجاج (عن الأشعث) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح المهملة ثم مثلثة، ابن أبي الشعثاء المحاربي (قال: سمعت معاوية بن سويد بن مقرن) بميم مضمومة فقاف مفتوحة فراء مشددة مكسورة (عن البراء) بتخفيف الراء، وللأصيلي، وابن عساكر، وأبي الوقت: عن البراء بن عازب (رضي الله عنه قال): (أمرنا النبي) ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسبع، ونهانا عن سبع، أمرنا باتباع الجنائز) وهو فرض كفاية، وظاهر قوله: اتباع الجنائز أنه بالمشي خلفها، وهو أفضل عند الحنفية. والأفضل عند الشافعية المشي أمامها لحديث أبي داود وغيره بإسناد صحيح. عن ابن عمر، قال: رأيت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبا بكر وعمر يمشون أمان الجنازة، ولأنه شفيع، وحق الشفيع أن يتقدم. وأما حديث: امشوا خلف الجنازة، فضعيف. وأجابوا عن حديث الباب: بأن الاتباع محمول على الأخذ في طريقها، والسعي لأجلها، كما يقال: الجيش يتبع السلطان، أي: يتوخى موافقته، وإن تقدم كثير منهم في المشي والركوب. وعند المالكية ثلاثة أقوال: التقدم، والتأخر، وتقدم الماشي وتأخر الراكب. وأما النساء فيتأخرن بلا خلاف. (وعيادة المريض) أي: زيارته، مسلم أو ذمي، قريب للعائد أو جار له، وفاء بصلة الرحم وحق الجوار، وهي فضيلة لها ثواب، إلا أن لا يكون للمريض متعهد فتعهده لازم. وفي مسلم، عن ثوبان: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في مخرفة الجنة حتى يرجع. وأراد بالمخرفة: البستان، يعني يستوجب الجنة ومخارفها. وفي البخاري، عن أنس قال: كان غلام يهودي يخدم النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فمرض، فأتاه النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم. فنظر إلى أبيه، وهو عنده فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار. قال في المجموع: وسواء الرمد وغيره، وسواء الصديق والعدوّ ومن يعرفه ومن لا يعرفه، لعموم الأخبار. قال: والظاهر أن المعاهد والمستأمن كالذمي. قال: وفي استحباب عيادة أهل البدع المنكرة، وأهل الفجور، والمكوس، إذا لم تكن قرابة، ولا جوار، ولا رجاء توبة، نظر. فإنا مأمورون بمهاجرتهم. ولتكن العبادة غبًا فلا يواصل كل يوم إلا أن يكون مغلوبًا، ومحل ذلك في غير القريب والصديق ونحوهما ممن يستأنس به المريض، أو يتبرك به، أو يشق عليه عدم رؤيته كل يوم. أما هؤلاء فيواصلونها ما لم ينهوا أو يعلموا كراهته لذلك. وقول الغزالي: إنما يعاد بعد ثلاث، لخبر ورد فيه، ردّ بأنه موضوع، ويدعو له وينصرف، ويستحب أن يقول في دعائه: أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم، أن يشفيك. سبع مرات رواه الترمذي، وحسنه. ويخفف المكث عنده، بل تكره إطالته لما فيه من إضجاره، ومنعه من بعض تصرفاته. (وإجابة الداعي) إلى وليمة النكاح، وهي لازمة إذا لم يكن ثمة ما يتضرر به في الدين، من الملاهي، ومفارش الحرير، ونحوهما. (ونصر المظلوم) مسلمًا كان أو ذميًا بالقول أو بالفعل. (وإبرار القسم) بقتحات وكسر همزة إبرار: إفعال من البرّ، خلاف الحنث. ويروى: المقسم، بضم الميم وسكون القاف وكسر السين، أي: تصديق من أقسم عليك، وهو أن يفعل ما سأله الملتمس، وأقسم عليه أن يفعله. يقال: برّ وأبرّ القسم إذا صدقه، وقيل: المراد من المقسم الحالف، ويكون المعنى: أنه لو حلف أحد على أمر مستقبل وأنت تقدر على تصديق

يمينه، كما لو أقسم يفارقك حتى تفعل كذا وكذا، وأنت تستطيع فعله، كيلا تحنث يمينه، وهو خاص فيما يجعل من مكارم الأخلاق، فإن ترتب على تركه مصلحة فلا، ولذا قال، عليه الصلاة والسلام، لأبي بكر في قصة تعبير الرؤيا: "لا تقسم". حين قال: أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني بالذي أصبت. (ورد السلام) وهو فرض كفاية عند مالك والشافعي، فإن انفرد المسلم عليه تعين عليه. (وتشميت العاطس) إذا حمد الله، بالشين المعجمة والمهملة في: تشميت، والمعجمة أعلاهما مشتق من الشوامت وهي القوائم، كأنه دعا بالثبات على طاعة الله، فيقول: يرحمك الله، وهو سنة على الكفاية. (ونهانا عن آنية الفضة) وفي رواية: عن سبع: آنية الفضة، بالجر بدل من سبع وبالرفع خبر مبتدأ محذوف، -أي: آنية الفضة، وهي حرام على العموم للسرف والخيلاء. (و) عن (خاتم الذهب) وهو حرام أيضًا (و) عن (الحرير) وهو حرام على الرجال دون النساء كسابقه، فإطلاق النهي مع كونهن يباح لهن بعضها، دخله التخصيص بدليل آخر، كحديث: "هذان، أي: الذهب والحرير- حرام على ذكور أمتي، حل لإناثها". (و) عن (الديباج) الثياب المتخذة من الإبريسم (و) عن (القسي) بقاف مفتوحة فسين مهملة مشددة مكسورة، وفسرت في كتاب اللباس: بأنها ثياب يؤتى بها من الشام أو مصر، مضلعة، فيها حرير أمثال الأترج، أو كتان مخلوط بحرير وقيل من القز، وهو رديء الحرير (و) عن (الإستبرق) بكسر الهمزة غليظ الديباج. وسقط من هذا الحديث الخصلة السابعة، وهي: ركوب المياثر، بالمثلثة. وقد ذكرها في: الأشربة واللباس، وهي الوطاء يكون على السرج من حرير أو صوف أو غيره، لكن الحرمة متعلقة بالحرير، كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى. وذكر الثلاثة بعد الحرير من باب ذكر الخاص بعد العام اهتمامًا بحكمها، أو دفعًا لتوهم أن اختصاصها باسم يخرجها عن حكم العام، أو أن العرف فرق أسماءها لاختلاف مسمياتها، فربما توهم متوهم أنها غير الحرير. فإن قلت: قد تعمل من غير الحرير مما يحل، فما وجه النهي؟. أجيب: بأن النهي قد يكون للكراهة، كما أن المأمورات بعضها للوجوب وبعضها للندب. وإطلاق النهي فيها استعمال للفظ في حقيقته ومجازه، وهو جائز عند الشافعي، ومن يمنع ذلك يجعله لقدر مشترك بينهما مجازًا. ويسمى بعموم المجاز. فإن قيل: كيف يقول الشافعي ذلك مع أن شرط المجاز أن يكون معه قرينة تصرفه عن الحقيقة؟. قيل: المراد قرينة تقتضي إرادة المجاز أو أن يصرف عن الحقيقة أوّلاً، وقد جوّزوا في الكناية نحو: الرماد، إرادة المعنى الأصلي مع إرادة لازمه، فكذا المجاز. ورواة الحديث ما بين: بصري وواسطي وكوفي، وفيه: التحديث والسماع والقول، وأخرجه أيضًا في: المظالم واللباس والطب والنذور والنكاح والاستئذان والأشربة. ومسلم في: الأطعمة، والترمذي في الاستئذان واللباس، والنسائي في الجنائز والإيمان والنذور والزينة، وابن ماجة في: الكفارات واللباس. 1240 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ". تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. وَرَوَاهُ سَلاَمَةُ عَنْ عُقَيْلٍ. وبه قال: (حدّثنا محمد) هو الذهلي، كما قال الكلاباذي قال: (حدّثنا عمرو بن أبي سلمة) بفتح اللام التنيسي (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو، (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن شهاب) الزهري (قال أخبرني) بالإفراد أيضًا (سعيد بن المسيب) بفتح المثناة التحتية المشدّدة (أن أبا هريرة، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول): (حق المسلم على المسلم خمس) يعم وجوب العين، والكفاية، والندب: (رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة) بفتح الدال (وتشميت العاطس)، إذا حمد، ويستوي في هذه الخمس جميع المسلمين: برّهم وفاجرهم، وعطف المندوب على الواجب سائغ إن دل عليه القرينة، كما يقال: صم رمضان وستًا من شوّال، وزاد مسلم، في رواية سادسة: وإذا استنصحك فانصح له. (تابعه) أي: تابع عمرو بن أبي سلمة (عبد الرزاق) بن همام (قال: أخبرنا معمر) هو: ابن راشد، وهذه المتابعة ذكرها مسلم. (ورواه سلامة) بتخفيف اللام، ولأبي ذر: سلامة بن روح، بفتح الراء ابن خالد (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف: ابن خالد، وهو عم سلامة السابق.

3 - باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كفنه

3 - باب الدُّخُولِ عَلَى الْمَيِّتِ بَعْدَ الْمَوْتِ إِذَا أُدْرِجَ فِي كَفَنِهِ (باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج) أي: لف (في أكفانه) بالجمع، ولغير الأربعة: كفنه. 1241، 1242 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: "أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- عَلَى فَرَسِهِ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، فَتَيَمَّمَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَهُوَ مُسَجًّى بِبُرْدِ حِبَرَةٍ- فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ بَكَى فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لاَ يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ: أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا". قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- خَرَجَ وَعُمَرُ -رضي الله عنه- يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقَالَ: اجْلِسْ، فَأَبَى. فَقَالَ: اجْلِسْ، فَأَبَى. فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ -إِلَى- الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الآيَةَ حَتَّى تَلاَهَا أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ، فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلاَّ يَتْلُوهَا". [الحديث 1241 - أطرافه في: 3667، 3669، 4452، 4455، 5710]، [الحديث 1242 - أطرافه في: 3668، 3670، 4453، 4454، 4457، 5711]. وبالسند قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، السختياني المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرني) بالإفراد (معمر) هو ابن (راشد ويونس) بن يزيد، كلاهما (عن) ابن شهاب (الزهري، قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (أن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، وسقط في رواية أبي ذر: زوج النبي. الخ ... (أخبرته، قالت: أقبل أبو بكر) الصديق (رضي الله عنه، على فرسه من مسكنه بالسنح) بضم المهملة والنون، وتسكن. وبالحاء المهمة، منازل بني الحرث بن الخزرج بالعوالي (حتى نزل) عن فرسه (فدخل المسجد) النبوي، (فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة، رضي الله عنها، فتيمم) أي: قصد (النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وهو مسجى) بضم الميم وفتح السين والجيم المشددة، أي: مغطى (ببرد حبرة-) كعنبة، بإضافة برد، أو بوصفه: ثوب يماني مخطط أو أخضر (فكشف عن وجهه) الشريف، (ثم أكبّ عليه) لازم وثلاثيه: كب، متعد عكس ما هو مشهور من قواعد التصريف، فهو من النوادر (فقبله) بين عينيه (ثم بكى) اقتداء به، عليه الصلاة والسلام، حيث دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت، فأكب عليه وقبله، ثم بكى حتى سالت دموعه على وجنتيه، رواه الترمذي. (فقال: بأبي أنت وأمي) الباء في بأبي تتعلق بمحذوف اسم أي: أنت مفدى بأبي، فيكون مرفوعًا مبتدأ وخبرًا، أو فعل فيكون ما بعده نصبًا، أي فديتك بأبي (يا نبي الله، لا يجمع الله) برفع يجمع (عليك موتتين) في الدنيا. أشار به إلى الرد على من زعم أنه: يحيا فيقطع أيدي رجال. لأنه لو صح ذلك لزم أن يموت موتة أخرى، فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين، كما جمعهما على غيره، كالذي مرّ على قرية، أو لأنه يحيا في قبره ثم لا يموت. (أما الموتة التي كتبت عليك) بصيغة المجهول، وللحموي والمستملي: كتب الله عليك (فقد متها). (قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن: (فأخبرني ابن عباس، رضي الله عنهما): (أن أبا بكر، رضي الله عنه، خرج وعمر، رضي الله عنه، يكلم الناس، فقال) له (اجلس فأبى) أن يجلس لما حصل له من الدهشة والحزن (فقال: أجلس. فأبى. فتشهد أبو بكر، رضي الله عنه، فمال إليه الناس، وتركوا عمر) رضي الله عنه، (فقال) أبو بكر: (أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمدًا فإن محمدًا، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قد مات. ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت. قال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} إلى {الشَّاكِرِينَ}) [آل عمران: 144] قرأها تعزيًا وتصبرًا، ولأبي ذر، والأصيلي {إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}. (والله)، ولأبي ذر: فوالله (لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل الأية) ولأبي الوقت، والأصيلي: أنزلها، يعني هذه الآية، (حتى تلاها أبو بكر، رضي الله عنه، فتلقاها منه الناس، فما يُسمع بشر إلا يتلوها). ورواة هذا الحديث ما بين: مروزي وبصري وأيلي ومدني، وفيه: رواية تابعي عن تابعي عن تابعي عن صحابية، والتحديث والإخبار والقول، وأخرجه أيضًا في: المغازي، وفي: فضل أبي بكر، النسائي في: الجنائز، وكذا ابن ماجة. 1243 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ -امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ بَايَعَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً، فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا، فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَغُسِّلَ وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ؟ فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ. وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي -وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ- مَا يُفْعَلُ بِي. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة، قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (خارجة بن زيد بن ثابت) أحد الفقهاء السبعة بالمدينة (أن أم العلاء) بنت الحرث بن ثابت (امرأة من الأنصار) عطف بيان أو رفع بتقدير: هي امرأة (بايعت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته) في موضع رفع خبر أن: (أنّه اقتسم المهاجرون قرعة) الهاء ضمير الشأن، واقتسم: بضم التاء مبنيًا للمفعول، وتاليه نائب الفاعل. وقرعة نصب بنزع الخافض، أي: بقرعة. أي: اقتسم الأنصار المهاجرين بالقرعة في نزولهم عليهم، وسكناهم في منازلهم، لما دخلوا عليهم المدينة (فطار لنا عثمان بن مظعون) بالظاء المعجمة والعين المهملة، الجمحي القرشي، أي: وقع في سهمنا (فأنزلناه في أبياتنا، فوجع وجعه الذي توفّيَ فيه، فلما توفي

وغسل وكفن في أثوابه، دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عليه (فقلت: رحمة الله عليك يا أبا السائب) بالسين المهملة، وهي كنية عثمان (فشهادتي عليك) أي: لك، (لقد أكرمك الله) جملة من المبتدأ والخبر. ومثل هذا التركيب يستعمل عرفًا، ويراد به معنى القسم، كأنها قالت: أقسم بالله لقد أكرمك الله. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (وما يدريك) بكسر الكاف، أي: من أين علمت (أن الله كرمه) أي: عثمان، ولأبي ذر: أن الله قد أكرمه؟ (فقلت: بأبي أنت) مفدى أو: أفديك به (يا رسول الله، فمن يكرمه الله) إذا لم يكن هو من المكرمين، مع إيمانه وطاعته الخالصة؟ (فقال) عليه السلام وللأصيلي: قال: (أما هو) أي: عثمان (فقد جاءه اليقين) أي: الموت (والله إني لأرجو له الخير) وأما غيره فخاتمة أمره غير معلومة، أهو ممن يرجى له الخير عند اليقين أم لا (والله ما أدري -وأنا رسول الله ما يفعل بي) ولا بكم، هو موافق لما في سورة الأحقاف. وكان ذلك قبل نزول آية الفتح {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] لأن الأحقاف مكية، والفتح مدنية بلا خلاف فيهما، وكان أولاً لا يدري لأن الله لم يعلمه، ثم درى بأن أعلمه الله بعد ذلك. أو المراد: ما أدري ما يفعل بي، أي في الدنيا من نفع وضر، وإلاّ فاليقين القطعي بأنه خير البرية يوم القيامة، وأكرم الخلق. قاله القرطبي، والبرماوي. وقال البيضاوي، أي في الدارين على التفصيل، إذ لا علم بالغيب، ولا لتأكيد النفي المشتمل على ما يفعل بي و: ما، إما موصولة منصوبة، أو: استفهامية مرفوعة. انتهى. فأصل الإكرام معلوم، قال البرماوي: وكثير من التفاصيل: أي: معلوم أيضًا. فالخفي بعض التفاصيل. وأما قول البرماوي، كالكرماني والزركشي، وسيأتي في سورة الأحقاف: إنها منسوخة بأوّل سورة الفتح، تعقبه في المصابيح بأنه خبر، وهو لا يدخله النسخ، فلا يقال: فيه: منسوخ وناسخ. انتهى. ولأبي ذر، عن الكشميهني: ما يفعل به أي: بعثمان. قال في الفتح وهو غلط منه، فإن المحفوظ في رواية الليث هذا، ولذا عقبه المصنف برواية نافع بن يزيد عن عقيل التي لفظها: ما يفعل به. (قالت: فوالله لا أزكي أحدًا بعده أبدًا). وفي الحديث أنه لا يجزم في أحد بأنه من أهل الجنة إلا إن نص عليه الشارع كالعشرة، لا سيما والإخلاص أمر قلبي لا يطلع عليه. ورواته ما بين: مصري بالميم، وأيلي، ومدني. وفيه: التحديث والإخبار، والعنعنة، وتابعي عن تابعي عن صحابية. وأخرجه أيضًا في: الجنائز، والشهادات، والتفسير، والهجرة، والتعبير، والنسائي في الرؤيا. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ... مِثْلَهُ. وَقَالَ نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عُقَيْلٍ "مَا يُفْعَلُ بِهِ". وَتَابَعَهُ شُعَيْبٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَمَعْمَرٌ. [الحديث 1243 - أطرافه في: 2687، 3929، 7003، 7004، 7018]. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين وفتح الفاء وسكون التحتية ثم راء، نسبة لجدّه، واسم أبيه: كثير المصري (قال: حدّثنا الليث) ابن سعد (مثله) أي: مثل الحديث المذكور. (وقال نافع بن يزيد) مولى شرحبيل بن حسنة القرشي المصري، مما وصله الإسماعيلي (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف: (ما يفعل به) بالهاء بدل الياء، أي: بعثمان، لأنه لا يعلم من ذلك إلا ما يوحى إليه، واكتفى المؤلّف بهذا القدر، إشارة إلى أن باقي الحديث متفق عليه. (وتابعه شعيب) هو: ابن أبي حمزة، مما وصله المؤلّف في الشهادات (وعمرو بن دينار) بفتح العين، مما وصله ابن أبي عمر في مسنده، عن ابن عيينة عنه، (ومعمر) مما وصله المؤلّف في باب العين الجارية من: كتاب التعبير، من طريق ابن المبارك عنه. 1244 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِي، وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَنْهَانِي، فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تَبْكِينَ أَوْ لاَ تَبْكِينَ، مَا زَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ" تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرًا -رضي الله عنه-. [الحديث 1244 - أطرافه في: 1293، 2816، 4080]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة (قال: حدّثنا غندر) بضم الغين المعجمة، محمد بن جعفر البصري، (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت محمد بن المنكدر، قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (رضي الله عنهما، قال): (لما قتل أبي) عبد الله بن عمرو يوم أحد، في شوال سنة ثلاث من الهجرة، وكان المشركون مثلوا به، جدعوا أنفه وأذنيه (جعلت أكشف الثوب عن وجهه) حال كوني (أبكي) عليه (وينهوني) وللكشميهني والأصيلي، وأبي الوقت: ينهونني، بزيادة نون ثانية بعد الواو على الأصل (عنه) أي: عن البكاء، ولفظة عنه، ساقطة لأبي ذر، (والنبي، -صَلَّى اللَّهُ

4 - باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا ينهاني) عنه (فجعلت عمتي) شقيقة أبي عبد الله بن عمرو (فاطمة تبكي، فقال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،) معزيًا لها، ومخبرًا لها بما آل إليه من الخير. (تبكين أو لا تبكين، ما) ولأبوي: ذر والوقت، والأصيلي: فما (زالت الملائكة تظله بأجنحتها) مجتمعين عليه، متزاحمين على المبادرة لصعودهم بروحه، وتبشيره بما أعد الله له من الكرامة، أو: أظلوه من الحر لئلا يتغير، أو: لأنه من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: و: أو، ليست للشك، بل من كلامه عليه الصلاة والسلام، للتسوية بين البكاء وعدمه. أي: فوالله إن الملائكة تظله، سواء تبكين أم لا. (حتى رفعتموه) من مقتله، وهذا قاله عليه الصلاة والسلام بطريق الوحي، فلا يعارضه ما في حديث أم العلاء السابق، لأنه أنكر عليها قطعها، إذ لم تعلم هي من أمره شيئًا. وقد أخرج هذا الحديث المؤلّف أيضًا في: الفضائل، والنسائي في الجنائز، والمناقب. ومطابقته للترجمة في قوله: اجعلت أكشف الثوب عن وجهه، لأن الثوب أعم من أن يكون الذي سجوه به ومن الكفن. (تابعه) أي تابع شعبة (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز، قال: (أخبرني) بالإفراد (ابن المنكدر) ولأبوي: ذر، والوقت، وابن عساكر في نسخة: أخبرني محمد بن المنكدر أنه (سمع جابرًا، رضي الله عنه). وهذا وصله مسلم من طريق عبد الرزاق عنه، وأوله: جاء قومي بأبي قتيلاً يوم أحد ... وذكر المؤلّف هذه المتابعة لينفي ما وقع في ابن ماهان، من صحيح مسلم، عن عبد الكريم، عن محمد بن علي بن حسين، عن جابر: فجعل محمد بن علي، بدل: محمد بن المنكدر، فبين البخاري أن الصواب: محمد بن المنكدر، كما رواه شعبة. 4 - باب الرَّجُلِ يَنْعَى إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ (باب الرجل ينعى) الميت، حذف مفعول ينعى: وهو الميت، لدلالة الكلام عليه. وذكر المفعول الآخر الذي عدي له بحرف الجر. أي: يظهر خبر موته (إلى أهل الميت بنفسه) ولا يستنيب فيه أحدًا، ولو كان رفيعًا. والتأكيد، أي في قوله: بنفسه، للضمير المستكن في ينعى، فهو عائد إلى الناعي لا المنعي، أو يرجع الضمير إلى المنعي وهو الميت، أي ينعى إلى أهل الميت نفس الميت، أو بسبب ذهاب نفسه. وفائدة الترجمة بذلك دفع توهم أن هذا من إيذاء أهل الميت، وإدخال المساءة عليهم، والإشارة إلى أنه مباح. بل صرح النووي، في: المجموع، باستحبابه، لحديث الباب. ولنعيه جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة، ولما يترتب عليه من المبادرة لشهود جنازته، وتهيئة أمره للصلاة عليه، والدعاء والاستغفار له، وتنفيذ وصاياه، وغير ذلك. نعم، يكره نعي الجاهلية للنهي عنه، رواه الترمذي، وحسنه وصححه، وهو: النداء بموت الشخص، وذكر مآثره ومفاخره. قال المتولي وغيره: ويكره مرثية الميت، وهي: عدّ محاسنه، للنهي عن المراثي. انتهى. والوجه حمل تفسيرها بذلك على غير صيغة الندب الآتي بيانها إن شاء الله تعالى، وإلا فيلزم اتحادها معه. وقد أطلقها الجوهري على عدّ محاسنه مع البكاء وعلى نظم الشعر فيه، فيكره كل منهما لعموم النهي عن ذلك، والأوجه حمل النهي عن ذلك، على ما يظهر فيه تبرم، أو: على فعله مع الاجتماع له، أو: على الإكثار منه، أو: على ما يجدد الحزن دون ما عدا ذلك، فما زال كثير من الصحابة وغيرهم من العلماء يفعلونه. وقد قالت فاطمة بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه: ماذا على من شم تربة أحمد ... أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت عليّ مصائب لو أنها ... صبت على الأيام عدن لياليا وللكشميهني: نفسه، بحذف حرف الجر أي: ينعي نفس الميت، إلى أهله. وللأصيلي، حذف لفظ أهله وليس له وجه. 1245 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا". [الحديث 1245 - أطرافه في: 1318، 1327، 1328، 1333، 3880، 3881]. وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس، عبد الله المدني (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، رضي الله عنه): (أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نعى) أي: أخبر أصحابه بموت (النجاشي) أصحمة، وقد كانوا أهله، أو: بمثابة أهله ويستحقون أخذ عزائه، ومن ثم أدخله في الترجمة (في اليوم الذي مات فيه) في رجب

5 - باب الإذن بالجنازة

في السنة التاسعة (خرج) بهم (إلى المصلّى) وذكر السهيلي، من حديث سلمة بن الأكوع أنه صلّى عليه بالبقيع. (فصف بهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. صف هنا لازم، والباء في بهم بمعنى: مع أي: صف معهم. ويحتمل أن يكون متعديًا و: الباء، زائدة للتوكيد، أي: صفهم، لأن الظاهر أن الإمام متقدم، فلا يوصف بأنه صاف معهم إلا على المعنى الآخر، وليس في هذا الحديث ذكر، كم صفهم صفًا، لكنه يفهم من الرواية الأخرى: فكنت في الصف الثاني أو الثالث .... (وكبر أربعًا) منها تكبيرة الإحرام، وفيه: جواز الصلاة على الغائب عن البلد، ولو كان دون مسافة القصر، وفي غير جهة القبلة. والمصلي مستقبلها. قال ابن القطان: لكنها لا تسقط الفرض، قال الزركشي: ووجهه أن فيه إزراء، وتهاونًا بالميت، لكن الأقرب السقوط لحصول الفرض. قال الأذرعي: وينبغي أنها لا تجوز على الغائب حتى يعلم، أو يظن أنه قد غسل، إلا أن يقال: تقديم الغسل شرط عند الإمكان فقط، ولا تجوز على الغائب في البلد وإن كبرت لتيسر الحضور، وقول من يمنع الصلاة على الغائب محتجًا بأنه كشف له عنه، فليس غائبًا لو سلم صحته، فهو غائب عن الصحابة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في: الجنائز، وكذا أبو داود والنسائي والترمذي مختصرًا. 1246 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ -وَإِنَّ عَيْنَىْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَتَذْرِفَانِ- ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ". [الحديث 1246 - أطرافه في: 2798، 3063، 3630، 3757، 6242]. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين، عبد الله بن عمرو المقعد، قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا) وللأصيلي: أخبرنا (أيوب) السختياني (عن حميد بن هلال) العدوي البصري (عن أنس بن مالك، رضي الله عنه قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أخذ الراية زيد) هو: ابن حارثة، وقصته هذه في غزوة مؤتة، وهو موضع في أرض البلقاء من أطراف الشام. وذلك أنه، عليه السلام، أرسل إليها سرية في جمادى الأولى سنة ثمان واستعمل عليهم زيدًا، وقال: إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر، فعبد الله بن رواحة. فخرجوا وهم ثلاثة آلاف، فتلاقوا مع الكفار فاقتتلوا (فأصيب) زيد أي: قتل (ثم أخذها) أي الراية (جعفر، فأصيب ثم أخذها عبد الله بن رواحة) بفتح الراء وتخفيف الواو وبالحاء المهملة، الأنصاري، أحد النقباء ليلة العقبة (فأصيب). وإخباره عليه الصلاة والسلام بموتهم نعي، فهو موضع الترجمة، ووقع في علامات النبوة التصريح به حيث قال: إن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نعى زيدًا أو جعفرًا ... الحديث. (وإن عيني رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لتذرفان) بذال معجمة وراء مكسورة، أي: لتسيلان بالدموع. واللام للتأكيد. (ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة) بكسر الهمزة وسكون الميم وفتح الراء، أي: تأمير من النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكنه رأى المصلحة في ذلك لكثرة العدو، وشدة بأسهم، وخوف هلاك المسلمين، ورضي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما فعل، فصار ذلك أصلاً في الضرورات إذا عظم الأمر واشتد الخوف سقطت الشروط. (ففتح له) بضم الفاء الثانية. وقد أخرجه المؤلّف أيضًا في: الجهاد، وعلامات النبوة، وفضل خالد، والمغازي. والنسائي في: الجنائز. 5 - باب الإِذْنِ بِالْجَنَازَةِ وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أَلاَ كُنتُمْ آذَنْتُمُونِي»؟ (باب الإذن بالجنازة) بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة، أي: الإعلام بها إذا انتهى أمرها، ليصلّى عليها. فهذه الترجمة كما نبه عليه الزين بن المنير مرتبة على الترجمة السابقة، لأن النعي إعلام من لم يتقدم له علم الميت، والإذن إعلام من علم بتهيئة أمره. (وقال أبو رافع) نفيع، مما هو طرف حديث سبق في باب: كنس المسجد (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في رجل أسود أو امرأة سوداء، كان يقم المسجد، فمات، فسأل عنه عليه الصلاة والسلام فقالوا: مات، فقال: (ألا) بتشديد اللام، وفي اليونينية بالتخفيف (كنتم آذنتموني) أعلمتموني به. 1247 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "مَاتَ إِنْسَانٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُهُ، فَمَاتَ بِاللَّيْلِ، فَدَفَنُوهُ لَيْلاً. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرُوهُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي؟ قَالُوا: كَانَ اللَّيْلُ فَكَرِهْنَا -وَكَانَتْ ظُلْمَةٌ- أَنْ نَشُقَّ عَلَيْكَ. فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ". وبه قال: (حدّثنا محمد) هو: ابن سلام، كما جزم به ابن السكن في روايته عن الفربري (قال: أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين الضرير (عن أبي إسحاق) سليمان (الشيباني) بفتح الشين المعجمة (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال): (مات إنسان) هو: طلحة بن البراء بن عمير البلوي، حليف الأنصار كما عند الطبراني من

6 - باب فضل من مات له ولد فاحتسب وقال الله عز وجل: {وبشر الصابرين} [البقرة: 155]

طريق عروة بن سعيد الأنصاري، عن أبيه، عن حصين بن وحوح الأنصاري، بمهملتين، بوزن: جعفر (كان رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يعوده) في مرضه. زاد الطبراني فقال: إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت، فإذا مات فآذنوني به، وعجلوا. فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله. (فمات بالليل) قبل أن يبلغ النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بني سالم بن عوف، وكان قال لأهله، لما دخل الليل: إذا مت فادفنوني ولا تدعوا رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فإني أخاف عليه يهود أن يصاب بسببي (فدفنوه ليلاً). (فلما أصبح) دخل في الصباح (أخبروه) بموته ودفنه ليلاً (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما منعكم أن تعلموني) بشأنه؟ (قالوا: كان الليل) بالرفع (فكرهنا -وكانت ظلمة-) بالرفع أيضًا على أن كان تامة فيهما، وجملة: وكانت ظلمة، اعتراض (أن نشق) أي: كرهنا المشقّة (عليك. فأتى قبره فصلّى عليه). وعند الطبراني: فجاء حتى وقف على قبره، فصف الناس معه، ثم رفع يديه، فقال: اللهم الق طلحة يضحك إليك وتضحك إليه. وفيه جواز الصلاة على قبر غير الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، أما قبورهم فلا، لخبر الصحيحين: لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. ورواة حديث الباب الخمسة: كوفيون إلا شيخ المؤلّف فبيكندي، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم في: الجنائز، وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 6 - باب فَضْلِ مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ فَاحْتَسَبَ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155] (باب فضل من مات له ولد) ذكر أو أنثى، فرد أو جمع (فاحتسب) أي: صبر راضيًا بقضاء الله تعالى، راجيًا فضله. ولم يقع التقييد بذلك في أحاديث الباب. نعم، في بعض طرق الحديث، فعند ابن حبان والنسائي، من طريق حفص بن عبيد الله بن أنس، عن أنس رفعه: "من اْحتسب من صلبه ثلاثة دخل الجنة". ولمسلم من حديث أبي هريرة "لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد، فتحتسبهم إلاَّ دخلت الجنة" ... الحديث. ولابن حبان والنسائي، عن أنس، رفعه: "من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة ... "، الحديث. ولأحمد والطبراني، عن عقبة بن عامر، رفعه: "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد، فيحتسبهم، إلا كانوا له جنة من النار". فالمطلق محمول على المقيد، لأن الثواب لا يترتب إلا على النية، فلا بد من قيد الاحتساب. لكن في معجم الطبراني، عن ابن مسعود، مرفوعًا: "من مات له ولد، ذكر أو أنثى، سلم أو لم يسلم، رضي أو لم يرض، صبر أو لم يصبر، لم يكن له ثواب إلا الجنة". لكن إسناده ضعيف، وللأصيلي في نسخة: فاحتسبه. (وقال الله) وللأربعة: وقول الله (عز وجل) بالجر، عطفًا على من مات. أو: بالرفع على الاستئناف ({وبشر الصابرين}) الذين إذا أصابتهم مصيبة [البقرة: 155] ولفظ: المصيبة عام يشمل: المصيبة بالولد وغيره. وساق المؤلّف هذه الآية تأكيدًا لقوله: فاْحتسب، لأن الاحتساب لا يكون إلا بالصبر. 1248 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنَ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ يُتَوَفَّى لَهُ ثَلاَثٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ». [الحديث 1248 - طرفه في: 1381]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو بفتح العين فيهما، قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد، قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس) هو: ابن مالك (رضي الله عنه، قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (وما من الناس من مسلم) سقطت: من، الثانية في رواية ابن علية عن عبد العزيز في أواخر الجنائز، فهي زائدة هنا بخلافها في قوله: ما من الناس، فإنها للبيان. ومسلم اسم ما، والاستثناء وما معه الخبر، وقيده بالمسلم ليخرج الكافر فهو مخصوص بالمسلم (يتوفى) بضم أوله مبنيًا للمفعول "له" وعند ابن ماجة. ما من مسلمين يتوفى لهما (ثلاث) بحذف التاء لكون المميز محذوفًا، فيجوز التذكير والتأنيث. ولأبي ذر في نسخة: ثلاثة، بإثباتها على إرادة الأنفس أو الأشخاص. وقد اختلف في مفهوم العدد: هل هو حجة أم لا؟. فعلى قول من لا يجعله حجة، لا يمتنع حصول الثواب المذكور بأقل من ثلاثة، بل ولو جعلناه حجة فليس نصًا قاطعًا، بل دلالته ضعيفة، يقدم عليها غيرها عند معارضتها. بل قد وقع في بعض طرق الحديث التصريح بالواحد فأخرج الطبراني في الأوسط، من حديث جابر بن سمرة. مرفوعًا: "من دفن ثلاثة فصبر عليهم واحتسب وجبت له الجنة". فقالت أم أيمن: أو اثنين؟ فقال: "واثنين". فقالت: وواحدًا؟ فسكت ثم قال: "وواحدًا". وعند الترمذي، وقال: غريب من حديث ابن مسعود، مرفوعًا: "من قدم ثلاثة

من الولد لم يبلغوا الحنث، كانوا له حصنًا حصينًا من النار". قال أبو ذر: قدمت اثنين. قال: "واثنين". قال أبي بن كعب: قدمت واحدًا. قال: "وواحدًا". لكن، قال في الفتح: ليس في ذلك ما يصلح للاحتجاج، بل وقع في رواية شريك التي علق المصنف إسنادها كما سيأتي إن شاء الله تعالى، ولم نسأله عن الواحد. نعم، روى المؤلّف في: الرقاق، من حديث أبي هريرة، مرفوعًا: "يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه، إلا الجنة". وهذا يدخل فيه الواحد فما فوقه، وهذا أصح ما ورد في ذلك، وهل يدخل في ذلك من مات له ولد فأكثر في حالة الكفر، ثم أسلم بعد ذلك، أو لا بدّ أن يكون موتهم في حالة إسلامه؟ قد يدل للأول حديث: أسلمت على ما أسلفت من خير، لكن جاءت أحاديث فيها تقييد ذلك بكونه في الإسلام، فالرجوع إليها أولى. فمنها: حديث أبي ثعلبة الأشجعي، المروي في مسند أحمد، والمعجم الكبير، قلت: يا رسول الله! مات لي ولدان في الإسلام. فقال: "من مات له ولدان في الإسلام أدخله الله الجنة". وحديث عمرو بن عبسة عند أحمد وغيره، قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول: "من ولد له ثلاثة أولاد في الإسلام، فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث، أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم". وهل يدخل أولاد الأولاد، سواء كانوا أولاد البنين، أو أولاد البنات، لصدق الاسم عليهم أو لا يدخلون. لأن إطلاق الأولاد عليهم ليس حقيقة، وقد ورد تقييد الأولاد بكونهم من صلبه، وهو مخرج أولاد الأولاد. فإن صح فهو قاطع للنزاع، ففي حديث عثمان بن أبي العاصي في مسند أبي يعلى والمعجم الكبير للطبراني، مرفوعًا بإسناد فيه عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة القرشي، وهو ضعيف: لقد استجن بجنة حصينة من النار، رجل سلف بين يديه ثلاثة من صلبه في الإسلام. (لم يبلغوا الحنث) بكسر المهملة وسكون النون آخره مثلثة، سن التكليف الذي يكتب فيه الإثم. وخص الإثم بالذكر لأنه الذي يحصل بالبلوغ، لأن الصبي قد يثاب. قال أبو العباس القرطبي: وإنما خصهم بهذا الحد، لأن الصغير حبه أشد، والشفقة عليه أعظم. انتهى. ومقتضاه أن من بلغ الحنث لا يحصل لمن فقده ما ذكره من الثواب، وإن كان في فقد الولد ثواب في الجملة، وبذلك صرح كثير من العلماء، وفرقوا بين البالغ وغيره. لكن، قال الزين بن المنير، والعراقي في شرح تقريب الأسانيد: إذا قلنا إن مفهوم الصفة ليس بحجة، فتعليق الحكم بالذين لم يبلغوا الحلم لا يقتضي أن البالغين ليسوا كذلك، بل يدخلون في ذلك بطريق الفحوى، لأنه إذا ثبت ذلك في الطفل الذي هو كل على أبويه، فكيف لا يثبت في الكبير الذي بلغ معه السعي. ولا ريب أن التفجع على فقد الكبير أشد، والمصيبة به أعظم، لا سيما إذا كان نجيبًا يقوم عن أبيه بأموره، ويساعده في معيشته، وهذا معلوم مشاهد. والمعنى الذي ينبغي أن يعلل به ذلك قوله: (إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم) قال الكرماني وتبعه البرماوي: الظاهر أن الضمير يرجع للمسلم الذي توفي أولاده، لا إلى الأولاد. وإنما جمع باعتبار أنه نكرة في سياق النفي، فيفيد العموم. انتهى. وعلله بعضهم: بأنه لما كان يرحمهم في الدنيا، جوزي بالرحمة في الآخرة. وقد تعقب الحافظ ابن حجر وتبعه العلامة العيني الكرماني، بأن ما قاله غير ظاهر، وأن الظاهر رجوعه للأولاد بدليل قوله في حديث عمرو بن عبسة، عند الطبراني: إلا أدخله الله برحمته هو وإياهم الجنة. وحديث أبي ثعلبة الأشجعي: أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهما، قاله بعد قوله: من مات له ولدان، فوضح بذلك أن الضمير في قوله، إياهم للأولاد، لا للآباء، أي بفضل رحمة الله للأولاد. وعند ابن ماجة، من هذا الوجه: بفضل رحمة الله إياهم. وللنسائي، من حديث أبي ذر: إلا غفر الله لهما بفضل رحمته. وفي معجم الطبراني، من حديث حبيبة بنت سهل، وأم مبشر ومن لم يكتب عليه إثم، فرحمته أعظم، وشفاعته أبلغ. وفي معرفة الصحابة لابن منده، عن شراحيل المنقري: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من توفي له أولاد في سبيل الله دخل بفضل حسبتهم الجنة"، وهذا إنما هو في البالغين الذين يقتلون في

سبيل الله، والعلم عند الله تعالى. ورواة حديث الباب الأربعة: بصريون، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه النسائي وابن ماجة في: الجنائز وكذا النسائي. 1249 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَصْبَهَانِيِّ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه "أَنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اجْعَلْ لَنَا يَوْمًا. فَوَعَظَهُنَّ وَقَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَ لَهَا ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ كَانُوا لها حِجَابًا مِنَ النَّارِ. قَالَتِ امْرَأَةٌ: وَاثْنَانِ؟ قَالَ: وَاثْنَانِ". وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو: ابن إبراهيم الأزدي القصاب، قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج، قال: (حدّثنا) وللأصيلي: أخبرنا (عبد الرحمن بن الأصبهاني) اسمه: عبد الله (عن ذكوان) أبي صالح السمان (عن أبي سعيد) الخدري (رضي الله عنه): (أن النساء) في رواية مسلم: أنهن كن من نساء الأنصار (قلن للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، اجعل لنا يومًا) فجعل لهن يومًا (فوعظهن) فيه (وقال) بالواو، من جملة ما قال لهن، وللأربعة: فقال: (أيما امرأة مات لها ثلاثة) ولأبي ذر عن الحموي، والمستملي: ثلاث (من الولد كانوا) أي الثلاثة (لها) وسقط: لها، لغير أبي الوقت، ولأبي ذر، عن الحموي، والمستملي كن لها (حجابًا من النار) أنث باعتبار النفس، أو: النسمة، والولد يتناول الذكر والأنثى، والمفرد والجمع، ويخرج السقط. لكن ورد في أحاديث، منها حديث ابن ماجة، عن أسماء بنت عميس، عن أبيها، عن علي، مرفوعًا: إن السقط ليراغم ربه، إذا أدخل أبويه النار، فيقال: أيها السقط المراغم ربك أدخل أبويك الجنة. فيجرهما بسرره حتى يدخلهما الجنة. (قالت امرأة) هي: أم سليم، والدة أنس، كما رواه الطبراني بإسناد جيد، أو: أم مبشر، بكسر المعجمة المشددة، رواه الطبراني أيضًا، أو: أم هانئ، كما عند ابن بشكوال، ويحتمل التعدد: (و) إن مات لها (اثنان! قال) عليه الصلاة والسلام (واثنان) وكأنه أوحي إليه بذلك في الحال، ولا يبعد أن ينزل عليه الوحي في أسرع من طرفة عين، أو كان عنده العلم بذلك لكنه أشفق عليهم أن يتكلوا، فلما سئل عن ذلك لم يكن به بد من الجواب. ورواته الخمسة ما بين: بصري وواسطي وكوفي ومدني، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم والنسائي. 1250 - وَقَالَ شَرِيكٌ عَنِ ابْنِ الأَصْبَهَانِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ». (وقال شريك) هو: ابن عبد الله (عن ابن الأصبهاني) عبد الرحمن، مما وصله ابن أبي شيبة بمعناه. ولفظ ابن أبي شيبة: حدّثنا عبد الرحمن بن الأصبهاني قال: آتاني أبو صالح يعزيني عن ابن لي، فأخذ يحدث عن أبي سعيد وأبي هريرة: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: ما من امرأة تدفن ثلاثة أفراط إلا كانوا لها حجابًا من النار. فقالت امرأة: يا رسول الله قدمت اثنين. قال: واثنين. قال: ولم تسأل عن الواحد، قال أبو هريرة فيمن لم يبلغوا الحنث. (حدّثني) بالإفراد (أبو صالح) ذكوان السمان (عن أبي سعيد، وأبي هريرة رضي الله عنهما) عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال أبو هريرة): (لم يبلغوا الحنث). وظاهر السياق أن هذه الزيادة عن أبي هريرة موقوفة، ويحتمل أن يكون المراد أن أبا هريرة وأبا سعيد اتفقا على السياق المرفوع، وزاد أبو هريرة في حديثه هذا القيد، فهو مرفوع أيضًا. 1251 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَيَلِجَ النَّارَ إِلاَّ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ». [الحديث 1251 - طرفه في: 6656]. وبه قال: (حدّثنا علي) هو: ابن المديني. قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (لا يموت لمسلم) رجل أو امرأة (ثلاثة من الولد، فيلج النار) أي: فيدخلها، وفي الإيمان والنذور، عند المؤلّف من رواية مالك، عن الزهري: لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسه النار، (إلا تحلة القسم) بفتح المثناة الفوقية وكسر المهملة وتشديد اللام، والقسم: بفتح القاف والسين، أي: ما تحل به اليمين، أي: يكفرها. تقول: فعلته تحلة القسم، أي: إلا بقدر ما حللت به يميني، ولم أبالغ. وقال الطيبي: هو مثل في القليل المفرط في القلة، والمراد به هنا تقليل الورود أو المس، أو قلة زمانه. وقوله: فيلج، نصب لأن الفعل المضارع ينصب بعد النفي بأن مقدرة بعد الفاء، لكن حكى الطيبي، فيما ذكره عنه جماعة، وأقروه عليه، ورأيته في شرح المشكاة له، منعه عن بعضهم، وذكره ابن فرشتاه في شرح المشارق، عن الشيخ أكمل الدين معللاً: بأن شرط ذلك أن يكون ما قبل الفاء وما بعدها سببًا، ولا سببية هنا، لأنه ليس موت الأولاد ولا عدمه سببًا لولوج أبيهم النار. وبيان ذلك، كما نبه عليه صاحب مصابيح الجامع، أنك تعمد

7 - باب قول الرجل للمرأة عند القبر: اصبري

إلى الفعل الذي هو غير موجب، فتجعله موجبًا وتدخل عليه: إن الشرطية، وتجعل الفاء وما بعدها من الفعل جوابًا، كما تقول في قوله تعالى: {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} [طه: 81] أن تطغوا فيه، فحلول الغضب حاصل، وفي قوله: ما تأتينا فتحدّثنا، إن تأتنا، فالحديث واقع وهنا إذا قلت: إن يمت لمسلم ثلاثة من الولد فولوج النار حاصل، لم يستقم. قال الطيبي وكذا الشيخ أكمل الدين: فالفاء هنا بمعنى الواو التي للجمع، وتقديره: لا يجتمع لمسلم موت ثلاثة من أولاده وولوجه النار. انتهى. وأجاب ابن الحاجب، والدماميني، واللفظ له: بأنه يجوز النصب بعد الفاء الشبيهة بفاء السببية بعد النفي، مثلاً، وإن لم تكن السببية حاصلة، كما قالوا في أحد وجهي: ما تأتينا فتحدّثنا، إن النفي يكون راجعًا في الحقيقة إلى التحديث لا إلى الإتيان، أي: ما يكون منك إتيان يعقبه حديث، وإن حصل مطلق الإتيان. كذلك هنا أي: لا يكون موت ثلاثة من الولد يعقبه ولوج النار، فيرجع النفي إلى القيد خاصة، فيحصل المقصود ضرورة إن مس النار إن لم يكن يعقب موت الأولاد وجب دخول الجنة، إذ ليس بين النار والجنة منزلة أخرى في الآخرة. ولم يقيد الأولاد في هذا الحديث، كغيره، بكونهم لم يبلغوا الحنث، وحينئذ فيكون قوله، فيما سبق: لم يبلغوا الحنث، لا مفهوم له، كما مر. وزاد في رواية غير الأربعة هنا، قال أبو عبد الله، أي: البخاري، مستشهدًا لتقليل مدة الدخول: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] داخلها دخول جواز لا دخول عقاب، يمر بها المؤمن، وهي خامدة وتنهار بغيرهم. روى النسائي والحاكم من حديث جابر مرفوعًا: الورود الدخول، لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمن بردًا وسلامًا. وقيل: ورودها الجواز على الصراط، فإنه ممدود عليها، رواه الطبراني وغيره، من طريق بشر بن سعيد، عن أبي هريرة، ومن طريق كعب الاحبار، وزاد يستوون كلهم على متنها، ثم ينادي مناد: أمسكي أصحابك، ودعي أصحابي، فيخرج المؤمنون ندية أبدانهم. وحديث الباب أخرجه مسلم في: الأدب، والنسائي في: التفسير، وابن ماجة في: الجنائز. وحديث شريك مقدم على حديث مسلم في رواية أبي ذر. 7 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ: اصْبِرِي (باب قول الرجل للمرأة) شابة أو عجوزًا (عند القبر: اصبري) 1252 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ: اتَّقِي اللَّهَ، وَاصْبِرِي". [الحديث 1252 - أطرافه في: 1283، 1302، 7154]. وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا ثابت) البناني (عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال): (مر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بامرأة عند قبر، وهي) والحال أنها (تبكي، فقال) لها: (اتقي الله) بأن لا تجزعي، فإن الجزع يحبط الأجر، (واصبري) فإن الصبر يجزل الأجر. قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] وفيه إشارة إلى أن عدم الصبر ينافي التقوى. وقد أخرجه أيضًا في: الجنائز، وكذا أبو داود والترمذي والنسائي. 8 - باب غُسْلِ الْمَيِّتِ وَوُضُوئِهِ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ وَحَنَّطَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَمَلَهُ، وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: الْمُسْلِمُ لاَ يَنْجُسُ حَيًّا وَلاَ مَيِّتًا. وَقَالَ سَعْدٌ: لَوْ كَانَ نَجِسًا مَا مَسِسْتُهُ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمُؤْمِنُ لاَ يَنْجُسُ». (باب غسل الميت) وهو فرض كفاية (ووضوئه) أي: الميت، وهو سنة. أو الضمير فيه للغاسل لا للميت؛ وكأنه انتزع الوضوء من مطلق الغسل، لأنه منزل على المعهود في غسل الجنابة، وقد تقرر عندهم الوضوء فيه (بالماء والسدر) متعلق بالغسل بأن يخلطا ويغسل بهما للتنظيف، فلا يحسب عن الواجب للتغير. (وحنط ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما) بالحاء المهملة وتشديد النون (ابنًا لسعيد بن زيد)، أحد العشرة المبشرة بالجنة، المتوفى سنة إحدى وخمسين، واسم ابنه هذا: عبد الرحمن، أي: طيبه بالحنوط، وهو كل شيء خلطته من الطيب للميت خاصة (وحمله وصلّى) عليه (ولم يتوضأ)، ولو كان الميت نجسًا لم يطهره الماء والسدر، ولا الماء وحده، ولما مسه ابن عمر ولغسل ما مسه من أعضائه. وهذا وصله مالك في الموطأ عن نافع: أن عبد الله بن عمر حنط فذكره. (وقال ابن عباس رضي الله عنهما) مما وصله سعيد بن منصور بإسناد صحيح: (المسلم لا ينجس) بضم الجيم وفتحها (حيًّا ولا ميتًا) وقد رواه مرفوعًا، الدارقطني، والحاكم. (وقال سعد) أي: ابن أبي وقاص، كما أخرجه ابن أبي شيبة، من طريق عائشة بنت سعد، وللأصيلي وأبي الوقت: وقال سعيد، بزيادة ياء. قال الحافظ ابن حجر، والأول أولى، كما أخرجه ابن أبي شيبة، لما غسل سعيد بن زيد بن عمرو بالعقيق وحنطه وكفنه: (لو كان نجسًا ما مسسته) بكسر الجيم والسين

الأولى من مسسته. (وقال النبي،-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: المؤمن لا ينجس) هو طرف من حديث أبي هريرة في: كتاب الغسل في: باب الجنب يمشي في السوق. 1253 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مَنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ. فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي. فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ، تَعْنِي إِزَارَهُ". وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أم عطية) نسيبة بنت كعب (الأنصارية) وكانت تغسل الميتات (رضي الله عنها، قالت): (دخل علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حين توفيت ابنته) زينب زوج أبي العاص بن الربيع، والدة أمامة، كما في مسلم، أو: أم كلثوم، كما في أبي داود. قال الحافظ عبد العظيم المنذري، والصحيح الأول، لأن أم كلثوم توفيت والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غائب ببدر: وتعقب بأن التي توفيت، وهو عليه السلام، ببدر: رقية لا أم كلثوم. (فقال) عليه الصلاة والسلام (اغسلنها) وجوبًا مرة واحدة عامة لبدنها، أي: بعد إزالة النجس، إن كان نعم، صحح النووي الاكتفاء لهما بواحدة (ثلاثًا) ندبًا فالأمر للوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل، وللندب بالنسبة إلى الإيتار، كما قرره ابن دقيق العيد. وقال المازري: قيل: الغسل سنة، وقيل: واجب، وسبب الخلاف قوله الآتي: إن رأيتن، هل يرجع إلى الغسل أو إلى الزيادة في العدد، وفي هذا الأصل خلاف في الأصول، وهو أن الاستثناء أو الشرط المعقب جملاً، هل يرجع إلى الجميع، أو إلى ما أخرجه الدليل، أو إلى الأخير. لكن قال الأبي: إن القول بالسنية لابن أبي زيد، والأكثر، والقول بالوجوب، أي: على الكفاية للبغداديين. اهـ. (أو خمسًا) وفي رواية هشام بن حسان، عن حفصة: اغسلنها وترًا ثلاثًا وخمسًا (أو أكثر من ذلك). وفي رواية أيوب عن حفصة، في الباب الآتي: ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا. قال في الفتح: ولم أر في شيء من الروايات بعد قوله: سبعًا، التعبير بأكثر من ذلك إلا في رواية لأبي داود. وأما سواها فإما: أو سبعًا، وإما: أو أكثر، من ذلك، فيحتمل تفسير قوله: أو أكثر من ذلك، بالسبع، وبه قال أحمد وكره الزيادة على السبع. وقال الماوردي: الزيادة على السبع سرف. اهـ. وقال أبو حنيفة: لا يزاد على الثلاث. (إن رأيتن ذلك) بكسر الكاف، لأنه خطاب لمؤنثة، أي: إن أداكن اجتهادكن إلى ذلك بحسب الحاجة إلى الانقاء، لا التشهي. فإن حصل الانقاء بالثلاث لم يشرع ما فوقها، وإلاّ زيد وترًا حتى يحصل الانقاء وهذا بخلاف طهارة الحي، فإنه لا يزيد على الثلاث. والفرق أن طهارة الحي محض تعبد، وهنا المقصود النظافة. وقول الحافظ ابن حجر، كالطيبي، فيما حكاه عن المظهري في شرح المصابيح، و: أو هنا للترتيب لا للتخيير، تعقبه العيني: بأنه لم ينقل عن أحد أن: أو، يجيء للترتيب. والباء في قوله: (بماء وسدر) متعلق بقوله اغسلنها. ويقوم نحو السدر كالخطمي مقامه، بل هو أبلغ في التنظيف. نعم، السدر أولى للنص عليه، ولأنه أمسك للبدن، وظاهره تكرير الغسلات به إلى أن يحصل الانقاء، فإذا حصل وجب الغسل بالماء الخالص عن السدر، ويسن ثانية وثالثة كغسل الحي. (واجعلن في) الغسلة (الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور) أي: في غير المحرم للتطيب وتقويته للبدن. والشك من الراوي، أي اللفظين قال، والأول محمول على الثاني لأنه نكرة في سياق الإثبات فيصدق بكل شيء منه. (فإذا فرغتن) من غسلها (فآذنني) بمد الهمزة وكسر المعجمة وتشديد النون الأولى المفتوحة وكسر الثانية، أي: أعلمنني. (فلما فرغنا) بصيغة الماضي لجماعة المتكلمين، وللأصيلي: فرغن بصيغة الماضي للجمع المؤنث (آذناه) أعلمناه (فأعطانا حقوه) بفتح الحاء المهملة وقد تكسر وهي لغة هذيل، بعدها قاف ساكنة أي: إزاره، والحقو في الأصل معقد الإزار، فسمي به ما يشد على الحقو توسعًا (فقال): (أشعرنها إياه) ولغير الأربعة: إياها بقطع همزة أشعرنها أي: اجعلنه شعارها، ثوبها الذي يلي جسدها. والضمير اللأول: للغاسلات، والثاني، للميت، والثالث: للحقو. (تعني) أم عطية (إزاره) عليه الصلاة والسلام. وإنما فعل ذلك لينالها بركة ثوبه، وأخره ولم يناولهن إياه أوّلاً ليكون قريب العهد من جسده المكرم، حتى لا يكون بين انتقاله من جسده إلى جسدها فاصل،

9 - باب ما يستحب أن يغسل وترا

لا سيما مع قرب عهده بعرقه الكريم. ورواته ما بين: مدني وبصري، وفيه: رواية تابعي عن تابعي عن صحابية، والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم في: الجنائز. وكذا أبو داود والترمذي والنسائي. 9 - باب مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُغْسَلَ وِتْرًا (باب ما يستحب أن يغسل) أي استحباب غسل الميت (وترًا). 1254 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا. فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي. فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ". فَقَالَ أَيُّوبُ: وَحَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ «اغْسِلْنَهَا وِتْرًا» وَكَانَ فِيهِ «ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا» وَكَانَ فِيهِ أَنَّهُ قَالَ " ابْدَؤُوا بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ". وَكَانَ فِيهِ "أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: وَمَشَطْنَاهَا ثَلاَثَةَ قُرُونٍ". وبالسند قال: (حدّثنا محمد) وللأصيلي: محمد بن المثنى، وقال الجياني: يحتمل أن يكون محمد بن سلام، قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أم عطية) نسيبة الأنصارية (رضي الله عنها، قالت): (دخل علينا رسول الله) وللأصيلي: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ونحن نغسل ابنته) زينب أم أمامة (فقال): (اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك) بكسر الكاف، زاد في الرواية السابقة: إن رأيتن ذلك (بماء وسدر) مخلوطين، قال ابن المنير: وهو مشعر بأن غسل الميت للتنظيف، لأن الماء المضاف لا يتطهر به. اهـ. نعم، يحتمل أن لا يتغير وصف الماء بالسدر، بأن يمعك بالسدر، ثم يغسل بالماء في كل مرة، فإن لفظ الحديث لا يأبى ذلك. (واجعلن في) الغسلة (الآخرة كافورًا) وفي السابقة: كافورًا أو شيئًا من كافور، على الشك، وجزم هنا بالشق الأول (فإذا فرعتن) من غسلها (فآذنني) بالمد وكسر الذال: أعلمنني. (فلما فرغنا آذناه) أعلمناه (فألقى إلينا حقوه) بفتح الحاء وكسرها، أي: إزاره (فقال): (أشعرنها إياه) بقطع همزة: أشعرنها. أي اجعلنه يلي جسدها. (فقال) بالفاء وللأصيلي: وقال (أيوب) السختياني بالإسناد السابق (وحدّثتني حفصة) بنت سيرين (بمثل حديث) أخيها (محمد) أي: ابن سيرين (وكان في حديث حفصة): (اغسلنها وترًا) لأن الله وتر يحب الوتر، وهذا موضع الترجمة كما لا يخفى. (وكان فيه) أيضًا: (ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا) فزاد هذه الأخيرة ولم يقل: أو أكثر من ذلك، إذ لم يجتمعا إلا عند أبي داود، كما مر. (وكان فيه) أيضًا (أنه) عليه الصلاة والسلام (قال): (ابدؤوا) بجمع المذكر، تغليبًا للذكور، لأنهن كن محتاجات إلى معاونة الرجال في حمل الماء إليهن وغيره، أو باعتبار الأشخاص، أو الناس. ولأبي ذر عن الكشميهني: ابدأن (بميامنها) جمع ميمنة، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يحب التيامن في شأنه كله (و) ابدأن أيضًا (بمواضع الوضوء) زاد أبو ذر: منها. (وكان فيه) أيضًا (أن أم عطية قالت: ومشطناها) بالتخفيف أي: سرحنا شعرها (ثلاثة قرون) أي: ثلاثة ضفائر بعد أن خللناه بالمشط. وفي رواية: فضفرنا ناصيتها وقرنيها ثلاثة قرون، وألقيناها خلفها. وهذا مذهب الشافعية وأحمد. وقال الحنفية: يجعل ضفيرتان على صدرها. 10 - باب يُبْدَأُ بِمَيَامِنِ الْمَيِّتِ هذا (باب) بالتنوين (يبدأ) بضم أوله وفتح ثالثه، مبنيًّا للمفعول (بميامن الميت) عند غسله، تفاؤلاً أن يكون من أصحاب اليمين. 1255 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَسْلِ ابْنَتِهِ: «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا». وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني، قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن علية قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن حفصة بنت سيرين) أخت محمد (عن أم عطية، رضي الله عنها، قالت: قال) لنا (رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في غسل ابنته) زينب: (ابدأن) بجمع المؤنث (بميامنها) أي: بالأيمن من كل بدنها في الغسلات التي لا وضوء فيها (ومواضع الوضوء منها) أي: في الغسلة المتصلة بالوضوء، وهو يرد على أبي قلابة، حيث قال يبدأ بالرأس ثم باللحية. 11 - باب مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنَ الْمَيِّتِ (باب) استحباب البداءة بغسل (مواضع الوضوء من الميت). 1256 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "لَمَّا غَسَّلْنَا ابنةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَنَا -وَنَحْنُ نَغْسِلُهَا- ابْدَؤوا بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ". وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن موسى) بن عبد ربه السختياني البلخي، المشهور: بخت قال: (حدّثنا وكيع) هو: ابن الجراح (عن سفيان) الثوري (عن خالد الحذاء، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية) نسيبة الأنصارية (رضي الله عنها) أنها (قالت): (لما غسلنا) زينب (ابنة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال لنا ونحن نغسلها): (ابدؤوا) ذكره باعتبار الأشخاص أو لغير ذلك، كما مر قريبًا. وللكشميهني: ابدأن، وهو أوجه لأنه خطاب للنسوة (بميامنها، ومواضع الوضوء) زاد أبو ذر: منها أي: من الابنة. والبداءة بالميامن ومواضع الوضوء، مما زادته حفصة في روايتها عن أم عطية، عن أخيها محمد والحكمة في أمره، عليه الصلاة

12 - باب هل تكفن المرأة في إزار الرجل

والسلام، بالوضوء تجديد أثر سيما المؤمنين في ظهور أثر الغرة والتحجيل. ومذهب الحنفية كالشافعية سنية الوضوء للميت، لكن قال الحنفية: لا يمضمض ولا يستنشق لتعذر إخراج الماء من الفم والأنف. 12 - باب هَلْ تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي إِزَارِ الرَّجُلِ هذا (باب) بالتنوين (هل تكفن المرأة في إزار الرجل) نعم. تكفن فيه، ودعوى الخصوصية في ذلك بالشارع عليه الصلاة والسلام غير مسلمة، فهو للتشريع. 1257 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ "تُوُفِّيَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَنَا: اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي. فَآذَنَّنا، فَنَزَعَ مِنْ حِقْوِهِ إِزَارَهُ وَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن حماد) العنبري البصري، قال: (أخبرنا ابن عون) عبد الله البصري (عن محمد) بن سيرين (عن أم عطية) نسيبة، رضي الله عنها (قالت) ولأبي ذر، قال: (توفيت بنت النبي) ولأبي ذر، وابن عساكر: ابنة النبي، بالألف فى الأول، وللأصيلى: بنت رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: لنا): (اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثر من ذلك، إن رأيتن) ذلك. (فإذا فرغتن) من غسلها (فآذنني) اعلمنني. اجتمع ثلاث نونات: لام الفعل، ونون النسوة، ونون الوقاية. فأدغمت الأولى في الثانية. (فآذناه) أعلمناه (فنزع من حقوه) معقد الإزار منه (إزاره). واستعمال الحقو هنا على الحقيقة وفي السابق على المجاز. وقول الزركشي: إن هذا مجاز، والسابق حقيقة وهم، لأنه في أصل الوضع لمعقد الإزار من الجسد، إلا أن يدعي أن استعماله في الإزار حقيقة عرفية. (وقال: أشعرنها) بقطع الهمزة (إياه) أي: اجعلنه مما يلي جسدها، والدثار ما فوقه. 13 - باب يَجْعَلُ الْكَافُورَ فِي آخِرِهِ هذا (باب) بالتنوين (يجعل الكافور) ولغير أبي ذر: يجعل، بفتح أوله، الكافور نصب (في آخره) أي: آخر الغسل. 1258 - حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ "تُوُفِّيَتْ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي. قَالَتْ: فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ". وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنهما- بِنَحْوِهِ. وبالسند قال: (حدّثنا حامد بن عمر) بضم العين، ابن حفص الثقفي البكراوي البصري قاضي كرمان، قال: (حدّثنا حماد بن زيد، عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو: ابن سيرين (عن أم عطية) الأنصارية (قالت): (توفيت إحدى بنات النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، هي: زينب على المشهور كما مر (فخرج، فقال) ولأبي ذر، فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال، أي لأم عطية ومن معها من النسوة: (اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن) ذلك. فوّض ذلك لآرائهن، بحسب المصلحة والحاجة، لا بحسب التشهي، فإن ذلك زيادة غير محتاج إليها، فهو من قبيل الإسراف كما في ماء الطهارة. (بماء وسدر) يتعلق: باغسلنها (واجعلن في) الغسلة (الآخرة كافورًا) بأن يجعل في ماء، ويصب على الميت في آخر غسله. هذا ظاهر الحديث. وقيل: إذا كمل غسله طيب بالكافور قبل التكفين، ويكره تركه كما نص عليه في الأم، وليكن بحيث لا يفحش الغير به إن لم يكن صلبًا .. والحكمة فيه التطيب للمصلين والملائكة، وتقوية البدن ودفعه الهوامّ، وردع ما يتحلل من الفضلات، ومنع إسراع الفساد إلى الميت لشدة برده. ومن ثم جعل في الآخرة، إذ لو كان في غيرها لأذهبه الماء. وقوله: (أو شيئًا من كافور) شك من الراوي أي: اللفظين قال عليه الصلاة والسلام. وهل يقوم غير الكافور، كالمسك، مقامه عند عدمه أم لا؟ نعم، أجازه أكثرهم، وأمر به علي في حنوطه، وقال: هو من فضل حنوط النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (فإذا فرغتن) من غسلها (فآذنني) أعلمنني. (قالت) أم عطية: (فلما فرغنا آذناه، فألقى إلينا حقوه) بفتح الحاء وتكسر، إزاره (فقال: أشعرنها إياه) اجعلنه ملاصقًا لبشرتها. (و) بالإسناد السابق (عن أيوب) السختياني (عن حفصة) بنت سيرين (عن أم عطية) الأنصارية (رضي الله عنها بنحوه) أي بنحو الحديث الأول. 1259 - وَقَالَتْ: إِنَّهُ قَالَ: «اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ». قَالَتْ حَفْصَةُ قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنها- "وَجَعَلْنَا رَأْسَهَا ثَلاَثَةَ قُرُونٍ". (وقالت) بالواو، وللأصيلي: قالت (إنه قال): (اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا أو أكثر من ذلك، إن رأيتن) ذلك. (قالت حفصة: قالت أم عطية وجعلنا رأسها) أي شعرها رأسها، فهو من مجاز المجاورة (ثلاثة قرون) أي: ضفائر. فإن قلت: ما وجه إدخال هذه الترجمة المتعلقة بالغسل، بين ترجمتين متعلقتين بالكفن؟ أجيب: بأن العرف تقديم ما يحتاج إليه الميت قبل الشروع في غسله، أو قبل الفراغ منه، ومن جملة ذلك الحنوط. 14 - باب نَقْضِ شَعَرِ الْمَرْأَةِ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُنْقَضَ شَعَرُ الْمَيِّتِ (باب نقض شعر) رأس (المرأة) الميتة عند الغسل، والتقييد بالمرأة كأنه جرى على الغالب، وإلا فظاهر أن الرجل، إذ كان له شعر طويل، كذلك.

15 - باب كيف الإشعار للميت؟

(وقال ابن سيرين) محمد، مما وصله سعيد بن منصور، من طريق أيوب عنه: (لا بأس أن) ولأبي الوقت في غير اليونينية: بأن (ينقض شعر الميت) ذكرًا كان أو أنثى، ولابن عساكر، وأبي ذر: شعر المرأة. 1260 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَيُّوبُ وَسَمِعْتُ حَفْصَةَ بِنْتَ سِيرِينَ قَالَتْ: حَدَّثَتْنَا أُمُّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنها- "أَنَّهُنَّ جَعَلْنَ رَأْسَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَةَ قُرُونٍ، نَقَضْنَهُ ثُمَّ غَسَلْنَهُ ثُمَّ جَعَلْنَهُ ثَلاَثَةَ قُرُونٍ". وبالسند قال: (حدّثنا أحمد) غير منسوب، وقال ابن شبويه، عن الفربري: هو أحمد بن صالح (قال: حدّثنا عبد الله بن وهب) المصري، ولأبي ذر، والأصيلي: حدّثنا ابن وهب، قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال أيوب) بن أبي تميمة السختياني (وسمعت حفصة بنت سيرين) أي: قال أيوب: سمعت ... كذا. وسمعت حفصة، فالعطف على مقدّر (قالت حدَّثتنا أم عطية، رضي الله عنها). (أنهن) هي ومن معها من النساء اللاتي باشرن غسل بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، (جعلن رأس) أي: شعر رأس (بنت) ولأبي الوقت: ابنة (رسول الله) ولأبوي: ذر، والوقت: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثلاثة قرون) أي: ضفائر. وكأن سائلاً قال: كيف جعلنه ثلاثة قرون؟ فقالت أم عطية: "نقضنه" أي شعر رأسها، لأجل إيصال الماء إلى أصوله، وتنظيفه من الأوساخ (ثم غسلنه) أي: الشعر (ثم جعلنه) بعد الغسل (ثلاثة قرون) لينضم ويجتمع ولا ينتشر. 15 - باب كَيْفَ الإِشْعَارُ لِلْمَيِّتِ؟ وَقَالَ الْحَسَنُ: الْخِرْقَةُ الْخَامِسَةُ يُشُدُّ بِهَا الْفَخِذَيْنِ وَالْوَرِكَيْنِ تَحْتَ الدِّرْعِ. هذا (باب) بالتنوين (كيف الإشعار للميت؟) والشعار: ما يلي الجسد، والدثار ما فوقه. (وقال الحسن) البصري، مما وصله ابن أبي شيبة نحوه، كما قاله في الفتح: (الخرقة والخامسة) من أكفان المرأة الخمسة (يشد) الغاسل، وفي اليونينية بالفوقية (بها الفخذين والوركين) بنصبهما على المفعولية، والفاعل الضمير في: يشد، المقدر بالغاسل. وللأصيلي، وأبي الوقت: يشد بضم أوّله مبنيًا للمفعول، الفخذان والوركان برفعهما مفعولان نابا عن الفاعل. (تحت الدرع) بكسر الدال وهو: القميص. 1261 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ أَيُّوبَ أَخْبَرَهُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ سِيرِينَ يَقُولُ "جَاءَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنها-امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِنَ اللاَّتِي بَايَعْنَ- قَدِمَتِ الْبِصْرَةَ تُبَادِرُ ابْنًا لَهَا فَلَمْ تُدْرِكْهُ، فَحَدَّثَتْنَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي. قَالَتْ: فَلَمَّا فَرَغْنَا أَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ". وَلاَ أَدْرِي أَيُّ بَنَاتِهِ. وَزَعَمَ أَنَّ الإِشْعَارَ الْفُفْنَهَا فِيهِ. وَكَذَلِكَ كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَأْمُرُ بِالْمَرْأَةِ أَنْ تُشْعَرَ وَلاَ تُؤْزَرَ. وبالسند قال: (حدّثنا أحمد) غير منسوب، ولابن شبويه، عن الفربري أحمد بن صالح، قال: (حدّثنا عبد الله بن وهب) ولأبي ذر: حدّثنا ابن وهب، قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك (أن أيوب) السختياني (أخبره قال: سمعت ابن سيرين) محمدًا (يقول): (جاءت أم عطية، رضي الله عنها -امرأة من الأنصار) برفع امرأة عطف بيان (من اللاتي بايعهن-) زاد في رواية أبوي: ذر، والوقت، وابن عساكر في نسخة: النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (قدمت البصرة) بدل: من جاءت حال كونها (تبادر ابنًا لها) أي: تسارع المجيء لأجله (فلم تدركه) إما لأنه مات، أو خرج من البصرة (فحدثتنا) أي أم عطية (قالت: دخل علينا النبي) ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ونحن نغسل ابنته، فقال): (اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثر من ذلك، وإن رأيتن ذلك، بماء وسدر) الجار يتعلق: باغسلنها (واجعلن في) الغسلة (الآخرة كافورًا. فإذا فرغتن فآذنني قالت) أم عطية: (فلما فرغنا، ألقى إلينا حقوه) بفتح الحاء وقد تكسر إزاره. (فقال: أشعرنها إياه) بقطع همزة أشعرنها أي اجعلنه شعارًا لها. قال أيوب: (ولم يزد) أي: ابن سيرين، وللأصيلي: ولم تزد، بالمثناة الفوقية، أي: أم عطية (على ذلك) بخلاف حفصة أخته، فإنها زادت في روايتها عن أم عطية أشياء منها البداءة بميامنها ومواضع الوضوء. قال أيوب: (ولا أدري أي بناته) عليه الصلاة والسلام كانت المغسولة فأي: مبتدأ محذوف الخبر، ولا ينافي هذا تسمية الآخر لها بزينب، لأنه علم ما لم يعلمه أيوب. (وزعم) أي: أيوب (أن الإشعار) في قوله في الحديث: أشعرنها، معناه (الففنها فيه). قال أيوب (وكذلك كان ابن سيرين) محمد، وكان أعلم التابعين بعلم الموتى (يأمر بالمرأة أن تشعر) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول، أي: تلف (ولا تؤزر) بضم التاء وسكون الهمزة وفتح الراء، مبنيًّا للمفعول، أيضًا: أي: لا يجعل الشعار عليها مثل الإزار، لأن الإزار لا يعم البدن، بخلاف الشعار، ولأبي ذر: ولا تأزر بفتح المثناة والهمزة وتشديد الزاي من التأزر. 16 - باب هَلْ يُجْعَلُ شَعَرُ الْمَرْأَةِ ثَلاَثَةَ قُرُونٍ هذا (باب) بالتنوين (يجعل) بضم أوله مبنيًّا للمفعول، ولغير الأربعة: هل يجعل (شعر) رأس (المرأة ثلاثة قرون) أي: ضفائر. 1262 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أُمِّ الْهُذَيْلِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "ضَفَرْنَا شَعَرَ بِنْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" -تَعْنِي ثَلاَثَةَ قُرُونٍ- وَقَالَ وَكِيعٌ قَالَ سُفْيَانُ "نَاصِيَتَهَا وَقَرْنَيْهَا". وبالسند قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة، ابن عقبة السوائي العامري الكوفي، قال: (حدّثنا

17 [18]- باب يلقى شعر المرأة خلفها

سفيان) الثوري (عن هشام) هو: ابن حسان (عن أم الهذيل) بضم الهاء وفتح الذال المعجمة، حفصة بنت سيرين (عن أم عطية، رضي الله عنها. قالت): (ضفرنا) بضاد معجمة ساقطة خفيفة الفاء (شعر) رأس (بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زينب أي: نسجناه عريضًا (-تعني) أم عطية (ثلاثة قرون-) أي: ذوائب. (وقال) بالواو، والأصيلي: قال: (وكيع، قال سفيان) الثوري، وللأربعة: عن سفيان أي: بهذا الأسناد السابق: (ناصيتها) ذؤابتها (وقرنيها) أي: جانبي رأسها ذؤابتين. زاد الإسماعيلي: ثم ألقيناه خلفها. وفيه: ضفر شعر الميت خلافًا لمن منعه، فقال ابن القاسم: لا أعرف الضفر، أي: لم يعرف فعل أم عطية حتى يكون سنة، بل يلف. وعن الحنفية: يرسل خلفها، وعلى وجهها مفرقًا. قالوا: وهذا قول صحابي، والشافعي لا يرى قوله حجة، وكذا فعله. وأم عطية أخبرت بذلك عن فعلهن، ولم تخبر به عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وأجيب: بأن الأصل أن لا يفعل بالميت شيء من القرب إلا بإذن من الشارع، وقال النووي: الظاهر اطلاعه، عليه الصلاة والسلام، على ذلك وتقريره له. اهـ. وهو عجيب. ففي صحيح ابن حبان: أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أمر بذلك ولفظه: واجعلن لها ثلاثة قرون. وترجم عليه ذكر البيان، بأن أم عطية: إنما مشطت قرونها بأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا من تلقاء نفسها. 17 [18] (¬1) - باب يُلْقَى شَعَرُ الْمَرْأَةِ خَلْفَهَا هذا (باب) بالتنوين (يلقى شعر المرأة خلفها) وفي رواية الأصيلي. وأبي الوقت: يجعل. وزاد الحموي ثلاثة قرون. 1263 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ قَالَ حَدَّثَتْنَا حَفْصَةُ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "تُوُفِّيَتْ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَتَانَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا بِالسِّدْرِ وِتْرًا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي. فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ، فَأَلْقَى إِلَيْنَا حِقْوَهُ، فَضَفَرْنَا شَعَرَهَا ثَلاَثَةَ قُرُونٍ وَأَلْقَيْنَاهَا خَلْفَهَا". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد، قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) بكسر العين (عن هشام بن حسان) بالصرف، وعدمه الأزدي البصري (قال: حدّثنا حفصة) بنت سيرين، (عن أم عطية) نسيبة (رضي الله عنها، قالت): (توفيت إحدى بنات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زينب أو أم كلثوم، والأول هو المشهور (فأتانا النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال) عليه الصلاة والسلام: (اغسلنها بالسدر) والماء (وترًا ثلاثًا، أو خمسًا، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك) بحسب الحاجة، (واجعلن في) الغسلة (الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور) بالشك من الراوي (فإذا فرغتن) من غسلها (فآذنني) بالمد وكسر الذال وتشديد النون، أي: أعلمنني. (فلما فرغنا آذناه، فالقى إلينا حقوه) بفتح الحاء المهملة وكسرها (فضفرنا شعرها ثلاثة قرون) أي: ذوائب (وألقيناها) بالواو، أي: الذوائب. وللأربعة: فألقيناها (خلفها). وقال الحنفية: ضفيرتان على صدرها فوق الدرع. ولما فرغ المصنف من بيان أحكام الغسل، شرع في بيان أحكام الكفن فقال: 19 - باب الثِّيَابِ الْبِيضِ لِلْكَفَنِ (باب الثياب البيض للكفن). 1264 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قالت "إنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُفِّنَ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَةٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهِنَّ قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ". [الحديث 1264 - أطرافه في: 1271، 1272، 1273، 1387]. وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة (قال: أخبرنا عبد الله) وللأصيلي عبد الله بن المبارك (قال: أخبرنا هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة، رضي الله عنها، قالت): (إن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كفن في ثلاثة أثواب يمانية) بتخفيف الياء، نسبة إلى اليمن، (بيض سحولية) بفتح السين وتشديد المثناة التحتية، نسبة إلى السحول، وهو القصَّار، لأنه يسحلها أي: يغسلها، أو: إلى سحول، قرية باليمن وقيل، بالضم: اسم لقرية أيضًا (من كرسف) بضم أوله وثالثه أي: قطن. وصحح الترمذي والحاكم، من حديث ابن عباس مرفوعًا: "البسوا ثياب البياض، فإنها أطيب وأطهر، وكفنوا فيها موتاكم". وفي مسلم: "إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه". قال النووي: المراد بإحسان الكفن بياضه ونظافته. قال البغوي: وثوب القطن أولى. وقال الترمذي: وتكفينه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في ثلاثة أثواب بيض أصح ما ورد في كفنه. (ليس فيهن) أي: في الثلاثة الأثواب، ولأبوي: ذر، والوقت، والأصيلي: ليس فيها (قميص ولا عمامة) أي: ليس موجودًا أصلاً، بل هي الثلاثة فقط. قال النووي، وهو ما فسره به الشافعي، والجمهور، وهو الصواب الذي يقتضيه ظاهر الأحاديث: وهو أكمل الكفن للذكر، ويحتمل أن تكون الثلاثة الأثواب خارجة عن القميص والعمامة، فيكون ذلك خمسة. وهو تفسير مالك، ومثله قوله تعالى: {رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد: 2] يحتمل بلا عمد أصلاً ¬

(¬1) في أبواب طبعة ليدن التي رقّمها الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، وهي الطبعة الموافقة للمعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، جاءت أرقام الأبواب كما يلي: - 17 - باب يلقى شعر المرأة خلفها. - 18 - باب يجعل شعر المرأة خلفها ثلاثة قرون. ثم تسلسل الترقيم بعد ذلك على هذا النمط حتى الباب 92 من كتاب الجنائز. وبهذا يكون الباب 18 مكررًا لأنه تقدّم برقم 16. ولكننا تابعنا ترقيم الأبواب طبقًا للمعجم المفهرس تسهيلاً لمهمة الباحث.

20 - باب الكفن في ثوبين

أو بعمد غير مرئية لهم. ومذهب الشافعي جواز زيادة القميص، والعمامة على الثلاثة من غير استحباب، وقال الحنابلة: إنه مكروه. ورواة الحديث ما بين: مروزي ومدني، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في: باب الكفن بغير قميص، وفي: باب الكفن بلا عمامة. ومسلم، وأبو داود، والنسائي وابن ماجة. 20 - باب الْكَفَنِ فِي ثَوْبَيْنِ (باب) جواز (الكفن في ثوبين) فالثلاثة ليست واجبة، بل الواجب لغير المحرم ثوب واحد ساتر لكل البدن، وعلى هذا جرى الإمام أحمد، والغزالي، وجمهور الخراسانيين. وقال النووي في مناسكه إنه المذهب الصحيح. وصحح في بقية كتبه ما عزاه للنص، والجمهور أن أقله سائر العورة فقط، كالحي. ولحديث مصعب الآتي إن شاء الله تعالى، في باب: إذا لم يوجد إلا ثوب واحد. وعلى القول بذلك يختلف قدر الواجب بذكورة الميت وأنوثيته، فيجب في المرأة ما يستر بدنها إلا وجهها وكفيها، حرة كانت أو أمة، لزوال الرق بالموت، كما ذكره في كتاب الإيمان. ويأتي مزيد لذلك، إن شاء الله تعالى، عند شرح حديث مصعب. 1265 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ -أَوْ قَالَ: فَأَوْقَصَتْهُ- قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا". [الحديث 1265 - أطرافه في: 1266، 1267، 1268، 1839، 1849، 1850، 1851]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي، المعروف بعارم قال: (حدَّثنا حماد) وللأصيلي: حماد بن زيد (عن أيوب) السختياني (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال): (بينما) بالميم، وأصله: بين زيدت فيه الألف، والميم ظرف زمان مضاف إلى جملة (رجل) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمه (واقف بعرفة) للحج عند الصخرات، وليس المراد خصوص الوقوف المقابل للقعود، لأنه كان راكبًا ناقته، ففيه إطلاق لفظ الواقف على الراكب (إذ وقع عن راحلته) ناقته التي صلحت للرحل، والجملة جواب: بينما (فوقصته -أو قال فأوقصته) شك الراوي، والمعروف عند أهل اللغة بدون الهمزة، فالثاني شاذ، أي: كسرت عنقه. والضمير المرفوع في وقصته للراحلة، والمنصوب للرجل (قال) وللأصيلي، وابن عساكر: فقال (النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين) غير الذي عليه، فيستدل به على إبدال ثياب المحرم. قال في الفتح: وليس بشيء لأنه سيأتي، إن شاء الله تعالى في الحج، بلفظ: في ثوبيه. وللنسائي، من طريق يونس بن نافع، عن عمرو بن دينار: في ثوبيه اللذين أحرم فيهما، وإنما لم يزده ثالثًا، تكرمة له كما في الشهيد، حيث قال: زملوهم بدمائهم. وقال النووي في المجموع لأنه لم يكن له مال غيرهما. (ولا تحنطوه) بتشديد النون المكسورة أي: لا تجعلوا في شيء من غسلاته، أو: في كفنه حنوطًا (ولا تخمروا) بالخاء المعجمة، أي: لا تغطوا (رأسه) بل أبقوا له أثر إحرامه من منع ستر رأسه، إن كان رجلاً، ووجهه وكفيه إن كان امرأة، ومن منع المخيط وأخذ ظفره وشعره (فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا) أي: بصفة الملبين بنسكه الذي مات فيه من حج أو عمرة، أو هما قائلاً: لبيك اللهم لبيك. قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على أن المحرم إذا مات يبقى في حقه حكم الإحرام، وهو مذهب الشافعي رحمه الله. وخالف في ذلك مالك وأبو حنيفة، رحمهما الله تعالى، وهو مقتضى القياس لانقطاع العبادة بزوال محل التكليف، وهو الحياة. لكن اتبع الشافعي الحديث، وهو مقدم على القياس، وغاية ما اعتذر به عن الحديث، ما قيل: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علل هذا الحكم في هذا الإحرام بعلة لا يعلم وجودها في غيره، وهو أنه: يبعث يوم القيامة ملبيًا. وهذا الأمر لا يعلم وجوده في غير هذا المحرم لغير النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والحكم إنما يعم في غير محل النص بعموم علته، أو غيرها: ولا يرى أن هذه العلة إنما ثبتت لأجل الإحرام، فتعم كل محرم. اهـ. 21 - باب الْحَنُوطِ لِلْمَيِّتِ (باب الحنوط للميت) بفتح الحاء وضم النون، ويقال: الحناط بالكسر. قال الأزهري: ويدخل فيه الكافور، وذريرة القصب، والصندل الأحمر، والأبيض. وقال غيره: الحنوط ما يخلط من الطيب للموتى خاصة، ولا يقال، لطيب الأحياء: حنوط. 1266 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَأَقْصَعَتْهُ -أَوْ قَالَ: فَأَقْعَصَتْهُ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا". وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد، قال: (حدّثنا حماد) هو: ابن زيد (عن أيوب) السختياني (عن سعيد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة (عن ابن

22 - باب كيف يكفن المحرم؟

عباس رضي الله عنهما قال): (بينما) بالميم (رجل واقف مع رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بعرفة) عند الصخرات، وجواب بينما، قوله: (إذ وقع من راحلته فأقصعته) بصاد فعين مهملتين (أو قال: فأقعصته) بتقديم العين على الصاد، أي: قتلته سريعًا (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين). قال القاضي عياض: أكثر الروايات، ثوبيه بالهاء. وقال النووي في شرح مسلم: فيه جواز التكفين في ثوبين، والأفضل ثلاثة (ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه). بذلك أخذ الشافعي. وقال مالك وأبو حنيفة: يفعل به ما يفعل بالحلال، لحديث: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث". فعبادة الإحرام انقطعت عنه. قال ابن دقيق العيد، كما مر وهو مقتضى القياس. لكن الحديث بعد أن ثبت يقدم على القياس، وقال بعض المالكية: حديث المحرم هذا خاص به، ويدل عليه قوله: (فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيًا) فأعاد الضمير عليه، ولم يقل: فإن المحرم. وحينئذٍ فلا يتعدى حكمه إلى غيره إلا بدليل. وجوابه ما قاله ابن دقيق العيد: إن العلة إنما ثبتت لأجل الإحرام، فتعم كل محرم. اهـ. ومطابقته للترجمة بطريق المفهوم من منع الحنوط للمحرم. 22 - باب كَيْفَ يُكَفَّنُ الْمُحْرِمُ؟ هذا (باب) بالتنوين (كيف يكفن المحرم) إذا مات؟ وسقط الباب وقاله لابن عساكر. 1267 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- أَنَّ رَجُلاً وَقَصَهُ بَعِيرُهُ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُمِسُّوهُ طِيبًا، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّدًا". وبالسند قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي، قال: (أخبرنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، جعفر بن أبي وحشية (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما): (أن رجلاً وقصه بعيره) أي: كسر عنقه، فمات. لكن نسبته للبعير مجاز إن كان مات من الوقعة عنه، وإن أثرت ذلك فيه بفعلها فحقيقة، (ونحن مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو) أي الرجل الموقوص (محرم) بالحج عند الصخرات بعرفة، و: والواو في: ونحن، وفي: وهو، للحال (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اغسلوه بماء وسدر) فيه إباحة غسل المحرم الحي بالسدر، خلافًا لمن كرهه له (وكفنوه في ثوبين) فليس الوتر في الكفن شرطًا في الصحة كما مر، وفي رواية: ثوبيه بالهاء، وفيه استحباب تكفين المحرم في ثياب إحرامه، وأنه لا يكفن في المخيط، وإحدى الروايتين مفسرة للأخرى. (ولا تمسوه طينًا) بضم الفوقية وكسر الميم من أمس (ولا تخمروا رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبدًا) بدال مهملة بدل المثناة التحتية. كذا للأكثرين، وفي رواية المستملي: ملبيًا والتلبيد: جمع شعر الرأس بصمغ، أو غيره، ليلتصق شعره فلا يشعث في الإحرام. لكن أنكر القاضي عياض هذه الرواية، وقال: الصواب ملبيًا بدليل رواية يلبي. فارتفع الإشكال، وليس للتلبيد هنا معنى. قال الزركشي، وكذا رواه البخاري في كتاب الحج: فإنه يبعث يهل. اهـ. وكل هذا لا ينافي رواية ملبدًا إن صحت، لأنه حكاية حاله عند موته. اهـ. يعني أن الله يبعثه على هيئته التي مات عليها. 1268 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو وَأَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- قَالَ: "كَانَ رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَفَةَ فَوَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، قَالَ أَيُّوبُ: فَوَقَصَتْهُ -وَقَالَ عَمْرٌو: فَأَقْصَعَتْهُ- فَمَاتَ، فَقَالَ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - قَالَ أَيُّوبُ: يُلَبِّي، وَقَالَ عَمْرٌو: مُلَبِّيًا". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد، قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو: ابن درهم الجهضمي البصري (عن عمرو) هو: ابن دينار (وأيوب) السختياني كلاهما (عن سعيد بن جبير) الأسدي، مولاهم، الكوفي (عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال): (كان رجل واقف) بالرفع، صفة لرجل، لأن كان تامة. ولأبي ذر: واقفًا، بالنصب على أنها ناقصة، (مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بعرفة) عند الصخرات (فوقع عن راحلته. قال أيوب) السختياني في روايته: (فوقصته) بالقاف بعد الواو من الوقص، وهو كسر العنق، كما مر (-وقال عمرو) بفتح العين: ابن دينار (فأقصعته-) بتقديم الصاد على العين، ولأبي ذر عن الكشميهني: فأقعصته، بتقديم العين (فمات، فقال): (اغسلوه بماءٍ وسدرٍ وكفنوه في ثوبين) بالنون (ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة). (قال أيوب) السختياني في روايته (يلبي) بصيغة المضارع المبني للفاعل. (وقال عمرو) بن دينار: (ملبيًا) على صيغة اسم الفاعل منصوب على الحال، والفرق بينهما أن الفعل يدل على التجدد، والاسم يدل على الثبوت. 23 - باب الْكَفَنِ فِي الْقَمِيصِ الَّذِي يُكَفُّ أَوْ لاَ يُكَفُّ (باب الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف) زاد المستملي:

ومن كفن بغير قميص، بضم الياء وفتح الكاف وتشديد الفاء، من: يكف في الموضعين أي: خيطت حاشيته أو لم تخط، لأن الكف خياطة الحاشية. وضبطه بعضهم بفتح الياء وضم الكاف وتشديد الفاء، وصوبه ابن رشيد أي: يتبرك بإلباس قميص الصالح للميت، سواء كان يكف عن الميت العذاب أو لا يكلف. وضبطه آخر بفتح الياء وسكون الكاف وكسر الفاء، وجزم المهلب: بأنه الصواب، وأن الياء سقطت من الكاتب. قال ابن بطال: فالمراد طويلاً كان القميص أو قصيرًا، والأول أولى. وفي الخلافيات للبيهقي، من طريق ابن عون. قال: كان محمد بن سيرين يستحب أن يكون قميص الميت كقميص الحي مكففًا مزرّرًا. 1269 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ لَمَّا تُوُفِّيَ جَاءَ ابْنُهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَاسْتَغْفِرْ لَهُ. فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَمِيصَهُ فَقَالَ: آذِنِّي أُصَلِّي عَلَيْهِ. فَآذَنَهُ. فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ جَذَبَهُ عُمَرُ -رضي الله عنه- فَقَالَ: أَلَيْسَ اللَّهُ نَهَاكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ؟ فَقَالَ: أَنَا بَيْنَ خِيرَتَيْنِ قَالَ الله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}. فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَنَزَلَتْ {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}. [الحديث 1269 - أطرافه في: 4670، 4672، 5796]. وبالسند قال: (حدَّثنا مسدد) أي: ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بضم العين، ابن عمر العمري (قال: حدَّثني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر) بضم العين (رضي الله عنهما): (أن عبد الله بن أبي) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد المثناة التحتية، ابن سلول، رأس المنافقين (لما توفي) في ذي القعدة، سنة تسع، منصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تبوك، وكانت مدة مرضه عشرين ليلة، ابتداؤها من ليالٍ بقيت من شوال. (جاء ابنه) عبد الله. وكان من فضلاء الصحابة وخيارهم (إلى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله) وسقط قوله: يا رسول الله عند أبي ذر، (أعطني قميصك أكفنه فيه) بالجزم جواب الأمر. والضمير لعبد الله بن أبي (وصّلِّ عليه واستغفر له). ووقع عند الطبري، من طريق الشعبي: لما احتضر عبد الله جاء ابنه إلى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا نبيّ الله إن أبي احتضر، فأحب أن تحضره وتصلِّي عليه؛ وكأنه كان يحمل أمر أبيه على ظاهر الإسلام، فلذلك التمس من النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن يحضر عنده، لا سيما وقد ورد ما يدل على أنه فعل ذلك بعهد من أبيه، فأخرج عبد الرزاق، عن معمر، والطبري من طريق سعيد، كلاهما، عن قتادة قال: أرسل عبد الله بن أبي إلى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما دخل عليه قال: أهلكك حب يهود؟. قال: يا رسول الله! إنما أرسلت إليك لتستغفر لي، ولم أرسل إليك لتوبخني. ثم سأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه. قال في الفتح: وهذا مرسل مع ثقة رجاله، ويعضده ما أخرجه الطبراني، من طريق الحكم بن أبان، عن عكرمة عن ابن عباس: لما مرض عبد الله بن أبي، جاءه النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: امنن عليّ، فكفني في قميصك وصلِّ عليّ. قال الحافظ ابن حجر: وكأنه أراد بذلك دفع العار عن ولده وعشيرته بعد موته، فأظهر الرغبة في صلاة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عليه. وقد وقعت إجابته إلى سؤاله على حسب ما أظهر من حاله إلى أن كشف الله الغطاء عن ذلك بما سيأتي إن شاء الله تعالى، قال: وهذا من أحسن الأجوبة، فيما يتعلق بهذه القصة. (فأعطاه النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قميصه) أي: أعطى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قميصه لولده إكرامًا للولد، أو مكافأة لأبيه عبد الله بن أبي، لأنه لما أسر العباس ببدر، ولم يجدوا له قميصًا يصلح له، وكان رجلاً طويلاً، فألبسه قميصه، فكافأه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بذلك كي لا يكون لمنافق عليه يد لم يكافئه عليها، أو: لأنه ما سئل شيئًا قط، فقال: لا، أو: إن ذلك كان قبل نزول قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}. وأما قول المهلب: رجا أن يكون معتقد لبعض ما كان يظهر من الإسلام، فينفعه الله بذلك. فتعقبه ابن المنير، فقال: هذه هفوة ظاهرة، وذلك أن الإسلام لا يتبعض، والعقيدة شيء واحد، لأن بعض معلوماتها شرط في البعض، والإخلال ببعضها إخلال بجملتها، وقد أنكر الله تعالى على من آمن بالبعض وكفر بالبعض، كما أنكر على من كفر بالكل. اهـ. (فقال) عليه الصلاة والسلام: (آذني) بالمد وكسر الذال المعجمة، أي: أعلمني (أصلي عليه) بعدم الجزم على الاستئناف وبه جوابًا للأمر. (فآذنه) أعلمه (فلما أراد) عليه الصلاة والسلام (أن يصلّي عليه، جذبه عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه) بثوبه (فقال: أليس الله نهاك أن تصلي) أي: عن الصلاة (على المنافقين) وفهم ذلك عمر رضي الله عنه من قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113]

24 - باب الكفن بغير قميص

لم يتقدم نهي عن الصلاة على المنافقين، بدليل أنه قال في آخر هذا الحديث، فنزلت: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] وفي تفسير سورة براءة، من وجه آخر عن عبيد الله بن عمر، فقال: تصلي عليه وقد نهاك الله أن تستغفر لهم؟ (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أنا بين خيرتين) بخاء معجمة مكسورة ومثناة تحتية مفتوحة تثنية خيرة كعنبة أي أنا مخير بين الأمرين الاستغفار وعدمه (قال الله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ}) قال البيضاوي: يريد التساوي بين الأمرين في عدم الإفادة لهم، كما نص عليه بقوله: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] فقال عليه الصلاة والسلام: لأزيدن على السبعين، ففهم من السبعين العدد المخصوص لأنه الأصل (فصلّى) عليه الصلاة والسلام (عليه) أي: على عبد الله بن أبي (فنزلت) آية: ({وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}) [التوبة: 84]. لأن الصلاة دعاء للميت واستغفار له. وهو ممنوع في حق الكافر، وإنما لم ينه عن التكفين في قميصه، ونهى عن الصلاة عليه لأن الضنة بالقميص كان مخلاًّ بالكرم، ولأنه كان مكافأة لإلباسه العباس قميصه، كما مر. وزاد أبو ذر في روايته: ولا تقم على قبره، أي: ولا تقف على قبره للدفن أو الزيارة، واستشكل تخييره عليه الصلاة والسلام بين الاستغفار لهم وعدمه، مع قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113]. الآية، فإن هذه الآية نزلت بعد موت أبي طالب حين قال: والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، وهو متقدم على الآية التي فهم منها التخيير. وأجيب: بأن المنهي عنه في هذه الآية استغفار مرجو الإجابة، حتى لا يكون مقصوده تحصيل المغفرة لهم، كما في أبي طالب، بخلاف استغفاره للمنافقين، فإنه استغفار لسان قصد به تطييب قلوبهم. اهـ. وفي الحديث أنه تحرم الصلاة على الكافر، ذمي وغيره، نعم، يجب دفن الذمي وتكفينه، وفاء بذمته، كما يجب إطعامه وكسوته حيًّا. وفي معناه: المعاهد والمؤمن بخلاف الحربي، والمرتد، والزنديق. فلا يجب تكفينهم ولا دفنهم، بل يجوز إغراء الكلاب عليهم إذ لا حرمة لهم. وقد ثبت أمره عليه الصلاة والسلام، بإلقاء قتلى بدر في القليب بهيئتهم، ولا يجب غسل الكافر لأنه ليس من أهل التطهير، ولكنه يجوز، وقريبه الكافر أحق به. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في: اللباس والتفسير، ومسلم في: اللباس، وفي: التوبة، والترمذي في: التفسير، وكذا النسائي فيه، وفي: الجنائز، وابن ماجة فيه. 1270 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرًا -رضي الله عنه- قَالَ: "أَتَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ بَعْدَ مَا دُفِنَ، فَأَخْرَجَهُ فَنَفَثَ فِيهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ". [الحديث 1270 - أطرافه في: 1350، 3008، 5795]. وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد النهدي الكوفي، قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن عمرو) بفتح العين هو: ابن دينار (سمع جابرًا) هو: ابن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه قَالَ): (أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عبد الله بن أبي) جملة من فعل وفاعل ومفعول (بعدما دفن) دلي في حفرته، وكان أهله خشوا على النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المشقّة في حضوره، فبادروا إلى تجهيزه قبل وصوله عليه الصلاة والسلام، فلما وصل وجدهم قد دلوه في حفرته، فأمرهم بإخراجه (فأخرجه) منها (فنفث فيه) أي: في جلده (من ريقه، وألبسه قميصه) إنجازًا لوعده في تكفينه في قميصه، كما في حديث ابن عمر. لكن استشكل هذا مع قول ابنه في حديث ابن عمر، يا رسول الله، أعطني قميصك أكفنه فيه، فأعطاه قميصه. وأجيب بأن معنى قوله: فأعطاه أي: أنعم له بذلك، فأطلق على العدة اسم العطية مجازًا لتحقق وقوعها، وقيل: أعطاه عليه الصلاة والسلام أحد قميصيه، أولاً، ثم لما حضر أعطاه الثاني، بسؤال ولده. وفي الإكليل للحاكم ما يؤيد ذلك. 24 - باب الْكَفَنِ بِغَيْرِ قَمِيصٍ (باب الكفن بغير قميص) هذه الترجمة ثابتة للأكثرين، وسقطت للمستملي، لكنه زادها في التي قبلها عقب قوله: أو لا يكف. فقال: ومن كفن بغير فميص، كما بينته. 1271 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "كُفِّنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابِ سَحُولَ كُرْسُفٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين، قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن هشام عن) أبيه (عروة) بن الزبير بن العوام (عن عائشة رضي الله عنه قالت): (كفن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في ثلاثة أثواب سحول) كذا مضافًا، والذي في اليونينية: أثواب، بالخفض من غير تنوين، سحول، بفتح اللام.

25 - باب الكفن ولا عمامة

ولأبي ذر: أثواب سحول، وهو بضم السين فيهما، جمع: سحل، وهو الثوب الأبيض النقي، أو: بالفتح نسبة إلى سحول قرية باليمن. وقوله: (كرسف) بضم الكاف والسين بينهما راء ساكنة، عطف بيان لسحول، أي: ثلاثة أثواب بيض نقية من قطن (ليس فيها قميص ولا عمامة) يحتمل نفي وجودهما بالكلية، ويحتمل أن يكون المراد نفي المعدود، أي: الثلاثة خارجة عن: القميص والعمامة. والأول أظهر، وبه قال الشافعي وبالثاني قال المالكية. نعم، يجوز التقميص عند الشافعي من غير استحباب، لأن ابن عمر كفن ابنًا له في خمسة أثواب: قميص، وعمامة، وثلاثة لفائف. رواه البيهقي. قال في المهذّب وشرحه: والأفضل أن لا يكون في الكفن قميص ولا عمامة، فإن كان لم يكره، لكنه خلاف الأولى لخبر عائشة السابق اهـ. 1272 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُفِّنَ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد، قال: (حدّثنا يحيى، عن هشام، حدّثني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة). 25 - باب الْكَفَنِ وَلاَ عِمَامَةٌ (باب الكفن ولا عمامة) وللحموي والكشميهني: بلا عمامة، بالموحدة بدل الواو، ولأبي ذر، عن المستملي: الكفن في الثياب البيض، والرواية الأولى أولى، وإن كان الحديث شاملاً لهذه، لئلا تتكرر الترجمة من غير فائدة. 1273 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُفِّنَ فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ". وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس، عبد الله الأصبحي (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية) في طبقات ابن سعد، عن الشعبي إزار ورداء ولفافة. (ليس فيها قميص ولا عمامة). 26 - باب الْكَفَنِ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَقَتَادَةُ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: الْحَنُوطُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يُبْدَأُ بِالْكَفَنِ، ثُمَّ بِالدَّيْنِ، ثُمَّ بِالْوَصِيَّةِ، وَقَالَ سُفْيَانُ: أَجْرُ الْقَبْرِ وَالْغَسْلِ هُوَ مِنَ الْكَفَنِ هذا (باب) بالتنوين (الكفن من جميع المال) أي من رأسه، لا من الثلث. وهو قول خلاس، وقال طاوس: من الثلث إن قل المال، وهو مقدم وجوبًا على الدّيون اللازمة للميت، لحديث مصعب بن عمير، لما قتل يوم أُحد، ولم يوجد ما يكفن فيه إلا برده، فأمر عليه الصلاة والسلام بتكفينه فيه، ولم يسأل. ولا يبعد من حال من ليس له إلا بردة أن يكون عليه دين. نعم، يقدم حق تعلق بعين المال: كالزكاة، والمرهون، والعبد الجاني المتعلق برقبته مال، أو قود، وعفى على مال، والمبيع إذا مات المشتري مفلسًا. (وبه) أي: بأن الكفن من جميع المال (قال عطاء) هو: ابن أبي رباح، مما وصله الدارمي من طريق ابن المبارك، عن ابن جريج عنه (والزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (وعمرو بن دينار، وقتاد) بن دعامة. (وقال: عمرو بن دينار) مما هو جميعه عند عبد الرزاق: (الحنوط من جميع المال) أي: لا من الثلث. (وقال إبراهيم) النخعي، مما وصله الدارمي: (يبدأ بالكفن) أي: ومؤونة التجهيز (ثم بالدين) اللازم له: لله، أو لآدمي لأنه أحوط للميت، (ثم بالوصية) ثم ما بقي للورثة. وأما تقديم الوصية عليه ذكرًا في قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12]. فلكونها قربة، والدين مذموم غالبًا، ولكونها مشابهة للإرث من جهة أخذها بلا عوض وشاقة على الورثة. والذين نفوسهم مطمئنة إلى أدائه، فقدمت عليه بعثًا على وجوب إخراجها، والمسارعة إليه. ولهذا عطف بأو للتسوية بينهما في الوجوب عليهم، وليفيد تأخر الإرث عن أحدهما، كما يفيد تأخره عنهما بمفهوم الأولى. (وقال سفيان) الثوري مما وصله الدارمي: (أجر) حفر (القبر و) أجر (الغسل هو من الكفن) أي: من حكم الكفن في كونة من رأس المال لا من الثلث. 1274 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "أُتِيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -رضي الله عنه- يَوْمًا بِطَعَامِهِ، فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ -وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي- فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلاَّ بُرْدَةٌ، وَقُتِلَ حَمْزَةُ -أَوْ رَجُلٌ آخَرُ- خَيْرٌ مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلاَّ بُرْدَةٌ. لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا. ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي". [الحديث 1274 - طرفاه في: 1275، 4045]. وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن محمد المكي) الأزرقي على الصحيح، ويقال: الزرقي صاحب تاريخ مكة، قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد عن) أبيه (سعد) هو: ابن إبراهيم (عن أبيه) إبراهيم بن عبد الرحمن (قال: أتي) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول (عبد الرحمن) بالرفع نائب عن الفاعل (ابن عوف، رضي الله عنه، يومًا بطعامه) بالضمير الراجع إليه، وكان صائمًا (فقال: قتل) بضم القاف مبنيًّا للمفعول (مصعب بن عمير) بضم الميم وسكون الصاد وفتح العين المهملتين، مرفوع نائب عن الفاعل، وعمير بضم العين مصغرًا القرشي العبدري، قال عبد الرحمن بن عوف (-وكان-) مصعب

27 - باب إذا لم يوجد إلا ثوب واحد

(خيرًا مني) قاله تواضعًا وهضمًا لنفسه (فلم يوجد له ما يكفن فيه إلاّ برده) بالضمير العائد على مصعب. قال الحافظ ابن حجر: وهو رواية الأكثر قال: ولأبي ذر عن الكشميهني: إلا بردة، بلفظ واحد البرود. اهـ. والذي في الفرع، عن الكشميهني بالضمير، والبرد نمرة كالمئزر. وهذا موضع الترجمة، لأن ظاهره أنه لم يوجد ما يملكه إلا البردة المذكورة. (وقتل حمزة) بن عبد المطلب في غزوة أُحد (-أو رجل آخر-) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (خير مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة). وللكشميهني كما في الفرع وأصله: إلاّ برده، بالضمير الراجع إليه. قال عبد الرحمن بن عوف: (لقد خشيت أن تكون قد عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا) يعني: أصبنا ما كتب لنا من الطيبات في دنيانا، فلم يبق لنا بعد استيفاء حظنا شيء منها. والمراد بالحظ الاستمتاع والتنعم الذي يشغل الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه، حتى يعكف همته على استيفاء اللذات. أما من تمتع بنعم الله، ورزقه الذي خلقه تعالى لعباده، ليتقوى بذلك على دراية العلم والقيام بالعمل، وكان ناهضًا بالشكر فهو عن ذلك بمعزل. (ثم جعل) عبد الرحمن (يبكي) خوفًا من تخلفه عن اللحاق بالدرجات العلى. وشيخ المؤلّف من أفراده، والثلاثة البقية مدنيون، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا المؤلّف في: الجنائز، والمغازي. 27 - باب إِذَا لَمْ يُوجَدْ إِلاَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يوجد) للميت (إلاّ ثوب واحد) اقتصر عليه. 1275 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ "أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ -رضي الله عنه- أُتِيَ بِطَعَامٍ -وَكَانَ صَائِمًا- فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ -وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي- كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ، وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلاَهُ بَدَا رَأْسُهُ. وَأُرَاهُ قَالَ: وَقُتِلَ حَمْزَةُ -وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي- ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ -أَوْ قَالَ أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا- وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا. ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ". وبالسند قال: (حدّثنا ابن مقاتل) محمد المروزي، المجاور بمكة. ولأبي ذر: محمد بن مقاتل، قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي، قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد بن إبراهيم) بسكون العين (عن أبيه إبراهيم). (أن) أباه (عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه، أتي بطعام) بإسقاط هاء الضمير (-وكان) عبد الرحمن يومئذ (صائمًا- فقال: قتل مصعب بن عمير -وهو خير مني- كفن في بردة) ولأبي ذر، عن الحموي والمستملي: في برده بالضمير الراجع إلى مصعب (إن غُطي) بضم الغين مبنيًّا للمفعول (رأسه) بالرفع نائب عن الفاعل، (بدت) ظهرت (رجلاه وإن غطي رجلاه بدا) ظهر (رأسه). قال المهلب وابن بطال: وإنما استحب أن يكفن في هذه البردة لكونه قتل فيها. قال ابن حجر: وفي هذا الجزم نظر، بل الظاهر أنه لم يوجد له غيرها كما هو مقتضى الترجمة. (وأراه) بضم الهمزة، أي: أظنه (قال: وقتل حمزة) عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (-وهو خير مني-) وروى الحاكم في مستدركه، من حديث أنس: أن حمزة كفن أيضًا كذلك. (ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط - أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا-) شك من الراوي (وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا) يعني: خفنا أن ندخل في زمرة من قيل في حقه {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء: 18]. يعني: من كانت العاجلة همه، ولم يرد غيرها، تفضلنا عليه من منافعها بما نشاء لمن نريد. وقيد المعجل والمعجل له بالمشيئة والإرادة لأنه لا يجد كل متمن ما يتمناه، ولا كل واحد جميع ما يهواه. (ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام) في وقت الإفطار. 28 - باب إِذَا لَمْ يَجِدْ كَفَنًا إِلاَّ مَا يُوَارِي رَأْسَهُ أَوْ قَدَمَيْهِ غَطَّى رَأْسَهُ هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يجد) من يتولى أمر الميت (كفنًا إلا ما يواري) يستر (رأسه) مع بقية جسده (أو) يستر (قدميه) مع بقية جسده (غطى) ولأبي ذر: غطي، بضم المعجمة (به) أي: بذلك الكفن (رأسه). 1276 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا شَقِيقٌ حَدَّثَنَا خَبَّابٌ -رضي الله عنه- قَالَ "هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ: فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُهَا. قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ إِلاَّ بُرْدَةً إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ. فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ". [الحديث 1276 - أطرافه في: 3897، 3913، 3914، 4047، 4082، 6432، 6448]. وبالسند قال: (حدّثنا عمر بن حفص) بضم عين عمر، قال: (حدَّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران، قال: (حدّثنا شقيق) أبو وائل بن سلمة، قال: (حدّثنا خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى، بينهما ألف، ابن الأرت، بفتح الهمزة والراء وتشديد المثناة الفوقية (رضي الله عنه قال): (هاجرنا مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، حال كوننا (نلتمس وجه الله) أي ذاته، لا الدنيا. والمراد بالمعية الاشتراك في حكم الهجرة إذ لم يكن معه عليه الصلاة والسلام إلا أبو بكر وعامر بن فهيرة (فوقع أجرنا على الله) وفي رواية: وجب أجرنا على الله. أي: وجوبًا شرعيًّا أي: بما وجب

29 - باب من استعد الكفن في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم ينكر عليه

بوعده الصدق، لا عقليًّا إذ لا يجب على الله شيء (فمنا من مات لم يكل من أجره) من الغنائم التي تناولها من أدرك زمن الفتوح (شيئًا) بل قصر نفسه عن شهواتها لينالها متوفرة في الآخرة (منهم: مصعب بن عمير) بضم العين وفتح الميم: ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، يجتمع مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي قصي (ومنا من أينعت) بفتح الهمزة وسكون المثناة التحتية وفتح النون أي: أدركت ونضجت (له ثمرته) ولأبي ذر: ثمرة (فهو يَهدِبها) بفتح المثناة التحتية وسكون الهاء وتثليث الدال، أي: يجنيها. وعبر بالمضارع ليفيد استمرار الحال الماضية والآتية استحضارًا له في مشاهدة السامع. (قتل) أي: مصعب (يوم أُحد) قتله عبد الله بن قميئة، والجملة استئنافية (فلم نجد له ما نكفنه) زاد أبو ذر: به (إلاّ بردة، إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا) بها (رجليه خرج رأسه) لقصرها، (فأمر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن نغطي رأسه) بطرف البردة (وأن نجعل على رجليه من الإذخر) بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء المعجمة والراء، نبت حجازي طيب الرائحة. وفي الحديث من الفوائد: أن الواجب من الكفن ما يستر العورة، قال في المجموع، واحتمال أنه لم يكن له غير النمرة مدفوع بأنه بعيد ممن خرج للقتال، وبأنه لو سلم ذلك لوجب تتميمه من بيت المال، ثم من المسلمين. اهـ. وقد يقال: أمرهم بتتميمه بالإذخر. وهوَ ساتر، ويجاب: بأن التكفين به لا يكفي إلاّ عند تعذر التكفين بالثوب، كما صرح به الجرجاني، لما فيه من الإزراء بالميت، على أنه ورد في أكثر طرق الحديث أنه قتل يوم أُحد، ولم يخلف إلاّ نمرة. وبالجملة، فالأصح أن أقل الكفن ساتر العورة. لكن استشكل الأسنوي الاقتصار على ساتر العورة، بما في النفقات، من أنه لا يحل الاقتصار في كسوة العبد على ساتر العورة، وإن لم يتأذ بحر أو برد، لأنه تحقير وإذلال، فامتناعه في الميت الحر أولى. وأجيب عنه: بأنه لا أولوية، بل ولا تساوي. إذ للغرماء منع الزيادة على الثوب الواحد، والحر المفلس يبقى له ما يجمله لاحتياجه إلى التجمل للصلاة، وبين الناس، ولأن الميت يستر بالتراب عاجلاً بخلاف العبد. والأولى أن يجاب: بأنه لا فرق بين المسألتين إذ عدم الجواز في تلك ليس لكونه حقًا لله تعالى في الستر، بل لكونه حقًا للعبد. حتى إذا أسقطه جاز. وفي الحديث أيضًا بيان فضيلة مصعب بن عمير، وأنه ممن لم ينقص له من ثواب الآخرة شيء. 29 - باب مَنِ اسْتَعَدَّ الْكَفَنَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ (باب من استعد الكفن) أي: أعده، وليست السين للطلب (في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلم ينكر عليه) بفتح الكاف مبنيًّا للمفعول، كذا في الفرع وأصله، وفي نسخة: فلم ينكر بكسرها على أن فاعل الإنكار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 1277 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا. أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ قَالُوا: الشَّمْلَةُ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: نَسَجْتُهَا بِيَدِي، فَجِئْتُ لأَكْسُوَكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ، فَحَسَّنَهَا فُلاَنٌ فَقَالَ: اكْسُنِيهَا مَا أَحْسَنَهَا. قَالَ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، لَبِسَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ثُمَّ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ لأَلْبَسَهَا، إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي. قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ". [الحديث 1277 - أطرافه في: 2093، 5810، 6036]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (قال: حدّثنا ابن أبي حازم) عبد العزيز (عن أبيه) أبي حازم، سلمة بن دينار الأعرج القاص، من عباد أهل المدينة وزهادهم (عن سهل) هو: ابن سعد الساعدي (رضي الله عنه): (أن امرأة) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمها (جاءت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ببردة منسوجة فيها حاشيتها) رفع بقوله منسوجة، واسم المفعول يعمل عمل فعله، كاسم الفاعل أي: أنها لم تقطع من ثوب فتكون بلا حاشية، أو أنها جديدة لم يقطع هدبها ولم تلبس بعد. قال سهل:- (أتدرون) بهمزة الاستفهام، ولأبوي ذر، والوقت: تدرون بإسقاطها (ما البردة؟ قالوا: الشملة. قال) سهل: (نعم) هي، وفي تفسيره بها تجوّز لأن البردة كساء، والشملة ما يشتمل به، فهي أعم. لكن لما كان أكثر اشتمالهم بها أطلقوا عليها اسمها. (قالت) أي: المرأة للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نسجتها) أي: البردة (بيدي) حقيقة أو مجازًا (فجئت لأكسوكها فأخذها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (محتاجًا إليها) وعرف ذلك بقرينة حال، أو تقدم قول صريح (فخرج) عليه الصلاة والسلام (إلينا وإنها إزاره) وفي رواية هشام بن عمار، عن عبد العزيز عند ابن ماجة: فخرج إلينا فيها. وعند الطبراني من رواية هشام بن سعد عن أبي حازم: فاتزر بها ثم خرج (فحسنها) أي نسبها إلى الحسن، وللمصنف في اللباس، من طريق

30 - باب اتباع النساء الجنائز

يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، فجسها بالجيم من غير نون (فلان) هو عبد الرحمن بن عوف كما في الطبراني، فيما ذكره المحب الطبري في الأحكام له، لكن قال صاحب الفتح إنه لم يره في المعجم الكبير، ولا في مسند سهل، ولا عبد الرحمن، أو: هو سعد بن أبي وقاص، أو: هو أعرابي كما في الطبراني من طريق زمعة بن صالح عن أبي حازم، لكن زمعة ضعيف. (فقال: اكسنيها ما أحسنها) بالنصب على التعجب. (وقال القوم: ما أحسنت) نفي للإحسان (لبسها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (محتاجًا إليها) وفي نسخة عند أبي ذر: محتاج، بالرفع بتقدير: هو (ثم سألته) إياها (وعلمت أنه لا يرد) سائلاً بل يعطيه، ما يطلبه (قال: إني والله ما سألته) عليه الصلاة والسلام (لألبسها) أي: لأجل أن ألبسها، وفي نسخة لألبسه، وهو الذي في الفرع وأصله (إنما سألته) إياها (لتكون كفني، قال سهل: فكانت كفنه). وعند الطبراني من طريق هشام بن سعد، قال سهل: فقلت للرجل: لم سألته وقد رأيت حاجته إليها؟ فقال: رأيت ما رأيتم، ولكني أردت أن أخبأها حتى أكفن فيها، فأفاد أن المعاتب له من الصحابة سهل بن سعد، وفي رواية أبي غسان، فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفيه التبرك بآثار الصالحين، وجواز إعداد الشيء قبل وقت الحاجة إليه. لكن، قال أصحابنا: لا يندب أن يعدّ لنفسه كفنًا لئلا يحاسب على اتخاذه أي: لا على اكتسابه، لأن ذلك مختصًّا بالكفن، بل سائر أمواله كذلك، ولأن تكفينه من ماله واجب، وهو يحاسب عليه بكل حال، إلاّ أن يكون من جهة حل، وأثر ذي صلاح، فحسن إعداده كما هنا، لكن لا يجب تكفينه فيه، كما اقتضاه كلام القاضي أبي الطيب وغيره، بل للوارث إبداله لأنه ينتقل للوارث، فلا يجب عليه ذلك. ولو أعدّ له قبرًا يدفن فيه فينبغي أنه لا يكره، لأنه للاعتبار بخلاف الكفن، قاله الزركشي. ورواة الحديث الأربعة مدنيون إلا عبد الله بن مسلمة، سكن البصرة. وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه ابن ماجة في: اللباس. 30 - باب اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الْجَنَائِزَ (باب) حكم (اتباع النساء الجنائز) بالجمع، ولأبي ذر: الجنازة. 1278 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أُمِّ الْهُذَيْلِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا". وبالسند قال: (حدّثنا قبيصة بن عقبة) بفتح القاف في الأول وضم العين وإسكان القاف في الثاني، السوائي العامري الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن خالد) ولأبي ذر: عن خالد الحذاء (عن أم الهذيل) بضم الهاء وفتح المعجمة، حفصة بنت سيرين (عن أم عطية) نسيبة (رضي الله عنها قالت) ولأبي ذر: أنها قالت: (نهينا) بضم النون وكسر الهاء، وعند الإسماعيلي من رواية يزيد بن أبي حكيم، عن الثوري بهذا الإسناد، ورواه ابن شاهين بسند صحيح: نهانا رسول الله (عن اتباع الجنائز) نهي تنزيه لا تحريم، بدليل قولها: (ولم يُعزم علينا) بضم الياء وفتح الزاي مبنيًّا للمفعول، أي: نهيًا غير متحتم، فكأنها قالت: كره لنا اتباع الجنائز من غير تحريم، وهذا قول الجمهور، ورخص فيه مالك، وكرهه للشابة .. وقال أبو حنيفة: لا ينبغي. واستدلّ للجواز بما رواه ابن أبي شيبة، من طريق محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي هريرة، رضي الله عنه: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في جنازة، فرأى عمر رضي الله عنه امرأة، فصاح بها، فقال: دعها يا عمر ... الحديث، وأخرجه ابن ماجة من هذا الوجه، ومن طريق أخرى برجال ثقات. وأما ما رواه ابن ماجة أيضًا، وغيره، مما يدل على التحريم فضعيف، ولو صح حمل على ما يتضمن حرامًا. فائدة: روى الطبري من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية، عن جدته أم عطية، قالت: لما دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع النساء في بيت، ثم بعث إلينا عمر، فقال: إني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليكن؛ بعثني لأبايعكن على أن: لا تسرقن وفي آخره وأمرنا أن نخرج في العيد العواتق، ونهانا أن نخرج في جنازة. قال في الفتح: وهذا يدل على أن رواية أم عطية الأولى من مرسل الصحابة. 31 - باب حد الْمَرْأَةِ عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا (باب حد المرأة) من مصدر الثلاثي، ولأبي ذر: إحداد المرأة. (على) ميت (غير زوجها) ثلاثة أيام، لما يغلب عليها من لوعة الحزن، ويهجم من ألم الوجد من غير

وجوب سواء كان الميت قريبًا أو أجنبيًّا، وهو لغة المنع، واصطلاحًا ترك التزين بالصبوغ من اللباس والخضاب والتطيب، والمشهور أنه بالحاء المهملة، ويروى الإجداد بالجيم من جددت الشيء قطعته لأنها انقطعت عن الزينة وما كانت عليه. 1279 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: "تُوُفِّيَ ابْنٌ لأُمِّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنها-، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ دَعَتْ بِصُفْرَةٍ فَتَمَسَّحَتْ بِهِ وَقَالَتْ: نُهِينَا أَنْ نُحِدَّ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ إِلاَّ بِزَوْجٍ". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) قال (حدّثنا بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة، ابن لاحق، قال: (حدّثنا سلمة بن علقمة) التيمي (عن محمد بن سيرين قال): (توفي ابن لأم عطية) نسيبة (رضي الله عنها، فلما كان اليوم الثالث) ولأبي ذر، عن الحموي والكشميهني: يوم الثالث، بإضافة الصفة إلى الموصوف (دعت بصفرة) بطيب فيه صفرة (فتمسحت به، وقالت: نهينا) ورواه أيوب، مما أخرجه عبد الرزاق، والطبراني، عن ابن سيرين، عن أم عطية، بلفظ: قالت: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول، ... فذكر معناه (أن نحد) على ميت (أكثر من ثلاث) بلياليها، ونحد: بضم أوله وكسر ثانيه من الرباعي، وأن، مصدرية. وحكي فتح أوله وكسر ثانيه وضمه من الثلاثي، ولم يعرف الأصمعي إلا الأول (إلا بزوج) أي: بسببه وللكشميهني: إلا لزوج، باللام بدل الموحدة، وفي العدد من طريقه: إلا على زوج، وكلها بمعنى السببية. ورواته بصريون، وفيه التحديث والعنعنة والقول. 1280 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قال حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَتْ: "لَمَّا جَاءَ نَعْيُ أَبِي سُفْيَانَ مِنَ الشَّامِ دَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ -رضي الله عنها- بِصُفْرَةٍ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَمَسَحَتْ عَارِضَيْهَا وَذِرَاعَيْهَا وَقَالَتْ: إِنِّي كُنْتُ عَنْ هَذَا لَغَنِيَّةً لَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا". [الحديث 1280 - أطرافه في: 1281، 5334، 5339، 5345]. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) بضم الحاء وفتح الميم، عبد الله بن الزبير القرشي، قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا أيوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاصي الأموي (قال: أخبرني) بالإفراد (حميد بن نافع) بضم الحاء، أبو أفلح، بالفاء والحاء المهملة (عن زينب ابنة) ولأبي ذر: بنت (أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومية، ربيبة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أمها أم المؤمنين: أم سلمة (قالت): (لما جاء نعي) بسكون العين وتخفيف المثناة، ولأبي ذر: نعي: بكسر العين وتشديد المثناة، أي خبر موت (أبي سفيان) صخر بن حرب (من الشام). قال في الفتح: فيه نظر، لأن أبا سفيان مات بالمدينة بلا اختلاف بين العلماء، بالاخبار، والجمهور على أنه مات سنة اثنتين وثلاثين، وقيل سنة ثلاث، قال: ولم أر في شيء من طرق هذا الحديث تقييده بذلك إلا في رواية سفيان بن عيينة هذه، وأظنها وهمًا. وعند ابن أبي شيبة، عن حميد بن نافع؛ جاء نعي لأخي أم حبيبة، أو حميم لها ... الحديث، فلا مانع من التعدد. (دعت) بنت أبي سفيان (أم حبيبة) رملة: أم المؤمنين (رضي الله عنها بصفرة) نوع من الطيب فيه صفرة (في اليوم الثالث، فمسحت عارضيها) هما جانبا الوجه فوق الذقن إلى ما تحت الأذن (وذراعيها، وقالت: إني كنت عن هذا لغنية) فيه إدخال لام الابتداء على خبر كان الواقعة خبرًا لإن (لولا أني سمعت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول): (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) نفي بمعنى النهي على سبيل التأكيد (أن تحد) بضم أوّله وكسر ثانيه (على ميت فوق ثلاث) أي: ثلاث ليال، كما جاء مصرحًا به في رواية. والوصف بالإيمان فيه إشعار بالتعليل، فإن من آمن بالله ولقائه لا يجترئ على مثله من العظائم (إلا على زوج، فإنها تحد عليه) وجوبًا للإجماع على إرادته (أربعة أشهر وعشرًا) من الأيام بلياليها، سواء في ذلك الصغيرة والكبيرة، والمدخول بها وذات الإقراء وغيرهما، وكذا الذمية. وتقييد المرأة في الحديث بالإيمان بالله واليوم الآخر جرى على الغالب، فإن الذمية كذلك، ومثلها فيما يظهر: المعاهدة والمستأمنة. وهذا مذهب الشافعية، والجمهور. وقال أبو حنيفة، وغيره من الكوفيين، وأبو ثور، وبعض المالكية: لا يجب على الزوجة الكتابية، بل يختص بالمسلمة، لقوله: تؤمن ... الخ، وقد خالف أبو حنيفة قاعدته هنا في إنكاره المفاهيم، وكذا التقييد بأربعة أشهر وعشر، خرج على غالب المعتدات وإلاّ فالحامل بالوضع وعليها الإحداد سواء قصرت المدة أو طالت. ورواته الثلاثة الأول مكيون، والرابع مدني، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول. 1281 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: "دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس، قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) بفتح الحاء وسكون الزاي

32 - باب زيارة القبور

وعمرو، بفتح العين (عن حميد بن نافع) هو: أبو أفلح (عن زينب بنت أبي سلمة) أنها (أخبرته، قالت): (دخلت على أم حبيبة، زوج النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: لما بلغها موت أبيها أبي سفيان، كما مر. (فقالت: سمعت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا يحل لامرأة) كبيرة أو صغيرة (تؤمن بالله واليوم الآخر) هو من خطاب التهييج، لأن المؤمن هو الذي ينتفع بخطاب الشارع وينقاد له، فهذا الوصف لتأكيد التحريم لما يقتضيه سياقه، ومفهومه أن خلافه مناف للإيمان، كما قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] فإنه يقتضي تأكيد أمر التوكل بربطه بالإيمان، وقوله (تحد) بحذف أن الناصبة ورفع الفعل، مثل: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. (على ميت فوق ثلاث) من الليالي (إلا على زوج) أي: فإنها تحد عليه (بأربعة أشهر وعشرًا). فالظرف متعلق بمحذوف في المستثنى دل عليه الفعل المذكور في المستثنى منه، والاستثناء متصل، إن جعل بيانًا لقوله: فوق ثلاث، فيكون المعنى: لا يحل لامرأة أن تحد أربعة أشهر وعشرًا على ميت إلا على زوج، أربعة أشهر وعشرًا. وإن جعل معمولاً لتحد مضمرًا، فيكون منقطعًا أي: لكن تحد على ميت زوج أربعة أشهر وعشرًا. 1282 - ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ، ثُمَّ قَالَتْ: مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ: لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا". [الحديث 1282 - طرفه في: 5335]. قالت زينب بنت أبي سلمة: (ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها) يحتمل، على بعد: أن يكون هو عبيد الله، بالتصغير، الذي مات كافرًا بالحبشة بعد أن أسلم، ولا مانع، أن يحزن المرء على قريبه الكافر، ولا سيما إذا تذكر سوء مصيره. أو هو: أخ لها من أمها، أو: من الرضاع، وليس هو أخوها عبد الله بفتح العين، لأنه استشهد بأُحد، وكانت زينب إذ ذاك صغيرة جدًّا، ولا أخوها: أبو أحمد عبد، بغير إضافة، لأنه مات بعد أخته زينب بسنة، كما جزم به ابن إسحاق وغيره. وقد استشكل التعبير: بثم، المقتضية للعطف على التراخي والتشريك في الحكم والترتيب، في قولها: ثم دخلت على زينب. إذ مقتضاه أن تكون قصة زينب هذه بعد قصة أم حبيبة، وهو غير صحيح، لأن زينب ماتت قبل أبي سفيان بأكثر من عشر سنين على الصحيح. وأجيب: بأن في دلالة: ثم، على الترتيب خلافًا، ولئن سلمنا ضعف الخلاف، فإن ثم هنا لترتيب الأخبار لا لترتيب الحكم، وذلك كما تقول: بلغني ما صنعت اليوم، ثم ما صنعت أمس أعجب، أي: ثم أخبرك بأن الذي صنعته أمس أعجب. (فدعت) أي: زينب بنت جحش (بطيب فمست) زاد أبو ذر: به، أي: شيئًا من جسدها (ثم قالت: ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على المنبر) زاد أبو ذر: يقول: (لا يحل لامرأة، تؤمن بالله واليوم الآخر، تحد) بحذف أن والرفع (على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا) وهذا الحديث هو العمدة في وجوب الإحداد على الزوج الميت، ولا خلاف فيه في الجملة، وإن اختلف في بعض فروعه. واستشكل بأن مفهومه: إلا على زوج فإنه يحل لها الإحداد، فأين الوجوب؟ وأجيب: بأن الإجماع على الوجوب، فاكتفي به، وأيضًا فإن في حديث أم عطية النهي الصريح عن الكحل، وعن لبس ثوب مصبوغ، وعن الطيب. فلعله سند الإجماع. وفي حديث أم سلمة عند النسائي، وأبي داود، قالت: قال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تلبس المتوفى عنها زوجها المعصفر من الثياب ... الحديث. وظاهره أنه مجزوم على النهي. وفي رواية لأبي داود: لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج، فإنها تحد أربعة أشهر وعشرًا فهذا أمر بلفظ الخبر إذ ليس المراد معنى الخبر، فهو على حد قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] والمراد به الأمر اتفاقًا والله أعلم. 32 - باب زِيَارَةِ الْقُبُورِ (باب) مشروعية (زيارة القبور) وسقط الباب والترجمة لابن عساكر. 1283 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي. قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي وَلَمْ تَعْرِفْهُ. فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَتَتْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ. فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى". وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس، قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا ثابت) البناني (عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال): (مر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بامرأة تبكي عند قبر) زاد في رواية يحيى بن أبي كثير، عند عبد الرزاق: فسمع منها ما يكره، أي: من نوح أو غيره، ولم تعرف المرأة ولا صاحب القبر، لكن في رواية لمسلم ما يشعر بأنه ولدها، ولفظه تبكي على صبي لها، وصرح به في مرسل يحيى بن أبي كثير المذكور، ولفظه قد أصيبت بولدها. (فقال) لها

يا أمة الله. (اتقي الله واصبري) قال الطيبي: أي: خافي غضب الله إن لم تصبري ولا تجزعي، ليحصل لك الثواب. (قالت: إليك عني) أي: تنح وابعد، فهو من أسماء الأفعال: (فإنك لم تصب بمصيبتي) بضم المثناة الفوقية، وفتح الصاد في تصب مبنيًّا للمفعول، وعند المصنف في الأحكام، من وجه آخر عن شعبة: فإنك خلو من مصيبتي، بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام، خاطبته بذلك (و) الحال أنها (لم تعرفه) إذ لو عرفته لم تخاطبه بهذا الخطاب. (فقيل لها:) وللحموي، وللمستملي: لم تصب بمصيبتي فقيل لها (إنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعند المؤلّف في الأحكام: فأمر بها رجل، فقال لها: إنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية أبي يعلى، من حديث أبي هريرة قال: فهل تعرفينه، قالت له: لا. وللطبراني في الأوسط، من طريق عطية، عن أنس: إن الذي سألها هو الفضل بن العباس، وزاد مسلم في رواية له: فأخذها مثل الموت، أي من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنما اشتبه عليها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه من تواضعه لم يكن يستتبع الناس وراءه إذا مشى كعادة الملوك والكبراء، مع ما كانت فيه من شاغل الوجد والبكاء. (فأتت) باب (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلم تجد عنده بوابين) يمنعون الناس من الدخول عليه، وفي رواية الأحكام بوابًا بالإفراد. فإن قلت: ما فائدة هذه الجملة؟ أجاب شارح المسماة. بأنه لما قيل لها إنه النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استشعرت خوفًا وهيبة في نفسها، فتصورت أنه مثل الملوك له حاجب أو بوّاب يمنع الناس من الوصول إليه، فوجدت الأمر بخلاف ما تصوّرته. (فقالت) معتذرة عما سبق منها، حيث قالت: إليك عني: (لم أعرفك) فاعذرني من تلك الردة وخشونتها (فقال) لها عليه الصلاة والسلام: (إنما الصبر) الكامل (عند الصدمة الأولى) الواردة على القلب، أي: دعي الاعتذار فإن من شيمتي أن لا أغضب إلا لله، وانظري، إلى تفويتك من نفسك الجزيل من الثواب بالجزع، وعدم الصبر أوّل فجأة المصيبة، فاغتفر لها عليه الصلاة والسلام تلك الجفوة لصدورها منها في حال مصيبتها، وعدم معرفتها به، وبين لها أن حق هذا الصبر أن يكون في أول الحال، فهو الذي يترتب عليه الثواب بخلاف ما بعد ذلك، فإنه على طول الأيام يسلو. كما يقع لكثير من أهل المصائب، بخلاف أوّل وقوع المصيبة، فإنه يصدم القلب بغتة وقد قيل: إن المرء لا يؤجر على المصيبة لأنها ليست من صنعه، وإنما يؤجر على حسن نيته، وجميل صبره. ومبحث ذلك يأتي إن شاء الله تعالى، في موضعه. فإن قلت: من أين تؤخذ مطابقة الحديث للترجمة؟ أجيب: من حيث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لم ينه المرأة المذكورة عن زيارة قبر ميتها، وإنما أمرها بالصبر والتقوى، لما رأى من جزعها، فدلّ على الجواز، واستدلّ به على زيارة القبور، سواء كان الزائر رجلاً أو امرأة، وسواء كان المزور مسلمًا أو كافرًا لعدم الاستفصال في ذلك. قال النووي: وبالجواز قطع الجمهور، وقال صاحب الحاوي، أي: الماوردي: لا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط. اهـ. وحجة الماوردي قوله تعالى: {وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] وفي الاستدلال بذلك نظر لا يخفى. وبالجملة: فتستحب زيارة قبور المسلمين للرجال، لحديث مسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة". وسئل مالك عن زيارة القبور فقال: قد كان نهى عنه، ثم أذن فيه، فلو فعل ذلك إنسان ولم يقل إلا خيرًا لم أبي بذلك بأسًا. وعن طاوس: كانوا يستحبون أن لا يتفرقوا عن الميت سبعة أيام، لأنهم يفتنون ويحاسبون في قبورهم، سبعة أيام. وتكره للنساء لجزعهن، وأما حديث أبي هريرة المروي عند الترمذي، وقال حسن صحيح: "لعن الله زوّارات القبور"، فمحمول على ما إذا كانت زيارتهن للتعديد والبكاء والنوح على ما جرت به عادتهن، قال القرطبي: وحمل بعضهم حديث الترمذي في المنع على من تكثر الزيارة لأن زوارات للمبالغة. اهـ. ولو قيل بالحرمة في حقهن، في هذا الزمان، لا سيما نساء مصر، لما بعد لما في خروجهن من الفساد، ولا يكره لهن زيارة قبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بل تندب وينبغي كما قال ابن الرفعة، والقمولي، أن تكون قبور سائر الأنبياء والأولياء كذلك. وفي الحديث:

33 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- «يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه إذا كان النوح من سنته»

التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه في: الجنائز، والأحكام ومسلم في: الجنائز، وكذا أبو داود، والترمذي والنسائي. 33 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ» لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّتِهِ فَهُوَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- {ولاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} -ذُنُوبًا- {إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْءٌ} وَمَا يُرَخَّصُ مِنَ الْبُكَاءِ فِي غَيْرِ نَوْحٍ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا» وَذَلِكَ لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ. (باب قول النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله المؤلّف في الباب عن ابن عباس عن عمر. (يعذب الميت ببعض بكاء أهله) المتضمن للنوح المنهي عنه (عليه) وليس المراد مع العين لجوازه، وإنما المراد البكاء الذي يتبعه الندب والنوح، فإن ذلك إذا اجتمع سمي بكاء. قال الخليل: من قصر البكاء ذهب به إلى معنى الحزن، ومن مدّه ذهب به إلى معنى الصوت، وقيده بالبعضية تنبيهًا على أن حديث ابن عمر المطلق محمول على حديث ابن عباس عن عمر الآتي كل منهما إن شاء الله تعالى في هذا الباب. (إذا كان) الميت في حال حياته راضيًا بذلك، بأن يكون (النوح من سنته) بضم السين وتشديد النون، أي من طريقته وعادته. وأما قول الزركشي هذا منه أي: من المؤلّف، حمل للنهي عن ذلك، أي: أنه يوصي بذلك، فيعذب بفعل نفسه، فتعقبه صاحب مصابيح الجامع: بأن الظاهر أن البخاري لا يعني الوصية، وإنما يعني العادة. وعليه يدل قوله: من سنته، إذ السنة الطريقة والسيرة يعني: إذا كان الميت قد عود أهله أن يبكوا على من يفقدونه في حياته وينوحوا عليه بما لا يجوز. وأقرّهم على ذلك، فهو داخل في الوعيد، وإن لم يوص. فإن أوصى فهو أشد انتهى. وليس قوله: إذا كان النوح من سنته من المرفوع، بل هو من كلام المؤلّف، قاله تفقهًا (لقول الله تعالى): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ({قُوا أَنفُسَكُمْ}) بترك المعاصي الشاملة للنوح وغيره ({وأهليكم نارًا}) [التحريم: 6] بالنصح والتأديب لهم، فمن علم أن لأهله عادة بفعل منكر من نوح أو غيره، وأهمل نهيهم عنه، فما وقى أهله ولا نفسه من النار. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما تقدّم موصولاً في حديث ابن عمر في الجمعة: (كلكم راع ومسؤول عن رعيته). فمن ناح ما رعى نفسه ولا رعيته الذين هم أهله لأنهم يقتدون به في سنته. (فإذا لم يكن من سنته) النوح، كمن لا شعور عنده، بأنهم يفعلون شيئًا من ذلك، أو أدّى ما عليه بأن نهاهم (فهو كما قالت عائشة، رضي الله عنها) مستدلة لما أنكرت على عمر، رضي الله عنه، حديثه المرفوع الآتي إن شاء الله تعالى قريبًا: "إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه" بقوله تعالى: ({ولا تزر}) سقطت الواو، من: ولا تزر لغير أبي ذر، لا تحمل ({وازرة}) نفس آثمة ({وزر}) نفس ({أخرى}) [الأنعام: 164 والإسراء: 15 وفاطر: 18 والزمر: 7] والجملة جواب إذا المتضمنة معنى الشرط، والحاصل أنه: إذا لم يكن من سنته، فلا شيء عليه، كقول عائشة. فالكاف للتشبيه، وما مصدرية، أي: كقول عائشة. (وهو) أي: ما استدلت به عائشة من قوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} (كقوله: {وإن تدع مثقلة -ذنوبًا- إلى حملها}) وليست: ذنوبًا، من التلاوة، وإنما هو في تفسير مجاهد، فنقله المصنف عنه؛ والمعنى: وإن تدع نفس أثقلتها أوزارها أحدًا من الآحاد إلى أن يحمل بعض ما عليها ({ولا يحمل منه}) أي: من وزره ({شيء}) [فاطر: 18] وأما قوله تعالى: {وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} [العنكبوت: 13] ففي الضالين المضلين فإنهم يحملون أثقال إضلالهم مع أثقال ضلالهم، وكل ذلك أوزارهم ليس فيها شيء من أوزار غيرهم، وهذه الجملة من قوله، وهو كقوله: {وإن تدع مثقلة} وقعت في رواية أبي ذر وحده، كما أفاده في الفتح. ثم عطف المؤلّف على أول الترجمة قوله: (وما يرخص من البكاء) في المصيبة (من غير نوح). وهو حديث أخرجه ابن أبي شيبة، والطبراني، وصححه الحاكم. لكن ليس على شرط المؤلّف، ولذا اكتفى بالإشارة إليه، واستغنى عنه بأحاديث الباب الدالة على مقتضاه. (وقال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله المؤلّف في: الدّيات وغيرها، من جملة حديث لابن مسعود: (لا تقتل نفس ظلمًا) أي: من حيث الظلم (إلا كان على ابن آدم الأول) قابيل الذي قتل هابيل ظلمًا وحسدًا (كفل) أي: نصيب (من دمها). (وذلك) أي: كون الكفل على ابن آدم الأول (لأنه أول من سن القتل) ظلمًا، أي فكذلك من كانت طريقته النوح على الميت، لأنه سنّ النياحة في أهله، وفيه

الرد على القائل بتخصيص التعذيب بمن يباشر الذنب بقوله أو فعله، لا بمن كان سببًا فيه، ولا يخفى سقوطه. 1284 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ وَمُحَمَّدٌ قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِ: إِنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ، فَأْتِنَا. فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلاَمَ وَيَقُولُ: إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ. فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا. فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ. فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّبِيُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ -قَالَ: حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ: كَأَنَّهَا شَنٌّ- فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ". [الحديث 1284 - أطرافه في: 5655، 6602، 6655، 7377، 7448]. وبالسند قال: (حدّثنا عبدان) بفتح العين وإسكان الموحدة، عبد الله بن عثمان (ومحمد) هو: ابن مقاتل (قالا: أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا عاصم بن سليمان) الأحول (عن أبي عثمان) عبد الرحمن النهدي (قال: حدّثني) بالإفراد (أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال): (أرسلت ابنة) ولأبي ذر: بنت (النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زينب، كما عند ابن أبي شيبة وابن بشكوال (إليه: إن ابنًا لي قبض) أي: في حال القبض، ومعالجة الروح فأطلق القبض مجازًا باعتبار أنه في حالة كحالة النزع. قيل: الابن المذكور هو علي بن أبي العاص بن الربيع، واستشكل بأنه عاش حتى ناهز الحلم وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أردفه على راحلته يوم الفتح، فلا يقال فيه صبي عرفًا. أو هو عبد الله بن عثمان بن عفان من رقية بنته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لما رواه البلاذري في الأنساب: أنه لما توفي، وضعه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجره، وقال: إنما يرحم الله من عباده الرحماء. أو: هو، محسن، لما روى البزار في مسنده عن أبي هريرة، قال: ثقل ابن لفاطمة رضي الله عنها، فبعثت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فذكر نحو حديث الباب، ولا ريب أنه مات صغيرًا. أو: هي أمامة بنت زينب لأبي العاص بن الربيع لما عند أحمد، عن أبي معاوية بسند البخاري. وصوّبه الحافظ ابن حجر، وأجاب عما استشكل من قوله: قبض، مع كون أمامة عاشت بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى تزوّجها علي بن أبي طالب، وقتل عنها: بأن الظاهر أن الله أكرم نبيه عليه الصلاة والسلام، لما سلم لأمر ربه، وصبر ابنته، ولم يملك مع ذلك عينيه من الرحمة والشفقة بأن عافى ابنة ابنته، فخلصت من تلك الشدة، وعاشت تلك المدّة. وقال العيني: الصواب قول من قال: ابني، أي: بالتذكير، لا ابنتي: بالتأنيث. كما نص عليه في حديث الباب. وجمع البرماوي بين ذلك باحتمال تعدّد الواقعة في بنت واحدة أو بنتين، أرسلت زينب في عليّ أو أمامة، أو رقية في عبد الله بن عثمان، أو فاطمة في ابنها محسن بن علي (فأْتنا. فأرسل) عليه الصلاة والسلام (يقرئ) عليها (السلام) بضم الياء من يقرئ (ويقول): (إن لله ما أخذ، وله ما أعطى) أي: الذي أراد أن يأخذه هو الذي كان أعطاه، فإن أخذه أخذ ما هو له، وقدّم الأخذ على الإعطاء، وإن كان متأخرًا في الواقع، لأن المقام يقتضيه. ولفظ: ما، في الموضعين مصدرية أي: إن لله الأخذ والإعطاء أو موصولة، والعائد محذوف وكذا الصلة (¬1) للدلالة على العموم، فيدخل فيه أخذ الولد وإعطاءه وغيرهما. (وكل عنده) أي: وكل من الأخذ والإعطاء عند الله، أي: في علمه (بأجل مسمى) مقدّر ومؤجل، (فلتصبر ولتحتسب) أي: تنوي بصبرها طلب الثواب من ربها، ليحسب لها ذلك من عملها الصالح. (فأرسلت إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حال كونها (تقسم عليه ليأتينها، فقام) ووقع في رواية عبد الرحمن بن عوف أنها راجعته مرتين، وأنه إنما قام في ثالث مرة (ومعه) بإثبات واو الحال، وللحموي والمستملي: معه (سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال) آخرون ذكر منهم في غير هذه الرواية: عبادة بن الصامت، وأسامة، راوي الحديث، فمشوا إلى أن دخلوا بيتها، (فرفع إلى رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الصبي) أو: الصبية، ورفع بالراء، وفي رواية حماد: دفع، بالدال. وبين شعبة في روايته أنه وضع في حجره عليه الصلاة والسلام، (ونفسه تتقعقع) بتاءين في أوّله، أي تضطرب وتتحرك، أي: كلما صار إلى حالة لم يلبث أن ينتقل إلى أخرى لقربه من الموت، والجملة اسمية حالية - (قال: حسبته أنه قال: كأنها شنّ-) بفتح الشين المعجمة وتشديد النون، قربة خلقة يابسة، وجزم به في رواية حماد، ولفظه: ونفسه تتقعقع كأنها في شن (ففاضت) ولأبي ذر: وفاضت (عيناه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالبكاء وهذا موضع الترجمة، لأن البكاء العاري عن النوح لا يؤاخذ به الباكي، ولا الميت. (فقال سعد) هو: ابن عبادة المذكور: (يا رسول الله! ما هذا؟) وفي رواية عبد الواحد، قال سعد بن عبادة: تبكي؟ وزاد أبو نعيم في مستخرجه: وتنهى عن البكاء؟ (فقال) عليه الصلاة والسلام: (هذه) الدمعة ¬

(¬1) قوله: "وكذا الصلة" الظاهر أنه من تحريف النساخ؛ لأنها مذكورة كما لا يخفى.

التي تراها من حزن القلب بغير تعمد ولا استدعاء لا مؤاخذة عليها (رحمة جعلها الله) تعالى (في قلوب عباده، وإنما) بالواو، ولأبي ذر، فإنما (يرحم الله من عباده الرحماء) نصب على أن، ما، في قوله: وإنما، كافة، ورفع على أنها موصولة، أي: إن الذين يرحمهم الله من عباده الرحماء، جمع رحيم من صيغ المبالغة، ومقتضاه أن رحمته تعالى تختص بمن اتصف بالرحمة، وتحقق بها، بخلاف من فيه أدنى رحمة. لكن ثبت في حديث عبد الله بن عمرو، وعند أبي داود وغيره: الراحمون يرحمهم الرحمن، والراحمون: جمع راحم، فيدخل فيه كل من فيه أدنى رحمة. فإن قلت: ما الحكمة في إسناد فعل الرحمة في حديث الباب إلى الله، وإسناده في حديث أبي داود المذكور إلى الرحمن؟. أجاب الخوييّ، بما حاصله: أن لفظ الجلالة دال على العظمة، وقد عرف بالاستقراء أنه حيث ورد يكون الكلام مسوقًا للتعظيم، فلما ذكرها ناسب ذكر من كثرت رحمته وعظمت، ليكون الكلام جاريًا على نسق التعظيم بخلاف الحديث الآخر، فإن لفظ الرحمن دال على العفو، فناسب أن يذكر معه كل ذي رحمة، وإن قلَّت. ورواة الحديث الثلاثة الأول مروزيون، وعاصم وأبو عثمان بصريان، وفيه: التحديث والإخبار والقول، وأخرجه أيضًا في: الطب، والنذور، والتوحيد، ومسلم في: الجنائز، وكذا أبو داود، والنسائي، وابن ماجة. 1285 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قال حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قال حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "شَهِدْنَا بِنْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ، قَالَ فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، قَالَ فَقَالَ: هَلْ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا. قَالَ: فَانْزِلْ. قَالَ فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا". [الحديث 1285 - طرفه في: 1342]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي (قال: حدّثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو العقدي، (قال: حدّثنا فليح بن سليمان) الخزاعي (عن هلال بن عليّ) العامري (عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال): (شهدنا بنتًا لرسول الله) أي: جنازتها، وكانت سنة تسع، ولأبي ذر: بنتًا للنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هي: أم كلثوم زوج عثمان بن عفان، رضي الله عنه، لا رقية، لأنها توفيت والنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ببدر فلم يشهد جنازتها (قال: ورسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) جملة وقعت حالاً (جالس على) جانب (القبر، قال: فرأيت عينيه تدمعان) بفتح الميم، وهذا موضع الترجمة كما لا يخفى (قال: فقال) عليه الصلاة والسلام: (هل منكم رجل لم يقارف الليلة؟) بقاف ثم فاء، وزاد ابن المبارك عن فليح، أراه يعني: الذنب. ذكره المصنف تعليقًا في باب: من يدخل قبر المرأة. ووصله الإسماعيلي، وقيل: لم يجامع تلك الليلة، وبه جزم ابن حزم. وفي رواية ثابت عن أنس عند المؤلّف في التاريخ الأوسط: لا يدخل القبر أحد قارف الليلة، فتنحى عثمان. (فقال أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري: (أنا) لم أقارف الليلة، قيل: والسر في إيثار أبي طلحة على عثمان أن عثمان قد جامع بعض جواريه تلك الليلة، فتلطف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في منعه من النزول في قبر زوجته، حيث لم يعجبه أنه اشتغل عنها تلك الليلة بذلك، لكن يحتمل أنه طال مرضها، واحتاج عثمان إلى الوقاع، ولم يكن يظن أنها تموت تلك الليلة، وليس في الخبر ما يقتضي أنه واقع بعد موتها، بل ولا حين احتضارها. (قال) عليه الصلاة والسلام لأبي طلحة (فانزل) بالفاء (قال: فنزل في قبرها). وفي الحديث: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في: الجنائز. 1286 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: "تُوُفِّيَتِ ابْنَةٌ لِعُثْمَانَ -رضي الله عنه- بِمَكَّةَ وَجِئْنَا لِنَشْهَدَهَا، وَحَضَرَهَا ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم-، وَإِنِّي لَجَالِسٌ بَيْنَهُمَا -أَوْ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى أَحَدِهِمَا، ثُمَّ جَاءَ الآخَرُ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي- فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمَرَ -رضي الله عنهما- لِعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: أَلاَ تَنْهَى عَنِ الْبُكَاءِ؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ". وبه قال: (حدّثنا عبدان) بفتح العين وسكون الموحدة، عبد الله بن عثمان، قال: (حدّثنا عبد الله) بن المبارك، قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة) بتصغير عبد الثاني، كمليكة، واسمه زهير، (قال): (توفيت ابنة لعثمان رضي الله عنه بمكة) هي: أم أبان، كما صرح به في مسلم (وجئنا لنشهدها، وحضرها ابن عمر) بن الخطاب (وابن عباس رضي الله عنهم، وإني لجالس بينهما) أي: بين ابن عمر وابن عباس (-أو قال: جلست إلى أحدهما) شك ابن جريج (ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي-) زاد مسلم من طريق أيوب، عن ابن أبي مليكة: فإذا صوت من الدار، وعند الحميدي، من رواية عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة: فبكى النساء. (فقال عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، لعمرو بن عثمان) أخيها: (ألا تنهى) النساء (عن البكاء؟ فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه) فأرسلها مرسلة، ولمسلم عن عمرة بنت عبد الرحمن، سمعت عائشة، وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول: إن الميت يعذب ببكاء الحي

عليه ... الحديث، أي: سواء كان الباكي من أهل الميت أم لا، فليس الحكم مختصًّا بأهله، وقوله: ببكاء أهله، خرج مخرج الغالب، لأن المعروف أنه إنما يبكي على الميت أهله، ووقع في بعض طرق حديث ابن عمر هذا، عند ابن أبي شيبة: من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة، فيحمل المطلق في حديث الباب على هذا المقيد. 1287 - فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: قَدْ كَانَ عُمَرُ -رضي الله عنه- يَقُولُ بَعْضَ ذَلِكَ، ثُمَّ حَدَّثَ قَالَ: صَدَرْتُ مَعَ عُمَرَ -رضي الله عنه- مِنْ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ إِذَا هُوَ بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ سَمُرَةٍ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلاَءِ الرَّكْبُ. قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا صُهَيْبٌ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ادْعُهُ لِي. فَرَجَعْتُ إِلَى صُهَيْبٍ فَقُلْتُ: ارْتَحِلْ فَالْحَقْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يَقُولُ: وَاأَخَاهُ وَاصَاحِبَاهُ. فَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: يَا صُهَيْبُ أَتَبْكِي عَلَىَّ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ"؟. [الحديث 1287 - طرفاه في: 1290، 1292]. (فقال ابن عباس، رضي الله عنهما: قد كان عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه، يقول، بعض ذلك، ثم حدّث) أي ابن عباس (فقال): (صدرت مع عمر، رضي الله عنه، من مكة) قافلاً من حجة (حتى إذا كنا بالبيداء) بفتح الموحدة وسكون المثناة التحتية، مفازة بين مكة والمدينة (إذا هو بركب) أصحاب إبل عشرة، فما فوقها مسافرين فاجأوه (تحت ظل سمرة) بفتح السين المهملة وضم الميم، شجرة عظيمة من العضاه (فقال: اذهب فانظر مَن هؤلاء الركب؟ قال: فنظرت فإذا صهيب) بضم الصاد ابن سنان بن قاسط بالقاف، وكان من السابقين الأوّلين المعذبين في الله (فأخبرته) أي: أخبرت عمر بذلك (فقال: ادعه لي، فرجعت إلى صهيب، فقلت) له: (ارتحل فالحق) بكسر الحاء المهملة في الأول وفتحها في الثاني، أمر من: اللحوق (فأمير المؤمنين) كذا لأبي ذر، عن الكشميهني: بالموحدة قبل الهمزة، ولغيره: فالحق أمير المؤمنين، فلحق به. حتى دخلنا المدينة (فلما أصيب عمر) رضي الله عنه بالجراحة التي مات بها، وكان ذلك عقب حجه المذكور (دخل صهيب) حال كونه (يبكي) حال كونه (يقول: وا أخاه، وا صاحباه) بألف الندبة فيهما لتطويل مدّ الصوت، وليست علامة إعراب في الأسماء الستة، والهاء للسكت لا ضمير، لكن الشرط في المندوب أن يكون معروفًا، فيقدّر أن الأخوة والصاحبية كانا معلومين معروفين حتى يصح وقوعهما للندبة، (فقال عمر، رضي الله عنه: يا صهيب أتبكي عليّ) بهمزة الاستفهام الإنكاري (وقد قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه؟) قيده ببعض البكاء فحمل على ما فيه نياحة جميعًا بين الأحاديث. 1288 - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما "فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ -رضي الله عنه- ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَقَالَتْ: يَرْحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: حَسْبُكُمُ الْقُرْآنُ {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عِنْدَ ذَلِكَ: وَاللَّهُ {هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى}. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَاللَّهِ مَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- شَيْئًا". [الحديث 1288 - طرفاه في: 1289، 3978]. (وقال ابن عباس، رضي الله عنهما: فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة، رضي الله عنها، فقالت: يرحم الله عمر) قال الطيبي: هذا من الآداب الحسنة على منوال قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] فاستغربت من عمر ذلك القول، فجعلت قولها: يرحم الله عمر تمهيدًا ودفعًا لما يوحش من نسبته إلى الخطأ. والله ما حدّث رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه) يحتمل أن يكون جزمهما بذلك، لكونها سمعت صريحًا من النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اختصاص العذاب بالكافر، أو فهمت ذلك من القرائن (لكن) بإسقاط الواو، ولأبي ذر: ولكن (رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بإسكان نون لكن، فرسول الله مرفوع وبتشديدها فهو منصوب (قال): (إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه، وقالت: حسبكم القرآن) أي: كافيكم أيها المؤمنون قوله تعالى في القرآن ({ولا تزر وازرة وزر أخرى}) [الأنعام: 164 والإسراء: 15 وفاطر: 18 والزمر: 7] أي: لا تؤاخذ نفس بذنب غيرها. (قال ابن عباس رضي الله عنهما، عند ذلك والله {هو أضحك وأبكى} [النجم: 43] تقرير لنفي ما ذهب إليه ابن عمر من أن الميت يعذب ببكاء أهله، وذلك أن بكاء الإنسان وضحكه وحزنه وسروره من الله، يظهرها فيه، فلا أثر لها في ذلك فعند ذلك سكت ابن عمر. كما (قال ابن أبي مليكة: والله ما قال ابن عمر، رضي الله عنهما، شيئًا). بعد ذلك، لكن قال الزين بن المنير: سكوته لا يدل على الإذعان، فلعله كره المجادلة. وقال القرطبي ليس سكوته لشك طرأ له بعدما صرح برفع الحديث، ولكن احتمل عنده أن يكون الحديث قابلاً للتأويل، ولم يتعين له محمل يحمله عليه إذ ذاك، أو كان المجلس لا يقبل المماراة، ولم تتعين الحاجة حينيذٍ. وقال الخطابي: الرواية إذا ثبتت لم يكن في دفعها سبيل بالظن، وقد رواه عمر وابنه، وليس فيما حكت عائشة ما يرفع روايتهما. لجواز أن يكون الخبران صحيحين معًا، ولا منافاة بينهما. فالميت إنما تلزمه العقوبة بما تقدم من وصيته إليهم به وقت حياته، وكان ذلك مشهورًا من مذاهبهم، وهو موجود في أشعارهم

34 - باب ما يكره من النياحة على الميت

كقول طرفة بن العبد: إذا مت فانعيني بما أنا أهله ... وشقي عليّ الجيب يا ابنة معبد وعلى ذلك حمل الجمهور قوله: إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه، كما مر، وبه قال المزني، وإبراهيم الحربي وآخرون من الشافعية، وغيرهم، فإذا لم يوص به الميت لم يعذب. قال الرافعي: ولك أن تقول: ذنب الميت الأمر بذلك، فلا يختلف عذابه بامتثالهم وعدمه وأجيب: بأن الذنب على السبب يعظم بوجود المسبب، وشاهده حديث: "من سن سنة سيئة" .... وقيل: التعذيب توبيخ الملائكة له بما يندبه أهله به، كما روى أحمد من حديث أبي موسى مرفوعًا: "الميت يعذب ببكاء الحي إذا قالت النائحة: واعضداه، واناصراه، واكسباه، جبذ الميت وقيل له: أنت عضدها؟ أنت ناصرها؟ أنت كاسبها؟ ". وقال الشيخ أبو حامد: الأصح أنه محمول على الكافر. وغيره من أصحاب الذنوب. 1289 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَقُولُ "إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى يَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ: إِنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي، قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه) أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (عن عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية (أنها أخبرته: أنها سمعت عائشة رضي الله عنها، زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، تقول): أي لما قيل لها: إن عبد الله بن عمر يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه، فقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ، كذا في الموطأ ومسلم (إنما مر رسول الله على يهودية يبكي عليها أهلها، فقال): (إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها) بكفرها، في حال بكاء أهلها، لا بسبب البكاء. 1290 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ وَهْوَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "لَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ -رضي الله عنه- جَعَلَ صُهَيْبٌ يَقُولُ: وَاأَخَاهُ. فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ"؟. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن خليل) الخزاز بزاءين معجمتين، الكوفي، قال المؤلّف: جاءنا نعيه سنة خمس وعشرين ومائتين، قال: (حدثنا عليّ بن مسهر) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء، قال: (حدّثنا أبو إسحاق) سليمان (وهو الشيباني) بفتح الشين المعجمة (عن أبي بردة) الحرث (عن أبيه) أبي موسى، عبد الله بن قيس الأشعري (قال): (لما أصيب عمر، رضي الله عنه) بالجراحة التي مات منها (جعل صهيب) رضي الله عنه يبكي و (يقول: وا أخاه) بألف الندبة، وهاء السكت ساكنة في اليونينية (فقال عمر) منكرًا عليه بكاءه، لرفعه صوته بقوله: وا أخاه، خوفًا من استصحابه ذلك، أو زيادته عليه بعد موته: (أما علمت أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (إن الميت ليعذب ببكاء الحي؟) أي: المقابل للميت، أو المراد بالحي: القبيلة وتكون اللام فيه بدلاً من الضمير، والتقدير: يعذب ببكاء حيه، أي: قبيلته، فيوافق قوله في الرواية الأخرى: ببكاء أهله عليه ... وهو صريح في أن الحكم ليس خاصًّا بالكافر، وظاهره أن صهيبًا سمع الحديث من النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكأنه نسيه، حتى ذكره به عمر رضي الله عنهما. ورواته كلهم مدنيون، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم في: الجنائز. 34 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: دَعْهُنَّ يَبْكِينَ عَلَى أَبِي سُلَيْمَانَ، مَا لَمْ يَكُنْ نَقْعٌ أَوْ لَقْلَقَةٌ وَالنَّقْعُ: التُّرَابُ عَلَى الرَّأْسِ، وَاللَّقْلَقَةُ: الصَّوْتُ. (باب ما يكره) كراهة تحريم (من النياحة على الميت) و: من، لبيان الجنس، والنياحة، رفع الصوت بالندب قاله في المجموع وقيده غيره بالكلام المسجع. (وقال عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه) لما مات خالد بن الوليد، رضي الله عنه، سنة إحدى وعشرين بحمص، أو ببعض قراها، أو بالمدينة. واجتمع نسوة المغيرة يبكين عليه، فقيل لعمر رضي الله عنه: أرسل إليهن فانههن. فقال: (دعهن يبكين على أبي سليمان) هي: كنية خالد (ما لم يكن نقع) بفتح النون وسكون القاف آخره عين مهملة (أو لقلقة) بلامين وقافين. وهذا الأثر وصله المؤلّف في تاريخه الأوسط من طريق الأعمش عن شقيق. قال المؤلّف، كالفراء: (والنقع: التراب) أي: يوضع (على الرأس، واللقلقة الصوت) المرتفع. وقال الإسماعيلي: النقع هنا الصوت العالي، واللقلقة حكاية ترديد صوت النوّاحة، وحكى سعيد بن منصور: أن النقع شق الجيوب، وحكي في مصابيح الجامع، عن الأكثرين: أن النقع رفع الصوت بالبكاء. قال الزركشي: والتحقيق أنه مشترك، يطلق على الصوت وعلى الغبار. ولا يبعد أن يكونا مرادين.

35 - باب

يعني في قوله: ما لم يكن نقع أو لقلقة. لكن حمله على وضع التراب أولى، لأنه قرن به اللقلقة، وهي الصوت، فحمل اللفظ على معنيين أولى من معنى واحد. 1291 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ كَذِبًا عَلَىَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ». وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال حدّثنا سعيد بن عبيد) بكسر العين في الأول وضمها في الثاني مصغرًا غير مضاف، هو: أبو الهذيل الطائي (عن علي بن ربيعة) بفتح الراء، الوالبي، بالموحدة، الأسدي (عن المغيرة) بن شعبة. (رضي الله عنه قال: سمعت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول): (إن كذبًا عليّ) بفتح الكاف وكسر الذال المعجمة (ليس ككذب على أحد) غيري. قال ابن حجر: معناه أن الكذب على الغير قد ألف واستسهل خطبه، وليس الكذب عليه بالغًا مبلغ ذلك في السهولة، وإذا كان دونه في السهولة، فهو أشهد منه في الإثم، وبهذا التقرير يندفع اعتراض من أورد أن الذي يدخل عليه الكاف أتم، والله أعلم. فإني (من كذب عليّ متعمدًا فبيتبوّأ) فليتخذ (مقعده) مسكنه (من النار) فهو أشد في الإثم من الكذب على غيره، لكونه مقتضيًا شرعًا عامًا باقيًا إلى يوم القيامة. (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: من نيح عليه) بكسر النون وسكون التحتية وفتح الحاء، مبنيًّا للمفعول من الماضي. (يعذب) بضم أوله، مبنيًّا للمفعول مجزوم. فمن شرطية وفيه استعمال الشرط بلفظ الماضي، والجزاء بلفظ المضارع، ويروى: يعذب بالرفع، وهو الذي في اليونينية، فمن موصولة أو شرطية على تقدير: فإنه يعذب، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من يُنح. بضم أوله وفتح النون وجزم المهملة، وللكشميهني: من يناح، بضم أوله وبعد النون ألف على أن من موصولة (بما نيح عليه) بإدخال حرف الجر على: ما، فهي مصدرية غير ظرفية، أي: بالنياحة عليه، والنون مكسورة عند الجميع. قال في الفتح: ولبعضهم: ما نيح، بغير موحدة على أن: ما ظرفية، قال العيني: ما في هذه الرواية للمدة، أي: يعذب مدة النوح عليه، ولا يقال: ما ظرفية. وفي تقديم المغيرة قبل تحديثه بتحريم النوح: أن الكذب عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشد من الكذب على غيره، إشارة إلى أن الوعيد على ذلك يمنعه أن يخبر عنه بما لم يقل. ورواته الأربعة: كوفيون، وفيه: التحديث والعنعنة والقول والسماع، وأخرجه مسلم في: الجنائز، وكذا الترمذي. 1292 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ». تَابَعَهُ عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ. وَقَالَ آدَمُ عَنْ شُعْبَةَ «الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَىِّ عَلَيْهِ». وبه قال: (حدّثنا عبدان، قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عثمان بن جبلة، بالجيم والموحدة المفتوحتين (عن شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر) بضم العين (عن أبيه) عمر (رضي الله عنهما، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (الميت يعذب في قبره بما نيح عليه) بكسر النون وسكون التحتية وفتح المهملة وزيادة لفظه في قبره. (تابعه) أي تابع عبدان (عبد الأعلى) بن حماد، مما وصله أبو يعلى في مسنده، قال (حدّثنا يزيد بن زريع) الأوّل من الزيادة والثاني تصغير زرع (قال حدّثنا سعيد) هو: ابن أبي عروبة قال: (حدّثنا قتادة) يعني: عن سعيد بن المسيب. (وقال آدم) بن أبي إياس (عن شعبة) بإسناد حديث الباب، لكن بغير لفظ متنه، وهو قوله: "الميت يعذب ببكاء الحي عليه" وقد تفرد آدم بهذا اللفظ. 35 - باب هذا (باب) بالتنوين، وهو ثابت في رواية الأصيلي، وهو بمنزلة الفصل من الباب السابق، وسقط لكريمة والهروي. 1293 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "جِيءَ بِأَبِي يَوْمَ أُحُدٍ قَدْ مُثِّلَ بِهِ حَتَّى وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ سُجِّيَ ثَوْبًا فَذَهَبْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكْشِفَ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي، ثُمَّ ذَهَبْتُ أَكْشِفُ عَنْهُ فَنَهَانِي قَوْمِي، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُفِعَ، فَسَمِعَ صَوْتَ صَائِحَةٍ فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالُوا: ابْنَةُ عَمْرٍو -أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو- قَالَ: فَلِمَ تَبْكِي؟ أَوْ لاَ تَبْكِي، فَمَا زَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ". وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني، قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة، قال: (حدّثنا ابن المنكدر) محمد (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (رضي الله عنهما، قال): (جيء بأبي) عبد الله (يوم) وقعة (أحد) حال كونه (قد مثل به) بضم الميم وتشديد المثلثة المكسورة، أي: جدع أنفه وأذنه، أو مذاكيره، أو شيء من أطرافه (حتى وضع بين يدي رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد سجي ثوبًا) بضم السين المهملة وتشديد الجيم، وثوبًا نصب بنزع الخافض، أي: غطي بثوب (فذهبت) حال كوني (أريد أن أكشف عنه) الثوب، وأن: مصدرية. أي: أريد كشفه (فنهاني قومي، ثم ذهبت أكشف عنه) الثوب (فنهاني قومي، فأمر رسول الله) وللكشميهني: فأمر به رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فرفع) بضم الراء (فسمع

36 - باب ليس منا من شق الجيوب

صوت) امرأة (صائحة فقال): (من هذه) المرأة الصائحة؟ (فقالوا: ابنة عمرو) فاطمة (-أو أخت عمرو-) شك من سفيان، فإن كانت بنت عمرو، وتكون أخت المقتول عمة جابر، وإن كانت أخت عمرو، تكون عمة المقتول، وهو عبد الله (قال) عليه الصلاة والسلام: (فلم تبكي؟) بكسر اللام وفتح الميم استفهام عن غائبة (أو لا تبكي) شك من الراوي. هل استفهم أو نهى (فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها) وللحموي والمستملي: تظل بأجنحتها (حتى رفع) فلا ينبغي أن يبكى عليه مع حصول هذه المنزلة، بل يفرح له بما صار إليه. ومطابقة هذا الحديث للترجمة السابقة في قوله، عليه الصلاة والسلام، لما سمع صوت المرأة الصائحة: من هذه؟ لأنه إنكار في نفس الأمر وإن لم يصرح به. 36 - باب لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الْجُيُوبَ هذا (باب) بالتنوين (ليس منا من شق الجيوب). 1294 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ الْيَامِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ». [الحديث 1294 - أطرافه في: 1297، 1298، 3519]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين، قال: (حدّثنا سفيان) النووي، قال: (حدّثنا زبيد) بزاي مضمومة وموحدة مفتوحة، ابن الحرث بن عبد الكريم، (اليامي) بمثناة تحتية وبميم مخففة، من بني يام، وللحموي والمستملي، وعزاها في الفتح، والعمدة للكشميهني: الأيامي، بزيادة همزة في أوله (عن إبراهيم) النخعي (عن مسروق) هو: ابن الأجدع (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه، قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ليس منا) أي: من أهل سنتنا، ولا من المهتدين بهدينا، وليس المراد خروجه عن الدين، لأن المعاصي لا يكفر بها عند أهل السنة. نعم، يكفر باعتقاد حلها، وعن سفيان: أنه كره الخوض في تأويله، وقال: ينبغي أن يمسك عنه ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر (من لطم الخدود) كبقية الوجوه، والخدود: جمع خدّ. قال في العمدة: وإنما جمع وإن كان ليس للإنسان إلا خدّان. فقط باْعتبار إرادة الجمع، فيكون من مقابلة الجمع بالجمع، وإما على حد قوله تعالى: {وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} [طه: 130] وقول العرب: شابت مفارقه، وليس إلا مفرق واحد. (وشق الجيوب) بضم الجيم جمع جيب من جابه أي قطعه. قال تعالى: {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ} [الفجر: 9] وهو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس للبسه، وفي رواية: من الكم، بل كاف كما في اليونينية (ودعا بدعوى) أهل (الجاهلية). وهي زمان الفترة قبل الإسلام، بأن قال في بكائه ما يقولون، مما لا يجوز شرعًا كـ: واجبلاه، واعضداه. وخص الجيب بالذكر في الترجمة، دون أخويه، تنبيهًا على أن النفي الذي حاصله التبري يقع بكل واحد من الثلاثة، ولا يشترط فيه وقوعها معًا، ويؤيده رواية لمسلم بلفظ: أو شق الجيوب، أو دعا ... الخ. ولأن شق الجيب أشدّها قبحًا مع ما فيه من خسارة المال في غير وجه. ويستفاد من قوله، في حديث أبي موسى الآتي، إن شاء الله تعالى، بعد باب: أنا بريء ممن برئ منه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، تفسير النهي هنا به. وأصل البراءة الانفصال من الشيء، فكأنه توعده بأنه لا يدخله في شفاعته، مثلاً. وهذا يدل على تحريم ما ذكر من شق الجيب وغيره، وكأن السبب في ذلك ما تضمنه من عدم الرضا بالقضاء، فإن وقع التصريح باستحلاله مع العلم بتحريم التسخط مثلاً بما وقع، فلا مانع من حمل النفي على الإخراج من الدين، قاله في الفتح. ورواة هذا الحديث كوفيون، وفيه: رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في: مناقب قريش، والجنائز ومسلم في: الإيمان، والترمذي في الجنائز، وكذا النسائي وابن ماجة. 37 - باب رَثَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَعْدَ ابْنَ خَوْلَةَ هذا (باب) بالتنوين (رثى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الراء مع القصر بلفظ الماضي، ورفع النبي على الفاعلية، ولأبي ذر، والأصيلي: باب رثاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بإضافة باب لتاليه، وكسر راء رثاء، وتخفيف المثلثة، والمد وخفض تاليه بالإضافة (سعد بن خولة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو، نصب على المفعولية. والمراد هنا: توجعه عليه الصلاة والسلام وتحزنه على سعد، لكونه مات بمكة بعد الهجرة منها، لا مدح الميت وذكر محاسنه، الباعث على تهييج الحزن، وتجديد اللوعة، إذ الأول مباح، بخلاف الثاني فإنه منهي عنه. وقد أطلق الجوهري الرثاء على عد محاسن الميت مع البكاء، وعلى نظم الشعر فيه. والأوجه حمل النهي على ما فيه تهييج الحزن، كما مر، أو على ما يظهر فيه تبرم، أو على فعله مع الاجتماع

له، أو على الإكثار منه دون ما عدا ذلك، فما زال كثير من الصحابة وغيرهم من العلماء يفعلونه، وقد قالت فاطمة -رضي الله عنها- بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ماذا على من شم تربة أحمد ... أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت علي مصائب لو أنها ... صبت على الأيام عدن لياليا 1295 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ بِنْتٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَىْ مَالِي؟ قَالَ: لاَ. فَقُلْتُ: بِالشَّطْرِ؟ فَقَالَ: لاَ. ثُمَّ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلْثُ كَبِيرٌ -أَوْ كَثِيرٌ- إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلاً صَالِحًا إِلاَّ ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، ثُمَّ لَعَلَّكَ أَنْ تُخَلَّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلاَ تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ. يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي، قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه) سعد (رضي الله عنه، قال): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يعودني) بالدال المهملة (عام حجة الوداع) سنة عشر من الهجرة (من وجع) اسم لكل مرض (اشتدّ بي) أي: قوي علي (فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع) الغاية (وأنا ذو مال ولا يرثني) من الولد (إلا بنت) كذا كتب في اليونينية بالتاء المثناة الفوقية المجرورة لا بالهاء. قيل: هي عائشة، وقيل: إنها أم الحكم الكبرى. قيل: ما كانت له عصبة، وقيل، معناه: لا يرثني من أصحاب الفروض سواها، وقيل: من النساء. وهذا قاله قبل أن يولد له المذكور، (أفأتصدق بثلثي مالي؟) بهمزة الاستفهام على الاستخبار. (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا) تتصدق بالثلثين (فقلت): أتصدق (بالشطر) أي: بالنصف وللحموي والمستملي: فالشطر، بالفاء والرفع بالابتداء والخبر محذوف، تقديره: فالشطر أتصدق به، وقيده الزمحشري في الفائق، بالنصب بفعل مضمر أي: أوجب الشطر، وقال السهيلي في أماليه: الخفض فيه أظهر من النصب، لأن النصب بإضمار أفعل، والخفض معطوف على قوله: بثلثي مالي: (فقال) عليه الصلاة والسلام: (لا) تتصدق بالشطر، (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (الثلث) بالرفع، فاعل فعل محذوف، أي: يكفيك الثلث، أو خبر مبتدأ محذوف أي: المشروع الثلث، أو مبتدأ حذف خبره، أي: الثلث كاف. والنصب على الإغراء، أو بفعل مضمر أي: أعط الثلث (والثلث كبير) بالموحدة مبتدأ وخبر - (أو) قال: (كثير) - بالمثلثة (إنك أن تذر) بالذال المعجمة وفتح الهمزة في اليونينية: تترك (ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة) فقراء (يتكففون الناس) يطلبون الصدقة من أكف الناس، أو يسألونهم بأكفهم. و: أن تذر، بفتح الهمزة على أنها مصدرية، فهي وصلتها في محل رفع على الابتداء، والخبر: خير، وبالكسر على أنها شرطية. والأصل كما قاله ابن مالك: إن تركت ورثتك أغنياء فخير، أي: فهو خير لك، فحذف الجواب كقوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] أي: فالوصية على ما خرجه الأخفش، ثم عطف على قوله: إنك أن تذر ... ما هو علة للنهي عن الوصية بأكثر من الثلث. فقال: (وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله) أي: ذاته (إلا أجرت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بها) أي: بتلك النفقة (حتى ما تجعل) أي: الذي تجعله (فى في امرأتك) وقول الزركشي، كابن بطال: تجعل، برفع اللام و: ما كافة كفت حتى عن عملها. تعقبه صاحب مصابيح الجامع فقال: ليس كذلك، إذ لا معنى للتركيب حينئذ إن تأملت، بل اسم موصول، وحتى: عاطفة أي: إلا أجرت بتلك النفقة التي تبتغي بها وجه الله، حتى بالشيء الذي تجعله في فم امرأتك. ثم أورد على نفسه سؤالاً، فقال: فإن قلت: يشترط في حتى العاطفة على المجرور أن يعاد الخافض؟ وأجاب: بأن ابن مالك قيده بأن لا تتعين: حتى، للعطف نحو: عجبت من القوم حتى بنيهم. قال ابن هشام: يريد أن الموضع الذي يصح أن تحل: إلى، فيه محل: حتى، العاطفة فهي محتملة للجارة، فيحتاج حينئذ إلى إعادة الجار عند قصد العطف، نحو: اعتكفت في الشهر حتى في آخره بخلاف المثال، وما في الحديث. ثم أورد سؤالاً آخر، فقال: فإن قلت: لا يعطف على الضمير المخفوض، إلا بإعادة الخافض؟ وأجاب: بأن المختار عند ابن مالك، وغيره خلافه، وهو المذهب الكوفي لكثرة شواهده نظمًا ونثرًا، على أنه لو جعل العطف على المنصوب المتقدم، أي: لن تنفق نفقة حتى الشيء الذي تجعله في في امرأتك إلا أجرت. لاستقام. ولم يرد شيء

38 - باب ما ينهى من الحلق عند المصيبة

مما تقدم. وفيه: أن المباح إذا قصد به وجه الله صار طاعة، ويثاب عليه، وقد نبه عليه بأخس الحظوظ الدنيوية التي تكون في العادة عند الملاعبة، وهو وضع اللقمة في فم الزوجة، فإذا قصد بأبعد الأشياء عن الطاعة وجه الله، ويحصل به الأجر فغيره بالطريق الأولى. قال سعد (فقلت): ولأبي ذر، وابن عساكر: قلت: (يا رسول الله أخلف) بضم الهمزة وفتح اللام المشددة مبنيًّا للمفعول، يعني بمكة، بعد أصحابي المنصرفين معك، وللكشميهني: أأخلف بهمزة الاستفهام (بعد أصحابيّ؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (إنك لن) وللكشميهني: أن (تخلف) بعد أصحابك (فتعمل عملاً صالحًا إلا ازددت به) أي: بالعمل الصالح (درجة ورفعة، ثم لعلك أن تخلف) أي: بأن يطول عمرك، أي: إنك لن تموت بمكة، وهذا من إخباره عليه الصلاة والسلام بالمغيبات، فإنه عاش حتى فتح العراق. ولعل: للترجي إلا إذا وردت عن الله ورسوله، فإن معناها التحقيق. قال البدر الدماميني: وفيه دخول أن، على خبر لعل، وهو قليل، فيحتاج إلى التأويل (حتى ينتفع بك أقوام) من المسلمين بما يفتحه الله على يديك من بلاد الشرك، ويأخذه المسلمون من الغنائم "ويضر بك آخرون" من المشركين الهالكين على يديك وجندك (اللهم أمض) بهمزة قطع، من الإمضاء وهو الإنفاذ، أي أتتم (لأصحابي هجرتهم) أي: التي هاجروها من مكة إلى المدينة (ولا تردّهم على أعقابهم) بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالهم، فيخيب قصدهم. قال الزهري، فيما رواه أبو داود الطيالسي، عن إبراهيم بن سعد عنه (لكن البائس) بالموحدة والهمزة آخره سين مهملة، الذي عليه أثر البؤس أي: شدة الفقر والحاجة (سعد بن خولة يرثي له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح المثناة التحتية وسكون الراء وبالمثلثة من يرثي (أن مات بمكة) بفتح الهمزة أي: لأجل موته بالأرض التي هاجر منها، ولا يجوز الكسر على إرادة الشرط، لأنه كان انقضى وتم؛ وهذا موضع الترجمة. لكن نازع الإسماعيلي المؤلّف بأن هذا ليس من مراثي الوتى، وإنما هو من إشفاق النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من موته بمكة بعد هجرته منها، وكان يهوى أن يموت بغيرها، وكراهة ما حدث عليه من ذلك، كقولك: أن أرثي لك مما جرى عليك، كأنه يتحزن عليه. قال الزركشي: ثم هو بتقدير تسليمه، ليس بمرفوع، وإنما هو مدرج من قول الزهري. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في: المغازي، والدعوات، والهجرة، والطب، والفرائض، والوصايا، والنفقات، ومسلم في: الوصايا، وكذا أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة. 38 - باب مَا يُنْهَى مِنَ الْحَلْقِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ (باب ما ينهى عن الحلق عند المصيبة). 1296 - وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُخَيْمِرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: "وَجِعَ أَبُو مُوسَى وَجَعًا فَغُشِيَ عَلَيْهِ، وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا شَيْئًا، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ". (وقال الحكم بن موسى) القنطري بفتح القاف وسكون النون، البغدادي، مما وصله مسلم في صحيحه، وكذا ابن حبان. ومثل هذا يكون على سبيل المذاكرة لا بقصد التحمل، ولأبوي: ذر، والوقت، كما في الفرع: حدّثنا الحكم. لكن قال الحافظ ابن حجر: إنه وهم، لأن الذين جمعوا رجال البخاري في صحيحه أطبقوا على ترك ذكره في شيوخه، فدلّ على أن الصواب رواية الجماعة بصيغة التعليق، قال: (حدّثنا يحيى بن حمزة) قاضي دمشق (عن عبد الرحمن بن جابر) الأزدي، ونسبه إلى جده، واسم أبيه يزيد (أن القاسم بن مخيمرة) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية وبعد الميم المكسورة راء مهملة مصغرًا، وهو كوفي سكن البصرة (حدثه قال: حدثني) بالإفراد (أبو بردة) بضم الموحدة، عامر أو الحرث (بن أبي موسى) الأشعري (رضي الله عنه قال): (وجع) بكسر الجيم، أي: مرض أبي (أبو موسى وجعًا) بفتح الجيم زاد ابن عساكر: شديدًا (فغشي عليه، ورأسه في حجر امرأة من أهله) بتثليث حاء حجر كما في القاموس، أي: حضنها. زاد مسلم: فصاحت؛ وله من وجه آخر: أغمي على أبي موسى، فأقبلت امرأته، أم عبد الله، تصيح برنة. وفي النسائي، هي: أم عبد الله بنت أبي دومة، وفي تاريخ البصرة، لعمر بن شبة: أن اسمها صفية بنت دمون. وأن ذلك وقع حيث كان أبو موسى أميرًا على البصرة من قبل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه؛ والواو في قوله: ورأسه، للحال (فلم يستطع) أبو

38 - باب ليس منا من ضرب الخدود

موسى (أن يردّ عليها شيئًا، فلما أفاق قال: أنا) وللحموي والمستملي: إني (بريء ممن برئ منه رسول الله) ولأبي ذر: محمد (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بريء من الصالقة) بالصاد المهملة والقاف، الرافعة صوتها في المصيبة (والحالقة) التي تحلق شعرها (والشاقة) التي تشق ثوبها. وموضع الترجمة قوله: والحالقة، وخصها بالذكر دون غيرها لكونها أبشع في حق النساء، وقوله برئ بكسر الراء، يبرأ بالفتح قال القاضي: برئ من فعلهن، أو مما يستوجبن من العقوبة، أو من عهدة ما لزمني من بيانه. وأصل البراءة الانفصال، وليس المراد التبري من الدين والخروج منه، قال النووي: ويحتمل أن يراد به ظاهره، وهو البراءة من فاعل هذه الأمور. 38 - باب لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ هذا (باب) بالتنوين (ليس منا من ضرب الخدود). 1297 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ». وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد الشين المعجمة، قال: (حدّثنا عبد الرحمن) بن مهدي، قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن عبد الله بن مرة) بضم الميم وتشديد الراء (عن مسروق) هو: ابن الأجدع (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، أنه (قال): (ليس منا من ضرب الخدود) كبقية الوجوه (وشق الجيوب، ودعا بدعوى) أهل (الجاهلية). من نوح وندبة وغيرهما مما لا يجوز شرعًا. والواو فيهما بمعنى: أو، فالحكم في كل واحد لا المجموع، لأن كلاًّ منهما دال على عدم الرضا والتسليم للقضاء. والنفي في قوله: ليس منا، للتغليظ، لأن المعصية لا تقتضي الخروج عن الدين إلا أن تكون كفرًا أو المعنى: ليس مقتديًا بنا، ولا مستنًا بسنتنا. 40 - باب مَا يُنْهَى مِنَ الْوَيْلِ وَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ (باب: ما ينهى من الويل ودعوى الجاهلية عند المصيبة) ما مصدرية، والويل، أن يقول عند المصيبة: واويلاه، وذكر دعوى الجاهلية بعد ذكر الويل من العام بعد الخاص، وسقط الباب والترجمة والحديث عند الكشميهني. 1298 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ». وبالسند قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص، قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن عبد الله بن مرة، عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه) أنه (قال: قال رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية) المستلزم للويل، وقوله: ليس منا، للنهي، وفي بعض طرق الحديث، عند ابن ماجة، وصححه ابن حبان عن أبي أمامة: أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لعن الخامشة وجهها، والشاقة جيبها، والداعية بالويل والثبور. 41 - باب مَنْ جَلَسَ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ (باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن) بضم التحتية وفتح الراء، من يعرف مبنيّا للمفعول ومن موصولة. 1299 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَابْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ وَأَنَا أَنْظُرُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ شَقِّ الْبَابِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ -وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ- فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ، فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ لَمْ يُطِعْنَهُ، فَقَالَ: انْهضْ فانْهَهُنَّ. فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ قَالَ: وَاللَّهِ غَلَبْنَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَزَعَمَتْ أَنَّهُ قَالَ: فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ. فَقُلْتُ: أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ، لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَمْ تَتْرُكْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْعَنَاءِ". [الحديث 1299 - طرفاه في: 1305، 4263]. وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري الزمن، قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (قال سمعت يحيى) بن سعيد الأنصاري (قال: أخبرتني) بالإفراد (عمرة) بفتح العين وسكون الميم بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية (قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها قالت): (لما جاء النبي) بالنصب على المفعولية (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قتل ابن حارثة) برفع لام قتل على الفاعلية، وهو زيد. وأبوه بالمهملة والمثلثة. وضبب في اليونينية على: ابن من: ابن حارثة، فلينظر (و) قتل (جعفر) هو: ابن أبي طالب (و) قتل (ابن رواحة) عبد الله في غزوة مؤتة، وجواب: لما قوله: (جلس) عليه الصلاة والسلام، أي: في المسجد، كما في رواية أبي داود (يعرف فيه الحزن). قال في شرح المشكاة: حال، أي: جلس حزينًا، وعدل إلى قوله: يعرف، ليدل على أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كظم الحزن كظمًا. وكان ذلك القدر الذي ظهر فيه من جبلة البشرية. وهذا موضع الترجمة، وهو يدل على الإباحة، لأن إظهاره يدل عليها. نعم، إذا كان معه شيء من اللسان، أو اليد، حرم. قالت عائشة رضي الله عنها: (وأنا أنظر) جملة حالية (من صائر الباب) بالصاد المهملة المفتوحة والهمزة بعد الألف، كـ: لابن وتامر، كذا في الرواية. قال المازري: والصواب صير الباب، بكسر الصاد وسكون التحتية، وهو المحفوظ، كما في المجمل والصحاح والقاموس،

وفسرته عائشة، أو من بعدها، بقوله (شق الباب) بفتح الشين المعجمة والخفض، على البدلية أي: الموضع الذي ينظر منه. وفي تجويز الكرماني كسر الشين نظر، لأنه يصير معناه الناحية، وليست بمرادة هنا، كما نبه عليه ابن التين (فأتاه) عليه الصلاة والسلام (رجل) لم يقف الحافظ على اسمه (فقال: إن نساء جعفر) امرأته، أسماء بنت عميس الخثعمية، ومن حضر عندها من النساء، من أقارب جعفر وأقاربها، ومن في معناهن، وليس لجعفر امرأة غير أسماء كما ذكره العلماء بالأخبار - (وذكر بكاءهن) - حال من المستتر في: فقال، وحذف خبر إن من القول المحكي لدلالة الحال عليه، أي: يبكين عليه برفع الصوت والنياحة، أو: ينحن. ولو كان مجرّد بكاء لم ينه عنه لأنه رحمة (فأمره) عليه الصلاة والسلام (أن ينهاهنّ) عن فعلهن (فذهب) فنهاهن فلم يطعنه لكونه لم يسند النهي للرسول، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، (ثم أتاه) أي: أتى الرجل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المرة (الثانية) فقال: إنهن (لم يطعنه) حكاية قول الرجل أي: نهيتهن فلم يطعنني (فقال) عليه الصلاة والسلام: (انهض فانههن)، وفي نسخة، وهي التي في اليونينية ليس إلا: انههن، بدل انهض، فذهب فنهاهن، فلم يطعنه، لحملهن ذلك على أنه من قبل نفس الرجل (فأتاه) أي: أتى الرجل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المرة (الثالثة قال: والله غلبننا يا رسول الله) بلفظ جمع المؤنثة الغائبة، وللكشميهني كما في الفرع وأصله: والله لقد، بزيادة لقد. وقال ابن حجر، وللكشميهني: غلبتنا بلفظ المفردة المؤنثة الغائبة. قالت عمرة (فزعمت) عائشة (أنه) عليه الصلاة والسلام (قال) للرجل، لما لم ينتهين: (فاحث) بضم المثلثة، أمر من: حثا يحثو، وبكسرها أيضًا من: حثى يحثي (في أفواههن التراب) ليسد محل النوح، فلا يتمكن منه. أو المراد به المبالغة في الزجر، قالت عائشة (فقلت) للرجل (أرغم الله أنفك) بالراء والغين المعجمة، أي: ألصقه بالرغام، وهو التراب، إهانة وذلاً. ودعت عليه من جنس ما أمر أن يفعله بالنسوة، لفهمها من قرائن الحال أنه أحرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكثرة تردده إليه في ذلك (لم تفعل ما أمرك) به (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: من نهيهن، وإن كان نهاهن لأنه لم يترتب على فعله الامتثال، فكأنه لم يفعله، أو لم يفعل الحثو بالتراب (ولم تترك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من العناء) بفتح العين المهملة والنون والمد أي: المشقّة والتعب. قال النووي: معناه أنك قاصر عما أمرت به، ولم تخبره عليه الصلاة والسلام بأنك قاصر حتى يرسل غيرك، ويستريح من العناء. وقول ابن حجر لفظة لم يعبر بها عن الماضي وقولها له ذلك، وقع قبل أن يتوجه، فمن أين علمت أنه لم يفعل، فالظاهر أنها قامت عندها قرينة بأنه لم يفعل، فعبرت عنه بلفظ الماضي مبالغة في نفي ذلك عنه، وفي الرواية الآتية، بعد أربعة أبواب: فوالله ما أنت بفاعل، وكذا لمسلم وغيره، فظهر أنه من تصرف الرواة. تعقبه العيني، فقال: لا يقال لفظة: لم، يعبر بها عن الماضي، وإنما يقال: لم، حرف جزم لنفي المضارع وقلبه ماضيًا. وهذا هو الذي قاله أهل العربية وقوله: فعبرت عنه بلفظ الماضي، ليس كذلك، لأنه غير ماض، بل هو مضارع. ولكن صار معناه معنى الماضي يدخول لم عليه. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الجنائز، والمغازي، ومسلم في: الجنائز، وكذا أبو داود، والنسائي. 1300 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهْرًا حِينَ قُتِلَ الْقُرَّاءُ؛ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَزِنَ حُزْنًا قَطُّ أَشَدَّ مِنْهُ". وبه قال (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين فيهما، الفلاس الصيرفي، قال: (حدّثنا محمد بن الفضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة مصغرًا، ابن غزوان، بفتح المعجمة وسكون الزاي، الضبي مولاهم الكوفي، قال: (حدّثنا عاصم الأحول، عن أنس) هو: ابن مالك (رضي الله عنه قال): (قنت رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، شهرًا حين قتل القراء) وكانوا ينزلون الصفة يتعلمون القرآن، وهم عمار المسجد، وليوث اللاحم، بعثهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أهل نجد ليقرؤوا عليهم القرآن، ويدعوهم إلى الإسلام، فلما نزلوا ببئر معونة قصدهم عامر بن الطفيل في أحياء من سليم: رعل وذكوان وعصية، فقاتلهم فقتلوا أكثرهم، وذلك في السنة الرابعة من الهجرة (فما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حزن حزنًا قط، أشد

42 - باب من لم يظهر حزنه عند المصيبة وقال محمد بن كعب القرظي: الجزع القول السيئ والظن السيئ وقال يعقوب - عليه السلام - {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}

منه). 42 - باب مَنْ لَمْ يُظْهِرْ حُزْنَهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: الْجَزَعُ الْقَوْلُ السَّيِّئُ وَالظَّنُّ السَّيِّئُ وَقَالَ يَعْقُوبُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} (باب من لم يظهر حزنه عند) حلول (المصيبة) فترك ما أبيح له من إظهاره قهرًا للنفس بالصبر الذي هو خير، قال الله تعالى: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} ويظهر: بضم أوله، من الرباعي، وحزنه: نصب على المفعولية. (وقال محمد بن كعب القرظي) حليف الأوس: (الجزع: القول السيئ) الذي يبعث الحزن غالبًا (والظن السيئ) هو: اليأس من تعويض الله المصاب في العاجل ما هو أنفع له من الفائت، أو: الاستبعاد لحصول ما وعد به من الثواب على الصبر. ومناسبة هذا لما ترجم له من حيث المقابلة، وهي ذكر الشيء وما يضادّه معه، وذلك أن ترك إظهار الحزن من القول الحسن، والظن الحسن وإظهاره مع الجزع الذي يؤديه إلى ما حظره الشارع، قول سيئ وظن سيئ. (وقال يعقوب عليه السلام {إنما أشكو بثي}) هو أصعب هم لا يصبر صاحبه على كتمانه، فيبثه وينشره للناس ({وَحُزْنِي إِلَى الله}) [يوسف: 86] لا إلى غيره. ومناسبته للترجمة من جهة أنه لما ابتلي صبر، ولم يشك إلى أحد ولا بث حزنه إلا إلى الله تعالى. 1301 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "اشْتَكَى ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ، قَالَ فَمَاتَ وَأَبُو طَلْحَةَ خَارِجٌ. فَلَمَّا رَأَتِ امْرَأَتُهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ هَيَّأَتْ شَيْئًا وَنَحَّتْهُ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ. فَلَمَّا جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: كَيْفَ الْغُلاَمُ؟ قَالَتْ: قَدْ هَدَأَتْ نَفْسُهُ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاحَ. وَظَنَّ أَبُو طَلْحَةَ أَنَّهَا صَادِقَةٌ. قَالَ فَبَاتَ. فَلَمَّا أَصْبَحَ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَعْلَمَتْهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا كَانَ مِنْهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ لَكُمَا فِي لَيْلَتِكُمَا". قَالَ سُفْيَانُ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: فَرَأَيْتُ لَهُمَا تِسْعَةَ أَوْلاَدٍ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ. [الحديث 1301 - طرفه في: 5470]. وبه قال: (حدّثنا بشر بن الحكم) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة والحكم بفتحتين النيسابوري، قال: (حدّثنا سفيان بن عيينة) قال: (أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري ابن أخي أنس (أنه سمع أنس بن مالك، رضي الله عنه، يقول): (اشتكى) أي: مرض (ابن لأبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري، وابنه هو: أبو عمير، صاحب النغير، كما قاله ابن حبان في روايته، وغيره، وكان غلامًا صبيحًا، وكان أبو طلحة يحبه حبًّا شديدًا، فلما مرض حزن عليه حزنًا شديدًا حتى تضعضع (قال: فمات، وأبو طلحة خارج، فلما رأت امرأته) أم سليم، وهي أم أنس بن مالك (أنه قد مات هيأت شيئًا) أعدت طعامًا، وأصلحته أو هيأت شيئًا من حالها، وتزينت لزوجها تعريضًا للجماع، أو هيأت أمر الصبي بأن غسلته وكفنته وحنطته، وسجت عليه ثوبًا، كما في بعض طرق الحديث، فهو أولى (ونحته) بفتح النون والحاء المهملة المشدّدة، أي: جعلته (في جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة قال) لها: (كيف الغلام؟ قالت: قد هدأت) أي: سكنت (نفسه) بسكون الفاء واحدة الأنفس. تعني: أن نفسه كانت قلقة منزعجة لعارض المرض، فسكنت بالموت. وظن أبو طلحة أن مرادها: سكنت بالنوم لوجود العافية، ولأبي ذر: هذا بإسقاط التاء، نفسه، بفتح الفاء، واحد الأنفاس، أي سكن. لأن المريض يكون نفسه عاليًا فإذا زال مرضه سكن. وكذا إذا مات. وفي رواية معمر، عن ثابت: أمسى هادئًا (وأرجو أن يكون قد استراح) تعني أم سليم: من نكد الدنيا وتعبها، ولم تجزم بكونه استراح أدبًا، أو: لم تكن عالمة أن الطفل لا عذاب عليه، ففوّضت الأمر إلى الله تعالى، مع وجود رجائها بأنه استراح من نكد الدنيا. قال أنس: (وظن أبو طلحة أنها صادقة) بالنسبة إلى ما فهمه من كلامها وإلا فهي صادقة بالنسبة إلى ما أرادت مما هو في نفس الأمر، ولذا ورد: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب، والمعاريض هي ما احتمل معنيين، وهذا من أحسنها، فإنها أخبرت بكلام لم تكذب فيه، لكن ورّت به عن المعنى الذي كان يحزنها، ألا ترى أن نفسه قد هدأت، كما قالت بالموت واْنقطاع النفس، وأوهمته أنه استراح من قلقه، وإنما هو: من هم الدنيا. وفيه مشروعية المعاريض الموهمة إذا دعت الضرورة إليها، وشرط جوازها أن لا تبطل حق مسلم. (قال) أنس (فبات) معها أي: جامعها (فلما أصبح اغتسل). وفي رواية أنس بن سيرين: فقربت إليه العشاء، فتعشى، ثم أصاب منها. وفي رواية حماد بن ثابت: ثم تطيبت. وزاد جعفر عن ثابت: فتعرضت له حتى وقع بها، وفي رواية سليمان عن ثابت: ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك، فوقع بها. وليس ما صنعته من التنطع، وإنما فعلته إعانة لزوجها على الرضا والتسليم، ولو أعلمته بالأمر في أول الحال لتنكد عليه وقته، ولم يبلغ الغرض الذي أرادته منه، ولعلها عند موت الطفل قضت حقه من البكاء اليسير. (فلما أراد) أبو طلحة (أن يخرج، أعلمته أنه قد مات) قال في الفتح: زاد سليمان بن المغيرة، كما عند مسلم

43 - باب الصبر عند الصدمة الأولى. وقال عمر -رضي الله عنه-: نعم العدلان ونعم العلاوة {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} وقوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}

فقالت: يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قومًا أعاروا أهل بيت عارية، فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاْحتسب ابنك. قال: فغضب، وقال: تركتني حتى تلطخت ثم أخبرتني بابني. وفي رواية عبد الله فقالت: يا أبا طلحة، أرأيت قومًا أعاروا متاعًا، ثم بدا لهم فيه فأخذوه، فكأنهم وجدوا في أنفسهم، زاد حماد في روايته عن ثابت: فأبوا أن يردّوها، فقال أبو طلحة: ليس لهم ذلك إن العارية مؤدّاة إلى أهلها، ثم اتفقا، فقالت: إن الله أعارنا غلامًا، ثم أخذه منا. زاد حماد: فاسترجع (فصلّى مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم أخبر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بما كان منهما) بالتثنية، وللكشميهني: منها بضمير المؤنثة المفردة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما) لعل: هنا، بمعنى: عسى، بدليل دخول أن على خبره، ولأبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر: لهما في ليلتهما بضمير الغائب، وفي رواية أنس بن سيرين: اللهم بارك لهما ... وفيه تنبيه على أن المراد بقوله: أن يبارك، وإن كان لفظه لفظ الخبر، الدعاء. وزاد في رواية أنس بن سيرين: فولدت غلامًا. وفي رواية عبد الله بن عبد الله: فجاءت بعبد الله بن أبي طلحة. (قال سفيان) بن عيينة بالإسناد المذكور. (فقال رجل من الأنصار) هو: عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج، كما عند البيهقي، وسعيد بن منصور: (فرأيت لها تسعة أولاد، كلهم قد قرأ القرآن). كذا في رواية أبي ذر، والأصيلي، ولابن عساكر ولغيرهم: فرأيت لهما أي: من ولد ولدهما عبد الله الذي حملت به تلك الليلة من أبي طلحة، كما في رواية عباية، عند سعيد بن منصور، ومسدد، والبيهقي، بلفظ: فولدت له غلامًا. قال عباية: فلقد رأيت لذلك الغلام سبعة بنين. قال ابن حجر: ففي رواية سفيان تجوّز في قوله: لهما، أي على رواية ثبوتها، لأن ظاهره أنه من ولدهما، بغير واسطة، وإنما المراد من أولاد ولدهما. وتعقبه العيني بعد أن ذكر عبارته بلفظ: لهما، فقال: لا نسلم التجوز في رواية سفيان، لأنه ما صرح في قوله. قال رجل من الأنصار فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرأ القرآن ولم يقل: رأيت منهما أو: لهما تسعة. اهـ. فاْنظر وتعجب من هذا التعقب. ووقع في رواية سفيان هنا: تسعة أولاد، بتقديم الفوقية على السين. وفي رواية عباية المذكور: سبعة بنين كلهم قد ختم القرآن بتقديم السين على الموحدة فقيل: إحداهما تصحيف، أو أن المراد بالسبعة من ختم القرآن كله، وبالتسعة من قرأ معظمه. وذكر ابن المديني من أسماء أولاد عبد الله بن أبي طلحة، وكذا ابن سعد، وغيره، من أهل العلم بالأنساب، من قرأ القرآن وحمل العلم: إسحاق، وإسماعيل، ويعقوب، وعمير، وعمرو ومحمد، وعبد الله، وزيد والقاسم. وهذا الحديث أخرجه مسلم. 43 - باب الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى. وَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: نِعْمَ الْعِدْلاَنِ وَنِعْمَ الْعِلاَوَةُ {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} (باب: الصبر عند الصدمة الأولى). (وقال عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه) مما وصله الحاكم في مستدركه: (نعم العدلان) بكسر العين وسكون الدال المهملتين، ونعم: بكسر النون وسكون العين، كلمة مدح، وتاليها فاعلها (ونعم العلاوة) بكسر العين أيضًا عطف على سابقه، والعدل أصله نصف الحمل على أحد شقي الدابة، والحمل العدلان. والعلاوة ما يجعل بين العدلين، فهو مثل ضرب للجزاء في قوله: ({الذين إذا أصابتهم مصيبة}) مما يصيب الإنسان من مكروه ({قالوا: إنّا لله}) عبيدًا وملكًا ({وإنا إليه راجعون}) في الآخرة فلا يضيع عمل عامل، وليس الصبر المذكور أول آية الاسترجاع باللسان، بل وبالقلب. بأن يتصور ما خلق له، وأنه راجع إلى ربه، ويتذكر نعمه عليه، ليرى أن ما أبقي عليه أضعاف ما استردّ منه، ليهوّن على نفسه ويستسلم له، والمبشر به محذوف دل عليه قوله: ({أولئك عليهم صلوات}) مغفرة أو ثناء ({من ربهم ورحمة}) وهما العدلان. كما قاله المهلب، ورواه الحاكم في روايته المذكورة موصولاً عن عمر بلفظ: أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة نعم العدلان. ({وأولئك هم المهتدون}) [البقرة: 156 - 157] نعم العلاوة. وكذا أخرجه البيهقي عن الحاكم. وأخرجه عبد بن حميد في تفسيره من وجه آخر، قال الزين بن المنير: ويؤيده وقوعها بعد: على المشعرة بالفوقية، المشعرة بالحمل. وهو عند أهل البيان من باب

الترشيح للمجاز، وذلك أنه لما كانت الآية {أولئك عليهم ... } كذا وكذا، ولفظة: على، تعطي الحمل، عبر عمر رضي الله عنه بهذه العبارة، وقيل: العدلان: إنا لله وإنا إليه راجعون، والعلاوة الثواب عليهما وغير ذلك والأولى أولى، كما لا يخفى. واعلم أن الصبر ذكر في القرآن العظيم في: خمسة وتسعين موضعًا، ومن أجمعها هذه الآية ومن آنقها {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا} [ص: 44] قرن: هاء الصابر بنون العظمة ومن أبهجها قوله: {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد: 23، 24]. (وقوله تعالى) بالجر، عطفًا على باب الصبر، أي: وباب قوله: ({واستعينوا}) على حوائجكم ({بالصبر}) أي بانتظار النجح والفرج توكلاً على الله تعالى أو بالصوم الذي هو صبر عن المفطرات، لما فيه من كسر الشهوة وتصفية النفس ({والصلاة}) بالالتجاء إليها، فإنها جامعة لأنواع العبادات النفسانية والبدنية، من الطهارة وستر العورة، وصرف المال فيهما، والتوجه إلى الكعبة، والعكوف للعبادة، وإظهار الخشوع بالجوارح، وإخلاص النية بالقلب، ومجاهدة الشيطان، ومناجاة الحق، وقراءة القرآن، والتكلم بالشهادتين، وكف النفس عن الأطيبين، حتى تجابوا إلى تحصيل المآرب ({وإنها}) أي: الاستعانة بهما، أو: الصلاة وتخصيصها بردّ الضمير إليها لعظم شأنها، واستجماعها ضروبًا من الصبر ({لكبيرة}) لثقيلة شاقة ({إلا على الخاشعين}) [البقرهّ: 45] المخبتين، والخشوع الاخبات. وأخرج أبو داود، بإسناد حسن، عن حذيفة، قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا حز به أمر صلى. ومن أسرار الصلاة أنها تعين على الصبر لما فيها من الذكر والدعاء والخضوع. 1302 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى». وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة والشين المعجمة المشددة، قال: (حدّثنا غندر) هو لقب محمد بن جعفر، قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن ثابت) البناني (قال: سمعت أنسًا) هو: ابن مالك (رضي الله عنه) يقول (عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (الصبر) الكثير الثواب، الصبر (عند الصدمة الأولى) فإن مفاجأة المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب، وتزعجه بصدمتها، فإن صبر للصدمة الأولى انكسرت حدتها، وضعفت قوتها، فهان عليه استدامة الصبر، فأما إذا طالت الأيام على المصاب، وقع السلو وصار الصبر، حينئذ طبعًا، فلا يؤجر عليه مثل ذلك، والصابر على الحقيقة من صبر نفسه، وحبسها عن شهواتها، وقهرها عن الحزن والجزع، والبكاء الذي فيه راحة النفس، وإطفاء نار الحزن، فإذا قابل فيها سورة الحزن وهجومه، بالصبر الجميل، وتحقق أنه لا خروج له عن قضائه تعالى، وأنه يرجع إليه، وعلم يقينًا أن الآجال لا تقديم فيها ولا تأخير، وأن المقادير بيده تعالى ومنه استحق حينئذ جزيل الثواب، فضلاً منه تعالى. وعدّ من الصابرين الذين وعدهم الله بالرحمة والمغفرة. وإذا جزع ولم يصبر، أثم وأتعب نفسه، ولم يرد من قضاء الله شيئًا، ولو لم يكن من فضل الصبر للعبد إلا الفوز بدرجة المعية والمحبة، إن الله مع الصابرين، إن الله يحب الصابرين، لكفى. فنسأل الله العافية والرضا. واعلم أن المصيبة كير العبد الذي يسبك فيه حاله، فإما أن يخرج ذهبًا أحمر، وإما أن يخرج خبثًا كله، كما قيل: سبكناه ونحسبه لجينًا ... فأبدى الكير عن خبث الحديد فإن لم ينفعه هذا الكير في الدنيا، فبين يديه الكير الأعظم، فإذا علم العبد أن إدخاله كير الدنيا ومسبكها خير له من ذلك الكير والمسبك، وأنه لا بد له من أحد الكيرين، فليعلم قدر نعمة الله عليه في الكير العاجل، فالعبد إذا امتحنه الله بمصيبة فصبر عند الصدمة الأولى، فليحمد الله تعالى على أن أهلّه لذلك وثبته عليه. وقد اختلف: هل المصائب مكفرات أو مثيبات؟ فذهب الشيخ عز الدّين بن عبد السلام في طائفة، إلى أنه: إنما يثاب على الصبر عليها، لأن الثواب إنما يكون على فعل العبد، والمصائب لا صنع له فيها، وقد يصيب الكافر مثل ما يصيب المسلم، وذهب آخرون إلى أنه يثاب عليها لآية، ولا ينالون من عدوّ نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح. وحديث الصحيحين: والذي نفسي بيده

44 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- «إنا بك لمحزونون» وقال ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «تدمع العين ويحزن القلب»

ما على الأرض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حط الله عنه به خطاياه، كما تحط الشجرة اليابسة ورقها. وفيهما: ما من مصيبة تصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة، إلا كفر الله عز وجل بها خطاياه. فالغم على المستقبل، والحزن على الماضي، والنصب والوصب المرض. وفيه: حلفه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تقوية لإيمان الضعيف، ومسمى مسلم وإن قل ولو مذنبًا، ومسمى أذى وإن قل، وذكر خطاياه ولم يقل: منها. طفح الكرم حتى ... غفر بمجرد ألم ولو لم يكن للمبتلى ... في الصبر قدم 44 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لابنه إبراهيم (إنّا بك لمحزونون وقال ابن عمر) بضم العين (رضي الله عنهما، عن النبى، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تدمع العين ويحزن القلب) وهذه الجملة كلها من باب إلى آخر قوله: ويحزن القلب ساقطة عند الحموي وثابتة لغيره. 1303 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا قُرَيْشٌ هُوَ ابْنُ حَيَّانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ -وَكَانَ ظِئْرًا لإِبْرَاهِيمَ-عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ. ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ -وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ- فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَذْرِفَانِ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -رضي الله عنه-: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ. ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ". رَوَاهُ مُوسَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدَّثني (الحسن بن عبد العزيز) الجروي بفتح الجيم والراء نسبة إلى جروة، بفتح الجيم وسكون الراء، قرية من قرى تنيس، قال: (حدّثنا يحيى بن حسان) التنيسي، قال: (حدّثنا قريش) بضم القاف وبالشين المعجمة (هو ابن حيان) بفتح الحاء المهملة والمثناة التحتية، العجلي، بكسر العين، البصري (عن ثابت) البناني (عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال): (دخلنا مع رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على أبي سيف القين) بفتح السين، والقين بالقاف وسكون التحتية آخره نون، صفة له، أي: الحداد، واسمه: البراء بن أوس الأنصاري (وكان ظئرًا) بكسر الظاء المعجمة وسكون الهمزة، أي: زوج المرضعة (لإبراهيم) ابن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بلبنه، والمرضعة زوجته: أم سيف، هي: أم بردة، واسمها: خولة بنت المنذر الأنصارية النجارية، (فأخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إبراهيم، فقبله، وشمه). فيه مشروعية تقبيل الولد وشمه، وليس فيه دليل على فعل ذلك بالميت، لأن هذه إنما وقعت قبل موت إبراهيم، عليه الصلاة والسلام. نعم، روى أبو داود وغيره: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قبل عثمان بن مظعون بعد موته، وصححه الترمذي وروى البخاري: أن أبا بكر، رضي الله عنه، قبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد موته، فلأصدقائه وأقاربه تقبيله. (ثم دخلنا عليه) أي على: أبي سيف (بعد ذلك، وإبراهيم بجود بنفسه) يخرجها ويدفعها، كما يدفع الإنسان ماله: يجود به (فجعلت عينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تذرفان) بالذال المعجمة وكسر الراء وبالفاء أي: يجري دمعهما (فقال له) أي: للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه وأنت) بواو العطف على محذوف تقديره: الناس لا يصبرون عند المصائب، ويتفجعون وأنت (يا رسول الله) تفعل كفعلهم مع حثك على الصبر، ونهيك عن الجزع، فأجابه عليه الصلاة والسلام (فقال): (يا ابن عوف إنها) أي: الحالة التي شاهدتها مني (رحمة) ورقة، وشفقة على الولد، تنبعث عن التأمل فيما هو عليه، وليست بجزع وقلة صبر كما توهمت، (ثم أتبعها) عليه الصلاة والسلام (بأخرى) أي: أتبع الدمعة الأولى بدمعة أخرى، أو: أتبع الكلمة الأولى الجملة، وهو قوله: إنها رحمة، بكلمة أخرى مفصلة، (فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن العين تدمع والقلب) بالنصب والرفع (يحزن) لرقته من غير سخط لقضاء الله. وفيه جواز الأخبار عن الحزن وإن كان كتمه أولى، وجواز البكاء على الميت قبل موته. نعم، يجوز بعده لأنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بكى على قبر بنت له، رواه البخاري. وزار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، رواه مسلم ولكنه قبل الموت أولى بالجواز، لأنه بعد الموت يكون أسفًا على ما فات، وبعد الموت خلاف الأولى. كذا نقله في المجموع عن الجمهور، لكنه نقل في الأذكار عن الشافعي والأصحاب، أنه مكروه لحديث: فإذا وجبت فلا تبكين باكية. قالوا وما الوجوب يا رسول الله؟ قال: الموت. رواه الشافعي وغيره بأسانيد صحيحة. قال السبكي وينبغي أن يقال: إن كان البكاء لرقة على الميت، وما يخشى عليه من عذاب الله وأهوال يوم القيامة،

45 - باب البكاء عند المريض

فلا يكره، ولا يكون خلاف الأولى، وإن كان للجزع وعدم التسليم للقضاء، فيكره أو يحرم. وهذا كله في البكاء بصوت، أما مجرد دمع العين العاري عن القول والفعل الممنوعين، فلا منع منه. كما قال عليه الصلاة والسلام: (ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) أضاف الفعل إلى الجارحة تنبيهًا على أن مثل هذا لا يدخل تحت قدرة العبد، ولا يكلف الانكفاف عنه، وكأن الجارحة امتنعت، فصارت هي الفاعلة لا هو. ولهذا قال: وإنا بفراقك لمحزونون. فعبر بصيغة المفعول لا بصيغة الفاعل، أي ليس الحزن من فعلنا، ولكنه واقع بنا من غيرنا، ولا يكلف الإنسان بفعل غيره. والفرق بين دمع العين، ونطق اللسان أن النطق يملك بخلاف الدمع، فهو للعين كالنظر ألا ترى أن العين إذا كانت مفتوحة نظرت شاء صاحبها أو أبى، فالفعل لها. ولا كذلك نطق اللسان، فإنه لصاحب اللسان. قاله ابن المنير. (رواه) أي: أصل الحديث (موسى) بن إسماعيل التبوذكي (عن سليمان بن المغيرة) بضم الميم وكسر الغين المعجمة (عن ثابت) البناني (عن أنس) هو ابن مالك (رضي الله عنه، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله البيهقي في الدلائل، وفيه: التحديث والعنعنة والقول. 45 - باب الْبُكَاءِ عِنْدَ الْمَرِيضِ (باب البكاء عند المريض) إذا ظهرت عليه علامة مخوفة، وسقط لفظ: باب، عند أبي ذر. 1304 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنهم-، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي غَاشِيَةِ أَهْلِهِ فَقَالَ: قَدْ قَضَى؟ قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَبَكَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَكَوْا. فَقَالَ: أَلاَ تَسْمَعُونَ؟ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلاَ بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا -وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ- أَوْ يَرْحَمُ. وَإِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ". وَكَانَ عُمَرُ -رضي الله عنه- يَضْرِبُ فِيهِ بِالْعَصَا، وَيَرْمِي بِالْحِجَارَةِ وَيَحْثِي بِالتُّرَابِ. وبالسند قال: (حدّثنا أصبغ) بن الفرج (عن ابن وهب) عبد الله (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو) هو: ابن الحرث المصري (عن سعيد بن الحارث الأنصاري) قاضي المدينة (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، قال): (اشتكى) أي: مرض (سعد بن عبادة) بسكون العين في الأول، وضمها في الثاني، مع تخفيف الموحدة (شكوى له) بغير تنوين (فأتاه النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، رضي الله عنهم، فلما دخل عليه) النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه (فوجده في غاشية أهله) بغين وشين معجمتين بينهما ألف الذين يغشونه للخدمة والزيارة، لكن قال في الفتح: وسقط لفظ أهله من أكثر الروايات، والذي في اليونينية سقوطها لابن عساكر فقط، فيجوز أن يكون المراد بالغاشية: الغشية من الكرب، ويقويه رواية مسلم بلفظ: في غشيته. وقال التوربشني في شرح المصابيح: المراد ما يتغشاه من كرب الوجع الذي فيه، لا الموت. لأنه برئ من هذا المرض، وعاش بعده زمانًا (فقال) عليه الصلاة والسلام: (قد قضى؟) بحذف همزة الاستفهام أي: أقد خرج من الدنيا بأن مات. (قالوا) ولأبي ذر، وابن عساكر: فقالوا (لا يا رسول الله) جواب لما مر مما استفهمه (فبكى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما رأى القوم) الحاضرون (بكاء النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بكوا فقال) عليه الصلاة والسلام: (ألا تسمعون: إن الله) بكسر الهمزة استئنافًا لأن قوله: تسمعون لا يقتضي مفعولاً، لأنه جعل كاللازم فلا يقتضي مفعولاً أي: ألا توجدون السماع؟ كذا قرره البرماوي وابن حجر، كالكرماني، وقد تعقبه العيني فقال: ما المانع أن يكون: أن، بالفتح في محل المفعول لتسمعون. وهو الملائم لمعنى الكلام؟ اهـ. لكن الذي في روايتنا بالكسر (لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا) إن قال سوءًا - (وأشار إلى لسانه- أو يرحم) بهذا إن قال خيرًا (وإن) وللكشميهني: أو يرحم الله، وإن (الميت يعذب ببكاء أهله عليه) بخلاف الحي فلا يعذب ببكاء الحي عليه، وإنما يعذب الميت ببكاء الحي إذا تضمن ما لا يجوز، وكان الميت سببًا فيه. كما مر. (وكان عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه) فيما هو موصول بالسند السابق إلى ابن عمر (يضرب فيه) في البكاء بالصفة المنهي عنها بعد الموت (بالعصا، ويرمي بالحجارة، ويحثي بالتراب) تأسيًا بأمره عليه الصلاة والسلام بذلك في نساء جعفر، كما مرّ. وفي الحديث: التحديث والأخبار والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم. 46 - باب مَا يُنْهَى عَنِ النَّوْحِ وَالْبُكَاءِ، وَالزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ (باب ما ينهى عن النوح) أي باب النهي عنه، فما مصدرية ولأبي ذر، وابن عساكر

من النوح، بمن البيانية بدل عن (والبكاء، والزجر عن ذلك) أي الردع عنه. 1305 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تَقُولُ "لَمَّا جَاءَ قَتْلُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ -وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ شَقِّ الْبَابِ- فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ -وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ- فَأَمَرَهُ بِأَنْ يَنْهَاهُنَّ، فَذَهَبَ الرَّجُلُ، ثُمَّ أَتَى فَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُهُنَّ، وَذَكَرَ أَنَّهُنَّ لَمْ يُطِعْنَهُ. فَأَمَرَهُ الثَّانِيَةَ أَنْ يَنْهَاهُنَّ، فَذَهَبَ، ثُمَّ أَتَى فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنِي -أَوْ غَلَبْنَنَا، الشَّكُّ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَوْشَبٍ- فَزَعَمَتْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ. فَقُلْتُ: أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ، فَوَاللَّهِ مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ، وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْعَنَاءِ". وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن حوشب) بفتح الحاء المهملة، وسكون الواو، وفتح الشين المعجمة، ثم موحدة، الطائفي نزيل الكوفة، قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي، قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري (قال: أخبرتني) بالإفراد (عمرة) بنت عبد الرحمن (قالت: سمعت عائشة، رضي الله عنها، تقول): (لما جاء قتل زيد بن حارثة و) قتل (جعفر) هو: ابن أبي طالب (و) قتل (عبد الله بن رواحة) في غزوة مؤتة إلى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (جلس النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في المسجد حال كونه (يعرف فيه الحزن وأنا أطلع من شق الباب-) بفتح الشين المعجمة، أي: الموضع الذي ينظر منه (فأتاه رجل) لم يعرف اسمه (فقال: يا رسول الله) ولأبي ذر، فقال: أي رسول الله (إن نساء جعفر) امرأته أسماء بنت عميس، ومن حضر عندها من النسوة. وخبر إن محذوف يدل عليه قوله (-وذكر بكاءهن-) الزائد على القدر المباح (فأمره) النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بأن ينهاهن) عما ذكره مما ينهى عنه شرعًا، وللأصيلي: أن ينهاهن، بحذف الموحدة أول أن (فذهب الرجل) إليهن (ثم أتى) النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) له: (قد نهيتهن. وذكر أنهن) ولأبي ذر، وابن عساكر: أنه (لم يطعنه) لكونه لم يصرّح لهن بأن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نهاهن (فأمره) عليه الصلاة والسلام المرة (الثانية أن ينهاهن. فذهب) الرجل إليهن (ثم أتى) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال والله لقد غلبنني -أو غلبننا) بسكون الموحدة فيهما، قال المؤلّف: (الشك من محمد بن حوشب) نسبه لجده، ولأبي ذر: من محمد بن عبد الله بن حوشب، قالت عمرة: (فزعمت) أي: قالت عائشة رضي الله عنها: (أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال:) للرجل. (فاحث) بضم المثلثة من حثا يحثو، وبالكسر من: حثى يحثي (في أفواههن التراب) وللمستملي: من التراب، قالت عائشة: (فقلت) للرجل: (أرغم الله أنفك) أي: ألصقه بالرغام وهو التراب، إهانة وذلاًّ (فوالله ما أنت بفاعل) ما أمرك به رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من النهي الموجب لانتهائهن (وما تركت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من العناء) بفتح العين والمدّ، وهو التعب. 1306 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "أَخَذَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ الْبَيْعَةِ أَنْ لاَ نَنُوحَ، فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ غَيْرَ خَمْسِ نِسْوَةٍ: أُمِّ سُلَيْمٍ، وَأُمِّ الْعَلاَءِ، وَابْنَةِ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةِ مُعَاذٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوِ ابْنَةِ أَبِي سَبْرَةَ وَامْرَأَةِ مُعَاذٍ وَامْرَأَةٍ أُخْرَى". [الحديث 1306 - طرفاه في: 4892، 7215]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) هو: الحجبي، قال: (حدّثنا حماد بن زيد) وسقط لابن عساكر لفظ: ابن زيد، قال: (حدّثنا أيوب) السختياني، ولابن عساكر: عن أيوب (عن محمد) هو: ابن سيرين (عن أم عطية) نسيبة، (رضي الله عنها قالت): (أخذ علينا النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عند البيعة) بفتح الموحدة، أي: لما بايعهن على الإسلام (أن لا ننوح) على ميت. و: أن مصدرية، وهذا موضع الترجمة. لأن النوح، لو لم يكن منهيًّا عنه لما أخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليهن في البيعة تركه. (فما وفت) بتشديد الفاء، ولم يشدّدها في اليونينية (منا امرأة) بترك النوح، أي: ممن بايع معها في الوقت الذي بايعت فيه من النسوة المسلمات، (غير خمس نسوة). وليس المراد أنه لم يترك النياحة من النساء المسلمات غير خمس، و: غير، بالرفع والنصب: (أم سليم) بضم السين وفتح اللام، خبر مبتدأ محذوف أي: إحداهن أم سليم، وبالجر بدل من: خمس نسوة، وكذا يجوز الوجهان فيما بعده مما عطف عليه. واسم أم سليم: سهلة على اختلاف فيه، وهي ابنه ملحان، ووالدة أنس رضي الله عنه. (وأم العلاء) بفتح العين والمد الأنصارية (وابنه أبي سبرة) بفتح السين المهملة، وسكون الموحدة، وهي (امرأة معاذ) أي: ابن جبل (وامرأتين) بالجر عطفًا على السابق، إن خفض، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: وامرأتان بالرفع، عطفًا عليه إن رفع. فالثلاثة بحسب المعطوف عليه رفعًا وخفضًا (أو ابنة أبي سبرة، وامرأة معاذ) شك من الراوي هل: ابنة أبي سبرة هي امرأة معاذ أو غيرها؟ قال في الفتح: والذي يظهر لي أن الرواية بواو العطف أصح، لأن امرأة معاذ هي: أم عمرو بنت خلاد بن عمرو السلمية، ذكرها ابن سعد، وعلى هذا فابنة أبي سبرة غيرها (وامرأة أخرى). ورواة الحديث كلهم

47 - باب القيام للجنازة

بصريون وأخرجه مسلم والنسائي. 47 - باب الْقِيَامِ لِلْجَنَازَةِ (باب القيام للجنازة) إذا مرت على من ليس معها. 1307 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ» قَالَ سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. زَادَ الْحُمَيْدِيُّ «حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوضَعَ». [الحديث 1307 - طرفه في: 1308]. وبالسند قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني، قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة، قال (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم، عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب (عن عامر بن ربيعة) صاحب الهجرتين (عن النبي،-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (إذا رأيتم الجنازة فقوموا) سواء كانت لمسلم أو ذمي، إعظامًا للذي يقبض الأرواح (حتى تخلفكم) بضم المثناة الفوقية وفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام المكسورة، أي: تترككم وراءها، ونسبة ذلك إليها على سبيل المجاز، لأن المراد: حاملها. (قال سفيان) بن عيينة (قال الزهري) محمد بن مسلم (أخبرني) بالإفراد (سالم، عن أبيه) عبد الله (قال: أخبرنا عامر بن ربيعة، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وذكر هذه الطريق لبيان أن الأولى: بالعنعنة، وهذه: بلفظ الإخبار، ليفيد التقوية (زاد الحميدي) أبو بكر عبد الله المكي، عن سفيان بن عيينة، مما هو موصول في مسنده، وأخرجه أبو نعيم في مستخرجه (حتى تخلفكم أو توضع) والزائد لفظ: أو توضع فقط، وفيه، أنه ينبغي لمن رأى الجنازة أن يقلق من أجلها، ويضطرب، ولا يظهر منه عدم الاحتفال. وقد اختلف في القيام للجنازة، فذهب الإمام الشافعي إلى أنه غير واجب، كما نقله البيهقي في سننه: هذا إمَّا أن يكون منسوخًا، أو يكون قام لعلة. وأيهما كان فقد ثبت أنه تركه بعد فعله، والحجة في الآخر من أمره: إن كان الأول واجبًا فالآخر من أمره ناسخ، وإن كان مستحبًا فالآخر هو المستحب. وإن كان مباحًا فلا بأس بالقيام والقعود، والقعود أحب إليّ. اهـ. وأشار بالترك إلى حديث عليّ عند مسلم، أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قام للجنازة ثم قعد. قال البيضاوي، فيما نقله عنه صاحب شرح المشكاة: يحتمل قول علي: ثم قعد، أي بعد أن جازت به، وبعدت عنه، ويحتمل أن يريد: كان يقوم في وقت، ثم ترك القيام أصلاً، وعلى هذا يحتمل أن يكون فعله الآخر قرينة في أن المراد بالأمر الوارد في ذلك: الندب، ويحتمل أن يكون نسخًا للوجوب المستفاد من ظاهر الأمر، والأوّل أرجح، لأن احتمال المجاز أولى من دعوى النسخ. اهـ. قال في الفتح والاحتمال الأول يدفعه ما رواه البيهقي في حديث علي: أنه أشار إلى قوم قاموا أن يجلسوا، ثم حدثهم بالحديث. ومن ثم قال بكراهة القيام جماعة منهم: سليم الرازي وغيره من الشافعية. اهـ. وبالكراهة صرح النووي في الروضة، لكن قال المتولي بالاستحباب. قال في المجموع: وهو المختار. فقد صحت الأحاديث بالأمر بالقيام، ولم يثبت في القعود شيء إلا حديث علي، وليس صريحًا في النسخ لاحتمال أن القعود فيه لبيان الجواز، وذكر مثله في شرح مسلم، وفي رواية للبيهقي: إن عليًّا رأى قيامًا ينتظرون الجنازة أن توضع، فأشار إليهم بدرّة معه، أو سوط: أن أجلسوا، فإن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قد جلس بعدما كان يقوم. قال الأذرعي: وفيما اختاره النووي من استحباب القيام نظر، لأن الذي فهمه علي، رضي الله عنه، الترك مطلقًا، وهو الظاهر. ولهذا أمر بالقعود من رآه قائمًا واحتج بالحديث. اهـ. وكذا ذهب إلى النسخ: عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة، والأسود، وأبو حنيفة، ومالك، وأبو يوسف، ومحمد. وفي حديث الباب رواية تابعي عن تابعي وصحابي عن صحابي في نسق وفيه، أن سفيان (1) والحميدي: مكيان، والزهري وسالم: مدنيان، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 48 - باب مَتَى يَقْعُدُ إِذَا قَامَ لِلْجَنَازَةِ هذا (باب) بالتنوين (متى يقعد إذا قام للجنازة) سقطت الترجمة والباب عند أبي ذر عن المستملي، كما أشار إليه في اليونينية، وقال في الفتح: سقطا للمستملي وثبتت الترجمة دون الباب لرفيقيه. 1308 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ جَنَازَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَاشِيًا مَعَهَا فَلْيَقُمْ حَتَّى يُخَلِّفَهَا أَوْ تُخَلِّفَهُ أَوْ تُوضَعَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُخَلِّفَهُ». وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر، رضي الله عنهما، عن عامر بن ربيعة، رضي الله عنه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا رأى أحدكم جنازة) ولابن عساكر: الجنازة، بالتعريف (فإن لم يكن ماشيًا معها فليقم حتى يخلفها أو تخلفه) شك من الراوي، أو من البخاري، أو من قتيبة حين حدثه به

49 - باب من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال، فإن قعد أمر بالقيام

أي: حتى يخلف الرجل الجنازة، أو تخلف الجنازة الرجل (أو توضع) الجنازة على الأرض من أعناق الرجال (من قبل أن تخلفه) فيه بيان للمراد من رواية سالم الماضية، وأو للتقسيم لا للشك. 1309 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فَأَخَذَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- بِيَدِ مَرْوَانَ فَجَلَسَا قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ، فَجَاءَ أَبُو سَعِيدٍ -رضي الله عنه- فَأَخَذَ بِيَدِ مَرْوَانَ فَقَالَ: قُمْ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَانَا عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ صَدَقَ". [الحديث 1309 - طرفه في: 1310]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) التميمى اليربوعي الكوفي، ونسبه لجدّه لشهرته به، واسم أبيه: عبد الله، قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن أبيه) كيسان (قال): (كنا في جنازة، فأخذ أبو هريرة، رضي الله عنه، بيد مروان) بن الحكم بن أبي العاصي الأموي (فجلسا قبل أن توضع) الجنازة في الأرض (فجاء أبو سعيد) بن مالك الخدري (رضي الله عنه، فأخذ بيد مروان، فقال) أي: أبو سعيد لمروان: (قم فوالله لقد علم هذا) أي: أبو هريرة (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نهانا عن ذلك) أي: الجلوس قبل وضع الجنازة (فقال أبو هريرة) رضي الله عنه: (صدق) أي: أبو سعيد. 49 - باب مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلاَ يَقْعُدُ حَتَّى تُوضَعَ عَنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ، فَإِنْ قَعَدَ أُمِرَ بِالْقِيَامِ (باب من تبع جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال، فإن قعد أمر بالقيام). 1310 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ -يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ- حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْجَنَازَةَ فَقُومُوا، فَمَنْ تَبِعَهَا فَلاَ يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ». وبالسند قال: (حدّثنا مسلم يعني ابن إبراهيم) بن راهويه، وسقط لأبي ذر وابن عساكر لفظ: يعني ابن إبراهيم، قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي، قال: (حدّثنا يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (إذا رأيتم الجنازة فقوموا) أمر بالقيام لمن كان قاعدًا، أما من كان راكبًا فيقف، لأن الوقوف في حقه كالقيام في حق القاعد (فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع) على الأرض. وأما من مرت به فليس عليه من القيام إلا بقدر ما تمر عليه أو توضع عنده، كأن يكون بالمصلّى مثلاً. وفي حديث أبي هريرة، عند أحمد، مرفوعًا "من صلّى على الجنازة ولم يمش معها فليقم حتى تغيب عنه، وإن مشى معها فلا يقعد حتى توضع". وحديث أبي سعيد الخدري، هذا الذي حدّث به المؤلّف عن مسلم بن إبراهيم، مقدّم في رواية أي ذر وابن عساكر على حديث سعيد المقبري الذي رواه عن أحمد بن يونس، مؤخر عند غيرهما. وعلى التأخير شرح الحافظ ابن حجر، والله الموفق. 50 - باب مَنْ قَامَ لِجَنَازَةِ يَهُودِيٍّ (باب من قام لجنازة يهودي) أو نصراني. 1311 - حدثنا مُعاذُ بنُ فَضالةَ حدثَنا هِشامٌ عن يحيى عن عُبيدِ اللهِ بنِ مقسِم عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنهما قال: "مَرَّ بنا جنازةٌ فقامَ لها النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقُمنا، فقلنا: يا رسولَ اللهِ إنّها جَنازةُ يهوديّ، قال: إذا رأيتمُ الجَنازةَ فقوموا". وبالسند قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة، الزهراني قال: (حدّثنا هشام) الدستوائى (عن يحيى) بن أبي كثير (عن عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة (ابن مقسم) بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين المهملة، مولى ابن أبي نمر القرشي (عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال): (مر) بفتح الميم في اليونينية، وقال الحافظ ابن حجر بضمها مبنيًّا للمجهول، وللكشميهني: مرت بفتحها وزيادة تاء التأنيث. (بنا جنازة، فقام لها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقمنا) بالواو ولغير أبي ذر وله: فقمنا، بالفاء. وزاد الأصيلي، وأبو ذر، وابن عساكر، وكريمة: له، والضمير فيه للقيام الدال عليه قوله فقام أي: قمنا لأجل قيامه (فقلنا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي! قال) عليه الصلاة والسلام: (إذا رأيتم الجنازة) أي سواء كانت لمسلم أو ذمي (فقوموا) زاد البيهقى من طريق أبي قلابة الرقاشي، عن معاذ بن فضالة، فيه، فقال: إن الموت فزع. وكذا لمسلم من وجة آخر عن هشام، قال البيضاوي: وهو مصدر جرى مجرى الوصف للمبالغة، أو: فيه تقدير أي: الموت ذو فزع، وفي حديث أبي هريرة عند ابن ماجة. إن للموت فزعًا. وفي حديث الباب: التحديث والعنعنة والقول، ورواته ما بين: بصري ويماني ومدني، وأخرجه مسلم في: الجنائز، وكذا أبو داود والنسائي. 1312 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ، فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ -أَىْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ- فَقَالاَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّتْ بِهِ جَنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جَنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا"؟. وبه قال (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا عمرو بن مرة) بن عبد الله المرادي الأعمى الكوفي (قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى) بفتح اللامين، واسم أبي ليلى: يسار الكوفي (قال): (كان سهل بن حنيف) بضم الحاء وفتح النون، الأوسي الأنصاري (وقيس بن سعد) بسكون العين، ابن عبادة، بضم العين، الصحابي ابن الصحابي (قاعدين) بالتثنية والنصب، خبر كان (بالقادسية) بالقاف وكسر الدال والسين المهملتين وتشديد التحتية،

51 - باب حمل الرجال الجنازة دون النساء

مدينة صغيرة ذات نخل ومياه بينها وبين الكوفة مرحلتان أو خمسة عشر فرسخًا (فمروا عليهما) أي: على سهل وقيس، وللحموي والمستملي: عليهم، أي: عليهما ومن كان حينئذٍ معهما، (بجنازة فقاما) أي: سهل وقيس (فقيل لهما إنها) أي الجنازة (من أهل الأرض -أي: من أهل الذمة-) تفسير لأهل الأرض، أي: من أهل الجزية المقرين بأرضهم، لأن المسلمين لما فتحوا البلاد أقروهم على عمل الأرض وحمل الخراج (فقالا: إن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مرت به جنازة، فقام. فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال): (أليست نفسًا) ماتت؟ فالقيام لها لأجل صعوبة الموت، وتذكرة لا لذات الميت. 1313 - وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: "كُنْتُ مَعَ قَيْسٍ وَسَهْلٍ -رضي الله عنهما- فَقَالاَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وَقَالَ زَكَرِيَّاءُ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى "كَانَ أَبُو مَسْعُودٍ وَقَيْسٌ يَقُومَانِ لِلْجِنَازَةِ". (وقال أبو حمزة) بالحاء المهملة والزاي، محمد بن ميمونة السكري، مما وصله أبو نعيم في مستخرجه (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن عمرو) بفتح العين، ابن مرة المذكور (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن المذكور (قال): (كنت مع قيس) هو: ابن سعد (وسهل) هو: ابن حنيف، ولأبي ذر، مع سهل وقيس (رضي الله عنهما، فقالا: كنا مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،) ومراد المؤلّف بهذا التعليق بيان سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى لهذا الحديث من قيس وسهل. (وقال زكرياء) بن أبي زائدة: مما وصله سعيد بن منصور، عن سفيان بن عيينة، عن زكريا (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الأنصاري (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن. (كان أبو مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري (وقيس) هو: ابن سعد المذكور (يقومان للجنازة) قال الحافظ ابن حجر: ويجمع بين ما وقع فيه من الاختلاف بأن عبد الرحمن بن أبي ليلى ذكر قيسًا وسهلاً مفردين، لكونهما رفعا له الحديث، وذكره مرة أخرى عن قيس وأبي مسعود، لكون أبي مسعود لم يرفعه. والله أعلم. 51 - باب حَمْلِ الرِّجَالِ الْجِنَازَةَ دُونَ النِّسَاءِ (باب حمل الرجال الجنازة دون) حمل (النساء) إياها لضعفهن عن مشاهدة الموتى غالبًا، فكيف بالحمل مع ما يتوقع من صراخهن عند حمله، ووضعه، وغير ذلك من وجوه المفاسد. 1314 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا وُضِعَتِ الْجِنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي. وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ يَا وَيْلَهَا، أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَىْءٍ إِلاَّ الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ». [الحديث 1314 - طرفاه في: 1316، 1380]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى القرشي العامري المدني الأعرج، قال (حدّثنا الليث) بن سعد (عن سعيد المقبري عن أبيه) كيسان (أنه سمع أبا سعيد) سعد بن مالك الأنصاري (الخدري، رضي الله عنه، أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا وضعت الجنازة) أي: الميت على النعش (واحتملها الرجال على أعناقهم) هذا موضع الترجمة لكنه استشكل لكونه إخبارًا، فكيف يكون حجة في منع النساء. وأجيب: بأن كلام الشارع مهما أمكن يحمل على التشريع لا مجرد الإخبار عن الواقع. وفي حديث أنس، عند أبي يعلى، قال: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جنازة، فرأى نسوة فقال: أتحملنه؟ قلن: لا، قال: أتدفنه؟ قلن: لا، قال: فارجعهن مأزورات غير مأجورات. ولعل المؤلّف أشار إليه بالترجمة ولم يخرجه لكونه على غير شرطه وحينئذٍ، فالحمل خاص بالرجال. وإن كان الميت امرأة لضعف النساء غالبًا، وقد ينكشف منهن شيء لو حملن، كما مر. فيكره لهن الحمل لذلك، فإن لم يوجد غيرهن تعين عليهن. (فإن كانت) أي: الجنازة (صالحة قالت) قولاً حقيقيًّا: (قدّموني) لثواب العمل الصالح الذي عملته، وللكشميهني: قدّموني، مرة ثانية (وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها) أي: يا حزني أحضر هذا أوانك، وكان القياس أن يكون: يا ويلي، لكنه أضيف إلى الغائب حملاً على المعنى، كأنه لما أبصر نفسه غير صالحة نفر عنها وجعلها كأنها غيره، أو كره أن يضيف الويل إلى نفسه، قاله في شرح المشكاة. (أين تذهبون بها) قالته لأنها تعلم لم تقدّم خيرًا، أو أنها تقدم على ما يسوءها، فتكره القدوم عليه (يسمع صوتها) المنكر بذلك الويل (كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه صعق) أي: مات. وللحموي والمستملي: لصعق. قال ابن بطال: وإنما يتكلم روح الجنازة لأن الجسد لا يتكلم بعد خروج الروح منه، إلا أن يردّها الله إليه، وهذا بناء منه على أن الكلام شرطه الحياة، وليس كذلك، إذا كان الكلام الحروف والأصوات، فيجوز أن يخلق في الميت، ويكون الكلام النفسي قائمًا بالروح، وإنما تسمع الأصوات

52 - باب السرعة بالجنازة

وهو المراد بالحديث، وهذا الحديث أخرجه النسائي. 52 - باب السُّرْعَةِ بِالْجِنَازَةِ وَقَالَ أَنَسٌ -رضي الله عنه- أَنْتُمْ مُشَيِّعُونَ. وَامْشِ بَيْنَ يَدَيْهَا وَخَلْفَهَا وَعَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ شِمَالِهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: قَرِيبًا مِنْهَا. (باب السرعة بالجنازة) بعد الحمل. (وقال أنس) رضي الله عنه، مما وصله عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، -في كتاب الجنائز له، وابن أبي شيبة بنحوه، عن حميد عن أنس أنه سئل عن المشي في الجنازة فقال: (أنتم مشيعون فامشوا) كذا للكشميهني، والأصيلي: بالجمع، ولغيرهما: وامشِ، بالواو مع الإفراد، ولأبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر: فامش، بالفاء والإفراد، والأول أنسب (بين يديها، وخلفها، وعن يمينها، وعن شمالها). قال الزين بن المنير. مطابقة هذا الأثر للترجمة أن الأثر يتضمن التوسعة على المشيعين وعدم التزامهم جهة معينة، وذلك لما علم من تفاوت أحوالهم في المشي، وقضية الإسراع بالجنازة أن لا يلزموا بمكان واحد يمشون فيه، لئلا يشق على بعضهم ممن يضعف في المشي عمن يقوى عليه، ومحصله أن السرعة لا تتفق غالبًا إلا مع عدم التزام المشي في جهة معينة فتناسبا. (وقال غيره) أي: غير أنس: امش (قريبًا منها) أي: من الجنازة، من أي جهة كان، لاحتمال أن يحتاج حاملوها إلى المعاونة، و: الغير، المذكور، قال في الفتح: أظنه عبد الرحمن بن قرط، بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة، وهو صحابي، وكان من أهل الصفة، ثم ذكر حديثًا عن رويم، عنه عند سعيد بن منصور، قال: شهد عبد الرحمن بن قرط جنازة، فرأى ناسًا تقدّموا، وآخرين استأخروا، فأمر بالجنازة فوضعت، ثم رماهم بالحجارة حتى اجتمعوا إليه، ثم أمر بها فحملت، ثم قال: امشوا بين يديها، وخلفها، وعن يسارها، وعن يمينها. وتعقبه العيني: بأن ما ذكره تخمين وحسبان، ولئن سلمنا أنه هو ذلك الغير، فلا نسلم أن هذا مناسب لما ذكره الغير، بل هو بعينه مثل ما قاله أنس، وفي إيراد المؤلّف لأثر أنس المذكور دليل على اختياره لهذا المذهب، وهو: التخيير في المشي مع الجنازة. وهو قول الثوري وغيره، وبه قال: ابن حزم، لكنه قيده بالماشي لحديث المغيرة بن شعبة المروي في السنن الأربعة، وصححه ابن حبان والحاكم مرفوعًا: الراكب خلف الجنازة، والماشي حيث شاء منها. والجمهور أن المشي وكونه أمامها أفضل للاتباع، رواه أبو داود بإسناد صحيح، ولأنه شفيع، وحق الشفيع أن يتقدم. وأما ما رواه سعيد بن منصور وغيره عن عليّ موقوفًا: المشي خلفها أفضل، فضعيف، وكونه قريبًا منها بحيث يراها إن التفت إليها أفضل منه بعيدًا بأن لا يراها لكثرة الماشين معها، ولو مشى خلفها حصل له أصل فضيلة المتابعة وفاته كمالها، ويكره ركوبه في ذهابه معها، لحديث الترمذي: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى ناسًا ركبانًا مع جنازة، فقال ألا تستحيون، إن ملائكة الله على أقدامهم وأنتم على ظهور الدواب. نعم، إن كان له عذر كمرض، أو في رجوعه فلا كراهة فيه. 1315 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ». وبالسند قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني، قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حفظناه) أي الحديث الآتي (من الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب، وللمستملي، عن الزهري بدل من والأوّل: أولى، لأنه يقتضي سماعه منه، بخلاف رواية المستملي. وقد صرّح الحميدي في مسنده بسماع سفيان له من الزهري (عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (أسرعوا بالجنازة) إسراعًا خفيفًا بين المشي المعتاد والخبب، لأن ما فوق ذلك يؤدّي إلى انقطاع الضعفاء، ومشقة الحامل، فيكره. وهذا إن لم يضره الإسراع، فإن ضرّه فالتأني أفضل، فإن خيف عليه تغير أو انفجار أو انتفاخ زيد في الإسراع (فإن تك) أي: الجنازة (صالحة) نصب خبر كان (فخير) أي: فهو خير، خبر مبتدأ محذوف (تقدمونها) زاد العيني كابن حجر: إليه أي: إلى الخير، باعتبار الثواب، أو الإكرام الحاصل له في قبره، فيسرع به ليلقاه قريبًا وفي توضيح ابن مالك: أنه روي: إليها، بالتأنيث، وقال: أنث الضمير الزائد على الخير. وهو مذكر، وكان ينبغي أن يقول: فخير تقدّمونها إليه، لكن المذكر يجوز تأنيثه إذا أوّل بمؤنث كتأويل الخير الذي تقدم إليه النفس الصالحة بالرحمة أو بالحسنى أو بالبشرى، والجار والمجرور مذكرًا ومؤنثًا ساقط من الفرع كأصله (وإن تك) الجنازة (سوى ذلك)

53 - باب قول الميت وهو على الجنازة: قدموني

أي: غير صالحة (فشر) أي: فهو شر (تضعونه عن رقابكم) فلا مصلحة لكم في مصاحبتها لأنها بعيدة من الرحمة. وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 53 - باب قَوْلِ الْمَيِّتِ وَهُوَ عَلَى الْجِنَازَةِ: قَدِّمُونِي (باب قول الميت) الصالح (وهو على الجنازة) أي النعش (قدموني). 1316 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا وُضِعَتِ الْجِنَازَةُ فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ. فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ لأَهْلِهَا: يَا وَيْلَهَا، أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَىْءٍ إِلاَّ الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَ الإِنْسَانُ لَصَعِقَ». وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي، قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (قال: حدّثنا سعيد) المقبري (عن أبيه) كيسان (أنه سمع أبا سعيد) سعد بن مالك (الخدري رضي الله عنه، قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إذا وضعت الجنازة) أي: الميت في النعش، وفي حديث أبي هريرة، عند أبي داود الطيالسي: إذا وضع الميت على سريره (فاحتملها) أي: الجنازة (الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة، قالت) حقيقة بلسان القال، بحروف وأصوات يخلقها الله تعالى فيها (قدموني) لثواب عملي الصالح الذي قدمته (وإن كانت غير صالحة) وللحموي والمستملي: وإن كانت غير ذلك (قالت لأهلها) أي: لأجل أهلها إظهارًا لوقوعها في الهلكة: (يا ويلها) لأن كل من وقع في هلكة دعا بالويل (أين يذهبون) بالتحتية في اليونينية (بها)؟ بضمير الغائب، وكان الأصل أن يقول: بي، فعدل عنه كراهية أن يضيف الويل إلى نفسه. نعم، في رواية أبي هريرة المذكورة قالت: يا ويلتاه أين تذهبون بي، فظهر أن ذلك من تصرف الراوي (يسمع صوتها) المنكر (كل شيء) من الحيوان (إلاّ الإنسان، ولو سمع الإنسان) صوتها بالويل المزعج (لصعق) لغشي عليه، أو يموت من شدة هول ذلك. وهذا في غير الصالح، لأن الصالح من شأنه اللطف والرفق في كلامه، فلا يناسب الصعق من سماع كلامه؛ نعم، يحتمل حصوله من سماع كلام الصالح لكونه غير مألوف. وقد روى هذا الحديث ابن منده في كتاب الأهوال بلفظ: لو سمعه الإنسان لصعق من المحسن والمسيء، قال في الفتح: فإن كان المراد به المفعول، دل على وجود الصعق عند سماع كلام الصالح أيضًا. وهذا الحديث تقدم قريبًا. 54 - باب مَنْ صَفَّ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً عَلَى الْجِنَازَةِ خَلْفَ الإِمَامِ (باب من صف) الناس (صفين أو ثلاثة على الجنازة خلف الإمام). 1317 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ". [الحديث 1317 - أطرافه في: 1320، 1334، 3877، 3878، 3879]. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو: أبو الحسن الأسدي البصري الثقة (عن أبي عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن قتادة) بن دعامة (عن عطاء) هو: ابن أبي رباح (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (رضي الله عنهما): (أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى على النجاشي) ملك الحبشة، وهو بتشديد الياء وبتخفيفها أفصح، وتكسر نونها، وهو أفصح قاله في القاموس (فكنت في الصف الثاني أو الثالث) لا يقال: لا يلزم من كونه في الصف الثاني أو الثالث، أن يكون ذلك منتهى الصفوف حتى يحصل التطابق بينه وبين الترجمة. لأن الأصل عدم الزيادة. وفي مسلم، عن جابر في هذا الحديث، قال: قمنا فصفنا صفين، فأو: في قوله: أو الثالث شك هل كان هناك صف ثالث أم لا. وفي حديث مالك بن هبيرة المروي في أبي داود والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه على شرط مسلم: ما من مسلم يموت فيصلّي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب، أي: غفر له. كما رواه الحاكم. كذلك فيستحب في الصلاة على الميت ثلاثة صفوف فأكثر، قال الزركشي: قال بعضهم: والثلاثة بمنزلة الصف الواحد في الأفضلية، وإنما لم يجعل الأول أفضل محافظة على مقصود الشارع من الثلاثة. 55 - باب الصُّفُوفِ عَلَى الْجِنَازَةِ (باب الصفوف على الجنازة) قال في المصابيح: هذه الترجمة على أصل الصفوف، والترجمة المتقدمة على عددها، وقال الزين بن المنير: أعاد الترجمة لأن الأولى لم يجزم فيها بالزيادة على الصفين. 1318 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "نَعَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَصْحَابِهِ النَّجَاشِيَّ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَفُّوا خَلْفَهُ، فَكَبَّرَ أَرْبَعًا". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) تصغير زرع، ويزيد من الزيادة قال: (حدّثنا معمر) هو ابن راشد (عن) ابن شهاب (الزهري، عن سعيد) هو: ابن المسيب (عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال): (نعى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إلى أصحابه النجاشي ثم تقدم) زاد ابن ماجة، من طريق عبد الأعلى، عن معمر فخرج بأصحابه إلى البقيع، والمراد بالبقيع: بقيع بطحان (فصفوا خلفه، فكبر أربعًا). فإن

قلت: ليس في هذا الحديث لفظ الجنازة إنما فيه الصلاة على غائب، أو: من في قبر، فلا مطابقة. وأجيب: بأن المراد من الجنازة: الميت سواء كان مدفونًا أو غير مدفون، وإذا شرع الاصطفاف والجنازة غائبة ففي الحاضرة أولى. 1319 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ أَتَى عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَصَفَّهُمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا. قُلْتُ: يا أبا عمروٍ مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما". وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو: ابن إبراهيم الفراهيدي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا الشيباني) بفتح الشين المعجمة، سليمان بن أبي سليمان فيروز الكوفي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (قال: أخبرني) بالإفراد (من شهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الصحابة ممن لم يسم، وجهالة الصحابي لا تضر في السند، وسبق في باب: وضوء الصبيان من كتاب الصلاة قبل كتاب الجمعة بلفظ: من مر مع النبي، وللترمذي: حدّثنا الشعبي قال: أخبرني من رأى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أتى) ولأبي الوقت أنه أتى (على قبر منبوذ) بتنوين قبر، موصوف بمنبوذ، بفتح الميم وسكون النون وضم الموحدة ثم ذال معجمة أي: منفرد عن القبور، ولأبي ذر: قبر منبوذ بغير تنوين على إضافة قبر إلى منبوذ أي: به لقيط منبوذ (فصفهم) على القبر (وكبر أربعًا). قال الشيباني: (قلت) للشعبي (يا أبا عمرو) بفتح العين (من حدثك) بهذا؟ (قال) حدثني (ابن عباس رضي الله عنهما). ووجه مطابقته للترجمة: أن صفهم يدل على صفوف لكثرة الصحابة الملازمين له، عليه الصلاة والسلام، فلا يكون ذلك لا صفًا ولا صفين. 1320 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ تُوُفِّيَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنَ الْحَبَشِ، فَهَلُمَّ فَصَلُّوا عَلَيْهِ. قَالَ: فَصَفَفْنَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِ وَنَحْنُ صُفُوفٌ". قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ "كُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي". وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) الصنعاني (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم، قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري (رضي الله عنهما، يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قد توفي اليوم رجل صالح من الحبش) بفتح الحاء المهملة والموحدة، قال في القاموس: الحبش والحبشة محركتين، والأحبش بضم الباء، جنس من السودان، ولأبي ذر، والأصيلي: من الحبش بضم المهملة وسكون الموحدة (فهلم) بفتح الميم، أي: تعالوا (فصلوا عليه). (قال: فصففنا) بفاءين (فصلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن صفوف) كذا ثبت في رواية المستملي: ونحن صفوف، وفي الفرع وأصله علامة السقوط على قوله: عليه، وعلى قوله: صفوف للأصيلي، وأبي ذر، وابن عساكر، وزاد أبو الوقت، عن الكشميهني معه، بعد قوله: ونحن. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فصففنا، وقال ابن حجر: إن زيادة المستملي: ونحن صفوف تصحح مقصود الترجمة. اهـ. وحينئذ فعلى رواية غيره لا مطابقة، فالأحسن قول الكرماني: فصففنا كما مر، والواو في قوله: ونحن صفوف، للحال. (وقال أبو الزبير) بضم الزاي وفتح الموحدة، محمد بن مسلم بن تدرس، بفتح المثناة الفوقية وسكون الدال وضم الراء آخره سين مهملة مما وصله النسائي (عن جابر) قال: (كنت في الصف الثاني) يوم صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على النجاشي. واستدلّ به على مشروعية الصلاة على الغائب، وبه قال الشافعي رحمه الله، وأحمد، وجمهور السلف. حتى قال ابن حزم: لم يأت عن أحد من الصحابة منعه. قال الشافعي، مما قرأته في سنن البيهقي: إنما الصلاة دعاء للميت، وهو إذا كان ملففًا ميتًا يصلّى عليه، فكيف لا ندعو له غائبًا أو في القبر بذلك الوجه الذي يدعى له به وهو ملفف؟ وأجاب القائلون بالمنع، وهم الحنفية والمالكية، عن قصة النجاشي: بأنه كان بأرض لم يصل عليه بها أحد، فتعينت عليه الصلاة لذلك، أو أنه خاص بالنجاشي لإرادة إشاعة أنه مات مسلمًا، أو استئلاف قلوب الملوك الذين أسلموا في حياته، فليس ذلك لغيره. أو أنه كشف له، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عنه حتى رآه ولم بره المأمومون، ولا خلاف في جوازها وتعقبه ابن دقيق العيد بأنه يحتاج إلى نقل، ولا يثبت بالاحتمال. اهـ. وقال ابن العربي: قال المالكية: ليس ذلك إلا لمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلنا: وما عمل به-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، تعمل به أمته، يعني: لأن الأصل عدم الخصوصية. قالوا: طويت له الأرض، وأحضرت الجنازة بين يديه، قلنا: إن ربنا لقادر، وإن نبينا لأهل لذلك. ولكن لا تقولوا إلا ما رأيتم، ولا تخترعوا من عند أنفسكم، ولا تحدثوا إلا بالثابتات.

56 - باب صفوف الصبيان مع الرجال على الجنائز

ودعوا الضعاف فإنها سبيل تلاف إلى ما ليس له تلاف. اهـ. وفي أسباب النزول للواحدي بغير إسناد عن ابن عباس، قال: كشف للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن سرير النجاشي حتى رآه وصلّى عليه. ولابن حبان من حديث عمران بن حصين، فقام وصفوا خلفه وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه. وقول المهلب: إنه لم يثبت أنه صلّى على ميت غائب غير النجاشي معارض بقصة معاوية بن معاوية المزني المروية من حديث أنس وأبي أمامة، ومن طريق سعيد بن المسيب، والحسن البصري، مرسلة. فأخرج الطبراني، ومحمد بن الضريس في فضائل القرآن، وسمويه في فوائده، وابن منده والبيهقي في الدلائل، كلهم من طريق محبوب بن هلال، عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس بن مالك، قال: نزل جبريل على النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا محمد! مات معاوية بن معاوية المزني أتحب أن تصلي عليه؟ قال: نعم، قال: فضرب بجناحيه، فلم تبق أكمة ولا شجرة إلاّ تضعضعت، فرفع سريره حتى نظر إليه، فصلّى عليه وخلفه صفان من الملائكة، كل صف سبعون ألف ملك فقال: يا جبريل بم نال هذه المنزلة؟ قال: بحب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]. وقراءته إياها: جائيًا وذاهبًا وقائمًا وقاعدًا وعلى كل حال. ومحبوب قال أبو حاتم: ليس بالمشهور، وذكره ابن حبان في الثقات، وأول حديث ابن الضريس: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالشام ... ، وأخرجه ابن سنجر في مسنده، وابن الأعرابي، وابن عبد البر، وهو في فوائد حاجب الطوسي كلهم من طريق يزيد بن هارون، أخبرنا العلاء أبو محمد الثقفي، سمعت أنس بن مالك يقول: غزونا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزوة تبوك، فطلعت الشمس يومًا بنور وشعاع وضياء لم نره قبل ذلك، فعجب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من شأنها، إذ أتاه جبريل فقال: مات معاوية بن معاوية. وذكر نحوه. والعلاء أبو محمد هو: ابن زيد الثقفي واه، وأخرج نحوه ابن منده من حديث أبي أمامة، وأخرجه أبو أحمد والحاكم في فوائده، والطبراني في مسند الشاميين، والخلال في فضائل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وأما طريق سعيد بن المسيب ففي فضائل القرآن لابن الضريس، وأما طريق الحسن البصري فأخرجها البغوي، وابن منده، فهذا الخبر قوي بالنظر إلى مجموع طرقه، وقد يحتج به من يجيز الصلاة على الغائب، لكن يدفعه ما ورد أنه رفعت الحجب حتى شاهد جنازته. وحديث الباب فيه التحديث والإخبار والسماع والقول، وشيخ المؤلّف: رازي، وابن جريج وعطاء: مكيان، وأخرجه أيضًا في: هجرة الحبشة، ومسلم في: الجنائز، والنسائي في: الصلاة. 56 - باب صُفُوفِ الصِّبْيَانِ مَعَ الرِّجَالِ عَلَى الْجَنَائِزِ (باب صفوف الصبيان مع الرجال) عند إرادة الصلاة (على الجنائز) وللحموي، والأصيلي، والمستملي: في الجنائز. 1321 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَامِرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِقَبْرٍ قَدْ دُفِنَ لَيْلاً فَقَالَ: مَتَى دُفِنَ هَذَا؟ قَالُوا الْبَارِحَةَ. قَالَ: أَفَلاَ آذَنْتُمُونِي؟ قَالُوا: دَفَنَّاهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ فَكَرِهْنَا أَنْ نُوقِظَكَ. فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَنَا فِيهِمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ". وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي، قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي البصري، قال: (حدّثنا الشيباني) سليمان (عن عامر) الشعبي (عن ابن عباس، رضي الله عنهما): (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مر بقبر دفن) زاد غير أبي الوقت، والأصيلي، وابن عساكر: قد دفن، بضم الدال وكسر الفاء (ليلاً) نصب على الظرفية أي: دفن صاحبه فيه ليلاً، فهو ومن قبيل ذكر المحل وإرادة الحال (فقال: متى دفن هذا) الميت؟ (قالوا) ولأبوي ذر، والوقت: فقالوا بالفاء قبل القاف دفن (البارحة. قال: أفلا آذنتموني)؟ بمد الهمزة أي: أعلمتموني؟ (قالوا: دفناه في ظلمة الليل، فكرهنا أن نوقظك. فقام فصففنا) بفاءين (خلفه. قال ابن عباس: وأنا فيهم، فصلّى عليه) أي: على قبره. وكان ابن عباس في زمنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، دون البلوغ، لأنه شهد حجة الوداع، وقد قارب الاحتلام، وفيه جواز الدفن في الليل، وقد روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل قبرًا ليلاً فأسرج له بسراج، فأخذ من القبلة. وقال: رحمك الله إن كنت لأوّاهًا تلاّء للقرآن. وكبر عليه أربعًا. وقد رخص أكثر أهل العلم في الدفن بالليل، ودفن كل من الخلفاء الأربعة ليلاً، بل روى أحمد: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دفن ليلة الأربعاء وما روي من النهي عنه فمحمول على أنه كان أولاً ثم رخص فيه بعد. 57 - باب سُنَّةِ الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَنْ صَلَّى عَلَى الْجَنَازَةِ». وَقَالَ «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ». وَقَالَ: «صَلُّوا عَلَى النَّجَاشِيِّ». سَمَّاهَا صَلاَةً لَيْسَ فِيهَا رُكُوعٌ وَلاَ سُجُودٌ، وَلاَ يُتَكَلَّمُ فِيهَا، وَفِيهَا تَكْبِيرٌ وَتَسْلِيمٌ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يُصَلِّي إِلاَّ طَاهِرًا. وَلاَ يُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبِهَا، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَأَحَقُّهُمْ عَلَى جَنَائِزِهِمْ مَنْ رَضُوهُمْ لِفَرَائِضِهِمْ. وَإِذَا أَحْدَثَ يَوْمَ الْعِيدِ أَوْ عِنْدَ الْجَنَازَةِ يَطْلُبُ الْمَاءَ وَلاَ يَتَيَمَّمُ، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى الْجَنَازَةِ وَهُمْ يُصَلُّونَ يَدْخُلُ مَعَهُمْ بِتَكْبِيرَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: يُكَبِّرُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالسَّفَرِ وَالْحَضَرِ أَرْبَعًا. وقَالَ أَنَسٌ -رضي الله عنه-: تَّكْبِيرَةُ الْوَاحِدَةُ اسْتِفْتَاحُ الصَّلاَةِ. وَقَالَ: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}. وَفِيهِ صُفُوفٌ وَإِمَامٌ. (باب سنة الصلاة على الجنائز) ولأبي ذر على الجنازة، بالإفراد والمراد بالسنة هنا أعم ن الواجب والمندوب.

(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث وصله بعد باب (من صلّى على الجنازة) وهذا لفظ مسلم من وجه عن أبي هريرة، وجواب الشرط محذوف أي: فله قيراط، ولم يذكره لأن القصد الصلاة على الجنازة. (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث سلمة بن الأكوع الآتي إن شاء الله تعالى في أوائل الحوالة (صلوا على صاحبكم) أي الميت الذي كان عليه دين لا يفي بماله. (وقال) عليه الصلاة والسلام، مما سبق موصولاً: (صلوا على النجاشي) لكن لفظه في باب الصفوف على الجنازة: فصلوا عليه (سماها) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي: الهيئة الخاصة التي يدعى فيها للميت (صلاة) والحال أنه (ليس فيها ركوع ولا سجود) فهي تفارق الصلاة المعهودة، وإنما لم يكن فيها ركوع، ولا سجود لئلا يتوهم بعض الجهلة أنها عبادة للميت فيضل بذلك. (ولا يتكلم فيها) أي: في صلاة الجنازة، كالصلاة المعهودة (وفيها تكبير) للإحرام مع النية كغيرها، ثم ثلاث تكبيرات أيضًا (و) فيها (تسليم) عن اليمين والشمال بعد التكبيرات، كغيرها. وقال المالكية: تسليمة واحدة خفيفة كسائر الصلوات وفي الرسالة: تسليمة واحدة خفيفة، ويروى: خفية للإمام والمأموم، يسمع الإمام نفسه ومن يليه، ويسمع المأموم نفسه فقط. (وكان ابن عمر) بن الخطاب، مما وصله مالك في موطئه يقول: (لا يصلّي) الرجل على الجنازة (إلاّ طاهرًا) من الحدث الأكبر والأصغر، وفي مسلم، حديث: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور"، ومن النجس المتصل به غير المعفو عنه، ولعل مراد المؤلّف بسياق ذلك الرد على الشعبي حيث أجاز الصلاة على الجنازة بغير طهارة، لأنها دعاء ليس فيها ركوع ولا سجود، لكن الفقهاء من السلف والخلف مجمعون على خلافه، وقال أبو حنيفة: يجوز التيمم للجنازة مع وجود الماء إذا خاف فواتها بالوضوء، وكان الولي غيره (و) كان ابن عمر أيضًا، مما وصله سعيد بن منصور، (لا يصلّي) على الجنازة، ولغير أبي ذر: ولا تصلّى، بالمثناة فوق وفتح اللام أي: وكان يقول: لا تصلّى صلاة الجنازة (عند طلوع الشمس ولا) عند (غروبها) وإلى هذا القول ذهب: مالك، والكوفيون، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق. ومذهب الشافعية عدم الكراهة. "و" كان ابن عمر أيضًا، مما وصله المؤلّف في كتاب: رفع اليدين (يرفع يديه) حذو منكبيه استحبابًا في كل تكبيرة من تكبيرات الجنازة الأربع، ورواه الطبراني في الأوسط من وجه آخر عنه بإسناد ضعيف. وقال الحنفية والمالكية: لا يرفع إلاّ عند تكبيرة الإحرام لحديث الترمذي، عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا صلّى على جنازة يرفع يديه في أول تكبيرة". زاد الدارقطني: ثم لا يعود. وعن مالك: أنه كان يعجبه ذلك في كل تكبيرة، وروي عن ابن القاسم أنه لا يرفع في شيء منها، وفي سماع أشهب: إن شاء رفع بعد الأولى وإن شاء ترك. (وقال الحسن) البصري مما قال في الفتح لم أره موصولاً: (أدركت الناس) من الصحابة والتابعين (وأحقهم) بالرفع مبتدأ خبره الموصول بعد الصلاة (على جنائزهم) ولأبي ذر: وأحقهم بالصلاة على جنائزهم (من رضوهم لفرائضهم)، موصول وصلته، وللكشميهني: من رضوه بالإفراد فيه إشارة إلى أنهم كانوا يلحقون صلاة الجنازة بغيرها من الصلوات، ولذا كان أحق بالصلاة على الجنائز من كان يصلّي بهم الفرائض. وعند عبد الرزاق عن الحسن، إن أحق الناس بالصلاة على الجنازة الأب ثم الابن. وقد اختلف في ذلك. ومذهب الشافعية أن أولى الناس بالصلاة على الميت الأب ثم أبوه، وإن علا ثم الابن وابنه وإن سفل. وخالف ذلك ترتيب الإرث لأن معظم الغرض الدعاء للميت، فقدم الأشفق لأن دعاءه أقرب إلى الإجابة، ثم العصبات النسبية على ترتيب الإرث في غير ابني عم أحدهما أخ لأم فيقدم الأخ الشقيق، ثم الأخ للأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ للأب. وهكذا. وتقدم مراهق مميز أجنبي على امرأة قريبة. ولو اجتمع أبناء عم أحدهما أخ من أم قدم لترجحه بالأخوة للأم والأم وإن لم يكن لها دخل في إمامة الرجال، لها مدخل في الصلاة في الجملة، لأنها تصلّى مأمومة ومنفردة وإمامة للنساء عند

فقد الرجال، فقدم بها كما يقدم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب، ثم بعد العصبات النسبية بالمولى، فيقدم المعتق، ثم عصيانه، ثم السلطان، ثم ذوو الأرحام الأقرب فالأقرب، فُيقدم أبو الأم، ثم الأخ للأم ثم الخال، ثم العم للأم، والأخ من الأم، هنا من ذوي الأرحام بخلافه في الإرث. ولا حق للزوج في الصلاة مع غير الأجانب. وكذا المرأة مع الذكر، فالزوج مقدم على الأجانب ولو استوى اثنان في درجة كابنين أو أخوين، وكل منهما أهل للإمامة قدم الأسن في الإسلام، غير الفاسق والرقيق والمبتدع على الأفقه، عكس بقية الصلاة لغرض الدعاء هنا. والأسن أقرب إلى الإجابة وسائر الصلوات محتاجة إلى الفقه، ويقدم الحر العدل على الرقيق، ولو أقرب وأفقه وأسن، لأنه أولى بالإمامة لأنها ولاية كالعم الحر، فإنه مقدم على الأب الرقيق مطلقًا. وكذا يقدم الحر العدل على الرقيق الفقيه، ويقدم الرقيق القريب على الحر الأجنبي، والرقيق البالغ على الحر الصبي، لأنه مكلف فهو أحرص على تكميل الصلاة، ولأن الصلاة خلفه مجمع على جوازها بخلافها خلف الصبي، فإن استووا وتشاحوا أقرع بينهم قطعًا للنزاع، وإن تراضوا بواحد معين قدم أو بواحد منهم غير معين أقرع. والحاصل أنه يقدم فيها القريب والمولى على الوالي كإمام المسجد بخلاف بقية الصلوات لأنها من قضاء حق الميت، كالدفن والتكفين، لأن معظم الغرض منها الدعاء كما تقدم، والقريب والمولى أشفق، وأنهما يقدمان فيها على الموصى له بها لأنها حقهما، ولا تنفذ الوصية فيه بإسقاطها كالإرث ونحوه. وما ورد من أن أبا بكر رضي الله عنه أوصى أن يصلّي عليه عمر، وأن عمر أوصى أن يصلّي عليه صهيب فصلّى، وأن عائشة أوصت أن يصلّي عليها أبو هريرة فصلّى، فمحمول على أن أولياءهم أجازوا الوصية. وقال المالكية الأولى تقديم من أوصى الميت بالصلاة عليه، لأن ذلك من حق الميت إذ هو أعلم بمن يشفع له، إلاّ أن يعلم أن ذلك من الميت كان لعداوة بينه وبين الولي، وإنما أراد بذلك إنكاره فلا تجوز وصيته، فإن لم يكن وصى فالخليفة مقدم على الأولياء، لا نائبه لأنه لا يقدم على الأولياء، إلا أن يكون صاحب الخطبة فيقدم على المشهور، وهو قول ابن القاسم انتهى. (وإذا أحدث يوم العيد أو عند الجنازة يطلب الماء) ويتوضأ (ولا يتمم) وهذا يحتمل أن يكون عطفًا على الترجمة، أو من بقية كلام الحسن، ويقوي الثاني ما روي عنه عند ابن أبي شيبة أنه سئل عن الرجل يكون في الجنازة على غير وضوء، فإن ذهب يتوضأ تفوته، قال: لا يتيمم ولا يصلّي إلا على طهر (و) قال الحسن أيضًا، مما وصله ابن أبي شيبة: (إذا انتهى) الرجل (إلى الجنازة، وهم) أي: والحال أن الجماعة (يصلون، يدخل معهم بتكبيرة) ثم يأتي بعد سلام الإمام بما فاته، ويسن أن لا ترفع الجنازة حتى يتم المسبوق ما عليه، فلو رفعت لم يضر، وتبطل بتخلفه عن إمامه بتكبيرة بلا عذر بأن لم يكبر حتى كبر الإمام المستقبلة، إذ الاقتداء هنا إنما يظهر في التكبيرات، وهو تخلف فاحش يشبه التخلف بركعة. وفي الشرح الصغير احتمال أنه كالتخلف بركن حتى لا تبطل إلا بتخلفه بركنين، وخرج بالتقييد بلا عذر، من عذر ببطء القراءة أو النسيان. أو عدم سماع التكبير، فلا يبطل تخلفه بتكبيرة فقط، بل بتكبيرتين على ما اقتضاه كلامهم. (وقال ابن المسيب) سعيد مما قال الحافظ ابن حجر إنه لم يره موصولاً، وإنما وجد معناه بإسناد قوي عن عقبة بن عامر الصحابي، فيما أخرجه ابن أبي شيبة موقوفًا عليه: (يكبر) الرجل فى صلاة الجنازة سواء كانت (بالليل والنهار، والسفر والحضر، أربعًا) أي: أربع تكبيرات. (وقال أنس) هو: ابن مالك (رضي الله عنه) مما وصله سعيد بن منصور: (تكبيرة الواحدة) وللأربعة: التكبيرة الواحدة (استفتاح الصلاة وقال) الله عز وجل، مما هو عطف على الترجمة ({وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا}) [التوبة: 84]. فسماها صلاة، وسقط قوله: {مات أبدًا} عند أبي ذر، وابن عساكر. (وفيه) أي: في المذكور من صلاة الجنازة (صفوف وإمام) وهو يدل على الإطلاق أيضًا. والحاصل أن كل ما ذكره يشهد لصحة الإطلاق المذكور، لكن اعترضه ابن رشيد بأنه إن تمسك بالعرف الشرعي عارضه عدم الركوع

58 - باب فضل اتباع الجنائز. وقال زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: إذا صليت فقد قضيت الذي عليك. وقال حميد بن هلال: ما علمنا على الجنازة إذنا، ولكن من صلى ثم رجع فله

والسجود وإن تمسك بالحقيقة اللغوية عارضته الشرائط المذكورة، ولم يستو التبادر في الإطلاق، فيدعي الاشتراك لتوقف الإطلاق على القيد عند إرادة الجنازة، بخلاف ذات الركوع والسجود فتعين الحمل على المجاز. انتهى. وأجيب بأن المؤلّف لم يستدل على مطلوبه بمجرد تسميتها صلاة، بل بذلك، وبما انضم إليه من وجود جميع الشرائط إلا الركوع، والسجود. وقد سبق ذكر حكمة حذفهما منها، فبقي ما عداهما على الأصل. 1322 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: "أَخْبَرَنِي مَنْ مَرَّ مَعَ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَأَمَّنَا فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ. فَقُلْنَا: يَا أَبَا عَمْرٍو مَنْ حَدَّثَكَ؟ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما". وبالسند قال: (حدثنا سليمان بن حرب) الواشحي البصري قاضي مكة (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الشيباني) سليمان الكوفي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (قال): (أخبرني) بالإفراد (من مر مع نبيكم، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من أصحابه، رضي الله عنهم، ممن لم يتسم (على قبر منبوذ) بالذال المعجمة، وتنوين قبر، و: منبوذ، صفة له. أي: قبر منفرد عن القبور، ولأبي ذر: قبر منبوذ بإضافة قبر لتاليه، أي: دفن فيه لقيط (فأمنا فصففنا) بفاءين (خلفه) وهذا موضع الترجمة. لأن الإمامة وتسوية الصفوف من سنة صلاة الجنازة. قال الشيباني (فقلنا) للشعبي: (يا أبا عمرو) بفتح العين (من) ولأبي ذر: ومن (حدثك) بهذا؟ (قال) حدثني: (ابن عباس رضي الله عنهما). فيه رد على من جوّز صلاة الجنازة بغير طهارة معللاً بأنها إنما هي دعاء للميت واستغفار، لأنه لو كان المراد الدعاء وحده لما أخرجهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى البقيع، ولدعا في المسجد، وأمرهم بالدعاء معه أو التأمين على دعائه، ولما صفهم خلفه كما يصنع في الصلاة المفروضة والمسنونة، وكذا وقوفه في الصلاة، وتكبيره في افتتاحها، وتسليمه في التحلل منها، كل ذلك دال على أنها على الأبدان لا على اللسان وحده، قاله ابن رشيد، نقلاً عن ابن المرابط، كما أفاده في فتح الباري. 58 - باب فَضْلِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ -رضي الله عنه-: إِذَا صَلَّيْتَ فَقَدْ قَضَيْتَ الَّذِي عَلَيْكَ. وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ: مَا عَلِمْنَا عَلَى الْجَنَازَةِ إِذْنًا، وَلَكِنْ مَنْ صَلَّى ثُمَّ رَجَعَ فَلَهُ قِيرَاطٌ (باب فضل اتباع الجنائز) أي: مع الصلاة عليها، لأن الاتباع وسيلة للصلاة كالدفن، فإذا تجردت الوسيلة عن المقصد لم يحصل المرتب على المقصود، نعم يرجى لفاعل ذلك حصول فضل ما بحسب نيته. (وقال زيد بن ثابت) الأنصاري، كاتب الوحي المتوفى سنة خمس وأربعين بالمدينة (رضي الله عنه) مما وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة: (إذا صليت) على الجنازة (فقد قضيت الذي عليك) من حق الميت من الاتباع، فإن زدت الاتباع إلى الدفن زيد لك في الأجر، ومن لازم الصلاة اتباع الجنازة غالبًا، فحصلت المطابقة. (وقال حميد بن هلال) بضم الحاء المهملة، البصري التابعي، مما قال الحافظ ابن حجر: إنه لم يره موصولاً عنه: (ما علمنا على الجنازة إذنًا) يلتمس من أوليائها للانصراف بعد الصلاة (ولكن من صلّى ثم رجع فله قيراط). فلا يفتقر إلى الإذن، وهذا مذهب الشافعي والجمهور، وقال قوم: لا ينصرف إلا بإذن، وروي عن عمر، وابنه، وأبي هريرة، وابن مسعود، والمسور بن مخرمة، والنخعي، وحكي عن مالك. 1323 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يَقُولُ: حُدِّثَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهم- يَقُولُ: مَنْ تَبِعَ جَنَازَةً فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَقَالَك أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَيْنَا. وبالسند قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي، قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بفتح الجيم في الأول، وبالحاء المهملة. والزاي في الثاني (قال: سمعت نافعًا) مولى ابن عمر (يقول: حدث ابن عمر) بن الخطاب، بضم الحاء المهملة، وكسر الدال (أن أبا هريرة رضي الله عنهم، يقول:) ووقع في مسلم تسمية من حدث ابن عمر بذلك، عن أبي هريرة، ولفظه: من طريق داود بن عامر بن سعد، عن أبيه، أنه كان قاعدًا عند عبد الله بن عمر، إذ طلع خباب، صاحب المقصورة، فقال: يا عبد الله بن عمر، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة ... فذكره. موقوفًا. لم يذكر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كما هنا، وهو كذلك في جميع الطرق، لكن رواه أبو عوانة في صحيحه. فقال: قيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: (من تبع جنازة) وصلّى عليها (فله قيراط) من الأجر المتعلق بالميت، من: تجهيزه، وغسله، ودفنه، والتعزية به، وحمل الطعام، إلى أهله، وجميع ما يتعلق به، وليس المراد جنس الأجر. لأنه يدخل فيه ثواب الإيمان والأعمال: كالصلاة، والحج، وغيره. وليس في صلاة الجنازة ما يبلغ ذلك، وحينئذ فلم يبق إلا أن يرجع إلى المعهود، وهو الأجر العائد على الميت. قاله أبو الوفاء بن عقيل. ويؤيده

59 - باب من انتظر حتى تدفن

حديث أبي هريرة: من أتى جنازة في أهلها فله قيراط، فإن تبعها فله قيراط، فإن صلّى عليها، فله قيراط، فإن انتظرها حتى تدفن فله قيراط. رواه البزار بسند ضعيف. قال في الفتح: فهذا يدل على أن لكل عمل من أعمال الجنازة قيراطًا، وإن اختلفت مقادير القراريط، ولا سيما بالنسبة إلى مشقة ذلك العمل وسهولته، ومقدار القيراط، ومبحثه، يأتي إن شاء الله تعالى في الباب التالي. (فقال) ابن عمر، رضي الله عنهما: (أكثر أبو هريرة علينا). لم يتهمه ابن عمر بأنه روى ما لم يسمع بل جوز عليه السهو والاشتباه لكثرة رواياته، أو قال ذلك لأنه لم يرفعه، فظن ابن عمر أنه قاله برأيه اجتهادًا، فأرسل ابن عمر إلى عائشة يسألها عن ذلك. 1324 - فَصَدَّقَتْ -يَعْنِي عَائِشَةَ- أَبَا هُرَيْرَةَ وَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُهُ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: لَقَدْ فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ" فَرَّطْتُ: ضَيَّعْتُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ. (فصدقت -يعني عائشة- أبا هريرة) وللمستملي، وأبي الوقت: بقول أبي هريرة (وقالت: سمعت رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقوله) الضمير المستتر للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والبارز للحديث أي: يقول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك. (فقال ابن عمر رضي الله عنهما لقد فرطنا في قراريط كثيرة) أي: في عدم المواظبة على حضور الدفن، كما وقع مبينًا في حديث مسلم، ولفظه: كان ابن عمر يصلّي على الجنازة ثم ينصرف، فلما بلغه حديث أبي هريرة، قال: فذكره، قال المؤلّف مفسرًا لقوله: لقد فرطنا (فرطت: ضيعت من أمر الله). وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا ومسلم والنسائي وابن ماجة وأبو داود. 59 - باب مَنِ انْتَظَرَ حَتَّى تُدْفَنَ (باب من انتظر) الجنازة (حتى تدفن) واختار لفظ: انتظر، دون لفظ: شهد، لوروده في بعض طرق الحديث، كما في رواية معمر عند البزار من طريق ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة بلفظ: فإن انتظرها حتى تدفن فله قيراط. 1325 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (قال: قرأت على ابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن (عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه) أبي سعيد كيسان (أنه سأل أبا هريرة رضي الله عنه، فقال): ولأبي ذر: قال: (سمعت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ووقع هنا في نسخة مسموعة من طريق الخلال وغيره قال أي: المؤلّف: ح. وحدثني بالإفراد عبد الله بن محمد المسندي، قال: حدّثنا هشام، هو: ابن يوسف الصنعاني قال: حدّثنا معمر، بسكون العين، ابن راشد عن ابن شهاب الزهري، عن ابن المسيب: سعيد، عن أبي هريرة، رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 1325 م - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَها حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ. قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ». قال المؤلّف (وحدّثنا) بالواو، وسقطت لغير أبي ذر (أحمد بن شبيب بن سعيد) بفتح الشين المعجمة وكسر الموحدة الأولى البصري الحبطي، بالحاء المهملة والموحدة المفتوحتين (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) شبيب بن سعيد. قال: (حدّثنا يونس) بن يزيد الأيلي (قال: ابن شهاب) الزهري، حدّثني فلان به (و) عطف على محذوف (حدّثنى) بالإفراد (عبد الرحمن الأعرج) أيضًا (أن أبا هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من شهد الجنازة) في رواية مسلم، من حديث خباب: من خرج مع جنازة من بيتها، ولأحمد من حديث أبي سعيد فمشى معها من أهلها (حتى يصلّي) بكسر اللام وفي رواية الأكثر: بفتحها، وهي محمولة عليها. فإن حصول القيراط متوقف على وجود الصلاة من الذي يشهد، زاد ابن عساكر في نسخة: عليها أي على الجنازة، وللكشميهني: عليه، أي: على الميت (فله قيراط) فلو تعددت الجنائز، واتحدت الصلاة عليها دفعة واحدة، هل تتعدد القراريط بتعددها أو لا تتعدد نظرًا لاتحاد الصلاة؟. قال الأذرعي: الظاهر التعدد، وبه أجاب قاضي حماه البارزي، ومقتضى التقييد بقوله في رواية أحمد وغيرها: فمشى معها من أهلها، أن القيراط يختص بمن حضر من أول الأمر إلى انقضاء الصلاة، لكن ظاهر حديث البزار السابق حصوله أيضًا لمن صلّى فقط، لكن يكون قيراطه دون قيراط من شيع مثلاً وصلّى، ويؤيد ذلك رواية مسلم عن أبي هريرة حيث قال: أصغرهما مثل أحد، ففيه دلالة على أن القراريط تتفاوت. وفي مسلم أيضًا: من صلّى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط، فظاهره حصول القيراط وإن لم يقع اتباع. لكن يمكن حمل الاتباع هنا ما بعد الصلاة، لا سيما وحديث البزار ضعيف. (ومن شهدها حتى تدفن) أي: يفرغ من دفنها، بأن يهال عليها التراب، وعلى ذلك تحمل رواية مسلم: حتى توضع في اللحد (كان له قيراطان)

60 - باب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز

من الأجر المذكور، وهل ذلك بقيراط الصلاة أو بدونه؟ فيكون: ثلاثة قراريط، فيه احتمال. لكن سبق في كتاب الإيمان التصريح بالأول، وحينئذ فتكون رواية الباب معناها: كان له قيراطان، أي بالأول ويشهد للثاني ما رواه الطبراني مرفوعًا: "من تبع جنازة حتى يقضى دفنها كتب له ثلاثة قراريط". وهل يحصل قيراط الدفن وإن لم يقع اتباع فيه بحث، لكن مقتضى قوله في كتاب الإيمان: وكان معها حتى يصلّى عليها، ويفرغ من دفنها، أن القيراطين إنما يحصلان بمجموع الصلاة والاتباع في جميع الطريق وحضور الدفن، فإن صلّى مثلاً وذهب إلى القبر وحده فحضر الدفن لم يحصل له إلا قيراط واحد، صرح به النووي في المجموع وغيره، لكن له أجر في الجملة. قال في فتح الباري: وما قاله النووي ليس في الحديث ما يقتضيه إلا بطريق المفهوم، فإن ورد منطوق بحصول القيراط بشهود الدفن وحده، كان مقدامًا. ويجمع حينئذ بتفاوت القيراط. والذين أبوا ذلك جعلوه من باب المطلق والمقيد، لكن مقتضى جميع الأحاديث أن من اقتصر على التشييع، ولم يصل، ولم يشهد الدفن، فلا قيراط له إلا على طريقة ابن عقيل السابقة. والقيراط بكسر القاف، قال الجوهري: نصف دانق، والدانق: سدس درهم فعلى هذا يكون القيراط جزء من اثني عشر جزءًا من الدرهم وقال أبو الوفاء بن عقيل: نصف سدس درهم، أو نصف عشر دينار. وقال ابن الأثير: هو نصف عشر الدينار في أكثر البلاد، وفي الشأم جزء من أربعة وعشرين جزءًا، وقال القاضي أبو بكر بن العربي. الذرّة جزء من ألف وأربعة وعشرين جزءًا من حبة، والحبة: ثلث القيراط، والذرة تخرج من النار، فكيف بالقيراط. وقد قرّب النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، القيراط للفهم بقوله، لما (قيل) له، وعند أبي عوانة: قال أبو هريرة: قلت يا رسول الله! (وما القيراطان؟ قال): (مثل الجبلين العظيمين) وأخص من ذلك تمثيله القيراط بأحدكما في مسلم. وهذا تمثيل واستعارة. قال الطيبي: قوله: مثل أحد تفسير للمقصود من الكلام، لا للفظ القيراط، والمراد منه أنه يرجع بنصيب كبير من الأجر، وقال الزين بن المنير: أراد تعظيم الثواب، فمثله للعيان بأعظم الجبال خلقًا، وأكثرها إلى النفوس المؤمنة حبًّا، لأنه الذي قال في حقه: "أحد جبل يحبنا ونحبه". ويجوز أن يكون على حقيقته، بأن يجعل الله تعالى عمله يوم القيامة جسمًا قدر أحد ويوزن. وفي حديث واثلة، عند ابن عدي: كتب له قيراطان أخفهما في ميزانه يوم القيامة، أثقل من جبل أُحد. فأفادت هذه الرواية بيان وجه التمثيل بجبل أحد، وأن المراد به زنة الثواب الرتب على ذلك العمل. ورواة حديث الباب ما بين: مدني وبصري وأيلي، وفيه: التحديث، والقراءة على الشيخ، والسؤال، والسماع، والعنعنة، والإخبار، والقول، ورواية الابن عن أبيه. ولم يخرج الطريق الأول غيره من بقية الكتب الستة، والطريق الثاني أخرجه مسلم في الجنائز، وكذا النسائي. 60 - باب صَلاَةِ الصِّبْيَانِ مَعَ النَّاسِ عَلَى الْجَنَائِزِ (باب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز). 1326 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَامِرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْرًا فَقَالُوا: هَذَا دُفِنَ -أَوْ دُفِنَتِ- الْبَارِحَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: فَصَفَّنَا خَلْفَهُ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا". وبالسند قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي، قال: (حدّثنا يحيى بن أبي بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف، العبدي الكوفي قاضي كرمان، قال (حدّثنا زائدة) بن قدامة قال (حدّثنا أبو إسحاق) سليمان (الشيباني، عن عامر) الشعبي (عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال): (أتى رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قبرًا، فقالوا: هذا دفن -أو دفنت- البارحة) شك ابن عباس (قال ابن عباس، رضي الله عنهما: فصفنا) بفاء مشددة، ولأبي ذر: فصففنا بفاءين (خلفه، ثم صلّى عليهما). ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فصفنا خلفه، وأفاد مشروعية صلاة الصبيان على الجنائز، وأن حديثه السابق قبل ثلاثة أبواب دل عليه ضمنًا، لكنه أراد التنصيص عليه. 61 - باب الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ بِالْمُصَلَّى وَالْمَسْجِدِ (باب الصلاة على الجنائز بالمصلّى) المتخذ للصلاة عليها فيه (والمسجد). 1327 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ "نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ". وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف مصغرًا، المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري

62 - باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور

(عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة) بفتح اللام عبد الرحمن: (أنهما حدثاه عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال): (نعى لنا)، ولأبي الوقت: نعانا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، النجاشي) نصب مفعول: نعى (صاحب الحبشة) أي: ملكها، وهو منصوب صفة لسابقه (يوم الذي) بالنصب على الظرفية، ويوم نكرة، ولأبي ذر: اليوم الذي (مات فيه فقال): (استغفروا لأخيكم) في الإسلام أصحمة النجاشي. 1328 - وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَفَّ بِهِمْ بِالْمُصَلَّى، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا". (وعن ابن شهاب) الزهري بالسند السابق (قال: حدثني) بالإفراد (سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة رضي الله عنه قال): (إن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صف بهم بالمصلّى، فكبر عليه) أي: على النجاشي (أربعًا). لا دلالة فيه على منع الصلاة على الميت في المسجد، وهو قول الحنفية والمالكية، لأنه ليس فيه صيغة نهي، والممتنع عند الحنفية إدخال الميت المسجد، لا مجرد الصلاة عليه حتى لو كان الميت خارج المسجد جازت الصلاة عليه، ويحتمل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إنما خرج بالمسلمين إلى المصلّى لقصد تكثير الجمع الذين يصلون عليه، ولإشاعة كونه مات مسلمًا. وقد ثبت في صحيح مسلم: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى على سهيل بن بيضاء في المسجد. فكيف يترك هذا الصريح لأمر محتمل؟ وحينئذ فلا كراهة في الصلاة عليه فيه. بل هي فيه أفضل منها في غيره هذا الحديث، ولأن المسجد أشرف من غيره. وأجاب المانعون عن حديث سهيل باحتمال أن يكون سهيل كان خارج المسجد، والمصلون داخله. وذلك جائزًا اتفاقًا، وأجيب بأن عائشة استدلّت بذلك لما أنكروا عليها أمرها بالمرور بجنازة سعد على حجرتها لتصلي عليه، وسلم لها الصحابة، فدلّ على أنها حفظت ما نسوه. وقد روى ابن أبي شيبة وغيره: أن عمر صلّى على أبي بكر في المسجد، وأن صهيبًا صلّى على عمر في المسجد، زاد في رواية: ووضعت الجنازة في المسجد تجاه المنبر. قال في الفتح: وهذا يقتضي الإجماع على جواز ذلك اهـ. وأما حديث من صلّى على جنازة في المسجد فلا شيء له فضعيف والذي في الأصول المعتمدة: فلا شيء عليه، وإن صح وجب حمله على هذا جمعًا بين الروايات، وقد جاء مثله في القرآن كقوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7]، أو على نقصان الأجر لأن المصلي عليها في المسجد ينصرف عنها غالبًا، ومن يصلّي عليها في الصحراء يحضر دفنها غالبًا، فيكون التقدير: فلا أجر له كامل، كقوله عليه الصلاة والسلام: "لا صلاة بحضرة طعام". ووجه المطابقة بين الحديث والترجمة كونه ألحق حكم المصلي بالمسجد بدليل على سبق في العيدين، وفي الحيض من حديث أم عطية: ويعتزل الحيض المصلّى، فدلّ على أن للمصلّى حكم المسجد فيما ينبغي أن يجتنب فيه. 1329 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ". [الحديث 1329 - أطرافه في: 3635، 4556، 6819، 6841، 7332، 7543]. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) بن عبد الله الحزامي، قال: (حدّثنا أبو ضمرة) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وبالراء، أنس بن عياض (قال: حدّثنا موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف (عن نافع) مولى ابن عمر بن الخطاب (عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما). (أن اليهود) من أهل خيبر (جاؤوا) في السنة الرابعة (إلى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، برجل منهم وامرأة زنيا) قال ابن العربي في أحكام القرآن: اسم المرأة بسرة. كذا حكاه السهيلي والرجل لم يسم. (فأمر بهما) النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فرجما قريبًا من موضع الجنائز عند المسجد) بتثليث عين عند، وهي: ظرف في المكان والزمان غير متمكن، والمعنى هنا: في المسجد. ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في: التفسير والاعتصام، والحدود، ومسلم في: الحدود، والنسائي في: الرجم. 62 - باب مَا يُكْرَهُ مِنِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْقُبُورِ وَلَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ -رضي الله عنهم- ضَرَبَتِ امْرَأَتُهُ الْقُبَّةَ عَلَى قَبْرِهِ سَنَةً، ثُمَّ رُفِعَتْ، فَسَمِعُوا صَائِحًا يَقُولُ: أَلاَ هَلْ وَجَدُوا مَا فَقَدُوا؟ فَأَجَابَهُ الآخَرُ: بَلْ يَئِسُوا فَانْقَلَبُوا. (باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور). (ولما مات الحسن بن الحسن بن علي) بن أبي طالب، بفتح الحاء والسين في الاسمين وهو ممن وافق اسمه اسم أبيه، وكانت وفاته سنة سبع وتسعين، وكان من ثقات التابعين، وله ولد يسمى: الحسن أيضًا، فهم ثلاثة في نسق واحد (رضي الله عنهم، ضربت امرأته) فاطمة بنت الحسين بن علي، وهي: ابنة عمه (القبة) أي: الخيمة، كما دل عليه مجيئه في حديث آخر بلفظ: الفسطاط (على قبره سنة، ثم رفعت). قال ابن

63 - باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها

المنير: إنما ضربت الخيمة هناك للاستمتاع بقربه، وتعليلاً للنفس، وتخييلاً باستصحاب المألوف من الأنس، ومكابرة للحس، كما يتعلل بالوقوف على الاطلال البالية، ويخاطب المنازل الخالية، فجاءتهم الموعظة (فسمعوا) أي: المرأة ومن معها، ولأبي ذر: فسمعت (صائحًا) من مؤمني الجنّ أو الملائكة (يقول: ألا هل وجدوا ما فقدوا؟) بفتح القاف، وللكشميهني: ما طلبوا؟ (فأجابه) صائح (آخر: بل يئسوا فانقلبوا). ومطابقة الحديث للترجمة من جهة: أن المقيم في الفسطاط لا يخلو من الصلاة فيه، فيستلزم اتخاذ المسجد عند القبر، وقد يكون القبر في جهة القبلة. فتزداد الكراهة، وإذا أنكر الصائح بناء زائلاً، وهو: الخيمة، فالبناء الثابت أجدر، ولكن لا يؤخذ من كلام الصائح حكم، لأن مسالك الأحكام: الكتاب والسنة والقياس والإجماع، ولا وحي بعده عليه الصلاة والسلام، وإنما هذا وأمثاله تنبيه على انتزاع الأدلة من مواضعها، واستنباطها من مظانها. 1330 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ هِلاَلٍ هُوَ الْوَزَّانُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسْجِدًا. قَالَتْ: وَلَوْلاَ ذَلِكَ لأَبْرَزُوا قَبْرَهُ، غَيْرَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا". وبالسند قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) العبسي (عن شيبان) بفتح الشين المعجمة ابن عبد الرحمن النحوي (عن هلال: هو) ابن حميد (الوزان، عن عروة) بن الزبير بن العوام (عن عائشة، رضي الله عنها عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال، في مرضه الذي مات فيه): (لعن الله اليهود والنصارى) أي: أبعدهم من رحمته (اتخذوا قبور أنبيائهم مسجدًا) بالإفراد على إرادة الجنس، وللكشميهني: مساجد (قالت) عائشة، رضي الله عنها: (ولولا ذلك) أي: خشية اتخاذ قبره مسجدًا (لأبرزوا قبره) عليه السلام، بلفظ الجمع، لكن لم يبرزوه أي: لم يكشفوه، بل بنوا عليه حائلاً لوجود خشية الاتخاذ. فامتنع الإبراز، لأن: لولا، امتناع لوجود، ولأبي ذر، وابن عساكر، والأصيلي: لأبرز قبره، بالرفع مفعول ناب عن الفاعل (غير أني أخشى أن يتخذ مسجدًا). وهذا قالته عائشة قبل أن يوسع المسجد، ولذا لما وسع جعلت الحجرة الشريفة رزقنا الله العودة إليها، مثلثة الشكل، محددة، حتى لا يتأتى لأحد أن يصلّي إلى جهة القبر المقدس، مع استقبال القبلة. وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة، وفيه أن شيخ المؤلّف بصري، سكن الكوفة، وشيبان وهلال: كوفيان، وعروة: مدني، وأخرجه في: الجنائز أيضًا والمغازي، ومسلم في: الصلاة. 63 - باب الصَّلاَةِ عَلَى النُّفَسَاءِ إِذَا مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا (باب الصلاة على النفساء) بضم النون وفتح الفاء والمد، بناء مفرد على غير قياس، أي: المرأة الحديثة العهد بالولادة، (إذا ماتت في) مدة (نفاسها). 1331 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ سَمُرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد، قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) الأول من الزيادة، والثاني تصغير زرع، قال: (حدّثنا حسين) المعلم، قال: (حدّثنا عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء والدال المهملة، ابن الحصيب بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين آخره موحدة، الأسلمي المروزي التابعي (عن سمرة) بفتح السين المهملة وضم الميم، ولأبي ذر زيادة: ابن جندب، بفتح الدال وضمها (رضي الله عنه قال): (صليت وراء النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، أي: خلفه، وإن كان قد جاء بمعنى قدام، كما في قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} [الكهف: 79] أي: أمامهم وهو ظرف مكان ملازم للإضافة، ونصبه على الظرفية (على امرأة) هي: أم كعب الأنصارية، كما في مسلم (ماتت في نفاسها) في: هنا للتعليل كما في قوله، عليه الصلاة والسلام: إن امرأة دخلت النار في هرة (فقام عليها، وسطها) بفتح السين أي: محاذيًا لوسطها. وفي نسخة: على وسطها، ولأبي ذر، وابن عساكر، والأصيلي، فقام وسطها. بسكون السين، وإسقاط لفظة: عليها، فمن سكن جعله ظرفًا، ومن فتح جعله اسمًا. والمراد على الوجهين: عجيزتها. وكون هذه المرأة في نفاسها وصف غير معتبر اتفاقًا، وإنما هو حكاية أمر وقع. واختلف في كونها امرأة، فاعتبره الشافعي، والخنثى كالمرأة، فيقف الإمام والمنفرد ندبًا عند عجيزة الأنثى والخنثى، وأما الرجل فعند رأسه لئلا يكون ناظرًا إلى فرجه، بخلاف المرأة، فإنها في القبة، كما هو الغالب، ووقوفه عند وسطها ليسترها عن أعين الناس. وفي حديث أبي داود، والترمذي، وابن ماجة، عن أنس: أنه صلّى على رجل فقام عند رأسه، وعلى امرأة، وعليها نعش أخضر، فقام عند عجيزتها. فقال له العلاء بن زياد: يا أبا حمزة! أهكذا كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي على الجنازة؟ قال: نعم. وبذلك قال أحمد وأبو

64 - باب أين يقوم من المرأة والرجل؟

يوسف. والمشهور عن الحنفية: أن يقوم من الرجل والمرأة حذاء الصدر، وقال مالك: يقوم من الرجل عند وسطه، ومن المرأة عند منكبها. 64 - باب أَيْنَ يَقُومُ مِنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ؟ (باب أين يقوم) الإمام (من المرأة والرجل؟). 1332 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا". وبه قال: (حدّثنا عمران بن ميسرة) ضدّ الميمنة، قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العبدي، مولاهم، التنوري البصري؛ قال: (حدّثنا حسين) بضم الحاء مصغرًا، المعلم (عن ابن بريدة) عبد الله أنه (قال: حدّثنا سمرة بن جندب، رضي الله عنه، قال): (صليت وراء النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على امرأة) هي: أم كعب (ماتت في نفاسها، فقام عليها وسطها) بفتح السين في اليونينية. 65 - باب التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَازَةِ أَرْبَعًا. وَقَالَ حُمَيْدٌ صَلَّى بِنَا أَنَسٌ -رضي الله عنه- فَكَبَّرَ ثَلاَثًا ثُمَّ سَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ كَبَّرَ الرَّابِعَةَ، ثُمَّ سَلَّمَ (باب التكبير على الجنازة أربعًا). (وقال حميد) الطويل، مما وصله عبد الرزاق: (صلّى بنا أنس) على جنازة (فكبر ثلاثًا) منها تكبيرة الإحرام (ثم سلم)، ثم انصرف ناسيًا (فقيل له:) يا أبا حمزة! إنك كبرت ثلاثًا (فاستقبل القبلة) وصفوا خلفه (ثم كبر) التكبيرة (الرابعة، ثم سلم). 1333 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي، قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، رضي الله عنه): (أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نعى النجاشي) بتخفيف الجيم (في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلّى، فصف بهم، وكبر عليه أربع تكبيرات) منها تكبيرة الإحرام، وهي من الأركان السبعة. وعدّ الغزالي كل تكبيرة ركنًا، ولا خلاف في المعنى، فلو كبر الإمام والمأموم خمسًا، ولو عمدًا، لم تبطل صلاته لثبوتها في مسلم، ولأنها لا تخل بالصلاة، لكن الأربع أولى لتقرر الأمر عليها. وروى البيهقي، بإسناد حسن إلى أبي وائل، قال: كانوا يكبرون على عهد رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، سبعًا وخمسًا وستًا أو أربعًا، فجمع عمر الناس على أربع كأطول الصلاة. 1334 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا". وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَعَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ سَلِيمٍ "أَصْحَمَةَ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السن المهملة، العوقيّ الأعمى، قال: (حدّثنا سليم بن حيان) بفتح السين وكسر اللام، في الأوّل، وفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية منصرفًا وغير منصرف، في الثاني، ابن بسطام الهذلي البصري، وليس في الصحيحين: سليم، بفتح السين غيره، قال: (حدّثنا سعيد بن ميناء) بكسر العين في الأوّل، وكسر الميم وسكون التحتية وفتح النون مع المد، ولأبي ذر: مبني، بالقصر، المكي، (عن جابر) هو: ابن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه): (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى على أصحمة) بفتح الهمزة وسكون الصاد وفتح الحاء المهملتين، ومعناه بالعربية: عطية، وذكر مقاتل، في نوادر التفسير من تأليفه، أن اسمه: مكحول بن صعصعة، وقال في القاموس: أصحمة بن بحر (النجاشي) بتخفيف الجيم، وهو لقب كل من ملك الحبشة (فكبر) عليه الصلاة والسلام عليه (أربعًا). (وقال يزيد بن هارون) الواسطي، مما وصله المؤلّف في هجرة الحبشة، عن أبي بكر بن أبي شيبة عنه، (وعبد الصمد) بن عبد الوارث، مما روياه (عن سليم) المذكور بإسناده عن جابر: (أصحمة) ولأبي ذر، عن المستملي، مما في الفتح: وقال يزيد عن سليم أصحمة، وتابعه عبد الصمد فيما وصله الإسماعيلي من طريق أحمد بن سعيد عنه، كل قال: أصحمة بالهمزة وسكون الصاد، كرواية سعيد بن سنان، وكذا هو في نسخة الفرع وغيرها، بل قال الحافظ ابن حجر: إنه الذي اتصل له من جميع طرق البخاري، قال: وفيه نظر، لأن إيراد المصنف يشعر بأن يزيد خالف محمد بن سنان، وأن عبد الصمد تابع يزيد، وفي مصنف ابن أبي شيبة عن يزيد: صحمة، بفتح الصاد وسكون الحاء، وهو المتجه، وصرح كثير من الشراح، كالزركشي، وتبعه الدماميني، أنها في رواية يزيد وعبد الصمد عند البخاري كذلك، بحذف الهمزة. والحاصل أن الرواة اختلفوا في إثبات الألف وحذفها، وقال الكرماني: إن يزيد روى: أصمحة، بتقديم الميم على الحاء، وتابعه على ذلك عبد الصمد بن عبد الوارث، وصوّبه القاضي عياض، لكن قال النووي: إنها شاذة، كرواية صحمة، بحذف الألف وتأخير الميم، وإن الصواب: أصحمة بتقديمها وإثبات الألف. وذكر الكرماني أيضًا: أن في رواية محمد بن سنان في بعض النسخ: أصحبة، بالموحدة بدل الميم مع إثبات

66 - باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة

الألف، وحكى الإسماعيلي أن في رواية عبد الصمد: أصخمة بالخاء المعجمة وإثبات الألف. قال: وهو غلط، قال في الفتح: فيحتمل أن يكون هذا محل الاختلاف الذي أشار إليه البخاري. وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة، وشيخه من أفراده، وأخرجه مسلم في: الجنائز. 66 - باب قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى الْجَنَازَةِ وَقَالَ الْحَسَنُ: يَقْرَأُ عَلَى الطِّفْلِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا سَلَفًا وَفَرَطًا وَأَجْرًا. (باب) مشروعية (قراءة فاتحة الكتاب) في الصلاة (على الجنازة) وهي من أركانها، لعموم حديث: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. وبه قال الشافعي وأحمد: وقال مالك والكوفيون: ليس فيها قراءة، قال البدر الدماميني من المالكية: ولنا قول في المذهب باستحباب الفاتحة فيها، واختاره بعض الشيوخ. (وقال الحسن) البصري: مما وصله عبد الوهاب بن عطاء الخفاف في كتاب الجنائز له: (يقرأ) المصلي (على الطفل) الميت (بفاتحة الكتاب، ويقول: اللهم اجعله لنا سلفًا) بالتحريك أي، متقدمًا إلى الجنة لأجلنا (وفَرَطًا) بالتحريك، الذي يتقدم الواردة، فيهيئ لهم المنزل (وأجرًا) الذي في اليونينية: فرطًا وسلفًا وأجرًا. 1335 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قال حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قال حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ عَنْ طَلْحَةَ قَالَ "صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ أخبرنا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: "صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَلَى جَنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. قَالَ: لِيَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ". وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة، بندار (قال: حدّثنا غندر) بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال وضمها، محمد بن جعفر البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد) بسكون العين، هو: ابن إبراهيم، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الإسناد الآتي، (عن طلحة) هو: ابن عبد الله، كما سيأتي أيضًا، (قال): (صليت خلف ابن عباس، رضي الله عنهما). (حدّثنا) كذا في الفرع، وفي نسخة غيره: ح وحدّثنا (محمد بن كثير) بالمثلثة (قال: أخبرنا سفيان) الثوري (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف، المتوفّى سنة خمس وعشرين ومائة (عن طلحة بن عبد الله بن عوف) الزهري، ابن أخي عبد الرحمن (قال): (صليت خلف ابن عباس رضي الله عنهما على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب)، ولأبي ذر، وابن عساكر: فقرأ فاتحة الكتاب (قال) ولأبوي: ذر: والوقت، فقال: (ليعلموا) بالمثناة التحتية على الغيبة، ولأبي الوقت في غير اليونينية: لتعلموا، بالفوقية على الخطاب (أنها) أي قراءة الفاتحة في الجنازة (سنة) أي: طريقة، للشارع، فلا ينافي كونها واجبة. وقد علم أن قول الصحابي من السنة، كذا حديث مرفوع عند الأكثر، وليس في حديث الباب بيان محل القراءة، وقد وقع التصريح به في حديث جابر عند البيهقي في سننه، عن الشافعي بلفظ: وقرأ بأم القرآن بعد التكبيرة الأولى. وفي النسائي، بإسناد على شرط الشيخين، عن أبي أمامة الأنصاري، قال: السنة في صلاة الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة، نعم، يجوز تأخيرها إلى التكبيرة الثانية، كما ذكره الرافعي والنووي عن حكاية الروياني وغيره له عن النص بعد نقلهما المنع عن الغزالي، وجزم به في المنهاج، والمجموع، ولم يخص الثانية فقال: قلت تجزئ الفاتحة بعد غير الأولى، وعليه، مع ما قالوه من تعين الصلاة في الثانية، والدعاء في الثالثة، يلزم خلو الأولى عن ذكر. والجمع بين ركنين في تكبيرة واحدة. والذي قاله الجمهور تعين الفاتحة في الأولى، وبه جزم النووي في التبيان، وهو ظاهر نصين نقلهما في شرح المهذّب، وقال الأذرعي: وظاهر نصوص الشافعي والأكثرين تعيينها في الأولى. وفي هذا الحديث: التحديث والإخبار والعنعنة والقول، ورواته ما بين: بصري وواسطي ومدني وكوفي، وأخرجه أبو داود والترمذي بمعناه، وقال: حسن صحيح. والنسائي، كلهم في: الجنائز. 67 - باب الصَّلاَةِ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ مَا يُدْفَنُ (باب) جواز (الصلاة على القبر بعد ما يدفن) أي بعد دفن الميت، وإليه ذهب الجمهور ومنعه النخعي ومالك وأبو حنيفة، وعنهم: إن دفن قبل أن يصلّى عليه شرع، وإلا فلا. 1336 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ قَالَ: "أَخْبَرَنِي مَنْ مَرَّ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فَأَمَّهُمْ وَصَلَّوْا خَلْفَهُ. قُلْتُ: مَنْ حَدَّثَكَ هَذَا يَا أَبَا عَمْرٍو؟ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-". وبالسند قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم، قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثني) ولأبي الوقت: أخبرني بالإفراد، ولأبي ذر أخبرنا (سليمان الشيباني، قال: سمعت الشعبي) عامر بن شراحيل (قال): (أخبرني) بالإفراد (من مر مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على قبر منبوذ) بتنوين قبر، ومنبوذ صفة له أي: في ناحية عن القبور، ولأبي ذر: قبر منبوذ بغير تنوين على الإضافة، أي:

68 - باب الميت يسمع خفق النعال

قبر لقيط، (فأمّهم) عليه الصلاة والسلام (وصلوا خلفه) قال الشيباني: (قلت) للشعبي: (من حدثك هذا) الحديث (يا أبا عمرو؟ قال): حدّثني به (ابن عباس، رضي الله عنهما). وفي الأوسط للطبراني، عن الشيباني: أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى عليه بعد ما دفن بليلتين، وقال: إن إسماعيل بن زكريا تفرد بذلك، ورواه الدارقطني من طريق هريم عن الشيباني، فقال بعد موته بثلاث، ومن طريق بشر بن آدم عن أبي عاصم، عن سفيان الثوري، عن الشيباني، فقال: بعد شهر، قال في فتح الباري: وهذه روايات شاذة، وسياق الطرق الصحيحة يدل على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في صبيحة دفنه. 1337 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ أَسْوَدَ -رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً- كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَمَاتَ، وَلَمْ يَعْلَمِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَوْتِهِ، فَذَكَرَهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: مَا فَعَلَ ذَلِكَ الإِنْسَانُ؟ قَالُوا: مَاتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَفَلاَ آذَنْتُمُونِي؟ فَقَالُوا: إِنَّهُ كَانَ كَذَا -وَكَذَا قِصَّتَهُ- قَالَ فَحَقَرُوا شَأْنَهُ. قَالَ: فَدُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ. فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن الفضل) السدوسي البصري، الملقب: بعارم، بالعين والراء المهملتين (قال: حدّثنا حماد بن زيد) هو: ابن درهم (عن ثابت) هو البناني (عن أبي رافع، عن أبي هريرة، رضي الله عنه): (أن أسود - رجلاً) بالنصب بدل من أسود، ويجوز الرفع: خبر مبتدأ محذوف (أو امرأة - كان يقمّ المسجد) أي: يكنسه، ولأبي ذر: كان يقم في المسجد، وللأصيلي، وأبي الوقت، وابن عساكر: يكون في المسجد يقم المسجد (فمات ولم يعلم النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بموته، فذكره ذات يوم) من إضافة المسمى إلى اسمه، أو لفظة: ذات، مقحمة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما فعل ذلك الإنسان؟ قالوا) ولأبي ذر، والأصيلي: فقالوا (مات يا رسول الله. قال أفلا آذنتموني) بالمد: أعلمتموني (فقالوا: إنه كان كذا وكذا) زاد أبو ذر: وكذا (-قصته-) بالنصب بتقدير نحو: ذكروا، ويجوز الرفع، خبر مبتدأ محذوف، وسقط: قصته، ولأبي ذر، وابن عساكر، والأصيلي (قال: فحقروا شأنه) لا ينافي ما سبق من التعليل، بأنهم كرهوا أن يوقظوه عليه الصلاة والسلام في الظلمة خوف المشقّة، إذ لا ينافي بين التعليلين (قال) عليه الصلاة والسلام: (فدلوني) بضم الدال (على قبره فأتى قبره فصلّى عليه) أي: على القبر. وهذا موضع الترجمة. وفيه جواز الصلاة على القبر بعد الدفن سواء دفن قبلها أم بعدها. نعم، لا تجوز الصلاة على قبور الأنبياء، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لخبر الصحيحين: عن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. ولحديث البيهقي: الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة، لكنهم يصلون بين يدي الله حتى ينفخ في الصور، وبأنا لم نكن أهلاً للفرض وقت موتهم. وفي دلالة الحديث الأول على المدعى نظر، وأما الثاني فروي بمعناه أحاديث أخر، وكلها ضعيفة. وقد روى عبد الرزاق في مصنفه، عقب بعضها، حديثًا مرفوعًا: مررت بموسى ليلة أسري بي، وهو قائم يصلّي في قبره. قال الحافظ ابن حجر: وأراد بذلك ردّ ما رواه أوّلاً: قال: ومما يقدح في هذه الأحاديث، حديث: "صلاتكم معروضة عليّ" وحديث "أنا أول من تنشق عنه الأرض". وإنما تجوز الصلاة على قبر غيرهم، وعلى الغائب عن البلد، لمن كان من أهل فرض الصلاة عليه وقت موته، ولا يقال: إن الصلاة على القبر من خصائصه، عليه الصلاة والسلام، لما زاده حماد بن سلمة عن ثابت في روايته، عند ابن حبان، ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينوّرها بصلاتي عليهم، لأن في ترك إنكاره، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على من صلّى معه على القبر بيان جواز ذلك لغيره، وأنه ليس من خصائصه. لكن قد يقال: إن الذي يقع بالتبعية لا ينهض دليلاً للأصالة. 68 - باب الْمَيِّتُ يَسْمَعُ خَفْقَ النِّعَالِ هذا (باب) بالتنوين (الميت يسمع خفق النعال) بفتح الخاء المعجمة، وسكون الفاء ثم قاف أي: صوت نعال الأحياء من الذين باشروا دفنه، وغيرهم، عند دوسها على الأرض. 1338 - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ح ... وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ -حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ- أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا. وَأَمَّا الْكَافِرُ -أَوِ الْمُنَافِقُ- فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ. فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ، وَلاَ تَلَيْتَ. ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ». [الحديث 1338 - طرفه في: 1374]. وبالسند قال: (حدّثنا عياش) بمثناة تحتية مشددة وشين معجمة، ابن الوليد الرقام، قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي، بالمهملة، قال: (حدّثنا سعيد) بكسر العين: ابن أبي عروبة. قال المؤلّف: (ح). (وقال لي خليفة) بن خياط، ومثل هذه الصيغة تكون في المذاكرة غالبًا (حدّثنا ابن زريع) بضم الزاي مصغرًا، ولأبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر: يزيد بن زريع، من الزيادة، قال: (حدّثنا سعيد) هو السابق (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) بن مالك (رضي الله عنه، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،

قال): (العبد) المؤمن المخلص (إذا وُضع في قبره وتولى) بضم الواو وكسر الضاد، من: وضع، وفتح المثناة الفوقية والواو واللام من: تولى، مبنيًّا للفاعل، أي: أدبر (وذهب أصحابه) من باب تنازع العاملين، وقول ابن التين: إنه كرر اللفظ، والمعنى واحد، تعقب أن التولي هو: الإعراض، ولا يلزم منه الذهاب، وفي اليونينية: وتُولّي بضم الفوقية وكسر الواو واللام، مصحح عليهما، وفي غيرها بضم الواو مبنيًا للمفعول، قال الحافظ ابن حجر: إنه رآه كذلك مضبوطًا بخط معتمد، أي: تولي أمره أي: الميت وسيأتي في رواية عياش بلفظ: وتولى عنه أصحابه، وهو الموجود في جميع الروايات، عند مسلم وغيره. (حتى إنه) أي الميت، وهمزة إن مكسورة لوقوعها بعد حتى الابتدائية كقولهم: مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه، قاله الزركشي، والبرماوي وغيرهما، وزاد الدماميني أيضًا: وجود لام الابتداء المانع من الفتح في قوله: (ليسمع قرع نعالهم) بفتح القاف وسكون الراء، وهذا موضع الترجمة، لأن الخفق والقرع بمعنى واحد، وإنما ترجم بلفظ: الخفق إشارة إلى وروده بلفظه عند أحمد، وأبي داود من حديث البراء في حديث طويل فيه: وإنه ليسمع خفق نعالهم، زاد في رواية إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، عن أبيه عن أبي هريرة عند ابن حبان في صحيحه: إذا ولوا مدبرين. (أتاه ملكان) بفتح اللام، وهما المنكر والنكير، وسميا بذلك لأنهما لا يشبه خلقهما خلق الآدميين، ولا الملائكة، ولا غيرهم. بل لهما خلق منفرد بديع، لا أنس فيهما للناظر إليهما، أسودان أزرقان، جعلهما الله تعالى تكرمة للمؤمن ليثبته ويبصره، وهتكًا لسر المنافق في البرزخ، من قبل أن يبعث، حتى يحل عليه العذاب الأليم، وأعاذنا الله من ذلك بوجهه الكريم ونبيه الرؤوف الرحيم، (فأقعداه) أي: أجلساه غير فزع، (فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل، محمد) بالجر عطف بيان، أو بدل من سابقه (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟) ولم يقولا: ما تقول في هذا النبي؟ أو غيره من ألفاظ التعظيم، لقصد الامتحان للمسؤول، إذ ربما تلقن تعظيمه من ذلك، ولكن {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27] (فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال) أي: فيقول له الملكان المذكوران أو غيرهما: (انظر إلى مقعدك من النار، أبدلك الله به مقعدًا من الجنة. قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فيراهما جميعًا) أي: المقعدين اللذين أحدهما من الجنة والآخر من النار، أعاذنا الله منها (وأما الكافر -أو المنافق-) شك الراوي، لكن: الكافر لا يقول المقالة المذكورة، فتعين: المنافق (فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس! فيقال) أي: فيقول المنكر والنكير، أو غيرهما: (لا دريت) بفتح الراء (ولا تليت) بالمثناة التحتية الساكنة بعد اللام المفتوحة، وأصله: تلوت، بالواو. يقال: تلا يتلو القرآن، لكنه قال: تليت بالياء للازدواج مع دريت أي: لا كنت داريًا ولا تاليًا. وقال في الفائق: أي: لا علمت بنفسك بالاستدلال، ولا اتبعت العلماء بالتقليد فيما يقولون، أو: لا تلوت القرآن، أي: لم تدر، ولم تتل، أي: لم تنتفع بدرايتك ولا تلاوتك، ولأبي ذر: ولا أتليت، بهمزة مفتوحة وسكون التاء. قال ابن الأنباري: وهو الصواب، دعاء عليه بأن لا تتلى إبله، أي: لا يكون لها أولاد تتلوها أي: تتبعها. وتعقبه ابن السراج: بأنه بعيد في دعاء الملكين. قال: وأي مال للميت. وأجاب عياض باحتمال أن ابن الأنباري رأى أن هذا أصل الدعاء، استعمل في غيره كما استعمل غيره من أدعية العرب، وقال الخطابي، وابن السكيت: الصواب: ائتليت، بوزن: افتعلت، من قولك: ما ألوته، ما استطعته. و: لا آلو كذا بمعنى: لا أستطيعه. قال صاحب اللامع الصبيح: لكن بقاء التاء مع ما قرره، أي الخطابي: آلو بمعنى أستطيع مشكل وقال ابن بري: من روى تليت فأصله ائتليت بهمزة بعد همزة الوصل، فحذفت تخفيفًا، فذهبت همزة الوصل، وسهل ذلك لمزاوجة دريت. (ثم يضرب) الميت بضم أوّل يضرب، وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (بمطرقة) بكسر الميم (من حديد) صفة لمطرقة، و: من، بيانية، أو: حديد، صفة لمحذوف أي: من ضارب حديد، أي: قوي شديد الغضب، والضارب

69 - باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها

المنكر أو النكير أو غيرهما. وفي حديث البراء بن عازب، عند أبي داود: ويأتيه الملكان يجلسانه. الحديث، وفيه: ثم يقيض له أعمى أبكم أصم، بيده مرزبة من حديد، لو ضُرب بها جبل لصار ترابًا، قال: فيضربه بها ضربة ... الحديث. وفي حديث أنس بن مالك، عند أبي داود، أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، دخل نخلاً لبني النجار، فسمع صوتًا ففزع ... الحديث، وفيه: فيقول له: ما كنت تعبد؟ فيقول: لا أدري! فيقول: لا دريت ولا تليت. فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه، فيصيح فالحديث الأوّل صريح أن الضارب غير منكر ونكير، والثاني أنه الملك السائل له، وهو إما المنكر أو النكير. (ضربه بين أذنيه) أي أذني الميت (فيصيح صيحة يسمعها من يليه) أي: يلي الميت (إلا الثقلين) الجن والإنس، سميا بذلك لثقلهما على الأرض. والحكمة في عدم سماعهما الابتلاء، فلو سمعا لكان الإيمان منهما ضروريًّا، ولا عرضوا عن التدبير والصنائع، ونحوهما مما يتوقف عليه بقاؤهما، ويدخل في قوله: من يليه، الملائكة فقط، لأن: من، للعاقل. وقيل: يدخل غيرهم أيضًا تغليبًا وهو أظهر. فإن قلت: لم منعت الجن سماع هذه الصيحة دون سماع كلام الميت إذا حمل وقال: قدموني قدموني؟. أجيب: بأن كلام الميت إذ ذاك في حكم الدنيا، وهو اعتبار لسامعه وعظة. فأسمعه الله الجن لما فيهم من قوة يثبتون بها عند سماعه، ولا يصعقون بخلاف الإنسان الذي يصعق لو سمعه، وصيحة الميت في القبر عقوبة وجزاء، فدخلت في حكم الآخرة. وفي الحديث جواز المشي بين القبور بالنعال، لأنه عليه الصلاة والسلام قاله وأقره، فلو كان مكروهًا لبينه، لكن يعكر عليه احتمال أن يكون المراد بسماعه إياها بعد أن يجاوزوا المقبرة، وحينئذٍ فلا دلالة فيه على الجواز، ويدل على الكراهة حديث بشير بن الخصاصية عند أبي داود والنسائي، وصححه الحاكم: أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، رأى رجلاً يمشي بين القبور عليه نعلان سبتيان، فقال: يا صاحب السبتيين، ألق نعليك. وكذا يكره الجلوس على القبر، والاستناد إليه، والوطء عليه توقير للميت إلا لحاجة. كأن لا يصل إليه إلا بوطئه، فلا كراهة. وأما حديث مسلم: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه حتى تخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر ففسره رواية أبي هريرة بالجلوس: للبول والغائط. ورواه ابن وهب أيضًا في مسنده بلفظ: من جلس على قبر يبول أو يتغوط، وبقية ما استنبط من حديث الباب يأتي إن شاء الله تعالى في باب عذاب القبر. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه: التحديث والعنعنة وأخرجه مسلم، والنسائي، والترمذي، وأبو داود. 69 - باب مَنْ أَحَبَّ الدَّفْنَ فِي الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ أَوْ نَحْوِهَا (باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة) أي: في بيت المقدس، طلبًا للقرب من الأنبياء الذين دفنوا به، تيمنًا بجوارهم، وتعرضًا للرحمة النازلة عليهم، اقتداء بموسى عليه السلام، أو ليقرب عليه المشي إلى المحشر، وتسقط عنه المشقّة الحاصلة لمن بعد عنه. (أو نحوها) بالنصب عطفًا على الدفن المنصوب على المفعولية: لأحب، أي: أحب الدفن في نحو بيت المقدس. وهو بقية ما تشد إليه الرحال من الحرمين الشريفين، رزقنا الله الدفن بأحدهما، مع الرضا عنا، إنه الجواد الكريم. 1339 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لاَ يُرِيدُ الْمَوْتَ. فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ: ارْجِعْ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ بِهِ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ. قَالَ: أَيْ رَبِّ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ. قَالَ: فَالآنَ. فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ، لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ». وبالسند قال: (حدّثنا محمود) هو: ابن غيلان بفتح الغين المعجمة قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام (قال: أخبرنا معمر) بسكون العين وفتح الميمين ابن راشد (عن ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس بن كيسان (عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال): (أرسل ملك الموت) بضم الهمزة، مبنيًّا للمفعول، وملك رفع نائب عن الفاعل، أي: أرسل الله ملك الموت (إلى موسى، عليهما السلام) في صورة آدمي اختبارًا وابتلاء كابتلاء الخليل بالأمر بذبح ولده (فلما جاءه) ظنه آدميًّا حقيقة، تسور عليه منزله بغير إذنه ليوقع به مكروهًا، فلما تصوّر ذلك، صلوات الله وسلامه عليه، (صكه) بالصاد المهملة أي: لطمه على عينه التي ركبت في الصورة البشرية التي جاءه فيها، دون الصورة الملكية، ففقأها كما صرح به مسلم في روايته ويدل عليه قوله الآتي هنا: فرد الله عز وجل عليه عينه، ويحتمل أن موسى عليه الصلاة والسلام علم أنه ملك الموت، وأنه دافع عن نفسه الموت باللطمة المذكورة، والأول أولى، ويؤيده أنه جاء إلى قبضه

70 - باب الدفن بالليل. ودفن أبو بكر -رضي الله عنه- ليلا

ولم يخبره، وقد كان موسى، عليه السلام، علم أنه لا يقبض حتى يخبر، ولهذا لما أخبره في الثانية، قال: الآن. (فرجع) ملك الموت (إلى ربه فقال) رب (أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فردّ الله) عز وجل (عليه عينه) ليعلم موسى إذا رأى صحة عينه أنه من عند الله، ولأبي ذر: فيردّ الله، بلفظ المضارع إليه عينه بالهمزة قبل اللام بدل العين (وقال) له: (ارجع) إلى موسى (فقل له يضع يده يده على متن ثور) بالمثناة الفوقية في الأولى، وبالمثلثة في الثانية، أي ظهر ثور (فله بكل ما غطت به يده، بكل شعرة سنة. قال) موسى: (أي رب! ثم ماذا) بعد هذه السنين (قال) الله تعالى: (ثم) يكون بعدها (الموت. قال) موسى: (فالآن) يكون الموت، والآن اسم لزمان الحال، وهو الزمان الفاصل بين الماضي والمستقبل، واختار موسى الموت لما خيّر شوقًا إلى لقاء ربه كنبينا،-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لما قال: الرفيق الأعلى (فسأل الله) موسى (أن يدنيه) أي: يقربه (من الأرض المقدسة) أي: المطهرة، و: أن، مصدرية في موضع نصب، أي: سأل الله الدنو من بيت المقدس ليدفن فيه (رمية بحجر) أي: دنوًا لو رمى رام حجرًا من ذلك الموضع الذي هو موضع قبره لوصل إلى بيت المقدس. وكان موسى إذ ذاك في التيه، ومعه بنو إسرائيل، وكان أمرهم بالدخول إلى الأرض المقدسة، فامتنعوا فحرم الله عليهم دخولها أبدًا غير: يوشع وكالب، وتيههم في القفار أربعين سنة في ستة فراسخ، وهم ستمائة ألف مقاتل، وكانوا يسيرون كل يوم جادًّين، فإذا أمسوا في الموضع الذي اْرتحلوا عنه، إلى أن أفناهم الموت، ولم يدخل منهم الأرض المقدسة أحد ممن امتنع أوّلاً أن يدخلها إلا أولادهم مع يوشع، ولما لم يتهيأ لموسى عليه الصلاة والسلام دخول الأرض المقدسة لغلبة الجبارين عليها، ولا يمكن نبشه بعد ذلك لينقل إليها، طلب القرب منها، لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه". وقيل: إنما طلب موسى الدنو لأن النبي يدفن حيث يموت، وعورض بأن موسى، عليه السلام، قد نقل يوسف، عليه السلام، لما خرج من مصر. وأجيب: بأنه إنما نقله بوحي، فتكون خصوصية له، وإنما لم يسأل نفس بيت المقدس، ليعمى قبره، خوفًا من أن يعبده جهال ملته. قال ابن عباس: لو علمت اليهود قبر موسى وهارون لاتخذوهما إلهين من دون الله. وقد اختلف في جواز نقل الميت، ومذهب الشافعية: يحرم نقله من بلد إلى بلد آخر ليدفن فيه، وإن لم يتغير لما فيه من تأخير دفنه المأمور بتعجيله، وتعريضه لهتك حرمته، إلا أن يكون بقرب مكة، أو المدينة، أو بيت المقدس، فيختار أن ينقل إليه لفضل الدفن فيها. والمعتبر في القرب مسافة لا يتغير فيها الميت قبل وصوله. قال الزركشي: ولا ينبغي التخصيص بالثلاثة، بل لو كان بقربه مقابر أهل الصلاح والخير، فالحكم كذلك لأن الشخص يقصد الجار الحسن. اهـ. وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة، وقال وهب: خرج موسى لبعض حاجته، فأمر برهط من الملائكة يحفرون قبرًا لم ير شيئًا قط أحسن منه، فقال لهم: لمن تحفرون هذا القبر؟ قالوا: أتحب أن يكون لك؟ قال: وددت. قالوا: فانزل واضطجع فيه وتوجه إلى ربك. قال: ففعل، ثم تنفس أسهل تنفس، فقبض الله روحه. ثم سوّت عليه الملائكة التراب. وقيل: إن ملك الموت أتاه بتفاحة من الجنة، فشمها، فقبض روحه. (قال) أبو هريرة: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فلو كنت ثمّ) بفتح المثلثة، أي: هناك (لأريتكم قبره إلى جانب الطريق، عند الكثيب الأحمر) بالمثلثة أي: الرمل المجتمع، وهذا ليس صريحًا في الاعلام بقبره الشريف، ومن ثم حصل الاختلاف فيه، فقيل: بالتيه، وقيل: بباب لنا ببيت المقدس، أو بدمشق، أو بواد بين بصرى والبلقاء، أو بمدين بين المدينة وبيت المقدس، أو بأريحا، وهي من الأرض المقدسة. وفي هذا الحديث: التحديث والإخبار والعنعنة، وشيخ المؤلّف مروزي، ومعمر بصري، وأخرجه مسلم في: أحاديث الأنبياء، كالمؤلّف مرفوعًا، والنسائي في: الجنائز، وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في: أحاديث الأنبياء. 70 - باب الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ. وَدُفِنَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- لَيْلاً (باب) جواز (الدفن بالليل) وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد، والجمهور. وكرهه: قتادة، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وأحمد في رواية عنه. (ودفن) بضم الدال مبنيًّا

71 - باب بناء المسجد على القبر

للمفعول (أبو بكر) الصديق (رضي الله عنه ليلاً) كما وصله المؤلّف في أواخر الجنائز في باب: موت يوم الاثنين. 1340 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَجُلٍ بَعْدَ مَا دُفِنَ بِلَيْلَةٍ، قَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَكَانَ سَأَلَ عَنْهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: فُلاَنٌ، دُفِنَ الْبَارِحَةَ. فَصَلَّوْا عَلَيْهِ". وبالسند قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) قال: (حدّثنا جرير عن الشيباني) سليمان (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال): (صلّى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على رجل بعدما دفن) بضم الدال مبنيًّا للمفعول (بليلة، قام) وفي نسخة: فقام (هو وأصحابه، وكان سأل عنه، فقال: من هذا؟ فقالوا) ولأبي ذر، والأصيلي، وابن عساكر: قالوا: (فلان دفن البارحة) قال: أفلا آذنتموني، قالوا: دفناه في ظلمة الليل، فكرهنا أن نوقظك (فصلوا عليه) بصيغة الجمع من الماضي أي: صلّى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأصحابه عليه، فهو كالتفصيل لقوله أولاً: صلّى، فلا يكون تكرارًا. وهذا يدل على عدم كراهة الدفن ليلاً لأن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، اطلع عليه ولم ينكره، بل أنكر عليهم عدم إعلامهم بأمره، وصح أن عليًّا دفن فاطمة ليلاً، ورأى ناس نارًا في المقبرة، فأتوها، فإذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في القبر، وإذا هو يقول: ناولوني صاحبكم، وإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر، رواه أبو داود بإسناد على شرط الشيخين. نعم، يستحب الدفن نهارًا لسهولة الاجتماع والوضع في القبر، لكن إن خشي تغيره فلا يستحب تأخيره ليدفن نهارًا. قال الأذرعي وغيره: بل ينبغي وجوب المبادرة به، وأما حديث مسلم: زجر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلّى عليه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك، فالنهي فيه إنما هو عن دفنه قبل الصلاة عليه. 71 - باب بِنَاءِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْقَبْرِ (باب بناء المساجد على القبر) وفي نسخة: المسجد، بالإفراد، وهو الذي في أحد فروع اليونينية. 1341 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "لَمَّا اشْتَكَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَتْ بَعْضُ نِسَائِهِ كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَأُمُّ حَبِيبَةَ -رضي الله عنهما- أَتَتَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ فَذَكَرَتَا مِنْ حُسْنِهَا وَتَصَاوِيرَ فِيهَا. فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: أُولَئِكَ إِذَا مَاتَ مِنْهُمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا ثُمَّ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّورَةَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ". وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس الأصبحي (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن هشام) هو: ابن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة، رضي الله عنها، قالت): (لما اشتكى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،) أي: مرض مرضه الذي مات فيه (ذكرت) ولأبي ذر، والأصيلي: ذكر (بعض نسائه) هما: أم سلمة وأم حبيبة، كما سيأتي (كنيسة) بفتح الكاف، معبد النصارى (رأينها بأرض الحبشة) بنون الجمع في: رأينها، على أن أقل الجمع اثنان، أو معهما غيرهما من النسوة (يقال لها) أي: للكنيسة (مارية) بكسر الراء وتخفيف المثناة التحتية، علم للكنيسة، (وكانت أم سلمة) بفتح اللام، أم المؤمنين: هند بنت أبي أمية المخزومية (وأم حبيبة) بفتح الحاء، أم المؤمنين أيضًا: رملة بنت أبي سفيان (رضي الله عنهما، أتتا أرض الحبشة، فذكرتا) بلفظ التثنية للمؤنث من الماضي (من حسنها وتصاوير فيها، فرفع) رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (رأسه فقال): (أولئك) بكسر الكاف، ويجوز فتحها (إذا مات منهم) وفي نسخة: فيهم (الرجل الصالح وجواب، إذا، قوله: (بنوا على قبره مسجدًا ثم، صوروا فيه) أي: في المسجد (تلك الصورة) التي مات صاحبها، ولأبي الوقت: من غير اليونينية: تلك الصور، بالجمع. قال القرطبي: وإنما صوّر أوائلهم الصور ليتأنسوا بها، ويتذكروا أفعالهم الصالحة، فيجتهدون كاجتهادهم، ويعبدون الله عند قبورهم، ثم خلفهم قوم جهلوا مرادهم، ووسوس لهم الشيطان أن أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور، يعظمونها، فحذر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن مثل ذلك، سدًّا للذريعة المؤدية إلى ذلك بقوله: (أولئك) بكسر الكاف وفتحها، ولأبي ذر: وأولئك (شرار الخلق عند الله). وموضع الترجمة قوله: بنوا على قبره مسجدًا، وهو مؤول على مذمة من اتخذ القبر مسجدًا، ومقتضاه التحريم. لا سيما وقد ثبت اللعن عليه، لكن صرح الشافعي، وأصحابه بالكراهة. وقال البندنيجي: المراد أن يسوى القبر مسجدًا، فيصلّى فيه. وقال إنه يكره أن يبنى عنده مسجد فيصلّى فيه إلى القبر، وأما المقبرة الدائرة إذا بني فيها مسجد ليصلّى فيه فلم أر فيه بأسًا، لأن المقابر وقف، وكذا المسجد، فمعناهما واحد. قال البيضاوي: لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيمًا لشأنهم، ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها،

72 - باب من يدخل قبر المرأة

واتخذوها أوثانًا، لعنهم النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومنع المسلمين عن مثل ذلك. فأمَّا من اتخذ مسجدًا في جوار صالح، وقصد التبرك بالقرب منه، لا للتعظيم ولا للتوجه إليه، فلا يدخل في الوعيد المذكور. وقد ترجم المؤلّف، قبل ثمانية أبواب، بباب: ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور، ويحتاج إلى الفرق بين الترجمين، فقال ابن رشيد: الاتخاذ أعم من البناء، فلذلك أفرده بالترجمة، ولفظها يقتضي أن بعض الاتخاذ لا يكره، فكأنه يفصل بين ما إذا ترتبت على الاتخاذ مفسدة أم لا. وقال الزين بن المنير: كأنه قصد بالترجمة الأولى اتخاذ المساجد لأجل القبور، بحيث لولا تجدّد القبر ما اْتخذ المسجد، وبهذه بناء المسجد في المقبرة على حدته، لئلا يحتاج إلى الصلاة، فيوجد مكان يصلّي فيه سوى المقبرة، فلذلك نحا به منحى الجواز. اهـ. قال في الفتح: والمنع من ذلك إنما هو حال خشية أن يصنع بالقبر كما صنع أولئك الذين لعنوا. وهذا الحديث مضى في باب: هل تنبش قبور مشركي الجاهلية؟. 72 - باب مَنْ يَدْخُلُ قَبْرَ الْمَرْأَةِ (باب من يدخل قبر المرأة) لأجل إلحادها. 1342 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: شَهِدْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ- فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ، فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا. فَقَالَ: فَانْزِلْ فِي قَبْرِهَا. قَالَ فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا فَقَبَرَهَا". قَالَ ابْنُ مُبَارَكِ قَالَ فُلَيْحٌ: أُرَاهُ يَعْنِي الذَّنْبَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: {لِيَقْتَرِفُوا} أَي لِيَكْتَسِبُوا. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) العوقي، بفتح الواو وبالقاف، الباهلي البصري (قال: حدّثنا فليح بن سليمان) قال: الواقدي: اسمه عبد الملك، وفليح، لقب غلب عليه. وسقط: ابن سليمان، عند أبي ذر، قال: (حدّثنا هلال بن علي) هو: ابن أسامة العامري (عن أنس) هو: ابن مالك (رضي الله عنه، قال): (شهدنا بنت رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، أم كلثوم زوج عثمان بن عفان (ورسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، جالس على) جانب (القبر) -الجملة اسمية حالية (فرأيت عينيه تدمعان) بفتح الميم، وفيه جواز البكاء حيث لا صياح، ولا غيره. مما ينكر شرعًا، كما سبق (فقال): (هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة) بالقاف والفاء، أي: لم يجامع أهله، ومثله في الكناية قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] وقد كان من عادة أدب القرآن أن يكني عن الجماع باللمس لبشاعة التصريح، فعكس، فكني عن الجماع بالرفث، وهو أبشع تقبيحًا لفعلهم لينزجروا عنه، وكذلك كني في هذا الحديث عن المباح بالمحظور لصون جانب بنت الرسول عما ينبئ عن الأمر المستهجن (فقال أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري: (أنا) لم أقارف الليلة (قال) عليه الصلاة والسلام: (فأنزل في قبرها). ففيه: أنه لا ينزل الميت في قبره إلا الرجال متى وجدوا، وإن كان الميت امرأة، بخلاف النساء لضعفهن عن ذلك غالبًا، ولأنه معلوم أنه كان لبنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، محارم من النساء، كفاطمة، وغيرها. نعم، يندب لهن كما في شرح المهذّب: أن يلين حمل المرأة من مغتسلها إلى النعش، وتسليمها إلى من في القبر، وحل ثيابها فيه. وقد كان عثمان أولى بذلك من أبي طلحة لأن الزوج أحق من غيره بمواراة زوجته، وإن خالط غيرها تلك الليلة، وإن لم يكن له حق في الصلاة، لأن منظوره أكثر. لكن عثمان، رضي الله عنه، قارف تلك الليلة، فباشر جارية له، وبنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- محتضرة، فلم يعجبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كونه شغل عن المحتضرة بذلك، لصيانة جلالة محل ابنته، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ورضي عنها. قال ابن المنير: ففيه خصوصية. (قال: فنزل) أبو طلحة (في قبرها، فقبرها) أي: لحدها. وسقط قوله: فقبرها، عند الأصيلي، وأبي ذر، وابن عساكر. (قال ابن مبارك) عبد الله. ولأبي ذر: قال ابن المبارك، بالتعريف أي: مما وصله الإسماعيلي: (قال فليح) يعني: ابن سليمان: (أراه) بضم الهمزة، أي أظنه (يعني) بقوله: يقارف (الذنب). لكن المرجح التفسير الأول، ويؤيده ما في بعض الروايات بلفظ: لا يدخل القبر أحد قارف أهله البارحة. فتنحى عثمان، رضي الله عنه، وقد قال ابن حزم: معاذ الله أن يتبجح أبو طلحة عند رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بأنه لم يذنب تلك الليلة، لكن أنكر الطحاوي تفسيره: بالجماع، وقال: بل معناه: لم يقاول، لأنهم كانوا يكرهون الحديث بعد العشاء. (قال أبو عبد الله) البخاري مؤيدًا لقول ابن المبارك، عن فليح: ({ليقترفوا}) [الأنعام: 113] معناه: (أي ليكتسبوا). أو أراد المؤلّف بذلك توجيه الكلام المذكور، وأن لفظ: المقارفة في

73 - باب الصلاة على الشهيد

الحديث أريد به ما هو أخص من ذلك؛ وهو الجماع، وهذا الذي فسر به الآية موافق لتفسير ابن عباس، ومشى عليه البيضاوي وغيره، فقال {وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام: 113] وسقط في رواية الحموي والمستملي، وثبت في رواية الكشميهني. 73 - باب الصَّلاَةِ عَلَى الشَّهِيدِ (باب) حكم (الصلاة على الشهيد) وهو: المقتول في معركة الكفار، لو كان امرأة، أو رقيقًا، أو صبيًا، أو مجنونًا. وقد خرج بالتقييد: بالمعركة، من جرح وعاش بعد ذلك حياة مستقرة، وخرج من سمي شهيدًا بسبب غير السبب المذكور كالغريق، والمبطون، والمطعون، فتسميتهم شهداء باعتبار الثواب في الآخرة، فقط. 1343 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ فِي دِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ". [الحديث 1343 - أطرافه في: 1345، 1346، 1347، 1348، 1353، 4079]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي، قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الفهمي (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك) الأنصاري السلمي (عن جابر بن عبد الله الأنصاري)، رضي الله عنهما، قال الحافظ ابن حجر: كذا يقول الليث، عن ابن شهاب عن عبد الرحمن، عن جابر. قال النسائي: لا أعلم أحدًا من ثقات أصحاب ابن شهاب تابع الليث على ذلك، ثم ساقه من طريق عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن ثعلبة. فذكر الحديث مختصرًا. وكذا أخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق، والطبراني من طريق عبد الرحمن بن إسحاق وعمرو بن الحرث، كلهم، عن ابن شهاب، عن عبد الله بن ثعلبة، وعبد الله له رؤية، فحديثه من حيث السماع مرسل. وقد رواه عبد الرزاق عن معمر، فزاد فيه جابرًا، وهو مما يقوي اختيار البخاري، فإن ابن شهاب صاحب حديث، فيحمل على أن الحديث عنده عن شيخين، ولا سيما أن في رواية عبد الرحمن بن كعب ما ليس في رواية عبد الله بن ثعلبة. وعلى ابن شهاب فيه اختلاف آخر، رواه أسامة بن زيد الليثي، عنه، عن أنس، أخرجه أبو داود والترمذي. وأسامة سيئ الحفظ، وقد حكى الترمذي في العلل عن البخاري: أن أسامة غلط في إسناده وأخرجه البيهقي من طريق عبد الرحمن بن عبد العزيز الأنصاري، عن ابن شهاب، فقال: عن عبد الرحمن بن كعب، عن أبيه: وابن عبد العزيز ضعيف. وقد أخطأ في قوله: عن أبيه، وقد ذكر البخاري فيه اختلافًا آخر كما سيأتي بعد بابين اهـ. (قال) أي: جابر: (كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يجمع بين الرجلين من قتلى) غزوة (أحد في ثوب واحد) إما بأن يجمعهما فيه، وإما بأن يقطعه بينهما. وقال المظهري قوله: في ثوب واحد، أي في قبر واحد، إذ لا يجوز تجريدهما في ثوب واحد بحيث تتلاقى بشرتاهما، بل ينبغي أن يكون على كل واحد منهما ثيابه الملطخة بالدم، وغيرها. ولكن يضجع أحدهما بجنب الآخر في قبر واحد، (ثم يقول) عليه الصلاة والسلام: (أيهم) أي: أي القتلى. وللحموي والمستملي: أيهما، أي: أي الرجلين (أكثر أخذًا للقرآن؟) بالنصب على التمييز في: أخذًا (فإذا أشير له) عليه الصلاة والسلام (إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال) عليه الصلاة والسلام (أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة). قال المظهري: أي: أنا شفيع لهؤلاء، وأشهد لهم بأنهم بذلوا أرواحهم، وتركوا حياتهم لله تعالى. اهـ. وتعقبه الطيبي: بأن هذا الذي قاله لا يساعد عليه تعدية الشهيد بعلى، لأنه لو أريد ما قال لقيل: أنا شهيد لهم، فعدل عن ذلك لتضمين: شهيد، معنى: رقيب وحفيظ، أي: أنا حفيظ عليهم، أراقب أحوالهم وأصونهم من المكاره، وشفيع لهم، ومنه قوله تعالى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المجادلة: 6 والبروج: 9] {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117]. (وأمر) عليه الصلاة والسلام (بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا، ولم يصل عليهم) بفتح اللام، أي: لم يفعل ذلك بنفسه، ولا بأمره. وعند أحمد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: لا تغسلوهم، فإن كل جرح، أو كلم، أو دم يفوح مسكًا يوم القيامة. ولم يصل عليهم، والحكمة في ذلك إبقاء أثر الشهادة عليهم، والتعظيم لهم، باستغنائهم عن دعاء القوم، وقد اختلف في الصلاة على الشهيد المقتول في المعركة، فمذهب الشافعية، أنها حرام وبه قال مالك، وأحمد، وقال بعض الشافعية: معناه لا تجب عليهم لكن تجوز. وفي هذا الحديث:

التحديث والعنعنة والقول، وشيخ المؤلّف تنيسي، والليث مصري وابن شهاب وشيخه مدنيان، وفيه: رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه أيضًا في: الجنائز، وكذا الترمذي، وقال: صحيح. والنسائي وابن ماجة. 1344 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ، أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا". [الحديث 1344 - أطرافه في: 3596، 4042، 4085، 6426، 6590]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي، قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام، قال (حدّثني) بالإفراد (يزيد بن أبي حبيب) المصري، واسم أبيه سويد (عن أبي الخير) يزيد بن عبد الله اليزني (عن عقبة بن عامر) بضم العين وسكون القاف، الجهني، رضي الله عنه. (أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، خرج يومًا، فصلّى على أهل أحد) الذين استشهدوا في وقعته، في شوّال سنة ثلاث (صلاته على الميت) بنصب صلاته، أي: مثل صلاته على الميت زاد: في غزوة أحد، من طريق حيوة بن شريح، عن يزيد: بعد ثمان سنين، كالمودّع للأحياء والأموات، لكن في قوله: بعد ثمان سنين تجوّز، لأن وقعة أحد كانت في شوّال سنة ثلاث، كما مر. ووفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ربيع الأول سنة إحدى عشرة وحينئذ فيكون بعد سبع سنين ودون النصف فهو من باب: جبر الكسر. والمراد أنه، عليه الصلاة والسلام، دعا لهم بدعاء صلاة الميت، وليس المراد صلاة الميت المعهودة، كقوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] والإجماع يدل له، لأنه لا يصلّى عليه عندنا، وعند أبي حنيفة، المخالف لا يصلّى على القبر بعد ثلاثة أيام. فإن قلت: حديث جابر لا يحتج به لأنه نفي، وشهادة النفي مردودة مع ما عارضها في خبر الإثبات. أجيب: بأن شهادة النفي إنما تردّ إذا لم يحط بها علم الشاهد، ولم تكن محصورة. وإلاّ فتقبل بالاتفاق. وهذه قضية معينة، أحاط بها جابر وغيره علمًا. وأما حديث الإثبات فتقدم الجواب عنه، وأجاب الحنفية: بأنه تجوز الصلاة على القبر ما لم يتفسخ الميت، والشهداء لا يتفسخون، ولا يحصل لهم تغير، فالصلاة عليهم لا تمتنع أي وقت كان. وأول أبو حنيفة الحديث في ترك الصلاة عليهم يوم أحد على معنى اشتغاله عنهم، وقلة فراغه لذلك، وكان يومًا صعبًا على المسلمين، فعذروا بترك الصلاة عليهم يومئذ. وقال ابن حزم الظاهري: إن صلي على الشهيد فحسن، وإن لم يصل عليه فحسن، واستدلّ بحديثي جابر وعقبة، وقال: ليس يجوز أن يترك أحد الأثرين المذكورين للآخر، بل كلاهما حق مباح، وليس هذا مكان نسخ لأن استعمالهما معًا ممكن في أحوال مختلفة. (ثم انصرف إلى المنبر) ولمسلم، كالمؤلّف في المغازي: ثم صعد المنبر كالمودعّ للأحياء والأموات (فقال: إلي فرط لكم) بفتح الفاء والراء، هو: الذي يتقدم الواردة ليصلح لهم الحياض والدلاء، ونحوهما. أي: أنا سابقكم إلى الحوض، كالمهيئ له لأجلكم. وفيه إشارة إلى قرب وفاته عليه الصلاة والسلام. وتقدمه على أصحابه، ولذا قال: كالمودع للأحياء والأموات (وأنا شهيد عليكم) أشهد عليكم بأعمالكم، فكأنه باق معهم لم يتقدمهم، بل يبقى بعدهم حتى يشهد بأعمال آخرهم، فهو عليه الصلاة والسلام قائم بأمرهم في الدارين، في حال حياته وموته. وفي حديث ابن مسعود عند البزار، بإسناد جيد، رفعه: حياتي خير لكم، ووفاتي خير لكم، تعرض علي أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شرّ استغفرت الله لكم (وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن) نظرًا حقيقيًّا بطريق الكشف (وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض) شك الراوي، فيه إشارة إلى ما فتح على أمته من الملك والخزائن من بعده (وإني والله أخاف عليكم أن تشركوا بعدي) أي: ما أخاف على جميعكم الإشراك، بل على مجموعكم، لأن ذلك قد وقع من بعض (ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيهم) بإسقاط إحدى تاءي: تنافسوا، والضمير: لخزائن الأرض، المذكورة، أو للدنيا، المصرح بها في مسلم كالمؤلّف في المغازي، بلفظ: ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها، والمنافسة في الشيء الرغبة فيه، والانفراد به. ورواة هذا الحديث كلهم مصريون، وهو من أصح الأسانيد، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي، والتحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا: في: علامات النبوة، وفي: المغازي،

74 - باب دفن الرجلين والثلاثة في قبر

و: ذكر الحوض، ومسلم في: فضائل النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبو داود في: الجنائز وكذا النسائي. 74 - باب دَفْنِ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلاَثَةِ فِي قَبْرٍ (باب) جواز (دفن الرجلين والثلاثة) فأكثر (في قبر) ولأبي ذر، زيادة: واحد، أي عند الضرورة بأن كثر الموتى، وعسر إفراد كل ميت بقبر واحد. 1345 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ". وبالسند قال: (حدّثنا سعيد بن سليمان) الملقب بسعدويه البزار، قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام، قال: (حدّثنا ابن شهاب) الزهري (عن عبد الرحمن بن كعب) بن مالك (أن جابر بن عبد الله) الأنصاري (رضي الله عنهما أخبره): (أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد) في ثوب واحد، وهو مستلزم للجمع في القبر، فهو دال على الترجمة، لكن ليس فيه لفظ الثلاثة. نعم، في حديث هشام بن عامر الأنصاري، عند أصحاب السنن، مما ليس على شرط المؤلّف جاءت الأنصار إلى رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يوم أحد، فقالوا: أصابنا جهد. قال: احفروا، ووسعوا، واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر. فلعل المصنف أشار إلى ذلك. وفي هذا الحديث التصريح بأن ذلك إنما فعل للضرورة، وحينئذ فالمستحب في حال الاختيار أن يدفن كل ميت في قبر واحد، فلو جمع اثنان في قبر، واتحد الجنس: كرجلين وامرأتين، كره عند الماوردي، وحرم عند السرخسي، ونقله عنه النووي في شرح المهذّب مقتصرًا عليه، قال السبكي: لكن الأصح الكراهة، أو نفي الاستحباب، أما التحريم فلا دليل عليه. اهـ. وأما إذا لم يتحد الجنس: كرجل وامرأة، فإن دعت ضرورة شديدة لذلك جاز، وإلا فيحرم، كما في الحياة. ومحل ذلك إذا لم يكن بينهما محرمية، أو زوجية، وإلاّ فيجوز الجمع صرح به ابن الصباغ، وغيره، كما قاله ابن يونس، ويحجز بين الميتين مطلقًا بتراب، ندبًا، والقياس أن الصغير الذي لم يبلغ حد الشهوة كالمحرم، بل وأن الخنثى مع الخنثى، أو غيره كالأنثى مع الذكر مطلقًا. وقال أبو حنيفة ومالك: لا بأس أن يدفن الرجل والمرأة في القبر الواحد. 75 - باب مَنْ لَمْ يَرَ غَسْلَ الشُّهَدَاءِ (باب من لم ير غسل الشهداء) ولو كان الشهيد جنبًا، أو حائضًا أو نفساء. 1346 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ادْفِنُوهُمْ فِي دِمَائِهِمْ، يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي، قال: (حدّثنا ليث) بلام واحد، هو: ابن سعد الفهمي الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبد الرحمن بن كعب) ولأبي ذر، زيادة: ابن مالك، (عن جابر) هو: ابن عبد الله، رضي الله عنه، (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ادفنوهم) بكسر الفاء والهمزة همزة وصل في اليونينية، أي: المستشهدين (في دمائهم يعني يوم أحد، ولم يغسلهم) إبقاء لأثر الشهادة عليهم، وقوله: يغسلهم، بضم أوّله وفتح ثانيه وتشديد ثالثه، ولأبي ذر: ولم يغسلهم بفتح أوّله وسكون ثانيه وتخفيف ثالثه، واستدلّ بعمومه على أن الشهيد لا يغسل، حتى ولا الجنب، والحائض، وهو الأصح عند الشافعية. وفي حديث أحمد عن جابر أيضًا أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال في قتلى أحد: "لا تغسلوهم فإن كل جرح أو كلم أو دم يفوح مسكًا يوم القيامة" ولم يصل عليهم. فبين الحكمة في ذلك. وفي حديث ابن حبان والحاكم، في صحيحهما: أن حنظلة بن الراهب قتل يوم أحد وهو جنب، ولم يغسله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال: رأيت الملائكة تغسله. فلو كان واجبًا لم يسقط إلا بفعلنا، ولأنه طهر عن حدث فسقط بالشهادة كغسل الميت فيحرم. وقال الحسن البصري وسعيد بن المسيب، فيما رواه ابن أبي شيبة: يغسل الشهيد. 76 - باب مَنْ يُقَدَّمُ فِي اللَّحْدِ وَسُمِّيَ اللَّحْدَ لأَنَّهُ فِي نَاحِيَةٍ وَكُلُّ جَائِرٍ مُلْحِدٌ. {مُلْتَحَدًا}: مَعْدِلاً. وَلَوْ كَانَ مُسْتَقِيمًا كَانَ ضَرِيحًا. (باب من يقدم) من الموتى (في اللحد) وهو بفتح اللام وضمها، يقال: لحدت الميت وألحدت له، وأصله: الميل لأحد الجانبين. قال المؤلّف: (وسمي: اللحد لأنه) شق بعمل (في ناحية) من القبر مائلاً عن استوائه، بقدر ما يوضع فيه الميت في جهة القبلة (وكل جائر ملحد) لأنه مال وعدل ومارى وجادل. وسقط: وكل جائر ملحد، لأبي ذر، وقال المؤلّف أيضًا في قوله تعالى: {وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الكهف: 27] أي: (معدلاً) قاله أبو عبيدة في كتاب: المجاز، أي: ملتجأ تعدل إليه إن هممت به. (ولو كان) القبر أو الشق (مستقيمًا) غير مائل إلى ناحية (كان) وللحموي والمستملي: لكان (ضريحًا) بالضاد المعجمة، لأن

77 - باب الإذخر والحشيش في القبر

الضريح شق في الأرض على الاستواء. 1347 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ وَقَالَ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ. وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ". وبالسند قال: (حدّثنا ابن مقاتل) المروزي، ولأبي ذر: محمد بن مقاتل، قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي، قال: (أخبرنا ليث) بلام واحد، ولأبي ذر: الليث (بن سعد) الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن شهاب) الزهري (عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (رضي الله عنهما). (أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يجمع بين الرجلين من قتلى) غزوة (أحد في ثوب واحد، ثم يقول: أيهم) أي: أي القتلى (أكثر أخذًا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد) مما يلي القبلة، وحق لقارئ القرآن الذي خالط لحمه ودمه وأخذ بمجامعه، أن يقدم على غيره في حياته في الإمامة، وفي مماته في القبر. وفيه: تقديم الأفضل، فيقدم الرجل ولو أميًّا، ثم الصبي، ثم الخنثى، ثم المرأة. فإن اتحد النوع قدم بالأفضلية المعروفة في نظائره: كالأفقه والأقرأ، إلا الأب فيقدم على الابن وإن فضله الابن لحرمة الأبوة، وكذا الأم مع البنت. (وقال) عليه الصلاة والسلام: (أنا شهيد على هؤلاء) أي: حفيظ عليهم، أراقب أحوالهم، وشفيع لهم (وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصل) عليه الصلاة والسلام (عليهم ولم يغسلهم) بضم أوله وفتح ثانيه، والحكمة في ذلك إبقاء أثر الشهادة عليهم. ولأبي ذر، ولم يغسلهم، بفتح أوله وسكون ثانيه. 1348 - قال ابنُ المبارَكِ: وَأَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لِقَتْلَى أُحُدٍ: أَيُّ هَؤُلاَءِ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى رَجُلٍ قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ قَبْلَ صَاحِبِهِ -وَقَالَ جَابِرٌ- فَكُفِّنَ أَبِي وَعَمِّي فِي نَمِرَةٍ وَاحِدَةٍ". وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا مَنْ سَمِعَ جَابِرًا - رضي الله عنه. (قال) عبد الله (بن المبارك) ولأبي ذر: وأخبرنا ابن المبارك، وهو بالإسناد الأول: محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد الله، أخبرنا الأوزاعي عن الزهري. (وأخبرنا الأوزاعي) عبد الرحمن (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال): (كان رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول لقتلى أحد: أي هؤلاء) القتلى (أكثر أخذًا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى رجل قدمه في اللحد قبل صاحبه). وهذا منقطع لأن ابن شهاب لم يسمع من جابر (-وقال جابر-) المذكور: (فكفن أبي) عبد الله بن عمرو بن حرام (وعمي) عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام، وسماه: عمّا تعظيمًا له، وليس هو عمه، بل ابن عمه وزوج أخته، هند بنت عمرو (في نمرة واحدة) بفتح النون وكسر الميم، بردة من صوف أو غيره، مخططة. وذكر الواقدي وابن سعد: أنهما كفنا في نمرتين، فإن صح حمل على أن النمرة الواحدة شقت بينهما نصفين. وفي طبقات ابن سعد: أن ذلك كان بأمر رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولفظه، قالوا: وكان عبد الله بن عمرو بن حرام أول قتيل قتل من المسلمين يوم أحد، قتله سفيان بن عبد شمس. وقال رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كفنوا عبد الله بن عمرو، وعمرو بن الجموح في نمرة واحدة. لما كان بينهما من الصفاء. وقال: ادفنوا هذين المتحابين في الدنيا في قبر واحد. (وقال سليمان بن كثير) بالمثلثة العبدي، مما وصله الذهلي في الزهريات: (حدّثني الزهري) قال: (حدّثني) بالإفراد فيهما (من سمع جابرًا رضي الله عنه) هو المسمى في رواية الليث، وهو: عبد الرحمن بن كعب بن مالك. وبهذا التفسير يمكن نفي الاضطراب الذي أطلقه الدارقطني في هذا الحديث عنه، وأما رواية الأوزاعي المرسلة، فتصرف فيها بحذف الواسطة، وإنما أخرجها مع انقطاعها لأن الحديث عنده عن عبد الله بن المبارك، عن الليث، والأوزاعي جميعًا عن الزهري، فأسقط الأوزاعي عبد الرحمن بن كعب، وأثبته الليث. وهما في الزهري سواء. وقد صرحا جميعًا بسماعهما له منه، فقبل زيادة الليث لثقته، ثم قال بعد ذلك: ورواه سليمان بن كثير، عن الزهري، عمن سمع جابرًا. وأراد بذلك إثبات الواسطة بين الزهري وجابر فيه في الجملة، وتأكيد رواية الليث بذلك، وقد رد هذا بأن الاختلاف على الثقات والإبهام مما يورث الاضطراب، ولا يندفع ذلك بما ذكر، والله أعلم. 77 - باب الإِذْخِرِ وَالْحَشِيشِ فِي الْقَبْرِ (باب) استعمال (الإذخر) بكسر الهمزة، وسكون الذال المعجمة، نبت طيب الرائحة (والحشيش) إلحاقًا له بالإذخر في الفرج التي تتخلل بين اللبنات (في القبر) واستعماله فيه بالبسط ونحوه، لا التطيب. 1349 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ قال حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ لأَحَدٍ بَعْدِي، أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ: لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُعَرِّفٍ. فَقَالَ الْعَبَّاسُ -رضي الله عنه- إِلاَّ الإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا. فَقَالَ: إِلاَّ الإِذْخِرَ». وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا». وَقَالَ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" مِثْلَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ". [الحديث 1349 - أطرافه في: 1587، 1833، 1834، 2090، 2433، 2783، 2825، 3077، 3189، 4313]. وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن حوشب) بفتح المهملة والشين المعجمة، بينهما واو ساكنة آخره موحدة. الطائفي (قال: حدّثنا

78 - باب هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة؟

عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (قال: حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال) يوم فتح مكة: (حرم الله عز وجل مكة) أي: جعلها حرامًا يوم خلق السماوات والأرض، (فلم تحل لأحد قبلي، ولا لأحد) ولأبي الوقت، من غير اليونينية: ولا تحل لأحد (بعدي، أحلت لي) أي: أبيح لي القتال فيها (ساعة من نهار) وهي من ضحوة النهار إلى ما بعد العصر، كما في كتاب الأموال لأبي عبيدة؛ وللحموي والمستملي: أحلت له ساعة من النهار، (لا يختلى) بضم أوله وسكون ثانيه المعجم وفتح لامه (خلاها) بالقصر وفتح الخاء المعجمة، لا يجز ولا يقطع كلؤها الرطب الذي نبت بنفسه. (ولا يعضد) بضم أوّله وفتح ثالثه، أي: لا يكسر (شجرها، ولا ينفر صيدها) أي: لا يزعج من مكانه (ولا تلتقط لقطتها) بفتح القاف وسكونها، أي: لا ترفع ساقطتها (إلا لمعرف) يعرفها، ولا يأخذها للتمليك بخلاف سائر البلدان. (فقال العباس، رضي الله عنه: إلا الإذخر لصاغتنا وقبورنا) أي: ليكن هذا استثناء من الكلأ يا رسول الله، (فقال)، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، باجتهاد أو وحي إليه في الحال (إلا الإذخر) وسقط: إلا، لابن عساكر. ويجوز أن يكون أوحي إليه قبل ذلك أنه: إن طلب منك أحد استثناء شيء فاستثن. والإذخر بالرفع على البدل، والنصب على الاستثناء لكونه واقعًا بعد النفي. لكن المختار، كما قاله ابن مالك، نصبه. إما لكون الاستثناء متراخيًا عن المستثنى منه، فتفوت المشاكلة بالبدلية، وإما لكون الاستثناء عرض في آخر الكلام، ولم يكن مقصودًا أولاً. (وقال أبو هريرة رضي الله عنه) مما وصله المؤلّف في كتاب: العلم (عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لقبورنا وبيوتنا) ولفظه: إن خزاعة قتلوا رجلاً من بني ليث، عام فتح مكة، بقتيل منهم قتلوه. فأخبر بذلك النبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فركب راحلته، فخطب فقال: إن الله حبس عن مكة القتل أو الفيل ... الحديث، وفيه: فقال رجل من قريش إلا الإذخر يا رسول الله، فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا أي: لحاجة سقف بيوتنا نجعله فوق الخشب، ولحاجة قبورنا في سد الفرج التي بين اللبنات والفرش، ونحوه. فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إلا الإذخر. (قال أبان بن صالح) هو: ابن عمير بن عبيد القرشي، مما وصله ابن ماجة من طريقه (عن الحسن بن مسلم) هو: ابن يناق، بفتح التحتية وتشديد النون آخره قاف المكي (عن صفية بنت شيبة) بن عثمان بن أبي طلحة، العبدرية: (سمعت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مثله). أي: يذكر البيوت والقبور، وقولها: سمعت بسكون العين، ولأبي ذر: سمعت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بفتح العين وكسر التاء لالتقاء الساكنين. واختلف في صحبة صفية هذه وأبعد من قال: لا رؤية لها، وقد صرح هنا بسماعها من النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد أخرج ابن منده، من طريق محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن ثور، عن صفية بنت شيبة، قالت: والله لكأني أنظر إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حين دخل الكعبة ... الحديث. (وقال مجاهد، عن طاوس) مما هو موصول في: الحج (عن ابن عباس، رضي الله عنهما لقينهم) بفتح القاف وسكون التحتية، أي: فإنه لحاجة حدّادهم (و) حاجة (بيوتهم). أورده لقوله: لقينهم، بدل قوله: لقبورهم، ولعله أشار إلى ترجيح الرواية الأولى لموافقة رواية أبي هريرة وصفية. 78 - باب هَلْ يُخْرَجُ الْمَيِّتُ مِنَ الْقَبْرِ وَاللَّحْدِ لِعِلَّةٍ؟ (باب) بالتنوين (هل يخرج الميت من القبر واللحد) بعد دفنه (لعلة) كأن دفن بلا غسل، أو في كفن مغصوب، أو لحقه بعد الدفن سيل. 1350 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ وَكَانَ كَسَا عَبَّاسًا قَمِيصًا. قَالَ سُفْيَانُ وَقَالَ أَبُو هَارُونَ: وَكَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَمِيصَانِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلْبِسْ أَبِي قَمِيصَكَ الَّذِي يَلِي جِلْدَكَ. قَالَ سُفْيَانُ: فَيُرَوْنَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَلْبَسَ عَبْدَ اللَّهِ قَمِيصَهُ مُكَافَأَةً لِمَا صَنَعَ". وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني، قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال عمرو) بفتح العين، هو: ابن دينار: (سمعت جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال): (أتى رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عبد الله بن أبي) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد المثناة التحتية (بعدما أدخل حفرته) أي: قبره، وكان رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قد عاده في مرضه، فقال له: يا رسول الله، إن مت فاْحضر غسلي وأعطني قميصك الذي يلي جسدك، فكفني فيه، وصلِّ علي واستغفر لي. (فأمر به) رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ-، (فأخرج) من قبره (فوضعه) عليه الصلاة والسلام (على ركبتيه) بالتثنية (ونفث عليه) وللحموي والمستملي: ونفث فيه (من ريقه). والنفث، بالمثلثة شبيه بالنفخ. وهو أقل من التفل، قاله في الصحاح، والمحكم، زاد ابن الأثير في نهايته: لأن التفل لا يكون إلا ومعه شيء من الريق، وقيل: هما سواء أي: يكون معهما ريق. (وألبسه قميصه، فالله أعلم). وفي نسخة: والله أعلم، بالواو، جملة معترضة: أي فالله أعلم بسبب إلباس رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إياه قميصه، لأن مثل هذا لا يفعل إلا مع مسلم. وقد كان يظهر من عبد الله هذا ما يقتضي خلاف ذلك، لكنه عليه الصلاة والسلام، اعتمد ما كان يظهر منه من الإسلام، وأعرض عما كان يتعاطاه، مما يقتضي خلاف ذلك. حتى نزل قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84] كما سبق. (وكان) عبد الله (كسا عباسًا) عم النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قميصًا) وللكشميهني: قميصه لما أسر في بدر، ولم يجدوا له قميصًا يصلح له، لأنه كان طويلاً، إلا قميص ابن أبي. (قال سفيان) بن عيينة (وقال أبو هريرة) كذا في كثير من الروايات، ومستخرج أبي نعيم وهو تصحيف، وفي رواية أبي ذر وغيرها: وقال أبو هارون، وهو كذلك عند الحميدي، في الجمع بين الصحيحين، وجزم المزي بأنه: موسى بن أبي عيسى الحناط، بمهملة ونون المدني الغفاري، واسم أبيه: ميسرة، وقمِل: هو الغنوي، واسمه إبراهيم بن العلاء من شيوخ البصرة، وكلاهما من أتباع التابعين. فالحديث معضل. (وكان على رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قميصان. فقال له) أي للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ابن عبد الله) هو عبد الله أيضًا، سماه به النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكان اسمه: الحباب: (يا رسول الله، ألبس) بفتح الهمزة وكسر الموحدة (أبي) عبد الله بن أبي (قميصك الذي يلي جلدك). (قال سفيان) بن عيينة مما وصله المؤلّف في كسوة الأسارى من أواخر الجهاد: (فيرون) بضم المثناة التحتية (أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ألبس عبد الله) بن أبي (قميصه مكافأة) بغير همزة في اليونينية (لما صنع) مع عمه العباس، فجازاه من جنس فعله. 1351 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا حَضَرَ أُحُدٌ دَعَانِي أَبِي مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ: مَا أُرَانِي إِلاَّ مَقْتُولاً فِي أَوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَإِنِّي لاَ أَتْرُكُ بَعْدِي أَعَزَّ عَلَىَّ مِنْكَ، غَيْرَ نَفْسِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَإِنَّ عَلَىَّ دَيْنًا، فَاقْضِ، وَاسْتَوْصِ بِأَخَوَاتِكَ خَيْرًا. فَأَصْبَحْنَا، فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ، وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِي قَبْرٍ، ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الآخَرِ فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً، غَيْرَ أُذُنِهِ". [الحديث 1351 - طرفه في: 1352]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد قال: (أخبرنا) ولأبي الوقت: حدّثنا (بشر بن المفضل) بكسر الموحدة، وسكون المعجمة في الأول، وضم الميم وفتح الفاء وتشديد الضاد المعجمة في الآخر، قال: (حدّثنا حسين المعلم عن عطاء) هو: ابن أبي رباح (عن جابر) هو: ابن عبد الله (رضي الله عنه) كذا أخرجه المؤلّف: عن مسدد، عن بشر بن المفضل، عن حسين. إلا أبا علي بن السكن وحده، فإنه قال في روايته: عن شعبة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن جابر. وأخرجه أبو نعيم من طريق أبي الأشعث، عن بشر بن المفضل، فقال: سعيد بن يزيد عن أبي نضرة، عن جابر. وقال بعده: ليس أبو نضرة من شرط البخاري. قال: وروايته عن حسين، عن عطاء عزيزة جدًّا وأخرجه أبو داود، وابن سعد، والحاكم، والطبراني من طريقه، عن أبي نضرة عن جابر. وأبو نضرة هو: المنذر بن مالك العبدي. ولفظ رواية أبي داود: حدّثنا سليمان بن حرب، حدّثنا حماد بن زيد، عن سعيد بن يزيد، عن أبي نضرة، عن جابر، قال: دفن مع أبي رجل، وكان في نفسي من ذلك حاجة، فأخرجته بعد سبعة أشهر، فما أنكرت منه شيئًا إلا شعرات كن في لحيته مما يلي الأرض. (قال) جابر: (لما حضر أحد) أي: وقعته في سنة ثلاث من الهجرة (دعاني أبي) عبد الله (من الليل، فقال: ما أراني) بضم الهمزة، أي: ما أظنني، أي ما أظن نفسي (إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، وفي المستدرك للحاكم، عن الواقدي: أن سبب ظنه ذلك منام رآه، وذلك أنه رأى مبشر بن عبد المنذر، وكان ممن استشهد ببدر يقول له: أنت قادم علينا في هذه الأيام، فقصها على النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال هذه شهادة. (وإني لا أترك بعدي أعز علي منك، غير نفس رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فإن علي) بالفاء، ولأبوي ذر، والوقت، وإن علي (دينًا فاقض) بحذف ضمير المفعول وفي رواية الحاكم: فاقضه، (واستوص) أي: اطلب الوصية (بأخواتك خيرًا) وكان له تسع أخوات (فأصبحنا، فكان)

79 - باب اللحد والشق في القبر

أبي (أول قتيل) قتل ودفن (ودفن معه آخر) هو: عمرو بن الجموح بن زيد الأنصاري، وكان صديق عبد الله، والد جابر، ولأبي ذر: ودفنت بفتح الدال أي: دفنته ودفنت معه رجلاً آخر، بالنصب على المفعول (في قبر) واحد، ولأبوي الوقت، وذر: في قبره (ثم لم تطب نفسي أن أتركه) أن مصدرية، أي: لم تطب نفسي بتركه (مع الآخر) وهو: عمرو بن الجموح، كما مر، ولأبي الوقت: مع آخر، بالتنكير (فاستخرجته) من قبره (بعد ستة أشهر) من يوم دفنه (فإذا هو كيوم وضعته) فيه (هنية) بضم الهاء وفتح النون وتشديد المثناة التحتية. قال في القاموس: مصغرة هنة، أي: شيء يسير. قال: ويروى بإبدال الياء هاء. (غير أذنه) قال في المشارق: كذا في رواية أبي ذر، والجرجاني، والمروزي: هنية غير أذنه، بالتقديم والتأخير، وهو تغيير، وصوابه ما جاء في رواية ابن السكن، والنسفي: غير هنية في أذنه بتقديم غير، وزيادة: في. لكن حكى السفاقسي أن بعضهم ضبطه: هيئته، بفتح الهاء وسكون التحتية بعدها همزة ثم مثناة فوقية منصوبة ثم هاء الضمير أي: على حالته. قال: وبعضهم ضبطه بضم الهاء، ثم الياء المشددة تصغير: هنا، أي: قريبًا. قال في المصابيح: وهو وجه يستقيم الكلام به، ولا تقديم ولا تأخير اهـ. وقوله، هو، مبتدأ خبره: كيوم وضعته، والكاف بمعنى: المثل، واليوم بمعنى: الوقت، وانتصاب: هنية على الحال، والمعنى: استخرجت أبي من قبره، فإذا هو مثل الوقت الذي وضعته فيه، لم يتغير فيه شيء غير شيء يسير في أذنه، أسرع إليه البلاء، فتغير عن حاله. وقد أخرجه ابن السكن من طريق شعبة، عن أبي سلمة، بلفظ: غير أن طرف أذن أحدهم تغير، ولابن سعد، من طريق أبي هلال، عن أبي سلمة: إلا قليلاً من شحمة أذنه. ولأبي داود من طريق حماد بن زيد، عن أبي سلمة: إلا شعيرات كن من لحيته مما يلي الأرض. ويجمع بين هذه الرواية وغيرها بأن المراد الشعيرات التي تتصل بشحمة الأذن. ووقع في رواية الكشميهني: كيوم وضعته هنية عند أذنه، بلفظ: عند بالدال بدل: غير، لكن يبقى في الكلام نقص، وبينه ما في رواية ابن أبي خيثمة، والطبراني من طريق غسان بن نصر، عن أبي سلمة بلفظ: وهو كيوم دفنته إلا هنية عند أذنه. وعند أبي نعيم من طريق الأشعث: غير هنية عند أذنه، فجمع بين لفظ: غير، ولفظ: عند، وفي الكواكب، وفي بعضها: هيئة بالهمزة أي صورة. 1352 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "دُفِنَ مَعَ أَبِي رَجُلٌ، فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَخْرَجْتُهُ، فَجَعَلْتُهُ فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني، قال: (حدّثنا سعيد بن عامر) الضبعي (عن شعبة، عن ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم آخره حاء مهملة بينهما مثناة تحتية ساكنة، عبد الله، واسم أبي نجيح: يسار، بمثناة تحتية ومهملة مخففة (عن عطاء) هو: ابن أبي رباح (عن جابر) الأنصاري (رضي الله عنه) كذا في رواية الأكثرين، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء. وحكى الجياني: أنه وقع عند ابن السكن: عن مجاهد بدل عطاء، قال: والذي رواه غيره أصح، وكذا رواه النسائي، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن جابر، رضي الله عنه (قال): (دفن مع أبي) عبد الله (رجل) يسمى: عمرو بن الجموح في قبر واحد (فلم تطب نفسي) أن أتركه مع الآخر (حتى أخرجته) من ذلك القبر (فجعلته في قبر على حدة) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الدال المفتوحة بوزن عدة أي: على حياله منفردًا. 79 - باب اللَّحْدِ وَالشَّقِّ فِي الْقَبْرِ (باب اللحد والشق) الكائنين (في القبر). 1353 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْمَعُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ فَقَالَ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ". وبالسند قال: (حدّثنا عبدان) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة، لقب عبد الله بن عثمان المروزي، قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي، قال: (أخبرنا الليث بن سعد) الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن شهاب) الزهري (عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يجمع بين الرجلين) بالتعريف، ولغير أبوي ذر، والوقت: رجلين (من قتلى) غزوة (أُحد) في ثوب واحد، أو يشقه بينهما (ثم يقول: أيهم) أي: أي القتلى (أكثر أخذًا للقرآن فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، فقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة فأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يغسلهم). بضم أوله وتشديد ثالثه، ولأبي ذر:

80 - باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام؟

ولم يغسلهم، بفتح أوله وتخفيف ثالثه، وليس في الحديث ذكر: الشق، فاستشكلت المطابقة بينه وبين الترجمة. وأجيب: بأن قوله: قدمه في اللحد، يدل على الشق، لأن تقديم أحد الميتين يستلزم تأخير الآخر غالبًا في الشق، لمشقة تسوية اللحد، لمكان اثنين، وتقديمه اللحد على الشق في الترجمة يفيد أفضلية اللحد لكونه أستر للميت، ولقول سعد بن أبي وقاص في مرض موته: الحدوا لي لحدًا وانصبوا عليّ اللبن نصبًا، كما فعل برسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. رواه مسلم وقد روى السلفي، عن أبي بن كعب، مرفوعا: ألحد آدم وغسل بالماء وترًا وقالت الملائكة: هذه سنة ولده من بعده. وروى أبو داود: اللحد لنا والشق لغيرنا، قال التوربشتي، أي: اللحد، هو الذي نختاره والشق اختيار من كان قبلنا. وقال الزين العراقي: المراد بغيرنا: أهل الكتاب، كما ورد مصرحًا به في بعض طرق حديث جرير في مسند الإمام أحمد، والشق لأهل الكتاب، لكن الحديث ضعيف وليس فيه النهي عن الشق، غايته تفضيل اللحد. نعم، إذا كان المكان رخوًا فالشق أفضل خوف الانهيار، وقد أجمع العلماء، كما قاله في شرح المهذّب، على جوازهما. 80 - باب إِذَا أَسْلَمَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ هَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهَلْ يُعْرَضُ عَلَى الصَّبِيِّ الإِسْلاَمُ؟ وَقَالَ الْحَسَنُ وَشُرَيْحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ: إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَالْوَلَدُ مَعَ الْمُسْلِمِ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- مَعَ أُمِّهِ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَبِيهِ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ وَقَالَ: الإِسْلاَمُ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى. (باب) بالتنوين (إذا أسلم الصبي فمات) قبل البلوغ (هل يصلّى عليه) أم لا؟ (وهل يعرض على الصبي الإسلام). (وقال الحسن) البصري، (وشريح) بضم الشين المعجمة مصغرًا، مما أخرجه البيهقي عنهما (و) قال: (إبراهيم) النخعي (وقتادة)، مما وصله عبد الرزاق عنهما، (إذا أسلم أحدهما) أي: أحد الوالدين (فالولد مع المسلم) منهما. (وكان ابن عباس، رضي الله عنهما: مع أمه) لبابة بنت الحرث الهلالية (من المستضعفين)، وهذا وصله المؤلّف في الباب، بلفظ: كنت أنا وأمي من المستضعفين، وهم الذين أسلموا بمكة، وصدهم المشركون عن الهجرة، فبقوا بين أظهرهم مستضعفين، يلقون منهم الأذى الشديد. (ولم يكن) أي ابن عباس (مع أبيه على دين قومه) المشركين. وهذا قاله المصنف تفقهًا، وهو مبني على أن إسلام العباس كان بعد وقعة بدر، والصحيح أنه أسلم عام الفتح، وقدم مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فشهد الفتح. (وقال: الإسلام يعلو ولا يعلى) مما وصله الدارقطني مرفوعًا، من حديث ابن عباس، فليس هو معطوفًا على ابن عباس. نعم، ذكره ابن حزم في المحلى، من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إذا أسلمت اليهودية أو النصرانية يفرق بينهما، الإسلام يعلو ولا يعلى. 1354 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَهْطٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ -وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ الْحُلُمَ- فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لاِبْنِ صَيَّادٍ: تَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ. فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَرَفَضَهُ وَقَالَ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ. فَقَالَ لَهُ: مَاذَا تَرَى؟ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ. ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا. فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ. فَقَالَ: اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ. فَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ". [الحديث 1354 - أطرافه في: 3055، 6173، 6618]. وبالسند قال: (حدّثنا عبدان) بفتح العين وسكون الموحدة، لقب عبد الله بن عثمان، قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله). (أن ابن عمر) أباه (رضي الله عنهما، أخبره): (أن) أباه (عمر) بن الخطاب (انطلق مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في رهط) قال في الصحاح: رهط الرجل: قومه وقبيلته. والرهط: ما دون العشرة من الرجال، ولا يكون فيهم امرأة، (قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة، أي: جهة (ابن صياد) بفتح الصاد المهملة وبعد المثناة التحتية المشددة ألف ثم دال مهملة، واسمه: صافي، كقاضي، وقيل: عبد الله، وكان من اليهود، وكانوا حلفاء بني النجار، وكان سبب انطلاق النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إليه ما رواه أحمد من طريق جابر، قال: ولدت امرأة من اليهود غلامًا ممسوحة عينه، والأخرى طالعة ناتئة، فأشفق النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن يكون هو الدجال. (حتى وجدوه) أي الرسول ومن معه من الرهط، والضمير المنصوب لابن صياد، ولأبي الوقت من غير اليونينية. وجده بالإفراد أي: وجد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابن صياد، حال كونه (يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة) بضم الهمزة والطاء، بناء من حجر كالقصر، وقيل، هو الحصن، ويجمع على آطام وبني مغالة، بفتح الميم والغين المعجمة الخفيفة، قبيلة من الأنصار (وقد قارب ابن صياد الحلم) بضم الحاء واللام، أي: البلوغ (فلم يشعر) أي: ابن صياد (حتى ضرب النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بيده ثم قال لابن صياد): (تشهد أني رسول الله؟)

بحذف همزة الاستفهام، فيه عرض الإسلام على الصبي الذي لم يبلغ، ومفهومه، أنه لم يصح إسلامه لما عرض -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإسلام على ابن صياد، وهو غير بالغ، ففيه مطابقة الحديث لجزأي الترجمة، كليهما. ولأبي ذر: لابن صائد، بتقديم الألف على التحتية، وكلاهما كان يدعى به (فنظر إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين) مشركي العرب، وكانوا لا يكتبون. أو: نسبة إلى أم القرى، وفيه إشعار بأن اليهود الذين كان منهم ابن صياد كانوا معترفين ببعثة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكن يدّعون أنها مخصوصة بالعرب، وفساد حجتهم واضح، لأنهم إذا أقروا برسالته استحال كذبه. فوجب تصديقه في دعواه الرسالة إلى كافة الناس. (فقال ابن صياد للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أتشهد) بإثبات همزة الاستفهام (أني رسول الله؟ فرفضه) النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بالضاد المعجمة، أي: ترك سؤاله أن يسلم ليأسه منه، وفي رواية أبي ذر، عن المستملي: فرفصه، بالصاد المهملة. وقال المازري: لعله: رفسه، بالسين المهملة، أي: ضربه برجله، لكن قال القاضي عياض: لم أجد هذه اللفظة بالصاد في جماهير اللغة. وقال الخطابي: فرصه، بحذف الفاء، بعد الراء. وتشديد الصاد المهملة، أي ضعثه حتى ضم بعضه إلى بعض. ومنه: {بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4] وللأصيلي، مما في الفتح: فرقصه، بالقاف بدل الفاء، ولعبدوس: فوقصه بالواو والقاف. (وقال) عليه الصلاة والسلام: (آمنت بالله وبرسله) قال البرماوي، كالكرماني: مناسبة هذا الجواب لقول ابن صياد: أتشهد أني رسول الله، أنه لما أراد أن يظهر للقوم كذبه في دعواه الرسالة، أخرج الكلام مخرج الإنصاف، أي آمنت برسل الله، فإن كنت رسولاً صادقًا غير ملبس عليك الأمر، آمنت بك. وإن كنت كاذبًا وخلط عليك الأمر فلا. لكنك خلط عليك الأمر فاخسأ ثم شرع يسأله عما يرى، (فقال له: ماذا ترى؟) وأراد باستنطاقه إظهار كذبه المنافي لدعواه الرسالة، (قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب) أي أرى الرؤيا ربما تصدق، وربما تكذب. قال القرطبي: كان ابن صياد على طريق الكهنة، يخبر بالخبر فيصح تارة، ويفسد أخرى، وفي حديث جابر عند الترمذي، فقال: أرى حقًّا وباطلاً، وأرى عرشًا على الماء. (فقال) له (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خلط عليك الأمر) بضم الخاء المعجمة وتشديد اللام المكسورة، وروي تخفيفها، كما في الفرع وأصله، أي: خلط عليك شيطانك ما يلقي إليك. (ثم قال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني قد خبأت لك) أي: أضمرت لك في صدري (خبيئًا) بفتح الخاء المعجمة وكسر الموحدة وسكون المثناة التحتية ثم همزة بوزن فعيل، ولأبي ذر: خبئًا، بفتح الخاء وسكون الموحدة، وإسقاط التحتية أي: شيئًا. وفي حديث زيد بن حارثة، عند البزار، والطبراني في الأوسط: كان رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، خبأ له سورة الدخان، وكأنه أطلق السورة وأراد بعضها. فعند أحمد في حديث الباب: وخبأ له {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10]. (فقال ابن صياد: هو الدخ) بضم الدال المهملة ثم خاء معجمة. وفي حديث أبي ذر، عند البزار، وأحمد: فأراد أن يقول: الدخان، فلم يستطع فقال الدخ. اهـ. أي: لم يستطع أن يتم الكلمة، ولم يهتد من الآية الكريمة إلا لهذين الحرفين، على عادة الكهان من اختطاف بعض الكلمات من أوليائهم من الجن، أو من هواجس النفس. (فقال) له عليه الصلاة والسلام: (اخسأ) بهمزة وصل آخره همزة ساكنة، لفظ يزجر به الكلب، ويطرد أي: اسكت صاغرًا مطرودًا (فلن تعدو قدرك) بنصب تعدو: بلن، وفي بعض النسخ، مما حكاه السفاقسي: لن تعد، بغير واو فقيل: حذفت تخفيفًا، أو أنّ: لن، بمعنى: لا، أو: على لغة من يجزم بلن، وهي لغة حكاها الكسائي، وتعدو بالمثناة الفوقية: فقدرك، نصب أو: بالتحتية، فرفع أي: لا يبلغ قدرك أن تطالع بالغيب من قبل الوحي المخصوص بالأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، ولا من قبل الإلهام الذي يدركه الصالحون، وإنما قال ابن صياد ذلك، من شيء ألقاه أليه الشيطان، إما لكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، تكلم بذلك بينه وبين نفسه، فسمعه الشيطان. أو حدّث -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بعض أصحابه، بما أضمره. ويدل لذلك قول

عمر رضي الله عنه وخبأ له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10]. (فقال عمر) بن الخطاب، (رضي الله عنه: دعني يا رسول الله أضرب عنقه) بجزم أضرب، كما في الفرع جواب الطلب، ويجوز الرفع (فقال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (إن يكنه) كذا للكشميهني: يكنه. بوصل الضمير، وهو خبر كان وضع موضع المنفصل، واسمها مستتر فيه، للباقين إن يكن هو، بانفصاله. وهو الصحيح، لأن المختار في خبر كان الانفصال. تقول: كان إياه، وهذا هو الذي اختاره ابن مالك في التسهيل، وشرحه تبعًا لسيبويه، واختار في ألفيته الاتصال. وعلى رواية الفصل، فلفظ: هو، توكيد للضمير المستتر، وكان تامة أو وضع: هو، موضع إياه، أي: إن يكن إياه. وفي مرسل عروة، عند الحرث بن أبي أسامة: إن يكن هو الدجال (فلن تسلط عليه) بالجزم في الفرع، على لغة من يجزم لن. كما مر وفي غيره بالنصب على الأصل. وفي حديث جابر: فلست بصاحبه، إنما صاحبه عيسى ابن مريم (وإن لم يكنه، فلا خير لك في قتله). فإن قلت: لِمَ لم يأذن عليه الصلاة والسلام في قتله مع ادعائه النبوة بحضرته؟ أجيب: بأنه كان غير بالغ، أو من جملة أهل العهد، وأنه لم يصرح بدعوى النبوة، وإنما أوهم أنه يدّعي الرسالة، ولا يلزم من دعوى الرسالة دعوى النبوّة، قال الله تعالى: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} الآية [مريم: 83]. وقد اختلف في أن المسيح الدجال هو: ابن صياد، أو غيره. ويأتي البحث في ذلك، إن شاء الله تعالى في محله. والنافي لكونه هو، يحتج: بأن ابن صياد أسلم، وولد له، ودخل مكة والمدينة، ومات بالمدينة. وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس، والله أعلم. ورواة هذا الحديث ما بين: مروزي وأيلي ومدني، وفيه: رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، والتحديث والإخبار، والعنعنة، والقول. وأخرجه أيضًا في: بدء الخلق وأحاديث الأنبياء. ومسلم في: الفتن. 1355 - وَقَالَ سَالِمٌ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ إِلَى النَّخْلِ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ، وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ابْنُ صَيَّادٍ، فَرَآهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُضْطَجِعٌ، يَعْنِي فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْزَةٌ، أَوْ زَمْرَةٌ -فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لاِبْنِ صَيَّادٍ: يَا صَافِ -وَهْوَ اسْمُ ابْنِ صَيَّادٍ- هَذَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ". وَقَالَ شُعَيْبٌ فِي حَدِيثِهِ: فَرَفَصَهُ. رَمْرَمَةٌ، أَوْ زَمْزَمَةٌ. وَقَالَ وعُقَيلٌ: رَمْرَمَةٌ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: رَمْزَةٌ. [الحديث 1355 - أطرافه في: 2638، 3033، 3056، 6174]. (وقال سالم) أي: ابن عبد الله بن عمر، بالإسناد الأول: (سمعت ابن عمر، رضي الله عنهما، يقول): ثم (انطلق بعد ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،) أي: بعد انطلاقه هو وعمر في رهط (وأبي بن كعب) معه (إلى النخل التي فيها ابن صياد، وهو) أي: والحال أنه عليه الصلاة والسلام (يختل) بفتح المثناة التحتية وسكون الخاء المعجمة وكسر الفوقية، أي: يستغفل (أن يسمع من ابن صياد شيئًا) من كلامه الذي يقوله في خلوته، ليعلم هو وأصحابه أهو كاهن أو ساحر؟ (قبل أن يراه ابن صياد، فرآه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو مضطجع) الواو للحال. (يعني في قطيفة) كساء له خمل، وسقط: يعني في قطيفة، لأبي ذر، الله) أي: لابن صياد (فيها) أي: في القطيفة (رمزة) براء مهملة مفتوحة فميم ساكنة فزاي معجمة (أو زمرة) بالزاي المعجمة ثم الراء المهملة بعد الميم، على الشك في تقديم أحدهما على الآخر ولبعضهم: رمرمة أو زمزمة على الشك، هل هو: براءين مهملتين، أو: بزاءين معجمتين، مع زيادة ميم فيهما. ومعناها كلها متقارب. فالأولى من الرمز وهو الإشارة، والثانية من المزمار، والتي، بالمهملتين والميمين، فأصله من الحركة، وهي هنا بمعنى: الصوت الخفي. وكذا التي بالمعجمتين. وفي القاموس: أنه تراطن العلوج على أكلهم وهم صموت لا يستعملون لسانًا ولا شفة، لكنه صوت تديره في خياشيمها وحلوقها، فيفهم بعضها عن بعض. (فرأت أم ابن صياد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو) أي والحال أنه (يتقي) أي: يخفي نفسه (بجذوع النخل) بضم الجيم والذال المعجمة، حتى لا تراه أم ابن صياد (فقالت لابن صياد) أمه: (يا صاف) بصاد مهملة وفاء مكسورة (-وهو: اسم ابن صياد- هذا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فثار ابن صياد) بالثاء المثلثة والراء آخره، أي: نهض من مضجعه بسرعة، وللكشميهني: فثاب، بالموحدة بدل الراء، أي: رجع عن الحالة التي كان فيها (فقال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لو تركته) أمه ولم تعلمه بمجيئنا (بين) أي: أظهر لنا من حاله ما نطلع به على حقيقة أمره. (وقال شعيب) هو: ابن أبي حمزة الحمصي، مما وصله المؤلّف في: الأدب (في حديثه: فرفصه) بفاء بعد الراء

فصاد مهملة، كذا في الفرع، وفي نسخة: فرضه، وكذا في رواية أبي ذر، بحذف الفاء وتشديد الضاد المعجمة، أي: ضعطه وضم بعضه إلى بعض. وقال شعيب في حديثه أيضًا (رمرمة) براءين مهملتين وميمين (أو زمزمة) بمعجمتين على الشك، ولأبي ذر في الأولى: زمزمة بمعجمتين. وسقط في رواية أبي ذر قوله في حديثه: فرفصه وثبت لغيره (وقال عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي مما وصله المؤلّف في: الجهاد: (رمرمة) براءين مهملتين وميمين، ولأبي ذر: رمزة بمهملة فميم ساكنة فزاي معجمة، وفي نسخة: وقال إسحاق الكلبي، مما وصله الذهلي في الزهريات، وعقيل المذكور: رمرمة، بمهملتين، وسقطت رواية إسحاق عند المستملي. والكشميهني، وأبي الوقت (وقال معمر) هو ابن راشد: "رمزة" براء مهملة فميم ساكنة فزاي معجمة، ولأبي ذر: (زمرة) بتقديم المعجمة على المهملة. 1356 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهْوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ. فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهْوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَأَسْلَمَ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ". [الحديث 1356 - طرفه في: 5656]. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي البصري، قال: (حدّثنا حماد، وهو: ابن زيد) بالواو (عن ثابت) البناني (عن أنس، رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي) قيل: اسمه عبد القدوس، فيما ذكره ابن بشكوال، عن حكاية صاحب العتبية (يخدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فمرض، فأتاه النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،) حال كونه (يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له) عليه الصلاة والسلام: (أسلم) فعل أمر من الإسلام. (فنظر) الغلام (إلى أبيه، وهو عنده) وفي رواية أبي داود: عند رأسه (فقال له) أبوه وسقط لأبي ذر لفظة: له (أطع أبا القاسم، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأسلم) الغلام. وللنسائي، عن إسحاق بن راهويه، عن سليمان المذكور، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله (فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من عنده (وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه) بالذال المعجمة، أي: خلصه ونجاه بي (من النار). ولله در القائل: ومريض أنت عائده ... قد أتاه الله بالفرج وفيه دليل على: أن الصبي إذا عقل الكفر ومات عليه يعذب. وفيه ما ترجم له، وهو عرض الإسلام على الصغير، ولولا صحته منه ما عرضه عليه. 1357 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ: أَنَا مِنَ الْوِلْدَانِ، وَأُمِّي مِنَ النِّسَاءِ". [الحديث 1357 - أطرافه في: 4587، 4588، 4597]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: قال عبيد الله) بضم العين مصغرًا، الليثي المكي. ولأبي ذر عبيد الله بن أبي يزيد من الزيادة (سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول): (كنت أنا وأمي) لبابة، أم الفضل (من المستضعفين) من المسلمين الذين بقوا بمكة لصد المشركين، أو ضعفهم عن الهجرة، مستذلين ممتهنين، يلقون من الكفار شديد الأذى (أنا من الولدان) الصبيان (وأمي من النساء). 1358 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَوْلُودٍ مُتَوَفًّى وَإِنْ كَانَ لِغَيَّةٍ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِطْرَةِ الإِسْلاَمِ، يَدَّعِي أَبَوَاهُ الإِسْلاَمَ أَوْ أَبُوهُ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ عَلَى غَيْرِ الإِسْلاَمِ، إِذَا اسْتَهَلَّ صَارِخًا صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَلاَ يُصَلَّى عَلَى مَنْ لاَ يَسْتَهِلُّ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سِقْطٌ، فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- كَانَ يُحَدِّثُ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ»؟ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الآيَةَ. [الحديث 1358 - أطرافه في: 1359، 1385، 4775، 6599]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع، قال: (أخبرنا شعيب) هو: ابن أبي حمزة الحمصي (قال: ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري. (يصَلى على كل مولودٍ متوفى) بضم الميم وفتح التاء والواو والفاء المشددة، صفة لمولود (وإن كان) أي المولود (لغية) بكسر اللام وفتح الغين المعجمة وقد تكسر وتشديد المثناة التحتية، أي: لأجل غية، مفرد الغي ضد الرشد، وهو أعم من الكفر وغيره، يقال لولد الزنا: ولد الغية، يعني: وإن كان الولد لكافرة أو زانية (من أجل أنه ولد على فطرة الإسلام) أي ملته (يدعي أبواه الإسلام) جملة حالية (أو أبوه) يدّعي الإسلام (خاصة، وإن كانت أمه على غير) دين (الإسلام) لأنه محكوم بإسلامه تبعًا لأبيه، وهذا مصير من الزهري إلى تسمية الزاني أبًا لمن زنى بأمه، وأنه يتبعه في الإسلام، وهو قول مالك (إذا استهل) أي: صاح عند الولادة (صارخًا) حال مؤكدة من فاعل: استهل، والمراد: العلم بحياته بصياح أو غيره، كاختلاج بعد انفصاله (صُلّي عليه) بضم الصاد، وكسر اللام لظهور أمارة الحياة فيه، والذي في اليونينية، إذا استهل صلي عليه صارخًا (ولا يصلّى) بفتح اللام (على من لا يستهل) أو: لم يتحرك (من أجل أنه سقط) بكسر السين وضمها وتفتح، أي: جنين سقط قبل تمامه. نعم: إن بلغ مائة وعشرين يومًا فأكثر، حد نفخ الروح فيه، وجب غسله

وتكفينه ودفنه، ولا تجب الصلاة عليه، بل لا تجوز لعدم ظهور حياته، وإن سقط لدون أربعة أشهر، وُوري بخرقة ودفن فقط. (فإن أبا هريرة رضي الله عنه) الفاء للتعليل (كان يحدّث قال النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما من مولود) من بني آدم (إلا يولد على الفطرة) الإسلامية، ومن زائدة و: مولود، مبتدأ، ويولد خبره، أي: ما مولود يوجد على أمر من الأمور إلا على الفطرة (فأبواه) الضمير للمولود، والفاء إما للتعقيب، أو للسببية، أو جزاء شرط مقدر، أي إذا تقرر ذلك، فمن تغير كان سبب تغيره أن أبويه (يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه) إما بتعليمهما إياه وترغيبهما فيه، أو كونه تبعًا لهما في الذين يكون حكمه حكمهما في الدنيا، فإن سبقت له السعادة أسلم، وإلاّ مات كافرًا فإن مات قبل بلوغه الحلم فالصحيح أنه من أهل الجنة، وقيل: لا عبرة بالإيمان الفطري في الدنيا، بل الإيمان الشرعي المكتسب بالإرادة والعقل، فطفل اليهوديين مع وجود الإيمان الفطري محكوم بكفره في الدنيا تبعًا لأبويه (كما تتتج) بمثناتين فوقيتين، أولاهما مضمومة والأخرى مفتوحة، بينهما نون ساكنة ثم جيم، مبنيًّا للمفعول أي: تلد (البهيمة بهيمة) نصب على المفعولية (جمعاء) بفتح الجيم وسكون الميم ممدودًا، نعت لبهيمة، لم يذهب من بدنها شيء سميت بذلك لاجتماع أعضائها (هل تحسون) بضم أوّله وكسر ثانيه أي: هل تبصرون (فيها من جدعاء)؟ بجيم مفتوحة ودال مهملة ساكنة ممدودًا، أي: مقطوعة الأذن أو الأنف أو الأطراف. والجملة صفة أو حال. أي: بهيمة مقولاً فيها هذا القول، أي: كل من نظر إليها قال هذا القول لظهور سلامتها. وكما، في قوله: كما تنتج، في موضع نصب على الحال من الضمير المنصوب في: يهوّدانه، أي: يهوّدان المولود بعد أن خلق على الفطرة، حال كونه شبيهًا بالبهيمة التي جدعت بعد أن خلقت سليمة، أو هو صفة لمصدر محذوف، أي: يغيرانه مثل تغييرهم البهيمة السليمة والأفعال الثلاثة تنازعت في: كما، على التقديرين. (ثم يقول أبو هريرة، رضي الله عنه) مما أدرجه في الحديث، كما بينه مسلم في رواية حيث قال: ثم يقول أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم (-فطرة الله-) أي: خلقته، نصب على الإغراء، أو: المصدر لما دل عليه ما بعدها {الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] أي: خلقهم عليها، وهي: قبول الحق وتمكنهم من إدراكه، أو: ملة الإسلام فإنهم لو خلوا وما خلقوا عليه أداهم إليه، لأن حسن هذا الدين ثابت في النفوس، وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية، كالتقليد. وقيل: العهد المأخوذ من آدم وذريته يوم {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] وقد جزم في تفسير سورة الروم بأن الفطرة: الإسلام. قال ابن عبد البر: وهو المعروف عند عامة السلف. وهذا الحديث منقطع، لأن ابن شهاب لم يسمع من أبي هريرة، بل لم يدركه، ولم يذكره المصنف للاحتجاج، بل لاستنباطه منه ما سبق من الحكم. وقد ساقه المؤلّف من طريق أخرى، عنه عن أبي سلمة، فقال بالسند السابق: 1359 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ»؟ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}. (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن) ابن شهاب (الزهري، قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما من مولود إلا يولد على الفطرة) ظاهره تعميم الوصف المذكور في جميع المولودين، لكن حكى ابن عبد البر، عن قوم أنه: لا يقتضي العموم، واحتجوا بحديث أبي بن كعب، قال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الغلام الذي قتله الخضر طبعه الله يوم طبعه كافرًا. وبما رواه سعيد بن منصور، يرفعه: إن بني آدم خلقوا طبقات، فمنهم من يولد مؤمنًا ويحيا مؤمنًا ويموت مؤمنًا، ومنهم من يولد كافرًا ويحيا كافرًا ويموت كافرًا. ومنهم من يولد مؤمنًا ويحيا مؤمنًا ويموت كافرًا ومنهم من يولد كافرًا ويحيا كافرًا ويموت مؤمنًا قالوا: ففي هذا وفي غلام الخضر، ما يدل على أن الحديث ليس على عمومه. وأجيب: بأن حديث سعيد بن منصور فيه: ابن جدعان وهو ضعيف، ويكفي في الرد عليهم حديث أبي صالح، عن أبي هريرة، عند مسلم: ليس مولود يولد إلا على الفطرة، حتى يعبر عنه لسانه، وأصرح منه رواية جعفر بن ربيعة بلفظ: كل بني آدم

81 - باب إذا قال المشرك عند الموت: لا إله إلا الله

يولد على الفطرة. (فأبواه يهودانه وينصرانه) ولأبي ذر: أو ينصرانه (أو يمجسانه، كما تنتج) بضم أوله وفتح ثالثه، أي: تلد (البهيمة بهيمة جمعاء) بالمد، نعت أي: تامة الأعضاء، وثبت: جمعاء لأبي ذر (هل تحسون فيها من جدعاء؟) بالدال المهملة والمد، مقطوعة الأذن أو الأنف. (ثم يقول أبو هريرة، رضي الله عنه). زاد مسلم: اقرؤوا إن شئتم {فطرة الله التي فطر الناس عليها} قال صاحب الكشاف، أي: الزموا فطرة الله، أو: عليكم فطرة الله، أي خلقهم قابلين للتوحد، ودين الإسلام لكونه على مقتضى العقل والنظر الصحيح، حتى إنهم لو تركوا وطباعهم لما اختاروا عليه دينًا آخر. اهـ. قال البرماوي: ولا يخفى ما فيه من نزعة اعتزالية، وقال أبو حيان في البحر: قوله: أو عليكم فطرة الله، لا يجوز لأن فيه حذف كلمة الإغراء. ولا يجوز حذفها، لأنه قد حذف الفعل، وعوّض عليك منه، فلو جاز حذفه لكان إجحافًا إذ فيه حذف العوض والمعوّض منه ({لا تبديل لخلق الله}) استشكل هذا مع كون الأبوين يهودانه. وأجيب: بأنه مؤول، فالمراد: ما ينبغي أن تبدل تلك الفطرة، أو: من شأنها أن لا تبدل، أو: الخبر بمعنى النهي ({ذلك}) إشارة إلى الذين المأمور بإقامة الوجه له، في قوله {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} [الروم: 30] أو: الفطرة إن فسرت بالملة {الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30] المستوي الذي لا عوج فيه. 81 - باب إِذَا قَالَ الْمُشْرِكُ عِنْدَ الْمَوْتِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ هذا (باب) بالتنوين (إذا قال المشرك عند الموت) قبل المعاينة: (لا إله إلاّ الله) ينفعه ذلك. 1360 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جاءه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي طَالِبٍ: يَا عَمِّ، قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَا وَاللَّهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} الآيَةَ". [الحديث 1360 - أطرافه في: 3884، 4675، 4772، 6681]. وبالسند قال: (حدّثنا إسحاق) هو: ابن راهويه، أو: ابن منصور، قال: (أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدَّثني) بالإفراد (أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو: ابن كيسان الغفاري (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب) بضم الميم وفتح المهملة والمثناة التحتية المشدّدة، تابعي اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل (عن أبيه) المسيب بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون، وهو وأبوه صحابيان، هاجرا إلى المدينة (أنّه أخبره): (أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة) أي علاماتها قبل النزع، وإلا لما كان ينفعه الإيمان لو آمن، ولهذا كان ما وقع بينهم وبينه من المراجعة. قاله البرماوي كالكرماني، قال في الفتح: ويحتمل أن يكون انتهى إلى النزع، لكن رجا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنه إذا أقر بالتوحيد، ولو في تلك الحالة، إن ذلك ينفعه بخصوصه، ويؤيد الخصوصية أنه بعد أن امتنع شفع له حتى خفف عنه العذاب بالنسبة لغيره، (جاءه رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فوجد عنده أبا جهل بن هشام) مات على كفره (وعبد الله بن أبي أمية) بضم الهمزة (ابن المغيرة) أخا أم سلمة، وكان شديد العداوة للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم أسلم عام الفتح، ويحتمل أن يكون المسيب حضر هذه القصة حال كفره، ولا يلزم من تأخر إسلامه أن لا يكون شهد ذلك، كما شهدها عبد الله بن أبي أمية (قال رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي طالب): (يا عم) ولأبوي ذر، والوقت: أي عم، منادى مضاف، ويجوز إثبات الياء وحذفها: (قل: لا إله إلا الله كلمة) نصب على البدل أو الاختصاص (أشهد لك بها عند الله) أشهد مرفوع، والجملة في موضع نصب صفة لكلمة. (فقال أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب! أترغب) بهمزة الاستفهام الإنكاري، أي: أتعرض (عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يعرضها عليه) بفتح أوّله وكسر الراء، (ويعود بتلك المقالة) أي يترغب عن ملة عبد المطلب (حتى قال أبو طالب، آخر ما كلمهم) بنصب آخر على الظرفية أي: آخر أزمنة تكليمه إياهم (هو على ملة عبد المطلب) أراد بقوله: هو، نفسه أو قال: أنا، فغيّره الراوي أنفة أن يحكي كلام أبي طالب استقباحًا للفظ المذكور، أو: هو من التصرفات الحسنة (وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أما) بالألف بعد الميم المخففة، حرف تنبيه أو بمعنى: حقًّا، ولأبي ذر عن الكشميهني: أم (والله لأستغفرن لك) أي: كما استغفر إبراهيم لأبيه (ما لم أُنْهَ عنك) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول وللحموي والمستملي ما لم

82 - باب الجريد على القبر

أنه عنه، أي: عن الاستغفار الدال عليه قوله لأستغفرن لك. (فأنزل الله تعالى فيه) أي: في أبي طالب: ({ما كان للنبي}) [التوبة: 113] (الآية) خبر بمعنى النهي ولأبي ذر: فأنزل الله تعالى فيه الآية، فحذف لفظ {ما كان للنبي}. ورواة هذا الحديث، ما بين: مروزي، وهو شيخ المؤلّف ومدني وهو بقيتهم، وفيه رواية الابن عن الأب، والتحديث والإخبار والعنعنة. وأخرجه المؤلّف أيضًا في: سورة القصص. 82 - باب الْجَرِيدِ عَلَى الْقَبْرِ وَأَوْصَى بُرَيْدَةُ الأَسْلَمِيُّ أَنْ يُجْعَلَ فِي قَبْرِهِ جَرِيدَانِ وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فُسْطَاطًا عَلَى قَبْرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: انْزِعْهُ يَا غُلاَمُ، فَإِنَّمَا يُظِلُّهُ عَمَلُهُ. وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ: رَأَيْتُنِي وَنَحْنُ شُبَّانٌ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ -رضي الله عنه- وَإِنَّ أَشَدَّنَا وَثْبَةً الَّذِي يَثِبُ قَبْرَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ حَتَّى يُجَاوِزَهُ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ: أَخَذَ بِيَدِي خَارِجَةُ فَأَجْلَسَنِي عَلَى قَبْرٍ وَأَخْبَرَنِي عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: إِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِمَنْ أَحْدَثَ عَلَيْهِ. وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ -رضي الله عنهما- يَجْلِسُ عَلَى الْقُبُورِ. (باب) وضع (الجريد على القبر) ولأبي ذر: الجريدة بالإفراد. قال في القاموس: والجريدة سعفة طويلة رطبة، أو يابسة، أو: التي تقشر من خوصها. وقال في الصحاح: والجريد الذي يجرد عنه الخوص، ولا يسمى جريدًا ما دام عليه الخوص، وإنما سمى سعفًا الواحدة جريدة. (وأوصى بريدة الأسلمي) بضم الموحدة وفتح الراء، ابن الخصيب، بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، مما وصله ابن سعد من طريق مورّق العجلي: (أن يجعل في) وللمستملي: على (قبره جريدان) بغير مثناة فوقية بعد الدال، ولأبي ذر: جريدتان. فعلى رواية في: يحتمل أن يكون بريدة أوصى بجعل الجريدتين داخل قبره، لما في النخلة من البركة، لقوله: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم: 24] على رواية: على، أن يكونا على ظاهره اقتداء بفعل النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في وضع الجريدتين على القبر، وهذا الأخير هو الأظهر. وصنيع المؤلّف في إيراده حديث القبرين آخر الباب، يدل عليه، وكأن بريدة حمل الحديث على عمومه ولم يره خاصًّا بذينك الرجلين، لكن الظاهر من تصرف المؤلّف أن ذلك خاص المنفعة بما فعله الرسول، عليه الصلاة والسلام، ببركته الخاصة به، وأن الذي ينتفع به أصحاب القبور إنما هو الأعمال الصالحة فلذلك عقبه بقوله: (ورأى ابن عمر) بضم العين (رضي الله عنهما فسطاطًا) بتثليث الفاء وسكون السين المهملة وبطاءين مهملتين، وبإبدال الطاءين بمثناتين فوقيتين، وبإبدال أولاهما فقط، وبإبالها وإدغامها في السين. فهي: اثنا عشر فسطاطًا فسطاطًا فسطاطًا، فستاتًا فستاتًا فستاتًا، فستاطًا فستاطًا فستاطًا، فساطًا فساطًا فساطًا، والذي ذكره صاحب القاموس: الفسطاط، والفستاط، والفستات، والفساط. بالطاءين وبإبدال الأولى وبإبدالهما معًا، وبتشديد السين وضم الفاء وكسرها فيهن، هو: الخباء من شعر. وقد يكون من غيره (على قبر عبد الرحمن) بن أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما، كما بينه ابن سعد في روايته له موصولاً، من طريق أيوب بن عبد الله بن يسار، قال: مرّ عبد الله بن عمر على قبر عبد الرحمن بن أبي بكر، أخي عائشة رضي الله عنهما، وعليه فسطاط مضروب (فقال: انزعه يا غلام، فإنما يظله عمله) لا غيره. (وقال خارجة بن زيد) الأنصاري، أحد الفقهاء السبعة: (رأيتني) بضم المثناة الفوقية، والفاعل والمفعول ضميران لشيء واحد، وهو من خصائص أفعال القلوب، والتقدير: رأيت نفسي (ونحن شبان) بضم الشين المعجمة، وتشديد الموحدة، جمع شاب، والواو للحال (في زمن عثمان) بن عفان في مدة خلافته (رضي الله عنه، وإن أشدنا وثبة) بالمثلثة، أي: طفرة، مصدر من: وثب يثب وثبًا ووثبة. (الذي يثب قبر عثمان بن مظعون) بظاء معجمة ساكنة، ثم عين مهملة (حتى يجاوزه) من ارتفاعه. قيل: ومنسابة ذلك للترجمة من حيث إن وضع الجريد على القبر يرشد إلى جواز وضع ما يرتفع به ظهر القبر عن الأرض، فالذي ينفع الميت عمله الصالح وعلو البناء على القبر لا يضر بصورته. (وقال عثمان بن حكيم) بفتح الحاء المهملة، الأنصاري المدني ثم الكوفي (أخذ بيدي خارجة) بن زيد، ذكر مسدد في مسنده الكبير: سبب ذلك مما وصله فيه عنه من حديث أبي هريرة، أنه قال: لأن أجلس على جمرة فتحرق ما دون لحمي حتى تفضي إلي، أحب إلي من أن أجلس على قبر. قال عثمان: فرأيت خارجة بن زيد في المقابر، فذكرت له ذلك، فأخذ بيدي (فأجلسني على قبر وأخبرني عن عمه يزيد بن ثابت) بالمثلثة أوله، ويزيد من الزيادة أنه (قال: إنما كره ذلك) أي: الجلوس على القبر (لمن أحدث عليه) ما لا يليق من الفحش قولاً أو فعلاً لتأذي الميت بذلك، أو المراد: تغوّط أو بال. (وقال نافع) مولى ابن عمر: (كان ابن عمر، رضي الله عنهما، يجلس على القبور) أي: يقعد عليها. ويؤيده حديث عمرو بن حزم الأنصاري عند أحمد: لا تقعدوا

على القبور. فالمراد بالجلوس القعود حقيقة، كما هو مذهب الجمهور خلافًا لمالك وأبي حنيفة وأصحابه، وحديث أبي هريرة مرفوعًا، عند الطحاوي: من جلس على قبر يبول أو يتغوط، فكأنما جلس على جمر ضعيف. نعم؛ حديث زيد بن ثابت، عند الطحاوي أيضًا: إنما نهى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عن الجلوس على القبور لحدث غائط أو بول، رجال إسناده ثقات. فإن قيل: ما وجه المناسبة بين الترجمة وأثر ابن عمر هذا؟ وعثمان بن حكيم الذي قبله؟ أجيب: بأن عموم قول ابن عمر: إنما يظله عمله، يدخل فيه أنه كما لا ينتفع بتظليله، وإن كان تعظيمًا له، لا يتضرر بالجلوس عليه، وإن كان تحقيرًا. وقال ابن رشيد: كأن بعض الرواة كتبهما في غير موضعهما، فإن الظاهر أنهما من الباب التالي لهذا، وهو باب: موعظة المحدّث عند القبر، وقعود أصحابه حوله. 1361 - حَدَّثَنَا يَحْيَى قال حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أَنَّهُ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ فَقَالَ: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا بِنِصْفَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ فَقَالَ: لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا، مَا لَمْ يَيْبَسَا". وبالسند قال: (حدّثنا يحيى) هو: ابن جعفر البيكندي كما في مستخرج أبي نعيم، أو هو: يحيى بن يحيى، كما جزم به أبو مسعود في الأطراف. أو: هو يحيى بن موسى المعروف بخت، كما وقع في رواية أبي علي بن شبويه، عن الفربري قال الحافظ ابن حجر: وهو المعتمد (قال: حدّثنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن مجاهد) هو: ابن جبر (عن طاوس) هو: ابن كيسان (عن ابن عباس، رضي الله عنهما، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أنه مر) ولأبي ذر: قال: مر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بقبرين) أي بصاحبيهما من باب تسمية الحال باسم المحل (يعذبان. فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير) إزالته أو دفعه، أو الاحتراز عنه، ويحتمل أن يكون نفي كونه كبيرًا باعتبار اعتقاد الاثنين المعذبين أو اعتقاد مرتكبه مطلقًا، أو باعتبار اعتقاد المخاطبين. أي: ليس كبيرًا عندكم ولكنه كبير عند الله، كما جاء في رواية عند المؤلّف: وما يعذبان في كبير فهو كقوله: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15] (أما أحدهما فكان لا يستتر من البول) يحتمل أن يحمل على حقيقته من الاستتار عن الأعين، ويكون العذاب على كشف العورة، أو: على المجاز، والمراد التنزه من البول بعدم ملابسته، ورجح، وإن كان الأصل الحقيقة، لأن الحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية، فالحمل عليه أولى كما مر في الوضوء (أما الآخر فكان يمشي بالنميمة) المحرمة، وخرج به ما كان للنصيحة، أو لدفع مفسدة، والباء للمصاحبة أي: يسير في الناس متصفًا بهذه الصفة، أو: للسببية أي: يمشي بسبب ذلك. (ثم أخذ) عليه الصلاة والسلام (جريدة رطبة، فشقها بنصفين) قال الزركشي: دخلت الباء على المفعول زائدة. اهـ. يعني في قوله بنصفين، وقد تعقبه صاحب مصابيح الجامع فقال: لا نسلم شيئًا من ذلك، أما دعواه أن نصفين مفعول، فلأن شق إنما يتعدى لمفعول واحد، وقد أخذه وليس هذا بدلاً منه. وأما دعوى الزيادة فعلى خلاف الأصل وليس هذا من محال زيادتها، ثم قال: والباء للمصاحبة، وهي ومدخولها ظرف مستقر منصوب المحل على الحال، أي: فشقها متلبسة بنصفين، ولا مانع من أن يجتمع الشق وكونها ذات نصفين في حالة واحدة، وليس المراد أن انقسامها إلى نصفين كان ثابتًا قبل الشق، وإنما هو معه وبسبه، ومنه قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ} [النحل: 12] اهـ. (ثم غرز في كل قبر) منهما (واحدة، فقالوا: يا رسول الله، لِمَ صنعت هذا؟ فقال): (لعله أن يخفف عنهما) العذاب (ما لم ييبسا) بالمثناة التحتية المفتوحة وفتح الموحدة وكسرها في اليونينية، بالتذكير باعتبار عود الضمير إلى: العودين، و: ما، مصدرية زمانية أي: مدة دوامهما إلى زمن اليبس. و: لعل، بمعنى: عسى، فلذا استعمل استعماله في اقترانه بأن، وإن كان الغالب في: لعل، التجرد. وليس في الجريد معنى يخصه، ولا في الرطب معنى ليس في اليابس، وإنما ذلك خاص ببركة يده الكريمة. ومن ثم استنكر الخطابي وضع الناس الجريد ونحوه على القبر، عملاً بهذا الحديث. وكذلك الطرطوشي في سراج الملوك قائلين: بأن ذلك خاص بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لبركة يده المقدّسة وبعلمه بما في القبور، وجرى على ذلك ابن الحاج في مدخله. وما تقدم من أن بريدة بن

83 - باب موعظة المحدث عند القبر، وقعود أصحابه حوله

الحصيب أوصى بأن يجعل في قبره جريدتان، محمول على أن ذلك رأي له لم يوافقه أحد من الصحابة عليه، أو: أن المعنى فيه أنه يسبح ما دام رطبًا، فيحصل التخفيف ببركة التسبيح، وحينئذ فيطرد في كل ما فيه رطوبة من الرياحين والبقول وغيرها، وليس لليابس تسبيح، قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] أي: شيء حي، وحياة كل شيء بحسبه، فالخشب ما لم ييبس، والحجر ما لم يقطع من معدنه، والجمهور أنه على حقيقته، وهو قول المحققين، إذ العقل لا يحيله أو: بلسان الحال باعتبار دلالته على الصانع، وأنه منزه. وسبق في باب: من الكبائر أن لا يستتر من بوله من الوضوء، مزيد لما ذكرته هنا. 83 - باب مَوْعِظَةِ الْمُحَدِّثِ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَقُعُودِ أَصْحَابِهِ حَوْلَهُ {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ}: الأَجْدَاثُ الْقُبُورُ. {بُعْثِرَتْ}: أُثِيرَتْ: بَعْثَرْتُ حَوْضِي: أَىْ جَعَلْتُ أَسْفَلَهُ أَعْلاَهُ. الإِيفَاضُ: الإِسْرَاعُ. وَقَرَأَ الأَعْمَشُ {إِلَى نَصْبٍ}: إِلَى شَىْءٍ مَنْصُوبٍ يَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ. وَالنُّصْبُ وَاحِدٌ، وَالنَّصْبُ مَصْدَرٌ. يَوْمُ الْخُرُوجِ مِنَ الْقُبُورِ {يَنْسِلُونَ}: يَخْرُجُونَ. (باب موعظة المحدث عند القبر) الموعظة مصدر ميمي، والوعظ: النصح والإنذار بالعواقب (و) باب (قعود أصحابه) أي أصحاب المحدث (حوله) عند القبر لسماع الموعظة والتذكير بالموت وأحوال الآخرة. وهذا مع ما ينضم إليه من مشاهدة القبور، وتذكر أصحابها، وما كانوا عليه، وما صاروا إليه من أنفع الأشياء لجلاء القلوب، وينفع الميت أيضًا لما فيه من نزول الرحمة عند قراءة القرآن والذكر. قال ابن المنير: لو فطن أهل مصر لترجمة البخاري هذه لقرت أعينهم بما يتعاطونه من جلوس الوعاظ في المقابر، وهو حسن، إن لم يخالطه مفسدة. اهـ. وقد استطرد المؤلّف بعد الترجمة بذكر تفسير بعض ألفاظ من القرآن مناسبة لما ترجم له على عادته، تكثيرًا لفرائد الفوائد، فقال في قوله تعالى: ({يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ}) [المعارج: 43] (الأجداث) معناه، فيما وصله ابن أبي حاتم وغيره من طريق قتادة والسدي: (القبور) وقوله تعالى: {وَإِذَا الْقُبُورُ (بُعْثِرَتْ)} [الانفطار: 4] معناه: (أثيرت) بالمثلثة بعد الهمزة المضمومة، من الإثارة يقال: (بعثرت حوضي أي: جعلت أسفل أعلاه) قاله أبو عبيدة في المجاز، وقال السديّ، مما رواه ابن أبي حاتم: بعثرت: حركت فخرج ما فيها من الأموات، وعن ابن عباس، فيما ذكره الطبراني: بعثرت: بحثت. وقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج: 43] (الايفاض) بهمزة مكسورة ومثناة تحتية ساكنة وفاء ثم ضاد معجمة، مصدر من: أوفض يوفض، إيفاضًا معناه: (الإسراع) قال أبو عبيد: يوفضون، أي: يسرعون (وقرأ الأعمش) سلمان بن مهران موافقة لباقي القراء، إلا ابن عامر وحفصًا (إلى نصب) بفتح النون وسكون الصاد، وفي نسخة زيادة {يُوفِضُونَ} [المعارج: 43] ولأبي ذر: إلى نصب بضم النون وسكون الصاد بالجمع، والأول أصح عن الأعمش: (إلى شيء منصوب) قال أبو عبيدة: العلم الذي نصبوه ليعبدوه (يستبقون إليه) أيهم يستلمه أول (والنصب) بضم النون وسكون الصاد (واحد، والنصب) بالفتح ثم السكون (مصدر) قال في فتح الباري: كذا وقع، والذي في المغازي للفراء: النصب والنصب واحد وهو مصدر، والجمع الأنصاب. فكان التغيير من بعض النقلة. اهـ. وتعقبه العيني فقال: لا تغيير فيه لأن البخاري فرق بين الاسم والمصدر، ولكن من قصرت يده عن علم الصرف لا يفرق بين الاسم والمصدر في مجيئهما على لفظ واحد. اهـ. والأنصاب: حجارة كانت حول الكعبة تنصب، فيهل عليها ويذبح لغير الله. وقوله تعالى: {ذَلِكَ (يَوْمُ الْخُرُوجِ)} [ق: 42] أي: خروج أهل القبور (من قبورهم) وقوله تعالى: ({يَنْسِلُونَ}) [الأنبياء: 96 ويس: 51] أي: (يخرجون) زاد الزجاج بسرعة. 1362 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ حَدَّثَنِي جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَانَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَعَدَ، وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ. فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلاَّ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلاَّ قَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ، فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ؟ قَالَ: أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ. ثُمَّ قَرَأَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الآيَةَ". [الحديث 1362 - أطرافه في: 4945، 4946، 4947، 4948، 4949، 6217، 6605، 7552]. وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عثمان) بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، أحد الحفاظ الكبار، وثقه يحيى بن معين وغيره، وذكر الدارقطني في كتاب التصحيف أشياء كثيرة صحفها من القرآن في تفسيره، لأنه ما كان يحفظ القرآن (قال: حدَّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا، بالجمع (جرير) هو: ابن عبد الحميد الضبي (عن منصور) هو: ابن المعتمر (عن سعد بن عبيدة) بسكون العين في الأول، وضمها وفتح الموحدة آخره، هاء تأنيث مصغرًا في الثاني (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن حبيب، بفتح الحاء المهملة، السلمي (عن علي) هو: ابن أبي طالب (رضي الله عنه، قال): (كنا في جنازة في بقيع الغرقد) بفتح الموحدة وكسر القاف، والغرقد بفتح الغين المعجمة والقاف بينهما راء ساكنة آخره دال مهملة، ما عظم من شجر العوسج، كان ينبت فيه، فذهب الشجر وبقي الاسم لازمًا للمكان. وهو مدفن أهل المدينة،

(فأتانا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقعد وقعدنا حوله)، هذا موضع الترجمة مع ما بعده (ومعه مخصرة) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة، وبالصاد المهملة، قال في القاموس: ما يتوكأ عليه كالعصا ونحوه، وما يأخذه الملك يشير به إذا خاطب، والخطيب إذا خطب وسميت بذلك لأنها تحمل تحت الخصر غالبًا للاتكاء عليها (فنكس) بتشديد الكاف وتخفيفها، أي خفض رأسه وطأطأ به إلى الأرض على هيئة المهموم المفكر، كما هي عادة من يتفكّر في شيء حتى يستحضر معانيه، فيحتمل أن يكون ذلك تفكرًا منه عليه الصلاة والسلام، في أمر الآخرة لقرينة حضور الجنازة، أو فيما أبداه بعد ذلك لأصحابه أو نكس المخصرة (فجعل ينكت) بالمثناة الفوقية، أي: يضرب في الأرض (بمخصرته، ثم قال): (ما منكم من أحد) أي (ما من نفس منفوسة) مصنوعة مخلوقة، واقتصر في رواية أبي حمزة، الثوري على قوله: ما منكم من أحد (إلا كتب) بضم الكاف، مبنيًّا للمفعول (مكانها) بالرفع مفعول، ناب عن الفاعل أي: كتب الله مكان تلك النفس المخلوقة (من الجنة والنار) من: بيانية، وفي رواية سفيان إلا وقد كتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار، وكأنه يشير إلى حديث ابن عمر عند المؤلّف الدال على أن لكل مقعدين لكن لفظه في القدر إلا وقد كتب مقعده من النار أو من الجنة. فأو: للتنويع أو هي بمعنى الواو (وإلا قد كتبت) بالتاء آخره، وفي اليونينية بحذفها (شقية أو سعيدة) بالنصب فيهما، كما في الفرع على الحال، أي: وإلاّ كتبت هي، أي، حالها شقية أو سعيدة، ويجوز الرفع، أي: هي شقية أو سعيدة، ولفظ: إلا في المرة الثانية في بعضها بالواو، وفي بعضها بدونها، وهذا نوع من الكلام غريب، وإعادة إلا يحتمل أن يكون: ما من نفس بدلاً من: ما منكم وإلا الثانية بدل من الأولى، وإن يكون من باب اللف والنشر، فيكون فيه تعميم بعد تخصيص إذ الثاني في كل منهما أعم من الأود أشار إليه الكرماني. (فقال رجل) هو: علي بن أبي طالب، ذكره المصنف في التفسير لكن بلفظ: قلنا، أو: هو سراقة بن مالك بن جعشم، كما في مسلم، أو: هو عمر بن الخطاب، كما في الترمذي، أو: هو أبو بكر الصديق، كما عند أحمد والبزار والطبراني، أو هو رجل من الأنصار. وجمع بتعدد السائلين عن ذلك، ففي حديث عبد الله بن عمر فقال أصحابه: (يا رسول الله أفلا نتكل) نعتمد (على كتابنا) أي: ما كتب علينا وقدّر، والفاء في: أفلا معقبة لشيء محذوف أي: أفإذا كان كذلك لا نتكل على كتابنا (وندع العمل) أي: نتركه (فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير) فسيجره القضاء (إلى عمل أهل السعادة) قهرًا، ويكون مآل حاله ذلك بدون اختياره (وأما من كان منا من أهل الشقاوة فسيصبر) فسيجره القضاء (إلى عمل أهل الشقاوة) قهرًا؟ (قال) عليه الصلاة والسلام: (أما أهل السعادة فييسرون لعمل) أهل (السعادة) وفي نسخة: فسييسرون باعتبار معنى الأهل (وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل) أهل (الشقاوة). وحاصل السؤال: ألا نترك مشقة العمل فإنا سنصير إلى ما قدر علينا فائدة في السعي فإنه لا يرد قضاء الله وقدره. وحاصل الجواب: لا مشقة، لأن كل أحد ميسر لما خلق له، وهو يسير على من يسره الله عليه. قال في شرح المشكاة: الجواب من الأسلوب الحكيم منعهم عن الاتكال، وترك العمل، وأمرهم بالتزام ما يجب على العبد من العبودية، يعني: أنتم عبيد، ولا بدّ لكم من العبودية فعليكم إمرتكم، وإياكم والتصرف في أمور الربوبية، لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] فلا تجعلوا العبادة وتركها سببًا مستقلاً لدخول الجنة والنار، بل هي علامات فقط. اهـ. (ثم قرأ عليه الصلاة والسلام {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: 5] الآية. وزاد أبو ذر والوقت {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 6] وساق في رواية سفيان إلى قوله: {لِلْعُسْرَى} [الليل: 10] فقوله: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى} أي: أعطى الطاعة، واتقى المعصية، وصدق بالكلمة الحسنى، وهي التي دلت على حق، ككلمة التوحيد، وقوله: {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 7] فسنهيئه للخلة التي تؤدي إلى يسر

84 - باب ما جاء في قاتل النفس

وراحة كدخول الجنة {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ} بما أمر به {وَاسْتَغْنَى} [الليل: 8] بشهوات الدنيا عن نعيم العقبى، {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 10] للخلة الموجبة إلى العسر والشدة كدخول النار. وهذا الحديث أصل لأهل السنة في أن السعادة والشقاوة بتقدير الله القديم واستدلّ به على إمكان معرفة الشقي من السعيد في الدنيا، كمن اشتهر له لسان صدق وعكسه، لأن العمل أمارة على الجزاء على ظاهر هذا الخبر، والحق أن العمل علامة وأمارة، فيحكم بظاهر الأمر. وأمر الباطن إلى الله تعالى، وقال بعضهم: إن الله أمرنا بالعمل فوجب علينا الامتثال، وغيب عنا المقادير لقيام الحجة، ونصب الأعمال علامة على ما سبق في مشيئته، فمن عدل عنه ضل، لأن القدر من أسراره، لا يطلع عليه إلا هو فإذا دخلوا الجنة كشف لهم. 84 - باب مَا جَاءَ فِي قَاتِلِ النَّفْسِ (باب ما جاء) من الحديث (في قاتل النفس). 1363 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ». [الحديث 1363 - أطرافه في: 4171، 4843، 6047، 6105، 6652]. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد، قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي، مصغرًا، ويزيد من الزيادة، قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد (عن ثابت بن الضحاك) الأنصاري الأشهلي (رضي الله عنه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (من حلف بملة غير) ملة (الإسلام) كاليهودية والنصرانية حال كونه (كاذبًا) في تعظيم تلك الملة التي حلف بها، أو: كاذبًا في المحلوف عليه، لكن عورض بكون المحلوف عليه يستوي فيه كونه صادقًا أو كاذبًا، إذا حلف بملة غير ملة الإسلام، فالذم إنما هو من جهة كونه حلف بتلك الملة الباطلة، معظمًا لها، حال كونه (متعمدًا) فيه دلالة لقول الجمهور: إن الكذب: الخبر غير المطابق للواقع، سواء كان عمدًا أو غيره، إذ لو كان شرطه التعمد لما قيد به هنا. (فهو كما قال) أي: فيحكم عليه بالذي نسبه لنفسه، وظاهره الحكم عليه بالكفر إذا قال هذا القول. ويحتمل أن يعلق ذلك بالحنث، لما روى بريدة مرفوعًا: من قال: أنا بريء من الإسلام، فإن كان كاذبًا فهو كما قال، وإن كان صادقًا يرجع إلى الإسلام سالمًا. والتحقيق التفصيل، فإن اعتقد تعظيم ما ذكر كفر، وعليه يحمل قوله: من حلف بغير الله فقد كفر، رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين. وإن قصد حقيقة التعليق، فينظر، فإن كان أراد إن قصد حقيقة التعليق، فينظر، فإن كان أراد أن يكون متصفًا بذلك، كفر. لأن إرادة الكفر كفر، وإن أراد البعد عن ذلك لم يكفر، لكن هل يحرم عليه ذلك أو يكره تنزيهًا؟ الثاني هو المشهور. وليقل ندبًا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ويستغفر الله. ويحتمل أن يكون المراد به التهديد والمبالغة في الوعيد، لا الحكم بأنه صار يهوديًّا، وكأنه قال: فهو مستحق لمثل عذاب ما قال، ومثله قوله عليه الصلاة والسلام: من ترك الصلاة فقد كفر، أي: استوجب عقوبة من كفر، وبقية مباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في باب: الإيمان بعون الله وقوته. (ومن قتل نفسه بحديدة) بآلة قاطعة: كالسيف، والسكين، ونحوهما. وفي الإيمان: ومن قتل نفسه بشيء وهو أعم (عذب به) أي: بالمذكور، وللكشميهني عذب بها أي: بالحديدة (في نار جهنم) وهذا من باب مجانسة العقوبات الأخروية للجنايات الدنيوية، ويؤخذ منه: أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم، لأن نفسه ليست ملكًا له مطلقًا، بل هي لله، فلا ينصرف فيها إلا بما أذن له فيه، ولا يخرج بذلك من الإسلام، ويصلّى عليه عند الجمهور، خلافًا لأبي يوسف، حيث قال: لا يصلّى على قاتل نفسه. وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة، وأخرجه أيضًا في: الأدب، والإيمان، ومسلم في الإيمان، وكذا أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة في: الكفارات. 1364 - وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنِ الْحَسَنِ "حَدَّثَنَا جُنْدَبٌ -رضي الله عنه- فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَمَا نَسِينَا وَمَا نَخَافُ أَنْ يَكْذِبَ جُنْدَبٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ اللَّهُ: بَدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ". [الحديث 1364 - طرفه في: 3463]. وبه قال (وقال حجاج بن منهال) بكسر الميم، الأنماطي السلمي البصري، مما وصله المؤلّف في: ذكر بني إسرائيل، فقال: حدّثنا محمد قال: حدّثنا حجاج بن منهال، ومحمد هو ابن معمر، كذا نسبه ابن السكن عن الفربري

85 - باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين

وقيل: هو الذهلي، قال: (حدّثنا جريج بن حازم) الأزدي البصري الثقة، لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه، واختلط في آخر عمره، لكنه لم يسمع أحد منه في حال اختلاطه شيئًا، واحتج به الجماعة، ولم يخرج له المؤلّف عن قتادة إلا أحاديث يسيرة توبع فيها، (عن الحسن) البصري قال: (حدّثنا جندب) هو: ابن عبد الله بن سفيان البجلي (رضي الله عنه، في هذا المسجد) المسجد البصري (فما نسينا) أشار بذلك إلى تحققه لما حدث به، وقرب عهده به، واستمرار ذكره له (وما نخاف أن يكذب جندب عن النبي) ولأبي ذر: على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعلى أوضح يقال: كذب عليه، وأما رواية: عن، فعلى معنى النقل، وفيه إشارة إلى أن الصحابة عدول، وأن الكذب مأمون من قبلهم، خصوصًا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال): (كان برجل) أي فيمن كان قبلكم، قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (جراح) بكسر الجيم (قتل) ولأبي ذر: فقتل (نفسه) بسبب الجراح (فقال الله) عز وجل: (بدرني عبدي بنفسه) أي: لم يصبر حتى أقبض روحه من غير سبب له في ذلك، بل استعجل وأراد أن يموت قبل الأجل الذي لم يطلعه الله تعالى عليه، فاستحق المعاقبة المذكورة في قوله: (حرمت عليه الجنة) لكونه مستحلاً لقتل نفسه، فعقوبته مؤبدة، أو حرّمتها عليه في وقت ما، كالوقت الذي يدخل فيه السابقون، أو: الوقت الذي يعذب فيه الموحدون في النار ثم يخرجون، أو: حرمت عليه جنة معينة، كجنة عدن مثلاً، أو ورد على سبيل التغليظ والتخويف، فظاهره غير مراد. قال النووي: أو يكون شرع من مضى أن أصحاب الكبائر يكفرون بها. وهذا الحديث أورده المؤلّف هنا مختصرًا، ويأتي إن شاء الله تعالى في: ذكر بني إسرائيل مبسوطًا. 1365 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ، وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ». [الحديث 1365 - طرفه في: 5778]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع، قال: (أخبرنا شعيب) هو: ابن أبي حمزة، قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة، رضي الله عنه، (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الذي يخنق نفسه يخنقها في النار) بضم النون فيهما (والذي يطعنها يطعنها في النار) لأن الجزاء من جنس العمل، وقوله: يطعنها بضم العين فيهما، قال في الفتح: كذا ضبطه في الأصول، وجوّز غيره فيهما الفتح. وهذا الحديث من أفراد المؤلّف من هذا الوجه، وأخرجه في الطب من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مطوّلاً. 85 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلاَةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالاِسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب ما يكره من الصلاة على المنافقين، والاستغفار للمشركين). (رواه ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما) فيما وصله المؤلّف في الجنائز في قصة عبد الله بن أبي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 1366 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنهم- أَنَّهُ قَالَ: "لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ ابْنُ سَلُولَ دُعِيَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ. فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَثَبْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي عَلَى ابْنِ أُبَىٍّ وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا -أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ- فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ. فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ: إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ. لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ فَغُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا. قَالَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَمْكُثْ إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتِ الآيَتَانِ مِنْ بَرَاءَةٌ {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} -إِلَى- {وَهُمْ فَاسِقُونَ} قَالَ: فَعَجِبْتُ بَعْدُ مِنْ جُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَئِذٍ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. [الحديث 1366 - طرفه في: 4671]. وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف، نسبه لجده، ولشهرته به واسم أبيه: عبد الله المخزومي مولاهم، المصري، ثقة في الليث، وتكلموا في سماعه من مالك، لكن قال المؤلّف في تاريخه الصغير: ما روى يحيى بن بكير عن أهل الحجاز في التاريخ فإني انتقيته. وهذا يدل على أنه ينتقي في حديث شيوخه، ولذا، ما خرج له عن مالك سوى خمسة أحاديث مشهورة متابعة، (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف. ابن خالد الأيلي، أحد الإثبات الثقات، وأحاديثه عن الزهري مستقيمة، وأخرج له الجماعة (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله) بتصغير الأول: أحد الفقهاء السبعة (عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنهم أنه قال): (لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول) بضم ابن، وإثبات ألفه، صفة لعبد الله، لأن سلول أمه: وهي بفتح السين غير منصرف للعلمية والتأنيث، وأبي بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد المثناة التحتية منوّنًا (دعي له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم دال: دعي، مبنيًا للمفعول، ورفع رسول، نائب عن الفاعل (ليصلّي عليه) بنصب يصلّي (فلما قام رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وثبت إليه) بفتح المثلثة وسكون الموحدة، (فقلت: يا رسول الله أتصلّى على ابن أبي؟) بهمزة الاستفهام (وقد قال يوم كذا وكذا، كذا وكذا، أعدد

86 - باب ثناء الناس على الميت

عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قوله) القبيح في حق النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمؤمنين. (فتبسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال): (أخر عني يا عمر. فلما أكثرت عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكلام (قال: إني خيرت) بضم الخاء المعجمة مبنيًّا للمفعول، أي: في قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} [التوبة: 80] الآية. وفي نسخة: إني قد خيرت (فاخترت) الاستغفار. (لو أعلم أني إن زدت) ولأبي ذر: لو زدت (على السبعين فغفر له) ولأبي ذر: يغفر له (لزدت عليها). (قال) عمر: (فصلّى عليه رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم انصرف) من صلاته (فلم يمكث إلا يسيرًا حتى نزلت الآيتان من) سورة (براءة: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} إلى: ({وَهُمْ}) ولأبي ذر: إلى قوله وهم ({فاسقون}) فنهي عن الصلاة لأن: المراد منها الدعاء للميت والاستغفار له وهو ممنوع في حق الكافر ولذلك رتب النهي على قوله مات أبدًا يعني الموت على الكفر، فإن إحياء الكافر للتعذيب، دون التمتع. وقوله: {وَهُمْ فَاسِقُونَ} تعليل للنهي. (قال) عمر: (فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يومئذ) في مراجعتي له (والله ورسوله أعلم). 86 - باب ثَنَاءِ النَّاسِ عَلَى الْمَيِّتِ (باب) مشروعية (ثناه الناس) بالأوصاف الحميدة، والخصال الجميلة (على الميت) بخلاف الحي، فإنه منهي عنه إذا أفضى إلى الإطراء خشية الإعجاب. 1367 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ "مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَبَتْ. ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-: مَا وَجَبَتْ؟ قَالَ: هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ. أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ". [الحديث 1367 - طرفه في: 2642]. وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج، قال: (حدّثنا عبد العزيز بن صهيب، قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه، يقول): (مروا) ولأبي ذر: مرّ، بضم الميم مبنيًا للمفعول (بجنازة، فأثنوا عليها خيرًا) في رواية النضر بن أنس عند الحاكم، فقالوا: كان يحب الله ورسوله، ويعمل بطاعة الله، ويسعى فيها، (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وجبت، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرًّا) قال في رواية الحاكم المذكورة: فقالوا: كان يبغض الله ورسوله، ويعمل بمعصية الله ويسعى فيها، (فقال) عليه الصلاة والسلام: (وجبت). واستعمال الثناء في الشر لغة شاذة، لكنه استعمل هنا للمشاكلة لقوله: فأثنوا عليها خيرًا. وإنما مكنوا من الثناء بالشر مع الحديث الصحيح في البخاري في النهي عن سب الأموات لأن النهي عن سبهم إنما هو في حق غير المنافقين، والكفار، وغير المتظاهر بالفسق، والبدعة. وأما هؤلاء فلا يحرم سبهم، للتحذير من طريقتهم، ومن الاقتداء بآثارهم، والتخلق بأخلاقهم. قاله النووي. (فقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه) لرسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مستفهمًا عن قوله: (ما وجبت؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (هذا أثنيتم عليه خيرًا، فوجبت له الجنة. وهذا أثنيتم عليه شرًّا فوجبت له النار) والمراد بالوجوب: الثبوت، أو هو في صحة الوقوع كالشيء الواجب، والأصل أنه لا يجب على الله شيء، بل الثواب فضله، والعقاب عدله. لا يسأل عما يفعله (أنتم شهداء الله في الأرض) ولفظه في: الشهادات: المؤمنون شهداء الله في الأرض. فالمراد: المخاطبون بذلك من الصحابة، ومن كان على صفتهم من الإيمان. فالمعتبر شهادة أهل الفضل والصدق، لا الفسقة. لأنهم قد يثنون على من كان مثلهم، ولا من بينه وبين الميت عداوة، لأن شهادة العدو لا تقبل. قاله الداودي. وقال المظهري: ليس معنى قوله: أنتم شهداء الله في الأرض، أي: الذي يقولونه في حق شخص يكون كذلك، حتى يصير من يستحق الجنة من أهل النار بقولهم، ولا العكس. بل معناه أن الذي أثنوا عليه خيرًا رأوه منه كان ذلك علامة كونه من أهل الجنة، وبالعكس. وتعقبه الطيبي في شرح المشكاة، بأن قوله: وجبت، بعد ثناء الصحابة، حكم عقب وصفًا مناسبًا، فأشعر بالعلية. وكذا الوصف بقوله: أنتم شهداء الله في الأرض. لأن الإضافة فيه للتشريف بأنهم بمنزلة عالية عند الله، فهو كالتزكية من الرسول، لأمته، وإظهار عدالتهم بعد شهادتهم لصاحب الجنازة، فينبغي أن يكون لها أثر ونفع في حقه. قال: وإلى معنى هذا يومئ قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] اهـ. وقال النووي: قال بعضهم: معنى الحديث أن الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل، وكان ذلك مطابقًا للواقع، فهو من أهل الجنة، وإن كان غير مطابق فلا، وكذا عكسه. قال: والصحيح أنه على عمومه، وأن من مات فألهم الله الناس الثناء عليه

بخير كان دليلاً على أنه من أهل الجنة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا، فإن الأعمال داخلة تحت المشيئة، وهذا الإلهام يستدل به على تعيينها، أو بهذا تظهر فائدة الثناء اهـ. 1368 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ قَالَ: "قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ -وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ- فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- فَمَرَّتْ بِهِمْ جَنَازَةٌ فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: وَجَبَتْ. ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: وَجَبَتْ. ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ فَأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ. فَقَالَ أَبُو الأَسْوَدِ فَقُلْتُ وَمَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: قُلْتُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ. فَقُلْنَا: وَثَلاَثَةٌ؟ قَالَ: وَثَلاَثَةٌ. فَقُلْنَا: وَاثْنَانِ؟ قَالَ: وَاثْنَانِ. ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الْوَاحِدِ". [الحديث 1386 - طرفه في: 2643]. وبه قال: (حدّثنا عفان بن مسلم) بكسر اللام المخففة، زاد أبو ذرة هو الصفار، قال (حدّثنا داود بن أبي الفرات) بلفظ النهر، واسمه عمرو الكندي (عن عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء آخره هاء تأنيث (عن أبي الأسود) ظالم بن عمرو بن سفيان الديلي، بكسر الدال المهملة وسكون التحتية، ويقال: الدؤلي بضم الدال بعدها همزة مفتوحة، وهو أول من تكلم في النحو بعد عليّ بن أبي طالب. قال الحافظ ابن حجر: ولم أره من رواية عبد الله بن بريدة عنه، إلا معنعنًا. وقد حكى الدارقطني في كتاب التتبع، عن عليّ بن المديني: أن ابن بريدة إنما يروي عن يحيى بن معمر، عن أبي الأسود، ولم يقل في هذا الحديث: سمعت أبا الأسود. قال الحافظ ابن حجر، وابن بريدة ولد في عهد عمر، فقد أدرك أبا الأسود بلا ريب، لكن البخاري لا يكتفي بالمعاصرة، فلعله أخرجه شاهدًا أو اكتفى للأصل بحديث أنس السابق. (قال) أي: أبو الأسود: (قدمت المدينة) النبوية - (وقد وقع بها مرض) - جملة حالية، زاد في الشهادات: وهم يموتون موتًا ذريعًا. وهو بالذال المعجمة أي سريعًا (فجلست إلى) أي: عند (عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فمرت بهم جنازة، فأثني) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (على صاحبها خيرًا) كذا في جميع الأصول بالنصب، ووجهه ابن بطال، بأنه أقام الجار والمجرور، وهو قوله: على صاحبها مقام المفعول الأول وخيرًا مقام الثاني وإن كان الاختيار عكسه. وقال النووي: منصوب بنزع الخافض، أي أثنى عليها بخير. وقال في مصابيح الجامع: على صاحبها، نائب عن الفاعل، وخيرًا: مفعول لمحذوف. فقال المثنون خيرًا. (فقال عمر، رضي الله عنه: وجبت ثم مرّ) بضم الميم (بأخرى، فأثني على صاحبها) فقال المثنون: (خيرًا، فقال عمر، رضي الله عنه، وجبت ثم مر) بضم الميم (بالثالثة، فأثني على صاحبها) فقال المثنون (شرًّا، فقال) عمر رضي الله عنه: (وجبت. فقال أبو الأسود) المذكور بالإسناد السابق، (فقلت وما) معنى قولك لكل منهما (وجبت يا أمير المؤمنين): مع اختلاف الثناء بالخير والشر. (قال) عمر: (قلت كما قال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هو المقول، وحينئذ فيكون قول عمر، رضي الله عنه لكل منهما وجبت، قاله بناء على اعتقاده صدق الوعد المستفاد من قوله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أدخله الله الجنة. (أيما مسلم شهد له أربعة) من المسلمين (بخير، أدخله الله الجنة). (فقلنا) أي عمر وغيره (وثلاثة؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (وثلاثة. فقلنا: واثنان؟ قال) عليه الصلاة والسلام (واثنان). (ثم لم نسأله عن الواحد) استبعادًا أن يكتفي في مثل هذا المقام العظيم، بأقل من النصاب. واقتصر على الشق الأول اختصارًا، أو لإحالة السامع على القياس. وفي حديث حماد بن سلمة، عن ثابت عن أنس، عند أحمد، وابن حبان والحاكم مرفوعًا: ما من مسلم يموت، فيشهد له أربعة من جيرانه الادنين، أنهم لا يعلمون منه إلا خيرًا، إلا قال الله تعالى قد قبلت قولكم وغفرت له ما لا تعلمون وهذا يؤيد قول النووي السابق: إن من مات فألهم الله الناس الثناء عليه بخير، كان دليلاً على أنه من أهل الجنة، سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا. وهذا في جانب الخير واضح، وأما في جانب الشر، فظاهر الأحاديث أنه كذلك، لكن إنما يقع ذلك في حق من غلب شره على خيره، وقد وقع في رواية النضر عند الحاكم: إن لله تعالى ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المؤمن من الخير أو الشر. وهل يختص الثناء الذي ينفع الميت بالرجال، أو يشمل النساء أيضًا. وإذا قلنا إنهن يدخلن، فهل يكتفى باْمرأتين، أو لا بد من رجل واْمرأتين؟ محل نظر. وقد يقال: لا يدخلن، لقصة أم العلاء الأنصارية، لا أثنت على عثمان بن مظعون بقولها: فشهادتي عليك لقد أكرمك الله تعالى. فقال لها النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وما يدريك أن الله أكرمه، فلم يكتف بشهادتها، لكن يجاب بأنه عليه الصلاة والسلام، إنما أنكر عليها القطع بأن الله أكرمه، وذلك مغيب عنها، بخلاف الشهادة للميت

87 - باب ما جاء في عذاب القبر

بأفعاله الحسنة التي يتلبس بها في الحياة الدنيا. ورواة هذا الحديث: كلهم بصريون، لكن داود مروزي، تحول إلى البصرة. وهو من أفراد المؤلّف. وفيه: رواية تابعي عن تابعي عن صحابي والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في الشهادات، والترمذي في: الجنائز، وكذا النسائي والله أعلم. 87 - باب مَا جَاءَ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام: 93] َالْهَوْنُ هُوَ الْهَوَانُ. وَالْهَوَانُ الرِّفْقُ، وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة: 101]. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 45]. (باب ما جاء في عذاب القبر) قد تظاهرت الدلائل من الكتاب والسنة على ثبوته، وأجمع عليه أهل السنة، ولا مانع في العقل أن يعيد الله الحياة في جزء من الجسد، أو في جميعه على الخلاف المعروف، فيثيبه ويعذبه. وإذا لم يمنعه العقل وورد به الشرع وجب قبوله، واعتقاده. ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تفرقت أجزاؤه، كما يشاهد في العادة، أو أكلته السباع والطيور وحيتان البحر. كما أن الله تعالى يعيده للحشر، وهو سبحانه وتعالى، قادر على ذلك، فلا يستبعد تعلق روح الشخص الواحد في آن واحد بكل واحد من أجزائه المتفرقة في المشارق والمغارب. فإن تعلقه ليس على سبيل الحلول حتى يمنعه الحلول في جزء من الحلول في غيره، قال في مصابيح الجامع: وقد كثرت الأحاديث في عذاب القبر، حتى قال غير واحد: إنها متواترة لا يصح عليها التواطؤ وإن لم يصح مثلها لم يصح شيء من أمر الدين. قال أبو عثمان الحداد وليس في قوله تعالى: إ {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56] ما يعارض ما ثبت من عذاب القبر، لأن الله تعالى أخبر بحياة الشهداء قبل يوم القيامة، وليست مرادة بقوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56] فكذا حياة المقبور قبل الحشر. قال ابن المنير: وأشكل ما في القضية أنه إذا ثبت حياتهم، لزم أن يثبت موتهم بعد هذه الحياة ليجتمع الخلق كلهم في الموت عند قوله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر: 16] ويلزم تعدد الموت، وقد قال تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56] الآية، والجواب الواضح عندي أن معنى قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ} [الدخان: 56] أي ألم الموت فيكون الموت الذى يعقب الحياة الأخروية بعد الموت الأول لا يذاق ألمه البتة، ويجوز ذلك في حكم التقدير بلا إشكال، وما وضع العرب اسم الموت إلا للمؤلم على ما فهموه لا باعتبار كونه ضدّ الحياة، فعلى هذا يخلق الله لتلك الحياة الثانية ضدًّا يعدمها به لا يسمى ذلك الضد موتًا، وإن كان للحياة ضد، جمعًا بين الأدلة العقلية والنقلية واللغوية. اهـ. وقد ادعى قوم عدم ذكر عذاب القبر في القرآن، وزعموا أنه لم يرد ذكره إلا من أخبار الآحاد، فذكر المصنف آيات تدل لذلك ردًّا عليهم فقال: (وقوله تعالى) بالجر عطفًا على عذاب، أو بالرفع على الاستئناف ({إذ الظالمون}) ولأبي ذر، وابن عساكر: {ولو ترى إذ الظالمون} جوابه محذوف، أي: ولو ترى زمن غمراتهم لرأيت أمرًا فظيعًا ({في غمرات الموت}) شدائده ({والملائكة باسطو أيديهم}) لقبض أرواحهم أو بالعذاب ({أخرجوا أنفسكم}) أي: يقولون لهم أخرجوها إلينا من أجسادكم تغليطًا وتعنيفًا عليهم، فقد ورد أن أرواح الكفار تتفرق في أجسادهم، وتأبى الخروج فتضربهم الملائكة حتى تخرج ({اليوم}) يريد وقت الإماتة لما فيه من شدة النزع، أو الوقت الممتد من الإماتة إلى ما لا نهاية له الذي فيه عذاب البرزخ والقيامة ({تجزون عذاب الهون}) [الأنعام: 93]. وروى الطبري، وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس {والملائكة باسطو أيديهم} قال: هذا عند الموت، والبسط الضرب، يضربون وجوههم وأدبارهم (الهون) بالضم، ولأبي ذر: قال أبو عبد الله أي البخاري: الهون (هو الهوان) يريد العذاب المتضمن لشدة وإهانة، وأضافه إلى الهون لتمكنه فيه، (والهون) بالفتح والرفع: (الرفق. وقوله جل ذكره: ({سنعذبهم مرتين}) بالفضيحة في الدنيا، وعذاب القبر، رواه الطبري وابن أبي حاتم، والطبراني في الأوسط، عن ابن عباس بلفظ: خطب رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الجمعة، فقال: أخرج يا فلان فإنك منافق ... فذكر الحديث. وفيه: ففضح الله المنافقين، فهذا العذاب الأول. والعذاب الثاني، عذاب القبر، أو ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند قبض أرواحهم، ثم عذاب القبر ({ثم يردون إلى عذاب عظيم}) [التوبة: 101] في جهنم. (وقوله تعالى: {وحاق بآل فرعون})

فرعون وقومه، واستغنى بذكرهم عن ذكره للعلم بأنه أولى بذلك ({سوء العذاب}) الغرق في الدنيا، ثم النقلة منه إلى النار ({النار يعرضون عليها غدوًا وعشيًّا}) جملة مستأنفة، أو: النار، بدل من سوء العذاب، ويعرضون حال. وروى ابن مسعود: أن أرواحهم في أجواف طير سود تعرض على النار بكرة وعشيًا، فقال لهم: هذه داركم. رواه ابن أبي حاتم، قال القرطبي: الجمهور على أن هذا العرض في البرزخ، وفيه دليل على بقاء النفس، وعذاب القبر ({ويوم تقوم الساعة}) أي: هذا ما دامت الدنيا، فإذا قامت الساعة قيل لهم: ({أدخلوا}) {آَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} [غافر: 45] عذاب جهنم فإنه أشد مما كانو فيه، أو أشد عذاب جهنم. وهذه الآية المكية أصل في الاستدلال لعذاب القبر، لكن استشكلت مع الحديث المروي في مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين: أن يهودية في المدينة كانت تعيذ عائشة من عذاب القبر، فسألت عنه رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: كذب يهود، لا عذاب دون القيامة. فلما مضى بعض أيام، نادى رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، محمرًا عيناه، بأعلى صوته: أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر، فإنه حق. وأجيب: بأن الآية دلت على عذاب الأرواح في البرزخ، وما نفاه أوّلاً ثم أثبته، عليه الصلاة والسلام، عذاب الجسد فيه. والأولى أن يقال: الآية دلت على عذاب الكفار، وما نفاه، ثم أثبته عذاب القبر للمؤمنين. ففي صحيح مسلم، من طريق ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، رضي الله عنها، أن يهودية قالت لها: أشعرت أنكم تفتنون في القبور؟ فلما سمع، عليه الصلاة والسلام، قولها ارتاع، وقال: إنما تفتن اليهود. ثم قال بعد ليال: أشعرت أنه أوحي إليّ أنكم تفتنون في القبور، وفي الترمذي، عن عليّ قال: ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر: 1 - 2] وفي صحيح ابن حبان، من حديث أبي هريرة مرفوعًا في قوله تعالى: {فإن له معيشة ضنكًا} قال عذاب القبر. 1369 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أُقْعِدَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ أُتِيَ ثُمَّ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}. وبالسند قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي، قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن علقمة بن مرثد) بفتح الميم والمثلثة، الحضرمي (عن سعد بن عبيدة) بسكون العين في الأوّل، وضمها وفتح الموحدة مصغرًا آخره هاء تأنيث في الثاني، وصرّح في رواية أبي الوليد الطيالسي، الآتية إن شاء الله تعالى في التفسير بالإخبار بين شعبة وعلقمة، وبالسماع بين علقمة وسعد بن عبيدة (عن البراء بن عازب، رضي الله عنهما، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا أقعد المؤمن في قبره) بضم همزة أقعد مبنيًا للمفعول، كهمزة (أتي) أي: حال كونه مأتيًّا إليه. والآتي: الملكان منكر ونكير (ثم شهد) بلفظ الماضي: كعلم، وللحموي والكشميهني كما في الفرع، وقال في الفتح، والمستملي بدل الكشميهني: ثم يشهد، بلفظ المضارع، كيعلم (أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله) وفي رواية أبي الوليد المذكورة، المسلم، إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله (فذلك قوله) تعالى: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت) الذي ثبت بالحجة عندهم، وهي كلمة التوحيد، وثبوتها تمكنها في القلب، واعتقاد حقيتها، واطمئنان القلب بها. زاد في رواية أبي الوليد {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ} [إبراهيم: 27] وتثبيتهم في الدنيا: أنهم إذا فتنوا في دينهم لم يزالوا عنها، وإن ألقوا في النار ولم يرتابوا بالشبهات. وتثبيتهم في الآخرة: أنهم إذا سئلوا في القبر لم يتوقفوا في الجواب وإذا سئلوا في الحشر، وعند موقف الإشهاد، عن معتقدهم ودينهم، لم تدهشهم أهوال القيامة. وبالجملة، فالمرء على قدر ثباته في الدنيا يكون ثباته في القبر وما بعده وكلما كان أسرع إجابة كان أسرع تخلصًا من الأهوال. والمسؤول عنه في قوله: إذا سئلوا الثابت في رواية أبي الوليد، محذوف أي: عن ربه ونبيه ودينه. وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة، ورواته ما بين: بصري وكوفي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الجنائز، وفي التفسير، ومسلم في: صفة النار، وأبو داود في: السنة، والترمذي في: التفسير، والنسائي في: الجنائز، وفي التفسير، وابن ماجة في: الزهد. 1369م- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا، وَزَادَ {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ. [الحديث 1369م- طرفه في: 4699]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة والشين المعجمة المشددة، العبدي البصري، ويقال له:

بندار، قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (بهذا) أي: بالحديث السابق (وزاد: {يثبت الله الذين آمنوا}) بالقول الثابت (نزلت في عذاب القبر). قال الطيبي في شرح المشكاة: إن قلت: ليس في الآية ما يدل على عذاب المؤمن في القبر، فما معنى نزلت في عذاب القبر؟ قلت لعله سمى أحوال العبد في القبر بعذاب القبر على تغليب فتنة الكافر على فتنة المؤمن ترهيبًا وتخويفًا، ولأن القبر مقام الهول والوحشة، ولأن ملاقاة الملكين مما يهيب المؤمن في العادة. 1370 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ حَدَّثَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ قَالَ: "اطَّلَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَهْلِ الْقَلِيبِ فَقَالَ: وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا. فَقِيلَ لَهُ: أتَدْعُو أَمْوَاتًا؟ فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ لاَ يُجِيبُونَ". [الحديث 1370 - طرفاه في: 3980، 4026]. وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني، قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثني) بالإفراد. ولأبي الوقت: حدّثنا (أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي (عن صالح) هو: ابن كيسان، قال: (حدّثني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر بن الخطاب (أن ابن عمر، رضي الله عنهما، أخبره قال): (اطلع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على أهل القليب) قليب بدر، وهم: أبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وهم يعذبون (فقال) لهم: (وجدتم ما وعد ربكم حقًا؟) وفي نسخة: ما وعدكم. (فقيل له) عليه الصلاة والسلام، والقائل عمر بن الخطاب كما في مسلم: (أتدعو) بهمزة الاستفهام، وسقطت من اليونينية، كما في فرعها (أمواتًا؟ فقال) عليه الصلاة والسلام (ما أنتم بأسمع منهم) لما أقول (ولكن لا يجيبون): لا يقدرون على الجواب. وهذا يدل على وجود حياة في القبر يصلح معها التعذيب، لأنه لما ثبت سماع أهل القليب كلامه، عليه الصلاة والسلام، وتوبيخه لهم، دل على إدراكهم الكلام بحاسة السمع، وعلى جواز إدراكهم ألم العذاب ببقية الحواس بل بالذات. ورواة هذا الحديث: مدنيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه أيضًا في: المغازي مطوّلاً، ومسلم في: الجنائز، وكذلك النسائي. 1371 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّهُمْ لَيَعْلَمُونَ الآنَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ حَقٌّ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى} ". [الحديث 1371 - طرفاه في: 3979، 3981]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) هو: ابن أبي شيبة، قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة، رضي الله عنها، قالت): تردّ رواية ابن عمر: ما أنتم بأسمع منهم. (إنما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنهم ليعلمون الآن أن ما كنت أقول حق) ولأبوي الوقت، وذر: أن ما كنت أقول لهم حق، ثم استدلت لما نفته بقولها: (وقد قال الله تعالى: {إنك لا تسمع الموتى}) قالوا: ولا دلالة فيها على ما نفته، بل لا منافاة بين قوله، عليه الصلاة والسلام: إنهم الآن يسمعون، وبين الآية. لأن الإسماع هو إبلاغ الصوت من المسمع في أذن السامع، فالله تعالى هو الذي أسمعهم، بأن أبلغ صوت نبيه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك. وقد قال المفسرون: إن الآية مثل ضربة الله للكفار أي: فكما أنك لا تسمع الموتى، فكذلك لا تفقه كفار مكة، لأنهم كالموتى في عدم الانتفاع بما يسمعون. وقد خالف الجمهور عائشة في ذلك، وقبلوا حديث ابن عمر لموافقة من رواه غيره عليه، ولا مانع أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال اللفظين معًا، ولم تحفظ عائشة إلا أحدهما، وحافظ غيرها سماعهم بعد إحيائهم. وإذا جاز أن يكونوا عالمين، جاز أن يكونوا سامعين، إما بآذان رؤوسهم، كما هو قول الجمهور، أو بآذان الروح فقط، والمعتمد قول الجمهور، لأنه: لو كان العذاب على الروح فقط، لم يكن للقبر بذلك اختصاص، وقد قال قتادة، كما عند المؤلّف في غزوة بدر: أحياهم الله تعالى حتى أسمعهم توبيخًا أو نقمة. 1372 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ سَمِعْتُ الأَشْعَثَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَذَكَرَتْ عَذَابَ الْقَبْرِ فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَقَالَ: نَعَمْ، عَذَابُ الْقَبْرِ. قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدُ صَلَّى صَلاَةً إِلاَّ تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ". وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة، قال: (أخبرني) بالإفراد (أبي) عثمان (عن شعبة) بن الحجاج، قال: (سمعت الأشعث) بالمثلثة في آخره (عن أبيه) أبي الشعثاء، بالمد، سليم بن أسود المحاربي. وفي رواية أبي داود الطيالسي: عن شعبة، عن أشعث سمعت أبي، (عن مسروق) هو: ابن الأجدع (عن عائشة، رضي الله عنها). (أن يهودية) قال ابن حجر: لم أقف على اسمها (دخلت عليها) أي: على عائشة (فذكرت عذاب القبر، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر. فسألت عائشة) رضي الله عنها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عن عذاب القبر، فقال): (نعم، عذاب القبر) بحذف الخبر، أي: حق، أو: ثابت. وللحموي والمستملي: عذاب القبر حق، بإثبات الخبر، لكن قال

الحافظ ابن حجر: ليس بجيد، لأن المصنف قال عقب هذه الطريق، زاد غندر: عذاب القبر، حق، فبين أن لفظة: حق، ليست في رواية عبدان عن أبيه عن شعبة، وأنها ثابتة في رواية غندر، يعني: عن شعبة. وهو كذلك، وقد أخرج طريق غندر: النسائي والإسماعيلي: كذلك، وكذا أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة. اهـ. وتعقبه العيني، بأن قوله: زاد غندر: عذاب القبر حق، ليس بموجود في كثير من النسخ، ولئن سلمنا وجود هذا، فلا نسلم أنه يستلزم حذف الخبر، مع أن الأصل ذكر الخبر، وكيف ينفي الجودة من رواية المستملي مع كونها على الأصل؟ فماذا يلزم من المحذور إذا ذكر الخبر في الروايات كلها؟ اهـ فليتأمل. (قالت عائشة، رضي الله عنها: فما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد) مبني على الضم، أي: بعد سؤالي إياه (صلّى صلاة إلا تعوذ) فيها (من عذاب القبر). وزاد في رواية أبي ذر هنا قوله: وزاد غندر: عذاب القبر حق. ففي هذا الحديث أنه أقر اليهودية على أن عذاب القبر حق، وفي حديثي أحمد ومسلم السابقين، أنه أنكره، حيث قال: كذب يهود، لا عذاب دون عذاب يوم القيامة، وإنما تفتن اليهود. فبين الروايتين مخالفة، لكن قال النووي، كالطحاوي وغيرهما: قضيتان، فأنكر، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قول اليهودية في الأولى، ثم أعلم بذلك ولم يعلم عائشة، فجاءت اليهودية مرة أخرى، فذكرت لها ذلك، فأنكرت عليها مستندة إلى الإنكار الأول، فأعلمها عليه الصلاة والسلام بأن الوحي نزل بإثباته اهـ. وفيه إرشاد لأمته، ودلالة على أن عذاب القبر ليس خاصًّا بهذه الأمة، بخلاف المسألة ففيها خلاف، يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. 1373 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- تَقُولُ "قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطِيبًا فَذَكَرَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ الَّتِي يَفْتَتِنُ فِيهَا الْمَرْءُ. فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ ضَجَّةً". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي الكوفي، نزيل البصرة، قال: (حدَّثنا ابن وهب) عبد الله المصري بالميم (قال: أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري، قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أنه سمع أسماء بنت أبي بكر) الصديق (رضي الله عنهما، تقول): (قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (خطيبًا، فذكر فتنة القبر التي يفتتن فيها المرء) بفتح المثناة التحتية وكسر المثناة الفوقية الثانية، ولأبي ذر والوقت، من غير اليونينية: يفتن بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول، (فلما ذكر ذلك) بتفاصيله كما يجري على المرء في قبره (ضج المسلمون ضجة) عظيمة، وزاد النسائي من الوجه الذي أخرجه منه البخاري: حالت بيني وبين أن أفهم كلام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما سكنت ضجتهم قلت لرجل قريب مني، أي: بارك الله فيك؛ ماذا قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي آخر كلامه؟ قال: قال: قد أوحي إليّ أنكم تفتنون في القبور قريبًا من فتنة المسيح الدجال، أي: فتنة قريبة، يريد: فتنة عظيمة، إذ ليس فتنة أعظم من فتنة الدجال. وهذا الحديث قد سبق في العلم، والكسوف، والجمعة من طريق فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بتمامه. وأورده هنا مختصرًا، ووقع هنا في بعض نسخ البخاري: وزاد غندر: عذاب القبر، بحذف الخبر أي: حق وثبت لأبي الوقت، وكذا هو ثابت في الفرع، لكن رقم عليه علامة السقوط، وفوقها علامة أبي ذر الهروي، ولا يخفى أن هذا إنما هو في آخر حديث عائشة المتقدّم، فذكره في حديث أسماء غلط، لأنه لا رواية لغندر فيه. 1374 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ -وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ- أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولاَنِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي الرَّجُلِ؟ لِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ الْجَنَّةِ، فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا". قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ فِي قَبْرِهِ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: "وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ. فَيُقَالُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ. وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ". وبه قال: (حدّثنا عياش بن الوليد) بفتح العين والمثناة التحتية المشدّدة، آخره شين معجمة، الرقام البصري، قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي، بالسين المهملة، قال: (حدَّثنا سعيد) هو: ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) وسقط لفظة: ابن مالك لأبي ذر (رضي الله عنه، أنه حدثهم أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، وإنه) بالواو، والضمير للميت، ولأبي ذر: إنه (ليسمع قرع نعالهم) زاد مسلم: إذا انصرفوا (أتاه ملكان) زاد ابن حبان والترمذي، من حديث أبي هريرة: أسودان أزرقان، يقال لأحدهما المنكر، وللآخر النكير. والنكير فعيل بمعنى مفعول، والمنكر مفعل من أنكر، وكلاهما ضدّ المعروف، وسميا به لأن الميت لم يعرفهما، ولم ير صورة مثل

صورتهما، وإنما صوّرا كذلك ليخاف الكافر ويتحير في الجواب، وأما المؤمن فيثبته الله بالقول الثابت، فلا يخاف لأن من خاف الله في الدنيا وآمن به وبرسله وكتبه لم يخف في القبر. وزاد الطبراني في الأوسط، من حديث أبي هريرة أيضًا: أعينهما مثل قدور النحاس، وأنيابهما مثل صياصي البقر، وأصواتهما مثل الرعد. وزاد عبد الرزاق، من مرسل عمرو بن دينار: يحفران بأنيابهما، ويطآن في أشعارهما، معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل منى لم يقلوها. وذكر بعض الفقهاء أن اسم اللذين يسألان المذنب: منكر ونكير، واسم اللذين يسألان المطيع: مبشر وبشير. كذا نقله في الفتح. (فيقعدانه) فتعاد روحه في جسده، وفي حديث البراء: فيجلسانه، وزاد ابن حبان من حديث أبي هريرة: فإذا كان مؤمنًا كانت الصلاة عند رأسه، والزكاة عن يمينه، والصوم عن شماله، وفعل المعروف من قبل رجليه، فيقال له: أجلس. فيجلس، وقد مثلث له الشمس عند الغروب: زاد ابن ماجة من حديث جابر: فيجلس يمسح عينيه، ويقول: دعوني أصلي، فانظر كيف يبعث المرء على ما عاش عليه. اعتاد بعضهم أنه كلما انتبه ذكر الله واستاك، وتوضأ وصلّى، فلما مات رئي، فقيل له: ما فعل الله بك. قال: لما جاءني الملكان، وعادت إليّ روحي، حسبت أني انتبهت من الليل، فذكرت الله على العادة، وأردت أن أقوم أتوضأ، فقالا لي: أين تريد تذهب؟ فقلت: للوضوء والصلاة، فقالا: ثم نومة العروس، فلا خوف عليك ولا بؤس. (فيقولان) له: (ما كنت تقول في هذا الرجل؟ لمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بيان من الراوي أي: لأجل محمد عليه الصلاة والسلام، وعبر بذلك امتحانًا، لئلا يتلقن تعظيمه من عبارة القائل. والإشارة في قوله: هذا، للحاضر، فقيل: يكشف للميت حتى يرى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي بشرى عظيمة للمؤمن إن صح ذلك، ولا نعلم حديثًا صحيحًا مرويًّا في ذلك. والقائل به إنما استند لمجرد أن الإشارة لا تكون، إلا لحاضر. لكن يحتمل أن تكون الإشارة لما في الذهن، فيكون مجازًا. وزاد أبو داود في أوّله: ما كنت تعبد؟ فإن الله هداه قال: كنت أعبد الله. فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ (فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله) زاد في حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق، السابق في العلم والطهارة وغيرهما: جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وآمنا واتبعنا. (فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار) ولأبي داود: هذا بيتك كان في النار (قد أبدلك الله مقعدًا من الجنة، فيراهما جميعًا) فيزداد فرحًا إلى فرحه، ويعرف نعمة الله عليه بتخليصه من النار، وإدخاله الجنة. وفي حديث أبي سعيد، عن سعيد بن منصور: فيقال له: نم نومة عروس، فيكون في أحلى نومة نامها أحد حتى يبعث. وللترمذي من حديث أبي هريرة: ويقال له: نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. (قال قتادة: وذكر لنا) بضم الذال، مبنيًا للمفعول (أنه يفسح في قبره) في زائدة، والأصل: يفسح قبره. ولأبوي ذر والوقت: يفسح له في قبره، وزاد ابن حبان: سبعين ذراعًا في سبعين ذراعًا، وعنده من وجه آخر، عن أبي هريرة، رضي الله عنه: ويرحب له في قبره سبعين ذراعًا، وينوّر له كالقمر ليلة البدر، وعنده أيضًا: فيزداد غبطة وسرورًا فيعاد الجلد إلى ما بدئ منه، وتجعل روحه في نسم طائر يعلق في شجر الجنة. (ثم رجع) قتادة (إلى حديث أنس، قال): (وأما المنافق والكافر) كذا بواو العطف، وتقدم في باب: خفق النعال، وأما الكافر أو المنافق بالشك (فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟) محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فيقول لا أدري) وفي رواية أبي داود المذكورة، وإن الكافر إذا وضع في قبره أتاه ملك فينتهره، فيقول له: ما كنت تعبد؟ وفي أكثر الأحاديث: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ وفي حديث البراء: فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه ... لا يدري. فيقولان له: ما دينك فيقول: هاه هاه ... لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه ... لا أدري (كنت أقول ما يقول الناس) المسلمون (فيقال) له: (لا دريت ولا تليت) أصله: تلوت. بالواو، والمحدثون إنما يروونه بالياء للازدواج، أي: لا فهمت ولا قرأت القرآن، أو المعنى: لا دريت ولا اتبعت من يدري، ولأبي

ذر: ولا تليت، بزيادة ألف وتسكين المثناة الفوقية، وصوّبها يونس بن حبيب، فيما حكاه ابن قتيبة كأنه يدعو عليه، بأنه لا يكون له من يتبعه، واستبعد هذا في دعاء الملكين. وأجيب: بأن هذا أصل الدعاء، ثم استعمل في غيره (ويضرب بمطارق من حديد ضربة) بإفراد ضربة، وجمع: مطارق ليؤذن بأن كل جزء من أجزاء تلك المطرقة مطرقة برأسها، مبالغة (فيصيح صيحة يسمعها من يليه) مفهومه: أن من بعُد لا يسمعه، فيكون مقصورًا على الملكين. لكن في حديث البراء: يسمعها ما بين المشرق والمغرب. والمفهوم لا يعارض المنطوق، وفي حديث أبي سعيد عند أحمد: يسمعه خلق الله كلهم (غير الثقلين) الجنّ والإنس. وغير نصب على الاستثناء. وفي هذا الحديث: إثبات عذاب القبر، وأنه واقع على الكفار، ومن شاء الله من الموحدين. والمسألة، وهل هي واقعة على كل أحد؟ فقيل: إنما تقع على من يدّعي الإيمان إن محقًا وإن مبطلاً لقول عبيد بن عمير، أحد كبار التابعين، فيما رواه عبد الرزاق: إنما يفتن رجلان مؤمن ومنافق، وأما الكافر فلا يسأل عن محمد، ولا يعرفه. والصحيح أنه يسأل، لما ورد في ذلك من الأحاديث المرفوعة الصحيحة الكثيرة الطرق، وبذلك جزم الترمذي الحكيم، وقال ابن القيم في الروح: في الكتاب والسنة دليل على أن السؤال للكافر والمسلم قال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم: 27] وفي حديث أنس، في البخاري: وأما المنافق والكافر، بواو العطف. وهل يسأل الطفل الذي لا يميز؟ جزم القرطبي في تذكرته أنه يسأل، وهو منقول عن الحنفية، وجزم غير واحد من الشافعية بأنه لا يسأل. ومن ثم قالوا: لا يستحب أن يلقن. وقال عبيد بن عمير، مما ذكره الحافظ زين الدين ابن رجب في كتابه، أهوال القبور: المؤمن يفتن سبعًا والكافر أربعين صباحًا. ومن ثم كانوا يستحبون أن يطعم عن المؤمن سبعة أيام من يوم دفنه. وهذا مما انفرد به، لا أعلم أحدًا قاله غيره. نعم، تبعه في ذلك، وفي قوله السابق، بعض العصريين، فلم يصب والله الموفق. وقد صح أن الرابط في سبيل الله لا يفتن، كما في حديث مسلم وغيره، كشهيد المعركة، والصابر في الطاعون الذي لا يخرج من البلد الذي يقع فيه قاصدًا بإقامته ثواب الله، راجيًا صدق موعوده، عارفًا أنه إن وقع له فهو بتقدير الله تعالى، وإن صرف عنه فبتقديره تعالى، غير متضجر به لو وقع، معتمدًا على ربه في الحالتين لحديث البخاري والنسائي، عن عائشة مرفوعًا: فليس من رجل يقع الطاعون، فيمكث في بلده صابرًا محتسبًا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما قد كتب الله له، إلا كان له مثل أجر الشهيد. وجه الدليل أن الصابر في الطاعون، المتصف بالصفات المذكورة، نظير المرابط في سبيل الله. وقد صح أن المرابط لا يفتن، ومن مات بالطاعون فهو أولى، وهل السؤال يختص بهذه الأمة المحمدية، أم يعم الأمم قبلها؟ ظاهر الأحاديث التخصيص، وبه جزم الحكيم الترمذي، وجنح ابن القيم إلى التعميم، واحتج بأنه ليس في الأحاديث ما ينفي ذلك، وإنما أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمته بكيفية امتحانهم في القبور، قال: والذي يظهر، أن كل نبيّ مع أمته كذلك، فتعذب كفارهم في قبورهم بعد سؤالهم، أقامة الحجة عليهم، كما يعذبون في الآخرة بعد السؤال وإقامة الحجة عليهم. وهل السؤال باللسان العربي، أم بالسرياني ظاهر قوله: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ إلى آخر الحديث، أنه بالعربي. قال شيخنا: ويشهد له ما رويناه من طريق يزيد بن طريف، قال: مات أخي، فلما ألحد وانصرف الناس عنه، وضعت رأسي على قبره، فسمعت صوتًا ضعيفًا، أعرف أنه صوت أخي، وهو يقول: الله فقال له الآخر: ما دينك؟ قال: الإسلام. ومن طريق العلاء بن عبد الكريم، قال: مات رجل، وكان له أخ ضعيف البصر، قال أخوه: فدفناه، فلما انصرف الناس عنه وضعت رأسي على القبر، فإذا أنا بصوت من داخل القبر، يقول: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فسمعت صوت أخي، وهو يقول: الله. قال الآخر: فما دينك؟ قال: الإسلام، إلى غير ذلك مما يستأنس به لكونه عربيًّا. قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل مع ذلك أن يكون

88 - باب التعوذ من عذاب القبر

خطاب كل أحد بلسانه، قال شيخنا: ويستأنس له بإرسال الرسل بلسان قومهم، وعن الإمام البلقيني أنه بالسريانية، والله أعلم. 88 - باب التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ (باب التعوّذ من عذاب القبر). 1375 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ -رضي الله عنهم- قَالَ: "خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ وَجَبَتِ الشَّمْسُ، فَسَمِعَ صَوْتًا فَقَالَ: يَهُودُ تُعَذَّبُ فِي قُبُورِهَا". وَقَالَ النَّضْرُ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَوْنٌ سَمِعْتُ أَبِي سَمِعْتُ الْبَرَاءَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبالسند قال: (حدَّثنا) بالجمع، ولأبوي ذر، والوقت، حدَّثني (محمد بن المثنى) المعروف بالزمن، قال: (حدَّثنا) بالجمع، وفي نسخة: أخبرنا (يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدَّثنا) ولأبوي ذو، والوقت: أخبرنا (شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثني) بالإفراد (عون بن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء (عن أبيه) أبي جحيفة: وهب بن عبد الله السوائي الصحابي (عن البراء بن عازب، عن أبى أيوب) الأنصاري (رضي الله عنهم، قال): (خرج النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من المدينة إلى خارجها (وقد وجبت الشمس) أي: سقطت، يريد: غربت. والجملة حالية (فسمع صوتًا) إما صوت ملائكة العذاب، أو صوت وقع العذاب، أو صوت المعذبين. وفي الطبراني عن عون بهذا السند: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: أسمع صوت اليهود يعذبون في قبورهم (فقال: يهود تعذب في قبورها) يهود مبتدأ، وتعذب خبره. وقال في فتح الباري: يهود خبر مبتدأ محذوف، أي: هذه يهود، وتعقبه العيني فقال: ظن أن يهود نكرة وليس كذلك، بل هو علم للقبيلة، وتدخله الألف واللام. قال الجوهري: الأصل اليهوديون، فحذفت ياء الإضافة مثل زنجي، ثم عرّف على هذا الحد، فجمع على قياس شعير وشعيرة، ثم عرّف الجمع بالألف واللام، ولولا ذلك لم يجز دخولهما، لأنه معرفة مؤنث، فجرى مجرى القبيلة، وهو غير منصرف للعلمية والتأنيث. اهـ. وهذا نقله في فتح الباري عن الجوهري أيضًا، وزاد في إعراب يهود: أنه مبتدأ خبره محذوف، فكيف يقول العيني: إنه ظن أنه نكرة بعد قوله ذلك؟ فليتأمل. وإذا ثبت أن اليهود تعذب، ثبت تعذيب غيرهم من المشركين، لأن كفرهم بالشرك أشد من كفر اليهود، ومناسبة الحديث للترجمة من حيث أن كل من سمع مثل ذلك الصوت يتعوّذ من مثله، أو: الحديث من الباب السابق وأدخله هنا بعض النساخ. (وقال النضر) بن شميل، مما وصله الإسماعيلي: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج، قال: (حدَّثنا عون) قال: (سمعت أبي) أبا جحيفة (قال: سمعت البراء) بن عازب (عن أبي أيوب) الأنصاري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وفائدة ذكر ذلك، تصريح عون فيه بالسماع له من أبيه، وسماع أبيه له من البراء، وهذا ثابت عند أبي ذر، كما نبه عليه في الفرع وأصله. وفي هذا الحديث: ثلاثة من الصحابة في نسق أولهم: أبو جحيفة، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه مسلم في: صفة أهل النار، والنسائي في: الجنائز. 1376 - حَدَّثَنَا مُعَلًّى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي ابْنَةُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ "أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ". [الحديث 1376 - طرفه في: 6364]. به قال: (حدّثنا معلى) بالتنوين، وعند أبي ذر: ابن أسد قال: (حدّثنا وهيب) هو: ابن خالد (عن موسى بن عقبة) الأسدي (قال: حدثتني) بالإفراد مع تاء التأنيث (ابنة خالد بن سعيد بن العاصي) أمة بفتح الهمزة وتخفيف الميم، أم خالد الأموية، ولدت بالحبشة، وتزوّجها الزبير، فولدت له خالدا وعمرًا: (أنها سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يتعوّذ من عذاب القبر) إرشادًا لأمته ليقتدوا به في ذلك، لينجوا من العذاب. وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة والسماع والقول، وشيخه ووهيب بصريان وموسى مدني. وأخرجه أيضًا في: الدعوات، والنسائي في: التعوّذ. 1377 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ". وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي، قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي، قال: (حدّثنا يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال): (كان رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يدعو: اللهم) وللكشميهني: يدعو ويقول: اللهم (إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار) تعميم بعد تخصيص، كما أن تاليه تخصيص بعد تعميم، وهو قوله: (ومن فتنة المحيا) الابتلاء مع عدم الصبر، والرضا، والوقوع في الآفات والإصرار على الفساد، وترك متابعة طريق الهدى (و) من فتنة (الممات) سؤال منكر ونكير مع الحيرة والخوف، وعذاب القبر وما فيه من الأهوال والشدائد. قاله الشيخ أبو النجيب السهروردي. والمحيا والممات: مصدران ميميان

89 - باب عذاب القبر من الغيبة والبول

مفعل، من الحياة والموت (ومن فتنة المسيح الدجال) بفتح الميم وبالسين والحاء المهملتين، لأن إحدى عينيه ممسوحة، فيكون فعيلاً بمعنى مفعول، أو لأنه يمسح الأرض أي: يقطعها في أيام معدودة، فيكون بمعنى: فاعل وصدور هذا الدعاء منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على سبيل العبادة والتعليم. وفي الحديث: رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، ورواية يماني وبصري ومدني، وفيه: التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم في الصلاة. 89 - باب عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْغِيبَةِ وَالْبَوْلِ (باب) بيان (عذاب القبر) الحاصل (من الغيبة) بكسر الغين وهي: ذكر الإنسان في غيبته بسوء، وإن كان فيه (و) باب: بيان عذاب القبر من أجل عدم الاستنزاه من (البول). وخصهما بالذكر لتعظيم أمرهما، لا لنفي الحكم عن غيرهما، نعم، هما أمكن. وقد روى أصحاب السنن الأربعة: استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه. 1378 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ. ثُمَّ قَالَ: بَلَى، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الآخر فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ. قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ عُودًا رَطْبًا فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا، مَا لَمْ يَيْبَسَا". وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد، قال: (حدّثنا جرير) هو: ابن أبي حازم (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن مجاهد) هو: ابن جبر (عن طاوس) هو: ابن كيسان (قال ابن عباس) ولأبي ذر: عن ابن عباس (رضي الله عنهما): (مر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قبرين، فقال: انهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير) دفعه (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (بلى) إنه كبير من جهة الدين (أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة) المحرمة (وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله) من الاستتار، وهو مجاز عن الاستنزاه. كما مر البحث فيه. (قال) ابن عباس: (ثم أخذ عودًا رطبًا) في غير هذه الرواية: ثم أخذ جريدة رطبة (فكسره) أي العود (باثنتين) بتاء التأنيث، ولأبي ذر: باثنين، بحذفها (ثم غرز كل واحد منهما) أي: من العودين (على قبر) منهما (ثم قال لعله يخفف عنهما) العذاب، وفاء يخفف الأولى مفتوحة (ما لم ييبسا) أي مدة دوامهما إلى زمن يبسهما. وليس للغيبة التي هي أحد جزأي الترجمة ذكر في الحديث. فقيل: لأنهما متلازمان، لأن النميمة مشتملة على نقل كلام المغتاب الذي اغتابه. والحديث عن المنقول عنه بما لا يريده. وعورض بأنه لا يلزم من الوعيد على النميمة ثبوته على الغيبة وحدها، لأن مفسدة النميمة أعظم، فإذا لم تساوها لم يصح الإلحاق، إذ لا يلزم من التعذيب على الأشد التعذيب على الأخف. وأجيب: بأنه لا يلزم من الإلحاق وجود المساواة، والوعيد على الغيبة التي تضمنتها النميمة موجود، فيصح الإلحاق بهذا الوجه. وقد وقع في بعض طرق هذا الحديث بلفظ: الغيبة، فلعل المصنف جرى على عادته في الإشارة في الترجمة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث. 90 - باب الْمَيِّتِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ (باب الميت) بإضافة باب لتاليه، ولأبي ذر: باب، بالتنوين، الميت (يعرض عليه بالغداة) ولأبوي ذر، والوقت؛ مقعده بالغداة (والعشي) أي: وقتهما. لأن الموتى لا صباح عندهم ولا مساء. 1379 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». [الحديث 1379 - طرفاه في: 3240، 6515]. وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (زضي الله عنهما، أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال): (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي) أي: فيهما، ويحتمل أن يحيا منه جزء ليدرك ذلك، وتصح مخاطبته والعرض عليه أو العرض على الروح فقط، لكن ظاهر الحديث الأول؛ وهل العرض مرة واحدة بالغداة، ومرة أخرى بالعشي فقط؟ أو كل غداة وكل عشي؟ والأول موافق للأحاديث السابقة في سياق المسألة، وعرض المقعدين على كل واحد، (إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة) ظاهره اتحاد الشرط والجزاء، لكنهما متغايران في التقدير، ويحتمل، أن يكون تقديره: فمن مقاعد أهل الجنة. أي: فالمعروض عليه من مقاعد أهل الجنة، فحذف المبتدأ والمضاف المجرور بمن، وأقيم المضاف إليه مقامه. وفي رواية مسلم، بلفظ: إن كان من أهل الجنة فالجنة، وإن كان من أهل النار فالنار. تقديره: فالمعروض الجنة أو المعروض النار، فاقتصر فيها على حذف المبتدأ، فهي أهل حذفًا. أو المعنى: فإن كان من أهل الجنة فسيبشر بما لا يدرك كنهه، ويفوز بما لا يقدر قدره (وإن كان من أهل النار) زاد أبو ذر: فمن أهل النار. أي: فمقعده من مقاعد

91 - باب كلام الميت على الجنازة

أهلها، يعرض عليه، أو: يعلم، بالعكس مما يبشر به أهل الجنة، لأن هذه المنزلة طليعة تباشير السعادة الكبرى، ومقدمة تباريح الشقاوة العظمى، لأن الشرط والجزاء إذا اتحدا، دل الجزاء على الفخامة، وفي ذلك تنعيم لمن هو من أهل الجنة، وتعذيب لمن هو من أهل النار، بمعاينة ما أعد له، وانتظاره ذلك إلى اليوم الموعود (فيقال) له: (هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة) ولمسلم: حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة. بزيادة لفظة: إليه، لكن حكى ابن عبد البر، أن الأكثرين من أصحاب مالك رووه كالبخاري وابن القاسم، كرواية مسلم. نعم، روى النسائي رواية ابن القاسم كلفظ البخاري، واختلف في الضمير: هل يعود على المقعد أي: هذا مقعدك تستقر فيه حتى تبعث إلى مثله من الجنة أو النار؟ ولمسلم، من طريق الزهري، عن سالم، عن أبيه، ثم يقال: هذا مقعدك الذي تبعث إليه يوم القيامة: أو الضمير يرجع إلى الله تعالى، أي: إلى لقاء الله تعالى، أو إلى المحشر أي: هذا الآن مقعدك إلى يوم المحشر، فيرى عند ذلك كرامة أو هوانًا ينسى عنده هذا المقعد، كقوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص: 78] قال الزمخشري، أي إنك مذموم مدعوّ عليك باللعنة في السماوات والأرض إلى يوم الدين، فإذا جاء ذلك اليوم عذبت بما تنسى اللعن منه. وهذا الحديث أخرجه مسلم في: صفة النار، والنسائي في: الجنائز. 91 - باب كَلاَمِ الْمَيِّتِ عَلَى الْجَنَازَةِ (باب كلام الميت) بعد حمله (على الجنازة) أي: النعش. 1380 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا وُضِعَتِ الْجَنَازَةُ فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ قَدِّمُونِي، قَدِّمُونِي. وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا، أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَىْءٍ إِلاَّ الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهَا الإِنْسَانُ لَصَعِقَ». وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن سعيد بن أبي سعيد) بكسر العين فيهما (عن أبيه) أبي سعيد (أنه سمع أبا سعيد الخدري، رضي الله عنه. يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت) أي الجنازة (صالحة قالت: قدّموني قدّموني) مرتين (وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها! أين يذهبون بها؟) بالمثناة التحتية في: يذهبون، وأضاف الويل إلى ضمير الغائب حملاً على المعنى، وعدل عن حكاية قول الجنازة: يا ويلي، كراهية أن يضيف الويل إلى نفسه. ومعنى النداء فيه: يا حزني، يا هلاكي، يا عذابي أحضر فهذا وقتك وأوانك. وكل من وقع في هلكة دعا بالويل، وأسند الفعل إلى الجنازة، وأراد الميت، والكلام كما قال ابن بطال: من الروح، وروي مرفوعًا: إن الميت ليعرف من يحمله، ومن يغسله ومن يدليه في قبره، وعن مجاهد: إذا مات الميت فما من شيء إلا وهو يراه عند غسله، وعند حمله، حتى يصير إلى قبره (يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق) أي: لمات. ومناسبة هذه الترجمة لسابقتها من جهة عرض مقعد الميت عليه، فكأن ابتداءه يكون عند حمل الجنازة، لأنه حينئذٍ يظهر للميت ما يؤول إليه حاله، فعند ذلك يقول: قدّموني قدموني، أو: يا ويلها أين يذهبون بها؟ 91 - باب مَا قِيلَ فِي أَوْلاَدِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ كَانَ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ». (باب ما قيل في أولاد المسلمين) غير البالغين (قال) ولأبوي: ذر، والوقت: وقال (أبو هريرة، رضي الله عنه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كان له حجابًا من النار) كان بالإفراد، واسمها ضمير يعود على الموت المفهوم مما سبق، أي: كان موتهم له حجابًا، ولأبي ذر، عن الكشميهني: كانوا له حجابًا من النار (أو دخل الجنة). وإذا كانوا سببًا في حجب النار عن الأبوين ودخولهما الجنة، فأولى أن يحجبوا هم عنها، ويدخلوا الجنة. فذلك معلوم من فحوى الخطاب. وهذا الحديث قال الحافظ ابن حجر: لم أره موصولاً من حديث أبي هريرة على هذا الوجه، لكن عند أحمد عنه مرفوعًا: "ما من مسلمَيْنِ يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله وإياهم، بفضل رحمته، الجنة. ولمسلم عنه أيضًا: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لامرأة: دفنت ثلاثة من الولد؟ قالت: نعم. قال: لقد احتظرت بحظار شديد من النار. 1381 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنَ النَّاسِ مُسْلِمٌ يَمُوتُ لَهُ ثَلاَثَةٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ». وبالسند قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) بن كثير الدورقي، قال: (حدّثنا ابن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد المثناة التحتية، إسماعيل بن إبراهيم البصري، وعلية أمه، قال: (حدّثنا عبد العزيز بن صهيب،

93 - باب ما قيل في أولاد المشركين

عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة لم) ولغير أبي ذر، وابن عساكر: ثلاثة من الولد لم (يبلغوا الحنث، إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم). استدلّ بتعليله عليه الصلاة والسلام، دخول الآباء الجنة برحمته الأولاد، وشفاعتهم في آبائهم، على أولاد المسلمين في الجنة. وبه قطع الجمهور، وشذت الجبرية، فجعلوهم تحت المشيئة، وهذه السنة تردّ عليهم، وأجمع عليه من يعتدّ به. وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في زيادات السند، عن عليّ، مرفوعًا: إن المسلمين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار. ثم قرأ {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} [الطور: 21] الآية. وهذا أصح ما ورد في تفسير هذه الآية، وبه جزم ابن عباس. ويستحيل أن يكون الله تعالى يغفر لآبائهم بفضل رحمته إياهم وهم غير مرحومين. وأما حديث عائشة، رضي الله عنها، عند مسلم: توفي صبي من الأنصار، فقلت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل السوء، ولم يدركه. فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو غير ذلك يا عائشة، إن الله تعالى خلق للجنة أهلاً خلقهم لها، وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم. فالجواب عنه من وجهين. أحدهما: أنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع على ذلك، كما أنكر على سعد بن أبي وقاص في قوله: إني لأراه مؤمنا. فقال: أو مسلمًا ... الحديث. الثاني: أنه، عليه الصلاة والسلام، لعله لم يكن حينئذٍ اطلع على أنهم في الجنة، ثم أعلم بعد ذلك. ومحل الخلاف في غير أولاد الأنبياء، أما أولاد الأنبياء، فقال المازري: الإجماع متحقق على أنهم في الجنة. 1382 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ». [الحديث 1382 - طرفاه في: 3255، 6195]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي، قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي التابعي، المشهور. وثقه أحمد، والنسائي، والعجلي، والدارقطني إلا أنه كان يغلو في التشيع، لكن احتج به الجماعة، ولم يخرج له في الصحيح شيئًا مما يقوي بدعته (أنه سمع البراء) بن عازب (رضي الله عنه، قال): (لما توفي إبراهيم) ابن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عليه السلام، قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن له مرضعًا في الجنة) بضم الميم، أي: من يتم رضاعه، وعند الإسماعيلي مرضعًا ترضعه في الجنة. قال الخطابي: روي بفتح الميم مصدرًا، أي: رضاعًا، وتحذف الهاء من مرضع إذا كان من شأنها ذلك، وتثبت إذا كان بمعنى تجدد فعلها. وفي مسند الفريابي: أن خديجة، رضي الله عنها، دخل عليها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بعد موت القاسم، وهي تبكي، فقالت: يا رسول الله، درت لبينة القاسم، فلو كان عاش حتى يستكمل الرضاعة لهوّن عليّ؟ فقال: إن له مرضعًا في الجنة يستكمل رضاعته، فقالت: لو أعلم ذلك لهوّن علّي، فقال: إن شئت أسمعتك صوته في الجنة. فقالت: بل أصدّق الله ورسوله. قال السهيلي: وهذا من فقهها، رضي الله عنها، كرهت أن تؤمن بهذا الأمر معاينة، فلا يكون لها أجر الإيمان بالغيب، نقله في المصابيح. 93 - باب مَا قِيلَ فِي أَوْلاَدِ الْمُشْرِكِينَ (باب ما قيل في أولاد المشركين) غير البالغين. 1383 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- قَالَ: "سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَوْلاَدِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: اللَّهُ إِذْ خَلَقَهُمْ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ". [الحديث 1383 - طرفه في: 6597]. وبالسند قال: (حدّثنا حبان) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة، ولأبي ذر: حدّثني، بالإفراد، حبان بن موسى المروزي، قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، جعفر بن أبي وحشية (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال): (سئل رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عن أولاد المشركين) لم يعلم ابن حجر اسم السائل، لكن يحتمل أن يكون عائشة، لحديث أحمد وأبي داود، عنها، أنها قالت: قلت: يا رسول الله ذراري المسلمين ... الحديث. وعند عبد الرزاق، بسند ضعيف، عنها أيضًا: أنها قالت: سألت خديجة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أولاد المشركين، فقال: هم مع آبائهم. ثم سألته بعد ذلك الحديث. (فقال): (الله إذ خلقهم) أي: حين خلقهم. قال في المصابيح: وإذ تتعلق بمحذوف، أي: علم ذلك إذ خلقهم. والجملة معترضة بين المبتدأ والخبر، ولا يصح تعلقها بأفعل التفضيل لتقدمها عليه، وقد يقال بجوازه مع

باب

التقدم لأنها ظرف فيتسع فيه (أعلم بما كانوا عاملين) أي أنه علم أنهم لا يعلمون ما يقتضي تعذيبهم ضرورة أنهم غير مكلفين، وقال ابن قتيبة: أي لو أبقاهم فلا تحكموا عليهم بشيء. وقال غيره: قال ذلك قبل أن يعلم أنهم من أهل الجنة، وهذا يشعر بالتوقف. وقد روى أحمد هذا الحديث من طريق عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس، قال: كنت أقول في أولاد المشركين هم منهم، حتى حدثني رجل عن رجل من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلقيته، فحدثني عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: ربهم أعلم بهم، هو خلقهم، وهو أعلم بما كانوا عاملين. فأمسكت عن قولي. قال في الفتح: فبين أن ابن عباس لم يسمع هذا الحديث من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وفي سند حديث الباب: التحديث الإخبار والعنعنة، وفيه: مروزيان وواسطيان وكوفي، وأخرجه أيضًا في: القدر، وكذا مسلم، وأبو داود، والنسائي. 1384 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ". [الحديث 1384 - طرفاه في: 6598، 6600]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع، قال: (أخبرنا شعيب) هو: ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء بن يزيد الليثي) بالمثلثة (أنه سمع أبا هريرة، رضي الله عنه يقول): (سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عن ذراري المشركين) بالذال المعجمة، وتشديد المثناة التحتية، جمع: ذرية، أي: أولادهم الذين لم يبلغوا الحلم (فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين). وقد احتج بقوله: الله أعلم بما كانوا عاملين، بعض من قال إنهم في مشيئة الله. ونقل عن ابن المبارك وإسحاق ونقله البيهقي في الاعتقاد، عن الشافعي. قال ابن عبد البر: وهو مقتضى صنيع مالك، وليس عنه في هذه المسألة شيء مخصوص، إلا أن أصحابه صرحوا بأن أطفال المسلمين في الجنة، وأطفال الكفار خاصة في المشيئة. قال: والحجة فيه حديث: الله أعلم بما كانوا عاملين. وروى أحمد، من حديث عائشة: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عن ولدان المسلمين؟ قال: في الجنة، وعن أولاد المشركين؟ قال في النار. فقلت يا رسول الله لم يدركوا الأعمال! قال: ربك أعلم بما كانوا عاملين، لو شئت أسمعتك تضاغيهم في النار. لكنه حديث ضعيف جدًّا لأن في إسناده أبا عقيل مولى بهية، وهو متروك. 1385 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ، هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ»؟ وبه قال (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن) ابن شهاب (الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كل مولود) من بني آدم (يولد على الفطرة) الإسلامية (فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة) بفتح الميم والمثلثة (تنتج) بضم أوله وفتح ثالثه، مبنيًّا للمفعول أي: تلد (البهيمة) سليمة (هل ترى فيها جدعاء؟) بفتح الجيم وإسكان الدال المهملة والمد، مقطوعة الأذن، وإنما يجدعها أهلها. وفيه إشعار بأن أولاد المشركين في الجنة، فصدر المؤلّف الباب بالحديث الدال على التوقف حيث قال فيه: الله أعلم بما كانوا عاملين. ثم ثنى بهذا الحديث المرجح لكونهم في الجنة، ثم ثلث بالحديث اللاحق، المصرح بذلك، حيث قال فيه: وأما الصبيان حوله فأولاد الناس. وهو عام يشمل أولاد المسلمين وغيرهم. وقد اختلف في هذه المسألة فقيل: إنهم في مشيئة الله، ونقله البيهقي في الاعتقاد عن الشافعي: في أولاد الكفار خاصة، وليس عن مالك شيء منصوص في ذلك. نعم، صرح أصحابه بأن أطفال المسلمين في الجنة، وأطفال الكفار خاصة في المشيئة. وقيل: إنهم تبع لآبائهم، فأولاد المسلمين في الجنة وأولاد الكفار في النار. وقيل: إنهم في البرزخ بين الجنة والنار لأنهم لم يعملوا حسنات يدخلون بها الجنة، ولا سيئات يدخلون بها النار. وقيل: إنهم خدم أهل الجنة لحديث أبي داود وغيره، عن أنس، والبزار من حديث سمرة مرفوعًا: أولاد المشركين خدم الجنة. وإسناده ضعيف. وقيل: يصيرون ترابًا. وقيل: إنهم في النار. حكاه عياض عن الإمام أحمد، وغلطه ابن تيمية بأنه قول لبعض أصحابه، ولا يحفظ عن الإمام شيء أصلاً. وقيل: إنهم يمتحنون في الآخرة بأن يرفع الله لهم نارًا فمن دخلها كانت عليه بردًّا وسلامًا. ومن أبى عذب. أخرجه البزار من حديث أنس، وأبي سعيد، وأخرجه الطبراني من حديث معاذ بن جبل، وتعقب بأن الآخرة ليست دار تكليف، فلا عمل

فيها ولا ابتلاء. وأجيب: بأن ذلك بعد أن يقع الاستقرار في الجنة أو النار، وأما في عرصات القيامة فلا مانع من ذلك، وقد قال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم: 42] وقيل إنهم في الجنة. قال النووي: وهو الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون لقوله تعالى: {ومَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15] وقيل بالوقف والله أعلم. باب (باب) بالتنوين وهو بمنزلة الفصل من الباب السابق، وهو ساقط في رواية: أبي ذر. 1386 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟ قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا، فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ. فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ قُلْنَا: لاَ. قَالَ: لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ -قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُوسَى إِنَّهُ: كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ يُدْخِلُهُ فِي شِدْقِهِ- حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِدْقِهِ الآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا، فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ. قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالاَ: انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِفِهْرٍ أَوْ صَخْرَةٍ، فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ، فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ، فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ لِيَأْخُذَهُ فَلاَ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا حَتَّى يَلْتَئِمَ رَأْسُهُ وَعَادَ رَأْسُهُ كَمَا هُوَ، فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالاَ: انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ أَعْلاَهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ نَارًا، فَإِذَا اقْتَرَبَ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا، فَإِذَا خَمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالاَ: انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ، عَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالاَ: انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفِي أَصْلِهَا شَيْخٌ وَصِبْيَانٌ، وَإِذَا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا، فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ وَأَدْخَلاَنِي دَارًا لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ، ثُمَّ أَخْرَجَانِي مِنْهَا فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلاَنِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ. فَقُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ. قَالاَ: نَعَمْ، أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ، يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاةُ. وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُو الرِّبَا. وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلاَدُ النَّاسِ، وَالَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ. وَالدَّارُ الأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ. وَأَنَا جِبْرِيلُ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ. فَارْفَعْ رَأْسَكَ. فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحَابِ، قَالاَ: ذَاكَ مَنْزِلُكَ. قُلْتُ: دَعَانِي أَدْخُلْ مَنْزِلِي. قَالاَ: إِنَّهُ بَقِيَ لَكَ عُمْرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ، فَلَوِ اسْتَكْمَلْتَ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ". وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي، قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي المعجمة، قال: (حدّثنا أبو رجاء) بتخفيف الجيم والمد، عمران بن تيم العطاردي (عن سمرة بن جندب، رضي الله عنه، قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا صلّى صلاة) وللحموي والمستملي: صلاته، وفي رواية يزيد بن هارون: إذا صلّى صلاة الغداة (أقبل علينا بوجهه) الكريم (فقال): (من رأى منكم الليلة رؤيا؟) مقصور غير منصرف، ويكتب بالألف كراهة اجتماع مثلين. (قال: فإن رأى أحد) رؤيا (قصها) عليه (فيقول ما شاء الله، فسألنا يومًا) بفتح اللام، جملة من الفعل والفاعل والمفعول"، و: يومًا، نصب على الظرفية (فقال): (هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قلنا: لا. قال: لكني رأيت الليلة) بالنصب (رجلين) قال الطيبي: وجه الاستدراك أنه كان يحب أن يعبر لهم الرؤيا، فلما قالوا: ما رأينا، كأنه قال: أنتم ما رأيتم شيئًا، لكني رأيت رجلين. وفي حديث علي عند ابن أبي حاتم: رأيت ملكين (أتياني، فأخذا بيدي، فأخرجاني إلى الأرض المقدسة) وللمستملي: إلى أرض مقدسة، وعند أحمد: إلى أرض فضاء، أو: أرض مستوية. وفي حديث علي: فانطلقا بي إلى السماء، (فإذا رجل جالس) بالرفع ويجوز النصب (ورجل قائم بيده) شيء. فسره المؤلّف بقوله: (-قال بعض أصحابنا) أبهمه لنسيان أو غيره، وليس بقادح، لأنه لا يروي إلا عن ثقة مع شرطه المعروف، قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف المراد بالبعض المبهم، إلا أن الطبراني أخرجه في المعجم الكبير، عن العباس بن الفضل الأسفاطي (عن موسى) - ابن إسماعيل التبوذكي (كلوب) بفتح الكاف وتشديد اللام (من حديد) له شعب يعلق بها اللحم، ومن، للبيان (يدخله في شدقه) بكسر الشين المعجمة وسكون الدال المهملة، أي: يدخل الرجل القائم الكلوب في جانب فم الرجل الجالس. وهذا سياق رواية أبي ذر، قال الحافظ ابن حجر: وهو سياق مستقيم، ولغيره: ورجل قائم بيده كلوب من حديد، قال بعض أصحابنا عن موسى إنه أي: ذلك الرجل، يدخل ذلك الكلوب، بنصب على المفعولية في شدقه (حتى يبلغ قفاه) بالموحدة وضم اللام، وفي التعبير فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه أي: يقطعه شقًا. وفي حديث علي: فإذا أنا بملك، وأمامه آدمي، وبيد الملك كلوب من حديد، فيضعه في شدقه الأيمن فيشقه (ثم يفعل بشدقه الآخر) بفتح الخاء المعجمة (مثل ذلك) أي: مثل ما فعل بشدقه الأول (ويلتئم شدقه هذا فيعود). وفي التعبير: فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، فيعود ذلك الرجل (فيصنع مثله) قال، عليه الصلاة والسلام: (قلت) للملكين: (ما هذا) أي ما حال هذا الرجل؟ وللمستملي من هذا؟ أي: من هذا الرجل؟ (قالا) أي: الملكان: (انطلق) مرة واحدة. (فاْنطلقنا حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه، ورجل قائم على رأسه بفهر) بكسر الفاء وسكون الهاء، حجر ملء الكف، والجملة حالية (أو صخرة) على الشك، وفي التعبير: وإذا آخر قائم عليه بصخرة، من غير شك (فيشدخ به) بفتح التحتية وسكون الشين المعجمة، وفتح الدال المهملة وبالخاء المعجمة، من الشدخ، وهو كسر الشيء الأجوف. والضمير للفهر، ولأبي ذر: بها (رأسه) وفي التعبير: وإذا هو يهوي بالصخر لرأسه، فيثلغ رأسه بفتح الياء وسكون المثلثة وفتح اللام وبالغين المعجمة، أي: يشدخ رأسه (فإذا ضربه تدهده الحجر) بفتح الدالين المهملتين بينهما هاء ساكنة على وزن تفعلل من مزيد الرباعي، أي: تدحرج. وفي حديث علي: فمررت على ملك وأمامه آدمي وبيد الملك صخرة

يضرب بها هامة الآدمي، فيقع رأسه جانبًا، وتقع الصخرة جانبًا (فانطلق إليه) أي: إلى الحجر (ليأخذه) فيصنع به كما صنع (فلا يرجع إلى هذا) الذي شدخ رأسه (حتى يلتئم رأسه) وفي التعبير: حتى يصح رأسه (وعاد رأسه كما هو، فعاد إليه فضربه، قلت) لهما: (من هذا؟ قالا: انطلق) مرة واحدة. (فانطلقنا إلى ثقب) بفتح المثلثة وسكون القاف، وللكشميهني: نقب بالنون المفتوحة وسكون القاف، وعزا هذه في المطالع للأصيلي، لكنه قال: بالنون وفتح القاف، وقال: هو بمعنى ثقب، بالمثلثة (مثل التنور) بفتح المثناة الفوقية وضم النون المشددتين آخره راء، ما يخبز فيه (أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد) بفتح الياء (تحته) بنصب التاء الثانية أي: تحت التنور (نارًا) بالنصب على التمييز. وأسند يتوقد إلى ضمير عائد إلى الثقب. كقولك: مررت بامرأة تتضوع من أردانها طيبًا. أي: يتضوع طيبها من أردانها، فكأنه قال: يتوقد ناره تحته. قاله ابن مالك، قال البدر الدماميني: وهو صريح في أن تحته منصوب لا مرفوع، وقال: إنه رآه في نسخة بضم التاء الثانية، وصحح عليها، قال: وكان هذا بناء على أن تحته فاعل يتوقد، ونصوص أهل العربية تأباه. فقد صرحوا بأن فوق وتحت من الظروف المكانية العادمة التصرف. اهـ. وقال ابن مالك: ويجوز أن يكون فاعل يتوقد موصولاً بتحته، فحذف، وبقيت صلته دالة عليها لوضوح المعنى، والتقدير: يتوقد الذي تحته، أو: ما تحته نارًا وهو مذهب الكوفيين، والأخفش. واستصوبه ابن مالك، ولأبوي ذر، والوقت: يتوقد تحته نار، بالرفع على أنه فاعل يتوقد. (فإذا اقترب) بالموحدة آخره، من القرب أي: إذا اقترب الوقود أو الحر الدال عليه قوله: يتوقد. وللكشميهني: فإذا اقترنت بهمزة قطع فقاف فمثناتين فوقيتين بينهما راء، من: القترة أي: التهبت وارتفع نارها، لأن القتر الغبار. وفي رواية ابن السكن والقابسي وعبدوس: فترت، بفاء ومثناة فوقية مفتوحتين وتاء ساكنة بينهما راء، وهو الانكسار والضعف. واستشكل، لأن بعده: فإذا خمدت رجعوا، أو معنى الفتور والخمود واحد، وعند الحميدي، مما عزاه له في شرح المشارق: فإذا ارتقت، من الارتقاء وهو الصعود، قال الطيبي: وهو الصحيح دراية ورواية. كذا قال، وعند أحمد: فإذا أوقدت. (ارتفعوا) بجواب إذا، والضمير فيه يرجع إلى الناس لدلالة سياق الكلام عليه، (حتى كاد أن يخرجوا) أن: مصدرية، والخبر محذوف، أي: كاد خروجهم يتحقق ولأبوي ذر، والوقت: كادوا يخرجون (فإذا خمدت) بفتح الخاء والميم، أي: سكن لعبها ولم يطفأ حرها (رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة، فقلت) لهما: (من هذا؟) ولأبي الوقت، من غير اليونينية: ما هذا (قالا: انطلق). (فانطلقنا) ولفظة: فانطلقنا ساقطة عند أبي ذر (حتى أتينا على نهر) بفتح الهاء وسكونها (من دم) وفي التعبير: فأتينا على نهر، حسبت أنه كان يقول: أحمر مثل الدم (فيه رجل قائم على) ولأبي الوقت: وعلى (وسط النهر رجل) بفتح السين وسكونها، ولأبي ذر، قال يزيد، أي: ابن هارون مما وصله أحمد عنه، ووهب بن جرير مما وصله أبو عوانة في صحيحه، من طريقه، عن جرير بن حازم؛ وعلى شط النهر رجل، بشين معجمة وتشديد الظاء (بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج) من النهر (رمى الرجل) الذي بين يديه الحجارة (بحجر في فيه) أي: في فمه (فرده حيث كان) من النهر (فجعل كلما جاء ليخرج) من النهر (رمى في فيه بحجر، فيرجع كما كان) فيه. كما قال ابن مالك في التوضيح: وقوع خبر جعل التي هي من أفعال المقاربة جملة فعلية مصدرية بكلما، والأصل فيه: أن يكون فعلاً مضارعًا، تقول: جعلت أفعل كذا. هذا هو الاستعمال المطرد، وما جاء بخلافه فهو منبه على أصل متروك، وذلك أن سائر أفعال المقاربة مثل كان في الدخول على مبتدأ وخبر، فالأصل أن يكون خبرها كخبر كان في وقوعه مفردًّا وجملة اسمية، وفعلية، وظرفًا. فترك الأصل والتزم أن يكون الخبر مضارعًا، ثم نبه على الأصل شذوذًا في مواضع (فقلت ما هذا؟ قالا: انطلق). (فانطلقنا) ولفظة: فانطلقنا، ساقطة عند أبي

ذر (حتى انتهينا إلى روضة خضراء، فيها شجرة عظيمة) زاد في التعبير: فيها من كل لون الربيع (وفي أصلها شيخ وصبيان) وفي التعبير: فإذا بين ظهراني الروضة رجل طويل لا أكاد أرى طولاً في السماء، وإذا حوله من أكثر ولدان رأيتهم قط (وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها) في التعبير: فانطلقنا، فأتينا على رجل كريه المرآة، كأكره ما أنت راء رجلاً مرآة، وإذا عنده نار يحشها ويسعى حولها (فصعدا بي) بالموحدة "وكسر العين (في الشجرة) التي هي، في الروضة الخضراء (وأدخلاني) بالنون (دارًا لم أر قط أحسن منها، فيها رجال شيوخ وشباب) ولأبي الوقت من غير اليونينية: وشبان، بنون آخره بدل الموحدة وتشديد السابقة (ونساء وصبيان، ثم أخرجاني منها) أي: من الدار (فصعدا بي الشجرة) أيضًا (فأدخلاني) بالفاء، ولابن عساكر، وأدخلاني (دارًا هي أحسن وأفضل) من الأولى (فيها شيوخ وشباب) ولأبي الوقت، من غير اليونينية: وشبان (فقلت) لهما (طوفتماني الليلة) بطاء مفتوحة وواو مشددة ونون قبل الياء، ولأبي الوقت: طوّفتما بي بالموحدة بدل النون (فأخبراني) بكسر الموحدة (عما رأيت؟ قال لا: نعم) نخبرك. (أما الذي رأيته يشق شدقه)، بضم الياء وفتح الشين مبنيًّا للمفعول، وشدقه بالرفع مفعول ناب عن فاعله (فكذاب يحدث بالكذبة) بفتح الكاف ويجوز كسرها، قال في القاموس: كذب يكذب كذبًا وكذبًا وكذبة وكذبة (فتحمل عنه حتى يبلغ الآفاق) بتخفيف ميم تحمل، و: الفاء، في قوله: فكذاب جواب أما لكن الأغلب في الموصول الذي تدخل الفاء في خبره أن يكون عامًا مثل: من، الشرطية. وصلته مستقبلة، وقد يكون خاصًّا وصلته ماضية، كما في قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران: 166] وكما في هذا الحديث نحو: الذي يأتيني فمكرم، فلو كان المقصود: بالذي معينًا، امتنع دخول الفاء على الخبر، كما يمتنع دخولها على أخبار المبتدءات المقصود بها التعيين، نحو: زيد فمكرم، فمكرم، لم يجز فكذا لا يجوز الذي يأتيني إذا قصدت به معينًا. لكن الذي يأتيني عند قصد التعيين شبيه في اللفظ بالذي يأتيني عند قصد العموم، فجاز دخول الفاء حملاً للشبيه على الشبيه، ونظيره قوله تعالى: {وما أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ الله} [آل عمران: 166] فإن مدلول: ما، معين ومدلول: أصابكم، ماض. إلا أنه روعي فيه الشبه اللفظي، فشبه هذه الآية بقوله: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30] فأجرى: ما، في مصاحبة الفاء مجرى واحد. قاله ابن مالك. قال الطيبي في شرح مشكاته: هذا كلام متين. لكن جواب الملكين تفصيل لتلك الرؤيا المتعددة المبهمة، فلا بد من ذكر كلمة التفصيل، كما في البخاري أو تقديرها، أي: فالفاء جواب أما (فيصنع به ما رأيت) من شق شدقه (إلى يوم القيامة) لما ينشأ عن تلك الكذبة من المفاسد. (و) أما (الذي رأيته يشدخ رأسه) بضم الياء وفتح الدال من: يشدخ مبنيًّا للمفعول، ورأسه نائب عن الفاعل (فرجل علمه الله القرآن، فنام عنه بالليل) أي: أعرض عن تلاوته (ولم يعمل فيه بالنهار) ظاهره أنه يعذب على ترك تلاوة القرآن بالليل، لكن يحتمل أن يكون التعذيب على مجموع الأمرين: ترك القراءة وترك العمل. (يفعل به) ما رأيت من الشدخ (إلى يوم القيامة) لأن الإعراض عن القرآن بعد حفظه جناية عظيمة، لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب الإعراض عنه، فلما أعرض عن أفضل الأشياء عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس. (و) أما الفريق (الذي رأيته في الثقب) بفتح المثلثة، ولأبي الوقت: في النقب (فهم الزناة) وإنما قدر بقوله: وأما الفريق، لأنه قد يستشكل الأخبار عن الذي بقوله: هم الزناة، لا سيما والعائد على الذي من قوله والذي رأيته لا يخفى مفردًا، فروعي اللفظ تارة، والمعنى أخرى. قاله في المصابيح. (و) الفريق (الذي رأيته في النهر أكلو الربا، والشيخ) الكائن (في أصل الشجرة إبراهيم) الخليل (عليه السلام) وقدر بالكائن لأن الظاهر كون الظرف، أعني: في الشجرة صفة للشيخ، فيقدر عامله اسمًا معرفًا لذلك رعاية لجانب المعنى، وإن كان المشهور تقديره فعلاً أو اسمًا منكرًا. لكن ذلك إنما

94 - باب موت يوم الاثنين

هو حيث لا مقتضى للعدول عن التنكير، والمقتضى هنا قائم، إذ لا يجوز أن يكون ظرفًا لغوًا معمولاً للشيخ إذ لا معنى له أصلاً، ولا أن يكون ظرفًا مستقرًا حالاً من الشيخ إذ الصحيح امتناع وقوع الحال من المبتدأ. قاله العلامة البدر الدماميني. وحذفت الفاء من قوله: آكلو الربا، ومن قوله: إبراهيم، نظرًا إلى أن أما لما حذفت حذف مقتضاها. (و) أما (الصبيان) الكائنون (حوله) أي إبراهيم (فأولاد الناس) دخلت الفاء على الخبر لأن الجملة معطوفة على مدخول: أما في قوله: أما الرجل الذي رأيته يشق شدقه. وهذا موضع الترجمة، فإن الناس في قوله: فأولاد الناس عام، يشمل المؤمنين وغيرهم. وفي التعبير: وأما الولدان حوله فكل مولود مات على الفطرة، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله فأولاد المشركين؟ قال: وأولاد المشركين. وهذا ظاهر أنه عليه الصلاة والسلام ألحقهم بأولاد المسلمين في حكم الآخرة، ولا يعارضه قوله: هم مع آبائهم، لأن ذلك حكم الدنيا. (والذي يوقد النار: مالك خازن النار، والدار الأولى التي دخلت) فيها (دار عامة المؤمنين، وأما هذه الدار فدار الشهداء) وهذا يدل على أن منازل الشهادة أرفع المنازل، لكن لا يلزم أن يكونوا أرفع درجة من الخليل عليه الصلاة والسلام لاحتمال أن تكون إقامته هناك بسبب كفالته الولدان، ومنزلته في الجنة أعلى من منازل الشهداء بلا ريب، كما أن آدم عليه الصلاة والسلام في السماء الدنيا، لكونه يرى نسم بنيه من أهل الخير، ومن أهل الشر، فيضحك ويبكي، مع أن منزلته هو في عليين، فإذا كان يوم القيامة استقر كل منهم في منزلته، واكتفى في دار الشهداء بذكر الشيوخ والشباب، لأن الغالب أن الشهيد لا يكون امرأة ولا صبيًّا. (وأنا جبريل، وهذا ميكائيل، فارفع رأسك. فرفعت رأسي فإذا فوقي مثل السحاب) وفي التعبير: مثل الراية البيضاء (قالا: ذاك) ولأبي ذر: (منزلك) ولأبي ذر: منزلتك (قلت: دعاني) أي: اتركاني (أدخل منزلي) قالا: (إنه بقي لك عمر، لم تستكمله، فلو استكملت) عمرك (أتيت منزلك). وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى، في: التعبير، بعون الله وقوته، وفيه: التحديث والعنعنة، وأبو رجاء مخضرم أدرك زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأسلم بعد فتح مكة، لكنه لا رؤية له. وأخرجه المؤلّف هنا تامًّا، وكذا في: التعبير، وأخرجه في: الصلاة قبل الجمعة، وفي التهجد، والبيوع، وبدء الخلق، والجهاد، وفي أحاديث الأنبياء، والتفسير، والأدب أطرافًا منه. ومسلم قطعه منه. 94 - باب مَوْتِ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ (باب) فضل (موت يوم الاثنين). 1387 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- فَقَالَ: فِي كَمْ كَفَّنْتُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: فِي ثَلاَثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ. وَقَالَ لَهَا: فِي أَىِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: يَوْمَ الاِثْنَيْنِ. قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالَتْ: يَوْمُ الاِثْنَيْنِ. قَالَ: أَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ. فَنَظَرَ إِلَى ثَوْبٍ عَلَيْهِ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِ، بِهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ فَقَالَ: اغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ فَكَفِّنُونِي فِيهَا. قُلْتُ إِنَّ هَذَا خَلَقٌ. قَالَ: إِنَّ الْحَىَّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ، إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ. فَلَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الثُّلاَثَاءِ، وَدُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ". وبالسند قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمى، أخو بهز بن أسد البصري، (حدّثنا وهيب) بالتصغير ابن خالد البصري (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة، رضي الله عنها، قالت دخلت على أبي بكر) الصديق (رضي الله عنه) في مرض موته (فقال: في كم) أي: كم ثوبًا (كفنتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)؟ فيه: وكم الاستفهامية وإن كان لها صدر الكلام، ولكن الجار كالجزء له، فلا يتصدر عليه. (قالت) عائشة: قلت له: كفناه (في ثلاثة أثواب بيض) بكسر الموحدة، جمع أبيض (سحولية) بفتح السين وبالحاء المهملتين، نسبة إلى سحول، قرية باليمن كما مر (ليس فيها قميص، ولا عمامة. وقال لها) أيضًا، رضي الله عنهما: (في أي يوم توفي النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قالت): توفي (يوم الاثنين) بنصب يوم على الظرفية. واستفهامه لها عما ذكر قيل توطئة لعائشة للصبر على فقده، لأنه لم تكن خرجت من قلبها الحرقة لموت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما في بداءته لها بذلك من إدخال الغم العظيم عليها، إذ يبعد أن يكون أبو بكر رضي الله عنه نسي ما سألها عنه مع قرب العهد. (قال): أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، (فأي يوم هذا؟ قالت): هو (يوم الاثنين) برفع: يوم، خبر مبتدأ محذوف (قال: أرجو) أي: أتوقع أن تكون وفاتي (فيما بيني) أي: فيما بين ساعتي هذه (وبين الليل) وللحموي والمستملي: وبين الليلة. (فنظر) وفي

95 - باب موت الفجأة البغتة

نسخة: ثم نظر (إلى ثوب عليه كان يمرّض فيه) بتشديد الراء (به ردع) بفتح الراء وسكون الدال آخره عين مهملتين، لطخ وأثر (من زعفران) لم يعمه، ولأبي الوقت، من غير اليونينية: ردغ، بالغين المعجمة (فقال: اغسلوا ثوبي هذا) وسقط في بعض النسخ لفظ: هذا (وزيدوا عليه ثوبين) زاد ابن سعد، عن أبي معاوية، عن هشام: جديدين (فكفنوني فيها) أي: في الثلاثة، موافقة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر: فيهما، أي في المزيد والمزيد عليه. قالت عائشة: (قلت: إذ هذا) أي: الثوب الذي كان عليه (خلق) بفتح الخاء واللام أي: غير جديد (قال: إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو) أي: الكفن (للمهلة). قال النووي: بتثليث الميم: القيح والصديد. (فلم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء) بالهمزة ممدودًا، ويضم. قاله في القاموس، وهو كذلك بالمد مهموزًا في الفرع (ودفن) من ليلته (قبل أن يصبح). ووقع عند ابن سعد، من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة، أول بدء مرض أبي بكر: أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يومًا باردًا، فحم خمسة عشر يومًا، ومات مساء ليلة الثلاثاء، لثمان بقين من جمادى الآخرة، سنة ثلاث عشرة. وترجى الصديق، رضي الله عنه، أن يموت يوم الاثنين، لقصد التبرك، وحصول الخير، لكونه عليه الصلاة والسلام توفي فيه. فله مزية على غيره من الأيام بهذا الاعتبار. وقد ورد، في فضل الموت يوم الجمعة، حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: ما من مسلم يموت يوم الجمعة، أو ليلة الجمعة، إلا وقاه الله فتنة القبر. رواه الترمذي، وفي إسناده ضعف، فلذا لم يخرجه المؤلّف، وعدل عنه إلى ما وافق شرطه وصح لديه، أحسن الله إليه برحمته عليه. 95 - باب مَوْتِ الْفَجْأَةِ الْبَغْتَةِ (باب موت الفجأة) بفتح الفاء وسكون الجيم وبالهمزة، من غير مد، كذا في الفرع. وروي: الفجاءة بضم الفاء وبعد الجيم مد ثم همزة: الموت من غير سبب مرض (البغتة) بالجر بدل من الفجأة، ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هي البغتة. وللكشميهني: بغتة بالتنكير. 1388 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ". [الحديث 1388 - طرفه في: 2760]. وبالسند قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو: سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم، قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) هو: ابن أبي كثير المدني (قال: أخبرني) بالإفراد (هشام) وفي نسخة: هشام بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير، ولأبي ذر: عن عروة بدل قوله: عن أبيه (عن عائشة رضي الله عنها). (أن رجلاً) هو سعد بن عبادة (قال للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن أمي) عمرة (افتلتت) بضم المثناة الفوقية وكسر اللام مبنيًّا للمفعول، أي: ماتت فلتة، أي: فجأة (نفسها) بالرفع نائب عن الفاعل، وبالنصب على أنه المفعول الثاني بإسقاط حرف الجر، والأول مضمر وهو القائم مقام الفاعل، أو يضمن: افتلتت، معنى: سلبت فيكون نفسها مفعولاً ثانيًا لا على إسقاط الجار. أو: بالنصب على التمييز، وكانت وفاتها سنة خمس من الهجرة، فيما ذكره ابن عبد البر. (وأظنها لو تكلمت تصدقت. فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟) بكسر همزة إن لأنها شرطية، قال الزركشي: وهي الرواية الصحيحة، ولا يصح قول من فتحها، لأنه إنما سأل عما لم يفعل. لكن قال البدر الدماميني: إن ثبتت لنا رواية بفتح الهمزة من: إن أمكن تخريجها على مذهب الكوفيين في صحة مجيء أن المفتوحة الهمزة شرطية كإن المكسورة، ورجحه ابن هشام، والمعنى حينئذ صحيح بلا شك. (قال) عليه الصلاة والسلام: (نعم) لها أجر إن تصدقت عنها. وأشار المؤلّف بهذا إلى أن موت الفجأة ليس بمكروه، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يظهر منه كراهة لما أخبره الرجل بأن أمه افتلتت نفسها. ونبه بذلك على أن معاني الأحاديث التي وردت في الاستعاذة من موت الفجأة، كحديث أبي داود بإسناد رجاله ثقات، لكن راويه رفعه مرة، ووقفه أخرى: موت الفجأة أخذة أسف، وأنه لا يوأس من صاحبها، ولا يخرج بها عن حكم الإسلام ورجاء الثواب، وإن كان مستعاذًا منها، لما يفوت بها من خير الوصية، والاستعداد للمعاد بالتوبة، وغيرها من الأعمال الصالحة، وفي مصنف ابن أبي شيبة، عن عائشة، وابن مسعود: موت الفجأة راحة للمؤمن، وأسف على

96 - باب ما جاء في قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما {فأقبره}. أقبرت الرجل: إذا جعلت له قبرا. وقبرته: دفنته {كفاتا} يكونون فيها أحياء، ويدفنون فيها أمواتا

الفاجر. ونقل النووي عن بعض القدماء: أن جماعة من الأنبياء والصلحاء ماتوا، كذلك قال النووي، وهو محبوب للمراقبين. ورواة هذا الحديث مدنيون إلا شيخ المؤلّف فبصري، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول. 96 - باب مَا جَاءَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رضي الله عنهما {فَأَقْبَرَهُ}. أَقْبَرْتُ الرَّجُلَ: إِذَا جَعَلْتَ لَهُ قَبْرًا. وَقَبَرْتُهُ: دَفَنْتُهُ {كِفَاتًا} يَكُونُونَ فِيهَا أَحْيَاءً، وَيُدْفَنُونَ فِيهَا أَمْوَاتًا (باب ما جاء في) صفة (قبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) صفة قبر (أبي بكر) الصديق (و) صفة قبر (عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما)، من التسنيم، وغيره. ({فأقبره}) [عبس: 21] ولأبي ذر: قول الله عز وجل: {فأقبره} مبتدأ أو خبره ومراده قوله تعالى: {ثم أماته فأقبره} [عبس: 21] (أقبرت الرجل) من الثلاثي المزيد من باب الإفعال، زاد أبوا ذر، والوقت: أقبره (إذا جعلت له قبرًا، وقبرته) من الثلاثي المجرد (دفنته) تكرمة له وصيانة عن السباع. وقوله تعالى: {ألم نجعل الأرض (كفاتًا)} [المرسلات: 25] أي: كافته اسم لما تضمه (يكونون فيها {أحياء} ويدفنون فيها {أمواتًا} [المرسلات: 26]. 1389 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ هِشَامٍ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيَتَعَذَّرُ فِي مَرَضِهِ: أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ، أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَدُفِنَ فِي بَيْتِي". وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس عبد الله ابن أخت الإمام مالك بن أنس، قال: (حدّثني) بالإفراد (سليمان) بن بلال (عن هشام) هو ابن عروة (ح). (وحدّثني) بالإفراد (محمد بن حرب) النشائي، بالشين المعجمة، قال: (حدّثنا أبو مروان يحيى بن أبي زكريا) الغساني (عن هشام عن) أبيه (عروة) بن الزبير بن العوام (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (إن كان رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ليتعذر في مرضه) بالغين المهملة والذال المعجمة، أي: يطلب العذر فيما يحاوله من الانتقال إلى بيت عائشة، وعند القابسي: يتقدر، بالقاف والدال المهملة. أي: يسأل عن قدر ما بقي إلى يومها، ليهوّن عليه بعض ما يجد، لأن المريض يجد عند بعض أهله ما لا يجده عند بعض من الأنس والسكون. (أين أنا اليوم؟) أي: لمن النوبة (أين أنا غدًا؟) أي: لمن النوبة غدًا، أي: أي امرأة أكون غدًا عندها (استبطاء ليوم عائشة) اشتياقًا إليها وإلى يومها. قالت عائشة: (فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري) بفتح أولهما وسكون ثانيهما، تريد: بين جنبي وصدري، والسحر: الرئة، فأطلقت على الجنب مجازًا من باب تسمية المحل باسم الحال فيه، والنحر الصدر: (ودفن في بيتي) وهذا هو المقصود من الحديث، وقولها: فلما كان يومي قبضه الله، تعني: لو روعي الحساب كانت وفاته واقعة في نوبتي المعهودة قبل الاذن. 1390 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ هِلاَلٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ. لَوْلاَ ذَلِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ -أَوْ خُشِيَ- أَنَّ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا". وَعَنْ هِلاَلٍ قَالَ: كَنَّانِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَلَمْ يُولَدْ لِي. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري، قال: (حدّثنا أبو عوانة) بفتح العين الوضاح (عن هلال) هو: ابن حميد الجهني، زاد أبو ذر، والوقت: هو الوزان (عن عروة) بن الزبير بن العوام (عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في مرضه الذي لم يقم منه): ولابن عساكر: لم يقم فيه. (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنببائهم مساجد) في بعض الطرق الاقتصار على لعن اليهود وحينئذ فقوله: قبور أنبيائهم مساجد واضح، فإن النصارى لا يقولون بنبوّة عيسى، بل البنوّة أو الإلهية، أو غير ذلك على اختلاف مللهم الباطلة، بل ولا يزعمون موته، حتى يكون له قبر، وعلى هذا فيشكل قوله اليهود والنصارى. وتعقيبه بقوله: اتخذوا. وأجيب: بأما أن يكون الضمير يعود على اليهود فقط، بدليل الرواية الأخرى، وأما بأن المراد من أمر بالإيمان بهم من الأنبياء السابقين: كنوح وإبراهيم. قالت عائشة: (لولا ذلك أبرز قبره) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول، وقبره بالرفع نائب الفاعل، ولأبي ذر: أبرز قبره بفتح الهمزة (غير أنه خشي) عليه الصلاة والسلام (-أو خشي-) بضم الخاء مبنيًّا للمفعول والفاعل الصحابة، أو عائشة (أن يتخذ) بضم أوله وفتح ثالثه: قبره (مسجدًا). (و) بالإسناد المذكور (عن هلال) الوزان (قال كناني عروة بن الزبير و) الحال أنه (لم يولد لي) ولد لأن الغالب أن الإنسان لا يكنى إلا باسم أول أولاده، ونبه المؤلّف بذلك على لقي هلال لعروة، واختلف في كنية هلال والمشهور أبو عمرة. 1390 م - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسَنَّمًا. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن مقاتل) المروزي، المجاور بمكة، قال (أخبرنا عبد الله) بن المبارك، قال: (أخبرنا أبو بكر بن عياش) بالمثناة التحتة والشين المعجمة (عن سفيان) بن دينار على الصحيح (التمار) بالمثناة الفوقية، من كبار التابعين،

لكنه لم يعرف له رواية عن صحابي. (أنه حدثه أنه رأى قبر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مسنمًا) بضم الميم وتشديد النون المفتوحة. أي: مرتفعًا: زاد أبو نعيم في مستخرجه: وقبر أبي بكر، وعمر كذلك. واستدلّ به على أن المستحب تسنيم القبور، وهو قول أبي حنيفة، ومالك، وأحمد، والمزني وكثير من الشافعية. وقال أكثر الشافعية، ونص عليه الشافعي: التسطيح أفضل من التسنيم، لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سطح قبر إبراهيم، وفعله حجة لا فعل غيره، وقول سفيان التمار لا حجة فيه، كما قال البيهقي: لاحتمال أن قبره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقبري صاحبيه، لم تكن في الأزمنة الماضية مسلمة. وقد روى أبو داود بإسناد صحيح، أن القاسم بن محمد بن أبي بكر، قال: دخلت على عائشة فقلت لها: اكشفي لي عن قبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحبيه. فكشفت عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء، أي: لا مرتفعة كثيرًا، ولا لاصقة بالأرض. كما بينه في آخر الحديث. يقال لطئ بكسر الطاء، ولطأ بفتحها، أي: لصق. ولا يؤثر في أفضلية التسطيح كونه صار شعارًا للروافض، لأن السنة لا تترك بموافقة أهل البدع فيها، ولا يخالف ذلك قول علي، رضي الله عنه: أمرني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا أدع قبرًا مشرفًا إلا سويته، لأنه لم يرد تسويته بالأرض، وإنما أراد تسطيحه جمعًا بين الأخبار. نقله في المجموع عن الأصحاب. 1391 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ حَدَّثَنَا عَلِيٌّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ لَمَّا سَقَطَ عَلَيْهِمُ الْحَائِطُ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخَذُوا فِي بِنَائِهِ، فَبَدَتْ لَهُمْ قَدَمٌ. فَفَزِعُوا وَظَنُّوا أَنَّهَا قَدَمُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمَا وَجَدُوا أَحَدًا يَعْلَمُ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَهُمْ عُرْوَةُ: لاَ وَاللَّهِ، مَا هِيَ قَدَمُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مَا هِيَ إِلاَّ قَدَمُ عُمَرَ -رضي الله عنه-. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبوي: ذر، والوقت، حدّثني (فروة) بفتح الفاء وسكون الراء: ابن أبي المغراء، بفتح الميم وسكون الغين المعجمة آخره راء، يمد ويقصر، قال: (حدّثنا علي) ولأبي ذر: علي بن مسهر، بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير، قال: (لما سقط عليهم) ولأبي ذر، عن الحموي والكشميهني: عنهم (الحائط) أي: حائط حجر عائشة، رضي الله عنها، (في زمان) إمرة (الوليد بن عبد الملك) بن مروان، حين أمر عمر بن عبد العزيز برفع القبر الشريف، حتى لا يصلّي إليه أحد، إذان الناس يصلون إليه (أخذوا في بنائه فبدت) أي: ظهرت (لهم قدم) بساق وركبة، كما رواه: أبو بكر الآجري، من طريق شعيب بن إسحاق، عن هشام: في القبر لا خارجه (ففزعوا، وظنوا أنها قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، وفي رواية أخرى: ففزع عمر بن عبد العزيز. (فما وجدوا أحدًا يعلم ذلك، حتى قال لهم عروة: لا والله ما هي قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما هي إلا قدم عمر، رضي الله عنه). وعند الآجري: هذا ساق عمر وركبته، فسري عن عمر بن عبد العزيز. 1391 م - وَعَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا أَوْصَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنهما-: لاَ تَدْفِنِّي مَعَهُمْ، وَادْفِنِّي مَعَ صَوَاحِبِي بِالْبَقِيعِ، لاَ أُزَكَّى بِهِ أَبَدًا. [الحديث 1391 - طرفه في: 7427]. (وعن هشام، عن) عروة بن الزبير، بالسند المذكور، وأخرجه المؤلّف في: الاعتصام وجه آخر، عن هشام، (عن أبيه عن عائشة، رضي الله عنها). (أنها أوصت) ابن أختها أسماء (عبد الله بن الزبير) رضي الله عنهما: (لا تدفني معهم) مع: النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحبيه (وادفني مع صواحبي) أمهات المؤمنين (بالبقيع) زاد الإسماعيلي، من طريق عبدة، عن هشام: وكان في بيتها موضع قبرها. (لا أزكى) بضم الهمزة وفتح الزاي والكاف، مبنيًّا للمفعول، أي: لا يُثنى علي (به) أي: بسبب الدفن معهم (أبدًا) حتى يكونا لي بذلك مزية وفضل، وأنا في نفس الأمر يحتمل أن لا أكون كذلك. وهذا الحديث من قوله: وعن هشام إلى آخر قوله: أبدًا، ضبب عليه في اليونينية، وثبت في غيرها. 1392 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، اذْهَبْ إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَقُلْ: يَقْرَأُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَيْكِ السَّلاَمَ، ثُمَّ سَلْهَا أَنْ أُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَىَّ. قَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، فَلأُوثِرَنَّهُ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي. فَلَمَّا أَقْبَلَ قَالَ لَهُ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: أَذِنَتْ لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: مَا كَانَ شَىْءٌ أَهَمَّ إِلَىَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَضْجَعِ، فَإِذَا قُبِضْتُ فَاحْمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمُوا، ثُمَّ قُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَادْفِنُونِي، وَإِلاَّ فَرُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، إِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلاَءِ النَّفَرِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، فَمَنِ اسْتَخْلَفُوا بَعْدِي فَهُوَ الْخَلِيفَةُ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا. فَسَمَّى عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ. وَوَلَجَ عَلَيْهِ شَابٌّ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ: كَانَ لَكَ مِنَ الْقَدَمِ فِي الإِسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ اسْتُخْلِفْتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ الشَّهَادَةُ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ. فَقَالَ: لَيْتَنِي يَا ابْنَ أَخِي وَذَلِكَ كَفَافًا لاَ عَلَىَّ وَلاَ لِي. أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ خَيْرًا، أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَأَنْ يَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ. وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ خَيْرًا، الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ. وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَأَنْ لاَ يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ". [الحديث 1392 - أطرافه في: 3052، 3162، 3700، 4888، 7207]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد، قال: (حدّثنا جرير بن عبد الحميد) بن قرط، بضم القاف وسكون الراء آخره طاء مهملة، الضبي الكوفي، نزيل الريّ قال: (حدّثنا حصين بن عبد الرحمن) السلمي (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين (الأودي) بفتح الهمزة وسكون الواو وبالدال المهملة (قال: أرأيت عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال:) لابنه، بعد أن طعنه أبو لؤلؤة العلج، بالسكين، الطعنة التي مات بها (يا عبد الله بن عمر، اْذهب إلى أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، فقل: يقرأ عمر بن الخطاب عليك السلام، ثم سلها أن أدفن مع صاحبيَّ) بفتح الموحدة وتشديد الياء، مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبي بكر، رضي الله عنه، زاد في مناقب عثمان: فسلم

واستأذن ثم دخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه (قالت: كنت أريده) أي: الدفن معهما (لنفسي). فإن قلت قولها: كنت أريده لنفسي يدل على أنه لم يبق إلا ما يسع موضع قبر واحد، فهو يغاير قولها السابق لابن الزبير: لا تدفني معهم، فإنه بقي من الحجرة موضع للدفن. أجيب: بأنها كانت أولاً تظن أنها كانت لا تسع إلا قبرًا واحدًا، فلما دفن ظهر لها أن هناك وسعًا لقبر آخر. (فَلأُوثِرَنَّهُ) بالثاء المثلثة أي فلأختاره (اليوم) بالنصب على الظرفية (على نفسي). فإن قيل: قد ورد أن الحظوظ الدينية لا إيثار فيها، كالصف الأول ونحوه، فكيف آثرت عائشة، رضي الله عنها؟ أجاب ابن المنير: بأن الحظوظ المستحقة بالسوابق ينبغي فيها إيثار أهل الفضل، فلما علمت عائشة فضل عمر آثرته كما ينبغي لصاحب المنزل إذا كان مفضولاً أن يؤثر بفضل الإمامة من هو أفضل منه إذا حضر منزله، وإن كان الحق لصاحب المنزل. اهـ. (فلما أقبل) زاد في المناقب، قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه (قال له: ما لديك) أي: ما عندك من الخبر (قال: أذنت لك) بالدفن مع صاحبيك (يا أمير المؤمنين. قال) زاد في المناقب: الحمد لله (ما كان شيء أهم إلي من ذلك المضجع) بفتح الجيم وكسرها في اليونينية (فإذا قبضت) بضم القاف مبنيًّا للمفعول (فاحملوني، ثم سلموا، ثم قل) يا ابن عمر: (يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي فاْدفنوني) بهمزة وصل وكسر الفاء (وإلا) أي: وإن لم تأذن (فردوني إلى مقابر المسلمين) جوّز عمر أن تكون رجعت عن إذنها. واستنبط منه أن: من وعد بعدة له الرجوع فيها، ولا يقضى عليه بالوفاء لأن عمر لو علم لزوم ذلك لها لم يستاذن ثانيًا. وأجاب من قال بلزوم العدة بحمل ذلك من عمر على الاحتياط، والمبالغة في الورع، ليتحقق طيب نفس عائشة بما أذنت فيه، أولاً ليضاجع أكمل الخلق، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على أكمل الوجوه اهـ. وهذا كله بناء على القول بأن عائشة كانت تملك أصل رقبة البيت، والواقع بخلافه، لأنها إنما كانت تملك المنفعة بالسكنى والإسكان فيه، ولا يورث عنها. وحكم أزواجه عليه الصلاة والسلام كالمعتدات، لأنهن لا يتزوجن بعده، عليه الصلاة والسلام. ودخل الرجال على عمر، رضي الله عنه. فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف. فقال: (إني لا أعلم أحدًا أحق بهذا الأمر) أمر الخلافة (من هؤلاء النفر، الذين توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو عنهم راض) جملة حالية (فمن استخلفوا) أي: من استخلفه هؤلاء النفر (بعدي فهو الخليفة) المستحق لها (فاسمعوا له وأطيعوا، فسمى) ستة من النفر الذين توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو عنهم راض: (عثمان، وعليًا، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص). ولم يذكر: أبا عبيدة لأنه كان قد مات، ولا سعيد بن زيد، لأنه كان غائبًا. وقال في فتح الباري: لأنه كان ابن عم عمر، فلم يذكره مبالغة في التبري من الأمر. نعم، في رواية المدائني: أن عمر عده فيمن توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو عنهم راض إلا أنه استثناه من أهل الشورى لقرابته منه. (وولج عليه) أي: دخل على عمر (شاب من الأنصار) روى ابن سعد، من رواية سماك الحنفي، أن ابن عباس أثنى على عمر، وأنه قال: نحوًا مما يأتي، من مقالة الشاب، فلولا قوله هنا: إنه من الأنصار لساغ أن يفسر المبهم بابن عباس. لكن، لا مانع من تعدد المثنين عليه، مع اتحاد جواب عمر لهم: (فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله، كان لك من القدم في الإسلام ما قد علمت) بفتح القاف من "القَدم" أي: سابقة خير، ومنزلة رفيعة. وسميت قدمًا لأن السبق بها، كما سميت النعمة يدًا، لأنها تعطى باليد، وللحموي والمستملي، كما في الفرع، من القدم، بكسر القاف بمعنى: المفتوح. قال في القاموس: القدم: محركة، السابقة في الأمر، كالقدمة بالضم وكعنب. وقال الحافظ ابن حجر: بالفتح بمعنى: الفضل، وبالكسر، بمعنى: اللسبق. اهـ. وقال البرماوي والعيني

97 - باب ما ينهى من سب الأموات

كالكرماني، ولو صح روايته بالكسر لكان المعنى صحيحًا أيضًا. اهـ. فقد صحت الرواية عن الحموي والمستملي، كما ترى وهو مفهوم قول الحافظ ابن حجر السابق. (ثم استخلفت) بضم التاء الأولى، وكسر اللام مبنيًّا للمفعول (فعدلت) في الرعية (ثم) حصلت لك (الشهادة بعد هذا كله) أي: بقتل فيروز أبي لؤلؤة غلام المغيرة له، بسبب أنه سأل عمر أن يكلم مولاه أن يضع عنه من خراجه، فقال له عمر رضي الله عنه: كم خراجك، قال: دينار، فقال: ما أرى أن أفعل، إنك عامل محسن، وما هذا بكثير فغضب، فلما خرج عمر، رضي الله عنه، لصلاة الصبح، طعنه بسكين مسمومة، ذات طرفين، فمات منها شهيدًا. وإن لم يكن في معركة الكفار، لأنه قتل ظلمًا. وقد ورد: من قتل دون دينه فهو شهيد. (فقال) عمر للشاب: (ليتني يا ابن أخي، وذلك) إشارة إلي الخلافة (كفافًا) بالنصب، خبر كان مقدرة. ولأبي ذر: كفاف بالرفع، خبر ذلك (لا) عقاب (عليّ ولا) ثواب (لي) فيه. والجملة: خبر ليتني، وجملة: ذلك كفاف، اعتراض بين ليت وخبرها (أوصي) أنا (الخليفة) بضم الهمزة من: أوصي (من بعدي بالمهاجرين الأولين) الذين هاجروا قبل بيعة الرضوان، أو: الذين صلوا إلى القبلتين، أو: الذين شهدوا بدرًا (خيرًا أن يعرف لهم حقهم، وأن يحفظ لهم حرمتهم) بفتح الهمزة في الموضعين، تفسير لقوله: خيرًا، أو: بيان له (وأوصيه) أنا أيضًا (بالأنصار خيرًا، الذين تبوأوا الدار والأيمان) صفة للأنصار، ولا يضر فصله بخيرًا لأنه ليس أجنبيًا من الكلام أي: جعلوا الإيمان مستقرًا لهم، كما جعلوا المدينة كذلك أي: لزموا المدينة والإيمان، وتمكنوا فيهما. أو: عامله محذوف أي: وأخلصوا الإيمان (أن يقبل من محسنهم) بفتح الهمزة وضم الياء مبنيًا للمفعول، بيان لقوله خيرًا (ويُعفى) مبنيًا للمفعول (عن مسيئهم) ما دون الحدود، وحقوق العباد (وأوصيه) أيضًا (بذمة الله) أي: بعهد الله (وذمة رسوله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، والمراد: أهل الكتاب (أن يوفي لهم بعهدهم) بضم أول: يوفي، وفتح ثالثه مشددًا ومخففًا (وأن يقاتل من ورائهم) بضم أول يقاتل وفتح التاء ومن بكسر الميم أي: من خلفهم، وقد يجيء بمعنى: قدام (وأن لا يكلفوا) بضم أوله وفتح اللام المشددة (فوق طاقتهم) فلا يزاد عليهم على مقدار الجزية. وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى، في مناقب عثمان، رضي الله عنه، حيث ذكره المؤلّف هناك تامًّا. 97 - باب مَا يُنْهَى مِنْ سَبِّ الأَمْوَاتِ (باب ما ينهى من سب الأموات) المسلمين. 1393 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا». وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ عَنِ الأَعْمَشِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ الأَعْمَشِ. تَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ وَابْنُ عَرْعَرَةَ وَابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ. [الحديث 1393 - طرفه في: 6516]. وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس، قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن مجاهد) هو: ابن جبر المفسر (عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تسبوا الأموات) أي: المسلمين (فإنهم قد أفضوا) بفتح الهمزة والضاد، أي: وصلوا (إلى ما قدموا) من خير أو شر فيجازى كل بعمله. نعم يجوز ذكر مساوئ، الكفار والفساق للتحذير منهم، والتنفير عنهم، وقد أجمعوا على جواز جرح المجروحين من الرواة أحياء وأمواتًا. (ورواه) أي: الحديث المذكور (عبد الله بن عبد القدوس) السعدي الرازي (عن الأعمش، ومحمد بن أنس عن الأعمش) أيضًا متابعين لشعبة، وليس لابن عبد القدوس في البخاري غير هذا الموضع. (تابعه) أي: تابع آدم بن أبي إياس، مما وصله المؤلّف في الرقاق (علي بن الجعد) بفتح الجيم، وسكون العين المهملة. (و) كذا تابعه (ابن عرعرة) بعينين مهملتين مفتوحتين بينهما راء ساكنة وبعد الثانية راء أخرى، واسمه: محمد (و) كذا (ابن أبي عدي) مما ذكره الإسماعيلي (عن شعبة). 98 - باب ذِكْرِ شِرَارِ الْمَوْتَى (باب ذكر شرار الموتى) ذكره السابق إشارة إلى أن السب المنهي عنه سب غير الأشرار. 1394 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ أَبُو لَهَبٍ - عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ - لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، فَنَزَلَتْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}. [الحديث 1394 - أطرافه في: 3525، 3526، 4770، 4801، 4971، 4972، 4973]. وبالسند قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق النخعي الكوفي، قال (حدّثنا الأعمش) سليمان، قال (حدّثني) بالإفراد (عمرو بن مرة) بضم الميم وتشديد الراء، بفتح العين (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال أبو لهب) عبد العزى بن عبد المطلب، (عليه لعنة الله) ولأبي ذر: لعنه الله

(للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما نزل قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] الآية، ورقي عليه الصلاة والسلام الصفا، وقال: يا صباحاه، فاجتمعوا فقال: يا بني عبد المطلب إن أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلاً أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم. ما جربنا عليك إلا صدقًا، قال: فإني {نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: 46] فقال أبو لهب (تبًّا لك) أي: هلاكًا، ونصب على أنه مفعول مطلق حذف عامله وجوبًا (سائر اليوم) نصب على الظرفية أي: باقي اليوم ألهذا جمعتنا (فنزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}) [المسد: 1] أي خسر، وعبر: باليدين عن النفس كقوله: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] أو إنما خصهما لأنه لما جمعهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد نزول {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] أخذ أبو لهب حجرًا يرميه به. ومطابقة الحديث للترجمة في كون ابن عباس ذكر أبا لهب باللعن، وهو من شرار الموتى. وهذا الحديث، كما لا يخفى، من مراسيل الصحابة، كما جزم به الإسماعيلي، لأن الآية الكريمة نزلت بمكة، وكان ابن عباس إذ ذاك صغيرًا، أو: لم يولد، وكذا رواية أبي هريرة له، الآتية، لأنه إنما أسلم بالمدينة. وفي الحديث: التحديث والعنعنة، وساقه هنا مختصرًا، ويأتي إن شاء الله تعالى مطوّلاً في: التفسير في الشعراء، وأخرجه مسلم في: الإيمان، والترمذي في: التفسير، وكذا النسائي. والله أعلم وهذا آخر الجزء الثاني، من شرح العلامة القسطلاني، على صحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، تغمدهما الله برحمته، وأسكنهما بحبوحة جنته، إنه على ما يشاء قدير، وبعباده لطيف خبير، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

24 - كتاب الزكاة

بسم الله الرحمن الرحيم 24 - كتاب الزكاة قال الحافظ ابن حجر البسملة ثابتة في الأصل. 1 - باب وجوب الزكاة وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43، 83، 100]. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ -رضي الله عنه- فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "يَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ". (باب وجوب الزكاة) لفظ باب ثابت لأكثر الرواة ولبعضهم كتاب وفي نسخة: كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة، وسقط ذلك لأبي ذر فلم يذكر لفظ باب ولا كتاب. والزكاة في اللغة هي التطهير والإصلاح والنماء والمدح ومنه: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32]. وفي الشرع: اسم لما يخرج عن مال أو بدن على وجه مخصوص سمي بها ذلك لأنها تطهر المال من الخبث وتقيه من الآفات والنفس من رذيلة البخل وتثمر لها فضيلة الكرم ويستجلب بها البركة في المال ومد المخرج عنه. وهي أحد أركان الإسلام يكفر جاحدها ويقاتل الممتنعون من أدائها وتؤخذ منهم وإن لم يقاتلوا قهرًا كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه. (وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على سابقه وبالرفع مبتدأ حذف خبره أي دليل على ما قلناه من الوجوب. ({وأقيموا الصلاة}) الخمس بمواقيتها وحدودها ({وآتوا الزكاة}) أدّوا زكاة أموالكم المفروضة. (وقال ابن عباس رضي الله عنهما) مما سبق موصولاً في قصة هرقل: (حدّثني) بالإفراد (أبو سفيان) صخر بن حرب (رضي الله عنه فذكر حديث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يأمرنا بالصلاة) التي هي أم العبادات البدنية (والزكاة) التي هي أم العبادات المالية (والصلة) للأرحام وكل ما أمر الله به أن يوصل بالبر والإكرام والمراعاة ولو بالسلام (والعفاف) الكف عن المحارم وخوارم المروءة. 1395 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ مُعَاذًا -رضي الله عنه- إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ". [الحديث 1395 - أطرافه في: 1458، 1496، 2448، 4347، 7371، 7372]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام النبيل البصري (عن زكريا بن إسحاق) المكي رمي بالقدر، لكن وثقه ابن معين وأحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وأبو داود وابن البرقي وابن سعد، وله في البخاري عن عبد الله بن صيفي هذا الحديث فقط، وأحاديث يسيرة عن عمرو بن دينار (عن يحيى بن عبد الله بن صيفي) نسبة إلى الصيف (عن أبي معبد) نافد بالنون والفاء والدال المهملة أو المعجمة مولى ابن عباس (عن ابن عباس رضي الله عنهما

أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بعث معاذًا إلى اليمن) سنة عشر قبل حجة الوداع كما عند المؤلّف في أواخر المغازي، وقيل: في أواخر سنة تسع عند منصرفه من غزوة تبوك. رواه الواقدي وابن سعد في الطبقات (فقال): (ادعهم) أولاً (إلى) شيئين (شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا) أي: انقادوا (لذلك) أي الإتيان بالشهادتين (فأعلمهم) بفتح الهمزة من الإعلام (أن الله) بفتح الهمزة لأنها في محل نصب مفعول ثان للإعلام والضمير مفعول أول (افترض) ولابن عساكر: قد افترض (عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة) فخرج الوتر (فإن هم أطاعوا لذلك) بأن أقرّوا بوجوبها أو بادروا إلى فعلها (فأعلمهم أن الله افترض) ولأبي ذر: افترض (عليهم صدقة) أي زكاة (في أموالهم تؤخذ) بضم أوله مبنيًا للمفعول (من) مال (أغنيائهم) المكلفين وغيرهم. (وترد على فقرائهم) بالواو في وترد مع ضم التاء مبنيًا للمفعول، وفي نسخة: وبدأ بالأهم فالأهم وذلك من التلطف في الخطاب لأنه لو طالبهم بالجميع في أول الأمر لنفرت نفوسهم من كثرتها واقتصر على الفقراء من غير ذكر بقية الأصناف لمقابلة الأغنياء لأن الفقراء هم الأغلب، والإضافة في قوله فقرائهم تفيد منع صرف الزكاة للكافر وفيه نقل الزكاة عن بلد المال لأن الضمير في قوله فقرائهم يعود على أهل اليمن، وعورض بأن الضمير إنما يرجع إلى فقراء المسلمين وهم أعم من أن يكونوا فقراء أهل تلك البلد أو غيرهم. وأجيب: بأن المراد فقراء أهل اليمن بقرينة السياق، فلو نقلها عند وجوبها إلى بلد آخر مع وجود الأصناف أو بعضهم لا يسقط الفرض. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد والمظالم والمغازي، ومسلم في الإيمان، وأبو داود في الزكاة وكذا الترمذي والنسائي وابن ماجة. 1396 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ ابْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه "أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ. قَالَ: مَالَهُ مَالَهُ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرَبٌ مَالَهُ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ". وَقَالَ بَهْزٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ وَأَبُوهُ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمَا سَمِعَا مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ بِهَذَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ غَيْرَ مَحْفُوظٍ، إِنَّمَا هُوَ عَمْرٌو. [الحديث 1396 - طرفاه في: 5982، 5983]. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن ابن عثمان) ولأبوي الوقت وذر: عن محمد بن عثمان (بن عبد الله بن موهب) بفتح الميم والهاء بينهما واو ساكنة آخره موحدة (عن موسى بن طلحة) بن عبيد الله القرشي (عن أبي أيوب) خالد بن زيد الأنصاري (رضي الله عنه أن رجلاً) قيل هو أبو أيوب الراوي ولا مانع أن يبهم نفسه لغرض له، وأما تسميته في حديث أبي هريرة الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى بأعرابي فيحمل على التعدد أو هو ابن المنتفق كما رواه البغوي وابن السكن والطبراني في الكبير وأبو مسلم الكجي. وزعم الصريفيني أن ابن المنتفق هذا اسمه لقيط بن صبرة وافد بني المنتفق (قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أخبرني بعمل يدخلني الجنة) برفع الفعل المضارع والجملة المصدرية به في محل جر صفة لعمل، واستشكل الجزم على جواب الأمر لأنه يصير قوله بعمل غير موصوف والنكرة غير الموصوفة لا تفيد. كذا قاله المظهري في شرح المصابيح. وأجيب: بأن التنكير في عمل للتفخيم أو النوع أي: بعمل عظيم أو معتبر في الشرع، أو يقال جزاء الشرط محذوف تقديره أخبرني بعمل إن عملته يدخلني الجنة فالجملة الشرطية بأسرها صفة لعمل. (قال) القوم: (ماله ماله) وهو استفهام والتكرار للتأكيد (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أرب ماله) بفتح الهمزة والراء وتنوين الموحدة مع الضم أي حاجة جاءت وهو خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف أي له ارب، وما: زائدة للتقليل أي له حاجة يسيرة قاله الزركشي وغيره، وتعقبه في المصابيح فقال: ليس مبتدأ محذوف الخبر بل مبتدأ مذكور الخبر وساغ الابتداء به، وإن كان نكرة لأنه موصوف بصفة يرشد إليها ما الزائدة والخبر هو قوله له: وأما قوله أي له حاجة يسيرة وما للتقليل فليس كذلك بل ما الزائدة منبهة على وصف لائق بالمحل، واللائق هنا أن يقدر عظيم لأنه سأل عن عمل يدخله الجنة ولا أعظم من هذا الأمر على أنه يمكن أن يكون له وجه. وروي أرب بكسر الراء وفتح الموحدة بلفظ الماضي كعلم أي: احتاج فسأل لحاجته أو تفطن لما سأل عنه وعقل. يقال: ارب إذا عقل فهو أريب، وقيل: تعجب من حرصه وحسن فطنته ومعناه لله دره، وقيل: هو دعاء عليه أي سقطت آرابه وهي أعضاؤه

كما قالوا تربت يمينه وليس على معنى الدعاء بل على عادة العرب في استعمال هذه الألفاظ. وروي ارب بكسر الراء مع التنوين مثل حذر أي حاذق فطن يسأل عما يعنيه أي هو ارب فحذف المبتدأ ثم قال: ما له أي ما شأنه. قال في الفتح: ولم أقف على صحة هذه الرواية. وروي أرب بفتح الجميع رواه أبو ذر. قال القاضي عياض: ولا وجه له انتهى. وقد وقعت في الأدب من طريق الكشميهني، كما قاله الحافظ ابن حجر: (تعبد الله ولا تشرك به شيئًا) ولابن عساكر: تعبد الله لا تشرك به شيئًا بإسقاط الواو (وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم) تحسن لقرابتك، وخص هذه الخصلة نظرًا إلى حال السائل كأنه كان قطاعًا للرحم فأمره به لأنه المهم بالنسبة إليه وعطف الصلاة وما بعدها على سابقها من عطف الخاص على العام إذ العبادة تشمل ما بعدها، ودلالة هذا الحديث على الوجوب فيها غموض. وأجيب: بأن سؤاله عن العمل الذي يدخل الجنة يقتضي أن لا يجاب بالنوافل قبل الفرائض فيحمل على الزكاة الواجبة، وبأن الزكاة قرينة الصلاة المذكورة مقارنة للتوحيد، وبأنه وقف دخول الجنة على أعمال من جملتها أداء الزكاة فيلزم أن من لم يعملها لم يدخل الجنة ومن لم يدخل الجنة دخل النار وذلك يقتضي الوجوب. (وقال بهز): بفتح الموحدة وسكون الهاء آخره زاي ابن أسد العمي البصري (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا محمد بن عثمان وأبوه عثمان بن عبد الله) فبين شعبة أن ابن عثمان اسمه محمد (أنهما سمعا موسى بن طلحة عن أبي أيوب) ولأبي ذر: عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بهذا) الحديث السابق. (قال أبو عبد الله): البخاري (أخشى أن يكون محمد غير محفوظ إنما هو عمرو) أي ابن عثمان والحديث محفوظ عنه ووهم شعبة وقد حدث به عن يحيى بن سعد القطان وإسحاق الأزرق وأبو أسامة وأبو نعيم كلهم عن عمرو بن عثمان. كما قاله الدارقطني وغيره. وهذا الحديث رواته ما بين كوفي وواسطي ومدني، وأخرجه أيضًا في الأدب، ومسلم في الإيمان، والنسائي في الصلاة والعلم. 1397 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ يَحْيَى ابْنِ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ. قَالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ. قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا". حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي حَيَّانَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو زُرْعَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم) أبو يحيى البغدادي عرف بصاعقة البزاز بمعجمتين (قال: حدّثنا عفان بن مسلم) بتشديد الفاء الصفار الأنصاري البصري (قال: حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد بن عجلان صاحب الكرابيسي (عن يحيى بن سعيد بن حيان) بفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية التيمي تيم الرباب (عن أبي زرعة) هرم بفتح الهاء وكسر الراء ابن عمرو بن جرير البجلي الكوفي (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيًّا) بفتح الهمزة من سكن البادية وهل هو السائل في حديث أبي أيوب السابق أو غيره سبق ما فيه ثم (أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (دلني) بضم الدال وتشديد اللام المفتوحة (على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال) عليه الصلاة والسلام: (تعبد الله) وحده (لا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة) غاير بين القيدين كراهة تكرير اللفظ الواحد أو احترز عن صدقة التطوّع لأنها زكاة لغوية أو عن المعجلة قبل الحول فإنها زكاة لكنها ليست مفروضة (وتصوم رمضان) ولم يذكر الحج اختصارًا أو نسيانًا من الراوي. (قال) الأعرابي: (والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا) المفروض أو لا أزيد على ما سمعت منك في تأديته لقومي فإنه كان وافدهم. وزاد مسلم شيئًا أبدًا ولا أنقص منه، (فلما ولى) أي: أدبر (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا) الأعرابي أي: إن داوم على فعل ما أمرته به لقوله في حديث أبي أيوب عند مسلم: "إن تمسك بما أمر به دخل الجنة". وفيه أن المبشر بالجنة أكثر من العشرة كما ورد النص في الحسن والحسين وأمهما وأمهات المؤمنين، فتحمل بشارة العشرة أنهم بشروا دفعة واحدة أو بلفظ بشره بالجنة أو أن العدد لا ينفي الزائد، ولا يقال إن مفهوم الحديث كغيره مما يشبهه يدل على ترك التطوعات أصلاً لأنا نقول: لعل أصحاب هذه القصص كانوا حديثي عهد

بالإسلام فاكتفى منهم بفعل ما وجب عليهم في تلك الحالة لئلا يثقل عليهم ذلك فيملوا فإذا انشرحت صدورهم للفهم عنه والحرص على ثواب المندوبات سهلت عليهم، ولا يخفى أن من داوم على ترك السنن كان نقصًا في دينه فإن تركها تهاونًا بها ورغبة عنها كان ذلك فسقًا لورود الوعيد عليه. قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من رغب عن سنتي فليس مني" قاله القرطبي. وبه قال: (حدّثنا مسدد عن يحيى) القطان (عن أبي حيان) هو يحيى بن سعيد بن حيان المذكور في الإسناد السابق ذكره أولاً باسمه وهنا بكنيته (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو زرعة) هرم (عن النبي في بهذا) الحديث السابق عن وهيب، لكن يحيى القطان رواه عن أبي حيان مرسلاً، كما ترى لأن أبا زرعة تابعي ولم يذكر أبا هريرة فخالف وهيبًا. وفي إخراج المؤلّف له عقب حديث وهيب إشعار بأن العلة غير قادحة لأن وهيبًا حافظ فقدم روايته لأن معه زيادة فيما رواه حكاه أبو علي الجياني، وفيه إبطال للتردد الواقع في رواية الأصيلي عن أبي أحمد الجرجاني هنا حيث قال: فيما حكاه أبو علي الجياني عن يحيى بن سعيد بن حيان أو عن يحيى بن سعيد عن أبي حيان وهو خطأ إنما هو يحيى بن سعيد بن حيان كما لغيره من الرواة، لأن هذه الرواية أفادت تصريح أبي حيان بسماعه له من أبي زرعة فزال التردد. 1398 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا الْحَىَّ مِنْ رَبِيعَةَ قَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، وَلَسْنَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِشَىْءٍ نَأْخُذُهُ عَنْكَ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا. قَالَ: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ. الإِيمَانِ بِاللَّهِ وَشَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ -وَعَقَدَ بِيَدِهِ هَكَذَا- وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ. وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ". وَقَالَ سُلَيْمَانُ وَأَبُو النُّعْمَانِ عَنْ حَمَّادٍ «الإِيمَانِ بِاللَّهِ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ». وبه قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن منهال السلمي الأنماطي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) قال: (حدّثنا أبو جمرة) بالجيم وسكون الميم وفتح الراء نصر بن عمران الضبعي (قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: قدم وفد عبد القيس) هو أبو قبيلة وكانوا أربعة عشر رجلاً ويروى أربعون وجمع بأن لهم وفادتين أو الأربعة عشر أشرافهم (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالوا: يا رسول الله إن هذا الحي) نصب بأن وهو اسم لمنزل القبيلة ثم سميت القبيلة به لأن بعضهم يحيا ببعض، ولأبي ذر: إنّا هذا الحي بألف بعد النون المشددة ونصب الحي على الاختصاص أي أعني هذا الحي، وعلى هذا الوجه يكون خبر إن قوله (من ربيعة) بن نزار بن معد بن عدنان وعلى الأولى خبر إن قوله (قد حالت بيننا وبينك كفار مصر) غير منصرف وهو ابن نزار بن معد بن عدنان أيضًا (ولسنا نخلص) نصل (إليك إلا في الشهر الحرام) جنس يشمل الأربعة الحرم وسميت بذلك لحرمة القتال فيها: (فأمرنا بشيء نأخذه عنك وندعو إليه من وراءنا) من قومنا أو من البلاد النائية أو الأزمنة المستقبلة (قال) عليه الصلاة والسلام: (آمركم) بمد الهمزة (بأربع، وأنهاكم عن أربع الإيمان بالله) بالجر (وشهادة أن لا إله إلا الله -وعقد بيده هكذا-) كما يعقد الذي يعدّ واحدة والواو في قوله: وشهادة للعطف التفسيري لقوله الإيمان. وقال ابن بطال: هي مقحمة كهي في فلان حسن وجميل أي حسن جميل (وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) بخفض أقام وإيتاء في اليونينية وهذا موضع الترجمة (وأن تؤدّوا خمُس ما غنمتم) وذكر لهم هذه لأنهم كانوا مجاورين لكفار مضر وكانوا أهل جهاد وغنائم ولم يذكر في هذه الرواية صيام رمضان كما ذكره في باب أداء الخمس من الإيمان أما لغفلة الراوي أو اختصاره وليس ذلك من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولم يذكر الحج فيهما لشهرته عندهم أو لكونه على التراخي أو غير ذلك مما سبق في باب أداء الخمس من الإيمان. (وأنهاكم عن) الانتباذ في الآنية المتخذة من (الدباء) بضم الدال وتشديد الموحدة القرع اليابس (و) عن الانتباذ في (الحنتم) بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح المثناة الفوقية الجرار الخضر (و) في (النقير) بفتح النون وكسر القاف جذع ينقر وسطه فيوعى فيه (و) في (المزفت) المطلي بالزفت لأنها تسرع الإسكار فربما شرب منها من لا يشعر بذلك، وهذا منسوخ بما في مسلم: "كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأسقية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرًا". (وقال سليمان) بن حرب مما وصله المؤلّف في المغازي (وأبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي مما وصله أيضًا في الخمس

(عن حماد) وهو ابن زيد (الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله) بدون واو وهو أصوب والإيمان بالجر بدل من قوله في السابق بأربع، وقوله شهادة بالجر على البدلية أيضًا وبالرفع فيهما لأبي ذر مبتدأ وخبر. 1399 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-، وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، فَقَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ". [الحديث 1399 - أطرافه في: 1457، 6924، 7284]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان الحكم بن نافع) البهراني الحمصي (قال: أخبرنا شعيب بن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي الأموي مولاهم الحمصي واسم أبيه دينار (عن) ابن شهاب (الزهري قال: حدّثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود) المدني (أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان أبو بكر رضي الله عنه) خليفة بعده (وكفر من كفر من العرب) بعض بعبادة الأوثان، وبعض بالرجوع إلى اتباع مسيلمة وهم أهل اليمامة وغيرهم، واستمر بعض على الإيمان إلا أنه منع الزكاة وتأول أنها خاصة بالزمن النبوي لأنه تعالى قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] الآية. فغيره عليه الصلاة والسلام لا يطهرهم ولا يصلّي عليهم فتكون صلاته سكنًا لهم. (فقال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه لأبي بكر رضي الله عنه (كيف تقاتل الناس)؟ وفي حديث أنس: أتريد أن تقاتل العرب (وقد قال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أمرت) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول أي أمرني الله (أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) وكأن عمر رضي الله عنه لم يستحضر من هذا الحديث إلا هذا القدر الذي ذكره، وإلاَّ فقد وقع في حديث ولده عبد الله زيادة وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بما جئت به وهذا يعم الشريعة كلها. ومقتضاه أن من جحد شيئًا مما جاء به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودعي إليه فامتنع ونصب القتال تجب مقاتلته وقتله إذا أصرّ (فمن قالها) أي كلمة التوحيد مع لوازمها (فقد عصم مني ماله ونفسه) فلا يجوز هدر دمه واستباحة ماله بسبب من الأسباب (إلا بحقه) أي بحق الإسلام من قتل النفس المحرمة أو ترك الصلاة أو منع الزكاة بتأويل باطل (وحسابه على الله) فيما يسره فيثيب المؤمن ويعاقب المنافق، فاحتج عمر رضي الله عنه بظاهر ما استحضره مما رواه من قبل أن ينظر إلى قوله "إلاَّ بحقه" ويتأمل شرائطه. 1400 - "فَقَالَ: وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ. وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ". [الحديث 1400 - أطرافه في: 1456، 6925، 7285]. (فقال) له أبو بكر رضي الله عنه: (والله لأقاتلن من فرق) بتشديد الراء وقد تخفف (بين الصلاة والزكاة) أي: قال أحدهما واجب دون الآخر أو منع من إعطاء الزكاة متأولاً كما مر (فإن الزكاة حق المال) كما أن الصلاة حق البدن. أي: فدخلت في قوله إلا بحقه فقد تضمنت عصمة دم ومال معلقة باستيفاء شرائطها والحكم المعلق بشرطين لا يحصل بأحدهما والآخر معدوم، فكما لا تتناول العصمة من لم يؤدّ حق الصلاة كذلك لا تتناول العصمة من لم يؤد حق الزكاة، وإذا لم تتناولهم العصمة بقوا في عموم قوله: "أمرت أن أقاتل الناس" فوجب قتالهم حينئذ، وهذا من لطيف النظر أن يقلب المعترض على المستدل دليله فيكون أحق به، ولذلك فعل أبو بكر فسلم له عمر وقاسه على الممتنع من الصلاة لأنها كانت بالإجماع من رأي الصحابة، فرد المختلف فيه إلى المتفق عليه فاجتمع في هذا الاحتجاج من عمر بالعموم ومن أبي بكر بالقياس فدلّ على أن العموم يخص بالقياس، وفيه دلالة على أن العمرين لم يسمعا من الحديث الصلاة والزكاة كما سمعه غيرهما أو لم يستحضراه إذ لو كان ذلك لم يحتج عمر على أبي بكر، ولو سمعه أبو بكر لردّ به على عمر ولم يحتج إلى الاحتجاج بعموم قوله: إلا بحقه، لكن يحتمل أن يكون سمعه واستظهر بهذا الدليل النظري، ويحتمل كما قال الطيبي: أن يكون عمر ظن أن المقاتلة إنما كانت لكفرهم لا لمنعهم الزكاة فاستشهد بالحديث، وأجابه الصديق: بأني ما أقاتلهم لكفرهم بل لمنعهم الزكاة (والله لو منعوني عناقًا) بفتح العين المهملة الأنثى من المعز (كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقاتلتهم على منعها. قال عمر رضي الله عنه: فوالله ما هو إلا أن قد) سقط لفظة: "قد" في رواية أبي ذر (شرح الله صدر أبي

2 - باب البيعة على إيتاء الزكاة

بكر رضي الله عنه) لقتالهم (فعرفت أنه الحق) بما ظهر من الدليل الذي أقامه الصديق نصًّا وإقامة الحجة لا أنه قلده في ذلك لأن المجتهد لا يقلد مجتهد. وذكر البغوي والطبري وابن شاهين والحاكم في الإكليل من رواية حكيم بن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن فاطمة بنت خشاف السلمية عن عبد الرحمن الظفري وكانت له صحبة قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى رجل من أشجع أن تؤخذ منه صدقته فأبى أن يعطيها فرده إليه الثانية فأبى ثم ردّه إليه الثالثة وقال: إن أبى فاضرب عنقه اللفظ للطبراني ومداره عندهم على الواقدي عن عبد الرحمن بن عبد العزيز الإمامي عن حكيم، وذكره الواقدي في أوّل كتاب الردة وقال في آخره قال عبد الرحمن بن عبد العزيز فقلت لحكيم بن حكيم: ما أرى أبا بكر الصديق قاتل أهل الردة إلا على هذا الحديث. قال: أجل. وخشاف: ضبطه ابن الأثير بفتح المعجمة وتشديد الشين المعجمة وآخره فاء وفي الحديث: أن حول النتاج حول الأمهات وإلا لم يجز أخذ العناق. وهذا مذهب الشافعية، وبه قال أبو يوسف. وقال أبو حنيفة ومحمد: لا تجب الزكاة في المسألة المذكورة وحملا الحديث على المبالغة. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في استتابة المرتدين وفي الاعتصام، ومسلم في الإيمان وكذا الترمذي، وأخرجه النسائي أيضًا فيه وفي المحاربة. 2 - باب الْبَيْعَةِ عَلَى إِيتَاءِ الزَّكَاةِ {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11]. (باب البيعة على إيتاء الزكاة) بفتح الموحدة ({فإن تابوا}) من الكفر ({وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم}) فهم إخوانكم ({في الدين}) لهم ما لكم وعليهم ما عليكم. وساق المؤلّف هذه الآية الشريفة هنا تأكيدًا لحكم الترجمة أي: فكما لا يدخل الكافر في التوبة من الكفر وينال أخوة المؤمنين في الدين إلا بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة كذلك بيعة الإسلام لا تتم إلا بإيتاء الزكاة ومانعها ناقض للعهد مبطل لبيعته، لأن كل ما تضمنته بيعته عليه الصلاة والسلام فهو واجب. 1401 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: "قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ". وبه قال: (حدّثنا ابن نمير) بضم النون وفتح الميم محمد (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عبد الله بن نمير (قال: حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي البجلي مولاهم الكوفي التابعي (عن قيس) هو ابن أبي حازم واسمه عوف البجلي التابعي المخضرم (قال: قال جرير بن عبد الله) البجلي الأحمسي (رضي الله عنه: بايعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من المبايعة وهي عقد العهد (على إقام الصلاة) بحذف التاء من إقامة لأن المضاف إليه عوض عنها (وإيتاء الزكاة) أي إعطائها (والنصح لكل مسلم) وكافر بإرشاده إلى الإسلام فالتخصيص للغالب، وقوله: والنصح بالجر عطفًا على سابقه، والحديث سبق في آخر كتاب الإيمان. 3 - باب إِثْمِ مَانِعِ الزَّكَاةِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأِنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34 - 35]. (باب إثم مانع الزكاة، وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه وبالرفع على الاستئناف ({والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها}) الضمير للكنوز الدال عليها يكنزون أو للأموال فإن الحكم عام وتخصيصهما بالذكر لأنهما قانون التموّل أو للفضة لأنها أقرب ويدل على أن حكم الذهب كذلك بطريق الأولى ({في سبيل الله}) المراد به المعنى الأعم لا خصوص أحد السهام الثمانية، وإلا لاختص بالصرف إليه بمقتضى هذه الآية ({فبشرهم بعذاب أليم}) [التوبة: 34] هو الكيّ بهما ({يوم يحمى عليها في نار جهنم}) يوم توقد النار ذات حمى وحر شديد على الكنوز، وأصله: تحمى بالنار فجعل الإحماء للنار مبالغة، ثم طوى ذكر النار وأسند الفعل للجار والمجرور تنبيهًا على المقصود وانتقل من صيغة التأنيث إلى صيغة التذكير وإنما قال: عليها والمذكور شيئان لأن المراد دنانير ودراهم كثيرة، كما قال عليّ رضي الله عنه: فيما قاله الثوري عن أبي حصين عن أبي الضحى عن جعدة بن هبيرة عنه: أربعة آلاف وما دونها نفقة وما فوقها كنز ({فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم}) لأنها مجوّفة فتسرع الحرارة إليها أو الكي في الوجه أبشع وأشهر وفي الظهر والجنب أوجع وآلم وقيل: لأن جمعهم وإمساكهم كان لطلب الوجاهة بالغنى والتنعم بالمطاعم الشهية والملابس البهية. وقيل: لأن صاحب الكنز إذا رأى الفقير قبض جبهته وولى ظهره

وأعرض عنه كشحه. وقيل: إنه لا يوضع دينار على دينار ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل درهم في موضع على حدة. وروى ابن أبي حاتم مرفوعًا: ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض إلا جعل الله بكل صفيحة من نار تكوى بها قدمه إلى ذقنه ({هذا ما كنزتم لأنفسكم})، أي يقال لهم ذلك ({فذوقوا}) وبال ({ما كنتم تكنزون}) [التوبة: 35] أي كنزكم أو ما تكنزونه، فما: مصدرية أو موصولة. وأكثر السلف أن الآية عامة في المسلمين وأهل الكتاب، وفي سياق المؤلّف لها تلميح إلى تقوية ذلك خلافًا لمن ذهب إلى أنها خاصة بالكفار والوعيد المذكور في كل ما لم تؤدّ زكاته. وفي حديث عمر: أيما مال أدّيت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونًا في الأرض وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض. وسياق هذه الآية بتمامها في غير رواية أبي ذر وله: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} إلى قوله: {فذوقوا ما كنتم تكنزون}. 1402 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَأْتِي الإِبِلُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ إِذَا هُوَ لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا، تَطَأُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَأْتِي الْغَنَمُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ إِذَا لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا تَطَأُهُ بِأَظْلاَفِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا. قَالَ: وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ. قَالَ: وَلاَ يَأْتِي أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِشَاةٍ يَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ لَهَا يُعَارٌ فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ بَلَّغْتُ. وَلاَ يَأْتِي بِبَعِيرٍ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ لَهُ رُغَاءٌ فَيَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ بَلَّغْتُ». [الحديث 1402 - أطرافه في: 2378، 3073، 9658]. وبه قال: (حدّثنا الحكم بن نافع) أبو اليمان البهراني الحمصي قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج) سقط ابن هرمز في بعض النسخ (حدّثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (تأتي الإبل على صاحبها) يوم القيامة وعثر "بعلى" ليشعر باستعلائها وتسلطها عليه (على خير ما كانت) عنده في القوّة والسمن ليكون أثقل لوطئها وأشد لنكايتها فتكون زيادة في عقوبته: وأيضًا فقد كان يودّ في الدنيا ذلك فيراها في الآخرة أكمل (إذا هو لم يعط فيها حقها) أي زكاتها (تطأه) بألف من غير واو في الفرع وكذا هو عند بعض النحويين لشذوذ هذا الفعل من بين نظائره في التعدّي لأن الفعل إذا كان فاؤه واوًا وكان على فعل مكسور العين كان غير متعد غير هذا الحرف ووسع فلما شذا دون نظائرهما أعطيا هذا الحكم. وقيل: إن أصله توطئ بكسر الاطاء فسقطت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ثم فتحت الطاء لأجل الهمزة. نبه عليه صاحب العمدة (بأخفافها) جمع خف وهو للإبل كالظلف للغنم والبقر، والحافر للحمار والبغل والفرس، والقدم للآدمي. ولمسلم من طريق أبي صالح عنه: ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها منها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلاً واحدًا تطأه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مرت عليه أولاها ردّت عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد ويرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. (وتأتي الغنم على صاحبها) يوم القيامة (على خير ما كانت) عنده في القوّة والسمن (وإذا لم يعط فيها حقها) زكاتها وسقط لفظ هو الثابت بعد إذا فيما سبق (تطأه بأظلافها) بالظاء المعجمة (وتنطحه بقرونها) بفتح الطاء. ولأبي الوقت: تنطحه بكسرها على الأشهر، بل قال الزين العراقي: إنه المشهور في الرواية وفيه: إن الله يحيي البهائم ليعاقب بها مانع الزكاة والحكمة في كونها تعاد كلها مع أن حق الله فيها إنما هو في بعضها لأن الحق في جميع المال غير متميز. (قال: ومن حقها) قال ابن بطال: يريد حق الكرم والمواساة وشرف الأخلاق لا أنه فرض (أن تحلب على الماء) يوم ورودها كما زاده أبو نعيم وغيره ليحضرها المساكين النازلون عليه أي الماء ومن لا لبن له فيها فيعطي من ذلك اللبن ولأن فيه رفقًا بالماشية. قال العلماء: وهذا منسوخ بآية الزكاة أو هو من الحق الزائد على الواجب الذي لا عقاب بتركه بل على طريق المواساة وكرم الأخلاق كما قاله ابن بطال فيما مرّ. واستدلّ به من يرى أن في المال حقوقًا غير الزكاة وهو مذهب غير واحد من التابعين. وفي الترمذي عن فاطمة بنت قيس عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إن في المال لحقًّا سوى الزكاة". ورواه بعضهم تجلب بالجيم. وجزم ابن دحية بأنه تصحيف، وقد وقع عند أبي داود من طريق أبي عمرو الغداني ما يفهم أن هذه الجملة وهي: ومن حقها الخ .... مدرجة من قول أبي هريرة، لكن في مسلم من حديث

أبي الزبير عن جابر هذا الحديث وفيه: فقلنا يا رسول الله وما حقها؟ قال: "إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنحتها وحلبها على الماء وحمل عليها في سبيل الله". فبين أنها مرفوعة كما نبه عليه في الفتح، لكن قال الزين العراقي: الظاهر أنها أي هذه الزيادة ليست متصلة كما بينه أبو الزبير في بعض طرق مسلم فذكر الحديث دون الزيادة، ثم قال أبو الزبير: سمعت عبيد الله بن عمير يقول هذا القول ثم سألت جابرًا فقال مثل قول عبيد بن عمير، قال أبو الزبير: وسمعت عبيد بن عمير يقول: قال رجل يا رسول الله ما حق الإبل: قال: "حلبها على الماء". قال الزين العراقي: فقد تبين أن هذه الزيادة إنما سمعها أبو الزبير من عبيد بن عمير مرسلة لا ذكر لجابر فيها انتهى. لكن قد وقعت هذه الجملة وحدها عند المؤلّف مرفوعة من وجه آخر عن أبي هريرة في الشرب في باب حلب الإبل على الماء بلفظ: حدّثنا إبراهيم بن المنذر، حدّثنا محمد بن فليح قال: حدّثني أبي عن هلال بن عليّ عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من حق الإبل أن تحلب على الماء" وهذا يقوّي قول الحافظ ابن حجر أنها مرفوعة. (قال) عليه الصلاة والسلام: (ولا يأتي) خبر بمعنى النهي (أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يعار) بضم المثناة التحتية والعين المهملة؛ أي صوت. قال ابن المنير: ومن لطيف الكلام أن النهي الذي أوّلنا به النفي يحتاج إلى تأويل أيضًا فإن القيامة ليست دار تكليف وليس المراد نهيهم عن أن يأتوا بهذه الحالة إنما المراد لا تمنعوا الزكاة فتأتوا كذلك، فالنهي في الحقيقة إنما باشر سبب الإتيان لا نفس الإتيان. وللمستملي والكشميهني: ثغاء بضم المثلثة وبغين معجمة ممدودة صياح الغنم أيضًا: (فيقول: يا محمد، فأقول) له: (لا أملك لك شيئًا) أي للتخفيف عنك (قد بلغت) إليك حكم الله (ولا يأتي) أحدكم يوم القيامة (ببعير) ذكر الإبل وأنثاه (يحمله على رقبته له رغاء) براء مضمومة وغين معجمة صوت الإبل (فيقول: يا محمد! فأقول) له: (لا أملك لك شيئًا) ولأبي ذر: لك من الله شيئًا (قد بلغت) إليك حكم الله تعالى. 1403 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي شِدْقَيْهِ- ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ. ثُمَّ تَلاَ {لاَ يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الآيَةَ". [الحديث 1403 - أطرافه في: 4565، 4659، 6957]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا هاشم بن القاسم) بألف قبل الشين أبو النضر التميمي قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه) عبد الله (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من آتاه) بمد الهمزة أي أعطاه (الله وإلاّ فلم يؤدّ زكاته مُثّل له) بضم الميم مبنيًّا للمفعول أي صوّر له (يوم القيامة) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: مثل له ماله يوم القيامة أي ماله الذي لم يؤدّ زكاته (شجاعًا) بضم الشين المعجمة والنصب مفعول ثان لمثل والضمير الذي فيه يرجع إلى قوله مالاً وقد نَاب عن المفعول الأوّل، وقال الطيبي: شجاعًا نصب يجري مجرى المفعول الثاني أي صوّر ماله شجاعًا. وقال ابن الأثير: ومثل يتعدّى إلى مفعولين فإذا بني لما لم يسم فاعله يتعدى إلى واحد فلذا قال: مثل له شجاعًا. وقال البدر الدماميني: شجاعًا منصوب على الحال وهو الحية الذكر والذي يقوم على ذنبه ويواثب الرجل والفارس وربما بلغ الفارس (أقرع) لا شعر له على رأسه لكثرة سمه وطول عمره (له زبيبتان) بزاي معجمة مفتوحة فموحدتين بينهما تحتية ساكنة أي زبدتان في شدقيه يقال: تكلم فلان حتى زبب شدقاه أي خرج الزبد عليهما، أو هما نابان يخرجان من فيه، وردّ بعدم وجود ذلك كذلك أو هما النكتتان السوداوان فوق عينيه وهو أوحش ما يكون من الحيات وأخبثه (يطوّقه) بفتح الواو والمشددة والضمير الذي فيه مفعوله الأوّل والضمير البارز مفعوله الثاني وهو يرجع إلى من في قوله "من آتاه الله مالاً" والضمير المستتر يرجع إلى الشجاع أي يجعل طوقًا في عنقه (يوم القيامة ثم يأخذ) الشجاع (بلهزمتيه) بكسر اللام والزاي بينهما هاء ساكنة وبعد الميم فوقية تثنية لهز ولغير أبي ذر: بلهزميه بإسقاط الفوقية وفسرهما بقوله (يعني شدقيه) بكسر الشين المعجمة أي جانبي الفم

4 - باب ما أدي زكاته فليس بكنز لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ليس فيما دون خمسة أواق صدقة»

أو لأبي ذر: يعني بشدقيه بزيادة موحدة قبل الشين (ثم يقول): الشجاع له (أنا مالك، أنا كنزك) يخاطبه بذلك ليزداد غصة وتهكمًا عليه (ثم تلا) عليه الصلاة والسلام: ({وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ}) [آل عمران: 180] بالغيب في يحسبن أسنده إلى الذين وقدر مفعولاً دل عليه يبخلون أي: لا يحسبن الباخلون بخلهم خيرًا لهم، وحذف واو ولا وهي ثابتة في القرآن. ولأبي ذر: ولا تحسبن بإثباتها وتحسبن بالخطاب وهي قراءة حمزة والمطوعي عن الأعمش أسنده إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقدر مضافًا أي لا تحسبن يا محمد بخل الذين يبخلون هو خيرًا لهم فبخل وخيرًا مفعولاه. وفي رواية الترمذي قرأ مصداقه سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة وفيه دلالة على أن المراد بالتطويق حقيقته خلافًا لمن قال إن معناه سيطوّقون الإثم. وفي تلاوة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الآية عقب ذلك دلالة على أنها نزلت في مانعي الزكاة وعليه أكثر المفسرين. وهذا الحديث جعله أبو العباس الطرقي والذي قبله حديثًا واحدًا. ورواه مالك في موطئه عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح لكن بوقفه على أبي هريرة، وخالفهم عبد العزيز بن أبي سلمة فرواه عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال ابن عبد البر: وهو عندي خطأ بيّن في الإسناد لأنه لو كان عند عبد الله بن دينار عن ابن عمر ما رواه عن أبي صالح عن أبي هريرة أصلاً. ورواية مالك وعبد الرحمن بن عبد الله هي الصحيحة وهو مرفوع صحيح. وقد أخرج حديث الباب المؤلّف أيضًا في التفسير، والنسائي في الزكاة. 4 - باب مَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» هذا (باب) بالتنوين (ما أدّي زكاته فليس بكنز) هذا لفظ حديث رواه مالك عن ابن عمر موقوفًا وأبو داود مرفوعًا لكن بمعناه (لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الحديث الآتي في هذا الباب إن شاء الله تعالى. (ليس فيما دون خمسة) بزيادة التاء وللأصيلي وأبي ذر خمس (أواق) بغير ياء كقاض وجوار، ولأبي ذر: أواقي بإثباتها كأثفية وأثافي ويجوز تخفيف الياء وتشديدها (صدقة) فليس بكنز لأنه لا صدقة فيه فإذا زاد شيء عليها ولم تؤد زكاته فهو كنز. 1404 - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-. فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: أَخْبِرْنِي قَوْلَ اللَّهِ {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: مَنْ كَنَزَهَا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا فَوَيْلٌ لَهُ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنْزَلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ طُهْرًا لِلأَمْوَالِ". [الحديث 1404 - طرفه في: 4661]. (وقال أحمد بن شبيب بن سعيد) بفتح الشين المعجمة وبموحدتين بينهما تحتية ساكنة. وسعيد بكسر العين الحبطي بالحاء المهملة والموحدة المفتوحتين وبالطاء المهملة نسبة إلى الحبطات من بني تميم البصري من مشايخ المؤلّف وثقه أبو حاتم الرازي وكتب عنه ابن المديني. وقال أبو الفتح الأزدي: منكر الحديث غير مرضي لكن لا عبرة بقول الأزدي لأنه ضعيف فكيف يعتمد في تضعيف الثقات؟ وتعليقه هذا وصله أبو داود في كتاب الناسخ والمنسوخ عن محمد بن محمد بن يحيى الذهلي عن أحمد بن شبيب، ووقع في رواية أبي ذر عن الكشميهني: حدّثنا أحمد بن شبيب بن سعيد قال: (حدّثنا أبي) شبيب (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن خالد بن أسلم) هو أخو زيد بن أسلم (قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما فقال) له (أعرابي أخبرني قول الله) ولأبي ذر عن الكشميهني: عن قول الله ({والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله}) [التوبة: 34] (قال ابن عمر: من كنزها فلم يؤدّ زكاتها) بإفراد الضمير والسابق اثنان كينفقولها على تأويل الأموال، أو يرجع الضمير إلى الفضة لأنها أكثر انتفاعًا في المعاملات من الذهب، أو اكتفى ببيان حكمها عن حكم الذهب (فويل له) أي حزن وهلاك ومشقة وارتفاع ويل على الابتداء (إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة) قال ابن بطال يريد بما قبل نزول الزكاة قوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [البقرة: 219] أي ما فضل عن الكفاية فكانت الصدقة فرضًا بما فضل عن كفايته (فلما أنزلت) أي الزكاة بعد الهجرة في السنة الثانية قبل فرض رمضان كما أشار إليه النووي في باب: السير من الروضة. وجزم ابن الأثير في التاريخ بأن ذلك كان في التاسعة وفيه نظر يطول استقصاؤه. نعم، بعث العمال لأجل أخذ الصدقات كان في التاسعة وهو يستدعي سبق فرضية الزكاة (جعلها الله طهرًا) أي مطهرة (للأموال) وطهرًا لمخرجيها عن رذائل الأخلاق ونسخ حكم الكنز، لكن قال البرماوي: وإذا حمل لا ينفقونها على لا يؤدّون زكاتها

فلا نسخ. ورواة هذا الحديث ما بين بصري وأيلي ومدني وفيه رواية الابن عن الأب وتابعي عن تابعي عن صحابي، والتصدير بالقول والتحديث والعنعنة، وخالد من أفراده وليس له في الصحيح إلا هذا الحديث، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير، والنسائي في الزكاة. 1405 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ». [الحديث 1405 - أطرافه في: 1447، 1459، 1484]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن يزيد) هو إسحاق بن إبراهيم بن يزيد من الزيادة أبو النضر الأموي مولاهم الفراديسي الشامي قال: (أخبرنا شعيب بن إسحاق) بن عبد الرحمن الأموي مولاهم البصري ثم الدمشقي (قال:) عبد الرحمن (الأوزاعي) ولأبي ذر: أخبرنا الأوزاعي قال: (أخبرني) بالإفراد (يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة. وقد تعقب المؤلّف الدارقطني وأبو مسعود الدمشقي في هذا السند بأن إسحاق بن يزيد شيخ المؤلّف وهم في نسب يحيى بن أبي كثير وإنما هو يحيى بن سعيد مع الاختلاف على الأوزاعي فيه لأن عبد الوهاب بن نجدة رواه عن سعيد عن الأوزاعي قال: حدّثني يحيى بن سعيد. ورواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن اليمان عن يحيى بن سعيد فاتفقا على أن يحيى هو ابن سعيد، وزاد الوليد بن مسلم رجلاً بين الأوزاعي ويحيى بن سعيد، ورواه داود بن رشيد وهشام بن خالد جميعًا عن شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي عن يحيى غير منسوب. وأجاب الحافظ ابن حجر بأن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي تابع إسحاق بن يزيد عن شعيب بن إسحاق كما أخرجه أبو عوانة والإسماعيلي من طريقه وهو يدل على أنه عند شعيب على الوجهين لكن دلت رواية الوليد بن مسلم على أن رواية الأوزاعي عن يحيى بن سعيد بغير واسطة موهومة أو مدلسة، وأما رواية إسحاق بن يزيد عن شعيب فصحيحة صريحة لأنه قد صرح فيها بأن يحيى أخبره، فلهذا عدل المؤلّف إلى هذا واقتصر على طريق يحيى بن أبي كثير (أن عمرو بن يحيى) بفتح العين (ابن عمارة) بضمها المازني الأنصاري (أخبره عن أبيه يحيى بن عمارة بن أبي الحسن) المازني المدني (أنه سمع أبا سعيد) سعد بن مالك الخدري (رضي الله عنه يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ليس فيما دون خمس أواق) بغير ياء كجوار من الفضة (صدقة) والأوقية بضم الهمزة وتشديد الياء أربعون درهمًا بالنصوص المشهورة والإجماع كما قاله النووي في شرح المهذّب. وروى الدارقطني بسند فيه ضعف عن جابر برفعه. والوقية: أربعون درهمًا. وعند أبي عمر من حديثه مرفوعًا أيضًا: الدينار أربعة وعشرون قيراطًا قال: وهذا وإن لم يصح سنده ففي الإجماع عليه ما يغني عن إسناده والاعتبار بوزن مكة تحديدًا والمثقال لم يختلف في جاهلية ولا إسلام وهو اثنان وسبعون شعيرة بالموحدة معتدلة بن تقشر وقطع من طرفيها ما دق وطال، وأما الدراهم فكانت مختلفة الأوزان وكان التعامل غالبًا في عصره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والصدر الأول بعده بالدرهم البغلي نسبة إلى البغل لأنه كان عليها صورته وكان ثمانية دوانق، والدرهم الطبري نسبة إلى طبرية قصبة الأردن بالشام وتسمى بنصيبين وهو أربعة دوانق فجمعا وقسما درهمين كل واحد ستة دوانق، وقيل: إنه فعل زمن بني أمية وأجمع أهل ذلك العصر عليه. وروى ابن سعد في الطبقات: أن عبد اللك بن مروان أول من أحدث ضربها ونقش عليها سنة خمس وسبعين. وقال الماوردي: فعله عمر ومتى زيد على الدرهم ثلاثة أسباعه كان مثقالا ومتى نقص من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهمًا وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهمًا وسُبعان (وليس) ولأبى ذر: ولا (فيما دون خمس ذود) من الإبل (صدقة) وذود بفتح الذال المعجمة وسكون الواو وبالدال المهملة. قال ابن المنير: أضاف خمس إلى ذود وهو مذكر لأنه يقع على المذكر والمؤنث وأضافه إلى الجمع لأنه على المفرد والجمع، وأما قول ابن قتيبة: إنه يقع على الواحد فقط فلا يدفع ما نقله غيره أنه يقع على الجمع. انتهى. والأكثر على أن الذود من الثلاثة إلى العشرة لا واحد له من لفظه، وأنكر ابن قتيبة أن يراد بالذود الجمع، وقال: لا يصح أن يقال خمس ذود كما لا يصح أن يقال خمس ثوب، وغلطه العلماء في ذلك قال أبو حاتم السجستاني: تركوا القياس

في الجمع فقالوا خمس ذود لخمس من الإبل كما قالوا ثلاثمائة على غير قياس. قال القرطبي: وهذا صريح في أن الذود واحد في لفظه والأشهر ما قاله المتقدمون أنه لا يقصر على الواحد. وقال في القاموس: من ثلاثة أبعرة إلى عشرة أو خمس عشرة أو عشرين أو ثلاثين أو ما بين الثنتين إلى التسع ولا يكون إلا من الإناث وهو واحد وجمع أو جميع لا واحد له أو واحد جمعه أذواد. (وليس فيما دون خمس) بغير تاء، وللأربعة خمسة. (أوسق) من تمر أو حب (صدقة) والأوسق بفتح الهمزة وضم السين جمع وسق بفتح الواو وكسرها وهو ستون صاعًا. والصاع: أربعة أمداد والمد رطل وثلث بالبغدادي فالأوسق الخمسة ألف وستمائة رطل بالبغدادي، ورطل بغداد على الأظهر مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم. 1406 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ سَمِعَ هُشَيْمًا أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: "مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ، فَإِذَا أَنَا بِأَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه-، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْزَلَكَ مَنْزِلَكَ هَذَا؟ قَالَ: كُنْتُ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ فِي {الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قَالَ مُعَاوِيَةُ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقُلْتُ: نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ، فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي ذَاكَ، وَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ -رضي الله عنه- يَشْكُونِي، فَكَتَبَ إِلَىَّ عُثْمَانُ أَنِ اقْدَمِ الْمَدِينَةَ، فَقَدِمْتُهَا، فَكَثُرَ عَلَىَّ النَّاسُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ ذَاكَ لِعُثْمَانَ، فَقَالَ لِي: إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ فَكُنْتَ قَرِيبًا. فَذَاكَ الَّذِي أَنْزَلَنِي هَذَا الْمَنْزِلَ، وَلَوْ أَمَّرُوا عَلَىَّ حَبَشِيًّا لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ". [الحديث 1406 - طرفه في: 4660]. وبه قال: (حدّثنا علي) غير منسوب، ولأبي ذر: علي بن أبي هاشم واسم أبي هاشم عبيد الله الليثي البغدادي ويعرف عبيد الله بالطبراخ بكسر الطاء المهملة وسكون الموحدة وآخره خاء معجمة أنه (سمع هشيمًا) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير بضم الموحدة وفتح الشين ابن القاسم بن دينار قال: (أخبرنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين أبو الهذيل (عن زيد بن وهب) بفتح الواو أبو سليمان الهمداني الجهني الكوفي التابعي الكبير أحد المخضرمين (قال: مررت بالربذة) بفتح الراء الموحدة والذال المعجمة موضع على ثلاث مراحل من المدينة به قبر أبي ذر (فإذا أنا بأبي ذر) جندب بن جنادة (رضي الله عنه فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا)؟ وإنما سأله زيد عن ذلك لأن مبغضي عثمان كانوا يشنعون عليه أنه نفى أبا ذر، وقد بين أبو ذر أن نزوله في ذلك المكان إنما كان باختياره كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. (قال): أبو ذر (كنت بالشأم) أي بدمشق (فاختلفت أنا ومعاوية) بن أبي سفيان وكان إذ ذاك عامل عثمان على دمشق (في) من نزل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] (قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب) نظرًا إلى سياق الآية فإنها نزلت في الأحبار والرهبان الذين لا يؤتون الزكاة، قال أبو ذر: (فقلت نزلت فينا وفيهم) نظرًا إلى عموم الآية (فكان بيني وبينه في ذلك) وفي نسخة في ذاك نزاع، بل قيل: إنه كان كثير الاعتراض عليه والمنازعة له، وكان جيش معاوية يميل إلى أبي ذر وكان لا يخاف في الله لومة لائم. (وكتب) معاوية رضي الله عنه لما خشي أن يقع بين المسلمين خلاف وفتنة (إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني) إما بسبب هذه الواقعة الخاصة أو على العموم (فكتب إلي عثمان) رضي الله عنه (أن أقدم المدينة) بفتح الدال أما فعل مضارع فهمزته همزة قطع أو فعل أمر فتحذف في الوصل (فقدمتها، فكثر علي الناس) أي يسألونه عن سبب خروجه من دمشق وعما جرى بينه وبين معاوية (حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك فذكرت ذلك لعثمان فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريبًا). خشي عثمان على أهل المدينة ما خشيه معاوية على أهل الشأم (فذاك الذي أنزلني هذا المنزل). بالنصب (ولو أمروا علي) عبدًا (حبشيًّا لسمعت) قوله (وأطعت) أمره. وروى الإمام أحمد وأبو يعلى من طريق أبي حرب بن أبي الأسود عن عمه عن أبي ذر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: "كيف تصنع إذ أخرجت منه أي من المسجد النبوي" قال: آتي الشام. قال: "كيف تصنع إذا أخرجت منها" قال: أعود إليه أي إلى المسجد. قال: "كيف تصنع إذا خرجت منه؟ " قال: أضرب بسيفي. قال: "ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشدًا تسمع وتطيع وتنساق لهم حيث ساقوك". وفي حديث الباب رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، ومناسبته للترجمة من جهة أن ما أدّي زكاته فليس بكنز ومفهوم الآية كذلك، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير وكذا النسائي. 1407 - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ "جَلَسْتُ". ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَلاَءِ بْنُ الشِّخِّيرِ أَنَّ الأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: "جَلَسْتُ إِلَى مَلإٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ خَشِنُ الشَّعَرِ وَالثِّيَابِ وَالْهَيْئَةِ، حَتَّى قَامَ عَلَيْهِمْ فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: بَشِّرِ الْكَانِزِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ثُمَّ يُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَزَلْزَلُ. ثُمَّ وَلَّى فَجَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ. وَتَبِعْتُهُ وَجَلَسْتُ إِلَيْهِ وَأَنَا لاَ أَدْرِي مَنْ هُوَ، فَقُلْتُ لَهُ: لاَ أُرَى الْقَوْمَ إِلاَّ قَدْ كَرِهُوا الَّذِي قُلْتَ. قَالَ: إِنَّهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا". وبه قال (حدّثنا عياش) بالتحتية والشين المعجمة ابن الوليد الرقام البصري (قال: حدّثنا عبد الأعلى) هو ابن عبد الأعلى السامي بالمهملة (قال: حدّثنا الجريري) بضم الجيم

وفتح الراء الأولى سعيد بن أبي إياس (عن أبي العلاء) بفتح العين والهمز ممدودًا يزيد من الزيادة ابن الشخير المعافري (عن الأحنف بن قيس) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة آخره فاء (قال: جلست) قال المؤلّف: (ح). (وحدّثني) بالإفراد (إسحاق بن منصور) الكوسج المروزي قال: (أخبرنا عبد الصمد) بن عبد الوارث (قال: حدّثنا أبي) عبد الوارث قال: (حدّثنا) سعيد (الجريري) قال: (حدّثنا أبو العلاء بن الشخير) بكسر الشين والخاء المعجمتين (أن الأحنف بن قيس حدثهم) أردف المؤلّف هذا الإسناد بسابقه وإن كان أنزل منه لتصريح عبد الصمد بتحديث أبي العلاء للجريري والأحنف لأبي العلاء. (قال): أي الأحنف (جلست إلى ملأ) أي جماعة (من قريش فجاء رجل خشن الشعر) بفتح الخاء وكسر الشين المعجمتين من الخشونة. وللقابسي: حسن بالمهملتين والأول هو الصحيح (والثياب والهيئة حتى قام) أي وقف (عليهم فسلم ثم قال: بشر الكانزين) {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] ولا يؤدون زكاتها. (برضف) بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة آخره فاء حجارة محماة (يحمى عليه) أي على الرضف. ولأبي ذر: والأصيلي: عليهم (في نار جهنم) بعدم الصرف للعجمة والعلمية أو عربي والمانع العلمية والتأنيث (ثم يوضع) الرضف (على حلمة ثدي أحدهم) بفتح لام حلمة وهي ما نشز من الثدي وطال (حتى يخرج من نغض كتفه) بضم النون وسكون الغين المعجمة آخره ضاد معجمة ويسمى الغضروف وهو العظم الرقيق على طرف الكتف أو هو أعلاه، وأصل النغص الحركة فسمي به الشاخص من الكنف لأنه يتحرك من الإنسان في مشيه وتصرفه وكتفه بالإفراد، (ويوضع) الرضف (على نغص كتفه) بالإفراد (حتى يخرج من حلمة ثديه يتزلزل) أي يتحرك ويضطرب الرضف (ثم ولّى) أدبر (فجلس إلى سارية) اسطوانة (وتبعته وجلست إليه وأنا لا أدري من هو فقلت له: لا أرى) بضم الهمزة أي لا أظن (القوم إلا قد كرهوا الذي قلت) لهم بفتح التاء خطاب لأبي ذر (قال) أبو ذر: (إنهم لا يعلقون شيئًا) فسره بجمعهم الدنيا كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. 1408 - قَالَ لِي خَلِيلِي -قَالَ قُلْتُ: مَنْ خَلِيلُكَ؟ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ--: يَا أَبَا ذَرٍّ أَتُبْصِرُ أُحُدًا؟ قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَى الشَّمْسِ مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ، وَأَنَا أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرْسِلُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ، قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ كُلَّهُ إِلاَّ ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ. وَإِنَّ هَؤُلاَءِ لاَ يَعْقِلُونَ، إِنَّمَا يَجْمَعُونَ الدُّنْيَا. لاَ وَاللَّهِ، لاَ أَسْأَلُهُمْ دُنْيَا وَلاَ أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِينٍ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ عز وجل". (قال لي خليلي: قال): الأحنف (قلت من) ولأبي ذر: ومن (خليلك) زاد في نسخة يا أبا ذر (قال): أبو ذر: هو أي خليلي (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقوله: (يا أبا ذر أتبصر أحدًا)؟ الجبل المشهور معمول قال لي خليلي وحينئذ يستقيم الكلام ولا يقال فيه حذف خلافًا لابن بطال والزركشي وغيرهما حيث قالوا: أسقط قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جواب السائل من خليلك، أو قال النبي الثابتة جوابه وسقط قوله قال النبي يا أبا ذر، أو الساقط كما قاله في فتح الباري قال فقط من قوله قال: يا أبا ذر أتبصر؟ قال: وكأن بعض الرواة ظنها مكررة فحذفها ولا بد من إثباتها انتهى. (قال: فنظرت إلى الشمس ما بقي من النهار) قال البرماوي كالكرماني والزركشي والعيني أي أي شيء بقي منه وكأنهم جعلوها استفهامية. قال البدر الدماميني: وليس المعنى عليه إنما المعنى فنظرت إلى الشمس أتعرف القدر الذي بقي من النهار وأنظر الذي بقي منه فهي موصولة (وأنا أرى) بضم الهمزة أي أظن (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرسلني في حاجة له. قلت: نعم) جواب أتبصر أحدًا. (قال: ما أحب أن لي مثل أُحد الجبل المشهور (ذهبًا) مثل اما اسم أن أو حال مقدمة على الخبر وذهبًا تمييز (أنققه) لخاصة نفسي (كله) أي مثل كل أحد ذهبًا (إلا ثلاثة دنانير) قال الكرماني: يحتمل أن هذا المقدار كان دينًا أو مقدار كفاية إخراجات تلك الليلة له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهذا محمول على الأولوية لأن جمع المال وإن كان مباحًا لكن الجامع مسؤول عنه. وفي المحاسبة خطر فكان الترك أسلم، وما ورد من الترغيب في تحصيله وإنفاقه في حقه محمول على من وثق بأنه يجمعه من الحلال الذي يأمن معه من خطر المحاسبة (وإن هؤلاء لا يعقلون) هو من قول أبي ذر عطفًا على قوله لا يعقلون شيئًا الأول وكرره للتأكيد وربط ما بعده به (إنما يجمعون الدنيا) بيان لعدم عقلهم كما مرّ (لا والله) ولأبي ذر عن الكشميهني: ولا الله (لا أسألهم دنيا) أي شيئًا من متاعها بل

5 - باب إنفاق المال في حقه

أقنع بالقليل وأرضى باليسير (ولا أستفتيهم عن دين) اكتفاء بما سمعه من العلم من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى ألقى الله عز وجل) فيه كثرة زهد أبي ذر، وقد كان مذهبه أنه يحرم على الإنسان ادخار ما زاد على حاجته. وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة والقول، ورواته كلهم بصريون، وأخرجه مسلم في الزكاة أيضًا. 5 - باب إِنْفَاقِ الْمَالِ فِي حَقِّهِ (باب إنفاق المال في حقه). 1409 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهْوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا». وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) الزمن البصري قال: (حدّثنا يحيى) القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد واسمه سعد الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد (قيس) هو ابن حازم واسمه عوف الأحمسي البجلي (عن ابن مسعود، رضي الله عنه قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا حسد) لا غبطة (إلا في اثنتين) بالتأنيث أي خصلتين (رجل) بالجر بدل من اثنتين على حذف مضاف. ولأبي ذر: رجل بالرفع على إضمار مبتدأ أي أحدهما رجل (آتاه) بالمد أي أعطاه (الله مالاً فسلطه على هلكته) بفتح اللام وفيه مبالغتان التعبير بالتسليط المقتضي للغلبة وبالهلكة المشعرة بفناء الكل (في الحق) أخرج التبذير الذي هو صرف المال فيما لا ينبغي (ورجل) بالجر، ولأبي ذر: ورجل بالرفع (آتاه الله) أعطاه (حكمة) القرآن أو السنة كما قال الإمام الشافعي في الرسالة (فهو يقضي بها ويعلمها). فإن قلت: كل خير يتمنى مثله شرعًا فما وجه حصر التمني في هاتين الخصلتين؟ أجاب ابن المنير الحصر هنا غير مراد إنما المراد مقابلة ما في الطباع بضده لأن الطباع تحسد على جمع المال وتذم ببذله فبين الشرع عكس الطبع فكأنه قال: لا حسد إلا فيما تذمون عليه ولا مذمة إلا فيما تحسدون عليه، ووجه المؤاخاة بين الخصلتين أن المال يزيد بالإنفاق ولا ينقص لقوله تعالى: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276] ولقوله عليه الصلاة والسلام: "ما نقص مال من صدقة" والعلم يزيد أيضًا بالإنفاق منه وهو التعليم فتواخيا. وهذا الحديث سبق في كتاب العلم في باب الاغتباط. 6 - باب الرِّيَاءِ فِي الصَّدَقَةِ لِقَوْلِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} -إِلَى قَوْلِهِ- {الْكَافِرِينَ}. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- {صَلْدًا}: لَيْسَ عَلَيْهِ شَىْءٌ وَقَالَ عِكْرِمَةُ {وَابِلٌ}: مَطَرٌ شَدِيدٌ. وَ {الطَّلُّ}: النَّدَى. (باب الرياء في الصدقة لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا} ثواب ({صدقاتكم بالمنّ والأذى} إلى قوله: {الكافرين}) [البقرة: 264] ولأبوي ذر والوقت: إلى قوله: {والله لا يهدي القوم الكافرين} (وقال ابن عباس رضي الله عنهما) مما وصله ابن جرير ({صلدًا} ليس عليه شيء. وقال عكرمة): مولى ابن عباس مما وصله عبد بن حميد ({وابل}) [البقرة: 265] (مطر شديد و {الطل} الندى) شبه سبحانه وتعالى الذي يبطل صدقته بالمنّ والأذى بالذي ينفق ماله رئاء الناس لأجل مدحتهم وشهرته بالصفات الجميلة مظهرًا أنه يريد وجه الله، ولا ريب أن الذي يرائي في صدقته أسوأ حالاً من المتصدّق بالمن لأنه معلوم أن المشبه به أقوى حالاً من المشبه، ومن ثم قال تعالى: {وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} [البقرة: 264] ثم ضرب مثل ذلك المرائي بالإنفاق بقوله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ} أي حجر أملس عليه تراب فأصابه مطر كبير القطر فتركه صلدًا أملس نقيًّا من التراب كذلك أعمال المرائين تضمحل عند الله فلا يجد المرائي بالإنفاق يوم القيامة ثواب شيء من نفقته كما لا يحصل النبات من الأرض الصلدة. والضمير في لا يقدرون للذي ينفق باعتبار المعنى لأن المراد به الجنس أو الجمع. أي: ينتفعون بما فعلوا ولا يجدون ثوابه. وفي قوله تعالى: {والله لا يهدي القوم الكافرين} تعريض بأن الرياء والمن والأذى على الإنفاق من صفة الكفار فلا بد للمؤمن أن يجتنبها. 7 - باب لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ، وَلاَ يَقْبَلُ إِلاَّ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ لِقَوْلِهِ: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} هذا (باب) بالتنوين (لا يقبل الله صدقة) ولأبي الوقت: الصدقة (من غلول)، بضم الغين المعجمة في المغنم، وللحموي والكشميهني: لا تقبل الصدقة من غلول بضم أول تقبل وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول وهو طرف من حديث الباب أخرجه مسلم. (ولا يقبل إلا من كسب طيب). هذا للمستملي وحده وهو طرف من حديث الباب (لقوله) تعالى: {ويربي الصدقات} زاد أبو ذر: {قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم} [البقرة: 263]. 8 - باب الصَّدَقَةِ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ لِقَوْلِهِ: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. (باب الصدقة من كسب طيب لقوله {ويربي الصدقات} يكثرها وينميها. وقوله: ويربي بضم أوّله وسكون ثانيه وتخفيف الموحدة كذا التلاوة. وفي نسخة: ويربي بفتح الراء وتشديد

الموحدة ({والله لا يحب}) لا يرتضي ({كل كفار}) مصر على تحليل الحرام ({أثيم}) [البقرة: 276] فاجر بارتكابه ({إن الذين آمنوا}) بالله ورسله وبما جاء منه ({وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة}) عطفهما على الأعم لشرفهما على سائر الأعمال الصالحة ({لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم}) من آت ({ولا هم يحزنون}) [البقرة: 277]، على فائت. ولغير أبي ذر: {ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم} إلى قوله: {ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} قال ابن بطال: لما كانت هذه الآية مشتملة على أن الربا يمحقه الله لأنه حرام دل ذلك على أن الصدقة التي تتقبل لا تكون من جنس الممحوق انتهى. وقال الكرماني: لفظ الصدقات وإن كان أعم من أن يكون من الكسب الطيب ومن غيره لكنه مقيد بالصدقات التي من الكسب الطيب بقرينة سياق ولا تيمموا الخبيث، وبهذا تحصل المناسبة بين قوله: لا تقبل الصدقة إلا من كسب طيب وهذه الآية. والجواب عن قول ابن التين: إن تكثير أجر الصدقة ليس علة لكون الصدقة من كسب طيب وكان الأبين أن يستدل بقوله تعالى: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} [البقرة: 276]. 1410 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ- عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ -وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ- وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي، أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ». تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ. وَقَالَ وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَرَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَسُهَيْلٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 1410 - طرفه في: 7430]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي الوقت: حدّثني (عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون أنه (سمع أبا النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية قال: (حدّثنا عبد الرحمن -هو ابن عبد الله بن دينار- عن أبيه) عبد الله (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من تصدق بعدل تمرة) بمثناة فوقية وسكون الميم العدل عند الجمهور بفتح العين المثل وبالكسر الحمل بكسر الحاء أي بقيمة تمرة (من كسب طيب) حلال (ولا يقبل الله إلا الطيب) جملة معترضة بين الشرط والجزاء تأكيدًا لتقرير المطلوب في النفقة (وإن الله) بالواو، ولأبي الوقت: فإن الله (يتقبلها) بمثناة فوقية بعد التحتية (بيمينه) -قال الخطابي: ذكر اليمين لأنها في العرف لما عز والأخرى لما هان. وقال ابن اللبان: نسبة الأيدي إليه تعالى استعارة لحقائق أنوار علوية يظهر عنها تصرفه وبطشه بدءًا وإعادة، وتلك الأنوار متفاوتة في روح القرب وعلى حسب تفاوتها وسعة دوائرها تكون رتبة التخصيص لما ظهر عنها، فنور الفضل باليمين ونور العدل باليد الأخرى والله سبحانه وتعالى متعالٍ عن الجارحة. وعند البزار من حديث عائشة: فيتلقاها الرحمن بيده. (ثم يربيها لصاحبه) وللكشميهني لصاحبها بمضاعفة الأجر أو المزيد في الكمية (كما يربي أحدكم فلوه) بفتح الفاء وضم اللام وفتح الواو المشددة المهر حين يفطم وهو حينئذ يحتاج إلى تربية غير الأم، والذي في اليونينية: فلوه بفتح الفاء وسكون اللام وفتح الواو (حتى تكون) بالمثناة الفوقية أي حتى تكون التمرة (مثل الجبل) لتثقل في ميزانه أو المراد الثواب. وفي رواية القاسم عند الترمذي: حتى أن اللقمة لتصير مثل أُحد وضرب المثل بالمهر، لأنه يزيد زيادة بينة ولأن الصدقة نتاج العمل وأحوج ما يكون النتاج إلى التربية إذا كان فطيمًا فإذا أحسن العناية به انتهى إلى حد الكمال، وكذلك الصدقة فإن العبد إذا تصدق من كسب طيب لا يزال نظر الله إليها يكسبها نعت الكمال حتى تنتهي بالتضعيف إلى نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما قدّم نسبة ما بين التمرة إلى الجبل قاله في الفتح. (تابعه) أي تابع عبد الرحمن (سليمان) بن بلال (عن ابن دينار) عبد الله وهذه المتابعة ذكرها المصنف في التوحيد لكن بمخالفة يسيرة في اللفظ ووصلها أبو عوانة وغيره (وقال) مما وقع له مذاكرة (ورقاء) بن عمر (عن ابن دينار) عبد الله (عن سعيد بن يسار) بالتحتية والمهملة المخففة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وقد خالف ورقاء عبد الرحمن بن سليمان فجعل شيخ ابن دينار فيه سعيد بن يسار بدل أبي صالح. قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على رواية ورقاء هذه موصولة. وقال العيني: وصلها البيهقي في سننه من رواية أبي النضر هاشم بن القاسم حدّثنا ورقاء. وقال الزين العراقي: رويناه في الجزء الرابع من

9 - باب الصدقة قبل الرد

فوائد أبي بكر الشافعي قال: حدّثنا محمد يعني ابن غالب حدّثنا عبد الصمد حدّثنا ورقاء. وقال الحافظ ابن حجر في كتاب التوحيد من فتحه وقد ذكرت في الزكاة أني لم أقف على رواية ورقاء هذه المعلقة ثم وجدتها بعد ذلك عند كتابتي هنا فقد وصلها البيهقي. (ورواه) أي الحديث المذكور (مسلم بن أبي مريم) السلمي المدني مما وصله القاضي يوسف بن يعقوب في كتاب الزكاة (وزيد بن أسلم وسهيل) مما وصله عنهما مسلم (عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ووقع في رواية أبي ذر بعد قوله في الترجمة ولا تقبل إلا من كسب طيب لقوله قول معروف أي كلام حسن ورد جميل ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني عن إنفاق كل منفق حليم لا يعجل العقوبة، باب فضل الصدقة من كسب، أي مكسوب، والمراد ما هو أعم من تعاطي التكسب فيدخل الميراث وذكر الكسب لأنه الغالب في تحصيل المال طيب حلال لقوله تعالى: {ويربي الصدقات} وذكر بقية الآية والحديث كما سبق، وعزا الحافظ ابن حجر الباب والترجمة للمستملي والكشميهني، وعلى هذا فتخلو ترجمة لا تقبل صدقة من غلول من حديث وتكون كالتي قبلها في الاقتصار على الآية، ولكن تزيد عليها بالإشارة إلى لفظ الحديث الذي في الترجمة كما وقع التنبيه عليه. 9 - باب الصَّدَقَةِ قَبْلَ الرَّدِّ (باب الصدقة قبل الرد) ممن يريد المتصدق أن يتصدق عليه لاستغنائه بما تخرجه الأرض من كنوزها. 1411 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا، فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلاَ يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا، يَقُولُ الرَّجُلُ: لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالأَمْسِ لَقَبِلْتُهَا، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلاَ حَاجَةَ لِي بِهَا». [الحديث 1411 - طرفاه في: 1424، 7120]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا معبد بن خالد) بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة الجدلي بالجيم والدال المهملة المفتوحتين الكوفي القاص بالقاف والصاد المهملة المشددة العابد (قال: سمعت حارثة بن وهب) بالحاء المهملة والمثلثة ووهب بفتح الواو وسكون الهاء الخزاعي أخا عبد الله بن عمر بن الخطاب لأمه رضي الله عنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (تصدقوا فإنه يأتي عليكم زمان يمشي الرجل) فيه (بصدقته) جملة يمشي في محل رفع على أنها صفة لزمان والعائد محذوف أي فيه (فلا يجد من يقبلها. يقول الرجل): الذي يريد المتصدق أن يعطيه الصدقة (لو جئت بها بالأمس) حيث كنت محتاجًا إليها (لقبلتها. فأما اليوم فلا حاجة لي بها) وللمستملي والحموي: فيها. وفي الحديث الحث على الصدقة والإسراع بها. فإن قلت: إن الحديث خرج مخرج التهديد على تأخير الصدقة فما وجه التهديد فيه مع أن الذي لا يجد من يقبل صدقته قد فعل ما في وسعه كما فعل الواجد لمن قبل صدقته؟ والجواب: أن التهديد مصروف لمن أخرها عن مستحقها ومطله بها حتى استغنى ذلك الفقير المستحق فغنى الفقير لا يخلص ذمة الغني المماطل في وقت الحاجة قاله ابن المنير. وهذا الحديث من الرباعيات، ورواته عسقلاني وواسطي وكوفي، وفيه التحديث والسماع والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الفتن، ومسلم في الزكاة. 1412 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ، فَيَفِيضَ، حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيَقُولَ الَّذِي يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ: لاَ أَرَبَ لِي». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) ذكوان (عن عبد الرحمن) بن هرمز الأعرج (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال، قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تقوم الساعة حنى يكثر فيكم المال فيفيض) بفتح المثناة التحتية من فاض الإناء فيضًا إذا امتلأ منصوب عطفًا على الفعل المنصوب (حتى يهم رب المال من يقبل صدقته) بضم الياء وكسر الهاء من أهم والهم الحزن. رب نصب كذا في الفرع وغيره وضبطه الأكثرون على وجهين يهم بفتح أوله وضم الهاء من الهم بفتح الهاء وهو ما يشغل القلب من أمر يهم به، ورب منصوب مفعول يهم، ومن يقبل صدقته في محل رفع على الفاعلية وأسند الفعل إليه لأنه كان سببًا فيما حصل لصاحب المال وبضم الياء وكسر الهاء من أهمه الأمر إذا أقلقه. قال العيني: فعلى هذا أيضًا الإعراب مثل الأول أي في نصب رب على المفعولية لأن كلاًّ من مفتوح الياء ومضمومها متعد. يقال: همه الأمر وأهمه. وقال النووي: ضبطوه بوجهين أشهرهما بضم أوّله وكسر الهاء ورب مفعول والفاعل من يقبل، والمعنى أنه يقلق صاحب المال

ويحزنه أمر من يأخذ منه زكاة ماله لفقد المحتاج لأخذ الزكاة لعموم الغنى لجميع الناس، والثاني بفتح أوّله وضم الهاء من هم بمعنى قصد ورب فاعل ومن مفعول أي يقصده فلا يجده انتهى. ففرقوا بينهما فجعلوا الأول متعديًا من الإهمام ورب مفعولاً والثاني من الهم القصد ورب فاعلاً. وتعقب الزركشي والبرماوي وغيرهما الثاني فقالوا: هذا ليس بشيء إذ يصير التقدير يقصد الرجل من يأخذ ماله فيستحيل وليس المعنى إلا على الأول. وأجاب البدر الدماميني: بأنه لا استحالة أصلاً فإنهم قالوا المعنى أنه يقصد من يأخذ ماله فلا يجده، وإذا لم يجد الإنسان طلبته التي هو حريص عليها فلا شك أنه يحزن ويقلق لفوات مقصوده فعاد هذا إلى المعنى الأول انتهى. ولأبي ذر عن الكشميهني: حتى يهم رب المال من يقبله أي المال صدقة (وحتى يعرضه) بفتح أوله (فيقول الذي يعرضه عليه:) بنصب يقول عطفًا على الفعل المنصوب قبله (لا أرب لي) بفتحات أي لا حاجة لي لاستغنائي عنه. قال الزركشي والكرماني والبرماوي: كأنه سقط من الكتاب كلمة فيه أي بعد قوله "لا أرب لي" قال العيني مشيرًا إلى الكرماني: السقط كأنه كان في نسخته وهو موجود في النسخ انتهى. والظاهر أن النسخ التي وقف عليها العيني ليست معتمدة فقد راجعت أصولاً معتمدة فلم أجدها مع ما هو مفهوم كلام الحافظ ابن حجر أو منطوقه في شرحه لهذا الموضع حيث قال قوله لا أرب لي: زاد في الفتن به فلو كانت ثابتة في الرواية هنا لما احتاج أن يقول زاد في الفتن به، بل قال البدر الدماميني: إن رواة البخاري متفقون على رواية هذا الحديث بدون هذه اللفظة والمعنى عليها في كلام المتكلم يقول: لا أرب لي بحذف الجار والمجرور لقيام القرينة انتهى. وقول البرماوي كالكرماني وغيرهما وقد وجد ذلك في زمن الصحابة كان تعرض عليهم الصدقة فيأبون قبولها يشيرون به إلى نحو حكيم بن حزام إذ دعاه الصديق -رضي الله عنه- ليعطيه عطاء فأبى وعرض عليه عمر بن الخطاب قسمه من الفيء فلم يقبله رواه الشيخان وغيرهما، ولكن هذا إنما كان لزهدهم وإعراضهم عن الدنيا مع قلة المال وكثرة الاحتياج ولم يكن لفيض المال وحينئذ فلا يستشهد به في هذا المقام. 1413 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ أَخْبَرَنَا سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُجَاهِدٍ حَدَّثَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ الطَّائِيُّ قَالَ سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ "كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَهُ رَجُلاَنِ: أَحَدُهُمَا يَشْكُو الْعَيْلَةَ، وَالآخَرُ يَشْكُو قَطْعَ السَّبِيلِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَّا قَطْعُ السَّبِيلِ فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكَ إِلاَّ قَلِيلٌ حَتَّى تَخْرُجَ الْعِيرُ إِلَى مَكَّةَ بِغَيْرِ خَفِيرٍ. وَأَمَّا الْعَيْلَةُ فَإِنَّ السَّاعَةَ لاَ تَقُومُ حَتَّى يَطُوفَ أَحَدُكُمْ بِصَدَقَتِهِ لاَ يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُ. ثُمَّ لَيَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَىِ اللَّهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلاَ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ: أَلَمْ أُوتِكَ مَالاً؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى. ثُمَّ لَيَقُولَنَّ: أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولاً؟ فَلَيَقُولَنَّ: بَلَى. فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ، ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ. فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُمُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ». [الحديث 1413 - أطرافه في: 1417، 3595، 6023، 6539، 6540، 6563، 7443، 7512]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا أبو عاصم النبيل) قال: (أخبرنا سعدان بن بشر) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة الجهني قال: (حدّثنا أبو مجاهد) سعد الطائي قال: (حدّثنا محل بن خليفة) بضم الميم وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام (الطائي قال: سمعت عدي بن حاتم) الطائي (رضي الله عنه) والده الجواد المشهور أسلم سنة تسع أو عشر وتوفي بعد الستين وقد أسن، قيل: بلغ مائة وعشرين، وقيل مائة وثمانين (يقول: كنت عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجاءه رجلان) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرفهما (أحدهما يشكو العيلة) بفتح العين أي الفقر (والآخر يشكو قطع السبيل) أي الطريق من طائفة يترصدون في المكامن لأخذ مال أو لقتل أو ارعاب مكابرة اعتمادًا على الشوكة مع البعد عن الغوث، (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أما قطع السيل فإنه لا ويأتي عليك إلا قليل) بالرفع على البدل (حتى تخرج العير) بكسر العين المهملة وسكون المثناة التحتية الإبل تحمل الميرة (إلى مكة بغير خفير) بفتح الخاء المعجمة وكسر الفاء المجير الذي يكون القوم في خفارته وذمته (وأما العيلة فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه) لاستغنائه عنها (ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله) عز وجل (ليس بينه وبينه حجاب) هذا على سبيل التمثيل وإلاّ فالباري سبحانه وتعالى لا يحيط به شيء ولا يحجبه حجاب، وإنما يستر تعالى عن أبصارنا بما وضع فيها من الحجب للعجز عن الإدراك في الدنيا فإذا كان يوم القيامة كشفها عن أبصارنا وقوّاها حتى نراه معاينة كما نرى القمر ليلة البدر (ولا ترجمان) بفتح التاء وضمها وضم الجيم (يترجم له ثم ليقولن له: ألم أوتك مالاً؟) زاد أبو الوقت: وولدًا (فليقولن: بلى.

10 - باب اتقوا النار ولو بشق تمرة، والقليل من الصدقة

ثم ليقولن: ألم أرسل إليك رسولاً؟ فليقولن: بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار فليتقين أحدكم) بسكون اللام، وزاد أبو ذر عن الكشميهني: (النار)، وفي نسخة: (ولو بشق تمرة) بكسر الشين المعجمة بنصفها (فإن لم يجد) شيئًا يتصدق به على المحتاج (فبكلمة طيبة) يردّه بها ويطيب قلبه ليكون ذلك سببًا لنجاته من النار. وفي هذا الحديث التحديث والأخبار والسماع والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في علامات النبوة والنسائي في الزكاة. 1414 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-. عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ مِنَ الذَّهَبِ ثُمَّ لاَ يَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهَا مِنْهُ، وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً يَلُذْنَ بِهِ، مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي الوقت: حدّثني (محمد بن العلاء) بفتح العين والمد أبو كريب قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الليثى (عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء بن عبد الله (عن) جده (أبي بردة) بضم الباء وسكون الراء عامر أو الحرث بن أبي موسى (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله- عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ليأتين على الناس زمان) قيل هو زمان عيسى عليه الصلاة والسلام (يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب) خصه بالذكر مبالغة في عدم من يقبل الصدقة لأن الذهب أعز الأموال وأشرفها فإذا لم يوجد من يأخذه فغيره بطريق الأولى والقصد عدم حصول القبول مع اجتماع ثلاثة أشياء: طواف الرجل بصدقته، وعرضها على من يأخذها، وكونها من ذهب (ثم لا يجد أحدًا يأخذها منه ويرى الرجل) بضم المثناة التحتية وفتح الراء مبنيًا للمفعول (الواحد) حال كونه (يتبعه أربعون امرأة يلذن به) بضم اللام وسكون الذال المعجمة أي يلتجئن إليه (من قلة الرجال) بسبب كثرة الحروب والقتال الواقع في آخر الزمان لقوله عليه الصلاة والسلام: يكثر الهرج (وكثرة النساء). ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون وأخرجه مسلم بسند البخاري. 10 - باب اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، وَالْقَلِيلِ مِنَ الصَّدَقَةِ {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} الآيَةَ -وَإِلَى قَوْلِهِ- {مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}. هذا (باب) بالتنوين (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، هذا لفظ الحديث. (والقليل من الصدقة) بجر القليل عطفًا على سابقه من عطف العام على الخاص أي اتقوا النار ولو بالقليل من الصدقة ({ومثل الذين ينفقون أموالهم}) شامل للقليل والكثير ({ابتغاء مرضاة الله وتثبيتًا من أنفسهم}) [البقرة: 265] أي: وتثبيت بعض أنفسهم على الإيمان فإن المال شقيق الروح فمن بذل ماله لوجه الله ثبت بعض نفسه، ومن بذل ماله وروحه ثبتها كلها أو تصديقًا وتيقنًا من أصل أنفسهم أن الله سيجزيهم على ذلك، وفيه تنبيه على ذلك، وفيه تنبيه على أن حكمة الانفاق للمنفق تزكية النفس عن البخل وحب المال (الآية) أي إلى آخرها. ومعناها: أن مثل نفقة هؤلاء في الزكاة كمثل جنة خبر المبتدأ الذي هو مثل الذين ينفقون كمثل بستان بموضع مرتفع من الأرض فإن شجره يكون أحسن منظرًا وأزكى ثمرًا أصاب الجنة مطر عظيم القطر فأعطت ثمرتها ضعفين بالنسبة إلى غيرها من البساتين فإن لم يصبها وابل فطل أي فيصيبها مطر صغير القطر أو فطل يكفيها لكرم منبتها وبرودة هوائها لارتفاع مكانها يعني نفقاتهم زاكية عند الله وإن كانت متفاوتة بحسب أحوالهم كما أن الجنة تثمر قل المطر أو كثر، (إلى قوله) تعالى: ({ومن كل الثمرات} [الأعراف: 57] ولأبي ذر: {ومثل الذين ينفقون أموالهم} إلى قوله: {فيها من كل الثمرات} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 15] كأن البخاري أتبع الآية الأولى التي ضربت مثلاً بالربوة بالآية الثانية التي تضمنت ضرب المثل لمن عمل عملاً يفقده أحوج ما كان إليه للإشارة إلى اجتناب الرياء في الصدقة، ولأن قوله تعالى: {والله بما تعملون بصير} [البقرة: 265] يشعر بالوعيد بعد الوعد فأوضحه بذكر الآية الثانية، وكأن هذا هو السر في اقتصاره على بعضها اختصارًا. 1415 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ اليَمَان عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَىْءٍ كَثِيرٍ، فَقَالُوا: مُرَاءٍ. وَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ، فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَاعِ هَذَا. فَنَزَلَتِ {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ} الآيَةَ. [الحديث 1415 - أطرافه في: 1416، 2273، 4668، 4669]. وبالسند قال: (حدّثنا عبيد الله بن سعيد) بتصغير عبد وكسر عين سعيد بن يحيى اليشكري قال: (حدّثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله) ولأبي ذر: هو الحكم بن عبد الله، ولابن عساكر: الحكم هو ابن عبد الله (البصري) قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن أبي وائل) بالهمز شقيق بن سلمة (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري البدري مشهور بكنيته، وجزم

المؤلّف بأنه شهد بدرًا واستخلف مرة على الكوفة وتوفي قبل سنة أربعين أو فيها، وصحح في الإصابة أنه مات بعدها لأنه أدرك إمارة المغيرة على الكوفة. قال: وذلك بعد سنة أربعين قطعًا (-رضي الله عنه- قال: لما نزلت آية الصدقة) هي قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: 103] (كنا نحامل)، بضم النون وبالحاء المهملة أي نحمل الحمل على ظهورنا بالأجرة. قال الخطابي: يريد نتكلف الحمل لنكسب ما نتصدق به، (فجاء رجل) هو عبد الرحمن بن عوف (فتصدق بشيء كثير)، نصف ماله ثمانية آلاف أو أربعة آلاف ذكره الواقدي، وقيل هو عاصم بن عدي وكان تصدق بمائة وسق (فقالوا) أي المنافقون (مراءٍ، وجاء رجل) هو أبو عقيل بفتح العين الأنصاري (فتصدق بصاع)، من تمر وكان قد آجر نفسه على النزع من البئر بالحبل على صاعين فترك صاعًا له وجاء بالآخر (فقالوا) أي المنافقون (إن الله لغني عن صاع هذا فنزلت: {الذين يلمزون} يعيبون ({المطوعين}) أصله المتطوعين فأبدلت التاء طاء وأدغمت التاء في الطاء ({من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم} الآية) [التوبة: 79] أي: طاقتهم مصدر جهد في الأمر إذا بالغ فيه فيسخرون منهم سخر الله منهم جازاهم على سخريتهم ولهم عذاب أليم على كفرهم. وذكر الخطيب في المتفق في ترجمة زيد بن أسلم من طريق مغازي الواقدي من اللامزين معتب بن قشير وعبد الرحمن بن نبتل بنون ومثناة فوقية مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة ثم لام. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول، ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير والزكاة، ومسلم والنسائي في الزكاة، وابن ماجة في الزهد. 1416 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ انْطَلَقَ أَحَدُنَا إِلَى السُّوقِ فَتَحَامَلَ، فَيُصِيبُ الْمُدَّ، وَإِنَّ لِبَعْضِهِمُ الْيَوْمَ لَمِائَةَ أَلْفٍ". وبه قال: (حدّثنا سعيد بن يحيى) البغدادي قال: (حدّثنا أبي) يحيى بن سعيد بن أبان قال: (حدّثنا الأعمش) سلمان بن مهران (عن شقيق) أبي وائل بن سلمة (عن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أمرنا بالصدقة انطلق أحدنا إلى السوق فيحامل) بضم المثناة التحتية وكسر الميم وضم اللام فعلاً مضارعًا، ولغير أبي ذر: فتحامل بفتح المثناة الفوقية والميم واللام فعلاً ماضيًا أي تكلف الحمل بالأجرة ليكسب ما يتصدق به (فيصيب المدّ) في مقابلة أجرته فيتصدق به (وإن لبعضهم اليوم لمائة ألف) من الدراهم أو الدنانير أو الأمداد فلا يتصدق، واسم إن قوله لمائة والجار والمجرور خبرها فصل بينهما بالظرف وهو متعلق بالظرف المستقر الذي هو الخبر أو بالعامل فيه على الخلاف. وحكى الزركشي رفع لمائة وبيض لتوجيهه: ووجهه البرماوي بأن اسم أن ضمير الشأن ولمائة مبتدأ خبره لبعضهم والجملة خبر إن أي نحو قوله: إن من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون، لكن قال البدر الدماميني: يمنع منه اقتران المبتدأ بلام الابتداء وهي مانعة من تقدم الخبر على المبتدأ المقرون بها ودعوى زيادتها ضعيف جدًّا انتهى. 1417 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْقِلٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سمعت عبد الله بن معقل) بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف أبا الوليد المزني (قال: سمعت عدي بن حاتم) الطائي (-رضي الله- عنه قال: سمعت رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (اتقوا النار ولو) كان الاتقاء (بشق تمرة) واحدة فإنه يفيد والشق بكسر الشين المعجمة أي نصفها أو جانبها فلا يحقر الإنسان ما يتصدق به وإن كان يسيرًا فإنه يستر المتصدق به من النار. 1418 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا تَسْأَلُ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْنَا، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَىْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ". [الحديث 1418 - طرفه في: 5995] وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة السجستاني المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن) ابن شهاب (الزهري قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي بكر بن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت امرأة) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسمها ولا ابنتيها (معها ابنتان) كائنتان (لها) في موضع

11 - باب أي الصدقة أفضل وصدقة الشحيح الصحيح

رفع صفة لابنتان حال كونها (تسأل) عطاء (فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة) واحدة (فأعطيتها إياها) لم تردّها خائبة وهي تجد شيئًا امتثالاً لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها: "لا يرجع سائل من عندك ولو بشق تمرة". رواه البزار من حديث أبي هريرة (فقسمتها) السائلة (بين ابنتيها ولم تأكل منها) شيئًا لما جعل الله في قلوب الأمهات من الرحمة، (ثم قامت فخرجت فدخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علينا فأخبرته) بسكون الراء بشأن السائلة (فقال): (من ابتلي) وفي رواية أبي ذر: فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من ابتلى (من هذه البنات) الإشارة إلى أمثال من ذكر الفاقة أو إلى جنس البنات مطلقًا (بشيء) من أحوالهن أو من أنفسهن وسماه ابتلاء لموضع الكراهة لهن (كن له سترًا) لم يقل أستارًا بالجمع لأن المراد الجنس المتناول للقليل والكثير أي حجابًا (من النار) ومناسبة الحديث للترجمة قال ابن المنير وتبعه كثير من الشراح من جهة أم البنتين لأنها لما قسمت التمرة بينهما فقد تصدقت على كل واحدة بشق تمرة. وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حقها كلامًا عامًّا تندرج فيه حيث قال: "من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له سترًا من النار" لكن تعقبه في المصابيح بأن المؤلّف لم ليدخل تحت عهدة الاستدلال بهذا الحديث بعينه على أن الصدقة بشق التمرة تقي من النار حتى يتكلف له مثل هذا فإنه عقد الباب للأمر باتقاء النار ولو بشق تمرة وللقليل من الصدقة وقد وفى بالأمرين معًا. فحديث ابن معقل فيه اتقاء النار ولو بشق تمرة، وحديث عائشة رضي الله عنها فيه الأصدقة بالشيء القليل. كما أن في الأحاديث المتقدمة الإشارة إلى القليل من الصدقة فأي حاجة بعد ذلك إلى التكلف، وليس في حديث عائشة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تعرض إلى فعلته من قسم التمرة بين البنتين، وإنما فيه الأخبار بأن الابتلاء بشيء من البنات سبب من الستر من النار على أن ما قاله محتمل، ويحتمل أيضًا أن يكون حديث عائشة مشوقًا للأمرين معًا لقضية بالقليل وهو ما فعلته عائشة من التصدق بالتمرة ولاتقاء النار ولو بشق تمرة وهو ما فعلته أم البنتين. وفي هذا الحديث التحديث والأخبار والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في الأدب وكذا مسلم، وأخرجه أيضًا الترمذي في البر وقال: حسن صحيح. 11 - باب أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ وَصَدَقَةُ الشَّحِيحِ الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المنافقون: 10] الآيَةَ. وَقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ} [البقرة: 254] الآيَةَ. هذا (باب) بالتنوين (أي الصدقة) من الصدقات (أفضل) وأعظم أجرًا (وصدقة الشحيح) صفة مشبهة من الشح وهو بخل مع حرص (الصحيح) الذي لم يعتره مرض مخوف ينقطع عنده أمله من الحياة (لقوله) تعالى: ({وأنفقوا مما رزقناكم}) من بعض أموالكم ادخارًا للآخرة ({من قبل أن يأتي أحدكم الموت}) [المنافقون: 10] أي يرى دلائله وفي بعض الأصول إلى خاتمتها بدل قوله الآية. (وقوله) تعالى: ({يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم}) ما وجب عليكم إنفاقه أو الانفاق في سبيل الخير مطلقًا ({من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه}) [البقرة: 254] أي من قبل أن يأتي يوم لا تقدرون فيه على تحصيل ما فرّطتم إذ لا بيع فيه فتحصلون ما تنفقون أو تفتدون به من العذاب ولا خلة حتى تعينكم عليه أخلاؤكم ولا شفاعة إلا لمن أذن له الرحمن حتى تتكلوا على شفعاء تشفع لكم في حط ما في ذممكم، فمناسبة الآية للترجمة كما نبه عليه ابن المنير من حيث إن الآية معناها التحذير من التسويف بالانفاق استبعادًا لحلول الأجل واشتغالاً بطول الأمل والترغيب في المبادرة بالصدقة قبل هجوم المنية وفوات الأمنية. ووقع في رواية أبي ذر باب: فضل صدقة الشحيح الصحيح فأسقط الجملة الأولى المسوقة بصيغة الاستفهام المؤذن بالتردد ثم إنه في رواية أبي ذر قدم آية البقرة على آية المنافقون فقال لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ} إلى {الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254] وَ {أَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} [المنافقون: 10]. 1419 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلاَنٍ كَذَا وَلِفُلاَنٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ". [الحديث 1419 - طرفه في: 2748]. وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا عمارة بن القعقاع) بضم العين وتخفيف

- باب-

الميم والقعقاع بقافين مفتوحتين بينهما عين ساكنة آخره عين مهملتين قال: (حدّثنا أبو زرعة) هرم قال: (حدّثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه. قيل يحتمل أن يكون أبا ذر لأنه ورد في مسند أحمد أنه سأل أي الصدقة أفضل وكذا عند الطبراني، لكنه أجيب جهد من مقل أو سر إلى فقير (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال): أعظم الصدقة: (أن تصدق) بتخفيف الصاد وحذف إحدى التاءين أو بإبدال إحدى التاءين صادًا وإدغامها في الصاد وهي في موضع رفع خبر المبتدأ المحذوف (وأنت صحيح) جملة اسمية حالية (شحيح) حال كونك (تخشى الفقر وتأمل الغنى) بضم الميم أي تطمع في الغنى لمجاهدة النفس حينئذ على إخراج المال مع قيام المانع وهو الشح إذ فيه دلالة على صحة القصد وقوة الرغبة في القربة (ولا تمهل) بالجزم على النهي أو بالنصب عطفًا على أن تصدق أو بالرفع وهو الذي في اليونينية (حتى إذا بلغت) الروح أي قاربت (الحلقوم) بضم الحاء المهملة مجرى النفس عند الغرغرة (قلت: لفلان كذا ولفلان كذا)، كناية عن الموصى له والموصى به فيهما (وقد كان لفلان) أي وصار ما أوصى به للوارث فيبطله إن شاء إذا زاد على الثلث أو أوصى به لوارث آخر. والمعنى تصدق في حال صحتك واختصاص المال بك وشح نفسك بأن تقول لا تتلف مالك لئلا تصير فقيرًا لا في حال سقمك وسياق موتك لأن المال حينئذ خرج منك وتعلق بغيرك. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الوصايا، ومسلم والنسائي في الزكاة. - باب- هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة فهو كالفصل من سابقه وهو ساقط في رواية أبي ذر فالحديث عنده من الترجمة السابقة. 1420 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها "أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْنَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّنَا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا؟ قَالَ: أَطْوَلُكُنَّ يَدًا. فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا. فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ، وَكَانَتْ أَسْرَعَنَا لُحُوقًا بِهِ، وَكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ". وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء آخره سين مهملة ابن يحيى الخارفي بالخاء المعجمة والراء والفاء المكتب (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة رضي الله عنها أن بعض أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلن) الضمير للبعض الغير العين، لكن عند ابن حبان من طريق يحيى بن حماد عن أبي عوانة بهذا الإسناد عن عائشة قالت فقلت: (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أينا أسرع بك لحوقًا) نصب على التمييز أي يدركك بالموت. وأينا: بضم التحتية المشددة بغير علامة التأنيث لقول سيبويه فيما نقله عنه الزمخشري في سورة لقمان أنها مثل كل في أن لحاق التاء لها غير فصيح وجملة أينا أسرع مبتدأ وخبر (قال): عليه الصلاة والسلام: (أطولكن) بالرفع خبر مبتدأ محذوف دل عليه السؤال أي أسرعكن لحوقًا بي أطولكن (يدًا) نصب على التمييز وكان القياس أن يقول طولاكن بوزن فعلى لأن في مثله يجوز الإفراد والمطابقة لن أفعل التفضيل له (فأخذوا قصبة يذرعونها) بالذال المعجمة أي يقدّرونها بذراع كل واحدة كي يعلمن أيهن أطول جارحة، والضمير في قوله: فأخذوا ويذرعون راجع لمعنى الجمع لا لفظ جماعة النساء وإلا لقال: فأخذن قصبة يذرعنها أو عدل إليه تعظيمًا لشأنهن كقوله: وكانت من القانتين، وكقوله: وإن شئت حرمت النساء سواكم (فكانت سودة) بفتح السين بنت زمعة كما زاده ابن سعد (أطولهن يدًا) من طريق المساحة (فعلمنا بعد) أي بعد أن تقرر كون سودة أطولهن يدًا بالساحة (أنما) بفتح الهمزة لكونه في موضع المفعول لعلمنا (كانت طول يدها الصدقة) اسم كان وطول يدها خبر مقدم أي علمنا أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يرد باليد العضو وبالطول طولها بل أراد العطاء وكثرته، فاليد هنا استعارة للصدقة والطول ترشيح لها لأنه ملائم للمستعار منه (وكانت أسرعنا لحوقًا به) عليه الصلاة والسلام، (وكانت تحب الصدقة) واستشكل هذا بما ثبت من تقدم موت زينب وتأخر سودة بعدها. وأجاب ابن رشيد: بأن عائشة لا تعني سودة بقولها فعلمنا بعد أي بعد أن أخبرت عن سودة بالطول الحقيقي

12 - باب صدقة العلانية

ولم تذكر سببًا للرجوع عن الحقيقة إلى المجاز إلا الموت فتعين الحمل على المجاز انتهى. وحينئذٍ فالضمير في وكانت في الموضعين عائد على الزوجة التي عناها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله: أطولكن يدًا وإن كانت لم تذكر إذ هو متعين لقيام الدليل على أنها زينب بنت جحش كما في مسلم من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة بلفظ: فكانت أطولنا يدًا زينب بنت جحش لأنها كانت تعمل وتصدّق مع اتفاقهم على أنها أولهن موتًا، فتعين أن تكون هي المرادة وهذا من إضمار ما لا يصلح غيره كقوله تعالى: {حتى توارت بالحجاب} [ص: 32] وعلى هذا فلم تكن سودة مرادة قطعًا وليس الضمير عائدًا عليها، لكن يعكر على هذا ما وقع من التصريح بسودة عند المؤلّف في تاريخه الصغير عن موسى بن إسماعيل بهذا السند بلفظ: فكانت سودة أسرعنا، وقول بعضهم: إنه يجمع بين روايتي البخاري ومسلم بأن زينب لم تكن حاضرة خطابه عليه الصلاة والسلام بذلك، فالأوّلية لسودة باعتبار من حضر إذ ذاك معارض بما رواه ابن حبان من رواية يحيى بن حماد أن نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اجتمعن عنده فلم يغادر منهن واحدة. وأجاب الحافظ ابن حجر بأنه يمكن أن يكون تفسيره بسودة من أبي عوانة لكون غيرها لم يتقدم له ذكر لأن ابن عيينة عن فراس قد خالفه في ذلك. وروى يونس بن بكير في زيادة المغازي والبيهقي في الدلائل بإسناده عنه عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي التصريح بأن ذلك لزينب، لكن قصر زكريا في إسناده فلم يذكر مسروقًا ولا عائشة ولفظه: فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يدًا في الخير والصدقة ويؤيده ما رواه الحاكم في المناقب من مستدركه ولفظه قالت عائشة فكنا إذا اجتمعنا في بيت احدانا بعد وفاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نمد أيدينا في الجدار نتطاول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش وكانت امرأة قصيرة ولم تكن أطوّلنا فعرفنا حينئذٍ أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما أراد بطول اليد الصدقة، وكانت زينب امرأة صناعة باليد تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله. قال الحاكم على شرط مسلم وهي رواية مفسرة مبينة مرجحة لرواية عائشة بنت طلحة في أمر زينب. وروى ابن أبي خيثمة من طريق القاسم بن معن قال: كانت زينب أول نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحوقًا به فهذه روايات يعضد بعضها بعضًا ويحصل من مجموعها أن في رواية أبي عوانة وهمًا. 12 - باب صَدَقَةِ الْعَلاَنِيَةِ وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً) إِلَى قَوْلِهِ (وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 274]. (باب صدقة العلانية وقوله عز وجل) بالجر عطفًا على سابقه {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراًّ وعلانية} إلى قوله: {ولا هم يحزنون} [البقرة: 274] أي يعمرون الأوقات والأحوال بالخيرات. وروى عبد الرزاق بسند فيه ضعف أنها نزلت في علي بن أبي طالب كان عنده أربعة دراهم فأنفق بالليل واحدًا وبالنهار واحدًا وفي السر واحدًا وفي العلانية واحدًا. وأخرج ابن أبي حاتم من حديث أبي أمامة أنها نزلت في الخيل التي يربطونها في سبيل الله ولم يذكر حديثًا وكأنه لم ير فيه شيئًا على شرطه، وسقطت هذه الترجمة للمستملي. 13 - باب صَدَقَةِ السِّرِّ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ». وَقَولِهِ: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] الآية. (باب صدقة السر. وقال أبو هريرة رضي الله عنه) مما وصله المؤلّف من حديث في باب: من جلس في المسجد ينتظر الصلاة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ورجل) الواو حكاية لعطفه على ما ذكر قبله في الحديث (تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت) وللكشميهني ما تنفق (يمينه) وهذا كما قاله ابن بطال مثال ضربه عليه الصلاة والسلام في المبالغة في الاستتار بالصدقة لقرب الشمال من اليمين، وإنما أراد أن لو قدر أن لا يعلم من يكون على شماله من الناس نحو: {واسأل القرية} [يوسف: 82] لأن الشمال لا توصف بالعلم فهو من مجاز الحذف وألطف منه ما قاله ابن المنير أن يراد لو أمكن أن يخفي صدقته عن نفسه لفعل فكيف لا يخفيها عن غيره؟ والإخفاء عن النفس يمكن باعتبار وهو أن يتغافل المتصدق عن الصدقة ويتناساها حتى ينساها وهذا ممدوح الكرام شرعًا وعرفًا. (وقوله) عز وجل: ({إن تبدوا الصدقات فنعما هي}) فنعم شيئًا إبداؤها ({وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء}) أي تعطوها مع الإخفاء ({فهو خير لكم}) [البقرة: 271] فالإخفاء خير لكم وهذا في التطوع ولمن لم يعرف بالمال فإن إبداء

14 - باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم

الفرض لغيره أفضل لنفي التهم، ولغير أبي ذر: وقال الله تعالى: {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} ولم يذكر هنا حديثًا إلا المعلق فقط. وروى ابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله تعالى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي} [البقرة: 271] نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. أما عمر فجاء بنصف ماله حتى دفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما خلفت وراءك لأهلك يا عمر؟ لما قال: خلفت لهم نصف مالي، وأما أبو بكر فجاء بماله كله فكاد أن يخفيه من نفسه حتى دفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما خلفت وراءك يا أبا بكر؟ " فقال: عدة الله وعدة رسوله فبكى عمر وقال: بأبي أنت يا أبا بكر والله ما سبقنا إلى باب خير قط إلا كنت سابقنا. 14 - باب إِذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ هذا (باب) بالتنوين (إذا تصدق) رجل (على) آخر (غني وهو) أي والحال أنه (لا يعلم) أنه غني فصدقته مقبولة، وسقط لفظ باب في رواية أبي ذر وقال عقب قوله في السابق {فهو خير لكم} الآية وإذا تصدق بواو العطف. 1421 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَىْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، عَلَى زَانِيَةٍ، لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَىْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى غَنِيٍّ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، عَلَى سَارِقٍ، وَعَلَى زَانِيَةٍ وَعَلَى غَنِيٍّ. فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ عَلَى سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ، فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ». وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) ذكوان السمان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (قال رجل) من بني إسرائيل كما عند أحمد من طريق ابن لهيعة عن الأعرج (لأتصدقن بصدقة) هو من باب الالتزام كالنذر مثلاً والقسم فيه مقدر كأنه قال والله لأتصدقن، وزاد في رواية أبي عوانة عن أبي أمية عن أبي اليمان بهذا الإسناد الليلة وكررها في المواضع الثلاثة: وكذا مسلم من طريق موسى بن عقبة، وبذلك تحصل المطابقة بين الحديث وترجمته بصدقة السر على رواية أبي ذر، إذ لو كانت جهزًا لما خفي عليه حال الغني لأنه في الغالب لا يخفى بخلاف الآخرين (فخرج بصدقته) ليضعها في يد مستحق (فوضعها في يد سارق) وهو لا يعلم أنه سارق (فأصبحوا) أي القوم الذين فيهم هذا المتصدق (يتحدثون) في موضع نصب خبر أصبح (تصدق) أي الليلة (على سارق) بضم التاء والصاد مبنيًا للمفعول اخبار بمعنى التعجب أو الإنكار ولابن لهيعة على فلان السارق (فقال): المتصدق (اللهم لك الحمد)، على تصدقي على سارق حيث كان ذلك بإرادتك لا بإرادتي، فإن إرادتك كلها جميلة ولا يحمد على المكروه سواك وقدّم على المبتدأ في قوله: لك الحمد للاختصاص (لأتصدقن) الليلة (بصدقة) على مستحق (فخرج بصدقته) ليضعها في يد مستحق (فوضعها في يد) امرأة (زانية فأصبحوا) أي بنو إسرائيل (يتحدثون تصدق) مبنيًا للمفعول (الليلة على) امرأة (زانية فقال): المتصدق: (اللهم لك الحمد) على تصدقي (على) امرأة (زانية) حيث كان بإرادتك (لأتصدقن) الليلة (بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غنيّ فأصبحوا يتحدثون: تصدق) الليلة (على غني فقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني) زاد الطبراني: فساءه ذلك (فأتي) في منامه (فقيل له: أما صدقتك) زاد أبو أمية: فقد قبلت فأما (على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها) بالقصر كذا في الفرع وغيره. وقال ابن التين: رويناه بالمد، وعند أبي ذر بالقصر. قال الجوهري: بالقصر لأهل الحجاز، قال تعالى: {ولا تقربوا الزنا} [الإسراء: 32] والمد لأهل نجد. قال الفرزدق: أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه ... ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا (وأما الغني فلعله يعتبر، فينفق) بالرفع فيهما، ولأبي ذر: أن يعتبر فينفق (مما أعطاه الله) وفيه: أن الصدقة كانت عندهم مختصة بأهل الحاجات من أهل الخير، ولهذا تعجبوا من الصدقة على هؤلاء وأن نيّة المتصدق إذا كانت صالحة قبلت صدقته ولو لم تقع الموقع واستحباب إعادة الصدقة إذا لم تقع الموقع وهذا في صدقة التطوّع، أما الواجبة، فلا تجزئ على غني وإن ظنه فقيرًا خلافًا لأبي حنيفة

15 - باب إذا تصدق على ابنه وهو لا يشعر

ومحمد حيث قالا تسقط ولا تجب عليه الإعادة. وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في الزكاة. 15 - باب إِذَا تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ هذا (باب) بالتنوين (إذا تصدق) الشخص (على ابنه وهو لا يشعر) أنه ابنه جاز لأنه يصير لعدم شعوره كالأجنبي. فإن قلت: لمَ عبَّر هنا بنفي الشعور وفيما سبق بنفي العلم؟ أجيب: بأن المتصدق فيما سبق بذل وسعه في طلب إعطاء الفقير فأخطأ اجتهاده فناسب أن ينفي عنه العلم وهنا باشر ذلك غيره فناسب أن ينفي عن صاحب الصدقة الشعور قالة في فتح الباري. 1422 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ حَدَّثَنَا أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ أَنَّ مَعْنَ بْنَ يَزِيدَ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ قَالَ: "بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَا وَأَبِي وَجَدِّي، وَخَطَبَ عَلَىَّ فَأَنْكَحَنِي وَخَاصَمْتُ إِلَيْهِ. وَكَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا، فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ. فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لَكَ مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قال: (حدّثنا أبو الجويرية) بضم الجيم مصغرًا حطان بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين آخره نون ابن خفاف بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاء الأولى الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء (أن معن بن يزيد) بفتح الميم وسكون العين المهملة آخره نون، ويزيد من الزيادة السلمي بضم السين الصحابيّ (-رضي الله عنه- حدثه قال: بايعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنا وأبي) يزيد الصحابي (وجدّي) الأخنس الصحابي ابن حبيب السلمي (وخطب عليّ) عليه الصلاة والسلام من الخطبة بكسر الخاء أي طلب من ولي المرأة أن يزوّجها مني (فانكحني) أي طلب ليس النكاح فأجبته (وخاصمت إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال الزركشي والبرماوي: كأنه سقط هنا من البخاري ما ثبت في غيره وهو فأفلجني بالجيم يعني حكم لي أي أظفرني بمرادي. يقال: فلج الرجل على خصمه إذا ظفر به (وكان أبي يزيد) بالرفع عطف بيان لأبي (أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها) أي الدنانير (عند رجل في المسجد) لم يعرف اسمه الحافظ ابن حجر وأذن له أن يتصدق بها على المحتاج إليها إذنًا مطلقًا (فجئت فأخذتها) من الرجل الذي أذن له في التصدق بها باختيار منه لا بطريق الغصب (فأتيته بها) أي أتيت أبي بالصدقة (فقال: والله ما إياك أردت) على الخصوص بالصدقة بل أردت عموم الفقراء أي من غير حجر على الوكيل أن يعطي الولد وقد كان الولد فقيرًا (فخاصمته) يعني أباه وهذه المخاصمة تفسير لخاصمت الأول (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: لك ما نويت) من أجر الصدقة (يا يزيد) لأنك نويت الصدقة على محتاج وابنك محتاج (ولك ما أخذت يا معن) لأنك أخذت محتاجًا إليها وإنما أمضاها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه دخل في عموم الفقراء المأذون للوكيل في الصرف إليهم وكانت صدقة تطوّع. وهذا الحديث من افراد البخاري رحمه الله. 16 - باب الصَّدَقَةِ بِالْيَمِينِ (باب) مشروعية (الصدقة باليمين). 1423 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر العمري (قال: حدّثني) بالإفراد (خُبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأولى مصغرًا أبو الحرث الأنصاري خال عبيد الله السابق (عن حفص بن عاصم) هو ابن عمر بن الخطاب وجدّ عبيد الله المذكور لأبيه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (سبعة) أي من الأشخاص ليدخل النساء فيما يمكن أن يدخلن فيه شرعًا فلا يدخلن في الإمامة العظمى ولا في ملازمة المسجد لأن صلاتهن في بيتهن أفضل. نعم، يمكن أن يكن ذوات عيال فيعدلن فيدخلن في الإمامة كغيرها مما سيذكر إن شاء الله تعالى، وحينئذٍ فالتعبير بالرجال لا مفهوم له كمفهوم العدد بالسبعة، فقد روى الاظلال لذي خصال أخر كثيرة غير هذه أفردها شيخنا الحافظ أبو الخير السخاوي في جزء فبلغت مع هذه السبعة اثنتين وتسعين بتقديم الفوقية على المهملة. وقوله: سبعة مبتدأ خبره (يظلهم الله تعالى في ظله) إضافة الظل إليه سبحانه وتعالى إضافة تشريف كناقة الله والله تعالى منزه عن الظل إذ هو من خواص الأجسام فالمراد ظل عرشه كما في حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن، وقيل ظل طوبى أو ظل الجنة وهذا يردّه قوله: (يوم لا ظل إلا ظله): فإن المراد يوم القيامة، وظل طوبى أو الجنة إنما يكون بعد الاستقرار فيها وهذا عام، والحديث

يدل على امتياز هؤلاء على غيرهم وذلك لا يكون في غير القيامة حين تدنو الشمس من الخلق ويأخذهم العرق ولا ظل ثم إلا للعرش وهذه السبعة أولهم: (إمام عدل) بسكون الدال يقال رجل عدل ورجال عدل وامرأة عدل وهو الذي يضع الشيء في محله والجامع للكمالات الثلاث الحكمة والشجاعة والعفة التي هي أوساط القوى الثلاثة العقلية والغضبية والشهوانية أو هو المطيع لأحكام الله والمراد به كل من له نظر في شيء من أمور المسلمين من الولاة والحكام. ولابن عساكر: إمام عادل اسم فاعل من عدل فهو عادل (و) الثاني (شاب نشأ في عبادة الله) لأن عبادته أشق لغلبة شهوته وكثرة الدواعي له على طاعة الهوى. وزاد حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر فيما أخرجه الجوزقي حتى توفي على ذلك، وفي حديث سلمان أفنى شبابه ونشاطه في عبادة الله (و) الثالث (رجل قلبه معلق في المساجد) أي بها من شدة حبه لها وإن كان خارجًا عنها وهو كناية عن انتظاره أوقات الصلاة فلا يصلّي صلاة ويخرج منه إلا وهو ينتظر وقت صلاة أخرى حتى يصلّى فيه (و) الرابع (رجلان تحابا في الله) لا لغرض دنيوي (اجتمعا عليه) أي على الحب في الله (وتفرّقا عليه) فلم يقطعهما عارض دنيوي سواء اجتمعا حقيقة أم لا حتى فرقهما الموت (و) الخامس (رجل دعته) طلبته (امرأة ذات منصب) بكسر الصاد أي صاحبة نسب شريف (وجمال) إلى نفسها للزنا أو للتزوج بها فخاف أن يشتغل عن العبادة بالاكتساب لها، أو خاف أن لا يقوم بحقها لشغله بالعبادة عن التكسب بما يليق بها والأول أظهر كما يدل عليه السياق (فقال): بلسانه أو بقلبه ليزجر نفسه (إني أخاف الله و) السادس (رجل تصدق بصدقة) تطوّعًا (فأخفاها حتى لا تعلم شماله) بنصب ميم تعلم نحو سرت حتى تغيب الشمس ويجوز رفعها نحو: مرض زيد حتى لا يرجونه علامة الرفع ثبوت النون وشماله بالرفع على الفاعلية لقوله لا تعلم (ما تنفق يمينه) جملة في محل نصب على المفعولية أي: لو قدّرت الشمال رجلاً متيقطًا لما علم صدقة اليمين للمبالغة في الإخفاء وصوّر بعضهم إخفاء الصدقة بأن يتصدق على الضعيف في صورة المشتري منه فيدفع له مثلاً درهمًا فيما يساوي نصف درهم فالصورة مبايعة والحقيقة صدقة، وأنبئت عن بعضهم أنه كان يطرح دراهمه في المسجد ليأخذها المحتاج والله الموفق (و) السابع (رجل ذكر الله خاليًا) من الناس أو من الالتفات إلى غير المذكور تعالى وإن كان في ملأ (ففاضت) أي سألت (عيناه) أسند الفيض إلى العين مع أن الفائض هو الدمع لا العين مبالغة لأنه يدل على أن العين صارت دمعًا فياضًا، ثم إن فيضها كما قاله القرطبى يكون بحسب حال الذاكر وما ينكشف له ففي أوصاف الجلال يكون البكاء من خشية الله كما في رواية زيد بن حماد عند الجوزقي بلفظ: ففاضت عيناه من خشية الله وفي أوصاف الجمال يكون شوقًا إليه تعالى. وفي جزء بِيبَى الهرثمية من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة زيادة خصلة ثامنة وهي: ورجل كان في سرية مع قوم فلقوا العدوّ فانكشفوا فحمى آثارهم. وفي لفظ: أدبارهم حتى نجوا ونجا أو استشهد. وفي شعب البيهقى من طريق أبي صالح عن أبي هريرة تاسعة وهي: ورجل تعلم القرآن في صغره فهو يتلوه في كبرهِ. ولعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد لأبيه عن سلمان عاشرة وحادية عشرة: ورجل يراعي الشمس لمواقيت الصلاة، ورجل إن تكلم تكلم بعلم وإن سكت سكت عن حلم. قال شيخنا: إن ثبت عن سلمان كان له حكم الرفع فمثله لا يقال رأيًا. وفي كامل ابن عدي عن أنس مرفوعًا ثانية عشرة: رجل تاجر اشترى وباع فلم يقل إلا حقًا. وفي مسلم عن أبي اليسر رفعه ثالثة عشرة ورابعة عشرة: من أنظر معسرًا أو وضع له وسبقا في باب من جلس في المسجد من كتاب الصلاة. ولعبد الله بن أحمد في زوائد المسند عن عثمان رفعه خامسة عشرة: أو ترك لغارم. وفي الأوسط عن شداد بن أوس عن أبيه سادسة

عشرة: من أنظر معسرًا أو تصدق عليه. وفي الأوسط أيضًا عن جابر سابعة عشرة: أو أعان أخرق أي الذي لا صناعة له ولا يقدر أن يتعلم صنعة. وعند أحمد والحاكم في صحيحه وعبد وابن أبي شيبة عن سهل بن حنيف ثامنة وتاسعة عشرة والعشرون: من أعان مجاهدًا في سبيل الله، أو غارمًا في عسرته، أو مكاتبًا في رقبته. وعند الضياء في المختارة عن عمر بن الخطاب الحادية والعشرون: من أظل رأس غاز. وعند أبي القاسم التيمي في الترغيب له عن جابر بن عبد الله الثانية والثالثة والرابعة والعشرون: الوضوء على المكاره، والمشي إلى المساجد في الظلم، وإطعام الجائع. ومعنى الوضوء على المكاره أن يكره الرجل نفسه على الوضوء كما في شدة البرد. وعند الطبراني عن جابر الخامسة والعشرون: من أطعم الجائع حتى يشبع. وعند الشيخ في الثواب عن عليّ رفعه السادسة والعشرون: أن سيد التجار رجل لزم التجارة التي دل الله عز وجل عليها من الإيمان بالله ورسله وجهاد في سبيله فمن لزم البيع والشراء فلا يذم إذا اشترى ولا يحمد إذا باع وليصدق الحديث ويؤدّ الأمانة ولا يتمن للمؤمنين الغلاء، فإذا كان كذلك كان كأحد السبعة الذين في ظل العرش وسنده ضعيف. وفي الأوسط عن أبي هريرة مرفوعًا السابعة والعشرون: أوحى الله تعالى إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام يا خليلي حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار وإن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله تحت عرشي وأسقيه من حظيرة قدسي وأدنيه من جواري. وفي الأوسط عن جابر مرفوعًا الثامنة والعشرون والتاسعة والعشرون: من كفل يتيمًا أو أرملة. وعند أحمد عن عائشة مرفوعًا الثلاثون والحادية والثانية والثلاثون ولفظه: "أتدرون من السابق إلى ظل الله يوم القيامة" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم" وفي سنده ابن لهيعة. وعند ابن شاهين في الترغيب له عن أبي ذر رفعه الثالثة والرابعة والثلاثون: وصلّ على الجنائز لعل ذلك يحزنك فإن الحزين في ظل الله. وعند ابن شاهين عن أبي بكر رفعه: الوالي العادل ظل الله فمن نصحه في نفسه وفي عباد الله أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. وعند أبي بكر بن لال وأبي الشيخ في الثواب عن أبي بكر رفعه الخامسة والثلاثون: من أراد أن يظله الله بظله فلا يكن على المؤمنين غليطًا وليكن بالمؤمنين رحيمًا. وعند الدارقطني في الأفراد وابن شاهين في الترغيب عن أبي بكر أيضًا السادسة والثلاثون: من يصبّر الثكلى، ولفظه عند ابن السني: من عزى الثكلى. وعند ابن أبي الدنيا السابعة والثامنة والثلاثون، ولفظه عن فضيل بن عياض قال: بلغني أن موسى عليه الصلاة والسلام قال: أي رب من تظل تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك؟ قال: يا موسى الذين يعودون المرضى ويشيعون الهلكى. وفي الفوائد الكنجروذيات تخريج أبي سعيد السكري عن عليّ بن أبي طالب مرفوعًا التاسعة والثلاثون: شيعة عليّ ومحبوه وهو حديث ضعيف. وفي فوائد العيسوي الأربعون والحادية والثانية والأربعون ولفظه عن أبي الدرداء عن موسى عليه الصلاة والسلام قال: يا رب من يساكنك في حظيرة القدس ومن يستظل بظلك يوم لا ظل إلا ظلك؟ قال: أولئك الذين لا ينظرون بأعينهم الزنا، ولا يبتغون في أموالهم الربا، ولا يأخذون على أحكامهم الرشا. ولأبي القاسم التيمي عن ابن عمر رفعه الثالثة والرابعة والخامسة والأربعون: رجل لم تأخذه في الله لومة لائم، ورجل لم يمدّ يده إلى ما لا يحل له، ورجل لم ينظر إلى ما حرم عليه. وفيه عنبسة وهو متروك. وفي جزء ابن الصقر عن ابن عباس السادسة والأربعون: من قرأ إذا صلّى الغداة ثلاث آيات من سورة الأنعام إلى: {ويعلم ما تكسبون} [الأنعام: 3] وهو ضعيف. قال ابن حجر: والمتهم به إبراهيم بن إسحاق الصيني بكسر الصاد المهملة وبعد التحتية الساكنة نون. وعند أبي الشيخ والديلمي في مسنده عن أنس بن مالك السابعة والثامنة والتاسعة والأربعون: واصل الرحم، وامرأة مات زوجها وترك عليها أيتامًا صغارًا

فقالت: لا أتزوج على أيتامي حتى يموتوا أو يغنيهم الله، وعبد صنع طعامًا فأطاب صنعه وأحسن نفقته ودعا عليه اليتيم والمسكين فأطعمهم لوجه الله. وفي المعجم الكبير عن أبي أمامة من طريق بشر بن نمير وهو متروك مرفوعًا الخمسون والحادية والخمسون: رجل حيث توجه علم أن الله معه، ورجل يحب الناس لجلال الله. وعند الحرث بن أبي أسامة مما اتهم بوضعه ميسرة بن عبد ربه عن ابن عباس وأبي هريرة الثانية والخمسون: المؤذن في ظل رحمة الله حتى يفرغ يعني من أذانه. وعند الديلمي بلا إسناد عن أنس الثالثة والرابعة والخامسة والخمسون: من فرج عن مكروب من أمتي، وأحيا سنتي، وأكثر الصلاة علي. وفي مسند الديلمي عن علي مرفوعًا السادسة والسابعة والثامنة والخمسون: حملة القرآن في ظل الله مع أنبيائه وأصفيائه. وعند أبي يعلى عن أنس رفعه التاسعة والخمسون: المريض. وعند ابن شاهين عن عمر رفعه الستون: أهل الجوع في الدنيا. وعند ابن أبي الدنيا في الأهوال عن مغيث بن سمي أحد التابعين الحادية والستون: الصائمون؛ قال شيخنا: ومثله لا يقال رأيًا. وفي أمالي ابن ناصر عن أبي سعيد الخدري رفعه الثانية والستون: من صام من رجب ثلاثة عشر يومًا. قال شيخنا: وهو شديد الوهي. وعند الحرث بن أسامة عن علي مرفوعًا الثالثة والستون: من صلّى ركعتين بعد ركعتى المغرب قرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة، وهو منكر. وللديلمي في مسنده عن أنس الرابعة والستون: أطفال المؤمنين. وفي المعجم الكبير عن ابن عمر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال لذلك الرجل الذي مات ابنه: "أما ترضى أن يكون ابنك مع ابني إبراهيم يلاعبه تحت ظل العرش؟ ". وعند أبي نعيم في الحلية عن وهب بن منبه عن موسى عليه الصلاة والسلام الخامسة والسادسة والستون: من ذكر الله بلسانه أو قلبه. وفي شعب البيهقي عن موسى عليه الصلاة والسلام السابعة والثامنة والتاسعة والستون: رجل لا يعق والديه ولا يمشي بالنميمة ولا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله. وفي الزهد للإمام أحمد عن عطاء بن يسار عن موسى عليه الصلاة والسلام السبعون والحادية والثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسبعون: الطاهرة قلوبهم النقية قلوبهم البرية أبدانهم الذين إذا ذكر الله ذكروا به وإذا ذكروا ذكر الله بهم وينيبون إلى ذكره كما تنيب النسور إلى وكرها ويغضبون لمحارمه إذا استحلت كما يغضب النمر ويكلفون بحبه كما يكلف الصبي بحب الناس. وفي الزهد لابن المبارك عن رجل من قريش عن موسى عليه الصلاة والسلام السادسة والسابعة والسبعون: الذين يعمرون مساجدي ويستغفروني بالأسحار. ولأبي نعيم في الحلية عن إدريس عائذ الله عن موسى قال: يا رب من في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك؟ قال: الذين أذكرهم ويذكروني. وللديلمي في مسنده عن أنس مرفوعًا يقول الله عز وجل: قربوا أهل لا إله إلا الله من ظل عرشي فإني أحبهم، وفي حديث عنه رفعه: الشهداء. وعند أبي داود والحاكم وقال على شرط مسلم عن ابن عباس مرفوعًا: شهداء أحد أرواحهم في أجواف طير خضر تأويل إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش. وعند الدارمي وصححه ابن حبان عن عتبة بن عبد السلمي مرفوعًا: من جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى قتل فذلك الشهيد الممتحن في خيمة الله تحت ظل عرشه. وعند الحسن بن محمد الخلال عن ابن عباس مرفوعًا: اللهم اغفر للمعلمين وأطل أعمارهم وأظلهم تحت ظلك فإنهم يعلمون كتابك المنزل. وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد وقال: إن أبا الطيب غير ثقة. قال شيخنا: بل قرأت بخط بعض الحفاظ أنه موضوع. وفي الحلية عن كعب الأحبار أوحى الله إلى موسى عليه الصلاة والسلام في التوراة من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ودعا الناس إلى طاعتي فله صحبتي في الدنيا وفي القبر وفي القيامة ظلي. وفي جزء من أمالي أبي جعفر بن البختري بسند ضعيف: أنا سيد ولد آدم ولا فخر وفي ظل الرحمن عز وجل يوم القيامة

17 - باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه وقال أبو موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «هو أحد المتصدقين»

يوم لا ظل إلا ظله، ولا فخر، وسبق عن علي مرفوعًا: حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه. وفي مناقب علي عند أحمد عنه مرفوعًا أنه -رضي الله عنه- يسير يوم القيامة بلواء الحمد وهو حامله والحسن عن يمينه والحسين عن يساره حتى يثب بين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين إبراهيم عليه الصلاة والسلام في ظل العرش. وهذا الحديث سبق في باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة من صلاة الجماعة ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في الرقاق. 1424 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ -رضي الله عنه- يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا، فَسَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَيَقُولُ الرَّجُلُ: لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالأَمْسِ لَقَبِلْتُهَا مِنْكَ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلاَ حَاجَةَ لِي فِيهَا». وبه قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة ابن عبيد الجوهري الهاشمي مولاهم البغدادي أحد الحفاظ. قال يحيى بن معين: ما روي عن شعبة من البغداديين أثبت منه. وقال أبو حاتم: لم أر من المحدثين من يحدث بالحديث على لفظ واحد لا يغيره سوى علي بن الجعد ووثقه آخرون ورمي بالتشيع، وروى عنه البخاري من حديث شعبة فقط أحاديث يسيرة وروى عنه أبو داود أيضًا قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (معبد بن خالد) الجدلي القاص بتشديد الصاد المهملة (قال: سمعت حارثة بن وهب) بالحاء المهملة والمثلثة ووهب بفتح الواو وسكون الهاء (الخزاعي) بالخاء والزاي المعجمتين نزل الكوفة وهو أخو عبيد الله بن عمر لأمه (-رضي الله عنه- يقول: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (تصدقوا فسيأتي عليكم زمان) هو وقت ظهور أشراط الساعة أو ظهور كنوز الأرض وقلة الناس وقصر آمالهم (يمشي الرجل) فيه (بصدقته) زاد في باب الصدقة قبل الرد فلا يجد من يقبلها (فيقول الرجل:) الذي يقصد المتصدق أن يدفع له صدقته (لو جئت بها بالأمس) بكسر السين فإن قدرت اللام للتعريف فكسرة إعراب اتفاقًا وإن اعتقدت زيادتها فكسرة بناء كذا قاله البرماوي كالزركشي، وتعقبه في المصابيح فقال: لا شك أن بناءه مع مقارنة اللام قليل وإنما يرتكب حيث يلجأ إليه إذا قيل ذهب الأمس بما فيه بكسر السين وأما هنا فلا داعي إلى دعوى الزيادة بوجه (لقبلتها منك) إذ كنت محتاجًا إليها (فأما اليوم فلا حاجة لي فيها) قيل: ومطابقة هذا الحديث للترجمة من جهة أنه اشترك مع الذي قبله في كون كل منهما حاملاً لصدقته لأنه إذا كان حاملاً لها بنفسه كان أخفى لها فكان لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ويحمل المطلق في هذا على المقيد في ذاك أي المناولة باليمين فليتأمل. وهذا الحديث قد سبق قريبًا في باب الصدقة قبل الرد. 17 - باب مَنْ أَمَرَ خَادِمَهُ بِالصَّدَقَةِ وَلَمْ يُنَاوِلْ بِنَفْسِهِ وَقَالَ أَبُو مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «هُوَ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ» (باب من أمر خادمه) مملوكه أو غيره (بالصدقة) بأن يتصدق عنه (ولم يناول) صدقته للفقير (بنفسه. وقال أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري مما يأتي موصولاً بتمامه إن شاء الله تعالى في باب آخر إذا تصدق (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو) أي الخادم (أحد المتصدقين) بفتح القاف بلفظ التثنية كما في جميع روايات الصحيحين أي هو ورب الصدقة في أصل الأجر سواء لا ترجيح لأحدهما على الآخر وإن اختلف مقداره لهما، فلو أعطى المالك لخادمه مائة درهم مثلاً ليدفعها لفقير على باب داره مثلاً فأجر المالك أكثر، ولو أعطاه رغيفًا ليذهب به إلى فقير في مسافة بعيدة بحيث يقابل مشي الذاهب إليه بأجرة تزيد على الرغيف فأجر الخادم أكثر وقد يكون عمله قدر الرغيف مثلاً فيكون مقدار الأجر سواء. وقد جوز القرطبي كسر القاف من المتصدقين على الجمع أي هو متصدق من المتصدقين. 1425 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لاَ يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا». [الحديث 1425 - أطرافه في: 1437، 1439، 1440، 1441، 2065]. وبالسند قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو ابن محمد أخو أبي بكر بن أبي شيبة واسمه إبراهيم قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن شقيق) هو ابن سلمة (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت، قال رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا أنففت المرأة) على عيال زوجها وأضيافه ونحو ذلك (من طعام) زوجها الذي في (بيتها) المتصرفة فيه إذا أذن لها في ذلك بالصريح أو بالمفهوم من اطراد العرف وعلمت رضاه بذلك حال كونها (غير مفسدة) له بأن لم تتجاوز العادة ولا يؤثر نقصانه، وقيد بالطعام لأن الزوج يسمح به عادة

18 - باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى

بخلاف الدراهم والدنانير فإن إنفاقها منها بغير إذنه لا يجوز فلو اضطرب العرف أو شكت في رضاه أو كان شحيحًا يشح بذلك وعلمت ذلك من حاله أو شكت فيه حرم عليها التصدق من ماله إلا بصريح أمره، وليس في حديث الباب تصريح بجواز التصدق بغير إذنه. نعم في حديث أبي هريرة عند مسلم: وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له، لكن قال النووي: معناه من غير أمره الصريح في ذلك القدر العين ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره إما بالصريح أو بالمفهوم كما مرّ. قال النووي: وقال الخطابي هو على العرف الجاري وهو إطلاق رب البيت لزوجته إطعام الضيف والتصدق على السائل فندب الشارع ربة البيت لذلك ورغبها فيه على وجه الإصلاح لا الفساد والإسراف. وفي حديث أبي أمامة الباهلي عند الترمذي مرفوعًا وقال حسن "لا تنفق امرأة شيئًا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها" قيل يا رسول الله ولا الطعام؟ قال: "ذاك أفضل أموالنا". وفي حديث سعد بن أبي وقاص عند أبي داود لما بايع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النساء قامت امرأة فقالت: يا رسول الله إنا كل على آبائنا وأبنائنا قال أبو داود: وأرى فيه وأزواجنا فما يحل لنا من أموالهم؟ قال: "الرطب تأكليه وتهديه". قال أبو داود: الرطب أي بفتح الراء الخبز والبقل، والرطب أي بضم الراء وتحصل من هذا أن الحكم يختلف باختلاف عادة البلاد وحال الزوج من مسامحة وغيرها باختلاف حال المنفق منه بين أن يكون يسيرًا يتسامح به، وبين أن يكون له خطر في نفس الزوج يبخل بمثله، وبين أن يكون ذلك رطبًا يخشى فساده إن تأخر وبين غيره (كان لها) أي للمرأة (أجرها بما أنفقت)، غير مفسدة (ولزوجها أجره بما كسب)، أي بسبب كسبه (وللخازن) الذي يكون بيده حفظ الطعام المتصدق منه (مثل ذلك)، من الأجر (لا ينقص بعضهم أجر بعض) أي من أجر بعض (شيئًا) نصب مفعول ينقص أو ينقص كيزيد يتعدى إلى مفعولين الأول أجر والثاني شيئًا كـ {زادهم الله مرضًا} [البقرة: 10]. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة وتابعي عن تابعي عن صحابي، ورواته كلهم كوفيون وجرير رازي أصله من الكوفة، وأخرجه أيضًا في الزكاة والبيوع، ومسلم في الزكاة وكذا أبو داود والترمذي، وأخرجه النسائي في عشرة النساء، وابن ماجة في التجارات. 18 - باب لاَ صَدَقَةَ إِلاَّ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَمَنْ تَصَدَّقَ وَهْوَ مُحْتَاجٌ أَوْ أَهْلُهُ مُحْتَاجٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالدَّيْنُ، وَهُوَ رَدٌّ عَلَيهِ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يُتْلِفَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ". إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالصَّبْرِ فَيُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ بِهِ خَصَاصَةٌ، كَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- حِينَ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ، وَكَذَلِكَ آثَرَ الأَنْصَارُ الْمُهَاجِرِينَ. وَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَيِّعَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِعِلَّةِ الصَّدَقَةِ. وَقَالَ كَعْبٌ -رضي الله عنه-: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ". هذا (باب) بالتنوين (لا صدقة) كاملة (إلا عن ظهر غنى) أي غنى يستظهر به على النوائب التي تنوبه قاله البغوي والتنكير فيه للتفخيم. ولفظ الترجمة حديث رواه أحمد من طريق عطاء عن أبي هريرة. وذكره المصنف تعليقًا فى الوصايا (ومن تصدق وهو محتاج) جملة اسمية حالية كالجملتين بعد وهما قوله (أو أهله محتاج أو عليه دين) مستغرق (فالدين) جواب الشرط وفي الكلام حذف أي فهو أحق أن يقضى من الصدقة والعتق والهبة (وهو) أي الشي المتصدق به (رد عليه)، غير مقبول لأن قضاء الدين واجب كنفقَة عياله والصدقة تطوع، ومقتضاه أن الدين المستغرق مانع من صحة التبرع، لكن محله إذا حجر عليه الحاكم بالفلس. وقد نقل فيه صاحب المغني وغيره الإجماع فيحمل إطلاق المؤلّف عليه (ليس له أن يتلف أموال الناس) في الصدقة. (قال) ولأبي ذر: وقال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث وصله المؤلّف فى الاستقراض: (من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله) فمن أخذ دينًا وتصدق به ولا يجد ما يقضي به الدين فقد دخل في هذا الوعيد. قال المؤلّف مستثنيًا من الترجمة أو ممن تصدق (إلا أن يكون معروفًا بالصبر) فيتصدق مع عدم الغنى أو مع الحاجة (فيؤثر) بالمثلثة يقدم غيره (على نفسه) بما معه (ولو كان به خصاصة) حاجة (كفعل أبي بكر) الصديق (حين تصدق بماله). كله فيما رواه أبو داود وغيره، (وكذلك آثر الأنصار المهاجرين) حين قدموا عليهم المدينة وليس بأيديهم شيء حتى إن من كان

عند امرأتان نزل عن واحدة وزوجها من أحدهم، وهذا التعليق طرف من حديث وصله المؤلّف في كتاب الهبة. (ونهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث المغيرة السابق بتمامه موصولاً في أواخر صفة الصلاة (عن إضاعة ْالمال) استدلّ به المؤلّف على رد صدقة المديان وإذا نهي الإنسان عن إضاعة مال نفسه فإضاعة مال غيره أولى بالنهي، ولا يقال: إن الصدقة ليست إضاعة لأنها إذا عورضت بحق الدين لم يبق فيها ثواب فبطل كونها صدقة وبقيت إضاعة محضة (فليس له) للمديون (أن يضيع أموال الناس بعلة الصدقة. وقال كعب) هو أحد الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك، ولأبي ذر: كعب بن مالك (-رضي الله عنه- قلت يا رسول الله، إن من) تمام (توبتي أن أنخلع من مالي صدقة) منتهية (إلى الله وإلى رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت: فإني) بفاء قبل الهمزة، ولأبي الوقت: إني (أمسك سهمي الذي بخيبر) وإنما منعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من صرف كل ماله ولم يمنع الصديق لقوة يقين الصديق وتوكله وشدة صبره بخلاف كعب. 1426 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ». [الحديث 1426 - أطرافه في: 1428، 5355، 5356]. وبالسند قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان المروزي قال (أخبرنا عبد الله) بن المبارك (عن يونس) بن يزيد (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (خير الصدقة ما كان عن) ولأبي ذر: على (ظهر غنى) قال في النهاية: أي ما كان عفوًا قد فضل عن غنى، وقيل: أراد ما فضل عن العيال والظهر قد يزاد في مثل هذا إشباعًا للكلام وتمكينًا كأن صدقته مستندة إلى ظهر قوي من المال. (وابدأ بمن يعول) بمن تجب عليك نفقته. يقال: عال الرجل أهله إذا قاتهم أي قام بما يحتاجون إليه من القوت والكسوة وغيرهما. وقوله: وابدأ قال الزركشي بالهمز وتركه. 1427 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ. وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ». وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن حكيم بن حزام) بكسر الحاء وبالزاي المعجمة، وحكيم بفتح الحاء وكسر الكاف الأسدي المكي ولد بجوف الكعبة فيما حكاه الزبير بن بكار وهو ابن أخي أم المؤمنين خديجة وعاش مائة وعشرين سنة شطرها في الجاهلية وشطرها في الإسلام، وأعتق مائة رقبة وحج في الإسلام ومعه مائة بدنة ووقف بعرفة بمائة رقبة في أعناقهم أطواق الفضة منقوش فيها عتقاء الله عن حكيم بن حزام وأهدى ألف شاة ومات بالمدينة سنة خمسين أو سنة أربع أو ثمان وخمسين أو سنة ستين (-رضي الله عنه-، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اليد العليا) المنفقة (خير من اليد السفلى) السائلة (وابدأ) بالهمز وتركه (بمن تعول) زاد النسائي من حديث طارق المحاربي أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك. وروى النسائي أيضًا من حديث ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال رجل: يا رسول الله عندي دينار. قال "تصدق به على نفسك" قال: عندي آخر. قال "تصدق به على زوجتك". قال: عندي آخر. قال: "تصدق به على ولدك" قال: عندي آخر. قال: "تصدق به على خادمك" قال: عندي آخر. قال: "أنت أبصر به". ورواه أبو داود والحاكم لكن بتقديم الولد على الزوجة والذي أطبق عليه الأصحاب كما قاله في الروضة تقديم الزوجة لأن نفقتها آكد لأنها لا تسقط بمضيّ الزمان ولا بالإعسار ولأنها وجبت عوضًا عن التمكين. ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في النفقات بعون الله. (وخير الصدقة عن ظهر غنى) كذا في اليونينية بإسقاط ما كان (ومن يستعفف) يطلب العفة وهي الكف عن الحرام وسؤال الناس (يعفه الله) بضم الياء وفتح الفاء مشددة مجزوم كالسابق شرط وجزاؤه أي يصيره عفيفًا. ولأبي ذر: يعفه الله بضم الفاء اتباعًا لضمة هاء الضمير وهو مجزوم كما مرّ (ومن يستغن يغنه الله) مجزومان شرطًا وجزاء بحذف الياء منهما أي: من يطلب من الله العفاف والغنى يعطه الله ذلك. 1428 - وَعَنْ وُهَيْبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- بِهَذَا. (وعن وهيب) عطف

على ما سبق أي حدّثنا موسى بن إسماعيل عن وهيب (قال: أخبرنا هشام عن أبيه) عن عروة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- بهذا) أي بحديث حكيم وإيراده له معطوفًا على إسناده يدل على أنه رواه عن موسى بن إسماعيل بالطريقين معًا فكأن هشامًا حدث به وهيبًا تارة عن أبيه عن حكيم بن حزام، وتارة عن أبي هريرة أو حدث به عنهما مجموعًا ففرقه وهيب أو الراوي عنه. ولأبي ذر: عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا. ثم أخذ المصنف يذكر ما يفسر المجمل في حديث حكيم في قوله اليد العليا خير من اليد السفلى فقال بالسند السابق أوّل هذا الكتاب. 1429 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ -وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ وَالْمَسْأَلَةَ: الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى. فَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ". (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي (قال: حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يذكر متن هذا السند. قال أبو داود قال الأكثر عن حماد بن زيد اليد العليا هي المنفقة. وقال واحد عنه المتعففة يعني بعين وفاءين، وكذا قال عبد الوارث عن أيوب. قال الحافظ ابن حجر: الذي قال عن حماد المتعففة بالعين فهو مسدد كذا رويناه عنه في مسنده رواية معاذ بن المثنى عنه، وأما رواية عبد الوارث فلم أقف عليها موصولة. وقد أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريق سليمان بن حرب عن حماد بلفظ واليد العليا يد المعطي، وهذا يدل على أن من رواه عن نافع بلفظ المتعففة فقد صحف انتهى (ح) للتحويل قال: (وحدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال وهو على المنبر) جملة اسمية وقع حالاً (وذكر الصدقة) جملة فعلية حالية أي كان يحض الغني عليها (والتعفف) أي ويحض الفقير عليه (والمسالة) - كذا بالواو أي ويذم المسألة. ولمسلم عن قتيبة عن مالك: والتعفف عن المسألة (اليد العليا خير من اليد السفلى فاليد العليا هي المنفقة) اسم فاعل من أنفق ورواه أبو داود وغيره المتعففة بالعين والفاءين كما مر. ورجحه الخطابي قال: لأن السياق في ذكر المسألة والتعفف عنها. وقال شارح المشكاة: وتحرير ترجيحه أن يقال إن قوله وهو يذكر الصدقة والتعفف عن المسألة كلام مجمل في معنى العفة عن السؤال، وقوله: اليد العليا خير من اليد السفلى بيان له وهو أيضًا مبهم، فينبغي أن يفسر بالعفة ليناسب المجمل وتفسيره باليد المنفقة غير مناسب للمجمل لكن إنما يتم هذا لو اقتصر على قوله اليد العليا هي المتعففة ولم يعقبه بقوله: (و) اليد (السفلى هي السائلة) لدلالتهما على علو المنفقة وسفالة السائلة ورذالتها وهي ما يستنكف منها فظهر بهذا أن ما في البخاري ومسلم أرجح من إحدى روايتي أبي داود نقلاً ودراية. ويؤيد ذلك حديث حكيم عند الطبراني بإسناد صحيح مرفوعًا: يد الله فوق يد المعطي ويد المعطي فوق يد المعطى ويد المعطى أسفل الأيدي. وعند النسائي من حديث طارق المحاربي: قدمنا المدينة فإذا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول: يد المعطي العليا، وهذا نص يرفع الخلاف ويدفع تعسف من تعسف في تأويله ذلك كقول بعضهم فيما حكاه القاضي عياض: اليد العليا الآخذة والسفلى المانعة أو العليا الآخذة والسفلى المنفقة، وقد كان إذا أعطى الفقير العطية يجعلها في يد نفسه ويأمر الفقير أن يتناولها لتكون يد الفقير هي العليا أدبًا مع قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 104] قال: فلما أضيف الأخذ إلى الله تعالى تواضع لله فوضع يده أسفل من يد الفقير الآخذ. وقال ابن العربي: والتحقيق أن السفلى يد السائل وأما يد الآخذ فلا لأن يد الله هي المعطية ويد الله هي الآخذة وكلتاهما عليا وكلتاهما يمين اهـ. وعورض بأن البحث إنما هو في يد الآدميين وأما يد الله عز وجل، فباعتبار كونه مالك كل شيء نسبت يده إلى الإعطاء، وباعتبار قبوله الصدقة ورضاه بها نسبت يده إلى الأخذ. وقد روى إسحاق في مسند. أن حكيم بن حزام قال: يا رسول الله ما اليد العليا؟ قال: التي تعطي ولا تأخذ، وهو صريح

19 - باب المنان بما أعطى، لقوله {الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى} الآية

في أن الآخذة ليست بعليا. ومحصل ما قيل في ذلك أن أعلى الأيدي المنفقة والمتعففة عن الأخذ ثم الآخذة بغير سؤال وأسفل الأيدي السائلة والمانعة. وكل هذه التأويلات المتعسفة تضمحل عند الأحاديث السابقة المصرحة بالمراد فأولى ما فسر الحديث بالحديث، وقد ذكر أبو العباس الداني في أطراف الموطأ أن هذا التفسير المذكور في حديث ابن عمر هذا مدرج فيه ولم يذكر لذلك مستندًا. نعم، في كتاب الصحابة للعسكري بإسناد له فيه انقطاع عن ابن عمر أنه كتب إلى بشر بن مروان: إني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول "اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى" ولا أحسب السفلى إلا السائلة ولا العليا إلا المعطية، فهذا يشعر بأن التفسير من كلام ابن عمر، ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: كنا نتحدث أن اليد العليا هي المنفقة قاله في فتح الباري. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة، ورواته ما بين بصري ومدني، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائى فى الزكاة. 19 - باب الْمَنَّانِ بِمَا أَعْطَى، لِقَوْلِهِ {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلاَ أَذًى} الآيَةَ (باب) ذم (المنان بما أعطى) من الصدقة على من أعطاه (لقوله) تعالى: ({الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا}) من الصدقات ({منًّا}) على من أعطوه بذكر الإعطاء له وتعدد نعمه عليه ({ولا أذى}) [البقرة: 262] بأن يتطاول عليه بسبب ما أنعم عليه فيحبط به ما أسلف من الإحسان، فحظر الله تعالى المنّ بالصنيعة واختص به صفة لنفسه إذ هو من العباد تكدير ومن الله تعالى إفضال وتذكير لهم بنعمه {الآية} إلى آخرها أي إلى قوله: {لهم أجرهم عند ربهم} أي ثوابهم على الله لا على أحد سواه {ولا خوف عليهم} فيما يستقبلونه من أهوال القيامة {ولا هم يحزنون} على ما فاتهم والآية نزلت في عبد الرحمن بن عوف فإنه أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأربعة آلاف درهم وعثمان فإنه جهز جيش العسرة بألف بعير بأقتابها وأحلاسها. وسقط في رواية غير أبي ذر قوله: {منًّا ولا أذى} واقتصر المؤلّف على الآية ولم يذكر حديثًا لكونه لم يجد في ذلك ما هو على شرطه. وفي مسلم من حديث أبي ذر -رضي الله عنه-: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة الذي لا يعطي شيئًا إلا منة والمنفق سلعته بالحلف والمسبل إزاره. وهذه الترجمة ثبتت في رواية الكشميهني كما قاله في الفتح، وأشار في اليونينية إلى سقوطها في رواية أبي ذر والله الموفق والمعين. 20 - باب مَنْ أَحَبَّ تَعْجِيلَ الصَّدَقَةِ مِنْ يَوْمِهَا (باب من أحب تعجيل الصدقة) فرضها ونفلها (من يومها خوفًا من عروض الموانع). 1430 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ الْحَارِثِ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ قَالَ: "صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَصْرَ فَأَسْرَعَ، ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ، فَقُلْتُ -أَوْ قِيلَ- لَهُ فَقَالَ: كُنْتُ خَلَّفْتُ فِي الْبَيْتِ تِبْرًا مِنَ الصَّدَقَةِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُبَيِّتَهُ، فَقَسَمْتُهُ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد (عن عمر بن سعيد) بضم العين في الأوّل وكسرها في الثاني النوفلي القرشي المكيّ (عن ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام عبد الله (أن عقبة بن الحرث) أبا سروعة النوفلي (-رضي الله عنه- حدثه قال: صلّى بنا النبي) ولأبوي ذر والوقت: صلّى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العصر فأسرع) وفي باب: من صلّى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم فسلم بدل قوله هنا فأسرع (ثم دخل البيت فلم يلبث أن خرج فقلت): ولأبي الوقت في غير اليونينية فقلنا (أو قيل له) عن سبب سرعته (فقال) عليه الصلاة والسلام؛ "كنت خلفت في البيت تبرًا" ذهبًا غير مضروب (من الصدقة فكرهت أن أبيته) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد المثناة التحتية أي أتركه حتى يدخل الليل (فقسمته) وهذا موضع الترجمة لأن كراهته تبييته تدل على استحباب تعجيل الصدقة. قال الزين بن المنير ترجم المصنف بالاستحباب وكان يمكن أن يقول كراهة تبييت الصدقة لأن الكراهة صريحة في الخبر، واستحباب التعجيل مستنبط من قرائن سياق الخبر حيث أسرع في الدخول والقسمة فجرى على عادته في إيثار الأخفى على الأجلى. 21 - باب التَّحْرِيضِ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَالشَّفَاعَةِ فِيهَا (باب) استحباب (التحريض على الصدقة) بأن يذكر ما فيها من الأجر (و) ثواب (الشفاعة فيها). 1431 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَدِيٌّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ عِيدٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ. ثُمَّ مَالَ عَلَى النِّسَاءِ -وَمَعَهُ بِلاَلٌ- فَوَعَظَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْقُلْبَ وَالْخُرْصَ". وبالسند قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي الأزدي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عديّ) هو ابن ثابت (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم عيد) هو عيد الفطر كما صرح به في حديث باب الخطبة بعد العيد (فصلّى ركعتين لم يصل قبل ولا بعد) بالبناء على الضم

22 - باب الصدقة فيما استطاع

فيهما لقطعهما عن الإضافة (ثم مال إلى النساء -ومعه بلال- فوعظهنَّ) وذكرهنَّ الآخرة (وأمرهن أن يتصدقن فجعلت المرأة تلقي القلب) بضم القاف وسكون اللام آخره موحدة السوار أو من عظم (والخرص) بضم الخاء المعجمة وسكون الراء آخره صاد مهملتين الحلقة. والحديث سبق في صلاة العيدين. 1432 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا شَاءَ". [الحديث 1432 - أطرافه في: 6027، 6028، 7476]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا أبو بردة) بضم الموحدة بريد بضم الموحدة وفتح الراء مصغرًا (ابن عبد الله بن أو بردة) بضم الموحدة عامر أو الحرث قال: (حدّثنا) جدي (أبو بردة بن أو موسى عن أبيه) أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة) بضم الطاء مبنيًّا للمفعول وحاجة رفع مفعول ناب عن فاعله (قال): (اشفعوا تؤجروا)، سواء قضيت الحاجة أم لا (ويقضي الله) ولأبي الوقت: وليقض الله (على لسان نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما شاء) وهذا من مكارم أخلاقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليصلوا جناح السائل وطالب الحاجة وهو تخلق بأخلاق الله تعالى حيث يقول لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اشفع تشفع وإذا أمر عيه الصلاة والسلام بالشفاعة عنده مع علمه بأنه مستغن عنها لأن عنده شافعًا من نفسه وباعثًا من جوده، فالشفاعة الحسنة عند غيره ممن يحتاج إلى تحريك داعية إلى الخير متأكدة بطريق الأولى. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأدب والتوحيد، ومسلم وأبو داود في الأدب، والترمذي في العلم، والنسائي في الزكاة. 1433 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ». وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) أبو الفضل المروزي قال: (أخبرنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان الكلابي أبو محمد الكوفيّ (عن هشام) هو ابن عروة بن الزبير (عن) زوجته (فاطمة) بنت المنذر بن الزبير (عن أسماء) بنت أبي بكر الصديق (رضي الله) عنه و (عنها قالت: قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا توكي) بضم الفوقية وكسر الكاف يقال: أوكى ما فى سقائه إذا شده بالوكاء وهو الخيط الذي يشد به رأس القربة أي لا تربطي على ما عندك وتمنعيه (فيوكى عليك) بفتح الكاف الأولى مبنيًّا للمفعول ولمسلم فيوكي الله عليك وهو نصب لكونه جوابًا للنهي مقرونًا بالفاء أي لا توكي مالك عن الصدقة خشية نفاده فتنقطع عنك مادة الرزق. 1433 م - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدَةَ وَقَالَ: «لاَ تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ» [الحديث 1433 - أطرافه في: 1434، 2590، 2591]. وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة عن عبدة) بالإسناد السابق (وقال: لا تحصي فيحصي الله عليك) بنصب فيحصي مع كسر صاده جواب النهي كسابقه وكأن عبدة رواه عن هشام باللفظين معًا فحدث به تارة كذا وتارة كذا، والإحصاء معرفة قدر الشيء وزنًا أو عددًا وهو من باب المقابلة وإحصاء الله هنا المراد به قطع البركة أو حبس مادة الرزق أو المحاسبة عليه في الآخرة. وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة ورواية تابعية عن صحابية ورواته كلهم مدنيون إلا عبدة فكوفي، وأخرجه البخاري في الهبة ومسلم في الزكاة وكذا النسائي. 22 - باب الصَّدَقَةِ فِيمَا اسْتَطَاعَ (باب الصدقة فيما استطاع) المتصدق. 1434 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لاَ تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ. ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ». وبالسند قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال المؤلّف (ح وحدثني) بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم) المعروف بصاعقة البزار بمعجمتين البغدادي (عن حجاج بن محمد) الأعور (عن ابن جريج قال: أخبرني) بالإفراد (ابن أبي مليكة) عبد الله (عن عباد بن عبد الله بن الزبير) بن العوّام (أخبره عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما- أنها جاءت إلى النبي) ولأبي ذر: جاءت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لها: (لا توعي) بعين مهملة من أوعيت المتاع في الوعاء إذا جعلته فيه ووعيت الشيء حفظته والمراد لازم الإيعاء وهو الإمساك (فيوعي الله عليك) بضم التحتية وكسر العين والنصب جواب النهي بالفاء، وإسناده إلى الله مجاز عن الإمساك. ولأبي ذر عن الكشميهني: لا توكي فيوكي الله عليك بالكاف بدل العين فيهما وليس النهي للتحريم (ارضخي): بهمزة مكسورة إذا لم

23 - باب الصدقة تكفر الخطيئة

توصل فعل أمر من الرضخ بالضاد والخاء المعجمتين وهو العطاء اليسير أي أنفقي من غير إجحاف (ما استطعت) أي ما دمت مستطيعة قادرة على الرضخ. وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الزكاة والهبة، ومسلم في الزكاة، والنسائي فيه وفي عشرة النساء. 23 - باب الصَّدَقَةُ تُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ هذا (باب) بالتنوين (الصدقة تكفر الخطيئة). 1435 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْفِتْنَةِ؟ قَالَ: قُلْتُ أَنَا أَحْفَظُهُ كَمَا قَالَ. قَالَ: إِنَّكَ عَلَيْهِ لَجَرِيءٌ، فَكَيْفَ قَالَ؟ قُلْتُ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْمَعْرُوفُ -قَالَ سُلَيْمَانُ: قَدْ كَانَ يَقُولُ الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ- قَالَ: لَيْسَ هَذِهِ أُرِيدُ، وَلَكِنِّي أُرِيدُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ. قَالَ: قُلْتُ: لَيْسَ عَلَيْكَ بِهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَأْسٌ، بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابٌ مُغْلَقٌ. قَالَ: فَيُكْسَرُ الْبَابُ أَوْ يُفْتَحُ؟ قَالَ قُلْتُ: لاَ، بَلْ يُكْسَرُ. قَالَ: فَإِنَّهُ إِذَا كُسِرَ لَمْ يُغْلَقْ أَبَدًا. قَالَ قُلْتُ: أَجَلْ. فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ مَنِ الْبَابُ. فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ: سَلْهُ. قَالَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-. قَالَ قُلْنَا: فَعَلِمَ عُمَرُ مَنْ تَعْنِي؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا أَنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً. وَذَلِكَ أَنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ". وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) بالهمزة شقيق بن سلمة (عن حذيفة) بن اليمان (-رضي الله عنه- قال: قال عمر -رضي الله عنه-: أيكم يحفظ حديث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الفتنة؟ قال) حذيفة: (قلت أنا أحفظه كما قال) عليه الصلاة والسلام (قال) عمر: (إنك عليه لجريء) بفتح الجيم والمد خبر إن واللام للتأكيد من الجراءة وهي الإقدام على الشيء. قال ابن بطال: أي أنك كثير السؤال عن الفتنة في أيامه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنت اليوم جريء على ذكره عالم به (فكيف قال)؟ حذيفة (قلت): هي (فتنة الرجل في أهله) مما يعرض له معهن من سوء أو حزن أو غير ذلك مما لم يبلغ كبيرة (وولده) بالاشتغال به من فرط المحبة عن كثير من الخيرات (وجاره) بأن يتمنى مثل حاله إن كان متسعًا كل ذلك (تكفرها الصلاة والصدقة والمعروف، قال سليمان) بن مهران الأعمش (قد كان) أبو وائل (يقول) في بعض الأحيان (الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر): بدل قوله والمعروف (قال): عمر لحذيفة -رضي الله عنهما- (ليس هذه) الفتنة (أريد ولكني أريد) الفتنة (التي تموج كموج البحر قال): حذيفة (قلت ليس عليك بها) وللأربعة: منها، أي من الفتنة (يا أمير المؤمنين بأس) بالرفع اسم ليس أي ليس عليك منها شدة (بينك وبينها باب مغلق قال): عمر -رضي الله عنه- (فيكسر) هذا (الباب أو) وللحموي والمستملي: أم (يفتح؟ قال): حذيفة (قلت لا بل يكسر، قال): عمر (فإنه) أي الباب (إذا كسر لم يغلق أبدًا) أشار به عمر إلى أنه إذا قتل ظهرت الفتن فلا تسكن إلى يوم القيامة وكان كما قال لأنه كان سدًّا وبابًا دون الفتنة فلما قتل كثرت الفتنة وعلم عمر أنه الباب (قال: قلت أجل) أي نعم (قال:) شقيق (فهبنا) بكسر الهاء أي خفنا (أن نسأله) أي نسأل حذيفة وكان مهيبًا (من الباب): أي من المراد بالباب (فقلنا لمسروق: سله) لأنه كان أجرأ على سؤاله لكثرة علمه وعلوّ منزلته (قال: فسأله فقال) الباب (عمر -رضي الله عنه-. قال) شقيق (قلنا: فعلم) أي أفعلم (عمر من تعني؟ قال: نعم كما أن دون غد ليلة) اسم أن ودون خبرها مقدم أي كما يعلم أن الليلة أقرب من الغد ثم علل ذلك بقوله (وذلك أني حدثته) أي عمر (حديثًا ليس بالأغاليط) لا شبهة فيه. وقد سبق هذا الحديث في أوائل الصلاة في باب الصلاة كفارة. 24 - باب مَنْ تَصَدَّقَ فِي الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ (باب من تصدق في) حال (الشرك ثم أسلم) هل يعتد بذلك أم لا ظاهر حديث الباب الأوّل. 1436 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ، فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ». [الحديث 1436 - أطرافه في: 2220، 2538، 5992]. وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف قاضي صنعاء قال: (حدّثنا معمر) هو ابن راشد (عن) ابن شهاب (الزهري عن عروة) بن الزبير (عن حكيم بن حزام) بالزاي المعجمة (-رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني عن حكم (أشياء كنت أتحنث) بالمثلثة. وفي الأدب عند المؤلّف ويقال أيضًا عن أبي اليمان أتحنت بالمثناة، لكن قال القاضي عياض: بالمثلثة أصح رواية ومعنى أتحنث أي أتعبد (بها في الجاهلية) قبل الإسلام (من صدقة أو عتاقة) بالألف قبل الواو وكان أعتق مائة رقبة في الجاهلية وحمل على مائة بعير (وصلة رحم) بغير ألف قبل الواو (فهل) لي (فيها من أجر؟ فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أسلمت على) قبول (ما سلف) لك (من خير). ويؤيد ظاهر هذا الحديث ما رواه الدارقطني في غرائب مالك من حديث أبي سعيد مرفوعًا: إذا أسلم الكافر فحسن إسلامه كتب الله له كل حسنة كان زلفها ومحا عنه كل سيئة كان زلفها، وكان عمله

25 - باب أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غير مفسد

بعد ذلك الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها، لكن هذا لا يتخرج على القواعد الأصولية لأن الكافر لا يصح منه في حال كفره عبادة لأن شرطها النية وهي متعذرة منه، وإنما يكتب له ذلك الخير بعد إسلامه تفضلاً من الله مستأنفًا من أو المعنى أنك ببركة فعل الخير هديت إلى الإسلام لأن المبادئ عنوان الغايات، أو إنك بفعلك ذلك اكتسبت طباعًا جميلة فانتفعت بتلك الطباع في الإسلام وقد مهدت لك تلك العادة معونة على فعل الخير. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه أيضًا في البيوع والأدب والعتق، وأخرجه مسلم في الإيمان. 25 - باب أَجْرِ الْخَادِمِ إِذَا تَصَدَّقَ بِأَمْرِ صَاحِبِهِ غَيْرَ مُفْسِدٍ (باب أجر الخادم) هو شامل للمملوك والزوجة وغيرهما (إذا تصدق بأمر صاحبه) حال كونه (غير مفسد) في صدقته. 1437 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا تَصَدَّقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا، وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ». وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) بالهمزة شقيق (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا تصدّقت المرأة من طعام زوجها) بإذنه ولو إذنًا عامًا حال كونها (غير مفسدة) بأن لا تتعدى إلى الكثرة المؤدّية إلى النقص الظاهر وهذا القيد متفق عليه فالمراد إذا تصدقت بشيء يسير (كان لها أجرها) بما تصدقت (ولزوجها) أجره (بما كسب وللخازن) أجره (مثل ذلك). وفرق بعضهم بين المرأة والخازن بأن لها حقًا في مال زوجها والنظر في بيتها فلها التصدق بغير إذنه بخلاف الخازن فليس له ذلك إلا بإذن، وفيه نظر لأنها إن استوفت حقها فتصدقت منه فقد تخصصت به، وإن تصدقت من غير حقها رجع الأمر كما كان، والحديث سبق قريبًا والله المعين. 1438 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَازِنُ الْمُسْلِمُ الأَمِينُ الَّذِي يُنْفِذُ -وَرُبَّمَا قَالَ يُعْطِي- مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلاً مُوَفَّرًا طَيِّبٌ بِهِ نَفْسُهُ فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ». [الحديث 1438 - طرفاه في: 2260، 2319]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بن كريب أبو كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء مصغرًا (عن) جدّه (أبي بردة) بضم الموحدة عامر (عن) أبيه (أبي موسى) الأشعري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ) بضم أوّله وسكون ثانيه وكسر ثالثه مخففًا آخره ذال معجمة مضارع أنفذ ويجوز فتح النون وتشديد الفاء مضارع نفذ وهو إما من الإفعال أو من التفعيل وهو الإمضاء. ولأبي الوقت في غير اليونينية: ينفق بالقاف بدل المعجمة (وربما قال يعطي ما أمر به) من الصدقة (كاملاً موفرًا طيب به نفسه) برفع طيب ونفسه مبتدأ وخبر مقدم والجملة في موضع الحال، وللكشميهني: طيبًا بالنصب على الحال به نفسه بالرفع فاعل بقوله طيبًا (فيدفعه إلى) الشخص (الذي أمر له) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول أي الذي أمر الآمر له (به) أي بالدفع (أحد المتصدقين) بفتح القاف لكن أجره غير مضاعف له عشر حسنات بخلاف رب المال فهو نحو قولهم في المبالغة: القلم أحد اللسانين، وأحد بالرفع خبر المبتدأ الذي هو الخازن، وقيد الخازن بكونه مسلمًا لأن الكافر لا نية له وبكونه أمينًا لأن الخائن غير مأجور ورتب الأجر على إعطائه ما أمر به لئلا يكون خائنًا أيضًا، وأن تكون نفسه بذلك طيبة لئلا يعدم النية فيفقد الأجر، والبخيل كل البخيل من بخل بمال غيره وأن يعطي من أمر بالدفع إليه لا لغيره. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الوكالة والإجارة ومسلم في الزكاة وكذا أبو داود والنسائي. 26 - باب أَجْرِ الْمَرْأَةِ إِذَا تَصَدَّقَتْ أَوْ أَطْعَمَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ (باب أجر المرأة إذا تصدَّقت) من مال زوجها (أو أطعمت) شيئًا (من بيت زوجها) حال كونها (غير مفسدة) جاز لها ذلك للإذن المفهوم من اطراد العرف فإن علم شحه أو شك فيه لم يجز ولم يقيد هنا بالأمر كالسابق، فقيل: لأنه فرق بين المرأة والخادم بأن المرأة لها ذلك بشرطه كما مرّ بخلاف الخازن والخادم. 1439 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ وَالأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَعْنِي إِذَا تَصَدَّقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا ح. وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا منصور) هو ابن المعتمر (والأعمش) كلاهما (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن مسروق

27 - باب قول الله تعالى {فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى} اللهم أعط منفق مال خلفا

عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني) بالمثناة التحتية وبالفوقية أي عائشة حديث: (إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها) إلى آخرَ الحديث الذي حول الإسناد إليه بقوله (ح). 1440 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَطْعَمَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ لَهَا أَجْرُهَا وَلَهُ مِثْلُهُ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لَهُ بِمَا اكْتَسَبَ وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ». (حدّثنا عمر بن حفص، بضم العين قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا أطعمت المرأة من بيت زوجها) حاك كونها (غير مفسدة) كان (لها أجرها) أي الصدقة. وللكشميهني: كان لها أجرها (وله) أي الزوج (مثله وللخازن مثل ذلك، له) أي الزوج (بما اكتسب ولها) أي الزوجة (بما أنفقت) ولابن عساكر: ولها مثل ما أنفقت. 1441 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ فَلَهَا أَجْرُهَا، وَلِلزَّوْجِ بِمَا اكْتَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن يحيى) التيمي قال: (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور عن شقيق عن مسروق عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي قال): (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها) حال كونها (غير مفسدة فلها أجرها) أي الصدقة (وللزوج) أجره (بما اكتسب وللخازن مثل ذلك) الأجر بالشرط المذكور في حديث أبي موسى السابق قريبًا. وظاهره يعطي التساوي المذكورين في الأجر، ويحتمل أن يكون المراد بالمثل حصول الأجر في الجملة وإن كان أجر الكاسب أوفر لكن يعكر عليه حديث أبي هريرة بلفظ: فلها نصف أجره إذ هو يشعر بالتساوي، وهذا الحديث أورده المؤلّف من ثلاثة طرق عن عائشة كلها تدور على شقيق عن مسروق عنها وفي كل زيادة فائدة ليست في الآخر كما تراه، فلفظ الأعمش: إذا أطعمت من بيت زوجها، ولفظ منصور: إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها فالله تعالى يرحم المؤلّف ما أكثر فرائد فوائده ولله دره ما أحلى مكرره. 27 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقَ مَالٍ خَلَفًا (باب قول الله تعالى: ({فأما من أعطى}) ماله لوجه الله ({واتقى}) محارمه ({وصدق بالحسنى}) أي بالمجازاة وأيقن أن الله سيخلفه أو بالكلمة الحسنى وهي كلمة التوحيد أو الجنة ({فسنيسره}) سنهيئه في الدنيا ({لليسرى}) للخلة التي توصله إلى اليسر والراحة في الآخرة يعني للأعمال الصالحة المسببة لدخول الجنة ({وأما من بخل}) بما أمر به من الإنفاق في الخيرات ({واستغنى}) بالدنيا عن العقبى ({وكذب بالحسنى، فسنيسره}) في الدنيا ({للعسرى}) [الليل: الآيات 5 - 10] للخلة المؤدّية إلى الشدة في الآخرة وهي الأعمال السيئة المسببة لدخول النار (اللهم أعط منفق مال خلفًا) بجر مال على الإضافة. ولأبي الوقت من غير اليونينية. منفقًا مالاً خلفًا بنصب مالاً مفعول منفق بدليل رواية الإضافة إذ لولاها لاحتمل أن يكون مفعول أعط والأوّل أولى من جهة أخرى وهي أن سياق الحديث للحض على إنفاق المال فناسب أن يكون مفعول منفق، وأما الخلف فإبهامه أولى ليتناول المال والثواب فكم من منفق مال قل أن يقع له الخلف المالي فيكون خلفه الثواب المعدّ له في الآخرة أو يدفع عنه من السوء ما يقابل ذلك قاله في فتح الباري وهمزة أعط قطع والجملة عطف على قول الله بحذف حرف العطف ذكره على سبيل البيان للحسنى، فكأنه يشير إلى أن قول الله تعالى مبين بالحديث يعني تيسير اليسرى له إعطاء الخلف له قاله الكرماني. 1442 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا». وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدَّثني) بالإفراد (أخي) أبو بكر اسمه عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن معاوية بن أبي مزرّد) بضم الميم وفتح الزاي المعجمة وكسر الراء المشددة آخره دال مهملتين واسمه عبد الرحمن (عن) عمه (أبي الحباب) بضم الحاء المهملة وبموحدتين بينهما ألف مخففًا سعيد بن يسار ضدّ اليمين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ما من يوم يصبح العباد فيه) ينزل فيه أحد (إلا ملكان) فما بمعنى ليس ويوم اسمه ومن زائدة، ويصبح العباد صفة يوم، وملكان مستثنى من محذوف هو خبر ما أي ليس يوم موصوف بهذا الوصف ينزل فيه أحد إلا ملكان كما مر فحذف المستثنى منه ودل عليه بوصف الملكين (ينزلان فيقول

28 - باب مثل المتصدق والبخيل

أحدهما: اللهم أعط) بقطع همزة أعط (منفقًا) ماله في طاعتك (خلفًا) بفتح اللام أي عوضًا كقوله تعالى: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه، وقوله: ابن آدم أنفق أنفق عليك. (ويقول): الملك (الآخر اللهم أعط ممسكًا تلفًا) زاد ابن أبي حاتم من طريق قتادة عن أبي الدرداء فأنزل الله تعالى في ذلك {فأما من أعطى واتقى} إلى قوله: {العسرى} وقوله: اللهم أعط ممسكًا تلفًا هو من قبيل المشاكلة لأن التلف ليس بعطية وظاهره كما قال القرطبي: يعم الواجبات والمندوبات لكن الممسك عن المندوبات لا يستحق الدعاء بالتلف: نعم، إذا غلب عليه البخل الذموم بحيث لا تطيب نفسه بإخراج ما أمر به إذا أخرجه. ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون، وأخرجه مسلم في الزكاة والنساني في عشرة النساء، وكذا أخرجه من حديث أبي الدرداء أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه، والبيهقي من طريق الحاكم بلفظ: ما من يوم طلعت فيه شمسه إلا وكان بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ولا آبت الشمس إلا وكان بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين اللهم أعط منفقًا خلفًا وأعط ممسكًا تلفًا، وأنزل الله في ذلك قرآنًا في قول الملكين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم في سورة يونس: {والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} [يونس: 25] وأنزل الله في قولهما اللهم أعط منفقًا خلفًا وأعط ممسكًا تلفًا {والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى} إلى قوله: {للعسرى} [الليل: 1 - 10] وقوله بجنبتيها تثنية جنبة بفتح الجيم وسكون النون وهي الناحية. 28 - باب مَثَلِ الْمُتَصَدِّقِ وَالْبَخِيلِ (باب مثل المتصدق والبخيل). 1443 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ». ح. وَحَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا. فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلاَ يُنْفِقُ إِلاَّ سَبَغَتْ -أَوْ وَفَرَتْ- عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ. وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلاَ يُرِيدُ أَنْ يُنْفِقَ شَيْئًا إِلاَّ لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا، فَهُوَ يُوَسِّعُهَا وَلاَ تَتَّسِعُ». تَابَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ فِي الْجُبَّتَيْنِ. [الحديث 1443 - أطرافه في: 1444، 2917، 5299، 5797]. 1444 - وَقَالَ حَنْظَلَةُ عَنْ طَاوُسٍ «جُنَّتَانِ». وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ عَنِ ابْنِ هُرْمُزٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «جُنَّتَانِ». وبالسند قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مثل البخيل والمتصدق) وفي الرواية اللاحقة والمنفق (كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد) بضم الجيم وتشديد الموحدة ولم يسق المؤلّف تمام هذا المتن في هذه الطريق. نعم أخرجه بهذا الإسناد في الجهاد عن موسى بتمامه ولفظه مثل البخيل والمتصدق مثل رجلين عليهما جبتان بالموحدة من حديد قد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما، فكلما همّ المتصدق بصدقته اتسعت عليه حتى تعفي أثره، وكلما همّ البخيل بالصدقة انقبضت كل حلقة إلى صاحبتها وتقلصت عليه وانضمت يداه إلى تراقيه فسمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول فيجتهد أن يوسعها فلا تتسع، أخرجه مسلم أيضًا في الزكاة وكذا النسائي. قال المؤلّف بالسند: (ح وحدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) بكسر الزاي وفتح النون عبد الله بن ذكوان (أن عبد الرحمن) الأعرج (حدّثه أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (مثل البخيل والمنفق) وفي السابقة والمتصدق (كمثل رجلين عليهما جبتان) بضم الجيم وتشديد الموحدة كالسابقة ومن رواه هنا بالنون بدل الموحدة فقد صحف، نعم، قال في الفتح: اختلف في رواية الأعرج هذه والأكثر أنها بالموحدة أيضًا، وفي رواية حنظلة وابن هرمز عند المؤلّف بالنون كما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى وهي بالموحدة ثوب مخصوص ولا مانع من إطلاقه على الدرع (من حديد من ثديهما) بضم المثلثة وكسر الدال المهملة وتشديد المثناة التحتية جمع ثدي (إلى تراقيهما) بفتح أوله وكسر القاف جمع ترقوة العظمين المشرفين في أعلى الصدر من رأس المنكبين إلى طرف ثغرة النحر، (فأما المنفق فلا ينفق) شيئًا (إلا سبغت) بفتح السين المهملة والموحدة المخففة والغين المعجمة أي امتدت وغطت (أو وفرت) بتخفيف الفاء من الوفور والشك من الراوي أي كملت (على جلده حتى تخفي) بضم المثناة الفوقية وسكون الخاء المعجمة وكسر الفاء أي تستر (بنائه) بفتح الموحدة ونونين الأولى خفيفة أي أصابعه. وللحميدي: حتى تجن

29 - باب صدقة الكسب والتجارة، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} -إلى قوله- {غني حميد}

بضم أوله وكسر الجيم وتشديد النون من أجن الشيء إذا ستره. وذكرها الخطابي في شرحه للبخاري كرواية الحميدي (وتعفو أثره) بفتح الهمزة واالمثلثة وتعفو نصب عطفًا على تخفي وكلاهما مسند إلى ضمير الجبة وعفا يستعمل لازمًا ومتعديًا تقول: عفت الديار إذا درست وعفاها الريح إذا طمسها ودرست وهو في الحديث متعد أي تمحو أثر مشيه لسبوغها. يعني: أن الصدقة تستر خطايا المتصدق كما يستر الثوب الذي يجر على الأرض أثر مشي لابسه بمرور الذيل عليه فضرب المثل بدرع سابغة فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه. والمراد أن الجواد إذا همّ بالصدقة انفسح لها صدره وطابت بها نفسه فتوسعت بالإنفاق. (وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئًا إلا لزقت) بكسر الزاي أي التصقت (كل حلقة) بسكون اللام (مكانها فهو يوسعها ولا تتسع) ولأبي الوقت: فلا تتسع بالفاء بدل الواو وضرب المثل برجل أراد أن يلبس درعًا يستجن به فحالت يداه بينها وبين أن تمر على سائر جسده فاجتمعت في عنقه فلزمت ترقوته. والمعنى: أن البخيل إذا حدّث نفسه بالصدقة شحت نفسه وضاق صدره وانقبضت يداه. (تابعه) أي تابع ابن طاوس (الحسن بن مسلم) هو ابن يناق في روايته (عن طاوس في الجبتين) بالموحدة وهذه المتابعة أخرجها المؤلّف في اللباس في باب جيب القميص. (وقال حنظلة) بن أبي سفيان في روايته (عن طاوس جنتان) بالنون بدل الموحدة وهذا ذكره المؤلّف أيضًا في اللباس معلقًا، ووصله الإسماعيلي من طريق إسحاق الأزرقي عن حنظلة (وقال: الليث) بن سعد: (حدّثني) بالإفراد (جعفر) هو ابن ربيعة (عن ابن هرمز) عبد الرحمن (سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (جنتان) بالنون أيضًا ورجحت هذه الرواية على السابقة لقوله من حديد والجنة في الأصل الحصن وسميت بها الدرع لأنها تجن صاحبها أي تحصنه. 29 - باب صَدَقَةِ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- {غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (باب صدقة الكسب والتجارة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} أي من التجارة الحلال كما أخرجه الطبراني وابن أبي حاتم عن مجاهد {ومما أخرجنا لكم من الأرض} [البقرة: 267] أي ومن طيبات ما أخرجنا لكم من الحبوب والثمار والمعادن فحذف المضاف لتقدم ذكره (إلى قوله غني حميد) أي غني عن إنفاقكم وإنما يأمركم به لانفاعكم وسقط في رواية غير أو ذر: {ومما أخرجنا لكم من الأرض} ولم يذكر فى هذا الباب حديثًا على عادته فيما لم يجد على شرطه والله أعلم. 30 - باب عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ (باب) بالتنوين (على كل مسلم صدقة فمن لم يجد) ما يتصدق به (فليعمل بالمعروف). 1445 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ. فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ. قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ. قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ. قَالَ: فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ». [الحديث 1445 - طرفه في: 6022]. وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) القصاب قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا سعيد بن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء (عن أبيه) أبي بردة عامر (عن جده) جد سعيد أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (على كل مسلم صدقة) أي على سبيل الاستحباب المتأكد ولا حق في المال سوى الزكاة إلا على سبيل الندب ومكارم الأخلاق كما قاله الجمهور (فقالوا يا نبي الله فمن لم يجد) ما يتصدق به (قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق قالوا: فإن لم يجد قال: يعين ذا الحاجة الملهوف) بالنصب صفة لذا الحاجة المنصوب على المفعولية والملهوف شامل للمظلوم والعاجز (قالوا: فإن لم يجد) أي فإن لم يقدر (قال: فليعمل بالمعروف). وعند المؤلّف في الأدب من وجه آخر عن شعبة فليأمر بالخير أو بالمعروف. وزاد أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة: وينهى عن المنكر (وليمسك عن الشر فإنها) بتأنيث الضمير باعتبار الخصلة التي هي الإمساك (له) أي للممسك (صدقة) والحاصل أن الصدقة تكون بمال موجود أو بمقدور التحصيل أو بغير مال وذلك إما فعل وهو الإعانة أو ترك وهو الإمساك عن الشر، لكن قال ابن المنير: حصول ذلك للممسك إنما يكون مع نيّة القربة به وفيه تنبيه على أن الترك فعل، ولذا جعل الإمساك والكف صدقة ولا خلاف أن الصدقة فعل فقد صدق على الترك أنه فعل. ورواة

31 - باب قدر كم يعطى من الزكاة والصدقة، ومن أعطى شاة

هذا الحديث كوفيون إلا شيخ المؤلّف فبصري وشعبة فواسطي، وفيه التحديث والعنعنة ورواية الابن عن أبيه عن جدّه، وأخرجه مسلم والنسائي في الزكاة. 31 - باب قَدْرُ كَمْ يُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَةِ، وَمَنْ أَعْطَى شَاةً (باب) بالتنوين (قدر كم يعطي) المزكي (من الزكاة) المفروضة (و) كم يعطي المتصدق من (الصدقة) المسنونة وهو من عطف العام على الخاص (و) حكم (من أعطى شاة) في الزكاة ولأبي ذر أعطي بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول. 1446 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "بُعِثَ إِلَى نُسَيْبَةَ الأَنْصَارِيَّةِ بِشَاةٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- مِنْهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عِنْدَكُمْ شَىْءٌ؟ فَقُلْتُ: لاَ، إِلاَّ مَا أَرْسَلَتْ بِهِ نُسَيْبَةُ مِنْ تِلْكَ الشَّاةِ. فَقَالَ: هَاتِ، فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا". [الحديث 1446 - طرفاه في: 1494، 2579]. وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) التميمي اليربوعي قال: (حدّثنا أبو شهاب) عبد ربه بن نافع الحناط بفتح الحاء المهملة والنون (عن خالد الحذاء) بفتح الحاء المهملة والذال المعجمة المشددة ممدودًا (عن حفصة بنت سيرين) أم الهذيل الأنصارية (عن أم عطية) نسيبة (-رضي الله عنها-) أنها (قالت: بعث) بضم الموحدة وكسر العين مبنيًا للمفعول (إلى نسيبة) أم عطية (الأنصارية) بضم النون وفتح السين مصغرًا غير منصرف، وللمستملي: نسيبة بفتح النون وكسر السين (بشاة) من الصدقة (فأرسلت) نسيبة (إلى عائشة -رضي الله عنها-) وقد كان مقتضى الظاهر أن تقول بعث إلي بضمير المتكلم المجرور، ولكنها عبرت عن نفسها بالظاهر حيث قالت إلى نسيبة موضع المضمر الذي هو ضمير المتكلم المجرور أما على سبيل الالتفات أو جردت من نفسها ذاتًا تسمى نسيبة وليست أم عطية غير نسيبة بل هي هي ولخوف هذا التوهم زاد ابن السكن هنا عن الفربري. قال أبو عبد الله أي البخاري نسيبة هي أم عطية وفي نسخة وهي رواية أبي ذر بعث بفتحات مبنيًا للفاعل إلى نسيبة بشاة فأرسلت أي نسيبة إلى عائشة -رضي الله عنها-. ولمسلم عن أم عطية قالت: بعث إلي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشاة من الصدقة فبعثت إلى عائشة منها بشيء الحديث وهو يدل على أن الباعث الرسول عليه الصلاة والسلام، ولغير أبي ذر: بعثت بفتحات وسكون تاء التأنيث إليّ بتشديد المثناة نسيبة بالرفع على الفاعلية بشاة فأرسلت بسكون اللام إلى عائشة -رضي الله عنها- (منها) أي من الشاة (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):.- (عندكم شيء) ولمسلم: هل عندكم شيء؟ قالت عائشة: (فقلت) ولأبي ذر: فقالت (لا) شيء عندنا (إلا ما أرسلت به) أم عطية (نسيبة من تلك الشاة) وللمستملي والحموي من ذلك الشاة. (فقال): عليه الصلاة والسلام (هاتِ) بكسر التاء حذفت الياء منه تخفيفًا (قد بلغت محلها) بكسر الحاء أي وصلت إلى الموضع الذي تحل فيه بصيرورتها ملكًا للمتصدق بها عليهم فصحت منها هديتها، وإنما قال ذلك لأنه كان يحرم عليه أكل الصدقة. ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن لها جزأين: أحدهما مقدار كم يعطي ويطابقه إرسال نسيبة إلى عائشة من تلك الشاة التي أرسلها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الصدقة، والجزء الثاني ومن أعطى شاة ومطابقته من جهة إرسال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليها بشاة كاملة قاله صاحب عمدة القاري. وأخرجه المؤلّف أيضًا في الزكاة والهبة ومسلم في الزكاة. 32 - باب زَكَاةِ الْوَرِقِ (باب زكاة الورِق) بفتح الواو وكسر الراء الفضة. 1447 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ مِنَ الإِبِلِ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو سَمِعَ أَبَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن عمرو بن يحيى) بفتح العين وسكون الميم (المازني عن أبيه) يحيى بن عمارة (قال: سمعت أبا سعيد الخدري) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ليس فيما دون خمس ذود) بفتح المعجمة وسكون الواو آخره مهملة (صدقة من الإبل) بيان للذود (وليس فيما دون خمس أواق) بالتنوين كجوار من الورق مضروبًا أو غير مضروب (صدقة) والأوقية أربعون درهمًا بالاتفاق كما مرّ، والجملة مائتا درهم وذلك أربعمائة نصف معاملة مصر الآن ولا شيء في المغشوش حتى يبلغ خالصه نصابًا، والاعتبار بوزن مكة تحديدًا حتى لو نقص بعض حبة أو في بعض الموازين دون بعض لم تجب والقدر المخرج منها الذي هو ربع العشر خمسة دراهم وهي عشرة أنصاف. وهذا موضع الترجمة كما لا يخفى. وأما الذهب ففي عشرين مثقالاً منه ربع العشر لحديث أبي داود بإسناد صحيح أْو حسن عن عليّ عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ليس في أقل من عشرين دينارًا شيء وفي عشرين نصف دينار فنصاب

33 - باب العرض في الزكاة

الذهب أربعمائة قيراط وسبعة وخمسون قيراطًا وسبع قيراط ووزنه ثلاث حبات وثلاثة أرباع خمس حبة أو ثمن حبة وخمس ثمن حبة وهي من الشعير المتوسط الذي لم يقشر بل قطع من طرفي الحبة منه ما دق وطال، وإنما كان القيراط ما ذكر لأنه ثلاثة أثمان الدانق الذيَ هو سدس درهم وهو ثمان شعيرات وخمسا شعيرة على الأرجح اضربهما في ستة يحصل خمسون شعيرة وخمسا شعيرة وذلك هو الدرهم الإسلامي الذي هو ستة عشر قيراطًا زد عليه ثلاثة أسباعه من الحب وهي إحدى وعشرون حبة وثلاثة أخماس حبة فيكون الدينار الشرعي الذي هو مثقال اثنتين وسبعين حبة ويكون النصاب ألفًا وأربعمائة حبة وأربعين حبة، وإنما زيد على الدرهم ثلاثة أسباعه من الحب لأن المثقال درهم وثلاثة أسباعه، ومنهم من ضبط الدرهم والدينار بحب الخردل البري فقال: المثقال ستة آلاف حبة والدرهم أربعة آلاف ومائتان لأن الدرهم سبعة أعشار المثقال كما تقرر، ونقل بعضهم عن المحققين أن ضبطه بالخردل المذكور أجود لقلة التفاوت فيه، وعلى هذا الضبط فالنصاب مائة ألف خردلة وعشرون ألف والدانق سبعمائة خردلة والقيراط مائتا خردلة واثنتان وستون خردلة ونصف خردلة فيكون النصاب بالدراهم ثمانية وعشرين درهمًا وأربعة أسباع درهم لأن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل وذلك اثنان وعشرون قيراطًا وستة أسباع قيراط فإذا ضربت ذلك في عشرين عدد المثاقيل الذي هو النصاب تبلغ ما ذكر أولاً من القراريط، فإذا أردت معرفة قدر النصاب الشرعي بدنانير مصر الآن التي كل واحد منها درهم وثمن وهو ثمانية عشر قيراطًا فاضربها في خمسة وعشرين أشرفيًا تبلغ أربعمائة وخمسين قيراطًا يفضل مما تقدم سبعة قراريط وسُبع قيراط انسبهما لثمانية عشر يكونا سبعيها وتسعيها، فيكون النصاب خمسة وعشرين أشرفيًا وسبعي أشرفي وتسعة وهما من الفضة تسعة أنصاف وخمسة أسداس نصف فضة ونصف سدسه وثلث سبع نصف سدس، وهذه الكسور بالفلوس أحد عشر درهمًا وثلث سبع درهم، وقدر الزكاة من كامل النصاب خمسة أثمان أشرفي كامل وخمسة أسباع ثمن تسعة وذلك بالفضة خمسة عشر نصفًا وخمسة أسداس نصف قضة وثلاثة أسباع نصف سدسه وثلث سبع نصف سدسه وذلك عشرة دراهم فلوسًا وثلاثة أسباع درهم وثلث سبعه وحينئذ فزكاة النصاب خمسة أثمان أشرفي وربع عشره وهو من الفضة ستة عشر نصفًا وربع نصف فضة. كذا حرره الشيخ شمس الدين محمد ابن شيخنا الحافظ فخر الدين الديمي وصوّبه غير واحد من الأئمة. (ليس فيما دون خمسة أوسق) ألف وستمائة رطل بالبغدادي من الثمار والحبوب (صدقة). وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (قال: حدَّثني) بالإفراد، ولابن عساكر: حدّثنا (يحيى ابن سعيد) بكسر العين الأنصاري (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو) أنه (سمع أباه) يحيى (عن أبي سعيد) الخدري (-رضي الله عنه-) أنه قال: (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) الحديث وفائدة إيراده لهذه الطريق التصريح بسماع عمرو بن يحيى من أبيه بخلاف الأولى فإنه بالعنعنة. 33 - باب الْعَرْضِ فِي الزَّكَاةِ وَقَالَ طَاوُسٌ قَالَ مُعَاذٌ -رضي الله عنه- لأَهْلِ الْيَمَنِ ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ، أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ، وَخَيْرٌ لأَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَأَمَّا خَالِدٌ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» فَلَمْ يَسْتَثْنِ صَدَقَةَ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِهَا. فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا. وَلَمْ يَخُصَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنَ الْعُرُوضِ. (باب) جواز أخذ (العرض) بفتح العين وسكون الراء وبالضاد المعجمة خلاف الدنانير والدراهم (في الزكاة. وقال طاوس) هو ذكوان مما رواه يحيى بن آدم في كتاب الخراج (قال معاذ) هو ابن جبل (-رضي الله عنه- لأهلِ اليمن: ائتوني بعرض) بفتح العين المهملة وسكون الراء بعدها ضاد معجمه (ثياب) بالتنوين بدل من عرض أو عطف بيان وجوز بعضهم إضافة عرض للاحقه كشجر أراك فالإضافة بيانية والعرض ما عدا النقدين (خميص) بفتح الخاء المعجمة وآخره صاد مهملة بيان لسابقه أي خميصة وذكره على إرادة الثوب. وقال الكرماني: كساء أسود مربع له علمان، والمشهور خميس بالسين قال أبو عبيد هو ما طوله خمسة أذرع (أو لبيس) بفتح اللام وكسر الموحدة المخففة فعيل بمعنى ملبوس (في الصدقة مكان الشعير والذرة)، بضم الذال المعجمة وتخفيف

الراء هو (أهون) أسهل (عليكم)، عبر بعلى دون اللام لإرادة تسلط السهولة عليهم (وخير) أي أرفق (لأصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة) لأن مؤنة النقل ثقيلة فرأى الأخف في ذلك خيرًا من الأثقل وهو موافق لمذهب الحنفية في جواز دفع القيم في الزكاة وإن كان المؤلّف كثير المخالفة لهم لكن قاده إليه الدليل كما قاله ابن رشيد، وهذا التعليق وإن كان صحيحًا إلى طاوس لكن طاوس لم يسمع من معاذ فهو منقطع نعم إيراد المؤلّف له في معرض الاحتجاج يقتضي قوّته عنده. وقد حكى البيهقي عن بعضهم أنه قال فيه عن الجزية بدل الصدقة فإن ثبت ذلك فقد سقط الاحتجاج به لكن المشهور الأول أي رواية الصدقة وقد أجيب بأن معاذًا كان يقبض منهم الزكاة بأعيانها غير مقوّمة فإذا قبضها عاوض عنها حينئذ من شاء بما شاء من العروض، ولعله كان يبيع صدقة زيد من عمرو حتى يخلص من كراهة بيع الصدقة لصاحبها وقيل: لا حجه في هذا على أخذ القيمة في الزكاة مطلقًا لأنه لحاجة علمها بالمدينة رأى المصلحة في ذلك واستدلّ به على نقل الزكاة. وأجيب: بأن الذي صدر من معاذ كان على سبيل الاجتهاد فلا حجة فيه، وعورض بأن معاذًا كان أعلم الناس بالحلال والحرام وقد بين له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أرسله إلى اليمن ما كان يصنع. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث أبي هريرة الآتي موصولاً إن شاء الله تعالى في باب قول الله تعالى: وفي الرقاب (وأما خالد) هو ابن الوليد (احتبس) أي وقف ولأبوي ذر والوقت: فقد احتبس (أدراعه) جمع درع وهي الزردية (وأعتده) بضم المثناة الفوقية جمع عتد بفتحتين، ولأبي ذر: وأعتده بكسر التاء، ولمسلم: أعتاده جمع عتاد بفتح العين، لكن نقل ابن الأثير عن الدارقطني أن أحمد صوّب الأولى وأن علي بن حفص أخطأ في قوله أعتاده وصحف. وقال بعضهم: إن أحمد إنما حكى عن علي بن حفص وأعتده بالمثناة وأن الصواب وأعبده بالموحدة لكن لا وهم مع صحة الرواية والذي يظهر أن الصحيح رواية اعتده بالمثناة الفوقية وهو المعد من السلاح والدواب للحرب (في سبيل الله) قال النووي إنهم طلبوا من خالد زكاة أعتاده ظنًّا أنها للتجارة فقال لهم لا زكاة علي فقالوا للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن خالدًا منع فقال إنكم تظلمونه إنه حبسها ووقفها في سبيل الله قبل الحول فلا زكاة فيها وفيه دليل على وقف المنقول خلافًا لبعض الكوفيين انتهى. وقال البدر الدماميني ولا أدري كيف ينتهض حديث وقف خالد لأدراعه وأعتده دليلاً للبخاري على أخذ العرض في الزكاة ووجهه غيره من حيث إن أدراعه وأعتده من العرض ولولا أنه وقفهما لأعطاهما في الزكاة أو لما صح منه صرفهما في سببيل الله فدخلا في أحد مصاريف الزكاة الثمانية فلم يبق عليه شيء واستشكله ابن دقيق العيد بأنه إذا حبس تعين مصرفه من حيث التحبيس، فلا يكون مصرفًا من حيث الزكاة ثم تخلص من ذلك باحتمال أن يكون المراد بالتحبيس الإرصاد لذلك لا الوقف فيزول الإشكال. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله المؤلّف في العيدين من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: (تصدقن) أي أدّين صدقاتكن (ولو من حليكن) بضم الحاء المهملة وكسر اللام وتشديد التحتية. قال البخاري: (فلم يستثن) عليه الصلاة والسلام (صدقة الفرض من غيرها) ولأبي ذر: صدقة العرض بالعين المهملة بدل الفاء (فجعلت المرأة تلقي خرصها) بضم الخاء المعجمة وسكون الراء وبالصاد المهملة حلقتها التي في أذنها (وسخابها) بكسر السين المهملة قلادتها قال البخاري: (ولم يخص) عليه الصلاة والسلام (الذهب والفضة من العروض) وموضع الدلالة منه قوله وسخابها لأن السخاب ليس من ذهب ولا فضة بل من مسك وقرنفل ونحوهما، فدلّ على أخذ القيمة في الزكاة، لكن قوله: ولو من حليكن يدل على أنها لم تكن صدقة محدودة على حد الزكاة فلا حجة فيه والصدقة إذا أطلقت حملت على التطوع عرفًا. 1448 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- كَتَبَ لَهُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَىْءٌ». [الحديث 1448 - أطرافه في: 1450، 1451، 1453، 1454، 1455، 2487، 3106، 5878، 6955]. وبالسند

34 - باب لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع ويذكر عن سالم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله

قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله) قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي) عبد الله بن المثنى (قال: حدّثني) باللإفراد عمي (ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم ابن عبد الله بن أنس قاضي البصرة (أن) جدّه (أنسًا) هو ابن مالك (-رضي الله عنه- حدثه أن أبا بكر) الصديق (-رضي الله عنه- كتب له) الفريضة التي تؤخذ في زكاة الحيوان (التي أمر الله رسوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بها، وثبت لفظ التي للكشميهني (ومن بلغت صدقته بنت مخاض) بأن كان عنده من الإبل خمس وعشرون إلى خمس وثلاثين وبنت المخاض بفتح الميم وبالخاء والضاد المعجمتين الأنثى من الإبل وهي التي تم لها عام سميت به لأن أمها آن لها أن تلحق بالمخاض وهو وجع الولادة وإن لم تحمل وبنت بالنصب على المفعولية وفي نسخة بإضافة صدقة إلى بنت (وليست عنده) أي: والحال أن بنت المخاض ليست موجودة عنده (و) الحال أن الموجود (عنده بنت لبون) أنثى وهي التي آن لأمها أن تلد فتصير لبونًا (فإنها تقبل منه) أي من المالك من الزكاة (ويعطيه المصدق) بضم الميم وتخفيف المهملة وكسر الدال كمحدث آخذ الصدقة وهو الساعي الذي يأخذ الزكاة (عشرين درهمًا) فضة من النقرة الخالصة وهي المراد بالدراهم الشرعية حيث أطلقت، (أو شاتين) بصفة الشاة المخرجة عن خمس من الإبل (فإن لم يكن عنده) أي المالك (بنت مخاض على وجهها) المفروض (وعنده ابن لبون) ذكر (فإنه يقبل منه) وإن كان أقل قيمة منها ولا يكلف تحصيلها (وليس معه شيء) وهذا طرف من حديث الصدقات، ويأتي إن شاء الله تعالى معظمه في باب زكاة الغنم ودلالته على الترجمة من جهة قبول ما هو أنفس مما يجب على المتصدق وإعطاؤه التفاوت من جنس غير الجنس الواجب وكذا العكس. وأجيب: بأنه لو كان كذلك لكان ينظر إلى ما بين السنين في القيمة فكان العرض يزيد تارة وينقص أخرى لاختلاف ذلك في الأمكنة والأزمنة، فلما قدّر الشارع التفاوت بمقدار معين لا يزيد ولا ينقص كان ذلك هو الواجب في مثل ذلك، قاله في فتح الباري. ورواة هذا الحديث بصريون وفيه التحديث، وأخرجه المؤلّف في مواضع قال المزي في الأطراف ستة في الزكاة أي هنا، وباب لا يجمع بين متفرق، وباب ما كان من خليطين، وباب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض، وباب زكاة الغنم، وباب لا تؤخذ في الصدقة هرمة وفي الخمس والشركة واللباس وترك الحيل. وقال صاحب التلويح في عشرة مواضع بإسناد واحد مقطعًا من حديث ثمامة عن أنس، وأخرجه أبو داود في الزكاة وكذا النسائي وابن ماجة. 1449 - حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ النِّسَاءَ، فَأَتَاهُنَّ وَمَعَهُ بِلاَلٌ نَاشِرَ ثَوْبِهِ فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي" وَأَشَارَ أَيُّوبُ إِلَى أُذُنِهِ وَإِلَى حَلْقِهِ. وبه قال: (حدّثنا مؤمل) بضم الميم الأولى وفتح الثانية مشدّدة بلفظ المفعول ابن هشام البصري قال: (حدّثنا إسماعيل) بن علية (عن أيوب) السختياني (عن عطاء بن أبي رباح قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: أشهد على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لصلّى) بفتح اللامين والأولى جواب قسم محذوف بتضمنه لفظ أشهد أي والله لقد صلّى صلاة العيد (قبل الخطبة فرأى) عليه الصلاة والسلام (أنه لم يسمع النساء) خطبته لبعدهن (فأتاهن) أي فجاء إليهن (ومعه بلال) حال كونه (ناشر ثوبه) بالإضافة، ولأبي ذر: ناشر ثوبه بغير إضافة مع الرفع (فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن فجعلت المرأة تلقي وأشار أيوب) السختياني بيده (إلى أذنه وإلى حلقه) يريد ما فيهما من حلق وقرط وقلادة. ومطابقته للترجمة قيل من جهة أمره عليه الصلاة والسلام النساء بدفع الزكاة فدفعن الحلق والقلائد، وهو يدل على جواز أخذ العرض في الزكاة وجوابه ما مرّ في هذا الباب قريبًا. 34 - باب لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَيُذْكَرُ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلُهُ هذا (باب) بالتنوين (لا يجمع بين متفرق) بتقديم المثناة الفوقية على الفاء وتشديد الراء. وللحموي والمستملي: مفترق بتأخيرها (ولا يفرق بين مجتمع) بكسر الميم الثانية (ويذكر عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر مما وصله أحمد وأبو يعلى والترمذي وغيرهم (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ

35 - باب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية وقال طاوس وعطاء: إذا علم الخليطان أموالهما فلا يجمع مالهما وقال سفيان: لا يجب حتى يتم لهذا أربعون شاة ولهذا أربعون شاة

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله) أي مثل لفظ الترجمة. 1450 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- كَتَبَ لَهُ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ». وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدَّثني) بالإفراد (أبي) عبد الله بن المثنى (قال: حدَّثني) بالإفراد عمي (ثمامة أن) جده (أنسًا -رضي الله عنه- حدَّثه أن أبا بكر -رضي الله عنه- كتب له) الفريضة (التي فرض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ولا يجمع) بضم أوّله وفتح ثالثه أي لا يجمع المالك والمصدق (بين متفرق) تقديم التاء على الفاء (ولا يفرق) بضم أوّله وفتح ثالثه مشدّدًا (بين مجتمع) بكسر الميم الثانية (خشية) المالك كثرة (الصدقة) فيقل ماله أو خشية المصدق قلتها فأمر كل واحد منهما أن لا يحدث في المال شيئًا من الجمع والتفريق وخشية نصب على أنه مفعول لأجله، وقد تنازع فيه الفعلان يجمع ويفرق. وقال في المصابيح: ويحتمل أن يقدر لا يفعل شيئًا من ذلك خشية الصدقة فيحصل المراد من غير تنازع وهذا التأويل السابق قاله الشافعي. وقال مالك في الموطأ: معناه أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة وجبت فيها الزكاة فيجمعونها حتى لا يجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحدة أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاتان فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فيفرقانها حتى لا يكون على كل واحد إلا شاة واحدة فصرف الخطاب للمالك. وقال أبو حنيفة: معنى لا يجمع بين متفرق أن يكون بين رجلين أربعون شاة فإذا جمعاها فشاة وإذا فرقاها فلا شيء ولا يفرق بين مجتمع أن يكون لرجل مائة وعشرون شاة فإذا فرقها المصدق أربعين أربعين فثلاث شياه. وقال أبو يوسف: معنى الأول أن يكون للرجل ثمانون شاة فإذا جاء المصدق قال: هي بيني وبين إخوتي لكل واحد عشرون فلا زكاة أو يكون له أربعون ولإخوته أربعون فيقول كلها لي فشاة. 35 - باب مَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَقَالَ طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ: إِذَا عَلِمَ الْخَلِيطَانِ أَمْوَالَهُمَا فَلاَ يُجْمَعُ مَالُهُمَا وَقَالَ سُفْيَانُ: لاَ يَجِبُ حَتَّى يَتِمَّ لِهَذَا أَرْبَعُونَ شَاةً وَلِهَذَا أَرْبَعُونَ شَاةً هذا (باب) بالتنوين (ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية. وقال طاوس) هو ابن كيسان اليماني (وعطاء:) هو ابن أبي رياح مما وصله أبو عبيد في كتاب الأموال (إذا علم الخليطان) بكسر لام علم مخففة ولأبي الوقت من غير اليونينية: علم الخليطان بفتحها مشددة (أموالهما فلا يجمع مالهما) في الصدقة فلو كان لكل واحد منهما عشرون شاة مميزة فلا زكاة. (وقال سفيان) الثوري (لا تجب) في الخليطين زكاة (حتى يتم لهذا أربعون شاة ولهذا أربعون شاة) فيجب على كل واحد شاة وهذا مذهب أبي حنيفة وحاصله: أنه لا يجب على أحد الشريكين فيما يملك إلا مثل الذي كان يجب عليه لو لم تكن خلطة فلم يعتبروا خلطة الجوار، واعتبرها الشافعي كخلطة الشيوع لكن تختص خلطة الجوار باتحاد المشرع والسرح والمرعى والمراح بضم الميم وموضع الحلب، بفتح اللام والراعي والفحل. 1451 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- كَتَبَ لَهُ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ». وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عبد الله بن المثنى الأنصاري وثقه العجلي والترمذي واختلف فيه قول الدارقطني: وقال ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم: صالح. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال الساجي: فيه ضعف ولم يكن من أهل الحديث وروى مناكير. وقال العقيلي: لا يتابع على أكثر حديثه انتهى. نعم، تابعه على حديثه هذا حماد بن سلمة فرواه عن ثمامة أنه أعطاه كتابًا، وزعم أن أبا بكر كتبه الحديث رواه أبو داود ورواه أحمد في مسنده فانتفى كونه لم يتابع عليه. وبالجملة: فلم يحتج به البخاري إلا في روايته عن عمه ثمامة، وأخرج له من روايته عن ثابت عن أنس حديثًا توبع فيه عنده، وأخرج له أيضًا في اللباس عن مسلم بن إبراهيم عن عبد الله بن دينار في النهي عن القزع بمتابعة نافع وغيره عن ابن عمر وروى له الترمذي وابن ماجة (قال: حدَّثني) بالإفراد أيضًا (ثمامة أن أنسًا حدثه أن أبا بكر -رضي الله عنه- كتب له) فريضة الصدقة (التي فرض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) يريد أن المصدق إذا أخذ من أحد الخليطين ما وجب أو بعضه من مال أحدهما فإنه يرجع المخالط الذي أخذ منه الواجب

36 - باب زكاة الإبل ذكره أبو بكر وأبو ذر وأبو هريرة -رضي الله عنهم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

أو بعضه بقدر حصة الذي خالطه من مجموع المالين مثلاً في المثلي كالثمار والحبوب وقيمة في المقوم كالإبل والبقر والغنم، فلو كان لكل منهما عشرون شاة رجع الخليط على خليطه بقيمة نصف شاة لا بنصت شاة لأنها غير مثلية، ولو كان لأحدهما مائة وللآخر خمسون فأخذ الساعي الشاتين الواجبتين من صاحب المائة رجع بثلث قيمتهما، أو من صاحب الخمسين رجع بثلثي قيمتهما، أو من كل واحد شاة رجع صاحب المائة بثلث قيمة شاته وصاحب الخمسين بثلثي قيمة شاته. 36 - باب زَكَاةِ الإِبِلِ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو ذَرٍّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهم- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب زكاة الإبل ذكره) أي حكم زكاة الإبل (أبو بكر) الصديق (وأبو ذر وأبو هريرة رضي الله عنهم عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وحديث كل منهم يأتي إن شاء الله تعالى في الزكاة، وحديث أبي ذر في النذور أيضًا. 1452 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-: "أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ: وَيْحَكَ، إِنَّ شَأْنَهَا شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ تُؤَدِّي صَدَقَتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا". [الحديث 1452 - أطرافه في: 2633، 3923، 6165]. وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا الوليد بن مسلم) بسكون السين وكسر اللام القرشي قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو، (قال: حدَّثني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عطاء بن يزيد) من الزيادة الليثي (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن إعرابيًا سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الهجرة) أي أن يبايعه على الإقامة بالمدينة ولم يكن من أهل مكة الذين وجبت عليهم الهجرة قبل الفتح (فقال) له عليه الصلاة والسلام: (ويحك) كلمة رحمة وتوجع لمن وقع في هلكة لا يستحقها (إن شأنها) أي القيام بحق الهجرة (شديد) لا يستطيع القيام بها إلا القليل ولعلها كانت متعذرة على السائل شاقة عليه فلم يجبه إليها (فهل لك من إبل تؤدي صدقتها)؟ زكاتها (قال: نعم) لي إبل أؤدّي زكاتها (قال فاعمل من وراء البحار) بموحدة ومهملة أي من وراء القرى والدن وكأنه قال: إذا كنت تؤدي فرض الله عليك في نفسك ومالك فلا تبال أن تقيم في بيتك ولو كنت في أبعد مكان (فإن الله لن يترك) بكسر المثناة الفوقية أي لن ينقصك (من) ثواب (عملك شيئًا) وللحموي والمستملي: لم يترك بلم الجازمة بدل لن الناصبة، وفي بعض النسخ لم يترك بسكون المثناة الفوقية من الترك. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الهجرة والأدب والهبة ومسلم في المغازي وأبو داود في الجهاد والنسائي في البيعة والسير. 37 - باب مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ (باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض) برفع صدقة فاعل بلغت من غير تنوين لإضافته إلى بنت مخاض، ولأبي ذر: صدقة بالتنوين بنت مخاض نصب مفعول بلغت (وليست عنده). 1453 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا. وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ. وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلاَّ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ وَيُعْطِي شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا. وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ. وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ». وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله قال: حدَّثني) بالإفراد (أبي) عبد الله بن المثنى (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (ثمامة) بضم المثلثة (أن أنسًا -رضي الله عنه- حدثه أن أبا بكر -رضي الله عنه- كتب له فريضة الصدقة التي أمر الله رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بها (من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة) بفتح الجيم والذال المعجمة التي لها أربع ستين وطعنت في الخامسة (وليست عنده جذعة) الواو للحال (وعنده حقة) بكسر الحاء المهملة وفتح القاف المشدّدة التي لها ثلاث سنين وطعنت في الرابعة وخبر المبتدأ الذي هو من بلغت قوله: (فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين) بصفة الشاة المخرجة عن خمس من الإبل يدفعهما للمصدق (إن استيسرتا له) أي وجدتا في ماشيته (أو عشرين درهمًا) فضة من النقرة، وكل منهما أصل في نفسه لا بدل لأنه قد خير فيهما وكان ذلك معلومًا لا يجري مجرى تعديل القيمة لاختلاف ذلك في الأزمنة والأمكنة فهو تعويض قدره الشارع كالصاع في المصراة (ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق) بتخفيف الصاد أي الساعي (عشرين درهمًا أو شاتين ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون) أنثى (فإنها تقبل منه بنت لبون ويعطي) المصدق بالتشديد وهو المالك (شاتين أو عشرين درهمًا، ومن بلغت صدقته بنت لبون) بنصب بنت على المفعولية وهي

38 - باب زكاة الغنم

التي لها سنتان وطعنت في الثالثة (وعنده حقه فإنها تقبل منه الحقة ويعطيه المصدق) بالتخفيف وهو الساعي (عشرين درهمًا أو شاتين ومن بلغت صدقته بنت لبون) نصب (وليست عنده وعنده بنت مخاض) وهي التي لها سنة وطعنت في الثانية (فإنها تقبل منه بنت مخاض ويعطي) أي المالك (معها) المصدق (عشرين درهمًا أو شاتين) فيه أن جبر كل مرتبة بشاتين أو عشرين درهمًا، وجواز النزول والصعود من الواجب عند فقده إلى سن آخر يليه والخيار في الشاتين والدراهم لدافعها سواء كان مالكًا أو ساعيًا، وفي الصعود والنزول للمالك في الأصح. وهذا الحديث طرف من حديث أنس وليس فيه ما ترجم له. نعم، أورده في باب العرض في الزكاة كما مرّ قريبًا من بلغت صدقته بنت مخاض وليست عنده وعنده بنت لبون فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين، فإن لم تكن عنده بنت مخاض على وجهها وعنده ابن لبون فإنه تقبل منه وليس معه شيء وحذفه هنا، فقيل: جرى في ذلك على عادته في تشحيذ الأذهان بخلو حديث الباب عن موضع الترجمة، كما رواه اكتفاء بذكر أصل الحديث في موضع آخر ليبحث الطالب عنه. وقيل غير ذلك مما عزي لابن رشيد وابن المنير وفيما ذكر كفاية في الاعتذار عنه والله الموفق والمعين. 38 - باب زَكَاةِ الْغَنَمِ (باب زكاة الغنم). 1454 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلاَ يُعْطِ: فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنَ الْغَنَمِ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ، إِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاَثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ -يَعْنِي سِتًّا وَسَبْعِينَ- إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ. وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلاَّ أَرْبَعٌ مِنَ الإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنَ الإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ، وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ. فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلاَثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثَلاَثٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاَثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا. وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلاَّ تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا شَىْءٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا". وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري قال: حدَّثني) بالإفراد (أبي) عبد الله (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (ثمامة بن عبد الله بن أنس أن) جده (أنسًا) -رضي الله عنه- (حدّثه أن أبا بكر) الصديق (رضي الله عنه كتب له) أي لأنس (هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين) عاملاً عليها وهو اسم لإقليم مشهور يشتمل على مدن معروفة قاعدتها هجر (بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة) أي نسخة فريضة (الصدقة التي فرض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسلمين) بفرض الله (والتي أمر الله بها) بحرف العطف. ولأبي داود: التي بدونه على أن الجملة بدل من الجملة الأولى، ولغير أبي ذر: به (رسوله،) عليه الصلاة والسلام أي بتبليغها وأضيف الفرض إليه لأنه دعا إليه وحمل الناس عليه أو معنى فرض قدر لأن الإيجاب بنص القرآن على سبيل الإجمال وبيّن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجمله بتقدير الأنواع والأجناس (فمن سئلها) بضم السين أي فمن سئل الزكاة (من المسلمين) حال كونها (على وجهها فليعطها) على الكيفية المذكورة في الحديث من غير تعدّ بدليل قوله: (ومن سئل فوقها) أي زائدًا على الفريضة المعينة في السن أو العدد (فلا يعط) الزائد على الواجب وقيل لا يعط شيئًا من الزكاة لهذا المصدق لأنه خان بطلبه فوق الزائد فإذا ظهرت خيانته سقطت طاعته، وحينئذٍ يتولى إخراجه أو يعطيه لساع آخر ثم شرع في بيان كيفية الفريضة وكيفية أخذها وبدأ بزكاة الإبل لأنها غالب أموالهم فقال: (في أربع وعشرين من الإبل) زكاة (فمما دونها) أي فما دون أربع وعشرين (من الغنم) يتعلق بالمبتدأ المقدر (من كل خمس) خبر المبتدأ الذي هو (شاة) وكلمة من للتعليل أي لأجل كل خمس من الإبل. وسقط في رواية ابن السكن كلمة من الداخلة على الغنم وصوّبه بعضهم، وقال القاضي عياض: كل صواب فمن أثبتها فمعناه زكاتها من الغنم ومن للبيان لا للتبعيض وعلى إسقاطها فالغنم مبتدأ خبره في أربع وعشرين، وإنما قدم الخبر لأن المراد بيان النصب إذ الزكاة إنما تجب بعد النصاب فكان تقديمه أهم لأنه السابق في التسبب (إذا) وفي نسخة: فإذا (بلغت) إبله (خمسًا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى) قيد بالأنثى للتأكيد كما يقال: رأيت بعيني وسمعت بأذني (فإذا بلغت) إبله (ستًّا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى) آن لأمها أن تلد (فإذا بلغت) إبله (ستًّا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل)، بفتح الطاء فعولة بمعنى مفعولة صفة لحقة استحقت أن يغشاها الفحل، (فإذا بلغت) إبله (واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة) بفتح الجيم

39 - باب لا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس، إلا ما شاء المصدق

والذال المعجمة سميت بذلك لأنها أجذعت مقدم أسنانها أي أسقطته وهي غاية أسنان الزكاة، (فإذا بلغت) إبله (يعني ستًّا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون) بزيادة يعني وكأن العدد حذف من الأصل اكتفاء بدلالة الكلام عليه فذكره بعض رواته وأتى بلفظ يعني لينبه على أنه مزيد أو شك أحد رواته فيه، (فإذا بلغت) إبله (إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل، فإذا زادت) إبله (على عشرين ومائة) واحدة فصاعدًا (ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة). فواجب مائة وثلاثين بنتا لبون وحقة، وواجب مائة وأربعين بنت لبون وحقتان وهكذا. (ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها)، أن يتبرع ويتطوّع (فإذا بلغت خمسًا من الإبل ففيها شاة و) فرض عليه الصلاة والسلام (في صدقة الغنم في سائمتها) أي راعيتها لا المعلوفة وفي سائمتها كما قاله في شرح المشكاة بدل من الغنم بإعادة الجار المبدل في حكم الطرح فلا يجب في مطلق الغنم شيء وهذا أقوى في الدلالة من أن لو قيل ابتداء في سائمة الغنم أو في الغنم السائمة، لأن البدل على المقصود بالمنطوق ودلالة غيره عليه بالمفهوم وفي تكرار الجار إشارة إلى أن للسوم في هذا الجنس مدخلاً قومًا واصلاً يقاس عليه بخلاف جنسي الإبل والبقر انتهى. (إذا كانت) غنم الرجل وللكشميهني: إذا بلغت (أربعين إلى عشرين ومائة) فزكاتها (شاة) جذعة ضأن لها سنة ودخلت في الثانية، وقيل ستة أشهر أو ثنية معز لها سنتان ودخلت في الثالثة وقيل سنة وشاة ورفع خبر مبتدأ مضمر أو مبتدأ وفي صدقة الغنم خبره (فإذا زادت) غنمه (على عشرين ومائة) واحدة فصاعدًا (إلى مائتين) فزكاتها (شاتان) مرفوع على الخبرية أو الابتدائية كما مرّ، (فإذا زادت) غنمه (على مائتين) ولو واحدة (إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث) وللكشميهني ثلاث شياه (فإذا زادت) غنمه (على ثلاثمائة) مائة أخرى لا دونها (ففي كل مائة شاة) ففي أربعمائة أربع شياه وفي خمسمائة خمس وفي ستمائة ست وهكذا (فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة) نصب خبر كان (من أربعين شاة واحدة) صفة شاة الذي هو تمييز أربعين كذا أعربه في التنقيح، وتعقبه في المصابيح بأنه لا فائدة في هذا الوصف مع كون الشاة تمييزًا وإنما واحدة منصوب على أنه مفعول بناقصة أي إذا كان عند الرجل سائمة تنقص واحدة من أربعين فلا زكاة عليه فيها، وبطريق الأولى إذا نقصت زائدًا على ذلك ويحتمل أن يكون شاة مفعولاً بناقصة وواحدة وصف لها والتمييز محذوف للدلالة عليه انتهى. (فليس فيها) أي الناقصة عن الأربعين (صدقة إلا أن يشاء ربها) أن يتطوع (وفي) مائتي درهم من (الرقة) بكسر الراء وتخفيف القاف الورق والهاء عوض عن الواو ونحو العدة والوعد الفضة المضروبة وغيرها (ربع العشر) خمسة دراهم وما زاد على المائتين فبحسابه فيجب ربع عشره. وقال أبو حنيفة لها وقص فلا شيء على ما زاد على مائتي درهم حتى تبلغ أربعين درهمًا فضة ففيه حينئذٍ درهم واحد وكذا في كل أربعين (فإن لم تكن) أي الرقة (إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء) لعدم النصاب والتعبير بالتسعين يوهم إذا زادت على المائة والتسعين قبل بلوغ المائتين أن فيها زكاة وليس كذلك، وإنما ذكر التسعين لأنه آخر عقد قبل المائة والحساب إذا جاوز الآحاد كان تركيبه بالعقود كالعشرات والمئين والألوف فذكر التسعين ليدل على أن لا صدقة فيما نقص عن المائتين ولو بعض حبة لحديث الشيخين ليس فيما دون خمس، أواق من الورق صدقة (إلا أن يشاء ربها). وهذا كقوله في حديث الأعرابي في الإيمان إلا أن تطوع. 39 - باب لاَ تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ وَلاَ تَيْسٌ، إِلاَّ مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ هذا (باب) بالتنوين (لاّ يؤخذ في الصدقة) المفروضة (هرمة) بفتح الهاء وكسر الراء (ولا ذات عوار) بفتح العين (ولا تيس إلا ما شاء المصدق) بتخفيف الصاد المهملة وتشديدها والتشديد مكشوط في اليونينية. 1455 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- كَتَبَ لَهُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَلاَ يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ وَلاَ تَيْسٌ، إِلاَّ مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ». وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله قال: حدَّثني أبي) عبد الله بن المثنى (قال: حدَّثني) بالإفراد فيهما

40 - باب أخذ العناق في الصدقة

(ثمامة) بن عبد الله (أن أنسًا) جده (-رضي الله عنه- حدثه أن أبا بكر) الصديق (-رضي الله عنه- كتب له التي) وللكشميهني: الصدقة التي (أمر الله رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بها (ولا يخرج في الصدقة) المفروضة (هرمة) الكبيرة التي سقطت أسنانها (ولا ذات عوار) بفتح العين وألف بعد الواو أي معيبة بما ترد به في البيع وهو شامل للمريض وغيره وبالضم العور في العين إلا من مثلها من الهرمات وذات العوار، وتكفي مريضة متوسطة ومعيبة من الوسط، وكذا لا تؤخذ صغيرة لم تبلغ سن الإجزاء. (ولا تيس) وهو فحل الغنم أو مخصوص بالعز لقوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] (إلا ما شاء المصدق) بتخفيف الصاد وكسر الدال كمحدث آخذ الصدقات الذي هو وكيل الفقراء في قبض الزكوات بأن يؤدي اجتهاده إلى أن ذلك خير لهم وحينئذٍ، فالاستثناء راجع لما ذكر من الهرم والعوار والمذكورة. نعم، يؤخذ ابن اللبون أو الحق عن خمس وعشرين من الإبل عند فقد بنت المخاض والذكر من الشياه فيما دون خمس وعشرين من الإبل والتبيع في ثلاثين من البقر للنص على الجواز فيها إلا في الحق فللقياس، وخرج بعيب البيع عيب الأضحية ولو انقسمت الماشية إلى صحاح ومراض أو إلى سليمة ومعيبة أخذ صحيحة بالقسط ففي أربعين شاة نصفها صحاح ونصفها مراض وقيمة كل صحيحة ديناران وكل مريضة دينار تؤخذ صحيحة بقيمة نصف صحيحة ونصف مريضة وهو دينار ونصف، وكذا لو كان نصفها سليمًا ونصفها معيبًا كما ذكر ثم إن الأكثرين كما قاله ابن حجر على تشديد صاد المصدق أي المتصدق فأبدلت التاء صادًا وأدغمت في الصاد. وتقدير الحديث حينئذٍ ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار أصلاً ولا يؤخذ التيس إلا برضا المالك لكونه محتاجًا إليه ففي أخذه بغير رضاه إضرار به وحينئذ فالاستثناء مختص بالتيس واستدلّ به للمالكية في تكليف المالك سليمًا وهو مذهب المدونة، وعن ابن عبد الحكم لا يؤخذ من المعيبة إلا أن يرى الساعي أخذ المعيبة لا الصغيرة. 40 - باب أَخْذِ الْعَنَاقِ فِي الصَّدَقَةِ (باب أخذ العناق في الصدقة) بفتح العين الأنثى من ولد المعز إذا أتى عليها حول ودخلت في الثاني والجمع أعنق وعنوق. 1456 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. ح وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا". وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري ح) للتحويل. (وقال الليث) بن سعد مما وصله الذهلي في الزهريات عن أبي صالح عن الليث قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن خالد) الفهمي أمير مصر (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله) بتصغير الأول (ابن عتبة بن مسعود أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال أبو بكر) الصديق (-رضي الله عنه-) في حديث قصته مع عمر بن الخطاب في قتال مانعي الزكاة السابق في أولِ الزكاة. (والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقاتلتهم على منعها) فيه دلالة على أن العناق مأخوذة في الصدقة وهو مذهب البخاري كالشافعي وأبي يوسف وهو موضع الترجمة. 1457 - "قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ أَنَّ اللَّهَ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- بِالْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ". (قال عمر -رضي الله عنه-: فما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر -رضي الله عنه- بالقتال فعرفت أنه الحق) أي بما ظهر له من الدليل والمستثنى منه غير مذكور أي ليس الأمر شيئًا من الأشياء إلا علمي أن أبا بكر محق، وصورة إخراج الصغير أن يمضي على أربعين ملكها من صغار المعز حول أو تنتج ماشيته ثم تموت فإن حول نتاجها يبنى على حولها وكذا صغار الغنم. وقال مالك في المدونة: وإذا كانت الغنم سخالاً أو البقر عجاجيل أو الإبل فصلانًا كلها كلف ربها أن يشتري ما يجزئ منها، ففي الغنم جذعة أو ثنية، وفي الإبل والبقر ما في الكبار منها، وبه قال زفر. وقال أبو حنيفة ومحمد: لا شيء في الفصلان والعجاجيل ولا في صغار الغنم لا منها ولا من غيرها لقول عمر: اعدد السخلة عليهم ولا تأخذها، وإنما خرج قول الصديق على المبالغة بدليل الرواية الأخرى: لو منعوني عقالاً. والعقال لا زكاة فيه فالعقال تنبيهًا بالأدنى على الأعلى، وربما قدر المستحيل لأجل الملازمة نحو: {لَوْ كَانَ

41 - باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة

فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] وكأن الصديق قال: من منع حقًّا ولو عقالاً أو عناقًا يعني قليلاً أو كثيرًا فقتالنا له متعين وهؤلاء منعوا فقتالهم متعين. 41 - باب لاَ تُؤْخَذُ كَرَائِمُ أَمْوَالِ النَّاسِ فِي الصَّدَقَةِ هذا (باب) بالتنوين (لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة) أي نفائس أموالهم من أي صنف كان. 1458 - حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا -رضي الله عنه- عَلَى الْيَمَنِ قَالَ: إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا الصَّلاَةَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهُمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ". وبالسند قال: (حدّثنا أمية بن بسطام) بكسر الموحدة مصروفًا العيشي بفتح العين وسكون المثناة التحتية وكسر المعجمة قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء قال: (حدّثنا روح بن القاسم) بفتح الراء (عن إسماعيل بن أمية) الأموي المكي (عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد) بفتح الميم نافذ بالنون والفاء والذال المعجمة (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما بعث معاذًا) واليًا (على) أهل الجند من (اليمن) سنة عشر قبل حجة الوداع يعلمهم القرآن وشرائع الإسلام ويقضي بينهم ويقبض الصدقات من عمال أهل اليمن. وللكشميهني: إلى اليمن (قال): (إنك تقدم) بفتح الدال مضارع قدم بكسرها (على قوم أهل كتاب) التوراة والإنجيل وقاله تنبيهًا له على الاهتمام بهم لأنهم أهل علم فليست مخاطبتهم كمخاطبة جهال المشركين وعبدة الأوثان (فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله) بنصب أول على أنه خبر كان ورفع عبادة على أنه اسمها أي معرفة الله. وفي رواية الفضل بن العلاء إلى أن يوحدوا الله قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] ويؤيده قوله: (فإذا عرفوا الله) بالتوحيد ونفي الألوهية عن غيره وفيه دليل على أن أهل الكتاب لا يعرفون الله (فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا الصلاة فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم وترد على فقرائهم) يحتمل عود الضمير على أهل البلد فلا يجوز نقل الزكاة وأن يعود عليهم بوصف إسلامهم، (فإذا أطاعوا بها فخذ) بالفاء ولأبي ذر، وابن عساكر: خذ (منهم) زكاة أموالهم (وتوق) أي احذر (كرائم أموال الناس) جمع كريمة وهي العزيزة عند رب المال إما باعتبار كونها أكولة أي مسمنة للأكل أو ربي بضم الراء وتشديد الموحدة أي قريبة العهد بولادة. وقال الأزهري: إلى خمسة عشر يومًا من ولادتها لأن الزكاة لمواساة الفقراء فلا يناسب الاجحاف بمال الأغنياء إلا إن رضوا بذلك. 42 - باب لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ هذا (باب) بالتنوين (ليس فيما دون خمس ذود) من الإبل (صدقة) مفروضة وأنكر ابن قتيبة أن يقال خمس ذود كما لا يقال خمس ثوب وكأنه يرى أن الذود يطلق على الواحد، وغلط في ذلك لشيوع هذا اللفظ في الحديث الصحيح وسماعه من العرب كما صرح به أهل اللغة. نعم، القياس في تمييز ثلاثة إلى عشرة أن يكون جمع تكسير جمع قلة فمجيئه اسم جمع كما في هذا الحديث قليل، والذود يقع على الذكر والمؤنث والجمع والمفرد فلذا أضاف خمس إليه. 1459 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ» وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني) نسبه إلى جده ونسب جده إلى جده كما وقع في رواية مالك، والمعروف أنه محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة. ورواه البيهقي في معرفة السنن والأخبار عن الشافعي قال: أخبرنا مالك عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة فنسب محمدًا لأبيه وعبد الرحمن لجده (عن أبيه) عبد الله. ونقل البيهقي عن محمد بن يحيى الذهلي أن محمد بن أبي صعصعة هذا سمع هذا الحديث من ثلاثة أنفس انتهى. وقد رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد هذا عن عمرو بن يحيى وعباد بن تميم كلاهما عن أبي سعيد، ورواه البيهقي في معرفة السنن عن الشافعي عن مالك عن عمرو بن يحيى عن أبيه (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة وليس فيما دون خمس أواق) كجوار (من الورق) بكسر الراء الفضة (صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة) وهذا موضع الترجمة والحديث دليل على سقوط الزكاة

43 - باب زكاة البقر. وقال أبو حميد: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لأعرفن ما جاء الله رجل ببقرة لها خوار» ويقال جؤار. {تجأرون}: ترفعون أصواتكم كما تجأر البقرة

فيما دون هذه المقادير من هذه الأعيان المذكورة خلافًا لأبي حنيفة في زكاة الحرث، وتعلق الزكاة فى كل قليل وكثير منه واستدلّ له بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بنضح أو دالية نصف العشر وهذا عام في القليل والكثير. وأجيب: بأن المقصود من الحديث بيان قدر المخرج لا بيان المخرج منه قاله ابن دقيق العيد. 43 - باب زَكَاةِ الْبَقَرِ. وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لأَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ اللَّهَ رَجُلٌ بِبَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ» وَيُقَالَ جُؤَارٌ. {تَجْأَرُونَ}: تَرْفَعُونَ أَصْوَاتَكُمْ كَمَا تَجْأَرُ الْبَقَرَةُ (باب) إيجاب (زكاة البقرة) اسم جنس واحده بقرة وباقورة للذكر والأنثى (وقال أبو حميد): عبد الرحمن الساعدي -رضي الله عنه- مما وصله في ترك الحيل (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لأعرفن) أي لأرينكم غدًا (ما جاء الله رجل) رفع فاعل جاء والله نصب بجاء وما مصدرية أي لأعرفن مجيء رجل الله (ببقرة لها خوار) بخاء معجمة مضمومة وتخفيف الواو صوت، ولأبي ذر عن الكشميهني: لا أعرفن بزيادة همزة قبل العين فلا نفي أي لا ينبغي أن تكونوا على هذه الحالة فأعرفكم بها يوم القيامة وأراكم عليها قال البخاري: (ويقال: جؤار). بضم الجيم مهموزًا بدل خوار بالخاء المعجمة. وقال تعالى: ({تجأرون} أي ترفعون أصواتكم}) [النحل: 153] ولأبي الوقت: أصواتهم (كما تجأر البقرة) رواه ابن أبي حاتم عن السدي وذكر هذه الآية على عادته عند وقوفه على غريب يقع مثله في القرآن أن يذكر تفسيره تكثيرًا للفائدة. 1460 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: "انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ -أَوْ وَالَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، أَوْ كَمَا حَلَفَ- مَا مِنْ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ إِبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ لاَ يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلاَّ أُتِيَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا تَكُونُ وَأَسْمَنَهُ، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، كُلَّمَا جَازَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولاَهَا حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ". رَوَاهُ بُكَيْرٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 1460 - طرفه في: 6638]. وبالسند قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدَّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن المعرور بن سويد) بفتح الميم وسكون العين المهملة وبتكرير الراء وسويد بضم السين مصغرًا (عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: انتهيت إلى النبي) ولأبي ذر: انتهيت إليه يعني النبي (قال: و) الله (الذي نفسي بيده أو) قال (والذي لا إله غيره أو كما حلف) لم يضبط أبو ذر اللفظ الذي حلف به عليه الصلاة والسلام، وقول الحافظ ابن حجر في الفتح: إن الضمير في قوله انتهيت إليه يعود على أبي ذر وهو الحالف، وإن قوله انتهيت إليه مقول المعرور غير ظاهر ولعله سبق قلم، ويؤيد ذلك ما سبق رواية مسلم عن المعرور عن أبي ذر: انتهيت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني قال: "هم الأخسرون ورب الكعبة" الحديث. ورواية الترمذي عن المعرور عن أبي ذر قال: جئت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو جالس في ظل الكعبة قال فرآني مقبلاً فقال "هم الأخسرون ورب الكعبة الحديث" وفيه ثم قال: والذي نفسي بيده (ما من رجل تكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها) أي زكاتها (إلا أتي بها) بضم الهمزة (يوم القيامة) حال كونها (أعظم ما تكون وأسمنه)، عطف على المنصوب السابق (تطؤه) ذوات الأخفاف منها (بأخفافها) جمع خف (وتنطحه) بكسر الطاء وتفتح ذوات القرون (بقرونها) فالضمير في كل قسم عائد على بعض الجملة لا على الكل، والخف للإبل والقرن للبقر والظلق للغنم والبقر. وفي حديث أبي هريرة السابق في باب إثم مانع الزكاة وتأتي الغنم على صاحبها على خير ما كانت إذا لم يعط فيها حقها تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها الحديث، والتقدير بذوات الأخفاف وذوات القرون الذي ذكرته لابن المنير وبه يجاب عما استشكله من أنه قيل في الإبل والبقر تطؤه بأخفافها وهو أحسن من قول بعضهم في رواية بأظلافها، وهو يدل على أن كل واحد منهما يوضع موضع الآخر. وأجاب القاضي عياض بأنه لما اجتمعا غلب أحدهما على الآخر، وردّ بقوله وتنطحه بقرونها لأنه لا إشكال أن الإبل لا قرون لها ولا شيء يقوم مقام القرون والتغليب إنما يكون إذا وجد شيئان متقاربان (كلما جازت) بالجيم والزاي أي مرت (أخراها ردّت عليه أولاها) بضم راء ردّت مبنيًا للمفعول والضمير في عليه للرجل أي فهو معاقب بذلك (حتى يقضي بين الناس) إلى أن يفرغ الحساب (رواه بكير) هو ابن عبد الله بن الأشج مما وصله مسلم (عن أبي صالح) ذكوان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ومراد المؤلّف بهذا موافقة

44 - باب الزكاة على الأقارب وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- «له أجران: أجر القرابة والصدقة»

هذه الرواية لحديث أبي ذر في ذكر البقر لا أن الحديثين مستويان في جميع ما وردا فيه قاله في الفتح. ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الحديث يتضمن الوعيد فيمن لم يؤدّ زكاة البقر فيدل على وجوب زكاتها ولم يذكر المؤلّف شيئًا مما يتعلق بنصابها لكونه لم يقع له شيء على شرطه. وروى الترمذي وحسنه وصححه الحاكم عن معاذ: بعثني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى اليمن وأمرني أن آخذ من أربعين بقرة مسنة ومن كل ثلاثين بقرة تبيعًا. وروى الحاكم أيضًا من حديث عمرو بن حزم عن كتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي كل أربعين باقورة بقرة، وقد حكم بعضهم بتصحيح حديث معاذ واتصاله وفيه نظر لأن مسروقًا لم يلق معاذًا وإنما حسنه الترمذي لشواهده والتبيع ما له سنة كاملة وسمي به لأنه يتبع أمه وتجزئ عنه تبيعة بل أولى للأنوثة، والسنة هي الثنية أي ذات سنين وسميت بذلك لتكامل أسنانها ويجزئ عنها تبيعان لإجزائهما عن ستين. 44 - باب الزَّكَاةِ عَلَى الأَقَارِبِ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لَهُ أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَالصَّدَقَةِ» (باب الزكاة على الأقارب. وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (له أجران: أجر القرابة والصدقة) وصله فيما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى في حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود في باب الزكاة على الزوج، لكنه قال فيه لها بتأنيث الضمير، وسقط لأبي ذر لفظة: أجر. 1461 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إلى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَىَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بَخْ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ. فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ". تَابَعَهُ رَوْحٌ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَإِسْمَاعِيلُ عَنْ مَالِكٍ "رَايِحٌ". [الحديث 1461 - أطرافه في: 2318، 2752، 2758، 2769، 4554، 4555، 5611]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) إمام الأئمة (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: كان أبو طلحة) زيد الأنصاري -رضي الله عنه- (أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل)، بنصب أكثر خبر كان ومالاً تمييز أي من حيث المال والجار للبيان، (وكان أحب أمواله إليه) بنصب أحب خبر كان (بيرحا) برفع الراء اسمها أو أحب اسمها وبير خبرها، لكن قال الزركشي وغيره: إن الأوّل أحسن لأن المحدّث عنه البير فينبغي أن يكون هو الاسم، وقد اختلف في بيرحا هل هو بكسر الموحدة أو بفتحها وهل بعدها همزة ساكنة أو مثناة تحتية، وهل الراء مضمومة أو مفتوحة، وهل هو معرب أم لا، وهل حا ممدود أو مقصور منصرف أو غير منصرف، وهل هو اسم قبيلة أو امرأة أو بئر أو بستان أو أرض؟ فنقل في فتح الباري وتبعه العيني عن نهاية ابن الأثير فتح الموحدة وكسرها وفتح الراء وضمها مع المد والقصر قال: فهذه ثمان لغات انتهى. والذي رأيته في النهاية بيرحا بفتح الباء وكسرها وبفتح الراء وضمها والمدّ فيهما وبفتحهما والقصر هذا نصه بحروفه في غير ما نسخة ونقله عنه الطيبي كذلك بلفظه، وعلى هذا فتكون خمسة. وقال عياض: رويناه بفتح الباء والراء وبفتح الراء وضمها مع كسر الباء، وقد حكى القاضي عياض عن المغاربة كما نقله عنه في المصابيح ضم الراء في الرفع وفتحها في النصب وجرها في الجر مع الإضافة أبدًا إلى حال ونسبه لخط الأصيلي، لكن قال بعضهم: من رفع الراء وألزمها حكم الإعراب فقد أخطأ، وجزم التيمي بأن المراد به في الحديث البستان معللاً بأن بساتين المدينة تدعى بآبارها أي البستان الذي فيه بيرحا. وقال عياض: حائط سمي به وليس اسم بئر، وقال الصغاني: بيرحا فيعلى من البراح اسم أرض كانت لأبي طلحة بالمدينة وأهل الحديث يصحفون ويقولون بئرحا ويحسبون أنها بئر من آبار المدينة ونحوه في القاموس. وقال في اللامع: ولا تنافي بين ذلك فإن الأرض أو البستان تسمى باسم البئر التي فيه كما سبق، والذي لخصته من كلامهم في هذه الكلمة أن بيرحا بكسر الموحدة وضم الراء اسم كان وبفتحها خبرها مع الهمزة الساكنة بعد الموحدة وإبدالها ياء ومدّ حاء مصروفًا وغير مصروف لأن تأنيثه معنوي كهند ومقصور فهي اثنا عشر، وبيرحا بفتح الموحدة وسكون التحتية من غير همزة وفتح الراء وضمها خبر كان أو اسمها ومدّ حاء مصروفًا وغير مصروف ومقصور فهي ستة اثنان منها مع القصر على أنه اسم مقصور لا تركيب فيه فيعرب كسائر المقصور، وصوّب الصغاني والزمخشري والمجد الشيرازي منها فتح الموحدة والراء على سائرها من الممدود والقصور بل قال الباجي: إنها المصححة على أبي ذر وغيره. (وكانت) أي بيرحا (مستقبلة المسجد) النبوي أي مقابلته قريبة منه، (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

يدخلها ويشرب من ماء فيها) أي في بيرحا (طيب) بالجر صفة للمجرور السابق (قال أنس -رضي الله عنه-. فلما أنزلت هذه الآية: {لن تنالوا البرّ} أي لن تبلغوا حقيقة البر الذي هو كمال الخير: أو لن تنالوا بر الله الذي هو الرحمة والرضا والجنة ({حتى تنفقوا مما تحبون}) [آل عمران: 92] أي من بعض ما تحبون من المال أو مما يعمه وغيره كبذل الجاه في معاونة الناس والبدن في طاعة الله والمهجة في سبيل الله. (قام أبو طلحة) -رضي الله عنه- (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن أحب أموالي إلي بيرحا) رفع خبر إن (وإنها صدقة لله أرجو برها) أي خيرها (وذخرها) بضم الذال المعجمة أي أقدمها فادّخرها لأجدها (عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله) فوّض تعيين مصرفها إليه عليه الصلاة والسلام، لكن ليس فيه تصريح بأن أبا طلحة جعلها حبسًا (قال: فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بخ) بفتح الموحدة وسكون المعجمة كهل وبل غير مكررة هنا. قال في القاموس قل في الإفراد بخ ساكنة وبخ مكسورة وبخ منوّنة وبخ منوّنة مضمومة، وتكرر بخ بخ للمبالغة الأول منوّن والثاني مسكن، ويقال بخ بخ مسكنين وبخ بخ منوّنين وبخ بخ مشدّدين كلمة تقال عند الرضا والإعجاب بالشيء أو الفخر والمدح انتهى. فمن نوّنه شبهه بأسماء الأصوات كصه ومه (ذلك مال رابح ذلك مال رابح)، بالموحدة فيهما أي ذو ربح كلابن وتامر أي يربح صاحبه في الآخرة أو مال مربوح فاعل بمعنى مفعول: (وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله) برفع لام أفعل مستقبلاً (فقسمها) أي بيرحا (أبو طلحة في أقاربه وبني عمه) من عطف الخاص على العام وهذا يدل على أن إنفاق أحبّ الأموال على أقرب الأقارب أفضل وأن الآية تعم الإنفاق الواجب والمستحب قاله البيضاوي، لكن استشكل وجه دلالة الحديث على الترجمة لأنها للزكاة على الأقارب وهذا ليس زكاة. وأجيب: بأنه أثبت للزكاة حكم الصدقة بالقياس عليها قاله الكرماني فليتأمل. وقال ابن المنير: إن صدقة التطوّع على الأقارب لما لم ينقص أجرها بوقوعها موقع الصدقة والصلة معًا كانت صدقة الواجب كذلك لكن لا يلزم من جواز صدقة التطوّع على من يلزم المرء نفقته أن تكون الصدقة الواجبة كذلك. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الوصايا والوكالة والأشربة والتفسير، ومسلم في الزكاة، والنسائي في التفسير. (تابعه) أي تابع عبد الله بن يوسف (روح) بفتح الراء وسكون الواو مهملة ابن عبادة البصري عن مالك في قوله رابح بالموحدة فيما وصله المؤلّف في كتاب البيوع. (وقال يحيى بن يحيى) النيسابوري مما وصله في الوصايا (وإسماعيل) بن أبي أويس مما وصله فى التفسير كلاهما (عن مالك: رايح) بالمثناة التحتية بدل الموحدة اسم فاعل من الرواح نقيض الغدوّ أي: إنه قريب الفائدة يصل نفعه إلى صاحبه كل رواح لا يحتاج أن يتكلف فيه إلى مشقة وسير أو يروح بالأجر ويغدو به واكتفى بالرواح عن الغدو لعلم السامع أو من شأنه الرواح وهو الذهاب والفوات فإذا ذهب في الخير فهو أولى. 1462 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى، ثُمَّ انْصَرَفَ فَوَعَظَ النَّاسَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، تَصَدَّقُوا. فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ. فَقُلْنَ: وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ. مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ. ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ جَاءَتْ زَيْنَبُ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ تَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ زَيْنَبُ. فَقَالَ: أَيُّ الزَّيَانِبِ؟ فَقِيلَ: امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ: نَعَمِ، ائْذَنُوا لَهَا، فَأُذِنَ لَهَا. قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّكَ أَمَرْتَ الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ، وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَا، فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ". وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) هو ابن أبي كثير الأنصاري (قال: أخبرني) بالإفراد (زيد) أبو أسامة العدوي، ولأبي ذر: هو ابن أسلم (عن عياض بن عبد الله) بن سعد القرشي العامري (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي الله عنه-) قال: (خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) عيد (أضحى) بفتح الهمزة وتنوين الحاء (أو) عيد (فطر إلى المصلّى ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال): (أيها الناس تصدّقوا فمرّ على النساء فقال يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن) وللحموي والمستملي: أريتكن بهمزة مضمومة قبل الراء وأرى يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل والتاء هي المفعول

45 - باب ليس على المسلم في فرسه صدقة

الأول وهي في محل رفع نائب عن الفاعل والكاف والنون في موضع نصب المفعول الثاني والثالث قوله: (أكثر أهل النار فقلن وبم) استفهام حذفت منه الألف (ذلك) باسم الإشارة للمتوسط، وللكشميهني: ذاك بألف بدل اللام (يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن) الشتم (وتكفرن العشير) الزوج أي تسترن إحسان الأزواج إليكن وتجحدنه (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل) أي لعقله، وللكشميهني: بلب بالموحدة بدل اللام (الحازم) بالحاء المهملة والزاي الضابط لأمره (من إحداكن يا معشر النساء) يعني: إنهن إذا أردن شيئًا غالبن الرجال عليه حتى يفعلوه سواء كان صوابًا أو خطأ (ثم انصرف) عليه الصلاة والسلام، (فلما صار إلى منزله جاءت زينب) بنت معاوية أو بنت عبد الله بن معاوية بن عتاب الثقفية، ويقال لها أيضًا رايطة وقع ذلك في صحيح ابن حبان، نحو هذه القصة، ويقال هما ثنتان عند الأكثر وممن جزم به ابن سعد. وقال الكلاباذي: رإيطة هي المعروفة بزينب وبه جزم الطحاوي فقال رايطة هي زينب (امرأة ابن مسعود) عبد الله (تستأذن عليه فقيل: يا رسول الله) القائل بلال (هذه زينب. فقال) عليه الصلاة والسلام: (أي الزيانب؟) أي أيّ زينب منهن فعرف باللام مع كونه علمًا لما نكر حتى جمع (فقيل: امرأة ابن مسعود قال: نعم ائذنوا لها فأذن لها) بضم الهمزة وكسر الذال فلما دخلت (قالت: يا نبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة وكان عندي حلي) بضم المهملة وكسر اللام (لي فأردت أن أتصدق به فزعم ابن مسعود أنّه وولده) بالنصب عطفًا على الضمير (أحق من تصدقت به عليهم) وهذا يحتمل أن يكون من مسند أبي سعيد بأن كان حاضرًا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند المراجعة، ويحتمل أن يكون حمله عن زينب صاحبة القصة (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم). ووجه مطابقته للترجمة شمول الصدقة للفرض والنفل وإن كان السياق قد يرجح النفل لكن القياس يقتضي عمومه قاله البرماوي كغيره واحتج به على جواز دفع زكاة المرأة لزوجها الفقير وهو مذهب الشافعية وأحمد في رواية، ومنعه أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية، وأجابوا عن الحديث بأن قوله في الرواية الآتية إن شاء الله تعالى في باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر ولو من حليكن يدل على التطوّع وبه جزم النووي، واحتجوا أيضًا بظاهر قوله: زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم لأنه يدل على أنها صدقة تطوّع لأن الولد لا يعطى من الزكاة الواجبة إجماعًا. وأجيب: بأن الذي يمتنع إعطاؤه من الصدقة الواجبة من يلزم المعطي نفقته والأم لا يلزمها نفقة ولدها مع وجود أبيه. وأجيب: بأن الإضافة للتربية لا للولادة فكأنه ولده من غيرها وتعليل منعها من إعطاء الزوج بعود ما تعطيه له إليها في النفقة فكأنها لم تخرج عنها معارض بوقوع ذلك في التطوع أيضًا ويلزم منه إبطاله فتأمل. والحديث يأتي قريبًا في باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر إن شاء الله تعالى. 45 - باب لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ هذا (باب) بالتنوين (ليس على المسلم في) عين (فرسه) الشامل للذكر والأنثى وجمعه الخيل من غير لفظه (صدقة) خلافًا لأبي حنيفة في إناثها أو ذكورها وإناثها حيث أوجب في كل فرس دينارًا أو ربع عشر قيمتها على التخيير. 1463 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَغُلاَمِهِ صَدَقَةٌ». [الحديث 1463 - طرفه في: 1464]. وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عبد الله بن دينار قال: سمعت سليمان بن يسار) بفتح المثناة والمهملة المخففة (عن عراك بن مالك) بكسر العين وتخفيف الراء (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ليس على المسلم في فرسه وغلامه) أي عبده (صدقة) والمراد بالفرس اسم الجنس، وإلا فالواحدة لا خلاف أنه لا زكاة فيها. نعم: إذا كانت الخيل للتجارة فتجب فيها الزكاة بالإجماع فيخص به عموم هذا الحديث، وخص المسلم وإن كان الصحيح عند الأصوليين والفقهاء تكليف الكافر بالفروع لأنه ما دام كافرًا

46 - باب ليس على المسلم في عبده صدقة

فلا يجب عليه الإخراج حتى يسلم فإذا أسلم سقطت لأن الإسلام يجبّ ما قبله. 46 - باب لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ صَدَقَةٌ هذا (باب) بالتنوين (ليس على المسلم في عبده صدقة) إلا صدقة الفطر وزكاة التجارة في قيمته إن كان للتجارة. 1464 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ خُثَيْمِ بْنِ عِرَاكٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح. حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا خُثَيْمُ بْنُ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ صَدَقَةٌ فِي عَبْدِهِ وَلاَ فَرَسِهِ». وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن خثيم بن عراك) بخاء معجمة مضمومة ومثلثة مفتوحة مصغرًا (قال: حدَّثني) بالإفراد (أبي) عراك (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): وبه قال المؤلّف أيضًا (ح، وحدّثنا سليمان بن حرب) قال: (حدّثنا وهيب بن خالد) بضم الواو وفتح الهاء تصغير وهب قال: (حدّثنا خثيم بن عراك بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قال: ليس على المسلم صدقة في) عين (عبده) زاد مسلم إلا صدقة الفطر (ولا) في عين (فرسه) ولأبي ذر: ولا في فرسه، واحترز بالتقييد بالعين فيهما عن وجوبها في قيمتهما إذا كانا للتجارة كما مرّ. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الزكاة وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 47 - باب الصَّدَقَةِ عَلَى الْيَتَامَى (باب الصدقة على اليتامى) عبر بالصدقة لشمولها الفرض والنفل والصدقة على اليتيم تذهب قساوة القلب كما روي. 1465 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ فَقَالَ: إِنِّي مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقِيلَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ تُكَلِّمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ يُكَلِّمُكَ؟ فَرَأَيْنَا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ. قَالَ فَمَسَحَ عَنْهُ الرُّحَضَاءَ فَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ -وَكَأَنَّهُ حَمِدَهُ- فَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ، وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ أَوْ يُلِمُّ، إِلاَّ آكِلَةَ الْخَضْرَاءِ، أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ عَيْنَ الشَّمْسِ فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ وَرَتَعَتْ. وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ مَا أَعْطَى مِنْهُ الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وَابْنَ السَّبِيلِ -أَوْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَيَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وبالسند قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة المخففة قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن هلال بن أبي ميمونة) هو هلال بن علي بن أسامة المدني من صغار التابعين قال: (حدّثنا عطاء بن يسار) بتخفيف السين المهملة (أنه سمع أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- يحدث أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جلس ذات يوم) أي قطعة من الزمان فذات يوم صفة للقطعة المقدرة ولم يتصرف لأن إضافتما من قبيل إضافة المسمى إلى الاسم وليس له تمكن في الظرفية الزمانية لأنه ليس من أسماء الزمان (على المنبر وجلسنا حوله فقال): (إني) وللمستملي والكشمهني: إن (مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها) حسنها وبهجتها الفانية كمال الغنائم وغيرها (فقال رجل:) لم أعرف اسمه (يا رسول الله أو يأتي الخير بالشر) بفتح الواو والهمزة للاستفهام أي أتصير نعمة الله التي هي زهرة الدنيا عقوبة ووبالاً؟ (فسكت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) انتظارًا للوحي (فقيل له) أي للسائل: (ما شأنك! تكلم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا يكلمك؟) ظنوا أنه عليه الصلاة والسلام أنكر مسألته. قال أبو سعيد: (فرأينا) بفتح الراء ثم الهمزة من الرؤية، وللحموي والمستملي: فرئينا بضم الراء ثم كسر الهمزة، وللكشميهني: فأرينا بتقديم الهمزة المضمومة على الراء المكسورة أي فظننا (أنه ينزل عليه) الوحي بضم أوّله وفتح الزاي مبنيًّا للمفعول. (قال:) أبو سعيد (فمسح) عليه الصلاة والسلام (عنه الرحضاء) بضم الراء وفتح الحاء المهملة والضاد المعجمة والمد العرق الكثير (فقال: أين السائل؟ وكأنه) عليه الصلاة والسلام (حمده) أي السائل فهموا أوّلاً من سكوته عند سؤاله إنكاره، ومن قوله عليه الصلاة والسلام أين السائل حمده لما رأوا فيه من البشرى لأنه عليه الصلاة والسلام كان إذا سرّ استنار وجهه (فقال:) عليه الصلاة والسلام: (إنه لا يأتي الخير بالشر) أي ما قدر الله أن يكون خيرًا يكون خيرًا وما قدّر أن يكون شرًّا يكون شرًّا، وإن الذي أخاف عليكم تضييعكم نعمة الله وصرفكم إياها في غير ما أمر الله فلا يتعلق ذلك بنفس النعمة (و) اضرب لكم مثلين: أحدهما مثل المفرط في جمع الدنيا هو (إن مما ينبت الربيع) بضم المثناة التحتية من الإنبات والربيع رفع فاعل وهو الجدول الذي يستسقى به ما (يقتل) قتلاً حبطًا (أو يلم) بضم أوله وكسر اللام أي يقرب من القتل؟ وسقط في البخاري هنا لفظه ما قبل يقتل وحبطًا بعدها فيقتل صفة لمفعول محذوف أي شيئًا أو نباتًا وحبطًا بفتح الحاء المهملة والموحدة نصب على التمييز وهو داء يصيب البعير من أحرار العشب أو من كلأ طيب يكثر منه فينتفخ فيهلك أو يقارب الهلاك، وكذلك الذي يكثر

من جمع الدنيا لا سيما من غير حلها ويمنع ذا الحق حقه يهلك في الآخرة بدخوله النار وفي الدنيا بأذى الناس له وحسدهم إياه وغير ذلك من أنواع الأذى، وإسناد الإنبات للربيع مجاز على رأي الشيخ عبد القاهر الجرجاني إذ السند إليه ملابس للفعل وليس فاعلاً حقيقيًا له إذ الفاعل هو الله تعالى، والسكاكي يرى أن الإسناد ليس مجازيًا وأن المجاز في الربع فجعله استعارة بالكناية على أن المراد به الفاعل الحقيقي بقرينة نسبة الإسناد إليه (إلا) بالتشديد (آكلة الخضراء)، بفتح الخاء وسكون الضاد المعجمتين وألف ممدودة بعد الراء، وللكشميهني والمستملي: الخضر بكسر الضاد والراء من غير ألف، وآكلة بمد الهمزة والاستثناء مفرغ، والأصل مما ينبت الربع ما يقتل آكله إلا آكل الخضراء وقال الطيبي: الأظهر أنه منقطع لوقوعه في الكلام المثبت وهو غير جائز عند الزمخشري إلا بالتأويل، ويجوز أن يكون متصلاً لكن يجب التأويل في المستثنى، والمعنى أن من جملة ما ينبت الربيع شيئًا يقتل آكله إلا الخضر منه إذا اقتصد فيه آكله وتحرى دفع ما يؤديه إلى الهلاك. وفي بعض النسخ: ألا بتخفيف اللام وفتح الهمزة على أنها استفتاحية كأنه قال: ألا انظروا آكلة الخضراء واعتبروا شأنها (أكلت) وفي بعض النسخ: فإنها أكلت أي فإن آكلة الخضراء أكلت (حتى إذا امتدّت خاصرتاها) أي جنباها أي امتلأت شبعًا وعظم جنباها ثم أقلعت عنه سريعًا (استقبلت عين الشمس) تستمرئ بذلك ما أكلت وتجترّه (فثلطت) بفتح المثلثة واللام أي ألقت السرقين سهلاً رقيقًا (وبالت) فيزول عنها الحبط، وإنما تحبط الماشية لأنها تمتلئ بطونها ولا تثلط ولا تبول فتنتفخ بطونها فيعرض لها المرض فتهلك (ورتعت). اتسعت في المرعى. وهذا مثل المقتصد في جمع الدنيا المؤدّي حقها الناجي من وبالها كما نجت آكلة الخضر الذي ليس من أحرار البقول وجيدها التي ينبتها الربيع بتوالي أمطاره فتحسن وتنعم ولكنه من البقول التي ترعاها المواشي بعد هيج البقول ويبسها حيث لا تجد سواها فلا ترى الماشية تكثر من أكلها ولا تسمرئها وقيل الربيع قد ينبت أحرار العشب والكلأ فهي كلها خير في نفسها، وإنما يأتي الشر من قبل آكل مستلذ مفرط منهمك فيها بحيث تنتفخ أضلاعه منه وتمتلئ خاصرتاه ولا يقلع عنه فيهلكه سريعًا، فهذا مثل للكافر ومن ثم أكد القتل بالحبط أي يقتل قتلاً حبطًا، والكافر هو الذي تحبط أعماله أو من قبل آكل كذلك فيشرفه إلى الهلاك، وهذا مثال للمؤمن الظالم لنفسه المنهمك في المعاصي أو من آكل مسرف حتى تنتفخ خاصرتاه ولكنه يتوخى إزالة ذلك ويتحيل في دفع مضرته حتى يهضم ما أكل، وهذا مثال المقتصد أو من آكل غير مفرط ولا مسرف يأكل منها ما يسدّ جوعه ولا يسرف فيه حتى يحتاج إلى دفعه، وهذا مثال السابق الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة لكن هذا ليس صريحًا في الحديث لكنه ربما يفهم منه. (وإن هذا المال) زهرة الدنيا (خضرة) من حيث المنظر (حلوة)، من حيث الذوق وخضرة بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين آخره تاء تأنيث وأنث مع أن المال مذكر باعتبار أنه زهرة الدنيا أو باعتبار البقلة أي: إن هذا المال كالبقلة الخضرة أو الفاكهة فالتأنيث وقع على التشبيه أو أن التاء للمبالغة كراوية وعلامة، وخص الأخضر لأنه أحسن الألوان، ولما ذكر لهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يخاف عليهم من فتنة المال أخذ يعرفهم دواء داء تلك الفتنة بقوله: (فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل- أو كما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) - شك من يحيى. وفي الجهاد من طريق فليح بلفظ: فجعله في سبيل الله واليتامى والمساكين وابن السبيل، (وإنه من يأخذه) أي المال (بغير حقه) بأن يجمعه من الحرام أو من غير احتياج إليه ولم يخرج منه حقه الواجب فيه فهو (كالذي يأكل ولا يشبع)، لأنه كلما نال منه شيئًا ازدادت رغبته واستقل ما عنده ونظر إلى ما فوقه (ويكون) ماله (شهيدًا عليه يوم القيامة) بأن ينطق الله الصامت منه بما فعل به أو يمثل مثاله أو يشهد عليه

48 - باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر. قاله أبو سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

الموكلون بكتب الكسب والإنفاق. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والسماع، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الرقاق ومسلم في الزكاة وكذا النسائي. 48 - باب الزَّكَاةِ عَلَى الزَّوْجِ وَالأَيْتَامِ فِي الْحَجْرِ. قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر). بفتح الحاء وكسرها (قاله) أي ما ذكره في الترجمة (أبو سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كما سبق موصولاً في باب الزكاة على الأقارب. 1466 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي شَقِيقٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-. قَالَ فَذَكَرْتُهُ لإِبْرَاهِيمَ فَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بِمِثْلِهِ سَوَاءً قَالَتْ: "كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ. وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَيْتَامٍ فِي حَجْرِهَا. فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ: سَلْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَيْتَامِي فِي حَجْرِي مِنَ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى الْبَابِ حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي. فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلاَلٌ فَقُلْنَا: سَلِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ لِي فِي حَجْرِي. وَقُلْنَا: لاَ تُخْبِرْ بِنَا. فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَنْ هُمَا؟ قَالَ زَيْنَبُ: قَالَ: أَيُّ الزَّيَانِبِ؟ قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: نَعَمْ، ولَهَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ". وبالسند قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق قال: (حدَّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدَّثني) بالإفراد (شقيق) أبو وائل (عن عمرو بن الحرث) بفتح العين وسكون الميم ابن أبي ضرار بكسر الضاد المعجمة الخزاعي له صحبة وهو أخو جويرية بنت الحرث أم المؤمنين (عن زينب) بنت معاوية أو بنت عبد الله بن معاوية بن عتاب الثقفية وتسمى أيضًا برايطة (امرأة عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنهما-، قال:) الأعمش: (فذكرته) أي الحديث (لإبراهيم) بن يزيد النخعي (فحدَّثني) بالإفراد (إبراهيم) النخعي (عن أبي عبيدة) بضم العين وفتح الموحدة عامر بن عبد الله بن مسعود (عن عمرو بن الحرث عن زينب امرأة عبد الله) بن مسعود (بمثله) أي بمثل هذا الحديث (سواء قالت: كنت في المسجد) النبوي (فرأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال:) يا معشر النساء. (تصدقن ولو من حليكن). بضم الحاء وكسر اللام وتشديد المثناة التحتية جمعًا كذا في الفرع وأصله، ويجوز فتح الحاء وسكون اللام مفردًا (وكانت زينب تنفق على) زوجها (عبد الله) بن مسعود (وأيتام في حجرها). لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمهم (فقالت:) ولغير أبي ذر، وابن عساكر. قال: فقالت: (لعبد الله) زوجها (سل رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيجزئ) بضم الياء وآخره همزة، وفي بعض الأصول وهو الذي في اليونينية: أيجزي بفتح الياء أي هل يكفي (عني أن أنفق عليك وعلى أيتامي) بياء الإضافة ولأبي ذر على أيتام (في حجري من الصدقة) الواجبة أو أعلم. (فقال) ابن مسعود (سلي أنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). قالت زينب: (فانطلقت إلى النبي) ولأبي ذر: إلى رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوجدت امرأة من الأنصار) هي زينب امرأة أبي مسعود يعني عقبة بن عمرو الأنصاري كما عند ابن الأثير في أسد الغابة، وفي رواية الطيالسي: فإذا امرأة من الأنصار يقال لها زينب (على الباب حاجتها مثل حاجتي فمرّ علينا بلال) المؤذن (فقلنا) له: (سل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبجزئ) بضم الياء أو فتحها (عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري). بإفراد الضمير فيها، وكان الظاهر أن يقال عنا وننفق وكذا باقيها. وأجاب الكرماني: بأن المراد كل واحدة منا أو اكتفت في الحكاية بحال نفسها، لكن قال البرماوي فيه نظر، وفي رواية النسائي على أزواجنا وأيتام في حجورنا، وللطيالسي: أنهم بنو أخيها وبنو أختها، وللنسائي أيضًا من طريق علقمة لإحداهما فضل مال وفي حجرها بنو أخ لها أيتام وللأخرى فضل مال وزوج خفيف ذات اليد أي فقير. (وقلنا) أي السائلتان. وللحموي والمستملي والكشميهني: فقلنا بالفاء بدل الواو لبلال (لا تخبر بنا) بجزم الراء أي لا تعين اسمنا بل قل تسألك امرأتان (فدخل) بلال على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فسأله) عن ذلك (فقال) عليه الصلاة والسلام: (من هما؟) المرأتان (قال) بلال معينًا لإحداهما لوجوبه عليه بطلب الرسول عليه الصلاة والسلام هي (زينب. قال:) عليه الصلاة والسلام (أي الزيانب)؟ أيَ أيّ زينب منهن فعرف باللام مع كونه علمًا لما نكر حتى جمع (قال) بلال: زينب (امرأة عبد الله) بن مسعود ولم يذكر بلال في الجواب معها زينب امرأة أبي مسعود الأنصاري اكتفاء باسم من هي أكبر وأعظم. (قال:) عليه الصلاة والسلام، ولأبوي ذر، والوقت: فقال (نعم). يجزي عنها (ولها أجران: أجر القرابة) أي صلة الرحم (وأجر الصدقة) أي ثوابها. قال المازري: الأظهر حمله على الصدقة الواجبة لسؤالها عن الإجزاء، وهذا اللفظ إنما يستعمل في

49 - باب قول الله تعالى: {وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله} [التوبة: 60] ويذكر عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: يعتق من زكاة ماله ويعطي في الحج وقال الحسن: إن اشترى أباه من الزكاة جاز، ويعطي في المجاهدين والذي لم يحج ثم تلا {إنما الصدقات للفقراء} [التوبة: 60] الآية، في أيها أعطيت أجزأت وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن خالدا احتبس أدراعه في سبيل الله» ويذكر عن أبي لاس: "حملنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على إبل الصدقة للحج"

الواجبة انتهى. وعليه يدل تبويب البخاري لكن ما ذكره من أن الإجزاء إنما يستعمل في الواجب إن أراد قولاً واحدًا فليس كذلك لأن الأصوليين اختلفوا في المسألة، فذهب قوم إلى أن الإجزاء يعم الواجب والمندوب وخصه آخرون بالواجب ومنعوه في المندوب، واعتمده المازري ونصره القرافي والأصفهاني واستبعده الشيخ تقي الدين السبكي وقال: إن كلام الفقهاء يقتضي أن المندوب يوصف بالإجزاء كالفرض، وقد تعقب القاضي عياض المازري بأن قوله: ولو من حليكن، وقوله فيما ورد في بعض الروايات عند الطحاوي وغيره أنها كانت امرأة صنعاء اليدين فكانت تنفق عليه وعلى ولده يدلان على أنها صدقة تطوّع وبه جزم النووي وغيره. وتأوّلوا قوله: أتجزئ عني أي في الوقاية من النار كأنها خافت أن صدقتها على زوجها لا تحصل لها المراد. وقد سبق الحديث في باب الزكاة على الأقارب وفيه أنها شافهت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالسؤال وشافهها وهاهنا لم تقع مشافهة فقيل: تحمل الأولى على المجاز وإنما هي على لسان بلال: والظاهر أنهما قضيتان: إحداهما في سؤالها عن تصدّقها بحليها على زوجها وولده، والأخرى في سؤالها عن النفقة. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول، ورواته كلهم كوفيون إلا عمرو بن الحرث، وفيه رواية صحاب عن صحابية وتابعي عن تابعي عن صحابيّ، وفي الطريق الثانية أربعة من التابعين وهم: الأعمش وشقيق وإبراهيم وأبو عبيدة، وأخرجه مسلم في الزكاة، والنسائي في عشرة النساء، وابن ماجة في الزكاة. 1467 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِيَ أَجْرٌ أَنْ أُنْفِقَ عَلَى بَنِي أَبِي سَلَمَةَ؟ إِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ. فَقَالَ: أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ، فَلَكِ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ". [الحديث 1467 - طرفه في: 5369]. وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة بفتح المعجمة واسمه إبراهيم وعثمان أخو أبي بكر بن أبي شيبة قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن زينب) برة بفتح الموحدة وتشديد الراء (ابنة) ولأبي ذر: بنت (أم سلمة) بفتح السين واللام أم المؤمنين وهي بنت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومية ربيبة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولدت بأرض الحبشة وحفظت عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وروت عنه وعن أزواجه. وذكرها العجلي في ثقات التابعين قال في الإصابة: كأنه كان يشترط للصحبة البلوغ، وذكرها ابن سعد فيمن لم يرو عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا وروى عن أزواجه (قالت:) أي زينب، ولأبي ذر: عن أم سلمة وهو الصواب كما لا يخفى، وأم سلمة هي أم المؤمنين هند قالت (قلت يا رسول الله ألي) بفتح الياء أي هل لي (أجر أن أنفق على بني أبي سلمة)؟ ابن عبد الأسد، وكان تزوّجها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعده ولها من أبي سلمة سلمة وعمر ومحمد وزينب ودرة (إنما هم بني) منه بفتح الموحدة وكسر النون وتشديد الياء وأصله بنون، فلما أضيف إلى ياء المتكلم سقطت نون الجمع فصار بنوي فاجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون فأدغمت الواو بعد قلبها ياء في الياء فصار بني بضم النون وتشديد الياء ثم أبدل من ضمة النون كسرة لأجل الياء فصار بني (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أنفقي عليهم)، بفتح الهمزة وكسر الفاء (فلك أجر ما أنففت عليهم) بإضافة أجر لتاليه فما موصولة، وجوّز بعضهم التنوين فتكون ما ظرفية قال في فتح الباري: وليس في الحديث تصريح بأن الذي كانت تنفقه عليهم من الزكاة فكان القدر المشترك من الحديث حصول الإنفاق على الأيتام انتهى. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول، ورواته ما بين كوفي ومدني، وفيه رواية تابعي عن تابعي هشام وأبوه وصحابية عن صحابية زينب وأمها. 49 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: يُعْتِقُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ وَيُعْطِي فِي الْحَجِّ وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنِ اشْتَرَى أَبَاهُ مِنَ الزَّكَاةِ جَازَ، وَيُعْطِي فِي الْمُجَاهِدِينَ وَالَّذِي لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ تَلاَ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الآيَةَ، فِي أَيِّهَا أَعْطَيْتَ أَجْزَأَتْ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ خَالِدًا احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي لاَسٍ: "حَمَلَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ لِلْحَجِّ" (باب قول الله تعالى: {وفي الرقاب والغارمين}) أي: وللصرف في فك الرقاب بأن يعاون المكاتب الذي ليس له ما يفي بالنجوم بشيء من الزكاة على أداء النجوم، وقيل بأن تباع الرقاب فتعتق، وبه قال مالك في المشهور، وإليه مال البخاري وابن المنذر واحتج له بأن شراء الرقيق ليعتق أولى من إعانة المكاتب لأنه قد يعان ولا يعتق ولأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم والزكاة لا تصرف للعبد، والأول مذهب الشافعي، والليث والكوفيين وأكثر أهل العلم. ورواه ابن وهب عن مالك

وقال المرداوي من الحنابلة في مقنعه: وللمكاتب الأخذ أي من الزكاة قبل حلول نجم ويجزئ أن يشتري منها رقبة لا تعتق عليه فيعتقها ولا يجزئ عتق عبده ومكاتبه عنها، وهو موافق لما رواه ابن أبي حاتم وأبو عبيد في الأموال بسند صحيح عن الزهري أنه كتب لعمر بن عبد العزيز أن سهم الرقاب يجعل نصفين: نصف لكل مكاتب يدعي الإسلام ونصف يشتري به رقاب من صلّى وصام وعدل من اللام إلى في قوله: {وفي الرقاب} للدلالة على أن الاستحقاق للجهة لا للرقاب، وقيل للإيذان بأنهم أحق بها ({وفي سبيل الله}) [التوبة: 60] أي وللصرف في الجهاد بالإنفاق على المتطوّعة به ولو كانوا أغنياء لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله" وخصه أبو حنيفة بالمحتاج، وعن أحمد الحج من سبيل الله. (ويذكر) بضم أوله وفتح ثالثه (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) مما وصله أبو عبيد في كتاب الأموال عن مجاهد عنه: (يعتق) الرجل بضم التحتية وكسر الفوقية (من زكاة ماله) الرقبة (ويعطي) منها (في الحج) المفروض للفقير، وبه قال أحمد محتجًّا بقول ابن عباس هذا مع عدم ما يدفعه، ثم رجع عنه كما في رواية الميموني لاضطرابه لكونه اختلف في إسناده على الأعمش، ومن ثم لم يجزم به المؤلّف بل أورده بصيغة التمريض لكن جزم المرداوي بصحته في العتق والحج وعلى قوله الفتوى عند الحنابلة. (وقال الحسن): البصري (إن اشترى أباه من الزكاة جاز) هذا بمفرده وصله ابن أبي شيبة بلفظ: سئل الحسن عن رجل اشترى أباه من الزكاة فأعتقه، قال: اشترى خير الرقاب (ويعطي في المجاهدين) في سبيل الله (والذي لم يحج) إذا كان فقيرًا (ثم تلا) الحسن قوله تعالى: ({إنما الصدقات للفقراء}) [التوبة: 60] ومفهوم تلاوته للآية أنه يرى أن اللام في للفقراء لبيان المصرف لا للتمليك فلو صرف الزكاة في صنف واحد كفى (وفي أيها) أي أيّ مصرف من المصارف الثمانية (أعطيت أجزأت) بسكون الهمزة وفتح التاء، ولأبي ذر: أجزأت بفتح الهمزة وسكون التاء، وفي بعض النسخ أجزت بغير همزة مع تسكين التاء أي قضت عنه، وفي بعضها أجرت بضم الهمزة وسكون الراء من الأجر. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): مما يأتي موصولاً في هذا الباب إن شاء الله تعالى: (إن خالدا احتبس أدراعه في سبيل الله) بفتح الراء وألف بعدها، ولأبي ذر: أدرعه بضمها من غير ألف (ويذكر) بصيغة التمريض (عن أبي لاس) بسين مهملة منوّنة بعد ألف مسبوقة بلام، ولأبي الوقت زيادة: الخزاعى. قال في فتح الباري؛ وتبعه العيني: اختلف في اسمه فقيل عبد الله، وقيل زياد بن عنمة بمهملة ونون مفتوحتين وكذا قال في الإصابة، وقال في المقدمة يقال اسمه عبد الله بن عنمة ولا يصح، وقال في تقريب التهذيب والصواب أنه غيره انتهى. ولأبي لاس هذا صحبة وحديثان. هذا أحدهما وقد وصله ابن خزيمة والحاكم (حملنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على إبل الصدقة للحج) ولفظ أحمد على إبل من إبل الصدقة ضعاف للحج فقلنا يا رسول الله ما نرى أن تحمل هذه فقال: "إنما يحمل الله" الحديث ورجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق ولهذا توقف ابن المنذر في ثبوته، وأورده المؤلّف بصيغة التمريض. 1468 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا، قَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَعَمُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهْيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا". تَابَعَهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ "هِيَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهَا مَعَهَا". وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: حُدِّثْتُ عَنِ الأَعْرَجِ بِمِثْلِهِ. وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (قال: حدَّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالصدقة)، الواجبة أو صدقة التطوّع، ورجحه بعضهم تحسينًا للظن بالصحابة إذ لا يظن بهم منع الواجب، وعلى هذا فعذر خالد واضح لأنه أخرج ماله في سبيل الله فما بقي له مال يحتمل المواساة، وتعقب بأنهم ما منعوه جحدًا ولا عنادًا، أما ابن جميل فقد قيل إنه كان منافقًا ثم تاب بعد كما حكاه المهلب. قيل وفيه نزلت {وما نقموا} الآية إلى قوله: {فإن يتوبوا يك خيرًا لهم} [التوبة: 74] فقال استتابني الله، فتاب وصلح حاله والمشهور نزولها في غيره، وأما خالد فكان متأوّلاً بإجزاء ما حبسه عن الزكاة فالظاهر أنها الصدقة

الواجبة لتعريف الصدقة باللام العهدية. وقال النووي: إنه الصحيح المشهور ويؤيده ما في رواية مسلم من طريق ورقاء عن أبي الزناد بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمر ساعيًا على الصدقة فهو مشعر بأنها صدقة الفرض لأن صدقة التطوّع لا تبعث عليها السعاة. ولأبي ذر: بصدقة (فقيل): القائل عمر -رضي الله عنه- لأنه المرسل (منع ابن جميل) بفتح الجيم وكسر الميم. قال ابن منده: لم يعرف اسمه ومنهم من سماه حميدًا، وقيل عبد الله. وذكره الذهبي فيمن عرف بأبيه ولم يسم (وخالد بن الوليد وعباس بن عبد المطلب) بالرفع في عباس عطفًا على وخالد المعطوف على ابن جميل المرفوع على الفاعلية. زاد في رواية أبي عبيد: أن يعطوا وهو مقدّر هنا لأن منع يستدعي مفعولاً. وقوله: أن يعطوا في محل نصب على المفعولية وكلمة أن مصدرية أي منع هؤلاء الإعطاء، (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بيان لوجه الامتناع ومن ثم عبر بالفاء: (ما ينقم ابن جميل) بكسر القاف مضارع نقم بالفتح أي ما يكره وينكر (إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله ورسوله)، من فضله بما أفاء الله على رسوله وأباح لأمته من الغنائم ببركته عليه الصلاة والسلام والاستثناء مفرغ، فمحل أن وصلتها نصب على المفعول به أو على أنه مفعول لأجله والمفعول به حينئذٍ محذوف. ومعنى الحديث كما قاله غير واحد أنه ليس ثم شيء ينقم ابن جميل فلا، موجب للمنع، وهذا مما تقصد العرب في مثله تأكيد النفي والمبالغة فيه بإثبات شيء وذلك الشيء لا يقتضي إثباته فهو منتف أبدًا، ويسمى مثل ذلك عند البيانيين تأكيد المدح بما يشبه الذم وبالعكس، فمن الأوّل نحو قول الشاعر: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهنّ فلول من قراع الكتائب ومن الثاني هذا الحديث وشبهه أي: ما ينبغي لابن جميل أن ينقم شيئًْا إلا هذا وهذا لا يوجب له أن ينقم شيئًا فليس ثم شيء ينقمه، فينبغي أن يعطي مما أعطاه الله ولا يكفر بأنعمه. (وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا)، عبر بالظاهر دون أن يقول تظلمونه بالضمير على الأصل تفخيمًا لشأنه وتعظيمًا لأمره نحو: {وما أدراك ما الحاقة} [الحاقة: 3] والمعنى تظلمونه بطلبكم منه زكاة ما عنده فإنه (قد احتبس) أي وقف قبل الحول (أدراعه) جمع درع بكسر الدال وهو الزردية (وأعتده) التي كانت للتجارة على المجاهدين (في سبيل الله)، فلا زكاة عليه فيها، وتاء أعتده مضمومة جمع عتد بفتحتين ما يعدّه الرجل من السلاح والدواب وآلات الحرب، ولأبي ذر: وأعتده بكسرها. قيل، ورواه بعض رواة البخاري: وأعبده بالموحدة جمع عبد حكاه عياض وهو موافق لرواية واحتبس رقيقه، ويحتمل أنه عليه الصلاة والسلام لم يقبل قول من أخبره بمنع خالد حملاً على أنه لم يصرّح بالمنع وإنما نقله عنه بناء على ما فهمه، ويكون قوله عليه الصلاة والسلام: تظلمون خالدًا أي بنسبتكم إياه إلى المنع وهو لم يمنع وكيف يمنع الفرض وقد تطوّع بوقف خيله وسلاحه، أو يكون عليه الصلاة والسلام احتسب له ما فعله من ذلك من الزكاة لأنه في سبيل الله وذلك من مصار الزكاة لكن يلزم منه إعطاء الزكاة لصنف واحد وهو قول مالك وغيره خلافًا للشافعي في وجوب قسمتها على الأصناف الثمانية. وقد سبق استدلال البخاري به على إخراج العروض في الزكاة، واستشكله ابن دقيق العيد: بأنه إذا حبس على جهة معينة تعين صرفه إليها واستحقه أهل تلك الصفة مضافًا إلى جهة الحبس فإن كان قد طلب من خالد زكاة ما حبسه فكيف يمكن ذلك مع تعين ما حبسه لصرفه؟ وإن كان طلب منه زكاة المال الذي لم يحبسه من العين والحرث والماشية فكيف يحاسب بما وجب عليه في ذلك وقد تعين صرف ذلك المحبس إلى جهته؛ ثم انفصل عن ذلك باحتمال أن يكون المراد بالتحبيس الإرصاد لذلك لا الوقف فيزول الإشكال، لكن هذا الإشكال إنما يتأتى على القول بأن المراد بالصدقة

50 - باب الاستعفاف عن المسألة

المفروضة، أما على القول بأن المراد التطوّع فلا إشكال كما لا يخفى. (وأما العباس بن عبد المطلب فعمّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللحموي والكشميهني: عم بغير فاء وفي وصفه بأنه عمه تنبيه على تفخيمه واستحقاق إكرامه، ودخول اللام على عباس مع كونه علمًا للمح الصفة (فهي) أي الصدقة المطلوبة منه (عليه صدقة) ثابتة سيتصدق بها (ومثلها معها) أي ويضيف إليها مثلها كرمًا منه فيكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألزمه بتضعيف صدقته ليكون ذلك أرفع لقدره وأنبه لذكره وأنفى للذب عنه، أو المعنى أن أمواله كالصدقة عليه لأنه استدان في مفاداة نفسه وعقيل فصار من الغارمين الذين لا تلزمهم الزكاة. وهذا التأويل على تقدير ثبوت لفظة صدقة، واستبعدها البيهقي لأن العباس من بني هاشم فتحرم عليهم الصدقة. أي: وظاهر هذا الحديث أنها صدقة عليه ومثلها معها فكأنه أخذها منه وأعطاها له، وحمل غيره على أن ذلك كان قبل تحريم الصدقة على آله عليه الصلاة والسلام. وفي رواية مسلم من طريق ورقاء: وأما العباس فهي عليّ ومثلها ثم قال: يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه؟ فلم يقل فيه صدقة بل فيه دلالة على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التزم بإخراج ذلك عنه لقوله: فهي عليّ ويرجحه قوله: إن عم الرجل صنو أبيه أي مثله ففي هذه اللفظة إشعار بما ذكرنا فإن كون صنو الأب يناسب أن يحمل عنه أي هي عليّ إحسانًا إليه وبرًّا به هي عندي فرض لأني استلفت منه صدقة عامين. وقد ورد ذلك صريحًا في حديث عليّ عند الترمذي لكن في إسناده مقال، وفي حديث ابن عباس عند الدارقطني بإسناد فيه ضعف: بعث النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عمر ساعيًا فأتى العباس فأغلظ له فأخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إن العباس قد استلفنا زكاة ماله العام والعام المقبل. وعن الحكم بن عقبة (تابعه) أي تابع شعيبًا (ابن أبي الزناد) عبد الرحمن (عن أبيه) أبي الزناد عبد الله بن ذكوان على ثبوت لفظ الصدقة وهذا وصله أحمد وغيره وذلك يرد على الخطابي حيث قال: إن لفظ الصدقة لم يتابع عليها شعيب بن أبي حمزة كما ترى، وكذا تابعه موسى بن عقبة فيما رواه النسائي. (وقال ابن إسحاق): محمد إمام المغازي فيما وصله الدارقطني (عن أدب الزناد) عبد الله بن ذكوان (هي عليه ومثلها معها) من غير ذكر الصدقة. (وقال ابن جريج): عبد الملك (حدثت) بضم الحاء مبنيًا للمفعول (عن الأعرج) عبد الرحمن (بمثله) ولأبي ذر، وابن عساكر: مثله رواية ابن إسحاق بدون لفظ الصدقة وهي أولى لأن العباس لا تحل له الصدقة كما مرّ، ورواية ابن جريج هذه وصلها عبد الرزاق في مصنفه لكنه خالف الناس في ابن جميل فجعل مكانه أبا جهم بن حذيفة. 50 - باب الاِسْتِعْفَافِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ (باب الاستعفاف عن المسألة) في غير المصالح الدينية. 1469 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- "أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ: مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ". [الحديث 1469 - طرفه في: 6470]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عطاء بن يزيد الليثي) بالمثلثة ويزيد من الزيادة (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن ناسًا من الأنصار). قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسمهم لكن في حديث النسائي ما يدل على أن أبا سعيد المذكور منهم (سألوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم) زاد أبو ذر: ثم سألوه فأعطاهم (حتى نفد) بكسر الفاء وبالدال المهملة أي فرغ وفني (ما عنده فقال): (ما يكون عندي من خير) ما موصولة متضمنة معنى الشرط وجوابه (فلن أدخره عنكم) بتشديد الدال المهملة أي لن أجعله ذخيرة لغيركم أو لن أحبسه وأخبأه وأمنعكم إياه (ومن يستعفف) بفاءين، وللحموي والمستملي: ومن يستعف بفاء واحدة مشددة أي ومن طلب العفة عن السؤال (يعفه الله) بنصب الفاء أي يرزقه الله العفة أي الكف عن الحرام، ولأبي ذر: يعفه الله برفع الفاء (ومن يستغن) يظهر الغنى (يغنه الله ومن يتصبر) يعالج الصبر ويتكلفه على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا. قال في شرح المشكاة قوله يعفه الله يريد أن من طلب من نفسه العفة عن السؤال ولم يظهر الاستغناء يعفه الله أي يصيره عفيفًا ومن ترقى من هذه المرتبة إلى ما هو أعلى من

إظهار الاستغناء عن الخلق لكن إن أعطي شيئًا لم يردّه يملأ الله قلبه غنى ومن فاز بالقدح المعلى وتصبر وإن أعطي لم يقبل فهو هو إذ الصبر جامع لمكارم الأخلاق. (يصبره الله) يرزقه الله الصبر (وما أُعطيَ أحد) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول وأحد رفع نائب عن الفاعل (عطاء) نصب مفعول ثان لأعطي (خيرًا) صفة عطاء (وأوسع) عطف على خيرًا (من الصبر) لأنه جامع لكارم الأخلاق أعطاهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحاجتهم ثم نبههم على موضع الفضيلة. 1470 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلاً فَيَسْأَلَهُ، أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ». [الحديث 1470 - أطرافه في: 1480، 2074، 2374]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (و) الله (الذي نفسي بيده) إنما حلف لتقوية الأمر وتأكيده (لأن يأخذ) بلام التأكيد (أحدكم حبله) وفي رواية أحبله بالجمع (فيحتطب) بتاء الافتعال. وفي مسلم فيحطب بغير تاء أي فإن يحتطب أي يجمع الحطب (على ظهره) فهو (خير له) وليست خير هنا من أفعل التفضيل بل هي كقوله تعالى: {أصحاب الجنة يومئذٍ خير مستقرًّا} [الفرقان: 24] (من أن يأتي رجلاً) أعطاه الله من فضله (فيسأله، أعطاه) فحمله ثقل المنة مع ذل السؤال (أو منعه) فاكتسب الذل والخيبة والحرمان أعاذنا الله من كل سوء. 1471 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ». [الحديث 1471 - طرفاه في: 2075، 3373]. وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة (عن الزبير) أبيه (ابن العوّام -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لأن يأخذ أحدكم حبله) بالإفراد أيضًا واللام في لأن ابتدائية أو جواب قسم محذوف (فيأتي بحزمة الحطب) بالتعريف وحزمة بضم المهملة وسكون الزاي، ولأبي ذر: بحزمة حطب (على ظهره فيبيعها فيكفّ) بنصب الفعلين (الله) أي فيمنع الله (بها وجهه)، من أن يريق ماءه بالسؤال قاله المظهري، ومن فوائد الاكتساب الاستغناء والتصديق كما في مسلم فيتصدق به ويستغني عن الناس فهو (خير له من أن يسأل الناس) أي من سؤال الناس ولو كان الاكتساب بعمل شاق كالاحتطاب، وقد روي عن عمر فيما ذكره ابن عبد البر مكسبة فيها بعض الدناءة خير من مسألة الناس (أعطوه) ما سأل (أو منعوه). وفي الحديث فضيلة الاكتساب بعمل اليد وقد ذكر بعضهم أنه أفضل المكاسب. وقال الماوردي: أصول المكاسب الزراعة والتجارة والصناعة. قال: ومذهب الشافعي أن التجارة أطيب والأشبه عندي أن الزراعة أطيب لأنها أقرب إلى التوكل. قال النووي في شرح المهذّب في صحيح البخاري، عن المقدام بن معد يكرب عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده" الحديث. فالصواب ما نص عليه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو عمل اليد، فإن كان زراعًا فهو أطيب المكاسب وأفضلها لأنه عمل يده ولأن فيه توكلاً كما ذكره الماوردي ولأن فيه نفعًا عامًّا للمسلمين والدواب، ولأنه لا بد في العادة أن يؤكل منه بغير عوض فيحصل له أجره وإن لم يكن ممن يعمل بيده بل يعمل له غلمانه وأجزاؤه فاكتسابه بالزراعة أفضل لما ذكرنا. وقال في الروضة، بعد حديث المقدام هذا: فهذا صريح في ترجيح الزراعة والصنعة لكونهما من عمل يده، ولكن الزراعة أفضلهما لعموم النفع بها للآدمي وغيره وعموم الحاجة إليها والله أعلم. وغاية ما في هذا الحديث تفضيل الاحتطاب على السؤال وليس فيه أنه أفضل المكاسب فلعله ذكره لتيسره لا سيما في بلاد الحجاز لكثرة ذلك فيها. 1472 - وَحَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ثُمَّ قَالَ: يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ. الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى. قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا. فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- يَدْعُو حَكِيمًا إِلَى الْعَطَاءِ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ. ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ -رضي الله عنه- دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الْفَىْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى تُوُفِّيَ". [الحديث 1472 - أطرافه في: 2750، 3143، 6441]. وبه قال: (حدّثنا عبدان) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن) ابن شهاب (الزهري عن عروة بن الزبير) بن العوام (وسعيد بن المسيب أن حكيم بن حزام) بفتح الحاء المهملة في الأول وكسرها في الثاني وتخفيف الزاي المعجمة (-رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني) بتكرير الإعطاء ثلاثًا (ثم قال): (يا حكيم، إن هذا المال) في الرغبة والميل إليه وحرص النفوس عليه كالفاكهة التي هي (خضرة) في النظر (حلوة)، في الذوق وكل منهما يرغب فيه على انفراده فكيف إذا اجتمعا. وقال في التنقيح: تأنيث الخبر تنبيه على أن المبتدأ مؤنث، والتقدير: أن صورة هذا المال أو يكون التأنيث للمعنى لأنه اسم جامع لأشياء كثيرة، والمراد بالخضرة الروضة الخضراء أو الشجرة الناعمة والحلوة المستحلاة الطعم. قال في المصابيح: إذا كان قوله خضرة صفة للروضة أو المراد بها نفس الروضة الخضرة لم يكن ثم إشكال البتة، وذلك أن توافق المبتدأ والخبر في التأنيث إنما يجب إذا كان الخبر صفة مشتقة غير سببية نحو هند حسنة أو في حكمها كالمنسوب أما في الجوامد فيجوز نحو هذه الدار مكان طيب وزيد نسمة عجيبة انتهى. (فمن أخذه) أي المال وللحموي: فمن أخذ (بسخاوة نفس) من غير حرص عليه أو بسخاوة نفس المعطي (بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس) أي مكتسبًا له بطلب النفس وحرصها عليه وتطلعها إليه (لم يبارك له) أي الآخذ (فيه) أي في المعطى (وكان) أي الآخذ (كالذي يأكل ولا يشبع) أي كذي الجوع الكاذب بسبب سقم من غلبة خلط سوداوي أو آفة، ويسمى جوع الكلب كلما ازداد أكلاً ازداد جوعًا فلا يجد شبعًا ولا ينجع فيه الطعام. وقال في شرح المشكاة: لما وصف المال بما تميل إليه النفس الإنسانية بجبلتها رتب عليه بالفاء أمرين: أحدهما: تركه مع ما هي مجبولة عليه من الحرص والشره والميل إلى الشهوات وإليه أشار بقوله: ومن أخذه بإشراف نفس. وثانيهما: كفها عن الرغبة فيه إلى ما عند الله من الثواب، وإليه أشار بقوله: بسخاوة نفس، فكنى في الحديث بالسخاوة عن كف النفس عن الحرص والشره كما كنى في الآية بتوقي النفس من الشح والحرص المجبولة عليه من السخاء لأن من توقى من الشح يكون سخيًا مفلحًا في الدارين {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [التغابن: 16] وسقط من اليونينية كما نبه عليه بحاشية فرعها لفظة: وكان. فإما أن يكون سهوًا أو الرواية كذلك (اليد العليا) المنفقة (خير من اليد السفلى) السائلة (فقال حكيم: فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الزاي وضم الهمزة أي لا أنقص (أحدًا بعدك) أي بعد سؤالك أو لا أرزأ غيرك (شيئًا) من ماله أي لا آخذ من أحد شيئًا بعدك. وفي رواية إسحاق قلت فوالله لا تكون يدي بعدك تحت أيدي العرب (حتى أفارق الدنيا فكان أبو بكر) الصديق (-رضي الله عنه- يدعو حكيمًا إلى العطاء فيأبى) أي يمتنع (أن يقبله منه) خوف الاعتياد فتتجاوز به نفسه إلى ما يريد ففطمها عن ذلك وترك ما يريبه إلى ما لا يريبه (ثم إن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- دعاه ليعطيه فأبى) أي امتنع (أن يقبل منه شيئًا، فقال عمر) لمن حضره مبالغة في براءة سيرته العادلة من الحيف والتخصيص والحرمان بغير مستند: (إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه) فيه أنه لا يستحق من بيت المال شيئًا إلا بإعطاء الإمام، ولا يجبر احد على الأخذ وإنما أشهد عمر على حكيم لما مرّ (فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى توفي) لعشر سنين من إمارة معاوية مبالغة في الاحتراز إذ مقتضى الجبلة الإشراف والحرص والنفس سراقة ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. قال النووي: اتفق العلماء على النهي عن السؤال من غير ضرورة واختلف أصحابنا في مسألة القادر على الكسب على وجهين: أصحهما أنها حرام لظاهر الأحاديث، والثاني حلال مع الكراهة بثلاثة شروط أن لا يذل نفسه ولا يلح في السؤال ولا يؤذي المسؤول فإن فقد واحد من هذه الشروط فحرام بالاتفاق انتهى. وقد مثل القاضي أبو بكر بن العربي للواجب بالمريدين في ابتداء أمرهم ونازعه العراقي بأنه

51 - باب من أعطاه الله شيئا من غير مسألة ولا إشراف نفس {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} [الذاريات: 19]

لا يطلق على سؤال المريدين في ابتدائهم اسم الوجوب، وإنما جرت عادة الشيوخ في تهذيب أخلاق المبتدئين بفعل ذلك لكسر أنفسهم إذا كان في ذلك إصلاحهم، فأما الوجوب الشرعي فلا. وفي حديث ابن الفراسي مما رواه أبو داود والنسائي أنه قال: يا رسول الله أسأل؟ فقال: لا وإن كنت سائلاً لا بدّ فاسأل الصالحين أي من أرباب الأموال الذين لا يمنعون ما عليهم من الحق وقد لا يعلمون المستحق من غيره، فإذا عرفوا بالسؤال المحتاج أعطوه مما عليهم من حقوق الله أو المراد من يتبرك بدعائهم وترجى إجابتهم، وحيث جاز السؤال فيجتنب فيه الإلحاح والسؤال بوجه الله لحديث المعجم الكبير عن أبي موسى بإسناد حسن عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سئل بوجه الله" فمنع سائله ما لم يسأل هجرًا. وفي حديث الباب التحديث والإخبار والعنعنة وثلاثة من التابعين، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الوصايا وفي الخمس والرقاق، ومسلم في الزكاة، والترمذي في الزهد، والنسائي في الزكاة. 51 - باب مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلاَ إِشْرَافِ نَفْسٍ {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19] (باب من أعطاه الله شيئًا من غير مسألة ولا إشراف نفس) فليقبله ({وفي أموالهم}) أي المتقين المذكورين قبل هذه الآية ({حق للسائل والمحروم}) [الذاريات: 19] المتعفف الذي لا يسأل. رواه الطبري من طريق ابن شهاب، وفي رواية المستملي تقديم الآية وسقطت للأكثر كذا قاله في الفتح، والذي في الفرع وأصله باب: من أعطاه الله شيئًا من غير مسألة ولا إشراف نفس وفي هامشها لأبي ذر عن المستملي باب بالتنوين: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}. 1473 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِينِي الْعَطَاءَ فَأَقُولُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ: خِذْهُ، إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَىْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ، فَخُذْهُ، وَمَا لاَ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ". [الحديث 1473 - طرفاه في: 7163، 7164]. وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن) ابن شهاب (الزهري عن سالم أن) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال سمعت) أبي (عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (يقول: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطيني العطاء) أي بسبب العمالة كما في مسلم لا من الصدقات فليست من جهة الفقر (فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني) عبر بأفقر ليفيد نكتة حسنة وهى كون الفقير هو الذي يملك شيئًا ما لأنه إنما يتحقق فقير وأفقر إذا كان الفقير له شيء يقل ويكثر، أما لو كان الفقير هو الذي لا شيء له البتة كان الفقراء كلهم سواء ليس فيهم أفقر قاله صاحب المصابيح (فقال) عليه الصلاة والسلام: (خذه) أي بالشرط المذكور بعد، وزاد في رواية شعيب عن الزهري في الأحكام: فتموّله وتصدق به أي أقبله وأدخله في ملكك ومالك، وهو يدل على أنه ليس من أموال الصدقات لأن الفقير لا ينبغي أن يأخذ من الصدقات ما يتخذه مالاً (إذا جاءك من هذا المال شيء) أي من جنس المال (وأنت غير مشرف) بسكون الشين المعجمة بعد الميم المضمومة، والجملة حالية أي غير طامع، والإشراف أن يقول مع نفسه يبعث إلي فلان بكذا (ولا سائل)، أي ولا طالب له وجواب الشرط في قوله إذا جاءك قوله (فخذه) وأطلق الأخذ أولاً وعلقه ثانيًا بالشرط فحمل المطلق على المقيد وهو مقيد أيضًا بكونه حلالاً، فلو شك فيه فالاحتياط الرد وهو الورع. نعم يجوز أخذه عملاً بالأصل وقد رهن الشارع عليه الصلاة والسلام درعه عند يهودي مع علمه بقوله تعالى في اليهود: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42] وكذلك أخذ منهم الجزية مع العلم بأن أكثر أموالهم من ثمن الخنزير والخمر والمعاملة الفاسدة. وقيل: يجب أن يقبل من السلطان دون غيره لحديث سمرة المروي في السنن: إلا أن يسأل ذا سلطان (وما لا) يكون على هذه الصفة بأن لم يجيء إليك ومالت نفسك إليه (فلا تتبعه نفسك) في الطلب واتركه. وأخرجه المؤلّف أيضًا ومسلم في الزكاة وكذا النسائي. 52 - باب مَنْ سَأَلَ النَّاسَ تَكَثُّرًا (باب من سأل الناس تكثرًا) نصب على المصدر أي سؤال تكثر أي مستكثر المال بسؤاله لا يريد به سدّ الخلة قاله في التنقيح، أو نصب على الحال إما بأن يجعل المصدر نفسه حالاً على جهة المبالغة نحو: زيد عدل أو بأن يقدر مضاف أي ذا تكثر، ويجوز أن يكون منصوبًا على المصدر التأكيدي لا النوعي أي يتكثر تكثرًا، والجملة الفعلية حال أيضًا قاله في المصابيح، وجواب الشرط محذوف أي من سأل لأجل التكثر فهو مذموم.

53 - باب قول الله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافا} [البقرة: 273] وكم الغنى، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ولا يجد غنى يغنيه» {للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله} -إلى قوله- {فإن الله به عليم} [البقرة: 273].

1474 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ». وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عبيد الله بن أبي جعفر) بضم العين وفتح الموحدة مصغرًا واسم أبي جعفر يسار (قال: سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر) بالحاء المهملة والزاي وعمر بضم العين وفتح الميم (قال: سمعت) أبي (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما يزال الرجل يسأل الناس) أي تكثرًا وهو غني. (حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم) بل كله عظم ومزعة بضم الميم وسكون الزاي وفتح العين المهملة. وزاد في القاموس كسر الميم. وحكى ابن التين فتح الميم والزاي القطعة من اللحم أو النتفة منه وخص الوجه لمشاكلة العقوبة في موضع الجناية من الأعضاء لكونه أذل وجهه بالسؤال أو أنه يأتي ساقط القدر والجاه، وقد يؤيده حديث مسعود بن عمرو عند الطبراني والبزار مرفوعًا: لا يزال العبد يسأل وهو غني حتى يخلق وجهه فلا يكون له عند الله وجه. وقال التوربشتي قد عرفنا الله تعالى أن الصور في الدار الآخرة تختلف باختلاف المعاني قال الله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: 106] فالذي يبذل وجهه لغير الله في الدنيا من غير بأس وضرورة بل للتوسع والتكثر يصيبه شين في وجهه بإذهاب اللحم عنه ليظهر للناس عنه صورة المعنى الذي خفي عليهم منه انتهى. ولفظ الناس يعم المسلم وغيره فيؤخذ منه جواز سؤال غير المسلم، وكان بعض الصالحين إذا احتاج يسأل ذميًا لئلا يعاقب المسلم بسببه لو رده قاله ابن أبي جمرة. وظاهر قوله: ما يزال الرجل يسأل إلى آخره الوعيد لمن سأل سؤالاً كثيرًا، والمؤلف فهم أنه وعيد لمن سأل تكثرًا، والفرق بينهما ظاهر فقد يسأل الرجل دائمًا وليس متكثرًا لدوام افتقاره واحتياجه، لكن القواعد تبين أن المتوعد هو السائل عن غنى وكثرة لأن سؤال الحاجة مباح وربما ارتفع عن هذه الدرجة، وعلى هذا أنزل البخاري الحديث قاله في المصابيح وسبقه إليه ابن المنير في الحاشية. 1475 - وَقَالَ "إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ. فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ، ثُمَّ بِمُوسَى، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وَزَادَ عَبْدُ اللَّهِ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ «فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ الْخَلْقِ، فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ. فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَحْمَدُهُ أَهْلُ الْجَمْعِ كُلُّهُمْ». وَقَالَ مُعَلًّى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْأَلَةِ. [الحديث 1475 - طرفه في: 4718]. (وقال) عليه الصلاة والسلام (إن الشمس تدنو) أي تقرب (يوم القيامة) فيسخن الناس من دنوها فيعرقون (حتى يبلغ العرق نصف الأذن). فإن قلت: ما وجه اتصال قوله إن الشمس الخ بما سبق؟ أجيب: بأن الشمس إذا دنت يكون أذاها لمن لا لحم له في وجهه أكثر وأشد من غيره. (فبينا هم كذلك) أصله بين فزيدت الألف بإشباع فتحة النون وهو ظرف بمعنى المفاجأة ويحتاج إلى جواب يتم به المعنى وهو هنا قوله: (استغاثوا بآدم ثم) استغاثوا (بموسى، ثم) استغاثوا (بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). فيه اختصار إذ يستغاث أيضًا بغير من ذكر من الأنبياء كما لا يخفى. (وزاد عبد الله) بن صالح كاتب الليث، أو عبد الله بن وهب فيما ذكره ابن شاهين فيما وصله البزار والطبراني في الأوسط وابن منده في الإيمان له: (حدّثني) بالإفراد (الليث) ابن سعد (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (ابن أبي جعفر) عبيد الله بتصغير عبد (فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب) بسكون لام حلقة والمراد حلقة باب الجنة، (فيومئذ يبعثه الله مقامًا محمودًا) هو مقام الشفاعة العظمى (يحمده أهل الجمع) أي أهل المحشر (كلهم). وحديث الباب أخرجه مسلم والنسائي. (وقال معلى) بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد اللام منوّنًا عند أبي ذر بن أسد مما وصله البيهقي: (حدّثنا وهيب) تصغير وهب (عن النعمان بن راشد عن عبد الله بن مسلم أخي) محمد بن مسلم بن شهاب (الزهري عن حمزة) بن عبد الله بن عمر أنه (سمع ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسألة) أي في الجزء الأول من الحديث دون الزيادة وآخره: مزعة لحم. 53 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] وَكَمِ الْغِنَى، وَقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَلاَ يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ» {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} -إِلَى قَوُلِهِ- {فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 273]. (باب قول الله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافًا} [البقرة: 273] أي إلحاحًا وهو أن يلازم المسؤول حتى يعطيه من قولهم لحفني من فضل لحافه أي أعطاني من فضل ما عنده، ومعناه أنهم لا يسألون وإن سألوا عن ضرورة لم يلحوا، وقيل: هو نفي للسؤال والإلحاح كقوله: على لاحب لا يهتدى بمناره فمراده لا منار ولا اهتداء به ولا ريب أن نفي السؤال والإلحاح

أدخل في التعفف (وكم الغنى)، أي مقداره المانع للرجل من السؤال، وليس في الباب ما فيه تصريح بالقدر إما لكونه لم يجد ما هو على شرطه أو اكتفاء بما يستفاد من قوله في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى، ولا يجد أي الرجل غنى يغنيه. وعن سهل ابن الحنظلية مرفوعًا: من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار. قال النفيلي أحد رواته، قالوا: وما الغنى الذي لا ينبغي معه المسألة؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه رواه أبو داود وعند ابن خزيمة أن يكون له شبع يوم وليلة أو ليلة ويوم. قال الخطابي: اختلف الناس في تأويل حديث سهل، فقيل: من وجد غداء يومه وعشاءه لم تحل له المسألة على ظاهر الحديث، وقيل: إنما هو فيمن وجد غداء وعشاء على دائم الأوقات فإذا كان عنده ما يكفيه لقوته المدة الطويلة حرمت عليه المسألة. وقيل: إنه منسوخ بالأحاديث التي فيها تقدير الغنى بملك خمسين درهمًا أو قيمتها، أو بملك أوقية أو قيمتها. وعورض بأن ادعاء النسخ مشترك بينهما لعدم العلم بسبق أحدهما على الآخر. (وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بجر قول أي في حديث أبي هريرة الآتي في هذا الباب إن شاء الله تعالى (ولا يجد) أي الرجل (غنى يغنيه) بكسر غين غنى والقصر ضد الفقر زاد أبو ذر: لقول الله تعالى: ({للفقراء}) متعلق بمحذوف أي اعمدوا للفقراء أو اجعلوا ما تنفقون للفقراء أو صدقاتكم للفقراء ({الذين أحصروا في سبيل الله}) أحصرهم الجهاد {لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 273] أي ذهابًا فيها للتجارة والكسب، وقيل: هم أهل الصفة كانوا نحوًا من أربعمائة من فقراء المهاجرين يسكنون صفة المسجد يستغرقون أوقاتهم في التعلم والعبادة، وكانوا يخرجون في كل سرية يبعثها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووصفهم بعدم استطاعة الضرب في الأرض يدل على عدم الغنى، إذ من استطاع ضربًا فيها فهو واجد لنوع من الغنى. (إلى قوله: {فإن الله به عليم}) ترغيب في الإنفاق خصوصًا على هؤلاء. وسقط قوله: {لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ} في غير رواية أبي ذر. 1476 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ الأُكْلَةُ وَالأُكْلَتَانِ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ غِنًى وَيَسْتَحْيِي أَوْ لاَ يَسْأَلُ النَّاسَ إِلْحَافًا». [الحديث 1476 - طرفاه في: 1479، 4539]. وبالسند قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم السلمي البصري الأنماطي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ليس المسكين) بكسر الميم وقد تفتح أي الكامل في المسكنة (الذي ترده الأكلة والأكلتان)، عند طوافه على الناس للسؤال لأنه قادر على تحصيل قوته. وربما يقع له زيادة عليه، وليس المراد نفي المسكنة عن الطواف بل نفي كمالها لأنهم أجمعوا على أن السائل الطوّاف المحتاج مسكين وهمزة الأكلة والأكلتان مضمومة أي اللقمة واللقمتان كما صرح به في الرواية الأخرى تقول: أكلت أكلة واحدة أي لقمة وأما بالفتح فالأكل مرة واحدة حتى يشبع (ولكن المسكين) الكامل بتخفيف نون لكن، فالمسكين مرفوع وبتشديدها فالمسكين منصوب والأخيرة لأبي ذر (الذي ليس له غنى) بكسر الغين مقصور أي يسار، وزاد الأعرج يغنيه وهي صفة له وهو قدر زائد على اليسار إذ لا يلزم من حصول اليسار للمرء أن يغنى به بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر، واللفظ محتمل لأن يكون المراد نفي أصل اليسار ولأن يكون المراد نفي اليسار المقيد بأنه يغنيه مع وجود أصل اليسار وعلى الاحتمال الثاني ففيه: إن المسكين هو الذي يقدر على مال أو كسب يقع موقعًا من حاجته ولا يكفيه كثمانية من عشرة وهو حينئذ أحسن حالاً من الفقير فإنه الذي لا مال له أصلاً أو يملك ما لا يقع موقعًا من كفايته كثلاثة من عشرة واحتجوا بقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: 79] فسماهم مساكين مع أن لهم سفينة لكنها لا تقوم بجميع حاجتهم (ويستحيي)، بياءين أو بياء واحدة زاد همام أن يسأل الناس، وزاد الأعرج ولا يفطن له (أو لا يسأل الناس إلحافًا) نصب على الحال أي ملحفًا أو صفة مصدر محذوف أي سؤال الإلحاف أو عامله محذوف أي ولا يلحف إلحافًا. 1477 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنِ ابْنِ أَشْوَعَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي كَاتِبُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: "كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنِ اكْتُبْ إِلَىَّ بِشَىْءٍ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ". وبه قال: (حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم)

الدورقي قال: (حدّثنا إسماعيل بن علية) هو إسماعيل بن إبراهيم وعلية بضم العين وفتح اللام وتشديد المثناة التحتية اسم أمه قال: (حدّثنا خالد الحذاء) بفتح الحاء المهملة وتشديد الذال المعجمة ممدود البصري (عن ابن أشوع) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الواو آخره عين مهملة غير منصرف، واسمه سعيد بن عمرو بن أشوع الهمداني قاضي الكوفة ونسب لجده وثقه ابن معين والنسائي والعجلي وإسحاق بن راهويه، ورماه الجوزجاني بالتشيع لكن احتج به الشيخان والترمذي. له عنده حديثان أحدهما متابعة، ولأبي ذر عن الكشميهني: ابن الأشوع (عن الشعبي) بفتح المعجمة عامر بن شراحيل (قال: حدَّثني) بالإفراد (كاتب المغيرة بن شعبة) ومولاه وراد بفتح الواو وتشديد الراء بالدال المهملة آخره (قال: كتب معاوية) بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- (إلى المغيرة بن شعبة) -رضي الله عنه- (أن اكتب إلي بشيء سمعته من رسول الله) ولأبي ذر وابن عساكر: من النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليه سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن الله كره لكم ثلاثًا قيل وقال) يجوز أن يكونا ماضيين وأن يكونا مصدرين وكتبا بغير ألف على لغة ربيعة، والمراد المقاولة بلا ضرورة وقصد ثواب فإنها تقسي القلوب، أو المراد ذكر الأقوال الواقعة في الدين كأن يقول قال الحكماء كذا. وقال أهل السنة: كذا من غير بيان ما هو الأقوى ويقلد من سمعه من غير أن يحتاط. وقال في المحكم: القول في الخير والقيل والقال في الشر خاصة. وقال في المصابيح: قيل وما بعدها بدل من ثلاثًا. فإن قلت: كره لا يتسلط على قيل وقال ضرورة أن كلاًّ منهما فعل ماض فلا يصح وقوعه: مفعولاً به، فكيف صح البدل بالنسبة إليهما؟ قلت: لا نسلم أن واحدًا منهما فعل بل كل منهما اسم مسماه الفعل الذي هو قيل أو قال، وإنما فتح آخره على الحكاية وذلك مثل قولك: ضرب فعل ماض ولهذا أخبر عنه والإخبار عنه باعتبار مسماه وهو ضرب الذي يدل على الحدث والزمان، وغاية الأمر أن هذا لفظ مسماه لفظ ولا نكير فيه كأسماء السور حروف المعجم قال: وقول ابن مالك إن الإسناد اللفظي يكون في الكلم الثلاث، والذي يختص به الاسم هو الإسناد المعنوي ضعيف اهـ. (و) كره الله لكم (إضاعة المال) بإنفاقه في المعاصي والإسراف فيه كدفعه لغير رشيد أو تركه من غير حافظ أو يتركه حتى يفسد أو يموّه أوانيه بالذهب أو يذهب سقف بيته أو غير ذلك. وللحموي والمستملي: وإضاعة الأموال (وكثرة السؤال) للناس في أخذ أموالهم صدقة لهذا موضع الترجمة، ويحتمل أن يكون المراد السؤال عن المشكلات التي تعبدنا بظاهرها أو عما لا حاجة للسائل به لكن حمله على المعنى الأعم أولى. 1478 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ، قَالَ فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُمْ رَجُلاً لَمْ يُعْطِهِ -وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَىَّ- فَقُمْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُرَاهُ مُؤْمِنًا. قَالَ: أَوْ مُسْلِمًا. قَالَ فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ فِيهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُرَاهُ مُؤْمِنًا. قَالَ: أَوْ مُسْلِمًا. قَالَ فَسَكَتُّ قَلِيلاً، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ فِيهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ، وَاللَّهِ إِنِّي لأُرَاهُ مُؤْمِنًا. قَالَ: أَوْ مُسْلِمًا. يَعْنِي فَقَالَ إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ". وَعَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ هَذَا فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ "فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ فَجَمَعَ بَيْنَ عُنُقِي وَكَتِفِي ثُمَّ قَالَ: أَقْبِلْ أَىْ سَعْدُ، إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ {فَكُبْكِبُوا}: قُلِبُوا. {مُكِبًّا}: أَكَبَّ الرَّجُلُ إِذَا كَانَ فِعْلُهُ غَيْرَ وَاقِعٍ عَلَى أَحَدٍ، فَإِذَا وَقَعَ الْفِعْلُ قُلْتَ: كَبَّهُ اللَّهُ لِوَجْهِهِ، وَكَبَبْتُهُ أَنَا. وبه قال: (حدّثنا محمد بن غرير) بضم الغين المعجمة وفتح الراء الأولى مصغرًا ابن الوليد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي المدني (الزهري) قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم عن أبيه) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني نزيل بغداد (عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عامر بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- (قال: أعطى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رهطًا) هو دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة وحذف مفعول أعطى الثاني ليعم (وأنا جالس فيهم)، في الرهط والجملة حالية (قال: فترك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منهم) أي من الرهط ولأبي ذر فيهم (رجلاً) هو جعيل بن سراقة فيما ذكره الواقدي الضمري أو الغفاري أو الثعلبي فيما ذكره أبو موسى. وروى ابن إسحاق في مغازيه عن محمد بن إبراهيم التيمي قال قيل يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة. وتركت جعيلاً. قال: والذي نفسي بيده لجعيل بن سراقة خير من طلائع الأرض مثل عيينة والأقرع ولكني أتألفهما وأكل جعيلاً إلى إيمانه. وهذا مرسل حسن لكن له شاهد

موصول. روى الروياني وابن عبد الحكم في فتوح مصر من طريق بكر بن سوادة عن أبي سالم الجيشاني عن أبي ذر: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: كيف ترى جعيلاً؟ قلت: مسكينًا كشكله من الناس. قال: وكيف ترى فلانًا؟ قلت سيدًا من السادات. قال: فجعيل خير من ملء الأرض مثل هذا. قال: قلت يا رسول الله ففلان هكذا وتصنع به ما تصنع؟ قال: إنه رأس قومه فأتألفهم. وإسناده صحيح، وأخرجه ابن حبان من وجه آخر عن أبي ذر، لكن لم يسم جعيلاً. وأخرجه البخاري من حديث سهل بن سعد فأبهم جعيلاً وأبا ذر؛ قاله في الإصابة. (لم يعطه وهو أعجبهم) أي أفضل الرهط وأصلحهم (إلي) أي في اعتقادي. قال في المصابيح: أضاف أفعل التفضيل إلى ضمير الرهط المعطين وأوقعه على الرجل الذي لم يعط وأفعل التفضيل إذا قصدت به الزيادة على من أضيف إليه كما قاله ابن الحاجب اشترط أن يكون منهم، وقد بينا أنه ليس من الرهط ضرورة كونه لم يعط فيمتنع كما يمتنع يوسف أحسن إخوته مع إرادة هذا المعنى والمخلص من ذلك أعجب الرهط الحاضرين الذين منهم المعطى والمتروك. فإن قلت: لم لا يجوز أن يكون المقصود بأفعل التفضيل زيادة مطلقة والإضافة للتخصيص والتوضيح فينتفي المحذور فيجوز التركيب كما أجازوا يوسف أحسن إخوته بهذا الاعتبار. قلت: المراد بالزيادة المطلقة أن يقصد تفضيله على كل ما سواه مطلقًا لا على المضاف إليه وحده وظاهر أن هذا المعنى غير مراد هنا انتهى. قال سعد: (فقمت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فساررته فقلت: ما لك عن فلان) أي أي شيء حصل لك أعرضت به عن فلان فلا تعطيه (والله إني لأراه مؤمنًا) بضم الهمزة أي لأظنه وفي غير الفرع بفتح الهمزة أي أعلمه. قال النووي: ولا يضم على معنى أظنه لأنه قال: غلبني ما أعلم ولأنه راجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مرارًا فلو لم يكن جازمًا لما كرر المراجعة وتعقب بأن ما أعلم معناه ما أظن كقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10] والمراجعة لا تدل على الجزم لأن الظن يلزم اتباعه اتفافًا وحلف على غلبة ظنه. (قال) عليه الصلاة والسلام: (أو مسلمًا) بإسكان الواو على الإضراب عن قوله والحكم بالظاهر كأنه قال: بل مسلمًا ولا تقطع بإيمانه فإن الباطن لا يطلع عليه إلا الله فالأولى أن يعبر بالإسلام وليس حكمًا بعدم إيمانه بل نهي عن الحكم بالقطع به. (قال) سعد: (فسكت) سكوتًا (قليلاً ثم غلبني ما أعلم فيه فقلت يا رسول الله ما لك عن فلان والله إني لأراه) أظنه (مؤمنًا قال) عليه الصلاة والسلام: (أو مسلمًا) كذا لأبي ذر في حاشية الفرع وفيه: والله إني لأراه مؤمنًا أو قال مسلمًا. (قال: فسكت) سكوتًا (قليلاً ثم غلبني ما أعلم فيه) ولأبي ذر: منه بالميم والنون بدل الفاء والياء (فقلت يا رسول الله: ما لك عن فلان والله إني لأراه) أظنه (مؤمنًا. قال) عليه الصلاة والسلام: (أو مسلمًا) كذا لأبي ذر في حاشية الفرع وفيه: والله إني لأراه مؤمنًا أو قال مسلمًا (يعني فقال) وهاتان الكلمتان ساقطتان عند أبي ذر (إني لأعطي الرجل) مفعوله الثاني محذوف أي الشيء (وغيره أحب إلي منه) مبتدأ وخبره في موضع الحال (خشية) نصب مفعول له لقوله لأعطي أي لأجل خشية (أن يكب) بضم أوّله وفتح الكاف (في النار على وجهه). وهذا الحديث سبق في باب: إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة من كتب الإيمان (وعن أبيه) عطفًا على السابق أي قال يعقوب بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم (عن صالح) هو ابن كيسان (عن إسماعيل بن محمد أنه قال: سمعت أبي) محمد بن سعد بن أبي وقاص (يحدث هذا) الحديث، ولأبي ذر: بهذا فهو مرسل لأنه لم يذكر سعدًا، لكن قال الكرماني إن الإشارة في قوله هذا إلى قول سعد فهو متصل (فقال: في) جملة (حديثه فضرب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده فجمع بين عنقي وكتفي) فجمع بالفاء والفعل الماضي كذا في اليونينية، وفي بعض الأصول بجمع بالباء الجارة وضم الجيم وسكون الميم أي ضرب بيده حال كونها مجموعة وبين اسم لا ظرف. كقوله تعالى:

54 - باب خرص التمر

{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام: 94] على قراءة الرفع. (ثم قال:) عليه الصلاة والسلام (أقبل) بكسر الموحدة فعل أمر من الإقبال، ولأبي ذر والأصيلى أقبل بفتح الموحدة فعل أمر من القبول فهمزته همزة وصل تكسر في الابتداء كأنه لما قال له ذلك تولى ليذهب فأمره بالإقبال ليبين له وجه الإعطاء والمنع (أي سعد) منادى مفرد مبني على الضم وأي نداء (إني لأعطي الرجل) الحديث (قال أبو عبد الله:) البخاري جريًا على عادته في إيراد تفسير اللفظة الغريبة إذا وافق ما في الحديث ما في القرآن ({فكبكبوا}) في سورة الشعراء أي (قلبوا) بضم القاف وكسر اللام وضم الموحدة، ولأبي ذر: فكبوا بضم الكاف من الكب وهو الإلقاء على الوجه، وقوله تعالى في سورة الملك ({مكبًّا}) بكسر الكاف لأبي ذر يقال: (أكب الرجل إذا كان فعله غير واقع على أحد) أي لازمًا (فإذا وقع الفعل) أي إذا كان متعديًا (قلت: كبه الله لوجهه، وكببته أنا) يريد أن أكب لازم وكب متعد وهو غريب أن يكون القاصر بالهمزة والمتعدي بحذفها. 1479 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنِ الْمِسْكِينُ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلاَ يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) هو ابن أبي أويس المدني ابن أخت الإمام مالك (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ليس المسكين) الكامل (الذي يطوف على الناس) ليسألهم صدقة عليه (ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان) بالمثناة الفوقية فيهما (ولكن المسكين) الكامل في المسكنة (الذي لا يجد غنى يغنيه) أي شيئًا يقع موقعًا من حاجته (ولا يفطن به) بضم الياء وفتح الطاء أي لا يعلم بحاله، ولأبي ذر: له باللام بدل الموحدة (فيتصدق عليه) بضم الياء مبنيًّا للمفعول (ولا يقوم فيسأل الناس) برفع المضارع الواقع بعد الفاء في الموضعين عطفًا على المنفي المرفوع فينسحب النفي عليه. أي: لا يفطن له فلا يتصدق عليه ولا يقوم فلا يسأل الناس وبالنصب فيهما بأن مضمرة وجوبًا لوقوعه في جواب النفي بعد الفاء وقد يستدل بقوله: ولا يقوم فيسأل الناس على أحد محملي قوله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] أن معناه نفي السؤال أصلاً، وقد يقال لفظة يقوم تدل على التأكيد في السؤال فليس فيه نفي أصل السؤال والتأكيد هو الإلحاف. 1480 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ ثُمَّ يَغْدُوَ -أَحْسِبُهُ قَالَ إِلَى الْجَبَلِ- فَيَحْتَطِبَ فَيَبِيعَ فَيَأْكُلَ وَيَتَصَدَّقَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَكْبَرُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ قَدْ أَدْرَكَ ابْنَ عُمَرَ. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) بكسر الغين آخره مثلثة قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا أبو صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يغدو-) يذهب قال أبو هريرة: (أحسبه) أي أظنه (قال إلى الجبل) - موضع الحطب (فيحتطب فيبيع فيأكل ويتصدق) بواو العطف ليدل على أنه يجمع بين البيع والصدقة وبالفاء في الأولين لأن الاحتطاب يكون عقب الغدو إلى الجبل، والبيع يكون عقب الاحتطاب (خير له من أن يسأل الناس) أعطوه أو منعوه وفيه الاكتساب بالمباحات كالحطب والحشيش النابتين في موات. (قال: أبو عبد الله) البخاري (صالح بن كيسان أكبر) سنًا (من الزهري وهو قد أدرك ابن عمر) بن الخطاب يعني أدرك السماع منه، وأما الزهري فاختلف في لقيه له، والصحيح أنه لم يلقه وإنما يروي عن ابنه سالم عنه، وعند أبي ذر: تقديم قال أبو عبد الله الخ. على قوله حدثنا إسماعيل. 54 - باب خَرْصِ التَّمْرِ (باب) مشروعية (خرص التمر) بالمثناة وسكون الميم ولأبي ذر الثمر بالمثلثة وفتح الميم، والخرص بفتح الخاء المعجمة وقد تكسر وسكون الراء بعدها صاد مهملة هو حزر ما على النخل من الرطب تمرًا ليحصى على مالكه ويعرف مقدار عشره فيثبت على مالكه ويخلى بينه وبين التمر، فإذا جاء وقت الجداد أخذ العشر والخرص سنة عند الشافعية. وفي قول جزم به الماوردي أنه واجب وأنكره الحنفية. وفائدة الخرص التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها وإيثار الأهل والجيران والفقراء لأن في منعهم منها تضييقًا

لا يخفى وخرج بالتمر الحب لاستتاره ولأنه يؤكل غالبًا رطبًا بخلاف التمر. 1481 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: "غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَزْوَةَ تَبُوكَ، فَلَمَّا جَاءَ وَادِيَ الْقُرَى إِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَصْحَابِهِ: اخْرُصُوا، وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشَرَةَ أَوْسُقٍ، فَقَالَ لَهَا: أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. فَلَمَّا أَتَيْنَا تَبُوكَ قَالَ: أَمَا إِنَّهَا سَتَهُبُّ اللَّيْلَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَلاَ يَقُومَنَّ أَحَدٌ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ بَعِيرٌ فَلْيَعْقِلْهُ. فَعَقَلْنَاهَا، وَهَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ فَقَامَ رَجُلٌ فَأَلْقَتْهُ بِجَبَلِ طَيِّئٍ. وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا، وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ. فَلَمَّا أَتَى وَادِيَ الْقُرَى قَالَ لِلْمَرْأَةِ: كَمْ جَاءَ حَدِيقَتُكِ؟ قَالَتْ: عَشَرَةَ أَوْسُقٍ خَرْصَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي فَلْيَتَعَجَّلْ. فَلَمَّا -قَالَ ابْنُ بَكَّارٍ كَلِمَةً مَعْنَاهَا- أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: هَذِهِ طَابَةُ. فَلَمَّا رَأَى أُحُدًا قَالَ: هَذَا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ. أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: دُورُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ دُورُ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ دُورُ بَنِي سَاعِدَةَ أَوْ دُورُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ - يَعْنِي - خَيْرًا". [الحديث 1481 - أطرافه في: 1872، 3161، 3791، 4422]. وبالسند قال: (حدّثنا سهل بن بكار) بفتح الموحدة وتشديد الكاف أبو بشر الدارمي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد (عن عمرو بن يحيى) بسكون الميم المازني (عن عباس) بتشديد الموحدة آخره سين مهملة ابن سهل (الساعدي عن أبي حميد) المنذر أو عبد الرحمن (الساعدي) -رضي الله عنه- (قال: غزونا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزوة تبوك) غير منصرف وكانت في رجب سنة تسع، (فلما جاء وادي القرى) بضم القاف مدينة قديمة بين المدينة والشام (إذا امرأة) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمها (في حديقة لها)، مبتدأ وخبر، قال ابن مالك في التوضيح: لا يمتنع الابتداء بالنكرة المحضة على الإطلاق بل إذا لم تحصل فائدة نحو: رجل يتكلم إذ لا تخلو الدنيا من رجل متكلم، فلو اقترن بالنكرة قرينة تحصل بها الفائدة جاز الابتداء بها ومن تلك القرائن الاعتماد على إذا الفجائية نحو: انطلقت فإذا سبع في الطريق والحديقة بفتح الحاء المهملة والقاف. قال ابن سيده: هي من الرياض كل أرض استدارت وقيل البستان (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لأصحابه): (اخرصوا) بضم الراء. زاد سليمان بن بلال عند مسلم فخرصنا. قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسم من خرص منهم، (وخرص رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشرة أوسق فقال لها: أحصي) بفتح الهمزة من الإحصاء وهو العد احفظي قدر (ما يخرج منها) كيلاً (فلما أتينا تبوك قال) عليه الصلاة والسلام: (أما) بتخفيف الميم (إنها) بكسر الهمزة إن جعلت أما بمعنى حقًا وبفتحها إن جعلت استفتاحية (ستهب الليلة) زاد سليمان: عليكم (ريح شديدة فلا يقومن أحد)، منكم (ومن كان معه بعير فليعقله) أي يشده بالعقال وهو الحبل (فعقلناها) ولغير أبي ذر: ففعلنا من الفعل (وهبت ريح شديدة فقام رجل فألقته بجبل طيئ). بتشديد الياء بعدها همزة، وفي رواية الكشميهني: جبلي بالتثنية واسم أحدهما أجأ بفتح الهمزة والجيم ثم همزة على وزن فعل وقد لا يهمز فيكون بوزن عصا واسم الآخر سلمى. (وأهدى) يوحنا بضم المثناة التحتية وفتح الحاء المهملة وتشديد النون ابن روبة واسم أمه العلماء بفتح العين وسكون اللام وبالمدّ (ملك أيلة) بفتح الهمزة وسكون المثناة التحتية بعدها لام مفتوحة بلدة قديمة بساحل البحر (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بغلة بيضاء) واسمها كما جزم به النووي دلدل وقال: لكن ظاهر اللفظ هنا أهداها للنبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة تبوك وكانت سنة تسع من الهجرة، وقد كانت هذه البغلة عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل ذلك وحضر عليها غزوة حنين كما هو مشهور في الحديث، وكانت حنين عقب فتح مكة سنة ثمان. قال القاضي: ولم يرو أنه كان له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بغلة غيرها فيحمل قوله على أنه أهداها له قبل ذلك، وقد عطف الإهداء على المجيء بالواو وهي لا تقتضي الترتيب انتهى كلام النووي. وتعقبه الجلال البلقيني بأن البغلة التي كان عليها يوم حنين غير هذه، ففي مسلم أنه كان عليه الصلاة والسلام على بغلة بيضاء أهداها له فروة الجذامي وهذا يدل على المغايرة. قال وفيما قاله القاضي من التوحيد نظر فقد قيل: إنه كان له من البغال دلدل وفضة والتي أهداها ابن العلماء والأيلية وبغلة أهداها له كسرى وأخرى من دومة الجندل وأخرى من عند النجاشي كذا في السيرة لمغلطاي قال: وقد وهم في تفريقه بين بغلة ابن العلماء والأيلية فإن ابن العلماء هو صاحب أيلة، ونقص ذكر البغلة التي أهداها له فروة الجذامي. (وكساه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بردًا) الضمير المنصوب عائد على ملك أيلة وهو المكسو، (وكتب) عليه الصلاة والسلام (له) أي لملك أيلة (ببحرهم) أي ببلدهم، والمراد أهل بحرهم لأنهم كانوا سكانًا بساحل البحر، والمعنى أنه أقره عليهم بما التزمه من الجزية، ولفظ الكتاب كما ذكره ابن إسحاق بعد البسملة هذه أمنة من الله، ومحمد النبي رسول الله ليوحنا بن روبة وأهل أيلة أساقفتهم

وسائرهم في البر والبحر لهم ذمة النبي ومن كان معه من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر فمن أحدث منهم حدثًا فإنه لا يحول ماله دون نفسه وأنه طيب لمن أخذه من الناس وأنه لا يحل أن يمنعوه ماء يردونه من برّ وبحر. وهذا كتاب جهيم بن الصلت وشرحبيل بن حسنة بإذن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (فلما أتى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وادي القرى) المدينة السابق ذكرها قريبًا (قال للمرأة) صاحبة الحديقة المذكورة قبل: (كم جاءت) وفي نسخة: جاء بإسقاط تاء التأنيث وجاء هنا بمعنى كان أي كم كان (حديقتك) أي ثمرها، ولمسلم: فسأل المرأة عن حديقتها كم بلغ ثمرها (قالت: عشرة أوسق) بنصب عشرة على نزع الخافض أي بمقدار عشرة أوسق أو على الحال. وتعقبه في المصابيح بأنه ليس المعنى على أن ثمر الحديقة جاء في حال كونه عشرة أوسق بل لا معنى له أصلاً انتهى. (خرص رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مصدر منصوب بدل من عشرة أو عطف بيان لها، ولأبي ذر: خرص بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هي خرص ويجوز رفع عشرة، وخرص على تقدير الحاصل عشرة أوسق وهي خرص رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذا قاله الكرماني والبرماوي وابن حجر والعيني والزركشي، وتعقبه الدماميني بأنه مناف لتقديره أولاً جاءت بمقدار عشرة أوسق. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني متعجل إلى المدينة فمن أراد منكم أن يتعجل) إليها (معي فليتعجل) وفي تعليق سليمان بن بلال الآتي قريبًا الوصول عند أبي علي بن خزيمة أقبلنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى إذا دنا من المدينة أخذ طرق غراب لأنها أقرب إلى المدينة وترك الأخرى. قال في الفتح: ففيه بيان قوله إني متعجل إلى المدينة أي إني سالك الطريق القريبة فمن أراد فليأت معي يعني ممن له اقتدار على ذلك دون بقية الجيش. قال ابن بكار شيخ المؤلّف (فلما) بالفاء وتشديد الميم قال المؤلّف: (قال ابن بكار كلمة) مقول ابن بكار، ولأبي ذر: كلمة بالرفع خبره مبتدأ محذوف (معناها) ولأبي ذر: معناه (أشرف على المدينة قال:) عليه الصلاة والسلام: (هذه طابة) غير منصرفة (فلما رأى أُحدًا قال: جبيل) بضم الجيم وفتح الموحدة مصغرًا، وللأربعة: جبل (يحبنا ونحبه) حقيقة ولا ينكر وصف الجماد أنه يحب الرسول كما حنت الأسطوانة على مفارقته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى سمع القوم حنينها حتى سكنها، وكما أخبر أن حجرًا كان يسلم عليه قبل الوحي فلا ينكر أن يكون جبل أُحد وجميع أجزاء المدينة تحبه وتحن إلى لقائه حال مفارقته إياها. وقال الخطابي: أراد به أهل المدينة وسكانها كقوله تعالى: {واسأل القرية} أي أهلها فيكون على حذف مضاف وأهل المدينة الأنصار، ثم قال عليه السلام لمن كان معه من أصحابه: (ألا أخبركم بخير دور الأنصار؟) ألا للتنبيه ودور جمع دار يريد بها القبائل الذين يسكنون الدور وهي المحال. (قالوا: بلى) أخبرنا (قال) عليه الصلاة والسلام: خيرهم (دور بني النجار)، بفتح النون والجيم المشددة تيم بن ثعلبة وسمي بالنجار فيما قيل لأنه اختتن بقدوم (ثم دور بني عبد الأشهل) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الهاء بعدها لام (ثم دور بني ساعدة) بكسر العين المهملة (أو دور بني الحارث بن الخزرج) بفتح الخاء وسكون الزاي المعجمتين وفتح الراء بعدها جيم. (وفي كل دور الأنصار يعني خيرًا) أي كأن لفظ خير محدوف من كلام الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو مراد، ولأبوي ذر والوقت: خير بالرفع. 1482 - وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ حَدَّثَنِي عَمْرٌو «ثُمَّ دَارُ بَنِي الْحَارِثِ ثُمَّ بَنِي سَاعِدَةَ». وَقَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: كُلُّ بُسْتَانٍ عَلَيْهِ حَائِطٌ فَهْوَ حَدِيقَةٌ، وَمَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَائِطٌ لَمْ يَقُلْ حَدِيقَةٌ. (وقال سليمان بن بلال) القرشي التيمي (حدَّثني) بالإفراد (عمرو) يعني ابن يحيى المازني بالسند المذكور وهو موصول في فضائل الأنصار (ثم دار بني الحارث ثم) دار (بني ساعدة) فقدم بني الحارث على بني ساعدة. (وقال سليمان) بن بلال المذكور أيضًا مما وصله أبو علي بن خزيمة في فوائده: (عن سعد بن سعيد) بسكون العين في الأول الأنصاري أخي يحيى بن سعيد، (عن عمارة بن غزية) بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد التحتية وعمارة بضم العين وتخفيف الميم المازني الأنصاري

55 - باب العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري ولم ير عمر بن عبد العزيز في العسل شيئا

(عن عباس) بالموحدة آخره سين مهملة (عن أبيه) سهل بن سعد وهو آخر من مات من الصحابة بالمدينة (-رضي الله عنه-، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (أُحد جبل يحبنا ونحبه) فخالف عمارة بن غزية عمرو بن يحيى في إسناد الحديث فقال: عمرو عن عباس عن أبي حميد كما سبق أولاً. وقال عمارة عن عباس عن أبيه فيحتمل كما قاله في الفتح أن يسلك طريق الجمع بأن يكن عباس أخذ القدر المذكور وهو أُحد جبل يحبنا ونحبه عن أبيه وعن أبي حميد معًا أو حمُل الحديث عنهما معًا أو كله عن أبي حميد ومعظمه عن أبيه، وكان يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا، ولذلك كان لا يجمعهما. (وقال أبو عبد الله) أي البخاري وفي نسخة. وقال أبو عبيد بضم العين وفتح الموحدة مصغرًا وعليها شرح الحافظ ابن حجر وقال كغيره: إنه القاسم بن سلام الإمام المشهور صاحب الغريب مفسرًا لما سبق من قوله الحديقة (كل بستان عليه حائط فهو حديقة وما لم يكن عليه حائط لم يقل) فيه (حديقة). وقال في القاموس: الحديقة الروضة ذات الشجر أو القطعة من النخل، وفي هذا الحديث مشروعية الخرص، واختلف هل يختص بالنخل أو يلحق به العنب أو يعم كل ما ينتفع به رطبًا وجافًا، فقال بالأول شريح القاضي وبعض أهل الظاهر، وبالثاني الجمهور وإلى الثالث نحا البخاري، وهل يكفي خارص واحد أهل للشهادات عارف بالخرص أو لا بد من اثنين قولان للشافعي والجمهور على الأول حديث أبي داود بإسناد حسن أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر خارصًا. وفي حديث الباب التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الحج والمغازي وفي فضل الأنصار ببعضه ومسلم في فضل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والحج وأبو داود في الخراج. 55 - باب الْعُشْرِ فِيمَا يُسْقَى مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ وَبِالْمَاءِ الْجَارِي وَلَمْ يَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْعَسَلِ شَيْئًا (باب) أخذ (العشر فيما يسقى من ماء السماء) وهو المطر (وبالماء الجاري) كماء العيون والآبار، ولفظ سنن أبي داود: فيما سقت السماء والأنهار والعيون، ولأبي ذر: والماء بإسقاط الموحدة (ولم ير عمر بن عبد العزيز) رحمه الله (في العسل شيئًا) من الزكاة وهذا وصله مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: جاء كتاب من عمر بن عبد العزيز إلى أبي وهو بمنى: أن لا يأخذ من الخيل ولا من العسل صدقة، وحديث إن في العسل العشر ضعفه الشافعي. 1483 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ لأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ فِي الأَوَّلِ، يَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ "وَفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ" وَبَيَّنَ فِي هَذَا وَوَقَّتَ. وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ، وَالْمُفَسَّرُ يَقْضِي عَلَى الْمُبْهَمِ إِذَا رَوَاهُ أَهْلُ الثَّبَتِ، كَمَا رَوَى الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ". وَقَالَ بِلاَلٌ "قَدْ صَلَّى" فَأُخِذَ بِقَوْلِ بِلاَلٍ وَتُرِكَ قَوْلُ الْفَضْلِ. وبالسند قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم أبو محمد الجمحي بالولاء قال: (حدّثنا عبد الله بن وهب) بفتح الواو وسكون الهاء القرشي المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (يونس بن يزيد) الأيلي (عن الزهري) ولأبي ذر: عن ابن شهاب الزهري (عن سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال): (فيما سقت السماء) من باب ذكر المحل وإرادة الحال أي المطر (والعيون أو كان عثريًا) بفتح العين المهملة والمثلثة المخففة وكسر الراء وتشديد التحتية ما يسقى بالسيل الجاري في حفر وتسمى الحفرة عاثوراء لتعثر المار بها إذا لم يعلمها قاله الأزهري، وهو المسمى بالبعلي في الرواية الأخرى (العشر) مبتدأ خبره فيما سقت السماء أي العشر واجب فيما سقت السماء (وما سقي بالنضح) بفتح النون وسكون المعجمة بعدها مهملة ما سقي من الآبار بالغرب أو بالسانية فواجبه (نصف العشر) والفرق ثقل المؤنة هنا وخفتها في الأول، والناضح: اسم لما يسقى عليه من بعير أو بقرة ونحوهما. (قال: أبو عبد الله) أي البخاري (هذا) أي حديث الباب (تفسير) الحديث (الأول) وهو حديث أبي سعيد السابق في باب: ما أدي زكاته فليس بكنز، واللاحق لهذا الباب ولفظه: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة (لأنه لم يوقت) بكسر القاف، ولأبي ذر: يوقت بفتحها (في) الحديث (الأول) يريد لم يحدد بالعشر أو نصفه وكان الأصل أن يقول لأنه لم يوقت فيه، لكنه عبّر بالظاهر موضع المضمر (يعني) أي البخاري بقوله هذا (حديث ابن عمر فيما سقت السماء العشر)

56 - باب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة

جملة معترضة من كلام الراوي بين قوله لأنه لم يوقت في الأول وبين قوله: (وبين في هذا) أي في حديث ابن عمر ما يجب فيه العشر أو نصفه، (ووقت) أي حدد به هذا ما ظهر لي من شرح هذا القول، والذي مشى عليه الكرماني وغيره من الشراح ممن علمته أن مراده أن حديث أبي سعيد مفسر لحديث ابن عمر والزيادة والتوقيت تعيين النصاب، وفي هذا نظر لا يخفى لأنه يصير المعنى. قال أبو عبد الله هذا تفسير الأول يعني حديث أبي سعيد السابق لأنه لم يوقت في الأول الذي هو حديث أبي سعيد وهو خلاف المدعى فليتأمل. نعم، حديث ابن عمر هذا بعمومه ظاهر في عدم اشتراط النصاب، فحديث أبي سعيد مقيد لإطلاقه، كما أن حديث ابن عمر مقيد لإطلاق حديث أبي سعيد فكل منهما مفسر للآخر بما فيه من الزيادة (والزيادة) من الثقة (مقبولة، والمفسر) بفتح السين (يقضي على المبهم) بفتح الهاء أي الخاص يقضي على العام بالتخصيص لأن قوله: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة يشمل ما يسقى بمؤنة وغير مؤنة. وقوله فيما سقت السماء خاص (إذا رواه أهل الثبت) بسكون الموحدة في فرع اليونينية. وقال الحافظ ابن حجر كالكرماني وغيره بفتحها وإذا رواه متعلق بقوله مقبولة. وقال التيمي والإسماعيلي: إن هذا القول في نسخة الفربري إنما هو عقب حديث أبي سعيد في الباب التالي لهذا الباب وإن وقوعه هنا غلط من الناسخ، ويشكل عليه ثبوته في الأصول المعتمدة في كل من البابين عقب حديث ابن عمر، وفي رواية عن أبي ذر وابن عساكر عقب حديث أبي سعيد: وإن اختلف بعض اللفظ فيهما على أن نسبة الغلط للناسخ إنما تتأتى على تقدير إرادة المؤلّف أن حديث أبي سعيد مفسر لحديث ابن عمر، وقد مرّ ما في ذلك. أما على ما ذكرته من أن حديث الباب مفسر لحديث أبي سعيد فلا، وحينئذٍ فالمصير إلى ما ذكرته أولى من العكس على ما لا يخفى، وفي رواية غير أبي ذر قال أبو عبد الله هذا الأول لأنه لم يوقت في الأول فأسقط لفظ تفسير، لكن في اليونينية ضبب على لفظة الأول الأولى وكتب في الهامش صوابه أولى أو المفسر للأولى بفتح الهمزة وسكون الواو من الأولوية والمفسر بكسر السين. قلت: ومعناه حديث الباب أولى من حديث أبي سعيد السابق لما فيه من زيادة التمييز بين ما يسقى بمؤنة وبغير مؤنة أو هو المفسر لحديث أبي سعيد حيث بين فيه كما مرّ، وهو يؤيد ما شرحته فليتأمل. (كما روى الفضل بن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله أحمد (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يصل في الكعبة) يوم فتح مكة. (وقال بلال) المؤذن فيما وصله المؤلّف في الحج (قد صلّى) فيها يومئذٍ (فأخذ بقول بلال) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول لما معه من الزيادة (وترك قول الفضل) بضم تاء ترك مبنيًا للمفعول كأخذ وليس قول بلال منافيًا لقول الفضل لم يصل بل مراده أنه لم يره لاشتغاله بالدعاء ونحوه في ناحية من نواحي البيت غير التي صلّى فيها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 56 - باب لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ هذا (باب) بالتنوين (ليس فيما دون خمسة أوسق) من المقتات في حال الاختيار وهو من الثمار الرطب والعنب ومن الحب الحنطة والشعير والسلت والأرز والعدس والحمص والباقلاء والدخن والذرة واللوبيا والماش والجلبان ونحوها (صدقة) والوسق ستون صاعًا والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث بالبغدادي، فالأوسق الخمسة ألف وستمائة رطل بالبغدادي والأصح اعتبار الكيل لا الوزن إذا اختلفا، وإنما قدّر بالوزن استظهارًا. قال القمولي: وقدر النصاب بأردب مصر ستة أرادب وربع بجعل القدحين صاعًا كزكاة الفطر وكفارة اليمين. وقال السبكي: خمسة أرادب ونصف وثلث فقد اعتبرت القدح المصري بالمد الذي حررته فوسع مدّين وسبعًا تقريبًا، فالصاع قدحان إلا سبعي مد وكل خمسة عشر مدًا سبعة أقداح وكل خمسة عشر صاعًا ويبة ونصف وربع فثلاثون صاعًا ثلاث ويبات ونصف وثلاثمائة صاع خمسة وثلاثون ويبة وهي خمسة أرادب ونصف وثلث، فالنصاب، على قوله خمسمائة وستون قدحًا وعلى قول القمولي ستمائة. 1484 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا مَالِكٌ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلاَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ الإِبِلِ الذَّوْدِ صَدَقَةٌ، وَلاَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا تَفْسِيرُ الأَوَّلِ إِذَا قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ». وَيُؤْخَذُ أَبَدًا فِي الْعِلْمِ بِمَا زَادَ أَهْلُ الثَّبَتِ أَوْ بَيَّنُوا. وبالسند

57 - باب أخذ صدقة التمر عند صرام النخل وهل يترك الصبي فيمس تمر الصدقة؟

قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) القطان قال: (حدّثنا مالك) الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه) عبد الله (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ليس فيما أقل) ما: زائدة وأقل مجرور بفي بالفتحة لأنه لا ينصرف بدليل قوله بعد ولا في أقل، وقيده بعضهم فيما حكاه في التنقيح بالرفع قال في اللامع والمصابيح واللفظ له فتكون موصولة حذف صدر صلتها وهو المبتدأ الذي أقل خبره أي فيما هو أقل وجاز الحذف هنا لطول صلة ذلك بمتعلق الخبر (من خمسة أوسق صدقة) بفتح الهمزة وضم السين جمع وسق وتقدم الكلام فيه (ولا في أقل من خمسة من الإبل الذود صدقة ولا في أقل من خمس أواق) بغير ياء كجوار، ولأبي ذر: خمسة أواقي بتاء التأنيث في خمس وأواقي بالياء المشددة (من الورق) أي الفضة (صدقة) أي زكاة. (قال: أبو عبد الله): البخاري (هذا) الحديث (تفسير) حديث ابن عمر (الأول) المذكور في الباب السابق (إذا) بألف بعد الذال كذا في الفرع وأصله: والنسخة المقروءة على الميدومي وجميع ما وقفت عليه من الأصول المعتمدة إذا بألف بعد المعجمة ولعلها سبق قلم، وإلا فالمراد إذ التعليلية ولا وقفت على أن إذا ترد بمعنى إذ التعليلية بعد الفحص التام، نعم يحتمل أن تكون ظرفية أي حين (قال) في حديث أبي سعيد (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) لكونه لم يبين في حديث ابن عمر قدر النصاب (ويؤخذ أبدًا في العلم بما زاد أهل الثبت أو بينوا) وسقط من قوله: قال أبو عبد الله إلى آخر قوله: أو بينوا في رواية أبي ذر وابن عساكر. 57 - باب أَخْذِ صَدَقَةِ التَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْل وَهَلْ يُتْرَكُ الصَّبِيُّ فَيَمَسُّ تَمْرَ الصَّدَقَةِ؟ (باب أخذ صدقة التمر عند صرام النخل) بكسر الصاد المهملة أي الجذاذ والقطاف عند أوان إدراكه (و) باب (هل يترك الصبي) بضم الياء من يترك مبنيًا للمفعول أي: هل يترك ولي الصبي الصبي (فيمس تمر الصدقة)؟ بنصب فيمس جواب الاستفهام، والذي في اليونينية فيمس بالرفع ولم يجزم بالحكم لاحتمال أن يكون النهي خاصًّا بمن لا يحل له تناول الصدقة. 1485 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الأَسَدِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُؤْتَى بِالتَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ، فَيَجِيءُ هَذَا بِتَمْرِهِ وَهَذَا مِنْ تَمْرِهِ، حَتَّى يَصِيرَ عِنْدَهُ كَوْمًا مِنْ تَمْرٍ، فَجَعَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ -رضي الله عنهما- يَلْعَبَانِ بِذَلِكَ التَّمْرِ، فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا تَمْرَةً فَجَعَلَهُ فِي فِيهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ". [الحديث 1485 - طرفاه في: 1491، 3072]. وبالسند قال: (حدّثنا عمر بن محمد بن الحسن الأسدي) بفتح السين المهملة المعروف بابن التل بفتح المثناة الفوقية وتشديد اللام. قال النسائي وأبو حاتم صدوق ووثقه الدارقطني وغيره، وقال ابن حبان: في حديثه إذا حدّث بعض المناكير، وضعف يعقوب الفسوي أباه محمدًا وقال العقيلي لا يتابع، وقال ابن عدي لم أر بحديثه بأسًا، لكن الذي رواه البخاري عن عمر عن أبيه حديثان: أحدهما هذا وهو عنده بمتابعة شعبة عن محمد بن زياد يعني في باب: ما يذكر في الصدقة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والحديث الثاني في المناقب عن حفص بن غياث عن هشام عن أبيه عن عائشة: ما غرت على امرأة وهو عنده بمتابعة حميد بن عبد الرحمن والليث وغيرهما عن هشام. وروى له أبو داود والنسائي قال: (حدّثنا أبي) محمد بن الحسن قال: (حدّثنا إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء وسكون الهاء (عن محمد بن زياد) بكسر الزاي وتخفف الياء (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله يؤتى بالتمر عند صرام النخل)، أي قطع التمر عنه (فيجيء هذا بتمره وهذا من تمره)، من بيانية وعبر في الأولى بتمره بالموحدة. قال الكرماني: لأن في الأول ذكر المجيء به، وفي الثاني المجيء منه وهما متلازمان وإن تغايرًا مفهومًا (حتى يصير عنده كوفًا من تمر) بفتح الكاف، ولأبي ذر: بضمها وسكون والواو والنصب خبر يصير واسمها ضمير عائد إلى التمر أي حتى يصير التمر عنده كوفًا وهو ما اجتمع كالعرمة، ولأبي ذر: كوم بالرفع اسم يصير على أنها تامة فلا تحتاج إلى خبر، وقال في المصابيح: الخبر عنده ومن في قوله من تمر للبيان (فجعل الحسن والحسين) ابنا فاطمة (رضي الله عنهما) وعنها (يلعبان بذلك التمر، فأخذ أحدهما) وهو الحسن بفتح الخاء (تمرة فجعله) أي المأخوذ، وللكشميهني: فجعلها أي التمرة (في فيه فنظر إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخرجها من فيه، فقال) عليه الصلاة والسلام: (أما علمت) بهمزة الاستفهام، وفي

58 - باب من باع ثماره أو نخله أو أرضه أو زرعه وقد وجب فيه العشر أو الصدقة فأدى الزكاة من غيره، أو باع ثماره ولم تجب فيه الصدقة وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تبيعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها» فلم يحظر البيع بعد الصلاح على أحد، ولم يخص من وجب عليه الزكاة ممن لم تجب

بعض النسخ: ما علمت بحذفها. قال ابن مالك: وقد كثر حذف الهمزة إذا كان معنى ما حذفت منه لا يستقيم إلا بتقديرها، وذكر مثلاً قال في المصابيح: وقد وقع في كلام سيبويه ما يقتضي أن حذفها من الضرائر وذلك أنه قال وزعم الخليل أن قول الأخطل: كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظلام من الرباب خيالا كقوله أنها لا بل أم شاء، ويجوز في الشعر أن يريد بكذبتك الاستفهام وحذفت الألف هذا كلامه. وقال ابن أم قاسم في الجنى الداني المختار اطراد حذفها إذا كان بعدها أم المتصلة لكثرته نظمًا ونثرًا انتهى (أن آل محمد) هم بنو هاشم وبنو المطلب عند الشافعي، وعند أبي حنيفة ومالك بنو هاشم فقط، وقيل قريش كلها. زاد أبو ذر: -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا يأكلون الصدقة) بالتعريف، ولأبي ذر: صدقة وظاهره يعم الفرض والنفل، لكن السياق يخصها بالفرض لأن الذي يحرم على آله إنما هو الواجب. وفي الحديث: أن الطفل يجنب الحرام كالكبير ويعرّف لأي شيء نهي عنه لينشأ على العلم فيأتي عليه وقت التكليف وهو على علم من الشريعة. 58 - باب مَنْ بَاعَ ثِمَارَهُ أَوْ نَخْلَهُ أَوْ أَرْضَهُ أَوْ زَرْعَهُ وَقَدْ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ أَوِ الصَّدَقَةُ فَأَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ بَاعَ ثِمَارَهُ وَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَقَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا» فَلَمْ يَحْظُرِ الْبَيْعَ بَعْدَ الصَّلاَحِ عَلَى أَحَدٍ، وَلَمْ يَخُصَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ مِمَّنْ لَمْ تَجِبْ (باب من باع ثماره أو) باع (نخله) التي عليها الثمار (أو) باع (أرضه) التي عليها الزرع (أو) باع (زرعه و) الحال أنه (قد وجب فيه العشر أو الصدقة) أي الزكاة وهو تعميم بعد تخصيص وفيه إشارة إلى الردّ على من جعل في الثمار العشر مطلقًا من غير اعتبار نصاب (فأدّى الزكاة من غيره) أي من غير ما ذكر (أو باع ثماره ولم تجب فيه الصدقة) أي جاز بيعه فيها، فجواب الشرط محذوف وإنما جوزوا ذلك لأنه إذا باع بعد وجوب الزكاة فقد فعل أمرًا جائزًا فتعلقت الزكاة بذمته فله أن يعطيها من غيره، (و) باب (قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): مما سيأتي إن شاء الله تعالى موصولاً قريبًا: (لا تبيعوا الثمرة) بدون النخل (حتى يبدو) يظهر (صلاحها) قال البخاري (فلم يحظر البيع) بالظاء المعجمة أي لم يمنع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البيع (بعد) بدوّ (الصلاح على أحد، ولم يخص) عليه الصلاة والسلام (من وجب عليه الزكاة ممن لم تجب) عليه لعموم قوله: حتى يبدو صلاحها وهو وقت الزكاة ولم يقيد الجواز بتزكيتها من عينها بل عمم وأطلق في سياق البيان وهذا أحد القولين في هذه المسألة. والقول الثاني وهو مذهب الشافعي لا يجوز لأنه باع ما يملك وما لا يملك وهو نصيب المساكين فتفسد الصفقة، وهذا إذا لم يضمن الخارص المالك التمر فلو ضمنه بصريح اللفظ كأن يقول: ضمنتك نصيب المستحقين من الرطب بكذا تمرًا وقبل المالك ذلك التضمين جاز له التصرف بالبيع والأكل وغيرهما، إذ بالتضمين انتقل الحق إلى ذمته ولا يكفي الخرص بل لا بدّ من تصريح الخارص بتضمين المالك، فإن انتفى الخرص أو التضمين أو القبول لم يمدّ تصرف المالك في الكل بل فيما عدا الواجب شائعًا لبقاء حق المستحقين في العين ولا يجوز له أكل شيء منه. 1486 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قال سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا". وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلاَحِهَا قَالَ: "حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهُ". [الحديث 1486 - أطرافه في: 2183، 2194، 2199، 2247، 2249]. وبه قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن منهال قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-) يقول (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بيع الثمرة حتى يبدو) بالواو من غير همز يظهر (صلاحها وكان) أي ابن عمر كما في مسلم (إذا سئل عن صلاحها قال): (حتى تذهب عاهته) أي آفته والتذكير باعتبار الثمر، ولأبي ذر عن الكشميهني: عاهتها أي الثمرة أي فتصير على الصفة المطلوبة كظهور النضج ومبادئ الحلاوة بأن يتلوّن ويلين أو يتلون بحمرة أو صفرة أو سواد أو نحوه فإنه حينئذ يأمن من العاهة وقبل ذلك ربما يتلف لضعفه فلم يبق شيء في مقابلة الثمن فيكون من أكل أموال الناس بالباطل، لكن يخص من عموم ذلك ما إذا شرط القطع فإنه جائز إجماعًا. وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وهو من رباعيات البخاري. 1487 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا". [الحديث 1487 - أطرافه في: 2189، 2196، 2381]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد

59 - باب هل يشتري صدقته؟ ولا بأس أن يشتري صدقته غيره لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما نهى المتصدق خاصة عن الشراء ولم ينه غيره

الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (خالد بن يزيد) من الزيادة (عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة آخره مهملة (عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-) قال: (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بيع الثمار حتى يبدو) يظهر (صلاحها). 1488 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ. قَالَ حَتَّى تَحْمَارَّ". [الحديث 1488 - أطرافه في: 2195، 2197، 2198، 2208]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد الثقفي (عن مالك) هو ابن أنس الإمام (عن حميد) الطويل (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن بيع الثمار حتى تزهي) بضم أوله وكسر الهاء (قال: حتى تحمار) بفتح المثناة الفوقية وسكون المهملة وبعد الميم ألف ثم راء مشدّدة. قال في القاموس: زهى النخل طال كأزهى والبسر تلوّن كأزهى وزهي. وقال غيره: زهي النخل ظهرت ثمرته وأزهى احمر أو اصفر. وقال الأصمعي: لا يقال أزهى بل زهي. وقال الجوهري: وأزهى لغة حكاها أبو زيد ولم يعرفها الأصمعي. وقال ابن الأثير: منهم من أنكر يزهى ومنهم من أنكر يزهو. وقال الكرماني: الحديث الصحيح يبطل قول من أنكر الإزهاء وقوله تحمار أي أو تصفر أو تسود فهو للتمثيل. 59 - باب هَلْ يَشْتَرِي صَدَقَتَهُ؟ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ صَدَقَتَهُ غَيْرُهُ لأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّمَا نَهَى الْمُتَصَدِّقَ خَاصَّةً عَنِ الشِّرَاءِ وَلَمْ يَنْهَ غَيْرَهُ هذا (باب) بالتنوين (هل يشتري) الرجل (صدقته) فيه خلاف (ولا بأس أن يشتري صدقته غيره) ولأبي ذر: صدقة غيره (لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما نهى المتصدق خاصة عن الشراء ولم ينه غيره) هذا يوضحه حديث بريرة: هو لها صدقة ولنا هدية لأنه إذا كان هذا جائزًا مع خلوّه من العوض فبالعوض أولى بالجواز. 1489 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانَ يُحَدِّثُ "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَصَدَّقَ بِفَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَوَجَدَهُ يُبَاعُ، فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَأْمَرَهُ فَقَالَ: لاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ. فَبِذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- لاَ يَتْرُكُ أَنْ يَبْتَاعَ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِهِ إِلاَّ جَعَلَهُ صَدَقَةً". [الحديث 1489 - أطرافه في: 2775، 2971، 3002]. وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المصري. قال ابن عدي: هو أثبت الناس في الليث، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وقال مسلمة: تكلم في سماعه عن مالك وضعفه النسائي مطلقًا. وقال البخاري في تاريخه الصغير ما روى يحيى بن بكير عن أهل الحجاز في التاريخ فإني انتقيته، وهذا الحديث يدل على أنه ينتقي حديث شيوخه، ولهذا ما أخرج له عن مالك سوى خمسة أحاديث مشهورة متابعة. ومعظم ما أخرج له عن الليث قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف مصغرًا هو ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم أن) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، كان يحدث: (أن) أباه (عمر بن الخطاب تصدق بفرس) أي حمل عليه رجلاً في الغزو، والمعنى أنه ملكه له ليغزو عليه (في سبيل الله) وليس المراد أنه وقفه بدليل قوله: (فوجده) أي أصابه حال كونه (يباع)، بضم الياء مبنيًا للمفعول إذ لو وقفه لما صح أن يبتاعه (فأراد أن يشتريه): بإثبات ضمير المفعول، ولأبي ذر عن الكشميهني: أن يشتري (ثم أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستأمره) أي استشاره (فقال) له عليه الصلاة والسلام: (لا تعد) أي لا ترجع (في صدقتك) واقطع طمعك منها ولا ترغب فيها (فبذلك) أي فبسبب ذلك (كان ابن عمر) عبد الله (-رضي الله عنهما- لا يترك أن يبتاع شيئًا تصدّق به إلا جعله صدقة) أي إذا اتفق له أن يشتري شيئًا مما تصدق به لا يتركه في ملكه حتى يتصدق به ثانيًا، فكأنه فهم أن النهي عن شراء الصدقة إنما هو لمن أراد أن يتملكها لا لمن يردها صدقة. وقال الكرماني وتبعه البرماوي والعيني: الترك بمعنى التخلية وكلمة من مقدرة أي لا يخلو الشخص من أن يبتاعه في حال الصدقة أو لغرض من أغراض الصدقة اهـ. وهذه رواية أبي ذر كما قاله في فتح الباري وغيره، ولغير أبي ذر: بحذف حرف النفي. 1490 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ -وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ- فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لاَ تَشْتَرِ، وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ". [الحديث 1490 - أطرافه في: 2623، 2636، 2970، 3003]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك بن أنس) الإمام، وسقط لأبي ذر ابن أنس (عن زيد بن أسلم) العدوي المدني (عن أبيه) أسلم المخضرم مولى عمر المتوفى سنة ستين وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة (قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول حملت) رجلاً (على فرس في سبيل الله)، أي جعلته حمولة من لم تكن له حمولة من المجاهدين ملكه إياه، وكان اسم الفرس فيما ذكره ابن سعد في الطبقات الورد وكان لتميم الداري فأهداه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعطاه لعمر ولم يعرف الحافظ ابن حجر اسم الرجل (فأضاعه) الرجل (الذي

60 - باب ما يذكر في الصدقة للنبي -صلى الله عليه وسلم-

كان عنده)، بترك القيام عليه بالخدمة والعلف والسقي وإرساله للرعي حتى صار كالشيء الهالك، (فأردت أن أشتريه فظننت) وفي نسخة: وظننت بالواو بدل الفاء: (أنّه يبيعه برخص فسألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن ذلك (فقال): (لا تشتر) بحذف ضمير المفعول، ولأبي ذر، وابن عساكر: لا تشتره بإثباته، ولابن عساكر: لا تشتريه بإشباع كسرة الراء والياء، وظاهر النهي التحريم لكن الجمهور على أنه للتنزيه فيكره لمن تصدق بشيء أو أخرجه فى زكاة أو كفارة أو نذر أو نحو ذلك من القربات أن يشتريه ممن دفعه هو إليه أو يتهبه أو يتملكه باختياره منه، فأما إذا ورثه منه كراهة فيه. وكذا لو انتقل إلى ثالث ثم اشتراه منه المتصدق فلا كراهة. وحكى الحافظ العراقي في شرح الترمذي كراهة شرائه من ثالث انتقل إليه من المتصدق به عليه عن بعضهم لرجوعه فيما تركه لله، كما حرم على المهاجرين سكنى مكة بعد هجرتهم منها لله تعالى، وأشار عليه الصلاة والسلام إلى العلة في نهيه عن الابتياع بقوله: (ولا تعد في صدقتك) أي لا تعد في صدقتك بطريق الابتياع ولا غيره فهو من عطف العام على الخاص (وإن أعطاكه بدرهم) متعلق بقوله: لا تشتره أي لا ترغب فيه البتة ولا تنظر إلى رخصه ولكن انظر إلى أنه صدقتك، وقد أورد ابن المنير هنا سؤالاً وهو أن الاغياء في النهي عادته أن يكون بالأخف أو الأدنى. كقوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] ولا خفاء أن إعطاءه إياه بدرهم أقرب إلى الرجوع في الصدقة مما إذا باعه بقيمته وكلام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الحجة في الفصاحة. وأجاب: بأن المراد لا تغلب الدنيا على الآخرة وإن وفرها معطيها فإذا زهد فيها وهي موفرة فلأن يزهد فيها وهي مقترة أحرى وأولى وهذا على وفق القاعدة اهـ. (فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه) الفاء للتعليل أي كما يقبح أن يقيء ثم يأكل كذلك يقبح أن يتصدق بشيء ثم يجره إلى نفسه بوجه من الوجوه. وفي رواية للشيخين كالكلب يعود في قيئه فشبه بأخس الحيوان في أخس أحواله تصويرًا للتهجين وتنفيرًا منه. قال في المصابيح: وفي ذلك دليل على المنع من الرجوع في الصدقة لما اشتمل عليه من التنفير التشديد من حيث شبه الراجع بالكلب والمرجوع فيه بالقيء والرجوع في الصدقة برجوع الكلب في قيئه اهـ. وجزم بعضهم بالحرمة قال: لا نعلم القيء إلا حرامًا والصحيح أنه للتنزيه لأن فعل الكلب لا يوصف بتحريم إذ لا تكليف عليه فالمراد التنفير من العود بتشبيهه بهذا المستقذر. 60 - باب مَا يُذْكَرُ فِي الصَّدَقَةِ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب ما يذكر) من الحرمة (في الصدقة) مطلقًا الفرض والتطوّع (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهل تحريم الصدقة عليه من خصائصه دون الأنبياء أو الحكم شامل لهم أيضًا؟ ولأبي ذر زيادة: وآله أي تحرم عليهم الصدقة أيضًا لأنها مطهرة كما قال تعالى: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بها} [التوبة: 103] ولمسلم: إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد وآل محمد منزهون عن أوساخ الناس وصيانة لمنصبه الشريف لأنها تنبئ عن ذل الآخذ وعز المأخوذ منه لقوله عليه الصلاة والسلام: "اليد العليا خير من اليد السفلى" وأبدل بها الفيء الذي يؤخذ على سبيل القهر والغلبة المنبئ عن عز الآخذ وذل المأخوذ منه. وتعقب ابن المنير التعليل بأنها مذلة بأن مقتضاه تحريم الهبة عليهم ولا قائل به ولأن الواهب أيضًا له اليد العليا. وقد جاء في بعض الطرق: اليد العليا هي المعطية ولم يقل المتصدقة فتدخل الهبات، والأصح عند أصحابنا أن المحرم على الآل الفرض دون التطوّع لقول جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقيل له: أتشرب من الصدقة؟ فقال: إنما حرّم علينا الصدقة المفروضة. رواه الشافعي والبيهقي وهو الصحيح عند الحنابلة، وبه قال الحنفية وأصبغ عن ابن القاسم في العتبية. 1491 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ -رضي الله عنهما- تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كِخٍ، كِخٍ، لِيَطْرَحَهَا. ثُمَّ قَالَ: أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ"؟ وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا محمد بن زياد) الجمحي مولاهم (قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه-، قال: أخذ الحسن بن علي -رضي الله عنهما- تمرة من تمر الصدقة

61 - باب الصدقة على موالي أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-

فجعلها في فيه) زاد أبو مسلم الكجي فلم يفطن له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى قام ولعابه يسيل فضرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شدقه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كخ، كخ، ليطرحها). بفتح الكاف وكسرها وبسكون الخاء مثقلاً ومخففًا وبكسرها منوّنة وغير منونة فهي ست لغات، ورواية أبي ذر: كخ كخ بكسر الكاف وسكون الخاء مخففة. قال ابن مالك في التسهيل: إنها من أسماء الأفعال وفي التحفة إنها من أسماء الأصوات، وبه قطع ابن هشام في حواشيه على التسهيل، وقيل: هي عربية، وقيل عجمية. وزعم الداودي أنها معربة، وأوردها البخاري في باب: من تكلم بالفارسية في آخر الجهاد والثانية تأكيد للأولى وهي كلمة تقال عند زجر الصبي عن تناول شيء وعند التقذر من شيء. (ثم قال) عليه الصلاة والسلام له: (أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة) لحرمتها علينا لما ذكر. 61 - باب الصَّدَقَةِ عَلَى مَوَالِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب الصدقة على موالي أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي عتقائهن. 1492 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبِّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "وَجَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَاةً مَيِّتَةً أُعْطِيَتْهَا مَوْلاَةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنَ الصَّدَقَةِ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَلاَّ انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا؟ قَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ. قَالَ: إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا". [الحديث 1492 - أطرافه في: 2221، 5531، 5532]. وبالسند قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري قال: (حدّثني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله) بتصغير عبد الأول ابن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: وجد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاة ميتة أعطيتها مولاة) لم تسم هذه المولاة وهمزة أعطيتها مضمومة مبنيًّا لما لم يسم فاعله ومولاة رفع نائب عن الفاعل أي عتيقة (لميمونة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- (من الصدقة)، متعلق بأعطيت أو صفة لشاة، وهذا موضع الترجمة لأن مولاة ميمونة أعطيت صدقة فلم ينكر عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فدلّ على أن موالي أزواجه عليه الصلاة والسلام تحل لهم الصدقة كهن لأنهن لسن من جملة الآل. ونقل ابن بطال الاتفاق عليه لكن فيه نظر فقد روى الخلال فيما ذكره ابن قدامة من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: إنّا آل محمد لا تحل لنا الصدقة. قال ابن قدامة: وهذا يدل على تحريمها وإسناده حسن، وأخرجه ابن أبي شيبة نعم هي حرام على مواليه صلوات الله وسلامه عليه وموالي آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما سئل عن ذلك قال: إن الصدقة لا تحل لنا وإن مولى القوم من أنفسهم. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح وإنما لم يترجم المؤلّف لأزواجه لأنه لم يثبت عنده في ذلك شيء (قال) ولأبي ذر: فقال؟ (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هلا انتفعتم بجلدها؟ قالوا: إنها ميتة قال: إنما حرم أكلها) أي اللحم حرام لا الجلد. 1493 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ لِلْعِتْقِ، وَأَرَادَ مَوَالِيهَا أَنْ يَشْتَرِطُوا وَلاَءَهَا، فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اشْتَرِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. قَالَتْ: وَأُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلَحْمٍ، فَقُلْتُ: هَذَا مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ: هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ". وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا الحكم) بفتحتين ابن عتيبة (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق) بفتح الموحدة وكسر الراء الأولى (وأراد مواليها) ساداتها بنو هلال أو أهل بيت من الأنصار (أن يشترطوا) على عائشة (ولاءها) أن يكون لهم وواو ولاءها مفتوحة مع المد مأخوذة من الولي بفتح الواو وسكون اللام وهو القرب، والمراد به هنا وصف حكمي ينشأ عنه ثبوت حق الإرث من العتيق الذي لا وارث له من جهة نسب أو زوجية أو الفاضل عن ذلك وحق العقل عنه إذا جنى والتزويج للأنثى بشروط ذلك كله وانتفاء مانعه، فلذلك قال الشافعي: إن المسلم إذا أعتق النصراني وبالعكس حق الولاء ثابت ولا إرث لاختلاف الدينين، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" ووجود مانع الإرث لا يلزم منه عدم المقتضى بدليل الأب القاتل أو الرقيق أو مخالف في الدين فإن عدم إرثه لا يقدح في أبوته فلم يخرج عن كونه أباه فكذا هنا لا يخرج عن كونه مولاه هذا تقرير الشافعي في الأم وغيرها من كتبه فتأمله فإنه نفيس جدًّا، وقد كانت العرب تبيع هذا الحق وتهبه فنهى الشرع عنه لأن الولاء كالنسب ولحمة كلحمة النسب فلا يقبل الزوال

62 - باب إذا تحولت الصدقة

بالإزالة والمولى يطلق على المعتق من أعلى وعلى العتيق أيضًا لكن من أسفل وهل ذلك حقيقة فيهما أو في الأعلى أو في الأسفل؟ أقوال مشهورة. وذكر ابن الأثير في النهاية أن اسم المولى يقع على معان كثيرة وذكر منها ستة عشر معنى وهي: الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر والعبد والمنعم عليه والمعتق. قال: وأكثرها قد جاء في الحديث فيضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه وكل من ولي أمرًا وقام به فهو مولاه ووليه، وتختلف مصادر هذه الأسماء فالولاية بالفتح في النسب والنصرة والعتق والولاية بالكسر في الإمارة والولاء في العتق والموالاة من والى القوم (فذكرت عائشة) -رضي الله عنها- (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حذف المفعول أي ذلك (فقال لها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اشتريها)، منهم على ما يقصدون من اشتراط كون الولاء لهم، واستشكل هذا لأن المقرر أنه لو شرط مع العتق الولاء لم يصح البيع لمخالفته نص الشارع أن الولاء لمن أعتق. وأجيب: بأن الشرط لم يقع في العقد وبأنه خاص بقصة عائشة هذه لمصلحة قطع عادتهم كما خص فسخ الحج إلى العمرة بالصحابة لمصلحة بيان جوازها في أشهره (فإنما الولاء لمن أعتق) أي فلا تبالي سواء شرطيته أم لا فإنه شرط باطل وكلمة "إنما" هنا للحصر لأنها لو لم تكن للحصر لما لزم من إثبات الولاء لمن أعتق نفيه عمن لم يعتق، لكن هذه الكلمة ذكرت في الحديث لبيان نفيه عمن لم يعتق فدل على أن مقتضاها الحصر قاله ابن دقيق العيد. (قالت:) عائشة -رضي الله عنها- (وأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول النبي رفع نائب عن الفاعل (بلحم، فقلت: هذا ما) ولأبي الوقت: مما (تصدق به) بضم أوله وثانيه (على بريرة، فقال) عليه الصلاة والسلام: (هو) أي اللحم المتصدق به على بربرة (لها صدقة ولنا هدية). قال ابن مالك: يجوز في صدقة الرفع على أنه خبر هو ولها صفة قدّمت فصارت حالاً كقوله: والصالحات عليها مغلقًا باب فلو قصد بقاء الوصفية لقيل والصالحات عليها باب مغلق، وكذا الحديث لو قصدت فيه الوصفية بلها لقيل هو صدقة لها ويجوز النصب فيها على الحال والخبر لها اهـ. والصدقة منحة لثواب الآخرة والهدية تمليك الغير شيئًا تقربًا إليه إكرامًا له ففي الصدقة نوع ذل للآخذ فلذلك حرمت الصدقة عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دون الهدية، وقيل لأن الهدية يثاب عليها في الدنيا فتزول المنة والصدقة يراد بها ثواب الآخرة فتبقى المنة ولا ينبغي لنبي أن يمن عليه غير الله. وقال البيضاوي: إذا تصدق على المحتاج بشيء ملكه وصار له كسائر ما يملكه فله أن يهدي به غيره كما له أن يهدي سائر أمواله بلا فرق. وهذا موضع الترجمة لأن بريرة من جملة موليات عائشة وتصدق عليها. وهذا الحديث قد سبق في باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد، وقد أخرجه البخاري أيضًا في كتاب الكفارت وفي الطلاق والفرائض، والنسائي في الزكاة والطلاق. 62 - باب إِذَا تَحَوَّلَتِ الصَّدَقَةُ هذا (باب) بالتنوين (إذا تحولت الصدقة) أي عن كونها صدقة بأن دخلت في ملك المتصدق عليه يجوز تناول الهاشمي لها، ولأبي ذر: إذا حولت بضم الحاء وحذف التاء مبنيًا للمفعول. 1494 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَىْءٌ؟ فَقَالَتْ: لاَ، إِلاَّ شَىْءٌ بَعَثَتْ بِهِ إِلَيْنَا نُسَيْبَةُ مِنَ الشَّاةِ الَّتِي بَعَثْتَ بِهَا مِنَ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ: إِنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا". وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا ويزيد من الزيادة قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن حفصة بنت سيرين) أخت محمد بن سيرين سيدة التابعيات (عن أم عطية) نسيبة (الأنصارية -رضي الله عنها-) أنها (قالت: دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عائشة -رضي الله عنها- فقال): (هل عندكم شيء) من الطعام؟ (فقالت: لا) شيء من الطعام عندنا (إلا شيء بعثت به إلينا) أم عطية (نسيبة) بضم النون وفتح السين المهملة والموحدة بينهما تحتية ساكنة، والجملة من فعل وفاعل صفة لشيء وكلمة "من" في قوله (من الشاة) للبيان والدلالة على التبعيض (التي بعثت بها) أتت لها (من الصدقة. فقال) عليه الصلاة والسلام (إنها) أي الصدقة (قد بلغت محلها) بكسر الحاء أي وصلت إلى الموضع الذي تحل وذلك أنه لما تصدق بها على نسيبة صارت ملكًا لها فصح لها

63 - باب أخذ الصدقة من الأغنياء، وترد في الفقراء حيث كانوا

التصرف البيع وغيره، فلما أهدتها له عليه الصلاة والسلام انتقلت عن حكم الصدقة فجاز له القبول والأكل. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة ورواته كلهم بصريون، وفيه رواية التابعية عن الصحابية، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الزكاة والهبة ومسلم في الزكاة. 1495 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِلَحْمٍ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَقَالَ: هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ". وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعَ أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 1495 - طرفه في: 2577]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن موسى) المعروف بخت بمعجمة مفوحة فمثناة فوقية مشددة قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح الرؤاسي بضم الراء وهمزة ثم مهملة الكوفي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) هو ابن مالك (-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتي بلحم تصدق به على بريرة فقال): (هو) أي اللحم (عليها صدقة وهو لنا هدية) قدم لفظ عليها على المبتدأ لإفادة الاختصاص أي لا علينا لزوال وصف الصدقة وحكمها لكونها صارت ملكًا لبريرة ثم صارت هدية فالتحريم ليس لعين اللحم كما لا يخفى. (وقال أبو داود) الطيالسي مما أخرجه في مسنده: (أنبأنا) خصها المتأخرون بالإجازة (شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة أنه (سمع أنسًا -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ساق السند دون المتن لتصريح قتادة فيه بالسماع لأنه مدلس فزال توهم تدليسه في السند السابق حيث عنعن فيه. 63 - باب أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنَ الأَغْنِيَاءِ، وَتُرَدَّ فِي الْفُقَرَاءِ حَيْثُ كَانُوا (باب أخذ الصدقة) المفروضة (من الأغنياء وترد) بالرفع كما في الفرع وغيره مما وقفت عليه من الأصول المعتمدة. وقال العيني بالنصب بتقدير أن فيكون في حكم المصدر ويكون التقدير: وأن تردّ وهو الذي في اليونينية فقط أي والرد (في الفقراء حيث كانوا) ظاهره أن المؤلّف يختار جواز نقل الزكاة من بلد المال قاله ابن المنير وهو مذهب الحنفية والأصح عند الشافعية والمالكية عدم الجواز. نعم، لو نقل أجرأ عند المالكية لكن لو نقل لدون أهل بلد الوجوب في الحاجة لم يجزه وهو المشهور عندهم ولم يجز النقل عند الشافعية إلا عند فقد المستحقين. 1496 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ. فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ". وبالسند قال: (حدّثنا محمد) ولأبي ذر محمد بن مقاتل المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا زكريا بن إسحاق) المكي (عن يحيى بن عبد الله بن صيفي) بفتح الصاد المهملة وسكون المثناة التحتية وكسر الفاء (عن أبي معبد) نافد بالنون والفاء والدال المهملة أو المعجمة (مولى ابن عباس عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال:) وفي رواية إسماعيل بن أمية عند المؤلّف في التوحيد عن يحيى أنه سمع أبا معبد يقول، سمعت ابن عباس يقول: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) ولمسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب وإسحاق بن إبراهيم ثلاثتهم عن وكيع، وقال فيه عن ابن عباس عن معاذ بن جبل قال: بعثني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعلى هذا يكون الحديث من مسند معاذ لكنه في جميع الطرق من مسند ابن عباس كما عند المؤلّف وليس حضور ابن عباس لذلك ببعيد لأنه كان في أواخر حياة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو إذ ذاك مع أبويه بالمدينة قاله الحافظ ابن حجر (لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن) واليًا كما عند العسكري أو قاضيًا كما عند ابن عبد البر. (إنك ستأتي قومًا أهل كتاب)، بنصب أهل بدلاً من قوم لا صفة وهذا كالتوطئة للوصية لتقوى همته عليها لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة، ولذا خصهم بالذكر تفضيلاً لهم على غيرهم من عبدة الأوثان، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أهل الكتاب بالتعريف (فإذا جئتهم) عبر بإذا دون إن تفاؤلاً بالوصول إليهم (فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله) بدأ بهما لأنهما أصل الدين الذي لا يصح شيء غيرهما إلا بهما، واستدلّ به على أنه لا يكفي في الإسلام الاقتصار على شهادة أن لا إله إلا الله حتى يضيف الشهادة لمحمد بالرسالة وهو قول الجمهور، (فإن هم أطاعوا) أي شهدوا وانقادوا (لك بذلك) وعدى أطاع باللام وإن كان يتعدى بنفسه لتضمنه معنى انقاد، ولابن خزيمة: فإن هم أجابوا لذلك (فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك) بأن أقروا بوجوب

64 - باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة، وقوله {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} [التوبة: 103]

الخمس عليهم وفعلوها (فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة) في أموالهم (تؤخذ من أغنيائهم) يأخذها الإمام أو نائبه (فترد على فقرائهم) خصهم بالذكر وإن كان مستحق الزكاة أصنافًا أخر لمقابلة الأغنياء ولأن الفقراء هم الأغلب، والضمير في فقرائهم يعود على أهل اليمن فلا يجوز النقل لغير فقراء أهل بلد الزكاة كما سبق أول الزكاة، (فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم) أي نفائس (أموالهم) بنصب كرائم بفعل مضمر لا يجوز إظهاره للقرينة الدالة عليه. وقال ابن قتيبة: لا يجوز حذف واو وكرائم اهـ. وعلل بأنها حرف عطف فيختل الكلام بالحذف. (واتق دعوة المظلوم)، أي تجنب جميع أنواع الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم وإنما ذكره عقب المنع من أخذ الكرائم للإشارة إلى أن أخذها ظلم (فإنه ليس بينه) أي المظنوم، ولأبي ذر عن الكشميهني والأصيلي: فإنها ليس بينها أي دعوة المظلوم (وبين الله حجاب) وإن كان المظلوم عاصيًا لحديث أحمد عن أبي هريرة بإسناد حسن مرفوعًا: دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرًا ففجوره على نفسه وليس لله حجاب يحجبه عن خلقه. فإن قلت: إن بعث معاذ كان بعد فرض الصوم والحج فلم لم يذكرهما؟ أجيب: بأنه اختصار من بعض الرواة، وقيل: إن اهتمام الشارع بالصلاة والزكاة أكثر ولذا كررا في القرآن فمن ثم لم يذكرهما في هذا الحديث. وقال الإمام البلقيني: إذا كان الكلام في بيان الأركان لم يخل الشارع منها بشيء كحديث ابن عمر: بني الإسلام على خمس فإذا كان في الدعاء إلى الإسلام اكتفي بالأركان الثلاثة الشهادة والصلاة والزكاة ولو كان بعد وجود فرض الصوم والحج لقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ} [التوبة: 5] في، موضعين من براءة مع أن نزولها بعد فرض الصوم والحج قطعًا، والحكمة في ذلك أن الأركان الخمسة: اعتقادي وهو الشهادة، وبدني وهو الصلاة، وماليّ وهو الزكاة فاقتصر في الدعاء إلى الإسلام عليها لتفرع الركنين الأخيرين عليها، فإن الصوم بدني محض والحج بدني ومالي. وهذا الحديث قد مرّ في أول باب وجوب الزكاة. 64 - باب صَلاَةِ الإِمَامِ وَدُعَائِهِ لِصَاحِبِ الصَّدَقَةِ، وَقَوْلِهِ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] (باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة) كأن يقول: آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت ونحو ذلك، والمراد من الصلاة معناها اللغوي وهو الدعاء، وعطف الدعاء على الصلاة ليبين أن لفظ الصلاة ليس بحتم بل غيره من الدعاء ينزل منزلته قاله ابن المنير، ويؤيده ما في حديث وائل بن حجر عند النسائي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال في رجل بعث بناقة حسناء في الزكاة: "اللهم بارك فيه وفي إبله" (وقوله) تعالى بالجر عطفًا على المجرور السابق: ({خذ من أموالهم صدقة تطهرهم}) من الذنوب ({وتزكيهم بها}) وتنمي بها حسناتهم وترفعهم إلى منازل المخلصين ({وصل عليهم}) أي ادع لهم. رواه ابن أبي حاتم وغيره بإسناد صحيح عن السدي ({إن صلواتك}) وفي بعض الأصول إن صلاتك بالإفراد كقراءة حمزة والكسائي وحفص ({سكن لهم}) [التوبة: 2 - 3] تسكن إليها نفوسهم وتطمئن بها قلوبهم وجمعها لتعدد المدعو لهم، ولأبي ذر: (تطهرهم) إلى قوله: {سكن لهم}. 1497 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَتِهِمْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلاَنٍ. فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى". [الحديث 1497 - أطرافه في: 4166، 6332، 6359]. وبالسند قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن مرة بضم الميم وتشديد الراء ابن عبد الله بن طارق الكوفي التابعي الصغير (عن عبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح الفاء مقصورًا اسمه علقمة بن خالد بن الحرث الأسلمي وهو آخر من مات من الصحابة بالكوفة سنة سبع وثمانين، وفي المغازي عند المؤلّف سمعت ابن أبي أوفى -رضي الله عنهما- (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أتاه قوم بصدقتهم) أي بزكاة أموالهم (قال): (اللهم صل على فلان) أي اغفر له وارحمه، ولغير أبي ذر: على آل فلان يريد أبا أوفى نفسه لأن الآل يطلق على ذات الشيء كما قال عليه الصلاة والسلام عن أبي موسى الأشعري: "لقد أوتي مزمارًا من مزامير آل داود" يريد داود نفسه (فأتاه أبي) أبو أوفى (بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى) امتثالاً لقوله تعالى: {وصل عليها} وهذا من خصائصه

65 - باب ما يستخرج من البحر

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ يكره لنا كراهة تنزيه على الصحيح الذي عليه الأكثرون كما قاله النووي إفراد الصلاة على غير الأنبياء لأنه صار شعارًا لهم إذا ذكروا فلا يلحق غيرهم، فلا يقال أبو بكر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن كان المعنى صحيحًا كما لا يقال قال محمد عز وجل وإن كان عزيرًا جليلاً لأن هذا من شعار ذكر الله تعالى. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في المغازي والدعوات، ومسلم في الزكاة، وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجة. 65 - باب مَا يُسْتَخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: لَيْسَ الْعَنْبَرُ بِرِكَازٍ، هُوَ شَىْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: فِي الْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ الْخُمُسُ: فَإِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الرِّكَازِ الْخُمُسَ، لَيْسَ فِي الَّذِي يُصَابُ فِي الْمَاءِ. (باب) حكم (ما يستخرج من البحر) بسهولة كالموجود بساحله أو بصعوبة كالمستخرج بالغوص عليه ونحو ذلك هل تجب فيه زكاة أم لا؟ (وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-): مما وصله الشافعي ورواه البيهقي من طريقه (ليس العنبر بركاز)، بفتح العين والموحدة بينهما نون ساكنة نوع من الطيب. قال في القاموس: روث دابة بحرية أو نبع عين فيه اهـ. وقيل: هو زبد البحر أو نبات في قعره يأكله بعض دوابه ثم يقذفه رجيعًا، لكن قال ابن سينا: وما يحكى أنه روث دوابه أو قيئها أو من زبد البحر بعيد، وقيل هو نبت في البحر بمنزلة الحشيش في البر، وقيل إنه شجر ينبت في البحر فينكسر فيلقيه الموج إلى الساحل. وقال الشافعي في كتاب السلم من الأم: أخبرني عدد ممن أثق بخبرهم أنه نبات يخلقه الله تعالى في جنبات البحر (هو شيء دسره البحر) بفتح المهملات أي دفعه ورمى به إلى الساحل. (وقال الحسن) البصري مما وصله ابن أبي شيبة (في العنبر واللؤلؤ) وهو قطر الربيع يقع في الصدق (الخمس) قال البخاري رادًا على قوله هذا: (فإنما) كذا في اليونينية، وفي غيرها: وإنما (جعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الحديث الذي سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى موصولاً (في الركاز) الذي هو من دفين الجاهلية في الأرض (الخمس، ليس في الذي يصاب في الماء) لأن الذي يستخرج من البحر لا يسمى في لغة العرب ركازًا. 1498 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ، فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا -فَذَكَرَ الْحَدِيثَ- فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ». [الحديث 1498 - أطرافه في: 2063، 2291، 2404، 2430، 2734، 6261]. (وقال الليث) بن سعد مما وصله المؤلّف في البيوع (حدّثني) بالإفراد (جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل المصري (عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي) ولأبي ذر: عن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (أن رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل بأن) ولأبي ذر: أن (يسلفه) بضم أوله من أسلف (ألف دينارًا) زاد في باب الكفالة في القرض والدّيون فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم. قال: كفى بالله شهيدًا. قال: فائتني بالكفيل قال كفى بالله كفيلاً. قال: صدقت (فدفعها إليه) وزاد أيضًا فيه إلى أجل مسمى (فخرج في البحر فلم يجد مركبًا) بفتح الكاف أي سفينة يركب عليها ويجيء إلى صاحبه أو يبعث فيها قضاء دينه (فأخذ خشبة فنقرها) قوّرها (فأدخل فيها ألف دينار) زاد أيضًا في الكفالة وصحيفة منه إلى صاحبه (فرمى بها): أي بالخشبة (في البحر) بقصد أن الله تعالى يوصلها لرب المال (فخرج الرجل الذي كان أسلفه) الألف دينار (فإذا بالخشبة) أي: فإذا هو مفاجأ بالخشبة (فأخذها لأهله حطبًا) نصب على أن أخذ من أفعال المقاربة فتعمل عمل كان أو بفعل مقدر أي يستعملها استعمال الحطب في الوقود (فذكر الحديث) بتمامه، ويأتي إن شاء الله تعالى في باب الكفالة في القرض (فلما نشرها) أي قطع الخشبة بالمنشار (وجد المال) الذي كان أسلفه. وموضع الترجمة قوله: فإذا بالخشبة فأخذها لأهله حطبًا وأدنى الملابسة في التطابق كاف. وقال ابن المنير: موضع الاستشهاد إنما هو أخذ الخشبة على أنها حطب فدلّ على إباحة مثل ذلك مما يلفظه البحر إما مما ينشأ فيه كالعنبر أو مما سبق فيه ملك وعطب وانقطع ملك صاحبه منه على اختلاف بين العلماء في تمليك هذا مطلقًا أو مفصلاً وإذا جاز تملك الخشبة وقد تقدم عليها ملك متملك فنحو العنبر الذي لم يتقدم عليه ملك أولى. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الكفالة والاستقراض واللقطة والشروط والاستئذان والنسائي في اللقطة، وتأتي بقية مباحثه إن شاء الله تعالى في محاله بعون الله

66 - باب في الركاز الخمس

وقوته. 66 - باب فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ إِدْرِيسَ: الرِّكَازُ دِفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ، فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الْخُمُسُ، وَلَيْسَ الْمَعْدِنُ بِرِكَازٍ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَعْدِنِ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ. وَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنَ الْمَعَادِنِ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةً. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا كَانَ مِنْ رِكَازٍ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَفِيهِ الْخُمُسُ، وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضِ السِّلْمِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ. وَإِنْ وَجَدْتَ اللُّقَطَةَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَعَرِّفْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْعَدُوِّ فَفِيهَا الْخُمُسُ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ الْمَعْدِنُ رِكَازٌ مِثْلُ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ، لأَنَّهُ يُقَالُ: أَرْكَزَ الْمَعْدِنُ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ شَىْءٌ. قِيلَ لَهُ: قَدْ يُقَالُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ شَىْءٌ أَوْ رَبِحَ رِبْحًا كَثِيرًا أَوْ كَثُرَ ثَمَرُهُ أَرْكَزْتَ. ثُمَّ نَاقَضَ وَقَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَكْتُمَهُ فَلاَ يُؤَدِّيَ الْخُمُسَ. هذا (باب) بالتنوين (في الركاز الخمس)، بالرفع مبتدأ مؤخر، والركاز: بكسر الراء وتخفيف الكاف آخره زاي هو من دفين الجاهلية كأنه ركز في الأرض ركزًا أي غرز وإنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه وسهولة أخذه. (وقال مالك): هو ابن أنس إمام دار الهجرة مما رواه أبو عبيد في كتاب الأموال (وابن إدريس) هو الشافعي الإمام الأعظم صاحب المذهب كما جزم به أبو زيد المروزي أحد الرواة عن الفربري، وتابعه البيهقي وجمهور الأئمة وعبارة البيهقي كما رأيته في كتابه معرفة السنن والآثار قد حكى محمد بن إسماعيل البخاري مذهب مالك والشافعي في الركاز والمعدن في كتاب الزكاة من الجامع، وقال مالك وابن إدريس يعني الشافعي، وقيل المراد بابن إدريس عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي: (الركاز دفن الجاهلية) بكسر الدال وسكون الفاء أي الشيء المدفون كذبح بمعنى مذبوح وبالفتح المصدر ولا يراد هنا كذا قاله ابن حجر كالزركشي. وتعقبه في المصابيح بأنه يصح الفتح على أن يكون مصدرًا أريد به المفعول مثل الدرهم ضرب الأمير وهذا الثوب نسج اليمن (في قليله وكثيره الخمس) بضمتين وقد تسكن الميم وهذا قوم أبي حنيفة ومالك وأحمد وبه قال إمامنا الشافعي في القديم، وشرط في الجديد النصاب فلا تجب الزكاة فيما دونه إلا إذا كان في ملكه من جنس النقد الموجود، (وليس المعدن) بكسر الدال أي المكان من الأرض يخرج منه شيء من الجواهر والأجساد كالذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والكبريت وغير ذلك مأخوذ من عدن بالمكان إذا أقام به يعدن بالكسر عدونًا سمي بذلك لعدون ما أنبته الله فيه قاله الأزهري. وقال في القاموس: والمعدن كمجلس منبت الجواهر من ذهب ونحوه لإقامة أهله فيه دائمًا أو لإنبات الله عز وجل إياه فيه (بركاز): لأنه لا يدخل تحت اسم الركاز ولا له حكمه، (وقد قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) كما وصله في آخر الباب من حديث أبي هريرة (في المعدن جبار) بضم الجيم وتخفيف الموحدة آخره راء يعني إذا حفر معدنًا في ملكه أو في موات فوقع فيه شخص ومات أو استأجره لعمل في المعدن فهلك لا يضمنه بل دمه هدر، وليس المراد أنه لا زكاة فيه (وفي الركاز) دفن الجاهلية (الخمس)، ففرق بينهما وجعل لكل منهما حكمًا ولو كانا بمعنى واحد بينهما فلما فرق بينهما دل على التغاير. (وأخذ عمر بن عبد العزيز من المعادن) وهي المستخرجة من موضع خلقها (من كل مائتين) من الدراهم (خمسة) منها وهي ربع العشر، وفي قول الخمس كالركاز بجامع الخفاء في الأرض. وهذا التعليق وصله أبو عبيد في كتاب الأموال. (وقال الحسن) البصري مما وصله ابن أبي شيبة بمعناه (مما كان من ركاز) دفن الجاهلية (في أرض الحرب ففيه الخمس وما كان في أرض السلم) بكسر السين وسكون اللام أي الصلح، ولأبي الوقت: وما كان من أرض السلم (ففيه الزكاة). المعهودة وهي ربع العشر. قال ابن المنذر: لا أعرف أحدًا فرق هذه التفرقة غير الحسن (وإن وجدت اللقطة) بضم الواو مبنيًا للمفعول واللقطة بضم اللام المشددة وفتح القاف وسكونها وهذا من قول الحسن، ولأبي الوقت: وجدت لقطة (في أرض العدوّ فعرّفها) لاحتمال أن تكون للمسلمين وفي الفرع كأصله وإن وجدت بفتح الواو مبنيًّا للفاعل اللقطة مفعول (وإن كانت من العدوّ) أي من ماله فلا حاجة إلى تعريفها لأنها صارت ملكه (ففيها الخمس. وقال بعض الناس) هو الإمام أبو حنيفة وهذا أوّل موضع ذكره فيه المؤلّف بهذه الصيغة، ويحتمل أن يكون أراد أبا حنيفة وغيره من الكوفيين ممن قال بذلك (المعدن ركاز مثل دفن الجاهلية)، بكسر الدال وفتحها على ما مر فيجب فيه أيضًا الخمس. قال الزهري وأبو عبيد: الركاز المال المدفون والمعدن جميعًا (لأنه يقال:) مما سمع من العرب (أركز المعدن) بفتح الهمزة فعل ماض مبني للفاعل والضمير في لأنه للشأن واللام للتعليل (إذا خرج منه شيء) بفتح الخاء المعجمة بغير همزة

قبلها، ولأبي ذر: أخرج بهمزة مضمومة (قيل له:) أي لبعض الناس (قد يقال لمن وهب له شيء) بضم الواو وكسر الهاء مبنيًّا للمفعول شيء رفع نائب عن الفاعل (أو ربح ربحًا كثيرًا أو كثر ثمره أركزت). بتاء الخطاب أي: فيلزم أن يقال لكل واحد من الموهوب والربح والثمر ركاز، ويقال لصاحبه أركزت ويجب فيه الخمس لكن الإجماع على خلافه وإنه ليس فيه الأربع العشر فالحكم مختلف وإن اتفقت التسمية، واعترضه بعضهم بأنه لم ينقل عن بعض الناس ولا عن العرب أنهم قالوا: أركز المعدن وإنما قالوا أركز الرجل فإذا لم يكن هذا صحيحًا فكيف يتوجه الإلزام بقول القائل قد يقال لمن وهب الخ. ومعنى أركز الرجل صار له ركاز من قطع الذهب ولا يلزم منه أنه إذا وهب له شيء أن يقال له أركزت بالخطاب، وكذا إذا ربح ربحًا كثيرًا أو أكثر ثمره ولو علم المعترض أن معنى أفعل هنا ما هو لما اعترض ولا أفحش فيه، ومعنى أفعل هنا للصيرورة يعني لصيرورة الشيء منسوبًا إلى ما اشتق منه الفعل كأغدّ البعير أي صار ذا غدّة ومعنى أركز الرجل صار له ركاز من قطع الذهب كما مر ولا يقال إلا بهذا القيد لا مطلقًا (ثم ناقض) أي بعض الناس لأنه قال المعدن ركاز ففيه الخمس (وقال:) ثانيًا (لا بأس أن يكتمه) عن الساعي (فلا يؤدي الخمس) في الزكاة وهو عنده شامل للمعدن. وقد اعترض ابن بطال المؤلّف في هذه المناقضة بأن الذي أجاز أبو حنيفة كتمانه إنما هو إذا كان محتاجًا إليه بمعنى أنه يتأول أن له حقًا في بيت المال ونصيبًا في الفيء فأجاز له أن يأخذ الخمس لنفسه عوضًا عن ذلك لا أنه أسقط الخمس عن المعدن بعدما أوجبه فيه. 1499 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ». [الحديث 1499 - أطرافه في: 2355، 6912، 6913]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بفتح لام سلمة كلاهما (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (العجماء) بفتح العين المهملة وسكون الجيم والمد أي البهيمة لأنها لا تتكلم (جبار) بضم الجيم وتخفيف الموحدة أي هدر غير مضمون، ولمسلم جرحها جبار ولا بد في رواية البخاري من تقدير إذ لا معنى لكون العجماء نفسها هدرًا، وقد دلت رواية مسلم على أن ذلك المقدر هو الجرح فوجب المصير له لكن الحكم غير مختص به بل هو مثال نبه به على غيره، ولو لم تكن رواية أخرى على تعيين ذلك المقدّر لم يكن لرواية البخاري عموم في جميع المقدرات التي يستقيم الكلام بتقدير واحد منها هذا هو الصحيح في الأصول أن المقتضي لا عموم له، والمراد أنها إذا انفلتت وصدمت إنسانًا فأتلفته أو أتلفت مالاً غرم على مالكها أما إذا كان معها فعليه ضمان ما أتلفته سواء أتلفته ليلاً أو نهارًا وسواء كان سائقها أو راكبها أو قائدها وسواء كان مالكها أو أجيره أو مستأجرًا أو مستعيرًا أو غاصبًا وسواء أتلفت بيدها أو رجلها أو عضها أو ذنبها. وقال مالك: القائد والراكب والسائق كلهم ضامنون لما أصابت الدابة إلا أن ترمح الدابة من غير أن يفعل بها شيء ترمح له. وقال الحنفية: إن الراكب والقائد لا يضمنان ما نفحت الدابة برجلها أو ذنبها إلا إن أوقفها في الطريق واختلفوا في السائق فقال القدوري وآخرون: إنه ضامن لما أصابت بيدها ورجلها لأن النفحة بمرأى عينه فأمكنه الاحتراز عنها، وقال أكثرهم: لا يضمن النفحة أيضًا وإن كان يراها إذ ليس على رجلها ما يمنعها به فلا يمكنه التحرز عنه بخلاف الكدم لإمكان كبحها بلجامها، وصححه صاحب الهداية وكذا قال الحنابلة: إن الراكب لا يضمن ما تتلفه البهيمة برجلها (والبئر) يحفرها الرجل في ملكه أو في موات فيسقط فيها رجل أو تنهار على من استأجره لحفرها فيهلك (جبار) لا ضمان أما إذا حفرها في طريق المسلمين أو في ملك غيره بغير إذنه فتلف فيها إنسان وجب ضمانه على عاقلة حافرها والكفارة في مال الحافر، وإن تلف بها غير الآدمي وجب ضمانه في مال الحافر (والمعدن) إذا حفره في ملكه أو في موات أيضًا لاستخراج

67 - باب قول الله تعالى {والعاملين عليها} [التوبة: 60] ومحاسبة المصدقين مع الإمام

ما فيه فوقع فيه إنسان أو انهار على حافره (جبار) لا ضمان فيه أيضًا (وفي الركاز) دفن الجاهلية (الخمس) في عطف الركاز على المعدن دلالة على تغايرهما وأن الخمس في الركاز لا في المعدن، واتفق الأئمة الأربعة وجمهور العلماء على أنه سواء كان في دار الإسلام أو في دار الحرب خلافًا للحسن حيث فرق كما مر وشرطه النصاب والنقدان لا الحول، ومذهب أحمد أنه لا فرق بين النقدين فيه وغيرهما كالنحاس والحديد والجواهر لظاهر هذا الحديث وهو مذهب الحنفية أيضًا، لكنهم أوجبوا الخمس وجعلوه فيئًا والحنابلة أوجبوا ربع العشر وجعلوه زكاة، وعن مالك روايتان كالقولين وحكي كل منهما عن ابن القاسم. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الحدود، والنسائي في الزكاة، وأورده البخاري في الأحكام. 67 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] وَمُحَاسَبَةِ الْمُصَدِّقِينَ مَعَ الإِمَامِ (باب قول الله تعالى {والعاملين عليها} [التوبة: 60] أي على الصدقات وهم السعاة الذين يبعثهم الإمام لقبضها (ومحاسبة المصدقين مع الإمام). 1500 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً مِنَ الأَسْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ". وبالسند قال: (حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان قال: (حدّثنا أبو أسامة) بضم الهمزة حماد بن أسامة قال: (أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن أبي حميد) عبد الرحمن أو المنذر (الساعدي -رضي الله عنه- قال): (استعمل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً من الأسد) بفتح الهمزة وسكون السين ويقال الأزد بالزاي (على صدقات بني سليم) بضم السين وفتح اللام (يدعى ابن اللتبية) بضم اللام وسكون المثناة الفوقية وفي بعض الأصول بفتحها، وحكاه المنذري وقيل بفتح اللام والمثناة حكاه في الفتح اسمه عبد الله وكان من بني لتب حيّ من الأزد وقيل اللتبية أمه، (فلما جاء) من عمله (حاسبه) عليه الصلاة والسلام لما وجد معه من جنس مال الصدقة وادعى أنه أهدي إليه كما يظهر من مجموع طرق الحديث، ويأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى في الأحكام وترك الحيل، وأخرجه مسلم في المغازي وأبو داود في الخراج. 68 - باب اسْتِعْمَالِ إِبِلِ الصَّدَقَةِ وَأَلْبَانِهَا لأَبْنَاءِ السَّبِيلِ (باب) جواز (استعمال إبل الصدقة و) شرب (ألبانها لأبناء السبيل) دون غيرهم خلافًا للشافعي حيث قال: يجب استيعاب الأصناف الثمانية. 1501 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ نَاسًا مِنْدَ. فَأَرْسَ عُرَيْنَةَ اجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا. فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَعَضُّونَ الْحِجَارَةَ". تَابَعَهُ أَبُو قِلاَبَةَ وَحُمَيْدٌ وَثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثني) بالإفراد (يحيى) القطان (عن شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-): (أن ناسًا) ثمانية (من عرينة) بضم العين وفتح الراء المهملتين وسكون المثناة التحتية وفتح النون قبيلة، وعند المؤلّف في المغازي من عكل وعرينة بواو العطف وسبق في باب أبوال الإبل من الطهارة بلفظ: من عكل أو عرينة بالشك. (اجتووا المدينة) بسكون الجيم وفتح الفوقية والواو الأولى من باب الافتعال أي كرهوا المقام بها لما فيها من الوخم أو أصابهم الجوى وهو داء الجوف إذا تطاول، (فرخص لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يأتوا إبل الصدقة) وكانت خمس عشرة كما عند ابن سعد (فيشربوا من ألبانها وأبوالها) تمسك به من قال: إن بول ما أكل طاهر ودفع بأن الدواء يبيح ما كان حرامًا وهذا موضع الترجمة. قال ابن بطال والحجة يعني للمؤلّف للترجمة بحديث الباب قاطعة لأنه عليه الصلاة والسلام أفرد أبناء السبيل بإبل الصدقة وألبانها دون غيرهم انتهى. وعورض باحتمال أن يكون ما أباح لهم من الانتفاع إلا بما هو قدر حصتهم على أنه ليس في الخبر أيضًا أنه ملكهم رقابها وإنما فيه أنه أباح لهم شرب ألبان الإبل للتداوي. واستنبط منه المؤلّف جواز استعمالها في بقية المنافع إذ لا فرق، وأما تمليك رقابها فلم يقع وغاية ما يفهم من حديث الباب أن للإمام أن يخص بمنفعة مال الزكاة دون الرقبة صنفًا دون صنف بحسب الاحتياج على أنه ليس في الخبر أيضًا تصريح بأنه لم يصرف من ذلك شيئًا لغير العرينيين فليست الدلالة منه لذلك ظاهرة أصلاً قاله في فتح الباري. (فقتلوا) أي فلما شربوا منهما وصحوا قتلوا (الراعي) يسارًا النوبي (واستاقوا الذود) سوقًا عنيفًا. وفي نسخة واستاقوا الإبل (فأرسل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سرية عشرين نفسًا وكان أميرهم كرز بن جابر أو سعيد بن سعيد فأدركوهم في ذلك اليوم (فأتي بهم) بضم الهمزة (فقطع) بتشديد الطاء. وفي نسخة

69 - باب وسم الإمام إبل الصدقة بيده

بتخفيفها أي فأمر فقطع (أيديهم) جمع يد فإما أن يراد أقل الجميع وهو اثنان لأن لكل منهم يدين، وإما أن يريد التوزيع عليهم، بأن تقطع من كل واحد منهم يد واحدة والجمع في مقابلة الجمع يفيد التوزيع (وأرجلهم) من خلاف (وسمر أعينهم) بفتح السين والميم مخففة أي كحلها بمسامير محمية لأنهم فعلوا ذلك بالراعي، ولأبي ذر، وسمر بتشديد الميم والأول أشهر وأوجه كما نبه عليه المنذري، (وتركهم بالحرّة) بفتح الحاء وتشديد الراء المهملتين أرض ذات حجارة سود (يعضون الحجارة) بفتح الياء والعين المهملة. (تابعه) أي تابع قتادة (أبو قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي فيما وصله المؤلّف في كتاب الطهارة (وحميد) الطويل فيما وصله النسائي وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة (وثابت) البناني فيما وصله المؤلّف في كتاب الطب (عن أنس) -رضي الله عنه-. 69 - باب وَسْمِ الإِمَامِ إِبِلَ الصَّدَقَةِ بِيَدِهِ (باب وسم الإمام إبل الصدقة) بالكي ونحوه (بيده). 1502 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "غَدَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ لِيُحَنِّكَهُ، فَوَافَيْتُهُ فِي يَدِهِ الْمِيسَمُ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ". [الحديث 1502 - طرفاه في: 5542، 5824]. وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي بالحاء المهملة والزاي القرشي الأسدي قال: (حدّثنا الوليد) بن مسلم القرشي قال: (حدّثنا أبو عمرو) عبد الرحمن (الأوزاعي) قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) اسمه زيد بن سهل الأنصاري ابن أخي أنس بن مالك قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال): (غدوت) أي رحت أول النهار (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعبد الله بن أبي طلحة) هو أخو أنس لأمه وهو صحابي. وقال النووي: تابعي. قال البرماوي كالكرماني هو سهو (ليحنكه) تبركًا به وبريقه ويده ودعائه وهو أن يمضع التمرة ويجعلها في فم الصبي ويحك بها في حنكه بسبابته حتى تتحلل في حنكه (فوافيته) أي أتيته في مربد الغنم (في يده الميسم) بكسر الميم وفتح السين المهملة حديدة يكوى بها (يسم) يعلّم (إبل الصدقة) لتتميز عن الأموال المملوكة وليردها من أخذها ومن التقطها وليعرفها صاحبها فلا يشتريها إذا تصدق بها مثلاً لئلا يعود في صدقته فهو مخصوص من عموم النهي عن تعذيب الحيوان، وقد نقل ابن الصباغ من الشافعية إجماع الصحابة على أنه يستحب أن يكتب في ماشية الزكاة زكاة أو صدقة، وسيأتي في الذبائح إن شاء الله تعالى عن أنس أنه رآه يسم غنمًا في آذانها ولا يسم في الوجه للنهي عنه. وفي هذا الحديث التحديث بالإفراد والجمع والقول، وأخرجه مسلم في اللباس. 70 - باب فَرْضِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَرَأَى أَبُو الْعَالِيَةِ وَعَطَاءٌ وَابْنُ سِيرِينَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فَرِيضَةً (باب فرض صدقة الفطر). أي من رمضان فأضيفت الصدقة للفطر لكونها تجب بالفطر منه أو مأخوذة من الفطرة التي هي الخلقة المرادة بقوله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] وهذا قاله ابن قتيبة، والمعنى أنها وجبت على الخلقة تزكية للنفس أي تطهيرًا لها وتنمية لعملها، ويقال للمخرج في زكاة الفطر فطرة بضم الفاء كما في الكفاية وهو غريب، والذي في شرح المهذّب وغيره كسر الفاء لا غير قال: وهي مولدة لا عربية ولا معرّبة بل اصطلاحية للفقهاء انتهى. فتكون حقيقة شرعية على المختار كالصلاة ويقال لها صدقة الفطر وزكاة رمضان وزكاة الصوم وصدقة الرؤوس وزكاة الأبدان، ولأبي ذر عن المستملي: أبواب صدقة الفطر باب فرض صدقة الفطر وكان فرضها في السنة الثانية من الهجرة في شهر رمضان قبل العيد بيومين. (ورأى أبو العالية) رفيع بن مهران الرياحي بالمثناة التحتية (وعطاء) هو ابن أبي رباح (وابن سيرين) محمد فيما وصله عنه، وعن الأول ابن أبي شيبة من طريق عاصم الأحول وعبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء (صدقة الفطر فريضة) وهو مذهب الشافعية والجمهور، ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع على ذلك لكنه معارض بأن الحنفية يقولون بالوجوب دون الفرض وهو مقتضى قاعدتهم في أن الواجب ما ثبت بدليل ظني، وقال المرداوي من الحنابلة في تنقيحه: وهي واجبة وتسمى أيضًا فرضًا نصًّا، ونقل المالكية عن أشهب أنها سنة مؤكدة، قال بهرام: وروي ذلك عن مالك وهو قول بعض أهل الظاهر وابن اللبان من الشافعية وحملوا فرض في الحديث على التقدير كقولهم: فرض

القاضي نفقة اليتيم وهو ضعيف مخالف للظاهر، وقال إبراهيم بن علية وأبو بكر بن كيسان الأصم نسخ وجوبها، واستدل لهما بحديث النسائي عن قيس بن سعد بن عبادة قال: أمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله، لكن في إسناده راوٍ مجهول وعلى تقدير الصحة فلا دليل فيه على النسخ لأن الزيادة في جنس العبادة لا توجب نسخ الأصل المزيد عليه غير أن محل سائر الزكوات الأموال ومحل زكاة الفطر الرقاب كما نبه عليه الخطابي. 1503 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ". [الحديث 1305 - أطرافه في: 1504، 1507، 1509، 1511، 1512]. وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن محمد بن السكن) بفتح السين والكاف آخره نون البزار بالزاي المعجمة ثم الراء المهملة القرشي قال: (حدّثنا محمد بن جهضم) بفتح الجيم والضاد المعجمة بينهما هاء ساكنة آخره ميم ابن عبد الله الثقفي قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري (عن عمر بن نافع) بضم العين وفتح الميم (عن أبيه) نافع مولى عبد الله بن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال): (فرض) أي أوجب (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وما أوجبه فبأمر الله وما كان ينطق عن الهوى (زكاة الفطر) من صوم رمضان ووقت وجوبها غروب الشمس ليلة العيد لكونه أضافها إلى الفطر وذلك وقت الفطر، وهذا قول الشافعي في الجديد وأحمد بن حنبل وإحدى الروايتين عن مالك. وقال أبو حنيفة: طلوع الفجر يوم العيد وهو قول الشافعي في القديم (صاعًا من تمر) بنصب صاعًا على التمييز أو هو مفعول ثان وهو خمسة أرطال وثلث رطل بالبغدادي وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وعلماء الحجاز، وهو مائة وثلاثون درهمًا على الأصح عند الرافعي، ومائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم على الأصح عند النووي. فالصاع على الأول ستمائة درهم وثلاثة وتسعون درهمًا وثلث درهم، وعلى الثاني ستمائة درهم وخمسة وثمانون درهمًا وخمسة أسباع درهم والأصل الكيل وإنما قدر بالوزن استظهارًا. قال في الروضة: وقد يشكل ضبط الصاع بالأرطال فإن الصاع المخرج به في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكيال معروف ويختلف قدره وزنًا باختلاف جنس ما يخرج كالذرة والحمص وغيرهما، والصواب ما قاله الدارمي إن الاعتماد على الكيل بصاع معاير بالصاع الذي كان يخرج به في عصر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن لم يجده لزمه إخراج قدر يتيقن أنه لا ينقص عنه وعلى هذا فالتقدير بخمسة أرطال وثلث تقريب، وقال جماعة من العلماء: الصاع أربع حفنات بكفي رجل معتدل الكفّين حكاه النووي في الروضة، وذهب أبو حنيفة ومحمد إلى أنه ثمانية أرطال بالرطل المذكور، وكان أبو يوسف يقول كقولهما ثم رجع إلى قول الجمهور لما تناظر مع مالك بالمدينة فأراه الصيعان التي توارثها أهل المدينة عن أسلافهم من زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أو صاعًا من شعير) ظاهره أنه يخرج من أيهما شاء صاعًا ولا يجزئ غيرهما، وبذلك قال ابن حزم لكن ورد في روايات أخرى ذكر أجناس أخر تأتي إن شاء الله تعالى (على العبد والحر) وظاهره أن العبد يخرج عن نفسه وهو قول داود الظاهري منفردًا به، ويرده قوله عليه الصلاة والسلام: ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر وذلك يقتضي أنها ليست عليه بل على سيده. وقال القاضي البيضاوي: وجعل وجوب زكاة الفطر على السيد كالوجوب على العبد مجازًا إذ ليس هو أهلاً لأن يكلف بالواجبات المالية، ويؤيد ذلك عطف الصغير عليه (والذكر والأنثى) والخنثى (والصغير) أي: وإن كان يتيمًا خلافًا بن الحسن وزفر (والكبير من المسلمين) دون الكفار لأنها طهرة والكفار ليسوا من أهلها. نعم لا زكاة على أربعة من لا يفضل عن منزله وخادم يحتاج إليهما ويليقان به وعن قوته وقوت من تلزمه نفقته ليلة العيد ويومه ما يخرجه فيها وامرأة غنية لها زوج معسر وهي في طاعته فلا يلزمها إخراج فطرتها بخلاف ما إذا لم تكن في طاعته وبخلاف الأمة فإن فطرتها تلزم سيدها، والفرق تسليم الحرة نفسها بخلاف الأمة بدليل أن لسيدها أن يسافر بها ويستخدمها والمكاتب لا تجب فطرته عليه لضعف ملكه

تنبيه

ولا على سيده لأنه معه كالأجنبي والمغصوب أو الآبق لتعطيل فائدتهما على السيد، لكن الأصح وجوب الإخراج عليه عنهما تبعًا لنفقتهما وعن منقطع الخبر إذا لم تمض مدة لا يعيش في مثلها لأن الأصل بقاؤه حيًّا فإن مضت مدة لا يعيش في مثلها لم تجب فطرته، ويستثنى أيضًا عبد بيت المال والعبد الموقوف فلا تجب فطرتهما إذ ليس لهما مالك معين يلزم بها، (وأمر) عليه الصلاة والسلام (بها) أي بالفطرة (أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) أي صلاة العيد. تنبيه قوله: "من المسلمين" ذكر غير واحد أن مالكًا تفرد بها من بين الثقات وفيه نظر، فقد رواها جماعة ممن يعتمد على حفظهم منهم: عمر بن نافع، والضحاك بن عثمان، وكثير بن فرقد، والمعلى بن إسماعيل، ويونس بن يزيد، وابن أبي ليلى، وعبد الله بن عمر العمري وأخوه عبيد الله بن عمر، وأيوب السختياني على اختلاف عنهما في زيادتها، فأما رواية عمر بن نافع فأخرجها البخاري في صحيحه، وأما رواية الضحاك بن عثمان فأخرجها مسلم في صحيحه، وأما رواية كثير بن فرقد فرواها الدارقطني في سننه والحاكم، وأما رواية المعلى بن إسماعيل فرواها ابن حبان في صحيحه، وأما رواية يونس بن يزيد فرواها الطحاوي في بيان المشكل، وأما رواية ابن أبي ليلى وعبد الله بن عمر العمري وأخيه عبيد الله التي فيها بزيادة قوله من المسلمين فرواها الدارقطني في السنن، وأما رواية أيوب السختياني فذكرها الدارقطني، وهذه الزيادة تدل على اشتراط الإسلام في وجوب زكاة الفطر، ومقتضى ذلك أنه لا تجب على الكافر زكاة الفطر لا عن نفسه ولا عن غيره فأما عن نفسه فمتفق عليه وأما عن غيره من عبد وقريب فمختلف فيه. وللشافعية وجهان مبنيان على أنها تجب على المؤدي ابتداء أو على المؤدى عنه ثم يتحملها المؤدي والأصح الوجوب بناء على الأصح وهو وجوبها على المؤدى عنه ثم يتحملها المؤدي وهو المحكي عن أحمد، أما عكسه وهو إخراج المسلم عن قريبه وعبده الكافرين فلا تجب عند مالك والشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة بالوجوب. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث صحيح. 71 - باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الْعَبْدِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (باب) وجوب (صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين) اختلف هل تجب على العبد ابتداء ثم يتحملها السيد عنه أو تجب على السيد ابتداء؟ وجهان للشافعية وإلى الأول نحا البخاري، قاله في الفتح. وقال ابن بطال: إنه يقول بمذهب أهل الظاهر أنها تلزم العبد في نفسه وعلى سيده تمكينه من اكتساب ذلك وإخراجه عن نفسه. وتعقبه في المصابيح بأن البخاري لم يرد هذا وإنما أراد التنبيه على اشتراط الإسلام فيمن تؤدى عنه زكاة الفطر لا غير، ولذا لم يترجم ترجمة أخرى على اشتراط الإسلام، وعبّر "بعلى" دون "عن" ليطابق لفظ الحديث، وقد سقط لفظ "المسلمين" لابن عساكر. 1504 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن نافع عن ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرض زكاة الفطر) من صوم رمضان (صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كل حر أو عبد) قال القاضي أبو الطيب وغيره: "على" بمعنى "عن" لأن العبد لا يطالب بأدائها. وأجيب: بأنه لا يلزم من فرض شيء على شخص مطالبته به بدليل الفطرة المتحملة عن غير من لزمته، والدية الواجبة بقتل الخطأ أو شبهه (ذكر أو أنثى) أخذ بظاهره أبو حنيفة فأوجب زكاة الفطرة على الأنثى سواء كان لها زوج أم لا. وذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أن المتزوجة تجب فطرتها على زوجها بالقياس على النفقة، واستأنسوا بحديث ابن عمر أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بزكاة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون رواه الدارقطني والبيهقي وقال: إسناده غير قوي. قال في المجموع: والحاصل أن هذه اللفظة ممن تمونون ليست بثابتة (من المسلمين) فلا تجب على المسلم فطرة عبده الكافر، قال في شرح المشكاة: من المسلمين حال من العبد وما عطف عليه وتنزيلها على المعاني المذكورة على ما يقتضيه علم البيان أن المذكورات جاءت مزدوجة على التضاد للاستيعاب

72 - باب صدقة الفطر صاع

لا للتخصيص لئلا يلزم التداخل فيكون المعنى فرض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على جميع الناس من المسلمين، أما كونها فيم وجبت وعلى من وجبت فيعلم من نصوص أخرى. وقال في المصابيح: هو نص ظاهر في أن قوله من المسلمين صفة لما قبله من النكرات المتعاطفات بأو فيندفع قول الطحاوي بأنه خطاب متوجه معناه إلى السادة يقصد بذلك الاحتجاج لمن ذهب إلى إخراج زكاة الفطر عن العبد الكافر. 72 - باب صَدَقَةُ الفطرِ صاعٌ (باب صدقة الفطر صاع من شعير) برفع صاع خبر مبتدأ محذوف أي هي صاع، ولغير أبي ذر باب صاع من شعير وفي بعض الأصول صاعًا بالنصب خبر كان محذوفة أو حكاية عما في الحديث. 1505 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا نُطْعِمُ الصَّدَقَةَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ". [الحديث 1505 - أطرافه في: 1506، 1508، 1510]. وبالسند قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة، ولأبي ذر: قبيصة بن عقبة بضم العين وسكون القاف العامري قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن زيد بن أسلم) مولى عمر بن الخطاب (عن عياض بن عبد الله) العامري (عن أبي سعيد) الخدري (-رضي الله عنه- قال):. (كنا نطعم الصدقة) أي زكاة الفطر فأل للعهد (صاعًا من شعير) من بيانية، والحديث أخرجه الستّة وله حكم الرفع على الصحيح كما قطع به الحاكم والجمهور لأن الظاهر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في اطلع على ذلك وأقره ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي. 73 - باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ (باب صدقة الفطر) هي (صاع من طعام) ولغير أبي ذر: صاعًا بالنصب خبر كان كما مرّ. 1506 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام (عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح) بسكون عين سعد وراء سرح (العامري أنه سمع أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- يقول): (كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام) هو البر لقوله: (أو صاعًا من شعير) قال التوربشتي: والبر أعلى ما كانوا يقتاتونه في الحضر والسفر فلولا أنه أراد بالطعام البر لذكره عند التفصيل، وحكى المنذري في حواشي السنن عن بعضهم اتفاق العلماء على أنه المراد هنا. وقال بعضهم: كانت لفظة الطعام تستعمل في الحنطة عند الإطلاق حتى إذا قيل اذهب إلى سوق الطعام فهم منه سوق القمح، وإذا غلب العرف نزل اللفظ عليه لأن ما غلب استعمال اللفظ فيه كان خطوره عند الإطلاق أقرب. وتعقبه ابن المنذر بما في حديث أبي سعيد الآتي إن شاء الله تعالى في باب: صاع من زبيب فلما جاء معاوية وجاءت السمراء لأنه يدل على أنها لم تكن قوتًا لهم قبل هذا ثم قال: ولا نعلم في القمح خبرًا ثابتًا عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نعتمد عليه، ولم يكن البرّ يومئذٍ بالمدينة إلا الشيء اليسير منه فكيف يتوهم أنهم أخرجوا ما لم يكن موجودًا؟. وأما ما أخرجه ابن خزيمة والحاكم في صحيحهما من طريق إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم عن عياض بن عبد الله قال: قال أبو سعيد وذكروا عنده صدقة رمضان فقال: لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صاع تمر أو صاع حنطة أو صاع شعير أو صاع أقط. فقال له رجل من القوم: أو مدّين من قمح، فقال: لا تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها. فقال ابن خزيمة بعد أن ذكره ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ ولا أدري ممن الوهم. وقوله: فقال رجل الخ. دال على أن ذكر الحنطة في أوّل القصة خطأ إذ لو كان أبو سعيد أخبر أنهم كانوا يخرجون منها على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صاعًا لما كان الرجل يقول له أو مدّين من قمح وقد أشار أبو داود إلى رواية ابن إسحاق هذه وقال: إن ذكر الحنطة فيها غير محفوظ (أو صاعًا من تمر أو صاعًا من أقط) وهو لبن جامد فيه زبدة فإن أفسد الملح جوهره لم يجز وإن ظهر عليه ولم يفسده وجب بلوغ خالصه صاعًا (أو صاعًا من زبيب). 74 - باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ (باب صدقة الفطر صاعًا) وفي نسخة صاع (من تمر). 1507 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: "أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِزَكَاةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ -رضي الله عنه-: فَجَعَلَ النَّاسُ عِدْلَهُ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ". وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله قال): ولأبي ذر: أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: (أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بزكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير قال عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- (فجعل الناس) أي معاوية ومن معه كما صرح به

75 - باب صاع من زبيب

في الرواية الأخرى (عدله) قال في القاموس: العدل أي بالفتح المثل والنظير كالعدل أي بالكسر، والعديل الجمع أعدال وعدلاء والكيل اهـ. وقال الأخفش بالكسر المثل وبالفتح مصدر، وقال الفراء بالفتح ما عادل الشيء من غير جنسه وبالكسر المثل، وقال غيره بالعكس (مدّين) تثنية مدّ وهو ربع الصاع (من حنطة) وظاهره أنه فعل ذلك بالاجتهاد بناء على أن قيم ما عدا الحنطة متساوية، وكانت الحنطة إذ ذاك غالية الثمن لكن يلزم عليه أن تعتبر القيمة في كل زمان فيختلف الحال ولا ينضبط وربما لزم في بعض الأحيان إخراج آصع من الحنطة، ويدل على أنهم لحظوا ذلك ما روى جعفر الفريابي في كتاب صدقة الفطر أن ابن عباس لما كان أمير البصرة أمرهم بإخراج زكاة الفطر وبين لهم أنها صاع من تمر إلى أن قال: أو نصف صاع من بر. قال: فلما جاء عليّ ورأى رخص أسعارهم قال اجعلوها صاعًا من كل فدلّ على أنه كان ينظر إلى القيمة في ذلك قاله في فتح الباري، لكن في حديث ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "زكاة الفطر صاع من بر أو قمح عن كل اثنين" رواه أبو داود أي مجزئ عنهما وهذا نص صريح ولا اجتهاد مع النص وهو مذهب أبي حنيفة -رحمه الله- كما مرّ، لكن حديث ثعلبة فيه النعمان بن راشد لا يحتج به وقال البخاري فيه يتهم كثيرًا وقال أحمد ليس حديثه بصحيح. وبقية مباحث هذا الحديث تأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. 75 - باب صَاعٍ مِنْ زَبِيبٍ (باب صاع من زبيب) في صدقة الفطر مجزئ. 1508 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ يَزِيدَ الْعَدَنِيَّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ حَدَّثَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ قَالَ أُرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون الزاهد المروزي أنه (سمع يزيد العدني) بفتح العين والدال المهملتين، ولأبي ذر: يزيد بن أبي حكيم بفتح الحاء وكسر الكاف العدني (قال: حدّثنا سفيان) الثوري (عن زيد بن أسلم قال: حدّثني) بالإفراد (عياض بن عبد الله بن أبي سرح) بسكون الراء بعد السين المهملة المفتوحة آخره حاء مهملة (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال): (كنا نعطيها) أي زكاة الفطر (في زمان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هذا له حكم الرفع لإضافته إلى زمان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (صاعًا من طعام أو صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير أو صاعًا من زبيب فلما جاء معاوية) بن أبي سفيان وزاد مسلم في روايته فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجًّا أو معتمرًا فكلم الناس على المنبر، وزاد ابن خزيمة وهو يومئذٍ خليفة (وجاءت السمراء) أي كثرت الحنطة الشامية ورخصت (قال: أرى) بضم الهمزة أي أظن ولأبي ذر: أرى (مدًّا) واحدًا (من هذا) الحب أو القمح (يعدل مدّين) من سائر الحبوب وبهذا ونحوه تمسك أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- وأجيب بأنه قال في أول الحديث صاعًا من طعام وهو في الحجاز الحنطة فهو صريح في أن الواجب منها صاع، وقد عدّد الأقوات فذكر أفضلها قوتًا عندهم وهو البر لا سيما وعطفت بأو الفاصلة فالنظر إلى ذواتها لا قيمتها ومعاوية إنما صرح بأنه رأيه فلا يكون حجة على غيره اهـ. لكن نازع ابن المنذر في كون المراد بالطعام الحنطة كما مرّ قريبًا وقد زاد مسلم قال أبو سعيد: أما أنا فلا أزال أخرجه أبدًا ما عشت، وله من طريق ابن عجلان عن عياض فأنكر ذلك أبو سعيد وقال: لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولابن خزيمة والحاكم والدارقطني فقال له رجل: مدّين من قمح. فقال: لا تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها، فدلّ على أنه لم يوافق على ذلك وحينئذٍ فليس في المسألة إجماع سكوتي. قال النووي: وكيف يكون ذلك وقد خالفه أبو سعيد وغيره ممن هو أطول صحبة وأعلم بأحوال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 76 - باب الصَّدَقَةِ قَبْلَ الْعِيدِ (باب) استحباب إخراج (الصدقة) أي صدقة الفطر (قبل) خروج الناس إلى صلاة (العيد) وقد صرح بذلك الفقهاء من المذاهب الأربعة بل زاد الحنابلة فقالوا بكراهة تأخيرها عن الصلاة. 1509 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ". وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا حفص بن ميسرة) ضد الميمنة الصنعاني. نزيل الشأم قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر:

77 - باب صدقة الفطر على الحر والمملوك وقال الزهري في المملوكين للتجارة: يزكى في التجارة، ويزكى في الفطر

حدّثني (موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-): (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بزكاة الفطر) أن تخرج (قبل خروج الناس إلى الصلاة) أي قبل صلاة العيد وبعد صلاة الفجر عن عمرو بن دينار عن عكرمة فيما قاله ابن عيينة في تفسيره يقدم الرجل زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته فإن الله تعالى يقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14، 15] والأمر هنا للندب فيجوز تأخيرها إلى غروب شمس يوم العيد. نعم يحرم تأخير أدائها عنه بلا عذر كغيبة ماله أو الآخذ لأن القصد إغناء الفقراء عن الطلب فيه. وفي حديث ابن عمر عند سعيد بن منصور: أغنوهم يعني المساكين عن طواف هذا اليوم ويلزم قضاؤها على الفور والتعبير بالصلاة جرى على الغالب من فعلها أوّل النهار، فإن أخرت أي الصلاة استحب الأداء قبلها أوّل النهار للتوسعة على المستحقين. 1510 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ -وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ- وَكَانَ طَعَامَنَا الشَّعِيرُ وَالزَّبِيبُ وَالأَقِطُ وَالتَّمْرُ". وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة المخففة قال: (حدّثنا أبو عمر) بضم العين ولأبي ذر أبو عمر حفص بن ميسرة (عن زيد) ولأبي ذر زيد بن أسلم (عن عياض بن عبد الله بن سعد) بسكون العين ابن أبي سرح (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال): (كنا نخرج في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الفطر) صادق بجميعه فلذا حمل الإمام الشافعي التقييد في الحديث السابق بقبل صلاة العيد على الاستحباب (صاعًا من طعام وقال أبو سعيد) الخدري مفسرًا ما أجمله في قوله من طعام: (وكان طعامنا الشعير) بالنصب خبر كان، وفي رواية غير أبي ذر: طعامنا الشعير بنصب طعام ورفع الشعير اسم كان مؤخرًا (والزبيب والأقط والتمر) عطف على الشعير زاد الطحاوي من طريق أخرى عن عياض فلا نخرج غيره، وهو يؤيد تغليط ابن المنذر لمن قال إن قوله صاعًا من طعام حجة لمن قال صاعًا من حنطة كما سبق تقريره، وحمل البرماوي كالكرماني الطعام هنا على اللغوي الشامل لكل مطعوم قال: ولا ينافي تخصيص الطعام فيما سبق بالبر لأنه قد عطف عليه الشعير فدلّ على التغاير وهذا كالوعد فإنه عام في الخير والشر، وإذا عطف عليه الوعيد خص بالخير وليس هو من عطف الخاص على العام نحو: فاكهة ونخل وملائكته وجبريل فإن ذلك إنما هو فيما إذا كان الخاص أشرف وهنا بالعكس اهـ. فليتأمل مع ما سبق عن ابن المنذر وغيره. 77 - باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي الْمَمْلُوكِينَ لِلتِّجَارَةِ: يُزَكَّى فِي التِّجَارَةِ، وَيُزَكَّى فِي الْفِطْرِ (باب) وجوب (صدقة الفطر على الحرّ والمملوك) سبق قبل خمسة أبواب باب صدقة الفطر على العبد وغيره لكنه قيدها في رواية غير ابن عساكر بالمسلمين وأسقط ذلك هنا. قال الزين المنير: غرضه من الترجمة الأولى أن الصدقة لا تخرج عن كافر ولذا قيدها بقوله من المسلمين، وغرضه من هذه تمييز من تجب عليه أو عنه بعد وجود الشرط المذكور وهو الإسلام ولذا استغنى عن ذكره هنا فيها. (قال: الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (في المملوكين) بكسر الكاف حال كونهم (للتجارة: يزكي) بفتح الكاف مبنيًا للمفعول أو بكسرها مبنيًا للفاعل أي يؤدي الزكاة (في التجارة)، زكاة قيمتهم آخر الحول (ويزكي) بفتح الكاف أو بكسرها كما مرّ أيضًا (في) زكاة (الفطر) زكاة أبدانهم وهذا قول الجمهور. وقال الحنفية: لا يلزم السيد زكاة الفطر عن عبيد التجارة إذ لا يلزم في مال واحد زكاتان. قال الحافظ ابن حجر: وهذا التعليق وصله ابن المنذر ولم أقف على إسناده وذكر بعضه أبو عبيد في كتاب الأموال. 1511 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "فَرَضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَدَقَةَ الْفِطْرِ -أَوْ قَالَ: رَمَضَانَ- عَلَى الذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يُعْطِي التَّمْرَ، فَأَعْوَزَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنَ التَّمْرِ فَأَعْطَى شَعِيرًا، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ حَتَّى إِنْ كَانَ يُعْطِي عَنْ بَنِيَّ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يُعْطِيهَا الَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا. وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضلَ السدوسيّ البصري الملقب بعارم بالعين والراء المهملتين قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم الجهضمي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- قال: فرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صدقة الفطر -أو قال-:) صدقة (رمضان) شك الراوي في المقول منهما وكلاهما صحيح لتعليق الصدقة بهما، وفي رواية في الصحيحين الجمع بينهما وهي فرض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زكاة الفطر من رمضان (على الذكر والأنثى والحر والمملوك) قنا كان أو مدبرًا أو أم ولد أو معلق العتق

بصفة ولو آبقًا ومغصوبًا ومؤجرًا ومرهونًا يؤدّيها السيد عنه (صاعًا من تمر وصاعًا من شعير)، أما المكاتب فلا فطرة عليه لضعف ملكه ولا على سيده عنه لنزوله منه منزلة الأجنبي، وأما المبعض فقال الشافعي: يخرج هو من الصاع بقدر حريته وسيده بقدر رقه وهو إحدى الروايتين عن أحمد، والمشهور عند المالكية أن على المالك بقدر نصيبه ولا شيء على العبد، وقال أبو حنيفة: لا شيء فيه عليه ولا على السيد (فعدل الناس به) أي بصاع التمر أي جعلوا مثله (نصف صاع من برّ)، ولما كان الكلام متضمنًا ترك المعدول عنه أدخل الباء عليه لأنها تدخل على المتروك ففي الباء معنى البدلية، والمراد بالناس معاوية ومن معه كما مرّ لا جميع الناس حتى يكون إجماعًا كما نقل عن أبي حنيفة أنه استدلّ به وقد مر ما فيه، (فكان ابن عمر يعطي التمر) وفي رواية مالك في الموطأ عن نافع: كان ابن عمر لا يخرج إلا التمر في زكاة الفطر إلا مرة واحدة فإنه أخرج شعيرًا (فأعوز) بفتح الهمزة والواو بينهما عين مهملة ساكنة آخره زاي أي احتاج، ولأبي ذر: فأعوز بضم الهمزة وكسر الواو (أهل المدينة من التمر) فلم يجدوه (فأعطى شعيرًا) وهو يدل على أن التمر أفضل ما يخرج في صدقة الفطر، ومذهب الشافعية أن الواجب جنس القوت المعشر وكذا الأقط لحديث أبي سعيد السابق وفي معناه اللبن والجبن فيجزئ كل من الثلاثة لمن هو قوته ولا يجزئ المخيض والمصل والسمن والجبن المنزوع الزبد لانتفاء الاقتيات بها ولا المملح من الأقط الذي أفسد كثرة الملح جوهره، ويجب من غالب قوت بلده فأوفى قوله في الحديث صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير ليست للتخيير بل لبيان الأنواع التي يخرج منها وذكرًا لأنهما الغالب في قوت أهل المدينة، وجاءت أحاديث أخرى بأجناس أخرى فعند الحاكم: أو صاعًا من قمح، ولأبي داود والنسائي: أو سلت، وللمؤلّف وغيره كما سبق: أو زبيب أو أقط وكلها محمولة على أنها غالب أقوات المخاطبين بها ويجزئ الأعلى عن الأدنى ولا عكس، والاعتبار بزيادة الاقتيات في الأصح فالبرّ خير من التمر والأرز، والشعير خير من التمر لأنه أبلغ في الاقتيات، والتمر خير من الزبيب. وقال الحنفية: يتخير بين البرّ والدقيق والسويق والزبيب والتمر، والدقيق أولى من البرّ، والدراهم أولى من الدقيق فيما يروى عن أبي يوسف. وقال المالكية: من أغلب قوت المزكي أو قوت البلد الذي هو فيه من معشر وهو القمح والشعير والأرز والذرة والدخن والتمر والزبيب والأقط غير العلس إلا أن يقتات غير المعشر والأقط كالتين والقطاني والسويق واللحم واللبن فإنه يخرج منه على المشهور. قال نافع: (فكان ابن عمر) -رضي الله عنهما- (يعطي) زكاة الفطر (عن الصغير والكبير حتى إن كان يعطي) الفطرة (عن بني) بفتح الموحدة وكسر النون وتشديد التحتية أي الذين رزقهم وهو في الرق أو بعد أن أعتق على سبيل التبرع أو كان يرى وجوبها على جميع من يمونه ولو لم تكن نفقته واجبة عليه، وهمزة إن مكسورة ومفتوحة فقال الكرماني: شرط المكسورة اللام في الخبر أي نحو: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} [البقرة: 143] والمفتوحة قد ونحوه وأجاب بأنهما مقدّرتان أو تجعل أن مصدرية وكان زائدة اهـ. وتعقبه العينى فقال: هذا تعسف والأوجه أن يقال: إن أن مخففة من الثقيلة وأصله حتى أنه كان أي حتى أن ابن عمر كان يعطي. وأجاب في المصابيح عن اللام بأنه إذا دل على قصد الإثبات جاز تركها كقوله: إن كنت قاضي نحبي يوم بينكم ... لو لم تمنوا بوعد يوم توديع إذ المعنى فيه لا يستقيم إلا على إرادة الإثبات، والدليل في الحديث موجود لأنه قال: وكان ابن عمر يعطى عن الصغير والكبير وغياه بقوله: حتى إن كان يعطي عن بني ولا تأتي الغاية مع قصد النفي أصلاً انتهى. لكن ثبت في رواية أبي ذر كما في اليونينية: ليعطي باللام ولم يضبط الهمزة إلا بالكسر وصحح عليها. قال نافع: "وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يعطيها) أي زكاة الفطر (الذين يقبلونها) أي

78 - باب صدقة الفطر على الصغير والكبير

الذين تجتمع عندهم ويتولون تفرقتها صبيحة العيد لأنه السنة قاله ابن بطال أو الذين يدّعون الفقر من غير أن يتجسس، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يقبلون بإسقاط ضمير المفعول (وكانوا) أي الناس (يعطون) بضم أوّله وثالثه أي صدقة الفطر (قبل) يوم (الفطر بيوم أو يومين) فيه جواز تقديمها قبل يوم العيد فله تعجيلها من أوّل رمضان ليلاً والصحيح منعه قبل رمضان لأنه تقديم على السبب. 78 - باب صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ (باب) وجوب (صدقة الفطر على الصغير والكبير). 1512 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) القطان (عن عبيد الله) بن عمر العمري (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال): (فرض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صدقة الفطر صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر على) ولي (الصغير) الذي لم يحتلم إن كان له مال أو على من تلزمه نفقته، وبه قال الأئمة الأربعة والجمهور خلافًا لمحمد بن الحسن حيث قال: على الأب مطلقًا (والكبير والحر والمملوك). تنبيه لا فطرة على جنين خلافًا لابن حزم حيث قال بوجوبها مستدلاً بقوله: أو صاعًا من التمر على الصغير قال: لأن الجنين في بطن أمه يقع عليه اسم صغير فإذا أكمل مائة وعشرين يومًا في بطن أمه قبل انصداع الفجر من ليلة العيد وجب أن تؤدى عنه صدقة الفطر، واستدلّ بما رواه بكر بن عبد الله المزني وقتادة أن عثمان -رضي الله عنه- كان يعطي صدقة الفطر عن الصغير والكبير حتى عن الحمل في بطن أمه، وعورض بأن ما ذكر عن عثمان لا حجة فيه لأنه منقطع فإن بكرًا وقتادة روايتهما عن عثمان مرسلة. وأما قوله: على الصغير والكبير فلم يفهم عاقل منه إلا الموجودين في الدنيا وأما المعدوم فلا نعلم أحد أوجب عليه والله أعلم. وهذا آخر كتاب الزكاة والله أسأل بوجهه الكريم وبنبيه العظيم عليه أفضل الصلاة والتسليم أن يمن عليّ بإكماله وتحريره على ما يحبه تعالى ويرضاه وينفعني به والمسلمين في عافية بلا محنة. استودع الله تعالى ذلك فإنه لا تخيب ودائعه وكذا جميع مآربي، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليمًا كبيرًا. ولما فرغ المؤلّف من الزكاة عقبها بالحج لما بينهما من المناسبة لأن كلاًّ منهما عبادة مالية فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 25 - كتاب الحج (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). 1 - باب وُجُوبِ الْحَجِّ وَفَضْلِهِ. وقول الله [آل عمران: 97]: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (باب وجوب الحج وفضله). ولأبي ذر: تقديم البسملة على كتاب، وسقط لغيره البسملة وباب. نعم ثبت لفظ باب لابن عساكر في اليونينية، وفي نسخة تقديم البسملة، وللأصيلي فيما حكاه في فتح الباري كتاب المناسك. والحج: بفتح الحاء وكسرها وبهما قرئ بالفتح لغة أهل العالية والكسر لغة نجد، وفرق سيبويه بينهما فجعل المكسور مصدرًا واسمًا للفعل والمفتوح مصدرًا فقط. وقال ابن السكيت بالفتح القصد وبالكسر القوم الحجاج، وقال الجوهري: والحجة بالكسر المرة الواحدة وهو من الشواذ لأن القياس بالفتح وهو مبني على اختياره أنه بالفتح الاسم ومعنى الحج في اللغة القصد وفي الشرع عبادة يلزمها وقوف بعرفة ليلة عاشر ذي الحجة وطواف ذي طهر اختص بالبيت عن يساره سبعًا. والمناسك: جمع منسك بفتح السين وكسرها والنسك العبادة والناسك العابد واختص بأعمال الحج، والمناسك مواقف النسك وأعمالها والنسيكة مختصة بالذبيحة. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه، وسقط ذلك لغير أبي ذر: ({ولله}) فرض واجب ({على الناس حج البيت}) قصده للزيارة على الوجه المخصوص الآتي بيانه إن شاء الله تعالى ({من استطاع إليه سبيلاً}) [آل عمران: 97] بدل من الناس مخصص له، والضمير في إليه للبيت أو للحج وكل مأتي إلى الشيء فهو سبيله وحذف الرابط لفهمه أي من استطاع منهم كذا أعربه جمهور المعربين، لكن قال البدر الدماميني: يلزم عليه فصل البدل والمبدل منه بالمبتدأ وفيه نظر انتهى. وقال ابن هشام: زعم ابن

السيد أن فاعل بالمصدر، ويردّه أن المعنى حينئذ ولله على الناس أن يحج المستطيع فيلزم إثم جميع الناس إذا تخلف المستطيع، وتعقبه في المصابيح بأنه بناه على الألف واللام لاستغراق الجنس وهو ممنوع لجواز كونها للعهد الذكري، والمراد حينئذ بالناس من جرى ذكره وهم المستطيعون وذلك لأن حج البيت مبتدأ والخبر قوله: لله على الناس والمبتدأ مقدم على الخبر رتبة وإن تأخر لفظًا، فإذا قدّمت المبتدأ وما هو من متعلقاته كان التقدير يرجح البيت المستطيعون حق ثابت لله على الناس أي هؤلاء المذكورين، ويدل عليه أنك لو أتيت بالضمير سد مسد أل ومصحوبها وهو علامة الأداة التي للعهد الذكري بل جعلها كذلك مقدم على جعلها للعموم، فقد صرح كثيرون بأنه إذا احتمل كون أل للعهد وكونها لغيره كالجنس أو العموم فإنا نحملها على العهد للقرينة المرشدة إليه. ووجوب الحج معلوم من الدين بالضرورة ولهذه الآية وهو أحد أركان الإسلام الخمس ولا يتكرر وجوبه إلا لعارض نذر أو قضاء عارض. روى مسلم حديث أبي هريرة خطبنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا" فقال رجل: يا رسول الله أكل عام؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا. فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم) أي أتأمرنا أن نحج كل عام؟ وهذا يدل على أن مجرد الأمر لا يفيد التكرار ولا المرة وإلاّ لما صح الاستفهام، وإنما سكت -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى قالها ثلاثًا زجرًا له عن السؤال فإن التقدم بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منهي عنه لقوله تعالى: {لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} [الحجرات: 1] لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مبعوث لبيان الشرائع وتبليغ الأحكام، فلو وجب الحج كل سنة لبينه عليه الصلاة والسلام لهم لا محالة ولا يقتصر على الأمر مطلقًا سواء سئل عنه أو لم يسأل عنه فيكون استعجالاً ضائعًا، ثم لما رأى أنه لا يزجر به ولا يقنع إلا بالجواب الصريح أجاب عنه بقوله: لو قلت نعم لوجبت كل عام حجة فأفاد به أنه لا يجيب في كل عام لما في لو من الدلالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره وأنه لم يتكرر لما فيه من الحرج والكلف الشاقة قاله البيضاوي. وتعقبه الطيبي بأن الاستدلال بسؤال الرجل على أن الأمر لا يفيد التكرار ولا المرة ضعيف لأن الإنكار وارد على السؤال الذي لم يقع موقعه ولهذا زجره وقال: ذروني ما تركتكم يعم الخطاب يعني اقتصروا على ما أمرتكم به على قدر استطاعتكم، فقد علم أن الرجل لو لم يسأل لم يفد غير المرة وأن التكرار يفتقر إلى دليل خارجي انتهى. ثم إن الحج مطلقًا إما فرض عين أو فرض كفاية أو تطوع واستشكل تصويره. وأجيب: بأنه يتصور في العبيد والصبيان لأن الفرضين لا يتوجهان إليهما وبأن في حج من ليس عليه فرض عين جهتين جهة تطوع من حيث أنه ليس عليه فرض عين وجهة فرض كفاية من حيث إحياء الكعبة. قال الزركشي: وفيه التزام السؤال إذ لم يخلص لنا حج تطوع على حدته وفي الأول التزامه بالنسبة للمكلفين ثم إنه لا يبعد وقوعه من غيرهم فرضًا ويسقط به فرض الكفاية عن المكلفين كما في الجهاد وصلاة الجنازة انتهى. واختلف هل هو على الفور أو على التراخي؟ فعند الشافعية على التراخي لأن الحج فرض سنة خمس كما جزم به الرافعي في كتاب الحج أو سنة ست كما صححه في السير، وتبعه عليه في الروضة ونقله في شرح المهذّب عن الأصحاب وعليه الجمهور لأنه نزل فيها قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196] وهذا ينبني على أن المراد بالإتمام ابتداء الفرض، ويؤيده ما أخرجه الطبري بأسانيد صحيحة عن علقمة ومسروق وإبراهيم النخعي أنهم قرؤوا وأقيموا الحج، وقيل المراد بالإتمام الإكمال بعد الشروع وهو يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك وقد أخره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى سنة عشر من غير مانع فدلّ على التراخي، وإليه ذهب اللخمي وصاحب المقدمات والتلمساني من المالكية، وحكى ابن القصار عن مالك أنه على الفور، وتابعه العراقيون، وشهره صاحب الذخيرة وصاحب العدة وابن بزيزة، لكن القول بالتراخي مقيد بعدم

خوف الفوات. والاستطاعة الزاد والراحلة كما فسره، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يؤيد قول الشافعي: إنها بالمال ولذلك أوجب الاستنابة على الزمن إذا وجد أجرة من ينوب عنه. وقال مالك: بالبدن فيجب على من قدر على المشي والكسب في الطريق، وقال أبو حنيفة: بمجموع الأمرين ثم إن اليهود حين أمروا بالحج قالوا: ما وجب علينا؟ فنزل قوله تعالى: ({ومن كفر}) أي جحد فريضة الحج ({فإن الله غني عن العالمين}) [آل عمران: 97] فلا يضره كفرهم ولا ينفعه إيمانهم. قال البيضاوي: وضع كفر موضع من لم يحج تأكيد الوجوب به وتغليطًا على تاركه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: "من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديًا أو نصرانيّا" وقد أكد أمر الحج في هذه الآية من وجوه الدلالة على وجوبه بصيغة الخبر وإبرازه في الصورة الاسمية وإيراده على وجه يفيد أنه حق واجب لله في رقاب الناس وتعميم الحكم أولاً وتخصيصه ثانيًا فإنه كإيضاح بعد إبهام وتثنية وتكرير للمراد، وتسمية ترك الحج كفرًا من حيث أنه فعل الكفرة وذكر الاستغناء عنه بالبرهان والأشعار بعظم السخط لأنه تكليف شاق جامع بين كسر النفس وأتعاب البدن وصرف المال والتجرد عن الشهوات والإقبال على الله انتهى. وهذا أخذه من قول الزمخشري لكن عبارته: جعل ومن كفر عوضًا عن ومن لم يحج تغليطًا إلى آخر الحديث، واستشكله ابن المنير بأن تاركه لا يكفر بمجرد تركه فتعين حمله على تاركه جاحدًا لوجوبه فالكفر يرجع إلى الاعتقاد قال: والزمخشري سهل عليه ذلك لأنة يعتقد أن تارك الحج يخرج عن الإيمان ويخلد في النار، ويحتمل أن يكون قوله: ومن كفر استئناف وعيد للكافرين. 1513 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ". [الحديث 1513 - أطرافه في: 1854، 1855، 4399، 6228]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن سليمان بن يسار) ضد اليمين (عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، قال: كان الفضل) اختلف على الزهري في هذا الإسناد، فرواه ابن جريج كما في باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة عنه عن سليمان بن يسار عن ابن عباس عن الفضل بن عباس، وروى ابن ماجة من طريق محمد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس أخبرني حصين بن عوف عن الخثعمي قال: قلت: يا رسول الله إن أبي، وسأل الترمذي البخاري عنه فقال: أصح شيء فيه ما روى ابن عباس عن الفضل. قال فيحتمل أن يكون ابن عباس سمعه من الفضل ومن غيره ثم رواه بغير واسطة انتهى. قال في الفتح وإنما رجح البخاري الرواية عن الفضل لأنه كان ردف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذ، وكان ابن عباس قد تقدم من مزدلفة إلى منى مع الضعفة كما سيأتي إن شاء الله تعالى، والفضل هو شقيق عبد الله أمهما أم الفضل لبابة الكبرى (رديف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، راكبًا خلفه على الدابة "فجاءت امرأة من خثعم" بفتح الخاء المعجمة وسكون المثلثة وفتح العين المهملة غير منصرف. قال البرماي كالزركشي للعملية ووزن الفعل حي من بجيلة من قبائل اليمن، وتعقبه في المصابيح فقال: إن لم يحمل هذا على سبق قلم من المصنف أو الغلط من الناسخ فهو عجيب إذ ليس فيه وزن الفعل المعتبر عندهم، ولو قيل بأنه على وزن دحرج للزم منع صرف جعفر وهو باطل بالإجماع انتهى. (فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه) وفي رواية شعيب الآتية في الاستئذان إن شاء الله تعالى، وكان الفضل رجلاً وضيئًا أي جميلاً وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة وطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها (وجعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر) بكسر الشين وفتح الخاء (فقالت:) أي المرأة (يا رسول الله وإن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي) حال كونه (شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة) صفة لشيخًا أو حال متداخلة للتي قبلها أي وجب عليه الحج بأن أسلم وهو شيخ كبير أو حصل له المال في هذه الحالة والأول أوجه كما قاله الطيبي. واختلفت طرق الأحاديث في السائل عن ذلك هل هو امرأة أو رجل وفي المسؤول عنه أيضًا أن يحج عنه هل هو أب أو أم أو أخ؟ فأكثر طرق الأحاديث الصحيحة دالة على أن السائل امرأة سألت عن

2 - باب قول الله تعالى [الحج: 27]: {يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم}. فجاجا: الطرق الواسعة.

أبيها كما هو في أكثر طرق حديث الفضل وحديث عبد الله أخيه وحديث علي وفي النسائي من حديث الفضل أن السائل رجل سأل عن أمه، وفي صحيح ابن حبان من حديث ابن عباس أن السائل رجل يسأل عن أبيه، وعند النسائي أيضًا أن امرأة سألته عن أبيها، وفي حديث بريدة عند الترمذي في أن امرأة سألته عن أمها، وفي حديث حصين بن عوف عند ابن ماجة أن السائل رجل سأل عن أبيه، وفي حديث سنان بن عبد الله أن عمته قالت يا رسول الله توفيت أمي وهذا محمول على التعدد. (أفأحج عنه؟) أي أيجوز لي أن أنوب فأحج عنه فالفاء بعد همزة الاستفهام عاطفة على مقدر لأن الاستفهام له الصدر (قال:) عليه الصلاة والسلام: (نعم) حجي عنه (وذلك) أي ما ذكر وقع (في حجة الوداع) وفيه جواز الحج عن الغير، وتمسك الحنفية بعمومه على صحة حج من لم يحج نيابة عن غيره وخالف الجمهور فخصوه بمن حج عن نفسه لحديث السنن، وصحيح ابن خزيمة عن ابن عباس أنه رأى رجلاً يلبي عن شبرمة فقال: أفحججت عن نفسك؟ قال: لا. قال: هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة، ومنع مالك الحج عن المعضوب مع أنه راوي الحديث، وقال الشافعي: لا يستنيب الصحيح لا في فرض ولا نفل، وجوزه أبو حنيفة وأحمد في النفل. وأما المطابقة بين الحديث والترجمة فقالوا: تدرك بدقة النظر من دلالة الحديث على تأكيد الأوامر بالحج حتى أن المكلف لا يعذر بتركه عند عجزه عن المباشرة بنفسه بل يلزم أن يستنيب غيره، وهو يدل على أن في مباشرته فضلاً عظيمًا ويأتي إن شاء الله تعالى إفراد فضل الحج بباب. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والاستئذان، ومسلم في الحج، وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 2 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [الحج: 27]: {يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}. فِجَاجًا: الطُّرُقُ الْوَاسِعَةُ. (باب قول الله تعالى (يأتوك رجالاً) نصب على الحال من الضمير الذي في يأتوك وهو مجزوم جواب قوله وأذن أي يأتوك مشاة ({و}) ركبانًا ({على كل}) بعير ({ضامر}) مهزول أتعبه بعد السفر فهزله والضامر يستعمل بغيرها للمذكر والمؤنث ({يأتين}) صفة لكل ضامر لأنه في معنى الجمع ({من كل فج}) طريق ({عميق}) بعيد ({ليشهدوا}) ليحضروا ({منافع لهم}) [الحج: 27] دينية ودنيوية ونكرها لأن المراد بها نوع من المنافع مخصوصة بهذه العبادة، وسبب نزول هذه الآية كما ذكره الطبري عن طريق عمر بن ذر قال: قال مجاهد: كانوا لا يركبون فأنزل الله تعالى: ({يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر}) فأمرهم بالزاد ورخص لهم في الركوب والمتجر، ومن ثم ذكر المؤلّف هذه الآية هنا مترجمًا مع القدرة إلى الراحلة وعدم القدرة لأن الآية اشتملت على المشاة والركبان قال المؤلّف مفسرًا لقوله تعالى في سورة نوح ({فجاجًا}) [نوح: 20] جمع فج أي (الطرق الواسعة) وهو الموافق لقول الفراء وأبي عبيد والأزهري، وهو الذي ذكره البيضاوي وغيره من أئمة التفسير. وقال ثعلب: ما انخفض من الطرق. 1514 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْكَبُ رَاحِلَتَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ يُهِلُّ حَتَّى تَسْتَوِيَ بِهِ قَائِمَةً". وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن عيسى) التستري المصري الأصل قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (أن سالم بن عبد الله) ولأبي ذر زيادة: ابن عمر (أخبره أن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال): "رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يركب راحلته بذي الحليفة" بضم الحاء المهملة وفتح اللام وسكون التحتية وفتح الفاء آخره هاء وهي أبعد المواقيت من مكة "ثم يهل" بضم أوله وكسر ثانيه من الإهلال وهو رفع الصوت بالتلبية أي مع الإِحرام "حتى يستوي" أي الراحلة ولأبي ذر حين تستوي "به" حال كونها (قائمة) وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي. 1515 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ موسى أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ سَمِعَ عَطَاءً يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- "أَنَّ إِهْلاَلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ". رَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم) ولأبي ذر إبراهيم بن موسى التميمي الحافظ المعروف بالفراء الصغير قال: (أخبرنا الوليد) بن مسلم القرشي الأموي قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن أنه (سمع عطاء) هو ابن أبي رباح (يحدّث عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-). "أن إهلال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ذي الحليفة حين استوت به راحلته" قال ابن المنير أراد المؤلّف أن يرد على من زعم أن الحج ماشيًا أفضل لأن الله تعالى قدم الرجال على

3 - باب الحج على الرحل

الركبان فبين أنه لو كان أفضل لفعله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنما حج عليه الصلاة والسلام قاصدًا لذلك ولذا لم يحرم حتى استوت به راحلته. وفي هذا الحديث والتحديث والأخبار والسماع والعنعنة (رواه) أي إهلاله حين استوت به راحلته (أنس) فيما وصله في باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح (وابن عباس -رضي الله عنهم-) في باب ما يلبس المحرم من الثياب كما سيأتي إن شاء الله تعالى. 3 - باب الْحَجِّ عَلَى الرَّحْلِ (باب الحج على الرحل) للتواضع والرجل بفتح الراء وسكون الحاء المهملة وهو للبعير كالسرج للفرس. 1516 - وَقَالَ أَبَانُ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ مَعَهَا أَخَاهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ، وَحَمَلَهَا عَلَى قَتَبٍ". وَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه- شُدُّوا الرِّحَالَ فِي الْحَجِّ، فَإِنَّهُ أَحَدُ الْجِهَادَيْنِ. (وقال أبان) بن يزيد العطار البصري مما وصفه أبو نعيم في مستخرجه وأبان بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة آخره نون مصروف وغير مصروف وفي المصابيح قال القرافي: المحدثون والنحاة على عدم صرفه. قال: ونقله ابن يعيش في شرح المفضل عن الجمهور وقال: إن وزنه أفعل وأصله أبين صيغة مبالغة في البيان الذي هو الظهور فتقول هذا أبين من هذا أظهر منه وأوضح فلوحظ أصله مع العلمية التي فيه فلم يصرف هكذا في شرح انتهاج الأصلي للسبكي في فصل الخصوص. قال الدمياني: صرح ابن مالك في التوضيح بأنه منقول من أبان ماضي يبين ولو لم يكن منقولاً لوجب أن يقال فيه أبين بالتصحيح وهو كلام متجه يتقرر به الرد على ما نقله القرافي، وأقره عليه السبكي من كونه أفعل تفضيل فتأمله قال: (حدّثنا مالك بن دينار عن القاسم بن محمد) هو ابن أبي بكر الصديق (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث معها أخاها) شقيقها (عبد الرحمن فأعمرها) حملها على العمرة حتى اعتمرت (من التنعيم)، بفتح الفوقية وسكون النون وكسر العين المهملة موضع عند طرف حرم مكة من جهة المدينة على ثلاثة أميال من مكة (وحملها على) مؤخر (قتب) أي أردفها وكان هو على قتب لأنه قال في الرواية الموصولة آخر الباب: فأحقبها أي أردفها على الحقيبة وهي الزيادة التي تجعل في مؤخر القتب فإن القصة واحدة، والقتب: بفتح المثناة الفوقية آخره موحدة هو خشب الرحل، وقيل القتب للجمل بمنزلة الإكاف للحمار. (وقال عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-:) فيما وصله عبد الرزاق وسعيد بن منصور (شدّوا الرحال في الحج، فإنه أحد الجهادين) أما على جهة التغليب أو الحقيقة لأنه يجاهد نفسه بالصبر على مشقة السفر وترك الملاذ. 1517 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ "حَجَّ أَنَسٌ عَلَى رَحْلٍ، وَلَمْ يَكُنْ شَحِيحًا، وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَجَّ عَلَى رَحْلٍ وَكَانَتْ زَامِلَتَهُ". (وقال محمد بن أبي بكر المقدمي) بفتح الدال المهملة المشددة مما وصله الإسماعيلي، ولأبوي ذر والوقت: بدل قوله قال حدّثنا محمد بن أبي بكر قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بالتصغير ويزيد من الزيادة قال: (حدّثنا عزرة بن ثابت) بفتح العين والراء بينهما زاي معجمة ساكنة ابن ثابت بالمثلثة والموحدة (عن ثمامة بن عبد الله بن أنس) بضم المثلثة وتخفيف الميم ابن مالك الأنصاري البصري قاضيها (قال: حج أنس على رحل، ولم) ولابن عساكر: فلم (يكن شحيحًا) أي لم يؤثر الرحل على المحمل لبخل (و) إنما (حدث أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حج على رحل وكانت) أي الراحلة التي ركبها (زاملته) بالزاي أي حاملته وحاملة متاعه لأن الزاملة البعير الذي يستظهر به الرجل لحمل متاعه وطعامه فاقتدى به عليه الصلاة والسلام أنس، وقد روى حج الأبرار على الرحال وفيه ترك الترفه حيث جعل متاعه تحته وركب فوقه. وروى سعيد بن منصور من طريق هشام بن عروة قال: كان الناس يحجون وتحتهم أزودتهم، وكان أوّل من حج على رحل وليس تحته شيء عثمان بن عفان -رضي الله عنه-. 1518 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْتَمَرْتُمْ وَلَمْ أَعْتَمِرْ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، اذْهَبْ بِأُخْتِكَ فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ. فَأَحْقَبَهَا عَلَى نَاقَةٍ، فَاعْتَمَرَتْ". وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم الفلاس قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل شيخ المؤلّف روي عنه هنا بواسطة قال: (حدّثنا أيمن بن بابل) بنون وموحدة بينهما ألف آخره لام، وأيمن بفتح الهمزة وسكون التحتية وفتح الميم آخره نون غير منصرف قال: (حدّثنا القاسم بن محمد) هو ابن أبي بكر الصديق (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت يا رسول الله اعتمرتم ولم أعتمر، فقال:) عليه الصلاة والسلام. (يا عبد الرحمن، اذهب بأختك فأعمرها) بقطع الهمزة وكسر الميم أمر من الإعمار

4 - باب فضل الحج المبرور

(من التنعيم فأحقبها) عبد الرحمن بهمزة مفتوحة وسكون الحاء المهملة وفتح القاف والموحدة أي حملها على حقيبة الرحل وأردفها خلفه، ولغير أبي ذر عن الكشميهني: فأحقبها بكسر القاف وسكون الموحدة (على ناقة) ولأبي ذر عن الكشميهني: على ناقته (فاعتمرت). 4 - باب فَضْلِ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ (باب فضل الحج المبرور) اسم مفعول من بر المتعدي يقال بر الله حجك فهو متعد بنفسه ويبنى للمفعول فيقال بر حجك فهو مبرور. 1519 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ "سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى الأويسي المدني الأعرج قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب) بفتح الياء على المشهور وقيل بكسرها وكان يكره فتحها (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) السائل أبو ذر (أي الأعمال أفضل)؟ أي أكثر ثوابًا. وفي حديث ابن مسعود عند الشيخين: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة لوقتها". وفي حديث أبي سعيد سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي الناس أفضل؟ قال: "رجل يجاهد في سبيل الله" إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في هذا المعنى، واستشكلت للمعارضة الظاهرة. وأجيب: بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجاب كلاًّ بما يوافق غرضه وما يرغبه فيه أو على حسب ما عرف من حاله وبما يليق به وأصلح له توقيفًا له على ما خفي عليه، وقد يقول القائل: خير الأشياء كذا ولا يريد تفضيله في نفسه على جميع الأشياء، ولكن يريد أنه خيرها في حال دون حال ولواحد دون آخر. (قال:) عليه الصلاة والسلام أفضل الأعمال. (إيمان بالله ورسوله) نكر الإيمان ليشعر بالتعظيم والتفخيم أي التصديق المقارن بالإخلاص المستتبع للأعمال الصالحة (قيل: ثم ماذا؟) أي أي شيء أفضل بعده (قال:) (جهاد في سبيل الله) أي قتال الكفار لإعلاء كلمة الله. (قيل: ثم ماذا؟) أفضل (قال) (حج مبرور) مقبول أو لم يخالطه إثم أو لا رياء فيه أو لا تقع فيه معصية. وفي حديث جابر عند أحمد بإسناد فيه ضعف قالوا: يا رسول الله ما بر الحج؟ قال: "إطعام الطعام وإفشاء السلام" وقوله: إيمان بالله الخ. أخبار مبتدآت محذوفة لا مبتدآت محذوفة الأخبار، لأن المقدر في الكل أفضل الأعمال وهو أعرف من إيمان بالله ولاحقيه. وقوله: مبرور قال المازري: هو من البر. 1520 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ أَخْبَرَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ "عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ، أَفَلاَ نُجَاهِدُ؟ قَالَ: لاَ، لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ". [الحديث 1250 - أطرافه في: 1861، 2784، 2875، 2876]. وبه قال (حدّثنا عبد الرحمن بن المبارك) العيشي بفتح العين المهملة وكسر الشين المعجمة بينهما مثناة تحتية ساكنة وليس أخًا لعبد الله بن المبارك الفقيه المشهور قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان قال (أخبرنا حبيب بن أبي عمرة) بفتح العين وسكون الميم وفتح الراء آخره هاء تأنيث القصاب (عن عائشة بنت طلحة) التميمية القرشية أجل نساء قريش أصدقها مصعب بن الزبير ألف درهم (عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: يا رسول الله نرى) بفتح النون نعتقد (الجهاد أفضل العمل) لكثرة ما نسمع من فضائله في الكتاب والسنة، وعند النسائي من رواية جرير عن حبيب فإني لا أرى في القرآن أفضل من الجهاد (أفلا نجاهد؟ قال:). (لا) تجاهدون وسقط لفظ لا عند أبي ذر (لكن) بضم الكاف وتشديد النون واللام حرف جر دخل على جماعة المخاطبات خبر قوله (أفضل الجهاد) كذا لأبي ذر عن الكشميهني وللحموي كما في الفتح وغيره لكن بكسر الكاف وزيادة ألف بعد اللام مع تشديد النون بلفظ الاستدراك، وحينئذ فأفضل منصوب على أنه اسمها. وفي رواية لكن بسكون النون مخففة فأفضل مرفوع بالابتداء خبره (حج مبرور) وعلى هذين يكون الاستدراك مستفادًا من السياق أي ليس لكن الجهاد لكن أفضل منه في حقكن حج مبرور، وقول الزركشي: لكن بضم الكاف وتشديد النون والوجه حينئذ رفع أفضل على أنه مبتدأ خبره حج مبرور. تعقبه البدر الدماميني: بأنه ظن أن لكن ظرف لغو متعلق بأفضل أي أفضل الجهاد لكن حج مبرور، والمانع من ذلك قائم فالصواب أن الخبر قوله: لكن وأما حج مبرور فخبر لمبتدأ محذوف أي هو حج مبرور. ورواة هذا الحديث ما بين مروزي وبصري وواسطيّ وكوفي ومدني وفيه المرأة عن خالتها

5 - باب فرض مواقيت الحج والعمرة

فإن عائشة أم المؤمنين خالة عائشة بنت طلحة لأن أمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، وأخرجه أيضًا في الحج والجهاد، والنسائي في الحج وكذا ابن ماجة. 1521 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». [الحديث 1521 - طرفاه في: 1819، 1820]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي أياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا سيار) بفتح السين المهملة وتشديد المثناة التحتية (أبو الحكم) العنزي بنون وزاي وأبوه يكنى أبا سيار واسمه وردان (قال: سمعت أبا حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان بفتح السين وسكون اللام الأشجعي وليس هو أبا حازم سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد لأنه لم يسمع من أبي هريرة (قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- قال:) بلفظ الماضي كاللذين قبله (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من حج لله) وللمؤدف فيما يأتي من حج هذا البيت، ولمسلم: من أتى هذا البيت وهو يشمل الإتيان للحج والعمرة، وللدارقطني من طريق الأعمش عن أبي حازم بسند فيه ضعف إلى الأعمش من حج أو اعتمر (فلم يرفث) بتثليث الفاء في المضارع والماضي لكن الأفصح الضم في المضارع والفتح في الماضي أي الجماع أو الفحش في القول أو خطاب الرجل المرأة فيما يتعلق بالجماع. وقال الأزهري: كلمة جامعا لكل ما يريده الرجل من المرأة (ولم يفسق) لم يأت بسيئة ولا معصية. وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] الرفث: إتيان النساء والفسوق السباب والجدال المراء يعني مع الرفقاء والمكارين ولم يذكر في الحديث الجدال في الحج اعتمادًا على الآية ويحتمل أن يكون ترك الجدال قصدًا لأن وجوده لا يؤثر في ترك مغفرة ذنوب الحاج إذا كان المراد به المجادلة في أحكام الحج لما يظهر من الأدلة أو المجادلة بطريق التعميم لا تؤثر أيضًا، لأن الفاحش منها دخل في عموم الرفث، والحسن منها ظاهر في عدم التأثير والمستوي الطرفين لا يؤثر أيضًا قاله في فتح الباري، والفاء في قوله: فلم يرفث عطف على الشرط وجوابه (رجع) أي من ذنوبه (كيوم ولدته أمه) بجر يوم على الأعراب وبفتحه على البناء وهو المختار في مثله لأن صدر الجملة المضاف إليها مبني أي رجع مشابهًا لنفسه في أنه يخرج بلا ذنب كما خرج بالولادة وهو يشمل الصغائر والكبائر والتبعات. قال الحافظ ابن حجر: وهو من أقوى الشواهد لحديث العباس بن مرادس المصرح بذلك وله شاهد من حديث ابن عمر في تفسير الطبري انتهى. لكن قال الطبري أنه محمول بالنسبة إلى المظالم على من تاب وعجز عن وفائها. وقال الترمذي: هو مخصوص بالمعاصي المتعلقة بحقوق الله خاصة دون العباد ولا تسقط الحقوق أنفسها فمن كان عليه صلاة أو كفارة ونحوها من حقوق الله تعالى لا تسقط عنه لأنها حقوق لا ذنوب إنما الذنوب تأخيرها فنفس التأخير يسقط بالحج لا هي أنفسها فلو أخّرها بعده تجددًا ثم آخر فالحج المبرور يسقط إثم المخالفة لا الحقوق. 5 - باب فَرْضِ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (باب فرض مواقيت الحج والعمرة) المكانية جمع ميقات مفعال من الوقت الحدود واستعير هنا للمكان اتساعًا وقد لزم شرعًا تقديم الإحرام للآفاقي على وصوله إلى البيت تعظيمًا للبيت وإجلالاً كما تراه في الشاهد من ترجل الراكب القاصد إلى عظيم من الخلق إذا قرب من ساحته خضوعًا له، فلذا لزم القاصد إلى بيت الله تعالى أن يحرم قبل الحلول بحضرته إجلالاً فإن الإحرام تشبه بالأموات وفي ضمن جعل نفسه كالميت سلب اختياره. وإلقاء قياده متخليًا عن نفسه فارعًا عن اعتبارها شيئًا من الأشياء. 1522 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ "حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فِي مَنْزِلِهِ وَلَهُ فُسْطَاطٌ وَسُرَادِقٌ -فَسَأَلْتُهُ: مِنْ أَيْنَ يَجُوزُ أَنْ أَعْتَمِرَ؟ قَالَ فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا، وَلأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ". وبالسند قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم النهدي قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية الجعفي (قال: أخبرني) بالإفراد (زيد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة الجشمي (أنه أتى عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- في منزله -وله فسطاط) ببيت من شعر ونحوه (وسرادق) حول الفسطاط وهو بضم السين وكسر الدال كل ما أحاط بشيء، ومنه: {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29] أو هو الخيمة أو لا يقال لها ذلك إلا إذا كانت من قطن أو ما يغطى به صحن الدار من الشمس وغيرها. قال في عمدة القاري: والظاهر أن ابن عمر كان معه وأراد سترهم بذلك لا التفاخر. (فسألته) مقتضى السياق أن يقول فسأله لكنه وقع على سبيل الالتفات، وللإسماعيلي: فدخلت

6 - باب قول الله تعالى [البقرة: 197]: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}

عليه فسألته (من أين يجوز أن أعتمر: قال). (فرضها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي قدرها وبينها أو أوجبها والضمير المنصوب للمواقيت للقرينة الحالية "لأهل نجد" ساكنيها ومن سلك طريق سفرهم فمر على ميقاتهم، ونجد: بفتح النون وسكون الجيم آخره دال مهملة ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق قاله في الصحاح، وقال في المشارق: ما بين جرش إلى سواد الكوفة وحده مما يلي المغرب الحجاز وعن يسار الكعبة اليمن قال: ونجد كلها من عمل اليمامة. وقال في النهاية: ما ارتفع من الأرض وهو اسم خاص لما دون الحجاز مما يلي العراق. قال في القاموس: النجد ما أشرف من الأرض وما خالف الغور أي تهامة وتضم جيمه مذكر أعلاه تهامة واليمن وأسفله العراق والشام وأوله من جهة الحجاز ذات عرق (قرنًا)، قال النووي على نحو مرحلتين من مكة. قال: في القاموس: قرية عند الطائف أو اسم الوادي كله، وغلط الجوهري في تحريكه وفي نسبة أويس القرني إليه لأنه منسوب إلى قرر بن ردمان بن ناحية بن مراد أحد أجداده انتهى، وثبت في مسلم نحوه، لكن قال القابسي: من سكن أراد الجبل، ومن فتح أراد الطريق الذي يقرب منه. ولأبي ذر: من قرن. (ولأهل المدينة) يثرب سكانها ومن سلك طريقهم فمر على ميقاتهم "ذا الحليفة" بضم الحاء المهملة وفتح اللام مصغرًا موضع بعده من المدينة ميل كما عند الرافعي، لكن في البسيط: إنها على ستة أميال وصححه في المجموع وهو الذي قاله في القاموس. وقيل سبعة وفي المهمات الصواب المعروف بالمشاهدة أنها على ثلاثة أميال أو تزيد قليلاً. (ولأهل الشام) من العريش إلى بالس وقيل إلى الفرات قاله النووي ومن سلك طريقهم (الجحفة) بضم الجيم وإسكان الحاء المهملة وفتح الفاء قرية على ستة أميال من البحر وثمان مراحل من المدينة ومن مكة خمس مراحل أو ستة أو ثلاثة. قال ابن الكلبي: كان العماليق يسكنون يثرب فوقع بينهم وبين بني عبيل بفتح المهملة وكسر الموحدة وهم أخوة عاد حرب فأخرجوهم من يثرب فنزلوا مهيعة فجاء سيل فاجتحفهم أي استأصلهم فسميت الجحفة وهي الآن خربة لا يصل إليها أحد لوخمها، وإنما يحرم الناس الآن من رابغ لكونها محاذية لها. وفي حديث عائشة عند النسائي مرفوعًا: "ولأهل الشام ومصر الجحفة". قال الولي ابن العراقي: وهذه زيادة يجب الأخذ بها وعليها العمل وزاد نافع في الباب الآتي بعد بابين إن شاء الله تعالى. قال عبد الله: وبلغني أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ويهل أهل اليمن من يلملم" وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في محالها. 6 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [البقرة: 197]: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (باب قول الله تعالى: {وتزودوا}) أي ما يكف وجوهكم عن الناس ولما أمرهم بزاد الدنيا أرشدني إلى الآخرة فقال: ({فإن خير الزاد التقوى}) [البقرة: 197]. 1523 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلاَ يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلاً. وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بشر) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة. قال ابن خلفون: هو الحريري بفتح الحاء المهملة البلخي الزاهد روى عنه البخاري في: الحج وهجرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وروى عنه مسلم مات لخمس خلون من المحرم سنة اثنتين وثلاثين ومائتين. قال: وقد فرق بعض ْالناس بين يحيى بن بشر البلخي وبين يحيى بن بشر الحريري فجعلهما رجلين يروي البخاري عن البلخي ويروي مسلم عن الحريري انتهى. وكذا جعلهما ابن طاهر وأبو علي الجياني واحدًا والصواب التفرقة قال: (حدثنا شبابة) بفتح الشين المعجمة وتخفيف الموحدة الأولى ابن سوار (عن ورقاء) بفتح الواو وسكون الراء ممدودًا ابن عمرو بن كليب اليشكري (عن عمرو بن دينار) بفتح العين وسكون الميم (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال): (كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون) زاد ابن أبي حاتم عن ابن عباس من وجه آخر يقولون نحج بيت الله أفلا يطعمنا (ويقولون نحن المتوكلون) على الله تعالى (فإذا قدموا مكة) ولغير الكشميهني: المدينة والأول أصوب لكنه ضبب في اليونينية عليه (سألوا الناس) الزاد فأنزل الله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197] وليس فيه ذم التوكل لأن ما فعلوه تأكل لأن التوكل قطع النظر عن الأسباب مع تهيئتها لا ترك

7 - باب مهل أهل مكة للحج والعمرة

الأسباب بالكلية فدفع الضرر المتوقع أو الواقع لا ينافي التوكل بل هو واجب كالهرب من الجدار الهاوي وإساغة اللقمة بالماء والتداوي، وأما ما روي عن جماعة من الصحابة والتابعين من ترك التداوي فيحتمل أن يكون المريض قد كوشف بأنه لا يبرأ وعليه يحمل ترك الصديق التداوي أو يكون مشغولاً بخوف العاقبة، وعليه يحمل ما روي أن أبا الدرداء قيل له: ما تشتكي؟ فقال: ذنوبي. فقيل له: ألا ندعو لك طبيبَا؟ قال: الطبيب أمرضني، وقيل غير ذلك. وهذا الحديث أخرجه أبو داود في الحج والنسائي في التفسير. (رواه) في الحديث المذكور (ابن عيينة) سفيان (عن عمرو) يعني ابن دينار (عن عكرمة مرسلاً) لم يذكر فيه ابن عباس، وكذا رواه سعيد بن منصور عن ابن عيينة، وأخرجه الطبري عن عمرو بن علي وابن حاتم عن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري كلاهما عن ابن عيينة مرسلاً. قال ابن أبي حاتم: وهو أصح من رواية ورقاء. قال الحافظ ابن حجر: قد اختلف فيه على ابن عيينة فأخرجه النسائي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه موصولاً بذكر ابن عباس فيه، لكن حكى الإسماعيلي عن ابن صاعد أن سعيدًا حدثهم به في كتاب المناسك موصولاً. قال: وحدّثنا به في ْحديث عمرو بن دينار فلم يجاوز به عكرمة انتهى. والمحفوظ عن ابن عيينة ليس فيه ابن عباس لكن لم ينفرد شبابة بوصله، فقد أخرجه الحاكم في تاريخه من طريق الفرات بن خالد عن سفيان الثوري عن ورقاء موصولاً، وأخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس كما سبق. 7 - باب مُهَلِّ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (باب مهل أهل مكة للحج والعمرة) بضم الميم وفتح الحاء وتشديد اللام أي موضع إهلالهم وهو في الأصل رفع الصوت بالتلبية ثم أطلق على نفس الإحرام اتساعًا. قال أبو البقاء: وهو مصدر بمعنى الإهلال كالمدخل والمخرج بمعنى الإدخال والإخراج. قال البدر الدماميني: جعله هنا مصدرًا يحتاج إلى حذف أو تأويل ولا داعي إليه. 1524 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ "إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ". [الحديث 1524 - أطرافه في: 1526، 1529، 1530، 1845]. وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي البصري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الحاء ابن خالد قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله اليماني (عن أبيه) طاوس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (قال:) (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقت) أي حدد المواضع الآتية للإحرام وجعلها ميقاتًا وإن كان مأخوذًا من الوقت إلا أن العرف يستعمله في مطلق التحديد اتساعًا، ويحتمل أن يريد به تعليق الإحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بالشرط المعتبر وقد يكون بمعنى أوجب كقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] ويؤيده الرواية الماضية بلفظ: فرضها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لأهل المدينة) النبوية ومن سلك طريق سفرهم ومرّ على ميقاتهم (ذا الحليفة) مفعول وقت، والحليفة بضم الحاء المهملة تصغير حلفة بنت معروف وهي قرية خربة، وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب، وبئر يقال لها بئر علي. وقال في القاموس: هو ماء لبني جشم على ستة أميال وهو الذي صحه النووي كما مرّ، وقول من قال كابن الصباغ في الشامل والروياني في البحر أنه على ميل من المدينة وهم يردّه الحس ولهم موضع آخر بين حاذة وذات عرق وحاذة بالحاء المهملة والذال المعجمة المخففة وهو المراد في حديث رافع بن خديج: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذي الحليفة من تهامة فأصبنا نهب إبل (ولأهل الشام) زاد النسائي في حديث عائشة ومصر وزاد الشافعي في روايته والغرب (الجحفة؟)، وقول النووي في شرح المهذّب أن بعدها عن مكة ثلاث مراحل فيه نظر كما قاله الحافظ ابن حجر (ولأهل نجد) أي نجد الحجاز أو اليمن ومن سلك طريقهم في السفر (قرن المنازل) ويسمى قرن الثعالب وسمي بذلك لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب. وحكى الروياني عن بعض قدماء الشافعية أنهما موضعان. أحدهما في هبوط وهو الذي يقاد له قرن المنازل، والآخر في صعود وهو الذي يقال له قرن الثعالب والمعروف الأول، لكن في أخبار مكة للفاكهي أن قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى

8 - باب ميقات أهل المدينة، ولا يهلوا قبل ذي الحليفة

بينه وبين مِنى ألف وخمسمائة ذراع، فظهر أن قرن الثعالب ليس من المواقيت، (ولأهل اليمن) إذا مرّوا بطريق تهامة ومن سلك طريق سفرهم ومرّ على ميقاتهم (يلملم) فتح الياء واللامين وسكون الميم الأولى بينهما غير منصرف جبل من جبال تهامة. ويقال فيه ألملم بهمزة بدل الياء على مرحلتين من مكة فإن مر أهل اليمن من طريق الجبال فميقاتهم نجد (هن) أي المواقيت المذكورة (لهن) بضمير المؤنثات. وكان مقتضى الظاهر أن يكون لهم بضمير المذكرين. فأجاب ابن مالك بأنه عدل إلى ضمير المؤنثات لقصد التشاكل وكأنه يقول ناب ضمير عن ضمير بالقرينة لطلب التشاكل. وأجاب غيره بأنه على حذف مضاف أي هن لأهلهن أي هذه المواقيت لأهل هذه البلدان بدليل قوله في حديث آخر: هنّ لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، فصرح بالأهل ثانيًا. ولأبي ذر: هن لهم بضمير المذكرين وهو واضح (ولمن أتى) مرّ (عليهن) أي المواقيت (من غيرهن) أي من غير أهل البلاد المذكورة، فلو مرّ الشامي على ذي الحليفة كما يفعل الآن لزمه الإحرام منها وليس له مجاوزتها إلى الجحفة التي هي ميقاته فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور، وأطلق النووي الاتفاق ونفي الخلاف في شرحيه لمسلم المهذّب في هذه المسألة، فإن أراد نفي الخلاف في مذهب الشافعي فمسلم وإن أراد نفي الخلاف مطلقًا فلا لأن مذهب مالك أن له مجاوزة ذي الحليفة إلى الجحفة إن كان من أهل الشام أو مصر وإن كان الأفضل خلافه، وبه قال الحنفية، وابن المنذر من الشافعية. وأما استشكال ابن دقيق العيد قوله: ولأهل الشام الجحفة فإنه شامل من مرّ من أهل الشام بذي الحليفة ومن لم يمر، وقوله: ولمن أتى عليهن من غير أهلهن فإنه شامل للشامي إذا مرّ بذي الحليفة وغيره فهما عمومان قد تعارضا، فأجاب عنه الولي ابن العراقي بأن المراد بأهل المدينة من سلك طريق سفرهم ومن مرّ على ميقاتهم وحينئذ فلا إشكال ولا تعارض. (ممن أراد الحج والعمرة) معًا بأن يقرن بينهما أو الواو بمعنى أو وفيه دلالة على جواز دخول مكة بغير إحرام (ومن كان دون ذلك) أي بين الميقات ومكة (فمن) أي فميقاته من (حيث أنشأ) الإحرام أو السفر من مكانه إلى مكة (حتى أهل مكة) وغيرهم ممن هو بها يهلون (من مكة) كالأفاقي الذي بين مكة والميقات فإنه يحرم من مكانه ولا يحتاج إلى الرجوع إلى الميقات وهذا خاص بالحج. أما العمرة، فمن أدنى الحل. وقوله: حتى أهل مكة من مكة عام للحج والعمرة، ولذا قال المؤلّف باب: مهل أهل مكة للحج والعمرة لكن قصة عمرة عائشة حين أرسلها عليه الصلاة والسلام مع أخيها عبد الرحمن إلى التنعيم لتحرم منه بالعمرة تخصص عموم هذا الحديث، لكن البخاري نظر إلى عموم اللفظ، نعم القارن حكمه حكم الحاج في الإهلال من مكة تغليبًا للجج لاندراج العمرة تحته فلا يحتاج إلى الإحرام بها من الحل مع أنه يجمع بين الحل والحرم بوقوفه بعرفة، وحتى هذه ابتدائية وأهل مكة مبتدأ والخبر محذوف والجملة لا محل لها من الإعراب. وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في الحج. 8 - باب مِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلاَ يُهِلُّوا قَبْلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ (باب ميقات أهل المدينة، ولا يهلون قبل ذي الحليفة) لأنه لم ينقل عنه أحد ممن حج مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه أحرم قبلها، والظاهر أن المصنف كان يرى المنع من الإحرام قبل الميقات. 1525 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّأْمِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ "وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:) (يهل أهل المدينة) ومن سلك طريقهم في سفره (من ذي الحليفة وأهل الشام) ولأبي ذر: ويهل أهل الشأم أي ومن اجتاز في سفره بميقاتهم (من الجحفة، و) يهل (أهل نجد) ومن مرّ في سفره بميقاتهم (من قرن) (قال عبد الله) هو ابن عمر: (وبلغني أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:) وفي رواية سالم عنه زعموا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ولم أسمعه (ويهل أهل اليمن) تهامته دون نجده ومن مر بطريقهم (من يلملم) قال ابن عبد البر: اتفقوا على أن ابن عمر لم يسمع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قوله: ويهل أهل اليمن

9 - باب مهل أهل الشأم

من يلملم ولا خلاف بين العلماء أن مرسل الصحابي صحيح حجة. نعم، خالف في ذلك الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني فذهب إلى أنه ليس بحجة، وقد ورد ميقات اليمن مرفوعًا من غير إرسال من حديث ابن عباس في الصحيحين وغيرهما ومن حديث جابر في مسلم إلا أنه قال أحسبه رفعه، ومن حديث عائشة عند النسائي، وممن حديث الحرث بن عمرو عند أبي داود والنسائي. 9 - باب مُهَلِّ أَهْلِ الشَّأْمِ (باب مهل أهل الشام). 1526 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (قال): (وقت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأهل المدينة) ساكنيها ومن مر في سفره بميقاتهما (ذا الحليفة، ولأهل الشام) ولأهل مصر والمغرب سكانها ومن مر في طريقهم بميقاتهم (الجحفة، ولأهل نجد) نجد والحجاز أو اليمن ومن مر بميقاتهم (قرن المنازل ولأهل اليمن) تهامة ومن مر بميقاتهم (يلملم) بفتح الأوّل والثاني والرابع وسكون الثالث (فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) الضمائر كلها إلا الثاني للمواقيت، وأما الثاني وهو المجرور باللام وهو قوله لهنّ فلأهل البلد أو غير ذلك كما مرّ ولأبي ذر: لهم بضمير المذكرين وهو الأصل (لمن كان يريد الحج والعمرة) وفي الرواية السابقة ممن يريد بالميم بدل اللام وإسقاط كان (فمن كان دونهن) أي أقرب إلى مكة (فمهله) بضم الميم وفتح الهاء أي مكان إحرامه (من) دويرة (أهله وكذاك) بإسقاط اللام، وزاد أبو ذر وكذاك فتصير مرتين أي وكذا من كان أقرب من هذا الأقرب (حتى أهل مكة) وغيرهم ممن هو بها (يهلون منها) برفع أهل على أن حتى ابتدائية، وذكر الكرماني أنه روي فيها الجرّ أيضًا. 10 - باب مُهَلِّ أَهْلِ نَجْدٍ (باب مهل أهل نجد). 1527 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ "وَقَّتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبالنسد قال: (حدّثنا عليّ) هو ابن المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حفظناه من الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه قال: (وقت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال المصنف (ح). 1528 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ذُو الْحُلَيْفَةِ، وَمُهَلُّ أَهْلِ الشَّأْمِ مَهْيَعَةُ وَهِيَ الْجُحْفَةُ، وَأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنٌ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "زَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ -وَلَمْ أَسْمَعْهُ-: وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ". (حدّثنا أحمد) ولأبي ذر: أحمد بن عيسى أي الهمداني المصري قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله قال: (أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (عن أبيه -رضي الله عنه-) أنه قال: (سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (مهل) بضم الميم وفتح الهاء إهلال (أهل المدينة ذو الحليفة ومهل الشام) ومصر والمغرب (مهيعة) بفتح الميم وسكون الهاء وفتح التحتية والعين المهملة وقيدها بعضهم بفتح الميم وكسر الهاء وسكون الياء فعيلة كجميلة وفسرها بقوله: (وهي الجحفة و) مهل (أهل نجد قرن) (قال ابن عمر): عبد الله (رضي الله عنهما زعموا) أي قالوا لأن الزعم يستعمل بمعنى القول المحقق (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ولم أسمعه) جملة معترضة بين قوله قال ومقوله وهو (ومهل أهل اليمن يلملم) بالرفع خبر المبتدأ. 11 - باب مُهَلِّ مَنْ كَانَ دُونَ الْمَوَاقِيتِ (باب مهل من كان دون المواقيت) أي دونها إلى مكة. 1529 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا، فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلِهِ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا". وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن عمرو) هو ابن دينار (عن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما-): (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل نجد قرنًا فهنّ لهن) ولأبي ذر: لهم (ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة فمن كان دونهن) أي بين مكة والميقات (فمن) فإحرامه من دويرة (أهله حتى أن أهل مكة يهلون منها) بالحج وأما العمرة فمن أدنى الحل ولو كان الآفاقي أمامه ميقات فهو ميقاته كساكن الصفراء أو بدر فإنه بين ذي الحليفة والجحفة فميقاته الجحفة لا مسكنه لأنه ليس دون المواقيت. 12 - باب مُهَلِّ أَهْلِ الْيَمَنِ (باب مهل أهل اليمن). 1530 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ. وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لأَهْلِهِنَّ وَلِكُلِّ آتٍ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ". وبالسند قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمي أبو الهيثم أخو بهز بن أسد البصري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد (عن عبد الله بن طاوس عن أبيه) طاوس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-): (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقَّت لأهل المدينة

13 - باب ذات عرق لأهل العراق

ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم) ويقال ألملم بالهمزة وهو الأصل والياء بدل منها. وهذا الحديث وإن أطلق فيه أن ميقات أهل اليمن يلملم لكن المراد أنه ميقات تهامة خاصة فإن نجد اليمن ميقات أهلها ميقات نجد الحجاز بدليل أن ميقات أهل نجد قرن فأطلق اليمن وأريد بعضه وهو تهامة منه خاصة (هن) أي المواقيت (لأهلهن) أي أهل البلاد المذكورة (ولكل آت أتى عليهن) أي المواقيت (من غيرهم) بضمير جماعة المذكرين ولأبي ذر من غيرهن جماعة المؤنثات (ممن أراد الحج والعمرة فمن كان دون ذلك) أي دون ما ذكر وإلا فحق الإِشارة هنا أن تكون جمعًا التطابق المشار إليه (فمن حيث أنشأ)، النسك أو نحوه (حتى أهل مكة) ينشؤون النسك (من مكة) برفع أهل على أن حتى ابتدائية وبجرّه على أنها جارة. 13 - باب ذَاتُ عِرْقٍ لأَهْلِ الْعِرَاقِ هذا (باب) بالتنوين (ذات عرق) بكسر العين وسكون الراء آخره قاف ميقات (لأهل العراق). 1531 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ "لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَّ لأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنَّا إِنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا. قَالَ: فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ. فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ". وبالسند قال (حدثني) بالإفراد (علي بن مسلم) بضم وسكون السين المهملة ابن سعيد الطوسي سكن بغداد (قال: حدّثنا عبد الله بن نمير) بضم النون وفتح الميم مصغرًا قال: (حدّثنا عبيد الله) بتصغير عبد بن عمر حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- قال): (لما فتح هذان المصران) بضم فاء فتح مبنيًّا للمفعول وهذان نائب عن الفاعل والمصران البصرة والكوفة صفة له، ولأبي ذر عن الكشميهني: فتح هذين المصرين بفتح الفاء مبنيًّا للفاعل وهذين المصرين بالنصب على حذف الفاعل أي لا فتح الله، وكذا ثبت في رواية أبي نعيم في مستخرجه وجزم به عياض (أتوا عمر) -رضي الله عنه- (فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول إلله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حدّ لأهل نجد قرنًا وهو جورٌ) بفتح الجيم وسكون الواو ثم راء أي مائل (عن طريقنا، وإنا إن أردنا شق علينا) (قال) عمر: (فانظروا حذوها) بفتح الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة وفتح الواو أو ما يحاذيها (من طريقكم)، التي تسلكونها إلى مكة من غير ميل فاجعلوه ميقاتًا (فحدّ لهم) عمر -رضي الله عنه- (ذات عرق) وهو الجبل الصغير، وقيل العرق من الأرض السبخة تنبت الطرفاء، وبينها وبين مكة اثنان وأربعون ميلاً باجتهاده. ويؤيده رواية الشافعي من طريق أبي الشعثاء قال: لم يوقت رسول الله لأهل المشرق شيئًا فاتخذ بحيال قرن ذات عرق انتهى. نعم روى مسلم في صحيحه عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن المهل فقال: سمعت أحسبه رفع الحديث إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر الحديث، وفيه: ومهل أهل العراق ذات عرق، لكن قال النووي في شرح مسلم إنه غير ثابت لعدم جزمه برفعه. وأجيب: بأن قوله أحسبه معناه أظنه والظن في باب الرواية يتنزل منزلة اليقين وليس ذلك قادحًا في رفعه، وأيضًا فلو لم يصرّح برفعه لا يقينًا ولا ظنًّا فهو منزل منزلة المرفوع لأن هذا لا يقال من قبل الرأي وإنما يؤخذ توقيفًا من الشارع، لا سيما وقد ضمه جابر إلى المواقيت المنصوص عليها يقينًا باتفاق، وقد أخرجه أحمد من رواية ابن لهيعة وابن ماجة من رواية إبراهيم بن يزيد كلاهما عن أبي الزبير ولم يشكا في رفعه، ووقع في حديث عائشة عند أبي داود والنسائي بإسناد صحيح كما قاله النووي أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقت لأهل العراق ذات عرق لكن الإمام أحمد كان ينكر على أفلح بن حميد هذا الحديث، نعم قال ابن عدي قد حدّث عنه ثقات الناس وهو عندي صالح وأحاديثه مستقيمة كلها وصححه الذهبي وقال العراقي إن إسناده جيد. وروى أحمد والدارقطني من حديث الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال: وقت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر الحديث وفيه وقال: لأهل العراق وذات عرق. فهذه الأحاديث وإن كان في كل منها ضعف فمجموعها لا يقصر عن درجة الاحتجاج به. وأما ما أخرجه أبو داود والترمذي عن ابن عباس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقت لأهل المشرق العقيق، فقد تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف باتفاق المحدثين وإن كان

14 - باب

حفظه فقد يجمع بينه وبين بقية الأحاديث في التوقيت من ذات عرق بأن ذات عرق ميقات الإيجاب والعقيق ميقات الاستحباب فالإحرام منه أفضل وأحوط لأنه أبعد من ذات عرق، فإن جاوزه وأحرم من ذات عرق جاز وبأن ذات عرق ميقات لبعض أهل العراق والعقيق ميقات لبعضهم. ويؤيده حديث الطبراني في الكبير عن أنس أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقت لأهل المدائن العقيق، ولأهل البصرة ذات عرق الحديث، وفيه أبو ظلال هلال بن يزيد وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور. والعقيق: واد فوق ذات عرق بينه وبين مكة مرحلتان. 14 - باب هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة فهو بمنزلة الفصل من سابقه، ووجه المناسبة بينهما دلالة الحديث الآتي إن شاء الله تعالى على استحباب صلاة ركعتين عند إرادة الإحرام من الميقات، ولأبي الوقت، كما رأيته في بعض الأصول المعتمدة باب: الصلاة بذي الحليفة. 1532 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَصَلَّى بِهَا، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَفْعَلُ ذَلِكَ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-). (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أناخ) بخاء معجمة أي أبرك راحلته (بالبطحاء بذي الحليفة) ونزل عنها (فصلّى بها) في ذهابه ركعتي الإحرام أو العصر ركعتين أو في الرجوع لحديث ابن عمر الذي بعد: وإذا رجع صلّى بذي الحليفة ولا مانع من أنه كان يفعل ذلك ذهابًا وإيابًا (وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يفعل ذلك) المذكور من الصلاة. 15 - باب خُرُوجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى طَرِيقِ الشَّجَرَةِ (باب خروج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على طريق الشجرة). 1533 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ وَيَدْخُلُ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَرَّسِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الشَّجَرَةِ، وَإِذَا رَجَعَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الْوَادِي وَبَاتَ حَتَّى يُصْبِحَ". وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) القرشي الحزامي المدني قال: (حدّثنا أنس بن عياض) المدني (عن عبيد الله) بتصغير عبد بن عمر العمري (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-): (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يخرج) من المدينة (من طريق الشجرة) التي عند مسجد ذي الحليفة (ويدخل) إلى المدينة (من طريق المعرس) بالهملات والراء مشدّدة مفتوحة موضع نزول المسافر آخر الليل أو مطلقًا وهو أسفل من مسجد ذي الحليفة فهو أقرب إلى المدينة منها (وأن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا خرج إلى مكة يصلّي) بلفظ المضارع، ولأبي ذر: صلّى (في مسجد الشجرة، وإذا رجع) من مكة (صلّى بذي الحليفة ببطن الوادي وبات) بذي الحليفة (حتى يصبح) ثم يتوجه إلى المدينة لئلا يفجأ الناس أهاليهم ليلاً. 16 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الْعَقِيقُ وَادٍ مُبَارَكٌ) (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العقيق وادٍ مبارك) برفع مبارك صفة لواد وهو العقيق. 1534 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ وَبِشْرُ بْنُ بَكْرٍ التِّنِّيسِيُّ قَالاَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ إِنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ -رضي الله عنه- يَقُولُ "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ: أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ: عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ". [الحديث 1534 - طرفاه في: 2337، 7343]. وبالسند قال: (حدّثنا الحميدي) بضم الحاء المهملة وفتح الميم أبو بكر بن عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا الوليد) بن مسلم (وبشر بن بكر) بكسر الموحدة وسكون الشين وبكر بفتح الموحدة وسكون الكاف (التنيسي) بكسر المثناة الفوقية والنون المشددة وكسر المهملة نسبة إلى تنيس بلدة معروفة ببحيرة تنيس شرقي مصر (قالا: حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (قال: حدثني) بالإفراد (يحيى) بن أبي كثير (قال: حدثني) بالإفراد أيضًا (عكرمة) مولى ابن عباس (أنه سمع ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول أنه سمع عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (بوادي العقيق) أي فيه وهو بقرب البقيع بينه وبين المدينة أربعة أميال (يقول): (أتاني الليلة آت من ربي) هو جبريل (فقال: صل في هذا الوادي المبارك) أي وادي العقيق، لكن ليس هذا من قوله عليه الصلاة والسلام حتى يطابق الترجمة، بل حكاه عن قول الآتي الذي أتاه، وقد روى ابن عدي من طريق يعقوب بن إبراهيم الزهري عن هشام وعروة عن أبيه عن عائشة مرفوعًا: تخيموا بالعقيق فإنه مبارك فكأن المؤلّف أشار إلى هذا. وقوله: تخيموا بالخاء المعجمة والمثناة التحتية أمر بالتخييم أي النزول هناك، لكن حكى ابن الجوزي في الموضوعات أنه تصحيف وأن الصواب بالمثناة الفوقية من الخاتم، وقد وقع في حديث

17 - باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب

عمر: تخيموا بالعقيق فإن جبريل أتاني به من الجنة الحديث وهو ضعيف قاله الحافظ ابن حجر: (وقل عمرة في حجة) بنصب عمرة لأبي ذر على حكاية اللفظ أي: قل جعلتها عمرة قاله في اللامع كالتنقيح، وتعقبه في المصابيح قال: إذا كان هذا هو التقدير فعمرة منصوب بجعل والكلام بأسره محكي بالقول لا شيء من أجزائه من حيث هو جزء، ولعله يشير إلى أن فعل القول قد يعمل في المفرد الذي يراد به مجرد اللفظ نحو: قلت زيدًا وهي مسألة خلاف لكن فرض المسألة حيث لا يراد مدلول اللفظ وإنما يراد به مجرد اللفظ، وهاهنا ليس المراد هذا وإنما المراد جعلها عمرة كما اعترف به فالحكاية متسلطة على مجموع الجملة كما قررناه انتهى. ولغير أبي ذر: عمرة بالرفع مبتدأ محذوف أي قل هذه عمرة في حجة وهو يفيد أنه عليه الصلاة والسلام كان قارنًا أو يكون المر بأن يقول ذلك لأصحابه ليعلمهم مشروعية القرآن. وهذا الحديث أخرجه أيضًا المؤلّف في المزارعة والاعتصام، وأبو داود في الحج وكذا ابن ماجة. 1535 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- "عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ رُئِيَ وَهُوَ فِي مُعَرَّسٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الْوَادِي قِيلَ لَهُ: إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ، وَقَدْ أَنَاخَ بِنَا سَالِمٌ يَتَوَخَّى بِالْمُنَاخِ الَّذِي كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُنِيخُ يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهُوَ أَسْفَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي، بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن أبي بكر) المقدمي قال: (حدّثنا فضيل بن سليمان) بضم الفاء والسين فيهما النمري قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) الأسدي (قال: حدثني) بالإفراد (سالم بن عبد الله) بن الخطاب (عن أبيه -رضي الله عنه-، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (أنه رئي) بتقديم الراء المضمومة على الهمزة المكسورة أي رآه غيره لكن في نسختين من فروع اليونينية رئي بتشديد الهمزة المكسورة بل رأيته كذلك فيها ولأبي ذر: أري بتأخير الراء مكسورة وضم الهمزة أي في المنام "وهو معرس" بكسر الراء على لفظ اسم الفاعل من التعريس، والجملة حالية كذا للحموي والمستملي، وفي رواية الكشميهني: وهو في معرس بزيادة "في" وفتح الراء لأنه اسم مكان "بذي الحليفة ببطن الوادي" أي وادي العقيق كما دل عليه حديث ابن عمر السابق (قيل له): عليه الصلاة والسلام (إنك ببطحاء مباركة). قال موسى بن عقبة: (وقد أناخ بنا سالم يتوخى بالمناخ) بضم الميم وبالخاء فيهما أي يقصد المبرك (الذي كان عبد الله) بن عمر (ينيخ) فيه راحلته حال كونه (يتحرى) بالحاء المهملة وتشديد الراء يقصد (معرس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، بفتح راء معرس لأنه اسم مكان (وهو أسفل) بالرفع خبر وهو كذا في فرعين لليونينية كهي، لكن قال في اللامع كالكواكب الرواية بالنصب، وكذا رأيته في بعض الأصول المعتمدة وهو ظاهر كلام فتح الباري (من المسجد الذي) كان هناك في ذلك الزمان (ببطن الوادي بينهم) أي بين المعرسين بكسر الراء كذا للحموي والكشميهني، وللمستملي والكشميهني أيضًا: بينه أي بين العرس (وبين الطريق) خبر ثان (وسط) بفتح السين أي متوسط بين بطن الوادي وبين الطريق خبر ثالث أو بدل، ولأبي ذر؛ وسطًا بالنصب أي حال كونه متوسطًا (من ذلك) وأتى بقوله "وسطًا" بعد قوله "بين" وإن كان معلومًا منه ليبين أنه في حاق الوسط من قرب لأحد الجانبين. 17 - باب غَسْلِ الْخَلُوقِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنَ الثِّيَابِ (باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب) بفتح الخاء وضم اللام مخففة وآخره قاف ضرب من الطيب يعمل فيه زعفران. 1536 - قَالَ أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى أَخْبَرَهُ "أَنَّ يَعْلَى قَالَ لِعُمَرَ -رضي الله عنه-: أَرِنِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ يُوحَى إِلَيْهِ. قَالَ: فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْجِعْرَانَةِ -وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ -جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَهْوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَاعَةً، فَجَاءَهُ الْوَحْيُ، فَأَشَارَ عُمَرُ -رضي الله عنه- إِلَى يَعْلَى، فَجَاءَ يَعْلَى -وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ- فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحْمَرُّ الْوَجْهِ وَهُوَ يَغِطُّ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: أَيْنَ الَّذِي سَأَلَ عَنِ الْعُمْرَةِ؟ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ فَقَالَ: اغْسِلِ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَانْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجَّتِكَ". قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَرَادَ الإِنْقَاءَ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ". [الحديث 1536 - أطرافه في: 1789، 1847، 4329، 4985]. وبالسند قال: (قال أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل كذا أورده بصيغة التعليق، وبه جزم الإسماعيلي وأبو نعيم، وقيل: إنه وقع في نسخة أو رواية حدّثنا أبو عاصم قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك قال: (أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (أن صفوان بن يعلى أخبره أن) أباه (يعلى) بن أمية التميمي المعروف بابن منية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية وهي أمه وقيل جدته (قال لعمر:) بن الخطاب (-رضي الله عنه- أرني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين يوحى إليه. قال: فبينما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجعرانة) بكسر الجيم وإسكان العين وتخفيف الراء كما ضبطه جماعة من اللغويين ومحققي المحدّثين، ومنهم من ضبطه بكسر العين وتشديد الراء وعليه أكثر المحدّثين. قال صاحب المطالع: أكثر المحدّثين يشددونها وأهل الأدب يخطئونهم ويخففونها وكلاهما صواب (ومعه)

عليه الصلاة والسلام (نفر من أصحابه) جماعة منهم والواو للحال وكان ذلك في سنة ثمان وجواب بينما قوله: (جاءه رجل) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسمه، لكن ذكر ابن فتحون في الذيل عن تفسير الطرطوشي أن اسمه عطاء ابن منية. قال ابن فتحون: فإن ثبت ذلك فهو يعلى الراوي (فقال: يا رسول الله، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ) بالضاد والخاء المعجمتين أي متلطخ (بطيب؟ فسكت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ساعة فجاءه الوحي، فأشار عمر -رضي الله عنه- إلى يعلى فجاء يعلى وعلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثوب قد أظل به) بضم الهمزة وكسر الظاء المعجمة مبنيًا للمفعول والنائب عن الفاعل ضمير يعود على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي: جعل الثوب له كالظلة يستظل به (فأدخل) يعلى (رأسه)، ليراه عليه الصلاة والسلام حال نزول الوحي وهو محمول على أن عمر ويعلى علما أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يكره الإطلاع عليه في ذلك الوقت لأن فيه تقوية الإيمان بمشاهدة حال الوحي الكريم، (فإذا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- محمّر الوجه وهو يغط)، بغين معجمة مكسورة وطاء مهملة مشدّدة من الغطيط وهو صوت النفس المتردد من النائم من شدة ثقل الوحي، (ثم سري عنه) عليه الصلاة والسلام بسين مهملة مضمومة وراء مشددة أي كشف عنه شيئًا فشيئًا. وروي بتخفيف الراء أي كشف عنه ما يتغشاه من ثقل الوحي، يقال: سروت الثوب وسريته نزعته والتشديد أكثر لإفادة التدريج (فقال): "أين الذي سأل عن العمرة" (فأتي برجل فقال): عليه الصلاة والسلام (اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات) استدلّ به على منع استدامة الطيب بعد الإِحرام للأمر بغسل أثره من الثوب والبدن لعموم قوله: اغسل الطيب الذي بك وهو قول مالك ومحمد بن الحسن. وأجاب الجمهور بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة سنة ثمان بلا خلاف كما مرّ وقد ثبت عن عائشة أنها طيبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع سنة عشر بلا خلاف وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من الأمر، والظاهر أن العامل في ثلاث مرات أقرب الفعلين إليه وهو: اغسل وعليه فيكون قوله ثلاث مرات من جملة مقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو نص في تكرر الغسل، ويحتمل أن يكون العامل فيه قال أي قال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاث مرات اغسل الطيب، فلا يكون فيه تنصيص على أمره بثلاث غسلات إذ ليس في قوله اغسل الطيب تصريح بالغسلات الثلاث لاحتمال كون المأمور به غسلة واحدة، لكنه أكد في شأنها وعلى الأول فهمه ابن المنير فإنه قال في الحديث ما يدل على أن المعتبر في هذا الباب ذهاب الجرم الظاهر لا الأثر بالكلية، لأن الصباغ لا يزول لونه ولا رائحته بالكلية بثلاث مرات، فعلى هذا من غسل الدم من ثوبه لم يضره بقاء طبعه انتهى. لكن لو كان في الحديث ما يدل على أن الخلوق كان في الثوب أمكن ما قاله، ولكن ظاهره أن الخلوق كان في بدنه لا في ثيابه لقوله: وهو متضمخ بطيب. وإذا كان الخلوق في البدن أمكن أن تزول رائحته ولونه بالكلية بغسله ثلاث مرات لأن علوق الطيب بالبدن أخف من علوقه بالثوب قاله في المصابيح. (وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك) وللكشميهني: ما تصنع في حجتك بإسقاط كاف كما وتاء حجتك وفيه دلالة على أنه كان يعرف أعمال الحج قبل ذلك، وعند مسلم والنسائي من طريق سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء في هذا الحديث فقال: ما كنت صانعًا في حجك: قال أنزع عني هذه الثياب وأغسل عني هذا الخلوق. فقال: ما كنت صانعًا في حجك فاصنعه في عمرتك أي فلما ظن أن العمرة ليست كالحج قال له إنها كالحج في ذلك، وقد تبين أن المأمور به في قوله اصنع الغسل والنزع. قال ابن جريج: (قلت لعطاء: أراد) عليه الصلاة والسلام (الإنقاء حين أمره) عليه الصلاة والسلام (أن يغسل ثلاث مرات؟ قال: نعم) أراد الإنقاء وهو يؤيد الاحتمال الأول وهو أن يكون ثلاث مرات معمولاً لاغسل وأنه من كلام النبي

18 - باب الطيب عند الإحرام، وما يلبس إذا أراد أن يحرم، ويترجل ويدهن

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقال الإسماعيلي: ليس في الخبر أن الخلوق كان على الثوب كما في الترجمة وإنما فيه أن الرجل كان متضمخًا ولا يقال لمن طيب ثوبه أو صبغه به متضمخ. وقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اغسل الطيب الذي بك يبين أن الطيب لم يكن في ثوبه ولو كان على الجبة لكان في نزعها كفاية من جهة الإحرام انتهى يعني فليس بين الحديث والترجمة مطابقة. وأجيب: بأن المؤلّف جرى على عادته أن يشير إلى ما وقع في بعض طرق الحديث الذي يورده، وقد أورده في محرمات الإحرام من وجه آخر بلفظ: عليه قميص فيه أثر صفرة والخلوق في العادة إنما يكون في الثوب، ولأبي داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن قتادة عن عطاء رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً عليه جبة عليها أثر خلوق، ولمسلم مثله من طريق رباح ابن أبي معروف عن عطاء. ورواة حديث الباب مكيون إلا شيخ المؤلّف عاصم النبيل فبصري وفي سنده انقطاع إلا أن كان صوان حضر مراجعة يعلى وعمر فيكون متصلاً لأنه قال: إن يعلى ولم يقل أن يعلى أخبره أنه قال لعمر. وأخرجه أيضًا في فضائل القرآن والمغازي، ومسلم في الحج وكذا أبو داود والترمذي والنسائي. 18 - باب الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ، وَمَا يَلْبَسُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ، وَيَتَرَجَّلَ وَيَدَّهِنَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: يَشَمُّ الْمُحْرِمُ الرَّيْحَانَ، وَيَنْظُرُ فِي الْمِرْآةِ، وَيَتَدَاوَى بِمَا يَأْكُلُ الزَّيْتَ وَالسَّمْنَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يَتَخَتَّمُ وَيَلْبَسُ الْهِمْيَانَ. وَطَافَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدْ حَزَمَ عَلَى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ وَلَمْ تَرَ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- بِالتُّبَّانِ بَأْسًا لِلَّذِينَ يَرْحَلُونَ هَوْدَجَهَا. (باب) استحباب استعمال (الطيب عند الإحرام)، في البدن والثوب ولو للنساء (وما يلبس) الشخص (إذا أراد أن يحرم، ويترجل) بتشديد الجيم والرفع عطفًا على قوله وما يلبس وبالنصب بأن مقدرة وهو الذي في اليونينية لا غير كقوله: ولبس عباءة وتقر عيني. أي: ويسرح شعره بالمشط (ويدهن) بكسر الهاء مع تشديد الدال من الافتعال معطوف على سابقه أي يطلي بالدهن. (وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-). فيما وصله سعيد بن منصور (يشم المحرم الريحان)، بفتح شين يشم على المشهور وحكي ضمها. وروى الدارقطني عنه بسند صحيح المحرم يشم الريحان ويدخل الحمام وينزع ضرسه ويفقأ القرحة وإن انكسر ظفره أماط عنه الأذى، ومذهب الشافعية أنه يحرم شم الريحان الفارسي وهو الضميران بفتح المعجمة وضم الميم بالقياس على تحريم شم الطيب للمحرم لأن معظم الغرض منه رائحته الطيبة وكرهه مالك والحنفية وتوقف أحمد. وقال أيضًا -رضي الله عنه- مما وصله ابن أبي شيبة: (وينظر في المرآة)، بكسر الميم وسكون الراء بوزن مفعال ونقل كراهته عن القاسم بن محمد. وقال ابن عباس أيضًا مما وصله ابن أبي شيبة: (ويتداوى بما يأكل الزيت والسمن) بالجر فيهما وصحح عليه ابن مالك بدلاً من الموصول المجرور وبالباء وبالنصب. قال الزركشي وغيره: إنه المشهور وليس المعنى عليه فإن الذي يأكل هو الآكل لا المأكول انتهى. قال في المصابيح: لم لا يجوز على النصب أن يكون بدلاً من العائد إلى ما الموصولة أي بما يأكله الزيت والسمن فالذي يأكله حينئذ هو المأكول لا الآكل، ثم قال فإن قلت: يلزم عليه حذف المبدل منه. وأجاب: بأنه قد قيل به في قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ} [النحل: 116] فقال قوم: إن الكذب بدل من مفعول تصف المحذوف أي لما تصفه وقيل به أيضًا في قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ} [البقرة: 151] أي كما أرسلناه ورسولاً بدل من الضمير المحذوف. قال: والزركشي -رحمه الله- ظن أن الزيت مفعول أكل فقال أن الذي يأكل الزيت مثلاً عبارة عن الآكل لا المأكول والمطلوب هو جواز التداوي بالمأكول فلا يتأتى المعنى المراد وقد استبان لك تأتيه بما قلنا اهـ. (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح مما وصله ابن أبي شيبة: (يتختم) أي يلبس الخاتم (ويلبس الهميان) بكسر الهاء وسكون الميم قال القزاز فارسي معرب يشبه تكة السراويل تجعل فيه الدراهم ويشد على الوسط. (وطاف ابن عمر -رضي الله عنهما-) مما وصله الإمام الشافعي من طريق طاوس (وهو محرم) الواو للحال (وقد حزم) بفتح الحاء المهملة والزاي أي شد (على بطنه بثوب ولم تر عائشة -رضي الله عنها-) فيما وصله سعيد بن منصور (بالتبان بأسًا) بضم المثناة الفوقية وتشديد الموحدة سراويل قصير يستر العورة المغلظة يلبسه الملاحون ونحوهم (للذين يرحلون) بضم أوله وفتح الراء وتشديد الحاء المهملة المكسورة،

19 - باب من أهل ملبدا

وفي نسخة: يرحلون بفتح الياء والحاء والراء ساكنة. قال الجوهري: رحلت البعير أرحله بفتح أوله رحلاً، واستشهد البخاري في التفسير بقول الشاعر إذا ما قمت أرحلها بليل قال في الفتح: وعلى هذا فوهم من ضبطه هنا بتشديد الحاء المهملة وكسرها والمعنى يشدون (هودجها) بفتح الهاء والدال المهملة والجيم والواو ساكنة مركب من مراكب النساء، وهذا كأنه رأي عائشة وإلاّ فالجمهور على أنه لا فرق بين التبان والسراويل في منعه للمحرم، وقد سقط للذين يرحلون هودجها في رواية ابن عساكر. 1537 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَدَّهِنُ بِالزَّيْتِ، فَذَكَرْتُهُ لإِبْرَاهِيمَ قَالَ: مَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ: وبالسند قال المؤلّف: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سعيد بن جبير قال): "كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يدهن بالزيت"، عند الإحرام أي الذي هو غير مطيب كما أخرجه الترمذي من وجه آخر عنه مرفوعًا. قال منصور: (فذكرته) أي امتناع ابن عمر من الطيب الإحرام (لإبراهيم) النخعي (فقال: ما تصنع بقوله): أي بقول ابن عمر حيث ثبت ما ينافيه من فعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 1538 - حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُحْرِمٌ". (حدثني) بالإفراد (الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت): (كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو محرم) الواو للحال والمفارق جمع مفرق وهو وسط الرأس وجمعها تعميمًا لجوانب الرأس التي يفرق فيها، والوبيص: بفتح الواو وكسر الموحدة آخره صاد مهملة أي بريق أثره، لكن قال الإسماعيلي: الوبيص زيادة على البريق والمراد به التلألؤ قال: وهو يدل على وجود عين باقية لا الريح فقط، وأشارت بقولها: كأني أنظر إلى قوة تحققها لذلك بحيث أنها لكثرة استحضارها له كأنها ناظرة إليه. وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في الحج. 1539 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: "كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ". [الحديث 1539 - أطرافه في: 1754، 5922، 5928، 5930]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني -رضي الله عنهم- (عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت:) (كنت أطيب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لإحرامه) أي لأجل إحرامه (حين يحرم) أي قبل أن يحرم كما هو لفظ رواية مسلم والترمذي لأنه لا يمكن أن يراد بالإحرام هنا فعل الإحرام فإن التطيب بالإحرام ممتنع بلا شك، وإنما المراد إرادة الإحرام، وقد دل على ذلك رواية النسائي حين أراد الإحرام وحقيقة قولها: كنت أطيب تطييب بدنه ولا يتناول ذلك تطييب ثيابه، وقد دل على اختصاصه ببدنه الرواية الأخرى التي فيها كنت أجد وبيص الطيب في رأسه ولحيته، وقد اتفق أصحابنا الشافعية على أنه لا يستحب تطييب الثياب عند إرادة الإحرام، وشذا المتولي فحكى قولاً باستحبابه. نعم في جوازه خلاف والأصح الجواز، فلو نزعه ثم لبسه ففي وجوب الفدية وجهان. صحح البغوي وغيره الوجوب (ولحلِّه) أي تحلله من محظورات الإحرام بعد أن يرمي ويحلق (قبل أن يطوف بالبيت) طواف الإفاضة واستفيد من قولها كنت أطيب إن كان لا تقتضي التكرار لأن ذلك لم يقع منها إلا مرة واحدة في حجة الوداع، وعورض بأن المدعي تكراره هنا إنما هو التطيب لا الإحرام ولا مانع من أن يتكرر التطيب للإحرام مع كون الإحرام مرة واحدة ولا يخفى ما فيه، واستفيد أيضًا استحباب التطيب عند الإحرام وجواز استدامته بعد الإحرام وأنه لا يضر بقاء لونه ورائحته وإنما يحرم ابتداؤه في الإحرام وهو قول الجمهور، وعن مالك يحرم لكن لا فدية. وقال محمد بن الحسن: يكره أن يتطيب قبل الإحرام بما تبقى عينه بعده واستحباب التطيب أيضًا بعد التحلل الأول قبل الطواف. 19 - باب مَنْ أَهَلَّ مُلَبِّدًا (باب من أهل) حال كونه (ملبدًا) شعر رأسه بضم الميم وفتح اللام وتشديد الموحدة مفتوحة ومكسورة في الفرع وأصله. 1540 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُهِلُّ مُلَبِّدًا". [الحديث 1540 - أطرافه في: 1549، 5914، 5915]. وبالسند قال: (حدّثنا أصبغ) بفتح الهمزة وسكون الصاد المهملة وفتح الموحدة آخره غين معجمة ابن الفرج قال: (أخبرنا ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم

20 - باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة

عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب (-رضي الله عنه- قال:) (سمعت رسول الله يهل) أي يرفع صوته بالتلبية حال كونه: (ملبدًا) شعر رأسه بنحو الصمغ لينضم الشعر ويلتصق بعضه ببعض احترازًا عن تمعطه وتقمله، وإنما يفعل ذلك من يطول مكثه في الإحرام، واستفيد منه استحباب التلبيد وقد نص عليه الشافعي. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في اللباس، وكذا مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. 20 - باب الإِهْلاَلِ عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ (باب الأهلال عند مسجد ذي الحليفة) لمن أراد النسك من المدينة. 1541 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما-. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ "مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ" يَعْنِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ. وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف قال: (سمعت سالم بن عبد الله) بن عمر (قال: سمعت ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-)، قال المؤلّف (ح). (وحدّثنا) بواو العطف (عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام مهملة ساكنة ابن قعنب القعنبي (عن مالك) إمام الأئمة (عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله أنه سمع أباه يقول): (ما أهل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة) ولفظ متن رواية سفيان الذي لم يذكره المؤلّف هذه البيداء التي يكذبون فيها على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والله ما أهل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا من عند مسجد ذي الحليفة أخرجه الحميدي في مسنده، وكان ابن عمر ينكر على رواية ابن عباس الآتية إن شاء الله تعالى بعد بابين بلفظ: ركب راحلته حتى استوت على البيداء أهل، والبيداء هذه كما قاله أبو عبيد البكري وغيره فوق علمي ذي الحليفة لمن صعد من الوادي، وسيأتي عند المصنف إن شاء الله تعالى بعد أبواب من طريق صالح بن كيسان عن نافع عن ابن عمر قال: أهل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين استوت به راحلته قائمة فهذه ثلاث روايات ظاهرها التدافع، لكن قد أوضح هذا ابن عباس فيما رواه أبو داود والحاكم من طريق سعيد بن جبير. قلت لابن عباس: عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في إهلاله فذكر الحديث وفيه: فلما صلّى بمسجد ذي الحليفة ركعتين أوجب من مجلسه فأهل بالحج حين فرغ منهما فسمع منه قوم فحفظوه ثم ركب، فلما استقلت به راحلته أهل وأدرك ذلك منه قوم لم يشهدوه في المرة الأولى فسمعوه حين ذاك فقالوا: إنما أهلّ حين استقلت به راحلته ثم مضى، فلما علا شرف البيداء أهل وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه فنقل كل واحد ما سمع وإنما كان إهلاله في مصلاه وأيم الله ثم أهل ثانيًا وثالثًا، وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك إنما الخلاف في الأفضل. وحديث الباب أخرجه مسلم في الحج، وكذا أبو داود والترمذي والنسائي. 21 - باب مَا لاَ يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ (باب ما لا يلبس المحرم من الثياب) قال ابن دقيق العيد: لفظ المحرم يتناول من أحرم بالحج والعمرة معًا، والإحرام الدخول في أحد النسكين والتشاغل بأعمالهما، وقد كان شيخنا العلامة ابن عبد السلام -رحمه الله- يستشكل معرفة حقيقة الإحرام ويبحث فيه كثيرًا، وإذا قيل إنه النية اعترض عليه بأن النية شرط في الحج الذي الإحرام ركنه وشرط الشيء غيره، ويعترض على أنه التلبية بأنها ليست بركن، والإحرام ركن هنا وكان يحوم على تعيين فعل تتعلق به النية في الابتداء انتهى. وأجيب: بأن المحرم اسم فاعل من أحرم إحرامًا بمعنى دخل في الحرمة أي أدخل نفسه وصيرها متلبسة بالسبب المقتضي للحرمة لأنه دخل في عبادة الحج أو العمرة أو هما معًا، فحرم عليه الأنواع السبعة لبس المخيط والطيب ودهن الرأس واللحية وإزالة الشعر والظفر والجماع ومقدماته والصيد، وقد علم من هذا أن النية مغايرة له لشمولها له، ولغيره لأنها قصد فعل الشيء تقربًا إلى الله تعالى فأركان الحج مثلاً الإحرام والوقوف والطواف والسعي والنية فعل كل من الأربعة تقربًا إلى الله تعالى بها، وبهذا التقرير يزول الإشكال وكأن الذي كان يحوم عليه هو ما ذكر والله أعلم. 1542 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ يَلْبَسُ الْقُمُصَ وَلاَ الْعَمَائِمَ وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ وَلاَ الْبَرَانِسَ وَلاَ الْخِفَافَ، إِلاَّ أَحَدٌ لاَ يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ. وَلاَ تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب

(-رضي الله عنهما- أن رجلاً) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف لم اسمه (قال: يا رسول الله، ما يلبس) الرجل (المحرم) قارنًا أو مفردًا أو متمتعًا (من الثياب)؟ وعند البيهقي أن ذلك وقع والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب في مقدم مسجد المدينة. وفي حديث ابن عباس عند المؤلّف في أواخر الحج أنه عليه الصلاة والسلام خطب بذلك في عرفات فيحمل على التعدد. (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) مجيبًا له: (لا يلبس القمص) بضم القاف والميم بالجمع ويلبس بالرفع وهو الأشهر على الخبر عن حكم الله إذ هو جواب السؤال أو خبر بمعنى النهي، وبالجزم على النهي وكسر لالتقاء الساكنين. فإن قلت: السؤال وقع عما يجوز لبسه، والجواب وقع عما لا يجوز فما الحكمة فيه؟ أجيب: بأن الجواب بما لا يجوز لبسه أحصر وأخصر مما يجوز فذكره أولى إذ هو قليل، ويفهم منه ما يباح فتحصل المطابقة بين الجواب والسؤال بالمفهوم، وقيل: كان الأليق السؤال عن الذي لا يباح إذ الإباحة الأصل، ولذا أجاب بذلك تنبيهًا للسائل على الأليق ويسمى مثل ذلك أسلوب الحكيم نحو: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 189] الآية فإنهم سألوا عن حكمة اختلاف القمر حيث قالوا: ما بال الهلال يبدو دقيقًا ثم يزيد ثم ينقص؟ فأجابهم: بأن الحكمة الظاهرة في ذلك أن تكون معالم للناس يوقتون بها أمورهم، ومعالم للعبادات الموقتة تعرف بها أوقاتها وخصوصًا الحج فبين فساد سؤالهم وهو: أنه كان ينبغي أن يسألوا عما ينفعهم في دينهم ولا يسألوا عما لا حاجة لهم في السؤال عنه. نعم، المطابقة واقعة بين السؤال والجواب على إحدى الروايتين، فقد رواه أبو عوانة من طريق ابن جريج عن نافع بلفظ: ما يترك المحرم وهي شاذة والاختلاف فيها على ابن جريج لا على نافع، ورواه سالم عن أبيه عن أحمد وابن خزيمة وأبي عوانة في صحيحيهما بلفظ: أن رجلاً قال: ما يجتنب المحرم من الثياب؟ وأخرجه أحمد عن ابن عيينة عن الزهري فقال مرة ما يترك ومرة ما يلبس، وأخرجه المؤلّف في أواخر الحج من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري بلفظ نافع، فالاختلاف فيه على الزهري يشعر بأن بعضهم رواه بالمعنى فاستقامت رواية نافع لعدم الاختلاف عليه فيها، واتجه البحث المتقدم فيها قاله في فتح الباري، ولأبي ذر عن المستملي: لا يلبس القميص بالإفراد (ولا العمائم) جمع عمامة سميت بذلك لأنها تعم جميع الرأس بالتغطية (ولا السراويلات) جمع سروال فارسي معرّب والسراوين بالنون لغة والشروال بالشين المعجمة لغة (ولا البرانس) جمع برنس بضم النون قال في القاموس: البرنس بالضم قلنسوة طويلة أو كل ثوب رأسه منه درّاعة كان أو جبة انتهى (ولا الخفاف)، بكسر الحاء جمع خف فنبه بالقميص والسراويلات على كل مخيط وبالعمائم والبرانس على كل ما يغطي الرأس مخيطًا كان أو غيره فيحرم على الرجل ستر رأسه أو بعضه كالبياض الذي وراء الأذن مما يعد ساترًا عرفًا ولو بعصابة ومرهم، وهو ما يوضع على الجراحة وطين ساتر لا ستره بماء كأنه غطس فيه وخيط شدّ به رأسه وهودج استظل به وإن مسه ولا بوضع كفه وكذا كف غيره ومحمول كقفة على رأسه لأن ذلك لا يعدّ ساترًا، وظاهر كلامهم عدم حرمة ذلك سواء قصد الستر به أم لا. لكن جزم الفوراني وغيره بوجوب الفدية فيما إذا قصد بحمل القفة ونحوها الستر وظاهره حرمة ذلك حينئذ ولا أثر لتوسده وسادة أو عمامة فإنه حاسر الرأس عرفًا، ونبه بالخفاف على كل ما يستر الرجل مما يلبس عليه من مداس وجورب وغيرهما (إلا أحد لا يجد نعلين) في موضع رفع صفة لأحد، ويستفاد منه كما قاله ابن المنير في الحاشية جواز استعمال أحد في الإثبات خلافًا لمن خصه بضرورة الشعر كقوله: وقد ظهرت فلا تخفى على أحد ... إلا على أحد لا يعرف القمرا وقال: والذي يظهر لي بالاستقراء أن أحدًا لا يستعمل في الإثبات إلا أن يعقب النفي وكان الإثبات حينئذ في سياق النفي، ونظير هذا زيادة الباء فإنها لا تكون إلا في النفي، ثم رأيناها زيدت في الإثبات

22 - باب الركوب والارتداف في الحج

الذي هو في سياق النفي كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [الأحقاف: 33] اهـ. والمستثنى منه محذوف ذكره معمر في روايته عن الزهري عن سالم بلفظ: وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين فإن لم يجد نعلين (فليلبس خفين) ولأبي الوقت: فليلبس الخفين بالتعريف (وليقطعهما) أي بشرط أن يقطعهما (أسفل من الكعبين) ولا فدية عليه لأنها لو وجبت لبينها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا موضع بيانها. وقال الحنفية: عليه الفدية كما إذا احتاج إلى حلق الرأس يحلقه ويفدي. وقال الحنابلة: ومن لم يجد إزارًا لبس سراويل ومتى وجد إزارًا خلعه أو نعلين لبس خفين ويحرم قطعهما. واستدلوا بحديث ابن عباس وجابر في الصحيح: من لم يجد نعلين فليلبس خفين وليس فيه ذكر القطع وقالوا: قطعهما إضاعة مال. قالوا: وإن حديث ابن عمر المصرح بقطعهما منسوخ. وأجيب: بأنه لا يرتاب أحد من المحدّثين أن حديث ابن عمر أصح من حديث ابن عباس لأن حديث ابن عمر جاء بإسناد وصف بأنه أصح الأسانيد، واتفق عليه عن ابن عمر غير واحد من الحفاظ منهم نافع وسالم بخلاف حديث ابن عباس فلم يأت مرفوعًا إلا من رواية جابر بن زيد عنه، وبأنه يجب حمل حديث ابن عباس وجابر على حديث ابن عمر لأنهما مطلقان، وفي حديث ابن عمر زياة لم يذكراها يحب الأخذ بها وبأن إضاعة المال إنما تكون في المنهي عنه لا فيما أذن فيه والأمر في قوله: فليلبس الخفين للإباحة لا للوجوب والسر في تحريم المخيط وغيره مما ذكره مخالفة العادة والخروج عن المألوف لإشعار النفس بأمرين: الخروج عن الدنيا والتذكر للبس الأكفان عند نزع المخيط وتنبيهها على التلبس بهذه العبادة العظيمة بالخروج عن معتادها وذلك موجب للإقبال عليها والمحافظة على قوانينها وأركانها وشرائطها وآدابها. (ولا تلبسوا) بفتح أوله وثالثه (من الثياب شيئًا مسه الزعفران) بالتعريف، ولأبي ذر: زعفران. قال الزركشي: بالتنوين لأنه ليس فيه إلا الألف والنون فقط وهو لا يمنع الصرف فلو سميت به امتنع، (أو ورس) بفتح الواو وسكون الراء بعدها سين مهملة نبت أصفر مثل نبات السمسم طيب الريح يصبغ به بين الصفرة والحمرة أشهر طيب في بلاد اليمن لكن قال ابن العربي: الورس وإن لم يكن طيبًا فله رائحة طيبة فأراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ينبه به على اجتناب الطيب وما يشبهه في ملائمة الشم، وهذا الحكم يشترك فيه النساء مع الرجال بخلاف الأول فإنه خاص بالرجال. وهذا الحديث سبق في باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله في آخر كتاب العلم. 22 - باب الرُّكُوبِ وَالاِرْتِدَافِ فِي الْحَجِّ (باب جواز الركوب والارتداف في الحج). 1543 - 1544 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ الأَيْلِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ أُسَامَةَ -رضي الله عنه- كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى، قَالَ فَكِلاَهُمَا قَالَ: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ". [حديث 1543 - طرفه في: 1686 [حديث 1544 - أطرافه في: 1670، 1685، 1687]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا وهب بن جرير) بفتح الواو وسكون الهاء وجرير بفتح الجيم الأزدي البصري قال: (حدّثنا أبي) جرير بن حازم بن زيد (عن يونس) بن يزيد (الأيلي) بفتح الهمزة وسكون التحتية (عن) ابن شهاب (الزهري عن عبيد الله بن عبد الله) بتصغير عبد الأول أحد الفقهاء السبعة (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-). (أن أسامة) بن زيد (-رضي الله عنه- كان ردف النبي) بكسر الراء وسكون الدال أي رديفه وهو الذي يركب خلف الراكب، ولأبي ذر: ردف رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من عرفة) موضع الوقوف (إلى المزدلفة)، بكسر اللام اسم فاعل من الازدلاف وهو القرب لأن الحجاج إذا أفاضوا من عرفة يزدلفون إليها أي يقربون منها ويقدمون إليها أو لمجيئهم إليها في زلف من الليل، (ثم أردف) عليه الصلاة والسلام (الفضل) بن العباس بن عبد المطلب (من المزدلفة إلى منى)، تواضعًا منه عليه الصلاة والسلام وليحدّثنا عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما يتفق له في تلك الحالة من التشريع، ولذا اختار أحداث الأسنان كما يختارون لتسميع الحديث قاله ابن المنير: (قال: فكلاهما قال: لم يزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلبي حتى) أي إلى أن (رمى جمرة العقبة) وهي حدّ منى من جهة مكة من الجانب الغربي. وفي الحديث جواز الإرداف لكن إذا أطاقته الدابة وأن الركوب في الحج أفضل من المشي وأخرجه مسلم.

23 - باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر

23 - باب مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ وَالأَرْدِيَةِ وَالأُزُرِ وَلَبِسَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَةَ -وَهْيَ مُحْرِمَةٌ- وَقَالَتْ: لاَ تَلَثَّمْ وَلاَ تَتَبَرْقَعْ وَلاَ تَلْبَسْ ثَوْبًا بِوَرْسٍ وَلاَ زَعْفَرَانٍ. وَقَالَ جَابِرٌ: لاَ أَرَى الْمُعَصْفَرَ طِيبًا. وَلَمْ تَرَ عَائِشَةُ بَأْسًا بِالْحُلِيِّ وَالثَّوْبِ الأَسْوَدِ وَالْمُوَرَّدِ وَالْخُفِّ لِلْمَرْأَةِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُبْدِلَ ثِيَابَهُ. (باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر) بضم الهمزة والزاي، وفي اليونينية: بسكونها لا غير جمع إزار كخمر وخمار وهو للنصف الأسفل، والأردية جمع رداء وهو للنصف الأعلى وعطفهما على الثياب من عطف الخاص على العام، وهذا الترجمة مغايرة للسابقة على ما لا يخفى. (ولبست عائشة) -رضي الله عنها- (الثياب المعصفرة) المصبوغة بالعصفر (وهي محمرة) وصله سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد بإسناد صحيح، والجمهور على جوازه للمحرم خلافًا لأبي حنيفة وقال: إنه طيب وأوجب فيه الفدية. (وقالت:) عائشة مما وصله البيهقي: (لا تلثم) بالجزم على النهي وبمثناة واحدة مع تشديد المثلثة وأصله تتلثم فحذفت إحدى التائين كـ {نارًا تلظى} [الليل: 14] تخفيفًا واللثام: ما يغطي الشفة (ولا تتبرقع) بالجزم كذلك لكن بمثناتين على الأصل كذا في الفرع وفي غيره ولا تبرقع بحذف إحدى التاءين والرفع في الكلمتين والجزم (ولا تلبس ثوبًا) مصبوغًا (بورس) بسكون الراء، ولأبي ذر في رواية بورس بكسرها (ولا زعفران). والجملة من قوله وقالت إلى هنا ساقطة في رواية (ق) وفي الفتح: سقوطها أيضًا عن الحموي. (وقال جابر:) هو ابن عبد الله الصحابي -رضي الله عنه- مما وصله الشافعي ومسدد: (لا أرى المعصفر طيبًا). أي مطيبًا لأنه خبر في الأصل عن معصفر ولا يخبر بالمعنى عن اسم عين وقد مرّ في المعصفر قريبًا (ولم تر عائشة) -رضي الله عنها- (بأسًا بالحلي) بضم الحاء المهملة وتشديد الياء جمع حلي بفتح الحاء وسكون اللام (والثوب الأسود والمورد) المصبوغ على لون الورد، وسيأتي موصولاً إن شاء الله تعالى في باب طواف النساء في آخر حديث عطاء عن عائشة (والخف للمرأة) وصله ابن أبي شيبة. (وقال إبراهيم): النخعي مما وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة: (لا بأس أن يبدل ثيابه) بضم حرف المضارعة وسكون الموحدة وتخفيف الدال المهملة مضارع أبدل، ولأبي الوقت: أن يبدّل ثيابه بفتح الموحدة وتشديد المهملة ومقالة إبراهيم هذه ساقطة في رواية ق. 1545 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "انْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْمَدِينَةِ بَعْدَمَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إِزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَىْءٍ مِنَ الأَرْدِيَةِ وَالأُزْرِ تُلْبَسُ إِلاَّ الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ، فَأَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَقَلَّدَ بَدَنَتَهُ، وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، فَقَدِمَ مَكَّةَ لأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ أَجْلِ بُدْنِهِ لأَنَّهُ قَلَّدَهَا. ثُمَّ نَزَلَ بِأَعْلَى مَكَّةَ عِنْدَ الْحَجُونِ وَهْوَ مُهِلٌّ بِالْحَجِّ، وَلَمْ يَقْرَبِ الْكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يُقَصِّرُوا مِنْ رُءُوسِهِمْ ثُمَّ يَحِلُّوا، وَذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَدَنَةٌ قَلَّدَهَا، وَمَنْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَهِيَ لَهُ حَلاَلٌ وَالطِّيبُ وَالثِّيَابُ". [الحديث 1545 - طرفاه في: 1625، 1731]. وبالسند السابق أول الكتاب إلى المؤلّف قال: (حدّثنا محمد بن أبي بكر المقدمي) بفتح الدال المشددة قال: (حدّثنا فضيل بن سليمان) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة مصغرًا وضم سين سليمان (قال: حدثني) بالإفراد (موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف (قال: أخبرني) بالإفراد أيضًا (كريب) مولى ابن عباس (عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال): (انطلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المدينة) بين الظهر والعصر يوم السبت كما صرح به الواقدي، ويأتي قريبًا إن شاء الله تعالى تحقيقه (بعدما ترجل) بالجيم المشددة أي سرح شعره (وادّهن) استعمل الدهن وأصله ادتهن فأبدلت التاء دالاً وأدغمت في الأخرى (ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه، فلم ينه) أحدًا (عن شيء من الأردية) جمع رداء (والأزر) بضم الزاي وإسكانها جمع إزار، (تلبس) بضم المثناة الفوقية وفتح الموحدة (إلا المزعفرة) بالنصب على الاستثناء والجر على حذف الجار أي إلا عن المزعفرة (التي تردع) بفتح المثناة الفوقية والدال آخره عين مهملتين، وفي رواية: تردع بضم أوله وكسر ثالثه أي التي كثر فيها الزعفران حتى ينفضه على من يلبسها. وقال عياض: الفتح أوجه ومعنى الضم أنها تبقي أثره (على الجلد). قال في التنقيح، قال أبو الفرج: يعني ابن الجوزي كذا وقع في البخاري وصوابه تردع الجلد بحذف، "على" أي تصبغه. وأجاب في المصابيح، بأن الجوهري قال في الصحاح، يقال: ردعته الشيء فارتدع أي لطخته فتلطخ، قال: فإذا كان كذلك فيجوز أن يكون المراد في الحديث التي تردع لابسها بأثرها وعلى الجلد ظرف مستقر في محل نصب على الحال وهو وجه جيد لا يلزم من ارتكابه تخطئة الرواية. قال: ويحتمل أن يكون تردع قد تضمن معنى تنفض أي تنفض أثرها على الجلد انتهى. (فأصبح) عليه الصلاة والسلام (بذي الحليفة) أي وصل إليها نهارًا ثم بات بها. وفي مسلم

24 - باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح، قاله ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلى الظهر بها ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسلت الدم وقلدها بنعلين، ثم (ركب راحلته حتى استوى على البيداء) بفتح الموحدة وسكون التحتية، وعند النسائي أنه عليه الصلاة والسلام صلّى الظهر ثم ركب وصعد جبل البيداء ثم (أهلّ هو وأصحابه)، وهل كان عليه الصلاة والسلام مفردًا الحج أو قارنًا أو متمتعًا، خلاف يأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى. (وقلد بدنته) بنعلين للإشعار بأنه هدي. قال الأزهري: تكون البدنة من الإبل والبقر والغنم، وقال النووي هي البعير ذكرًا كان أو أنثى وهي التي استكملت خمس سنين، وللكشميهني: بدنه بضم الموحدة وسكون الدال المهملة بلفظ الجمع (وذلك) المذكور من الركوب والاستواء على البيداء والإهلال والتقليد (لخمس بقين من ذي القعدة) بفتح القاف وكسرها والإشارة لخروجه عليه الصلاة والسلام من المدينة وهو الصواب لأن أول ذي الحجة كان يوم الخميس قطعًا لما ثبت، وتواتر أن وقوفه بعرفة كان يوم الجمعة فتعين أن أول الحجة الخميس، ولا يصح أن يكون خروجه يوم الخميس وإن جزم به ابن حزم بل ظاهر الخبر أن يكون يوم الجمعة، لكن ثبت في الصحيحين عن أنس أنهم صلوا معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظهر بالمدينة أربعًا والعصر بذي الحليفة ركعتين، فدلّ على أن خروجهم لم يكن الجمعة، ويحمل قوله: لخمس بقين أي إن كان الشهر ثلاثين فاتفق أن جاء تسعًا وعشرين فيكون يوم الخميس أول ذي الحجة بعد مضي أربع ليال لا خمس. ويؤيده قول جابر لخمس بقين من ذى الحجة أو أربع وإنما لم يقل الراوي إن بقين بحرف الشرط لأن الغالب تمام الشهر، وبه احتج من قال: لا حاجة للإتيان به، والآخر راعى احتمال النقص فقال يحتاج إليه للاحتياط. (فقدم) عليه الصلاة والسلام (مكة) من أعلاها (لأربع ليال خلون من ذي الحجة) صبيحة يوم الأحد (فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ولم يحل)، بفتح أوله وكسر ثانيه أي لم يصر حلالاً (من أجل بدنه) بسكون الدال (لأنه) عليه الصلاة والسلام (قلدها). فصارت هديًا ولا يجوز لصاحب الهدي أن يتحلل حتى يبلغ الهدي محله (ثم نزل بأعلى مكة عند الحجون) بفتح الحاء المهملة وضم الجيم المخففة الجبل المشرق على المحصب حذاء مسجد العقبة، وفي المشارق وغيرها مقبرة أهل مكة على ميل ونصف من البيت (وهو) أي والحال أنه عليه الصلاة والسلام (مهل بالحج) بضم الميم وكسر الهاء (ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها) لعله لشغل منعه من ذلك (حتى رجع من عرفة وأمر أصحابه) الدين لم يسوقوا الهدي (أن يطوفوا) بتشديد الطاء مفتوحة كذا في الفرع وأصله، وفي غيره: يطوفوا بضمها مخففة (بالبيت وبين الصفا والمروة ثم يقصروا من رؤوسهم) لأجل أن يحلقوا بمنى (ثم يحلوا) بفتح أوله وكسر ثانيه لأنهم متمتعون ولا هدي معهم كما قال (وذلك لمن لم يكن معه بدنة قلدها ومن كانت) وفي نسخة: ومن كان (معه امرأته فهي له حلال والطيب والثياب) كسائر محرمات الإحرام حلال له، فالطيب مبتدأ حذف خبره والجملة عطف على الجملة. وموضع الترجمة قوله: فلم ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس والحديث من أفراد المؤلّف، ورواه أيضًا مختصرًا. 24 - باب مَنْ بَاتَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح)، ممن حجه من المدينة، ولأبي ذر وابن عساكر: حتى يصبح ومراد المؤلّف بهذا الترجمة مشروعية المبيت بالقرب من بلد المسافر ليلحق به من تأخر عنه، وليكون أمكن من التوصل إلى ما عساه ينساه مما يحتاج إليه مثلاً (قاله) أي ما ذكره من المبيت (ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديثه السوق في باب: خروج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على طريق الشجرة كما مرّ. 1546 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَلَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ أَهَلَّ". وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) قاضي صنعاء قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال: (حدّثنا محمد بن المنكدر) بلفظ اسم الفاعل، ولأبوي ذر والوقت: حدّثنا ابن المنكدر (عن أنس

25 - باب رفع الصوت بالإهلال

بن مالك -رضي الله عنه- قال): (صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة) الظهر (أربعًا، وبذي الحليفة) العصر (ركعتين) قصرًا لأنه أنشأ السفر، وحذف لفظ الظهر والعصر لعدم الإلباس، وقد صرح بهما في الحديث الآتي (ثم بات حتى أصبح) دخل في الصباح (بذي الحليفة فلما ركب راحلته واستوت به أهلّ) بالحج أو بالعمرة أو بهما. قال التوربشتي في شرح مصابيح البغوي أي: رفعته مستويًا في ظهرها، وتعقبه صاحب شرح المشكاة بأن استوى إنما يعدي بعلى لا بالباء فقوله به حال نحو قوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} [البقرة: 50] قال في الكشاف في موضع الحال بمعنى فرقناه ملتبسًا بكم كقوله: تدوس بنا الجماجم والتريبا. وفيه دليل للمالكية على أن الأفضل أن يهل إذا انبعثت به راحلته، وقد تقدم نقل الخلاف في ذلك وطريق الجمع بين المختلف فيه. 1547 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَصَلَّى الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: وَأَحْسِبُهُ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله الجرمي (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-): (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى الظهر بالمدينة أربعًا، وصلّى العصر بذي الحليفة ركعتين)، صرح فيه بذكر الظهر والعصر المحذوف في سابقه (قال): أبو قلابة (وأحسبه) عليه الصلاة والسلام (بات بها) أي بذي الحليفة (حتى أصبح) وفي السابقة بغير شك، وقد ساق هذا الحديث هنا باختصار ويأتي إن شاء الله تعالى بأتم منه. 25 - باب رَفْعِ الصَّوْتِ بِالإِهْلاَلِ (باب رفع الصوت بالإهلال) أي بالتلبية، قال القاضي عياض: الإهلال بالحج رفع الصوت بالتلبية. قال في المصابيح: تأمل كيف يلتئم حينئذ قوله بالإهلال مع قوله رفع الصوت، ثم قال القاضي عياض: واستهل المولود رفع صوته وكل شيء ارتفع صوته فقد استهل، وبه سمي الهلال لأن الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه، واستبعد ابن المنير هذا الأخير من وجهين: أحدهما: أن العرب ما كانت تعتني بالأهلة لأنها لا تؤرخ بها، والهلال مسمى بذلك قبل العناية بالتأريخ. الثاني: أن جعل الإهلال مأخوذًا من الهلال أولى لقاعدة تصريفية وهي أنه إذا تعارض الأمر في اللفظين أيهما أخذ من الآخر جعلنا الألفاظ المتناولة للذوات أصلاً للألفاظ المتناولة للمعاني، والهلال ذات فهو الأصل والإهلال معنى يتعلق به فهو الفرع ذكره في المصابيح. 1548 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي بالمعجمة ثم المهملة الأزدي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم الهضمي الأزدي البصري (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) الجرمي (عن أنس -رضي الله عنه- قال): (صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة الظهر أربعًا والعصر بذي الحليفة ركعتين وسمعتهم) أي الناوين للقران (يصرخون بهما) أي بالحج والعمرة (جميعًا) أو الضمير في سمعتهم راجع إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه من أصحابه. وفي الحديث حجة للجمهور في استحباب رفع الصوت بالتلبية للرجل بحيث لا يضر بنفسه. نعم لا يستحب رفع الصوت بها في ابتداء الإحرام بل يسمع نفسه فقط كما في المجموع، وخرج بالرجل المرأة والخنثى فلا يرفعان صوتهما بل يسمعان أنفسهما فقط كما في قراءة الصلاة فإن رفعا كره، وقد روى أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: أمرني جبريل برفع الصوت بالإهلال وقال إنه من شعائر الحج، وهذا كغيره من الأحاديث ليس فيه بيان حكم التلبية، وقد اختلف في ذلك ومذهب الشافعي وأحمد أنه سنة. وفي وجه حكاه الماوردي عن ابن خيران وابن أبي هريرة أنها واجبة يجب بتركها دم. وقال الحنفية: إذا اقتصر على النية ولم يلب لا ينعقد إحرامه لأن الحج تضمن أشياء مختلفة فعلاً وتركًا فأشبه الصلاة فلا يحصل إلا بالذكر في أوله، وقال المالكية: ولا ينعقد إلا بنية مقرونة بقول أو فعل متعلقين به كالتلبية والتوجه إلى الطريق فلا ينعقد بمجرد النية، وقيل ينعقد قاله سند وهو مروي عن مالك. 26 - باب التَّلْبِيَةِ (باب التلبية) مصدر لبى كزكى تزكية أي قال لبيك وهو عند سيبويه والأكثرين مثنى لقلب ألفه

ياء مع الظهر وليست تثنيته حقيقية بل هو من المثناة لفظًا، ومعناها التكثير والمبالغة كما في قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] أي نعمتاه عند من أول اليد بالنعمة ونعمه تعالى لا تحصى، وقوله تعالى: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] أي كرات كثيرة. وقال يونس بن حبيب: إنما هو اسم مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدى وعلى اهـ. والأصل لببك فاستثقلوا الجمع بين ثلاث باءات فأبدلوا من الثالثة ياء كما قالوا من الظن تظنيت وأصله تظننت وهو منصوب على المصدر بعامل مضمر أي أجبت إجابة بعد إجابة إلى ما لا نهاية له، وكأنه من ألب بالمكان إذا أقام به والكاف للإِضافة. وقيل: ليس هنا إضافة والكاف حرف خطاب ومعناه كما قال في القاموس أنا مقيم على طاعتك إلبابًا بعد الباب وإجابة بعد إجابة أو معناه اتجاهي وقصدي لك من داري تلب داره أي تواجهها، أو معناه محبتي لك من امرأة لبة محبة لزوجها، أو معناه إخلاصي لك من حسب لباب أي خالص اهـ. وقال أبو نصر: معناه أنا ملب بين يديك أي خاضع، وقال ابن عبد البر: ومعنى التلبية إجابة الله فيما فرض عليهم من حج بيته والإقامة على طاعته فالمحرم بتلبيته مستجيب لدعاء الله إياه في إيجاب الحج عليه. قيل: هي إجابة لقوله تعالى للخليل إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه {وأذن في الناس بالحج} [الحج: 27] أي بدعوة الحج والأمر به. 1549 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- أن تلبية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولمسلم عن ابن عمر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال: (لبيك اللهم لبيك لبيك) أي يا الله أجبناك فيما دعوتنا. وروى ابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال: لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قيل له {وأذن في الناس بالحج} [الحج: 27] قال: رب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذن وعلي البلاغ. قال: فنادى إبراهيم عليه الصلاة والسلام يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه ما بين السماء والأرض ألا ترون الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون؟ ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه: فأجابوه بالتلبية من أصلاب الرجال وأرحام النساء، وأول من أجابه أهل اليمن فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم عليه الصلاة والسلام يومئذ زاد غيره فمن لبى مرة حج مرة ومن لبى مرتين حج مرتين ومن لبى أكثر حج بقدر تلبيته، وقد وقع في المرفوع تكرير لفظه لبيك ثلاث مرات وكذا في الموقوف، إلا أن في المرفوع الفصل بين الأولى والثانية بقوله: اللهم وقد نقل اتفاق الأدباء على أن التكرير اللفظي لا يزاد على ثلاث مرات: (لا شريك لك لبيك إن الحمد) بكسر الهمزة على الاستئناف كأنه لما قال لبيك استأنف كلامًا آخر فقال إن الحمد وبالفتح على التعليل كأنه قال: أجبتك لأن الحمد والنعمة لك والكسر أجود عند الجمهور، وحكاه الزمحشري عن أبي حنيفة، وابن قدامة عن أحمد بن حنبل، وابن عبد البر عن اختيار أهل العربية لأنه يقتضي أن تكون الإجابة مطلقة غير معللة فإن الحمد والنعمة لله على كل حال والفتح بدل على التعليل، لكن قال في اللامع والعدة إنه إذا كسر صار للتعليل أيضًا من حيث انه استئناف جوابًا عن سؤال عن العلة على ما قرر في البيان، حتى أن الإمام الرازي وأتباعه جعلوا أن تفيد التعليل نفسها ولكنه مردود (والنعمة لك) بكسر النون والإحسان والمنة مطلقًا وبالنصب على الأشهر عطفًا على الحمد ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف لدلالة خبر إن تقديره: إن الحمد لك والنعمة مستقرة لك. وجوز ابن الأنباري أن يكون الموجود خبر المبتدأ وخبر أن هو المحذوف (والملك)، لك بضم الميم والنصب عطفًا على اسم أن وبالرفع على الابتداء والخبر محذوف لدلالة الخبر المتقدم، ويحتمل أن يكون تقديره: والملك كذلك (لا شريك لك) في ملكك. وروى النسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة قال:

كان من تلبية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لبيك إله الحق لبيك، وعند الحاكم عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقف بعرفات فلما قال: لبيك اللهم لبيك قال إنما الخير خير الآخرة. وعند الدارقطني في العلل عن أنس بن مالك أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لبيك حجًّا حقًا تعبدًا ورقًا. وزاد مسلم في حديث الباب قال نافع وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها لبيك لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل، ولم يذكر البخاري هذه الزيادة فهي من أفراد مسلم خلافًا لما توهمه عبارة جامع الأصول والحافظ المنذري في مختصر السنن والنووي في شرح المهذّب. وقوله: وسعديك هو من باب لبيك فيأتي فيه ما سبق من التثنية والإفراد ومعناه أسعدني إسعادًا فالمصدر فيه مضاف للفاعل وإن كان الأصل في معناه أسعدك بالإجابة إسعادًا بعد إسعاد على أن المصدر فيه مضاف للمفعول لاستحالة ذلك هنا، وقيل المعنى مساعدة على طاعتك بعد مساعدة فيكون من المضاف للمنصوب. وقوله: والرغباء بفتح الراء والمد وبضمها مع القصر كالعلاء والعلاوة وبالفتح مع القصر ومعناه الطلب والمسألة يعني أنه تعالى هو المطلوب المسؤول منه فبيده جميع الأمور والعمل له سبحانه لأنه المستحق للعبادة وحده، وفيه حذف يحتمل أن تقديره والعمل إليك أي إليك القصد به والانتهاء به إليك لتجاري عليه. وأخرج ابن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة قال: كانت تلبية عمر فذكر مثل المرفوع وزاد: لبيك مرفوعًا ومرهوبًا إليك ذا النعماء والفضل الحسن، وهذا يدل على جواز الزيادة على تلبية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلا استحباب ولا كراهة، وهذا مذهب الأئمة الأربعة، لكن قال ابن عبد البر قال مالك: أكره أن يزيد على تلبية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وينبغي أن يفرد ما روي مرفوعًا ثم يقول الموقوف على انفراده حتى لا يختلط بالمرفوع. قال إمامنا الشافعي رحمة الله عليه فيما حكاه عنه البيهقي في المعرفة، ولا ضيق على أحد في مثل ما قال ابن عمر ولا غيره من تعظيم الله ودعائه مع التلبية غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روي عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من التلبية. وفي سنن أبي داود وابن ماجة عن جابر قال: أهل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر التلبية. قال: والناس يريدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسمع فلم يقل لهم شيئًا. وفي تاريخ مكة للأزرقي بسند معضل أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لقد مرّ بفج الروحاء سبعون نبيًّا تلبيتهم شتى منهم يونس بن متى وكان يونس يقول: لبيك فراج الكرب لبيك وكان موسى يقول: لبيك أنا عبدك لديك لبيك قال: وتلبية عيسى أنا عبدك وابن أمتك بنت عبديك، واستحب الشافعية أن يصلّى على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد الفراغ من التلبية ويسأل الله رضاه والجنة ويتعوّذ به من النار واستأنسوا لذلك بما رواه الشافعي والدارقطني والبيهقي من رواية صالح بن محمد بن زائدة عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله تعالى رضوانه والجنة واستعفاه برحمته من النار. قال صالح: سمعت القاسم بن محمد يقول: كان يستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته أن يصلّي على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصالح هذا ضعيف عند الجمهور، وقال أحمد: لا أرى بأسًا. 1550 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "إِنِّي لأَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُلَبِّي لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ". تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمن بن مهران (عن عمارة) بن عمير بضم العين وفتح الميم (عن أبي عطية) مالك بن عامر الهمداني (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت): (إني لأعلم كيف كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلبي لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد) بكسر الهمزة وفتحها كما مرّ (والنعمة لك) سقط قوله في رواية ابن عمر والملك لا شريك لك من هذه الرواية اختصارًا، وأردف المؤلّف هذا الحديث بسابقه لما فيه من الدلالة على أنه كان عليه الصلاة والسلام يديم ذلك، وفي حديث مسلم عن جابر التصريح بالمداومة. (تابعه) أي تابع سفيان الثوري (أبو معاوية) محمد بن

27 - باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب على الدابة

خازم بالمعجمتين فيما وصله مسدّد في مسنده (عن الأعمش) سليمان بن مهران. (وقال شعبة) بن الحجاج فيما وصله أبو داود الطيالسى في مسنده: (أخبرنا سليمان) الأعمش قال: (سمعت خيثمة) بفتح الخاء المعجمة والمثلثة بينهما مثناة تحتية ساكنة ابن عبد الرحمن الجعفي الكوفي (عن أبي عطية) مالك المذكور قال: (سمعت عائشة -رضي الله عنها-) ولفظه كلفظ سفيان لكنه زاد فيها ثم سمعتها تلبي، وليس فيه قوله: لا شريك لك، ورجح أبو حاتم في العلل رواية الثوري ومن تبعه على رواية شعبة. وقال: إنها وهم، وأفادت هذه الطريق بيان سماع أبي عطية من عائشة قاله في الفتح. 27 - باب التَّحْمِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ قَبْلَ الإِهْلاَلِ عِنْدَ الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّةِ (باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال) أي قبل التلبية (عن الركوب) أي بعد الاستواء (على الدابة) لا حالة وضع رجله مثلاً في الركاب، وقول الزركشي وغيره أنه قصد به الرد على أبي حنيفة في قوله: إن من سبح أو كبر أجزأه عن إهلاله، فأثبت البخاري أن التسبيح والتحميد من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما كان قبل الإهلال، تعقبه العيني بأن مذهب أبي حنيفة الذي استقر عليه أنه لا ينقص شيئًا من ألفاظ تلبية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن زاد عليها فمستحب انتهى. قال الحافظ ابن حجرة وسقط لفظ التحميد من رواية المستملي. 1551 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَنَحْنُ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ- الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ حَمِدَ اللَّهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ، ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا، حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ. قَالَ وَنَحَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَدَنَاتٍ بِيَدِهِ قِيَامًا، وَذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ". قال أبو عبد الله: قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا عَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَنَسٍ. وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بالتصغير هو ابن خالد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله الجرمي (عن أنس -رضي الله عنه- قال:) (صلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن معه بالمدينة) حين أراد حجة الوداع (الظهر أربعًا) أي أربع ركعات والواو في قوله "ونحن" للحال (والعصر بذي الحليفة ركعتين) قصرًا (ثم بات بها) أي بذي الحليفة (حتى أصبح) دخل في الصباح أي: وصلّى الظهر ثم دعا بناقته فأشعرها كما عند مسلم (ثم ركب) أي راحلته (حتى استوت به) أي حال كونها متلبسة به كما مر (على البيداء) بفتح الموحدة مع المد الشرف المقابل لذي الحليفة (حمد الله وسبح وكبر ثم أهلّ بحج وعمرة) قارنًا بينهما (وأهل الناس) الذين كانوا معه (بهما) اقتداء به عليه الصلاة والسلام. وفي الصحيحين عن جابر: أهلّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو وأصحابه بالحج، وفيهما عن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام لبى بالحج وحده، ولمسلم في لفظ: أهلّ بالحج مفردًا، وعند الشيخين عن ابن عمر أنه كان متمتعًا، وفيهما أيضًا عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: تمتع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعمرة إلى الحج وتمتع الناس معه. قال النووي في المجموع: والصواب الذي نعتقده أنه عليه الصلاة والسلام أحرم أولاً بالحج مفردًا ثم أدخل عليه العمرة فصار قارنًا فمن روى أنه كان مفردًا وهم الأكثرون اعتمدوا أوّل الإحرام، ومن روى أنه كان قارنًا اعتمد آخره، ومن روى متمتعًا أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والالتذاذ وقد انتفع بأن كفاه عن النسكين فعل واحد ولم يحتج إلى إفراد كل واحد بعمل اهـ. وبقية مباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في باب التمتع والقران بعد ستة أبواب. (فلما قدمنا) مكة (أمر) عليه الصلاة والسلام (الناس) الذين كانوا معه ولم يسوقوا الهدي (فحلوا) من إحرامهم، وإنما أمرم بالفسخ وهم قارنون لأنهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحج منكرة كما هو رسم الجاهلية، فأمرهم بالتحلل من حجهم والانفساخ إلى العمرة وتحقيقًا لمخالفتهم وتصريحًا جواز الاعتمار في تلك الأشهر، وهذا خاص بتلك السنة عند الجمهور خلافًا لأحمد (حتى كان يوم التروية) برفع يوم لأن كان تامة لا تحتاج إلى خبر ويوم التروي هو ثامن الحجة سمي به لأنهم كانوا يروون دوابهم بالماء فيه ويحملونه إلى عرفات (أهلوا بالحج) من مكة. (قال) أنس (ونحر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بمكة (بدنات بيده) حال كونهن (قيامًا)، أي قائمات وهن المهداة إلى مكة (وذبح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة) يوم عيد الأضحى (كبشين أملحين) بالحاء المهملة تثنية أملح وهو الأبيض الذي يخالطه سواد. (قال أبو عبد الله) البخاري: (قال بعضهم: هذا عن أيوب) السختياني (عن رجل) قيل

28 - باب من أهل حين استوت به راحلته قائمة

هو أبو قلابة وقيل حماد بن سلمة (عن أنس) قال الحافظ ابن حجر: هكذا وقع عند الكشميهني اهـ. ومقتضاه أنه سقط قول أبي عبد الله البخاري هذا إلى آخره عند المستملي والحموي. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الحج والجهاد وأبو داود بعضه في الأضاحي وبعضه في الحج. 28 - باب مَنْ أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قائمةً (باب من أهلّ حين استوت به راحلته) قائمة إلى طريقه. 1552 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ "أَهَلَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً". وبالسند قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (صالح بن كيسان) بفتح الكاف الغفاري مؤدّب ولد عمر بن عبد العزيز (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-) أنه (قال): "أهل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين استوت به راحلته قائمة" أي استوت راحلته حال كونها قائمة متلبسة به، فقوله به حال وكذا قوله قائمة وفيه دليل لمذهب المالكية والشافعي أن الأفضل أن يهل إذا انبعثت به راحلته أو توجه لطريقه ماشيًا، وفي قول عند الشافعية عقب الصلاة جالسًا لحديث ابن عباس عند الترمذي وقال: حسن أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهلّ بالحج حين فرغ من ركعتيه وهو مذهب الحنفية. 29 - باب الإِهْلاَلِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ (باب الإهلال) حال كونه (مستقبل القبلة) زاد أبو ذر عن المستملي. الغداة بذي الحليفة. 1553 - وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ "كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- إِذَا صَلَّى بِالْغَدَاةِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَرُحِلَتْ، ثُمَّ رَكِبَ، فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَائِمًا ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى يَبْلُغَ الْمَحْرَمَ، ثُمَّ يُمْسِكُ، حَتَّى إِذَا جَاءَ ذَا طُوًى بَاتَ بِهِ حَتَّى يُصْبِحَ، فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ اغْتَسَلَ وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَلَ ذَلِكَ". تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ فِي الْغَسْلِ. [الحديث 1553 - أطرافه في: 1554، 1573، 1574]. (وقال أبو معمر) بفتح اليمين بينهما مهملة ساكنة هو عبد الله بن عمرو المنقري المقعد، وليس هو إسماعيل القطيعي فيما وصله أبو نعيم في مستخرجه من طريق عباس الدورقي عن أبي معمر، وقال ذكره البخاري بلا رواية قال: (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (قال): (كان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا صلّى بالغداة) أي صلّى الصبح بوقت الغداة، ولأبي ذر عن الكشميهني: إذا صلّى الغداة بإسقاط الموحدة أي الصبح (بذي الحليفة أمر براحلته فرحلت) بضم الراء وكسر الحاء المخففة (ثم ركب فإذا استوت به) راحلته قائمة (استقبل القبلة) حال كونه (قائمًا) أي مستويًا على ناقته غير مائل أو وصفه بالقيام لقيام ناقته. وعند ابن ماجة وأبي عوانة في صحيحه من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع كان إذا أدخل رجله في الغرز واستوت به ناقته قائمًا أهلّ (ثم يلبي) بعد أن يركب راحلته ولا يقطع تلبيته (حتى يبلغ المحرم) بميم مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فراء مفتوحة، ولأبي ذر وابن عساكر ق: الحرم أي أرض الحرم، وفي رواية إسماعيل بن علية إذا دخل أدنى الحرم (ثم يمسك)، عن التلبية أو المراد بالحرم المسجد وبالإمساك عن التلبية التشاغل بغيرها من الطواف وغيره. وروى ابن خزيمة في صحيحه من طريق عطاء قال: كان ابن عمر يدع التلبية إذا دخل الحرم ولراجعها بعدما يقضي طوافه بين الصفا والروة فالأولى إن المراد إذا دخل الحرم كما في رواية إسماعيل بن علية، ولقوله بعد: (حتى إذا جاء ذا طوى) بضم الطاء مقصورًا منوّنًا، ولأبي ذر: طوى بكسر الطاء غير منصرف وصحح على عدم الصرف في اليونينية. ونسب الحافظ ابن حجر كسر الطاء لتقييد الأصيلي، وفي القاموس تثليثها، وقال الكرماني: الفتح أفصح وهو واد معروف بقرب مكة في صوب طريق العمرة ومساجد عائشة ويعرف اليوم ببئر الزاهر فجعل غاية الإمساك الوصول إلى ذي طوى، ومذهب الشافعية والحنفية يمتد وقت التلبية إلى شروعه في التحلل رميًا أو غيره. قال الرافعي: ولذلك نقول المعتمر يقطعها إذا افتتح الطواف. وفي الصحيحين عن الفضل بن عباس قال: كنت رديف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من جمع إلى منى فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة. وروى أبو داود عن ابن عباس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر وعند المالكية خلاف هل يقطع التلبية حين يبتدئ الطواف أو إذا دخل مكة، والأول في المدونة، والثاني في الرسالة، وشهره ابن بشير ونقل الكرماني أن في بعض الأصول حتى إذا حاذى طوى بحاء مهملة من المحاذاة وحذف كلمة ذي قال: والصحيح هو الأول لأن اسم

30 - باب التلبية إذا انحدر في الوادي

الموضع ذو طوى فقط (بات به) أي بذي طوى (حتى يصبح) أي إلى أن يدخل في الصباح (فإذا صلّى الغداة) الصبح وجواب إذا قوله (اغتسل) لدخول مكة. (وزعم) وفي رواية ابن علية عن أيوب ويحدّث (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعل ذلك) المذكور من البيتوتة والصلاة والغسل. (تابعه) أي تابع عبد الوارث (إسماعيل) بن علية (عن أيوب) السختياني (في الغسل) بفتح الغين المعجمة، ولأبي ذر: في الغسل بضمها أي وغيره، لكن من غير مقصود الترجمة لأن هذه المتابعة وصلها المؤلّف بعد أبواب عن يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا ابن علية به ولم يقتصر على الغسل بل ذكره كله إلا القصة الأولى، وأوّله كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية والباقي مثله. نبه عليه في الفتح، ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فإذا استوت به استقبل القبلة والله أعلم. 1554 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ نَافِعٍ قَالَ "كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- إِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى مَكَّةَ ادَّهَنَ بِدُهْنٍ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، ثُمَّ يَأْتِي مَسْجِدَ الْحُلَيْفَةِ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَرْكَبُ. وَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَحْرَمَ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفْعَلُ". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن داود) بن حماد (أبو الربيع) العتكيّ الزهراني قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام آخره حاء مهملة مصغرًا ابن سليمان الخزاعي المدني. ويقال: فليح لقب واسمه عبد الملك من طبقة مالك احتج به البخاري وأصحاب السنن وروى له مسلم حديث الإِفك فقط وضعفه يحيى بن معين والنسائي وأبو داود. وقال الساجي: هو من أهل الصدق وكان يهم. وقال الدارقطني: مختلف فيه ولا بأس به. وقال ابن عديّ: له أحاديث صالحة مستقيمة وغرائب وهو عندي لا بأس به اهـ. ولم يعتمد عليه البخاري اعتماده على مالك وابن عيينة وأضرابهما، وإنما أخرج له أحاديث أكثرها في المتابعات وبعضها في الرقائق. (عن نافع) مولى ابن عمر (قال): (كان ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- إذا أراد الخروج إلى مكة ادّهن بدهن ليس له رائحة طيبة، ثم يأتي مسجد الحليفة) ولأبي ذر: مسجد ذي الحليفة (فيصلّي) الغداة (ثم يركب) راحلته (وإذا) وفي نسخة: فإذا (استوت به راحلته قائمة أحرم ثم قال: هكذا رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعل) لم يقع في رواية فليح هذه التصريح باستقبال القبلة لأنه من لازم استواء الراحلة عند الأخذ في السير استقبالها القبلة لأن مكة أمامه فهو مستقبل القبلة ضرورة، وقد صرح بالاستقبال في الرواية الأولى وهما حديث واحد، وإنما احتاج إلى رواية فليح لما فيها من زيادة ذكر الدهن الذي ليست له رائحة طيبة، قال المهلب: وإنما كان ابن عمر يدهن ليمنع القمل عن شعره ويجتنب ما له رائحة طيبة صيانة للإحرام. 30 - باب التَّلْبِيَةِ إِذَا انْحَدَرَ فِي الْوَادِي (باب التلبية إذا انحدر) المحرم (في الوادي). 1555 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ "كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، فَذَكَرُوا الدَّجَّالَ أَنَّهُ قَالَ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ أَسْمَعْهُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: أَمَّا مُوسَى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذِ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي يُلَبِّي". [الحديث 1555 - طرفاه في: 3355، 5913]. وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) المعروف بالزمن (قال: حدثني) بالإفراد (ابن أبي عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين ثم المثناة التحتية المشددة وهو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي (عن ابن عون) بفتح العين وسكون الواو عبد الله (عن مجاهد) هو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة المخزومي مولاهم المكي إمام في التفسير (قال: كنا عند ابن عباس -رضي الله عنهما- فذكروا الدجال أنّه) أي الدجال والهمزة مفتوحة (قال: مكتوب بين عينيه: كافر) في موضع رفع خبر إن وكافر رفع بقوله مكتوب واسم المفعول يعمل عمل فعله كاسم الفاعل، (فقال ابن عباس: لم أسمعه)، عليه الصلاة والسلام زاد في باب الجعد من كتاب اللباس قال ذلك (ولكنه قال:) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (أما موسى كأني أنظر إليه) رؤيا حقيقية بأن يجعل الله لروحه مثالاً يرى في اليقظة كما يرى في النوم كليلة الإسراء والأنبياء أحياء عند ربهم يرزقون، وقد رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موسى قائمًا في قبره يصلّي كما رواه مسلم عن أنس أو أنه عليه الصلاة والسلام نظر ذلك في المنام، وبذلك صرح موسى بن عقبة في روايته عن نافع. ورؤيا الأنبياء حق ووحي أو أنه مثلت له حالة موسى عليه السلام التي كان عليها في الحياة، وكيف يحج ويلبي، أو أنه عليه الصلاة والسلام أخبر بالوحي عن ذلك فلشدة قطعه به قال: كأني أنظر إليه (إذ انحدر في الوادي) وادي الأزرق (يلبي) بحذف الألف بعد الذال، ولأبي ذر: إذا بإثباتها، وأنكرها

31 - باب كيف تهل الحائض والنفساء؟

بعضهم فغلط راويها كما حكاه عياض. قال: وهو غلط منه إذ لا فرق بين إذا وإذ هنا لأنه وصفة حالة انحداره فيما مضى، وقوله: كأني أنظر إليه جواب أما والأصل فكأني فحذف الفاء وهو حجة على من قال من النحاة أنه لا يجوز حذفها، لكن قد يقال: إن حذفه وقع من الراوي، وقد جوّز ابن مالك حذفها في السعة وخصه بعضهم بالضرورة، وقد اعترض المهلب قوله موسى وقال: إنه وهم من بعض الرواة، وصوّب أنه عيسى لأنه حي، واستدلّ بقوله في الحديث الآخر ليهلن ابن مريم بفج الروحاء. وأجيب: بأنه لا فرق بين موسى وعيسى لأنه لم يثبت أن عيسى منذ رفع نزل إلى الأرض وإنما ثبت أنه سينزل عند أشراط الساعة، وقد أخرج مسلم الحديث من طريق أبي العالية عن ابن عباس بلفظ: كأني أنظر إلى موسى من الثنية واضعًا إصبعيه في أذنيه مارًا بهذا الوادي وله جوار إلى الله تعالى بالتلبية قاله لما مرّ بوادي الأزرق، وقد زاد في باب: الجعد من كتاب اللباس ذكر إبراهيم ولفظه قال ابن عباس: لم أسمعه قال ذلك، ولكنه قال: أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم، وأما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلب كأني أنظر إليه إذا انحدر في الوادي يلبي. أفيقال: أن الراوي غلط فزاد إبراهيم، وفي الحديث أن التلبية في بطون الأودية من سنن المرسلين وأنها تتأكد عند الهبوط كما تتأكد عند الصعود. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في اللباس وفي أحاديث الأنبياء، ومسلم في الإيمان. 31 - باب كَيْفَ تُهِلُّ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ؟ أَهَلَّ: تَكَلَّمَ بِهِ، وَاسْتَهْلَلْنَا وَأَهْلَلْنَا الْهِلاَلَ: كُلُّهُ مِنَ الظُّهُورِ. وَاسْتَهَلَّ الْمَطَرُ: خَرَجَ مِنَ السَّحَابِ. {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3] وَهْوَ مِنِ اسْتِهْلاَلِ الصَّبِيِّ. هذا (باب) بالتنوين (كيف تهلّ) أي تحرم (الحائض والنفساء)؟ يقال: (أهلّ) الرجل بما في قلبه إذا (تكلم به. واستهللنا وأهللنا الهلال:) بالنصب على المفعولية أي طلبنا ظهوره، ولأبي ذر: الهلال بالرفع أي استهل الهلال على صيغة المعلوم أي تبين. قال المجد الشيرازي كالجوهري، ولا يقال أهل ويقال أهللنا عن ليلة كذا ولا يقال أهللنا فهل كما يقال أدخلناه فدخل وهو قياسه (كله) أي ما ذكر من هذه الألفاظ مأخوذ (من) معنى (الظهور. و) من الظهور أيضًا (استهل المطر:) أي (خرج من السحاب) ومنه أيضًا قوله تعالى: ({وما أهل لغير الله به}) [المائدة: 3] أي نودي عليه بغير اسم الله وأصله رفع الصوت (وهو من استهلال الصبي) أي رفع صوته بِالصياح عند الولادة. قال في الفتح: وهذا في رواية المستملي والكشميهني وليس مخالفًا لما سبق من أصل الاستهلال رفع الصوت لأن الصوت يقع بذكر الشيء عند ظهوره. 1556 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لاَ يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا. فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلاَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ، فَفَعَلْتُ. فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَالَ: هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ. قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قالت: خرجنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لخمس بقين من ذي القعدة (في حجة الوداع) سميت بذلك لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودّع الناس فيها (فأهللنا بعمرة)، أدخلناها على الحج بعد أن أهللنا به في الابتداء كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى، (ثم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): لمن معه بعد إحرامهم بالحج ودنوّهم من مكة بسرف كما في رواية عائشة أو بعد طوافهم بالبيت فهم بالبيت كما في رواية جابر أو قاله مرتين في الموضعين وأن العزيمة كانت آخرًا حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة. (من كان معه هدي) بإسكان الدال وتخفيف الياء وبكسر الدال وتشديد الياء والأولى أفصح وأشهر اسم لما يهدى إلى الحرم من الأنعام وسوق الهدي سنة لمن أراد الإحرام بحج أو عمرة (فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل) وفي اليونينية: بالنصب مصلح (حتى يحل منهما) أي من الحج والعمرة (جميعًا) وفيه دلالة على أن السبب في بقاء من ساق الهدي على إحرامه حتى يحل من الحج كونه أدخل الحج على العمرة لا مجرد سوق الهدي كما يقوله أبو حنيفة وأحمد وموافقوهما من أن المعتمر المتمتع إذا كان معه هدي لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر، وقد تمسكوا بقوله في رواية عقيل عن الزهري في الصحيحين فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من أحرم بعمرة ولم يهد فليحلل، ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر

هديه، ومن أهلّ بحج فليتم حجه" وهي ظاهرة في الدلالة لمذهبهم، لكن تأولها الشافعية على أن معناها ومن أحرم بعمرة وأهدى فليهلل بالحج ولا يحل حتى ينحر هديه، واستدلوا لصحة هذا التأويل بهذه الرواية لأن القصة واحدة فتعين الجمع بين الروايتين. قالت عائشة: (فقدمت مكة وأنا حائض) جملة اسمية وقعت حالاً وكان ابتداء حيضها بسرف يوم السبت لثلاث خلون من في الحجة (ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة)، عطف على المنفي قبله على تقدير ولم أسع وهو من باب علفتها تبنًا وماء باردًا، ويجوز أن يقدر ولم أطف بين الصفا والمروة على طريق المجاز لما في الحديث وطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف، وإنما ذهب إلى التقدير دون الانسحاب لئلا يلزم استعمال اللفظ الواحد حقيقة ومجازًا في حالة واحدة قاله في شرح المشكاة. (فشكوت ذلك) أي ترك الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة بسبب الحيض (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (انقضي رأسك) بالقاف المضمومة والضاد المعجمة المكسورة من النقض أي حلي ضفر شعر رأسك (وامتشطي) أي سرحيه بالمشط (وأهلي بالحج ودعي العمرة) أي عملها من الطواف والسعي وتقصير الشعر لا أنها تدع العمرة نفسها وحينئذٍ فتكون قارنة كذا تأوله الشافعي. والحاصل أنها أحرمت بالحج ثم فسخته إلى العمرة حين أمر الناس بذلك، فلما حاضت وتعذر عليها إتمام العمرة والتحلل منها وإدراك الإحرام بالحج أمرها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالإحرام بالحج فأحرمت به فصارت مدخلة للحج على العمرة وقارنة، لكن استشكل الخطابي قوله لها انقضي رأسك وامتشطي لأنه ظاهر في إبطال العمرة لأن المحرم يفعل مثل ذلك لأنه يؤدّي إلى انتتاف الشعر. وأجيب: بأنه لا يلزم من ذلك إبطال العمرة فإن نقض الرأس والامتشاط جائزان في الإحرام إذا لم يؤدّ إلى انتتاف الشعر لكن يكره الامتشاط لغير عذر أو إن ذلك كان بسبب أذى كان برأسها فأبيح كما أبيح لكعب بن عجرة في حلق رأسه للأذى، أو المراد بالامتشاط تسريح الشعر بالأصابع لغسل الإحرام بالحج، ولا سيما إن كانت ملبدة فتحتاج إلى نقض الضفر ثم تضفره كما كان ويلزم منه نقضه، ويشهد لما أوله الشافعي رحمة الله عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: قد حللت من حجتك وعمرتك جميعًا، وقوله في الحديث الآخر: طوافك وسعيك كافيك لحجك وعمرتك فهو صريح في أنها كانت قارنة، لكن عند المؤلّف في باب: التمتع والقران من طريق الأسود عنها أنها قالت: يا رسول الله يرجع الناس بعمرة وحج وأرجع أنا بحجة. وزاد في رواية عطاء عنها عند أحمد ليس معها عمرة، وهذا يقوي قول الحنفية أنها تركت العمرة وحجت مفردة متمسكين بقوله لها: دعي عمرتك. واستدلوا به على أن المرأة إذا أهلت بالعمرة متمتعة فحاضت قبل أن تطوف تترك العمرة وتهل بالحج مفردة كما صنعت عائشة -رضي الله عنها-، لكن قال: في الفتح: إن في رواية عطاء عنها ضعفًا والرافع للإشكال في ذلك ما رواه مسلم من حديث جابر أن عائشة أهلّت بعمرة حتى إذا كانت بسرف حاضت فقال لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أهلي بالحج حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وسعت فقال: قد حللت من حجك وعمرتك. قالت يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت. قال: فأعمرها من التنعيم. قالت عائشة -رضي الله عنها-: (ففعلت) بسكون اللام ما ذكر من النقض والامتشاط والإهلال بالحج وترك عمل العمرة وهذا موضع الترجمة. (فلما قضينا الحج) أي وطهرت يوم النحر (أرسلني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع) أخي (عبد الرحمن بن أبي بكر) الصدّيق -رضي الله عنه- (إلى التنعيم) المشهور بمساجد عائشة (فاعتمرت. فقال) عليه الصلاة والسلام: (هذه) العمرة (مكان عمرتك) برفع مكان خبرًا لقوله هذه أو بالنصب، وهو الذي في اليونينية لا غير على الظرفية وعامله المحذوف هو الخبر أي كائنة أو مجعولة مكان عمرتك. قال القاضي عياض: والرفع أوجه عندي إذ لم يرد به الظرف إنما أراد عوض عمرتك، فمن قال كانت قارنة قال مكان عمرتك التي أردت

32 - باب من أهل في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- كإهلال النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

أن تأتي بها مفردة حينئذٍ فتكون عمرتها من التنعيم تطوّعًا لا عن فرض، لكنه أراد تطييب نفسها بذلك. ومن قال: كانت مفردة قال مكان عمرتك التي فسخت الحج إليها ولم تتمكني من الإتيان بها للحيض. وقال السهيلي: الوجه النصب على الظرف لأن العمرة ليست بمكان لعمرة أخرى لكن إن جعلت مكان بمعنى عوض أو بل مجازًا أي هذه بدل عمرتك جاز الرفع حينئذٍ. (قالت): عائشة -رضي الله عنها- (فطاف الذين كانوا أهلّوا بالعمرة بالبيت و) سعوا أو طافوا (بين الصفا والمروة) لأجل العمرة (ثم حلوا)، منها بالحلق أو التقصير (ثم طافوا طوافًا واحدًا) للحج، ولأبي ذر عن الكشميهني: طوافًا آخر (بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافًا واحدًا) لأن القارن يكفيه طواف واحد وسعي واحد لأن أفعال العمرة تندرج في أفعال الحج وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد والجمهور خلافًا للحنفية حيث قالوا: لا بدّ للقارن من طوافين وسعيين لأن القران هو الجمع بين العبادتين فلا يتحقق إلا بالإتيان بأفعال كل منهما والطواف والسعي مقصودان فيهما فلا يتداخلان إذ لا تداخل في العبادات وهو محكي عن أبي بكر وعمر وعلي بن أبي طالب وابن مسعود والحسن بن علي، ولا يصح عن واحد منهم. واستبدل بعضهم له بحديث ابن عمر عند الدارقطني بلفظ: إنه جمع بين حجة وعمرة معًا وطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين وقال: هكذا رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صنع وبحديث علي عند الدارقطني أيضًا، وبحديث ابن مسعود وحديث عمران بن حصين أيضًا، وكلها مطعون فيها لما في رواتها من الضعف المانع للاحتجاج بها والله أعلم. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الحج والمغازي، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في الحج وكذا ابن ماجة والله أعلم. 32 - باب مَنْ أَهَلَّ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَإِهْلاَلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب من أهل) أي أهلّ على الإبهام من غير تعيين (في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كإهلال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فأقره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليه وتقييده في الترجمة بزمنه عليه الصلاة والسلام إشارة إلى أنه لا يجوز بعد ذلك. لنا: أن الأصل عدم الخصوصية فيجوز أن يحرم كإحرام زيد فإن لم يكن زيد محرمًا انعقد إحرامه مطلقًا ولغت الإضافة لزيد، وإن كان زيد محرمًا انعقد إحرامه كإحرامه إن كان حجًّا فحج وإن كان عمرة فعمرة وإن كان مطلقًا فمطلق ويتخير كما يتخير زيد ولا يلزمه الصرف إلى ما يصرف إليه زيد، فإذا تعذر معرفة إحرامه بموته أو جنونه أو غيبته نوى القران وعمل أعمال النسكين ليتحقق الخروج عما شرع فيه، وهذا مذهب الشافعية وهو الصحيح عند أشهب نقله سند وصاحب الذخيرة وهو مذهب الحنابلة، وحكي عن مالك المنع وهو قول الكوفيين لعدم الجزم حين الدخول في العبادة (قاله) أي ما ذكر في الترجمة (ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما أخرجه المؤلّف -رحمه الله- في باب: بعث علي -رضي الله عنه- إلى اليمن من باب المغازي. 1557 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ جَابِرٌ -رضي الله عنه- "أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيًّا -رضي الله عنه- أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَذَكَرَ قَوْلَ سُرَاقَةَ". [الحديث 1557 - أطرافه في: 1568، 1570، 1651، 1785، 2506، 4352، 7230، 7367]. وبالسند قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بشر بن فرقد الحنظلي التميمي البلخي (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال عطاء) هو ابن أبي رباح، (قال جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه-). (أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليا -رضي الله عنه-) هو ابن أبي طالب حين قدم مكة من اليمن ومعه هدي (أن يقيم على إحرامه) الذي كان أحرم به كإحرام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا يحل لأنه معه الهدي. (وذكر) أي جابر في حديثه فهو من مقول عطاء أو المكي بن إبراهيم فيكون من مقول البخاري (قول سراقة) بضم السين المهملة وفتح القاف ابن مالك بن جعشم بضم الجيم والشين المعجمة بينهما مهملة ساكنة المذكور في باب: عمرة التنعيم من حديث حبيب المعلم عن عطاء حدثني جابر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهلّ هو وأصحابه بالحج وليس مع أحد منهم هدي غير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وطلحة، وكان علي -رضي الله عنه- قدم من اليمن ومعه هدي الحديث وفيه: أن سراقة لقي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعقبة وهو يرميها فقال: ألكم هذه خاصة يا رسول الله

قال بل لأبد الأبد أي إن أفعال العمرة تدخل في أفعال الحج للقارن دائمًا في خصوص تلك السنة. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول. قال عطاء وقال جابر وهو صورة التعليق وهو من الرباعيات. 1558 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلاَّلُ الْهُذَلِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ سَمِعْتُ مَرْوَانَ الأَصْفَرَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ "قَدِمَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ: بِمَا أَهْلَلْتَ؟ قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأحْللتُ" وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ "قَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بِمَا أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ". وبه قال: (حدّثنا الحسن بن علي الخلال) بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام الأولى (الهذلي) بضم الهاء وفتح الذال المعجمة نسبة إلى هذيل بن مدركة المتوفى سنة اثنتين وأربعين ومائتين قال: (حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد قال: (حدّثنا سليم بن حيان) بفتح السين وكسر اللام وحيان بفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية (قال سمعت مروان الأصفر) بالصاد المهملة والفاء أبو خليفة البصري قيل اسم أبيه خاقان وقيل سالم (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قدم علي -رضي الله عنه- على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مكة (من اليمن فقال:) عليه الصلاة والسلام له: (بما أهللت؟) أي أحرم وأثبت ألف ما الاستفهامية مع دخول الجار عليها وهو قليل، ولأبي ذر: بم بحذفها على الكثير الشائع نحو فيم أنت من ذكراها عم يتساءلون (قال:) علي -رضي الله عنه- (بما أهل) أي بالذي أحرم (به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال:) عليه الصلاة والسلام (لولا أن معي الهدي لأحللت) من الإحرام وتمتعت لأن صاحب الهدي لا يتحلل حتى يبلغ الهدي محله وهو يوم النحر، واللام في لأحللت للتأكيد. وأخرج هذا الحديث مسلم والترمذي في الحج. (وزاد محمد بن بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف البرساني بضم الموحدة وفتح السين المهملة مما وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن بشار وأبو عوانة في صحيحيه عن عمار كلاهما عنه (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بما أهللت يا علي)؟ (قال: بما أهل به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قال) (فأهد) بهمزة قطع مفتوحة (وامكث) بهمزة وصل أي البث حال كونك (حرامًا) أي محرمًا (كما أنت) أي على ما أنت عليه من الإحرام إلى الفراغ من الحج، وما: موصولة وأنت مبتدأ حذف خبره أو خبر حذف مبتدؤه أي كالذي هو أنت أو ما زائدة ملغاة والكاف جارة وأنت ضمير مرفوع أنيب عن المجرور كقولهم ما أنا كأنت، والمعنى كن فيما يستقبل مماثلاً لنفسك فيما مضى أو ما كافة وأنت مبتدأ حذف خبره أي عليه أو كائن. قال البرماوي كالكرماني: وفي الحديث أن عليًا كان قارنًا لأن الدم إما على متمتع أو قارن وليس متمتعًا لأن قوله أمكث يدل على عدمه. 1559 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ "بَعَثَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى قَوْمٍ بِالْيَمَنِ. فَجِئْتُ وَهْوَ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ: بِمَا أَهْلَلْتَ؟ قُلْتُ أَهْلَلْتُ كَإِهْلاَلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: هَلْ مَعَكَ مِنْ هَدْيٍ؟ قُلْتُ: لاَ. فَأَمَرَنِي فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ أَمَرَنِي فَأَحْلَلْتُ، فَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي أَوْ غَسَلَتْ رَأْسِي. فَقَدِمَ عُمَرُ -رضي الله عنه- فَقَالَ: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ، قَالَ اللَّهُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ} [البقرة: 196]. وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ". [الحديث 1559 - أطرافه في: 1565، 1724، 1795، 4346، 4397]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) بن واقد الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن قيس بن مسلم) بضم الميم وسكون السين الجدلي بفتح الجيم والدال الكوفي (عن طارق بن شهاب) البجلي وفي المغازي من رواية أيوب بن عائذ عن قيس بن مسلم سمعت طارق بن شهاب (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه- قال: بعثني -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في العاشرة من الهجرة قبل حجة الوداع (إلى قوم باليمن) ولأبي ذر: إلى قومي بياء الإضافة (فجئت وهو بالبطحاء) أي بطحاء مكة زاد في باب متى يحل المعتمر من رواية شعبة عن قيس وهو منيخ أي نازل بها (فقال:) عليه الصلاة والسلام. (بما أهللت؟) بإثبات ألف ما الاستفهامية على القليل. قال أبو موسى (قلت: أهللت) وفي رواية شعبة: قلت لبيك بإهلال (كإهلال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (هل معك من هدي) (قلت: لا فأمرني فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أمرني فأحللت) من إحرامي (فأتيت امرأة من قومي) لم تسم المرأة. نعم في أبواب العمرة أنها امرأة من قيس، ويحتمل أن تكون محرمًا له (فمشطتني) بتخفيف الشين المعجمة أي سرحته بالمشط (أو غسلت رأسي) بالشك. ولمسلم: وغسلت بواو العطف ولم يذكر الحلق إما لكونه معلومًا عندهم أو لدخوله في أمره بالإحلال (فقدم) بكسر الدال أي جاء (عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-) أي زمان خلافته لا في حجة الوداع كما بين في مسلم واختصره المؤلّف، ولفظ مسلم: ثم أتيت امرأة من قيس فقلت رأسي ثم أهللت بالحج

33 - باب قول الله تعالى [البقرة: 197]: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}، [البقرة: 197]: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج}.

فكنت أفتي به الناس حتى كان في خلافة عمر -رضي الله عنه- فقال له رجل: يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس رويدك بعض فتياك فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك. فقال: يا أيها الناس من كنا أفتيناه فُتيا فليتئد فإن أمير المؤمنين قادم عليكم فأتموا به. قال: فقدم عمر فذكرت له ذلك (فقال: أن نأخذ بكتاب الله فإنه يأمرنا بالتمام)، أي بإتمام أفعالهما بعد الشروع فيهما (قال الله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196] قيل إتمامهما الإحرام بهما من دويرة أهله وهو مروي عن علي وابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وعند عبد الرزاق عن عمر من تمامهما أن يفرد كل واحد منهما من الآخر وأن يعتمر في غير أشهر الحج إن الله تعالى يقول الحج أشهر معلومات، (وأن نأخذ بسنة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه) عليه الصلاة والسلام (لم يحل) من إحرامه (حتى نحر الهدي) بمنى، وظاهر كلام عمر هذا إنكار فسخ الحج إلى العمرة وأن نهيه عن التمتع إنما هو من باب ترك الأولى لا أنه منع ذلك منع تحريم وابطال قاله عياض. وقال النووي: والمختار أنه ينهى عن المتعة المعروفة التي هي الاعتمار في أشهر الحج ثم الحج من عامه وهو على التنزيه للترغيب في الإفراد ثم انعقد الإجماع على جواز التمتع من غير كراهة، وإنما أمر أبا موسى بالإحلال لأنه ليس معه هدي بخلاف علي حيث أمره بالبقاء لأن معه الهدي مع أنهما أحرما كإحرامه، لكن أمر أبا موسى بالإحلال تشبيهًا بنفسه لو لم يكن معه هدي، وأمر عليًّا تشبيهًا به في الحالة الراهنة. وفي الحديث صحة الإحرام المعلق وهو موضع الترجمة وبه أخذ الشافعية كما مرّ أول الباب. 33 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [البقرة: 197]: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}، [البقرة: 197]: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لاَ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِلاَّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ". وَكَرِهَ عُثْمَانُ -رضي الله عنه- أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ كَرْمَانَ. (باب قول الله تعالى): ({الحج أشهر}) [البقرة: 197] أي وقت الحج أشهر فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه أي وقت الحج في أشهر لكن قال ابن عطية: من قدر الكلام في أشهر لزمه مع سقوط حرف الجر نصب الأشهر ولم يقرأ بنصبها أحد، وتعقبه أبو حيان بأنه لا يلزم نصب الأشهر مع سقوط حرف الجر كما ذكره لأنه يرفع على الاتساع وهذا لا خلاف فيه عند البصريين أعني أنه إذا كان ظرف الزمان نكرة خبرًا عن المصادر فإنه يجوز عندهم فيه الرفع والنصب، وسواء كان لحدث مستغرقًا للزمان أو غير مستغرق. وأما الكوفيون فعندهم في ذلك تفصيل وهو أن الحدث إما أن يكون مستغرقًا للزمان فيرفع ولا يجوز فيه النصب أو غير مستغرق، فمذهب هشام أنه يجب فيه الرفع فتقول ميعادك يوم وثلاثة أيام. وذهب الفراء إلى جواز النصب والرفع كالبصريين، ونقل عن الفراء في هذا الموضع أنه لا يجوز نصب الأشهر لأن أشهرًا نكرة غير محصورة وهذا النقل مخالف لما نقل عنه فيمكن أن يكون له قولان قول كالبصريين والآخر كهشام انتهى. وقال الشيخ أبو إسحاق في المهذّب: المراد وقت إحرام الحج لأن الحج لا يحتاج إلى أشهر فدل على أن المراد وقت الإحرام به والأشهر جمع شهر وليس المراد منه ثلاثة أشهر كوامل، ولكن المراد شهران وبعض الثالث فهو من إطلاق الكل وإرادة البعض كما حكى الفراء له اليوم يومان لم أرده قال وإنما هو يوم وبعض يوم آخر، وحكي عن العرب ما رأيته من خمسة أيام وإن كنت قد رأيته في اليوم الأول واليوم الخامس فلم يشمل الانتفاء خمسة الأيام جميعها، بل يجعل ما رأيته في بعضه وانتفت الرؤية في بعضه كأنه يوم كامل لم يره فيه أو أن اسم الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد بدليل قوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] قاله في الكشاف وتعقبه في البحر بأن ما ذكره الدعوى فيه عامة. وهو أن اسم الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد وهذا فيه النزاع والدليل الذي ذكره خاص وهذا لا خلاف فيه، ولإطلاق الجمع في مثل ذلك على التثنية شروط ذكرت في النحو وأنه ليس من باب فقد صغت قلوبكما فلا يمكن أن يستدل به عليه. ({معلومات}) أي معروفات عند الناس لا تشك عليهم ({فمن فرض فيهن الحج}) أوجبه على نفسه بالنية عند الشافعية وبالتلبية أو سوق الهدي عند أبي حنيفة، وهو دليل على ما ذهب إليه الشافعي أن من أحرم بالحج لزمه الإتمام ({فلا رفث}) فلا جماع أو فلا فحش من الكلام ({ولا فسوق}) ولا خروج عن حدود الشرع بالسيئات

وارتكاب المحظورات ({ولا جدال}) ولا مراء مع الخدم والرفقة ({في الحج}) [البقرة: 197] في أيامه الثلاثة. وقرأ رفث وفسوق برفعهما منّونًا ابن كثير وأبو عمرو على جعل لا ليسية وهو خبر بمعنى النهي، أو على جعلهما جملتين حذف خبرهما، أو رفث مبتدأ وفسوق عطف عليه والخبر محذوف. وقرأ الباقون بالنصب بلا تنوين مبنيين مع لا الجنسية والجمهور على بناء جدال على الفتح للعموم. ({يسألونك}) [البقرة: 189] ولأبي ذر: وقوله يسألونك (عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) جمع ميقات من الوقت والفرق بينه وبين المدة والزمان أن المدة المطلقة امتداد حركة الفلك من مبدئها إلى منتهاها والزمان مدة مقسومة والوقت الزمان المفروض لأمر. (وقال ابن عمر:) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-) مما وصله ابن جرير الطبري والدارقطني من طريق ورقاء عن عبد الله بن دينار عنه: (أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة) فيدخل يوم النحر، وهذا مذهب أبي حنيفة وأحمد. وقال الشافعي: لا يدخل يوم النحر وهو المصحح المشهور عنه. وقال مالك في المشهور عنه ذو الحجة بكماله لقوله تعالى: ({الحج أشهر معلومات}) وإنما تكون أشهرًا إذا كمل ذو الحجة، وليس المراد من كونها أشهر الحج باعتبار أن كل أفعاله جائزة فيها. ألا ترى أن الوقوف وطواف الزيادة وغيرهما غير جائز في شوال بل باعتبار أن بعض أفعاله يعتدّ بها فيها دون غيرها كما أن الأفاقي إذا قدم في شوال وطاف طواف القدوم وسعى بعده ينوب هذا السعي عن السعي الواجب في الحج. (وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-:) مما وصله ابن خزيمة والدارقطني والحاكم (من السنة) أي من الشريعة (أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج) فلو أحرم به في غير أشهره كرمضان انعقد عمرة عند الشافعية لأن الإحرام شديد التعلق واللزوم فإذا لم يقبل الوقت ما أحرم به انصرف إلى ما يقبله وهو العمرة. وقال المالكية والحنفية: ينعقد حجًّا ولا يصح شيء من أفعاله إلا فيها لكنه يكره. قال الحنفية: لأنه لا يأمن في التقديم وقوع محظور. وقال المالكية: لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما أحرم به في أشهره. (وكره عثمان) بن عفان (-رضي الله عنه- أن يحرم من خراسان) بضم الخاء المعجمة (أو كرمان) بكسر الكاف لأبي ذر وبفتحها لغيره وهذا وصله سعيد بن منصور ولفظه: حدّثنا هشيم يونس بن عبيد حدّثنا الحسن هو البصري أن عبد الله بن عامر أحرم من خراسان فلما قدم على عثمان لامه فيما صنع وكرهه، ولأبي أحمد بن سيار في تاريخ مرو قال: لما فتح عبد الله بن عامر خراسان قال: لأجعلن شكري لله أن أخرج من موضعي هذا محرمًا فأحرم من نيسابور، فلما قدم على عثمان لامه. وفي تاريخ يعقوب بن أبي سفيان أن ذلك في السنة التي قتل فيها عثمان، ووجه الكراهة ما فيه من الحرج والضرر. 1560 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَيَالِي الْحَجِّ، وَحُرُمِ الْحَجِّ، فَنَزَلْنَا بِسَرِفَ. قَالَتْ: فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلاَ. قَالَتْ: فَالآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا مِنْ أَصْحَابِهِ. قَالَتْ: فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا أَهْلَ قُوَّةٍ وَكَانَ مَعَهُمُ الْهَدْيُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْعُمْرَةِ. قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ يَا هَنْتَاهْ؟ قُلْتُ: سَمِعْتُ قَوْلَكَ لأَصْحَابِكَ فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ. قَالَ: وَمَا شَأْنُكِ؟ قُلْتُ: لاَ أُصَلِّي. قَالَ: فَلاَ يَضِيرُكِ، إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا. قَالَتْ: فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى فَطَهَرْتُ ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الآخِرِ حَتَّى نَزَلَ الْمُحَصَّبَ وَنَزَلْنَا مَعَهُ، فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: أخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ افْرُغَا ثُمَّ ائْتِيَا هَاهُنَا فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي. قَالَتْ: فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ وَفَرَغْتُ مِنَ الطَّوَافِ ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرَ فَقَالَ: هَلْ فَرَغْتُمْ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَآذَنَ بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ، فَمَرَّ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ". ضَيْرُ مِنْ ضَارَ يَضِيرُ ضَيْرًا. وَيُقَالُ ضَارَ يَضُورُ ضَوْرًا، وَضَرَّ يَضُرُّ ضَرًّا. وبالسند قال: (حدثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد الشين المعجمة الملقب ببندار (قال: حدثني) بالإفراد (أبو بكر) عبد الكبير بن عبد المجيد (الحنفي) قال: (حدّثنا أفلح بن حميد) بهمزة مفتوحة ففاء ساكنة ثم حاء مهملة وحميد بضم الحاء المهملة وفتح الميم الأنصاري (قال: سمعت القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أشهر الحج، وليالي الحج، وحرم الحج)، بضم الحاء والراء أي أزمنته وأمكنته وحالاته، وهذا موضع الترجمة فإنه يدل على أنه كان مشهورًا عندهم معلومًا. وللأصيلي فيما ذكره الزركشي كعياض: وحرم الحج بفتح الراء جمع حرمة أي ممنوعات الحج ومحرماته، (فنزلنا بسرف) بفتح السين المهملة وكسر الراء آخره فاء غير منصرف للعلمية والتأنيث اسم بقعة على عشرة أميال من مكة (قالت) عائشة (فخرج) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قبته التي ضربت له (إلى أصحابه فقال:) لهم: (من لم يكن منكم معه هدي فأحب أن يجعلها) أي حجته (عمرة فليفعل) أي العمرة (ومن كان معه الهدي فلا) يفعل أي لا يجعلها عمرة فحذف الفعل المجزوم بلا الناهية، ولمسلم

قالت: قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأربع مضين من ذي الحجة أو خمس فدخل علي وهو غضبان فقلت: من أغضبك أدخله الله النار؟ قال: أو ما شعرت أني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون. وفي حديث جابر عند البخاري فقال لهم: أحلوا من إحرامكم واجعلوا التي قدمتم بها متعة. فقالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ فقال: افعلوا ما أقول لكم فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم، ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله ففعلوا. قال النووي: هذا صريح في أنه عليه الصلاة والسلام أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة أمر عزيمة وتحتيم بخلاف قوله من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل. قال العلماء: خيرهم أولاً بين الفسخ وعدمه ملاطفة لهم وإيناسًا بالعمرة في أشهر الحج لأنهم كانوا يرونها من أفجر الفجور ثم حتم عليهم بعد ذلك الفسخ وأمرهم أمر عزيمة وألزمهم إياه وكره تردّدهم في قبول ذلك ثم قبلوه وفعلوه إلا من كان معه هدي. (قالت:) عائشة -رضي الله عنها- (فالآخذ بها) بمد الهمزة وكسر الخاء المعجمة والرفع على الابتداء (والتارك لها) عطف على سابقه والضميران للعمرة وخبر المبتدأ قولها (من أصحابه قالت: فأما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورجال من أصحابه فكانوا أهل قوة وكان معهم الهدي فلم يقدروا على العمرة. قالت: فدخل عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا أبكي) جملة حالية (فقال): (ما يبكيك يا هنتاه؟) بفتح الهاء وسكون النون والهاء الأخيرة كذا ضبطه في الفرع كأصله، ونسبه السفاقسي لرواة أبي ذر وفي أخرى زيادة فتح النون وضم الهاء الأخيرة والسكون فيها هو الأصل لأنها للسكت، لكنهم شبهوها بالضمائر وأثبتوها في الوصل وضموها. ويقال: في التثنية هنتان وفي الجمع هنات وهنوات وفي المذكر هن وهنان وهنون، ولك أن تلحقها الهاء لبيان الحركة فتقول يا هنة وأن تشبع الحركة فتصير ألفًا فتقول يا هناه. وقال الخليل: إذا دعوت امرأة فكنيت عن اسمها قلت يا هنة فإذا وصلتها بالألف الهاء وقفت عندها في النداء فقلت يا هنتاه ولا يقال إلا في النداء. قال: ومعنى يا هنتاه يا بلهاء كأنها نسبت إلى قلة المعرفة بمكايد الناس وشرودهم أو المعنى يا هذه. (قلت: سمعت قولك لأصحابك بك فمنعت العمرة). أي أعمالها من الطواف والسعي وقد كانت قارنة (قال: (وما شأنك؟) قلت: لا أصلي) كنت عن الحيض بالحكم الخاص به وهو امتناع الصلاة وتأدبًا منها في الكناية لما في التصريح به من إخلال ما بالأدب، ولهذ والله أعلم استمر النساء إلى الآن على الكناية عن الحيض بحرمان الصلاة أي تحريمها، فظهر أثر أدبها -رضي الله عنها- في بناتها قاله ابن المنير. (قال:) عليه الصلاة والسلام: (فلا يضيرك) بكسر الضاد وتخفيف المثناة التحتية من الضير وهو الضرر. قال العيني كالحافظ ابن حجر، وفي رواية غير الكشميهني: فلا يضرك بتشديد الراء من الضرر (إنما أنت امرأة من بنات آدم كتب الله عليك ما كتب عليهن) سلاها عليه الصلاة والسلام بذلك وخفف همها أي إنك لست مختصة بذلك بل كل بنات آدم يكون منهن هذا (فكوني في حجتك فعسى الله أن يرزقكيها) مفردة كذا في اليونينية وغيرها بباء متولدة من إشباع كسرة الكاف وهي في لسان المصريين شائعة قاله في المصابيح. وفي البرماوي كالكرماني يرزقكها بغير ياء قالا وفي بعضها بإشباع كسرة الكاف ياء والضمير للعمرة. (قالت: فخرجنا في حجته حتى قدمنا منى فطهرت) بالطاء المهملة وفتح الهاء يوم السبت وهو يوم النحر في حجة الوداع وكان ابتداء حيضها يوم السبت أيضًا لثلاث خلون من ذي الحجة، (ثم خرجت من منى فأفضت بالبيت) أي طفت به طواف الإفاضة (قالت: ثم خرجت) بسكون الجيم وضم التاء. وفي اليونينية: بفتح الجيم وسكون التاء لا غير (معه) عليه الصلاة والسلاً (في النفر الأخر) بإسكان الفاء القوم ينفرون من منى والأخر بكسر الخاء وهو في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، وأما النفر

34 - باب التمتع والإقران والإفراد بالحج وفسخ الحج لمن لم يكن معه هدي

الأول ففي ثاني عشرة (حتى نزل) عليه الصلاة والسلام (المحصب) بضم الميم وفتح الحاء والصاد المشددة المهملتين آخره موحدة موضع متسع بين مكة ومنى وسمي به لاجتماع الحصباء فيه بحمل السيل لانهباطه وهو الأبطح وخيف بني كنانة وهو ما بين الجبلين إلى المقابر وليست المقابر منه. وفرق المحب الطبري بين الأبطح والبطحاء من حيث التذكير والتأنيث لا من حيث المكان فقال: والأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى فإذا أردت الوادي قلت الأبطح وإذا أردت البقعة قلت البطحاء (ونزلنا معه) فيه (فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (فقال): (أخرج) بضم الراء (بأختك) عائشة (من الحرم) إلى أدنى الحل لتجمع في النسك بين أرض الحل والحرم كما يجمع الحاج بينهما (فلتهلّ بعمرة) أي مكان العمرة التي كانت تريد حصولها منفردة غير مندرجة فمنعها الحيض منها. وقوله: فلتهلّ بسكون اللام وضم التاء من الإهلال وهو الإحرام ثم (افرغا) من العمرة وظاهره أن عبد الرحمن اعتمر مع أخته (ثم ائتيا هاهنا) أي المحصب (فإني أنظركما) بضم الظاء المعجمة بمعنى رواية أبي ذر عن الكشميهني انتظركما بزيادة مثناة فوقية من الانتظار كما في قوله تعالى: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد: 13] (حتى تأتياني) وفي بعض الأصول تأتيان بحذف الياء تخفيفًا وتخفيف النون وكسرة النون تدل على المحذوف. (قالت: فخرجنا) إلى التنعيم فأحرمنا بالعمرة (حتى إذا فرغت) منها (وفرغت) أيضًا (من الطواف) للوداع وحذف ذلك للعلم به فكل واحد من اللفظين مسلط على غير ما تسلط عليه الآخر، وهذا يرد على من زعم أن الراوي حرّف اللفظ أو غلط فيه وأن الأصل فرغت بلفظ الغائب تعني عائشة أخاها بدليل ما في أول الحديث أفرغا وما في آخره هل فرغتم. وأجيب: بأنه ليس الذي في أوّله وآخره موجبًا لأن تقول فرغت وفرغ بل إنما عبرت عن حالها عن حاله، لكن قال الكرماني وتبعه البرماوي والعيني أنه في بعضها فرغ بلفظ الغائب والله أعلم. (ثم جئته بسحر) قبيل الفجر الصادق. قال الزركشي وغيره بفتح الراء أي من ذلك اليوم فلا ينصرف للعلمية والعدل نحو جئته يوم الجمعة سحر انتهى. قال في المصابيح: حكى الرضى خلافًا في صرفه مع إرادة التعيين، لكن حكى أن القول المشهور كونه غير منصرف وتحقق العدل فيه هو أن كل لفظ جنس أطلق وأريد فرد معين من أفراده فلا بد فيه من لام العهد سواء صار علمًا بالغلبة كالصعق والنجم أو لا نحو: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16] أخذًا من استقراء لغتهم، فثبت في سحر بذلك عدل محقق. وقال أبو حيان: تعينه أن يراد من يوم بعينه سواء ذكرت ذلك اليوم معه كجئتك (يوم الجمعة سحر أو لم تذكره كجئتك سحر وأنت تريد ذلك من يوم بعينه)، وسواء عرّفت ذلك اليوم كما مرّ أو نكرته نحو: جئتك يومًا سحر. (فقال): عليه الصلاة والسلام لهما ومن معهما ممن اعتمر: (هل فرغتم)؟ من العمرة؟ أو قال لهما فقط على قول أن أقل الجمع اثنان. قالت عائشة: (فقلت) ولأبي ذر وابن عساكر: قلت: (نعم)، فرغنا منها. (فآذن) بهمزة ممدودة فذال معجمة مفتوحة مخففة فنون أي أعلم (بالرحيل في أصحابه)، وقيل أذن بتشديد الذال من غير مدّ (فارتحل الناس، فمر) عليه الصلاة والسلام حال كونه (متوجهًا إلى المدينة) ولما كان في قوله لا يضيرك روايتان هذه والثانية فلا يضرك أشار بقوله (ضير) الأجوف اليائي إلى أن مصدر لا يضيرك ضير، وأشار إلى أن فيه لغتين: إحداهما أن يكون (من ضار يضير ضيرًا) من باب يبيع بيعًا، وأشار إلى الثانية بقوله: (ويقال ضار يضور ضورًا) من باب: قال يقول قولاً، وأشار إلى الرواية الثانية بقوله: (وضرّ يضر ضرًا) بفتح العين في الماضي وضمها في المستقبل، وهذه الجملة من قوله ضير الخ ساقطة في رواية أبي ذر. وفي حديث الباب التحديث والعنعنة والسماع والقول، ورواته الأوّلان بصريان والأخيران مدنيان، وأخرجه البخاري أيضًا ومسلم في الحج وكذا النسائي. 34 - باب التَّمَتُّعِ وَالإِقْرَانِ وَالإِفْرَادِ بِالْحَجِّ وَفَسْخِ الْحَجِّ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ (باب التمتع) وهو تفعل من المتاع

وهو المنفعة وما تمتعت به يقال تمتعت بكذا واستمتعت به بمعنى والاسم منه المتعة وهي: أن يحرم من على مسافة القصر من حرم مكة بعمرة أوّلاً من ميقات بلده في أشهر الحج ثم يفرغ منها وينشئ حجًّا من مكة من عامها ولم يعد لميقات من المواقيت ولا لمثله مسافة، وسمي تمتعًا لتمتع صاحبه بمحظورات الإحرام بينهما وخرج بالقيود المذكورة ما لو أحرم بالحج أوّلاً لقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} وما لو أحرم بالعمرة في غير أشهر الحج وإن وقع أعمالها في أشهره لأنه لم يجمع بينهما في وقت الحج فأشبه الفرد، وما لو أحرم في أشهر الحج من الحرم ومن دون مسافة القصر لأنه من حاضري في المسجد الحرام، وقد قال تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] وما لو أحرم بها من مسافة القصر فأكثر من الحرم ولم يحج من عامها أو حج من عامها وعاد قبل إحرامه به أو بعده وقبل التلبس بنسك إلى ميقات أو مثله مسافة ولو أقرب مما أحرم به بالعمرة وهذه القيود المذكورة إنما هي قيود للتمتع الموجب للدم لا في صدق اسم التمتع. (والإقران) أن يجمع بينهما في إحرامه فتندرج أفعال العمرة في أفعال الحج أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل الشروع في الطواف، فلو أحرم بالحج أوّلاً ثم أدخل عليه العمرة لم يصح على أصح قولي الشافعي لأنه لا يستفيد به شيئًا بخلاف إدخاله الحج على العمرة يستفيد به الوقوف والرمي والمبيت، ولأنه يمتنع إدخال الضعيف على القوي نعم صحح الإمام البلقيني في التدريب القول الآخر وجعله من أنواع القران فقال: والمختار جوازه لصحة ذلك من فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد قال: "خذوا مناسككم عني" قال ثم يمتد الجواز ما لم يشرع في طواف القدوم على الأرجح اهـ. وقوله: الإقران كذا في رواية أبي ذر بالهمزة المكسورة قبل القاف الساكنة قال القاضي عياض: وهو خطأ من حيث اللغة، وقال السفاقسي: الإقران غير ظاهر لأن فعله ثلاثي وصوابه قرن. قال في التنقيح: لم يسمع في الحج أقرن ولا قرن في المصدر منه، وإنما هو قران مصدر قرن بين الحج والعمرة إذا جمع بينهما قال في المصابيح: أراد تخطئة البخاري لقصد المشاكلة بين الإقران والإفراد نحو: ارجعن مأزورات غير مأجورات اهـ. ولأبي الوقت: والقران (والإفراد بالحج) بأن يحج ثم يعتمر أو يحرم بعمرة في غير أشهر الحج أو فيها على دون مسافة القصر من الحرم أو على مسافته منه ولم يحج عام العمرة أو يحج عامها ويعود إلى ميقات. نعم ما سوى الأولى تمتع لكن لا يوجب دمًا (وفسخ الحج) إلى العمرة أي قلبه عمرة بأن يحرم به ثم يتحلل منه بعمل عمرة فيصير متمتعًا (لمن لم يكن معه هدي) وجوّزه أحمد وطائفة من أهل الظاهر. وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء من السلف والخلف: أنه خاص بالصحابة وبتلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج واعتقادهم أن إيقاعها فيه من أفجر الفجور. ودليل التخصيص حديث الحرث بن بلال عن أبيه المروي عند أبي داود والنسائي وابن ماجة قال: قلت: يا رسول الله أرأيت فسخ الحج إلى العمرة لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال (بل لكم خاصة) وأجاب القائلون بالأوّل بأن حديث الحرث بن بلال ضعيف، فإن الدارقطني قال: إنه تفرّد به عبد العزيز بن محمد الدراوردي عنه. وقال أحمد: إنه لا يثبت ولا نرويه عن الدراوردي ولا يصح حديث في الفسخ أنه كان لهم خاصة وساق في البخاري قال: شهدت عثمان وعليًّا -رضي الله عنهما- وعثمان ينهى عن المتعة أي عن فسخ الحج إلى العمرة لأنه كان مخصوصًا بتلك السنة وقال: مرة حديث بلال لا أقول به لا نعرف هذا الرجل ولم يروه إلا الدراوردي، وأما الفسخ فرواه أحد وعشرون صحابيًا وأين يقع بلال بن الحرث منهم؟ وأجاب النووي بأنه لا معارضة بينه وبينهم حتى يرجح لأنهم أثبتوا الفسخ للصحابة والحرث يوافقهم وزاد زيادة لا تخالفهم. 1561 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ نُرَى إِلاَّ أَنَّهُ الْحَجُّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ، فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ فَأَحْلَلْنَ. قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: فَحِضْتُ، فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ. فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ. قَالَ: وَمَا طُفْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا مَكَّةَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَاذْهَبِي مَعَ أَخِي كِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ مَوْعِدُكِ كَذَا وَكَذَا. قَالَتْ صَفِيَّةُ: مَا أُرَانِي إِلاَّ حَابِسَتَهُمْ. قَالَ: عَقْرَى حَلْقَى، أَوَ مَا طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قَالَتْ: قُلْتُ بَلَى. قَالَ: لاَ بَأْسَ، انْفِرِي. قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَلَيْهَا، أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهْوَ مُنْهَبِطٌ مِنْهَا". وبالسند قال: (حدّثنا عثمان) بن أبي شيبة قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن زيد (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت): (خرجنا

مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في أشهر الحج (ولا نرى) بضم النون أي لا نظن (إلا أنه الحج) قال الزركشي: يحتمل أن ذلك كان اعتقادها من قبل أن تهل ثم أهلت بعمرة، ويحتمل أن تريد حكاية فعل غيرها من الصحابة فإنهم كانوا لا يعرفون إلا الحج ولم يكونوا يعرفون العمرة في أشهر الحج فخرجوا محرمين بالذي لا يعرفون غيره. اهـ. وتعقبه الدماميني بأن الظاهر غير الاحتمالين المذكورين، وهو أن مرادها لا أظن أنا ولا غيري من الصحابة إلا أنه الحج فأحرمنا به هذا ظاهر اللفظ اهـ. قلت: هذا ليس بظاهر لأن قولها: لا نرى إلا أنه الحج ليس صريحًا في إهلالها بالحج فليتأمل. نعم في رواية أبي الأسود عنها كما سيأتي إن شاء الله تعالى مهلين بالحج، ولمسلم: لبّينا بالحج وهذا ظاهره أنها مع غيرها من الصحابة كانوا أوّلاً محرمين بالحج، لكن في رواية عروة عنها في هذا الباب: فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهلّ بحجة وعمرة ومنا من أهلّ بالحج، فيحمل الأوّل على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتماد في أشهر الحج، ثم بين لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجوه الإحرام وجوّز لهم الاعتمار في أشهر الحج. وأما عائشة نفسها فسيأتي إن شاء الله تعالى في أبواب العمرة وفي حجة الوداع من المغازي من طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها في أثناء هذا الحديث قالت: وكنت ممن أهلّ بعمرة، وقد زعم إسماعيل القاضي وغيره أن الصواب رواية أبي الأسود والقاسم وعمرة عنها أنها أهلت بالحج مفردًا ونسب عروة إلى الغلط. وأجيب: بأن قول عروة عنها أنها أهلت بعمرة صريح، وأما قول أبي الأسود وغيره عنها لا نرى إلا الحج صريحًا في إهلالها بحج مفرد فالجمع بينهما ما سبق من غير تغليط عروة وهو أعلم الناس بحديثها، وقد وافقه جابر بن عبد الله عند مسلم وطاوس ومجاهد عنها. (فلما قدمنا) مكة (تطوّفنا بالبيت)، تعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه غيرها لأنها لم تطف بالبيت ذلك الوقت لأجل حيضها، (فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من لم يكن ساق الهدي أن يحل) من الحج بعمل العمرة وياء يحل مضمومة من الإحلال والذي في اليونينية: بفتحها لا غير، والفاء في فأمر للتعقيب فيدل على أن أمره عليه الصلاة والسلام بذلك كان بعد الطواف، وسبق أن أمرهم به بسرف، فالثاني تكرار للأول وتأكيد له فلا منافاة بينهما (فحل) بعمل العمرة (من لم يكن ساق الهدي) وهذا هو فسخ الحج المترجم به، وجوّزه أحمد وبعض أهل الظاهر وخصه الأئمة الثلاثة والجمهور بالصحابة في تلك السنة كما سبق. (ونساؤه) عليه الصلاة والسلام (لم يسقن) الهدي (فأحللن) وعائشة منهم لكن منعها من التحلل كونها حاضت ليلة دخولها مكة وكانت محرمة بعمرة وأدخلت عليها الحج فصارت قارنة كما مرّ. (قالت عائشة -رضي الله عنها-: فحضت) بسرف (فلم أطف بالبيت) طواف العمرة لمانع الحيض وأما طواف الحج فقد قالت فيه كما مر ثم خرجت من منى فأفضت بالبيت، (فلما كانت ليلة الحصبة) بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين أي ليلة المبيت بالمحصب (قالت يا رسول الله)، الأصل أن تقول قلت لكنه على طريق الالتفات (يرجع الناس بعمرة) منفردة عن حجة (وحجة) منفردة عن عمرة (وأرجع أنا بحجة) ليس لي عمرة منفردة عن حج حرصت نجذلك على تكثير الأفعال كما حصل لسائر أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابة الذين فسخوا الحج إلى العمرة وأتموا العمرة وتحللوا منها قبل يوم التروية وأحرموا بالحج يوم التروية من مكة فحصل لهم حجة منفردة وعمرة منفردة، وأما عائشة فإنما حصل لها عمرة مندرجة في حجة بالقران، فأرادت عمرة مفردة كما حصل لبقية الناس، ولأبي الوقت من غير اليونينية: وأرجع أنا بالحجة وللكشميهني في بعض النسخ. وارجع لي بحجة. (قال): عليه الصلاة والسلام: (وما طفت ليالي قدمنا مكة) قالت عائشة: (قلت لا: قال) عليه الصلاة والسلام (فاذهبي مع أخيك) عبد الرحمن (إلى التنعيم فأهليّ) أي أحرمي (بعمرة) أمرها بذلك تطييبًا لقلبها (ثم موعدك كذا وكذا) في

الرواية السابقة في باب: قول الله تعالى: {الحج أشهر معلومات} ثم ائتيا هاهنا أي المحصب (قالت صفية:) بنت حيي أم المؤمنين -رضي الله عنها- (ما أراني) بضم الهمزة أي ما أظن نفسي (إلا حابستهم.) بالنصب أي القوم عن المسير إلى المدينة لأني حضت ولم يطف بالبيت، فلعلهم بسببي يتوقفون إلى زمان طوافي بعد الطهارة، وإسناد الحبس إليها مجاز. وفي نسخة: حابستكم بكاف الخطاب وكانت صفية كما سيأتي إن شاء الله تعالى قد حاضت ليلة النفر فأراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها ما يريد الرجل من أهله وذلك قبيل وقت النفر لا عقب الإفاضة. قالت عائشة: يا رسول الله إنها حائض. (قال): عليه الصلاة والسلام (عقرا حلقا،) بفتح الأول وسكون الثاني فيهما وألفهما مقصورة للتأنيث فلا ينوّنان ويكتبان بالألف هكذا يرويه المحدثون حتى لا يكاد يعرف غيره وفيه خمسة أوجه. أولها: إنهما وصفان لمؤنث بوزن فعلى أي عقرها الله في جسدها وحلقها أي أصابها وجع في حلقها أو حلق شعرها فهي معقرة محلوقة وهما مرفوعان خبرا المبتدأ محذوف أي هي. ثانيها: كذلك إلا أنها بمعنى فاعل أي أنها تعقر قومها وتحلقهم بشؤمها أي تستأصلهم فكأنه وصف من فعل متعدّ وهما مرفوعان أيضًا بتقدير هي وبه قال الزمخشري. ثالثها: كذلك إلا أنه جمع كجريح وجرحى أي ويكون وصف المفرد بذلك مبالغة. رابعها: أنه وصف فاعل لكن بمعنى لا تلد كعاقر وحلقى أي مشؤومة. قال الأصمعي: يقال أصبحت أمه حالقًا أي ثاكلاً. خامسها: إنهما مصدران كدعوى والمعنى عقرها الله وحلقها أي حلق شعرها أو أصابها بوجع في حلقها كما سبق قاله في المحكم فيكون منصوبًا بحركة مقدّرة على قاعدة المقصور وليس بوصف. وقال أبو عبيدة: الصواب عقرًا حلقًا بالتنوين فيهما. قيل له: لم لا يجوز فعلى؟ قال: لأن فعلى يجيء نعتًا ولم يجيء في الدعاء. وهذا دعاء. وقال في القاموس: عقرا وحلقا وينوّنان. وفي الصحاح وربما قالوا عقرا وحلقا بلا تنوين، وحاصله جواز الوجهين فالتنوين على أنه مصدر منصوب كسقيًا وتركه إما على أنه مصدر كما في المحكم أو وصف على بابه فيكون مرفوعًا كما مرّ، فالجملة على هذا خبرية وعلى ما قبله دعائية. وفي القاموس كالمحكم إطلاق العقرا على الحائض وكأن العقر بمعنى الجرح لما كان فيه سيلان دم سمي سيلان الدم بذلك، وعلى كل تقدير فليس المراد حقيقة ذلك لا في الدعاء ولا في الوصف بل هي كلمة اتسعت فيها العرب فتطلقها ولا تريد حقيقة معناها فهي كتربت يداه ونحو ذلك. (أو ما طفت يوم النحر؟) طواف الإفاضة (قالت): صفية (قلت: بلى) طفت (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا بأس، انفري). بكسر الفاء أي ارجعي واذهبي إذ طواف الوداع ساقط عن الحائض. (قالت عائشة -رضي الله عنها-: فلقيني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالمحصب (وهو مصعد) بضم أوله وكسر ثانيه أي مبتدئ السير (من مكة وأنا منهبطة عليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها) بالشك من الراوي والواو في وهو وأنا للحال. ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون، وأخرجه البخاري أيضًا ومسلم في الحج وكذا أبو داود والنسائي. 1562 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَجِّ. فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ". وبه قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل) يتيم عروة الأسدي (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت): (خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة) فقط (ومنا من أهل بحجة وعمرة) جمع بينهما، ولأبي ذر: بحج وعمرة (ومنا من أهلّ بالحج) فقط وكانوا أوّلاً لا يعرفون إلا الحج، فبين لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجوه الإحرام وجوّز لهم الاعتمار في أشهر الحج. والحاصل من مجموع الأحاديث أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا ثلاثة أقسام: قسم أحرموا بحج وعمرة أو بحج ومعهم الهدي، وقسم بعمرة ففرغوا منها ثم أحرموا بالحج، وقسم بحج ولا هدي معهم فأمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقلبوه عمرة وهو معنى

فسخ الحج إلى العمرة. وأما عائشة -رضي الله عنها- فكانت أهلت بعمرة ولم تسق هديًا ثم أدخلت عليها الحج كما مرّ (وأهل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحج) مفردًا ثم أدخل عليه العمرة (فأما من أهلّ بالحج) فقط (أو جمع الحج والعمرة) كذا في اليونينية مرقوم على أو علامة السقوط لأبي الوقت (لم يحلوا) بفتح الياء في اليونينية، ولأبي الوقت: فلم يحلوا (حتى كان يوم النحر). 1563 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ "شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا -رضي الله عنهما-، وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ، أَهَلَّ بِهِمَا: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، قَالَ: مَا كُنْتُ لأَدَعَ سُنَّةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِقَوْلِ أَحَدٍ". [الحديث 1563 - طرفه في: 1569]. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولابن عساكر: حدثني (محمد بن بشار) بفتح الموحدة والمعجمة المشدّدة المعروف ببندار العبدي البصري قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بالمثناة الفوقية والموحدة مصغرًا الفقيه الكوفي (عن) زين العابدين (عليّ بن حسين) بضم الحاء (عن مروان بن الحكم) بفتحتين ابن أبي العاصي بن أمية بن عبد الملك الأموي المدني ولي الخلافة في آخر سنة أربع وستين ومات سنة خمس في رمضان ولا يثبت له صحبة (قال: شهدت عثمان وعليًا -رضي الله عنهما-) بعسفان (وعثمان ينهى عن المتعة) بسكون التاء وفي اليونينية بفتحها أي عن فسخ الحج إلى العمرة لأنه كان مخصوصًا بتلك السنة التي حج فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو عن التمتع المشهور والنهي للتنزيه ترغيبًا في الإفراد (و) ينهى أيضًا نهي تنزيه (أن يجمع بينهما) بضم الياء وسكون الجيم وفتح الميم وضمير الاثنين في بينهما عائد على الحج والعمرة والواو في وأن للعطف فيكون النهي واقعًا على التمتع والقران. وقوله في فتح الباري: ويحتمل أن تكون تفسيرية وهو على ما تقدم أن السلف كانوا يطلقون على القران تمتعًا. تعقبه في عمدة القارئ بأنه لا إجمال في المعطوف عليه حتى يقال إنها تفسيرية قال: وهو قد ردّ على نفسه كلامه بقوله: إن السلف كانوا يطلقون على القران تمتعًا فإذا كان كذلك يكون عطف التمتع على المتعة وهو غير جائز انتهى. (فلما رأى عليّ)، -رضي الله عنه- النهي الواقع من عثمان عن المتعة والقران (أهلّ بهما): أي بالحج والعمرة حال كونه قائلاً: (لبّيك بعمرة وحجة) وإنما فعل ذلك خشية أن يحمل غيره النهي على التحريم فأشاع ذلك، ولم يخف على عثمان أن التمتع والقران جائزان وإنما نهى عنهما ليعمل بالأفضل كما وقع لعمر فكل مجتهد مأجور ولا يقال: إن هذه الواقعة دليل المسألة اتفاق أهل العصر الثاني بعد اختلاف أهل العصر الأول وإن ذكره ابن الحاجب وغيره لأن نهي عثمان عنه إن كان المراد به الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج، فلم يستقر الإجماع عليه لأن الحنفية يخالفون فيه، وإن كان المراد به فسخ الحج إلى العمرة فكذلك لأن الحنابلة يخالفون فيه على أن الظاهر كما مرّ أن عثمان ما كان يبطله وإنما كان يرى الإفراد أفضل منه. وفي رواية النسائي ما يشعر بأن عثمان رجع عن النهي ولفظه: نهى عثمان عن التمتع فلبى عليّ وأصحابه بالعمرة فلم ينههم عثمان فقال له عليّ: ألم تسمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تمتع؟ قال: بلى. وزاد مسلم هنا فقال عثمان: تراني أنهي الناس وأنت تفعله؟ (قال) عليّ: (ما كنت لأدع سنة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقول أحد). وموضع الترجمة قوله أهلّ بهما. 1564 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا، وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَأَ الدَّبَرْ، وَعَفَا الأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ. قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: حِلٌّ كُلُّهُ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كانوا) أي أهل الجاهلية (يرون) بفتح الياء أي يعتقدون. وقال فى المصابيح كالتنقيح وغيره بضمها أي يظنون (أن العمرة) أي الإحرام بها (في أشهر الحج) شوّال وذي القعدة وتسع من ذي الحجة وليلة النحر أو عشر أو ذي الحجة بكماله على الخلاف السابق (من أفجر الفجور) من باب: جدّ جدّه وشعر شاعر، والفجور الانبعاث في المعاصي فجر يفجر من باب نصر ينصر أي من أعظم الذنوب (في الأرض)، وهذا من مبتدعاتهم الباطلة التي لا أصل لها. وسقط حرف الجر في رواية أبي الوقت فأفجر نصب على المفعولية، ولابن حبان من طريق أخرى عن ابن

عباس قال: والله ما أعمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر الشرك، فإن هذا الحي من قريش ومن دان دينهم كانوا يقولون فذكر نحوه. قال في الفتح: فعرف بهذا تعيين المعتمدين، (ويجعلون) أي يسمون (المحرّم صفرًا)، بالتنوين والألف كذا رأيته في ثلاثة أصول من فروع اليونينية لأنه مصروف. قال النووي كعياض بلا خلاف. نعم هو في بعض الأصول صفر بفتح الراء من غير ألف ولا تنوين وكذا هو في أصل الدمياطي الحافظ. وقال الحافظ ابن حجر: إنه كذلك في جميع الأصول من الصحيحين، وظاهره أنه لم يقف على اليونينية لكن رأيت خطه الكريم بالتبليغ على الفروع في غير ما موضع والله أعلم. وقال النووي: كان ينبغي أن يكتب بالألف ولكن على تقدير حذفها لا بد من قراءته منصوبًا لأنه مصروف بلا خلاف انتهى. وهذا جار على لغة ربيعة لأنهم يكتبون المنصوب بغير ألف فلا يلزم منه أن لا يصرف فيقرأ بغير ألف، لكن حكى صاحب الحكم عن أبي عبيدة أنه كان لا يصرفه فقيل له لا يمتنع الصرف حتى تجتمع علتان فما هما؟ قال: المعرفة والساعة. وفسر المطرزي الساعة بالزمان لأن الأزمنة ساعات والساعات مؤنثة، والمعنى أنهم يجعلون صفرًا من الأشهر الحرم ولا يجعلون المحرم منها لئلا تتوالى عليهم ثلاثة أشهر محرمة فيضيق عليهم ما اعتادوه من الغارة بعضهم على بعض فضللهم الله بذلك فقال: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [التوبة: 37]، أي إنما تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر قال المفسرون: كانوا إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهرًا حتى رفضوا خصوص الأشهر واعتبروا مجرد العدد ويحرمونه عامًا فيتركونه على حرمته. وقيل: إن أول من أحدث ذلك جنادة بن عوف الكناني كان يقوم على جمل في الموسم فينادي: إن آلهتكم قد أحلت لكم الحرم فأحلوه، ثم ينادي في القبائل: إن آلهتكم قد حرمت عليكم الحرم فحرموه، وقيل القلمس واسمه حذيفة بن عبيد الكناني وقيل غير ذلك. وقال ابن دريد: الصفران شهران من السنة سمي أحدهما في الإسلام المحرم وقد سمي بذلك لإصفار مكة من أهلها. وقال الفراء: لأنهم كانوا يخلون البيوت فيه لخروجهم إلى البلاد، وقيل كانوا يزيدون في كل أربع سنين شهرًا يسمونه صفرًا الثاني فتكون السنة ثلاثة عشر شهرًا، ولذلك قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "السنة اثنتا عشر شهرًا" وكانوا يتطيرون ويرون أن الآفات فيه واقعة. (ويقولون: إذا برأ) بفتح الموحدة والراء من غير همزة في اليونينية. وفي المصابيح كالتنقيح بالهمزة موافقة لكثير من الأصول أي أفاق (الدبر)، بفتح الدال المهملة والموحدة الجرح الذي يكون في ظهر الإبل من اصطكاك الأقتاب (وعفا الأثر)، أي ذهب أثر سير الحاج من الطريق وانمحى بعد رجوعهم بوقوع الأمطار وغيرها لطول الأيام أو ذهب أثر الدبر، ولأبي داود: وعفا الوبر بالواو أي كثر وبر الإبل الذي حلق بالرحال، (وانسلخ صفر) الذي هو المحرم في نفس الأمر وسموه صفرًا أي إذا انقضى وانفصل شهر صفر (حلت العمرة لمن اعتمر). بالسكون في الأربعة وذلك لأنهم لما جعلوا المحرم صفر ألزم منه أن تكون السنة ثلاثة عشر شهرًا، والمحرم الذي سموه صفرًا آخر السنة وآخر أشهر الحج على طريق التبعية إذ لا يبرأ دبر إبلهم في أقل من هذه المدة، وهي ما بين أربعين يومًا إلى خمسين يومًا غالبًا، وجعلوا أول أشهر الاعتمار شهر المحرم الذي هو الأصل صفر، والراء التي تواطأت عليها الفواصل في الدبر والثلاثة بعد ساكنة للسجع، ولو حركت فات الغرض المطلوب من السجع. (قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) أي فقدم فأسقط فاء العطف في هذه الرواية وهي ثابتة عنده في أيام الجاهلية من رواية مسلم بن إبراهيم عن وهيب بن خالد كمسلم في صحيحه من طريق بهز بن أسد عن وهيب أيضًا (صبيحة) ليلة (رابعة) من ذي الحجة يوم الأحد حال كونهم (مهلين

بالحج) أي ملبين به كما فسر في رواية إبراهيم بن الحجاج ولفظه: وهم يلبون بالحج ولا يلزم من إهلاله عليه الصلاة والسلام بالحج أن لا يكون قارنًا فلا حجة فيه لمن قال: إنه عليه الصلاة والسلام كان مفردًا (فأمرهم) عليه الصلاة والسلام (أن يجعلوها) أي يقلبوا الحجة (عمرة)، ويتحللوا بعملها فيصيروا متمتعين، وهذا الفسخ خاص بذاك الزمن خلافًا لأحمد كما مرّ غير مرة. (فتعاظم) وفي رواية إبراهيم بن الحجاج: فكبر (ذلك) الاعتمار في أشهر الحج (عندهم) لما كانوا يعتقدونه أولاً من أن العمرة فيها من أفجر الفجور (فقالوا): بعد أن رجعوا عن اعتقادهم (يا رسول الله أي الحل؟) أي هل هو الحل العام لكل ما حرم بالإحرام حتى الجماع أو حلّ خاص لأنهم كانوا محرمين بالحج؟ وكأنهم كانوا يعرفون أن له تحللين (قال): عليه الصلاة والسلام: (حل كله) أي حل يحل فيه كل ما يحرم على المحرم حتى غشيان النساء، لأن العمرة ليس لها إلا تحلل واحد. وعند الطحاوي أي الحل يحل؟ قال: الحل كله. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في أيام الجاهلية، ومسلم في الحج وكذا النسائي. 1565 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: "قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَمَرَهُ بِالْحِلِّ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قيس بن مسلم) بضم الميم وسكون السين الجدلي (عن طارق بن شهاب) البجلي (عن أبي موسى) الأشعري (-رضي الله عنه- قال): (قدمت) من اليمن (على النبي) وهو بالبطحاء فقال: بما أهللت؟ قلت أهللت بإهلال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: هل معك من هدي؟ قلت: لا. (فأمره بالحل) هو على طريق الالتفات أو ذكره الراوي بالمعنى لا بحكاية لفظه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فأمرني على الأصل، وقد أورده المؤلّف هنا مختصرًا: قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمره أو فأمرني بالحل، وقد سبق عنده تامًا قبل بباب باللفظ الذي ذكرته هنا. 1566 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ ح. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ -رضي الله عنهم- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا قَالَتْ "يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ". [الحديث 1566 - أطرافه في: 1697، 1725، 4398، 5916]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أويس الأصبحي المدني (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام قال المؤلّف أيضًا (ح). (وحدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (عن حفصة) -رضي الله عنهم- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها قالت): (يا رسول الله ما شأن الناس حلوا) من الحج (بعمرة) أي بعملها لأنهم فسخوا الحج إلى العمرة فكان إحرامهم بالعمرة سببًا لسرعة حلهم "ولم تحلل" بفتح أوله وكسر ثالثه (أنت من عمرتك؟) أي المضمومة إلى الحج فيكون قارنًا كما هو في أكثر الأحاديث. وحينئذ فلا تمسك به لمن قال إنه عليه الصلاة والسلام كان متمتعًا لكونه عليه الصلاة والسلام أقر على أنه كان محرمًا بعمرة لأن اللفظ محتمل للتمتع والقران، فتعين بقوله عليه الصلاة والسلام في رواية عبيد الله بن عمر عند الشيخين حتى أحل من الحج أنه كان قارنًا ولا يتجه القول بأنه كان متمتعًا لأنه لا جائز أن يقال: إنه استمر على العمرة خاصة ولم يحرم بالحج أصلاً لأنه يلزم منه أنه لم يحج تلك السنة وهذا لا يقاله أحد. وقد روي عنه وأنه كان قارنًا سعيد بن المسيب كما في البخاري، وأنس في الصحيحين وعمران بن حصين في مسلم، وعمر بن الخطاب في البخاري، والبراء في سنن أبي داود، وعلي في سنن النسائي، وسراقة وأبو طلحة عند أحمد، وأبو سعيد وقتادة عند الدارقطني، وابن أبي أوفى عند البزار والإفراد أي: وروى الإفراد ابن عمر وجابر في الصحيحين وابن عباس في مسلم، وجمع بين القولين بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أولاً مفردًا ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك وأدخلها على الحج، فعمدة رواة الإفراد أول الإحرام وعمدة رواة القران آخره، وأما من روى أنه كان معتمرًا كابن عمر وعائشة وأبي موسى الأشعري وابن عباس في الصحيحين وعمران بن حصين في مسلم، فأراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع وقد انتفع بالاكتفاء بفعل واحد. ويؤيد ذلك أنه لم يعتمر في تلك السنة عمرة منفردة ولو جعلت حجته منفردة لكان غير معتمر في تلك السنة ولم يقل أحد أن الحج وحده أفضل من القران وبهذا الجمع تنتظم الأحاديث. وقال إمامنا الشافعي -رضي الله عنه- في كتاب اختلاف

الحديث: معلوم في لغة العرب جوازًا إضافة الفعل إلى الأمر به كجواز إضافته إلى الفاعل كقولك: بنى فلان دارًا إذا أمر ببنائها، وضرب الأمير فلانًا! إذا أمر بضربه، ورجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ماعزًا، وقطع سارق رداء صفوان وإنما أمر بذلك ومثله كثير في الكلام. وكان أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منهم القارن والمفرد والمتمتع وكل منهم يأخذ عنه أمر نسكه ويصدر عن فعله، فجاز أن تضاف إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على معنى أنه أمر بها وأذن فيها اهـ. وقد أجمع العلماء كما قاله النووي وغيره على جواز الأنواع الثلاثة: الإفراد والتمتع والقران، واختلفوا في أيها أفضل بحسب اختلافهم فيما فعله عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع. ومذهب الشافعية والمالكية أن الإفراد أفضل لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اختاره أولاً، ولأن رواته أخص به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه الحجة فإن منهم جابرًا وهو أحسنهم سياقًا لحجه عليه الصلاة والسلام، ومنهم ابن عمر وقد قال: كنت تحت ناقته عليه الصلاة والسلام يمسني لعابها أسمعه يلبي بالحج، وعائشة وقربها منه عليه الصلاة والسلام واطلاعها على باطن أمره وعلانيته كله معروف مع فقهها، وابن عباس وهو بالمحل المعروف من الفقه والفهم الثاقب، ولأن الخلفاء الراشدين بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفردوا الحج وواظبوا عليه وما وقع في الاختلاف عن علي وغيره فإنما فعلوه لبيان الجواز، وإنما أدخل النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العمرة على الحج لبيان جواز الاعتمار في أشهر الحج، ثم إن الأفضل بعد الإفراد التمتع ثم القران. نعم القران أفضل من الإفراد للذي لا يعتمر في سنته عندنا، لكن صرح القاضي حسين والمتولي بترجيح الإفراد ولو لم يعتمر في تلك السنة وقال أحمد وآخرون: أفضلها التمتع ثم الإفراد ثم القران، واحتج لترجيح التمتع بأنه عليه الصلاة والسلام تمناه بقوله: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة. وأجاب الشافعية عن ذلك: بأن سببه أن من لم يكن معه هدي أمروا بجعلها عمرة فحصل لهم حزن حيث لم يكن معهم هدي فيوافقون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في البقاء على الإحرام، فتأسف عليه الصلاة والسلام حينئذ على فوات موافقتهم تطييبًا لنفوسهم ورغبة فيما فيه موافقتهم لا أن التمتع دائمًا أفضل قال القاضي حسين: ولأن ظاهر هذا الحديث غير مراد بالإجماع لأن ظاهره أن سوق الهدي يمنع انعقاد العمرة وقد انعقد الإجماع على خلافه. وقال أبو حنيفة: القران ثم التمتع ثم الإفراد واحتج لترجيح القران بما سبق من الأحاديث، وبقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وقالوا: إن الدم الذي على القارن ليس دم جبران بل هو دم عبادة والعبادة المتعلقة بالبدن والمال أفضل من المختصة بالبدن. وأجاب أصحابنا عن أحاديث القرآن بأنها مؤولة، وبأن أحاديث الإفراد أكثر وأرجح وعن الآية الكريمة بأنه ليس فيها إلا الأمر بإتمامها ولا يلزم منه قرنهما في الفعل فهو كقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] وبأن الدم الذي على القارن دم جبران لا نسك لأن الصيام يقوم مقامه عند العجز، ولو كان دم نسك لم يقم مقامه كالأضحية وعن أحمد فيما حكاه المروزي عنه: إن ساق الهدي فالقران أفضل وإن لم يسقه فالتمتع أفضل وعن بعضهم فيما حكاه عياض أن الأنواع الثلاثة سواء في الفضيلة. تنبيه: قوله: حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك. رواه المؤلّف كذلك بزيادة قوله بعمرة عن إسماعيل بن أبي أويس وعبد الله بن يوسف عن مالك، وكذا رواه ابن وهب فيما ذكره ابن عبد البر، ورواه بدونها القعنبي ويحيى بن بكير وأبو مصعب ويحيى بن يحيى وغيرهم والمعنى واحد عند أهل العلم، ولم تختلف الرواة عن مالك في قوله: ولم تحلل أنت من عمرتك. وأما قول الأصيلي: إنه لم يقل أحد في هذا الحديث عن نافع ولم تحلل أنت من عمرتك إلا مالك وحده فتعقب بأنه رواها غير مالك عبيد الله بن عمر فيما رواه مسلم وابن ماجة، وكذا رواها أيوب السختياني، وهؤلاء هم حفاظ أصحاب نافع والحجة فيه على من خالفهم فزيادة مالك مقبولة لحفظه وإتقانه لو انفرد بها، فكيف

وقد تابعه من ذكرنا، نعم رواها البخاري من رواية عبيد الله بن عمر بدون قولها من عمرتك، ولفظ الشيخين فيها: فلا أحل حتى أحل من الحج، ورواه ابن جريج عن نافع فيما أخرجه مسلم فلم يقل من عمرتك، وأخرج البخاري مثلها من طريق موسى بن عقبة عن نافع، وذكر البيهقي رواية موسى بن عقبة ثم قال: وكذلك رواه شعيب بن أبي حمزة عن نافع ولم يذكرا فيه العمرة، وفيه إشارة إلى الاختلاف في ذكر هذه اللفظة ففيه ميل لقول الأصيلي (قال): عليه الصلاة والسلام: (إني لبدت رأسي) بفتح اللام والموحدة المشددة من التلبيد وهو أن يجعل المحرم برأسه شيئًا من نحو الصمغ ليجتمع الشعر ولا يدخل فيه قمل، (وقلدت هديي)، وهو تعليق شيء في عنق الهدي ليعلم (فلا أحل) من إحرامي (حتى أنحر) الهدي، وهذا قول أبي حنيفة وأحمد لأنه جعل العلة في بقائه على إحرامه الهدي وأخبر أنه لا يحل حتى ينحر، وأجاب الجمهور عنه بأنه ليس العلة في ذلك سوق الهدي، وأنما السبب فيه إدخال العمرة على الحج، ويدل له قوله في رواية عبيد الله بن عمر المذكورة: حتى أحل من الحج، وعبر عن الإحرام بالحج بسوق الهدي لأنه كان ملازمًا له في تلك الحجة فإنه قال لهم: من كان معه الهدي فليهل بالحج مع عمرته ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا، ولما كان عليه الصلاة الصلاة والسلام قد أدخل العمرة على الحج لم يفده الإحرام بالعمرة سرعة الإحلال لبقائه على الحج فشارك الصحابة في الإحرام بالعمرة وفارقهم ببقائه على الحج وفسخهم له، وليس التلبيد والتقليد من الحل ولا من عدمه وإنما هو لبيان أنه من أول الأمر مستعد لدوام إحرامه حتى يبلغ الهدي محله والتلبيد مشعر بمدّة طويلة. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الحج واللباس والمغازي، ومسلم في الحج وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجة. 1567 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا أَبُو جَمْرَةَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ قَالَ: "تَمَتَّعْتُ، فَنَهَانِي نَاسٌ، فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- فَأَمَرَنِي، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلاً يَقُولُ لِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ وَعُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: سُنَّةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ لِي: أَقِمْ عِنْدِي فَأَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي. قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ: لِمَ؟ فَقَالَ: لِلرُّؤْيَا الَّتِي رَأَيْتُ". [الحديث 1567 - طرفه في: 1688]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرنا أبو جمرة) بالجيم والراء المفتوحتين (نصر بن عمران) بفتح النون وسكون الصاد المهملة (الضبعي) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة (قال: تمتعت، فنهاني ناس)، قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على أسمائهم وكان ذلك في زمن عبد الله بن الزبير وكان ينهى عن المتعة كما رواه مسلم، (فسألت ابن عباس -رضي الله عنهما- فأمرني)، أي أن استمر على التمتع (فرأيت في المنام كأن رجلاً يقول لي): هذا (حج مبرور) مقبول صفة لحج ولابن عساكر حجة مبرورة بالتأنيث فيهما (وعمرة متقبلة، فأخبرت ابن عباس) بما رأيته في المنام من قول الرجل حج مبرور وعمرة متقبلة (فقال:) لي هذه (سنة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ويجوز نصب سنة وهي رواية غير أبي ذر بتقدير وافقت أو أتيت. وقال الزركشي على الاختصاص، قال الدماميني: لا وجه لجعل هذا من الاختصاص فتأمله والرفع لأبي ذر، (فقال لي) ابن عباس: (أقم عندي فأجعل) بالرفع ويجوز النصب بأن مقدرة وكلاهما في الفرع والجزم جوابًا للأمر، ولأبي ذر: واجعل بالواو والدالة على الحالية والنصب (لك سهمًا) نصيبًا (من مالي). قال المهلب: فيه أنه يجوز للعالم أخذ الأجر على العلم وفيه نظر إذ الظاهر أنه إنما عرض عليه ماله رغبة في الإحسان إليه لما ظهر أن عمله متقبل وحجه مبرور وإنما يتقبل الله من المتقين قاله في المصابيح. (قال شعبة): بن الحجاج (فقلت): أي لأبي جمرة (لم)؟ استفهام عن سبب ذلك (فقال): أبو جمرة (للرؤيا) أي لأجل الرؤيا المذكورة (التي رأيت) بتاء المتكلم أي ليقص على الناس هذه الرؤيا المبينة لحال المتعة. قال المهلب: ففي هذا دليل على أن الرؤيا الصادقة شاهد على أمور اليقظة وفيه، نظر لأن الرؤيا الحسنة من غير الأنبياء ينتفع بها في التأكيد لا في التأسيس والتجديد فلا يسوغ لأحد أن يسند فتياه إلى منام ولا يتلقى من غير الأدلة الشرعية حكمًا من الأحكام. وموضع الترجمة قوله: تمتعت إلى قوله فأمرني وقد مرّ هذا الحديث في باب أداء الخمس من الإيمان وأخرجه المؤلّف أيضًا وكذا مسلم. 1568 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ قَالَ: قَدِمْتُ مُتَمَتِّعًا مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ، فَدَخَلْنَا قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ لِي أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: تَصِيرُ الآنَ حَجَّتُكَ مَكِّيَّةً، فَدَخَلْتُ عَلَى عَطَاءٍ أَسْتَفْتِيهِ فَقَالَ "حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا فَقَالَ لَهُمْ: أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ الْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَصِّرُوا ثُمَّ أَقِيمُوا حَلاَلاً حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً، فَقَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؟ فَقَالَ: افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ، فَلَوْلاَ أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لاَ يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ. فَفَعَلُوا". وبه قال (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال:

(حدّثنا أبو شهاب) الأكبر الحناط بفتح الحاء المهملة والنون المشددة موسى بن نافع الهذلي الكوفي (قال: قدمت) حال كوني (متمتعًا مكة بعمرة)، حال أيضًا أي متلبسًا بعمرة (فدخلنا قبل) يوم (التروية بثلاثة أيام فقال لي أناس من أهل مكة): لم أعرف أسماءهم (تصير الآن حجتك مكية)، قليلة الثواب لقلة مشقتها لأنه ينشئها من مكة فتفوته فضيلة الإحرام من الميقات، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يصير الآن حجك مكيًا بالتذكير (فدخلت على عطاء) هو ابن أبي رباح (أستفتيه) هو من الأحوال المقدرة (فقال): أي عطاء (حدثني) بالإفراد (جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أنه حج مع النبي) ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ساق البدن معه) بضم الموحدة وسكون الدال المهملة وضمها وذلك في حجة الوداع (وقد أهلوا) أي الصحابة (بالحج مفردًا) بفتح الراء (فقال لهم): عليه الصلاة والسلام اجعلوا حجكم عمرة ثم: (أحلوا من إحرامكم) بها (بطواف البيت و) السعي (بين الصفا والمروة وقصروا) لم يأمرهم بالحلق ليتوفر الشعر يوم الحلاق لأنهم يهلون بعد قليل بالحج لأن بين دخولهم مكة وبين يوم التروية أربعة أيام فقط (ثم أقيموا) حال كونكم (حلالاً) محلين (حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج) من مكة وهاء أهلوا مكسورة (واجعلوا) الحجة الفردة (التي قدمتم) مهلين (بها متعة)، بأن تتحللوا منها فتصيروا متمتعين وأطلق على العمرة متعة مجازًا والعلاقة بينهما ظاهرة. وقال النووي قوله: وقد أهلوا بالحج الخ فيه تقديم وتأخير تقديره وقد أهلوا بالحج مفردًا، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اجعلوا إحرامكم عمرة وتحللوا بعمل العمرة وهو معنى فسخ الحج إلى العمرة اهـ. (فقالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (افعلوا ما أمرتكم) به (فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم) به، وفيه استعمال لو في مثل هذا ولا تعارض بينه وبين حديث: لو تفتح عمل الشيطان لأن المراد بذلك باب: التلهف على أمور الدنيا لما فيه من عدم صورة التوكل وعدم نسبة الفعل للقضاء والقدر أما في القربات كهذا الحديث فهذا المعنى منتف فلا كراهة، (ولكن لا يحل) بكسر الحاء (مني) شيء (حرام) أي لا يحل مني ما حرم علي (حتى يبلغ الهدي محله) أي إذا نحر يوم منى (ففعلوا) ما أمرهم به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زاد المستملي والكشميهني هنا قال أبو عبد الله: أي البخاري أبو شهاب أي الأكبر ليس له حديث مسند يرويه مرفوعًا، أو ليس له مسند عن عطاء إلا هذا الحديث وهو طرف من حديث جابر الطويل الذي انفرد به مسلم بسياقه من طريق جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر، وفي هذه الطريق بيان زائد لصفة التحلل من العمرة ليس في الحديث الطويل. 1569 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ "اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ -رضي الله عنهما- وَهُمَا بِعُسْفَانَ فِي الْمُتْعَةِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قاَلَ: فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي قال: (حدّثنا حجاج بن محمد الأعور عن شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) بسكون الميم في الأول وضمها في الثاني وتشديد الراء (عن سعيد بن المسيب قال): (اختلف علي وعثمان -رضي الله عنهما- وهما بعسفان) جملة حالية أي كائنان بعسفان بضم العين وسكون السين المهملتين وبالفاء وبعد الألف نون. قرية جامعة بينها وبين مكة ستة وثلاثون ميلاً (في المتعة فقال علي): لعثمان (ما تريد إلى أن تنهي) أي ما تريد إرادة منتهية إلى النهي أو ضمن الإرادة معنى الميل، وللكشميهني: إلا أن تنهى بحرف الاستثناء (عن أمر فعله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) صفة لقوله عن أمر والجملة حالية. قال ابن المسيب (فلما رأى ذلك) النهي (علي) -رضي الله عنه- (أهلّ بهما) أي بالحج والعمرة (جميعًا) وهذا هو القران. قال في الكواكب فإن قلت: الاختلاف بينهما كان في التمتع وهذا قران فكيف يكون فعله مثبتًا لقوله نافيًا لقول صاحبه؟ وأجاب: بأن القران أيضًا نوع من التمتع لأنه يتمتع بما فيه من التخفيف أو كان القران كالتمتع عند عثمان بدليل ما تقدم حيث قال: وأن يجمع بينهما وكان حكمهما

35 - باب من لبى بالحج وسماه

واحدًا عنده جوازًا ومنبعًا والمراد بالمتعة العمرة في أشهر الحج، سواء كانت في ضمن الحج أو متقدمة عنه منفردة وسبب تسميتها متعة ما فيها من التخفيف الذي هو تمتع اهـ. وهذا الحديث قد تقدم قريبًا من أوجه أخر. 35 - باب مَنْ لَبَّى بِالْحَجِّ وَسَمَّاهُ (باب من لبى بالحج وسماه) أي عينه. 1570 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- "قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ نَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم الجهضمي البصري (عن أيوب) السختياني (قال: سمعت مجاهدًا) هو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة ثم راء المخزومي الإمام في التفسير وغيره (يقول: حدّثنا جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-). (قدمنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حجة الوداع (ونحن نقول: لبيك اللهم لبيك بالحج) سقط لأبوي ذر والوقت لفظتا لبيك واللهم (فأمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفسخ الحجة إلى العمرة (فجعلناها) أي الحجة (عمرة) وهذا منسوخ عند الجمهور خلافًا لقوم ومنهم أحمد كما مرّ. وموضع الترجمة قوله: لبيك اللهم لبيك بالحج فإنه لبى وسماه، وقد أخرج هذا الحديث مسلم أيضًا. 36 - باب التَّمَتُّعِ على عهدِ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب التمتع) زاد أبو ذر: على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي بعض النسخ باب بالتنوين لغير ترجمة. 1571 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ عِمْرَانَ -رضي الله عنه- قَالَ "تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ، قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ". [الحديث 1571 - طرفه في: 4518]. وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى بن دينار (عن قتادة) بن دعامة (قال: حدثني) بالإفراد (مطرف) بضم الميم فطاء مهملة مفتوحة فراء مشددة مكسورة، ففاء ابن الشخير (عن عمران) بن حصين (قال): (تمتعنا على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونزل القرآن) بجوازه قال تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196]. وزاد مسلم: (ولم ينزل قرآن) يحرمه ولم ينه عنها حتى مات. أي: فلا نسخ. وفي نسخة: وهي التي في الفرع فنزل بالفاء بدل الواو (قال: رجل برأيه ما شاء) هو عمر بن الخطاب لا عثمان بن عفان لأن عمر أول من نهى عنها فكان من بعده تابعًا له في ذلك، ففي مسلم أن ابن الزبير كان ينهى عنها وابن عباس يأمر بها فسألوا جابرًا فأشار إلى أن أول من نهى عنها عمر. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون وأخرجه مسلم في الحج أيضًا. 37 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [البقرة: 196] {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (باب) تفسير (قول الله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196]. 1572 - وَقَالَ أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَقَالَ "أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَهْلَلْنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اجْعَلُوا إِهْلاَلَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إِلاَّ مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ، فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، وَقَالَ: مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ. ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ الْمَنَاسِكِ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَلَيْنَا الْهَدْيُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] إِلَى أَمْصَارِكُمْ. الشَّاةُ تَجْزِي، فَجَمَعُوا نُسُكَيْنِ فِي عَامٍ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَسَنَّهُ نَبِيُّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَاحَهُ لِلنَّاسِ غَيْرَ أَهْلِ مَكَّةَ. قَالَ اللَّهُ: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وَأَشْهُرُ الْحَجِّ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحَجَّةِ، فَمَنْ تَمَتَّعَ فِي هَذِهِ الأَشْهُرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ أَوْ صَوْمٌ" وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ، وَالْفُسُوقُ الْمَعَاصِي، وَالْجِدَالُ الْمِرَاءُ. (وقال أبو كامل فضيل بن حسين) بضم الفاء والحاء فيهما مصغرين (البصري) الجحدري المتوفى سنة سبع وثلاثين ومائتين مما وصله الإسماعيلي: (حدّثنا أبو معشر) بفتح الميم وسكون العين وفتح الشين المعجمة يوسف بن يزيد من الزيادة ولأبي ذر أبو معشر البراء بفتح الموحدة وتشديد الراء نسبة إلى بري السهام قال: (حدّثنا عثمان بن غياث) بغين معجمة مكسورة فمثناة تحتية فألف فمثلثة الباهلي (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أنه سئل عن متعة الحج فقال:) مجيبًا عن ذلك (أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع وأهللنا) قد مر أنهم كانوا ثلاث فرق: فرقة أحرموا بحج وعمرة أو بحج ومعهم هدي، وفرقة بعمرة ففرغوا منها ثم أحرموا بحج، وفرقة بحج ولا هدي معهم، فأمرهم عليه الصلاة والسلام أن يجعلوه عمرة وإلى هذا الأخير أشار بقوله: (فلما قدمنا مكة) أي قربنا منها لأنه كان بسرف (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لمن كان أهل بالحج مفردًا: (اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة) افسخوه إلى العمرة لبيان مخالفة ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج، وهذا خاص بهم في تلك السنة كما في حديث بلال عند أبي داود وقد مرّ التنبيه على ذلك (إلا من قلد الهدي) (طفنا بالبيت) أي فلما قدمنا طفنا، وللأصيلي: فطفنا بفاء العطف (وبالصفا والمروة وأتينا النساء) أي واقعناهنّ والمراد غير المتكلم لأن ابن عباس كان إذ ذاك لم يدرك الحلم وإنما حكي ذلك عن الصحابة، (ولبسنا الثياب) المخيطة (و) قد (قال) عليه الصلاة والسلام: (من قلد الهدي فإنه لا يحل له) شيء من محظورات الإحرام (حتى يبلغ الهدي محله) بأن ينحره بمنى (ثم أمرنا) عليه الصلاة والسلام (عشية)

يوم (التروية) بعد الظهر ثامن من ذي الحجة (أن نهل بالحج)، من مكة (فإذا فرغنا من المناسك) من الوقوف بعرفة والبيت بمزدلفة والرمي والحلق (جئنا فطفنا بالبيت) طواف الإفاضة (وبالصفا والمروة فقد تم حجنا) وللكشميهني: وقد بالواو بدل الفاء ومن قوله فقد تم حجنا إلى آخر الحديث موقوف على ابن عباس ومن أوله إليه مرفوع (وعلينا الهدي) (كما قال الله تعالى: {فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196]، أي فعليه دم استيسره بسبب التمتع فهو دم جبران يذبحه إذا أحرم بالحج لأنه حينئذ يصير متمتعًا بالعمرة إلى الحج ولا يأكل منه وقال أبو حنيفة: أنه دم نسك فهو كالأضحية ({فمن لم يجد}) أي الهدي ({فصيام ثلاثة أيام في الحج}) في أيام الاشتغال به بعد الإحرام وقبل التحلل، ولا يجوز تقديمها على الإحرام بالحج لأنها عبادة بدنية فلا تقدم على وقتها، ويستحب قبل يوم عرفة لأنه يستحب للحاج فطره. وقال أبو حنيفة: في أشهره بين الإحرامين والأحب أن يصوم سابع ذي الحجة وثامنه وتاسعه ولا يجوز يوم النحر وأيام التشريق عند الأكثر. وقال المالكية: يصوم أيام التشريق أو ثلاثة بعدها لقوله تعالى: ({فصيام ثلاثة أيام في الحج}) أي في وقته وذو الحجة كله وقت عندهم. ولنا: أنه نهى عن صوم أيام التشريق ولأن ما بعدها ليس من وقت الحج عندنا ({وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} إلى أمصاركم) [البقرة: 196] وهذه تفسير من ابن عباس للرجوع، وإذا نفرتم وفرغتم من أعماله لأن قوله تعالى: ({وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}) مسبوق بقوله تعالى: ({ثلاثة أيام في الحج}) فتنصرف إليه، وكأنه بالفراغ رجع عما كان مقبلاً عليه من الأعمال وهذا مذهب أبي حنيفة. والقول الثاني للشافعي وإذا قلنا بالأول فلو توطن مكة بعد فراغه من الحج صام بها وإن لم يتوطنها لم يجز صومه بها ولا يجوز صومها بالطريق إذا توجه إلى وطنه لأنه تقديم للعبادة البدنية على وقتها وإن قلنا بالثاني فلو أخره حتى رجع إلى وطنه جاز بل هو أفضل خروجًا من الخلاف. (الشاة تجزي) بفتح أوله من غير همز أي تكفي لدم التمتع والجملة حالية وقعت بدون واو نحو كلمته فوه إلى فيّ وهذا تفسير ابن عباس، وفي بعض الأصول تجزئ بضم أوله وهمز آخره (فجمعوا نسكين في عام بين الحج والعمرة) ذكرهما للبيان وإلا فهما نفس النسكين على ما لا يخفى، والنسكين بضم السين كما في فروع ثلاثة لليونينية وغيرها تثنية نسك. وضبطه الحافظ ابن حجر والعيني والدماميني بإسكان السين مستدلين بما نقلوه عن الجوهري أن النسك بإسكان السين العبادة وبالضم الذبيحة، والذي رأيته في الصحاح والنسك العبادة والناسك العابد، وقد نسك وتنسك أي تعبد ونسك بالضم نساكة أي صار ناسكًا، والنسيكة الذبيحة. والجمع نسك ونسائك هذا لفظه. وقال في القاموس: النسك مثلثة وبضمتين العبادة وكل حق لله عز وجل، والنسك بالضم وبضمتين وكسفينة الذبيحة أو النسك الدم والنسيكة الذبح، فليتأمل هذا مع ما سبق، (فإن الله تعالى أنزله) أي الجمع بين الحج والعمرة (في كتابه) العزيز حيث قال (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) [البقرة: 196] (وسنه) أي شرعه (نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حيث أمر به أصحابه (وأباحه) أي التمتع (للناس) بعد أن كانوا يعتقدون حرمته في أشهر الحج وأنه من أفجر الفجور (غير أهل مكة)، فلا دم عليهم، وغير بالنصب على الاستثناء والجر صفة للناس. وقوله في الفتح: ويجوز كسره مخالف للاستعمال النحوي إذ هو للبناء والجر للإعراب. (قال الله) عز وجل: ({ذلك}) إشارة إلى الحكم المذكور عندنا والتمتع عند أبي حنيفة إذ لا تمتع ولا قران لحاضري المسجد الحرام عنده تقليدًا لابن عباس -رضي الله عنهما-. وأجاب الشافعية بأن قول الصحابي ليس حجة عند الشافعي إذ المجتهد لا يقلد مجتهدًا قاله الكرماني وغيره، وأما قول العيني أن هذا جواب واهٍ مع إساءة الأدب، فإن مثل ابن عباس كيف لا يحتج بقوله وأي مجتهد بعد الصحابة يلحق ابن عباس أو يقرب منه حتى لا يقلده فلا يخفى ما فيه فلا يحتاج إلى الاشتغال برده ({لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}) [البقرة: 196] وهو من كان من الحرم على

38 - باب الاغتسال عند دخول مكة

مسافة القصر عندنا كمن مساكنهم بها، واعتبرت المسافة من الحرم لأن كل موضع ذكر الله فيه المسجد الحرام فهو الحرم إلا قوله تعالى: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} [البقرة: 144] فهو نفس الكعبة. واعتبرها الرافعي في الحرر من مكة. قال في المهمات: وبه الفتوى فقد نقله في التقريب عن نص الإملاء، وأن الشافعي أيّده أن اعتبارها من الحرم يؤدي إلى إدخال البعيد عن مكة وإخراج القريب منها لاختلاف المواقيت اهـ. والقريب من الشيء يقال إنه حاضره قال الله تعالى: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر} [الأعراف: 163] أي قريبة منه. وقال في المدونة: وليس على أهل مكة القرية بعينها وأهل ذي طوى إذا قرنوا أو تمتعوا دم قران ولا متعة. قال ابن حبيب عن مالك وأصحابه: ومن كان دون مسافة القصر من مكة حكمه حكم المكي، وقيل: إن من دون المواقيت كالمكي ولم يعزه اللخمي قاله بهرام. وقال الحنفية: هم أهل المواقيت ومن دونها. (وأشهر الحج التي ذكر الله تعالى) زاد أبو بكر في كتابه أي في الآية التي بعد آية التمتع وهي قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} [البقرة: 197] (شوال وذو القعدة وذو الحجة) من باب إقامة البعض مقام الكل أو إطلاقًا للجمع على ما فوق الواحد أي تسع ذي الحجة بليلة النحر عندنا، والعشر عند أبي حنيفة، وذو الحجة كله عند مالك وبناء الخلاف أن المراد بوقته وقت إحرامه أو وقت أعماله ومناسكه أو ما لا يحسن فيه غيره من المناسك مطلقًا، فإن مالكًا كره العمرة في بقية ذي الحجة وأبو حنيفة وإن صحح الإحرام به قبل شوّال فقد استكرهه. (فمن تمتع في هذه الأشهر) الثلاثة أو العاشر من الحجة أو ليلته (فعليه دم أو صوم) ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إن عجز عن الهدي وليس للقيد بالأشهر مفهوم، لأن الذي يعتمر في غير أشهر الحج لا يسمى متمتعًا ولا دم عليه، وكذلك المكي عند الجمهور خلافًا لأبي حنيفة ويدخل في عموم قوله: فمن تمتع من أحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده ثم حج منها، وبه قال الحسن البصري وهو مبني على أن التمتع إيقاع العمرة في أشهر الحج فقط، والذي عليه الجمهور أن التمتع أن يجمع الشخص الواحد بينهما في سفر واحد في أشهر الحج في عام واحد وأن يقدم العمرة وأن لا يكون مكيًّا فمتى اختل شرط واحد من هذه الشروط لم يكن متمتعًا. (والرفث الجماع) أو الفحش من الكلام (والفسوق المعاصي) فيه إشعار بأن الفسوق جمع فسق لا مصدر وتفسير الأشهر وسائر الألفاظ زيادة للفوائد باعتبار أدنى ملابسة بين الآيتين قاله الكرماني: (والجدال المراء) كذا فسره ابن عباس فيما رواه ابن أبي شيبة ولفظه: ولا جدال في الحج تماري صاحبك حتى تغضبه. 38 - باب الاِغْتِسَالِ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ (باب) استحباب (الاغتسال عند دخول مكة) ولو لحائض ونفساء، ويستثنى من خرج من مكة فأحرم بالعمرة من مكان قريب كالتنعيم واغتسل للإحرام فلا يسن له الغسل لدخولها لحصول النظافة بالغسل السابق، بخلاف ما إذا أحرم من مكان بعيد كالجعرانة والحديبية وظاهر إطلاقه يتناول المحرم والحلال الداخل لها أيضًا، وقد حكاه الشافعي في الأم عن فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الفتح، وإنما لم يجب لأنه غسل لمستقبل كغسل الجمعة والعيد نعم يكره تركه وإحرامه جنبًا ومثله حائض ونفساء انقطع دمهما وغير المميز يغسله وليه، ولو عجز عن الغسل لفقد الماء أو غيره تيمم أو وجد ماء لا يكفي غسله توضأ به حكاه الرافعي عن البغوي وأقره. قال النووي: إن أراد أن يتوضأ ثم يتيمم فحسن، وإن أراد الاقتصار على الوضوء فليس بجيد لأن المطلوب الغسل والتيمم يقوم مقامه دون الوضوء اهـ. والأقرب الأول ولعله إنما اقتصر على الوضوء كالشافعي في قوله: فإن لم يجد ماء يكفي غسله توضأ فإن لم يجد ماء بحال تيمم فيقوم ذلك مقام الغسل والوضوء تنبيهًا على أن أعضاء الوضوء أولى بالغسل لما فيه من تحصيل الوضوء الذي هو عبادة كاملة وسنة قبل الغسل القائم مقامه التيمم. 1573 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ "كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- إِذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ أَمْسَكَ عَنِ التَّلْبِيَةِ. ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طُوًى، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ وَيَغْتَسِلُ، وَيُحَدِّثُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ". وبالسند قال (حدثني) بالإفراد (يعقوب بن إبراهيم) بن كثير الدورقي العبدري قال: (حدّثنا ابن علية) بضم العين وفتح اللام وتشديد المثناة التحتية إسماعيل بن إبراهيم بن سهم

39 - باب دخول مكة نهارا أو ليلا

وعلية أمه قال: (أخبرنا أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (قال: كان ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- إذا دخل أدنى الحرم) أول موضع منه (أمسك عن التلبية)، يتركها أصلاً أو يستأنفها بعد ذلك إذا تركها عند ابتداء رمي جمرة يوم العقبة يوم العيد لأخذه في أسباب التحلل، (ثم يبيت بذي طوى)، بكسر الطاء اسم بئر أو موضع بقرب مكة، ولأبي ذر: طوى بضمها ويجوز فتحها والتنوين وعدمه كما في القاموس، فمن صرفه جعله اسم واد ومكان وجعله نكرة، ومن لم يصرفه جعله بلدة وبقعة وجعله معرفة، (ثم يصلّي به) أي بذي طوى (الصبح ويغتسل)، به وفيه استحباب الاغتسال به وهو محمول على أنه كان بطريقه بأن يأتي من طريق المدينة وإلا اغتسل من نحو تلك المسافة. قال الطبري: ولو قيل يسنّ له التعريج إليها والاغتسال بها اقتداء وتبركًا لم يبعد قال الأذرعي وبه جزم الزعفراني. (و) كان ابن عمر -رضي الله عنهما- (يحدث أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يفعل ذلك) المذكور من الإِمساك عن التلبية والبيتوتة والاغتسال بذي طوى أو الإشارة إلى الغسل فقط وهو موضع الترجمة. وهذا الحديث سبق معلقًا بأتم من هذا في باب الإهلال مستقبل القبلة. 39 - باب دُخُولِ مَكَّةَ نَهَارًا أَوْ لَيْلاً بَاتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذِي طُوًى حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنه- يَفْعَلُهُ. (باب) استحباب (دخول مكة نهارًا أو ليلاً) ولأبوي ذر والوقت: وليلاً بالواو بدل أو (بات النبي بذي طوى) بكسر الطاء، ولأبي ذر: بضمها ويجوز فتحها والصرف وعدمه كما مر (حتى أصبح ثم دخل مكة)، نهارًا، (وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يفعله) أي المبيت، وسقط قوله: بات إلى آخره في رواية أبي ذر وهذا قد سبق موصولاً في الباب المتقدم ثم ساقه بسند آخر غير الأول فقال: 1574 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ "بَاتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذِي طُوًى حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَفْعَلُهُ". (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين العمري (قال: حدثني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال): (بات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذي طوى حتى أصبح ثم دخل مكة)، أي نهارًا كما هو ظاهر بل وقع صريحًا في مسلم من طريق أيوب عن نافع ولفظه: كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارًا. نعم دخلها ليلاً في عمرة الجعرانة كما رواه أصحاب السنن الثلاثة ولا يعلم دخوله ليلاً في غيرها، وحينئذ فلا يخفى ما في قول الكرماني، وتبعه البرماوي مجيبًا عن كون المصنف ذكر في الترجمة دخول مكة في الليل والنهار ولم يذكر حديثًا يدل لليل أن كلمة ثم للتراخي، فيحتمل أن الدخول تأخر إلى الليل. وأجاب ابن المنير: بأنه أراد أن يبين أنه غير مقصود وأن الليل والنهار سواء وبنى على أن ذي طوى من مكة وقد دخل عشية وبات فيه، فدلّ على جواز الدخول ليلاً جاز نهارًا بطريق الأولى، وقيل: هما سواء لكن الأكثر على أنه بالنهار أفضل، وفرق بعضهم بين الإمام وغيره لما روى سعيد بن منصور عن عطاء قال: إن شئتم فادخلوا ليلاً إنكم لستم كرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنه كان إمامًا فأحب أن يدخلها نهارًا ليراه الناس اهـ. أي ليقتدوا به. (وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يفعله) أي ما ذكر من البيتوتة. 40 - باب مِنْ أَيْنَ يَدْخُلُ مَكَّةَ هذا (باب) بالتنوين (من أين يدخل مكة). 1575 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ حَدَّثَنِي مَعْنٌ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا، وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى". [الحديث 1575 - طرفه في: 1576]. وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي المدني (قال: حدثني) بالإفراد (معن) بفتح الميم وسكون العين ابن عيسى بن يحيى القزاز بالقاف وتشديد الزاي الأولى (قال: حدثني) بالإفراد أيضًا (مالك) الإمام قال في الفتح: ليس هو في الموطأ ولا رأيته في غرائب مالك للدارقطني ولم أقف عليه إلا من رواية معن بن عيسى، وقد تابع إبراهيم بن المنذر عليه عبد الله بن جعفر البرمكي (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدخل مكة من الثنية العليا) التي ينزل منها إلى المعلاة ومقابر مكة بجنب المحصب، والثنية بفتح المثلثة وكسر النون وتشديد المثناة التحتية كل عقبة في جبل أو طريق عالية فيه، وهذه الثنية كانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي، ثم سهل منها سنة إحدى عشرة وثمانمائة موضع، ثم سهلت كلها في زمن

41 - باب من أين يخرج من مكة

سلطان مصر الملك المؤيد في حدود العشرين وثمانمائة "ويخرج" منها (من الثنية السفلى) التي بأسفل مكة عند باب شبيكة، وكان بناء هذا الباب عليها في القرن السابع. زاد الإسماعيلي من طريق ابن ناجية عن البخاري وأبو داود من طريق عبد الله بن جعفر البرمكي عن معن يعني ثنيتي مكة، والمعنى في ذلك الذهاب من طريق والإياب من أخرى كالعيد لتشهد له الطريقان، وخصت العليا بالدخول مناسبة للمكان العالي الذي قصده والسفلى للخروج مناسبة للمكان الذي يذهب إليه، ولأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين قال {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} [إبراهيم: 37] كان على العليا كما روي عن ابن عباس قاله السهيلي. 41 - باب مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ هذا (باب) بالتنوين (من أين يخرج من مكة). 1576 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ، وَيَخْرُجُ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: كَانَ يُقَالُ: هُوَ مُسَدَّدٌ كَاسْمِهِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ مُسَدَّدًا أَتَيْتُهُ فِي بَيْتِهِ فَحَدَّثْتُهُ لاَسْتَحَقَّ ذَلِكَ، وَمَا أُبَالِي كُتُبِي كَانَتْ عِنْدِي أَوْ عِنْدَ مُسَدَّدٍ. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد بن مسرهد البصري) سقط في رواية أبي ذر ابن مسرهد البصري (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-). (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل مكة من كداء) وبفتح الكاف والدال المهملة ممدودًا منونًا على إرادة الموضع. وقال أبو عبيد: لا يصرف أي على إرادة البقعة للعلمية والتأنيث (من الثنية العليا التي بالبطحاء)، بفتح الموحدة قال الجوهري: الأبطح مسيل واسع فيه دقاق الحصى، والعليا بضم العين تأنيث الأعلى، وهذه الثنية ينزل منها إلى الحجون بفتح الحاء المهملة وضم الجيم مقبرة مكة (ويخرج) بلفظ المضارع، ولأبي ذر: وخرج (من الثنية السفلى) التي بقرب شعب الشاميين من ناحية جبل قعيقعان. (قال أبو عبد الله:) البخاري (كان يقال هو مسدد) من التسديد وهو الإحكام أي محكم (كاسمه). أي فطابق اسمه مسماه ولم يكتف المؤلّف بتوثيقه إياه بنفسه حتى نقل عن ابن معين توثيقه فقال: (قال أبو عبد الله): البخاري (سمعت يحيى بن معين) الإمام في باب الجرح والتعديل (يقول: سمعت يحيى بن سعيد) القطان (يقول: لو أن مسددًا أتيته في بيته فحدّثته لاستحق ذلك وما أبالي كتبي كانت عندي أو عند مسدد) وهذا منه غاية في التعديل ونهاية في التوثيق، وسقط عند أبي ذر قوله: قال أبو عبد الله كان يقال إلى هنا. 1577 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالاَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا جَاءَ إِلَى مَكَّةَ دَخَلَ مِنْ أَعْلاَهَا وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهَا". [الحديث 1577 - أطرافه في: 1578، 1579، 1580، 1581، 4290، 4291]. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) أبو بكر عبد الله بن الزبير المكي (محمد بن المثنى) العنزي الزمن البصري (قالا: حدّثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة -رضي الله عنها-). (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما جاء إلى مكة دخل من أعلاها) بغير ضمير النصب، ولأبوي ذر والوقت: دخلها من أعلاها (وخرج من أسفلها) وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي عن الحميدي وابن المثنى ومسلم في الحج عن ثانيهما وابن أبي عمر وأبو داود والترمذي والنسائي. 1578 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ الْمَرْوَزِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ وَخَرَجَ مِنْ كُدًا مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ". وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدثني (محمود بن غيلان) بفتح الغين المعجمة وسكون المثناة التحتية، وسقط لأبي ذر ابن غيلان، ولغير أبي ذر المروزي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-): (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عام الفتح من) ثنية (كداء) بالفتح والمد والتنوين (وخرج من) ثنية (كدا) بالضم مقصورًا منوّنًا على المشهور فيهما خلافًا لما وقع للرافعي في شرح الوجيز أن الذي يشعر به كلام الأكثرين أن الثاني بالمدّ أيضًا. قال: ويدل عليه أنهم كتبوها بالألف، وردّه النووي بأن كتابتها بالألف لا تدل على المدّ، وضبط الحافظ الدمياطي الأولى بضم الكاف مع القصر غير منوّن والثانية بفتح الكاف والتنوين مع المدّ وقال: هكذا هو مضبوط يعني في هذا الموضع، فأشعر أن المعتمد خلاف ما وقع. ويؤيده قول النووي أنه غلط قال: وأما كدي بضم الكاف وتشديد الياء فهي في طريق الخارج إلى اليمن وليست من هذين الطريقين في شيء اهـ. وفي القاموس: والكداء ككساء المنع والقطع

وكسماء اسم عرفات أو جبل بأعلى مكة، ودخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة منه وكسمى جبل أسفلها وخرج منه عليه الصلاة والسلام أو جبل آخر قرب عرفة وكقرى جبل مسفلة مكة على طريق اليمن، وكدى مقصورة كفتى ثنية الطائف، وغلط المتأخرون في هذا التفصيل واختلفوا فيه على أكثر من ثلاثين قولاً (من أعلى مكة) استشكل هذا من جهة أن مفهومه أنه عليه الصلاة والسلام خرج من أعلى مكة، والأحاديث السابقة أنه خرج من أسفلها، وأجاب الكرماني فقال: لعل الدخول والخروج في عام الفتح كان كلاهما من أعلاها، فأما في الحج فكان الخروج من أسفلها هذا إذا كان كدا أولاً بفتح الكاف، وأما إن كان الثاني بضمها فوجهه أن يقال: إن من أعلى مكة متعلق بدخل، ولفظ: وخرج من كدا حال مقدرة بينهما فلا يحتاج إلى التخصيص بغير عام الفتح اهـ. والذي في الأصول المعتمدة ضبط الأوّل بالفتح والثاني بالضم ولا أعلم أنهما رويا بالفتح، والتوجيه الثاني الذي ذكره لا يخفى ما فيه من التكلف، والذي يظهر ما قاله الحافظ أبو الفضل بن حجر -رحمه الله- أنه روي كذا مقلوبًا في رواية أبي أسامة، وأن الصواب ما رواه غيره دخل من كداء من أعلى مكة وأن الوهم فيه ممن دون أبي أسامة لأن أحمد رواه عن أبي أسامة على الصواب. المشهور أنه دخل من كداء بالفتح والمد وخرج من كدا بالضم والقصر. نعم وقع في رواية أبي داود أنه دخل عام الفتح من كداء بالفتح دخل في العمرة من كدا أي بالقصر. 1579 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ أَعْلَى مَكَّةَ". قَالَ هِشَامٌ وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ عَلَى كِلْتَيْهِمَا. مِنْ كَدَاءٍ وَكُدًا. وَأَكْثَرُ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءٍ، وَكَانَتْ أَقْرَبَهُمَا إِلَى مَنْزِلِهِ. وبه قال: (حدّثنا أحمد) يحتمل أن يكون هو ابن عيسى التستري المصري كما في أوائل الحج. وقال أبو علي بن السكن عن الفربري: هو في المواضع كلها أحمد بن صالح المصري، وكذا قال أبو عبد الله بن منده وليس هو ابن أخي ابن وهب لأن المؤلّف لم يخرج عنه شيئًا قال: (حدّثنا ابن وهب) عن عبد الله المصري قال: (أخبرنا عمرو) بفتح العين ابن الحرث المصري (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-): (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عام الفتح) مكة (من كداء) بفتح الكاف والمد والتنوين (أعلى مكة). وبالإسناد السابق (قال هشام وكان عروة) أبوه (يدخل على) ولأبي ذر: من (كلتيهما). بكسر الكاف وسكون اللام والمثناة التحتية بينهما مثناة فوقية مفتوحة والضمير يرجع إلى الثنتين العليا والسفلى (من كداء) بالفتح والمد والتنوين (وكدى) بالضم والقصر والتنوين بيان لقوله: كلتيهما (وأكثر ما يدخل) عروة (من كداء)، بالفتح والمد، ولأبوي ذر والوقت كما في اليونينية كدى بضم الكاف والقصر مع التنوين. وقال الحافظ ابن حجر: إنه بالضم والقصر للجميع، وعزاه في المصابيح كالتنقيح للأصيلي والفتح والمد لغيره، وفي بعض النسخ: كدى بالضم والقصر من غير تنوين. (وكانت) أي الثنية العليا وفي فرع اليونينية وأصول معتمدة وكان (أقربهما) بالنصب خبر كان، وفي بعض النسخ أقرب أي أقرب الثنتين (إلى منزله) اعتذار لأبيه عروة على رواية الضم، لأنه روى الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يدخل من كداء بالفتح والمد، وخافه لأنه رأى أن ذلك ليس بلازم حتم، فلذلك كان يسوي بينهما في الدخول ويكثر من الدخول من الأخرى لكونها أقرب إلى منزله. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي. 1580 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ، وَكَانَ عُرْوَةُ أَكْثَرَ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءٍ، وَكَانَ أَقْرَبَهُمَا إِلَى مَنْزِلِهِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجّي البصري قال: (حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة والمثناة الفوقية المكسورة ابن إسماعيل الكوفي سكن المدينة (عن هشام عن) أبيه (عروة): (دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مكة (عام الفتح من كداء من أعلى مكة وكان عروة أكثر ما يدخل من كداء) بفتح الكاف والمدّ والتنوين في الأول والثاني. قال النووي: وأكثر دخول عروة من كداء بالمدّ اهـ. ولأبوي ذر والوقت: من كدى بالضم والقصر من غير تنوين، وقال الحافظ ابن حجر: إنه كذلك للجميع "وكان أقربهما إلى منزله" وهذا الحديث كما قاله في الفتح اختلف في وصله وإرساله على

42 - باب فضل مكة وبنيانها، وقوله تعالى: [البقرة: 125 - 128] {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود * وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير * وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم * ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم}.

هشام بن عروة، وأورد البخاري الوجهين مشيرًا إلى أن رواية الإرسال لا تقدح في رواية الوصل، لأن الذي وصله حافظ وهو ابن عيينة، وقد تابعه ثقتان يعني عمرًا وحاتمًا المذكورين، ثم أورد المؤلّف طريقًا آخر من مراسيل عروة فقال بالسند السابق أوّل هذا الكتاب إليه. 1581 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ "دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ وَكَانَ عُرْوَةُ يَدْخُلُ مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا، وَأَكْثَرُ مَا يَدْخُلُ مِنْ كَدَاءٍ أَقْرَبِهِمَا إِلَى مَنْزِلِهِ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: كَدَاءٌ وَكُدًا مَوْضِعَانِ. (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة أنه قال: (دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مكة (عام الفتح من كداء) بالفتح والد منوّنًا، (وكان عروة يدخل منهما) أي من كداء بالفتح وكدى بالضم (كليهما) بكاف مكسورة ولام مفتوحة فمثناة تحتية، وللأصيلي: كلاهما بالألف على لغة من أعربه بالحركات المقدّرة في الأحوال الثلاث (وأكثر) بالرفع، ولأبي ذر: وكان بالنصب خبر كان الزائدة عنده (ما يدخل) وفي بعض النسخ و: أكثر ما كان يدخل (من كداء) بالفتح والمدّ والتنوين، ولأبي ذر: كدى بالضم والقصر من غير تنوين. قال الحافظ ابن حجر: إنها كذلك للجميع "أقربهما إلى منزله" بجرّ أقرب بيان أو بدل من كداء، والأرجح أن دخوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أعلى مكة وخروجه من أسفلها كان قصدًا ليتأسى به فيه فيكون سنّة لكل داخل، وحينئذٍ فالآتي من غير طريق المدينة يؤمر بالتعريج ليدخل منها وهذا ما صححه النووي في الروضة والمجموع لما قاله الشيخ أبو محمد الجويني: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عرّج إليه قصدًا. وحكى الرافعي عن الأصحاب تخصيصه بالآتي من طريق المدينة للمشقة، وأن دخوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها كان اتفاقًا. (قال أبو عبد الله): البخاري (كداء وكدى) بالفتح والمدّ والتنوين في الأوّل، والضم والقصر والتنوين في الثاني، وفي نسخة: بركته (موضعان) كذا ثبت هذا القول للمستملي، وسقط لغيره وهو أولى لأنه ليس في سياقه كبير فائدة كما لا يخفى. 42 - باب فَضْلِ مَكَّةَ وَبُنْيَانِهَا، وقوله تعالى: [البقرة: 125 - 128] {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}. (باب) بيان (فضل مكة) زادها الله تعالى شرفًا ورزقنا العود إليها على أحسن حال بمنه وكرمه (و) في (بنيانها)، أي الكعبة (وقوله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه أي في بيان تفسير قوله تعالى: ({وإذ جعلنا البيت}) أي الكعبة ({مثابة للناس}) من ثاب القوم إلى الموضع إذا رجعوا إليه. أي: جعلنا البيت مرجعًا ومعاذًا يأتونه كل عام ويرجعون إليه فلا يقضون منه وطرًا، أو موضع ثواب يثابون بحجه واعتماده ({وأمنًا}) من المشركين أبدًا فإنهم لا يتعرضون لأهل مكة ويتعرضون لمن حولها، أولاً يؤاخذ الجاني الملتجئ إليه كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله، وقيل: يأمن الحاج من عذاب الآخرة من حيث أن الحج يجب ما قبله ({واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى}) مقام إبراهيم الحجر المعروف أو المسجد الحرام أو الحرم أو مشاعر الحج. وقد صح أن عمر قال: يا رسول الله هذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال: "نعم". قال: أفلا نتخذه مصلّى: فأنزله الله ({واتخذوا}) الخ. وهو عطف على اذكروا نعمتي أو على معنى مثابة أي ثوبوا إليه واتخذوا أو مقدّر بقلنا أي: وقلنا اتخذوا منه موضع صلاة أو مدعى والأمر للاستحباب بالاتفاق ({وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل) أمرناهما ({أن طهّرا بيتي}) أي: بأن طهرا وهو بمعنى الوحي عدّى بإلى يريد طهراه من الأوثان والأنجاس وما لا يليق به وأخلصاه ({للطائفين}) حوله ({والعاكفين}) المقيمين عنده أو المعتكفين فيه ({والركع السجود}) جمع راكع وساجد أي المصلين، واستدلّ به على جواز صلاة الفرض والنفل داخل البيت خلافًا لمالك رحمه الله في الفرض. ({وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا}) البلد أو المكان ({بلدًا آمنًا}) أي ذا أمن كقوله تعالى: {في عيشة راضية} [الحاقة: 21 والقارعة: 7] وآمنًا أهله كقولك: ليل نائم ({وارزق أهله من الثمرات}) فاستجاب الله دعاءه بأن بعث الله تعالى جبريل عليه الصلاة والمسلام حتى اقتلع الطائف من موضع الأردن، ثم طاف بها حول الكعبة فسميت الطائف قاله المفسرون ({من آمن منهم بالله واليوم الآخر}) أبدل من آمن من أهله بدل البعض للتخصيص. ({قال ومن كفر}) عطف على من

آمن وهو من كلام الله تعالى نبه الله سبحانه أن الرزق عام دنيوي يعم المؤمن والكافر لا الإمامة والتقدم في الدين أو مبتدأ تضمن معنى الشرط ({فأمتعه قليلاً) خبره، وقليلاً: نصب بالمصدر والكفر، وإن لم يكن سبب التمتع لكنه سبب تقليله بأن يجعله مقصورًا بحظوظ الدنيا غير متوسل به إلى نيل الثواب ولذلك عطف عليه ({ثم أَضطّره إلى عذاب النارو}) أي ألجئه إليه ({وبئس المصير}). أي العذاب. فحذف المخصوص بالذم ({وإذ يرفع إبراهيم القواعد}) الأساس ({من البيت}) ورفعها البناء عليها وظاهره أنه كان مؤسسًا قبل إبراهيم، ويحتمل أن يكون المواد بالرفع نقلها من مكانها إلى مكان البيت ({وإسماعيل})، كان يناوله الحجارة يقولان ({ربنا تقبل منا}) بناء البيت ({إنك أنت السميع}). لدعائنا ({العليم}) بنياتنا ({ربنا واجعلنا مسلمين لك}) مخلصين لك منقادين ({ومن ذريتنا}) أي واجعل بعض ذريتنا ({أمة}) جماعة ({مسلمة لك}) خاضعة مخلصة، وإنما خصا الذرية بالدعاء لأنهم أحق بالشفقة ولأنهم إذا صلحوا بهم الأتباع، وخصا بعضهم لما أعلما في ذريتهما ظلمة وعلما أن الحكمة الإلهية لا تقتضي الاتفاق على الإخلاص والإقبال الكلي على الله فإنه مما يشوّش المعاش، ولذلك قيل: لولا الحمقى لخربت الدنيا قاله القاضي: ({وأرنا}) قال البيضاوي: من رأى بمعنى أبصر أو عرف ولذلك بتجاوز مفعولين. وقال أبو حيان: أي تصرنا إن كانت من رأي البصرية، والتعدي هنا إلى اثنين ظاهر لأنه منقول بالهمزة من المتعدي إلى واحد، وإن كانت من رؤية القلب فالمنقول أنها تتعدى إلى اثنين، فإذا دخلت عليها همزة النقل تعدّت إلى ثلاثة وليس هنا إلا اثنان فوجب أن يعتقد أنها من رؤية العين، وقد جعلها الزمخشري من رؤية القلب وشرحها بقوله: عرف فهي عنده تأتي بمعنى عرف أي تكون قلبية وتتعدى إلى واحد، ثم أدخلت همزة النقل فتعدت إلى اثنين ويحتاج ذلك إلى سماع من كلام العرب اهـ. ({مناسكنا}) متعبداتنا في الحج أو مذابحنا. وروى عبد بن حميد عن أبي مجلز قال، لما فرغ إبراهيم من البيت أتاه جبريل فأراه الطواف بالبيت سبعًا قال: وأحسبه بين الصفا والمروة ثم أتى به عرفة فقال" أعرفت؟ قال: نعم، قال: فمن ثم سميت عرفات ثم أتى به جميعًا فقال: هاهنا يجمع الناس الصلاة، ثم أتى به منى فعرض لهما الشيطان فأخذ جبريل سبع حصيات فقال: أرمه بها وكبّر مع كل حصاة ({وتب علينا})، استتابة لذريتهما لأنهما معصومان أو عما فرط منهما سهوًا، ولعلهما قالاه هضمًا لأنفسهما وإرشادًا لذريتهما ({إنك أنت التواب الرحيم}) [البقرة: الآيات: 125 - 126 - 127 - 128] لمن تاب. وهذه أربع آيات ساقها المصنف كلها كما هو في رواية كريمة، وللباقين بعض الآية الأولى، ولأبي ذر كلها ثم قال: إلى قوله التواب الرحيم. 1582 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَبَّاسٌ يَنْقُلاَنِ الْحِجَارَةَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ، فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: أَرِنِي إِزَارِي، فَشَدَّهُ عَلَيْهِ". وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبوي ذر والوقت: حدثني (عبد الله بن محمد) المسندي الجعفي قال: (حدثنا أبو عاصم) النبيل هو أحد شيوخ المؤلّف أخرج عنه في غير موضع بواسطة (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن جريج) بضم الجيم الأولى وفتح الراء عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد أيضًا (عمرو بن دينار) بفتح العين (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- يقول): ولغير الكشميهني قال: (لما بنيت الكعبة) قبل المبعث بخمس سنين وكانت قريش خافت أن تنهدم من السيول، وقد اختلف في عدد بنائها والذي تحصل من ذلك أنها بنيت عشر مرات: بناء الملائكة قبل خلق آدم وذلك لما قالوا: {أتجعل فيها من يفسد فيها} [البقرة: 30] الآية خافوا وحافوا بالعرش ثم أمرهم الله تعالى أن يبنوا في كل سماء بيتًا وفي كل أرض بيتًا. قال مجاهد: هي أربعة عشر بيتًا، وقد روي أن الملائكة حين أسست الكعبة انشقت الأرض إلى منتهاها وقذفت فيها حجارة أمثال الإبل فتلك القواعد من البيت التي وضع عليها إبراهيم وإسماعيل. ثم بناء آدم عليه الصلاة والسلام رواه البيهقي في دلائل النبوّة من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي مرفوعًا من طريق ابن لهيعة وفيه أنه قيل له: أنت

أوّل الناس وهذا أوّل بيت وضع للناس، لكن قال ابن كثير: أنه من مفردات ابن لهيعة وهو ضعيف، والأشبه أن يكون موقوفًا على عبد الله. ثم بناء بني آدم من بعده بالطين والحجرة فلم يزل معمورًا يعمرونه هم ومن بعدهم حتى كان زمن نوح فنسفه الغرق وغير مكانه حتى بوّئ لإبراهيم عليه الصلاة والسلام فبناه كما هو ثابت بنص القرآن، وجزم الحافظ، بن كثير بأنه أوّل من بناه وقال: لم يجيء خبر عن معصوم أنه كان مبنيًّا قبل الخليل وقد كان المبلغ له ببنائه عن الملك الجليل جبريل فمن ثم قيل: ليس ثم في هذا العالم بناء أشرف من الكعبة لأن الآمر ببنائها الملك الجليل والمبلغ والمهندس جبريل، والباني الخليل، والتلميذ إسماعيل. ثم بناء العمالقة، ثم جرهم رواه الفاكهي بسنده عن عليّ وذكر المسعودي أن الذي بناه من جرهم هو الحرث بن مضاض الأصغر، ثم بناء قصي بن كلاب كما ذكر الزبير بن بكار، ثم بناء قريش وحضره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجعلوا ارتفاعها ثمانية عشر ذراعًا، وقيل عشرين ونقصوا من طولها ومن عرضها لضيق النفقة بهم، ثم بناء عبد الله بن الزبير وسببه توهين الكعبة من حجارة المنجنيق التي أصابتها حين حوصر ابن الزبير بمكة في أوائل سنة أربع وستين من الهجرة لمعاندة يزيد بن معاوية فهدمها حتى بلغت الأرض يوم السبت منتصف جمادى الآخرة سنة أربع وستين، وبناها على قواعد إبراهيم وأدخل فيها ما أخرجته منها قريش في الحجر فجعل لها بابين لاصقين بالأرض أحدهما بابها الموجود الآن والآخر المقابل له المسدود، وجعل فيها ثلاث دعائم في صف واحد وفرغ منها في سنة خمس وستين كما ذكره المسبحي العاشر بناء الحجاج، وكان بناؤه للجدار الذي من جهة الحجر بسكون الجيم والباب الغربي المسدود عند الركن اليماني وما تحت الباب الشرقي وهو أربعة أذرع وشبر على ما ذكره الأزرقي، وترك بقية الكعبة على بناء ابن الزبير، واستمر بناء الحجاج إلى الآن وقد أراد الرشيد أو أبوه أو جدّه أن يعيده على ما فعله ابن الزبير فناشده مالك في ذلك وقال: أخشى أن يصير ملعبة للملوك فتركه، ولم يتفق لأحد من الخلفاء ولا غيرهم تغيير شيء مما صنعه الحجاج إلى الآن إلا في الميزاب والباب وعتبته، وكذا وقع الترميم في الجدار الذي بناه الحجاج غير مرة وفي السقف وفي سلم السطح وجدّد فيها الرخام، وأوّل من فرشها بالرخام الوليد بن عبد الملك فيما قاله ابن جريج وهذا الحديث مرسل لأن جابرًا لم يدرك بناء قريش، لكن يحتمل أن يكون سمع ذلك من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو ممن حضره من الصحابة. وقد روى الطبراني وأبو نعيم في الدلائل من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير قال: سألت جابرًا هل يقوم الرجل عريانًا فقال: أخبرني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لما انهدمت الكعبة الحديث. لكن ابن لهيعة ضعيف، وقد تابعه عبد العزيز بن سليمان عن أبي الزبير ذكره أبو نعيم فإن كان محفوظًا وإلا فقد حضره من الصحابة العباس فلعل جابرًا حمله عنه قاله في الفتح وجواب لما قوله: (ذهب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعباس) عمه (ينقلان الحجارة) على أعناقهما (فقال العباس للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اجعل إزارك على رقبتك) أي لتقوى به على حمل الحجارة ففعل عليه الصلاة والسلام ذلك (فخر) أي وقع (إلى الأرض وطمحت) بالواو والطاء المهملة والميم والحاء المهملة المفتوحات ولأبي ذر: فطمحت بالفاء (عيناه) أي شخصتا وارتفعتا (إلى السماء) والمعنى أنه صار ينظر إلى فوق. قال ابن المنير: فيه دليل على أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان متعبدًا قبل البعثة بالفروع التي بقيت محفوظة كستر العورة، لأن سقوطه إلى الأرض عند سقوط الإزار خشية من عدم الستر في تلك اللحظة اهـ. وهذا يردّه ما في الدلائل للبيهقي عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس عن أبيه قال: لما بنت قريش انفردت رجلين رجلين ينقلون الحجارة فكنت أنا وابن أخي فجعلنا نأخذ أزرنا فنضعها على مناكبنا ونجعل عليها الحجارة فإذا دنونا من الناس لبسنا أزرنا، فبينما هو أمامي إذ صرع فسعيت وهو شاخ ببصره إلى السماء

قال فقلت لابن أخي ما شأنك؟ قال: نهيت أن أمشي عريانًا. قال: فكتمته حتى أظهر الله نبوّته. وفي التهذيب للطبراني: إني لمع غلمان هم أسناني قد جمعنا أزرنا على أعناقنا لحجارة ننقلها إذ لكمني لاكم لكمة شديدة ثم قال: اشدد عليك إزارك. وعند السهيلي في خبر آخر لما سقط ضمه العباس إلى نفسه وسأله عن شأنه فأخبره أنه نودي من السماء أن اشدد إزارك يا محمد. وفي رواية أن الملك نزل فشدّ عليه إزاره فوضح أن استتاره لم يكن مستند إلى شرع متقدم (فقال:) عليه الصلاة والسلام لعمه العباس (أرني) بكسر الراء وسكونها أي أعطني (إزاري) لأن الإراءة من لازمها الإعطاء فأعطاه فأخذ (فشده عليه) زاد زكريا بن إسحاق في روايته السابقة في باب كراهية التعري في أوائل الصلاة فما رئي بعد ذلك عريانًا. وفي هذا الحديث التحديث بالجمع والإفراد والإخبار بالإفراد والسماع والقول، ورواته ما بين بخاري وبصري ومكّي، وأخرجه أيضًا في بنيان الكعبة ومسلم في الطهارة. 1583 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنهم- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا: أَلَمْ تَرَىْ أَنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوُا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتُ" فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ -رضي الله عنه-: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا أُرَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرَكَ اسْتِلاَمَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إِلاَّ أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. وبه قال (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم بن عبد الله) بن عمر (أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر) الصديق (أخبره) أباه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب بنصب عبد الله على المفعولية والفاعل مضمر (عن عائشة) متعلق بأخبر (-رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها): (ألم تري) مجزوم بحذف النون أي ألم تعرفي (أن قومك) قريشًا (لما) ولأبوي ذر والوقت: حين (بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم) (فقلت: يا رسول الله ألا تردّها على قواعد إبراهيم)؟ جمع قاعدة وهي الأساس (قال) عليه الصلاة والسلام: (لولا حدثان قومك) قريش بكسر الحاء وسكون الدال المهملتين وفتح المثلثة مبتدأ خبره محذوف وجوبًا أي موجود يعني قرب عهدهم (بالكفر لفعلت) أي لرددتها على قواعد إبراهيم، وفيه دليل على ارتكاب أيسر الضررين دفعًا لأكبرهما، لأن قصور البيت أيسر من افتتان طائفة من المسلمين ورجوعهم عن دينهم (فقال عبد الله) بن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه بالإسناد المذكور: (لئن كانت عائشة -رضي الله عنها- سمعت هذا من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليس شكًا في قولها ولا تضعيفًا لحديثها فإنها الحافظة المتقنة، لكنه جرى على ما يعتاد في كلام العرب من الترديد للتقرير واليقين كقوله تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ} [الأنبياء: 111] (ما أرى) بضم الهمزة ما أظن (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر) بسكون الجيم أي يقربان منه وزاد معمر ولا طاف الناس من وراء الحجر (إلا أن البيت) الكعبة (لم يتمم) ما نقص منه وهو الركن الذي كان في الأصل (على قواعد إبراهيم) عليه السلام، فالموجود الآن في جهة الحجر بعض الجدار الذي بنته قريش فلذلك لم يستلمهما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلو استلمهما أو غيرهما من البيت أو قبل ذلك لم يكره ولا هو خلاف الأولى بل هو حسن لما في الاستقصاء عن الشافعي أنه قال: وأي البيت قبل فحسن غير أنا نأمر بالاتباع اهـ. قال أبو عبد الله الأبي: وهذا الذي قاله ابن عمر من فقهه ومن تعليل العدم بالعدم علل عدم الاستلام بعدم أنهما من البيت. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في أحاديث الأنبياء وفي التفسير، ومسلم في الحج والنسائي فيه وفى العلم وفي التفسير. 1584 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ حَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْجَدْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ. قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: فَعَلَ ذَلِكِ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) قال: (حدّثنا أبو الأحوص) بفتح الهمزة وسكون الحاء آخره صاد مهملتين بينهما واو مفتوحة سلام بن سليم الجعفي قال: (حدّثنا أشعث) بهمزة مفتوحة فمعجمة ساكنة فعين مهملة مفتوحة فمثلثة ابن أبي الشعثاء المحاربي (عن الأسود بن يزيد) من الزيادة (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الجدر) بفتح الجيم وسكون الدال المهملة، ولأبي ذر عن المستملي: عن الجدار بكسر ثم فتح فألف (أمن البيت هو)؟ بهمزة الاستفهام (قال:) عليه الصلاة والسلام

(نعم) هو منه لما فيه من أصول حائطه وظاهره أن الحجر كله من البيت، وبذلك كان يفتي ابن عباس. وقد روى عبد الرزاق عنه أنه قال: لو وليت من البيت ما ولي ابن الزبير لأدخلت الحجر كله في البيت فلم يطاف به إن لم يكن من البيت، وسيأتي إن شاء الله تعالى في آخر الطريق الرابعة لحديث عائشة هذا قول يزيد بن رومان الذي رواه عن عكرمة أنه أراه لجرير بن حازم فحرره ستة أذرع أو نحوها مع زيادة من فرائد الفوائد. قالت عائشة: (قلت): أي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال) (إن قومك) قريشًا (قصرت) بتشديد الصاد المفتوحة، ولأبي ذر: قصرت بتخفيفها مضمومة (بهم النفقة): أي لم يتسعوا لإتمامه لقلة ذات يدهم. وقال في فتح الباري: أي النفقة الطيبة التي أخرجوها لذلك كما جزم به الأزرقي، ويوضحه ما ذكره ابن إسحاق في السيرة أن أبا وهب بن عائذ بن عمران بن مخزوم قال لقريش: لا تدخلوا فيه من كسبكم إلا طيبًا ولا تدخلوا فيه مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس اهـ. قالت عائشة: (قلت فما شأن بابه مرتفعًا؟ قال) عليه الصلاة والسلام (فعل ذلك قومك) بكسر الكاف فيهما لأن الخطاب لعائشة (ليدخلوا من شاؤوا) ولأبي ذر عن المستملي: يدخلوها بغير لام وزيادة الضمير (ويمنعوا من شاءوا) زاد مسلم: فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط، (ولولا أن قومك حديث) بالتنوين (عهدهم بالجاهلية) برفع عهدهم على الفاعلية، ولأبي ذر عن الكشميهني: بجاهلية منكرًا، وسبق في العلم من طريق الأسود حديث عهد بكفر، ولأبي عوانة من طريق عبادة عن عروة عن عائشة: حديث عهد بشرك (فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر) أي يخاف إنكار قلوبهم إدخال الجدر (في البيت) وجواب لولا محذوف أي لفعلت ذلك، وقد رواه مسلم عن سعيد بن منصور عن أبي الأحوص بلفظ: أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل، فأثبت جواب لولا وللإسماعيلي من طريق شيبان عن أشعث ولفظه: لنظرت فأدخلت (وأن ألصق بابه بالأرض) فلا يكون مرتفعًا، ونقل ابن بطال عن علمائهم أن النفرة التي خشيها عليه الصلاة والسلام أن ينسبوه إلى الانفراد بالفخر دونهم. وهذا الحديث أخرجه أيضًا مسلم وابن ماجة في الحج. 1585 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْلاَ حَدَاثَةُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْبَيْتَ ثُمَّ لَبَنَيْتُهُ عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، فَإِنَّ قُرَيْشًا اسْتَقْصَرَتْ بِنَاءَهُ، وَجَعَلْتُ لَهُ خَلْفًا". قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ: خَلْفًا يَعْنِي بَابًا. وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين وفتح الموحدة لقب عبد الله القرشي الهباري الكوفي غلب عليه وهو من ولد هبار بن الأسود قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-). قال الحافظ أبو الفضل بن حجر: كذا رواه مسلم من طريق أبي معاوية، والنسائي من طريق عبدة بن سليمان، وأبو عوانة من طريق علي بن مسهر وأحمد عن عبد الله بن نمير كلهم عن هشام، وخالفهم القاسم بن معن فرواه عن هشام عن أبيه عن أخيه عبد الله بن الزبير عن عائشة أخرجه أبو عوانة، ورواية الجماعة أرجح فإن رواية عروة عن عائشة لهذا الحديث مشهورة من غير وجه، فسيأتي في الطريق الرابعة من رواية يزيد بن رومان عنه، وكذا لأبي عوانة من طريق قتادة وأبي النضر كلاهما عن عروة عن عائشة بغير واسطة، ويحتمل أن يكون عروة حمل عن أخيه عن عائشة منه شيئًا زائدًا على روايته عنها كما وقع للأسود بن يزيد مع ابن الزبير فيما تقدم شرحه في كتاب العلم اهـ. (قالت: قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ولولا حداثة قومك بالكفر) بفتح الحاء والدال المهملتين ثم المثلثة بعد الألف (لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام فإن قريشًا استقصرت بناءه) اقتصرت على هذا القدر لقصور النفقة عن تمامة ثم عطف المؤلّف على قوله لبنيته قوله: (وجعلت له) بتاء التكلم فاللام ساكنة. وقال في التنقيح كالقابسي بفتح اللام وسكون التاء يعني فيكون مسندًا إلى ضمير المؤنث فالتاء ساكنة لأنها تاء التأنيث اللاحقة للفعل، فيكون: وجعلت معطوفًا على استقصرت وهو وهم. قال: وروي

بإسكان اللام وضم التاء اهـ. وهذا الأخير هو الظاهر لما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى (خلفًا) بسكون اللام بعد فتح الخاء المعجمة وآخره فاء. (قال: أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين مما وصله مسلم والنسائي (حدّثنا هشام) هو ابن عروة (خلفًا يعني بابًا) من خلفه يقابل هذا الباب المقدم حتى يدخلوا من المقدم ويخرجوا من الذي خلفه، وعلى هذا التفسير يتعين كون جعلت مسندًا إلى ضمير المتكلم وهو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا إلى ضمير يعود إلى قريش كما قاله الزركشي على ما لا يخفى، والتفسير المذكور من قول هشام كما بينه أبو عوانة من طريق علي بن مسهر عن هشام قال: الخلف الباب ولم يقع في رواية مسلم والنسائي هذا التفسير، وأخرجه ابن خزيمة عن أبي كريب عن أبي أسامة، وأدرج التفسير ولفظه: وجعلت له خلفًا يعني بابًا آخر من خلف. 1586 - حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا يَزِيدُ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ". فَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنهما- عَلَى هَدْمِهِ. قَالَ يَزِيدُ: وَشَهِدْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ حِينَ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ وَأَدْخَلَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَسَاسَ إِبْرَاهِيمَ حِجَارَةً كَأَسْنِمَةِ الإِبِلِ. قَالَ جَرِيرٌ: فَقُلْتُ لَهُ أَيْنَ مَوْضِعُهُ؟ قَالَ: أُرِيكَهُ الآنَ. فَدَخَلْتُ مَعَهُ الْحِجْرَ، فَأَشَارَ إِلَى مَكَانٍ فَقَالَ: هَا هُنَا. قَالَ جَرِيرٌ: فَحَزَرْتُ مِنَ الْحِجْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا. وبالسند قال: (حدّثنا بيان بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم وبيان بفتح الموحدة وتخفيف التحتية وبعد الألف نون البخاري المتوفى سنة ثنتين وعشرين ومائتين قال: (حدّثنا يزيد) من الزيادة هو ابن هارون كما جزم به أبو نعيم في مستخرجه قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي، وجرير بالجيم المفتوحة والراء المكررة بينهما تحتية قال: (حدّثنا يزيد بن رومان) بضم الراء وسكون الواو وتخفيف الميم وبعد الألف نون غير مصروف، ويزيد من الزيادة وهو مولى آل الزبير (عن عروة) بن الزبير بن العوّام. قال الحافظ ابن حجر: كذا رواه الحفاظ من أصحاب يزيد بن هارون عنه، فأخرجه أحمد بن حنبل وأحمد بن سنان وأحمد بن منيع في مسانيدهم عن هكذا، والنسائي عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام، والإسماعيلي من طريق هارون الجمال والزعفراني كلهم عن يزيد بن هارون، وخالفهم الحرث بن أبي أسامة فرواه عن يزيد بن هارون فقال: عن عبد الله بن الزبير بدل عروة بن الزبير، وهكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي الأزهر عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه، قال الإسماعيلي: إن كان أبو الأزهر ضبطه فكأن يزيد بن رومان سمعه من الآخوين. قال الحافظ ابن حجر: قد تابعه محمد بن مشكان كما أخرجه الجوزقي عن الدغولي عنه عن وهب بن جرير ويزيد قد حمله عن الآخوين، لكن رواية الجماعة أوضح فهي أصح (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها): (يا عائشة لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية) بإضافة حديث لعهد عند جميع الرواة. قال المطرزي: وهو لحن إذ لا يجوز حذف الواو في مثل هذا، والصواب حديثو عهد بواو الجمع كذا نقله الزركشي والحافظ ابن حجر والعيني وأقروه، وأجاب صاحب المصابيح بأنه لا لحن فيه ولا خطأ والرواية صواب وتوجه بنحو ما قالوه في قوله تعالى {ولا تكونوا أول كافر به} [البقرة: 41] حيث قالوا: إن التقدير أول فريق كافر أو فوج كافر يعنون أن مثل هذه الألفاظ مفردة بحسب اللفظ وجمع بحسب المعنى فيجوز لك رعاية لفظه تارة ومعناه أخرى كيف شئت، فانقل هذا إلى الحديث تجده ظاهرًا لا خفاء بصوابه. وقال صاحب اللامع: قد توجه بأن فيعلاً يستعمل للمفرد والجمع والمؤنث والمذكر كما في: {إن رحمت الله قريب من المحسنين} وخرج عليه خبير بنو لهب إذا قلنا أنه خبر مقدم، فإذا صحت الرواية وجب التأويل. (لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه) بضم الهمزة أي من الحجر (وألزقته بالأرض) بحيث يكون بابه على وجهها غير مرتفع عنها وألزقته بالزاي كألصقته بالصاد، (وجعلت له بابين بابًا شرقيًا) مثل الوجود الآن (وبابًا غربيًا فبلغت به أساس إبراهيم) عليه الصلاة والسلام. (فذلك الذي حمل ابن الزبير) عبد الله (على هدمه) البيت. زاد وهب وبنائه والإشارة في قوله ذلك إلى ما روته عائشة -رضي الله عنها- عنه عليه الصلاة والسلام مع عدم وجود ما كان عليه الصلاة والسلام يخافه من الفتنة وقصور النفقة كما في حديث عطاء عند مسلم بلفظ: وقال ابن الزبير: سمعت عائشة تقول: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر وليس

عندي من النفقة ما يقوي على بنائه لكنت أدخلت فيه من الحجر خمسة أذرع ولجعلت له بابًا يدخل منه الناس وبابًا يخرجون منه فأنا اليوم أجد ما أنفق ولست أخاف الناس" الحديث. (قال يزيد): بن رومان بالإسناد السابق: (وشهدت ابن الزبير حين هدمه) وكان قد هدمه حتى بلغ به الأرض (و) حين (بناه) وكان في سنة خمس وستين. وقال الأزرقي: في نصف جمادى الآخرة سنة أربع وستين وجمع بينهما بأن الابتداء كان في سنة أربع والانتهاء في سنة خمس، وأيدوه بأن في تاريخ المسجى أن الفراغ من بناء البيت كان في سنة خمس وستين. زاد المحب الطبري أنه كان في شهر رجب. (وأدخل فيه من الحجر) خمسة أذرع. قال يزيد بن رومان: (وقد رأيت أساس إبراهيم حجارة كأسنمة الإبل) وفي كتاب مكة للفاكهي من طريق أبي أويس عن يزيد بن رومان: فكشفوا له أي لابن الزبير عن قواعد إبراهيم وهي صخر أمثال الخلف من الإبل ورأوه بنيانًا مربوطًا بعضه ببعض. وعند عبد الرزاق من طريق ابن سابط عن زيد: أنهم كشفوا عن القواعد فإذا الحجر مثل الخلفة والحجارة مشتبك بعضها ببعض. وفي رواية للفاكهي عن عطاء قال: كنت في الأبناء الذين جمعوا على حفره فحفروا قامة ونصفًا فهجموا على حجارة لها عروق تتصل بزرد عروق المروة فضربوه فارتجت قواعد البيت فكبر الناس فبني عليه، وفي رواية مرثد عند عبد الرزاق فكشف عن ربض في الحجر آخذ بعضه ببعض فتركه مكشوفًا ثمانية أيام ليشهدوا عليه فرأيت ذلك الربض مثل خلف الإبل وجه ووجه حجران ووجه حجر ووجه حجران، ورأيت الرجل يأخذ العتلة فيضرب بها من ناحية الركن فيهتز الركن الآخر. (قال جرير): هو ابن حازم المذكور (فقلت له) أي ليزيد بن رومان: (أين موضعه) أي الأساس؟ (قال: أريكه الآن فدخلت معه الحجر فأشار إلى مكان) منه (فقال: هاهنا. قال جرير: فحزرت) بتقديم الزاي على الراء المهملة أي قدرت (من الحجر) بكسر الحاء وسكون الجيم (ستة أذرع) بالذال المعجمة جمع ذراع، ولأبي ذر: ست أذرع (أو نحوها). قال في المصابيح: والسبب في كونه حرز ذلك ولم يقطع به أن المنقول أنه لم يكن حول البيت حائط يحجز الحجر من سائر المسجد حتى حجزه عمر بالبنيان ولم ينبه على الجدر الذي كان علامة على أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأن زاد ووسع قطعًا للشك، وصار الجدر في داخل التحجيز فلذلك حرز جرير ولم يقطع اهـ. وهذا نقله المهلب عن ابن أبي زيد بلفظ: إن حائط الحجر لم يكن مبنيًا في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر حتى كان عمر فبناه قطعًا للشك، وفيه نظر لأن هذا إنما هو في حائط المسجد لا في الحجر ولم يزل الحجر موجودًا في عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما يصرح به كثير من الأحاديث الصحيحة، وهل الصحيح أن الحجر كله من البيت حتى لا يصح الطواف في جزء منه أو بعضه؟ فيصح جزم النووي بالأول كابن الصلاح لحديث الصحيحين: الحجر من البيت، وأبو محمد الجويني وولده إمام الحرمين والبغوي بالثاني. وقال الرافعي: إنه الصحيح لحديث الباب وحديث مسلم عن الحرث عن عائشة: فإن لقومك أن يبنوه بعدي فهلمي لأريك ما تركوا منه قريبًا من سبعة أذرع. وله من طريق سعيد بن مينا عن عبد الله بن الزبير عنها: وزدت فيه ستة أذرع، ولسفيان بن عيينة في جامعه أن ابن الزبير زاد ستة أذرع مما يلي الحجر، وله أيضًا ستة أذرع وشبر، لكن قال ابن الصلاح منتصرًا لما ذهب إليه: اضطربت الروايات في ذلك ففي الصحيحين: الحجر من البيت، وروى ستة أذرع، وروي ست أو نحوها، وروي خمس، وروي قريبًا من سبع وحينئذ يتعين الأخذ بأكثرها ليسقط الفرض بيقين. وقال الحافظ زين الدين العراقي في شرح سنن أبي داود: ظاهر نص الشافعي في المختصر أن الحجر كله من البيت وهو مقتضى كلام جماعة من أصحابه، وقال النووي: إنه الصحيح وبه قطع جماهير أصحابنا وقال هذا هو الصواب. وتعقب بأن الجمع بين المختلف من

الأحاديث ممكن وهو أولى من دعوى الاضطراب والطعن في الروايات المقيدة لأجل الاضطراب، لأن شرط الاضطراب أن تتساوى الوجوه بحيث يتعذر الترجيح أو الجمع ولم يتعذر ذلك هنا فيتعين حمل المطلق على المقيد، وإطلاق اسم الكل على البعض سائغ مجازًا وحينئذ فالرواية التي جاء فيها أن الحجر من البيت مطلقة فيحمل المطلق منها على المقيد، ولم تأت رواية صريحة بأن جميع الحجر من بناء إبراهيم في البيت، وإنما قال النووي: ذلك نصرة لما صححه أن جميع الحجر من البيت، وعمدته في ذلك أن الشافعي نص على إيجاب الطواف خارج الحجر، ونقل ابن عبد البر الاتفاق عليه، لكن لا يلزم منه أن يكون كله من البيت فقد نص الشافعي كما ذكره البيهقي في المعرفة أن الذي في الحجر من البيت نحو من ستة أذرع، ونقله عن عدة من أهل العلم من قريش لقيهم، فيحتمل أن يكون رأي إيجاب الطواف من ورائه احتياطًا ولأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما طاف خارجه وقد قال: "خذوا عني مناسككم" وكما لا يصح الطواف داخل البيت لا يصح داخل جزء منه فلا يصح على الشاذروان بفتح الذال المعجمة وهو الخارج عن عرض جدار البيت مرتفعًا عن وجه الأرض قدر ثلثي ذراع تركته قريش لضيق النفعة، فلو كان في الطواف ومس جدار البيت في موازاة الشاذروان لا يصح على الأصح لأن بعض بدنه في البيت، والصحيح من مذهب الحنابلة لا يجزئه وقطعوا به. وعند الشيخ تقي الدين بن تيمية: إنه ليس من الكعبة فعلى الأول لو الجدار بيده في موازاة الشاذروان صح لأن معظمه خارج البيت قال: في الرعاية الكبرى: لكن قال المرداوي: ويحتمل عدم الصحة. وقال الحنفية: يصح طواف من لم يحترز منه، لكن قال العلامة ابن الهمام: وينبغي أن يكون طوافه وراء الشاذروان لئلا يكون طوافه في البيت بناء على أنه منه. وقال الكرماني من الحنفية: الشاذروان ليس من البيت عندنا، وعند الشافعي منه حتى لا يجوز الطواف عليه، والقول قوّلنا لأن الظاهر أن البيت هو الجدار المرئي قائمًا إلى أعلاه اهـ. ومشهور مذهب المالكية كالشافعية، وعبارة الشيخ بهرام: ومن واجبات الطواف أن يطوف وجميع بدنه خارج عن شاذروان البيت وهو البناء المحدودب الذي في جدار البيت وأسقط من أساسه ولم يرفع على استقامته اهـ. ونحوه قال الشيخ خليل في التوضيح: لكن نازع الخطيب أبو عبد الله بن رشيد بضم الراء وفتح المعجمة في رحلته في ذلك محتجًا بما حاصله أن لفظ الشاذروان لم يوجد في حديث صحيح ولا سقيم ولا عن أحد من السلف ولا ذكر له عن فقهاء المالكية إلا ما وقع في الجواهر لابن شاس، وتبعه ابن الحاجب وهو بلا شك منقول من كتب الشافعية، وأقدم من ذكر ذلك منهم المزني ومن ذكره منهم كابن الصلاح والنووي مقربان اليمانيين على قواعد إبراهيم والآخرين ليسا عليها، فلو كان الشاذروان من البيت لكان الركن الأسود داخلاً في البيت ولم يكن متممًا على قواعد إبراهيم، فمن أين نشأ الشاذروان وقد انعقد الإجماع على أن المبيت متمم على قواعد إبراهيم من جهة الركنين اليمانيين، ولذلك استلمهما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دون الآخرين، وأن ابن الزبير لما هدمه حتى بلغ به الأرض وبناه على قواعد إبراهيم إنما زاد فيه من جهة الحجر وأقامه على الأسس الظاهرة التي عاينها العدول من الصحابة وكبراء التابعين، وأن الحجاج لما نقض البيت بأمر عبد الملك لم ينقضه إلا من جهة الحجر خاصة، وهذا أمر معلوم مقطوع به مجمع عليه منقول بالسند الصحيح في الكتب المعتمدة التي لا يشك فيها أحد، وهو يرد قول ابن الصلاح: إن قريشًا لما رفعوا الأساس بمقدار ثلاثة أصابع من وجه الأرض وهو القدر الظاهر الآن من الشاذروان الأصلي قبل تزليقه نقصوا عرض الجدار عن عرض الأساس الأول. قال ابن رشيد: وكيف يقال أن هذا القدر الظاهر نقصته قريش من عرض الجدار، وهل بقي لبناء قريش أثر؟ فالسهو والغلط فيما نقله ابن الصلاح مقطوع به، ولعل ابن الصلاح نقله عن التاريخيين، وإلا فهذا لم يأت في خبر صحيح ولا روي من قول صاحب يصح

43 - باب فضل الحرم، وقوله تعالى [النمل: 91] {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شىء وأمرت أن أكون من المسلمين}

سنده، ولو صح لاشتهر ونقل، وإنما وضع هذا البناء حول البيت ليقيه السيول كما قاله ابن عبد ربه في كتاب العقد في صفة الكعبة. وقال ابن تيمية أنه جعل عماد البيت وأيّده بأن داخل الحجر تحت حائط الكعبة الشاذروان فيكون هذا الشاذروان نظير الشاذروان الذي هو خارج البيت ولم يقل أحد أن هذا في الحجر له حكم الشاذروان الخارج ولا أنه عماد وأن الخارج شاذروان فكون هذا الشاذروان مراعى في الطواف لا دليل عليه، ومثل هذا لا يثبت إلا بالإجماع الصحيح المتواتر النقل اهـ. وأقول قول ابن رشيد: إنه لم يوجد لفظ الشاذروان عن أحد من السلف، ونسبه ابن الصلاح إلى السهو والغلط فيما نقله من ذلك يقال عليه هذا الإمام الأعظم الشافعي قد قال ذلك فيما نقله عنه البيهقي في كتابه معرفة السنن والأخبار، وعبارته قال الشافعي: فكل طواف طافه على شاذروان الكعبة أو في الحجر أو على جداره فكما لم يطف. قال الشافعي: أما الشاذروان فأحسبه مبنيًا على أساس الكعبة ثم يقتصر بالبنيان عن استيطافه، ولا ريب أن الشافعي من أجل السلف ثم إنه لا يلزم من كونه عليه الصلاة والسلام كان يستلم الركنين اليمانيين عدم وجود الشاذروان ووجوده ليس مانعًا من استلامهما لصدق القول بأنهما على القواعد، وليس فيما نقله ابن رشيد تصريح بأن ابن الزبير وضع البناء على أساس إبراهيم عليه السلام بحيث لم يبق شيئًا مما يسمى شاذرون، ولا وقفت على ذلك في شيء من الروايات، فيحتمل أن يكون الأمر كذلك وأن يكون على حد بناء قريش فأبقي ما قيل أنهم أبقوه، وإذا احتمل الأمر واحتمل سقط الاستدلال به. نعم هدم ابن الزبير لجميع البيت الظاهر منه أنه كان ليعيده على القواعد بحيث لم يترك شيئًا منها خارجًا عن الجدار من جميع جوانبه وإلا فلو كان غرضه إعادة ما نقصته قريش من جهة الحجر فقط لاكتفى بهدم ذلك فهدمه لجميعه وإعادته لا بد وأن يكون لغرض صحيح، وليس ثم سوى إعادته على بناء الخليل من غير أن يترك منه شيئًا، لكن روى مسلم في صحيحه عن عطاء قال: احترق البيت زمن يزيد بن معاوية قال ابن الزبير: يا أيها الناس أشيروا عليّ في الكعبة أنقضها ثم أبني بناءها أو أصلح ما وهى منها. قال ابن عباس: إني أرى أن تصلح ما وهى منها وتدع بيتًا أسلم الناس عليه وأحجارًا أسلم الناس عليها وبعث عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال ابن الزبير: لو أن أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجدده فكيف ببيت ربكم إني مستخير ربي ثلاثًا ثم عازم على أمر، فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها الحديث. فلم يقل أني أريد إعادته على قواعد إبراهيم بل قال جوابًا لابن عباس حيث قال: إني أرى أن تصلح ما وهى لو أن أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجدده ففيه مع ما قبله إشعار بأن الداعي له على الهدم والبناء زيادة ما نقصته قريش من البيت من جهة الحجر وما وهى بسبب الحريق فلم يتعين أن الهدم كان متمحضًا لإعادتها كلها على القواعد بحيث لا يترك منها شيئًا، ولم أر في شيء من الأحاديث التصريح بأن قريشًا أبقت من الأساس ما يسمى شاذروان، بل السياق مشعر بالتخصيص بالحجر فليتأمل. وهذا الحديث من علامات النبوة حيث أعلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عائشة بذلك فكان الذي تولى نقضها وبناءها ابن اختها ابن الزبير ولم ينقل أنه قال ذلك لغيرها من الرجال والنساء، ويؤيد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام لها: فإن بدا لقومك أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوا منه فأراها قريبًا من سبعة أذرع رواه مسلم في صحيحه. 43 - باب فَضْلِ الْحَرَمِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى [النمل: 91] {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَىْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَىْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [القصص: 57]. (باب فضل الحرم) المكي وهو ما أحاط بمكة وأطاف بها من جوانبها جعل الله تعالى له حكمها في الحرمة تشريفًا لها، وسمي حرمًا لتحريم الله تعالى فيه كثيرًا مما ليس بمحرم في غيره من المواضع، وحده من طريق المدينة عند التنعيم على ثلاثة أميال من مكة، وقيل أربعة ومن طريق اليمن طرف أضاة لبن بفتح الهمزة والضاد المعجمة. ولبن: بكسر اللام وسكون الموحدة على ستة أميال من مكة، وقيل سبعة ومن طريق الجعرانة على تسعة أميال بتقديم المثناة الفوقية على السين ومن طريق الطائف على عرفات من

بطن نمرة سبعة أميال، وقيل ثمانية. ومن طريق جدة عشرة أميال. وقال الرافعي: هو من طريق المدينة على ثلاثة أميال، ومن العراق على سبعة، ومن الجعرانة على تسعة، ومن الطائف على سبعة، ومن جدة على عشرة وقد نظم ذلك بعضهم فقال: وللحرم التحديد من أرض طيبة ... ثلاثة أميال إذا رمت اتقانه وسبعة أميال عراق وطائف ... وجدة عشر ثم تسع جعرانه وزاد أبو الفضل النويري هنا بيتين فقال: ومن يمن سبع بتقديم سينها ... فسل ربك الوهاب يرزقك غفرانه وقد زيد في حد لطائف أربع ... ولم يرض جمهور لذا القول رجحانه وقال ابن سراقة في كتابه الإعداد: والحرم في الأرض موضع واحد وهو مكة وما حولها ومسافة ذلك ستة عشر ميلاً في مثلها وذلك بريد واحد وثلث على الترتيب، والسبب في بُعد بعض الحدود وقرب بعضها ما قيل إن الله تعالى لما أهبط على آدم بيتًا من ياقوتة أضاء له ما بين المشرق والمغرب فنفرت الجن والشياطين ليقربوا منها فاستعاذ منهم بالله وخاف على نفسه منهم، فبعث الله ملائكة فحفوا بمكة فوقفوا مكان الحرم، وذكر بعض أهل الكشف والمشاهدات أنهم يشاهدون تلك الأنوار واصلة إلى حدود الحرم فحدود الحرم موضع وقوف الملائكة، وقيل: إن الخليل لما وضع الحجر الأسود في الركن أضاء له نور وصل إلى أماكن الحدود فجاءت الشياطين فوقفت عند الأعلام فبناها الخليل عليه السلام حاجزًا. رواه مجاهد عن ابن عباس، وعنه أن جبريل عليه السلام أرى إبراهيم عليه السلام موضع أنصاب الحرم فنصبها، ثم جددها إسماعيل عليه السلام، ثم جددها قصي بن كلاب، ثم جددها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما ولي عمر -رضي الله عنه- بعث أربعة من قريش فنصبوا أنصاب الحرم، ثم جددها معاوية -رضي الله عنه-، ثم عبد الملك بن مروان. (وقوله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه المجرور بالإضافة ({إنما أمرت}) أي قل لهم يا محمد إنما أمرت ({أن أعبد رب هذه البلدة}) مكة ({الذي حرمها}) لا يسفك فيها دم حرام ولا يظلم فيها أحد ولا يهاج صيدها ولا يختلى خلاها، وتخصيص مكة بهذه الأوصاف تشريف لها وتعظيم لشأنها والذي بالذال في موضع نصب نعت لرب ({وله كل شيء}) البلدة وغيرها خلقًا وملكًا ({وأمرت أن أكون من المسلمين}) [النمل: 91] المنقادين الثابتين على الإسلام، ووجه تعلق هذه الآية بالترجمة من حيث أنه اختصها من بين جميع البلاد بإضافة اسمه إليها لأنها أحب بلاده إليه وأكرمها عليه وموطن نبيه ومهبط وحيه. (وقوله جل ذكره) بالجر عطفًا على السابق ({أو لم نمكن لهم حرمًا آمنًا}) أو لم نجعل مكانهم حرمًا ذا أمن بحرمة البيت الذي فيه ({يجبى إليه}) يحمل إليه ويجمع فيه ({ثمرات كل شيء رزقًا من لدنا}) مصدر من معنى يجبى لأنه في معنى يرزق أو مفعول له أو حال بمعنى مرزوقًا من ثمرات، وجاز لتخصيصها بالإِضافة أي إذا كان هذا حالهم وهم عبدة الأصنام فكيف يعترضهم التخوف والتخطف إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة التوحيد. ({ولكن أكثرهم لا يعلمون}) [القصص: 57] جهلة لا يتفكّرون هذه النعم التي خصوا بها. وروى النسائي أن الحرث بن عامر بن نوفل قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا فأنزل الله تعالى ردًّا عليه {أولم نمكن لهم حرمًا آمنًا} الآية. 1587 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ، لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا". وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا جرير بن عبد الحميد) بفتح الجيم، وعبد الحميد بفتح الحاء المهملة وكسر الميم ابن قرط بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر (عن طاوس) هو ابن كيسان اليماني (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله

44 - باب

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم فتح مكة. (أن هذا البلد حرمه الله)، زاد المؤلّف في باب: غزوة الفتح يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة يعني: أن تحريمه أمر قديم وشريعة سالفة مستمرة ليس مما أحدثه أو اختص بشرعه، وهذا لا ينافي قوله في حديث جابر عند مسلم: أن إبراهيم حرمها لأن إسناد التحريم إليه من حيث أنه مبلغه، فإن الحاكم بالشرائع والأحكام كلها هو الله تعالى والأنبياء يبلغونها، فكما تضاف إلى الله تعالى من حيث أنه الحاكم بها تضاف إلى الرسل لأنها تسمع منهم وتبين على ألسنتهم، والحاصل أنه أظهر تحريمها بعد أن كان مهجورًا إلا أنه ابتدأه أو حرمها بإذن الله يعني أنه تعالى كتب في اللوح المحفوظ يوم خلق السماوات والأرض أن إبراهيم سيحرم مكة بأمر الله تعالى. (لا يعضد) بضم أوّله وفتح الضاد المعجمة أي يقطع (شوكه ولا ينفر صيده)، لا يزعج من مكانه فإن نفره عصى سواء تلف أم لا. لكن إن تلف في نفاره قبل السكون ضمن دمه بالتنفير على الإتلاف ونحوه لأنه إذا حرم التنفير فالإتلاف أولى. (ولا يلتقط لقطته) بفتح القاف في اليونينية وبسكونها في غيرها. قال الأزهري: والمحدثون لا يعرفون غير الفتح، ونقل الطيبي عن صاحب شرح السنة أنه قال: اللقطة بفتح القاف والعامة تسكنها. وقال الخليل: هو بالسكون وأما بالفتح فهو الكثير الالتقاط. قال الأزهري: وهو القياس. وقال ابن بري في حواشي الصحاح: وهذا هو الصواب لأن الفعلة للفاعل كالضحكة للكثير الضحك. وفي القاموس: واللقط محركة أي بغير هاء وكحزمة وهمزة وثمامة التقط اهـ. وهي هنا نصب مفعول مقدم والفاعل قوله: (إلا من عرفها) أي أشهرها ثم يحفظها لمالكها ولا يتملكها أي عرفها ليعرف مالكها فيردّها إليه، وهذا بخلاف غير الحرم فإنه يجوز تملكها بشرطه، وقال الحنفية والمالكية: حكمها واحد في سائر البلاد لعموم قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة من غير فصل. لنا: أن قوله ولا يلتقط لقطته ورد مورد بيان الفضائل المختصة بمكة كتحريم صيدها وقطع شجرها، وإذا سوّى بين لقطة الحرم وبين لقطة غيره من البلاد بقي ذكر اللقطة في هذا الحديث خاليًا عن الفائدة. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الحج والجزية والجهاد، ومسلم وأبو داود في الحج والجهاد، والترمذي في السير، والنسائي في الحج. 44 - باب تَوْرِيثِ دُورِ مَكَّةَ وَبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا. وَأَنَّ النَّاسَ فِي مَسْجِدِ الْحَرَامِ سَوَاءٌ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]. الْبَادِي: الطَّارِئ. مَعْكُوفًا: مَحْبُوسًا. (باب) حكم (توريث دور مكة وبيعها وشرائها وأن الناس في مسجد الحرام) بالتنكير في الأول، ولأبي ذر: في المسجد الحرام بالتعريف فيهما (سواء خاصة)، قيد للمسجد الحرام أي المساواة إنما هي في نفس المسجد لا في سائر المواضع من مكة (لقوله تعالى) تعليل لقوله وإن الناس في المسجد الحرام سواء: ({إن الذين كفروا}) أي أهل مكة ({ويصدون}) يصرفون الناس ({عن سبيل الله}) عن دين الإسلام. قال البيضاوي كالزمخشري: لا يريد به حالاً ولا استقبالاً، وإنما يريد استمرار الصدّ منهم، ولذلك حسن عطفه على الماضي، وقيل هو حال من فاعل كفروا ({والمسجد الحرام) عطف على اسم الله يعني وعن المسجد الحرام، والآية مدنية وذلك أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما خرج مع أصحابه عام الحديبية منعهم المشركون عن المسجد الحرام ({الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد}) [الحج: 25] سواء رفع على أنه خبر مقدم، والعاكف والباد: مبتدأ مؤخر وإنما وحد الخبر وإن كان المبتدأ اثنين لأن سواء في الأصل مصدر وصف به. وقرأ حفص سواء بالنصب على أنه مفعول ثان لجعل إن جعلناه يتعدى لمفعولين، وإن قلنا يتعدى لواحد كان حالاً من هاء جعلناه، وعلى التقديرين فالعاكف مرفوع على الفاعلية لأنه مصدر وصف به فهو في قوّة اسم الفاعل المشتق تقديره جعلناه مستويًا فيه العاكف والبادي، والمراد بالمسجد الذي يكون فيه النسك والصلاة لا سائر دور مكة. وأوّله أبو حنيفة بمكة واستدلّ بقوله الذي جعلناه للناس سواء على عدم جواز بيع دورها وإجمارتها، وهو مع ضعفه معارض

بحديث الباب. وقوله تعالى: {الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم} [الحشر: 8] فنسب الله الديار إليهم كما نسب الأموال إليهم، ولو كانت الديار ليست بملك لهم لما كانوا مظلومين في الإخراج من دور ليست ملك لهم. قال ابن خزيمة: لو كان المراد بقوله تعالى: ({سواء العاكف فيه والباد}) جميع الحرم وأن اسم المسجد الحرام واقع على جميع الحرم لما جاز حفر بئر ولا قبر ولا التغوّط ولا البول ولا إلقاء الجيف والنتن، ولا نعلم عالمًا منع من ذلك ولا كره لجنب وحائض ودخل الحرم ولا الجماع فيه، ولو كان كذلك لجاز الاعتكاف في دور مكة وحوانيتها ولا يقول بذلك أحد. ({ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}) [الحج: 25] الباء في بإلحاد صلة أي: ومن يرد فيه إلحادًا كما في قوله تعالى: {تنبت بالدهن} [المؤمنون: 20] قال في الكشاف: ومفعول يرد متروك ليتناول كل متناول كأنه قال: ومن يرد فيه مرادًا ما عادلاً عن القصد، وقوله: بإلحاد وبظلم حالان مترادفان، وخبر إن محذوف لدلالة جواب الشرط عليه تقديره إن الذين كفروا ويصدون عن المسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم، وكل من ارتكب فيه ذنبًا فهو كذلك. وقال المؤلّف يفسر ما وقع من غريب الألفاظ على عادته: (البادي: الطاري) وفي الفرع بالهمز مصلح على كشط وهو تفسير منه بالمعنى. قال في الفتح: وهو مقتضى ما جاء عن ابن عباس وغيره كما رواه عبد بن حميد وغيره وهو موافق لما قاله البيضاوي وغيره. (معكوفًا: محبوسًا) وليست هذه الكلمة في هذه الآية بل في قوله: والهدي معكوفًا أن يبلغ محله في سورة الفتح، ويمكن أن يكون ذكرها لمناسبة قوله تعالى هنا: سواء العاكف فيه أي المقيم والباد في وجوب تعظيمه عليهم ولزوم احترامهم له وإقامة مناسكه قاله الحسن ومجاهد وغيرهما. وذهب ابن عباس وابن جبير وقتادة وغيرهم إلى أن التسوية بين البادي والعاكف في منازل مكة، وهو مذهب أبي حنيفة وقال به محمد بن الحسن فليس المقيم بها أحق بالمنزل من القادم عليها، واحتج لذلك بحديث علقمة بن نضلة عند ابن ماجة قال: توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر وعمر وما تدعى رباع مكة إلا السوائب من احتاج سكن. زاد البيهقي: ومن استغنى أسكن، وزاد الطحاوي بعد قوله على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- ما تباع ولا تكرى، لكنه منقطع لأن علقمة ليس بصحابي، وقال عبد الرزاق عن معمر عن منصور عن مجاهد أن عمر قال: يا أهل مكة لا تتخذوا لدوركم أبوابًا لينزل البادي: حيث شاء. وأجيب: بأن المراد كراهة الكراء رفقًا بالوفود ولا يلزم من ذلك منع البيع والشراء. 1588 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ، فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: وَهَلْ تَرَكَ عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ؟ وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ، وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلاَ عَلِيٌّ -رضي الله عنهما- شَيْئًا، لأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يَقُولُ: لاَ يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ" قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانُوا يَتَأَوَّلُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى [الأنفال: 72] {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} الآيَةَ. [الحديث 1588 - أطرافه 3058، 4282، 6764]. وبالسند قال: (حدّثنا أصبغ) بن الفرج (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن علي بن حسين) المشهور بزين العابدين ولأبي ذر: ابن الحسين (عن عمرو بن عثمان) بن عفان أمير المؤمنين -رضي الله عنه- وعمرو بفتح العين وسكون الميم (عن أسامة بن زيد) حب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (-رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله أين تنزل) زاد في المغازي غدًا (في دارك بمكة)؟ قال في الفتح: حذفت أداة الاستفهام من قوله في دارك بدليل رواية ابن خزيمة والطحوي عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب بلفظ: أتنزل في دارك؟ قال: فكأنه استفهمه أوّلاً عن مكان نزوله ثم ظن أنه ينزل في داره فاستفهمه عن ذلك اهـ. وتعقبه العيني بأن أين كلمة استفهام فلم يبق وجه لتقدير حرف لاستفهام. قال: وما وجه قوله حذفت أداة الاستفهام من قوله في دارك والاستفهام عن النزول في الدار لا عن نفس الدار اهـ. والذي قاله في الفتح هو الأظهر فليتأمل (فقال) عليه الصلاة والسلام: (وهل ترك) زاد مسلم كالبخاري في المغازي هنا لنا (عقيل) بفتح العين وكسر القاف (من رباع) بكسر الراء جمع ربع المحلة أو المنزل المشتمل على أبيات أو الدار وحينئذٍ فيكون قوله (أو دور)؟ تأكيدًا أو شكًا من الراوي وجمع النكرة وإن كانت في سياق الاستفهام الإنكاري تفيد العموم للإشعار بأنه لم يترك من الرباع المتعددة شيء ومن

45 - باب نزول النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة

للتبعيض قاله الكرماني، وقيل، إن هذه الدار كانت لهاشم بن عبد مناف ثم صارت لابنه عبد المطلب فقسمها بين ولده فمن ثم صار للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حق أبيه عبد الله، وفيها ولد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاله الفاكهي. وظاهر قوله: وهل ترك لنا عقيل من رباع أنها كانت ملكه فأضافها إلى نفسه، فيحتمل أن عقيلاً تصرف فيها كما فعل أبو سفيان بدور المهاجرين، ويحتمل غير ذلك. وقد فسر الراوي ولعله أسامة المراد بما أدرجه هنا حيث قال: (وكان عقيل ورث) أباه (أبا طالب) اسمه عبد مناف (هو و) أخوه (طالب) المكنى به عبد مناف أبوه (ولم يرثه) أي ولم يرث أبا طالب ابناه (جعفر) الطيار ذو الجناحين (ولا علي) أبو تراب (-رضي الله عنهما- شيئًا لأنهما كانا مسلمين) ولو كانا وارثين لنزل عليه الصلاة والسلام في دورهما وكانت كأنها ملكه لعلمه بإيثارهما إياه على أنفسهما، وكان قد استولى طالب وعقيل على الدار كلها باعتبار ما ورثاه من أبيهما لكونهما كانا لم يسلما، أو باعتبار ترك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحقه منها بالهجرة، وفقد طالب ببدر فباع عقيل الدار كلها. وحكى الفاكهي أن الدار لم تزل بيد أولاد عقيل إلى أن باعوها لحمد بن يوسف أخي الحجاج بمائة ألف دينار، وقال الداودي وغيره: كان كل من هاجر من المؤمنين باع قريبه الكافر داره فأمضى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تصرفات الجاهلية تأليفًا لقلوب من أسلم منهم. (وكان عقيل وطالب كافرين فكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول:) مما هو موقوف عليه (لا يرث المؤمن الكافر) وقد أخرجه المؤلّف مرفوعًا في المغازي (قال ابن شهاب:) محمد بن مسلم الزهري (وكانوا) أي السلف (يتأولون قول الله تعالى) أي يفسرون الولاية في قوله تعالى: ({إن الذين آمنوا) أي صدقوا بتوحيد الله تعالى وبمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والقرآن ({وهاجروا}) من مكة إلى المدينة ({وجاهدوا}) العدو ({بأموالهم}) فصرفوها في الكراع والسلاح وأنفقوها على المحاويج ({وأنفسهم}) بمباشرة القتال ({في سبيل الله}) في طاعته وما فيه رضاه ({والذين آووا ونصروا}) هم اللأنصار آووا المهاجرين إلى ديارهم ونصروهم على أعدائهم ({أولئك بعضهم أولياء بعض} [الأنفال: 72] الآية بالنصب يعني بتمامها، أو بتقدير اقرأ بولاية الميراث، وكان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة والنصرة دون الأقارب حتى نسخ ذلك بقوله تعالى: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} [الأنفال: 75] والذي يفهم من الآية المسوقة هنا أن المؤمنين يرث بعضهم بعضًا، ولا يلزم منه أن المؤمن لا يرث الكافر لكنه مستفاد من بقية اللآية المشار إليها بقول المؤلّف الآية وهي قوله تعالى: {والدين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا} [الأنفال: 72] أي من توليهم في الميراث، إذ الهجرة كانت في أول عهد البعثة من تمام الإيمان فمن لم يكن مهاجرًا كأنه ليس مؤمنًا، فلهذا لم يرث المؤمن المهاجر منه. وسقط قوله الآية في رواية ابن عساكر. وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة والقول، ورواته ما بين بصري وايلي ومدني، وأخرجه أيضًا في الجهاد والمغازي، ومسلم في الحج وكذا أبو داود والنسائي، وأخرجه ابن ماجة في الفرائض. 45 - باب نُزُولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ (باب) موضع (نزول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة). 1589 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَرَادَ قُدُومَ مَكَّةَ: مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ". [الحديث 1589 - أطرافه في: 1590، 3882، 4284، 4285، 7479]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: حدثني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين أراد قدوم مكة) بعد رجوعه من منى وتوجهه إلى البيت الحرام. (منزلنا) بالرفع مبتدأ (غدًا) ظرف (إن شاء الله تعالى) اعتراض بين المبتدأ وخبره وهو قوله: (بخيف بني كنانة) أي فيه وهو بفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية آخره فاء ما انحدر من الجبل وارتفع عن المسيل، والمراد به الحصب (حيث تقاسموا) أي تحالفوا (على الكفر) وهو تبرؤهم من بني هاشم وبني المطلب أن لا يقبلوا لهم صلحًا الآتي ذلك في الحديث التالي

لهذا الحديث مستوفى إن شاء الله تعالى، وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الهجرة والمغازي. 1590 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْغَدِ يَوْمَ النَّحْرِ -وَهُوَ بِمِنًى- نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ، يَعْنِي ذَلِكَ الْمُحَصَّبَ، وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا وَكِنَانَةَ تَحَالَفَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -أَوْ بَنِي الْمُطَّلِبِ- أَنْ لاَ يُنَاكِحُوهُمْ وَلاَ يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا إِلَيْهِمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وَقَالَ سَلاَمَةُ عَنْ عُقَيْلٍ، وَيَحْيَى بْنُ الضَّحَّاكِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ. وَقَالاَ: بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: بَنِي الْمُطَّلِبِ أَشْبَهُ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا الوليد) بن مسلم القرشي الأموي الدمشقي قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (قال: حدثني) بالإفراد (الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي) ولأبي ذر: قال رسول الله: (من الغد) وهو ما بين الصبح وطلوع الشمس (يوم النحر). نصب على الظرفية (وهو بمنى) أي قال في غداة يوم النحر حال كونه بمنى ومقول قوله عليه الصلاة والسلام (نحن نازلون غدًا بخيف بني كنانة) والمراد بالغد هنا ثالث عشر ذي الحجة يوم النزول بالمحصب فهو مجاز في إطلاقه كما يطلق أمس على الماضي مطلقًا وإلا فثاني العيد هو الغد حقيقة، وليس مرادًا قاله البرماوي كالكرماني (حيث تقاسموا) تحالفوا (على الكفر). قال الزهري مما أدرجه من قوله (يعني) عليه الصلاة والسلام (ذلك) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني: بذلك أي بخيف بني كنانة (المحصب)، بضم الميم وفتح الحاء والصاد المشددة المهملتين، (وذلك) أي تقاسمهم على الكفر (أن قريشًا وكنانة). قال في الفتح: فيه إشعار بأن في كنانة من ليس قرشيًا إذ العطف يقتضي المغايرة فترجح القول بأن قريشًا من ولد فهر بن مالك على القول بأنهم ولد كنانة. نعم، لم يعقب النضر غير مالك ولا مالك غير فهر فقريش ولد النضر بن كنانة وأما كنانة فأعقب من غير النضر، ولهذا وقعت المغايرة اهـ. (تحالفت) بالحاء المهملة وكان القياس فيه تحالفوا لكنه أفرد بصيغة المفرد والمؤنث باعتبار الجماعة (على بني هاشم وبني عبد المطلب أو بني المطلب) بالشك في جميع الأصول، وعند البيهقي من طريق أخرى: وبني عبد المطلب بغير شك (أن لا يناكحوهم) فلا يتزوج قريش وكنانة امرأة من بني هاشم وبني عبد المطلب ولا يزوجون امرأة منهم إياهم، (ولا ببايعوهم) لا يبيعوا لهم ولا يشتروا منهم، وعند الإسماعيلي: ولا يكون بينهم وبينهم شيء (حتى يسلموا) بضم أوله وإسكان السين المهملة وكسر اللام المخففة (إليهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكتبوا بذلك كتابًا بخط منصور بن عكرمة العبدري فشلت يده، أو بخط بغيض بن عامر بن هاشم وعلقوه في جوف الكعبة فاشتد الأمر على بني هاشم وبني عبد المطلب في الشعب الذي انحازوا إليه، فبعث الله الأرضة فلحست كل ما فيها من جور وظلم وبقي ما كان فيها من ذكر الله فأطلع الله رسوله على ذلك فأخبر به عمه أبا طالب فقال أبو طالب لكفار قريش: إن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني قط أن الله قد سلط على صحيفتكم الأرضة فلحست ما كان فيها من ظلم وجور وبقي فيها ما كان من ذكر الله فإن كان ابن أخي صادقًا نزعتم عن سوء رأيكم وإن كان كاذبًا دفعته إليكم فقتلتموه أو استحييتموه. قالوا: قد أنصفتنا فوجدوا الصادق المصدوق قد أخبر بالحق فسقط في أيديهم ونكسوا على رؤوسهم، وإنما اختار النزول هناك شكرًا لله تعالى على النعمة في دخوله ظاهرًا ونقضًا لما تعاقدوه بينهم وتقاسموا عليه من ذلك. (وقال سلامة) بن روح بن خالد الأيلي مما وصله ابن خزيمة في صحيحه (عن) عمه (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي (ويحيى عن الضحاك) كذا في غير فرع لليونينية. قال الحافظ ابن حجر: وهي رواية أبي ذر وكريمة وهو وهم، ولغيرهما ويحيى بن الضحاك نسبة لجده وأبوه عبد الله البابلتي بفتح الموحدة الثانية كما رأيته بخط شيخنا الحافظ السخاوي. وقال العيني: بضمها وبعد اللام المضمومة مثناة فوقية مشدّدة. وقال الحافظ ابن حجر: بموحدتين وبعد اللام المضمومة مثناة مشددة منسوب إلى جده، وليس له في هذا الكتاب غير هذا الموضع المعلق، وقد وصله أبو عوانة في صحيحه والخطيب في المدرج (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو ولكن قال يحيى بن معين: يحيى البابلتي والله لم يسمع عن الأوزاعي شيئًا نعم. ذكر الهيثم بن خلف الدوري أن أمه

46 - باب قول الله تعالى: [إبراهيم: 35]

كانت تحت الأوزاعي وحينئذٍ فلا يبعد سماعه منه لأنه في حجره. (أخبرني) بالإِفراد (ابن شهاب) الزهري (وقالا): أي سلامة ويحيى (بني هاشم وبني المطلب) دون لفظ عبد، وقد تابعه على الجزم بقوله بني هاشم وبني المطلب محمد بن مصعب عن الأوزاعي كما عند أحمد. (قال أبو عبد الله) البخاري قوله (بني المطلب) بحذف عبد (أشبه) أي بالصواب لأن عبد المطلب هو ابن هاشم فلفظ هاشم مغن عنه، وأما المطلب فهو أخو هاشم وهما ابنان لعبد مناف فالمراد أنهم تحالفوا على بني عبد مناف. 46 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [إبراهيم: 35] {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} الآيَةَ. (باب قول الله تعالى): ({وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد) مكة ({آمنًا}) ذا أمن لمن فيها ((واجنبني) بعدني ({وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرًا من الناس) فلذلك سألت منك العصمة واستعذت بك من إضلالهن وأسند الإضلال إليهن باعتبار السبب ({فمن تبعني}) على ديني ({فإنه مني}) بعضي ({ومن عصاني}) لم يطعني ولم يوحدك ({فإنك غفور رحيم}) تقدر أن تغفر له وترحمه ولا يجب عليك شيء، وقيل معناه ومن عصاني فيما دون الشرك أو أنك غفور بعد الإِنابة ({ربنا إني أسكنت من ذريتي}) بعضها إسماعيل ({بواد غير ذي زرع}) يعني مكة ({عند بيتك المحرم})، الذي في علمك أنه يحدث في ذلك الوادي ({ربنا ليقيموا الصلاة}) أي أسكنتهم كي يقيموا الصلاة عند بيتك ({فاجعل أفئدة من الناس}) أي قلوبًا ومن للتبعيض ({تهوي}) تسرع ({إليهم}) [إبراهيم: 35، 36، 37] شوقًا وودًّا، وعن بعض السلف لو قال أفئدة الناس لازدحم عليه فارس والروم والناس كلهم لكنه قال فمن الناس فاختص به المسلمون، وقال إليهم لأنه أوحي إليه أنه ستكثر ذريته بها. وقال تهوي لأن تهامة غور منخفضة وذكر القلوب لأن الأجساد تبع لها (الآية) بالنصب بتقدير أعني أو اقرأ، وسقط في رواية ابن عساكر من قوله: {رب إنهن أضللن} ولفظ رواية أبي ذر: أن تعبد الأصنام إلى قوله {لعلهم يشكرون} أي نعمتك ولم يذكر المصنف في هذا الباب حديثًا لأنه لم يجد حديثًا على شرطه. 47 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [المائدة: 97] {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ}. (باب قول الله تعالى): ({جعل الله}) أي صير ({الكعبة}) وسميت بذلك لتكعبها ({البيت الحرام}) عطف بيان على جهة المدح ({قيامًا للناس}) انتعاشًا لهم من أي سبب انتعاشهم في أمر معاشهم ومعادهم يلوذ به الخائف ويأمن فيه الضعيف ويربح فيه التجار ويتوجه إليه الحجاج والعمار أو ما يقوم به أمر دينهم ودنياهم ({والشهر الحرام}) الذي يؤدى فيه الحج وهو ذو الحجة ({والهدي والقلائد ذلك}) إشارة إلى الجعل أو إلى ما ذكر من الأمر بحفظ حرمة الإحرام وغيره ({لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض}) فإن شرع الأحكام لدفع المضار قبل وقوعها وجلب المنافع المترتبة عليها دليل حكمة الشارع وكمال علمه ({وأن الله بكل شيء عليم}) [المائدة: 97] تعميم بعد تخصيص، وقد أشار المؤلّف بهذه الآية الكريمة إلى أن قوام أمور الناس وانتعاش أمر دينهم بالكعبة المشرفة فإذا زالت الكعبة على يد ذي السويقتين تختل أمور الناس فلذا أورد حديث أبي هريرة. 1591 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ «يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ». [الحديث 1591 - طرفه في: 1596]. وبالسند قال (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا زياد بن سعد) بسكون العين وكسر زاي زياد وتخفيف يائها المثناة تحت الخراساني (عن) ابن شهاب (الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:) (يخرب الكعبة) بضم الياء وفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء مكسورة من التخريب، والجملة فعل ومفعول والفاعل قوله (ذو السويقتين من الحبشة) تثنية سويقة مصغر الساق ألحق بها التاء في التصغير لأن الساق مؤنثة والتصغير للتحقير، وفي سيقان الحبشة دقة فلذا أصغرها ومن للتبعيض أي يخربها ضعيف من هذه الطائفة، والحبشة نوع من السودان ولا ينافي ما ذكر هنا قوله تعالى: {أو لم يروا أنا جعلنا حرمًا آمنًا} [العنكبوت: 67] لأن الأمن إلى قريب القيامة وخراب الدنيا حينئذ فيأتي ذو السويقتين. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا قريبًا، ومسلم في الفتن، والنسائي في الحج والتفسير. 1592 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "كَانُوا يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ رَمَضَانُ، وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ. فَلَمَّا فَرَضَ اللَّهُ رَمَضَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ". [الحديث 1592 - أطرافه في: 1893، 2001، 2002، 3831، 4502، 4504]. وبه قال: (حدّثنا يحيى

48 - باب كسوة الكعبة

بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف مصغرًا ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوام (عن عائشة -رضي الله عنها-) قال المؤلّف: (ح). (حدثني) بالإفراد (محمد بن مقاتل) المجاور بمكة (قال: أخبرني) بالإفراد أيضًا (عبد الله هو ابن المبارك قال: أخبرنا محمد بن أبي حفصة) اسمه ميسرة ضدّ الميمنة البصري (عن الزهري عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كانوا) أي المسلمون (يصومون) يوم (عاشوراء) بالمد غير منصرف اليوم العاشر من المحرم (قبل أن يفرض رمضان). قال الكرماني: فيه جواز نسخ السنة بالكتاب والنسخ بلا بدل. قال البرماوي: مذهب الشافعي وجمع أن عاشوراء لم يجب حتى ينسخ وبتقدير أنه كان واجبًا فلا معارضة بينه وبين رمضان فلا نسخ، وأما قوله بلا بدل فعجيب فأنهم يمثلون به لما هو ببدل أثقل إذا قلنا بالنسخ اهـ. ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في موضعها. (وكان) أي عاشوراء (يومًا تستر فيه الكعبة). لما بينهما من المناسبة في الإعظام والإجلال وهذا موضع الترجمة (فلما فرض الله) عز وجل صيام (رمضان قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من شاء أن يصومه فليصمه ومن شاء أن يتركه فليتركه). 1593 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ «لَيُحَجَّنَّ الْبَيْتُ وَلَيُعْتَمَرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ». تَابَعَهُ أَبَانُ وَعِمْرَانُ عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ يُحَجَّ الْبَيْتُ» وَالأَوَّلُ أَكْثَرُ، سَمِعَ قَتَادَةُ عَبْدَ اللَّهِ وَعَبْدُ اللَّهِ أَبَا سَعِيدٍ. وبه قال: (حدّثنا أحمد) بن أبي عمرو واسمه حفص بن عبد الله بن راشد السلمي (حدّثنا أبي) حفص قاضي نيسابور قال: (حدّثنا إبراهيم) بن طهمان (عن الحجاج بن حجاج) الأسلمي الباهلي الأحول (عن قتادة) بن دعامة (عن عبد الله بن أبي عتبة) بضم العين المهملة وسكون المثناة الفوقية وفتح الموحدة مولى أنس بن مالك (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي الله عنه- عن النبي قال:) (ليحجن البيت) بضم المثناة التحتية وفتح الحاء والجيم مبنيًّا للمفعول مؤكدا بالنون الثقيلة وكذا قوله: (وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج) اسمان أعجميان. (تابعه) أي تابع عبد الله بن أبي عتبة فيما وصله أحمد (أبان) بن يزيد العطار، (و) تابعه أيضًا (عمران) القطان فيما وصله أيضًا أحمد وأبو يعلى وابن خزيمة (عن قتادة) أي على لفظ المتن (فقال عبد الرحمن) بن مهدي فيما وصله الحاكم من طريق أحمد بن حنبل عنه (عن شعبة) عن قتادة بهذا السند (قال: لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت) بضم المثناة التحتية وفتح الحاء مبنيًا للمفعول (والأول أكثر) لاتفاق من تقدم ذكره على هذا اللفظ وانفراد شعبة بما يخالفهم وإنما قال ذلك لأن ظاهرهما التعارض، لأن المفهوم من الأول أن البيت يحج بعد أشراط الساعة، ومن الثاني أنه لا يحج بعدها لكن يمكن الجمع بين الحديثين بأنه لا يلزم من حج البيت بعد خروج يأجوج ومأجوج أن يمتنع الحج في وقت ما عند قرب ظهور الساعة، ويظهر والله أعلم أن المراد بقوله: ليحجن البيت أي مكان البيت لأن الحبشة إذا خربوه لم يعمر بعد ذلك قاله في الفتح، وزاد هنا في رواية غير أبي ذر وابن عساكر: سمع قتادة عبد الله بن أبي عتبة وعبد الله سمع أبا سعيد الخدري فانتفت تهمة التدليس. 48 - باب كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ (باب) بيان حكم التصرف في (كسوة الكعبة) وقد قيل أول من كساها تبع الحميري الخصف والمعافر والملاء والوصائل، وذكر ابن قتيبة أنه كان قبل الإسلام بتسعمائة سنة وفي تاريخ ابن أبي شيبة أول من كساها عدنان بن أد. وزعم الزبير أن أول من كساها الديباج عبد الله بن الزبير، وعند ابن إسحاق عن ليث بن سليم كانت كسوة الكعبة على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الانطاع والمسوح، وروى الواقدي عن إبراهيم بن أبي ربيعة قال: كسي البيت في الجاهلية الأنطاع ثم كساه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الثياب اليمانية، ثم كساه عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان القباطي، ثم كساه الحجاج الديباج. وروى أبو عروبة في الأوائل له عن الحسن قال: أول من ألبس الكعبة القباطي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وذكر الأزرقي فيمن

كساها أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- ولم يذكر علي بن أبي طالب، ولعله اشتغل عن ذلك بما كان بصدده من الحروب في تمهيد أمر الدين مع الخوارج، وكساها معاوية الديباج والقباطي والحبرات، فكانت تكسى الديباج يوم عاشوراء، والقباطي في آخر رمضان. وكساها يزيد بن معاوية الديباج الخسرواني، وكساها المأمون الديباج الأحمر يوم التروية، والقباطي يوم هلال رجب، والديباج الأبيض يوم سبع وعشرين من رمضان للفطر، وهكذا كانت تكسى في زمن المتوكل العباسي، ولما كان زمن الناصر العباسي كسيت السواد من الحرير فهى تكسى ذلك من ذلك الزمان وإلى الآن، إلا أنه في سنة ثلاث وأربعين وستمائة قطعت من ريح شديد فكسيت ثيابًا من القطن سودًا وقد ذكر بعضهم حكمة حسنة في سواد كسوة الكعبة فقال: كأنه يشير إلى أنه فقد أناسًا كانوا حوله فلبس السواد حزنًا عليهم، ولم تزل الملوك تتداول كسوتها إلى أن وقف عليها المصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون في سنة نيف وخمسين وسبعمائة قرية تسمى بيسوس بضواحي القاهرة في طرف القليوبية مما يلي القاهرة، وأول من كساها من ملوك الترك بعد انقضاء الخلافة من بغداد الظاهر بيبرس الصالحي صاحب مصر. 1594 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: جِئْتُ إِلَى شَيْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: جَلَسْتُ مَعَ شَيْبَةَ عَلَى الْكُرْسِيِّ فِي الْكَعْبَةِ فَقَالَ: لَقَدْ جَلَسَ هَذَا الْمَجْلِسَ عُمَرُ -رضي الله عنه- فَقَالَ "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لاَ أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلاَ بَيْضَاءَ إِلاَّ قَسَمْتُهُ. قُلْتُ إِنَّ صَاحِبَيْكَ لَمْ يَفْعَلاَ. قَالَ هُمَا الْمَرْآنِ أَقْتَدِي بِهِمَا". [الحديث 1594 - طرفه في: 7275]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري قال: (حدّثنا خالد بن الحرث) الهجيمي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا واصل الأحدب) الأسدي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (قال: جئت إلى شيبة) بن عثمان الحجبي بالحاء المهملة والجيم المفتوحين العبدري صاحب مفتاح الكعبة الصحابي. قال المؤلّف (ح). (وحدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وفتح الصاد المهملة ابن عقبة السوائي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن واصل عن أبي وائل قال: جلست مع شيبة على الكرسي في الكعبة فقال: لقد جلس هذا المجلس) على هذا الكرسي (عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- فقال:) -رضي الله عنه- (لقد هممت أن لا أدع) أي لا أترك (فيها) أي في الكعبة (صفراء ولا بيضاء) ذهبًا ولا فضة (إلا قسمته) بالتذكير باعتبار المال. وفي رواية عمر بن شبة في كتاب مكة عن قبيصة المذكور: إلا قسمتها. وزاد المؤلّف في الاعتصام بين المسلمين قال الزركشي وغيره: وظن بعضهم أنه حلي الكعبة، وغلطه صاحب المفهم بأن ذلك محبس عليها كقناديلها ونحو ذلك فلا يجوز صرفه في غيرها، وإنما هو الكنز الذي بها وهو ما كان يهدى إليها خارجًا عما كانت تحتاج إليه مما ينفق فيه وكانوا يطرحونه في صندوق في البيت فأراد عمر أن يقسمه بين المسلمين فقال شيبة: (قلت) له: (إن صاحبيك) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبا بكر -رضي الله عنه- (لم يفعلا) ذلك (قال:) عمر (هما) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر -رضي الله عنه- (المرآن) الرجلان الكاملان لا أخرج عنهما بل (أقتدي بهما) وقد كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما افتتح مكة تركه رعاية لقلوب قريش ثم بقي على ذلك إلى زمن الصديق وعمر -رضي الله عنها- في بناء الكعبة: لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله. وحكى الفاكهي: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجد فيها يوم الفتح ستين أوقية، وعلى هذا فإنفاقه جائز كما جاز لابن الزبير بناؤها على القواعد لزوال سبب الامتنّاع، ولولا قوله في الحديث في سبيل الله لأمكن أن يحمل الإنفاق على ما يتعلق بها فيرجع إلى أن حكمه حكم التحبيس، ويحتمل أن يحمل قوله في سبيل الله على ذلك لأن عمارة الكعبة تصدق على سبيل الله وليس لكسوة الكعبة في هذا الحديث ذكر، فمن ثم استشكل سوق هذا الحديث لهذه الترجمة. وأجيب: بأن مقصوده التنبيه على أن حكم الكسوة حكم المال بها فيجوز قسمتها على أهل الحاجة استنباطًا من رأي عمر قسمة الذهب والفضة الكائنين بها. وقيل: لأن الكعبة لم تزل معظمة تقصد بالهدايا تعظيمًا لها، فالكسوة من باب التعظيم لها، واختلف في الكسوة هل يجوز التصرف فيها بالبيع ونحوه؟ فقال أبو الفضل بن عبدان من أصحابنا: لا يجوز قطع

49 - باب هدم الكعبة

شيء من أستار الكعبة ولا نقله ولا بيعه ولا شراؤه ولا وضعه بين أوراق المصحف، ومن حمل من ذلك شيئًا لزمه رده وأقره الرافعي عليه. قال ابن فرحون من المالكية: وهذا على وجه الاستحسان منه والنصوص تخالفه. قال الباجي: وقد استخف مالك شراء كسوة الكعبة. وقال ابن الصلاح: أمر ذلك إلى الإمام يصرفه في بعض مصارف بيت المال بيعًا وعطاء، واحتج بما رواه الأزرقي في تاريخ مكة: أن عمر بن الخطاب كان ينزع كسوة الكعبة كل سنة فيقسمها على الحاج. قال النووي: وهو حسن متعين لئلا تتلف بالبلى، وبه قال ابن عباس وعائشة وأم سلمة. وجوّزوا لمن أخذها لبسها ولو حائضًا وجنبًا، ونبه في المهمات على أن ما قاله النووي هنا مخالف لما وافق عليه الرافعي في آخر الوقف من تصحيح أنها تباع إذا لم يبق فيها جمال ويصرف ثمنها في مصالح المسجد، ثم قال: واعلم أن للمسألة أحوالاً. أحدها: أن توقف على الكعبة وحكمها ما مرّ وخطأه غيره بأن الذي مرّ محله فيما إذا كساها الإمام من بيت المال، أما إذا وقفت فلا يتعقل عالم جواز صرفها في مصالح غير الكعبة. ثانيها: أن يملكها مالكها للكعبة فلقيمها أن يفعل فيها ما يراه من تعليقها عليها أو بيعها وصرف ثمنها إلى مصالحها. ثالثها: أن يوقف شيء على أن يؤخذ ريعه وتكسى به الكعبة كما في عصرنا فإن الإمام قد وقف على ذلك بلادًا. قال: وقد تلخص لي في هذه المسألة أنه إن شرط الواقف شيئًا من بيع وإعطاء لأحد أو غير ذلك فلا كلام، وإن لم يشترط شيئًا نظر إن لم يقف الناظر تلك فله بيعها وصرف ثمنها في كسوة أخرى، وإن وقفها فيأتي فيها ما مرّ من الخلاف في البيع نعم بقي قسم آخر وهو الواقع اليوم فى هذا الوقف وهو أن الواقف لم يشرط شيئًا من ذلك وشرط تجديدها كل سنة مع علمه بأن بني شيبة كانوا يأخذونها كل سنة لما كانت تكسى من بيت المال فهل يجوز لهم أخذها الآن أو تباع ويصرف ثمنها إلى كسوة أخرى؟ فيه نظر والمتجه الأول. وهذا الحديث أخرجه أيضًا المؤلّف في الاعتصام، وأبو داود في الحج وكذا ابن ماجة. 49 - باب هَدْمِ الْكَعْبَةِ قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فَيُخْسَفُ بِهِمْ». (باب هدم الكعبة) في آخر الزمان (قالت عائشة -رضي الله عنها-) ولغير أبي ذر: وقالت عائشة: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) "يغزو جيش الكعبة" بفتح الجيم وسكون المثناة التحتية. قال البرماوي كالكرماني لا بالمهملة والموحدة اهـ. قلت: ثبت في اليونينية في رواية أبي ذر: حبش بالحاء المهملة والموحدة المفتوحتين (فيخسف بهم) بضم التحتية وفتح السين المهملة، وهذا طرف من حديث وصله في أوائل البيوع ولفظه: يغزو جيش الكعبة حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم ثم يبعثون على نياتهم. والبيداء: المفازة التي لا شيء فيها، وهي في هذا الحديث اسم موضع مخصوص بين مكة والمدينة، وقوله: ثم يبعثون على نياتهم أي يخسف بالكل بشؤم الأشرار ثم يعامل كل منهم في الحشر بحسب نيته وقصده إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر. 1595 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الأَخْنَسِ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا". وبالسند قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بسكون الميم ابن بحر بن كثير الباهلي الصيرفي قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان قال: (حدّثنا عبيد الله بن الأخنس) بخاء معجمة بعد همزة مفتوحة وآخره سين مهملة قبلها نون مفتوحة بوزن الأحمر وعبيد بالتصغير النخعي الكوفي قال: (حدثني) بالإفراد (ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام وسكون التحتية هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة واسمه زهير التيمي الأحول (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (كأني به) قال في فتح الباري: كذا في جميع الروايات عن ابن عباس في هذا الحديث، والذي يظهر أن في الحديث شيئًا حذف، ويحتمل أن يكون هو ما وقع في حديث علي عند أبي عبيد في غريب الحديث من طريق أبي العالية عن علي قال: استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه فكأني برجل من الحبشة أصلع -أو قال أصمع- حمش الساقين قاعد عليها وهي تهدم. ورواه الفاكهي من هذا الوجه ولفظه: أصعل بدل أصلع وقال: قائمًا عليها يهدمها بمسحاته. ورواه يحيى الحماني في مسنده من وجه آخر عن علي مرفوعًا اهـ. وتعقبه العيني بأنه لا يحتاج إلى تقدير

حذف لأنه إنما يقدر في موضع يحتاج إليه للضرورة ولا ضرورة هنا. قال: ودعواه الظهور غير ظاهرة لأنه لا وجه في تقدير محذوف لا حاجة إليه بما جاء في أثر عن صحابي، ولا يقال: الأحاديث يفسر بعضها بعضًا لأنا نقول هذا إنما يكون عند الاحتياج إليه ولا احتياج هنا إلى ذلك، والضمير في به للقالع الآتي ذكره وقوله: (أسود) نصب كما في اليونينية على الذم أو الاختصاص وليس من شرط المنصوب على الاختصاص أن لا يكون نكرة، فقد قال الزمخشري في قوله تعالى: {قائمًا بالقسط} [آل عمران: 18] أنه منصوب على الاختصاص كذا نقله البرماوي والعيني وغيرهما كالكرماني، وعبارة الزمخشري: ويجوز أن يكون نصبًا على المدح. فإن قلت: أليس من حق المنتصب على المدح أن يكون معرفة نحو: الحمد لله الحميد، إنا معشر الأنبياء لا نورث. إنا بني نهشل لا ندعى لأب. قلت: قد جاء نكرة في قول الهذلي: ويأوي إلى نسوة عطل ... وشعثًا مراضيع مثل السعالى اهـ. وتعقبه أبو حيان فقال: في كلامه هذا تخليط وذلك أنه لم يفرق بين المنصوب على المدح أو الذم أو الترحم وبين المنصوب على الاختصاص وجعل حكمهما واحدًا، وأورد مثالاً من المنصوب على المدح وهو: الحمد لله الحميد، ومثالين من المنصوب على الاختصاص وهما: إنّا معشر الأنبياء لا نورث. إنا بني نهشل لا ندعى لأب. والذي ذكره النحويون أن المنصوب على المدح أو الذم أو الترحم قد يكون معرفة وقبله معرفة يصلح أن يكون تابعًا لها، وقد لا يصلح وقد يكون نكرة كذلك وقد يكون نكرة قبلها معرفة فلا يصلح أن يكون نعتًا لها نحو قول النابغة: أقارع عوف لا أحاول غيرها ... وجوه قرود تبتغي من تجادع فانتصب وجوه قرود على الذم وقبله معرفة وهو أقارع عوف، وأما المنصوب على الاختصاص فنصوا على أنه لا يكون نكرة ولا مبهمًا ولا يكون إلا معرفًا بالألف واللام أو بالإضافة أو بالعلمية أو بأي ولا يكون إلا بعد ضمير متكلم مختص به أو مشارك فيه وربما أتى بعد ضمير مخاطب اهـ. وأجاب تلميذه السمين بأن الزمخشري إنما أراد بالمنصوب على الاختصاص المنصوب على إضمار فعل سواء كان من الاختصاص المبوّب له في النحو أم لا. وهذا اصطلاح أهل المعاني والبيان اهـ. والأولى أن يقول الذي نص عليه الزمخشري النصب على المدح وأدخل فيه الاختصاص فليتأمل. (أفحج) بفتح الهمزة وسكون الفاء بعدها وفتح الحاء المهملة وبالجيم منصوب صفة لسابقه، ويجوز أن يكون أسود أفحج حالين متداخلين أو مترادفين من ضمير به، وبه قال التوربشتي والدماميني وقال المظهري: هما بدلان من الضمير المجرور وفتحًا لأنهما غير منصرفين، ويجوز إبدال المظهر من المضمر الغائب نحو: ضربته زيدًا. وقال الطيبي: الضمير في به مبهم يفسره ما بعده على أنه تمييز كقوله تعالى: {فقضاهن سبع سماوات} [فصلت: 12] فإن ضميرهن هو المبهم الفسر بسبع سماوات وهو تمييز كما قاله الزمخشري، وفي بعض الأصول أسود أفحج برفعهما على أن أسود مبتدأ خبره يقلعها، والجملة حال بدون الواو والضمير في به للبيت أي كأني متلبس به أو أسود خبر مبتدأ محذوف والضمير في به للقالع. أي كأني بالقالع هو أسود، وقوله: أفحج خبر بعد خبر. قال في القاموس: فحج كمنع تكبر وفي مشيته تداني صدور قدميه وتباعد عقباه كفحج وهو أفحج بين الفحج محركة والتفحج التفريج بين الرجلين. (يقلعها) أي يقلع الأسود الافحج الكعبة حال كونها قلعًا (حجرًا حجرًا) نحو: بوّبته بابًا بابًا أي مبوّبًا، أو هو بدل من الضمير المنصوب في يقلعها. قال في المصابيح، فإن قلت: ما إعراب الألفاظ الواقعة في هذا التركيب وهو قوله كأني به الخ؟. وأجاب: بأنه نظير قولهم كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل وكأنك بالليل قد أقبل: قال: وفيه أعاريب مختلفة. قال بعض المحققين فيه الأولى أن تقول كأن على معنى التشبيه ولا تحكم بزيادة شيء وتقول: التقدير كأنك تبصر

50 - باب ما ذكر في الحجر الأسود

بالدنيا تشاهدها من قوله تعالى: {فبصرت به عن جنب} [القصص: 11] والجملة بعد المجرور بالباء حال أي كأنك تبصر بالدنيا وتشاهدها غير كائنة. ألا ترى إلى قولهم: كأنك بالليل وقد أقبل والواو لا تدخل على الجمل إذا كانت أخبارًا لهذه الحروف. قال الدمياني: ويؤيده أي ما قاله هذا المحقق ثبوت هذه الرواية بنصب أسود أفحج في الحديث، فالنصب على الحالية كما مرّ، ويقلعها في محل نصب على الصفة أو الحال أيضًا. وفي هذا الحديث التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة، وشيخ المؤلّف ويحيى بصريان وابن الأخنس كوفي وابن أبي مليكة مكي. 1596 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنَ الْحَبَشَةِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يخرب الكعبة) عند قرب الساعة حين لا يبقى في الأرض أحد يقول الله الله (ذو السويقتين) بضم السين وفتح الواو تثنية سويقة مصغر الساق (من الحبشة) قال في القاموس: الحبش والحبشة محركتين، والأحبش بضم الباء جنس من السودان الجمع حبشان وأحابش اهـ. قال بعضهم: الحبشة ليس بصحيح في القياس لأنه لا واحد له على مثال فاعل فيكون مكسرًا على فعلة. وقال ابن دريد: وأما قولهم الحبشة فعلى غير قياس، وقد قالوا أيضًا: حبشان ولا أدري كيف هو اهـ. وإنكارهم لفظ الحبشة على هذا الوزن لا وجه له لأنه ورد في لفظ أفصح الناس، وقال الرشاطي: وهم من ولد كوش بن حام وهم أكثر السودان وجميع ممالك السودان يعطون الطاعة للحبش، وقد جاء في تخريب الكعبة أحاديث كحديث ابن عباس وعائشة عند المؤلّف، وما رواه أبو داود الطيالسي بسند صحيح. وحديث عبد الله بن عمر عند أحمد، وروى ابن الجوزي عن حذيفة حديثًا طويلاً مرفوعًا فيه: وخراب مكة من الحبشة على يد حبشي أفحج الساقين أزرق العينين أفطس الأنف كبير البطن معه أصحابه ينقضونها حجرًا حجرًا ويتناولونها حتى يرموا بها يعني الكعبة إلى البحر، وخراب المدينة من الجوع، واليمن من الجراد. وذكر الحليمي أن خراب الكعبة يكون في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام، وقال القرطبي: بعد رفع القرآن من الصدور والمصاحف وذلك بعد موت عيسى وهو الصحيح. 50 - باب مَا ذُكِرَ فِي الْحَجَرِ الأَسْوَدِ (باب ما ذكر في الحجر الأسود) ويسمى الركن الأسود وهو في ركن الكعبة الذي يلي الباب من جانب المشرق وارتفاعه من الأرض الآن ذراعان وثلثا ذراع على ما قاله الأزرقي وبينه وبين المقام ثمانية وعشرون ذراعًا. وفي حديث ابن عباس مرفوعًا ما صححه الترمذي: نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضًا من اللبن فسوّدته خطايا بني آدم لكن فيه عطاء بن السائب وهو صدوق إلا أنه اختلط وجرير ممن سمع منه بعد اختلاطه، لكن له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة فيقوى بها. وفي هذا الحديث التخويف لأنه إذا كانت الخطايا تؤثر في الحجر فما ظنك بتأثيرها في القلوب؟ وينبغي أن يتأمل كيف أبقاه الله تعالى على صفة السواد أبدًا مع ما مسه من أيدي الأنبياء والمرسلين المقتضي لتبييضه ليكون ذلك عبرة لذوي الأبصار وواعظًا لكل من وافاه من ذوي الأفكار ليكون ذلك باعثًا على مباينة الزلات، ومجانبة الذنوب الموبقات. وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي مرفوعًا: أن الحجر والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله نورهما ولولا ذلك لأضاء ما بين المشرق والمغرب. رواه أحمد والترمذي، وصححه ابن حبان لكن في إسناده رجاء أبو يحيى وهو ضعيف، وإنما أذهب الله نورهما ليكون إيمان الناس ْبكونهما حقًا إيمانًا بالغيب ولو لم يطمس لكان الإيمان بهما إيمانًا بالمشاهدة، والإيمان الموجب للثواب هو إيمان بالغيب. 1597 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَابِسِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- "أَنَّهُ جَاءَ إِلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ فَقَبَّلَهُ فَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ". [الحديث 1597 - طرفاه في: 1605، 1601]. وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن عابس بن ربيعة) بالعين المهملة وبعد الألف موحدة مكسورة وآخره سين مهملة وربيعة بفتح الراء النخعي (عن عمر) بضم العين (-رضي الله عنه-):

51 - باب إغلاق البيت، ويصلي في أي نواحي البيت شاء

(أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله) بأن وضع فمه عليه من غير صوت (فقال): ليدفع توهم قريب عهد بإسلام ما كان يعتقد في حجارة أصنام الجاهلية من الضر والنفع (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع) أي بذاتك وإن كان امتثال ما شرع فيه ينفع في الثواب لكن لا قدرة له عليه لأنه حجر كسائر الأحجار، وأشاع عمر هذا في الموسم ليشتهر في البلدان ويحفظه المتأخرون في الأقطار، لكن زاد الحاكم في هذا الحديث فقال علي بن أبي طالب: بل يا أمير المؤمنين يضر وينفع ولو علمت ذلك من تأويل كتاب الله تعالى لعلمت أنه كما أقول قال الله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] فلما أقروا أنه الرب عز وجل وأنهم العبيد كتب ميثاقهم في رق وألقمه في هذا الحجر وأنه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان يشهد لمن وافى بالموافاة فهو أمين الله في هذا الكتاب، فقال له عمر: لا أبقاني الله بأرض لست فيها يا أبا الحسن وقال: ليس هذا على شرط الشيخين فإنهما لم يحتجا بأبي هارون العبدي. ومن غرائب المتون ما في ابن أبي شيبة في آخر مسند أبي بكر -رضي الله عنه- عن رجل رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقف عند الحجر فقال: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ثم قبله، ثم حج أبو بكر -رضي الله عنه- فوقف عند الحجر فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقبلك ما قبلتك فليراجع إسناده فإن صح يحكم ببطلان حديث الحاكم لبعد أن يصدر الجواب عن علي: أعني قوله: بل يضر وينفع بعدما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تضر ولا تنفع لأنه صورة معارضة. لا جرم أن الذهبي قال في مختصره عن العبدي أنه ساقط. (ولولا أني رأيت رسول الله! ولغير أبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقبلك ما قبلتك) تنبيه على أن لولا الاقتداء ما قبله. وقال الطيبي: أعلم أنهم ينزلون نوعًا من أنواع الجنس بمنزلة جنس آخر باعتبار اتصافه بصفة مختصة به لأن تغاير الصفات بمنزلة التغاير في الذوات فقوله: إنك حجر شهادة له بأن من هذا الجنس، وقوله: لا تضر ولا تنفع تقرير وتأكيد بأنه حجر كسائر الأحجار، وقوله: ولولا أني رأيت الخ. إخراج له عن هذا الجنس باعتبار تقبيله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اهـ. وفي هذا الحديث التحديث والأخبار والعنعنة، ورواته كوفيون إلا شيخ المؤلّف فبصري، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في الحج. 51 - باب إِغْلاَقِ الْبَيْتِ، وَيُصَلِّي فِي أَيِّ نَوَاحِي الْبَيْتِ شَاءَ (باب إغلاق) باب (البيت)، بالغين المعجمة (ويصلّي) الداخل (في أي) ناحية من (نواحي البيت شاء) فإن كان الباب مفتوحًا فصلاته باطلة لأنه لم يستقبل منها شيئًا فإن كان له عتبة قدر ثلثي ذراع صحت. 1598 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ "دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَيْتَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ فَلَقِيتُ بِلاَلاً فَسَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ، بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ". وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين أبو رجاء الثقفي البلخي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوى (عن أبيه) عبد الله -رضي الله عنه- (أنه قال): (دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البيت) الحرام عام الفتح (هو وأسامة بن زيد وبلال) المؤذن (وعثمان بن طلحة) الحجبي زاد النسائي ومعه الفضل بن عباس فيكونون أربعة، (فأغلقوا عليهم) أي الباب من داخل كما عند أبي عوانة، وزاد يونس فمكث نهارًا طويلاً، وفي رواية فليح: زمانًا بدل نهارًا أو لمسلم فمكث فيها مليًا وفي رواية له أيضًا فمكث فيها ساعة "فلما فتحوا" الباب (كانت أول من ولج) دخل (فلقيت بلالا) بكسر القاف زاد في رواية مجاهد السابقة في أوائل الصلاة عن ابن عمر وأجد بلالاً قائمًا بين البابين "فسألته" أي بلالاً (هل صلّى فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: نعم) صلّى فيه (بين العمودين اليمانيين) بتخفيف الياء لأنهم جعلوا الألف بدل إحدى ياءي النسبة، وجوّز سيويه التشديد. وفي رواية مالك عن نافع: جعل عمودًا عن يمينه وعمودًا عن يساره، وفي رواية فليح في المغازي: بين ذينك العمودين المقدمين، وكان البيت على ستة أعمدة سطرين صلّى بين العمودين من السطر

52 - باب الصلاة في الكعبة

المقدم وجعل باب البيت خلف ظهره، وقال في آخر روايته: وعند المكان الذي صلّى فيه مرمرة حمراء، وكل هذا إخبار عما كان عليه البيت قبل أن يهدم ويبنى في زمن ابن الزبير، فأما الآن فقد بين موسى بن عقبة في روايته عن نافع كما في الباب الذي يليه أن بين موقفه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين الجدار الذي استقبله قريبًا من ثلاثة أذرع، وسيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. وموضع الترجمة من الحديث قوله: فأغلقوا عليهم، لكن استشكل قوله في الترجمة ويصلّي في أي نواحي البيت شاء فإنه يدل على التخيير، وفي الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى بين اليمانيين وهو يدل على التعيين. وأجيب: بأن صلاته عليه الصلاة والسلام في ذلك الموضع لم تكن قصدًا بل وقعت اتفاقًا، وهذا الحديث أخرجه مسلم في الحج، والنسائي فيه وفي الصلاة. 52 - باب الصَّلاَةِ فِي الْكَعْبَةِ (باب الصلاة في الكعبة) اختلف في ذلك، فعن ابن عباس: لا تصح الصلاة داخلها مطلقًا لأنه يلزم من ذلك استدبار بعضها، وقد ورد الأمر باستقبالها فيحمل على استقبال جميعها، واستحب الشافعية الصلاة فيها وهو ظاهر في النفل ويلحق به الفرض إذ لا فرق بينهما في مسألة الاستقبال للمقيم، وهو قول الجمهور، ومشهور مذهب المالكية جوازًا لسنة فيها وفي الحجر لأي جهة كانت. وأما الفرض والسنن المؤكدة كالوتر والنافلة المؤكدة كالفجر فلا يجوز إيقاع شيء منها فيهما وهو مذهب المدونة فإن صلّى الفرض فيهما أعاد في الوقت. 1599 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ مَشَى قِبَلَ الْوَجْهِ حِينَ يَدْخُلُ وَيَجْعَلُ الْبَابَ قِبَلَ الظَّهْرِ يَمْشِي حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ ثَلاَثِ أَذْرُعٍ فَيُصَلِّي، يَتَوَخَّى الْمَكَانَ الَّذِي أَخْبَرَهُ بِلاَلٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِيهِ، وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَأْسٌ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَىِّ نَوَاحِي الْبَيْتِ شَاءَ". وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) هو السمسار المروزي فيما قاله أبو نصر الكلاباذي وأبو عبد الله الحاكم. وقال الدارقطني: هو ابن شبويه ورجح المزي وغيره الأول قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (قال: أخبرنا موسى بن عقبة عن نافع) مولى ابن عمر بن الخطاب (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-): (أنه كان إذا دخل الكعبة مشى قبل الوجه) بكسر القاف وفتح الموحدة كاللذين بعد أي مقابل الوجه (حين يدخل) الكعبة (ويجعل الباب قبل الظهر يمشي حتى يكون) المقدار أو المسافة (بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبًا) نصب خبر يكون واسمها محذوف مقدر بالمقدار أو المسافة، ولأبي ذر وابن عساكر: قريب بالرفع اسم ليكون (من ثلاث أذرع) بحذف التاء من تلاث، وللأصيلي وابن عساكر: ثلاثة أذرع، وهذه زيادة على الرواية السابقة كما مرّ وقد جزم برفعها مالك عن نافع فيما أخرجه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن مهدي، والدارقطني في الغرائب، وأبو عوانة من طريق هشام بن سعد عن نافع، وحينئذ فينبغي لمن أراد الاتباع في ذلك أن يجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع فإنه يقع قدماه في مكان قدميه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن كانت ثلاثة أذرع سواء وتقع ركبتاه أو يداه أو وجهه إن كان أقل من ثلاثة أذرع، (فيصلّي) حال كونه (يتوخى) بتشديد الخاء المعجمة أي يقصد (المكان الذي أخبره بلال أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى فيه). قال ابن عمر أو غيره (وليس على أحد بأس أن يصلّي في أي نواحي البيت شاء) أي: إذا كان الباب مغلقًا كما مرّ في الباب السابق. 53 - باب مَنْ لَمْ يَدْخُلِ الْكَعْبَةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَحُجُّ كَثِيرًا وَلاَ يَدْخُلُ (باب من لم يدخل الكعبة) لأنه ليس من مناسك الحج. (وكان ابن عمر -رضي الله عنهما-) الذي هو أشهر من روى عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخول الكعبة (يحج كثيرًا ولا يدخل) الكعبة، فلو كان من المناسك لما أخل به مع كثرة اتباعه، وهذا التعليق وصله سفيان الثوري في جامعه. 1600 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ "اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَهُ مَنْ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْكَعْبَةَ؟ قَالَ: لاَ". [الحديث 1600 - أطرافه في: 1791، 4188، 4255]. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) قال: (حدّثنا خالد بن عبد الله) الطحان قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن أبي أوفى) -رضي الله عنه- (قال): (اعتمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عمرة القضاء سنة سبع من الهجرة قبل الفتح (فطاف بالبيت وصلّى خلف المقام ركعتين ومعه من يستره من الناس فقال له:) أي لابن أبي أوفى (رجل: أدخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكعبة؟) في هذه العمرة والهمزة للاستفهام، (قال): ابن أبي أوفى (لا). لم يدخلها في هذه العمرة وسببه ما كان فيها حينئذ من الأصنام ولم يكن

54 - باب من كبر في نواحي الكعبة

المشركون يتركونه ليغيرها، فلما كان في الفتح أمر بإزالة الصور ثم دخلها قاله النووي، ويحتمل أن يكون دخول البيت لم يقع في الشرط، فلو أراد دخوله لمنعوه كما منعوه من الإقامة بمكة زيادة على الثلاث فلم يقصد دخولها لئلا يمنعوه، وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا وفي المغازي، وأبو داود في الحج وكذا النسائي وابن ماجة. 54 - باب مَنْ كَبَّرَ فِي نَوَاحِي الْكَعْبَةِ (باب من كبّر في نواحي الكعبة). 1601 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا قَدِمَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، فَأَخْرَجُوا صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا الأَزْلاَمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، أَمَا وَاللَّهِ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَقْسِمَا بِهَا قَطُّ. فَدَخَلَ الْبَيْتَ فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِيهِ، وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو معمر) بميمين مفتوحين عبد الله بن عمر المقعد البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني قال: (حدّثنا عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما قدم) أي مكة (أبى أن يدخل البيت) أي: امتنع من دخوله (وفيه) أي والحال أن فيه (الآلهة) أي الأصنام التي لأهل الجاهلية وأطلق عليها الآلهة باعتبار ما كانوا يزعمون، (فأمر) عليه الصلاة والسلام (بها) أي بالآلهة (فأخرجت فأخرجوا صورة إبراهيم وإسماعيل) عليهما السلام (في أيديهما الأزلام) جمع زلم بفتح الزاي وضمها وهي الأقلام أو القداح، وهي أعواد نحتوها وكتبوا في أحدها أفعل وفي الآخر لا تفعل ولا شيء في الآخر، فإذا أراد أحدهم سفرًا أو حاجة ألقاها فإن خرج أفعل فعل، وإن خرج لا تفعل لم يفعل، وإن خرج الآخر أعاد الضرب حتى يخرج له افعل أو لا تفعل فكانت سبعة على صفة واحدة مكتوب عليها لا. نعم منهم من غيرهم ملصق العقل فضل العقل، وكانت بيد السادن فإذا أرادوا خروجًا أو تزويجًا أو حاجة ضرب السادن فإن خرج نعم ذهب وإن خرح لا كف وإن شكوا في نسب واحد أتوا به إلى الصنم فضرب بتلك الثلاثة التي هي منهم من غيرهم ملصق، فإن خرج منهم كان من أوسطهم نسبًا، وإن خرج من غيرهم كان حليفًا، وإن خرج ملصق لم يكن له نسب ولا حلف، وإن جنى أحد جناية واختلفوا على من العقل ضربوا فإن خرج العقل على من ضرب عليه عقل وبرئ الآخرون، وكانوا إذا عقلوا العقل وفضل الشيء منه واختلفوا فيه أتوا السادن فضرب فعلى من وجب أداه. (فقال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قاتلهم الله)، أي لعنهم كما في القاموس وغيره (أما) بإثبات الألف بعد الميم في اليونينية حرف استفتاح وفي بعض الأصول، وعزاها ابن حجر للأكثر أم بحذفها للتخفيف (والله قد) ولأبي ذر: لقد بزيادة اللام لزيادة التأكيد (علموا) أهل الجاهلية (أنهما) إبراهيم وإسماعيل (لم يستقسما) أي لم يطلبا القسم أي معرفة ما قسم لهما وما لم يقسم (بها) أي بالأزلام (قط). بفتح القاف وتشديد الطاء وتضم القاف ويخففان، وقط مشددة مجرورة، كما في القاموس. وقول الزركشي: إن معناها هنا أبدًا، تعقبه البر الدماميني: بأن قط مخصوص باستغراق الماضي من الزمان، وأما أبدًا فيستعمل في المستقبل نحو لا أفعل أبدًا وخالدين فيها أبدًا. (فدخل) عليه الصلاة والسلام (البيت فكبر في نواحيه ولم يصل فيه) احتج المؤلّف بحديث ابن عباس هذا مع كونه يرى تقديم حديث بلال في إثباته الصلاة فيه عليه، ولا معارضة في ذلك بالنسبة إلى الترجمة لأن ابن عباس أثبت التكبير ولم يتعرض له بلال، وبلال أثبت الصلاة ونفاها ابن عباس، فاحتج المؤلّف بزيادة ابن عباس وقدم إثبات بلال على نفي غيره لأنه لم يكن مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومئذ، وإنما أسند نفيه تارة لأسامة وتارة لأخيه الفضل مع أنه لم يثبت أن الفضل كان معهم إلا في رواية شاذة وأيضًا بلال مثبت، فيقدم على النافي لزيادة علمه، وقد قرر المؤلّف مثل ذلك في باب العشر فيما يسقى من ماء السماء من كتاب الزكاة. 55 - باب كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الرَّمَلِ هذا (باب) بالتنوين (كيف كان بدء) مشروعية (الرمل؟) في الطواف. والرمل: بفتح الراء والميم هو سرعة المشي مع تقارب الخطأ دون العدو والوثوب فيما قاله الشافعي، وقال المتولي: تكره المبالغة في الإسراع في الرمل، وعند الحنفية: الرمل أن يهز كتفيه في مشيه كالمتبخترين الصفين. 1602 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَقَدْ وَهَنَهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ. فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ". [الحديث 1602 - طرفه في: 4256]. وبه قال

56 - باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف، ويرمل ثلاثا

(حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي بمعجمة ثم مهملة البصري قال: (حدّثنا حماد هو ابن زيد عن أيوب) السختياني (عن سعيد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة الكوفي الأسدي قتل بين يدي الحجاج سنة خمس وتسعين ومائة (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) في عمرة القضية سنة سبع (فقال المشركون): من قريش (إنه) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقدم) بفتح الدال مضارع قدم بكسرها أي يرد (عليكم و) الحال أنه (قد) بالقاف (وهنهم)، ولابن السكن: قد وهنهم بحذف حرف العطف، وهاء وهنهم مفتوحة والضمير للصحابة أي أضعفهم (حمى يثرب) بفتح الموحدة غير منصرف اسم المدينة الشريفة في الجاهلية، وحمى رفع على الفاعلية، ولأبي ذر: إنه يقدم عليكم وفد بالفاء والرفع فاعل يقدم أي جماعة، وحينئذ يكون قوله: وهنهم حمى يثرب في موضع رفع صفة لوفد وضمير الشأن. (فأمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن يرملوا) بضم الميم مضارع رمل بفتحها (الأشواط الثلاثة)، ليرى المشركون قوتهم بهذا الفعل لأنه أقطع في تكذيبهم وأبلغ في نكايتهم، ولذا قالوا كما في مسلم: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى وهنتهم هؤلاء أجلد من كذا وكذا والأشواط: جمع شوط بفتح الشين، والمراد به هنا الطوفة حول الكعبة زادها الله تعالى شرفًا وهو منصوب على الظرفية. (و) أمرهم عليه الصلاة والسلام (أن يمشوا ما بين الركنين) اليمانيين حيث لا يراهم المشركون لأنهم كانوا مما يلي الحجر من قبل قعيقعان، وهذا منسوخ بما يأتي إن شاء الله تعالى. قال ابن عباس: (ولم يمنعه أن يأمرهم) أي من أن يأمرهم فحذف الجار لعدم اللبس، وموضع أن تاليها بعد حذفه جر أو نصب، قولان (أن يرملوا الأشواط كلها) أي بأن يرملوا فحذف الجار كذلك أو لا حذف أصلاً لأنه يقال: أمرته بكذا وأمرته كذا أي لم يمنعه عليه الصلاة والسلام أن يأمرهم بالرمل في الطوفات كلها (إلا الإبقاء عليهم) بكسر الهمزة وسكون الموحدة وبالقاف ممدودًا مصدر أبقى عليه إذا رفق به وهو مرفوع فاعل لم يمنعه، لكن الإبقاء لا يناسب أن يكون هو الذي منعه من ذلك لإبقاء معناه الرفق كما في الصحاح فلا بدّ من تأويله بإرادة ونحوها أي: لم يمنعه من الأمر بالرمل في الأربعة إلا إرادته عليه الصلاة والسلام الإبقاء عليهم فلم يأمرهم به وهم لا يفعلون شيئًا إلا بأمره، وقول الزركشي وتبعه العيني كالحافظ ابن حجر: ويجوز النصب على أنه مفعول لأجله ويكون في يمنعهم ضمير عائد إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو فاعله. تعقبه في المصابيح بأن تجويز النصب مبني على أن يكون في لفظ حديث البخاري لم يمنعهم وليس كذلك إنما فيه لم يمنعه فرفع الإبقاء متعين لأنه الفاعل، وهذا الذي قاله الزركشي وقع للقرطبي في شرح مسلم، وفي الحديث ولم يمنعهم فجوز فيه الوجهين وهو ظاهر، لكن نقله إلى ما في البخاري غير متأت. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي، ومسلم وأبو داود والنسائي في الحج. 56 - باب اسْتِلاَمِ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ، وَيَرْمُلُ ثَلاَثًا (باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف ويرمل ثلاثًا) أي ثلاث مرات، وأول نصب على الظرفية، والاستلام افتعال من السلام بكسر السين وهي الحجارة قاله ابن قتيبة، فلما كان لمسًا للحجر قيل له استلام أو من السلام بفتحها وهو التحية قاله الأزهري لأن ذلك الفعل سلام على الحجر، وأهل اليمن يسمون الركن الأسود المحيا أو هو استلام مهموز من الملاءمة وهي الاجتماع أو استفعل من اللأمة وهي الدرع لأنه إذا لمس الحجر تحصن بحصن من العذاب كما بتحصن باللأمة من الأعداء. فإن قيل: كان القياس فيه على هذا أن يكون استلام لا استلم، أجيب: باحتمال أن يكون خفف بنقل حركة الهمزة إلى اللام الساكنة قبلها ثم حذفت الهمزة ساكنة قاله في المصابيح. 1603 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ". [الحديث 1603 - أطرافه في: 1604، 1616، 1617، 1644]. وبالسند قال: (حدّثنا أصبغ بن الفرج) بفتح الهمزة وسكون المهملة وفتح الموحدة آخره معجمة في الأول وبالفاء والجيم في الثاني ابن سعيد الأموي (قال: أخبرني) بالإفراد وفي بعضها أخبرنا (ابن وهب)

57 - باب الرمل في الحج والعمرة

عبد الله المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وعن أبيه (قال): (رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود أول ما يطوف) ظرف مضاف إلى ما المصدرية (يخب) بفتح المثناة التحتية وضم الخاء المعجمة وتشديد الموحدة من الخبب ضرب العدو أي يرمل (ثلافة أطواف من) الطوفات (السبع) وفي بعضها من السبعة وبالتأنيث باعتبار الأطواف، وإذا كان المميز غير مذكور جاز في العدد التذكير والتأنيث. فإن قلت: ظاهر هذا الحديث يقتضي أن الرمل يستوعب الطوفة بخلاف حديث ابن عباس السابق في الباب الذي قبله لأنه صريح في عدم الاستيعاب. أجيب: بأنه عليه الصلاة والسلام رمل في طوافه أوّل قدومه في حجة الوداع من الحجر إلى الحجر ثلاثًا، ومشى أربعًا فاستقرت سنة الرمل على ذلك من الحجر إلى الحجر لأنه المتأخر من فعله عليه الصلاة والسلام. 57 - باب الرَّمَلِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (باب) بقاء مشروعية (الرمل) في بعض الطواف (في الحج والعمرة). 1604 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ "سَعَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَةَ أَشْوَاطٍ وَمَشَى أَرْبَعَةً فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ". تَابَعَهُ اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدثني محمد) زاد في رواية أبي ذر: هو ابن سلام، وبه جزم ابن السكن وهو في رواية الباقين غير منسوب، ورجح أبو علي الجياني أنه ابن رافع، وقيل هو البخاري نفسه بدليل روايته عن الراوي التالي: (قال: حدّثنا سريج بن النعمان) بضم السين المهملة وفتح الراء آخره جيم الجوهري البغدادي (قال: حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام آخره حاء مهملة ابن سليمان (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- قال): (سعى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاثة أشواط) أي أسرع في المشي في الطوفات الثلاث الأول (ومشى أربعة في الحج والعمرة) أي في حجة الوداع وعمرة القضية لأن الحديبية لم يمكن فيها من الطواف والجعرانة لم يكن معه ابن عمر فيها، ومن ثم أنكرها والتي مع حجته اندرجت أفعالها فيها فتعينت عمرة القضية، لكن في حديث أبي سعيد عند الحاكم: رمل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجته وفي عمره كلها وأبو بكر وعمر والخلفاء. (تابعه) أي تابع سريجًا (الليث) بن سعد الإمام (قال: حدثني) بالإفراد (كثير بن فرقد) بفتح الفاء والقاف بينهما راء ساكنة وآخره مهملة (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 1605 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَالَ لِلرُّكْنِ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ. فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ قَالَ: مَالَنَا وَلِلرَّمَلِ؟ إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا بِهِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ: شَىْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلاَ نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ". وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) بكسر العين (قال: أخبرنا محمد بن جعفر) الأنصاري زاد أبو ذر: ابن أبي كثير (قال: أخبرني) بالإفراد (زيد بن أسلم) مولى عمر (عن أبيه) أسلم (أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: للركن) الأسود مخاطبًا له ليسمع الحاضرين: (أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أي رأيت رسول الله) ولغير أبي ذر: النبي "-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استلمك ما استلمتك فاستلمه" تعبد محضًا (ثم قال) بعد استلامه (فما) بالفاء، ولابن عساكر: ما (لنا والرمل) بالنصب نحو: مالك وزيدًا، وجواز الجر في مثله مذهب كوفي، ويروى ما لنا وللرمل بإعادة اللام (إنما كنا رأينا) كذا في رواية أبي ذر والأصيلي بوزن فاعلنا بالهمز أي أريناهم بذلك أنا أقوياء لا نعجز عن مقاومتهم ولا نضعف عن محاربتهم، وجعله ابن مالك من الرياء الذي هو إظهار المرائي خلاف ما هو عليه فقال: معناه أظهرنا لهم القوة ونحن ضعفاء، وهو مثل قول ابن المنير في قوله: فأمرهم أن يرملوا لم يجوز لهم أن يقولوا ليس بنا حمى، لكن جوّز لهم فعلاً يفهم منه من لا يعلم الباطن أنه ليس بهم حمى وإن كان الفاهم مغالطًا في فهمه لمصلحة إفحام الخصم المبطل، لكن هذا الذي قالاه يحتاج إلى ثبوت نقل يدل عليه، وليس في الحديث ما يقتضيه، وعلى هذا فتصويب العيني لقول ابن مالك فيه نظر. نعم وقع في رواية غير أبي ذر والأصيلي هنا ما يؤيده حيث روي رايينا (به المشركين) بمثناتين تحتيتين من غير همز حملا له على الرياء، وإن كان رئاء بهمرّتين فقلبت الهمزة ياء لفتحها وكسر ما قبلها وحمل الفعل على المصدر وإن لم يوجد فيه الكسر كما قالوا في: آخيت وأخيت

58 - باب استلام الركن بالمحجن

حملاً على يواخي ومواخاة، والأصل يؤاخي مؤاخاة فقلبت الهمزة واوًا لفتحها بعد ضمه. (وقد أهلكهم الله) فلا حاجة لنا اليوم إلى ذلك بتركه لفقد سببه. (ثم قال) بعد أن رجع عما هم به هو (شيء صنعه النبي) ولأبي الوقت: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا نحب أن نتركه) لعدم اطلاعنا على حكمته وقصور عقولنا عن إدراك كنهه، وقد يكون فعله سببًا باعثًا على تذكر نعمة الله تعالى على إعزازه الإسلام وأهله، وزاد الإسماعيلي في روايته: ثم رمل. وقد أخرج المؤلّف هذا الحديث أيضًا وكذا مسلم والنسائي. 1606 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ "مَا تَرَكْتُ اسْتِلاَمَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ فِي شِدَّةٍ وَلاَ رَخَاءٍ مُنْذُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَلِمُهُمَا. قُلْتُ لِنَافِعٍ: أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَمْشِي بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ؟ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ يَمْشِي لِيَكُونَ أَيْسَرَ لاِسْتِلاَمِهِ". [الحديث 1606 - طرفه في: 1611]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) القطان (عن عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر القرشي المدني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-. قال): (ما تركت استلام هذين الركنين) اليمانيين (في شدة ولا رخاء منذ رأيت النبي) ولأبي الوقت: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستلمهما). قال عبيد الله: (فقلت لنافع أكان) بهمزة الاستفهام (ابن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما- (يمشي بين الركنين) اليمانيين أي ويرمل في غيرهما (قال) نافع: (إنما كان) ابن عمر (يمشي) بينهما ولا يرمل (ليكون) ذلك (أيسر) أي أرفق (لاستلامه) أي ليقوى عليه عند الازدحام، وهذا يدل على أنه كان يرمل في الباقي من البيت كما مرّ وبه يجاب عما أشار إليه الإسماعيلي من أنه لا مطابقة بين الترجمة والحديث إذ لا ذكر للرمل فيه. 58 - باب اسْتِلاَمِ الرُّكْنِ بِالْمِحْجَنِ (باب استلام الركن) الأسود (بالمحجن) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم بعدها نون عصا محنية الرأس أي يومئ إلى الركن حتى يصيبه. 1607 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَيَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالاَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "طَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ" تَابَعَهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنِ ابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ. [الحديث 1607 - أطرافه في: 1612، 1613، 1632، 5293]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري المشهور بابن الطبراني كان أبوه من أهل طبرستان، (ويحيى بن سليمان) الجعفي (قالا: حدّثنا ابن وهب) عبد الله (قال: أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال): (طاف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن) زاد مسلم من حديث أبي الطفيل ويقبل المحجن، وهذا مذهب الشافعي عند العجز عن الاستلام باليد، وإن استلم بيده لزحمة منعته من التقبيل قبلها كما في المجموع وعليه الجمهور، لكن نازع العز بن جماعة في تخصيص تقبيل اليد بتعذر تقبيل الركن، ولم يذكر في المحرر والمنهاج تقبيل اليد. وعند الحنفية: يضع يديه عليه ويقبلهما عند عدم إمكان التقبيل فإن لم يمكنه وضع عليه شيئًا كعصا فإن لم يتمكن من ذلك رفع يديه إلى أذنيه وجعل باطنهما نحو الحجر مشيرًا إليه كأنه واضع يديه عليه وظاهرهما نحو وجهه ويقبلهما. وعند المالكية، إن زوحم لمسه بيده أو بعود ثم يضعه على فيه من غير تقبيل فإن لم يصل كبر إذا حاذاه ومضى ولا يشير بيده، ومذهب الحنابلة كالشافعية. ورواة هذا الحديث ما بين مصري وكوفي ومدني وأيلي، وفيه التحديث والإخبار بالجمع والإفراد والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجة في الحج. (تابعه) أي تابع يونس عن ابن شهاب عبد العزيز (الدراوردي) بفتح الدال المهملة والراء والواو وسكون الراء وكسر الدال (عن ابن أخي الزهري) محمد بن عبد الله (عن عمه) محمد بن مسلم الزهري، وأخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن عباد عن الدراوردي فذكره، ولم يقل حجة الوداع ولا على بعير، وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى. 59 - باب مَنْ لَمْ يَسْتَلِمْ إِلاَّ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ (باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين) الأسود الذي يليه دون الركنين الشاميين، وياء اليمانيين مخففة على المشهور لأن الألف فيه عوض عن ياء النسب فلو شددت لزم الجمع بين العوض والمعوض. 1608 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ قَالَ "وَمَنْ يَتَّقِي شَيْئًا مِنَ الْبَيْتِ؟ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الأَرْكَانَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: إِنَّهُ لاَ يُسْتَلَمُ هَذَانِ الرُّكْنَانِ. فَقَالَ: لَيْسَ شَىْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا. وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنهما- يَسْتَلِمُهُنَّ كُلَّهُنَّ". (وقال محمد بن بكر) بفتح الموحدة البرساني بضمها وسكون الراء وبالسين المهملة نسبة إلى برسان حي من الأزد (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ونسبه لجده لشهرته به (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو

بن دينار) بفتح العين (عن أبي الشعثاء) مؤنث الأشعث واسمه جابر بن زيد مما وصله أحمد في مسنده (أنّه قال ومن) استفهام على جهة الإنكار التوبيخي فلذا لم يحذف الياء بعد القاف من قوله (يتقي) أي لا ينبغي لأحد أن يتقي (شيئًا من البيت)؟ الحرام. (وكان معاوية) -رضي الله عنه- مما وصله أحمد والترمذي والحاكم (يستلم الأركان) الأربعة، وفي رواية: فكان معاوية بالفاء وحينئذٍ فتكون من شرطية على مذهب من لا يوجب الجزم فيه (فقال: به ابن عباس -رضي الله عنهما-: إنه لا يستلم هذان الركنان) اللذان يليان الحجر لأنهما لم يتمما على قواعد إبراهيم فليسا بركنين أصليين، ويستلم بضم المثناة التحتية وفتح اللام مبنيًّا للمفعول الغائب، وهذان نائب عن الفاعل، والركنان صفة له، والهاء في أنه ضمير الشأن. وللحموي والمستملي كما في نسخة: لا يستلم بفتح المثناة هذين الركنين بالنصب على المفعولية، والضمير في أنه عائد على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكذا فاعل لا يستلم ضمير يعود عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وفي رواية عزاها في اليونينية لأبي ذر الحموي والمستلمي، والأصيلي: لا تستلم بفتح المثناة الفوقية وجزم الميم على النهي، وفي رواية رابعة: لا نستلم بالنون بدل المثناة بلفظ المتكلم. (فقال:) معاوية -رضي الله عنه-: (ليس شيء من البيت مهجورًا) ولأبي ذر: بمهجور بالموحدة قبل الميم، وهذا أجاب عنه. إمامنا الشافعي بأنا لم ندع استلامهما هجرًا للبيت وكيف نهجره ونحن نطوف به. ولكننا نتبع السنة فعلاً وتركًا ولو كان ترك استلامهما هجرًا لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرًا له ولا قائل به. وقال الداودي: ظن معاوية أنهما ركنا البيت الذي وضع عليه من أول وليس كذلك لما سبق في حديث عائشة. (وكان ابن الزبير) عبد الله مما وصله ابن أبي شيبة (يستلمهن كلهن) أي الأربعة لأنه لما عمر الكعبة أتمها على قواعد إبراهيم كذا حمله ابن التين، فزال مانع عدم استلام الآخرين، ويؤيد هذا الحمل ما أخرجه الأزرقي في تاريخ مكة أنه لما فرغ من بناء البيت وأدخل فيه من الحجر ما أخرج منه ورد الركنين على قواعد إبراهيم طاف للعمرة واستلم الأركان الأربعة، ولم يزل على بناء ابن الزبير إذا طاف استلمها جميعًا حتى قتل ابن الزبير وروي أيضًا أن آدم لما حج استلم الأركان كلها وكذا إبراهيم وإسماعيل. 1609 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنهما- قَالَ "لَمْ أَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَلِمُ مِنَ الْبَيْتِ إِلاَّ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ". وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب (-رضي الله عنهما-. قال): "لم أر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين" لأنهما على القواعد الإبراهيمية، ففي الركن الأسود فضيلتان: كون الحجر فيه، وكونه على القواعد وفي الثاني الثانية فقط ومن ثم خص الأول بمزيد تقبيله دون الثاني. وحديث ابن عباس: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل الركن اليماني ووضع خده عليه رواه جماعة منهم ابن المنذر والحاكم وصححه وضعفه بعضهم، وعلى تقدير صحته فهو محمول على الحجر الأسود لأن المعروف أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استلم الركن اليماني فقط، وإذا استلمه قبل يده على الأصح عند الشافعية والحنابلة ومحمد بن الحسن من الحنفية، وهو المنصوص في الأم. ولم يتعرض في المحرر والمنهاج والحاوي الصغير لتقبيل اليد، وحديث: أنه-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استلم الحجر فقبله واستلم الركن اليماني فقبل يده ضعفه البيهقي وغيره. وقال المالكية: يستلمه ويضع يده على فيه ولا يقبلها فإن لم يستطع كبّر إذا حاذاه ولا يشير إليه بيده، ونص جماعة من متأخري الشافعي أنه يشير إليه عند العجز عن استلامه، ولم يذكر ذلك النووي ولا الرافعي وسكوتهما كما قال العز بن جماعة دليل على عدم الاستحباب، وبه صرح بعض متأخري الشافعية قال: وهو الذي اختاره لأنه لم ينقل عنه عليه الصلاة والسلام، لكن لا بأس به كتقبيل يده بعد استلامه إذ أنهما أي الإشارة وتقبيل اليد بعد الاستلام ليسا بسنّة، وكذا تقبيل نفس الركن لا بأس به كما جزم به في الأم، واستحبه بعض

60 - باب تقبيل الحجر

الشافعية ونقل عن محمد بن الحسن. 60 - باب تَقْبِيلِ الْحَجَرِ (باب) مشروعية (تقبيل الحجر) الأسود بوضع الشفة عليه من غير تصويب ولا تطنين كما قاله الشافعي، وروى الفاكهي من طريق سعيد بن جبير قال: إذا قبلت الركن فلا ترفع بها صوتك كقبلة النساء. 1610 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا وَرْقَاءُ أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ "رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَبَّلَ الْحَجَرَ وَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ". وبه قال: (حدّثنا أحمد بن سنان) بكسر المهملة وتخفيف النون القطان الواسطي قال: (حدّثنا يزيد بن هارون) الواسطي (قال: أخبرنا ورقاء) مؤنث الأورق (قال: أخبرنا زيد بن أسلم) بفتح الهمزة واللام والميم الحبشي البخاري بفتح الموحدة والجيم مولى عمر (عن أبيه) أسلم (قال): (رأيت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قبَّل الحجر) الأسود (وقال: لولا أني رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبلك ما قبلتك) فمتابعته عليه الصلاة والسلام مشروعة وإن لم يعقل معناها لكن فيه تعظيم للحجر وتبرك به واختيار ليعلم بالمشاهدة طاعة من يطيع، وذلك شبيه بقصة إبليس حيث أمر بالسجود لآدم مع ما ورد مرفوعًا أنه يؤتى به يوم القيامة وله لسان ذلق لمن استلمه بالتوحيد. 1611 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ قَالَ: "سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ اسْتِلاَمِ الْحَجَرِ فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ. قَالَ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ زُحِمْتُ، أَرَأَيْتَ إِنْ غُلِبْتُ؟ قَالَ: اجْعَلْ "أَرَأَيْتَ" بِالْيَمَنِ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَلِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ". وبه قال: (حدّثنا مسدد قال: حدّثنا حماد) زاد أبو الوقت: ابن زيد (عن الزبير بن عربي) براء مهملة مفتوحة بعدها موحدة ثم مثناة تحتية مشددة لا الزبير بن عدي كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى (قال: سأل رجل) هو الزبير الراوي كما عند أبي داود الطيالسي عن حماد، حدّثنا الزبير سألت (ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- عن استلام الحجر) الأسود (فقال): (رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستلمه) بأن يمسه بيده (ويقبله. قال: قلت أرأيت) ولأبي الوقت وقال: أرأيت (إن زحمت) أنا بضم الزاي مبنيًّا للمفعول وفي بعض الأصول: إن زوحمت بالواو (أرأيت إن غُلِبت) أنا؟ بضم الغين مبنيًا للمفعول أخبرني ما أصنع هل لا بد من استلامي له في هذه الحالة (قال): ابن عمر: (اجعل) لفظ (أرأيت)؟ حال كونك (باليمن) أي اتبع السنة واترك الرأي، وكأنه فهم عنه من كثرة السؤال التدرج إلى الترك المؤدّي إلى عدم الاحترام والتعظيم المطلوب شرعًا. ثم قال ابن عمر: (رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستلمه ويقبله) ظاهره أن ابن عمر لم ير الزحام عذرًا في ترك الاستلام، وروى سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد قال: رأيت ابن عمر يزاحم على الركن حتى يدمى، ونقل ابن الرفعة أنه تكره المزاحمة. قال ابن جماعة: وفي إطلاقه نظر فإن الشافعي قال في الأم: إنه لا يحب الزحام إلا في بدء الطواف وآخره، والذي يظهر لي أنه أراد الزحام الذي لا يؤذي. وعن عبد الرحمن بن الحرث قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر -رضي الله عنه-: "يا أبا حفص إنك رجل قوي فلا تزاحم على الركن فإنك تؤذي الضعيف ولكن إن وجدت خلوة فاستلمه وإلاّ فكبر وامض". رواه الشافعي وأحمد وغيرهما وهو مرسل جيد، ولو أزيل الحجر والعياذ بالله قبل موضعه واستلمه قاله الدارمي من الشافعية. ورواة هذا الحديث الخمسة بصريون، وفيه التحديث والعنعنة والسؤال، وأخرجه الترمذي والنسائي في الحج، ووقع في رواية أبي ذر عن شيوخه عن الكروخي هنا قال: محمد بن يوسف الفربري: وجدت في كتاب أبي جعفر محمد بن أبي حاتم ورّاق المؤلّف، قال أبو عبد الله البخاري: الزبير بن عدي بالدال والمثناة كوفي تابعي، والزبير بن عربي بالراء الراوي تابعي أيضًا، وفيه تنبيه على أن ما وقع هنا عند الأصيلي عن أبي أحمد الجرجاني الزبير بن عدي بالدال وهم وأن صوابه عربي براء كذا رواه سائر الرواة عن الفربري حكاه الجياني، فكأن البخاري استشعر هذا التصحيف فأشار إلى التحذير منه. 61 - باب مَنْ أَشَارَ إِلَى الرُّكْنِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ (باب من أشار إلى الركن) الأسود (إذا أتى عليه) في الطواف عند عجزه عن استلامه. 1612 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "طَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ". وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي البصري (قال: حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد بن الصلت الثقفي البصري المتوفى سنة أربع وتسعين ومائة (قال: حدّثنا خالد) بن مهران الحذاء (عن عكرمة) بن عبد الله مولى ابن عباس أصله بربري ثقة ثبت عالم

62 - باب التكبير عند الركن

بالتفسير (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال): (طاف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالبيت على بعير) ليراه الناس فيسأل ويقتدى بفعله (كلما أتى على الركن) الأسود أي محاذيًا له (أشار إليه) بمحجن في يده ويقبل المحجن كما مرّ في باب استلام الركن بالمحجن قريبًا، وكذا يشير الطائف بيده عند العجز لا بفمه إلى التقبيل، واقتصر الرافعي وجماعة على الإشارة ولم يذكروا أنه يقبل ما أشار به، وتبعهم النووي في الروضة والمنهاج وقال في المجموع والإيضاح وابن الصلاح في منسكه: أنه يقبل ما أشار به، وقال الحنفية: يرفع يديه إلى أذنيه ويجعل باطنهما نحو الحجر مشيرًا إليه واضع يديه عليه وظاهرهما نحو وجهه ويقبلهما، وعند المالكية: يكبر إذا حاذاه ولا يشير بيده. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الحج والطلاق وكذا الترمذي والنسائي. 62 - باب التَّكْبِيرِ عِنْدَ الرُّكْنِ (باب) استحباب (التكبير عند الركن) الأسود. 1613 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "طَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَىْءٍ كَانَ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ". تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (حدّثنا خالد بن عبد الله) الطحان قال: (حدّثنا خالد) بن مهران (الحذاء) بالحاء المهملة والذال المعجمة (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال) (طاف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالبيت على بعير، كلما أتى الركن) الحجر الأسود وللكشميهني: وكلما أتى على الركن (أشار إليه بشيء) أي بمحجن (كان عنده وكبر) أي في كل طوفة، واستحب الشافعي وأصحاب مذهبه والحنابلة أن يقول عند ابتداء الطواف واستلام الحجر: بسم الله والله أكبر اللهم إيمانًا بك وتصديقًا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعًا لسنة نبيك محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وروى الشافعي عن أبي نجيح قال: أخبرت أن بعض أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: يا رسول الله كيف نقول إذا استلمنا؟ قال: بسم الله والله أكبر إيمانًا بالله وتصديقًا لإجابة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ولم يثبت ذلك كما قاله ابن جماعة وصح في أبي داود والنسائي والحاكم وابن حبان في صحيحيهما أنه عليه الصلاة والسلام قال بين الركنين اليمانيين {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} [البقرة: 201] قال ابن المنذر: لا نعلم خبرًا ثابتًا عنه عليه الصلاة والسلام يقال في الطواف وغيره، ونقل الرافعي أن قراءة القرآن في الطواف أفضل من الدعاء غير المأثور، وأن المأثور أفضل منها. سلمنا ذلك لكن لم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام كما قال ابن المنذر فيما مر إلا {ربنا آتنا في الدنيا حسنة} الآية. وهو قرآن، وإنما ثبت بين الركنين. وحينئذٍ فيكون أفضل ما يقال بين الركنين ويكون هو وغيره أفضل من الذكر والدعاء في باقي الطواف إلا التكبير عند استلام الحجر فإنه أفضل تاسيًا به عليه الصلاة والسلام، والصحيح عند الحنابلة أنه لا بأس بقراءة القرآن، وجزم صاحب الهداية في التجنيس بأن ذكر الله أفضل منها فيه وكرهها المالكية. (تابعه) أي تابع خالد الطحان مما وصله المؤلّف في الطلاق (إبراهيم بن طهمان) الهروي (عن خالد الحذاء) في التكبير ونبه بهذه المتابعة على أن رواية عبد الوهاب عن خالد السابقة في الباب الذي قبل هذا العارية عن التكبير لا تقدح في زيادة خالد بن عبد الله لمتابعة إبراهيم والله أعلم. 63 - باب مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى بَيْتِهِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا (باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة) محرمًا بالعمرة (قبل أن يرجع إلى بيته ثم صلّى ركعتين) سنة الطواف (ثم خرج إلى الصفا) للسعي بينها وبين المروة. 1614 و 1615 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ذَكَرْتُ لِعُرْوَةَ قَالَ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ -رضي الله عنها- "أَنَّ أَوَّلَ شَىْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً. ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -رضي الله عنهما- مِثْلَهُ"، ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي الزُّبَيْرِ -رضي الله عنه-، فَأَوَّلُ شَىْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ. ثُمَّ رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَهُ. وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا". [الحديث 1614، طرفه في: 1641] [الحديث 1615 - حديث في: 1642، 1796]. وبه قال (حدّثنا أصبغ) بن الفرج (عن ابن وهب) عبد الله (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين هو ابن الحرث (عن محمد بن عبد الرحمن) هو أبو الأسود النوفلي يتيم عروة (قال: ذكرت لعروة) بن الزبير بن العوام ما قيل في حكم القادم إلى مكة مما ذكره مسلم من هذا الوجه وحذفه المؤلّف مقتصرًا على المرفوع منه، ومحصل ذلك ومعناه: أن رجلاً من أهل العراق قال لأبي الأسود سل لي عروة بن الزبير عن رجل يهل بالحج فإذا طاف بالبيت أيحل أي دون أن يطوف بين الصفا والمروة أم لا؟ قال أبو الأسود فسألته فقال: لا يحل من أهلّ بالحج إلا بالحج فتصدى أي فتعرض لي الرجل فسألني أي عما أجاب به عروة فحدثته فقال: قل له فإن رجلاً أي ابن

عباس يخبر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعل ذلك يعني أمر به حيث قال لمن لم يسق الهدي من أصحابه: اجعلوها عمرة. وعند المؤلّف في حجة الوداع من حديث ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: إذا طاف بالبيت فقد حل، فقلت لعطاء: من أين أخذ هذا ابن عباس؟ قال: من قول الله تعالى: {ثم محلها إلى البيت العتيق} [الحج: 33] ومتى أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أصحابه أن يحلوا في حجة الوداع؟ قلت: إنما كان ذلك بعد المعزف. قال فإن ابن عباس يراه قبل وبعد اهـ. قال أبو الأسود: فجئته أي عروة فذكرت له ذلك يعني ما قاله الرجل العراقي من مذهب ابن عباس. (قال:) أي عروة قد حج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأخبرتني عائشة -رضي الله عنها-): (إن أول شيء بدأ به حين قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه توضأ) في موضع رفع خبر إن من قولها إن أول شيء بدأ به (ثم طاف) بالبيت ولم يحل من حجه (ثم لم تكن)، تلك الفعلة التي فعلها عليه الصلاة والسلام حين قدم من الطواف وغيره (عمرة) فعرف من هذا أن ما ذهب إليه ابن عباس مخالف لفعله عليه الصلاة والسلام، وأن أمره عليه الصلاة والسلام أصحابه أن يفسخوا حجهم فيجعلوه عمرة خاص بهم، وأن من أهل بالحج مفردًا لا يضره الطواف بالبيت كما فعله عليه الصلاة والسلام وبذلك احتج عُروة، قوله عمرة بالنصب خبر كان أو بالرفع كما لأبي ذر على أن كان تامة والمعنى لم تحصل عمرة. (ثم حج أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- مثله) أي فكان أول شيء بدأ به الطواف ثم لم تكن عمرة (ثم حججت مع أبي) أي مصاحبًا لوالدي (الزبير) بن العوام (رضي الله عنه) والزبير بالجر بدل من أبي أو عطف بيان، وللكشميهني: ثم حججت مع ابن الزبير أي مع أخي عبد الله بن الزبير. قال القاضي عياض: وهو تصحيف (فأول شيء بدأ به الطواف ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلونه) أي البدء بالطواف، (وقد أخبرتني أمي) أسماء بنت أبي بكر (أنها أهلت هي وأختها) عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (والزبير وفلان وفلان بعمرة، فلما، مسحوا الركن) أي الحجر الأسود وأتموا طوافهم وسعيهم وحلقوا (حلوًّا) من إحرامهم وحذف المقدر هنا للعلم به وعدم خفائه. فإن قلت: إن عائشة في تلك الحجة لم تطف بالبيت لأجل حيضها؟ أجيب: بأنه محمول على أنه أراد حجة أخرى بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير حجة الوداع. ورواة هذا الحديث ما بين مصري ومدني، وفيه التحديث والإخبار بالإفراد والعنعنة والذكر، وأخرجه مسلم في الحج. 1616 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسٌ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا طَافَ فِي الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ سَعَى ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى أَرْبَعَةً، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ". وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) بن عبد الله الأسدي (قال: حدّثنا أبو ضمرة) بفتح الضاد المعجمة (أنس) هو ابن عياض (قال: حدّثنا موسى بن عقبة) الأسدي الإمام في المغازي (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-). (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا طاف في الحج أو العمرة أول ما يقدم) بنصب أول على الظرفية (سعى) أي رمل (ثلاثة أطواف ومشى أربعة) أي أربعة أطواف (ثم سجد سجدتين) أي ركعتين للطواف من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل (ثم يطوف بين الصفا والمروة). 1617 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الأَوَّلَ يَخُبُّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ وَيَمْشِي أَرْبَعَةً، وَأَنَّهُ كَانَ يَسْعَى بَطْنَ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ". وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) بن حزام بالزاي وهو المذكور قريبًا (قال: حدّثنا أنس بن عياض) هو أبو ضمرة السابق (عن عبيد الله) بضم العين بالتصغير هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني (عن نافع عن ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-): (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول) الذي يعقبه السعي لا طواف الوداع (يخب) بضم الخاء المعجمة وبالموحدة المشددة أي يرمل (ثلاثة أطواف ويمشي أربعة) أي أربعة أطواف (وأنه) عليه الصلاة والسلام (كان يسعى) أي يسرع (بطن المسيل) أي الوادي الذي بين الصفا والمروة وهو قبل الوصول إلى الميل الأخضر المعلق بركن المسجد إلى أن يحاذي الميلين الأخضرين المتقابلين اللذين أحدهما بفناء المسجد والآخر بدار العباس، وبطن: منصوب على الظرفية. قال في المصابيح: ولا شك أنه ظرف مكان محدد

64 - باب طواف النساء مع الرجال

فليس نصبه على الظرفية بقياس (إذا طاف) أي سعى (بين الصفا والمروة). 64 - باب طَوَافِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ (باب طواف النساء مع الرجال). 1618 - وَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ "أَخْبَرَنَا قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ -إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ- قَالَ كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ الرِّجَالِ؟ قُلْتُ: أَبَعْدَ الْحِجَابِ أَوْ قَبْلُ؟ قَالَ: إِي لَعَمْرِي لَقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الْحِجَابِ. قُلْتُ: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ، كَانَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ لاَ تُخَالِطُهُمْ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَتْ: انْطَلِقِي عَنْكِ، وَأَبَتْ. يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِاللَّيْلِ فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَالِ، وَلَكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلْنَ الْبَيْتَ قُمْنَ حَتَّى يَدْخُلْنَ وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ، وَكُنْتُ آتِي عَائِشَةَ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ فِي جَوْفِ ثَبِيرٍ. قُلْتُ وَمَا حِجَابُهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ لَهَا غِشَاءٌ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَرَأَيْتُ عَلَيْهَا دِرْعًا مُوَرَّدًا". وبالسند إلى المؤلّف قال: (وقال لي عمرو بن علي) بسكون الميم ابن بحر الباهلي البصري أي: من باب العرض والمذاكرة وسقط لفظ: "لي" لغير أبي ذر (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل البصري المتوفى سنة اثنتي عشرة ومائتين (قال ابن جريج) بضم الجيم الأولى عبد الملك المتوفى سنة خمسين ومائة: (أخبرنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد أي: قال أبو عاصم أخبرنا ابن جريج قال: أي ابن جريج أخبرني بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح المكي المتوفى سنة أربع عشرة ومائة (إذ منع ابن هشام) في محل نصب مفعول ثان لأخبرني أي قال ابن جريج: أخبرني عطاء بزمان منع ابن هشام إبراهيم في إمرته على الحج بالناس من قبل ابن أخته هشام بن عبد الملك، أو المراد أخوه محمد بن هشام وكان ابن أخته ولاه أمرة مكة فمنع (النساء الطواف مع الرجال) في وقت واحد حال كونه أي عطاء (قال): فيه أي في زمان المنع (كيف تمنعهن) بتاء الخطاب لابن هشام إبراهيم أو أخيه محمد، وفي بعض الأصول كيف يمنعهن بالغيبة أي كيف يمنعهن مانع (وقد طاف نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع الرجال؟) في وقت واحد. قال ابن جريج (قلت:) لعطاء: (1) كان طوافهن معهم (بعد) نزول آية (الحجاب) أي قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] وكان ذلك في تزويجه عليه الصلاة والسلام بزينب بنت جحش سنة خمس من الهجرة أو سنة ثلاث. وفي رواية غير المستملي: بعد الحجاب أي بإسقاط همزة الاستفهام (أو قبل؟ قال:) عطاء لابن جريج (أي لعمري) بكسر الهمزة وسكون الياء حرف جواب بمعنى نعم، لكن يشترط فيه أن يكون بعد استفهام على رأي ابن الحاجب، وأن يكون سابقًا لقسم على رأي الجميع. قال بعض المحققين: ولا يكون المقسم به بعدها إلا الرب أو لعمري، وعلى الجملة فقد توفرت الشروط هنا كما ترى، ولعمري بفتح اللام والعين لغة في العمر بضم العين يختص به القسم لإيثار الأخف لأنه كثير الدور على الألسنة أي وبقاء الله (لقد أدركته) أي طوافهن معهم (بعد الحجاب). قال ابن جريج: (قلت:) لعطاء (كيف يخالطن الرجال؟) نصب على المفعولية وفي بعض الأصول، وعزاه العيني كابن حجر للمستملي يخالطهن بالهاء بعد الطاء الرجال بالرفع على الفاعلية. (قال: لم يكن يخالطن)، وللمستملي أيضًا كالسابق: يخالطهن (كانت عائشة -رضي الله عنها- تطوف حجرة) بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم وبعد الراء هاء تأنيث نصب على الظرفية أي ناحية محجورة (من الرجال) أي عنهم كقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 22] أي عن ذكر الله قال الفراء والزجاج تقول: أتخمته من الطعام، وعنه ولأبي ذر عن الكشميهني: حجزة بفتح الحاء والزاي المعجمة أي في ناحية محجوزة عن الرجال بحيث يضرب بينهم وبينها حاجز يسترها عنهم (لا تخالطهم، فقالت امرأة): معها قيل كان اسمها دقرة بكسر الدال المهملة وسكون القاف كانت تطوف معها بالليل (انطلقي نستلم) بالرفع والجزم (يا أم المؤمنين، قالت:) عائشة -رضي الله عنها- (عنك)، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر قالت: انطلقي عنك أي عن جهة نفسك ولأجلك (وأبت) أي منع عائشة الاستلام (فكن يخرجن) حال كونهن (متنكرات) في رواية عبد الرزاق مستترات (بالليل فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت) الحرام (قمن) فيه (حتى يدخلن) وللمستملي والحموي: قمن حين يدخلن (وأخرج الرجال)، منه بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أي: إذا أردن الدخول وقفن قائمات حتى يدخلن حال كون الرجال مخرجين منه. قال عطاء (وكنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير) بضم العين فيهما الليثي قاضي مكة ولد في الزمن النبوي (وهي) أي عائشة (مجاورة) أي مقيمة (في جوف ثبير)، بمثلثة مفتوحة فموحدة مكسورة منصرف جبل عظيم بالمزدلفة على يسار الذاهب منها إلى

65 - باب الكلام في الطواف

منى وعلى يمين الذاهب من منى إلى عرفات، وبمكة خمسة جبال أخرى يقال لها منها ثبير كما ذكره ياقوت والبكري. قال ابن جريج، (قلت): لعطاء (وما حجابها)؟ يومئذ (قال) عطاء: (هي) أي عائشة (في قبة تركية) أي خيمة صغيرة من لبود تضرب في الأرض (لها) أي للقبة (غشاء وما بيننا وبينها غير ذلك)، أي كانت محجوبة عنا بهذه الخيمة (ورأيت عليها) أي على عائشة وأنا صبي (درعًا) بكسر الدال المهملة (موردًا) أي قميصًا أحمر لونه لون الورد، ويحتمل أن يكون رأى ما عليها اتفاقًا لا قصدًا. 1619 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها-زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- قَالَتْ: "شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَشْتَكِي فَقَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ، فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَئِذٍ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ، وَهْوَ يَقْرَأُ {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} ". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس ابن أخت الإمام مالك (قال: حدّثنا) وفي رواية: حدثني (مالك) هو ابن أنس الإمام (عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل) يتيم عروة (عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة) ربيبة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولدت بأرض الحبشة (عن) أمها (أم سلمة) هند (-رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلت: شكوت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أني أشتكي) أي مرضي وإني ضعيفة (فقال:) عليه الصلاة والسلام: (طوفي من وراء الناس) لأن ستة النساء التباعد عن الرجال في الطواف وبقربها يخاف تأذي الناس بدابتها وقطع صفوفهم في فوله (وأنت راكبة) للحال كهي في قولها: (فطفت ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذ) أي حال كونه (يصلّي الصبح إلى جنب البيت) الحرام لأنه أستر لها (وهو) أي والحال أنه عليه الصلاة والسلام (يقرأ) سورة {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: 1، 2] وسبقت بقية مباحث الحديث في باب إدخال البعير في المسجد. 65 - باب الْكَلاَمِ فِي الطَّوَافِ (باب) إباحة (الكلام) بالخير (في الطواف). 1620 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ أَنَّ طَاوُسًا أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ رَبَطَ يَدَهُ إِلَى إِنْسَانٍ بِسَيْرٍ -أَوْ بِخَيْطٍ أَوْ بِشَىْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ- فَقَطَعَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: قُدْهُ بِيَدِهِ". [الحديث: 1620 - أطرافه في: 1621، 6702، 6703]. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء (قال: حدّثنا هشام) الصنعاني (أن ابن جريج) عبد الملك (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (سليمان) بن أبي مسلم (الأحول أن طاوسًا) هو ابن كيسان (أخبره عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ وهو) أي والحال أنه (يطوف بالكعبة بإنسان ربط يده إلى إنسان بسير). بسين مهملة مفتوحة ومثناة تحتية ساكنة ما يقدّ من الجلد والقد الشق طويلاً (أو يخيط أو بشيء غير ذلك) -كمنديل ونحوه، وكأن الراوي لم يضبط ذلك فلذا شك (فقطعه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده) لأنه لم يمكن إزالة هذا المنكر إلا بقطعه (ثم قال): عليه الصلاة والسلام للقائد: (قد بيده) بضم القاف وإسكان الدال وحذف الضمير المنصوب قيل: وظاهره أن المقود كان ضريرًا. وأجيب: باحتمال أن يكون لمعنى آخر. فإن قلت ما اسم الإنسانين المبهمين هنا؟ أجيب: بأن الطبراني روى من طريق فاطمة بنت مسلم حدثني حذيفة بن بشر عن أبيه أنه أسلم فرد عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ماله وولده ثم لقيه هو وابنه طلق بن بشر مقترنين بحبل فقال: ما هذا؟ قال: حلفت لئن رد الله عليّ مالي وولدي لأحجن بيت الله مقرونًا، فأخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحبل فقطعه وقال لهما: حجا إن هذا من عمل الشيطان، فيمكن أن يكون المبهمان بشرًّا وابنه طلقًا المذكورين. فإن قلت: أين دلالة الحديث على ما ترجم له؟ قلت: من قوله ثم قال قدّ بيده. فإن قلت: إن الزركشي حمله على المجاز وقال: إنه قد شاع في كلامهم إجراء قال مجرى فعل. قلت: غلطه صاحب المصابيح بأنه صرف للفظ عن حقيقته وهي الأصل بلا قرينة، وقد سلط؟ القول هنا على كلام نطق به، وهو بيده، وكأن الزركشي ظن أنه مثل قوله فقال بيده هكذا وفرق أصابعه، وليس كذلك لوجود القرينة في هذا دون ذاك اهـ. وقد استحب الشافعية للطائف أنه لا يتكلم إلا بذكر الله تعالى، وأنه يجوز الكلام في الطواف ولا يبطل ولا يكره، لكن الأفضل تركه إلا أن يكون كلامًا في خير كأمر بمعروف أو نهي عن منكر أو تعليم جاهل أو جواب فتوى، وقد روى الشافعي عن إبراهيم بن نافع قال: كلمت طاوسًا في الطواف فكلمني، وفي الترمذي مرفوعًا: الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه فمن تكلم فيه فلا

66 - باب إذا رأى سيرا أو شيئا يكره في الطواف قطعه

يتكلم إلا بخير، وفي النسائي عن ابن عباس: الطواف بالبيت صلاة فأقلوا به الكلام فليتأدب الطائف بآداب الصلاة خاضعًا حاضر القلب ملازم الأدب في ظاهره وباطنه مستشعرًا بقلبه عظمة من يطوف بيته وليجتنب الحديث فيما لا فائدة فيه لا سيما في محرم كعيبة أو نميمة. وقد روينا عن وهيب بن الورد قال: كنت في الحجر تحت الميزاب فسمعت من تحت الأستار إلى الله أشكو وإليك يا جبريل ما ألقى من الناس من تفكههم حولي في الكلام أخرجه الأزرقي وغيره. 66 - باب إِذَا رَأَى سَيْرًا أَوْ شَيْئًا يُكْرَهُ فِي الطَّوَافِ قَطَعَهُ هذا (باب) بالتنوين (إذا رأى) شخص (سيرًا) ربط به آخر وهو يقاد به (أو) رأى (شيئًا يكره) فعله بضم المثناة التحتية مبنيًّا للمفعول صفة لشيئًا، أو في نسخة: يكرهه أي الرائي من قول أو فعل منكر (في الطواف قطعه) بلفظ الماضي جواب إذا، والقطع في السير حقيقة وفي الشيء المكروه فعله بمعنى المنع. 1621 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلاً يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِزِمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَطَعَهُ". وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك (عن ابن جريج) عبد الملك (عن سليمان) بن أبي مسلم (الأحول عن طاوس) هو ابن كيسان (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-): (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلاً يطوف بالكعبة بزمام) مربوط في يده وآخر يقوده به (أو غيره) أي غير زمام كمنديل ونحوه (فقطعه) عليه الصلاة والسلام بيده لأن القود بالأزمة إنما يفعل بالبهائم. وهذا الحديث مختصر من السابق لكنه أخرجه من وجه آخر. 67 - باب لاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَلاَ يَحُجُّ مُشْرِكٌ هذا (باب) بالتنوين (لا يطوف بالبيت عريان)، ولا يحج مشرك. 1622 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ "أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ -رضي الله عنه- بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْها رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ: أَلاَ لاَ يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المصري اسم أبيه عبد الله ونسبه لجده لشهرته به (قال: حدّثنا الليث) بن سعد المصري (قال يونس) بن يزيد الأيلي (قال: ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (حدثني) بالإفراد (حميد بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (أخبره أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- بعثه) أي أبا هريرة سنة تسع من الهجرة ليحج بالناس (في الحجة التي أمره) بتشديد الميم أي جعله (عليها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أميرًا، ولغير أبي ذر: أمره عليه بالتذكير على أبي هريرة (قبل حجة الوداع يوم النحر) بمنى ظرف لقوله بعثه (في) جملة (رهط) وهو ما دون العشرة من الرجال، وقيل إلى الأربعين ولا تكون فيهم امرأة (يؤذن) أي يعلم الرهط أو أبو هريرة على الالتفات (في الناس): حين نزل قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ} [التوبة: 28]، والمراد به الحرم كله. (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيه (لا يحج) بالرفع ولا نافية (بعد) هذا (العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان) بالرفع فاعل يطوف وهو بضم الطاء وسكون الواو مخففتين مرفوع عطفًا على يحج. وفي رواية أبي ذر: أن لا يحج بإسقاط ألا التي للتنبيه وبفتح الهمزة وتشديد اللام، ونصب يحج بأن ولا نافية ويطوف نصب عطفًا على يحج، ويجوز أن تكون أن مخففة من الثقيلة فلا نافية ويحج مرفوع ويطوف عطف عليه، وأن تكون أن تفسيرية فلفظة لا تحتمل أن تكون نافية وناهية، وعلى كونها نافية فرفع الفعلين لما سبق، وعلى كونها ناهية فيحج مجزوم قطعًا، لكن يجوز تحريك آخره بالفتح كغيره من المضاعف نحو: لا تسب فلانًا بالفتح ويجوز الضم فيه اتباعًا ويطوف حينئذ بتشديد الطاء والواو مجزومًا وجوبًا، واحتج بهذا إمامنا الشافعي ومالك وأحمد في رواية عنه على اشتراط ستر العورة في الطواف، وعليه الجمهور خلافًا لأبي حنيفة وأحمد في رواية عنه حيث جوازه للعاري لكن عليه دم. 68 - باب إِذَا وَقَفَ فِي الطَّوَافِ وَقَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ يَطُوفُ فَتُقَامُ الصَّلاَةُ أَوْ يُدْفَعُ عَنْ مَكَانِهِ: إِذَا سَلَّمَ يَرْجِعُ إِلَى حَيْثُ قُطِعَ عَلَيْهِ. وَيُذْكَرُ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهم. هذا (باب) بالتنوين (إذا وقف) الطائف (في الطواف) هل ينقطع طوافه أم لا. ومذهب الشافعية وهو الجديد أن الموالاة بين الطوفات وبين أبعاض الطوفة الواحدة سنة فلو فرق تفريقًا كثيرًا بغير عذر كره. ولم يبطل طوافه. ومذهب الحنابلة وجوب الموالاة فمن تركها عمدًا أو سهوًا لم يصح طوافه إلا أن يقطعها لصلاة حضرت أو جنازة. (وقال: عطاء) هو ابن أبي رباح التابعي الكبير مما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه (فيمن يطوف فتقام الصلاة) أي المكتوبة في أثناء طوافه يقطع طوافه

69 - باب صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- لسبوعه ركعتين

كذا أطلقه الرافعي ثم النووي. وقال الماوردي: فإن أقيمت الصلاة قبل تمام الطواف فيختار أن يقطعه على وتر من ثلاث أو خمس ولا يقطعه على شفع لقوله عليه الصلاة والسلام "إن الله وتر يحب الوتر" فإن قطع على شفع جاز (أو يدفع عن مكانه: إذا سلم) من صلاته (يرجع إلى حيث قطع عليه)، وزاد أبوا ذر والوقت: فيبني أي على ما مضى من طوافه مبتدئًا من الموضع الذي قطع عنده على الأصح ولا يستأنف الطواف وهذا مذهب الجمهور خلافًا للحسن حيث قال: يستأنف ولا يبني على ما مضى، وقيده مالك بصلاة الفريضة. (ويذكر نحوه) بضم المثناة التحتية وفتح الكاف أي نحو قول عطاء مما وصله سعيد بن منصور (عن ابن عمر) بن الخطاب (و) عن (عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنهم-) مما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عنه: ولو حضرت صلاة جنازة وهو في أثناء الطواف استحب قطعه إن كان طواف نفل وإن كان طواف فرض كره قطعه، ولو أحدث عمدًا لم يبطل ما مضى من طوافه على المذهب فيتوضأ أو يبني. وقال المالكية: وإن انتقض وضوءه بطل مطلقًا، وقال نافع: طول القيام في الطواف بدعة، واكتفى المؤلّف بما ذكره إشارة إلى أنه لم يجد في الباب حديثًا مرفوعًا على شرطه. 69 - باب صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِسُبُوعِهِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يُصَلِّي لِكُلِّ سُبُوعٍ رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ: قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ إِنَّ عَطَاءً يَقُولُ تُجْزِئُهُ الْمَكْتُوبَةُ مِنْ رَكْعَتَىِ الطَّوَافِ، فَقَالَ: السُّنَّةُ أَفْضَلُ، لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُبُوعًا قَطُّ إِلاَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. هذا (باب) بالتنوين (صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لسبوعه ركعتين). بالسين المهملة والموحدة المضمومتين بغير همز في لغة قليلة أو جمع سبع بضم السين وسكون الموحدة كبرد وبرود، وفي حاشية الصحاح مضبوط بفتح أوله كضرب وضروب وعلى الكل فالمراد به سبع مرات. (وقال نافع): مولى ابن عمر مما وصله عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر (كان ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- يصلّي لكل سبوع ركعتين). وهما سنة مؤكدة على أصح القولين عند الشافعية وهو مذهب الحنابلة وأوجبهما الحنفية والمالكية، لكن قال الحنفية: لا يجبران بدم. (وقال إسماعيل بن أمية): بضم الهمزة وفتح الميم ابن عمرو بن سعيد بسكون الميم وكسر العين ابن العاصي الأموي المكي (قلت للزهري) محمد بن مسلم بن شهاب مما وصله ابن أبي شيبة (أن عطاء) هو ابن أبي رباح المكي (يقول: تجزئه المكتوبة) بضم المثناة الفوقية وبفتحها مع الهمزة فيهما أي تكفيه الصلاة المفروضة (من ركعتي الطواف)، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة تفريعًا على أنهما سنة كإجزاء الفريضة عن تحية المسجد نص على ذلك الشافعي في القديم، واستبعده إمام الحرمين والاحتياط أن يصلّيهما بعد ذلك. وعند المالكية أنها لا تجزئ عنهما. (فقال:) الزهري: (السنة) أي مراعاتها (أفضل: لم يطف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبوعًا قط) بضم السين من غير همز (إلا صلى ركعتين) أي من غير الفريضة فلا تجزئ المفروضة عنهما، لكن في استدلال الزهري بذلك نظر لأن قوله: إلا صلّى ركعتين أعم من أن يكونا نفلاً أو فرضًا لأن الصبح ركعتان فتدخل في ذلك، لكن الزهري لا يخفى عليه ذلك فلم يرد بقوله إلا صلّى ركعتنِ أي من غير المكتوبة، ثم إن القران بين الأسابيع خلاف الأولى لأنه عليه الصلاة والسلام لم يفعله، وقد قال: "خذوا عني مناسككم" وهذا قول أكثر الشافعية وأبي يوسف ومحمد وأجازه الجمهور بغير كراهة. وروى ابن أبي شيبة بإسناد جيد عن المسور بن مخرمة أنه كان يقرن بين الأسابيع إذا طاف بعد الصبح والعصر، فإذا طلعت الشمس أو غربت صلّى لكل أسبوع ركعتين، وفي الجزء السابع من أجزاء ابن السماك من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طاف ثلاثة أسابيع جميعًا، ثم أتى المقام فصلّى خلفه ست ركعات يسلم من كل ركعتين. وقال بعض الشافعية إن قلنا أن ركعتي الطواف واجبتان كقول أبي حنيفة والمالكية فلا بدّ من ركعتين لكل طواف. وقال الرافعي: ركعتا الطواف وإن قلنا بوجوبهما فليستا بشرط في صحة الطواف لكن في تعليل بعض أصحابنا ما يقتضي اشتراطهما، وإذا قلنا

70 - باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة ويرجع بعد الطواف الأول

بوجوبهما هل يجوز فعلهما من قعود مع القدرة فيه؟ وجهان: أصحهما لا. ولا تسقط بفعل فريضة كالظهر إذا قلنا بالوجوب، والأصح أنها سنة كقول الجمهور. 1623 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَيَقَعُ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ "قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَالَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بسكون الميم ابن دينار قال: (سألنا ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- أيقع الرجل على امرأته؟) بهمزة الاستفهام لم يجامعها (في العمرة) (قبل أن يطوف) أي يسعى (بين الصفا والمروة؟ قال) ابن عمر: (قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فطاف بالبيت سبعًا ثم صلّى خلف المقام ركعتين وطاف بين الصفا والمروة)، (وقال) ابن عمر: ({لقد كان لكم في رسول الله أسوة}) خصلة ({حسنة}) [الأحزاب: 21] من حقها أن يؤتسى بها وتتبع. 1624 - قَالَ: وَسَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- فَقَالَ "لاَ يَقْرَبِ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ". (قال) عمرو بن دينار: (وسألت جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- فقال: لا يقرب امرأته) بفتح المثناة التحتية وضم الراء وكسر الموحدة لالتقاء الساكنين ولا ناهية أي لا يجامعها (حتى يطوف بين الصفا والمروة). 70 - باب مَنْ لَمْ يَقْرَبِ الْكَعْبَةَ وَلَمْ يَطُفْ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى عَرَفَةَ وَيَرْجِعَ بَعْدَ الطَّوَافِ الأَوَّلِ (باب من لم يقرب الكعبة) بضم الراء وكسر الباء أي لم يدن منها (ولم يطف) بها تطوّعًا (حتى) أي إلى أن (يخرج إلى عرفة ويرجع) بالنصب عطفًا على يخرج (بعد الطواف الأول) أي طواف القدوم وهو مستحب لكل قادم سواء كان محرمًا أو غير محرم وليس هو من فروض الحج. 1625 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ فَطَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يَقْرَبِ الْكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن أبي بكر) بن علي المقدمي الثقفي (قال: حدّثنا فضيل) هو ابن سليمان بضم الفاء والسين فيهما النمري (قال: حدّثنا موسى بن عقبة) الأسدي (قال: أخبرني) بالإفراد (كريب) بضم الكاف مولى ابن عباس (عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال): (قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة فطاف) بالبيت للقدوم (وسعى بين الصفا والمروة، ولم يقرب) كذا في اليونينية بفتح الراء (الكعبة بعد طوافه) هذا "بها حتى رجع من عرفة" خشية أن يظن وجوبه واجتزأ عن ذلك بما أخبرهم به من فضل الطواف، وليس فيه دلالة لمذهب المالكية أن الحاج يمنع من طواف النفل قبل الوقوف بعرفة. ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني وهو من إفراده، وفيه التحديث والإخبار بالإفراد والعنعنة والقول. 71 - باب مَنْ صَلَّى رَكْعَتَىِ الطَّوَافِ خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ وَصَلَّى عُمَرُ -رضي الله عنه- خَارِجًا مِنَ الْحَرَمِ (باب من صلّى ركعتي الطواف) حال كونه (خارجًا من المسجد) الحرام إذ لا يتعين لهما موضع بعينه. نعم فعلهما خلف المقام أفضل كما سيأتي إن شاء الله تعالى. (وصلّى عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-) ركعتي الطواف بعد أن نظر فلم ير الشمس (خارجًا من الحرم) بذوي طوى، وهذا وصله البيهقي من حديث حميد بن عبد الرحمن بن عبد القاري وإنما فعل عمر -رضي الله عنه- ذلك لكونه طاف بعد الصبح وكان لا يرى النفل بعده مطلقًا حتى تطلع الشمس. 1626 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- "شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّاءَ الْغَسَّانِيُّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ وَهْوَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ -وَلَمْ تَكُنْ أُمُّ سَلَمَةَ طَافَتْ بِالْبَيْتِ وَأَرَادَتِ الْخُرُوجَ- فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِذَا أُقِيمَتْ صَلاَةُ الصُّبْحِ فَطُوفِي عَلَى بَعِيرِكِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ. فَفَعَلَتْ ذَلِكَ، فَلَمْ تُصَلِّ حَتَّى خَرَجَتْ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن محمد بن عبد الرحمن) بن نوفل بن الأسود الأسدي المدني يتيم عروة (عن عروة) بن الزبير (عن زينب) بنت أبي سلمة (عن) أمها (أم سلمة -رضي الله عنها- قالت): "شكوت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" (ح) للتحويل كما مرّ قال المؤلّف: (وحدثني) بالإفراد (محمد بن حرب) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء آخره موحدة (حدّثنا أبو مروان يحيى بن أبي زكريا) يحيى (الغساني) بغين معجمة مفتوحة وسين مهملة مشدّدة نسبة إلى بني غسان لا بالعين المهملة والشين المعجمة ولأبي ذر في اليونينية الغساني (عن هشام عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن أم سلمة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وسماع عروة منها ممكن فإنه أدرك حياتها نيفًا وثلاثين سنة وهو معها في بلد واحد، فحتمل أن يكون سمعه أوّلاً من زينب عنها ثم سمعه منها فلا يكون مرسلاً. قال في الفتح، وفي رواية الأصيلي: عن عروة عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة فزاد في هذه الطريق عن زينب، وقد رواه ابن السكن عن علي بن عبد الله بن مبشر عن محمد بن حرب لم يذكر فيه زينب وهو المحفوظ. (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: وهو بمكة وأراد الخروج ولم تكن أم سلمة) -رضي الله عنها- (طافت بالبيت)

72 - باب من صلى ركعتى الطواف خلف المقام

لأنها كانت شاكية (وأرادت الخروج فقال لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون) (ففعلت ذلك فلم تصل) ركعتي الطواف (حتى خرجت) من المسجد الحرام أو مكة ثم صلّت، فدلّ على جواز صلاة الطواف خارج المسجد إذ لو كان شرطًا لازمًا لما أقرها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعلى أن من نسي ركعتي الطواف قضاهما حيث ذكر من حل أو حرم وهو قول الجمهور خلافًا للثوري حيث قال: يركعهما حيث شاء ما لم يخرج من الحرم ولمالك حيث قال: إن لم يركعهما حتى تباعد ورجع إلى بلده فعليه دم، لكن قال ابن المنذر: ليس ذاك أكبر من صلاة المكتوبة ليس على من تركها غير قضائها حيث ذكرها. في قوله: وحدثني محمد بن حرب الخ. بعطف ذلك على سابقه وسياقه على لفظ الرواية الثانية تجوّز فإن اللفظين مختلفان، وقد لفظ الرواية الأولى في باب طواف النساء مع الرجال ويأتي إن شاء الله تعالى قريبًا. ورواة هذا الحديث ما بين مدني وشامي، وفيه رواية الابن عن أبيه وصحابية عن صحابية والتحديث بالجمع والإفراد والعنعنة. 72 - باب مَنْ صَلَّى رَكْعَتَىِ الطَّوَافِ خَلْفَ الْمَقَامِ (باب من) أي الذي (صلّى ركعتي الطواف خلف المقام) وهو الحجر الذي فيه أثر قدمي الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقد صح في البخاري وغيره أن عمر قال: يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال: نعم الحديث. 1627 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّفَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ". وبه قال (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا عمرو بن دينار) بسكون الميم (قال: سمعت ابنَ عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-) حال كونه (يقول) "قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" مكة "فطاف بالبيت سبعًا وصلّى خلف المقام ركعتين" سنة الطواف. وفي حديث جابر الطويل في صفة حجة الوداع عند مسلم: طاف ثم تلا: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى} [البقرة: 125] فصلّى عند المقام ركعتين، ومفهومه أن الآية آمرة بهما والأمر للوجوب وهو قول عند الشافعية لكنه معارض بما في حديث الصحيحين هل عليّ غيرها؟ قال: لا. إلا أن تطوّع، وعلى القول بالوجوب يصح الطواف بدونهما ولا يجبر تركهما بدم خلافًا للمالكية فإنهما يجبران فيما قاله سند فإن تعذر فعلهما خلف المقام لزحمة أو غيرها صلاهما في الحجر فإن لم يفعل ففي المسجد فإن لم يفعل ففي أي موضع شاء من الحرم وغيره وقال المالكية حيث شاء من المسجد ما خلا الحجر"ثم خرج عليه الصلاة والسلام إلى الصفا" للسعي. قال ابن عمر: (وقد قال تعالى) في كتابه ({لقد كان لكم في رسول الله أسوة}) قدوة ({حسنة}) وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في باب قول الله تعالى {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى} [البقرة: 125] في أوائل كتاب الصلاة. 73 - باب الطَّوَافِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يُصَلِّي رَكْعَتَىِ الطَّوَافِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ وَطَافَ عُمَرُ بَعْدَ الصُّبْحِ فَرَكِبَ حَتَّى صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بِذِي طُوًى (باب) حكم الصلاة عقب (الطواف بعد) صلاة (الصبح و) صلاة (العصر وكان ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-) مما وصله سعيد بن منصور من طريق عطاء (يصلّي ركعتين الطواف ما لم تطلع الشمس) هذا جار على مذهبه في اختصاص الكراهة بحال طلوع الشمس وحال غروبها. (وطاف عمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما- مما وصله في الموطأ (بعد صلاة الصبح) ثبت قوله صلاة لأبي الوقت عن المستملي، فلما قضى طوافه نظر فلم ير الشمس (فركب حتى صلى الركعتين) سنة الطواف (بذي طوى) بضم الطاء المهملة. 1628 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ نَاسًا طَافُوا بِالْبَيْتِ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ قَعَدُوا إِلَى الْمُذَكِّرِ، حَتَّى إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامُوا يُصَلُّونَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: قَعَدُوا، حَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلاَةُ قَامُوا يُصَلُّونَ". وبه قال: (حدّثنا الحسن بن عمر) بضم العين ابن شقيق (البصري، قال: حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الراي مصغرًا (عن حبيب) هو المعلم كما جزم المزي (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن ناسًا طافوا بالبيت بعد صلاة الصبح ثم قعدوا إلى المذكر) بتشديد الكاف أي الواعظ (حتى إذا طلعت الشمس) يعني كان قعودهم منتهيًا إلى طلوع الشمس (قاموا يصلون) سنة الطواف (فقالت عائشة -رضي الله عنها-: قعدوا حتى إذا كانت الساعة التي تكره فيها الصلاة) أي عند طلوع الشمس (قاموا يصلون). ومفهومه أنها كانت تحمل النهي على عمومه

74 - باب المريض يطوف راكبا

ويؤيده ما رواه عطاء عنها مما عند ابن أبي شيبة بإسناد حسن أنها قالت: إذا أردت الطواف بالبيت بعد صلاة الفجر أو العصر فطف وأخر الصلاة حتى تغيب الشمس أو حتى تطلع الشمس وصلّ لكل أسبوع ركعتين، وهذا مذهب المالكية. وقال الحنفية: لا يفعلان في الأوقات المكروهة فإن فعلاً فيها صحت مع الكراهة. 1629 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عَنِ الصَّلاَةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا". وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي بالزاي قال: (حدّثنا أبو ضمرة) أنس بن عياض المدني قال: (حدّثنا موسى بن عقبة عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله) بن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (قال): (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (ينهى عن الصلاة) التي لا سبب لها (عند طلوع الشمس وعند غروبها. 1630 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الزَّعْفَرَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ قَالَ "رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنهما- يَطُوفُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ". وبه قال: (حدثني) بالإفراد (الحسن بن محمد هو) ابن الصباح (الزعفراني) المتوفى يوم الاثنين لثمان بقين من رمضان سنة ستين ومائتين بعد المؤلّف بأربع سنين (قال: حدّثنا عبيدة بن حميد) بفتح العين وكسر الموحدة في الأول وضم الحاء المهملة وفتح الميم في الثاني التميمي النحوي (قال: حدثني) بالإفراد (عبد العزيز بن رفيع) بضم الراء وفتح الفاء مصغر الأسدي المكي نزيل الكوفة (قال): "رأيت عبد الله بن الزبير" بن العوام "-رضي الله عنهما-" حال كونه "يطوف بعد" صلاة "الفجر ويصلّي ركعتين" سنة الطواف. 1631 - قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ "وَرَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَيُخْبِرُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهَا إِلاَّ صَلاَّهُمَا". (قال عبد العزيز) بن رفيع بالسند المذكور. (رأيت عبد الله بن الزبير يصلّي ركعتين بعد العصر ويخبر أن عائشة -رضي الله عنها- حدثته أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يدخل بيتها إلا صلاهما) أي الركعتين بعد العصر، وكان ابن الزبير استنبط جواز الصلاة بعد الصبح من جوازها بعد العصر فكان يفعل ذلك بناء على اعتقاده أن ذلك على عمومه، ومذهب الشافعية جواز فعل سنة الطواف في جميع الأوقات بلا كراهة لحديث جبير بن مطعم مرفوعًا: يا بني عبد مناف من ولي من أمر الناس شيئًا فلا يمنعن أحدًا طاف بهذا البيت وصلّى أية ساعة شاء من ليل أو نهار. رواه الشافعي وأصحاب السنن وابن خزيمة وغيره وصححه الترمذي وروى الدارقطني والبيهقي حديث أبي ذر مرفوعًا: لا يصلّين أحد بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس إلا بمكة، وهذا يخص عموم النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة. 74 - باب الْمَرِيضِ يَطُوفُ رَاكِبًا (باب) حكم (المريض) حال كونه (يطوف) بالبيت العتيق حال كونه (راكبًا). 1632 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَافَ بِالْبَيْتِ وَهْوَ عَلَى بَعِيرٍ كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَىْءٍ فِي يَدِهِ وَكَبَّرَ". وبه قال: (حدثني) بالإفراد وفي نسخة: حدّثنا (إسحاق) زاد في بعض النسخ ابن شاهين (الواسطي قال: حدّثنا خالد) الطحان (عن خالد الحذاء) بالذال المعجمة والمدّ (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-): (أن رسول الله عليه الصلاة والسلام طاف بالبيت وهو على بعير) مؤدّبًا ولا كراهة في الطواف راكبًا من غير عذر على المشهور عند الشافعية قاله النووي لكنه خلاف الأولى. وقال الإمام بعد حكايته عدم الكراهة وفي النفس من إدخال البهيمة التي لا يؤمن تلويثها المسجد شيء، فإن أمكن الاستيثاق فذاك وإلا فإدخالها مكروه اهـ. وعند الحنفية أن من واجبات الطواف المشي إلا من عذر حتى لو طاف راكبًا من غير عذر لزمه الإعادة ما دام بمكة وإن عاد إلى بلده لزمه الدم، ومذهب المالكية: أنه لا يجوز إلا لعذر فإن طاف راكبًا لغير عذر أعاد إلا أن يرجع إلى بلده فيبعث بهدي، ولو طاف زحفًا مع قدرته على المشي فطوافه صحيح، لكنه يكره عند الشافعية. وعند الحنابلة: لا شيء عليه عند العجز فإن كان قادرًا فعليه الإعادة إن كان بمكة والدم إن رجع إلى أهله. وكان عليه الصلاة والسلام (كلما أتى على الركن) أي الحجر الأسود (أشار إليه بشيء في يده) الكريمة (وكبّر). فإن قلت: من أين المطابقة بين الحديث والترجمة؟ أجيب: من حيث أن المؤلّف حمل سبب طوافه عليه الصلاة والسلام راكبًا على أنه كان عن شكوى، ويؤيده رواية أبي داود من حديث ابن عباس أيضًا بلفظ: قدم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يشتكي فطاف على راحلته لكن قال:

75 - باب سقاية الحاج

العز بن جماعة ورواية من روى أنه طاف راكبًا لمرض ضعيفة. قال الشافعي: ولا أعلمه في تلك الحجة اشتكى والذي يظهر أن هذا الطواف الذي ركب فيه عليه الصلاة والسلام هو طواف الإفاضة كما ذكره الشافعي في الأم لأنه عليه الصلاة والسلام طاف في حجة الوداع ثلاثة أسابيع طوافه أوّل القدوم، وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام رمل فيه ومشى أربعًا وطواف الإفاضة وطواف الوداع، والمناسب أن يكون المركوب فيه منهما طواف الإفاضة ليراه الناس ويسألوه عن المناسك لا طواف الوداع، فإنه عليه الصلاة والسلام طافه في السحر بعد أن أخذ الناس المناسك. فإن قلت: في صحيح مسلم من حديث جابر أنه عليه الصلاة والسلام طاف في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة لأن يراه الناس ويسألوه وسعيه في حجة الوداع كان مرة واحدة وكان عقب طوافه الأول. أجيب: بأن الواو لا تقتضي الترتيب فيكون طاف أوّل قدومه ماشيًا ثم سعى راكبًا ثم طاف يوم النحر راكبًا. اهـ. 1633 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَشْتَكِي، فَقَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ. فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ وَهْوَ يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام القعنبي قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل) الأسدي المدني يتيم عروة (عن عروة) بن الزبير (عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أم سلمة) زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: شكوت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أني أشتكي) أي مريضة (فقال): عليه الصلاة والسلام: (طوفي من وراء الناس وأنت راكبة) (فطفت ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) الصبح (إلى جنب البيت) الحرام (وهو يقرأ {بالطور وكتاب مسطور}) وهذا ظاهر فيما ترجم له المؤلّف. 75 - باب سِقَايَةِ الْحَاجِّ (باب) ما جاء في (سقاية الحاج) مصدر سقي والمراد ما كانت قريش تسقيه الحاج من الزبيب المنبوذ في الماء وكان يليها العباس بن عبد المطلب بعد أبيه في الجاهلية، فأقرّها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له في الإسلام فهي حق لآل العباس أبدًا. 1634 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ "اسْتَأْذَنَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -رضي الله عنه- رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ". [الحديث 1634 - أطرافه في: 1743، 1744، 1745]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) واسمه حميد الصيرفي ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي قال: (حدّثنا أبو ضمرة) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم أنس بن عياض الليثي المدني قال: (حدّثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال): (استأذن العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبيت بمكة ليالي منى) ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر "من أجل سقايته"، أي بسببها "فأذن له" فيه دليل على وجوب المبيت بمنى في الليالي الثلاث لغير معذور كاهل السقاية إلا أن ينفر في ثاني أيامها فيسقط مبيت الثالثة، والمراد معظم الليل كما لو حلف لا يبيت بمكان لا يحنث إلا بمبيته معظم الليل فيجب بتركه دم، وفي ترك مبيت الليلة الواحدة مدّ والليلتين مدّان من الطعام. أما أهل السقاية ولو كانوا غير عباسيين والرعاء فلهم ترك المبيت من غير دم لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص للعباس كما مرّ ولرعاء الإبل كما رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وقال الحنفية: المبيت بمنى ستّة لأنه لو كان واجبًا لما رخص في تركه لأهل السقاية. وأجابوا عن قول الشافعية لولا أنه واجب لما احتاج إلى إذن بأن مخالفة السنّة عندهم كان مجانبًا جدًّا خصوصًا إذا انضم إليها الإنفراد عن جميع الناس مع الرسول عليه الصلاة والسلام فاستأذن لإسقاط الإساءة الكائنة بسبب عدم موافقته عليه الصلاة والسلام لا فيه من إظهار المخالفة المستلزمة لسوء الأدب، إذ أنه عليه الصلاة والسلام كان يبيت بمنى ليالي أيام التشريق. 1635 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ فَاسْتَسْقَى. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا فَضْلُ اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ فَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا. فَقَالَ: اسْقِنِي. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهِ. قَالَ: اسْقِنِي. فَشَرِبَ مِنْهُ. ثُمَّ أَتَى زَمْزَمَ وَهُمْ يَسْقُونَ وَيَعْمَلُونَ فِيهَا فَقَالَ؛ اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ. ثُمَّ قَالَ: لَوْلاَ أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ حَتَّى أَضَعَ الْحَبْلَ عَلَى هَذِهِ. يَعْنِي عَاتِقَهُ. وَأَشَارَ إِلَى عَاتِقِهِ". وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن شاهين الواسطي لا ابن بشر قال: (حدّثنا خالد) الطحان (عن خالد الحذاء عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاء إلى السقاية) التي يسقى بها الماء في الموسم وغيره (فاستسقى) طلب الشراب (فقال العباس) لولده: (يا فضل اذهب

76 - باب ما جاء في زمزم

إلى أمك) أم الفضل لبابة بنت الحرث الهلالية (فأت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشراب من عندها فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (استقني: قال: يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه: قال) عليه الصلاة والسلام تواضعًا وإرشادًا إلى أن الأصل الطهارة والنظافة حتى يتحقق أو يظن ما يخالف الأصل: (اسقني) زاد الطبراني مما يشرب منه الناس، وزاد أبو علي بن السكن في روايته فناوله العباس الدلو (فشرب منه) زاد الطبراني فذاقه فقطب ثم دعا بماء فكسره ثم قال: "إذا اشتد نبيذكم فاكسروه بالماء" وتقطيبه عليه الصلاة والسلام منه إنما كان لحموضته فقط وكسره بالماء ليهون شربه عليه، (ثم أتى) عليه الصلاة والسلام (زمزم وهم يسقون) الناس والجملة، حالية (ويعملون فيها) أي ينزحون منها الماء (فقال) عليه الصلاة والسلام لهم: (اعملوا فإنكم على عمل صالح) (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (لولا أن تغلبوا) بضم المثناة الفوقية وفتح اللام مبنيًا للمفعول. أي: لولا أن يجتمع عليكم الناس إذا رأوني قد عملته لرغبتهم في الاقتداء بي فيغلبوكم بالمكاثرة (لنزلت) عن راحلتي (حتى أضع الحبل على هذه يعني) عليه الصلاة والسلام (عاتقه وأشار) بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه (إلى عاتقه) وفيه إشارة إلى أن السقايات العامة كالآبار والصهاريج يتناول منها الغني والفقير إلا أن ينص على إخراج الغني لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تناول من ذلك الشراب العام وهو لا يحل له الصدقة فيحمل الأمر فيه هذه السقايات على أنها موقوفة للنفع العام، فهي للغني هدية وللفقير صدقة، وفيه أيضًا كراهة التقذر والتكره للمأكولات والمشروبات. وموضع الترجمة منه قوله: جاء إلى السقاية. 76 - باب مَا جَاءَ فِي زَمْزَمَ (باب ما جاء في زمزم) بفتح الزايين وسكون الميم وسكون الميم الأولى وسميت بذلك لكثرة مائها والماء الزمزم هو الكثير: وقيل لزم هاجر ماؤها حين انفجرت، وقيل زمزمة جبريل وكلامه وتسمى الشباعة وبركة ونافعة ومضنونة وبرة وميمونة وكافية عافية ومغذية ومروية وطعام طعم وشفاء سقم، وأوّل من أظهرها جبريل سقيًا لإسماعيل عليهما الصلاة والسلام عندما ظمئ وحفرها الخليل عليه الصلاة والسلام بعد جبريل فيما ذكره الفاكهي، ثم غيبت بعد ذلك لاندراس موضعها لاستخفاف جرهم بحرمة الحرم والكعبة أو لدفنهم لها عندما نفوا من مكة، ثم منحها الله تعالى عبد المطلب فحفرها بعد أن أعلمت له في المنام بعلامات استبان له بها موضعها ولم تزل ظاهرة إلى الآن، ولها فضائل وردت في أحاديث لم يذكر المؤلّف شيئًا منها لكونها لم تكن على شرطه صريحًا وفي مسلم من حديث أبي ذر: ماء زمزم طعام طعم، وزاد الطيالسي وشفاء سقيم، وفي المستدرك من حديث ابن عباس مرفوعًا: ماء زمزم لما شرب له، وصححه البيهقي في الشعب وصححه ابن عيينة فيما نقله ابن الجوزي في الأذكياء، وكذا صححه ابن حبان ووثق رجاله الحافظ الدمياطي إلا أنه اختلف في وصله وإرساله. قال في الفتح: وإرساله أصح وله شاهد من حديث جابر وهو أتم منه أخرجه الشافعي وابن ماجة ورجاله ثقات إلا عبد الله بن المؤمّل المكي فذكر العقيلي أنه تفرد به، لكن ورد من رواية غيره عند البيهقي من طريق إبراهيم بن طهمان، ومن طريق حمزة الزيات، وبالجملة فقد ثبتت صحة هذا الحديث إلا ما قيل أن الجارود تفرد عن ابن عيينة بوصله ومثله لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف وهو من رواية الحميدي وابن أبي عمرو وغيرهما ممن لازم ابن عيينة أكثر من الجارود فيكون أولى، لكن الذي يحتاج إليه الحكم بصحة المتن عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا عليه كونه من خصوصٍ طريق بعينها وهنا أمور تدل عليه. منها: أن مثله لا مجال للرأْي فيه فوجب كونه سماعًا وكذا إن قلنا العبرة في تعارض الوصل والوقف والإرسال للواصل بعد كونه ثقة لا إلا حفظ ولا غيره، مع أنه قد صح تصحيح نفس ابن عيينة له كما مرّ، وروى الدارقطني والبيهقي مرفوعًا آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم، وقد شربه جماعة من السلف والخلف لمآرب فنالوها وأولى ما يشرب لتحقيق التوحيد

والموت عليه والعزة بطاعة الله. 1636 - وَقَالَ عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ "كَانَ أَبُو ذَرٍّ -رضي الله عنه- يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فُرِجَ سَقْفِي وَأَنَا بِمَكَّةَ. فَنَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا. فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا: افْتَحْ. قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيلُ". (وقال عبدان) بفتح المهملة وسكون الموحدة أسمه عبد الله بن عثمان المروزي مما وصله مطولاً في أول باب الصلاة عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس ويأتي في أحاديث الأنبياء أتم منه، ووصله الجوزقي بتمامه عن الدغولي عن محمد بن الليث عن عبدان (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أنس بن مالك -رضي الله عنه-: كان أبو ذر يحدث أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (فرج) بضم الفاء وكسر الراء مخففة أي فتح (سقفي) إضافة إليه وإن كان بيت أم هانئ لأن الإضافة تكون بأدنى ملابسة (وأنا بمكة) (فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم) غير منصرف (ثم جاء بطست من ذهب) كان هذا قبل تحريم استعمال أواني الذهب (ممتلئ حكمة وإيمانًا) هو من باب التمثيل (فأفرغها) أي الطست أي أفرغ ما فيها من الإيمان والحكمة (في صدري ثم أطبقه) غطاه وجعله مطبقًا (ثم أخذ) جبريل (بيدي فعرج) أي صعد (بي إلى السماء الدنيا) روى أبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب العرش عن العباس قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هل تدرون كم بين السماء والأرض؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: بينهما خمسمائة عام وكثف كل سماء خمسمائة عام وفوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض (قال): ولأبي الوقت: قال: (جبريل لخازن السماء: افتح) أي الباب (قال): الخازن (من هذا؟) الذي يقرع الباب (قال: جبريل). وموضع الترجمة قوله: ثم غسله بماء زمزم لأنه يدل على فضل زمزم حيث اختص غسله بها دون غيرها من المياه، وقد قال شيخ الإسلام البلقيني: إنه أفضل من الكوثر لأن به غسل قلبه الشريف ولم يكن يغسل إلا بأفضل المياه، وقال الزين العراقي الحكمة في غسل قلبه الشريف به لأن به يقوى القلب على رؤية ملكوت السماوات والأرض والجنة والنار لأن من خواص ماء زمزم أنه يقوي القلب ويسكن الروع. 1637 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- حَدَّثَهُ قَالَ: "سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ زَمْزَمَ فَشَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ. قَالَ عَاصِمٌ: فَحَلَفَ عِكْرِمَةُ مَا كَانَ يَوْمَئِذٍ إِلاَّ عَلَى بَعِيرٍ". [الحديث 1637 - طرفه في: 5617]. وبه قال: (حدّثنا محمد) هو (ابن سلام) بتخفيف اللام البيكندي ولأبي ذر: ابن سلام بتشديدها حيث وقع قال: (أخبرنا الفزاري) مروان بن معاوية (عن عاصم) هو ابن سليمان الأحول (عن الشعبي) بفتح المعجمة وسكون المهملة عامر بن شراحيل (أن ابن عباس -رضي الله عنهما- حدثه، قال:) (سقيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من زمزم فشرب وهو قائم) فيه الرخصة في الشرب قائمًا، واستحباب الشرب من ماء زمزم قال ابن المنير: وكأنه عنوان عن حسن العهد وكمال الشوق، فإن العرب اعتادت الحنين إلى مناهل الأحبة وموارد أهل المودّة، وزمزم هو منهل أهل البيت فالمحترق عليها والمتعطش إليها قد أقام شعار المحبة وأحسن العهد للأحبة، ولهذا جعل التضلع منها علامة فارقة بين الإيمان والنفاق، ولله در القائل: وما شرقي بالماء إلا تذكرًا ... لماء به أهل الحبيب نزول وقال آخر: يقولون ملح ماء فجلة آجن ... أجل هو مملوح إلى القلب طيب وقال آخر: بالله قولوا لنيل مصر ... بأنني عنه في غِناءِ بزمزم العذب عند بيت ... معلق الستر بالوفاءِ وروى الفاكهي وغيره عن ابن عباس: صلوا في مصلّى الأخيار واشربوا من شراب الأبرار، قيل: وما مصلّى الأخيار؟ قال: تحت الميزاب. قيل: فما شراب الأبرار؟ قال: زمزم. (قال عاصم:) الأحول (فحلف عكرمة) مولى ابن عباس: والله (ما كان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يومئذ) أي يوم سقاه ابن عباس من ماء زمزم (إلا) راكبًا (على بعير) ولابن ماجة من هذا الوجه قال عاصم: فذكرت ذلك لعكرمة بالله ما فعل؟ أي ما شرب قائمًا لأنه حينئذ كان راكبًا، لكن عند أبي داود من رواية عكرمة

77 - باب طواف القارن

عن ابن عباس: أنه أناخ فصلّى ركعتين فلعل شربه من ماء زمزم كان بعد ذلك، ولعل عكرمة إنما أنكر شربه قائمًا لنهيه عنه، لكن ثبت عن علي عند البخاري أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شرب قائمًا فيحمل على بيان الجواز قاله في فتح الباري. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأشربة وكذا الترمذي. 77 - باب طَوَافِ الْقَارِنِ (باب طواف القارن) هل يكفيه طواف واحد أو لا بد من طوافين؟ خلاف يأتي ذكره إن شاء الله تعالى. 1638 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ثُمَّ لاَ يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا. فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَلَمَّا قَضَيْنَا حَجَّنَا أَرْسَلَنِي مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ، فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ. فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى. وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) قالت: (خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع) سنة عشر وسميت بذلك لأنه عليه الصلاة والسلام ودّع الناس فيها ولم يحج بعد الهجرة غيرها، (فأهللنا) أحرمنا (بعمرة ثم قال:) عليه الصلاة والسلام: (من كان معه هدي فليهلّ بالحج والعمرة ثم لا يحل) بالنصب، ولغير أبي ذر: لا يحل بالرفع (حتى يحل منهما). أي من الحج والعمرة لأن القارن يعمل عملاً واحدًا كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. قالت عائشة: (فقدمت مكة وأنا حائض فلما قضينا حجنا) أي بعد أن طهرت وطفت (أرسلني مع) أخي (عبد الرحمن إلى التنعيم) أدنى الحل إلى الحرم، وإنما أرسلها إلى التنعيم لأن العمرة كالحج لا بد أن يجمع فيها بين الحل والحرم (فاعتمرت، فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "هذه" العمرة (مكان عمرتك). بنصب مكان على الظرفية أي بدل عمرتك التي أردت أن تأتي بها مفردة لا أنها قضاء عن التي كانت أحرمت بها، (فطاف الذين أهلوا بالعمرة) وحدها متمتعين وسعوا (ثم حلوا) لم يفرق بين من معه الهدي ومن ليس معه. وقال أبو حنيفة: من كان معه الهدي لا يحل من عمرته ويبقى على إحرامه حتى يحج وينحر هديه يوم النحر، (ثم طافوا طوافًا آخر) للحج (بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة) وهم الذين كان معهم الهدي (طافوا طوافًا واحدًا) بغير فاء في طافوا الذي هو جواب أما، لكن صرح النحاة بلزوم إثباتها فيه نحو قوله تعالى: {فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم} [البقرة: 26] إلا في ضرورة الشعر كقوله: فأما القتال لا قتال لديكم ... ولكن سيرًا في عراض المواكب وأما حذفها في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} [آل عمران: 106] فالأصل فيقال لهم: أكفرتم فحذف القول استغناء عنه بالمقول فتبعته الفاء في الحذف، ورب شيء يصح تبعًا ولا يصح استقلالاً كالحاج عن غيره يصلّي عنه ركعتي الطواف، ولو صلّى أحد عن غيره ابتداء لم يصح على الصحيح قاله ابن هشام. وتلخص منه أن الفاء لا تحذف في غير الضرورة إلا مع القول، وعورض بأنه ثبت في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: أما بعد ما بال رجال يشترطون شروطًا. وأجيب: بأنه يجوز أن يكون هذا الحديث مما حذف فيه الفاء تبعًا للقول والتقدير، فأقول: ما بال رجال؟ فالأولى النقص بما وقع هنا في حديث عائشة. وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة طافوا وبقوله عليه الصلاة والسلام: أما موسى كأني أنظر إليه إذ ينحدر في الوادي، ولذا قال ابن مالك في التسهيل: ولا بدّ مع أما من ذكر الفاء إلا في ضرورة أو ندور، وللكشميهني: فإنما طافوا فأتي بالفاء قبل إنما في جواب أما، وفي هذا الحديث دليل على أن القارن يجزيه طواف واحد وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور، وكذا يجزيه سعي واحد. وقال أبو حنيفة في آخرين عليه طوافان وسعيان، واستدلّ لذلك في فتح القدير بما رواه النسائي في سننه الكبرى عن حماد بن عبد الرحمن الأنصاري عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية قال: طفت مع أبي وقد جمع الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى سعيين. وحدثني أن عليًّا -رضي الله عنه- فعل ذلك وحدثه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعل ذلك. قال العلامة ابن الهمام: وحماد هذا وإن ضعفه الأزدي فقد ذكره ابن حبان في الثقات فلا ينزل حديثه عن درجة الحسن مع أنه روى عن علي بطرق كثيرة مضعفة ترتقي إلى الحسن، غير أنا تركناها واقتصرنا على ما هو الحجة بنفسه

بلا ضم قال: ورواه الشافعي بسند فيه مجهول وقال: معناه أنه يطوف بالبيت حين يقدم بالصفا والمروة ثم يطوف بالبيت للزيادة اهـ. وهو صريح في مخالفة النص عن علي، وقول ابن المنذر: ولو كان ثابتًا عن علي كان قول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أولى من أحرم بالحج والعمرة أجزأه عنهما طواف واحد وسعي واحد مدفوع بأن عليًّا رفعه إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما أسمعناك، فوقعت المعارضة وكانت هذه الرواية أقيس بأصول الشرع فرجحت، وقد استقر في الشرع أن من ضم عبادة إلى أخرى أنه يفعل أركان كل منهما والله أعلم بحقيقة الحال اهـ. ولا ريب أن العمل بما في صحيح البخاري أولى من حديث لم يكن على رسم الصحيح على ما لا يخفى، وقد روى مسلم من طريق ابن الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: لم يطف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا، ومن طريق طاوس عن عائشة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها: "يسعك طوافك لحجك وعمرتك" وهذا صريح في الأجزاء وإن كان العلماء اختلفوا فيما كانت عائشة محرمة به. وقال عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل قال: حلف طاوس، ما طاف أحد من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحجته وعمرته إلا طوافًا واحدًا. قال الحافظ ابن حجر: وهذا إسناد صحيح. وحديث الباب مضى في باب: كيف تهل الحائض والنفساء؟ وموضع الترجمة منه قوله: وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة لأنه هو القارن. 1639 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- دَخَلَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَظَهْرُهُ فِي الدَّارِ فَقَالَ: إِنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَكُونَ الْعَامَ بَيْنَ النَّاسِ قِتَالٌ فَيَصُدُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ، فَلَوْ أَقَمْتَ. فَقَالَ: قَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ثُمَّ قَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ مَعَ عُمْرَتِي حَجًّا. قَالَ: ثُمَّ قَدِمَ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا". [الحديث 1639 - أطرافه في: 1640، 1693، 1708، 1729، 1806، 1807، 1808، 1810، 1812، 1813، 4183، 4184، 4185]. وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي نسبة للبس القلانس الدوقية قال: (حدّثنا ابن علية) هو إسماعيل وعلية بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد التحتية هو اسم أمه واسم أبيه إبراهيم بن مقسم (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر بن الخطاب (أن ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- دخل ابنه عبد الله بن عبد الله وظهره) بالرفع مبتدأ خبره قوله (في الدار) والجملة حالية والضمير في ظهره لابن عمر، والمراد بالظهر مركوبه من الإبل، وكان ابن عمر قد عزم على الحج وأحضر مركوبه ليركب عليه ويتوجه (فقال:) له ابنه عبد الله: (إني لا آمن) بمدّ الهمزة وفتح الميم مخففة، وللمستملي فبينما ذكره الحافظ ابن حجر: لا إيمن بكسر الهمزة وفتح الميم وهي لغة تميم فإنهم يكسرون الهمزة في أول مستقبل ماضيه على فعل بالكسر، ولا يكسرون إذا كان ماضيه بالفتح إلا أن يكون فيه حرف حلق نحو: اذهب والمعنى أخاف (أن يكون العام) نصب على الظرفية أي على هذا العام (بين الناس قتال) بالرفع فاعل يكون وهي هنا تامة والظرف متعلق بها وكذا بين الناس (فيصدوك عن البيت، فلو قمت) هذه السنة وتركت الحج لكان خيرًا لعدم إلا من فجواب الشرط محذوف، ويحتمل أن تكون لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب (فقال): عبد الله بن عمر لابنه عبد الله (قد خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم الاثنين في هلال ذي القعدة سنة ست من الهجرة للعمرة حتى نزل بالحديبية (فحال كفار قريش بينه وبين البيت) فتحلل بأن خرج من النسك بالذبح والحلق أي مع النية فيهما (فإن حيل) بكسر الحاء المهملة بلفظ الماضي (بيني وبينه) أي البيت (أفعل كما فعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من التحلل حيث منعوه من دخول مكة وأفعل بالرفع كما في اليونينية على تقدير أنا وبالجزم على أنه جزاء، وللكشميهني: فإن يحل بضم الياء وفتح الحاء وسكون اللام مبنيًا فافعل جزم فقط ({لقد كان لكم في رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسوة حسنة} [الأحز اب: 21] خصلة حسنة من حقها أن يؤتسى بها وهو في نفسه قدوة حسنة فحسن التأسي به كقوله في البيضة عشرون منا حديدًا أي هي في نفسها هذا القدر من الحديد (ثم قال): أي عبد الله بن عمر: (أشهدكم أني قد أوجبت مع عمرتي حدًّا) بالتذكير الأخير ولم يكتف بالنية بل أراد الإعلام لمن يريد الاقتداء به. (قال): عبد الله بن عبد الله بن عمر (ثم قدم) أي أبي عبد الله مكة من منى بعد الوقوف بعرفات (فطاف لهما) أي للحج والعمرة (طوافًا واحدًا) بعد

الوقوف بعرفة. وهذا موضع الترجمة. وحمله القائلون بطوافين وسعيين للقارن على أن المراد بقوله: طوافًا واحدًا أي طاف لكل منهما طوافًا يشبه الطواف الذي للآخر ولا يخفى ما في ذلك. وقد روى سعيد بن منصور عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد" فهذا صريح في المراد. وحديث الباب أخرجه أيضًا في الحج وكذا مسلم. 1640 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَرَادَ الْحَجَّ عَامَ نَزَلَ الْحَجَّاجُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقِيلَ لَهُ إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ، وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ، فَقَالَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} إِذًا أَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. إِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةً ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلاَّ وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي. وَأَهْدَى هَدْيًا اشْتَرَاهُ بِقُدَيْدٍ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمْ يَنْحَرْ وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ شَىْءٍ حَرُمَ مِنْهُ وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يُقَصِّرْ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن نافع أن ابن عمر -رضي الله عنهما- أراد الحج عام نزل) أي في عام نزل (الحجاج) بن معاوية بن زيد بن معاوية ولم يكن استخلف بقي الناس بلا خليفة شهرين وأيامًا، فاجتمع رأي أهل الحل والعقد من أهل مكة فبايعوا عبد الله بن الزبير، وبايع أهل الشام ومصر مروان بن الحكم، ثم لم يزل الأمر كذلك إلى أن توفى مروان وولي ابنه عبد الملك فمنع الناس الحج خوفًا أن يبايعوا ابن الزبير ثم بعث جيشًا أمر عليه الحجاج فقدم مكة وأقام الحصار من أوّل شعبان سنة اثنتين وسبعين بأهل مكة إلى أن غلب عليهم، وقتل ابن الزبير وصلبه (فقيل له) أي لابن عمر والقائل له ابناه عبد الله وسالم كما في مسلم: (إن الناس كائن بينهم قتال) برفع قتال ويجوز النصب على التمييز والجملة في موضع رفع خبر إن، (وإنا نخاف أن يصدوك)، عن البيت (فقال). ابن عمر: ({لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}) [الأحزاب: 21] (إذا صنع) نصب بإذا وهي حرف جزاء وجواب، وقيل اسم والأصل في إذا أكرمك إذا جئتني أكرمتك ثم حذفت الجملة وعوّض التنوين عنها وأضمرت أن وعلى الأول فالأصح أنها بسيطة لا مركبة من إذ وأن، وعلى البساطة فالصحيح أنها الناصبة لا أن مضمرة بعدها، وتنصب المضارع بشروط أن تكون مصدرة وأن يكون الفعل متصلاً بها أو منفصلاً بقسم وأن يكون مستقبلاً يقال: سآتيك غدًا فتقول إذا أكرمك وإذا والله أكرمك فتنصب فيهما وترفع وجوبًا إن قلت أنا إذا أكرمك لعدم تصدرها وإذا يا عبد الله أكرمك للفضل بغير القسم أو حدثك إنسان حديثًا فقلت: إذا تصدق لعدم الاستقبال، وقد ظهر مما ذكر أن أصنع هنا منصوب لأن إذا مصدرة وأصنع متصل بها مستقبل، وأن قول العيني إذا كان فعلها مستقبلاً وجب الرفع كما هو هنا سهو أو سبق قلم، والمعنى: إن صددت عن البيت أصنع (كما صنع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من التحلل حين حصر بالحديبية. (إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة) كما أوجبها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قصة الحديبية (ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء) موضع بين مكة والمدينة قدام ذي الحليفة (قال: ما شأن الحج والعمرة إلا واحد) بالرفع أي واحد في حكم الحصر وإنه إذا كان التحلل للحصر جائزًا في العمرة مع أنها غير محددة بوقت فهو في الحج أجوز وفيه العمل بالقياس (أشهدكم أني قد أوجبت حجًّا مع عمرتي. وأهدى) بفتح الهمزة فعل ماض من الإهداء (هديًا اشتراه بقديد)، بقاف مضمومة ودالين مهملتين بينهما تحتية ساكنة مصغرًا موضع قريب من الجحفة. زاد في باب: من اشترى هديه من الطريق وقلده حتى قدم فطاف بالبيت وبالصفا أي إلى أن قدم مكة فطاف بالبيت للقدوم وبالصفا، (ولم يزد على ذلك، فلم ينحر ولم يحل من شيء حرم منه) أي حرم من أفعاله وهي المحرمات السبع، (ولم يحلق ولم يقصر حتى كان يوم النحر فنحر وحلق ورأى أن قد قضى) أي أدّى (طواف الحج والعمرة بطوافه الأول) الذي طافه يوم النحر للإضافة بعد الوقوف بعرفة فهو مراده بالأول. قال في اللامع: لأن أول لا يجتاج أن يكون بعده شيء فلو قال أول عبد يدخل فهو حر فلم يدخل إلا واحد عتق، والمراد أنه لم يجعل للقران طوافين بل اكتفى بواحد وهو مذهب الشافعي وغيره خلافًا للحنفية. وقال بعضهم: المراد بالطواف الأول الطواف بين الصفا والمروة، وأما الطواف

78 - باب الطواف على وضوء

بالبيت وهو طواف الإضافة فهو ركن فلا يكتفى عنه بطواف القدوم في القران ولا في الإفراد. (وقال ابن عمر): -رضي الله عنهما- (كذلك فعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا موضع الترجمة. 78 - باب الطَّوَافِ عَلَى وُضُوءٍ (باب الطواف على وضوء) وهو شرط عند الجمهور لا يصح الطواف بدونه كالطهارة من الخبث وشر العورة لحديث الترمذي: الطواف بالبيت صلاة، فيدل على اشتراط ما ذكر فيه لأنه شبهه بها وليس بين ذاتيهما شيء من المشابهة لأن ذات الطواف وهو الدوران مما تنتفي به ذات الصلاة، فيكون المراد أن حكمه حكم الصلاة ومن حكمها عدم الاعتداد بدون الطهارة. وقال الحنفية: وتجب الطهارة عن الحدثين والحيض والنفاس للطواف في الأصح وليست بشرط للجواز ولا فرض بل واجبة حتى يجوز الطواف بدونها ويقع معتدًا به، ولكن يكون مسيئًا وتجب الدّية، فإن طاف للقدوم أو للصدر محدثًا تجب صدقة وجنبًا دم، وللزيادة محدثًا دم وجنبًا بدنة، وتستحب الإعادة ما دام بمكة في الحديث ويجب في الجنابة حتى إذا رجع إلى أهله فعليه أن يعود إلى مكة بإحرام جديد. 1641 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْقُرَشِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ "قَدْ حَجَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ -رضي الله عنها- أَنَّهُ أَوَّلُ شَىْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً. ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- فَكَانَ أَوَّلَ شَىْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةً. ثُمَّ عُمَرُ -رضي الله عنه- مِثْلُ ذَلِكَ. ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ -رضي الله عنه-، فَرَأَيْتُهُ أَوَّلُ شَىْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ. ثُمَّ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. ثُمَّ حَجَجْتُ مَعَ أَبِي -الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ- فَكَانَ أَوَّلَ شَىْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ. ثُمَّ رَأَيْتُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ. ثُمَّ آخِرُ مَنْ رَأَيْتُ فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُضْهَا عُمْرَةً. وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ عِنْدَهُمْ فَلاَ يَسْأَلُونَهُ وَلاَ أَحَدٌ مِمَّنْ مَضَى مَا كَانُوا يَبْدَءُونَ بِشَىْءٍ حَتَّى يَضَعُوا أَقْدَامَهُمْ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لاَ يَحِلُّونَ. وَقَدْ رَأَيْتُ أُمِّي وَخَالَتِي حِينَ تَقْدَمَانِ لاَ تَبْتَدِئَانِ بِشَىْءٍ أَوَّلَ مِنَ الْبَيْتِ تَطُوفَانِ بِهِ ثُمَّ لاَ تَحِلاَّنِ". وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن عيسى) التستري المصري الأصل قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو بن الحرث) بفتح العين وسكون الميم (عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل القرشي أنه سأل عروة بن الزبير) بن العوّام حذف المؤلّف المسؤول عنه وقد بينه مسلم فقال: إن رجلاً من العراق قال لي سل عروة عن رجل يهل بالحج فإذا طاف يحل أم لا؟ فإن قال لك لا يحل فقل له إن رجلاً يقول ذلك فسألته فقال: لا يحل من أهل بالحج إلا بالحج. قلت: فإن كان رجلاً كان يقول ذلك. قال: بئسما قال. فتصدى ليس الرجل فسألني فحدثته قال: فقل له أن رجلاً كان يخبر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد فعل ذلك وما شأن أسماء والزبير فعلاً ذلك، فجئت عروة فذكرت له ذلك فقال: من هذا؟ فقلت: لا أدري. فقال: ما باله لا يأتيني بنفسه يسألني أظنه عراقيًا. قلت: لا أدري. قال: فإنه قد كذب (فقال: قد) ضبب في اليونينية على لفظ قد (حج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرتني عائشة -رضي الله عنها-) الفاء في فأخبرتني كالتفصيل للمجمل يعني فأخبر عروة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد حج ثم فصله بأخبار عائشة (أن أول شيء بدأ به حين قدم) مكة (أنه توضأ ثم طاف بالبيت) ليس فيه دلالة على اشتراط الوضوء إلا إذا انضم إليه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "خذوا عني مناسككم" المروي في مسلم (ثم لم تكن عمرة)، بالرفع على أن كان تامة أي لم توجد بعد الطواف عمرة، ولغير أبي ذر: عمرة بالنصب على أنها ناقصة، (ثم حج أبو بكر) الصديق، (-رضي الله عنه- فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت) بنصب أول خبر كان ورفع الطواف اسمها (ثم لم تكن عمرة) بعد الطواف وعمرة بالرفع والنصب، (ثم) حج (عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- مثل ذلك) برفع أول والطواف كما في فروع اليونينية كهي مبتدأ وخبر في موضع نصب مفعول ثان لرأى القلبية، وفي بعض الأصول أول شيء بدأ به الطواف بنصب أول بدل من الضمير والطواف مفعول ثان لرأيته والأول الضمير كذا أعربه البرماوي والعيني كالكرماني، وفيه نظر لأن رأى البصرية لا تتعدى لمفعولين، لكن يحتمل أن يكون بمعنى تيقنت فتتعدى لهما، (ثم لم تكن عمرة) بالرفع والنصب وقوله: ثم حج عثمان هو من قول عروة وما قبله من قول عائشة فيما قاله الداودي. وقال أبو عبد الملك: منتهى حديث عائشة عند قوله ثم لم تكن عمرة ومن قوله ثم حج أبو بكر الخ من كلام عروة اهـ. قال الحافظ ابن حجر: فعلى هذا يكون بعض هذا منقطعًا لأن عروة لم يدرك أبا بكر ولا عمر. نعم أدرك عثمان، وعلى قول الداودي يكون الجميع متصلاً وهو الأظهر. (ثم) حج (معاوية) بن أبي سفيان (وعبد الله بن عمر) بن الخطاب، (ثم حججت مع ابن الزبير بن العوام) كذا للكشميهني: ابن الزبير يعني أخاه عبد الله. قال عياض

79 - باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله

وهو تصحيف، وللمستملي والحموي: مع أبي الزبير وهو الصواب، والمعنى قال عروة: ثم حججت مع والذي الزبير فالزبير بدل من أبي، (فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة) بالرفع، ولأبي ذر: بالنصب، (ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك ثم لم تكن) ولأبي ذر: ثم لا تكون (عمرة). بالرفع والنصب، (ثم آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر ثم لم ينقضها عمرة) أي لم يفسخها إلى العمرة. قال أبو عبد الله الأبي: إكثار عروة من الاحتجاجات يشبه أن يكون احتجاجًا بعمل أو إجماع (وهذا ابن عمر عندهم فلا يسألونه) أي أفلا يسألونه فهمزة الاستفهام مقدرة (ولا أحد ممن مضى) عطف على فاعل لم ينقضها أي لا ابن عمر ولا أحد من السلف الماضين (ما كانوا يبدؤون بشيء حين يضعون أقدامهم من الطواف بالبيت). قال ابن بطال: لا بد من زيادة لفظ أول بعد لفظ أقدامهم، وتعقبه الكرماني فقال: الكلام صحيح بدون زيادة إذ معناه ما كان أحد منهم يبدأ بشيء آخر حين يضع قدمه في المسجد لأجل الطواف أي لا يصلون تحية المسجد ولا يشتغلون بغير الطواف، وأما كون من بمعنى لأجل فهو كثير. قال الحافظ ابن حجر: وحاصله أنه لم يتعين حذف لفظ أول بل يجوز أن يكون الحذف في موضع آخر، لكن الأول أولى لأن الثاني يحتاج إلى جعل من بمعنى من أجل وهو قليل، وأيضًا فلفظ أول قد ثبت في بعض الروايات وثبت أيضًا في مكان آخر من الحديث نفسه اهـ. وتعقبه العيني بأن جعله "من" بمعنى من أجل قليلاً غير مسلم بل هو كثير في الكلام لأن أحد معاني من التعليل كما عرف في موضعه، قوله: وأيضًا فقد ثبت لفظ أول في بعض الروايات مجرد دعوى فلا يقبل إلا ببيان اهـ. وفي رواية الكشميهني: حتى يضعوا نصب بحذف النون من يضعوا بأن مقدرة بعد حتى التي للغاية وهي أوضح في المعنى. (ثم لا يحلون) فيه أنه لا يجوز التحلل بطواف القدوم، (وقد رأيت أمي) أسماء (وخالتي) عائشة ابنتي أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- (حين تقدمان لا تبتدئان بشيء أول من البيت تطوفان به ثم لا تحلان) سواء كان إحرامهما بالحج وحده أو بالقران خلافًا لمن قال: أن من حج مفردًا وطاف حل بذلك كما نقل عن ابن عباس، ولأبي ذر: ثم إنهما لا تحلان فزاد لفظ إنهما. والأفعال الأربعة بالمثناة الفوقية وفي بعض الأصول بالتحتية. 1642 - وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي "أَنَّهَا أَهَلَّتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ بِعُمْرَةٍ، فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا". (وقد أخبرتني أمي) أسماء (أنها أهلت هي وأختها) عائشة (والزبير) بن العوام (وفلان وفلان) هما عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان (بعمرة فلما مسحوا الركن) الأسود (حلوا) من العمرة. قال المازري: والمراد بالمسح الطواف وعبّر عنه ببعض ما يفعل فيه ومنه قول عمر بن أبي ربيعة: فلما قضينا من منى كل حاجة .. ومسح بالأركان من هو ماسح لأن الطائف إنما يمسح الحجر الأسود فكني بالمسح، ويحتمل أن يكون متأوّلاً بأن المراد طافوا وسعوا وحلقوا حلوا وحذفت هذه المقدرات اختصارًا للعلم بها. 79 - باب وُجُوبِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَجُعِلَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ (باب وجوب) السعي بين (الصفا والمروة وجعل) بضم الجيم مبنيًّا للمفعول وجوب السعي بينهما (من شعائر الله) من أعلام مناسكه جمع شعيرة وهي العلامة. 1643 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ "سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَقُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فَوَاللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لاَ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. قَالَتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابْنَ أُخْتِي، إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ كَمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ كَانَتْ لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَتَطَوَّفَ بِهِمَا، وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الأَنْصَارِ، كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا عِنْدَ الْمُشَلَّلِ، فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نَتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآيَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا. ثُمَّ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ مَا كُنْتُ سَمِعْتُهُ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّاسَ -إِلاَّ مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ بِمَنَاةَ-، كَانُوا يَطُوفُونَ كُلُّهُمْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فِي الْقُرْآنِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُنَّا نَطُوفُ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا، فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نَطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآيَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَسْمَعُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا: فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَالَّذِينَ يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الإِسْلاَمِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا، حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ". [الحديث 1643 - أطرافه في: 1790، 4495، 4861]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال: عروة) بن الزبير بن العوام: (سألت عائشة -رضي الله عنها- فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى) أي أخبرني عن مفهوم قول الله تعالى: ({إن الصفا والمروة}) جبلا السعي اللذان يسعى من أحدهما إلى الآخر، والصفا في الأصل جمع صفاة وهي الصخر أو الحجر الأملس، والمروة في الأصل حجر أبيض براق ({من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه) فلا إثم عله ({أن يطوّف بهما}) [البقرة: 158] بشديد الطاء أصله يتطوّف فأبدلت التاء طاء لقرب مخرجهما وأدغمت الطاء في الطاء (فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوّف) كذا في اليونينية

(بالصفا والمروة) إذا مفهومها أن السعي ليس بواجب لأنها دلت على رفع الجناح وهو الإثم عن فاعله، وذلك يدل على إباحته، ولو كان واجبًا لما قيل فيه مثل هذا. فردت عليه عائشة -رضي الله عنها- حيث (قالت: بئسما قلت يا ابن أختي)، أسماء (إن هذه) الآية (لو كانت كما أولتها عليه) من الإباحة (كانت لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما)، كذا بزيادة فوقية بعد التحتية وبزيادة لا بعد أن، وبه قرئ في الشاذ كما قالت عائشة فإنها كانت حينئذ تدل على رفع الإثم عن تاركه، وذلك حقيقة المباح فلم يكن في الآية نص على الوجوب ولا عدمه، ثم بينت عائشة أن الاقتصار في الآية على نفي الإثم له سبب خاص فقالت: (ولكنها) أي الآية (أنزلت في الأنصار)، الأوس والخزرج (كانوا قبل أن يسلموا يهلون) يحجون (لمناة الطاغية) بميم مفتوحة فنون مخففة مجرور بالفتحة للعلمية والتأنيث، وسميت مناة لأن النسائك كانت تمنى أي تراق عندها، وهي اسم صنم كان في الجاهلية والطاغية صفة إسلامية لمناة (التي كانوا يعبدونها عند المشلل) بميم مضمومة فشين معجمة مفتوحة فلامين الأولى مشددة مفتوحة ثنية مشرفة على قديد. زاد سفيان الزهري بالمشلل من قديد أخرجه مسلم وكان لغيرهم صنمان بالصفا إساف بكسر الهمزة وتخفيف السين المهملة وبالمروة نائلة بالنون والهمزة والمد، وقيل: إنهما كانا رجلاً وامرأة فزنيا داخل الكعبة فمسخهما الله حجرين فنصبا عند الكعبة، وقيل على الصفا والمروة ليعتبر الناس بهما ويتعظوا ثم حولهما قصي بن كلاب فجعل أحدهما ملاصق الكعبة والآخر لزمزم ونحر عندهما وأمر بعبادتهما، فلما فتح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة كسرهما (فكان من أهل) من الأنصار (يتحرج) أي يحترز من الإثم (أن يطوف بالصفا والمروة) كراهية لذينك الصنمين وحبهم صنمهم الذي بالمشلل، وكان ذلك سنة في آبائهم من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة، (فلما أسلموا) أي الأنصار (سألوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك) أي عن الطواف بهما وسقط لأبي ذر لفظ أسلموا (قالوا: يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة)، ولأبي ذر: بالصفا والروة (فأنزل الله تعالى {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة: 158] إلى آخرها). فقد تبين أن الحكمة في التعبير بذلك في الآية مطابقة جواب السائلين لأنهم توهموا من كونهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية أنه يستمر في الإسلام، فخرج الجواب مطابقًا لسؤالهم. وأما الوجوب فيستفاد من دليل آخر وقد يكون الفعل واجبًا ويعتقد المعتقد أنه منع من إيقاعه على صفة مخصوصة كمن عليه صلاة ظهر مثلاً فظن أنه لا يجوز فعلها عند الغروب فسأل فقيل في جوابه: لا جناح عليك إن صليتها في هذا الوقت. فالجواب صحيح ولا يستلزم ذلك الوجوب ولا يلزم من نفي الإثم عن الفاعل نفي الإثم عن التارك. فلو كان المراد مطلق الإباحة لنفي الإثم عن التارك. (قالت عائشة -رضي الله عنها- وقد سن) أي فرض (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الطواف بينهما) أي بين الصفا والمروة بالسنة وليس المراد نفي فرضيتهما. ويؤيده ما في مسلم من حديثها: ولعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة. واستدلّ البيهقي وابن عبد البر والنووي وغيرهم على ذلك أيضًا بكونه عليه الصلاة والسلام كان يسعى بينهما في حجه وعمرته وقال: "خذوا عني مناسككم" (فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما) وهو ركن عند الشافعية والمالكية والحنابلة. وقال الحنفية: واجب يصح الحج بدونه ويجبر بدم. وقال الزهري: (ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن) بن الحرث بن هشام بذلك (فقال: إن هذا لعلم) بفتح اللام وهي المؤكدة وبالتنوين على أنه الخبر، وللحموي والمستملي: إن هذا العلم بالنصب صفة لهذا أي أن هذا هو العلم (ما كنت سمعته) خبر لأن. وكنت بلفظ المتكلم وما نافية، وعلى الرواية الأولى وهي للكشميهني لعلم خبر أن وكلمة ما موصولة ولفظ كنت للمتكلم في جميع ما وقفت عليه من الأصول. وقال العيني كالكرماني ولفظ: كنت

80 - باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: السعي من دار بني عباد إلى زقاق بني أبي حسين

للمخاطب على النسخة الأولى وهي لعلم. قال أبو بكر: (ولقد سمعت رجالاً من أهل العلم يذكرون أن الناس إلا من ذكرت عائشة) -رضي الله عنها- والاستثناء معترض بين اسم أن وخبرها وهو قوله: (ممن كان يهل بمناة) بالباء الموحدة (كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة)، فلم يخصوا بطائفة بخلاف عائشة فإنها خصت الأنصار بذلك كما رواه الزهري عن عروة عنها. (فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن قالوا: يا رسول الله، كنا نطوف بالصفا والمروة)، أي في الجاهلية (وأن الله) بالواو، ولأبي الوقت: فإن الله عز وجل (أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا)، أي والمروة (فهل علينا من حرج) إثم (أن نطوف) بتشديد الطاء (بالصفا والمروة)؟ إنما سألوا عن ذلك بناء على ما ظنوه من أن التطوف بهما من فعل الجاهلية (فأنزل الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة: 158] قال أبو بكر: فأسمع) بفتح الهمزة والميم وضم العين على صيغة المتكلم من المضارع، وضبطها الدمياطي الحافظ فاسمع بوصل الهمزة وسكون العين على صيغة الأمر. قال في الفتح: والأول أصوب (هذه الآية) إن الصفا والمروة (نزلت في الفريقين) الأنصار وقوم من العرب كما في مسلم (كليهما): قال العيني والبرماوي كالكرماني كلاهما وهو على لغة من يلزمها الألف دائمًا (في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا) وفي نسخة: أن يتطوفوا بالتاء (في الجاهلية بالصفا والمروة)، لكونه عندهم من أفعال الجاهلية، (والذين يطوفون ثم تحرجوا بهما في الإسلام من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا)، أي ولا المروة (حتى ذكر ذلك) أي الطواف بالصفا والمروة في قوله تعالى: ({إن الصفا والمروة}) (بعد ما ذكر الطواف بالبيت) في قوله تعالى {وليطوفوا بالبيت العتيق} [الحج: 29] والمراد تأخر نزول آية البقرة في الصفا والمروة عن آية الحج وليطوفوا بالبيت العتيق قال في الفتح ووقع في رواية المستملي وغيره حتى ذكر بعد ذلك ما ذكر الطواف بالبيت. قال الحافظ ابن حجر: وفي توجيهه عسر. قال العيني: لا عسر فيه فقد وجهه الكرماني فقال: لفظة ما ذكر بدل من ذلك وأن ما مصدرية والكاف مقدرة كما في: زيد أسد أي ذكر السعي بعد ذكر الطواف كذكر الطواف واضحًا جليًا ومشروعًا مأمورًا به. 80 - باب مَا جَاءَ فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: السَّعْيُ مِنْ دَارِ بَنِي عَبَّادٍ إِلَى زُقَاقِ بَنِي أَبِي حُسَيْنِ (باب ما جاء في) كيفية (السعي بين الصفا والمروة. وقال ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-): مما وصله ابن أبي شيبة والفاكهي: (السعي من دار بني عباد) بفتح العين وتشديد الموحدة ابن جعفر وتعرف اليوم بسلمة بنت عقيل (إلى زقاق بني أبي حسن) تصغير حسن، ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي: ابن أبي حسين، قال سفيان فيما رواه الفاكهي: هو ما بين هذين العلمين. وقال البرماوي كالكرماني: دار بني عباد من طرف الصفا وزقاق بني أبي حسين من طرف المروة. 1644 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا طَافَ الطَّوَافَ الأَوَّلَ خَبَّ ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا. وَكَانَ يَسْعَى بَطْنَ الْمَسِيلِ إِذَا طَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. فَقُلْتُ لِنَافِعٍ: أَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَمْشِي إِذَا بَلَغَ الرُّكْنَ الْيَمَانِيَ؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ أَنْ يُزَاحَمَ عَلَى الرُّكْنِ، فَإِنَّهُ كَانَ لاَ يَدَعُهُ حَتَّى يَسْتَلِمَهُ". وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن عبيد بن ميمون) كذا في جميع ما وقفت عليه من الأصول. وقال الحافظ ابن حجر: إنه الصواب وبه جزم أبو نعيم قال: زاد أبو ذر في روايته هو ابن حاتم، ولعل حاتمًا اسم جدّ له إن كانت رواية أبي ذر فيه مضبوطة اهـ. قال: (حدّثنا عيسى بن يونس) السبيعي الكوفي (عن عبيد الله بن عمر) بتصغير عبد العمري (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا طاف الطواف الأول) طواف القدوم وكذا الركن (خب ثلاثًا) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة أي رمل وهو المشي مع تقارب الخطا (ومشى أربعًا) من غير رمل. (وكان) عليه الصلاة والسلام (يسعى) جهده بأن يسرع فوق الرمل (بطن المسيل). نصب على الظرفية أي المكان الذي يجتمع فيه السيل ولم يبق اليوم بطن المسيل لأن السيول كبسته فيسعى حين يدنو من الميل الأخضر المعلق بجدار المسجد قدر ستة أذرع حتى يقابل الميلين الأخضرين اللذين أحدهما بجدار المسجد والآخر بدار العباس، ثم يمشي على هيئته (إذا طاف بين الصفا والمروة)

يفعل ذلك ذاهبًا وراجعًا. قال عبيد الله بن عمر العمري، (فقلت لنافع: أكان عبد الله) بن عمر (يمشي) من غير رمل (إذا بلغ الركن اليماني)؟ بتخفيف الياء على المشهور (قال: لا إلا أن يزاحم) بضم التحتية وفتح الحاء (على الركن)، فإنه يمشي ولا يرمل ليكون أسهل لاستلامه عند الازدحام (فإنه كان لا يدعه) أي لا يترك الركن (حتى يستلمه). وموضع الترجمة قوله: وكان يسعى بطن المسيل، والحديث سبق في باب: من طاف بالبيت إذا قدم مكة. 1645 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ "سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنه- عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَةٍ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ فَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو بن دينار قال: سألنا ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-) وفي نسخة اليونينية: عنه (عن رجل طاف بالبيت في عمرة ولم يطف بين الصفا والمروة أيأتي امرأته)؟ بهمزة الاستفهام (فقال): ولأبي ذر: قال: (قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مكة (فطاف بالبيت سبعًا وصلّى خلف المقام ركعتين فطاف) بالفاء، ولأبي ذر: وطاف (بين الصفا والمروة سبعًا). أي فلم يتحلل عليه الصلاة والسلام من عمرته حتى سعى بينهما ومتابعته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واجبة فلا يحل لهذا الرجل أن يواقع امرأته حتى يسعى بينهما ({لقد}) ولأبي الوقت: وقد ({كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}) [الأحزاب: 21]. 1646 - "وَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- فَقَالَ: لاَ يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ". (وسألنا جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) عن ذلك (فقال: لا يقربنها) بنون التوكيد الثقيلة (حتى يطوف بين الصفا والمروة) لأنه ركن لا يتحلل بدونه ولا يجبر بدم خلافًا للحنفية لأن عندهم أن ما ثبت آحادًا يثبت الوجوب لا الركنية لأنها إنما تثبت بدليل قطعي. 1647 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ تَلاَ [الأحزاب: 21]: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ". وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد البلخي (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-: قال). (قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة فطات بالبيت) أي سبعًا (ثم صلّى ركعتين) سنة الطواف (ثم سعى بين الصفا والمروة). أي سبعًا يبدأ بالصفا ويختم بالمروة يحسب الذهاب من الصفا مرة والعود من المروة مرة ثانية. قال النووي في الإيضاح: وهذا هو المذهب الصحيح الذي قطع به جماهير العلماء من أصحابنا وغيرهم، وعليه عمل الناس في الأزمنة المتقدمة والمتأخرة. وذهب جماعة من أصحابنا إلى أنه يحسب الذهاب والعود مرة واحدة قاله من أصحابنا أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعي، وأبو حفص بن الوكيل، وأبو بكر الصيدلاني، وهذا قول فاسد لا اعتداد به ولا نظر إليه اهـ. ووجهه إلحاقه بالطواف حيث كان من المبدأ أعني الحجر إلى المبدأ. وتعقب بأنه لو كان كذلك لكان الواجب أربعة عشر شوطًا، وقد اتفق رواة نسكه عليه الصلاة والسلام أنه إنما طاف سبعًا. وأجيب: بأن هذا موقوف على أن مسمى الشوط إما من الصفا إلى المروة أو من المروة إلى الصفا في الشرع وهو ممنوع إذ نقول: هذا اعتباركم لا اعتبار الشرع لعدم النقل في ذلك، وأقل الأمور إذا لم يثبت عن الشارع تنصيص في مسماه أن يثبت احتمال أنه كما قلتم أو كما قلت فيجب الاحتياط فيه، ويقويه أن لفظ الشوط أطلق على ما حوالي البيت وعرف قطعًا أن المراد به ما بين المبدأ إلى المبدأ، فكذا إذا أطلق في السعي ولا تنصيص على المراد فيجب أن يحمل على المعهود منه في غيره، فالوجه إثبات أن مسمى الشوط في اللغة يطلق على كل من الذهاب من الصفا إلى المروة والرجوع منها إلى الصفا ليس في الشرع ما يخالفه، فيبقى على المفهوم اللغوي، وذلك أنه في الأصل مسافة تعدوها الفرس كالميدان ونحوه مرة واحدة فسبعة أشواط حينئذ قطع مسافة مقدرة بسبع مرات، فإذا قال: طاف بين كذا وكذا سبعًا صدق بالتردد من كل من الغايتين إلى الأخرى سبعًا بخلاف بكذا، فإن حقيقته متوقفة على أن يشمل بالطواف ذلك الشيء فإذا قال: طاف به سبعًا كان بتكرير تعميمه بالطواف سبعًا، فمن هنا افترق الحال بين الطواف بالبيت حيث لزم في شوطه كونه من المبدأ إلى المبدأ، والطواف بين الصفا والمروة حيث لم يلزم ذلك قاله في فتح القدير. (ثم تلا) أي ابن عمر: ({لقد كان

81 - باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وإذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة

لكم في رسول الله أسوة حسنة}) [الأحزاب: 21]. 1648 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ قَالَ "قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-. أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، لأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ شَعَائِرِ الْجَاهِلِيَّةِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ [البقرة: 158]: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. [الحديث 1648 - طرفه في: 4496]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) المعروف بابن شبويه المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا عاصم) هو ابن سليمان الأحول البصري (قال قلت لأنس بن مالك -رضي الله عنه-: أكنتم تكرهون السعي بين الصفا والمروة؟ قال:) ولأبي الوقت: فقال: (نعم) بزيادة فاء العطف أي نعم كنا نكره وعلل الكراهة بقوله: (لأنها كانت من شعائر الجاهلية) أي من العلامات التي كانوا يتعبدون بها، وأنث الضمير باعتبار السعي وهو سبع مرات (حتى أنزل الله {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما} [البقرة: 158] أي: فزالت الكراهة. وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في التفسير، ومسلم في المناسك، والترمذي في التفسير، والنسائي في الحج. 1649 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "إِنَّمَا سَعَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ولأبي ذر زيادة: ابن دينار (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال). (إنما سعى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالبيت وبين الصفا والمروة ليري المشركين قوته) بضم الياء وكسر الراء من ليري، ومفهومه قصر السبب فيما ذكره على ما ذكر في إنما من إفادة الحصر بها منطوقًا أو مفهومًا على الخلاف في العربية والأصول، لكن روى أحمد من حديث ابن عباس: سعى أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام فيجوز أن يكون هو المقتضي لمشروعية الإسراع. (زاد الحميدي): بضم الحاء أبو بكر عبد الله بن الزبير المكي شيخ المؤلّف فقال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) هو ابن دينار (قال: سمعت عطاء) هو ابن أبي رباح (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (مثله) أي مثل الحديث السابق، وفائدة ذلك أن الحميدي صرح بالتحديث في روايته عن عمرو وهو صرح بالسماع عن عطاء. 81 - باب تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلاَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَإِذَا سَعَى عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ هذا (باب) بالتنوين (تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت) للمنع الوارد فيه (و) فيما (إذا سعى على غير وضوء بين الصفا والمروة). 1650 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ "قَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلاَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَتْ: فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قدمت مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة) لتوقفه على سبق الطواف وإن كان يصح بغير طهارة. وقولها: ولا بين الصفا والمروة عطف على النفي قلبه على تقدير ولم أسع وهو من باب: علفتها تبنًا وماء باردًا. ويجوز أن يقدر ولم أطف بين الصفا والمروة على طريق المجاز، وإنما ذهبوا إلى هذا التقدير دون الانسحاب لئلا يلزم استعمال اللفظ الواحد حقيقة ومجازًا في حالة واحدة. (قالت:) عائشة (فشكوت ذلك إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (افعلي كما يفعل الحاج) من الوقوف بعرفة وغيره (غير لم لا تطوفي بالبيت) لا زائدة (حتى تطهري) بسكون الطاء وضم الهاء كذا فيما وقفت عليه من الأصول، وضبطه العيني كالحافظ ابن حجر بتشديد الطاء والهاء على أن أصله أي حتى ينقطع دمك وتغتسلي، ويؤيده رواية مسلم حتى تغتسلي وهو ظاهر في نهي الحائض حتى ينقطع دمها وتغتسل. 1651 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ. ح وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ "أَهَلَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ، وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَطَلْحَةَ. وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ -وَمَعَهُ هَدْيٌ- فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا، إِلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ. فَقَالُوا نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ! فَبَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ. وَحَاضَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَنْطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَنْطَلِقُ بِحَجٍّ! فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ". وبه قال (حدّثنا محمد بن المثنى) المعروف بالزمن قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد الحميد الثقفي قال المؤلّف: (ح). (وقال لي خليفة) بن خياط أي على سبيل المذاكرة إذ لو كان على سبيل التحمل لقال: حدّثنا ونحوه والمسوق هنا لفظ حديثه. وأما لفظ حديث محمد بن المثنى فسيأتي إن شاء الله تعالى في باب عمرة التنعيم. (حدّثنا عبد الوهاب) الثقفي قال: (حدّثنا حبيب المعلم) بكسر اللام المشددة من التعليم (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: أهل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أحرم (هو وأصحابه بالحج) فيه دليل على أنه عليه الصلاة والسلام كان مفردًا وإطلاق لفظ الأصحاب

محمول على الغالب لما يأتي إن شاء الله تعالى، (وليس مع أحد منهم هدي غير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وطلحة) بنصب غير على الاستثناء ولأبي ذر غير بجرها صفة لأحد قال أبو حيان ولا يجوز الرفع (وقدم علي) هو ابن أبي طالب (من اليمن ومعه هدي) وفي رواية: وقدم علي من سعايته بكسر السين أي من عمله في السعي في الصدقات، لكن قال بعضهم: إنما بعثه أميرًا إذ لا يجوز استعمال بني هاشم على الصدقة. وأجيب: بأن سعايته لا تتعين للصدقة فإن مطلق الولاية يسمى سعاية. سلمنا لكن يجوز أن يكون ولاه الصدقات محتسبًا أو بعمالة من غير الصدقة. وقوله: ومعه هدي جملة اسمية حالية. وفي رواية أنس السابقة في باب: من أهل في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال بما أهللت؟ (فقال: أهللت بما أهل به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولم يذكر في هذا الحديث جواب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قال له ذلك كقوله بما أهللت. وفي رواية أنس المذكورة فقال أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لولا أن معي الهدي لأحللت-. وزاد محمد بن بكر عن ابن جريج قال: فأهل وامكث حرامًا كما أنت وهذا غير ما أجاب به أبا موسى فإنه قال له كما في الصحيحين بما أهللت. قال: بإهلال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال: هل سقت الهدي؟ قال: لا. قال: فطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم أحل الحديث. وإنما أجابه بذلك لأنه ليس معه هدي فهو من المأمورين بفسخ الحج بخلاف عليّ فإن معه هديًا وفيه صحة الإحرام المعلق على ما أحرم به فلان وينعقد ويصير محرمًا بما أحرم به فلان، وأخذ بذلك الشافعي فأجاز الإهلال بالنية المبهمة ثم له أن ينقلها إلى ما شاء من حج أو عمرة. (فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه) ممن ليس معه هدي (أن يجعلوها) أي الحجة التي أهلوا بها (عمرة) وهو معنى فسخ الحج إلى العمرة (ويطوفوا) هو من عطف المفصل على المجمل مثل توضأ وغسل وجهه، والمراد بالطواف هنا ما هو أعم من الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة قال تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] أو اقتصر على الطواف بالبيت لاستلزامه السعي بعده، والتقدير فيطوفوا ويسعوا فحذف اكتفاء على أنه قد جاء في رواية التصريح بهما، (ثم يقصروا ويحلوا) بفتح أوّله وكسر الحاء أي يصيروا حلالاً (إلا من كان معه الهدي) استثناء من قوله فأمر أصحابه (فقالوا): أي المأمورون بالفسخ ولغير أبي ذر: قالوا (ننطلق) أي أننطلق فحذف همزة الاستفهام التعجبي (إلى منى وذكر أحدنا يقطر منيًّا) هو من باب المبالغة أي أنه يفضي بنا إلى مجامعة النساء، ثم نحرم بالحج عقب ذلك فنخرج وذكر أحدنا لقربه من الجماع يقطر منيًّا وحالة الحج تنافي الترفه وتناسب الشعث فكيف يكون ذلك، (فبلغ ذلك) أي قولهم هذا وليس في اليونينية لفظ ذلك (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بنصب النبي على المفعولية وفي رواية فما ندري أشيء بلغه من السماء أم شيء من قبل الناس. (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت) يجوز أن تكون "ما" موصولة أي الذي أو نكرة موصوفة أي شيئًا وأيًّا كان فالعائد محذوف أي استدبرته أي لو كنت الآن مستقبلاً زمن الأمر الذي استدبرته، (ما أهديت) ما سقت الهدي "ولولا أن معي الهدي لأحللت" أي بالفسخ لأن وجوده مانع من فسخ الحج إلى العمرة والتحلل منها والأمر الذي استدبره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو ما حصل لأصحابه من مشقة انفرداهم عنه بالفسخ حتى أنهم توقفوا وترددوا وراجعوه، أو المعنى: لو أن الذي رأيت في الآخر وأمرتكم به من الفسخ عنّ لي فى أوّل ما سقت الهدي لأن سوقه يمنع منه لأنه لا ينحر إلا بعد بلوغه محله يوم النحر. وقال في المعالم: إنما أراد عليه الصلاة والسلام تطييب قلوب أصحابه لأنه كان يشق عليهم أن يحلوا وهو محرم ولم يعجبهم أن يرغبوا بأنفسهم ويتركوا الاقتداء به قال ذلك لئلا يجدوا في أنفسهم وليعلموا أن الأفضل في حقهم ما دعاهم إليه، ولا يقال: إن الحديث يدل على أن التمتع أفضل لأنه عليه الصلاة والسلام لا يتمنى

إلا الأفضل لأنا نقول: التمني هنا ليس لكونه أفضل مطلقًا بل لأمر خارج فلا يلزم من ترجيحه من وجه ترجيحه مطلقًا كما ذكره ابن دقيق العيد. فإن قلت: قد ورد عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يقتضي كراهة قول "لو" حيث قال عليه الصلاة والسلام: لو تفتح عمل الشيطان. أجيب: بأن المكروه استعمالها في التلهف على أمور الدنيا إما طلبًا كقوله: لو فعلت كذا حصل لي كذا وإما هربًا كقوله لو كان كذا وكذا لما بي كذا وكذا لما في ذلك من صورة عدم التوكل ونسبة الأفعال إلى غير القضاء والقدر، أما تمني القربات كما في هذا الحديث فلا كراهة لانتفاء المعنى المذكور. (وحاضت عائشة -رضي الله عنها- فنسكت المناسك كلها) أتت بأفعال الحج كلها (غير أنها لم تطف بالبيت) أي ولم تسع بين الصفا والمروة وحذفه لأن السعي لا بد من تقديم طواف عليه فيلزم من نفيه نفيه فاكتفي بنفي الطواف، (فلما طهرت) بفتح الهاء وضمها (طافت بالبيت) أي وسعت بين الصفا والمروة (قالت: يا رسول الله تنطلقون) أي أتنطلقون فحذفت همزة الاستفهام (بحجة وعمرة) أي العمرة التي فسخوا الحج إليها والحجة التي أنشؤوها من مكة (وانطلق بحج!) مفرد بلا عمرة مفردة كما وقع لهم، (فأمر) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق -رضي الله عنهما- (أن يخرج معها إلى التنعيم) لتعتمر منه (فاعتمرت بعد الحج). وهذا الحديث أخرجه أبو داود، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وذكر الإسناد من طريقين ورواته كلهم بصريون إلا عطاء فمكي. 1652 - حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ "كُنَّا نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ، فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ، فَحَدَّثَتْ أَنْ أُخْتَهَا كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثِنْتَىْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ. قَالَتْ: كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى، وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى. فَسَأَلَتْ أُخْتِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: هَلْ عَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لاَ تَخْرُجَ؟ قَالَ: لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا وَلْتَشْهَدِ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ. فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنها- سَأَلْنَهَا! أَوْ قَالَتْ: سَأَلْنَاهَا -فَقَالَتْ: وَكَانَتْ لاَ تَذْكُرُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ قَالَتْ: بِأَبِي- فَقُلْنَا: أَسَمِعْتِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ بِأَبِي فَقَالَ: لِتَخْرُجِ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ -أَوِ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ- وَالْحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى. فَقُلْتُ: آلْحَائِضُ؟ فَقَالَتْ: أَوَ لَيْسَ تَشْهَدُ عَرَفَةَ وَتَشْهَدُ كَذَا وَتَشْهَدُ كَذَا؟ ". وبه قال: (حدّثنا مؤمل بن هشام) بميم مضمومة فهمزة فميم مشددة مفتوحتين آخر لام اليشكري البصري قال: (حدّثنا إسماعيل) ابن علية (عن أيوب) السختياني (عن حفصة) بنت سيرين (قالت: كنا نمنع عواتقنا) نصب مفعول نمنع والعواتق جمع عاتق وهي التي لم تفارق بيت أهلها إلى زوجها لأنها عتقت عن آبائها في الخدمة والخروج إلى الحوائج، وقيل غير ذلك مما مرّ في باب شهود الحائض العيدين عند ذكر الحديث (أن يخرجن) أي من خروجهن في العيدين (فقدمت امرأة) لم تسم (فنزلت قصر بني خلف) جد طلحة الطلحات وكان بالبصرة (فحدثت أن أختها) هي أم عطية فيما قيل أو غيرها (كانت تحت رجل) لم يسم (من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قد غزا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اثنتي عشرة غزوة) قالت المرأة المحدّثة: (وكانت أختي معه) أي مع زوجها أو مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في ست غزوات قالت) أي الأخت: (كنا نداوي الكلمى) بفتح الكاف وسكون اللام وفتح الميم الجرحى (ونقوم على المرضى فسألت أختي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: هل على إحدانا بأس) أي إثم (إن لم يكن لها جلباب أن لا تخرج)؟ إلى مصلّى العيد (فقال): عليه الصلاة والسلام: (لتلبسها صاحبتها) بكسر اللام وضم الفوقية وسكون اللام وكسر الموحدة وجزم السين والفاعل صاحبتها (من جلبابها) بكسر الجيم خمار واسع كالملحفة تغطي به المرأة رأسها وصدرها أي: لتعرها جلبابًا لا تحتاج إليه، (ولتشهد الخير) أي مجالسه (ودعوة المؤمنين). وفي باب: شهود الحائض العيدين ودعوة المسلمين (فلما قدمت أم عطية) نسيبة (-رضي الله عنها-) البصرة (سألنها-) بنون بعد اللام الساكنة ثم هاء من غير ألف أي حفصة والنسوة معها (أو قالت-) حفصة (سألناها) بألف بعد النون، ولأبي الوقت: سألتها، ولأبي ذر: فقال بالتذكير أي قال أيوب عن حفصة سألناها (فقالت) ولأبي الوقت: قالت (وكانت لا تذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا) ولأبوي ذر والوقت: أبدًا إلا (قالت بأبي) بهمزة بين موحدتين مكسورتين أي أفديه، وللكشميهني: بأبا بقلب التحتية ألفا فتفتح الموحدة الأخيرة وللمستملي: بيبا بإبدال الهمزة ياء وقلب الياء المضافة إليها ألفًا (فقلنا): ولأبي ذر: قلنا (أسمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول كذا وكذا) كناية عن الشيء، والكاف حرف تشبيه، وذا للإشارة أي ما ذكر

82 - باب الإهلال من البطحاء وغيرها للمكي وللحاج إذا خرج إلى منى

(قالت: نعم) سمعته (بأبي) ولأبي ذر: بيبا بإبدال الهمزة ياء وقلب الياء المضافة إليها ألفًا (فقال): (لتخرج العوائق ذوات) ولأبي ذر: وذوات (الخدور) بالخاء المعجمة والدال المهملة أي البيوت صفة للعواتق (أي العواتق وذوات الخدور) وسقط لأبي ذر: أو العواتق وذوات الخدور (والحيض) بتشديد الياء جمع حائض عطف على العواتق (فيشهدن) ولأبي ذر وليشهدن (الخير ودعوة المسلمين ويعتزل الحيض المصلّى) وجوبًا (فقلت: آلحائض؟) بمد الهمزة استفهام تعجبي من إخبارها بشهود الحائض وليس في اليونينية مد على الهمزة (فقالت): أم عطية (أو ليس تشهد) الحائض (عرفة) أي يومها (وتشهد كذا) نحو المزدلفة ومنى ورمي الجمار (وتشهد كذا؟) كصلاة الاستسقاء. وموضع الترجمة منه قولها: أوليس تشهد عرفة وتشهد كذا وتشهد كذا؟ وهذا موافق لقول جابر؛ فنسكت المناسك كلها غير أنها لم تطف بالبيت، وكذا قولها يعتزل الحيض المصلّى فإنه يناسب قوله وإن الحائض لا تطوف بالبيت لأنها إذا أمرت باعتزال المصلّى كان اعتزالها للمسجد بل للمسجد الحرام للكعبة من باب أولى قاله في الفتح. 82 - باب الإِهْلاَلِ مِنَ الْبَطْحَاءِ وَغَيْرِهَا لِلْمَكِّيِّ وَلِلْحَاجِّ إِذَا خَرَجَ إِلَى مِنًى وَسُئِلَ عَطَاءٌ عَنِ الْمُجَاوِرِ يُلَبِّي بِالْحَجِّ، قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يُلَبِّي يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إِذَا صَلَّى الظُّهْرَ وَاسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-: قَدِمْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَحْلَلْنَا حَتَّى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ لَبَّيْنَا بِالْحَجِّ. وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: أَهْلَلْنَا مِنَ الْبَطْحَاءِ. وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ جُرَيْجٍ لاِبْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: رَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْهِلاَلَ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَقَالَ: لَمْ أَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ. (باب الإهلال) أي الإحرام بالحج (من البطحاء) وادي مكة (وغيرها) أي من غير بطحاء مكة من سائر أجزائها (للمكي) المقيم بها (وللحاج) الآفاقي الذي دخل مكة متمتعًا (إذا خرج إلى منى) والحاصل أن مهل المكيّ والمتمتع نفس مكة وهو الصحيح من مذهب الشافعية، وله أن يحرم من جميع بقاع مكة لا سائر الحرم لقوله عليه الصلاة والسلام: حتى أهل مكة من مكة، وقيس بأهلها غيرهم ممن هو بها فإن فارق بنيانها وأحرم خارجها ولم يعد إليها قبل الوقوت أساء ولزمه دم لمجاوزته سائر المواقيت، فإن عاد إليها قبل الوقوف سقط الدم، والأفضل أن يحرم من باب داره، وسواء أراد المقيم بمكة الإحرام بالحج مفردًا أم أراد القران بين الحج والعمرة فميقاته ما ذكر. وقال الحنفية من دويرة أهله أو حيث شاء من الحرم إلا أن إحرامه من المسجد أفضل لفضيلة المسجد. وقال المالكية: ومكان الإحرام للحج للمقيم بمكة مكة وسواء كان من أهلها أو مقيمًا بها وقت الإحرام، والمستحب له أن يحرم من المسجد لفعل السلف وهو مذهب المدوّنة. قال أشهب: يريد من داخله لا من بابه وقاله في الموازية عن مالك. وقال ابن حبيب: إنما يحرم من بابه ولمن اتسع له الوقت من أهل الآفاق إذا كان بمكة وأراد الإحرام بالحج أن يخرج إلى ميقاته فيحرم منه. وقال المرداوي من الحنابلة: والأفضل من المسجد نصًّا وفي المنهج والإيضاح من تحت الميزاب وإن أحرم من خارج الحرم جاز وصح ولا دم عليه نصًّا. (وسئل عطاء) هو ابن أبي رباح فيما وصله سعيد بن منصور (عن المجاور) بمكة حال كونه (يلبي بالحج) ولأبي ذر: أيلبي بهمزة الاستفهام (قال): ولأبوي ذر والوقت: فقال: (وكان) ولابن عساكر: فكان بالفاء بدل الواو، ولأبي ذر: كان (ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- يلبي يوم التروية) الثامن من ذي الحجة وسمي به لأنهم كانوا يروون إبلهم ويتروّون من الماء فيه استعدادًا للموقف يوم عرفة لأن تلك الأماكن لم يكن فيها إذ ذاك آبار ولا عيون، وقيل: لأن رؤيا إبراهيم عليه الصلاة والسلام كانت في ليلته فتروّى في أن ما رآه من الله أولاً من الرأي وهو مهموز، وقيل لأن الإمام يروي للناس فيه مناسكهم من الرواية وقيل غير ذلك (إذا صلّى الظهر واستوى على راحلته). (وقال عبد الملك): هو ابن أبي سليمان مما وصله مسلم وقال الكرماني: هو ابن عبد العزيز بن جريج قال الحافظ ابن حجر: الظاهر أنه الأوّل (عن عطاء عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه- قدمنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مكة محرمين بالحج فأمرنا أن نحل ونجعلها عمرة (فأحللنا حتى) أي إلى (يوم التروية وجعلنا مكة بظهر) بفتح الظاء المعجمة أي جعلناها وراء ظهورنا حال كوننا (لبينا بالحج) وجه دلالته على الترجمة أن الاستواء على الراحلة كناية عن السفر فابتداء الاستواء هو ابتداء الخروج إلى منى، وفيه أن وقت الإهلال

83 - باب أين يصلي الظهر يوم التروية؟

بالحج يوم التروية وهو الأفضل عند الجمهور، وروى مالك وغيره بإسناد منقطع وابن المنذر بإسناد متصل عن عمر أنه قال لأهل مكة: ما لكم يقدم الناس عليكم شعثًا وأنتم تنضحون طيبًا مدّهنين؟ إذا رأيتم الهلال فأهلوا بالحج. (وقال أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس بفتح الفوقية وسكون الدال المهملة وضم الراء آخره سين مهملة المكي مما وصله أحمد ومسلم من طريق ابن جريج عنه (عن جابر أهللنا) بالحج (من البطحاء) ولفظ مسلم: فأهللنا من الأبطح، وفي رواية له: ثم أهللنا يوم التروية. (وقال عبيد بن جريج) مما وصله المؤلّف في باب: غسل الرجلين في النعلين وفي اللباس (لابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- رأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس) بالحج (إذا رأوا الهلال) قيل: إن ذلك منهم محمول على الاستحباب، وبه قال مالك وأبو ثور: وقال ابن المنذر: الأفضل أن يهل يوم التروية إلا المتمتع الذي لا يجد الهدي ويريد الصوم فيعجل الإهلال ليصوم ثلاثة أيام بعد أن يحرم. (ولم تهل أنت حتى يوم التروية)، بالحركات الثلاثة والجر رواية أبي ذر (فقال:) ابن عمر: (لم أر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يهل حتى تنبعث به راحلته). فإن قلت: إهلاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين انبعثت به راحلته إنما كان بذي الحليفة، وإهلال ابن عمر بمكة يوم التروية فكيف احتج به لما ذهب إليه ولم يكن إهلاله عليه الصلاة والسلام بمكة ولا يوم التروية؟. أجاب ابن بطال: أن ذلك من جهة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهلّ من ميقاته في حين ابتدائه في عمل حجته واتصل له عمله ولم يكن بينهما مكث ينقطع به العمل، فكذلك المكيّ لا يهلّ إلا يوم التروية الذي هو أوّل عمله ليتصل عمله تأسيًّا به عليه الصلاة والسلام بخلاف ما لو أهل من أول الشهر. 83 - باب أَيْنَ يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ هذا (باب) بالتنوين (أين يصلّي الظهر يوم التروية؟) وهو ثامن الحجة. 1653 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ "سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِشَىْءٍ عَقَلْتَهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى. قُلْتُ: فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟ قَالَ: بِالأَبْطَحِ. ثُمَّ قَالَ: افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ". [الحديث 1653 - طرفاه في: 1654، 1763]. وبالسند قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا إسحاق الأزرق) هو ابن يوسف قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد العزيز بن رفيع) بضم الراء وفتح الفاء وسكون المثناة التحتية آخره عين مهملة (قال: سألت أنس بن مالك -رضي الله عنه- قلت: أخبرني بشيء عقلته) بفتح القاف أي أدركته وفقهته جملة في موضع جر صفة لقوله بشيء (عن النبي) ولأبي ذر وابن عساكر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أين صلّى الظهر والعصر يوم التروية؟ قال) أنس: صلاهما (بمنى) اتفق الأربعة على استحبابه (قلت: فأين صلّى العصر يوم النفر؟) الأول بفتح النون وسكون الفاء الرجوع من منى (قال) أنس: صلاها (بالأبطح) هو المحصب (ثم قال) أنس: (افعل كما يفعل أمراؤك) صلّ حيث يصلون، وفيه إشارة إلى الجواز وأن الأمراء إذ ذاك ما كانوا يواظبون على صلاة الظهر ذلك اليوم بمكان معين. وفي هذا الحديث التحديث بلفظ الإفراد والجمع والعنعنة والقول والسؤال، ورواته ما بين بخاري وواسطي وكوفي، وليس لعبد العزيز بن رفيع عن أنس في الصحيحين إلا هذا الحديث، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الحج وكذا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وقد قال الترمذي: بعد أن أخرجه صحيح مستغرب من حديث إسحاق الأزرق عن الثوري. قال في الفتح: إن إسحاق تفرد به وله شواهد منها: في حديث جابر الطويل عند مسلم: فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصلّى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ولأبي داود والترمذي وأحمد والحاكم من حديث ابن عباس: صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى، ولابن خزيمة من طريق القاسم بن محمد بن عبد الله بن الزبير قال: من سنة الحج أن يصلّي الإمام الظهر وما بعدها والفجر بمنى ثم يغدون إلى عرفة. ولهذه النكتة التي ذكرها الترمذي أردف المؤلّف هذا الحديث بطريق أبي بكر بن عياش عن عبد العزيز فقال بالسند السابق إليه: 1654 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ لَقِيتُ أَنَسًا. وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ "خَرَجْتُ إِلَى مِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَلَقِيتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- ذَاهِبًا عَلَى حِمَارٍ، فَقُلْتُ: أَيْنَ صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذَا الْيَوْمَ الظُّهْرَ؟ فَقَالَ: انْظُرْ حَيْثُ يُصَلِّي أُمَرَاؤُكَ فَصَلِّ". (حدّثنا عليّ) هو ابن المديني أنه (سمع أبا بكر بن عياش) بتشديد التحتية آخره شين معجمة ابن سالم الأسدي الكوفي

84 - باب الصلاة بمنى

الحناط بالحاء المهملة والنون قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن رفيع (قال: لقيت أنسًا) قال المؤلّف: (وحدثني) بالإفراد (إسماعيل بن أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة آخره نون غير منصرف كما في اليونينية، وقال العيني: هو منصرف على الأصح قال: (حدّثنا أبو بكر) هو ابن عياش (عن عبد العزيز) بن رفيع (قال: خرجت إلى منى يوم التروية، فلقيت أنسًا) هو ابن مالك (-رضي الله عنه-) حال كونه (ذاهبًا) وللكشميهني: راكبًا (على حمار فقلت) له (أين صلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا اليوم) أي يوم التروية (الظهر؟ فقال:) أنس لعبد العزيز: (انظر حيث يصلّي أمراؤك فصلّ) فيه إشارة إلى متابعة أُولي الأمر والاحتراز عن مخالفة الجماعة، وإن ذلك ليس بنسك واجب. نعم المستحب ما فعله الشارع، وبه قال الأئمة الأربعة، قال النووي: وهو الصحيح المشهور من نصوص الشافعى وفيه قول ضعيف أنه يصلّي الظهر بمكة ثم يخرج إلى منى. 84 - باب الصَّلاَةِ بِمِنًى "باب" كيفية (الصلاة بمنى) هل يصلي الرباعية أربعًا أو اثنتين قصرًا. 1655 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلاَفَتِهِ". وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي بالحاء المهملة والزاي قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله بن عمر) بتصغير عبد الأوّل (عن أبيه قال: صلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمنى) الرباعية (ركعتين) قصرًا، (و) كذا صلاها (أبو بكر وعمر) -رضي الله عنهما-، (و) كذا (عثمان) -رضي الله عنه- (صدرًا من) أيام (خلافته) ثم أتمها بعد ست سنين لأن الإتمام والقصر جائزان ورأى ترجيح طرف الإتمام لأن فيه زيادة مشقة. وفي رواية أبي سفيان عن عبيد الله عند مسلم ثم إن عثمان صلّى أربعًا فكان ابن عمر إذا صلّى مع الإمام صلّى أربعًا، وإذا صلّى وحده صلّى ركعتين. ولمسلم أيضًا قال: صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمنى صلاة المسافر وأبو بكر وعمر وعثمان ثمان سنين أو ست سنين، وقد اتفق الأئمة على أن الحاج القادم من مكة يقصر الصلاة بها وبمنى وسائر المشاهد لأنه عندهم في سفر لأن مكة ليست دار إقامة إلا لأهلها أو لمن أراد الإقامة بها. وكان المهاجرون قد فرض عليهم ترك المقام بها فلذلك لم ينو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإقامة بها ولا بمنى، ومذهب المالكية القصر حتى أهل مكة وعرفة ومزدلفة للسنة. قال ابن المنير السر في القصر في هذه المواضع المتقاربة إظهار الله تعالى تفضله على عباده حيث اعتد لهم بالحركة القريبة اعتداده بالسفر البعيد، فجعل الوافدين من عرفة إلى مكة كأنهم سافروا إليها ثلاثة أسفار: سفر إلى المزدلفة ولهذا يقصر أهل عرفة بالمزدلفة، وسفر إلى منى ولهذا يقصر أهل المزدلفة بمنى، وسفر إلى مكة ولهذا يقصر أهل مكة بمنى فهي على قربها من عرفة معدودة بثلاث مسافات كل مسافة منها سفر طويل، وسر ذلك والله أعلم أنهم كلهم وفد الله وأن القريب كالبعيد في إسباغ الفضل اهـ. 1656 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ "صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَنَحْنُ أَكْثَرُ مَا كُنَّا قَطُّ وَآمَنُهُ- بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ". وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي أياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق الهمداني) بسكون الميم المشهور بالسبيعي (عن حارثة بن وهب الخزاعي) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي وحارثة بالحاء المهملة والمثلثة (-رضي الله عنه- قال): (صلّى بنا النبي) ولأبي الوقت: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن أكثر ما كنا قط وآمنه) بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة في أفصح اللغات ظرف زمان لاستغراق ما مضى فيختص بالنفي يقال: ما فعلته قط، والعامة تقول: لا أفعله قط وهو خطأ واشتقاقه من قططته أي قطعته فمعنى ما فعلته قط ما فعلته فيما انقطع من عمري لأن الماضي منقطع عن الحال والاستقبال وبنيت لتضمنها معنى مذ وإلى إذ المعنى مدّ أن خلقت إلى الآن وعلى حركة لئلا يلتقي ساكنان وكانت ضمة تشبيهًا بالغايات حملاً على قبل وبعد قاله ابن هشام. وتعقب الدماميني قوله: ويختص بالنفي بأن ملازمة قط للنفي ليست أمرًا مستمرًا على الدوام وإنما ذلك هو الغالب. قال في التسهيل: وربما استعمل قط دونه

85 - باب صوم يوم عرفة

لفظًا ومعنى يريد النفي، ومن شواهده قوله هنا أكثر ما كنا قط وله نظائر والجملة حالية وما مصدرية ومعناه الجمع لأن ما أضيف إليه أفعل يكون جمعًا. وآمنه: رفع عطفًا على أكثر والضمير فيه راجع إلى ما والمعنى صلّى بنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والحال أنا أكثر أكواننا في سائر الأوقات عددًا وأكثر أكواننا في سائر الأوقات أمنًا، وإسناد الأمن إلى الأوقات مجاز، ويجوز أن تكون ما نافية خبر المبتدأ الذي هو نحن، وأكثر منصوبًا على أنه خبرُ كان، والتقدير نحن ما كنا قط في وقت أكثر منا في هذا الوقت ولا آمن منا فيه، ويجوز إعمال ما بعد ما فيما قبلها إذا كانت بمعنى ليس فكما يجوز تقديم خبر ليس عليه يجوز تقديم خبر ما في معناه عليه (بمنى ركعتين) قصرًا أي في منى والعامل فيه قوله صلّى. 1657 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ عُمَرَ -رضي الله عنه- رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَفَرَّقَتْ بِكُمُ الطُّرُقُ، فَيَا لَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ". وبه قال (حدّثنا قبيصة بن عقبة) بفتح القاف وكسر الموحدة وعقبة بضم العين وسكون القاف ابن محمد بن سفيان السوائي الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن عبد الرحمن بن يزيد) من الزيادة ابن قيس أخي الأسود الكوفي النخعي (عن عبد الله) هو ابن مسعود (-رضي الله عنه- قال): (صليت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المكتوبة بمنى (ركعتين، و) صليت (مع أبي بكر -رضي الله عنه- ركعتين ومع عمر -رضي الله عنه- ركعتين، ثم تفرفت) في قصر الصلاة وإتمامها (بكم الطرق،) منكم من يقصر ومنكم من يتم. (فيا ليت حظي) نصيبي (من أربع ركعتان متقبلتان) بالألف فيهما رفع على الأصل فركعتان خبر ليت ومتقبلتان صفته، ولأبي الوقت: ركعتين متقبلتين بالياء فيهما نصب على مذهب الفراء حيث جوز نصب خبر ليت كاسمه، والمعنى ليت عثمان صلّى ركعتين بدل الأربع كما صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحباه، وفيه إظهار لكراهة مخالفتهم أو يريد أنا أتم متابعة لعثمان، وليت الله قبل مني من الأربع ركعتين. وهذه الأحاديث الثلاثة سبقت في أبواب تقصير الصلاة. 85 - باب صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ (باب) حكم (صوم يوم عرفة) بعرفات. 1658 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا سَالِمٌ قَالَ سَمِعْتُ عُمَيْرًا مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ "شَكَّ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبَعَثْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ". [الحديث 1658 - أطرافه في: 1661، 1988، 5604، 5618، 5636]. وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب قال: (حدّثنا سالم) هو أبو النضر بالضاد المعجمة ابن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله كذا في فرع اليونينية والصواب سقوط الزهري كما في بعض الأصول، وعند المؤلّف في باب: الوقوف على الدابة بعرفة من طريق القعنبي وكتاب الصوم من طريق مسدد، وطريق عبد الله بن يوسف كلهم عن مالك عن أبي النضر، لكن قال البرماوي كالكرماني: إن صح سماع الزهري من سالم أبي النضر فيكون البخاري رواه بالطريقين (قال: سمعت عميرًا) بضم العين وفتح الميم مصغر عمر (مولى أم الفضل) ويقال مولى ابن عباس فالأوّل على الأصل والثاني باعتبار ما آل إليه لأنه انتقل إلى ابن عباس من قبل أمه (عن أم الفضل) لبابة أم عبد الله بن عباس (شك الناس) واختلفوا وهو معنى قوله في كتاب الصوم وتماروا (يوم عرفة) وهم معرّفون (وفي صوم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم فيه إشعار بأن صوم عرفة كان معروفًا عندهم معتادًا لهم في الحضر، فمن قال بصيامه له أخذ بما كان عليه الصلاة والسلام من عادته ومن نفاه أخذ بكونه مسافرًا قالت أم الفضل: (فبعثت) بسكون المثلثة وضم المثناة الفوقية بلفظ المتكلم، ولأبوي ذر والوقت: فبعثت المثلثة وسكون المثناة أي أم الفضل، وفي كتاب الصوم فأرسلت، وفي حديث آخر أن المرسلة هي ميمونة بنت الحرث، فيحتمل أنهما معًا أرسلتا فنسب ذلك إلى كل منهما فتكون ميمونة أرسلت لسؤال أم الفضل لها بذلك لكشف الحال في ذلك ويحتمل أن تكون أم الفضل أرسلت ميمونة (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشراب) وفي باب: الوقوف على الدابة بعرفة وفي كتاب الصيام بقدح لبن (فشربه) زاد فيهما وهو واقف على بعيره، وزاد أبو نعيم وهو يخطب الناس بعرفة وفيه

86 - باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة

استحباب فطر يوم عرفة للحاج، وفي سنن أبي داود نهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صوم يوم عرفة بعرفة وهذا وجه للشافعية، والصحيح أنه خلاف الأولى لا مكروه، وعلى كل حال يستحب فطره للحاج للاتباع كما دل عليه حديث الباب وليقوى على الدعاء. وأما حديث أبي داود فضعف بأن في إسناده مجهولاً. قال في المجموع قال الجمهور: وسواء أضعفه الصوم عن الدعاء وأعمال الحج أم لا. وقال المتولي: إن كان ممن لا يضعف بالصوم عن ذلك فالصوم أولى له وإلاّ فالفطر. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الحج وفي الصوم وفي الأشربة، ومسلم في الصوم وكذا أبو داود. 86 - باب التَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ إِذَا غَدَا مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ (باب) مشروعية (التلبية والتكبير إذا غدا) ذهب (من منى إلى عرفة). 1659 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ "أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ- كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: كَانَ يُهِلُّ مِنَّا الْمُهِلُّ فَلاَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ مِنَّا الْمُكَبِّرُ فَلاَ يُنْكِرُ عَلَيْهِ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن محمد بن أبي بكر الثقفي) وليس له في الصحيح عن أنس إلا هذا الحديث (إنه سأل أنس بن مالك -رضي الله عنه- وهما غاديان) جملة اسمية حالية أي ذاهبان غدوة (من منى إلى) عرفات يوم (عرفة كيف كنتم تصنعون) أي من الذكر طول الطريق (في هذا اليوم مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال) أنس: (كان) أي الشأن (يهل منا المهل) يرفع صوته بالتلبية (فلا ينكر عليه) بضم الياء وكسر الكاف مبنيًا للفاعل أي للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي نسخة فلا ينكر بفتح الكاف مبنيًّا للمفعول والفتحة مكشوطة من فرع اليونينية، وفي رواية موسى بن عقبة عن محمد بن أبي بكر عند مسلم عن أنس: لا يعيب أحدنا على صاحبه، (ويكبر منا المكبر فلا ينكر عليه) ومفهومه أنه لا حرج في التكبير ذلك الوقت بل يجوز كسائر الأذكار ولكن ليس التكبير يوم عرفة سنة للحاج. وفي الحديث ردّ على من قال يقطع التلبية صبح يوم عرفة، بل السنة أن لا يقطعها إلا في أوّل حصاة من جمرة العقبة، ويحتمل أن تكبيرهم هذا كان شيئًا من الذكر يتخلل التلبية من غير ترك للتلبية، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وقال مالك: يقطع إذا زالت الشمس وراح إلى الصلاة. قال ابن فرحون: وهو المشهور، وفرق ابن الجلاب بين من يأتي عرفة وبين من يحرم بعرفة فيلبي حتى يرمي جمرة العقبة وإذا قطع التلبية بعرفة لم يعاودها. 87 - باب التَّهْجِيرِ بِالرَّوَاحِ يَوْمَ عَرَفَةَ (باب التهجير بالرواح يوم عرفة) من نمرة إلى موضع الوقوف بعرفة ونمرة هي بفتح النون وكسر الميم وفتح الراء موضع خارج الحرم بين طرف الحرم وطرف عرفات والتهجير السير في الهاجرة وهي عند نصف النهار واشتداد الحرّ. 1660 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ قَالَ "كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنْ لاَ يُخَالِفَ ابْنَ عُمَرَ فِي الْحَجِّ. فَجَاءَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنه- وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، فَصَاحَ عِنْدَ سُرَادِقِ الْحَجَّاجِ، فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُعَصْفَرَةٌ فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَقَالَ: الرَّوَاحَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ، قَالَ: هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنْظِرْنِي حَتَّى أُفِيضَ عَلَى رَأْسِي ثُمَّ أَخْرُجَ. فَنَزَلَ حَتَّى خَرَجَ الْحَجَّاجُ، فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي، فَقُلْتُ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَاقْصُرِ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلِ الْوُقُوفَ. فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: صَدَقَ". [الحديث 1660 - طرفاه في: 1662، 1663]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر (قال: كتب عبد الملك) بن مروان الأموي (إلى الحجاج) بن يوسف الثقفي حين أرسله إلى قتال ابن الزبير وجعله واليًا على مكة وأميرًا على الحاج (أن لا تخالف ابن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (في) أحكام (الحج) قال سالم (فجاء ابن عمر -رضي الله عنهما- وأنا معه) أي مع ابن عمر والواو للحال (يوم عرفة حين زالت الشمس فصاح عند سراق الحجاج)، بضم السين قال البرماوي: والحافظ ابن حجر وغيرهما كالكرماني: الخيمة. وتعقبه العيني بأنه هو الذي يحيط بالخيمة وله باب يدخل منه إلى الخيمة ولا يعمله غالبًا إلا الملوك الأكابر اهـ. وفي القاموس: أنه الذي يمدّ فوق صحن البيت والبيت ومن الكرسف زاد الإسماعيلي من هذا الوجه أين هذا يعني الحجاج، (فخرج) من سرادقه (وعليه ملحفة معصفرة) مصبوغة بالعصفر واللحفة بكسر الميم الإزار الكبير (فقال): أي الحجاج (ما لك يا أبا عبد الرحمن!) كنية ابن عمر (فقال) له ابن عمر: عجل أو رح (الرواح) فالنصب بفعل مقدر. قال العيني: والأصوب نصبه على الإغراء (إن كنت تريد) أن تصيب (السنّة) النبوية (قال) الحجاج: (هذه الساعة) وقت الهاجرة (قال) ابن عمر (نعم. قال) الحجاج: (فأنظرني) بهمزة قطع ومعجمة مكسورة من الأنظار وهو المهملة ولأبي ذر عن الكشميهني: فانظرني

88 - باب الوقوف على الدابة بعرفة

بهمزة وصل وظاء مضمومة أي انتظرني (حتى أفيض على رأسي) أي أغتسل لأن إفاضة الماء على الرأس غالبًا إنما تكون في الغسل (ثم أخرج) بالنصب عطفًا على أفيض (فنزل) ابن عمر عن مركوبه وانتظر (حتى خرج الحجاج) قال سالم: (فسار بيني وبين أبي)، عبد الله بن عمر (فقلت) للحجاج (إن كنت تريد السنّة) النبوية (فاقصر الخطبة) كذا في اليونينية بوصل الهمزة وضم الصاد (وعجل الوقوف). وكذا في رواية عبد الله بن يوسف عن مالك، ووافقه القعنبي في الموطأ وأشهب عند النسائي، وخالفهم يحيى وابن القاسم وابن وهب ومطرّف عن مالك فقالوا: وعجل الصلاة وقد غلط أبو عمر بن عبد البرّ الرواية الأولى لأن أكثر الرواة عن مالك على خلافها ووجهت بأن تعجيل الوقوف يستلزم تعجيل الصلاة، (فجعل) الحجاج (ينظر إلى عبد الله) بن عمر كأنه يستدعي معرفة ما عنده فيما قاله ابنه سالم هل هو كذا أم لا؟ (فلما رأى ذلك عبد الله قال: صدق). وفي هذا الحديث فوائد جمة تظهر عند التأمل لا نطيل بها. وموضع الترجمة منه قوله: هذه الساعة لأنه أشار به إلى وقت زوال الشمس عند الهاجرة وهو وقت الرواح إلى الموقف لحديث ابن عمر عند أبي داود قال: غدا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين صلّى الصبح في صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل نمرة وهو منزل الإمام الذي ينزل به بعرفة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مهجرًا فجمع بين الظهر والعصر ثم خطب الناس ثم راح فوقف. وحديث الباب قد أخرجه النسائي في الحج. 88 - باب الْوُقُوفِ عَلَى الدَّابَّةِ بِعَرَفَةَ (باب الوقوف على الدابة بعرفة). 1661 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ "عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ نَاسًا اخْتَلَفُوا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ بِصَائِمٍ. فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهْوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن أبي النضر) بسكون الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية (عن عمير مولى عبد الله بن العباس) حقيقة أو مجازًا (عن أم الفضل) لبابة (بنت الحرث) -رضي الله عنها- (أن ناسًا اختلفوا عندها يوم عرفة في صوم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال بعضهم: هو صائم) كعادته (وقال بعضهم: ليس بصائم) لكونه مسافرًا (فأرسلت) أم الفضل (إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بقدح لبن وهو واقف على بعيره) بعرفات (فشربه). وفي حديث جابر الطويل المروي في مسلم: ثم ركب إلى الموقف فلم يزل واقفًا حتى غربت الشمس، وهذا يدل لمذهب الجمهور أن الأفضل الركوب اقتداء به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولما فيه من العون على الاجتهاد في الدعاء والتضرع الذي هو المطلوب في ذلك الموضع حينئذٍ، وخصه آخرون بمن يحتاج الناس إليه للتعليم وفيه: أن الوقوف على ظهر الدابة مباح إذا لم يجحف بها ولا يعارضه النهي الوارد: لا تتخذوا ظهورها منابر لأنه محمول على الأغلب الأكثر. 89 - باب الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ بِعَرَفَةَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلاَةُ مَعَ الإِمَامِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا (باب الجمع بين الصلاتين) الظهر والعصر في وقت الأولى (بعرفة) للمسافرين سفر القصر، وقال المالكية: للنسك فيجوز لكل أحد المكي وغيره، وقالي أبو حنيفة: يختص الجمع بمن صلّى مع الإمام حتى لو صلّى الظهر وحده أو بجماعة بدون الإمام لا يجوز وخالفه صاحباه فقالا والمنفرد أيضًا كالأئمة الثلاثة. (وكان ابن عمر -رضي الله عنهما-) مما وصله إبراهيم الحربي في المناسك (إذا فاتته الصلاة مع الإمام) يوم عرفة (جمع بينهما) أي بين الظهر والعصر في منزله. 1662 - وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ "أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ -عَامَ نَزَلَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنهما-- سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ -رضي الله عنه-: كَيْفَ تَصْنَعُ فِي الْمَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ سَالِمٌ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ فَهَجِّرْ بِالصَّلاَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: صَدَقَ، إِنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السُّنَّةِ. فَقُلْتُ لِسَالِمٍ: أَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ سَالِمٌ: وَهَلْ تَتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ إِلاَّ سُنَّتَهُ؟ ". (وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله الإسماعيلي (حدثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم) هو ابن عبد الله بن عمر (أن الحجاج بن يوسف) الثقفي (عام نزل بابن الزبير) عبد الله (-رضي الله عنهما-) بمكة لمحاربته سنة ثلاث وسبعين (سأل عبد الله) بن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (كيف تصنع في الموقف يوم عرفة؟ فقال) له (سالم) ولد ابن عمر: (أن كنت تريد السنّة) النبوية (فهجر بالصلاة) بتشديد الجيم المكسورة أي صلها وقت الهجير شدة الحر (يوم عرفة، فقال: عبد الله بن عمر) أبوه (صدق) سالم (إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة). بضم السين. قال الطيبي حال من فاعل يجمعون أي

90 - باب قصر الخطبة بعرفة

متوغلين في السنة ومتمسكين بها قالها تعريضًا بالحجاج. قال ابن شهاب: (فقلت لسالم): مستفهمًا له (أفعل ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال سالم: وهل يتبعون في ذلك) بتشديد الفوقية الثانية وكسر الموحدة بعدها عين مهملة من الاتباع (إلا سنته)؟ على سبيل الحصر بعد الاستفهام أي ما تتبعون في التهجير والجمع لشيء من الأشياء إلا سنته، فسنته منصوب بنزع الخافض، وللحموي والمستملي كما في اليونينية: وهل تبتغون بذلك بمثناتين فوقيتين مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة وبالغين المعجمة من الابتغاء وهو الطلب وبذلك بالموحدة بدل في، وللحموي والمستملي كما في فرع اليونينية: يتبعون بالمثناة التحتية بلفظ الغيبة. وقال العيني كالحافظ ابن حجر: إن الذي بالمهملة لأكثر الرواة والدين بالغين المعجمة للكشميهني وأنه في رواية الحموي: وهل تتبعون ذلك بحذف في وهي مقدرة. 90 - باب قَصْرِ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ (باب قصر الخطبة بعرفة) بفتح القاف وسكون الصاد. 1663 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ "أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ كَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ أَنْ يَأْتَمَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي الْحَجِّ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ جَاءَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- وَأَنَا مَعَهُ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ -أَوْ زَالَتْ- فَصَاحَ عِنْدَ فُسْطَاطِهِ: أَيْنَ هَذَا؟ فَخَرَحَ إِلَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الرَّوَاحَ. فَقَالَ: الآنَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَنْظِرْنِي أُفِيضُ عَلَىَّ مَاءً. فَنَزَلَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- حَتَّى خَرَجَ، فَسَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي، فَقُلْتُ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ الْيَوْمَ فَاقْصُرِ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلِ الْوُقُوفَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ صَدَقَ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله) بن عمر (أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج أن يأتم) أي يقتدي (بعبد الله بن عمر في) أحكام (الحج فلما كان يوم عرفة جاء ابن عمر -رضي الله عنهما- وأنا معه حين زاغت الشمس) أي مالت (أو زالت) شك من الراوي (فصاح عند فسطاطه): بيت من شعر (أين هذا؟) فيه تحقير للحجاج ولعله لتقصيره في تعجيل الرواح ونحوه (فخرج إليه) الحجاج (فقال) له (ابن عمر:) عجل (الرواح) أو النصب على الإغراء (فقال) الحجاج: (الآن؟ قال) ابن عمر: (نعم. قال) الحجاج: (أنظرني) بهمزة قطع وكسر المعجمة أي أمهلني (أفيض عليّ ماء). بضم الهمزة والرفع على الاستئناف، وللكشميهني: أفض بالجزم جواب الأمر (فنزل ابن عمر -رضي الله عنهما-) عن مركوبه (حتى خرج،) الحجاج من فسطاطه (فسار بيني وبين أبي،) عبد الله بن عمر (فقلت) للحجاج (إن كنت تريد أن تصيب السُّنّة) النبوية (اليوم فاقصر الخطبة) بهمزة وصل وضم الصاد (وعجّل الوقوف). في رواية ابن وهب وغيره وعجل الصلاة ومر ما فيه قريبًا (فقال ابن عمر: صدق) سالم، ولأبي الوقت والحموي لو كنت تريد السنّة فلو بمعنى أن لمجرد الشرطية من غير ملاحظة الامتنّاع. (باب التعجيل إلى الموقف). لم يذكر الأكثرون في هذه الترجمة حديثًا بل سقطت من رواية أبي ذر وابن عساكر أصلاً، لكن قال أبو ذر: إنه رأى في بعض النسخ عقب هذه الترجمة. قال أبو عبد الله أي المؤلّف حديث مالك أي المذكور قبل يذكر هنا ولكني لا أريد أن أدخل فيه أي في هذا الجامع معادًا بضم الميم أي مكررًا فإن وقع ما يوهم التكرار فتأمله تجده لا يخلو من فوائد إسنادية أو متنية كتقييد مهمل أو تفسير مبهم أو زيادة لا بدّ منها ونحو ذلك مما يقف عليه من تتبع هذا الكتاب، وما وقع له مما سوى ذلك فبغير قصد وهو نادر الوقوع! ووقع في نسخة الصغاني يدخل في هذا الباب هذا الحديث حديث مالك عن ابن شهاب، ولكني أريد أن أدخل فيه غير معاد، والحاصل من ذلك أنه قال: زيادة الحديث المذكور كانت مناسبة أن تدخل في باب التعجيل إلى الوقف، ولكني ما أدخلته فيه لأني ما أدخلت فيه مكررًا إلا لفائدة وأنه لم يظفر بطريق آخر فيه غير الطريقتين المذكورتين، فلذا لم يدخله. وفي الكرماني وقال أبو عبد الله يزاد في هذا الحديث بفتح هاء هم وسكون ميمها قيل إنها فارسية وقيل عربية ومعناها قريب من معنى أيضًا اهـ. باب التَّعْجِيلِ إِلَى الْمَوْقِفِ 91 - باب الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (باب الوقوف بعرفة) دون غيرها من الأماكن. 1664 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ "كُنْتُ أَطْلُبُ بَعِيرًا لِي ... ". وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ "أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي، فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاقِفًا بِعَرَفَةَ، فَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ مِنَ الْحُمْسِ، فَمَا شَأْنُهُ هَا هُنَا؟ ". وبالسند قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) هو ابن دينار قال: (حدّثنا محمد بن جبير بن مطعم) بضم الجيم وفتح الموحدة ومطعم بضم الميم وكسر العين (عن أبيه) أنه (قال كنت أطلب بعيرًا لي) قال البخاري (ح). (وحدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار أنه (سمع محمد بن جبير) ولأبي ذر زيادة،

ابن مطعم (عن أبيه جبير بن مطعم قال أضللت بعيرًا) أي أضعته أو ذهب هو زاد إسحاق بن راويه في مسنده في الجاهلية وزاد المؤلّف في غير رواية أبي ذر وابن عساكر لي (فذهبت أطلبه يوم عرفة)، أي في يوم عرفة متعلق بأضللت (فرأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واقفًا بعرفة) قال جبير: (فقلت: هذا) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (والله من الحمس،) بحاء مهملة مضمومة وميم ساكنة. قال في القاموس: والحمس الأمكنة الصلبة جمع أحمس، وبه لقبت قريش وكنانة وجديلة ومن تابعهم لتحمسهم في دينهم أو لالتجائهم للحمساء وهي الكعبة لأن حجرها أبيض يميل إلى السواد اهـ. وهذا الأخير رواه إبراهيم الجرمي في غريب الحديث من طريق عبد العزيز بن عمر، والأول أكثر وأشهر. وقال ابن إسحاق: كانت قريش لا أدري قبل الفيل أو بعده ابتدعت أمر الحمس رأيًا فتركوا الوقوف على عرفة والإفاضة منها وهم يعرفون ويقرّون أنها من المشاعر والحج إلا أنهم قالوا: نحن أهل الحرم ونحن الحمس والحمس أهل الحرم. قالوا: ولا ينبغي للحمس أن يتأقطوا الأقط ولا يسلوا السمن وهم حرم، ولا يدخلوا بيتًا من شعر، ولا يستظلوا إن استظلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حرمًا، ثم قالوا: لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاؤوا به معهم من الحل إلى الحرم إذا جاؤوا حجابًا أو عمارًا ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا طوافهم إلا في ثياب الحمس. (فما شأنه هاهنا)؟ تعجب من جبير وإنكار منه لما رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واقفًا بعرفة فقال: هو من الحمس فما باله يقف بعرفة والحمس لا يقفون بها لأنهم لا يخرجون من الحرم؟ وعند الحميدي عن سفيان: وكان الشيطان قد استهواهم فقال لهم: إنكم إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس بحرمكم فكانوا لا يخرجون من الحرم، وعند الإسماعيلي وكانوا يقولون: نحن أهل الله لا نخرج من الحرم وكان سائر الناس يقف بعرفة وذلك قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}؟ [البقرة: 199]. وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في الحج. 1665 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ عُرْوَةُ "كَانَ النَّاسُ يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عُرَاةً إِلاَّ الْحُمْسَ -وَالْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا وَلَدَتْ- وَكَانَتِ الْحُمْسُ يَحْتَسِبُونَ عَلَى النَّاسِ، يُعْطِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثِّيَابَ يَطُوفُ فِيهَا، وَتُعْطِي الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ الثِّيَابَ تَطُوفُ فِيهَا، فَمَنْ لَمْ يُعْطِهِ الْحُمْسُ طَافَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا. وَكَانَ يُفِيضُ جَمَاعَةُ النَّاسِ مِنْ عَرَفَاتٍ وَيُفِيضُ الْحُمْسُ مِنْ جَمْعٍ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْحُمْسِ {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} قَالَ: كَانُوا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ فَدُفِعُوا إِلَى عَرَفَاتٍ". [الحديث 1665 - طرفه في: 4520]. وبالسند قال: (حدّثنا فروة بن أبي المغراء) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة آخره راء ممدود وفروة بفتح الفاء والواو بينهما راء ساكنة الكندي الكوفي قال: (حدّثنا عليّ بن مسهر) بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء قاضي الموصل (عن هشام بن عروة) بن الزبير (قال عروة): أبو هشام (كان الناس يطوفون في الجاهلية) بالكعبة حال كونهم (عراة إلا الحمس والحمس قريش وما ولدت) من أمهاتهم وعبر بما دون من لقصد التعميم وزاد معمر، وكان ممن ولدت قريش خزاعة وبنو كنانة وبنو عامر بن صعصعة. وعند إبراهيم الجرمي: وكانت قريش إذا خطب إليهم الغريب اشترطوا عليه أن ولدها على دينهم فدخل في الحمس من غير قريش ثقيف وليث وخزاعة وبنو عامر بن صعصعة يعني وغيرهم، وعرف بهذا أن المراد بهذه القبائل من كانت له من أمهاته قرشية لا جميع القبائل المذكورة. (وكانت الحمس يحتسبون على الناس) يعطونهم حسبة لله (يعطي الرجل الرجل الثياب يطوف فيها، وتعطي المرأة المرأة الثياب تطوف فيها فمن لم تعطه الحمس) ثيابًا (طاف بابيت عريانًا وكان يفيض جماعة الناس) أي غير الحمس يدفعون (من عرفات). قال الزمخشري: عرفات علم للموقف سمي بجمع كاذرعات. فإن قلت: هلا منعت الصرف وفيها السببان التعريف والتأنيث؟ قلت: لا يخلو التأنيث إما أن يكون بالتاء التي في لفظها وإما بتاء مقدرة كما في سعاد فالتي في لفظها ليست للتأنيث وإنما هي مع الألف التي قبلها علامة جمع المؤنث، ولا يصح تقدير التاء فيها لأن هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنث مانعة من تقديرها كما لا تقدر تاء التأنيث في بنت لأن التاء التي هي بدل من الواو ولاختصاصها بالمؤنث كتاء فأبت تقديرها. وتعقبه ابن المنير بأنه يلزمه إذا سمى امرأة بمسلمات أن يصرفه وهو قول رديء والأفصح تنوينه وهو يرى أن تنوين عرفات للتمكين لا للمقابلة ولم يعدّ تنوين المقابلة في مفصله بناء منه على أنه راجع إلى التمكين،

92 - باب السير إذا دفع من عرفة

ونقل الزجاج فيها وجهين الصرف وعدمه إلا أنه قال: لا يكون إلا مكسورًا وإن سقط التنوين. (وتفيض الحمس من جمع) بفتح الجيم وسكون الميم أي من المزدلفة وسميت به لأن آدم اجتمع فيها مع حوّاء، وازدلف إليها أي دنا منها، أو لأنه يجمع فيها بين الصلاتين وأهلها يزدلفون أي يتقربون إلى الله تعالى بالوقوف فيها. (قال:) هشام (وأخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن هذه الآية نزلت في الحمس {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199] إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام رواه الترمذي وقال: حسن؟ صحيح من حديث يزيد بن شيبان قال: أتانا ابن مربع بكسر الميم وسكون الراء وفتح الموحدة زيد الأنصاري ونحن وقوف بالموقف فقال: إني رسول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليكم يقول: كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وقرئ الناس بالكسر أي الناسي يريد آدم من قوله تعالى: {فنسي} أو المراد سائر الناس غير الحمس. قال ابن التين: وهو الصحيح والمعنى: أفيضوا من عرفة لا من المزدلفة، والخطاب مع قريش كانوا يقفون بجمع وسائر الناس بعرفة ويرون ذلك ترفعًا عليهم كما مرّ فأمروا بأن يساووهم. فإن قلت: ما وجه إدخال ثم هنا حيث كانت الإفاضة المذكورة بعدها هي بعينها الإفاضة المذكورة قبلها فما معنى عطف الأمر بها بكلمة ثم الدالة على التراخي على الأمر بالذكر المتأخر عنها، وكيف موقع ثم من كلام البلغاء؟ فقال البيضاوي كالزمخشري: وثم لتفاوت ما بين الإفاضتين كما في قولك: أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم، وزاد الزمخشري: تأتي بثم لتفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم والإحسان إلى غيره وبعد ما بينهما، فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات قال: ثم أفيضوا التفاوت ما بين الإفاضتين وأن إحداهما صواب والأخرى خطأ اهـ. وتعقبه أبو حيان فقال: ليست الآية كالمثال الذي مثله، وحاصل ما ذكر أن ثم تسلب الترتيب وأن لها معنى غيره سماه بالتفاوت والبعد لما بعدها مما قبلها ولم يجر في الآية أيضًا ذكر الإفاضة الخطأ فتكون ثم في قوله: {ثم أفيضوا} جاءت لبعد ما بين الإفاضتين وتفاوتهما ولا نعلم أحدًا سبقه إلى إثبات هذا المعنى لثم اهـ. وقيل {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} وهم الحمس أي المزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفات اهـ. فيكون المراد بالناس هنا المعهودين وهم الحمس ويكون هذا الأمر أمرًا بالإضافة من المزدلفة إلى منى بعد الإفاضة من عرفات. (قال:) عروة ولابن عساكر: قالت أي عائشة (كانوا) أي الحمس (يفيضون من جمع) من المزدلفة (فدفعوا) بضم الدال المهملة مبنيًّا للمفعول أي أمروا بالذهاب (إلى عرفات) حيث قيل لهم أفيضوا، وللكشميهني: فرفعوا بالراء بدل الدال، ولمسلم: رجعوا إلى عرفات يعني أمروا أن يتوجهوا إلى عرفات ليقفوا بها ثم يفيضوا منها. 92 - باب السَّيْرِ إِذَا دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ (باب السير إذا دفع من عرفة). 1666 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ "سُئِلَ أُسَامَةُ وَأَنَا جَالِسٌ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسِيرُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ؟ قَالَ: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ". قَالَ هِشَامٌ: وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَجْوَةٌ: مُتَّسَعٌ، وَالْجَمِيعُ فَجَوَاتٌ وَفِجَاءٌ، وَكَذَلِكَ رَكْوَةٌ وَرِكَاءٌ. مَنَاصٌ لَيْسَ حِينَ فِرَارٍ. [الحديث 1666 - طرفاه في: 2999، 4413]. وبالسند قال: "حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأصبحي الإمام (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه أنّه قال: سئل أسامة) بن زيد بن حارثة حب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وأنا جالس) أي معه والواو للحال (كيف كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسير في حجة الوداع حين دفع)؟ أي انصرف من عرفات إلى المزدلفة وسمي دفعًا لازدحامهم إذا انصرفوا فيدفع بعضهم بعضًا (قال) أسامة. (كان) عليه الصلاة والسلام، ولأبي الوقت: فكان (يسير العنق)، بفتح العين والنون منصوب على المصدر انتصاب القهقرى في قولهم رجع القهقرى، أو التقدير يسير السير العنق وهو السير بين الإبطاء والإسراع (فإذا وجد) عليه السلام (فجوة) بفتح الفاء وسكون الجيم أي متسعًا (نص) بفتح النون والصاد المهملة المشددة أي سار سيرًا شديدًا يبلغ به الغاية. (قال هشام): هو ابن عروة (والنص فوق العنق) أي أرفع منه في السرعة (فجوة) وللمستملي قال أبو عبد الله: أي البخاري فجوة (متسع)،

93 - باب النزول بين عرفة وجمع

يريد المكان الخالي من المارة (والجميع) بكسر الميم والتحتية الساكنة (فجوات وفجاء) بكسر الفاء والد (وكذلك ركوة) بفتح الراء (وركاء) بكسرها مع المد (مناص) بالرفع ويجوز زجره على الحكاية للفظ القرآن (ليس حين فرار) بنصب حين خبر ليس واسمها محذوف تقديره: ليس الحين حين هرب يشير المؤلّف بهذا إلى أنه ليس النصر والمناص أحدهما مشتق من الآخر. وحديث الباب أخرجه أيضًا في الجهاد والمغازي، ومسلم في المناسك وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجة. 93 - باب النُّزُولِ بَيْنَ عَرَفَةَ وَجَمْعٍ (باب النزول بين عرفة وجمع) لقضاء حاجته أي حاجة كانت وليس من المناسك. 1667 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ مَالَ إِلَى الشِّعْبِ فَقَضَى حَاجَتَهُ فَتَوَضَّأَ. فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي؟ فَقَالَ: الصَّلاَةُ أَمَامَكَ". والسند قال (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد الأسدي الكوفي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف (عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث أفاض من عرفة) بلفظ الإفراد. قال الفراء: إفراده شبيه بالمولد وليس بعربي، وللكشميهني: حين بالنون بدل حيث بالمثلثة وهو أصوب لأنه ظرف زمان وحيث ظرف مكان (مال) أي عدل (إلى الشعب) بكسر الشين المعجمة الطريق بين الجبلين (فقضى حاجته) أي استنجى (فتوضأ فقلت يا رسول الله أتصلي؟) بهمزة الاستفهام (فقال) عليه الصلاة والسلام: (الصلاة أمامك) بفتح الهمزة أي مشروعة فيما بين يديك أي في المزدلفة، والصلاة: رفع مبتدأ خبره محذوف تقديره الصلاة حاضرة أو الخبر الظرف المكاني المستقر، ويجوز النصب بفعل مقدر. وهذا الحديث سبق في باب إسباغ الوضوء. 1668 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ "كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، غَيْرَ أَنَّهُ يَمُرُّ بِالشِّعْبِ الَّذِي أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَدْخُلُ فَيَنْتَفِضُ وَيَتَوَضَّأُ وَلاَ يُصَلِّي حَتَّى يُصَلِّيَ بِجَمْعٍ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا جويرية) تصغير جارية ابن أسماء الضبعي البصري (عن نافع) مولى ابن عمر (قال: كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يجمع بين المغرب والعشاء) جمع تأخير (بجمع) بالمزدلفة (غير أنه) في معنى الاستثناء المنقطع أي كان يجمع بينهما بمزدلفة لكن بهذه الهيئة وهي أنه (يمرّ بالشعب الذي أخذه) أي سلكه (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيدخل) فيه (فينتفض) بفاء وضاد معجمة من الانتفاض وهو كناية عن قضاء الحاجة أي يستنجي (ويتوضأ ولا يصلّي) شيئًا (حتى يصلّي بجمع) وهو المزدلفة كما مرّ. 1669 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ "رَدِفْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عَرَفَاتٍ، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشِّعْبَ الأَيْسَرَ الَّذِي دُونَ الْمُزْدَلِفَةِ أَنَاخَ فَبَالَ، ثُمَّ جَاءَ فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ الْوَضُوءَ فَتَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا، فَقُلْتُ: الصَّلاَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: الصَّلاَةُ أَمَامَكَ. فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى، ثُمَّ رَدِفَ الْفَضْلُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَدَاةَ جَمْعٍ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري مولى زريق المؤدّب (عن محمد بن أبي حرملة) مولى آل حويطب (عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أنه قال: ردفت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر الدال ردفت أي ركبت وراءه (من عرفات، فلما بلغ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة) أي قربها (أناخ) راحلته (فبال، ثم جاء فصببت عليه الوضوء) بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به (توضأ) ولأبي ذر، وابن عساكر: فتوضأ بفاء العطف (وضوءًا خفيفًا) إما بأنه مرة مرة أو خفف استعمال الماء على خلاف عادته قال أسامة (ففلت: الصلاة يا رسول الله). رفع على تقدير حضرت الصلاة أو نصب بفعل مقدر (قال:) عليه الصلاة والسلام: (الصلاة) حاضرة (أمامك) بفتح الهمزة ويجوز نصب الصلاة بفعل مقدر كما مرّ، (فركب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أتى المزدلفة فصلّى) المغرب والعشاء لم يبدأ بشيء قبل الصلاة، (ثم ردف الفضل) بن العباس (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي ركب خلفه فالفضل رفع على الفاعلية (غداة جمع) أي غداة الليلة التي كان فيها الجمع وهي صبيحة يوم النحر. 1670 - قَالَ كُرَيْبٌ "فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ الْفَضْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى بَلَغَ الْجَمْرَةَ". (قال كريب: فأخبرني عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عن الفضل) بن عباس "أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة" التي بالعقبة فقطع التلبية حين بلوغها، وهذا الحديث رواه مسلم. 94 - باب أَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالسَّكِينَةِ عِنْدَ الإِفَاضَةِ، وَإِشَارَتِهِ إِلَيْهِمْ بِالسَّوْطِ (باب أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أصحابه (بالسكينة) بالوقار (عند الإفاضة) من عرفة (وإشارته إليهم بالسوط) بذلك. 1671 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى وَالِبَةَ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا وَصَوْتًا لِلإِبِلِ، فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالإِيضَاعِ". أَوْضَعُوا: أَسْرَعُوا. خِلاَلَكُمْ مِنَ التَّخَلُّلِ بَيْنَكُمْ، {وَفَجَّرْنَا خِلاَلَهُمَا}: بَيْنَهُمَا. وبالسند قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن محمد

95 - باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة

بن الحكم بن أبي مريم الجمحي البصري قال: (حدّثنا إبراهيم بن سويد) بضم السين وفتح الواو ابن حيان المديني روى له البخاري هذا الحديث فقط وقد وثقه ابن معين وأبو زرعة. قال ابن حبان: في الثقات ربما أتي بمناكير لكن لمتنه هذا شواهد، وقد تابعه فيه سليمان بن بلال عند الإسماعيلي وكذا غيره (قال: حدثني) بالإفراد (عمرو بن أبي عمرو) بفتح العين فيهما (مولى المطلب قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن جبير) بضم وفتح الموحدة (مولى والبة) بلام مكسورة وموحدة مفتوحة لا ينصرف للعلمية والتأنيث بالهاء (الكوفي) وقتله الحجاج سنة خمس وتسعين قال: (حدثني) بالإفراد (ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه دفع) انصرف (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من عرفات (يوم عرفة فسمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وراءه زجرًا) بفتح الزاي وسكون الجيم صياحًا (شديدًا وضربًا) زاد في غير رواية أبي الوقت كما في اليونينية وعزاها غيره لكريمة ققط: وصوتًا وكأنه تصحيف من ضربا وعطف عليه (للإبل فأشار بسوطه إليهم وقال): (أيها الناس، عليكم بالسكينة)، أي الزموا الرفق وعدم المزاحمة في السير ثم علل ذلك بقوله "فإن البر" بكسر الموحدة أي الخير (ليس بالإيضاع) بكسر الهمزة وبالضاد المعجمة وآخره عين مهملة وهو حمل الدابة على إسراعها في السير. يقال: وضع البعير وغيره أسرع في سيره وأوضعه راكبه أي ليس البر بالسير السريع، ثم قال المؤلّف مفسرًا للإيضاع على عادته: (أوضعوا): معناه (أسرعوا) ركائبهم (خلالكم) من التخلل بينكم، ({وفجرنا خلالهما}) [الكهف: 33] أي: (بينهما) وفي الفرع وأصله مكتوب على وصوتًا علامة السقوط لأبي الوقت ثم كتب على بينهما "إلى". ذكر خلالكم استطرادًا لبقية الآية ثم الآية الأخرى بسورة الكهف تكثيرًا لفرائد الفوائد اللغوية رحمه الله وأثابه، وهذا الحديث من أفراد المؤلّف والله أعلم. 95 - باب الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ (باب) استحباب (الجمع بين الصلاتين) المغرب والعشاء في وقت الثانية (بالمزدلفة) قيده الدارمي والبدنيجي والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ والطبري والعمراني بما إذا لم يخش فوت الاختيار للعشاء، فإن خشيه صلّى بهم في الطريق، ونقله القاضي أبو الطيب وغيره عن النص قال في شرح المهذّب: ولعل إطلاق الأكثرين محمول على هذا. 1672 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ "دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عَرَفَةَ، فَنَزَلَ الشِّعْبَ فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ. فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلاَةُ. فَقَالَ: الصَّلاَةُ أَمَامَكَ. فَجَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا". وبالسند قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف المدني (عن كريب) مولى ابن عباس (عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أنه سمعه) حال كونه (يقول: دفع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من عرفة) أي رجع من وقوف عرفة بعرفات لأن عرفة اسم لليوم وعرفات بلفظ الجمع اسم للموضع وحينئذ فيكون المضاف إليه محذوفًا لكن على مذهب من يقول إن عرفة اسم للمكان أيضًا لا حاجة إلى التقدير، (فنزل الشعب) الأيسر الذي دون المزدلفة (فبال) ولأبي ذر وابن عساكر: بإسقاط الفاء (ثم توضأ) وضوءًا شرعيًا أو استنجى وأطلق عليه اسم الوضوء اللغوي لأنه من الوضاءة وهي النظافة، (ولم يسبغ الوضوء) أي خففه أو لم يتوضأ في جميع أعضاء الوضوء بل اقتصر على بعضها، فيكون لغويًا أو على بعض العدد فيكون شرعيًا. ويؤيد هذا قوله في رواية وضوءًا خفيفًا لأنه لا يقال في الناقص خفيف. قال أسامة (فقلت: له) عليه الصلاة والسلام: حضرت (الصلاة) أو نصب بفعل مقدر؟ (فقال:) عليه الصلاة والسلام: (الصلاة أمامك) مبتدأ وخبر أي موضع هذه الصلاة قدامك وهو المزدلفة فهو من باب: ذكر الحال وإرادة المحل أو التقدير وقت الصلاة قدّامك فالمضاف فيه محذوف إذ الصلاة نفسها لا توجد قبل إيجادها وعند إيجادها لا تكون أمامه. قال الحنفية: فيكون المراد وقتها فيجب تأخيرها وهو مذهب أبي حنيفة ومحمد، فلو صلّى المغرب في الطريق لم يجز وعليه إعادتها ما لم يطلع الفجر. وقال المالكية: يندب الجمع بينهما وظاهره أنه لو صلاهما قبل إتيانه إليها أجرأه لأنه جعل ذلك مندوبًا، والذي في المدوّنة أنه يعيدهما إلا أنها عند ابن القاسم على سبيل الاستحياب. وقال ابن حبيب:

96 - باب من جمع بينهما ولم يتطوع

يعيدهما أبدًا وقال الشافعية: لو جمع بينهما في وقت المغرب في أرض عرفات أو في الطريق أو صلّى كل صلاة في وقتها جاز وإن خالف الأفضل، وفي الحديث تخصيص لعموم الأوقات المؤقتة للصلوات الخمس ببيان فعله عليه الصلاة والسلام. (فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ) أي الوضوء فحذف المفعول. قال الخطابي: إنما ترك إسباغه حين نزل الشعب ليكون مستصحبًا للطهارة في طريقه وتجوز فيه لأنه لم يرد أن يصلّي به، فلما نزل المزدلفة وأرادها أسبغه، ويحتمل أن يكون تجديدًا وأن يكون عن حدث طرأ، واستبعد القول بأن المراد بقوله: لم يسبغ الوضوء اللغوي وأبعد منه أن المراد به الاستنجاء، ومما يقوّي استبعاده رواية المؤلّف السابقة في باب: الرجل يوضئ صاحبه عن أسامة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدل إلى الشعب فقضى حاجته فجعلت أصب الماء عليه ويتوضأ إذ لا يجوز أن يصب عليه أسامة إلا وضوء الصلاة لأنه كان لا يقرب منه أحد وهو على حاجته. (ثم أقيمت الصلاة فصلّى) عليه الصلاة والسلام بالناس (المغرب) أي قبل حط الرحال كما جاء مصرحًا به في رواية أخرى، (ثم أناخ كل إنسان) منا (بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلّى) عليه الصلاة والسلام بالناس صلاة العشاء (ولم يصل) نفلاً (بينهما) لأنه يخل بالجمع لأن الجمع يجعلهما كصلاة واحدة، فوجب الولاء كركعات الصلاة، ولولا اشتراط الولاء لما ترك عليه الصلاة والسلام الرواتب، لكن هذا فيه تفصيل بين جمع التقديم فيخل وبين جمع التأخير فلا كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه عن قريب، والله الموفق. 96 - باب مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَتَطَوَّعْ (باب من جمع بينهما) أي بين العشاءين بالمزدلفة (ولم يتطوع) بينهما ولا على أثر واحدة منهما. 1673 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "جَمَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ. كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِإِقَامَةٍ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا، وَلاَ عَلَى إِثْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا". وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي أياس عبد الرحمن قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب المدني (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم بن عبد الله) بن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال): (جمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين المغرب والعشاء بجمع) بسكون الميم بعد فتح الجيم أي المزدلفة وسقط لأبي ذر لفظة بين فقوله المغرب نصب على المفعولية والعشاء عطف عليه (كل واحدة منهما) من العشاءين (بإقامة ولم يسبح) أي لم يتنفل (بينهما ولا على إثر كل واحدة منهما) بكسر الهمزة وسكون المثلثة من أثر بمعنى أثر بفتحتين أي عقبها أي لم يصل بعد كل واحدة منهما، وليس المراد أنه لم يتنفل لا بينهما ولا بعدهما لأن المنفي التعقيب لا المهلة، وحينئذ فلا ينافي قولهم باستحباب تأخير سنة العشاءين عنهما، ومذهب الشافعية: أنه إذا جمع بين الظهر والعصر قدّم سنة الظهر التي قبلها وله تأخيرها سواء جمع تقديمًا أو تأخيرًا، وتوسيطها إن جمع تأخيرًا سواء قدم الظهر أو العصر وأخر سنتها التي بعدها، وله توسيطها إن جمع تأخيرًا وقدم الظهر وأخر عنهما سنة العصر، وله توسيطها وتقديمها إن جمع تأخيرًا سواء قدم الظهر أم العصر وإذا جمع بين المغرب والعشاء أخر سنتهما، وله توسيط سنة المغرب إن جمع تأخيرًا وقدم المغرب، وتوسيط سنة العشاء إن جمع تأخيرًا وقدم العشاء وما سوى ذلك ممنوع، وهذا كله بناء على أن الترتيب والولاء شرطان في جمع التقديم دون جمع التأخير، والأولى من ذلك تقديم سنة الظهر أو المغرب القدمة وتأخير ما سواها على كل تقدير. وهذا الحديث أخرجه أبو داود في الحج وكذا النسائي. 1674 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْخَطْمِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَمَعَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ". [الحديث 1674 - طرفه في: 4414]. وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء البجلي قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) هو سليمان بن أيوب بن بلال القرشي قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري (قال: أخبرني) بالإفراد (عدي بن ثابت) هو عدي بن أبان بن ثابت الأنصاري (قال: حدثني) بالإفراد (عبد الله بن يزيد الخطمي) بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة نسبة إلى خطمة فخذ من الأوس ويزيد من الزيادة (قال: حدثني) بالإفراد (أبو أيوب) خالد (الأنصاري) -رضي الله عنه-. (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة) أي: ولم يصل بينهما تطوّعًا، وقد سبق قريبًا أنه يسنّ التطوّع على التفصيل السابق. نعم لا يسنّ التنفل المطلق لا بين الصلاتين ولا على

97 - باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما

أثرهما لئلا ينقطع عن المناسك. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في المغازي ومسلم في المناسك والنسائي في الصلاة وابن ماجة في الحج. 97 - باب مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا (باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما) أي من العشاءين بالمزدلفة. 1675 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: "حَجَّ عَبْدُ اللَّهِ -رضي الله عنه-، فَأَتَيْنَا الْمُزْدَلِفَةَ حِينَ الأَذَانِ بِالْعَتَمَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ رَجُلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ، وَصَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَمَرَ -أُرَى رَجُلاً- فَأَذَّنَ وَأَقَامَ" قَالَ عَمْرٌو لاَ أَعْلَمُ الشَّكَّ إِلاَّ مِنْ زُهَيْرٍ - "ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ. فَلَمَّا طَلَعَ الْفَجْرُ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ: لاَ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ إِلاَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ فِي هَذَا الْمَكَانِ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هُمَا صَلاَتَانِ تُحَوَّلاَنِ عَنْ وَقْتِهِمَا: صَلاَةُ الْمَغْرِبِ بَعْدَ مَا يَأْتِي النَّاسُ الْمُزْدَلِفَةَ، وَالْفَجْرُ حِينَ يَبْزُغُ الْفَجْرُ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفْعَلُهُ". [الحديث 1675 - طرفاه في: 1682، 1683]. وبالسند قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية بن خديج الجعفي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) السبيعي (قال: سمعت عبد الرحمن بن بزيد) من الزيادة حال كونه (يقول: حج عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) زاد النسائي هنا: فأمرني علقمة أن ألزمه فلزمته (فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة) أي وقت العشاء الأخيرة (أو قريبًا من ذلك)، أي من مغيب الشفق (فأمر رجلاً) لم يعلم اسمه ويحتمل أن يكون هو عبد الرحمن بن يزيد (فأذن وأقام، ثم صلّى المغرب، وصلّى بعدها ركعتين)، سنتها (ثم دعا بعشائه) بفتح العين ما يتعشى به من المأكول (فتعشى ثم أمر -أرى رجلاً-) بضم الهمزة يعني أنه أمر فيما يظنه لا فيما يعلمه يقينًا (فأذن وأقام قال عمرو:) شيخ المؤلّف (لا أعلم الشك) في قوله أرى فأذن وأقام (إلا من زهير) المذكور في السند، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق الحسن بن موسى عن زهير مثل ما رواه عمر وعنه ولم يقل ما قاله عمرو، (ثم صلّى العشاء ركعتين) فيه الأذان والإقامة لكل من الصلاتين، وهذا مذهب مالك. قال ابن عبد البر: وليس لهم في ذلك حديث مرفوع اهـ. لكن حمل الطحاوي حديث ابن مسعود هذا على أن أصحابه تفرقوا عنه فأذن لهم ليجتمعوا ليجمع بهم، قال الحافظ ابن حجر: ولا يخفى تكلفه وقد اختلفت طرف الحديث في الأذان والإقامة للصلاتين على ستة أوجه: الإقامة لكل منهما بغير أذان كما سبق قريبًا من حديث ابن عمر. أو الإقامة لهما مرة واحدة. رواه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث سعيد بن جبير عن ابن عمر. أو الأذان مرة مع إقامتين رواه مسلم وغيره في حديث جابر الطويل وهو الصحيح من مذهب الشافعية والحنابلة. أو مع الأذان إقامة واحدة رواه النسائي من رواية سعيد بن جبير عن ابن عمر وهو مذهب الحنفية، أو الأذان والإقامة لكل منهما كما في حديث هذا الباب ورواه النسائي أيضًا. وقول ابن عبد البر: لا أعلم في هذا الباب حديثًا مرفوعًا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بوجه تعقبه الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي بأن ابن مسعود قال: في آخر هذا الحديث كما سيأتي إن شاء الله تعالى: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعله فإن أراد به جمع ما ذكره في الحديث فهو إذًا مرفوع وإن أراد به كون هاتين الصلاتين في هذين الوقتين وهو الظاهر فيكون ذكر الأذانين والإقامتين موقوفًا عليه اهـ. والوجه السادس: ترك الأذان والإقامة فيهما رواه ابن حزم في حجة الوداع عن طلق بن حبيب عن ابن عمر من فعله، ويمكن الجمع بين أكثرها فقوله: بإقامة واحدة أي لكل صلاة أو على صفة واحدة لكل منهما ويتأيد برواية من صرح بإقامتين، وقول من قال: كل واحدة بإقامة أي ومع إحداهما بأذان، ويدل عليه رواية من قال بأذان وإقامتين. ومذهب الشافعية: أنه يسن الأذان للفرض الأول دون الثاني في جمع التقديم لفعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعرفة رواه مسلم. وحفظًا للولاء ويسن للفرض الثاني في جمع التأخير أن ابتدأ بالفرض الثاني لأنه في وقته ولم يتقدمه فرض دون الأول لأنه كالفائت فإن ابتدأ بالأول فلا يؤذن له كالفائت على ما صححه الرافعي ولا للثاني لتبعيته للأول وحفظًا للولاء، ولأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع بين العشاءين بمزدلفة بإقامتين كما في الحديث السابق في الباب الذي قبل هذا الباب، ونص عليه الشافعي كما رأيته في المعرفة للبيهقي بلفظ قال الشافعي: ويصلّي بالمزدلفة بإقامتين إقامة للمغرب وإقامة للعشاء ولا أذان، لكن الأظهر في الروضة أنه يؤذن للفرض الأول لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع بينهما بمزدلفة بأذان وإقامتين كما رواه الشيخان من حديث جابر وهو مقدم على الذي قبله لأن معه زيادة علم. (فلما طلع الفجر) أي صلّى صلاة الفجر فالجواب محذوف، وللمستملي والكشميهني وابن عساكر: فلما حين طلع الفجر

98 - باب من قدم ضعفة أهله بليل، فيقفون بالمزدلفة ويدعون، ويقدم إذا غاب القمر

أي لما كان طلوعه وفي نسخة: فلما كان حين طلع الفجر. قال في المصابيح: الظاهر أن كان تامة وحين فاعلها غير أنه أضيف إلى الجملة الفعلية التي صدرها ماض فبني على المختار ويجوز فيه الإعراب، وقال الزركشي: ويروى: فلما أحس وقت طلوع الفجر من الإحساس (قال): (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لا يصلّي هذه الساعة) بالنصب (إلا هذه الصلاة) بالنصب أيضًا (في هذا المكان من هذا اليوم) (قال عبد الله): يعني ابن مسعود (هما صلاتان تحولان) بالمثناة الفوقية المضمومة أو بالتحتية مع فتح الواو المشددة (عن وقتهما): المستحب المعتاد، وليس المراد بالتحويل إيقاعهما قبل دخول الوقت المحدود لهما في الشرع قاله المهلب (صلاة المغرب بعد ما يأتي الناس المزدلفة)، وقت العشاء (والفجر حين يبزغ الفجر)، بزاي مضمومة وغين معجمة أي يطلع فتحوّلت بتقديمها عن الوقت الظاهر لكل أحد فقدمت إلى وقت منهم من يقول طلع الفجر، ومنهم من يقول: لم يطلع لكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحقق طلوعه إما بوحي أو بغيره، والمراد به المبالغة في التغليس على باقي الأيام ليتسع الوقت لما بين أيديهم من أعمال يوم النحر من المناسك. (قال) أي ابن مسعود: (رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعله) الظاهر أن الضمير يرجع إلى فعل الصلاتين في هذين الوقتين أو إلى جميع ما ذكره فيكون مرفوعًا كما سبق قريبًا تقريره. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا وكذا النسائي. 98 - باب مَنْ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلٍ، فَيَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيَدْعُونَ، وَيُقَدِّمُ إِذَا غَابَ الْقَمَرُ (باب من قدم ضعفة أهله) بفتح الضاد المعجمة والعين المهملة جمع ضعيف النساء والصبيان والمشايخ العاجزين وأصحاب الأمراض ليرموا قبل الزحمة (بليل) أي في ليل من منزله بجمع (فيقفون بالمزدلفة) عند المشعر الحرام أو عند غيره منها (ويدعون) ويذكرون بها (ويقدم) بكسر الدال المشددة (إذا غاب القمر) عند أوائل الثلث الأخير، فهو بيان لقوله: بليل إذ هو شامل لجميع أجزائه فبينه بقوله إذا غاب القمر. 1676 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ سَالِمٌ "وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الإِمَامُ وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لِصَلاَةِ الْفَجْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوُا الْجَمْرَةَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: أَرْخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري المدني. (قال سالم): هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب (وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يقدم ضعفة أهله) النساء والصبيان والعاجزين من منزله الذي نزله بالمزدلفة إلى منى خوف التأذي بالاستعجال والازدحام (فيقفون عند المشعر) بفتح الميم المشعر ويجوز كسرها (الحرام بالمزدلفة) الذي يحرم فيه الصيد وغيره لأنه من الحرم أو لأنه ذو حرمة وسمي مشعرًا فيما قاله الأزهري لأنه معلم للعبادة، وهو كما قاله النووي كابن الصلاح جبل صغير بآخر المزدلفة يقال له: "قزح" بضم القاف وفتح الزاي آخره حاء مهملة وهو منها لأنه ما بين مأزمي عرفة ووادي محسر. وقد استبدل الناس الوقوف به على بناء محدث هناك يظنونه المشعر وليس كما يظنون، لكن يحصل بالوقوف عنده أصل السنة أي وكذا بغيره من مزدلفة على الأصح، وقال المحب الطبري: هو بأوسط المزدلفة وقد بني عليه بناء، ثم حكى كلام ابن الصلاح ثم قال: والظاهر أن البناء إنما هو على الجبل والمشاهدة تشهد له. قال: ولم أر ما ذكره ابن الصلاح لغيره. وقال ابن الحاج: المزدلفة والمشعر وأجمع وقزح أسماء مترادفة اهـ. والمعروف أن المشعر موضع خاص بالمزدلفة ويحصل أصل السنّة بالمرور وإن لم يقف كما في عرفة. نقله في الكفاية عن القاضي وأقره (بليل) أي في ليل (فيذكرون الله عز وجل) ويدعونه (ما بدا لهم) من غير همز أي ما ظهر لهم وسنح في خواطرهم وأرادوا (ثم يرجعون) إلى منى، ولمسلم: ثم يدفعون. قال في الفتح: وهو أظهر (قبل أن يقف الإمام) بالمشعر الحرام أو بالمزدلفة، ولأبي الوقت: ثم يرجعون ما بدا لهم قبل أن يقف الإمام (وقبل أن يدفع) إلى منى، (فمنهم من يقدم) بفتح الياء والدال وسكون القاف بينهما (منى) بالصرف (لصلاة الفجر) أي عند صلاة الفجر فاللام للتوقيت لا للعلة، (ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة) الكبرى وهي جمرة العقبة. (وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: أرخص)

بهمزة مفتوحة وسكون الراء فعل ماض وفاعله الرسول عليه الصلاة والسلام. وفي بعض الروايات كما في الفتح: رخص بدون همزة وتشديد الخاء وهو أوضح في المعنى لأنه من الترخيص ضد العزيمة لا من الرخص ضد الغلاء (في أولئك) أي الضعفة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 1677 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ". [الحديث 1677 - طرفاه في: 1678، 1856]. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال) "بعثني رسول الله" ولأبي ذر وابن عساكر: النبي "-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من جمع" بفتح الجيم وسكون الميم من المزدلفة (بليل) قيده الشافعي وأصحابه بالنصف الثاني. 1678 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ "أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ". وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن أبي يزيد) بضم العين مصغرًا المكي مولى آل قارظ بن شيبة الكناني أنه (سمع ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول) "أنا ممن قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة المزدلفة في ضعفه أهله" إلى منى. 1679 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ عَنْ أَسْمَاءَ "أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ الْمُزْدَلِفَةِ فَقَامَتْ تُصَلِّي، فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَىَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: لاَ. فَصَلَّتْ سَاعَةً ثُمَّ قَالَتْ: هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلْنَا وَمَضَيْنَا، حَتَّى رَمَتِ الْجَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتِ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلِهَا. فَقُلْتُ لَهَا: يَا هَنْتَاهْ، مَا أُرَانَا إِلاَّ قَدْ غَلَّسْنَا. قَالَتْ: يَا بُنَىَّ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَذِنَ لِلظُّعُنِ". وبه قال: (حدّثنا مسدد عن يحيى) القطان (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: حدثني) بالإفراد ولأبي ذر، وابن عساكر: حدّثنا (عبد الله) بن كيسان (مولى أسماء) بنت أبي بكر (عن أسماء) -رضي الله عنها- (أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي فصلت ساعة ثم قالت:) لعبد الله بن كيسان (يا بني) بضم الموحدة مصغرًا (هل غاب القمر؟) قال ابن كيسان (قلت: لا، فصلت ساعة ثم قالت؟) له (هل) ولأبي ذر: ثم قالت: يا بني هل (غاب القمر؟) قال: (قلت: نعم) غاب (قالت: فارتحلوا) بكسر الحاء أمر من الارتحال (فارتحلنا ومضينا) بها ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: فمضينا بفاء العطف بدل الواو (حتى رمت الجمرة) الكبرى (ثم رجعت) إلى منزلها بمنى (فصلت الصبح في منزلها). وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح على شرط مسلم عن عائشة -رضي الله عنها-: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسل أم سلمة ليلة النحر فرمت قبل الفجر ثم أفاضت، واستدلّ به على أنه يدخل وقت الرمي بنصف ليلة النحر، ووجهه أنه عليه الصلاة والسلام علق الرمي بما قبل الفجر وهو صالح لجميع الليل ولا ضابط له فجعل النصف ضابطًا لأنه أقرب إلى الحقيقة مما قبله ولأنه وقت به للدفع من مزدلفة ولأذان الصبح فكان وقتًا للرمي كما بعد الفجر ومذهب المالكية والحنفية يحل بطلوع الفجر وقبله لغو حتى للنساء والضعفة، والرخصة في الدفع ليلاً إنما هي في الدفع خوف الزحام والأفضل الرمي من طلوع الشمس. وفي سنن أبي داود بإسناد حسن من حديث ابن عباس: أنه عليه الصلاة والسلام قال لغلمان بني عبد المطلب: "لا ترموا حتى تطلع الشمس" وإذا كان من رخص له منع أن يرمي قبل طلوع الشمس فمن لم يرخص له أولى، وقد جمعوا بين حديث ابن عباس هذا وحديث الباب بحمل الأمر في حديث ابن عباس على الندب، ويؤيده حديث ابن عباس عند الطحاوي قال: بعثني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أهله وأمرني أن أرمي مع الفجر. (فقلت لها يا هنتاه) بفتح الهاء وسكون النون وبعد المثناة الفوقية ألف آخره هاء ساكنة أي يا هذه (ما أرانا) بضم الهمزة أي ما أظن (إلا قد غلّسنا) بفتح الغين المعجمة وتشديد اللام وسكون السين المهملة أي تقدمنا على الوقت المشروع (قالت: يا بني إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أذن للظعن) بضم الظاء المعجمة والعين المهملة ويجوز سكونها جمع ظعينة المرأة في الهودج، واستدلّ بقولها: أذن على عدم وجوب المبيت بالمزدلفة إذ لو كان واجبًا لم يسقط بعذر الضعف كالوقوف بعرفة وهو مذهب المالكية. قال الشيخ خليل: وندب بياته بها وإن لم ينزل فالدم أي على الأشهر وهذا ما صححه الرافعي، وصحح النووي وجوبه على غير المعذور بخلاف المعذور كالرعاء وأهل سقاية العباس أو له مال يخاف تلفه بالمبيت أو مريض يحتاج إلى تعهده أو أمر يخاف فوته. قال النووي: ويحصل المبيت بمزدلفة بحضورها لحظة في النصف الثاني كالوقوف بعرفة نص عليه في الأم، وبه قطع جمهور العراقيين وأكثر الخراسانيين وقيل: يشترط

99 - باب من يصلي الفجر بجمع

معظم الليل كما لو حلف لا يبيتنّ بموضع لا يحنث إلا بمعظم الليل، وهذا صححه الرافعي ثم استشكله من جهة أنهم لا يصلونها حتى يمضي ربع الليل مع جواز الدفع منها بعد نصف الليل، وقال أبو حنيفة: بوجوب المبيت أيضًا. 1680 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ -هُوَ ابْنُ الْقَاسِمِ- عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ جَمْعٍ -وَكَانَتْ ثَقِيلَةً ثَبْطَةً- فَأَذِنَ لَهَا". [الحديث 1680 - طرفه في: 1681]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري وهو ثقة ولم يصب من ضعفه قال: (أخبرنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا عبد الرحمن هو ابن القاسم عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق والقاسم هو والد عبد الرحمن (عن عائشة) عمة القاسم (-رضي الله عنها- قالت) (استأذنت سودة) بنت زمعة أم المؤمنين (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة جمع -وكانت ثقيلة-) من عظم جسمها (وثبطة) بسكون الموحدة بعد المثلثة المفتوحة، ولأبي ذر: ثبطة بكسرها أي بطيئة الحركة. وفي مسلم عن القعنبي عن أفلح بن حميد أن تفسير الثبطة بالثقيلة من القاسم راوي الحديث، وحينئذ فيكون قوله في هذه الرواية ثقيلة ثبطة من الإدراج الواقع قبل ما أدرج عليه وأمثلته قليلة جدًّا، وسببه أن الراوي أدرج التفسير بعد الأصل فظن الراوي الآخر أن اللفظين ثابتان في أصل المتن فقدم وأخر قاله في الفتح. "فأذن لها" -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ولم يذكر محمد بن كثير شيخ المؤلّف عن سفيان ما استأذنته سودة فيه فلذلك عقبه المؤلّف بطريق أفلح عن القاسم المبينة لذلك، فقال بالسند السابق إليه في أول هذا المجموع: 1681 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "نَزَلْنَا الْمُزْدَلِفَةَ، فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَوْدَةُ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ- وَكَانَتِ امْرَأَةً بَطِيئَةً- فَأَذِنَ لَهَا، فَدَفَعَتْ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَأَقَمْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا نَحْنُ، ثُمَّ دَفَعْنَا بِدَفْعِهِ، فَلأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ". (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا أفلح بن حميد) الأنصاري (عن القاسم بن محمد) والد عبد الرحمن المذكور في سند الحديث السابق (عن) عمته (عائشة -رضي الله عنها- قالت) "نزلنا المزدلفة فاستأذنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سودة" بنت زمعة -رضي الله عنها- "أن تدفع" أي أن تتقدم إلى منى "قبل حطمة الناس" بفتح الحاء وسكون الطاء المهملتين أي قبل زحمتهم لأن بعضهم يحطم بعضًا من الزحام "وكانت" سودة "امرأة بطيئة فأذن لها" -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "فدفعت" إلى منى "قبل حطمة الناس وأقمنا حتى أصبحنا نحن ثم دفعنا بدفعه" -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قالت عائشة: (فلأن أكون) بفتح اللام (استأذنت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما استأذنت سودة) أي كاستئذان سودة فما مصدرية والجملة معترضة بين المبتدأ الذي هو قوله: فلأن أكون وبين خبره وهو قوله: (أحب إليّ من) كل شيء (مفروح به) وأسره، وهذا كقوله في الحديث الآخر: أحب إليّ من حمر النعم. قال أبو عبد الله الأبي رحمه الله: الشائع في كلام الفخر والأصوليين أن ذكر الحكم عقب الوصف المناسب يشعر بكونه علة فيه، وقول عائشة هذا يدل على أنه لا يشعر بكونه علة لأنه لو أشعر بكونه علة لم ترد لك لاختصاص سودة بذلك الوصف إلا أن يقال: إن عائشة نقحت المناط ورأت أن العلة إنما هي الضعف والضعف أعم من أن يكون لثقل الجسم أو غيره كما قال: أذن لضعفة أهله، ويحتمل أنها قالت ذلك لأنها شركتها في الوصف لما روي أنها قالت: سابقت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسبقته فلما ربيت اللحم سبقني. 99 - باب مَنْ يُصَلِّي الْفَجْرَ بِجَمْعٍ (باب من) وللأربعة: متى (يصلّي الفجر بجمع) وهو أوضح من الأول. 1682 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى صَلاَةً بِغَيْرِ مِيقَاتِهَا، إِلاَّ صَلاَتَيْنِ: جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَصَلَّى الْفَجْرَ قَبْلَ مِيقَاتِهَا". وبالسند قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) بكسر المعجمة آخره مثلثة قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق النخعي قاضي الكوفة قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدثني) بالإفراد (عمارة) ابن عمير التيمي (عن عبد الرحمن) بن يزيد النخعي (عن عبد الله) يعني ابن مسعود (-رضي الله عنه- قال) (ما رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلى صلاة بغير ميقاتها) المعتاد ولأبي ذر: لغير باللام بدل الموحدة (إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء) جمع تأخير قال النووي: احتج الحنفية بقول ابن مسعود: ما رأيته عليه الصلاة والسلام صلّى إلا صلاتين على منع الجمع بين الصلاتين في السفر، وجوابه أنه مفهوم وهم لا يقولون به ونحن نقول به إذا لم يعارضه منطوق، وقد تظاهرت الأحاديث على جواز الجمع ثم هو متروك الظاهر بالإجماع في صلاتي الظهر والعصر بعرفات، وقد تعقبه العيني في قوله: إنه مفهوم وهم لا يقولون به فقال: لا نسلم هذا على إطلاقه وإنما لا يقولون بالمفهوم المخالف قال:

وما ورد في الأحاديث من الجمع بين الصلاتين في السفر فمعناه الجمع بينهما فعلاً لا وقتًا اهـ. فليتأمل. (وصلّى الفجر) حين طلوعه (قبل ميقاتها) المعتاد مبالغة في التبكير ليتسع الوقت لفعل ما يستقبل من المناسك وإلاّ فقد كان يؤخرها في غير هذا اليوم حتى يأتيه بلال، وليس المراد أنه صلاها قبل الفجر إذ هو غير جائز بالاتفاق. ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في الحج. 1683 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ "خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ قَدِمْنَا جَمْعًا فَصَلَّى الصَّلاَتَيْنِ: كُلَّ صَلاَةٍ وَحْدَهَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَالْعَشَاءُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ -قَائِلٌ يَقُولُ طَلَعَ الْفَجْرُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ لَمْ يَطْلُعِ الْفَجْرُ- ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلاَتَيْنِ حُوِّلَتَا عَنْ وَقْتِهِمَا فِي هَذَا الْمَكَانِ: الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، فَلاَ يَقْدَمُ النَّاسُ جَمْعًا حَتَّى يُعْتِمُوا، وَصَلاَةَ الْفَجْرِ هَذِهِ السَّاعَةَ. ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى أَسْفَرَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَاضَ الآنَ أَصَابَ السُّنَّةَ. فَمَا أَدْرِي أَقَوْلُهُ كَانَ أَسْرَعَ أَمْ دَفْعُ عُثْمَانَ -رضي الله عنه-، فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) بفتح الراء والجيم مولى ابن عمرو يقال ابن المثنى بدل عمر الغداني بضم المعجمة وتخفيف الدال المهملة البصري. قال أبو حاتم: كان ثقة رضا. قال ابن معين: ليس به بأس، وقال عمرو بن الفلاس: كان كثير الغلط والتصحيف ليس بحجة اهـ. وقد لقيه المؤلّف وحدث عنه بأحاديث يسيرة وروى له النسائي وابن ماجة قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبيد الله السبيعي (عن عبد الرحمن بن يزيد) النخعي الكوفي (قال: خرجنا) بلفظ الجمع، ولأبي ذر: خرجت (مع عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه- إلى مكة، ثم قدمنا جمعًا) بفتح الجيم وسكون الميم أي المزدلفة من عرفات (فصلّى الصلاتين): المغرب والعشاء (كل صلاة) بنصب كل أي صلّى كل صلاة منهما (وحدها بأذان وإقامة، والعشاء بينهما:) بكسر العين في فرع اليونينية وغيره، وفي بعض الأصول وهو الذي في اليونينية: والعشاء بفتحها وهو الصواب لأن المراد به الطعام أي أنه تعشى بين الصلاتين وقد وقع مبينًا فيما سبق بلفظ: إنه دعا بعشائه فتعشى ثم صلّى العشاء. قال عياض: وإنما فعل ذلك لينبه على أنه يغتفر الفصل اليسير بينهما، والواو في قوله والعشاء للحال. (ثم صلّى الفجر حين طلع الفجر قائل) كذا في فرع اليونينية قائل بغير واو وفي غيره: وقائل بإثباتها (يقول طلع الفجر، وقائل يقول لم يطلع الفجر، ثم قال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن هاتين الصلاتين حولتا) غيرتا (عن وقتهما) المعتاد (في هذا المكان) المزدلفة قال البلقيني فيما نقله عنه صاحب اللامع: لعل هذا مدرج من كلام ابن مسعود، ففي باب: من أذن وأقام قال عبد الله: هما صلاتان محوّلتان. قال: وحكى البيهقي عن أحمد ترددًا في أنه مرفوع أو مدرج، ثم جزم البيهقي بأنه مدرج، وأجاب البرماوي. بأنه لا تنافي بين الأمرين فمرة رفع ومرة وقف (المغرب والعشاء) بالنصب فيهما. قال الزركشي: بدل من اسم أن وكذا صلاة الفجر، وتعقبه الدماميني: بأن المبدل منه مثنى فلا يبدل منه بدل كل إلا ما يصدق عليه المثنى وهو اثنان فحينئذ المغرب وصلاة الفجر مجموعهما هو البدل، ويحتمل أن يكون نصبهما بفعل محذوف أي أعني المغرب وصلاة الفجر اهـ. ويجوز الرفع فيهما على أن المغرب خبر مبتدأ محذوف تقديره إحدى الصلاتين المغرب، وسقط في رواية ابن عساكر: والعشاء. (فلا يقدم الناس جمعًا) أي المزدلفة بفتح دال يقدم بعد سكون قافها (حتى يعتموا)، بضم أوله وكسر ثالثه من الإعتام أي يدخلوا في العتمة وهو وقت العشاء الأخيرة (وصلاة الفجر) بالنصب، ولأبي ذر: صلاة بالرفع كإعراب المغرب فيهما السابق (هذه الساعة) بالنصب أي بعد طلوع الفجر قبل ظهوره للعامة. (ثم وقف) ابن مسعود -رضي الله عنه- بمزدلفة أو بالشعر الحرام (حتى أسفر) أضاء الصبح وانتشر ضوءه (ثم قال): (لو أن أمير المؤمنين) عثمان -رضي الله عنه- (أفاض الآن) عند الإسفار قبل طلوع الشمس (أصاب السنة) التي فعلها رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلافًا لما كانت عليه الجاهلية من الإفاضة بعد طلوع الشمس كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الباب التالي. قال عبد الرحمن بن يزيد الراوي عن ابن مسعود: (فما أدري أقوله) أي أقول ابن مسعود لو أن أمير المؤمنين أفاض الخ. (كان أسرع أم دفع عثمان -رضي الله عنه-) أي: أسرع. ووقع في شرح الكرماني وتبعه البرماوي أن القائل: فما أدري الخ. هو ابن مسعود نفسه وهو خطأ كما قاله في فتح الباري. قال: ووقع في رواية جرير بن حازم عن أبي أسحق عند أحمد من الزيادة في هذا الحديث أن نظير هذا القول صدر من ابن مسعود عند الدفع من عرفة أيضًا ولفظه: فلما وقفنًا

100 - باب متى يدفع من جمع

بعرفة غابت الشمس فقال: لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن كان قد أصاب. قال: فما أدري أكلام ابن مسعود أسرع أو إفاضة عثمان؟ الحديث. (فلم يزل) أي ابن مسعود (يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر) أي ابتدأ الرمي لأخذه في أسباب التحلل، وسيأتي إن شاء الله تعالى البحث في التلبية بعد باب. 100 - باب مَتَى يُدْفَعُ مِنْ جَمْعٍ هذا (باب) بالتنوين (متى يدفع) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول، ولأبي ذر: يدفع بفتح أوله مبنيًا للفاعل أي متى يدفع الحاج (من جمع) من المزدلفة بعد الوقوف بالمشعر الحرام. 1684 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ يَقُولُ "شَهِدْتُ عُمَرَ -رضي الله عنه- صَلَّى بِجَمْعٍ الصُّبْحَ، ثُمَّ وَقَفَ فَقَالَ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لاَ يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ. وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَالَفَهُمْ، ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ". [الحديث 1684 - طرفه في: 1838]. وبالسند قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون الأنماطي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) السبيعي قال: (سمعت عمرو بن ميمون) بالتنوين وعمرو بفتح العين وسكون الميم ابن مهران البصري (يقول: شهدت عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- صلّى بجمع) بالمزدلفة (الصبح ثم وقف) بالمشعر الحرام (فقال: إن المشركن كانوا لا يفيضون) بضم أوله من الإفاضة أي لا يدفعون من المزدلفة إلى منى (حتى تطلع الشمس)، وعند الطبري من رواية عبيد الله بن موسى عن سفيان حتى يروا الشمس على ثبير (ويقولون: أشرق ثبير) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وكسر الراء وجزم القاف فعل أمر من الإشراق، وثبير بفتح المثلثة وكسر الموحدة والضم منادى حذف منه حرف النداء وزاد أبو الوليد عن شعبة عند الإسماعيلي كيما نغير، وفي بعض الأصول ثبير كنغير لإرادة السجع. قال النووي: هو جبل عظيم بالمزدلفة على يسار الذاهب إلى منى ويمين الذاهب إلى عرفات وإنه المذكور في صفة الحج والمراد في مناسك الحج اهـ. ومراده ما ذكر في المناسك أنه يستحب المبيت بمنى ليلة تاسع ذي الحجة، فإذا طلعت الشمس وأشرقت على ثبير يسيرون إلى عرفات. قال صاحب تحصيل المرام في تاريخ البلد الحرام: وهذا غير مستقيم لأنه يقتضي أن ثبيرًا المذكور في صفة الحج بالمزدلفة وإنما هو بمنى على ما ذكره المحب الطبري في شرح التنبيه، بل قال المجد الشيرازي في كتاب الوصل والمنى في بيان فضل منى أن قول النووي مخالف لإجماع أئمة اللغة والتواريخ. وقال في القاموس: وثبير الأثبرة وثبير الخضراء والنصع والزنج والأعرج والأحدب وغيناء جبال بظاهر مكة اهـ. وسمي برجل من هذيل اسمه ثبير دفن به، والمعنى لتطلع عليك الشمس وكيما نغير بالنون أي نذهب سريعًا يقال أغار يغير إذا أسرع في العدو، وقيل نغير على لحوم الأضاحي أي ننهبها. (وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح همزة وأن وفي بعض النسخ بكسرها (خالفهم)، فأفاض حين أسفر قبل طلوع الشمس، (ثم أفاض) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو ابن مسعود والمعتمد الأول لعطفه على قوله خالفهم، وفي حديث جابر الطويل عند مسلم: فلم يزل واقفًا أي عند المشعر الحرام حتى أسفر جدًّا فدفع (قبل أن تطلع الشمس)، ولابن خزيمة عن ابن عباس فدفع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين أسفر كل شيء قبل أن تطلع الشمس وهذا مذهب الشافعي والجمهور، وقال مالك في المدوّنة: ولا يقف أحد به أي بالمشعر الحرام إلى طلوع الفجر والإسفار، ولكن يدفع قبل ذلك وإذا أسفر ولم يدفع الإمام دفع الناس وتركوه، واحتج له بعض أصحابه بأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يعجل الصلاة مغلسًا إلا ليدفع قبل الشمس فكلما بعد دفعه من طلوع الشمس كان أولى، وهذا موضع الترجمة. 101 - باب التَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ غَدَاةَ النَّحْرِ حِينَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ، وَالاِرْتِدَافِ فِي السَّيْرِ (باب التلبية والتكبير غداة النحر حين يرمي الجمرة) الكبرى، ولأبي ذر عن الكشميهني: حتى قال في الفتح وهو أصوب (والارتداف) بالجر عطفًا على المجرور السابق وهو الركوب خلف الراكب (في السير) من المزدلفة إلى منى. 1685 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْدَفَ الْفَضْلَ، فَأَخْبَرَ الْفَضْلُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد) بفتح الميم واللام بينهما معجمة ساكنة النبيل البصري قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز الأموي (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن ابن عباس) عبد الله (-رضي الله عنهما- أن النبي). ولأبي الوقت أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أردف الفضل) بن العباس من المزدلفة إلى منى (فأخبر الفضل) أخاه عبد الله (أنه) عليه الصلاة والسلام (لم يزل

تنبيه

يلبي حتى رمى الجمرة) الكبرى وهي جمرة العقبة. 1686 و 1687 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ الأَيْلِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ -رضي الله عنهما- كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنًى، قَالَ فَكِلاَهُمَا قَالاَ: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ". وبه قال (حدّثنا زهير بن حرب) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء آخره موحدة النسائي بالنون والسين المهملة قال: (حدّثنا وهب بن جرير) بفتح الجيم قال: (حدّثنا أبي) جرير بن حازم بن زيد البصري (عن يونس) بن يزيد (الأيلي عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عبيد الله بن عبد الله) بتصغير عبد الأول ابن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة (عن ابن عباس) عبد الله (-رضي الله عنهما-): (أن أسامة بن زيد) الحب (-رضي الله عنهما- كان ردف النبي) بكسر الراء وسكون الدال، ولأبي ذر: (ردف رسول الله "-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الفضل) بن عباس (من المزدلفة إلى منى) (قال) عبد الله بن عباس (فكلاهما) أي الفضل وأسامة (قالا:) وللأربعة قال: (لم يزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلبي) أي في أوقات حجته (حتى رمى جمرة العقبة) غداة النحر أي عند رمي أوّل حصاة من حصيات جمرة العقبة وهذا مذهب الحنفية والشافعية، ونقل البرماوي والحافظ ابن حجر أن مذهب الإمام أحمد -رحمه الله- لا يقطعها حتى يرميها فيكون الحديث مستندًا له، والذي رأيته في تنقيح المقنع وعليه الفتوى عند الحنابلة ما نصه: ويقطع التلبية مع رمي أوّل حصاة منها، فلعل ما نقله البرماوي وصاحب الفتح قول له أيضًا وهو قول بعض الشافعية، واستدلوا له بحديث ابن عباس عن الفضل عند ابن خزيمة قال: أفضت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة. قال ابن خزيمة: هذا حديث صحيح مفسر لما أبهم من الروايات الأخرى، وأن المراد بقوله: حتى رمى جمرة العقبة أي حتى أتم رميها اهـ. وذهب الإمام مالك إلى أنه إذا راح إلى مصلّى عرفة قال ابن القاسم وذلك بعد الزوال وراح يريد الصلاة، ويى في حديثي الباب ذكر التكبير المترجم له. نعم روى البيهقي عن عبد الله بن سخبرة قال: غدوت مع عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- من منى إلى عرفة وكان رجلاً آدم له ضفيرتان عليه مسحة أهل البادية وكان يلبي فاجتمع عليه الغوغاء فقالوا: يا أعرابي إن هذا ليس يوم تلبية إنما هو التكبير، فالتفت إليّ فقال: جهل الناس أم نسوا والذي بعث محمدًا بالحق لقد خرجت معه من منى إلى عرفة فما ترك التلبية حتى رمى الجمرة إلا أن يخلطها بتكبير أو تهليل، فيحتمل أن البخاري أشار في الترجمة لهذا تشحيذًا لذهن الطالب وحثًا له على البحث. تنبيه وقع في هذا الحديث عند مسلم من رواية إبراهيم بن عقبة عن كريب أن أسامة بن زيد انطلق من المزدلفة في سباق قريش على رجليه، ومقتضاه أن يكون قوله هنا لم يزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلبي مرسلاً لأنه لم يحضر ذلك، لكن أجيب: باحتمال أن يكون رجع إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصحبه إلى الجمرة والله أعلم. وفي سند هذا الحديث تابعي عن تابعي وثلاثة من الصحابة. 102 - باب {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] هذا (باب) بالتنوين ({فمن تمتع بالعمرة إلى الحج}) قال البيضاوي أي فمن استمتع وانتفع بالتقريب إلى الله تعالى بالعمرة قبل الانتفاع بتقربه بالحج في أشهره ({فما استيسر من الهدي}) فعليه دم استيسر بسبب التمتع فهو دم جبران يذبحه إذا أحرم بالحج ولا يأكل منه وقال أبو حنيفة إنه دم نسك فهو كالأضحية ({فمن لم يجد}) أي الهدي ({فصيام ثلاثة أيام في الحج}) في أيام الاشتغال به بعد الإحرام وقبل التحلل. وقال أبو حنيفة: في أشهره بين الإحرامين ولا يجوز يوم النحر وأيام التشريق عند الأكثر ({وسبعة إذا رجعتم}) إلى أهليكم أو نفرتم وفرغتم من أعماله وهو مذهب أبي حنيفة ({تلك عشرة}) فذلك الحساب، وفائدتها أن لا يتوهم أن الواو بمعنى أو كقولك جالس الحسن وابن سيرين وأن يعلم العدد جملة كما علم تفصيلاً، فإن أكثر العرب لم يحسنوا الحساب، وأن المراد بالسبعة العدد دون الكثرة فإنه يطلق لهما ({كاملة}) صفة مؤكدة تفيد المبالغة في محافظة العدد ({ذلك}) إشارة إلى الحكم المذكور عندنا والتمتع عند أبي حنيفة إذ لا متعة ولا قران لحاضري المسجد عنده فمن فعل

103 - باب ركوب البدن

ذلك منهم فعليه دم جناية ({لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}) [البقرة: 196] وهو من كان من الحرم على مسافة القصر عندنا فإن من كان على أقل فهو مقيم الحرم أو في حكمه ومن مسكنه وراء الميقات عنده وأهل الحرم عند طاوس وغير المكي عند مالك ولفظ رواية أبوي ذر والوقت {فما استيسر من الهدي} إلى قوله: {حاضري المسجد الحرام} فأسقطا بقية الآية. 1688 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَالَ "سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ الْمُتْعَةِ فَأَمَرَنِي بِهَا، وَسَأَلْتُهُ عَنِ الْهَدْيِ فَقَالَ فِيهَا جَزُورٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ. قَالَ: وَكَأَنَّ نَاسًا كَرِهُوهَا، فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ إِنْسَانًا يُنَادِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ، وَمُتْعَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ. فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" قَالَ وَقَالَ آدَمُ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ وَغُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ "عُمْرَةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، وَحَجٌّ مَبْرُورٌ". وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع، ولابن عساكر: حدثني (إسحاق بن منصور) الكوسج المروزي قال: (أخبرنا النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا أبو جمرة) بالجيم والراء المفتوحتين بينهما ميم ساكنة نصر بن عمران الضبعي (قال: سألت ابن عباس -رضي الله عنهما- عن المتعة) أي عن مشروعيتها وهي أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ثم يحج من عامه (فأمرني بها) أي فأذن لي فيها وإلا فالإفراد أفضل عند الأكثر كما مر ولم ينقل عن ابن عباس خلافه، (وسألته عن الهدي) أي عن أحكام الهدي والواجب فيها لقوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة} الآية (فقال) ابن عباس (فيها) أي في المتعة: (جزور) بفتح الجيم وضم الزاي على وزن فعول من الجزر وهو القطع من الإبل يقع على الذكر والأنثى (أو بقرة أو شاة) واحدة الغنم تطلق على الذكر والأنثى من الضأن والمعز، (أو شرك) بكسر الشين المعجمة وسكون الراء أي النصيب الحاصل للشريك من الشركة (في) إراقة (دم) والمراد به هنا على الوجه المصرح به في حديث أبي داود قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "البقرة عن سبعة والجزور عن سبعة" فهو من المجمل والمبين فإذا شارك غيره في سبع بقرة أو جزور أجزأ عنه. (قال:) أي أبو جمرة (وكأن ناسًا) يعني كعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وغيرهما ممن نقل عنه الخلاف في ذلك (كرهوها) أي المتعة (فنمت فرأيت في المنام كأن إنسانًا) ولابن عساكر: كأن المنادي (ينادي حج مبرور ومتعة متقبلة فأتيت ابن عباس -رضي الله عنهما- فحدّثته)، بما رأيت (فقال:) متعجبًا من الرؤيا التي وافقت السنة (الله أكبر)، هذا (سنة أبي القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي طريقته، وليس المراد بها ما يقابل الغرض لأن السنة الإفراد على الأرجح كما مرّ، واستأنس بالرؤيا لما قام به الدليل الشرعي فإن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءأ من النبوة كما في الصحيح. (قال، وقال آدم) بن أبي إياس فيما وصله المؤلّف في باب التمتع والإقران وسقط وقال من وقال آدم لأبي ذر (ووهب بن جرير) فيما وصله البيهقي (وغندر) وهو محمد بن جعفر البصري مما وصله أحمد عنه الثلاثة (عن شعبة عمرة متقبلة وحج مبرور) بدل قول النضر متعة قال الإسماعيلي وغيره: تفرد النضر بقوله متعة ولا أعلم أحدًا من أصحاب شعبة رواه عنه إلا قال عمرة، وهذه فائدة إتيان المؤلّف بهذا التعليق فافهم. 103 - باب رُكُوبِ الْبُدْنِ لِقَوْلِهِ: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج: 36]. قَالَ مُجَاهِدٌ: سُمِّيَتِ الْبُدْنَ لِبُدْنِهَا. وَالْقَانِعُ: السَّائِلُ، وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرُّ بِالْبُدْنِ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، وَشَعَائِرُ الله: اسْتِعْظَامُ الْبُدْنِ وَاسْتِحْسَانُهَا. وَالْعَتِيقُ: عِتْقُهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ. وَيُقَالُ وَجَبَتْ: سَقَطَتْ إِلَى الأَرْضِ، وَمِنْهُ وَجَبَتِ الشَّمْسُ. (باب) جواز (ركوب البدن) بضم الموحدة وسكون الدال وهي الإبل أو البقر وعن عطاء فيما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه البدنة والبعير والبقرة، وعن مجاهد: لا تكون البدن إلا من الإبل وعن بعضهم: البدنة ما يهدى من الإبل والبقرة والغنم وهو غريب (لقوله) تعالى: ({والبدن}) نصب بفعل يفسره قوله: ({جعلناها لكم من شعائر الله}) من أعلام دينه التي شرعها راتبة ({لكم فيها خير) منافع دينية ودنيوية من الركوب والحلب كما روى ابن أبي حاتم وغيره بإسناد جيد عن إبراهيم النخعي لكم فيها خير من شاء ركب ومن شاء حلب ({فاذكروا اسم الله عليها}) عند نحرها بأن تقولوا الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر اللهم منك إليك كذا روي عن ابن عباس ({صواف0.}) قائمات على ثلاثة قوائم معقولة يدها اليسرى أو رجلها اليسرى ({فإذا وجبت}) سقطت ({جنوبها}) على الأرض أي ماتت ({فكلوا منها وأطعموا القانع}) السائل من قنع إذا سأل أو فقيرًا لا يسأل من القناعة ({والمعترّ}) الذي لا يتعرض للمسألة أو هو السائل ({كذلك}) مثل ما وصفنا من نحرها قيامًا ({سخرناها لكم}) مع عظمها وقوّتها حتى تأخذوها منقادة فتعقلوها وتحبسوها

صافة قوائمها ثم تطعنوا في لباتها ({لعلكم تشكرون}) إنعامنا عليكم بالتقرب والإخلاص ({لن ينال الله}) لن يصيب رضاه ولن يقع منه موقع القبول ({لحومها}) المتصدق بها ({ولا دماؤها}) المهراقة بالنحر من حيث أنها لحوم ودماء ({ولكن يناله التقوى منكم}) ولكن يصيبه ما يصحبه من تقوى قلوبكم من النية والإخلاص فإنها هي المتقبلة منكم ({كذلك سخرها لكم}) كررها تذكيرًا لنعمة التسخير وتعليلاً بقوله: ({لتكبروا الله}) أي لتعرفوا عظمته باقتداره على ما لا يقدر غيره عليه فتوحدوه بالكبرياء ({على ما هداكم}) إلى كيفية التقرب إليه تعالى بها ولتضمن تكبروا معنى تشكروا عداه بعلى ({وبشر المحسنين}) [الحج: 36 - 37] الذين أحسنوا أعمالهم وسياق الآيتين بتمامهما رواية كريمة وأما رواية أبوي ذر والوقت فالمذكور منهما قوله: ({والبدن جعلناها لكم}) إلى قوله: ({وجبت جنوبها}) ثم المذكور بعده ({جنوبها}) إلى قوله: ({وبشر المحسنين}). (قال مجاهد: سميت البدن لبدنها) بضم الموحدة وسكون المهملة وللحموي والمستملي لبدنها بفتح الموحدة والمهملة وللكشميهني لبدانتها بفتح الموحدة والمهملة والنون وألف قبلها ومثناة فوقية بعدها أي لسمنها وأخرج عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: إنما سميت البدن من قبل السمانة (والقانع السائل) من قنع إذا سأل (والمعتر الذي يعتر) أي يطيف (بالبدن من غني أو فقير) قال: مجاهد فيما أخرجه عبد بن حميد: القانع جارك الذي ينتظر ما دخل بيتك والمعتر الذي يعتر ببابك ويريك نفسه ولا يسألك شيئًا. وروى عنه ابن أبي حاتم القانع الطامع وقال مرة هو السائل (وشعائر الله:) المذكورة في الآية (استعظام البدن واستحسانها.) عن مجاهد فيما أخرجه عبد بن حميد أيضًا في قوله تعالى: {ومن يعظم شعائر الله} فإن استعظام البدن استحسانها واستسمانها (والعتيق) المذكور في قوله تعالى: {وليطوّفوا بالبيت العتيق} (عتقه من الجبابرة.) قال مجاهد: كما رواه عبد بن حميد أيضًا إنما سمي أي البيت العتيق لأنه عتق من الجبابرة (ويقال: وجبت) أي (سقطت إلى الأرض) هو قول ابن عباس فيما أخرجه ابن أبي حاتم والمراد به تفسير قوله: فإذا وجبت جنوبها وسقطت الواو من ويقال: (ومنه وجبت الشمس) إذا سقطت للغروب. 1689 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ: ارْكَبْهَا. فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: ارْكَبْهَا. قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: ارْكَبْهَا وَيْلَكَ، فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ". [الحديث 1689 - أطرافه في: 1716، 2755، 6160]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلاً) لم يعرف اسمه (يسوق بدنة) زاد مسلم مقلدة والبدنة تقع على الجمل والناقة والبقرة وهي بالإبل أشبه وكثر استعمالها فيما كان هديًا (فقال:) له عليه الصلاة والسلام: (اركبها) لتخالف بذلك الجاهلية في ترك الانتفاع بالسائبة والوصيلة والحام وأوجب بعضهم ركوبها لهذا المعنى عملاً بظاهر هذا الأمر وحمله الجمهور على الإرشاد لمصلحة دنيوية، واستدلوا بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهدى ولم يركب ولم يأمر الناس بركوب الهدايا، وجزم به النووي في الروضة كأصلها في الضحايا، ونقل في المجموع عن القفال والماوردي جواز الركوب مطلقًا، ونقل فيه عن أبي حامد والبندنيجي وغيرهما تقييده بالحاجة، وفي شرح مسلم عن عروة بن الزبير ومالك في رواية عنه وأحمد وإسحاق له ركوبها من غير حاجة بحيث لا يضرها ثم قال: ودليلنا على عروة وموافقيه رواية جابر عند مسلم اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرًا اهـ. يعني لأنه مقيد يقضي على المطلق ولأنه شيء خرج عنه لله فلا يرجع فيه ولو أبيح النفع لغير ضرورة أبيح استئجاره ولا يجوز باتفاق والذي رأيته في تنقيح المقنع من كتب الحنابلة وعليه الفتوى عندهم وله ركوبها عند الحاجة فقط بلا ضرر ويضمن نقصها وهو مذهب الحنفية أيضًا (فقال) الرجل (إنها بدنة) أي هدي (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (اركبها) (فقال: إنها بدنة)، فقال:

104 - باب من ساق البدن معه

(اركبها ويلك) نصب أبدًا على المفعول المطلق بفعل من معناه محذوف وجوبًا أي ألزمه الله ويلاً وهي كلمة تقال لمن وقع في الهلاك أو لمن يستحقه أو هي بمعنى الهلاك أو مشقة العذاب أو الحزن أو واد في جهنم أو بئر أو باب لها أقوال، فيحتمل إجراؤها على هذا المعنى هنا لتأخر المخاطب عن امتثال أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقول الراوي (في) المرة (الثالثة أو في) المرة (الثانية) ولأبي ذر ويلك في الثانية أو الثالثة والشك من الراوي قال القرطبي وغيره أي ويلك تأديبًا لأجل مراجعته له مع عدم خفاء الحال عليه. ويحتمل أن لا يراد بها موضوعها الأصلي ويكون مما جرى على لسان العرب في المخاطبة من غير قصد لموضوعه كما في: تربت يداك ونحوه، وقيل كان أشرف على هلكة من الجهد وويل كلمة تقال لمن وقع في هلكة كما مر فالمعنى أشرفت على الهلاك فاركب فعلى هذا هي إخبار. 1690 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَشُعْبَةُ قَالاَ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ: ارْكَبْهَا. قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: ارْكَبْهَا. قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: ارْكَبْهَا. ثَلاَثًا". [الحديث 1690 - طرفاه في: 2754، 6159]. وبه قال (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي الأزدي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن أبي عبد الله سنبر بمهملة ثم نون ثم موحدة بوزن جعفر الدستوائي بفتح الدال وسكون السين المهملتين وفتح المثناة ثم مد ثقة ثبت قدمه أحمد على الأوزاعي وعلى أصحاب يحيى بن أبي كثير وعلى أصحاب قتادة وكان شعبة يقول: هو أحفظ مني، وكان القطان يقول: إذا سمعت الحديث من هشام الدستوائي لا تبالي أن لا تسمعه من غيره ومع هذا فقال محمد بن سعد: كان ثقة حجة إلا أنه يرى القدر، وقال العجلي: ثقة ثبت في الحديث إلا أنه كان يرى القدر ولا يدعو إليه لكن احتج به الأئمة. (وشعبة بن الحجاج) بن الورد العتكي الواسطي ثم البصري (قالا: حدّثنا قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن أنس) وعند الإسماعيلي: سمعت أنس بن مالك (-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلاً يسوق بدنة فقال:) ولأبي ذر: قال: (اركبها) (قال) الرجل (إنها بدنة قال:) عليه الصلاة والسلام: (اركبها ثلاثًا) أي قالها ثلاث مرات، وفي رواية أبي ذر فقال: اركبها ثلاثًا فسقط عنده ما ثبت عند الباقين قال إنها بدنة قال اركبها قال إنها بدنة قال اركبها وقد وافق الباقين على إثبات ذلك أبو مسلم الكجي في السنن عن مسلم بن إبراهيم شيخ المؤلّف فيه، وأخرجه الإسماعيلي عن مسلم كذلك لكن قال في آخره ويلك بدل ثلاثًا، وللترمذي فقال له في الثالثة أو الرابعة: اركبها ويحك أو ويلك وهو في البخاري في باب: هل ينتفع الواقف بوقفه كذلك. 104 - باب مَنْ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ (باب من ساق البدن) التي للهدي (معه) من الحل إلى الحرم. 1691 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ "تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ. فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِشَىْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَطَافَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَىْءٍ. ثُمَّ خَبَّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى أَرْبَعًا، فَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ فَأَتَى الصَّفَا فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَىْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنَ النَّاسِ". وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير ونسبه لجده لشهرته به المخزومي مولاهم المصري بالميم قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين بن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي بفتح الهمزة وسكون التحتية (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (أن) أبان (ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: تمتع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج) التمتع بلغة القرآن الكريم وعرف الصحابة أعم من القِران كما ذكره غير واحد وإذا كان أعم منه احتمل أن يراد به الفرد المسمى بالقران في الاصطلاح الحادث وأن يراد به المخصوص باسم التمتع في ذلك الاصطلاح، لكن يبقى النظر في أنه أعم في عرف الصحابة أم لا ففي الصحيحين عن سعيد بن المسيب. قال اجتمع علي وعثمان بعسفان فكان عثمان ينهى عن المتعة فقال عليّ: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تنهى عنه؟ فقال عثمان: دعنا منك. فقال إني لا أستطيع أن أدعك فلما رأى عليّ ذلك أهل بهما جميعًا، فهذا يبين أنه عليه الصلاة والسلام كان قارنًا ويفيد أيضًا أن الجمع بينهما تمتع فإن عثمان كان ينهى عن المتعة وقصد عليّ إظهار مخالفته تقديرًا لما فعله عليه الصلاة والسلام وأنه لم ينسخ فقرن، وإنما تكون مخالفة إذا كانت المتعة التي نهى عنها عثمان فدلّ على الأمرين اللذين عيناهما وتضمن اتفاق عليّ وعثمان على أن القران من مسمى التمتع وحينئذٍ يجب حمل قول ابن عمر: تمتع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

على التمتع الذي نسميه قرانًا لو لم يكن عنده يخالف اللفظ، فكيف وقد وجد عنه ما يفيد ما قلنا، وهو ما في صحيح مسلم عن ابن عمر أنه قرن الحج مع العمرة وطاف لهما طوافًا واحدًا ثم قال: هكذا فعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فظهر أن مراده بلفظ المتعة في هذا الحديث الفرد المسمى بالقران. (وأهدى) عليه الصلاة والسلام أي تقرب إلى الله تعالى بما هو مألوف عندهم من سوق شيء من النعم إلى الحرم ليذبح ويفرّق على مساكينه تعظيمًا له (فساق معه الهدي) وكان أربعًا وستين بدنة (من ذي الحليفة) ميقات أهل المدينة، (وبدأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأهلّ) أي لبى في أثناء الإحرام (بالعمرة، ثم أهل) أي لبى (بالحج) وليس المراد أنه أحرم بالحج لأنه يؤدي إلى مخالفة الأحاديث الصحيحة السابقة فوجب تأويل هذا على موافقتها. ويؤيد هذا التأويل قوله: (فتمتع الناس) في آخر الأمر (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعمرة إلى الحج) لأنه معلوم أن كثيرًا منهم وأكثرهم أحرموا أولاً بالحج مفردين وإنما فسخوه إلى العمرة آخرًا فصاروا متمتعين، (فكان من الناس من أهدى فساق) زاد في بعض الأصول معه (الهدي، ومنهم من لم يهد. فلما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة قال للناس): في رواية عن عائشة -رضي الله عنها- تقتضي أنه-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قال لهم ذلك بعد أن أهلوا بذي الحليفة، لكن الذي تدل عليه الأحاديث في الصحيحين وغيرهما من رواية عائشة وجابر وغيرهما أنه إنما قال لهم ذلك في منتهى سفرهم ودنوهم من مكة وهم بسرف كما في حديث عائشة أو بعد طوافه كما في حديث جابر، ويحتمل تكرار الأمر بذلك في الموضعين وأن العزيمة كانت آخرًا حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة. (من كان منكم أهدى فإنه لا يحل لشيء) ولأبي ذر وابن عساكر: من شيء (حرم منه) أي من أفعاله (حتى يقضي حجه) إن كان حاجًا فإن كان معتمرًا فكذلك لما في الرواية الأخرى، ومن أحرم بعمرة فلم يهد فليحلل، ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر هديه (ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر) من شعر رأسه وإنما لم يقل وليحلق وإن كان أفضل ليبقى له شعر يحلقه في الحج فإن الحلق في تحلل الحج أفضل منه في تحلل العمرة، ولأبي ذر: ويقصر بحذف لام الأمر والجزم عطفًا على المجزوم قبله والرفع على الأصل لأنه فعل مضارع مجرد من ناصب وجازم أي: وبعد الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة يقصر، (وليحلل) بسكون اللام الأولى والثالثة وكسر الثانية وفتح التحتية أمر معناه الخبر أي صار حلالاً فله فعل كل ما كان محظورًا عليه في الإحرام، ويحتمل أن يكون إذنًا كقوله تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 2] والمراد فسخ الحج عمرة واتمامها حتى يحل منها وفيه دليل على أن الحلق أو التقصير نسك وهو الصحيح، (ثم ليهل بالحج) أي في وقت خروجه إلى عرفات لا أنه يهل عقب تحلل العمرة، ولذا قال ثم ليهل فعبر بثم المقتضية للتراخي والهلة (فمن لم يجد هديًا) بأن عدم وجوده أو ثمنه أو زاد على ثمُن المثل أو كان صاحبه لا يريد بيعه (فليصم ثلاثة أيام في الحج) بعد الإحرام به والأولى تقديمها قبل يوم عرفة لأن الأولى فطره فيندب أن يحرم المتمتع العاجز عن الدم قبل سادس ذي الحجة ويمتنع تقديم الصوم على الإحرام (وسبعة إذا رجع إلى أهله) ببلده أو بمكان توطن به كمكة ولا يجوز صومها في توجهه إلى أهله لأنه تقديم للعبادة البدنية على وقتها ويندب تتابع الثلاثة والسبعة. (فطاف) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حين قدم مكة واستلم) أي مسح (الركن) الأسود حال كونه (أول شيء) أي مبدوءًا به (ثم خب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة أي رمل (ثلاثة طواف ومشى أربعًا) ولأبي ذر: أربعة أي من الأطواف (فركع حين قضى) أدى (طوافه بالبيت) سبعًا (عند المقام) مقام إبراهيم (ركعتين) للطواف (ثم سلم) منهما (فانصرف فأتى) عقب ذلك (الصفا) بالقصر (فطاف بالصفا والمروة سبعة

105 - باب من اشترى الهدي من الطريق

أطواف ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه) بالوقوف بعرفات ورمى الجمرات ولم يقل وعمرته لدخولها في الحج أو لأنه كان مفردًا (ونحر هديه) الذي ساقه معه من المدينة (يوم النحر وأفاض) أي دفع نفسه أو راحلته بعد الإتيان بما ذكر إلى المسجد الحرام (فطاف بالبيت) طواف الإفاضة، (ثم حل) عليه الصلاة والسلام (من كل شيء حرم منه) أي حصل له الحل. قال ابن عمر: (وفعل مثل ما فعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي مثل فعله فما مصدرية وفاعل فعل قوله (من أهدى) ممن كان معه عليه الصلاة والسلام، (وساق الهدي من الناس) "ومن" للتبعيض لأن من كان معه الهدي بعضهم لا كلهم. 1692 - وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وقال ابن شهاب (وعن عروة) بن الزبير عطفًا على قوله عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر، ووقع في بعض النسخ هنا ونسب لرواية أبي الوقت بعد قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باب: من أهدى وساق الهدي من الناس وعن عروة وهو غير صواب. (أن عائشة -رضي الله عنها- أخبرته عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تمتعه بالعمرة إلى الحج فتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم عن ابن عمر -رضي الله عنه- عن رسول الله) ولابن عساكر: عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). قال في الفتح: وقد تعقب المهلب قول ابن شهاب بمثل الذي أخبرني سالم فقال: يعني مثله في الوهم لأن أحاديث عائشة كلها شاهدة بأنه حج مفردًا. وأجاب الحافظ ابن حجر: بأنه ليس وهمًا إذ لا مانع من الجمع بين الروايتين فيكون المراد بالإفراد في حديثها البداءة بالحج وبالتمتع بالعمرة إدخالها على الحج. قال: وهو أولى من توهيم جبل من جبال الحفظ اهـ. وحديث الباب أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في الحج. 105 - باب مَنِ اشْتَرَى الْهَدْيَ مِنَ الطَّرِيقِ (باب من اشترى الهدي) بإسكان الدال مع تخفيف الياء ويجوز كسر الدال مع تشديد الياء ما يهدى إلى الحرم من النعم ويجزئ في الأضحية، ويطلق أيضًا على دم الجبران عند توجهه إلى البيت الحرام (من الطريق) سواء كان في الحل أو الحرم. 1693 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ "قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهم- لأَبِيهِ: أَقِمْ فَإِنِّي لاَ آمَنُهَا أَنْ سَتُصَدُّ عَنِ الْبَيْتِ. قَالَ: إِذًا أَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} فَأَنَا أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عَلَى نَفْسِي الْعُمْرَةَ. فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ. قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَقَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلاَّ وَاحِدٌ. ثُمَّ اشْتَرَى الْهَدْيَ مِنْ قُدَيْدٍ، ثُمَّ قَدِمَ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا، فَلَمْ يَحِلَّ حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا". وبالسند قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (قال: قال عبد الله بن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهم- لأبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب في عام نزول الحجاج بمكة لقتال ابن الزبير (أقم) بفتح الهمزة وكسر القاف أمر من الإقامة أي لا تحج في هذه السنة (فإني لا آمنها) بفتح الهمزة الممدودة والميم المخففة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وابن عساكر: لا إيمنها بكسر الهمزة فتقلب الألف ياء ساكنة على لغة من يكسر حرف المضارعة إذا كان الماضي على فعل بكسر العين ومستقبله يفعل بفتحها نحو: أنا أعلم وأنت تعلم ونحن نعلم وهو يعلم أي لا آمن الفتنة (أن ستصد) بفتح الهمزة وفتح السين والصاد ونصب الدال ورفعها أي ستمنع، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أن تصد (عن البيت قال): ابن عمر (إذا أفعل) نصب بإذا (كما فعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الإحلال حين صدّ بالحديبية، (وقد قال الله) تعالى: ({لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}) [الأحزاب: 21] فأنا أشهدكم أني قد أوجبت على نفسي العمرة فأهل بالعمرة) زاد أبو ذر: من الدار وفيها جواز الإحرام من قبل الميقات وهو من الميقات أفضل منه من دويرة أهله خلافًا للرافعي في تصحيحه عكسه، لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحرم بحجته وبعمرة الحديبية من ذي الحليفة ولأن في مصابرة الإحرام بالتقديم عسرًا وتغريرًا بالعبادة وإن كان جائزًا. (قال) عبد الله بن عبد الله بن عمر: (ثم خرج) أي أبوه إلى الحج (حتى إذا كان بالبيداء أهلّ بالحج والعمرة وقال: ما شأن الحج والعمرة) في العمل (إلا واحد) لأن القارن عنده لا يطوف إلا طوافًا واحدًا وسعيًا واحدًا وهو مذهب الجمهور خلافًا للحنفية. وأجابوا عن هذا بأن المراد من هذا الطواف طواف القدوم كما مرّ في باب طواف القارن، (ثم اشترى الهدي من قديد) بضم القاف وفتح الدال بعدها موضع في أرض الحل وهذا موضع الترجمة وكونه معه من بلده أفضل وشراؤه من طريقه

106 - باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم وقال نافع: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا أهدى من المدينة قلده وأشعره بذي الحليفة يطعن في شق سنامه الأيمن بالشفرة، ووجهها قبل القبلة باركة

أفضل من شرائه من مكة ثم من عرفة فإن لم يسقه أصلاً بل اشتراه من منى جاز وحصل أصل الهدي، (ثم قدم) بفتح القاف وكسر الدال مكة (فطاف) بالكعبة (لهما) أي للحج والعمرة (طوافًا واحدًا) وسعى سعيًا واحدًا (فلم يحل) من إحرامه (حتى حلّ) وللحموي: أحل بزيادة ألف قبل الحاء وهي لغة مشهورة يقال: حل وأحل (منهما) أي من الحج والعمرة (جميعًا). 106 - باب مَنْ أَشْعَرَ وَقَلَّدَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ وَقَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- إِذَا أَهْدَى مِنَ الْمَدِينَةِ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ يَطْعُنُ فِي شِقِّ سَنَامِهِ الأَيْمَنِ بِالشَّفْرَةِ، وَوَجْهُهَا قِبَلَ الْقِبْلَةِ بَارِكَةً (باب من أشعر وقلد) هديه (بذي الحليفة) ميقات أهل المدينة (ثم أحرم) بعد الإشعار والتقليد. (وقال نافع) مولى ابن عمر بن الخطاب مما وصله مالك في موطئه: (كان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا أهدى من المدينة قلده) أي الهدي بأن يعلق في عنقه نعلين من النعال التي تلبس في الإحرام (وأشعره بذي الحليفة) من الإشعار بكسر الهمزة وهو لغة الإعلام وشرعًا ما هو مذكور في قوله (يطعن) بضم العين أي يضرب (في شق) بكسر الشين المعجمة أي ناحية صفحة (سنامه) بفتح السين المهملة أي سنام الهدي (الأيمن) نعت لشق. وقال مالك: في الأيسر وهو الذي في الموطأ. نعم روى البيهقي عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يبالي في أي الشقين أشعر في الأيسر أو في الأيمن. قال: وإنما يقول الشافعي بما روي في ذلك عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يشير إلى حديث ابن عباس: أشعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الشق الأيمن (بالشفرة) بفتح الشين المعجمة السكين العريضة بحيث يكشط جلدها حتى يظهر الدم (ووجهها) أي البدنة (قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة (القبلة) أي في حالتي التقليد والإشعار حال كونها (باركة) ويلطخها بالدم لتعرف إذا ضلت وتتميز إذا اختلطت بغيرها فإن لم يكن لها سنام أشعر موضعه هذا مذهب الشافعية وهو ظاهر المدونة، وفي كتاب محمد: لا تشعر لأنه تعذيب فيقتصر فيه على ما ورد. وقال أبو حنيفة: الإشعار مكروه وخالفه صاحباه: فقالا: إنه سنّة، واحتج لأبي حنيفة بأنه مثلة وهي منهي غنها وعن تعذيب الحيوان. وأجيب: بأن أخبار النهي عن ذلك عامة وأخبار الإشعار خاصة فقدمت. وقال الخطابي: أشعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدنه آخر حياته ونهيه عن المثلة كان أول مقدمه المدينة مع أنه ليس من المثلة بل من باب آخر اهـ. أي: بل هو كالختان والفصد وشق أذن الحيوان ليكون علامة وغير ذلك كالختان، وقد كثر تشنيع المتقدمين على أبي حنيفة -رحمه الله- في إطلاقه كراهة الإشعار فقال ابن حزم في المحلى: هذه طامة من طوام العالم أن يكون مثلة شيء فعله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أف لكل عقلٍ يتعقب حكم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذه قولة لأبي حنيفة لا نعلم له فيها متقدمًا من السلف ولا موافقًا من فقهاء عصره إلا من قلدها اهـ. وقد ذكر الترمذي عن أبي السائب قال: كنا عند وكيع فقال له رجل روي عن إبراهيم النخعي أنه قال: الإشعار مثلة فقال له وكيع: أقول لك أشعر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتقول قال إبراهيم ما أحقك أن تحبس اهـ. وهذا فيه رد على ابن حزم حيث زعم أنه ليس لأبي حنيفة سلف في ذلك، وقد أجاب الطحاوي مختصرًا لأبي حنيفة فقال: لم يكره أبو حنيفة أصل الإشعار بل ما يفعل منه على وجه يخاف منه هلاك البدن كسراية الجرح لا سيما مع الطعن بالشفرة فأراد سدّ الباب عن العامة لأنهم لا يراعون الحد في ذلك، وأما من كان عارفًا بالسنة في ذلك فلا. وقد ثبت عن عائشة وابن عباس التخيير في الإشعار وتركه فدلّ على أنه ليس بنسك اهـ. 1694 و 1695 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ قَالاَ "خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْمَدِينَةِ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْهَدْيَ وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ". [الحديث 1694 - أطرافه في: 1811، 2712، 2731، 4158، 4178، 4181] [الحديث 1695 - أطرافه في: 2711، 2732، 4157، 4179، 4180]. وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) هو فيما قاله الدارقطني ابن شبويه، وقال الحاكم أبو عبد الله هو المروزي المعروف بمرويه ورجح المزي هذا الثاني قال: (أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن) ابن شهاب (الزهري عن عروة بن الزبير) بن العوام (عن المسور) بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو (ابن مخرمة) بفتح الميمين وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء أمه عاتكة أخت عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، وكان مولده بعد الهجرة بسنتين، وقدم المدينة بعد الفتح سنة ثلاث ابن ست سنين. قال البغوي: حفظ عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحاديث وحديثه

107 - باب فتل القلائد للبدن والبقر

عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في خطبة عليّ بنت أبي جهل في الصحيحين وغيرهما وقع في بعض طرقه عند مسلم: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا محتلم، وهذا يدل على أنه ولد قبل الهجرة لكنهم أطبقوا على أنه ولد بعدها، وقد تأول بعضهم أن قوله محتلم من الحلم بالكسر لا من الحلم بالضم يريد أنه كان عاقلاً ضابطًا لما يتحمله، وتوفى في حصار ابن الزبير الأول أصابه حجر من حجارة المنجنيق وهو يصلّي فأقام خمسة أيام ومات يوم أتي بنعي يزيد بن معاوية سنة أربع وستين لا في سنة ثلاث وسبعين، لأن ذلك الحصار كان من الحجاج، وفيه قتل ابن الزبير ولم يبق السور إلى هذا الزمان. (ومروان) بن الحكم ابن أبي العاص القرشي الأموي ابن عم عثمان وكاتبه في خلافته ولد بعد الهجرة بسنتين وقيل بأربع، وقال ابن أبي داود: كان في الفتح مميزًا وفي حجة الوداع، لكن لا أدري أسمع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا أم لا. قال في الإصابة: ولم أر من جزم بصحبته فكأنه لم يكن حينئذٍ مميزًا ومن بعد الفتح أخرج أبوه إلى الطائف وهو معه فلم يثبت له أزيد من الرؤية وأرسل عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقرنه البخاري بالسور بن مخرمة في روايته عن الزهري عنهما في قصة الحديبية وفي بعض طرقه عنده أنهما رويا عن بعض الصحابة وفي أكثرها أرسلاً الحديث، وولي مروان الخلافة سنة أربع وستين ومات في رمضان سنة خمس وله ثلاث أو إحدى وستون سنة. قال في التقريب: ولم يثبت له صحبة (قالا): أي: المسور ومروان: (خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المدينة) زاد أبوا الوقت وذر عن الحموي والمستملي: زمن الحديبية (في بضع عشرة مائة من أصحابه) بكسر الموحدة وقد تفتح ما بين الثلاث إلى التسع (حتى إذا كانوا بذي الحليفة) ميقات أهل المدينة المشهور (قلد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الهدي وأشعره) وعند الدارقطني أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ساق يوم الحديبية سبعين بدنة عن سبعمائة رجل (وأحرم بالعمرة) ويؤخذ منه أن السنة لمريد النسك أن يشعر ويقلد بدنه عند الإحرام من الميقات، وهل الأفضل تقديم الإشعار أو التقليد؟ قال في الروضة: صح في الأول خبر في صحيح مسلم، وصح في الثاني عن فعل ابن عمر وهو المنصوص، وزاد في المجموع أن الماوردي حكى الأول عن أصحابنا كلهم ولم يذكر فيه خلافًا. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الشروط والمغازي، وأبو داود في الحج، والنسائي في السنن، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول وهو من المراسيل على ما مرّ. 1696 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "فَتَلْتُ قَلاَئِدَ بُدْنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدَىَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا وَأَهْدَاهَا، فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَىْءٌ كَانَ أُحِلَّ لَهُ". [الحديث 1696 - أطرافه في: 1698، 1699، 1700، 1701، 1702، 1703، 1704، 1705، 2317، 5566]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا أفلح) بن حميد الأنصاري (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن) عمته (عائشة -رضي الله عنها- قالت): (فتلت) بالفاء (قلائد بدن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيدي) بفتح الدال وتشديد الياء (ثم قلدها) عليه الصلاة والسلام بيده الشريفة (وأشعرها وأهداها) قالت عائشة: (فما) بالفاء قبل ما، ولأبوي الوقت وذر: وما (حرم) بفتح الحاء وضم الراء (عليه شيء كان أحل له) قبل ذلك من محظورات الإحرام. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الحج وكذا مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. 107 - باب فَتْلِ الْقَلاَئِدِ لِلْبُدْنِ وَالْبَقَرِ (باب فتل القلائد للبدن والبقر) ومذهب الشافعي وموافقيه أنه يستحب تقليد البقر وإشعارها. وقال المالكية: التقليد والإشعار في الإبل وفي البقر التقليد دون الإشعار والبدن عند الشافعية من الإبل خاصة، وعند الحنفية من الإبل والبقر والهدي منهما ومن الغنم. 1697 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنهم قَالَتْ "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ؟ قَالَ: إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنَ الْحَجِّ». وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) الأسدي البصري قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بتصغير عبد بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني أخي عبد الله بن عمر (قال: أخبرني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر بن الخطاب (عن ابن عمر عن) أم المؤمنين (حفصة وضي الله عنهم) أنها (قالت: قلت يا رسول الله ما شأن الناس حلوا) زاد في باب التمتع والقران بعمرة وسبق ما فيها من البحث هناك (ولم تحلل)؟ بكسر اللام الأولى بفك الإدغام، ولأبوي ذر والوقت: ولم تحل أنت بإدغام اللام في اللام أي من عمرتك (قال): عليه الصلاة والسلام. (أني لبدت) شعر (رأسي)

108 - باب إشعار البدن

بتشديد الموحدة من التلبيد وهو جعل شيء نحو الصمغ في الشعر ليجتمع ويلتصق بعضه ببعض احترازًا عن تمعطه وتقمله، لكن تلبيد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان بالعسل كما في رواية أبي داود وكان عند إهلاله كما في الصحيحين (وقلدت هديي فلا) بالفاء، ولأبي ذر وابن عساكر: ولا (أحل) من إحرامي أي لا يحل شيء مما حرم عليّ (حتى أحل من الحج) وليس العلة في ذلك سوق الهدي وتقليده بل إدخال الحج على العمرة خلافًا للحنفية حيث جعلوا العلة في بقائه على إحرامه الهدي كما سبق تقريره. ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الهدي يتناول البقر والبدن جميعًا كما سبق وهمزة أحل مفتوحة في الموضعين من الثلاثي ويجوز الضم من الرباعي لغتان كقوله: تحل. والفتح أوفق لقولها: وقال: لبدت رأسي وقلدت هديي وإن كان أجنبيًا من الحل وعدمه لبيان أنه من أوّل الأمر مستعد لدوام إحرامه حتى يبلغ الهدي محله والتلبيد مشعر بمدة طويلة أو ذكر لبيان الواقع أو للتأكيد، وفيه: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان قارنًا، ولم يقع في الحديث ذكر فتل القلائد المذكور في الترجمة، فقيل: لأن التقليد لا بد له من الفتل ورد بأن القلادة أعم من أن تكون من شيء يفتل أو من شيء لا يفتل فلا تلازم. 1698 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُهْدِي مِنَ الْمَدِينَةِ، فَأَفْتِلُ قَلاَئِدَ هَدْيِهِ، ثُمَّ لاَ يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُهُ الْمُحْرِمُ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي الوقت: حدثني (ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (وعن عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يهدي) بضم أوله (من المدينة) أي يبعث بالهدي منها (فأفتل قلائد هديه ثم لا يجتنب) عليه الصلاة والسلام (شيئًا مما يجتنبه المحرم) من محظورات الإحرام لأنه كان حينئذٍ لا يحرم، ولأبوي ذر والوقت: يجتنب بإسقاط الضمير. وفي الحديث أن من أرسل الهدي إلى مكة لا يصير بذلك محرمًا ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم، وهذا مذهب كافة العلماء خلافًا لما روي عن ابن عباس وابن عمر وعطاء وسعيد بن جبير من اجتنابه ما يجتنبه المحرم ولا يصير محرمًا من غير نيّة الإحرام. 108 - باب إِشْعَارِ الْبُدْنِ وَقَالَ عُرْوَةُ عَنِ الْمِسْوَرِ -رضي الله عنه- "قَلَّدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ". (باب إشعار البدن) وقد سبق ما فيه وإنما ذكره المؤلّف لزيادة فرائد الفوائد متنًا وإسنادًا. (وقال عروة) بن الزبير فيما سبق موصولاً (عن المسور) بن مخرمة (-رضي الله عنه-: قلد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الهدي وأشعره) زمن الحديبية (وأحرم بالعمرة). 1699 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "فَتَلْتُ قَلاَئِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا -أَوْ قَلَّدْتُهَا- ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى الْبَيْتِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَىْءٌ كَانَ لَهُ حِلٌّ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا أفلح بن حميد) الأنصاري المدني (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت): (فتلت قلائد هدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم أشعرها) أي البدن (وقلدها) هو عليه الصلاة والسلام- (أو قلدتها) - بالشك من الراوي وعليه تجوز الاستنابة في التقليد (ثم بعث) عليه الصلاة والسلام (بها) أي بالبدن مع أبي بكر الصديق كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى (إلى البيت) الحرام (وأقام) عليه الصلاة والسلام (بالمدينة) حلالاً (فما حرم عليه شيء) من محورات الإحرام (كان له حل) أي حلال، والجملة في موضع رفع صفة لقوله شيء وهو رفع بقوله فما حرم بضم الراء. 109 - باب مَنْ قَلَّدَ الْقَلاَئِدَ بِيَدِهِ (باب من قلد القلاتد بيده) على الهدايا من غير أن يستنيب. 1700 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ "أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ حَتَّى يُنْحَرَ هَدْيُهُ. قَالَتْ عَمْرَةُ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَنَا فَتَلْتُ قَلاَئِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدَىَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَىْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ". وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي وعمرو بفتح العين وهو ساقط لأبي ذر (عن) خالته (عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية (أنها أخبرته أن زياد بن أبي سفيان) هو الذي استلحقه معاوية، وإنما كان يقال له زياد بن أبيه أو ابن عبيد لأن أمه سمية مولاة الحرث بن كلدة ولدته على فراش عبيد، فلما كان في خلافة معاوية شهد جماعة على إقرار أبي سفيان بأن زيادًا ولده فاستلحقه معاوية لذلك وأمره على العراقين. (كتب إلى عائشة -رضي الله عنها- أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-) بكسر همزة أن في الفرع وفي غيره بالفتح (قال: من أهدى)

110 - باب تقليد الغنم

أي بعث إلى مكة (هديًا حرم عليه ما يحرم على الحاج) من محظورًا الإحرام (حتى ينحر) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول و (هديه) رفع نائب عن الفاعل (قالت عمرة): بنت عبد الرحمن بالسند المذكور: (فقالت عائشة -رضي الله عنها-: ليس كما قال ابن عباس -رضي الله عنه-) (أنا فتلت قلائد هدي رسول الله) ولابن عساكر: قلائد هدي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيدي) بفتح الدال وتشديد الياء وفي أخرى بالإفراد (ثم قلدها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيديه) الشريفتين (ثم بعث بها) أي بالبدن إلى مكة (مع أبي) أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- لما حج بالناس سنة تسع (فلم يحرم على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيء أحله الله) زاد أبوا ذر والوقت: له (حتى نحر الهدي) بالبناء للمفعول، وفي نسخة: حتى نحر الهدي مبنيًا للفاعل أي حتى نحر أبو بكر الهدي. وقال الكرماني فإن قلت: عدم الحرمة ليس مغيًا إلى النحر إذ هو باق بعده فلا مخالفة بين حكم ما بعد الغاية وما قبلها. وأجاب: بأنه غاية ليحرم لا للم يحرم أي الحرمة المنتهية إلى النحر اهـ. وقد وافق ابن عباس جماعة من الصحابة منهم: ابن عمر رواه ابن أبي شيبة، وقيس بن سعد بن عبادة رواه سعيد بن منصور. وقال ابن المنذر قال عمر وعليّ وقيس بن سعد وابن عمر وابن عباس والنخعي وعطاء وابن سيرين وآخرون: من أرسل الهدي وأقام حرم عليه ما يحرم على المحرم. وقال ابن مسعود وعائشة وأنس وابن الزبير وآخرون: لا يصير بذلك محرمًا، وإلى ذلك صار فقهاء الأمصار. ومن حجة الأوّلين ما رواه الطحاوي وغيره من طريق عبد الملك بن جابر عن أبيه قال: كنت جالسًا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقدّ قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه وقال "إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا وكذا. فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي" الحديث. قال في الفتح: وهذا لا حجة فيه لضعف إسناده. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الوكالة ومسلم والنسائي في الحج. 110 - باب تَقْلِيدِ الْغَنَمِ (باب تقليد الغنم). 1701 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "أَهْدَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّةً غَنَمًا". وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت): (أهدى (النبي) أي بعث إلى مكة (مرة غنمًا). وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة في الحج. 1702 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "كُنْتُ أَفْتِلُ الْقَلاَئِدَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيُقَلِّدُ الْغَنَمَ وَيُقِيمُ فِي أَهْلِهِ حَلاَلاً". وبه قال: (حدثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدثنا الأعمش) قال: حدثنا إبراهيم) النخعي وصرح الأعمش في هذا بالتحديث عن إبراهيم فانتفت تهمة تدليسه في سند الحديث السابق حيث عنعن فيه (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت): (كنت أفتل) بكسر التاء (القلائد للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيقلد) بها (الغنم) وزاد في الرواية التالية: لهذه فيبعث بها (ويقيم في أهله حلالاً). 1703 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "كُنْتُ أَفْتِلُ قَلاَئِدَ الْغَنَمِ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَبْعَثُ بِهَا، ثُمَّ يَمْكُثُ حَلاَلاً". وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي المذكور قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد قال: (حدّثنا منصور بن المعتمر) قال المؤلّف ح: (وحدّثنا محمد بن كثير) العبدي البصري قال ابن معين: لم يكن بالثقة، وقال أبو حاتم، صدوق ووثقه أحمد بن حنبل، وقال في التقريب: لم يصب من ضعفه وما رواه البخاري له قد توبع عليه قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن منصور) السابق (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت): (كنت أفتل قلائد الغنم للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيبعث بها) إلى مكة (ثم يمكث) بالمدينة (حلالاً) وقد احتج الشافعي بهذا على أن الغنم تقلد، وبه قال أحمد والجمهور خلافًا لمالك وأبي حنيفة حيث معناه لأنها تضعف عن التقليد قال عياض: المعروف من مقتضى الرواية أنه كان عليه الصلاة والسلام يهدي البدن لقوله في بعض الروايات: قلد وأشعر، وفي بعضها: فلم يحرم عليه شيء حتى نحر الهدي لأن ذلك إنما يكون في البدن، وإنما الغنم في رواية الأسود

111 - باب القلائد من العهن

هذه ولانفراده بها نزلت على حذف مضاف أي من صوف الغنم كما قال في الأخرى من عهن. والعهن: الصوف، لكن جاء في بعض روايات حديث الأسود هذا: كنا نقلد الشاة وهذا يرفع التأويل اهـ. قال أبو عبد الله الأبي: وأحاديث الباب ظاهرة في تقليد الغنم اهـ. وقال المنذري والإعلال بتفرد الأسود عن عائشة ليس بعلة لأنه ثقة حافظ لا يضره التفرد وقد وقع الاتفاق على أنها لا تشعر لضعفها، ولأن الإشعار لا يظهر فيها لكثرة شعرها وصوفها فتقلد بما لا يضعفها كالخيوط المفتولة ونحوها. 1704 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "فَتَلْتُ لِهَدْيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-تَعْنِي الْقَلاَئِدَ- قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا زكريا) ابن أبي زائدة (عن عامر) هو الشعبي (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت): (فتلت لهدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تعني) عائشة (القلائد قبل أن يحرم) ولفظ الهدي شامل للغنم وغيرها فالغنم فرد من أفراد ما يهدى، وقد ثبت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهدى الإبل وأهدى البقر فمن ادعى اختصاص الإبل بالتقليد فعليه البيان. 111 - باب الْقَلاَئِدِ مِنَ الْعِهْنِ (باب القلائد من العهن) بكسر العين وسكون الهاء آخره نون الصوف أو المصبوغ ألوانًا أو الأحمر. 1705 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "فَتَلْتُ قَلاَئِدَهَا مِنْ عِهْنٍ كَانَ عِنْدِي". وبالسند قال: (حدثنا عمرو بن علي) بسكون الميم بعد فتح العين ابن بحر الصيرفي البصري قال: (حدّثنا معاذ بن معاذ) بضم الميم وتخفيف العين وبالذال المعجمة فيهما ابن نصر بن حسان العنبري التميمي قاضي البصرة قال: (حدثنا ابن عون) عبيد الله (عن القاسم) بن محمد بن أْبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (عن) عمته (أم المؤمنين) عائشة (-رضي الله عنها- قالت): (فتلت قلائدها) أي البدن أو الهدايا (من عهن) أي صوف وأكثر ما يكون مصبوغًا ليكون أبلغ في العلامة (كان عندي) وفيه ردّ على من قال تكره القلائد من الأوبار، واختار أن يكون من نبات الأرض. ونقل ابن فرحون في مناسكه عن ابن عبد السلام أنه قال: والمذهب أن ما تنبته الأرض مستحب على غيره. وقال ابن حبيب: يقلدها بما شاء. 112 - باب تَقْلِيدِ النَّعْلِ (باب تقليد النعل) للهدي وأل للجنس فيعم الواحدة فما فوقها، وأبدى ابن المنير فيه حكمة وهي أن العرب تعتدّ النعل مركوبة لكونها تقي عن صاحبها وتحمل عنه وعر الطريق، فكأن الذي أهدى وقلده بالنعل خرج عن مركوبه لله تعالى حيوانًا وغيره بالنظر إلى هذا يستحب النعلان في التقليد. 1706 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً قَالَ: ارْكَبْهَا، قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ. قَالَ: ارْكَبْهَا، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ رَاكِبَهَا يُسَايِرُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّعْلُ فِي عُنُقِهَا". تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: حدثني (محمد) زاد أبو ذر: هو ابن سلام، وكذا عند ابن السكن، لكن قال الجياني: لعله محمد بن المثنى لأنه قال هذا في باب الذبح قبل الحلق: حدّثنا محمد بن المثنى، حدّثنا عبد الأعلى، ويؤيده رواية الإسماعيلي وأبي نعيم في مستخرجيهما من طريق الحسن بن سفيان حدّثنا محمد بن المثنى حدّثنا عبد الأعلى فذكرا حديث النعل. قال الحافظ ابن حجر: وليس ذلك بلازم والعمدة على ما قاله ابن السكن فإنه حافظ وسلام بالتخفيف، ولأبي ذر بالتشديد قال: (أخبرنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى) بن محمد السامي بالمهملة من بني سامة بن لؤيّ (عن معمر) هو ابن راشد (عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة) مولى ابن عباس لا عكرمة بن عمار لأنه تلميذ يحيى لا شيخه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن نبيّ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلاً)، حال كونه (يسوق بدنة) أي هديًا (قال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر: فقال: (اركبها) (قال): الرجل (إنها بدنة قال) عليه الصلاة والسلام: (اركبها) (قال) أبو هريرة (فلقد رأيته) أي الرجل المذكور حال كونه (راكبها) وإنما انتصب على الحال وإن كان مضافًا للضمير لأن اسم الفاعل العامل لا يتعرف بالإضافة وهو وإن كان ماضيًا لكنه على حكاية الحال كما في قوله تعالى: {وكلبهم باسط ذراعيه} [الكهف: 18] أو لأن إضافته لفظية فهو نكرة، ويجوز أن يكون بدلاً من ضمير المفعول في رأيته (يساير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والنعل في عنقها). (تابعه محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة. قال إمام الصنعة الحافظ ابن حجر: المتابع بالفتح هنا هو معمر، والمتابع بالكسر ظاهر السياق أنه محمد بن بشار، وفي التحقيق هو علي بن المبارك

113 - باب الجلال للبدن وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يشق من الجلال إلا موضع السنام وإذا نحرها نزع جلالها مخافة أن يفسدها الدم ثم يتصدق بها

وإنما احتاج معمر عنده إلى المتابعة لأن في رواية البصريين عنه مقالا لكونه حدثهم بالبصرة من حفظه وهذا من رواية البصريين اهـ. وتعقبه العيني فقال: الذي يقتضيه حق التركيب يرد ما قاله على ما لا يخفى، والذي حمله على ذكر علي بن المبارك في السند الذي يأتي عقب هذا وهذا في غاية البعد على ما يخفى. غاية ما في الباب أن السند الذي فيه علي بن المبارك يظهر أنه تابع معمرًا في روايته في نفس الأمر لا في الظاهر لأن التركيب لا يساعد ما قاله أصلاً فافهم اهـ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (عثمان بن عمر) بن فارس البصري قال: (أخبرنا علي بن المبارك) الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون ممدود البصري ثقة كان له عن يحيى بن أبي كثير كتابان: أحدهما سماع والآخر إرسال، فحديث الكوفيين عنه فيه شيء لكن أخرج له البخاري من رواية البصريين خاصة، وأخرج من رواية وكيع عنه حديثًا واحدًا توبع عليه (عن يحيى) بن أبي كثر (عن عكرمة) مول ابن عباس (عن أبي هريرة رضي الله عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وأخرجه الإسماعيلي من طريق وكيع بمتابعة عثمان بن عمر وقال: إن حسينا المعلم رواه عن يحيى بن أبي كثير أيضًا. 113 - باب الْجِلاَلِ لِلْبُدْنِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- لاَ يَشُقُّ مِنَ الْجِلاَلِ إِلاَّ مَوْضِعَ السَّنَامِ وَإِذَا نَحَرَهَا نَزَعَ جِلاَلَهَا مَخَافَةَ أَنْ يُفْسِدَهَا الدَّمُ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا (باب الجلال للبدن) بكسر الجيم وهي ما يوضع على ظهورها وأحدها جل. (وكان ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-) مما وصل بعضه في الموطأ (لا يشق من الجلال إلا موضع السنام) بفتح السين لئلا يسقط وليظهر الإشعار لئلا يستر تحتها، وهذا يقتضي أن إظهار التقرب بالهدي أفضل من إخفائه، والمعروف أن إخفاء العمل الصالح غير الفرض أفضل من إظهاره. وأجيب: بأن أفعال الحج مبنية على الظهور كالإحرام والطواف والوقوف فكان الإشعار والتقليد كذلك فيخص الحج من عموم الإخفاء. (وإذا نحرها) أي أراد نحرها (نزع جلالها) عنها (مخافة أن يفسدها الدم ثم يتصدق بها) قال نافع فيما رواه ابن المنذر: وربما دفعها إلى بني شيبة اهـ. وأراد بذلك أن لا يرجع في شيء أهل به لله ولا في شيء أضيف إليه. 1707 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ "أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجِلاَلِ الْبُدْنِ الَّتِي نَحَرْتُ وَبِجُلُودِهَا". [الحديث 1707 - أطرافه في: 1716، 1716 م، 1717، 1718، 2299]. وبالسند قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف ابن عقبة بن عامر السوائي العامري قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم عبد الله بن يسار المكي (عن مجاهد) هو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة الإمام في التفسير (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري المدني ثم الكوفي (عن علي -رضي الله عنه- قال): (أمرني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أتصدق بجلال البدن التي) وفي رواية الذي (نحرت) بفتح النون والحاء وسكون الراء وضم الفوقية ولأبي الوقت: نحرت بضم النون وكسر الحاء وفتح الراء وسكون الفوقية (وبجلودها) ولابن عساكر: وجلودها بإسقاط حرف الجر وفيه استحباب تجليل البدن والتصدق بذلك الجل. نقل القاضي عياض عن العلماء: أن التجليل يكون بعد الإشعار لئلا يتلطخ بالدم وأن تشق الجلال عن الأسنمة إن كانت قيمتها قليلة فإن كانت نفيسة لم تشق. قال صاحب الكواكب: وفيه أنه لا يجوز بيع الجلال ولا جلود الهدايا والضحايا كما هو ظاهر الحديث إذ الأمر حقيقة في الوجوب اهـ. وتعقبه في اللامع فقال: فيه نظر فذلك صيغة أفعل لا لفظ أمر. وهذا الحديث أخرجه في الحج أيضًا وكذا مسلم وابن ماجة. 114 - باب مَنِ اشْتَرَى هَدْيَهُ مِنَ الطَّرِيقِ وَقَلَّدَهَا (باب من اشترى هديه من الطريق وقلدها) أنث الضمير باعتبار ما صدق عليه الهدي وهو البدنة وللأصيلي وقلده بالتذكير باعتبار الهدي، وقد سبق هذا الباب بترجمته لكنه زاد عنا ذكر التقليد، وأورد فيه الحديث من وجه آخر فرحمه الله على حسن صنيعه ما أدق نظره وأوسع اطلاعه. 1708 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ "أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- الْحَجَّ، عَامَ حَجَّةِ الْحَرُورِيَّةِ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنهما-، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ وَنَخَافُ أَنْ يَصُدُّوكَ، فَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} إِذًا أَصْنَعَ كَمَا صَنَعَ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَوْجَبْتُ عُمْرَةً حَتَّى كَانَ بِظَاهِرِ الْبَيْدَاءِ قَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلاَّ وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي جَمَعْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَةٍ. وَأَهْدَى هَدْيًا مُقَلَّدًا اشْتَرَاهُ، حَتَّى قَدِمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَىْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ، فَحَلَقَ وَنَحَرَ، وَرَأَى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَهُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: كَذَلِكَ صَنَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المندر) الحزامي المدني قال: (حدّثنا أبو ضمرة) عياض الليثي المدني قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) الأسدي المدني (عن نافع) مو ابن عمر المدني (قال: أراد ابن عمر -رضي الله عنهما- الحج عام حجة الحرورية) سنة أربع وستين وهي السنة التي مات فيها يزيد بن معاوية. والحرورية بفتح الحاء وضم الراء الأولى نسبة إلى قرية من قرى الكوفة كان

115 - باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن

أول اجتماع الخوارج بها وهم الذين خرجوا على عليّ -رضي الله عنه- لما حكم أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص وأنكروا على علي في ذلك وقالوا: شككت في أمر الله وحكمت عدوّك وطالت خصومتهم، ثم أصبحوا يومًا وقد خرجوا وهم ثمانية آلاف وأميرهم ابن الكواء عبد الله، فبعث إليهم علي عبد الله بن عباس فناظرهم فرجع منهم ألفان وبقيت ستة آلاف، فخرج إليهم علي فقاتلهم، قوله: حجة بالنصب، وللأصيلي: حجة بالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: عامة حجة الحرورية بالجر على الإضافة، وله عن الكشميهني: عام حج الحرورية بالتذكير والجر. (في عهد ابن الزبير) عبد الله (-رضي الله عنهما-) واستشكل هذا لأنه مغاير لقوله في باب: طواف القارن من رواية الليث عن نافع عام نزل الحجاج بابن الزبير، لأن نزول الحجاج بابن الزبير كان في سنة ثلاث وسبعين وذلك في آخر أيام ابن الزبير، وحجة الحرورية كما سبق قريبًا في سنة أربع وستين وذلك قبل أن يتسمى ابن الزبير بالخلافة. وأجيب: باحتمال أن الراوي أطلق على الحجاج وأتباعه حرورية بجامع ما بينهم من الخروج على أئمة الحق أو باحتمال تعدد القصة قاله صاحب الفتح وغيره. (فقيل له) سبق في باب: من اشترى الهدي من الطريق أن القائل ابنه عبد الله، ويأتي إن شاء الله تعالى في باب: إذا أحصر المتمتع أن عبيد الله سالمًا ولديه كلماه في ذلك فقالوا: (إن الناس كائن بينهم قتال) يشير إلى الجيش الذي أرسله عبد الملك بن مروان وأمر عليه الحجاج لقتال ابن الزبير ومن معه بمكة، (ونخاف أن يصدوك) عن الحج بسبب ما يقع بينهم من القتال (فقال): ابن عمر: ({لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) بضم الهمزة وكسرها (إذا) أي حينئذ (أصنع) في حجي (كما صنع) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من التحلل حين حصر في الحديبية والابتداء بالعمرة كما أهلّ بها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين صدّ عام الحديبية أيضًا. وقوله: أصنع نصب بإذا (أشهدكم أني أوجبت عمرة حتى كان) ولأبوي ذر والوقت: حتى إذا كان (بظاهر البيداء) الشرف الذي قدام ذي الحليفة إلى جهة مكة (قال: ما شأن الحج والعمرة إلا واحد) في حكم الحصر، وإذا كان التحلل للحصر جائزًا في العمرة مع أنها غير محدودة بوقت ففي الحج أجوز. (أشهدكم أني جمعت) ولأبي ذر: قد جمعت (حجة) ولأبوي ذر والوقت عن الحموي والمستملي: جمعت الحج (مع عمرة) ولم يكتف بالنية في إدخال الحج على العمرة بل أراد إعلام من يقتدي به أنه انتقل نظره إلى القران لاستوائهما فى حكم الحصر وفيه العمل بالقياس، (وأهدى هديًا مقلدًّا اشتراه) من قديد كما صرح به فيما سبق، وهذا موضع الترجمة كما لا يخفى ولم يزل مسوقًا معه (حتى قدم) أي إلى أن قدم مكة، ولأبوي ذر والوقت: حين قدم (فطاف بالبيت) للقدوم (وبالصفا) أي وبالمروة وحذفه للعلم به (ولم يزد على ذلك ولم يحلل من شيء حرم منه حتى يوم النحر) بجر يوم بحتى أي إلى يوم النحر (فحلق) شعر رأسه (ونحر) هديه (ورأى أن قد قضى) أي أدّى (طوافه) الذي طافه بعد الوقوف بعرفات للإفاضة (الحج) بالنصب، ولأبي الوقت: للحج بلام الجر فالرواية الأولى على نزع الخافض (والعمرة) نصب عطفًا على المنصوب السابق وعلى رواية أبي الوقت جر عطفًا على المجرور (بطوافه الأول) مراده بالأول الواحد. قال البرماوي: لأن أول لا يحتاج أن يكون بعده شيء فلو قال: أول عبد يدخل فهو حرّ فلم يدخل إلا واحد عتق، والمراد أنه لم يجعل للقران طوافين بل اكتفى بواحد وهو مذهب الشافعي وغيره خلافًا للحنفية كما مرّ. وقال ابن بطال: المراد بالطواف الأول الطواف بين الصفا والمروة، وأما الطواف بالبيت وهو طواف الإفاضة فهو ركن فلا يكتفى عنه بطواف القدوم في القران ولا في الإفراد وهذا قد سبق ذكره لك في باب: طواف القارن وإنما أعدناه لبعد العهد به. (ثم قال): أي ابن عمر (كذلك) ولأبي ذر عن المستملي: هكذا (صنع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 115 - باب ذَبْحِ الرَّجُلِ الْبَقَرَ عَنْ نِسَائِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِنَّ (باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن).

116 - باب النحر في منحر النبي -صلى الله عليه وسلم- بمنى

1709 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تَقُولُ "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ لاَ نُرَى إِلاَّ الْحَجَّ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ. قَالَتْ: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ، مَا هَذَا؟ قَالَ: نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَزْوَاجِهِ. قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرْتُهُ لِلْقَاسِمِ فَقَالَ: أَتَتْكَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية (قالت): (سمعت عائشة -رضي الله عنها- تقول خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سنة عشرة من الهجرة (لخمس بقين من ذي القعدة) بفتح القاف وكسرها وسمي بذلك لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال. وقوله: لخمس بقين يقتضي أن تكون قالته بعد انقضاء الشهر ولو قالته قبله لقالت أن بقين (لا نرى) بضم النون وفتح الراء أي لا نظن (إلا الحج) أي حين خروجهم من المدينة أو لم يقع في نفوسهم إلا ذلك لأنهم كانوا لا يعرفون العمرة في أشهر الحج (فلما دنونا) قربنا (من مكة) أي بسرف كما جاء عنها وبعد طوافهم بالبيت وسعيهم كما في رواية جابر، ويحتمل تكريره الأمر بذلك مرتين في الموضعين وأن العزيمة كانت آخرًا حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة (أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من لم يكن معه هدي إذا طاف) بالبيت (وسعى بين الصفا والمروة أن يحل) بفتح أوله وكسر ثانيه أي يصير حلالاً بأن يتمتع. (قالت) عائشة -رضي الله عنها-: (فدخل) بضم الدال وكسر الخاء مبنيًا للمفعول (علينا يوم النحر) بنصب يوم على الظرفية أي في يوم النحر (بلحم بقر فقلت: ما هذا؟ قال: نحر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أزواجه). عبر في الترجمة بلفظ الذبح وفي الحديث بلفظ النحر إشارة إلى رواية سليمان بن بلال الآتية إن شاء الله تعالى في باب: ما يأكل من البدن وما يتصدق، ولفظه. فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ما هذا؟ فقيل ذبح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أزواجه ونحر البقر جائز عند العلماء، لكن الذبح مستحب لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] واستفهام عائشة عن اللحم لما دخل به عليها استدلّ به المؤلّف لقوله بغير أمرهن، لأنه لو كان الذبح بعلمها لم تحتج إلى الاستفهام لكن ذلك ليس دافعًا لاحتمال أن يكون تقدم علمها بذلك فيكون وقع استئذانهن في ذلك، لكن لما أدخل اللحم عليها احتمل أن يكون هو الذي وقع الاستئذان فيه وأن يكون غير ذلك فاستفهمت عنه لذلك قاله في الفتح. وقال النووي: هذا محمول على أنه، استأذنهن لأن التضحية عن الغير لا تجوز إلا بإذنه. وقال البرماوي: وكأن البخاري عمل بأن الأصل عدم الاستئذان. (قال يحيى): أي ابن سعيد الأنصاري بالسند المذكور إليه (فذكرته للقاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (فقال: أتتك بالحديث على وجهه) أي ساقته لك سياقًا تامًا ولم تختصر منه شيئًا ولا غيرته بتأويل. وهذا الحديث أخرجه في الحج والجهاد ومسلم في الحج وكذا النسائي. 116 - باب النَّحْرِ فِي مَنْحَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِنًى (باب النحر في منحر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمنى) وهو بفتح الميم وسكون النون وفتح الحاء المهملة الموضع الذي تنحر فيه الإبل وهو عند الجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف. 1710 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ خَالِدَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ -رضي الله عنه- كَانَ يَنْحَرُ فِي الْمَنْحَرِ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: مَنْحَرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه أنه (سمع خالد بن الحرث) الهجيمي البصري قال: (حدّثنا عبيد الله) بتصغير عبد (بن عمر) بن الخطاب (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (-رضي الله عنه- كان ينحر) هديه (في المنحر. قال عبيد الله): بن عمر المذكور (منحر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بجر منحر بدلاً من المجرور السابق، ومنى كلها منحر فليس في تخصيص ابن عمر بمنحره عليه الصلاة والسلام دلالة على أنه من المناسك لكنه كان شديد الاتباع للسنة. نعم في منحره عليه الصلاة والسلام فضيلة على غيره. 1711 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانَ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ مِنْ جَمْعٍ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ حَتَّى يُدْخَلَ بِهِ مَنْحَرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ حُجَّاجٍ فِيهِمُ الْحُرُّ وَالْمَمْلُوكُ". وبه قال (حدّثنا) بالجمع ولأبي الوقت: حدثني (إبراهيم بن المنذر) الحزامي بالزاي وثقه ابن معين وابن وضاح والنسائي وأبو حاتم والدارقطني، وتكلم فيه أحمد من أجل القرآن. وقال الساجي: عنده مناكير، واعتمده البخاري وانتقى من حديث، وروى له الترمذي والنسائي وغيرهما قال: (حدّثنا أنس بن عياض) أبو ضمرة الليثي المدني قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) مولى آل الزبير الإمام في المغازي ولم يصح أن ابن معين لينه وقد اعتمده الأئمة كلهم (عن

117 - باب من نحر بيده

نافع أن ابن عمر -رضي الله عنهما- ما كان يبعث بهديه من جمع) بسكون الميم بعد فتح الجيم أي من المزدلفة (من آخر الليل حتى يدخل به) بضم الياء وفتح الخاء المعجمة مبنيًّا للمفعول (منحر النبى) رفع نائب عن الفاعل، ولأبي ذر: منحر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع حجاج فيهم) أي في الحجاج (الحر والمملوك) مراده أنه لا يشترط بعث الهدي مع الأحرار دون العبيد، وأردف المؤلّف طريق موسى بن عقبة هذه بسابقتها لتصريحها بإضافة المنحر إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نفس الحديث مع زيادة من الفوائد فرحمه الله وأثابه، وزاد أبو ذر عن المستملي: هنا. 117 - باب مَنْ نَحَرَ بِيَدِهِ (باب من نحر هديه بيده) وهو أفضل إذا أحسن النحر من أن ينحر عنه غيره. 1712 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ -وَذَكَرَ الْحَدِيثَ- قَالَ "وَنَحَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَامًا، وَضَحَّى بِالْمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، مُخْتَصَرًا". وبالسند قال: (حدّثنا سهل بن بكار) بتشديد الكاف بعد فتح الموحدة قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء مصغر وهب (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف ابن زيد (عن أنس، وذكر الحديث) الآتي بتمامه إن شاء الله تعالى بعد باب السند بعينه. (قال): أنس: (ونحر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده) الكريمة (سبع بدن) بضم الموحدة وسكون الدال وفي بعض النسخ سبعة بالتأنيث. قال التيمي: على إرادة أبعرة حال كونهن (قيامًا) والمسوغ لوقوع الحال من النكرة مع تأخّرها عنها تخصيص النكرة بالإضافة (وضحى بالمدينة كبشين) قال ابن التين: صوابه بكبشين (أملحين) يخالط بياضهما أدنى سواد (أقرنين)، أي كبيري القرنين رواه (مختصرًا). وهذا الباب وحديثه ساقط لجميع الرواة إلا لأبي ذر عن المستملي وحده، وفي نسخة الصغاني بعد الترجمة ما نصه: حديث سهل بن بكار عن وهيب فاكتفى بالإشارة، وقد أخرج الحديث المؤلّف بعد باب كما مرّ وفي موضع آخر من الحج وفي الجهاد، ومسلم في الصلاة وكذا النسائي، وأخرجه أبو داود بعضه في الحج وبعضه في الأضاحي. 118 - باب نَحْرِ الإِبِلِ مُقَيَّدَةً (باب نحر الإبل) حال كونها (مقيدة) وموضع النحر اللبة وهي بفتح اللام من أسفل العنق فيقطع الحلقوم والمريء، وموضع الذبح الحلق وهو أسفل مجمع اللحيين وهو أعلى العنق، وكمال الذبح قطع الحلقوم وهو بضم الحاء مخرج النفس والمريء وهو بالمد والهمزة مجرى الطعام والشراب وهو تحت الحلقوم، والودجين بفتح الواو والدال وهما عرقان في صفحتي العنق محيطان بالحلقوم. ويسن نحر إبل وذبح بقر وغنم ويجوز عكسه، ولأبي ذر: نحر الإبل المقيدة بالتعريف. 1713 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ "رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنْحَرُهَا، قَالَ: ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ يُونُسَ: أَخْبَرَنِي زِيَادٌ. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) تصغير زرع العيشي (عن يونس) بن عبد الله بن دينار العبدي (عن زياد بن جبير) بن حيّة ضدّ الميتة الثقفي البصري (قال: رأيت ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-: أتى على رجل) لم يسم (قد أناخ بدنته) أي بركها حال كونه (ينحرها) زاد أحمد عن إسماعيل ابن علية عن يونس: بمنى (قال): أي ابن عمر (ابعثها) أي أثرها حال كونها (قيامًا) مصدر بمعنى قائمه أي معقولة اليسرى رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم وانتصابه على الحال. قال التوربشتي: ولا يصح أن يجعل العامل في قيامًا ابعثها لأن البعث إنما يكون قبل القيام واجتماع الأمرين في حالة واحدة غير ممكن اهـ. وأجاب الطيبي: باحتمال أن تكون حالاً مقدرة فيجوز تأخره عن العامل كما في التنزيل: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا} [الصافات: 112] أي ابعثها مقدرًا قيامها وتقييدها ثم انحرها، وقيل: معنى ابعثها أقمها فعلى هذا انتصاب قيامًا على المصدرية (مقيدة) نصب على الحال من الأحوال المترادفة أو التداخلة (سُنة) بنصب سنة بعامل مضمر على أنه مفعول به والتقدير فاعلاً بها أو مقتفيًا سنّة (محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ويجوز الرفع بتقدير هو سنة محمد، وقول الصحابي من السنة كذا مرفوع عند الشيخين لاحتجاجهما بهذا الحديث في صحيحهما. (وقال شعبة) هو ابن الحجاج مما وصله إسحاق بن راهويه (عن يونس): قال: (أخبرني) بالإفراد (زياد) وفائدة ذكره لهذا بيان سماع يونس للحديث من زياد، والحديث أخرجه مسلم

119 - باب نحر البدن قائمة

وأبو داود والنسائي في الحج. 119 - باب نَحْرِ الْبُدْنِ قَائِمَةً وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: سُنَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {صَوَافَّ} قِيَامًا. (باب نحر البدن) حال كونها (قائمة) ولأبي ذر عن الكشميهني: قيامًا مصدر بمعنى الرواية السابقة. (وقال ابن عمر): بن الخطاب (-رضي الله عنهما-): فيما ذكره موصولاً في الباب السابق (سنة محمد) نصب بفعل محذوف، ولأبي ذر: من سنة محمد، وفي نسخة: قيامًا سنة محمد (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-): مما رواه سعيد بن منصور عن ابن عيينة في تفسيره عن عبيد الله بن أبي يزيد عنه في قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا} [الحج: 36] ({صواف}) أي (قيامًا). وفي المستدرك للحاكم من وجه آخر عن ابن عباس في قوله: صوافن أي بكسر الفاء بعدها نون أي قيامًا على ثلاث قوائم معقولة وهي قراءة ابن مسعود، وهي جمع صافنة وهي التي رقعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب. 1714 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَبَاتَ بِهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ يُهَلِّلُ وَيُسَبِّحُ، فَلَمَّا عَلاَ عَلَى الْبَيْدَاءِ لَبَّى بِهِمَا جَمِيعًا. فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا، وَنَحَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَامًا، وَضَحَّى بِالْمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ". وبالسند قال: (حدّثنا سهل بن بكار) أبو بشر الدارمي قال: (حدّثنا وهيب) هو ابن خالد بن عجلان (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بن زيد الجرمي (عن أنس) هو ابن مالك (-رضي الله عنه- قال): (صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظهر بالمدينة أربعًا والعصر بذي الحليفة) ميقات أهل المدينة (ركعتين) قصرًا وذلك في حجة الوداع (فبات بها) أي بذي الحليفة (فلما أصبح) وللكشميهني فيما ذكره الحافظ ابن حجر: فبات بها حتى أصبح (ركب راحلته فجعل يهلل ويسبح فلما علا على البيداء لبى بهما) أي بالحج والعمرة (جميعًا فلما دخل) عليه الصلاة والسلام (مكة أمرهم) أي أمر من لم يكن معه هدي من أصحابه (أن يحلوا) بفتح الياء وكسر الحاء بأعمال العمرة. (ونحر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده سبعة بدن) أي أربعة فلذا أدخل التاء، وفي رواية غير أبي ذر: سبع بدن بدون تاء فلا حاجة إلى التأويل (قيامًا) نصب صفة لسبع أو حال منه أي قائمة. قال البيضاوي: والعامل فعل محذوف دل عليه قرينة الحال أي نحرها قائمة على ثلاث من قوائمها معقولة اليسرى وهذا مذهب الشافعية والحنابلة وقال الحنفية: تنحر باركة وقائمة. (وضحى بالمدينة كبشين أملحين) يخالط بياضهما سواد (أقرنين) تثنية أقرن وهو الكبير القرن. 1715 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ "صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ". وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- "ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ فَصَلَّى الصُّبْحَ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ الْبَيْدَاءَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) (حدّثنا إسماعيل) بن علية (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال): (صلّى النبي الظهر بالمدينة أربعًا والعصر بذي الحليفة ركعتين) (وعن أيوب) السختياني (عن رجل) هو مجهول احتملت جهالته لأنه في المتابعة وقيل هو أبو قلابة (عن أنس -رضي الله عنه-) (ثم بات) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى أصبح فصلّى الصبح ثم ركب راحلته حتى إذا استوت به البيداء) نصب على نزع الخاف أي على البيداء (أهل بعمرة وحجة). 120 - باب لاَ يُعْطَى الْجَزَّارُ مِنَ الْهَدْيِ شَيْئًا هذا (باب) بالتنوين (لا يعطى) صاحب الهدي (الجزار من الهدي) الذي ذبحه (شيئًا) وفي نسخة: لا يعطى بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول الجزار رفع نائب عن الفاعل. 1716 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ "بَعَثَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُمْتُ عَلَى الْبُدْنِ، فَأَمَرَنِي فَقَسَمْتُ لُحُومَهَا ثُمَّ أَمَرَنِي فَقَسَمْتُ جِلاَلَهَا وَجُلُودَهَا". وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (قال: أخبرني) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد فيهما (ابن أبي نجيح) بفتح النون عبد الله بن يسار المكي الثقفي وثقه أحمد وابن معين والنسائي وأبو زرعة. وقال أبو حاتم: إنما يقال فيه من جهة القدر وهو صالح الحديث، وذكره النسائي فيمن كان يدلس واحتج به الجماعة. (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري المدني ثم الكوفي (عن علي -رضي الله عنه- قال): (بعثني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقمت على البدن) التي أرصدها للهدي وأتولى أمرها في ذبحها وتفرقتها وكانت مائة كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى (فأمرني عليه الصلاة والسلام فقسمت لحومها ثم أمرني) عليه الصلاة والسلام (فقسمت جلالها) بكسر الجيم جمع جل (وجلودها). 1716 م - قَالَ سُفْيَانُ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ "أَمَرَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَقُومَ عَلَى الْبُدْنِ، وَلاَ أُعْطِيَ عَلَيْهَا شَيْئًا فِي جِزَارَتِهَا". (قال): ولأبوي ذر والوقت وقال: (سفيان) الثوري بالسند السابق وهو موصول عند النسائي أيضًا: (وحدثني) بالإفراد (عبد الكريم) بن مالك الجزري (عن مجاهد عن عبد الرحمن

121 - باب يتصدق بجلود الهدي

بن أبي ليلى عن علي -رضي الله عنه- قال): (أمرني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أقوم على البدن) وكانت مائة. وفي حديث جابر الطويل عند مسلم: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحر منها ثلاثًا وستين بدنة ثم أعطى عليًّا فنحر ما غبر وأشركه في هديه (ولا أعطي عليها شيئًا) بضم الهمزة وكسر الطاء والنصب عطفًا على المنصوب السابق الجزار (في) أجرة (جزارتها) بكسر الجيم اسم للفعل يعني عمل الجزار، وجوز ابن التين ضمها وهو اسم للسواقط، فإن صحت الرواية بالضم جاز أن يكون المراد أن لا يعطي من بعض الجزور أجرة للجزار نعم يجوز إعطاؤه منها صدقة إذا كان فقيرًا واستوفى أجرته كاملة وهذا موضع الترجمة. والحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الحج والوكالة ومسلم وأبو داود في الحج وابن ماجة في الأضاحي. 121 - باب يُتَصَدَّقُ بِجُلُودِ الْهَدْيِ هذا (باب) بالتنوين (يتصدق) صاحب الهدي (بجلود الهدي) ولا تباع، ولغير أبي ذر: يتصدق بضم أوله مبنيًا للمفعول. 1717 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ أَنَّ مُجَاهِدًا أَخْبَرَهُمَا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا -رضي الله عنه- أَخْبَرَهُ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ، وَأَنْ يَقْسِمَ بُدْنَهُ كُلَّهَا لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا وَجِلاَلَهَا، وَلاَ يُعْطِيَ فِي جِزَارَتِهَا شَيْئًا". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل بن مغربل الأسدي البصري قال: (حدثنا يحيى) بن أبي كثير اليماني (عن ابن جريج) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (قال: أخبرني) بالإفراد (الحسن بن مسلم) هو ابن يناق بفتح المثناة التحتية وتشديد النون آخره قاف المكي (وعبد الكريم الجزري أن مجاهدًا أخبرهما أن عبد الرحمن بن أبي ليلى أخبره أن عليًّا -رضي الله عنه- أخبره). (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره أن يقوم على بدنه وأن يقسم بدنه كلها لحومها) إلا ما أمر به من كل بدنة ببضعة فطبخت كما في حديث مسلم الطويل عن جابر (وجلودها وجلالها)، زاد ابن خزيمة من هذا الوجه على المساكين (ولا يعطي في جزارتها شيئًا). قال النووي في شرح مسلم: ومذهبنا أنه لا يجوز بيع جلد الهدي ولا الأضحية ولا شيء من أجزائها سواء كان تطوّعًا أو واجبين لكن إن كانا تطوعًا فله الانتفاع بالجلد وغيره باللبس وغيره وبه قال مالك وأحمد. 122 - باب يُتَصَدَّقُ بِجِلاَلِ الْبُدْنِ هذا (باب) بالتنوين (يتصدق) صاحب الهدي (بجلال البدن) ولغير أبي ذر: يتصدق بضم أوله مبنيًا للمفعول. 1718 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّ عَلِيًّا -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ قَالَ "أَهْدَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِائَةَ بَدَنَةٍ، فَأَمَرَنِي بِلُحُومِهَا فَقَسَمْتُهَا، ثُمَّ أَمَرَنِي بِجِلاَلِهَا فَقَسَمْتُهَا، ثُمَّ بِجُلُودِهَا فَقَسَمْتُهَا". وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سيف بن أبي سليمان) المخزومي المكي، وقيل سيف بن سليمان. قال النسائي: ثقة ثبت. وقال أبو زكريا الساجي: أجمعوا على أنه صدوق غير أنه اتهم بالقدر. وقال الحافظ ابن حجر: له في البخاري أحاديث. أحدها في الأطعمة حديث حذيفة في آنية الذهب بمتابعة الحكم وابن عون وغيرهما عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عنه، وفي الحج حديث علي في القيام على البدن بمتابعة ابن أبي نجيح وغيره عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عنه، وآخر في الحج حديث كعب بن عجرة في الفدية وغيره عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عنه، وآخر في الحج حديث كعب بن عجرة في الفدية بمتابعة حميد بن قيس وغيره عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عنه. وحديث في الصلاة وفي التهجد حديث ابن عمر عن بلال في صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخرجه من حديثه عن مجاهد عنه وله متابع عنده عن نافع وعن سالم معًا وروى له الباقون إلا الترمذي. (قال: سمعت مجاهدًا يقول: حدثني) بالإفراد (ابن أبي ليلى) عبد الرحمن (أن عليًّا -رضي الله عنه- حدثه: قال): (أهدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مائة بدنة فأمرني بلحومها فقسمتها) على المساكين (ثم أمرني بجلالها) بكسر الجيم (فقسمتها) أي على المساكين أيضًا. قال الشافعي في القديم: ويتصدق بالنعال وجلال البدن. وقال المهلب: ليس التصدق بجلال البدن فرضًا. وقال المرداوي: من الحنابلة في تنقيحه وله أن ينتفع بجلدها وجلها أو يتصدق به ومحرم بيعهما وشيء منهما. وقال المالكية: وخطام الهدايا كلها وجلالها كلحمها فحيث يكون اللحم مقصورًا على المساكين يكون الجلال والخطام كذلك وحيث يكون اللحم مباحًا للأغنياء والفقراء يكون الخطام والجلال كذلك تحقيقًا للتبعية فليس له أن يأخذ من ذلك ولا يأمر بأخذه في المنوع من أكل لحمه، فإن أمر أحدًا بأخذ شيء من ذلك أو أخذ هو شيئًا ردّه وإن أتلفه غرم قيمته للفقراء. وقال

123 - باب

العيني من الحنفية، وقال أصحابنا: يتصدق بجلال الهدي وزمامه لأنه عليه الصلاة والسلام أمر عليًّا بذلك، والظاهر أن هذا الأمر أمر استحباب. (ثم) أمرني عليه الصلاة والسلام (بجلودها فقسمتها) وهذا لفظ رواية الحسن بن مسلم وأما لفظ رواية عبد الكريم فأخرجها مسلم من طريق ابن أبي خيثمة زهير بن معاوية عنه ولفظه: أمرني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها وأن لا أعطي الجزار منها وقال: نحن نعطيه من عندنا. 123 - باب {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لاَ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج:26 - 30]. هذا (باب) بالتنوين ({واذ بوّأنا لإبراهيم}) واذكر زمان جعلنا له ({مكان البيت}) مباءة مرجعًا يرجع إليه للعمارة والعبادة وذكر مكان البيت لأن البيت ما كان حينئذ ({أن لا تشرك بي شيئًا}) أن مفسرة لبوّأنا من حيث أنه تضمن معنى تعبدنا أي ابنه على اسمي وحدي ({وطهّر بيتي}) من الشرك ({للطائفين}) حوله ({والقائمين والركع السجود}) عبر عن الصلاة بأركانها ولم يذكر الواو بين الركع والسجود ذكرها بين القائمين والركع لكمال الاتصال بين الركوع والسجود إذ لا ينفك أحدهما عن الآخر في الصلاة فرضًا أو نفلاً وينفك القيام عن الركوع فلا يكون بينهما كمال الاتصال أو المراد بالقائمين المعتكفون لمشاهدة الكعبة وبالركع السجود المصلون ({وأذن}) ناد ({في الناس بالحج}) بدعوته والأمر به روي أنه قام على مقامه أو على الحجر أو على الصفا أو على أبي قبيس وقال: إن ربكم اتخذ بيتًا فحجوه فأجابه كل شيء من شجر وحجر، ومن كتب الله له الحج إلى يوم القيامة وهم في أصلاب آبائهم لبيك اللهم لبيك ({يأتوك رجالاً) مشاة جمع راحل ({وعلى كل ضامر}) أي وركبانًا على كل بعير مهزول أتعبه بعد السفر فهزله حال معطوف على حال ({يأتين}) صفة لضامر وجمعه باعتبار معناه ({من كل فج عميق}) طريق بعيد ({ليشهدوا) ليحضروا ({منافع لهم}) دينية ودنيوية ({ويذكروا اسم الله}) عند إعداد الهدايا والضحايا وذبحها ({في أيام معلومات}) عشر ذي الحجة أو يوم النحر وثلاثة بعده ويعضد الثاني قوله: ({على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}) فإن المراد التسمية عند ذبح الهدايا والضحايا ({فكلوا منها}) من لحومها والأمر للاستحباب أو للإباحة، فالجاهلية يحرمون أكلها، وعند الأكثرين لا يجوز الأكل من الدم الواجب ({وأطعموا البائس}) الذي أصابه بؤس أي شدة ({الفقير}) المحتاج ({ثم ليقضوا}) يزيلوا ({تفثهم}) وسخهم بقص الشوارب والأظفار ونتف الإبط والاستحداد عند الإحلال أو التفث المناسك ({وليوفوا نذورهم}) ما ينذرون بالبر في حجهم ({وليطوفوا}) طواف الركن أو طواف الوداع ({بالبيت العتيق}) القديم لأنه أول بيت وضع للناس أو المعتق من تسلط الجبابرة، فكم من جبار سار إليه ليهدمه فمنعه الله، وأما الحجاج فإنه قصد إخراج ابن الزبير منه دون التسلط عليه وقيل لأنه تعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب، لكن قال ابن عطية: وهذا يردّه التصريف اهـ. وتعقبه أبو حيان فقال: لا يردّه لأنه فسره تفسير معنى وأما من حيث الإعراب فلأن العتيق فعيل بمعنى مفعل أي معتق رقاب المذنبين ونسبة الإعتاق إليه مجاز إذ بزيارته والطواف به يحصل الإعتاق وينشأ عن كونه معتقًا أن يقال تعتق فيه رقاب المذنبين. ({ذلك}) أي الأمر ذلك ({ومن يعظم حرمات الله}) بترك ما نهى الله عنه أو بتعظيم بيته والشهر الحرام والإحرام ({فهو}) أي التعظيم ({خير له عند ربه}) ثوابًا. ورواية أبوي ذر والوقت ({يأتوك رجالاً}) إلى قوله: ({فهو خير له عند ربه}) فحذفا ما ثبت عند غيرهما مما ذكر من الآيات، وعزا في فتح الباري سياق الآيات كلها لرواية كريمة قال: والمراد منها هنا قوله تعالى: ({فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}) ولذلك عطف عليها في الترجمة وما يأكل من البدن وما يتصدق أي بيان المراد من الآية اهـ. واعترضه صاحب عمدة القاري بأن الذي في معظم النسخ باب بعد قوله تعالى: ({فهو خير له عند ربه}) [البقرة: 184] وقبل قوله

124 - باب ما يأكل من البدن وما يتصدق

ما يأكل من البدن ثم قال: وأين العطف في هذا وكل واحد من البابين ترجمة مستقلة، والظاهر أن المؤلّف لم يجد في الترجمة الأولى حديثًا يطابقها على شرطه اهـ. وهذا عجيب منه فإن قوله في معظم النسخ باب فيه إشعار بحذفه في بعض النسخ مما وقف هو عليه، ولا مانع أن يعتمده شيخ الصنعة الحافظ ابن حجر لما ترجح عنده بل صرح -رحمه الله- بأنه الصواب وهو رواية الحافظ أبي ذر مع ثبوت واو العطف قبل قوله: وما يأكل من البدن، ولغير أبي ذر كما في الفرع وغيره. 124 - باب مَا يَأْكُلُ مِنَ الْبُدْنِ وَمَا يُتَصَدَّقُ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: لاَ يُؤْكَلُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنَّذْرِ وَيُؤْكَلُ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ مِنَ الْمُتْعَةِ. (باب ما يأكل) صاحب الهدي (من البدن وما يتصدق) به منها، ولغير أبي ذر: وما يتصدق بضم أوله مبنيًا للمفعول. (وقال عبيد الله) بن عمر العمري مما وصله ابن أبي شيبة بمعناه، والطبراني من طريق القطان بلفظه (أخبرني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه قال: (لا يؤكل من جزاء الصيد والنذر) بضم الياء من يؤكل أي لا يأكل المالك من الذي جعله جزاء لصيد الحرم ولا من المنذور بل يجب التصدق بهما وهو قول مالك ورواية عن أحمد، وزاد مالك إلا فدية الأذى، وعن أحمد لا يؤكل إلا من هدي التطوّع والمتعة والقران وهو قول الحنفية بناء على أن دم التمتع والقران دم نسك لا دم جبران. (ويؤكل مما سوى ذلك) ولو عطب الهدي في الطريق وكان تطوعًا فله التصرف فيه ببيع وأكل وغيرهما لأن ملكه ثابت عليه وإن كان نذرًا لزمه ذبحه لأنه هدي معكوف على الحرم فوجب نحره مكانه كهدي المحصر وليس له التصرف فيه بما يزيل الملك أو يؤول إلى زواله كالوصية والرهن والهبة لأنه بالنذر زال ملكه عنه وصار للمساكين، وفارق ما لو قال: لله علي إعتاق هذا العبد حيث لا يزول ملكه عنه إلا بإعتاقه وإن امتنع التصرف فيه بأن الملك هنا ينتقل إلى المساكين فانتقل بنفس النذر كالوقف. وأما الملك في العبد فلا ينتقل إليه ولا إلى غيره بل ينتقل العبد عنه فإن لم يذبح الهدي المعطوب حتى تلف ضمنه لتفريطه كنظيره في الوديعة. (وقال عطاء): هو ابن أي رباح مما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه (يأكل) من جزاء الصيد والنذر (وبطعم من المتعة) أي من الهدي المسمى بدم التمتع الواجب على المتمتع. 1719 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدَّثَنَا عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ "كُنَّا لاَ نَأْكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلاَثِ مِنًى، فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: كُلُوا وَتَزَوَّدُوا، فَأَكَلْنَا وَتَزَوَّدْنَا". قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَقَالَ حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: لاَ. [الحديث 1719 - أطرافه في: 2980، 5424، 5567]. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان البصري (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال (حدّثنا عطاء) هو ابن أبي رباح أنه (سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- يقول: كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى)، بإضافة ثلاث إلى منى أي الأيام الثلاثة التي يقام بها بمنى وهي الأيام المعدودات. وقال في المصابيح: والأصل ثلاث ليال منى كما في قولهم: حب رمان زيد فإن القصد إضافة الحب المختص بكونه للرمان إلى زيد، ومثله ابن قيس الرقيات فإن الملتبس بالرقيات ابن قيس لا قيس. قال الشيخ سعد الذين التفتازاني: وتحقيقه أن مطلق الحب مضاف إلى الرمان والحب المقيد بالإضافة إلى الرمان مضاف إلى زيد قال الدماميني وفيه نظر فتأمله. (فرخص لنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (كلوا وتزوّدوا) (فأكلنا وتزودنا) قال ابن جريج (قلت لعطاء: أقال) جابر (حتى جئنا المدينة؟ قال): عطاء (لا) أي لم يقل جابر حتى جئنا المدينة، ووقع في مسلم "نعم" بدل قوله "لا" وجمع بينهما بالحمل على أنه نسي فقال: لا ثم تذكر فقال: نعم. وهذا الحديث ناسخ للنهي الوارد في حديث علي عند مسلم: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهانا أن نأكل من لحوم نسكنا بعد ثلاث وغيره وهو من نسخ السنة بالسنة، وحديث الباب أخرجه مسلم في الأضاحي والنسائي في الحج. 1720 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى قَالَ حَدَّثَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تَقُولُ "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَلاَ نَرَى إِلاَّ الْحَجَّ، حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ يَحِلُّ. قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ فَقِيلَ ذَبَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَزْوَاجِهِ" قَالَ يَحْيَى فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ فَقَالَ: أَتَتْكَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ. وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة البجلي الكوفي القطواني بفتح القاف والطاء قال: (حدّثنا سليمان) ولأبي ذر: سليمان بن بلال (قال: حدثني) بالإفراد (يحيى) بن سعيد الأنصاري قال: (حدثتني) بالإفراد (عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية (قالت: سمعت عائشة -رضي الله عنها- تقول): (خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حجة الوداع (لخمس بقين من ذي القعدة) سنة

125 - باب الذبح قبل الحلق

عشر (ولا نرى) بضم النون أي لا نظن (إلا الحج) لأنهم كانوا لا يعرفون العمرة في أشهر الحج (حتى إذا دنونا من مكة) بسرف كما في رواية عن عائشة، وفي رواية جابر: بعد الطواف والسعي (أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ويحتمل تكرير أمره عليه الصلاة والسلام بذلك مرتين في الموضعين وأن العزيمة كانت آخرًا حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة (من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت) أي يتم عمرته (ثم يحل) بفتح الياء وكسر الحاء فجواب إذا محذوف، ويجوز أن تكون إذا ظرفًا لقوله لم يكن، وجواب من لم يكن محذوف. وجوّز الكرماني زيادة (ثم) كقول الأخفش في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 118] أن تاب جواب إذا، وثم زائدة. وفي بعض الأصول لفظ (إذا) ساقط فيكون التقدير: من لم يكن معه هدي طاف، وحينئذ فجواب من قوله طاف، وقوله ثم يحل عطف أي ثم بعد طوافه يحل، ولأبي ذر والأصيلي: إذا طاف بالبيت أن يحل أي يخرج من إحرام العمرة. (قالت عائشة: -رضي الله عنها-) (فدخل علينا) وثبت لفظ علينا لأبي الوقت (يوم النحر بلحم بقر) بضم دال فدخل وكسر خائه ولغير أبي ذر: فدخل علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم النحر بلحم بقر (فقلت ما هذا)؟ اللحم (فقيل: ذبح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أزواجه) وسبق في باب ذبح الرجل البقر عن نسائه بغير أمرهن التعبير بنحر والذبح للبقر أولى من النحر لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67]. (قال يحيى): بن سعيد المذكور بالسند السابق إليه (فذكرت هذا الحديث للقاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (فقال: أتتك) أي عمرة (بالحديث على وجهه). وهذا الحديث قد سبق كما مرّ. 125 - باب الذَّبْحِ قَبْلَ الْحَلْقِ (باب الذبح قبل الحلق). 1721 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمَّنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ وَنَحْوِهِ فَقَالَ: لاَ حَرَجَ، لاَ حَرَجَ". وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن حوشب) بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة بينهما واو ساكنة وآخره موحدة بوزن جعفر نزيل الكوفة قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير بوزن عظيم ابن القاسم بن دينار السلمي قال: (أخبرنا منصور) ولأبوي ذر والوقت عن المستملي: منصور بن زاذان بالزاي والذال المعجمتين (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمن حلق) رأسه (قبل أن يذبح) الهدي (ونحوه) كطواف الركن قبل الرمي (فقال): عليه الصلاة والسلام: (لا حرج، لا حرج) مرتين ونفي الحرج يقتضي أن الأصل سبق الذبح على الحلق فتحصل المطابقة بين الترجمة وهذا الحديث والذي بعده. 1722 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: زُرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: لاَ حَرَجَ. قَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قَالَ: لاَ حَرَجَ. قَالَ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: لاَ حَرَجَ". وَقَالَ عَبْدُ الرَّحِيمِ الرَّازِيُّ عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنِي ابْنُ خُثَيْمٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ عَفَّانُ أُرَاهُ عَنْ وُهَيْبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ خُثَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ حَمَّادٌ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ وَعَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي قال: (أخبرنا أبو بكر) هو ابن عياش بتشديد المثناة التحتية وبالشين المعجمة الأسدي الكوفي (عن عبد العزيز بن رفيع) بضم الراء وفتح الفاء وسكون التحتية آخره عين مهملة الأسدي المكي سكن الكوفة (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن ابن عباس رضي الله عنهما) أنه قال: (قال رجل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زرت) أي طفت طواف الزيارة (قبل أن أرمي) جمرة العقبة (قال): (لا حرج) عليك. (قال: حلقت) رأسي (قبل أن أذبح) الهدي (قال) (لا حرج) عليك. (قال: ذبحت) الهدي (قبل أن أرمي) الجمرة (قال): (لا حرج) عليك. (وقال عبد الرحيم) بن سليمان الأشل (الرازي) مما وصله الإسماعيلي (عن ابن خثيم) بضم الخاء المعجمة وفتح المثلثة عبد الله بن عثمان المكي قال: (أخبرني) بالإفراد (عطاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ولفظ الإسماعيلي أن رجلاً قال: يا رسول الله طفت بالبيت قبل أن أرمي قال "ارم ولا حرج" وعرف بهذا أن مراد المؤلّف أصل الحديث لا خصوص ما ترجم له من الذبح قبل الحلق كما نبه عليه في الفتح. (وقال القاسم بن يحيى) بن عطاء الهلالي الواسطي المتوفى سنة سبع وتسعين ومائة (حدثني) بالإفراد (ابن خثيم) عبد الله المذكور (عن عطاء عن ابن عباس)

-رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على طريق القاسم بن يحيى هذه موصولة. (وقال عفان): غير منصرف ابن مسمل الصفار البصري مما أخرجه أحمد عنه (أراه) بضم الهمزة أظنه (عن وهيب) بضم الواو وفتح الهاء مصغرًا قال: (حدّثنا ابن خثيم) عبد الله (عن سعيد بن جبير) الأسدي الكوفي (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ولفظ رواية أحمد: جاءه رجل فقال: يا رسول الله حلقت ولم أنحر. قال: "لا حرج فانحر" وجاءه آخر فقال: يا رسول الله نحرت قبل أن أرمي. قال "فارم ولا حرج". قال الحافظ ابن حجر: والقائل أراه البخاري فقد أخرجه أحمد عن عفان بدونها، والمراد بهذا التعليق بيان الاختلاف فيه على ابن خثيم هل شيخه فيه عطاء أو سعيد بن جبير كما اختلف على عطاء هل شيخه فيه ابن عباس أو جابر، والذي تبين من صنيع المؤلّف ترجيح كونه عن ابن عباس ثم كونه عن عطاء وأن الذي يخالف ذلك شاذ. (وقال حماد) هو ابن سلمة (عن قيس بن سعد) مما وصله النسائي والطحاوي والإسماعيلي وابن حبان (و) عن (عباد بن منصور) مما وصله الإسماعيلي كلاهما (عن عطاء عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ولفظ الإسماعيلي سئل عن رجل رمى قبل أن يحلق وحلق قبل أن يرمي وذبح قبل أن يحلق فقال عليه الصلاة والسلام: "افعل ولا حرج". 1723 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ، فَقَالَ: لاَ حَرَجَ. قَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ، قَالَ: لاَ حَرَجَ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) الزمن العنزي البصري (قال: حدّثنا عبد الأعلى) هو ابن عبد الأعلى (قال: حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي سأله رجل فحذف السائل وأقام المفعول مقامه (فقال: رميت بعدما أمسيت) والمساء من بعد الزوال إلى الغروب (فقال): (لا حرج) عليك وخرج بالغروب ما بعده فلا يكفي الرمي بعده لعدم وروده كذا صرح به في الروضة، واعترض بأنهم قالوا: إذا أخر رمي يوم إلى ما بعده من أيام الرمي يقع أداء وقضيته أن وقته لا يخرج بالغروب. وأجيب: يحمل ما هنا على وقت الاختيار وهناك على وقت الجواز، وقد صرّح الرافعي بأن وقت الفضيلة لرمي يوم النحر ينتهي بالزوال فيكون لرميه ثلاثة أوقات: وقت فضيلة ووقت اختيار ووقت جواز، ويبقى وقت الذبح للهدي إلى عصر آخر أيام التشريق كالأضحية، وأما الحلق أو التقصير والطواف فلا يؤقتان لأن الأصل عدم التأقيت. نعم، يكره تأخيرهما عن يوم النحر وتأخيرهما عن أيام التشريق أشد كراهة وخروجه من مكة قبل فعلهما أشد. (قال: حلقت قبل أن أنحر. قال): (لا حرج) والرجل السائل عن التقديم والتأخير في النحر والحلق ونحوهما لم يسم، ويحتمل تعدده ثم إن أعمال يوم النحر في الحج أربعة: رمي جمرة العقبة والذبح والحلق أو التقصير والطواف وترتيبها على ما ذكر سنة فلو حلق أو قصر قبل الثلاثة الأخر فلا فدية عليه وإنما لم يجب ترتيبها لما ذكر. ولحديث عبد الله بن عمرو بن العاصي في الصحيحين سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم النحر في حجة الوداع وهم يسألونه فقال رجل: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح فقال "اذبح ولا حرج" فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي. فقال "ارم ولا حرج". ولمسلم أيضًا عنه سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأتاه رجل يوم النحر وهو واقف عند الجمرة فقال: يا رسول الله إني حلقت قبل أن أرمي فقال: "ارم ولا حرج" وأتاه آخر فقال: إني ذبحت قبل أن أرمي. فقال: "ارم ولا حرج" فأتاه رجل آخر فقال: إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي فقال: "ارم ولا حرج" قال: فما سئل عن شيء يومئذ قدّم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج. وقال المالكية: يجب الدم إذا قدم الحلق على الرمي لأنه وقع قبل حصول شيء من التحلل. وروى ابن القاسم عن مالك، وبه أخذ أن في تقديم الإفاضة على الرمي الدم وحجه مجزئ، وعن مالك لا يجزئه وهو كمن لم يفض. وقال أصبغ: أحب إليّ أن يعيد وذلك في يوم النحر أكد ولو حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي فلا شيء عليه الأصح. وقال عبد الملك: إن حلق قبل النحر أهدى قال

126 - باب من لبد رأسه عند الإحرام وحلق

الطبري: والعجب ممن يحمل قوله ولا حرج على نفي الإثم فقط يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض، فإن كان الترتيب واجبًا بتركه دم فليكن في الجميع، وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج اهـ. وقال أبو حنيفة: عليه دم وإن كان قارنًا فدمان. وقال محمد وأبو يوسف: لا شيء عليه لقوله عليه الصلاة والسلام "لا حرج" واحتجوا لأبي حنيفة بما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث ابن عباس أنه قال: من قدم شيئًا من حجه أو أخره فليهرق لذلك دمًا. وأجابوا عن حديث الباب بأن المراد بالحرج المنفي هو الإثم ولا يستلزم ذلك نفي الفدية. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف من أربعة طرق ومن ستة أوجه كما ترى. 1724 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ "قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ: أَحَجَجْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: بِمَا أَهْلَلْتَ؟ قُلْتُ: لَبَّيْكَ بِإِهْلاَلٍ كَإِهْلاَلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: أَحْسَنْتَ، انْطَلِقْ فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ فَفَلَتْ رَأْسِي، ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ، فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ النَّاسَ حَتَّى خِلاَفَةِ عُمَرَ -رضي الله عنه-، فَذَكَرْتُهُ لَهُ فَقَالَ: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ، وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَحِلَّ حَتَّى بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ". وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة عن أبي روّاد واسم أبي روّاد ميمون قال: (أخبرني) بالإفراد (أبي) هو عثمان (عن شعبة) بن الحجاج (عن قيس بن مسلم) الجدلي بفتح الجيم (عن طارق بن شهاب) هو ابن عبد شمس البجلي الأحمسي الكوفي قال أبو داود: رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يسمع منه (عن أبي موسى) الأشعري (-رضي الله عنه- قال: قدمت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بالبطحاء) بطحاء مكة (فقال) لي: (أحججت)؟ قلت: نعم. قال: (بما) بإثبات ألف ما الاستفهامية مع دخول الجار عليها وهو قليل، ولابن عساكر: بم بحذفها (أهللت قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي) وفي باب من أحرم في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلت: أهللت كإهلال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: أحسنت) وفيه استحباب الثناء على من فعل جميلاً "انطلق فطف بالبيت وبالصفا والمروة" فأمره بالفسخ إلى العمرة ولم يذكر الحلق لأنه عندهم معلوم. (ثم أتيت امرأة من نساء بني قيس) أي فطفت ثم أتيت المرأة (ففلت رأسي) استخرجت القمل منه والفاء الأولى للتعقيب والثانية من نفس الكلمة واللام مخففة، (ثم أهللت بالحج) أي بعد أن تحللت من العمرة فصار متمتعًا لأنه لم يكن معه هدي، (فكنت أفتي به الناس) أي بالتمتع بالعمرة إلى الحج الذي دل عليه السياق (حتى) أي إلى (خلافة عمر -رضي الله عنه- فذكرته له فقال: إن نأخذ بكتاب الله فإنه يأمرنا بالتمام) زاد في باب: من أحرم في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] (وأن نأخذ بسنّة رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يحل) من إحرامه (حتى بلغ الهدي محله) بكسر الحاء وهذا موضع الترجمة لأن بلوغ الهدي محله يدل على ذبح الهدي، فلو تقدم الحلق عليه لصار متحللاً قبل بلوغ الهدي محله وهذا هو الأصل وهو تقديم الذبح على الحلق وأما تأخيره فهو رخصة والله أعلم. 126 - باب مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ عِنْدَ الإِحْرَامِ وَحَلَقَ (باب من لبد رأسه) بتشديد الموحدة أي شعره وهو أن يجعل فيه ما يمنعه من الانتتاف كالصمغ في الغاسول ثم يلطخ به رأسه (عند الإحرام وحلق) أي رأسه بعد ذلك عند الإحلال، والجمهور على أن من لبد رأسه وجب عليه الحلق كما فعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبذلك أمر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الناس والصحيح عند الشافعية أنه مستحب. 1725 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ -رضي الله عنهم- أَنَّهَا قَالَتْ "يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ قَالَ: إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر عن حفصة) أم المؤمنين (-رضي الله عنهم- أنها قالت: يا رسول الله ما شأن الناس حلوا) من الحج (بعمرة ولم تحلل) بكسر اللام الأولى (أنت من عمرتك؟) التي مع حجتك، وقيل: من بمعنى الباء أي بعمرتك، وضعفه ابن دقيق العيد من جهة أنه أقام حرفًا مقام حرف وهي طريقة كوفية. وأجيب: بأنه ورد في قوله تعالى: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11] أي بأمر الله (قال): (إني لبدت رأسي وقلدت هدي) بوضع القلادة في عنقه: (فلا أحل) بفتح الهمزة وكسر الحاء من إحرامي: (حتى أنحر) الهدي يوم النحر. وليس في هذا الحديث ذكر الحلق المذكور في الترجمة، فقيل: إنه معلوم من حاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه في حجة الوداع حلق رأسه كما

127 - باب الحلق والتقصير عند الإحلال

سيأتي صريحًا إن شاء الله تعالى في أول الباب التالي، وقد سبق هذا الحديث في باب التمتع والقران وقد أخرجه الجماعة إلا الترمذي. 127 - باب الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ عِنْدَ الإِحْلاَلِ (باب الحلق والتقصير عند الإحلال) من الإحرام وهو نسك لا استباحة محظور للدعاء لفاعله بالرحمة كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى والدعاء ثواب والثواب إنما يكون على العبادات لا على المباحات ولتفضيله أيضًا على التقصير إذ المباحات لا تتفاضل ولا تحلل للحج والعمرة بدونه كسائر أركانهما إلا لمن لا شعر برأسه فيتحلل منهما بدونه، والحلق أفضل للرجال كما سيأتي فلا يؤمر به بعد نبات شعره ولا يفدي عاجز عن أخذه لجراحة أو نحوها بل يصبر إلى قدرته ولا يسقط عنه، ويستحب لمن لا شعر برأسه أن يمر الموسى عليه تشبيهًا بالحالقين وليس بفرض عند الحنفية بل هو واجب وقيل مستحب، وأقل ما يجزئ عند الشافعية ثلاث شعرات. وعند أبي حنيفة ربع الرأس، وعند أبي يوسف النصف، وعند أحمد أكثرها، وعند المالكية تجميع شعر رأسه ويستوعبه بالتقصير من قرب أصله. قال العلامة الكمال بن الهمام: اتفق الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي أن قال كل منهم بأنه يجزئ في الحلق القدر الذي قال: إنه يجزئ في الوضوء ولا يصح أن يكون هذا منهم بطريق القياس لأنه يكون قياسًا لأنه بلا جامع يظهر أثره، وذلك لأن حكم الأصل على تقدير القياس وجوب المسح ومحله المسح وحكم الفرع وجوب الحلق ومحله الحلق للتحلل ولا يظن أن محل الحكم الرأس إذ لا يتحد الفرع والأصل وذلك أن الأصل والفرع، هما محلا الحكم المشبه به والمشبه والحكم هو الوجوب مثلاً ولا قياس يتصور مع اتحاد محله إذ لا اثنينية، وحينئذٍ فحكم الأصل وهو وجوب المسح ليس فيه معنى يوجب جواز قصره على الربع وإنما فيه نفس النص الوارد فيه وهو قوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} بناء إما على الإجمال والتحاق حديث الغيرة بيانًا أو على عدمه، والمفاد بسبب الباء إلصاق اليد كلها بالرأس لأن الفعل حينئذٍ يصير متعديًا إلى الآلة بنفسه فيشملها، وتمام اليد يستوعب الربع عادة فيتعين قدره لا أن فيه معنى ظهر أثره في الاكتفاء بالربع أو بالبعض مطلقًا أو تعين الكل وهو متحقق في وجوب حلقها عند التحلل من الإحرام ليتعدى الاكتفاء بالربع من المسح إلى الحلق وكذا الآخران، وإذا انتفت صحة القياس فالموجع في كل من المسحة وحلق التحلل ما يفيد نصه الوارد فيه والوارد في المسح دخلت فيه الباء على الرأس التي هي الحل فأوجب عند الشافعي التبعيض وعندنا وعند مالك لا بل الإلصاق غير أنا لاحظنا "تعدي الفعل للآلة فيجب قدرها من الرأس، ولم يلاحظها مالك -رحمه الله- فاستوعب الكل أو جعلها صلة كما في {فامسحوا بوجوهكم} [المائدة: 6] في آية التيمم فاقتضى وجوب استيعاب المسح، وأما الوارد في الحلق فمن الكتاب قوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم] [الفتح: 27] من غير باء ففيها إشارة إلى طلب تحليق الرؤوس أو تقصيرها وليس فيها ما هو الموجب بطريق التبعيض على اختلافه عندنا وعند الشافعي وهو دخول الباء على المحل، ومن السنة فعله عليه الصلاة والسلام وهو الاستيعاب فكان مقتضى الدليل الاستيعاب كما هو قول مالك وهو الذي أدين الله به والله أعلم. 1726 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ "حَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّتِهِ". [الحديث 1726 - طرفاه في: 4410، 4411]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب بن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي المعجمة (قال نافع) مولى ابن عمر: (كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول): (حلق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) رأسه (في حجته) أي حجة الوداع، وهذا طرف من حديث طويل رواه مسلم من حديث نافع أن ابن عمر أراد الحج عام نزول الحجاج بابن الزبير الحديث، وفيه: ولم يحلل من شيء حرم منه حتى كان يوم النحر فنحر وحلق. 1727 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ. قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ. قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ". وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي نَافِعٌ "رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ". قَالَ: وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ "وَقَالَ فِي الرَّابِعَةِ وَالْمُقَصِّرِينَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) في حجة الوداع أو في الحديبية أو في الموضعين جمعًا بين الأحاديث: (اللهم ارحم المحلقين) (قالوا) أي الصحابة: قال الحافظ ابن حجر ولم أقف في شيء من الطرق على الذين تولوا السؤال في ذلك بعد

البحث الشديد اهـ. وفي رواية ابن سعد في الطبقات في غزوة الحديبية كما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا أن عثمان وأبا قتادة هما اللذان قصرا ولم يحلقا في عام الحديبية. قال شيخ الإسلام الجلال بن البلقيني: فيحتمل أن يكونا هما اللذان قالا: (والمقصرين) أي: قل وارحم المقصرين (يا رسول الله قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اللهم ارحم المحلقين) (قالوا) قل (و) ارحم (المقصرين يا رسول الله قال): (و) ارحم (المقصرين) بالنصب فالعطف على محذوف ومثله يسمى التلقيني كقوله تعالى: ({إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [البقرة: 124] قال الزمخشري في كشافه: ومن ذريتي عطف على الكاف كأنه قال: وجاعل بعض ذريتي كما يقال: سأكرمك فتقول وزيدًا اهـ. وتعقبه أبو حيان فقال: لا يصح العطف على الكاف. لأنها مجرورة فالعطف عليها لا يكون إلا بإعادة الجار ولم يعدو لأن من لا يمكن تقدير الجار مضافًا إليها لأنها حرف فتقديرها بأنها مرادفة لبعض حتى يقدّر جاعل مضافًا إليها لا يصح، ولا يصح أن يكون تقدير العطف من باب العطف على موضع الكاف لأنه نصب فيجعل من في موضع نصب لأن هذا ليس مما يعطف فيه على الموضع على مذهب سيبويه لفوات المجوّز وليس نظير سأكرمك فتفول وزيدًا لأن الكاف هنا في موضع نصب، والذي يقتضيه المعنى أن يكون (ومن ذريتي) متعلقًا بمحذوف التقدير واجعل من ذريتي إمامًا لأن إبراهيم فهم من قوله (إني جاعلك للناس إمامًا) الاختصاص فسأل الله أن يجعل من ذريته إمامًا اهـ. (وقال الليث) بن سعد الإمام (حدثني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر مما وصله مسلم (رحم الله المحلقين مرة أو مرتين) شك الليث إذ الأكثرون على وفاق ما رواه مالك، لأن في معظم الروايات عنه إعادة الدعاء للمحلقين مرتين وعطف المقصرين عليه في الثالثة، وانفرد يحيى بن بكير دون رواة الموطأ بإعادة ذلك ثلاثًا كما نبه عليه أبو عمر في التقصي ولم ينبه عليه في التمهيد. (قال: وقال عبيد الله): بضم العين مصغرًا وهو العمري مما وصله مسلم (حدثني) بالإفراد (نافع قال) ولغير أبي الوقت: وقال: (في الرابعة والمقصرين) أي وارحم المقصرين. 1728 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ. قَالُوا وَلِلْمُقَصِّرِينَ، قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا وَلِلْمُقَصِّرِينَ، قَالَهَا ثَلاَثًا قَالَ: وَلِلْمُقَصِّرِينَ". وبه قال: (حدّثنا عياش بن الوليد) بالمثناة التحتية المشدّدة والشين المعجمة الرقام ووقع في رواية ابن السكن عباس بالموحدة والمهملة قال أبو عليّ الجياني: والأوّل أرجح بل هو الصواب قال: (حدّثنا عمارة بن القعقاع) بتخفيف الميم بعد ضم العين ابن القعقاع بقافين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة وبعد الألف مهملة أخرى ابن شبرمة (عن أبي زرعة) هرم أو عبد الله أو عبد الرحمن بن عمرو البجلي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حجة الوداع. قال في الفتح: أو في الحديبية، وصحح النووي الأوّل، والثاني ابن عبد البر، وجزم به إمام الحرمين في النهاية، وجوّز النووي وقوعه في الموضعين. قال في الفتح: ولم يقع في شيء من الطرق التصريح بسماع أي هريرة -رضي الله عنه- لذلك من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولو وقع لقطعنا بأنه كان في حجة الوداع لأنه شهدها ولم يشهد الحديبية. (اللهم اغفر للمحلقين) قال في حديث ابن عمر: ارحم، وقال هنا: اغفر، فيحتمل أن يكون بعض الرواة رواه بالمعنى أو قالهما جميعًا (قالوا): أي الصحابة يا رسول الله ضم إليهم المقصرين وقل اللهم اغفر للمحلقين (وللمقصرين، قال): (اللهم اغفر للمحلقين) (قالوا وللمقصرين، قال): (اللهم اغفر للمحلقين) (قالوا: وللمقصرين قالها ثلاثًا) أي قال: اغفر للمحلقين ثلاث مرات، وفي الرابعة: (قال): (وللمقصرين) وفيه تفضيل الحلق للرجال على التقصير الذي هو أخذ أطراف الشعر لقوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] إذ العرب تبدأ بالأهم والأفضل نعم إن اعتمر قبل الحج في وقت لو حلق فيه جاء يوم النحر ولم يسودّ رأسه من الشعر فالتقصير له أفضل كذا نقله الأسنوي عن نص الشافعي في الإملاء قال: وقد تعرض النووي في شرح مسلم للمسألة، لكنه أطلق أنه يستحب للمتمتع أن يقصر في العمرة

128 - باب تقصير المتمتع بعد العمرة

ويحلق في الحج ليقع الحلق في أكمل العبادتين. قال الزركشي: ويؤخذ مما قاله الشافعي أن مثله يأتي فيما لو قدّم الحج على العمرة قال: وإنما لم يؤمر في ذلك بحلق بعض رأسه في الحج ويحلق بعضه في العمرة لأنه يكره القزع. نعم، لو خلق له رأسان فحلق أحدهما في العمرة والآخر في الحج لم يكره لانتفاء القزع ويكون ذلك مستثنى من كلام الشافعي، وأما المرأة فالتقصير لها أفضل لحديث أبي داود بإسناد حسن: ليس على النساء حلق إنما عليهن التقصير فيكره لها الحلق لنهيها عن التشبه بالرجال. وفي الحديث من الفوائد: أن التقصير مجزئ عن الحلق وإن لبد رأسه ولا عبرة بكون التلبيد لا يفعله إلا العازم على الحلق غالبًا لكن لو نذر الحلق وجب عليه لأنه في حقه قربة بخلاف المرأة والخنثى ولم يجزه عنه القص ونحوه مما لا يسمى حلقًا كالنتف والإحراق إذ الحلق استئصال الشعر بالموسى، وإذا استأصله بما لا يسمى حلقًا هل يبقى الحلق في ذمته حتى يتعلق بالشعر المستخلف تداركًا لما التزمه أولاً لأن النسك إنما هو إزالة شعر اشتمل عليه الإحرام المتجه الثاني لكن يلزمه لفوات الوصف دم. 1729 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ "حَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد ابن أسماء) بن عبيد بن مخراق البصري ابن أخي جويرية ابن أسماء قال: (حدّثنا جويرية ابن أسماء) بضم الجيم وفتح الواو وتخفيف المثناة التحتية الثانية مصغرًا (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله) زاد أبو الوقت ابن عمر (قال): "حلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وطائفة من أصحابه وقصر بعضهم". قال الجلال البلقيني بن في رواية ابن سعد في الطبقات في غزوة الحديبية البعض الذي قصر، ولفظه عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى أصحابه حلقوا رؤوسهم عام الحديبية غير عثمان وأبي قتادة، فاستغفر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمحلقين ثلاث مرات وللمقصرين مرة. قال صاحب المصابيح: إن ثبت أن ما أورده البخاري في هذا الباب كان في عام الحديبية حسن التفسير بذلك إذ لا يلزم من كون عثمان وأبي قتادة قصرًا في عام الحديبية أن يكونا قصرًا في غيره. 1730 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ -رضي الله عنهم- قَالَ "قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِشْقَصٍ". وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن الحسن بن مسلم) هو ابن يناق (عن طاوس) هو ابن كيسان اليماني الحميري (عن ابن عباس عن معاوية) بن أبي سفيان (-رضي الله عنهم- قال): (قصرت عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: أخذت من شعر رأسه (بمشقص) بميم مكسورة فشين معجمة ساكنة فقاف مفتوحة فصاد مهملة سهم فيه نصل عريض. وقال القزاز نصل عريض يرمى به الوحش، وقال صاحب المحكم هو الطويل من النصال وليس بعريض. زاد مسلم: وهو على المروة وهو يعين كونه في عمرة، ويحتمل أن يكون في عمرة القضية أو الجعرانة، ورجح النووي الثاني وصوّبه المحب الطبري وابن القيم وتعقبه في فتح الباري بأنه جاء أنه حلق في الجعرانة. قال: واستبعاد بعضهم أن معاوية قصر عنه في عمرة الحديبية لكونه لم يكن أسلم ليس ببعيد، وقوله في رواية أحمد: قصرت عن رأس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند المروة يردّ على من قال: إن في رواية معاوية هنا حذفًا تقديره قصرت أنا شعري عن أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولا يقال إن ذلك كان في حجة الوداع لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يحل حتى بلغ الهدي محله فكيف يقصر عنه على المروة. وفي هذا الحديث رواية صحابي عن صحابي، ورواته كلهم مكيون سوى أبي عاصم فبصري. 128 - باب تَقْصِيرِ الْمُتَمَتِّعِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ (باب تقصير المتمتع بعد العمرة) أي عند الإحلال منها. 1731 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحِلُّوا وَيَحْلِقُوا أَوْ يُقَصِّرُوا". وبالسند قال (حدّثنا محمد بن أبي بكر) المقدمي البصري قال: (حدّثنا فضيل بن سليمان) بضم الفاء تصغير فضل النميري البصري قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) الأسدي قال: (أخبرني) بالإفراد (كريب) هو ابن أبي مسلم الهاشمي مولاهم المدني أبي رشدين مولى ابن عباس (عن عباس -رضي الله عنهما- قال): (لما قدم) ولأبي ذر والوقت: قال قدم: (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة أمر أصحابه) الذين لم يسوقوا

129 - باب الزيارة يوم النحر

الهدي (أن يطوفوا بالبيت وبالصفا والمروة ثم يحلوا) بفتح الياء وكسر الحاء (ويحلقوا أو يقصروا) فيه التخيير بين الحلق والتقصير للمتمتع، لكن إن كان يطلع شعره في الحج فالأولى له الحلق وإلا فالتقصير ليقع الحلق في أكمل العبادتين وقد مرّ البحث فيه. 129 - باب الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- "أَخَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزِّيَارَةَ إِلَى اللَّيْلِ" وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي حَسَّانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَزُورُ الْبَيْتَ أَيَّامَ مِنًى". (باب الزيارة) أي زيارة الحاج البيت للطواف به وهو طواف الإفاضة ويسمى طواف الصدر والركن (يوم النحر وقال أبو الزبير) بضم الزاي وفتح الموحدة وسكون التحتية محمد بن مسلم بن تدرس بلفظ المخاطب من المضارع من الدراسة، وقد وثقه الجمهور وضعفه بعضهم لكثرة التدليس وغيره، ولم يرو له المؤلّف سوى حديث واحد في البيوع قرنه بعطاء عن جابر وعلق له عدّة أحاديث، واحتج به مسلم والباقون وسمع من ابن عباس، وفي سماعه من عائشة نظر مما وصله الترمذي وأبو داود وأحمد (عن عائشة وابن عباس -رضي الله عنهم-) أنهم قالا: (أخر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. الزيارة) أي طوافها (إلى الليل) أي أخره إلى ما بعد الزوال، وأما الحمل على ما بعد الغروب فبعيد جدًّا، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أنه عليه الصلاة والسلام طاف يوم النحر نهارًا، أو يحمل على ما رواه ابن حبان أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رمى جمرة العقبة ونحر ثم تطيب للزيارة ثم أفاض وطاف بالبيت طواف الزيارة ثم رجع إلى منى فصلّى الظهر بها والعصر والمغرب والعشاء ورقد رقدة بها، ثم ركب إلى البيت ثانيًا وطاف به طوافًا آخر بالليل، وروى البيهقي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يزور البيت كل ليلة من ليالي منى. (ويذكر) بضم أوله وفتح ثالثه (عن أبي حسان) بالصرف وعدمه مسلم بن عبد الله العدوي البصري المشهور بالأجرد والأعرج أيضًا مما وصله الطبراني في الكبير والبيهقي كما قاله الحافظ ابن حجر (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يزور البيت) العتيق (أيام منى) أي بعد اليوم الأول أيام التشريق. 1732 - وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّهُ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا، ثُمَّ يَقِيلُ، ثُمَّ يَأْتِي مِنًى" يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ. وَرَفَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ. (وقال لنا أبو نعيم) الفضل بن دكين مما وصله الإسماعيلي: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) (إنه طاف طوافًا واحدًا) للإفاضة (ثم يقيل) بفتح المثناة التحتية وكسر القاف من القيلولة أي بمكة (ثم يأتي منى) يحتمل أن يكون في وقت الظهر لأن النهار كان طويلاً، وقد ثبت أنه صلّى الظهر بمنى (يعني يوم النحر). قال أبو نعيم (ورفعه) أي الحديث (عبد الرزاق) إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما وصله الإسماعيلي في مستخرجه (قال: أخبرنا عبيد الله) العمري. 1733 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا حَائِضٌ. قَالَ: حَابِسَتُنَا هِيَ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ. قَالَ: اخْرُجُوا". وَيُذْكَرُ عَنِ الْقَاسِمِ وَعُرْوَةَ وَالأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَفَاضَتْ صَفِيَّةُ يَوْمَ النَّحْرِ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل ابن حسنة القرشي (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (قال: حدثني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت): (حججنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حجة الوداع (فأفضنا يوم النحر) طفنا طواف الإفاضة (فحاضت صفية) بنت حيي أم المؤمنين -رضي الله عنها- أي بعدما أفاضت (فأراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها) قبيل وقت النفر (ما يريد الرجل من أهله) قالت عائشة: (فقلت يا رسول الله إنها حائض قال): عليه الصلاة والسلام (حابستنا هي) عن السفر حتى تطوف طواف الإفاضة، والجملة اسمية مقدمة الخبر على المبتدأ ولا يجوز العكس إلا أن يقال همزة الاستفهام مقدرة قبل حابستنا فيجوز الأمر أن حينئذ. (قالوا: يا رسول الله أفاضت يوم النحر). قبل أن تحيض، واستشكل إرادته عليه الصلاة والسلام منها الوقاع مع عدم تحققه لحلها من الإحرام كما أشعر ذلك بقوله: أحابستنا هي. وأجيب: بأنه عليه الصلاة والسلام كان يعلم إفاضة نسائه فظن أن صفية أفاضت معهن فلما قيل له إنها حائض خشي أن يكون الحيض تقدم على الإفاضة فلم تطف فقال أحابستنا هي فلما قيل له إنها طافت قبل أن تحيض. (قال) (أخرجوا) أي ارحلوا ورخص لها في ترك طواف الوداع وهو غير

130 - باب إذا رمى بعد ما أمسى، أو حلق قبل أن يذبح، ناسيا أو جاهلا

واجب عند المالكية بل مندوب إليه ولا دم في تركه فلو حاضت المرأة تركته لهذا الحديث. وقال الشافعية: هو واجب على من أراد سفرًا فلو لم يطفه جبر بالدم لتركه نسكًا واجبًا. فإن عاد بعد خروجه قبل مسافة القصر وطافه سقط عنه الدم لأنه في حكم المقيم لا أن عاد بعدها فلا يسقط عنه لاستقراره بالسفر الطويل ولا يلزم الطواف حائضًا طهرت خارج مكة ولو في الحرم بخلاف ما لو طهرت قبل خروجها. وهذا الحديث أخرجه النسائي في الحج. (ويذكر) بضم أوله وفتح ثالثه (عن القاسم) بن محمد مما أخرجه مسلم (وعروة) بن الزبير مما وصله المصنف في المغازي (والأسود) مما وصله المؤلّف في باب الادلاج من المحصب الثلاثة (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت: (أفاضت صفية يوم النحر) فلم ينفرد أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة بذلك وإنما لم يجزم به بل قال ويذكر لأنه أورده بالمعنى. 130 - باب إِذَا رَمَى بَعْدَ مَا أَمْسَى، أَوْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ، نَاسِيًا أَوْ جَاهِلاً هذا (باب) بالتنوين (إذا رمى) الحاج جمرة العقبة (بعدما أمسى) أي دخل في المساء ليلاً أو بعد الزوال (أو حلق) شعر رأسه (قبل أن يذبح) الهدي حال كونه (ناسيًا أو جاهلاً) لأخرج عليه. 1734 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِيلَ لَهُ فِي الذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالرَّمْيِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَقَالَ: لاَ حَرَجَ". وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد البصري قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس بن كيسان (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قيل له) في حجة الوداع بمنى (في الذبح والحلق والرمي والتقديم) كتقديم بعض هذه الثلاثة على بعض (والتأخير)، لها عن بعض (فقال): عليه الصلاة والسلام. (لا حرج) لا إثم ولا فدية. وتقدم البحث في ذلك في باب: الذبح قبل الحلق وأوجب المالكية الدم إذا قدم الحلق على الرمي وكذا إذا قدم الإفاضة على الرمي عند ابن القاسم فيكون المراد نفي الإثم لا نفي الفدية، ولم يقع في هذا الحديث ذكر النسيان والجهل المترجم بهما فقيل: يحتمل أنه أشار إلى قوله في الحديث الآتي في الباب التالي إن شاء الله تعالى فقال رجل: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح قال: "اذبح ولا حرج" الحديث. فإن عدم الشعور أعم من أن يكون بجهل أو نسيان فكأنه أشار إليه لأن أصل الحديث واحد وإن كان المخرج متعددًا، وقد أخرج الحديث مسلم في الحج وكذا النسائي. 1735 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسْأَلُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى فَيَقُولُ: لاَ حَرَجَ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قَالَ: اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ. وَقَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ، فَقَالَ: لاَ حَرَجَ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) البصري قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسأل يوم النحر بمنى) في حجة الوداع عن التقديم والتأخير في أفعال يوم النحر (فيقول) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا حرج) (فسأله رجل) لم يسم (فقال حلقت) شعر رأسي (قبل أن أذبح) هديي (قال): عليه الصلاة والسلام (اذبح ولا حرج) عليك (قال): ولغير أبي الوقت: وقال: (رميت) جمرة العقبة (بعدما أمسيت) أي دخلت في المساء أي بعد الزوال إلى الغروب واشتداد الظلام فلم يتعين أن رمي المذكور كان بالليل (فقال): عليه الصلاة والسلام: (لا حرج) عليك. وقد سبق في باب الذبح قبل الحل أن الرافعي صرّح بأن وقت الفضيلة لرمي يوم النحر ينتهي إلى الزوال وأن للرمي وقت فضيلة ووقت اختيار ووقت جواز. 131 - باب الْفُتْيَا عَلَى الدَّابَّةِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ (باب الفتيا على الدابة عند الجمرة) الكبرى، وسبق في كتاب العلم باب الفتيا وهو واقف على الدابة أو على غيرها وبعدها بأبواب كثيرة باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار ولكن وجه يظهر بالتأمل. 1736 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قَالَ: اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ. فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: ارْمِ وَلاَ حَرَجَ، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَىْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن ابن شهاب) الزهري (عن عيسى بن طلحة) القرشي التيمي التابعي (عن عبد الله بن عمرو) هو ابن العاصي -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقف) أي على ناقته كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الحديث الأخير من هذا الباب (في حجة الوداع) زاد في كتاب العلم: بمنى للناس (فجعلوا يسألونه فقال رجل) لم يسم (لم أشعر) لم يفطن وهو أعم من الجهل والنسيان، ولم يفصح في رواية

مالك بمتعلق الشعور وقد بينه يونس عند مسلم ولفظه لم أشعر أن النحر قبل الحلق (فحلقت) شعر رأسي والفاء سببية جعل الحلق مسببًا عن عدم شعوره كأنه يعتذر لتقصيره (قبل أن أذبح) هديي (قال): عليه الصلاة والسلام. (اذبح) هديك (ولا حرج) عليك (فجاء) رجل (آخر فقال): يا رسول الله (لم أشعر) أي أن الرمي قبل النحر (فنحرت) هديي (قبل أن أرمي) الجمرة (قال): عليه الصلاة والسلام (ارم) الجمرة (ولا حرج) عليك (فما سئل) النبي (يومئذ عن شيء) من الرمي والنحر والحلق والطواف (قدم ولا أخر) بضم القاف والهمزة فيهما أي لا قدم فحذف لفظة لا والفصيح تكرارها في الماضي قال تعالى: {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} [الأحقاف: 9] ولمسلم ما سئل عن شيء قدم أو أخر (إلا قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (افعل) ذلك التقديم والتأخير متى شئت (ولا حرج) عليه مطلقًا لا في الترتيب ولا في ترك الفدية، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة. وقال مالك وأبو حنيفة، الترتيب واجب يجبر بدم لما روي عن ابن عباس من قدم شيئًا في حجه أو أخره فليهرق دمًا وتأولا لا حرج لا إثم لأن الفعل صدر من غير قصد بل جهلاً أو نسيانًا كما يدل عليه قوله: لم أشعر، واحتج به من قال أن الرخصة تختص بالجاهل والناسي لا بمن تعمد. وأجيب: بأن الترتيب لو كان واجبًا لما سقط بالسهو كالترتيب بين السعي والطواف فإنه لو سعى قبل أن يطوف وجب إعادة السعي، وقول ابن التين هذا الحديث لا يقتضي رفع الحرج في غير المسألتين المنصوص عليهما لأن قوله: (لا حرج) وقع جوابًا للسؤال فلا يدخل فيه غيره وكأنه غفل عن قوله في بقية الحديث فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال (افعل) أو حمل ما أبهم فيه على ما ذكر، ويرده قوله في رواية ابن جريج التالية وأشباه ذلك. وليس في هذا الحديث ذكر الدابة المترجم بها بل قال الإسماعيلي: إنها لم تكن في شيء من الروايات عن مالك، لكن في رواية يحيى القطان عنه أنه جلس في حجة الوداع فقام رجل قال الإسماعيلي: فإن ثبت في شيء من الطرق أنه كان على دابة فيحمل قوله جلس أي على دابته اهـ. والدابة تطلق على المركوب من ناقة وفرس وغيرهما. وفي هذا الحديث رواية التابعي عن التابعي عن الصحابيّ، ورواته كلهم مدنيون إلا شيخ المؤلّف. 1737 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ "أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا، ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا، حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ، نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ لَهُنَّ كُلِّهِنَّ، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَىْءٍ إِلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ". وبه قال: (حدّثنا سعيد بن يحيى بن سعيد) قال: (حدّثنا أبي) هو يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاصي الأموي قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال: (حدثني) ولأبوي ذر والوقت أخبرني بالإفراد فيهما (الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عيسى بن طلحة) التابعي (عن عبد الله بن عمرو بن العاصي) ولأبي ذر: أن عبد الله بن عمرو بن العاصي (-رضي الله عنه-) أنه (حدثه). (أنه شهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي حضره حال كونه (يخطب يوم النحر) بمنى على راحلته (فقام إليه رجل) لم يعرف اسمه (فقال) يا رسول الله (كنت أحسب) أي أظن (أن كذا قبل كذا) الكاف للتشبيه وذا للإشارة (ثم قام) إليه رجل (آخر فقال: كنت أحسب أن كذا قبل كذا حلقت قبل أن أنحر نحرت قبل أن أرمي) أي قال الأول كنت أظن أن الحلق قبل النحر فحلقت قبل أن أنحر وقال الآخر كنت أظن أن النحر قبل الرمي فنحرت قبل أن أرمي (وأشباه ذلك) أي من الأشياء التي كان يحسبها على خلاف الأصل، وفي رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم حلقت قبل أن أرمي وقال آخر: أفضت إلى البيت قبل أن أرمي. وحاصل ما في حديث عبد الله بن عمر السؤال عن أربعة أشياء: الحلق قبل الذبح والذبح قبل الرمي والحلق قبل الرمي والإفاضة قبل الرمي، وفي حديث عليّ السؤال عن الإفاضة قبل الحلق، وفي حديثه عند الطحاوي السؤال عن الرمي والإفاضة قبل الحلق، وفي حديث جابر المعلق عند المؤلّف فيما سبق السؤال عن الإفاضة قبل الذبح، وفي حديث أسامة بن شريك عند أبي داود السؤال عن السعي قبل الطواف وهو محمول

132 - باب الخطبة أيام منى

على من سعى بعد طواف القدوم، ثم طاف طواف الإفاضة فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل الطواف أي طواف الركن. قال في الفتح: وقد بقيت عدّة صور لم يذكرها الرواة إما اختصارًا وإما لكونها لم تقع وبلغت بالتقسيم أربعًا وعشرين صورة منها صورة الترتيب المتفق عليها. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (افعل) ما ذكر من التقديم والتأخير (ولا حرج لهن) متعلق يقال أي قال لأجل هذه الأفعال (كلهن) بجر اللام افعل أو لهن متعلق بمحذوف أي قال يوم النحر لهن أو متعلق بقوله: لا حرج أي لا حرج لأجلهن عليك قاله الكرماني. قال في الفتح: ويحتمل أن تكون اللام بمعنى عن أبي قال عنهن كلهن إفعل ولا حرج، (فما سئل يومئذ عن شيء) مما قدم أو أخر (إلا قال): (افعل ولا حرج) وهو ظاهر في رفع الإثم والفدية معًا، وقول الطحاوي: إنه يحتمل أن يكون قوله لا حرج أي لا إثم في ذلك الفعل وهو كذلك لمن كان ناسيًا أو جاهلاً وأما من تعمد المخالفة فتجب عليه الفدية فيه نظر لأن وجوب الفدية يحتاج إلى دليل ولو كان واجبًا لبينه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذٍ لأنه وقت الحاجة فلا يجوز تأخيره، وقد أجمع العلماء على الإجزاء في التقديم والتأخير كما قاله ابن قدامة في المغني إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع كما تقدم تقريره. وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة وشيخه بغدادي وأبوه كوفي ورواية التابعي عن الصحابي. 1738 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- قَالَ "وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى نَاقَتِهِ .. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ". تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر: حدثني (إسحاق) غير منسوب، لكن قال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح وقع في رواية الأصيلي ورواية أبي علي بن شبويه معًا حدّثنا إسحاق بن منصور يعني ابن بهرام الكوسج المروزي صاحب مسائل أحمد بن حنبل قال: (أخبرنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني نزيل بغداد المتوفى فيما نقله المزي فى التهذيب عن البخاري بنيسابور يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء لعشر خلون من جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين ومائتين قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) الزهري قال: (حدثني) بالإفراد (عيسى بن طلحة بن عبيد الله) بضم العين مصغرًا التيمي المدني (أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال) (وقف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ناقته) زاد في الحديث الأول من هذا الباب حجة الوداع وفي الثاني يوم النحر وفي كتاب العلم عند الجمرة (فذكر الحديث) نحو ما سبق. (تابعه) أي تابع صالح بن كيسان (معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين ساكنة ابن راشد في روايته (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب فيما وصله مسلم بلفظ: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ناقته بمنى، وقوله بمنى لا يضاد قوله عند الجمرة. وفي هذا الحديث رواية ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض صالح والزهري وعيسى. 132 - باب الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى (باب) مشروعية (الخطبة أيام منى) الأربعة يوم النحر والثلاثة بعده. 1739 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ. قَالَ: فَأَىُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ. قَالَ: فَأَىُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا شَهْرٌ حَرَامٌ. قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا. فَأَعَادَهَا مِرَارًا. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". [الحديث 1739 - طرفه في: 7079]. وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدثني) بالإفراد (يحيى بن سعيد) القطان قال: (حدّثنا فضيل بن غزوان) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة وغزوان بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي وبالنون في آخره قال: (حدّثنا عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطب الناس يوم النحر) فيه أن السنة أن يخطب الإمام يوم النحر خطبة فردة يعلم الناس بها المبيت والرمي في أيام التشريق والنفر وغير ذلك مما يحتاجون إليه مما بين أيديهم وما مضى لهم في يومهم ليأتي به من لم يفعله أو يعيده من فعله على غير وجهه، وهذه الخطبة هي الثالثة من خطب الحج الأربعة وكلها بعد الصلاة إلا عرفة فقبلها وهي خطبتان بخلاف الثالثة الباقية ففرادى وهذا مذهب الشافعي وأحمد، وما ذكر من كون خطبة يوم النحر بعد صلاة الظهر. قال في المجموع: كذا قاله الشافعي والأصحاب واتفقوا عليه وهو مشكل لأن المعتمد فيها الأحاديث وهي مصوحة بأنها كانت ضحوة يوم النحر كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقال المالكية والحنفية: خطب الحج ثلاثة

سابع ذي الحجة ويوم عرفة بها وثاني يوم النحر بمنى ووافقهم الشافعي إلا أنه قال: بدل ثاني يوم النحر ثالثه لأنه أول النفر وزاد الرابعة يوم النحر قال وبالناس حاجة إليها ليعلموا أعمال ذلك اليوم من الرمي والذبح والحلق والطواف، واعترضه الطحاوي بأن الخطبة المذكورة ليست من متعلقات الحج لأنه لم يذكر فيها شيئًا من أمور الحج وإنما ذكر فيها وصايا عامة لا على أنها خطبة وشعيرة من شعائر الحج ولم ينقل أحد أنه علمهم فيها شيئًا مما يتعلق بيوم النحر فعرفنا أنها لم تقصد لأجل الحج. وأجيب: بأن البخاري أراد أن يبين أن الراوي قد سماها خطبة كما سمى التي وقعت في عرفات خطبة، وقد اتفقوا على خطبة يوم عرفة فألحق المختلف فيه بالمتفق عليه قاله ابن المنير في الحاشية، وقد جزم الصحابة ابن عباس وأبو بكر وأبو أمامة عند أبي داود بتسميتها خطبة فلا يلتفت لتأويل غيرهم. وقد ثبت في حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي السابق وغيره أنه شهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب يوم النحر وفي حديث عبد الرحمن بن معاذ عند أبي داود والنسائي قال: خطبنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن بمنى ففتحنا أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار فوضع إصبعيه ثم قال: بحصى الخذف ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد وأمر الأنصار أن ينزلوا من وراء المسجد ثم نزل الناس بعد، (فقال:) عليه الصلاة والسلام في خطبته المذكورة. (يا أيها الناس) خطابًا للحاضرين معه حينئذ (أي يوم هذا) استفهام تقريري (قالوا: يوم حرام) قال: (فأي بلد هذا) قالوا: بلد حرام قال: (فأي شهر هذا؟) قالوا: (شهر حرام) وليس الحرام عين اليوم والبلد والشهر وإنما المراد ما يقع فيه من القتال، وقال البيضاوي: يريد بذلك تذكارهم حرمة ما ذكر وتقريرها في نفوسهم ليبنى عليها ما أراد تقريره حيث (قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم) جمع عرض بكسر العين وهو ما يمدح به الإنسان ويذم، وقيل الحسب أو الأخلاق النفسانية. قال في شرح المشكاة: والتحقيق ما ذكره صاحب النهاية العرض موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه ولما كان موضع العرض النفس قال: من قال العرض النفس إطلاقًا للمحل على الحال، وحيث كان نسبة الشخص إلى الأخلاق الحميدة والذم نسبته إلى الذميمة سواء كانت فيه أم لا قال من قال العرض الخلق إطلاقًا لاسم اللازم على الملزوم: (عليكم حرام) أي أن انتهاك دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، وهذا أولى من قول من قال: فإن سفك دمائكم وأخذ أموالكم وثلب أعراضكم لأن ذلك إنما يحرم إذا كان بغير حق فلا بدّ من التصريح به فلفظ انتهاك أولى لأن موضوعها لتناول الشيء بغير حق كما مرّ في باب العلم (كحرمة يومكم هذا) يوم النحر (في بلدكم هذا في شهركم هذا) ذي الحجة وإنما شبهها في الحرمة بهذه الأشياء لأنهم كانوا لا يرون استباحتها وانتهاك حرمتها بحال. وقال ابن المنير: قد استقر في القواعد أن الأحكام لا تتعلق بأفعال المكلفين فمعنى التحريم اليوم والبلد والشهر تحريم أفعال الاعتداء فيها على النفس والمال والعرض فما معنى إذن تشبيه الشيء بنفسه. وأجاب: بأن المراد أن هذه الأفعال في غير هذ البلد وهذا الشهر وهذا اليوم مغلظة الحرمة عظيمة عند الله فلا يستسهل المعتدي كونه تعدي في غير البلد الحرام والشهر الحرام، بل ينبغي له أن يخاف خوف من فعل ذلك في البلد الحرام وإن كان فعل العدوان في البلد الحرام أغلظ فلا ينفي كون ذلك في غيره غليطًا أيضًا وتفاوت ما بينهما في الغلظ لا ينفع المعتدي في غير البلد الحرام، فإن فرضناه تعدّي في البلد الحرام فلا يستسهل حرمة البلد بل ينبغي أن يعتقد أن فعله أقبح الأفعال وأن عقوبته بحسب ذلك فيراعي الحالتين. (فأعادها) أي المذكورات (مرارًا) وأقله ثلاث مرات وهي عادته عليه الصلاة والسلام (ثم رفع رأسه) زاد الإسماعيلي من هذا الوجه: إلى السماء (فقال): (اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟) مرتين أي بلغت ما أمرتني به وإنما قال ذلك لأنه عليه الصلاة والسلام كان التبليغ فرضًا عليه.

(قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته) بفتح لام لوصيته وهي للتأكيد والضمير فيه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي أنها لقوله: (فليبلغ الشاهد) الحاضر ذلك المجلس (الغائب) عنه والضمير وإن كان مقدّمًا في الذكر فالقرينة تدل على أنه مؤخر فى المعنى، وقول ابن عباس معترض بين قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هل بلغت)؟ وبين قوله (فليبلغ الشاهد) الغائب (لا ترجعوا بعدي) بعد فراقي من موقفي هذا أو بعد حياتي وفيه استعمال رجع كصار معنى وعملاً قال ابن مالك وهو مما خفي على أكثر النحويين أي لا تصيروا بعدي (كفارًا) أي كالكفار أو لا يكفر بعضهم بعضًا فتستحلوا القتال أو لا تكن أفعالكم شبيهة بأفعال الكفار (يضرب بعضكم رقاب بعض) برفع يضرب جملة مستأنفة مبينة لقوله لا ترجعوا بعدي كفارًا ويجوز الجزم. قال أبو البقاء: على شرط مضمر أي أن ترجعوا بعدي. ورواة هذا الحديث ما بين مدني وبصري وكوفي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الفتن وكذا الترمذي. 1740 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ. تَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو. [الحديث 1740 - أطرافه في: 1812،1841، 1843، 5804، 5853]. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث الحوضي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن دينار (قال: سمعت جابر بن زيد) أبا الشعثاء الأزدي اليحمدي (قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب بعرفات). ولا مطابقة بينه وبين الترجمة على ما لا يخفى، لكن يحتمل أنه قصد التنبيه على إلحاق المختلف فيه بالمتفق عليه كما مرّ. وهذا الحديث طرف من حديث ذكره المؤلّف فيما يأتي إن شاء الله تعالى في باب: لبس الخفين للمحرم عن أبي الوليد عن شعبة بهذا الإسناد، ولفظه: يخطب بعرفات من لم يجد النعلين فليلبس الخفين ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل للمحرم. وفي هذا الحديث رواية التابعي، عن التابعي عن الصحابي، وأخرجه المؤلّف في الباب المذكور وفي اللباس أيضًا، ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة في الحج، والنسائي أيضًا في الزينة. (تابعه) أي تابع شعبة بن الحجاج (ابن عيينة) سفيان (عن عمرو) أي ابن دينار المذكور والمراد أنه تابعه في رواية أصل هذا الحديث فإن أحمد أخرجه في مسنده عن سفيان بن عيينة بلفظ: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب يقول من لم يجد فذكره فلم يقل عرفات ولا غيرهما. 1741 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، وَرَجُلٌ أَفْضَلُ فِي نَفْسِي مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ "خَطَبَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ". وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر وابن عساكر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي الجعفي قال: (حدّثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو العقدي قال: (حدّثنا قرة) بضم القاف وتشديد الراء ابن خالد السدوسي (عن محمد بن سيرين قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الرحمن بن أبي بكرة عن) أبيه (أبي بكرة) نفيع بن الحرث بن كلدة (ورجل) بالرفع عطفًا على عبد الرحمن دخل في الولايات وكان الرجل المذكور وهو (حميد بن عبد الرحمن) الحميري فيما قاله الحافظ ابن حجر زاهدًا أو هو ابن عوف القرشي الزهري كما قاله الكرماني، وكل واحد منهما سمع من أبي بكرة وسمع منه محمد بن سيرين وحميد مرفوع خبر مبتدأ محذوف أو بدل من رجل أو عطف بيان (عن أبي بكرة) نفيع (-رضي الله عنه- قال: خطبنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم النحر) أي بمنى عند الجمرة (قال): (أتدرون أي يوم هذا)؟ (قلنا الله ورسوله أعلم) فيه مراعاة الأدب وتحرز عن التقدم بين يدي الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توقف فيما لا يعلم الغرض من السؤال عنه، (فسكت) عليه الصلاة والسلام (حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه). قال الطيبي: فيه إشارة إلى تفويض الأمور بالكلية إلى الشارع وعزل لما ألفوه من المتعارف المشهور، وفي حديث ابن عباس فقال: يا أيها الناس أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام إلى آخره، ففيه أنهم أجابوه. وفي حديث أبي بكرة أنهم سكتوا وفوضوا إليه الأمر، فقيل في التوفيق بينهما أن في حديث أبي بكرة فخامة

ليست في حديث ابن عباس لزيادة لفظ: أتدرون؟ فلهذا سكتوا فيه وفوّضوا الأمر إليه بخلاف حديث ابن عباس فالسكت فيه كان أوّلاً والجواب بالتعيين كان آخرًا، وهذا يفهم أنهما واقعتان وهو مردود لأن الخطبة يوم النحر إنما شرعت مرة واحدة. وأجيب: بأن السؤال وقع في الخطبة المذكورة مرتين بلفظين فلم يجيبوا عند قوله: أتدرون لما ذكر، وأجابوا في المرة الأخرى العارية عن ذلك أو كان السؤال واحدًا وأجاب بعضهم دون بعض، أو أن في حديث ابن عباس اختصارًا. (قال) عليه الصلاة والسلام: (أليس يوم النحر) بنصب اليوم خبر ليس أي أليس اليوم يوم النحر ويجوز الرفع على أنه اسمها والخبر محذوف أي أليس يوم النحر هذا اليوم (قلنا: بلى. قال) عليه الصلاة والسلام: (أي شهر هذا) (قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال) عليه الصلاة والسلام: (أليس ذو الحجة) بالرفع اسم ليس وخبرها محذوف أي: ليس ذو الحجة هذا الشهر. قال ابن مالك: والأصل أليسه ذو الحجة فحذف الضمير المتصل كقوله: أين المفر والإله الطالب ... والأشرم المغلوب ليس الغالب فإنه خرج على أن الغالب اسم ليس والخبر محذوف: قال ابن مالك: وهو في الأصل ضمير متصل عائد على الأشرم أي ليسه الغالب كما تقول الصديق كأنه زيد ثم حذف لاتصاله. قال في المغني ومقتضى كلامه أنه لولا تقديره متصلاً لم يجز حذفه وفيه نظر. قال صاحب تحفة الغريب: أما أن ذلك مقتضى كلامه فظاهر لأنه علل حذفه بالاتصال فقال ثم حذف لاتصاله، وأما أن فيه نظرًا فليس معناه أنه مشكل، وإنما المراد محل نظر وتثبت فيبحث عن النقل فيه هل هو كذلك عند العرب أو لا والله أعلم. وفي رواية أبوي ذر والوقت قال: ذو الحجة فأسقطا الفاء من فقال، ولفظ أليس والتقدير هو ذو الحجة. وفي بعض الأصول قال: أليس ذا الحجة بالنصب خبر ليس (قلنا بلى. قال): (أي بلد هذا) بالتذكير (قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال): (أليست بالبلدة الحرام) بتأنيث البلدة وتذكير الحرام الذي هو صفتها واستشكل. وأجيب: بأنه اضمحل منه معنى الوصفية وصار اسمًا، وسقط لفظ الحرام في رواية غير ابن عساكر والجار والمجرور الذي هو بالبلدة في موضع رفع أو نصب كما مرّ والمراد مكة، وقيل: إنها اسم خاص لها قال تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ} [النمل: 91] كذا قاله الزركشي وغيره، لكن لا دلالة في الآية على ما ادعوه من الاختصاص قاله في المصابيح. وقال التوربشتي: وجه تسميتها بالبلدة وهي تقع على سائر البلدان أنها البلدة الجامعة للخير المستحقة أن تسمى بهذا الاسم لتفوّقها سائر مسميات أجناسها تفوق الكعبة في تسميتها بالبيت سائر مسميات أجناسها حتى كأنها هي المحل المستحق للإقامة بها. وقال ابن جني: من عادة العرب أن يوقعوا على الشيء الذي يخصونه بالمدح اسم الجنس ألا تراهم كيف سموا الكعبة بالبيت وكتاب سيبويه بالكتاب. (قلنا بلى: قال) عليه الصلاة والسلام (فإن دماءكم وأموالكم) زاد في الرواية السابقة: وأعراضكم (عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم) بجر يوم من غير تنوين ويجوز فتحه وكسره مع التنوين والأول هو المروي، وشبه الأموال والدماء والأعراض في الحرمة باليوم وبالشهر وبالبلد لاشتهار الحرمة فيها عندهم وإلا فالشبه إنما يكون دون المشبه به، ولهذا قدم السؤال عنها مع شهرتها لأن تحريمها أثبت في نفوسهم إذ هي عادة سلفهم وتحريم الشرع طارئ وحينئذٍ فإنما شبه بما هو أعلى منه باعتبار ما هو مقرر عندهم وقد سبق هذا في باب العلم وذكر هنا لبعد العهد به. (ألا هل بلغت؟) (قالوا نعم) بلغت (قال:) عليه الصلاة والسلام (اللهم اشهد) أني أدّيت ما أوجبته عليّ من التبليغ (فليبلغ الشاهد) الحاضر هذا المجلس (الغائب) عنه ما ذكر فيه أو جميع الأحكام التي سمعها، ولأبي ذر: وليبلغ بالواو بدل الفاء (فرب مبلغ) بفتح اللام المشددة اسم مفعول بلغه كلامي بواسطة (أوعى) احفظ وافهم لمعنى كلامي

(من سامع) سمعه مني. قال النووي: وفيه تصريح بوجوب نقل العلم على الكفاية وإشاعة السنن والأحكام: وقال المهلب: فيه إنه يأتي في آخر الزمان من يكون له من الفهم في العلم ما ليس لمن تقدم إلا أن ذلك يكون في الأقل لأن رب موضوعة للتقليل اهـ. وفيه شيء، فقد قال ابن هشام في مغنيه: وليس معناه التقليل دائمًا خلافًا للأكثرين ولا التكثير دائمًا خلافًا لابن درستويه وجماعة بل ترد للتكثير كثيرًا وللتقليل قليلاً، فمن الأول {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2] وفي الحديث: يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة. وقال الشاعر: فيارب يوم قد لهوت وليلة ... بآنسة كأنها خط تمثال وتوجيه ذلك أن الآية والحديث مسوقان للتخويف والبيت مسوق للافتخار ولا يناسب واحد منها التقليل، ومن الثاني قول أبي طالب في النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل لكن الظاهر أن المراد بها هنا في حديث الباب التقليل بدليل قوله في الرواية السابقة في العلم عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه (فلا) بالفاء ولأبي الوقت: ولا (ترجعوا) أي لا تصيروا (بعدي كفارًا) أي كالكفار (يضرب بعضكم رقاب بعض) برفع يضرب ويجوز جزمه كما مرّ في الحديث السابق. وفي هذا الحديث رواية ثلاثة من التابعين وهم: محمد بن سيرين، وعبد الرحمن بن أبي بكرة، وحميد بن عبد الرحمن، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، ويأتي إن شاء الله في التفسير وبدء الخلق والفتن. 1742 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِنًى: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ: فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ. أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: بَلَدٌ حَرَامٌ. أَفَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا". وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْغَازِ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "وَقَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ بِهَذَا، وَقَالَ: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ. فَطَفِقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ. وَوَدَّعَ النَّاسَ فَقَالُوا: هَذِهِ حَجَّةُ الْوَدَاعِ". [الحديث 1742 - أطرافه في: 4403، 6043، 6166، 6785، 6868، 7077]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي قال: (حدّثنا يزيد بن هارون) السلمي الواسطي قال: (أخبرنا عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (عن ابن عمر) جد محمد بن زيد (-رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (بمنى) أي فيها في خطبته التي خطبها يوم النحر: (أتدرون أي يوم هذا)؟ برفع أي والجملة مقول القول (قالوا: الله ورسوله أعلم) بذلك (فقال) عليه الصلاة والسلام، ولأبي الوقت: قال: (فإن هذا يوم حرام) حرم الله فيه القتل (أفتدرون أي بلد هذا) بالتذكير (قالوا: الله ورسوله أعلم قال) عليه الصلاة والسلام أنه (بلد حرام) بالتذكير لا يجوز فيه القتل (أفتدرون أي شهر هذا)؟ (قالوا: الله ورسوله أعلم قال) عليه الصلاة والسلام: إنه (شهر حرام) يحرم فيه القتل (قال) عليه الصلاة والسلام (فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا) يوم النحر (في شهركم هذا) ذي الحجة (في بلدكم هذا) مكة. وفي هذا الحديث كسابقه من الفوائد مشروعية ضرب المثل وإلحاق النظير بالنظير ليكون أوضح للسامع، وجواز تحمل الحديث لمن لم يفهم معناه ولا فقهه إذا ضبط ما يحدث به، وجواز وصفه بكونه من أهل العلم بذلك، وأخرجه البخاري أيضًا في الدّيات والفتن والأدب والحدود والمغازي ومسلم في الإيمان. (وقال هشام بن الغاز): بفتح الغين المعجمة وتخفيف الزاي من الغزو بحذف الياء وإثباتها ابن ربيعة الجرشي بضم الجيم وفتح الراء وبالمعجمة مما وصله ابن ماجة ولفظه: حدّثنا المؤمل بن الفضل عن الوليد بن مسلم عن هشام بن الغاز قال: حدّثنا نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقف يوم النحر عليّ الحجة التي حج فيها فقال: أي يوم هذا؟ فقالوا: يوم النحر، فقال: هذا يوم الحج الأكبر. ورواه ابن ماجة وغيره (أخبرني) بالإفراد ولأبي الوقت أخبرنا (نافع) مولى ابن عمر بن الخطاب (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) قال: (وقف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم النحر بين الجمرات) بفتح الجيم والميم جمع جمرة وفيه تعيين موضع وقوفه عليه الصلاة والسلام كما أن في الرواية السابقة تعيين الزمان كحديثي ابن عباس تعيين اليوم كتعيين الوقت منه في رواية رافع بن عمرو المزني عند أبي داود والنسائي ولفظه: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب الناس بمنى حين ارتفع

133 - باب هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى؟

الضحى (في الحجة) ولأبي ذر عن الكشميهني في حجته (التي حج) وللطبراني في حجة الوداع (بهذا) قال البرماوي كالكرماني أي وقف متلبسًا بهذا الكلام المذكور، واستغربه الحافظ ابن حجر فقال بهذا أي بالحديث الذي تقدم من طريق محمد بن زيد عن جده قال: وأراد المصنف بذلك أصل الحديث وأصل معناه، لكن السياق مختلف فإن في طريق محمد بن زيد أنهم أجابوا بالتفويض، وفي هذا عند ابن ماجة وغيره في أجوبتهم قالوا يوم النحر قالوا بلد حرام قالوا شهر حرام اهـ. واعترضه العيني بأن في الطريقين اختلافًا يعني التفويض والجواب بيوم النحر قال: وكأن في طريق هشام ورد التفويض والجواب، وفي تعليق البخاري عنه اللفظ هو التفويض فلذلك فسر الكرماني لفظة بهذا بقوله وقف متلبسًا بهذا الكلام المذكور وأراد بالكلام المذكور المفويض قال: وهذا هو الوجه فلا ينسب إلى الاستغراب لأن الباء في بهذا تتعلق بقوله وقف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن تأمل سر التراكيب لم يزغ عن طريق الصواب اهـ. (وقال) عليه الصلاة والسلام: (هذا) أي يوم النحر (يوم الحج الأكبر) واختلف في المراد بالحج الأصغر فالجمهور على أنه العمر. وصل ذلك عبد الرزاق من طريق عبد الله بن شداد أحد كبار التابعين، ووصله الطبري عن جماعة منهم عطاء والشعبي، وقيل يوم الحج الأصغر يوم عرفة، ويوم الحج الأكبر يوم النحر لأنه فيه تتكمل بقية المناسك. وعن مجاهد الأكبر القران والأصغر الإفراد والذي تحصل من اختلافهم في يوم الحج الأكبر خمسة أقوال. أحدها: أنه يوم النحر رواه الترمذي مرفوعًا وموقوفًا. ورواه أبو داود عن ابن عمر مرفوعًا كما مرّ وهو قول عليّ وعبد الله بن أبي أوفى والشعبي. الثاني: أنه يوم عرفة رواه ابن مردويه في تفسيره من رواية ابن جريج عن محمد بن قيس عن المسور بن مخرّمة قال: خطبنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بعرفات فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد. فإن هذا اليوم الحج الأكبر وتؤوّل على معنى أن الوقوف هو المهم من أفعاله لأن الحج يفوت بفواته. الثالث: أنه أيام الحج كلها قاله الثوري وقد يعبر عن الزمان باليوم كقولهم: يوم بعاث ويوم الجمل ويوم صفين. الرابع: أن الأكبر القران والأصغر الإفراد قاله مجاهد كما مرّ. الخامس: حج أبي بكر -رضي الله عنه- بالناس رواه ابن مردويه في تفسيره من رواية الحسن عن سمرة بلفظ قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يوم الحج الأكبر يوم حج أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- بالناس، وقد استنبط حميد بن عبد الرحمن من قوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} [التوبة: 3] ومن مناداة أبي هريرة بذلك بأمر الصديق يوم النحر أن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر. (فطفق) أي جعل أو شرع (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (اللهم اشهد) جملة وقعت خبر الطفق (وودّع) ولأبي ذر والوقت وابن عساكر: فودع (الناس) بفاء العطف بدل واوه لأنه عليه الصلاة والسلام علم أنه لا يتفق له بعد هذا وقفة أخرى ولا اجتماع آخر مثل ذلك وسبب ذلك أنزلت عليه {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] في وسط أيام التشريق وعرف أنه الوداع، فأمر براحلته القصواء فرحلت له وركب عليها ووقف بالعقبة واجتمع الناس إليه الحديث. ورواه البيهقي بسند فيه ضعف (فقالوا): أي الصحابة (هذه) الحجة (حجة الوداع) بفتح الواو. قال في الصحاح: التوديع عند الرحيل والاسم الوداع بالفتح. وقال في القاموس: وهو تخليف المسافر الناس خافضين وهم يودعونه إذا سافر تفاؤلاً بالدعة التي يصير إليها إذا قفل أي يتركونه وسفره. 133 - باب هَلْ يَبِيتُ أَصْحَابُ السِّقَايَةِ أَوْ غَيْرُهُمْ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى؟ هذا (باب) بالتنوين (هل يبيت أصحاب السقاية) سقاية العباس أو غيرها (أو غيرهم) ممن له عذر من مرض أو شغل كالحطابين والرعاء (بمكة ليالي منى)؟ بنصب ليالي على الظرفية والباء في بمكة تتعلق بقوله يبيت. 1743 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "رَخَّصَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... ". وبه قال (حدّثنا محمد بن عبيد بن ميمون) بتصغير عبد المعروف بابن أبي عباد القرشي التيمي مولاهم المدني وقيل الكوفي قال: (حدّثنا عيسى بن يونس) الهمداني الكوفي (عن عبيد الله) بن عمر العمري (عن

نافع) مولى ابن عمر بن الخطاب (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) قال: (رخص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في البيتوتة ليالي منى بمكة لأهل السقاية فالمفعول محذوف واقتصر عليه ليحل على ما بعده، ولفظه عند الإسماعيلي من طريق إبراهيم بن موسى بن عيسى بن يونس المذكور أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص للعباس أن يبيت بمكة أيام منى من أجل سقايته وقد أخرج المؤلّف هذا الحديث في باب سقاية العباس. 1744 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَذِنَ ... ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن موسى) البلخي الملقب بخت بفتح الخاء المعجمة وتشديد المثناة الفوقية قال: (حدّثنا محمد بن بكر) البرساني البصري قال: (أخبرنا ابن جريج) بن عبد العزيز قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بن عمر (عن نافع عن ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أذِن) كذا اقتصر عليه أيضًا وأحال به على ما بعده ولفظه عند أحمد في مسنده عن محمد بن بكر البرساني أذن للعباس بن عبد المطلب أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية. 1745 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ الْعَبَّاسَ -رضي الله عنه- اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ". تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ وَأَبُو ضَمْرَةَ. وبه قال: (ح حدّثنا) ولأبي الوقت: وحدثني بالواو والإفراد (محمد بن عبد الله بن نمير) بضم النون وفتح الميم الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبي) عبد الله قال: (حدّثنا عبيد الله) العمري قال: (حدثني) بالإفراد (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أن العباس -رضي الله عنه- استأذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته) المعروفة بالمسجد الحرام (فأذن) عليه الصلاة والسلام الله) في المبيت. (تابعه) أي تابع محمد بن عبد الله بن نمير (أبو أسامة) حماد بن أسامة الليثي فيما أخرجه مسلم (وعقبة بن خالد) أبو مسعود السكوني مما أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده عنه (وأبو ضمرة) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم أنس بن عياض مما أخرجه المؤلّف في باب سقاية الحاج. قال في الفتح: والنكتة في استظهار البخاري بهذه المتابعات بعد إيراده له من ثلاث طرق لشك وقع في رواية يحيى بن سعيد القطان في وصله، فقد أخرجه أحمد عن يحيى عن عبيد الله عن نافع قال: ولا أعلمه إلا عن ابن عمر. قال الإسماعيلي: وقد وصله أيضًا بغير شك موسى بن عقبة والدراوردي وعليّ بن مسهر ومحمد بن فليح كلهم عن عبيد الله وأرسله ابن المبارك عن عبيد الله. قال الحافظ ابن حجر: والظاهر أن عبيد الله ربما كان يشك في وصله بدليل رواية يحيى بن سعيد القطان وكأنه كان في أكثر أحواله يجزم بوصله بدليل رواية الجماعة اهـ. وفي الحديث دليل على وجوب المبيت ليالي أيام التشريق بمنى لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص للعباس في ترك المبيت لأجل سقايته فدلّ على أنه لا يجوز لغيره لأن التعبير بالرخصة يقتضي أن مقابلها عزيمة وأن الإذن وقع للعلة المذكورة وإذا لم توجد العلة المذكورة أو ما في معناها لم يحصل الإذن وهذا مذهب الشافعية. وقال من الحنابلة صاحب الرعايتين والحاويين، والمراد مبيت معظم الليل كما لو حلف لا يبيت بمكان لا يحنث إلا بمبيته معظم الليل وإنما اكتفى بساعة في نصفه الثاني بمزدلفة كما سبق لأن نص الشافعي وقع فيها بخصوصها إذ بقية المناسك يدخل وقتها بالنصف وهي كثيرة المشقّة فسومح في التخفيف لأجلها، وفي قول للشافعي ورواية عن أحمد قال المرداوي: وهو الصحيح من المذهب، وقطع به ابن أبي موسى في الإرشاد والقاضي في الخلاف وابن عقيل في الفصول وأبو الخطاب في الهداية وهو مذهب الحنفية أنه سنة، واستدلوا بأنه لو كان واجبًا لما رخص عليه الصلاة والسلام للعباس فيه ووجوب الدم بتركه مبني على هذا الخلاف فيجب بتركه دم عند الشافعية كنظيره في ترك مبيت مزدلفة وفي ترك مبيت الليلة الواحدة من ليالي منى يجب مدّ الليلتين مدّان من الطعام وفي ترك الثلاث مع ليلة مزدلفة دمان لاختلاف المبيتين مكانًا ويسقط المبيت بمنى ومزدلفة والدم عن أهل السقاية سواء كانوا من آل العباس أم من غيرهم مطلقًا سواء أخرجوا قبل الغروب أو بعده، ولو كانت السقاية محدثة كما صححه النووي ونقله الرافعي عن البغوي، ونقل المنع عن ابن كج قال في المهمات:

134 - باب رمي الجمار

والصحيح المنع فقد نقله صاحبا الحاوي والبحر وغيرهما عن نص الشافعي وهو المشهور كما أشعر به كلام الرافعى، وذكر الأذرعي نحوه وما صححه النووي كما قاله الزركشي هو ما نص عليه الشافعي من إلحاق الخائف على نفس أو نحوها مما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. قال في الفتح: والمعروف عن أحمد اختصاص العباس بذلك وعليه اقتصر صاحب المغني، لكن قال في التنقيح: وإن دفع من مزدلفة غير سقاة ورعاة قبل نصف الليل فعليه دم إن لم يعد نصًا إليها ليلاً ولو بعد نصفه اهـ. ومقتضاه العموم وكذا يسقط المبيت بها والرمي عن الرعاء بكسر الراء والمدان خرجوا منها قبل الغروب لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص لرعاء الإبل أن يتركوا المبيت رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وقيس بمنى مزدلفة فإن لم يخرجوا قبل الغروب بأن كانوا بهما بعده لزمهم مبيت تلك الليلة والرمي من الغد. وصورة الخروج قبل الغروب من مزدلفة أن يأتيها قبل الغروب ثم يخرج منها حينئذٍ على خلاف العادة، وإنما لم يقيد الخروج قبل الغروب في حق أهل السقاية لأن عملهم بالليل بخلاف الرعي وألحق بأهل السقاية أيضًا الخائف على نفس أو مال أو فوت أمر يطلبه كآبق أو ضياع مريض، وكذا من اشتغل بتدارك الحج بأن انتهى إلى عرفة ليلة النحر واشتغل بالوقوف بها عن مبيت مزدلفة لاشتغاله بالأهم، وكذا من أفاض من عرفة إلى مكة ليطوف للإفاضة بعد نصف الليل ففاته المبيت لاشتغاله بالصواف كاشتغاله بالوقوف. وقال المالكية: ويلزم المبيت بمنى لياليها الثلاث والمتعجل ليلتين. وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون، وابن عبد الحكم عن مالك: من أقام بمكة أكثر ليله ثم أتى منى فبات فيها باقي ليله فلا شيء عليه إلا أن يبيت ليلة كاملة فيلزمه الدم ولو كان له عذر من مرض أو غيره لم يسقط عنه الدم حكاه الباجي، وما حكاه عن ابن عبد الحكم وابن حبيب خلاف ما في المدوّنة والمشهور لزوم الدم إذا بات بغير منى جل ليلة. وقال المرداوي عن الحنابلة في تنقيحه: وفي ترك مبيت ليلة دم، وقال في شرح المقنع: فيه ما في حلق شعرة وهو مدّ من طعام قال وهو إحدى الروايات لأنها ليست نسكًا بمفردها بخلاف المبيت بمزدلفة قاله القاضي وغيره وقال لا تختلف الرواية أنه لا يجب دم. 134 - باب رَمْيِ الْجِمَارِ وَقَالَ جَابِرٌ: رَمَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَرَمَى بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ. (باب) وقت (رمي الجمار) واحدها جمرة وهي في الأصل النار المتقدة والحصاة واحدة جمرات المناسك وهي المرادة هنا وهي ثلاث الجمرة الأولى والوسطى وجمرة العقبة يرمين بالجمار قاله في القاموس، وقال القرافي من المالكية: الجمار اسم للحصى لا للمكان والجمرة اسم للحصاة وإنما سمي الوضع جمرة باسم ما جاوره وهو اجتماع الحصى فيه، والأولى منها هي التي تلي مسجد الخيف أقرب ومن بابه الكبير إليها ألف ذراع ومائتا ذراع وأربعة وخمسون ذراعًا وسدس ذراع، ومنها إلى الجمرة الوسطى مائتا ذراع وخمسة وسبعون ذراعًا ومن الوسطى إلى جمرة العقبة مائتا ذراع وثمانية أذرع كل ذلك بذراع الحديد. (وقال جابر): هو ابن عبد الله الأنصاري مما وصله مسلم (رمى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي رمي جمرة العقبة (يوم النحر ضحى)، بالتنوين على أنه مصروف وهو مذهب نحاة البصرة سواء قصد التعريف أو التنكير قال في الصحاح: تقول لقيته ضحى وضحى إذا أردت به ضحى يومك، تنوّنه. وقال في القاموس: الضحو والضحوة والضحية كعشية ارتفاع النهار والضحى فويقه ويذكر ويصغر ضحيا بلا هاء والضحاء بالمد إذا قرب انتصاف النهار وبالضم والقصر وأتيتك ضحوة ضحى وأضحى صار فيها اهـ. ويدخل وقت الرمي يوم النحر بنصف ليلة النحر لما روى أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسل أم سلمة ليلة النحر فرمت قبل الفجر ثم أفاضت ويبقى الرمي إلى آخر يوم النحر. (ورمى) عليه الصلاة والسلام (بعد ذلك) الجمار أيام التشريق (بعد الزوال) ويمتدّ وقته المختار إلى الغروب ويندب تقديمه على صلاة الظهر كما في المجموع عن الأصحاب ولا يجوز تقديمه على الزوال. 1746 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ وَبَرَةَ قَالَ "سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: مَتَى أَرْمِي الْجِمَارَ؟ قَالَ: إِذَا رَمَى إِمَامُكَ فَارْمِهْ. فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ، قَالَ: كُنَّا نَتَحَيَّنُ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا". وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم)

135 - باب رمي الجمار من بطن الوادي

الفضل بن دكين قال: (حدّثنا مسعر) بميم مكسورة فسين ساكنة مفتوحة مهملتين فراء ابن كدام (عن وبرة) بالواو والموحدة والراء المفتوحات ابن عبد الرحمن المسلي بضم الميم وسكون السين المهملة بعدها لام (قال: سألت ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- متى أرمي الجمار)؟ أيام التشريق غير يوم النحر (قال: إذا رمى إمامك) يعني أمير الحاج (فارمه) بهاء ساكنة للسكت والهمزة وصل، وزاد ابن عيينة عن مسعر بهذا الإسناد فقلت له: أرأيت إن أخر إمامي الرمي أخرجه ابن أبي عمر في مسنده عنه ومن طريقه الإسماعيلي قال وبرة: (فأعدت عليه) أي على ابن عمر (المسألة، قال: كنا نتحين) بوزن نتفعل من الحين وهو الزمان أي نراقب الوقت (فإذا زالت الشمس رمينا) أي الجمار الثلاث في أيام التشريق وكأن ابن عمر خاف على وبرة أن يخالف الأمير فيحصل له منه ضرر، فلما أعاد عليه المسألة لم يسعه الكتمان فأعلمه بما كانوا يفعلونه في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ويشترط أن يبدأ بالجمرة الأولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة للاتباع رواه البخاري كما سيأتي مع قوله عليه الصلاة والسلام "خذوا عني مناسككم" ولأنه نسك متكرر فيشترط فيه الترتيب كما في السعي فلا يعتدّ برمي الثانية قبل تمام الأولى ولا بل الثالثة قبل تمام الأوليين. وقال الحنفية: بسقوط الترتيب فلو بدأ بجمرة العقبة ثم بالوسطى ثم بالتي تلي مسجد الخيف جاز لأن كل جمرة قربة بنفسها فلا يكون بعضها تابعًا للآخر اهـ. وإذا ترك رمي يوم النحر ورمي أيام التشريق ولو سهوًا لزمه دم. ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون وأخرجه أبو داود. 135 - باب رَمْيِ الْجِمَارِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي (باب رمي الجمار من بطن الوادي) أي جمار العقبة يوم النحر وجمرة العقبة هي أسبل الجبل على يمين السائر إلى مكة. 1747 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ "رَمَى عَبْدُ اللَّهِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ نَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا، فَقَالَ: وَالَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ قال حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ بِهَذَا. [الحديث 1747 - أطرافه في: 1748، 1749، 1750]. وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبديّ قال ابن معين: لم يكن بالثقة، وقال أبو حاتم: صدوق ووثقه أحمد بن حنبل وروى عنه البخاري ثلاثة أحاديث في العلم والبيوع والتفسير وقد توبع عليها (قال: أخبرنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن عبد الرحمن بن يزيد) النخعي (قال: رمى عبد الله) أي ابن مسعود -رضي الله عنه- جمرة العقبة (من بطن الوادي) فتكون مكة عن يساره وعرفة عن يمينه ويكون مستقبل الجمرة ولفظ الترمذي: لما أتى عبد الله جمرة العقبة استبطن الوادي (فقلت: يا عبد الرحمن) هي كنية عبد الله بن مسعود (أن ناسًا يرمونها) أي جمرة العقبة يوم النحر (من فوقها؟ فقال): ابن مسعود (والذي لا إله غيره هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح ميم مقام اسم مكان من قام يقوم أي هذا موضع قيام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وخص سورة البقرة لمناسبتها للحال لأن معظم المناسك مذكور فيها خصوصًا ما يتعلق بوقت الرمي وهو قول الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] وهو من باب التلميح فكأنه قال من هنا رمى من أنزلت عليه أمور المناسك وأخذ عنه أحكامها وهو أولى وأحق بالاتباع ممن رمى الجمرة من فوقها. (وقال عبد الله بن الوليد) العدني مما وصله ابن منده (قال: حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) وفي نسخة: وهي التي في الفرع وأصله لا غير حدّثنا الأعمش (بهذا) الحديث المذكور عن ابن مسعود وفائدة ذكر هذا بيان سماع سفيان الثوري له عن الأعمش. ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون إلا شيخه فبصري وسفيان مكي، وفيه رواية الرجل عن خاله لأن عبد الرحمن خال إبراهيم، وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض الأعمش وإبراهيم وعبد الرحمن، وأخرجه المؤلّف أيضًا عن مسدّد وعن حفص بن عمر ومسلم والنسائي وابن ماجة في الحج. 136 - باب رَمْيِ الْجِمَارِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ: ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب رمي الجمار) الثلاث (بسبع حصيات ذكره) أي السبع (ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديثه الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى موصولاً في باب إذا رمى الجمرتين. 1748 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- "أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، وَرَمَى بِسَبْعٍ وَقَالَ: هَكَذَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبالسند قال: (حدّثنا حفص بن عمر)

137 - باب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره

الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بضم العين وفتح المثناة الفوقية وسكون التحتية وفتح الموحدة (عن إبراهيم) النخعي (عن عبد الرحمن بن يزيد) خال إبراهيم المذكور (عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى) وهي جمرة العقبة (جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه) واستقبل الجمرة (ورمى) الجمرة (بسبع) من الحصيات فلا يجزئ بست، وهذا قول الجمهور خلافًا لعطاء في الأجزاء بالخمس ومجاهد بالست، وبه قال أحمد لحديث النسائي عن سعد بن مالك قال: رجعنا في الحجة مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبعضنا يقول: رميت بسبع، وبعضنا يقول رميت بست فلم يعب بعضهم على بعض. وحديث أبي داود والنسائي أيضًا عن أبي مجلز قال: سألت ابن عباس عن شيء من أمر الجمار قال: لا أدري في رماها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بست أو بسبع. وأجيب: بأن حديث سعيد ليس بمسند، وحديث ابن عباس ورد على الشك وشك الشاك لا يقدح في جزم الجازم وحصى الرمي جميعه سبعون حصاة لرمي يوم النحر سبع ولكل يوم من أيام التشريق إحدى وعشرون لكل جمرة سبع، فإن نفر في اليوم الثاني قبل الغروب سقط رمي اليوم الثالث وهو إحدى وعشرون حصاة ولا دم عليه ولا إثم فيطرحها وما يفعله الناس من دفنها لا أصل له وهذا مذهب الأئمة الأربعة وعليه أصحاب أحمد، لكن روي عنه أنه ستون فيرمي كل جمرة بستة، وعنه أيضًا خمسون فيرمي كل جمرة بخمسة وإذا ترك رمي يوم أو يومين عمدًا أو سهوًا تداركه في باقي الأيام فيتدارك الأول في الثاني أو الثالث والثاني أو الأوليين في الثالث ويكون ذلك أداء، وفي قول قضاء لمجاوزته للوقت المضروب له وعلى الأداء يكون الوقت المضروب وقت اختيار كوقت الاختيار للصلاة وجملة الأيام في حكم الوقت الواحدة ويجوز تقديم رمي التدارك على الزوال ويجب الترتيب بينه وبين رمي يوم التدارك بعد الزوال وعلى القضاء لا يجب الترتيب بينهما ويجوز التدارك بالليل لأن القضاء لا يتأقت، وقيل لا يجوز لأن الرمي عبادة النهار كالصوم ذكره كله الرافعي في الشرح وتبعه في الروضة والمجموع. وحكي في الشرح الصغير عن القاضي وجهين في التدارك قبل الزوال أصحهما المنع لأن ما قبل الزوال لم يشرع فيه رمي قضاء ولا أداء قال: ويجري الوجهان في التدارك ليلاً وإن جعلناه أداء ففيما قبل الزوال والليل الخلاف. قال الإمام: والوجه القطع بالمنع فإن تعيين الوقت بالأداء أليق ولا دم مع التدارك وفي قول يجب وإن لم يتدارك المتروك فعليه دم في ترك يوم كذا في اليومين والثلاثة لأن الرمي فيها كالشيء الواحد، ولو ترك رمي ثلاث حصيات لزمه دم كما يجب في حلق ثلاث شعرات لمسمى الجمع وفي الحصاة مدّ طعام والحصاتين مدان لعسر تبعيض الدم. (قال): أي ابن مسعود (هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 137 - باب مَنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ (باب من رمى جمرة العقبة فجعل) بالفاء ولأبي الوقت: وجعل (البيت) الحرام (عن يساره). 1749 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ "أَنَّهُ حَجَّ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- فَرَآهُ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ". وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا الحكم) بن عتبة (عن إبراهيم) النخعي (عن) خاله (عبد الرحمن بن يزيد) النخعي (أنه حج مع ابن مسعود -رضي الله عنه- فرآه يرمي الجمرة الكبرى) جمرة العقبة (بسبع حصيات فجعل) بالفاء ولأبي الوقت: وجعل (البيت) الحرام (عن يساره ومنى عن يمينه ثم قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا إنما يندب في رمي يوم النحر أما رمي التشريق فمن فوقها. وقد امتازت جمرة العقبة عن الجمرتين الأخريين بأربعة أشياء: اختصاصها بيوم النحر وأن لا يوقف عندها وترمى ضحى ومن أسفلها استحبابًا، وقد اتفقوا على أنه من حيث رماها جاز سواء استقبلها أو جعلها عن يمينه أو يساره أو من فوقها أو من أسفلها أو وسطها والاختلاف في الأفضل. وفي الحديث جواز أن يقال سورة البقرة وسورة آل عمران ونحو ذلك وهو قول كافة العلماء إلا ما حكي عن بعض

138 - باب يكبر مع كل حصاة. قاله ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

التابعين من كراهة ذلك وأنه ينبغي أن يقال السورة التي يذكر فيها كذا. 138 - باب يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ. قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا: (باب) بالتنوين (يكبر) الحاج إذا رمى الجمرات الثلاث في يوم النحر وغيره (مع كل حصاة. قاله) أي التكبير مع كل حصاة (ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما سيأتي في باب إذا رمى الجمرتين. 1750 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ "سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ، وَالسُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ، وَالسُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا النِّسَاءُ. قَالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، فَاسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ، حَتَّى إِذَا حَاذَى بِالشَّجَرَةِ اعْتَرَضَهَا فَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ قَالَ: مِنْ هَا هُنَا -وَالَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ- قَامَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (عن عبد الواحد) بن زياد البصري (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: سمعت الحجاج) بن يوسف الثقفي نائب عبد الملك بن مروان حال كونه (يقول على المنبر السورة التي يذكر فيها البقرة، والسورة التي يذكر فيها آل عمران، والسورة التي يذكر فيها النساء). ولم يقل سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء، وللنسائي: لا تقولوا سورة البقرة قولوا السورة التي يذكر فيها البقرة. (قال: فذكرت ذلك) الذي سمعته من الحجاج (لإبراهيم) النخعي استيضاحًا للصواب لا قصدًا للرواية عن الحجاج لأنه لم يكن أهلاً لذلك (فقال): إبراهيم (حدثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن يزيد أنه كان مع ابن مسعود -رضي الله عنه- حين رمى جمرة العقبة فاستبطن الوادي) أي دخل في بطنه (حتى إذا حاذى بالشجرة) التي كانت هناك أي قابلها والباء زائدة والذال من حاذى معجمة (اعترضها) أتاها من عرضها (فرمى) أي الجمرة وفي نسخة: فرماها (بسبع حصيات). ولابن عساكر: سبع بإسقاط حرف الجر (يكبر مع كل حصاة، ثم قال): أي ابن مسعود (من هاهنا) من بطن الوادي (والذي لا الله غيره قام الذي أنزلت عليه سورة البقرة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكيفية التكبير أن يقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد نقله الماوردي عن الشافعي. 139 - باب مَنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَلَمْ يَقِفْ، قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب من رمى جمرة العقبة ولم يقف)، عندها (قاله) أي عدم الوقوف عند جمرة العقبة (ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الحديث الآتي في الباب التالي إن شاء الله تعالى. 140 - باب إِذَا رَمَى الْجَمْرَتَيْنِ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيُسْهِلُ هذا (باب) بالتنوين (إذا رمى) الحاج (الجمرتين) الأولى التي تلي مسجد الخيف والوسطى (يقوم) أي يقف عندهما طويلاً بقدر سورة البقرة في الأولى كما رواه البيهقي من فعل ابن عمر وكذا بعد رمي الثانية (ويسهل) بضم أوله وسكون السين المهملة وكسر الهاء مضارع أسهل أي يقصد السهل من الأرض فينزل إليه من بطن الوادي حال كونه (مستقبل القبلة) وفي رواية أبي ذر يقوم مستقبل القبلة ويسهل بالتقديم والتأخير. 1751 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِلَ فَيَقُومَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَيَقُومُ طَوِيلاً، وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى، ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيَسْتَهِلُ وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَيَقُومُ طَوِيلاً وَيَدْعُو، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُومُ طَوِيلاً، ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفْعَلُهُ". [الحديث 1751 - طرفاه في: 1752، 1753]. وبالسند قال (حدّثنا) ولابن عساكر: حدثني بالإفراد (عثمان بن أبي شيبة) أخو أبي بكر قال: (حدّثنا طلحة بن يحيى) بن النعمان الزرقي الأنصاري المدني نزيل بغداد وثقه ابن معين، وقال أحمد مقارب الحديث، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال يعقوب: ابن أبي شيبة ضعيف جدًّا اهـ. لكن ليس له في البخاري إلا هذا الحديث بمتابعة سليمان بن بلال كلاهما عن يونس بن يزيد كما يأتى في الباب التالي إن شاء الله تعالى قال: (حدثنا يونس) بن يزيد الأيلى (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم) هو ابن عمر بن الخطاب (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يرمي الجمرة الدنيا) بضم الدال وهو الذي في اليونينية فقط وكسرها أي القريبة إلى جهة مسجد الخيف (بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة) من السبع وإثر بكسر الهمزة وسكون المثلثة أي عقب كل حصاة (ثم يتقدم) عنها (حتى يسهل) ينزل إلى السهل من بطن الوادي بحيث لا يصيبه المتطاير من الحصى الذي يرمى به (فيقوم) بالنصب حال كونه (مستقبل القبلة) مستدبر الجمرة (فيقوم) بالرفع (طويلاً) وفي رواية سليمان بن بلال قيامًا طويلاً فزاد قيامًا (ويدعو) بقدر سورة البقرة رواه البيهقي مع حضور قلبه وخشوع جوارحه (ويرفع يديه) في الدعاء (ثم يرمي) الجمرة (الوسطى ثم يأخذ) عنها (ذات الشمال) بكسر الشين المعجمة أي يمشي إلى جهة شماله، ولأبي الوقت: بذات بزيادة الموحدة (فيستهل) بفتح المثناة التحتية وسكون السين المهملة ومثناة فوقية مفتوحة وكسر الهاء وتخفيف اللام أي ينزل إلى السهل من بطن

141 - باب رفع اليدين عند جمرة الدنيا والوسطى

الوادي كما فعل في الأولى، ولأبي ذر وابن عساكر فيسهل بضم التحتية وإسقاط الفوقية (ويقوم) حال كونه (مستقبل القبلة) في مكان لا يصيبه الرمي (فيقوم) بالفاء، ولأبي ذر: ويقوم قيامًا (طويلاً) كما وقف في الأولى (ويدعو) ولأبوي ذر والوقت: ثم يدعو (ويرفع يديه) في دعائه (ويقوم) قيامًا (طويلاً ثم يرمي جمرة ذات العقبة) في رواية عثمان بن عمر ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة (من بطن الوادي، ولا يقف عندها) للدعاء برفع الفاء ولأبي ذر ولا يقف بجزمها على النهي (ثم ينصرف) عقب رميها (فيقول): أي ابن عمر، ولأبوي ذر والوقت: ويقول بالواو بدل الفاء "هكذا رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعله" أي جمع ما ذكر. 141 - باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ جَمْرَةِ الدُّنْيَا وَالْوُسْطَى (باب رفع اليدين) في الدعاء (عند الجمرتين الدنيا) بضم الدال وكسرها القريبة من مسجد الخيف، والذي في الفرع وأصله عند الجمرة الدنيا ليس إلا (والوسطى) التي بينها وبين جمرة العقبة. 1752 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، ثُمَّ يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ، فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلاً، فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ. ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى كَذَلِكَ، فَيَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ، وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلاً، فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ. ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ ذَاتَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا، وَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفْعَلُ". وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (أخي) عبد الحميد بن عبد الله (عن سليمان) بن بلال (عن يونس بن يزيد) الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (أن) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر) ولأبي الوقت: ثم يكبر (على إثر كل حصاة) منها بكسر الهمزة وسكون المثلثة أي عقبها (ثم يتقدم) عن الجمرة (فيسهل)، بضم الياء وكسر الهاء بعد سكون السين ينزل السهل من الأرض وهو المكان المصطحب الذي لا ارتفاع فيه (فيقوم) حال كونه (مستقبل القبلة قيامًا طويلاً، فيدعو) مع حضور قلبه وخشوع جوارحه قدر سورة البقرة (ويرفع يديه). في الدعاء كغيره. قال أبو موسى الأشعري: كما عند البخاري دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه، وعنده أيضًا من حديث ابن عمر: رفع في يديه فقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" لكن في حديث أنس لم يكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء وهو حديث صحيح ويجمع بينه وبين ما سبق أن الرفع في الاستسقاء يخالف غيره بالمبالغة إلى أن تصير اليدان في حذو الوجه مثلاً وفي الدعاء إلى حذو المنكبين، ولا يعكر على ذلك أنه ثبت في كل منهما حتى يرى بياض إبطيه بل يجمع بأن يكون رؤية البياض في الاستسقاء أبلغ منها في غيره. وأما ما روي عن مالك من ترك رفع اليدين عند الدعاء بعد رمي الجمار فقال ابن قدامة وابن المنذر: إنه شيء تفرد به، وتعقبه ابن المنير بأن الرفع هنا لو كان سنة ثابتة ما خفي عن أهل المدينة. وأجيب: بأن الراوي لذلك ابن عمر وهو أعلم أهل المدينة من الصحابة في زمنه وابنه سالم أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة والراوي عنه ابن شهاب عالم المدينة ثم الشام. وقال ابن فرحون من المالكية في مناسكه وفي رفع يديه في الدعاء قولان. قال ابن حبيب: وإذا دعا راغبًا بسط يديه فجعل بطونهما إلى السماء، وإذا دعا راهبًا جعل بطونهما مما يلي الأرض وذلك في كل دعاء، (ثم يرمي الجمرة الوسطى كذلك فيأخذ ذات الشمال فيسهل ويقوم) حال كونه (مستقبل القبلة قيامًا طويلاً فيدعو ويرفع يديه) عند دعائه (ثم يرمي الجمرة ذات العقبة من بطن الرادي ولا يقف عندها)، للدعاء (ويقول): أي ابن عمر: (هكذا رأيت رسول الله) ولأبي ذر: رأيت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعل). بحذف ضمير المفعول الثابت في رواية الباب السابق. 142 - باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ (باب الدعاء عند الجمرتين) الدنيا والوسطى. 1753 - وَقَالَ مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ تَقَدَّمَ أَمَامَهَا فَوَقَفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو، وَكَانَ يُطِيلُ الْوُقُوفَ. ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ الْيَسَارِ مِمَّا يَلِي الْوَادِيَ، فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو. ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا". قَالَ الزُّهْرِيُّ سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ مِثْلَ هَذَا عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ. (وقال محمد) هو ابن بشار كما قاله ابن السكن أو ابن المثنى أو هو الذهلي (حدّثنا عثمان بن عمر) بضم العين وفتح الميم ابن فارس العبدي البصري مما وصله الإسماعيلي عن ابن ناجية عن ابن المثنى وغيره عن عثمان بن عمر قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهر) محمد بن مسلم: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا رمى الجمرة) الأولى "التي تلي مسجد منى يرميها بسبع حصيات يكبر كلما رمى بحصاة" منها (ثم تقدم)

143 - باب الطيب بعد رمي الجمار، والحلق قبل الإفاضة

عليه الصلاة والسلام (أمامها فوقف) حالة كونه (مستقبل القبلة) حال كونه (رافعًا يديه) حال كونه (يدعو وكان) عليه الصلاة والسلام (يطيل الوقوف) للدعاء زاد البيهقي وابن أبي شيبة بإسناد صحيح قدر سورة البقرة (ثم يأتي الجمرة الثانية) وهي الوسطى (فيرميها بسبع حصيات) حال كونه (يكبر كلما رمى بحصاة) منها (ثم ينحدر ذات اليسار) أي في الناحية التي هي ذات اليسار (مما يلي الوادي فيقف) بالسهل من الأرض الذي لا ارتفاع فيه حال كونه (مستقبل القبلة) حال كونه (رافعًا يديه) حال كونه (يدعو ثم يأتي الجمرة) الأخيرة (التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات يكبر عند كل حصاة) منها (ثم ينصرف) بعد أن يفرغ من رميها (ولا يقف عندها). قال الزهري محمد بن مسلم بن شهاب بالإسناد السابق أول حديث هذا الباب (سمعت سالم بن عبد الله يحدث مثل) ولأبوي ذر والوقت: بمثل (هذا عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان) ولأبي الوقت قال: وكان (ابن عمر يفعله) بإثبات ضمير المفعول المحذوف في سابقه وهذا من تقديم المتن على بعض السند فإنه ساق السند من أوله إلى أن قال عن الزهري أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم بعد أن ذكر المتن كله ساق تتمة السند فقال: قال الزهري الخ. وقد صرح جماعة بجواز ذلك منهم الإمام أحمد ولا يمنع التقديم في ذلك الوصل بل يحكم باتصاله. قال الحافظ ابن حجر: ولا خلاف بين أهل الحديث أن الإسناد بمثل هذا السياق موصول. قال: وأغرب الكرماني فقال هذا الحديث من مراسيل الزهري ولا يصير بما ذكره آخرًا مسندًا لأنه قال يحدّث بمثله لا بنفسه كذا قال، وليس مراد المحدّث بقوله في هذا بمثله إلا نفسه وهو كما لو ساق المتن بإسناد ثم عقبه بإسناد آخر ولم يعد المتن بل قال بمثله ولا نزاع بين أهل الحديث في الحكم بوصل مثل هذا وكذا عند أكثرهم لو قال بمعناه خلافًا لمن يمنع الرواية بالمعنى. وقد أخرج الحديث المذكور الإسماعيلي عن ابن ناجية عن محمد بن المثنى وغيره عن عثمان بن عمر وقال في آخره قال الزهري: سمعت سالمًا يحدّث بهذا عن أبيه عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعرف أن المراد بقوله مثله نفسه وإذا تكلم المرء في غير فإنه أتى بهذه العجائب اهـ. وتعقبه العيني فقال: من أين هذا التصرف وكيف يصح احتجاجه في دعواه بحديث الإسماعيلي، فإن الزهري فيه صرح بالسماع عن سالم وسالم صرح بالتحديث عن أبيه، وأبوه صرح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكيف يدل هذا على أن المراد بقوله بمثله نفسه، وهذا شيء عجيب لأن بين قوله يحدث بهذا عن أبيه وبين قوله يحدث مثل هذا عن أبيه فرقًا عظيمًا لأن مثل الشيء غيره فكيف يكون نفسه تيقظ فإنه موضع التأمل اهـ. واختلف في جواز تقديم بعض المتن على بعض السند وتقديم بعض المتن على بعضه، لكن منع البلقيني مجيء الخلاف في الأول وفرق بأن تقديم بعض المتن على بعض قد يؤدي إلى خلل في المقصود في العطف وعود الضمير ونحو ذلك بخلاف تقديم المتن على بعض السند، وسبقه إلى الإشارة إلى ذلك النووي فقال في إرشاده: والصحيح أو الصواب جواز هذا وليس كتقديم بعض المتن على بعض فإنه قد يتغير به المعنى بخلاف هذا. 143 - باب الطِّيبِ بَعْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ، وَالْحَلْقِ قَبْلَ الإِفَاضَةِ (باب) استعمال (الطيب بعد رمي الجمار)، يوم النحر (والحلق) لشعر الرأس (قبل) طواف (الإفاضة). 1754 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ -وَكَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ- يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تَقُولُ "طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدَىَّ هَاتَيْنِ حِينَ أَحْرَمَ، وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ. وَبَسَطَتْ يَدَيْهَا". وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن القاسم وكان أفضل أهل زمانه) وسقط قوله وكان أفضل أهل زمانه في رواية غير أبوي ذر والوقت (أنه سمع أباه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (وكان أفضل أهل زمانه) وهو أحد الفقهاء السبعة (يقول: سمعت عائشة -رضي الله عنها- تقول): (طيبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيدي هاتين حين أحرم) أي أراد الإحرام (ولحله حين أحل) أي بعد أن أحل من الإحرام بعد أن رمى وحلق (قبل أن يطوف) بالبيت طواف الإفاضة (وبسطت يديها). قال الحافظ

144 - باب طواف الوداع

ابن حجر: ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أفاض من مزدلفة لم تكن عائشة مسايرته، وقد ثبت أنه استمر راكبًا إلى أن رمى جمرة العقبة فدلّ ذلك على أن تطييبها له وقع بعد الرمي، وأما الحلق قبل الإفاضة فلأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلق رأسه الشريف بمنى لما رجع من الرمي، وأخذه المؤلّف من حديث الباب من جهة التطييب فإنه لا يقع إلا بعد التحلل والتحلل الأول يقع باثنين من ثلاثة رمي جمرة العقبة والحلق أو التقصير وطواف الإفاضة، واحتجوا لذلك بحديث: إذا رميتم وحلقتم فقد حلّ لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء رواه البيهقي وغيره وضعفوه، والذي صح في ذلك ما رواه النسائي بإسناد جيد كما في شرح المهذّب أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء" وقضيته حصول التحلل الأول بالرمي وحده وهو يدل على أن للحج تحللين فمن قال: إن الحلق نسك كما هو قول الجمهور، والصحيح عند الشافعية يوقف استعمال الطيب وغيره من محرمات الإحرام عليه. وقال المالكية: إذا رمى وحلق ونحر حل له كل شيء إلا النساء والصيد والطيب فإن تطيب قبل طواف الإفاضة فلا شيء عليه على المشهور اهـ. وفي الحديث: استحباب التطيب بين التحللين والدهن ملحق بالطيب. 144 - باب طَوَافِ الْوَدَاعِ (باب) حكم (طواف الوداع) ويسمى طواف الصدر بفتح الدال لأنه يصدر عن البيت أي يرجع إليه وليس هو من المناسك بل هو عبادة مستقلة لاتفاقهم على أن قاصد الإقامة بمكة لا يؤمر به ولو كان منها لأمر به، وهذا ما صححه النووي والرافعي ونقلاه عن صاحبي التتمة والتهذيب وغيرهما ونقلاً عن الإمام والغزالي أنه منها ويختص بمن يريد الخروج من ذوي النسك. قال السبكي: وهذا هو الذي تظاهرت عليه نصوص الشافعي والأصحاب ولم أر من قال أنه ليس منها إلا المتولي فجعله تحية للبقعة مع أنه يمكن تأويل كلامه على أنه ليس ركنًا منها كما قال غيره أنه ليس بركن ولا شرط. قال: وأما استدلال الرافعي والنووي بأنه لو كان منها لأمر به قاصد الإقامة بمكة فممنوع لأنه شرع للمفارقة ولم تحصل كما أن طواف القدوم لا يشرع للمحرم من مكة ويلزمهما القول بأنه لا يجبر بدم ولا قائل به، وذكر نحوه الأسنوي فمن أراد الخروج من مكة إلى مسافة القصر أو دونها وجب عليه طواف الوداع سواء كان مكيًا أو آفاقيًا تعظيمًا للحرم وهذا مذهب الشافعية والحنفية والحنابلة. وقال المالكية: مندوب إليه ولا دم في تركه. 1755 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلاَّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْحَائِضِ". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) قال (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال): (أمر الناس) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول والناس رفع نائب الفاعل أي: أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس أمر وجوب أو ندب إذا أرادوا سفرًا (أن يكون آخر عهدهم) طواف الوداع (بالبيت)، برفع آخر اسم كان والجار والمجرور ومتعلقه خبرها، ولأبي ذر آخر بالنصب خبرها، وقد روى هذا الحديث مسلم عن سفيان أيضًا عن سليمان الأحول عن طاوس فصرح فيه بالرفع ولفظه عن ابن عباس: كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت" أي الطواف به كما رواه أبو داود "إلا أنه خفف عن الحائض" فلم يجب عليها واستفيد الوجوب على غيرها من الأمر المؤكد والتعبير في حق الحائض بالتخفيف والتخفيف لا يكون إلا من أمر مؤكد. قال في فتح القدير: لا يقال أمر ندب بقرينة المعنى وهو أن المقصود الوداع لأنا نقول ليس هذا يصلح صارفًا عن الوجوب لجواز أن يطلب حتمًا لما في عدمه من شائبة عدم التأسف على الفراق وعدم المبالاة به على أن معنى الوداع ليس مذكورًا في النصوص، بل أن يجعل آخر عهدهم بالطواف فيجوز أن يكون معلولاً بغيره مما لم نقف عليه ولو سلم فإنما تعتبر دلالة القرينة إذا لم يقم منها ما يقتضي خلاف مقتضاها وهنا كذلك فإن لفظ الترخيص يفيد أنه حتم في حق من لم يرخص له لأن معنى عدم الترخيص في الشيء هو تحتيم طلبه إذ الترخيص

145 - باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت

فيه هو إطلاق تركه فعدمه عدم إطلاق تركه ولا وداع على مريد الإقامة وإن أراد السفر بعده قاله الإمام ولا على مريد السفر قبل فراغ الأعمال ولا على مقيم بمكة الخارج للتنعيم ونحوه لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر عبد الرحمن أخا عائشة بأن يعمرها من التنعيم ولم يأمرها بوداع فلو نفر من منى ولم يطف للوداع جبر بدم لتركه نسكًا واجبًا ولو أراد الرجوع إلى بلده من منى لزمه طواف الوداع وإن كان قد طافه قبل عوده من مكة إلى منى كما صرح به في المجموع، فإن عاد بعد خروجه من مكة أو منى بلا وداع قبل مسافة القصر وطاف للوداع سقط عنه الدم لأنه في حكم المقيم لا إن عاد بعدها فلا يسقط لاستقراره بالسفر الطويل ولا يلزم الطواف حائضًا طهرت خارج مكة ولو في الحرم. وهذا الحديث يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى وسبق في الطهارة، وأخرجه مسلم والنسائي في الحج. 1756 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ". تابعه الليث حدثني عن سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك -رضي الله عنه- حدثه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 1756 - طرفه في: 1764]. وبه قال: (حدّثنا أصبغ بن الفرج) بالغين المعجمة بعد الموحدة في الأول وآخر الآخر جيم قال: (أخبرنا ابن وهب) عبد الله (عن عمرو بن الحرث) بفتح العين وسكون الميم (عن قتادة) بن دعامة (أن أنس بن مالك -رضي الله عنه- حدثه). (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى الظهر والعصر والمغرب والعشاء) بعد أن رمى الجمار ونفر من منى (ثم رقد رقدة بالمحصب) متعلق بقوله صلّى، وقوله: ثم رقد عطف عليه (ثم ركب إلى البيت فطاف به) طواف الوداع. (تابعه) أي تابع عمرو بن الحرث في روايته لهذا الحديث عن قتادة (الليث) بن سعد فيما ذكره البزار والطبراني من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث قال: (حدثني) بالإفراد (خالد) هو ابن يزيد السكسكي (عن سعيد) هو ابن أبي هلال (عن قتادة) بن دعامة (أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وقد ذكر البزار والطبراني أن خالد بن يزيد تفرد بهذا الحديث عن سعيد وأن الليث تفرد به عن خالد وأن سعيد بن أبي هلال لم يرو عن قتادة عن أنس غير هذا الحديث حكاه في فتح الباري. 145 - باب إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ هذا (باب) بالتنوين (إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت) أي بعدما طافت طواف الإفاضة هل يجب عليها طواف أم لا، وإذا وجب هل يجبر بدم أم لا؟. 1757 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَاضَتْ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ قَالُوا: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ، قَالَ: فَلاَ إِذًا". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- (عن عائشة -رضي الله عنها- أن صفية بنت حيي زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) -رضي الله عنها- (حاضت) بعد أن أفاضت يوم النحر (فذكرت) بسكون الراء أي قالت عائشة فذكرت، ولأبوي ذر والوقت: فذكر مبنيًا للمفعول (ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (أحابستنا هي)؟ أي مانعتنا من السفر لأجل طواف الإفاضة بسبب الحيض ظنًا منه عليه الصلاة والسلام أنها لم تطفه وهمزة الاستفهام ثابتة للكشميهني (قالوا: إنها قد أفاضت) أي طافت طواف الإفاضة (قال): عليه الصلاة والسلام (فلا) حبس علينا (إذا) لأنها قد فعلت الذي قد وجب عليها وهو طواف الإفاضة. وهذا موضع الترجمة لأن حاصل المعنى أن طواف الوداع ساقط عنها، وحديث النسائي وأبي داود عن الحرث بن عبد الله بن أويس الثقفي قال: أتيت عمر -رضي الله عنه- فسألته عن المرأة تطوف بالبيت يوم النحر ثم تحيض قال ليكن آخر عهدها بالبيت فقال الحرث: كذلك أفتاني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجاب عنه الطحاوي بأنه منسوخ بحديث عائشة هذا وغيره. 1758، 1759 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ "أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ سَأَلُوا ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ امْرَأَةٍ طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ، قَالَ لَهُمْ: تَنْفِرُ، قَالُوا: لاَ نَأْخُذُ بِقَوْلِكَ وَنَدَعَ قَوْلَ زَيْدٍ، قَالَ: إِذَا قَدِمْتُمُ الْمَدِينَةَ فَاسألُوا. فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَسَأَلُوا، فَكَانَ فِيمَنْ سَأَلُوا أُمُّ سُلَيْمٍ، فَذَكَرَتْ حَدِيثَ صَفِيَّةَ". رَوَاهُ خَالِدٌ وَقَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ. وبه قال (حدّثنا) بالجمع (أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدثنا حماد) هو ابن زيد (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (أن أهل المدينة)، وعند الإسماعيلي من طريق عبد الوهاب الثقفي أن ناسًا من أهل المدينة وهو يفيد أن المراد من قوله وإن أهل المدينة بعضهم (سألوا ابن عباس -رضي الله عنهما- عن امرأة طافت) طواف الإفاضة (ثم حاضت قال): ابن عباس (لهم) أي للذين سألوه (تنفر) هذه المرأة التي طافت ثم حاضت (قالوا):

أي السائلون لابن عباس (لا نأخذ بقولك وندع قول زيد) هو ابن ثابت وندع بالواو والنصب جواب النفي وللحموي والمستملي: فندع بالفاء بدل الواو والنصب أيضًا كذلك، وفي رواية عبد الوهاب الثقفي: أفتيتنا أو لم تفتنا زيد بن ثابت يقول لا تنفر أي حتى تطوف طواف الوداع. (قال) ابن عباس: (إذا قدمتم المدينة فاسألوا) عن ذلك من بها والذي في اليونينية فسلوا (فقدموا المدينة فسألوا فكان فيمن سألوا أم سليم)، برفع أم وهي أم أنس (فذكرت) أي أم سليم (حديث صفية) المعروف. (رواه) أي الحديث المذكور (خالد) الحذاء فيما وصله البيهقي (وقتادة) فيما وصله أبو داود الطيالسي في مسنده كلاهما (عن عكرمة) عن ابن عباس. 1760 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا أَفَاضَتْ". وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال): (رخص للحائض) بضم الراء مبنيًا للمفعول وللنسائي: رخص رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للحائض (أن تنفر) بكسر الفاء (إذا أفاضت) طافت للإفاضة قبل أن تحيض. 1761 - قَالَ وَسَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إِنَّهَا لاَ تَنْفِرُ. ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَخَّصَ لَهُنَّ". (قال): طاوس بالإسناد المذكور (وسمعت ابن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما- (يقول) (إنها لا تنفر) أي حتى تطهر وتطوف للوداع (ثم سمعته) أي ابن عمر (يقول: بعد) بضم الدال أي بعد أن قال: لا تنفر ({إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص لهن" أي للحيض في ترك طواف الوداع بعد أن طفن طواف الإفاضة. قال في الفتح: وهذا من مراسيل الصحابة لأن ابن عمر لم يسمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويبين ذلك ما رواه النسائي والطحاوي عن طاوس أنه سمع ابن عمر يسأل عن النساء إذا حضن قبل النفر وقد أفضن يوم النحر فقال إن عائشة كانت تذكر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص لهن قبل موته بعام وفي رواية الطحاوي قبل موت ابن عمر بعام. 1762 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ نُرَى إِلاَّ الْحَجَّ، فَقَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَمْ يَحِلَّ، وَكَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَطَافَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَحَلَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَحَاضَتْ هِيَ، فَنَسَكْنَا مَنَاسِكَنَا مِنْ حَجِّنَا. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ لَيْلَةُ النَّفْرِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ أَصْحَابِكَ يَرْجِعُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ غَيْرِي. قَالَ: مَا كُنْتِ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَاخْرُجِي مَعَ أَخِي كِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ، وَمَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا. فَخَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. وَحَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَقْرَى حَلْقَى، إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا، أَمَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَلاَ بَأْسَ انْفِرِي. فَلَقِيتُهُ مُصْعِدًا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ، أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ". وَقَالَ مُسَدَّدٌ "قُلْتُ: لاَ". تَابَعَهُ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ فِي قَوْلِهِ "لاَ". وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن (عائشة -رضي الله عنها- قالت) (خرجنا) من المدينة (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حجة الوداع (ولا نرى) بضم النون أي لا نظن وفي نسخة ولا نرى بفتحها (إلا الحج) أي لا نعرف غيره ولم يكونوا يعرفون العمرة في أشهر الحج (فقدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مكة (فطاف بالبيت وبين الصفا والمروة) هو من باب: علفتها تبنًا وماء باردًا. أو على طريق المجاز (ولم يحل) بفتح أول أي من إحرامه (وكان معه الهدي فطاف) ولأبي الوقت: وطاف بالواو بدل الفاء (من كان معه من نسائه وأصحابه وحلّ منهم من لم يكن معه الهدي) منهم (فحاضت هي) أي عائشة وكان ابتداء حيضها بسرف يوم السبت لثلاث خلون من ذي الحجة (فنسكنا مناسكنا من حجنا فلما كانت ليلة الحصبة) بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ليلة الحصباء بالمد (ليلة النفر) من منى برفع ليلة في الموضعين جميعًا على أن كان تامة وليلة النفر بدل أو خبر مبتدأ مضمر أي هي ليلة النفر. قال في التنقيح: وجوّز رفع الأولى ونصب الثانية وعكسه ولم يبين وجهه. قال في المصابيح ولا يمكن أن يكون نصب ليلة النفر على أنه خبر كان إذ لا معنى له وإنما كان تامة وليلة النفر منصوب بمحذوف تقديره أعني ليلة النفر وأما نصب الأولى ورفع الثانية فوجهه أن تجعل كان ناقصة واسمها ضمير يعود إلى الرحيل المفهوم من السياق وليلة الحصبة خبرها وليلة النفر خبر مبتدأ مضمر أي هي ليلة النفر اهـ. والذي في اليونينية رفعهما، ولأبي ذر: ليلة الحصبة ليلة النفر بنصبهما. (قالت): عائشة (يا رسول الله كل أصحابك يرجع بحج) منفرد عن العمرة (وعمرة) منفردة عن الحج (غيري) فإني أرجع بحج ليس لي عمرة منفردة عن الحج (قال): علية الصلاة والسلام: (ما كنت تطوفي) بحذف النون تخفيفًا وقيل حذفها من غير ناصب

أو جازم لغة فصيحة ولأبي ذر: تطوفين بإثباتها (بالبيت ليالي قدمنا)؟ مكة (قلت: لا). قال الحافظ ابن حجر: وكذا للأكثر، وفي رواية أبي ذر عن المستملي: قلت بلى وهي محمولة على أن المراد ما كنت أطوف (قال): (فأخرجي مع أخيك) عبد الرحمن بن أبي بكر (إلي التنعيم فأهلي بعمرة) لما سألها أكانت متمتعة؟ قالت: لا. ونفى التمتع وإن كان لا يلزم منه الحاجة إلى العمرة لجواز القران وهي كانت قارنة كما عند أكثر كما هو صريح رواية مسلم، وإنما أمرها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعمرة تطييبًا لقلبها حيث أرادت عمرة منفردة (وموعدك مكان كذا وكذا) سبق في باب قول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] ثم أتينا هاهنا أي المحصب ومكان نصب على الظرفية قالت عائشة: (فخرجت مع عبد الرحمن إلى التنعيم فأهللت بعمرة وحاضت صفية بنت حيي) في أيام منى ليلة النفر (فقال: النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (عقرى حلقى)، بفتح أولهما وسكون ثانيهما مع القصر من غير تنوين ويجوز التنوين لغة، وصوّبه أبو عبيد لأن المراد الدعاء بالعقر والحلق كرعيًا وسقيًا ونحو ذلك من المصادر التي يدعى بها وعلى الأول هو نعت لا دعاء، ثم معنى عقرى أي عقرها الله أي جرحها أو جعلها عاقرًا لا تلد أو عقر قومها ومعنى حلقى حلق شعرها وهو زينة المرأة أو أصابها وجع في حلقها أو حلق قومها بشؤمها أي أهلكهم وحكى القرطبي أنها كلمة تقولها اليهود للحائض فهذا أصل هاتين الكلمتين ثم اتسع العرب في قولهما بغير إرادة حقيقتهما كما قالوا قاتله الله ونحو ذلك. وقول الزركشي كان بطال: فيه توبيخ الرجل أهله على ما يدخل على الناس بسببها كما وبخ الصديق عائشة -رضي الله عنهما- في قصة العقد، تعقبه ابن المنير بأنه لا يمكن أن يحمل على التوبيخ لأن الحيض ليس من صنيعها، وقد جاء في الحديث الآخر أن هذا الأمر كتبه الله تعالى على بنات آدم، وإنما هذا القول يجري على سبيل التعجب ولم يقصد معناه، وقول القرطبي وغيره: شتان بين قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعائشة لما حاضت معه في الحج هذا شيء كتبه الله على بنات آدم لما يشعر به من الميل إليها والحنوّ عليها بخلاف صفية. تعقبه الحافظ ابن حجر بأنه ليس فيه دليل على اتضاع قدر صفية عنده، لكن اختلف الكلام باختلاف المقام فعائشة دخل عليها وهي تبكي أسفًا على ما فاتها من النسك فسلاّها بذلك، وصفية أراد منها ما يريد الرجل من أهله فأبدت له المانع فناسب كلاً منهما ما خاطبها به في تلك الحالة. (إنك لحابستنا) عن السفر بسبب الحيض المانع من طواف الإفاضة (أما كنت طفت يوم النحر)؟ طواف الإفاضة (قالت: بلى) طفت (قال): عليه الصلاة والسلام: (فلا بأس انفري). بكسر الفاء، وفي رواية أبي سلمة قال: أخرجي أي من منى إلى المدينة. قالت عائشة: (فلقيته) عليه الصلاة والسلام بالمحصب حال كونه (مصعدًا) بضم الميم وكسر العين أي صاعدًا (على أهل مكة وأنا) أي والحال أني (منهبطة) عليهم (أو أنا) أي والحال إني (مصعدة) عليهم (وهو) أي والحال أنه (منهبط) عليهم بالشك من الراوي وسقطت الهمزة من قوله أو أنا مصعدة من رواية ابن عساكر كما رأيته في الفرع، وأصله حيث رقم على الهمزة علامة السقوط له، والظاهر أن العلامة البدر بن الدماميني شرح عليها فقال: جمعت بين جعل أول الحالين للأخير من صاحبي الحال وثانيهما للأول وبين العكس وصرح قوم بأولوية الوجه الأول لاشتماله على فصل واحد بخلاف الثاني لاشتماله على فصلين اهـ. أي: جمعت بين جعل أول الحالين الذي هو مصعدًا للأخير من صاحبي الحال الذي هو ضمير المفعول في لقيته وثانيهما الذي هو وأنا منهبطة لصاحب الحال الأول الذي هو ضمير الفاعل وهو التاء وبين العكس بأن جعلت الثاني من الحالين الذي هو وهو منهبط للأخير من صاحبي الحال الذي هو ضمير المفعول والأول الذي هو مصعدة للأول الذي هو ضمير الفاعل، وقوله: لاشتماله أي الأول على فصل واحد وهو وأنا بخلاف الثاني لاشتماله على فصلين هما أنا وهو. فإن قلت: قوله وصرح قوم بأولوية الوجه الأول مخالف لقول صاحب المغني حيث قال: ويجب

146 - باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح

كون الأولى من المفعول والثانية من الفاعل تقليلاً للفصل فصرح بالوجوب. أجيب: بأن الرضى قال وإن كون الأولى من المفعول والثانية من الفاعل جائز على ضعف لا واجب، ثم إن قولها فلقيته مصعدًا وأنا منهبطة وأنا مصعدة وهو منهبط مشكل على هذه الرواية لأن وقوع الإصعاد والإهباط في زمان واحد ومكان واحد من شخص واحد محال فيحمل على تعدّد الزمان والمكان. (وقال مسدد): مما رواه في مسنده في رواية أبي خليفة عنه قال: حدّثنا أبو عوانة ولفظه: ما كنت طفت ليالي قدمنا (قلت: لا) وهذا التعليق كما قاله في الفتح ثبت في غير رواية أبي ذر وسقط له. (تابعه) ولأبي ذر: وتابعه أي تابع مسدّدًا (جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (في قوله: لا) وهذا سبق موصولاً في باب: التمتع والقران عن عثمان بن أبي شيبة عنه. 146 - باب مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالأَبْطَحِ (باب من صلى العصر يوم النفر) من منى (بالأبطح) وهو المحصب. 1763 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ "سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَخْبِرْنِي بِشَىْءٍ عَقَلْتَهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى. قُلْتُ: فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟ قَالَ: بِالأَبْطَحِ، افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ". وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الزمن البصري قال: (حدّثنا إسحاق بن يوسف) الأزرق الواسطي قال: (حدثنا الثوري عن عبد العزيز بن رفيع) بضم الراء وفتح الفاء آخره عين مهملة مصغرًا (قال: سألت أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أخبرني بشيء عقلته عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أين صلّى الظهر يوم التروية؟) ثامن ذي الحجة (قال): (بمنى) (قلت: فأين صلّى العصر يوم النفر؟) من منى (قال): صلّى (بالأبطح) وهو المحصب وهذا موضع الترجمة. (افعل كما يفعل أمراؤك) أي صل حيث يصلون وفيه دليل على الجواز. 1764 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُتَعَالِ بْنُ طَالِبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ "صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَرَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ". وبه قال: (حدّثنا عبد المتعال) بحذف الياء (ابن طالب) الأنصاري البغدادي (قال: حدّثنا ابن وهب) عبد الله (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو بن الحرث) بفتح العين (أن قتادة) بن دعامة (حدثه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) ولأبي ذر: أن أنس بن مالك (حدثه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (أنه صلّى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقد رقدة بالمحصب) يتعلق بقوله صلّى وقوله ورقد عطف عليه (ثم ركب إلى البيت فطاف به) للوداع. وقوله صلى الظهر لا ينافي أنه عليه الصلاة والسلام لم يرم إلا بعد الزوال لأنه رمي منفر فنزل المحصب فصلّى به الظهر. 147 - باب الْمُحَصَّبِ (باب المحصب) بضم الميم وفتح الحاء والصاد المشددة المهملتين ثم موحدة اسم لمكان متسع بين مكة ومنى وهو أقرب إلى منى ويقال له الأبطح والبطحاء وخيف بني كنانة، وحدّه ما بين الجبلين إلى القبرة والمراد حكم النزُول به. 1765 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "إِنَّمَا كَانَ مَنْزِلٌ يَنْزِلُهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ". يَعْنِي بِالأَبْطَحِ. وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت) "إنما كان" الحصب "منزل" بالرفع قال ابن مالك: في رفعه ثلاثة أوجه: أحدها: أن تجعل "ما" بمعنى الذي واسم كان ضمير يعود على المحصب وخبرها محذوف والتقدير أن الذي كأنه هو يعني أن المنزل الذي كان المحصب إياه منزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمنزل خبر إنّ. الثاني: أن تكون "ما" كافة ومنزل اسم كان وخبرها ضمير محذوف عائد على المحصب وفي هذا الوجه تعريف الخبر وتنكير الاسم إلا أنه نكرة مخصصة بصفتها فسهل لذلك. الثالث: أن يكون منزل منصوبًا في اللفظ إلا أنه كتب بلا ألف على لغة ربيعة فإنهم يقفون على المنصوب المنون بالسكون اهـ. وتعقبه البدر الدماميني: بأن الوجه الثالث ليس توجيهًا للرفع بوجه وقد قال أولاً في رفعه أي رفع منزل ثلاثة أوجه وعد الثالث وهو مقتض للنصب لا للرفع، ثم كيف يتجه هذا مع ثبوت الرواية بالرفع وهل هذا إلا مقتض للنصب، لأن الراوي اعتمد على صورة الخط فظنه مرفوعًا فيظن به كذلك ولم يستند فيه إلى رواية فما هذا الكلام، ولأبي ذر: إنما كان أي المحصب منزلاً بالنصب. (ينزله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليكون) النزول به (أسمح) أسهل (لخروجه) راجعًا إلى المدينة ليستوي في ذلك البطيء والعتدل ويكون مبيتهم وقيامهم في السحر ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة (تعني) عائشة (بالأبطح) يتعلق بقوله ينزه، ولأبي ذر عن الكشميهني: تعني الأبطح بإسقاط حرف الجر. 1766 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَىْءٍ، إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه

148 - باب النزول بذي طوى قبل أن يدخل مكة والنزول بالبطحاء التي بذي الحليفة إذا رجع من مكة

قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال عمرو) هو ابن دينار وسقط: قال عمر لابنُ عساكر (عن عطاء) هو ابن أبي رباح. قال الحافظ ابن حجر: قال الدارقطني: هذا الحديث سمعه سفيان من الحسن بن صالح عن عمرو بن دينار يعني أنه دلسه هنا عن عمرو، وتعقب بأن الحميدي أخرجه في مسنده عن سفيان قال: حدّثنا عمرو وكذلك أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي خيثمة عن سفيان فانتفت تهمة تدليسه (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال): (ليس التحصيب) أي النزول في المحصب وهو الأبطح (بشيء) من أمر المناسك الذي يلزمه فعله (إنَّما هو منزل نزله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) للاستراحة بعد الزوال فصلّى فيه العصرين والمغربين وبات فيه ليلة الرابع عشر لكن لما نزل به عليه الصلاة والسلام كان النزول به مستحبًا اتباعًا له لتقريره على ذلك وقد فعله بالخلفاء عده رواه مسلم عن ابن عمر بلفظ: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر وعمر ينزلون الأبطح قال نافع: وقد حصب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والخلفاء بعده، وهذا مذهب الشافعية والمالكية والجمهور. 148 - باب النُّزُولِ بِذِي طُوًى قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ وَالنُّزُولِ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ (باب النزول بذي طوى) بتثليث الطاء غير مصروف ويجوز صرفه موضع بأسفل مكة (قبل أن يدخل مكة والنزول) بالجر عطفًا على النزول السابق (بالبطحاء) التي بذي الحليفة احترز به عن البطحاء التي بين مكة ومنى (إذا رجع) الحاج (من مكة) إلى المدينة. 1767 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانَ يَبِيتُ بِذِي طُوًى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ، ثُمَّ يَدْخُلُ مِنَ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ. وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا لَمْ يُنِخْ نَاقَتَهُ إِلاَّ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَأْتِي الرُّكْنَ الأَسْوَدَ فَيَبْدَأُ بِهِ، ثُمَّ يَطُوفُ سَبْعًا: ثَلاَثًا سَعْيًا، وَأَرْبَعًا مَشْيًا. ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَكَانَ إِذَا صَدَرَ عَنِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنِيخُ بِهَا". وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) بن عبد الله بن المنذر الحزامي بالزاي أحد الأئمة وثقه ابن معين وابن وضاح والنسائي وأبو حاتم والدارقطني وتكلم فيه أحمد من أجل القران. وقال الساجي: عنده مناكير، وتعقب ذلك الخطيب، وقد اعتمده البخاري وانتقى من حديثه وروى له الترمذي والنسائي قال: (حدّثنا أبو ضمرة) بفتح المعجمة وسكون الميم أنس بن عياض الليثي قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف الأسدي مولى آل الزبير الإمام في المغازي (عن نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر) ولابن عساكر عن ابن عمر (-رضي الله عنهما-) (كان يبيت بذي طوى) بتثليث الطاء غير مصروف ويجوز صرفه وللمستملي والحموي بذي الطوى التي (بين الثنيتين) تثنية ثنية وهي طريق العقبة (ثم يدخل من الثنية التي بأعلى مكة وكان إذا قدم حاجًا) ولغير أبي ذر: إذا قدم مكة حاجًا (أو معتمرًا) بات بذي طوى وإذا أصبح ركب (لم ينخ ناقته إلا عند باب المسجد) الحرام (ثم يدخل فيأتي الركن الأسود فيبدأ به ثم يطوف سبعًا) أي سبع مرات (ثلاثًا) (سعبًا) نصب على الحال أو صفة لثلاثًا (وأربعًا مشيًا) كذلك (ثم ينصرف فيصلّي سجدتين) من باب إطلاق اسم الجزء على الكل أي ركعتين بسجداتهما، ولأبي ذر عن الكشميهني: ركعتين والمراد ركعتا الطواف (ثم (ينطلق قبل أن يرجع إلى منزله فيطوف بين الصفا والمروة) سبعًا (وكان إذا صدر) أي رجع متوجهًا نحو المدينة (عن الحج والعمرة أناخ) راحلته (بالبطحاء التي بذي الحليفة التي كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينيخ بها) وهذا النزول ليس من المناسك. 1768 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: سُئِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنِ الْمُحَصَّبِ، فَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، قَالَ "نَزَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ". وَعَنْ نَافِعٍ "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانَ يُصَلِّي بِهَا -يَعْنِي الْمُحَصَّبَ- الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ -أَحْسِبُهُ قَالَ: وَالْمَغْرِبَ- قَالَ خَالِدٌ: لاَ أَشُكُّ فِي الْعِشَاءِ، وَيَهْجَعُ هَجْعَةً، وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي قال: (حدّثنا خالد بن الحرث) الهجيمي (قال: سئل عبيد الله) بالتصغير ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن المحصب) يضم الميم وتشديد الصاد المفتوحة، ولأبي ذر وابن عساكر: عن التحصيب بالمثناة الفوقية وسكون الحاء وكسر الصاد وهو النزول بالمحصب لما ذكر (فحدّثنا عبيد الله) العمري المذكور (عن نافع) مولى ابن عمر (قال): (نزل بها) أي بمنزلة المحصب (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا من مراسلات نافع (وعمر) منقطع (وابن عمر) موصول، ويحتمل أن يكون نافع سمع ذلك من ابن عمر فيكون الجميع موصولاً. (وعن نافع) بالإسناد السابق (أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان يصلّى بها يعني المحصب) فسر الضمير المؤنث بالمذكر على إرادة البقعة ولأن من أسمائها البطحاء (الظهر والعصر أحسبه) أي

149 - باب من نزل بذي طوى إذا رجع من مكة

أظنه (قال: والمغرب. قال خالد) هو ابن الحرث (لا أشك في العشاء) يعني أن الشك إنما هو في المغرب. وأخرج الإسماعيلي عن أيوب وعن عبيد الله بن عمر جميعًا عن نافع أن ابن عمر كان يصلّي بالأبطح الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير شك في المغرب ولا في غيرها (ويهجع هجعة) أي ينام نومة (ويذكر) أي ابن عمر (ذلك) التحصيب (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، ووسع مالك لمن لا يقتدي به في تركه وكان يفتي بالترك سرًّا لئلا يشتهر ذلك فتترك السنة. 149 - باب مَنْ نَزَلَ بِذِي طُوًى إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ (باب من نزل بذي طوى إذا رجع من مكة) إلى مقصده. 1769 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَقْبَلَ بَاتَ بِذِي طُوًى، حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ دَخَلَ، وَإِذَا نَفَرَ مَرَّ بِذِي طُوًى وَبَاتَ بِهَا حَتَّى يُصْبِحَ. وَكَانَ يَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ". (وقال محمد بن عيسى) بن الطباع البصري: (حدّثنا حماد) هو ابن سلمة فيما جزم به الإسماعيلي أو هو ابن يزيد كما جزم به المزي، وقال الحافظ ابن حجر: إنه الظاهر (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) (أنه كان إذا أقبل) من المدينة إلى مكة (بات بذي طوى إذا أصبح دخل) مكة (وإذا نفر) من منى (مر بذي صوى) وللكشميهني: مرّ من ذي طوى (وبات بها حتى يصبح وكان يذكر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يفعل ذلك) وليس هذا من مناسك الحج كما مر وإنما يؤخذ منه أماكن نزوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليتأسى به فيها إذ لا يخلو شيء من أفعاله عن حكمة. 150 - باب التِّجَارَةِ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ وَالْبَيْعِ فِي أَسْوَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ (باب) جواز (التجارة أيام الموسم) بفتح الميم وسكون الواو وكسر السين المهملة. قال في القاموس: موسم الحج مجتمعه (و) جواز (البيع في أسواق الجاهلية) وهي أربعة: عكاظ وذو الجاز ومجنة بفتح الميم والجيم والنون المشددة على أميال يسيرة من مكة بناحية مرّ الظهران، ويقال هي على بريد من مكة وهي لكنانة. وحباشة بضم المهملة وتخفيف الموحدة وبعد الألف شين معجمة وكانت بأرض بارق من مكة إلى جهة اليمن على ست مراحل ولا ذكر للأخيرين في هذا الحديث. نعم أخرج أحمد عن جابر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لبث ثلاث عشرة سنة يتبع الناس في منازلهم في الموسم بمجنة وإنما لم يذكر سوق حباشة في الحديث لأنه لم يكن في مواسم الحج وإنما كان يقام في شهر رجب. 1770 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "كَانَ ذُو الْمَجَازِ وَعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ [البقرة: 198]: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ". [الحديث 1770 - أطرافه في: 2050، 2098، 4519]. وبالسند قال: (حدّثنا عثمان بن الهيثم) بفتح الهاء وسكون التحتية وفتح المثلثة المؤذن البصري قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك المكي (قال عمرو بن دينار): بفتح العين (قال ابن عباس -رضي الله عنهما-) وفي رواية إسحاق بن راهويه في مسنده عن عيسى بن يونس عن ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار عن ابن عباس (كان ذو المجاز) بفتح الميم والجيم المخففة وبعد الألف زاي وكانت بناحية عرفة إلى جانبها، وعند ابن الكلبي مما ذكره الأزرقي أنه كان لهذيل على فرسخ من عرفة. وقول البرماوي كالكرماني موضع بمنى كان له سوق في الجاهلية رده الحافظ ابن حجر بما رواه الطبري عن مجاهد أنهم كانوا لا يبيعون ولا يبتاعون بعرفة ولا منى، لكن روى الحاكم في مستدركه من حديث ابن عباس أن الناس في أول الحج كانوا يبتاعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج فخافوا البيع وهم حرم فأنزل الله تعالى: ({فليس عليكم جناح}) اهـ. (وعكاظ) بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وبعد الألف ظاء معجمة كغراب. قال الرشاطي: هي صحراء مستوية لا علم فيها ولا جبل إلا ما كان من الأنصاب التي كانت بها في الجاهلية، وعن ابن إسحاق أنها فيما بين نخلة والطائف إلى بلد يقال له الفتق بضم الفاء والفوقية بعدها قاف، وعن ابن الكلبي أنها كانت وراء قرن المنازل بمرحلة على طريق صنعاء وكانت لقيس وثقيف (متجر الناس) بفتح الميم والجيم بينهما مثناة فوقية أي مكان تجارتهم (في الجاهلية) وفي رواية ابن عيينة: أسواقًا في الجاهلية (فلما جاء الإسلام كأنهم) أي المسلمين (كرهوا ذلك). قال في المصابيح: فإن قلت: أتى جواب لما هنا جملة اسمية وإنما أجازوه إذا كانت مصدرة بإذا الفجائية، وزاد ابن مالك جواز وقوعها جوابًا إذا تصدرت بالفاء نحو: {فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد} [لقمان: 32] والفرض أن ليس هنا إذا ولا الفاء وأجاب بأن الجواب محذوف لدلالة الجملة

151 - باب الإدلاج من المحصب

الواقعة بعده عليه أي: فلما جاء الإسلام تركوا التجارة فيها كأنهم كرهوا ذلك اهـ. وقال الزمخشري: وكان ناس من العرب يتأثمون أن يتجروا أيام الحج وإذا دخل العشر كفوا عن البيع والشراء فلم يقم لهم سوق ويسمون من يخرج بالتجارة الداج ويقولون هؤلاء الداج وليسوا بالحاج. وفي رواية ابن عيينة كأنهم تأثموا أي خافوا الوقوع في الإثم للاشتغال في أيام النسك بغير العبادة (حتى نزلت) آية ({ليس عليكم جناح أن تبتغوا}) في ({أن تبتغوا}) أي تطلبوا ({فضلاً من ربكم}) [البقرة: 198] عطاء ورزقًا منه يريد الربح بالتجارة زاد أبي في قراءته (في مواسم الحج) الجار متعلق بجناح والمعنى أن الجناح منتف ويبعد تعلقه بليس لأنه لم يرد أن ينفي الجناح مطلقًا ويجعل انتفاء التجارة ظرفًا للنفي فيبعد لهذا أن يكون متعلقًا به، وقد كان أهل الجاهلية يصبحون بعكاظ يوم هلال ذي القعدة ثم يذهبون منه إلى مجنة بعد مضي عشرين يومًا من ذي القعدة فإذا رأوا هلال ذي الحجة ذهبوا من مجنة إلى ذي المجاز فلبثوا به ثمان ليال ثم يذهبون إلى عوفة ولم تزل هذه الأسواق قائمة في الإسلام إلى أن كان أوّل ما ترك منها سوق عكاظ في زمن الخوارج سنة تسع وعشرين ومائة لما خرج الحروري بمكة مع أبي حمزة المختار بن عوف خاف الناس أن ينتهبوا وخابوا الفتنة فتركت إلى الآن، ثم ترك مجنة وذو المجاز بعد ذلك واستغنوا بالأسواق بمكة ومنى وعوفة وآخر ما ترك سوق حباشة في زمن داود بن عيسى بن موسى العباسي في سنة سبع وتسعين ومائة. 151 - باب الإِدْلاَجِ مِنَ الْمُحَصَّبِ (باب الإدلاج) بهمزة وصل وتشديد الدال على صيغة الافتعال بالتاء إلا أنها قلبت دالاً مثل ادّخر ادّخارًا أي السير في آخر الليل (من المحصب) بعد المبيت به، وفي رواية لأبي ذر كما في فتح الباري: الإدلاج بهمزة قطع مكسورة على صيغة الأفعال مصدر أدلج إدلاجًا وسكون الدال أي المسير في أوّل الليل والأول هو الصواب لأنه المراد لا الثاني على ما لا يخفى. نعم، قيل إن كلاً من الفعلين يستعمل في مسير الليل كيف كان والأكثرون على الأول. 1771 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ فَقَالَتْ: مَا أُرَانِي إِلاَّ حَابِسَتَكُمْ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَقْرَى حَلْقَى أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قِيلَ: نَعَمْ. قَالَ: فَانْفِرِي". وبالسند قال: (حدّثنا عمر بن حفص) هو ابن غياث النخعي الكوفي قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال (حدثني) بالإفراد (إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: حاضت صفية) بنت حيي أم المؤمنين -رضي الله عنها- بعد أن طافت طواف الإفاضة يوم النحر (ليلة النفر) (فقالت: أراني) بضم الهمزة ما أظن نفسي (إلا حابستكم) عن الرحلة إلى المدينة لانتظار طهري وطوافي للوداع فظنت أن طواف الوداع لا يسقط عن الحائض. قال الزمخشري في الفائق: مفعولاً أرى الضمير والمستثنى وإلا لغو. قال الأشرف: يمكن على أن لا يجعل الاستثناء لغوًا والمعنى ما أراني على حالة أو صفة إلا على حالة أو صفة كوني حابستكم، وتعقبه الطيبي فقال: لم يرد باللغو أن إلا زائدة بل أن المستثنى معمول الفعل المذكور ولذلك سمي مفرقًا (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (عقرى حلقى)، بفتح أوّلهما من غير تنوين وجوّزه أهل اللغة (أطافت يوم النحر؟) طواف الإفاضة (قيل: نعم). طافت (قال): بكسر الفاء أي ارحلي. ورواة هذا الحديث إلى عائشة كوفيون وفيه ثلاثة من التابعين، وأخرجه مسلم في الحج وكذا النسائي وابن ماجة. 1772 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَزَادَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ نَذْكُرُ إِلاَّ الْحَجَّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ. فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ النَّفْرِ حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: حَلْقَى عَقْرَى، مَا أُرَاهَا إِلاَّ حَابِسَتَكُمْ. ثُمَّ قَالَ: كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: فَانْفِرِي. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَمْ أَكُنْ حَلَلْتُ. قَالَ: فَاعْتَمِرِي مِنَ التَّنْعِيمِ. فَخَرَجَ مَعَهَا أَخُوهَا، فَلَقِينَاهُ مُدَّلِجًا. فَقَالَ مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا". (قال أبو عبد الله): أي المؤلّف (وزادني) في الحديث المذكور (محمد) وفي رواية ابن السكن: محمد بن سلام، وقال الغساني: هو ابن يحيى الذهلي قال: (حدّثنا محاضر) بضم الميم وكسر الضاد المعجمة ابن المورع بضم الميم وفتح الواو وكسر الراء المشددة ثم عين مهملة الهمداني اليامي الكوفي. قال النسائي: ليس به بأس، وقال أحمد: كان مغفلاً ولم يكن من أصحاب الحديث، وقال أبو حاتم: ليس بمتين يكتب حديثه، وقال أبو ررعة صدوق وقد أخرج له المؤلّف حديثين بصورة التعليق الموصول عن بعض شيوخه عنه أحدهما هذا والآخر في البيوع وعلق له غيرهما وروى له مسلم حديثًا واحدًا في كتاب الأحكام عن خالد الحذاء مقرونًا بغيره وروى له الترمذي (قال: حدّثنا الأعمش عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود عن عائشة -

26 - كتاب العمرة

رضي الله عنها- قالت: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا نذكر إلا الحج) بالنون ونصب الحج (فلما قدمنا) مكة (أمرنا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن نحل) بفتح أوّله وكسر ثانيه أي من إحرامنا (فلما كانت ليلة) يوم (النفر) من منى (حاضت صفية بنت حيي) -رضي الله عنها- (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (حلقى عقرى) في السابقة تقديم المؤخر (ما أراها) بضم الهمزة أي ما أظن صفية (إلا حابستكم) ثم قال: (كنت طفت) بحذف همزة الاستفهام (يوم النحر؟) طواف الإفاضة (قالت) صفية: (نعم) طفت (قال): (فانفري). بكسر الفاء ارحلي. قالت عائشة: (قلت يا رسول الله إني لم أكن حللت) أي حين قدمت مكة لأني لم أكن تمتعت بل كنت قارنة (قال): لها عليه الصلاة والسلام: (فاعتمري من التنعيم) وإنما أمرها بالاعتمار لتطييب قلبها حيث أرادت أن يكون لها عمرة مستقلة كسائر أمهات المؤمنين (فخرج معها أخوها)، عبد الرحمن بن أبي بكر قالت عائشة (فلقيناه) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ما قضيت العمرة ورجعنا إلى المنزل حال كونه (مدلجًا). بتشديد الدال أي سائرًا من آخر الليل إلى مكة لطواف الوداع (فقال) عليه الصلاة والسلام لها: (موعدك مكان كذا وكذا) بنصب مكان على الظرفية، وفي بعض النسخ: مكان بالرفع خبر موعدك. والمراد موضع المنزلة أي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما لقيها قال لعائشة: موضع المنزلة كذا وكذا يعني تكون الملاقاة هناك حتى إذا عاد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من طوافه يجتمع بها هناك للرحيل. بسم الله الرحمن الرحيم 26 - كتاب العمرة (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لأبي ذر وثبتت لغيره. 1 - باب وُجُوبِ الْعُمْرَةِ وَفَضْلِهَا وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- إِنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]. (باب العمرة) بضم العين مع ضم الميم وإسكانها وبفتح العين وإسكان الميم وهي في اللغة الزيارة وقيل القصد إلى مكان عامر وفي الشرع قصد الكعبة للنسك بشروط مخصوصة (وجوب العمرة وفضلها) ولأبوي ذر والوقت: باب وجوب العمرة وفضلها، ولأبي ذر عن المستملي: أبواب العمرة وجوب العمرة وفضلها وسقط عنده عن غيره أبواب العمرة، وللأصيلي وكريمة: باب العمرة وفضلها حسب، وسقط لابن عساكر باب العمرة. (وقال ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما): وصله ابن حزيمة والدارقطني والحاكم (ليس أحد) من المكلفين (إلا وعليه حجة وعمرة) واجبتان مع الاستطاعة. (وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-) مما وصله إمامنا الشافعي وسعيد بن منصور كلاهما عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، سمعت طاوسًا يقول: سمعت ابن عباس يقول: والله (إنها لقرينتها في كتاب الله عز وجل {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196] الضمير الأول في قوله إنها لقرينتها للعمرة والثاني لفريضة الحج والأصل لقرينته أي لقرينة الحج لكن قصد التشاكل فأخرج على هذا الوجه بالتأويل فوجوب العمرة من عطفها على الحج الواجب، وأيضًا إذا كان الإتمام واجبًا كان اللابتداء واجبًا، وأيضًا معنى ({أتموا}) أقيموا. وقال الشافعي فيما قرأته في المعرفة للبيهقي: والذي هو أشبه بظاهر القران وأولى بأهل العلم عند وأسأل الله التوفيق أن تكون العمرة واجبة بأن الله تعالى قرنها مع الحج فقال: ({وأتموا الحج والعمرة لله}) وأن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتمر قبل أن يحج وأن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سن إحرامها والخروج منها بطواف وسعي وحلاق وميقات، وفي الحج زيادة عمل على العمرة، وظاهر القران أولى إذا لم تكن دلالة اهـ. وقول الترمذي عن الشافعي أنه قال: العمرة سنة لا نعلم أحدًا رخص في تركها وليس فيها شيء ثابت بأنها تطوع لا يريد به أنها ليست واجبة بدليل قوله: لا نعلم أحدًا رخص في تركها لأن السنة التي يراد بها خلاف الواجب يرخص في تركها قطعًا والسنة تطلق ويراد بها الطريقة قاله الزين العراقي. ومذهب الحنابلة: الوجوب كالحج ذكره الأصحاب. قال الزركشي منهم جزم به جمهور الأصحاب وعنه أنها سنّة، والمشهور عن المالكية أن العمرة تطوع وهو قول الحنفية. لنا: ما سبق وحديث زيد بن ثابت عند الحكم والدارقطني قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الحج والعمرة فريضتان" لكن قال الحاكم: الصحيح عن زيد بن ثابت

من قوله اهـ. وفيه إسماعيل بن مسلم ضعفوه، وأخرج الدارقطني عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وأن تحج وتعمر. قال الدارقطني: إسناده صحيح. وعن عائشة عند ابن ماجة والبيهقي وغيرهما بأسانيد صحيحة قالت قلت يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هل على النساء جهاد؟ قال: "نعم جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة". وروى الترمذي وصححه أن أبا رزين لقيط بن عامر العقيلي أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن؟ قال: "حج عن أبيك واعتمر" واحتج القائلون بالسنية بحديث بني الإسلام على خمس فذكر الحج دون العمرة. وأجابوا عن ثبوتها في حديث الدارقطني بأنها شاذة وبحديث الحجاج بن أرطأة عن محمد بن المنكدر عن جابر عند الترمذي وقال حسن صحيح قال: سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن العمرة أواجبة هي؟ قال: "لا وإن تعتمر فهو أفضل" لكن قال في شرح المهذّب: اتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف ولا يغترّ بقول الترمذي فيه حسن صحيح. وقال العلامة الكمال ابن الهمام في فتح القدير: إنه لا ينزل عن كونه حسنًا والحسن حجة اتفاقًا وإن قال الدارقطني الحجاج بن أرطأة لا يحتج به، فقد اتفقت الروايات عن الترمذي على تحسين حديثه هذا، وقد رواه ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن جابر، وأخرجه الطبراني في الصغير والدارقطني بطريق آخر عن جابر فيه يحيى بن أيوب وضعفه، وروى عبد الباقي ابن قانع عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الحج جهاد والعمرة تطوّع" وهو أيضًا حجة. وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: الحج فريضة والعمرة تطوّع وكفى بعبد الله قدوة. وتعدد طرق حديث الترمذي الذي اتفقت الروايات على تحسينه برفعه إلى درجة الصحيح كما أن تعدد طرق الضعيف ترفعه إلى الحسن فقام ركن المعارضة والافتراض لا يثبت مع المعارضة لأن المعارضة تمنعه من إثبات مقتضاه، ولا يخفى أن المراد من قول الشافعي: الفرض الظني هو الوجوب عندنا، ومقتضى ما ذكرناه أن لا يثبت مقتضى ما رويناه أيضًا للاشتراك في موجب المعارضة فحاصل التقرير حينئذ تعارض مقتضيات الوجوب والنفل فلا يثبت ويبقى مجرد فعله عليه الصلاة والسلام وأصحابه والتابعين وذلك يوجب السنية فقلنا بها اهـ. وأجاب القائلون بالاستحباب أيضًا عن الآية بأنه لا يلزم من الاقتران بالحج أن تكون العمرة واجبة فهذا الاستدلال ضعيف، وبأن في قراءة الشعبي والعمرة لله بالرفع ففصل بهذه القراءة عطف العمرة على الحج ليرتفع الإشكال. 1773 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ». وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن سمي) بضم السين المهملة وفتح الميم (مولى أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحرث بن هشام مات مقتولاً بقديد سنة ثلاثين ومائة، وحديثه هذا من غرائب الصحيح لأنه تفرد به واحتاج الناس إليه فيه فرواه عنه مالك والسفيانان وغيرهما حتى أن سهيل بن أبي صالح حدث به عن سمي عن أبي صالح فكان سهيلاً لم يسمعه من أبيه وتحقق بذلك تفرد سمي به قاله ابن عبد البر فيما حكاه عنه في الفتح (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (العمرة إلى العمرة) يحتمل كما قاله ابن التين أن "إلى" بمعنى "مع" كقوله تعالى إلى أموالكم: {من أنصاري إلى الله} [آل عمران: 52 والصف: 14] (كفارة لما بينهما)، من الذنوب غير الكبائر، وظاهره أن العمرة الأولى هي المكفرة لأنها هي التي وقع الخبر عنها أنها تكفر، ولكن الظاهر من جهة المعنى أن العمرة الثانية هي التي تكفر ما قبلها إلى العمرة السابقة فإن التكفير قبل وقوع الذنب حلاف الظاهر. واستشكل بعضهم كون العمرة كفارة مع أن اجتناب الكبائر مكفر فماذا تكفر العمرة؟ وأجيب: بأن تكفير العمرة مقيد بزمنها وتكفير الاجتتاب عام لجميع عمر العبد فتغايرا من هذه الحيثية. (والحج المبرور) الذي لا يخالطه إثم أو المتقبل الذي لا رياء فيه ولا سمعة

2 - باب من اعتمر قبل الحج

ولا رفث ولا فسوق (ليس له جزاء إلا الجنة) فلا يقتصر لصاحبه من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه. وفي الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة". وهذا الحديث رواه مسلم والترمذي. 2 - باب مَنِ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ (باب من اعتمر قبل الحج) هل يجزيه ذلك أم لا. 1774 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ "أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ. قَالَ عِكْرِمَةُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ". وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ "سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ ... مِثْلَهُ". وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) هو ابن ثابت بن عثمان المعروف بابن شبويه قاله الدارقطني، وقال الحاكم أبو عبد الله هو أحمد بن محمد بن موسى المروزي يعرف بمردويه، ورجح المزي وغيره هذا الثاني قال: (أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك المروزي قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك المكي (أن عكرمة بن خالد) هو ابن العاصي بن هشام المخزومي (سأل ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- عن العمرة قبل الحج فقال): ابن عمر (لا بأس) زاد أحمد وابن خزيمة فقالا: لا بأس على أحد أن يعتمر قبل الحج. (قال عكرمة) بن خالد بالإسناد السابق (قال ابن عمر): (اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن يحج) ولما كان قوله في الحديث السابق: أخبرنا ابن جريج أن عكرمة بن خالد سأل ابن عمر يقتضي أن الإسناد مرسل لأن ابن جريج لم يدرك زمان سؤال عكرمة لابن عمر استظهر المؤلّف بالتعليق الذي سيذكره عن ابن إسحاق المصرح بالاتصال فقال: (وقال إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني نزيل بغداد تكلم فيه بلا قادح مما وصله أحمد (عن أبي إسحاق) محمد صاحب المغازي قال: (حدثني) بالإفراد (عكرمة بن خالد) المذكور (قال: سألت ابن عمر مثله) ولفظ أحمد: قدمت المدينة في نفر من أهل مكة فلقيت عبد الله بن عمر فقلت: إنّا لم نحج قط أفنعتمر من المدينة؟ قال: نعم وما يمنعكم من ذلك، فقد اعتمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمرة كلها من المدينة قبل حجه قال: "فاعتمرنا". حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ "سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنه- مِثْلَهُ". وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي الوقت حدثني (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن بحر الباهلي الصيرفي البصري قال: (حدثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك (قال عكرمة بن خالد): هو المخزومي السابق (سألت ابن عمر -رضي الله عنهما- مثله). وقول ابن بطال جواب ابن عمر بجواز الاعتمار قبل الحج يدل على أن مذهبه أن فرض الحج كان قد نزل على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل اعتماره، وذلك يدل على أن الحج على التراخي إذ لو كان وقته مضيقًا لوجب إذا أخره إلى سنة أخرى أن يكون قضاء واللازم باطل، تعقبه ابن المنير بأن القضاء خاص بما وقت بوقت معين مضيق كالصلاة والصيام وأما ما ليس كذلك فلا يعدّ تأخيره قضاء سواء كان على الفور أو على التراخي كما في الزكاة يؤخرها ما شاء الله بعد تمكنه من أدائها على الفور فإن المؤخر على هذا الوجه يأثم ولا يعد أداؤه له بعد ذلك قضاء بل هو أداء، ومن ذلك الإسلام واجب على الكفار على الفور فلو تراخى عنه الكافر ما شاء الله ثم أسلم لم يعد ذلك قضاء. 3 - باب كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ هذاأ باب) بالتنوين يذكر فيه (كم اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)؟ 1775 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ "دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَإِذَا نَاسٌ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ صَلاَةَ الضُّحَى. قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلاَتِهِمْ فَقَالَ: بِدْعَةٌ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: كَمِ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: أَرْبَعًا، إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ. فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ". [الحديث 1775 - طرفه في: 4253]. وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد البغلاني البلخي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر (قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد) المدني النبوي (فإذا عبد الله بن عمر جالس) خبر عبد الله (إلى حجرة عائشة) -رضي الله عنها-. وعند أحمد في رواية مفضل عن منصور فإذا ابن عمر مستند إلى حجرة عائشة (وإذا أناس) بهمزة مضمومة، وفي الفتح: ناس بحذفها للكشميهني وفي الفرع وأصله علامة ثبوتها لأبي الوقت (يصلون في المسجد صلاة الضحى قال): مجاهد (فسألناه) أي ابن عمر (عن صلاتهم) التي يصلونها في المسجد (فقال) أي ابن عمر صلاتهم على هذه الصفة من الاجتماع لها في المسجد (بدعة. ثم قال): عروة بن الزبير وقع التصريح بأنه عروة في مسلم في رواية عن إسحاق بن راهويه عن جرير (له) أي لابن عمر (كم اعتمر

النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال) "أربع" بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي عمره أربع، ولأبي ذر: أربعًا بالنصب أي اعتمر أربعًا قال ابن مالك: الأكثر في جواب الاستفهام مطابقة اللفظ والمعنى وقد يكتفى بالمعنى فمن الأول قوله تعالى: {قال هي عصاي أتوكأ} [طه: 18] في جواب: {وما تلك بيمينك يا موسى} [طه: 17] ومن الثاني قوله عليه الصلاة والسلام: أربعين يومًا جوابًا لقول السائل ما لبثه في الأرض فأضمر يلبث ونصب به أربعين، ولو قصد تكميل المطابقة لقال أربعون لأن الاسم المستفهم به في موضع الرفع، فظهر بهذا أن الوجهين جائزان إلا أن النصب أقيس وأكثر نظائر قال: ويجوز أن يكون أربع كتب بلا ألف على لغة ربيعة في الوقف بالسكون على المنصوب النون اهـ. وهذا مثل ما سبق له قريبًا، وقد مرّ قول العلامة البدر الدماميني أنه مقتض للنصب لا للرفع (إحداهن) أي العمرات كانت (أفي) شهر (رجب) بالتنوين (فكرهنا أن نردّ عليه). 1776 - قَالَ وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحُجْرَةِ فَقَالَ عُرْوَةُ: يَا أُمَّاهُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَلاَ تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَتْ: مَا يَقُولُ؟ قَالَ يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ. قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلاَّ وَهُوَ شَاهِدُهُ، وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ". [الحديث 1776 - طرفاه في: 1777، 4254]. (قال وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين) -رضي الله عنها- أي حس مرور السواك على أسنانها (في الحجرة فقال عروة) بن الزبير لعائشة: (يا أماه) بالألف بين الميم والهاء المضمومة في الفرع وغيره، وقال الحافظ ابن حجر والبرماوي كالكرماني بسكونها، ولأبوي ذرّ والوقت والأصيلي: يا أمه بحذف الألف وسكون الهاء، وفي نسخة: يا أم المؤمنين وهذا بالمعنى الأعم لأنها أم المؤمنين والسابق بالمعنى الأخص لأنها خالته (ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن) عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-؟ (قالت): عائشة -رضي الله عنها-: (ما يقول) عبد الله؟ (قال) عروة (يقول) (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتمر أربع عمرات) بسكون الميم وفتحها وضمها والتحريك لأبي ذر (إحداهن في) شهر (رجب) (قالت) أي عائشة (يرحم الله أبا عبد الرحمن) بن عمر -رضي الله عنهما- (ما اعتمر) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عمرة إلا وهو) أي ابن عمر (شاهده) أي حاضر معه (وما اعتمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في) شهر (رجب قط) قالت ذلك مبالغة في نسبته إلى النسيان ولم تنكر عليه إلا قوله إحداهن في رجب، وزاد مسلم عن عطاء عن عروة قال: وابن عمر يسمع فما قال لا ولا نعم سكت. قال النووي: سكوت ابن عمر على إنكار عائشة يدل على أنه كان اشتبه عليه أو نسي أو شك اهـ. وبهذا يجاب عما استشكل من تقديم قول عائشة النافي على قول ابن عمر المثبت وهو خلاف القاعدة المقررة. 1777 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ "سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَجَبٍ". وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك (قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء) فو ابن أبي رباح (عن عروة بن الزبير) بن العوام (قال: سألت عائشة -رضي الله عنها-) أي عن قول ابن عمر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتمر أربع عمرات إحداهن في رجب (قالت): "ما اعتمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رجب" زاد في الأولى قط. 1778 - حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ "سَأَلْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه-: كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ أَرْبَعٌ: عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ، وَعُمْرَةٌ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ، وَعُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ -أُرَاهُ- حُنَيْنٍ. قُلْتُ: كَمْ حَجَّ؟ قَالَ: وَاحِدَةً". [الحديث 1778 - أطرافه في: 1779، 1780، 3066، 4148]. وبه قال: (حدّثنا حسان بن حسان) غير مصروف البصري نزيل مكة قال البخاري كان المقرئ يثني عليه، وقال أبو حاتم منكر الحديث لكن روى عنه البخاري حديثين فقط أحدهما هذا، وأخرجه أيضًا عن هدبة وأبي الوليد الطيالسي بمتابعته عن همام والآخر في المغازي عن محمد بن طلحة عن حميد وله طرق أخر عن حميد قال: (حدّثنا همام) بتشديد الميم بعد فتح الهاء ابن يحيى بن دينار العوذي الشيباني البصري (عن قتادة) بن دعامة قال: (سألت أنسًا) هو ابن مالك (-رضي الله عنه-. كم اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال) (أربع). بالرفع أي الذي اعتمره أربع (عمرة الحديبية) بتخفيف الياء على الفصيح وعمرة رفع بدل من أربع، ولأبي ذر أربعًا بالنصب أي اعتمر أربع عمر عمرة الحديبية بالنصب بدل من المنصوب (من ذي القعدة) سنة ست (حيث صدّه المشركون) بالحديبية فنحر الهدي بها وحلق هو وأصحابه ورجع إلى المدينة (وعمرة) بالرفع عطفًا على المرفوع، ولأبي ذر: وعمرة بالنصب عطفًا على المنصوب (من العام المقبل في ذي القعدة حين صالحهم) يعني قريشًا وهي عمرة القضاء والقضية، وإنما سميت بهما لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

قاضى قريشًا فيها لا أنها وقعت قضاء عن العمرة التي صدّ عنها إذ لو كان كذلك لكانتا عمرة واحدة، وهذا مذهب الشافعية والمالكية. وقال الحنفية: هي قضاء عنها. قال في فتح القدير: وتسمية الصحابة وجميع السلف إياها بعمرة القضاء ظاهر في خلافه وتسمية بعضهم إياها عمرة القضية لا ينفيه فإنه اتفق في الأولى مقاضاة النبي أهل مكة على أن يأتي من العام القبل فيدخل مكة بعمرة ويقيم ثلاثًا وهذا الأمر قضية تصح إضافة هذه العمرة إليها فإنها عمرة كانت عن تلك القضية فهي قضاء عن تلك القضية فتصح إضافتها إلى كل منهما فلا تستلزم الإضافة إلى القضية نفي القضاء وإلإضافة إلى القضاء تفيد ثبوته فيثبت مفيد ثبوته بلا معارض اهـ. (وعمرة) بالرفع والنصب كما مرّ (الجعرانة). بكسر الجيم وسكون العين المهملة وتخفيف الراء وبكسر العين وتشديد الراء والأول ذهب إليه الأصمعي وصوبه الخطابي وهي ما بين الطائف ومكة (إذا) أي حين (قسم غنيمة) بالنصب معمول قسم من غير تنوين لإضافته في الحقيقة إلى حنين (أراه) بضم الهمزة أي أظنه وهو اعتراض بين المضاف وبين (حنين) المضاف إليه وكأن الراوي طرأ عليه شك فأدخل لفظ أراه بينهما، وقد رواه مسلم عن همام بغير شك وحنين واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال وكانت في سنة ثمان في زمن غزوة الفتح ودخل عليه الصلاة والسلام بهذه العمرة إلى مكة ليلاً وخرج منها ليلاً إلى الجعرانة فبات بها فلما أصبح وزالت الشمس خرج في بطن سرف حتى جامع الطريق ومن ثم خفيت هذه العمرة على كثير من الناس. قال قتادة: (قلت): لأنس (كم حج) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ (قال): حج (واحدة) وقد سقط من رواية حسان هذه العمرة الرابعة، ولذا استظهر المؤلّف بطريق أبي الوليد الثابت ذكرها فيه حيث قال وعمرة مع حجته. 1779 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ "سَأَلْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- فَقَالَ "اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ رَدُّوهُ، وَمِنَ الْقَابِلِ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَعُمْرَةً فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ". فقال: بالسند السابق (حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك) الطيالسي قال: (حدّثنا همام) العوذي (عن قتادة) بن دعامة (قال: سألت أنسًا -رضي الله عنه-) أي كم اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال): (اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث ردوه) أي المشركون بالحديبية (و) اعتمر (من) العام (القابل عمر الحديبية) وهي عمرة القضاء وهي وسابقتها من الحديبية أو قوله والحديبية يتعلق بقوله حين ردوه (و) اعتمر (عمرة في ذي القعدة) وهي عمرة الجعرانة (و) اعتمر (عمرة) وهي الرابعة (مع حجته) وهذا بعينه هو الحديث الأول بمتنه وسنده ولكن شيخه في الأول حسان وفي الثاني أبو الوليد، وأسقط في الأول العمرة الرابعة وأثبتها في هذا كمسلم من طريق عبد الصمد عن هشام لكن قال: الكرماني: إنها داخلة في الحديث الأول ضمن الحج لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إما أن يكون متمتعًا أو قارنًا أو مفردًا، والمشهور عن عائشة أنه كان مفردًا لكن ما ذكر هنا يشعر بأنه كان قارنًا وكذا ابن عمر أنكر على أنس كونه كان قارنًا مع أن حديثه المذكور هنا يدل على أنه كان قارنًا لأنه لم ينقل أنه اعتمر بعد حجته فلم يبق إلا أنه اعتمر مع حجته ولم يكن متمتعًا لأنه اعتذر عن ذلك بكونه ساق الهدي وقد كان أحرم أولاً بالحج ثم أدخل عليه العمرة بالعقيق. ومن ثم اختلف في عدد عمره فمن قال أربعًا فهذا وجهه، ومن قال ثلاثًا أسقط الأخيرة لدخول أفعالها في الحج، ومن قال اعتمر عمرتين أسقط عمرة الحديبية لكونهم صدّوا عنها، وأسقط الأخيرة لما ذكر وأثبت عمرة القضية والجعرانة. 1780 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ وَقَالَ "اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، إِلاَّ الَّتِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَتَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَمِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَمِنَ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ". وبه قال: (حدّثنا هدب) بضم الهاء وسكون المهملة وفتح الموحدة بغير تنوين ابن خالد القيسي قال: (حدّثنا همام) أي المذكور (قال): أي بالإسناد المذكور وهو عن قتادة عن أنس (اعتمر) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أربع عمر) كلهن (في ذي القعدة إلا التي اعتمر) وللحموي والمستملي إلا الذي بصيغة المذكر أي إلا النسك الذي اعتمر (مع حجته) في ذي الحجة ثم بين الأربعة المذكورة بقوله: (عمرته) نصب باعتمر (من الحديبية) وهي الأولى (و) الثانية (من العام المقبل)

4 - باب عمرة في رمضان

وهي عمرة القضية (و) الثالثة (من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين) بالصرف (و) الرابعة (عمرة مع حجته) في ذي الحجة كما مرّ. قال القابسي: هذا الاستثناء كلام زائد وصوابه أربع عمر في ذي القعدة وعمرته من الحديبية إلى آخره وقد عدها في آخر الحديث فكيف يستثنيها أولاً؟ قال عياض: والرواية عندي هي الصواب وقد عدها بعد في الأربع فكأنه قال: في ذي القعدة منها ثلاث والرابعة عمرته في حجته. 1781 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ "سَأَلْتُ مَسْرُوقًا وَعَطَاءً وَمُجَاهِدًا فَقَالُوا: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ. وَقَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ". [الحديث 1781 - أطرافه في: 1844، 2698، 2699، 2700، 3184، 4251]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن عثمان) بن حكيم بن دينار الأودي قال: (حدّثنا شريح بن مسلمة) بفتح اليمين واللام وشريح بالشين المعجمة المضمومة والحاء المهملة قال: (حدّثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يوسف بن إسحاق الهمداني السبيعي (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سألت مسروقًا) يعني ابن الأجدع (وعطاء) هو ابن أبي رباح (ومجاهدًا) هو ابن جبر أي كم اعتمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا): (اعتمر رسول الله) ولأبي الوقت: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذي القعدة) وسقط قوله في ذي القعدة في رواية أبوي ذر والوقت (قبل أن يحج) حجة الوداع. (وقال: سمعت البراء بن عازب -رضي الله عنهما- يقول): (اعتمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذي القعدة قبل أن يحج مرتين) لا يدل على نفي غيره لأن مفهوم العدد لا اعتبار له، وقيل إن البراء لم يعدّ الحديبية لكونها لم تتم والتي مع حجته لأنها دخلت في أفعال الحج وكلهن أي الأربعة في القعدة في أربعة أعوام على ما هو الحق كما ثبت عن عائشة وابن عباس -رضي الله عنهم- لم يعتمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا في ذي القعدة، ولا ينافيه كون عمرته التي مع حجته في ذي الحجة لأن مبدأها كان في ذي القعدة لأنهم خرجوا لخمس بقين من ذي القعدة كما في الصحيح وكان إحرامه بها في وادي العقيق قبل أن يدخل ذو الحجة وفعلها كان في ذي الحجة فصح طريقًا الإثبات والنفي. وأما ما رواه الدارقطني عن عائشة خرجت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمرة رمضان فقد حكم الحفاظ بغلط هذا الحديث إذ لا خلاف أن عمره لم تزد على أربع، وقد عينها أنس وعدّها ونيس فيها ذكر شيء منها في غير ذي القعدة سوى التي مع حجته ولو كانت له عمرة في رجب وأخرى في رمضان لكانت ستًا ولو كانت أخرى في شوال كما هو في سنن أبي داود عن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام اعتمر في شوال كانت سبعًا، والحق في ذلك أن ما أمكن فيه الجمع وجب ارتكابه دفعًا للمعارضة وما لم يمكن فيه حكم بمقتضى الأصح والأثبت وهذا أيضًا ممكن الجمع بإرادة عمرة الجعرانة فإنه عليه الصلاة والسلام خرج إلى حنين في شوال والإحرام بها في القعدة فكان مجازًا للقرب هذا إن صح وحفظ وإلاّ فالمعول عليه الثابت والله أعلم. ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون إلا عطاء ومجاهدًا فمكيان، وفيه التحديث والعنعنة والسؤال والسماع والقول. 4 - باب عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ (باب) فضل (عمرة) تفعل (في) شهر (رمضان). 1782 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يُخْبِرُنَا يَقُولُ "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ -سَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَنَسِيتُ اسْمَهَا- مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟ قَالَتْ: كَانَ لَنَا نَاضِحٌ، فَرَكِبَهُ أَبُو فُلاَنٍ وَابْنُهُ -لِزَوْجِهَا وَابْنِهَا- وَتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ". أَوْ نَحْوًا مِمَّا قَالَ. [الحديث 1782 - طرفه في: 1863]. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) بفتح السين المهملة بعد ضم الميم والدال الأولى مشدّدة قال: (حدّثنا يحيى) القطان (عن ابن جريج) عبد الملك (عن عطاء) هو ابن أبي رباح ولمسلم أخبرني عطاء (قال: سمعت قال ابن عباس -رضي الله عنهما-) حال كونه (يخبرنا) وحال كونه (يقول: قال رسول الله) ولأبي الوقت قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (لامرأة من الأنصار) هي أم سنان كما عند المصنف وصحيح مسلم في باب حج النساء (سماها ابن عباس) قال ابن جريج (فنسيت اسمها) وليس الناسي عطاء لأنه سماها في حديثه المروي عند المؤلّف من طريق حبيب العلم عنه في باب: حج النساء، لكن يحتمل أن يكون عطاء كان ناسيًا لاسمها لما حدث به ابن جريج وذاكرًا له لما حدث حبيبًا (ما منعك أن تحجين معنا)! بإثبات نون تحجين على إهمال أن الناصبة وهو قليل، وبعضهم ينقل أنها لغة لبعض العرب، ولأبي ذر وابن عساكر: أن تحجي بحذفها على إعمال أن وهو المشهور (قالت): أي أم سنان (كان لنا ناضح) بالنون والضاد المعجمة المكسورة

وبالحاء المهملة البعير الذي يستقى عليه (فركبه أبو فلان وابنه لزوجها) أبي سنان (وابنها) سنان. وفي النسائي والطبراني في قصة تشبه هذه اسمها أم معقل زينب وزوجها أو معقل الهيثم ووقع مثله لأم طليق وأبي طليق عند ابن أبي شيبة وابن السكن، وعند ابن حبان في صحيحه قالت أم سليم: حج أبو طلحة وابنه وتركاني، ونحوه عند ابن أبي شيبة من وجه آخر عن عطاء والابن المذكور الظاهر أنه أنس لأن أبا طلحة لم يكن له ابن كبير يحج فيكون المراد بالابن أنسًا مجازًا، ويؤيد ذلك أن في حديث البخاري أنها من الأنصار وليست أم معقل أنصارية، بل وفي سنن أبي داود أن أبا معقل لم يحج معهم بل تأخر لمرضه فمات، وأما أم سنان فهي أنصارية أيضًا، وبالجملة فيحتمل أنها وقائع متعددة لمن ذكر هنا والضمير في قوله لزوجها وابنها للمرأة المذكورة من الأنصار، ولمسلم ناضحان كانا لأبي فلان زوجها حج هو وابنه على أحدهما. (وترك ناضحًا ننضح عليه). بفتح الضاد في الفرع وغيره وضبطه الحافظ ابن حجر والعيني بالكسر كالنووي في شرح مسلم (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فإذا كان رمضان) بالرفع على أن كان تامة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فإذا كان في رمضان (اعتمري) وفي نسخة: فاعتمري (فيه، فإن عمرة في رمضان حجة) (أو نحوًا مما قال) وللمستملي: أو نحوًا من ذلك، وسقط في رواية ابن عساكر قوله مما قال، وحجة بالرفع خبر إن أي كحجة في الفضل، ولمسلم فإن عمرة فيه تعدل حجة ولعل هذا هو السبب في قول المؤلّف أو نحوًا مما قال. وقال المظهري في قوله: تعدل حجة أي تقابل وتماثل في الثواب لأن الثواب يفضل بفضيلة الوقت. وقال الطيبي: هذا من باب المبالغة وإلحاق الناقص بالكامل ترغيبًا وبعثًا عليه وإلا كيف يعدل ثواب العمرة ثواب الحج، قال ابن خزيمة رحمه الله: إن الشيء يشبه بالشيء ويجعل عدله إذا أشبهه في بعض المعاني لا جميعها لأن العمرة لا يقضى بها فرض الحج ولا النذر اهـ. وقول الزركشي كابن بطال: أن الحج الذي ندبها إليه تطوّعًا لأن العمرة لا تجزئ عن حجة الفريضة، ردّه ابن المنير فقال: هو وهم من ابن بطال لأن حجة الوداع أول حج أقيم في الإسلام، وقد تقدم أن حج أبي بكر كان إنذارًا ولم يكن فرض الإسلام قال فعلى هذا يستحيل أن تكون المرأة كانت قامت بوظيفة الحج بعد لأن أول حج لم تحضره هي ولم يأت زمان ثان عند قوله عليه الصلاة والسلام لها ذلك، وما جاء الحج الثاني إلا والرسول عليه الصلاة والسلام قد توفي فإنما أراد عليه الصلاة والسلام أن يستحثها على استدراك ما فاتها من البدر ولا سيما الحج معه عليه الصلاة والسلام لأن فيه مزية على غيره اهـ. وتعقبه الحافظ ابن حجر فقال: وما قاله غير مسلم إذ لا مانع أن تكون حجت مع أبي بكر فسقط عنها الفرض بذلك بني على أن الحج إنما فرض في السنة العاشرة حتى يسلم مما يرد على مذهبه من القول بأن الحج على الفور. وقال ابن التين: يحتمل أن يكون قوله حجة على بابه، ويحتمل أن يكون لبركة رمضان، ويحتمل أن يكون مخصوصًا بهذه المرأة اهـ. وفي رواية أحمد بن منيع قال سعيد بن جبير: ولا نعلم هذا إلا لهذه المرأة وحدها. وقال ابن الجوزي: فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وخلوص القصد اهـ. وقال غيره لما ثبت أن عمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت كلها في ذي القعدة تردّد لبعض أهل العلم في أن أفضل أوقات العمرة أشهر الحج أو رمضان ففي رمضان ما تقدم مما يدل على الأفضلية، لكن فعله عليه الصلاة والسلام لما لم يقع إلا في أشهر الحج كان ظاهرًا أنه أفضل إذ لم يكن الله سبحانه وتعالى يختار لنبيه إلا ما هو الأفضل، أو أن رمضان أفضل لتنصيصه عليه الصلاة والسلام على ذلك فتركه لاقترانه بأمر يخصه كاشتغاله بعبادات أخرى في رمضان تبتلاً وأن لا يشق على أمته فإنه لو اعتمر فيه لخرجوا معه ولقد كان بهم رؤوفًا رحيمًا، وقد أخبر في بعض العبادات أنه تركها لئلا يشق على أمته مع محبته لذلك كالقيام في رمضان بهم ومحبته لأنه يستقي بنفسه سقاة زمزم كيلا يغلبهم الناس على سقايتهم، والطي يظهر أن العمرة في رمضان لغيره عليه الصلاة والسلام أفضل، وأما في حقه هو

5 - باب العمرة ليلة الحصبة وغيرها

فلا فالأفضل ما صنعه لأن فعله لبيان جواز ما كان أهل الجاهلية يمنعونه فأراد الرد عليهم بالقول والفعل وهو لو كان مكروهًا لغيره لكنه في حقه أفضل والله أعلم. وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في الحج. 5 - باب الْعُمْرَةِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ وَغَيْرِهَا (باب) مشروعية (العمرة ليلة الحصبة) بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين الموحدة أي ليلة المبيت بالمحصب وجميع السنة وقت للعمرة إلا لحاج فيمتنع إحرامه بها قبل نفره أما قبل تحلله فلامتناع إدخالها على الحج وأما بعده فلاشتغاله بالرمي والمبيت فهو عاجز عن التشاغل بعملها. أما إحرامه بها قبل نفره فصحيح إن كان وقت الرمي بعد النفر الأول باقيًا لأنه بالنفر خرج من الحرج وصار كما لو مضى وقت الرمي نقله القاضي أبو الطيب عن نص الأمّ. وقال في المجموع لا خلاف فيه (وغيرها) بنصب الراء، ولأبي ذر وغيرها بكسرها. 1783 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحَجَّةِ، فَقَالَ لَنَا: مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلَوْلاَ أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. قَالَتْ: فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَظَلَّنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ؛ ارْفُضِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ. فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي". وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي الوقت حدتني (محمد بن سلام) وسقط ولأبوي ذر والوقت ابن سلام قال: (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن حازم الضرير البصري قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حجة الوداع لخمس بقين من ذي القعدة حال كوننا مكملين ذا القعدة (موافقين) مستقبلين (لهلال ذي الحجة) قال الجوهري: وافى فلان أتى ووفى تم والخمس قريبة من آخر الشهر فوافاهم الهلال وهم في الطريق لأنهم دخلوا في الرابع من ذي الحجة (فقال لنا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسرف بعد الإحرام كما في رواية عائشة أو بعد الطواف كما في رواية جابر، فيحتمل أنه كرر أمرهم بذلك بعد الطواف لأن العزيمة إنما كانت في الآخر حين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة. (من أحب منكم أن يهل بالحج) يدخله على العمرة (فليهل)، بالحج إذا كان معه هدي فيصير قارنًا ثم لا يحل منهما جميعًا حتى ينحر هديه (ومن أحب أن يهل) منكم (بعمرة)، يدخلها على الحج (فليهل بعمرة) يفسخ بها حجه إذا لم يكن معه هدي (فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة) وفي رواية السرخسي: لأحللت بالحاء المهملة. (قالت) عائشة -رضي الله عنها-: (فمنا) أي فكان منا (من أهلّ) من الميقات (بعمرة ومنا من أهل بحج) مفرد أي ومنا من قرن (وكنت ممن أهل بعمرة). وروى القاسم عنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا نرى إلا الحج، وفي رواية لا نذكر إلا الحج، وفي رواية لبينا بالحج، وفي رواية أخرى مهلين باحج وقد جمع ذلك مسلم في صحيحه وقد جمعوا بين ذلك بأنها أحرمت أوّلاً بالحج كما صح عنها في رواية الأكثرين وكما هو الأصح من فعله عليه الصلاة والسلام وأكثر أصحابه، ثم أحرمت بالعمرة حين أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة فأخبر عروة باعتمارها في آخر الأمر ولم يذكر أول أمرها. (فأظلني) أي قرب مني (يوم عرفة) يقال: أظلني فلان وإنما تقول ذلك لأن ظله كأنه وقع عنيك لقربه منك (وأنا حائض فشكوت إلى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ترك الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة بسبب الحيض (فقال): (ارفضي عمرتك) أي اتركي عملها من الطواف والسعي وتقصير الشعر لا أنها تدع العمرة نفسها وإنما أمرها بذلك لأنها لما حاضت تعذر عليها إتمام العمرة والتحلل منها (وانقضي رأسك) أي حلي ضفر شعره (وامتشطي) سرحيه بالمشط (وأهليّ بالحج) فصارت مدخلة للحج -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العمرة وقارنة (فلما كان ليلة الحصبة) بعد أن طهرت يوم النحر (أرسل معي عبد الرحمن) أخي (إلى التنعيم فأهللت) منه (بعمرة مكان عمرتي) بنصب مكان على الظرفية، ويجوز الجر على البدل من عمرة والمراد مكان عمرتها التي أرادت تأتي بها مفردة كما وقع لسائر أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابة الذي فسخوا الحج إلى العمرة وأتموا العمرة وتحللوا منها قبل يوم التروية أحرموا بالحج من مكة يوم التروية فحصلت لهم حجة منفردة وعمرة منفردة، وأما عائشة فإنها حصل لها عمرة مندرجة في حجة بالقران فأرادت عمرة منفردة كما

6 - باب عمرة التنعيم

حصل لغيرها. 6 - باب عُمْرَةِ التَّنْعِيمِ (باب عمرة التنعيم) تفعيل بفتح المثناة الفوقية وسكون النون وكسر العين المهملة موضع على ثلاثة أميال أو أربعة من مكة أقرب أطراف الحل إلى البيت سمي به لأن على يمينه جبل نعيم وعلى يساره جبل ناعم والوادي اسمه نعمان قاله في القاموس. وقال المحب الطبري فيما قرأته في تحصيل المرام: هو أمام أدنى الحل وليس بطرف الحل ومن فسره بذلك فقد تجوّز وأطلق اسم الشيء على ما قرب منه اهـ. وروى الأزرقي من طريق ابن جريج قال: رأيت عطاء يصف الموضع الذي اعتمرت منه عائشة قال فأشار إلى الموضع الذي ابتنى فيه محمد بن عليّ بن شافع المسجد الذي وراء الأكمة وهو المسجد الخرب وهو أفضل مواقيت العمرة بعد الجعرانة عند الأربعة إلا أبا حنيفة. 1784 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَهُ أَنْ يُرْدِفَ عَائِشَةَ وَيُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ". قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: سَمِعْتُ عَمْرًا، كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ عَمْرٍو. [الحديث 1784 - طرفه في: 2985]. وبالسند قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار أنه (سمع عمر بن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو وعمرو بفتح العين في الموضعين والثاني هو الثقفي المكي (أن عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما- أخبره أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره أن يردف) أي بإرداف (عائشة) أخته أي يركبها وراءه على ناقته (ويعتمرها) بضم الياء من الإعمار "من التنعيم" إنما عين التنعيم لأنه أقرب إلى الحل من غيره. (قال: سفيان) بن عيينة (مرة سمعت عمرًا) هو ابن دينار (كم سمعته من عمرو) أثبت السماع صريحًا بخلاف السابق فإنه معنعن وإن كان معنعنه محمولاً على السماع، وزاد أبو داود بعد قوله إلى التنعيم فإذا هبطت بها من الأكمة فلتحرم فإنها عمرة مقبلة، وزاد أحمد في رواية له وذك ليلة الصدر بفتح الدال أي الرجوع من منى واستدلّ بالحديث على تعيين الخروج إلى أدنى الحل لمريد العمرة فيلزمه الخروج من الحرم ولو بقليل من أي جانب شاء للجمع فيها بين الحل وأحرم كالجمع في الحج بينهما بوقوفه بعرفة، ولأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر عائشة بالخروج إلى الحل للإحرام بالعمرة فلو لم يجب الخروج لأحرمت من مكانها لضيق الوقت لأنه كان عند رحيل الحاج وأفضل بقاع الحل للإحرام بالعمرة الجعرانة ثم التنعيم ثم الحديبية ولو أحرم بها من مكة وتمم أفعالها ولم يخرج إلى الحل قبل تلبسه بفرض منها أجزأه ما أحرم به ولزمه الدم لأن الإساءة بترك الإحرام من الميقات إنما تقتضي لزوم الدم لا عدم الإجزاء فإن عاد إلى الحل قبل التلبس بفرض سقط عنه الدم. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الجهاد ومسلم في الحج. 1785 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَطَاءٍ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهَلَّ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَطَلْحَةَ، وَكَانَ عَلِيٌّ قَدِمَ مِنَ الْيَمَنِ وَمَعَهُ الْهَدْيُ فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَذِنَ لأَصْحَابِهِ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا، إِلاَّ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَقَالُوا: نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ. فَبَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ. وَأَنَّ عَائِشَةَ حَاضَتْ فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ. قَالَ: فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنْطَلِقُونَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَنْطَلِقُ بِالْحَجِّ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحَجَّةِ. وَأَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَقِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ بِالْعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا، فَقَالَ: أَلَكُمْ هَذِهِ خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لاَ، بَلْ لِلأَبَدِ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) الزمن قال: (حدّثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد) بن الصلب الثقفي البصري (عن حبيب المعلم) البصري مولى معقل بن يسار اختلف في اسم أبيه فقيل زائدة وقيل زيد وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة وقال النسائي ليس بالقوي له في البخاري هذا الحديث عن عطاء عن ابن عباس عن جابر وعلق له المؤلّف في بدء الخلق آخر عن عطاء عن جابر والأحاديث الثلاثة بمتابعة ابن جريج عن عطاء وروى له الجماعة (عن عطاء) هو ابن أبي رباح قال: (حدثني) بالإفراد (جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهل وأصحابه بالحج) برفع أصحابه، وفي نسخة اليونينية: وأصحابه بالنصب مفعول معه (وليس مع أحد منهم هدي غير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بنصب غير على الاستثناء (وطلحة) هو ابن عبيد الله بن عثمان التيمي القرشي المدني أحد المشهود لهم بالجنة وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام واحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر وأحد الستة أصحاب الشورى والواو للعطف أي لم يكن هدي إلا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومع طلحة فقط، لكن هذا مخالف لما في مسلم وسنن أحمد وغيرهما من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أن الهدي كان مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر وعمر وذوي اليسار، وفي البخاري بعد بابين من طريق أفلح عن القاسم بلفظ ورجال من أصحابه ذوي قوّة فيحمل على أن كلاً منهما ذكر ما اطلع عليه

وشاهده (وكان عليّ) -رضي الله عنه- (قدم من اليمن) إلى مكة (ومعه الهدي) جملة حالية، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ومعه هدي بالتنكير (فقال): بعد أن سأله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما أهللت (أهللت بما أهل به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في الشركة فأمره أن يقيم على إحرامه وأشركه في الهدي وقد مر مبحث ذلك في باب التمتع والقران (وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر همزة أن وفتحها (أذن لأصحابه أن يجعلوها عمرة) الضمير للحج وأنثه باعتبار الحجة (يطوفوا) زاد في رواية أبي الوقت: بالبيت (ثم يقصروا) من شعر رؤوسهم (ويحلوا) من إحرامهم والعطف بثم والواو على يطوفوا ويحلوا بفتح أوله وكسر ثانيه من حل وزاد وأصيبوا النساء. قال عطاء: ولم يعزم عليهم ولكن أحلهن لهم (إلا من معه الهدي) فلا يحل (فقالوا): أي الصحابة (ننطلق إلى منى) بحذف همزة الاستفهام أي أننطلق إلى منى (وذكر أحدنا يقطر) بالمنيّ وهو من باب المبالغة أي أن الحل يفضي بنا إلى مجامعة النساء ثم نحرم بالحج عقب ذلك فنخرج وذكر أحدنا لقربه من الواقعة يقطر منيًا وحالة الحج تنافي الترفه وتناسب الشعث فكيف يكون ذلك، (فبلغ) ذلك الذي قالوه (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): زاد مسلم: قد علمتم أني أتقاكم لله عز وجل وأصدقكم وأبرّكم. (لو استقبلت من أمري ما استدبرت) أي وعلمت من أمري من الأول ما علمته في الآخر (ما أهديت) وأحللت والأمر الذي استدبره عليه الصلاة والسلام هو ما حصل لأصحابه من شقة انفرادهم عنه بالفسخ حتى أنهم توقفوا وترددوا وراجعوه (ولولا أن معي الهدي لأحللت) من إحرامي لأن من كان معه الهدي لا يحل حتى ينحره ولا ينحر إلا يوم النحر فلا يصح له فسخ الحج بعمرة وليس السبب في ذلك مجرّد سوق الهدي كما يقوله أبو حنيفة وأحمد ولو في التأسف على فوات الأمر في الدين، وأما حديث لو تفتح عمل الشيطان ففي حظوظ الدنيا. (وأن عائشة -رضي الله عنها-) بفتح همزة أن (حاضت) بسرف قبل دخولهم مكة (فنسكت المناسك) المتعلقة بالحج (كلها، غير أنها لم تطف) للعمرة لمانع الحيض زاد في غير رواية أبي ذر وابن عساكر: بالبيت أي ولم تسع بين الصفا والمروة وحذفه لأن السعي لا بد له من تقدم طواف عليه فيلزم من نفيه نفيه فاكتفى بنفي الطواف (قال: فلما طهرت) بعرفة كما في مسلم وله صبيحة ليلة عرفة حين قدموا منى وله أنها طهرت في منى وجمع بأنها رأت الطهر بعرفة ولم يتهيأ لها الاغتسال إلا في منى وطهرت بضم الهاء وفتحها، (وطافت) بالبيت طواف الإفاضة يوم النحر وسعت بين الصفا والمروة (قالت: يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتنطلقون بعمرة) منفردة عن حجة (وحجة) منفردة عن عمرة (وأنطلق بالحج)؟ من غير عمرة منفردة (فأمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما (أن يخرج معها إلى التنعيم) لتعتمر منه تطييبًا لقلبها (فاعتمرت) منه (بعد الحج في ذي الحجة) ليلة المحصب. (وأن سراقة بن مالك بن جعشم) بضم الجيم والشين المعجمة بينهما عين مهملة ساكنة وسراقة بضم السين المهملة وتخفيف الراء وبالقاف الكناني المدلجي (لقي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعقبة) ولغير أبي ذر وهو بالعقبة (وهو يرميها) جملة حالة أي وهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرمي جمرة العقبة (فقال): أي سراقة (ألكم هذه) الفعلة وهي فسخ الحج إلى العمرة أو القران أو العمرة في أشهر الحج (خاصة يا رسول الله) أي هل هي مخصوصة بكم في هذه السنة أو لكم ولغيركم أبدًا؟ (قال): عليه الصلاة والسلام مجيبًا له: (لا بل للأبد). وفي رواية جعفر عند مسلم فقام سراقة فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد فشبك أصابعه واحدة في الأخرى وقال: دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل للأبد أبدًا ومعناه كما قال النووي عند الجمهور أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إبطالاً لما كان عليه أهل الجاهلية، وقيل معناه جواز فسخ الحج إلى العمرة قال: وهو ضعيف. وتعقب بأن سياق السؤال يقوّي هذا التأويل بل الظاهر أن السؤال

7 - باب الاعتمار بعد الحج بغير هدي

وقع عن الفسخ وهو مذهب الحنابلة، بل قال المرداوي في كتابه الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف وهو شرح المقنع لشيخ الإسلام موفق الدين بن قدامة: إن فسخ القارن والمفرد حجهما إلى العمرة مستحب بشرطه نص عليه وعليه الأصحاب قاطبة. وقال: وهو من مفردات المذهب لكن المصنف أي ابن قدامة هنا ذكر الفسخ بعد الطواف والسعي وقطع به الخرقي، وقدمه الزركشي وقال: هذا ظاهر الأحاديث، وعن ابن عقيل الطواف بنية العمرة هو الفسخ وبه حصل رفض الإحرام لا غير قال: فهذا تحقيق فسخ الحج وما ينفسخ به. وقال في الكافي: يسن لهما إذا لم يكن معهما هدي أن يفسخا نيتهما بالحج وينويا عمرة مفردة ويحلا من إحرامهما بطواف وسعي وتقصير ليصيرا متمتعين. وقال في الانتصار: لو ادّعى مدّع وجوب الفسخ لم يبعد، وقال الشيخ تقي الدين: يجب على من اعتقد عدم مساغه أن يعتقده ولو ساق هديًا فهو على إحرامه لا يصح فسخه الحج إلى العمرة على الصحيح عندهم وحيث صح الفسخ لزم دم على الصحيح من مذهبهم نص عليه وعليه أكثر الأصحاب اهـ. وقال بعض الحنابلة: نحن نشهد الله أنا لو أحرمنا بحج لرأينا فرضًا فسخه إلى عمرة تفاديًا من غضب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذلك أن في السنن عن البراء بن عازب خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه فأحرمنا بالحج فلما قدمنا مكة قال اجعلوها عمرة فقال الناس: يا رسول الله قد أحرمنا بالحج فكيف نجعلها عمرة؟ قال "انظروا ما آمركم به فافعلوا" فردّدوا عليه القول فغضب الحديث. وقال سلمة بن شبيب لأحمد: كل أمرك عندي حسن إلا خلة واحدة فقال: وما هي؟ قال: تقول بفسخ الحج إلى العمرة. فقال: يا سلمة كنت أرى لك عقلاً. عندي في ذلك أحد عشر حديثًا صحاح عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتركها لقولك. وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء من السلف والخلف هو مختص بهم تلك السنة لا يجوز بعدها ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج. وفي حديث أبي ذر عند مسلم: كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاصة يعني فسخ الحج إلى العمرة. وعند النسائي عن الحرث بن بلال عن أبيه قال: يا رسول الله فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال: "لا بل لنا خاصة" وهذا لا يعارضه حديث سراقة لأن سبب الأمر بالفسخ ما كان إلا تقرير الشرع العمرة في أشهر الحج ما لم يكن مانع من سوق الهدي، وذلك أنه كان مستعظمًا عندهم حتى كانوا يعدونها في أشهر الحج من أفجر الفجور فكسر سورة ما استحكم في نفوسهم من الجاهلية من إنكاره بحملهم على فعله بأنفسهم، فلو لم يكن حديث بلال بن الحرث ثابتًا كما قال الإمام أحمد حيث قال: لا يثبت عندي ولا يعرف هذا الرجل كان حديث ابن عباس كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض الحديث صريحًا في كون سبب الأمر بالفسخ هو قصد محو ما استقر في نفوسهم في الجاهلية بتقرير الشرع بخلافه. وقال ابن المنير: ترجم على أن العمرة من التنعيم ثم ذكر حديث سراقة وليس فيه تعرض لميقات ولكن لأصل العمرة في أشهر الحج. وأجاب بأن وجه ذكره في الترجمة الرد على من لعله يزعم أن التنعيم كان خاصًا باعتمار عائشة حينئذٍ فقرر بحديث سراقة أنه غير خاص وأنه عام أبدًا. وحديث الباب أخرجه المؤلّف في التمني، وأبو داود في الحج. 7 - باب الاِعْتِمَارِ بَعْدَ الْحَجِّ بِغَيْرِ هَدْيٍ (باب الاعتمار بعد الحج) في أشهره (بغير هدي) يلزم المعتمر. 1786 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ -رضي الله عنها- قَالَتْ "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحَجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةِ فَلْيُهِلَّ، وَلَوْلاَ أَنِّي أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. فَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنْهُمْ مِنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَحِضْتُ قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكَّةَ، فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: دَعِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، فَفَعَلْتُ. فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَرْدَفَهَا، فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِهَا، فَقَضَى اللَّهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي شَىْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ وَلاَ صَدَقَةٌ وَلاَ صَوْمٌ". وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) الزمن قال: (حدّثنا يحيى) القطان قال: (حدّثنا هشام قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (قال أخبرتني عائشة -رضي الله عنها- قالت: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حجة الوداع حالة كوننا (موافين لهلال ذي الحجة) أي قرب طلوعه فقد مرّ أنها قالت: خرجنا لخمس بقين من ذي القعدة والخمس قريبة من آخر الشهر فوافاهم الهلال وهم في الطريق (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهم بسرف أو بعد الطواف كما مرّ قريبًا: (من أحب) منكم ممن لم يكن معه هدي

8 - باب أجر العمرة على قدر النصب

(أن يهل بعمرة) يدخلها على الحج (فيهل ومن أحب) منكم ممن معه هدي (أن يهل بحجة) يدخلها على العمرة (فليهل ولولا أني) وفي رواية أنني بزيادة نون ثانية (أهديت لأهللت بعمرة) قال في فتح الباري، وتبعه العيني، وفي رواية السرخسي لأحللت بالحاء المهملة أي بحج. (فمنهم) أي من الصحابة (من) كان (أهل) من الميقات (بعمرة ومنهم من أهل بحجة) ومنهم من قرن. قالت عائشة -رضي الله عنها-: (وكنت ممن أهل بعمرة) الذي رواه الأكثرون عنها أنها أحرمت أولاً بالحج فتحمل رواية عروة على آخر أمرها (فحضت) بسرف (قبل أن أدخل مكة فأدركني) أي قرب مني (يوم عرفة وأنا حائض فشكوت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم التروية كما في مسلم، ولأبي ذر: فشكوت ذلك إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) (دعي عمرتك) أي أعمالها (وانقضي رأسك) بحل ضفائر شعره (وامتشطي) سرحيه بالمشط (وأهلي) يوم التروية (بالحج) قالت (ففعلت) ما أمرني به عليه الصلاة والسلام. (فلما كانت ليلة الحصبة أرسل معي عبد الرحمن إلى التنعيم فأردفها) فيه التفات لأن الأصل أن يقال فأردفني أي أركبها خلفه على الراحلة (فأهلت بعمرة) من التنعيم (مكان عمرتها) التي أرادت أن تكون منفردة عن حجتها (فقضى الله حجها وعمرتها ولم يكن في شيء من ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم) وهذا الكلام مدرج من قول هشام كما مرّ في الحيض ولعله نفى ذلك بحسب علمه ولا يلزم من ذلك نفيه في نفس الأمر وحال عائشة لا يخلو من أمرين: إما أن تكون قارنة، أو متمتعة وعليهما فلا بدّ من الهدي وقد ثبت أنها روت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضحى عن نسائه بالبقر وفي مسلم أنه أهدى عنها، فيحتمل أن يكون قوله لم يكن في ذلك هدي أي لم تتكلف له بل قام به عنها وحمله ابن خزيمة على أنه ليس في تركها لعمل العمرة الأولى وإدراجها لها في الحج ولا في عمرتها التي اعتمرتها من التنعيم أيضًا شيء. قال في فتح الباري: وهو حسن والله أعلم. 8 - باب أَجْرِ الْعُمْرَةِ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ (باب أجر العمرة) بالإضافة ولأبي ذر: باب بالتنوين أجر العمرة (على قدر النصب) بفتح النون والمهملة التعب. 1787 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَعَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ، قَالاَ "قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ؟ فَقِيلَ لَهَا: انْتَظِرِي، فَإِذَا طَهُرْتِ فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي، ثُمَّ ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا، وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أَوْ نَصَبِكِ". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) العبسي البصري قال: (حدّثنا ابن عون) هو عبد الله بن عون بن أرطبان البصري (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- (وعن ابن عون) المذكور (عن إبراهيم عن الأسود) النخعيين (قالا): أي القاسم والأسود (قالت عائشة -رضي الله عنها-: يا رسول الله يصدر الناس) أي يرجعون (بنسكين) حجة منفردة عن عمرة وعمرة منفردة عن حجة (وأصدر) وأرجع أنا (بنسك) بحجة غير منفردة لأنها أولاً كانت قارنة (فقيل لها): أي قال لها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (انتظري فإذا طهرت) من الحيض بضم الهاء وفتحها (فاخرجي إلى التنعيم) أي مع عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (فأهلي) أي بعمرة منه (ثم ائتيا بمكان كذا) أي بالأبطح وهو المحصب (ولكنها) عمرتك (على قدر نفقتك أو نصبك) تعبك لا في إنفاق المال في الطاعات من الفضل وقمع النفس عن شهواتها من المشقّة وقد وعد الله الصابرين أن يوفيهم أجرهم بغير حساب، لكن قال الشيخ عز الدّين بن عبد السلام. إن هذا ليس بمطرد فقد يكون بعض العبادات أخف من بعض وهي أكثر فضلاً بالنسبة إلى الزمان كقيام ليلة القدر بالنسبة لقيام ليال من رمضان غيرها، وبالنسبة للمكان كصلاة ركعتين بالمسجد الحرام بالنسبة لصلاة ركعات في غيره. وأجيب: بأن الذي ذكره لا يمنع الاطراد لأن كثرة الحاصلة فيما ذكره ليست من ذاتها وإنما هي بحسب ما يعرض لها من الأمور المذكورة وأو في قوله أو نصبك إما للشك، ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق أحمد بن منيع عن إسماعيل ما يؤيد ذلك ولفظه: على قدر نصبك أو تعبك، وفي رواية له على قدر نفقتك أو نصبك -أو كما قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- وإما للتنويع في كلامه عليه الصلاة

9 - باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع؟

والسلام، ووقع عند الدارقطني والحاكم ما يؤيده ولفظه: إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك بواو العطف، وقد استدلّ بظاهر هذا الحديث على أن الاعتمار لمن كان بمكة من جهة الحل القريبة أقل أجرًا من جهة الحل البعيدة وهذا ليس بشيء لأن الجعرانة والحديبية مسافتهما إلى مكة واحدة ستة فراسخ والتنعيم مسافته إليها فرسخ واحد فهو أقرب إليها منهما، وقد قال الشافعي: أفضل بقاع الحل للاعتمار الجعرانة لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحرم منها، ثم التنعيم لأنه أذن لعائشة قال: وإذا تنحى عن هذين الموضعين فأين أبعد حتى يكون أكثر لسفره كان أحب إلي اهـ. 9 - باب الْمُعْتَمِرِ إِذَا طَافَ طَوَافَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ خَرَجَ هَلْ يُجْزِئُهُ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ؟ (باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع)؟. 1788 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "خَرَجْنَا مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحُرُمِ الْحَجِّ، فَنَزَلْنَا سَرِفَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَصْحَابِهِ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلاَ. وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ذَوِي قُوَّةٍ الْهَدْيُ فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ عُمْرَةً. فَدَخَلَ عَلَىَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ قُلْتُ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ لأَصْحَابِكَ مَا قُلْتَ، فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ. قَالَ: وَمَا شَأْنُكِ؟ قُلْتُ: لاَ أُصَلِّي. قَالَ: فَلاَ يَضُرَّكِ، أَنْتِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كُتِبَ عَلَيْكِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِهَا: قَالَتْ: فَكُنْتُ حَتَّى نَفَرْنَا مِنْ مِنًى فَنَزَلْنَا الْمُحَصَّبَ، فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: اخْرُجْ بِأُخْتِكَ الْحَرَمَ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ افْرُغَا مِنْ طَوَافِكُمَا، أَنْتَظِرْكُمَا هَا هُنَا. فَأَتَيْنَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: فَرَغْتُمَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَنَادَى بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ، وَمَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ خَرَجَ مُوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضيل بن دكين قال: (حدّثنا أفلح بن حميد) بالفاء الأنصاري المدني البخاري يقال له ابن صفيرًا (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: خرجنا) حال كوننا (مهلين) ولأبي ذر: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مهلين (بالحج في أشهر الحج وحرم الحج) بضم الحاء والراء الحالات والأماكن والأوقات التي للحج (فنزلنا سرف) بفتح السين المهملة وكسر الراء آخره فاء وحذف الموحدة، ولأبوي ذر والوقت: بسرف، ولابن عساكر: فنزلنا منزلاً (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه): (من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها) أي حجته (عمرة فليفعل ومن كان معه هدي فلا) يفسخ الحج إلى العمرة وفي غير هذه الرواية أن قوله عليه الصلاة والسلام لهم ذلك كان بعد دخوله مكة فيحتمل التعدد والعزيمة وقعت أخيرًا كما مرّ قريبًا (وكان مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورجال) بالجر عطفًا على المجرور (من أصحابه ذوي قوة الهدي) بالرفع اسم كان (فلم تكن لهم عمرة) مستقلة لأنهم كانوا قارنين وعمرة بالنصب خبر كان (فدخل على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم التروية كما في مسلم (وأنا أبكي) جملة حالية (فقال: (ما يبكيك)؟ قلت سمعتك تقول لأصحابك ما قلت فمنعت العمرة) بضم الميم مبنيًا للمفعول والعمرة نصب بنزع الخافض أي من العمرة (قال: (وما شأنك)؟ قلت: لا أصلي) لمانع الحيض وهو من ألطف الكنايات (قال): (فلا يضرك) بضم المعجمة وتشديد الراء أو بكسر الضاد وسكون الراء ولم يضبط ذلك في اليونينية ولا فرعها (أنت من بنات آدم كتب عليك) بضم كاف كتب مبنيًا للمفعول، ولأبي ذر: كتب الله عليك (ما كتب عليهن) من الحيض وغيره (فكوني في حجتك) بتاء التأنيث، ولأبي الوقت: في حجك. وعزاها في الفتح لأبي ذر (عسى الله أن يرزقكها) أي العمرة (قالت: فكنت) في حجي كما أمرني عليه الصلاة والسلام (حتى نفرنا من منى فنزلنا المحصب) وهو الأبطح أي بعد أن طهرت من الحيض وطافت للإفاضة (فدعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عبد الرحمن) بن أبي بكر الصديق (فقال اخرج بأختك الحرم) أي من الحرم فنصبه على نزع الخافض. قال في الفتح وللكشميهني: من الحرم قال وهو أوضح والمراد الإخراج من أرض الحرم إلى الحل (فلتهل بعمرة) من التنعيم (ثم أفرغا من طوافكما) فارجعا فإني (أنتظركما هاهنا) يعني المحصب قالت عائشة (فأتينا) أي بعد أن فرغنا من الاعتمار وتحللنا (في جوف الليل) إلى المحصب، وللإسماعيلي من آخر الليل وهو أوفق ببقية الروايات، وهذا لا تخالفه الرواية السابقة فلقيته مصعدًا وأنا منهبطة أو العكس لأنه كان خرج بعد ذهابها ليطوف للوداع فلقيها وهو صادر بعد الطواف وهي راحلة لطواف عمرتهما، ثم لقيته بعد ذلك وهو بمنزله بالمحصب. ويحتمل أن لقاءه لها كان حين انتقل من المحصب كما عند عبد الرزاق أنه كره أن يقتدي الناس بإناخته بالبطحاء فرحل حتى أناخ على ظهر العقبة أو من ورائها ينتظرها، فيحتمل أن يكون لقاؤه لها في هذا الرحيل وأنه المكان الذي عينه لها في رواية الأسود حيث قال لها: موعدك مكان كذا وكذا قال في الفتح وهذا تأويل حسن. (فقال): عليه الصلاة والسلام (فرغتما) من

10 - باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج

عمرتكما؟ قالت (قلت: نعم). فرغنا (فنادى بالرحيل في أصحابه فارتحل الناس ومن طاف بالبيت قبل صلاة الصبح) طواف الوداع وهذا من عطف الخاص على العام لأن الناس أعم من الطائفين ومن الذين لا طواف وداع عليهم كالحائض أو هو صفة للناس، ويجوز توسط العاطف بين الصفة والموصوف لتأكيد لصوقها بالموصوف نحو: {إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض} [الأنفال: 49] قال: سيبويه: هو مثل مررت بزيد وصاحبك إذا أردت بصاحبك زيد، وقال الزمخشري في قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4] جملة واقعة صفة لقرية والقياس أن لا تتوسط الواو بينهما كما في قوله: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ} [الشعراء: 208] وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف كما يقال في الحال: جاءني زيد عليه ثوب وجاءني وعليه ثوب. اهـ. وتعقبه أبو حيان فقال: وافقه على ذلك أبو البقاء قال: وهذا الذي قاله الزمخشري وتبعه فيه أبو البقاء لا نعلم أحدًا قاله من النحويين وهو مبني على أن ما بعد إلا يجوز أن يكون صفة وهم قد منعوا ذلك. قال الأخفش: لا يفصل بين الصفة والموصوف بالإثم قال: ونحو ما جاءني رجل إلا راكب تقديره إلا رجل راكب وفيه قبح لجعل الصفة كالاسم، وقال أبو علي الفارسي تقول: ما مررت بأحد إلا قائمًا قائمًا حال من أحد ولا يجوز إلا قائم لأن إلا لا تعترض بين الصفة والموصوف. وقال ابن مالك: وقد ذكر ما ذهب إليه الزمخشري من قوله في نحو ما مررت بأحد إلا زيد خير منه أن الجملة بعد إلا صفة لأحد إنه مذهب لم يعرف لبصري ولا كوفي فلا يلتفت إليه اهـ. قال الحافظ ابن حجر: وهذا كله مبني على صحة هذا السياق والذي يغلب عندي أنه وقع فيه تحريف، والصواب فارتحل الناس ثم طاف بالبيت الخ. وكذا وقع عند أبي داود من طريق أبي بكر الحنفي عن أفلح بلفظ فأذن في أصحابه بالرحيل فارتحل فأمر بالبيت قبل صلاة الصبح فطاف به حتى خرج ثم انصرف متوجهًا إلى المدينة، ولمسلم: فأذن في أصحابه بالرحيل فخرج فمرّ بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح، فيحتمل أنه أعاد الوداع لما رجع من الأبطح. (ثم خرج) عليه الصلاة والسلام (موجهًا إلى المدينة) بضم الميم وفتح الواو وتشديد الجيم المكسورة كما في الفرع وغيره، ولابن عساكر: متوجهًا بزيادة تاء كما في اليونينية أيضًا فالأولى من التوجيه وهو الاستقبال تلقاء وجهه والثانية من التوجه من باب التفعل. وموضع الترجمة فلتهل بعمرة الخ من حيث كونه اكتفى فيه بطواف العمرة عن طواف الوداع. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا ومسلم في الحج وكذا النسائي. 10 - باب يَفْعَلُ فِي الْعُمْرَةِ مَا يَفْعَلُ فِي الْحَجِّ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه أن الرجل (يفعل في العمرة) من التروك (ما يفعل في الحج) أو يفعل فيها بعض ما يفعل فيه، وللحموي وللكشميهني: بالعمرة، وللحموي والمستملي: بالحج بالموحدة فيما بدل في. 1789 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَالَ حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ يَعْنِي عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْخَلُوقِ -أَوْ قَالَ صُفْرَةٍ- فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسُتِرَ بِثَوْبٍ، وَوَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ. فَقَالَ عُمَرُ: تَعَالَ، أَيَسُرُّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ الْوَحْيَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَرَفَعَ طَرَفَ الثَّوْبِ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ لَهُ غَطِيطٌ -وَأَحْسِبُهُ قَالَ: كَغَطِيطِ الْبَكْرِ- فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْعُمْرَةِ؟ اخْلَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ أَثَرَ الْخَلُوقِ عَنْكَ وَأَنْقِ الصُّفْرَةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكِ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى البصري قال: (حدّثنا عطاء) هو ابن أبي رباح (قال: حدثني) بالإفراد (صفوان بن يعلى بن أمية) المكي زاد في غير رواية أبي ذر (يعني عن أبيه) يعلى بن أمية بن أبي عبيدة بن همام التميمي حليف قريش وهو يعلى ابن منية بضم الميم وسكون النون بعدها مثناة تحتية مفتوحة وهي أمه صحابي مشهور (أن رجلاً) قيل هو عطاء ابن منية أخو يعلى الراوي (أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو بالجعرانة) بسكون العين (وعليه جبة وعليه أثر الخلوق) بفتح الخاء المعجمة وتخفيف اللام المضمومة ضرب من الطيب (أو قال صفرة) بالجر عطفًا على المضاف إليه وبالرفع عطفًا على المضاف والشك من الراوي (فقال: كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي فأنزل الله) عز وجل (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] كما رواه الطبراني في الأوسط والإتمام يتناول الهيئات والصفات (فستر) عليه الصلاة والسلام (بثوب ووددت) بواو العطف وكسر الدال الأولى وفي بعض الأصول بإسقاط الواو (أني قد رأيت النبي

11 - باب متى يحل المعتمر؟

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد أنزل عليه الوحي) بضم همزة أنزل مبنيًّا للمفعول والوحي بالرفع نائب الفاعل (فقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (تعال أيسرك) بهمزة الاستفهام المفتوحة وفتح الياء التحتية وضم السين المهملة (أن تنظر إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد أنزل الله عليه الوحي)؟ بنصب الوحي على المفعولية، والجملة في موضع الحال، ولغير أبي ذر: إليه الوحي بالرفع نائب عن الفاعل وأنزل بضم الهمزة مبنيًا للمفعول وإليه بالهمزة بدل عليه بالعين والذي في اليونينية أنزل بفتح الهمزة الله الوحي، ولأبي الوقت: أنزل بفتح الهمزة أيضًا الله عليه الوحي فزاد لفظة عليه. (قلت: نعم)، يسرني (فرفع طرف الثوب) عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فنظرت إليه) زاده الله شرفًا لديه (له غطيط) -بفتح الغين المعجمة نخير وصوت فيه بحوحة (وأحسبه): أي أظنه (قال: كغطيط البكر) - بفتح الموحدة وسكون الكاف الفتيّ من الإبل (فلما سرّي) بضم السين المهملة وتشديد الراء المكسورة وتخفيفها أي كشف (عنه) عليه الصلاة والسلام (قال): (أين السائل عن العمرة؟ اخلع عنك الجبة، واغسل أثر الخلوق) الطيب (عنك وأنق الصفرة)، بهمزة قطع مفتوحة وسكون النون من الإنقاء، ولأبي ذر عن المستملي: واتق بهمزة وصل ومثناة فوقية مشددة من الاتقاء أي احذر الصفرة (واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك) أي كصنعك في حجك من اجتناب المحرمات ومن أعمال الحج إلا الوقوف فلا وقوف فيها ولا رمي وأركانها أربعة: الإحرام والطواف والسعي والحلق أو التقصير، وهو موضع الترجمة وسبق الحديث في باب: غسل الخلوق في أوائل أبواب الحج. 1790 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ "قُلْتُ لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ- أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فَلاَ أُرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَلاَّ، لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ كَانَتْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا، إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الأَنْصَارِ، كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ، وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. زَادَ سُفْيَانُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ "مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ امْرِئٍ وَلاَ عُمْرَتَهُ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ". وبه قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) إمام الأئمة (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (أنه قال: قلت لعائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا يومئذ حديث السن) لم يكن لي فقه ولا علم بالسنن مما يتأول به نص الكتاب والسنة (أرأيت قول الله تعالى: ((إن الصفا والمروة من شعائر الله}) جمع شعيرة وهي العلامة أي من أعلام مناسكه ({فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما}) [البقرة: 158] (فلا أرى) بضم الهمزة أي فلا أظن ولأبي ذر: أرى بفتحها (على أحد شيئًا أن لا يطوّف بهما) بتشديد الطاء والواو المفتوحتين، ولأبي ذر عن الكشميهني بينهما (فقالت): ولابن عساكر قالت: (عائشة كلا) ليس الأمر كذلك (لو كانت) ولأبي ذر عن الكشميهني: كان: (كما تقول) من عدم وجوب السعي (كانت فلا جناح عليه أن لا يطوّف بهما إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة) بفتح الميم وتخفيف النون اسم صنم (وكانت مناة حذو) أي محاذية (قديد)، بضم القاف موضع بين مكة والمدينة (وكانوا) أي الأنصار (يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة) يتحرزون من الإثم الذي في الطواف باعتقادهم أو يتحرزون عنه لأجل الطواف أو يتكلفون الحرج في الطواف ويرونه فيه (فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك فأنزل الله تعالى: ({إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما}) [البقرة: 158] (زاد سفيان) أي ابن عيينة كما قال الكرماني: وقال غيره الثوري مما وصله الطبري (وأبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين الضرير مما وصله مسلم كلاهما (عن هشام) هو ابن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-: (ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته ما لم يطف بين الصفا والمروة) والله أعلم. 11 - باب مَتَى يَحِلُّ الْمُعْتَمِرُ؟ وَقَالَ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-: "أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً وَيَطُوفُوا، ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا". هذا (باب) بالتنوين (متى يحل المعتمر؟) من إحرامه (وقال عطاء) مما وصله المؤلّف في باب: تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت (عن جابر -رضي الله عنه- أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه) الذين كانوا معه في حجة الوداع (أن يجعلوها) أي الحجة (عمرة ويطوفوا) بضم الطاء وسكون الواو بالبيت وبين الصفا والمروة (ثم يقصروا) من شعر رؤوسهم (ويحلوا) بفتح أوله وكسر ثانيه. 1791 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ "اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاعْتَمَرْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَطُفْنَا مَعَهُ، وَأَتَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَأَتَيْنَاهَا مَعَهُ، وَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَرْمِيَهُ أَحَدٌ. فَقَالَ لَهُ صَاحِبٌ لِي: أَكَانَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ؟ قَالَ لاَ". وبالسند قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) هو ابن راهويه (عن

جرير) بن عبد المجيد (عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي البجلي الكوفي (عن عبد الله بن أبي أوفى) علقمة أنه (قال): (اعتمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عمرة القضاء (واعتمرنا معه فلما دخل مكة طاف) بالبيت (وطفنا) بالواو، ولأبي الوقت: فطفنا (معه وأتى الصفا والمروة) فسعى بينهما (وأتيناها) بإفراد الضمير أي أتينا بقعة الصفا والمروة، ولأبي ذر عن الكشميهني: وأتيناهما بالتثنية أي الصفا والمروة (معه وكنا نستره من أهل مكة) المشركين مخافة (أن يرميه أحد) منهم. وفي عمرة القضية سترناه من غلمان المشركين ومنهم أن يؤذوه قال إسماعيل بن أبي خالد (فقال له): أي لعبد الله بن أبي أوفى (صاحب لي) لم يسم (أكان) عليه الصلاة والسلام (دخل الكعبة قال): ابن أبي أوفى: (لا) لم يدخلها في تلك العمرة (قال): أي الصاحب المذكور لابن أبي أوفى. 1792 - قَالَ فَحَدِّثْنَا مَا قَالَ لِخَدِيجَةَ قَالَ «بَشِّرُوا خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ». [الحديث 1792 - طرفه في: 3819]. (فحدّثنا) بلفظ الأمر (ما قال) عليه الصلاة والسلام (لخديجة) بنت خويلد زوجته عليه الصلاة والسلام (قال): (بشروا خديجة ببيت من الجنة) ولأبي ذر "في" بدل "من" (من قصب) بفتح القاف والصاد المهملة بعدها موحدة. ووقع في حديث عند الطبراني في الأوسط تفسيره من طريق ابن أبي أوفى بلفظ: يعني من قصب اللؤلؤ، وعنده في الكبير من حديث أبي هريرة ببيت من لؤلؤة مجوّفة، وعنده في الأوسط في حديث فاطمة قالت: قلت يا رسول الله أين أمي خديجة؟ قال: "في بيت من قصب" قلت أمن هذا القصب؟ قال: "لا من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت". فإن قلت: ما النكتة في قوله من قصب ولم يقل من لؤلؤ؟ أجيب: بأن في لفظ القصب مناسبة لكونها أحرزت قصب السبق لمبادرتها إلى الإيمان دون غيرها. فإن قلت: لم قال ببيت ولم يقل بقصر والقصر أعلى وأشرف؟ أجيب: بأنها لما كانت ربة بيت قبل المبعث ثم صارت ربة بيت في الإسلام منفردة به فلم يكن على وجه الأرض في أوّل يوم بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيت إسلام إلا بيتها وهي فضيلة ما شاركها فيها غيرها وجزاء الفعل يذكر غالبًا بلفظه وإن كان أشرف منه قصدًا للمشاكلة ومقابلة اللفظ باللفظ، فلهذا جاء الحديث بلفظ البيت دون ذكر القصر. (لا صخب فيه) بفتح المهملة والمعجمة والموحدة أي لا صياح إذ ما من بيت في الدنيا يجتمع فيه أهله إلا وفيه صياح وجلبة (ولا نصب) بفتح النون والمهملة والموحدة ولا تعب لأن قصور الجنة ليس فيها شيء من ذلك. قال السهيلي: مناسبة نفي هاتين الصفتين أنه عليه الصلاة والسلام لما دعا إلى الإيمان أجابت خديجة طوعًا فلم تحوجه إلى رفع صوت ولا منازعة ولا تعب في ذلك، بل أزالت عنه كل نصب وآنسته من كل وحشة وهونت عليه كل عسير فناسب أن يكون منزلها الذي بشرها به ربها بالصفة المقابلة لذلك. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الحج وفي المغازي، وكذا أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة. 1793 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ "سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَةٍ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا، وَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ". وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير القرشي الأسدي المكي (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو بن دينار قال: سألنا ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رجل طاف بالبيت) سقط قوله بالبيت في رواية أبوي ذر والوقت (في عمرة) ولأبي ذر: في عمرته (ولم يطف بين الصفا والمروة، أيأتي امرأته)؟ أي: أيجامعها والهمزة للاستفهام (فقال) ابن عمر: (قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فطاف بالبيت سبعًا وصلّى خلف المقام ركعتين وطاف بين الصفا والمروة سبعًا، وَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] بكسر الهمزة وضمها وفيه الرد على من قال إنه يحل من جميع ما حرم عليه بمجرد الطواف وهو مروى عن ابن عباس. 1794 - قَالَ وَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- فَقَالَ "لاَ يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ". (قال): عمرو بن دينار (وسألنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما) أي عما سألنا عنه ابن عمر (فقال): (لا يقربنها) بنون التوكيد بجماع ولا بمقدماته (حتى يطوف بين الصفا والمروة) أي يسعى بينهما وإطلاق الطواف على السعي إما للمشاكلة وإما لكونه نوعًا من الطواف. 1795 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ "قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَطْحَاءِ وَهُوَ مُنِيخٌ فَقَالَ: أَحَجَجْتَ؟ قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ: بِمَا أَهْلَلْتَ؟ قُلْتُ لَبَّيْكَ بِإِهْلاَلٍ كَإِهْلاَلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَحْسَنْتَ، طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَحِلَّ. فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَيْسٍ فَفَلَتْ رَأْسِي، ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ، فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ. حَتَّى كَانَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ فَقَالَ: إِنْ أَخَذْنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ، وَإِنْ أَخَذْنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ". وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي الوقت حدثني (محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة الملقب ببندار العبدي البصري قال: (حدّثنا

غندر) بضم الغين المعجمة وسكون النون منصرف محمد بن جعفر البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قيس بن مسلم) بضم الميم وسكون السين الجدلي بفتح الجيم الكوفي (عن طارق بن شهاب) الأحمسي الكوفي (عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالبطحاء) بطحاء مكة (وهو منيخ) راحلته بضم الميم وكسر النون وسكون التحتية آخره خاء معجمة وهو كناية عن النزول بالبطحاء (فقال): عليه الصلاة والسلام: (أحججت)؟ أي هل أحرمت بالحج أو نويته؟ (قلت: نعم قال: بما أهللت؟ قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (قال): (أحسنت)، زاد في باب: من أحرم في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: هل معك من هدي؟ قلت: لا: قال: طف بالبيت وبالصف والمروة ثم أحل من أحرمك بفتح الهمزة وكسر الحاء وهذا موضع الترجمة فإنه يقتضي تأخره عن السعي. قال أبو موسى: (فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من قيس) لم تسم (ففلت رأسي) بفتح الفاءين واللام المخففة بوزن رمت أي فتشته واستخرجت القمل منه (ثم أهللت بالحج) يوم التروية (فكنت أفتي به) أي الناس (حتى كان في خلافة عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- زاد مسلم فقال له رجل: يا أبا موسى -أو يا أبا عبد الله بن قيس- رويدك بعض فتباك فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعد، فقال: يا أيها الناس من كنا أفتيناه فتيًا فليتئد فإن أمير المؤمنين قادم عليكم فائتموا به قال: فقدم عمر فذكرت له ذلك (فقال: إن أخذنا بكتاب الله فإنّه يأمرنا بالتمام) لأفعالهما بعد الشروع فيهما (وإن أخذنا بقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه لم يحل) من إحرامه (حتى يبلغ الهدي محله) بكسر الحاء المهملة وهو نحره يوم النحر بمنى، وللكشميهني: فإنه يأمر بإسقاط ضمير المفعول حتى بلغ بلفظ الماضي والذي أنكره عمر المتعة التي هي الاعتمار في شهر الحج ثم الحج من عامه كما قاله النووي قال: ثم انعقد الإجماع على جوازه من غير كراهة. 1796 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَهُ "أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ تَقُولُ كُلَّمَا مَرَّتْ بِالْحَجُونِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ، لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ هَا هُنَا وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ خِفَافٌ، قَلِيلٌ ظَهْرُنَا، قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا. فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ وَالزُّبَيْرُ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَهْلَلْنَا مِنَ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ". وبه قال: (حدّثنا أحمد) غير منسوب قال الحافظ ابن حجر: وفي رواية كريمة حدّثنا أحمد بن عيسى، وفي رواية أبي ذر: حدّثنا أحمد بن صالح والأول هو التستري المصري الأصل والثاني هو ابن الطبري قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله قال: (أخبرنا عمرو) بفتح العين هو ابن الحرث (عن أبي الأسود) محمد بن عبد الرحمن المشهور بيتيم عروة بن الزبير (أن عبد الله) بن كيسان (مولى أسماء بنت أبي بكر) الصديق -رضي الله عنهما- (حدثه أنه كان يسمع أسماء تقول كلما مرّت بالحجون) بفتح الحاء وضم الجيم المخففة وسكون الواو وآخره نون. قال التقي الفاسي في تاريخ البلد الحرام: هو جبل بالمعلى مقبرة آهل مكة على يسار الداخل إلى مكة ويمين الخارج منها إلى منى على مقتضى ما ذكر الأزرقي والفاكهي في تعريفه لأنهما ذكراه في شق معلى مكة اليماني وهو الجهة التي ذكرناها، وإذا كان كذلك فهو يخالف ما يقوله الناس من أن الحجون الثنية التي يهبط منها إلى مقبرة المعلى، وكلام المحب الطبري يوافق ما يقوله الناس وكنت قلدته في ذلك ثم ظهر لي أن ما قاله الأزرقي والفاكهي أولى لأنهما بذلك أدرى، وقد وافقهما على ذلك إسحاق الخزاعي راوي تاريخ الأزرقي، ولعل الحجون على مقتضى قول الأزرقي والفاكهي والخزاعي الجبل الذي يقال فيه قبر ابن عمر أو الجبل المقابل له الذي بينهما الشعب المعروف بشعب الجرّارين اهـ. ومقول قول أسماء (صلّى الله على محمد) ولأبي ذر: على رسوله محمد (لقد نزلنا معه هاهنا ونحن يومئذ خفاف) بكسر الخاء المعجمة جمع خفيف ولمسلم خفاف الحقائب جمع حقيبة بفتح المهملة وبالقاف والموحدة ما احتقب الراكب خلفه من حوائجه في موضع الرديف (قليل ظهرنا) أي مراكبنا (قليلة أزوادنا فاعتمرت أنا وأختي عائشة) أي بعد أن فسخنا الحج إلى العمرة (والزبير) بن العوام (وفلان وفلان) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تعيينهما وكأنها سمت

12 - باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو؟

بعض من عرفته ممن لم يسق الهدي (فلما مسحنا البيت) أي مسحنا بركنه وكنت بذلك عن الطواف إذ هو من لوازم المسح عليه عادة والمراد غير عائشة لأنها كانت حائضًا (أحللنا) أي بعد السعي وحذف اختصارًا فلا حجة فيه لمن لم يوجب السعي لأن أسماء أخبرت أن ذلك كان في حجة الوداع. وقد جاء من طرق أخرى صحيحة أنهم طافوا معه وسعوا فيحمل ما أجمل على ما بين ولم يذكر الحلق ولا التقصير فاستدلّ به على أنه استباحة محظور. وأجيب: بأن عدم ذكره هنا لا يلزم منه ترك فعله فإن القصة واحدة، وقد ثبت الأمر بالتقصير في عدة أحاديث وهذا كقوله: لما زنى فلان رجم، والتقدير لما أحصن وزنى رجم. فإن قلت في مسلم وكان مع الزبير هدي فلم يحل وهو مغاير لا هنا لذكرها الزبير مع من أحل. أجاب النووي: بأن إحرام الزبير بالعمرة وتحلله منها كان في غير حجة الوداع (ثم أهللنا من العشي بالحج). وهذا الحديث أخرجه مسلم في الحج أيضًا. 12 - باب مَا يَقُولُ إِذَا رَجَعَ مِنَ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ أَوِ الْغَزْوِ؟ باب ما يقول إذا رجع من الحج أو العمرة أو الغزو. 1797 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأَرْضِ ثَلاَثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ. آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ. صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ". [الحديث 1797 - أطرافه في: 2995، 3084، 4116، 6385]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا قفل) رجع (من غزو أو حج أو عمرة يكبر) الله تعالى (على كل شرف) بفتحتين مكان عال (من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) قال القرطبي في تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه التفرد بإيجاد جميع الموجودات وأنه المعبود في جميع الأماكن (آيبون) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي نحن آيبون جمع آيب أي راجع وزنه، ومعناه أي راجعون إلى الله. وليس المراد الإخبار بمحض الرجوع فإنه تحصيل الحاصل بل الرجوع في حالة مخصوصة وهي تلبسهم بالعبادة الخصوصة والاتصاف بالأوصاف المذكور (تائبون) من التوبة وهي الرجوع عما هو مذموم شرعًا إلى ما هو محمود شرعًا وفيه إشارة إلى التقصير في العبادة قاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على سبيل التواضع أو تعليمًا لأمته (عابدون ساجدون لربنا حامدون) كلها رفع بتقدير نحن والجار والمجرور متعلق بساجدون أو بسائر الصفات على طريق التنازع (صدق الله وعده) فيما وعد به من إظهار دينه بقوله تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً} [الفتح: 20] وقوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور: 55] الآية، وهذا في الغزو ومناسبته للحج قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ} [الفتح: 27] (ونصر عبده) محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وهزم الأحزاب) يوم الأحزاب أو أحزاب الكفر في جميع الأيام والمواطن (وحده) من غير فعل أحد من الآدميين، ويحتمل أن يكون خبرًا بمعنى الدعاء أي اللهم أهزم الأحزاب والأول أظهر، وظاهر قوله من غزو أو حج أو عمرة اختصاصه بها والذي عليه الجمهور أنه يشرع في كل سفر طاعة كطلب علم، وقيل يتعدى إلى المباح لأن المسافر فيه لا ثواب له فلا يمتنع عليه ما يحصل له الثواب، وقيل يشرع في سفر المعصية أيضًا لأن مرتكب المعصية أحوج إلى تحصيل الثواب من غيره وتعقب بأن الذي يخصه بسفر الطاعة لا يمنع المسافر في مباح ولا معصية من الإكثار من ذكر الله تعالى وإنما النزاع في خصوص هذا الذكر في هذا الوقت المخصوص فخصه قوم به كما يختص الذكر المأثور عقب الأذان والصلاة اهـ. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الدعوات، ومسلم في الحج، وأبو داود في الجهاد، والنسائي في السير. 13 - باب اسْتِقْبَالِ الْحَاجِّ الْقَادِمِينَ، وَالثَّلاَثَةِ عَلَى الدَّابَّةِ (باب استقبال الحاج القادمين) إلى مكة بكسر الميم وفتح النون بصيغة الجمع صفة للحاج لإطلاقه على المفرد والجمع مجازًا واتساعًا كقوله تعالى: {سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67] قال في الكشاف مما قرأته فيه: والسامر نحو الحاضر في الإطلاق على الجمع واستقبال مصدر مضاف إلى مفعوله، ولأبي ذر: القادمين بفتح الميم بصيغة التثنية (والثلاثة) بالجر كما في بعض الأصول عطفًا على استقبال أي واستقبال الثلاثة، وفي اليونينية

14 - باب القدوم بالغداة

والثلاثة بالنصب أي واستقبال الحاج الثلاثة حال كونهم (على الدابة) والاستقبال يكون من الطرفين لأن من استقبلك فقد استقبلته، ولابن عساكر: باب استقبال الحاج الغلامين بإضافة الاستقبال إلى الحاج والغلامين مفعوله أو استقبال مضاف إلى الغلامين والحاج نصب على المفعولية كقراءة ابن عامر بالفصل بين المضافين بالمفعول في قوله تعالى في سورة الأنعام {قتل} برفع اللام على ما لم يسم فاعله {أولادهم} بالنصب على المفعول بالمصدر {شركائهم} [الأنعام: 137] بالخفض على إضافة المصدر إليه المذكور توجيهه في كتاب القراءات الأربع عشرة مما جمعته والثلاثة بالنصب عطف على الغلامين لكن لا أعرف نصب الحاج في رواية. 1798 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ اسْتَقْبَلَتْهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلْفَهُ". [الحديث 1798 - طرفاه في: 5965، 5966]. وبالسند قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بضم الميم وفتح العين واللام المشددة العمي أخو بهز بن أسد البصري قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال): (لما قدم النبي) ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة) في الفتح (استقبله أغيلمة بني عبد المطلب) بضم الهمزة من أغيلمة وفتح الغين المعجمة. قال في الصحاح: الغلام معروف وتصغيره غليم والجمع غلمة وغلمان واستغنوا بغلمة عن أغلمة وتصغير الغلمة أغيلمة على غير مكبره كأنهم صغروا أغلمة وإن كانوا لم يقولوه كما قالوا أصيبيه في تصغير صبية وبعضهم يقول غليمة على القياس. وقال في القاموس: الغلام الطارّ الشارب والكهل ضد أو من حين يولد إلى أن يشب جمعه أغلمة وغلمة وغلمان وهي غلامة اهـ. ومراده صبيان بني عبد المطلب وإضافتهم إليه لكونهم من ذريته (فحمل) عليه الصلاة والسلام (واحدًا) منهم (بين يديه) هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب (وآخر خلفه) هو قثم بن العباس بن عبد المطلب كذا قاله ابن حجر، لكن لا أعلم هل خرج عبد الله بن جعفر من المدينة إلى مكة بعد أن دخلها مع أبيه من الحبشة حتى استقبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قدومه مكة في الفتح فلينظر. وقول الحافظ ابن حجر: وكون الترجمة لتلقي القادم من الحج والحديث دال على تلقي القادم للحج ليس بينهما تخالف لاتفاقهما من حيث المعنى، تعقبه العيني فقال: لا نسلم أن كون الترجمة لتلقي القادم من الحج بل هي لتلقي القادم للحج، والحديث يطابقه وهذا القائل ذهل وظن أن الترجمة وضعت لتلقي القادم من الحج وليس كذلك وذلك لأنه لو علم أن لفظ الاستقبال في الترجمة مصدر مضاف إلى مفعوله والفاعل ذكره مطوي لما احتاج إلى قوله وكون الترجمة إلى آخره اهـ. ولعله أخذه من كلام ابن المنير حيث تعقب ابن بطال لما قال في الحديث: من الفقه جواز تلقي القادمين من الحج لأنه عليه الصلاة والسلام لم ينكر ذلك بل سرته لحمله لهما بين يديه وخلفه فقال هذا ليس تلقيًا للقادم من الحج ولكنه تلقي القادم للحج قال: وتلك العادة إلى الآن يتلقي المجاورون وأهل مكة القادمين من الركبان اهـ. نعم يؤخذ منه بطريق القياس تلقي القادمين من الحج بل ومن في معناهم كمن قدم من جهاد أو سفر تأنيسًا لهم وتطييبًا لقلوبهم. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن جعفر قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قدم من سفر تلقى بصبيان أهل بيته، وأنه قدم من سفر فسبق بي إليه فحملني بين يديه ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة. وفي المسند وصحيح الحاكم عن عائشة قالت: أقبلنا من مكة في حج أو عمرة فتلقانا غلمان من الأنصار كانوا يتلقون أهاليهم إذا قدموا. وذكر ابن رجب في لطائفه عن أبي معاوية الضرير عن حجاج عن الحكم قال، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لو يعلم المقيمون ما للحجاج عليهم من الحق لأتوهم حين يقدمون حتى يقبلوا رواحلهم لأنهم وفد الله في جميع الناس. وفي حديث الباب التحديث والعنعنة والقول. ورواته الثلاثة الأول بصريون، وأخرجه المؤلّف أيضًا في اللباس والنسائي في الحج. 14 - باب الْقُدُومِ بِالْغَدَاةِ (باب) استحباب (القدوم) أي قدوم المسافر إلى منزله (بالغداة). 1799 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ الشَّجَرَةِ، وَإِذَا رَجَعَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِبَطْنِ الْوَادِي، وَبَاتَ حَتَّى يُصْبِحَ". وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن الحجاج) بفتح الحاء المهملة وتشديد

15 - باب الدخول بالعشي

الجيم الذهلي الشيباني قال: (حدّثنا أنس بن عياض) المدني (عن عبيد الله) بتصغير عبد بن عمر العمري (عن نافع عن) عبد الله (بن عمر -رضي الله عنهما-) (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا خرج) من المدينة (إلى مكة يصلّي في مسجد الشجرة) التي بمسجد ذي الحليفة (وإذا رجع) من مكة (صلّى بذي الحليفة ببطن الوادي وبات) بها (حتى يصبح) ثم يتوجه إلى المدينة لئلا يفجأ الناس أهاليهم ليلاً. وهذا الحديث مرّ في باب: خروج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على طريق الشجرة وليس الدخول بالغداة متعينًا ولذا قال المؤلّف: 15 - باب الدُّخُولِ بِالْعَشِيِّ (باب الدخول) أي المسافر على أهله (بالعشي) والمراد به هنا من وقت الزوال إلى الغروب. 1800 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَطْرُقُ أَهْلَهُ، كَانَ لاَ يَدْخُلُ إِلاَّ غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً". وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة البصري (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني (عن أنس) هو ابن مالك (-رضي الله عنه- قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يطرق أهله) بضم الراء من الطروق أي لا يأتيهم ليلاً إذا رجع من سفره ولا يكون الطروق إلا ليلاً قيل أن أصل الطروق من الطرق وهو الدق وسمي الآتي بالليل طارقًا لحاجته إلى دق الباب (كان لا يدخل إلا غدوة أو عشية) لكراهته لطروق أهله والله أعلم. 16 - باب لاَ يَطْرُقُ أَهْلَهُ إِذَا بَلَغَ الْمَدِينَةَ هذا (باب) بالتنوين (لا يطرق) المسافر (أهله إذا بلغ المدينة) أي البلد التي يريد دخولها وللحموي: إذا دخل المدينة أي أراد دخولها. 1801 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَارِبٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَطْرُقَ أَهْلَهُ لَيْلاً". وبالسند قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محارب) هو ابن دثار السدوسي الكوفي (عن جابر -رضي الله عنه- قال): (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يطرق) المسافر (أهله ليلاً) كراهة أن يهجم منها على ما يقبح عند اطلاعه عليه فيكون سببًا إلى بغضها وفراقها، فنبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ما تدوم به الألفة وتتأكد به المحبة فينبغي أن يجتنب مباشرة أهله فى حال البذاذة وغير النظافة وأن لا يتعرض لرؤية عورة يكرهها منها وكلمة (أن) في قوله أن يطرق مصدرية، وليلاً نصب على الظرفية وأتى به للتأكيد أو على لغة، من قال أن طرق يستعمل بالنهار أيضًا حكاه ابن فارس. 17 - باب مَنْ أَسْرَعَ نَاقَتَهُ إِذَا بَلَغَ الْمَدِينَةَ (باب من أسرع ناقته إذا بلغ المدينة) قال في المحكم: أسرع يتعدى بنفسه ويتعدى بالباء وهو يردّ على من خطأ المؤلّف حيث لم يعدّه بالباء. 1802 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: زَادَ الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ حُمَيْدٍ "حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا". حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ "جُدُرَاتٍ". تَابَعَهُ الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ [الحديث 1802 - طرفه في: 1886]. وبالسند قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) هو ابن أبي كثير المدني (قال: أخبرني) بالإفراد (حميد) الطويل (أنه سمع أنسًا -رضي الله عنه- يقول) (كان رسول الله) ولأبي ذر وابن عساكر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة) بفتح الدال والراء والجيم أي طرقها المرتفعة، ولأبي ذر عن المستملي: دوحات المدينة بواو ساكنة بعدها مهملة بدل الراء والجيم أي شجرها العظام (أوضع ناقته) بفتح الهمزة والضاد المعجمة والعين المهملة أي حملها على السير السريع (وإن كانت) أي المركوبة (دابة) وهي أعم من الناقة (حركها) جواب أن. (قال: أبو عبد الله) المؤلّف (زاد الحرث بن عمير) مصغرًا البصري مما وصله الإمام أحمد (عن حميد) الطويل أي عن أنس (حركها من حبها) الجار والمجرور يتعلق بقوله حركها أي حرك دابته بسبب حبه المدينة. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (قال: حدّثنا إسماعيل) بن جعفر بن أبي كثير المدني (عن حميد) الطويل (عن أنس) أنه (قال: جدرات) بضم الجيم والدال بغير تنوين كما في الفرع وغيره أي جدرات المدينة جمع جدر بضمتين جمع جدار وفي بعض النسخ جدرات بالتنوين. وقال القاضي عياض مما رأيته في المطالع؛ جدرات أشبه من دوحات ودرجات. وقال الحافظ ابن حجر: وهي أي جدرات رواية الترمذي من طريق إسماعيل بن جعفر أيضًا، وقد رواه الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ: جدران بسكون الدال وآخره نون جمع جدار. (تابعه) أي تابع إسماعيل (الحرث بن

18 - باب قول الله تعالى {وأتوا البيوت من أبوابها} [البقرة: 189]

عمير) في قوله جدرات. 18 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189] (باب) بيان سبب نزول (قول الله تعالى) ({وأتوا البيوت من أبوابها}) [البقرة: 189]. 1803 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- يَقُولُ "نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا، كَانَتِ الأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا فَجَاءُوا لَمْ يَدْخُلُوا مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، وَلَكِنْ مِنْ ظُهُورِهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَدَخَلَ مِنْ قِبَلِ بَابِهِ، فَكَأَنَّهُ عُيِّرَ بِذَلِكَ، فَنَزَلَتْ {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} ". [الحديث 1803 - طرفه في: 4512]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي (قال: سمعت البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- يقول: نزلت هذه الآية فينا كانت الأنصار إذا حجوا فجاؤوا) المدينة (لم يدخلوا من قبل أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها) بكسر قاف قبل وفتح الموحدة، وقد روى ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما عن جابر قال: كانت قريش تدعى الحمس وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام، وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من الأبواب الحديث. ورواه عبد بن حميد من مرسل قتادة كما قال البراء، وكذا أخرجه الطبري من مرسل الربيع بن أنس نحوه وهذا صريح في أن سائر العرب كانوا يفعلون ذلك كالأنصار إلا قريبًا. (فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه) بكسر القاف وفتح الموحدة والرجل هو قطبة بضم القاف وسكون المهملة وفتح الموحدة ابن عامر بن حديدة بمهملات بوزن كبيرة الأنصاري الخزرجي كما سمي في رواية جابر السابقة عند ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما، وقيل هو رفاعة بن تابوت والأول أولى، ويؤيده أن في مرسل الزهري عند الطبري: فدخل رجل من الأنصار من بني سلمة وقطبة من بني سلمة بخلاف رفاعة، وقد وقع في حديث ابن عباس عند ابن جرير أن القصة وقعت أوّل ما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة وفي إسناده ضعف، وفي مرسل الزهري أنه وقع في عمرة الحديبية، وفي مرسل السدّي عند الطبري في حجة الوداع قال في الفتح: وكأنه أخذه من قوله: كانوا إذا حجوا، لكن وقع في رواية الطبري كانوا إذا أحرموا وهذا يتناولهما أي الحج والعمرة والأقرب ما قال الزهري. وقد بين الزهري السبب في صنيعهم ذلك فقال: كان ناس من الأنصار إذا أهلّوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء فكان الرجل إذا أهلّ فبدت له حاجة في بيته لم يدخل من الباب من أجل السقف أن يحول بينه وبين السماء. (فكأنّه عيّر بذلك) بضم العين المهملة مبنيًّا للمفعول أي بدخوله من قبل بابه وكانوا يعدّون إتيان البيوت من ظهورها برًا (فنزلت) أي الأية وهي قوله تعالى: ({وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر}) برّ ({من اتقى}) أي المحارم والشهوات ({وأتوا البيوت من أبوابها}) [البقرة: 189] واتركوا سنة الجاهلية فليس في العدول برّ. 19 - باب السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ هذا (باب) بالتنوين (السفر قطعة) جزء (من العذاب). 1804 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ: يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ». [الحديث 1804 - طرفاه في: 3001، 5429]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي المدني قال: (حدّثنا مالك) إمام الأئمة (عن سمي) بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية مصغرًا القرشي المخزومي (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (السفر قطعة) جزء (من العذاب) بسبب الألم الناشئ عن المشقّة فيه لما يحصل في الركوب والمشي من ترك المألوف (يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه) بنصب الأربعة لأن منع يتعدى لمفعولين. الأول أحدكم، والثاني طعامه وشرابه عطف عليه ونومه إما على الأول أو على الثاني على الخلاف، والجملة استئنافية وهي في الحقيقة جواب عما يقال لم كان السفر قطعة من العذاب فقال: لأنه يمنع أحدكم وليس المراد بالمنع في المذكورات منع حقيقتها بل منع كمالها أي لذة طعامه الخ. وفي حديث أبي سعيد المقبري السفر قطعة من العذاب لأن الرجل يشتغل فيه عن صلاته وصيامه، وللطبراني: لا يهنأ أحدكم نومه ولا طعامه ولا شرابه أو المراد يمنعه ذلك في الوقت الذي يريده لاشتغاله بالمسير ولما جلس إمام الحرمين موضع أبيه سئل لم كان السفر قطعة من العذاب، فأجاب على الفور لأن فيه فراق الأحباب ولا يعارض ما ذكر حديث ابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهم- مرفوعًا: سافروا تغنموا وفي رواية: ترزقوا، ويروى: سافروا تصحوا لأنه لا يلزم من الصحة بالسفر لما فيه من الرياضة والغنيمة والرزق أن

20 - باب المسافر إذا جد به السير يعجل إلى أهله

لا يكون قطعة من العذاب لما فيه من المشقة. (فإذا قضى) المسافر (نهمته) بفتح النون وإسكان الهاء أي رغبته وشهوته وحاجته (فليعجل) الرجوع (إلى أهله) زاد في حديث عائشة عند الحاكم فإنه أعظم لأجره. قال ابن عبد البر: وزاد فيه بعض الضعفاء عن مالك وليتخذ لأهله هدية وإن لم يجد إلا حجرًا يعني حجر الزناد قال: وهي زيادة منكرة. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الجهاد وفي الأطعمة ومسلم في المغازي والنسائي في السير. 20 - باب الْمُسَافِرِ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ يُعَجِّلُ إِلَى أَهْلِهِ (باب المسافر إذا جدّ به السير) قال ابن الأثير إذا اهتم به وأسرع فيه، يقال جدّ يجد ويجدّ بالضم والكسر وجد به الأمر وأجد وجد فيه وأجد إذا اجتهد وجواب إذا قوله (يعجل إلى أهله) بضم الياء وفتح العين وتشديد الجيم، وفي نسخة: تعجل بفتح المثناة الفوقية والجيم، وللكشميهني والنسفيّ كما في الفتح: ويعجل بالواو وجواب إذًا حينئذٍ محذوف أي ماذا يصنع. 1805 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ "كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَبَلَغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ شِدَّةُ وَجَعٍ، فَأَسْرَعَ السَّيْرَ، حَتَّى كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعَتَمَةَ -جَمَعَ بَيْنَهُمَا- ثُمَّ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا". وبالسند قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) الجمحي قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) هو ابن أبي كثير المدني (قال: أخبرني) بالإفراد (زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر المدني كان يرسل (عن أبيه) أسلم وهو مخضرم مات سنة ثمانين وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة (قال: كنت مع عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- بطريق مكة فبلغه عن) زوجته (صفية بنت أبي عبيد) الثقفي والد المختار الكذاب الخارجي، وكان يزعم أن جبريل عليه الصلاة والسلام يأتيه بالوحي (شدة وجع فأسرع السير) فيه تعدى أسرع إلى المفعول بنفسه فيرد على من اعترض على المؤلّف في قوله السابق باب: من أسرع ناقته بأنه إنما يتعدى بحرف الجر (حتى إذا كان بعد غروب الشفق نزل) عن دابته (فصلّى المغرب والعتمة جمع بينهما ثم قال): أي ابن عمر (إني رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا جد به السير أخر المغرب) إلى وقت العشاء (وجمع بينهما) جمع تأخير والجملة حالية أو استئنافية. بسم الله الرحمن الرحيم 27 - أبواب المحصر (بسم الله الرحمن الرحيم). وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]. وَقَالَ عَطَاءٌ: الإِحْصَارُ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ يَحْبِسُهُ. (باب) بيان أحكام (المحصر) بضم الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين آخره راء، ولأبي ذر: أبواب بالجمع والمحصر الممنوع من الوقوف بعرفة أو الطواف بالبيت كالمعتمر الممنوع منه (و) أحكام (جزاء الصيد) الذي يتعرض إليه المحرم، (وقوله تعالى) بالرفع على الاستئناف أو الجر عطفًا على المحصر أي: وبيان المراد من قوله تعالى: ({فإن أحصرتم}) منعتم يقال: حصره العدوّ وأحصره إذا حبسه ومنعه عن المضي مثل صده وأصدّه ({فما استيسر من الهدي}) أي فعليكم ما استيسر أو فاهدوا ما استيسر، والمعنى: إن منعتم عن المضي إلى البيت وأنتم محرمون بحج أو عمرة فعليكم إذا أردتم التحلل أن تتحللوا بذبح هدي يسر عليكم من بدنة أو بقرة أو شاة حيث أحصرتم عند الأكثر ({ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله}) [البقرة: 196] حيث يحل ذبحه حلاً كان أو حرامًا أو لا تحلوا حتى تعلموا أن الهدي المبعوث به إلى الحرم بلغ محله أي مكانه الذي يجب أن ينحر فيه، وسقط في رواية أبي ذر قوله: ولا تحلقوا الخ. (وقال عطاء): هو ابن أبي رباح مما وصله ابن أبي شيبة (الإحصار من كل شيء بحسبه) والذي في اليونينية يحبسه بفتح التحتية وسكون المهملة وكسر الموحدة بعدها سين مهملة فلا يختص بمنع العدوّ فقط بل هو عام في كل حابس من عدوّ ومرض وغيرهما، وبه قال الحنفية ككثير من الصحابة وغيرهم، حتى أفتى ابن مسعود رجلاً لدغ بأنه محصر أخرجه ابن حزم بإسناد صحيح والطحاوي ولفظه عن علقمة قال: لدغ صاحب لنا وهو محرم بعمرة فذكرناه لابن مسعود فقال: يبعث بهدي ويواعد أصحابه موعدًا فإذا نحر عنه حل قالوا: وإذا قامت الدلالة على أن شرعيته للحابس مطلقًا استفيد جوازه لمن سرقت نفقته ولا يقدر على المشي. وقال مالك والشافعي وأحمد: لا إحصار إلا بالعدوّ لأن الآية وردت لبيان حكم انحصاره عليه الصلاة والسلام وأصحابه وكان بالعدوّ، وقال في سياق الآية: فإذا أمنتم فعلم

1 م - باب إذا أحصر المعتمر

أن شرعية الإحلال في العدوّ كانت لتحصيل الأمن منه وبالإحلال لا ينجو من المرض فلا يكون الإحصار بالمرض في معناه فلا يكون النص الوارد في العدو واردًا في المرض فلا يلحق به دلالة ولا قياسًا لأن شرعية التحلل قبل أداء الأفعال بعد الشروع في الإحرام على خلاف القياس فلا يقاس عليه. وفي الموطأ عن سالم عن أبيه قال: من حبس من دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت، وأحتج الحنفية بأن الإحصار هو المنع والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وبأن إجماع أهل اللغة على أن مدلول لفظ الإحصار بالعمرة المنع الكائن بالمرض، والآية وردت بذلك اللفظ، وبحث فيه المحقق الكمال بن الهمام بأنه ظاهر في أن الإحصار خاص بالمرض والمحصر خاص بالعدوّ. ويحتمل أن يراد كون المنع بالمرض من ما صدقات الإحصار فإن أراد الأول ورد عليه كون الآية لبيان حكم الحادثة التي وقعت للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه -رضي الله عنهم-، واحتاج إلى جواب صاحب الأسرار وصاحبه كون النص الوارد لبيان حكم حادثة قد ينتظمها لفظًا، وقد ينتظم غيرها مما يعرف بحكمها دلالة، وهذه الآية كذلك إذ يعلم منه حكم من العدو بطريق الأولى لأن منع العدو حسي لا يتمكن معه من المضي بخلافه في المرض إذ يمكن بالمحمل والمركب والخدم فإذا جاز التحلل مع هذا فمع ذلك أولى. وفي نهاية ابن الأثير يقال أحصره المرض أو السلطان إذا منعه من مقصده فهو محصر وحصره إذا حبسه فهو محصور، وقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 273] والمراد منعهم الاشتغال بالجهاد وهو أمر راجع إلى العدوّ أو المراد أهل الصفة منعهم تعلم القرآن أو شدة الحاجة والجهد عن الضرب في الأرض للتكسب وليس هو بالمرض اهـ. وزاد أبو ذر عن المستملي (قال أبو عبد الله): أي المؤلّف على عادته في ذكر تفسير ما يناسب ما هو بصدده (حصورًا) في قوله تعالى في يحيى بن زكريا {وحصورًا} [آل عمران: 39] معناه (لا يأتي النساء) وهو بمعنى محصور لأنه منع مما يكون من الرجال وقد ورد فعول بمعنى مفعول كثيرًا، وهذا التفسير نقله الطبري عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد وليس المراد أنه لا يأتي النساء لأنه كان هيوبًا لهن أو لما ذكر له لأن هذه نقيصة لا تليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام بل معناه أنه معصوم عن الفواحش والقاذورات والملاهي، روي أنه مرّ في صباه بصبيان فدعوه إلى اللعب فقال: ما للعب خلقت. 1 م - باب إِذَا أُحْصِرَ الْمُعْتَمِرُ هذا (باب) بالتنوين (إذا أحصر المعتمر). 1806 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ قَالَ: إِنْ صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْتُ كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ". وبالسند قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) إمام الأئمة (عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- حين خرج) أي أراد أن يخرج (إلى مكة معتمرًا في الفتنة) حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير، ولا تنافي بين قوله معتمرًا وبين قوله في رواية الموطأ خرج إلى مكة يريد الحج فإنه خرج أوّلاً يريد الحج فلما ذكروا له أمر الفتنة أحرم بالعمرة ثم قال: ما شأنها إلا واحد فأضاف إليها الحج فصار قارنًا. (قال) جوابًا لقولهم: إنّا نخاف أن يحال بينك وبين البيت بسبب الفتنة (إن صددت) بضم الصاد مبنيًا للمفعول أي إن منعت (عن البيت صنعت) ولأبي الوقت: صنعنا (كما صنعنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حين صدّه المشركون عن البيت في الحديبية فإنه تحلل من العمرة ونحر وحلق (فأهلّ) أي فرفع ابن عمر صوته بالإهلال والتلبية (بعمرة) زاد في رواية جويرية: من ذي الحليفة، وفي روّاية أيوب الماضية: فيهل بالعمرة من الدار أي النزل الذي نزله بذي الحليفة أو المراد التي بالمدينة فيكون أهلّ بالعمرة من داخل بيته ثم أظهرها بعد أن استقر بذي الحليفة (من أجل أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أهل بعمرة عام الحديبية) سنة ست. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي، ومسلم في الحج. 1807 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- لَيَالِيَ نَزَلَ الْجَيْشُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالاَ: لاَ يَضُرُّكَ أَنْ لاَ تَحُجَّ الْعَامَ، وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ. فَقَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ. وَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْعُمْرَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنْطَلِقُ، فَإِنْ خُلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ طُفْتُ، وَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا مَعَهُ. فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا شَأْنُهُمَا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي. فَلَمْ يَحِلَّ مِنْهُمَا حَتَّى حَلَّ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَهْدَى، وَكَانَ يَقُولُ: لاَ يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافًا وَاحِدًا يَوْمَ يَدْخُلُ مَكَّةَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) بن عبيد الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة البصري قال: (حدّثنا جويرية) تصغير جارية ابن أسماء بن عبيد الضبعي وهو عم عبد الله بن محمد الراوي عنه (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبيد الله بن عبد الله) بتصغير عبد الأوّل ابن عمر بن الخطاب العدوي المدني

(و) شقيقه (سالم بن عبد الله) بن عمر (أخبراه) ضمير المفعول لنافع (أنهما كلّما) أباهما (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- ليالي نزل الجيش) القادمون مع الحجاج من الشام لمكة (بابن الزبير) لمقاتلته وهو بها (فقالا) لأبيهما: (لا يضرك أن لا تحج العام إنا) ولغير أبي الوقت: وإنا (نخاف أن يحال بينك وبين البيت فقال) ابن عمر: (خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من المدينة حتى بلغنا الحديبية (فحال كفار قريش دون البيت فنحر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هديه وحلق رأسه) فحل من عمرته، (وأشهدكم أي قد أوجبت العمرة) على نفسي، ولأبوي ذر والوقت: عمرة بالتنكير، والظاهر أنه أراد تعليم غيره وإلا فليس التلفظ شرطًا وقوله (إن شاء الله) شرط وجزاؤه قوله (أنطلق) إلى مكة أو إن شاء الله تعالى يتعلق بإيجابه العمرة وقصد به التبرك لا التعليق لأنه كان جازمًا بالإحرام بقرينة الإشهاد، (فإن خلي بيني وبين البيت) بضم الخاء المعجمة وتشديد اللام المكسورة (طفت) به وأكملت النسك، (وإن حيل بيني وبينه) بكسر الحاء المهملة وسكون التحتية أي منعت من الوصول إليه لأطوف له (فعلت كما فعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا معه) من التحلل من العمرة وبالنحر والحلق (فأهلّ) أي ابن عمر (بالعمرة من ذي الحليفة) ميقات المدينة (ثم سار ساعة ثم قال): (إنما شأنهما) أي الحج والعمرة (واحد) في جواز التحلل منهما بالإحصار (أشهدكم أني قد أوجبت حجة مع عمرتي فلم يحل منهما حتى حلّ يوم النحر وأهدى) بنصب يوم على الظرفية ولأبي ذر: حتى دخل من الدخول يوم بالرفع على الفاعلية (وكان يقول): (لا يحل حتى يطوف طوافًا واحدًا يوم يدخل مكة) أي فإن القارن لا يحتاج لطوافين خلافًا للحنفية كما مرّ. 1808 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ: "أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَهُ: لَوْ أَقَمْتَ بِهَذَا". وبه قال (حدّثنا) ولغير أبي الوقت: حدثني (موسى بن إسماعيل) التبوذكي المنقري قال: (حدّثنا جويرية) ابن أسماء (عن نافع أن بعض بني عبد الله) بن عمر بن الخطاب إما عبد الله أو عبيد الله أو سالم (قال: له) أي قال لأبيه عبد الله بن عمر لما أراد أن يعتمر في عام نزول الحجاج على ابن الزبير (لو أقمت بهذا) المكان أو في هذا العام لكان خيرًا أو نحوه أو أن (لو) للتمني فلا يحتاج إلى جواب، وإنما اقتصر في رواية موسى هذه هنا على الإسناد لنكتة ذكرها الحافظ ابن حجر وهي: أن قوله في الحديث الأوّل عن نافع أن عبد الله بن عمر حين خرج إلى مكة معتمرًا في الفتنة يشعر بأنه عن نافع عن ابن عمر بغير وساطة، لكن رواية جويرية التالية له تقتضي أن نافعًا حمل ذلك عن سالم وشقيقه عبيد الله عن أبيهما هكذا. قال البخاري عن عبد الله بن محمد ابن أسماء ووافقه الحسن بن سفيان وأبو يعلى كلاهما عن عبد الله أخرجه الإسماعيلي عنهما، وتابعهم معاذ بن المثنى عن عبد الله بن محمد ابن أسماء أخرجه البيهقي، وقد عقب رواية عبد الله برواية موسى لينبه على الاختلاف في ذلك قال الحافظ: والذي يترجح عندي أن ابني عبد الله أخبرًا نافعًا بما كلما به أباهما وأشار عليه به من التأخير ذلك العام. وأما بقية القصة فشاهدها نافع وسمعها من ابن عمر لملازمته إياه فالمقصود من الحديث موصول وعلى تقدير أن يكون نافع لم يسمع شيئًا من ذلك من ابن عمر فقد عرف الواسطة بينهما وهي ولدا عبد الله سالم وأخوه وهما ثقتان لا يطعن فيهما اهـ. 1809 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلاَّمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "قَدْ أُحْصِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَجَامَعَ نِسَاءَهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ، حَتَّى اعْتَمَرَ عَامًا قَابِلاً". وبه قال: (حدّثنا محمد) غير منسوب قال الحاكم هو الهذلي، وقال أبو مسعود الدمشقي هو محمد بن مسلم بن وارة وقال الكلاباذي قال لي السرخسي هو أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ذكر أنه وجده في أصل عتيق قال: (حدّثنا يحيى بن صالح) الحمصي قال: (حدّثنا معاوية بن سلام) بتشديد اللام الحبشي قال: (حدّثنا يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن عكرمة) مولى ابن عباس (قال: قال ابن عباس -رضي الله عنهما-) ولأبي الوقت: فقال بفاء العطف على محذوف ثبت في كتاب الصحابة لابن السكن كما نبه عليه الحافظ ابن حجر وقال: إنه لم ينبه عليه من الشراح غيره ولفظه عن عكرمة قال: قال عبد الله بن رافع مولى أم

2 - باب الإحصار في الحج

سلمة سألت الحجاج بن عمرو الأنصاري عمن حبس وهو محرم قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من عرج أو كسر أو حبس فليجزي مثلها وهو في حل" قال فحدثت به أبا هريرة فقال: صدق وحدثته ابن عباس فقال: (قد أحصر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحلق رأسه وجامع نساءه ونحر هديه حتى) ولأبي ذر عن المستملي: ثم: (اعتمر عامًا قابلاً) عامًا نصب على الظرفية وقابلاً صفته. والسبب في حذف البخاري ما ذكر أن الزائد ليس على شرطه لأنه قد اختلف في حديث الحجاج بن عمرو وعن يحيى بن أبي كثير مع كون عبد الله بن رافع ليس من شرط البخاري فاقتصر على ما هو من شرط كتابه. وبهذا الحديث تمسك من قال لا فرق بين الإحصار بالعدوّ وبغيره. 2 - باب الإِحْصَارِ فِي الْحَجِّ (باب الإحصار في الحج). 1810 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى يَحُجَّ عَامًا قَابِلاً فَيُهْدِي أَوْ يَصُومُ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا". وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ... نَحْوَهُ. وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) المعروف بمردويه السمسار المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم) هو ابن عبد الله بن عمر (قال: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول): (أليس حسبكم سنة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بنصب سنة في اليونينة خبر ليس واسمها حسبكم أو الجملة الشرطية وهي قوله (إن حبس أحدكم عن الحج) بأن منع عن الوقوف بعرفة (طاف بالبيت وبالصفا والمروة) أي إذا أمكنه ذلك تفسير للسنة وهل لها حينئذٍ محل أو لا قولان. وقال القاضي عياض: بالنصب على الاختصاص أو على إضمار فعل أي تمسكوا ونحوه، وقال السهيلي: من نصب سنة فالكلام أمر بعد أمر كأنه قال: الزموا سنة نبيكم كما قال: يا أيها المائح دلوي دونك فدلوي منصوب عندهم بإضمار فعل أمر ودونك أمر آخر (ثم حل من كل شيء) حرم عليه (حتى يحج عاما قابلاً) نصب على الظرفية والصفة (فيهدي) بذبح شاة إذ التحلل لا يحصل إلا بنية التحلل والذبح والحلق (أو يصوم إن لم يجد هديًا) حيث شاء ويتوقف تحلله على الإطعام كتوقفه على الذبح لا على الصوم لأنه يطول زمنه فتعظم المشقّة في الصبر على الإحرام إلى فراغه. (وعن عبد الله) بن المبارك بالسند السابق: (قال: أخبرنا معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين ساكنة، والظاهر أن ابن المبارك كان يحدث به تارة عن يونس وتارة عن معمر (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: حدثني) بالإفراد (سالم عن) أبيه (ابن عمر نحوه). وقد أخرجه الترمذي عن أبي كريب عن ابن المبارك عن معمر ولفظه: كان ينكر الاشتراط ويقول: أليس حسبكم سنة نبيكم. وأخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن عبد الرزاق بتمامه، وكذا أخرجه النسائي. وأما إنكار ابن عمر الاشتراط فثابت في رواية يونس أيضًا إلا أنه حذف في رواية البخاري هذه فأخرجه البيهقي من طريق السراج عن أبي كريب عن ابن المبارك عن يونس. وقرأت في كتاب معرفة السنن والآثار له ما لفظه قال أحمد: ابن شهاب إنما يرويه في رواية يونس بن يزيد عنه عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه كان ينكر الاشتراط في الحج، ولو بلغه حديث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ضباعة بنت الزبير لم ينكره اهـ. وحديث ضباعة أخرجه الشافعي عن ابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ بضباعة بنت الزبير فقال: "أما تريدين الحج" فقالت: إني شاكية فقال لها: "حجي واشترطى أن محلي حيث حبستني" وأخرجه البخاري في النكاح. وقول الأصيلي فيما حكاه عياض عنه لا يثبت في الاشتراط إسناد صحيح، تعقبه النووي بأن الذي قاله غلط فاحش لأن الحديث مشهور صحيح من طرق متعددة وهذا مذهب الشافعية، وقيس بالحج العمرة فإذا شرطه بلا هدي لم يلزمه هدي عملاً بشرطه، وكذا لو أطلق لعدم الشرط ولظاهر حديث ضباعة فالتحلل فيهما يكون بالنية فقط فإن شرطه بهدي لزمه عملاً بشرطه، ولو قال: إن مرضت فأنا حلال فمرض صار حلالاً بالمرض من غير نيّة، وعليه حملوا حديث من كسر أو عرج فقد حلّ وعليه الحج من قابل رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح، وأن شرط قلب الحج عمرة بالمرض أو نحوه جاز كما لو شرط التحلل به بل أولى، ولقول عمر

3 - باب النحر قبل الحلق في الحصر

لأبي أمية سويد بن غفلة: حج واشترط وقل اللهم الحج أردت وله عمدت فإن تيسر وإلا فعمرة رواه البيهقي بإسناد حسن، ولقول عائشة لعروة هل تستثني إذا حججت فقال: ماذا أقول؟ قالت: قل اللهم الحج أَردت وله عمدت فإن يسرته فهو الحج وإن حبسني حابس فهو عمرة رواه الشافعي والبيهقي بإسناد صحيح على شرط الشيخين فله في ذلك إذا وجد العذر أن يقلب حجه عمرة وتجزئه عن عمرة الإسلام ولو شرط أن يقلب حجه عمرة عند العذر فوجد العذر انقلب حجه عمرة وأجزأته عن عمرة الإسلام كما صرح به البلقيني بخلاف عمرة التحلل في الإحصار لا تجزئ عن عمرة الإسلام لأنها في الحقيقة ليمست عمرة وإنما هي أعمال عمرة. 3 - باب النَّحْرِ قَبْلَ الْحَلْقِ فِي الْحَصْرِ (باب النحر قبل الحلق في الحصر). 1811 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ". وبالسند قال (حدّثنا محمود) هو ابن غيلان المروزي العدوي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن المسور) بكسر الميم وفتح الواو بينهما سين مهملة ساكنة ابن مخرمة بن نوفل القرشي الزهري له ولأبيه صحبة (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحر) الهدي بالحديبية (قبل أن يحلق وأمر أصحابه) الذين كانوا معه (بذلك). قال: في الفتح: ولم يتعرض المصنف لما يجب على من حلق قبل أن ينحر، وقد روى ابن أبي شيبة من طريق الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: عليه دم قال إبراهيم: حدثني سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله. فإن قلت: قوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] يقتضي تأخر الحلق عن النحر فكيف يكون متقدمًا. أجيب: بأن ذلك في غير الإحصار أما نحر هدي المحصر فحيث أحصر وهناك قد بلغ محله فقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام تحلل بالحديبية ونحر بها بعد الحلق وهي من الحل لا من الحرم. وفي الحديث أن المحصر إذا أراد التحلل يلزمه دم يذبحه وقال المالكية: لا هدي عليه إذا تحلل وهو مذهب ابن القاسم. وأجاب عن قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] بأن أحصر الرباعي في المحصر بالمرض وحصر الثلاثي في الحصر بالعدوّ قال القاضي: ونقل بعض أئمة اللغة يساعدهم اهـ. والحديث حجة عليهم لأنه نقل فيه حكم وسبب فالسبب المحصر والحكم النحر فاقتضى الظاهر تعلق الحكم بذلك السبب قاله التيمي، وأما أحصر وحصر فسبق البحث فيهما قريبًا. 1812 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيِّ. قَالَ: وَحَدَّثَ نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَسَالِمًا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فَقَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُعْتَمِرِينَ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بُدْنَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ". وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر وابن عساكر: حدثني بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال: (أخبرنا أبو بدر شجاع بن الوليد) بن قيس الكوفي (عن عمر بن محمد) هو عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب نزيل عسقلان المتوفى قبل سنة خمسين ومائة (العمري قال: وحدث نافع) بن عبد الله المدني مولى ابن عمر بن الخطاب (أن عبد الله) بن عبد الله بن عمر (و) أخاه (سالمًا كلما) أباهما (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) ليالي نزل الجيش بابن الزبير بمكة فقالا: لا يضرك أن تحج العام وإنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت (فقال) (خرجنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى ذي الحليفة (معتمرين) بكسر الراء (فحال كفار قريش دون البيت فنحر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدنه) بضم الموحدة وسكون الدال (وحلق رأسه) فتحلل. 4 - باب مَنْ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُحْصَرِ بَدَلٌ وَقَالَ رَوْحٌ عَنْ شِبْلٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- إِنَّمَا الْبَدَلُ عَلَى مَنْ نَقَضَ حَجَّهُ بِالتَّلَذُّذِ، فَأَمَّا مَنْ حَبَسَهُ عُذْرٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ وَلاَ يَرْجِعُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَهُوَ مُحْصَرٌ نَحَرَهُ إِنْ كَانَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ، وَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ: يَنْحَرُ هَدْيَهُ وَيَحْلِقُ فِي أَىِّ مَوْضِعٍ كَانَ وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، لأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ نَحَرُوا وَحَلَقُوا وَحَلُّوا مِنْ كُلِّ شَىْءٍ قَبْلَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ أَنْ يَصِلَ الْهَدْيُ إِلَى الْبَيْتِ، ثُمَّ لَمْ يُذْكَرْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَقْضُوا شَيْئًا وَلاَ يَعُودُوا لَهُ. وَالْحُدَيْبِيَةُ خَارِجٌ مِنَ الْحَرَمِ. (باب من قال: ليس على المحصر بدل) أي قضاء لما أحصر فيه من حج أو عمرة (وقال: روح) بفتح الراء وسكون الواو آخره مهملة ابن عبادة بضم العين وتخفيف الموحدة مما وصله إسحاق بن راهويه في تفسيره (عن شبل) بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة ابن عباد بفتح العين وتشديد الموحدة المكي من صغار التابعين وثقه أحمد وابن معين والدارقطني وأبو داود وزاد: كان يُرمى بالقدر وله في البخاري حديثان (عن ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم عبد الله (عن مجاهد عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) موقوفًا (إنما البدل) أي القضاء (على من نقض) بالضاد المعجمة ولأبي ذر: نقص بالصاد المهملة (حجه بالتلذذ) بمعجمتين أي بالجماع (فأما من حبسه عذر) بضم

العين وسكون الذال المعجمة وهو ما يطرأ على المكلف يقتضي التسهيل قال البرماوي كالكرماني ولعله المراد به هنا نوع منه كالمرض ليصح عطف (أو غير ذلك) عليه أي من مرض أو نفاد نفقة ولأبي ذر: حبسه عدوّ من العداوة (فإنه يحل) من إحرامه (ولا يرجع) أي لا يقضي وهذا في النفل. أما الفرض فإنه ثابت في ذمته فيرجع لأجله في سنة أخرى، والفرق بين حج النفل الذي يفسد بالجماع الواجب قضاؤه وبين النفل الذي يفوت عنه بسبب الإحصار التقصير وعدمه وقال الحنفية: إذا تحلل لزمه القضاء سواء كان فرضًا أو نفلاً (وإذا كان معه هدي وهو محصر نحره) حيث أحصر من حل أو حرم (إن كان لا يستطيع أن يبعث) زاد في رواية أبوي ذر والوقت: به أي بالهدي إلى الحرم (وإن استطاع أن يبعث به لم يحل حتى يبلغ الهدي محله) يوم النحر وقال أبو حنيفة: لا يذبحه إلا في الحرم لأن دم الإحصار قربة والإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان أو مكان فلا تقع قربة دونه فلا يقع به التحلل وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] فإن الهدي اسم لما يهدى إلى الحرم. (وقال: مالك) إمام الأئمة (وغيره ينحر هديه ويحلق) رأسه (في أي موضع) ولابن عساكر: في المواضع (كان) الحصر وهو مذهب الشافعية فلا يلزمه إذا أحصر في الحل أن يبعث به إلى الحرم (ولا قضاء عليه لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه بالحديبية نحروا وحلقوا وحلّوا من كل شيء) من محظورات الإحرام (قبل الطواف وقبل أن يصل الهدي إلى البيت) أي: ولا طواف ولا وصول هدي إلى البيت (ثم لم يذكر) بضم أوّله وفتح الكاف مبنيًا للمفعول (أن النبي "-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" أمر أحدًا) من أصحابه ممن كان معه (أن يقضوا شيئًا ولا يعودوا له) وكلمة "لا" زائدة كهي في قوله: ما منعك أن لا تسجد (والحديبية خارج من الحرم) وهذا يشبه ما قرأته في كتاب المعرفة للبيهقي عن الشافعي وعبارته قال الشافعي: قال الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا {رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] قال: فلم أسمع ممن حفظت عنه من أهل العلم بالتفسير مخالفًا في أن الآية نزلت بالحديبية حين أحصر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحال المشركون بينه وبين البيت، وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحر بالحديبية وحلق ورجع حلالاً ولم يصل إلى البيت ولا أصحابه إلا عثمان بن عفان وحده، ثم قال: ونحر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحل، وقيل نحر في الحرم قال الشافعي: وإنما ذهبنا إلى أنه نحر في الحل وبعض الحديبية في الحل وبعضها في الحرم لأن الله تعالى يقول: {وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25] والحرم كله محله عند أهل العلم. قال الشافعي: فحيثما أحصر ذبح شاة وحل قال الشافعي: فيمن أحصر بعدوّ لا قضاء عليه فإن كان لم يحج حجة الإسلام فعليه حجة الإسلام من قبل قول الله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} ولم يذكر قضاء قال الشافعي: والذي أعقل من أخبار أهل المغازي شبيه بما ذكرت من ظاهر الآية، وذلك أنا قد علمنا في متواطئ أحاديثهم أنه قد كان مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الحديبية رجال معروفون بأسمائهم، ثم اعتمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمرة القضية وتخلف بعضهم بالمدينة من غير ضرورة في نفس ولا مال علمته، ولو لزمهم القضاء لأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن شاء الله بأن لا يتخلفوا عنه. 1813 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ: "إِنْ صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ -ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ نَظَرَ فِي أَمْرِهِ فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلاَّ وَاحِدٌ. فَالْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلاَّ وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ، ثُمَّ طَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا. وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ مُجْزِيًا عَنْهُ، وَأَهْدَى". وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: حين خرج) أي حين أراد أن يخرج (إلى مكة معتمرًا في الفتنة) حين نزول الحجاج لقتال ابن الزبير (إن صددت) أي منعت (عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأهلّ) أي فرفع ابن عمر صوته بالإهلال (بعمرة) من ذي الحليفة أو من المدينهّ وأظهرها بذي الحليفة (من أجل أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أهلّ بعمرة عام الحديبية ثم إن

5 - باب قول الله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [البقرة: 196] وهو مخير، فأما الصوم فثلاثة أيام

عبد الله بن عمر نظر في أمره فقال: ما أمرهما) أي الحج والعمرة في جواز التحلل منهما بالإحصار (إلا واحد فالتفت إلى أصحابه فقال: ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة ثم طاف لهما طوافًا واحدًا ورأى أن ذلك مجزيًا عنه وأهدى) بضم الميم وسكون الجيم وكسر الزاي بغير همزة في اليونينية وكشطها في الفرع وأبقى الياء صورتها منصوبًا على أن أنّ تنصب الجزأين أو خبر كان محذوفة أي ورأى أن ذلك يكون مجزيًا عنه، ولأبي ذر: مجزئ بالهمزة والرفع خبر أن. وقوله في الفتح: والذي عندي أن النصب من خطأ الكاتب فإن أصحاب الموطأ اتفقوا على روايته بالرفع على الصواب، تعقبه في عمدة القاري بأنه إنما يكون خطأ لو لم يكن له وجه في العربية واتفاق أصحاب الموطأ على الرفع لا يستلزم كون النصب خطأ على أن دعوى اتفاقهم على الرفع لا دليل عليه، والإجزاء هو الأداء الكافي لسقوط التعبد، ووجه ذكر حديث ابن عمر في هذا الباب شهرة قصة صد المشركين للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه -رضي الله عنهم- بالحديبية وأنهم لم يؤمروا بالقضاء في ذلك. وهذا الحديث سبق في باب إذا أحصر المعتمر قريبًا. 5 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] وَهُوَ مُخَيَّرٌ، فَأَمَّا الصَّوْمُ فَثَلاَثَةُ أَيَّامٍ (باب) تفسير (قول الله تعالى) ({فمن كان منكم مريضًا}) مرضًا يحوجه إلى الحلق ({أو به أذى من رأسه}) كجراحة وقمل ({ففدية}) فعليه فدية إن حلق ({من صيام أو صدقة أو نسك}) [البقرة: 196] بيان لجنس الفدية وأما قدرها فيأتي إن شاء الله تعالى بيانه قريبًا في حديث الباب (وهو) أي المريض ومن به أذى من رأسه (مخير) بين الثلاثة الأشياء المذكورة في الآية (فأما الصوم فثلاثة أيام) كما في الحديث مع الأخيرين. 1814 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "لَعَلَّكَ آذَاكَ هَوَامُّكَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: احْلِقْ رَأْسَكَ، وَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوِ انْسُكْ بِشَاةٍ". [الحديث 1814 - أطرافه في: 1815، 1816، 1817، 1818، 4159، 4190، 4191، 4517، 5665، 5703، 6708]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن حميد بن قيس) المكي الأعرج القاري قال عبد الله بن حنبل: عن أبيه ليس بالقوي، ووثقه أحمد من رواية أبي طالب عنه، وكذا ابن معين وابن سعد وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وأبو داود والنسائي وغيرهم (عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة) بضم العين وسكون الجيم وفتح الراء ابن أمية البلوي حليف الأنصار شهد الحديبية ونزلت فيه قصة الفدية. وأخرج ابن سعد بسند جيد عن ثابت بن عبيد أن يد كعب قطعت في بعض المغازي ثم سكن الكوفة. وتوفي بالمدينة سنة إحدى وخمسين، وله في البخاري حديثان (-رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال) له وهو محرم معه بالحديبية والقمل يتناثر على وجهه: (لعلك آذاك هوامك) بتشديد الميم جمع هامة بتشديدها وهي الدابة، والمراد بها هنا القمل كما في كثير من الروايات (قال: نعم يا رسول الله) آذاني (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: احلق رأسك) بكسر اللام والمراد الإزالة وهي أعم من أن تكون بالموسى أو مقص أو النورة (وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين) وفي الرواية الآتية إن شاء الله تعالى في الباب التالي: أو تصدق بفرق بين سنة فبين قدر الإطعام (أو انسك بشاة) أي تقرب بشاة، ولأبي ذر عن الكشميهني: أو انسك شاة بغير موحدة أي اذبح شاة وهذا دم تخيير استفيد من التعبير بأو المكررة. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ما كان في القرآن أو فصاحبه بالخيار. وفي حديث أبي داود من طريق الشعبي عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: "إن شئت فانسك نسيكة وإن شئت فصم ثلاثة أيام وإن شئت فاطعم" الحديث. وفي الموطأ: أي ذلك فعلت أجرأ. 6 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ صَدَقَةٍ} [البقرة: 196] وَهْيَ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ (باب) تفسير الصدقة المذكورة في (قول الله تعالى) ({أو صدقة}) [البقرة: 196] لأنها مبهمة فسرها بقوله (وهي إطعام ستة مساكين). 1815 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَيْفٌ قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: "وَقَفَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحُدَيْبِيَةِ وَرَأْسِي يَتَهَافَتُ قَمْلاً، فَقَالَ: يُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَاحْلِقْ رَأْسَكَ -أَوْ قَالَ: احْلِقْ- قَالَ: فِيَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} إِلَى آخِرِهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ تَصَدَّقْ بِفَرَقٍ بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوِ انْسُكْ بِمَا تَيَسَّرَ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سيف) هو ابن سليمان المكي (قال: حدثني) بالإفراد (مجاهد) المفسر (قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى أن كعب بن عجرة) -رضي الله عنه- (حدثه قال): (وقف عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحديبية ورأسي يتهافت قملاً) أي يتساقط شيئًا فشيئًا، والجملة حالية وانتصاب قملاً على التمييز

7 - باب الإطعام في الفدية نصف صاع

وفي رواية أيوب عن مجاهد في المغازي: أتى عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا أوقد تحت برمة والقمل يتناثر على رأسي، زاد في رواية ابن عون عن مجاهد في الكفارات فقال: ادن فدنوت، ولأحمد من وجه آخر في هذه الطريق وقع القمل في رأسي ولحيتي حتى حاجبي وشاربي فأرسل إليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: (لقد أصابك بلاء) ولأبي داود: أصابني هوام حتى تخوّفت على بصري، وفي رواية أبي وائل عن كعب عند الطبري: فحك رأسي بأصبعه فانتثر منه القمل. زاد الطبراني من طريق الحجم أن هذا لأذى قلت شديد يا رسول الله، ولابن خزيمة رآه وقمله يسقط على وجهه (فقال): (يؤذيك هوامك) بحذف همزة الاستفهام (قلت نعم) يا رسول الله (قال): (فاحلق رأسك) -أو قال- (احلق) بحذف المفعول وهو شك من الراوي (قال): أي كعب (فيّ نزلت) هذه الآية ({فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه}) [البقرة: 196] إلى آخرها، (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (صم ثلاثة أيام أو تصدق بفرق) بفتح الفاء والراء وقد تسكن قاله: ابن فارس وقال الأزهري: بالفتح في كلام العرب والمحدثون يسكنونه، والمنقول جواز كل منهما، والذي في اليونينية: الفتح وهو مكيال معروف بالمدينة وهو ستة عشر رطلاً (بين ستة) من المساكين (أو انسك) بصيغة الأمر وللأربعة أو نسك (بما) بالموحدة قبل ما ولأبوي ذر والوقت مما (تيسر) من أنواع الهدي. 7 - باب الإِطْعَامُ فِي الْفِدْيَةِ نِصْفُ صَاعٍ (باب الإِطعام) بالجر على الإضافة ولأبي ذر: بالتنوين الإطعام (في الفدية) المذكورة والإطعام بالرفع مبتدأ خبره (نصف صاع) أي لكل مسكين. 1816 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبِهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ: "جَلَسْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ -رضي الله عنه- فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْفِدْيَةِ، فَقَالَ: نَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً وَهْيَ لَكُمْ عَامَّةً. حُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُرَى الْوَجَعَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى. أَوْ مَا كُنْتُ أُرَى الْجَهْدَ بَلَغَ بِكَ مَا أَرَى. تَجِدُ شَاةً؟ فَقُلْتُ: لاَ. فَقَالَ: فَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الرحمن بن الأصبهاني) بفتح الهمزة والموحدة ويجوز كسر الهمزة وإبدال الموحدة فاء وهو عبد الرحمن بن عبد الله (عن عبد الله بن معقل) بفتح الميم وكسر القاف بينهما مهملة ساكنة ابن مقرن بفتح القاف وكسر الراء المشددة التابعي الكوفي وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر (قال: جلست إلى كعب بن عجرة -رضي الله عنه-) أي انتهى جلوسي إليه، وفي رواية مسلم من طريق غندر عن شعبة: وهو في المسجد، وفي رواية أح مد عن بهز: قعدت إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد، وزاد في رواية سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني يعني مسجد الكوفة (فسألته عن الفدية) المذكورة في قوله تعالى: {ففدية من صيام} (فقال: نزلت) أي الآية المرخصة لحلق الرأس (في) بكسر الفاء وتشديد الياء (خاصة وهي لكم عامة) فيه دليل على أن العام إذا ورد على سبب خاص فهو على عمومه لا يخص السبب، ويدل عليه أيضًا على تأكده من السبب حيث لا يسوغ إخراجه بالتخصيص ولهذا قال: نزلت فيّ خاصة (حُملت) بضم الحاء المهملة وكسر الميم المخففة مبنيًّا للمفعول (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والقمل بتناثر على وجهي) جملة حالية (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما كنت أرى) بضم الهمزة أي ما كنت أظن (الوجع بلغ بك ما أرى) بفتح الهمزة أي أبصر بعيني (أو ما كنت أرى) بضم الهمزة أي أظن (الجهد بلغ بك ما أرى) بفتح الجيم أي المشقّة. وقال النووي كعياض عن ابن دريد ضم الجيم لغة في المشقّة أيضًا. وقال صاحب العين: بالضم الطاقة وبالفتح المشقّة وحينئذٍ يتعين الفتح هنا بخلاف قوله في حديث بدء الوحي الماضي حتى بلغ مني الجهد فإنه محتمل للمعنيين كما سبق والشك من الراوي هل قال: الوجع أو الجهد، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يبلغ بصيغة المضارع ثم قال عليه الصلاة والسلام لكعب: (تجد) أي هل تجد (شاة) قال كعب: (فقلت لا) أجد (فقال) بفاء قبل القاف ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر قال: (فصم ثلاثة أيام) بيان لقوله تعالى أو صيام (أو أطعم ستة مساكين) بكسر العين وهو بيان لقوله أو صدقة (لكل مسكين نصف صاع) بنصب نصف. زاد مسلم: نصف صاع كررها مرتين، والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث فهو موافق لرواية الفرق الذي هو ستة عشر رطلاً،

8 - باب النسك شاة

وللطبراني عن أحمد الخزاعي عن أبي الوليد شيخ البخاري: فيه لكل مسكين نصف صاع تمر، ولأحمد عن بهز عن شعبة نصف صاع طعام، ولبشر بن عمر عن شعبة نصف صاع حنطة. ورواية الحكم عن ابن أبي ليلى تقتضي أنه نصف صاع من زبيب. قال الحافظ ابن حجر: المحفوظ عن شعبة نصف صاع من طعام والاختلاف عليه في كونه تمرًا أو حنطة لعله من تصرفات الرواة، وأما الزبيب فلم أره إلا في رواية الحكم وقد أخرجها أبو داود وفي إسنادها ابن إسحاق وهو حجة في المغازي لا في الأحكام إذا خالف، والمحفوظ رواية التمر فقد وقع الجزم بها عند مسلم من طريق أبي قلابة ولم يختلف فيه على أبي قلابة وعرف بذلك قوة قول من قال: لا فرق في ذلك بين التمر والحنطة وأن الواجب ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع اهـ. واستشكل قوله: تجد شاة؟ فقلت: لا. فقال: فصم ثلاثة أيام لأن الفاء تدل على الترتيب والآية وردت للتخيير. وأجيب بأن التمييز إنما يكون عند وجود الشاة وأما عند عدمها فالتخيير بين أمرين لا بين الثلاثة. وقال النووي: ليس المراد أن يصوم لا يجزئ إلا لعادم الهدي بل هو محمول على أنه سأل عن النسك، فإن وجده أخبره بأنه مخير بين الثلاث وإن عدمه فهو مخير بين اثنين. 8 - باب النُّسُكُ شَاةٌ هذا (باب) بالتنوين (النسك) المذكور في قوله تعالى: {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [البقرة: 196] (شاة) وأما ما رواه أبو داود والطبراني وعبد بن حميد وسعيد بن منصور من طرق تدور على نافع أن كعبًا لما أصابه الأذى فحلق فأهدى بقرة فاختلف على نافع في الواسطة الذي بينه وبين كعب، وقد عارضه ما هو أصح منه من أن الهدي الذي أمر به كعب وفعله في النسك إنما هو شاة بل قال الحافظ زين الدين العراقي: لفظ البقرة منكر شاذ. 1817 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَآهُ وَأَنَّهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ القملُ، فَقَالَ: أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا، وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْفِدْيَةَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةٍ، أَوْ يُهْدِيَ شَاةً، أَوْ يَصُومَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ". وبالسند قال: (حدّثنا إسحاقُ) هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم قال: (حدثنا روح) هو ابن عبادة قال: (حدّثنا شبل) بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة بن عباد المكي (عن ابن أبي نجيح) عبد الله المكي (عن مجاهد قال: حدثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رآه وأنه) وفي نسخة ودوابه (يسقط على وجهه) أي القمل فالفاعل محذوف وضمير النصب من قوله رآه عائد على كعب ومن أنه عائد على القمل، وكذا ضمير الرفع المستتر في قوله: يسقط عائد أيضًا على القمل، والضمير من وجهه عائد على كعب والواو للحال. قال الحافط ابن حجر: ولابن السكن وأبي ذر. ليسقط بزيادة لام (فقال): (أيؤذيك هوامك؟ قال: نعم فأمره) عليه الصلاة والسلام (أن يحلق) رأسه (وهو بالحديبية ولم يتبين لهم) أي لم يظهر لمن كان معه عليه الصلاة والسلام في ذلك الوقت (أنهم يحلون) من إحرامهم (بها) أي بالحديبية. (وهم) أي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني: هو أي الرسول عليه الصلاة والسلام (على طمع أن يدخلوا مكة) وهذه الزيادة ذكرها الراوي لبيان أن الحلق كان محظور بسبب الأذى لا لقصد التحلل بالحصر وهو ظاهر، (فأنزل الله) عز وجل (الفدية) المتعلقة بالحلق للأذى في قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه} الآية (فأمره) أي كعبًا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يطعم فرقًا) بفتح الراء والمحدثون يسكنونها وهو ستة عشر رطلاً (بين ستة) من المساكين (أو يهدي شاة) بضم أوله منصوبًا عطفًا على أن يطعم (أو يصوم ثلاثة أيام) بالنصب عطفًا على سابقه. 1818 - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ". مِثْلَهُ. (وعن محمد بن يوسف) الفريابي وهو عطف على قوله: حدّثنا روح فيكون إسحاق رواه عن روح بإسناده وعن محمد بن يوسف قال: (حدّثنا ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري (عن ابن أبي نجيح) عبد الله (عن مجاهد قال: أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت: حدثني من التحديث بالإفراد (عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رآه وقمله يسقط على وجهه مثله) بالنصب أي مثل الحديث المذكور، والواو في قوله وقمله للحال. وفي الحديث أن

9 - باب قول الله تعالى: {فلا رفث} [البقرة: 197]

السنة مبينة لمجمل القرآن لإطلاق الفدية فيه وتقييدها بالسنة وتحريم حلق الرأس على المحرم والرخصة له في حلقها إذا آذاه القمل أو غيره من الأوجاع. واستنبط منه بعض المالكية إيجاب الفدية على من تعمد حلق رأسه بغير عذر فإن إيجابها على المعذور من التنبيه بالأدنى على الأعلى، لكن لا يلزم من ذلك التسوية بين المعذور وغيره، ومن ثم قال الشافعي: لا يتخير العامد بل يلزمه الدم. 9 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلاَ رَفَثَ} [البقرة: 197] (باب قول الله تعالى: ({فلا رفث}). 1819 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان مولى عزة الأشجعية، ولغير أبي الوقت: سمعت أبا حازم وفيه تصريح منصور بسماعه له من أبي حازم في رواية شعبة، وقد انتفى بذلك تعليل من أعله بالاختلاف على منصور لأن البيهقي أورده من طريق إبراهيم بن طهمان عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي حازم زاد فيه رجلاً، فإن كان إبراهيم حفظه فلعله حمله عن هلال ثم لقي أبا حازم فسمعه منه فحدث به على الوجهين، وصرح أبو حازم بسماعه له من أبي هريرة كما تقدم في أوائل الحج من طريق شعبة عن سيار عن أبي حازم (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من حج) أي قصد (هذا البيت) الحرام لحج أو عمرة، ولمسلم، من أتى هذا البيت لحاضر فالظاهر أنه عليه الصلاة والسلام قاله: وهو بمكة (فلم يرفث) بتثليث الفاء والضم المشهور في الرواية واللغة وبالفتح الاسم وبالسكون المصدر والمعنى فلم يجامع أو لم يأت بفحش من الكلام ولم يفسق لم يخرج عن حدود الشرع بالسباب وارتكاب المحظورات، والفاء في قوله فلم والواو في قوله ولم عطف على الشرط في قوله: من حج، وجوابه قوله: (رجع) حال كونه (كما) أي مشابهًا لنفسه في البراءة من الذنوب صغائرها أو كبائرها في يوم (ولدته أمه) إلا في حق آدمي إذ هو محتاج لاسترضائه: نعم إذا رضي تعالى عن عبده أرضى عنه خصماءه، وفي نسخة: كيوم ولدته أمه. 10 - باب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] (باب) قول الله عز وجل: ({ولا فسوق ولا جدال في الحج}) [البقرة: 197] برفع فسوق منونًا كلا رفث لابن كثير وأبي عمرو ويعقوب، ووافقهم أبو جعفر وزاد رفع جدال على أن لا ملغاة وما بعدها رفع بالابتداء وسوّغ الابتداء بالنكرة تقدم النفي عليها وفي الحج خبر المبتدأ الثالث وحذف خبر المبتدأ الأول والثاني لدلالة الثالث عليهما، وقرأ الباقون بالفتح في الثلاثة على أن لا هي التي للتبرئة وهل فتحة الاسم فتحة إعراب أو بناء الجمهور على الثاني. 1820 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) هو الثوري كما نص عليه البيهقي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي حازم) بالحاء والزاي سلمان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي): ولأبي الوقت: قال رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق) قال في القاموس: الفسق الترك لأمر الله والعصيان والخروج عن طريق الحق أو الفجور كالفسوق وفسق جار وعن أمر ربه خرج والرطبة عن قشرها خرجت كانفسقت، قيل: ومنه الفاسق لانسلاخه عن الخير (رجع) والحال أنه (كيوم ولدته أمه) عاريًا من الذنوب أو رجع بمعنى صار والظرف خبره وميمه مفتوحة ويجوز كسرها وهو الذي في اليونينية، ولم يذكر في الحديث الجدال اعتمادًا على ما في الآية أو لأن المجادلة ارتفعت بين العرب وقريش في موضع الوقوف بعرفة والمزدلفة فأسلمت قريش وارتفعت المجادلة ووقف الكل بعرفة. بسم الله الرحمن الرحيم 28 - كتاب جزاء الصيد 1 - باب جزاء الصيد ونحوه 1 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة: 95]. (بسم الله الوحمن الرحيم). (باب جزاء الصيد) إذا باشر المحرم قتله (ونحوه) كتنفير صيد الحرم وعضد شجره (وقول الله تعالى) ({لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم}) [المائدة: 95] كذا ثبتت البسملة وتاليها لأبي ذر ولغيره باب قول الله تعالى: ({لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم}) أي محرمون، ولعله ذكر القتل دون الذبح للتعميم وأراد بالصيد ما يؤكل لحمه لأنه الغالب فيه عرفًا ({ومن قتله منكم متعمدًا) ذاكرًا لإحرامه عالمًا بأنه

2 - باب إذا صاد الحلال فأهدى للمحرم الصيد أكله

حرام عليه ({فجزاء مثل ما قتل من النعم}) برفع جزاء من غير تنوين وخفض مثل على أن جزاء مصدر مضاف لمفعوله تخفيفًا، والأصل فعليه أن يجزي المقتول من الصيد مثله من النعم، ثم حذف الأول لدلالة الكلام عليه وأضيف المصدر إلى ثانيهما أو أن مثل مقحمة كقولهم: مثلك لا يفعل ذلك أي أنت لا تفعل ذلك وهذه قراءة نافع وابن كثير وابن عامر وأبي جعفر وقراءة الآخرين (فجزاء) بالرفع منونًا على الابتداء والخبر محذوف تقديره فعليه جزاء أو أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره فالواجب جزاء أو فاعل محذوف تقديره فيلزمه أو يجب عليه، (ومثل) بالرفع صفة لجزاء أي فعليه جزاء موصوف بكونه مثل ما قتل أي مماثله، والذي عليه الجمهور من السلف والخلف أن جزاء العامد والناسي سواء في وجوب الجزاء عليه فالقرآن دل على وجوب الجزاء على التعمد وعلى تأثيمه بقوله تعالى: ({لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ}) [المائدة: 95] وجاءت السنة من أحكام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ كما دل الكتاب عليه في العمد، وأيضًا فإن قتل الصيد إتلاف والإتلاف مضمون في العمد والنسيان لكن التعمد مأثوم والمخطئ غير مأثوم، وهذه المماثلة باعتبار الخلقة والهيئة عند مالك والشافعي والقيمة عند أبي حنيفة ({يحكم به}) أي بالجزاء ({ذوا عدل}) رجلان صالحان، فإن الأنواع تتشابه ففي النعامة بدنة وفي حمار الوحش بقرة ({منكم}) من المسلمين ({هديًا}) حال من ضمير به ({بالغ الكعبة}) صفة هديًا والإضافة لفظية أي واصلاً إليه بأن يذبح فيه ويتصدق به ({أو كفارة}) عطف على جزاء ({طعام مساكين}) بدل منه أو تقديره هي طعام، وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر {كفارة} بغير تنوين طعام بالخفض على الإضافة لأن الكفارة لما تنوعت إلى تكفير بالطعام وتكفير بالجزاء المماثل وتكفير بالصيام حسن أضافتها لأحد أنواعها تبيينًا لذلك والإضافة تكون لأدنى ملابسة، ولا خلاف في جمع مساكين هنا لأنه لا يطعم في قتل الصيد مسكين واحد بل جماعة مساكين، وإنما اختلفوا في موضع البقرة لأن التوحيد يراد به عن كل يوم والجمع يراد به عن أيام كثيرة ({أو عدل ذلك صيامًا}) أي أو ما ساواة من الصوم فيصوم عن طعام كل مسكين يومًا وهو في الأصل مصدر أطلق للمفعول ({ليذوق وبال أمره}) ثقل أمره وجزاء معصيته أي أوجبنا ذلك ليذوق ({عفا الله عما سلف}) قبل التحريم ({ومن عاد}) إلى مثل هذا ({فينتقم الله منه}) في الآخرة أي: فهو ينتقم الله منه وعليه مع ذلك الكفارة ({والله عزيز ذو انتقام}) على المصرّ بالمعاصي ({أحل لكم صيد البحر}) مما لا يعيش إلا في الماء في جميع الأحوال ({وطعامه}) ما يتزود منه يابسًا مالحًا أو ما قذفه ميتًا ({متاعًا لكم وللسيارة}) منفعة للمقيم والمسافر وهو مفعول له ({وحرم عليكم صيد البر}) ما صيد فيه أو المراد بالصيد في الموضعين فعله، فعلى الأول يحرم على المحرم ما صاده الحلال وإن لم يكن له فيه مدخل والجمهور على حله ({ما دمتم حرمًا}) محرمين ({وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}) [المائدة: 96] وفي رواية أبي ذر ما لفظه من النعم إلى قوله: {واتقوا الله الذي إليه تحشرون} وسبب نزول هذه الآية كما حكاه مقاتل في تفسيره أن أبا اليسر بفتح المثناة التحتية والمهملة قتل حمار وحش وهو محرم في عمرة الحديبية فنزلت، ولم يذكر المصنف في رواية أبي ذر حديثًا في هذه الترجمة إشارة إلى أنه لم يثبت على شرطه في جزاء الصيد حديث مرفوع، وفي رواية غير أبي ذر هنا باب بالتنوين: إذا صاد الحلال صيدًا فأهدى للمحرم الصيد أكله المحرم. قال: العيني كالحافظ ابن حجر: هذه الترجمة هكذا ثبتت في رواية أبي ذر، وسقطت في رواية غيره وجعلوا ما ذكر في هذا الباب من جملة الباب الذي قبله اهـ. والذي في الفرع يقتضي أن لفظ الباب هو الساقط فقط دون الترجمة فإنه كتب قبل إذا واوًا للعطف ورقم عليها علامة الثبوت لأبوي ذر والوقت، وكذا رأيته في بعض الأصول المعتمدة وإذا صاد الحلال إلى آخر قوله أكله. 2 - باب إِذَا صَادَ الْحَلاَلُ فَأَهْدَى لِلْمُحْرِمِ الصَّيْدَ أَكَلَهُ وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ بِالذَّبْحِ بَأْسًا. وَهُوَ غَيْرُ الصَّيْدِ، نَحْوُ الإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالدَّجَاجِ وَالْخَيْلِ يُقَالُ عَدْلُ ذَلِكَ: مِثْلُ. فَإِذَا كُسِرَتْ عِدْلٌ فَهُوَ زِنَةُ ذَلِكَ. قِيَامًا: قِوَامًا. يَعْدِلُونَ: يَجْعَلُونَ عَدْلاً. (ولم ير ابن

عباس) مما وصله عبد الرزاق (وأنس) مما وصله ابن أبي شيبة -رضي الله عنهم- (بالذبح) أي بذبح المحرم (بأسًا) وظاهره العموم فيتناول الصيد وغيره لكن بين المؤلّف أنه خاص بالثاني حيث قال: (وهو) أي بالذبح (غير الصيد) ولأبي ذر: في غير الصيد (نحو الإبل والغنم والبقر والدجاج والخيل). وهذا قاله المؤلّف تفقهًا وهو متفق عليه فيما عدا الخيل فإنه مخصوص بمن يبيح أكلها (يقال: عدل) بفتح العين (مثل) بكسر الميم وبهذا فسره أبو عبيد في المجاز ولأبي الوقت: عدل ذلك مثل (فإذا كسرت) بضم الكاف أي العين (عدل) وفي بعض الأصول المعتمدة: فإذا كسرت بفتح الكاف وباء الخطاب عدلاً بالنصب على المفعولية وفتح العين (فهو زنة ذلك) أي موازنة في القدر (قيامًا) في قوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 97] أي (قوامًا) بكسر القاف أي يقوم به أمر دينهم ودنياهم أو هو سبب انتعاشهم في أمر معاشهم ومعادهم يلوذ به الخائف ويأمن فيه الضعيف ويربح فيه التجار ويتوجه إليه الحجاج والعمار (يعدلون) في قوله: {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} [الأنعام: 1] بالأنعام أي (يجعلون) له (عدلاً) بفتح العين، ولأبي ذر أي مثلاً تعالى الله عن ذلك ولغيره عدلاً بكسرها. وقال البيضاوي: والمعنى أن الكفار يعدلون بربهم الأوثان أي يسوونها به ومناسبة ذكر هذا هنا كونه من مادة قوله تعالى: {أو عدل ذلك} [المائدة: 95] بالفتح أي مثله وما ذكر جميعه مطابق ترجمة الباب السابق وليس مناسبًا للترجمة الأخرى. 1821 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: "انْطَلَقَ أَبِي عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ يُحْرِمْ. وَحُدِّثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ عَدُوًّا يَغْزُوهُ، فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَصْحَابِهِ يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ، وَاسْتَعَنْتُ بِهِمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي. فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهِ، وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ، فَطَلَبْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وَأَسِيرُ شَأْوًا، فَلَقِيتُ رَجُلاً مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، قُلْتُ: أَيْنَ تَرَكْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: تَرَكْتُهُ بِتَعْهِنَ، وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا. فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَهْلَكَ يَقْرَءُونَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يُقْتَطَعُوا دُونَكَ، فَانْتَظِرْهُمْ. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ حِمَارَ وَحْشٍ وَعِنْدِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ. فَقَالَ لِلْقَوْمِ: كُلُوا. وَهُمْ مُحْرِمُونَ". [الحديث 1821 - أطرافه في: 1822، 1823، 1824، 2570، 2854، 2914، 4149، 5406، 5407، 5490، 5491، 5492]. وبالسند قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والصاد المعجمة واللام الزهراني قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن عبد الله بن أبي قتادة قال: انطلق أبي) أبو قتادة الحرث بن ربعي الأنصاري (عام الحديبية) في عمرتها وهذا أصح من رواية الواحدي من وجه آخر عن عبد الله بن أبي قتادة أن ذلك كان في عمرة القضية (فأحرم أصحابه) أي أصحاب أبي قتادة (ولم يحرم) أبو قتادة لاحتمال أنه لم يقصد نسكًا إذ يجوز دخول الحرم بغير إحرام لمن لم يرد حجًّا ولا عمرة كما هو مذهب الشافعية، وأما على مذهب الأئمة الثلاثة القائلين بوجوب الإحرام فاحتجوا له بأن أبا قتادة إنما لم يحرم لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أرسله إلى جهة أخرى ليكشف أمر عدوّ في طائفة من الصحابة كما قال: (وحدث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الحاء وكسر الدال المشددة مبنيًا للمفعول (أن عدوًا) له من المشركين (يغزوه) زاد في حديث الباب اللاحق بغيقة فتوجّهنا نحوهم، أي بأمره عليه الصلاة والسلام. قلت: لكن يعكر على هذا أن في حديث سعيد بن منصور من طريق المطلب عن أبي قتادة أن خبر العدو أتاهم حين بلوغهم الروحاء ومنها وجههم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والروحاء على أربعة وثلاثين ميلاً من ذي الحليفة ميقات إحرامهم، فهذا صريح في أن خبر العدو أتاهم بعد مجاوزة الميقات. ويؤيده قوله في حديث الباب اللاحق فأحرم أصحابه ولم أحرم فأنبئنا بعدو بغيقة فتوجهنا فعبر بالفاء المقتضية لتأخير الأنباء عن الإحرام وحينئذ فلا دلالة فيه على ما ذكر. وقال الأثرم: إنما جاز لأبي قتادة ذلك لأنه لم يخرج يريد مكة لأني وجدت في رواية من حديث أبي سعيد فيها خرجنا مع رسول الله -صلّى الله عليه وسل- فأحرمنا فلما كنا بمكان كذا إذا نحن بأبي قتادة وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثه في وجه الحديث اهـ. وفي صحيح ابن حبان والبزار والطحاوي من طريق عياض بن عبد الله عن أبي سعيد قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبا قتادة على الصدقة وخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه وهم محرمون حتى نزلوا بعسفان فإذا هم بحمار وحش قال: وجاء أبو قتادة وهو حل الحديث. وهذا ظاهره يخالف ما في البخاري على ما لا يخفى لأن قوله: بعث يقتضي أنه لم يكن -خرج مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المدينة، لكن يحتمل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه لحقوا أبا قتادة في بعض الطريق قبل الروحاء فلما بلغوها وأتاهم خبر العدو وجهه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جماعة لكشف الخبر. (فانطلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لمقصده

الذي خرج له ولحق أبو قتادة وأصحابه به عليه الصلاة والسلام قال أبو قتادة: (فبينما) بالميم وللكشميهي: فبينا (أنا مع أصحابي) والذي في الفرع وأصله: فبينا أبي مع أصحابه فيكون من قول ابن أبي قتادة حال كونهم (يضحك بعضم إلى بعض) أي منتهيًا أو ناظرًا إليه، ويضحك فعل مضارع كذا لأبي الوقت ولغيره فضحك بالفاء بدل الياء والفعل ماض، وفي الفرع تضحك بمثناة فوقية وفتح الضاد وتشديد الحاء من التفعل، وإنما كان ضحكهم تعجبًا من عروض الصيد مع عدم تعرضهم له لا إشارة منهم، ولا دلالة لأبي قتادة على الصيد. وفي حديث أبي قتادة السابق: وجاء أبو قتادة وهو حل فنكسوا رؤوسهم كراهية أن يحدّوا أبصارهم له فيفطن فيراه، وفي رواية حديث الباب التالي فبصر أصحابي بحمار وحش فجعل بعضهم يضحك إلى بعض. زاد في رواية أبي حازم: وأحبوا أني لو أبصرته، (فنظرت فإذا أنا بحمار وحش) بالإضافة وفيه على رواية فبينا أبى التفات إذ كان مقتضاها أن يقول فنظر، وفي رواية محمد بن جعفر فقمت إلى الفرس فأسرجته فركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح فقالوا: لا والله لا نعينك عليه بشيء فغضبت فنزلت فأخذتهما ثم ركبت، (فحملت عليه) أي على الحمار الوحشي (فطعنته فأثبته) بالمثلثة ثم بالموحدة ثم بالمثناة أي جعلته ثابتًا في مكانه لا حراك به (واستعنت بهم) في حمله (فأبوا أن يعينوني) في رواية أبي النضر فأتيت إليهم فقلت لهم: قوموا فاحملوا، فقالوا: لا نمسه فحملته حتى جئتهم به (فأكلنا من لحمه) - وفي رواية فضيل عن أبي حازم: فأكلوا فندموا، وفي رواية محمد بن جعفر عن أبي حازم فوقعوا يأكلون منه ثم أنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم فرحنا وخبأت العضد معي، وفي رواية مالك عن أبي النضر فأكل منه بعضهم وأبى بعضهم. (وخشينا أن نقتطع) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول، وفي رواية علي بن المبارك عن يحيى عند أبي عوانة: وخشينا أن يقتطعنا العدوّ أي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكونه سبقهم وتأخروا هم للراحة بالقاحة الموضع الذي وقع به صيد الحمار كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وفي رواية أبي النضر الآتية إن شاء الله تعالى في الصيد فأبى بعضهم أن يأكل فقلت أنا أستوقف لكم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأدركته فحدثته الحديث، فمفهوم هذا أن سبب إسراع أبي قتادة لإدراكه عليه الصلاة والسلام أن يستفتيه عن قضية أكل الحمار، ومفهوم حديث أبي عوانة أنه لخشيته على أصحابه إصابة العدو قال في الفتح: ويمكن الجمع بأن يكون ذلك بسبب الأمرين. (فطلبت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرفع) بضم الهمزة وفتح الراء وكسر الفاء المشددة، وفي بعض الأصول أرفع بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الفاء (فرسي) أي أكلفه السير الشديد (شأوًا) بفتح الشين المعجمة وسكون الهمزة ثم واو أي تارة (وأسير) بسهولة (شأوًا) أي أخرى (فلقيت رجلاً من بني كفار) بكسر الغين المعجمة ولم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه (في جوف الليل قلت) له (أين تركت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: تركته بتعهن) بموحدة مكسورة فمثناة فوقية مفتوحة فعين مهملة ساكنة فهاء مكسورة ثم نون لأبي ذر، وللكشميهني: بتعهن بكسر الفوقية والهاء. وقال في القاموس: وتعهن مثلثة الأول مكسورة الهاء وفي فرع اليونينية وأصلها ضمة فوق الهاء بالحمرة تحت الفتحة وهي عين ماء على ثلاثة أميال من السقيا. (وهو) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قايل السقيا) بضم السين المهملة وإسكان القاف ثم مثناة تحتية مفتوحة مقصور قرية جامعة بين مكة والمدينة وهي من أعمال الفرع بضم الفاء وسكون الراء آخره عين مهملة. وقايل بالمثناة التحتية من غير همز كما في الفرع وصحيح عليه وفي غيره بالهمزة. وقال النووي: روي بوجهين أصحهما وأشهرهما بهمزة بين الألف واللام من القيلولة أي تركته بتعهن وفي عزمه أن يقتل بالسقيا ومعنى قايل

3 - باب إذا رأى المحرمون صيدا فضحكوا ففطن الحلال

سيقيل والوجه الثاني قابل بالموحدة وهو ضعيف وغريب وتصحيف وإن صح فمعناه أن تعهن موضع مقابل السقيا. وقال في المفهم: وتبعه في التنقيح وهو قائل اسم فاعل من القول ومن القائلة أيضًا والأول هو المراد هنا والسقيا مفعول بفعل مضمر كأنه كان بتعهن وهو يقول لأصحابه اقصدوا السقيا. قال في المصابيح: يصح كل من الوجهين أي القول والقائلة فإنه أدركه في وقت قيلولته وهو عازم على المسير إلى السقيا إما بقرينة حالية أو مقالية ولا مانع من ذلك أصلاً. اهـ. فليتأمل قوله: فإنه أدركه وقت قيلوته فإن لقي أبي قتادة الغفاري كان في جوف الليل، وقصة الحمار كانت بالقاحة كما سيأتي إن شاء الله تعالى بعد باب وهي على نحو ميل من السقيا إلى جهة المدينة، فالظاهر أن لقي الغفاري له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما كان ليلاً لا نهارًا. قال أبو قتادة: فسرت فأدركته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقلت: يا رسول الله إن أهلك) أي أصحابك كما في رواية مسلم، وأحمد (يقرؤون عليك السلام ورحمة الله إنهم قد خشوا) بكسر همزة أن، وفي حديث الباب اللاحق وأنهم بالواو وخشوا بفتح الخاء وضم الشين المعجمتين (أن يقتطعوا) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول أي يقتطعهم العدو (دونك فانتظرهم) بصيغة الأمر من الانتظار أي انتظر أصحابك زاد في رواية الباب اللاحق ففعل. (قلت يا رسول الله أصبت حمار وحش وعندي منه) قطعة فضلت منه فهي (فاضلة) بألف بين الفاء والضاد المعجمة أي باقية (فقال): عليه الصلاة والسلام (للقوم): (كلوا) أي من الفضلة (وهم محرمون) والأمر بالأكل للإباحة، وفي رواية أبي حازم المنبه عليها في هذا الباب إشارة إلى أن تمني المحرم أن يقع من الحلال الصح ليأكل الحرم منه لا يقدح في إحرامه. وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الحج والهبة والأطعمة والمغازي والجهاد والذبائح، ومسلم في الحج وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، وسياق عبد الله له هنا يقتضي كونه مرسلاً حيث قال: انطلق أبي عام الحديبية. 3 - باب إِذَا رَأَى الْمُحْرِمُونَ صَيْدًا فَضَحِكُوا فَفَطِنَ الْحَلاَلُ هذا (باب) بالتنوين (إذا رأى المحرمون صيدا) وفيهم رجل حلال (فضحكوا) تعجبًا من عروض الصيد مع عدم التعرض له مع قدرتهم على صيده (ففطن الحلال) بفتح الطاء وكسرها أي فهم لا يكون ضحكهم إشارة منهم إلى الحلال بالصيد حتى إذا اصطاد ذلك الحلال الصيد لا يلزم المحرمين الذين ضحكوا شيء. 1822 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ: "انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ، فَأُنْبِئْنَا بِعَدُوٍّ بِغَيْقَةَ، فَتَوَجَّهْنَا نَحْوَهُمْ، فَبَصُرَ أَصْحَابِي بِحِمَارِ وَحْشٍ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ، فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُهُ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ الْفَرَسَ، فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ، فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي، فَأَكَلْنَا مِنْهُ. ثُمَّ لَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ، أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وَأَسِيرُ عَلَيْهِ شَأْوًا. فَلَقِيتُ رَجُلاً مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: تَرَكْتُهُ بِتَعْهِنَ، وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا. فَلَحِقْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَصْحَابَكَ أَرْسَلُوا يَقْرَءُونَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ وَبَرَكَاتِهِ، وَإِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يَقْتَطِعَهُمُ الْعُدُوُّ دُونَكَ، فَانْظُرْهُمْ، فَفَعَلَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا اصَّدْنَا حِمَارَ وَحْشٍ، وَإِنَّ عِنْدَنَا فَاضِلَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَصْحَابِهِ: كُلُوا، وَهُمْ مُحْرِمُونَ". وبالسند قال: (حدّثنا سعيد بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة وسكون المثناة التحتية الهروي نسبة لبيع الثياب الهروية قال: (حدّثنا علي بن المبارك) النهائي (عن يحيى) بن أي كثير (عن عبد الله بن أبي قتادة أن أباه) أبا قتادة الحرث بن ربعي (حدثه، قال: انطلقنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم) أنا (فأنبئنا) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول أي أخبرنا (بعدوّ) للمسلمين (بغيقة) بغين معجمة فمثناة تحتية ساكنة فقاف مفتوحة موضع من بلاد بني غفار بين الحرمين. وقال في القاموس موضع بظهر حرة النار لبني ثعلبة بن سعد، (فتوجّهنا نحوهم) بأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما رجعنا إلى القاحة (فبصر) بضم الصاد المهملة (أصحابي) الذين كانوا معي في كشف العدو (بحمار وحش) ولأبي ذر عن الكشميهني: فنظر أصحابي لحمار وحش بالنون والظاء المعجمة المفتوحتين من النظر ولحمار باللام بدل الموحدة كذا في فرع اليونينية وغيره، فقول العيني كالحافظ ابن حجر فعلى هذه الرواية أي رواية نظر بالنون والظاء المشالة دخول الباء في بحمار مشكل. وأجاب: بأن يكون ضمن نظر معنى بصر أو الباء بمعنى إلى على مذهب من يقول أن الحروف ينوب بعضها عن بعض يدل على أنه لم يستحضر إذ ذاك كونها باللام في الرواية المذكورة. قال في الفتح: وقد بين محمد بن جعفر في روايته عن أبي حازم عن عبد الله بن أبي قتادة كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الهبة أن قصة صيده الحمار كانت بعد أن اجتمعوا بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه ونزلوا في بعض المنازل ولفظه: كنت يومًا جالسًا مع رجال من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ

4 - باب لا يعين المحرم الحلال في قتل الصيد

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في منزل في طريق مكة ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نازل أمامنا والقوم محرمون وأنا غير محرم، وبين في هذه الرواية السبب الموجب لرؤيتهم إياه دون أبي قتادة بقوله: فأبصرته حمارًا وحشيًا وأنا مشغول أخصف نعلي فلم يؤذنوني به وأحبوا لو أني أبصرته والتفت فأبصرته، ووقع في حديث أبي سعيد عند ابن حبان وغيره أن ذلك وهم بعسفان وفيه نظر، والصحيح أن ذلك كان بالقاحة كما سيأتي إن شاء الله تعالى بعد باب ومرّ. (فجعل بعضهم يضحك إلى بعض) تعجبًا لا إشارة (فنظرت فرأيته، فحملت عليه الفرس فطعنته فأثبته) أي حبسته مكانه (فاستعنتهم) في حمله (فأبوا أن يعينوني) فحملته حتى جئت به إليهم (فأكلنا منه ثم لحقت برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) الحال أنا (خشينا أن نقتطع) أي يقطعنا العدو دونه عليه الصلاة والسلام حال كوني (أرفع) بضم الهمزة وتشديد الفاء المكسورة وبفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الفاء، وهو الذي في اليونينية ليس إلا أي أكلف (فرسي شأوًا) دفعة (وأسير عليه) بسهولة (شأوًا) أخرى (فلقيت رجلاً من بني غفار في جوف الليل، فقلت أين) ولأبي الوقت فقلت له: أين (تركت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال: تركته بتعهن) بفتح التاء والهاء وبكسرهما وبفتح فكسر وفي الفرع وأصله ضم الهاء أيضًا كما مر قال القاضي عياض: هي عين ماء على ثلاثة أميال من السقيا بطريق مكة (وهو) عليه الصلاة والسلام (قائل السقيا) بضم السين مقصور، وقائل: بالتنوين كالسابقة أي قال: اقصدوا السقيا أو من القيلولة أي تركته بتعهن وعزمه أن يقيل بالسقيا، (فلحقت برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أتيته فقلت: يا رسول الله إن أصحابك أرسلوا يقرؤون عليك السلام ورحمة الله) زاد في رواية غير أبوي ذر والوقت: وبركاته (وإنهم قد خشوا أن يقتطعهم العدو دونك فانظرهم) بهمزة وصل وظاء معجمة أي انتظرهم (ففعل) ما سأله من انتظارهم (فقلت: يا رسول الله إنا أصدنا حمار وحش) بهمزة وصل وتشديد اصاد أصله اصتدنا من باب الافتعال قلبت التاء صادًا وأدغمت الصاد في الصاد وأخطأ من قال أصله اصطدنا فأبدلت الطاء مثناة وأدغمت، وفي نسخة: أصدنا بفتح الهمزة وتخفيف الصاد (وإن عندنا منه) قطعة (فاضلة) فضلت منه (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه). (كلوا) من القطعة الفاضلة (وهم محرمون). 4 - باب لاَ يُعِينُ الْمُحْرِمُ الْحَلاَلَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ هذا (باب) بالتنوين (لا يعين المحرم الحلال في قتل الصيد) بفعل ولا قول. 1823 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ -رضي الله عنه- قَالَ "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْقَاحَةِ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلاَثٍ" ح. وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي الوقت: حدثني (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا صالح بن كيسان) مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز، ولأبي الوقت: عن صالح بن كيسان (عن أبي محمد) أنه (سمع أبا قتادة) ولغير أبوي ذر والوقت عن أبي محمد نافع مولى أبي قتادة سمع أبا قتادة، وفي رواية مسلم عن صالح سمعت أبا محمد مولى أبي قتادة ولم يكن مولى أي لأبي قتادة، وعند ابن حبان هو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية ونسب لأبي قتادة لكثرة لزومه له وقيامه بمهماته من باب الخدمة حتى صار كأنه مولاه وحينئذ فيكون من باب المجاز (قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالقاحة) بالقاف والحاء المهملة المخففة بينهما ألف وهي (من المدينة على ثلاث) من المراحل قبل السقيا بنحو ميل، وقد سبق أن الروحاء هي الموضع الذي ذهب أبو قتادة منه إلى جهة العدو ثم التقوا بالقاحة وبها وقع الصيد المذكور (ح) لتحويل السند. وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْقَاحَةِ، وَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ"، فَرَأَيْتُ أَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا، فَنَظَرْتُ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ -يَعْنِي وَقَعَ سَوْطُهُ- فَقَالُوا: لاَ نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَىْءٍ، إِنَّا مُحْرِمُونَ، فَتَنَاوَلْتُهُ فَأَخَذْتُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ الْحِمَارَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَعَقَرْتُهُ، فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَأْكُلُوا. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ أَمَامَنَا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: كُلُوهُ حَلاَلٌ" قَالَ لَنَا عَمْرٌو: اذْهَبُوا إِلَى صَالِحٍ فَسَلُوهُ عَنْ هَذَا وَغَيْرِهِ وَقَدِمَ عَلَيْنَا هَا هُنَا. قال المؤلّف بالسند السابق: (وحدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا صالح بن كيسان) عن أبي محمد نافع المذكور (عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالقاحة ومنا المحرم ومنا غير المحرم) يحتمل أن يقال لا منافاة بين قوله هنا ومنا غير المحرم وبين ما سبق مما يقتضي انحصار عدم الإحرام في أبي قتادة فقد يريد بقوله: ومنا غير المحرم نفسه فقط بدليل

5 - باب لا يشير المحرم إلى الصيد لكى يصطاده الحلال

الأحاديث الدالة على الانحصار (فرأيت أصحاب يتراءون شيئًا) يتفاعلون من الرؤية (فنظرت فإذا حمار وحش) بالإضافة وإذا للمفاجأة (يعني وقع سوطه) ولابن عساكر: فوقع وهو من كلام الراوي تفسير لما يدل عليه قوله (فقالوا: لا نعينك عليه) أي على أخذ السوط حين وقع (بشيء) كذا قرر البرماوي كالكرماني، وعند أبي عوانة عن أبي داود الحراني عن علي بن المديني في هذا الحديث فإذا حمار وحش فركبت فرسي وأخذت الرمح السوط فسقط مني السوط فقلت: ناولوني فقالوا: لا نعينك عليه بشيء (إنا محرمون) والمحرم تحرم عليه الإعانة على قتل الصيد (فتناولته) أي السوط بشيء (فأخذته ثم أتيت الحمار من وراء كمة) بفتحات تلّ من حجر واحد (فعقرته) أي قتلته وأصله ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم فتوسع فيه فاستعمل في مطلق القتل والإهلال وفيه أن عقر الصيد ذكاته (فأتيت به أصحابي فقال): ولأبي الوقت قال: (بعضهم: كلوا) منه (وقال بعضهم: لا تأكلوا) سبق من هذا الوجه أنهم أكلوا، والظاهر أنهم أكلوا أول ما أتاهم به، ثم طرأ عليهم كما في لفظ عثمان بن موهب في الباب الذي يليه فأكلنا من لحمها ثم قلنا: أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟ وفي حديث أبي سعيد: فجعلوا يشوون منه ثم قالوا: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أظهرنا (فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو أمامنا) بفتح الهمزة ظرف مكان أي قدامنا (فسألته) هل يجوز أكله للمحرم؟ (فقال): (كلوه) هو (حلال) وفي رواية: كلوه حلالاً بالنصب أي أكلاً حلالاً. قال سفيان: (قال لنا عمرو) هو ابن دينار: (اذهبوا إلى صالح) أي ابن كيسان (فسلوه) بفتح السين من غير همز (عن هذا وغيره وقدم) صالح (علينا) من المدينة (هاهنا) يعني مكة، فدلّ عمر وأصحابه ليسمعوا منه هذا وغيره والغرض بذلك تأكيد ضبطه وكيفية سماعه له من صالح. وهذا الحديث هو لفظ رواية عليّ بن المديني. قال في الفتح: وهذه عادة المصنف غالبًا إذا حوّل الإسناد ساق المتن على لفظ الثاني اهـ. 5 - باب لاَ يُشِيرُ الْمُحْرِمُ إِلَى الصَّيْدِ لِكَىْ يَصْطَادَهُ الْحَلاَلُ هذا (باب) بالتنوين (لا يشير المحرم إلى الصيد لكي يصطاده الحلال) اللام في لكي للتعليل وكي بمنزلة أن المصدرية معنى وعملاً، ويؤيده صحة حلول أن محلها وأنها لو كانت حرف تعليل لم يدخل عليها حرف تعليل ومن ذلك قوله تعالى: {لكيلا تأسوا} [الحديد: 23] وقولك: جئتك كي تكرمني، وقوله تعالى: {كيلا يكون دولة} [الحشر: 7] إذا قدرت اللام قبلها فإن لم تقدر فهي تعليلية جارة ويجب حينئذ إضمار أن بعدها قاله ابن هشام وتعقبه البدر الدماميني بأن خصوصية التعليل هنا لغو ولو قال إذ لو كانت حرف جر لم يدخل عليها حرف جر لكان مستقيمًا وسلم من ذلك. 1824 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ -هُوَ ابْنُ مَوْهَبٍ- قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجُوا مَعَهُ، فَصَرَفَ طَائِفَةً مِنْهُمْ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ فَقَالَ: خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ حَتَّى نَلْتَقِيَ، فَأَخَذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إِلاَّ أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ. فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ، فَحَمَلَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَى الْحُمُرِ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا، فَنَزَلُوا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا وَقَالُوا: أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ؟ فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِ الأَتَانِ. فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا أَحْرَمْنَا، وَقَدْ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ، فَرَأَيْنَا حُمُرَ وَحْشٍ، فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا، فَنَزَلْنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا، ثُمَّ قُلْنَا: أَنَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ؟ فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا. قَالَ: أمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا". وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري قال: (حدّثنا عثمان هو ابن موهب) بفتح الميم والهاء بينهما واو ساكنة ونسبه لجده لشهرته به وأبوه عبد الله بن موهب التيمي المدني التابعي (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن أبي قتادة) السلمي بفتح السين المهملة (أن أباه أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج حاجًا) أي معتمرًا فهو من المجاز الشائع لأن ذلك إنما كان في عمرة الحديبية كما جزم به يحيى بن أبي كثير وهو المعتمد، وأيضًا فالحج في الأصل قصد البيت فكأنه قال: خرج قاصدًا للبيت، ولذا يقال للعمرة: الحج الأصغر، وقد أخرج البيهقي الحديث من رواية محمد بن أبي بكر المقدمي عن أبي عوانة بلفظ: خرج حاجًا أو معتمرًا فتبين أن الشك فيه من أبي عوانة كذا قرره ابن حجر وغيره. وتعقبه العيني فقال: لا نسلم أنه من المجاز فإن المجاز لا بد له من علاقة وما العلاقة هنا. وكون الحج في الأصل قصد ألا يكون علاقة لجواز ذكر الحج وإرادة العمرة فإن كل فعل مطلقًا لا بدّ فيه من معنى القصد، وقد شك أبو عوانة والشك لا يثبت ما ادعاه من المجاز اهـ. فلعل الراوي أراد خرج محرمًا فعبر عن الإحرام بالحج غلطًا كما قاله الإسماعيلي. (فخرجوا معه) عليه الصلاة

والسلام حتى بلغوا الروحاء وهي من ذي الحليفة على أربعة وثلاثين ميلاً فأخبروه أن عدوًّا من المشركين بوادي غيقة يخشى منهم أن يقصدوا غزوه، (فصرف) عليه الصلاة والسلام (طائفة منهم) بنصب طائفة مفعول به والطائفة من الشيء القطعة منه قال تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] قال ابن عباس: الواحد فما فوقه. وقد استدل الإمام فخر الدين ومن تبعه من الأصوليين على وجوب العمل بخبر الواحد بقوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 122] قالوا: فإن الفرقة تطلق على ثلاثة والطائفة إما واحد أو اثنان. واستشكل بعضهم إطلاق الطائفة على الواحد لبعده عن الذهن (فيهم) أي في الذين صرفهم عليه الصلاة والسلام (أبو قتادة) الأصل أن يقول وأنا فيهم فهو من باب التجريد لا يقال أنه من قول ابن أبي قتادة لأن حينئذ يكون الحديث مرسلاً. (فقال): عليه الصلاة والسلام: (خذوا ساحل البحر) أي شاطئه قال في القاموس: مقلوب لأن الماء سحله وكان القياس مسحولاً أو معناه ذو ساحل من الماء إذا ارتفع المدّ ثم جزر فجرف ما عليه ((حتى نلتقي) فأخذوا ساحل البحر) لكشف أمر العدوّ (فلما انصرفوا) من الساحل بعد أن أمنوا من العدو وكانوا قد (أحرموا كلهم) من الميقات (إلا أبو قتادة) بالرفع مبتدأ خبره (لم يحرم) وإلا بمعنى لكن وهي من الجمل التي لها محل من الإعراب وهي المستثناة نحو {لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر} [الغاشية: 22 - 24] قال ابن خروف: "من" مبتدأ، ويعذبه الله الخبر والجملة في موضع نصب على الاستثناء المنقطع. قال في التوضيح: وهذا مما أغفلوه ولا يعرف أكثر المتأخرين من البصريين في هذا النوع وهو المستثنى بألا من كلام قام موجب إلا النصب قال: وللكوفيين في مثله مذهب آخر وهو: أن ألا حرف عطف وما بعدها عطف على ما قبلها، ولأبي ذر عن الكشميهني: إلا أبا قتادة بالنصب وهو واضح. (فبينما هم) بالميم قبل الألف (يسيرون إذ رأوا حمر وحش) بضم الحاء والميم جمع حمار، وفي نسخة: حمار وحش (فحمل أبو قتادة على الحمر) بضمتين أيضًا جمع حمار (فعقر منها) أي قتل من الحمر المرئية (أتانًا) أنثى وجمع الحمر هنا لا ينافي الرواية الأخرى بالإفراد لجواز أنهم رأوا حمرًا وفيهم واحد يقرب من غيره لاصطياده لكن قوله هنا: أتانا ينافي قوله حمارًا في الأخرى، وقد يجاب بأنه أطلق الحمار على الأنثى مجازًا أو أنه يطلق على الذكر والأنثى (فنزلوا) عن مركوبهم (فأكلوا من لحمها) أي الأتان (وقالوا) بواو العطف، ولأبي الوقت: فقالوا بفائه بعد أن أكلوا من لحمها (أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟) الواو للحال قال أبو قتادة: (فحملنا ما بقي من لحم الأتان). وعند المؤلّف في الهبة من رواية أبي حازم فرحنا وخبأت العضد معي، (فلما أتوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قالوا) ولأبي الوقت: فقالوا: (يا رسول الله إنا كنا أحرمنا وقد كان أبو قتادة لم يحرم فرأينا حمر وحش) جمع حمار (فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانًا فأكلنا من لحمها ثم قلنا أنأكل لحم صيد ونحن محرمون؟ فحملنا ما بقي من لحمها. قال): بغير فاء. (أمنكم) بهمزة الاستفهام لأبي ذر، وفي رواية ابن عساكر: منكم بإسقاطها (أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها)؟ ولمسلم من طريق شعبة عن عثمان: هل أشرتم أو أعنتم أو اصطدتم؟ (قالوا: لا. قال: فكلوا ما بقي من لحمها) وصيغة الأمر هنا للإباحة لا للوجوب لأنها وقعت جوابًا عن سؤالهم عن الجواز، ولم يذكر في هذه الرواية أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكل منها، لكن في الهبة فناولته العضد فأكلها حتى تعرّقها وفي الجهاد قال: معنا رجلها فأخذها فأكلها، وفي رواية المطلب قد رفعنا لك الذراع فأكل منها، وفي رواية صالح بن حسان عند أحمد وأبي داود الطيالسي وأبي عوانة فقال: كلوا وأطعموني، ووقع عند الدارقطني وابن خزيمة والبيهقي أن أبا قتادة ذكر شأنه لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنه إنما اصطاده له قال: فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه فأكلوا ولم يأكل حين أخبرته أني اصطدته له. قال ابن خزيمة:

وغيره تفرد بهذه الزيادة معمر. وقرأت في كتاب المعرفة قال أبو بكر: يعني البيهقي قوله اصطدته لك، وقوله: ولم يأكل منه لا أعلم أحدًا ذكره في هذا الحديث غير معمر، وأجاب النووي في شرح المهذّب: بأنه يحتمل أنه جرى لأبي قتادة في تلك السفرة قضيتان جمعًا بين الروايتين. وفي هذا الحديث من الفوائد جواز أكل المحرم لحم الصيد إذا لم تكن منه دلالة ولا إشارة، واختلف في أكل المحرم لحم الصيد فمذهب مالك والشافعي أنه ممنوع إن صاده أو صيد لأجله سواء كان بإذنه أو بغير إذنه لحديث جابر مرفوعًا: "لحم الصيد لكم في الإحرام حلال ما لم تصيدوهُ أو يصاد لكم" رواه أبو داود والترمذي والنسائي. وعبارة الشيخ خليل في مختصره وما صاده محرم أو صيد له ميتة. قال شارحه أي فلا يأكله حلال ولا حرام. وقال المرداوي من الحنابلة في كتاب الإنصاف له: ويحرم ما صيد لأجله على الصحيح من المذهب نقله الجماعة عن أحمد وعليه الأصحاب قال: وفي الانتصار احتمال بجواز أكل ما صيد لأجله. وقال صاحب الهداية من الحنفية: ولا بأس أن يأكل المحرم صيد اصطاده حلال وذبحه له إذا لم يدله المحرم عليه ولا أمره بصيده خلافًا لمالك -رحمه الله- فيما إذا اصطاده لأجل المحرم يعني بغير أمره له أي لمالك -رضي الله عنه- قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا بأس أن يأكل المحرم لحم صيد ما لم يصده أو يصاد له. ولنا: ما روي أن الصحابة -رضي الله عنهم- تذاكروا لحم الصيد في حق المحرم فقال عليه الصلاة والسلام: لا بأس به، واللام فيما روي لام تمليك فيحمل على أن يهدى إليه الصيد دون اللحم أو يصاد بأمره. قال في فتح القدير: أما إذا اصطاد الحلال للمحرم صيدًا بأمره فاختلف فيه عندنا فذكر الطحاوي تحريمه على المحرم، وقال الجرجاني: لا يحرم. وأما الحديث الذي استدلّ به لمالك فهو حديث جابر عند أبي داود والترمذي، والنسائي لحم الصيد حلال لكم وأنتم حرم وقد سبق قريبًا قال: وقد عارضه المصنف ثم أوله دفعًا للمعارضة بكون اللام للملك، والمعنى أن يصاد بأمره وهذا لأن الغالب في عمل الإنسان لغيره أن يكون بطلب منه فليكن محمله هذا دفعًا للمعارضة، والأولى في الاستدلال على أصل المطلوب بحديث أبي قتادة على وجه المعارضة على ما في الصحيحين فإنهم لما سألوه عليه الصلاة والسلام لم يجب بحله لهم حتى سألهم عن موانع الحل أكانت موجودة أم لا: فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها"؟ قالوا: لا. قال: "فكلوا إذن" فلو كان من الموانع أن يصطاد لهم لنظمه في سلك ما يسأل عنه منها في التفحص عن الموانع ليجيب بالحكم عند خلوه عنها، وهذا المعنى كالصريح في نفي كون الاصطياد للمحرم مانعًا فيعارض حديث جابر ويقدم عليه لقوة ثبوته إذ هو في الصحيحين وغيرهما من الكتب الستة. بل في حديث جابر لحم الصيد الخ انقطاع لأن المطلب بن حنطب لم يسمع من جابر عند غير واحد وكذا في رجاله من فيه لين. اهـ. ولا جزاء عليه بدلالة ولا بإعانة ولا بأكله ما صيد له عند الشافعية لأن الجزاء تعلق بالقتل والدلالة ليست بقتل فأشبهت دلالة الحلال حلالاً وقالت الحنفية: إذا قتل المحرم صيدًا أو دل عليه من قتله فعليه الجزاء أما القتل فلقوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] الآية. وأما الدلالة فلحديث أبي قتادة. قال العلامة ابن الهمام: وليس في حديث أبي قتادة هل دللتم؟ بل قال عليه الصلاة والسلام: هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ قالوا: لا. قال: فكلوا ما بقي. وجه الاستدلال به على هذا أنه علق الحل على عدم الإشارة وهي تحصل الدلالة بغير اللسان فأحرى أن لا يحل إذا دله باللفظ فقال هذاك صيد ونحوه. قالوا: الثابت بالحديث حرمة اللحم على المحرم إذا دل. قلنا: فثبت أن الدلالة من محظورات الإحرام بطريق الالتزام لحرمة اللحم فثبت أنه محظور إحرام هو جناية على الصيد، فنقول حينئذ: جناية على الصيد بتفويت الأمن على وجه اتصل قتله عنها ففيه الجزاء كالقتل وهذا هو القياس ولا يحسن عطفه على الحديث لأن الحديث لم يثبت الحكم المتنازع فيه وهو وجوب الكفارة بل محل الحكم ثم ثبوت الوجوب

6 - باب إذا أهدى للمحرم حمارا وحشيا حيا لم يقبل

المذكور في المحل إنما هو بالقياس على القتل. اهـ. وقال المالكية: إن صيد لأجل المحرم فعلم به وأكل عليه الجزاء لا في أكلها. وقال الحنابلة: إن أكله كله فعليه الجزاء وإن أكل بعضه ضمنه بمثله من اللحم. 6 - باب إِذَا أَهْدَى لِلْمُحْرِمِ حِمَارًا وَحْشِيًّا حَيًّا لَمْ يَقْبَلْ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا أهدى) الحلال (للمحرم حمارًا وحشيًا حيًّا لم يقبل) أي لا يقبل. 1825 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ "أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهْوَ بِالأَبْوَاءِ -أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلاَّ أَنَّا حُرُمٌ". [الحديث 1825 - طرفاه في: 2573، 2596]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بتصغير عبد (بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) بضم العين المهملة وسكون المثناة الفوقية (عن عبد الله بن عباس) -رضي الله عنهما- (عن الصعب بن جثامة) بفتح الصاد وسكون العين المهملتين آخره موحدة وجثامة بفتح الجيم والمثلثة المشددة وبعد الألف ميم ابن قيس بن ربيعة (الليثي) من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وكان حليف قريش، وأمه أخت أبي سفيان بن حرب، واسمها فاختة، وقيل زينب، ويقال إنه أخو ملحم بن جثامة يقال: مات في خلافة أبي بكر، ويقال في آخر خلافة عمر قاله ابن حبان، ويقال في خلافة عثمان. وقال يعقوب بن سفيان: أخطأ من قال إن الصعب بن جثامة مات في خلافة أبي بكر خطأ بينًا، فقد روى ابن إسحاق عن عمر بن عبد الله أنه حدثه عن عروة أنه قال: لما ركب أهل العراق في الوليد بن عقبة كانوا خمسة منهم الصعب بن جثامة وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخى بينه وبين عوف بن مالك، واعلم أنه لم يختلف على مالك في سياق هذا الحديث معنعنًا وأنه من مسند الصعب بن جثامة إلا أنه وقع في موطأ ابن وهب عن ابن عباس أن الصعب بن جثامة فجعله من مسند ابن عباس، وكذا أخرجه مسلم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال الحافظ ابن حجر: والمحفوظ في حديث مالك الأول يعني: أنه من مسند الصعب بن جثامة (أنه أهدى لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حمارًا وحشيًا) الأصل في أهدى أن يتعدى بإلى وقد يتعدى باللام ويكون بمعناه ولم يقل في الحديث حيًا كما ترجم وكأنه فهمه من موله حمارًا ولم تختلف الرواة عن مالك في قوله حمارًا، وممن رواه عن الزهري كما رواه مالك: وابن جريج، وعبد الرحمن بن الحرث، وصالح بن كيسان، والليث، وابن أبي ذئب، وشعيب بن أبي حمزة، ويونس، ومحمد بن عمرو بن علقمة كلهم قال فيه: أهدى لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حمار وحش كما قال مالك، وخالفهم ابن عيينة عن الزهري فقال: لحم حمار وحش أخرجه مسلم من طريق الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقد توبع عليه من أوجه: ففي مسلم أيضًا من لحم حمار وحش، وفي رواية له من طريق الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- رجل حمار وحش، وفي أخرى عجز حمار وحش يقطر دمًا، وفي أخرى له شق حمار وحش. قال النووي: وهذه الطرق التي ذكرها مسلم صريحة في أنه مذبوح وأنه إنما أهدي بعض لحم لأكله اهـ. ولا معارضة بين رجل حمار وعجزه وشقه إذ يندفع بإرادة رجل معها الفخذ وبعض جانب الذبيحة، فوجب حمل رواية أهدي حمارًا على كل الحيوان غير معهود لأنه لا يطلق على زيد أصبع ونحوه لأنه غير جائز لما عرف من أن شرط إطلاق اسم البعض على الكل التلازم كالرقبة على الإنسان والرأس، فإنه لا إنسان دونهما بخلاف نحو الرجل والظفر، وأما إطلاق العين على الرقيب فليس من حيث هو إنسان بل من حيث هو رقيب وهو من هذه الحيثية لا يتحقق بلا عين على ما عرف في التحصينات أو هو أحد معاني المشترك اللفظي كما عدّه الأكثر منها، ثم إن في هذا الحمل ترجيحًا للأكثر أو يحكم بغلط رواية الباب بناء على أن الراوي رجع عنها تبيينًا لغلطه. قال الحميدي: كان سفيان أي ابن عيينة -يقول في الحديث: أهدي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحم حمار وحش، وربما قال: يقطر دمًا، وربما لم يقل ذلك وكان فيما خلا. قال: حمار وحش ثم صار إلى لحم حمار وحش حتى مات، وهذا يدل على رجوعه وثباته على ما رجع إليه

والظاهر أنه لتبيينه غلطه أولاً. وقال البيهقي في المعرفة: مما قرأته فيها بعد أن ذكر من رواه عن الزهري نحو ما سبق، وكان ابن عيينة يضطرب فيه، فرواية العدد الذين لم يشكوا فيه أولى. وقال الشافعي في الأم: حديث مالك أن الصعب أهدى حمارًا أثبت من حديث من روى أنه أهدي له لحم حمار، وقال الترمذي: روى بعض أصحاب الزهري في حديث الصعب لحم حمار وحش وهو غير محفوظ اهـ. فيكون رده لامتناع تملك المحرم الصيد، وعورض بأن الروايات كلها تدل على البعضية كما مرّ. (وهو) أي: والحال أنه عليه الصلاة والسلام (بالأبواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة ممدودًا جبل من عمل الفرع بضم الفاء وسكون الراء بينه وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً وسمي بذلك لما فيه من الوباء قاله في المطالع، ولو كان كما قيل لقيل الأوباء أو هو مقلوب عنه والأقرب أنه سمي به لتبوّئ السيول به (أو بودّان) بفتح الواو وتشديد الدال المهملة آخره نون موضع بقرب الجحفة أو قرية جامعة من ناحية الفرع، وودان أقرب إلى الجحفة من الأبواء فإن من الأبواء إلى الجحفة للآتي من المدينة ثلاثة وعشرين ميلاً، ومن ودّان إلى الجحفة ثمانية أميال والشك من الراوي، لكن جزم ابن إسحاق وصالح بن كيسان عن الزهري بودّان، وجزم معمر وعبد الرحمن بن إسحاق ومحمد بن عمر وبالأبواء (فرده عليه) ولأبي الوقت: فرد عليه بحذف ضمير المفعول أي: ردّ عليه السلام الحمار على الصعب، وقد اتفقت الروايات كلها على أنه عليه الصلاة والسلام ردّه عليه إلا ما رواه ابن وهب والبيهقي من طريقه بإسناد حسن من طريق عمرو بن أمية أن الصعب أهدى للنبيّ عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم. قال البيهقي: إن كان هذا محفوظًا فلعله ردّ الحي وقبل اللحم. قال الحافظ ابن حجر: وفي هذا الجمع نظر فإن كانت الطرق كلها محفوظ فلعله رده حيًا لكونه صيد لأجله وردّ اللحم تارة لذلك وقبله أخرى حيث علم أنه لم يصد لأجله، وقد قال الشافعي: إن كان الصعب أهدى حمار وحش حيًا فليس للمحرم أن يذبح حمار وحش حيًا وإن كان أهدى له لحمًا فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيده، ونقل الترمذي عن الشافعي أنه ردّه لظنه أنه صيد من أجله فتركه على وجه التنزه، ويحتمل أن يحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على وقت آخر وهو حال رجوعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مكة، ويؤيده أنه جازم فيه بوقوع ذلك في الجحفة وفي غيرها من الروايات بالأبواء أو بودّان. وقال القرطبي: جاز أن يكون الصعب أحضر الحمار مذبوحًا ثمّ قطع منه عضوًا بحضرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقدمه له فمن قال أهدى حمارًا أراد بتمامه مذبوحًا لا حيًا، ومن قال لحم حمار أراد ما قدمه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (فلما رأى) عليه الصلاة والسلام (ما في وجهه) أي وجه الصعب من الكراهة لا حصل له من الكسر في رد هديته (قال): عليه الصلاة والسلام تطييبًا لقلبه. (إنا) بكسر الهمزة لوقوعها في الابتداء (لم نرده) بفتح الدال في اليونينية وهو رواية المحدثين، وذكر ثعلب في الفصيح، لكن قال المحققون من النحاة أنه غلط والصواب ضم الدال كآخر المضاعف من كل مضاعف مجزوم اتصل به ضمير الذكر مراعاة للواو التي توجبها ضمة الهاء بعدها لخفاء الهاء فكأن ما قبلها وليه الواو ولا يكون ما قبل الواو إلا مضمومًا كما فتحوها مع هاء المؤنث نحو نردّها مراعاة للألف ولم يحفظ سيبويه في نحو هذا إلا الضم كما أفاده السمين، وصرح جماعة منهم ابن الحاجب بأنه مذهب البصريين وجوز الكسر أيضًا وهو أضعفها فصار فيها ثلاثة أوجه، وللحموي والكشميهني: لم نردده بفك الإدغام فالدال الأولى مضمومة والثانية مجزومة وهو واضح والمعنى أنا لم نردّه (عليك) لعلة من العلل (إلا أنا حُرُم) بفتح الهمزة وضم الحاء والراء أي إلا لأنا محرمون. زاد صالح بن كيسان عند النسائي: لا نأكل الصيد، وفي رواية شعبة عن ابن عباس: لولا إنا محرمون لقبلناه منك، وهذا يقتضي تحريم أكل المحرم لحم الصيد مطلقًا سواء صيد له أو يأمره وهو مذهب نقل عن

7 - باب ما يقتل المحرم من الدواب

جماعة من السلف منهم: علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن عمر، والذي عليه أكثر علماء الصحابة والتابعين التفرقة بين ما صاده أو صيد له وغيره وأولوا حديث الصعب بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما ردّه عليه لما ظن أنه صيد من أجله وبه يقع الجمع بين حديث الصعب وحديث جابر لحم الصيد لكم في الإحرام حلال ما لم تصيدون أو يصاد لكم، وحديث أبي قتادة السابق ولا يقال أنه منسوخ بحديث الصعب لأن حديث أبي قتادة كان عام الحديبية، وحديث الصعب كان في حجة الوداع لأنا نقول: أن النسخ إنما يصار إليه إذا تعذر الجمع. كيف والحديث المتأخر محتمل لا دلالة فيه على الحرمة العامة صريحًا ولا ظاهرًا حتى يعارض الأول فينسخه. وقول العلامة ابن الهمام في فتح القدير: أما كون حديث الصعب كان في حجة الوداع فلم يثبت عندنا وإنما ذكره الطبري وبعضهم ولم نعلم لهم فيه ثبتًا صحيحًا. وأما حديث أبي قتادة فإنه وقع في مسند عبد الرزاق عنه انطلقنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم، ففي الصحيحين عنه خلاف ذلك وهو ما روي عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج حاجًا فخرجوا معه فصرف طائفة منهم أبو قتادة الحديث. ومعلوم أنه عليه الصلاة والسلام لم يحج بعد الهجرة إلا حجة الوداع اهـ. يقال عليه قد ثبت في البخاري في باب: جزاء الصيد عن عبد الله بن أبي قتادة قال: انطلق أبي عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم يحرم الحديث. وكذا في باب: إذا رأى المحرمون صيدًا فضحكوا، وأما قوله في الحديث الذي ساقه خرج حاجًا فقد سبق أنه من المجاز وأن المراد أنه خرج معتمرًا أو المراد معنى الحج في الأصل وهو قصد البيت أي خرج قاصدًا البيت، أو الراوي أراد خرج محرمًا فعبر عن الإحرام بالحج غلطًا منه كما مرّ تقديره. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الهبة، ومسلم في الحج وكذا الترمذي والنسائي وابن ماجة. 7 - باب مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنَ الدَّوَابِّ هذا (باب) بالتنوين (ما يقتل المحرم من الدواب) جمع دابة وأصلها داببة فأدغمت إحدى الباءين في الأخرى وهو اسم لكل حيوان لأنه يدب على وجه الأرض والهاء للمبالغة، ثم نقله العرف العام إلى ذوات القوائم الأربع من الخيل والبغال والحمير ويسمى هذا منقولاً عرفيًا، ولو عبّر بالحيوان لكان يشمل الغراب والحدأة المذكورين في الحديث لكنه نظر إلى جانب الأكثر. 1826 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ». وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ... [الحديث 1826 - طرفه في: 3315]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر بن الخطاب (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-. أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (خمس من الدواب) بالرفع على الابتداء نكرة تخصصت بتاليها وخبره (ليس على المحرم في قتلهن جناح) أي إثم أو حرج وجناح بالرفع اسم ليس مؤخرًا، وهذا الحديث ساقه المؤلّف مختصرًا وأحال به على طريق سالم وهو في الموطأ، وتمامه الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور. (وعن عبد الله بن دينار) عطف على نافع أي قال مالك عن عبد الله بن دينار: (عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): ومقوله محذوف، وتمامه في مسلم: خمس من قتلهن وهو حرام فلا جناح عليه فيهن الفأرة والعقرب والكلب العقور والحديا والغراب. 1827 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "حَدَّثَتْنِي إِحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ ... ". [الحديث 1827 - طرفه في: 1828]. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن زيد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة ابن حرمل الجشمي الكوفي وليس له في الصحيح رواية عن غير ابن عمر ولا له فيه إلا هذا الحديث وآخر تقدم في المواقيت أنه (قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: حدثتني إحدى نسوة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هي حفصة كما بينها في رواية سلام التالية وجهالة عين الصحابي لا تضر لأنهم كلهم عدول (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (يقتل المحرم) اقتصر منه على هذا حالة على الطريق اللاحقة. 1828 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَتْ حَفْصَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لاَ حَرَجَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ: الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ». وبه قال: (حدّثنا أصبغ) بالصاد المهملة والغين المعجمة، ولأبي ذر: أصبغ بن الفرج (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن وهب عن يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب (قال: قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-. قالت: حفصة) بنت عمر بن الخطاب زوج

النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سمى سالم ما أبهمه زيد، وقد خالف زيد نافعًا وعبد الله بن دينار في إدخال الواسطة بين ابن عمر والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووافق سالمًا كما ترى، ووقع في بعض طرق نافع عن ابن عمر سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يرفع ما يوهمه إدخال الواسطة هنا من أن ابن عمر لم يسمع هذا الحديث من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (خمس من الدواب لا حرج) لا إثم (على من قتلهن) مطلقًا في حل ولا حرم (الغراب والحدأة) بكسر الحاء وفتح الدال المهملتين مهموزًا، ولأبي ذر: والحدأ (والفأرة والعقرب والكلب العقور). 1829 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ كُلُّهُنَّ فَاسِقٌ يَقْتُلُهُنَّ فِي الْحَرَمِ: الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ». [الحديث 1829 - طرفه في: 3314]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي الوقت: حدثني بالإفراد (يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي أبو سعيد نزيل مصر (قال: حدثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله (قال: أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلهن) المرء (في الحرم) ولأبوي ذر والوقت: يقتلن بضم أوله وفتح ثالثه وسكون رابعه من غير هاء، وقوله فاسق صفة لكل مذكر ويقتلن فيه ضمير راجع إلى معنى كل وهو جمع وهو تأكيد لخمس قاله في التنقيح كما في غير نسخة منه. وتعقبه في المصابيح بأن الصواب أن يقال: خمس مبتدأ وسوّغ الابتداء به مع كونه نكرة وصفه ومن الدواب في محل رفع أيضًا على أنه صفة أخرى لخمس، وقوله: يقتلن جملة فعلية في محل رفع على أنها خبر المبتدأ الذي هو خمس، وأما جعل كلهن تأكيدًا لخمس فمما يأباه البصريون وجعل فاسق صفة لكل خطأ ظاهر، والضمير في يقتلهن عائد على خمس لا على كل إذ هو خبره ولو جعل خبر كل امتنع الإتيان بضمير الجمع لأنه لا يعود عليها الضمير من خبرًا إلا مفردًا مذكرًا على لفظها على ما صرح به ابن هشام في المغني اهـ. وعبر بقوله: فاسق بالإِفراد، ورواية مسلم فواسق بالجمع وذلك أن كل اسم موضوع لاستغراق أفراد المنكر نحو {كل نفس ذائقة الموت} [آل عمران: 185] والمعرف المجموع نحو {وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا} [مريم: 95] وأجزاء المفرد المعرف نحو كل زيد حسن، فإذا قلت: أكلت كل رغيف لزيد كانت لعموم الأفراد فإن أضفت الرغيف إلى زيد صارت لعموم أجزاء فرد واحد ولفظ كل مفرد مذكر معناه بحسب ما يضاف إليه، فإن أضيف إلى معرفة فقال ابن هشام في المغني فقالوا يجوز مراعاة لفظها ومراعاة معناها نحو: كلهم قائم أو قائمون وقد اجتمعنا في قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 93 - 95] فراعى اللفظ أوّلاً والمعنى آخرًا، والصوابط أن الضمير لا يعود إليها من خبرها إلا مفردًا مذكرًا على لفظها نحو {وكلهم آتيه} الآية. ومن ذلك {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً} [الإسراء: 36] وفي الآية حذف مضاف وإضمار لما دل عليه المعنى لا اللفظ أي أن كل أفعال هذه الجوارح، كان المكلف مسؤولاً عنه. اهـ. وقد وقع في البخاري في كتاب الاعتصام بالسنة في باب: الاقتداء بسنن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قالوا: ومن يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" فقد أعاد الضمير من خبر كل المضافة إلى معرفة غير مفرد، وهذا الحديث فيه الأمران ولا يتأتى فيه ما ذكره من الجواب عن الآية، وذلك لأنه قال كلهن فاسق بالإِفراد ثم قال: يقتلن، وأما تسمية هؤلاء المذكورات فواسق فقال النووي: هي تسمية صحيحة جارية على وفاق اللغة فإن أصل الفسق الخروج فهو خروج مخصوص، والمعنى في وصف هذه بالفسق لخروجها عن حكم غيرها بالإِيذاء والإفساد وعدم الانتفاع، وقيل: لأنها عمدت إلى حبال سفينة نوح فقطعتها وقيل غير ذلك. (الغراب) وهو ينقر ظهر البعير وينزع عينه ويختلس أطعمة الناس زاد في رواية سعيد بن المسيب عن عائشة الأبقع وهو الذي في ظهره وبطنه بياض، وقيل سمي غرابًا لأنه نأى واغترب لما أنفذه نوح عليه الصلاة والسلام يستخبر أمر الطوفان. (والحدأة) بكسر الحاء وفتح الدال المهملتين مهموز

وفي الفرع بسكون الدال وهي أخس الطير وتخطف أطعمة الناس. (والعقرب) واحدة العقارب وهي مؤنثة والأنثى عقربة وعقرباء ممدود غير مصروف ولها ثماني أرجل وعيناها في ظهرها تلدغ وتؤلم إيلامًا شديدًا، وربما لسعت الأفعى فتموت، ومن عجيب أمرها أنها مع صغرها تقتل الفيل والبعير بلسعتها وأنها لا تضرب الميت ولا النائم حتى يتحرك شيء من بدنه فتضربه عند ذلك وتأوى إلى الخنافس وتسالمها وفي ابن ماجة عن عائشة قالت: لدغت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عقرب وهو في الصلاة فلما فرغ قال "لعن الله العقرب ما تدع مصليًا ولا غيره اقتلوها في الحل والحرم". (والفأرة) بهمزة ساكنة، والمراد فأرة البيت وهي الفويسقة. وروى الطحاوي في أحكام القرآن عن يزيد بن أبي نعيم أنه سأل أبا سعيد الخدري لم سميت الفأرة الفويسقة؟ قال: استيقظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات ليلة وقد أخذت فأرة فتيلة لتحرق على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البيت فقام إليها فقتلها وأحل قتلها للحلال والمحرم. وفي سنن أبي داود عن ابن عباس قال: جاءت فأرة فأخذت تجرّ الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الخمرة التي كان قاعدًا عليها فأحرقت منها موضع درهم. زاد الحاكم فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فأطفئوا سرجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم، ثم قال: صحيح الإسناد. وليس في الحيوان أفسد من الفأر لا يبقى على خطير ولا جليل إلا أهلكه وأتلفه. (والكلب العقور) الجارح وهو معروف واختلف في غير العقور مما لم يؤمر باقتنائه فصرح بتحريم قتله القاضيان حسين والمارودي وغيرهما. وفي الأم للشافعي الجواز، واختلف كلام النووي فقال في البيع من شرح المهذّب: لا خلاف بين أصحابنا في أنه محترم لا يجوز قتله، وقال في التيمم والغصب أنه غير محتوم، وقال في الحج: يكره قتله كراهة تنزيه وعلى كراهة قتله اقتصر الرافعي، وتبعه في الروضة وزاد أنها كراهة تنزيه. وقال السرقسطي في غريبه: الكلب العقور يقال لكل عاقر حتى اللص المقاتل، وقيل هو الذئب. وعن أبي هريرة أنه الأسد قاله السرقسطي، والتقييد بالخمس وإن كان مفهومه اختصاص المذكورات بالحكم لكنه مفهوم عدد وليس بحجة عند الأكثر، وعلى تقدير اعتباره فيحتمل أن يكون قاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوّلاً ثم بين أن غير الخمس يشترك معها في الحكم، ففي بعض طرق عائشة عند مسلم أربع فأسقط العقرب، وفي بعضها ست، وهو عند أبي عوانة في المستخرج فزاد الحية، وفي حديث أبي هريرة عند ابن خزيمة زيادة ذكر الذئب والنمر على الخمس المشهورة فتصير بهذا الاعتبار سبعًا، لكن أفاد ابن خزيمة عن الذهلي أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور فيه التنبيه بما ذكر على جواز قتل كل مضر من فهد وصقر وأسد وشاهين وباشق وزنبور وبرغوث وبق وبعوض ونسر. وفي حديث الباب رواية التابعي عن التابعي والصحابي عن الصحابية والأخ عن أخته. 1830 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَارٍ بِمِنًى إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ {وَالْمُرْسَلاَتِ} وَإِنَّهُ لَيَتْلُوهَا وَإِنِّي لأَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا، إِذْ وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اقْتُلُوهَا. فَابْتَدَرْنَاهَا فَذَهَبَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا". [الحديث 1830 - أطرافه في: 3317، 4930، 4931، 4934]. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) بكسر الغين المعجمة آخره مثلثة وعمر بضم العين قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن عبد الله) هو ابن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه: (قال: بينما) ولأبي الوقت: بينا (نحن مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غار بمنى) أي ليلة عرفة كما عند الإسماعيلي من طريق ابن نمير عن حفص بن غياث (إذ نزل عليه) صلاة الله وسلامه عليه سورة ({والمرسلات}) فاعل نزل والفعل إذا سند إلى مؤنث غير حقيقي يجوز تذكيره وتأنيثه، (وأنه) عليه الصلاة والسلام (ليتلوها وأني لأتلقاها) أتلقنها وآخذها (من فيه) أي فمه الكريم (وأن فاه) فمه (لرطب بها) أي لم يجف ريقه بها (إذ وثبت علينا حيّة فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن معه من أصحابه). (اقتلوها) وفي رواية مسلم وابن خزيمة واللفظ له: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر محرمًا بقتل حيّة

8 - باب لا يعضد شجر الحرم

في المحرم بمنى (فابتدرناها) أي أسرعنا إليها (فذهبت فقال النبي): (وقيت) بضم الواو وكسر القاف مخففة أي حفظت ومنعت (شركم) نصب مفعول ثان لوقيت وكذا قوله (كما وقيتم شرها) أي لم يلحقها ضرركم كما لم يلحقكم شرها وهو من مجاز المقابلة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير ومسلم في الحيوان والحج والنسائي في الحج والتفسير. 1831 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلْوَزَغِ: فُوَيْسِقٌ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ". [الحديث 1831 - طرفه في: 3306]. وبه قال (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوام (عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) (للوزغ): بفتح الواو والزاي آخره غين معجمة واللام فيه بمعنى عن أبي قال عن الوزغ (فويسق) بالتنوين مع ضم مصغرًا للتحقير والذم واتفقوا على أنه من الحشرات المؤذيات. قالت عائشة: (ولم أسمعه) عليه الصلاة والسلام (أمر بقتله) قضية تسميته إياه فويسقًا أن يكون قتله مباحًا، وكون عائشة لم تسمعه لا يدل على منعه فقد سمعه غيرها. وفي الصحيحين والنسائي وابن ماجة عن أم شريك أنها استأمرت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قتل الوزغات فأمرها بذلك. وفي الصحيحين أيضًا أنه- أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقًا. وفي مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من قتل وزغة من أوّل ضربة فله كذا وكذا حسنة ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة دون الأولى". وفي الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعًا "اقتلوا الوزغ ولو في جوف الكعبة" لكن في إسناده عمر بن قيس المكي وهو ضعيف. ومن غريب أمر الوزغ ما قيل إنه يقيم في حجره من الشتاء أربعة أشهر لا يطعم شيئًا ومن طبعه أن لا يدخل بيتًا فيه رائحة زعفران، وقد وقع في رواية أبوي ذر والوقت هنا. (قال أبو عبد الله): أي البخاري (إنما أردنا بهذا) أي بحديث ابن مسعود (أن منى من الحرم وأنهم لم يروا بقتل الحية) التي وثبت عليهم في الغار (بأسًا) كذا وقع سياق هذا آخر الباب في الفرع ومحله عقب حديث ابن مسعود على ما لا يخفى. 8 - باب لاَ يُعْضَدُ شَجَرُ الْحَرَمِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ». هذا (باب) بالتنوين (لا يعضد) بضم أوّله وسكون المهملة وفتح المعجمة مبنيًا للمفعول أي لا يقطع (شجر الحرم. وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-) مما وصله المؤلّف في الباب التالي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يعضد شوكه). 1832 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: "ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلاً قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْغَدِ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، فَسَمِعَتْهُ أُذُنَاىَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَاىَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، إِنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلاَ يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً. فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ. فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الْحَرَمَ لاَ يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلاَ فَارًّا بِدَمٍ، وَلاَ فَارًّا بِخَرْبَةٍ". خَرْبَةٌ: بَلِيَّةٌ. وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح) بضم الشين المعجمة وفتح الراء وبالحاء المهملة قيل اسمه خويلد، وقيل عمرو بن خالد، وقيل كعب بن عمرو الخزاعي (العدوي) ليس هو من بني عدي لا عدي قريش ولا عدي مضر، ويحتمل أن يكون حليفًا لبني عدي بن كعب، وقيل في خزاعة بطن يقال لهم بنو عدي (أنه قال لعمرو بن سعيد): أي ابن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية المعروف بالأشدق لأنه صعد المنبر فبالغ في شتم عليّ -رضي الله عنه- فأصابته لقوة، وكان يزيد بن معاوية ولاه المدينة. قال الطبري: كان قدومه واليًا على المدينة من قبل يزيد في السنة التي ولي فيها يزيد الخلافة سنة ستين، (وهو يبعث البعوث إلى مكة) جملة حالية والبعوث جمع بعث وهو الجيش بمعنى مبعوث وهو من تسمية المفعول بالمصدر، والمراد به الجيش المجهز لقتال عبد الله بن الزبير لأنه لما امتنع من بيعة يزيد وأقام بمكة كتب يزيد إلى عمرو بن سعيد أن يوجه إلى ابن الزبير جيشًا فجهز إليه جيشًا وأمّر عليهم عمرو بن الزبير أخا عبد الله وكان معاديًا لأخيه، فجاء مروان إلى عمرو بن سعيد فنهاه عن ذلك فامتنع وجاءه أبو شريح فقال له: (ايذن لي) أصله إئذن بهمزتين فقلبت الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها يا (أيها الأمير أحدثك) بالجزم (قولاً قام به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) جملة في موضع نصب صفة لقولاً المنصوب على المفعولية (الغد) بالنصب على الظرفية أي اليوم الثاني (من يوم الفتح) لمكة ولأبي الوقت: للغد بلام الجر (فسمعته أذناي) منه من غير واسطة

(ووعاه قلبي) أي حفظه إشارة إلى تحققه وتثبته فيه (وأبصرته عيناه) زيادة في مبالغة التأكيد لتحققه (حين تكلم به) أي بالقول المذكور، وأشار بذلك إلى أن سماعه منه لم يكن مقتصرًا على مجرد الصوت بل كان مع المشاهدة والتحقيق لما قاله: (أنّه حمد الله وأثنى عليه) بيان لقوله تكلم وهمزة أنه مكسورة في الفرع (ثم قال: إن مكة حرمها الله) أي حكم بتحريمها وقضى به، وهل المراد مطلق التحريم فيتناول كل محرماتها أو خصوص ما ذكره بعد من سفك الدم وقطع الشجر (ولم يحرمها الناس) نفي لما كان يعتقده الجاهلية وغيرهم من أنهم حرموا أو حللوا من قبل أنفسهم، ولا منافاة بين هذا وبين حديث جابر المروي في مسلم أن إبراهيم حرم مكة وأنا حرمت المدينة لأن إسناد التحريم إلى إبراهيم من حيث أنه مبلغه فإن الحاكم بالشرائع والأحكام كلها هو الله تعالى والأنبياء يبلغونها ثم إنها كما تضاف إلى الله من حيث أنه الحاكم بها تضاف إلى الرسل لأنها تسمع منهم وتظهر على لسانهم، فلعله لما رفع البيت المعمور إلى السماء وقت الطوفان اندرست حرمتها وصارت شريعة متروكة منسية إلى أن أحياها إبراهيم عليه الصلاة والسلام فرفع قواعد البيت ودعا الناس إلى حجه وحدّ الحرم وبين حرمته ثم بين التحريم بقوله: (فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر) قال ابن دقيق العيد: هذا الكلام من باب خطاب التهييج وأن مقتضاه أن استحلال هذا المنهي عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر بل ينافيه، فهذا هو المقتضى لذكر هذا الوصف لا أن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة، ولو قيل لا يحل لأحد مطلقًا لم يحصل منه الغرض وخطاب التهييج معلوم عند علماء البيان ومنه قوله تعالى: {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} [المائدة: 23] إلى غير ذلك. (أن يسفك بها) بكسر الفاء ويجوز ضمها أي أن يصب بمكة (دمًا) بالقتل الحرام (ولا يعضد) بضم الضاد ولأبي ذر: ولا يعضد بكسرها أي لا يقطع (بها) أي في مكة (شجرة) وفي رواية عمر بن شيبة: ولا يخضد بالخاء المعجمة بدل العين المهملة وهو يرجع إلى معنى العضد لأن الخضد الكسر ويستعمل في القطع، وكلمة لا في ولا يعضد زائدة لتأكيد النفي ويؤخذ منه حرمة قطع شجر الحرم الرطب غير المؤذي مباحًا ومملوكًا حتى ما يستنبت منه وإذا حرم القطع فالقلع أولى وقيس بمكة باقي الحرم، (فإن أحد ترخص) بوزن تفعل من الرخصة، وأحد: مرفوع بفعل مضمر يفسره ما بعده أي فإن ترخص أحد (لقتال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) متعلق بقوله ترخص أي لأجل قتال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي مستدلاً به (فقولوا له: إن الله) عز وجل (أذن لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) خصوصية له (ولم يأذن لكم، وإنما أذن) الله (لي) بالقتال فيها (ساعة من نهار) ما بين طلوع الشمس وصلاة العصر، فكانت مكة في حقه عليه الصلاة والسلام في تلك المنزلة بمنزلة الحل، (وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس) أي عاد تحريمها كما كانت بالأمس قبل يوم الفتح حرامًا، زاد في حديث ابن عباس الآتي إن شاء الله تعالى بعد باب فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، (وليبلغ الشاهد) الحاضر (الغائب) نصب على المفعولية. (فقيل لأبي شريح) المذكور: (ما قال: لك عمرو؟) المذكور في الجواب؟ فقال: (قال) عمرو: (أنا أعلم بذلك) المذكور وهو أن مكة حرمها الله الخ. (منك يا أبا شريح) يعني أنك قد صح سماعك ولكنك لم تفهم المراد (أن الحرم لا يعيد) بالذال المعجمة أي لا يجير (عاصيًا)، يشير إلى عبد الله بن الزبير لأن عمرو بن سعيد كان يعتقد أنه عاص بامتناعه من امتثال أمر يزيد لأنه كان يرى وجوب طاعته لكنها دعوى من عمرو بغير دليل لأن ابن الزبير لم يجب عليه حدّ فعاذ بالحرم فرارًا منه حتى يصبح جواب عمرو (ولا فارًّا) بالفاء من الفرار أي ولا هاربًا (بدم، ولا فارًّا بخربة) بضم الخاء المعجمة وفتحها وسكون الراء وفتح الموحدة أي بسبب خربة ثم فسرها بقوله: (خربة: بلية) وهو تفسير من الراوي، لكن في بعض النسخ قال أبو عبد الله: أي البخاري خربة

9 - باب لا ينفر صيد الحرم

بلية فهو من تفسير المؤلّف. وهذا الحديث سبق في كتاب العلم في باب: ليبلغ الشاهد الغائب مع تفاسير أخر للخربة. وفي القاموس الخربة العيب والعورة والذلة، وليس كلام عمرو بن سعيد هذا حديثًا يحتج به، وفي رواية أحمد في آخر هذا الحديث قال أبو شريح: فقلت لعمرو: قد كنت شاهدًا وكنت غائبًا وقد أمرنا أن يبلغ شاهدنا غائبنا وقد بلغتك، وهو يشعر بأنه لم يوافقه فيندفع قول ابن بطال أن سكوت أبي شريح عن جواب عمرو دليل على أنه رجع إليه في التفصيل المذكور، بل إنما ترك أبو شريح مشاققته لعجزه عنه لما كان فيه من قوّة الشوكة. 9 - باب لاَ يُنَفَّرُ صَيْدُ الْحَرَمِ هذا (باب) بالتنوين (لا ينفر صيد الحرم) أي لا يزعج عن موضعه فإن نفره عصى سواء تلف أم لا. فإن تلف في نفاره قبل سكونه ضمن وإلا فلا. 1833 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُعَرِّفٍ». وَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ الإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا. فَقَالَ: إِلاَّ الإِذْخِرَ». وَعَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا "لاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا"؟ هُوَ أَنْ يُنَحِّيَهُ مِنَ الظِّلِّ يَنْزِلُ مَكَانَهُ. وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) الزمن قال: (حدّثنا عبد الوهاب) الثقفي قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن الله حرم مكة) يوم خلق السماوات والأرض (فلم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي) أخبر عن الحكم في ذلك لا الإخبار بما سيقع لوقوع خلاف ذلك في الشاهد كما وقع من الحجاج وغيره (وإنما أحلت لي) بضم الهمزة وكسر المهملة أي أن أقاتل فيها (ساعة من نهار) هى ساعة الفتح (لا يختلى، خلاها) بضم الياء وسكون الخاء المعجمة وفتح الفوقية واللام والخلا بفتح المعجمة مقصورًا الكلأ الرطب أي: لا يجز ولا يقلع كلؤها الرطب وقلع يابسه إن لم يمت، ويجوز قطعه فلو قلعه لزمه الضمان لأنه لو لم يقلعه لنبت ثانيًا فلو أخلف ما قطعه من الأخضر فلا ضمان لأن الغالب فيه الإخلاف وإن لم يخلف ضمنه بالقيمة، ويجوز رعي حشيش الحرم بل وشجره كما نص عليه في الأم بالبهائم لأن الهدايا كانت تساق في عصره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه -رضي الله عنهم- وما كانت تسد أفواهها بالحرم. وروى الشيخان من حديث ابن عباس قال: أقبلت راكبًا على أتان فوجدت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي بالناس بمنى إلى غير جدار فدخلت في الصف وأرسلت الأتان ترتع ومنى من الحرم، وكذا يجوز قطعه للبهائم والتداوي كالحنظل ولا يقطع لذلك إلا بقدر الحاجة كما قاله ابن كج ولا يجوز قطعه للبيع ممن يعلف به كما في المجموع لأنه كالطعام الذي أبيح أكله لا يجوز بيعه. (ولا يعضد) أي لا يقطع (شجرًا ولا ينفر صيدها) أي لا يجوز لمحرم ولا حلال فلو نفر من الحرم صيدًا فهو من ضمانه وإن لم يقصد تنفيره كأن عثر فهلك بتعثره أو أخذه سبع أو انصدم بشجرة أو جبل ويمتدّ ضمانه حتى يسكن على عادته لا إن هلك قبل سكونه بآفة سماوية لأنه لم يتلف في يده ولا بسببه ولا إن هلك بعده مطلقًا (ولا تلتقط) بضم أوّله (لقطتها) بفتح القاف في الفرع وهو الذي يقوله المحدثون. قال القرطبي: وهو غلط عند أهل اللسان لأنه بالسكون ما يلتقط وبالفتح الأخذ. وقال في القاموس: واللقط محرّكة وكحزمة وهمزة وثمامة ما التقط. وقال النووي: اللغة المشهورة فتحها أي لا يجوز التقاطها. (إلا لمعرف). يعرفها ثم يحفظها لمالكها ولا يتملكها كسائر اللقطات في غيرها من البلاد فالمعنى عرفها ليتعرف مالكها فيردها إليه فكأنه يقول إلا لمجرد التعريف. (وقال العباس) بن عبد المطلب: (يا رسول الله إلا الإذخر) بالهمزة المكسورة والذال الساكنة والخاء المكسورة المعجمتين نبت معروف طيب الرائحة وهو حلفاء مكة فإنه (لصاغتنا) جمع صائغ (وقبورنا) نمهدها ونسدّ به فرج اللحد المتخللة بين اللبنات والمستثنى منه قوله: لا يختلى خلاها أي ليكن هذا استثناء من كلامك يا رسول الله فيتعلق به من يرى انتظام الكلام من متكلمين، لكن التحقيق في المسألة أن كلا المتكلمين إذا كان ناويًا لما يلفظ به الآخر كان كل متكلمًا بكلام تام، ولذا لم يكتف عليه الصلاة والسلام بقول العباس إلا الإذخر بل (قال): هو أيضًا (إلا الإذخر) إما بوحي بواسطة جبريل نزل بذلك في طرفة عين واعتقاد أن نزول جبريل يحتاج إلى أمد متسع وهم وزلل، أو أن الله نفث في روعه

10 - باب لا يحل القتال بمكة

وبهذا يندفع ما قاله المهلب أن ما ذكر في الحديث من تحريمه عليه الصلاة والسلام لأنه لو كان من تحريم الله ما استبيح منه إذخر ولا غيره، ولا ريب أن كل تحريم وتحليل فإلى الله حقيقة والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا ينطق عن الهوى، فلا فرق بين إضافة التحريم إلى الله وإضافته إلى رسوله لأنه المبلغ فالتحريم إلى الله حكمًا وإلى الرسول بلاغًا. والإذخر: بالنصب على الاستثناء ويجوز رفعه على البدل لكونه واقعًا بعد النفي، لكن المختار كما قاله ابن مالك النصب إما لكون الاستثناء متراخيًا عن المستثنى منه فتفوت المشاكلة بالبدلية، وإما لكون المستثنى عرض في آخر الكلام ولم يكن مقصودًا أولاً. (وعن خالد) هو عطف على قوله حدّثنا خالد داخل في الإسناد السابق (عن عكرمة) أنه (قال): لخالد (هل تدري ما) الشيء الذي ينفر صيد مكة؟ أي ما الغرض من قوله: (لا ينفر صيدها؟ هو) أي التنفير (أن ينحيه) المنفر (من الظل ينزل مكانه) بصيغة الغائب فيرجع الضمير للمنفر، والضمير في قوله مكانه للصيد، ولأبي الوقت: أن تنحيه من الظل تنزل بالخطاب، والجملة وقعت حالاً، والمراد بذلك التنبيه على المنع من الإتلاف وسائر أنواع الأذى وهو تنبيه بالأدنى على الأعلى فيحرم التعرض لكل صيد بريّ وحشي مأكول كبقر وحش ودجاجة وحمامة أو ما أحد أصليه برّي وحشي مأكول كمتولد بين حمار وحشي وحمار أهلي أو بين شاة وظبي، ويجب بإتلافه الجزاء لقوله تعالى: {ومن قتله منكم متعمدًا} [المائدة: 95] كما مرّ وللسبب حكم المباشرة في الضمان فمن نصب شبكة وهو محرم أو في الحرم ضمن ما وقع فيها وتلف ولو نصبها وهو حلال ثم أحرم فلا ضمان، وكذا يحرم التعرض إلى جزء البري المذكور كلبنه وشعره وريشه بقطع أو غيره فإنه أبلغ من التنفير المذكور وفارق الشعر ورق أشجار الحرم حيث لا يحرم التعرض له بأن جزه يضر الحيوان في الحر والبرد بخلاف الورق فإن حصل مع تعرضه للبن نقص في الصيد ضمنه، فقد سئل الشافعي عمن حلب عنزًا من الظبي وهو محرم: فقال: تقوم العنز باللبن وبلا لبن وينظر نقص ما بينهما فيتصدق به. وقد خرج بالبري البحري وهو ما لا يعيش إلا في البحر فلا يحرم التعرض له وإن كان البحر في الحرم وما يعيش في البر والبحر بري تغليبًا للحرمة وبالمأكول وما عطف عليه ما لا يؤكل وما لا يكون في أصله ما ذكر فمنه ما هو مؤذ فيستحب قتله للمحرم وغيره كنمر ونسر وبق وبرغوت، ولو ظهر على المحرم قمل لم تكره تنحيته ومنه ما ينفع ويضر كفهد وصقر وباز فلا يستحب قتله لنفعه وهو تعلمه الاصطياد، ولا يكره لضرره وهو عدوه على الناس والبهائم، ومنه ما لا يظهر فيه نفع ولا ضرر كسرطان ورخمة وجعلان وخنافس فيكره قتله، ويحرم قتل وإنما السليماني والنحل والخطاف والهدهد والصرد وبالمتوحش الأنسي كنعم ودجاج أنسيين. 10 - باب لاَ يَحِلُّ الْقِتَالُ بِمَكَّةَ وَقَالَ أَبُو شُرَيْحٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ يَسْفِكُ بِهَا دَمًا. هذا (باب) بالتنوين (لا يحل القتال بمكة) أي فيها (وقال): ولأبي الوقت قال: (أبو شريح) خويلد السابق (-رضي الله عنه-) مما وصله قبل (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يسفك بها) أي بمكة (دمًا). 1834 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ: لاَ هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا، فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا، وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا. قَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ الإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ. قَالَ: قَالَ إِلاَّ الإِذْخِرَ". وبالسند قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي وهو أكبر من أخيه أبي بكر بن أبي شيبة بثلاث سنين قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر (عن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال الحافظ ابن حجر: كذا رواه منصور بن المعتمر، موصولاً، وخالفه الأعمش فرواه عن مجاهد عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرسلاً أخرجه سعيد بن منصور عن أبي معاوية عنه، وأخرجه أيضًا عن سفيان عن داود بن سابور مرسلاً ومنصور ثقة حافظ فالحكم لوصله (يوم افتتح مكة) سنة ثمان من الهجرة ويوم بالنصب ظرف لقال ومقول قوله. (لا هجرة) واجبة من مكة إلى المدينة بعد الفتح لأنها صارت دار إسلام زاد في كتاب الجهاد والهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام باقية إلى يوم القيامة (ولكن) لكم (جهاد) في الكفار (ونية) صالحة في الخير تحصلون بهما الفضائل

التي في معنى الهجرة التي كانت مفروضة لمفارقة الفريق الباطل فلا يكثر سوادهم ولإعلاء كلمة الله وإظهار دينه. قال أبو عبد الله الأبي: اختلف في أصول الفقه في، مثل هذا التركيب يعني قوله: لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية هل هو لنفي الحقيقة أو لنفي صفة من صفاتها كالوجوب وغيره. فإن كان لنفي الوجوب فهو يدل على وجوب الجهاد على الأعيان لأن المستدرك هو النفي والنفي وجوب الهجرة على الأعيان فيكون المستدرك وجوب الجهاد على الأعيان، وعلى أن النفي في هذا التركيب الحقيقة، فالمعنى أن الهجرة بعد الفتح ليست بهجرة وإنما المطلوب الجهاد الطلب الأعم من كونه على الأعيان أو على الكفاية قال: والمذهب أن الجهاد اليوم فرض كفاية إلا أن يعين الإمام طائفة فيكون عليها فرض عين اهـ. وقوله: جهاد رفع مبتدأ خبره محذوف مقدمًا تقديره كما سبق لكم جهاد. وقال الطيبي في شرح مشكاته قوله: ولكن جهاد ونية عطف على محل مدخول لا، والمعنى أن الهجرة من الأوطان إما هجرة إلى المدينة للفرار من الكفار ونصرة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإما إلى الجهاد في سبيل الله وإما إلى غير ذلك من تحصيل الفضائل كطلب العلم فانقطعت الأولى وبقيت الأخريان فاغتنموهما ولا تقاعدوا عنهما. (وإذا استنفرتم فانفروا) بضم التاء وكسر الفاء فانفروا بهمزة وصل مع كسر الفاء أي إذا دعاكم الإمام إلى الخروج إلى الغزو فأخرجوا إليه وإذا علمتم ما ذكر (فإن هذا بلد حرم الله) عز وجل بحذف الهاء، وللكشميهني: حرمه الله (يوم خلق السماوات والأرض) فتحريمه أمر قديم وشريعة سالفة مستمرة وحكمه تعالى قديم لا يتقيد بزمان فهو تمثيل في تحريمه بأقرب متصور لعموم البشر، إذ ليس كلهم يفهم معنى تحريمه في الأزل وليس تحريمه مما أحدث الناس، والخليل عليه الصلاة والسلام إنما أظهره مبلغًا عن الله لما رفع البيت إلى السماء زمن الطوفان، وقيل: إنه كتب في اللوح المحفوظ يوم خلق السماوات والأرض إن الخليل عليه الصلاة والسلام سيحرم مكة بأمر الله (وهو حرام) بواو العطف (بحرمة الله) أي بسبب حرمة الله أو متعلق الباء محذوف أي متلبسًا ونحو ذلك وهو تأكيد للتحريم (إلى يوم القيامة وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي) بلم الجازمة والهاء ضمير الشأن، وفي رواية غير الكشميهني كما هو مفهوم عبارة الفتح: وأنه لا يحل والأول أنسب لقوله قبلي (ولم يحل لي) القتال فيه (إلا ساعة من نهار) خصوصية ولا دلالة فيه على أنه عليه الصلاة والسلام قاتل فيه وأخذه عنوة فإن حل الشيء لا يستلزم وقوعه نعم ظاهره تحريم القتال بمكة. قال المارودي فيما نقله عنه النووي في شرح مسلم: من خصائص الحرم أن لا يحارب أهله فإن بغوا على أهل العدل فقد قال بعض الفقهاء يحرم قتالهم بل يضيق عليهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ويدخلوا في أحكام أهل العدل، وقال الجمهور: يقاتلون على بغيهم إذا لم يمكن ردهم عن البغي إلا بالقتال لأن قتال البغاة من حقوق الله تعالى التي لا يجوز إضاعتها فحفظها في الحرم أولى من إضاعتها. قال النووي: وهذا الأخير هو الصواب، ونص عليه الشافعي في الأم. وقال القفال في شرح التلخيص: لا يجوز القتال بمكة حتى لو تحصن جماعة من الكفار فيها لم يجز لنا قتالهم، وغلطه النووي. وأما القتل وإقامة الحدود فعن الشافعي ومالك حكم الحرم كغيره فيقام فيه الحد ويستوفى فيه القصاص سواء كانت الجناية في الحرم أو في الحل ثم لجأ إلى الحرم لأن العاصي هتك حرمة نفسه فأبطل ما جعل الله له من الأمن، وقال أبو حنيفة: إن كانت الجناية في الحرم استوفيت العقوبة فيه وإن كانت في الحل ثم لجأ إلى الحرم لم تستوف منه فيه ويلجأ إلى الخروج منه فإذا خرج اقتص منه، واحتج بعضهم لإقامة حد القتل فيه بقتل ابن جطل ولا حجة فيه لأن ذلك كان في الوقت الذي أحل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (فهو) أي البلد (حرام بحرم الله إلى يوم القيام) أي بتحريمه والفاء في فهو جزاء لشرط محذوف تقديره إذا كان الله كتب في اللوح المحفوظ تحريمه ثم أمر خليله بتبليغه وإنهائه

11 - باب الحجامة للمحرم

فأنا أيضًا أبلغ ذلك وأنهيه إليكم وأقول فهو حرام بحرمة الله عز وجل وقال: فهو حرام بحرمة الله بعدما قال: وهو حرام بحرمة الله لينيط به غير ما أناط أوّلاً من قوله (لا يعضد) لا يقطع (شوكه) أي ولا شجره بطريق الأولى. نعم لا بأس بقطع المؤذي من الشوك كالعوسج قياسًا على الحيوان المؤذي (ولا ينفر صيده) فإن نفره عصى سواء تلف أم لا (ولا يلتقط لقطته) بفتح القاف في الرواية، وسبق في الباب الذي قبل هذا أن الصواب السكون (إلا من عرفها) أبدًا ولا يتملكها كما يتملكها في غيره من البلاد وهذا مذهب الشافعية وهو رأي متأخري المالكية فيما ذكره صاحب تحصيل المرام من المالكية، والصحيح من مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد أن لا خصوصية للقطتها والوجه هو الأول لأن الكلام ورد مورد الفضائل المختصة بها كتحريم صيدها وقطع شجرها وإذا سوينا بين لقطة الحرم ولقطة غيره من البلاد بقي ذكر اللقطة في هذا الحديث خاليًا عن الفائدة (ولا يختلى خلاها) ولا يقطع نباتها الرطب. قال الزمحشري في الفائق: وحق خلالها أن يكتب بالياء وتثنيته خليان اهـ. أي: لأنه من خليت بالياء. وأما النبات اليابس فيسمى حشيشًا لكن حكى البطليوس عن أبي حاتم أنه سأل أبا عبيدة عن الحشيش فقال: يكون في الرطب واليابس، وحكاه الأزهري أيضًا ويقويه أن في بعض طرق حديث أبي هريرة ولا يحتش حشيشها. (قال العباس) بن عبد المطلب: (يا رسول الله إلا الإذخر) بالنصب ويجوز الرفع على البدلية وسبق ما فيه الباب السابق (فإنه) أي الإذخر (لقينهم) بفتح القاف وسكون التحتية وبالنون حدادهم أو القين كل صاحب صناعة يعالجها بنفسه ومعناه يحتاج إليه القين في وقود النار (ولبيوتهم) في سقوفها يجعل فوق الخشب أو للوقود كالحلفاء. (قال): عليه الصلاة والسلام (إلا الإذخر) ولغير أبي الوقت قال: قال إلا الإذخر استثناء بعض من كل لدخول الإذخر في عموم ما يختلى به، واستدلّ به على جواز الفصل بين المستثنى والمستثنى منه، ومذهب الجمهور اشتراط الاتصال إما لفظًا وإما حكمًا لجواز الفصل بالتنفس مثلاً، وقد اشتهر عن ابن عباس -رضي الله عنهما- الجواز مطلقًا واحتج له بظاهر هذا الحديث، وأجاب الجمهور عنه بأن هذا الاستثناء في حكم المتصل لاحتمال أن يكون -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد أن يقول إلا الإذخر فشغله العباس بكلامه فوصل كلامه بكلام نفسه فقال إلا الإذحز، وقد قال ابن مالك يجوز الفصل مع إضمار الاستثناء متصلاً بالمستثنى منه. 11 - باب الْحِجَامَةِ لِلْمُحْرِمِ وَكَوَى ابْنُ عُمَرَ ابْنَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ. وَيَتَدَاوَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ. (باب الحجامة للمحرم) مراده أن يكون المحرم محجومًا (وكوى ابن عمر) بن الخطاب (ابنه) واقدًا كما وصله سعيد بن منصور (وهو محرم) لبرسام أصابه في الطريق وهو متوجه إلى مكة. ومطابقة هذا للترجمة من عموم التداوي (ويتداوى) المحرم (ما لم يكن فيه) أي في الذي يتداوى به (طيب). 1835 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ عَمْرٌو: أَوَّلُ شَىْءٍ سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: "سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُحْرِمٌ". ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "حَدَّثَنِي طَاوُسٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ" فَقُلْتُ: لَعَلَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُمَا. [الحديث 1835 - أطرافه في: 1938، 1939، 2103، 2278، 2279، 5691، 5694، 5695، 5699، 5700، 5701]. وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: قال عمرو): هو ابن دينار ولأبي ذر قال: قال لنا عمرو (أول شيء) أي أوّل مرة (سمعت عطاء) هو ابن أبي رباح (يقول: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول): (احتجم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو محرم) جملة حالية. قال سفيان: (ثم سمعته) أي عمرو ثانيًا (يقول حدثني) بالإفراد (طاوس) اليماني (عن ابن عباس) قال سفيان (فقلت لعله) أي لعل عمرو (سمعه منهما) أي من عطاء وطاوس، وفي مسلم حدّثنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن عطاء وطاوس عن ابن عباس وليس لعطاء عن طاوس رواية أصلاً والله أعلم. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الطب ومسلم في الحج وكذا أبو داود والترمذي. 1836 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "احْتَجَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُحْرِمٌ بِلَحْيِ جَمَلٍ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ". [الحديث 1836 - طرفه في: 5698]. وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء البجلي قال (حدّثنا سليمان بن بلال) القرشي التيمي (عن علقمة بن أبي علقمة) واسمه بلال مولى عائشة أم المؤمنين وتوفي في أوّل خلافة أبي جعفر وليس له في البخاري إلا هذا الحديث (عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج عن ابن بحينة -رضي الله عنه-) بضم الموحدة وفتح المهملة

12 - باب تزويج المحرم

وسكون التحتية عبد الله بن مالك وبحينة أمه وهي بنت الأرت أنه (قال): (احتجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو محرم) جملة حالية أي في حج الوداع كما جزم به الحازمي وغيره (بلحي جمل) بفتح اللام وسكون الحاء المهملة بعدها مثناة تحتية وجمل بفتح الجيم والميم اسم موضع بين مكة والمدينة إلى المدينة أقرب (في وسط رأسه) بفتح السين من وسط ويؤخذ من هذا أن للمحرم الاحتجام والفصد ما لم يقطع بهما شعرًا فإن كان يقطعه بهما حرم إلا أن يكون به ضرورة إليهما. 12 - باب تَزْوِيجِ الْمُحْرِمِ (باب تزويج المحرم). 1837 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ". [الحديث 1837 - أطرافه في: 4258، 4259، 5114]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج) الحمصي المتوفى سنة ثنتي عشرة ومائتين قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو قال: (حدثني) بالإفراد (عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوج ميمونة) بنت الحرث الهلالية (وهو محرم) بعمرة سنة سبع، وهذا هو المشهور عن ابن عباس، وصح نحوه عن عائشة وأبي هريرة، لكن جاء عن ميمونة نفسها أنه كان حلالاً، وعن أبي رافع مثله وأنه كان الرسول إليها فترجح روايته على رواية ابن عباس هذه لأن رواية من كان له مدخل في الواقعة من مباشرة أو نحوها أرجح من الأجنبي، ورجحت أيضًا بأنها مشتملة على إثبات النكاح لمدة متقدمة على زمن الإحرام والأخرى نافية لذلك والمثبت مقدم على النافي قاله في المصابيح، وقيل: يحمل قوله هنا وهو محرم أي داخل الحرم ويكون العقد وقع بعد انقضاء العمرة والجمهور على أن نكاح المحرم وإنكاحه محرم لا ينعقد لحديث مسلم: لا ينكح المحرم ولا ينكح، وكما لا يصح نكاحه ولا إنكاحه لا يصح إذنه لعبده الحلال في النكاح كذا قاله ابن القطان وفيه كما قاله ابن المرزبان نظر. وحكى الدارمي كلام ابن القطان ثم قال: ويحتمل عندي الجواز ولا فدية في عقد النكاح في الإِحرام فيستثنى من قولهم من فعل شيئًا يحرم بالإحرام لزمه فدية. وأجابوا عن حديث ميمونة بأنه اختلف في الواقعة كيف كانت ولا تقوم بها الحجة ولأنها تحتمل الخصوصية. وقال الكوفيون: يجوز للمحرم أن يتزوج كما يجوز له أن يشتري الجارية للوطء وتعقب بأنه قياس في معارضة السنة فلا يعتبر به. 13 - باب مَا يُنْهَى مِنَ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: لاَ تَلْبَسُ الْمُحْرِمَةُ ثَوْبًا بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ. (باب ما ينهى) عنه (من) استعمال (الطيب للمحرم والمحرمة) لأنه من دواعي الجماع ومقدماته المفسدة للإحرام وعند البزار من حديث ابن عمر الحاج الشعث التفل بفتح المثناة الفوقية وكسر الفاء الذي ترك استعمال الطيب (وقالت عائشة -رضي الله عنها-) مما وصله البيهقي (لا تلبس) المرأة (المحرمة ثوبًا) مصبوغًا (بورس) بفتح الواو وسكون الراء ثم سين مهملة نيت أصفر تصبغ به الثياب (أو زعفران). ومطابقته للترجمة من حيث أن المصبوغ بهما تفوح له رائحة كالطيب. 1838 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنَ الثِّيَابِ فِي الإِحْرَامِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ وَلاَ الْعَمَائِمَ وَلاَ الْبَرَانِسَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ لَيْسَتْ لَهُ نَعْلاَنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ. وَلاَ تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلاَ الْوَرْسُ. وَلاَ تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ، وَلاَ تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ". تَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ وَجُوَيْرِيَةُ وَابْنُ إِسْحَاقَ فِي النِّقَابِ وَالْقُفَّازَيْنِ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وَلاَ وَرْسٌ. وَكَانَ يَقُولُ: لاَ تَتَنَقَّبِ الْمُحْرِمَةُ وَلاَ تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ. وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لاَ تَتَنَقَّبِ الْمُحْرِمَةُ. وَتَابَعَهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد) من الزيادة المقري مولى آل عمر قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قام رجل) لم يسم (فقال: يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟ فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تلبسوا القميص) بالإفراد، ولأبوي ذر والوقت: القمص بضم القاف والميم بالجمع (ولا السراويلات) جمع سراويل غير منصرف قيل لأنه منقول عن الجمع بصيغة مفاعيل وأن واحده سروالة، وقيل لأنه أعجمي على أن ابن الحاجب حكى أن من العرب من يصرفه وهي مؤنثة عند الجمهور (ولا العمائم) جمع عمامة سميت بذلك لأنها تعم جميع الرأس بالتغطية (ولا البرانس) جمع برنس بضم الباء والنون قلنسوة طويلة كان النساك في صدر الإسلام يلبسونها، وزاد في باب: ما لا يلبس المحرم من الثياب ولا الخفاف (إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطع) أي الخفين (أسفل من الكعبين) وهما العظمان الناتئان عند ملتقى الساق والقدم، وهذا قول مالك والشافعي. وذهب المتأخرون من الحنفية إلى التفرقة بين الكعب في غسل القدمين في الوضوء والكعب المذكور في

قطع الخفين للمحرم وأن المراد بالكعب هنا المفصل الذي في القدم عند معقد الشراك دون الناتئ وأنكره الأصمعي ولا فدية عليه وقال الحنفية: عليه الفدية. وقال الحنابلة: لا يقطعهما ولا فدية عليه، واحتجوا بحديث ابن عباس الآتي إن شاء الله تعالى في الباب الآتي بعد هذا الباب ولفظه: من لم يجد النعلين فليلبس الخفين ومن لم يجد إزار فليلبس سراويل. وأجيب: بأنه مطلق. وحديث الباب مقيد فيحمل المطلق على المقيد لأن الزيادة من الثقة مقبولة، وقد وقع السؤال عما يلبس المحرم؟ وأجيب: بما لا يلبس ليدل بالالتزام من طريق المفهوم على ما يجوز وإنما عدل عن الجواب المطابق إلى هذا الجواب لأنه أخصر فإن ما يحرم أقل وأضبط مما يحل، أو لأن السؤال كان من حقه أن يكون عما لا يلبس لأن الحكم العارض المحتاج إلى البيان هو الحرمة، وأما جواز ما يلبس فثابت بالأصل معلوم بالاستصحاب فلذلك أتى بالجواب على وفقه تنبيهًا على ذلك. والحاصل أنه نبه بالقميص والسراويل على جميع ما في معناهما وهو ما كان مخيطًا أو معمولاً على قدر البدن أو العضو كالجوشن والران والتبان وغيرها وبالعمائم والبرانس على كل ساتر للرأس مخيطًا كان أو غيره حتى العصابة فإنها حرام ونبه بالخفاف على كل ساتر للرجل من مداس وغيره، وهذا الحكم خاص بالرجال بدليل توجيه الخطاب نحوهم. (ولا تلبسوا) في حال الإحرام (شيئًا مسّه زعفران ولا الورس) ولا ما في معناهما مما يقصد به رائحته غالبًا كالمسك والعود والورد فيحرم مع وجوب الفدية بالتطيب ولو كان أخشم في ملبوسه ولو نعلاً أو بدنه ولو باطنًا بنحو أكل قياسًا على الملبوس المذكور في الحديث لا ما يقصد به الأكل أو التداوي وإن كان له رائحة طيبة كالتفاح والأترج والقرنفل والدارصيني وسائر الأبازير الطيبة كالفلفل والمصطكي فلا تجب فيه الفدية لأنه إنما يقصد منه الأكل أو التداوي كما مرّ، ولا ما ينبت بنفسه وإن كان له رائحة طيبة كالشيح والقيصوم والخزامى لأنه لا يعد طيبًا وإلا لاستنبت وتعهد كالورد ولا بالعصفر والحناء وإن كان لهما رائحة طيبة لأنه إنما يقصد منه لونه، وتجب الفدية في النرجس والريحان الفارسي وهو الضيمران بفتح المعجمة وضم الميم كما ضبطه النووي قال في المهمات: لكنه لغة قليلة، والمعروف المجزوم به في الصحاح أن الضومران بالواو وفتح الميم وهو نبت بري. وقال ابن يونس: المرسين. وقوله: ولا الورس بفتح الواو وسكون الراء آخره مهملة أشهر طيب في بلاد اليمن، والحكمة في تحريم الطيب البعد عن التنعم وملاذ الدنيا ولأنه أحد دواعي الجماع وهذا الحكم المذكور يعم الرجل والمرأة. (ولا تنتقب المرأة) بنون ساكنة بعد تاء المضارعة وكسر القاف وجزم الفعل على النهي فيكسر لالتقاء الساكنين، ويجوز رفعه على أنه خبر عن حكم الله لأنه جواب عن السؤال عن ذلك. وللكشميهني: ولا تتنقب بمثناتين فوقيتين مفتوحتين والقاف المشددة المرأة (المحرمة ولا تلبس القفازين) تثنية قفاز بضم القاف وتشديد الفاء بوزن رمان في القاموس شيء يعمل لليدين يحشى بقطن تلبسهما المرأة للبرد أو ضرب من الحلي لليدين والرجلين، وقال غيره هو ما تلبسه المرأة في يديها فيغطي أصابعها وكفيها عند معاناة الشيء في غزل ونحوه. وروى أحمد وأبو داود والحاكم من طريق ابن إسحاق حدثني نافع عن ابن عمر أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في إحرامهن عن القفازين وما مس الورس والزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب فيباح لها ستر جميع بدنها بكل ساتر مخيطًا كان أو غيره إلا وجهها فإنه حرام كذا ستر الكفّين بقفازين أو واحدهما بأحدهما لأن القفازين ملبوس عضو ليس بعورة فأشبه خف الرجل ويجوز سترهما بغيرهما ككم. وخرقة لفتها عليهما للحاجة إليه ومشقة الاحتراز عنه. نعم، يعفى عما تستره من الوجه احتياطًا للرأس إذ لا يمكن استيعاب ستره إلا بستر قدر يسير مما يليه من الوجه والمحافظة على ستره بكماله لكونه عورة أولى من المحافظة على كشف ذلك القدر من الوجه، ويؤخذ من هذا التعليل

أن الأمة لا تستر ذلك لأن رأسها ليس بعورة، لكن قال في المجموع ما ذكر في إحرام المرأة ولبسها لم يفرقوا فيه بين الحرة والأمة وهو المذهب، وللمرأة أن ترخي على وجهها ثوبًا متجافيًا عنه بخشبة أو نحوها، فإن أصاب الثوب وجهها بلا اختيار فرفعته فورًا فلا فدية وإلا وجبت مع الإثم. (تابعه) أي تابع الليث (موسى بن عقبة) المدني الأسدي فيما وصله النسائي وأبو داود مرفوعًا (وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة) ابن أخي موسى السابق مما وصله علي بن محمد المصري في فوائده من رواية الحافظ السلفي (وجويرية) ابن أسماء مما وصله أبو يعلى الموصلي (وابن إسحاق) محمد مما وصله أحمد والحاكم مرفوعًا (في) ذكر (النقاب) وهو الخمار الذي تشدّه المرأة على الأنف أو تحت المحاجر، فإن قرب من العين حتى لا تبدو أجفانها فهو الوصواص بفتح الواو وسكون الصاد المهملة الأولى، فإن نزل إلى طرف الأنف فهو اللفام بكسر اللام وبالفاء، فإن نزل إلى الفم ولم يكن على الأرنبة منه شيء فهو اللثام بالمثلثة (والقفازين) وظاهره اختصاص ذلك بالمرأة، ولكن الرجل في القفاز مثلها لكونه في معنى الخف فإن كلاًّ منهما محيط بجزء من البدن، وأما النقاب فلا يحرم على الرجل من جهة الإحرام لأنه لا يحرم عليه تغطية وجهه. (وقال عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة مصغر ابن عمر العمري مما وصله إسحاق بن راهويه في مسنده وابن خزيمة (ولا ورس) فوافق الأربعة المذكورين في رواية الحديث المذكور عن نافع حيث جعل الحديث إلى قوله ولا ورس مرفوعًا، ثم خالفهم ففصل بقية الحديث فجعله من قول ابن عمر أدرجه في الحديث فقال: (وكان يقول: لا تتنقب المحرمة ولا تلبس القفازين) بالجزم على النهي في تتنقب وتلبس والكسر لالتقاء الساكنين ويجوز رفعهما على الخبر كما مر وتتنقب بمثناتين فوقيتين من التفعل. (وقال مالك) الإمام الأعظم مما هو في موطئه (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما-: (لا تتنقب المحرمة). (وتابعه) أي تابع مالكًا (ليث بن أبي سليم) بضم المهملة وفتح اللام ابن زنيم القرشي الكوفي في وقفه وفيه تقوية لعبيد الله العمري وظهر الإدراج في رواية غيره. وقد استشكل ابن دقيق العيد الحكم بالإدراج في هذا الحديث لورود النهي عن النقاب والقفاز مفردًا وللابتداء بالنهي عنهما في رواية ابن إسحاق المرفوعة المذكورة فيما سبق من رواية أحمد وأبي داود والحاكم وقال في الاقتراح دعوى الإدراج في أول المتن ضعيفة. وأجيب: بأن الثقات إذا اختلفوا وكان مع أحدهم زيادة قدّمت ولا سيما إن كان حافظًا خصوصًا إن كان أحفظ والأمر هنا كذلك فإن عبيد الله بن عمر في نافع أحفظ من جميع من خالفه وقد فصل الموضوع من الموقوف، وأما الذي ابتدأ في المرفوع بالموقوف فإنه من التصرف في الرواية بالمعنى فكأنه رأى أشياء متعاطفة فقدم وأخر لجواز ذلك عنده ومع الذي فصل زيادة علم فهو أولى قاله في فتح الباري ونحوه في شرح الترمذي للحافظ زين الدين العراقي. 1839 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرِمٍ نَاقَتُهُ فَقَتَلَتْهُ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "اغْسِلُوهُ وَكَفِّنُوهُ وَلاَ تُغَطُّوا رَأْسَهُ وَلاَ تُقَرِّبُوهُ طِيبًا، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِلُّ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن الحكم) بن عتيبة (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: وقصت) بالقاف والصاد المهملة المفتوحتين فعل ماض (برجل محرم) أي كسرت رقبته (ناقته) فاعل وقصت (فقتلته) وكان ذلك عند الصخرات من عرفات ولم يعرف اسم الرجل المذكور (فأتي) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول (به) أي بالرجل (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) برفع رسول نائب عن الفاعل (فقال): (اغسلوه وكفنوه ولا تغطوا رأسه ولا تقربوه طيبًا) بضم المثناة الفوقية وتشديد الراء المكسورة (فإنه يبعث) يوم القيامة حال كونه (يهل) بضم أوله أي يرفع صوته بالتلبية على هيئته التي مات عليها فهو باق على إحرامه وهذا عام في كل محرم. وقال الحنفية والمالكية: ينقطع الإحرام بالموت ويفعل به ما يفعل بالحي، وأجابوا عن هذه القصة بأنها واقعة عين

14 - باب الاغتسال للمحرم

لا عموم فيها لأنه علل ذلك بقوله: فإنه يبعث ملبيًا وهذا الأمر لا يتحقق وجوده في غيره فيكون خاصًّا بذلك الرجل ولو استمر بقاؤه على إحرامه لأمر بقضاء بقية مناسكه ولو أريد التعميم في كل محرم لقال فإن الحرم كما قال: إن الشهيد يبعث وجرحه يثعب دمًا. وأجيب: بأن الأصل أن كل ما ثبت لواحد في زمنه عليه الصلاة والسلام يثبت لغيره حتى يظهر التخصيص، وقد اختلف في الصائم يموت هل يبطل صومه بالموت حتى يجب قضاء ذلك اليوم عنه أو لا يبطل. وهذا الحديث قد سبق في باب الكفن في ثوبين وفي الحنوط للميت، وفي باب المحرم يموت بعرفة، وفي باب سنة الحرم إذا مات. 14 - باب الاِغْتِسَالِ لِلْمُحْرِمِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: يَدْخُلُ الْمُحْرِمُ الْحَمَّامَ وَلَمْ يَرَ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ بِالْحَكِّ بَأْسًا. (باب الاغتسال للمحرم) لأجل التطهر من الجنابة أو التنظيف. (وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-): مما وصله الدارقطني والبيهقي (يدخل الحمام) وعن مالك إن دخله فتدلك وأنقى الوسخ فعليه الفدية. وقال المالكية: ويكره له غسل يديه بالأشنان عند وضوئه من الطعام كان في الأشنان طيب أو لم يكن لأنه ينقي البشرة وكان مالك يرخص للمحرم أن يغسل يديه بالدقيق والأشنان غير المطيب ويكره له صب الماء على رأسه من حرّ يجده، وقال الشافعية: يجوز له غسل رأسه بالسدر ونحوه في حمام وغيره من غير نتف شعره، (ولم ير ابن عمر وعائشة) -رضي الله عنهم- (بالحك) لجلد المحرم إذا أكله (بأسًا) إذا لم يحصل منه نتف شعر وأثر ابن عمر وصله البيهقي والآخر وصله مالك، ومناسبة ذلك لما ترجم له من حيث أن في الحك من إزالة الأذى ما في الغسل. 1840 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ اخْتَلَفَا بِالأَبْوَاءِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ، وَقَالَ الْمِسْوَرُ: لاَ يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ. فَأَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ وَهُوَ يُسْتَرُ بِثَوْبٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ أَسْأَلُكَ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ ثُمَّ قَالَ لإِنْسَانٍ يَصُبُّ عَلَيْهِ: اصْبُبْ. فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ. وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفْعَلُ". وبالسند قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة (عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر المدني (عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين) بضم الحاء وفتح النون الأولى مولى العباس بن عبد المطلب المدني (عن أبيه) عبد الله بن حنين المتوفى فى أول خلافة يزيد بن عبد الملك في أوائل المائة الثانية (أن عبد الله بن العباس) بالألف واللام (والمسور بن مخرمة) بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو وبالراء مخرمة بفتح الميم والراء بينهما خاء معجمة ساكنة ابن نوفل القرشي له ولأبيه صحبة (اختلفا بالأبواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة موضع قريب من مكة أي اختلفا وهما نازلان بالأبواء (فقال عبد الله بن عباس): بإسقاط أل (يغسل المحرم رأسه، وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه) قال عبد الله بن حنين (فأرسلني عبد الله بن العباس) بإثبات أل (إلى أبي أيوب) خالد بن زيد (الأنصاري) -رضي الله عنه- (فوجدته يغتسل بين القرنين) أي بين قرني البئر وهما جانبا البناء الذي على رأس البئر يجعل عليهما خشبة تعلق بها البكرة (وهو يستر بثوب فسلمت عليه فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن العباس) بإثبات أل (أسألك) ولأبي ذر: يسألك (كيف كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يغسل رأسه وهو محرم) لم يقل عبد الله بن حنين هل كان يغسل رأسه ليوافق اختلافهما بل سأل عن الكيفية لاحتمال أن يكون لما رآه يغتسل وهو محرم فهم من ذلك الجواب، ثم أحب أن لا يرجع إلا بفائدة أخرى فسأله عن الكيفية قاله في فتح الباري. (فوضع أبو أيوب يده على الثوب) الذي ستر به (فطأطأه) أي خفض الثوب وأزاله عن رأسه (حتى بدا لى) بغير همز أي ظهر لي (رأسه ثم قال: لإنسان) لم يسم (يصب عليه فصب على رأسه ثم حرك رأسّه بيديه) بالتثنية (فأقبل بهما وأدبر) فيه جواز ذلك شعر المحرم بيده إذا أمن تناثره (وقال) أبو أيوب: (هكذا رأيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعل) فيه الجواب والبيان بالفعل وهو أبلغ من القول، وزاد ابن عيينة فرجعت إليهما فأخبرتهما، فقال المسور لابن عباس: لا أماريك أبدًا أي لا أجادلك. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الحج وكذا النسائي وابن ماجة. 15 - باب لُبْسِ الْخُفَّيْنِ لِلْمُحْرِمِ إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ (باب) حكم (لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين) أي هل يقطع أسفلهما أم لا؟. 1841 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ: مَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ لِلْمُحْرِمِ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا

شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو بن دينار) قال: (سمعت جابر بن زيد) الأزدي اليحمدي قال: (سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب بعرفات) في حجة الوداع (من لم يجد النعلين فليلبس الخفين) بعد أن يقطع أسفل من الكعبين وهما العظمان الناتئان عند ملتقى الساق والقدم وهذا قول مالك والشافعي. وذهب المتأخرون من الحنفية إلى التفرقة بين الكعب في غسل القدمين في الوضوء والكعب المذكور في قطع الخفين للمحرم، وأن المراد بالكعب هنا المفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك دون الناتئ وأنكره الأصمعي، ولكن قال الحافظ الزين العراقي: أنه أقرب إلى عدم الإحاطة على القدم ولا يحتاج القول به إلى مخالفة اللغة بل يوجد ذلك في بعض ألفاظ ابن عمر، ففي رواية الليث عن نافع عنه: فليلبس الخفين أسفل من الكعبين، فقوله: ما أسفل بدل من الخفين فيكون اللبس لهما أسفل من الكعبين والقطع من الكعب فما فوق. وفي رواية مالك عن نافع عنه مما سبق وليقطعهما أسفل من الكعبين فليس فيه ما يدل على كون القطع مقتصرًا على ما دون الكعبين بل يزاد مع الأسفل ما يخرج القدم عن كونه مستورًا بإحاطة الخف عليه ولا حاجة حينئذٍ إلى مخالفة ما جزم به أهل اللغة اهـ. وهل إذا لبسه والحالة هذه تلزمه الفدية قال الشافعية: لا تلزمه، وقال الحنفية: عليه الفدية، وقال الحنابلة: لا يقطعهما لأنه إضاعة مال ولا فدية عليه. قال المرداوي في الإنصاف: وهذا هو المذهب نص عليه أحمد في رواية الجماعة وعليه الأصحاب وهو من المفردات وعنه إن لم يقطع إلى دون الكعبين فعليه الفدية. وقال الخطابي: العجب من الإمام أحمد في هذا يعني في قوله بعدم القطع لأنه لا يكاد يخالف سنة تبلغه. قال الزركشي الحنبلي: العجب كل العجب من الخطابي في توهمه عن أحمد مخالفة السنة أو خفاءها، وقد قال المروزي احتججت على أبي عبد الله بقول ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليقطع أسفل الكعبين فقال: هذا حديث وذاك حديث فقد اطلع على السنة وإنما نظر نظرًا لا ينظره إلا الفقهاء المتبصرون وهذا يدل على غاية من الفقه والنظر اهـ. واشترط الجمهور قطع الخف حملاً للمطلق على المقيد في حديث ابن عمر السابق، وقد ورد في بعض طرق حديث ابن عباس الصحيحة موافقته لحديث ابن عمر في قطع الخفين رواه النسائي شي سننه قال: أخبرنا إسماعيل بن مسعود، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا أيوب عن عمرو عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول "إذا لم يجد إزارًا فليلبس السراويل وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين وقطعهما أسفل من الكعبين"، وهذا إسناد صحيح، وإسماعيل بن مسعود وثقه أبو حاتم وغيره والزيادة من الثقة مقبولة على الصحيح. وأما احتجاج أحمد بأن حديث ابن عباس ناسخ لحديث ابن عمر المصرح بقطعهما. فلو سلمنا تأخر حديث ابن عباس وخلوّه عن الأمر بقطع الخفين لا يلزم منه الحكم بالنسخ مع إمكان الجمع وحمل المطلق على المقيد متعين، وقد قال ابن قدامة الحنبلي: الأولى قطعهما عملاً بالحديث الصحيح وخروجًا من الخلاف اهـ. وقد سبق أنه روي عن أحمد أنه قال: إن لم يقطع إلى دون الكعبين فعليه الفدية. (ومن لم يجد إزارًا) هو ما يشد في الوسط (فليلبس سراويل) ولأبي ذر: السراويل بالتعريف (للمحرم) بلام البيان كهي في نحو هيت لك وسقيا لك أي هذا الحكم للمحرم، ولأبي الوقت عن الكشميهني: المحرم بالألف بدل اللام والرفع فاعل فليلبس وسراويل مفعول. 1842 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه-: "سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ: لاَ يَلْبَسِ الْقَمِيصَ وَلاَ الْعَمَائِمَ وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ وَلاَ الْبُرْنُسَ وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلاَ وَرْسٌ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ". وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين الزهري القرشي المدني كان على قضاء بغداد قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم عن أبيه عبد الله) بن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه قال: (سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم سين سئل مبنيًّا للمفعول ولم يسم السائل (ما يلبس

16 - باب إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل

المحرم من الثياب؟ فقال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجيبًا له بما لا يلبس لأنه محصور بخلاف ما يلبس إذ الأصل الإباحة وفيه تنبيه على أنه كان ينبغي السؤال عما لا يلبس، وأن المعتبر في الجواب ما يحصل المقصود وإن لم يطابق السؤال صريحًا فقال: (لا يلبس القميص) بالإفراد، ولأبي ذر عن الكشميهني: القمص (ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرنس) بالإفراد في الثالث وهو بضم الموحدة والنون (ولا) يلبس (ثوبًا مسه زعفران) مفرد زعافر كترجمان وتراجم (ولا ورس) بفتح الواو وسكون الراء آخره سين مهملة نبت يصبغ به أصفر ومنه الثياب الورسية أي المصبوغة به، وقيل إن الكركم عروقه وليس ذكرهما للتقييد بل لأنهما الغالب فيما يصبغ للزينة والترفه فيلحق بهما ما في معناهما واختلف في ذلك المعنى فقيل لأنه طيب فيحرم كل طيب، وبه قال: الجمهور. وقيل: مطلق الصبغ. نعم يكره تنزيهًا المصبوغ ولو بنيلة أو مغرة للنهي عنه رواه مالك موقوفًا على ابن عمر بإسناد صحيح ومحله فيما صبغ بغير زعفران أو عصفر وإنما كرهوا هنا المصبوغ بغيرهما خلاف ما قالوه في باب ما يجوز لبسه أنه يحرم لبس ما صبغ بهما لأن المحرم أشعث أغبر فلا يناسبه المصبوغ مطلقًا، لكن قيده الماوردي والروياني بما صبغ بعد النسخ. (وإن لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين) قيد في حديث ابن عمر وأطلق في حديث ابن عباس قال الشافعي رحمه الله: فقبلنا زيادة ابن عمر -رضي الله عنهما- في القطع كما قبلنا زيادة ابن عباس -رضي الله عنهما- في لبس السراويل إذا لم يجد إزارًا وكلاهما حافظ صادق وليس زيادة أحدهما على الآخر شيئًا لم يروه الآخر وإنما عزب عنه أو شك فيه فلم يروه أو سكت عنه أو أداه فلم يرو عنه لبعض هذه المعاني. 16 - باب إِذَا لَمْ يَجِدِ الإِزَارَ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يجد) الذي يريد الإحرام (الإزار) يشده في وسطه (فليلبس السراويل) حينئذٍ. 1843 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "خَطَبَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَفَاتٍ فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَجِدِ الإِزَارَ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ". وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عمرو بن دينار عن جابر بن زيد) اليحمدي (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: خطبنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعرفات) بالجمع علم على موضع الوقوف وإنما جمع وإن كان الموضع واحدًا باعتبار بقاعه فإن كلاًّ منها يسمى عرفة، وقال الفرّاء: لا واحد له، وقول الناس نزلنا عرفة شبيه بمولد فليس بعربي (فقال): (من لم يجد الإزار) يشدّه في وسطه عند إرادته الإحرام (فليلبس السراويل) من غير أن يفتقه، وهذا مذهب الشافعي كقول أحمد، وقال الحنفية: إن لبسه ولم يفتقه يجب عليه دم لأن لبس المخيط من محظور الإحرام والعذر لا يسقط حرمته فيجب عليه الجزاء كما وجب في الحلق لدفع الأذى، وقال المالكية: ومن لم يجد إزارًا فلبس سراويل فعليه الفدية، وكأن حديث ابن عباس هذا لم يبلغ مالكًا ففي الموطأ أنه سئل عنه فقال: لم أسمع بهذا الحديث. (ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين) أي وليقطعهما كما في السابقة. 17 - باب لُبْسِ السِّلاَحِ لِلْمُحْرِمِ وَقَالَ عِكْرِمَةُ إِذَا خَشِيَ الْعَدُوَّ لَبِسَ السِّلاَحَ وَافْتَدَى. وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ فِي الْفِدْيَةِ. (باب) جواز (لبس السلاح للمحرم) إذا احتاج إليه. (وقال عكرمة): مولى ابن عباس مما لم يقف الحافظ ابن حجر على وصله (إذا خشي) المحرم (العدوّ لبس السلاح وافتدى) أي أعطى الفدية قال البخاري: (ولم يتابع) بضم أوله وفتح الموحدة أي لم يتابع عكرمة (عليه في) وجوب (الفدية) وهو يقتضي أنه توبع على جواز لبس السلاح عند الخشية. 1844 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- "اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ: لاَ يُدْخِلُ مَكَّةَ سِلاَحًا إِلاَّ فِي الْقِرَابِ". وبالسند قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن موسى العبسي مولاهم الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه قال: (اعتمر النبي) ولأبي ذر والوقت: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عمرة القضية (في ذي القعدة) سنة سبع من الهجرة (فأبى أهل مكة أن يدعوه) بفتح الدال أي يتركوه عليه الصلاة والسلام (يدخل مكة حتى قاضاهم) في عمرة الحديبية من القضاء بمعنى الفصل والحكم (لا يدخل مكة سلاحًا) بضم الياء من الإدخال وسلاحًا نصب

18 - باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام. ودخل ابن عمر

على المفعولية، ولأبوي ذر والوقت: لا يدخل مكة سلاح بفتح الياء من يدخل وسلاح بالرفع بيدخل (إلا في القراب) بكسر القاف ليكون علمًا وإمارة للسلم إذ كان دخولهم صلحًا. وقد أورد المؤلّف هذا الحديث هنا مختصرًا وساقه بتمامه في كتاب الصلح عن عبيد الله بن موسى بإسناده هذا، وكذا أخرجه الترمذي، ومطابقته للترجمة في قوله لا يدخل مكة سلاحًا لأنه لو كان حمل السلاح غير جائز مطلقًا عند الضرورة وغيرها ما قاضى أهل مكة عليه. 18 - باب دُخُولِ الْحَرَمِ وَمَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ. وَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالإِهْلاَلِ لِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ. وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْحَطَّابِينَ وَغَيْرِهِمْ (باب) جواز (دخول) أرض (الحرم و) دخول (مكة) من عطف الخاص على العام (بغير إحرام) لمن لم يرد الحج أو العمرة (ودخل ابن عمر) فيما وصله مالك في الموطأ مكة لما جاءه بقديد خبر الفتنة وكان خرج منها فرجع إليها حلالاً ولم يذكر المفعول. قال المؤلّف: (وإنما أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالإهلال لمن أراد الحج والعمرة) وأشار به إلى أن من دخل مكة غير مريد للحج والعمرة فلا شيء عليه وهو مذهب الشافعية لقوله في حديث ابن عباس ممن أراد الحج والعمرة والمشهور عن الأئمة الثلاثة الوجوب، (ولم يذكر) عليه الصلاة والسلام ولأبي الوقت: ولم يذكره بضمير المفعول أي لم يذكر الإحرام (للحطابين) الذين يجلبون الحطب إلى مكة للبيع (وغيرهم) بالجر عطفًا على السابق المجرور باللام، ولأبي ذر: الحطابين وغيرهم بالنصب عطفًا على المفعول السابق، والمراد بالغير من يتكرر دخوله كالحشاشين والسقائين. 1845 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِكُلِّ آتٍ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ". وبالسند قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم القصاب قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء مصغرًا ابن خالد قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما) (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقت لأهل المدينة ذا الحليفة) مفعول وقت والحليفة بضم الحاء المهملة وفتح اللام أصله تصغيرًا لحلفة واحدة الحلفاء وهو النبات المعروف وهو موضع بينه وبين المدينة ستة أميال كما رجحه النووي (ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم) بفتح التحتية واللامين وسكون الميم الأولى، ولأبوي ذر والوقت: ألملم بهمزة بدل التحتية وهو الأصل (هن لهنّ ولكل آت أتى عليهن من غيرهم) بضمير المذكرين في هذا الأخير والمؤنثات في الثلاثة السابقة، وفي باب مهل أهل مكة في أوائل كتاب الحج من غيرهنّ بضمير المؤنثات فالأول والثالث والرابع للمواقيت والثاني لأهلها وكان حقه أن يكون للمذكرين، وأجاب ابن مالك بأنه عدل إلى ضمير المؤنثات لقصد التشاكل (من) ولأبي ذر عن الكشميهني: ممن (أراد الحج والعمرة) الواو بمعنى أو أو المراد إراداتهما معًا على جهة القران (فمن كان دون ذلك) المذكور (فمن حيث أنشأ) أي النسك (حتى) ينشئ (أهل مكة) حجهم (من مكة) أما العمرة فمن أدنى الحل لقصة عائشة. 1846 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: اقْتُلُوهُ". [الحديث 1846 - أطرافه في: 3044، 4286، 5808]. وبه قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عام الفتح) مكة (وعلى رأسه المغفر) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس أو رفرف البيضة أو ما غطى الرأس من السلاح كالبيضة، ولا تعارض بينه وبين رواية مسلم من حديث جابر، وعليه عمامة سوداء، فإنه يحتمل أن يكون المغفر فوق العمامة السوداء وقاية لرأسه المكرم من صدأ الحديد أو هي فوق المغفر فأراد أنس بذكر المغفر كونه دخل متأهبًا للحرب، وأراد جابر بذكر العمامة كونه غير محرم أو كان أوّل دخوله على رأسه المغفر ثم أزاله ولبس العمامة بعد ذلك فحكى كل منهما ما رآه، وستر الرأس يدل على أنه دخل غير محرم، لكن قال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يكون محرمًا وغطى رأسه لعذر تعقب بتصريح جابر وغيره بأنه لم يكن محرمًا. واستشكل في المجموع ذلك لأن مذهب الشافعي أن مكة فتحت صلحًا خلافًا لأبي حنيفة في قوله إنها فتحت عنوة وحينئذ فلا خوف، ثم أجاب بأنه عليه الصلاة والسلام صالح أبا سفيان وكان لا يأمن غدر أهل مكة فدخلها صلحًا متأهبًا للقتال

19 - باب إذا أحرم جاهلا وعليه قميص

إن غدروا (فلما نزعه) أي فلما نزع عليه الصلاة والسلام المغفر (جاء رجل) ولأبي ذر عن الكشميهني: جاءه رجل وهو أبو برزة نضلة بن عبيد الأسلمي كما جزم به الفاكهاني في شرح العمدة والكرماني. قال البرماوي: وكذا ذكره ابن طاهر وغيره وقيل سعيد بن حريث، (فقال) يا رسول الله (إن من ابن خطل) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة بعدها لام وكان اسمه في الجاهلية عبد العزى، فلما أسلم سمي عبد الله وليس اسمه هلالاً بل هو اسم أخيه واسم خطل عبد مناف، وخطل لقب له لأن أحد لحييه كان أنقص من الآخر فظهر أنه مصروف وهو من بني تيم بن فهر بن غالب ومقول قول الرجل هو قوله (متعلق بأستار الكعبة ئقال): عليه الصلاة والسلام: (اقتلوه) فقتله أبو برزة وشاركه فيه سعيد بن حريث، وقيل القاتل له سعيد بن ذؤيب، وقيل الزبير بن العوّام وكان قتله بين المقام وزمزم. واستدلّ به القاضي عياض في الشفاء وغيره من المالكية على قتل من آذى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو تنقصه ولا تقبل له توبة لأن ابن خطل كان يقول الشعر يهجو به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويأمر جاريتيه أن تغنيا به، ولا دلالة في ذلك أصلاً لأنه إنما قتل ولم يستتب للكفر والزيادة فيه بالأذى مع ما اجتمع فيه من موجبات القتل ولأنه اتخذ الأذى ديدنًا فلم يتحتم أن سبب قتله الذم فلا يقاس عليه من فرط منه فرطة وقلنا بكفره بها وتاب ورجع إلى الإسلام فالفرق واضح. وفي كتابي المواهب اللدنية بالمنح المحمدية مزيد بحث لذلك وإنما أمر عليه الصلاة والسلام بقتل ابن خطل لأنه كان مسلمًا، فبعثه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مصدقًا وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان معه مولى يخدمه وكان مسلمًا فنزل منزلاً فأمر المولى أن يذبح تيسًا ويصنع له طعامًا ونام، فاستيقظ ولم يصنع له شيئًا فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركًا، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكان ممن أهدر دمه يوم الفتح. قال الخطابي: قتله بما جناه في الإسلام. وقال ابن عبد البر: قودا من دم المسلم الذي قتله ثم ارتد، واستدلّ بقصته على جواز إقامة الحدود والقصاص في حرم مكة. وقال أبو حنيفة: لا يجوز، وتأول الحديث بأنه كان في الساعة التي أبيحت له. وأجاب أصحابنا بأنه إنما أبيحت له ساعة الدخول حتى استولى عليها وقتل ابن خطل بعد ذلك. وتعقب بما سبق أن الساعة التي أحلت له ما بين أوّل النهار ودخول وقت العصر وقتل ابن خطل كان قبل ذلك قطعًا لأنه قيد في الحديث بأنه كان عند نزع المغفر وذلك عند استقراره بمكة، وحينئذ فلا يستقيم الجواب المذكور. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في اللباس والجهاد والمغازي، ومسلم في المناسك، وأبو داود والترمذي وابن ماجة في الجهاد، والنسائي في الحج. وهذا الحديث قد عد من إفراد مالك تفرد بقوله: وعلى رأسه المغفر كما تفرد بحديث السفر قطعة من العذاب قاله ابن الصلاح وغيره. وتعقبه الزين العراقي بأنه ورد من طريق ابن أخي الزهري ومعمر وأبن أويس والأوزاعي فالأولى عند البزار، والثانية عند ابن عدي وفوائد ابن المقري، والثالثة عند ابن سعد وأبي عوانة، والرابعة ذكرها المزني وهي في فوائد تمام. وزاد الحافظ ابن حجر طريق عقيل في معجم ابن جميع، ويونس بن يزيد في الإرشاد للخليلي، وابن أبي حفصة في الرواة عن مالك للخطيب، وابن عيينة في مسند أبي يعلى، وأسامة بن زيد في تاريخ نيسابور، وابن أبي ذئب في الحلية، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي في إفراد الدارقطني، وعبد الرحمن ومحمد ابني عبد العزيز الأنصاريين في فوائد عبد الله بن إسحاق الخراساني، وابن إسحاق في مسند مالك لابن عدي، وصالح بن الأخضر ذكره أبو ذر الهروي عقب حديث ابن قزعة عن مالك الخرج عند البخاري في المغازي وبحر السقاء ذكره جعفر الأندلسي في تخريجه للجيزي بالجيم والزاي، لكن ليس في طرقه على شرط الصحيح إلا طريق مالك وأقربها ابن أخي الزهري، ويليها رواية ابن أويس فيحمل قول من قال انفرد به مالك أي بشرط الصحة وقول من قال توبع أي في الجملة. 19 - باب إِذَا أَحْرَمَ جَاهِلاً وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ جَاهِلاً أَوْ نَاسِيًا فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. هذا (باب) بالتنوين (إذا

أحرم) شخص حال كونه (جاهلاً) بأحكام الإحرام (وعليه قميص) جملة حالية. (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح مما وصله: (إذا تطيب) المحرم (أو لبس) مخيطًا أو محيطًا حال كونه (جاهلاً) للحكم (أو ناسيًا) للإحرام (فلا كفارة عليه). 1847 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ جُبَّةٌ فِيهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ أَوْ نَحْوُهُ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِي: تُحِبُّ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ أَنْ تَرَاهُ؟ فَنَزَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ: اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى بن دينار العوذي الأزدي البصري قال: (حدثنا عطاء) هو ابن أبي رباح المكي (قال: حدثني) بالإفراد (صفوان بن يعلى عن أبيه) يعلى بن أمية، ويقال ابن منية وهي أمه أخت عتبة بن غزوان (قال): ولأبي ذر: حدثني صفوان بن يعلى بن أمية قال: فزاد لفظ ابن أمية وأسقط لفظ عن أبيه، وجزم الحافظ ابن حجر بأنه تصحيف صحف عن فصارت ابن وأبيه فصار أمية قال: وليست لصفوان صحبة ولا رؤية، فالصواب رواية غير أبي ذر حدثني صفوان بن يعلى عن أبيه قال: (كنت مع رسول الله) ولأبوي ذر والوقت: وابن عساكر مع النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في الموطأ: وهو بحنين وفي رواية البخاري بالجعرانة (فأتاه رجل) لم يسم (عليه جبة) جملة اسمية في موضع رفع صفة لرجل (أثر صفرة) ولأبي الوقت في نسخة: وأثر صفرة بالواو، ولأبي ذر: فيه أثر صفرة أي في الرجل، ويروى وعليها أثر صفرة أي على الجبة (أو نحوه) قال يعلى: (كان) وفي نسخة وكان (عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (يقول لي تحب) أي أتحب فحذف همزة الاستفهام (إذا نزل عليه) زاده الله شرفًا لديه (الوحي أن تراه) أن مصدرية في موضع نصب مفعول تحب (فنزل عليه) أي الوحي (ثم سري) بضم السين وكسر الراء المشدّدة أي كشف (عنه) شيئًا بعد شيء (فقال): عليه الصلاة والسلام للرجل: (اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك) من الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والحلق والاحتراز عن محظورات الإحرام في الحج كلبس المخيط وغيره وفيه إشعار بأن الرجل كان عالمًا بصفة الحج دون العمرة زاد في باب: يفعل في العمرة ما يفعل في الحج قبل قوله اصنع اخلع عنك الجبة واغسل أثر الخلوق عنك وأنق الصفرة وفيه دليل على أن من أحرم في قميص أو جبة لا تمزق عليه كما يقول الشعبي، بل أن نزعه في الحال أي من رأسه وإن أدى إلى الإحاطة برأسه فلا شيء عليه. نعم إن كانت الجبة مفرجة جميعها مزررة كالقباء والفرجية وأراد المحرم نزعها فهل له نزعها من رأسه مع إمكان حل الأزرار بحيث لا تحيط بالرأس محل نظر. وفي الحديث أيضًا أن المحرم إذ لبس أو تطيب ناسيًا أو جاهلاً فلا فدية عليه لأن السائل كان قريب العهد بالإسلام ولم يأمره بالفدية والناسي في معنى الجاهل وبه قال الشافعي. وأما ما كان من باب الإتلافات من المحظورات كالحلق وقتل الصيد فلا فرق بين العامد والناسي والجاهل في لزوم الفدية قاله البغوي في شرح السنة. وقال المالكية: فعل العمد والسهو والضرورة والجهل سواء في الفدية إلا في حرج عام كما لو ألقت الريح عليه الطيب فإنه في هذا وشبهه لا فدية عليه لكن إن تراخى في إزالته لزمته. وأجاب ابن المنير من المالكية في حاشيته عن هذا الحديث: بأن الوقت الذي أحرم فيه الرجل في الجبة كان قبل نزول الحكم قال: ولهذا انتظر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الوحي. قال: ولا خلاف أن التكليف لا يتوجه على المكلف قبل نزول الحكم فلهذا لم يؤمر الرجل بفدية عما مضى بخلاف من لبس الآن جهلاً فإنه جهل حكمًا استقر وقصر في علم كان عليه أن يتعلمه لكونه مكلفًا به وقد تمكن من تعلمه. 1848 - وَعَضَّ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ -يَعْنِي فَانْتَزَعَ ثَنِيَّتَهُ- فَأَبْطَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 1848 - أطرافه في: 2265، 2973، 4417، 6893]. (وعض رجل) هو يعلى بن أمية كما في مسلم (يد رجل) ولمسلم أيضًا من رواية صفوان بن يعلى أن أجيرًا ليعلى بن أمية عض رجل ذراعه فجذبها فتعين أن المعضوض أجير يعلى وأن العاض يعلى، ولا ينافيه قوله في الصحيحين كان لي أجير فقاتل إنسانًا لأنه يجوز أن يكني عن نفسه ولا يبين للسامعين أنه العاض كما قالت عائشة -رضي الله عنها- قبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امرأة من نسائه فقال لها الراوي ومن هي إلا أنت فضحكت (يعني فانتزع ثنيته) واحدة الثنايا من السن (فأبطله

20 - باب المحرم يموت بعرفة، ولم يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يؤدى عنه بقية الحج

النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي جعله هدرًا لا دية فيه لأنه جذبها دفعًا للصائل. زاد في الدّية يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية لك، وهذا حديث آخر ومسألة مستقلة بذاتها كما يأتي ذلك إن شاء الله تعالى بعونه وكرمه في باب: إذا عض رجلاً فوقعت ثناياه من أبواب الدّية. ووجه تعلقه بهذا الباب كونه من تتمة الحديث فهو مذكور بالتبعية، وحديث الباب سبق في مواضع، وخرجه أيضًا في الحج وفضائل القرآن والمغازي ومسلم في الحج وكذا أبو داود والترمذي والنسائي. 20 - باب الْمُحْرِمِ يَمُوتُ بِعَرَفَةَ، وَلَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةُ الْحَجِّ (باب) حكم (المحرم) حال كونه (يموت بعرفة ولم يأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يؤدى عنه) أي عن المحرم الذي مات بعرفة (بقية الحج) كرمي الجمار والحلق وطواف الإفاضة لأن أثر إحرامه باق لأنه يبعث يوم القيامة ملبيًا، وإنما لم يأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأن يؤدى عنه بقية الحج لأنه مات قبل التمكن من أداء بقيته فهو غير مخاطب به كمن شرع في صلاة مفروضة أول وقتها فمات في أثنائها فإنه لا تبعة عليه فيها إجماعًا. 1849 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ -أَوْ قَالَ فَأَقْعَصَتْهُ- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ -أَوْ قَالَ ثَوْبَيْهِ- وَلاَ تُحَنِّطُوهُ وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُلَبِّي". وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي الأزدي قاضي مكة قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم الجهضمي الأزدي (عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: بينا) بغير ميم (رجل) لم يسم (واقف مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعرفة) بلفظ الإفراد في حجة الوداع (إذ وقع عن راحلته فوقصته) بفتح الفاء والواو والقاف المخففة والصاد المهملة - (أو قال فأقعصته) - بهمزة مفتوحة بعد الفاء فقاف ساكنة فعين فصاد مهملتين مفتوحتين وهما بمعنى أي كسرت راحلته عنقه والشك من الراوي، (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اغسلوه بماء وسدر وكفنونه في ثوبين -أو قال:- ثوبيه) بالشك من الراوي (ولا تخمروا) بالخاء المعجمة أي لا تغطوا (رأسه ولا تحنطوه) أي لا تجعلوا فيه حنوطًا وهي أخلاط من طيب من كافور وذريرة قصب ونحوه. قال الخطابي: استبقى له شعائر الإحرام من كشف الرأس واجتناب الطيب تكرمة له كما استبقى للشهيد شعار الطاعة التي تقرب بها إلى الله تعالى في جهاد أعدائه فيدفن بدمه وثيابه (فإن الله يبعثه يوم القيامة) حال كونه (يلبي) هو إيماء إلى العلة. 1850 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ -أَوْ قَالَ فَأَوْقَصَتْهُ- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تَمَسُّوهُ طِيبًا، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا". وبه قال (حدّثنا سليمان بن حرب) قال: (حدّثنا حماد) ولأبي الوقت: حماد بن زيد (عن أيوب) السختياني (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهم- قال: بينا رجل) بغير ميم (واقف مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعرفة) بلفظ المفرد (إذ وقع عن راحلته فوقصته -أو قال- فأوقصته) شك من الراوي في أن المادة هل هي من الثلاثي أو من الرباعي، وسبق تفسيره، ولكن نسبة الوقص للراحلة إن كان بسبب الوقوع فمجاز، وإن كان من الراحلة بعد الوقوع حركة أثرت الكسر بفعلها فحقيقة (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تمسوه طيبًا) بضم المثناة الفوقية وكسر الميم من الإمساس، ولغير أبي ذر: ولا تمسوه بفتح المثناة والميم من المس (ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيًا) نصب على الحال والفرق بينه وبين قوله في السابقة يلبي أن الفعل يدل على التجدد والاسم على الثبوت. 21 - باب سُنَّةِ الْمُحْرِمِ إِذَا مَاتَ (باب سنة المحرم) في كيفية الغسل والتكفين وغيره (إذا مات) وهو محرم. 1851 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَجُلاً كَانَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلاَ تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا". وبالسند قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير بضم الموحدة وفتح المعجمة مصغرين السلمي الواسطي قال: (أخبرنا أبو بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن إياس اليشكري البصري (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رجلاً كان مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حجة الوداع بعرفة (فوقصته ناقته وهو محرم) جملة اسمية (فمات: فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه) اللذين كان محرمًا فيهما (ولا تمسوه بطيب) بفتح الفوقية والميم، ولأبي ذر: ولا تمسوه بضمها وكسر الميم (ولا تخمروا رأسه فإنه

22 - باب الحج والنذور عن الميت، والرجل يحج عن المرأة

يبعث يوم القيامة ملبيًا) بصفة الملبين بنسكه الذي مات فيه من حج أو عمرة أو هما معًا وهذا القدر كاف في التعليل للحكم السابق، ثم بعد ذلك لا يمتنع أن يأتي يوم القيامة ملبيًا مع ذلك أي قائلاً لبيك اللهم لبيك. 22 - باب الْحَجِّ وَالنُّذُورِ عَنِ الْمَيِّتِ، وَالرَّجُلُ يَحُجُّ عَنِ الْمَرْأَةِ (باب) حكم (الحج والنذور) بلفظ الجمع وللنسفي فيما قاله في الفتح والنذر (عن الميت و) حكم (الرجل) وفي الفرع والرجل بالرفع على الاستئناف (يحج عن المرأة) وكان ينبغي أن يقول والمرأة تحج عن المرأة ليطابق حديث الباب. وأجاب الزركشي: بأنه استنبط ذلك من قوله اقضوا الله فإنه خاطبها بخطاب دخل فيه الرجال والنساء، فللرجل أن يحج عن المرأة ولها أن تحج عنه، وأما قول الحافظ ابن حجر في قوله: والرجل يحج عن المرأة نظر لأن لفظ الحديث أن امرأة سألت عن نذر كان على أبيها فكان حق الترجمة أن يقول: والمرأة تحج عن الرجل ثم قال: والذي يظهر لي أن البخاري أشار بالترجمة إلى رواية شعبة عن أبي بشر في هذا الحديث إنه قال فيه: أتى رجل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: إن أختي نذرت أن تحج الحديث وفيه: فاقض الله فهو أحق بالقضاء فلا يخفى ما فيه، فهنا حديث الباب إنما هو أن امرأة من جهينة قالت: إن أمي وكيف يقال بالطابقة بين ترجمة وحديث مذكور في باب آخر، والأصل أن المطابقة إنما تكون بين الترجمة وحديث الباب فليتأمل. 1852 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ". [الحديث 1852 - طرفاه في: 6699، 7315]. وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف التبوذكي بفتح المثناة وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن أبي بشر) جعفر بن إياس (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن امرأة من جهينة) هي امرأة سنان بن سلمة الجهني كما في النسائي، ولأحمد سنان بن عبد الله وهو أصح، وفي الطبراني أنها عمته قاله الحافظ ابن حجر في المقدمة. وقال في الفتح: ما في النسائي لا يفسر به المبهم في حديث الباب لأن في حديث الباب أن المرأة سألت بنفسها، وفي النسائي أن زوجها سأل لها، ويمكن الجمع بأن نسبة السؤال إليها مجازية، وإنما الذي تولى لها السؤال زوجها، لكن في حرف الغين المعجمة من الصحابيات لابن منده عن ابن وهب عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه أن غاثية بالغين المعجمة وبعد الألف مثلثة، وقيل نون وقبل الهاء مثناة تحتية سألت عن نذر أمها وجزم ابن طاهر في المبهمات بأنه اسم الجهنية المذكورة في حديث الباب، لكن قال الذهبي أرسله عطاء ولا يثبت. (جاءت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت): يا رسول الله (إن أمي) لم تسم (نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟) الفاء الداخلة عليها همزة الاستفهام الاستخباري عطف على محذوف أي أيصح مني أن أكون نائبة عنها فأحج عنها (قال) عليه الصلاة والسلام. (نعم حجي عنها) ولأبي الوقت قال: حجي فأسقط نعم، وفيه دليل على أن من مات وفي ذمته حق لله تعالى من حج أو كفارة أو نذر فإنه يجب قضاؤه (أرأيت) بكسر التاء أي أخبريني (لو كان على أمك دين) لمخلوق (كنت قاضية) ذلك الدين عنها، وللحموي والمستملي: قاضيته بضمير المفعول (اقضوا الله) أي حق الله (فالله أحق بالوفاء) من غيره. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الاعتصام والنذور والنسائي في الحج. 23 - باب الْحَجِّ عَمَّنْ لاَ يَسْتَطِيعُ الثُّبُوتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ. (باب) حكم (الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة) لمرض أو غيره ككبر أو زمانة. 1853 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- أَنَّ امْرَأَةً ... ح. وبالسند قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن ابن شهاب) الزهري (عن سليمان بن يسار) بالسين المهملة المخففة (عن ابن عباس) عبد الله (عن الفضل بن عباس) أخيه وكان أكبر ولد أبيه (-رضي الله عنهم- أن امرأة) كذا رواه ابن جريج وتابعه معمر وخالفهما مالك، وأكثر الرواة عن الزهري فلم يقولوا فيه عن الفضل وروى ابن ماجة من طريق محمد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس أخبرني حصين بن عوف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخثعمي. قال الترمذي: سألت محمدًا يعني البخاري عن هذا فقال أصح شيء فيه ما روى

24 - باب حج المرأة عن الرجل

ابن عباس عن الفضل قال: فيحتمل أن يكون ابن عباس سمعه من الفضل ومن غيره ثم رواه بغير واسطة اهـ. وإنما رجح البخاري الرواية عن الفضل لأنه كان ردف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذ وكان ابن عباس قد تقدم من المزدلفة إلى منى مع الضعفة، فكأن الفضل حدث أخاه بما شاهد في تلك الحالة ولم يسق المؤلّف لفظ رواية ابن جريج على عادته. وبقيتها أن امرأة جاءت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: إن أبي أدركه الحج وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يركب البعير أفأحج عنه قال: "حجي عنه" أخرجه أبو مسلم الكجي عن أبي عاصم شيخ المؤلّف فيه، ثم انتقل المؤلّف إلى إسناد عبد العزيز بن أبي سلمة وساق الحديث على لفظه فقال (ح) لتحويل السند. 1854 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ". (حدّثنا) ولأبي الوقت: وحدّثنا بواو العطف (موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة) الماجشون بكسر الجيم وبعدها شين معجمة مضمومة ونسبه لجده واسم أبيه عبد الله المدني نزيل بغداد قال: (حدّثنا ابن شهاب) الزهري (عن سليمان بن يسار عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) وقع عند الترمذي وأحمد وابنه عبد الله من حديث عليّ ما يدل على أن السؤال وقع عند المنحر بعد الفراغ من الرمي وأن العباس كان حاضرًا فلا مانع أن يكون ابنه عبد الله أيضًا كان معه فحمله تارة عن أخيه الفضل وتارة شاهده (قال: جاءت امرأة) لم تسم (من خثعم) بفتح الخاء المعجمة وسكون المثلثة وفتح العين المهملة غير مصروف للعلمية والتأنيث باعتبار القبيلة لا العلمية والوزن وهي قبيلة مشهورة (عام حجة الوداع) وفي الاستئذان من رواية شعبة يوم النحر (قال: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي) لم يسم أيضًا (شيخًا كبيرًا) نصب على الاختصاص وقال الطيبي حال قال العيني وفيه نظر (لا) ولأبي الوقت: ما (يستطيع أن يستوي على الراحلة) يجوز أن يكون حالاً وأن يكون صفة (فهل يقضي) بفتح أوّله وكسر ثالثه أي يجزي أو يكفي (عنه أن أحج عنه قال): عليه الصلاة والسلام: (نعم) يقضي عته وهذا موضع الترجمة ثم إن الاستطاعة المتوقف عليها الوجوب تكون تارة بالنفس وتارة بالغير، فالأولى تتعلق بخمسة أمور: الأول والثاني: الزاد والراحلة لتفسير السبيل في الآية بهما في حديث الحاكم وقال صحيح على شرطهما. والثالث: الطريق فيشترط الأمن فيه ولو ظنًا، والرابع: البدن فيشترط أن يثبت على المركوب ولو في محمل أو كسفينة بلا مشقة شديدة فلو لم يثبت عليه أصلاً أو ثبت عليه في محمل أو كسفينة بمشقة شديدة لمرض أو غيره لم يجب عليه النسك بنفسه لعدم استطاعته بخلاف من انتفت عنه المشقّة فيما ذكر فيجب عليه النسك. وأما الاستطاعة بالغير فالعاجز عن الحج أو العمرة ولو قضاء أو نذرًا يكون بالموت تارة وعن الركوب إلا بمشقة شديدة لكبر أو زمانة أخرى فإنه يحج عنه لأنه مستطيع بغيره لأن الاستطاعة كما تكون بالنفس تكون ببذل المال. وقال المالكية: وإن استناب العاجز في الفرض أو الصحيح في النفل كره له ذلك قال سند والمذهب كراهتها للصحيح في التطوع وإن وقع صحت الإجارة، واختلف في العاجز هل تجوز استنابته وهو مروي عن مالك أو تكره وهو المشهور أو يفرق بين الولد فيجوز منه وبين غيره فلا يجوز وهو قول ابن وهب وأبي مصعب. 24 - باب حَجِّ الْمَرْأَةِ عَنِ الرَّجُلِ (باب حج المرأة عن الرجل). 1855 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ الْفَضْلُ رَدِيفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمٍ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقَالَتْ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن سليمان بن يسار) الهلالي (عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان الفضل) ابن عباس (رديف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد شعيب في روايته على عجز راحلته (فجاءت امرأة) لم تسم (من خثعم) بغير صرف وفي الفرع مصروف منون (فجعل الفضل) بن العباس وكان غلامًا جميلاً (ينظر إليها وتنظر) الخثعمية (إليه فجعل) بالفاء ولأبي الوقت وجعل (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصرف وجه الفضل) إلى الشق الآخر الذي ليس فيه المرأة خشية الافتتان

25 - باب حج الصبيان

(فقالت): أي الخثعمية يا رسول الله (إن فريضة الله) أي في الحج كما في حديث الباب السابق (أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة) لا يثبت صفة بعد صفة أو من الأحوال المتداخلة أو شيخًا بدل لكونه موصوفًا أي: وجب عليه الحج بأن أسلم وهو شيخ كبير أو حصل له المال في هذا الحال والأول أوجه قاله في شرح المشكاة (أفأحج عنه)؟ أي: أيصح أن أنوب عنه فأحج عنه؟ (قال) عديه الصلاة والسلام: (نعم) أي حجي عنه وفيه دليل على أنه يجوز للمرأة أن تحج عن الرجل خلافًا لمن زعم أنه لا يجوز معللاً بأن المرأة تلبس في الإِحرام ما لا يلبسه الرجل فلا يحج عنه إلا رجل مثله (وذلك) أي ما ذكر (في حجة الوداع) بمنى. 25 - باب حَجِّ الصِّبْيَانِ (باب حج الصبيان). 1856 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "بَعَثَنِي -أَوْ قَدَّمَنِي- النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الثَّقَلِ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ". وبالسند قال: (حدثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل عارم بالعين والراء المهملتين السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد عن عبيد الله بن أبي يزيد) بتصغير عبد ويزيد من الزيادة المكي (قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول): (بعثني أو قدّمني) بالشك من الراوي (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الثقل) بفتح المثلثة والقاف آلات السفر ومتاعه (من جمع) بفتح الجيم وسكون الميم أي من المزدلفة (بليل). ووجه المطابقة بين الحديث والترجمة أن ابن عباس كان دون البلوغ ولذا أردفه المؤلّف بحديثه الآخر المصرح فيه بأنه كان قارب الاحتلام فقال: 1857 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَقْبَلْتُ -وَقَدْ نَاهَزْتُ الْحُلُمَ- أَسِيرُ عَلَى أَتَانٍ لِي، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمٌ يُصَلِّي بِمِنًى، حَتَّى سِرْتُ بَيْنَ يَدَىْ بَعْضِ الصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ نَزَلْتُ عَنْهَا فَرَتَعَتْ، فَصَفَفْتُ مَعَ النَّاسِ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ "بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ". (حدّثنا إسحاق) بن منصور الكوسج المروزي قال: (أخبرنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري قال: (حدثنا ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله (عن عمه) محمد بن مسلم بن شهاب الزهري قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن عتبة بن مسعود) بصغير عبد الأول وعتبة بضم العين وسكون المثناة الفوقية (أنَ عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال): (أقبلت وقد ناهزت) بالنون والهاء المفتوحتين وبينهما ألف وبعد الهاء زاي ساكنة أي قاربت (الحلم) بضمتين أي البلوغ بالاحتلام حال كوني: (أسير على أتان لي) هي الأنثى من الحمر (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم يصلّي بمنى) الواو في ورسول الله للحال وعلى أتان متعلق بقوله أسير (حتى سرت بين يدي بعض الصف الأول) وهو مجاز عن القدّام لأن الصف لا يدله (ثم نزلت عنها) أي عن الأتان (فرتعت) أكلت من نبات الأرض (فصففت مع الناس) في كتاب العلم فدخلت في الصف الأول (وراء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (وقال يونس): بن يزيد الأيلي مما وصله مسلم (عن ابن شهاب: بمنى في حجة الوداع) وهذا موضع الترجمة كما لا يخفى. 1858 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حُجَّ بِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن يونس) المستملي الرقي قال: (حدّثنا حاتم بن إسماعيل) بالحاء المهملة الكوفي سكن المدينة (عن محمد بن يوسف) الكندي المدني الأعرج (عن السائب بن يزيد) الكندي، ويقال الأسدي وهو جد محمد بن يوسف لأمه (قال: حج بي) بضم الحاء مبنيًا للمفعول، وقال ابن سعد عن الواقدي عن حاتم: حجت بي أمي، وعند الفاكهي من وجه آخر عن محمد بن يوسف عن السائب حج بي أبي وجمع بأنه حج معهما (مع رسول الله) ولأبي الوقت: مع النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا ابن سبع سنين) وزاد الترمذي عن قتيبة عن حاتم في حجة الوداع. 1859 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ الْجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ لِلسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ وَكَانَ قَدْ حُجَّ بِهِ فِي ثَقَلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 1859 - طرفاه في: 6712، 7330]. وبالسند قال: (حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين وسكون الميم وزرارة بضم الزاي وفتح الراء المكررة بينهما ألف ابن واقد الكلابي النيسابوري قال: (أخبرنا القاسم بن مالك) المزني الكوفي (عن الجعيد بن عبد الرحمن) بضم الجيم وفتح العين مصغرًا ابن أوس الكندي (قال: سمعت عمر بن عبد العزيز) رحمة الله عليه (يقول للسائب بن يزيد وكان قد) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: وكان السائب قد (حج به في ثقل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الحاء مبنيًا للمفعول زاد الإسماعيلي وأنا غلام ولم يذكر المؤلّف مقول عمر ولا جواب السائل لأن غرضه الإعلام بأن السائب حج به وهو صغير، وكأنه كان سأله عن قدر المدّ كما في الكفارات عن عثمان بن أبي شيبة عن

26 - باب حج النساء

القاسم بن مالك بهذا الإسناد. كان الصاع على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مدًّا وثلثًا بمدّكم اليوم فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز. واعلم أن الحج لا يجب على الصبي لكن يصح منه ويكون له تطوّعًا لحديث مسلم عن ابن عباس قال: رفعت امرأة صبيًا لها فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر، ثم إن كان الصبي مميزًا أحرم بإذن وليه فإن أحرم بغير إذنه لم يصح في الأصح، وإن لم يكن مميزًا أحرم عنه وليه سواء كان الولي حلالاً أم محرمًا، وسواء كان حجه عن نفسه أم لا؟. وكيفية إحرامه أن يقول: أحرمت عنه أو جعلته محرمًا ومتى صار محرمًا فعل ما قدر عليه بنفسه ويفعل الولي به ما عجز عنه من غسل وتجرد عن مخيط ولبس إزار ورداء فإن قدر على الطواف وإلاّ طيف به، والسعي كالطواف ويركع عنه ركعتي الإحرام والطواف إن لم يكن مميزًا وإلا صلاهما بنفسه، ويشترط أن يحضره المواقف فيحضره وجوبًا في الواجبات وندبًا في المندوبات كعرفة والمزدلفة والمشعر الحرام سواء كان الصبي مميزًا أو غير مميز لإمكان فعلها منه ولا يغني حضورها عنه، وإن قدر على الرمي وجوبًا وإلا استحب للولي أن يضع الحجر في يده ويأخذها ويرمي بها عنه بعد رميه عن نفسه، ولو بلغ الصبي في أثناء الحج ولو بعد وقوف، فأدرك الوقوف أجزأه عن فرضه لأنه أدرك معظم العبادة فصار كما لو أدرك الركوع بخلاف ما إذا لم يدرك الوقوف، ولكن يعيد السعي وجوبًا بعد الطواف إن كان سعى بعد طواف القدوم قبل بلوغه ويمنع الصبي المحرم من محظورات الإحرام فلو تطيب مثلاً عامدًا وجبت الفدية في مال الولي ولو جامع في حجه فسد وقضى ولو في الصبا كالبالغ المتطوّع بجامع صحة إحرام كل منهما فيعتبر فيه لفساد حجه ما يعتبر في البالغ من كونه عامدًا عالمًا بالتحريم مجامعًا قبل التحللين، وإذا قضى فإن كان قد بلغ في الفاسد قبل فوات الوقوف أجزأه قضاؤه عن حجة الإسلام ولو حال الوقوف أو بعده انصرف القضاء إليها أيضًا ولزم القضاء من قابل، وقال أبو حنيفة: لا يصح إحرام الصبي ولا يلزمه شيء بفعل شيء من محظورات الإحرام وإنما حج به على جهة التدريب اهـ. وهذا نقله النووي وسبقه إليه الخطابي وهذا فيه نظر إذ لا أعلم أحدًا من أئمة مذهب الإمام أبي حنيفة نص على ذلك، بل قال شمس الأئمة السرخسي فيما نقله عنه الزيلعي في شرح الكنز أحرم الصبي بنفسه وهو يعقل، أو أحرم عنه أبوه صار محرمًا. وقال في الكنز: فلو أحرم الصبي أو العبد فبلغ أو عتق فمضى لم يجز عن فرضه لأن إحرامه انعقد لأداء النفل فلا ينقلب للفرض. وقال في عمدة المفتي: حسنات الصبي له ولأبويه أجر التعليم والإرشاد. 26 - باب حَجِّ النِّسَاءِ (باب) صفة (حج النساء). 1860 - وَقَالَ لِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: "أَذِنَ عُمَرُ -رضي الله عنه- لأَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ". قال المؤلّف بالسند السابق: (وقال لي أحمد بن محمد) بن الوليد الأزرقي المكي، وفي هامش الفرع وأصله: هو الأزرقي وعلى ذلك علامة السقوط من غير عزو: (حدّثنا إبراهيم عن أبيه) سعد (عن جده) إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف والضمير في جده لإبراهيم لا لأبيه (أذِن عمر) أي ابن الخطاب (-رضي الله عنه- لأزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في آخر حجة حجها) وكان -رضي الله عنه- متوقفًا في ذلك اعتمادًا على قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن} [الأحزاب: 33] وكان يرى تحريم السفر عليهن أوّلاً، ئم ظهر له الجواز فأذن لهن في آخر خلافته فخرجن إلا زينب وسودة لحديث أبي داود وأحمد من طريق واقد بن أبي واقد الليثي عن أبيه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لنسائه في حجة الوداع: هذه ثم ظهور الحصر. زاد ابن سعد من حديث أبي هريرة فكن نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحججن لا زينب وسودة فقالا: لا تحرّكنا دابة بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإسناد حديث أبي واقد صحيح. (فبعث) عمر -رضي الله عنه- (معهن) في خدمتهن (عثمان بن عفان وعبد الرحمن) زاد ابن عساكر: ابن عوف، وكان معهن نسوة ثقات فقمن مقام المحرم أو أن كل الرجال محرم لهن، وزاد عبدان في هذا الحديث عند البيهقي فنادى الناس عثمان أن لا يدنو منهن أحد ولا ينظر إليهن إلا مدّ البصر وهن في الهوادج على الإبل وأنزلهن صدر الشعب، ونزل عثمان وعبد الرحمن بذنبه فلم يصعد

إليهن أحد. وقد رواه المؤلّف مختصرًا. وقوله: أذن عمر ظاهره أنه من رواية إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن عمر وإدراكه لذلك ممكن لأن عمره إذ ذاك كان أكثر من عشر سنين، وقد أثبت سماعه من عمر يعقوب بن شبة وغيره، قاله في فتح الباري. 1861 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: حَدَّثَتْنَا عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَغْزُوا وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقَالَ: لَكُنَّ أَحْسَنُ الْجِهَادِ وَأَجْمَلُهُ الْحَجُّ حَجٌّ مَبْرُورٌ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَلاَ أَدَعُ الْحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالسين المهملة وتشديد الدال المهملة الأولى الأسدي البصري قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي البصري قال: (حدّثنا حبيب بن أبي عمرة) بفتح العين وسكون الميم القصاب الحماني بكسر المهملة الكوفي (قال: حدثتنا عائشة بنت طلحة) بن عبيد الله التيمية وكانت فائقة الجمال (عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-) أنها (قالت قلت يا رسول الله ألا نغزو) أي نقصد الجهاد (ونجاهد) نبذل المقدور في القتال، (معكم) أو الغزو والجهاد مترادفان، فيكون ذكر الجهاد بعد الغزو للتأكيد كذا في الفرع، وفي له: نغزو أو نجاهد بأو بدل الواو وعليه شرح البرماوي كالكرماني وغيره، وقال الحافظ ابن حجر هذا شك من الراوي وهو مسدد شيخ البخاري. وقد رواه أبو كامل عن أبي عوانة شيخ مسدد بلفظ ألا نغزو معكم أخرجه الإسماعيلي، وأغرب الكرماني فقال: ليس الغزو والجهاد بمعنى واحد فإن الغزو القصد للقتال والجهاد بذل النفس في القتال. قال: أو ذكر الثاني تأكيدًا للأوّل اهـ. وكان ظن أن الألف تتعلق بنغزو فشرح على أن الجهاد معطوف على الغزو بالواو أو جعل أو بمعنى الواو اهـ. فليتأمل. فإن الذي وجدته في ثلاثة أصول معتمدة ألا نغزو أو نجاهد بألف واحدة بين الواوين وهي ألف الجمع، والواو التالية لها واو الجمع بلا ريب، فالكرماني اعتمد على الأصل المعتمد، وقد قال في القاموس: الجهاد بالكسر القتال مع العدو، ثم قال غزاه غزوًا أراده وطلبه وقصده كاغتزاه والعدو سار إلى قتالهم وانتهابهم، ففرق بين الجهاد والغزو كما فرق الكرماني، وبالجملة فيحتمل أن يكون فيها روايتان واو العطف أو أو للشك والعلم عند الله تعالى (فقال) عليه الصلاة والسلام: (لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج حج مبرور) بضم الكاف وتشديد النون بلام الجر الداخلة على ضمير المخاطبات وهو ظرف مستقر خبر أحسن وأجمله عطف عليه والحج بدل من أحسن وحج مبرور خبر مبتدأ محذوف أي هو حج مبرور أو بدل من البدل، ويجوز لكن بفتح اللام وكسر الكاف مع زيادة ألف قبل الكاف وتشديد النون للاستدراك وأحسن نصب بها وهذا في الفرع كأصله، وعزاه صاحب الفتح في باب: فضل الحج المبرور للحموي، وقال التيمي: لكن بتخفيف النون وسكونها وأحسن مبتدأ والحج خبره، (فقالت عائشة: فلا أدع الحج) أي ألا أتركه (بعد إذ سمعت هذا) الفضل (من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وهذا الحديث سبق في باب فضل الحج المبرور في أوائل كتاب الحج. 1862 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ، فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا". [الحديث 1862 - أطرافه في: 3006، 3061، 5233]. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد عن عمرو) هو ابن دينار (عن أبي معبد) بفتح الميم وسكون العين وفتح الموحدة نافذ بفاء ومعجمة المكي (مولى ابن عباس عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تسافر المرأة) شابة أو عجوزًا سفرًا قليلاً أو كثيرًا للحج أو غيره (إلا مع ذي محرم) بنسب أو غيره وفي الرواية الآتية إن شاء الله تعالى في هذا الباب ليس معها زوج أو ذو محرم لتأمن على نفسها (ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم) لها فيه حرمة اختلاء الأجنبي مع المرأة. (فقال رجل) لم يسمّ (يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا)؟ لم يسم الغزوة وفي الجهاد إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا أي كتبت نفسي في أسماء من عين لتلك الغزوة (وامرأتي تريد الحج فقال) عليه الصلاة والسلام: (أخرج معها) إلى الحج، واستدلّ به الحنابلة على أنه ليس للزوج منع امرأته من حج الفرض إذا استكملت شروط الحج وهو وجه للشافعية، والأصح عندهم أن له منعها لكون الحج على التراخي، وأخذ بعضهم بظاهره فأوجب على الزوج السفر مع امرأته إذا لم يكن

لها غيره، وبه قال أحمد. والمشهور عند الشافعية أنه لا يلزمه فلو امتنع إلا بالأجرة لزمها وفيه كما قال النووي تقديم الأهم فالأهم عند المعارضة فرجح الحج لأن الغزو يقوم فيه غيره مقامه بخلاف الحج معها، وقد أخرج المؤلّف هذا الحديث أيضًا في الجهاد والنكاح ومسلم في الحج. 1863 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَخْبَرَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لأُمِّ سِنَانٍ الأَنْصَارِيَّةِ: مَا مَنَعَكِ مِنَ الْحَجِّ؟ قَالَتْ: أَبُو فُلاَنٍ -تَعْنِي زَوْجَهَا- كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا. قَالَ: فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً مَعِي" رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روّاد المروزي قال: (أخبرنا يزيد بن زريع) بضم الزاي مصغرًا قال: (أخبرنا حبيب المعلم) بفتح العين وكسر اللام المشدّدة ابن قريبة بضم القاف وفتح الموحدة مصغرًا (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال لما رجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من حجته) إلى المدينة (قال لأم سنان الأنصارية) وفي عمرة رمضان قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها، وقد سبق هناك أن الناسي ابن جريج لا عطاء لأنه سماها هنا كما ترى، ويحتمل كما سبق أنه كان ناسيًا لما حدث به ابن جريج وذاكرًا لما حدث حبيبًا. (ما منعك من الحج) معنا (قالت) أم سنان: يا رسول الله (أبو فلان) أي أبو سنان (تعني زوجها) أبا سنان، وفي عمرة رمضان قالت: كان لنا ناضح، ولمسلم ناضحان وفي اليونينية كان له ناضحان ملحقة (حج على أحدهما و) الناضح (الآخر يسقي أرضًا لنا قال) عليه الصلاة والسلام: (فإن عمرة في رمضان تقضي حجة معي) يعني في الثواب وليس المراد أن العمرة تقضي بها فرض الحج وإن كان ظاهره يشعر بذلك بل هو من باب المبالغة وإلحاق الناقص بالكامل للترغيب فيه ولأبي ذر تقضي حجة أو حجة معي بالشك. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: ما منعك من الحج فإن فيه دلالة على أن النساء يحججن والترجمة في حج النساء. (رواه) أي الحديث المذكور (ابن جريج) محمد الملك بن عبد العزيز فيما سبق موصولاً في عمرة رمضان (عن عطاء سمعت ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيه تقوية طريق حبيب المعلم وتصريح عطاء سماعه من ابن عباس. (وقال عبيد الله): بضم العين مصغرًا ابن عمرو الرقي مما وصله ابن ماجة (عن عبد الكريم) بن مالك الجزري (عن عطاء عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وتمامه عند ابن ماجة أنه قال: "عمرة في رمضان تعدل حجة". قال الحافظ ابن حجر: وأراد البخاري بهذا بيان الاختلاف فيه على عطاء وقد وافق ابن أبي ليلى ويعقوب بن عطاء حبيبًا وابن جريج فتبين شذوذ رواية عبد الكريم وشذ معقل الجزري أيضًا فقال عن عطاء عن أم سليم وصنيع البخاري يقتضي ترجيح رواية ابن جريج، ويومئ إلى أن رواية عبد الكريم ليست مطرحة لاحتمال أن يكون لعطاء فيه شيخان، ويؤيد ذلك أن رواية عبد الكريم خالية عن القصة مقتصرة على المتن وهو قوله عمرة في رمضان تعدل حجة كما مرّ. 1864 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ قَزَعَةَ مَوْلَى زِيَادٍ قَالَ: "سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ -وَقَدْ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثِنْتَىْ عَشْرَةَ غَزْوَةً- قَالَ: أَرْبَعٌ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَوْ قَالَ يُحَدِّثُهُنَّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- فَأَعْجَبْنَنِي وَآنَقْنَنِي: أَنْ لاَ تُسَافِرَ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ لَيْسَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ. وَلاَ صَوْمَ يَوْمَيْنِ: الْفِطْرِ وَالأَضْحَى. وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ صَلاَتَيْنِ: بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي بمعجمة ثم مهملة البصري قاضي مكة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك بن عمير) بضم العين وفتح الميم حليف بني عدي الكوفي ويقال له الفرسي بفتح الفاء والراء ثم مهملة نسبة إلى فرس له سابق (عن قزعة) بفتح القاف والزاي والمهملة (مولى زياد) بتخفيف التحتية (قال: سمعت أبا سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (وقد غزا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اثنتي عشرة غزوة قال): (أربع) من الحكمة (سمعتهن من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أو قال يحدثهن-) بالشك، وللكشميهني: أخذتهن بالخاء والذال المعجمتين من الأخذ أي حملتهن (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعجبنني) الأربع وهي بسكون الموحدة وفتح النون الأولى وكسر الثانية بصيغة الجمع للمؤنث (وآنقنني) بفتح الهمزة المدودة والنون وسكون القاف بصيغة جمع المؤنث الماضي أي أعجبنني وهو من عطف الشيء على مرادفه نحو: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} [يوسف: 86] أو أفرحنني وأسررنني. قال في القاموس: الآنق محركة الفرح والسرور. (أن لا تسافر امرأة) بنصب تسافر في الفرع وغيره، وقال البرماوي كالكرماني بالرفع لا غير لأن أن هذه المفسرة

لا الناصبة وهذا فيه شيء فإن قوله بالرفع لا غير إن أراد به الرواية فغير مسلم وإن أراد به من جهة العربية فكذلك، فقد قال ابن هشام في المغني: إذ أولى أن الصالحة للتفسير مضارع معه لا نحو أشرت إليه أن لا يفعل جاز رفعه على تقدير لا نافية وجزمه على تقديرها ناهية، وعليهما فأن مفسرة ونصبه على تقديره لا نافية وأن مصدرية (مسيرة يومين). وفي حديث ابن عمر التقييد بثلاثة أيام، وفي حديث أبي هريرة في الصلاة بيوم وليلة، وفي حديث عائشة السابق أطلق السفر وقد أخذ أكثر العلماء بالطلق لاختلاف التقييدات. قال النووي: ليس المراد من التحديد ظاهره بل كل ما يسمى سفرًا فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم وإنما وقع التحديد عن أمر واقع فلا يعمل بمفهومه. وقال ابن دقيق العيد: وقد حملوا الاختلاف على حسب اختلاف السائلين والمواطن وأنه متعلق بأقل ما يقع عليه اسم السفر، وعلى هذا يتناول السفر الطويل والقصير ولا يتوقف امتناع سفر المرأة على مسافة القصر خلافًا للحنفية، وحجتهم أن المنع المقيد بالثلاث متحقق وما عداه مشكوك فيه فيؤخذ بالمتيقن. وتعقب بأن الرواية المطلقة شاملة لكل سفر فينبغي الأخذ بها وطرح ما عداها فإنه مشكوك فيه، ومن قواعد الحنفية تقديم الخبر العام على الخاص وترك حمل المطلق على المقيد وقد خالفوا ذلك هنا. وقال صاحب العدة في شرح العمدة: وليس هذا من المطلق والمقيد الذي وردت فيه قيود متعددة وإنما هو من العام لأنه نكرة في سياق النفي فيكون من العام الذي ذكرت بعض أفراده فلا تخصيص بذلك على الراجح في الأصول. (ليس معها زوجها أو ذو محرم) ولأبي ذر في بعض النسخ: أو ذو محرم محرم بفتح الميم في الأول وتخفيف الراء وضمها في الثاني مع تشديد الراء، ولفظ امرأة عام يشمل الشابة والعجوز، لكن خص أبو الوليد الباجي المنع بغير العجوز التي لا تشتهى، أما هي فتسافر كيف شاءت في كل الأسفار بلا زوج ولا محرم. وتعقب بأن المرأة مظنة الطمع فيها ومظنة الشهوة ولو كانت كبيرة وقد قالوا لكل ساقطة لاقطة. وأجيب: بأنه ما لنا لاقطة لهذه الساقطة ولو وجد خرجت عن فرض المسألة لأنها تكون حينئذ مشتهاة في الجملة وليس الكلام فيها إنما الكلام فيمن لا تشتهى أصلاً ورأسًا، ولا نسلم أن من هي بهذه المثابة مظنة الطمع والميل إليها بوجه. قال ابن دقيق العيد: والذي قاله الباجي تخصيص العموم بالنظر إلى المعنى، وقد اختار الشافعي أن المرأة تسافر في الأمن ولا تحتاج لأحد بل تسير وحدها في جملة القافلة وتكون آمنة قال: وهذا مخالف لظاهر الحديث اهـ. وهذا الذي قاله من جواز سفرها وحدها نقله الكرابيسي، ولكن المشهور عند الشافعية اشتراط الزوج أو المحرم أو النسوة الثقات ولا يشترط أن يخرج معهن محرم أو زوج لإحداهن لانقطاع الأطماع باجتماعهن ولها أن تخرج مع الواحدة لفرض الحج على الصحيح في شرحي المهذّب ومسلم، ولو سافرت لنحو زيارة وتجارة لم يجز مع النسوة لأنه سفر غير واجب. قال في المجموع: والخنثى المشكل يشترط في حقه من المحرم ما يشترط في المرأة ولم يشترطوا في الزوج والمحرم كونهما ثقتين وهو في الزوج واضح وأما في المحرم فسببه كما في المهمات أن الوازع الطبيعي أقوى من الشرعي وكالمحرم عبدها الأمين صرح به المرعشي وابن أبي الصيف، والمحرم أيضًا عام فيشمل محرم النسب كأبيها وابنها وأخيها ومحرم الرضاع ومحرم المصاهرة كأبي زوجها وابن زوجها، واستثنى بعضهم وهو منقول عن مالك ابن الزوج فقال: يكره سفرها معه لغلبة الفساد في الناس بعد العصر الأول ولأن كثيرًا من الناس لا ينزل زوجة الأب في النفرة عنها منزلة محارم النسب، والمرأة فتنة إلا فيما جبل الله النفوس عليه من النفرة عن محارم النسب. قال ابن دقيق العيد: والحديث عام فإن عني بالكراهة التحريم فهو مخالف لظاهر الحديث وإن عني كراهة التنزيه فهو أقرب، واختلفوا هل المحرم وما ذكر معه شرط في وجوب الحج عليها أو شرط في التمكن فلا يمنع الوجوب والاستقرار في الذمة، والذين ذهبوا إلى الأول

27 - باب من نذر المشي إلى الكعبة

استدلوا بهذا الحديث فإن سفرها للحج من جملة الأسفار الداخلة تحت الحديث فتمتنع إلا مع المحرم، والذين قالوا بالثاني جوّزوا سفرها مع رفقة مأمونين إلى الحج رجالاً أو نساء كما مر وهو مذهب الشافعية والمالكية والأول مذهب الحنفية والحنابلة. قال الشيخ تقي الدين: وهذه المسألة تتعلق بالنصين إذا تعارضا وكان كل منهما عامًّا من وجه خاصًّا من وجه فإن قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97] يدخل تحته الرجال والنساء فيقتضي ذلك أنه إذا وجدت الاستطاعة المتفق عليها أن يجب عليها الحج، وقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يحل لامرأة" الحديث خاص بالنساء عام في الأسفار فيدخل فيه الحج، فمن أخرجه عنه خص الحديث بعموم الآية، ومن أدخله فيه خص الآية بعموم الحديث، فإذا قيل به وأخرج عنه لفظ الحج لقوله تعالى ({ولله على الناس حج البيت) قال المخالف بل يعمل بقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت} فتدخل المرأة فيه ويخرج سفر الحج عن النهي فيقوم في كل واحد من النصين عموم وخصوص ويحتاج إلى الترجيح من خارج. قال: وذكر بعض الظاهرية أنه يذهب إلى دليل من خارج وهو قوله عن "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" ولا يتجه ذلك فإنه عام في المساجد فيمكن أن يخرج عنه المسجد الذي يحتاج إلى السفر في الخروج إليه بحديث النهي اهـ. وقال المرداوي من الحنابلة: المحرم من شرائط الوجوب كالاستطاعة وغيرها وعليه أكثر الأصحاب، ونقله الجماعة عن الإمام أحمد وهو ظاهر لكلام الخرقي وقدمه في المحرر والفروع والحاويين والرعايتين وجزم به في المنهاج والإفادات قال ابن منجا في شرحه هذا المذهب وهو من المفردات، وعنه أن المحرم من شرائط لزوم الحج وجزم به في الوجيز وأطلقه الزركشي اهـ. وفائدة الخلاف تظهر في وجوب الإِيصاء به. "و" الثانية من الأربعة (لا صوم يومين) صوم اسم لا ويومين خبره أي لا صوم في هذين اليومين ويجوز أن يكون صوم مضافًا إلى يومين والتقدير لا صوم يومين ثابت أو مشروع يوم عيد (الفطر والأضحى) بفتح الهمزة. "و" الثالثة: (لا صلاة بعد صلاتين بعد) صلاة (العصر حتى تغرب الشمس وبعد) صلاة (الصبح حتى تطلع الشمس و). الرابعة: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجد الحرام) بمكة ومسجد بالجر بدل من سابقه (ومسجدي) بطيبة (ومسجد الأقصى) إلا بعد عن المسجد الحرام في المسافة أو عن الأقذار وهو مسجد بيت المقدس. 27 - باب مَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إِلَى الْكَعْبَةِ (باب من نذر المشي إلى الكعبة) هل يجب عليه الوفاء بذلك أم لا؟. 1865 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ: حَدَّثَنِي ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ قَالَ: مَا بَالُ هَذَا؟ قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ. قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ. وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ". [الحديثة1865 - طرفه في: 6701]. وبه قال: (حدّثنا ابن سلام) بتخفيف اللام، ولأبوي ذر والوقت: محمد بن سلام قال: (أخبرنا الفزاري) بفتح الفاء والزاي المخففة وبالراء هو مروان بن معاوية كما جزم به أصحاب الأطراف والمستخرجات (عن حميد الطويل قال: حدثني) بالإفراد (ثابت) البناني (عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى شيخًا) قيل: هو أبو إسرائيل نقله مغلطاي عن الخطيب، لكن قال في فتح الباري: إنه ليس في كتاب الخطيب، وقيل اسمه قيس، وقيل قيصر (يهادى) بضم التحتية وفتح الدال المهملة مبنيًا للمفعول (بين ابنيه) لم يسميا أي يمشي بينهما معتمدًا عليهما (فقال): عليه الصلاة والسلام: (ما بال هذا)؟ أي يمشي هكذا (قالوا): وفي مسلم من حديث أبي هريرة قال ابناه: يا رسول الله (نذر أن يمشي) أي نذر المشي إلى الكعبة (قال): عليه الصلاة والسلام (إن الله) عز وجل (عن تعذيب هذا نفسه لغني. أمره) ولأبي ذر عن الكشميهني: وأمره بالواو (أن يركب) أن مصدرية أي أمره بالركوب وإنما لم يأمره بالوفاء بالنذر إما لأن الحج راكبًا أفضل من الحج ماشيًا فنذر المشي يقتضي التزام ترك الأفضل فلا يجب الوفاء به أو لكونه عجز عن الوفاء بنذره وهذا هو الأظهر قاله في الفتح. 1866 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا الْخَيْرِ حَدَّثَهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: "نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، وَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَاسْتَفْتَيْتُهُ، فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ". قَالَ: وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لاَ يُفَارِقُ عُقْبَةَ. حدّثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن يحيى بن أيوب عن يزيد عن أبي الخير عن عقبة .. فذكر الحديث. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي الفراء قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) بن عبد الرحمن (أن ابن

29 - كتاب فضائل المدينة

جريج) عبد الملك (أخبرهم قال أخبرني) بالإفراد (سعيد بن أبي أيوب) الخزاعي (أن يزيد بن أبي حبيب) من الزيادة واسم أبي حبيب سويد (أخبره أن أبا الخير) هو مرثد بن عبد الله (حدثه عن عقبة بن عامر) الجهني -رضي الله عنه- أنه (قال: نذرت أختي) هي أم حبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة بنت عامر الأنصاري كما قاله المنذري والقطب القسطلاني والحلبي كما نقلوه عن ابن ماكولا. وتعقبه الحافظ ابن حجر فقال: لا يعرف اسم أخت عقبة هذا وما نسبه هؤلاء لابن ماكولا وهم فإنه إنما نقله عن ابن سعد وابن سعد، إنما ذكر في طبقات النساء أم حبان بنت عامر بن نابي بنون وموحدة ابن زيد بن حرام بمهملتين الأنصارية وأنه شهد بدرًا وهو مغاير للجهني (أن تمشي إلى بيت الله) الحرام، ولأحمد وأصحاب السنن من طريق عبد الله بن مالك عن عقبة بن عامر الجهني: أن أخته نذرت أن تمشي حافية غير مختمرة (وأمرتني أن أستفتي لها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستفتيته) ولأبوي ذر والوقت: فاستفتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وزاد الطبراني: أنه شكا إليه ضعفها (فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لتمش) مجزوم بحذف حرف العلة، ولأبي ذر: لتمشي (ولتركب) بسكون اللام وجزم الباء، وفي رواية عبد الله بن مالك: مرها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام، وفي رواية عكرمة عن ابن عباش عند أبي داود: فلتركب ولتهد بدنة. (قال): يزيد بن أبي حبيب (وكان أبو الخير) مرثد بن عبد الله (لا يفارق عقبة) بن عامر الجهني والمراد بذلك بيان سماع أبي الخير له من عقبة. وبالسند قال: (حدّثنا) وفي بعض الأصول وهو لأبوي ذر والوقت قال أبو عبد الله أي البخاري: حدّثنا (أبو عاصم) النبيل الضحاك (عن ابن جريج عن يحيى بن أيوب) أبي العباس الغافقي المصري (عن يزيد) بن أبي حبيب (عن أبي الخير) مرثد (عن عقبة) الجهني (فذكر الحديث) فأشار المؤلّف بهذا إلى أن لابن جريج فيه شيخين وهما: يحيى بن أيوب، وسعيد بن أبي أيوب. وقد اختلف فيما إذا نذر أن يحج ماشيًا هل يلزمه المشي بناء على أن المشي أفضل من الركوب؟ قال الرافعي: وهو الأظهر، وقال النووي الصواب أن الركوب أفضل وإن كان الأظهر لزوم المشي بالنذر لأنه مقصود، ثم إن صرح الناذر بأنه يمشي من حيث سكنه لزمه المشي من مسكنه وإن أطلق فمن حيث أحرم ولو قبل الميقات ونهاية المشي فراغه من التحللين، فلو فاته الحج لزمه المشي في قضائه لا في تحلله في سنة الفوات لخروجه بالفوات عن أجزائه عن النذر ولا في المضي في فاسده لو أفسده، ولو ترك المشي لعذر أو غيره أجزأه مع لزوم الدم فيهما والإثم في الثاني ولو نذر الحج حافيًا لم ينعقد نذر الحفاء لأنه ليس بقربة فله لبس النعلين وكالحج في ذلكَ العمرة. وقال أبو حنيفة: من نذر المشي إلى بيت الله تعالى فعجز عنه فإنه يمشي ما استطاع فإذا عجز ركب وأهدى شاة، وكذا إن ركب وهو غير عاجز. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النذور وكذا أبو داود. بسم الله الرحمن الرحيم 29 - كتاب فضائل المدينة 1 - باب حَرَمِ الْمَدِينَةِ (باب) بيان فضل (حرم المدينة) النبوية التي اختارها الله تعالى لخيرته وصفوته من خلقه وجعلها دار هجرته وتربته، ولأبي ذر عن الحموي: بسم الله الرحمن الرحيم فضل المدينة، وفي رواية عنه أيضًا فضائل المدينة بالجمع باب حرم المدينة، وفي رواية أبي علي الشبويّ مما ذكره في الفتح باب ما جاء في حرم المدينة. 1867 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَحْوَلُ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا، لاَ يُقْطَعُ شَجَرُهَا، وَلاَ يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ. مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ». [الحديث 1867 - طرفه في: 7306]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا ثابت بن يزيد) بالمثلثة ويزيد من الزيادة الأحول البصري قال: (حدّثنا عاصم أبو عبد الرحمن) بن سليمان (الأحول عن أنس) هو ابن مالك (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (المدينة حرم) محرمة لا تنتهك حرمتها (من كذا إلى كذا) بفتح الكاف والذال معجمة كناية عن اسمي مكانين. وفي حديث علي الآتي إن شاء الله تعالى في هذا الباب ما بين عائر إلى كذا وهو جبل المدينة، واتفقت الروايات التي في البخاري كلها على إبهام الثاني. وفي حديث عبد الله بن سلام عند أحمد والطبراني ما بين -

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أحد؟ وفي مسلم إلى ثور، لكن قال أبو عبيد: أهل المدينة لا يعرفون جبلاً عندهم يقال له ثور وإنما ثور بمكة، وقيل إن البخاري إنما أبهمه عمدًا لما وقع عنده أنه وهم، لكن قال صاحب القاموس: ثور جبل بمكة وجبل بالمدينة، ومنه الحديث الصحيح "المدينة حرم ما بين عير إلى ثور" وأما قول أبي عبيد بن سلام وغيره من أكابر الأعلام: أن هذا تصحيف والصواب إلى أحد لأن ثورًا إنما هو بمكة فغير جيد لما أخبرني الشجاع اليعلي الشيخ الزاهد عن الحافظ أبي محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد جانحًا إلى ورائه جبلاً صغيرًا يقال له ثور، وتكرر سؤالي عنه طوائف من العرب العارفين بتلك الأرض فكل أخبر أن اسمه ثور، ولما كتب إليّ الشيخ عفيف الدين المطري عن والده الحافظ الثقة قال: إن خلف أحد عن شماله جبلاً صغيرًا مدورًا يسمى ثورًا يعرفه أهل المدينة خلفًا عن سلف ونحو ذلك قاله صاحب تحقيق النصرة. (لا يقطع شجرها) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول، وفي رواية يزيد بن هارون لا يختلى خلاها، وفي مسلم من حديث جابر لا يقطع عضاها ولا يصاد صيدها، وفي رواية أبي داود بإسناد صحيح لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ففي ذلك أنه يحرم صيد المدينة وشجرها كما في حرم مكة، لكن لا ضمان في ذلك لأن حرم المدينة ليس محلاً للنسك بخلاف حرم مكة. وقال أبو حنيفة ومحمد وأبو يوسف: ليس للمدينة حرم كما لمكة فلا يمنع أحد من أخذ صيدها وقطع شجرها. وأجابوا عن هذا الحديث بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما أراد بقوله ذلك بقاء زينة المدينة ليستطيبوها ويألفوها. (ولا يحدث فيها حدث) مبني للمفعول كسابقه أي لا يعمل فيها عمل مخالف للكتاب والسنة (من أحدث) أي فيها (حدثًا) مخالفًا لما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، وزاد شعبة فيه عن عاصم عند أبي عوانة أو آوى محدثًا. قال الحافظ ابن حجر: وهي زيادة صحيحة إلا أن عاصمًا لم يسمعها من أنس، (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) وعيد شديد لكن المراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه لا كلعن الكافر المبعد عن رحمة الله كل الإبعاد. وهذا الحديث من الرباعيات، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الاعتصام ومسلم في المناسك. 1868 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي. فَقَالُوا: لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ. فَأَمَرَ بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ". وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين وبينهما مهملة ساكنة عبد الله بن عمرو بن الحجاج المنقري المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري (عن أبي التياح) بفتح المثناة الفوقية والتحتية المشددتين آخره مهملة يزيد بن حميد الضبعي (عن أنس) هو ابن مالك (-رضي الله عنه-) أنه (قال): (قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) يوم الجمعة لاثنتي عشرة من ربيع الأول في قول ابن الكلبي، وفي مسلم كالبخاري في الصلاة أنه قام في قباء قبل أن يدخل المدينة أربع عشرة ليلة وأسس مسجد قباء ثم رحل إلى المدينة (وأمر) ولأبوي ذر والوقت: فأمر (ببناء المسجد) بها (فقال): (يا بني النجار) وهم أخواله عليه الصلاة والسلام (ثأمنوني) بالمثلثة وكسر الميم أي بايعوني بالثمن وفي الصلاة ثامنوني بحائطكم أي ببستانكم وحذف ذلك هنا والمخاطب بهذا من يستحق الحائط وكان فيما قيل لسهل وسهيل يتيمين في حجر أسعد بن زرارة (فقالوا): اليتيمان ووليهما ولأبي الوقت قالوا: (لا نطلب ثمنه إلا إلى الله) أي منه تعالى زاد أهل السير فأبى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى ابتاعه منهما بعشرة دنانير وأمر أبا بكر أن يعطي ذلك، وزاد في الصلاة أنه كان في الحائط قبور المشركين وخرب "فأمر" -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "بقبور المشركين فنبشت" وبالعظام فغيبت "ثم بالخرب" بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء خربة كذا في اليونينية وفي الفرع بفتح الخاء وكسر الراء "فسويت وبالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة المسجد" أي في جهتها وإنما قطع عليه الصلاة والسلام الشجر لأنه كان في أول الهجرة، وحديث التحريم إنما كان بعد رجوعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من خيبر كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الجهاد والمغازي أو أن النهي عنه مقصور على القطع الذي يحصل به الإفساد، فأما من يقصد الإصلاح فلا أو النهي إنما يتوجه

إلى ما أنبته الله من الشجر مما لا صنع للآدمي فيه كما حمل عليه النهي عن قطع شجر مكة، وعلى هذا يحمل قطعه عليه الصلاة والسلام وجعله قبلة المسجد ففيه تخصيص النهي عن قطع الشجر بما لا ينبته الآدميون، كما أن الحديث السابق التصريح بكون المدينة حرمًا، وهذا الحديث مضى في الصلاة ويأتي بتمامه إن شاء الله تعالى في المغازي. 1869 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "حُرِّمَ مَا بَيْنَ لاَبَتَىِ الْمَدِينَةِ عَلَى لِسَانِي. قَالَ: وَأَتَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَنِي حَارِثَةَ فَقَالَ: أَرَاكُمْ يَا بَنِي حَارِثَةَ قَدْ خَرَجْتُمْ مِنَ الْحَرَمِ. ثُمَّ الْتَفَتَ فَقَالَ: بَلْ أَنْتُمْ فِيهِ". [الحديث 1869 - طرفه في: 1873]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال: حدثني) بالإفراد (أخي) عبد الحميد بن عبد الله (عن سليمان) بن بلال (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا العمري ولأبي ذر زيادة ابن عمر (عن سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (حرم) بضم الحاء وكسر الراء أي حرم الله ولأبي ذر عن المستملي حرم بفتحتين مرفوع خبر مقدم والمبتدأ (ما بين لابتي المدينة على لساني) بتخفيف الموحدة تثنية لابة وهي الحرة الأرض ذات الحجارة السود والمدينة ما بين حرتين عظيمتين: إحداهما شرقية والأخرى غربية، ووقع عند أحمد من حديث جابر "وأنا أحرم ما بين حرتيها". وزعم بعض الحنفية أن الحديث مضطرب لأنه وقع في رواية "ما بين جبليها" وفي رواية "ما بين لابتيها". وأجيب: بأن الجمع واضح وبمثل هذا لا تردّ الأحاديث الصحيحة، ولو تعذر الجمع أمكن الترجيح ولا ريب أن رواية لابتيها أرجح لتوارد الرواة عليها ورواة جبليها لا تنافيها فيكون عند كل لابة جبل أو لابتيها من جهة الجنوب والشمال وجبليها من جهة المشرق والمغرب، وتسمية الجبلين في رواية أخرى لا تضر. وزاد مسلم في بعض طرقه وجعل اثني عشر ميلاً حول المدينة حمى، وعند أبي داود من حديث عدي بن زيد قال: حمى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من كل ناحية من المدينة بريدًا بريدًا، وفي هذا بيان ما أجمل من حدم حرم المدينة. (قال): أي أبو هريرة (وأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بني حارثة) بالمهملة والمثلثة بطن من الأوس وكانوا إذ ذاك غربي مشهد حمزة زاد الإسماعيلي وهي في سند الحرة أي في الجانب المرتفع منها (فقال): عليه الصلاة والسلام، ولأبي الوقت: وقال: (أراكم) بفتح الهمزة في الفرع وغيره (يا بني حارثة قد خرجتم من الحرم) جزم بما غلب على ظنه (ثم التفت) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرآهم داخلين في المحرم (فقال: بل أنتم فيه) فرجع عن الظن إلى اليقين واستنبط منه المهلب أن للعالم أن يعول على غلبة الظن ثم ينظر فيصحح النظر. 1870 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَا عِنْدَنَا شَىْءٌ إِلاَّ كِتَابُ اللَّهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ. وَقَالَ: ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ. وَمَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ". قال أبو عبدِ اللهِ: عَدْلٌ فِداءٌ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة الملقب ببندار قال: (حدّثنا عبد الرحمن) بن مهدي العنبري قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) بن يزيد بن شريك (التيمي عن أبيه) يزيد (عن علي -رضي الله عنه-) أنه (قال: ما عندنا شيء) أي مكتوب من أحكام الشريعة أو المنفي شيء اختصوا به عن الناس (إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسبب قول علي -رضي الله عنه- هذا يظهر بما رويناه في مسند أحمد من طريق قتادة عن أبي حسان الأعرج أن عليًّا كان يأمر بالأمر فيقال له قد فعلناه فيقول صدق الله ورسوله فقال له الأشتر: هذا الذي تقول شيء عهده إليك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال: ما عهد إلي شيئًا خاصًا دون الناس إلا شيئًا سمعته منه فهو في صحيفة في قراب سيفي فلم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة فإذا فيها. (المدينة حرم) محرمة (ما بين عائر) بالعين المهملة والألف مهموز آخره راء جبل بالمدينة (إلى كذا) في مسلم إلى ثور وتقدم ما فيه قريبًا (من أحدث فيها حدثًا) مخالفًا للكتاب والسنة (أو آوى محدثًا) بمد همزة آوى على الأفصح في المتعدي وعكسه في اللازم وكسر دال محدثًا أي من نصر جانيًا وآواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه ويجوز فتح الدال ومعناه الأمر المبتدع نفسه وإذا رضي بالبدعة وأقر فاعلها ولم ينكرها عليه فقد آواه (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (صرف ولا عدل).

2 - باب فضل المدينة وأنها تنفي الناس

قال في القاموس: الصرف في الحديث التوبة والعدل الفدية أو هو النافلة والعدل الفريضة أو بالعكس أو هو الوزن والعدل الكيل أو هو الاكتساب والعدل الفدية أو الحيلة ومنه: {فما يستطيعون صرفًا ولا نصرًا} [الفرقان: 19] معناه فما يستطيعون أن يصرفوا عن أنفسهم العذاب اهـ. وقال البيضاوي: الصرف الشفاعة والعدل الفدية. وقال عياض: معناه لا يقبل منه قبول رضا وإن قبل منه قبول جزاء، وقد يكون معنى الفدية لا يجد في القيامة فداء يفتدى به بخلاف غيره من المذنبين الذين يتفضل الله عز وجل على من يشاء منهم بأن يفديه من النار بيهودي أو نصراني كما في الصحيح. (وقال: ذمة المسلمين واحدة) أي أمانهم صحيح سواء صدر من واحد أو أكثر شريف أو وضيع، فإذا أمن الكافر واحد منهم بشروطه المعروفة في كتب الفقه لم يكن لأحد نقضه (فمن أخفر مسلمًا) بهمزة مفتوحة فمعجمة ساكنة ففاء ثم راء أي نقض عهد السلم أو ذمامه (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل، ومن تولى قومًا) أي اتخذهم أولياء (بغير إذن مواليه) ليس بشرط لتقييد الحكم بعدم الإذن وقصره عليه، وإنما هو إيراد الكلام على ما هو الغالب أو المراد موالاة الحلف فإذا أراد الانتقال عنه لا ينتقل إلا بإذن، وبالجملة فإن أريد ولاء الحلف فهو سائغ وإن أريد ولاء العتق فلا مفهوم له وإنما هو للتنبيه على المانع وهو إبطال حق الموالي (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل). قال النووي: وفي هذا الحديث إبطال ما يزعمه الشيعة ويفترونه من قوله أن عليًا -رضي الله عنه- أوصي إليه بأمور كثيرة من أسرار العلم وقواعد الدين، وأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خص أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم فهذه دعاوى باطلة واختراعات فاسدة وفيه دليل على جواز كتابة العلم. (قال أبو عبد الله) البخاري: (عدل) أي (فداء) وهذا تفسير الأصمعي، وسقط قوله قال أبو عبد الله الخ في غير رواية أبي ذر عن المستملي. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة وثلاثة من التابعين في نسق واحد ورواته كلهم كوفيون إلا شيخه وشيخ شيخه فبصريان. 2 - باب فَضْلِ الْمَدِينَةِ وَأَنَّهَا تَنْفِي النَّاسَ (باب فضل المدينة وأنها تنفي الناس) أي شرارهم، وسقط لابن عساكر وأنها تنفي الناس. 1871 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى، يَقُولُونَ: يَثْرِبُ، وَهْيَ الْمَدِينَةُ، تَنْفِي النَّاسَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك الإمام) عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (قال: سمعت أبا الحباب) بضم الحاء المهملة وتخفيف الموحدة الأولى (سعيد بن يسار) بالمهملة المخففة (يقول: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول، قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أمرت بقرية) بضم الهمزة أي أمرني ربي بالهجرة إلى قرية (تأكل القرى) أي تغلبها وتظهر عليها يعني أن أهلها تغلب أهل سائر البلاد فتفتح منها يقال: أكلنا بني فلان أي غلبناهم وظهرنا عليهم فإن الغالب المستولي على الشيء كالمفني له إفناء الآكل إياه، وفي موطأ ابن وهب قلت لمالك: ما تأكل القرى؟ قال: تفتح القرى. وقال ابن المنير في الحاشية، قال السهيلي في التوراة يقول الله: يا طابة يا مسكينة إني سأرفع أجاجيرك على أجاجير القرى وهو قريب من قوله: أمرت بقرية تأكل القرى لأنها إذا علت عليها علوّ الغلبة أكلتها، أو يكون المراد يأكل فضلها الفضائل أي يغلب فضلها الفضائل حتى إذا قيست بفضلها تلاشت بالنسبة إليها فهو المراد بأكل. وقد جاء في مكة أنها أم القرى كما جاء في المدينة تأكل القرى، لكن المذكور للمدينة أبلغ من المذكور لمكة لأن المأمومة لا يمحى بوجودها وجود ما هي أمّ له، لكن يكون حق الأم أظهر. وأما قوله: تأكل القرى فمعناه أن الفضائل تضمحل في جنب عظيم فضلها حتى تكاد تكون عد ما، وما يضمحل له الفضائل أعظم وأفضل مما تبقى معه الفضائل اهـ. وهو ينزع إلى تفضيل المدينة على مكة. قال المهلب: لأن المدينة هي التي أدخلت مكة وغيرها من القرى في الإسلام فصار الجميع في صحائف أهلها. وأجيب: بأن أهل المدينة الذين فتحوا مكة معظمهم من أهل مكة فالفضل ثابت للفريقين، ولا يلزم من ذلك تفضيل إحدى البقعتين. وقد استنبط ابن أبي جمرة من قوله عليه

3 - باب المدينة طابة

الصلاة والسلام: ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة التساوي بين فضل مكة والمدينة ومباحث التفضيل بين الموضعين مشهورة. وقال الأبيّ من المالكية واختار ابن رشد وشيخنا أبو عبد الله أي ابن عرفة تفضيل مكة. واحتج ابن رشد لذلك بأن الله تعالى جعل بها قبلة الصلاة وكعبة الحج وبأنه تعالى جعل لها مزية بتحريم الله تعالى إياها أن الله حرم مكة ولم يحرمها الناس، وأجمع أهل العلم على وجوب الجزاء على من صاد بحرمها ولم يجمعوا على وجوبه على من صاد بالمدينة ومن دخله كان آمنًا ولم يقل أحد بذلك في المدينة، وكان الذنب في حرم مكة أغلظ منه في حرم المدينة فكان ذلك دليلاً على فضلها عليها. قال: ولا حجة في الأحاديث المرغبة في سكنى المدينة على فضلها عليها قال: ولا دليل في قوله أمرت بقرية تأكل القرى لأنه إنما أخبر أنه أمر بالهجرة إلى قرية تفتح منها البلاد. (يقولون) أي بعض المنافقين للمدينة (يثرب) يسمونها باسم واحد من العمالقة نزلها وقيل يثرب بن قانئة من ولد ارم بن سام بن نوح وهو اسم كان لموضع منها سميت كلها به، وكرهه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة أو من الثرب وهو الفساد وكلاهما قبيح، وقد كان عليه الصلاة والسلام يحب الاسم الحسن ويكره الاسم القبيح ولذا بدله بطابة والمدينة ولذلك قال: يقولون ذلك (وهي المدينة) أي الكاملة على الإطلاق كالبيت للكعبة والنجم للثريا فهو اسمها الحقيق بها لأن التركيب يدل على التفخيم كقول الشاعر: هم القوم كل القوم يا أم خالد. أي: هي المستحقة لأنه تتخذ دار إقامة، وأما تسميتها في القرآن بيثرب فإنما هو حكاية عن المنافقين. وروى أحمد عن البراء بن عازب رفعه من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله هي طابة هي طابة. روى عمر بن شبة عن أبي أيوب أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى أن يقال للمدينة يثرب، ولهذا قال عيسى بن دينار من المالكية: من سمى المدينة يثرب كتبت عليه خطيئة، لكن في الصحيحين في حديث الهجرة فإذا هي يثرب وفي رواية لا أراها إلا يثرب وقد يجاب بأنه قبل النهي. (تنفي) المدينة (الناس) أي الخبيث الرديء منهم في زمنه عليه الصلاة والسلام أو زمن الدجال (كما ينفي الكير) بكسر الكاف وسكون التحتية. قال في القاموس زق ينفخ فيه المداد وأما المبني من الطين فكور (خبث الحديد) بفتح الخاء المعجمة والموحدة ونصب المثلثة على المفعولية أي: وسخه الذي تخرجه النار أي أنها لا تترك فيها من في قلبه دغل بن تميزه عن القلوب الصادقة وتخرجه كما تميز النار رديء الحديد من جيده، ونسب التمييز للكير لكونه السبب الأكبر في اشتعال النار التي وقع التمييز بها، وقد خرج من المدينة بعد الوفاة النبوية معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة ثم عليّ وطلحة والزبير وعمار وآخرون وهم من أطيب الخلق فدلّ على أن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس ووقت دون وقت. وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا في الحج وكذا النسائي فيه وفي التفسير. 3 - باب الْمَدِينَةُ طَابَةُ (باب المدينة) بالإضافة من أسمائها (طابة) وفي نسخة باب التنوين المدينة طابة، ولأبي ذر: طابة بالتنوين وأصل طابة فقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها أي من أسمائها طابة وليس فيه ما يدل على أنها لا تسمى بغير ذلك ولها أسماء كثيرة، وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى فمن أسمائها: طيبة كهيبة وطيبة كصيبة وطائب ككاتب فهذه الثلاثة مع طابة كشامة أخوات لفظًا ومعنى مختلفات صيغة ومبنى وذلك لطيب رائحتها وأمورها كلها ولطهارتها من الشرك وحلول الطيب بها، صلوات الله وسلامه عليه ولطيب العيش بها ولكونها تنفي خبثها وتنصع طيبها ولله در الأشبيلي حيث قال: لتربة المدينة نفحة ليس كما عهد من الطيب. بل هو عجب من الأعاجيب. وقال بعضهم مما ذكره في الفتح وفي طيب ترابها وهوائها دليل شاهد على صحة هذه التسمية لأن من أقام بها يجد من تربتها وحيطانها رائحة طيبة لا يكاد يجدها في غيرها اهـ. ومن أسمائها بيت الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الله تعالى:

4 - باب لابتى المدينة

{كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} [الأنفال: 5] أي من المدينة لاختصاصها به اختصاص البيت بساكنه. والحرم لتحريمها كما مرّ. والحبيبة لحبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها ودعائه به. وحرم الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه الذي حرمها. وفي الطبراني بسند رجاله ثقات حرم إبراهيم مكة وحرمي المدينة. وحسنة قال الله تعالى: {لنبوّئنهم في الدنيا حسنة} [النحل: 41] أي مباهة حسنة وهي المدينة. ودار الأبرار. ودار الأخيار، لأنها دار المختار والمهاجرين والأنصار وتنفي شرارها ومن أقام بها منهم فليست له في الحقيقة بدار، وربما نقل منها بعد الاقبار. ودار الإيمان. ودار السنة. ودار السلامة. ودار الفتح. ودار الهجرة فمنها فتحت سائر الأمصار، وإليها هجرة السيد المختار، ومنها انتشرت السنة في الأقطار. والشافية لحديث، أترابها شفاء من كل داء وذكر ابن مسدي الاستشفاء بتعليق أسمائها على المحموم. وقبة الإسلام لحديث المدينة قبة الإسلام. والمؤمنة لتصديقها بالله حقيقة لخلقه قابلية ذلك فيها كما في تسبيح الحصى أو مجاز لاتصاف أهلها به وانتشاره منها وفي خبر: والذي نفسي بيده أن تربتها المؤمنة، وفي آخر أنها المكتوبة في التوراة مؤمنة. ومباركة لأن الله تعالى بارك فيها بدعائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها وحلوله فيها. والمختارة لأن الله تعالى اختارها للمختار من خلقه. والمحفوظة لحفظها من الطاعون والدجال وغيرهما. ومدخل صدق. والمرزوقة أي المرزوق أهلها. والمسكينة نقل عن التوراة كما مرّ وروي مرفوعًا إن الله تعالى قال للمدينة: يا طيبة يا طابة يا مسكينة لا تقبلي الكفور أرفع أجاجيرك على أجاجير القرى والمسكنة الخضوع والخشوع خلقه الله فيها أو هي مسكن الخاشعين أسأل الله العظيم بوجاهة وجهه الوجيه ونبيه النبيه عليه أفضل الصلاة والسلام أن يجعلني من ساكنيها المقربين حيًا وميتًا إنه جابر المنكسرين وواصل المنقطعين. ومنها المقدسة لتنزهها عن الشرك وكونها تنفي الذنوب. وأكالة القرى لغلبتها الجميع فضلاً وتسلطها عليها وافتتاحها بأيدي أهلها فغنموها وأكلوها. وروى الزبير في أخبار المدينة من طريق عبد العزيز الدراوردي أنه قال: بلغني أن للمدينة في التوراة أربعين اسمًا. 1872 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ -رضي الله عنه-: "أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ تَبُوكَ حَتَّى أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ: هَذِهِ طَابَةُ". وبالسند قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) البجلي الكوفي قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال التيمي القرشي (قال: حدثني) بالإفراد (عمرو بن يحيى) بفتح العين ابن عمارة الأنصاري المدني (عن عباس بن سهل بن سعد) بالموحدة والمهملة في الأول وفتح المهملة وسكون الهاء في الثاني وسكون العين في الثالث الساعدي (عن أبي حميد) بضم الحاء عبد الرحمن الساعدي (-رضي الله عنه-) أنه قال: (أقبلنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من) غزوة (تبوك) سنة تسع من الهجرة (حتى أشرفنا على المدينة فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هذه) اسمها (طابة) كشامة، ولأبي ذر: طابة بالتنوين، وفي بعض طرقه طيبة كهيبة، ولمسلم عن جابر بن سمرة أن الله تعالى سمى المدينة طابة. وحديث الباب هذا طرف من حديث طويل سبق في باب: خرص التمر من باب الزكاة والله أعلم. 4 - باب لاَبَتَىِ الْمَدِينَةِ (باب لابتي المدينة). 1873 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ بِالْمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا ذَعَرْتُهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا حَرَامٌ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة (عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد بن المسيب) بفتح الياء المشددة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه كان يقول لو رأيت الظباء) بكسر الظاء المعجمة ممدودًا جمع ظبي (بالمدينة ترتع) أي ترعى (ما ذعرتها) بذال معجمة وعين مهملة أي ما أفزعتها ونفرتها وكني بذلك عن عدم صيدها واستدل -رضي الله عنه- بقوله (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما بين لابتيها) أي المدينة (حرام) لا يجوز صيدها ولا قطع شجرها الذي لا يستنبته الآدميون والمدينة بين لابتين شرقية وغربية ولها لابتان أيضًا من الجانبين الآخرين إلا أنهما يرجعان إلي الأوليين لاتصالهما بهما فجميع دورها كلها داخل ذلك. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الحج والترمذي في المناقب والنسائي في الحج. 5 - باب مَنْ رَغِبَ عَنِ الْمَدِينَةِ (باب من رغب عن المدينة) فهو مذموم. 1874 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «تترُكُونَ الْمَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، لاَ يَغْشَاهَا إِلاَّ الْعَوَافِ -يُرِيدُ عَوَافِيَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ- وَآخِرُ مَنْ يُحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ يُرِيدَانِ الْمَدِينَةَ يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا فَيَجِدَانِهَا وَحْشًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا». وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة

الحمصي (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب) ولأبي الوقت عن سعيد بن السيب (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يتركون المدينة) بالمثناة التحتية في يتركون في فرع اليونينية وبالفوقية على الخطاب في غيره. قال الحافظ ابن حجر: الأكثر على الخطاب والمراد بذلك غير المخاطبين لكنهم من أهل البلد أو من نسل المخاطبين أو من نوعهم. قال: وروي بياء الغيبة ورجحه القرطبي قال في المصابيح: وفي كلام القرطبي إشعار ما بأن رواية البخاري ليست بتاء الخطاب اهـ. وقد ثبت بتاء الخطاب فلا عبرة بما يشعره كلام القرطبي. (على خير ما كانت) من العمارة وكثرة الأثمار وحسنها وفي أخبار المدينة لعمر بن شبة أن ابن عمر أنكر على أبي هريرة قوله خير ما كانت وقال: إنما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعمر ما كانت وأن أبا هريرة صدقه على ذلك (لا يغشاها) بالغين المعجمة لا يسكنها (إلا العواف) بفتح العين المهملة والواو وآخره فاء من غير ياء جمع عافية التي تطلب أقواتها، ولأبي ذر الأعوافي بحذف أل وبالمثناة التحتية بعد الفاء (يريد عوافي السباع والطير) بنصب ياء عوافي. قال القاضي عياض: هذا جرى في العصر الأول وانقضى، وقد تركت المدينة على ما أحسن ما كانت حين انتقلت الخلافة منها إلى الشأم وذلك خير ما كانت للدين لكثرة العلماء بها وللدنيا لعمارتها واتساع حال أهلها. وذكر الإخباريون في بعض الفتن التي جرت في المدينة أنه رحل عنها أكثر الناس وبقيت أكثر ثمارها للعوافي وخلت مدّة ثم تراجع الناس إليها. وقال النووي: المختار أن هذا الترك يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة ويوضحه قصة الراعيين فقد وقع عند مسلم ثم يحشر راعيان، وفي البخاري أنهما آخر من يحشر، وقال أبو عبد الله الأبي: وهذا لمن يقع ولو وقع لتواتر بل الظاهر أنه لم يقع بعد، ودليل المعجزة يوجب القطع بوقوعه في المستقبل إن صح الحديث وأن الظاهر أنه بين يدي نفخة الصعق كما يدل عليه موت الراعيين اهـ. ومراده بالراعيين المذكوران في قوله (وآخر من يحشر) بضم أوله وفتح ثالثه أي آخر من يموت فيحشر لأن الحشر بعد الموت، ويحتمل أن يتأخر حشرهما لتأخر موتهما ويحتمل آخر من يحشر إلى المدينة أي يساق إليها كما في لفظ رواية مسلم (راعيان من مزينة) بضم الميم وفتح الزاي المعجمة قبيلة من مضر (يريدان المدينة ينعقان) بكسر العين المهملة وبعدها قاف ماضي نعق بفتحها أي يصيحان (بغنمهما) ليسوقاها وذلك عند قرب الساعة وصعقة الموت (فيجدانها) أي يجدان المدينة (وحوشًا) بالجمع أي ذات وحوش لخلوّها من سكانها ولغير الأربعة وحشًا بالإِفراد أي خالية ليس بها أحد والوحش من الأرض الخلاء وقد يكون وحشًا بمعنى وحوش، وأصل الوحش كل شيء توحش من الحيوان وجمعه وحوش وقد يعبر بواحده عن جمعه، وحينئذٍ فالضمير للمدينة. وعن ابن المرابط: أنه للغنم أي انقلبت الغنم وحوشًا والقدرة صالحة أو المعنى أن الغنم صارت متوحشة تنفر من أصوات الرعاة وأنكره القاضي وصوّب النووي الأول. (حتى إذا بلغا) أي الراعيان (ثنية الوداع) التي كان يشيع إليها ويودّع عندها وهي من جهة الشأم (خرًا) بفتح المعجمة وتشديد الراء أي سقطا (على وجوههما) ميتين ثم إن قوله: وآخر من يحشر الخ يحتمل أن يكون حديثًا آخر غير الأوّل لا تعلق له به وأن يكون من بقيته وعليهما يترتب الاختلاف السابق عن عياض والنووي والله أعلم. وقد أخرج الحديث مسلم. 1875 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "تُفْتَحُ الْيَمَنُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. وَتُفْتَحُ الشَّأْمُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. وَتُفْتَحُ الْعِرَاقُ، فَيَأْتِي قَوْمٌ يُبِسُّونَ، فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن) أخيه (عبد الله بن الزبير) بن العوام (عن سفيان بن أبي زهير) بضم الزاي وفتح الهاء مصغرًا الأزدي من أزد شنوأة بفتح المعجمة وضم النون وبعد الواو همزة النمري ويلقب بابن القرد بفتح القاف وكسر الراء وبعدها دال مهملة صحابي يعدّ في أهل

المدينة (-رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (تفتح اليمن) بضم الفوقية وسكون الفاء وفتح الفوقية مبنيًا للمفعول واليمن رفع نائب فاعل وسمي اليمن لأنه عن يمين القبلة أو عن يمين الشمس أو بيمن بن قحطان (فيأتي قوم) من الذين حضروا فتحها وأعجبهم حسنها ورخاؤها (يبسون) بفتح المثناة التحتية وكسر الموحدة وتشديد المهملة ثلاثيًا. وعن ابن القاسم بضم الموحدة فهو من باب ضرب يضرب، ومن باب نصر ينصر وبضم التحتية مع كسر الموحدة أيضًا من الثلاثي المزيد أي يسوقون دوابهم إلى المدينة سوقًا لينًا (فيتحملون)، منها أي المدينة (بأهليهم ومن أطاعهم) من الناس راحلين إلى اليمن (والمدينة خير لهم) منها لأنها حرم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجواره مهبط الوحي ومنول البركات (لو كانوا يعلمون) بما فيها من الفضانل كالصلاة في مسجدها وثواب الإقامة فيها وغير ذلك من الفوائد الدنيوية والأخروية التي يستحقر دونها ما يجدونه من الحظوظ الفانية العاجلة بسبب الإقامة في غيرها ما ارتحلوا منها. وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وظاهره أن الذين يتحملون غير الذين يبسون فكأن الذي حضر الفتح أعجبه حُسن اليمن ورخاؤه فدعا قريبه إلى المجيء إليه، فيحتمل المدعوّ بأهله وأتباعه، لكن صوّب النووي أن في حديث الباب الإخبار عمن خرج من المدينة متحملاً بأهله بأسًا في سيره مسرعًا إلى الرخاء والأمصار المفتتحة. وفي رواية ابن خزيمة من طريق أبي معاوية عن هشام بن عروة في هذا الحديث ما يؤيده ولفظه: تفتح الشام فيخرج الناس إليها يبسون والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. ويوضح ذلك حديث جابر عند البزار مرفوعًا: ليأتين على أهل المدينة زمان ينطلق الناس منها إلى الأرياف يلتمسون الرخاء فيجدون رخاء ثم يتحملون بأهليهم إلى الرخاء والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. وقال المنذري: رجاله رجال الصحيح، والأرياف جمع ريف بكسر الراء وهو ما قارب المياه في أرض العرب، وقيل: هو الأرض التي فيها الزرع والخصب، وقيل غير ذلك. (وتفتح الشام) بضم أوّله مبنيًّا لما لم يسم فاعله وسمي بالشام لأنه عن شمال الكعبة (فيأتي قوم يبسون) بفتح أوله وضمه وكسر الموحدة وضمها (فيتحملون) من المدينة (بأهليهم ومن أطاعهم) من الناس راحلين إلى الشام (والمدينة خير لهم) منها لما ذكر (لو كانوا يعلمون) بفضلها فالجواب محذوف كما في السابق واللاحق دلّ عليه ما قبله، وإن كانت "لو" بمعنى "ليت" فلا جواب لها وعلى كلا التقديرين ففيه تجهيل لمن فارقها لتفويته على نفسه خيرًا عظيمًا، (وتفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم) من المدينة (ومن أطاعهم) من الناس راحلين إلى العراق (والمدينة خير لهم) من العراق (لو كانوا يعلمون). والواو في قوله والمدينة في الثلاثة للحال وهذا من أعلام نبوّته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث أخبر عليه الصلاة والسلام بفتح هذه الأقاليم، وأن الناس يتحملون بأهاليهم ويفارقون المدينة فكان ما قاله عليه الصلاة والسلام على الترتيب المذكور في الحديث، لكن في حديث عند مسلم وغيره تفتح الشام ثم اليمن ثم العراق، والظاهر أن اليمن فتح قبل فتح الشام للاتفاق على أنه لم يفتح شيء من الشام في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فتكون رواية تقديم الشام على اليمن معناها استيفاء فتح اليمن إنما كان بعد الشام وأما قول المظهري إنه عليه الصلاة والسلام أخبر في أوّل الهجرة إلى المدينة بأنه سيفتح اليمن فيأتي قوم من اليمن إلى المدينة حتى يكثر أهل المدينة خير لهم من غيرها، فتعقبه الطيبي بأن تنكير قوم ووصفه بيبسون ثم توكيده بقوله: لو كانوا يعلمون لا يساعد ما قاله لأن تنكير قوم لتحقيرهم وتوهين أمرهم ثم الوصف بيبسون وهو سوق الدواب يشعر بركاكة عقولهم وأنهم ممن ركن إلى الحظوظ البهيمية وحطام الدنيا الفانية العاجلة وأعرضوا عن الإقامة في جوار

6 - باب الإيمان يأرز إلى المدينة

الرسول عليه الصلاة والسلام ولذلك كرر قومًا وصفه في كل قرينة بيبسون استحقارًا لتلك الهيئة القبيحة. قال: والذي يقتضيه هذا المقام أن ينزل يعلمون منزلة اللازم لينتفي عنهم العلم والمعرفة بالكلية، ولو ذهب مع ذلك إلى معنى التمني لكان أبلغ لأن التمني طلب ما لا يمكن حصوله أي ليتهم كانوا من أهل العلم تغليظًا وتشديدًا. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث أن هؤلاء القوم المذكورين تفرقوا في البلاد بعد الفتوحات ورغبوا عن الإقامة في المدينة، ولو صبروا على الإقامة فيها لكان خيرًا لهم، أما من خرج لحاجة كجهاد أو تجارة فليس داخلاً في معنى الحديث. ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون إلا شيخه، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والسماع والقول، ورواية تابعي عن تابعي لأن هشامًا لقي بعض الصحابة وصحابي عن صحابي، وأخرجه مسلم في الحج وكذا النسائي. 6 - باب الإِيمَانُ يَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ هذا (باب) بالتنوين (الإيمان يأرز إلى المدينة) بهمزة ساكنة وراء مكسورة ثم زاي كضرب يضرب أي ينضم ويجتمع بعضه إلى بعض فيها. وحكى القابسي فتح الراء من باب علم يعلم وحكى ضمها من باب نصر ينصر. 1876 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا». وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) هو إبراهيم بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة الحزامي قال: (حدّثنا أنس بن عياض) أبو ضمرة الليثي المدني (قال: حدثني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر العمري (عن) خاله (خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأولى (عن حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن الإيمان ليأرز) اللام في ليأرز للتوكيد أي أن أهل الإيمان لتنضم وتجتمع (إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها) أي كما تنتشر الحية من حجرها في طلب ما تعيش به فإذا راعها شيء رجعت إلى حجرها كذلك الإيمان انتشر من المدينة فكل مؤمن له من نفسه سائق إليها لمحبته في ساكنها صلوات الله وسلامه عليه، وهذا شامل لجميع الأزمنة. أما زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فللتعلم منه، وأما زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم فللاقتداء بهديهم، وأما بعدهم فلزيارة قبره المنيف، والصلاة في مسجده الشريف، والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه رزقني الله ذلك، والممات على محبته هنالك. يا سيدي يا رسول الله إني أتوجه بك إلى ربك في ذلك وفي جميع أموري، اللهم شفّعه فيّ وفي سلفي. وهذا الحديث رواه مسلم في الإيمان وابن ماجة في الحج والله أعلم. 7 - باب إِثْمِ مَنْ كَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ (باب إثم من كاد أهل المدينة) أي أراد بهم سوءًا. 1877 - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ عَنْ جُعَيْدٍ عَنْ عَائِشَةَ -هي بنتُ سَعْدٍ- قَالَتْ: سَمِعْتُ سَعْدًا -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يَكِيدُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ إِلاَّ انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ». وبالسند قال: (حدّثنا حسين بن حريث) بضم الحاءين وآخر الثاني مثلثة مصغرين المروزي مولى عمران بن الحصين الخزاعي قال: (أخبرنا الفضل) بن موسى السيناني بكسر السين المهملة وسكون التحتية وبالنونين المروزي (عن جعيد) بضم الجيم وفتح العين وسكون التحتية مصغرًا ابن عبد الرحمن بن أوس (عن عائشة) زاد في رواية غير ابن عساكر وأبي ذر: هي بنت سعد بسكون العين أي ابن وقاص (قالت: سمعت سعدًا) تعني أباها (-رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا يكيد أهل المدينة أحد) أي لا يفعل بهم كيدًا من مكر وحرب وغير ذلك من وجوه الضرر بغير حق (إلا انماع) بسكون النون بعد ألف الوصل آخره مهملة أي ذاب (ما ينماع) يذوب (الملح في الماء) وفي حديث مسلم في رواية: ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء، وهذا صريح في الترجمة لأنه لا يستحق هذا العذاب إلا من ارتكب إثمًا عظيمًا. 8 - باب آطَامِ الْمَدِينَةِ (باب آطام المدينة) بالمد جمع أطم بضمتين وهي الحصون التي تبنى بالحجارة. 1878 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ بن عبد الله حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ سَمِعْتُ أُسَامَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَشْرَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي لأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلاَلَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ". تَابَعَهُ مَعْمَرٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. [الحديث 1878 - أطرافه في: 2467، 3597، 7060]. وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني وسقط في غير رواية أبي ذر بن عبد الله قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال (حدّثنا ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (قال: سمعت أسامة) بن زيد (-رضي الله عنه- قال: أشرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نظر من مكان مرتفع (على أطم من آطام المدينة) بضم الهمزة والطاء

9 - باب لا يدخل الدجال المدينة

في الأول وفتحهما ممدودًا في الثاني (فقال): (هل ترون ما أرى إني لأرى) بالبصر (مواقع) أي مواضع سقوط (الفتن خلال بيوتكم) أي نواحيها بأن تكون الفتن مثلت له حتى رآها (كمواقع القطر) وهذا كما مثلت له الجنة والنار في القبلة حتى رآهما وهو يصلّي أو تكون الرؤية بمعنى العلم، وشبه سقوط الفتن وكثرتها بالمدينة بسقوط القطر في الكثرة والعموم، وقد وقع ما أشار إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قتل عثمان وهلم جرًا، ولا سيما يوم الحرّة وهذا من أعلام النبوة. وقد أخرج المؤلّف هذا الحديث في المظالم وفي علامات النبوة وفي الفتن ومسلم في الفتن. (تابعه) أي تابع سفيان (معمر) هو ابن راشد مما وصله المؤلّف في الفتن (وسليمان بن كثير) العبدي الواسطي مما رواه مسلم (عن الزهري). 9 - باب لاَ يَدْخُلُ الدَّجَّالُ الْمَدِينَةَ هذا (باب) بالتنوين (لا يدخل الدجال المدينة). 1879 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ». [الحديث 1879 - طرفاه في: 7125، 7126]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي (قال: حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن سعد عن أبيه) سعد بن إبراهيم الزهري القرشي (عن جده) إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي بكرة) نفيع بن الحرث بن كلدة الثقفي (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال) بضم الراء أي ذعره وخوفه والدجال من الدجل وهو الكذب والخلط لأنه كذاب خلاط وإذا لم يدخل رعبه فالأولى أن لا يدخل (لها) أي للمدينة (يومئذ سبعة أبواب على كل باب) وللكشميهني لكل باب (ملكان) يحرسانها منه. ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون وفيه تابعي والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في الفتن وهو من أفراده. 1880 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ، لاَ يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلاَ الدَّجَّالُ». [الحديث 1880 - طرفاه في: 5731، 7133]. وبه قال: (حدثنا إسماعيل) بن أبي أويس عبد الله المدني (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن نعيم بن عبد الله المجمر) بضم الميم الأولى وكسر الثانية بينهما جيم ساكنة آخره راء مولى آل عمر المدني (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (على أنقاب المدينة) جمع نقب بفتح النون وسكون القاف وهو جمع قلة وجمع الكثرة نقاب، وسيأتي أيضًا إن شاء الله تعالى. قال ابن وهب يعني مداخل المدينة وهي أبوابها وفوّهات طرقها التي يدخل إليها منها كما جاء في الحديث الآخر: على كل باب منها ملك، وقيل طرقها والنقب بفتح النون وضمها وسكون القاف. قال في القاموس: الطريق في الجبل (ملائكة) يحرسونها (لا يدخلها الطاعون) الموت الذريع الفاشي أي لا يكون بها مثل الذي يكون بغيرها كالذي وقع في طاعون عمواس والجارف، وقد أظهر الله تعالى صدق رسوله فلم ينقل قط أنه دخلها الطاعون وذلك ببركة دعائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللهم صححها لنا: (ولا) يدخلها (الدجال) قال الطيبي: وجملة لا يدخلها مستأنفة بيان لموجب استقرار الملائكة على الأنقاب. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفتن والطب، ومسلم في الحج، والنسائي في الطب والحج. 1881 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلاَّ سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلاَّ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ إِلاَّ عَلَيْهِ الْمَلاَئِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا. ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ، فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ». [الحديث 1881 - أطرافه في: 7124، 7134، 7473]. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي بالزاي قال: (حدّثنا الوليد) بن مسلم الدمشقي القرشي ثقة لكنه كثير التدليس قال: (حدّثنا أبو عمرو) بفتح العين هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي قال: (حدّثنا إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري المدني قال: (حدثني) بالإفراد (أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ليس من بلد) أي من البلدان يسكن الناس فيه وله شأن (إلا سيطؤه) سيدخله (الدجال) قال الحافظ ابن حجر: هو على ظاهره وعمومه عند الجمهور، وشذ ابن حزم فقال: المراد لا يدخله بعثه وجنوده وكأنه استبعد إمكان دخول الدجال جميع البلاد لقصر مدته وغفل عما ثبت في صحيح مسلم أن بعض أيامه يكون قدر السنة اهـ. قال العيني: يحتمل أن يكون إطلاق قدر السنة على بعض أيامه ليس على حقيقته بل لكون الشدة العظيمة الخارجة عن الحد فيه أطلق عليه كأنه قدر السنة. (إلا مكة والمدينة) لا يطؤهما وهو مستثنى من المستثنى لا من بلد أي في اللفظ وإلاّ ففي المعنى منه لأن الضمير في سيطؤه عائد على البلد

وعند الطبري من حديث عبد الله بن عمر: وإلا الكعبة وبيت المقدس، وزاد أبو جعفر الطحاوي ومسجد الطور، وفي بعض الروايات فلا يبقى له موضع إلا ويأخذه غير مكة والمدينة وبيت المقدس وجبل الطور فإن الملائكة تطرده عن هذه المواضع (ليس له) سقط لأبي الوقت: له (من نقابها) بكسر النون أي من نقاب المدينة (نقب إلا عليه الملائكة) حال كونهم (صافين) حال كونهم (يحرسونها) منه وهو من الأحوال المتداخلة وسقط في رواية أبي الوقت لفظ له ونقب (ثم ترجف المدينة) أي تزلزل (بأهلها) الباء يحتمل أن تكون سببية أي تزلزل وتضطرب بسبب أهلها التنفض إلى الدجال الكافر والمنافق وأن تكون حالاً أي ترجف متلبسة بأهلها. وقال المظهري ترجف المدينة بأهلها أي تحركهم وتلقي ميل الدجال في قلب من ليس بمؤمن خالص فعلى هذا فالباء صلة الفعل (ثلاث رجفات) بفتحات (فيخرج الله) في الثالثة منها (كل كافر ومنافق) ويبقى بها المؤمن الخالص فلا يسلط عليه الدجال، وللحموي والكشميهني: فيخرج الله إلى الدجال كل كافر ومنافق، وهذا لا يعارضه ما في حديث أبي بكرة الماضي أنه لا يدخل المدينة رعب الدجال لأن المراد بالرعب ما يحصل من الفزع من ذكره والخوف من عتوّه لا الرجفة التي تقع بالزلزلة لإخراج من ليس بمخلص. وهذا الحديث أخرجه أيضًا مسلم في الفتن والنسائي في الحج. 1882 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- قَالَ: "حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثًا طَوِيلاً عَنِ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَنْ قَالَ: يَأْتِي الدَّجَّالُ -وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ- بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ -أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ- فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثَهُ. فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لاَ. فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ. فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَقْتُلُهُ فَلاَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ". [الحديث 1882 - طرفه في: 7132]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري ثقة في الليث وتكلموا في سماعه من مالك قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بضم العين في الأول مصغرًا وسكون الفوقية في الثالث بعد الضم ابن مسعود الهذلي المدني (إن أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثًا طويلاً عن الدجال) عن حاله وفعله وسقط في رواية أبي الوقت قوله حديثًا (فكان فيما حدّثنا به أن قال): أن مصدرية أي قوله: (يأتي الدجال -وهو محرّم عليه أن يدخل) أي دخوله (نقاب المدينة ينزل) جملة مستأنفة كأن قائلاً قال إذا كان الدخول عليه حرامًا فكيف يفعل قال ينزل: (بعض السباخ التي بالمدينة)، بكسر السين جمع سبخة وهي الأرض تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت شيئًا والمعنى أنه ينزل خارج المدينة على أرض سبخة من سباخها وسقط في رواية أبي ذر عن الكشميهني قوله ينزل (فيخرج إليه) أي إلى الدجال (يومئذ رجل هو خير الناس -أو من خير الناس-) شك من الراوي وذكر إبراهيم بن سفيان الراوي عن مسلم كما في صحيحه أنه يقال إنه الخضر وكذا حكاه معمر في جامعه، وهذا إنما يتم على القول ببقاء الخضر كما لا يخفى (فيقول): الرجل (أشهد أنك الدجال الذي حدّثنا عنك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثه) (فيقول الدجال): لمن معه من أوليائه (أرأيت) أي أخبرني (إن قتلت هذا) الرجل (ثم أحييته هل تشكون في الأمر؟ فيقولون لا) أي اليهود ومن يصدقه من أهل الشقاوة أو العموم يقولون ذلك خوفًا منه لا تصديقًا له أو يقصدون بذلك عدم الشك في كفره وأنه دجال (فيقتله ثم يحييه) بقدرة الله تعالى ومشيئته. وفي مسلم: فيأمر الدجال به فيشج فيقول خذوه فيوسع ظهره وبطنه ضربًا فيقول: أو ما تؤمن بي؟ قال فيقول: أنت المسيح الكذاب فيؤشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه قال: ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له قم فيستوي قائمًا (فيقول: حين يحييه والله ما كنت قط أشد بصيرة مني اليوم) لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبر بأن علامة الدجال أنه يحيي المقتول فزادت بصيرته بتلك العلامة. وفي بعض النسخ: أشد مني بصيرة اليوم فالمفضل والمفضل عليه كلاهما هو نفس المتكلم لكنه مفضل باعتبار غيره (فيقول الدجال أقتله فلا يسلط عليه) أي على قتله لأن الله يعجزه بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره

10 - باب المدينة تنفي الخبث

وحينئذ يبطل أمره. وفي مسلم ثم يقول أي الرجل: يا أيها الناس أنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس قال فيأخذه الدجال حتى يذبحه فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسًا فلا يستطيع إليه سبيلاً قال: فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنه قذفه إلى النار وإنما ألقي في الجنة فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين". وحديث الباب أخرجه المؤلّف في الفتن وكذا مسلم وأخرجه النسائي في الحج. 10 - باب الْمَدِينَةُ تَنْفِي الْخَبَثَ هذا (باب) بالتنوين (المدينة تنفي الخبث). 1883 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- "جَاءَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَايَعَهُ عَلَى الإِسْلاَمِ، فَجَاءَ مِنَ الْغَدِ مَحْمُومًا فَقَالَ أَقِلْنِي، فَأَبَى -ثَلاَثَ مِرَارٍ- فَقَالَ: الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِي خَبَثَهَا، وَيَنْصَعُ طَيِّبُهَا". [الحديث 1883 - أطرافه في: 7209، 7211، 7216، 7322]. وبالسند قال: (حدّثنا عمرو بن عباس) بفتح العين وسكون الميم وعباس بالموحدة وبعد الألف مهملة الباهلي البصري أو هو الأهوازي قال: (حدّثنا عبد الرحمن) بن مهدي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن محمد بن المنكدر عن جابر) السلمي بفتح السين المهملة واللام (-رضي الله عنه-) أنه (قال: جاء أعرابي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه إلا أن الزمخشري ذكر في ربيع الأبرار أنه قيس بن أبي حازم وهو مشكل لأنه تابعي كبير مشهور صرحوا بأنه هاجر فوجد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد مات، فإن كان محفوظًا فلعله آخر وافق اسمه واسم أبيه، وفي الذيل لأبي موسى في الصحابة قيس بن حازم المنقري فيحتمل أن يكون هو هذا. (فبايعه على الإسلام فجاء من الغد) حال كونه (محمومًا فقال): للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أقلني) قال عياض من المبايعة على الإسلام، وقال غيره إنما استقالته على الهجرة ولم يرد الارتداد عن الإسلام. قال ابن بطال بدليل أنه لم يرد حل ما عقده إلا بموافقة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك، ولو أراد الردة ووقع فيها لقتله إذ ذاك، وحمله بعضهم على الإقالة من المقام بالمدينة (فأبى) النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقيله (ثلاث مرار) تنازعه الفعلان قبله وهما قوله فقال، وقوله فأبى أي قال ذلك ثلاث مرات وهو-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأبى من إقالته وإنما لم يقله بيعته لأنها إن كانت بعد الفتح فهي على الإسلام فلم يقله إذ لا يحل الرجوع إلى الكفر وإن كانت قبله فهي على الهجرة والمقام معه بالمدينة ولا يحل للمهاجر أن يرجع إلى وطنه، (فقال): عليه الصلاة والسلام: (المدينة كالكير) بكسر الكاف المنفخ الذي تنفخ به النار أو الموضع المشتمل عليها (تنفي خبثها) بمعجمة فموحدة مفتوحتين ومثلثة ما تبرزه النار من الوسخ والقذر (وينصع طيبها) بفتح الطاء وتشديد التحتية وبالرفع فاعل ينصع وهو بفتح التحتية وسكون النون وفتح الصاد المهملة آخره عين مهملة من النصوع وهو الخلوص، ولأبي ذر عن المحموي والمستملي: وتنصع بالمثناة الفوقية أي المدينة طيبها بكسر الطاء وسكون التحتية منصوب على المفعولية كذا في اليونينية والرواية الأولى في طيبها. قال أبو عبد الله الأبي: هي الصحيحة وهي أقوم معنى وأي مناسبة بين الكير والطيب اهـ. وهذا تشبيه حسن لأن الكير بشدة نفخه ينفي عن النار السخام والدخان والرماد حتى لا يبقى إلا خالص الجمر، وهذا إن أريد بالكير المنفخ الذي ينفخ به النار، وإن أريد به الموضع فيكون المعنى إن ذلك الموضع لشدة حرارته ينزع خبث الحديد والفضة والذهب ويخرج خلاصة ذلك والمدينة كذلك تنفي شرار الناس بالحمى والوصب وشدة العيش وضيق الحال التي تخلص النفس من الاسترسال في الشهوات وتطهر خيارهم وتزكيهم، وليس الوصف عامًا لها في جميع الأزمنة بل هو خاص بزمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه لم يكن يخرج عنها رغبة في عدم الإقامة معه إلا من لا خير فيه، وقد خرج منها بعده جماعة من خيار الصحابة وقطنوا غيرها وماتوا خارجًا عنها. كابن مسعود، وأبي موسى، وعلي، وأبي ذر، وعمار، وحذيفة، وعبادة بن الصامت، وأبي عبيدة، ومعاذ، وأبي الدرداء وغيرهم. فدلّ على أن ذلك خاص بزمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالقيد المذكور. 1884 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أُحُدٍ رَجَعَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: نَقْتُلُهُمْ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: لاَ نَقْتُلُهُمْ فَنَزَلَتْ: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينِ فِئَتَيْنِ} [انساء: 88] وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّهَا تَنْفِي الرِّجَالَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ". [الحديث 1884 - طرفاه في: 4050، 4589]. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عديّ بن ثابت) الأنصاري الصحابي (عن عبد الله بن يزيد) من الزيادة الخطمي الأنصاري الصحابي أنه (قال: سمعت زيد بن ثابت -رضي الله عنه- يقول: لما خرج النبي) ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

باب

وَسَلَّمَ- إلى) غزوة (أحد) وكانت سنة ثلاث من الهجرة (رجع ناس من أصحابه) عليه الصلاة والسلام من الطريق وهم عبد الله بن أبي ومن تبعه (فقالت فرقة) من المسلمين (نقتلهم) أي نقتل الراجعين، (وقالت فرقة): منهم (لا نقتلهم) لأنهم مسلمون (فنزلت) لما اختلفوا {فما لكم في المنافقين فئتين} [النساء: 88] أي تفرقتم في أمرهم فرقتين حال عاملها لكم وفي المنافقين متعلق بما دل عليه فئتين أي متفرقين فيهم، (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنها) أي المدينة (تنفي الرجال) جمع رجل والألف واللام للعهد أي شرارهم وأخساءهم أي تميز وتظهر شرار الرجال من خيارهم، ولأبي ذر عن الكشميهني: تنفي الدجال بالدال وتشديد الجيم. قال في الفتح: وهو تصحيف، وفي غزوة أحد تنفي الذنوب، وفي تفسير سورة النساء تنفي الخبث، وأخرجه في هذه المواضع كلها من طريق شعبة، وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي من رواية غندر عن شعبة باللفظ الذي أخرجه في التفسير من طريق غندر وغندر يثبت الناس في شعبة وروايته توافق رواية حديث جابر الذي قبله حيث قال فيه: تنفي خبثها، وكذا أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة تنفي الناس، والرواية التي هنا تنفي الرجال لا تنافي الرواية التي بلفظ الخبث بل هي مفسرة للرواية المشهورة بخلاف تنفي الذنوب، ويحتمل أن يكون فيه حذف تقديره أهل الذنوب فتلتئم مع باقي الروايات اهـ. (كما تنفي النار خبث الحديد) وتبقي الطيب أزكى ما كان وأخلص وكذلك المدينة. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي والتفسير ومسلم في المناسك وفي ذكر المنافقين والترمذي والنسائي في التفسير. باب هذا (باب) بالتنوين بلا ترجمة فهو بمعنى الفصل من الباب وفيه حديثان فمناسبة الأول لما سبق من جهة أن تضعيف البركة وتكثيرها يلزم منه تقليل ما يضادها فناسب نفي الخبث ومناسبة الثاني من جهة أن حب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمدينة يناسب طيب ذاتها وأهلها، وسقط لفظ باب لأبي ذر. 1885 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي سَمِعْتُ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَىْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنَ الْبَرَكَةِ». تَابَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ يُونُسَ. وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبوي ذر والوقت حدثني (عبد الله بن محمد) المسندي بفتح النون أو بكسرها قال: (حدّثنا وهب بن جرير) بفتح الجيم قال: (حدّثنا أبي) جرير بن حازم قال: (سمعت يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس) هو ابن مالك (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (اللهم اجعل بالمدينة ضعفي) تثنية ضعف بالكسر، قال في القاموس مثله وضعفاه مثلاه أو الضعف المثل إلى ما زادوا يقال لك ضعفه يريدون مثليه وثلاثة أمثاله لأنه زيادة غير محصورة وقول الله تعالى: {يضاعف لها العذاب ضعفين} [الأحزاب: 30] أي ثلاثة أعذبة ومجاز يضاعف أي يجعل إلى الشيء شيئان حتى يصير ثلاثة اهـ. وقال الفقهاء في الوصية بضعف نصيب ابنه مثلاه وبضعفيه ثلاثة أمثاله عملاً بالعرف في الوصايا وكذا في الأقارير نحو له على ضعف درهم فيلزمه درهمان لا العمل باللغة والمعنى هنا اللهم اجعل بالمدينة مثلي (ما جعلت بمكة من البركة) أي الدنيوية إذ هو مجمل فسره الحديث الآخر اللهم بارك لنا في صاعنا ومدّنا فلا يقال أن مقتضى إطلاق البركة أن يكون ثواب صلاة المدينة ضعفي ثواب الصلاة بمكة، أو المراد عموم البركة، لكن خصت الصلاة ونحوها بدليل خارجي فاستدلّ به على تفضيل المدينة على مكة وهو ظاهر من هذه الجهة لكن لا يلزم من حصول أفضلية المفضول في شيء من الأشياء ثبوت الأفضلية على الإطلاق وأيضًا لا دلالة في تضعيف الدعاء للمدينة على فضلها على مكة إذ لو كان كذلك للزم أن يكون الشأم واليمن أفضل من مكة لقوله في الحديث الآخر: اللهم بارك لنا في شأمنا ويمننا أعادها ثلاثًا وهو باطل لما لا يخفى فالتكرير للتأكيد والمعنى واحد قال الأبي: ومعنى ضعف ما بمكة أن المراد ما أشبع بغير مكة رجلاً أشبع بمكة رجلين وبالمدينة ثلاثة فالأظهر في الحديث أن البركة إنما هي في الاقتيات. وقال النووي في نفس المكيل بحيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها وهذا أمر محسوس عند

11 - باب كراهية النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تعرى المدينة

من سكنها. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الحج. (تابعه) أي تابع جرير بن حازم (عثمان بن عمر) بضم العين البصري مما وصله الذهلي في الزهريات (عن يونس) بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب. 1886 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَنَظَرَ إِلَى جُدُرَاتِ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا، مِنْ حُبِّهَا". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري الزرقي (عن حميد) بضم الحاء وفتح الميم مصغرًا ابن أبي حميد الطويل البصري (عن أنس -رضي الله عنه-): (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدرات المدينة) بضم الجيم والدال جمع جدار جمع سلامة (أوضع) بفتح الهمزة وسكون الواو وبالضاد المعجمة أي حمل (راحلته) على السير السريع (وإن كان على دابة حركها من حبها) أي حرك الدابة من حب المدينة وقد استجاب الله تعالى دعاء نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث دعا اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد حتى كان يحرك دابته إذا رآها من حبها اللهم حببها إلينا وحبب صالحي أهلها فينا واجعل لنا بها قرارًا ورزقًا وتوفنا بها في عافية بلا محنة. 11 - باب كَرَاهِيَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُعْرَى الْمَدِينَةُ (باب كراهية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تعرى المدينة) بضم التاء من تعرى أي تخلو وأعريت المكان جعلته خاليًا ولأبي ذر أن تعرى بفتحها أي تخلو وتصير عراء وهو الفضاء من الأرض الذي لا سترة به. 1887 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُعْرَى الْمَدِينَةُ، وَقَالَ: يَا بَنِي سَلِمَةَ أَلاَ تَحْتَسِبُونَ آثَارَكُمْ؟ فَأَقَامُوا". وبالسند قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر حدثني بالإفراد (ابن سلام) بتخفيف اللام محمد السلمي مولاهم البخاري البيكندي قال: (أخبرنا الفزاري) بفتح الفاء وتخفيف الزاي وبعدها راء مروان بن معاوية (عن حميد الطويل عن أنس -رضي الله عنه- قال: أراد بنو سلمة) بكسر اللام بطن كبير من الأنصار (أن يتحولوا) من منازلهم (إلى قرب المسجد) لأنها كانت بعيدة منه (فكره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تعرى المدينة) بضم أول تعرى ولأبي ذر تعرى بفتحه (وقال): عليه الصلاة والسلام: (يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم؟) أي ألا تعدون الأجر في خطاكم إلى المسجد فإن لكل خطوة أجرًا (فأقاموا) في منازلهم وأراد عليه الصلاة والسلام أن تبقى جهات المدينة عامرة بساكنيها ليعظم المسلمون في أعين المنافقين والمشركين إرهابًا لهم وغلظة عليهم. فإن قلت: لم ترك عليه الصلاة والسلام التعليل بذلك وعلل بمزيد الأجر لبني سلمة؟ أجيب: بأنه ذكر لهم المصلحة الخاصة بهم ليكون ذلك أدعى لهم على الموافقة وأبعث على نشاطهم إلى البقاء في ديارهم، وعلى هذا فهمه البخاري، ولذا ترجم عليه ترجمتين: إحداهما في صلاة الجماعة باب احتساب الآثار، والأخرى كراهة الرسول أن تعرى المدينة. 12 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة فهو كالفصل مما قبله. 1888 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي». وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) بالسين المهملة بعد الميم المضمومة وتشديد المهملة الأولى ابن مسرهد (عن يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله بن عمر) بضم العين وفتح الموحدة مصغرًا العمري (قال: حدثني) بالإفراد (خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأولى وهو خال عبيد الله (عن حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) حقيقة بأن يكون مقتطعًا منها كما أن الحجر الأسود والنيل والفرات منها أو مجازًا بأن يكون من إطلاق اسم المسبب على السبب فإن ملازمة ذلك المكان للعبادة سبب في نيل الجنة وهذا فيه نظر إذ لا اختصاص لذلك بتلك البقعة على غيرها أو هي كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادة أو أن تلك البقعة تنقل بعينها فتكون روضة من رياض الجنة ولا مانع من الجمع فهي من الجنة، والعمل فيها يوجب لصاحبه روضة في الجنة وتنقل هي أيضًا إلى الجنة. وفي رواية ابن عساكر: وقبري بدل بيتي. قال الحافظ ابن حجر: وهو خطأ فقد تقدم هذا الحديث في كتاب الصلاة قبيل الجنائز بهذا الإسناد بلفظ بيتي وكذلك هو في مسند مسدد شيخ البخاري فيه، نعم وقع في

حديث سعد بن أبي وقاص عند البزار بسند رجاله ثقات، وعند الطبراني من حديث ابن عمر بلفظ القبر، فعلى هذا المراد بالبيت في قوله بيتي أحد بيوته لا كلها وهو بيت عائشة الذي صار فيه قبره. وقد ورد الحديث بلفظ ما بين المنبر وبيت عائشة روضة من رياض الجنة أخرجه الطبراني في الأوسط اهـ. (ومنبري) يوضع بعينه يوم القيامة (على حوضي) والقدرة صالحة لذلك وقيل يوضع له هناك منبر وقيل ملازمة منبره للأعمال الصالحة تورد صاحبها الحوض وهو الكوثر فيشرب منه واستدلّ به على أن المدينة أفضل من مكة لأنه أثبت أن الأرض التي بين البيت والمنبر من الجنة، وقد قال في الحديث الآخر: "لقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها". وأجيب: بأن قوله من الجنة مجاز ولو كانت من الجنة حقيقة لكانت كما وصف الله الجنة بقوله تعالى: {إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى} [طه: 118] سلمنا أنه على الحقيقة، لكن لا نسلم أن الفضل لغير تلك البقعة. وهذا الحديث قد سبق في آخر كتاب الصلاة في باب فضل ما بين القبر والمنبر. 1889 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ الْحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ يَقُولُ: أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَالَ: اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا إِلَى أَرْضِ الْوَبَاءِ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ. اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ. قَالَتْ: وَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهْيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللَّهِ، قَالَتْ: فَكَانَ بُطْحَانُ يَجْرِي نَجْلاً. تَعْنِي مَاءً آجِنًا". [الحديث 1889 - أطرافه في: 3926، 5654، 5677، 6372]. وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين واسمه في الأصل عبد الله القرشي الكوفي الهباري قال: (حدّثنا أبو أسامة) بضم الهمزة حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول كما جزم به النووي في كتاب السير من الروضة (وعك) بضم الواو وكسر العين المهملة أي حمّ (أبو بكر) الصديق (وبلال) -رضي الله عنهما- (فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول): (كل امرئ مصبح) بضم الميم وفتح الصاد المهملة والموحدة المشددة أي يقال له أنعم صباحًا أو يسقي صبوحه وهو شرب الغداة (في أهله). (والموت أدنى) أقرب (من الشراك نعله). بكسر الشين المعجمة وسكون الهاء فيهما في اليونينية أحد سيور النعل التي تكون على وجهها. (وكان بلال) -رضي الله عنه- (إذا أقلع) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول ولأبي ذر أقلع بفتحها أي كف (عنه الحمى يرفع عقيرته) بفتح العين وكسر القاف وسكون التحتية فعيلة بمعنى مفعولة أي صوته باكيًا حال كونه (يقول): (ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة). (بواد) ويروى بفج (وحولي) مبتدأ خبره (إذخر) بكسر الهمزة وبمعجمتين الحشيش المعروف (وجليل). بفتح الجيم وكسر اللام الأولى نبت ضعيف وهو الثمام والجملة حالية وأنشده الجوهري في مادة جلل بمكة حولي بلا واو وهو أيضًا حال: (وهل أردن) بالنون الخفيفة (يومًا مياه مجنة). بفتح الميم وكسرها وفتح الجيم والنون المشددة موضع على أميال يسيرة من مكة بناحية مرّ الظهران. وقال الأزرقي: على بريد من مكة وهو سوق هجر (وهل يبدون) بالنون الخفيفة أي يظهرن (لي شامة) بالشين المعجمة (وطفيل). بفتح المهملة وكسر الفاء جبلان على نحو ثلاثين ميلاً من مكة أو الأول جبل من حدود هرشى مشرف هو وشامة على مجنة أو عينان. قيل: وليس هذان البيتان لبلال بل لبكر بن غالب بن عامر بن الحرث بن مضاض الجرهمي أنشدهما عندما نفتهم خزاعة من مكة. وتأمل كيف تعزى أبو بكر -رضي الله عنه- أخذ الحمى بما ينزل به من الموت الشامل للأهيل والغريب، وبلال -رضي الله عنه- تمنى الرجوع إلى وطنه على عادة الغرباء يظهر لك فضل أبي بكر على غيره من الصحابة -رضي الله عنهم-. (قال): أي بلال، وفي نسخة: وقال بواو العطف، وسقط ذلك في رواية أبي ذر وابن عساكر واقتصر على قوله: (اللهم العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا) أي اللهم أبعدهم من رحمتك كما أبعدونا (من أرضنا) مكة (إلى أرض الوباء) بالهمزة والمد وقد يقصر الموت الذريع يريد المدينة (ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد) حبًا من حبنا لمكة (اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا) صاع المدينة وهو كيل يسع

30 - كتاب الصوم

أربعة أمداد والمدّ رطل وثلث عند أهل الحجاز ورطلان في غيرها. والثاني قول أبي حنيفة، وقيل يحتمل أن ترجع البركة إلى كثرة ما يكال بها من غلاتها وثمارها (وصححها) أي المدينة (لنا) من الأمراض (وانقل حماها إلى الجحفة) بضم الجيم وسكون المهملة ميقات أهل مصر وخصها لأنها كانت إذ ذاك دار شرك ليشتغلوا بها عن معونة أهل الكفر فلم نزل من يومئذ أكثر الله حمى لا يشرب أحد من مائها إلاَّ حمَّ. قال عروة بالسند السابق: (قالت): عائشة -رضي الله عنها- (وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله) بهمزة مضمومة آخر أوبأ على وزن أفعل التفضيل أي أكثر وباء وأشد من غيرها (قالت): عائشة أيضًا -رضي الله عنها- (فكان بطحان) بضم الموحدة وسكون الطاء وفتح الحاء المهملتين وبعد الألف نون واد في صحراء المدينة (يجري نجلاً) بفتح النون وسكون الجيم ماء يجري على وجه الأرض. قال الراوي: (تعني) عائشة (ماء آجنًا) بفتح الهمزة الممدودة وكسر الجيم بعدها نون أي متغيرًا، وغرض عائشة بذلك بيان السبب في كثرة الوباء بالمدينة لأن الماء الذي هذا صفته يحدث عنه المرض. وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا في الحج. 1890 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ، وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ ابْنُ زُرَيْعٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَتْ: سَمِعْتُ عُمَرَ ... نَحْوَهُ. وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رضي الله عنه. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المصري بالميم قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن خالد بن يزيد) من الزيادة (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي المدني (عن زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم مولى ابن عمر بن الخطاب (عن عمر -رضي الله عنه-) أنه (قال: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك) قد استجيبت دعوته فقتله أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين فحصل له ثواب الشهادة لأنه قتل ظلمًا (واجعل موتي في بلد رسولك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فتوفي بها من ضربة أبي لؤلؤة في خاصرته، ودفن عند أبي بكر -رضي الله عنه- عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فالثلاثة في بقعة واحدة وهي أشرف البقاع على الإطلاق. ومناسبة هذا الأثر لما ترجم به في طلبه الموت بالمدينة إظهارًا لمحبته إياها كمحبته مكة وأعلى. (وقال ابن زريع): يزيد مما وصله الإسماعيلي (عن روح بن القاسم) بفتح الراء (عن زيد بن أسلم عن أمه) وفي الأولى قال عن أبيه وفي نسخة بالفرع عن أبيه (عن حفصة) بنت عمر -رضي الله عنهما- قالت: (سمعت عمر يقول نحوه). ولفظ الإسماعيلي: اللهم قتلاً في سبيلك ووفاة في بلد نبيك قالت: فقلت: وأنى يكون هذا؟ قال: يأتي به الله إذا شاء. (وقال هشام): هو ابن سعد القرشي مما وصله ابن سعد (عن زيد) هو ابن أسلم (عن أبيه عن حفصة) أنها قالت: (سمعت عمر -رضي الله عنه-) يقول فذكر مثله وفي آخره أن الله يأتي بأمره إن شاء. وأراد المؤلّف بهذين التعليقين بيان الاختلاف فيه على زيد بن أسلم فاتفق هشام بن سعد وسعيد بن أبي هلال على أنه عن زيد عن أبيه أسلم عن عمر. وتابعهما حفص بن ميسرة عن زيد عند عمر بن شبة وانفرد روح بن القاسم عن زيد بقوله عن أمه. تم كتاب الحج ولله الحمد. بسم الله الرحمن الرحيم 30 - كتاب الصوم (بسم الله الرحمن الرحيم) كذا في فرع اليونينية وفي غيرها بتقديم البسملة. (كتاب الصوم) وفي رواية النسفيّ كما في فتح الباري كتاب الصيام بكسر الصاد والياء بدل الواو وهما مصدران لصام، -وثبتت البسملة- للجميع وذكر الصوم متأخرًا عن الحج أنسب من ذكره عقب الزكاة لاشتمال كل منهما على بذل المال، فلم يبق للصوم موضع إلا الأخير وهو ربع الإيمان لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الصوم نصف الصبر" وقوله "الصبر نصف الإيمان". وشرعه سبحانه لفوائد أعظمها كسر النفس وقهر الشيطان فالشبع نهر في النفس يرده الشيطان والجوع نهر في الروح ترده الملائكة. ومنها: أن الغني يعرف قدر نعمة الله عليه بإقداره على ما منع منه كثير من الفقراء من فضول الطعام والشراب والنكاح فإنه بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص وحصول المشقّة له بذلك يتذكر به من منع ذلك

1 - باب وجوب صوم رمضان، وقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} [البقرة: 183]

على الإطلاق فيوجب له ذلك شكر نعمة الله تعالى عليه بالغنى ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج ومواساته بما يمكن من ذلك. وهو لغة الإمساك ومنه قوله تعالى حكاية عن مريم عليها السلام: {إني نذرت للرحمن صومًا} [مريم: 26] أي إمساكًا وسكوتًا عن الكلام وقول النابغة: خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما وشرعًا إمساك عن المفطر على وجه مخصوص. وقال الطيبي: إمساك المكلف بالنية من الخيط الأبيض إلى الخيط الأسود عن تناول الأطيبين والاستمناء والاستقاء فهو وصف سلبيّ وإطلاق العمل عليه تجوّز. 1 - باب وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] (باب وجوب صوم) شهر (رمضان) وكان في شعبان من السنة الثانية من الهجرة ورمضان مصدر رمض إذا احترق لا ينصرف للعلمية والألف والنون، وإنما سموه بذلك إما لارتماضهم فيه من حر الجوع والعطش أو لارتماض الذنوب فيه، أو لوقوعه أيام رمض الحر حيث نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر أو من رمض الصائم اشتد حر جوفه أو لأنه يحرق الذنوب. ورمضان إن صح أنه من أسماء الله تعالى فغير مشتق أو راجع إلى معنى الغافر أي يمحو الذنوب ويمحقها. وقد روى أبو أحمد بن عدي الجرجاني من حديث نجيح أبي معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى" وفيه أبو معشر ضعيف لكن قالوا يكتب حديثه. (وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على سابقه ({يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم}) يعني الأنبياء والأمم من لدن آدم وفيه توكيد للحكم وترغيب للفعل وتطييب للنفس ({لعلكلم تتقون}) [البقرة: 183] المعاصي فإن الصوم يكسر الشهوة التي هي مبدؤها كما قال عليه الصلاة والسلام فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء، وهل صيام رمضان من خصائص هذه الأمة أم لا؟ إن قلنا إن التشبيه الذي يدل عليه كاف كما في قوله: ({كما كتب على الذين من قبلكم}) على حقيقته فيكون رمضان كتب على من قبلنا. وذكر ابن أبي حاتم عن ابن عمر -رضي الله عنه- مرفوعًا صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم وفي إسناده مجهول، وإن قلنا: المراد مطلق الصوم دون قدره ووقته فيكون التشبيه واقعًا على مطلق الصوم وهو قول الجمهور. 1891 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ: "أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنَ الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا. فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ فَقَالَ: شَهْرَ رَمَضَانَ إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا. فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ فَقَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ. قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لاَ أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلاَ أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ شَيْئًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ. أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ". وبالسند قال: (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي قال (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري المدني (عن أبي سهيل) بضم السين وفتح الهاء مصغرًا نافع (عن أبيه) مالك بن أبي عامر أبي أنس الأصبحي المدني جدّ مالك الإمام (عن طلحة بن عبيد الله) أحد العشرة المبشرة بالجنة. (أن أعرابيًّا) تقدم في الإيمان أنه ضمام بن ثعلبة (جاء إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): حال كونه (ثائر الرأس) بالمثلثة أي منتفش شعر الرأس (فقال يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله عليّ من الصلاة؟) بالإفراد (فقال): رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو (الصلوات الخمس) في اليوم والليلة ولأبي ذر: الصلوات الخمس بالنصب بتقدير فرض زاد في الإيمان فقال هل عليّ غيرها؟ فقال: لا. (إلا أن تطوّع شيئًا؟) بتشديد الطاء وقد تخفف وهل الاستثناء منقطع أو متصل، فعلى الأول يكون المعنى لكن التطوّع مستحب لك وحينئذ لا تلزم النوافل بالشروع فيها، وقد روى النسائي وغيره أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أحيانًا ينوي صوم التطوّع ثم يفطر فدلّ على أن الشروع في النفل لا يستلزم الإتمام فهذا نص في الصوم وبالقياس في الباقي، وقال الحنفية: متصل واستدلوا به على أن الشروع في التطوّع يلزم إتمامه لأنه نفى وجوب شيء آخر إلا تطوّع به والاستثناء من النفي إثبات والمنفي وجوب شيء آخر فيكون المثبت بالاستثناء وجوب ما تطوّع به وهو المطلوب، وهذا مغالطة لأن هذا الاستثناء من وادي قوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف} [النساء: 22] وقوله تعالى: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} [الدخان: 56] أي لا يجب عليك شيء قط إلا أن تطوّع، وقد علم أن

2 - باب فضل الصوم

التطوع ليس بواجب فيلزم (فقال) الأعرابي (أخبرني) يا رسول الله (ما) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: بما (فرض الله عليّ من الصيام؟) (فقال): عليه الصلاة والسلام: فرض الله عليك (شهر رمضان) زاد في الإيمان فقال: هل عليّ غيره؟ فقال: لا. (إلا أن تطوع شيئًا فقال): الأعرابي (أخبرني ما فرض الله عليّ من الزكاة فقال): ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: قال: (فأخبره رسول الله) بشرائع الإسلام الشاملة لنصب الزكاة ومقاديرها والحج وأحكامه أو كان الحج لم يفرض أو لم يفرض على الأعرابي السائل وبهذا يزول الإشكال عن الإخبار بفلاحه لتناوله جميع الشرائع، وفي رواية غير أبي ذر وابن عساكر شرائع بحذف باء الجر والنصب على المفعولية. (قال) الأعرابي (و) الله (الذي أكرمك) زاد الكشميهني بالحق (لا أتطوّع شيئًا ولا أنقص مما فرض الله عليّ شيئًا فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أفلح) أي ظفر وأدرك بغيته دنيا وأخرى (إن صدق. أو دخل الجنة)، ولأبي ذر أو أدخل الجنة (إن صدق). والشك من الراوي. فإن قلت: مفهومه أنه إذا تطوع لا يفلح أو لا يدخل الجنة؟ أجيب: بأنه مفهوم مخالفة ولا عبرة به ومفهوم الموافقة مقدم عليه فإذا تطوّع يكون مفلحًا بالطريق الأولى. وفي الحديث دلالة على أنه لا فرض في الصوم إلا رمضان وسبق في كتاب الإيمان كثير من مباحثه. 1892 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "صَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لاَ يَصُومُهُ إِلاَّ أَنْ يُوَافِقَ صَوْمَهُ". [الحديث 1892 - طرفاه في: 2000، 4501]. وبه قال (حدّثنا مسدد) قال (حدّثنا إسماعيل) بن علية (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال): (صام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عاشوراء)، بالمد ويقصر العاشر من المحرم أو هو التاسع منه مأخوذ من اظماء الإبل فإن العرب تسمي اليوم الخامس من أيام الورد ربعًا وكذا باقيها على هذه النسبة فيكون التاسع عشرًا والأول هو الصحيح. (وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك) صوم عاشوراء واستدل به الحنفية على أنه كان فرضًا ثم نسخ بفرض رمضان وهو وجه عند الشافعية والمشهور عندهم أنه لم يجب قط صوم قبل رمضان ويدل لذلك حديث معاوية مرفوعًا لم يكتب الله عليكم صيامه. (وكان عبد الله) بن عمر راوي الحديث (لا يصومه) أي عاشوراء مخافة ظن وجوبه أو أن يعظم في الإسلام كالجاهلة وإلاّ فهو سنة كما سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى: (إلا أن يوافق صومه). الذي كان يعتاده فيصومه على عادته لا لتنفله بعاشوراء. 1893 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عِرَاكَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِصِيَامِهِ حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ". وبه قال (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يزيد بن أبي حبيب) المصري أبي رجاء واسم أبيه سويد (أن عراك بن مالك) بكسر العين وتخفيف الراء وبعد الألف كاف (حدثه أن عروة) بن الزبير بن العوّام (أخبره عن عائشة -رضي الله عنها-): (أن قريشًا كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية) وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصومه في الجاهلية (ثم أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الناس (بصيامه) لما قدم المدينة وصامه معهم (حتى فرض رمضان، وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من شاء فليصمه) أي عاشوراء ولأبي ذر عن الكشميهني فليصم بحذف ضمير المفعول (ومن شاء أفطر) بحذف الضمير ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أفطره بإثباته وقال: في بلفظ الأمر وفي الإفطار أفطر إشعارًا بأن جانب الصوم أرجح. وهذا الحديث أخرجه مسلم وأخرجه النسائي في الحج والتفسير. 2 - باب فَضْلِ الصَّوْمِ (باب فضل الصوم) اعلم أن الصوم لجام المتقين وجنة المحاربين ورياضة الأبرار والمقربين. 1894 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ. وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ -مَرَّتَيْنِ- وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا». [الحديث 1894 - أطرافه في: 1904، 5927، 7492، 7538]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام الأعظم (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الصيام جنة) بضم الجيم وتشديد النون أي وقاية وسترة قيل من المعاصي لأنه يكسر الشهوة ويضعفها وقيل من النار لأنه إمساك عن الشهوات والنار محفوفة بالشهوات وعند الترمذي

وسعيد بن منصور جنة من النار ولأحمد من حديث أبي عبيدة بن الجراح الصيام جنة ما لم يخرقها وزاد الدارمي بالغيبة وفيه تلازم الأمرين لأنه إذا كف نفسه عن المعاصي في الدنيا كان سترًا له من النار (فلا يرفث) بالمثلثة وبتثليث الفاء أي لا يفحش الصائم في الكلام (ولا يجهل). أي لا يفعل فعل الجهال كالصياح والسخرية أو يسفه على أحد وعند سعيد بن منصور فلا يرفث ولا يجادل وهذا ممنوع في الجملة على الإطلاق لكنه يتأكد بالصوم كما لا يخفى (وإن امرؤ قاتله أو شاتمه) قال عياض: قاتله أي دافعه ونازعه ويكون بمعنى شاتمه ولاعنه، وقد جاء القتل بمعنى اللعن وفي رواية أبي صالح فإن سابه أحد أو قاتله، ولسعيد بن منصور من طريق سهيل فإن سابه أحد أو ماراه يعني جادله، وقد استشكل ظاهره لأن المفاعلة تقتضي وقوع الفعل من الجانبين فإنه مأمور بأن يكف نفسه عن ذلك. وأجيب: بأن المراد بالمفاعلة التهيؤ لها يعني إن تهيأ أحد لمقاتلته أو مشاتمته. (فليقل) له بلسانه كما رجحه النووي في الأذكار أو بقلبه كما جزم به المتولي ونقله الرافعي عن الأئمة (إني صائم مرتين) فإنه إذا قال ذلك أمكن أن يكف عنه وإلاّ دفعه بالأخف والظاهر كما قاله في المصابيح أن هذا القول علة لتأكيد المنع فكأنه يقول لخصمه إني صائم تحذيرًا وتهديدًا بالوعيد الموجه على من انتهك حرمة الصائم وتذرع إلى تنقيص أجره بإيقاعه بالمشاتمة أو يذكر نفسه شديد المنبع المعلل بالصوم ويكون من إطلاق القول على الكلام النفسي، وظاهر كون الصوم جنّة أن يقي صاحبه من أن يؤذي كما يقيه أن يؤذى. (و) الله (الذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم) بضم المعجمة واللام على الصحيح المشهور وضبطه بعضهم بفتح الخاء وخطاه الخطابي وقال في المجموع أنه لا يجوز أي تغير رائحة فم الصائم لخلاء معدته من الطعام (أطيب عند الله من ريح المسك)، وفي لفظ لمسلم والنسائي: أطيب عند الله يوم القيامة، وقد وقع خلاف بين ابن الصلاح وابن عبد السلام في أن طيب رائحة الخلوف هل هو في الدنيا والآخرة أو في الآخرة فقط؟ فذهب ابن عبد السلام إلى أنه في الآخرة واستدلّ برواية مسلم والنسائي هذه. وروى أبو الشيخ بإسناد فيه ضعف عن أنس مرفوعًا: يخرج الصائمون من قبورهم يعرفون بريح أفواههم أفواههم أطيب عند الله من ريح المسك، وذهب ابن الصلاح إلى أن ذلك في الدنيا واستدلّ بحديث جابر مرفوعًا: وأما الثانية فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك واستشكل هذا من جهة أن الله تعالى منزه عن استطابة الروائح الطيبة واستقذار الروائح الخبيثة فإن ذلك من صفات الحيوان. وأجيب: بأنه مجاز واستعارة لأنه جرت عادتنا بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك لتقريبه من الله تعالى. وقال ابن بطال: أي أزكى عند الله إذ هو تعالى لا يوصف بالشم. قال ابن المنير: لكنه يوصف بأنه تعالى عالم بهذا النوع من الإدراك وكذلك بقية المدركات المحسوسات يعلمها تعالى على ما هي عليه لأنه خالقها ألا يعلم من خلق وهذا مذهب الأشعري، وقيل إنه تعالى يجزيه في الآخرة حتى تكون نكهته أطيب من ريح المسك أو أن صاحب الخلوف ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك عندنا. فإن قلت: لم كان خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ودم الشهيد ريحه ريح المسك مع ما فيه من المخاطرة بالنفس وبذل الروح؟ أجيب: بأنه إنما كان أثر الصوم أطيب من أثر الجهاد لأن الصوم أحد أركان الإسلام المشار إليها بقوله عليه الصلاة والسلام: بني الإسلام على خمس وبأن الجهاد فرض كفاية والصوم فرض عين وفرض العين أفضل من فرض الكفاية كما نص عليه الشافعي. وروى الإمام أحمد في السند أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: دينار تنفقه على أهلك ودينار تنفقه في سبيل الله أفضلهما الذي تنفقه على أهلك. وجه الدليل أن النفقة على الأهل التي هي فرض عين أفضل من النفقة في سبيل الله وهو الجهاد الذي هو فرض كفاية، ولا يعارض هذا ما رواه أبو داود الطيالسي

3 - باب الصوم كفارة

من حديث أبي قتادة قال: خطب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر الجهاد وفضله على سائر الأعمال إلا المكتوبة، فإنه يحتمل أن يكون ذلك قبل وجوب الصوم، وأما قول إمام الحرمين وجماعة: إن فرض الكفاية أفضل من فرض العين فمخالف لنص الشافعي فلا يعوّل عليه، وقد قال عليه الصلاة والسلام للرجل الذي سأله عن أفضل الأعمال: عليك بالصوم فإنه لا مثل له. زاد الإمام أحمد عن إسحاق بن الطباع عن مالك يقول الله تعالى: (يترك) الصائم (طعامه وشرابه وشهوته) أي شهوة الجماع لعطفها على الطعام والشراب أو من عطف العام على الخاص لكن وقع عند ابن خزيمة ويدع زوجته من أجلي فهو صريح في الأول وأصرح منه ما وقع عند الحافظ سمويه من الطعام والشراب والجماع (من أجلي. الصيام لي) من بين سائر الأعمال ليس للصائم فيه حظ أو لم يتعبد به أحد غيري أو هو سرّ بيني وبين عبدي يفعله خالصًا لوجهي وفي الموطأ فالصيام بفاء السببية أي بسبب كونه لي أنه يترك شهوته لأجلي أو أن فيه صفة الصمدانية وهي التنزيه عن الغذاء (وأنا أجزي) صاحبه (به) وقد علم أن الكريم إذا تولى الإعطاء بنفسه كان في ذلك شارة إلى تعظيم ذلك العطاء وتفخيمه ففيه مضاعفة الجزاء من غير عدد ولا حساب (و) سائر الأعمال (الحسنة بعشر أمثالها) زاد في رواية في الموطأ إلى سبعمائة ضعف، واتفقوا على أن المراد بالصائم هنا من سلم صيامه من المعاصي وحديث الغيبة تفطر الصائم على ما في الإحياء. قال العراقي ضعيف بل قال أبو حاتم كذب، نعم يأثم ويمنع ثوابه إجماعًا ذكره السبكي في شرح وفيه نظر لمشقة الاحتراز لكن إن توجهت المقالة لا نصحًا وتظلمًا ونحوهما لحاكم ونحوه، وأدنى درجات الصوم الاقتصار على الكف عن المفطرات، وأوسطها أن يضم إليه كف الجوارح عن الجرائم، وأعلاها أن يضم إليهما كف القلب عن الوساوس. وقال بعضهم: معناه الصوم ليس لا لك أي أنا الذي لا ينبغي لي أن أطعم وأشرب وإذا كان بهذه المثابة وكان دخولك فيه كوني شرعته لك فأنا أجري به كأنه يقول: أنا جزاؤه لأن صفة التنزيه عن الطعام والشراب تطلبي وقد تلبست بها وليست لك لكنك اتصفت بها في حال صومك فهي تدخلك عليّ فإن الصبر حبس النفس وقد حبستها بأمري عما تعطيه حقيقتها من الطعام والشراب، فلهذا قال: للصائم فرحتان عند فطره وتلك الفرحة لروحه الحيواني لا غير، وفرحة عند لقاء ربه وتلك الفرحة لنفسه الناطقة الطبيعية الربانية فأورثه الصوم لقاء الله وهو المشاهدة. وهذا الحديث أخرجه أبو داود وكذا النسائي والترمذي. 3 - باب الصَّوْمُ كَفَّارَةٌ هذا (باب) بالتنوين (الصوم كفارة). 1895 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا جَامِعٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: "قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: مَنْ يَحْفَظُ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْفِتْنَةِ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ. قَالَ: لَيْسَ أَسْأَلُ عَنْ هذِهِ، إِنَّمَا أَسْأَلُ عَنِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ قَالَ حُذَيْفَةُ: وَإِنَّ دُونَ ذَلِكَ بَابًا مُغْلَقًا. قَالَ: فَيُفْتَحُ أَوْ يُكْسَرُ؟ قَالَ: يُكْسَرُ. قَالَ: ذَاكَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ يُغْلَقَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ: سَلْهُ، أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: نَعَمْ، كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ". وبالسند قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا جامع) هو ابن راشد الصيرفي الكوفي (عن أبي وائل) بالهمز شقيق ابن سلمة (عن حذيفة) بن اليماني أنه (قال: قال عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-: من يحفظ حديثًا عن النبي) ولأبي الوقت: من يحفظ حديث النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الفتنة) المخصوصة (قال: حذيفة أنا سمعته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول): (فتنة الرجل في أهله) بأن يأتي بسببهم بغير جائز (وماله) بأن يأخذه من غير حله ويصرفه في غير مصرفه، وزاد في باب الصلاة وولده (وجاره) بأن يتمنى سعة كسعته كلها (تكفرها الصلاة والصيام والصدقة). وهذا موضع الترجمة. قال في الفتح وقد يقال هذا لا يعارضه ما عند أحمد من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة رفعه: كل العمل كفارة إلا الصوم الصوم لي وأنا أجزي به، لأنه يحمل في الإثبات على كفارة شيء مخصوص وفي النفي على كفارة شيء آخر، وقد حمله المصنف في موضع آخر على تكفير مطلق الخطيئة فقال في الزكاة باب الصدقة تكفر الخطيئة، ثم أورد هذا الحديث بعينه، ويؤيد الإطلاق ما ثبت عند مسلم من حديث أبي هريرة أيضًا مرفوعًا: الصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن ما اجتنبت الكبائر، ولابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعًا: من صام رمضان وعرف حدوده كفر ما قبله وعلى

4 - باب الريان للصائمين

هذا فقوله كل العمل كفارة إلا الصيام يحتمل أن يكون المراد إلا الصيام فإنه كفارة وزيادة ثواب على الكفارة ويكون المراد بالصيام الذي هذا شأنه ما وقع خالصًا سالمًا من الرياء والشوائب اهـ. (قال) عمر لحذيفة -رضي الله عنهما-: (ليس أسأل عن هذه)، بكسر الذال المعجمة وكسر الهاء في الفرع وأصله في غيرهما بالسكون وهي هاء السكت ويجوز فيها الاختلاس والسكون والإشباع واسم ليس ضمير الشأن، (إنما أسأل عن) الفتنة الكبرى (التي تموج كما يموج البحر). أي تضطرب كاضطرابه (قال) حذيفة زاد في الصلاة: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين (وإن دون ذلك) ولابن عساكر قال: إن دون ذلك (بابًا مغلقًا) بالنصب صفة لبابًا أي لا يخرج شيء من الفتن في حياتك (قال) عمر: (فيفتح) الباب (أو يكسر؟ قال): حذيفة: (يكسر. قال) عمر: (ذاك) أي الكسر (أجدر) أولى من الفتح، وفي نسخة أخرى: (أن لا يغلق إلى يوم القيامة). أي إذا وقعت الفتنة فالظاهر أنها لا تسكن قط. قال شقيق (فقلنا لمسروق): هو ابن الأجدع (سله) أي حذيفة (أكان عمر يعلم من الباب؟ فسأله) أي سأل مسروق حذيفة عن ذلك (فقال: نعم). يعلمه (كما يعلم أن دون غد الليلة) أي أن الليلة أقرب من الغد، ولأبي ذر عن المستملي: إن غدًا دون الليلة قيل وإنما علمه عمر من قوله عليه الصلاة والسلام لما كان والعمران وعثمان على حراء إنما عليك نبيّ وصدّيق وشهيدان، وكان عمر هو الباب، وكانت الفتنة بقتل عثمان وانخرق بسببها ما لا يغدق إلى يوم القيامة. وهذا الحديث سبق في باب الصلاة كفارة، ويأتي إن شاء الله تعالى في علامات النبوّة والفتن. 4 - باب الرَّيَّانُ لِلصَّائِمِينَ (باب الريان للصائمين) ولأبي ذر: باب بالتنوين الريان للصائمين والريان بفتح الراء وتشديد المثناة التحتية اسم علم على باب من أبواب الجنة يختص بدخول الصائمين منه. 1896 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ». [الحديث 1896 - طرفه في: 3257]. وبالسند قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون المعجمة البجلي الكوفي قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) التيمي المدنيّ (قال: حدثني) بالإفراد (أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج القاص المدنيّ (عن سهل) هو ابن سعد الساعدي (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن في الجنة بابًا يقال له الريان)، نقيض العطشان وهو مما وقعت المناسبة فيه بين لفظه ومعناه بأنه مشتق من الريّ وهو مناسب لحال الصائمين لأنهم بتعطيشهم أنفسهم في الدنيا يدخلون من باب الريان ليأمنوا من العطش. وقال ابن المنير: إنما قال في الجنة ولم يقل الجنة ليشعر أن في الباب المذكور من النعم والراحة ما في الجنة فيكون أبلغ في التشويق إليه، وزاد النسائي وابن خزيمة: من دخل شرب ومن شرب لا يظمأ أبدًا (يدخل منه الصائمون يوم القيامة) إلى الجنة (لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا) منه (أغلق)، الباب (فلم يدخل منه أحد) عبّر بلم يدخل للماضي وكان القياس فلا يدخل لكنه عطف على قوله لا يدخل فيكون في حكم المستقبل، وكرر نفي دخول غيرهم منه للتأكيد. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الحج. 1897 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْنٌ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ". [الحديث 1879 - أطرافه في: 2841، 3216، 3666]. وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي بالزاي (قال حدثني) بالإفراد (معن) بفتح الميم وسكون المهملة ابن عيسى بن يحيى القزاز المدني (قال: حدثني) بالإفراد أيضًا (مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): ولابن عساكر: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من أنفق زوجين) اثنين من أي شيء كان صنفين أو متشابهين وقد جاء مفسرًا مرفوعًا بعيرين شاتين حمارين درهمين، وزاد إسماعيل القاضي عن أبي مصعب عن مالك من ماله (في سبيل الله) عام في أنواع الخير أو خاص بالجهاد (نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير) من الخيرات وليس المراد به أفعل التفضيل والتنوين للتعظيم (ممن كان من أهل الصلاة) المؤدّين للفرائض المكثرين من النوافل وكذا ما يأتي فيما قيل (دعي

5 - باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان، ومن رأى كله واسعا

من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام) أي الذي الغالب عليه الصيام وإلا فكل المؤمنين أهل للكل (دعي من باب الريان)، وعند أحمد: لكل أهل عمل باب يدعون منه بذلك العمل فلأهل الصيام باب يدعون منه يقال له الريان (ومن كان من أهل الصدقة) المكثرين منها (دعي من باب الصدقة). وفي نسخة: دعي من أبواب الصدقة بجمع باب وليس هذا تكرار لما في صدر الحديث حيث قال: من أنفق زوجين لأن الإنفاق ولو بالقليل خير من الخيرات العظيمة وذاك حاصل من كل أبواب الجنة وهذا استدعاء خاص. وفي نوادر الأصول من أبواب الجنة باب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو باب الرحمة وهو باب التوبة وسائر الأبواب مقسومة على أعمال البر باب الزكاة باب الحج باب العمرة. وعند عياض باب الكاظمين الغيظ الراضين الباب الأيمن الذي يدخل منه من لا حساب عليه. وعند الآجريّ عن أبي هريرة مرفوعًا: إن في الجنة بابًا يقال له الضحى فإذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الذين كانوا يديمون صلاة الضحى هذا بابكم فادخلوا منه. وفي الفردوس عن ابن عباس يرفعه: للجنة باب يقال له الفرح لا يدخل منه إلا مفرح الصبيان. وعند الترمذي باب للذكر. وعند ابن بطال باب الصابرين. والحاصل أن كل من أكثر نوعًا من العبادة خص بباب يناسبها ينادى منه جزاء وفاقًا وقل من يجتمع له العمل بجميع أنواع التطوّعات، ثم إن من يجتمع له ذلك إنما يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد وهو باب العمل الذي يكون أغلب عليه. (فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: بأبي أنت) أي مفدي بأبي (وأمي يا رسول الله، ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة)، أي ليس على المدعوّ من كل الأبواب ضرر بل له تكرمة وإعزاز. وقال ابن المنير وغيره: يريد من أحد تلك الأبواب خاصة دون غيره من الأبواب فيكون أطلق الجمع وأراد الواحد. وقال ابن بطال: يريد أن من لم يكن إلا من أهل خصلة واحدة من هذه الخصال ودعي من بابها لا ضرر عليه لأن الغاية المطلوبة دخول الجنة. وقال في شرح المشكاة: لما خص كل باب بمن أكثر نوعًا من العبادة وسمع الصديق -رضي الله عنه- رغب في أن يدعى من كل باب وقال ليس على من دعي من تلك الأبواب ضرر بل شرف وإكرام ثم سأل فقال: (فهل يدعى أحد من تلك الأبواب) ويختص بهذه الكرامة (كلها؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (نعم) يدعى منها كلها على سبيل التخيير في الدخول من أيها شاء لاستحالة الدخول من الكل معًا (وأرجو أن تكون منهم) الرجاء منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واجب، ففيه أن الصديق من أهل هذه الأعمال كلها. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في فضائل أبي بكر، ومسلم في الزكاة، والترمذي في المناقب، والنسائي فيه وفي الزكاة والصوم والجهاد. 5 - باب هَلْ يُقَالُ رَمَضَانُ أَوْ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَمَنْ رَأَى كُلَّهُ وَاسِعًا وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ». وَقَالَ: «لاَ تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ». هذا (باب) بالتنوين (هل يقال) مبني للمفعول وللسرخسي والمستملي كما في الفتح هل يقول أي هل يجوز للإنسان أن يقول (رمضان) بدون شهر (أو) يقال (شهر رمضان، ومن رأى كله واسعًا) أي جائزًا بالإضافة وبغيرها، وللكشميهني مما في الفتح: ومن رآه بزيادة الضمير. قال البيضاوي كالزمخشري: رمضان مصدر رمض إذا احترق فأضيف إليه الشهر وجعل علمًا فصرح كما قال الدماميني بأن مجموع المضاف والمضاف إليه هو العلم ويجمع رمضان على رمضانات ورماضين وأرمضة وأرمضاء، وسمي بذلك لرمض الحر وشدة وقوعه فيه حال التسمية لأنهم لما نقلوا أسماء المشهور من اللغة القديمة سموها باسم الأزمنة التي وقعت فيها فصادف هذا الشهر أيام رمض الحر أي شدته. وقال القاضي أبو الطيب: سمي بذلك لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها وله أسماء غير هذا أنهوها إلى ستين ذكرها الطالقاني في كتابه حظائر القدس منها شهر الله وشهر الآلاء وشهر القرآن وشهر النجاة، وقول الأكثرين يكره أن يقال رمضان بدون شهر ردّه النووي

في المجموع بأن الصواب خلافه كما ذهب إليه المحققون لعدم ثبوت نهي فيه بل ثبت ذكره بدون شهر كما أشار إليه المؤلّف بقوله: (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله المؤلّف في الباب التالي: (من صام رمضان) (وقال) عليه الصلاة والسلام مما وصله من حديث أبي هريرة (لا تقدموا رمضان) فلم يقل شهر رمضان، واعتذر الزمخشري وتبعه البيضاوي عن هذا ونحوه بناء على أن مجموع شهر رمضان هو العلم بأنه من باب الحذف لا من باب الإلباس كما قال: بما أعيا النطاسي حذيمًا أراد ابن حذيم. قال في المصابيح: يشير إلى ما أنشده في المفصل من قول الشاعر: فهل لكما فيما إليّ فإنني ... طبيب بما أعيا النطاسيّ حذيما وقد عدّه في المفصل من الحذف الملبس نظرًا إلى أنه لا يعلم أن اسم الطبيب حذيم أو ابن حذيم وعده هنا من باب الحذف لا من باب الإلباس نظرًا إلى المشتهر فيما بين البعض كرمضان عند من يعلم أن الاسم شهر رمضان، أو جعله نظيرًا لمجرد الحذف مما هو كالعلم وجاز الحذف من الإعلام وإن كان من قبيل حذف بعض الكلمة لأنهم أجروا مثل هذا العلم مجرى المضاف والمضاف إليه حيث أعربوا الجزأين، وقوله: تقدموا بفتح التاء والدال أصله تتقدموا فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا أي: لا تتقدموا الشهر بصوم تعدّونه منه احتياطًا، ويأتي مبحث هذا إن شاء الله تعالى في بابه. 1898 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ». [الحديث 1898 - طرفاه في: 1899، 3277]. وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري مولى رزيق المؤدّب (عن أبي سهيل) نافع (عن أبيه) مالك بن أبي عمر التابعي الكبير (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا جاء رمضان) بدون شهر، واحتج به المؤلّف لجواز ذلك، لكن رواه الترمذي بذكر الشهر وزيادة الثقة مقبولة فتكون رواية البخاري مختصرة منه فلا تبقى له حجة فيه على إطلاقه بدون شهر (فتحت) بضم الفاء وتخفيف المثناة الفوقية في الفرع وفي غيره: فتحت بتشديدها (أبواب الجنة) حقيقة لمن مات فيه أو عمل عملاً لا يفسد عليه أو هو علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين. قال ابن العربي وهو يدل على أنها كانت مغلقة ويدل عليه أيضًا حديث: نأتي باب الجنة، فنقعقع فيقول الخازن: من؟ فأقول محمد. فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لاحد قبلك. قال: وزعم بعضهم أنها مفتحة دائمًا من قوله تعالى: {حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها} [الزمر: 73] وهذا اعتداء على كتاب الله وغلط إذ هو جواب للجزاء اهـ. وتعقبه أبو عبد الله الأبي بأنه إنما يكون جوابًا إذا كانت الواو زائدة وكذا أعربه الكوفيون. وقال المبرد: الجواب محذوف تقديره سعدوا والواو للحال ولم يشك أن الحال لا تقتضي أنها مفتوحة دائمًا ولا يستقيم مع الحديث المذكور، إلا أن يقال تفتح له أوّلاً ثم يأتون فيجدونها مفتوحة اهـ. أو مجازًا لأن العمل يؤدّي إلى ذلك أو لكثرة الثواب والمغفرة والرحمة بدليل رواية مسلم فتحت أبواب الرحمة إلا أن يقال الرحمة من أسماء الجنة. وهذا الحديث أخرجه هنا مختصرًا، وقد أخرجه مسلم والنسائي من هذا الوجه بتمامه مثل رواية الزهري الثانية. ورواة الحديث مدنيون إلا شيخه فبلخي، وأخرجه المؤلّف في الصوم وفي صفة إبليس ومسلم في الصوم وكذا النسائي. 1899 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي أَنَسٍ مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ». وبه قال: (حدثني) ولأبي ذر: وحدثني بواو العطف، وفي نسخة: أخبرني بالإفراد في الثلاثة (يحيى بن بكير) القعنبي (قال): (حدثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين مصغرًا ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) ولأبي ذر وابن عساكر: حدثني بالإفراد فيهما (ابن أبي أنس) أبو سهيل نافع (مولى التيميين) أي بني تيم وكان نافع هذا أخو أنس بن مالك بن أبي عامر عمّ مالك بن أنس الإمام حليف عثمان بن عبيد الله التيمي (أن أباه) مالك بن أبي عامر (حدثه أنّه سمع أبا هريرة) -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذا دخل رمضان) ولغير أبي ذر

6 - باب من صام رمضان إيمانا واحتسابا ونية

وابن عساكر: شهر رمضان (فتحت) بتشديد التاء ويجوز تخفيفها (أبواب السماء)، قيل هذا من تصرف الرواة، والأصل أبواب الجنة، وكذا وقع في باب: صفة إبليس وجنوده من بدء الخلق بلفظ أبواب الجنة في غير رواية أبي ذر وله أبواب السماء. وقال ابن بطال: المراد من السماء الجنة بقرينة قوله: (وغلقت أبواب جهنم)، يحتمل أن يكون الفتح على ظاهره وحقيقته. وقال التوربشتي: هو كناية عن تنزيل الرحمة وإزالة الغلق عن مصاعد أعمال العباد تارة ببذل التوفيق وأخرى بحسن القبول، وغلق أبواب جهنم عبارة عن تنزيه أنفس الصوام عن رجس الفواحش والتخلص من البواعث على المعاصي بقمع الشهوات. فإن قيل: ما منعكم أن تحملوه على ظاهر المعنى؟ قلنا: لأنه ذكر على سبيل المنّ على الصوّام وإتمام النعمة عليهم فيما أمروا به وندبوا إليه حتى صار الجنان في هذا الشهر كأن أبوابها فتحت ونعيمها هيئ والنيران كأن أبوابها غلقت وأنكالها عطلت، وإذا ذهبنا إلى الظاهر لم تقع المنة موقعها وتخلّوا عن الفائدة لأن الإنسان ما دام في هذه الدار فإنه غير ميسر لدخول إحدى الدارين، ورجح القرطبي حمله على ظاهره إذ لا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره. قال الطيبي: فائدة فتح أبواب السماء توقيف الملائكة على استحماد فعل الصائمين وأنه من الله بمنزلة عظيمة ويؤيده حديث عمر أن الجنة لتزخرف لرمضان الحديث. (وسلسلت الشياطين) أي شدت بالسلاسل حقيقة والمراد مسترقو السمع منهم وإن تسلسلهم يقع في أيام رمضان دون لياليه لأنهم كانوا منعوا زمن نزول القرآن من استراق السمع فزيدوا التسلسل مبالغة في الحفظ أو هو مجاز على العموم، والمراد أنهم لا يصلون من إفساد المسلمين إلى ما يصلون إليه في غيره لاشتغالهم فيه بالصيام الذي فيه قمع الشيطان وإن وقع شيء من ذلك فهو قليل بالنسبة إلى غيره وهذا أمر محسوس. 1900 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا. فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ". وَقَالَ غَيْرُهُ عَنِ اللَّيْثِ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ وَيُونُسُ "لِهِلاَلِ رَمَضَانَ". [الحديث 1900 - طرفاه في: 1906، 1907]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) القعنبي (قال: حدثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم، أن) ولأبوي ذر والوقت: سالم بن عبد الله بن عمر أن (ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا). الضمير راجع إلى الهلال وإن لم يسبق له ذكر لدلالة السياق عليه، ويأتي التصريح به إن شاء الله تعالى في الرواية المعلقة في هذا الباب وبعده في الموصول (فإن غمّ عليكم) بضم الغين المعجمة وتشديد الميم مبنيًّا للمفعول من غممت الشيء إذا غطيته وفيه ضمير الهلال أي غطي الهلال بغيم (فاقدروا له) بهمزة وصل وضم الدال ويجوز كسرها أي قدّروا له تمام العدد ثلاثين يومًا لأنه من التقدير. (وقال غيره) أي غير يحيى بن بكير وأراد به عبد الله بن صالح كاتب الليث (عن الليث): بن سعد قال: (حدثني) بالإفراد (عقيل) هو ابن خالد مما رواه الإسماعيلي (ويونس) بن يزيد مما أورده الذهلي في الزهريات أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (لهلال رمضان) إذا رأيتموه فصوموا و (إذا رأيتموه فأفطروا) .. ومراده أن عقيلاً ويونس أظهرًا ما كان مضمرًا. 6 - باب مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَنِيَّةً وَقَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ». (باب من صام رمضان) حال كونه صيامه (إيمانًا) تصديقًا بوجوبه (واحتسابًا) طلبًا للأجر (ونية) عطف على احتسابًا لأن الصوم إنما يكون لأجل التقرب إلى الله تعالى والنية شرط في وقوعه قربة. (وقالت عائشة رضي الله عنها) مما وصله المؤلّف تامًا في أوائل البيوع (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بلفظ يغزو جيش الكعبة حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم ثم (يبعثون على نياتهم) يعني في الآخرة لأنه كان في الجيش المذكور المكره والمختار فإذا بعثوا على نياتهم وقعت المؤاخذة على المختار دون المكره. 1901 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». وبالسند قال (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي القصاب البصري قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن

7 - باب أجود ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكون في رمضان

النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من قام ليلة القدر) حال كون قيامه (إيمانًا) تصديقًا (واحتسابًا) طلبًا للأجر (غفر له ما تقدم من ذنبه). وعند أحمد في مسنده برجال ثقات لكن فيه انقطاع من حديث عبادة بن الصامت مرفوعًا: "ليلة القدر في العشر البواقي من قامهنّ ابتغاء حسبتهن فإن الله تبارك وتعالى يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" الحديث. (ومن صام رمضان) حال كون صيامه (إيمانًا) مصدّقًا بوجوبه (واحتسابًا) قال الخطابي: أي عزيمة وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة به نفسه غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه (غفر له ما تقدم من ذنبه) زاد الإمام أحمد من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة (وما تأخر) وقد رواه جماعة منهم مسلم وليس فيه: وما تأخر، لكن رواه النسائي في السنن الكبرى من طريق قتيبة بن سعيد بلفظ: قام شهر رمضان وفيه وما تأخر ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وقد تابع قتيبة جماعة وقوله من ذنبه اسم جنس مضاف فيعم جميع الذنوب إلا أنه مخصوص عند الجمهور بالصغائر. 7 - باب أَجْوَدُ مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَكُونُ فِي رَمَضَانَ هذا (باب) بالتنوين (أجود ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكون في رمضان). قال ابن الحاجب في أمالي المسائل المتفرقة: الرفع في أجود هو الوجه لأنك إن جعلت في كان ضميرًا يعود إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن أجود بمجرده خبرًا لأنه مضاف إلى ما يكون فهو كون ولا يستقيم الخبر بالكون عما ليس بكون. ألا ترى إنك لا تقول زيد أجود ما يكون فيجب أن يكون إما مبتدأ خبره قوله في رمضان من باب قولهم أخطب ما يكون الأمير قائمًا وأكثر شربي السويق في يوم الجمعة فيكون الخبر الجملة بكمالها كقولك كان زيد أحسن ما يكون في يوم الجمعة، وإما بدلاً من الضمير في كان فيكون من بدل الاشتمال كما تقول كان زيد علمه حسنًا، وإن جعلته ضمير الشأن تعين رفع أجود على الابتداء والخبر وإن لم تجعل في كان ضميرًا تعين الرفع على أنه اسمها والخبر محذوف وقامت الحال مقامه على ما تقرر في باب أخطب ما يكون الأمير قائمًا وإن شئت جعلت في رمضان هو الخبر كقولهم: ضربي في الدار لأن المعنى الكون الذي هو أجود الأكوان حاصل في هذا الوقت فلا يتعين أن يكون من باب أخطب ما يكون الأمير قائمًا اهـ. 1902 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ". وبالسند قال (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المدني نزيل بغداد قال: (أخبرنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بضم عين الأول مصغرًا والثالث مع سكون الفوقية ابن مسعود الهذلي المدني (أن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجود الناس)، أسخاهم (بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان) لأنه شهر يتضاعف فيه ثواب الصدقة وما مصدرية أي أجود أكوانه يكون في رمضان (حين يلقاه جبريل) عليه الصلاة والسلام وهو أفضل الملائكة وأكرمهم (وكان جبريل عليه الصلاة والسلام يلقاه كل ليلة) ولابن عساكر: في كل ليلة (في رمضان) منذ أنزل عليه أو من فترة الوحي إلى آخر رمضان الذي توفي بعده رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى ينسلخ. يعرض عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القرآن) بعضه أو معظمه (فإذا لقيه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (جبريل عليه الصلاة والسلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة) يحتمل أن يكون زيادة الجود بمجرد لقاء جبريل ومجالسته، ويحتمل أن يكون بمدارسته إياه القرآن وهو يحث على مكارم الأخلاق، وقد كان القرآن له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلقًا بحيث يرضى لرضاه ويسخط لسخطه ويسارع إلى ما حث عليه ويمتنع مما زجر عنه، فلهذا كان يتضاعف جوده وإفضاله في هذا الشهر لقرب عهده بمخالطة جبريل وكثرة مدارسته له هذا الكتاب الكريم ولا شك أن المخالطة تؤثر وتورث أخلاقًا من المخالط، لكن إضافة آثار ذلك إلى القرآن كما قال ابن المنير آكد من إضافتها إلى جبريل عليه الصلاة والسلام بل جبريل إنما تميز

8 - باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم

بنزوله بالوحي فالإضافة إلى الحق أولى من الإضافة إلى الخلق لا سيما والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المذهب الحق أفضل من جبريل فما جالس الأفضل إلا المفضول فلا يقاس على مجالسة الآحاد للعلماء. وفي هذا الحديث تعظيم شهر رمضان لاختصاصه بابتداء نزول القرآن ثم معارضة ما نزل منه فيه وأن ليله أفضل من نهاره وأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم لأن الليل مظنة ذلك لما في النهار من الشواغل والعوارض، وأن فضل الزمان إنما يحصل بزيادة العبادة وأن مداومة التلاوة توجب زيادة الخير واستحباب تكثير العبادة في أواخر العمر. وهذا الحديث قد سبق في كتاب الوحي. 8 - باب مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فِي الصَّوْمِ (باب من لم يدع قول الزور) أي من لم يترك الكذب والميل عن الحق (والعمل به) أي بمقتضاه مما نهى الله عنه (في الصوم) كذا في الفرع زيادة في الصوم، ونسبها الحافظ ابن حجر لنسخة الصغاني. 1903 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ». [الحديث 1903 - طرفه في: 6057]. وبالسند قال (حدّثنا آدم بن أبي إياس) العسقلاني الخراساني الأصل قال (حدّثنا ابن أبى ذئب) محمد بن عبد الرحمن قال: (حدّثنا سعيد المقبري عن أبيه) كيسان الليثي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله) ولأبي ذر وابن عساكر: قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من لم يدع) من لم يترك (قول الزور والعمل به) زاد المؤلّف في الأدب عن أحمد بن يونس عن أبي ذئب والجهل، وفي رواية ابن وهب والجهل في الصوم، ولابن ماجة من طريق ابن المبارك: من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به. فالضمير في به يعود على الجهل لكونه أقرب مذكور أو على الزور فقط وإن بعد لاتفاق الروايات عليه أو عليهما وإفراد الضمير لاشتراكهما في تنقيص الصوم قاله العراقي، وفي الأولى يعود على الزور فقط والمعنى متقارب، وفي الأوسط للطبراني بسند رجاله ثقات: من لم يدع الخنا والكذب، والجمهور على أن الكذب والغيبة والنميمة لا تفسد الصوم، وعن الثوري مما في الإحياء أن الغيبة تفسده قال: وروى ليث عن مجاهد خصلتان تفسدان الصوم الغيبة والكذب هذا لفظه، والمعروف عن مجاهد خصلتان من حفظهما سلم له صومه الغيبة والكذب رواه ابن أبي شيبة والصواب الأول. نعم هذه الأفعال تنقص الصوم. وقول بعضهم أنها صغائر تكفر باجتناب الكبائر. أجاب عنه الشيخ تقي الدين السبكي بأن في حديث الباب والذي مضى في أول الصوم دلالة قوية لذلك لأن الرفث والصخب وقول الزور والعمل به مما علم النهي عنه مطلقًا والصوم مأمور به مطلقًا فلو كانت هذه الأمور إذا حصلت فيه لم يتأثر بها لم يكن لذكرها فيه مشروطة به معنى نفهمه فلما ذكرت في هذين الحديثين نبهتنا على أمرين: أحدهما زيادة قبحها في الصوم على غيره، والثاني الحث على سلامة الصوم عنها وأن سلامته منها صفة كمال فيه وقوة الكلام تقتضي أن يقبح ذلك لأجل الصوم فمقتضى ذلك أن الصوم يكمل بالسلامة عنها فإذا لم يسلم عنها نقص، ثم قال: ولا شك أن التكاليف قد ترد بأشياء وينبه بها على أخرى بطريق الإشارة وليس المقصود من الصوم العدم المحض كما في المنهيات لأنه يشترط له النية بالإجماع ولعل القصد به في الأصل الإمساك عن جميع المخالفات، لكن لما كان ذلك يشق خفف الله وأمر بالإمساك عن المفطرات ونبه العاقل بذلك على الإمساك عن المخالفات وأرشد إلى ذلك ما تضمنته أحاديث المبين عن الله مراده فيكون اجتناب المفطرات واجبًا واجتناب ما عداها من المخالفات من المكملات نقله في فتح الباري. (فليس لله حاجة في أن يدع) يترك (طعامه وشرابه) هو مجاز عن عدم الالتفات والقبول فنفى السبب وأراد المسبب وإلا فالله لا يحتاج إلى شيء قاله البيضاوي مما نقله الطيبي في شرح المشكاة، وقول ابن بطال وغيره معناه ليس لله إرادة في صيامه فوضع الحاجة موضع الإرادة فيه إشكال لأنه لو لم يرد الله تركه لطعامه وشرابه لم يقع الترك ضرورة أن كل واقع تعلقت الإرادة بوقوعه ولولا ذلك لم يقع، وليس المراد الأمر بترك صيامه إذا لم يترك الزور وإنما معناه التحذير من قول الزور فهو كقوله عليه الصلاة والسلام "من باع الخمر فليشقص الخنازير" أي يذبحها ولم يأمره

9 - باب هل يقول إني صائم إذا شتم

بشقصها ولكنه على التحذير والتعظيم لإثم شارب الخمر، وكذلك حذر الصائم من قول الزور والعمل به ليتم له أجر صيامه. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأدب وأبو داود، وأخرجه الترمذي في الصوم وكذا النسائي وابن ماجة. 9 - باب هَلْ يَقُولُ إِنِّي صَائِمٌ إِذَا شُتِمَ هذا (باب) بالتنوين (هل يقول) الشخص (إني صائم إذا شتم). 1904 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلاَّ الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ لِصَوْمِهِ». وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) الصنعاني اليماني قاضيها (عن ابن جريج) عبد الملك (قال أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (عن أبي صالح) ذكوان (الزيات أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (قال الله) عز وجل (كل عمل ابن آدم له)، فيه حظ ومدخل لاطلاع الناس عليه فهو يتعجل به ثوابًا من الناس ويجوز به حظًا من الدنيا وزاد في رواية كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف (إلا الصيام فإنّه) خالص (لي) لا يعلم ثوابه المترتب عليه غيري أو وصف من أوصافي لأنه يرجع إلى صفة الصمدية لأن الصائم لا يأكل ولا يشرب فتخلق باسم الصمد أو أن كل عمل ابن آدم مضاف له لأنه فاعله إلا الصوم فإنه مضاف لي لأني خالقه له على سبيل التشريف والتخصيص فيكون كتخصيص آدم بإضافته إليه أن خلقه بيده وكل مخلوق بالحقيقة مضاف إلى الخالق، لكن إضافة التشريف خاصة بمن شاء الله أن يخصه بها أو كأنه تعالى يقول هو لي فلا يشغلك ما هو لك عما هو لي، ولأن فيه مجمع العبادات لأن مدارها على الصبر والشكر وهما حاصلان فيه، ولما كان ثواب الصيام لا يحصيه إلا الله تعالى لم يكله تعالى إلى ملائكته بل تولى جزاءه تعالى بنفسه قال: (وأنا أجزي به) بفتح الهمزة وفيه دلالة على أن ثواب الصوم أفضل من سائر الأعمال لأنه تعالى أسند إعطاء الجزاء إليه وأخبر أنه يتولى ذلك والله تعالى إذا تولى شيئًا بنفسه دل على عظم ذلك الشيء وخطره قدره وهذا كما روي أن من أدمن قراءة آية الكرسي عقب كل صلاة فإنه لا يتولى قبض روحه إلا الله تعالى (والصيام جنة)، وقاية من المعاصي ومن النار (وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث) بتثليث الفاء وآخره ثاء مثلثة لا يفحش في الكلام (ولا يصخب)، بالصاد المهملة والخاء المعجمة المفتوحة، ويجوز إبدال الصاد سينًا أي لا يصح ولا يخاصم (فإن سابه أحد) وزاد سعيد بن منصور من طريق سهيل أو ماراه يعني جادله (أو قاتله) يعني إن تهيأ أحد لمشاتمته أو مقاتلته (فليقل) له بلسانه إني صائم ليكف خصمه عنه أو بقلبه ليكف هو عن خصمه، ورجح الأول النووي في الأذكار وبالثاني جزم المتولي، ونقله الرافعي عن الأئمة وتعقب بأن القول حقيقة إنما هو باللسان وأجيب بأنه لا يمتنع المجاز، وقال النووي في المجموع: كل منهما حسن والقول باللسان أقوى ولو جمعهما لكان حسنًا. قال في الفتح: ولهذا الترد أتى البخاري في ترجمته لهذا الباب بالاستفهام فقال: هل يقول إني صائم إذا شتم. وقال الروياني: إن كان رمضان فليقل بلسانه وإن كان غيره فليقل في نفسه: (إني امرؤ صائم) قال في الرواية السابقة في باب فضل الصوم مرتين (و) الله (الذي نفس محمد بيده لخلوف) بضم الخاء على الصواب ولأبي ذر عن الكشميهني: لخلف بضم الخاء واللام وحذف الواو جمع خلفة بالكسر أي تغير رائحة (فم الصائم) لخلاء معدته من الطعام ولأبي ذر في نسخة: في الصائم بغير ميم بعد الفاء (أطيب عند الله) يوم القيامة كما في مسلم أو في الدنيا لحديث فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله (من ريح المسك). وفيه إشارة إلى أن رتبة الصوم علية على غيره لأن مقام العندية في الحضرة المقدسية أعلى المقامات السنية، وإنما كان الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك لأن الصوم من أعمال السر التي بين الله تعالى وبين عبده ولا يطلع على صحته غيره، فجعل الله رائحة صومه تنم عليه في الحشر بين الناس، وفي ذلك إثبات الكرامة والثناء الحسن له وهذا كما قال عليه الصلاة والسلام في المحرم: فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا وفي الشهيد: يبعث وأوداجه تشخب دمًا تشهد له بالقتل في

10 - باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة

سبيل الله ويبعث الإنسان على ما عاش عليه. قال السمرقندي: يبعث الزامر وتتعلق زمارته في يده فيلقيها فتعود إليه ولا تفارقه، ولما كان الصائم يتغير فمه بسبب العبادة في الدنيا والنفوس تكره الرائحة الكريهة في الدنيا جعل الله تعالى رائحة فم الصائم عند الملائكة أطيب من ريح المسك في الدنيا وكذا في الدار الآخرة، فمن عبد الله تعالى وطلب رضاه في الدنيا فنشأ من عمله آثار مكروهة في الدنيا فإنها محبوبة له تعالى وطيبة عنده لكونها نشأت عن طاعته واتباع مرضاته، ولذلك كان دم الشهيد ريحه يوم القيامة كريح المسك، وغبار المجاهدين في سبيل الله ذريرة أهل الجنة كما ورد في حديث مرسل. (للصائم فرحتان) خبر مقدم ومبتدأ مؤخر (يفرحهما) أي يفرح بهما فحذف الجار توسعًا كقوله تعالى فليصمه أي فيه (إذا أفطر فرح)، زاد مسلم بفطره أي لزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر وهذا الفرح الطبيعي، أو من حيث إنه تمام صومه وخاتمة عبادته وفرح كل أحد بحسبه لاختلاف مقامات الناس في ذلك، (وإذا لقي ربه) عز وجل (فرح بصومه) أي بجزائه وثوابه أو بلقاء ربه وعلى الاحتمالين فهو مسرور بقبوله. 10 - باب الصَّوْمِ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعُزُوبَةَ (باب) مشروعية (الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة) أي ما ينشأ عنها من إرادة الوقوع في العنت ولأبي ذر العزبة بضم العين وسكون الزاي وحذف الواو. 1905 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: "بَيْنَا أَنَا أَمْشِي مَعَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- فَقَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ. وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ". [الحديث 1905 - طرفاه في: 5065، 5066]. وبالسند قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة الأزدي العتكي المروزي البصري الأصل (عن أبي حمزة) بحاء مهملة وزاي محمد بن ميمون السكري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي أنه (قال): (بينا) بغير ميم (أنا أمشي مع عبد الله) يعني ابن مسعود (-رضي الله عنه-) وجواب بينا قوله (فقال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: من استطاع) منكم (الباءة) بالمد على الأفصح لغة الجماع والمراد به هنا ذلك، وقيل مؤن النكاح والقائل بالأول رده إلى معنى الثاني إذ التقدير عنده: من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤن النكاح (فليتزوج، فإنه) أي التزوج (أغض) بالغين والضاد المعجمتين (للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع) أي الباءة لعجزه عن المؤن (فعليه بالصوم)، وإنما قدروه بذلك لأن من لم يستطع الجماع لعدم شهوته لا يحتاج إلى الصوم لدفعها، وهذا فيه كلام للنحاة فقيل من إغراء الغائب وسهله تقدم المغري به في قوله: من استطاع منكم الباءة فكان كإغراء الحاضر قاله أبو عبيدة. وقال ابن عصفور: الباء زائدة في المبتدأ ومعناه الخبر لا الأمر أي فعليه الصوم. وقال ابن خروف: من إغراء المخاطب أي أشيروا عليه بالصوم فحذف فعل الأمر وجعل عليه عوضًا منه وتولى من العمل ما كان الفعل يتولاه واستتر فيه ضمير المخاطب الذي كان متصلاً بالفعل. ورجح بعضهم رأي ابن عصفور بأن زيادة الباء في المبتدأ أوسع من إغراء الغائب ومن إغراء المخاطب من غير أن ينجز ضميره بالظرف أو حرف الجر الموضوع مع ما خفضه موضع فعل الأمر. (فإنه) أي فإن الصوم (له) للصائم (وجاء) بكسر الواو والمد أي قاطع للشهوة واستشكل بأن الصوم يزيد في تهييج الحرارة وذلك مما يثير الشهوة. وأجيب: بأن ذلك إنما يكون في مبدأ الأمر فإذا تمادى عليه واعتاده سكن ذلك. قال في الروضة: فإن لم تنكسر به لم يكسرها بكافور ونحوه بل ينكح. قال ابن الرفعة نقلاً عن الأصحاب لأنه نوع من الاختصاء. 11 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا» وَقَالَ صِلَةُ عَنْ عَمَّارٍ: "مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث مسلم: (إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا) بهمزة قطع. (وقال صلة) بن زفر بضم الزاي وفتح الفاء المخففة وصلة بكسر الصاد بوزن عدة العبسي الكوفي التابعي الكبير مما وصله أصحاب السنن (عن عمار) هو ابن ياسر (من صام يوم الشك) الذي تحدّث الناس فيه برؤية الهلال ولم تثبت رؤيته (فقد عصى أبا القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وذكر الكنية الشريفة دون الاسم إشارة إلى أنه يقسم أحكام الله بين عباده واستدلّ به على تحريم صوم يوم الشك لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل رأيه

فهو من قبيل المرفوع والمعنى فيه القوة على صوم رمضان، وضعفه السبكي بعدم كراهة صوم شعبان على أن الأسنوي قال: إن المعروف المنصوص الذي عليه الأكثرون الكراهة لا التحريم. 1906 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلاَلَ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام، ولابن عساكر: حدّثنا مالك (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر رمضان فقال: لا تصوموا حتى تروا الهلال)، أي إذا لم يكمل شعبان ثلاثين يومًا (ولا تفطروا) من صومه (حتى تروه)، أي الهلال. وليس المراد رؤية جميع الناس بحيث يحتاج كل فرد إلى رؤيته بل المعتبر رؤية بعضهم وهو العدد الذي تثبت به الحقوق وهو عدلان إلا أنه يكتفي في ثبوت هلال رمضان بعدل واحد يشهد عند القاضي. وقالت طائفة منهم البغوي: ويجب الصوم أيضًا على من أخبره موثوق به بالرؤية وإن لم يذكره عند القاضي ويكفي في الشهادة: أشهد أني رأيت الهلال لا أن يقول غدًا من رمضان لأنه قد يعتقد دخوله بسبب لا يوافقه عليه المشهود عنده بأن يكون أخذه من حساب أو يكون حنفيًا يرى إيجاب الصوم ليلة الغيم أو غير ذلك. واستدلّ لقبول الواحد بحديث ابن عباس عند أصحاب السنن قال: جاء إعرابي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إني رأيت الهلال فقال "أتشهد أن لا إله إلا الله أتشهد أن محمدًا رسول الله"؟ قال: نعم، قال: يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدًا. وروى أبو داود وابن حبان عن ابن عمر قال: تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه وهذا أشهر قولي الشافعي عند أصحابه وأصحهما، لكن آخر قوليه أنه لا بد من عدلين. قال في الأم: لا يجوز على هلال رمضان إلا شاهدان، لكن قال الصيمري: إن صح أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل شهادة الأعرابي وحده أو شهادة ابن عمر وحده قبل الواحد وإلا فلا يقبل أقل من اثنين، وقد صح كل منهما. وعندي أن مذهب الشافعي قبول الواحد وإنما رجع إلى الاثنين بالقياس لما لم يثبت عنده في المسألة سنّة فإنه تمسك للواحد بأثر عن عليّ، ولهذا قال قي المختصر: ولو شهد برؤيته عدل واحد رأيت أن أقبله للأثر فيه. (فإن غُمَّ عليكم) بضم الغين المعجمة وتشديد الميم أي إن حال بينكم وبين من الهلال غيم في صومكم أو فطركم (فاقدروا له) بهمزة وصل وضم الدال وهو تأكيد لقوله لا تصوموا حتى تروا الهلال إذ المقصود حاصل منه، وقد أورثت هذه الزيادة المؤكدة عند المخالف شبهة بحسب تفسيره لقوله: فاقدروا له فالجمهور قالوا معناه قدروا له تمام العدد ثلاثين يومًا أي انظروا في أول الشهر واحسبوا ثلاثين يومًا كما جاء مفسرًا في الحديث اللاحق، ولذا أخره المؤلّف لأنه مفسر. وقال آخرون: ضيقوا له وقدروه تحت الحساب وهو مذهب الحنابلة، وقال آخرون: قدروه بحساب المنازل. قال الشافعية: ولا عبرة بقول المنجم فلا يجب به الصوم ولا يجوز، والمراد بآية {وبالنجم هم يهتدون} [النحل: 16] الاهتداء في أدلة القبلة، ولكن له أن يعمل بحسابه كال صلاة ولظاهر هذه الآية. وقيل ليس له ذلك وصحح في المجموع أن له ذلك وأنه لا تجزئه عن فرضه وصحح في الكفاية أنه إذا جاز أجزأه ونقله عن الأصحاب وصوّبه الزركشي تبعًا للسبكي قال: وصرح به في الروضة في الكلام على أن شرط النية الجزم. قال: والحاسب وهو من يعتمد منازل القمر وتقدير سيره في معنى المنجم، وهو من يرى أن أول الشهر طلوع النجم الفلاني وقد صرح بهما معًا في المجموع. 1907 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه)، أي الهلال (فإن غَُمَّ عليكم) في صومكم (فأكملوا العدّة) عدة شعبان (ثلاثين) يومًا هذا مفسر ومبين لقوله في الحديث السابق: فاقدروا له وأولى ما فسر الحديث بالحديث. 1908 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا، وَخَنَسَ الإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ". [الحديث 1908 - طرفاه في: 1913، 5302]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطياسي قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن جبلة) بفتح

الجيم والموحدة واللام (ابن سحيم) بضم السين وفتح الحاء المهملتين الكوفي المتوفى زمن الوليد بن يزيد (قال سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الشهر هكذا وهكذا)، أشار بيديه الكريمتين ناشرًا أصابعه مرتين فهذه عشرون (وخنس الإبهام) بفتح الخاء المعجمة والنون المخففة آخره مهملة أي قبض أصبعه الإبهام ونشر بقية أصابعه (في) المرة (الثالثة) فهي تسعة والجملة تسعة وعشرون يومًا، ولأبي ذر عن الكشميهني: وحبس الإبهام بالحاء المهملة ثم الموحدة أي منعها من الإرسال، والحاصل أن العبرة بالهلال فتارة يكون ثلاثين وتارة تسعة وعشرين وقد لا يرى فيجب إكمال العدد ثلاثين وقد يقع النقص متواليًا في شهرين وثلاثة ولا يقع في أكثر من أربعة أشهر. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الطلاق، ومسلم والنسائي في الصوم. 1909 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ». وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا محمد بن زياد) بكسر الزاي وتخفيف التحتية القرشي الجمحي المدني الأصل سكن البصرة التابعي الثقة (قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أو قال: قال أبو القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالشك من الراوي. (صوموا) أي انووا الصيام وبيتوا على ذلك أو صوموا إذا دخل وقت الصوم وهو من فجر الغد (لرؤيته) الضمير للهلال وإن لم يسبق له ذكر لدلالة السياق عليه واللام للتوقيت كهي في قوله: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} [الإسراء: 78] أي وقت دلوكها. وقال ابن مالك وابن هشام: بمعنى بعد أي بعد زوالها وبعد رؤلة الهلال. (وافطروا لرؤيته)، بهمزة قطع (فإن غُبّيَ عليكم) بضم الغين المعجمة وتشديد الموحدة المكسورة مبنيًا للمفعول، وللحموي: فإن، غبي بفتح المعجمة وكسر الموحدة كعلم. وقال عياض: غبي بفتح الغين وتخفيف الباء لأبي ذر، وعند القابسي بضم الغين وشد الباء المكسورة وكذا قيده الأصيلي والأول أبين ومعناه خفي عليكم وهو من الغباوة وهو عدم الفطنة استعارة لخفاء الهلال، وللكشميهني: أغمي بضم الهمزة وزيادة ياء مبنيًا للمفعول من الإغماء يقال: أغمي عليه الخبر إذا استعجم، وللمستملي: غَُمَّ بضم المعجمة وتشديد الميم. قال في القاموس: حال دونه غيم رقيق. (فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) فيه تصريح بأن عدة الثلاثين المأمور بها في حديث ابن عمر تكون من شعبان. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصوم وكذا النسائي. 1910 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا -أَوْ رَاحَ- فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ شَهْرًا فَقَالَ: إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا". [الحديث: 1910 - طرفه في: 5202]. وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن يحيى بن عبد الله بن صيفي) بصاد مهملة مفتوحة فتحتية ساكنة وفاء اسم بلفظ النسبة (عن عكرمة بن عبد الرحمن) بن الحرث المخزومي (عن أم سلمة) أم المؤمنين (-رضي الله عنها-): (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آلى من نسائه) بمد الهمزة من آلى أي حلف لا يدخل عليهن (شهرًا)، وفي مسلم من حديث عائشة: أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهرًا ففيه التصريح بأن حلفه عليه الصلاة والسلام كان على الامتناع من الدخول عليهن شهرًا فتبين أن المراد بقوله هنا آلى: حلف لا يدخل ولم يرد الحلف على الوطء والروايات يفسر بعضها بعضًا فإن الإيلاء في اللغة مطلق الحلف ويستعمل في عرف الفقهاء في حلف مخصوص وهو الحلف على الامتناع من وطء زوجته مطلقًا أو مدة تزيد على أربعة أشهر، وتعديته بمن فى قوله: من نسائه تدل على ذلك لأنه راعى المعنى وهو الامتناع من الدخول وهو يتعدى بمن. (فلما مضى تسعة وعشرون يومًا) وفي حديث عائشة عند مسلم: فلما مضت تسع وعشرون ليلة دخل عليّ واستشكل لأن مقتضاه أنه دخل في اليوم التاسع والعشرين فلم يَكن كن ثم شهر لا على الكمال ولا النقصان. وأجيب بأن المراد تسع وعشرون ليلة بأيامها فإن العرب تؤرخ بالليالي وتكون الأيام تابعة لها، ويدل له حديث أم سلمة هذا فلما مضى تسعة وعشرون يومًا (غدًا). بالغين المعجمة ذهب أول النهار (أو راح) ذهب آخره

12 - باب شهرا عيد لا ينقصان

والشك من الراوي (فقيل له): وفي مسلم من حديث عائشة بدأ بي فقلت يا رسول الله (إنك حلفت أن لا تدخل) علينا (شهرًا فقال) عليه الصلاة والسلام: (إن الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا) ولأبي ذر: وعشرون بالرفع. وهذا محمول عند الفقهاء على أنه عليه الصلاة والسلام أقسم على ترك الدخول على أزواجه شهرًا بعينه بالهلال وجاء ذلك الشهر ناقصًا فلو تم ذلك الشهر ولم ير الهلال فيه ليلة الثلاثين لمكث ثلاثين يومًا أما لو حلف على ترك الدخول عليهن شهرًا مطلقًا لم يبر إلا بشهر تام بالعدد. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح ومسلم في الصوم والنسائي في عشرة النساء وابن ماجة في الطلاق. 1911 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "آلَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نِسَائِهِ، وَكَانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ثُمَّ نَزَلَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتَ شَهْرًا. فَقَالَ: إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ". وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي القرشي المدني قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) التيمي المدني (عن حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه- قال): (آلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من نسائه)، بمد الهمزة وفتح اللام أي حلف لا يدخل عليهن شهرًا (وكانت) بالواو وفي نسخة: فكانت "انفكت رجله، فأقام في مشربة" بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء وفتحها بالموحدة غرفة (تسعًا وعشرين ليلة) وفي نسخة بالفرع كأصله لم يعزها تسعة وعشرين (ثم نزل) من المشربة ودخل على عائشة (فقالوا): وعند مسلم: قالت عائشة: فقلت: (يا رسول الله) إنك (آليت) حلفت أن لا تدخل (شهرًا، فقال) عليه الصلاة والسلام (إن الشهر يكون تسعًا وعشرين) يومًا وللكشميهني والحموي والمستملي وابن عساكر: تسعة وعشرين. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الإيمان والنذور والنكاح. 12 - باب شَهْرَا عِيدٍ لاَ يَنْقُصَانِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ إِسْحَاقُ: وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا فَهْوَ تَمَامٌ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لاَ يَجْتَمِعَانِ كِلاَهُمَا نَاقِصٌ. هذا (باب) بالتنوين (شهرا عيد) رمضان وذو الحجة (لا ينقصان). (قال أبو عبد الله) البخاري (إسحاق): هو ابن راهويه أو ابن سويد بن هبيرة العدوي (وإن كان) كل واحد من شهري العيد (ناقصًا) في العدد والحساب (فهو تام). في الأجر والثواب. (وقال محمد) هو ابن سيرين أو المؤلّف نفسه (لا يجتمعان كلاهما ناقص) كلاهما مبتدأ وناقص خبره والجملة حال من ضمير الاثنين. قال أحمد بن حنبل: إن نقص رمضان تم ذو الحجة وإن نقص ذو الحجة تم رمضان، وذكر قاسم في الدلائل أنه سمع البزار يقول: لا ينقصان جميعًا في سنة واحدة قال: ويدل له رواية زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب مرفوعًا: شهرًا عيد لا يكونان ثمانية وخمسين يومًا. وقال آخرون: يعني لا يكاد يتفق نقصانهما جميعًا في سنة واحدة غالبًا وإلا فلو حمل الكلام على عمومه اختل ضرورة أن اجتماعهما ناقصين في سنة واحدة قد وجد، بل قال الطحاوي قد وجدناهما ينقصان معًا في أعوام وهذا الوجه أعدل مما قبله ولا يجوز حمله على ظاهره ويكفي في ردّه قوله عليه الصلاة والسلام "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة" فإنه لو كان رمضان أبدًا ثلاثين لم يحتج إلى هذا، وقيل لا ينقصان في ثواب العمل فيهما كما سيأتي إن شاء الله تعالى وسقط من قوله قال أبو عبد الله إلى آخره قوله ناقص من رواية أبي ذر وابن عساكر. 1912 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ح وَحَدَّثَنِي مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «شَهْرَانِ لاَ يَنْقُصَانِ، شَهْرَا عِيدٍ: رَمَضَانُ وَذُو الْحَجَّةِ». وبالسند قال (حدّثنا مسدد) بالمهملة ابن مسرهد قال: (حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان البصري (قال: سمعت إسحاق يعني ابن سويد) وسقط لفظ يعني لأبي الوقت والجملة لم لأبي ذر وابن عساكر وإسحاق هذا هو العدوي (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه) أبي بكرة نفيِع (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ولم يسق المؤلّف متن هذا الإسناد وهو عند أبي نعيم في مستخرجه من طريق أبي خليفة وأبي مسلم الكجي جميعًا عن مسدد بهذا الإسناد بلفظ لا ينقص رمضان ولا ينقص ذو الحجة قال المؤلّف: (ح). (وحدثني) بالإفراد (مسدد قال: حدّثنا معتمر عن خالد الحذاء قال: أخبرني) بالإفراد ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: حدثني بالإفراد أيضًا (عبد الرحمن بن أبي بكرة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبيه -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (شهران لا ينقصان)، مبتدأ وخبر. قال الزين بن المنير: المراد أن النقص الحسي باعتبار العدد ينجبر بأن كلاً منهما شهر عيد

13 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا نكتب ولا نحسب»

عظيم فلا ينبغي وصفهما بالنقصان بخلاف غيرهما من الشهور. وقال البيهقي في المعرفة: إنما خصهما بالذكر لتعلق حكم الصوم والحج بهما، وبه جزم النووي وقال إنه الصواب المعتمد وأن كل ما ورد عنهما من الفضائل والأحكام حاصل سواء كان رمضان ثلاثين أو تسعًا وعشرين سواء صادف الوقوف اليوم التاسع أو غيره. ولا يخفى أن محل ذلك ما إذا لم يحصل تقصير في ابتغاء الهلال. وفائدة الحديث رفع ما يقع في القلوب من شك لمن صام تسعًا وعشرين أو وقف في غير يوم عرفة. وقال الطيبي: ظاهر سياق الحديث في بيان اختصاص الشهرين بمزية ليست في سائرها وليس المراد أن ثواب الطاعة في سائرها قد ينقص دونهما، وإنما المراد رفع الحرج عما عسى أن يقع فيه خطأ في الحكم لاختصاصهما بالعيدين وجواز احتمال وقوع الخطأ فيهما ومن ثم لم يقتصر على قوله رمضان وذو الحجة بل قال: (شهرا عيد) خبر مبتدأ محذوف أي هما شهرا عيد أو رفع على البدلية أحدهما "رمضان" بغير صرف للعلمية والألف والنون (و) الآخر (ذو الحجة) وهذا لفظ متن السند الثاني وهو موافق للفظ الترجمة وأطلق على رمضان أنه شهر عيد لقربه من العيد أو لكون هلال العيد. ربما (رئي في اليوم الأخير من رمضان قاله الأثرم والأول أولى ونظيره قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "المغرب وتر النهار" أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر وصلاة المغرب ليلية جهرية وأطلق كونها وتر النهار لقربها منه وفيه إشارة إلى أن وقتها يقع أوّل ما تغرب الشمس. واستشكل ذكر الحجة لأنه إنما يقع الحج في العشر الأول منه فلا دخل لنقصان الشهر وتمامه. وأجيب: بأنه مؤول بأن الزيادة والنقص إذا وقعا في القعدة يلزم منهما نقص عشر ذي الحجة الأول أو زيادته فيقفون الثامن أو العاشر فلا ينقص أجر وقوفهم عما لا غلط فيه قاله الكرماني، لكن قال البرماوي: وقوف الثامن غلطًا لا يعتبر على الأصح. 13 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا نكتب ولا نحسب) بالنون فيهما. 1913 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا. يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلاَثِينَ". وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا الأسود بن قيس) الكوفي التابعي الصغير قال: (حدّثنا سعيد بن عمرو) بفتح العين ابن سعيد بن العاصي المدني سكن دمشق ثم الكوفة (أنه سمع ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال): (إنا) أي العرب أو نفسه المقدسة (أمة) جماعة قريش (أمية) بلفظ النسبة إلى الأم أي باقون على الحالة التي ولدتنا عليها الأمهات (لا نكتب) بيان لكونهم كذلك أو المراد النسبة إلى أمة العرب لأنهم ليسوا أهل كتاب والكاتب منهم نادر (ولا نحسب)، بضم السين لا نعرف حساب النجوم وتسييرها فلم نكلف في تعريف مواقيت صومنا ولا عبادتنا ما نحتاج فيه إلى معرفة حساب ولا كتابة إنما ربطت عبادتنا بأعلام واضحة وأمور ظاهرة لائحة يستوي في معرفتها الحساب وغيرهم، ثم تمم عليه الصلاة والسلام هذا المعنى بإشارته بيده من غير لفظ إشارة يفهمها الأخرس والأعجمي (الشهر هكذا وهكذا). قال الراوي (يعني) عليه الصلاة والسلام (مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين). قال في الفتح هكذا ذكره آدم شيخ المؤلّف مختصرًا ورواه غندر عن شعبة تامًّا أخرجه مسلم عن ابن المثنى وغيره عنه بلفظ الشهر هكذا وهكذا وعقد الإبهام في الثالثة والشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام ثلاثين أي أشار أولاً بأصابع يديه العشر جميعًا مرتين وقبض الإبهام في المرة الثالثة، وهذا هو المعبر عنه بقوله: تسع وعشرون وأشار بهما مرة أخرى ثلاث مرات وهو المعبر عنه بقوله ثلاثون. وحديث الباب أخرجه مسلم في الصوم وكذا أبو داود والنسائي. 14 - باب لاَ يُتَقَدَّمُ رَمَضَانُ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلاَ يَوْمَيْنِ هذا (باب) بالتنوين وبغيره (لا يتقدّمن) بنون التوكيد الثقيلة ويجوز تخيفها ولأبي ذر وابن عساكر: لا يتقدم أي الكلف (رمضان) وقال الحافظ ابن حجر: لا يتقدم بضم أوله وفتح ثانيه يعني مبنيًّا للمفعول رمضان رفع نائب عن الفاعل ثم قال: ويجوز فتحهما أي أوّل

15 - باب قول الله جل ذكره: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم} {البقرة: 187].

يتقدم وثانيه ولم يعزه لأحد (بصوم يوم ولا) ولابن عساكر: أو (يومين) بعدّ منه بقصد الاحتياط له فإن صومه مرتبط بالرؤية فلا حاجة إلى التكلف. 1914 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ». وبالسند قال (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي البصري قال: (حدثنا هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا يحيى بن أبي كثير) اليمامي أحد الثقات الأثبات إلا أنه كان كثير الإرسال والتدليس رأى أنسًا ولم يسمع منه واحتج به الأئمة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال): (لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين) أي بنية الرمضانية احتياطًا ولكراهة التقدم معان. أحدها: خوفًا من أن يزاد في رمضان ما ليس منه كما نهي عن صيام يوم العيد لذلك حذرا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم فزادوا فيه بآرائهم وأهوائهم وخرّج الطبراني عن عائشة أن ناسًا كانوا يتقدمون الشهر فيصومون قبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنزل الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} [الحجرات: 1] ولهذا نهي عن صوم يوم الشك. والمعنى الثاني: الفصل بين صيام الفرض والنفل فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل مشروع، ولذا حرم صيام يوم العيد ونهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن توصل صلاة مفروضة بصلاة حتى يفصل بينهما بسلام أو كلام خصوصًا سنة الفجر، وفي المسند أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعله وهذا فيه نظر لأنه يجوز لمن له عادة كما سيأتي إن شاء الله تعالى. والمعنى الثالث: أنه للتقوّي على صيام رمضان فإن مواصلة الصيام تضعف عن صيام الفرض، فإذا حصل الفطر قبله بيوم أو يومين كان أقرب إلى التقوى على صيام رمضان فيه نظر لأن معنى الحديث أنه لو تقدمه بصيام ثلاثة أيام فصاعدًا جاز. المعنى الرابع: أن الحكم علق بالرؤية فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم (إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه) المعتاد من ورد كأن اعتاد صوم الدهر أو صوم يوم وفطر يوم أو يوم معين كالاثنين فصادفه أو نذر أو قضاء، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يصوم صومًا (فليصم ذلك اليوم) فإنه مأذون له فيه ويجب عليه النذر وما بعده فهو مستثنى بالأدلة القطعية ولا يبطل القطعي بالظني، ومفهوم الحديث الجواز إذا كان التقدم بأكثر من يومين، وقيل يمتد المنع لما قبل ذلك وبه قطع كثير من الشافعية. وأجابوا عن الحديث بأن المراد منه التقدم بالصوم فحيث وجد منع، وإنما اقتصر على يوم أو يومين لأنه الغالب ممن يقصد ذلك، وقالوا أمد المنع من أوّل السادس من شعبان لحديث إذا انتصف شعبان فلا تصوموا رواه أبو داود وغيره وظاهره أنه يحرم الصوم إذا انتصف وإن وصله بما قبله وليس مرادًا حفظًا لأصل مطلوبية الصوم، وقد قال النووي في المجموع: إذا انتصف شعبان حرم الصوم بلا سبب إن لم يصله بما قبله على الصحيح. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصوم وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 15 - باب قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} {البقرة: 187]. (باب قول الله جلّ ذكره) ({أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) كناية عن الجماع وعدّى بإلى لتضمنه معنى الإِفضاء ثم بين سبب الإحلال فقال: ({هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}) لأن الرجل والمرأة يتضاجعان ويشتمل كل واحد منهما على صاحبه شبه باللباس أو لأن كلاًّ منهما يستر حال صاحبه ويمنعه عن الفجور ({علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم}) تجامعون النساء وتأكلون وتشربون في الوقت الذي كان حرامًا عليكم ({فتاب عليكم}) لما تبتم مما اقترفتموه ({وعفا عنكم})، ومحا عنكم أثره ({فالآن باشروهن}) أي جامعوهن فقد نسخ عنكم التحريم ({وابتغوا ما كتب الله لكم}) [البقرة: 187] واطلبوا ما قدّره لكم وأثبته ففي اللوح المحفوظ من الولد والمعنى أن المباشر ينبغي أن يكون غرضه الولد فإنه الحكمة في خلق الشهوة وشرع النكاح ولفظ رواية أبي ذر ({أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}) إلى قوله ({ما كتب الله لكم}). 1915 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ لَمْ يَأْكُلْ لَيْلَتَهُ وَلاَ يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ. وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ فَقَالَ لَهَا: أَعِنْدَكِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لاَ، وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ لَكَ، وَكَانَ يَوْمَهُ يَعْمَلُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ خَيْبَةً لَكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ هَذِهِ الآيَةُ: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا، وَنَزَلَتْ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ}. [الحديث 1915 - طرفه في: 4508]. وبالسند

قال (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين مصغرًا العبسي الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- قال: كان أصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في أول ما افترض الصيام (إذا كان الرجل صائمًا فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي). وفي رواية زهير عند النسائي كان إذا نام قبل أن يتعشى لم يحل له أن يأكل شيئًا ولا يشرب ليلته ويومه حتى تغرب الشمس، ولأبي الشيخ من طريق زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق: كان المسلمون إذا أفطروا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا لم يفعلوا شيئًا من ذلك إلى مثلها، وقد بين السدي أن هذا الحكم كان على وفق ما كتب على أهل الكتاب كما أخرجه ابن جرير من طريق السدي بلفظ: كتب على النصارى الصيام وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا ولا ينكحوا بعد النوم وكتب على المسلمين أولاً مثل ذلك. (وإن قيس بن صرمة) بكسر الصاد المصلة وسكون الراء (الأنصاري) قال في الإصابة: وقع عند أبي داود من هذا الوجه صرمة بن قيس، وفي رواية النسائي أبو قيس بن عمرو فإن حل هذا الاختلاف على تعدد أسماء من وقع له ذلك وإلاّ فيمكن الجمع برد جميع الروايات إلى واحد، فإنه قيل فيه صرمة بن قيس وصرمة بن مالك وصرمة بن أنس وصرمة بن أبي أنس، وقيل فيه قيس بن صرمة وأبو قيس بن صرمة وأبو قيس بن عمرو فيمكن أن يقال: إن كان اسمه صرمة بن قيس فمن قال فيه قيس بن صرمة قلبه وإنما اسمه صرمة وكنيته أبو قيس أو العكس، وأما أبوه فاسمه قيس أو صرمة على ما تقرر من القلب وكنيته أبو أنس، ومن قال فيه أن حذف أداة الكنية ومن قال فيه ابن مالك نسبه إلى جدّ له والعلم عند الله تعالى (كان صائمًا، فلما حضر الإفطار أتى امرأته) لم تسم (فقال لها: أعندك طعام)، بهمزة الاستفهام وكسر الكاف (قالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك)، وظاهره أنه لم يجيء معه بشيء، لكن في مرسل السدي أنه أتاها بتمر فقال استبدلي به طحينًا واجعليه سخينًا فإن التمر أحرق جوفي. وفي مرسل ابن أبي ليلى فقال لأهله: أطعموني فقالت حتى أجعل لك شيئًا سخينًا. ووصله أبو داود من طريق ابن أبي داود (وكان يومه) بالنصب (بعمل). أي في أرضه كما صرح به أبو داود في روايته (فغلبته عيناه)، فنام (فجاءته امرأته) ولأبي ذر عن الكشميهني: عينه فجاءت امرأته بالإفراد وحذف الضمير من فجاءته (فلما رأته) نائمًا (قالت خيبة لك)، حرمانًا منصوب على أنه مفعول مطلق حذف عامله وجوبًا قال بعض النحاة: إذا كان بدون لام وجب نصبه أو معها جاز النصب وفي مرسل السدي فأيقظته فكره أن يعصي الله وأبى أن يأكل وزاد في رواية أحمد هنا فأصبح صائمًا (فلما انتصف النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الذال وكسر الكاف مبنيًّا للمفعول، وزاد الإمام أحمد وأبو داود والحاكم من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل، وكان عمر أصاب النساء بعدما نام، ولابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال: كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد فرجع عمر من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد سمر عنده فأراد امرأته فقالت: إني قد نمت. فقال: ما نمت ووقع عليها وصنع كعب بن مالك مثل ذلك (فنزلت هذه الآية) {أحل لكم ليلة الصيام} التي تصبحون منها صائمين ({الرفث إلى نسائكم}) [البقرة: 187] ({ففرحوا فرحًا شديدًا ونزلت) ولابن عساكر: فنزلت بالفاء بدل الواو ({وكلوا واشربوا}) جميع الليل ({حتى يتبين لكم الخيط الأبيض}) بياض الصبح ({من الخيط الأسود}) [البقرة: 187] من سواد الليل قال الكرماني لما صار الرفث وهو الجماع هنا حلالاً بعد أن كان حرامًا كان الأكل والشرب بطريق الأولى فلذلك فرحوا بنزولها وفهموا منها الرخصة. هذا وجه مطابقة ذلك لقصة

16 - باب قول الله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} فيه البراء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

أبي قيس ثم لما كان حلهما بطريق المفهوم نزل بعد ذلك قوله تعالى: {وكلوا واشربوا} ليعلم بالمنطوق تسهيل الأمر عليهم تصريحًا أو المراد نزول الآية بتمامها. قال في فتح الباري: وهذا هو المعتمد وبه جزم السهيلي وقال: إن الآية نزلت في الأمرين معًا فقدم ما يتعلق بعمر -رضي الله عنه- لفضله اهـ. ووقع في رواية أبي داود فنزلت {أحل لكم ليلة الصيام الرفث} إلى قوله: {من الفجر} فهذا يبين أن محل قوله ففرحوا بها بعد قوله: {الخيط الأسود} وقد وقع ذلك صريحًا في رواية زكريا بن أبي زائدة ولفظه فنزلت: {أحل لكم} إلى قوله: {من الفجر} ففرح المسلمون بذلك. وهذا الحديث أخرجه أبو داود في الصوم والترمذي في التفسير. 16 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} فِيهِ الْبَرَاءُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب قول الله تعالى) مخاطبًا للمسلمين ({وكلوا واشربوا}) بعد أن كنتم ممنوعين منهما بعد النوم في رمضان ({حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر})، بيان للخيط الأبيض ({ثم أتموا الصيام إلى الليل}) [البقرة 187] فإنه آخر وقته. وحتى للغاية واستشكل بأنه يلزم منه أن يؤكل جزء من النهار. وأجيب: بأن الغاية غايتان غاية مدّ وهي التي لو لم تذكر لم يدخل ما بعدها حال ذكرها في حكم ما قبلها، وغاية إسقاط وهي التي لم تذكر لكان ما بعدها داخلاً في حكم ما قبلها فالأول {أتموا الصيام إلى الليل} والثاني {إلى المرافق} أي: واتركوا ما بعد المرافق ويأتي مثل هذا في قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "حتى يؤذن ابن أم مكتوم" ولفظ رواية ابن عساكر: وكلوا واشربوا إلى قوله: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} (فيه) أي في الباب حديث رواه (البراء) في الباب السابق موصولاً ولابن عساكر عن البراء (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 1916 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِي، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فِي اللَّيْلِ فَلاَ يَسْتَبِينُ لِي. فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ". [الحديث 1916 - طرفاه في: 4509، 4510]. وبالسند قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) السلمي الأنماطي، ولابن عساكر: الحجاج بن منهال قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير بضم الموحدة وفتح المعجمة مصغرين السلمي (قال: أخبرني) بالإفراد (حصين بن عبد الرحمن) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين السلمي أيضًا (عن الشعبى) بفتح المعجمة وسكون المهملة عامر بن شراحيل (عن عدي بن حاتم) الصحابي (-رضي الله عنه- قال: لما نزلت) ({حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) ثم قدمت فأسلمت وتعلمت الشرائع، ولأحمد من طريق مجالد: علمني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-الصلاة والصيام وقال: صل كذا وصم كذا فإذا غابت الشمس فكل حتى {يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود} (عمدت) بفتح الميم (إلى عقال) بكسر العين حبل (أسود وإلى عقال أبيض فجعلتها تحت وسادتي، فجعلت أنظر) إليهما (في الليل فلا يستبين لي) فلا يظهر لي، وفي رواية مجالد: فلا أستبين الأبيض من الأسود (فغدوت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكرت له ذلك) ولغير أبي الوقت فذكرت ذلك له (فقال) عليه الصلاة والسلام: (إنما ذلك) المذكور في قوله حتى {يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} (سواد الليل وبياض النهار) وفي التفسير قلت: يا رسول الله ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان؟ قال: إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين. ثم قال: لا بل هما سواد الليل وبياض النهار. وحديث الباب أخرجه أيضًا في التفسير ومسلم في الصوم وكذا أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح. 1917 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ح. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: "أُنْزِلَتْ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} وَلَمْ يَنْزِلْ {مِنَ الْفَجْرِ} فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الأَسْوَدَ، وَلَمْ يَزَلْ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدُ: {مِنَ الْفَجْرِ} فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ". [الحديث 1917 - طرفه في: 4511]. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي قال: (حدّثنا ابن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي عبد العزيز (عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين الساعدي (ح) لتحويل السند. (وحدثني) بالإفراد (سعيد بن أبي مريم) قال (حدّثنا أبو غسان) بالغين المعجمة والمهملة المشددة (محمد بن مطرّف) ولفظ المتن له (قال: حدثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة (عن سهل بن سعد قال: أنزلت) ({وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) (ولم ينزل) قوله تعالى: ({من الفجر}) فكان بالفاء ولأبي الوقت: وكان (رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله) بالإفراد، ولأبوي ذر والوقت

17 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال»

رجليه (الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولم يزل) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: ولا يزال (يأكل حتى يتبين له) بالمثناة التحتية ثم الفوقية والموحدة وتشديد المثناة التحتية ولأبي ذر: تتبين بمثناتين فوقيتين قبل الموحدة، وللكشميهني: حتى يستبين له بسين مهملة ساكنة مع التخفيف (رؤيتهما) أي الخيطين (فأنزل الله) عز وجل قوله: ({من الفجر}) قال البيضاوي شبه أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق وما يمتد معه من غبش الليل بخيطين أبيض وأسود واكتفى ببيان الخيط الأبيض بقوله من الفجر عن بيان الخيط الأسود لدلالته عليه وبذلك خرجا من الاستعارة إلى التمثيل، ويجوز أن تكون من للتبعيض فإن ما يبدو بعض الفجر وما روي أنها نزلت ولم ينزل من الفجر، وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط فنزلت لعله كان قبل دخول رمضان وتأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز واكتفي أولاً باشتهارهما في ذلك ثم صرح بالبيان لما التبس على بعضهم، وذكر في الفتح والعمدة والتنقيح والمصابيح أن حديث عدي يقتضي نزول قوله تعالى: {من الفجر} متصلاً بقوله: {من الخيط الأسود} وحديث سهل بن سعد صريح في أنه لم ينزل إلا منفصلاً فإن حمل على واقعتين في وقتين فلا إشكال وإلاّ احتمل أن يكون حديث عدي متأخرًا عن حديث سهل فإنما سمع الآية مجردة فحملها على ما وصل إليه فهمه حتى يتبين له الصواب، وعلى هذا يكون {من الفجر} متعلقًا بيتبين، وعلى مقتضى حديث سهل يكون في موضع الحال متعلقًا بمحذوف اهـ. وليس في حديث عدي هنا عند المؤلّف بل ولا في التفسير ذكر من الفجر أصلاً فليتأمل نعم ثبت ذكره في روايته عند مسلم في صحيحه (فعلموا) أي الرجال (إنه إنما يعني) بقوله: {الخيط الأبيض والخيط الأسود} (الليل والنهار) ولابن عساكر: من النهار. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير وكذا النسائي. 17 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما رواه مسلم من حديث سمرة: (لا يمنعنكم) بنون التوكيد الثقيلة، ولأبي ذر عن الكشميهني: لا يمنعكم بإسقاطها وجزم العين (من سحوركم) بفتح السين اسم ما يتسحر به (أذان بلال). 1918، 1919 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّ بِلاَلاً كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لاَ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ". قَالَ الْقَاسِمُ: وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانِهِمَا إِلاَّ أَنْ يَرْقَى ذَا وَيَنْزِلَ ذَا". وبالسند قال (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) وكان اسمه عبد الله الهباري القرشي (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (عن عبيد الله) بن عمر العمري (عن نافع عن ابن عُمر، والقاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق المتوفى سنة ست ومائة على الصحيح (عن عائشة -رضي الله عنها-) والقاسم جر عطفًا على نافع لا على ابن عمر لأن عبيد الله رواه عن نافع عن ابن عمر، وعن القاسم عن عائشة. والحاصل أن لعبيد الله فيه شيخين يروي عنهما وهما نافع والقاسم بن محمد ({أن بلالاً كان يؤذن}) للفجر (بليل)، ليستعد لها بالتطهير وغيره. وقال أبو حنيفة والثوري: للسحور وردّ بأنه إنما أخبر عن عادته في الأذان دائمًا (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)، عمرو بن قيس العامري وأم مكتوم اسمها عاتكة بنت عبد الله، وزاد في باب أذان الأعمى كالموطأ وكان أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت أصبحت أي قاربت الصباح، وقيل على ظاهره من ظهور الصباح والأول أرجح وعليه يحمل قوله هنا (فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) أي حتى يقارب طلوع الفجر، والمعنى في الجميع أن بلالاً كان يؤذن قبل الفجر ثم يتربص بعد للدعاء ونحوه ثم يرقب الفجر، فإذا قارب طلوعًا نزل فأخبر ابن أم مكتوم فيتطهر ويرقى ويشرع في الأذان إذا قارب الصباح حوطة للفجر فأذانه علم على الوقت الذي يمتنع فيه الأكل، ولعل بتمام أذانه يتضح الفجر وتصح الصلاة على التأويل الآخر في أصبحت أصبحت فيكون جمعًا بين الأمرين قاله الأبي وسبق في الباب الذي قبل هذا أن حتي هنا لغاية المد. (قال القاسم): بن محمد (ولم يكن بين أذانهما) بكسر النون من غير ياء (إلا أن يرقى) بفتح القاف أي يصعد (ذا) ابن أم مكتوم (وينزل) بالنصب عطفًا على يرقي (ذا) بلال

18 - باب تأخير السحور

ولم يشاهد ذلك القاسم بن محمد، وقول الداودي هذا يدل على أن ابن أم مكتوم كان يراعي قرب طلوع الفجر أو طلوعه لأنه لم يكن يكتفي بأذان بلال في علم الوقت لأن بلالاً فيما يدل عليه الحديث كان تختلف أوقاته وإنما حكى من قال يرقى ذا وينزل ذا ما شهد في بعض الأوقات، ولو كان فعله لا يختلف لاكتفى به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يقل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، ولقال فإذا فرغ بلال فكفوا. تعقبه ابن المنير بأن الراوي إنما أراد أن يبين اختصارهم في السحور إنما كان باللقمة والتمرة ونحوها بقدر ما ينزل هذا ويصعد هذا وإنما كان يصعد قبيل الفجر بحيث إذا وصل إلى فوق طلع الفجر ولا يحتاج هذا إلى حمله على اختلاف أوقات بلال بل ظاهر الحديث أن أوقاتهما كانت على رتبة ممهدة وقاعدة مطردة اهـ. 18 - باب تَأْخِيرِ السَّحُورِ (باب تأخر السحور) إلى قرب طلوع الفجر الصادق ولأبي ذر: تعجيل السحور خوفًا من طلوع الفجر في أول الشروع. قال الزين بن المنير: التعجيل من الأمور النسبية فإن نسب إلى أول الوقت كان معناه التقديم، وإن نسب إلى آخره كان معناه التأخير، وإنما سماه البخاري تعجيلاً إشارة منه إلى أن الصحابي كان يسابق بسحور الفجر عند خوف طلوعه وخوف فوات الصلاة بمقدار وصوله إلى المسجد. قال الزركشي: فعلى هذا يقرأ بضم السين إذ المراد تعجيل الأكل، وقول الحافظ ابن حجر: أنه لم ير في شيء من نسخ البخاري تأخير السحور لا يلزم منه العدم، فقد ثبت في اليونينية تأخير السحور، ولأبي ذر بلفظ: تعجيل السحور على ما مرّ. 1920 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي، ثُمَّ تَكُونُ سُرْعَتِي أَنْ أُدْرِكَ السُّجُودَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبالسند قال (حدّثنا محمد بن عبيد الله) بضم العين مصغرًا مضافًا المدني قال (حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت أتسحر في أهلي، ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود) بالدال أي صلاة الصبح (مع رسو الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللكشميهني كما في الفتح: أن أدرك السحور بالراء والصواب الأول. وهذا الحديث من أفراد البخاري، وقد أخرجه في باب: وقت الفجر من الصلاة وفيه تأخير السحور ومحله ما لم يشك في طلوع الفجر فإن شك لم يسن التأخير بل الأفضل تركه لحديث "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". 19 - باب قَدْرِ كَمْ بَيْنَ السَّحُورِ وَصَلاَةِ الْفَجْرِ (باب قدر كم بين) انتهاء (السحور و) إيتاء (صلاة الفجر) من الزمان. 1921 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ. قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُورِ؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً". وبالسند قال (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه-) أنه (قال): (تسحرنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قام إلى الصلاة). قال أنس (قلت): لزيد (كم كان بين الأذان والسحور؟ قال): زيد هو (قدر خمسين آية) أي قدر قراءتها. وهذا الحديث سبق في باب وقت الفجر. 20 - باب بَرَكَةِ السَّحُورِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ، لأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابَهُ وَاصَلُوا وَلَمْ يُذْكَرِ السَّحُورُ (باب بركة السحور من غير إيجاب) في محل نصب على الحال أي من غير أن يكون واجبًا ثم علل عدم الوجوب بقوله (لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) -رضي الله عنهم- (واصلوا) في صومهم من غير إفطار بالليل (ولم يذكر السحور) بضم الياء وفتح الكاف مبنيًّا للمفعول وفي نسخة ولم يذكر السحور مبنيًا للفاعل، وللكشميهني والنسفي فيما قاله في فتح الباري ولم يذكر سحور بدون الألف واللام، وفي بعض الأصول المعتمدة باب من ترك السحور الخ. 1922 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاصَلَ، فَوَاصَلَ النَّاسُ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَنَهَاهُمْ، قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَظَلُّ أُطْعَمُ وَأُسْقَى". [الحديث 1922 - طرفه في: 1962]. وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال (حدّثنا جويرية) ابن أسماء الضبعي البصري (عن نافع عن عبد الله) بن عمر (-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واصل)، بين الصومين من غير إفطار بالليل (فواصل الناس)، أيضًا تبعًا له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فشق عليهم)، أي الوصال لمشقة الجوع والعطش (فنهاهم)، عن الوصال لما رأى من المشقّة عليهم نهي إرشاد أو تحريم وهو المرجح عند الشافعية (قالوا: إنك) ولابن عساكر: فإنك (تواصل، قال:) عليه الصلاة والسلام: (لست كهيئتكم) أي ليست حالي كحالتكم أو لفظ الهيئة زائد والمراد لست كأحدكم (إني أظل) بفتح الهمزة والظاء المعجمة المشالة (أطعم وأسقى) بضم الهمزة فيهما مبنيين

21 - باب إذا نوى بالنهار صوما

للمفعول أي أعطى قوة الطاعم والشارب فليس المراد الحقيقة إذ لو أكل حقيقة لم يبق وصال. وفي هذا الحديث مباحث تأتي إن شاء الله تعالى في موضعها. 1923 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَسَحَّرُوا، فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً». وبه قال (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة وتخفيف الياء قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عبد العزيز بن صهيب) بضم الصاد المهملة وفتح الهاء مصغرًا (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال النبي) ولابن عساكر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (تسحروا)، هو تفعل من السحر وهو قبيل الصبح، وقال في الروضة. كأصلها ويدخل وقته بنصف الليل. قال السبكي: وفيه نظر لأن السحر لغة قبيل الفجر ومن ثم خصه ابن أبي الصيف اليمني بالسدس الأخير، والمراد الأكل في ذلك الوقت وذلك على معنى أن التفعل هنا في الزمن المصوغ من لفظه فإنه من معاني تفعل كما ذكره ابن مالك في التسهيل أو الأخذ في الأمر شيئًا فشيئًا ويحصل السحور بقليل المطعوم وكثيره والأمر به للندب (فإن في السحور) بفتح السين اسم لما يتسحر به وبالضم الفعل (بركة) بالنصب اسم أن وفي معنى كونه بركة وجوه أن يبارك في اليسير منه بحيث تحصل به الإعانة على الصوم. وفي حديث عليّ عند ابن عدي مرفوعًا "تسحروا ولو بشربة من ماء" زاد في حديث أبي أمامة عند الطبراني مرفوعًا "ولو بتمرة، ولو بحبات زبيب" الحديث. ويكون ذلك بالخاصية كما بورك في الثريد والاجتماع على الطعام، أو المراد بالبركة نفي التبعة. وفي حديث أبي هريرة مما ذكره في الفردوس: ثلاثة لا يحاسب عليها العبد أكلة السحور وما أفطر عليه وما أكل مع الإخوان أو المراد بها التقوى على الصيام وغيره من أعمال النهار. وفي حديث جابر عند ابن ماجة والحاكم مرفوعًا: استعينوا بطعام السحر على صيام النهار بالقيلولة على قيام الليل ويحصل به النشاط ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع أو المراد بها الأمور الأخروية فإن إقامة السنة توجب الأجر وزيادة. وقال القاضي عياض: قد تكون هذه البركة ما يتفق للمتسحر من ذكر أو صلاة أو استغفار وغير ذلك من زيادات الأعمال التي لولا القيام للسحور لكان الإنسان نائمًا عنها وتاركًا وتجديد النية للصوم ليخرج من خلاف من أوجب تجديدها إذا نام بعدها. وقال ابن دقيق العيد: ومما يعلل به استحباب السحور المخالفة لأهل الكتاب لأنه ممتنع عندهم وهذا أحد الوجوه المقتضية للزيادة في الأجور الأخروية. تنبيه إن قلنا أن المراد بالبركة الأجر والثواب فالسحور بالضم لأنه مصدر بمعنى التسحر وإن قلنا التقوية فبالفتح. وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة. 21 - باب إِذَا نَوَى بِالنَّهَارِ صَوْمًا وَقَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟ فَإِنْ قُلْنَا لاَ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ يَوْمِي هَذَا. وَفَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَحُذَيْفَةُ - رضي الله عنهم-. هذا (باب) بالتنوين (إذا نوى) الإنسان (بالنهار صومًا) فرضًا أو نفلاً هل يصح أو لا (وقالت أم الدرداء): خيرة مما وصله ابن أبي شيبة (كان أبو الدرداء) عويمر الأنصاري (يقول: عندكم طعام؟ فإن قلنا لا، قال: فإني صائم يومي هذا وفعله) أي ما فعل أبو الدرداء (أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري مما وصله عبد الرزاق (و) كذا فعله (أبو هريرة) مما وصله البيهقي (و) كذا (ابن عباس) مما وصله الطحاوي (و) كذا (حذيفة -رضي الله عنهم-) مما وصله عبد الرزاق وهذا كله في النفل قبل الزوال ويدل له قوله في أثر أم الدرداء عند ابن أبي شيبة كان أبو الدرداء يغدو أحيانًا فيسأل الغداء، وفي أثر أبي طلحة عند عبد الرزاق كان يأتي أهله فيقول هل من غداء، وقول ابن عباس لقد أصبحت وما أريد الصوم وما أكلت من طعام ولا شراب ولأصومن يومي هذا إذ الغداء بفتح الغين اسم لما يؤكل قبل الزوال وهذا مذهب الشافعية، واستدل له أيضًا بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لعائشة يومًا: "هل عندكم من غداء؟ " قالت: لا. قال: "فإني أصوم" رواه الدارقطني وصحح إسناده ويحكم بالصوم في ذلك من أول النهار فيثاب على جميعه. وفي أثر حذيفة عند عبد الرزاق أنه قال: من بدا له الصيام بعدما تزول الشمس فليصم، وإليه ذهب جماعة سواء كان قبل الزوال أو بعده وهو مذهب الحنابلة. وعبارة المرداوي في تنقيحه: ويصح صوم نفل بنية من النهار مطلقًا نصًّا ويحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية نصًّا. وقال مالك: لا يصوم في النافلة

إلا أن يبيت لقوله عليه الصلاة والسلام "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" ولحديث "الأعمال بالنيات" فالإمساك أول النهار عمل بلا نيّة وقياسًا على الصلاة إذ نفلها وفرضها في النية سواء. 1924 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ رَجُلاً يُنَادِي فِي النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ: أَنْ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ أَوْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلاَ يَأْكُلْ". [الحديث 1924 - طرفاه في: 2007، 7265]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن يزيد بن أبي عبيد) يزيد من الزيادة وعبيد مصغرًا مولى سلمة بن الأكوع (عن سلمة بن الأكوع) واسم الأكوع سنان بن عبد الله (-رضي الله عنه-) (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث رجلاً) هو هند بن أسماء بن حارثة الأسلمي كما عند أحمد وابن أبي خيثمة (ينادي في الناس يوم عاشوراء، أن) بفتح الهمزة وفي اليونينية بسكون النون مع فتح الهمزة ولأبي ذر أن بكسرها مع تشديد النون (من أكل فليتم) بسكون اللام ويجوز كسرها بلفظ الأمر للغائب والميم مفتوحة تخفيفًا أي ليمسك بقية يومه حرمة للوقت كما يمسك لو أصبح يوم الشك مفطرًا ثم ثبت أنه من رمضان - (أو) قال (فليصم)، شك من الراوي (ومن لم يأكل فلا يأكل). واستدلّ به أبو حنيفة على أن الفرض يجوز بنية من النهار لأن صوم عاشوراء كان فرضًا، وردّ بأنه إمساك لا صوم وبأن عاشوراء لم يكن فرضًا عند الجمهور وبأنه ليس منه أنه لا قضاء عليهم بل في أبي داود أنهم أتموا بقية اليوم وقضوه. واستدلّ الجمهور لاشتراط النية في صوم الفرض من الليل بحديث حفصة عند أصحاب السنن أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال "من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له" وهذا لفظ النسائي، ولأبي داود والترمذي: من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له، واختلف في رفعه ووقفه، ورجح الترمذي والنسائي الموقوف وعمل بظاهر الإسناد جماعة فصححوا الحديث المذكور منهم ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وروى له الدارقطني طريقًا أخرى وقال: رجالها ثقات وظاهره العموم في الصوم نفلاً أو فرضًا وهو محمول على الفرض بقرينة حديث عائشة السابق وهو قوله عليه الصلاة والسلام لها يومًا: هل عندكم من غداء؟ قالت: لا. قال: فإني إذن أصوم. قالت: وقال لي يومًا آخر: أعندكم شيء قلت: نعم. قال: إذن أفطر وإن كنت فرضت الصوم رواه الدارقطني وصحح إسناده فلا تجزئ النية مع طلوع الفجر لظاهر الحديث ولا تختص بالنصف الأخير من الليل لإطلاقه ولو شك في تقدمها الفجر لم يصح صومه لأن الأصل عدم التقدم ولا بد من التبييت لكل يوم لظاهر الحديث ولأن صوم كل يوم عبادة لتخلل اليومين ما يناقض الصوم كالصلاتين يتخللهما السلام. وقال المالكية: المشهور الاكتفاء بنية واحدة في أوّل ليلة من رمضان لجميعه في حق الحاضر الصحيح وأما المسافر والمريض فلا بدّ لكل منهما من التبييت في كل ليلة ولا بد عند الشافعية من كونها جازمة معينة كالصلاة بخلاف الحنفية فلم يشترطوا التعيين. وهذا الحديث من الثلاثيات، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصيام وفي خبر الواحد ومسلم والنسائي في الصوم. 22 - باب الصَّائِمِ يُصْبِحُ جُنُبًا (باب الصائم) حال كونه (يصبح جنبًا) هل يصح صومه أم لا. 1925، 1926 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: "كُنْتُ أَنَا وَأَبِي حِينَ دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ ح. 1926 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَ مَرْوَانَ أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتَاهُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ. وَقَالَ مَرْوَانُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتُقَرِّعَنَّ بِهَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَمَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. ثُمَّ قُدِّرَ لَنَا أَنْ نَجْتَمِعَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ -وَكَانَتْ لأَبِي هُرَيْرَةَ هُنَالِكَ أَرْضٌ- فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكَ أَمْرًا، وَلَوْلاَ مَرْوَانُ أَقْسَمَ عَلَىَّ فِيهِ لَمْ أَذْكُرْهُ لَكَ. فَذَكَرَ قَوْلَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ: كَذَلِكَ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَهُنَّ أَعْلَمُ"، وَقَالَ هَمَّامٌ وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ" وَالأَوَّلُ أَسْنَدُ. [الحديث 1925 - طرفاه في: 1930، 1931]. [الحديث 1926 - طرفه في: 1932]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن سمي) بضم السين وفتح الميم وتشديد التحتية (مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام بن المغيرة) القرشي (أنه سمع) مولاه (أبا بكر بن عبد الرحمن) راهب قريش (قال: كنت أنا وأبي) عبد الرحمن بن الحرث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم القرشي المخزومي ابن عم عكرمة بن أبي جهل بن هشام (حين) ولأبي ذر: حتى (دخلنا على عائشة وأم سلمة) هند بنت أبي أمية (ح) للتحويل. (حدّثنا) ولأبي ذر وحدّثنا (أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب،) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أباه عبد الرحمن أخبر مروان) بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن قصي الأموي القرشي ولد بعد الهجرة بسنتين ولم يصح له سماع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولي الخلافة تسعة

23 - باب المباشرة للصائم

أشهر وتوفي في رمضان سنة خمس وستين (أن عائشة وأم سلمة أخبرتاه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يدركه الفجر وهو) أي والحال أنه (جنب من) جماع (أهله)، وفي رواية يونس عن ابن شهاب عن عروة وأبي بكر بن عبد الرحمن عن عائشة قالت: كان يدركه الفجر في رمضان من غير حلم، وللنسائي عنها من غير احتلام وفي لفظ له: كان يصبح جنبًا مني (ثم يغتسل ويصوم). بيانًا للجواز، وإلاّ فالأفضل الغسل قبل الفجر والاحتلام يطلق على الإنزال وقد يقع الإنزال من غير رؤية شيء في المنام وأرادت بالتقييد بالجماع من غير احتلام المبالغة في الرد على من زعم أن فاعل ذلك عمدًا مفطر. (وقال) ولابن عساكر فقال (مروان) بن الحكم (لعبد الرحمن بن الحارث أقسم بالله لتقرعن) بفتح القاف وتشديد الراء من التقريع وهو التعنيف ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لتفزعن بالفاء الساكنة والزاي المكسورة من الإفزاع أي لتخوفن (بها) أبي بالمقالة المذكورة (أبا هريرة)، وذلك لأن أبا هريرة كان يرى أن من أصبح جنبًا من جماع لا يصح صومه لحديث الفضل بن عباس في مسلم، وحديث أسامة في النسائي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من أدركه الفجر جنبًا فلا يصم، وفي النسائي عن أبي هريرة أنه قال: لا ورب هذا البيت ما أنا قلت من أدركه الصبح وهو جنب فلا يصوم محمد ورب الكعبة قاله (ومروان يومئذٍ) حاكم (على المدينة)، من قبل معاوية بن أبي سفيان (فقال أبو بكر: فكره ذلك) أي فعل ما قاله مروان من تقريع أبي هريرة وتعنيفه مما كان يراه أبي (عبد الرحمن. ثم) بعد ذلك (قدّرنا أن نجتمع) بأبي هريرة (بذي الحليفة). ميقات أهل المدينة (وكانت لأبي هريرة هنالك أرض فقال عبد الرحمن لأبي هريرة: إني ذاكر لك أمرًا)، وللكشميهني كما قاله الحافظ ابن حجر: إني أذكر بصيغة المضارع (ولولا مروان أقسم عليّ فيه لم أذكره لك). وللكشميهني كما في الفتح: لم أذكر ذلك (فذكر) عبد الرحمن له (قول عائشة وأم سلمة) وفي رواية معمر عن ابن شهاب فتلوّن وجه أبي هريرة (فقال: كذلك) أي الذي رأيته من كون من أدركه الفجر جنبًا لا يصوم (حدثني) بالإفراد (الفضل بن عباس وهو أعلم). بما روى والعهدة في ذلك عليه لا عليّ. وفي رواية النسفيّ عن البخاري كما قاله الحافظ ابن حجر وهن أعلم أي أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكذا في رواية معمر، وفي رواية ابن جريج فقال أبو هريرة: أهما قالتاه؟ قال: نعم. قال: هما أعلم، وهذا يرجح رواية النسفيّ. وزاد ابن جريج في روايته فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك وترك حديث الفضل وأسامة ورآه منسوخًا وفي قوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} [البقرة: 187] دلالة وإشارة إليه وحديث عائشة وأم سلمة يرجح على غيرهما لأنهما ترويان ذلك عن مشاهدة بخلاف غيرهما. وفي هذا الحديث أربعة من التابعين أبو بكر وأبوه والزهري ومروان. (وقال همام) هو ابن منبه مما وصله أحمد وابن حبان (وابن عبد الله بن عمر) قيل هو سالم، وقيل عبد الله، وقيل عبيد الله بالتكبير والتصغير مما وصله عبد الرزاق (عن أبي هريرة) (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمر بالفطر) ولابن عساكر: يأمرنا بالفطر. قال المؤلّف (والأول) أي حديث عائشة وأم سلمة (أسند) أي أظهر اتصالاً. وقال في الفتح يقوى إسنادًا من حيث الرجحان لأنه جاء عنهما من طرق كثيرة جدًّا بمعنى واحد حتى قال ابن عبد البر أنه صح وتواتر، وأما أبو هريرة فأكثر الروايات عنه أنه كان يفتي به ولم يسمع ذلك من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما سمعه عنه بواسطة الفضل وأسامة، وأما حلفه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاله، كما مرّ فكأنه لشدة وثوقه بخبرهما يحلف على ذلك وقد رجع عن ذلك. 23 - باب الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَرْجُهَا. (باب) حكم (المباشرة للصائم). أي لمس بشرة الرجل بشرة المرأة ونحو ذلك لا الجماع (وقالت عائشة -رضي الله عنها-): مما وصله الطحاوى (يحرم عليه) أي على الصائم (فرجها) أي فرج امرأته. 1927 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ". وَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {مَآرِبُ}: حَاجَةٌ. قَالَ طَاوُسٌ {أُولِي الإِرْبَةِ}: الأَحْمَقُ لاَ حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ. وقال جابرُ بنُ زيدٍ: إن نَظَرَ فأمْنى يُتمُّ صَومَهُ. [الحديث 1927 - طرفه في: 1928]. وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب قال عن شعبة) بن الحجاج وسقط. لفظ

قال لأبي ذر وابن عساكر ولأبي ذرّ عن الكشميهني: عن سعيد بدل شعبة. قال الحافظ ابن حجر: وهو غلط فاحش فليس في شيوخ سليمان بن حرب أحد اسمه سعيد حدثه عن الحكم، وكذا وقع عند الإسماعيلي عن يوسف القاضي عن سليمان بن حربِ عن شعبة (عن الحكم) بن عتيبة مصغرًا (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد خال إبراهيم (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقبل) بعض أزواجه (ويباشر) بعضهم من عطف العام على الخاص لأن المباشرة أعم من التقبيل والمراد غير الجماع كما مر (وهو صائم، وكان) عليه الصلاة والسلام (أملككم لإربه) بكسر الهمزة وإسكان الراء في الفرع وغيره أي عضوه وعنت الذكر خاصة للقرينة الدالة عليه ويروى بفتح الهمزة والراء وقدمه في فتح الباري وقال: إنه أشهر، وإلى ترجيحه أشار البخاري بما أورده من التفسير أي أغلبكم لهواه وحاجته. وقال التوربشتي حمل الإرب ساكن الراء على العضو في هذا الحديث غير سديد لا يغتر به إلا جاهل بوجوه حسن الخطاب مائل عن سنن الأدب ونهج الصواب. وأجاب الطيبي: بأنها ذكرت أنواع الشهوة ومترقية من الأدنى إلى الأعلى فبدأت بمقدّمتها التي هي القبلة ثم ثنت بالمباشرة من نحو المداعبة والمعانقة وأرادت أن تعبر عن الجامعة فكنت عنها بالإرب وأي عبارة أحسن منها اهـ. وفي الموطأ رواية عبيد الله أيكم أملك لنفسه، وبذلك فسره الترمذي في جامعه فقال: ومعنى لإربه لنفسه. قال الحافظ الزين العراقي: وهو أولى الأقوال بالصواب لأن أولى ما فسر به الغريب ما ورد في بعض طرق الحديث، وقد أشارت عائشة -رضي الله عنها- بقولها: وكان أملككم لإربه إلى أنه تباح القبلة والمباشرة بغير الجماع لمن يكون مالكًا لإربه دون من لا يأمن من الإنزال أو الجماع وظاهره أنها أعتقدت خصوصية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك لكن ثبت عنها صريحًا إباحة ذلك حيث قالت فيما سبق أول الباب يحل له كل شيء إلا الجماع فيحمل النهي هنا عنه على كراهة التنزيه لأنها لا تنافي الإباحة. وفي كتاب الصيام ليوسف القاضي بلفظ سئلت عائشة عن المباشرة للصائم فكرهتها وكان هذا هو السرّ في تصدير البخاري بالأثر الأول عنها لأنه يفسر مرادها بما ذكرته مما يدل على الكراهة ويدل على أنها لا ترى بتحريمها ولا بكونها من الخصائص ما في الموطأ أن عائشة بنت طلحة كانت عند عائشة فدخل عليها زوجها وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فقالت له عائشة: ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتلاعبها وتقبلها قال: أقبلها وأنا صائم؟ قالت: نعم. ولا يخفى أن محل هذا مع الأمن فإن حرك ذلك شهوة حرم لأن فيه تعريضًا لإفساد العبادة، ولحديث الصحيحين: "من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه". وروى البيهقي بإسناد صحيح عن عائشة -رضي الله عنها- أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص في القبلة للشيخ وهو صائم ونهى عنها الشاب وقال: الشيخ يملك إربه والشاب يفسد صومه ففهمنا من التعليل أنه دائر مع تحريك الشهوة بالمعنى المذكور والتعبير بالشيخ والشاب جرى على الأغلب من أحوال الشيوخ في انكسار شهوتهم ومن أحوال الشباب في قوّة شهوتهم فلو انعكس الأمر انعكس الحكم، ولو ضم المرأة إلى نفسه بحائل فأنزل لا يفطر إذ لا مباشرة كالاحتلام وخرج بالحائل ضمها بدونه فيبطل ولو لم شعرها فأنزل قال في المجموع قال المتولي: ففي فطره وجهان بناء على انتقاض الوضوء بلمسه ولو أنزل عضوها المبان لم يفطر قاله في البحر. (وقال) المؤلّف: (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله ابن أبي حاتم (مآرب) بفتح الهمزة ممدودة أي (حاجة). بالإفراد، ولأبي ذر عن الكشميهني: حاجات بالجمع، وللحموي والمستملي: مأرب بسكون الهمزة حاجة. (قال طاوس) في تفسير قوله: ({أولي الأربة}): ولأبي ذر غير أولي الإربة (الأحمق لا حاجة له في النساء) وهذا وصله عبد الرزاق في تفسيره، ووقع في رواية أبي ذر هنا زيادة كما نبه عليها الحافظ ابن حجر وهي (وقال جابر بن زيد) أبو الشعثاء مما وصله ابن أبي شيبة (إن نظر فأمنى يتم صومه) ولا يبطل لأنه إنزال

24 - باب القبلة للصائم

من غير مباشرة كالاحتلام وهذا بخلاف الإنزال باللمس أو القبلة أو المضاجعة فإنه يفسده لأنه إنزال بمباشرة. 24 - باب الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ 1928 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ ضَحِكَتْ". (باب) بيان حكم (القبلة للصائم) وسقط الباب والترجمة لأبي ذر (وقال جابر بن زيد إن نظر فأمنى يتم صومه) كذا ثبت هذا الأثر هنا في غير رواية أبي ذر وثبت في روايته في آخر الباب السابق مع إِسقاط الباب والترجمة كما مرّ، ومناسبته للبابين من جهة التفرقة بين من يقع منه الإنزال باختياره ومن يقع منه بغير اختياره. وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الزمن البصري قال: (حدّثنا) بالجمع، ولابن عساكر: حدثني (يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح) للتحويل. (وحدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن هشام عن أبيه) عروة (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: إن كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إن مخففة من الثقيلة دخلت على الجملة الفعلية فيجب إهمالها واللام في قوله (ليقبل) للتأكيد وهي مفتوحة (بعض أزواجه) هي عائشة نفسها كما في مسلم أو أم سلمة كما في البخاري (وهو صائم) جملة حالية (ثم ضحكت) تنبيهًا على أنها صاحبة القصة ليكون ذلك أبلغ في الثفة بها أو تعجبًا ممن خالفها في ذلك أو تعجبت من نفسها إذ حدثت بمثل هذا مما يستحيا من ذكر النساء مثله للرجال، ولكنها ألجأتها الضرورة في تبليغ العلم إلى ذكر ذلك أو سرورًا بمكانها من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومحبته لها، وقد روى ابن أبي شيبة عن شريك عن هشام فضحكت وظننا أنها هي. 1929 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا -رضي الله عنهما- قَالَتْ: "بَيْنَمَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْخَمِيلَةِ إِذْ حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي، فَقَالَ: مَا لَكِ، أَنُفِسْتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَدَخَلْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ، وَكَانَتْ هِيَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَغْتَسِلاَنِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ". وبه قال (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام بن أبي عبد الله) سنبر بمهملة مفتوحة فنون ساكنة فموحدة مفتوحة وزن جعفر الدستوائي بفتح الدال وسكون السين المهملتين وفتح (المثناة الفوقية ممدودًا قال: (حدّثنا يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن زينب ابنة أم سلمة) الصحابية (عن أمها) أم سلمة هند بنت أبي أمية أم المؤمنين (-رضي الله عنها- قالت: بينما) بالميم (أنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الخميلة) بفتح الخاء المعجمة ثوب من صوف له علم (إذ حضت) جواب بينما (فانسلك) ذهبت في خفية لئلا يصيبه عليه الصلاة والسلام شيء من دمها أو تقذرت نفسها أن تضاجعه وهى بهذه الحالة (فأخذت ثياب حيضتي)، بكسر الحاء. قال النووي: وهو الصحيح المشهور أي ثيابي التي أعددتها لألبسها حالة الحيض (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما لك أنفست) بفتح النون، ولأبي ذر: أنفست بضمها أي أحضت (قلت نعم) حضت زاد في باب من سمى النفاس حيضًا من كتاب الحيض فدعاني (فدخلت معه في الخميلة. وكانت هي ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يغتسلان من إناء واحد)، وكلاهما جنب (وكان) عليه الصلاة والسلام (يقبلها وهو صائم) لأن ذلك لا يؤثر فيه لشدة تقواه وورعه فكل من أمن على نفسه الإنزال أو الجماع كان في معناه فليلتحق به في حكمه ومن ليس في معناه فهو مغاير له في هذا الحكم وهذا أرجح الأقوال، وقد أجمع العلماء على أن من كره القبلة لم يكرهها لنفسها وإنما كرهها خشية ما تؤول إليه من الإنزال ومن بديع ما روي في ذلك حديث عمر بن الخطاب أنه قال: هششت فقبلت وأنا صائم فقلت: يا رسول الله صنعت اليوم أمرًا عظيمًا فقبلت وأنا صائم. قال: أو رأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم قلت لا بأس قال فمه. رواه أبو داود والنسائي قال النسائي منكر وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. قال المازري: فأشار إلى فقه بديع وذلك أن المضمضة لا تنقض الصوم وهي أول الشرب ومفتاحه كما أن القبلة من دواعي الجماع ومفتاحه والشرب يفسد الصوم كما يفسده الجماع فكما ثبت عندهم أن أوائل الشرب لا تفسد الصوم فكذلك أوائل الجماع، ولو قبّل فأمذى بالذال المعجمة لم يكن عليه شيء عند الشافعية والحنفية. وقال مالك: عليه القضاء وقال متأخرو أصحابه البغداديون القضاء هنا استحباب، وحكى ابن قدامة الفطر فيه

25 - باب اغتسال الصائم

عن أحمد ثم إن المتبادر إلى الفهم من القبلة تقبيل الفم، لكن قال النووي في شرح المهذّب سواء قبل الفم أو الخدّ أو غيرهما. وهذا الحديث قد سبق في باب من سمى النفاس حيضًا. 25 - باب اغْتِسَالِ الصَّائِمِ وَبَلَّ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- ثَوْبًا فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ. وَدَخَلَ الشَّعْبِيُّ الْحَمَّامَ وَهُوَ صَائِمٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَتَطَعَّمَ الْقِدْرَ أَوِ الشَّىْءَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالتَّبَرُّدِ لِلصَّائِمِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا كَانَ صَوْمُ أَحَدِكُمْ فَلْيُصْبِحْ دَهِينًا مُتَرَجِّلاً. وَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّ لِي أَبْزَنَ أَتَقَحَّمُ فِيهِ وَأَنَا صَائِمٌ. وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ اسْتَاكَ وَهُوَ صَائِمٌ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَسْتَاكُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ وَلاَ يَبْلَعُ رِيقَهُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنِ ازْدَرَدَ رِيقَهُ لاَ أَقُولُ يُفْطِرُ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لاَ بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ. قِيلَ: لَهُ طَعْمٌ. قَالَ: وَالْمَاءُ لَهُ طَعْمٌ وَأَنْتَ تُمَضْمِضُ بِهِ وَلَمْ يَرَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ بِالْكُحْلِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا. (باب اغتسال الصائم. وبلّ ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-) فيما رواه ابن أبي شيبة (ثوبًا) بالماء (فألقاه عليه وهو صائم) ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي: فألقي عليه مبنيًّا للمفعول وكأنه أمر غيره فألقاه عليه. ووجه المطابقة أن الثوب المبلول إذا ألقي على البدن بله فيشبه ما إذا صب عليه الماء. (ودخل الشعبي) عامر بن شراحيل (الحمام وهو صائم). رواه ابن أبي شيبة موصولاً. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: (لا بأس أن يتطعم القدر) بكسر القاف ما يطبخ فيه أي من طعام القدر (أو الشيء) من المطعومات فهو من عطف العام على الخاص وهذا وصله ابن أبي شيبة ورواه البيهقي. ووجه المطابقة من حيث أن التطعم من الشيء هو إدخال الطعام في الفم من غير بلع ولا يضر الصوم فإيصال الماء إلى البشرة بالطريق الأولى لا يضر. (وقال الحسن) البصري: (لا بأس بالمضمضة والتبرد للصائم). قال العيني مطابقته للترجمة من حيث أن المضمضة جزء من الغسل، وقال في فتح الباري: وصله عبد الرزاق بمعناه (وقال ابن مسعود: إذا كان صوم) ولأبي ذر: إذا كان يوم صوم (أحدكم فليصبح دهينًا) أي مدهونًا فعيلاً بمعنى مفعول (مترجلاً) من الترجل وهو تسريح الشعر وتنظيفه وقول الحافظ ابن حجر في وجه المطابقة هي أن المانع من الاغتسال لعله سلك به مسلك استحباب التقشف في الصيام كما ورد مثله في الحج فالادهان والترجل في مخالفة التقشف كالاغتسال. تعقبه العيني بأن الترجمة في جواز الاغتسال لا في منعه وكذلك أثر ابن مسعود في الجواز لا في المنع فكيف يجعل الجواز مناسبًا للمنع اهـ. وقال ابن المنير الكبير أراد البخاري الرد على من كره الاغتسال للصائم لأنه إن كرهه خشية وصول الماء حلقه فالعلة باطلة بالمضمضة والسواك وبذوق القدر ونحو ذلك، وإن كرهه للرفاهية فقد استحب السلف للصائم الترفه والتجمل بالترجل والادّهان والكحل ونحو ذلك ولذلك ساق هذه الآثار. قال العيني: وهذا أقرب إلى القبول. (وقال أنس): هو ابن مالك -رضي الله عنه- مما وصله قاسم بن ثابت في غريب الحديث له (إن لي أبزن) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح الزاي آخره نون. وقال عياض بكسم الهمزة أيضًا وفي القاموس بتثليثها. وقال الكرماني. وفي بعضها بقصر الهمزة. قال البرماوي: وهو يدل على أنه بالمد والقصر منسوب على أنه اسم إن، ولأبي ذر: أبزن بالرفع. قال الزركشي على أنه اسم إن ضمير الشأن والجملة بعدها مبتدأ وخبر في موضع رفع على أنها خبر إن وضعفه في المصابيح والروايتان في الفرع منوّنتان وفي غيره بغير تنوين لأنه فارسي فلذلك لم يصرف. قال الكرماني: هي كلمة مركبة من آب وهو الماء ومن زن وهو المرأة لأن ذلك تتخذه النساء غالبًا وحيث عرّب أعرب. قال في القاموس: هو حوض يغتسل فيه وقد يتخذ من نحاس اهـ. (أتقحم) بفتح الهمزة والفوقية والمهملة المشددة بعدها ميم أي ألقي نفسي (فيه وأنا صائم). إذا وجدت الحر أتبرد بذلك (ويذكر) بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه استاك وهو صائم) رواه أبو داود وغيره من حديث عامر بن ربيعة عن أبيه وحسنه الترمذي، لكن قال النووي في الخلاصة: مداره على عاصم بن عبيد الله وقد ضعفه الجمهور فلعله اعتضد. ومطابقة الحديث للترجمة قيل من حيث إن السواك مطهرة للفم كما أن الاغتسال مطهر للبدن وسقط قوله ويذكر الخ عند ابن عساكر. (وقال ابن عمر) مما وصله ابن أبي شيبة بمعناه: (يستاك) الصائم (أوّل النهار وآخره) ولأبي ذر: ونسبه في الفتح لنسخة الصغاني ولا يبلع ريقه وهو ساقط عند ابن عساكر (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح (إن ازدرد) أي ابتلع (ريقه لا أقول يفطر) به إذا كان طاهرًا صرفًا ولم ينفصل من معدته

26 - باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيا

لعسر التحرز عنه وخرج بالطاهر النجس كما لو دميت لثته وإن صفا وبالصرف المخلوط بغيره وإن كان طاهرًا فلو نزل معه شيء من بين أسنانه إلى جوفه بطل صومه إن أمكنه مجه لكونه غير صرف. وقال الحنفية: إذا ابتلع قدرًا يسيرًا من الطعام من بين أسنانه ذاكرًا لصومه لا يفسد عندنا لأنه لا يمكن الاحتراز عنه عادة فصار بمنزلة ريقه والكثير يمكن الاحتراز عنه وسقط قوله، وقال عطاء الخ في رواية ابن عساكر. (وقال ابن سيرين): محمد مما وصله ابن أبي شيبة بمعناه (لا بأس) أن يتسوّك (بالسواك الرطب. قيل له طعم. قال): ابن سيرين (والماء له طعم وأنت تمضمض به) فاك بضم الفوقية وكسر الميم الثانية، ولأبي ذر: تمضمض بفتح الفوقية والميم (ولم ير أنس) هو ابن مالك الصحابي -رضي الله عنه- مما وصله أبو داود (والحسن) البصري مما وصله عبد الرزاق بإسناد صحيح (وإبراهيم) النخعي مما رواه سعيد بن منصور (بالكحل للصائم بأسًا) ولو تشربته المسام لأنه لم يصل في منفذ مفتوح كما لا يبطله الانغماس في الماء وإن وجد أثره بباطنه وهذا مذهب الشافعية والحنفية. وقال المالكية والحنابلة: إن اكتحل بما يتحقق معه الوصول إلى حلقه من كحل أو صبر أو قطور أو ذرور أو إثمد كثير أو يسير مطيب أفطر. 1930 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَأَبِي بَكْرٍ قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ". وبالسند قال (حدّثنا أحمد بن صالح) المصري المعروف بابن الطبراني قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري قال: (حدّثنا يونس) بن يزيد الإيلي (عن ابن شهاب) محمد بن سلم الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوام (وأبي بكر) هو ابن عبد الرحمن بن الحرث أنهما قالا (قالت عائشة -رضي الله عنها-: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدركه الفجر جنبًا في رمضان من) جنابة (غير حلم) بضمتين ويجوز سكون اللام وأسقط الموصوف وهو جنابة اكتفاء بالصفة عنه لظهوره وقولها من غير حلم لا يلزم منه أنه عليه الصلاة والسلام يحتلم بل هو صفة لازمة مثل ويقتلون النبيين بغير حق والاحتلام من نلاعب الشيطان فلا يجوز على الأنبياء (فيغتسل ويصوم). وهذا موضع الترجمة وهذا الحديث سبق قريبًا. 1931 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: "كُنْتُ أَنَا وَأَبِي، فَذَهَبْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنْ كَانَ لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلاَمٍ ثُمَّ يَصُومُهُ". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس الأصبحي (قال حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن سمي) بضم السين وفتح الميم وتشديد الياء التحتية (مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام بن المغيرة أنه سمع) مولاه (أبا بكر بن عبد الرحمن) يقول: (كنت أنا وأبي فذهبت معه حتى دخلنا على عائشة -رضي الله عنها- قالت: أشهد على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن كان ليصبح جنبًا من جماع غير احتلام ثم يصومه) أي اليوم الذي يصبح فيه جنبًا. 1932 - ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ. (ثم دخلنا على أم سلمة فقالت مثل ذلك) القول الذي قالته عائشة رضي الله عنها، وزاد في باب: الصائم يصبح جنبًا ثم يغتسل وبذلك تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة. 26 - باب الصَّائِمِ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنِ اسْتَنْثَرَ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ لاَ بَأْسَ إِنْ لَمْ يَمْلِكْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ الذُّبَابُ فَلاَ شَىْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: إِنْ جَامَعَ نَاسِيًا فَلاَ شَىْءَ عَلَيْهِ. (باب) حكم (الصائم إذا أكل أو شرب) حال كونه (ناسيًا وقال عطاء): هي ابن أبي رباح مما وصله ابن أبي شيبة (إن استنثر فدخل الماء) من خياشيمه (في حلقه لا بأس به) ليس هو جواب الشرط إلا لكان بالفاء بل هو مفسر لجوابه المحذوف والجملة الشرطية وهي قوله (إن لم يملك) جزاء لقوله إن استنثر، وقوله: إن لم يملك أي دفعه بل دخل في حلقه غلبة فإن ملك دفعه فلم يدفعه حتى دخل أفطر وسقط لفظة أن في رواية أبي ذر وابن عساكر كما في الفرع وأصله. وقال الحافظ ابن حجر والنسفيّ بدل ابن عساكر وحينئذٍ فهي جملة مستأنفة كالتعليل لقوله لا بأس والفاء في لا بأس محذوفة كقوله: من يفعل الحسنات الله يشكرها. (وقال الحسن) البصري مما وصله ابن أبي شيبة (إن دخل حلقه) أي الصائم (الذباب فلا شيء عليه). ومن فطر ولا غيره وهو مذهب الأئمة الأربعة. (وقال الحسن) أيضًا مما وصله عبد الرزاق (ومجاهد): مما وصله أيضًا عبد الرزاق (إن جامع) حال كونه (ناسيًا فلا شيء عليه) من فطر ولا غيره كالأكل ناسيًا فلو تعمد بطل إجماعًا. وقال الحنابلة: يفطر وعليه القضاء والكفارة عامدًا كان أو ناسيًا. قال المرداوي: نقله الجماعة عن الإمام

27 - باب سواك الرطب واليابس للصائم

أحمد وعليه أكثر الأصحاب قال الزركشي الحنبلي وهو المشهور عن أحمد وهو المختار لعامة أصحابه وهو من مفردات المذهب وعنه لا يكفر واختاره ابن بطة. قال الزركشي: ولعله مبني على أن الكفارة ماحية ومع النسيان لا إثم يمحى وعنه ولا يقضى أيضًا. 1933 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ». [الحديث 1933 - طرفه في: 6669]. وبالسند قال (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي البصري الأصل قال (أخبرنا يزيد بن زريع) مصغرًا قال (حدّثنا هشام) هو القردوسي كما صرح به مسلم في صحيحه لا الدستوائي وإن قاله الحافظ ابن حجر قال: (حدّثنا ابن سيرين) محمد (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا نسي) الصائم (فأكل وشرب) سواء كان قليلاً أو كثيرًا كما رجحه النووي لظاهر إطلاق الحديث وقد روى عبد الرزاق عن عمرو بن دينار أن إنسانًا جاء إلى أبي هريرة -رضي الله عنه- فقال أصبحت صائمًا فنسيت فطعمت فقال لا بأس. قال: ثم دخلت إلى إنسان فنسيت فطعمت وشربت. قال: لا بأس الله أطعمك وسقاك. قال: ثم دخلت على آخر فنسيت فطعمت فقال أبو هريرة: أنت إنسان لم تتعوّد الصيام، ويروى أو شرب واقتصر عليهما دون باقي المفطرات لأنهما الغالب. (فليتم صومه)، بفتح الميم ويجوز كسرها على التقاء الساكنين وسمى الذي يتم صومًا وظاهره حمله على الحقيقة الشرعية وإذا كان صومًا وقع مجزئًا ويلزم من ذلك عدم وجوب القضاء قاله ابن دقيق العيد، وهذا الحديث دليل على الإمام مالك حيث قال: إن الصوم يبطل بالنسيان ويجب القضاء. وأجيب: بأن المراد من هذا الحديث إتمام صورة الصوم، وأجيب بما سبق من حمل الصوم على الحقيقة الشرعية وإذا دار اللفظ بين حمله على المعنى اللغوي والشرعي كان حمله على الشرعي أولى، وقد أخرج ابنا خزيمة وحبان والحاكم والدارقطني من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة: من أفطر في شهر رمضان ناسيًا فلا قضاء عليه ولا كفارة فصرح بإسقاط القضاء والكفارة. قال الدارقطني: تفرد به محمد بن مرزوق وهو ثقة عن الأنصاري. وأجيب: بأن ابن خزيمة أخرجه أيضًا عن إبراهيم بن محمد الباهلي وبأن الحاكم أخرجه من طريق أبي حاتم الرازي كلاهما عن الأنصاري فهو المنفرد به كما قال البيهقي وهو ثقة وحينئذٍ، فقول ابن دقيق العيد أن قول مالك بوجوب القضاء هو القياس فإن الصوم قد فات ركنه وهو من باب المأمورات، والقاعدة تقتضي أن النسيان لا يؤثر في باب المأمورات فيه نظر فإن القياس شرطه عدم مخالفة النص قاله البرماوي في شرح العمدة ثم علل كون الناسي لا يفطر بقوله: (فإنما أطعمه الله وسقاه) ليس له فيه مدخل وقال الطيبي "إنما" للحصر أي ما أطعمه أحد ولا سقاه إلا الله فدلّ على أن هذا النسيان من الله تعالى ومن لطفه في حق عباده تيسيرًا عليهم ودفعًا للحرج، وقال الخطابي: النسيان ضرورة والأفعال الضرورية غير مضافة في الحكم إلى فاعلها ولا يؤاخذ بها والله أعلم. وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 27 - باب سِوَاكِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ لِلصَّائِمِ وَيُذْكَرُ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لاَ أُحْصِي أَوْ أَعُدُّ". وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ». وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ جَابِرٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَمْ يَخُصَّ الصَّائِمَ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ». وَقَالَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ: يَبْتَلِعُ رِيقَهُ. (باب) حكم استعمال (السواك الرطب واليابس للصائم) بتعريف السواك والرطب واليابس صفتان له، ولغير الكشميهني: باب سواك الرطب واليابس أي سواك الشجر الرطب كقولهم مسجد الجامع أي مسجد الموضع الجامع بتقدير موصوف لأن الصفة لا تضاف إلى موصوفها. وأجيب: بأن مذهب الكوفيين في هذا أن الصفة يذهب بها مذهب الجنس ثم يضاف الموصوف إليه كما يضاف بعض الجنس إليه نحو خاتم حديد وحينئذٍ فلا يحتاج إلى تقدير محذوف. (ويذكر) بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (عن عامر بن ربيعة) مما وصله أبو داود والترمذي أنه (قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستاك وهو صائم ما لا أحصي أو أعد) شك من الراوي ومداره على عاصم بن عبيد الله قال البخاري: منكر الحديث لكن حسنه الترمذي فلعله اعتضد، ومن ثم ذكره المؤلّف بصيغة التمريض، وفي الحديث إشعار

بملازمة السواك ولم يخص رطبًا من يابس. (وقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- مما وصله النسائي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء) أعم من أن يكون السواك رطبًا أو يابسًا في رمضان أو غيره قبل الزوال أو بعده، واستدلّ به الشافعي على أن السواك ليس بواجب قال لأنه لو كان واجبًا أمرهم به شق عليهم أو لم يشق (ويروى نحوه) أي نحو حديث أبي هريرة (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري مما وصله أبو نعيم في كتاب السواك من طريق عبد الله بن عقيل عنه بلفظ مع كل صلاة وعبد الله مختلف فيه (وزيد بن خالد) الجهني مما وصله أحمد وأصحاب السنن بلفظ عند كل صلاة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). قال البخاري (ولم يخص) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما رواه عنه أبو هريرة وجابر وزيد بن خالد (الصائم من غيره) أي ولا السواك اليابس من غيره وهذا على طريقة المؤلّف في أن المطلق يسلك به مسلك العموم أو أن العام في الأشخاص عام في الأحوال. (وقالت عائشة) -رضي الله عنها- مما وصله أحمد والنسائي وابنا خزيمة وحبان: (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (السواك مطهرة للفم) بفتح الميم وكسرها مصدر ميمي يحتمل أن يكون بمعنى الفاعل أي مطهر للفم أو بمعنى الآلة (مرضاة للرب). بفتح الميم مصدر ميمي بمعنى الرضا. قال المظهري: ويجوز أن يكون بمعنى المفعول أي مرضي الرب. وقال الطيبي يمكن أن يقال أنها مثل الولد مبخلة مجبنة أي السواك مظنة للطهارة والرضا أي يحمل السواك الرجل على الطهارة ورضا الرب وعطف مرضاة يحتمل الترتيب بأن تكون الطهارة به علة للرضًا وأن يكونا مستقلين في العلية. (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح مما وصله سعيد بن منصور (وقتادة) بن دعامة مما وصله عبد بن حميد في التفسير عن ابن جريج عنه (يبتلع ريقه) بتاء مثناة فوقية بعد الموحدة من باب الافتعال قال في الفتح وللمستملي: يبلغ بغير مثناة أي من البلع، وللحموي: يتبلّع بتقديم المثناة على الموحدة وتشديد اللام مفتوحة من باب التفعل الدال على التكلف، وقد وقع في رواية غير أبي ذر في هذه التعاليق تقديم وتأخير وعلى هذا الترتيب مشى في الأصل وفرعه إلا أنه رقم على قوله. وقال أبو هريرة ميم مع علامة أبي ذر ثم كذلك على قوله. وقالت عائشة وذلك علامة التقديم والتأخير فليعلم. 1934 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حُمْرَانَ: "رَأَيْتُ عُثْمَانَ -رضي الله عنه- تَوَضَّأَ: فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلاَثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمَرْفِقِ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى إِلَى الْمَرْفِقِ ثَلاَثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلاَثًا، ثُمَّ الْيُسْرَى ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بِشَىْءٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". وبالسند قال (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة قال (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال (أخبرنا معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد الأزدي (قال: حدثني) بالإفراد (الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عطاء بن يزيد) الليثي المدني نزيل الشأم (عن حمران) بضم الحاء المهملة وسكون الميم ابن أبان مولى عثمان بن عفان أنه (قال: رأيت عثمان -رضي الله عنه- توضأ) وضوءًا كاملاً جامعًا للسنن كالمضمضة والاستنشاق والسواك (فأفرغ) الفاء للتفسير أي صب (على يديه) إفراغًا (ثلاثًا، ثم تمضمض) ولأبي ذر وابن عساكر في نسخة ثم مضمض بحذف التاء (واستنثر)، أي أخرج الماء من أنفه بعد الاستنشاق (ثم غسل وجهه) غسلاً (ثلاثًا، ثم غسل يده اليمنى إلى) أي مع (المرفق) بفتح الميم وكسر الفاء وبالعكس غسلاً (ثلاثًا ثم غسل يده اليسرى إلى) أي مع (المرفق) غسلاً (ثلاثًا، ثم مسح برأسه)، هل الباء للتبعيض أو الاستعانة أو غير ذلك خلاف مشهور يترتب عليه ما مر في الوضوء من كون الواجب مسح الكل أو البعض، ولأبي ذر: ثم مسح رأسه بحذف الباء ولم يذكر في المسح تثليثًا وهو مذهب الأئمة الثلاثة واحتج الشافعي بحديث أبي داود عن عثمان أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مسح برأسه ثلاثًا (ثم غسل رجله اليمنى) غسلاً (ثلاثًا، ثم) غسل رجله (اليسرى) غسلاً (ثلاثًا) وحذف غسل رجله لدلالة السابق عليه (ثم قال رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضأ) وضوءًا (نحو وضوئي هذا) وعند المؤلّف في الرقاق مثل وضوئي وهو ينفي ما قرره النووي من التفرقة بين

28 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا توضأ فليستنشق بمنخره الماء». ولم يميز بين الصائم وغيره

مثل ونحو وسبق مبحث ذلك في الوضوء (ثم قال): (من توضأ نحو وضوئي هذا ثم يصلّي ركعتين) وفي الوضوء: صلّى بلفظ الماضي (لا يحدث نفسه) من باب التفعيل المقتضي للتكسب من حديث النفس وهذا دفعه ممكن بخلاف ما يهجم فإنه معفو عنه لتعذره (فيهما) أي في الركعتين (بشيء). وفي مسند أحمد والطبراني في الأوسط لا يحدث نفسه فيهما إلا بخير أي كمعاني المتلو من القرآن والذكر والدعاء الحاضر من نفسه أو إمامه أما فيما لا يتعلق بالصلاة أو لا يتعلق بقراءة أو ذكر أو دعاء حاضر بل في الجملة فلا كما قرره ابن عبد السلام وغيره، وفي بعض الروايات كما عند الترمذي الحكيم في كتاب الصلاة له لا يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا (غفر له ما تقدم من ذنبه). من الصغائر، وهذا الحديث ليس فيه شيء من أحكام الصيام لكن أدخله في هذا الباب لمعنى لطيف وذلك أنه أخذ شرعية السواك للصائم بالدليل الخاص ثم انتزعه من الأدلة العامة التي تناولت أحوال متناول السواك وأحوال عود السواك من رطوبة ويبوسة ثم انتزع ذلك من أعم من ذلك وهو المضمضة إذ هي أبلغ من السواك من رطوبة ويبوسة ثم انتزع ذلك من أعم من ذلك وهو المضمضة إذ هي أبلغ من السواك الرطب، وأصل هذا الانتزاع لابن سيرين حيث قال محتجًا على السواك الأخضر والماء له طعم اهـ. وقد كره مالك الاستياك بالرطب للصائم لما يتحلل منه والشافعي وأحمد بعد الزوال. قال ابن دقيق العيد: ويحتاج إلى دليل خاص بهذا الوقت يخص به عموم حديث الصحيحين عند كل صلاة ورواية النسائي وغيره عند كل وضوء وهو حديث الخلوف وعبارة الشافعي أحب السواك عند كل وضوء بالليل والنهار إلا أني أكرهه للصائم آخر النهار من أجل الحديث في خلوف فم الصائم اهـ. وليس في هذه العبارة تقييد ذلك بالزوال فلذا قال الماوردي: لم يحد الشافعي الكراهية بالزوال وإنما ذكر العشي فحده الأصحاب بالزوال اهـ. واسم العشي صادق بدخول أوّل النصف الأخير من النهار وقيل لا يؤقت بحد معين بل يترك متى عرف أن تغير فمه ناشئ عن الصيام وذلك يختلف باختلاف أحوال الناس وباختلاف بعد عهده عن الطعام وقرب عهده به لكونه لم يستحر أو تسحر، وفرق بعض أصحابنا بين الفرض والنفل فكرهه في الفرض بعد الزوال ولم يكرهه في النفل لأنه أبعد من الرياء، وقد أخذ مالك وأبو حنيفة بعموم الحديث استحبابه للصائم قبل الزوال وبعده، وقال النووي في شرح المهذّب: أنه المختار، وقال بعضهم: السواك مطهرة للفم فلا يكره كالمضمضة للصائم لا سيما وهي رائحة تتأذى بها الملائكة فلا تترك هنالك، وأما الخبر ففائدته عظيمة بديعة وهي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما مدح الخلوف نهيًا للناس عن تقذر مكالمة الصائمين بسبب الخلوف لا نهيًا للصوَّام عن السواك والله غني عن وصول الرائحة الطيبة إليه فعلمناه يقينًا أنه لم يرد بالنهي استبقاء الرائحة وإنما يراد نهي الناس عن كراهتها قال وهذا التأويل أولى لأن فيه إكرامًا للصائم ولا تعرض فيه للسواك فيذكر أو يتأوّل. وحديث الباب قد سبق في باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا. 28 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرِهِ الْمَاءَ». وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الصَّائِمِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ بِالسَّعُوطِ لِلصَّائِمِ إِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى حَلْقِهِ، وَيَكْتَحِلُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ تَمَضْمَضَ ثُمَّ أَفْرَغَ مَا فِي فِيهِ مِنَ الْمَاءِ لاَ يَضِيرُهُ إِنْ لَمْ يَزْدَرِدْ رِيقَهُ، وَمَاذَا بَقِيَ فِي فِيهِ؟ وَلاَ يَمْضَغُ الْعِلْكَ، فَإِنِ ازْدَرَدَ رِيقَ الْعِلْكِ لاَ أَقُولُ إِنَّهُ يُفْطِرُ وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ فَإِنِ اسْتَنْثَرَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ لاَ بَأْسَ، لَمْ يَمْلِكْ. (باب) ما جاء في (قول النبي) (إذا توضأ) أحدكم (فليستنشق بمنخره الماء) بفتح الميم وكسر الخاء وقد تكسر الميم اتباعًا للخاء وهذا طرف من حديث أخرجه مسلم قال المؤلّف (ولم يميز) عليه الصلاة والسلام في حديث مسلم المذكور (بين الصائم وغيره) بل ذكره على العموم ولو كان بينهما فرق لميزه عليه الصلاة والسلام. نعم وقع في حديث عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه التمييز بين الصائم وغيره ولفظه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة. (وقال الحسن) البصري مما وصله ابن أبي شيبة بنحوه: (لا بأس بالسعوط) بفتح السين وقد تضم ما يصب من الدواء من الأنف (للصائم إن لم يصل) أي السعوط (إلى حلقه) أو ما يسمى جوفًا فإن وصل أفطر وقضى يومًا (ويكتحل) أي الصائم وهو من كلام الحسن. (وقال عطاء): مما وصله سعيد بن منصور (إن تمضمض) الصائم (ثم أفرغ ما في فيه من الماء لا يضيره) بمثناة

29 - باب إذا جامع في رمضان

تحتية بعد الضاد المعجمة المكسورة من ضاره يضيره ضيرًا بمعنى ضره، ولابن عساكر لم بدل لا، ولابن عساكر في نسخة وأبي ذر عن الكشميهني: لا يضره من ضره بالتشديد (إن لم يزدرد) أي يبتلع (ريقه)، وهذا يقتضي أنه إن ازدرده ضر وفيه نظر لأنه بعد الإِفراغ يصير الريق خالصًا ولا فطر به، ولأبي الوقت: لا يضيره أن يزدرد ريقه فأسقط لم وفتح الهمزة ونصب يزدرد أي لا يضره أن يبتلع ريقه خاصة لأنه لا ماء فيه بعد تفريغه له ولذا قال: (وماذا) أي وأي شيء (بقي في فيه)؟ في فمه بعد أن يمج الماء إلا أثر الماء فإذا بلع ريقه لم يضره، ولأبي ذر وابن عساكر كما في الفرع: وما بقي فأسقط لفظة ذا، وحينئذٍ فما موصولة ولفظة ذا ثابتة عند سعيد بن منصور وعبد الرزاق. قال في الفتح: ووقع في أصل البخاري وما بقي أي بإسقاط ذا. قال ابن بطال: وظاهره إباحة الازدراد لما بقي من الفم من ماء المضمضة وليس كذلك لأن عبد الرزاق رواه بلفظ وماذا يقي فكأن ذا سقطت من رواية البخاري اهـ. ولعله لم يقف على الرواية المثبتة لها. (ولا يمضغ) أي لا يلوك الصائم (العلك) بكسر العين المهملة وسكون اللام كالمصطكي وقوله يمضغ بفتح الصاد وضمها وبالفتح عند أبي ذر وللمستملي كما في الفتح، ولابن عساكر كما في الفرع: ويمضع العلك بإسقاط لا والرواية الأولى أولى (فإن ازدرد ريق) فمه مع ما تحلب من (العلك لا أقول إنه يفطر ولكن ينهى عنه) الجمهور وبه قال الشافعي أنه إن تحلب منه شيء فازدرده أفطر ورخص الأكثرون في الذي لا يتحلب منه شيء. نعم كرهه الشافعي من جهة كونه يجفف ويعطش، (فإن استنثر) أي استنشق في الوضوء (فدخل الماء حلقه لا بأس، لأنه لم يملك) منع دخول الماء في حلقه، وسقط في رواية أبي ذر وابن عساكر قوله: فإن استنثر الخ. 29 - باب إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ "مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَلاَ مَرَضٍ لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ". وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادٌ: يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ. هذا (باب) بالتنوين (إذا جامع) الصائم (في) نهار شهر (رمضان) عامدًا وجبت عليه الكفارة (ويذكر) مبنيًا للمفعول (عن أبي هريرة) حال كونه (رفعه) أي الحديث الآتي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو (من أفطر يومًا من رمضان من غير عذر) ولأبي ذر من غير علة (ولا مرض لم يقضه صيام الدهر). قال المظهري: يعني لم يجد فضيلة الصوم المفروض بصوم النافلة وليس معناه أن صيام الدهر بنية قضاء يوم من رمضان لا يسقط عنه قضاء ذلك اليوم بل يجزئه قضاء يوم بدلاً عن يوم، وقال شارح المشكاة: هو من باب التشديد والمبالغة ولذلك أكده بقوله؛ (وإن صامه) حق الصيام ولم يقصر فيه وبذل جهده وزاد في المبالغة حيث أسند القضاء إلى الصوم إسنادًا مجازيًا، وأضاف الصوم إلى الدهر إجراء للظروف مجرى المفعول به إذ الأصل لم يقض هو في الدهر كله إذا صامه. وقال ابن المنير: يعني أن القضاء لا يقوم مقام الإداء، ولو صام عوض اليوم دهرًا، ويقال بموجبه فإن الإثم لا يسقط بالقضاء ولا سبيل إلى اشتراك القضاء والأداء في كمال الفضيلة فقوله: لم يقضه صيام الدهر أي في وصفه الخاص به وهو الكمال وإن كان يقضي عنه في وصفه العام المنحط عن كمال الأداء هذا هو اللائق بمعنى الحديث ولا يحمل على نفي القضاء بالكلية ولا تعهد عبادة واجبة مؤقتة لا تقبل القضاء إلا الجمعة لأنها لا تجتمع بشروطها إلا في يومها وقد فات أو في مثله وقد اشتغلت الذمة بالحاضرة فلا تسع الماضية اهـ. قال في فتح الباري: ولا يخفى تكلفه وسياق أثر ابن مسعود الآتي إن شاء الله تعالى يردّ هذا التأويل، وهذا الحديث قد وصله أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن خزيمة من طريق سفيان الثوري وشعبة كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن أبي المطوّس بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الواو المفتوحة عن أبيه عن أبي هريرة نحوه. قال الترمذي: سألت محمدًا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال أبو المطوّس: اسمه يزيد بن المطوّس لا أعرف له غير هذا الحديث، وقال في التاريخ أيضًا تفرد أبو المطوّس بهذا الحديث ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا اهـ. واختلف فيه على حبيب بن أبي ثابت اختلافًا كثيرًا

فحصلت فيه ثلاث علل الاضطراب والجهل بحال أبي المطوّس والشك في سماع أبيه من أبي هريرة (وبه) أي بما دل عليه حديث أبي هريرة (قال ابن مسعود) -رضي الله عنه- مما وصله البيهقي من طريق المغيرة بن عبد الله اليشكري قال: حدثت أن عبد الله بن مسعود قال من أفطر يومًا من رمضان من غير علة لم يجزه صيام الدهر حتى يلقى الله فإن شاء غفر له وإن شاء عذبه وذكر ابن حزم من طريق ابن المبارك بإسناد له فيه انقطاع أن أبا بكر الصديق قال لعمر بن الخطاب فيما أوصاه به من صام شهر رمضان من غيره لم يقبل منه ولو صام الدهر أجمع (وقال سعيد بن المسيب) التابعي فيما وصله مسدد وغيره عنه في قصة المجامع (والشعبي) عامر بن شراحيل مما وصله ابن أبي شيبة (وابن جبير) سعيد مما وصله ابن أبي شيبة أيضًا (وإبراهيم) النخعي مما وصله ابن أبي شيبة أيضًا (وقتادة) بن دعامة مما وصله عبد الرزاق (وحماد): هو ابن أبي سليمان مما وصله عبد الرزاق عن أبي حنيفة عنه (يفضي يومًا مكانه). 1935 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ أَخْبَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تَقُولُ: "إِنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ إِنَّهُ احْتَرَقَ، قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ. فَأُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِكْتَلٍ يُدْعَى الْعَرَقَ. فَقَالَ: أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ؟ قَالَ: أَنَا. قَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا". [الحديث 1935 - طرفه في: 6822]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون الزاهد أنه (سمع يزيد بن هارون) من الزيادة أبا خالد يقول (حدّثنا) ولابن عساكر أخبرنا (يحيى هو ابن سعيد) أي الأنصاري (أن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (أخبره عن محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام بن خويلد عن عباد بن عبد الله بن الزبير) أنه (أخبره أنه سمع عائشة -رضي الله عنها- تقول: أن رجلاً أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قيل الرجل هو سلمة بن صخر رواه ابن أبي شيبة وابن الجارود وبه جزم عبد الغني وانتقد بأن ذلك هو المظاهر في رمضان أتى أهله في الليل رأى خلخالاً لها في القمر وفي تمهيد ابن عبد البر عن ابن المسيب أن المجامع في رمضان سلمان بن صخر أحد بني بياضة قال: وأظنه وهمًا أتى من الرواة أي لأن ذلك إنما هو في المظاهر وأما المجامع فأعرابي فهما واقعتان فإن في قصة المجامع في حديث الباب أنه كان صائمًا وفي قصة سلمة بن صخر أن ذلك كان ليلاً كما عند الترمذي فافترقا واجتماعهما في كونهما من بني بياضة وفي صفة الكفارة وكونها مرتبة وفي كون كل منهما كان لا يقدر على شيء من خصالها كما سيأتي إن شاء الله تعالى لا يقتضي اتحاد القصتين (فقال): أي الرجل له عليه الصلاة والسلام (إنه احترق)، أطلق على نفسه أنه احترق لاعتقاده أن مرتكب الإثم يعذب بالنار فهو مجاز عن العصيان أو المراد أنه يحترق يوم القيامة فجعل المتوقع كالواقع وعبر عنه بالماضي ورواية الاحتراق هذه تفسر رواية الهلاك الآتية إن شاء الله تعالى في الباب اللاحق وفي رواية البيهقي جاء رجل وهو ينتف شعره ويدق صدره ويقول هلك الأبعد (قال): له عليه الصلاة والسلام (ما لك): بفثح اللام أي ما شأنك (قال: أصبت أهلي) أي جامعت زوجتي (في رمضان). ولابن عساكر في نهار رمضان (فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة وكسر التاء مبنيًا للمفعول (بمكتل) بكسر الميم وفتح المثناة الفوقية شبه الزنبيل يسع خمسة عشر صاعًا (يدعى العرق)، بفتح الراء وقد تسكن وهو ما نسخ من الخوض فيه تمر (فقال): عليه الصلاة والسلام (أين المحترق)؟ أثبت له عليه الصلاة والسلام وصف الاحتراق إشارة إلى أنه لو أصر على ذلك لاستحق ذلك (قال): الرجل (أنا. قال:) عليه الصلاة والسلام (تصدّق بهذا) المكتل على ستين مسكينًا كما في باقي الروايات لكل مسكين مدّ وهو ربع صاع وهذا إنما هو بعد العجز عن العتق وصيام الشهرين فقد روى هذا الحديث عبد الرحمن بن الحرث عن محمد بن جعفر بن الزبير بهذا الإسناد ولفظه كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالسًا في ظل فارع بالفاء والمهملة فجاءه رجل من بني بياضة فقال: احترقت وقعت بأمرأتي في رمضان فقال: أعتق رقبة قال لا أجدها قال أطعم ستين مسكينًا قال ليس عندي الحديث أخرجه أبو داود ووقع هنا مختصرًا وفيه وجوب الكفارة على المجامع عمدًا لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال أين المحترق وقد

30 - باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شىء فتصدق عليه فليكفر

خرج بالعمد من جامع ناسيًا أو مكرهًا أو جاهلاً وبقوله في رمضان غيره كقضاء ونذر وتطوّع لورود النص في رمضان وهو مختص بفضائل لا يشاركه فيها غيره وبالجماع غيره كالاستمناء والأكل لورود النص في الجماع، وهو أغلظ من غيره، وأوجب بعض المالكية والحنابلة الكفارة على الناسي متمسكين بترك استفساره عليه الصلاة والسلام عن جماعه هل كان عن عمد أو عن نسيان وتركه الاستفصال في الفعل ينزل منزلة العموم في المقال. وأجيب: بأنه قد تبين الحال من قوله احترقت وهلكت فدلّ على أنه كان عامدًا عالمًا بالتحريم، واستدلّ أيضًا بحديث الباب لمالك حيث جزم في كفارة الجماع في رمضان بالإطعام دون غيره ولا حجة فيه لأن الحديث مختصر من المطوّل والقصة واحدة وقد حفظها أبو هريرة وقصها على وجهها وأوردها بعض الرواة مختصرة عن عائشة، وقد رواها عبد الرحمن بن الحرث بتمامها كما تقدم ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والسماع وأربعة من التابعين يحيى وعبد الرحمن ومحمد بن جعفر وعباد، وأخرجه أيضًا في المحاربين ومسلم في الصوم وكذا أبو داود والنسائي. 30 - باب إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَىْءٌ فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ فَلْيُكَفِّرْ هذا (باب) بالتنوين (إذا جامع) الصائم (في) نهار شهر (رمضان و) الحال أنه (لم يكن له شيء) يعتق به ولا يستطيع الصوم ولا شيء يتصدق به (فتصدق عليه) بقدر ما يجزئه (فليكفر) به لأنه صار واجدًا. 1936 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ، قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لاَ. فَقَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ -وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ- قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أَنَا. قَالَ: خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ. فَقَالَ الرَّجُلُ: عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا -يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ- أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي. فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ". [الحديث 1936 - أطرافه في: 1937، 2600، 5368، 6087، 6164، 6709، 6710، 6711، 6821]. وبالسند قال (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (حميد بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: بينما نحن جلوس عند) ولأبي الوقت كما في الفرع: ونسبها في فتح الباري للكشميهني مع (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقوله: بينما بالميم وتضاف إلى الجملة الاسمية والفعلية وتحتاج إلى جواب يتم به المعنى والأفصح في جوابها أن لا يكون فيه إذ وإذا ولكن كثر مجيئها كذلك ومنه قوله (إذ جاءه رجل) سبق في الباب قبله أنه قيل أنه سلمة بن صخر أو سلمان بن صخر أو أعرابي (فقال: يا رسول الله هلكت)، وفي بعض طرق هذا الحديث هلكت وأهلكت أي فعلت ما هو سبب لهلاكي وهلاك غيري وهو زوجته التي وطئها (قال): عليه الصلاة والسلام له: (ما لك): بفتح اللام وما استفهامية محلها رفع بالابتداء أي أي شيء كائن لك أو حاصل لك وفي رواية عقيل عند ابن خزيمة ويحك ما شأنك، ولابن أبي حفصة عند أحمد وما الذي أهلكك (قال: وقعت على امرأتي) وفي رواية ابن إسحاق عند البزار أصبت أهلي وفي حديث عائشة وطئت امرأتي (وأنا) أي والحال أني (صائم) قال في فتح الباري: يؤخذ منه أنه لا يشترط في إطلاق اسم المشتق بقاء المعنى المشتق منه حقيقة لاستحالة كونه صائمًا مجامعًا في حالة واحدة فعلى هذا قوله وطئت أي شرعت في الوطء أو أراد جامعت بعد إذ أنا صائم (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هل تجد رقبة تعتقها)؟ أي تقدر فالمراد الوجود الشرعي ليدخل فيه القدر بالشراء ونحوه ويخرج عنه مالك الرقبة المحتاج إليها بطريق معتبر شرعًا وفي رواية ابن أي حفصة عند أحمد أتستطيع أن تعتق رقبة (قال): الرجل (لا) أجد رقبة، وفي رواية ابن إسحاق ليس عندي، وفي رواية ابن مسافر عند الطحاوي فقال: لا والله وفي حديث ابن عمر فقال: والذي بعثك بالحق ما ملكت رقبة قط؟ (قال): عليه الصلاة والسلام (فهل تستطيع أن تصوم شهرن متتابعين)؟ (قال: لا). وفي حديث سعد قال: لا يقدر، وفي رواية ابن إسحاق عند البزار وهل لقيت إلا من الصيام (فقال): عليه الصلاة والسلام، ولأبي ذر وابن عساكر: قال: (فهل تجد إطعام ستين مسكينًا)؟ (قال: لا) والمسكين مأخوذ من السكون لأن المعدم ساكن الحال عن أمور الدنيا والمراد بالمسكين هنا أعم من الفقير لأن كلاً منهما حيث أفرد يشمل الآخر وإنما يفترقان عند اجتماعهما نحو إنما الصدقات للفقراء والمساكين والخلاف في معناها حينئذ معروف. قال ابن دقيق العيد قوله إطعام ستين مسكينًا يدل على وجوب إطعام

هذا العدد لأنه أضاف الإطعام الذي هو مصدر أطعم إلى ستين فلا يكون ذلك موجودًا في حق من أطعم عشرين مسكينًا ثلاثة أيام مثلاً ومن أجاز ذلك فكأنه استنبط من النص معنى يعود عليه بالإبطال، والمشهور عن الحنفية الأجزاء حتى لو أطعم الجميع مسكينًا واحدًا في ستين يومًا كفى اهـ. وفي رواية ابن أبي حفصة: أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينًا؟ وفي حديث ابن عمر قال: والذي بعثك بالحق ما أشبع أهلي والحكمة في ترتيب هذه الكفارة على ما ذكر أن من انتهك حرمة الصوم بالجماع فقد أهلك نفسه بالمعصية فناسب أن يعتق رقبة فيفدي نفسه، وقد صح من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوًا منه من النار، وأما الصيام فإنه كالمقاصة بجنس الجناية وكونه شهرين لأنه لما أمر بمصابرة النفس في حفظ كل يوم من شهر على الولاء فلما أفسد منه يومًا كان كمن أفسد الشهر كله من حيث أنه عبادة واحدة بالنوع وكلف بشهرين مضاعفة على سبيل المقابلة لنقيض قصده، وأما الإطعام فمناسبته ظاهرة لأنه مقابل كل يوم إطعام مسكين، وإذا ثبتت هذه الخصال الثلاث في هذه الكفارة فهل هي على الترتيب أو التخيير، قال البيضاوي: رتب الثاني بالفاء على فقد الأول ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني فدلّ على عدم التخيير مع كونها في معرض البيان وجواب السؤال فينزل منزلة الشرط للحكم وقال مالك بالتخيير. (قال): أي أبو هريرة (فمكث) بضم الكاف وفتحها (عند النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية ابن عيينة فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أجلس قيل وإنما أمره بالجلوس لانتظار الوحي في حقه أو كان عرف أنه سيؤتى بشيء يعينه به (فبينا) بغير ميم (نحن على ذلك) وجواب بينا قوله (أتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ولم يسم الآتي، لكن عن المؤلّف في الكفارات فجاء رجل من الأنصار (بعرق) بفتح العين والراء (فيه تمر) -ولأبي ذر فيها بالتأنيث على معنى القفة قال القاضي عياض المكتل والقفة والزنبيل سواء وزاد ابن أبي حفصة فيه خمسة عشر صاعًا. وفي حديث عائشة عند ابن خزيمة فأتي بعرق فيه عشرون صاعًا وفي مرسل عطاء عند مسدد فأمر له ببعضه وهو يجمع بين الروايات فمن قال عشرين أراد أصل ما كان فيه، ومن قال خمسة عشر أراد قدر ما تقع به الكفارة قال أبو هريرة أو الزهري أو غيره (والعرق المكتل) بكسر الميم وفتح الفوقية الزنبيل الكبير يسع خمسة عشر صاعًا (قال: عليه الصلاة والسلام) ولابن عساكر: فقال: (أين السائل) زاد ابن مسافر آنفًا وسماه سائلاً لأن كلامه متضمن للسؤال فإن مراده هلكت فما ينجيني أو ما يخلصني مثلاً (فقال): الرجل (أنا. قال) (خذها) أي القفة (فتصدق به). أي بالتمر الذي فيها ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: خذ هذا فتصدق به (فقال الرجل): أتصدق به (على) شخص (أفقر مني يا رسول الله) بالاستفهام التعجبي وحذف الفعل لدلالة تصدق به عليه. وفي حديث ابن عمر عند البزار والطبراني إلى من أدفعه؟ قال: إلى أفقر من تعلم، وفي رواية إبراهيم بن سعد أعلى أفقر من أهلي، ولابن مسافر عند الطحاوي: أعلى أهل بيت أفقر مني، وللأوزاعي على غير أهلي، ولمنصور أعلى أحوج منا، ولابن إسحاق وهل الصدقة إلا لي وعلي (فوالله ما بين لابتيها-) بغير همزة تثنية لابة قال بعض رواته (يريد) باللابتين (الحرتين-) بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء أرض ذات حجارة سود والمدينة بين حرتين (أهل بيت أفقر من أهل بيتي). برفع أهل اسم ما ونصب أفقر خبرها إن جعلت ما حجازية وبالرفع إن جعلتها تميمية قاله الزركشي وغيره. وقال البدر الدماميني: وكذا إن جعلناها حجازية ملغاة من عمل النصب بناء على أن قوله ما بين لابتيها خبر مقدم وأهل بيت مؤخر وأفقر صفة له. وفي رواية عقيل: ما أحد أحق به من أهلي ما أحد أحوج إليه مني، وفي حديث عائشة عند ابن خزيمة ما لنا عشاء ليلة. (فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدت أنيابه) تعجبًا من حال الرجل في كونه جاء أولاً هالكًا محترقًا خائفًا على نفسه راغبًا في فدائها مهما أمكنه، فلما وجد الرخصة طمع أن يأكل

31 - باب المجامع في رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج؟

ما أعطيه في الكفارة والأنياب جمع ناب وهي الأسنان الملاصقة للرباعيات وهي أربعة والضحك غير التبسم وقد ورد أن ضحكه كان تبسمًا أي في غالب أحواله. (ثم قال): عليه الصلاة والسلام له (أطعمه) أي ما في الكتل من التمر (أهلك) من تلزمك نفقته أو زوجتك أو مطلق أقاربك، ولابن عيينة في الكفارات أطعمه عيالك، وفي رواية أبي قرة عن ابن جريج قال: كله، ولابن إسحاق: خذها وكلها وأنفقها على عيالك أي لا عن الكفارة بل هو تمليك مطلق بالنسبة إليه وإلى عياله وأخذهم إياه بصفة الفقر وذلك لأنه لما عجز عن أعتق لإعساره وعن الصيام لضعفه فلما حضر ما يتصدق به ذكر أنه وعياله محتاجون فتصدق به عليه الصلاة والسلام عليه وكان من مال الصدقة وصارت الكفارة في ذمته وليس استقرارها في ذمته مأخوذًا من هذا الحديث. وأما حديث عليّ بلفظ فكله أنت وعيالك فقد كفر الله عنك فضعيف لا يحتج به، وقد ورد الأمر بالقضاء في رواية أبي أويس وعبد الجبار وهشام بن سعد كلهم عن الزهري، وأخرجه البيهقي من طريق إبراهيم بن سعد عن الليث عن الزهري وحديث ابن سعد في الصحيح عن الزهري نفسه بغير هذه الزيادة، وحديث الليث عن الزهري في الصحيحين بدونها، ووقعت الزيادة أيضًا في مرسل سعيد بن المسيب ونافع بن جبير والحسن ومحمد بن كعب وبمجموع هذه الطرق يعرف أن لهذه الزيادة أصلاً ويؤخذ من قوله: صم يومًا عدم اشتراط الفورية للتنكير في قوله يومًا. قال: البرماوي كالكرماني وقد استنبط بعض العلماء من هذا الحديث ألف مسألة وأكثر اهـ. فمن ذلك أن من ارتكب معصية لا حدّ فيها وجاء مستفتيًا أنه لا يعاقب لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يعاقبه مع اعترافه بالمعصية لأن معاقبة المستفتي تكون سببًا لترك الاستفتاء من الناس عند وقوعهم في ذلك وهذه مفسدة عظيمة يجب دفعها. وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة والقول، ورواه ما ينيف على أربعين نفسًا عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة يطول ذكرهم، وقد أخرجه المؤلّف أيضًا في الصوم والأدب والنفقات والنذور والمحاربين ومسلم في الصوم وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 31 - باب الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ هَلْ يُطْعِمُ أَهْلَهُ مِنَ الْكَفَّارَةِ إِذَا كَانُوا مَحَاوِيجَ؟ (باب) حكم الصائم (المجامع في رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج؟) أم لا؟ قال الحافظ ابن حجر: ولا منافاة بين هذه الترجمة والتي قبلها لأن التي قبلها آذنت بأن الإعسار بالكفارة لا يسقطها عن الذمة لقوله فيها إذا جامع ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر والثانية تردّدت هل المأذون له بالتصرف فيه نفس الكفارة أم لا وعلى هذا يتنزل لفظ الترجمة. 1937 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّ الأَخِرَ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ. فَقَالَ: أَتَجِدُ مَا تُحَرِّرُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: أَفَتَجِدُ مَا تُطْعِمُ بِهِ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَأُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ -وَهُوَ الزَّبِيلُ- قَالَ: أَطْعِمْ هَذَا عَنْكَ، قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا؟ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا؟ قَالَ: فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ". وبالسند قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) نسبه لجده وأبوه محمد وهو أخي أبي بكر بن أبي شيبة قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن الزهري) هو محمد بن مسلم (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه قال: (جاء رجل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فقال: إن الأخر) بقصر الهمزة وكسر الخاء المعجمة بوزن كتف أي من هو في آخر القوم (وقع على امرأته) أي جامعها (في) نهار (رمضان، فقال): عليه السلام له: (أتجد ما تحرر) أي تعتق به (رقبة؟) بالنصب ومفعول تحرر (قال): الرجل (لا). أجد (قال): عليه الصلاة والسلام (أفتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين) (قال) الرجل (لا) أستطيع (قال): عليه الصلاة والسلام: (أفتجد ما تطعم به ستين مسكينًا) وسقط لأبوي ذر والوقت وابن عساكر لفظ: به (قال): الرجل (لا): أجد (قال) أبو هريرة (فأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة وكسر الفوقية مبنيًّا للمفعول (بعرق فيه تمر-) من تمر الصدقة (وهو) أي العرق (الزبيل-) بفتح الزاي وكسر الموحدة المخففة القفة، وفي نسخة الزنبيل بالنون (قال): عليه الصلاة والسلام للرجل (أطعم هذا) التمر (عنك) ولابن إسحاق: فتصدق به عن نفسك. واستدلّ به على أن الكفارة عليه وحده دون الموطوءة إذ لم يؤمر بها هو مع الحاجة إلى البيان ولنقصان صومها بتعرضه للبطلان بعروض الحيض أو نحوه فلم تكمل حرمته حتى

32 - باب الحجامة والقىء للصائم

تتعلق به الكفارة ولأنها غرم مالي يتعلق بالجماع فيختص بالرجل الواطئ كالمهر فلا يجب على الموطوءة. وقال المالكية: إذا وطئ أمته في نهار رمضان وجبت عليه كفارتان: إحداهما عن نفسه والأخرى عن الأمة وإن طاوعته، لأن مطاوعته كالإكراه للرق، وكذلك يكفر عن الزوجة إن أكرهها على الجماع وتكفيره عنها بطريق النيابة عنهما لا بطريق الأصالة فلذلك لا يكفر عنهما إلا بما يجزئهما في التكفير فيكفر عن الأمة بالإطعام لا بالعتق إذ لا ولاء لها ولا بالصوم لأن الصوم لا يقبل النيابة، ويكفر عن الزوجة الحرة بالعتق أو الإطعام فإن أعسر كفرت الزوجة عن نفسها ورجع عليه إذا أيسر بالأقل من قيمة الرقبة التي أعتقت أو مكيلة الطعام، وأوجبها الحنفية على المرأة المطاوعة لأنها شاركت الرجل في الإفساد فتشاركه في وجوب الكفارة أي سواء كانت زوجة أو أمة. وقال الحنابلة: ولا يلزم المرأة كفارة مع العذر. قال المرداوي: نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وعنه تكفر وترجع بها على الزوج اختاره بعض الأصحاب وهو الصواب اهـ. وأما حديث الدارقطني عن أبي ثور قال: حدّثنا معلى بن منصور قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة قال: جاء أعرابي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: هلكت وأهلكت الحديث. فقد تفرد به أبو ثور عن معلى بن منصور عن ابن عيينة بقوله: وأهلكت. وأخرجه البيهقي عن جماعة عن الأوزاعي عن الزهري به وفيه: وأهلكت. وقال: ضعف شيخنا أبو عبد الله الحاكم هذه اللفظة، وكافة أصحاب الأوزاعي رووه دونها، واستدلّ الحاكم على أنها خطأ بأنه نظر في كتاب الصوم تصنيف المعلى بن منصور فوجد فيه هذا الحديث دون هذه اللفظة وأن كافة أصحاب سفيان رووه دونها. (قال): الرجل أتصدق به (على أحوج منا) بحذف همزة الاستفهام والفعل الذي يتعلق به الجار لدلالة قوله أطعم هذا عنك وهو استفهام تعجبي أي ليس أحد أفقر منا حتى أتصدق به عليه (ما بين لابتيها) وفي الرواية السابقة فوالله ما بين لابتيها (أهل بيت أحوج منا قال): عليه الصلاة والسلام (فأطعمه أهلك) قيل أراد بهم من لا تلزمه نفقتهم من أقاربه وهو قول بعض الشافعية ورد بقوله في الرواية الأخرى عيالك وبالأخرى المصرحة بالإذن له في أكل من ذلك وقيل هو خاص بهذا الرجل، وإليه نحا إمام إلحرمين، وعورض بأن الأصل عدم الخصوصية، وقيل هو منسوخ ولم يبين قائله ناسخه. وقال الشافعي في الأم: يحتمل أنه لما أخبره بفقره صرفه له صدقة أو أنه ملكه إياه أو أمره بالتصدق به، فلما أخبره بفقره أذن له في صرفه لهم للإعلام بأنه إنما تجب بعد الكفاية أو أنه تطوّع بالتكفير عنه وسوّغ له صرفها لأهله للإعلام بأن لغير المكفر التطوّع بالتكفير عنه بإذنه وأن له صرفها لأهل المكفر عنه فأما الشخص يكفر عن نفسه ويصرف إلى أهله فلا. 32 - باب الْحِجَامَةِ وَالْقَىْءِ لِلصَّائِمِ وَقَالَ لِي يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلاَّمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: إِذَا قَاءَ فَلاَ يُفْطِرُ، إِنَّمَا يُخْرِجُ وَلاَ يُولِجُ. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُفْطِرُ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ: الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ، ثُمَّ تَرَكَهُ، فَكَانَ يَحْتَجِمُ بِاللَّيْلِ. وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسَى لَيْلاً. وَيُذْكَرُ عَنْ سَعْدٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَأُمِّ سَلَمَةَ احْتَجَمُوا صِيَامًا. وَقَالَ بُكَيْرٌ عَنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ: كُنَّا نَحْتَجِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ فَلاَ تَنْهَى. وَيُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مَرْفُوعًا "أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ". وَقَالَ لِي عَيَّاشٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَهُ، قِيلَ لَهُ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ. (باب) حكم (الحجامة والقيء للصائم). قال المؤلّف بالسند السابق: (وقال لي يحيى بن صالح) الوحاظي الحمصي (حدّثنا معاوية بن سلام) بتشديد اللام قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن أبي كثير (عن عمر) بضم العين وفتح الميم (ابن الحكم) بفتح الحاء والكاف (ابن ثوبان) بالمثلثة والموحدة المفتوحتين المدني أنه (سمع أبا هريرة -رضي الله عنه-) يقول؛ (إذا قاء) الصائم بغير اختياره بأن غلبه (فلا يفطر)، لأن القيء (إنما يخرج) من الخروج (ولا يولج). من الإيلاج يعني أن الصيام لا ينقض إلا بشيء يدخل وللكشميهني مما في الفتح أنه أي القيء يخرج ولا يولج وهذا منقوض بالمني فإنه يخرج وهو موجب للقضاء والكفارة. (ويذكر) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أنه يفطر)، أي إذا تعمد القيء وإن لم يعد شيء منه إلى جوفه فهو محمول على حديثه المرفوع المروي عند المؤلّف في تاريخه الكبير بلفظ: من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء وإن استقاء فليقض لكن ضعفه المؤلّف، ورواه أصحاب السنن الأربعة. وقال الترمذي: والعمل عند أهل العلم

عليه، وبه يقول الشافعي وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق وقد صححه الحاكم وقال على شرط الشيخين وابن حبان. وقال الحنفية: ولا يجب القضاء بغلبة القيء عليه وخروجه من فمه قل أو أكثر لا تعمده فإنه يفسده وعليه القضاء ويعتبر أبو يوسف في إفساده امتلاء الفم في التعمد وفي عوده إلى الداخل سواء أعاده أو لم يعده لوجوب القضاء لأنه إذا كان ملء الفم يعدّ خارجًا لانتقاض الطهارة به فيفسد الصوم، وإذا عاد حال كونه ملء الفم يعدّ داخلاً لسبق اتصافه بالخروج حكمًا ولا كذلك إذا لم يملأه فلا يفسد واعتبر محمد بن الحسن قصد الصائم وفعله في ابتداء القيء وفي عوده سواء كان ملء الفم أو لم يكن لقوله عليه السلام: "من استقاء عمدًا فعليه القضاء من غير فصل بين القليل والكثير وإذا أعاده يوجد منه الصنع في الإدخال إلى الجوف فيفسد به صومه وإن قل القيء، وخلاصة المفهوم مما سبق أن في صورة الاستقاءة يفسد الصوم عند أبي يوسف إذا كان ملء الفم سواء عاد القيء بعده أو لم يعد أو أعاده لاتصافه بالخروج. وعند محمد: يفسد على كل الأحوال لوجود التعمد فيه، وأما إذا غلبه القيء فإن كان ملء الفم يفسد عند أبي يوسف عاد أو أعاده لما مر، وعند محمد لا يفسد إذا عاد أو لم يعد لانعدام الصنع منه ويفسد إذا أعاد وإن لم يكن ملء الفم لا يفسد إذا عاد أو لم يعد اتفاقًا ويفسد عند محمد إذا أعاده، (والأول) القائل أنه لا يفطر (أصح). (وقال ابن عباس وعكرمة) -رضي الله عنهما- مما وصله ابن أبي شيبة (الصوم) أي الإمساك واجب (مما دخل) في الجوف (وليس مما خرج) ولأبي ذر وابن عساكر في نسخة: الفطر بدل قوله الصوم. (وكان ابن عمر -رضي الله عنهما-) مما وصله مالك في الموطأ (يحتجم وهو صائم، ثم تركه فكان يحتجم) وهو صائم (بالليل). لأجل الضعف، (واحتجم أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري فيما وصله ابن أبي شيبة (ليلاً). (ويذكر) مبنيًّا للمفعول (عن سعد) بسكون العين ابن أبي وقاص أحد العشرة مما وصله مالك في موطئه وفيه انقطاع لكن ذكره ابن عبد البر من وجه آخر (وزيد بن أرقم) الأنصاري مما وصله عبد الرزاق (وأم سلمة) أم المؤمنين مما وصله ابن أبي شيبة أنهم الثلاثة (احتجموا) حال كونهم (صيامًا). (وقال بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف ابن عبد الله بن الأشج (عن أم علقمة) مرجانة كما سماها البخاري وذكرها ابن حبان في الثقات ووصل هذا المؤلّف في تاريخه أنها قالت: (كنا نحتجم عند عائشة) -رضي الله عنها- أي ونحن صيام (فلا تنهى) عائشة عن ذلك، ولأبوي ذر والوقت: فلا ننهى بضم النون الأولى التي للمتكلم ومعه غيره وسكون الثانية على صيغة المجهول. (ويروى) مبنيًّا للمفعول (عن الحسن) البصري (عن غير واحد) من الصحابة وهم شداد بن أوس وأسامة بن زيد وأبو هريرة وثوبان ومعقل بن يسار ويحتمل أنه سمعه من كلهم (مرفوعًا) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال): بالفاء وفي بعض الأصول وقال ولأبي ذر إسقاطهما (أفطر الحاجم والمحجوم) وصله النسائي من طرق عن أبي حرة عن الحسن، وقال عليّ بن المديني: رواه يونس عن الحسن وقد أخذ بظاهره أحمد -رحمه الله- أنهما يفطران وعليه جماهير أصحابه وهو من المفردات وعنه: إن علما بالنهي أفطرا وإلاّ فلا. وقال: في الفروع: ظاهر كلام أحمد والأصحاب أنه لا فطر إن لم يظهر دم قال وهو متجه، واختاره شيخنا وضعف خلافه وو خرج الدم بنفسه لغير التداوي بدل الحجامة لم يفطر اهـ. وقال الأئمة الثلاثة: لا يفطر لما سيأتي وحملوا الحديث كما قال البغوي على معنى أنهما تعرضا للإفطار المحجوم للضعف والحاجم لأنه لا يأمن أن يصل إلى جوفه شيء بمص المحجم، لكن الحديث قد تكلم فيه فقال الدارقطني في العلل: اختلف على عطاء بن السائب في الصحابي وكذا اختلف على يونس أيضًا. قال المؤلّف: (وقال لي عياش): بمثناة تحتية ومعجمة ابن الوليد الرقام البصري (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي القرشي البصري قال: (حدّثنا يونس) هو ابن عبيد بن دينار البصري التابعي

(عن الحسن) البصري التابعي (مثله) أي مثل السابق أفطر الحاجم والمحجوم. وقد أخرجه المؤلّف في تاريخه والبيهقي في طريقه (قيل له): أي للحسن (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): الذي يحدّث به أفطر الحاجم والمحجوم (قال) (نعم) عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم قال): مترددًا بعد الجزم (الله أعلم). 1938 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَجَمَ وَهْوَ مُحْرِمٌ، وَاحْتَجَمَ وَهْوَ صَائِمٌ". وبالسند قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بضم الميم وتشديد اللام العمي أخو بهز بن أسد البصري قال: (حدّثنا وهيب) هو ابن خالد (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احتجم) ولابن عساكر قال: احتجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وهو محرم، واحتجم) أيضًا (وهو صائم) وهذا ناسخ لحديث "أفطر الحاجم والمحجوم" لأنه جاء في بعض طرقه أن ذلك كان في حجة الوداع وسبق إلى ذلك الشافعي، ولفظ البيهقي في كتاب المعرفة له بعد حديث ابن عباس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احتجم وهو صائم. قال الشافعي في رواية أبي عبد الله: وسماع ابن عباس عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الفتح ولم يكن يومئذ محرمًا ولم يصحبه محرمًا قبل حجة الإسلام، فذكر ابن عباس حجامة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام حجة الإسلام سنة عشر. وحديث أفطر الحاجم والمحجوم في الفتح سنة ثمان قبل حجة الإسلام بسنتين فإن كانا ثابتين فحديث ابن عباس ناسخ وحديث أفطر الحاجم والمحجوم منسوخ اهـ. وقال ابن حزم: صح حديث أفطر الحاجم والمحجوم بلا ريب، لكن وجدنا من حديث أبي سعيد أرخص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحجامة للصائم وإسناده صحيح فوجب الأخذ به لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة فدلّ على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجمًا أو محجومًا. قال في الفتح: والحديث المذكور أخرجه النسائي وابن خزيمة والدارقطني ورجاله ثقات، ولكن اختلف في رفعه ووقفه وله شاهد من حديث أنس أخرجه الدارقطني ولفظه: أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمرّ به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أفطر هذا ثم رخص رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد في الحجامة للصائم. 1939 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "احْتَجَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ صَائِمٌ". وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المنقري القعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التميمي البصري قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: احتجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو صائم) وهذا طريق آخر لحديث ابن عباس، وقد أخرجه الطحاوي من عشر طرق، وأخرجه أبو داود نحو رواية البخاري، وأخرجه الإسماعيلي ولم يذكر ابن عباس، واختلف على حماد في وصله وإرساله وهو صحيح بلا شك، وقد سقط حديث معمر هذا عند أبي ذر وابن عساكر كما في فرع اليونينية. 1940 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ قَالَ: "سُئِلَ أَنَسُ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟ قَالَ: لاَ. إِلاَّ مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ". وَزَادَ شَبَابَةُ: "حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي اياس) بكسر الهمزة وتخفيف الياء قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت ثابتًا البناني) بضم الموحدة (يسأل أنس بن مالك -رضي الله عنه-) بلفظ المضارع في قوله يسأل قال الحافظ ابن حجر: وهذا غلط فإن شعبة ما حضر سؤال ثابت لأنس، وقد سقط منه رجل بين شعبة وثابت، فرواه الإسماعيلي وأبو نعيم عن البيهقي من طريق جعفر بن محمد القلانسي وأبي قرصافة محمد بن عبد الوهاب وإبراهيم بن حسن بن ديزيل كلهم عن آدم بن أبي إياس شيخ البخاري فيه فقال عن شعبة عن حميد قال: سمعت ثابتًا وهو يسأل أنس بن مالك فذكره، وأشار الإسماعيلي والبيهقي إلى أن الرواية التي وقعت للبخاري خطأ وأنه سقط منه حميد، ولأبي ذر كما في الفرع: سئل أنس بن مالك بضم السين مبنيًّا للمفعول وهو كذلك في أصول البخاري ونسب الأولى في الفتح لأبي الوقت (أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا إلا من أجل الضعف) للبدن وحينئذ فيندب تركها كالفصد ونحوه تحرزًا عن إضعاف البدن وخروجًا من الخلاف في الفطر بذلك وإن كان منسوخًا. (وزاد شبابة) بالمعجمة والموحدتين المفتوحات ابن سوار الفزاري قال: (حدّثنا شعبة): بن الحجاج (على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال الحافظ ابن حجر:

33 - باب الصوم في السفر والإفطار

وهذا يشعر بأن رواية شبابة موافقة لرواية آدم في الإسناد والمتن إلا أن شبابة زاد فيه ما يؤكد رفعه، وقد أخرج ابن منده في غرائب شعبة طريق شبابة فقال: محمد بن أحمد بن حاتم، حدّثنا عبد الله بن روح، حدّثنا شبابة، حدّثنا شعبة عن قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد، وبه عن شعبة عن حميد عن أنس نحوه، وهذا يؤكد صحة ما اعترض به الإسماعيلي ومن تبعه ويشعر بأن الخلل فيه من غير البخاري إذ لو كان إسناد شبابة عنده مخالفًا لإسناد آدم لبينه وهذا واضح لا خفاء به والله أعلم. 33 - باب الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَالإِفْطَارِ (باب) حكم (الصوم في السفر و) حكم (الإفطار) فيه. 1941 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَقَالَ لِرَجُلٍ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الشَّمْسُ، قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الشَّمْسُ، قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي، فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُ فَشَرِبَ، ثُمَّ رَمَى بِيَدِهِ هَا هُنَا ثُمَّ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". تَابَعَهُ جَرِيرٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: "كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ". [الحديث 1941 - أطرافه في: 1955، 1956، 1958، 5297]. وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي إسحاق) سلمان بن أبي سليمان فيروز (الشيباني) أنه (سمع ابن أبي أوفى) عبد الله (-رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولابن عساكر مع النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي وهو صائم (في سفر)، في شهر رمضان كما في مسلم في غزوة الفتح لا في بدر لأن ابن أبي أوفى لم يشهدها (فقال لرجل): هو بلال كما في رواية أبي داود وابن بشكوال، ولمسلم فلما غابت الشمس وللبخاري فلما غربت الشمس قال: (أنزل فاجدح لي)، بهمزة وصل بعد الفاء وسكون الجيم وفتح الدال وبعدها حاء مهملتين أمر من الجدح وهو الخلط أي اخلط السويق بالماء أو اللبن بالماء وحركه لأفطر عليه وقول الداودي أن معناه أحلب ردّه عياض (قال): بلال (يا رسول الله الشمس)، باقية أي نورها أو الشمس رفع خبر مبتدأ محذوف أي هذه الشمس، ولغير أبي ذر: الشمس بالنصب أي انظر الشمس ظن أن بقاء النور وإن غاب القرص مانع من الإفطار (قال) عليه الصلاة والسلام. (أنزل فاجدح لي)، لأفطر قال بلال (يا رسول الله الشمس) بالرفع والنصب (قال): عليه الصلاة والسلام (انزل فاجدح لي) (فنزل فجدح له) عليه الصلاة والسلام (فشرب)، وكرر انزل فاجدح لي ثلاث مرات وتكرير المراجعة من بلال للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لغلبة اعتقاده أن ذلك نهار يحرم فيه الأكل مع تجويزه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينظر إلى ذلك الضوء نظرًا تامًّا، فقصد زيادة الإعلام فأجابه عليه الصلاة والسلام بأن ذلك لا يضر وأعرض عن الضوء واعتبر غيبوبة الجرم ثم بين ما يعتبره من لم يتمكن من رؤية جرم الشمس كما حكاه الراوي عنه بقوله: (ثم رمى) أي أشار عليه الصلاة والسلام (بيده هاهنا) أي إلى الشرق وإنما أشار إليه لأن أول الظلمة لا تقبل منه إلا وقد سقط القرص (ثم قال): عليه الصلاة والسلام: (إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا) أي من جهة المشرق (فقد أفطر الصائم) أي دخل وقت إفطاره. واستنبط من هذا الحديث أن صوم رمضان في السفر أفضل من الإفطار لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان صائمًا في شهر رمضان في السفر ولقوله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} [البقرة: 184] ولبراءة الذمة وفضيلة الوقت، وفارق ذلك أفضلية القصر في السفر بأن في القصر براءة الذمة ومحافظة على فضيلة الوقت بخلاف الفطر وبأن فيه خروجًا من الخلاف وليس هنا خلاف يعتدّ به في إيجاب الفطر فكان الصوم أفضل. نعم إن خاف من الصوم ضررًا في الحال أو الاستقبال فالفطر أفضل، وعليه يحمل الحديث الآتي إن شاء الله تعالى بعد باب بلفظ: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر فرأى زحامًا ورجلاً قد ظلل عليه فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائم. فقال: ليس من البر الصوم في السفر. وقال المالكية يجوز الفطر في سفر القصر إذا شرع في السفر قبل الفجر ولم ينو الصيام في السفر وقد خرج بقولهم شرع فيه قبل الفجر ما إذا سافر بعده فإن فطره ذلك اليوم لا يجوز عندهم إذا نوى الصوم قبل خروجه وبقولهم: ولم ينو الصيام في السفر ما إذا نوى الصوم في السفر فإن فطره لا يجوز فإن خالف في الوجهين فأفطر لزمه القضاء، ولو كان صومه تطوّعًا ولا كفارة عليه في المسالة الأولى بخلاف الثانية. وقال الحنابلة: يستحب له الفطر. قال المرداوي: وهذا هو المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه وهو من

34 - باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر.

المفردات سواء وجد مشقة أم لا. وفي وجه إن الصوم أفضل. وهذا الحديث من الرباعيات وأخرجه أيضًا في الصوم والطلاق ومسلم في الصوم وكذا أبو داود والنسائي. (تابعه) أي تابع سفيان بن عيينة في أصل الحديث (جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد مما وصله في الطلاق (و) تابعه أيضًا (أبو بكر بن عياش) بالشين المعجمة ابن سالم الأسدي الكوفي المقري مما وصله في تعجيل الإفطار كلاهما (عن الشيباني) أي أبي إسحاق المذكور (عن ابن أبي أوفى قال: كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع في سفر). 1942 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ: "أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ". [الحديث 1942 - طرفه في: 1943]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام قال: حدثني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- (أن حمزة بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم (الأسلمي قال: يا رسول الله إني أسرد الصوم) أي أتابعه ففيه أن صوم الدهر لا يكره لمن لا يتضرر به، وإنما أنكر على عبد الله بن عمرو بن العاص صوم الدهر لعلمه أنه سيضعف عن ذلك بخلاف حمزة هذا فإنه وجد فيه القوة. ومطابقته للترجمة من حيث إن سرد الصوم يتناول الصوم في السفر أيضًا كما هو الأصل في الحضر، وقد أخرج الحديث من طريقين هذه والتالية لها. 1943 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ -وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ- فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن حمزة بن عمرو الأسلمي) -رضي الله عنه- (قال للنبي: -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أأصوم في السفر)؟ بهمزتين الأولى همزة الاستفهام والأخرى همزة المتكلم (وكان) حمزة (-كثير الصيام- فقال): عليه الصلاة والسلام له: (إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر) بهمزة قطع وعند مسلم من رواية أبي مراوح أنه قال: يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل عليّ جناح؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه، وهذا مشعر بأنه سأل عن صيام الفريضة لأن الرخصة إنما تطلق في مقابلة الواجب. وأصرح من ذلك ما رواه أبو داود والحاكم من طريق محمد بن حمزة بن عمرو عن أبيه أنه قال يا رسول الله إني صاحب ظهر أعالجه أسافر عليه وأكريه وإنه ربما صادفني هذا الشهر يعني رمضان وأنا أجد القوة وأجدني أن أصوم أهون عليّ من أن أؤخره فيكون دينًا عليّ؟ فقال أي ذلك شئت يا حمزة. 34 - باب إِذَا صَامَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ. هذا (باب) بالتنوين (إذا صام) شخص (أيامًا من رمضان ثم سافر) هل يباح له الفطر. 1944 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ، حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ أَفْطَرَ، فَأَفْطَرَ النَّاسُ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَالْكَدِيدُ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ. [الحديث 1944 - أطرافه في: 1948، 2953، 4275، 4276، 4277، 4278، 4279]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج إلى مكة في) غزوة الفتح يوم الأربعاء بعد العصر لعشر مضين من (رمضان فصام، حتى بلغ الكديد) بفتح الكاف وكسر الدال الأولى وهو موضع بينه وبين المدينة سبع مراحل أو نحوها وبينه وبين مكة نحو مرحلتين (أفطر فأفطر الناس" معه وكان بعد العصر كما في مسلم من طريق الدراوردي عن جعفر بن محمد بن عليّ عن أبيه عن جابر في هذا الحديث ولفظه فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينتظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر ففيه أن المسافر له أن يصوم بعض رمضان ويفطر بعضه ولا يلزمه بصوم بعضه تمامه، وأنه إذا نوى السفر ليلاً فإنه يباح له الفطر لدوام العذر ولا يكره كما في المجموع، وكذا يباح له الفطر إذا كان مقيمًا ونوى ليلاً لم حدث له السفر قبل الفجر فلو حدث بعده فلا تغليبًا للحضر. وقال الحنابلة: إن نوى الحاضر صوم يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر قال: في الإنصاف وهذا هو المذهب مطلقًا وعليه الأصحاب سواء كان طوعًا أو كرهًا وهو من مفردات المذهب، ولكن لا يفطر قبل خروجه وعنه لا يجوز له الفطر مطلقًا، ولو نوى الصوم في سفره فله الفطر

35 - باب

وهذا هو المذهب مطلقًا وعليه الأصحاب وعنه لا يجوز له الفطر بالجماع لأنه لا يقوي على السفر، فعلى الأول قال أكثر الأصحاب لأن من له الأكل له الجماع، وذكر جماعة من الأصحاب أنه يفطر بنية الفطر فيقع الجماع بعد الفطر فعلى هذا لا كفارة بالجماع اهـ. وهذا الحديث فيه التحديث والإخبار والعنعنة. وقال القابسي أنه من مرسلات الصحابة لأن ابن عباس كان في هذه السفرة مقيمًا مع أبويه بمكة فلم يشاهد هذه القصة فكأنه سمعها من غيره من الصحابة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الجهاد والمغازي ومسلم في الصوم وكذا النسائي. (قال أبو عبد الله): المؤلّف: (والكديد) بفتح الكاف (ما بين عسفان) بضم العين وسكون السين المهملتين وفتح الفاء قرية جامعة بينها وبين مكة ثمانية وأربعون ميلاً (و) بين (قديد) بضم القاف وفتح الدال الأولى مصغرًا وسقط في رواية غير المستملي قوله قال أبو عبد الله، ووقع في اليونينية نسبة سقوطه لابن عساكر فقط، وسيأتي إن شاء الله تعالى في المغازي من وجه آخر موصولاً هذا التفسير في نفس الحديث. 35 - باب هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة للأكثر وسقط من رواية النسفيّ ومن اليونينية. 1945 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمَا فِينَا صَائِمٌ، إِلاَّ مَا كَانَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَابْنِ رَوَاحَةَ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف)، التنيسي قال: (حدّثنا يحيى بن حمزة) الدمشقي المتوفى سنة ثلاث وثمانين ومائة (عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) الشامي (أن إسماعيل بن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (حدثه عن أم الدرداء) الصغرى واسمها هجيمة التابعية وليست الكبرى المسماة خيرة الصحابية وكلتاهما زوجتا أبي الدرداء (عن أبي الدرداء) عويمر بن مالك الأنصاري الخزرجي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: خرجنا مع النبي) ولابن عساكر: مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض أسفاره) زاد مسلم من طريق سعيد بن عبد العزيز: في شهر رمضان وليس ذلك في غزوة الفتح لأن عبد الله بن رواحة المذكور في هذا الحديث أنه كان صائمًا استشهد بمؤتة قبل غزوة الفتح بلا خلاف ولا في غزوة بدر لأن أبا الدرداء لم يكن حينئذ أسلم (في يوم حار) ولمسلم في حر شديد (حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم، إلا ما كان من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وابن رواحة) عبد الله وهذا مما يؤيد أن هذه السفرة لم تكن في غزوة الفتح لأن الذين استمروا على الصيام من الصحابة كانوا جماعة، وفي هذا أنه ابن رواحة وحده. ومطابقة هذا الحديث للترجمة من جهة أن الصوم والإفطار لو لم يكونا مباحين في السفر لما صام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وابن رواحة وأفطر الصحابة. ورواته كلهم شاميون إلا شيخ المؤلّف وقد دخل الشام، وأخرجه مسلم وأبو داود في الصوم. 36 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن ظلل عليه) بشيء له ظل (واشتد الحر) جملة فعلية حالية (ليس من البر الصوم في السفر). 1946 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهم- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلاً قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ: " لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ". وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة (الأنصاري قال: سمعت محمد بن عمرو بن الحسن بن علي) بفتح العين وسكون الميم من عمرو وفتح الحاء من الحسن وجده أبو طالب (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهم- قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) في غزوة الفتح كما في الترمذي (فرأى زحامًا) بكسر الزاي اسم للزحمة والمراد هنا الوصف لمحذوف أي فرأى قومًا مزدحمين (ورجلاً) قيل: وأبو إسرائيل العامري واسمه قيس، وعزاه مغلطاي لمبهمات الخطيب ونوزع في نسبة ذلك للخطيب (فقد ظلل عليه) أي جعل عليه شيء يظلله من الشمس لما حصل له من شدة العطش وحرارة الصوم وقوله: ظلل بضم الظاء مبنيًّا للمفعول والجملة حالية (فقال): عليه الصلاة والسلام: (ما هذا) وللنسائي: ما بال صاحبكم هذا؟ (فقالوا) أي من حضر من الصحابة، ولابن عساكر قالوا بإسقاط الفاء (صائم فقال): عليه الصلاة والسلام (ليس من البر) بكسر الباء أي ليس من الطاعة والعبادة (الصوم في السفر) إذا بلغ بالصائم هذا المبلغ من المشقّة ولا تمسك بهذا الحديث لبعض الظاهرية القائلين بأنه لا ينعقد الصوم في السفر لأنه عام

37 - باب لم يعب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بعضهم بعضا في الصوم والإفطار

خرج على سبب. فإن قيل: بقصره عليه لم تقم به حجة وإن لم يقل بقصره عليه حمل على من حاله مثل حال الرجل وبلغ به ذلك المبلغ، وحديث صومه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بلغ الكديد، وحديث فمنا الصائم ومنا المفطر يرد عليهم، وقول الزركشي وتبعه صاحب جمع العدّة لفهم العمدة من في قوله ليس من البر زائدة لتأكيد النفي، وقيل للتبعيض وليس بشيء تعقبه البدر الدماميني فقال: هذا عجيب لأنه أجاز ما المانع منه قائم ومنع ما لا مانع منه، وذلك أن من شروط زيادة من أن يكون مجرورها نكرة وهو في الحديث معرفة، وهذا هو المذهب المعوّل عليه وهو مذهب البصريين خلافًا للأخفش والكوفيين، وأما كونها للتبعيض فلا يظهر لمنعه وجه إذ المعنى أن الصوم في السفر ليس معدودًا من أنواع البر، وأما رواية ليس من امبرامصيام في امسفر بإبدال اللام ميمًا في لغة أهل اليمن فهي في مسند الإمام أحمد لا في البخاري، وحديث الباب رواه مسلم في الصوم وكذا أبو داود والنسائي. 37 - باب لَمْ يَعِبْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الصَّوْمِ وَالإِفْطَارِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لم يعب أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعضهم بعضًا في الصوم والأفطار) في السفر. 1947 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن حميد الطويل عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (قال): (كنا نسافر مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم) أصل لم يعب يعيب فلما سكن للجزم التقى ساكنان فحذفت الياء، وفيه رد على من أبطل صوم المسافر لأن تركهم لإنكار الصوم والفطر يدل على أن ذلك عندهم من التعارف الذي تجب الحجة به. وفي حديث أبي سعيد عند مسلم: كنا نغزو مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم يرون أن من وجد قوّة فصام فإن ذلك حسن، ومن وجد ضعفًا فأفطر فإن ذلك حسن، وهذا التفصيل هو المعتمد وهو نص رافع للنزاع قاله في الفتح. وحديث الباب أخرجه مسلم أيضًا. 38 - باب مَنْ أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ لِيَرَاهُ النَّاسُ (باب من أفطر في السفر ليراه الناس) فيقتدوا به ويفطروا بفطره. 1948 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَرَفَعَهُ إِلَى يَدَيْهِ لِيُرِيَهُ النَّاسَ فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَدْ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَفْطَرَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ". وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) بفتح العين والواو الوضاح اليشكري (عن منصور عن مجاهد) هو ابن جبر الإمام في التفسير (عن طاوس) هو ابن كيسان اليماني (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال) (خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المدينة إلى مكة) في غزوة الفتح (فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بماء فرفعه) أي الماء منتهيًا (إلى) أقصى حدّ (يديه) بالتثنية، ولأبي ذر وابن عساكر في نسخة يده بالإفراد، ولابن عساكر كما في الفرع وأصله: إلى فيه، وعزاها في فتح الباري لأبي داود عن مسدد عن أبي عوانة بالإسناد المذكور في البخاري قال: وهذا أوضح فلعلها تصحفت. وعزاها الزركشي والبرماوي لرواية ابن السكن قال: وهو الأظهر إلا أن تؤول لفظة "إلى" في رواية الأكثرين بمعنى "على" ليستقيم الكلام. وتعقبه في المصابيح بأنه لا يعرف أحدًا ذكر أن "إلى" بمعنى "على" قال: والكلام مستقيم بدون هذا التأويل وذلك أن إلى لانتهاء الغاية على بابها، والمعنى فرفع الماء ممن أتى به رفعًا قصد به رؤية الناس له فلا بدّ أن يقع ذلك على وجه يتمكن فيه الناس من رؤيته ولا حاجة مع ذلك إلى إخراج إلى عن بابها. وقال الكرماني كالطيبي: أو فيه تضمين أي انتهى الرفع إلى أقصى غايتها "ليراه الناس" بفتح التحتية والراء والناس فاعله والضمير المنصوب فيه مفعوله واللام للتعليل. قال ابن حجر: كذا للأكثر، وللمستملي: ليريه بضم التحتية الناس نصب على أنه مفعول ثان ليريه لأنه من الإراءة وهي تستدعي مفعولين، ونسب في اليونينية الأولى لابن عساكر، ولأبي ذر عن الكشميهني ورقم على الأخرى علامة ابن عساكر في نسخة. وقضية هذا الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج إلى مكة للفتح في رمضان فصام الناس فقيل له إن الصوم شق عليهم وهم ينظرون إلى فعلك فدعا بماء فرفعه حتى ينظر الناس فيقتدوا به في الإفطار وكان لا يأمن الضعف عن القتال

39 - باب {وعلى الذين يطيقونه فدية} [البقرة: 184]

عند لقاء عدوهم. (فأفطر) عليه الصلاة والسلام (حتى قدم مكة، وذلك في رمضان، فكان) بالفاء ولأبي ذر وابن عساكر وكان (ابن عباس) -رضي الله عنهما- (يقول: قد صام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في السفر (وأفطر)، (فمن شاء صام ومن شاء أفطر) وابن عباس لم يشاهد هذه القصة لأنه كان بمكة حينئذٍ فهو يرويها عن غيره من الصحابة كما تقدم. 39 - باب {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: 184] قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَسَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ: نَسَخَتْهَا {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 184]. وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ، وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَنَسَخَتْهَا {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ". هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه حكم قوله تعالى: ({وعلى الذين يطيقونه) أي على الأصحاء المقيمين المطيقين للصوم إن أفطروا ({فدية}) طعام مسكين عن كل يوم وهذا كان في ابتداء الإسلام إن شاء صام وإن شاء أفطر وأطعم وهذه الآية كما (قال ابن عمر) فيما وصله في آخر الباب (وسلمة بن الأكوع) -رضي الله عنهم- فيما وصله المؤلّف في التفسير (نسختها) الآية التي أولها ({شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}) جملة في ليلة القدر إلى سماء الدنيا ثم نزل منجمًا إلى الأرض، وشهر رمضان مبتدأ وما بعده خبره أو صفته والخبر فمن شهد ({هدى للناس}) أي هادئًا ({وبينات}) آيات واضحات ({من الهدى}) مما يهدي إلى الحق ({والفرقان}) يفرق بين الحق والباطل ({فمن شهد}) حضر ولم يكن مسافرًا ({منكم الشهر}) أي فيه ({فليصمه})، أي فيه ({ومن كان مريضًا}) مرضًا يشق عليه فيه الصيام أو على سفر ({فعدة من أيام أخر})، قوله: ({فمن شهد منكم الشهر}) إلى آخره ناسخ للآية الأولى المتضمنة للتخيير وحينئذ فلا تكرار ({يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}) فلذلك أباح الفطر للسفر والمرض ({ولتكملوا العدة}) عطف على اليسر أو على محذوف تقديره ({يريد الله بكم اليسر}) ليسهل عليكم والمعنى ولتكملوا عدة أيام الشهر بقضاء ما أفطرتم في المرض والسفر ({ولتكبروا الله}) لتعظموه ({على ما هداكم})، أرشدكم إليه من وجوب الصوم ورخصة الفطر بالعذر أو المراد تكبيرات ليلة الفطر ({ولعلكم تشكرون}) [البقرة: 185] الله على نعمه أو على رخصة الفطر، ولفظ رواية ابن عساكر {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} إلى قوله: {لعلكم تشكرون} وزاد أبو ذر: على ما هداكم. (وقال ابن نمير) بضم النون وفتح الميم وفتح عبد الله مما وصله البيهقي وأبو نعيم في مستخرجه (حدّثنا) ولابن عساكر: أخبرنا (الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا عمرو بن مرة) بضم الميم وتشديد الراء وعمرو بفتح العين وسكون الميم قال: (حدّثنا ابن أبي ليلى) عبد الرحمن قال: (حدّثنا أصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ورضي عنهم وقد أرى كثيرًا منهم كعمر وعثمان وعليّ، ولا يقال لمثل هذا رواية عن مجهول لأن الصحابة كلهم عدول (نزل رمضان) أي صومه (فشق عليهم)، صومه (فكان من أطعم كل يوم مسكينًا ترك الصوم ممن يطيقه، ورخص لهم في ذلك) بضم الراء مبنيّا للمفعول (فنسختها) أي آية الفدية قوله تعالى: ({وأن تصوموا خيرٌ لكم}) [البقرة: 184]. (فأمروا بالصوم). واستشكل وجه نسخ هذه الآية السابقة لأن الخيرية لا تقتضي الوجوب وأجاب الكرماني بأن معناه أن الصوم خير من التطوّع بالفدية والتطوّع بها سنة بدليل أنه خير والخير من السنة لا يكون إلا واجبًا. 1949 - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "قَرَأَ {فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ}. قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ". [الحديث 1949 - طرفه في: 4506]. وبه قال (حدّثنا عياش) بالمثناة التحتية والمثلثة آخره ابن الوليد الرقام البصري قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى البصري السامي بالمهملة قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا العمري المدني (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قرأ) قوله تعالى: ({فدية طعام مسكين}) بتنوين فدية ورفع طعام وجمع مساكين وفتح نونه من غير تنوين لمقابلة الجمع بالجمع وهذه قراءة هشام عن ابن عامر، ولابن عساكر: مسكين بالتوحيد وكسر النون مع تنوين فدية ورفع طعام وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي. ففدية: مبتدأ خبره الجار قبله وطُعام بدل من فدية وتوحيد مسكين لمراعاة أفراد العموم أي وعلى كل واحد ممن يطيق الصوم لكل يوم يفطره إطعام مسكين، وتبين من إفراد المسكين أن الحكم لكل يوم يفطر فيه إطعام مسكين ولا يفهم ذلك من الجمع. (وقال)

40 - باب متى يقضى قضاء رمضان؟

أي ابن عمر (هي) أي آية الفدية (منسوخة) وهذا مذهب الجمهور خلافًا لابن عباس حيث قال: إنها ليست بمنسوخة وهي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كل يوم مسكينًا. وهذا الحكم باق وهو حجة للشافعي ومن وافقه في أن من عجز عن الصوم لهرم أو زمانة أو اشتدت عليه مشقته سقط عنه الصوم لقوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78] ولزمته الفدية خلافًا لمالك ومن وافقه. ومذهب الشافعية أن الحامل والمرضع ولو لولد غيرها بأجرة أو دونها إذا أفطرتا يجب على كل واحدة منهما مع القضاء الفدية من مالهما لكل يوم مد إن خافتا على الطفل وإن كانتا مسافرتين أو مريضتين لما روى البيهقي وأبو داود بإسناد حسن عن ابن عباس في قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقوله فدية} [البقرة: 184] أنه نسخ حكمه إلا في حقهما حينئذٍ ويستثنى المتحيرة فلا فدية عليها على الأصح في الروضة للشك، وهو ظاهر فيما إذا أفطرت ستة عشر يومًا فأقل، فإن زادت عليها فينبغي وجوب الفدية عن الزائد لعلمنا بأنه يلزمها صومه ولا تتعدد الفدية بتعدد الولد لأنها بدل عن الصوم بخلاف العقيقة تتعدد بتعددهم لأنها فداء عن كل واحد وإن خافتا على أنفسهما ولو مع ولديهما فلا فدية. ويجب الفطر لإنقاذ محترم أشرف على الهلاك بغرق أو نحوه بقاء لمهجته مع القضاء والفدية كالمرضع لأنه فطر ارتفق به شخصان كالجماع لأنه تعلق به مقصود الرجل والمرأة فلذا تعلق به القضاء والكفارة. 40 - باب مَتَى يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ؟ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي صَوْمِ الْعَشْرِ: لاَ يَصْلُحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلاً، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ، وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ الإِطْعَامَ، إِنَّمَا قَالَ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. هذا (باب) بالتنوين (متى يقضى) أي متى يؤدى (قضاء رمضان)؟ والقضاء يجيء بمعنى الأداء قال تعالى: (فإذا قضيت الصلاة) أي فإذا أديت الصلاة، (وقال ابن عباس): -رضي الله عنهما- فيما وصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري (لا بأس أن يفرّق)، قضاء رمضان (لقول الله تعالى {فعدّة من أيام أخر} لصدقها على المتتابعة والمتفرقة. (وقال سعيد بن المسيب) -رحمه الله- فيما وصله ابن أبي شيبة (في صوم العشر): الأوّل من ذي الحجة لما سئل عن صومه والحال أن على الذي سأله قضاء من رمضان (لا يصلح حتى يبدأ برمضان). أي بقضاء صومه، وهذا لا يدل على المنع بل على الأولوية والقياس التتابع إلحاقًا لصفة القضاء بصفة الأداء وتعجيلاً لبراءة الذمة ولم يجب لإطلاق الآية كما مرّ. وروى الدارقطني بإسناد ضعيف أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سئل عن قضاء رمضان فقال "إن شاء فرقه وإن شاء تابعه" قال في المهمات: وقد يجب بطريق العرض وذلك في صورتين ضيق الوقت وتعمد الترك وردّ بمنع تسمية هذا موالاة إذ لو وجبت لزم كونها شرطًا في الصحة كصوم الكفارة وإنما يسمى هذا واجبًا مضيقًا. ولصاحب المهمات أن يمنع الملازمة ويسند المنع بأن الموالاة قد تجب ولا تكون شرطًا كما في صوم رمضان ولا يمنع من تسمية ذلك موالاة تسميته واجبًا مضيقًا. (وقال إبراهيم) النخعي مما وصله سعيد بن منصور: (إذا فرّط) من عليه قضاء رمضان (حتى جاء) من المجيء، ولأبي ذر عن الكشميهني: حتى جاز بزاي بدل الهمزة من الجواز، وفي نسخة: حان بمهملة ونون من الحين (رمضان آخر) بتنوين رمضان لأنه نكرة (يصومهما)، وفي بعض الأصول حتى جاء رمضان بغير تنوين أمر بصومهما من الأمر والموحدة بدل التحتية. قال البخاري: (ولم ير) أي إبراهيم (عليه طعامًا). وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه. (ويذكر) بضم أوله مبنيًا للمفعول (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- حال كونه (مرسلاً)، فيما وصله عبد الرزاق وأخرجه الدارقطني مرفوعًا من طريق مجاهد عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولم يسمع مجاهد من أبي هريرة كما ذكره البرديجي فلذا سماه البخاري مرسلاً (و) يذكر أيضًا (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله سعيد بن منصور والدارقطني (أنه يطعم) عن كل يوم مسكينًا مدا أو يصوم ما أدركه وما فاته قيل عطف ابن عباس على أبي هريرة يقتضي أن يكون المذكور عن ابن عباس أيضًا مرسلاً. وأجيب: بأنه اختلف في أن القيد في المعطوف عليه هل هو قيد في المعطوف أم لا؟ فقيل: ليس بقيد والأصح اشتراكهما

41 - باب الحائض تترك الصوم والصلاة

وكذلك، اختلف الأصوليون في عطف المطلق على المقيد هل هو مقيد للمطلق أم لا؟ قال المؤلّف (ولم يذكر الله الإطعام إنما قال تعالى) ({فعدة من أيام أخر}) وسكت عن الإطعام وهو الفدية لتأخير القضاء لكن لا يلزم عن عدم ذكره في القرآن أن لا يثبت بالسنة ولم يثبت فيه شيء مرفوع. نعم ورد عن جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة وابن عباس كما مرّ وعمر بن الخطاب فيما ذكره عبد الرزاق وهو قول الجمهور خلافًا للحنفية كما مرّ. قال الماوردي: وقد أفتى بالإطعام ستة من الصحابة ولا مخالف لهم فإن لم يمكنه القضاء لعذر بأن استمر مسافرًا أو مريضًا حتى دخل رمضان آخر فلا شيء عليه بالتأخير لأن تأخير الأداء بهذا العذر جائز فتأخير القضاء أولى بالجواز، ثم إن المد يتكرر بتكرر السنين إذ الحقوق المالية لا تتداخل. 1950 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تَقُولُ: "كَانَ يَكُونُ عَلَىَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ" قَالَ يَحْيَى الشُّغْلُ مِنَ النَّبِيِّ أَوْ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ". وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله اليربوعي التميمي قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي قال (حدّثنا يحيى) قال الحافظ ابن حجر: هو ابن سعيد الأنصاري لا ابن أبي كثير كما وهم الكرماني تبعًا لابن التين (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (قال: سمعت عائشة -رضي الله عنها- نقول: كان يكون عليّ الصوم من رمضان) وسقط لفظ من رمضان لابن عساكر وتكرير الكون لتحقيق القضية وتعظيمها والتقدير كان الشأن يكون كذا والتعبير بلفظ الماضي في الأول والمضارع في الثاني لإرادة الاستمرار وتكرار الفعل (فما أستطيع أن أقضي) ما فاتني من رمضان (إلا في شعبان. قال يحيى) بن سعيد المذكور بالسند السابق: (الشغل) بالرفع فاعل فعل محذوف أي قالت عائشة يمنعني الشغل أي أوجب ذلك الشغل، أو أن يحيى قال الشغل هو المانع لها فهو مبتدأ محذوف الخبر (من النبي) أي من أجله. وفي بعض الأصول قال يحيى: ذاك عن الشغل من النبي (أو بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأنها كانت مهيئة نفسها له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مترصدة لاستمتاعه في جميع أوقاتها إن أراد ذلك، وأما في شعبان فإنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصومه فتتفرغ عائشة -رضي الله عنها- فيه لقضاء صومها. وقوله قال يحيى إلخ. فيه بيان أنه ليس من قول عائشة بل مدرج من قول غيرها، لكن وقع في مسلم مدرجًا لم يقل فيه قال يحيى فصار كأنه من قولها ولفظه: فما تقدر أن تقضيه مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو نص في كونه من قولها. قال في اللامع: وفيه نظر لأنه ليس فيه تصريح بأنه من قولها فالاحتمال باق، وقد كان عليه الصلاة والسلام له تسع نسوة يقسم لهن ويعدل فما تأتي نوبة الواحدة إلا بعد ثمانية أيام فكان يمكنها أن تقضي في تلك الأيام. وأجيب: بأن القسم لم يكن واجبًا عليه فهن يتوقعن حاجته في كل الأوقات قاله القرطبي وتبعه العلاء بن العطار، والصحيح عند الشافعية وجوبه عليه فيحتمل أن يقال كانت لا تصوم إلا بإذنه ولم يكن يأذن لاحتمال احتياجه إليها فإذا ضاق الوقت أذن لها. وفي هذا الحديث أن القضاء موسع ويصير في شعبان مضيقًا وإن حق الزوج من العشرة والخدمة مقدم على سائر الحقوق ما لم يكن فرضًا مضيقًا، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة في الصوم. 41 - باب الْحَائِضِ تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلاَةَ وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الْحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلاَفِ الرَّأْيِ، فَمَا يَجِدُ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنِ اتِّبَاعِهَا، مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلاَ تَقْضِي الصَّلاَةَ. (باب الحائض تترك الصوم والصلاة) لمنع الشارع لها من مباشرتهما. (وقال أبو الزناد): عبد الله بن ذكوان (أن السنن) جمع سنة (ووجوه الحق) الأمور الشرعية (لتأتي) بفتح اللام للتأكيد (كثيرًا على خلاف الرأي)، العقل والقياس (فما يجد المسلمون بُدًّا) أي افتراقًا وامتناعًا (من اتباعها) ويوكل الأمر فيها إلى الشارع ويتعبد بها من غير اعتراض كان يقال لم كان كذا: (من) جملة (ذلك) الذي أتى على خلاف الرأي (أن الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة) ومقتضى الرأي أن يكونا متساويين في الحكم لأن كلاًّ منهما عبادة تركت لعذر، لكن الأمور الشرعية الآتية على خلاف القياس لا يطلب فيها وجه الحكمة بل يوكل أمرها إلى الله تعالى لأن أفعال الله تعالى

42 - باب من مات وعليه صوم

لا تخلو عن حكمة ولكن غالبها يخفى على الناس ولا تدركها العقول، لكن فرق الفقهاء بعدم تكرر الصوم فلا حرج في قضائه بخلاف الصلاة، وقيل غير ذلك. وقال إمام الحرمين: كل شيء ذكروه من الفرق ضعيف. 1951 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدٌ عَنْ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا». وبالسند قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم قال: (حدّثنا) ولأبي الوقت: أخبرنا (محمد بن جعفر) الأنصاري (قال: حدثني) بالإفراد، ولأبي الوقت: أخبرني بالإفراد (زيد) هو ابن أسلم المدني (عن عياض) هو عبد الله بن أبي سرح (عن أبي سعيد) الخدري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) وفي نسخة: لا تصلي ولا تصوم (فلذلك نقصان دينها) ولأبي ذر وابن عساكر: من نقصان دينها وكاف ذلك مفتوحة وهذا مختصر من الحديث السابق في ترك الحائض الصوم. 42 - باب مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ صَامَ عَنْهُ ثَلاَثُونَ رَجُلاً يَوْمًا وَاحِدًا جَازَ. (باب من مات وعليه صوم. وقال الحسن) البصري مما وصله الدارقطني في كتاب المدبج فيمن مات وعليه صوم ثلاثين يومًا (إن صام عنه ثلاثون رجلاً يومًا واحدًا جاز) ولأبي ذر عن الكشميهني: في يوم واحد. قال النووي في شرح المهذّب: وهذه المسألة لم أر فيها نقلاً في المذهب وقياس المذهب الإجزاء اهـ. وقيد ابن حجر المسألة بصوم لم يجب فيه التتابع لفقد التتابع في الصورة المذكورة. 1952 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ». تَابَعَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرٍو. وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ. وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن خالد) هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد الذهلي كما جزم به الكلاباذي وصنيع المزي يوافقه وهو الراجح وعلى هذا فقد نسبه المؤلّف إلى جد أبيه قاله في الفتح قال: (حدّثنا محمد بن موسى بن أعين) بفتح الهمزة والتحتية بينهما مهملة ساكنة وآخره نون الجزري قال: (حدّثنا أبي) موسى بن أعين (عن عمرو بن الحرث) بفتح العين الأنصاري المؤدب. (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن أبي جعفر) يسار الأموي (أن محمد بن جعفر) هو ابن الزبير بن العوّام (حدثه عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من مات) من المكلفين (وعليه صيام) الواو للحال (صام عنه وليه) ولو بغير إذنه أو أجنبي بالإذن من الميت أو من القريب بأجرة أو دونها وهذا مذهب الشافعي القديم، وصوبه النووي بل قال: يسن له ذلك ويسقط وجوب الفدية، والجديد وهو مذهب مالك وأبي حنيفة عدم الجواز لأنه عبادة بدنية ولا يسقط وجوب الفدية. قال النووي: وليس للجديد حجة والحديث الوارد الإطعام ضعيف ومع ضعفه فالإطعام لا يمتنع عند القائل بالصوم وهل المعتبر على القديم الولاية كما في الحديث أم مطلق القرابة أم يشترط الإرث أم العصوبة فيه احتمالات للإمام قال الرافعي: والأشبه اعتبار الإرث، وقال النووي: المختار اعتبار مطلق القرابة وصححه في المجموع. قال: وقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في خبر مسلم لامرأة قالت له إن أمي ماتت وعليها صوم نذر فأصوم عنها صومي عن أمك يبطل احتمال ولاية المال والعصوبة اهـ. وأجاب المالكية عن حديث الباب بدعوى عمل أهل المدينة واحتج الحنفية على القول بعدم الاحتجاج بهذين الحديثين بأن عائشة سئلت عن امرأة ماتت وعليها صوم قالت يطعم عنها. وعنها أنها قالت: لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم أخرجه البيهقي، وعن ابن عباس قال في رجل مات وعليه رمضان قال: يطعم عنه ثلاثين مسكينًا أخرجه عبد الرزاق. وعن ابن عباس: لا يصوم أحد عن أحد أخرجه النسائي فلما أفتى ابن عباس وعائشة بخلاف ما روياه دل ذلك على أن العمل على خلاف ما روياه لأن فتوى الراوي على خلاف مرويه بمنزلة روايته للناسخ ونسخ الحكم يدل على إخراج المناط عن الاعتبار. وقال الحنابلة ولا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر من غير عذر، فإن فعل فعليه القضاء وإطعام مسكين لكل يوم ولا يصام عنه على المذهب وهو الصحيح وعليه الأصحاب وإن مات وعليه صوم منذور ولم يصم منه شيئًا سن لوليه فعله ويجوز لغيره فعله بإذنه وبغيره ويجوز صوم جماعة عنه في يوم واحد. وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في الصوم. (تابعه) أي تابع والد محمد بن موسى (ابن وهب)

عبد الله فيما وصله مسلم وغيره (عن عمرو). هو ابن الحرث المذكور في السند السابق (ورواه) أي الحديث المذكور (يحيى بن أيوب) الغافقي فيما أخرجه البيهقي وأبو عوانة والدارقطني والبزار (عن ابن أبي جعفر) عبيد الله المذكور بسنده السابق وزاد البزار في آخر المتن إن شاء الله. 1953 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى". قَالَ سُلَيْمَانُ: فَقَالَ الْحَكَمُ وَسَلَمَةُ وَنَحْنُ جَمِيعًا جُلُوسٌ حِينَ حَدَّثَ مُسْلِمٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالاَ: سَمِعْنَا مُجَاهِدًا يَذْكُرُ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي خَالِدٍ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنِ الْحَكَمِ وَمُسْلِمٍ الْبَطِينِ وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ أُخْتِي مَاتَتْ". وَقَالَ يَحْيَى وَأَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ". وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ". وَقَالَ أَبُو حَرِيزٍ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ "قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَاتَتْ أُمِّي وَعَلَيْهَا صَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا". وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) الحافظ المعروف بصاعقة قال: (حدّثنا معاوية بن عمرو) بسكون الميم الأزدي ويعرف بابن الكرماني من قدماء شيوخ البخاري حدث عنه بغير واسطة في كتاب الجمعة وحدث عنه هنا وفي الجهاد والصلاة بواسطة قال: (حدّثنا زائدة) بن قدامة الثقفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن مسلم البطين) بفتح الموحدة وكسر المهملة وسكون التحتية ثم نون (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال): ولابن عساكر: أنه قال: (جاء رجل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يسم الرجل (فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر فأقضيه)؟ ولابن عساكر: أفأقضيه (عنها؟ قال): عليه الصلاة والسلام: (نعم) اقضه (قال: فدين الله) ولأبي ذر وابن عساكر قال: نعم فدين الله (أحق أن يقضى) أي حق العبد يقضى فحق الله أحق. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصوم، وأبو داود في الإيمان والنذور، والترمذي في الصوم وكذا النسائي وابن ماجة. (قال سليمان) بن مهران الأعمش بالإسناد السابق (فقال) ولأبي الوقت: قال بغير فاء (الحكم) بفتحتين ابن عتيبة مصغرًا (وسلمة) بن كهيل مصغرًا الحضرمي الكوفي (ونحن) أي الثلاثة (جميعًا جلوس) جملة اسمية وقعت حالاً (حيث حدث مسلم) البطين (بهذا الحديث قالا): أي الحكم وسلمة (سمعنا مجاهدًا) هو ابن جبر (يذكر هذا) الحديث (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما-، وحاصل هذا أن الأعمش سمع هذا الحديث من ثلاثة أنفس في مجلس واحد من مسلم البطين أولاً عن سُعيد بن جبير، ثم من الحكم، وسلمة عن مجاهد. (ويذكر) بضم أوله مبنيًّا للمفعول (عن أبي خالد) الأحمر ضد الأبيض واسمه سليمان بن حيان بالمثناة التحتية المشددة وآخره نون أنه قال: (حدّثنا الأعمش عن الحكم و) عن (مسلم البطين و) عن (سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير وعطاء) هو ابن أبي رباح (ومجاهد) الثلاثة أعني سعيد بن جبير وعطاء ومجاهدًا (عن ابن عباس) وفيه: أن الأعمش روى عن الشيوخ الثلاثة وكل من الثلاثة عن الثلاثة ويحتمل كما قال في الفتح أن يكون من باب اللف والنشر غير المرتب، فيكون شيخ الحكم عطاء، وشيخ البطين ابن جبير، وشيخ سلمة مجاهدًا. ويؤيده أن النسائي أخرجه من طريق عبد الرحمن بن مغراء عن الأعمش مفصلاً هكذا (قالت امرأة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن أختي ماتت) ووصله الترمذي أيضًا من طريق أبي خالد بلفظ: إن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين. (وقال يحيى) بن سعيد (وأبو معاوية) محمد بن خازم بالمعجمتين مما رواه النسائي وغيره (حدّثنا الأعمش عن مسلم) البطين (عن سعيد) ولابن عساكر زيادة ابن جبير فوافقا زائدة على أن شيخ مسلم البطين فيه سعيد بن جبير (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه قال (قالت امرأة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن أمي ماتت). (وقال عبيد الله) بضم أوله مصغرًا ابن عمر وبسكون الميم الرقي مما وصله مسلم (عن زيد بن أبي أنيسة) بضم الهمزة وفتح النون وسكون التحتية (عن الحكم) بن عتيبة المذكور (عن سعيد بن جبير) وسقط في رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر ابن جبير (عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه قال: (قالت امرأة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن أمي ماتت وعليها صوم نذر) بالإضافة، وقد بين أبو بشر في روايته عند أحمد سبب النذر ولفظه: أن امرأة ركبت البحر فنذرت أن تصوم شهرًا فماتت قبل أن تصوم وهذا ظاهر في أنه غير رمضان. (وقال أبو حريز): بفتح الحاء المهملة وكسر الراء آخره زاي عبد الله بن الحسين قاضي سجستان مما وصله ابن خزيمة وغيره (حدّثنا) بالجمع ولأبي الوقت: حدثني بالإفراد

43 - باب متى يحل فطر الصائم؟ وأفطر أبو سعيد الخدري حين غاب قرص الشمس

(عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه قال: (قالت امرأة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ماتت أمي وعليها صوم خمسة عشر يومًا) وهذا الاختلاف من قوله امرأة ورجل وشهر وشهران وخمسة عشر يومًا يحمل على اختلاف وقائع وفيه جواز الصوم عن الميت. 43 - باب مَتَى يَحِلُّ فِطْرُ الصَّائِمِ؟ وَأَفْطَرَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ حِينَ غَابَ قُرْصُ الشَّمْسِ هذا (باب) بالتنوين (متى يحل فطر الصائم؟. وأفطر أبو سعيد الخدري حين غاب قرص الشمس) من غير مزيد على ذلك وهذا وصله سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة. 1954 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ». وبالسند قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا هشام بن عروة قال: سمعت أبي) عروة بن الزبير بن العوام (يقول سمعت عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه) عمر (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا أقبل الليل من هاهنا)، أي من جهة المشرق (وأدبر النهار من هاهنا)، أي من المغرب (وغربت الشمس) قيد بالغروب إشارة إلى اشتراط تحقق الإقبال والإدبار وأنهما بواسطة الغروب لا بسبب آخر فالأمور الثلاثة وإن كانت متلازمة في الأصل لكنها قد تكون في الظاهر غير متلازمة فقد يظن إقبال الليل من جهة المشرق ولا يكون إقباله حقيقة بل لوجود شيء يغطي الشمس وكذلك إدبار النهار فلذا قيد بالغروب (فقد أفطر الصائم) أي دخل وقت إفطاره أو صار مفطرًا حكمًا لأن الليل ليس ظرفًا للصوم الشرعي. وفي رواية شعبة: فقد حل الإفطار وهي تؤيد التفسير الأول، ورجحه ابن خزيمة وعلل بأن قوله فقد أفطر الصائم لفظه خبر ومعناه الإنشاء أي فليفطر الصائم ثم قال: ولو كان المراد فقد صار مفطرًا كان فطر جميع الصوام واحد ولم يكن للترغيب في تعجيل الإفطار معنى. وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في الصوم. 1955 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ لِبَعْضِ الْقَوْمِ: يَا فُلاَنُ قُمْ فَاجْدَحْ لَنَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ. قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَوْ أَمْسَيْتََ قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، قَالَ: إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا، قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا. فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُمْ، فَشَرِبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن شاهين (الواسطي) قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحاوي الواسطي (عن الشيباني) أبي إسحاق سليمان بن أبي سليمان (عن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) في شهر رمضان في غزوة الفتح (وهو صائم فلما غربت الشمس) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: فلما غابت الشمس (قال لبعض القوم): (يا فلان) هو بلال (قم فاجدح لنا) بهمزة وصل وسكون الجيم وفتح الدال وآخره حاء مهملتين أي حرك السويق بالماء أو باللبن (فقال) بلال: (يا رسول الله لو أمسيت) لكنت متمًا للصوم فجواب لو الشرطية محذوف أو هي للتمني (قال) عليه الصلاة والسلام يا بلال (أنزل فاجدح لنا) (قال: يا رسول الله فلو أمسيت) بزيادة الفاء (قال) (انزل فاجدح لنا) (قال: إن عليك نهارًا) لعله رأى كثرة الضوء من شدة الصحو فظن أن الشمس لم تغرب أو غطاها نحو جبل أو كان هناك غيم فلم يتحقق الغروب ولو تحققه ما توقف لأنه يكون حينئذٍ معاندًا وإنما توقفه احتياطًا واستكشافًا عن حكم المسألة (قال) عليه الصلاة والسلام: (أنزل فاجدح لنا) (فنزل فجدح لهم فشرب النبي) ولأبي ذر وابن عساكر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما جدحه (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (إذا رأيتم الليل) أي ظلامه (قد أقبل من هاهنا) من جهة المشرق (فقد أفطر الصائم) ولم يذكر هاهنا ما في الأول من الإدبار والغروب فيحتمل أن ينزل على حالين فحيث ذكر ذلك، ففي حال الغيم مثلاً وحيث لم يذكر ففي حال الصحو أو كانا في حالة واحدة وحفظ أحد الراويين ما لم يحفظ الآخر. وهذا الحديث سبق في باب الصوم في السفر. 44 - باب يُفْطِرُ بِمَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِ بِالْمَاءِ أو غَيْرِهِ هذا (باب) بالتنوين (يفطر) الصائم (بما تيسر عليه بالماء وغيره) وسقط لابن عساكر لفظ عليه وللكشميهني من الماء. 1956 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنه- قَالَ: "سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ صَائِمٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ، قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا، قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، فَنَزَلَ فَجَدَحَ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ. وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال (حدّثنا عبد الواحد) بن زيادة قال (حدّثنا الشيباني) أبو إسحاق ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: الشيباني سليمان فزاد اسمه (قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: سرنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو صائم) في رمضان (فلما غربت الشمس قال):

45 - باب تعجيل الإفطار

(انزل فاجدح لنا) وفي رواية شعبة عن الشيباني عن أحمد فدعا صاحب شرابه بشراب، وهو يؤيد كونه بلالاً فإنه هو المعروف بخدمته عليه الصلاة والسلام لا سيما وفي رواية أبي داود بلفظ: يا بلال انزل فاجدح لنا (قال يا رسول الله وأمسيت؟ قال): (أنزل فاجدح لنا) (قال يا رسول الله أن عليك نهارًا قال): (انزل فاجدح لنا) (فنزل) ولأبي الوقت قال فنزل (فجدح) زاد في الباب السابق فشرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم قال): (إذا رأيتم الليل يقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم) (وأشار) عليه الصلاة والسلام (بإصبعه قبل المشرق) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة المشرق. ومطابقته للترجمة من جهة أن الجدح تحريك السويق بالماء وهو مشتمل على الماء وغيره، وفي الترمذي وغيره وصححوه: إذا كان أحدكم صائمًا فليفطر على التمر فإن لم يجد التمر فعلى الماء فإنه طهور. وروى الترمذي وحسنه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يفطر قبل أن يصلّي على رطبات فإن لم يكن على تمرات فإن لم يكن حسا حسوات من ماء وقضيته تقديم الرطب على التمر وهو على الماء والقصد بذلك كما قاله المحب الطبري أن يدخل جوفه أولاً ما مسته النار، ويحتمل أن يراد هذا مع قصد الحلاوة تفاؤلاً قال: ومن كان بمكة سنّ له أن يفطر على ماء زمزم لبركته ولو جمع بينه وبين التمر فحسن اهـ. وردّ هذا بأنه مخالف للأخبار وللمعنى الذي شرع الفطر على التمر لأجله وهو حفظ البصر أو أن التمر إذا نزل إلى المعدة فإن وجدها خالية حصل الغذاء وإلا أخرج ما هناك من بقايا الطعام وهذا لا يوجد في ماء زمزم وعن بعضهم الأولى في زماننا أن يفطر على ماء يأخذه بكفّه من النهر ليكون أبعد عن الشبهة. قال في المجموع: وهذا شاذ والمذهب وهو الصواب فطره على تمر ثم ماء. 45 - باب تَعْجِيلِ الإِفْطَارِ (باب) استحباب (تعجيل الإفطار) للصائم بتحقيق الغروب. 1957 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ». وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي حازم) بالحاء الجملة والزاي سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) أي إذا تحققوا الغروب بالرؤية أو بإخبار عدلين أو عدل على الأرجح، وما ظرفية أي مدة فعلهم ذلك امتثالاً للسنة واقفين عند حدودها غير متنطعين بعقولهم ما يغير قواعدها، وزاد أبو هريرة في حديثه لأن اليهود والنصارى يؤخرون أخرجه أبو داود وابن خزيمة وغيرهما وتأخير أهل الكتاب له أمد وهو ظهور النجم، وقد روى ابن حبان والحاكم من حديث سهل أيضًا: لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم، ويكره له أن يؤخره إن قصد ذلك ورأى أن فيه فضيلة وإلا فلا بأس به نقله في المجموع عن نص الأم وعبارته تعجيل الفطر مستحب ولا يكره تأخيره إلا لمن تعمده ورأى أن الفضل فيه، ومقتضاه أن التأخير لا يكره مطلقًا وهو كذلك إذ لا يلزم من كون الشيء مستحبًا أن يكون نقيضه مكروهًا مطلقًا، وخرج بقيد تحقق الغروب ما إذا ظنه فلا يسن له تعجيل الفطر به وما إذا شكه فيحرم به وأما ما يفعله الفلكيون أو بعضهم من التمكين بعد الغروب بدرجة فمخالف للسنة فلذا قل الخير والله يوفقنا إلى سواء السبيل. وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة. 1958 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَصَامَ حَتَّى أَمْسَى، قَالَ لِرَجُلٍ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي، قَالَ: لَوِ انْتَظَرْتَ حَتَّى تُمْسِيَ. قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي، إِذَا رَأَيْتَ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله وهو كوفي قال: (حدّثنا أبو بكر) هو ابن عياش القارئ (عن سليمان) الشيباني (عن ابن أبي أوفى) عبد الله (-رضي الله عنه- قال: كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر فصام حتى أمسى) دخل في المساء (قال لرجل): (أنزل فاجدح لي) (قال: لو انتظرت حتى تمسي قال): (انزل فاجدح لي إذا رأيت الليل) أي ظلامه (قد أقبل من هاهنا) أي من جهة المشرق (فقد أفطر الصائم) خبر بمعنى الأمر أو أفطر حكمًا وإن لم يفطر حسا، فيدل على أنه يستحيل الصوم بالليل شرعًا. قال ابن بزيزة: وقع ببغداد أن رجلاً حلف لا يفطر على حار ولا بارد فأفتى الفقهاء بحنثه إذ لا شيء مما يؤكل أو يشرب إلا وهو حار أو بارد، وأفتى الشيرازي

46 - باب إذا أفطر في رمضان، ثم طلعت الشمس

بعدم حنثه فإنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جعله مفطرًا بدخول الليل وليس بحار ولا بارد وهذا تعلق باللفظ والأيمان إنما تبنى على المقاصد ومقصود الحالف المطعومات. 46 - باب إِذَا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ هذا (باب) بالتنوين (إذا أفطر) الصائم (في رمضان)، ظانًا غروب الشمس (ثم طلعت الشمس) أي ظهرت هل يجب عليه قضاء ذلك اليوم أم لا؟ 1959 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- قَالَتْ: "أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ غَيْمٍ ثُمَّ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، قِيلَ لِهِشَامٍ: فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ؟ قَالَ: بُدٌّ مِنْ قَضَاءٍ؟ وَقَالَ مَعْمَرٌ سَمِعْتُ هِشَامًا يَقُولُ: لاَ أَدْرِي أَقْضَوْا أَمْ لاَ". وبالسند قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي شيبة) هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الليثي (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام (عن) زوجته وابنة عمه (فاطمة) بنت المنذر (عن أسماء بنت أبي بكر) ولابن عساكر: زيادة الصديق (-رضي الله عنهما-) أنها (قالت أفطرنا على عهد النبي) ولأبي الوقت: على عهد رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي على زمنه وأيام حياته (يوم غيم) بنصب يوم على الظرفية، ولأبي داود وابن خزيمة: في يوم غيم (ثم طلعت الشمس، قيل لهشام): هو ابن عروة المذكور والقائل له هو أبو أسامة كما عند أبي داود وابن أيى شيبة في مصنفه وأحمد في مسنده (فأمروا) من جهة الشارع (بالقضاء؟ قال: بد من قضاء)؟ هل بدّ من قضاء؟ فحرف الاستفهام مقدر، ولأبي ذر لا بدّ من قضاء، وهذا مذهب الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة وعليه أن يمسك بقية النهار لحرمة الوقت ولا كفارة عليه. وحكى في الرعاية من كتب الحنابلة أنه لا قضاء على من جامع يعتقده ليلاً فبان نهارًا لكن الصحيح من مذهبهم، وجزم به الأكثر أنه يجب القضاء والكفارة. (وقال معمر) بسكون العين المهملة وفتح الميمين ابن راشد مما وصله عبد بن حميد (سمعت هشامًا) أي ابن عروة يقول: (لا أدري أقضوا) ذلك اليوم (أم لا) وقد روى عن مجاهد وعطاء وعروة بن الزبير عدم القضاء وجعلوه بمنزلة من أكل ناسيًا وعن عمر يقضي وفي آخر لا رواهما البيهقي وضعفت الثانية النافية، وفي هذا الحديث كما قاله ابن المنير أن المكلفين إنما خوطبوا بالظاهر فإذا اجتهدوا فأخطأوا فلا حرج عليهم في ذلك وقد أخرجه أبو داود وابن ماجة في الصوم. 47 - باب صَوْمِ الصِّبْيَانِ وَقَالَ عُمَرَ -رضي الله عنه- لِنَشْوَانٍ فِي رَمَضَانَ: وَيْلَكَ، وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ. فَضَرَبَهُ. (باب) حكم (صوم الصبيان) هل يشرع أم لا؟ والمراد الجنس الصادق بالمذكور والإناث، ومذهب الشافعية أنهم يؤمرون به لسبع إذا أطاقوا ويضربون على تركه لعشر قياسًا على الصلاة، ويجب على الوليّ أن يأمرهم به ويضربهم على تركه، لكن نظر بعضهم في القياس بأن الضرب عقوبة فيقتصر فيها على محل ورودها وهو مشهور مذهب المالكية فيفرقون بين الصلاة والصيام فيضربون على الصلاة ولا يكلفون الصيام وهو مذهب المدونة. وعن أحمد في رواية أنه يجب على من بلغ عشر سنين وأطاقه، والصحيح من مذهبه عدم وجوبه عليه وعليه جماهير أصحابه، لكن يؤمر به إذا أطاقه ويضرب عليه ليعتاده قالوا: وحيث قلنا بوجوب الصوم على الصبي فإنه يعصي بالفطر ويلزمه الإمساك والقضاء كالبالغ. (وقال عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-) فيما وصله سعيد بن منصور والبغوي في الجديات (لنشوان) بفتح النون وسكون الشين المعجمة غير مصروف لأن الاسم يمنع من الصرف للصفة وزيادة الألف والنون بشرط أن لا يكون المؤنث في ذلك بتاء تأنيث نحو: نشوان وعطشان تقول هذا نشوان ورأيت نشوان ومررت بنشوان فتمنعه من الصرف للصفة وزيادة الألف والنون والشرط موجود فيه لأنك لا تقول للمؤنث نشوانة إنما تقول نشوى، لكن حكى الزمخشري في مؤنثه نشوانة وحينئذٍِ فيجوز صرفه، والمعنى قال عمر لرجل سكران (في رمضان: ويلك) بفتح اللام مفعول فعله لازم الحذف أي شربت الخمر (وصبياننا) الصغار (صيام). بالياء، ولغير أبي ذر وابن عساكر: صوّام بضم الصاد وتشديد الواو (فضربه) الحدّ ثمانين سوطًا ثم سيره إلى الشام وهذا من أحسن ما يتعقب به على المالكية لأن أكثر ما يعتمدونه في معارضة الأحاديث دعوى عمل أهل المدينة على خلافها ولا عمل يستند إليه أقوى من العمل في عهد عمر -رضي الله عنه- مع شدة تحريه ووفور الصحابة في زمانه وقد قال لهذا الرجل كيف وصبياننا صيام. 1960 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: "أَرْسَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُمْ. قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد)

48 - باب الوصال، ومن قال ليس في الليل صيام، لقوله عز وجل {ثم أتموا الصيام إلى الليل} ونهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه رحمة لهم وإبقاء عليهم، وما يكره من التعمق

قال: (حدّثنا بشر بن المفضل) بالضاد المعجمة المشددة المفتوحة من التفضيل قال: (حدّثنا خالد بن ذكوان) أبو الحسن (عن الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد التحتية آخره عين مهملة (بنت معوذ) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الواو المكسورة آخره ذال معجمة الأنصارية من المبايعات تحت الشجرة ابن عفراء أنها (قالت: أرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار) زاد مسلم التي حول المدينة (من أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائمًا فليصم) أي فليستمر على صومه (قالت): أي الربيع (فكنا) ولأبي الوقت: كنا (نصومه) أي عاشوراء (بعد ونصوّم صبياننا) زاد مسلم الصغار ونذهب بهم إلى المسجد وهذا تمرين للصبيان على الطاعات وتعويدهم العبادات، وفي حديث رزينة بفتح الراء وكسر الزاي عند ابن خزيمة بإسناد لا بأس به أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يأمر برضعائه في عاشوراء ورضعاء فاطمة فيتفل في أفواههم ويأمر أمهاتهم أن لا يرضعن إلى الليل وهو يردّ على القرطبي حيث قال في حديث الربيع: هذا أمر فعله النساء بأولادهن ولم يثبت علمه عليه الصلاة والسلام بذلك وبعيد أن يأمر بتعذيب صغير بعبادة شاقة اهـ. ومما يقوى الرد عليه أيضًا أن الصحابي إذا قال فعلنا كذا في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان حكمه الرفع لأن الظاهر اطلاعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك وتقريرهم عليه مع توفر دواعيهم على سؤالهم إياه عن الأحكام مع أن هذا مما لا مجال للاجتهاد فيه فما فعلوه إلا بتوقيف. (ونجعل لهم اللعبة) بضم اللام ما يلعب به (من العهن). الصوف المصبوغ كما سيأتي إن شاء الله قريبًا (فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك) الذي جعلناه من العهن ليلتهي به (حتى يكون عند الإفطار) زاد في رواية ابن عساكر والمستملي قال أي المصنف: العهن الصوف وقد أخرج هذا الحديث مسلم أيضًا في الصوم. 48 - باب الْوِصَالِ، وَمَنْ قَالَ لَيْسَ فِي اللَّيْلِ صِيَامٌ، لِقَوْلِهِ عز وجل {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} وَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُ رَحْمَةً لَهُمْ وَإِبْقَاءً عَلَيْهِمْ، وَمَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ (باب) حكم (الوصال) وهو أن يصوم فرضًا أو نفلاً يومين فأكثر ولا يتناول بالليل مطعومًا عمدًا بلا عذر قاله في شرح المهذّب، وقضيته أن الجماع والاستقاءة وغيرهما من المفطرات لا يخرجه عن الوصال. قال الأسنوي في المهمات: وهو ظاهر من جهة المعنى لأن النهي عن الوصال إنما هو لأجل الضعف والجماع ونحوه يزيده أو لا يمنع حصوله، لكن قال الروياني في البحر: هو أن يستديم جميع أوصاف الصائمين. وقال الجرجاني في الشافي: أن يترك ما أبيح له من غير إفطار. قال الأسنوي أيضًا: وتعبيرهم بصوم يومين يقتضي أن المأمور بالإمساك كتارك النية لا يكون امتناعه بالليل من تعاطي المفطرات وصالاً لأنه ليس بين صومين إلا أن الظاهر أن ذلك جرى على الغالب. (و) باب (من قال ليس في الليل صيام) أي ليس محلاً له (لقوله تعالى) {ثم أتموا الصيام إلى الليل} [البقرة: 187] فإنه آخر وقته. وفي حديث أبي سعيد الخير عند الترمذي في جامعه وابن السكن وغيره في الصحابة والدولابي في الكنى مرفوعًا: أن الله لم يكتب الصيام بالليل فمن صام فقد تعنى ولا أجر له. قال ابن منده: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال الترمذي: سألت البخاري عن فقال: ما أرى عبادة سمع من أبي سعيد الخير، وعند الإمام أحمد والطبراني وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم في تفسيرهما بإسناد صحيح إلى ليلى امرأة بشير بن الخصاصية قالت: أردت أن أصوم يومين مواصلة فمنعني بشير وقال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عنه وقال يفعل ذلك النصارى ولكن صوموا كما أمركم الله تعالى: {وأتموا الصيام إلى الليل} فإذا كان الليل فأفطروا. (ونهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله المؤلّف قريبًا من حديث عائشة (عنه) أي عن الوصال (رحمة لهم) أي الأمة (وإبقاء عليهم) أي حفظًا لهم في بقاء أبدانهم على قوّتهم، وعند أبي داود بإسناد صحيح عن رجل من الصحابة قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه. (و) باب (ما يكره من التعمق)

وهو المبالغة في تكلف ما لم يكلف به. 1961 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ تُوَاصِلُوا، قَالُوا إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ، إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى. أَوْ إِنِّي أَبِيتُ أُطْعَمُ وَأُسْقَى». [الحديث 1961 - طرفه في: 7241]. وبالسند قال (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدثني) بالتوحيد (يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (قال: حدثني) بالتوحيد أيضًا (قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) لأصحابه: (لا تواصلوا) نهي يقتضي الكراهة وهل هي للتنزيه أو للتحريم والأصح عند الشافعية التحريم قال الرافعي: وهو ظاهر نص الشافعي وكرهه مالك. قال الأبيّ: ولو إلى السحر واختار اللخمي جوازه إلى السحر لحديث من واصل فليواصل إلى السحر وقول أشهب من واصل أساء ظاهره التحريم. وقال ابن قدامة في المغني: يكره للتنزيه لا للتحريم ويدل للتحريم قوله في رواية ابن خزيمة من طريق شعبة بهذا الإسناد إياكم والوصال. (قالوا إنك تواصل)، لم يسم القائلون، وفي رواية أبي هريرة الآتية إن شاء الله تعالى أول الباب اللاحق فقال رجل من المسلمين: وكأن القائل واحد ونسب إلى الجميع لرضاهم به وفيه دليل على استواء المكلفين في الأحكام وأن كل حكم ثبت في حقه عليه الصلاة والسلام ثبت في حق أمته إلا ما استثنى فطلبوا الجمع بين قوله في النهي وفعله الدال على الإباحة، فأجابهم باختصاصه به حيث (قال) عليه الصلاة والسلام: (لست) ولابن عساكر: إني لست (كأحد منكم) ولأبي ذر عن الكشميهني: كأحدكم (إني أطعم وأسقى) بضم الهمزة فيها (أو) قال (إني أبيت أطعم وأسقى) حقيقة فيؤتى بطعام وشراب من عند الله كرامة له في ليالي صومه وردّ بأنه لو كان كذلك لم يكن مواصلاً والجمهور على أنه مجاز عن لازم الطعام والشراب وهو القوة فكأنه قال: يعطيني قوّة الآكل والشارب أو أن الله تعالى يخلق فيه من الشبع والري ما يغنيه عن الطعام والشراب فلا يحس بجوع ولا عطش والفرق بينه وبين الأول أنه على الأول يعطى القوة من غير شبع ولا ريّ بل مع الجوع والظمأ، وعلى الثاني يعطى القوّة مع الشبع والريّ. ورجح الأول فإن الثاني ينافي في حال الصائم ويفوّت المقصود من الصوم والوصال لأن الجوع هو روح هذه العبادة بخصوصها. 1962 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْوِصَالِ، قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله-) أصحابه (عن الوصال)، سبق في باب بركة السحور من غير إيجاب من طريق جويرية عن نافع ذكر السبب ولفظه: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واصل فواصل الناس فشق عليهم فنهاهم (قالوا) ولابن عساكر قال قالوا: (إنك تواصل قال): (إني لست مثلكم)، وفي حديث أبي زرعة عن أبي هريرة عند مسلم لستم في ذلك مثلي أي لستم على صفتي أو منزلتي من ربي (إني أطعم وأسقى) قال ابن القيم: يحتمل أن يكون المراد ما يغذيه الله تعالى به من معارفه وما يفيضه على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه بقربه ونعيمه بحبه قال: ومن له أدنى تجربة وشوق يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الحيواني ولا سيما الفرحان الظافر بمطلوبه الذي قد قرت عينه بمحبوبه. 1963 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "لاَ تُوَاصِلُوا، فَأَيُّكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ، قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ". [الحديث 1963 - طرفه في: 1967]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدثني) بالإفراد (ابن الهاد) يزيد بن عبد الله بن أسامة الليثي (عن عبد الله بن خباب) بالخاء المعجمة المفتوحة والموحدة المشددة الأنصاري (عن أبي سعيد) الخدري (-رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا تواصلوا فأيكم إذا أراد) وسقط لفظ إذا لأبي ذر (أن يواصل فليواصل حتى السحر) بالجر بحتى الجارة التي بمعنى "إلى" وفيه رد على من قال: إن الإمساك بعد الغروب لا يجوز (قالوا فإنك) بالفاء (تواصل يا رسول الله قال): (إني لست كهيئتكم) أي لست مثل حالتكم وصفتكم في أن من أكل منكم أو شرب انقطع وصاله (إني أبيت) حال كوني (لي مطعم) حال كونه (يطعمني و) لي (ساق) حال كونه (يسقين) بحذف الياء في الفرع

49 - باب التنكيل لمن أكثر الوصال. رواه أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

كالمصحف العثماني في الشعراء. وفي بعض الأصول يسقيني بإثباتها كقراءة يعقوب الحضرمي في الآية حالة الوصل والوقف مراعاة للأصل والحسن البصري في الوصل فقط مراعاة للأصل والرسم. وهذا الحديث أخرجه أبو داود من رواية ابن الهاد ولم يخرجه مسلم، ووهم صاحب العمدة فعزاه له وإنما هو من أفراد البخاري كما قاله عبد الحق في الجمع بين الصحيحين وكذا صاحب المنتقى وصاحب الضياء في المختارة بل والحافظ عبد الغني بن سرور في عمدته الكبرى عزا ذلك للبخاري فقط فلعله وقع له في عمدته الصغرى سبق قلم والله أعلم. 1964 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدٌ قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانُ "رَحْمَةً لَهُمْ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي الوقت: حدثني بالإفراد وفي نسخة: أخبرنا (عثمان بن أبي شيبة) أخو أبو بكر بن أبي شيبة (ومحمد) هو ابن سلام (قالا: أخبرنا عبدة) بن سليمان (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الوصال رحمة لهم)، نصب على التعليل أي لأجل الرحمة، وتمسك به من قال النهي ليس للتحريم كنهيه لهم عن قيام الليل خشية أن يفرض عليهم، وقد روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عبد الله بن الزبير أنه كان يواصل خمسة عشر يومًا، ويأتي في الباب التالي إن شاء الله تعالى أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واصل بأصحابه بعد النهي فلو كان النهي للتحريم لما أقرهم عليه فعلم أنه أراد بالنهي الرحمة لهم والتخفيف عنهم كما صرحت به عائشة. وأجيب: بأن قوله رحمة لهم لا يمنع التحريم فإن من رحمته لهم أن حرمه عليهم، وأما مواصلته بهم بعد نهيه فلم يكن تقريرًا بل تقريعًا وتنكيلاً فاحتمل ذلك لأجل مصلحة النهي في تأكيد زجرهم لأنهم إذا باشروه وظهرت لهم حكمة النهي فكان ذلك أدعى إلى قبولهم لما يترتب عليه من الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم منه وأرجح من وظائف الصلاة والقراءة وغير ذلك، والجوع الشديد ينافي ذلك. وفرق بعضهم بين من يشق عليه فيحرم ومن لم يشق عليه فيباح. (فقالوا: إنك تواصل، قال): (إني لست كهيئتكم إني يطعمني رب ويسقين) بحذف الياء وإثباتها كما مرّ والياء في يطعمني بالضم وفي يسقين بالفتح، والصحيح أن هذا ليس على ظاهره لأنه لو كان على الحقيقة لم يكن مواصلاً، وقيل: إنه كان يؤتى بطعام وشراب في النوم فيستيقظ وهو يجد الريّ والشبع. وقال النووي في شرح المهذّب: معناه محبة الله تشغلني عن الطعام والشراب والحب البالغ يشغل عنهما وآثر اسم الرب دون اسم الذات المقدسة في قوله: يطعمني ربي دون أن يقول الله لأن التجلي باسم الربوبية أقرب إلى العباد من الألوهية لأنها تجلي عظمة لا طاقة للبشر بها وتجلي الربوبية تجلي رحمة وشفقة وهي أليق بهذا المقام. (قال أبو عبد الله) البخاري كذا لأبوي ذر والوقت وسقط لغيرهما (لم يذكر عثمان) بن أبي شيبة في الحديث المذكور قوله (رحمة لهم) فدلّ على أنها من رواية محمد بن سلام وحده. وأخرجه مسلم عن إسحاق بن راهويه وعثمان بن أبي شيبة جميعًا وفيه رحمة لهم ولم يبين أنها ليست في رواية عثمان، وقد أخرجه أبو يعلى والحسن بن سفيان في مسنديهما عن عثمان وليس فيه رحمة لهم. وأخرجه الجوزقي من طريق محمد بن حاتم عن عثمان وفيه رحمة لهم فيحتمل أن يكون عثمان تارة يذكرها وتارة يحذفها وقد رواها الإسماعيلي عن جعفر الفريابي عن عثمان فجعل ذلك من قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولفظه قالوا: إنك تواصل، قال: (إنما هي رحمة رحمكم الله بها إني لست كهيئتكم) قاله في فتح الباري. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الإيمان ومسلم في الصوم وكذا النسائي. 49 - باب التَّنْكِيلِ لِمَنْ أَكْثَرَ الْوِصَالَ. رَوَاهُ أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب التنكيل) من النكال أي العقوبة من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لمن أكثر الوصال). في صومه (رواه) أي التنكيل (أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله في كتاب التمني. 1965 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟ إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ. فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوُا الْهِلاَلَ، فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ. كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا". [الحديث 1965 - أطرافه في: 1966، 6851، 7242، 7299]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال: حدثني) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر

50 - باب الوصال إلى السحر

أخبرني بالإفراد فيهما (أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أصحابه (عن الوصال في الصوم) فرضًا أو نفلاً (فقال له رجل من المسلمين) لم يسم، وفي رواية عقيل في التعزيز فقال له رجال: (إنك تواصل يا رسول الله) أي ووصلك دال على إباحته فأجابهم عليه الصلاة والسلام بأن ذلك من خصائصه حيث قال: (وأيكم) وفي نسخة: فأيكم (مثلي) استفهام يفيد التوبيخ المشعر بالاستبعاد (إني أبيت يطعمني ربي وشقين) بحذف الياء وثبوتها كما سبق تقريره (فلما أبوا) أي امتنعوا (أن ينتهوا عن الوصال) لظنهم أن نهيه عليه الصلاة والسلام نهي تنزيه لا تحريم، وللكشميهني كما في الفتح من الوصال بالميم بدل العين (واصل بهم) عليه الصلاة والسلام (يومًا ثم يومًا) أي يومين لأجل المصلحة ليبين لهم الحكمة في ذلك (ثم رأوا الهلال فقال) عليه الصلاة والسلام (لو تأخر) الشهر (لزدتكم) في الوصال إلى أن تعجزوا عنه فتسألوا التخفيف منه بالترك (كالتنكيل لهم) وفي رواية معمر في التمني كالمنكل لهم ووقع فيها عند المستملي كالمنكر لهم بالراء وسكون النون من الإنكار، وللحموي كالمنكي بتحتية ساكنة قبلها كاف مكسورة خفيفة من الإنكاء والأول هو الذي تضافرت به الروايات خارج هذا الكتاب (حين أبوا) أي امتنعوا (أن ينتهوا) أي عن الانتهاء عن الوصال، وهذا الحديث أخرجه أيضًا النسائي. 1966 - حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، مَرَّتَيْنِ. قِيلَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ، فَاكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ». وبه قال (حدّثنا يحيى) غير منسوب، ولأبي ذر كما في الفتح يحيى بن موسى وهو المعروف بخت قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنغاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام) بن منبه الصنعاني (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إياكم والوصال) نصب على التحذير أي احذروا الوصال (مرتين) وعند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة بلفظ إياكم والوصال ثلاث مرات (قيل إنك تواصل قال): عليه الصلاة والسلام: (إني أبيت) وفي حديث أنس في باب التمني إني أظل وهو محمول على مطلق الكون لا على حقيقة اللفظ لأن المتحدث عنه هو الإمساك ليلاً لا نهارًا، وأكثر الروايات إنما هو بلفظ: أبيت فكأن بعض الرواة عبر عنها بلفظ أظل نظرًا إلى اشتراكهما في مطلق الكون قال تعالى: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا} [النحل: 58] فالمراد به مطلق الوقت ولا اختصاص لذلك بنهار دون ليل (يطعمني ربي ويسقين) جملة حالية (فاكلفوا) بهمزة وصل وسكون الكاف وفتح اللام من كلفت بهذا الأمر أكلف به من باب علم يعلم أن تكلفوا (من العمل ما تطيقون) أي تطيقونه فحذف العائد أي الذي تقدرون عليه ولا تتكلفوا فوق ما تطيقونه فتعجزوا. 50 - باب الْوِصَالِ إِلَى السَّحَرِ (باب) جواز (الوصال إلى السحر) أطلق عليه وصالاً لمشابهته له في الصورة وإلا فحقيقة الوصال أن يمسك جميع الليل كالنهار، لكن يحتاج إلى ثبوت الدعوى بأن الوصال إنما هو حقيقة في إمساك جميع الليل، فقد ورد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يواصل من سحر إلى سحر رواه أحمد وعبد الرزاق عن علي. 1967 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ تُوَاصِلُوا، فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ، قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ». وبالسند قال (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي ابن محمد بن حمزة بن مصعب بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي الزبيري المدني قال: (حدثني) بالإفراد (ابن أبي حازم) هو عبد العزيز (عن يزيد) بن عبد الله بن الهاد (عن عبد الله بن خباب) بمعجمة وموحدتين الأولى مثقلة المدني من موالي الأنصار وثقه أبو حاتم وغيره (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول). (لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر) بالجر بحتى الجارة وهو قول اللخمي من المالكية ونقل عن أحمد وعبارة الوداوي في تنقيحه ويكره الوصال ولا يكره إلى السحر نصًا وتركه أولى انتهى. وقال به أيضًا ابن خزيمة من الشافعية وطائفة من أهل الحديث (قالوا فإنك تواصل يا رسول الله قال): (لست) ولابن عساكر قال: إني لست (كهيئتكم إني أبيت) حال كوني

51 - باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع، ولم ير عليه قضاء إذا كان أوفق له

(لي مطعم) حال كونه (يطعمني و) لي (ساق) حال كونه (يسقين) بفتح أوله وحذف الياء وإثباتها كما تقدم، وهذا لا يعارضه حديث أبي صالح عن أبي هريرة المروي عند ابن خزيمة من طريق عبيدة بن حميد عن الأعمش عنه بلفظ: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يواصل إلى السحر ففعل بعض أصحابه ذلك فنهاه الحديث لأن المحفوظ في حديث أبي صالح إطلاق النهي عن الوصال بغير تقييد بالسحر، فرواية عبيدة هذه شاذة. وقد خالفه أبو معاوية وهو أضبط أصحاب الأعمش فلم يذكر ذلك أخرجه أحمد وغيره عن أبي معاوية وتابعه عبد الله بن نمير عن الأعمش كما سبق، وعلى تقدير أن تكون رواية عبيدة محفوظة فقد جمع ابن خزيمة بينهما باحتمال أن يكون نهي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الوصال أولاً مطلقًا سواء جميع الليل أو بعضه، وعلى هذا يحمل حديث أبي صالح ثم خص النهي بجميع الليل فأباح الوصال إلى السحر، وعلى هذا يحمل حديث أبي سعيد، وقيل يحمل النهي في حديث أبي صالح على كراهة التنزيه، وفي حديث أبي سعيد على ما فوق السحر على كراهة التحريم قاله في الفتح. ثم شرع المؤلّف في أبواب التطوّع بالصوم فقال: 51 - باب مَنْ أَقْسَمَ عَلَى أَخِيهِ لِيُفْطِرَ فِي التَّطَوُّعِ، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ قَضَاءً إِذَا كَانَ أَوْفَقَ لَهُ (باب من أقسم) حلف (على أخيه) وكان صائمًا (ليفطر) والحال أنه كان (في) صوم (التطوع ولم ير عليه) أي على هذا المفطر (قضاء) عن ذلك اليوم الذي أفطر فيه (إذا كان) الإفطار (أوفق له) بالواو في الفرع وغيره. وقال الحافظ ابن حجر: ويروى أرفق بالراء بدل الواو والضمير في له للمقسم عليه أي إذا كان المقسم عليه معذورًا بفطره ومفهومه عدم الجواز ووجوب القضاء على من تعمد بغير سبب ويأتي البحث في هذه المسألة آخر الباب إن شاء الله تعالى. وقال البرماوي كالكرماني: المعنى يفطر إذا كان الإفطار أرفق للمقسم الذي هو صاحب الطعام فإذا متعلقة بما استلزمه قوله لم ير عليه قضاء من جواز إفطاره. قال الشافعية في باب وليمة العرس ولا تسقط إجابة بصوم فإن شق على الداعي صوم نفل فالفطر أفضل من إتمام الصوم وإن لم يشق عليه فالإتمام أفضل أما صوم الفرض فلا يجوز الخروج منه مضيقًا كان أو موسعًا كالنذر المطلق ولابن عساكر في نسخة إذ كان بسكون الذال يعني حين كان. 1968 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا. فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ كُلْ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ. قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ. قَالَ: فَأَكَلَ. فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ. ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ، فَصَلَّيَا. فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صَدَقَ سَلْمَانُ". [الحديث 1968 - طرفه في: 6139]. وبالسند قال: (حدثنا محمد بن بشار) بالمعجمة المشددة بعد الموحدة العبدي البصري بندار قال: (حدّثنا جعفر بن عون) المخزومي القرشي قال: (حدّثنا أبو العميس) بضم العين المهملة وفتح الميم وإسكان التحتية آخره سين مهملة اسمه عتبة بن عبد الله بن مسعود (عن عون بن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وإسكان المثناة التحتية وفتح الفاء (عن أبيه) أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي أنه (قال: آخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين سليمان) بن عبد الله الفارسي ويقال له سلمان ابن الإسلام وسلمان الخير أصله من رامهرمز وقيل من أصبهان عاش فيما رواه أبو الشيخ في طبقات الأصبهانيين ثلاثمائة وخمسين سنة ويقال إنه أدرك عيسى ابن مريم، وقيل بل أدرك وصي عيسى وكان أول مشاهده الخندق، وقال ابن عبد البر يقال أنه شهد بدرًا (و) بين (أبي الدرداء)، عويمر أو عامر بن قيس الأنصاري أول مشاهده أحد (فزار سلمان أبا الدرداء) في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان أبو الدرداء غائبًا (فرأى) سلمان (أم الدرداء) هي خيرة بفتح الخاء المعجمة بنت أبي حدرد الأسلمية الصحابية الكبرى وليست أم الدرداء الصغرى المسماة هجيمة (متبذّلة) بضم الميم وفتح المثناة الفوقية والموحدة وكسر المعجمة المشددة أي لابسة ثياب البذلة بكسر الموحدة وسكون المعجمة أي المهنة وزنًا ومعنى أي تاركة للباس الزينة وللكشميهني مبتذلة بميم مضمومة فموحدة ساكنة ففوقية مفتوحة فمعجمة مكسورة. (فقال) سلمان (لها: ما شأنك)؟ يا أم الدرداء مبتذلة (قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا) وللدارقطني: من وجه آخر عن محمد بن عون في نساء الدنيا وزاد ابن خزيمة يصوم النهار ويقوم الليل، (فجاء أبو الدرداء) زاد الترمذي

فرحب بسلمان (فصنع له (طعامًا) وقربه إليه ليأكل (فقال): سلمان لأبي الدرداء (كُل قال): أبو الدرداء (فإني صائم) وفي رواية الترمذي فقال: كُل فإني صائم، وعلى هذا فالقائل أبو الدرداء والمقول له سلمان (قال) سلمان لأبي الدرداء (ما أنا بآكل) من طعامك (حتى تأكل). أراد سلمان أن يصرف أبا الدرداء عن رأيه فيما يصنعه من جهد نفسه في العبادة وغير ذلك مما شكته إليه زوجته (قال: فأكل)، أبو الدرداء معه. فإن قلت: لم يذكر في هذا الحديث قسمًا من سلمان حتى تقع المطابقة بينه وبين الترجمة حيث قال من أقسم على أخيه؟ قلت أجاب ابن المنير بأنه إما لأنه في طريق آخر وإما لأن القسم في هذا السياق مقدر قبل لفظ ما أنا بآكل كما قدر في قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} [مريم: 71] وتعقبه في المصابيح بأنه يحتاج إلى إثبات الطريق الذي وقع فيه القسم والاحتمال ليس كافيًا في ذلك، وتقدير قسم هنا تقدير ما لا دليل عليه فلا يصار إليه انتهى. وقد وقع في رواية البزار عن محمد بن بشار شيخ المؤلّف كما أفاده في الفتح فقال: أقسمت عليك لتفطرن، وكذا رواه ابن خزيمة عن يوسف بن موسى والدارقطني من طريق علي بن مسلم وغيره والطبراني من طريق أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة والعباس بن عبد العظيم، وابن حبان من طريق أبي خيثمة كلهم عن جعفر بن عون به، فكأن محمد بن بشار لم يذكر هذه الجملة لما حدث به المؤلّف وبلغ المؤلّف ذلك من غيره فاستعمل هذه الزيادة في الترجمة. (فلما كان الليل) أي أوله (ذهب أبو الدرداء) حال كونه (يقوم) يعني يصلّي. وقد روى الطبراني هذا الحديث من وجه آخر عن محمد بن سيرين مرسلاً فعين الليلة التي بات سلمان فيها عند أبي الدرداء ولفظه كان أبو الدرداء يحيي ليلة الجمعة ويصوم يومها. (قال) سلمان له (نم فنام) أبو الدرداء (ثم ذهب يقوم، فقال) له سلمان: (نم فلما كان من آخر الليل) عند السحر (قال) له (سلمان. قم الآن) فقام أبو الدرداء وسلمان وتوضأ (فصليا فقال له سلمان: إن لربك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا) زاد الترمذي وابن خزيمة وإن لضيفك عليك حقًا (فأعط كل ذي حق حقه). بقطع همزة فأعط وللدارقطني فصم وأفطر ونم وائت أهلك (فأتى) أبو الدرداء (النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر ذلك) الذي قاله سلمان (له) عليه الصلاة والسلام (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (صدق سلمان) وللترمذي فأتيا بالتثنية وفيه: أنه لا يجب إتمام صوم التطوع إذا شرع فيه كصلاته واعتكافه لئلا يغير الشروع حكم المشروع فيه ولحديث الترمذي وصححه الحاكم: الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر ويقاس بالصوم الصلاة ونحوها، لكن يكره الخروج منه لظاهر قوله: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 33] وللخروج من خلاف من أوجب إتمامه كما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى إلا بعذر كمساعدة ضيف في أكل إذا عز عليه امتناع مضيفه منه أو عكسه فلا يكره الخروج منه، بل يستحب لحديث الباب مع زيادة الترمذي: وإن لضيفك عليك حقًا أما إذا لم يعز على أحدهما امتناع الآخر من ذلك فالأفضل عدم خروجه منه ذكره في المجموع، وإذا خرج منه قال المتولي: لا يثاب على ما مضى لأن العبادة لم تتم، وحكي عن الشافعي أنه يثاب عليه وهو الوجه إن خرج منه بعذر ويستحب قضاؤه سواء خرج بعذر أو بغيره وهذا مذهب الشافعية والحنابلة والجمهور، وقال المالكية: يجب البقاء في صوم النفل بالفطر إذا كان عمدًا حرامًا فلا قضاء على من أفطر ناسيًا ولا على من أفطر لعذر من مرض أو غيره، فلو شرع في صوم نفل وجب عليه إتمامه وحرم عليه الفطر من غير عذر ولو حلف عليه شخص بالطلاق الثلاث فإنه يحنثه ولا يفطر فإن أفطر وجب عليه القضاء إلا في كوالد وشيخ وإن لم يحلفا. وفي حكايات أهل الطريق أن بعض الشيوخ حضر دعوة فعرض الطعام على تلميذه فقال: إني على نيّة وأبى أن يأكل فقال له الشيخ: كُلْ وأنا أضمن لك أجر سنة فأبى، فقال الشيخ: دعوه فإنه سقط من عين الله فنسأل الله العافية. وقال الحنفية يلزمه القضاء مطلقًا أفسد عن قصد أو غير قصد بأن عرض الحيض للصائمة المتطوعة لا خلاف بين

52 - باب صوم شعبان

أصحابنا في ذلك وإنما اختلاف الرواية في نفس الإفساد هل يباح أو لا؟ ظاهر الرواية لا إلاّ لعذر، ورواية المنتقى يباح بلا عذر، ثم اختلف المشايخ على ظاهر الرواية هل الضيافة عذر أو لا؟ قيل: نعم، وقيل لا، وقيل عذر قبل الزوال لا بعده إلا إذا كان في عدم الفطر بعده عقوق لأحد الوالدين لا غيرهما حتى لو حلف عليه رجل بالطلاق الثلاث لتفطرن لا يفطر لقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} [محمد: 33] وقوله تعالى: {ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها} [الحديد: 27] الآية سبقت في معرض ذمهم على عدم رعاية ما التزموه من القرب التي لم تكتب عليهم والقدر المؤدي عمل كذلك فوجب صيانته عن الإبطال بهذين النصين فإذا أفطر وجب قضاؤه تفاديًا عن الإبطال. وأجيب: بأن المراد لا تحبطوا الطاعات بالكبائر أو بالكفر والنفاق والعجب والرياء والمن والأذى ونحوها وهذا غير الإبطال الوجب للقضاء، وقد قال ابن المنير من المالكية في الحاشية: ليس في تحريم الأكل في صوم النفل من غير عذر إلا الأدلة العامة كقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} إلا أن الخاص يقدم على العام كحديث سلمان ونحوه، فمذهب الشافعية في هذه المسألة أظهر. وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما ذكرته مما يطول استقصاؤه ولا يخفى على متأمل، وأخرجه المؤلّف في الأدب وكذا الترمذي. 52 - باب صَوْمِ شَعْبَانَ (باب) فضل (صوم شعبان). 1969 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلاَّ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ". [الحديث 1969 - طرفاه في: 1970، 6465]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي النضر) بفتح النون وسكون المعجمة سالم بن أبي أمية (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت) (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم)، أي ينتهي صومه إلى غاية نقول إنه لا يفطر ويفطر فينتهي إفطاره إلى غاية حتى نقول إنه لا يصوم (فما) بالفاء ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: وما (رأيت رسول الله) ولأبوي ذر والوقت: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استكمل صيام شهر إلا رمضان) وإنما لم يستكمل شهرًا غير رمضان لئلا يظن وجوبه "وما رأيته صيامًا منه في شعبان" بنصب صيامًا. قال البرماوي كالزركشي وروي بالخفض. قال السهيلي: وهو وهم كأنه بناه على كتابتها بغير ألف على لغة من يقف على المنصوب المنون بلا ألف فتوهمه مخفوضًا لا سيما وصيغة أفعل تضاف كثيرًا فتوهمها مضافة، ولكن الإضافة هنا ممتنعة قطعًا ووجه تخصيص شعبان بكثرة الصوم لكون أعمال العباد ترفع فيه ففي النسائي من حديث أسامة قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من المشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم، فبين -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجه صيامه لشعبان دون غيره من المشهور بقوله: إنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما فصار مغفولاً عنه، وكثير من الناس من يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه لأنه شهر حرام وليس كذلك، وقيل في تخصيصه شعبان غير ذلك. وحديث الباب أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في الصيام. 1970 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ يَقُولُ: خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا. وَأَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ. وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاَةً دَاوَمَ عَلَيْهَا". وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (أن عائشة -رضي الله عنها- حدثته قالت): (لم يكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصوم شهرًا أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله)، واستشكل هذا مع قوله في الرواية الأولى وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان. وأجيب: بأن الرواية الأولى مفسرة لهذه ومبينة بأن المراد بكله غالبه، وقيل كان يصومه في وقت وبعضه في آخر، وقيل كان يصوم تارة من أوّله وتارة من وسطه وتارة من آخره ولا يترك منه شيئًا بلا صيام، لكن في أكثر من سنة كذا قاله غير واحد كالزركشي

وتعقبه في المصابيح بأن الثلاثة كلها ضعيفة فأما الأول إطلاق الكل على الأكثر مع الإتيان به توكيدًا غير معهود اهـ. وقد نقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال: جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال صام الشهر كله، ويقال قام فلان ليله أجمع ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره. قال الترمذي: كأن ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك فالمراد الأكثر وهو مجاز قليل الاستعمال واستبعده أيضًا فقال كل توكيد لإرادة الشمول ورفع أتجوّز من احتمال البعض فتفسيره بالبعض مناف له اهـ. وتعقبه أيضًا الحافظ زين الدين العراقي بأن في حديث أم سلمة عند الترمذي قالت: ما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان فعطف رمضان عليه يبعد أن يكون المراد بشعبان أكثره إذ لا جائز أن يكون المراد برمضان بعضه والعطف يقتضي المشاركة فيما عطف عليه وإن مشى ذلك فإنما يمشي على رأي من يقول أن اللفظ الواحد يحمل على حقيقته ومجازه وفيه خلاف لأهل الأصول. قال في عمدة القارئ: ولا يمشي هنا ما قاله على رأي البعض أيضًا لأن من قال ذلك قاله في اللفظ الواحد وهنا لفظان شعبان ورمضان اهـ. فلينظر هذا مع قول ابن المبارك أنه جائز في كلام العرب، قال في المصابيح. وأما الثاني فلأن قولها كان يصوم شعبان كله يقتضي تكرار الفعل وأن ذلك عادة له على ما هو المعروف في مثل هذه العبارة اهـ. واختلف في دلالة كان على التكرار وصحح ابن الحاجب أنها تقتضيه قال: وهذا استفدناه من قولهم كان حاتم يقري الضيف، وصحح الإمام فخر الدين في المحصول أنها لا تقتضيه لا لغة ولا عرفًا. وقال النووي في شرح مسلم: إنه المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين، وذكر ابن دقيق العيد أنها تقتضيه عرفًا اهـ. قال في المصابيح: وأما الثالث فلأن أسماء المشهور إذا ذكرت غير مضاف إليها لفظ شهر كان العمل عامًا لجميعها لا تقول سرت المحرم وقد سرت بعضًا منه ولا تقول صمت رمضان وإنما صمت بعضه، فإن أضفت الشهر إليه لم يلزم التعميم هذا مذهب سيبويه وتبعه عليه غير واحد. قال الصفار: ولم يخالف في ذلك إلا الزجاج، ويمكن أن يقال إن قولها وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان لا ينفي صيامه لجميعه، فإن المراد أكثرية صيامه فيه على صيامه في غيره من المشهور التي لم يفرض فيها الصوم وذلك صادق بصومه لكله لأنه إذا صامه جميعه صدق أن الصوم الذي أوقعه فيه أكثر من الصوم الذي أوقعه في غيره ضرورة أنه لم يصم غيره مما عدا رمضان كاملاً. وأما قولها: لم يستكمل صيام شهر إلا رمضان فيحمل على الحذف أي إلا رمضان وشعبان بدليل قولها في الطريق الأخرى فإنه كان يصوم شعبان كله وحذف المعطوف والعاطف جميعًا ليس بعزيز كلامهم ففي التنزيل {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} [الحديد: 10] أي ومن أنفق من بعده وفيه سرابيل تقيكم الحر أي والبرد. قال: ويمكن الجمع بطريق أخرى وهي أن يكون قولها وكان يصوم شعبان كله محمولاً على حذف أداة الاستثناء والمستثنى أي إلا قليلاً منه، ويدل عليه حديث عبد الرزاق بلفظ: ما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكثر صيامًا منه في شعبان فإنه كان يصومه كله إلا قليلاً. فإن قلت: قد ورد في حديث مسلم أن أفضل الصيام بعد رمضان المحرم فكيف أكثر عليه الصلاة والسلام منه في شعبان دون المحرم؟ أجيب: باحتمال أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر حياته قبل التمكن من صومه أو لعله كان يعرض له فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه. (وكان) عليه الصلاة والسلام (يقول) (خذوا من العمل ما تطيقون) المداومة عليه بلا ضرر (فإن الله) عز وجل (لا يمل) بفتح الياء التحتية والميم. قال النووي: الملل السآمة وهو بالمعنى المتعاف في حقنا محال في حق الله تعالى فيجب تأويله، فقال المحققون: أي لا يعاملكم معاملة الملل فيقطع عنكم ثوابه وفضله ورحمته (حتى تملوا). بفتح الأول والثاني أي تقطعوا أعمالكم وقال الكرماني هو إطلاق مجازي عن ترك الجزاء

53 - باب ما يذكر من صوم النبي -صلى الله عليه وسلم- وإفطاره

وقال بعضهم: معناه لا تتكلفوا حتى تملوا فإن الله جل جلاله منزه عن الملالة ولكنكم تملون قبول فيض الرحمة. (وأحب الصلاة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولابن عساكر: وأحب الصلاة إلى الله (ما دووم عليه) بضم الدال وسكون الواو الأولى وكسر الثانية مبنيًا للمفعول من الداومة من باب الفاعلة، وفي نسخة ما ديم مبنيًا للمفعول أيضًا من دام والأول من داوم، (وإن قلت وكان إذا صلّى صلاة داوم عليها) وفي الإدامة والمواظبة فوائد منها تخلق النفس واعتيادها ولله در القائل: هي النفس ما عودتها تتعوّد والمواظب يتعرض لنفحات الرحمة قال عليه الصلاة والسلام: إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرّضوا لها. 53 - باب مَا يُذْكَرُ مِنْ صَوْمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِفْطَارِهِ (باب ما يذكر من صوم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) التطوّع (وإفطاره) في خلال صومه. 1971 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "مَا صَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهْرًا كَامِلاً قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ، وَيَصُومُ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: لاَ وَاللَّهِ لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: لاَ وَاللَّهِ لاَ يَصُومُ". وبالسند قال: (حدّثنا) ولأبي الوقت: حدثني بالإفراد (موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن أبي بشر) جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري (عن سعيد) ولأبي الوقت: سعيد بن جبير (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) ولمسلم من طريق عثمان بن حكيم سألت سعيد بن جبير عن صيام رجب فقال: سمعت ابن عباس (قال) "ما صام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهرًا كاملاً قط غير رمضان" هو كقول عائشة لم يستكمل صيام شهر إلا رمضان ويعارضه ظاهر قولها كان يصوم شعبان كله فإما أن يحمل على الأكثرية أو على أنه لم يره يستكمل إلا رمضان فأخبر على حسب اعتقاده (ويصوم) ولمسلم: وكان يصوم (حتى يقول القائل: لا والله لا يفطر، ويفطر حتى يقول القائل: لا والله لا يصوم). ومطابقته للترجمة ظاهرة، وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه في الصوم. 1972 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا: وَكَانَ لاَ تَشَاءُ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلاَّ رَأَيْتَهُ، وَلاَ نَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتَهُ". وَقَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسًا فِي الصَّوْمِ ح. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى القرشي العامري الأويسي (قال: حدثني) بالإفراد (محمد بن جعفر) هو ابن أبي كثير المدني (عن حميد) الطويل (أنه سمع أنسًا -رضي الله عنه- يقول): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه) بفتح همزة أن ونصب يصوم ورفعه لأن أن إما ناصبة ولا نافية وإما مفسرة، ولا ناهية ونظن بنون الجمع كما في اليونينية وزاد في فتح الباري يظن بالمثناة التحتية المضمومة وفتح المعجمة مبنيًّا للمفعول وتظن بالمثناة الفوقية على المخاطبة قال: ويؤيده قوله بعد ذلك إلا رأيته فإنه روى بالضم والفتح معًا (ويصوم) من الشهر (حتى نظن أن لا يفطر منه شيئًا: وكان لا تشاء تراه من الليل مصليًا إلا رأيته) أي مصليًا (ولا) تشاء تراه من الليل (نائمًا، إلا رأيته) أي نائمًا يعني أنه كان تارة يقوم من أول الليل وتارة من وسطه وتارة من آخره كما كان يصوم تارة من أو الشهر وتارة من وسطه وتارة من آخره فكان من أراد أن يراه في وقت من أوقات الليل قائمًا أو في وقت من أوقات الشهر صائمًا فراقبه المرة بعد المرة فلا بد أن يصادفه قائمًا على وفق ما أراد أن يراه وليس المراد أنه كان يسرد الصوم ولا أنه كان يستوعب الليل قائمًا. وأما قول عائشة وكان إذا صلّى صلاة داوم عليها فالمراد به ما اتخذه راتبًا لا مطلق النافلة فلا تعارض قاله في فتح الباري: (وقال): وسقطت الواو في رواية أبي الوقت (سليمان) بن حيان الأحمر مما وصله المؤلّف في الباب (عن حميد) الطويل (أنه سأل أنسًا في الصوم). 1973 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا رضي الله عنه عَنْ صِيَامِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاهُ مِنَ الشَّهْرِ صَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ، وَلاَ مُفْطِرًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ، وَلاَ مِنَ اللَّيْلِ قَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ، وَلاَ نَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ، وَلاَ مَسِسْتُ خَزَّةً وَلاَ حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلاَ شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلاَ عَبِيرَةً أَطْيَبَ رَائِحَةً مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد) ولأبي ذر: هو ابن سلام قال: (أخبرنا أبو خالد) سليمان بن حيان (الأحمر) قال: (أخبرنا حميد) الطويل (قال: سألت أنسًا -رضي الله عنه- عن صيام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (ما كنت أحب أن أراه) أي ما كنت أحب رؤيته (من الشهر) حال كونه (صائمًا إلا رأيته) صائمًا (ولا) كنت أحب أن أراه من الشهر حال كونه (مفطرًا إلا رأيته) مفطرًا (ولا) كنت أحب أن أراه (من الليل) حال كونه (قائمًا إلا رأيته) قائمًا (ولا) كنت أحب أن أراه من الليل حال كونه (نائمًا إلا رأيته) نائمًا (ولا مسست) بفتح الميم

54 - باب حق الضيف في الصوم

وكسر السين الأولى على الأفصح وسكون الثانية (خزة) بفتح الخاء والزاي المشددة المعجمتين هو في الأصل اسم دابة ثم سمي الثوب المتخذ من وبره خزا (ولا حريرة) وفي نسخة ولا حرير (ألين من كف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولا شممت) بكسر الميم الأولى. وقول ابن درستويه والعامة يخطئون في فتحها. تعقبه في المصابيح بأنها لغة حكاها الفراء قال: ومضارع المكسور أشم بفتح الشين والآخر أشم بضمها (مِسْكة ولا عبيرة) بالموحدة المكسورة والتحتية الساكنة والعبير طيب معمول من أخلاط ولابن عساكر ولا عنبرة بنون ساكنة فموحدة مفتوحة القطعة من العنبر المعروف (أطيب رائحة من رائحة) وللكشميهني كما في الفتح من ريح (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقد كان عليه الصلاة والسلام على أكمل الصفات خلقًا وخلقًا فهو كل الكمال وجملة الجمال. وفي حديثي الباب أنه عليه الصلاة والسلام لم يصم الدهر ولا قام كل الليل ولعله إنما ترك ذلك لئلا يقتدى به فيشق على أمته وإن كان قد أعطي من القوة ما لو التزم ذلك لاقتدر عليه لكنه سلك من العبادة الطريقة الوسطى فصام وأفطر وقام ونام ليقتدي به العابدون -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثيرًا. 54 - باب حَقِّ الضَّيْفِ فِي الصَّوْمِ (باب حق الضيف في الصوم) أي في صوم المضيف. 11974 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، يَعْنِي «إِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا. فَقُلْتُ: وَمَا صَوْمُ دَاوُدَ؟ قَالَ: نِصْفُ الدَّهْرِ». وبه قال (حدّثنا إسحاق) هو ابن راهويه قال: (أخبرنا هارون بن إسماعيل) الخزاز قال: (حدّثنا علي) وفي نسخة: علي بن المبارك أي الهنائي قال: (حدّثنا يحيى) بن أبي كثير (قال: حدثني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن (قال: حدثني) بالإفراد أيضًا (عبد الله بن عمرو بن العاصي -رضي الله عنهما- قال: دخل عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر الحديث) هكذا أورده مختصرًا ثم ذكر ما يشهد لما ترجم له فقال (يعني): (إن لزورك) بفتح الزاي وسكون الواو. قال في التنقيح كالنهاية: وهو في الأصل مصدر وضع موضع الاسم كصوم ونوم بمعنى صائم ونائم وقد يكون اسم جمع له واحد من اللفظ وهو زائر كراكب وركب أي أن لضيفك (عليك حقًا) أي فتفطر لأجله إيناسًا له وبسطًا (وإن لزوجك عليك حقًا) وحقها هنا الوطء فإذا سر الزوج الصوم ووالى قيام الليل ضعف عن حقها قال عبد الله بن عمرو بن العاصي، (فقلت): بالفاء، ولابن عساكر: قلت: (وما صوم داود)؟ في الباب التالي قال: فصم صيام نبي الله داود عليه السلام ولا تزد عليه قلت وما كان صيام نبي الله داود؟ (قال): (نصف الدهر) وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصوم وكذا النسائي. 55 - باب حَقِّ الْجِسْمِ فِي الصَّوْمِ (باب حق الجسم في الصوم) على المتطوّع بأن يرفق به لئلا يضعف فيعجز عن أداء الفرائض. 1975 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- "قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَلاَ تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ. فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَىَّ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، قَالَ: فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَلاَ تَزِدْ عَلَيْهِ. قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -؟ قَالَ: نِصْفَ الدَّهْرِ. فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبالسند قال: (حدّثنا ابن مقاتل) ولأبي الوقت: محمد بن مقاتل أي المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال (أخبرني الأوزاعي) بالزاي عبد الرحمن بن عمرو (قال: حدثني) بالإفراد (يحيى بن أبي كثير قال: حدثني) بالإفراد أيضًا (أبو سلمة بن عبد الرحمن قال حدثني) بالإفراد أيضًا (عبد الله بن عمرو بن العاصي -رضي الله عنهما-) أنه قال (قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا عبد الله، ألم أخبر) بضم الهمزة وسكون المعجمة وفتح الموحدة مبنيًا للمفعول وهمزة ألم للاستفهام (أنك تصوم النهار وتقوم الليل)؟ أي فيه (فقلت: بلى يا رسول الله) زاد مسلم ولم أرد إلا الخير (قال) (فلا) ولابن عساكر لا (تفعل) زاد بعد بابين فإنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين (صم وأفطر)، بهمزة قطع (وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقًا)، بأن ترعاه وترفق به ولا تضره حتى تقعد عن القيام بالفرائض ونحوها وقد ذم الله قومًا أكثروا من العبادة ثم تركوا بقوله تعالى ورهبانية ابتدعوها إلى قوله فما رعوها حق رعايتها (وإن لعينك عليك حقًا) بالإفراد في الفرع ولغير الكشميهني لعينيك بالتثنية (وإن لزوجك عليك حقًا)، في الوطء (وإن لزورك) أي لضيفك (عليك حقًا) في البسط والمؤانسة وغيرهما (وإن بحسبك) بسكون السين المهملة وفي اليونينية بفتحها. قال البرماوي كالزركشي بفتح السين وحكى إسكانها والباء فيه

56 - باب صوم الدهر

زائدة أي كافيك (أن تصوم كل شهر) في محل رفع خبر أن. قال في المصابيح: وينبغي أن يكون هذا الإعراب متعينًا ويؤخذ منه صحة ما ذهب إليه ابن مالك في قولك بحسبك زيد أن حسبك مبتدأ وزيد خبر وأنه من باب الإخبار بالمعرفة عن النكرة لأن حسبك لا يتعرف بالإضافة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من كل شهر، وله عن الكشميهني في كل شهر (ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإن) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر فإذن بالنون في الفرع وأصله وفي غيرهما بالألف منوّنة وعليه الجمهور ورسم المصحف وقال بالأوّل المازني والمبرد، وقال الفراء: إن عملت كتبت بالألف وإلا كتبت بالنون للفرق بينها وبين إذا وتبعه ابن خروف. قال في القاموس: ويحذفون الهمزة فيقولون ذن والأكثر أن تكون جوابًا لأن أو لو ظاهرتين أو مقدرتين والمقدر هنا أن أي أن صمتها فإذا (ذلك صيام الدهر كله) قال الحافظ ابن حجر وغيره: إذا بغير تنوين للمفاجأة. قال العيني: تقديره إن صمت ثلاثة أيام من كل شهر فاجأت عشر أمثالها كما في قوله تعالى: {ثم إذا دعاكم} [الروم: 25] الآية تقديره ثم إذا دعاكم فاجأتم الخروج في ذلك الوقت قال عبد الله: (فشددت) على نفسي (فشدد عليّ) بضم الشين مبنيًّا للمفعول (قلت: يا رسول الله إني أجد قوّة) على أكثر من ذلك (قال) عليه الصلاة والسلام: إن كنت تجد قوّة. (فصم صيام نبي الله داود عليه السلام ولا تزد عليه) (قلت وما كان صيام نبي الله داود عليه الصلاة والسلام؟ قال) عليه الصلاة والسلام: كان صيامه (نصف) صوم (الدهر) وهو أن يفطر يومًا ويصوم يومًا. (وكان عبد الله) بن عمرو بن العاصي (يقول بعد ما كبر): بكسر الموحدة أي وعجز عن المحافظة على ما التزمه ووظفه على نفسه وشق عليه (يا ليتني قبلت رخصة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وأخذت بالأخف. 56 - باب صَوْمِ الدَّهْرِ (باب) بيان حكم (صوم الدهر) هل هو مشروع أم لا؟ ومذهب الشافعية استحبابه لإطلاق الأدلة ولأنه-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وعقد بيده" أخرجه أحمد والنسائي وابنا خزيمة وحبان والبيهقي أي عنه فلم يدخلها. قال الغزالي: لأنه لما ضيق على نفسه مسالك الشهوات بالصوم ضيق الله عليه النار فلا يبقى له فيها مكان لأنه ضيق طرقها بالعبادة فإن خاف ضررًا أو فوت حق كره صومه وهل المراد الواجب أو المندوب؟ قال السبكي: ويتجه أن يقال أنه إن علم أنه يفوّت حقًا واجبًا حرم وإن علم أنه يفوت حقًا مندوبًا أولى من الصيام كره وإن كان يقوم مقامه فلا. 1976 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: "أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَقُولُ: وَاللَّهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي. قَالَ: فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ. قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ. قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، وَهْوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ. فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاصي (قال: أخبر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة وسكون المعجمة وكسر الموحدة مبنيًا للمفعول ورسول الله رفع نائب عن الفاعل (إني أقول: والله لأصومنّ النهار ولأقومنّ الليل ما عشت)، أي مدة حياتي. (فقلت له): عليه الصلاة والسلام فيه كلام مطويّ تقديره فقال لي عليه الصلاة والسلام: أنت تقول والله لأصومنّ النهار ولأقومنّ الليل ما عشت، ولمسلم: أنت الذي تقول ذلك فقلت له: (قد) ولأبي الوقت: فقد (قلته بأبي أنت وأمي) أي أفديك بهما (قال) عليه الصلاة والسلام. (فإنك لا تستطيع ذلك) الذي قلته من صيام النهار وقيام الليل لحصول المشقة وإن لم يتعذر الفعل أو بأن تبلغ من العمر ما يتعذر معه ذلك وعلمه عليه الصلاة والسلام بطريق ما أو المراد لا تستطيع ذلك مع القيام ببقية المصالح الشرعية شرعًا (فصم وأفطر)، بهمزة قطع (وقم ونم)، ثم بين ما أجمل فقال (وصم من الشهر ثلاثة أيام) لم يعينها ثم علل وجه كونها ثلاثة بقوله (فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر) استشكل هذا من جهة أن القواعد تقتضي أن المقدر لا يكون كالمحقق وأن الأجور تتفاوت

57 - باب حق الأهل في الصوم، رواه أبو جحيفة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

بحسب تفاوت المصالح أو المشقّة في الفعل فكيف يوازي من له حسنة واحدة في كل يوم جميع السنة من له عشر فيه وكيف يتساوى العامل وغيره في الأجر؟ وأجيب: بأن المراد هنا أصل التضعيف دون التضعيف الحاصل من الفعل فالمثلية لا تقتضي المساواة من كل وجه. نعم يصدق على فاعل ذلك أنه صام الدهر مجازًا قال عبد الله (قلت): يا رسول الله (إني أطيق أفضل من ذلك) أكثر من صيام ثلاثة أيام من كل شهر (قال): عليه الصلاة والسلام: (فصم يومًا وأفطر يومين) بالإفراد في الأول والتثنية في الآخر وفي رواية حسين المعلم في الأدب فصم من كل جمعة ثلاثة أيام. وفي رواية أبي المليح الآتية إن شاء الله تعالى في باب صوم داود: أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام؟ قال، قلت يا رسول الله. قال: خمسًا قلت: يا رسول الله. قال: سبعًا. قلت يا رسول الله. قال: تسعًا قلت يا رسول الله قال: إحدى عشرة (قلت إني أطيق أفضل) أكثر (من ذلك قال): (فصم يومًا وأفطر يومًا فذلك صيام داود عليه السلام وهو أفضل الصيام) وفي قيام الليل من طريق عمرو بن أوسٍ عن عبد الله بن عمرو أحب الصيام إلى الله صيام داود، وهذا يقتضي ثبوت الأفضلية مطلقًا ومقتضاه أن تكون الزيادة على ذلك من الصوم مفضولة (فقلت: إني أطيق أفضل) أكثر (من ذلك، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا) صوم (أفضل من ذلك) فهو يفضل من صوم الدهر كما قاله المتولي وغيره: ويترجج من حيث المعنى بأن صيام الدهر قد يفوّت بعض الحقوق وبأن من اعتاده فإنه لا يكاد يشق عليه بل تضعف شهوته عن الأكل وتقل حاجته إلى الطعام والشراب نهارًا ويألف تناوله في الليل بحيث يتجدد له طبع زائد بخلاف من يصوم يومًا ويفطر يومًا فإنه ينتقل من فطر إلى صوم ومن صوم إلى فطر، وقد نقل الترمذي عن بعض أهل العلم أنه أشق الصوم ويأمن مع ذلك من تفويت الحقوق، وعند سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن ابن مسعود أنه قيل له: إنك لتقل الصيام. فقال: إني أخاف أن يضعفني عن القراءة والقراءة أحب إلي من الصيام، لكن في فتاوى ابن عبد السلام أن صوم الدهر أفضل لأنه أكثر عملاً فيكون أكثر أجرًا وما كان أكثر أجرًا كان أكثر ثوابًا وبذلك جزم الغزالي أولاً وقيده بشرط أن لا يصوم الأيام المنهي عنها وأن لا يرغب عن السنة بأن يجعل الصوم حجرًا على نفسه، فإذا أمن فالصوم من أفضل الأعمال فالاستكثار منه زيادة في الفضل. وقوله في الحديث: لا أفضل من ذلك أي لك وذلك لما علم من حاله ومنتهى قوته وأن ما هو أكثر من ذلك يضعفه عن الفرائض ويقعد به عن الحقوق والمصالح، ويلتحق به من في معناه. لكن تعقبه ابن دقيق العيد بأن الأفعال متعارضة المصالح والمفاسد وليس كل ذلك معلومًا لنا ولا مستحضرًا، وإذا تعارضت المصالح والمفاسد فمقدار تأثير كل واحدة منها في الحث أو المنع غير محقق لنا فالطريق حينئذ أن نفوّض الأمر إلى صاحب الشرع ونجري على ما دل عليه ظاهر الشرع من قوة الظاهر هنا، وأما زيادة العمل واقتضاء العادة لزيادة الأجر بسببه فيعارضه اقتضاء العادة والجبلة للتقصير في حقوق يعارضها الصوم الدائم ومقادير ذلك الفائت مع أن مقادير الحاصل من الصوم غير معلومه لنا. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: وذلك مثل صيام الدهر. 57 - باب حَقِّ الأَهْلِ فِي الصَّوْمِ، رَوَاهُ أَبُو جُحَيْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب حق الأهل) الأولاد والقرابة (في الصوم رواه) أي حق الأهل (أبو جحيفة) وهب بن عبد الله السوائي فيما سبق في قصة سلمان وأبي الدرداء (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حيث قال سلمان لأبي الدرداء: وأن لأهلك عليك حقًا، وأقره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليه. 1977 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْتُ عَطَاءً أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "بَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ، وَأُصَلِّي اللَّيْلَ فَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَىَّ وَإِمَّا لَقِيتُهُ فَقَالَ: أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ وَلاَ تُفْطِرُ، وَتُصَلِّي وَلاَ تَنَامُ؟ فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَظًّا وَإِنَّ لِنَفْسِكَ وَأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَظًّا. قَالَ: إِنِّي لأَقْوَى لِذَلِكَ. قَالَ: فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى. قَالَ: مَنْ لِي بِهَذِهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ" قَالَ عَطَاءٌ: لاَ أَدْرِي كَيْفَ ذَكَرَ صِيَامَ الأَبَدِ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ». مَرَّتَيْنِ. وبالسند قال (حدّثنا عمرو بن علي) الباهلي الصيرفي الفلاس البصري قال: (أخبرنا) ولابن عساكر: حدّثنا (أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز المكي قال: (سمعت عطاء) هو ابن أبي رباح المكي (أن أبا العباس) السائب الأعمى (الشاعر) المكي (أخبره أنه سمع عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- يقول: بلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي من أبيه عمرو بن العاص

58 - باب صوم يوم وإفطار يوم

(إني أُسرد الصوم)، بضم الراء أي أصوم متتابعًا ولا أفطر (وأصلي الليل) كله (فإما أرسل) عليه الصلاة والسلام (إليّ وإما لقيته) عليه الصلاة والسلام من غير إرسال (فقال): (ألم أخبر) بضم الهمزة وسكون المعجمة وفتح الموحدة (إنك تصوم ولا تفطر وتصلي)؟ أي الليل (ولا تنام فصم وأفطر) بهمزة قطع (وقم ونم، فإن لعينك) بالإِفراد ولغير السرخسي والكشميهني كما في الفتح: لعينيك بالتثنية (عليك حظًا) بالظاء المعجمة بدل القاف أي نصيبًا من النوم (وإن لنفسك وأهلك عليك حظًا) بالظاء المعجمة أيضًا وحق النفس الرفق بها والأهل في الكسب والقيام بنفقتهم ولا يدئب نفسه بحيث يضعف عن القيام بما يجب من ذلك (قال) عبد الله (إني لأقوى لذلك) أي لسرد الصوم دائمًا ولابن عساكر إني لأقوى ذلك كذا في اليونينية بإسقاط حرف الجر وفي نسخة على ذلك (قال): عليه الصلاة والسلام: (فصم صيام داود عليه السلام) (قال) عبد الله يا رسول الله (وكيف)؟ أي صيام داود كما في مسلم (قال): عليه الصلاة والسلام (كان يصوم يومًا ويفطر يومًا ولا يفر) أي لا يهرب (إذا لاقى) العدو أشار به إلى أن الصوم على هذا الوجه لا ينهك البدن بحيث يضعف عن لقاء العدو بل يستعان بفطر يوم على صيام يوم فلا يضعف عن الجهاد وغيره من الحقوق. (قال) عبد الله (من لي بهذه) الخصلة الأخيرة وهي عدم الفرار أي من يتكفل لي بها (يا نبي الله. قال عطاء): هو ابن أبي رباح بالإسناد السابق (لا أدري كيف ذكر) بفتحات (صيام الأبد) أي لا أحفظ كيف جاء ذكر صيام الأبد في هذه القصة إلا أني أحفظ أنه (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا صام من صام الأبد مرتين) استدلّ به من قال بكراهة صوم الدهر لأن قوله: لا صام يحتمل الدعاء ويحتمل الخبر. قال ابن العربي: إن كان معناه الدعاء فيا ويح من أصابه دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإن كان معناه الخبر فيا ويح من أخبر عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لم يصم وإذا لم يصم شرعًا فلم يكتب له ثواب لوجوب صدق قوله عليه الصلاة والسلام لأنه نفى عنه الصوم وقد نفى عنه الفضل كما تقدم فكيف يطلب الفضل فيما نفاه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأجيب بأجوبة: أحدها: أنه محمول على حقيقته بأن يصوم معه العيد والتشريق. قال النووي: وبهذا أجابت عائشة اهـ. وهو اختيار ابن المنذر وطائفة، وتعقب بأنه عليه الصلاة والسلام قال جوابًا لمن سأله عن صوم الدهر لا صام ولا أفطر وهو يؤذن بأنه لا أجر ولا إثم، ومن صام الأيام المحرمة لا يقال فيه ذلك لأنه عند من أجاز صوم الدهر إلا الأيام المحرمة يكون قد فعل مستحبًا وحرامًا، وأيضًا فإن الأيام المحرمة مستثناة في الشرع غير قابلة للصوم شرعًا فهي بمنزلة الليل وأيام الحيض فلم تدخل في السؤال عند من علم بتحريمها ولا يصلح الجواب بقوله: لا صام ولا أفطر لمن لم يعلم بتحريمها قاله في فتح الباري. الثاني: أنه محمول على من تضرر به أو فوت به حقًا ويؤيده أن النهي كان خطابًا لعبد الله بن عمرو بن العاصي، وقد ذكر مسلم عنه أنه عجز في آخر عمره وندم على كونه لم يقبل الرخصة. الثالث: أن معناه الخبر عن كونه لم يجد من المشقّة ما يجد غيره لأنه إذا اعتاد ذلك لم يجد في صومه مشقة، وتعقبه الطيبي بأنه مخالف لسياق الحديث ألا تراه كيف نهاه أولاً عن صيام الدهر كله ثم حثه على صوم داود عليه الصلاة والسلام والأولى أن يكون خبرًا عن أنه لم يمتثل أمر الشرع. 58 - باب صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ (باب صوم يوم وإفطار يوم). 1978 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، قَالَ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَقَالَ اقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كلِّ شَهْرٍ، قَالَ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ، فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: فِي ثَلاَثٍ". وبالسند قال (حدّثنا محمد بن بشار) بتشديد المعجمة قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن مغيرة) بن مقسم الضبي الكوفي (قال: سمعت مجاهدًا عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) له: (صم من الشهر ثلاثة أيام) زاد في باب صيام الدهر وذلك مثل صيام الدهر (قال) إني (أطيق أكثر من ذلك) فما زال حتى قال: (صم يومًا وأفطر يومًا) زاد في الباب المذكور فذلك صيام داود وهو أفضل

59 - باب صوم داود عليه السلام

الصيام (فقال): عليه الصلاة والسلام (اقرأ القرآن في كل شهر)، (قال) عبد الله: (إني أطيق أكثر)، من ذلك (فما زال) عليه الصلاة والسلام (حتى قال): عليه الصلاة والسلام اقرأه (في ثلاث) أي ثلاث ليال. ولمسلم من طريق أبي سلمة قال عن عبد الله بن عمرو قال: كنت أصوم الدهر وأقرأ القرآن كل ليلة قال: فإما ذكر للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإما أرسل إليّ فأتيته فقال: ألم أخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة؟ فقلت: بلى يا نبي الله الحديث وفيه قال: اقرأ القرآن في كل شهر. قلت يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال: فاقرأه في كل عشرين. قال: قلت يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال: فاقرأه في كل عشر. قلت: يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك قال فاقرأه في سبع ولا تزد. قال في المصابيح: ولهذا منع كثير من العلماء الزيادة على السبع. قال النووي: وقد كان بعضهم يختم في كل شهر وهو أقله وأما أكثره فثمان ختمات في اليوم والليلة على ما بلغنا اهـ. وفي سنة سبع وستين وثمانمائة رأيت بالقدس الشريف شيخًا يدعى بأبي الطاهر من أصحاب الشيخ ابن رسلان قيل: إنه جاوز العشر في اليوم والليلة فالله أعلم، بل أخبرني شيخ الإسلام البرهان بن أبي شريف المقدسي أمتع الله بحياته عنه أنه يقرأ خمس عشرة ختمة، وفي الصفوة عن منصور بن زاذان أنه كان يختم بين المغرب والعشاء ختمتين ويبلغ في الختمة الثالثة إلى الطواسين. 59 - باب صَوْمِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ (باب صوم داود عليه الصلاة والسلام) عقبه بسابقه إشارة إلى الاقتداء بداود عليه الصلاة والسلام في صوم يوم وإفطار يوم. 1979 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الْمَكِّيَّ -وَكَانَ شَاعِرًا، وَكَانَ لاَ يُتَّهَمُ فِي حَدِيثِهِ- قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ لَهُ الْعَيْنُ وَنَفِهَتْ لَهُ النَّفْسُ، لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ، صَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ. قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى». وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا حبيب بن أبي ثابت) الأسدي الأعور. (قال: سمعت أبا العباس المكي وكان شاعرًا) والشاعر قد يتهم فيما يحدث به لما تقتضيه صناعته من المبالغة في الإطراء (و) لكن هذا (كان لا يتهم في حديثه) مرويه من الحديث وغيره وقد وثقه أحمد وابن معين وغيرهما وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الجهاد وآخر في المغازي وأعادهما في الأدب (قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاصي -رضي الله عنهما- قال: قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل)، (فقلت: نعم، قال): عليه الصلاة والسلام (إنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين) بفتح الهاء والجيم أي غارت وضعف بصرها (ونفهت) بفتح النون وكسر الفاء أي تعبت وكلت (له النفس) وفي رواية النسفيّ كما في الفتح: نثهت بالمثلثة بدل الفاء واستغربها ابن التين، وقال ابن حجر: وكأنها أبدلت من الفاء فإنها تبدل منها كثيرًا. قال العيني: لم يذكر لذلك مثالاً ولا نسبه إلى أحد من أهل العربية ولم يذكر هذا أحد في الحروف التي يبدل بعضها من بعض فإن كان يوجد فربما يوجد في لسان ذي لثغة فلا يبنى عليه شيء اهـ. قلت: وقد وقع إبدال الثاء بالفاء في قوله تعالى: {فومها} أي ثومها فلا وجه لإنكار ذلك ولأبي الوقت وابن عساكر: نهثت بنون فهاء فمثلثة مفتوحات، وللكشميهني: نهكت بهاء بعد النون ثم كاف بفتحات في بعض الأصول وفي بعضها بكسر الهاء وفي الفرع كشط الضبط. قال في فتح الباري: أي هزلت وضعفت. قال العيني: ولا وجه له إلا إذا ضم النون من نهكته الحمى إذا أضنته اهـ وقال الأبي: وضبطه بعضهم بضم النون وكسر الهاء وفتح الكاف وهو ظاهر كلام عياض. وقال في القاموس: نهكه كمنعه نهاكة غلبة والحمى أضنته وهزلته وجهدته كنهكته كفرح نهكًا ونهكًا ونهكة ونهاكة أو النهك المبالغة في كل شيء ونهكه السلطان كسمعه نهكًا ونهكة بالغ في نهكته عقوبته كأنهكه (لا صام من الدهر)، لأن منه العيد والتشريق والصوم فيها حرام قال الخطابي يحتمل أنه دعاء ويحتمل أن لا بمعنى لم نحو فلا صدق ولا صلّى اهـ. فهو على هذا التقدير خبر لأن لم تخلص للمضي، وقد تقدم ما فيه من البحث قريبًا في سابق سابقه (صوم ثلاثة أيام) أي من كل شهر (صوم الدهر كله). أي بالتضعيف كما مرّ فإن الحسنة بعشر أمثالها. قال عبد الله

60 - باب صيام أيام البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة

(قلت) يا رسول الله (فإني أطيق أكثر من ذلك قال): عليه الصلاة والسلام (فصم صوم داود عليه السلام كان) ولابن عساكر: وكان (يصوم يومًا ويفطر يومًا ولا يفر إذا لاقى) العدو لأنه يستعين بيوم فطره على يوم صومه فلم يضعفه ذلك عن لقاء عدوه. 1980 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْمَلِيحِ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِيكَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَحَدَّثَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذُكِرَ لَهُ صَوْمِي، فَدَخَلَ عَلَىَّ، فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ وَصَارَتِ الْوِسَادَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَقَالَ: أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ... قَالَ: خَمْسًا. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ... قَالَ: سَبْعًا. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ... قَالَ: تِسْعًا. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ... قَالَ: إِحْدَى عَشْرَةَ. ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -: شَطْرَ الدَّهْرِ، صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا". وبه قال: (حدّثنا إسحاق الواسطي) ولأبوي ذر والوقت: إسحاق بن شاهين الواسطي قال: (حدّثنا خالد) هو الطحان الواسطي ولأبي ذر وابن عساكر: خالد بن عبد الله (عن خالد) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: زيادة الحذاء (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (قال أخبرني) ولأبي الوقت: حدثني بالإفراد فيهما (أبو المليح) بفتح الميم وكسر اللام وسكون المثناة التحتية آخره حاء مهملة اسمه عامر أو زيد بن أسامة بن عمير الهذلي (قال: دخلت مع أبيك) زيد بن عمرو الجرمي فالخطاب لأبي قلابة (على عبد الله بن عمرو) هو ابن العاصي (فحدّثنا) أي والد أبي قلابة (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح المثلثة (ذكر له صومي) بضم الذال مبنيًّا للمفعول (فدخل عليّ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فألقيت له وسادة من أدم حشوها ليف فجلس على الأرض) تواضعًا وتركًا للاستئثار على عادته الشريفة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزاده شرفًا (وصارت الوسادة بيني وبينه فقال): لي. (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم (يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام) (قال) عبد الله (قلت) لا يكفيني الثلاث من كل شهر (يا رسول الله قال): عليه الصلاة والسلام: صم (خمسًا) من كل شهر، ولأبي ذر عن الكشميهني: خمسة بالتأنيث على إرادة الأيام والأول على إرادة الليالي وفيه تجوّز (قلت) لا تكفيني الخمسة (يا رسول الله، قال) عليه الصلاة والسلام صم (سبعًا) أي من كل شهر ولأبي ذر عن الكشميهني: سبعة بالتأنيث كما مر قال عبد الله: (قلت) لا تكفيني السبعة (يا رسول الله قال): عليه الصلاة والسلام صم (تسعًا) من كل شهر وللكشميهني تسعة كما سبق قال عبد الله: (قلت) لا تكفيني (يا رسول الله قال): عليه الصلاة والسلام صم: (إحدى عشرة) بكسر الهمزة وسكون الحاء والشين من عشرة وآخره هاء تأنيث وللكشميهني أحد عشر (ثم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (لا صوم) أي لا فضل ولا كمال في صوم التطوّع (فوق صوم داود عليه السلام): وفيه ما مر من كونه أفضل من صوم الدهر أو الخطاب خاص بعبد الله ويلحق به من في معناه ممن يضعفه عن الفرائض والحقوق (شطر الدهر)، أي: نصفه وهو بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هو شطر الدهر والجر بدل من قوله صوم داود، وهذان الوجهان رواية أبي ذر كما في الفرع ولغيره شطر بالنصب على أنه مفعول فعل مقدّر أي هاك أو خذ أو نحو ذلك (صم يومًا وأفطر يومًا) وفي رواية عمر بن عون: صيام يوم وإفطار يوم ويجوز فيه الأوجه الثلاثة السابقة. 60 - باب صِيَامِ أَيَّامِ الْبِيضِ: ثَلاَثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ (باب صيام أيام) الليالي (البيض): وسقط لأبي الوقت وابن عساكر لفظ أيام وفي الفتح أنه رواية الأكثر وإثبات أيام رواية الكشميهني والأول هو الذي في الفرع والبيض صفة لمحذوف وهو الليالي وسميت بذلك لأنها مقمرة لا ظلمة فيها وهي (ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة) ليلة البدر وما قبلها وما بعدها يكون القمر فيها من أول الليل إلى آخره، ولأبي ذر عن الكشميهني: ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر وهذا باعتبار الأيام والأول باعتبار الليالي ولا يقال البيض صفة للأيام كما لا يخفى. وأما قوله في الفتح: إن اليوم الكامل هو النهار بليلته وليس في الشهر يوم أبيض كله إلا هذه الأيام لأن ليلها أبيض ونهارها أبيض فصح قوله الأيام البيض على الوصف فتعقبه في عمدة القاري بأن قوله أن اليوم الكامل هو النهار بليلته غير صحيح لأن اليوم الكامل في اللغة من طلوع الشمس إلى غروبها وفي الشرع من طلوع الفجر الصادق وليس لليلة دخل في حد النهار، وأما قوله ونهارها أبيض فيقتضي أن بياض نهار أيام البيض من بياض الليلة وليس كذلك لأن صيام الأيام كلها بالذات وأيام الشهر كلها بيض فسقط قوله وليس في الشهر يوم أبيض كله إلا هذه الأيام اهـ. وهذا الذي قاله في الفتح سبقه إليه

ابن المنير فقال: وأنكر بعض اللغوين أن يقال الأيام البيض وقال: إنما هي الليالي البيض وإلاّ فالأيام كلها بيض وهذا وهم منه، والحديث يرد عليه أي ما ذكره ابن بطال عن شعبة عن أنس بن سيرين عن عبد الملك بن المنهال عن أبيه قال أمرني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالأيام البيض وقال هو صوم الدهر. قال: واليوم اسم يدخل فيه الليل والنهار وما كل يوم أبيض بجملته إلا هذه الأيام فإن نهارها أبيض وليلها أبيض فصارت كلها بيضًا وأظنه سبق إلى وهمه أن اليوم هو النهار خاصة اهـ. قال في المصابيح: الظاهر أن مثل هذا ليس بوهم فإن اليوم وإن كان عبارة عن الليل والنهار جميعًا لكنه بالنسبة إلى الصوم إنما هو النهار خاصة وعليه فكل يوم يصام هو أبيض لعموم الضوء فيه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس اهـ. وقال في الأنصاف: سميت بيضًا لابيضاضها ليلاً بالقمر ونهارًا بالشمس، وقيل لأن الله تعالى تاب فيها على آدم وبيض صحيفته. 1981 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَوْصَانِي خَلِيلِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَلاَثٍ: صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَىِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين وسكون العين المهملة بينهما عبد الله بن عمرو المنقري المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سهل التميمي قال: (حدّثنا أبو التياح) بفتح المثناة الفوقية وتشديد التحتية آخره حاء مهملة يزيد بن حميد الضبعي (قال: حدثني) بالإفراد (أبو عثمان) هو عبد الرحمن النهدي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال): (أوصاني خليلي) رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر)، بجر صيام بدل من ثلاث ولم يعين الأيام بل أطلقها. واستشكلت المطابقة بين الترجمة والحديث، وأجيب: بأن المؤلّف جرى على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث عند النسائي وصححه ابن حبان من طريق موسى بن طلحة عن أبي هريرة قال: جاء أعرابي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأرنب قد شواها فأمرهم أن يأكلوأ وأمسك الأعرابيّ فقال: ما منعك أن تأكل؟ قال: إني أصوم ثلاثة أيام من كل شهر قال: إن كنت صائمًا فصم الغر آي البيض وهذا الحديث اختلف فيه على موسى بن طلحة اختلافًا كثيرًا بينه وبين الدارقطني. وفي بعض طرقه عند النسائي إن كنت صائمًا فصم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة، وعنده أيضًا من حديث جرير بن عبد الله عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وأيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وإسناده صحيح، وفي رواية أيام البيض بغير واو ففيه استحباب صوم الثلاثة التي أولها الثالث، والمعنى فيه أن الحسنة بعشر أمثالها فصومها كصوم الشهر ومن ثم سن صوم ثلاثة أيام من كل شهر ولو غير أيام البيض كما في البحر وغيره لإطلاق حديث الباب وغيره. قال السبكي: والحاصل أنه يسن صوم ثلاثة أيام من كل شهر وأن تكون أيام البيض فإن صامها أتى بالسنتين وتترجح البيض بكونها وسط الشهر ووسط الشيء أعدله ولأن الكسوف غالبًا يقع فيها وقد ورد الأمر بمزيد العبادة إذا وقع. وسئل الحسن البصري: لم صام الناس الأيام البيض وأعرابي يسمع؟ فقال الأعرابي: لأنه لا يكون الكسوف إلا فيهن ويحب الله أن لا تكون في السماء آية إلا كان في الأرض عبادة، والاحتياط صوم الثاني عشر مع أيام البيض لأن في الترمذي أنها الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر، ورجح بعضهم صيام الثلاثة في أول كل شهر لأن المرء لا يدري ما يعرض له من الموانع. وفي حديث ابن مسعود عند أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وقال بعضهم: يصوم من أول كل عشرة أيام يومًا. وفي حديث عبد الله بن عمر وعند النسائي: صم من كل عشرة أيام يومًا. وروى أبو داود والنسائي من حديث حفصة: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصوم من كل شهر ثلاثة أيام الاثنين والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى. وروى الترمذي عن عائشة: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس، وقد جمع البيهقي بين ذلك وبين ما قبله بما في مسلم عن عائشة قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصوم من كل شهر

61 - باب من زار قوما فلم يفطر عندهم

ثلاثة أيام ما يبالي من أي الشهر صام قال: فكل من رآه فعل نوعًا ذكره وعائشة رأت جميع ذلك وغيره فأطلقت. وروى أبو داود عن أم سلمة قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمرتي أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر أولها الاثنين والخميس، والمعروف من قول مالك كراهة تعيين أيام النفل أو يجعل لنفسه شهرًا أو يومًا يلتزم صومه، وروي عنه كراهة تعمد صيام الأيام البيض وقال: ما كان ببلدنا. وروي عنه أنه كان يصومها وأنه كتب إلى الرشيد يحضه على صومها. قال ابن رشد: وإنما كرهها لسرعة أخذ الاسم بمذهبه فيظن الجاهل وجوبها، والمشهور من مذهبه استحباب ثلاثة أيام من كل شهر وكراهة كونها البيض لأنه كان يفر من التحديد. وقال الماوردي: ويسن صوم أيام السود الثامن والعشرين وتالييه، وينبغي أيضًا أن يصام معها السابع والعشرون احتياطًا، وخصت أيام البيض وأيام السود بذلك لتعميم ليالي الأولى بالنور وليالي الثانية بالسواد فناسب صوم الأولى شكرًا والثانية لطلب كشف السواد، ولأن الشهر ضيف قد أشرف على الرحيل فناسب تزويده بذلك والحاصل مما سبق أقوال. أحدها: استحباب ثلاثة أيام من الشهر غير معينة. الثاني: استحباب الثالث عشر وتالييه وهو مذهب الشافعي وأصحابه وابن حبيب من المالكية وأبي حنيفة وصاحبيه وأحمد. الثالث: استحباب الثاني عشر وتالييه وهو في الترمذي. الرابع: استحباب ثلاثة أيام من أوّل الشهر. الخامس: السبت والأحد والاثنين من أول شهر ثم الثلاثاء والأربعاء والخميس من أوّل الشهر الذي يليه. السادس: استحبابها في آخر الشهر. السابع: أولها الخميس والاثنين والخميس. الثامن: الاثنين والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى. التاسع: أن يصوم من أوّل كل عشرة أيام يومًا. (وركعتي الضحى) عطف على السابق أي: قال أبو هريرة: وأوصاني خليلي عليه الصلاة والسلام بصلاة ركعتي الضحى، وزاد أحمد في كل يوم (وأن أوتر) أي وبالوتر (قبل أن أنام) وليست الوصية بذلك خاصة بأبي هريرة، فقد وردت وصيته عليه الصلاة والسلام بالثلاث أيضًا لأبي ذر كما عند النسائي، ولأبي الدرداء كما عند مسلم، وقيل في تخصيص الثلاثة بالثلاثة لكونهم فقراء لا مال لهم فوصاهم بما يليق بهم وهو الصوم والصلاة وهما من أشرف العبادات البدنية. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول، ورواته الأول بصريون، وأبو عثمان كوفي نزل البصرة، وقد مضى في باب: صلاة الضحى في السفر. 61 - باب مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَمْ يُفْطِرْ عِنْدَهُمْ (باب من زار قومًا) وهو صائم في التطوّع (فلم يفطر عندهم). 1982 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدٌ هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- "دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، قَالَ: أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ فَإِنِّي صَائِمٌ. ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ فَصَلَّى غَيْرَ الْمَكْتُوبَةِ، فَدَعَا لأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا. فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي خُوَيْصَةً، قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَتْ: خَادِمُكَ أَنَسٌ. فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلاَ دُنْيَا إِلاَّ دَعَا لِي بِهِ: اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالاً وَوَلَدًا، وَبَارِكْ لَهُ. فَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الأَنْصَارِ مَالاً. وَحَدَّثَتْنِي ابْنَتِي أُمَيْنَةُ أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبِي مَقْدَمَ حَجَّاجٍ الْبَصْرَةَ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ". قَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ سَمِعَ أَنَسًا -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 1982 - أطرافه في: 6334، 6344، 6378، 6380]. وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري الزمن (قال: حدثني) بالإفراد ولأبي الوقت حدّثنا (خالد هو ابن الحرث) بينه لرفع الإيهام لاشتراك من يسمى خالدًا في الرواية عن حميد الآتي ممن يمكن أن يروي عنه ابن المثنى وخالد هذا هو الهجيمي قال: (حدّثنا حميد) الطويل البصري (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه قال: (دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أم سليم)، والدة أنس المذكور واسمها الغميصاء بالغين المعجمة والصاد المهملة أو الرميصاء بالراء بدل المعجمة وقيل اسمها سهلة. وعند أحمد من طريق حماد عن ثابت عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل على أم حرام وهي خالة أنس لكن في بقية الحديث ما يدل على أنهما معًا كانتا مجتمعتين (فأتته) أم سليم (بتمر وسمن) على سبيل الضيافة (قال) عليه الصلاة والسلام: (أعيدوا سمنكم في سقائه) بكسر السين ظرف الماء من الجلد وربما جعل فيه السمن والعسل (و) أعيدوا (تمركم في وعائه فإني صائم) (ثم قام إلى ناحية من البيت فصلّى غير المكتوبة). وفي رواية أحمد عن ابن أبي عدي عن حميد فصلّى ركعتين وصلينا معه (فدعا لأم سليم وأهل بيتها، فقالت أم سليم: يا رسول الله إن لي خويصة) بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وسكون المثناة التحتية وتشديد الصاد المهملة تصغير خاصة وهو مما اغتفر فيه التقاء الساكنين أي الذي يختص بخدمتك (قال) عليه الصلاة والسلام: (ما هي)

62 - باب الصوم من آخر الشهر

الخويصة (قالت) هو (خادمك أنس). فادع له دعوة خاصة وصغرته لصغر سنه، وقولها أنس رفع عطف بيان أو بدل، ولأحمد من رواية ثابت المذكورة أن لي خويصة خويدمك أنس ادع الله له قال أنس: (فما ترك خير آخرة ولا) خير (دنيا إلا دعا لي به). قال في الكشاف في قوله تعالى: {إنما صنعوا كيد ساحر} [طه: 69]. فإن قلت: فلم نكر أوّلاً وعرّف ثانيًا؟ قلت: إنما نكر من أجل تنكير المضاف لا من أجل تنكيره في نفسه كقول العجاج: يوم ترى النفوس ما أعدّت ... في سعي دنيا طالما قد مدّت وفي حديث عمر -رضي الله عنه-: لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة أراد تنكير الأمر كأنه قيل: إنما صنعوا كيد سحري وفي سعي دنيوي وأمر دنيوي وأخروي اهـ. فتنكير الآخرة هنا القصد به تنكير خير المضاف إليهما أي: ما ترك خيرًا من خيور الآخرة ولا خيرًا من خيور الدنيا إلا دعا لي به، لكن تعقب أبو حيان في البحر الزمخشري بأن قول العجاج في سعي دنيا محمول على الضرورة إذ دنيا تأنيث الأدنى ولا يستعمل تأنيثه إلا بالألف واللام أو بالإضافة. قال: وأما قول عمر فيحتمل أن يكون من تحريف الرواة اهـ. وعند أحمد من رواية عبيدة بن حميد عن حميد فكان من قوله أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "اللهم أرزقه مالاً وولدًا وبارك له" وزاد أبو ذر وابن عساكر ونسبها الحافظ ابن حجر للكشميهني فيه بالتوحيد باعتبار المذكور، ولأحمد فيهم بالجمع اعتبارًا بالمعنى (فإني لمن أكثر الأنصار مالاً) نصب على التمييز، وفاء فإني لتفسير معنى البركة في ماله، واللام في قوله لمن للتأكيد، ولم يذكر الراوي ما دعا له به من خير الآخرة اختصارًا، ويدل له ما رواه ابن سعد بإسناد صحيح عن الجعد عن أنس قال: اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه أو أن لفظ بارك إشارة إلى خير الآخرة أو المال والولد الصالحان من جلة خير الآخرة لأنهما يستلزمانها قاله البرماوي كالكرماني. قال أنس: (وحدثتني ابنتي أمينة) بضم الهمزة وفتح الميم وسكون المثناة التحتية وفتح النون ثم هاء تأنيث تصغير آمنة (أنه دفن) بضم الدال مبنيًا للمفعول من ولدي (لصلبي) أي غير أسباطه وأحفاده (مقدم) مصدر وسمي بالنصب على نزع الخافض أي أن الذي مات من أول أولاده إلى مقدم (حجاج) ولأبي ذر: مقدم الحجاج أي ابن يوسف الثقفي (البصرة) سنة خمس وسبعين وكان عمر أنس إذ ذاك نيفًا وثمانين سنة (بضع وعشرون ومائة) بكسر الموحدة وقد تفتح ما بين الثلاث إلى التسع والبصرة نصب بمقدم بمعنى قدوم ويقدر قلبه زمان قدومه البصرة إذ لو جعل مقدم اسم زمان لم ينصب مفعولاً قاله البرماوي كالكرماني. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون. وبه قال (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: قال (ابن أبي مريم) سعيد الجمحي المصري فعلى الأول يكون موصولاً (أخبرنا يحيى) ولأبوي ذر والوقت: يحيى بن أيوب الغافقي المصري (قال: حدثني) بالإفراد (حميد) الطويل أنه (سمع أنسًا -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وفائدة ذكر هذه الطريق بيان سماع حميد لهذا الحديث من أنس لما اشتهر من أن حميدًا كان ربما دلس على أنس وقد طرح زائدة حديثه لدخوله في شيء من أمر الخلفاء، وقد اعتنى البخاري في تخريجه لأحاديث حميد بالطرق التي فيها تصريحه بالسماع بذكرها متابعة وتعليقًا وروى له الباقون. 62 - باب الصَّوْمِ من آخِر الشَّهْرِ (باب الصوم آخر الشهر) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: من آخر الشهر. 1983 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ عَنْ غَيْلاَنَ، وَحَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. أَنَّهُ سَأَلَهُ -أَوْ سَأَلَ رَجُلاً وَعِمْرَانُ يَسْمَعُ- فَقَالَ: يَا أَبَا فُلاَنٍ أَمَا صُمْتَ سَرَرَ هَذَا الشَّهْرِ؟ قَالَ: يَظُنُّهُ قَالَ يَعْنِي رَمَضَانَ، قَالَ الرَّجُلُ: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ، لَمْ يَقُلِ الصَّلْتُ: أَظُنُّهُ يَعْنِي رَمَضَانَ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ ثَابِثٌ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِمْرَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ». (حدّثنا الصلت بن محمد) أبو همام الخاركي بخاء معجمة قال (حدّثنا مهدي) بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الدال ابن ميمون المعولي الأزدي بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو البصري (عن غيلان) بالغين المعجمة ابن جرير المعولي الأزدي البصري أيضًا قال المؤلّف: (ح). (وحدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا مهدي بن ميمون) المعولي قال: (حدّثنا غيلان بن جرير) المعولي (عن مطرف) بضم الميم وكسر الراء مشددة ابن عبد الله بن الخير بكسر الشين والخاء المشدّدتين المعجمتين آخره

63 - باب صوم يوم الجمعة، فإذا أصبح صائما يوم الجمعة فعليه أن يفطر

راء العامري (عن عمران بن حصين) أسلم عام خيبر وتوفي سنة اثنتين وخمسين (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سأله) أي عمران (أو سأل رجلاً) شك من مطرف وزاد أبو عوانة في مستخرجه من أصحابه (وعمران يسمع) جملة حالية (فقال): (يا أبا فلان) قال الحافظ ابن حجر كذا في نسخة من رواية أبي ذر بأداة الكنية وللأكثر يا فلان بإسقاطها "أما" بالتخفيف (صمت سرر هذا الشهر) بفتح السين وكسرها وحكى القاضي عياض ضمها وقال: هو جمع سرة ويقال سرار الشهر وسراره بكسر السين وفتحها ذكره ابن السكيت وغيره قيل: والفتح أفصح قاله الفراء، واختلف في تفسيره والمشهور أنه آخر الشهر وهو قول الجمهور من أهل اللغة والغريب والحديث، وسمي بذلك لاستسرار القمر فيها وهي ليلة ثمان وعشرين وتسع وعشرين وثلاثين يعني استتاره وهذا موافق لما ترجم له هنا. واستشكل بقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة عند الشيخين السابق: لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم يومًا فليصمه. وأجيب: بأن الرجل كان معتادًا لصيام سرر الشهر أو كان قد نذره فلذلك أمره بقضائه كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقالت طائفة: سرر الشهر أوّله وبه قال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز فيما حكاه أبو داود. وأجيب: بأنه لا يصح أن يفسر سرر الشهر وسراره بأوّله لأن أوّل الشهر يشتهر فيه الهلال ويرى من أوّل الليل ولذلك سمي الشهر شهرًا لاشتهاره وظهوره عند دخوله فتسمية ليالي الاشتهار ليالي السرار قلب للغة والعرف، وقد أنكر العلماء ما رواه أبو داود عن الأوزاعي منهم الخطابي وقيل: السرر وسطه وحكاه أبو داود أيضًا ورجحه بعضهم، ووجهه بأن السرر جمع سرة وسرة الشيء وسطه وأيدوه بما ورد من استحباب صوم أيام البيض. وفي رواية مسلم من حديث عمران بن حصين المذكور هل صمت من سرة هذا الشهر وفسر بالأيام البيض. وأجيب: بأن الأظهر أنه الآخر كما قال الأكثر لقوله فإذا أفطرت فصم يومين من سرر هذا الشهر والمشار إليه شعبان ولو كان السرر أوّله أو وسطه لم يفته. (قال) أبو النعمان (أظنه قال: يعني رمضان)، لم يقل الصلت ذلك لكن روى الجوزقي من طريق أحمد بن يوسف السلمي عن أبي النعمان بدون ذلك قال الحافظ ابن حجر: وهو الصواب. (قال الرجل: لا يا رسول الله) ما صمته (قال) (فإذا أفطرت) أي من رمضان كما في مسلم (فصم يومين) بعد العيد عوضًا عن سرر شعبان (لم يقل الصلت أظنه يعني رمضان قال أبو عبد الله): أي البخاري وسقط ذلك في رواية ابن عساكر، (وقال ثابت) فيما وصله مسلم (عن مطرف) المذكور (عن عمران) بن حصين (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من سرر شعبان) وليس هو برمضان كما ظنه أبو النعمان ونقل الحميدي عن البخاري أنه قال شعبان أصح، وقال الخطابي ذكر رمضان هنا وهم لأن رمضان يتعين صوم جميعه. ورواة الحديث الأول بصريون وأضاف رواية أبي النعمان إلى الصلت لما وقع فيها من تصريح مهدي بالتحديث عن غيلان، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي. 63 - باب صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ (باب صوم يوم الجمعة، فإذا) بالفاء ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: وإذا (أصبح صائمًا يوم الجمعة فعليه أن يفطر) زاد في رواية أبوي ذر والوقت: يعني إذا لم يصم قبله ولا يريد أن يصوم بعده. قال الحافظ ابن حجر: وهذه الزيادة تشبه أن تكون من الفربري أو ممن دونه فإنها لم تقع في رواية النسفي عن البخاري، ويبعد أن يعبر البخاري عما يقوله بلفظ يعني ولو كان ذلك من كلامه لقال أعني بل كان يستغني عنها أصلاً ورأسًا، واعترضه العيني بأن عدم وقوع الزيادة في رواية النسفيّ لا يستلزم وقوعها من غيره وليس قوله يعني ببعيد فكأنه جعل قوله: وإذا أصبح صائمًا فعليه أن يفطر لغيره بطريق التجريد ثم أوضحه بقوله: يعني فافهم فإنه دقيق اهـ. فليتأمل ما فيه من التكلف. 1984 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: "سَأَلْتُ جَابِرًا -رضي الله عنه-: أنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ". زَادَ غَيْرُ أَبِي عَاصِمٍ "يَعْنِي أَنْ يَنْفَرِدَ بِصَوْمٍ". وبالسند قال: (حدّثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن عبد الحميد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة مصغرًا ولأبي

ذر زيادة ابن شيبة وهو ابن عثمان بن طلحة الحجبي (عن محمد بن عباد) بفتح العين وتشديد الموحدة المخزومي (قال: سألت جابرًا) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه-) زاد مسلم وغيره وهو يطوف بالبيت (نهى) بحذف همزة الاستفهام ولأبوي ذر والوقت: (أنهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم) زاد مسلم ورب هذا البيت، وللنسائي: ورب الكعبة، وعزاها في العمدة لمسلم فوهم والظاهر أنه نقله بالمعنى قال البخاري: (زاد غير أبي عاصم) النبيل من الشيوخ وهو فيما جزم به البيهقي يحيى بن سعيد القطان (أن ينفرد) يوم الجمعة (بصوم) ولأبوي ذر والوقت: يعني أن ينفرد بصومه والحكمة في كراهة إفراده بالصوم خوف أن يضعف إذا صامه عن الوظائف المطلوبة منه فيه، ومن ثم خصصه البيهقي والماوردي وابن الصباغ والعمراني نقلاً عن مذهب الشافعي بمن يضعف به عن الوظائف وتزول الكراهة بجمعه مع غيره، لكن التعليل بأن الصوم يضعف عن الوظائف المطلوبة يوم الجمعة يقتضي أنه لا فرق بين الإفراد والجمع. وأجاب في شرح المهذّب بأنه إذا جمع الجمعة حصل له بفضيلة صوم غيره ما يجبر ما حصل فيها من النقص، وقيل، الحكمة فيه أنه لا يتشبه باليهود في إفرادهم صوم يوم الاجتماع في معبدهم. وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة في الصوم. 1985 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلاَّ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) النخعي الكوفي قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق بن معاوية بن الحرث بن ثعلبة قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا أبو صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة) ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي: لا يصوم. وقال الحافظ ابن حجر: للأكثر لا يصوم بلفظ النفي والمراد به النهي وللكشميهني: لا يصومن بلفظ النهي المؤكد (إلا) أن يصوم (يومًا قبله) وهو يوم الخميس (أو) يصوم يومًا (بعده) وهو السبت. وفي المستدرك من حديث أبي هريرة مرفوعًا يوم الجمعة عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده وقال: صحيح الإسناد إلا أن أبا بشر لم أقف له على اسم فقيل العلة كونه عيدًا كما في الحديث. وعند ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علّي: من كان منكم متطوّعًا من الشهر فليصم يوم الخميس ولا يصم يوم الجمعة فإنه يوم طعام وشراب. وذكر لمسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش: لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده، وله أيضًا من طريق هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة: لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم. وهذه الأحاديث تفيد النهي المطلق في حديث جابر، والزيادة السابقة من تقييد الإطلاق بالإفراد ويؤخذ من الاستثناء الوارد في حديث مسلم جوازه لمن اتفق وقوعه في أيام له عادة بصومها كأن اعتاد صوم يوم وفطر يوم فوافق صومه يوم الجمعة فلا كراهة كما في صوم يوم الشك. واستشكل زوال الكراهة بتقدم صوم قبله أو بعده بكراهة صوم يوم عرفة فإن كراهة صومه أو كونه على خلاف الأولى على ما رجحه محققو أصحابنا لا يزول بصوم قبله. وأجيب: بأن في اليوم قبله اشتغالاً بالتروية والإحرام بالحج لمن لم يكن محرمًا ففيه شيء من معنى يوم عرفة، واختلف في صوم يوم الجمعة على أقوال: كراهته مطلقًا وإباحته مطلقًا من غير كراهة وهو قول مالك وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن وكراهة إفراده وهو مذهب الشافعية، والرابع أن النهي مخصوص بمن يتحرى صيامه ويخصه دون غيره فمتى صام مع صومه يومًا غيره فقد خرج عن النهي، وهذا يردّه قوله عليه الصلاة والسلام لجويرية أصمت أمس الحديث الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى، والخامس: أنه يحرم إلا لمن صام قبله أو بعده أو وافق عادته وهو قول ابن حزم لظواهر الأحاديث ويكره أيضًا إفراد يوم السبت أو الأحد بالصوم لحديث الترمذي وحسنه والحاكم وصححه على شرط الشيخين لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض

64 - باب هل يخص شيئا من الأيام؟

عليكم ولأن اليهود تعظم يوم السبت والنصارى يوم الأحد ولا يكره جمع السبت مع الأحد لأن المجموع لم يعظمه أحد. وهذا الحديث أخرجه مسلم وابن ماجه في الصوم. 1986 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ ح. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهْيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ: أَصُمْتِ أَمْسِ؟ قَالَتْ: لاَ. قَالَ: تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا؟ قَالَتْ: لاَ. قَالَ: فَأَفْطِرِي". وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ الْجَعْدِ سَمِعَ قَتَادَةَ حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ: "أَنَّ جُوَيْرِيَةَ حَدَّثَتْهُ فَأَمَرَهَا فَأَفْطَرَتْ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (ح) مهملة لتحويل السند. (وحدثني) بالإفراد (محمد) غير منسوب وجزم أبو نعيم في مستخرجه أنه ابن بشار الذي يقال له بندار قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي أيوب) الأنصاري (عن جويرية) تصغير جارية (بنت الحرث) المصطلقية زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليس لها في البخاري من روايتها سوى هذا الحديث (-رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة) جملة حالية (فقال) لها: (أصمت أمس)؟ بهمزة الاستفهام وكسر سين أمس على لغة الحجاز أي يوم الخميس (قالت) جويرية: (لا. قال) عليه الصلاة والسلام (تريدين أن تصومين غدًا)؟ أي يوم السبت، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: أن تصومي بإسقاط النون على الأصل (قال: لا. قال) عليه الصلاة والسلام: (فأفطري) بقطع الهمزة، وزاد أبو نعيم في روايته إذًا. وهذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي في الصوم. (وقال حماد بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة الهذلي البصري صعيف، وقال أبو حاتم ليس بحديثه بأس وليس له في البخاري غير هذا الموضع ووصله البغوي في جمع حديث هدبة بن خالد أنه (سمع قتادة) يقول (حدثني) بالإِفراد (أبو أيوب أن جويرية حدثته) وقال في آخره (فأمرها) عليه الصلاة والسلام (فأفطرت). 64 - باب هَلْ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الأَيَّامِ؟ هذا (باب) بالتنوين (هل يخص) الشخص الذي يريد الصيام (شيئًا من الأيام) ولابن عساكر: هل يخص شيء بضم الياء وفتح الخاء مبنيًّا للمفعول وشيء رفع نائب عن الفاعل. 1987 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ "قُلْتُ لِعَائِشَةَ -رضي الله عنها-: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْتَصُّ مِنَ الأَيَّامِ شَيْئًا؟ قَالَتْ: لاَ، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يُطِيقُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُطِيقُ"؟ [الحديث 1987 - طرفه في: 6466]. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) قال (حدّثنا يحيى) القطان (عن سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي وهو خال إبراهيم المذكور أنه قال (قلت لعائشة -رضي الله عنها-، هل كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يختص) بتاء بعد الخاء وفي رواية جرير عن منصور في الرقائق هل يخص (من الأيام شيئًا)؟ بالصوم كالسبت مثلاً (قالت: لا)، ويشكل عليه صوم الاثنين والخميس الوارد عند أبي داود والترمذي والنسائي وصححه ابن حبان عنها. وأجيب: بأنه استثناء من عموم قول عائشة: لا. وأجاب في فتح الباري باحتمال أن يكون المراد بالأيام المسؤول عنها الثلاثة من كل شهر فكان السائل لما سمع أنه عليه الصلاة والسلام كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر سأل عائشة هل كان يختصها بالبيض فقالت: لا، (كان عمله ديمة) بكسر الدال وسكون المثناة التحتية أي دائمًا (وأيكم يطيق ما كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يطيق)؟ وفي رواية جرير: وأيكم يستطيع في الموضعين. ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون إلا الأوّلين فبصريان وإسناده مما عدوه من أصح الأسانيد، وأخرجه المؤلّف في الرقاق، ومسلم في الصوم، وأبو داود في الصلاة. 65 - باب صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ (باب) حكم (صوم يوم عرفة). 1988 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَيْرٌ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ حَدَّثَتْهُ. ح. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ "أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِصَائِمٍ. فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهْوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ". وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) قال (حدّثنا يحيى) القطان (عن مالك) الإمام (قال: حدثني) بالإفراد (سالم) هو أبو النضر (قال: حدثني) بالإفراد أيضًا (عمير) تصغير عمر (مولى أم الفضل) لبابة أم ابن عباس (أن أم الفضل حدثته. ح)، قال المؤلّف: (وحدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك عن أبي النضر) بالضاد المعحمة سالم المذكور وهو (مولى عمر بن عبيد الله) بالتصغير (عن عمير مولى عبد الله بن العباس) الألف واللام، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: ابن عباس نسبة أولاً لأم عبد الله أم الفضل باعتبار الأصل، وثانيًا لولدها عبد الله باعتبار ما آل إليه حاله (عن أم الفضل بنت الحرث) بن حزن الهلالة أخت ميمونة بنت الحرث أم المؤمنين، (أن ناسًا تماروا) أي اختلفوا (عندها يوم

66 - باب صوم يوم الفطر

عرفة في صوم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال بعضهم هو صائم): على جاري عادته في سرد الصوم في الحضر، (وقال بعضهم: ليس بصائم) لكونه مسافرًا (فأرسلت) أي أم الفضل، لكن في الحديث التالي أن أختها ميمونة هي المرسلة ويأتي الجواب عنه إن شاء الله تعالى (إليه) عليه الصلاة والسلام (بقدح لبن وهو واقف) أي راكب (على بعيره) بعرفات (فشربه) زاد في حديث ميمونة: والناس ينظرون. وهذا الحديث سبق في باب صوم يوم عرفة من كتاب الحج، ومقتضاه أن صوم يوم عرفة غير مستحب، لكن في حديث قتادة عند مسلم أنه يكفر سنة آتية وسنة ماضية. قال الإمام: والمكفر الصغائر والجمع بينه وبين حديثي الباب أن يحمل على غير الحاج، أما الحاج فلا يستحب له صومه وإن كان قومًا لأنه عليه الصلاة والسلام أفطر حينئذٍ، وتعقب بأن فعله المجرد لا يدل على نفي الاستحباب إذ قد يترك الشيء المستحب لبيان الجواز ويكون في حقه أفضل لمصلحة التبليغ، لكن روى أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة والحاكم أن أبا هريرة حدثهم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة، وقد أخذ بظاهره قوم منهم: يحيى بن سعيد الأنصاري فقال: يجب فطره للحاج والجمهور على استحباب فطره حتى، قال عطاء: من أفطر ليتقوّى به على الذكر كان له مثل أجر الصائم فصومه له خلاف الأولى، بل في نكت التنبيه للنووي أنه مكروه وفي شرح المهذّب أنه يستحب صومه لحاج لم يصل عرفة إلا ليلاً لفقد العلة، وهذا كله في غير المسافر والمريض أما هما فيستحب لهما فطره مطلقًا كما نص عليه الشافعي في الإملاء. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الحج وكذا أبو داود. 1989 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ -أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ- قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ مَيْمُونَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ النَّاسَ شَكُّوا فِي صِيَامِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِحِلاَبٍ وَهْوَ وَاقِفٌ فِي الْمَوْقِفِ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي قدم مصر قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرني بالإفراد (ابن وهب) -عبدا- (أو قرئ عليه) - شك من يحيى في أن الشيخ قرأ أو قرئ على الشيخ (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن الحرث (عن بكير) هو ابن عبد الله بن الأشج (عن كريب) هو ابن أبي مسلم القرشي مولى عبد الله بن عباس (عن ميمونة) بنت الحرث أم المؤمنين (-رضي الله عنها- أن الناس شكوا) بتشديد الكاف (في صيام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم عرفة) فقال قوم: صائم وقال آخرون غير صائم، (فأرسلت إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بحلاب) بكسر الحاء المهملة وتخفيف اللام الإناء الذي يحلب فيه اللبن أو هو اللبن المحلوب (وهو واقف في الموقف)، جملة حالية (فشرب منه والناس ينظرون) إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد علم أن المرسلة في هذا الحديث ميمونة وفي الأول أم الفضل أختهما، فيحمل على التعدد أو أنهما أرسلتا معًا فنسب ذلك إلى كل منهما فتكون ميمونة أرسلت بسؤال أم الفضل لها بذلك لكشف الحال ويحتمل العكس، ولم يسم الرسول في طرق حديث أم الفضل. نعم في النسائي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس ما يدل على أنه كان الرسول بذلك. وفي هذا الحديث التحيل على الاطّلاع على الحكم بغير سؤال وفيه فطنة السائلة لاستكشافها عن الحكم الشرعي بهذه الوسيلة اللطيفة اللائقة بالحال لأن ذلك كان في يوم حرّ بعد الظهيرة ونصف إسناده الأوّل مصريون والآخر مدنيون، وأخرجه مسلم في الصوم والله أعلم. 66 - باب صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ (باب) حكم (صوم يوم الفطر). 1990 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ: "شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- فَقَالَ: هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالْيَوْمُ الآخَرُ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ". [الحديث 1990 - طرفه في: 5571]. قال أبو عبدِ اللهِ: قال ابنُ عُيَينةَ مَن قَالَ مَوْلَى ابنِ أَزْهَر فَقَد أَصَابَ، ومَن قَالَ مَولَى عبدِ الرحمنِ بنِ عَوفٍ فَقَد أصابَ. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي عبيد) بالتصغير من غير إضافة اسمه سعد (مولى ابن أزهر) هو عبد الرحمن بن الأزهر بن عبد عوف وللكشميهني كما في الفتح مولى بني أزهر (قال: شهدت العيد) زاد يونس عن الزهري في روايته في الأضاحي يوم الأضحى (مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال): (هذان يومان نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صيامهما) أحدهما (يوم فطركم من صيامكم واليوم الآخر) بفتح الخاء (تأكلون فيه) خير لليوم (من نسككم) بضم السين ويجوز سكونها أي

67 - باب الصوم يوم النحر

أضحيتكم. قال في فتح الباري: وفائدة وصف اليومين الإشارة إلى العلة في وجوب فطرهما وهي الفصل من الصوم وإظهار تمامه وحده بفطر ما بعده والآخر لأجل النسك المتقرب بذبحه ليؤكل منه، ولو شرع صومه لم يكن لمشروعية الذبح فيه معنى فعبر عن علة التحريم بالأكل من النسك لأنه يستلزم النحر، وقوله هذان فيه التغليب وذلك أن الحاضر يشار إليه بهذا والغائب يشار إليه بذاك فلما أن جمعهما اللفظ قال: هذان تغليبًا للحاضر على الغائب، وزاد في رواية أبي ذر وابن عساكر: هنا. قال أبو عبد الله أي البخاري قال ابن عيينة فيما حكاه عنه علي بن المديني في العلل من قال أي في أبي عبيد مولى ابن أزهر فقد أصاب، ومن قال مولى عبد الرحمن بن عوف فقد أصاب أيضًا لأنه يحتمل أنهما اشتركا في ولائه أو أحدهما على الحقيقة والآخر على المجاز بملازمة أحدهما للخدمة أو للأخذ عنه. 1991 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، وَعَنِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد البصري قال: (حدّثنا عمرو بن يحيى) هو المازني (عن أبيه) يحيى (عن أبي سعيد) الخدري (-رضي الله عنه- قال): (نهى النبي) ولأبي ذر: نهى رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صوم يوم الفطر و) صوم يوم (النحر وعن الصماء) بفتح الصاد المهملة وتشديد الميم والمدّ. قال الفقهاء: أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيبدو منه فرجه، وتعقب هذا التفسير بأنه لا يشعر به لفظ الصماء، والمطابق له ما نقل عن الأصمعي وهو أن يشتمل بالثوب يستر به جميع بدنه بحيث لا يترك فرجة يخرج منها يده حتى لا يتمكن من إزالة شيء يؤذيه بيديه (وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد) زاد الإسماعيلي لا يواري فرجه بشيء "وعن صلاة" ولابن عساكر والحموي والمستملي. 1992 - وَعَنْ صَلاَةٍ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ. وعن الصلاة (بعد) صلاة (الصبح) حتى ترتفع الشمس (و) بعد صلاة (العصر) حتى تغيب الشمس إلا لسبب. وهذا الحديث سبق الكلام عليه في باب ما يستر من العورة وفي المواقيت. 67 - باب الصَّوْمِ يَوْمَ النَّحْرِ (باب) حكم (الصوم يوم النحر) ولابن عساكر والحموي والمستملي: صوم يوم النحر. 1993 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ قَالَ: سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "يُنْهَى عَنْ صِيَامَيْنِ وَبَيْعَتَيْنِ: الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، وَالْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ". وبالسند قال: (قال إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء الرازي المعروف بالصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالتوحيد (عمرو بن دينار عن عطاء بن ميناء) بكسر الميم وسكون المثناة التحتية وبالنون ممدودًا كعطاء إلا أن الأول منصرف حذف تنوينه والثاني غير منصرف وهو مدني (قال) أي عمرو بن دينار (سمعته) أي عطاء بن ميناء (يحدث عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: ينهى) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (عن صيامين و) عن (بيعتين الفطر والنحر والملامسة والمنابذة) بالجرّ في الأربعة بدلاً من السابق وفيه لف ونشر مرتب، فالفطر والنحر يرجعان إلى صيامين والآخران إلى بيعتين والملامسة بضم الميم الأولى مفاعلة من اللمس وهي أن يلمس ثوبًا مطويًا أو في ظلمة ثم يشتريه على أنه لا خيار له إذا رآه اكتفاء بلمسه عن رؤيته، أو يقول إذا لسته فقد بعتك اكتفاء بلمسه عن الصيغة أو يبيعه شيئًا على أنه متى لمسه لزم البيع وانقطع الخيار اكتفاء بلمسه عن الإلزام بتفرق أو تخاير. والمنابذة بضم الميم وبالذال المعجمة بأن ينبذ كل منهما ثوبه على أن كلاً منهما مقابل بالآخر ولا خيار لهما إذا عرفا الطول والعرض، وكذا لو نبذه إليه بثمن معلوم اكتفاء بذلك عن الصيغة. وتأتي مباحث ذلك في البيع إن شاء الله تعالى، والنهي هنا للتحريم فلا يصح الصوم ولا البيع والبطلان في الأخيرين من حيث المعنى لعدم الرؤية أو عدم الصيغة أو للشرط الفاسد وفي الأوّلين أن الله تعالى أكرم عباده فيهما بضيافته فمن صامهما فكأنه رد هذه الكرامة، وهذا المعنى وإن كان لمن يصوم رمضان ومن ينسك لكنه عام لعموم الكرم. وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع. 1994 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذٌ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فَقَالَ: رَجُلٌ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَالَ: أَظُنُّهُ قَالَ الاِثْنَيْنِ فَوَافَقَ يَوْمَ عِيدٍ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ". [الحديث 1994 - طرفاه في: 6705، 6706]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى)

68 - باب صيام أيام التشريق

العنزي البصري الزمن قال: (حدّثنا معاذ) هو ابن معاذ العنبري قال: (أخبرنا ابن عون) هو عبد الله بن عون بن أرطبان البصري (عن زياد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة ابن حيّة بفتح المهملة وتشديد المثناة التحتية الثقفي أنه (قال جاء رجل) لم يسم (إلى ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-) ولابن عساكر: جاء رجل ابن عمر بإسقاط إلى ونصب ابن (فقال): أي الجائي لابن عمر (رجل نذر أن يصوم يومًا قال أظنه قال الاثنين) أي قال الجائي أظن الرجل الذي نذر قال إنه نذر صوم يوم الاثنين (فوافق) يوم الاثنين المنذور (يوم عيد) ولأبي ذر عن المستملي: فوافق ذلك يوم عيد، وفي رواية يزيد بن زريع عن يونس بن عبيد الله عند المصنف في النذر فوافق يوم النحر (فقال ابن عمر أمر الله بوفاء النذر) أي في قوله تعالى: {وليوفوا نذورهم} [الحج: 29] (ونهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صوم هذا اليوم) إنما توقف ابن عمر عن الجزم بالفتيا لتعارض الأدلة عنده وهذا قاله الزركشي في آخرين، وتعقبه البدر الدماميني فقال: ليس كما ظنه بل نبه ابن عمر على أن أحدهما وهو الوفاء بالنذر عام والآخر وهو المنع من صوم العيد خاص، فكأنه أفهمه أنه يقضي بالخاص على العام اهـ. وهذا الذي ذكره هو قول ابن المنير في الحاشية، وقد تعقبه أخوه بأن النهي عن صوم العيد فيه أيضًا عموم للمخاطبين ولكل عيد فلا يكون من حمل الخاص على العام اهـ. وقيل: ويحتمل أنه عرّض للسائل بأن الاحتياط لك القضاء فيجمع بين أمر الله وأمر رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقيل إذا التقى الأمر والنهي في موضع قدّم النهي، وعند الشافعية إذا نذر صوم اليوم الذي يقدم فيه فلان صح نذره في الأظهر لإمكان العلم بقدومه قبل يومه فيبيت النية، والثاني قال: لا يمكن الوفاء به لانتفاء تبييت النية لانتفاء العلم بقدومه فإن قدم ليلاً أو يوم عيد أو نحوه أو في رمضان انحل النذر ولا شيء عليه لعدم قبول ما عدا الأخير للصوم والأخير لصوم غيره. 1995 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ قَزَعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- وَكَانَ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثِنْتَىْ عَشْرَةَ غَزْوَةً قَالَ: سَمِعْتُ أَرْبَعًا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْجَبْنَنِي، قَالَ: لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ إِلاَّ وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ، وَلاَ صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ: الْفِطْرِ وَالأَضْحَى، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ؛ وَلاَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ، وَلاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا". وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون السلمي الأنماطي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عبد الملك بن عمير) بضم العين وفتح الميم ابن سويد اللخمي الكوفي ويقال له الفرسي بفتح الفاء والراء نسبة إلى فرس له سابق (قال: سمعت قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة ابن يحيى البصري (قال: سمعت أبا سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي الله عنه- وكان غزا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اثنتي عشرة غزوة) وكان قد استصغر بأحد واستشهد أبوه مالك بن سنان بها وغزا هو ما بعدها (قال: سمعت أربعًا من النبي) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعْجَبْنَنِي)، بسكون الموحدة بلفظ صيغة الجمع للمؤنث أحدها (قال): (لا تسافر المرأة مسيرة يومين إلا معها زوجها) بالواو كما في رواية أبوي ذر والوقت في باب فضل مسجد بيت المقدس (أو ذو محرم) عاقل بالغ (و) ثانيها (لا صوم في يومين: الفطر والأضحى) لأنهما غير قابلين للصوم لحرمته فيهما فلا يصح نذر صومهما وكذا حكم صوم أيام التشريق كما سيأتي بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى ومذهب أبي حنيفة لو نذر صوم يوم النحر أفطر وقضى يومًا مكانه (و) ثالثها (لا صلاة بعد) صلاة (الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد) صلاة (العصر حتى تغرب) الشمس (و) رابعها (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد الحرام) بمكة (ومسجد الأقصى) بالقدس (ومسجدي هذا) بطيبة. وهذا الحديث قد سبق في باب مسجد القدس في أواخر الصلاة. 68 - باب صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (باب صيام أيام التشريق) وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وهذا قول ابن عمر وأكثر العلماء. وروي عن ابن عباس وعطاء أنها أربعة أيام يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وسماها عطاء أيام التشريق والأول أظهر، وقد قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه" أخرجه أصحاب السنن الأربعة من حديث عبد الرحمن بن يعمر، وهذا صريح في أنها أيام التشريق وأفضلها أولها وهو يوم القر بفتح القاف وتشديد الراء لأن أهل منى يستقرون فيه

ولا يجوز فيه النفر وهي الأيام المعدودات وأيام منى، وسميت بأيام التشريق لأن لحوم الأضاحي تشرّق فيها أي تنشر في الشمس. 1996 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَقَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي: "كَانَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- تَصُومُ أَيَّامَ مِنًى، وَكَانَ أَبُوهَا يَصُومُهَا". وبالسند قال: (قال أبو عبد الله): كذا لأبوي ذر والوقت وسقط لغيرهما (وقال لي محمد بن المثنى) الزمن وكأنه لم يصرح بالتحديث لكونه موقوفًا على عائشة كما عرف من عادته بالاستقراء كذا قاله الحافظ ابن حجر، وتعقبه العيني بأنه إنما ترك التحديث لأنه أخذه عن ابن المثنى مذاكرة قال: وهذا هو المعروف من عادته (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام قال: أخبرني) بالتوحيد (أبي) عروة بن الزبير قال: (كانت عائشة رضي الله عنها تصوم أيام منى) ولأبي ذر عن المستملي: أيام التشريق بمنى. قال عروة: (وكان أبوها) أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- (يصومها) أيضًا، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: وكان أبوه أي أبو هشام وهو عروة والقائل يحيى القطان، ونسب ابن حجر الأولى لرواية كريمة. 1997، 1998 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِيسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهم- قَالاَ: "لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلاَّ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ". وبالسند قال (حدثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة والمشدّدة البصري المنقب ببندار قال: (حدّثنا غندر) بضم الغين المعجمة وفتح المهملة آخره راء محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (سمعت عبد الله بن عيسى) الأنصاري، ولأبي ذر عن الكشميهني: زياد بن أبي ليلى وهو ثقة لكن فيه تشيع (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة، وعن سالم) هو من رواية الزهري عن سالم فهو موصول (عن ابن عمر) والد سالم (-رضي الله عنهم- قالا) أي عائشة وابن عمر: (لم يرخص) بضم أوّله وفتح ثالثه المشدد مبنيًا للمفعول ولم يضيفاه إلى الزمن النبوي فهو موقوف كما جزم به ابن الصلاح في نحوه مما لم يضف والمعنى حينئذٍ لم يرخص من له مقام الفتوى في الجملة، لكن جعله الحاكم أبو عبد الله من المرفوع. قال النووي في شرح المهذّب: وهو القوي يعني من حيث المعنى وهو ظاهر استعمال كثير من المحدّثين وأصحابنا في كتب الفقه، واعتمده الشيخان في صحيحيهما وأكثر منه البخاري. وقال التاج ابن السبكي: إنه الأظهر وإليه ذهب الإمام فخر الدين. وقال ابن الصباغ في العدة: إنه الظاهر والمعنى هنا لم يرخص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في أيام التشريق) وهي الأيام الثلاثة التي بعد يوم النحر (أن يصمن) أي يصام فيهن فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير، ولذا بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ينادي أنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل فلا يصومن أحد رواه أصحاب السنن. وروى أبو داود عن عقبة بن عامر مرفوعًا: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب. وفي حديث عمرو بن العاصي عند أبي داود وصححه ابن خزيمة والحاكم أنه قال لابنه عبد الله في أيام التشريق إنها الأيام التي نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صومهن وأمر بفطرهن وقد قال الطحاوي بعد أن أخرج أحاديث النهي عن ستة عشر صحابيًّا، فلما ثبت بهذه الأحاديث عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النهي عن صيام أيام التشريق وكان نهيه عن ذلك بمنى والحاج مقيمون بها وفيهم المتمتعون والقارنون ولم يستثن منهم متمتعًا ولا قارنًا دخل المتمتعون والقارنون في ذلك اهـ. وفي النهي عن صيام هذه الأيام والأمر بأكل والشرب سرّ حسن وهو أن الله تعالى لما علم ما يلاقي الوافدون إلى بيته من مشاق السفر وتعب الإحرام وجهاد النفوس على قضاء المناسك شرع لهم الاستراحة عقب ذلك بالإقامة بمنى يوم النحر وثلاثة أيام بعده وأمرهم بالأكل فيها من لحوم الأضاحي فهم في ضيافة الله تعالى فيها لطفًا من الله تعالى بهم ورحمة، وشاركهم أيضًا أهل الأمصار في ذلك لأن أهل الأمصار شاركوهم في النصب لله تعالى والاجتهاد في عشر ذي الحجة بالصوم والذكر والاجتهاد في العبادات وفي التقرب إلى الله تعالى بإراقة دماء الأضاحي وفي حصول المغفرة فشاركوهم في أعيادهم واشترك الجميع في الراحة بالأكل والشرب، فصار المسلمون كلهم في ضيافة الله تعالى في هذه الأيام يأكلون من رزقه ويشكرونه على فضله، ولما كان الكريم لا يليق به أن يجيع أضيافه

نهوا عن صيامها (إلا لمن لم يجد الهدي) وفي رواية أبي عوانة عن عبد الله بن عيسى عند الطحاوي إلا لمتمتع أو محصر أي فيجوز له صيامها وهذا مذهب مالك وهو الرواية الثانية عن أحمد واختاره ابن عبدوس في تذكرته وصححه في الفائق وقدمه في المحرر والرعاية الكبرى. وقال ابن منجا في شرحه أنه المذهب وهو قول الشافعي القديم لحديث الباب قال في الروضة: وهو الراجح دليلاً والصحيح من مذهب الشافعي وهو القول الجديد ومذهب الحنفية أنه يحرم صومها لعموم النهي وهو الرواية الأولى عن أحمد. قال الزركشي الحنبلي: وهي التي ذهب إليها أحمد أخيرًا. قال في المبهج وهي الصحيحة اهـ. وأما قول الحافظ ابن حجر أن الطحاوي قال إن قول ابن عمر وعائشة لم يرخص الخ أخذاه من عموم قوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج} [البقرة: 196] لأن قوله في الحج يعم ما قبل يوم النحر وما بعده فتدخل أيام التشريق. قال في الفتح: وعلى هذا فليس بمرفوع بل هو بطريق الاستنباط عما فهماه من عموم الآية، وقد ثبت نهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صوم أيام التشريق وهو عام في حق المتمتع وغيره، وعلى هذا فقد تعارض عموم الآية المشعر بالإذن وعموم الحديث المشعر بالنهي وفي تخصيص عموم المتواتر بعموم الآحاد نظر لو كان الحديث مرفوعًا فكيف وفي كونه مرفوعًا نظر، فعلى هذا يترجح القول بالجواز وإلى هذا جنح البخاري اهـ. والله أعلم. ففيه نظر لأن قوله لو كان الحديث مرفوعًا فكيف وفي كونه مرفوعًا نظر لا معنى له لأنه إن كان مراده به حديث النهي عن صوم أيام التشريق المروي في غير ما حديث فهو بلا شك مرفوع كما صرح هو به حيث قال: وقد ثبت نهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صوم أيام التشريق وإن كان مراده به حديث الباب فليس التعارض المذكور واقعًا بينه وبين عموم الآية، وكيف يكون ذلك؟ وقد ادّعى استنباطه منها فالظاهر أنه سهو، ولئن سلمنا التعارض بين حديث النهي والآية فالصحيح أنه مخصص لعمومها لكنا لا نسلم أن أيام التشريق من أيام الحج كما لا يخفى ونص عليه الشافعي وغيره على أن الطحاوي لم يجزم بأن ابن عمر وعائشة أخذاه من عموم الآية، وعبارته فقولهما ذلك يجوز أن يكونا عنيا بهذه الرخصة ما قال الله تعالى في كتابه {فصيام ثلاثة أيام في الحج} فعداها أيام التشريق من أيام الحج فقالا رخص للحاج المتمتع والمحصر في صوم أيام التشريق لهذه الآية ولأن هذه الأيام عندهما من أيام الحج وخفي عليهما ما كان من توقيف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس من بعده على أن هذه الأيام ليست بداخلة فيما أباح الله عز وجل صومه من ذلك اهـ فليتأمل. والعجب من العيني في كونه لم ينبه على ذلك ولم يعرج عليه كغيره من الشراح مع كثرة تعقبه على الحافظ في كثير من الواضحات. نعم تعقبه في قوله ووقع في رواية يحيى بن سلام عن شعبة عند الدارقطني والطحاوي بأن لفظ الحديث للدارقطني لا لفظ الطحاوي. 1999 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ صَامَ أَيَّامَ مِنًى". وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ. تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: الصيام) ثلاثة أيام (لمن تمتع بالعمرة إلى الحج) عند فقد الهدي ينتهي (إلى يوم عرفة فإن لم يجد) وللحموي كما في الفتح فمن لم يجد (هديًا ولم يصم) حتى دخل يوم عرفة (صام أيام منى) وهي أيام التشريق كما مرّ (وعن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) -رضي الله عنها- (مثله). أي مثل ما روى ابن شهاب عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر. (تابعه) ولابن عساكر: وتابعه أي وتابع مالكًا (إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني نزيل بغداد ثقة حجة تكلم فيه بلا قادح (عن ابن شهاب) الزهري، وهذا مما وصله إمامنا الشافعي فقال: أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة في المتمتع إذا لم يجد هديًا ولم يصم قبل عرفة فليصم أيام منى، وعن سالم عن أبيه مثله، ووصله الطحاوي من وجه آخر عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة وعن سالم عن أبيه أنهما كانا يرخصان

69 - باب صيام يوم عاشوراء

للمتمتع إذا لم يجد هديًا ولم يكن صام قبل عرفة أن يصوم أيام التشريق. وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث الزهري عن عروة عن عائشة وعن سالم عن ابن عمر نحوه. قال الحافظ ابن حجر: وهذا يرجح كونه موقوفًا لنسبة الترخيص إليهما فإنه يقوي أحد الاحتمالين في رواية عبد الله بن عيسى حيث قال: لم يرخص وأبهم الفاعل فيحتمل الوقف والرفع كما صرح به يحيى بن سلام لكنه ضعيف، وتصريح إبراهيم بن سعد وهو من الحفاظ بنسبة ذلك إلى ابن عمر وعائشة أرجح ويقوّيه رواية مالك وهو من حفاظ أصحاب الزهري فإنه مجزوم عنه بكونه موقوفًا اهـ. وسقط في رواية ابن عساكر قوله من ابنِ شهاب. 69 - باب صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاء (باب) حكم (صيام يوم عاشوراء) قال في القاموس العاشوراء والعشوراء ويقصران والعاشور عاشر المحرم أو تاسعه اهـ. والأول هو قول الخليل والاشتقاق يدل عليه وهو مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وذهب ابن عباس -رضي الله عنهما- إلى الثاني وفي المصنف عن الضحاك عاشوراء يوم التاسع قيل لأنه مأخوذ من العشر بالكسر في أوراد الإبل تقول العرب: وردت الإبل عشرًا إذا وردت اليوم التاسع وذلك لأنهم يحسبون في الأظماء يوم الورد، فإذا قامت في الرعي يومين ثم وردت في الثالث قالوا وردت ربعًا، وإن رعت ثلاثًا وفي الرابع وردت قالوا وردت خمسًا لأنهم حسبوا في كل هذا بقية اليوم الذي وردت فيه قبل الرعي، وأول اليوم الذي ترد فيه بعده وعلى هذا القول يكون التاسع عاشوراء وهذا كقوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} [البقرة: 97] على القول بأنها شهران وعشرة أيام. 2000 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَوْمَ عَاشُورَاءَ إِنْ شَاءَ صَامَ». وبالسند قال: (حدّثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد (عن عمر بن محمد) بضم العين ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (عن) عم أبيه (سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (يوم عاشوراء) بنصب يوم على الظرفية (إن شاء) المرء (صام) أي: وإن شاء أفطر، وقد ساقه مختصرًا وهو في صحيح ابن خزيمة عن أبي موسى عن أبي عاصم بلفظ إن اليوم يوم عاشوراء فمن شاء فليصمه ومن شاء فليفطره. ورواة حديث الباب كلهم مدنيون إلا شيخ المؤلّف فبصري، وأخرجه مسلم أيضًا في الصوم. 2001 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي أيضًا (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوام (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت): (كان رسول الله) ولأبي الوقت: كان النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بصيام يوم عاشوراء، فلما فرض رمضان) وكان فرضه في شعبان من السنة الثانية من الهجرة (كان من شاء صام) يوم عاشوراء (ومن شاء أفطر) والجمع بين هذا وحديث سالم السابق عن ابن عمر بالحمل على ثاني الحال. 2002 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُومُهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ". وبه قال (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة) ولأبي الوقت أن عائشة (-رضي الله عنها- قالت) (كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية) يحتمل أنهم اقتدوا في صيامه بشرع سالف ولذا كانوا يعظمونه بكسوة البيت الحرام فيه (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصومه) أي عاشوراء وزاد أبو الوقت وذر وابن عساكر: في الجاهلية (فلما قدم) عليه الصلاة والسلام (المدينة) وكان قدومه بلا ريب في ربيع الأول (صامه) على عادته (وأمر) الناس (بصيامه)، في أول السنة الثانية (فلما فرض رمضان) أي صيامه في الثانية في شهر شعبان كما مرّ (ترك) عليه الصلاة والسلام (يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه) فعلى هذا لم يقع الأمر بصومه إلا في سنة واحدة وعلى تقدير صحة القول فقد نسخ، ولم يرو عنه أنه عليه الصلاة والسلام جدد للناس أمرًا بصيامه بعد فرض رمضان بل تركهم على ما كانوا عليه من غير نهي عن صيامه فإن كان أمر عليه الصلاة والسلام بصيامه قبل فرض صيام رمضان للوجوب فإنه

يبنى على أن الوجوب إذا نسخ هل ينسخ الاستحباب أم لا؟ فيه اختلاف مشهور وإن كان أمره للاستحباب فيكون باقيًا على الاستحباب، وهذا الحديث أخرجه النسائي. 2003 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ -رضي الله عنهما- يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: "يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي المدني القعنبي (عن مالك) إمام الأئمة ابن أنس الأصبحي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف (أنه سمع معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-) واسم أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية الأموي وهو وأبوه من مسلمة الفتح، وقيل أسلم هو في عمرة القضاء وكتم إسلامه وكان أميرًا عشرين سنة وخليفة عشرين سنة وكان يقول أنا أول الملوك (يوم عاشوراء عام حج) وكان أول حجة حجها بعد أن استخلف في سنة أربع وأربعين وآخر حجة حجها سنة سبع وخمسين (على المنبر) زاد يونس عن الزهري بالمدينة، وقال: في روايته في قدمة قدمها (يقول يا أهل المدينة أين علماؤكم)؟ قال النووي: الظاهر أن معاوية قاله لما سمع من يوجبه أو يحرمه أو يكرهه فأراد إعلامهم بنفي الثلاثة اهـ. فاستدعاؤه لهم تنبيهًا لهم على الحكم أو استعانة بما عندهم على ما عنده. (سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه) بضم أول يكتب وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول وصيامه رفع نائب عن الفاعل ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: ولم يكتب الله عليكم صيامه نصب على المفعولية، وهذا من كلام الشارع عليه الصلاة والسلام كما عند النسائي، واستدلّ به الشافعية والحنابلة على أنه لم يكن فرضًا قط ولا نسخ برمضان، وتعقب بأن معاوية من مسلمة الفتح فإن كان سمع هذا بعد إسلامه فإنما يكون سمعه سنة تسع أو عشر فيكون ذلك بعد نسخه بإيجاب رمضان، ويكون المعنى لم يفرض بعد إيجاب رمضان جميعًا بينه وبين الأدلة الصريحة في وجوبه، وإن كان سمعه قبله فيجوز كونه قبل افتراضه، ونسخ عاشوراء برمضان في الصحيحين عن عائشة وكون لفظ أمر في قوله وأمر بصيامه مشتركًا بين الصيغة الطالبة ندبًا وإيجابًا ممنوع ولو سلم فقولها، فلما فرض رمضان قال من الخ دليل على أنه مستعمل هنا في الصيغة الموجبة للقطع أن التخيير ليس باعتبار الندب لأنه مندوب إلى الآن فكان باعتبار الوجوب. (وأنا صائم فمن شاء فليصم) ولابن عساكر في نسخة: فليصمه بضمير المفعول (ومن شاء فليفطر) بحذف ضمير المفعول. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصوم وكذا النسائي. 2004 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ". [الحديث 2004 - أطرافه في: 3397، 3943، 4680، 4737]. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المنقري المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني قال: (حدّثنا عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) فأقام إلى يوم عاشوراء من السنة الثانية (فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال): عليه الصلاة والسلام لهم: (ما هذا) الصوم؟ (قالوا: هذا يوم صالح) وعند ابن عساكر تكرير هذا يوم صالح مرتين (هذا يوم نجى الله) يوم بغير تنوين في اليونينية مصحح عليه وفي غيرها منوّنًا (بني إسرائيل) ولمسلم موسى وقومه (من عدوهم) فرعون حيث أغرق في اليم (فصامه موسى)، زاد مسلم في روايته شكرًا لله تعالى فنحن نصومه، وعند المصنف في الهجرة ونحن نصومه تعظيمًا له، وزاد أحمد من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجوديّ فصامه نوح شكرًا. (قال): النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأنا أحق بموسى منكم فصامه) كما كان يصومه قبل ذلك (وأمر) الناس (بصيامه) فيه دليل لمن قال كان قبل النسخ واجبًا، لكن أجاب أصحابنا بحمل الأمر هنا على تأكد الاستحباب وليس صيامه عليه الصلاة والسلام له تصديقًا لليهود بمجرد قولهم بل كان يصومه قبل ذلك كما وقع التصريح به في حديث عائشة، وجوّز المازري نزول الوحي على وفق قولهم أو تواتر عنده الخبر أو صامه باجتهاده أو أخبره من أسلم منهم كابن سلام. والأحقية باعتبار الاشتراك في الرسالة والأخوة في الدين والقرابة

الظاهرة دونهم ولأنه عليه الصلاة والسلام أطوع وأتبع للحق منهم. ورواة هذا الحديث الثلاثة الأول بصريون والثلاثة الأخر كوفيون، وأخرجه المؤلّف أيضًا في أحاديث الأنبياء، ومسلم وأبو داود والنسائي في الصوم. 2005 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَصُومُوهُ أَنْتُمْ". [الحديث 2005 - طرفه في: 3942]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الليثي (عن أبي عميس) بضم العين المهملة وفتح الميم آخره سين مهملة واسمه عتبة بضم المهملة وسكون الفوقية ابن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي الكوفي (عن قيس بن مسلم) الجدلي بفتح الجيم العدواني الكوفي ثقة رمي بالإرجاء (عن طارق بن شهاب) البجلي الأحمسي الكوفي الصحابي قال أبو داود: رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يسمع منه (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه- قال: كان من يوم عاشوراء تعده اليهود) أهل خيبر (عيدًا) تعظيمًا له والعيد لا يصام (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (فصوموه أنتم) مخالفة لهم فالباعث على الصيام في هذا غير الباعث في حديث ابن عباس السابق إذ هو باعث على موافقته يهود المدينة على السبب وهو شكر الله تلى على نجاة موسى مع موافقة عادته أو الوحي كما مرّ تقريره، ويحتمل أن يكون من تعظيمه عند يهود خيبر في شرعهم صومه، وقد وقع التصريح بذلك عند مسلم من وجه آخر عن قيس بن مسلم قال: كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيدًا. وحديث الباب أخرجه المؤلّف في باب إتيان اليهود للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ومسلم والنسائي في الصوم. 2006 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلاَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ". وبه قال (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين مصغرًا أبو محمد العبسي مولاهم الكوفي (عن ابن عيينة) سفيان (عن عبيد الله بن أبي يزيد) من الزيادة المكي مولى آل قارظ بن شيبة (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال): (ما رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتحرى) أي يقصد (صيام يوم فضله على غيره) وصيام شهر فضله على غيره بتشديد الضاد المعجمة جملة في موضع جر صفة ليوم (إلا هذا اليوم يوم عاشوراء وهذا الشهر) عطف على قوله هذا اليوم وهذا من اللف التقديري لأن المعطوف لم يدخل في لفظ المستثنى منه إلا بتقدير وصيام شهر فضله على غيره كما مرّ أو يعتبر في الشهر أيامه يومًا موصوفًا بهذا الوصف وحينئذ فلا يحتاج إلى تقدير وصيام شهر (يعني شهر رمضان) هو من قول الراوي، وهذا الحديث أخرجه النسائي. 2007 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بنُ أبي عُبَيدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ". وبه قال (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير الحنظلي قال: (حدّثنا يزيد بن أبي عبيد) الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع وسقط لغير أبي ذر لفظ ابن أبي عبيد (عن سلمة بن الأكوع) هو ابن عمرو بن الأكوع واسم الأكوع سنان بن عبد الله (-رضي الله عنه- قال): (أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً من أسلم) هو هند بن أسماء بن حارثة الأسلمي (أن أذن في الناس أن من كان أكل فليصم) أي فليمسك (بقية يومه) حرمة لليوم (ومن لم يكن أكل فليصم فإن اليوم يوم عاشوراء) استدلّ به على أن من تعين عليه صوم يوم ولم ينوه ليلاً أنه يجزئه بنيته نهارًا وهذا بناء على أن عاشوراء كان واجبًا، وقد منعه ابن الجوزي بحديث معاوية سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول "هذا يوم عاشوراء لم يفرض علينا صيامه فمن شاء منكم أن يصوم فليصم" قال وبدليل أنه لم يأمر من أكل بالقضاء، وقد سبق البحث في ذلك عند ذكر حديث الباب في باب: إذا نوى بالنهار صومًا في أثناء كتاب الصيام. وهذا الحديث هو السادس من ثلاثيات المؤلّف رحمه الله، ويستحب صوم تاسوعاء أيضًا لقوله عليه الصلاة والسلام المروي في مسلم "لئن عشت إلى قابل لأصومنّ التاسع" فإن لم يصم التاسع مع العاشر استحب له صوم الحادي عشر، ونص الشافعي في الأم والإملاء على استحباب صوم الثلاثة، ونقله عنه الشيخ أبو حامد وغيره، ويدل له حديث أحمد "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود وصوموا قبله يومًا وبعده يومًا" وكذا يستحب صوم يوم عرفة لغير الحاج وهو تاسع الحجة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سئل عنه فقال: "يكفر

31 - كتاب صلاة التراويح

السنة الماضية والمستقبلة" رواه مسلم وتسع ذي الحجة رواه أبو داود والأشهر الحرم وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن تغيرت هيئته من الصوم "لم عذبت نفسك صم شهر الصبر ويومًا من كل شهر" قال: زدني قال: "صم يومين"، قال: زدني. قال: "صم ثلاثة أيام"، قال: زدني قال: "صم من المحرم والترك ثلاث مرات" وقال بأصابعه الثلاث رواه أبو داود وغيره. قال في شرح المهذّب: وإنما أمره بالترك لأنه كان يشق عليه إكثار الصوم فأما من لا يشق عليه فصوم جميعها فضيلة وأفضلها المحرم قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" رواه مسلم، وقال الحنابلة: يكره إفراد رجب بالصوم. قال في الإنصاف: وهو المذهب وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم وهو من مفردات المذهب. قال: وحكى الشيخ تقي الدين في تحريم إفراده وجهين قال في الفروع: ولعله أخذه من كراهة أحمد وتزول الكراهة عندهم بالفطر من رجب ولو يومًا أو بصوم شهر آخر من السنة قال المجد: وإن لم يله اهـ. وكذا يستحب صوم ستة من شوّال لقوله عليه الصلاة والسلام من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوّال كان كصيام الدهر رواه مسلم، والأفضل تتابعها وكونها متصلة بالعيد مبادرة للعبادة، وكره مالك صيامها قال في الموطأ: لم أر أحدًا من أهل الفقه والعلم صامها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف وأن أهل العلم يكرهون ذلك مخافة بدعته وأن يلحق أهل الجهالة والجفاء برمضان ما ليس منه، قال في المقدمات: وأما الرجل في خاصة نفسه فلا يكره له صيامها ونحوه في النوادر، وكذا يستحب صوم يوم لا يجد في بيته ما يأكله لحديث عائشة قالت: دخل عليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات يوم فقال: "هل عندكم شيء" قلنا: لا. قال: "إني إذًا صائم" رواه مسلم والنفل من الصوم غير محصور والاستكثار منه مطلوب والمكروه منه صوم المريض والمسافر والحامل والمرضع والشيخ الكبير إذا خافوا منه المشقّة الشديدة وقد ينتهي ذلك إلى التحريم، وصوم يوم عرفة بها للحاج لكن الصحيح أنه خلاف الأولى لا مكروه ويستحب له فطره سواء أضعفه الصوم عن العبادة أم لا. وقال المتولي: إن كان ممن لا يضعف بالصوم عن ذلك فالصوم أولى له وإلا فالفطر. ويكره أيضًا التطوّع بالصوم وعليه قضاء صوم من رمضان، وهذا إذا لم يتضيق وقته وإلاّ حرم التطوع وإفراد يوم الجمعة أو السبت وصوم الدهر لمن خاف ضررًا أو فوت حق ويحرم صوم العيدين وأيام التشريق وصوم الحائض والنفساء للإجماع صوم يوم الشك وصوم النصف الأخير من شعبان إذا لم يصله بما قبله على المختار، وصححه في المجموع وغيره لحديث "إذا انتصف شعبان فلا صيام حتى يكون رمضان" رواه الترمذي وقال: حسن صحيح إلا لقضاء أو موافقة نذر أو عادة فلا يحرم لم يصح مسارعة لبراءة الذمة ولأن له سببًا، فجاز كنظيره من الصلاة في الأوقات الكروهة، ولا يجوز للمرأة أن تصوم نفلاً وزوجها حاضر إلا بإذنه كل صومها حينئذ صحيح لأن تحريمه لا لمعنى يعود إلى الصوم فهو كالصلاة في أرض مغصوبة. وهذا آخر كتاب الصوم وكان الفراغ منه يوم الاثنين ثالث جمادى الآخرة سنة سبع وتسعمائة، والله أسأل أن يمن بإتمامه وينفع به ويجعله خالصًا لوجهه الكريم، وحسبي الله ونعم الوكيل. بسم الله الرحمن الرحيم 31 - كتاب صلاة التراويح (بسم الله الرحمن الرحيم). (كتاب صلاة التراويح) أي في ليالي رمضان جمع ترويحة وهي المرة الواحدة من الراحة وهي في الأصل اسم للجلسة، وسميت الصلاة في الجماعة في ليالي رمضان التراويح لأنهم كانوا أول ما اجتمعوا عليها يستريحون بين كل تسليمتين، وسقطت البسملة وما بعدها في رواية غير المستملى كما نبه عليه الحافظ ابن حجر وهو على هامش الفرع كأصله ومرقوم عليه علامة السقوط لابن عساكر. 1 - باب فَضْلِ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ (باب فضل من قام) في ليالي (رمضان) مصليًا ما يحصل به مطلق القيام. 2008 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لِرَمَضَانَ: مَنْ قَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". وبالسند قال (حدّثنا يحيى بن بكير) هو ابن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري ونسبه إلى جده لشهرته به ثقة في الليث وتكلموا في سماعه من مالك قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام

(عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني قيل اسمه عبد الله وقيل إسماعيل (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول): (لرمضان) أي لفضل رمضان أو لأجله أو اللام بمعنى عن أي يقول عن رمضان نحو: {قال الذين كفروا للذين آمنوا} [مريم: 73] أو بمعنى في نحو: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} [الأنبياء: 47] أي يقول في رمضان (من قامه) بصلاة التراوي أو بالطاعة في لياليه حال كون قيامه (إيمانًا) أي تصديقًا بأنه حق معتقدًا فضيلته (و) حال كونه (احتسابًا) طالبًا للأجر لا لقصد رياء ونحوه (غفر له ما تقدم من ذنبه) من الصغائر لا الكبائر كما قطع به إمام الحرمين، وقطع ابن المنذر بأنه يتناولهما والمعروف الأول ومذهب أهل السنة وزاد النسائي في السنن الكبرى من طريق قتيبة بن سعيد (وما تأخر) وقد تابع قتيبة على هذه الزيادة جماعة. واستشكل بأن المغفرة تستدعي سبق ذنب والمتأخر من الذنوب لم يأت بعد فكيف يغفر. وأجيب: بأن ذنوبهم تقع مغفورة، وقيل هو كناية عن حفظ الله إياهم في المستقبل كما قيل في قوله عليه الصلاة والسلام في أهل بدر "إن الله اطلع عليهم فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وعورض الأخير بورود النقل بخلافه فقد شهد مسطح بدرًا ووقع منه ما وقع في حق عائشة -رضي الله عنها- كما في الصحيح وقصة نعيمان أيضًا مشهورة. 2009 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ "فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ كَانَ الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف القرشي المدني (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من قام رمضان) جميع لياليه أو بعضها عند عجزه ونيته القيام لولا المانع حال كون قيامه (إيمانًا و) حال كونه (احتسابًا) أي مؤمنًا محتسبًا بأن يكون مصدقًا به راغبًا في ثوابه طيب النفس به غير مستثقل لقيامه ولا مستطيل له (غفر له ما تقدم من ذنبه) الصغائر فإن الكبائر لا يكفرها غير التوبة. (قال ابن شهاب) الزهري (فتوفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والأمر على ذلك) أي على ترك الجماعة في التراويح ولغير الكشميهني كما في الفتح والناس على ذلك، (ثم كان الأمر على ذلك) أيضًا (في خلافة أبي بكر) الصديق (وصدرًا من خلافة عمر -رضي الله عنهما-). 2012010 - وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ، وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ. فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ. ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ. ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ -يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ- وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ". (وعن ابن شهاب) الزهري بالإسناد السابق (عن عروة بن الزبير) بن العوام (عن عبد الرحمن بن عبد القاري) بتنوين عبد والقاري بتشديد المثناة التحتية نسبة إلى قارة بن ديش بن محلم بن غالب المدني وكان عامل عمر على بيت مال المسلمين (إنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ليلة في رمضان إلى المسجد) النبوي (فإذا الناس أوزاع متفرقون) بفتح الهمزة وسكون الواو بعدها زاي وبعد الألف عين مهملة جماعات متفرقون لا واحد له من لفظه، فقوله متفرقون في الحديث نعت لأوزاع على جهة التأكيد اللفظي مثل نعجة واحدة لأن الأوزاع الجماعات المتفرقة. وقال ابن فارس الجماعات، وكذا في القاموس والصحاح لم يقولوا متفرقون، فعلى هذا يكون النعت للتخصيص أراد أنهم كانوا يتنفلون في المسجد بعد صلاة العشاء متفرقين (يصلّي الرجل لنفسه، ويصلّي الرجل فيصلّي بصلاته الرهط). ما بين الثلاثة إلى العشرة وهذا بيان لما أجمل في قوله: فإذا الناس أوزاع متفرقون، (فقال عمر): -رضي الله عنه- (إني أرى) من الري (لو جمعت هؤلاء) الذين يصلون (على قارئ واحد لكان) ذلك (أمثل). أي أفضل من تفرقهم لأنه أنشط لكثير من المصلين، واستنبط ذلك من تقرير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من صلّى معه في تلك الليالي وإن كرهه لهم فإنما كرهه خشية افتراضه عليهم (ثم عزم) عمر على ذلك (فجمعهم) سنة أربع عشرة من الهجرة (على أبي بن كعب) يصلّي بهم إمامًا لكونه أقرأهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام "يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله" وعند سعيد بن منصور من طريق عروة: أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب

فكان يصلّي بالرجال وكان تميم الداري يصلّي بالنساء، وعند البيهقي: وعلى النساء سليمان بن أبي حثمة وهو محمول على التعدد. قال عبد الرحمن بن عبد: (ثم خرجت معه) أي مع عمر (ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم) إمامهم فيه إشعار بأن عمر كان لا يواظب على الصلاة معهم ولعله كان يرى أن فعلها في بيته ولا سيما في آخر الليل أفضل. (قال عمر): لا رآهم (نعم البدعة هذه)، سماها بدعة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يسن لهم الاجتماع لها ولا كانت في زمن الصديق ولا أول الليل ولا كل ليلة ولا هذا العدد. وهي خمسة واجبة ومندوبة ومحرمة ومكروهة ومباحة. وحديث "كل بدعة ضلالة" من العام المخصوص، وقد رغب فيها عمر بقوله: نعم البدعة وهي كلمة تجمع المحاسن كلها كما أن بئس تجمع المساوئ كلها وقيام رمضان ليس بدعة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر" وإذا أجمع الصحابة مع عمر على ذلك زال عنه اسم البدعة. (و) الفرقة (التي ينامون عنها) عن صلاة التراويح (أفضل من) الفرقة (التي يقومون- يريد آخر الليل) - هذا تصريح منه بأفضلية صلاتها في أول الليل على آخره لكن ليس فيه أن فعلها فرادى أفضل من التجميع (وكان الناس يقومون أوله) ولم يذكر في هذا الحديث عدد الركعات التي كان يصلّي بها أبي، والمعروف وهو الذي عليه الجمهور أنه عشرون ركعة بعشر تسليمات وذلك خمس ترويحات كل ترويحة أربع ركعات بتسليمتين غير الوتر وهو ثلاث ركعات. وفي سنن البيهقي بإسناد صحيح كما قال ابن العراقي في شرح التقريب عن السائب بن يزيد -رضي الله عنه- قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في شهر رمضان بعشرين ركعة. وروى مالك في الموطأ عن يزيد بن رومان قال: كان الناس يقومون في زمن عمر -رضي الله عنه- بثلاث وعشرين، وفي رواية بإحدى عشرة، وجمع البيهقي بينها بأنهم كانوا يقومون بإحدى عشرة ثم قاموا بعشرين وأوتروا بثلاث، وقد عدوا ما وقع في زمن عمر -رضي الله عنه- كالإجماع. وفي مصنف ابن أبي شيبة وسنن البيهقي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي في رمضان في غير جماعة بعشرين ركعة والوتر، لكن ضعفه البيهقي وغيره برواية أبى شيبة جد ابن أبي شيبة. وأما قول عائشة الآتي في هذا الباب إن شاء الله تعالى ما كان أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة فحمله أصحابنا على الوتر قال الحليمي والسرفي كونها عشرين أن الرواتب في غير رمضان عشر ركعات فضوعفت لأنه وقت جدّ وتشمير، وفهم مما سبق من أنها بعشر تسليمات أنه لو صلاها أربعًا بتسليمة لم يصح، وبه صرح في الروضة لشبهها بالفرض في طلب الجماعة فلا تغير عما ورد بخلاف نظيره في سنة الظهر والعصر، واختار مالك -رحمه الله- أن تصلّى ستًا وثلاثين ركعة غير الوتر وقال: إن عليه العمل بالمدينة وقد قال المالكية كانت ثلاثًا وعشرين ثم جعلت تسعًا وثلاثين أي بالشفع والوتر فيهما، وذكر في النوادر عن ابن حبيب أنها كانت أولاً إحدى عشرة ركعة إلا أنهم كانوا يطيلون القراءة فثقل عليهم ذلك فزادوا في أعداد الركعات وخففوا القراءة وكانوا يصلون عشرين ركعة غير الشفع والوتر بقراءة متوسطة ثم خففوا القراءة وجعلوا عدد ركعاتها ستًا وثلاثين غير الشفع والوتر قال ومضى الأمر على ذلك اهـ. وفي مصنف ابن أبي شيبة عن داود بن قيس قال: أدركت الناس بالمدينة في زمن عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان يصلون ستًا وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث، وإنما فعل أهل المدينة هذا لأنهم أرادوا مساواة أهل مكة فإنهم كانوا يطوفون سبعًا بين كل ترويحتين فجعل أهل المدينة مكان كل سبع أربع ركعات، وقد حكى الولي بن العراقي أن والده الحافظ لما ولي إمامة مسجد المدينة أحيا سنتهم القديمة في ذلك مع مراعاة ما عليه الأكثر فكان يصلّي التراويح أول الليل بعشرين ركعة على المعتاد ثم يقوم آخر الليل في المسجد بست عشرة ركعة فيختم في الجماعة

في شهر رمضان ختمتين واستمر على ذلك عمل أهل المدينة فهم عليه إلى الآن، فنسأل الله الكريم المنان، أن يبلغنا صلاتها كذلك في ذاك المكان، في عافية وأمان، استودعه تعالى ذلك ونعمة الإسلام. وقد قال النووي قال الشافعي والأصحاب ولا يجوز ذلك أي صلاتها ستًا وثلاثين ركعة لغير أهل المدينة لأن لأهلها شرفًا بهجرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهذا يخالفه قول الشافعي المروي عنه في المعرفة للبيهقي وليس في شيء من هذا ضيق ولا حدّ ينتهي إليه لأنه نافلة فإن أطالوا القيام وأقلوا السجود فحسن وهذا أحب إليّ وإن أكثروا الرجوع والسجود فحسن، وقول الحليمي: ومن اقتدى بأهل المدينة فقام بست وثلاين فحسن أيضًا لأنهم إنما أرادوا بما صنعوا الاقتداء بأهل مكة في الاستكثار من الفضل لا المنافسة كما ظن بعضهم، قال: والاقتصار على عشرين مع القراءة فيها بما يقرؤه غيره في ست وثلاثين ركعة أفضل لفضل طول القيام على كثرة الركوع والسجود. وعن الشافعي أيضًا فيما رواه عنه الزعفراني: رأيت الناس يقومون بالمدينة بتسع وثلاثين وبمكة بثلاث وعشرين وليس في شيء من ذلك ضيق اهـ. وقال الحنابلة: والتراويح عشرون ولا بأس بالزيادة نصًّا أي عن الإمام أحمد. 2011 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس عبد الله بن أويس الأصبحي وهو ابن أخت الإمام مالك (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الأصبحي الإمام الأعظم (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوام (عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي) (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى، وذلك في رمضان). هذا الحديث ساقه هنا مختصرًا جدًّا فذكر كلمة من أوله وشيئًا من آخره كما ترى، وقد ساقه تامًّا في باب تحريض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قيام الليل والنوافل من غير إيجاب من أبواب التهجد ولفظه: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى ذات ليلة في المسجد فصلّى بصلاته ناس، ثم صلّى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم فلما أصبح قال "قد رأيت الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم" وذلك في رمضان. وقوله: قد رأيت الذي صنعتم أي من حرصكم على صلاة التراويح، وقوله: وذلك في رمضان هو من قول عائشة -رضي الله عنها-. واستدلّ به على الأفضل في قيام شهر رمضان أن يفعل في المسجد في جماعة لكونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى معه ناس في تلك الليالي وأقرهم على ذلك وإنما تركه لمعنى قد أمن بوفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو خشية الافتراض، وبهذا قال الشافعي: وجمهور أصحابه أبو حنيفة وأحمد وبعض المالكية، وقد روى ابن أبي شيبة فعله عن عليّ وابن مسعود وأبي بن كعب وسويد بن غفلة وغيرهم وأمر به عمر بن الخطاب واستمر عليه عمل الصحابة -رضي الله عنهم- وسائر المسلمين وصار من الشعائر الظاهرة كصلاة العيد، وذهب آخرون إلى أن فعلها فرادى في البيت أفضل لكونه عليه الصلاة والسلام واظب على ذلك، وتوفي والأمر على ذلك حتى مضى صدر من خلافة عمر، وقد اعترف عمر -رضي الله عنه- بأنها مفضولة كما مرّ وبهذا قال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية. وأجيب: بأن ترك المواظبة على الجماعة فيها إنما كان لمعنى وقد زال وبأن عمر -رضي الله عنه- لم يعترف بأنها مفضولة، وقوله: والتي ينامون عنها أفضل ليس فيه ترجيح الانفراد ولا ترجيح فعلها في البيت وإنما فيه ترجيح آخر الليل على أوله كما صرح به الراوي بقوله يريد آخر الليل، فرق بعضهم بين من يثق بانتباهه وبين من لا يثق به. 2012 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ، وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ، فصلى فَصَلَّوْا مَعَهُ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَىَّ مَكَانُكُمْ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا. فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر: وحدثني بواو العطف والإفراد (يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا المخزومي المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم أوله وفتح ثانيه ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهريّ أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير بن العوّام (أن عائشة -رضي الله عنها- أخبرته أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج) من حجرته إلى المسجد (ليلة) من ليالي رمضان (من جوف

الليل فصلّى في المسجد وصلّى رجال بصلاته)، مقتدين به، وقوله فصلّى الأولى بالفاء والثانية بالواو (فأصبح الناس فتحدثوا)، أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى في المسجد من جوف الليل (فاجتمع) في الليلة الثانية (أكثر منهم) برفع أكثر فاعل اجتمع (فصلوا معه) عليه الصلاة والسلام، ولأبي ذر: فصلّى فصلوا معه (فأصبح الناس فتحدثوا) بذلك (فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج) إليهم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصلّى فصلوا بصلاته)، ولابن عساكر: فصلّى بصلاته فأسقط لفظ فصلوا، ولا ذر: فصلّى صلاته بضم الصاد مبنيًا للمفعول وأسقط فصلوا أيضًا (فلما كانت الليلة الرابعة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسجد عن أهله) أي ضاق (حتى خرج) عليه الصلاة والسلام (لصلاة الصبح فلما قضى الفجر) أي صلاته (أقبل على الناس) بوجهه الكريم (فتشهد) في صدر الخطبة (ثم قال): (أما بعد فإنه لم يخف عليّ مكانكم ولكني خشيت أن تفرض) أي صلاة التراويح في جماعة (عليكم فتعجزوا عنها) بكسر الجيم مضارع عجز بفتحها أي فتتركوها مع القدرة، وظاهر قوله: خشيت أن تكتب عليكم أنه عليه الصلاة والسلام توقع ترتب افتراض قيام رمضان في جماعة على مواظبتهم عليه وفي ارتباط افتراض العبادة بالواظبة عليها إشكال. قال أبو العباس القرطبي: معناه تظنونه فرضًا للمداومة فيجب على من يظنه كذلك كما إذا ظن المجتهد حل شيء أو تحريمه وجب عليه العمل بذلك، وقيل: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان حكمه أنه إذا ثبت على شيء من أعمال القرب واقتدى الناس به في ذلك العمل فرض عليهم ولذا قال: خشيت أن تفرض عليكم اهـ. واستبعد ذلك في شرح التقريب وأجاب: بأن الظاهر أن المانع له عليه الصلاة والسلام أن الناس يستحلون متابعته ويستعذبونها ويستسهلون الصعب منها فإذا فعل أمرًا سهل عليهم فعله لمتابعته فقد يوجبه الله عليهم لعدم المشقّة عليهم فيه في ذلك الوقت، فإذا توفي عليه الصلاة والسلام زال عنهم ذلك النشاط وحصل لهم الفتور فشق عليهم ما كانوا استسهلوه لا أنه يفرض عليهم ولا بدّ كما قال القرطبي وغايته أن يصير ذلك الأمر مرتقبًا متوقعًا قد يقع وقد لا يقع، واحتمال وقوعه هو الذي منعه عليه الصلاة والسلام من ذلك قال: ومع هذا فالمسألة مشكلة ولم أر من كشف الغطاء في ذلك. وأجاب في الفتح: بأن المخوف افتراض قيام الليل بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة شرطًا في صحة التنفل في الليل ويومئ إليه قوله في حديث زيد بن ثابت: حتى خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فمنعهم من التجمع في المسجد إشفاقًا عليهم من اشتراطه وأمن مع إذنه في المواظبة على ذلك في بيوتهم من افتراضه عليهم. قال الزهري: (فتوفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والأمر على ذلك) أن كل أحد يصلّي قيام رمضان في بيته منفردًا حتى جمع عمر -رضي الله عنه- الناس على أبي بن كعب فصلّى بهم جماعة واستمر العمل على ذلك. وهذا الحديث سبق في باب: من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد من كتاب الجمعة. 2013 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ: "سَأَلَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهَا عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنَىَّ تَنَامَانِ، وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي". وبه قال (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن سعيد) هو ابن أبي سعيد كيسان المدني (المقبري) كان جازًا للمقبرة فنسب إليها وثقه أحمد وابن المديني وأبو زرعة والنسائي وغيرهم، وذكر الواقدي أنه اختلط قبل موته بأربع سنين ولم يتابع الواقدي على ذلك. نعم قال شعبة: حدّثناه سعيد بعدما كبر وعن يحيى بن معين أثبت الناس فيه ابن أبي ذئب وعن ابن خراش أثبت الناس فيه الليث بن سعد. قال ابن حجر: أكثر ما خرج له البخاري من حديث هذين عنه، وأخرج له أيضًا من حديث مالك وإسماعيل بن أمية وعبيد الله بن عمر العمري وغيرهم من الكبار وروى له الباقون لكن لم يخرجوا من حديث شعبة عنه شيئًا (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري أحد الأعلام اختلف في اسمه قال مالك اسمه كنيته (أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- كيف كانت صلاة

32 - كتاب فضل ليلة القدر

رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) ليالي (رمضان؟ فقالت: ما كان) عليه الصلاة والسلام (يزيد في رمضان ولا في غيرها) من ليالي غيره، ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: ولا في غيره أي في غير رمضان (على إحدى عشرة ركعة) وحديثها أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا دخل العشر يجتهد فيه ما لا يجتهد في غيره يحمل على التطويل في الركعات دون الزيادة في العدد نعم في رواية هشام بن عروة عن أبيه كان يصلّي من الليل ثلاث عشرة ركعة، لكن أجيب بأن منها ركعتي الفجر كما صرح بذلك في رواية القاسم عنها (يصلّي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) أي هن في نهاية من كمال الحسن والطول مستغنيات لظهور حسنهن وطولهن عن الوصف (ثم يصلّي أربعًا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلّي ثلاثًا) قالت (فقلت يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال): (يا عائشة إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي) وإنما كان قلبه الشريف لا ينام لأن القلب إذا قويت فيه الحياة لا ينام إذا نام البدن فافهم. وهذا الحديث قد سبق قيام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالليل في رمضان وغيره من أبواب التهجد. بسم الله الرحمن الرحيم 32 - كتاب فضل ليلةِ القدر 1 - باب فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ {مَا أَدْرَاكَ} فَقَدْ أَعْلَمَهُ، وَمَا قَالَ: {وَمَا يُدْرِيكَ} فَإِنَّهُ لَمْ يُعْلِمْهُ. (بسم الله الرحمن الرحيم). (باب فضل ليلة القدر) بفتح القاف وإسكان الدال سميت بذلك لعظم قدرها أي ذات القدر العظيم لنزول القرآن فيها، ووصفها بأنها خير من ألف شهر، أو لما يحصل لمحييها بالعبادة من القدر الجسيم، أو لأن الأشياء تقدر فيها وتقضى لقوله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} [الدخان: 4] وتقدير الله تعالى سابق فهي ليلة إظهار الله تعالى ذلك التقدير للملائكة ويجوز فتح الدال على أنه مصدر قدر الله الشيء قدرًا وقدر لغتان كالنهر والنهر، وقال سهل بن عبد الله: لأن الله تعالى يقدر الرحمة فيها على عباده المؤمنين، وعن الخليل بن أحمد لأن الأرض تضيق فيها عن الملائكة من قوله: {ومن قدر عليه رزقه} [الطلاق: 7] وقد سقطت البسملة لغير أبي ذر (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه أي في بيان تفسير قول الله تعالى، ولا ذر وابن عساكر: وقال الله تعالى: ({إنا أنزلناه}) أي القرآن ({في ليلة القدر}) بإسكان الدال من غير خلاف بين القراء وكان إنزاله فيها جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع ({وما أدراك ما ليلة القدر}) تفخيم وتعظيم بلفظ الاستفهام ({ليلة القدر خير من ألف شهر}) أي من ألف شهر ليس فيها تلك الليلة أو العمل في تلك الليلة أفضل من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وعند ابن أبي حاتم بسنده إني مجاهد مرسلاً ورواه البيهقي في سننه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر قال: فعجب المسلمون من ذلك قال فأنزل الله تعالى: ({إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر) [سورة القدر] التي لبس فيها ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر، وعند ابن أبي حاتم أيضًا بسنده إلى علي بن عروة ذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا أربعة من بني إسرائيل عبدوا الله مائتي عام لم يعصوه طرفة عين فذكر أيوب وزكريا وحزقيل ويوشع بن نون، فعجب أصحاب رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ذلك فأتاه جبريل فقال: عجبت أمتك من عبادة ثمانين سنة لم يعصوه طرفة عين فقد أنزل الله تعالى خيرًا من ذلك فقرأ عليه: {إنّا أنزلناه في ليلة القدر} هذا أفضل مما عجبت أمتك قال: فسرّ ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والناس معه. وعن مالك مما في الموطأ أنه قال: سمعت من أثق به يقول: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أري أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك فكأنه تقاصر إليه أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر وجعلها خيرًا من ألف شهر قال: وقد خص الله تعالى بها هذه الأمة فلم تكن لمن قبلهم على الصحيح المشهور وهل هي باقية أو رفعت؟ حكى الثاني المتولي في التتمة عن الروافض، وحكى الفاكهاني أنها خاصة بسنة واحدة ووقعت في زمنه عليه الصلاة والسلام وهل هي ممكنة في جميع السنة؟ وهو

قول مشهور عن الحنفية أو مختصة برمضان ممكنة في جميع لياليه. رواه ابن أبي شيبة عن ابن عمر بإسناد صحيح، ورواه عنه أبو داود مرفوعًا، ورجحه السبكي في شرح المنهاج، أو هي أول ليلة من رمضان رواه أبو عاصم من حديث أنس، أو ليلة النصف منه حكاه ابن الملقن في شرح العمدة. وفي قول حكاه القرطبي في المفهم أنها ليلة نصف شعبان أو هي ليلة سبع عشرة من رمضان رواه ابن أبي شيبة والطبراني من حديث زيد بن أرقم، أو مبهمة في العشر الأوسط حكاه النووي، أو ليلة ثماني عشرة ذكره ابن الجوزي، أو ليلة تسع عشرة رواه عبد الرزاق عن علي، وأول ليلة من العشر الأخير وإليه مال الشافعي، أو هي ليلة اثنتين وعشرين أو ثلاث وعشرين رواه ابن العربي في العارضة، أو سبع وعشرين ورواه مسلم وغيره، أو تسع وعشرين أو ليلة الثلاثين أو في أوتار العشر أو تنتقل في العشر الأخير كله قاله أبو قلابة، وقيل غير ذلك. والحكمة في إخفائها ليحصل الاجتهاد في التماسها بخلاف ما لو عينت. ({تنزل الملائكة والروح}) أي جبريل أو ضرب من الملائكة أي يكثر تنزلهم (فيها) لكثرة بركتها ({بإذن ربهم}) فلا يمرون بمؤمن إلا سلموا عليه ({من كل أمر}) أي تنزل من أجل كل أمر قدر في تلك السنة ({سلام هي}) أي ليس إلا سلامة لا يقدر فيها شر وبلاء أو لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءًا أو ما هي إلا سلام لكثرة سلام الملائكة على أهل المساجد ({حتى مطلع الفجر}) [القدر: 1 - 5] غاية بين تعميم السلامة أو السلام كل الليلة إلى وقت طلوعه، ولفظ رواية أبي ذر. (ما ليلة القدر) إلى آخر السورة. ولابن عساكر: الخ. (قال ابن عيينة) سفيان مما وصله محمد بن يحيى بن أبي عمر في كتاب الإيمان له (ما كان في القرآن ما) ولأبي ذر وابن عساكر: {وما (أدراك} فقد أعلمه) الله به (وما قال) ولابن عساكر: وما كان (وما يدريك فإنّه لم يعلمه) الله به، ولأبي ذر وابن عساكر: لم يعلم وتعقب هذا الحصر بقوله تعالى: {وما يدريك لعله يزكى} [عبس: 3] فإنها نزلت في ابن أم مكتوم وقد علم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحاله وإنه ممن تزكى ونفعته الذكرى. 2014 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ وَإِنَّمَا حَفِظَ مِنَ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وبالسند قال (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حفظناه) أي هذا الحديث (وإنما حفظ) بكسر الهمزة وكلمة إن التي أضيفت إليها كلمة ما للحصر وحفظ بفتح الحاء وكسر الفاء على صيغة الماضي أي قال علي بن عبد الله المديني: وإنما حفظ سفيان هذا الحديث (من الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب، ولأبي ذر: وأيما حفظ بهمزة مفتوحة ومثناة تحتية مشدّدة وحفظ بكسر الحاء وسكون الفاء مصدر حفظ يحفظ، وأي مرفوع بالابتداء مضاف إلى حفظ، وما زائدة والخبر حفظناه مقدرًا بعده أي وأي حفظ حفظناه من الزهري يدل عليه حفظناه الأول، ومن الزهري متعلق بحفظناه المذكور قبل، والمراد أنه يصف حفظه بكمال الأخذ وقوة الضبط لأن أحد معاني أيّ الكمال كما تقول: زيد رجل أيّ رجل أي كامل في صفات الرجال (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من صام رمضان) في رواية مالك عن الزهري في الباب الذي قبل هذا من قام بدل من صام (إيمانًا واحتسابًا) أي تصديقًا وطلبًا لرضا الله وثوابه لا بقصد رؤية الناس ولا غيرهم مما ينافي الإخلاص (غفر له ما تقدم من ذنبه) من الصغائر، ولأحمد عن أبي هريرة مرفوعًا: من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، (ومن قام ليلة القدر) زاد مسلم فيوافقها (إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) زاد النسائي في سننه الكبرى في رواية "وما تأخر". وفي مسند أحمد ومعجم الطبراني الكبير من حديث عبادة بن الصامت مرفوعًا: فمن قامها إيمانًا واحتسابًا ثم وقفت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه حسن. وفي مسلم كما مرّ من يقم ليلة القدر فيوافقها قال النووي: يعني يعلم أنها ليلة القدر، وقال في شرح التقريب: إنما معنى توفيقها له

2 - باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر

أو موافقته لها أن يكون الواقع أن تلك الليلة التي قامها بقصد ليلة القدر هي ليلة القدر في نفس الأمر وإن لم يعلم وذلك، وما ذكره النووي من أن معنى الموافقة العلم بأنها ليلة القدر مردود وليس في اللفظ ما يقتضي هذا ولا المعنى يساعده. وقال في فتح الباري: الذي يترجح في نظري ما قاله النووي ولا أنكر حصول الثواب الجزيل لمن قام لابتغاء ليلة القدر وإن لم يعلم بها ولم توفق له، وإنما الكلام على حصول الثواب المعين الموعود به فليأمل، وقد فرعوا على القول باشتراط العلم بها أنه يختص بها شخص دون شخص فتكشف لواحد ولا تكشف لآخر ولو كانا معًا في بيت واحد. (تابعه) أي تابع سفيان (سليمان بن كثير) العبدي في روايته (عن الزهري) وهذا مما وصله الذهلي في الزهريات. 2 - باب الْتِمَاسِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ (باب التماس ليلة القدر) ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: باب بالتنوين التمسوا ليلة القدر (في السبع الأواخر) من رمضان. 2015 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَوَاخِرِ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجالاً من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يسم أحد منهم (أُوروا ليلة القدر) بضم الهمزة من أروا مبنيًا للمفعول تنصب مفعولين أحدهما النائب عن الفاعل والآخر قوله ليلة القدر أي أراهم الله ليلة القدر (في المنام في) ليالي (السبع الأواخر) جمع آخر بكسر الخاء. قال في المصابيح: ولا يجوز أخر لأنه جمع لأخرى وهي لا دلالة لها على المقصود وهو التأخير في الوجود، وإنما تقتضي المغايرة تقول: مررت بامرأة حسنة وامرأة أخرى مغايرة لها ويصح هذا التركيب سواء كان المرور بهذه المرأة المغايرة سابقًا أو لاحقًا وهذا عكس العشر الأول فإنه يصح لأنه جمع أولى ولا يصح الأوائل لأنه جمع أوّل الذي هو للمذكر وواحد العشر ليلة وهي مؤنثة فلا توصف بمذكر، وقول الكرماني قوله في السبع الأواخر ليس ظرفًا للإراءة معناه أنه صفة لقوله في المنام أي في المنام الواقع أو الكائن في السبع الأواخر، وقول الحافظ ابن حجر أي قيل لهم في المنام إنها في السبع الأواخر تعقبه العيني بأنه ليس بصحيح لأنه يقتضي أن ناسًا قالوا لهم إن ليلة القدر في السبع الأواخر وليس هذا تفسير قوله أروا ليلة القدر في المنام بل تفسيره أن ناسًا أروهم إياها فرأوا، وعلى تفسير هذا القائل أخبروا بأنها في السبع الأواخر ولا يستلزم هذا رؤيتهم اهـ. وظاهر الحديث أن رؤياهم كانت قبل دخول السبع الأواخر لقوله: فليتحرّها في السبع الأواخر، ثم يحتمل أنهم رأوا ليلة القدر وعظمتها وأنوارها ونزول الملائكة فيها وأن ذلك كان في ليلة من السبع الأواخر ويحتمل أن قائلاً قال لهم هي في كذا وعين ليلة من السبع الأواخر ونسيت أو قال أن ليلة القدر في السبع فهي ثلاث احتمالات (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أرى) بفتح الهمزة والراء أي أعلم (رؤيكم) بالإفراد والمراد الجمع أي رؤاكم لأنها لم تكن رؤيا واحدة فهو مما عاقب الإفراد فيه الجمع لأمن اللبس، وقول السفاقسي أن المحدثين يروونه بالتوحيد وهو جائز وأفصح منه رؤاكم جمع رؤيا ليكون جمعًا في مقابلة جمع فيه نظر لأنه بإضافته إلى ضمير الجمع علم منه التعدد بالضرورة، وإنما عبّر بأرى لتجانس رؤياكم ومفعول أرى الأول رؤياكم والثاني قوله (قد تواطأت) بالهمزة. قال النووي: ولا بد من قراءته مهموزًا قال الله تعالى: {ليواطئوا عدّة ما حرم الله} [التوبة: 37] وقال في شرح التقريب: وروي تواطت بترك الهمزة، وقال في المصابيح: ويجوز تركه أي توافقت (في) رؤيتها في ليالي (السبع الأواخر فمن كان متحرّيها) أي طالبها وقاصدها (فليتحرّها في) ليالي (السبع الأواخر) من رمضان من غير تعيين وهي التي تلي آخره أو السبع بعد العشرين، والحمل على هذا أولى لتناوله إحدى وعشرين وثلاثًا وعشرين بخلاف الحمل على الأول فإنهما لا يدخلان ولا تدخل ليلة التاسع والعشرين على الثاني وتدخل على الأول. وفي حديث عليّ مرفوعًا عند أحمد فلا

تغلبوا في السبع البواقي. ولمسلم من طريق عتبة بن حريث عن ابن عمر: التمسوها في العشر الأواخر فإن ضعف أحدكم أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي، وهذا السياق يرجح الاحتمال الأول من تفسير السبع، وظاهر الحديث أن طلبها في السبع مستنده الرؤيا وهو مشكل لأنه إن كان المعنى أنه قيل لكل واحد هي في السبع فشرط التحمل التمييز وهم كانوا نيامًا، وإن كان معناه أن كل واحد رأى الحوادث التي تكون فيها في منامه في السبع فلا يلزم منه أن تكون في السبع كما لو رئيت حوادث القيامة في المنام في ليلة، فإنه لا تكون تلك الليلة محلاً لقيامها. وأجيب: بأن الاستناد إلى الرؤيا إنما هو من حيث الاستدلال بها على أمر وجودي غير مخالف لقاعدة الاستدلال، والحاصل أن الاستناد إلى الرؤيا هنا في أمر ثبت استحبابه مطلقًا وهو طلب ليلة القدر، وإنما ترجح السبع الأواخر بسبب الرؤى الدالة على كونها في السبع الأواخر وهو استدلال على أمر وجودي لزمه استحباب شرعي مخصوص بالتأكيد بالنسبة إلى هذه الليالي لا أنها ثبت بها حكم، أو أن الاستناد إلى الرؤيا إنما هو من حيث إقراره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها كأحد ما قيل في رؤيا الأذان. وهذا الحديث أحرجه مسلم في الصوم، والنسائي في الرؤيا. 2016 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ -وَكَانَ لِي صَدِيقًا- فَقَالَ: "اعْتَكَفْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ فَخَطَبَنَا وَقَالَ: إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا -أَوْ نُسِّيتُهَا- فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي الْوَتْرِ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَرْجِعْ. فَرَجَعْنَا، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ، وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ". وبه قال (حدّثنا) بالجمع: ولأبي ذر: وحدثني بواو العطف والتوحيد (معاذ بن فضالة) بفتح الفاء وتخفيف المعجمة الزهراني الطفاوي البصري قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال: سألت أبا سعيد) سعد بن مالك الخدري -رضي الله عنه- (وكان لي صديقًا فقال: اعتكفنا) لم يذكر المسؤول عنه هنا، وفي رواية علي بن المبارك الآتية في باب الاعتكاف سألت أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- قلت: هل سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذكر ليلة القدر؟ قال: نعم اعتكفنا (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العشر الأوسط من رمضان) ذكره وكان حقه أن يقول الوسطى بالتأنيث إما باعتبار لفظ العشر من غير نظر إلى مفرداته ولفظه مذكر فيصح وصفه بالأوسط، وإما باعتبار الوقت أو الزمان أي ليالي العشر التي هي الثلث الأوسط من الشهر (فخرج) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (صبيحة عشرين فخطبنا) بفاء التعقيب وظاهر رواية مالك الآتية إن شاء الله تعالى في باب الاعتكاف حيث قال: حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه يخالف ما هنا إذ مقتضاه أن خطبته وقعت في أول اليوم الحادي والعشرين، وعلى هذا يكون أول ليالي اعتكافه الأخير ليلة اثنتين وعشرين وهو مغاير لقوله في آخر الحديث: فبصرت عيناي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبح يوم إحدى وعشرين فإنه ظاهر في أن الخطبة كانت في صبح اليوم العشرين، ووقوع المطر في ليلة إحدى وعشرين وهو الموافق لبقية الطرق وعلى هذا فالمراد أي من الصبح الذي قبلها ويكون في إضافة الصبح إليها تجوّز، ويؤيده أن في رواية الباب الذي يليه فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه وهذا في غاية الإيضاح قاله في فتح الباري. (وقال) عليه الصلاة والسلام: (إني أريت ليلة القدر) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول من الرؤيا أي أعلمت بها أو من الرؤية أي أبصرتها وإنما أرى علامتها وهو السجود في الماء والطين كما في رواية همام عن يحيى في باب السجود في الماء والطين من صفة الصلاة بلفظ: حتى رأيت أثر الماء والطين على جبهة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تصديق رؤيه (ثم أنسيتها) بضم الهمزة أي أنساه غيره إياها وكذا قوله (أو نسيتها). على رواية ضم النون وتشديد السين وهو الذي في اليونينية وغيرها، وفي بعضها بالفتح والتخفيف أن نسيها هو من غير واسطة والشك من الراوي، والمراد أنه أنسي علم تعيينها في تلك السنة لا رفع وجودها لأنه أمر بالتماسها حيث قال: (فالتمسوها) أي ليلة القدر (في العشر

3 - باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر. فيه عبادة

الأواخر في الوتر) أي في أوتار تلك الليالي وأولها ليلة الحادي والعشرين إلى آخر ليلة التاسع والعشرين لا ليلة إشفاعها، وهذا لا ينافي قوله: التمسوها في السبع الأواخر لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يحدث بميقاتها جازمًا به (وإني رأيت) أي في منامي (أني أسجد) وللكشميهني كما في الفتح: أن أسجد (في ماء وطين فمن كان اعتكف مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فليرجع) إلى معتكفه وفيه التفات إذ الأصل أن يقول اعتكف معي (فرجعنا) إلى معتكفنا (وما نرى في السماء قزعة) بفتح القاف والمعجمة أي قطعة رقيقة من السحاب، (فجاءت سحابة فمطرت) بفتحات (حتى سأل سقف المسجد) من باب ذكر المحل وإرادة الحال أي قطر الماء من سقفه، (وكان) السقف (من جريد النخل) سعفه الذي جرد عنه خوصه (وأقيمت الصلاة) صلاة الصبح (فرأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسجد في الماء والطين حتى رأيت أثر الطين في جبهته) الشريفة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زاد في رواية همام في باب السجود على الأنف في الطين تصديق رؤياه، ومبحث السجود بأثر الطين قد سبق في الصلاة وحمله الجمهور على الأثر الخفيف والله أعلم. 3 - باب تَحَرِّي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. فِيهِ عُبَادَةُ (باب تحري ليلة القدر في) ليالي (الوتر من العشر الأواخر) من رمضان ومحصله تعيينها في رمضان ثم في العشر الأخير منه ثم في أوتاره لا في ليلة منه بعينها (فيه) أي في هذا الباب (عبادة) بن الصامت، ولأبي ذر وابن عساكر عن عبادة وحديثه يأتي إن شاء الله تعالى في الباب اللاحق. 2017 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا أَبُو سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ». [الحديث 2017 - طرفاه في: 2019، 2020]. وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري المؤدب قال: (حدّثنا أبو سهيل) بضم السين وفتح الهاء مصغرًا نافع عم مالك بن أنس (عن أبيه) مالك بن أبي عامر الأصبحي (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (تحروا) بفتح المثناة والمهملة والراء وإسكان الواو من التحري أي اطلبوا بالاجتهاد (ليلة القدر في) ليالي (الوتر من العشر الأواخر من رمضان). 2018 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُجَاوِرُ فِي رَمَضَانَ الْعَشْرَ الَّتِي فِي وَسَطِ الشَّهْرِ، فَإِذَا كَانَ حِينَ يُمْسِي مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً تَمْضِي وَيَسْتَقْبِلُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ رَجَعَ إِلَى مَسْكَنِهِ وَرَجَعَ مَنْ كَانَ يُجَاوِرُ مَعَهُ، وَأَنَّهُ أَقَامَ فِي شَهْرٍ جَاوَرَ فِيهِ اللَّيْلَةَ الَّتِي كَانَ يَرْجِعُ فِيهَا، فَخَطَبَ النَّاسَ فَأَمَرَهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ أُجَاوِرُ هَذِهِ الْعَشْرَ، ثُمَّ قَدْ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذِهِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَثْبُتْ فِي مُعْتَكَفِهِ، وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، فَابْتَغُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَابْتَغُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ. فَاسْتَهَلَّتِ السَّمَاءُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَأَمْطَرَتْ، فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ فِي مُصَلَّى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، فَبَصُرَتْ عَيْنِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ انْصَرَفَ مِنَ الصُّبْحِ وَوَجْهُهُ مُمْتَلِئٌ طِينًا وَمَاءً". وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوام الزبيري الأسدي المدني (قال: حدثني) بالإفراد (ابن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي عبد العزيز واسم أبي حازم سلمة بن دينار (والدراوردي) بفتح الدال والراء الأولى وبعد الألف واو مفتوحة فراء ساكنة فدال مكسورة فياء نسبة إلى قرية من قرى خراسان، واسمه عبد العزيز أيضًا ابن محمد كلاهما (عن يزيد) من الزيادة، ولأبى ذر زيادة: ابن الهاد وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي (عن محمد بن إبراهيم) بن الحرث التيمي القرشي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجاور) أي يعتكف في المسجد (في رمضان العشر التي في وسط الشهر) وللكشميهني: التي وسط الشهر فأسقط لفظة في (فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي) بنصب حين على الظرفية ويعربها العيني والبرماوي كالكرماني حين بالرفع أيضًا اسم كان، والذي في اليونينية وغيرها الأول، وقوله تمضي بفتح المثناة الفوقية في موضع نصب صفة لقوله ليلة المنصوب على التمييز، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: تمضي بالمثناة التحتية وآخره نون الجمع (ويستقبل) ليلة (إحدى وعشرين) عطف على قوله يمسي لا على تمضي (رجع) عليه الصلاة والسلام (إلى مسكنه ورجع من كان يجاور معه) إلى مساكنهم (وأنه) عليه الصلاة والسلام (أقام في شهر جاور فيه) في معتكفه (الليلة التي كان يرجع فيها) إلى مسكنه (فخطب الناس فأمرهم ما شاء الله)، أن يأمرهم (ثم قال): (كنت أجاور هذه العشر) بتأنيث هذه (ثم قد بدا لي) ظهر لي بوحي أو اجتهاد (أن أجاور هذه العشر الأواخر فمن كان اعتكف معي) في رواية الباب السابق: فمن كان اعتكف مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والذي هنا على الأصل وذاك من باب الالتفات كما سبق (فليثبت في معتكفه) من الثبوت واللام ساكنة، وفي رواية لمسلم فليبت من المبيت، وفي أخرى فليلبث من

اللبث وهو في نسخة من البخاري أيضًا وكله صحيح وكاف معتكفه مفتوحة، (وقد أريت) بضم الهمزة (هذه الليلة ثم أنسيتها) بضم الهمزة (فابتغوها) بالموحدة والمعجمة أي اطلبوها (في) ليالي (العشر الأواخر وابتغوها) اطلبوها (في كل وتر) من أوتار ليالي العشر الأواخر (وقد رأيتني) بضم التاء للمتكلم وفيه عمل الفعل في ضميري الفاعل والمفعول وهو المتكلم وهو من خصائص فعال القلوب أي رأيت نفسي (أسجد في ماء وطين) علامة جعلت له يستدل بها عليها زاد في رواية الباب السابق: وما نرى في السماء قزعة (فاستهلت السماء في تلك الليلة) ولابن عساكر: فاستهلت السماء تلك الليلة بإسقاط في ونصب الليلة (فأمطرت) تأكيد لسابقه لأن استهلت يتضمن معنى أمطرت (فوكف المسجد) أي قطر ماء المطر من سقفه (في مصلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) موضع صلاته (ليلة إحدى وعشرين فبصرت) بضم الصاد (عيني) بالإفراد وهو تأكيد مثل قولك: أخذت بيدي، وإنما يقال في أمر يعز الوصول إليه إظهارًا للتعجب من تلك الحالة الغريبة (نظرت) بسكون الراء وتاء التكلم في الفرع وغيره وفي نسخة نظرت بفتح الراء وسكون التاء، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فبصرت عيني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونظرت بواو العطف (إليه انصرف من الصبح ووجهه) أي والحال أن وجهه (ممتلئ طيبًا) نصب على التمييز (وماء) عطف عليه. 2019 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْتَمِسُوا ... ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (التمسوا) بحذف المفعول أي ليلة القدر وهو مفسر بما سيأتي إن شاء الله تعالى، ووقع هنا مختصرًا إحالة على الطريق الثاني وهي قوله بالسند السابق إليه. 2020 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُجَاوِرُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَيَقُولُ: تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ". (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر وابن عساكر: وحدثني بواو العطف، وفي نسخة ح للتحويل وحدثني (محمد) هو ابن سلام البيكندي كما جزم به أبو نعيم في المستخرج أو هو ابن المثنى قال: (أخبرنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان الكوفي (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجاور) أي يعتكف (في العشر الأواخر من رمضان ويقول): (تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) وقال في الطريق الأولى: "التمسوا" وكل منهما بمعنى الطلب والقصد، لكن معنى التحري أبلغ لكونه يقتضي الطلب بالجد والاجتهاد، ولم يقع في شيء من طرق هشام في هذا الحديث التقييد بالوتر، وكأن المؤلّف أشار بإدخاله في الترجمة إلى أن مطلقه يحمل على المقيد في رواية أبي سهيل. 2021 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى، فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى". [الحديث 2021 - طرفه في: 2022]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا وهيب) هو ابن خالد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني، ولابن عساكر: عن أيوب (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (التمسوها) الضمير المنصوب مبهم يفسره قوله ليلة القدر كقوله تعالى: {فسوّاهن سبع سماوات} [البقرة: 29] وهو غير ضمير الشأن إذ مفسره لا بد أن يكون جملة وهذا مفرد (في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر) بالنصب على البدل من الضمير في قوله التمسوها ويجوز رفعه خبر مبتدأ محذوف أي هي ليلة القدر (في تاسعة تبقى) بدل من قوله في العشر الأواخر، وقوله تبقى صفة لتاسعة وهي ليلة إحدى وعشرين لأن المحقق المقطوع بوجوده بعد العشرين تسعة أيام الإحتمال أن يكون الشهر تسعة وعشرين وليوافق الأحاديث الدالة على أنها في الأوتار (في سابعة تبقى) بدل وصفة أيضًا وهي ليلة ثلاث وعشرين (في خامسة تبقى) وهي ليلة خمس وعشرين، وإنما يصح معناه ويوافق ليلة القدر وترًا من الليالي على ما ذكر في الأحاديث إذا كان الشهر ناقصًا فأما إذا كان كاملاً فلا يكون إلا في شفع لأن الذي يبقى بعدها ثمان فتكون التاسعة الباقية ليلة اثنتين

4 - باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس

وعشرين والسابعة الباقية بعد ست ليلة أربع وعشرين والخامسة الباقية بعد أربع بال ليلة السادس والعشرين، وهذا على طريقة العرب في التاريخ إذا جاوزوا نصف الشهر فإنما يؤرخون بالباقي منه لا بالماضي منه. 2022 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ وَعِكْرِمَةَ، قَالاَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هِيَ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فِي تِسْعٍ يَمْضِينَ أَوْ فِي سَبْعٍ يَبْقَيْنَ». تَابَعَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ، وَعَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "الْتَمِسُوا فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ". يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود واسمه حميد بن الأسود أبو بكر البصري الحافظ قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا عاصم) هو ابن سليمان الأحول البصري (عن أبي مجلز) بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام آخره زاي واسمه حميد بن سعيد السدوسي البصري (وعكرمة قال ابن عباس -رضي الله عنهما-) وفي نسخة: قالا أي أبو مجلز وعكرمة حدّثنا ابن عباس (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هي) أي ليلة القدر وفي رواية أحمد عن عفان والإسماعيلي من طريق محمد بن عقبة كلاهما عن عبد الواحد زيادة في أوله وهي قال عمر: من يعلم ليلة القدر؟ فقال ابن عباس: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هي (في العشر) ولأبوي ذر والوقت: زيادة الأواخر (هي في تسع) بتقديم المثناة الفوقية على السين (يمضين) بكسر الضاد المعجمة من المضي وهو بيان للعشر أي هي في ليلة التاسع والعشرين (أو في سبع يبقين) بفتح التحتية والقاف بينهما موحدة ساكنة من البقاء أي في ليلة الثالث والعشرين أو مبهمة في ليالي السبع، وللكشميهني: يمضين فتكون ليلة السابع والعشرين (يعني ليلة القدر) (تابعه) أي تابع وهيبًا (عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي فيما وصله أحمد وابن أبي عمر في مسنديهما وفي رواية غير أبي ذر وابن عساكر قال عبد الوهاب (عن أيوب) السختياني موافقة لوهيب في إسناده ولفظه وزاد محمد بن نصر في قيام الليل أو آخر ليلة، وهذه المتابعة رقم عليها في الفرع علامة التقديم عند ابن عساكر عقب طريق وهيب عن أيوب وهي كذلك عند النسفيّ، والصواب وأصلحها ابن عساكر في نسخته كذلك وقعت عند الأكثرين من رواية الفربري عقب حديث عبد الله بن أبي الأسود (وعن خالد) الحذاء بالإسناد الأول، لكن جزم المزي بأنه معلق (عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه قال: (التمسوا) أي ليلة القدر (في) ليلة (أربع وعشرين) من رمضان وهي ليلة إنزال القرآن، واستشكل إيراد هذا الحديث هنا لأن الترجمة للأوتار وهذا شفع. وأجيب: بأن أنسًا روى أنه عليه الصلاة والسلام كان يتحرى ليلة ثلاث وعشرين وليلة أربع وعشرين أي يتحراها في ليلة من السبع البواقي، فإن كان الشهر تامًّا فهي ليلة أربع وعشرين وإن كان ناقصًا فثلاث، ولعل ابن عباس إنما قصد بالأربع الاحتياط، وقيل المراد التمسوها في تمام أربعة وعشرين وهي ليلة الخامس والعشرين على أن البخاري رحمه الله كثيرًا ما يذكر توجمة ويسوق فيها ما يكون بينه وبين الترجمة أدنى ملابسة كالإِشعار بأن خلافه قد ثبت أيضًا. 4 - باب رَفْعِ مَعْرِفَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ لِتَلاَحِي النَّاسِ (باب رفع معرفة) تعيين (ليلة القدر لتلاحي الناس) بالحاء المهملة أي لأجل مخاصمتهم: وسقطت هذه الترجمة مع الباب لغير أبوي ذر والوقت وزاد أبو ذر وابن عساكر يعني ملاحاة. 2023 - حَدَّثَنَي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: "خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ". وبالسند قال (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني (محمد بن المثنى) العنزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (خالد بن الحرث) الهجيمي قال: (حدّثنا حميد) هو ابن أبي حميد واسم أبي حميد تير بكسر الفوقية وسكون التحتية آخره راء الخزاعي البصري ومعناه السهم وقيل تيرويه وقيل ترخان وقيل مهران وهو مشهور بحميد الصويل قيل: كان قصيرًا طويل اليدين وكان يقف عند الميت فتصل إحدى يديه إلى رأسه والأخرى إلى رجليه. وقال الأصمعي: رأيته ولم يكن بذلك الطول كان في جيرانه رجل يقال له حميد القصير فقيل له حميد الطويل للتمييز بينهما قال: (حدّثنا أنس) هو ابن مالك (عن عبادة بن الصامت) -رضي الله عنه- (قال: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من حجرته (ليخبرنا بليلة القدر) أي بتعيينها (فتلاحى) بفتح الحاء المهملة أي تنازع وتخاصم (رجلان من المسلمين) قيل هما عبد الله بن حدرد وكعب بن مالك فيما ذكره ابن دحية لم يذكر له

مستندًا (فقال) عليه الصلاة والسلام: (خرجت لأخبركم) بنصب الراء بأن مقدرة بعد لام التعليل وأخبر يقتضي ثلاثة مفاعيل الأول الكاف وقوله (بليلة القدر) سدّ مسدّ المفعول الثاني والثالث لأن التقدير أخبركم بأن ليلة القدر هي الليلة الفلانية (فتلاحى فلان وفلان) في المسجد وشهر رمضان اللذين هما محلان لذكر الله لا للغو (فرفعت) أي رفع بيانها أو عملها من قلبي بمعنى نسيتها كما وقع التصريح به في رواية مسلم، وقيل رفعت بركتها في تلك السنة، وقيل التاء في رفعت للملائكة لا لليلة. وفي حديث أبي هريرة عند مسلم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أريت ليلة القدر ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها" وهذا يقتضي أن سبب الرفع النسيان لا الملاحاة. وأجيب: باحتمال أن يكون النسيان وقع مرتين عن سببين أو أن الرؤيا في حديث أبي هريرة منامًا فيكون سبب النسيان الإيقاظ والأخرى في اليقظة، فيكون سبب النسيان الملاحاة وحاصله الحمل على التعدد. (وعسى أن يكون) رفع تعيينها (خيرًا لكم) وجه الخيرية أن إخفاءها يستدعي قيام كل الشهر بخلاف ما لو بقيت معرفة تعيينها. واستنبط منه الشيخ تقي الدين السبكي -رحمه الله تعالى- استحباب كتمان ليلة القدر لمن رآها قال: وجه الدلالة أن الله تعالى قدر لنبيه أنه لم يخبر بها والخير كله فيما قدره له ويستحب اتباعه في ذلك قال: والحكمة فيه أنها كرامة والكرامة ينبغي كتمانها بلا خلاف عند أهل الطريق من جهة رؤية النفس فلا يأمن السلب، ومن جهة أنه لا يأمن الرياء، ومن جهة الأدب فلا يتشاغل عن الشكر لله بالنظر إليها وذكرها للناس، وإذا تقرر أن الذي ارتفع علم تعيينها تلك السنة فهل أعلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك بتعيينها فيه احتمال وشذ قوم فقالوا: أنها رفعت أصلاً وهو غلط منهم، ولو كان كذلك لم يقل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك: (فالتمسوها) في اطلبوا ليلة القدر (في) الليلة (التاسعة) والعشرين (و) في الليلة (السابعة) والعشرين (و) في الليلة (الخامسة) والعشرين من شهر رمضان، وقد استفيد التقدير بالعشرين والليلة من روايات أخر كما لا يخفى ولو كان المراد رفع وجودها كما زعم الروافض لم يأمرهم بالتماسها، وقد أجمع من يعتد بها على وجودها ودوامها إلى آخر الدهر وقد وقع الأمر بطلبها في هذه الأحاديث في أوتار العشر الأواخر وفي السبع الأواخر وبينهما تناف وإن اتفقا على أن محلها منحصر في العشر الأواخر، والأول وهو انحصارها في أوتار العشر الأخير قول حكاه القاضي عياض وغيره. قال الحنابلة: وتطلب في ليالي العشر الأخير وليالي الوتر آكد. قال الشيخ تقي الدين بن تيمية: الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين الخ ويكون باعتبار الباقي لقوله عليه الصلاة والسلام: لتاسعة تبقى فإن كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي الإشفاع فليلة الثانية تاسعة تبقى وليلة الرابعة سابعة تبقى كما فسره أبو سعيد، وإن كان الشهر ناقصًا كان التاريخ بالباقي كالتاريخ بالماضي اهـ. وأما القول بانحصارها في السبع الأواخر فلا نعرف قائلاً به وميل الشافعي إلى أنها ليلة الحادي والعشرين أو الثالث والعشرين لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي سعيد السابق وفيه: فوكف المسجد في مصلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة إحدى وعشرين وحديث عبد الله بن أنيس عند مسلم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني في صبيحتها أسجد في ماء وطين قال: فمطرف ليلة ثلاث وعشرين، وعبارة الشافعي في الأم كما نقله البيهقي في المعرفة وتطلب ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان قال: وكأني رأيت والله أعلم أقوى الأحاديث فيه ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين. وقال الحنابلة: وأرجى الأوتار ليلة سبع وعشرين قال في الإنصاف: وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وهو من المفردات اهـ. وبه جزم أبي بن كعب وحلف عليه كما في مسلم وفي حديث ابن عمر عند أحمد مرفوعًا: ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، وحكاه الشاشي من الشافعية في الحلية عن

5 - باب العمل في العشر الأواخر من رمضان

أكثر العلماء، واستدلّ ابن عباس على ذلك بأن الله خلق السماوات سبعًا والأرضين سبعًا والأيام سبعًا وأن الإنسان خلق من سبع وجعل رزقه في سبع ويسجد على سبعة أعضاء والطواف سبع والجمار سبع واستحسن ذلك عمر بن الخطاب، وقال ابن قدامة: إن ابن عباس استنبط ذلك من عدد كلمات السورة وفد وافقه أن قوله فيها هي سابع كلمة بعد العشرين، واستنبطه بعضهم من وجه آخر فقال: ليلة القدر تسعة أحرف، وقد أعيدت في السورة ثلاث مرات وذلك سبع وعشرون، واستدلّ أبي بن كعب على ذلك بطلوع الشمس في صبيحتها لا شعاع لها ولفظ رواية مسلم أنه كان يحلف على ذلك ويقول بالآية والعلامة التي أخبرنا بها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أن الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها وقد جاء أن لليلة القدر علامات تظهر فقيل يرى كل شيء ساجدًا، وقيل ترى الأنوار في كل مكان ساطعة حتى في المواضع الظلمة، وقيل يسمع سلامًا من الملائكة، وقيل علامتها استجابة دعاء من وقعت له. وفي كتاب فضائل رمضان لسلمة بن شبيب عن فرقد أن ناسًا من الصحابة كانوا في المسجد فسمعوا كلامًا من السماء ورأوا نورًا من السماء وبابًا من السماء وذلك في شهر رمضان فأخبروا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما رأوا فزعم أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: أما النور فنور رب العزة تعالى، وأما الباب فباب السماء، والكلام كلام الأنبياء. وهذا مرسل ضعيف ولا يلزم من تخلف العلامة عدمها فرب قائم فيها لم يحصل له منها إلا العبادة ولم ير شيئًا من كرامة علاماتها وهو عند الله أفضل ممن رآها وأي كرامة أفضل من الاستقامة التي هي عبارة عن اتباع الكتاب والسنّة وإخلاص النية. وعن مالك أنها تنتقل في العشر الأواخر من رمضان، وعن أبي حنيفة أنها في رمضان تتقدم وتتأخر، وعن أبي يوسف ومحمد لا تتقدم ولا تتأخر لكن غير معينة، وقيل هي عندهما في النصف الأخير من رمضان. وقال أبو بكر الرازي: هي غير مخصوصة بشهر من المشهور، وبه قال الحنفية وفي فتاوى قاضي خان المشهور عن أبي حنيفة أنها تدور في السنة كلها وقد تكون في رمضان وفي غيره، وصح ذلك عن ابن مسعود لكن في صحيح مسلم وغيره عن زر بن حبيش قال: سألت أبي بن كعب فقلت: إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر. فقال رحمه الله: أراد أن لا يتكل الناس أما أنه علم أنها في رمضان وأنها في العشر الأواخر وأنها ليلة سبع وعشرين، وقيل أرجاها ليالي الجمع في الأوتار، وقيل أنها أول ليلة في رمضان، وقيل آخر ليلة منه، وقيل أنها تختص بإشفاع العشر الأخير على الإبهام، وقيل في كل ليلة من إشفاعه على التعيين، وقيل تكون في ليلة أربع عشرة، وقيل في سبع عشرة، وقيل ليلة تسع عشرة. وعن ابن خزيمة من الشافعية أنها تنتقل في كل سنة إلى ليلة من ليالي العشر الأخير، واختاره النووي في الفتاوى وشرح المهذّب، وقيل غير ذلك مما يطول استقصاؤه. وأما قول ابن العربي: الصحيح أنها لا تعلم فأنكره النووي بأن الأحاديث قد تظاهرت بإمكان العلم بها وأخبر به جماعة من الصالحين فلا معنى لإنكار ذلك. وقد جزم ابن حبيب من المالكية ونقله الجمهور وحكاه صاحب العدة من الشافعية ورجحه أن ليلة القدر خاصة بهذه الأمة ولم تكن في الأمم قبلهم، وهو معترض بحديث أبي ذر عند النسائي حيث قال فيه قلت: يا رسول الله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رفعت؟ قال: بل هي باقية، وعمدتهم قول مالك السابق بلغني أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تقاصر أعمال أمته الخ. وهذا محتمل للتأويل فلا يدفع الصريح في حديث أبي ذر كما قاله الحافظان ابن حجر في فتح الباري، وابن كثير في تفسيره. 5 - باب الْعَمَلِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ (باب) الاجتهاد في (العمل في العشر الأواخر من) وللحموي والمستملي: في (رمضان). 2024 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ". وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي يعفور) بفتح المثناة التحتية وسكون العين المهملة وضم الفاء آخره راء منصرفًا عبد الرحمن بن عبيد البكائي العامري (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح مصغر صبح (عن مسروق) هو ابن

33 - أبواب الاعتكاف

الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا دخل العشر) أي الأخير كما صرح به حديث علي عند ابن أبي شيبة من رمضان (شد مئزره) بكسر الميم وسكون الهمزة أي إزاره، ولمسلم جدّ وشد المئزر قيل هو كناية عن شدة جده واجتهاده في العبادة كما يقال: فلان يشد وسطه ويسعى في كذا وهذا فيه نظر فإنها قالت: جد وشد المئزر فعطفت شد المئزر على الجد والعطف يقتضي التغاير، والصحيح أن المراد به اعتزاله للنساء وبذلك فسره السلف والأئمة المتقدمون، وجزم به عبد الرزاق عن الثوري واستشهد بقول الشاعر: قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم ... عن النساء ولو باتت بأطهار ويحتمل أن يراد الاعتزال والتشمير معًا فلا ينافي شد المئزر حقيقة، وقد كان عليه الصلاة والسلام يصيب من أهله في العشرين من رمضان، ثم يعتزل النساء ويتفرغ لطلب ليلة القدر في العشر الأواخر. وعند ابن أبي عاصم بإسناد مقارب عن عائشة كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا كان رمضان قام ونام، فإذا دخل العشر شد المئزر واجتنب النساء. وفي حديث أنس عند الطبراني كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا دخل العشر الأواخر من رمضان طوى فراشه واعتزل النساء. (وأحيا ليله)، استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها أو أحيا معظمه لقولها في الصحيح: ما علمته قام ليلة حتى الصباح. وقوله: أحيا ليله من باب الاستعارة شبه القيام فيه بالحياة في حصول الانتفاع التام أي أحيا ليله بالطاعة أو أحيا نفسه بالسهر فيه لأن النوم أخو الموت، وأضافه إلى الليل اتساعًا لأن النائم إذا حيى باليقظة حيى ليله بحياته وهو نحو قوله لا تجعلوا بيوتكم قبورًا أي لا تناموا فتكونوا كالأموات فتكون بيوتكم كالقبور (وأيقظ أهله) أي للصلاة والعبادة. وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا في الصوم وأبو داود في الصلاة وكذا النسائي وأخرجه ابن ماجة في الصوم. بسم الله الرحمن الرحيم 33 - أبواب الاعتكاف (بسم الله الرحمن الرحيم). (أبواب الاعتكاف) سقط لغير المستملي أبواب الاعتكاف وثبت له تأخير البسملة ولابن عساكر كتاب الاعتكاف بدل أبواب الاعتكاف. 1 - باب الاِعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالاِعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187]. (باب الاعتكاف في العشر الأواخر) أي من رمضان وهو لغة اللبث والحبس والملازمة على الشيء خيرًا أو شرًّا قال تعالى: ({وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}) [البقرة: 187] وقال سبحانه وتعالى: {فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] وشرعًا اللبث في المسجد من شخص مخصوص بنيته (والاعتكاف) بالجر عطفًا على سابقه (في المساجد كلها) قيد بالمساجد إذ لا يصح في غيرها وجمع المساجد وأكدها بلفظ كلها ليعم جميعها خلافًا لمن خصه بالمساجد الثلاثة، ومن خصه بمسجد بني ومن خصه بمسجد تقام فيه الجمعة وهذا الأخير قول مالك في المدونة وهو مذهب الحنابلة. وقال في الإنصاف: لا يخلو المعتكف إما أن يأتي عليه في مدة اعتكافه فعل صلاة وهو ممن تلزمه الصلاة أولاً. فإن لم يأت عليه في مدة اعتكافه فعل صلاة فهذا يصح اعتكافه في كل مسجد، وإن أتى عليه في مدة اعتكافه فعل صلاة لم يصح إلا في مسجد تصلّى فيه الجماعة على الصحيح من المذهب. وعن أبي حنيفة لا يجوز إلا في مسجد تصلّى فيه الصلوات الخمس لأن الاعتكاف عبارة عن انتظار الصلاة فلابد من اختصاصه بمسجد تصلّى فيه الصلوات الخمس، والأول هو قول الشافعي في الجديد ومالك في الموطأ وهو المشهور من مذهبه، وبه قال محمد وأبو يوسف صاحبا أبي حنيفة لقوله تعالى: ({ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}) [البقرة: 187] معتكفون فيها والمراد بالمباشرة الوطء لما تقدم من قوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} إلى قوله: {فالآن باشروهن} [البقرة: 187] وقيل معناه ولا تلامسوهن بشهوة واستدلال المؤلّف بالآية على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد تعقب بأنه ربما يدعى دلالتها على أن الاعتكاف قد يكون في غير المسجد وإلا لم يكن للتقييد دلالة وأجيب بأنه لو لم يكن ذكر المساجد لبيان أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد لزم اختصاص حرمة المباشرة

باعتكاف يكون في المسجد وهو باطل اتفاقًا لأن الوطء العمد مفسد للاعتكاف بل يحرم به التقبيل واللمس بشهوة بالشروط السابقة في الصوم فإذا أنزل معهما أفسده كالاستمناء بخلاف ما إذا لم ينزل معهما أو أنزل معهما وكانا بلا شهوة كما في الصوم وسبب نزول هذه الآية ما روي عن قتادة أن الرجل كان إذا اعتكف خرج فباشر امرأته ثم رجع إلى المسجد فنهاهم الله عن ذلك وكذا قاله الضحاك ومجاهد ({تلك حدود الله}) أي الأحكام التي ذكرت ({فلا تقربوها}) أي فلا تغشوها ({كذلك}) مثل ذلك التبيين ({يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون}) [البقرة: 187] مخالفة الأوامر والنواهي ولفظ رواية أبوي الوقت وذر فلا تقربوها إلى آخر الآية وسقط لابن عساكر من قوله: {تلك حدود الله} إلى آخر قوله للناس. 2025 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ". وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (أن نافعًا) مولى ابن عمر (أخبره عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعتكف العشر من رمضان) زاد من هذا الوجه قال نافع: وقد أراني عبد الله بن عمر المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المسجد. 2026 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى) وفيه دليل على أنه لم ينسخ وأنه من السنن المؤكدة خصوصًا في العشر الأواخر من رمضان لطلب ليلة القدر. وروى أبو الشيخ ابن حيان من حديث الحسين بن عليّ مرفوعًا: اعتكاف عشر في رمضان بحجتين وعمرتين وهو ضعيف. (ثم اعتكف أزواجه من بعده) فيه دليل على أن النساء كالرجال في الاعتكاف، وقد كان عليه السلام أذن لبعضهن وأما إنكاره عليهن الاعتكاف بعد الإذن كما في الحديث الصحيح فلمعنى آخر فقيل خوف أن يكن غير مخلصات في الاعتكاف بل أردن القرب منه لغيرتهن عليه أو ذهاب المقصود من الاعتكاف بكونهن معه في المعتكف أو لتضييقهن المسجد بأبنيتهن. وعند أبي حنيفة إنما يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها وهو الموضع المهيأ في بيتها لصلاتها. 2027 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتَكَفَ عَامًا، حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ -وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنِ اعْتِكَافِهِ- قَالَ: مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ، وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ. فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ، فَبَصُرَتْ عَيْنَاىَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن عبد الله بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن يزيد بن عبد الله بن الهاد) بغير ياء بعد الدال (عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان)، ذكره باعتبار لفظ العشر أو باعتبار الوقت أو الزمان، ورواه بعضهم الوسط بضم السين (فاعتكف عامًا)، مصدر عام إذا سبح يقال عام يعوم عومًا وعامًا فالإِنسان يعوم في دنياه على الأرض طول حياته حتى يأتيه الموت فيغرق فيها أي اعتكف في شهر رمضان في عام (حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين) بنصب ليلة في الفرع وغيره، وضبطه بعضهم بالرفع فاعلاً بكان التامة بمعنى ثبت ونحوه، والمراد حتى إذا كان استقبال ليلة إحدى وعشرين لأن المعتكف العشر الأوسط إنما يخرج قبل دخول ليلة الحادي والعشرين لأنها من العشر الأخير، وقد صرح به في رواية هشام في باب التماس ليلة القدر إنما كان في اليوم العشرين وقد مر تقريره هناك أيضًا (وهي الليلة التي يخرج صبيحتها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من صبيحتها (من اعتكافه قال) عليه الصلاة والسلام: (من كان اعتكف معي) أي في العشر الأوسط (فليعتكف العشر الأواخر وقد)، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فقد (أريت) بضم الهمزة (هذه الليلة) بالنصب مفعول به لا ظرف أي رأيت

2 - باب الحائض ترجل رأس المعتكف

ليلة القدر (ثم أنسيتها) قال القال في العدة فيما حكاه الطبري ليس معناه أنه رأى الليلة أو الأنوار عيانًا ثم نسي في أي ليلة رأى ذلك لأن مثل هذا قل أن ينسى وإنما قيل له ليلة القدر ليلة كذا وكذا ثم نسي كيف قيل له، (وقد رأيتني) بضم التاء أي رأيت نفسي (أسجد في ماء وطين من صبيحتها) يحتمل أن تكون من بمعنى في كما في قوله تعالى: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} [الجمعة: 9] أو هي لابتداء الغاية الزمانية (فالتمسوها في العشر الأواخر)، من رمضان (والتمسوها في كل وتر) منه (فمطرت السماء) بفتح الميم والطاء (تلك الليلة) يقال في الليلة الماضية الليلة إلى أن تزول الشمس فيقال حينئذٍ البارحة، (وكان المسجد على عريش) أي مظللاً بجريد ونحوه مما يستظل به يريد أنه لم يكن له سقف يكن من المطر (فوكف المسجد)، أي سال ماء المطر من سقف المسجد (فبصرت عيناي) بضم الصاد (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين) أي تصديق رؤياه كما في رواية همام السابقة في الصلاة. 2 - باب الْحَائِضُ تُرَجِّلُ رأسَ الْمُعْتَكِفَ (باب الحائض) ولأبي ذر: باب بالتنوين الحائض (ترجل المعتكف) أي تمشط وتسرّح شعر رأسه وتنظفه وتحسنه ولا دخل للدهن هنا. 2028 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصْغِي إِلَىَّ رَأْسَهُ وَهْوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ". وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) الزمن قال: (حدثنا يحيى) القطان (عن هشام قال أخبرني أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت) (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصغي) بضم أوّله وكسر الغين المعجمة أي يدني ويميل (إليّ رأسه) منصوب بيصغي (وهو مجاور) أي معتكف (في المسجد) والجملة حالية وعند أحمد كان يأتيني وهو معتكف في المسجد فيتكئ على باب حجرتي فأغسل رأسه وسائره في المسجد (فأرجله) أي فأمشط شعره وأسرحه (وأنا حائض) وفيه أن إخراج البعض لا يجري مجر الكل وينبني عليه ما لو حلف لا يدخل بيتًا فأدخل بعض أعضائه كرأسه لم يحنث، وبه صرح أصحابنا الشافعية. 3 - باب لاَ يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلاَّ لِحَاجَةٍ هذا (باب) بالتنوين (لا يدخل) المعتكف (البيت إلا لحاجة) لا بد له منها. 2029 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: "وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيُدْخِلُ عَلَىَّ رَأْسَهُ وَهْوَ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لاَ يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلاَّ لِحَاجَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا". [الحديث 2029 - أطرافه في: 2033، 2034، 2041، 2045]. وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد الثقفي البلخي قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام (عن ابن شهاب) هو ابن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (وعمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة (أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: وإن) إن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليدخل عليّ رأسه وهو في المسجد) معتكف وأنا في الحجرة (فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة) فسرها الزهري رواية بالبول والغائط واتفق على استثنائهما (إذا كان معتكفًا) فيه أن يخرج لحاجته قربت داره أو بعدت نعم يضر البعد الفاحش ولا يكلف فعل ذلك في سقاية المسجد لما فيه من خرم المروءة ولا في دار صديقه بجوار المسجد للمنة أما إذا فحش بعده فيقطعه خروجه لذلك. 4 - باب غَسْلِ الْمُعْتَكِفِ (باب) جواز (غسل المعتكف) بكسر الكاف. قال البرماوي كالكرماني غسل بفتح الغين لا بضمها اهـ. نعم ثبت الرفع في رواية أبي ذر كما في اليونينية وغيرها. 2030 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ". وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت) (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يباشرني) أي يمس بشرتي من غير جماع (وأنا حائض). 2031 - "وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَهْوَ مُعْتَكِفٌ فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ". (وكان يخرج) إليّ (رأسه من المسجد) وأنا في الحجرة (وهو معتكف فأغسله) بفتح الهمزة وسكون الغين المعجمة (وأنا حائض) جملة حالية. 5 - باب الاِعْتِكَافِ لَيْلاً (باب) جواز (الاعتكاف ليلاً). 2032 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ: فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ". [الحديث 2032 - أطرافه في: 2043، 3144، 4320، 6697]. وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري قال: (أخبرني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن عمر سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالجعرانة لما رجعوا من حنين كما في النذر (قال:

6 - باب اعتكاف النساء

كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام) أي حول الكعبة ولم يكن في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا أبي بكر دار بل الدور حول البيت وبينها أبواب لدخول الناس فوسعه عمر -رضي الله عنه- بدور اشتراها وهدمها واتخذها للمسجد جدارًا قصيرًا دون القامة ثم تتابع الناس على عمارته وتوسيعه (قال) عليه الصلاة والسلام له: (أوف بنذرك) الذي نذرته في الجاهلية أي على سبيل الندب وليس الأمر للإيجاب، واستدلّ به على جواز الاعتكاف بغير صوم لأن الليل ليس ظرفًا للصوم، فلو كان شرطًا لأمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- به لكن عند مسلم من حديث سعيد عن عبيد الله يومًا بدل ليلة فجمع ابن حبان وغيره بين الروايتين بأنه نذر اعتكاف يوم وليلة، فمن أطلق ليلة أراد بيومها، ومن أطلق يومًا أراد بليلته، وقد ورد الأمر بالصوم في رواية عمرو بن دينار عن ابن عمر صريحًا لكن إسنادها ضعيف، وقد زاد فيها أنه قال: له: "اعتكف وصم" أخرجه أبو داود والنسائي من طريق عبد الله بن بديل وهو ضعيف، وقد ذكر ابن عدي والدارقطني أنه تفرد بذلك عن عمرو بن دينار ورواية من روى يومًا شاذة، وقد وقع في رواية سليمان بن بلال الآتية إن شاء الله تعالى فاعتكف ليلة فدلّ على أنه لم يزده على نذره شيئًا وأن الاعتكاف لا صوم فيه قاله في فتح الباري وهذا مذهب الشافعية والحنابلة. وعن أحمد أيضًا لا يصح بغير صوم والأول هو الصحيح عندهم وعليهم أصحابهم، وقال المالكية والحنفية: لا يصح إلا بصوم، وأحتجوا بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يعتكف إلا بصوم وفيه نظر لما في الباب الذي بعده أنه اعتكف في شوال. واستشكل قوله نذرت في الجاهلية الخ إذ ظاهره أنه الوقت الذي كان هو فيه على الجاهلية لأن الصحيح أن نذر الكافر غير صحيح. وأجيب: بأن المراد أنه نذر بعد إسلامه في زمن لا يقدر أن يفي بنذره فيه لمنع الجاهلية للمسلمين من دخول مكة ومن الوصول إلى المحرم وهذا مردود بما أخرجه الدارقطني من طريق سعيد بن بشير عن عبد الله بلفظ: نذر عمر أن يعتكف في الشرك فهذا صريح في أن نذره كان قبل إسلامه في الجاهلية، فالمراد من قوله عليه الصلاة والسلام له: (أوف بنذرك) على سبيل الندب لا على سبيل الوجوب لعدم أهلية الكافر للتقرب فحمله على الندب أولى إذ لا يحسن تركه بالإسلام ما عزم عليه في الكفر من الخير والله أعلم. وعند الحنابلة يصح النذر من الكافر وعبارة المرداوي في تنقيح المقنع النذر مكروه وهو إلزام مكلف مختار ولو كافرًا بعبادة نصًّا نفسه لله تعالى. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الاعتكاف، وأخرجه مسلم في الإيمان والنذور وكذا أبو داود والترمذي، وأخرجه النسائي فيه وفي الاعتكاف، وأخرجه ابن ماجة في الصيام. 6 - باب اعْتِكَافِ النِّسَاءِ (باب) حكم (اعتكاف النساء). 2033 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ. فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِبَ خِبَاءً، فَأَذِنَتْ لَهَا فَضَرَبَتْ خِبَاءً. فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى الأَخْبِيَةَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَأُخْبِرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: آلْبِرَّ تُرَوْنَ بِهِنَّ؟ فَتَرَكَ الاِعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ". وبالسند قال (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم قال (حدّثنا يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن عمرة) بنت عبد الرحمن الأنصارية (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعتكف في العشر الأواخر من رمضان) والاعتكاف فيه آكد منه في غيره اقتداء به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وطلبًا لليلة القدر (فكنت أضرب له خباء) بكسر الخاء المعجمة ثم موحدة ممدودًا أي خيمة من وبر أو صوف لا من شعر وهو على عمودين أو ثلاثة (فيصلّى الصبح) في المسجد (ثم يدخله) أي الخباء (فاستأذنت حفصة) بنت عمر أم المؤمنين (عائشة) نصب مفعول حفصة (أن تضرب خباء) أي في ضرب خباء لها فأن مصدرية (فأذنت لها) عائشة. وفي رواية الأوزاعي الآتية إن شاء الله تعالى: فاستأذنته عائشة فأذن لها وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت (فضربت) أي حفصة (خباء) لها لتعتكف فيه (فلما رأته) أي الخباء (زينب ابنة) ولأبي ذر: بنت (جحش) أم المؤمنين (ضربت خباء آخر) زاد في رواية عمرو بن الحرث عند أبي عوانة: وكانت امرأة غيورًا

7 - باب الأخبية في المسجد

(فلما أصبح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى الأخبية) الثلاثة التي لأمهات المؤمنين (فقال): (ما هذا) الذي أراه من الأخبية (فأخبر). أي بأنها لأمهات المؤمنين (فقال النبي): (آلبر) بهمزة الاستفهام ممدودة على وجه الإنكار والنصب على أنه مفعول مقدم لقوله (ترون) بضم المثناة الفوقية وفتح الراء مبنيًّا للمفعول أي الطاعة تظنون (بهن)؟ أي متلبسًا بهن فالبر مفعول أول وبهن مفعول ثان وهما في الأصل مبتدأ وخبر والخطاب للحاضرين معه من الرجال وغيرهم، وفي رواية ابن عساكر: تردن بضم الفوقية وكسر الراء وسكون الدال من الإرادة بدل قوله تردن أي أمهات المؤمنين، وفي نسخة: آلبر بالرفع على الابتداء والخبر ما بعده وإلغاء الفعل الذي هو تردن لتوسطه بين المفعولين وهما البر وبهن، (فترك) عليه الصلاة والسلام (الاعتكاف ذلك الشهر) مبالغة في الإنكار عليهن خشية أن يكن غير مخلصات في اعتكافهن بل الحامل لهن على ذلك الباهاة أو التنافس الناشئ عن الغيرة حرصًا على القرب منه خاصة فيخرج الاعتكاف عن موضوعه أو خاف تضييق المسجد على المصلين بأخبيتهن أو لأن المسجد يجمع الناس ويحضره الأعراب والمنافقون وهن محتاجات إلى الدخول والخروج فيبتذلن بذلك، (ثم اعتكف) عليه الصلاة والسلام (عشرًا من شوال) قضاء عما تركه من الاعتكاف في رمضان على سبيل الاستحباب لأنه كان إذا عمل عملاً أثبته، ولو كان للوجوب لاعتكف معه نساؤه أيضًا في شوال، ولم ينقل وفي رواية أبي معاوية عند مسلم حتى اعتكف الأولى من شوّال. وقال الإسماعيلي: فيه دليل على جواز الاعتكاف بغير صوم لأن أول شوال هو يوم العيد وصومه حرام، واعترض بأن المعنى كان ابتداؤه في العشر الأول وهو صادق بما إذا ابتدأ باليوم الثاني فلا دليل فيه لما قاله. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصوم وكذا داود والترمذي، وأخرجه النسائي في الصلاة. 7 - باب الأَخْبِيَةِ فِي الْمَسْجِدِ (باب الأخبية في المسجد). 2034 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ إِذَا أَخْبِيَةٌ: خِبَاءُ عَائِشَةَ، وَخِبَاءُ حَفْصَةَ، وَخِبَاءُ زَيْنَبَ، فَقَالَ آلْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ؟ ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ، حَتَّى اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية (عن عائشة رضي الله عنها) قال في الفتح: وسقط قوله عن عائشة في رواية النسفيّ والكشميهني وكذا هو في الموطآت كلها، وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق عبد الله بن يوسف شيخ المؤلّف فيه مرسلاً أيضًا، وجزم بأن البخاري أخرجه عن عبد الله بن يوسف موصولاً عن عائشة (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد أن يعتكف) في العشر الأواخر من رمضان (فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف) زاد في نسخة فيه (إذا أخبية) مضروبة في المسجد أحدها (خباء عائشة و) الثاني (خباء حفصة و) الثالث (خاء زينب) بكسر الخاء المعجمة والمدّ فيها كما مرّ (فقال): عليه الصلاة والسلام: (آلبر) بالمدّ قال في الفتح وبغير مد (تقولون) أي تظنون (بهن)؟ فأجرى فعل القول مجرى فعل الظن على اللغة المشهورة والبر مفعول أول مقدم وبهن مفعول ثان أي أتظنون أنهن طلبن البر وخالص العمل، ويجوز رفع البر كما مرّ في الباب السابق وكان القياس أن يقال تقلن بلفظ جمع المؤنث ولكن الخطاب للحاضرين الشامل للنساء والرجال (ثم انصرف) عليه الصلاة والسلام (فلم يعتكف) ذلك الشهر (حتى اعتكف عشرًا من شوال) أوله يوم العيد على ما مرّ مع ما فيه من نظر كما تقدم. 8 - باب هَلْ يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ لِحَوَائِجِهِ إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ هذا (باب) بالتنوين (هل يخرج المعتكف) من معتكفه (لحوائجه إلى باب المسجد)؟ 2035 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ. فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا". [الحديث 2035 - أطرافه في: 2038، 2039، 3101، 3281، 6219، 7171]. وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن سلم (قال: أخبرني) بالتوحيد (عليّ بن الحسين) بن علي بن أبي طالب القرشي زين العابدين (-رضي الله عنهما-) ولابن عساكر: ابن حسين (أن صفية) بنت حييّ (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته: أنها جاءت رسول الله) ولأبي ذر

جاءت إلى رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوره في اعتكافه) من الأحوال المقدرة وفي رواية معمر عند المؤلّف في صفة إبليس فأتيته أزوره ليلاً (في المسجد في العشر الأواخر من رمضان فتحدثت عنده ساعة) زاد في الأدب: من العشاء (ثم قامت) أي صفية (تنقلب) أي تردّ إلى منزلها (فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معها يقلبها) بفتح الياء وسكون القاف وكسر اللام أي يردّها إلى منزلها (حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مرّ رجلان من الأنصار). قال ابن العطار في شرح العمدة: هما أسيد بن حضير وعباد بن بشر ولم يذكر لذلك مستندًا، وفي رواية هشام الآتية وكان بيتها في دار أسامة فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معها فلقيه رجلان من الأنصار، وظاهره أنه عليه الصلاة والسلام خرج من باب المسجد وإلا فلا فائدة في قوله لها في حديث هشام هذا لا تعجلي حتى أنصرف معك ولا فائدة لقلبها لباب المسجد فقط لأن قلبها إنما كان لبعد بيتها وفي رواية عبد الرزاق من طريق مروان بن سعيد بن المعلي فذهب معها حتى أدخلها في بيتها. (فسلما على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية معمر المذكورة فنظرا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم أجازا أي مضيا وفي رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عند ابن حبان فلما رأياه استحييا فرجعا (فقال لهما النبي): امشيا (على رسلكما) بكسر الراء وسكون السين المهملة أي على هينتكما فليس شيء تكرهانه (إنما هي صفية بنت حيي) بمهملة ثم مثناة تحتية مصغرًا ابن أخطب وكان أبوها رئيس خيبر (فقالا): أي هي صفية بنت حيي) بمهملة ثم مثناة تحتية مصغرًا ابن أخطب وكان أبوها رئيس خيبر (فقالا): أي الرجلان (سبحان الله يا رسول الله) أي تنزه الله عن أن يكون رسوله متهمًا بما لا ينبغي أو كناية عن التعجب من هذا القول (وكبُر عليهما) بضم الموحدة أي عظم وشق عليهما ما قال عليه الصلاة والسلام، وفي رواية هشيم فقالا: يا رسول الله وهل نظن بك إلا خيرًا؟ (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الشيطان يبلغ من الإنسان) الرجال والنساء فالمراد الجنس (مبلغ الدم)، أي كمبلغ الدم ووجه الشبه شدة الاتصال وعدم المفارقة وهو كناية عن الوسوسة (وإني خشيت أن يقذف) الشيطان (في قلوبكما شيئًا) ولمسلم وأبي داود من حديث معمر شرًا ولم يكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نسبهما أنهما يظنان به سوءًا لما تقرر عنده من صدق إيمانهما، ولكن خشي عليهما أن يوسوس لهما الشيطان ذلك لأنهما غير معصومين فقد يفضي بهما ذلك إلى الهلاك فبادر إلى إعلامهما حسمًا للمادة وتعليمًا لمن بعده إذا وقع له مثل ذلك. وقد روى الحاكم أن الشافعي كان في مجلس ابن عيينة فسأله عن هذا الحديث فقال الشافعي: إنما قال لهما ذلك لأنه خاف عليهما الكفر إن ظنا به التهمة فبادر إلى إعلامهما نصيحة لهما قبل أن يقذف الشيطان في نفوسهما شيئًا يهلكان به. وفي طبقات العبادي أن الشافعي سئل عن خبر صفية فقال: إنه على سبيل التعليم علمنا إذا حدّثنا محارمنا أو نساءنا على الطريق أن نقول هي محرمي حتى لا نتهم. وقال ابن دقيق العيد: فيه دليل على التحرز مما يقع في الوهم نسبة الإنسان إليه مما لا ينبغي وهذا متأكد في حق العلماء ومن يقتدى بهم فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلاً يوجب ظن السوء بهم وإن كان لهم فيه مخلص لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم. ومطابقة الحديد للترجمة في قوله فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقلبها، وفي رواية هشام المذكورة الدلالة على جواز خروج المعتكف لحاجته من أكل وشرب وبول وغائط وأذان على منارة المسجد إذا كان راتبًا ومرض تشق الإقامة معه في المسجد وخوف سلطان وصلاة جمعة لكن الأظهر بطلانه بخروجه لها لأنه كان يمكنه الاعتكاف في الجامع ودفن ميت تعين عليه كغسله وأداء شهادة تعين أداؤها عليه وخوف عدوّ قاهر وغسل من احتلام. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الاعتكاف وفي الأدب وفي صفة إبليس وفي الأحكام، وأخرجه مسلم في الاستئذان، وأبو داود في الصوم وفي الأدب، والنسائي في الاعتكاف، وابن ماجة ابن لا نتهم اهـ.

9 - باب الاعتكاف. وخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- صبيحة عشرين

9 - باب الاِعْتِكَافِ. وَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَبِيحَةَ عِشْرِينَ (باب الاعتكاف وخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتحات والنبي رفع فاعل كذا في الفرع وغيره وفي بعض الأصول وخروج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بضم الخاء والراء ثم واو والنبي مجرور بالإضافة أي خروجه من اعتكافه (صبيحة عشرين) من شهر رمضان. 2036 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ هَارُونَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- قُلْتُ: هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؟ قَالَ: نَعَمِ، اعْتَكَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ، قَالَ: فَخَرَجْنَا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ، قَالَ: فَخَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَبِيحَةَ عِشْرِينَ فَقَالَ: إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَإِنِّي نُسِّيتُهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي وِتْرٍ، فَإِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ، وَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلْيَرْجِعْ. فَرَجَعَ النَّاسُ إِلَى الْمَسْجِدِ. وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، قَالَ: فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ، وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الطِّينِ وَالْمَاءِ، حَتَّى رَأَيْتُ الطِّينَ فِي أَرْنَبَتِهِ وَجَبْهَتِهِ". وبالسند قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون المروزي أنه (سمع هارون بن إسماعيل) أبا الحسن البصري قال: (حدّثنا علي بن المبارك) النهائي البصري (قال: حدثني) بالإفراد (يحيى بن أو كثير) بالمثلثة (قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (قال: سألت أبا سعيد الخدري، قلت: هل سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذكر ليلة القدر؟ قال: نعم اعتكفنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العشر الأوسط من رمضان)، الأقوى فيه أن يقال الوسط بضم السين والوسط بفتحها، وأما الأوسط فكأنه تسمية لمجموع تلك الليالي والأيام، وإنما رجح الأول لأن العشر اسم الليالي كما مرّ (قال: فخرجنا صبيحة عشرين) من الشهر (قال: فخطبنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صبيحة عشرين فقال): عليه الصلاة والسلام: (إني أريت) بتقديم الهمزة المضمومة على الراء، ولأبي ذر عن الكشميهني: رأيت بتقديم الراء وفتح الهمزة (ليلة القدر وإني نسيتها) بضم النون وتشديد المهملة المكسورة، ولأبي ذر عن المستملي والحموي: نسيتها بفتح النون وتخفيف المهملة فالأولى أنه نسيها بواسطة وفي رواية همام عن يحيى في باب السجود في الماء والطين من صفة الصلاة أن جبريل هو المخبر له بذلك (فالتمسوها) اطلبوها (في العشر الأواخر) من رمضان (في وتر) من غير تعيين (فإني رأيت أن أسجد) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أني أسجد (في ماء وطين) (ومن) بالواو (كان اعتكف مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فليرجع) إلى معتكفه ويعتكف (فرجع الناس إلى المسجد وما نرى في السماء قزعة) بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحات سحابة (قال: فجاءت سحابة فمطرت) بفتحات (وأقيمت الصلاة) صلاة الصبح (فسجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الطين والماء حتى رأيت الطين) وفي رواية غير ابن عساكر حتى رأيت أثر الطين (في أرنبته) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح النون والموحدة طرف أنفه الشريف (و) في (جبهته) المقدسة. 10 - باب اعْتِكَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ (باب) حكم (اعتكاف المستحاضة). 2037 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: "اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةٌ مُسْتَحَاضَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَكَانَتْ تَرَى الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، فَرُبَّمَا وَضَعْنَا الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهْيَ تُصَلِّي". وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي تصغير زرع (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة عن عائشة: -رضي الله عنها- قالت): (اعتكفت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امرأة من أزواجه مستحاضة) ولأبي ذر امرأة مستحاضة من أزواجه وهي أم سلمة كما في سنن سعيد بن منصور (فكانت ترى الحمرة والصفرة فربما وضعنا) وفي نسخة وضعت (الطست تحتها وهي تصلي) فيه جواز صلاتها كاعتكافها لكن مع الأمن من التلويث كدائم الحدث. وهذا الحديث قد سبق في كتاب الحيض. 11 - باب زِيَارَةِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي اعْتِكَافِهِ (باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه). 2038 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ -رضي الله عنهما- أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ ح. وحَدَّثَنَي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ أَزْوَاجُهُ، فَرُحْنَ، فَقَالَ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَىٍّ: لاَ تَعْجَلِي حَتَّى أَنْصَرِفَ مَعَكِ، وَكَانَ بَيْتُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَهَا، فَلَقِيَهُ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَنَظَرَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ أَجَازَا، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تَعَالَيَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ، فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يُلْقِيَ فِي أَنْفُسِكُمَا شَيْئًا". وبالسند قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم الغين وفتح الفاء وسكون المثناة التحتية آخره راء المصري (قال حدثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (قال حدثني) بالإفراد أيضًا (عبد الرحمن بن خالد) هو ابن مسافر الفهمي أمير مصر (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن عليّ بن الحسين) زين العابدين ولأبي ذر وابن عساكر علي بن حسين بحذف الألف واللام (أن صفية) بنت حيي (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته) كذا أورده مختصرًا موصولاً ثم ذكر طريقًا أخرى مرسلة فقال (ح). (حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر: حدثني بالإفراد، ولأبي ذر وحده: وحدثني بالواو (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو الصنعاني اليماني، ولأبي ذر هشام بن يوسف قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميم وسكون المهملة ابن راشد الأزدي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عليّ بن الحسين) ولأبي ذر وابن عساكر: ابن حسين أنه قال: (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

12 - باب هل يدرأ المعتكف عن نفسه؟

في المسجد) معتكفًا (وعنده أزواجه فرحن) إلى منازلهن (فقال): عليه الصلاة والسلام (لصفية بنت حيي لا تعجلي). (حتى أنصرف معك) كأن مجيئها تأخر عن رفقتها فأمرها بالتأخر ليحصل التساوي في مدة جلوسهن عنده أو أن بيوت رفقتها كانت أقرب فخشي عليه الصلاة والسلام عليها وكان مشغولاً فأمرها بالتأخر ليفرغ ويشيعها (وكان بيتها في دار أسامة) أي الدار التي صارت بعد ذلك لأسامة بن زيد لأن أسامة إذ ذاك لم يكن له دار مستقلة بحيث تسكن فيها صفية، (فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من المسجد (معها فلقيه رجلان من الأنصار)، قيل هما أسيد بن حضير وعباد بن بشر (فنظرا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم أجازا) بهمزة مفتوحة قبل الجيم وبعد الألف زاي وسقطت الهمزة في رواية لابن عساكر يقال جاز وأجاز بمعنى أي مضيا (وقالا): ولابن عساكر وأبي ذر: فقال (لهما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (تعاليَا) بفتح اللام (إنها صفية بنت حيي) (قالا) ولأبي ذر: فقالا (سبحان الله) متعجبين من قوله عليه الصلاة والسلام لهما ذلك أو ننزهك مما لا ينبغي (يا رسول الله قال): عليه الصلاة والسلام (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) قيل حقيقة جعل الله له قوة ذلك وقيل إنه يلقي وسوسته في مسام لطيفة من البدن فتصل وسوسته إلى القلب (وإني خشيت أن يلقي) الشيطان (في أنفسكما شيئًا) فتهلكا. 12 - باب هَلْ يَدْرَأُ الْمُعْتَكِفُ عَنْ نَفْسِهِ؟ هذا (باب) بالتنوين (هل يدرأ) بفتح الياء وسكون الدال المهملة وبعد الراء همزة مضمومة أي هل يدفع (المعتكف عن نفسه)؟ بالقول والفعل. 2039 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ -رضي الله عنهما- أَنَّ صَفِيَّةَ أَخْبَرَتْهُ ح. وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُخْبِرُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّ صَفِيَّةَ -رضي الله عنها- أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُعْتَكِفٌ، فَلَمَّا رَجَعَتْ مَشَى مَعَهَا، فَأَبْصَرَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا أَبْصَرَهُ دَعَاهُ فَقَالَ: تَعَالَ، هِيَ صَفِيَّةُ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: هَذِهِ صَفِيَّةُ- فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ. قُلْتُ لِسُفْيَانَ: أَتَتْهُ لَيْلاً؟ قَالَ: وَهَلْ هُوَ إِلاَّ لَيْلاً؟ ". وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال أخبرني) ولابن عساكر: حدثني بالتوحيد فيهما (أخي) عبد الحميد بن أبي أويس (عن سليمان) بن بلال مولى عبد الله بن أبي عتيق (عن محمد بن أبي عتيق) هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق بن أبي بكر الصديق (عن ابن شهاب) ولأبي ذر عن الزهري (عن علي بن الحسين -رضي الله عنهما-) ولأبي ذر وابن عساكر: ابن حسين (أن صفية) زاد ابن عساكر بنت حيي (أخبرته) أورده أيضًا كالسابق مختصرًا موصولاً ثم مرسلاً فقال (ح). (حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر وحدّثنا (علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال سمعت الزهري يخبر) بسكون المعجمة (عن علي بن الحسين) ولأبي ذر وابن عساكر ابن حسين (أن صفية -رضي الله عنها- أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو معتكف) في المسجد (فلما رجعت) إلى منزلها في دار أسامة بن زيد خارج المسجد (مشى معها) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأبصره رجل من الأنصار) بالإفراد وفي السابق فلقيه رجلان فقيل محمول على التعدد، وقال في الفتح: إن أحدهما كان تبعًا للآخر أو خص أحدهما بخطاب المشافهة دون الآخر أو أن الزهري كان يشك فيه فتارة يقول رجلان وتارة يقول رجل وقد رواه سعيد بن منصور عن هشيم عن الزهري فلقيه رجل أو رجلان بالشك، ورواه مسلم من وجه آخر من حديث أنس بالإفراد. (فلما أبصره) عليه الصلاة والسلام (دعاه فقال تعال) بفتح اللام. (هي صفية) (وربما قال سفيان: هذه صفية) (فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) وفي رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عند ابن حيان ما أقول لكما هذا أن تكونا تظنان شرًا ولكن قد علمت أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى ادم وهذا موضع الترجمة لأن فيه الذب بالقول قال إمامنا الشافعي كما مرّ أن قوله عليه الصلاة والسلام ذك تعليم لنا إذا حدّثنا محارمنا أو نساءنا على الطريق أن نقول هي محرمي حتى لا نتهم أهـ. وكذا يجوز الذب بالفعل إذ ليس العتكف في ذلك بأشد من المصلي قال علي بن المديني: (قلت لسفيان): بن عيينة (أتته) عليه الصلاة والسلام صفية (ليلاً قال: وهل) ولأبي ذر قال فهل (هو إلا ليلاً)؟ أي وهل وقع الإتيان إلا في الليل، وعند النسائي من طريق عبد الله بن المبارك عن سفيان بن

13 - باب من خرج من اعتكافه عند الصبح

عيينة في نفس الحديث أن صفية أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات ليلة وفي غير رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر إلا ليل بالرفع. 13 - باب مَنْ خَرَجَ مِنَ اعْتِكَافِهِ عِنْدَ الصُّبْحِ (باب من خرج من اعتكافه عند الصبح) إذا أراد اعتكاف الليالي دون الأيام. 2040 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ خَالِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ح. قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ. قَالَ: وَأَظُنُّ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَبِيدٍ حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "اعْتَكَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَشْرَ الأَوْسَطَ، فَلَمَّا كَانَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ نَقَلْنَا مَتَاعَنَا، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقَالَ: مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ فَلْيَرْجِعْ إِلَى مُعْتَكَفِهِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، وَرَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ. فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مُعْتَكَفِهِ قَالَ: وَهَاجَتِ السَّمَاءُ فَمُطِرْنَا، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَقَدْ هَاجَتِ السَّمَاءُ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا فَلَقَدْ رَأَيْتُ عَلَى أَنْفِهِ وَأَرْنَبَتِهِ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الرحمن) العبدي النيسابوري ولأبي ذر وابن عساكر عبد الرحمن بن بشر بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن سليمان) بن أبي مسلم (الأحول خال ابن أبي نجيح) المكي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي سعيد) الخدري (ح). (قال سفيان): أي ابن عيينة وسقط لأبي ذر: قال سفيان: (وحدّثنا محمد بن عمرو) بسكون الميم ابن علقمة بن أبي وقاص الليثي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي سعيد قال: وأظن) وللأصيلي قال سفيان وأظن: (إن ابن أبي لبيد) بفتح اللام وكسر الموحدة عبد الله المدني (حدّثنا عن أبي سلمة عن أبي سعيد) -رضي الله عنه- ومحصل هذا أن سفيان رواه عن ثلاثة ابن جريج ومحمد بن عمرو وابن أبي لبيد، وقد أخرجه أحمد عن سفيان ولم يقل وأظن ولفظه قال: حدّثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة وابن أبي لبيد عن أبي سلمة سمعت أبا سعيد -رضي الله عنه- (قال: اعتكفنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العشر الأوسط) من رمضان (فلما كان صبيحة عشرين) منه (نقلنا متاعنا) فيه إشعار بأنهم اعتكفوا الليالي دون الأيام فيوافق الترجمة، لكن حمله المهلب على نقل أثقالهم وما يحتاجون إليه من آلة الأكل وغيرها إذ لا حاجة لهم فيها ذلك اليوم فإذا كان المساء خرجوا خفافًا قال ولذلك قال: نقلنا متاعنا ولم يقل خرجنا، وقد سبق في باب تحري ليلة القدر من وجه آخر فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة ويستقبل إحدى وعشرين رجع عليه الصلاة والسلام وبذلك يجمع بين الطريقين فإن القصة واحدة والحديث واحد وهو حديث أبي سعيد (فأتانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): ولأبي ذر فقال: (من كان اعتكف) معي (فليرجع إلى معتكفه) بفتح الكاف (فإني رأيت هذه الليلة ورأيتني أسجد في ماء وطين) (فلما رجع إلى معتكفه) بفتح الكاف (وهاجت) ولأبي ذر قال: وهاجت (السماء) طلعت السحب (فمطرنا) بضم الميم، (فوالذي بعثه) عليه الصلاة والسلام (بالحق لقد هاجت السماء من آخر ذلك اليوم وكان المسجد) أي سقفه (عريشًا) أي مظللاً بجريد يريد أنه لم يكن له سقف يكن الناس من المطر (فلقد رأيت على أنفه وأرنبته) أي طرف أنفه وجمع بينهما تأكيدًا أو على أن المراد بالأول وسطه والثاني طرفه (أثر الماء والطين). 14 - باب الاِعْتِكَافِ فِي شَوَّالٍ (باب الاعتكاف في شوال). 2041 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ دَخَلَ مَكَانَهُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ. قَالَ فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ أَنْ تَعْتَكِفَ، فَأَذِنَ لَهَا فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً. فَسَمِعَتْ بِهَا حَفْصَةُ فَضَرَبَتْ قُبَّةً، وَسَمِعَتْ زَيْنَبُ فَضَرَبَتْ قُبَّةً أُخْرَى. فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْغَدِ أَبْصَرَ أَرْبَعَ قِبَابٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَأُخْبِرَ خَبَرَهُنَّ، فَقَالَ: مَا حَمَلَهُنَّ عَلَى هَذَا؟ آلْبِرُّ؟ انْزِعُوهَا فَلاَ أَرَاهَا، فَنُزِعَتْ، فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي آخِرِ الْعَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ". وبالسند قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني (محمد) ولابن عساكر ونسبه في الفتح لكريمة هو ابن سلام بتخفيف اللام قال: (حدّثنا) وفي نسخة لابن عساكر أخبرنا (محمد فضيل بن غزوان) بفتح الغين وسكون الزاي المعجمتين وفضيل مصغر (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمرة بن عبد الرحمن) الأنصاري (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعتكف في كل رمضان) بالتنوين لأنه نكر فزالت العلمية منه فصرف كذا في الفرع رمضان مصروفًا (وإذا) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر فإذا بالفاء (صلّى الغداة) الصبح (دخل مكانه) من الدخول وللكشميهني حل مكانه من الحلول (الذي اعتكف فيه) وهو موضع خيمته (قال: فاستأذنته عائشة أن تعتكف) في المسجد (فأذن لها فضربت فيه قبة فسمعت بها حفصة فضربت قبة) أي فيه بعد أن استأذنته كما مرّ (وسمعت زينب بها) وكانت امرأة غيورًا (فضربت) أي فيه (قبة أخرى) ثالثة (فما انصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الغد) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: من الغداة (أبصر أربع قباب) أي بقبته عليه الصلاة والسلام (فقال): (ما هذا) الذي أراه (فأخبر) بضم الهمزة (خبرهن) بثلاث فتحات (فقال): (ما حملهن على هذا؟

15 - باب من لم ير عليه صوما إذا اعتكف

آلبر؟) بالرفع فما نافية والبر فاعل حمل أو ما استفهامية وآلبر بهمزة الاستفهام مبتدأ محذوف الخبر أي كائن أو حاصل (انزعوا) أي القباب المذكورة (فلا أراها) بفتح الهمزة وألف بعد الراء فهو رفع على أن لا نافية وقول البرماوي تبعًا للكرماني والجزم تعقبه العيني بأن لا ليست ناهية (فنزعت) تلك القباب (فلم يعتكف) عليه الصلاة والسلام (في رمضان) تلك السنة (حتى اعتكف في آخر العشر من شوّال) وفي رواية أبي معاوية عند مسلم وأبي داود حتى اعتكف في العشر الأول من شوّال ويجمع بينهما بأن المراد من قوله آخر العشر انتهاء اعتكافه والله أعلم. 15 - باب مَنْ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ صَوْمًا إِذَا اعْتَكَفَ (باب من لم ير عليه) أي على المعتكف (صومًا) نصب مفعول ير (إذا اعتكف) ولأبي ذر باب من لم ير عليه إذا اعتكف صومًا ولابن عساكر باب من لم ير على المعتكف صومًا وفي نسخة معتمدة باب بالتنوين إذا اعتكف من لم ير عليه صومًا. 2042 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَوْفِ نَذْرَكَ. فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً". وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس (عن أخيه) عبد الحميد (عن سليمان) ولابن عساكر زيادة: ابن بلال (عن عبيد الله بن عمر) العمري (عن نافع عن عبد الله بن عمر عن) أبيه (عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية) أي قبل الإسلام (أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أوف نذرك) بفتح الهمزة وحذف الياء بعد الفاء ولابن عساكر في نسخة: بنذرك بزيادة حرف الجر أوله (فاعتكف) عمر (ليلة) وفاء بنذره على سبيل السنة ولم يأمره عليه الصلاة والسلام بصوم فدل على أن الصوم ليس بشرط الاعتكاف كما مرّ. 16 - باب إِذَا نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ ثُمَّ أَسْلَمَ (باب) بالتنوين (إذا نذر في الجاهلية أن يعتكف ثم أسلم) أي هل يلزمه الوفاء بذلك أم لا. 2043 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ "أَنَّ عُمَرَ -رضي الله عنه- نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ -قَالَ: أُرَاهُ قَالَ لَيْلَةً- فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَوْفِ بِنَذْرِكَ". وبالسند قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) اسمه في الأصل عبد الله الهباري القرشي الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الليثي (عن عبيد الله) بن عمر العمري (عن نافع عن ابن عمر أن عمر -رضي الله عنه- نذر في الجاهلية) قبل أن يسلم (أن يعتكف في المسجد الحرام قال:) عبيد شيخ المؤلّف أو المؤلّف نفسه (أراه) بضم الهمزة أظنه (قال: ليلة، قال) ولأبي ذر وابن عساكر فقال: (له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أوف بنذرك) بحرف الجر أوله. 17 - باب الاِعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ (باب الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان) فلا يختص بالأخير وإن كان هو فيه أفضل. 2044 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا". [الحديث 2044 - طرفه في: 4998]. وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي شيبة) هو ابن عبيد الله بن أبي شيبة الكوفي (قال: حدّثنا أبو بكر) هو ابن عياش المقري راوي حفص (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم (عن أبي صالح) ذكوان الزيات السمان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعتكف في كل رمضان) بالصرف لأنه نكر فزالت منه العلمية كما مرّ قريبًا (عشرة أيام) وفي رواية يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عند النسائي يعتكف العشر الأواخر من رمضان (فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يومًا) لأنه علم بانقضاء أجله فأراد أن يستكثر من الأعمال الصالحة تشريعًا لأمته أن يجتهدوا في العمل إذا بلغوا أقصى العمر ليلقوا الله على خير أعمالهم، لأنه عليه الصلاة والسلام اعتاد من جبريل عليه الصلاة والسلام أن يعارضه بالقرآن في كل عام مرة واحدة فلما عارضه في العام الأخير مرتين اعتكف فيه مثلي ما كان كان يعتكف. وهذا موضع الترجمة لأن الظاهر من إطلاق العشرين أنها متوالية والعشر الأخير منها فيلزم منه دخول العشر الأوسط فيها وسقط لأبي ذر قوله يومًا. 18 - باب مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَخْرُجَ (باب من أراد أن يعتكف ثم بدا) أي ظهر (له أن يخرج) أي يترك ما أراده من الاعتكاف. 2045 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ فَأَذِنَ لَهَا، وَسَأَلَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَسْتَأْذِنَ لَهَا فَفَعَلَتْ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ زَيْنَبُ بِنتُ جَحْشٍ أَمَرَتْ بِبِنَاءٍ فَبُنِيَ لَهَا. قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا صَلَّى انْصَرَفَ إِلَى بِنَائِهِ، فَأبَصُرَ بِالأَبْنِيَةِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: بِنَاءُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: آلْبِرَّ أَرَدْنَ بِهَذَا؟ مَا أَنَا بِمُعْتَكِفٍ. فَرَجَعَ. فَلَمَّا أَفْطَرَ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ". وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (قال: حدثني) بالتوحيد (يحيى بن سعيد) الأنصاري (قال: حدثتني) بتاء التأنيث والتوحيد (عمرة بنت

19 - باب المعتكف يدخل رأسه البيت للغسل

عبد الرحمن) بن سعد الأنصارية (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر) للناس أنه يريد (أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان فاستأذنته عائشة) -رضي الله عنها- في أن تعتكف معه (فأذن لها وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تعتكف معه أيضًا (ففعلت)، عائشة ذلك فأذن عليه الصلاة والسلام لحفصة في ذلك، (فلما رأت ذلك زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (جحش أمرت ببناء فبني لها) أي بضرب خيمة فضربت لها أيضًا في المسجد (قالت): عائشة -رضي الله عنها- (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا صلّى انصرف إلى بنائه) الذي بني له قبل اعتكافه فيدخل (فبصر بالأبنية) بفاء فموحدة مفتوحتين فمهملة مضمومة وبالأبنية بحرف الجر لأبي ذر عن الكشميهني فأبصر الأبنية بالنصب مفعول أبصر (فقال): (ما هذا) (قالوا بناء عائشة و) بناء (حفصة و) بناء (زينب فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (آلبر أردن بهذا)؟ بهمزة الاستفهام والنصب مفعول مقدم لقوله أردن (ما أنا بمعتكف). أي في هذا الشهر (فرجع) عن الاعتكاف أي تركه ولا ينافي ما سبق من أنه اعتكف العشر الأواخر لجواز أن يكون ذلك من وقتين جمعًا بين الحديثين وهذا موضع الترجمة (فلما أفطر) من رمضان (اعتكف عشرًا من شوّال). 19 - باب الْمُعْتَكِفِ يُدْخِلُ رَأْسَهُ الْبَيْتَ لِلْغَسْلِ (باب المعتكف) وفي نسخة باب بالتنوين المعتكف (يدخل رأسه البيت للغسل) بفتح العين ولأبي ذر للغسل بضمها واللام للتعليل. 2046 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهِيَ حَائِضٌ وَهْوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ وَهْيَ فِي حُجْرَتِهَا يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ". وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام) الصنعاني ولأبي ذر: هشام بن يوسف قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير بن العوام (عن عائشة -رضي الله عنها-) (أنها كانت ترجل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي تمشط شعر رأسه (وهي حائض) جملة حالية من فاعل ترجل (وهو) عليه الصلاة والسلام (معتكف في المسجد) جملة حالية من مفعول ترجل أيضًا وكذا اللاحقة المذكورة بقوله (وهي في حجرتها) من وراء عتبة بابها (يناولها) أي يميل إليها (رأسه) من داخل المسجد خارج الحجرة وهذا مجاز علاقته التشبيه لأن المناولة حقيقة نقل الشيء والرأس مذكر. قال الفاكهاني: لا أعلم فيه خلافه وهو مهموز وقد يخفف بتركه ووهم من أنثه. وهذا آخر ربع العبادات من هذا الشرح تمام الجزء الثالث من تجزئة عشرة يتلوه الجزء الرابع أوله: كتاب البيوع. قال القسطلاني: فرغت منه يوم الخميس ثالث رجب سنة سبع وتسعمائة والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.

34 - كتاب البيوع

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 34 - كتاب البيوع وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]. وَقَوْلِهِ: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} [البقرة: 282]. جمع بيع وجمع لاختلاف أنواعه كبيع العين وبيع الدين وبيع النفعة والصحيح والفاسد وغير ذلك، وهو في اللغة المبادلة ويطلق أيضًا على الشراء قال الفرزدق: إن الشباب لرابح من باعه ... والشيب ليس لبائعيه تجار يعني من اشتراه ويطلق الشراء أيضًا على البيع نحو: {وشروه بثمن بخس} [يوسف: 30] قيل: وسمي البيع بيعًا لأن البائع يمدّ باعه إلى المشترى حالة العقد غالبًا كما يسمى صفقة لأن أحد المتبايعين يصفق يده على يد صاحبه، لكن ردّ كون البيع مأخوذًا من الباع لأن البيع يائي العين والباع واوي تقول: منه بعت الشيء بالضم أبوعه بوعًا إذ قسته بالباع، واسم الفاعل من باع بائع بالهمز وتركه لحن، واسم المفعول مبيع وأصله مبيوع قيل الذي حذف من مبيع واو مفعول لزيادتها وهي أولى بالحذف وقال الأخفش: المحذوف عين الفعل لأنهم لما سكنوا الياء ألقوا حركتها على الحرف الذي قبلها فانضمت ثم أبدلوا من الضمة كسرة للياء التي بعدها ثم حذفت الياء وانقلبت الواو ياء كما انقلبت واو ميزان للكسرة. قال المازني: كِلا القولين حسن وقول الأخفش أقيس. والبيع في الشرع مقابلة مال قابل للتصرف بمال قابل للتصرف مع الإيجاب والقبول على الوجه المأذون فيه، وحكمته نظام المعاش وبقاء العالم لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه غالبًا وقد يبذلها له بغير المعاملة وتفضي إلى التقاتل والتنازع وفناء العالم واختلال نظام المعاش وغير ذلك، ففي تشريع البيع وسيلة إلى بلوغ الغرض من غير حرج، ومن ثم عقب المؤلّف كغيره المعاملات بالعبادات لأنها ضرورية، وأخّر النكاح لأن شهوته متأخرة عن شهوة الأكل والشرب ونحوهما، وقد ثبتت البسملة مقدّمة قبل كتاب في الفرع ومؤخرة عنه لأبي ذر. (وقول الله عز وجل) بالجر عطفًا على المجرور السابق ({وأحل الله البيع وحرّم الربا}) [البقرة: 257] لما ذم الله أكلة الربا بقوله تعالى: {الذين

1 - باب ما جاء في قول الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون * وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين} [الجمعة: 10 - 11]. وقوله: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} [البقرة: 29].

يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} [البقرة: 275] وأخبر أنهم اعترضوا على أحكام الله وقالوا: البيع مثل الربا فإذا كان الربا حرامًا فلا بدّ أن يكون البيع كذلك ردّ الله عليهم بقوله: {وأحل الله البيع وحرّم الربا} واللفظ لفظ العموم فيتناول كل بيع فيقتضي إباحة الجميع، لكن قد منع الشارع بيوعًا أخرى وحرّمها فهو عام في الإباحة مخصوص بما لا يدل الدليل على منعه. وقال إمامنا الشافعي فيما رأيته في كتاب المعرفة للبيهقي: وأصل البيوع كلها مباح إذا كانت برضا المتبايعين الحائزين الأمر فيما تبايعا إلا ما نهى عنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منه أو ما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اهـ. (وقوله) بالجرّ عطفًا على سابقه ويجوز الرفع على الاستئناف ({إلا أن تكون}) التجارة ({تجارة حاضرة تديرونها بينكم}) [البقرة: 282] استثناء من الأمر بالكتابة والتجارة الحاضرة تعمّ المبايعة بدين أو عين وإدارتها بينهم تعاطيهم إياها يدًا بيد أي: إلا أن تتبايعوا يدًا بيد فلا بأس أن لا تكتبوا لبعده عن التنازع والنسيان قاله البيضاوي، وقال الثعلبي: الاستثناء منقطع أي لكن إذا كانت تجارة فإنها ليست بباطل فأوّل هذه الآية يدل على إباحة البيوع المؤجلة وآخرها على إباحة التجارة في البيوع الحالة، وسقطت الآيتان في رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر. 1 - باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الجمعة: 10 - 11]. وَقَوْلِهِ: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [البقرة: 29]. (باب ما جاء في قول الله تعالى) أسقط ابن عساكر لفظ الباب وزاد واو العطف قبل قوله: ما ({فإذا قضيت الصلاة}) فرغتم منها ({فانتشروا في الأرض}) لقضاء حوائجكم ({وابتغوا من فضل الله}) رزقه وهذا أمر إباحة بعد الحظر، وكان عراك بن مالك إذا صلّى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: اللهمَّ أجبت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين. رواه ابن أبي حاتم، وعن بعض السلف: من باع واشترى بعد صلاة الجمعة بارك الله له سبعين مرة ({واذكروا الله كثيرًا}) اذكروه في مجامع أحوالكم ولا تخصّوا ذكره بالصلاة ({لعلكم تفلحون}) بخير الدارين ({وإذا رأوا تجارةً أو لهوًا انفضّوا إليها}) قيل تقديره إليها وإليه فحذفت إليه للقرينة وقيل أفرد التجارة لأنها المقصودة إذ المراد من اللهو طبل قدوم العير، والآية نزلت حين قدمت عير المدينة أيام الغلاء والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب فسمع الناس الطبل لقدومها فانصرفوا إليها إلا اثني عشر رجلاً ({وتركوك قائمًا}) في الخطبة وكان ذلك في أوائل وجوب الجمعة حين كانت الصلاة قبل الخطبة مثل العيد كما رواه أبو داود في مراسيله ({قل ما عند الله}) من الثواب ({خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين}) [الجمعة: 10، 11] لمن توكل عليه فلا تتركوا ذكر الله في وقت، وفي هذه الآية مشروعية البيع من طريق عموم ابتغاء الفضل لشموله التجارة وأنواع التكسب، ولفظ رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} إلى آخر السورة، وفي أخرى لهم ذكر الآية إلى قوله: {واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون} ثم قال إلى آخر السورة. (وقوله) تعالى بالجر عطفًا على السابق ({ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}) بما لم يبحثه الشرع كالغصب والربا والقمار ({إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم}) استثناء منقطع أي لن كون تجارة عن تراضٍ غير منهي عنه أو اقصدوا كون تجارة وعن تراضٍ صفة لتجارة أي تجارة صادرة عن تراضي المتعاقدين، وتخصيص التجارة من الوجوه التي بها يحل تناول مال الغير لأنه أغلب وأوفق لذوي المروءات، وقرأ الكوفيون تجارة بالنصب على أن كان ناقصًا وإضمار الاسم أي إلا أن تكون التجارة أو الجهة تجارة. 2047 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "إِنَّكُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَتَقُولُونَ: مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لاَ يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ؟ وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَفْقٌ بِالأَسْوَاقِ وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا، وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا. وَكَانَ يَشْغَلُ إِخْوَتِي مِنَ الأَنْصَارِ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا مِنْ مَسَاكِينِ الصُّفَّةِ أَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ: إِنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ ثُمَّ يَجْمَعَ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ إِلاَّ وَعَى مَا أَقُولُ، فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَىَّ، حَتَّى إِذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقَالَتَهُ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِلْكَ مِنْ شَىْءٍ". وبالسند قال (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: حدّثنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم أوّل

يكثر من الإكثار، (وتقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمثل حديث أبي هريرة وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق) بفتح ياء المضارعة من يشغله مضارع شغله الشيء ثلاثيًا. قال الجوهري: ولا تقل أشغلني يعني بالألف لأنه لغة رديئة والصفق بالصاد وسكون الفاء وبالقاف. وقال الحافظ ابن حجر: ووقع في رواية القابسي بالسين أي بدل الصاد، وقد قال الخليل: كل صاد تجيء قبل القاف فللعرب فيها لغتان سين وصاد. قال في المصابيح وقوله: يشغلهم خبر كان مقدمًا وصفق اسمها. فإن قلت: قد منعوا في باب المبتدأ تقديم الخبر في مثل زيد قام لئلا يلتبس بالفاعل ومقتضاه منع ما ذكرته من الإعراب. وأجاب بأنه بعد دخول الناسخ يجوز نحو: كان يقوم زيد خلافًا لقوم صرح به في التسهيل اهـ. والمراد بالصفق هنا التبايع لأنهم كانوا إذا تبايعوا تصافقوا بالأكفّ أمارة لانتزاع المبيع لأن الأملاك إنما تضاف إلى الأيدي والمقبوض تبع لها، فإذا تصافقت الأكف انتقلت الأملاك واستقرت كل يد منها على ما صار لكل واحد منهما من ملك صاحبه. وهذا موضع الترجمة لأنه وقع في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واطّلع عليه وأقره. (وكنت ألزم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ملء بطنى) بكسر الميم وسكون اللام ثم همزة مقتنعًا بالقوت فلم يكن لي غيبة عنه (فأشهد) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إذا غابوا) أي إخوتي من المهاجرين (وأحفظ) حديثه (إذا نسوا) بفتح النون وضم المهملة المخففة (وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم) في الزراعة، وعمل: فاعل يشغل، وإخوتي: مفعول وهو المثناة الفوقية في الموضعين، (وكنت امرأ مسكينًا من مساكين الصفة) التي كانت منزل غرباء فقراء الصحابة بالمسجد الشريف النبوي (أعي) استئناف أو حال من الضمير في كنت وإن كان مضارعًا وكان ماضيًا لأنه لحكاية الحال الماضية أي أحفظ (حين ينسون) لم يقل أشهد إذا غابوا لأن غيبة الأنصار كانت أقل لأن المدينة بلدهم ووقت الزراعة قصير فلم يعتدّ به (وقد قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث يحدّثه: إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعى ما أقول) أي حفظه (فبسطت نمرة) كانت (عليّ) بفتح النون وكسر الميم كساء ملونًا كأنه من النمر لما فيه من سواد وبياض، وقال ثعلب: ثوب مخطط (حتى إذا قضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقالته جمعتها إلى صدري فما نسيت من مقالة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تلك من شيء). ووقع في الترمذي التصريح بهذه القابلة المبهمة في حديث أبي هريرة ولفظه قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما من رجل يسمع كلمة أو كلمتين مما فرض الله تعالى عليه فيتعلمهن ويعلمهنّ إلا دخل الجنة" ومقتضى قوله: فما نسيت من مقالة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تلك من شيء تخصيص عدم النسيان بهذه المقالة فقط، لكن وقع في باب: حفظ العلم من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: ابسط رداءك فبسطته فغرف بيديه ثم قال ضمه فضممته فما نسيت شيئًا بعده أي بعد الضم، وظاهره العموم في عدم النسيان منه لكل شيء في الحديث وغيره لأن النكرة في سياق النفي تدل عليه، لكن وقع في رواية يونس عند مسلم: فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئًا حدّثني به، وهو يقتضي تخصيص عدم النسيان بالحديث. وحديث الباب أخرجه مسلم في الفضائل، والنسائي في العلم. 2048 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -رضي الله عنه-: "لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: إِنِّي أَكْثَرُ الأَنْصَارِ مَالاً، فَأَقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي، وَانْظُرْ أَىَّ زَوْجَتَىَّ هَوِيتَ نَزَلْتُ لَكَ عَنْهَا، فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا. قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعَ. قَالَ: فَغَدَا إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَتَى بِأَقِطٍ وَسَمْنٍ. قَالَ: ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ، فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تَزَوَّجْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَمَنْ؟ قَالَ: امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ: كَمْ سُقْتَ؟ قَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ -أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ- فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ". [الحديث 2048 - طرفه في: 3780]. وبه قال (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد (عن جدّه) إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (قال: قال عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- لما قدمنا المدينة: آخى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيني وبين سعد بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة وسكون المثناة التحتية الأنصاري الخزرجي النقيب البدري، وآخى بالمدّ جعلنا أخوين وكان ذلك بعد قدومه عليه الصلاة والسلام المدينة بخمسة أشهر وكانوا يتوارثون بذلك دون القرابة حتى نزلت {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأحزاب: 6] (فقال سعد بن الربيع) لعبد

الرحمن بن عوف: (إني أكثر الأنصار مالاً فأقسم لك نصف مالي وانظر) بالواو، وفي نسخة بالفرع كأصله: فانظر (أيّ زوجتي هويت) زوجتي بلفظ المثنى المضاف إلى ياء المتكلم واسم إحدى زوجتيه عمرة بنت حزم أخت عمرو بن حزم كما سماها إسماعيل القاضي في أحكامه، والأخرى لم تسم. وهويت: بفتح الهاء وكسر الواو أي أَحببت (نزلت لك عنها) أي طلقتها (فإذا حلّت) أي انقضت عدّتها (تزوّجتها. قال فقال عبد الرحمن) أي له ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: فقال له عبد الرحمن (لا حاجة لي في ذلك هل من سوق فيه تجارة) وهذا موضع الترجمة والسوق يذكّر ويؤنّث. (قال) سعد (سوق قينقاع) بفتح القاف وسكون المثناة التحتية وضم النون وبالقاف آخره عين مهملة غير مصروف في الفرع على إرادة القبيلة وفي غيره بالصرف على إرادة الحيّ. وحكي في التنقيح تثليث نونه وهم بطن من اليهود أضيف إليهم السوق. (قال: فغدا إليه) أي إلى السوق (عبد الرحمن فأتى بأقط) لبن جامد معروف (وسمن) اشتراهما منه (قال ثم تابع الغدو) بلفظ المصدر أي تابع الذهاب إلى السوق للتجارة (فما لبث أن جاء عبد الرحمن عليه أثر صفرة) أي الطيب الذي استعمله عند الزفاف (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له: (تزوجت قال: نعم. قال): عليه الصلاة والسلام (ومن) أي من التي تزوّجتها؟ (قال): تزوّجت (امرأة من الأنصار) هي ابنة أبي الحيسر أنس بن رافع الأنصاري الأوسي ولم تسم (قاله كم سقت)؟ أي كم أعطيت لها مهرًا؟ (قال) سقت (زنة نواة) أي خمسة دراهم (من ذهب). وعن بعض المالكية هي ربع دينار، وعن أحمد ثلاثة دراهم وثلث (أو نواة من ذهب) شك الراوي، ولأبي الوقت وابن عساكر: أو نواة ذهب بإسقاط حرف الجر والإضافة (فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أولم) أي اتخذ وليمة وهي الطعام للعرس ندبًا قياسًا على الأضحية وسائر الولائم وفي قول وجوبًا لظاهر الأمر (ولو بشاة) أي مع القدرة وإلا فقد أولم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بعض نسائه بمدّين من شعير كما في البخاري وعلى صفية بتمر وسمن وأقط. ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون وظاهره الإرسال لأنه إن كان الضمير في جده يعود إلى إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن فيكون الجد فيه إبراهيم بن عبد الرحمن، وإبراهيم لم يشهد المؤاخاة لأنه توفي بعد التسعين بيقين وعمره خمس وسبعون سنة، وإن عاد الضمير إلى جد سعد فيكون على هذا سعد روى عن جده عبد الرحمن، وهذا لا يصح لأن عبد الرحمن توفي سنة اثنتين وثلاثين وتوفي سعد سنة ست وعشرين ومائة عن ثلاث وسبعين سنة، ولكن الحديث المذكور متصل لأن إبراهيم قال فيه قال عبد الرحمن بن عوف ويوضح ذلك ما رواه أبو نعيم الحافظ عن أبي بكر الطلحي، حدّثنا أبو حصين الوادعيّ، حدّثنا يحيى بن عبد الحميد، حدّثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جدّه، عن عبد الرحمن بن عوف قال: لما قدمنا المدينة الحديث. 2049 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْمَدِينَةَ، فَآخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصْفَيْنِ وَأُزَوِّجُكَ. قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ، فَمَا رَجَعَ حَتَّى اسْتَفْضَلَ أَقِطًا وَسَمْنًا، فَأَتَى بِهِ أَهْلَ مَنْزِلِهِ. فَمَكَثْنَا يَسِيرًا -أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ- فَجَاءَ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَهْيَمْ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ: مَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ -أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ- قَالَ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ". [الحديث 2049 - أطرافه في: 2293، 3781، 3937، 5072، 5148، 5153، 5155، 5167، 6082، 6386]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي وفتح الهاء ابن معاوية الجعفي قال: (حدّثنا حميد) الطويل (عن أنس رضي الله عنه) أنه (قال: قدم) وللكشميهني قال: لما قدم (عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- (المدينة فآخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري) بفتح الراء وكسر الموحدة وآخى بالمدّ من المؤاخاة (وكان سعد ذا غنى فقال لعبد الرحمن: أقاسمك مالي نصفين وأزوّجك) وفي الحديث السابق: وانظر أي زوجتي هويت نزلت لك عنها فإذا حلّت تزوّجتها (قال) عبد الرحمن: (بارك الله لك في أهلك ومالك دلّوني على السوق) أي فدلّوه على السوق (فما رجع) منه (حتى استفضل) بالضاد المعجمة أي ربح (أقطًا وسمنًا فأتى به) أي بالذي استفضله (أهل منزله فمكثنا يسيرًا أو ما شاء الله فجاء وعليه وضر) بفتح الواو والضاد المعجمة أي لطخ (من صفرة) أي صفرة طيب أو خلوق واستشكل مع مجيء النهي عن التزعفر. وأجيب: بأنه كان

2 - باب الحلال بين والحرام بين، وبينهما مشبهات

يسيرًا فلم ينكره أو علق به من ثوب امرأته من غير قصد، وعند المالكية جوازه لما روى مالك في الموطأ أن ابن عمر كان يلبس الثوب المصبوغ بالزعفران. قال ابن العربي: وما كان ابن عمر ليكره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا ويستعمله قال: والأصفر لم يرد فيه حديث لكنه ورد ممدوحًا في القرآن قال تعالى: {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة: 69] وأسند إلى ابن عباس أنه من طلب حاجة على نعل أصفر قضيت حاجته لأن حاجة بني إسرائيل قضيت بجلد أصفر (فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مهيم) بفتح الميم الأولى وسكون الأخيرة وبعد الهاء الساكنة مثناة تحتية مفتوحة كلمة يستفهم بها أي ما شأنك (قال: يا رسول الله تزوّجت امرأة من الأنصار) هي ابنة أبي الحيسر أنس بن رافع الأنصاري (قال: ما سقت إليها) من الدراهم صداقًا؟ (قال): سقت إليها (نواة من ذهب) بنصب نواة بتقدير سقت إليها فيكون الجواب مطابقًا للسؤال من حيث أن كلاًّ منهما جملة فعلية، ويجوز الرفع بناء على أن المشاكلة غير لازمة وأن المشاكلة حاصلة بأن يقدر ما سقت إليها جملة اسمية وذلك بأن يكون ما مبتدأ وسقت إليها الخبر والعائد محذوف أي سقته، لكني لم أقف على كونه مرفوعًا في أصل من البخاري واتباع الرواية أولى (أو) قال سقت إليها (وزن نواة من ذهب) اسم لخمسة دراهم كما مرّ قريبًا (قال) عليه السلاة والسلام: (أولم ولو بشاة). 2050 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَتْ عُكَاظٌ وَمِجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِسْلاَمُ فَكَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا فِيهِ، فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ. قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ". وبه قال (حدّثنا) بالجمع ولأبوي ذر والوقت: حدّثني (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار المكي (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كانت عكاظ) بضم العين وتخفيف الكاف آخره ظاء معجمة منوّنة، ولأبي ذر: عكاظ بغير تنوين (ومجنة) بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون، ولأبي ذر: ومجنة بفتح الميم (وذو المجاز) بفتح الميم والجيم وبعد الألف زاي (أسواقًا في الجاهلية) فسوق مجنة هو سوق هجر. قال البكري: على أميال يسيرة من مكة بناحية مرّ الظهران وكان سوقه عشرة أيام آخر ذي القعدة والعشرون قبلها سوق عكاظ وذو المجاز يقوم بعد هلال ذي الحجة، (فلما كان الإسلام) أي جاء وكان تامة (فكأنهم تأثموا فيه) أي اجتنبوا الإثم، والمعنى تركوا التجارة في الحج حذرًّا من الإثم، وللكشميهني: "منه" بدل "فيه" (فنزلت {ليس عليكم جناح أن تبتغوا}) في أن تطلبوا ({فضلاً من ربكم}) [البقرة: 198] أي عطاءً ورزقًا منه يريد الربح والتجارة (في مواسم الحج. قرأها ابن عباس) كذلك بزيادة في مواسم الحج وهي شاذة، لكن صح إسنادها فهي مما يحتج به وليس بقرآن. وهذا الحديث قد مضى في الحج في باب التجارة في أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية: ومطابقته للترجمة من حيث إنهم كانوا يتجرون في الأسواق المذكورة. 2 - باب الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ هذا (باب) بالتنوين (الحلال بيّن والحرام بين وبينهما مشبهات) بفتح الشين المعجمة وفتح الموحدة المشدّدة. 2051 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ. فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ، وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ، وَالْمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ، مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكْ أَنْ يُوَاقِعَهُ". وبالسند قال (حدّثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) الزمن قال: (حدّثني ابن أبي عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين إبراهيم مولى بني سليم (عن ابن عون) بفتح المهملة وسكون الواو عبد الله بن أرطبان (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (قال: سمعت النعمان بن بشير -رضي الله عنه- يقول: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسقط لابن عساكر قوله سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخ. ولم يذكر لفظ هذه الرواية وهي عند أبي داود والنسائي وغيرهما بلفظ: إن الحلال بيّن وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات وأحيانًا يقول مشتبهة، وسأضرب لكم في ذلك مثلاً إن الله حمى حمى وإن حمى الله ما حرّمه وإن من يرع حول الحمى يوشك أن يخالطه وإن من يخالط الريبة يوشك أن يجسر. وبه قال: (ح حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر: وحدّثنا (علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن أبي فروة) بفتح الفاء وسكون الراء عروة بن الحرث الأكبر، ولأبوي ذر والوقت: حدثنا أبو فروة (عن الشعبي) عامر (قال: سمعت النعمان) زاد في رواية أبوي ذر والوقت وابن عساكر ابن بشير

(عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسقط ذلك لابن عساكر كالأوّل. وبه قال: (ح حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: وحدّثني بالواو والإفراد، ولابن عساكر: وحدّثنا بالواو والجمع (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن أبي فروة) عروة الأكبر (قال: سمعت الشعبي) عامرًا يقول: (سمعت النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولم يذكر لفظ ابن عيينة عن أبي فروة في الطريقين، ولفظه كما عند ابن خزيمة في صحيحه والإسماعيلي من طريقه: حلال بين وحرام بيّن ومشتبهات بين ذلك فذكره وفي آخره: ولكل ملك حمى وحمى الله في الأرض معاصيه. وبه قال: (ح حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال ابن معين: لم يكن بالثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، ووثقه أحمد بن حنبل وروى عنه البخاري ثلاثة أحاديث في العلم وهذا الحديث والتفسير وقد توبع عليها قال: (أخبرنا سفيان عن أبي فروة عن الشعبي عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الحلال بيّن) واضح لا يخفى حلّه وهو ما علم ملكه يقينًا (والحرام بيّن) واضح لا تخفى حرمته وهو ما علم ملكه لغيره (وبينهما) أي الحلال والحرام الواضحين (أمور مشتبهة) بسكون الشين المعجمة وفتح المثناة الفوقية وكسر الموحدة بلفظ التوحيد أي مشتبهة على بعض الناس لا يدرى أهي من الحلال أم من الحرام لا أنها في نفسها مشتبهة لأن الله تعالى بعث رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مبيّنًا للأمة جميع ما يحتاجونه في دينهم كذا قرره البرماوي كالكرماني. وقال ابن المنير: فيه دليل على بقاء المجملات بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلافًا لمن منع ذلك، وتأوّل ذلك من قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} [الأنعام: 38]. وإنما المراد أن أصول البيان في كتاب الله تعالى فلا مانع من الإجمال والاشتباه حتى يستنبط له البيان، ومع ذلك قد يتعذر البيان ويبقى التعارض فلا يطلع على ترجيح، فيكون البيان حينئذٍ الاحتياط والاستبراء للعرض والدين والأخذ بالأشد على قول أو يتخير المجتهد على قول أو يرجع إلى البراءة الأصلية، وكل ذلك بيان يرجع إليه عند الاشتباه من غير أن يجحد الإجمال أو الإشكال. قال ابن حجر الحافظ: وفي الاستدلال بذلك نظر إلا إن أراد به مجمل في حق بعض دون بعض أو أراد الردّ على منكري القياس فيحتمل ما قاله. والله أعلم. فمن ترك ما شبه عليه من الإثم) بضم الشين وكسر الموحدة المشدّدة (كان لما استبان) أي ظهر حرمته (أترك) نصب خبر كان (ومن اجترأ) بالراء من الجراءة (على ما يشك) لفتح أوّله وضم ثانيه، ولأبي ذر: يشك بضم أوله وفتح ثانيه مبنيًّا للمفعول (فيه من الاثم) بهمزة قطع (أوشك) بفتح الهمزة والمعجمة أي قرب (أن يواقع ما استبان) أي ظهر حرمته فينبغي اجتناب ما اشتبه لأنه إن كان في نفس الأمر حرامًا فقد برئ من تبعته وإن كان حلالاً على تركه بهذا القصد الجميل، وزاد في حديث باب: فضل من استبرأ لدينه: "ألا وإن لكل ملك حمى" (والمعاصي) التي حرمها كالقتل والسرقة (حمى الله من يرتع حول الحمى يوشك) بكسر المعجمة أي يقرب (أن يواقعه) أي يقع فيه شبه المكلف بالراعي والنفس البهيمية والأنعام والمشبهات بما حول الحمى والمعاصي بالحمى وتناوله المشبهات بالرتع حول الحمى فهو تشبيه بالمحسوس الذي لا يخفى حاله، ووجه التشبيه حصول العقاب بعدم الاحتراز في ذلك كما أن الراعي إذا جرّه رعيه حول الحمى إلى وقوعه استحق العقاب لذلك فكذا من أكثر من الشبهات وتعرض لمقدماتها وقع في الحرام فاستحق العقاب. قال في فتح الباري: واختلف في حكم المشبهات. فقيل التحريم وهو مردود، وقيل الوقف وهو كالخلاف فيما قبل الشرع وحصل ما فسر به العلماء الشبهات أربعة أشياء. أحدها: تعارض الأدلة. ثانيها: اختلاف العلماء وهي منتزعة من الأولى. ثالثها: أن المراد بها قسم المكروه لأنه يجتذبه جانبًا الفعل والترك. رابعها: المراد بها المباح ولا يمكن قائل هذا أن يحمله على متساوي الطرفين من كل وجه بل يمكن حمله على ما يكون

3 - باب تفسير المشبهات

من قسّم خلاف الأولى بأن يكون متساوي الطرفين باعتبار ذاته راجح الفعل أو الترك باعتبار أمر خارج، وقد كان بعضهم يقول: المكروه عقبة بين العبد والحرام فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام، والمباح عقبة بينه وبين المكروه فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه. ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومكّي وكوفي وبخاري، وإنما كرّر طرقه ردًّا على ابن معين حيث حكى عن أهل المدينة أن النعمان لم يصح له سماع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد أخرج حديثه هذا الحميدي في مسنده عن ابن عيينة فصرح فيه بتحديث أبي فروة له، وبسماع أبي فروة من الشعبي، وبسماع الشعبي من النعمان على المنبر، وبسماع النعمان من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 3 - باب تَفْسِيرِ الْمُشَبَّهَاتِ وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنَ الْوَرَعِ، دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ. (باب تفسير المشبهات) بفتح الشين المعجمة وتشديد الموحدة المفتوحة، ولابن عساكر: المشتبهات بسكون المعجمة ثم مثناة فوقية مفتوحة وكسر الموحدة، وفي بعض النسخ: الشبهات بضم الشين والموحدة. (وقال حسان بن أبي سنان): بكسر السين البصري أحد العباد في زمن التابعين وليس له في هذا الكتاب غير هذا الموضع (ما رأيت شيئًا أهون من الورع دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) بفتح الياء فيهما من رابه يريبه ويجوز الضم من أرابه يريبه وهو الشك والتردّد، والمعنى هنا إذا شككت في شيء فدعه. وقد روى الترمذي من حديث عطية السعدي مرفوعًا: لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس، وهذا التعليق قد وصله أحمد وأبو نعيم في الحلية ولفظه: اجتمع يونس بن عبيد وحسان بن أبي سنان فقال يونس: ما عالجت شيئًا أشد عليّ من الورع. فقال حسان: ما عالجت شيئًا أهون عليّ منه. قال: كيف؟ قال حسان: تركت ما يريبني إلى ما لا يريبني فاسترحت. وقد ورد قوله: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك مرفوعًا أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث الحسن بن عليّ. 2052 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ -رضي الله عنه-: "أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ جَاءَتْ فَزَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا، فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ وَقَدْ كَانَتْ تَحْتَهُ ابْنَةُ أَبِي إِهَابٍ التَّمِيمِيِّ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري قال: (أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين) بضم الحاء وفتح السين القرشي المكىِّ قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي مليكة) زهير التميمي الأحول ونسبه لجده واسم أبيه عبيد الله مصغرًا (عن عقبة بن الحارث) أبي سروعة (-رضي الله عنه- أن امرأة سوداء) لم تسم (جاءت) في حديث باب الرحلة في المسألة النازلة أن عقبة بن الحارث تزوّج ابنة لأبي إهاب بن عزيز فأتت امرأة (فزعمت أنها أرضعتهما) أي عقبة والتي تزوّج بها واسمها غنية (فذكر) عقبة ذلك (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعرض عنه وتبسّم) وفي نسخة بالفرع: فتبسم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال): (كيف) تباشرها (وقد قيل) إنك أخوها من الرضاع. وعند الترمذي قال: تزوّجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء قالت: إني أرضعتكما فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: تزوّجت فلانة بنت فلان فجاءتنا امرأة سوداء فقالت: إني أرضعتكما وهي كاذبة. قال: فأعرض عني فأتيته من قبل وجهه فقلت إنها كاذبة. قال: وكيف بها وقد زعمت أنها أرضعتكما دعها عنك أي احتياطًا لأنه لما أخبره أعرض عنه فلو كان حرامًا لأجابه بالتحريم (وقد كانت) وللمستملي وكانت (تحته) أي تحت عقبة (ابنة) ولابن عساكر بنت (أبي إهاب التميمي) بكسر الهمزة واسمها غنية كما مرّ. وهذا الحديث قد سبق في العلم. 2053 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ. قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَقَالَ: ابْنُ أَخِي، قَدْ عَهِدَ إِلَىَّ فِيهِ. فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ أَخِي، كَانَ قَدْ عَهِدَ إِلَىَّ فِيهِ. فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي، وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ. ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ. ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: احْتَجِبِي مِنْهُ لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ". [الحديث 2053 - أطرافه في: 2218، 2421، 2533، 2745، 4303، 6749، 6765، 6817، 7182]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بالقاف والعين المهملة المفتوحات قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان عتبة بن أبي وقاص) هو الذي كسر ثنية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في وقعة أُحد ومات على شركه، وقد ذكر ابن الأثير في أسد الغابة ما يقتضي أنه أسلم فالله أعلم قاله الحافظ زين الدين العراقي، وقال في الإصابة: لم أرَ من ذكره في الصحابة إلا ابن منده، وقد اشتد إنكار أبي نعيم عليه في ذلك وقال: هو الذي كسر رباعية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما علمت له إسلامًا بل

روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وعن عثمان الجزري عن مقسم: أن عتبة لما كسر رباعية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا عليه أن لا يحول عليه الحول حتى يموت كافرًا فما حال عليه الحول حتى مات كافرًا إلى النار، وحينئذٍ فلا معنى لإيراده في الصحابة، واستند ابن منده في قوله بما لا يدل على إسلامه وهو قوله في هذا الحديث: كان عتبة بن أبي وقاص (عهد) أي أوصى (إلى أخيه سعد بن أبي وقاص) أحد العشرة وهو أوّل من رمى بسهم في سبيل الله وأحد من فداه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأبيه وأمه (وأن ابن وليدة زمعة) بن قيس العامري أي جاريته ولم تسمّ واسم ولدها صاحب القصة عبد الرحمن، وزمعة بفتح الزاي وسكون الميم، ولأبي ذر: زمعة بفتحهما قال الوقشي وهو الصواب (مني فاقبضه) بهمزة وصل وكسر الموحدة، وأصل هذه القصة أنه كان لهم في الجاهلية إماء يزنين وكانت السادة تأتيهن في خلال ذلك فإذا أتت إحداهن بولد فربما يدّعيه السيد وربما يدّعيه الزاني، فإذا مات السيد ولم يكن ادّعاه ولا أنكره فادّعاه ورثته لحق به إلا أنه لا يشارك مستلحقه في ميراثه إلا أن يستلحقه قبل القسمة وإن كان السيد أنكره لم يلحق به، وكان لزمعة بن قيس والد سودة أم المؤمنين أمة على ما وصف وعليها ضريبة وهو يلم بها فظهر بها حمل كان سيدها يظنُّ أنه من عتبة أخي سعد فعهد عتبة إلى أخيه سعد قبل موته أن يستلحق الحمل الذي بأمة زمعة (قالت) عائشة: (فلما كان عام الفتح أخذه) أي الولد (سعد بن أبي وقاص) وسقط قوله: إن ابن وليدة إلى هنا من رواية ابن عساكر وقال في نسخته: إنه لم يكن في الأصل وهو من رواية الحموي والنعيمي كذا نقل عن اليونينية، (وقال) أي سعد هو (ابن أخي) عتبة (قد عهد إليّ فيه) أن أستلحقه به، وسقط لابن عساكر لفظة: قد (فقام عبد بن زمعة) بغير إضافة ابن قيس بن عبد شمس القرشي العامري أسلم يوم الفتح وهو أخو سودة أم المؤمنين، (فقال): هو (أخي وابن وليدة أبي) أي جاريته (ولد على فراشه فتساوقا) أي فتدافعا بعد تخاصمهما وتنازعهما في الولد (إلى النبي) ولأبي ذر: إلى رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال سعد: يا رسول الله) هو (ابن أخي) عتبة (كان قد عهد) ولابن عساكر: كان عهد (إليّ فيه) أن أستلحقه به. (فقال عبد بن زمعة): هو (أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال رسول الله): ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: فقال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هو) أي الولد (لك يا عبد بن زمعة) بضم الدال على الأصل ونصب نون ابن، ولأبي ذر: يا عبد بفتحها، وسقط في رواية النسائي أداة النداء، واختلف في قوله "لك" على قولين: أحدهما: معناه هو أخوك إما بالاستلحاق وإما بالقضاء بعلمه لأن زمعة كان صهره عليه الصلاة والسلام والد زوجته، ويؤيده ما في المغازي عند المؤلّف هو لك فهو أخوك يا عبد، وأما ما عند أحمد في مسنده والنسائي في سننه من زيادة ليس لك بأخ فأعلها البيهقي. وقال المنذري: إنها زيادة غير ثابتة. والثاني: أن معناه هو لك ملكًا لأنه ابن وليدة أبيك من غيره لأن زمعة لم يقرّ به ولا شهد عليه فلم يبق إلا أنه عبد تبعًا لأمه وهذا قاله ابن جرير. (ثم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الولد) تابع (للفراش) وهو على حذف مضاف أي: لصاحب الفراش زوجًا أو سيدًا. وفي كتاب الفرائض عند المؤلّف من حديث أبي هريرة الولد لصاحب الفراش، وترجم عليه وعلى حديث عائشة الولد للفراش حرّة كانت أو أمة وهو لفظ عامّ ورد على سبب خاص وهو معتبر العموم عند الأكثر نظرًا لظاهر اللفظ، وقيل هو مقصور على السبب لوروده فيه، ومثاله حديث الترمذي وغيره عن أبي سعيد الخدري قيل: يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر تلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء" أي مما ذكر وغيره، وقيل مما ذكر وهو ساكت عن غيره. ثم إن صورة السبب التي ورد عليها العام قطعية الدخول فيه عند الأكثر من العلماء لوروده فيها فلا يخص منه بالاجتهاد. وقال الشيخ تقي الدين السبكي: وهذا عندي ينبغي أن يكون إذا دلّت قرائن حالية أو مقالية على ذلك أو على

أن اللفظ العامّ يشمله بطريق لا محالة وإلاّ فقد ينازع الخصم في دخوله وضعًا تحت اللفظ العام ويدّعي أنه قد يقصد المتكلم بالعام إخراج السبب وبيان أنه ليس داخلاً في الحكم، فإن للحنفية القائلين إن ولد الأمة المستفرشة لا يلحق سيدها ما لم يقرّ به نظرًا إلى أن الأصل في اللحاق الإقرار أن يقولوا في قوله عليه الصلاة والسلام "الولد للفراش" وإن كان واردًا في أمة فهو وارد لبيان حكم ذلك الولد وبيان حكمه أما بالثبوت أو بالانتفاء فإذا ثبت أن الفراش هي الزوجة لأنها هي التي يتخذ لها الفراش غالبًا وقال: الولد للفراش كان فيه حصر أن الولد للحرة وبمقتضى ذلك لا يكون للأمة فكان فيه بيان الحكمين جميعًا نفي السبب عن المسبب وإثباته لغيره ولا يليق دعوى القطع هاهنا وذلك من جهة اللفظ، وهذا في الحقيقة نزاع في أن اسم الفراش هل هو موضوع للحرة والأمة الموطوءة أو للحرة فقط؟ فالحنفية يدعون الثاني فلا عموم عندهم له في الأمة فتخرج المسألة حينئذٍ من باب أن العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب. نعم قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا الحديث: "هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر" بهذا التركيب يقتضي أنه ألحقه به على حكم السبب فيلزم أن يكون مرادًا من قوله للفراش. فليتنبّه لهذا البحث فإنه نفيس جدًّا. وبالجملة فهذا الحديث أصل في إلحاق الولد بصاحب الفراش وإن طرأ عليه وطء محرم. (وللعاهر) أي الزاني (الحجر) أي الخيبة ولا حق له في الولد، والعرب تقول في حرمان الشخص: له الحجر وله التراب، وقيل هو على ظاهره أي الرجم بالحجارة وضعف بأنه ليس كل زانٍ يرجم بل المحصن، وأيضًا فلا يلزم من رجمه نفي الولد والحديث إنما هو في نفيه عنه. (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (لسودة بنت زمعة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: احتجبي منه) أي من ابن زمعة المتنازع فيه (يا سودة) والأمر للندب والاحتياط وإلاّ فقد ثبت نسبه وأخوّته لها في ظاهر الشرع (لما رأى) عليه الصلاة والسلام (من شبهه) أي الولد المتخاصم فيه (بعتبة) بن أبي وقاص (فما رآها) عبد الرحمن المستلحق (حتى لقي الله). عز وجل أي مات، والاحتياط لا ينافي ظاهر الحكم فيه جواز استلحاق الوارث نسبًا للمورث وإن الشبه وحكم القافة إنما يعتمد إذا لم يكن هناك أقوى منه كالفراش فلذلك لم يعتبر الشبه الواضح. وهذا موضع الترجمة لأن إلحاقه بزمعة يقتضي أن لا تحتجب منه سودة والشبه بعتبة يقتضي أن تحتجب والمشبهات ما أشبهت الحلال من وجه والحرام من آخر، وبقية مباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في محالها، وقد أخرجه المؤلّف في الفرائض والأحكام والوصايا والمغازي وشراء المملوك من الحربي ومسلم وأخرجه النسائي في الطلاق. 2054 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمِعْرَاضِ، فَقَالَ: إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُرْسِلُ كَلْبِي وَأُسَمِّي، فَأَجِدُ مَعَهُ عَلَى الصَّيْدِ كَلْبًا آخَرَ لَمْ أُسَمِّ عَلَيْهِ، وَلاَ أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَ. قَالَ: لاَ تَأْكُلْ، إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الآخَرِ". وبه قال (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن أبي السفر) بفتح المهملة والفاء آخره راء الكوفي (عن الشعبي) عامر (عن عدي بن حاتم) الطائي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: سألت النبي) ولأبي ذر: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن المعراض) بكسر الميم وسكون العين المهملة وبعد الراء ألف ثم ضاد معجمة السهم الذي لا ريش عليه أو عصا رأسها محدد أي سألته عن رمي الصيد بالعراض (فقال) عليه الصلاة والسلام: (إذا أصاب) المعراض الصيد (بحده فكل وإذا أصاب بعرضه) بفتح العين المهملة (فقتل) الصيد (فلا تأكل) منه (فإنّه وقيذ) بفتح الواو وكسر القاف آخره معجمة بمعنى موقوذ وهو المقتول بغير محدد من عصا أو حجر ونحوهما، وسقط في رواية ابن عساكر قوله: فقتل (قلت يا رسول الله أرسل كلبي) المعلّم (وأُسمي) الله (فأجد معه على الصيد كلبًا آخر لم أسم عليه ولا أدري أيهما أخذ) الصيد (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا تأكل) منه ثم علل بقوله (انما سميت) أي ذكرت الله (على كلبك) عند إرساله (ولم تسمّ على) الكلب (الآخر) وظاهره وجوب التسمية حتى لو تركها سهوًا أو عمدًا

4 - باب ما يتنزه من الشبهات

لا يحل وهو قول أهل الظاهر ومذهب الشافعية سنيتها. وتقدم البحث في ذلك في باب: إذا شرب الكلب من إناء أحدكم فليغسله سبعًا من كتاب الوضوء، ويأتي في الصيد والذبائح إن شاء الله تعالى مزيد لذلك بعون الله وقوّته. 4 - باب مَا يُتَنَزَّهُ مِنَ الشُّبُهَاتِ (باب ما يتنزه) بضم أوله أي يجتنب وللكشميهني: ما يكره (من الشبهات). 2055 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَمْرَةٍ مَسْقُوطَةٍ فَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً لأَكَلْتُهَا". وَقَالَ هَمَّامٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَجِدُ تَمْرَةً سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي». [الحديث 2055 - طرفه في: 2431]. وبه قال (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة ابن عقبة السوائي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن طلحة) بن مصرف اليامي الكوفي (عن أنس رضي الله عنه) أنه (قال: مرّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتمرة مسقطة) بضم الميم وسكون السين المهملة وفتح القاف على صيغة المفعول، ولأبي ذر: مسقوطة بفتح الميم وبعد القاف واو أي سافطة ويأتي مفعول بمعنى فاعل كقوله تعالى: {إنه كان وعده ماتيًا} أي آتيًا. ونسب الحافظ ابن حجر الرواية الأولى لكريمة والأخرى للأكثر (فقال) عليه الصلاة والسلام: (لولا أن تكون دقة) وفي نسخة: من صدقة (لأكلتها) فتركها تنزّها لأجل الشبهة وهو احتمال كونها من الصدقة. والحديث رواته كوفيون، وأخرجه أيضًا في المظالم ومسلم في الزكاة والنسائي في اللقطة. (وقال همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ابن منبه مما وصله المؤلّف في اللقطة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (أجد تمرة ساقطة على فراشي) تمامه: "فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها" وقال: أجد بلفظ المضارع استحضارًا للصورة الماضية، وذكره هنا لما فيه من تعيين المحل الذي رأى فيه التمرة وهو الفراش. 5 - باب مَنْ لَمْ يَرَ الْوَسَاوِسَ وَنَحْوَهَا مِنَ الْمُشَبَّهَاتِ (باب من لم ير الوساوس ونحوها) وفي نسخة: الوسواس ونحوه (من المشبهات) بميم مضمومة وفتح الشين المعجمة وتشديد الموحدة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من الشبهات بضم الشين والموحدة من غير ميم، ولابن عساكر: المشتبهات بميم مضمومة وسكون الشين ومثناة فوقية مفتوحة وكسر الموحدة. 2056 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: "شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّجُلُ يَجِدُ فِي الصَّلاَةِ شَيْئًا أَيَقْطَعُ الصَّلاَةَ؟ قَالَ: لاَ، حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا". وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: لاَ وُضُوءَ إِلاَّ فِيمَا وَجَدْتَ الرِّيحَ أَوْ سَمِعْتَ الصَّوْتَ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دُكين قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن سليم (عن عباد بن تميم) بتشديد الموحدة بعد العين المفتوحة (عن عمه) عبد الله بن زيد بن عاصم المازني (قال: شكي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الشين وكسر الكاف (الرجل يجد في الصلاة شيئًا) أي وسوسة في بطلان الوضوء (أيقطع الصلاة؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (لا) يقطعها (حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) فلا يزول يقين الطهارة بالشك بل يزول بيقين الحدث. (وقال ابن أبي حفصة) هو أبو سلمة محمد بن أبي حفصة ميسرة البصري مما وصله أحمد والسراج في مسنده (عن الزهري) ابن شهاب: (لا وضوء إلا فيما وجدت الريح أو سمعت الصوت). 2057 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ لاَ نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لاَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ". [الحديث 2057 - طرفاه في: 5507، 7398]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبوي ذر والوقت: حدّثنا (أحمد بن المقدام) بكسر الميم وسكون القاف (العجلي) بكسر العين المهملة وسكون الجيم البصري الحافظ قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي) بضم الطاء المهملة وتخفيف الفاء وكسر الواو قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن قومًا قالوا: يا رسول الله إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه) عند الذبح (أم لا. فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (سموا الله عليه وكلوه) ولأبي الوقت وابن عساكر: سموا عليه. واستدلّ به على أن التسمية ليست شرطًا لصحة الذبح. قال في فتح الباري: وغرض المصنف هنا بيان ورع الموسوسين كمن يمتنع من أكل الصيد خشية أن يكون الصيد كان لإنسان ثم انفلت منه وكمن يترك شراء ما يحتاج إليه من مجهول لا يدري أماله حرام أم حلال، وليست هناك علامة تدل على الحرمة، وكمن يترك تناول الشيء لخبر ورد فيه متفق على ضعفه وعدم الاحتجاج به ويكون دليل الإباحة قويًا وتأويله ممتنع أو مستبعد. 6 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] (باب قول الله تعالى: {وإذا رأوا} ولابن عساكر باب التنوين: وإذا رأوا ({تجارة أو لهوًا انفضوا إليها}) [الجمعة: 11]. 2058 - حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذْ أَقْبَلَتْ مِنَ الشَّأْمِ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا، فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً، فَنَزَلَتْ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}. وبه قال: (حدّثنا طلق بن غنام) بفتح الطاء وسكون اللام وغنام بفتح المعجمة

7 - باب من لم يبال من حيث كسب المال

والنون المشدّدة ابن معاوية النخعي الكوفي قال: (حدّثنا زائدة) بن قدامة أبو الصلت الكوفي (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي (عن سالم) هو ابن أبي الجعد واسمه رافع الأشجعي الكوفي (قال: حدّثني) بالتوحيد (جابر -رضي الله عنه- قال بينما) بالميم (نحن نصلي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي منتظرين صلاة الجمعة لأن المفارقة كانت في أثناء الخطبة لكن المنتظر للصلاة كالمصلي (اذ أقبلت من الشام عير) بكسر العين وسكون التحتية أي إبل لدحية أو لعبد الرحمن بن عوف (تحمل طعامًا فالتفتوا إليها) أي إلى العير، وفي رواية ابن فضيل: فانفض الناس أي تفرقوا وهو موافق لنص القرآن فالمراد من الالتفات الانصراف (حتى ما بقي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا اثنا عشر رجلاً) برفع اثنا بالألف ويجوز النصب لأنه استثناء من الضمير في بقي العائد على المصلي، فإنه إذا كان كذلك يجوز الرفع والنصب على ما لا يخفى. وفي رواية خالد الطحان عند مسلم أن جابرًا قال: أنا فيهم، وله في رواية هشيم فيهم أبو بكر وعمر، وروى السهيلي بسند منقطع أن الاثني عشر هم العشرة المبشرة وبلال وابن مسعود، (فنزلت: {إذا رأوا تجارة أو لهوًا انفضوا إليها}) تقديره: وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها أو لهوًا انفضوا إليه فحذف أحدهما لدلالة الآخر عليه أو أعيد الضمير إلى التجارة لأنها كانت أهم إليهم أو أن الضمير أعيد إلى المعنى دون اللفظ أي: انفضوا إلى الرؤية التي رأوها أي مالوا إلى طلب ما رأوه. وقد أشار المؤلّف بهذه الترجمة إلى أن التجارة وإن كانت ممدوحة باعتبار كونها من مكاسب الحلال فإنها قد تذمّ إذا قدمت على ما يجب تقديمه عليها قاله في الفتح. 7 - باب مَنْ لَمْ يُبَالِ مِنْ حَيْثُ كَسَبَ الْمَالَ (باب من لم يبال من حيث كسب المال). 2059 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ الْحَلاَلِ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ». [الحديث 3059 - طرفه في: 2083]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي أياس قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن قال: (حدّثنا سعيد بن المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحرام) الضمير في منه عائد إلى ما وفيه ذم ترك التحري في المكاسب. وقال السفاقسي: أخبر بهذا عليه الصلاة والسلام تحذيرًا من فتنة المال وهو من بعض دلائل نبوّته لإخباره بالأمور التي لم تكن في زمنه، ووجه الذم من جهة التسوية بين الأمرين وإلاّ فأخذ المال من الحلال ليس مذمومًا من حيث هو والله أعلم. 8 - باب التِّجَارَةِ فِي الْبَرِّ وغيرهِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37]. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْقَوْمُ يَتَبَايَعُونَ وَيَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ. (باب التجارة في البر) بفتح الموحدة والراء المهملة المشددة، ولأبوي ذر والوقت: في البز بالزاي بدل الراء، وقال الحافظ ابن حجر: عليه الأكثر وليس في الحديث ما يدل عليه بخصوصه بل بطريق عموم المكاسب، وصوّب ابن عساكر الأولى وهو أليق بمواخاة الترجمة للاحقة وهي التجارة في البحر وكذا ضبطها الحافظ الدمياطي، وأما قول البرماوي تبعًا لبعضهم إنه تصحيف فقال في الفتح: إنه خطأ إذ ليس في الآية ولا الحديث ولا الأثر اللاتي أوردها في الباب ما يرجح أحد اللفظين، ولابن عساكر: البرّ بضم الموحدة وبالراء، ونسبها ابن حجر لضبط ابن بطال وغيره فيما قرأه بخط القطب الحلبي وليس في الباب ما يقتضي تعيينه من بين أنواع التجارات، وزاد في رواية أبي الوقت وغيره بالجر عطفًا على السابق. قال الحافظ ابن حجر: ولم يقع في رواية الأكثر وثبتت عند الإسماعيلي وكريمة. (وقوله تعالى) بالخفض عطفًا على السابق أو بالرفع على الاستئناف ({رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله}) [النور: 37] قال ابن عباس: يقول عن الصلاة المكتوبة. وقال السدي: عن الصلاة في جماعة، وعن مقاتل بن حيان لا يلهيهم ذلك عن حضور الصلاة وأن يقيموها كما أمرهم الله وأن يحافظوا على مواقيتها وما استحفظهم الله فيها، والتجارة صناعة التاجر وهو الذي يبيع ويشتري للربح وعطف البيع على التجارة مع كونها أعم لأن البيع كما في الكشاف أدخل في الإلهاء من قيل أن التاجر إذا اتجهت له بيعة رابحة وهي طلبته الكلية من صناعته ألهته ما لا يلهيه شراء شيء يتوقع فيه الربح في الوقت أو لأن هذا يقين

9 - باب الخروج في التجارة

وذاك مظنون، أو أن الشراء يسمى تجارة إطلاقًا لاسم الجنس على النوع أو التجارة لأهل الجلب يقال: تجر فلان في كذا إذا جلبه، واختلف في المعنى فقيل لا تجارة لهم فلا يشتغلون عن الذكر، وقيل لهم تجارة ولكنها لا تشغلهم، وعلى هذا تنزل البخاري فإنما أراد إباحة التجارة وإثباتها لا نفيها، وأراد بقوله في البز وغيره أنه لا يتقيد في تخصيص نوع من البضائع دون غيره، وإنما التقييد في أن لا يشتغل بالتجارة عن الذكر ولم يسق في الباب حديثًا يقتضي التجارة في البز بعينها من بين سائر أنواع التجارات. قال ابن بطال: غير أن قوله تعالى: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} [النور: 37] يدخل فيه جميع أنواع التجارة من البز وغيره. قال في المصابيح: لا نسلم شمول الآية لكل تجارة بطريق العموم الاستغراقي فإن التجارة والبيع فيها من المطلق لا من العام. فإن قلت: كيف يتجه هذا وكل من التجارة والبيع في الآية وقع نكرة في سياق النفي؟ وأجاب: بأن ترجمة البخاري مقتضية لإثبات التجارة لا نفيها وأن المعنى لهم تجارة وبيع لا يلهيانهم عن ذكر الله فإذن كل منهما نكرة في سياق الإثبات فلا تعم. (وقال قتادة كان القوم) أي الصحابة (يتبايعون ويتجرون ولكنهم إذا نابهم) أي عرض لهم (حق من حقوق الله لم تلههم تجارة ولا بيع) أي لم تشغلهم الدنيا وزخرفها وملاذها وربحها (عن ذكر الله حتى يؤدّوه إلى الله) عز وجل الذي هو خالقهم ورازقهم فيقدمون طاعته ومراده ومحبته على مرادهم ومحبتهم وقال ابن بطال ورأيت في تفسير الآية قال كانوا حدادين وخزازين فكان أحدهم إذا رفع المطرقة أو غرز الأشفي لم يرفعه من الغرزة ولم يوقع المطرقة ورمى بها وقام إلى الصلاة وهذا التعليق قال في الفتح لم أره موصولاً عن قتادة نعم روى ابن أبي حاتم وابن جرير فيما ذكره ابن كثير في تفسيره عن ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد فقال ابن عمر: فيهم نزلت الآية وعزاه في فتح الباري لتخريج عبد الرزاق. 2060، 2061 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ: "كُنْتُ أَتَّجِرُ فِي الصَّرْفِ، فَسَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ -رضي الله عنه- فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح. 2061 - وَحَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَعَامِرُ بْنُ مُصْعَبٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا الْمِنْهَالِ يَقُولُ: "سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنِ الصَّرْفِ فَقَالاَ: كُنَّا تَاجِرَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الصَّرْفِ فَقَالَ «إِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلاَ يَصْلُحُ». [الحديث 2060 - أطرافه في: 2180، 2497، 3939]. [الحديث 2061 - أطرافه في: 2181، 2498، 3940]. وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد البصري (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز المكي (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو بن دينار) بفتح العين المكي (عن أبي المنهال) بكسر الميم وسكون النون آخره لام اسمه عبد الرحمن بن مطعم الكوفي (قال: كنت أتجر في الصرف) وهو بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة أو أحدهما بالآخر (فسألت زيد بن أرقم) الأنصاري الكوفي (-رضي الله عنه- فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال البخاري (ح). (وحدّثني) بالتوحيد (الفضل بن يعقوب) الرخامي بضم الراء بعدها خاء معجمة أبو العباس البغدادي الحافظ قال: (حدّثنا الحجاج بن محمد) الأعور الترمذي الأصل سكن المصيصة (قال ابن جريج) عبد الملك: (أخبرني) بالإفراد (عمرو بن دينار وعامر بن مصعب) بضم الميم وفتح العين (أنهما سمعا أبا المنهال) عبد الرحمن بن مطعم (يقول: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم عن الصرف) سقط لفظ ابن عازب (فقالا: كنا تاجرين على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسألنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الصرف فقال): (إن كان يدًا بيد) أي متقابضين في المجلس (فلا بأس) به (إن كان نساء) بفتح النون والسين المهملة ممدودًا، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: نسيئًا بكسر السين ثم مثناة تحتية ساكنة مهموزًا أي متأخرًا (فلا يصلح) واشتراط القبض في الصرف متفق عليه وإنما الاختلاف في التفاضل بين الجنس الواحد. ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في محالها، وموضع الترجمة قوله: وكانا تاجرين على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأخرج المؤلّف الطريق الثانية بنزول رجل لأجل زيادة عامر بن مصعب مع عمرو بن دينار في رواية ابن جريج عنهما عن أبي المنهال المذكور، وليس لعامر بن مصعب في البخاري سوى هذا الموضع الواحد، وروى المؤلّف هذا الحديث في البيوع وهجرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومسلم في البيوع وكذا النسائي. 9 - باب الْخُرُوجِ فِي التِّجَارَةِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10]. (باب) إباحة (الخروج في التجارة)

10 - باب التجارة في البحر

وفي للتعليل أي لأجل التجارة كقوله تعالى: {ولمسّكم فيما أفضتم} [النور: 14] (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه ({فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله}) [الجمعة: 10] إطلاق لما حظر عليهم واحتج به من جعل الأمر بعد الحظر للإباحة كما في قوله تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 12] والابتغاء من فضل الله هو طلب الرزق وسقط لابن عساكر وأبي ذر: وابتغوا من فضل الله. 2062 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ -وَكَأَنَّهُ كَانَ مَشْغُولاً- فَرَجَعَ أَبُو مُوسَى، فَفَرَغَ عُمَرُ فَقَالَ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ؟ ائْذَنُوا لَهُ. قِيلَ: قَدْ رَجَعَ. فَدَعَاهُ: فَقَالَ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِذَلِكَ. فَقَالَ: تَأْتِينِي عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ. فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسِ الأَنْصَارِ فَسَأَلَهُمْ، فَقَالُوا: لاَ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا إِلاَّ أَصْغَرُنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ. فَذَهَبَ بِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. فَقَالَ عُمَرُ: أَخَفِيَ عَلَىَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ. يَعْنِي الْخُرُوجَ إِلَى تِجَارَةٍ". [الحديث 2062 - طرفاه في: 6245، 7353]. وبه قال (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن سلام) بتخفيف اللام ابن الفرج البيكندي بكسر الموحدة وسقط في رواية ابن عساكر وأبي ذر لفظ ابن سلام قال: (أخبرنا مخلد بن يزيد) من الزيادة ومخلد بفتح الميم وسكون المعجمة وفتح اللام الحرّاني قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك (قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (عن عبيد بن عمير) بضم العين فيهما مصغرين ابن قتادة أبو عاصم قاصّ أهل مكة قال مسلم: ولد في زمانه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال البخاري: رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن أبا موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري) -رضي الله عنه- (استأذن على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-) زاد بسر بن سعيد عن أبي سعيد في الاستئذان أنه استأذن ثلاثًا (فلم يؤذن له) بضم الياء مبنيًّا للمفعول (وكأنه) أي عمر (كان مشغولاً) بأمر من أمور المسلمين (فرجع أبو موسى ففرغ عمر) من شغله (فقال: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس) أبي موسى الأشعري (ائذنوا له) بالدخول (قيل قد رجع) أي أبو موسى فبعث عمر وراءه فحضر (فدعاه) فقال: لم رجعت؟ (فقال) أي أبو موسى (كنا نؤمر بذلك) أي بالرجوع حين لم يؤذن للمستاذن قال في رواية الاستئذان المذكورة فأخبرت عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك (فقال) أي عمر: (تأتيني) بدون لام التأكيد في أوله وهو خبر أريد به الأمر وفي نسخة: تأتني بحذف التحتية التي بعد الفوقية (على ذلك) أي على الأمر بالرجوع (بالبينة) زاد مالك في موطئه فقال عمر لأبي موسى: أما إني لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وحينئذ فلا دلالة في طلبه البيّنة على أنه لا يحتج بخبر الواحد بل أراد سد الباب خوفًا من غير أبي موسى أن يختلق كذبًا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عند الرغبة والرهبة، (فانطلق) أي أبو موسى (إلى مجلس الأنصار) بتوحيد مجلس، ولأبي ذر عن الكشميهني: إلى مجالس الأنصار (فسألهم) عن ذلك (فقالوا: لا يشهد لك على هذا) الذي أنكره عمر -رضي الله عنه- (إلا أصغرنا أبو سعيد) سعد بن مالك (الخدري) أشاروا إلى أنه حديث مشهور بينهم حتى أن أصغرهم سمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، (فذهب) أي أبو موسى (بأبي سعيد الخدري) إلى عمر فأخبره أبو سعيد بذلك (فقال عمر أخفي عليّ) ولأبوي ذر والوقت عن الحموي: أخفي هذا عليّ (من أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) والهمزة في أخفي للاستفهام وياء عليّ مشددة (ألهاني) الذي شغلني (الصفق بالأسواق يعني) عمر رضي عنه بذلك (الخروج إلى تجارةٍ) ولابن عساكر عن الكشميهني: إلى التجارة بالتعريف أي شغله ذلك عن ملازمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض الأوقات حتى حضر من هو أصغر مني ما لم أحضره من العلم وفيه أن طلب الدنيا يمنع من استفادة العلم، وقد كان احتياج عمر -رضي الله عنه- إلى السوق لأجل الكسب لعياله والتعفّف عن الناس. وهذا موضع الترجمة، وفي ذلك ردّ على من يتنطع في التجارة فلا يحضر الأسوا ويتحرّج منها، لكن يحتمل أن تحرّج من يتحرّج لغلبة المنكرات في الأسواق في هذه الأزمنة بخلاف الصدر الأول، وفي الحديث أن قول الصحابي كنا نؤمر بكذا له حكم الرفع. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الاعتصام ومسلم في الاستئذان وأبو داود في الأدب. 10 - باب التِّجَارَةِ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ مَطَرٌ: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ إِلاَّ بِحَقٍّ ثُمَّ تَلاَ: {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [النحل: 14] وَالْفُلْكُ السُّفُنُ، الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ سَوَاءٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَمْخَرُ السُّفُنُ الرِّيحَ، وَلاَ يَمْخَرُ الرِّيحَ مِنَ السُّفُنِ إِلاَّ الْفُلْكُ الْعِظَامُ. (باب التجارة في البحر) أي باب إباحة ركوب البحر للتجارة. قال الحافظ ابن حجر: وفي بعض النسخ وغيره (وقال مطر) هو ابن طهمان أبو رجاء الوراق البصري مما وصله ابن أبي حاتم (لا بأس به) أي بركوب البحر (و) يقول (ما ذكره

الله) أي ركوب البحر (في القرآن إلا بحق) ولابن عساكر: وما ذكر الله بإسقاط الضمير المنصوب وفي نسخة بالفرع إلا بالحق، ووقع في رواية الحموي وقال مطرف بدل مطر. قال الحافظ ابن حجر وغيره: إنه تصحيف (ثم تلا) مطر ({وترى الفلك مواخر فيه}) وهذه آية النحل ولأبي ذر: {وترى الفلك فيه مواخر} بتقديم فيه على مواخر وهذه آية سورة فاطر ({ولتبتغوا من فضله}) [النحل: 14] من سعة رزقه تركبونها للتجارة، ووجه حمل مطر ذلك على الإباحة أنه سيقت في مقام الامتنّان لأن الله تعالى جعل البحر لعباده لابتغاء فضله من نعمه التي عددها لهم وأراهم في ذلك عظيم قدرته وسخر الرياح باختلافها لحملهم وترددهم وهذا من عظيم آياته، وهذا يرد على من منع ركوب البحر فى إبّان ركوبه وهو قول يروى عن عمر رضي الله عنه. ولما كتب إلى عمرو بن العاص يسأله عن البحرّ فقال: خلف عظيم يركبه خلق ضعيف دود على عود فكتب إليه عمر -رضي الله عنه- أن لا يركبه أحد طول حياته، فلما كان بعد عمر رضي الله عنه لم يزل يركب حتى كان عمر بن عبد العزيز فاتبع فيه رأي عمر -رضي الله عنه- وكان منع عمر لشدة شفقته على المسلمين، وأما إذا كان إبان هيجانه وارتجاجه فلا يجوز ركوبه لأنه تعرض للهلاك، وقد نهى الله عباده عن ذلك بقوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة: 195]. قال البخاري: (والفلك) في الآية هي (السفن) بضم السين والفاء جمع سفينة وسميت سفينة لأنها تسفن وجه الماء أي تقشره فعيلة بمعنى فاعلة والجمع سفائن وسفن وسفين، وقوله: (الواحد والجمع) وسقطت الواو من قوله والفلك لأبي ذر، ولأبي ذر وابن عساكر: والجميع (سواء) يعني في الفلك بدليل قوله تعالى: {في الفلك المشحون} [يس: 41] وقوله: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} [يونس: 22] فذكره في الإفراد والجمع بلفظ واحد. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في تفسيره وعبد بن حميد من وجه آخر: (تمخر) بفتح التاء وسكون الميم وفتح المعجمة أي تشق (السفن الريح) برفع السفن على الفاعلية ونصب الريح على المفعولية كذا في فرع اليونينية. قال عياض: وهو رواية الأصيلي وهو الصواب ويدل له قوله تعالى: {مواخر فيه} إذ جعل الفعل للسفن وقال الخليل مخرت السفينة الريح إذا استقبلته. وقال أبو عبيد وغيره: هو شقها الماء، وعلى هذا فالسفينة رفع على الفاعلية، ولأبي ذر وابن عساكر: من الريح، وفي نسخة قال عياض: وهي للأكثر تمخر السفن بالنصب الريح بالرفع على الفاعلية لأن الريح هي التي تصرف السفينة في الإقبال والإدبار، (ولا يمخر الريح) شيء (من السفن) بنصب الريح على المفعولية، ولأبي ذر: الريح شيئًا من السفن برفع الريح على الفاعلية (إلا الفلك العظام) بالرفع فيهما بدلاً من المستثنى منه لأنه منفي، ولأبي ذر: إلا الفلك العظام بالنصب فيهما على الاستثناء. 2063 - وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ" وَسَاقَ الْحَدِيثَ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بِهَذَا. (وقال الليث) بن سعد الإمام: (حدّثني) بالتوحيد (جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل بن حسنة المصري (عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل خرج في البحر) ولأبي ذر إلى البحر (فقضى حاجته وساق الحديث) ويأتي بتمامه في الكفالة إن شاء الله تعالى، وسبق في كتاب الزكاة في باب: ما يستخرج من البحر بصورة التعليق أيضًا ولفظه: أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فدفعها إليه فخرج في البحر فلم يجد مركبًا فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار فرمى بها في البحر فخرج الرجل الذي كان أسلفه فإذا بالخشبة فأخذها لأهله حطبًا فذكر الحديث، فلما نشرها وجد المال والرجل المقرض هو النجاشي كما نقله الحافظ ابن حجر في المقدمة عن كتاب الصحابة لمحمد بن الربيع الجيزي، وفيه بحث يأتي، إن شاء الله تعالى في الكفالة. وهذا الحديث قد وصله الإسماعيلي، وكذا هو موصول عند المؤلّف في رواية أبي ذر عن المستملي حيث قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن صالح) كاتب الليث (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (الليث بهذا) الحديث. وأفاد في فتح الباري أن هذا ثابت في رواية أبي الوقت أيضًا، وقال

11 - باب {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها} [الجمعة: 11] وقوله جل ذكره: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} [النور: 37].

صاحب اللامع وفي بعض النسخ تقديم ذلك على قوله، وقال الليث: ويعزى ذلك لرواية الحموي، ولكن الصواب أن يكون مؤخرًا، فإن البخاري لم يخرج عن عبد الله بن صالح كاتب الليث في الجامع مسندًا ولا حرفًا بل ولا مسلم إلا أن البخاري استشهد به في مواضع، وهذا معنى قول أبي ذر أن كل ما قاله البخاري عن الليث فإنما سمعه من عبد الله بن صالح كاتب الليث في الاستشهاد انتهى. ووجه تعلقه بالترجمة ظاهر من جهة أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يرد في شرعنا ما ينسخه لا سيما إذا ذكره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقررًا له أو في سياق الثناء على فاعله وما أشبه ذلك، ويحتمل أن يكون مراد المؤلّف بإيراد هذا أن ركوب البحر لم يزل متعارفًا مألوفًا من قديم الزمان فيحمل على أصل الإباحة حتى يرد دليل على المنع والحديث يأتي إن شاء الله تعالى في الكفالة والاستقراض واللقطة والشروط والاستئذان، وأخرجه النسائي في اللقطة. 11 - باب {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37]. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْقَوْمُ يَتَّجِرُونَ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ. هذا (باب) بالتنوين ({وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}) [الجمعة: 11] (وقوله جلّ ذكره: {رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}) [النور: 37]. (وقال قتادة: كان القوم) أي الصحابة (يتجرون ولكنهم كانوا إذا نابهم حق من حقوق الله) عز وجل (لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتى يؤدوه إلى الله) كذا وقع ذلك كله معاذًا في رواية المستملي وحده وسقط لغيره قال الحافظ ابن حجر: إلا النسفيّ فإنه ذكره هنا وحذفه فيما سبق انتهى، وسقط عند المستملي في رواية أبي ذر لفظ "رجال" وعن أبي ذر سقوط قوله "عن ذكر الله" وهذا التعليق قد سبق في باب التجارة في البرّ أنه لم يقف عليه موصولاً مع ما فيه. 2064 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَقْبَلَتْ عِيرٌ وَنَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْجُمُعَةَ، فَانْفَضَّ النَّاسُ إِلاَّ اثْنَىْ عَشَرَ رَجُلاً، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولابن عساكر: حدّثنا (محمد) هو ابن سلام البيكندي (قال: حدّثني) بالإفراد من التحديث ولابن عساكر: أخبرنا بالجمع من الإخبار (محمد بن فضيل) مصغرًا ابن غزوان الضبي الكوفي (عن حصين) مصغرًا ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي (عن سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة الكوفي (عن جابر -رضي الله عنه- قال: أقبلت -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن نصلي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجمعة) أي ننتظرها (فانفض الناس) أي فتفرقوا (إلا اثني عشر رجلاً) بنصب اثني بالياء على الاستثناء (فنزلت هذه الآية {وإذا رأوا تجارة أو لهوًا انفضوا إليها وتركوك قائمًا}) [الجمعة: 11] أي في الخطبة. وهذا الحديث قد سبق في باب التجارة في البر وذكر هنا لكن بتخالف لبعض المتن والسند. 12 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267] (باب) تفسير (قول الله تعالى: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} [البقرة: 267] أي من خلاله أو جياده وعن مجاهد المراد به التجارة، ولأبي الوقت: كلوا بدل أنفقوا. قال ابن بطال: وهو غلط وأفاد في فتح الباري أنه رأى ذلك في رواية النسفيّ. 2065 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لاَ يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا». وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) أخو أبي بكر (قال: حدّثنا جرير) بفتح الجيم وكسر الراء ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) بالهمز شقيق (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا أنفقت المرأة) على عيال زوجها وأضيافه ونحوهم (من طعام) زوجها الذي في (بيتها) المتصرفة فيه إذا أذن لها في ذلك بالصريح أو بالمفهوم أو علمت رضاه بذلك حال كونها (غير مفسدة) له بأن لم تتجاوز العادة (كان لها) أي للمرأة وأفاد الزركشي أن قوله وكان ثبت بالواو فيحتمل زيادتها ولهذا روي بإسقاطها انتهى، والذي في الفرع وغيره كان بحذف الواو. وقال في المصابيح: لم تثبت زيادة الواو في جواب إذا فالذي ينبغي أن يجعل الجواب محذوفًا والواو عاطفة على المعهود فيها محافظة على إبقاء القواعد وعدم الخروج عنها أي لم تأثم وكان لها (أجرها بما أنفقت) غير مفسدة (ولزوجها) زاد في باب: من أمر خادمه بالصدقة أجره (بما كسب) أي بسبب كسبه وهذا موضع الترجمة (وللخازن) الذي يحفظ الطعام المتصدق منه (مثل ذلك) من الأجر (لا ينقص) بفتح أوله وضم ثالثه (بعضهم أجر بعض) أي من أجر بعض (شيئًا) بالنصب مفعول

13 - باب من أحب البسط في الرزق

ينقص. وهذا الحديث سبقت مباحثه في الزكاة. 2066 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِهِ». [الحديث 2066 - أطرافه في: 5192، 5195، 5360]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (يحيى بن جعفر) أبو زكريا البيكندي قال: (حدّثنا) ولابن عساكر أخبرنا (عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) بفتح الميمين ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه أنه (قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره) الصريح في ذلك القدر العين فلا يشترط في ذلك الإذن الصريح بل لو فهمت الإذن لها بقرائن حالية دالّة على ذلك جاز لها الاعتماد على ذلك فينزل منزلة صريح الإذن، أو المراد إنفاقها من الذي اختصّها الزوج به فإنه يصدق بأنه من كسبه فيؤجر عليه وكونه بغير أمره، ولا بدّ من الحمل على هذين المعنيين وإلا فلو لم تكن مأذونًا لها فيه أصلاً فهي متعدية فلا أجر لها بل عليها الوزر (فله) أي للزوج، وللكشميهني: فلها أي للمرأة (نصف أجره) محمول على ما إذا لم يكن هناك من يعينها على تنفيذ الصدقة بخلاف حديث عائشة -رضي الله عنها- ففيه أن للخادم مثل ذلك أو أن معنى النصف أن أجره وأجرها إذا جمعا كان لها النصف من ذلك فلكلِّ منهما أجر كامل وهما اثنان فكأنهما نصفان، وقيل إنه بمعنى الجزء والمراد المشاركة في أصل الثواب وإن كان أحدهما أكثر بحسب الحقيقة. وموضع الترجمة قوله: من كسب زوجها فإن كسبه من التجارة وغيرها وهو مأمور بأن ينفق من طيبات ما كسب. وأخرجه المؤلّف أيضًا في النفقات ومسلم في الزكاة وكذا أبو داود. 13 - باب مَنْ أَحَبَّ الْبَسْطَ فِي الرِّزْقِ (باب من أحب البسط) التوسع (في الرزق). 2067 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ الْكِرْمَانِيُّ حَدَّثَنَا حَسَّانُ حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». [الحديث 2067 - طرفه في: 5986]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن أبي يعقوب) إسحاق (الكرماني) بكسر الكاف قال: (حدّثنا حسان) بتشديد المهملة من غير صرف ابن إبراهيم أبو هشام العنزي بالزاي قاضي كرمان قال: (حدّثنا يونس) بن يزيد قال: (حدّثنا محمد) هو ابن مسلم بن شهاب، ولأبي ذر وابن عساكر قال: محمد هو الزهري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من سره) أي من أفرحه (أن يبسط له رزقه) بضم المثناة التحتية وسكون الموحدة وفتح المهملة مبنيًّا للمفعول، ولأبي ذر وابن عساكر: له في رزقه (أو ينسأ) بضم أوّله وسكون النون آخره همزة منصوب عطفًا على أن يبسط أي يؤخر (له في أثره) بفتح الهمزة المقصورة والمثلثة أي في بقية عمره وجواب من قوله (فليصل رحمه) كل ذي رحم محرم أو الوارث أو القريب وقد يكون بالمال وبالخدمة وبالزيارة. واستشكل هذا مع قوله في الحديث الآخر كتب رزقه وأجله في بطن أمه. وأجيب: بأن معنى البسط في الرزق البركة فيه إذ الصلة صدقة وهي تربي المال وتزيد فيه فينمو بها وفي العمر حصول القوّة في الجسد أو يبقى ثناؤه الجميل على الألسنة فكأنه لم يمت، وبأنه يجوز أن يكتب في بطن أمه إن وصل رحمه فرزقه وأجله كذا وإن لم يصل فكذا. في كتاب الترغيب والترهيب للحافظ أبي موسى المديني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "إن الإنسان ليصل رحمه وما بقي من عمره إلا ثلاثة أيام فيزيد الله تعالى في عمره ثلاثين سنة وإن الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فينقص الله تعالى عمره حتى لا يبقي منه إلا ثلاثة أيام" ثم قال: حديث حسن. ومن حديث إسماعيل بن عياش عن داود بن عيسى قال: مكتوب في التوراة صلة الرحم وحسن الخلق وبرّ القرابة يعمر الديار ويكثر الأموال ويزيد في الآجال وإن كان القوم كفارًا. قال أبو موسى: يروى هذا من طريق أبي سعيد الخدري مرفوعًا عن التوراة. 14 - باب شِرَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّسِيئَةِ (باب شراء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنسيئة) بفتح النون وكسر السين المهملة وفتح الهمزة أي بالأجل. 2068 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: "ذَكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ فِي السَّلَمِ فَقَالَ: حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ". [الحديث 2068 - أطرافه في: 2096، 2200، 2251، 2252، 2386، 2509، 2513، 2916، 4467]. وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بضم الميم وفتح العين المهملة وفتح اللام المشددة أبو الهيثم قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: ذكرنا عند إبراهيم) النخعي (الرهن في السلم) أي

15 - باب كسب الرجل وعمله بيده

في السلف ولم يرد به السلم العرفي الذي هو بيع الدين بالعين (فقال) أي إبراهيم: (حدّثني) بالإفراد (الأسود) بن يزيد وهو خال إبراهيم (عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشترى طعامًا) في البخاري من حديث عائشة أنه ثلاثون صاعًا من شعير، وفي أخرى عشرون، وللبزار من طريق ابن عباس: أربعون، وفي مصنف عبد الرزاق: وسق من شعير (من يهودي) هو أبو الشحم كما في مسند الشافعي ومبهمات الخطيب، ورواه البيهقي (إلى أجل ورهنه درعًا من حديد) بكسر الدال المهملة ما يلبس في الحرب. قال أبو عبد الله محمد بن أبي بكر التلمساني في كتاب الجوهرة: إن هذه الدرع هي ذات الفضول قيل، وإنما لم يرهنه عند أحد من مياسير الصحابة حتى لا يبقى لأحد عليه منّة لو أبرأه منه. وفي الحديث جواز البيع إلى أجل ومعاملة اليهود وإن كانوا يأكلون أموال الربا كما أخبر الله تعالى عنهم، ولكن مبايعتهم وأكل طعامهم مأذون لنا فيه بإباحة الله تعالى وفيه معاملة من يظن أن أكثر ماله حرام ما لم يتيقن أن المأخوذ بعينه حرام وجواز الرهن في الحضر وإن كان في التنزيل مقيدًا بالسفر. وفي هذا الحديث ثلاثة من التابعين على نسق واحد الأعمش وإبراهيم والأسود، وأخرجه المؤلّف في البيوع والاستقراض والرهن والجهاد والمغازي، ومسلم في البيوع، وكذا النسائي، وأخرجه ابن ماجة في الأحكام. 2069 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ ح. وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ أَبُو الْيَسَعِ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ: "عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لأَهْلِهِ. وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَاعُ بُرٍّ وَلاَ صَاعُ حَبٍّ، وَإِنَّ عِنْدَهُ لَتِسْعَ نِسْوَةٍ". [الحديث 2069 - طرفه في: 2508]. وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي القصاب قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس ح) لتحويل السند. (وحدّثني) بواو العطف والإفراد وسقطت الواو ولغير أبي ذر وابن عساكر (محمد بن عبد الله بن حوشب) بفتح الحاء والشين المعجمة بينهما واو ساكنة آخره موحدة على وزن كوكب قال: (حدّثنا أسباط) بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وبالموحدة وبعد الألف طاء مهملة (أبو اليسع) يفتح المثناة التحتية والسين المهملة (البصري) وليس له في البخاري سوى هذا الموضع قال: (حدّثنا هشام الدستوائي عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه- أنه مشى إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بخبز شعير وإهالة) بكسر الهمزة وتخفيف الهاء الألية أو ما أذيب من الشحم أو كل ما يؤتدم به من الأدهان أو الدسم الجامد على المرقة (سنخة) بفتح السين المهملة وكسر النون وفتح الخاء المعجمة أي متغيرة الرائحة من طول المكث، وروي زنخة بالزاي (ولقد رهن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- درعًا له) من حديد تسمى ذات الفضول (بالمدينة عند يهودي) هو أبو الشحم (وأخذ منه شعيرًا) ثلاثين صاعًا أو عشرين أو أربعين أو وسقًا واحدًا كما مرّ (لأهله) لأزواجه وكنّ تسعًا. قال أنس: (ولقد سمعته) عليه الصلاة والسلام (يقول): (ما أمسى عند آل محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صاع بر ولا صاع حب) تعميم بعد تخصيص. قال البرماوي: وآل مقحمة (وإن عنده لتسع نسوة) بنصب تسع اسم إن واللام فيه للتأكيد وفيه: ما كان عليه الصلاة والسلام من التقلل من الدنيا اختيارًا منه، وهذا من كلام أنسٍ كما مرّ والضمير في سمعته للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما مرّ أي قال ذلك لما رهن الدرع عند اليهودي مظهرًا للسبب في شرائه إلى أجل كذا قاله الحافظ ابن حجر قال: وذهل من زعم أنه كلام قتادة وجعل الضمير في سمعته لأنس لأنه إخراج للسياق عن ظاهره بغير دليل انتهى. وهذا قاله البرماوي كالكرماني وانتصر له العيني متعقبًا لابن حجر فقال: الأوجه في حق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما قاله الكرماني لأن في نسبة ذلك إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نوع إظهار بعض الشكوى وإظهار الفاقة على سبيل المبالغة وليس ذلك يذكر في حقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ورجال هذا الحديث كلهم بصريون، وساقه المؤلّف هنا على لفظ أسباط، وفي الرهن على لفظ مسلم بن إبراهيم مع أن طريق مسلم أعلى وذلك لأن أسباطًا فيه مقال فاحتاج إلى ذكره عقب من يعضده ويتقوّى به، ولأن من عادته غالبًا أن لا يذكر الحديث الواحد في موضعين بإسناد واحد. 15 - باب كَسْبِ الرَّجُلِ وَعَمَلِهِ بِيَدِهِ (باب) بيان فضل (كسب الرجل وعمله بيده) هو من عطف الخاص على العام لأن

الكسب أعمّ من أن يكون بعمل اليد أو بغيرها. 2070 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ قَالَ: لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مَئُونَةِ أَهْلِي، وَشُغِلْتُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَيَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (قال: حدّثني) ولأبوي ذر والوقت: أخبرني بالإفراد فيهما (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما استخلف أبو بكر الصدّيق) -رضي الله عنه- (قال: لقد علم قومي) قريش أو المسلمون (أن حرفتي) بكسر المهملة وسكون الراء بعدها فاء أي جهة كسبي (لم تكن تعجز) بكسر الجيم (عن مؤنة أهلي وشغلت) بضم المعجمة مبنيًّا للمفعول (بأمر المسلمين) عن الاحترام (فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال) لأنه لما اشتغل بالنظر في أمور المسلمين لكونه خليفة احتاج أن يأكل هو وأهله من بيت المال. وقد روى ابن سعد بإسناد مرسل رجاله ثقات قال: لما استخلف أبو بكر أصبح غاديًا إلى السوق على رأسه أثواب يتجر بها فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجرّاح -رضي الله عنهما- فقالا: كيف تصنع هذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالوا: نفرض لك ففرضوا له كل يوم شطر شاة. ففيه أن القدر الذي كان يتناوله فرض له باتفاق من الصحابة. (ويحترف للمسلمين فيه) أي يتجر في أموالهم بأن يعطي المال لمن يتجر فيه ويجعل ربحه للمسلمين في نظير ما يأخذه، وللمستملي والحموي: واحترف بهمزة بدل الياء وهذا تطوّع منه فإنه لا يجب على الإمام الاتجار في أموال المسلمين بقدر مؤنته لأنها فرض في بيت المال، أو المراد من الاحتراف نظره في أمورهم وتمييز مكاسبهم وأرزاقهم أو المعنى يجازيهم يقال: احترف الرجل إذا جازى على خير أو شر. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث أن فيه ما يدل على أن كسب الرجل بيده أفضل، وذلك أن أبا بكر -رضي الله عنه- كان يحترف أي يكتسب ما يكفي عياله ثم لما اشتغل بأمر المسلمين حين استخلف لم يكن يفرغ للاحترام بيده فصار يحترف للمسلمين وإنه يعتذر عن تركه الاحترام لأهله، فلولا أن الكسب بيده أفضل لم يكن ليعتذر، وقد صوّب النووي أن أطيب الكسب ما كان بعمل اليد. وهذا الحديث وإن كان ظاهره أنه موقوف لكنه بما اقتضاه من أنه قبل أن يستخلف كان يحترف لتحصيل مؤنة أهله يصير مرفوعًا لأنه كقول الصحابي: كنا نفعل كذا على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 2071 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: "كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ يَكُونُ لَهُمْ أَرْوَاحٌ، فَقِيلَ لَهُمْ: لَوِ اغْتَسَلْتُمْ". رَوَاهُ هَمَّامٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ. وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن إسماعيل المؤلّف قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد) هو المقري مولى عمر بن الخطاب القرشي العدوي شيخ المؤلّف قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي أيوب المصري (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو الأسود) محمد بن عبد الرحيم يتيم عروة بن الزبير (عن عروة قال: قالت عائشة -رضي الله عنها-: كان أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمال أنفسهم) بضم العين وتشديد الميم جمع عامل (وكان) ولأبي ذر وابن عساكر: فكان بالفاء (يكون لهم أرواح) جمع ريح وهو أكثر من أرياح خلافًا لا يقتضيه كلام الصحاح وذلك أن فيه والريح واحدة الرياح والأرياح وقد يجمع على أرواح لأن أصلها الواو وأراح اللحم أنتن، وكان الأولى شأنية واسمها ضمير مستتر فيها ويكون لهم أرواح في محل نصب خبر كان وعبر بيكون المضارع استحضارًا للماضي أو إرادة الاستمرار (فقيل لهم: لو اغتسلتم) لذهبت عنكم تلك الروائح الكريهة. (رواه) أي الحديث المذكور (همام) بفتح المهملة وتشديد الميم ابن يحيى بن دينار الشيباني البصري (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) وفي بعض النسخ: وقال همام بدل رواه وقد وصله أبو نعيم في مستخرجه من طريق هدبة عنه بلفظ: كان القوم خدّام أنفسهم فكانوا يروحون إلى الجمعة فأمروا أن يغتسلوا. 2072 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنْ ثَوْرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ الْمِقْدَامِ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ». وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي الفرّاء الرازي الصغير قال: (أخبرنا عيسى بن يونس) الهمداني وسقط لأبوي ذر والوقت وابن عساكر بن يونس (عن ثور) بالمثلثة ابن يزيد من الزيادة الكلاعي الحمصي اتفقوا على تثبته في الحديث

لكنه كان قدريًا فأخرج من حمص فأحرقت داره بها فارتحل منها إلى القدس وقدم المدينة فنهى مالك عن مجالسته. وقال ابن معين: كان يجالس قومًا ينالون من عليّ لكنه كان لا يسب، وقد احتج به الجماعة وكان الثوري يقول: خذوا عنه (عن خالد بن معدان) بفتح الميم وسكون العين المهملة بعدها دال مهملة وبعد الألف نون الكلاعي كان يسبّح في اليوم أربعين ألف تسبيحة (عن المقدام) بكسر الميم وسكون القاف ابن معد يكرب الكندي (-رضي الله عنه- عن رسول الله) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما أكل أحد طعامًا) وعند الإسماعيلي ما أكل أحد من بني آدم طعامًا (قطّ خيرًا) بالنصب. قال في المصابيح: يحتمل أن يكون صفة لمصدر محذوف أي أكلاً خيرًا (من أن يأكل من عمل يده) فيكون أكله من طعام ليس من كسب يده منفي التفضيل على أكله من كسب يده وهو واضح ويحتمل أن يكون صفة لطعامًا فيحتاج إلى تأويل أيضًا وذلك لأن الطعام في هذا التركيب مفضل على نفس أكل الإنسان من عمل يده بحسب الظاهر، وليس المراد فيقال في تأويله الحرف المصدري وصلته بمعنى مصدر مراد به المفعول أي من مأكوله من عمل يده فتأمله وعند الإسماعيلي خير بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو خير، وقوله: من عمل يده بالإفراد، وعند الإسماعيلي يديه بالتثنية ووجه الخيرية ما فيه من إيصال النفع إلى المكاسب وإلى غيره وللسلامة عن البطالة المؤدّية إلى الفضول ولكسر النفس به وللتعفّف عن ذل السؤال (وأن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده) في الدروع من الحديد ويبيعه لقوته، وخصّ داود بالذكر لأن اقتصاره في أكله على ما يعمله بيده لم يكن من الحاجة لأنه كان خليفة في الأرض وإنما ابتغى الأكل من طريق الأفضل، ولهذا أورد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه من أن خير الكسب عمل اليد، وقد كان نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل من سعيه الذي يكسبه من أموال الكفار بالجهاد وهو أشرف المكاسب على الإطلاق لما فيه من إعلاء كلمة الله وخذلان كلمة أعدائه والنفع الأخروي. 2073 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - كَانَ لاَ يَأْكُلُ إِلاَّ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ". [الحديث 2073 - طرفاه في: 3417، 4713]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن موسى) بن عبد ربه البلخي المشهور بختّ قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري الصنعاني ثقة حافظ شهير عمي في آخر عمره فتغير وكان يتشيع، وقد احتجّ به الشيخان في جملة حديث من سمع منه قبل الاختلاط، وقال ابن معين: كان عبد الرزاق أثبت في حديث معمر وروى له الجماعة قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام بن منبه) بكسر الموحدة المشدّدة قال: (حدّثنا أبو هريرة) -رضي الله عنه- (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أن داود عليه السلام) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: أن داود النبي عليه السلام (كان لا يكل إلا من عمل يده) صريح في الحصر بخلاف الذي قبله، وهو طرف من حديث يأتي إن شاء الله تعالى في ترجمة داود من أحاديث الأنبياء، ووقع في المستدرك عن ابن عباس بسند واهٍ: كان داود زرّادًا، وكان آدم حرّاثًا، وكان نوح نجارًا، وكان إدريس خياطًا، وكان موسى راعيًا وفي أن التكسب لا يقدح في التوكل. 2074 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي: (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي عبيد) بالضم مصغرًا من غير إضافة (مولى عبد الرحمن بن عوف أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لأن) بفتح اللام. قال الزركشي: على جواب قسم مقدر. قال البدر الدماميني: يحتمل كونها لام الابتداء ولا تقدير (يحتطب أحدكم حزمة) بضم الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة فيحملها (على ظهره) فيبيعها فيأكل ويتصدّق (خير من) وللكشميهني وابن عساكر خير له من (أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه) بنصب الفعلين جوابًا للطلب ولا يخفى ما في ذلك من ذلّ السؤال مع

16 - باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع ومن طلب حقا فليطلبه في عفاف

ما ينضاف إلى ذلك من ألم الحرمان. وهذا الحديث قد مضى في الزكاة في باب قول الله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافًا} [البقرة: 273]. 2075 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أَحْبُلَهُ ... ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن موسى) المشهور بختّ قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجرّاح الرؤاسي بضم الراء وهمزة ثم مهملة الكوفي قال: (حدّثنا هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام (عن أبيه) عروة (عن الزبير بن العوام -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لأن) بفتح اللام (يأخذ أحدكم أحبله) بفتح الهمزة وضم الموحدة جمع حبل كفلس وأفلس أي أخذ الحبل للاحتطاب، ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي: خير له من أن يسأل الناس. وبه قال: 16 - باب السُّهُولَةِ وَالسَّمَاحَةِ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَمَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ (باب) استحباب (السهولة) ضد الصعوبة (والسماحة) أي الجود والسخاء (في الشراء والبيع). وقول الحافظ ابن حجر: السهولة والسماحة متقاربان في المعنى فعطف أحدهما على الآخر من التأكيد اللفظي تعقبه العيني بأنهما متغايران في أصل الوضع، فلا يصح أن يقال من التأكيد اللفظي لأن التأكيد اللفظي أن يكون المؤكد والمؤكد لفظًا واحدًا من مادة واحدة كما عرف في موضعه، (ومن طلب حقًّا) له ممن عليه (فليطلبه) منه حال كونه (في) ولابن عساكر في نسخة عن (عفاف) بفتح العين الكف عما لا يحل، وهذا القدر أخرجه الترمذي وابن ماجة وابن حبان من حديث نافع عن ابن عمر وعائشة مرفوعًا بلفظ "من طلب حقًا فليطلبه في عفاف وافٍ أو غير وافٍ". 2076 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى» ". وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عياش) بفتح العين المهملة وتشديد التحتية وبعد الألف شين معجمة الألهاني الحمصي قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وبعد الألف نون (محمد بن مطرف) بكسر الراء على صيغة اسم الفاعل من التطريف (قال: حدّثني) بالإفراد (محمد بن المنكدر) على وزن اسم الفاعل من الانكدار (عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (رحم الله رجلاً سمحًا) بإسكان الميم من السماحة وهي الجود (إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى) أي طلب قضاء حقه بسهولة، وهذا يحتمل الدعاء والخبر، ويؤيد الثاني قوله في حديث الترمذي عن زيد بن عطاء بن السائب عن ابن المنكدر في هذا الحديث: غفر الله لرجل كان قبلكم كان سهلاً إذا باع، ولكن قرينة الاستقبال المستفاد من إذا تجعله دعاء وتقديره رجلاً يكون سمحًا وقد يستفاد العموم من تقييده بالشرط قاله البرماوي وغيره كالكرماني، وفي رواية حكاها ابن التين: وإذا قضى أي أعطى الذي عليه بسهولة من غير مطل. وهذا الحديث أخرجه الترمذي كما مرّ، وكذا أخرجه ابن ماجة في التجارات. 17 - باب مَنْ أَنْظَرَ مُوسِرًا (باب) فضل (من أنظر موسرًا). 2077 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ أَنَّ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ حَدَّثَهُ أَنَّ حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَلَقَّتِ الْمَلاَئِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، قَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا وَيَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُوسِرِ. قَالَ: قَالَ فَتَجَاوَزُوا عَنْهُ». وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ عَنْ رِبْعِيٍّ: «كُنْتُ أُيَسِّرُ عَلَى الْمُوسِرِ، وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ». وَتَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ رِبْعِيٍّ. وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ رِبْعِيٍّ: «أُنْظِرُ الْمُوسِرَ، وَأَتَجَاوَزُ عَنِ الْمُعْسِرِ». وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ رِبْعِيٍّ: «فَأَقْبَلُ مِنَ الْمُوسِرِ، وَأَتَجَاوَزُ عَنِ الْمُعْسِرِ». [الحديث 2077 - طرفاه في: 2391، 3451]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي وفتح الهاء مصغرًا ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي قال: (حدّثنا منصور) هو ابن المعتمر السلمي (أن ربعي بن حراش) بكسر الراء وسكون الموحدة وبعد العين المهملة المكسورة تحتية مشدّدة وحراش بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وبعد الألف شين معجمة (حدّثه أن حذيفة) بن اليمان (-رضي الله عنه- حدّثه قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تلقت الملائكة) استقبلت (روح رجل ممن كان قبلكم) عند الموت (قالوا) أي الملائكة، ولأبي ذر: فقالوا (أعملت) بهمزة الاستفهام (من الخير شيئًا)؟ زاد في رواية عبد الملك بن عمير عن ربعي في ذكر بني إسرائيل فقال ما أعلم قيل انظر (قال: كنت آمر فتياني) بكسر الفاء جمع فتى وهو الخادم حرًّا كان أو مملوكًا (أن ينظروا) بضم أوله وكسر ثالثه أي يمهلوا (ويتجاوزوا) أي يتسامحوا في الاستيفاء (عن الموسر) كذا في اليونينية ليس فيها ذكر المعسر وكذا فيما وقفت عليه من الأصول المعتمدة، لكن قال الحافظ ابن حجر أنها كذلك ساقطة في رواية أبي ذر والنسفيّ وللباقين إثباتها، والجار والمجرور يتعلق بقوله: ويتجاوزوا، لكنه يخالف الترجمة بمن أنظر موسرًا فيقتضي أن الموسر يتعلق بقوله: ينظروا أيضًا،

18 - باب من أنظر معسرا

واختلف في الموسر فقيل من عنده مؤنته ومؤنة من تلزمه نفقته والمرجح أن الإيسار والإعسار يرجعان إلى العرف، فمن كان حاله بالنسبة إلى مثله يعدّ يسارًا فهو موسر وعكسه قال: (قال فتجاوزوا عنه) بفتح الواو في الفرع وغيره، وفي رواية فتجاوزوا، بكسر الواو على الأمر فيكون من قول الله تعالى للملائكة. وفي لفظ لمسلم كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى فقال الله عز وجل: أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن عبدي، وللمؤلّف في بني إسرائيل، ومسلم: أن رجلاً كان فيمن كان قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه فقيل له هل علمت من خير؟ قال ما أعلم قيل له: انظر. قال: ما أعلم شيئًا غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا فأجازيهم فأنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر فأدخله الله الجنة. قال المظهري: هذا السؤال منه كان في القبر، وقال الطيبي: يحتمل أن يكون فقيل مسندًا إلى الله تعالى والفاء عاطفة على مقدّر أي أتاه الملك ليقبض روحه فبعثه الله تعالى فقال له فأجابه فأدخله الله الجنة، وعلى قول المظهري فقبض وأدخل القبر فتنازع ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فيه فقيل له ذلك، وينصر هذا قوله في الرواية الأخرى تجاوزوا عن عبدي. وحديث الباب أخرجه المؤلّف في الاستقراض وفي ذكر بني إسرائيل، ومسلم في البيوع، وابن ماجة في الأحكام. (وقال أبو مالك) سعد بن طارق الأشجعي الكوفي ولأبوي ذر والوقت قال أبو عبد الله أي البخاري، وقال أبو مالك (عن ربعي) هو ابن حراش: (كنت أيسر على الموسر) بضم الهمزة وتشديد السين من التيسير (وأنظر المعسر) وهذا وصله مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الأشج قال: حدّثنا الأحمر عن أبي مالك عن ربعي عن حذيفة بلفظ: أتى الله بعبد من عباده آتاه الله مالاً فقال له: ماذا عملت في الدنيا؟ قال: {ولا يكتمون الله حديثًا} [النساء: 42] قال: يا رب آتيتني مالاً فكنت أبايع الناس وكان من خلقي الجواز فكنت أيسر على الموسر وأنظر المعسر، فقال الله تعالى: أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن عبدي. قال عقبة بن عامر الجهني وأبو مسعود الأنصاري: هكذا سمعناه من في رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (وتايعه) أي تابع أبا مالك (شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك) بن عمير (عن ربعي) أي عن حذيفة في قوله: وأنظر المعسر، وهذه المتابعة وصلها ابن ماجة من طريق أبي عامر عن شعبة بهذا اللفظ، ورواها البخاري في الاستقراض عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ: فأتجوّز عن الموسر وأخفف عن المعسر. (وقال أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري مما وصله المؤلّف في ذكر بني إسرائيل (عن عبد الملك عن ربعي: أنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر) وهذا موافق للترجمة. (وقال نعيم بن أبي هند) بضم النون وفتح العين مصغرًا الأشجعي مما وصله مسلم (عن ربعي: فأقبل من الموسر وأتجاوز عن المعسر) قال ابن التين مما نقله في الفتح: رواية من روى وأنظر الموسر أولى من رواية من روى وأنظر المعسر لأن إنظار المعسر واجب. قال في الفتح: ولا يلزم من كونه واجبًا أن لا يؤجر صاحبه عليه أو يكفر عنه بذلك من سيئاته. 18 - باب مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا (باب) فضل (من أنظر معسرًا) وهو الذي لم يجد وفاء. 2078 - حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ». [الحديث 2078 - طرفه في: 3480]. وبه قال: (حدّثنا هشام بن عمار) السلمي قال: (حدّثنا يحيى بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي الحضرمي قاضي دمشق قال: (حدّثنا الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة محمد بن الوليد بن عامر (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله بن عبد الله) بتصغير الأول ابن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه-) يحدّث (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (كان تاجر يداين الناس) وفي رواية أبي صالح عن أبي هريرة عند النسائي أن رجلاً لم يعمل خيرًا قطّ وكان يداين الناس (فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه) لخدّامه (تجاوزوا عنه) وعند النسائي فيقول لرسوله خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز (لعل الله أن يتجاوز عنّا فتجاوز الله عنه) وعند النسائي: فلما هلك قال الله تعالى له: هل عملت خيرًا قط؟ قال: لا إلا أنه كان لي غلام وكنت

19 - باب إذا بين البيعان، ولم يكتما، ونصحا

أداين الناس فإذا بعثته يتقاضى قلت له خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنّا. قال الله تعالى: قد تجاوزت عنك. وفي حديث أبي اليسر من أنظر معسرًا أو وضع له أظلّه الله في ظل عرشه وقد أمر الله تعالى بالصبر على المعسر فقال: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280] أي فعليكم تأخير إلى ميسرة لا كفعل الجاهلية إذا حلّ الدين يطالب إما بالقضاء وإما بالربا فمتى علم صاحب الحق عسر المديان حرمت عليه مطالبته وإن لم يثبت عسره عند الحاكم، وقد حكى القرافي وغيره أن إبراءه أفضل من إنظاره وجعلوا ذلك مما استثني من قاعدة كون الفرض أفضل من النافلة وذلك أن إنظاره واجب وإبراءه مستحب، وقد انفصل عنه الشيخ تقيّ الدين السبكي بأن الإبراء يشتمل على الإنظار اشتمال الأخص على الأعم لكونه تأخيرًا للمطالبة فلم يفضل مندوب واجبًا وإنما فضل واجب وهو الإنظار الذي تضمنه الإبراء وزيادة وهو خصوص الإبراء واجبًا آخر وهو مجرد الأنظار، ونازعه ولده التاج في الأشباه والنظائر في ذلك فقال: وقد يقال الإنظار هو تأخير الطلب مع بقاء العلقة والإبراء زوال العلقة فهما قسمان لا يشتمل أحدًا على الآخر، فينبغي أن يقال إن الإبراء يحصل مقصود الإنظار وزيادة قال: وهذا كله بتقدير تسليم أن الإبراء أفضل، وغاية ما استدل به عليه بقوله تعالى: {وأن تصدقوا خير لكم} [البقرة: 280] وهذا يحتمل أن يكون افتتاح كلام فلا يكون دليلاً على أن الإبراء أفضل ويتطرّق من هذا إلى أن الإنظار أفضل لشدة ما يقاسيه المنظر من ألم الصبر مع تشوّف القلب، وهذا فضل ليس في الإبراء الذي انقطع فيه اليأس فحصلت فيه راحة من هذه الحيثية ليست في الإنظار، ومن ثم قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من أنظر معسرًا كان له بكل يوم صدقة" رواه أحمد. فانظر كيف وزع أجره على الأيام يكثر بكثرتها ويقل بقلتها ولعل سره ما أبديناه فالمنظر ينال كل يوم عوضًا جديدًا ولا يخفى أن هذا لا يقع بالإبراء فإن أجره وإن وافرًا لكنه ينتهي بنهايته انتهى. 19 - باب إِذَا بَيَّنَ الْبَيِّعَانِ، وَلَمْ يَكْتُمَا، وَنَصَحَا وَيُذْكَرُ عَنِ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: كَتَبَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ، لاَ دَاءَ وَلاَ خِبْثَةَ وَلاَ غَائِلَةَ». وَقَالَ قَتَادَةُ: الْغَائِلَةُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالإِبَاقُ. وَقِيلَ لإِبْرَاهِيمَ: إِنَّ بَعْضَ النَّخَّاسِينَ يُسَمِّي: آرِيَّ خُرَاسَانَ، وَسِجِسْتَانَ. فَيَقُولُ: جَاءَ أَمْسِ مِنْ خُرَاسَانَ، جَاءَ الْيَوْمَ مِنْ سِجِسْتَانَ. فَكَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً. وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: لاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يَبِيعُ سِلْعَةً يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا دَاءً إِلاَّ أَخْبَرَهُ. هذا (باب) بالتنوين (إذا بين البيعان) بفتح الموحدة وتشديد التحتانية المكسورة أي إذا أظهر البائع والمشتري ما في البيع من العيب (ولم يكتما) ما فيه من العيب (ونصحا) من عطف العام على الخاص وجواب إذا محذوف للعلم به وتقديره بورك لهما في بيعهما. (ويذكر) بضم أوله وفتح ثالثه (عن العدّاء) بفتح العين والدال المشددة المهملتين ممدودًا (ابن خالد) واسم جدّه هوذة بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة الصحابي أسلم بعد حنين أنه (قال: كتب لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا ما اشترى محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من العداء بن خالد) قال القاضي عياض هذا مقلوب، والصواب كما في الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن منده موصولاً لأن المشتري العداء من محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو الذي في البخاري صواب غير منافٍ لباقي الروايات لأن اشترى يكون بمعنى باع، وحمله في المصابيح على تعدّد الواقعة وحينئذ فلا تعارض (بيع المسلم المسلم) برفع بيع خبر مبتدأ محذوف أي هو بيع المسلم وبالنصب على أنه مصدر من غير فعله لأن معنى البيع والشراء متقاربان أو منصوب بنزع الخافض أي كبيع المسلم والمسلم الثاني منصوب بالمصدر وهو بيع، وليس المراد به أنه إذا بايع ذميًّا يغشه بل هذا مبايعة المسلمين مطلقًا لا يغش مسلمًا ولا غيره، ولأبي ذر عن الكشميهني من المسلم (لا داء) أي لا عيب والمراد به العيب الباطن سواء ظهر منه شيء أم لا كوجع الكبد والسعال. وقال ابن المنير: قوله لا داء أي يكتمه البائع وإلا فلو كان بالعبد داء وبيّنه البائع لكان من بيع المسلم المسلم ومحصله كما قاله في الفتح إنه لم يرد بقوله لا داء نفي الداء مطلقًا بل نفي داء مخصوص وهو ما لم يطلع عليه، (ولا خبثة) بكسر الخاء المعجمة وضمها وإسكان الموحدة ثم مثلثة مفتوحة أي لا مسببًّا من قوم لهم عهد أو المراد الأخلاق الخبيثة كالإباق أو الحرام كما عبر عن الحلال بالطيب وللكشميهني: ولا خبية (ولا غائلة) بالغين المعجمة والهمزة أي لا فجور وأصله من الغول أي الهلاك. (وقال قتادة) فيما وصله ابن منده من طريق الأصمعي عن سعيد بن أبي عروبة عنه (الغائلة الزنا

20 - باب بيع الخلط من التمر

والسرقة والإباق) قال ابن قرقول في المطالع: الظاهر أن تفسير قتادة يرجع إلى الخبثة والغائلة معًا. (وقيل لإبراهيم) النخعي (إن بعض النخاسين) بفتح النون والخاء المعجمة المشددة وبعد الألف سين مهملة الدلالين (يسمي) بكسر الميم المشددة وفاعله ضمير يعود على البعض التقدم ومفعوله الأول قوله (آريّ) بفتح الهمزة الممدودة وكسر الراء وتشديد التحتية على المشهور، وفي اليونينية رفع الياء وهو مربط الدابّة أو حبل يدفن في الأرض ويبرز طرفه تشدّ به الدابة. قال القاضي عياض: وأظن أنه سقط من الأصل لفظة دوابه يعني أنه كان الأصل يسمي آري دوابه، ووجهه في المصابيح بأنه من حذف المضاف إليه وإبقاء المضاف على حاله أو على حذف الألف واللام أي يسمي الآريّ أي الإصطبل كأنه كان فيه يسمى آريه، وفي رواية أبي زيد المروزي يسمي أرى بفتح الهمزة والراء من غير مدّ مع قصر آخره كدعا. قال الحافظ ابن حجر: وهو تصحيف، ولأبي ذر الهروي أرى بضم الهمزة وفتح الراء بمعنى أظن والصواب الأول وهو الذي في الفرع وأصله لا غير. وقد بيّن الصواب في ذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال قيل له: إن ناسًا من النخاسين وأصحاب الدواب يسمي أحدهم إصطبل دوابه (خراسان) الإقليم المعروف وهو ثاني مفعول يسمي (وسجستان) بكسر السين الأولى والجيم وسكون الثانية عطف عليه ثم يأتي السوق (فيقول: جاء أمس) بكسر السين اليوم الذي قبل يومك (من خراسان جاء اليوم) ولأبي ذر وابن عساكر: وجاء اليوم، وللحموي والمستملي: أمس (من سجستان فكرهه كراهة شديدة) لما تضمنه من الغش والخداع والتدليس على المشتري لأنه يظن بذلك أنها قريبة الجلب من المحلين المذكورين. (وقال عقبة بن عامر) الجهني المتوفى بمصر واليًا سنة ثمان وخمسين فيما وصله ابن ماجة بمعناه (لا يحل لامرئ يبيع سلعة يعلم أن بها داء) عيبًا باطنًا كوجع كبد (إلا أخبره) وللكشميهني: إلا أخبر به. 2079 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ رَفَعَهُ إِلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا -أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا- فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا». [الحديث 2079 - أطرافه في: 2082، 2108، 2110، 2114]. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن صالح أبي الخليل) بالخاء المعجمة من الخلة ابن أبي مريم الضبعي (عن عبد الله بن الحرث) بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب الهاشمي وهو مذكور في الصحابة لأنه ولد في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحنكه وهو معدود من حيث الرواية في كبار التابعين (رفعه) أي الحديث (إلى حكيم بن حزام) بكسر الحاء المهملة وبالزاي المخففة، وله في البخاري أربعة أحاديث (-رضي الله عنهم- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: البيعان) بفتح الموحدة وتشديد المثناة التحتية (بالخيار) في المجلس (ما لم يتفرقا) بتقديم الفوقية على الفاء وتشديد الراء (أو قال حتى يتفرقا) بأبدانهما عن مكانهما الذي تبايعا فيه والشك من الراوي (فإن صدقا) كل واحد منهما عما يتعلق به من الثمن ووصف المبيع ونحو ذلك (وبينا) ما يحتاج إليه بيانه من عيب ونحوه في السلعة والثمن (بورك لهما في بيعهما) أي كثر نفع المبيع والثمن (وإن كتما) أي كتم البائع عيب السلعة والمشتري عيب الثمن (وكذبا) في وصف السلعة والثمن (محقت بركة بيعهما) أي أذهبت زيادته ونماؤه فإن فعله أحدهما دون الآخر محقت بركة بيعه وحده، ويحتمل أن يعود شؤم أحدهما على الآخر بأن تنزع البركة من المبيع إذا وجد الكذب أو الكتم. وهذا الحديث أخرجه في البيع وكذا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي فيه وفي الشروط. 20 - باب بَيْعِ الْخِلْطِ مِنَ التَّمْرِ (باب بيع الخلط من التمر) بكسر المعجمة التمر المجتمع من أنواع متفرقة أو هو نوع رديء. 2080 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا نُرْزَقُ تَمْرَ الْجَمْعِ، وَهْوَ الْخِلْطُ مِنَ التَّمْرِ، وَكُنَّا نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ وَلاَ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا شيبان) بن يحيى التميمي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري (رضي الله عنه قال: كنا نرزق) بضم النون مبنيًّا للمفعول أي نعطي (تمر الجمع) بفتح الجيم وسكون الميم (وهو الخلط من التمر) أي من أنواع متفرقة منه،

21 - باب ما قيل في اللحام والجزار

وإنما خلط لرداءته ففيه دفع توهم من يتوهم أن مثل هذا لا يجوز بيعه لاختلاط جيده برديئه لأن هذا الخلط لا يقدح في البيع لأنه متميز ظاهر فلا يعدّ غشًّا بخلاف خلط اللبن بالماء فإنه لا يظهر، (وكنا نبيع صاعين) من التمر (بصاع) واحد منه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا) تبيعوا (صاعين) من التمر (بصاع) منه (ولا) تبيعوا (درهمين بدرهم) ويدخل في معنى التمر جميع الطعام فلا يجوز في الجنس الواحد منه التفاضل ولا النساء. وبقية المباحث تأتي إن شاء الله تعالى قريبًا. وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع، وكذا النسائي، وأخرجه ابن ماجة في التجارات. 21 - باب مَا قِيلَ فِي اللَّحَّامِ وَالْجَزَّارِ (باب ما قيل في اللحام) بياع اللحم (والجزار) الذي ينحر الإبل. 2081 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا شُعَيْبٍ فَقَالَ لِغُلاَمٍ لَهُ قَصَّابٍ: اجْعَلْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً مِنَ النَّاسِ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَإِنِّي قَدْ عَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْجُوعَ، فَدَعَاهُمْ، فَجَاءَ مَعَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ هَذَا قَدْ تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ فَأْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَ. فَقَالَ: لاَ، بَلْ قَدْ أَذِنْتُ لَهُ". [الحديث 2081 - أطرافه في: 2456، 5434، 5461]. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث النخعي الكوفي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني) بالتوحيد (شقيق) هو ابن سلمة أبو وائل (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري أنه (قال: جاء رجل من الأنصار) لم يعرف اسمه (يكنى) بضم التحتية وسكون الكاف (أبا شعيب) بالجر على الإضافة ووقع في اليونينية ضبطه بالرفع أيضًا (فقال لغلام له قصاب) بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة والجرّ صفة لغلام أي جزار، وفي المظالم من وجه آخر عن الأعمش كان له غلام لحام ولم يسم الغلام (اجعل لي طعامًا يكفي خمسة من الناس)، وفي رواية جرير عن الأعمش عند مسلم: اصنع لي طعامًا لخمسة نفر (فإني أريد أن أدعو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (خامس خمسة) ويجوز الرفع بتقدير هو خامس خمسة أي أحدهم، يقال خامس خمسة وخامس أربعة بمعنى قال الله تعالى: {ثاني اثنين} [التوبة: 40] و {ثالث ثلاثة} [المائدة: 73] وفي حديث ابن مسعود: رابع أربعة، ومعنى خامس أربعة أي زائد عليهم. قإل المهلب: إنما صنع طعام خمسة لعلمه أنه عليه الصلاة والسلام سيتبعه من أصحابه غيره، ويحتمل أن أبا شعيب حين رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعرف في وجهه الجوع رأى معه جالسين انتهى. (فإني قد عرفت في وجهه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الجوع فدعاهم) بعد أن صنع الطعام وفي رواية أبي معاوية عن الأعمش عند مسلم والترمذي فدعاه وجلساءه الذين معه وكأنهم كانوا أربعة وهو عليه الصلاة والسلام خامسهم، (فجاء معهم رجل) سادس لم يسم أيضًا (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأبي شعيب الأنصاري. (إن هذا) الرجل (قد تبعنا) بفتح الفوقية وكسر الموحدة وفي رواية أبي عوانة وجرير اتبعنا بالتشديد وفي رواية أبي معاوية لم يكن معنا حين دعوتنا (فإن شئت أن تأذن له) في الدخول (فأذن له) وسقط قوله فأذن له في رواية أبي ذر وابن عساكر (وإن شئت أن يرجع رجع فقال) ولأبي الوقت قال (لا) يرجع (بل قد أذنت له) زاد في رواية جرير: يا رسول الله. ولفظ رواية أبي معاوية: فقد أذنا له فليدخل، وإنما توقف عليه الصلاة والسلام عن إذنه لهذا الرجل السادس بخلاف طعام أبي طلحة لأن الداعي في هذه القصة حصر العدد بقصده أوّلاً حيث قال: طعام خمسة مع أن له عليه الصلاة والسلام التصرف في مال كلٍّ من الأمة بغير حضوره بغير رضاه لكنه لم يفعل ذلك إلا بالإذن تطييبًا لقلوبهم وتشريعًا لأمّته، وفيه أن من تطفل في الدعوة كان لصاحب الدعوة الاختيار في حرمانه فإن دخل بغير إذنه كان له إخراجه، وأن من قصد التطفل لم يمنع ابتداء لأن الرجل تبع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يردّه لاحتمال أن تطيب نفس صاحب الدعوة بالإذن له وأن الطفيلي يأكل حرامًا، وقد روى أبو داود الطيالسي من حديث أبي هريرة مرفوعًا "من مشى إلى الطعام لم يدع إليه مشى فاسقًا وأكل حرامًا ودخل سارقًا وخرج مغيرًا" وللخطيب البغدادي في أخبار الطفيليين جزء فيه فوائد يأتي منها في كتاب الأطعمة إن شاء الله تعالى طائفة مع بقية المباحث. وفي حديث الباب علم من أعلام النبوة فإن الأنصاري لم يقل لغلامه طعام خمسة بحضرة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأطلع الله تعالى نبيّه على أنه حجر الدعوة

22 - باب ما يمحق الكذب والكتمان في البيع

ولم يطلقها، وقد أخرج الحديث أيضًا في المظالم والأطعمة ومسلم في الأطعمة، والترمذي في النكاح، والنسائي في الوليمة. 22 - باب مَا يَمْحَقُ الْكَذِبُ وَالْكِتْمَانُ فِي الْبَيْعِ (باب) بيان (ما يمحق الكذب) من البائع في مدح سلعته ومن المشتري في التقصير في وفاء الثمن (والكتمان) من البائع عن عيب سلعته ومن المشتري عن وصف الثمن من البركة (في البيع). 2082 - حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْخَلِيلِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا -أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا- فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا». وبه قال: (حدّثنا بدل بن المحبر) بفتح الموحدة والمهملة آخره لام ابن المحبر بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الموحدة المفتوحة آخره راء ابن منبّه اليربوعي البصري الواسطي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (قال: سمعت أبا الخليل) صالح بن أبي مريم الضبعي (يحدّث عن عبد الله بن الحرث) بن نوفل الهاشمي (عن حكيم بن حزام) بالزاي (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) بأبدانهما عن مكانهما الذي تبايعا فيه (أو قال حتى يتفرقا) بالشك من الراوي (فإن صدقا) البائع في السوم والمشتري في الوفاء (وبينا) ما في الثمن والمثمن من عيب (بورك لهما في بيعهما) مبيعهما (وإن كتما) عيب السلعة والثمن (وكذبا) في وصفهما (محقت بركة بيعهما) مبيعهما. وهذا الحديث قد سبق قريبًا. 23 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] (باب قول الله تعالى) وفي نسخة عز وجل ({يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة}) نهى سبحانه وتعالى عباده المؤمنين عن تعاطي الربا وأكله أضعافًا مضاعفة كما كانوا يقولون في الجاهلية: إذا حل أجل الذين إما أن تقضي وإما أن تربي فإن قضاه وإلا زاده في المدة وزاده الآخر في القدر وهكذا كل عام فربما تضاعف القليل حتى يصير كثيرًا مضاعفًا ثم أمر تعالى عباده بالتقوى فقال: {واتقوا الله} فيما نهيتم عنه من الربا {لعلكم تفلحون} [آل عمران: 130] راجين الفلاح في الأولى والآخرة. 2083 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ أَمِنْ حَلاَلٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ». به وقال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن قال: (حدّثنا سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال: ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال) بإثبات ألف ما الاستفهامية الداخل عليها حرف الجر والقياس حذفها لكنه وجد في كلام العرب على قلته، وقد سبق في باب من لم يبال من حيث كسب المال بهذا السند لا يبالي المرء منه (أمن حلال أم حرام). وفي الباب السابق بالتعريف فيهما ولأبي ذر أمن الحلال بالتعريف فيه فقط. وهذا الحديث ساقط في رواية النسفيّ وليس عنده سوى الآية، وقول الحافظ ابن حجر: ولعل المصنف أشار بالترجمة إلى ما أخرجه النسائي من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعًا: "يأتي على الناس زمان يأكلون الربا فمن لم يأكله أصابه من غباره" تعقبه العيني بأن الآية هي الترجمة فكيف يشير بها إلى حديث أبي هريرة والآية في النهي عن أكل الربا والأمر بالتقوى، وحديث أبي هريرة يخبر عن فساد الزمان الذي يؤكل فيه الربا. 24 - باب آكِلِ الرِّبَا وَشَاهِدِهِ وَكَاتِبِهِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275] إلى آخر الآية. (باب) حكم (آكل الربا) بمدّ الهمزة وكسر الكاف والربا بالقصر ومدّه لغة شاذة وألفه بدل من واو يكتب بها وبالواو ويقال الرماء بالميم والمدّ (و) حكم (شاهده) بالإفراد وللإسماعيلي وشاهديه بالتثنية (و) حكم (كاتبه) الذين يواطئون صاحب الربا على كتمان الربا وإظهار الجائز وفيه ما يدل على أن الكاتب غير الشاهد وإنهما وظيفتان وعلى ذلك العمل بتونس وبعض بلاد المغرب، (وقوله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه وسقطت الواو لأبي ذر والقول عنده مرفوع. ولابن عساكر قول الله تعالى: ({الذين يأكلون الربا}) أي الآخذون له وإنما عبّر عنه بالأكل لأن الأكل أعظم المنافع ولأن الربا شائع في المطعومات وهو في اللغة الزيادة. قال الله تعالى: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت} [الحج: 5] أي: زادت وعلت، وفي الشرع عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما وهو ثلاثة أنواع: ربا الفضل وهو البيع مع زيادة أحد العوضين على الآخر،

وربا اليد وهو البيع مع تأخير قبضهما أو قبض أحدهما، وربا النساء وهو البيع لأجل وكل منها حرام ({لا يقومون}) من قبورهم ({إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان}) أي إلا قيامًا كقيام المصروع ({من المس) أي الجنون. وقال في البحر: من المس متعلق بقوله يتخبطه وهو على سبيل التأكيد ورفع ما يحتمله يتخبطه من المجاز إذ هو ظاهر في أنه لا يكون إلا من المس، ويحتمل أن يكون المراد بالتخبط الإغواء وتزيين المعاصي فأزال قوله من المس هذا الاحتمال، وقول الزمخشري إذ قوله من المس متعلق بلا يقومون أي لا يقومون من المس الذي بهم إلا كما يقوم المصروع ضعيف لأن ما بعد إلا لا يتعلق بما قبلها إلا إن كان في حيّز الاستثناء، ولذلك منعوا أن يتعلق بالبينات والزبر بقوله: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً} [النحل: 43] وأن التقدير وما أرسلنا بالبينات والزبر إلا رجالاً يوحى إليهم انتهى. وقيل: إن الناس يخرجون من الأجداث سراعًا لكن آكل الربا يربو الربا في بطنه فيريد الإسراع فيسقط فيصير بمنزلة المتخبط من الجنون لاختلال عقله. {ذلك} أي العقاب {بأنهم} بسبب أنهم {قالوا إنما البيع مثل الربا} نظموا البيع والربا في سلك واحد لإفضائهما إلى الربح فاستحلّوه استحلاله. قال الزمخشري: فإن قلت هلا قيل إنما الربا مثل البيع لأن الكلام في الربا لا في البيع، فوجب أن يقال إنهم شبهوا الربا بالبيع فاستحلوه وكانت شبهتهم أنهم قالوا: لو اشترى الرجل ما لا يساوي إلا درهمًا بدرهمين جاز فكيف إذا باع درهمًا بدرهمين؟ وأجاب بأنه جيء به على طريق المبالغة وهو أنه قد بلغ من اعتقادهم في حل الربا أنهم جعلوه أصلاً وقانونًا في الحل حتى شبهوا به البيع انتهى. وتعقبه ابن المنير: بأنه لا يجب حمله على المبالغة إذ يمكن أن يقال الربا كالبيع والبيع حلال فالربا مثله، ويمكن أن يعكس فيقال البيع كالربا فلو كان الربا حرامًا كان البيع حرامًا فالأول قياس الطرد، والثاني قياس العكس انتهى. والفرق بين الربا والبيع بَيّن فإن من أعطى درهمين بدرهم ضيع درهمًا، ومن اشترى سلعة تساوي درهمًا بدرهمين فلعل مسيس الحاجة إليها أو توقع رواجها يجبر هذا الغبن. {وأحل الله البيع وحرّم الربا} إنكار لتسويتهم وإبطال للقياس لمعارضته النص {فمن جاءه موعظة من ربه} بلغه وعظ من الله {فانتهى} فاتعظ وتبع النهي حال وصول الشرع إليه {فله ما سلف} من المعاملة أي له ما كان من الربا زمن الجاهلية {وأمره إلى الله} يحكم يوم القيامة بينهم وليس من أمره إليكم شيء {ومن عاد} إلى تحليل الربا وأكله {فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} [البقرة: 275] لأنهم كفروا به، ولفظ رواية أبوي ذر والوقت: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} إلى قوله: {هم فيها خالدون}. 2084 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "لَمَّا نَزَلَتْ آخِرُ الْبَقَرَةِ قَرَأَهُنَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِمْ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ". وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة وتشديد المعجمة قال: (حدّثنا غندر) هو لقب محمد بن جعفر البصري (عن شعبة عن منصور) أي ابن المعتمر (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح الكوفي (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: لما نزلت) أي الآيات (آخر) سورة (البقرة) {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} إلى قوله: {لا تظلمون ولا تظلمون} [البقرة: 275 - 279] (قرأهن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليهم في المسجد ثم حرّم التجارة في الخمر) أي بيعه وشراءه. وهذا الحديث قد مرّ في أبواب المساجد من كتاب الصلاة. 2085 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ، وَعَلَى وَسَطِ النَّهْرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ. فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ: آكِلُ الرِّبَا». وبه قال: (حدّثني موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي قال: (حدّثنا أبو رجاء) عمران العطاردي (عن سمرة بن جندب) بضم الجيم وفتح الدال ابن هلال الفزاري حليف الأنصار (-رضي الله عنه- قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (رأيت) من الرؤيا، ولابن عساكر: أريت بهمزة مضمومة قبل الراء مبنيًّا للمفعول (الليلة رجلين) جبريل وميكائيل (أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة) بالتنكير للتعظيم (فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم) بفتح الهاء

25 - باب موكل الربا

وسكونها (فيه) أي النهر (رجل قائم و) هو (على وسط النهر) الجملة حالية وحذف المبتدأ المقدّر بهو، ولا يجوز أن يكون خبرًا مقدمًا على المبتدأ وهو قوله: (رجل بين يديه حجارة) لمخالفة ذلك سائر الروايات لأن الرجل الذي بين يديه حجارة هو على شط النهر لا على وسطه كما مرّ في آخر الجنائز بلفظ: وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة لا سيما وفي بعض الأصول ورجل بين يديه حجارة بالواو ولا يفصل بين المبتدأ والخبر، وفي رواية وسط النهر بغير واو، وحينئذ فتكون متعلقة بقائم، وقوله: رجل مبتدأ حذف خبره تقديره على الشط أو هناك والجملة حالية سواء كانت بالواو أو بدونها وعند ابن السكن على شط النهر بدل قوله وسط النهر، وصوّبه القاضي عياض (فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج) من النهر، وفي رواية غير ابن عساكر وأبي الوقت: فإذا أراد الرجل أن يخرج (رمى الرجل) الذي في شط النهر (بحجر) من الحجارة التي بين يديه (في فيه) أي في فم الذي في النهر (فردّه حيث كان) من النهر (فجعل كلما جاء ليخرج) من النهر (رمى) الرجل الذي على الشط (في فيه بحجر) من تلك الأحجار. قال ابن مالك: تضمن وقوع خبر جعل الإنشائية جملة فعلية مصدّرة بكلما وحقه أن يكون فعلاً مضارعًا وقد جاء هنا ماضيًا (فيرجع كما كان) ولا يمكنه من الخروج منه. قال عليه الصلاة والسلام (فقلت) لجبريل وميكائيل: (ما هذا)؟ الذي رأيت (فقال) أحدهما (الذي رأيته في النهر آكل الربا). وهذا موضع الترجمة لكن ليس فيه ولا في سابقه ذكر لكاتب الربا وشاهده فقيل لأنهما لما كانا معاونين لآكله نزلاً منزلة الآكل، فترجم المؤلّف بالثلاثة أو أنهما رضيا به والراضي بالشيء كفاعله أو أنهما بفعلهما كأنهما قائلان إنما البيع مثل الربا أو عقد الترجمة لهما ولم يجد فيهما حديثًا على شرطه. قال في الفتح: ولعله أشار إلى ما ورد في الكاتب والشاهد صريحًا فعند مسلم وغيره من حديث جابر: لعن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده وقال: هم في الإثم سواء. ولأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه: لعن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه، وفي رواية الترمذي بالتثنية وهذا إنما يقع على من واطأ صاحب الربا عليه أما من كتبه أو شاهد القصة ليشهد بها على ما هي عليه ليعمل فيها بالحق فهو جميل القصد لا يدخل في الوعيد المذكور. 25 - باب مُوكِلِ الرِّبَا لِقَوْلِهِ عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] إِلَى قَوْلِهِ: {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب) بيان إثم (موكل الربا) بضم الميم وكسر الكاف اسم فاعل أي مطعمه (لقوله) ولأبي الوقت لقول الله (تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا}) واتركوا ({ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين}) بقلوبكم فإن دليله امتثال ما أمرتم به وروي أنه كان لثقيف مال على بعض قريش فطالبوهم عند المحل بالمال والربا فنزلت {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} أي فاعلموا بها {وإن تبتم} من الارتباء واعتقاد حلّه {فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون} بالزيادة {ولا تظلمون} بالمطل والنقصان {وإن كان ذو عسرة} وإن وقع غريم ذو عسرة {فنظرة} فالحكم نظرة أو فعليكم نظرة أو فلتكن نظرة وهي الإنظار {إلى ميسرة} يسار {وإن تصدقوا} {خير لكم} أكثر ثوابًا من الإنظار أو خير مما تأخذون لمضاعفة ثوابه {إن كنتم تعلمون} ما فيه من الذكر الجميل والأجر الجزيل {واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله} يوم القيامة أو يوم الموت فتأهبوا لمصيركم إليه {ثم توفى كل نفس ما كسبت} أي جزاء ما عملت من خير أو شر {وهم لا يظلمون} [البقرة: 278 - 281] ينقص ثواب أو تضعيف عقاب، ولفظ رواية ابن عساكر بعد قوله: {وذروا ما بقي من الربا} (إلى قوله: {وهم لا يظلمون}) ولأبوي ذر والوقت إلى {ما كسبت وهم لا يظلمون} (قال ابن عباس) مما وصله المؤلّف في التفسير من طريق الشعبي عنه: (هذه) الآية من {(واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله} (آخر آية نزلت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 2086 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: "رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى عَبْدًا حَجَّامًا، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَثَمَنِ الدَّمِ، وَنَهَى عَنِ الْوَاشِمَةِ وَالْمَوْشُومَةِ، وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ". [الحديث 2086 - أطرافهفي: 2238، 5347، 5945، 5962]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد

26 - باب {يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم}

الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عون بن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء مصغرًا وفي آخر أبواب الطلاق من رواية آدم عن شعبة حدّثنا عون (قال: رأيت أبي) أبا جحيفة وهب بن عبد الله (اشترى عبدًا حجّامًا) لم يسم زاد المؤلّف في آخر البيع من وجه آخر عن شعبة فأمر بمحاجمه فكسرت زاد في نسخة الصغاني فأمر بمحاجمه فكسرت كما في البيع (فسألته) عن ذلك أي عن كسر المحاجم وهي الآلة التي يحجم بها (فقال): (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ثمن الكلب) ولو معلّمًا لنجاسته فلا يصح بيعه كخنزير وميتة ونحوهما، وجوّز أبو حنيفة بيع الكلاب وأكل ثمنها وأنها تضمن بالقيمة عند الإتلاف وعن مالك روايتان، وقال الحنابلة: لا يجوز بيعه مطلقًا (وثمن الدم) أي أجرة الحجامة وأطلق عليه الثمن تجوّزًا، وقد احتجم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأعطى الحجام أجره ولو كان حرامًا لم يعطه كما ثبت في الصحيحين، فالنهي عنه للتنزيه لخبثه من جهة كونه عوضًا في مقابلة مخامرة النجاسة ويطرد ذلك في كل ما يشبهه من كناس وغيره. (ونهى) عليه الصلاة والسلام نهي تحريم (عن الواشمة) الفاعلة للوشم (والموشومة) أي عن فعلهما والوشم أن يغرز الجلد بإبرة ثم يحشى بكحل أو نيل فيزرقّ أثره أو يخضر، ولفظ نهى ساقط لابن عساكر، وإنما نهى عن الوشم لما فيه من تغيير خلق الله تعالى. قال في الروضة: لو شق موضعًا في بدنه وجعل فيه دمًا أو وشم يده أو غيرها فإنه ينجس عند الغرز وفي تعليق الفرّاء أنه يُزال الوشم بالعلاج فإن كان لا يمكن إلا بالجرح لا جرح ولا إثم عليه بعد، (و) نهى عليه الصلاة والسلام أيضًا عن فعل (أكل الربا و) عن فعل (موكله) لأنهما شريكان في الفعل (ولعن المصوّر) للحيوان لا الشجر فإن الفتنة فيه أعظم وهو حرام بالإجماع. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في البيوع والطلاق واللباس وهو من أفراده. 26 - باب {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله تعالى: ({يمحق الله الربا}) يذهب بركته ويهلك المال الذي يدخل فيه ({ويربي الصدقات}) يضاعف ثوابها ويبارك فيما أخرجت منه ({والله لا يحب كل كفّار}) مصر على تحليل المحرمات ({أثيم}) [البقرة: 276] منهمك في ارتكابه، وفي رواية {يمحق الله الربا ويربي الصدقات} الآية. 2087 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مُمْحِقَةٌ للبَرَكة". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال (قال ابن المسيب) هو سعيد وكان ختن أبي هريرة على ابنته وأعلم الناس بحديثه (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (الحلف) بفتح الحاء المهملة وكسر اللام اليمين الكاذبة (منفقة) بفتح الأول والثالث وسكون الثاني من نفق البيع إذا راج ضدّ كسد أي مزيدة (للسلعة) بكسر السين المتاع وما يتجر فيه (ممحقة) بفتح الميم والمهملة بينهما ميم ساكنة كذا لأبي ذر فيهما من المحق أي مذهبة (للبركة) وفي روايه لغير أبي ذر: منفقة بضم الميم وفتح النون وتشديد الفاء مكسورة ممحقة بضم وسكون وكسر الحاء كما في الفرع وأصله، وفي رواية منفقة ممحقة بضم الميم فيهما بصيغة اسم الفاعل، وأسند الفعل إلى الحلف إسنادًا مجازيًا لأنه سبب في رواج السلعة ونفاقها، وقوله: الحلف مبتدأ أو الخبر منفقة وممحقة خبر بعد خبر وصح الإخبار بهما مع أنه مذكر وهما مؤنثان بالهاء إما على تأويل الحلف باليمين أو على أنها ليست للتأنيث بل هي للمبالغة وهما في الأصل مصدران مزيدان ميميان بمعنى النفاق والمحق. وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع وكذا أبو داود والنسائي. 27 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ (باب ما يكره من الحلف في البيع) سواء كان صادقًا أو كاذبًا لكن الكراهة في الصدق للتنزيه وفي الأخرى للتحريم. 2088 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَجُلاً أَقَامَ سِلْعَةً وَهُوَ فِي السُّوقِ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطَ لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} [آل عمران: 77]. [الحديث 2088: طرفاه في: 2675، 4551]. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن محمد) بفتح العين الناقد البغدادي قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير بضم الموحدة الواسطي قال: (أخبرنا العوّام) بفتح المهملة وتشديد الواو ابن حوشب الشيباني الواسطي (عن

28 - باب ما قيل في الصواغ

إبراهيم بن عبد الرحمن) السكسكي الكوفي (عن عبد الله بن أبي أوفى) الأسلمي (-رضي الله عنه- أن رجلاً) لم يسم (أقام سلعة) أي روّجها من قولهم قامت السوق أي راجت ونفقت (وهو في السوق) الواو للحال (فحلف بالله) يحتمل أن يكون بالله هو اليمين وقوله (لقد) جوابه وأن يكون صلة للحلف ولقد جواب القسم المحذوف أي فقال والله (أعطى) بفتح الهمزة والطاء (بها) أي بدل السلعة (ما لم يعط) بضم التحتية وكسر الطاء مبنيًّا للفاعل كالسابق، والمعنى أنه يحلف لقد دفع فيها من ماله ما لم يكن دفعه ولأبي ذر أعطي بها ما لم يعط بضم الهمزة وكسر الطاء في الأول وفتح الطاء في الثاني مبنيًّا للمفعول فيهما يعني لقد دفع له فيها من قبل المستامين ما لم يكن أحد دفعه فهو كاذب في الوجهين (ليوقع فيها) أي في سلعته (رجلاً من المسلمين) ممن يريد الشراء، (فنزلت) هذه الآية ({إن الذين يشترون}) أي يستبدلون ({بعهد الله}) بما عاهدوا عليه من الإيمان بالرسول والوفاء بالأمانات ({وأيمانهم ثمنًا قليلاً}) [آل عمران: 77] متاع الدنيا زاد أبو ذر الآية إلى آخرها {أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله} أي كلام لطف بهم ولا ينظر إليهم بعين الرحمة ولا يزكيهم من الذنوب والأدناس. وفي حديث أبى ذر عند الإمام أحمد رفعه: "ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم" قلت يا رسول الله: من هم خسروا وخابوا. قال: وأعاد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاث مرات. قال: "المسبل إزاره والمنفق سلعته بالحلف الكاذب والمنّان" ورواه مسلم وأصحاب السنن من طريقه. وقيل: نزلت في ترافع كان بين أشعث بن قيس ويهوديّ في بئر أو أرض وتوجه الحلف على اليهودي رواه أحمد وروى الإمام أحمد أيضًا وقال الترمذي حسن صحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: "ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل منع ابن السبيل فضل ماء عنده، ورجل حلف على سلعته بعد العصر يعني كاذبًا، ورجل بايع إمامًا فإن أعطاه وفى له وإن لم يعطه لم يفِ". وقيل نزلت في أحبار حرّفوا التوراة وبدلوا نعت محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحكم الأمانات وغيرهما وأخذوا على ذلك رشوة. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير والشهادات وهو من أفراده. 28 - باب مَا قِيلَ فِي الصَّوَّاغِ وَقَالَ طَاوُسٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا» وَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِلاَّ الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ فَقَالَ: إِلاَّ الإِذْخِرَ». (باب ما قيل في الصوّاغ) بفتح المهملة وتشديد الواو وبعد الألف غين معجمة. (وقال طاوس) فيما وصله المؤلّف في باب لا ينفر صيد الحرم من كتاب الحج (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه قال: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن مكة. (لا يختلى) بضم أوله وسكون المعجمة أي لا يقطع (خلاها) بفتح الخاء المعجمة مقصورًا حشيشها الرطب. (وقال العباس: إلا الإذخر) بهمزة مكسورة فمعجمة ساكنة فمعجمة مكسورة حشيشة معروفة طيبة الريح تنبت بالحجاز (فإنّه لقينهم) بفتح القاف وسكون المثناة التحتية وبالنون وهو يطلق على الحداد والصائغ كما قاله ابن الأثير وغيره (وبيوتهم فقال) عليه الصلاة والسلام: (إلا الإذخر). 2089 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - قَالَ: "كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمْسِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاعَدْتُ رَجُلاً صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِي فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنَ الصَّوَّاغِينَ وَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرُسِي". [الحديث 2089 - أطرافه في: 2375، 3091، 4003، 5793]. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان الأزدي قال: (أخبرنا عبد الله) ابن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عليّ بن حسين) بغير ألف ولام، ولابن عساكر: الحسين (أن) أباه (حسين بن علي -رضي الله عنهما- أخبره أن) أباه (عليًّا) هو ابن أبي طالب (قال: كانت لي شارف) بشين معجمة وبعد الألف راء ثم فاء أي مسنّة من الإبل (من نصيبي من المغنم) من بدر (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاني) قبل يوم بدر (شارفا من الخمس) بضم الخاء المعجمة والسين المهملة من غنيمة عبد الله بن جحش لما بعثه عليه الصلاة والسلام إلى نخلة في رجب، وقتل عمرو بن الحضرمي واستاق العير وكانت أول غنيمة في الإسلام فقسمها ابن جحش وعزل الخمس قبل أن يفرض، وقيل بل قدم بالغنيمة كلها فقال

29 - باب ذكر القين والحداد

النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام فأخّر الغنيمة حتى رجع من بدر فقسمتها مع غنائمها" قال عليّ: (فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أدخل بها وهو يردّ على الجوهري حيث قال: بنى فلان بيتًا وبنى على أهله أي زفها، والعامّة تقول: بنى بأهله وهو خطأ، وكأن الأصل فيه أن الداخل بأهله كان يضرب عليها قبة ليلة دخوله بها فقيل لكل داخل بأهله بانٍ (واعدت رجلاً) لم يسم (صوّاغًا من بني قينقاع) بتثليث النون آخره عين مهملة غير منصرف على إرادة القبيلة أو منصرف على إرادة الحي وهم رهط من اليهود والصوّاغ صائغ الحلي (أن يرتحل معي فنأتي) بنون بعد الفاء وفي رواية فآتي (بإذخر) بالذال المعجمة (أردت أن أبيعه من الصوّاغين وأستعين به) منصوب عطفًا على أبيعه وفي بعض الأصول فأستعين بالفاء بدل الواو أي أستعين بثمنه (في وليمة عرسي) بضم العين والراء في اليونينية أي في طعامه. ففيه أن طعام العرس على الناكح وجواز معاملة الصائغ ولو كان غير مسلم. وموضع الترجمة منه قوله: واعدت رجلاً صوّاغًا وفائدتها كما قال ابن المنير التنبيه على أن ذلك كان في زمنه عليه الصلاة والسلام وأقرّه مع العلم به فيكون كالنص على جوازه وما عداه يؤخذ بالقياس ويؤخذ منه أيضًا أنه لا يلزم من دخول الفساد في صنعة أن تترك معاملة صاحبها ولو تعاطاها أراذل الناس مثلاً، ولعل المصنف أشار إلى حديث: أكذب الناس الصباغون والصوّاغون وهو حديث مضطرب الإسناد أخرجه أحمد وغيره قاله في الفتح. وفي حديث الباب التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه أيضًا في المغازي واللباس، ومسلم في الأشربة، وأبو داود في الخراج. 2090 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلاَ يُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُعَرِّفٍ. وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: إِلاَّ الإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَلِسُقُفِ بُيُوتِنَا. فَقَالَ: إِلاَّ الإِذْخِرَ" فَقَالَ عِكْرِمَةُ: هَلْ تَدْرِي مَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا؟ هُوَ أَنْ تُنَحِّيَهُ مِنَ الظِّلِّ وَتَنْزِلَ مَكَانَهُ. قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ خَالِدٍ: "لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا". وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، وفي بعض الأصول: حدّثني بالإفراد (إسحاق) هو ابن شاهين الواسطي كما نص عليه ابن ماكولا وغيره قال: (حدّثنا خالد بن عبد الله) الطحان (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن الله حرم مكة) ابتداء من غير سبب ينسب لأحد ولم يحرمها الناس (ولم تحل لأحد قبلي ولا) تحل (لأحد بعدي) بفتح التاء من تحلّ وكسر الحاء (وإنما حلّت) بفتح الحاء ولأبي ذر أحلّت بهمزة مضمومة وكسر الحاء (لي ساعة) أي مقدارًا من الزمان في يوم الفتح وهي من الغداة إلى العصر كما في كتاب الأموال لأبي عبيد (لا يختلى) بضم التحتية وسكون المعجمة لا يقطع (خلاها) بفتح المعجمة مقصورًا حشيشها الرطب (ولا يعضد) بضم أوله وفتح الضاد المعجمة بينهما عين مهملة ساكنة أي لا يقطع (شجرها) الرطب غير المؤذي (ولا ينفر صيدها) أي لا يجوز لمحرم ولا حلال (ولا يلتقط) بضم المثناة التحتية وسكون اللام وفتح التاء والقاف، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: ولا تلتقط بالمثناة الفوقية (لقطتها) بفتح القاف، قال النووي: وهو اللغة المشهورة أي لا يجوز التقاطها (إلاّ لمعرّف) يعرّفها ثم يحفظها لمالكها ولا يتملكها كسائر لقطات غيرها من سائر البلاد. (وقال عباس بن عبد المطلب: إلا الإذخر، حلفاء مكة فإنه (لصاغتنا) جمع صائغ (ولسقف بيوتنا فقال) عليه الصلاة والسلام: (إلا الإذخر) بالنصب على الاستثناء وسبق ما في الاستثناء الأول من البحث في الحج (فقال عكرمة) لخالد: (هل تدري ما ينفر صيدها)؟ بالرفع نائب عن الفاعل (هو أن تنحيه من الظل) بالمثناة الفوقية (وتنزل مكانه) بتاء الخطاب كالأول. (قال عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي مما وصله المؤلّف في الحج (عن خالد لصاغتنا وقبورنا) بدل قوله: ولسقف بيوتنا. 29 - باب ذِكْرِ الْقَيْنِ وَالْحَدَّادِ (باب ذكر القين) بفتح القاف وسكون التحتية (والحداد) لما كان القين يطلق على العبد والحداد والجارية قينة مغنية أم لا، والماشطة عطف المؤلّف الحداد على القين عطف تفسير ليعلم أن مراده من القين الحداد لا غيره، وفي النهاية لابن الأثير فإنه لقيوننا جمع قين وهو الحدّاد والصائغ انتهى. لكن لم أر في الصحاح كالقاموس إطلاقه

30 - باب ذكر الخياط

على الصائغ فالله أعلم. نعم قال ابن دريد فيما نقلوه عنه: أصل القين الحدّاد ثم صار كل صائغ قينًا عند العرب، وسقط في بعض الأصول ذكر الحداد، وكذا سقط لفظ ذكر لابن عساكر. 2091 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: "كُنْتُ قَيْنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ. قَالَ: لاَ أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْتُ: لاَ أَكْفُرُ حَتَّى يُمِيتَكَ اللَّهُ ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: دَعْنِي حَتَّى أَمُوتَ وَأُبْعَثَ، فَسَأُوتَى مَالاً وَوَلَدًا فَأَقْضِيَكَ. فَنَزَلَتْ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}. [الحديث 2091 - أطرافه في: 2275، 2425، 4732، 4733، 4734، 4735]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) بموحدة فمعجمة مشدّدة الملقب ببندار البصري قال: (حدّثنا ابن أبي عدّيّ) بفتح العين وكسر الدال المهملتين آخره تحتية مشدّدة هو محمد بن أبي عدي واسمه إبراهيم (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن أبي الضحى) بضم الضاد المعجمة وفتح الحاء المهملة مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن عبد الرحمن الأجدع (عن خباب) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة وبعد الألف موحدة أخرى ابن الأرتّ أنه (قال: كنت قينًا) حدّادًا (في الجاهلية وكان لي على العاصي بن وائل) بالهمزة السهمي هو والد عمرو بن العاصي الصحابي المشهور (دين فأتيته أتقاضاه) أي فأتيت العاصي أطلب منه ديني، وبيّن في رواية بسورة مريم من التفسير أنه أجرة سيف عمله له (قال: لا أعطيك) حقك (حتى تكفر بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال خباب (فقلت) له (لا أكفر) بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى يميتك الله ثم تبعث) زاد في رواية الترمذي قال: وإني لميت ثم مبعوث؟! فقلت: نعم. واستشكل كون خباب علق الكفر ومن علق الكفر كفر. وأجيب: بأن الكفر لا يتصور حينئذ يعد البعث لمعاينة الآيات الباهرة الملجئة إلى الإيمان إذ ذاك فكأنه قال: لا أكفر أبدًا أو أنه خاطب العاصي بما يعتقد من كونه لا يقرّ بالبعث فكأنه علق على محال. (قال) العاصي (دعني حتى أموت وأبعث) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول منصوب عطفًا على أموت (فسأوتى) بضم الهمزة وفتح المثناة الفوقية (مالاً وولدًا فأقضيك) بالنصب عند أبي ذر على الجواب، ولغيره: فأقضيك بالسكون (فنزلت) هذه الآية ({أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأُوتين مالاً وولدًا) استعمل أرأيت بمعنى الإخبار والفاء على أصلها ({أطلع الغيب}) أقد بلغ من شأنه إلى أن ارتقى إلى علم الغيب الذي توحد به الواحد القهار حتى ادّعى أن يؤتى في الآخرة مالاّ وولدًا ({أم اتخذ عند الرحمن عهدًا}) [الآيتان: 77 و78] أم اتخذ من عالم الغيوب عهدًا بذلك فإنه لا يتوصل إلى العلم به إلا بأحد هذين الطريقين، وقيل: العهد كلمة الشهادة والعمل الصالح فإن وعد الله بالثواب عليهما كالعهد عليه، وسقط لأبي ذر من قوله: {أطلع الغيب} إلى آخر الآية. هذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في المظالم والتفسير والإجارة، وأخرجه مسلم في ذكر المنافقين، والترمذي في التفسير وكذا النسائي. 30 - باب ذِكْرِ الْخَيَّاطِ (باب ذكر الخياط) بفتح الخاء المعجمة وتشديد المثناة التحتية وسقط لفظ ذكر لأبي ذر. 2092 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خُبْزًا وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَىِ الْقَصْعَةِ. قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ". [الحديث 2092 - أطرافه في: 5379، 5420، 5433، 5435، 5436، 5437، 5439]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد الأنصاري وسقط لفظ ابن أبي طلحة لأبي ذر (أنه سمع) عمه (أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: إن خياطًا) لم يسم (دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لطعام صنعه قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: فذهبت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-إلى ذلك الطعام فقرب) الخياط (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبزًا) قال الإسماعيلي: كان من شعير (ومرقًا فيه دباء) بضم الدال وتشديد الموحدة ممدودًا منوّنًا الواحد دباءة فهمزته منقلبة عن حرف علة، وخطّأ صاحب القاموس الجوهري حيث ذكره في المقصور أي فيه قرع (وقديد، فرأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتتبع الدباء من حوالي القصعة) بفتح القاف (قال) أنس: (فلم أزل أحب الدباء من يومئئذٍ). قال الخطابي فيه جواز الإجارة على الخياطة ردًّا على من أبطلها بعلة أنها ليس بأعيان مرئية ولا صفات معلومة، وفي صنعة الخياطة معنى ليس في سائر ما ذكره البخاري من ذكر القين والصائغ والنجار، لأن هؤلاء الصنّاع إنما تكون منهم الصنعة المحصنة فما يستضعفه صاحب الحديد والخشب والفضة والذهب وهي أمور من صنعة يوقف على حدّها ولا يخلط بها غيرها، والخياط إنما يخيط

31 - باب ذكر النساج

الثوب في الأغلب بخيوط من عنده فيجتمع إلى الصنعة الآلة وإحداهما معناها التجارة والأخرى الإجارة وحصة إحداهما لا تتميز من الأخرى، وكذلك هذا في الخراز والصباغ إذا كان بخيوطه ويصبغ هذا بصبغه على العادة المعتادة فيما بين الصناع وجميع ذلك فاسد في القياس، إلا أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجدهم على هذه العادة أوّل زمن الشريعة فلم يغيرها إذ لو طولبوا بغيره لشق عليهم فصار بمعزل من موضع القياس والعمل به ماضٍ صحيح لما فيه من الإرفاق انتهى. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأطعمة وكذا مسلم وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح. 31 - باب ذِكْرِ النَّسَّاجِ (باب ذكر النساج) بفتح النون وتشديد المهملة وبعد الألف جيم وسقط لابن عساكر لفظ ذكر. 2093 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِبُرْدَةٍ -قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ فَقِيلَ لَهُ: نَعَمْ هِيَ الشَّمْلَةُ مَنْسُوجٌ فِي حَاشِيَتِهَا- قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَسَجْتُ هَذِهِ بِيَدِي أَكْسُوكَهَا. فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحْتَاجًا إِلَيْهَا. فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْسُنِيهَا، فَقَالَ: نَعَمْ. فَجَلَسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ رَجَعَ فَطَوَاهَا ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، سَأَلْتَهَا إِيَّاهُ، لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ سَائِلاً، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلاَّ لِتَكُونَ كَفَنِي يَوْمَ أَمُوتُ. قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ". وبه قال (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجدُّه واسم أبيه عبد الله المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله بن عبد القاريّ بتشديد الياء المدني نزيل الإسكندرية (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج القاصّ (قال: سمعت سهل بن سعد) بسكون العين الأنصاري الساعدي الصحابي ابن الصحابي (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (قال: جاءت امرأة) لم تسم (ببردة) بضم الموحدة كساء مربع يلبسها الأعراب (قال) ولابن عساكر: فقال (أتدرون ما البردة؟ فقيل له: نعم هي الشملة) هو (منسوج) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بالتأنيث والرفع فيهما خبر مبتدأ محذوف (في حاشيتها) أي منسوجة فيها حاشيتها فهو من باب القلب كما قاله في الكواكب (قالت: يا رسول الله إني نسجت هذه) البردة (بيدي أكسوكها فأخذها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (محتاجًا إليها) وللحموي والمستملي: محتاج بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي وهو محتاج إليها والجملة الاسمية في موضع نصب على الحال (فخرج إلينا وإنها) أي البردة (إزاره فقال رجل من القوم) هو عبد الرحمن بن عوف (يا رسول الله اكسُنيها) بضم السين أي البردة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (نعم) أكسوكها (فجلس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المجلس ثم رجع) إلى منزله (فطواها ثم أرسل بها إليه) (فقال له القوم ما أحسنت) أي لم تحسن فما نافية (سألتها إياه لقد علمت) ولأبي ذر وابن عساكر عرفت (أنه) عليه الصلاة والسلام (لا يرد سائلاً فقال الرجل) عبد الرحمن (والله ما سألته) إياها (إلا لتكون كفني يوم أموت قال سهل) -رضي الله عنه- (فكانت) أي البردة (كفنه). وهذا الحديث سبق في باب من استعد الكفن في كتاب الجنائز. 32 - باب النَّجَّارِ (باب النجار) بالنون المشددة والجيم ولأبي ذر عن الكشميهني النجارة بكسر النون وتخفيف الجيم وفي آخره هاء قال الحافظ ابن حجر والأول أشبه بسياق بقية التراجم. 2094 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: "أَتَى رِجَالٌ إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْمِنْبَرِ فَقَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى فُلاَنَةَ -امْرَأَةٍ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ- أَنْ مُرِي غُلاَمَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلُ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ. فَأَمَرَتْهُ يَعْمَلُهَا مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين ابن جميل بفتح الجيم ابن طريف السقفي البغلاني بفتح الموحدة وسكون المعجمة قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن أبي حازم (عن أبي حازم) سلمة بن دينار أنه (قال: أتى رجال إلى سهل بن سعد) بسكون العين الساعدي -رضي الله عنه- وسقط لفظ إلى عند ابن عساكر وأبي ذر (يسألونه عن المنبر) النبوي (فقال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى فلانة امرأة) من الأنصار (قد سماها سهل) -رضي الله عنه- ولم نعرف من هي. (أن مري) بضم الميم وكسر الراء من غير همز (غلامك النجار) هو باقوم بموحدة وبعد الألف قاف آخره ميم وقيل آخره لام وهي رواية عبد الرزاق وقيل قبيصة وقيل ميمون وقيل مينا وقيل إبراهيم وقيل كلاب، وقيل إن الذي عمله تميم الداري لكن روى الواقدي من حديث أبي هريرة أن تميمًا أشار به فعمله كلاب مولى العباس، وجزم البلاذري بأن الذي عمله أبو رافع مولى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأن تفسيرية (يعمل لي أعوادًا أجلس عليهن إذا كلمت الناس) برفع يعمل وأجلس ولأبي ذر يعمل وأجلس بالجزم فيهما جوابًا للأمر (فأمرته) الأنصارية، ولابن عساكر: فأمره (يعملها) بفتح المثناة

33 - باب شراء الإمام الحوائج بنفسه

التحتية والميم بينهما عين ساكنة أي الأعواد، وللكشميهني: فأمره بعملها بموحدة مكسورة بدل التحتية وفتح العين وأمره بالتذكير كرواية ابن عساكر أي فأرسلته إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمره بعملها (من طرفاء الغابة) موضع من عوالي المدينة من جهة الشام (ثم) لما فرغ منها (جاء بها) للأنصارية (فأرسلت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بها فأمر بها فوضعت) مكانها من المسجد (فجلس عليه) أي على المنبر المعمول من الأعواد المذكورة وهذا الحديث قد مرّ في الجمعة. 2095 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ؟ فَإِنَّ لِي غُلاَمًا نَجَّارًا. قَالَ: إِنْ شِئْتِ. فَعَمِلَتْ لَهُ الْمِنْبَرَ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا حَتَّى كَادَتْ أَنْ تَنْشَقَّ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَخَذَهَا فَضَمَّهَا إِلَيْهِ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ. قَالَ: بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ". وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بن (صفوان السلمي الكوفي قال: (حدّثنا عبد الواحد بن أيمن) المخزومي المكي (عن أبيه) أيمن (عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن امرأة من الأنصار قالت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يا رسول الله ألا أجعل لك شيئًا تقعد عليه) إذا خطبت (فإن لي غلامًا نجارًا قال) عليه الصلاة والسلام: (إن شئت) وفي السابقة أنه عليه الصلاة والسلام بعث إليها أن مُري، فيحتمل أنه بلغها أنه عليه الصلاة والسلام يريد عمل المنبر، فلما بعث إليها بدأته بقولها ألا أجعل لك شيئًا تقعد عليه فقال لها مري غلامك (فعملت له المنبر) أي فأمرت غلامها بعمله (فلما كان يوم الجمعة) بالرفع اسم كان، ولأبي ذر: يوم الجمعة بالنصب على الظرفية (قعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر الذي صنع) له (فصاحت النخلة التي كان) ولابن عساكر كانت (يخطب عندها) والمراد بالنخلة الجذع (حتى كادت أن تنشق) ولغير أبي ذر: حتى كادت تنشق بالرفع وإسقاط أن (فنزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أخذها) أي الشجرة (فضمها إليه فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت) بضم أوله مبنيًّا للمفعول من التسكيت (حتى استقرت قال) عليه الصلاة والسلام: (بكت على ما كانت تسمع من الذكر) وهذا الحديث تقدم في باب الخطبة على المنبر من كتاب الجمعة. 33 - باب شِرَاءِ الإِمَامِ الْحَوَائِجِ بِنَفْسِهِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: اشْتَرَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَمَلاً مِنْ عُمَرَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما-: جَاءَ مُشْرِكٌ بِغَنَمٍ فَاشْتَرَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ شَاةً. وَاشْتَرَى مِنْ جَابِرٍ بَعِيرًا. (باب شراء الإمام الحوائج بنفسه) بنصب الحوائج على المفعولية وسقط لغير أبي ذر لفظ الإمام فهو أعمّ والحوائج جرّ بالإضافة وقال الحافظ ابن حجر لأبي ذر عن غير الكشميهني باب شراء الإمام الحوائج بنفسه وسقطت الترجمة للباقين ولبعضهم شراء الحوائج بنفسه أي الرجل وفائدة الترجمة رفع وهم من يتوهم أن تعاطي ذلك يقدح في المروءة. (وقال ابن عمر رضي الله عنهما) مما وصله المؤلّف في الهبة (اشترى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جملاً من عمر) -رضي الله عنه-، وزاد الكشميهني واشترى ابن عمر بنفسه وهذا وصله المؤلّف في باب شراء الإبل الهيم. (وقال عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما-) مما وصله في آخر البيوع (جاء مشرك) لم يسم (بغنم فاشترى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منه شاة واشترى) عليه الصلاة والسلام (من جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (بعيرًا) كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الباب الذي يلي هذا وفي ذلك جواز مباشرة الكبير لشراء الحوائج بنفسه وإن كان له من يكفيه لإظهار التواضع والمسكنة واقتداء بالشارع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 2096 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: "اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ". وبه قال: (حدّثنا يوسف بن عيسى) المروزي قال: (حدّثنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاى المعجمتين الضرير قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: اشترى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من يهودي) هو أبو الشحم (طعامًا) كان ثلاثين وفي رواية عشرين وجمع بينهما في مقدمة الفتح بأنه كان فوق العشرين ودون الثلاثين فجبرت عائشة الكسر تارة وألغته أخرى (نسيئة) وفي باب شراء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنسيئة إلى أجل (ورهنه درعه) ذات الفضول بالضاد المعجمة. 34 - باب شِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالْحَمِيرِ وَإِذَا اشْتَرَى دَابَّةً أَوْ جَمَلاً وَهُوَ عَلَيْهِ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ؟. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعُمَرَ: بِعْنِيهِ. يَعْنِي جَمَلاً صَعْبًا". (باب شراء الدواب والحمير) من عطف الخاص على العامّ لأن الدواب في الأصل موضوع لكل ما يدب على الأرض، ثم استعمل عرفًا لكل ما يمشي على أربع وهو يتناول الحمير وغيرها قال في الفتح: ووقع في رواية أبي ذر والحمر بضمتين وكلاهما جمع لأن الحمار يجمع على حمير وحمر وحمر

وحمران وأحمرة (وإذا اشترى دابة أو جملاً وهو) أي والحال أن البائع (عليه) أي راكب على الجمل (هل يكون ذلك) أي الشراء المذكور (قبضًا) للمشتري (قبل أن ينزل) البائع عن العين المبيعة فيه خلاف، (وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-) فيما وصله في كتاب الهبة (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (بعنيه يعني جملاً صعبًا). 2097 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزَاةٍ فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَا، فَأَتَى عَلَىَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: جَابِرٌ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قُلْتُ: أَبْطَأَ عَلَىَّ جَمَلِي وَأَعْيَا فَتَخَلَّفْتُ. فَنَزَلَ يَحْجُنُهُ بِمِحْجَنِهِ. ثُمَّ قَالَ: ارْكَبْ، فَرَكِبْتُه، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَكُفُّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا. قَالَ: أَفَلاَ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ لِي أَخَوَاتٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَجْمَعُهُنَّ وَتَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ. قَالَ: أَمَّا إِنَّكَ قَادِمٌ. فَإِذَا قَدِمْتَ فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ. ثُمَّ قَالَ: أَتَبِيعُ جَمَلَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَاشْتَرَاهُ مِنِّي بِأُوقِيَّةٍ. ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلِي وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ، فَجِئْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، قَالَ: الآنَ قَدِمْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَعْ جَمَلَكَ فَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ. فَأَمَرَ بِلاَلاً أَنْ يَزِنَ لَهُ أُوقِيَّةً، فَوَزَنَ لِي بِلاَلٌ فَأَرْجَحَ فِي الْمِيزَانِ. فَانْطَلَقْتُ حَتَّى وَلَّيْتُ. فَقَالَ: ادْعُ لِي جَابِرًا. قُلْتُ: الآنَ يَرُدُّ عَلَىَّ الْجَمَلَ، وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنْهُ، قَالَ: خُذْ جَمَلَكَ، وَلَكَ ثَمَنُهُ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة قال (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمرو (عن وهب بن كيسان) بفتح الكاف الأسدي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزاة) قيل هي ذات الرقاع كما في طبقات ابن سعد وسيرة ابن هشام وابن سيد الناس وفي البخاري كانت في غزوة تبوك. وفي مسلم من حديث جابر قال: أقبلنا من مكة إلى المدينة فيكون في الحديبية أو عمرة القضية أو فى الفتح أو حجة الوداع، لكن حجة الوداع لا تسمى غزوة بل ولا عمرة القضية ولا الحديبية على الأرجح فتعين الفتح وبه قال البلقيني. (فأبطأ بي جملي وأعيا) أي تعب وكلَّ. يقال: أعيا الرجل أو البعير في المشي ويستعمل لازمًا ومتعدّيًا. تقول: أعيا الرجل وأعياه الله (فأتى عليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: (جابر) بالتنوين على تقدير أنت جابر وبلا تنوين منادى سقط منه حرف النداء أي: يا جابر (ففلت: نعم. قال: ما شأنك) أي ما حالك وما جرى لك حتى تأخرت عن الناس (قلت أبطأ عليّ جملِي وأعيا فتخلفت) عنهم (فنزل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حال وكونه (يحجنه) مضارع حجن بالحاء المهملة والجيم والنون أي يجذبه (بمحجنه) بكسر الميم بعصاه المعوجة من رأسها كالصولجان معدّ لأن يلتقط به الراكب ما يسقط منه (ثم قال اركب فركبت فلقد رأيته) أي الجمل، ولابن عساكر: فلقد رأيت (أكفه) أمنعه (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حتى لا يتجاوزه (قال تزوجت)؟ بحذف همزة الاستفهام وهي مقدرة (قلت: نعم) تزوجت (قال) تزوجت (بكرًا أم) تزوجت (ثيبًا) بالمثلثة، وقد تطلق على المبالغة وإن كانت بكرًا مجازًا واتّساعًا والمراد هنا العذراء، ولأبي ذر: أبكرًا بهمزة الاستفهام المقدرة في السابق، وفي بعض الأصول: أبكر أم ثيب بالرفع فيهما خبر مبتدأ محذوف أي أزوجتك بكر أم ثيب: (قلت: بل) تزوجت (ثيبًا) هي سهيلة بنت مسعود الأوسية (قال) عليه الصلاة والسلام: (أفلا) تزوجت (جارية) بكرًا (تلاعبها وتلاعبك) وفي رواية قال: أين أنت من العذراء ولعابها؟ وفي أخرى: فهلا تزوجت بكرًا تضاحكك وتضاحكها وتلاعبك وتلاعبها؟ وقوله: ولعابها بكسر اللام وضبطه بعض رواة البخاري بضمها، وقد فسر الجمهور قوله تلاعبها وتلاعبك باللعب المعروف، ويؤيده رواية تضاحكها وتضاحكك وجعله بعضهم من اللعاب وهو الريق وفيه حض على تزويج البكر وفضيلة تزويج الأبكار وملاعبة الرجل أهله (قلت: إن لي أخوات) ولمسلم: إن عبد الله هلك وترك سبع بنات وإني كرهت أن آتيهن أو أجيئهن بمثلهن (فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن وتمشطهن) بضم الشين المعجمة أي تسرّح شعرهنّ (وتقوم) وللكشميهني: فتقوم بالفاء (عليهن) زاد في رواية مسلم: وتصلحهن (قال) عليه الصلاة والسلام: (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم حرف تنبيه (إنك) بكسر الهمزة والذي في اليونينية بفتح الهمزة وكسرها وتشديد النون (قادم) على أهلك (فإذا قدمت) عليهم (فالكيس الكيس) بفتح الكاف والنصب على الإغراء والكيس: الجماع. قال ابن الأعرابي: فيكون قد حضه عليه لما فيه وفي الاغتسال منه من الأجر، لكن فسره المؤلّف في موضع آخر من جامعه هذا بأنه الولد. واستشكل، وأجيب: بأنه إما أن يكون قد حضه على طلب الولد واستعمال الكيس والرفق فيه إذ كان جابر لا ولد له إذ ذاك أو يكون قد أمره بالتحفظ والتوقّي عند إصابة الأهل مخافة أن تكون

حائضًا فيقدم عليها لطول الغيبة وامتداد الغربة، والكيس: شدة المحافظة على الشيء قاله الخطابي وقيل: الولد العقل لما فيه من تكثير جماعة المسلمين ومن الفوائد الكثيرة التي يحافظ على طلبها ذوو العقل. (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (أتبيع جملك قلت: نعم. فاشتراه مني بأوقية) بضم الهمزة اوتشديد لتحتية وكانت في القديم أربعين درهمًا ووزنها أفعولة والألف زائدة والجمع الأواقي مشدّدًا وقد يخفف، ويجوز فيها وقية بغير ألف وهي لغة عامرية، وفي رواية بخمس أواقي وزادني أوقية، وفي أخرى بأوقيتين ودرهم أو درهمين، وفي أخرى بأوقية ذهب، وفي أخرى بأربعة دنانير، وفي أخرى بعشرين دينارًا. قال المؤلّف وقول الشعبي: بوقية أكثر. قال القاضي عياض: سبب اختلاف الروايات أنهم رووه بالمعنى، فالمراد أوقية ذهب كما فسره سالم بن أبي الجعد عن جابر، ويحمل عليها رواية من روى أوقية وأطلق ومن روى خمسة أواقي: فالمراد من الفضة فهي قيمة وقية ذهب ذلك الوقت فالأخبار عن وقية الذهب هو إخبار عما وقع به العقد وأواقي الفضة إخبار عما حصل به الوفاء، ويحتمل أن يكون هذا كله زيادة على الأوقية كما جاء في رواية: فما زال يزيدني. وأما أربعة دنانير: فيحتمل أنها كانت يومئذٍ أوقية ورواية أوقيتين يحتمل أن إحداهما ثمن والأخرى زيادة كما قال: وزادني أوقية. وقوله: ودرهمًا أو درهمين موافق لقوله في بعض الروايات وزادني قيراطًا، ورواية عشرين دينارًا محمولة على دنانير صغار كانت لهم على أن الجمع بهذا الطريق فيه بعد ففي بعض الروايات ما لا يقبل شيئًا من هذا التأويل. قال السهيلي: وروي من وجه صحيح أنه كان يزيده درهمًا درهمًا وكلما زاده درهمًا يقول قد أخذته بكذا والله يغفر لك، فكأن جابرًا قصد بذلك كثرة استغفار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية قال: بعنيه فبعته واستثنيت حملانه إلى أهلي، وفي أخرى أفقرني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظهره إلى المدينة، وفي أخرى لك ظهره إلى المدينة. قال البخاري: الاشتراط أكثر وأصح عندي واحتج به الإمام أحمد على جواز بيع دابة يشترط البائع لنفسه ركوبها إلى موضع معلوم. قال المرداوي: وعليه الأصحاب وهو المعمول به في المذهب وهو من المفردات وعنه لا يصح، وقال مالك: يجوز إذا كانت المسافة قريبة، وقال الشافعية والحنفية: لا يصح سواء بعدت المسافة أو قربت لحديث النهي عن بيع وشرط. وأجابوا عن حديث جابر بأنه واقعة عين يتطرّق إليها الاحتمالات لأنه عليه الصلاة والسلام أراد أن يعطيه الثمن هبة ولم يرد حقيقة البيع بدليل آخر القصة، أو أن الشرط لم يكن في نفس العقد بل سابقًا فلم يؤثر، وفي رواية النسائي أخذته بكذا وأعرتك ظهره إلى المدينة فزال الإشكال. (ثم قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المدينة (قبلي وقدمت بالغداة فجئنا) أي هو وغيره من الصحابة (إلى المسجد فوجدته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على باب المسجد قال) ولابن عساكر فقال: (الآن قدمت قلت نعم قال: فدع) أي اترك (جملك فادخل) أي المسجد، ولأبي ذر: وادخل بالواو بدل الفاء (فصل ركعتين) فيه (فدخلت) المسجد (فصليت) فيه ركعتين وفيه استحبابهما عند القدوم من سفر (فأمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بلالاً أن يزن له أوقية) بهمزة مضمومة وتشديد المثناة التحتية، ولابن عساكر: وقية وعبر بضمير الغائب في قوله له على طريق الالتفات (فوزن لي بلال فأرجح) زاد أبوا ذر والوقت عن الكشميهني: لي (في الميزان) وهو محمول على إذنه عليه الصلاة والسلام له في الإرجاح له لأن الوكيل لا يرجح إلا بالإذن (فانطلقت حتى وليت) أي أدبرت (فقال ادع لي جابرًا) بصيغة المفرد، ولأبي ذر وابن عساكر: ادعوا بصيغة الجمع (قلت الآن يرد عليّ الجمل ولم يكن شيء أبغض إليّ منه) أي من رد الجمل (قال) عليه الصلاة والسلام، ولابن عساكر: فقال (خذ جملك ولك ثمنه). وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في نحو عشرين موضعًا تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته وبركة نبيّه محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع

35 - باب الأسواق التي كانت في الجاهلية، فتبايع بها الناس في الإسلام

مباحثها، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي بألفاظ مختلفة وأسانيد متغايرة. 35 - باب الأَسْوَاقِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَتَبَايَعَ بِهَا النَّاسُ فِي الإِسْلاَمِ (باب) جواز التبايع في (الأسواق التي كانت في الجاهلية) قبل الإسلام (فتبايع بها الناس في الإسلام) لأن أفعال الجاهلية ومواضع المعاصي لا يمتنع أن يفعل فيها الطاعات قاله ابن بطال. 2098 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِسْلاَمُ تَأَثَّمُوا مِنَ التِّجَارَةِ فِيهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ، قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَا". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني، وسقط لابن عساكر ابن عبد الله قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) ولأبي ذر: زيادة ابن دينار (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كانت عكاظ) بضم المهملة وتخفيف الكاف وبعد الألف ظاء معجمة (ومجنة) بكسر الميم وفتحها وفتح الجيم وتشديد النون غير منصرفين ولغير أبي ذر بالصرف فيهما (وذو المجاز) بفتح الميم والجيم وبعد الألف زاي (أسواقًا في الجاهلية، فلما كان الإسلام تأثموا من التجارة فيها) أي تحرجوا من الإثم وكفوا والجار والمجرور متعلق بالإثم وهو حال أي حاصلاً من التجارة أو بيان أي الإثم الذي هو التجارة. والمعنى احترزوا عن الإثم من جهة التجارة، (فأنزل الله) عز وجل ({ليس عليكم جناح}) [البقرة: 198] (في مواسم الحج) زاد ابن عساكر: {أن تبتغوا فضلاً من ربكم} (قرأ ابن عباس كذا) أي بزيادة في مواسم الحج. قال الحافظ العماد ابن كثير: وهكذا فسره مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة ومنصور بن المعتمر وقتادة وإبراهيم النخعي والربيع بن أنس وغيرهم. وهذا الحديث قد سبق في كتاب الحج. 36 - باب شِرَاءِ الإِبِلِ الْهِيم أَوِ الأَجْرَب الْهَائِمُ: الْمُخَالِفُ لِلْقَصْدِ فِي كُلِّ شَىْءٍ (باب شراء الإبل الهيم) بكسر الهاء وسكون التحتية جمع أهيم وهيماء قال ذو الرمة: فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد ... صداها ولا يقضي عليها هيامها وهي الإبل التي بها الهيام وهو داء يشبه الاستسقاء تشرب منه فلا تروى. وقال في القاموس: والهيم بالكسر الإبل العطاش، والهيام العشاق الموسوسون وكسحاب ما لا يتمالك من الرمل فهو ينهال أبدًا أو هو من الرمل ما كان ترابًا دقاقًا يابسًا ويضم، ورجل هائم وهيوم متحير وهيمان عطشان، والهيام بالضم كالجنون من العشق والهيماء المفازة بلا ماء وداء يصيب الإبل من ماء تشربه مستنقعًا فهي الجمع ككتاب. (أو الأجرب) بالجر عطفًا على سابقه أي وشراء الأجرب من الإبل. واستشكل التعبير بالأجرب لأن المعتبر إما معنى الجمع فلا يوصف بالأجرب وإما المفرد فلا يوصف بالهيم. وأجيب: بأنه اسم جنس يحتمل الأمرين. واستشكل أيضًا بأن تأنيثه لازم والصحيح أن يقال الجرباء أو الجرب بلفظ الجمع. وأجيب: بأنه على تقدير تسليم لزوم التأنيث فهو عطف على نفسها لا على صفتها وهو الهيم قاله الكرماني والبرماوي وللنسفي والأجرب من غير همزة. قال المؤلّف مفسرًا لقوله "الهيم" (الهائم المخالف للقصد في كل شيء) كأنه يريد أن بها داء الجنون، واعترضه ابن المنير كابن التين بأن الهيم ليس جمعًا لهائم، وأجاب في المصابيح بأنه لِمَ لا يجوز أن يكون كبازل وبزل ثم قلبت ضمة هيم لتصح الياء كما فعل بجمع أبيض. 2099 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ بنُ عبدِ اللهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ عَمْرٌو: "كَانَ هَا هُنَا رَجُلٌ اسْمُهُ نَوَّاسٌ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ إِبِلٌ هِيمٌ، فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فَاشْتَرَى تِلْكَ الإِبِلَ مِنْ شَرِيكٍ لَهُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ شَرِيكُهُ فَقَالَ: بِعْنَا تِلْكَ الإِبِلَ. فَقَالَ: مِمَّنْ بِعْتَهَا؟ فَقَالَ: مِنْ شَيْخٍ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: وَيْحَكَ، ذَاكَ وَاللَّهِ ابْنُ عُمَرَ. فَجَاءَهُ فَقَالَ: إِنَّ شَرِيكِي بَاعَكَ إِبِلاً هِيمًا وَلَمْ يَعْرِفْكَ. قَالَ: فَاسْتَقْهَا. قَالَ فَلَمَّا ذَهَبَ يَسْتَاقُهَا فَقَالَ: دَعْهَا، رَضِينَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ عَدْوَى". سَمِعَ سُفْيَانُ عَمْرًا. [الحديث 2099 - أطرافه في: 2858، 5093، 5094، 5753، 5772]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني وسقط لغير أبوي ذر والوقت ابن عبد الله قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: قال عمرو) هو ابن دينار: (كان هاهنا رجل اسمه نوّاس) بفتح النون وتشديد الواو وبعد الألف سين مهملة، وللقابسي كما في الفتح نواس بكسر النون والتخفيف، وللكشميهني نوّاسي كالرواية الأولى لكنه بزيادة ياء النسب المشددة، (وكانت عنده إبل هيم فذهب ابن عمر -رضي الله عنهما- فاشترى تلك الإبل) الهيم (من شريك له) لم يسم (فجاء إليه) أي إلى نواس (شريكه فقال: بعنا تلك الإبل) الهيم (فقال) نواس (ممّن بعتها؟ قال) ولأبي ذر فقال (من شيخ) صفته (كذا وكذا. فقال) نوّاس: (ويحك) كلمة توبيخ تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها (ذاك والله ابن عمر فجاءه) أي فجاء نواس ابن عمر (فقال: إن شريكي باعك إبلاً هيمًا ولم يعرفك) بفتح التحتية وسكون المهملة، وللحموي والمستملي: ولم يعرّفك بضم التحتية وفتح المهملة وتشديد الراء من التعريف أي لم يعلمك أنها هيم. (قال) أي ابن عمر لنوّاس

37 - باب بيع السلاح في الفتنة وغيرها وكره عمران بن حصين بيعه في الفتنة

(فاستقها) فعل أمر من الاستياق، وفي رواية ابن أبي عمر قال فاستقها إذا أي إن كان الأمر كما تقول فارتجعها (قال: فلما ذهب) نواس (يستاقها) ليرتجعها واستدرك ابن عمر (فقال) ولأبي الوقت: قال (دعها) أي اتركها (رضينا بقضاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بحكمه (لا عدوى). قال الخطابي: المعنى رضيت بقضاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأرضى بالبيع مع ما اشتمل عليه من التدليس والعيب فلا أعدي عليكما حاكمًا ولا أرفعكما إليه، وقال غيره: هو اسم من الأعداء يقال أعداه الداء يعديه إعداء وهو أن يصيبه مثل ما بصاحب الداء وذلك بأن يكون ببعير جرب مثلاً فتتقى مخالطته بإبل أخرى حذرًا أن يتعدّى ما به من الجرب إليها فيصيبها ما أصابه. وقال أبو علي الهجري في النوادر: الهيام داء يعرض للإبل ومن علامة حدوثه إقبال البعير على الشمس حيث دارت واستمراره على أكله وشربه وبدنه ينقص كالدائب فإذا أراد صاحبه استبانة أمره استباله فإن وجد ريحه مثل ريح الخمرة فهو أهيم فمن شم بوله أو بعره أصابه الهيام اهـ. وبهذا يتضح عطف المؤلّف الأجرب على الهيم لاشتراكهما في دعوى العدوى، ومما يقويه أن الحديث على هذا التأويل يصير في حكم المرفوع ويكون قول ابن عمر لا عدوى تفسيرًا للقضاء الذي تضمنه قوله رضينا بقضاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي رضيت بحكمه حيث حكم أن لا عدوى ولا طيرة، وعلى التأويل الأوّل يصير موقوفًا من كلام ابن عمر -رضي الله عنهما-. قال علي بن المديني شيخ المؤلّف: (سمع سفيان) بن عيينة (عمرًا) أي ابن دينار وسقط قوله سمع سفيان عمرًا لابن عساكر. 37 - باب بَيْعِ السِّلاَحِ فِي الْفِتْنَةِ وَغَيْرِهَا وَكَرِهَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ بَيْعَهُ فِي الْفِتْنَةِ (باب بيع السلاح في) أيام (الفتنة) وهي ما يقع بين المسلمين من الحروب هل هو مكروه أم لا؟ نعم يكره عند اشتباه الحال لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان، وذلك مكروه منهي عنه أما إذا تحقق الباغي فالبيع لمن كان على الحق لا بأس به (وغيرها) أي وغير أيام الفتنة لا يمنع منه. (وكره عمران بن حصين) فيما وصله ابن عدي في كامله من طريق أبي الأشهب عن أبي رجاء عن عمران، ورواه الطبراني في الكبير من وجه آخر عن أبي رجاء عن عمران مرفوعًا وإسناده ضعيف (بيعه) أي السلاح (في الفتنة) لمن يقتل به ظلمًا كبيع العنب لمن يتخذه خمرًا والشبكة لمن يصطاد بها في الحرم والخشب لمن يتخذ منه الملاهي وبيع المماليك المرد لمن يعرف بالفجور فيهم، وهذا كله حرام عند التحقق أو الظن أما عند التوهم فمكروه والعقد في كلها صحيح لأن النهي عنه لأمر خارج عنه. 2100 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ حُنَيْنٍ فَأَعْطَاهُ -يَعْنِي دِرْعًا- فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ". [الحديث 2100 - أطرافه في: 3142، 4321، 4322، 7170]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) إمام دار الهجرة (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن ابن أفلح) هو مولى أبي أيوب الأنصاري ونسبه لجدّه لشهرته به وصرح أبو ذر باسمه فقال عن عمر بن كثير بالمثلثة (عن أبي محمد) نافع بن عياش بالمثناة التحتية والمعجمة الأقرع (مولى أبي قتادة عن أبي قتادة) الحرث بن ربعي الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام حنين) وادٍ بين مكة والطائف وراء عرفات وكان ذلك في السنة الثامنة من الهجرة (فأعطاه) عليه الصلاة والسلام (يعني درعًا) كان السياق يقتضي أن يقول فأعطاني لكنه من باب الالتفات، وأسقط المصنف بين قوله حنين وقوله فأعطاه ما ثبت عنده في غزوة حنين من المغازي لما قصده من بيان جواز بيع الدرع فذكر ما يحتاج إليه من الحديث وحذف ما بينهما على عادته، ولفظه: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام حنين فلما التقينا كان للمسلمين جولة فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع وأقبل عليّ فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر -رضي الله عنه- فقلت: ما بال الناس؟ قال أمر الله عز وجل ثم رجعوا وجلس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "من قتل قتيلاً له عليه بيّنة فله سلبه". فقلت: من يشهد لي فجلست. "قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مثله" فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست. قال: "ثم قال النبي- مثله" فقمت فقال: "ما لك

38 - باب في العطار وبيع المسك

يا أبا قتادة فأخبرته فقال رجل صدق وسلبه عندي فأرضه مني" فقال أبو بكر -رضي الله عنه- لاها الله إذًا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه "فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعطه فأعطانيه" (فبعت الدرع) المذكور (فابتعت) فاشتريت (به) أي بثمنه قال الواقدي باعه من حاطب بن أبي بلتعة بسبع أواقي (مخرفًا) بفتح الميم والراء بينهما خاء معجمة ساكنة وبعد الراء فاء بستانًا (في بني سلمة) بكسر اللام بطن من الأنصار وهم قوم أبي قتادة (فإنّه) أي المخرف (الأول) بلام مفتوحة قبل الهمزة للتأكيد، وللكشميهني: أول (مال تأثلته) بالمثلثة قبل اللام وبعد الهمزة المفتوحة من باب التفعل الذي فيه معنى التكلّف أي اتخذته أصلاً لمالي (في الإسلام) وسقط لأبي ذر وابن عساكر قوله فأعطاه يعني درعًا. ومطابقة الحديث لما ترجم به في الجزء الثاني منها فإن بيع أبي قتادة درعه كان في غير أيام الفتنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الخمس والمغازي والأحكام، ومسلم في المغازي، وأبو داود في الجهاد، والترمذي في السير، وابن ماجة في الجهاد. 38 - باب فِي الْعَطَّارِ وَبَيْعِ الْمِسْكِ هذا (باب) بالتنوين (في العطار) الذي يبيع العطر (وبيع المسك) أراد الردّ على من كره بيع المسك وهو منقول عن الحسن البصري وعطاء وغيرهما وقد استقر الإجماع بعد الخلاف على طهارة المسك وجواز بيعه. 2101 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ: لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً». [الحديث 2101 - طرفه في: 5534]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي قال: (حدّثنا أبو بردة) بضم الموحدة هو بريد (بن عبد الله قال: سمعت أبا بردة بن أبي موسى) بضم الموحدة أيضًا واسمه عامر وهو جدّ أبي بردة بن عبد الله (عن أبيه) أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مثل الجليس الصالح) على وزن فعيل يقال جالسته فهو جليسي (و) مثل (الجليس السوء) الأول (كمثل صاحب المسك) في رواية أبي أسامة عن يزيد كما سيأتي إن شاء الله تعالى بعونه وقوّته في الذبائح كحامل المسك وهو أعم من أن يكون صاحبه أم لا (و) الثاني كمثل (كير الحداد) بسكون المثناة التحتية بعد الكاف المكسورة البناء الذي يركب عليه الزق الذي ينفخ فيه، وأطلق على الزق اسم الكير مجازًا لمجاورته له، وقيل الكير هو الزق نفسه وأما البناء فاسمه الكور، وظاهر الكلام أن المشبه به الكير والمناسب للتشبيه أن يكون صاحبه، وفي رواية أبي أسامة كحامل المسك ونافخ الكير (لا يعدمك) بفتح أوّله وثالثه من العدم أي لا يعدوك (من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه) فاعل يعدم مستتر يدل عليه أما أي لا يعدم أحد الأمرين أو كلمة أما زائدة وتشتريه فاعله بتأويله بمصدر وإن لم يكن فيه حرف مصدري كما في قوله: وقالوا ما تشاء فقلت ألهو قاله الكرماني وتعقبه البرماوي فقال: في الجوابين نظر، والظاهر أن الفاعل موصوف تشتري أي: إما شيء تشتريه كقوله: لو قلت ما في قومها لم تيثم ... يفضلها في حسب وميسم ولأبي ذر: لا يعدمك بضم أوّله وكسر ثالثه من الإعدام (وكير الحداد يحرق بدنك) بضم الياء من أحرق ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر بيتك (أو ثوبك) وفي رواية أبي أسامة: ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ولم يذكر بيتك وهو أوضح (أو تجد منه ريحًا خبيثة) وفيه النهي عن مجالسة من يتأذى بمجالسته في الدين والدنيا ولم يترجم المؤلّف للحداد لأنه سبق ذكره. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا ومسلم في الأدب. 39 - باب ذِكْرِ الْحَجَّامِ (باب ذكر الحجام). 2102 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْ خَرَاجِهِ". [الحديث 2102 - أطرافه في: 2210، 2277، 2280، 2281، 5696]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن حميد) الطويل (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: حجم أبو طيبة) بفتح الطاء المهملة وسكون التحتية وفتح الموحدة واسمه نافع على الصحيح، فعند أحمد وابن السكن والطبراني من حديث محيصة بن مسعود أنه كان له غلام حجام يقال له نافع أبو طيبة فانطلق

40 - باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء

إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسأله عن خراجه الحديث وحكى ابن عبد البر: أن اسم أبي طيبة دينار ووهموه في ذلك لأن دينار الحجام تابعي فعند ابن منده من طريق بسام الحجام عن دينار الحجام عن أبي طيبة الحجام قال: حجمت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحديث، وبذلك جزم أبو أحمد الحاكم في الكنى أن دينارًا الحجام يروي عن أبي طيبة لا أنه طيبة نفسه، وذكر البغوي في الصحابة بإسناد ضعيف أن اسم أبي طيبة ميسرة. وقال العسكري: الصحيح أنه لا يعرف اسمه (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمر له بصاع من تمر وأمر أهله) وفي باب ضريبة العبد من الإجارة وكلم مواليه وهم بنو حارثة على الصحيح ومولاه منهم محيصة بن مسعود، وإنما جمع على طريق المجاز كما يقال بنو فلان قتلوا رجلاً ويكون القاتل واحدًا، وأما ما وقع في حديث جابر أنه مولى بني بياضة فهو وهم فإن مولى بني بياضة آخر يقال له أبو هند (أن يخففوا من خراجه) بفتح الخاء المعجمة ما يقرره السيد على عبده أن يؤدّيه إليه كل يوم أو شهر أو نحو ذلك وكان خراجه ثلاثة آصع فوضع عنه صاعًا كما في حديث رواه الطحاوي وغيره وفيه جواز الحجامة وأخذ الأجرة عليها. وحديث النهي عن كسب الحجام محمول على التنزيه والكراهة إنما هي على الحجام لا على المستعمل له لضرورته إلى الحجامة وعدم ضرورة الحجام لكثرة غير الحجامة من الصنائع ولا يلزم من كونها من المكاسب الدنيئة أن لا تشرع فالكساح أسوأ حالاً من الحجام ولو تواطأ الناس على تركه لأضرّ بهم. وهذا الحديث أخرجه أبو داود في البيوع. 2103 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ - حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "احْتَجَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا خالد هو ابن عبد الله) الطحان الواسطي قال: (حدّثنا خالد) هو ابن مهران الحذاء البصري (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: احتجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأعطى الذي حجمه) أي صاعًا من تمر كما في السابق وحذفه (ولو كان) أي الذي أعطاه من الأجرة (حرامًا لم يعطه) وهو نص في إباحة أجر الحجام وفيه استعمال الأجير من غير تسمية أجره وإعطاؤه قدرها وأكثر أو كان قدرها معلومًا فوقع العمل على العادة. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الإجارة وأبو داود في البيوع. 40 - باب التِّجَارَةِ فِيمَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء) إذا كان مما ينتفع به غير من كره له لبسه أما ما لا منفعة فيه شرعية فلا يجوز بيعه أصلاً على الراجح. 2104 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "أَرْسَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عُمَرَ -رضي الله عنه- بِحُلَّةِ حَرِيرٍ -أَوْ سِيرَاءَ- فَرَآهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أُرْسِلْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا إِنَّمَا يَلْبَسُهَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ، إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتَسْتَمْتِعَ بِهَا. يَعْنِي تَبِيعُهَا". وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا أبو بكر بن حفص) هو عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري (عن سالم بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (عن أبيه) عبد الله أنه (قال: أرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى عمر -رضي الله عنه- بحلة حرير) بضم الحاء المهملة واحدة الحلل وهي برود اليمن ولا تكون الحلة إلا من ثوبين من جنس واحد، ويجوز إضافة حلة لحرير فيسقط التنوين وهو أحد الوجهين في الفرع (أو سيراء) بكسر السين وفتح المثناة التحتية ممدودًا برد فيه خطوط صفر أو حرير محض وهو صفة للحلة أو عطف بيان، لكن قال بعضهم إنما هو حلة سيراء بالإضافة لأن سيبويه قال لم يأت فعلاء صفة لكن اسمًا. وقال عياض: إنه ضبطه بالإضافة عن متقني شيوخه، وقال النووي: إنه قول المحققين ومتقني العربية وإنه من إضافة الشيء لصفته كما قالوا ثوب خز انتهى. والأكثرون على تنوين حلة، وجزم القرطبي بأنه الرواية (فرآها) عليه الصلاة والسلام (عليه) أي على عمر (فقال): (إني لم أرسل بها) بالحلة (إليك لتلبسها إنما يلبسها من لا خلاق له) أي من الرجال في الآخرة أو هو عام فيدخل فيه الرجال والنساء، فيطابق الترجمة، لكن النهي عن الحرير خاص بالرجال، فيدل للجزء الأول من الترجمة (إنما بعثت إليك بها لتستمتع) ولابن عساكر: تستمتع (بها يعني تبيعها) وفي اللباس من وجه إنما بعثت بها إليك لتبيعها أو لتكسوها. قال في الفتح: وهو واضح فيما ترجم له هنا من جواز بيع

41 - باب صاحب السلعة أحق بالسوم

ما يكره لبسه للرجال والتجارة وإن كانت أخص من البيع لكنها جزؤه المستلزم له وأما ما يكره لبسه للنساء فبالقياس عليه. وهذا الحديث قد سبق بأطول من هذا من وجه آخر في كتاب الجمعة ويأتي في اللباس إن شاء الله تعالى، وأخرجه مسلم أيضًا. 2105 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟ قُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ. وَقَالَ: إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ الْمَلاَئِكَةُ". [الحديث 2105 - أطرافه في: 3224، 5181، 5957، 5961، 7557]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق (عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها أخبرته أنها اشترت نمرقة) بضم النون والراء وبكسرهما بينهما ميم ساكنة وبالقاف المفتوحة، وحكي تثليث النون وسادة صغيرة (فيها تصاوير) حيوان، (فلما رآها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قام على الباب فلم يدخله) وللكشميهني: فلم يدخل بحذف الضمير (فعرفت في وجهه) عليه الصلاة والسلام (الكراهة فقلت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ماذا أذنبت؟) فيه جواز التوبة من الذنوب كلها إجمالاً وإن لم يستحضر التائب خصوص الذنب الذي حصلت به مؤاخذته (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما بال هذه النمرقة؟ قلت: اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها) بالنصب عطفًا على سابقه وحذف التاء للتخفيف وأصله وتتوسدها (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن أصحاب هذه الصور) المصوّرين ما له روح وفي نسخة بالفرع وأصله: الصورة بالإفراد (يوم القيامة يعذبون فيقال لهم) على سبيل التهكم والتعجيز (أحيوا) بفتح الهمزة (ما خلقتم) صوّرتم كصورة الحيوان (وقال) عليه الصلاة والسلام (إن البيت الذي فيه) زاد المستملي هذه (الصور لا تدخله الملائكة) عام مخصوص، فالمراد غير الحفظة أما الحفظة فلا يفارقون الإنسان إلا عند الجماع والخلاء كما عند ابن عديّ وضعفه والمراد بالصورة صورة الحيوان فلا بأس بصورة الأشجار والجبال ونحو ذلك مما لا روح له، ويدل قول ابن عباس المروي في مسلم لرجل: إن كنت ولا بدّ فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له. وأما الصورة التي تمتهن في البساط والوسادة وغيرهما فلا يمتنع دخول الملائكة بسببها، لكن قال الخطابي: إنه عامّ في كل صورة انتهى. وإذا حصل الوعيد لصانعها فهو حاصل لمستعملها لأنها لا تصنع إلا لتستعمل فالصانع سبب والمستعمل مباشر فيكون أولى بالوعيد ويستفاد منه أنه لا فرق في تحريم التصوير بين أن تكون صورة لها ظل أو لا. ولا بين أن تكون مدهونة أو منقوشة أو منقورة أو منسوجة خلافًا لمن استثنى النسج وادّعى أنه ليس بتصوير. ووجه المطابقة بين الحديث والترجمة من جهة أن الثوب الذي فيه الصورة يشترك في المنع منه الرجال والنساء. فحديث ابن عمر يدل على بعض الترجمة، وحديث عائشة على جميعها. وقال الكرماني الاشتراء أعمّ من التجارة فكيف يدل على الخاص الذي هو التجارة التي عقد عليها الباب؟ وأجاب: بأن حرمة الجزء مستلزمة لحرمة الكل فهو من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء. وقال ابن المنير: الظاهر أن البخاري أراد الاستشهاد على صحة التجارة في النمارق المصوّرة وإن كان استعمالها مكروهًا لأنه عليه الصلاة والسلام إنما أنكر على عائشة استعمالها ولم يأمرها بفسخ البيع. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في النكاح واللباس وبدء الخلق، ومسلم في اللباس. 41 - باب صَاحِبُ السِّلْعَةِ أَحَقُّ بِالسَّوْمِ (باب) بالتنوين (صاحب السلعة أحق بالسوم) بفتح السين وسكون الواو وبذكر قدر معين للثمن. 2106 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ. وَفِيهِ خِرَبٌ وَنَخْلٌ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري بكسر الميم وفتح القاف بينهما نون ساكنة قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (عن أبي التياح) بفتح المثناة الفوقية وتشديد التحتية وبعد الألف حاء مهملة يزيد بن حميد (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): لما أراد بناء مسجده. (يا بني النجار) وهم قبيلة من الأنصار (ثامنوني بحائطكم) بالمثلثة أمر لهم بذكر الثمن معينًا باختيارهم على سبيل السوم ليذكر لهم عليه الصلاة والسلام ثمنًا معينًا يختاره، ثم يقع التراضي بعد ذلك. وبهذا تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة. وقال المازري: إنما فيه دليل على أن المشتري يبدأ بذكر الثمن

42 - باب كم يجوز الخيار؟

وتعقبه القاضي عياض بأنه عليه الصلاة والسلام لم ينص لهم على ثمن مقدر بذله لهم في الحائط، وإنما ذكر الثمن مجملاً فإن أراد أن فيه التبدئة بذكر الثمن مقدرًا فليس كذلك. وأجاب في المصابيح بأن ابن بطال وغيره نقل الإجماع على أن صاحب السلعة أحق الناس بالسوم في سلعته وأولى بطلب الثمن فيها لكن الكلام في أخذ هذا الحكم من الحديث المذكور، فالظاهر أن لا دليل فيه على ذلك كما أشار إليه المازري. والحائط: البستان (وفيه خرب) بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء جمع خربة كنعمة ونعم، وقيل: الرواية المعروفة بفتح الخاء وكسر الراء جمع خربة ككلمة وكلم (ونخل). وهذا الحديث سبق في الصلاة في باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية وتتخذ مكانها المساجد ويأتي إن شاء الله تعالى في الهجرة. 42 - باب كَمْ يَجُوزُ الْخِيَارُ؟ هذا (باب) بالتنوين (كم يجوز الخيار) بكسر الخاء المعجمة اسم من الاختيار وهو طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه وهو أنواع منها خيار المجلس وخيار الشرط وهو خيار الثلاث فأقل فإن زاد عليها بطل العقل بلا تفريق لأنه صار شرطًا فاسدًا، وخيار الرؤية وهو شراء ما لم يره على أنه بالخيار إذا رآه وفيه قولان قاله في القديم والصواب من الجديد يصح وأفتى به البغوي والروياني، وقال في الأم والبويطي: لا يصح واختاره المزني وهو الأظهر للجهل بالمبيع وخيار العيب للمشتري عند اطّلاعه على عيب كان عند البائع ولو قبل القبض وخيار تلقي الركبان إذا وجدوا السعر أغلى مما ذكره المتلقي، وخيار تفريق الصفقة وتفريقها بتعددها في الابتداء كبيع حل وحرام أو الدوام كتلف أحد العينين قبل القبض، وخيار العجز عن الثمن بأن عجز عنه المشتري والبيع باقٍ عنده لحديث الشيخين مرفوعًا: إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها من الغرماء، وخيار فقد الوصف المشروط في البيع كأن ابتاع عبدًا بشرط كونه كاتبًا فبان غير كاتب فيثبت له الخيار لفوات الشرط والخيار فيما رآه قبل العقد إذا تغير عن صفته، وليس المراد بالتغير التعيب، والخيار لجهل الغصب مع القدرة على انتزاع المبيع من الغاصب ولطرآن العجز عن الانتزاع مع العلم به ولجهل كون المبيع مستأجرًا أو مزروعًا، والمراد هنا بيع الشرط والترجمة هنا معقودة لبيان مقداره. 2107 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ فِي بَيْعِهِمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونُ الْبَيْعُ خِيَارًا». وَقَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ. [الحديث 2107 - أطرافه في: 2109، 2111، 2112، 2113، 2116]. وبه قال: (حدّثنا صدقة) هو ابن الفضل المروزي قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (قال: سمعت يحيى) هو الأنصاري زاد أبو ذر ابن سعيد (قال: سمعت نافعًا) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن المتبايعين بالخيار في بيعهما) بنصب المتبايعين بالياء اسم إن، ولابن عساكر: إن المتبايعان بالألف، وعزاها ابن التين للقابسي وهي على لغة من أجرى المثنى بالألف مطلقًا وسقط لفظ قال لأبي ذر (ما لم يتفرقا) بالأبدان عن مكانهما الذي تبايعا فيه فيثبت لهما خيار المجلس، وما: مصدرية يعني أن الخيار ممتد زمن عدم تفرقهما، وقيل المراد التفرّق بالأقوال وهو الفراغ من العقد فإذا تعاقدا صحّ البيع ولا خيار لهما إلا أن يشترطا وتسميتهما بالمتبايعين يصح أن يكون بمعنى المتساومين من باب تسمية الشيء بما يؤول إليه أو يقرب منه، وفيه بحث يأتي إن شاء الله تعالى في باب البيعان بالخيار، وفي رواية النسائي: ما لم يفترقا بتقديم الفاء ونقل ثعلب عن المفضل بن سلمة افترقا بالكلام وتفرقا بالأبدان وردّه ابن العربي بقوله تعالى: {وما تفرق الذين أُوتوا الكتاب} [البينة: 4] فإنه ظاهر في التفرّق بالكلام لأنه بالاعتقاد. وأجيب: بأنه من لازمه في الغالب لأن من خالف آخر في عقيدته كان مستدعيًا لمفارقته إياه ببدنه. قال في الفتح: ولا يخفى ضعف هذا الجواب والحق حمل كلام المفضل على الاستعمال بالحقيقة وإنما استعمل أحدهما في موضع الآخر اتساعًا. (أو يكون البيع خيارًا) برفع يكون كما في الفرع وفي غيره بالنصب فتكون كلمة (أو) بمعنى (إلا) أي أن يكون البيع بخيار بأن يخير البائع المشتري بعد تمام العقد فليس له خيار في الفسخ وإن لم يتفرقا. (وقال نافع) مولى ابن عمر بالإسناد السابق (وكان ابن عمر إذا اشترى شيئًا يعجبه فارق صاحبه) الذي اشتراه منه

43 - باب إذا لم يوقت في الخيار هل يجوز البيع؟

ليلزم العقد. وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي في البيوع. 2108 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا». وَزَادَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا بَهْزٌ قَالَ. قَالَ هَمَّامٌ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لأَبِي التَّيَّاحِ فَقَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي الْخَلِيلِ لَمَّا حَدَّثَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بِهَذَا الْحَدِيثِ. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث الأزدي قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى الأزدي البصري العوذي بفتح المهملة وسكون الواو وبالمعجمة (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي الخليل) صالح بن أبي مريم (عن عبد الله بن الحرث) بن نوفل الهاشمي (عن حكيم بن حزام) بالزاي (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (البيعان) بفتح الموحدة وتشديد المثناة التحتية (بالخيار) في المجلس (ما لم يفترقا) بتقديم الفاء على المثناة الفوقية وفي نسخة يتفرقا بتأخيرها أي بأبدانهما كما مرّ. (وزاد أحمد) بن سعيد الدارمي مما وصله أبو عوانة في صحيحه فقال: (حدّثنا بهز) بفتح الموحدة وبعد الهاء الساكنة زاي معجمة ابن راشد (قال: قال همام) هو ابن يحيى المذكور (فذكرت ذلك لأبي التياح) بالفوقية والتحتية المشددة وبعد الألف مهملة واسمه يزيد كما مرّ قريبًا (فقال: كنت مع أبي الخليل) صالح (لما حدّثه عبد الله بن الحرث بهذا الحديث) ولأبوي ذر والوقت: هذا الحديث بإسقاط حرف الجر فالحديث نصب على المفعولية، وزعم بعضهم أن أحمد هذا هو أحمد بن حنبل. قال الزركشي: وهذا أحد الموضعين اللذين ذكره البخاري فيهما. وقال ابن حجر: لم أرَ هذا الطريق في مسند أحمد بن حنبل قال: وفائدة صنيع همام طلب علوّ الإسناد لأن بينه وبين أبي الخليل في إسناده الأول رجلين وفي الثاني رجلاً واحدًا، وليس في هذين الحديثين ذكر ما ترجم له وهو بيان مقدار مدة الخيار. قال في الفتح: يحتمل أن يكون مراده بقوله كم يجوز الخيار أي كم يخير أحد المتبايعين الآخر مرة وأشار إلى ما في الطريق الآتية بعد ثلاثة أبواب من زيادة همام ويختار ثلاث مرار، لكن لما لم تكن الزيادة ثابتة أبقى الترجمة على الاستفهام كعادته، وتعقبه في عمدة القاري فقال: هذا الاحتمال الذي ذكره لا يساعد البخاري في ذكره لفظة كم لأن مرضوعها للعدد والعدد في مدة الخيار لا في تخيير أحد المتبايعين الآخر وليس في حديث الباب ما يدل على هذا. وقوله أشار إلى زيادة همام لا يفيد لأنه يعقد ترجمة ثم يشير إلى ما تتضمنه الترجمة في باب آخر هذا مما لا يفيده. وفي حديث ابن عمر مرفوعًا عند البيهقي الخيار ثلاثة أيام، وبه احتج الحنفية والشافعية، وأنكر مالك التوقيت في خيار الشرط ثلاثة أيام بغير زيادة فلو كانت المدة مجهولة أو زائدة على ثلاثة بطل العقد وتحسب المدة المشترطة من الثلاثة فما دونها من العقد الواقع فيه الشرط. وهذا الحديث الأخير سبق في باب إذا بين البائعان. 43 - باب إِذَا لَمْ يُوَقِّتْ فِي الْخِيَارِ هَلْ يَجُوزُ الْبَيْعُ؟ هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يوقت) أي البائع أو المشتري زمنًا (في الخيار) وأطلقا ولأبي ذر: إذا لم يؤقت الخيار بإسقاط حرف الجر (هل يجوز البيع) أي هل يكون لازمًا أو جائزًا فسخه؟ 2109 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ، وَرُبَّمَا قَالَ: أَوْ يَكُونُ بَيْعَ خِيَارٍ". وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي) وفي نسخة: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (البيعان بالخيار) في مجلس العقد (ما لم يتفرقا) بالأبدان أي فيمتدّ زمن عدم تفرقهما (أو يقول) برفع اللام وإثبات الواو بعد القاف في جميع الطرق. قال في الفتح: وفي: إثباتها نظر لأنه مجزوم عطفًا على قوله ما لم يتفرقا فلعل الضمة أشبعت كما أشبعت الكسرة في قراءة من قرأ أنه من يتقي ويصبر اهـ. وهذا كما قال في العمدة ظن منه أن أو للعطف وليس كذلك بل هي بمعنى إلا كما ذكره هو احتمالاً، وبه جزم النووي وعبارته في شرح المهذّب ويقول منصوب بأو بتقدير إلا أن أو إلى أن ولو كان معطوفًا لكان مجزومًا ولقال أو يقل: (أحدهما لصاحبه اختر) إمضاء البيع أو فسخه فإن اختار إمضاءه انقطع خيارهما وإن لم يتفرقا. وبه قال الشافعي وآخرون وإن سكت انقطع خيار الأول دونه على الصحيح لأن قوله اختر رضا باللزوم ولو اختار أحدهما لزوم العقد والآخر فسخه قدم الفسخ وظاهر قوله: ما لم يتفرقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر حصر لزوم البيع بهذين الأمرين وفيه نظر (وربما قال

44 - باب "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا"

أو يكون) البيع (بيع خيار) بأن شرط فيه فلا يبطل بالتفرق. 44 - باب "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا" وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَشُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ. (باب) بالتنوين (البيعان بالخيار) في المجلس (ما لم يتفرقا، وبه) أي بخيار المجلس (قال ابن عمر) بن الخطاب وورد من فعله كما مر أنه إذا اشترى شيئًا يعجبه فارق صاحبه، وعند الترمذي أنه كان إذا ابتاع بيعًا وهو قاعد قام ليجب له وعند ابن أبي شيبة إذا باع انصرف ليجب البيع، (و) به قال (شريح) أيضًا بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية آخره حاء مهملة ابن الحرث الكندي الكوفي أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يلقه وأقام قاضيًا على الكوفة ستين سنة فيما وصله سعيد بن منصور، (و) به قال (الشعبي) عامر بن شراحيل مما وصله ابن أبي شيبة، (و) كذا (طاوس) هو ابن كيسان مما وصله الشافعي في الأم، (و) كذا (عطاء) هو ابن أبي رباح المكي (وابن أبي مليكة) عبد الله مما وصله عنهما ابن أبي شيبة بلفظ البيعان بالخيار حتى يتفرقا عن رضا. 2110 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا حَبَّانُ بنُ هلالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: قَتَادَةُ أَخْبَرَنِي عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: سَمِعْتُ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر وابن عساكر: حدّثنا (إسحاق) غير منسوب قال أبو علي الجياني: لم أجده منسوبًا عن أحد من رواة الكتاب ولعله ابن منصور فإن مسلمًا قد روى في صحيحه عن إسحاق بن منصور عن حبان بن هلال. قال الحافظ ابن حجر: وقد رأيته في رواية أبي علي الشبوي في هذا الباب ولفظه: حدّثنا إسحاق بن منصور حدّثنا حبان فهذه قرينة تقوّي ما ظنه الجياني قال: (أخبرنا حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة زاد أبو ذر هو ابن هلال (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: قتادة) بن دعامة (أخبرني) بالإفراد (عن صالح أبي الخليل) بن أبي مريم (عن عبد الله بن الحرث) بن نوفل الهاشمي أنه (قال: سمعت حكيم بن حزام -رضي الله عنه-) يقول (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (البيعان بالخيار) في المجلس (ما لم يتفرفا) ببدنهما عن مكان التعاقد فلو أقاما فيه مدة أو تماشيا مراحل فهما على خيارهما وإن زادت المدة على ثلاثة أيام فلو اختلفا في التفرق فالقول قول منكره بيمينه وإن طال الزمن لموافقته الأصل (فإن صدقا) البائع في صفة المبيع والمشتري فيما يعطي في عوض المبيع (وبينا) ما بالمبيع والثمن من عيب ونقص (بورك لهما في بيعهما وإن كذبا) في وصف المبيع والثمن (وكتما) ما فيهما من عيب ونقص (محقت بركة بيعهما) التي كانت تحصل على تقدير خلوّه من الكذب والكتمان لوجودهما فيه، وليس المراد أن البركة كانت فيه ثم محقت أو المراد أن هذا البيع وإن حصل فيه ربح فإنه يمحق بركة ربحه، ويؤيده الحديث الآتي إن شاء الله تعالى بلفظ وإن كذبا وكتما فعسى أن يربحا ربحًا ويمحقا بركة بيعهما. 2111 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، إِلاَّ بَيْعَ الْخِيَارِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه) بالخيار خبر لكل واحد أي كل واحد محكوم له بالخيار والجملة خبر لقوله المتبايعان (ما لم يتفرقا) ببدنهما فيثبت لهما خيال المجلس، والمعنى أن الخيار ممتد زمن عدم تفرقهما وذلك لأن (ما) مصدرية ظرفية. وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص عند البيهقي والدارقطني "ما لم يتفرقا عن مكانهما" وذلك صريح في المقصود وسماهما المتبايعين وهما المتعاقدان لأن البيع من الأسماء المشتقة من أفعال الفاعلين وهي لا تقع في الحقيقة إلا بعد حصول الفعل وليس بعد العقد تفرق إلا بالأبدان، وقيل المراد التفرق بالأقوال وهو الفراغ من العقد فإذا تعاقدا صح البيع ولا خيار لهما إلا أن يشترطا وتسميتهما بالمتبايعين يصح أن يكون بمعنى المتساومين من باب تسمية الشيء بما يؤول إليه أو يقرب منه، وتعقبه ابن حزم بأن خيار المجلس ثابت بهذا الحديث سواء قلنا التفرق بالكلام أو بالأبدان، أما حيث قلنا بالأبدان فواضح وحيث قلنا بالكلام فواضح أيضًا لأن قول أحد المتبايعين مثلاً بعتكه بعشرة وقول المشتري بل بعشرين

45 - باب إذا خير أحدهما صاحبه بعد البيع فقد وجب البيع

مثلاً افتراق في الكلام بلا شك، بخلاف ما لو قال اشتريته بعشرة فإنهما حينئذ متوافقان فيتعين ثبوت الخيار لهما حين يتفقان لا حين يفترقان وهو المدعى. وأما قوله: المراد بالمتبايعين المتساومان فمردود لأنه مجاوز والحمل على الحقيقة أو ما يقرب منها أولى. قال البيضاوي: ومن نفى خيار المجلس ارتكب مجازين بحمله التفرق على الأقوال وحمله المتبايعين على المتساومين (إلا بيع الخيار) استثناء من أصل الحكم أي إلا في بيع إسقاط الخيار فإن العقد يلزم وإن لم يتفرقا بعد فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وقد ذكر النووي اتفاق الأصحاب على ترجيح هذا التأويل وإن كثيرًا منهم أبطل ما سواه وغلطوا قائله انتهى. وهو قول الجمهور وبه جزم الشافعي. وممن رجحه من المحدثين البيهقي والترمذي وعبارته معناه أن يخير البائع المشتري بعد إيجاب البيع فإذا خيّره فاختار البيع فليس له بعد ذلك خيار في فسخ البيع وإن لم يتفرقا انتهى. وقيل: الاستثناء من مفهوم الغاية أي إلا بيعًا شرط فيه خيار مدة فإن الخيار بعد التفرق يبقى إلى مضي المدة المشروطة، ورجح الأول بأنه أقل في الإضمار، وقيل هو استثناء من إثبات خيار المجلس أي إلا البيع الذي فيه أن لا خيار لهما في المجلس فيلزم البيع نفس العقد ولا يكون فيه خيار أصلاً وهذا أضعف هذه الاحتمالات. 45 - باب إِذَا خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ هذا (باب) بالتنوين (إذا خير أحدهما) أي أحد المتبايعين (صاحبه بعد البيع) وقبل التفرق (وجب البيع) أي لزم وإن لم يتفرقا. 2112 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلاَنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ يَتَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال): (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما) محكوم له (بالخيار) في المجلس (ما لم يتفرقا) فإذا تفرقا انقطع الخيار (وكانا جميعًا) تأكيد لسابقه والجملة حالية من الضمير في يتفرقا أي وقد كانا جميعًا، وهذا كما قال الخطابي أوضح شيء في ثبوت خيار المجلس وهو مبطل لكل تأويل مخالف لظاهر الحديث، وكذا قوله في آخره وإن تفرقا بعد أن يتبايعا فيه البيان الواضح أن التفرق بالبدن هو القاطع للخيار ولو كان معناه التفرق بالقول لخلا الحديث عن فائدة اهـ. وقد حمله ابن عمر راوي الحديث على التفرق بالأبدان كما مر وكذا أبو برزة الأسلمي ولا يعرف لهما مخالف بين الصحابة. نعم خالف في ذلك إبراهيم النخعي فروى سعيد بن منصور عنه إذا وجبت الصفقة فلا خيار وبذلك قال المالكية إلا ابن حبيب والحنفية كلهم. (أو يخير أحدهما الآخر) فينقطع الخيار أيضًا وقوله: أو يخير بكسر ما قبل آخره مرفوع كما في الفرع وغيره، وقال في الفتح وجمع العدّة بالجزم عطفًا على المجزوم السابق وهو لم يتفرقا، وتعقب بأن أو فيه ليست للعطف بل بمعنى إلا أي إلا أن أو بمعنى إلى أي إلى أن يخير فهو نصب بأن مضمرة، وفي بعض الأصول وخير بإسقاط الألف والفعل بلفظ الماضي (فتبايعا على ذلك) قيل إنه من عطف المجمل على المفصل فلا تغاير بينه وبين ما قبله إلا بالإجمال والتفصيل (فقد وجب البيع) الفاء للسببية والترتيب على سابقه أي فإذا كان المتبايع على ذلك فقد لزم البيع وانبرم وبطل الخيار (وإن تفرقا بعد أن يتبايعا) بلفظ المضارع (ولم يترك واحد منهما البيع) أي لم يفسخه (فقد وجب البيع) بعد التفرق وهو ظاهر جدًا في انفساخ البيع بفسخ أحدهما. وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع والنسائي فيه وفي الشروط، وأخرجه ابن ماجة في التجارات. 46 - باب إِذَا كَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ هَلْ يَجُوزُ الْبَيْعُ؟ هذا (باب) بالتنوين (إذا كان البائع بالخيار هل يجوز البيع) أي هل يكون العقد جائزًا أم لازمًا؟ وكأنه قصد الرد على من حصر الخيار في المشتري دون البائع فإن في الحديث التسوية بينهما في ذلك. 2113 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كُلُّ بَيِّعَيْنِ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إِلاَّ بَيْعَ الْخِيَارِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر -رضي الله عنهما- من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (كل بيعين) بتشديد التحتية بعد الموحدة (لا بيع بينهما) لازم (حتى يتفرقا)

47 - باب إذا اشترى شيئا فوهب من ساعته قبل أن يتفرقا ولم ينكر البائع على المشتري، أو اشترى عبدا فأعتقه

من مجلس العقد بينهما فيلزم البيع حينئذٍ بالتفرق (إلا بيع الخيار) فيلزم باشتراطه. وهذا الحديث أخرجه النسائي في البيوع والشروط. 2114 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا حَبَّانُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا -قَالَ هَمَّامٌ وَجَدْتُ فِي كِتَابِي: يَخْتَارُ ثَلاَثَ مِرَارٍ- فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا فَعَسَى أَنْ يَرْبَحَا رِبْحًا وَيُمْحَقَا بَرَكَةَ بَيْعِهِمَا». قَالَ: وَحَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولابن عساكر: حدّثنا (إسحاق) هو ابن منصور قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة هو ابن هلال قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى الأزدي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة السدوسي (عن أبي الخليل) بالخاء المعجمة المفتوحة صالح بن أبي مريم (عن عبد الله بن الحرث) بن نوفل الهاشمي (عن حكيم بن حِزام) بالحاء المهملة والزاي (-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (البيعان) بتشديد التحتية (بالخيار) في المجلس (ما لم يتفرقا) ببدنهما فإذا تفرقا سقط الخيار ولزم العقد، وللحموي والمستملي: حتى يتفرقا. (قال همام) المذكور المحفوظ هو الذي رويته لكن (وجد في كتاب يختار ثلاثة مرار) بالجر على الإضافة ويختار بلفظ الفعل ووقع عند أحمد عن عفان عن همام قال: وجدت في كتابي الخيار ثلاث مرار (فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما فعسى أن يربحا ربحًا ويمحقا بركة بيعهما) يحتمل أن يكون داخلاً تحت الموجود في الكتاب أو يروى من حفظه والظاهر الثاني قاله الكرماني فيكون من جملة الحديث. (قال) حبان بن هلال: (وحدّثنا همام) المذكور قال: (حدّثنا أبو التياح) يزيد (أنه سمع عبد الله بن الحرث) بن نوفل (يحدث بهذا الحديث عن حكيم بن حزام عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقد سبق حديث حكيم بن حزام هذا في باب: إذا بيّن البيعان. 47 - باب إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَوَهَبَ مِنْ سَاعَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا وَلَمْ يُنْكِرِ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي، أَوِ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ وَقَالَ طَاوُسٌ فِيمَنْ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ عَلَى الرِّضَا ثُمَّ بَاعَهَا وَجَبَتْ لَهُ وَالرِّبْحُ لَهُ. هذا (باب) بالتنوين (إذا اشترى) شخص (شيئًا فوهب) ذلك الشيء (من ساعته) أي على الفور (قبل أن يتفرقا ولم ينكر البائع) أي والحال أن البائع لم ينكر (على المشتري) حتى ينقطع خياره بذلك (أو اشترى) شخص (عبدًا فأعتقه) من ساعته قبل أن يتفرقا. (وقال طاوس) هو ابن كيسان اليماني الحميري فيما وصله سعيد بن منصور وعبد الرزاق من طريق ابن طاوس عن أبيه نحوه (فيمن يشتري السلعة على الرضا) أي على شرط أنه لو رضي به أجاز العقد (ثم باعها وجبت له) المبايعة أو السلعة قاله البرماوي كالكرماني. قال العيني: رجوع الضمير الذي في وجب إلى السلعة ظاهر وأما إلى المبايعة فبالقرينة الدالّة عليه، وفي نسخة الصاعاني وجب له البيع (والربح له) وأيضًا وسقط والربح له لغير ابن عساكر. 2115 - وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ، فَكَانَ يَغْلِبُنِي فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ الْقَوْمِ، فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعُمَرَ: بِعْنِيهِ. قَالَ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: بِعْنِيهِ، فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ". [الحديث 2115 - طرفاه في: 2610، 2611]. (وقال الحميدي) بضم الحاء المهملة وفتح الميم عبد الله بن الزبير، ولابن عساكر وقال لنا الحميدي فأسنده إلى المؤلّف، وقد جزم الإسماعيلي وأبو نعيم بأنه علقه ووصله المؤلّف من وجه آخر في الهبة عن سفيان وكذا هو موصول أيضًا في مسند الحميدي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تعيينه (فكنت على بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف ولد الناقة أوّل ما يركب (صعب) صفة لبكر أي نفور لكونه لم يذلل كان (لعمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (فكان يغلبني فيتقدم أمام القوم فيزجره عمر ويردّه ثم يتقدم فيزجره عمر وبرده) ذكر ذلك بيانًا لصعوبة هذا البكر فلذا ذكره بالفاء (فقال النبي--صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر): (بعنيه قال) عمر -رضي الله عنه- (هو لك بل رسول الله قال بعنيه) ولأبي ذر: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بعنيه" (فباعه من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في الهبة فاشتراه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو) أي الجمل (لك يا عبد الله بن عمر تصنع به ما شئت) من أنواع التصرفات. وهذا موضع الترجمة فإنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهب ما ابتاعه من ساعته ولم ينكر البائع فكان قاطعًا لخياره لأن سكوته منزل منزلة قوله أمضيت البيع، وقول ابن التين: هذا تعسف من البخاري ولا يظن أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهب ما فيه لأحد خيار ولا إنكار

48 - باب ما يكره من الخداع في البيع

لأنه إنما بعث مبينًا. أجيب عنه: بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد بين ذلك بالأحاديث السابقة المصرحة بخيار المجلس والجمع بين الحديثين ممكن بأن يكون بعد العقد فارق عمر بأن تقدمه أو تأخر عنه مثلاً ثم وهب وليس في الحديث ما يثبت ذلك ولا ينفيه فلا معنى للاحتجاج بهذه الواقعة العينية في إبطال ما دلّت عليه الأحاديث الصريحة من إثبات خيار المجلس، فإنها إن كانت متقدمة على حديث البيعان بالخيار فحديث البيعان قاضٍ عليها، وإن كانت متأخرة عنه حمل على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اكتفى بالبيان السابق قاله في الفتح. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الهبة. 2116 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "بِعْتُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ مَالاً بِالْوَادِي بِمَالٍ لَهُ بِخَيْبَرَ، فَلَمَّا تَبَايَعْنَا رَجَعْتُ عَلَى عَقِبِي حَتَّى خَرَجْتُ مِنْ بَيْتِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُرَادَّنِي الْبَيْعَ، وَكَانَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَمَّا وَجَبَ بَيْعِي وَبَيْعُهُ رَأَيْتُ أَنِّي قَدْ غَبَنْتُهُ بِأَنِّي سُقْتُهُ إِلَى أَرْضِ ثَمُودٍ بِثَلاَثِ لَيَالٍ، وَسَاقَنِي إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلاَثِ لَيَالٍ". (قال أبو عبد الله) البخاري -رحمه الله تعالى- (وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الإسماعيلي وسقط قوله قال أبو عبد الله لابن عساكر: (حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن خالد) هو ابن مسافر الفهمي المصري (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم بن عبد الله عن) أبيه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: بعت من أمير المؤمنين عثمان) ولأبي ذر زيادة ابن عفان -رضي الله عنهما- (مالاً) أرضًا أو عقارًا (بالوادي) واد معهود عندهم أو وادي القرى وهو من أعمال المدينة (بمال) بأرض أو عقار (له بخيبر) حصن بلغة اليهود على نحو ست مراحل من المدينة من جهة الشمال والشرق (فلما تبايعنا رجعت على عقبي) بكسر الموحدة بلفظ الإفراد (حتى خرجت من بيته خشية أن يرادّني) بضم الياء وتشديد الدال المفتوحة يفاعلني وأصله يراددني (البيع) أي يطلب استرداده مني وخشية منصوب على أنه مفعول له، (وكانت السُّنّة) أي طريقة الشرع (أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا) أي أن هذا هو السبب في خروجه من بيت عثمان وأنه فعل ذلك ليجب البيع ولا يبقى لعثمان -رضي الله عنه- خيار في فسخه. (قال عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- (فلما وجب بيعي وبيعه) أي لزم من الجانبين بالتفرق بالبدن (رأيت أني قد غبنته) خدعته (بأني سقته إلى أرض ثمود) يصرف ولا يصرف وهم قوم صالح وأرضهم قرب تبوك (بثلاث ليالٍ) أي زدت المسافة التي بينه وبين أرضه التي صارت إليه على المسافة التي كانت بينه وبين أرضه التي باعها ثلاث ليال (وساقني إلى المدينة بثلاث ليال) يعني أنه نقص المسافة التي بيني وبين أرضي التي أخذتها عن المسافة التي كانت بيني وبين أرضي التي بعتها ثلاث ليالٍ وإنما قال إلى المدينة لأنهما جميعًا كانا بها فرأى ابن عمر الغبطة في القرب من المدينة فلذا قال: رأيت أني قد غبنته. وفيه أن الغبن لا يردّ به البيع وجواز بيع الأرض بالأرض وبيع العين الغائبة على الصفة، ومطابقته للترجمة من جهة أن للمتبايعين التفرق على حسب إرادتهما إجازة وفسخًا قاله الكرماني. 48 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الْخِدَاعِ فِي الْبَيْعِ (باب ما يكره من الخداع في البيع). 2117 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَجُلاً ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ، فَقَالَ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خِلاَبَةَ". [الحديث 2117 - أطرافه 2407، 2414، 2964]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة ابن أنس (عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً) هو حبان بن منقذ كما رواه ابن الجارود والحاكم وغيرهما وجزم به النووي في شرح مسلم وهو بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ومنقذ بالمعجمة وكسر القاف قبلها الصحابيّ ابن الصحابيّ الأنصاري، وقيل هو منقذ بن عمرو كما وقع في ابن ماجة وتاريخ البخاري وصححه النووي في مبهماته وكان حبان قد شهد أُحُدًا وما بعدها وتوفي في زمن عثمان -رضي الله عنه- (ذكر للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه يخدع في البيوع) بضم التحتية وسكون الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة، وعند الشافعي وأحمد وابن خزيمة والدارقطني أن حبان بن منقذ كان ضعيفًا وكان قد شج في رأسه مأمومة وقد ثقل لسانه، وزاد الدارقطني من طريق ابن إسحاق فقال: حدّثني محمد بن يحيى بن حبان قال هو جدي منقذ بن عمرو وكانت في رأسه آمة (فقال) له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذا بايعت فقل لا خلابة) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام أي لا خديعة في الدين لأن الدين النصيحة فلا لنفي الجنس وخبرها محذوف.

49 - باب ما ذكر في الأسواق

وقال التوربشتي لقنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا القول ليتلفظ به عند البيع ليطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر من معرفة السلع ومقادير القيمة فيها ليرى له كما يرى لنفسه، وكان الناس في ذلك أحقّاء لا يغبنون أخاهم المسلم وكانوا ينظرون له كما ينظرون لأنفسهم انتهى. واستعماله في الشرع عبارة عن اشتراط خيار الثلاث، وقد زاد البيهقي في هذا الحديث بإسناد حسن: ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليالٍ، وفي رواية الدارقطني عن عمر فجعل له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عهدة ثلاثة أيام. زاد ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير فإن رضيت فأمسك وإن سخطت فاردد فبقي حتى أدرك زمن عثمان وهو ابن مائة وثلاثين سنة فكثر الناس في زمن عثمان فكان إذا اشترى شيئًا فقيل له: إنك غبنت فيه رجع به فيشهد له الرجل من الصحابة بأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد جعله بالخيار ثلاثًا فردّ له دراهمه، واستدلّ به أحمد لأنه يرد بالغبن الفاحش لمن لم يعرف قيمة السلعة، وحدّه بعض الحنابلة بثلث القيمة وقيل بسدسها. وأجاب الشافعية والحنفية والجمهور بأنها واقعة عين وحكاية حال فلا يصح دعوى العموم فيها عند أحد. وقال البيضاوي: حديث ابن عمر هذا يدل على أن الغبن لا يفسد البيع ولا يثبت الخيار لأنه لو أفسد البيع أو أثبت الخيار لبيّنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يأمره بالشرط اهـ. وفيه اشتراط الخيار من المشتري فقط وقيس به البائع ويصدق ذلك باشتراطهما معًا وخرج بالثلاثة ما فوقها وشرط الخيار مطلقًا لأن ثبوت الخيار على خلاف القياس لأنه غرر فيقتصر فيه على مورد النص وجاز أقل منها بالأولى. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في ترك الحيل وأبو داود والنسائي في البيوع. 49 - باب مَا ذُكِرَ فِي الأَسْوَاقِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قُلْتُ: هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعَ. وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ. وَقَالَ عُمَرُ: أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ. (باب ما ذكر في الأسواق). (وقال عبد الرحمن بن عوف) فيما سبق موصولاً في أول كتاب البيوع (لما قدمنا المدينة قلت: هل من سوق فيه تجارة)؟ وسقط قوله قلت لأبي ذر (قال) سعد بن الربيع، ولأبوي ذر والوقت فقال: (سوق قينقاع) بضم النون منصرف وغير منصرف، (وقال أنس) مما وصله في الباب المذكور أيضًا (قال عبد الرحمن) بن عوف: (دلوني على السوق. وقال عمر) بن الخطاب فيما وصله في أثناء حديث أبي موسى في باب الخروج في التجارة من كتاب البيوع (ألهاني الصفق بالأسواق). 2118 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ، فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرْضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ. قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ وَفِيهِمْ أَسْوَاقُهُمْ وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ، ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبوي ذر والوقت: حدّثني (محمد بن الصباح) بفتح الصاد المهملة وتشديد الموحدة ابن سفيان الدولابيّ قال: (حدّثنا إسماعيل بن زكريا) أبو زياد الأسديّ (عن محمد بن سوقة) بضم السين المهملة وسكون الواو وبالقاف أبي بكر الغنويّ الكوفي من صغار التابعين (عن نافع بن جبير بن مطعم) أنه (قال حدّثتني عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يغزو) بالغين والزاي المعجمتين أي يقصد (جيثس الكعبة) لتخريبها (فإذا كانوا ببيداء من الأرض) ولمسلم عن أبي جعفر الباقر هي بيداء المدينة (يخسف بأوّلهم وآخرهم) وزاد الترمذي في حديث صفية ولم ينج أوسطهم ولمسلم في حديث حفصة فلا يبقى إلا الشريد الذي يخبر عنهم. (قالت) عائشة (قلت: يا رسول الله كيف يخسف بأوّلهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم)؟ جمع سوق وعليه ترجم المؤلّف، والتقدير أهل أسواقهم الذين يبيعون ويشترون كما في المدن، وفي مستخرج أبي نعيم وفيهم أشرافهم بالمعجمة والراء والفاء، وفي رواية محمد بن بكار عند الإسماعيليّ وفيهم سواهم بدل أسواقهم وقال: رواه البخاري أسواقهم أي بالقاف وأظنه تصحيفًا فإن الكلام في الخسف بالناس لا بالأسواق، وتعقبه في فتح الباري، بأن لفظ سواهم تصحيف فإنه بمعنى قوله ومن ليس منهم فيلزم منه التكرار بخلاف رواية البخاري، ويحتمل أن يكون المراد بالاسواق هنا الرعايا. قال ابن الأثير: السوقة من الناس الرعية ومن دون الملك وكثير من الناس يظنون السوقة أهل الاسواق انتهى. قال في اللامع كالتنقيح: لكن هذا يتوقف على أن السوقة يجمع على أسواق وذكر

صاحب الجامع أنها تجمع على سوق كقثم، قال في المصابيح: لكن البخاري إنما فهم منه أنه جمع سوق الذي هو محل البيع والشراء فيبغي أن يحرّر النظر فيه انتهى. ونبّه به على أن حديث أبغض البلاد إلى الله أسواقها المرويّ في مسلم ليس من شرطه، وفي رواية مسلم فقلنا: إنّ الطريق تجمع الناس؟ قال: نعم فيهم المستبصر أي المستبين لذلك القاصد للمقاتلة والمجبور بالجيم والموحدة أي المكره وابن السبيل أي سالك الطريق معهم وليس منهم، والغرض أنها استشكلت وقوع العذاب على من لا إرادة له في القتال الذي هو سبب العقوبة. (قال) عليه الصلاة والسلام مجيبًا لها (يخسف بأوّلهم وآخرهم) لشؤم الأشرار (ثم يبعثون على نياتهم) فيعامل كل أحد عند الحساب بحسب قصده. وفيه التحذير من مصاحبة أهل الظلم ومجالستهم، وأخرجه مسلم من وجه آخر عن عائشة -رضي الله عنها-. 2119 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «صَلاَةُ أَحَدِكُمْ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي سُوقِهِ وَبَيْتِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَذَلِكَ بِأَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاَةَ، لاَ يَنْهَزُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ رُفِعَ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، وَالْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ. وَقَالَ: أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا كَانَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم وكسر الراء الأولى ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (صلاة أحدكم في جماعة تزيد) في باب فضل الجماعة من كتاب الصلاة صلاة الرجل في الجماعة تضعف (على صلاته في سوقه وبيته بضعًا) بكسر الموحدة ما بين الثلاث إلى التسع على المشهور وقيل إلى عشر وقيل غير ذلك (وعشرين درجة) وفي الصلاة بلفظ خمسة وعشرين (وذلك) إشارة إلى الزيادة (بأنه) أي بسبب أنه (إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لا ينهزه) بفتح التحتية والهاء بينهما نون ساكنة وبعد الزاي هاء لا يدفعه، ولأبى ذر: لا ينهزه بضم أوّله وكسر ثالثه أي لا ينهضه (إلا الصلاة) أي قصدها في جماعة (لم يخط خطوة) بفتح الخاء (إلا رفع بها درجة) بالنصب (أو حطت عنه بها خطيئة) بالرفع نائب عن الفاعل أي محيت من صحيفته والجملة كالبيان لسابقتها (والملائكة تصلي محل أحدكم ما دام) أي مدة دوامه (في مصلاه) بضم الميم المكان (الذي يصلّي فيه) والمراد كونه في المسجد مستمرًا على انتظار الصلاة تقول: (اللهم صل عليه اللهم ارحمه) بيان لقوله تصلي عليه (ما لم يحدث فيه) يخرج ريحًا من دبره (ما لم يؤذ فيه) الملك بنتن الحدث أو المسلم بالفعل أو القول بيان لما يحدث فيه. (وقال) عليه الصلاة والسلام (أحدكم في) ثواب (صلاة ما كانت الصلاة تحبسه) وهذا الحديث قد مرّ في باب فضل صلاة الجماعة. 2120 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي السُّوقِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّمَا دَعَوْتُ هَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي". [الحديث 2120 - طرفاه في: 2121، 3537]. وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة وتخفيف التحتية قال: (حدّثنا شعبة) ابن الحجاج (عن حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في السوق فقال رجل): لم يسم (يا أبا القاسم فالتفت إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) الرجل (إنما دعوت هذا) أي شخصًا آخر غيرك (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (سموا) بفتح السين وضم الميم وفي نسخة تسموا (باسمي) محمد وأحمد (ولا تكنوا) بفتح التاء والنون المشدّدة على حذف إحدى التاءين (بكنيتي) أبي القاسم وقوله سموا جملة من الفعل والفاعل وباسمي صلة له، وكذا قوله: ولا تكنوا بكنيتي وهو من باب عطف المنفي على المثبت والأمر والنهي هنا ليسا للوجوب والتحريم، فقد جوّزه مالك مطلقًا لأنه إنما كان في زمنه للالتباس ثم نسخ فلم يبق التباس وقال جمع من السلف النهي مختص بمن اسمه محمد أو أحمد لحديث النهي أن يجمع بين اسمه وكنيته، والغرض من الحديث هنا قوله كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في السوق، وقد أخرجه أيضًا في كتاب الاستئذان. 2121 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "دَعَا رَجُلٌ بِالْبَقِيعِ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لَمْ أَعْنِكَ، قَالَ: سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي". وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد أبو غسان النهدي الكوفي قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي وفتح الهاء ابن معاوية (عن حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: دعا رجل) لم يسم (بالبقيع) بالسوق الذي كان به (يا أبا القاسم فالتفت إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) له الرجل (لم أعنك) بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وكسر النون أي

لم أقصدك (قال) عليه الصلاة والسلام: (سموا) بضم الميم (باسمي ولا تكنوا) بفتح التاءين وسكون الكاف بينهما وضم النون (بكنيتي) ولأبي ذر وابن عساكر: ولا تكنوا بفتح التاء والكاف والنون المشدّدة على حذف إحدى التاءين وقد عورض المصنف في إيراد هذه الطريق الثانية بأنه ليس فيها ذكر السوق وما تقدّم من كون السوق كان بالبقيع. قال العيني: يحتاج إلى دليل. 2122 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طَائِفَةِ النَّهَارِ لاَ يُكَلِّمُنِي وَلاَ أُكَلِّمُهُ، حَتَّى أَتَى سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَجَلَسَ بِفِنَاءِ بَيْتِ فَاطِمَةَ فَقَالَ: أَثَمَّ لُكَعُ، أَثَمَّ لُكَعُ؟ فَحَبَسَتْهُ شَيْئًا، فَظَنَنْتُ أَنَّهَا تُلْبِسُهُ سِخَابًا أَوْ تُغَسِّلُهُ، فَجَاءَ يَشْتَدُّ حَتَّى عَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَحْبِبْهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ". قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَخْبَرَنِي أَنَّهُ رَأَى نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ. [الحديث 2122 - طرفه في: 5884]. وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن أبي يزيد) من الزيادة وسقط قوله ابن أي يزيد لابن عساكر (عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبي هريرة الدوسي) بفتح الدال المهملة وسكون الواو وبالسين المهملة نسبة إلى دوس قبيلة من الأزد (-رضي الله عنه-) أنه (قال: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في طائفة النهار) في قطعة منه، وقال البرماوي كالكرماني: وفي بعضها صائفة النهار أي حرّ النهار يقال يوم صائف أي حار. قال العيني: وهو الأوجه كذا قاله والمدار على المروي، لكن الحافظ ابن حجر حكاه عن الكرماني ولم ينكره فالله أعلم (لا يكلمني) لعله كان مشغولاً بوحي أو غيره (ولا أكلمه) توقيرًا له وهيبة منه (حتى أتى سوق بني قينقاع) بتثليث النون أي ثم انصرف منه (فجلس بفناء بيت فاطمة) ابنته -رضي الله عنها- بكسر الفاء ممدودًا اسم للموضع المتسع الذي أمام البيت (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أثم لكع أثم لكع) بهمزة الاستفهام وفتح المثلثة وتشديد الميم اسم يشار به للمكان البعيد وهو ظرف لا يتصرف فلذا غلط من أعربه مفعولاً لقوله رأيت ثم رأيت، ولكع: بضم اللام وفتح الكاف وبالعين المهملة غير منوّن لشبهه بالمعدول أو أنه منادى مفرد معرفة وتقديره: أثمة أنت يا لكع ومعناه الصغير بلغة تميم. قال الهروي: إلى هذا ذهب الحسن إذا قال الإنسان يا لكع يريد صغير، ومراده عليه الصلاة والسلام الحسن بفتح الحاء ابن ابنته -رضي الله عنهما- (فحبسته) أي منعت فاطمة الحسن من المبادرة إلى الخروج إليه عليه الصلاة والسلام (شيئًا) قال أبو هريرة (فظننت أنها تلبسه) أي أن فاطمة تلبس الحسن (سخابًا) بكسر السين المهملة وخاء معجمة خفيفة وبعد الألف موحدة قلادة من طيب ليس فيها ذهب ولا فضة أو هي من قرنفل أو خرز (أو تغسله) بالتشديد، ولأبي ذر: تغسله بالتخفيف (فجاء) الحسن (يشتدّ) يسرع (حتى عانقه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وقبله وقال: اللهمّ أحببه) بسكون الحاء المهملة والموحدة وبينهما أخرى مكسورة، وللحموي والمستملي: أحبه بكسر الحاء وإدغام الموحدة في الأخرى وزاد مسلم فقال: اللهمّ إني أحبه فأحبه (وأحب من يحبه) بفتح الهمزة وكسر الحاء. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في اللباس ومسلم في الفضائل والنسائي في المناقب وابن ماجه في السُّنَّة. (قال سفيان) بن عيينة بالإسناد السابق (قال عبيد الله) بن أبي يزيد: (أخبرني) بالإفراد وفيه تقديم الراوي على الإخبار وهو جائز (أنه رأى نافع بن جبير أوتر بركعة) قال في فتح الباري: وأراد البخاري بهذه الزيادة بيان لقي عبيد الله لنافع بن جبير فلا تضر العنعنة في الطريق الموصولة لأن من ليس بمدلس إذا ثبت لقاؤه لمن حدث عنه حملت عنعنته على السماع اتفاقًا، وإنما الخلاف في المدلس أو فيمن لم يثبت لقيه لمن روى عنه وأبعد الكرماني فقال: إنما ذكر الوتر هنا لأنه لما روى الحديث الموصول عن نافع بن جبير انتهز الفرصة لبيان ما ثبت في الوتر مما اختلف في جوازه انتهى. 2123 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى عَنْ نَافِعٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُمَرَ: "أَنَّهُمْ كَانُوا يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مِنَ الرُّكْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَبْعَثُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَمْنَعُهُمْ أَنْ يَبِيعُوهُ حَيْثُ اشْتَرَوْهُ حَتَّى يَنْقُلُوهُ حَيْثُ يُبَاعُ الطَّعَامُ". [الحديث 2123 - أطرافه في: 2131، 2137، 2166، 2167، 6852]. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي المدني قال: (حدّثنا أبو ضمرة) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وبالراء أنس بن عياض قال: (حدّثنا موسى) ولأبوي ذر والوقت: موسى بن عقبة بضم العين وسكون القاف ابن أبي عياش المدني مولى الزبير بن العوّام (عن نافع) مولى ابن عمر أنه قال: (حدّثنا ابن عمر) بن الخطاب (أنهم كانوا يشترون الطعام) وفي رواية طعامًا (من الركبان) جمع راكب والمراد به جماعة أصحاب الإبل في

50 - باب كراهية السخب في الأسواق

السفر (على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيبعث) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عليهم من يمنعهم) في محل نصب مفعول يبعث (أن يبيعوه حيث) أي من البيع في مكان (اشتروه حتى ينقلوه حيث يباع الطعام) في الأسواق لأن القبض شرط وبالنقل المذكور يحصل القبض ووجه نهيه عن بيع ما يشتري من الركبان إلا بعد التحويل، وفي موضع يريد أن يبيع فيه الرفق بالناس، ولذلك ورد النهي عن تلقي الركبان لأن فيه ضرر الغيرة من حيث السعر فلذلك أمرهم بالنقل عند تلقي الركبان ليوسعوا على أهل الأسواق. 2124 - قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُبَاعَ الطَّعَامُ إِذَا اشْتَرَاهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ". [الحديث 2124 - أطرافه في: 2126، 2133، 2136]. (قال) نافع بالسند السابق: (وحدّثنا ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يباع الطعام إذا اشتراه حتى يستوفيه) أي يقبضه وفيه أنه لا يجوز بيع المبيع قبل قبضه. وحديث بيع الطعام قبل قبضه هذا أخرجه المؤلّف ومسلم وأبو داود والنسائي بأسانيد مختلفة وألفاظ متباينة. 50 - باب كَرَاهِيَةِ السَّخَبِ فِي الأسواقِ (باب كراهية السخب) بفتح السين المهملة والخاء المعجمة آخره موحدة ويجوز إبدال السين بالصاد المهملة لتقاربهما مخرجًا وهو رفع الصوت بالخصام ونحوه (في الأسواق). 2125 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلاَلٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي التَّوْرَاةِ، قَالَ: أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ وَلاَ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا". تَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ هِلاَلٍ وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ هِلاَلٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ سَلاَمٍ: غُلْفٌ: كُلُّ شَىْءٍ فِي غِلاَفٍ، سَيْفٌ أَغْلَفُ، وَقَوْسٌ غَلْفَاءُ، وَرَجُلٌ أَغْلَفُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُونًا قَالَهُ أَبُو عَبْدُ الله. [الحديث 2125 - طرفه في: 4838]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وبنونين بينهما ألف العوقي بفتح الواو وبالقاف كان ينزل العوقة بطن من عبد القيس فنسب إليهم وهو باهلي بصري قال: (حدّثنا فليح) هو ابن سليمان أبو يحيى الحراني واسمه عبد الملك وفليح لقبه قال: (حدّثنا هلال) هو ابن عليّ على الأصح القرشي المدني (عن عطاء بن يسار) بفتح التحتية والمهملة المخففة وبعد الألف راء أنه (قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاصي -رضي الله عنهما- قلت) له (أخبرني عن صفة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في التوراة) لأنه كان قد قرأها (قال) عبد الله (أجل) بفتح الهمزة والجيم وباللام حرف جواب مثل نعم فيكون تصديقًا للمخبر وإعلامًا للمستخبر ووعد للطالب فيقع بعد نحو قام ونحو أقام زيد ونحو اضرب زيد أي فيكون بعد الخبر وبعد الاستفهام والطلب وقيل يختص بالخبر وهو قول الزمخشري وابن مالك وقيد المالقي الخبر بالمثبت والطلب بغير النهي. وقال في القاموس: هي جواب كنعم إلا أنه أحسن منه في التصديق ونعم أحسن منه في الاستفهام انتهى. وهذا قاله الأخفش كما في المغني لابن هشام. قال الطيبي: وفي الحديث جاء جوابًا للأمر على تأويل قرأت التوراة هل وجدت صفة رسول الله يلى فيها فأخبرني. قال: أجل (والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن) أكد كلامه بمؤكدات الحلف بالله والجمل الاسمية ودخول أن عليها ودخول لام التأكيد على الخبر: ({يا أيها النبي إنّا أرسلناك شاهدًا}) لأمتك المؤمنين بتصديقهم وعلى الكافرين بتكذيبهم وانتصاب شاهدًا على الحال المقدرة من الكاف أو من الفاعل أي مقدرًا أو مقدرين شهادتك على من بعثت إليهم وعلى تكذيبهم وتصديقهم أي مقبولاً عند الله لهم وعليهم كما يقبل قول الشاهد العدل في الحكم ({ومبشرًا}) للمؤمنين ({ونذيرًا}) [الأحزاب: 45] للكافرين أو مبشرًا لللمطيعين بالجنة والعصاة بالنار أو شاهدًا للرسل قبله بالبلاغ وهذا كله في القرآن في سورة الأحزاب (وحرزًا) بكسر الحاء المهملة وبعد الراء الساكنة زاي أي حصنًا (للأميين) للعرب يتحصنون به من غوائل الشيطان أو من سطوة العجم وتغلبهم وسموا أميين لأن أغلبهم لا يقرؤون ولا يكتبون (أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل) أي على الله لقناعته باليسير من الرزق واعتماده على الله في النصر والصبر على انتظار الفرج والأخذ بمحاسن الأخلاق واليقين بتمام وعد الله فتوكل عليه فسماه المتوكل (ليس بفظّ) سيئ الخلق جافيًا (ولا غليظ) قاسي القلب، وهذا موافق لقوله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [آل عمران: 159] ولا يعارض قوله تعالى: {واغلظ عليهم} [التوبة: 73، والتحريم: 9] لأن النفي محمول على طبعه الذي جبل عليه والأمر محمول على المعالجة أو النفي بالنسبة للمؤمنين والأمر

51 - باب الكيل على البائع والمعطي

بالنسبة للكفار والمنافقين كما هو مصرّح به في نفس الآية. ويحتمل أن تكون هذه آية أخرى في التوراة لبيان صفته وأن تكون حالاً أما من المتوكل أو من الكاف في سميتك وعلى هذا يكون فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة ولو جرى على النسق الأول لقال: لست بفظ (ولا سخّاب) بتشديد الخاء المعجمة بعد السين المهملة وهي لغة أثبتها الفرّاء وغيره، والصخاب بالصاد أشهر أي لا يرفع صوته على الناس لسوء خلقه ولا يكثر الصياح عليهم (في الأسواق) بل يلين جانبه لهم ويبرفق بهم، وفيه ذم أهل السوق الذين يكونون بالصفة المذمومة من الصخب واللغط والزيادة في المدحة والذم لما يتبايعونه والإيمان الحانثة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "شر البقاع الأسواق لما يغلب على أهلها من هذه الأحوال المذمومة" (ولا يدفع بالسيئة السيئة) هو كقوله تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة} [المؤمنون: 96] (ولكن يعفو ويغفر) ما لم تنتهك حرمات الله تعالى (ولن يقبضه الله) يميته (حتى يقيم به الملة العوجاء) ملة إبراهيم فإنها قد اعوجّت في أيام الفترة فزيدت ونقصت وغيرت عن استقامتها وأميلت بعد قوامها وما زالت كذلك حتى قام الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأقامها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما كان عليه العرب من الشرك إثبات التوحيد (بأن يقولوا: لا إله إلا الله ويفتح بها) أي بكلمة التوحيد (أعينًا عميًا) بضم العين وسكون الميم صفة لأعين، ولا تنافي بين هذا وبين قوله تعالى: {وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم} [النمل: 81] لأنه دل إيلاء الفاعل المعنوي حرف النفي على أن الكلام في الفاعل، وذلك أنه تعالى نزله لحرصه على إيمان القوم منزلة من يدّعي استقلاله بالهداية فقال له: أنت لست بمستقل فيه بل إنك لتهدي إلى صراط مستقيم بإذن الله تعالى وتيسيره، وعلى هذا فيفتح معطوف على قوله يقيم أي يقيم الله تعالى بواسطته الملّة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إلا الله ويفتح بواسطة هذه الكلمة أعينًا عميًا (وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا) بضم الغين وسكون اللام صفة لقلوبًا وصمًّا لآذانًا، ولأبي ذر: ويفتح بضم أوله مبنيًّا للمفعول بها أعين عمي وآذان صم وقلوب غلف بالرفع على ما لا يخفى. (تابعه) أي تابع فليحًا (عبد العزيز بن أبي سلمة عن هلال) هو ابن علي وهذه المتابعة وصلها في سورة الفتح، (وقال سعيد) هو ابن أبي هلال مما وصله الدارمي في مسنده ويعقوب بن سفيان في تاريخه والطبراني جميعًا بإسناد واحد عن هلال المذكور في سند الحديث (عن عطاء) هو ابن يسار (عن ابن سلام) بتخفيف اللام عبد الله الصحابي وقد خالف سعيد هذا عبد العزيز وفليحًا في تعيين الصحابيّ. قال الحافظ ابن حجر: ولا مانع أن يكون عطاء بن يسار حمله عن كلٍّ منهما فقد أخرجه ابن سعد من طريق زيد بن أسلم قال: بلغنا أن عبد الله بن سلام كان يقول فذكره، وسأذكر لرواية عبد الله بن سلام متابعات في تفسير سورة الفتح انتهى. قلت: ولم أجد ما وعد به -رحمه الله- من التابعات في سورة الفتح، ولعله سها عن ذكر ذلك كغيره في كثير من الحوالات. نعم وجد بخطه في تفسير سورة الفتح تنظر الفرجة ولم توجد غير فرجة ليس فيها كتابة فلعله أراد أن يكتب فيها ما وعد به أو غيره. (غلف) بضم الغين وسكون اللام (كل شيء في غلاف و) يقال (سيف أغلف) إذا كان في غلاف، (و) كذا يقال (قوس غلفاء) إذا كانت في غلاف كالجعبة ونحوها، (و) كذا (رجل أغلف إذا لم يكن مختونًا قاله أبو عبد الله) أي البخاري وهو كلام أبي عبيدة في المجاز وهذا كلام وقع في رواية النسفيّ والمستملي كما قاله في الفتح، لكن قال: إنه قبل قوله تابعه والذي في الفرع تأخيره كما ترى وسقوطه في رواية ابن عساكر وزيادة. قال أبو عبد الله لأبي ذر عن المستملي بدون هاء الضمير في قال. 51 - باب الْكَيْلِ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُعْطِي لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 3] يَعْنِي كَالُوا لَهُمْ وَوَزَنُوا لَهُمْ كَقَوْلِهِ: {يَسْمَعُونَكُمْ} [الشعراء: 72]: يَسْمَعُونَ لَكُمْ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اكْتَالُوا حَتَّى تَسْتَوْفُوا». وَيُذْكَرُ عَنْ عُثْمَانَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا بِعْتَ فَكِلْ، وَإِذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ». (باب) مؤونة (الكيل) فيما يكال ومؤونة الوزن فيما يوزن (على (البائع و) كذا يكون على (المعطي) بكسر الطاء بائعًا كان أو موفيًا للدين أو غير ذلك وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي (لقول الله تعالى) بلام التعليل للترجمة، ولأبي ذر: وقول الله تعالى

عطفًا على الكيل أي باب في بيان الكيل، وفي بيان معنى قوله تعالى: ({وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}) [المطففين: 3] وفي حديث ابن عباس عند النسائي وابن ماجة لما قدم نبي الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً فأنزل الله تعالى: {ويل للمطففين} فحسنوا بعد ذلك (يعني كالوا لهم أو وزنوا لهم كقوله: {يسمعونكم} يسمعون لكم) فحذف الجار وأوصل الفعل أو كالوا مكيلهم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. قال في الكشاف: ولا يصح أن يكون ضميرًا مرفوعًا للمطففين لأن الكلام يخرج به إلى نظم فاسد، وذلك أن المعنى إذا أخذوا من الناس استوفوا وإذا أعطوهم أخسروا، وإن جعلت الضمير للمطففين انقلب إلى قولك إذا أخذوا من الناس استوفوا وإذا تولوا الكيل أو الوزن هم على الخصوص أخسروا وهو كلام متنافر لأن الحديث واقع في الفعل لا في المباشر انتهى. وتعقبه أبو حيان فقال: لا تنافر فيه بوجه ولا فرق بين أن يؤكد الضمير أم لا يؤكد والحديث واقع في الفعل غاية ما في هذا أن متعلق الاستيفاء وهو على الناس مذكور وهو في كالوهم أو وزنوهم محذوف للعلم به لأنه معلوم أنهم لا يخسرون الكيل والميزان إذا كان لأنفسهم إنما يخسرون ذلك لغيرهم، وسقط قوله يعني كالوا لهم الخ في رواية ابن عساكر. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله النسائي وابن حبان في حديث لما اشترى من طارق بن عبد الله المحاربي وأصحابه جملاً بصيعان من تمر وأرسل إليهم رجلاً بتمر يأمرهم بالأكل من التمر وقال: (اكتالوا حتى تستوفوا) ثمن جملكم. ومطابقته للترجمة من جهة أن الاكتيال يستعمل لما يأخذه المرء لنفسه كقوله: اكتسب إذا حصل الكسب. (ويذكر) بضم أوله وفتح مبنيًّا للمفعول (عن عثمان -رضي الله عنه-) فيما وصله الدارقطني وأحمد وابن ماجة والبزار (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إذا) وللكشميهني قال له إذا (بعت فكل) بكسر الكاف (وإذا) بالواو، وللحموي والمستملي: فإذا (ابتعت) اشتريت (فاكتل) أي إذا بعت فكن كائلاً وإذا اشتريت فكن مكيلاً عليك أي الكيل على البائع لا المشتري. قال ابن بطال: فيه أنه يكيل له غيره إذا اشترى ويكيل لغيره إذا باع. 2126 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِيعُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من ابتاع طعامًا فلا يبيعه) ولأبي ذر: فلا يبعه بالجزم بلا الناهية (حتى يستوفيه) أي يقبضه وقد سبق هذا الحديث قريبًا. 2127 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاسْتَعَنْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَضَعُوا مِنْ دَيْنِهِ فَطَلَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اذْهَبْ فَصَنِّفْ تَمْرَكَ أَصْنَافًا: الْعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ، وَعَذْقَ زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَىَّ. فَفَعَلْتُ، ثُمَّ أَرْسَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسَ عَلَى أَعْلاَهُ أَوْ فِي وَسَطِهِ ثُمَّ قَالَ: كِلْ لِلْقَوْمِ، فَكِلْتُهُمْ حَتَّى أَوْفَيْتُهُمُ الَّذِي لَهُمْ، وَبَقِيَ تَمْرِي كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَىْءٌ". وَقَالَ فِرَاسٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى". وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ وَهْبٍ عَنْ جَابِرٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «جُذَّ لَهُ فَأَوْفِ لَهُ». [الحديث 2127 - أطرافه في: 2395، 2396، 2405، 2601، 2709، 2781، 3580، 4053، 6250]. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان قال: (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن مغيرة) بضم الميم وكسر الغين المعجمة ابن مقسم بكسر الميم أبي هشام الكوفي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن جابر -رضي الله عنه-) أنه (قال: توفي عبد الله بن عمرو بن حرام) بفتح العين وسكون الميم وحرام بالراء المهملة وهو أبو جابر هذا (وعليه دين) الواو للحال (فاستعنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الاستعانة وفي باب الشفاعة في الدين فاستشفعت (على غرمائه أن يضعوا) أي يتركوا (من دينه) شيئًا (فطلب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم فلم يفعلوا) أي لم يتركوا شيئًا (فقال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اذهب فصنّف تمرك أصنافًا) أي اعزل كل صنف على حدة اجعل (العجوة) وهي ضرب من أجود التمر بالمدينة (على حدة وعذق زيد على حدة) بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة منصوب عطفًا على العجوة المنصوب بالمقدر مضافًا إلى شخص يسمى زيدًا وهو نوع من التمر رديء ولأبي ذر: عذق زيد بكسر العين. قال الجوهري بالفتح النخلة وبالكسر الكباسة وأصناف تمر المدينة كثيرة جدًّا فذكر أبو محمد الجويني في الفروق أنه كان بالمدينة فبلغه أنهم عدّوا عند أميرها صنوف الأسود خاصة فزادت على الستين قال: والتمر الأحمر أكثر عندهم من الأسود. (ثم أرسل إليّ) بلفظ الأمر قال جابر: (ففعلت) ما أمرني به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم أرسلت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ

52 - باب ما يستحب من الكيل

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجلس) ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني فجاء فجلس (على أعلاه) أي جلس عليه الصلاة والسلام على أعلى التمر (أو في وسطه، ثم قال) عليه الصلاة والسلام (كِلْ للقوم) أمر من كال يكيل (فكلتهم حتى أوفيتهم الذي لهم وبقي تمري كأنه لم ينقص منه شيء) فيه معجزة ظاهرة له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ومطابقته للترجمة من جهة أن الكيل على المعطي وأخرجه في الاستقراض والوصايا والمغازي وعلامات النبوة والنسائي في الوصايا. (وقال فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف سين مهملة ابن يحيى المكتب في حديث جابر الموصول عند المؤلّف في أواخر أبواب الوصايا (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (حدّثني) بالإفراد (جابر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فما زال يكيل لهم) أي لغرماء أبيه (حتى أدّى) دين أبيه ولغير أبي ذر وابن عساكر: حتى أدّاه بضمير النصب. (وقال هشام) هو ابن عروة فيما وصله المؤلّف في الاستقراض (عن وهب) هو ابن كيسان مولى عبد الله بن الزبير (عن جابر) أنه قال: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: جدّ له) بضم الجيم وتشديد الذال المعجمة أي اقطع للغريم العراجين (فأوف له) حقه. 52 - باب مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الْكَيْلِ (باب ما يستحب من الكيل). 2128 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كِيلُوا طَعَامَكُمْ، يُبَارَكْ لَكُمْ». وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد الرازي الصغير قال: (حدّثنا الوليد) بن مسلم القرشي (عن ثور) هو ابن يزيد الحمصي (عن خالد بن معدان) الكلاعي بفتح الكاف وتخفيف اللام والعين مهملة الحمصي (عن المقدام) بكسر الميم (ابن معد يكرب) غير مصروف (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال: كيلوا طعامكم) أي عند البيع (يبارك لكم) أي فيه. قال ابن الجوزي: يشبه أن تكون هذه البركة للتسمية عليه عند الكيل، وقال غيره: لما وضع الله تعالى من البركة في مدّ أهل المدينة بدعوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولا معارضة بين هذا الحديث وحديث عائشة الآتي إن شاء الله تعالى في الرقاق المتضمن لأنها كانت تخرج قوتها وهو شيء يسير بغير كيل فبورك لها فيه فلما كالته فني، وعند ابن ماجة فما زلنا نأكل منه حتى كالته الجارية فلم يلبث أن فني ولو لم تكله لرجوت أن يبقى أكثر لأن حديث الباب أن يكال عند شرائه أو دخوله إلى المنزل وحديثها عند الإنفاق منه، فالكيل الأول ضروري يدفع الغرر في البيع ونحوه، والثاني لمجرد القنوط والاستكثار لما خرج منه وقوله يبارك بالجزم جوابًا للأمر. وهذا الحديث من أفراد البخاري وأكثر رجاله شاميون ورواه الوليد عن ثور عن خالد عن المقدام كما ترى فتابعه يحيى بن حمزة عن ثور، وهكذا رواه عبد الرحمن بن مهدي عن ابن المبارك عن ثور أخرجه أحمد عنه، وتابعه بحير بن سعد عن خالد بن معدان وخالفهم أبو الربيع الزهراني عن ابن المبارك فأدخل بين خالد والمقدام جبير بن نفير، وهكذا أخرجه الإسماعيلي أيضًا وروايته من المزيد في متصل الأسانيد، ورواه ابن ماجة في روايته عن خالد عن المقدام عن أبي أيوب الأنصاري فذكره في مسند أبي أيوب، ورجح الدارقطني هذه الزيادة قاله الحافظ ابن حجر. 53 - باب بَرَكَةِ صَاعِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمُدِّه فِيهِ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب بركة صاع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومدّه) عليه الصلاة والسلام، وللحموي والمستملي والنسفيّ: ومدهم بصيغة الجمع. قال الحافظ ابن حجر: الضمير يعود للمحذوف في صاع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي صاع أهل مدينة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ومدّهم، وتعقبه العيني بأنه تعسف لأجل عود الضمير والتقدير بصاع أهل مدينة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير موجه ولا مقبول لأن الترجمة في بيان بركة صاع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الخصوص لا في بيان صاع أهل المدينة ولأهل المدينة صيعان مختلفة انتهى. وقال في انتقاص الاعتراض المراد بصاعهم ما قدّروه على صاعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاصة، وقد قال العيني بعد قليل: وأما وجه الضمير في مدّهم فهو أن يعود إلى أهل المدينة وإن لم يمض ذكرهم لأن القرينة اللفظية تدل على ذلك وهو لفظ الصاع والمدّ لأن أهل المدينة اصطلحوا على لفظ الصاع والمدّ كما اصطلح أهل الشام على

54 - باب ما يذكر في بيع الطعام، والحكرة

المكوك انتهى. فوقع في التعسف الذي عابه (فيه) أي في صاعه الذي دعا له عليه الصلاة والسلام بالبركة (عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله المؤلّف في آخر كتاب الحج في حديث طويل. 2129 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لَهَا، وَحَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَدَعَوْتُ لَهَا فِي مُدِّهَا وَصَاعِهَا مِثْلَ مَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ لِمَكَّةَ». وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري البصري قال: (حدّثنا وهيب) مصغر ابن خالد البصري قال: (حدّثنا عمرو بن يحيى) بن عمارة الأنصاري المدني (عن عباد بن تميم الأنصاري عن عبد الله بن زيد) الأنصاري النجاري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (إن ابراهيم) الخليل عليه الصلاة والسلام (حرم مكة) بتحريم الله (ودعا لها وحرمت المدينة) أن يصاد فيها (كما حرم إبراهيم مكة ودعوت لها في مدّها وصاعها) أن يبارك فيما كيل فيها (مثل ما دعا إبراهيم) عليه الصلاة والسلام (لمكة) وهذا الحديث قد سبق في كتاب الحج. 2130 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ. يَعْنِي أَهْلَ الْمَدِينَةِ". [الحديث 2130 - طرفاه في: 6714، 7331]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي المدني سكن البصرة (عن مالك) إمام دار الهجرة (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (اللهمّ بارك لهم) أي أهل المدينة (في مكيالهم) بكسر الميم آلة الكيل أي فيما يكال في مكيالهم (وبارك لهم في) ما يكال في (صاعهم و) ما يكال في (مدّهم) وحذف المقدّر لفهم السامع وهو من باب ذكر المحل وإرادة الحال، وقد استجاب الله دعاء رسوله وكثر ما يكتال بهذا الكيل حتى يكفي منه ما لا يكفي من غيره في غير المدينة، ولقد شاهدت من ذلك ما يعجز عنه الوصف علم من أعلام نبوّته عليه الصلاة والسلام فينبغي أن يتخذ ذلك المكيال رجاء بركة دعوته عليه الصلاة والسلام والاستنان بأهل البلد الذين دعا لهم عليه الصلاة والسلام (يعني أهل المدينة) وهل يختص بالمدّ المخصوص أو بكل مدّ تعارفه أهل المدينة في سائر الأعصار زاد أو نقص، وهو الظاهر لأنه أضافه إلى المدينة تارة وإلى أهلها أخرى ولم يضفه عليه الصلاة والسلام إلى نفسه الزكية فدلّ على عموم الدعوة لا على خصوصها بمدّه عليه الصلاة والسلام. وهذا الحديث قد أخرجه المؤلّف أيضًا في الاعتصام وكفارات الإيمان، ومسلم والنسائي في المناسك. 54 - باب مَا يُذْكَرُ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ، وَالْحُكْرَةِ (باب ما يذكر في بيع الطعام) قبل قبضه (و) ما يذكر في (الحكرة) بضم الحاء وسكون الكاف وهي إمساك ما اشتراه في وقت الغلاء لا في وقت الرخص لبيعه بأكثر مما اشتراه به عند اشتداد الحاجة بخلاف إمساك ما اشتراه في وقت الرخص لا يحرم مطلقًا ولا إمساك غلة ضيعته ولا إمساك ما اشتراه في وقت الغلاء لنفسه وعياله أو ليبيعه بمثل ما اشتراه به أو أقل، لكن في كراهة إمساك ما فضل عما يكفيه وعياله وجهان الظاهر منهما المنع، لكن الأولى منعه كما صرّح به في الروضة ويختص تحريم الاحتكار بالأقوات ومنها التمر والزبيب والذرة والأرز فلا تعم جميع الأطعمة. 2131 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "رَأَيْتُ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ الطَّعَامَ مُجَازَفَةً يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يُئْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ". وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (إسحاق بن إبراهيم) هو ابن راهويه قال: (أخبرنا الولد بن مسلم) أبو العباس الدمشقي (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو بفتح العين (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: رأيت الذي يشترون الطعام) شراء (مجازفة) أو النصب على الحال أي حال كونهم مجازفين أي من غير كيل ولا وزن ولا تقدير (يضربون) بضم أوّله وفتح ثالثه (على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كراهة (أن يبيعوه) أو كلمة لا مقدرة نحو {يبين الله لكم أن تضلوا} [النساء: 176] (حتى يؤووه إلى رحالهم) أي يقبضوه. وفي المجموع عن الشافعي بيع الصبرة من الحنطة والتمر مجازفة صحيح وليس بحرام وهل هو مكروه؟ فيه قولان أصحهما مكروه كراهة تنزيه لأنه قد يوقع في الندم، وعن مالك: لا يصح البيع إذا كان بائع الصبرة جزافًا يعلم قدرها، وسقط في رواية ابن عساكر في نسخة قوله أن يبيعوه. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في المحاربين، ومسلم في البيوع، وكذا أبو داود والنسائي. 2132 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ طَعَامًا حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ. قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: ذَاكَ دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ وَالطَّعَامُ مُرْجَأٌ". قَالَ أَبُو عَبْدُ الله: {مُرْجَؤونَ} [التوبة: 106] مُؤخَّرون. [الحديث 2132 - طرفه في: 2135]. وبه قال: (حدّثنا

موسى بن إسماعيل) التبوذكي المنقري قال: (حدّثنا وهيب) هو ابن خالد (عن ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس بن كيسان اليماني (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى أن يبيع الرجل طعامًا حتى يستوفيه) يقبضه قال طاوس (قلت لابن عباس) -رضي الله عنهما- (كيف ذاك؟) أي ما سبب هذا النهي (قال) ابن عباس: (ذاك دراهم بدراهم) أي إذا باع المشتري قبل القبض وتأخر المبيع في يد البائع فكأنه باع دراهم بدراهم (والطعام مرجأ) بميم مضمومة فراء ساكنة فجيم مفتوحة مخففة فهمزة وقد تترك الهمزة أي مؤخر، ولأبي ذر: مرجًا بالتنوين من غير همز، وفي كتاب الخطابي مرجى بالتشديد للمبالغة، ومعنى الحديث أن يشتري من إنسان طعامًا بدينار إلى أجل ثم يبيعه منه أو من غيره قبل أن يقبضه بدينارين مثلاً فلا يجوز لأنه في التقدير بيع ذهب بذهب والطعام غائب فكأنه قد باعه ديناره الذي اشترى به الطعام بدينارين فهو ربًا ولأنه بيع غائب يناجز. قال الزركشي: فيكون والطعام مرجأ مبتدأ وخبرًا في موضع نصب على الحال. وزاد هنا في رواية أبي ذر عن المستملي (قال أبو عبد الله) أي البخاري معنى قوله تعالى ({مرجؤون}) [التوبة: 106] (مؤخرون) وهو موافق لتفسير أبي عبيدة. 2133 - حَدَّثَنِي أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من ابتاع طعامًا فلا يبيعه) ولأبي ذر فلا يبعه بالجزم بلا الناهية (حتى يقبضه) وفي الرواية السابقة حتى يستوفيه وهما بمعنى. وفي الحديث قد سبق في باب الكيل على البائع. 2134 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ كَانَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ يُحَدِّثُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ عِنْدَهُ صَرْفٌ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنَا، حَتَّى يَجِيءَ خَازِنُنَا مِنَ الْغَابَةِ. قَالَ سُفْيَانُ هُوَ الَّذِي حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ أنه سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يُخْبِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ». [الحديث 2134 - طرفاه في: 2170، 2174]. وبه قال: (حدّثنا عليّ) هو ابن المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (كان عمرو بن دينار يحدّث عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن مالك بن أوس) بهمزة مفتوحة وبعد الواو الساكنة سين مهملة التابعي وقيل له صحبة ولا يصح (أنّه قال: من عنده) وفي رواية: من كان عنده (صرف) أي دراهم يصرف بها دنانير (فقال طلحة) هو ابن عبيد الله أحد العشرة المبشرة (أنا) عندي الدراهم ولكن أصبر (حتى يجيء خازننا) لم يسم هذا الخازن (من الغابة) بالغين المعجمة والموحدة موضع قريب من المدينة من عواليها به أموال أهل المدينة ومنها عمل المنبر الشريف النبوي. (قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (هو) أي الذي كان عمرو بن دينار يحدّث عن الزهري هو (الذي حفظناه عن الزهري ليس فيه زيادة) وقد حفظ الزيادة مالك وغيره عن الزهري (فقال) بالفاء قبل القاف أي قال الزهري، ولأبي الوقت قال: (أخبرني) بالإفراد (مالك بن أوس) ولابن عساكر زيادة ابن الحدثان بفتح المهملتين وبالمثلثة (أنه سمع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-) حال كونه (يخبر عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الذهب بالذهب) ولأبوي ذر والوقت: بالورق بفتح الواو وكسر الراء وهو رواية أكثر أصحاب ابن عيينة عنه وهي رواية أكثر أصحاب الزهري أي بيع الذهب بالذهب أو بالورق (ربًا) بالتنوين من غير همز (إلا هاء وهاء) بالمدّ وفتح الهمزة فيهما على الأفصح الأشهر وهي اسم فعل بمعنى خذ تقول هاء درهمًا أي خذ درهمًا فدرهمًا منصوب باسم الفعل كما ينصب بالفعل ويجوز كسر الهمزة نحو هات وسكونها نحو خف والقصر وأنكره الخطابي وأصلها هاك بالكاف فقلبت الكاف همزة حكاه الماوردي والنووي، وليس المراد بكون الكاف هي الأصل أنها من نفس الكلمة وإنما المراد أصلها في الاستعمال وهي حرف خطاب. قال ابن مالك: وحقها أن لا تقع بعد إلا كما لا يقع بعدها خذ فإذا وقع يقدر قول قبله يكون به محكيًّا أي إلا مقولاً عنده من المتعاقدين هاء وهاء. قال الطيبي: فإذا محله النصب على الحال والمستثنى منه مقدّر يعني بيع الذهب بالذهب ربًا في جميع الحالات لا حال الحضور والتقابض فكنى عن التقابض بقوله هاء وهاء لأنه لازمه انتهى. وعبّر بذلك لأن المعطي قائل خذ بلسان الحال سواء وجد معه بلسان المقال أو لا فالاستثناء مفرّغ

55 - باب بيع الطعام قبل أن يقبض، وبيع ما ليس عندك

من الخبر وفيه حذف مضاف من المبتدأ وحذف مضاف مما بعد إلا. (والبر بالبر) بضم الموحدة القمح وهو الحنطة أي بيع أحدهما بالآخر (ربًا إلا) مقولاً عنده من المتعاقدين (هاء وهاء) أي خذ (والتمر بالتمر) أي بيع أحدهما بالآخر (ربًا إلا) مقولاً عنده من المتبايعين (هاء وهاء والشعير بالشعير) بفتح الشين المعجمة على المشهور وقد تكسر قال ابن مكي الصقلي كل فعيل وسطه حرف حلق مكسور يجوز كسر ما قبله في لغة تميم. قال: وزعم الليث أن قومًا من العرب يقولون ذلك وإن لم تكن عينه حرف حلق نحو كبير وجليل وكريم أي بيع الشعير بالشعير (ربًا إلا) مقولاً عنده من المتعاقدين (هاء وهاء) أي يقول كل واحد منهما للآخر خذ ويؤخذ منه أن البر والشعير صنفان وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وفقهاء المحدثين وغيرهم. وقال مالك والليث ومعظم علماء المدينة والشام وغيرهم من المتقدمين: أنهما صنف واحد واتفقوا على أن الذرة صنف والأرز صنف إلا الليث بن سعد وابن وهب المالكي فقالا: إن هذه الثلاثة صنف واحد، وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى بعد تسعة عشر بابًا حيث ذكره المؤلّف ولم يذكر في شيء من هذه الأحاديث الحكرة المترجم بها. قال ابن حجر: وكأن المصنف استنبط من الأمر بنقل الطعام إلى الرحال ومنع بيع الطعام قبل استيفائه فلو كان الاحتكار حرًّا ما لم يأمر بما يؤول إليه وكأنه لم يثبت عنده حديث معمر بن عبد الله مرفوعًا: "لا يحتكر إلا خاطئ" أخرجه مسلم، لكن مجرد إيواء الطعام إلى الرحال لا يلزم الاحتكار لأن الاحتكار الشرعي إمساك الطعام عن البيع وانتظار الغلاء مع الاستغناء عنه وحاجة الناس إليه. ويحتمل أن يكون البخاري أراد بالترجمة بيان تعريف الحكرة التي نهي عنها في غير هذا الحديث المراد بها قدر زائد على ما يفسره أهل اللغة وسياق الأحاديث التي فيها تمكين الناس من شراء الطعام ونقله، ولو كان الاحتكار ممنوعًا لمنعوا من نقله، وقد ورد في دم الاحتكار أحاديث كحديث عمر مرفوعًا: "من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس" أخرجه ابن ماجة بإسناد حسن وعنده والحاكم بإسناد ضعيف عنه مرفوعًا: "الجالب مرزوق والمحتكر ملعون". 55 - باب بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ، وَبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ (باب) حكم (بيع الطعام قبل أن يقبض) أي قبل قبضه فأن مصدرية (و) حكم (بيع ما ليس عندك). 2135 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: الَّذِي حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ سَمِعَ طَاوُسًا يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "أَمَّا الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهْوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلاَ أَحْسِبُ كُلَّ شَىْءٍ إِلاَّ مِثْلَهُ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: الذي) ولابن عساكر قال: أما الذي (حفظناه من عمرو بن دينار) أنه (سمع طاوسًا) اليماني ويشير إلى أن في غير رواية عمرو بن دينار عن طاوس زيادة على ما حدّثهم به عمرو عنه كسؤال طاوس من ابن عباس عن سبب النهي وجوابه وغير ذلك. وقال البرماوي كالكرماني: لما كان سفيان منسوبًا إلى التدليس أراد رفعه بالتصريح بالسماع والحفظ من طاوس حال كونه (يقول: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما-) حال كونه (يقول: أما الذي نهى عنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو الطعام أن يباع) من بائعه أو غيره (حتى يقبض) موضع أن يباع رفع بدلاً من الطعام وإنما أبدلت النكرة من المعرفة بلا نعت لأن المضارع مع أن متوغل في التعريف قاله البرماوي كالكرماني (قال ابن عباس ولا أحسب كل شيء إلا مثله) أي مثل الطعام، وفي رواية مسلم من طريق معمر عن ابن طاوس عن أبيه وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام وهذا من تفقه ابن عباس -رضي الله عنهما-، وقد قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحكيم بن حزام: "لا تبيعن شيئًا حتى تقبضه" رواه البيهقي وقال إسناده حسن متصل وهو مذهب الشافعية سواء كان طعامًا أو عقارًا أو منقولاً. وقال أبو حنيفة: لا يصح إلا في العقار، وقال مالك: لا يصح في الطعام، وقال أحمد: لا يصح في المكيل والموزون. قال المازري: وتمسك الشافعي بنهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ربح ما لم يضمن فعم، وتمسك أبو حنيفة بقوله حتى يستوفيه فاستثنى ما لا ينقل لتعذّر الاستيفاء فيه، وتمسك من منع في كل المكيلات والموزونات بقوله حتى يكتاله فجعل العلة الكيل وأجرى سائر المكيلات والموزونات مجرى واحدًا وتمسك مالك

56 - باب من رأى إذا اشترى طعاما جزافا أن لا يبيعه حتى يئويه إلى رحله، والأدب في ذلك

رحمه الله بنهيه عن بيع الطعام فدلّ على أن غير الطعام مما فيه حق توفية بخلاف الطعام إذ لو منع من الجميع لم يكن لذكر الطعام فائدة ودليل الخطاب كالنص عند الأصوليين وفي صفة القبض عند الشافعي تفصيل فما يتناول باليد كالثوب فقبضه بالتناول وما لا ينقل كالعقار فبالتخلية وما ينقل في العادة كالحبوب فبالنقل إلى مكان لا اختصاص للبائع به، والعلة في النهي ضعف الملك فإنه معرّض للسقوط بالتلف. 2136 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ». زَادَ إِسْمَاعِيلُ «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من ابتاع طعامًا فلا يبيعه) ولأبي ذر: فلا يبعه بالجزم (حتى يستوفيه زاد إسماعيل) بن أبي أويس في روايته عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (من ابتاع طعامًا فلا يبيعه) ولأبي ذر: فلا يبعه بالجزم (حتى يقبضه) وجه ابن حجر الزيادة بأن في قوله: "حتى يقبضه" زيادة في المعنى على قوله: "حتى يستوفيه" لأنه قد يستوفيه بالكيل بأن يكيله البائع ولا يقبضه للمشتري بل يحبسه عنده لينقده الثمن مثلاً وتعقبه العيني بأن الأمر بالعكس لأن لفظ الاستيفاء يشعر بأن له زيادة في المعنى على لفظ الإقباض من حيث أنه إذا أقبض بعضه وحبس بعضه لأجل الثمن يطلق عليه معنى الإقباض في الجملة ولا يقال له استوفاه حتى يقبض الكل. وقال البرماوي كالكرماني: معناه زاد رواية أخرى وهي يقبضه إذ الرواية الأخرى يستوفيه وإلاّ فهو عين السابق إذ معنى الاستيفاء القبض والرجال أربعة وهذه الطريق قد وصلها البيهقي، ولم يذكر في حديثي الباب بيع ما ليس عندك وكأنه لم يثبت على شرطه فاستنبط من النهي عن البيع قبل القبض، ووجه الاستدلال منه بطريق الأولى وحديث النهي عن بيع ما ليس عندك أخرجه أصحاب السُّنن من حديث حكيم بن حزام بلفظ قلت: يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني من المبيع ما ليس عندي أبتاع له من السوق ثم أبيعه منه فقال لا تبع ما ليس عندك. 56 - باب مَنْ رَأَى إِذَا اشْتَرَى طَعَامًا جِزَافًا أَنْ لاَ يَبِيعَهُ حَتَّى يُئْوِيَهُ إِلَى رَحْلِهِ، وَالأَدَبِ فِي ذَلِكَ (باب من رأى إذا اشترى طعامًا جزافًا) بتثليث الجيم وهو البيع بلا كيل ونحوه (أن لا يبيعه حتى يؤويه) أي ينقله (إلى رحله) منزله، وفي نسخة: رحاله بلفظ الجمع (و) بيان (الأدب في ذلك). 2137 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَاعُونَ جِزَافًا -يَعْنِي الطَّعَامَ- يُضْرَبُونَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ حَتَّى يُؤْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أن) أباه (ابن عمر) وفي نسخة: أن عبد الله بن عمر (-رضي الله عنهما- قال: لقد رأيت الناس في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبتاعون) بموحدة ساكنة قبل المثناة الفوقية، ولابن عساكر: يتبايعون بتأخير الموحدة وبعد الألف تحتية (جزافًا) بكسر الجيم وتفتح وتضم (يعني الطعام يضربون) بضم أوّله وفتح ثالثه (أن يبيعوه) أي كراهية أن يبيعوه أو فيه لا مقدرة كما في قوله تعالى: {يبين الله لكم أن تضلوا} [النساء: 176] (في مكانهم حتى يؤووه إلى رحالهم) منازلهم وهذا قد خرج مخرج الغالب والمراد القبض. وفي بعض طرق مسلم عن ابن عمر: كنا نبتاع الطعام فيبعث علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من يأمر بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه. وفرق مالك في المشهور عنه بين الجزاف والمكيل فأجاز بيع الجزاف قبل قبضه لأنه مرئي فيكفي فيه التخلية والاستيفاء إنما يكون في مكيل أو موزون، وقد روى أحمد من حديث ابن عمر مرفوعًا من اشترى بكيل أو وزن فلا يبيعه حتى يقبضه. وفي الحديث مشروعية تأديب من يتعاطى العقود الفاسدة. 57 - باب إِذَا اشْتَرَى مَتَاعًا أَوْ دَابَّةً فَوَضَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: مَا أَدْرَكَتِ الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِنَ الْمُبْتَاعِ. هذا (باب) بالتنوين (إذا اشترى) شخص (متاعًا أو دابةً فوضعه) أي ترك المبيع (عند البائع) فتلف أو تعيب (أو مات) الحيوان (قبل أن يقبض) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول بآفة سماوية انفسخ البيع في التالف والميت وسقط الثمن عن المشتري لتعذر القبض المستحق سواء عرضه البائع عليه فلم يقبله أو لا قاله الشيخ أبو حامد وغيره. قال السبكي

وينبغي أن يكون مرادهم إذا كان مستمرًا بيد البائع فإن أحضره ووضعه بين يدي المشتري فلم يقبله، فالأصح عند الرافعي وغيره أنه يحصل القبض ويخرج من ضمان البائع، وإذا أبرأه المشتري عن ضمان المبيع لو تلف أو أتلفه لم يبرأ لأنه إبراء عمّا لا يجب وانفساخه بتلف المبيع مقدّر به انتقال الملك إلى البائع قبيل التلف لا من العقد كالفسخ بالعيب فتجهيزه على البائع لانتقال الملك فيه إليه وزوائده المنفصلة الحادثة عنده كثمرة ولبن وبيض وصوف وكسب للمشتري لأنها حدثت في ملكه وهي أمانة في يد البائع، وإتلاف المشتري للمبيع قبل قبضه ولو جاهلاً به قبض له ولا ينفسخ البيع بإتلاف الأجنبي لقيام بدله مقامه بل يتخير المشتري بين الفسخ والرجوع عليه بالقيمة أو المثل، وإذا اختار الفسخ رجع البائع على الأجنبي بالبدل، ولو تعيب المبيع قبل القبض بآفة كحمى وشلل ثبت للمشتري الخيار من غير أرش له لقدرته على الفسخ، ومذهب الحنفية كالشافعية في أن المبيع قبل قبضه من ضمان البائع وهو مذهب الحنابلة أيضًا، وعبارة المرداوي في الإنصاف: إذا تلف المبيع كله بآفة سماوية انفسخ العقد وكان من ضمان بائعه وكذا إن تلف بعضه، لكن هل يخير المشتري في باقيه أو يفسخ؟ فيه روايتا تفريق الصفقة إلا أن يتلفه آدمي فيخير المشتري بين فسخ العقد وبين إمضائه ومطالبة متلفه بالقيمة هذا المذهب مطلقًا نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم. (وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-) مما وصله الطحاوي والدارقطني من طريق الأوزاعي عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه: (ما أدركت الصفقة حيًّا) أي ما كان عند العقد غير ميت أي موجودًا (مجموعًا) صفة لحيًّا وغير منفصل عن المبيع فهلك بعد ذلك عند البائع (فهو من المبتاع) أي من ضمان المشتري وليس عندهما لفظ مجموعًا وإسناد الإدراك إلى العقد مجاز وما شرطية فلذا دخلت الفاء في جوابها، واستدلّ به الطحاوي على أن ابن عمر كان يتم بالأقوال قبل التفرق بالأبدان وليس ذلك بلازم وكيف يحتج بأمر محتمل في معارضة أمر مصرّح به، فقد تقدم عن ابن عمر التصريح بأنه كان يرى الفرقة بالأبدان ونقل عنه هنا ما يحتمل التفرق بالأبدان قبل وبعد فحمله على ما بعده أولى جمعًا بين حديثيه. 2138 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "لَقَلَّ يَوْمٌ كَانَ يَأْتِي عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ يَأْتِي فِيهِ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَىِ النَّهَارِ، فَلَمَّا أُذِنَ لَهُ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ لَمْ يَرُعْنَا إِلاَّ وَقَدْ أَتَانَا ظُهْرًا، فَخُبِّرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: مَا جَاءَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ لأَمْرٍ حَدَثَ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَاىَ، يَعْنِي عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ. قَالَ: أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ؟ قَالَ: الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: الصُّحْبَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عِنْدِي نَاقَتَيْنِ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ، فَخُذْ إِحْدَاهُمَا. قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهَا بِالثَّمَنِ". وبه قال (حدّثنا فروة بن أبي المغراء) فروة بفتح الفاء وسكون الراء المغراء بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وبالراء والمد واسمه معد يكرب قال: (أخبرنا علي بن مسهر) بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء قاضي الموصل (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: لقلّ يوم كان يأتي) أي والله لقل ما يأتي يوم (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا يأتي فيه بيت أبي بكر) الصديق -رضي الله عنه- (أحد طرفي النهار) فاللام جواب قسم محذوف والاستثناء مفرغ واقع بعد نفي مؤوّل لأن قل في معنى النفي والجملة الواقعة بعد أداة الاستثناء في محل نصب على أنها خبر كان وبيت نصب على المفعولية وأحد ظرف بتقدير في (فلما أذن له) عليه السلام بضم الهمزة وكسر المعجمة (في الخروج إلى المدينة لم يرعنا) بفتح التحتية وضم الراء وسكون العين المهملة من الروع وهو الفزع (إلا وقد أتانا ظهرًا) يعني فاجأنا بغتة في غير الوقت الذي اعتدنا مجيئه فيه فأفزعنا ذلك وقت الظهر، (فخبر) بضم الخاء المعجمة وكسر الموحدة المشددة (به) عليه الصلاة والسلام (أبو بكر) الصديق (فقال ما جاءنا النبي) ولأبي ذر عن الكشميهني: ما جاءنا بالنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه الساعة إلا لأمر حدث) بفتحات، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: إلا من حدث أي من حادثة حدثت له، (فلما دخل) عليه الصلاة والسلام (عليه قال لأبي بكر): (أخرج من عندك) بفتح الهمزة وكسر الراء أمر من الإخراج ومن بفتح الميم مفعول أخرج، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ما عندك. وقوله في التنقيح: والوجه من أي بالنون

58 - باب لا يبيع على بيع أخيه، ولا يسوم على سوم أخيه، حتى يأذن له أو يترك.

وتعقبه في المصابيح بأن ما قد تقع ويراد بها من يعقل نحو: {لما خلقت بيدي} [ص: 75] وسبحان ما سخركنّ لنا. قال أبو حيان: هذا قول أبي عبيدة وابن درستويه وابن خروف ومكّي بن أبي طالب، ونسبه ابن خروف لسيبويه، ومن أدلتهم أيضًا: سبحان ما سبح الرعد بحمده، {ولا أنتم عابدون ما أعبد} [الكافرون: 5] {والسماء وما بناها} [الشمس: 5] الآيات. (قال: يا رسول الله إنما هما ابنتاي يعني عائشة وأسماء) -رضي الله عنهما- (قال: أشعرت أنه قد أذن) بضم الهمزة وكسر المعجمة أي: أذن الله (لي في الخروج) إلى المدينة (قال) أبو بكر أريد (الصحبة) معك عند الخروج (يا رسول الله. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أنا أريد أو ألتمس (الصحبة) أيضًا أو نلتها ويجوز الرفع فيهما خبر مبتدأ محذوف يقدر في كل ما يليق به ففي الأول مرادي الصحبة أو مسألتي الصحبة وفي الثاني مبذولة أو حاصلة لك أو نحوه (قال) أبو بكر: (يا رسول الله إن عندي ناقتين أعددتهما للخروج) معك إلى المدينة قال في اللامع والمصابيح وغيرهما: ويروى عددتهما بغير همزة قال ابن التين: وصوابه بالهمزة لأنه رباعي، وتعقبه العيني بأن قوله رباعي إنما هو بالنسبة إلى عدد حروفه ولا يقال في مصطلح الصرفيين إلا ثلاثي مزيد فيه (فخذ) يا رسول الله (إحداهما. قال) عليه الصلاة والسلام. (قد أخذتها) أي إحدى الناقتين. قال ابن إسحاق في غير رواية ابن هشام: هي الجدعاء (بالثمن). قال المهلب: لم يكن آخذًا باليد ولا بالحيازة بل بالابتياع بالثمن وإخراجها عن ملك أبي بكر، لأن قوله قد أخذتها يوجب أخذًا صحيحًا وقبضًا من الصديق بالثمن الذي هو عوض، وتعقبه في فتح الباري: بأن ما قاله ليس بواضح لأن القصة ما سيقت لبيان ذلك فلذلك اختصر فيها قدر الثمن وصفة العقد فيحمل كل ذلك على أن الراوي اختصره لأنه ليس من غرضه، وكذلك اختصر صفة القبض فلا يكون فيه حجة في عدم اشتراط القبض. ووجه المطابقة بين الحديث والترجمة من حيث أن لها جزأين فدلالته على الأول ظاهرة لأنه لم يقبض الناقة بعد الأخذ بالثمن الذي هو كناية عن البيع وتركها عند أبي بكر، وأما الثاني وهو قوله أو مات قبل أن يقبض إما للإشعار بأنه لم يجد حديثًا على شرطه فيما يتعلق به وإما للإعلام بأن حكم الموت قبل القبض حكم الوضع عنده قياسًا عليه قاله الكرماني وغيره وأخذ ابن المنير منه جواز بيع الغائب، لأن قول أبي بكر: إن عندي ناقتين بالتنكير يدل على غيبتهما وعلى عدم سبق العهد بهما وهذا معارض بقوله في هذا الحديث في رواية ابن شهاب عن عروة. قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين. وهذا الحديث من أفراده، وأخرجه أيضًا في أول الهجرة مطوّلاً. 58 - باب لاَ يَبِيعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ، حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ أَوْ يَتْرُكَ. هذا (باب) بالتنوين (لا يبيع) بإثبات الياء على أن لا نافية، وللكشميهني: لا يبع بالجزم على النهي (على بيع أخيه) بأن يقول لمن اشترى سلعة في زمن خيار المجلس أو خيار الشرط افسخ لأبيعك خيرًا منه بمثل ثمنه أو مثله بأنقص فإنه حرام وكذا الشراء على شرائه بأن يقول للبائع افسخ لأشتري منك بأزيد (ولا يسوم) الرجل بالرفع على النفي، وللكشميهني: ولا يسم بالجزم على النهي (على سوم أخيه) بأن يقول لمن اتفق مع غيره في بيع ولم يعقداه أنا أشتريه بأزيد أو أنا أبيعك خيرًا منه بأرخص منه فيحرم بعد استقرار الثمن بالتراضي صريحًا وقبل العقد فلو لم يصرح له المالك بالإجابة بأن عرض بها أو سكت أو كانت الزيادة قبل استقرار الثمن بأن المبيع إذ ذاك ينادى عليه لطلب الزيادة لم يحرم (حتى يأذن له) أخوه البائع (أو يترك) اتفاقه مع المشتري فلا تحريم لأن الحق لهما وقد أسقطاه هذا إن كان الآذن مالكًا فإن كان وليًّا أو وصيًّا أو وكيلاً أو نحوه فلا عبرة بإذنه إن كان فيه ضرر على المالك ذكره الأذرعي وذكر الأخ ليس للتقييد بل للرقة والعطف عليه وإلاّ فالكافر كالمسلم في ذلك. 2139 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ». [الحديث 2139 - طرفاه في: 3165، 5142]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

59 - باب بيع المزايدة

وَسَلَّمَ- قال): (لا يبيع) بإثبات الياء على أن لا نافية، وللكشميهني: لا يبع بصيغة النهي (بعضكم على بيع أخيه) زاد في الشروط من حديث أبي هريرة: "وأن يستام الرجل على سوم أخيه" وبذلك تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة، ولعله أشار إلى ذلك كما هو عادته. وظاهر التقييد بأخيه تخصيص الحكم بالمسلم وبه قال الأوزاعي وغيره. ولمسلم عن أبي هريرة "لا يسوم المسلم على المسلم" وقال الجمهور: لا فرق بين المسلم وغيره، وذكر المسلم ليس للتقييد بل لأنه أسرع امتثالاً فذكر الأخ أو المسلم لا مفهوم له. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في البيوع وكذا مسلم وأبو داود والنسائي، وأخرجه ابن ماجة في التجارات. 2140 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. وَلاَ تَنَاجَشُوا. وَلاَ يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ. وَلاَ يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ. وَلاَ تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ مَا فِي إِنَائِهَا". [الحديث 2140 - أطرافه في: 2148، 2150، 2151، 2160، 2162، 2723، 2727، 5144، 5152، 6601]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم (عن سعيد بن المسيب) بفتح الياء المشددة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال): (نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تحريم (أن يبيع حاضر لبادٍ) متاعًا يقدم به من البادية ليبيعه بسعر يومه بأن يقول له أي الحاضر اتركه عندي لأبيعه لك على التدريج بأغلى (و) قال: (لا تناجشوا) مضارع حذفت إحدى تاءيه، والأصل تناجشوا من النجش بنون مفتوحة وجيم ساكنة وشين معجمة، هو أن يزيد في الثمن بلا رغبة بل ليغرّ غيره والجملة معمول لقال مقدّرة أي نهى وقال: لا تناجشوا (ولا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه) بكسر الخاء وصورته أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه ويتفقا على صداق معلوم ويتراضيا ولم يبق إلا العقد فيجيء آخر ويخطب ويزيد في الصداق والمعنى في ذلك الإيذاء وهو خبر بمعنى النهي (ولا تسأل المرأة طلاق أختها) تسأل رفع خبر بمعنى النهي. وبالكسر على النهي حقيقة أي لا تسأل امرأة زوج امرأة أن يطلق زوجته ويتزوج بها ويكون لها من النفقة والمعاشرة ما كان لها وهو معنى قوله: (لتكفأ) بفتح الفوقية والفاء وبينهما كاف ساكنة آخره همزة أي تقلب (ما في إنائها) ولأبي ذر: لتكفي بكسر الفاء ثم المثناة التحتية قال: وصوابه بالفتح والهمزة. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأحكام، ومسلم في النكاح والبيوع، وأخرجه أبو داود في البيوع ببعضه: لا تناجشوا، وفي النكاح ببعضه: لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه، والترمذي في البيوع ببعضه: لا يبع حاضر لباد، وفي موضع آخر منه ببعضه: لا تناجشوا، وفي النكاح ببعضه: لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يبيع الرجل على بيع أخيه. والنسائي في النكاح بتمامه ولم يذكر السوم، وابن ماجة في النكاح ببعضه: لا يخطب الرجل على خطبة أخيه. وفي التجارات ببعضه: ولا تناجشوا، ورواه فيه أيضًا ببعضه: لا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يسوم على سوم أخيه. ورواه فيه أيضًا ببعضه: لا يبع حاضر لبادٍ. 59 - باب بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ وَقَالَ عَطَاءٌ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ لاَ يَرَوْنَ بَأْسًا بِبَيْعِ الْمَغَانِمِ فِيمَنْ يَزِيدُ. (باب بيع المزايدة. وقال عطاء) هو ابن أبي رباح مما وصله أبو بكر بن أبي شيبة (أدركت الناس لا يرون بأسًا ببيع المغانم فيمن يزيد) ويلتحق بها غيرها للاشتراك في الحكم وكأنه خرج مخرج الغالب فيما يعتادون فيه البيع مزايدة وهي الغنائم والمواريث، وقد أخذ بظاهره الأوزاعي وإسحاق فخصّا الجواز ببيع المغانم والمواريث. 2141 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ الْمُكْتِبُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ غُلاَمًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ فَاحْتَاجَ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِكَذَا وَكَذَا، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ". [الحديث 2141 - أطرافه في: 2230، 2321، 2403، 2415، 2534، 6716، 6947، 7186]. وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة أبو محمد قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا الحسين) بن ذكوان المعلم (المكتب) بسكون الكاف من الإكتاب، ولأبي ذر: المكتب بفتح الكاف وتشديد الفوقية من التكتيب هو المعروف (عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أن رجلاً) هو أبو مذكور الأنصاري كما في مسلم (أعتق غلامًا له) اسمه يعقوب كما في مسلم والنسائي (عن دبر) بضم الدال المهملة والموحدة أي قال له أنت حر بعد موتي (فاحتاج) الرجل إلى ثمنه (فأخذه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (من يشتريه مني) فعرّضه للزيادة ليستقصي فيه للمفلس الذي باعه عليه وهذا يردّ على الإسماعيلي

60 - باب النجش. ومن قال: لا يجوز ذلك البيع

حيث قال: ليس في قصة المدبر بيع المزايدة فإن بيع المزايدة أن يعطي به واحد ثمنًا ثم يعطي به غيره زيادة. (فاشتراه نعيم بن عبد الله) بضم النون وفتح العين النحام بفتح النون والحاء المهملة المشددة العدوي القرشي، ووصف بالنحام لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "دخلت الجنة فسمعت نحمة نعيم فيها". والنحمة: السعلة أسلم قديمًا وأقام بمكة إلى قبيل الفتح وكان قومه يمنعونه من الهجرة لشرفه فيهم لأنه كان ينفق عليهم فقالوا: أقم عندنا على أيّ دين شئت. ولما قدم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتنقه وقبّله واستشهد يوم اليرموك سنة خمس عشرة. (بكذا وكذا) ثمانمائة درهم (فدفعه إليه) أي دفع عليه الصلاة والسلام الثمن الذي بيع به المدبر المذكور لمدبره أو دفع المدبر لمشتريه نعيم وقول العيني أي دفع الثمن إلى الرجل وهو نعيم بن عبد الله سهو لا يخفى، وقد وقع في رواية مسلم وأبي داود والنسائي من طريق أيوب عن أبي الزبير ما يعين أن الضمير للثمن ولفظه فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم فدفعها إليه. وفي رواية مسلم والنسائي من طريق الليث عن أبي الزبير فدفعها إليه ثم قال: ابدأ بنفسك فتصدق عليها. وفي رواية النسائي من وجه آخر عن إسماعيل بن أبي خالد ودفع ثمنه إلى مولاه، وأما ما وقع في رواية الترمذي فمات ولم يترك مالاً غيره فهو مما نسب فيه ابن عيينة إلى الخطأ ولم يكن سيده مات كما وقع مصرّحًا به في الأحاديث الصحيحة وفيه جواز بيع المدبر وهو قول الشافعي وأحمد، وذهب أبو حنيفة ومالك إلى المنع وتأتي إن شاء الله تعالى مباحث ذلك في موضعه بحول الله وقوته. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في الاستقراض، وكذا أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 60 - باب النَّجْشِ. وَمَنْ قَالَ: لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ الْبَيْعُ وَقَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى: "النَّاجِشُ آكِلُ رِبًا خَائِنٌ". وَهْوَ خِدَاعٌ بَاطِلٌ لاَ يَحِلُّ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "الْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ، وَمَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهْوَ رَدٌّ". (باب النجش) بفتح النون وسكون الجيم وفتحها وهو في اللغة تنفير الصيد واستثارته من مكانه ليصاد يقال: نجشت الصيد أنجشه بالضم نجشًا وفي الشرع أن يزيد في ثمن السلعة من غير رغبة ليوقع غيره فيها وقيد الإمام وغيره ذلك بالزيادة على ما يساويه المبيع، وقضيته أنه لو زاد عند نقص القيمة ولا رغبة له جاز وكلام الأصحاب يخالفه ولا خيار للمشتري لتفريطه حيث لم يتأمل ولم يراجع أهل الخبرة ويقع النجش أيضًا بمواطأة الناجش البائع فيشتركان في الإثم ويقع بغير علم البائع فيختص بذلك الناجش وقد يختص به البائع كأن يقول: أعطيت في المبيع كذا والحال بخلافه أو أنه اشتراه أكثر مما اشتراه ليوقع غيره ولا خيار للمشتري. (و) باب (من قال: لا يجوز ذلك البيع) الذي وقع بالنجش وهو مشهور مذهب الحنابلة إذا كان بمواطأة البائع أو صنعه، والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار، والأصح عند الشافعية وهو قول الحنفية صحة البيع مع الإثم والتحريم في جميع المناهي شرطه العلم بها إلا في النجش لأنه خديعة وتحريم الخديعة واضح لكل أحد وإن لم يعلم هذا الحديث بخصوصه بخلاف البيع على بيع أخيه إنما يعرف من الخبر الوارد فيه فلا يعرفه من لا يعرف الخبر. قال الرافعي: ولك أن تقول هو إضرار معلوم من العمومات والوجه تخصيص المعصية بمن عرف التحريم بعموم أو خصوص وأقرّه عليه النووي وهو ظاهر بل نقل البيهقي عن الشافعي أن النجش كغيره من المناهي. (وقال ابن أبي أوفى) عبد الله في حديث أورده المؤلّف في الشهادات في باب قوله تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلاً} [آل عمران: 77] (الناجش أكل ربًا) أي كآكله، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: آكل الربا بالتعريف (خائن) لكونه غاشًّا وهو خبر بعد خبر. قال المؤلّف: (وهو خداع) بكسر الخاء المعجمة أي مخادعة (باطل) غير حق (لا يحل) فعله وهذا قاله المؤلّف تفقهًا وليس من كلام عبد الله بن أبي أوفى. (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخديعة) أي صاحبها (في النار) رواه ابن عدي في كامله. وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما وصله المؤلّف في كتاب الصلح من حديث عائشة -رضي الله عنها-: (ومن عمل عملاً) بكسر الميم في الأول وفتحها في الثاني (ليس عليه أمرنا فهو ردّ) أي مردود عليه فلا يقبل منه. 2142 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ النَّجْشِ". [الحديث 2142 - طرفه في: 6963]. وبه قال: (حدّثنا

61 - باب بيع الغرر، وحبل الحبلة

عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن النجش) بسكون الجيم وفتحها. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في ترك الحيل، ومسلم والنسائي في البيوع وابن ماجة في التجارات. 61 - باب بَيْعِ الْغَرَرِ، وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ (باب بيع الغرر) بفتح الغين المعجمة وبراءين كالمسك في الفأرة والصوف على ظهر الغنم وهو شامل لبيع الآبق والمعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه وكلها باطلة إلا إذا دعت حاجة كأس الدار وحشو الجبة فيجوز لدخول الحشو في مسمى الجبة والأس في مسمى الجدار فلا يضرّ ذكرهما لأنه تأكيد بخلاف نحو بيع الحامل وحملها أو ولبن ضرعها، فإنه لا يصح لجعله الحمل واللبن المجهول مبيعًا مع المعلوم بخلاف بيعها بشرط كونها حاملاً أو لبونًا لأنه جعل ذلك وصفًا تابعًا. (و) بيع (حبل الحبلة) بفتح المهملة والموحدة فيهما وقيل هو بسكون الموحدة في الأول وهو من عطف الخاص على العام ولشهرته في الجاهلية أفرد بالتنصيص عليه. 2143 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ: كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ، ثُمَّ تُنْتَجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا". [الحديث 2143 - طرفاه في: 2256، 3843]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى) نهي تحريم (عن بيع حبل الحبلة) قال نافع أو ابن عمر كما جزم به ابن عبد البر: (وكان) بيع حبل الحبلة (بيعًا يتبايعه أهل الجاهلية. كان الرجل) منهم (يبتاع الجزور) بفتح الجيم وضم الزاي هو البعير ذكرًا كان أو أُنثى وحكم الجزور كغيره (إلى أن تنتج الناقة) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول من الأفعال التي لم تسمع إلا كذلك نحو جن وزهي علينا أي تكبر والناقة مرفوع بإسناد تنتج إليها أي تضع ولدها فولدها نِتاج بكسر النون من تسمية المفعول بالمصدر. يقال: نتجت الناقة بالبناء للمفعول نتاجًا أي ولدت، (ثم تنتج التي في بطنها) ثم تعيش المولودة حتى تكبر ثم تلد وصفته كما قاله الشافعي ومالك وغيرهما أن يقول البائع بعتك هذه السلعة بثمن مؤجل إلى أن تنتج هذه النافة ثم تنتج التي في بطنها لأن الأجل فيه مجهول، وقيل هو بيع ولد ولد الناقة في الحال بأن يقول إذا نتجت هذه الناقة ثم نتجت التي في بطنها فقد بعتك ولدها لأنه بيع ما ليس بمملوك ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه فيدخل في بيع الغرر، وهذا الثاني تفسير أهل اللغة وهو أقرب لفظًا وبه قال أحمد والأول أقوى لأنه تفسير الراوي وهو ابن عمر وهو أعرف وليس مخالفًا للظاهر فإن ذلك هو الذي كان في الجاهلية والنهي وارد عليه. قال النووي: ومذهب الشافعي ومحققي الأصوليين أن تفسير الراوي مقدّم إذا لم يخالف الظاهر. وقال الطيبي، فإن قلت: تفسيره مخالف لظاهر الحديث فكيف يقال إذا لم يخالف الظاهر؟ وأجاب باحتمال أن يكون المراد بالظاهر الواقع فإن هذا البيع كان في الجاهلية بهذا الأجل فليس التفسير حلاًّ للفظ بل بيان للواقع، ومحصل الخلاف السابق كما قاله ابن التين هل المراد البيع إلى أجل أو بيع الجنين؟ وعلى الأول هل المراد بالأجل ولادة الأم أو ولادة ولدها، وعلى الثاني هل المراد بيع الجنين الأول أو بيع جنين الجنين فصارت أربعة أقوال انتهى. ولم يذكر في الباب بيع الغرر صريحًا لكنه لما كان حديث الباب في النهي عن بيع حبل الحبلة وهو نوع من أنواع بيع الغرر ذكر الغرر الذي هو عامّ، ثم عطف عليه حبل الحبلة من عطف الخاص على العام كما مرّ لينبّه على أن أنواع الغرر كثيرة وإن لم يذكر منها إلا حبل الحبلة من باب التنبيه بنوع مخصوص معلول بعلة على كل نوع توجد فيه تلك العلة. وقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن بيع الغرر من حديث أبي هريرة، ومن حديث ابن عباس عند ابن ماجة وسهل بن سعد عند أحمد. وحديث الباب أخرجه أبو داود والنسائي في البيوع. 62 - باب بَيْعِ الْمُلاَمَسَةِ. وَقَالَ أَنَسٌ: نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب) حكم (بيع الملامسة) مفاعلة من اللمس ويأتي تفسيرها في حديث الباب إن شاء الله تعالى. (قال أنس) مما وصله المؤلّف في بيع المخاضرة: (نهى عنه) أي عن بيع الملامسة (النبي

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنه. 2144 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ -رضي الله عنه- أَخْبَرَهُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الْمُنَابَذَةِ، وَهْيَ طَرْحُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ بِالْبَيْعِ إِلَى الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يُقَلِّبَهُ أَوْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ. وَنَهَى عَنِ الْمُلاَمَسَةِ، وَالْمُلاَمَسَةُ لَمْسُ الثَّوْبِ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ". وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين وفتح الفاء وبعد المثناة التحتية الساكنة راء ونسبه لجده لشهرته به واسم أبيه كثير المصري (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عامر بن سعد) بسكون العين ابن أبي وقاص (أن أبا سعيد) سعد بن مالك الخدري (-رضي الله عنه- أخبره): (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى) نهي تحريم (عن المنابذة) بضم الميم وبالذال المعجمة قال أبو سعيد الخدري (و) المنابذة (هي طرح الرجل ثوبه) لمن يريد شراءه (بالبيع) أي بسببه (إلى رجل) آخر (قبل أن يقلبه) ظهرًا لبطن (أو) قبل أن (ينظر إليه) ويتأمله. (ونهى) النبي عليه الصلاة والسلام (عن الملامسة، والملامسة) هي (لمس الثوب لا ينظر) المستام (إليه). وعند المؤلّف في اللباس من طريق يونس عن الزهري والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذلك، والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ إليه الآخر بثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراضٍ. وللنسائي من حديث أبي هريرة: والملامسة أن يقول الرجل للرجل: أبيعك ثوبي بثوبك ولا ينظر واحد منهما إلى ثوب الآخر ولكن يلمسه لمسًا، والمنابذة أن يقول أنبذ ما معي وتنبذ ما معك ليشتري كل واحد منهما من الآخر ولا يدري كل واحد منهما كم مع الآخر ونحو ذلك. ولمسلم من طريق عطاء بن مينا عن أبي هريرة: أما الملامسة فأن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر لم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه، وهذا التفسير الذي في حديث أبي هريرة أقعد بلفظ الملامسة والمنابذة لأنهما كما مرّ مفاعلة فتستدعي وجود الفعل من الجانبين. وظاهر الطرق كلها أن التفسير من الحديث المرفوع. لكن وقع في رواية النسائي ما يشعر بأنه من كلام من دون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولفظه. وزعم أن الملامسة أن يقول الخ ... فالأقرب أن يكون ذلك من كلام الصحابي لأنه يبعد أن يعبر الصحابي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا اللفظ. واختلف في تفسير الملامسة على ثلاث صور: إحداها: أن يكتفي باللمس عن النظر ولا خيار له بعده بأن يلمس ثوبًا لم يره ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه. الثاني: أن يجعل اللمس بيعًا بأن يقول إذا لمسته فقد بعتكه اكتفاء بلمسه عن الصيغة. الثالثة: أن يبيعه شيئًا على أنه متى لمسه لزم البيع وانقطع خيار المجلس وغيره اكتفاء بلمسه عن الإلزام بتفرّق أو تخاير وبطلان البيع المستفاد من النهي لعدم رؤية المبيع واشتراط نفي الخيار في الأولى ونفي الصيغة في عقد البيع في الثانية وشرط نفي الخيار في الثالثة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في اللباس ومسلم وأبو داود والنسائي في البيوع. 2145 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "نُهِيَ عَنْ لِبْسَتَيْنِ: أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ، ثُمَّ يَرْفَعَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ. وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ: اللِّمَاسِ، وَالنِّبَاذِ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد الوهاب) الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال): (نهي) بضم أوله مبنيًّا للمفعول أي نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن لبستين) بكسر اللام على الهيئة لا بالفتح على المرة إحداهما (أن يحتبي الرجل في الثوب الواحد ثم يرفعه على منكبه) كملة أن مصدرية والتقدير نهى عن احتباء الرجل في الثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء، ولم يذكر في حديث أبي هريرة ثاني اللبستين المنهي عنهما وهو اشتمال الصماء. قال البرماوي كالكرماني: اختصارًا من الراوي كأنه لشهرته. وقال ابن حجر: وقد وقع بيان الثانية عند أحمد من طريق هشام عن ابن سيرين ولفظه: أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء وأن يرتدي في ثوب يرفع طرفيه على عاتقيه. (و) نهى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن بيعتين) تثنية بيعة بفتح الموحدة وكسرها والفرق بينهما أن الفعلة بالفتح للمرة وبالكسر

63 - باب بيع المنابذة

للحالة والهيئة. قال البرماوي: والوجه الكسر لأن المراد الهيئة انتهى. والذي في الفرع الفتح إحداهما (اللماس و) الثانية (النباذ) بكسر الأول منهما مصدر لامس ونابذ. وهذا الحديث مضى في الصلاة في باب: ما يستر من العورة. 63 - باب بَيْعِ الْمُنَابَذَةِ وَقَالَ أَنَسٌ: نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب) حكم (بيع المنابذة. وقال أنس) فيما وصله في باب بيع المخاضرة كما مر في الباب السابق (نهى عنه) أي عن بيع المنابذة (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر تأخير قوله عنه بعد قوله وسلم. 2146 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ". به قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان كلاهما (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-): (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن الملامسة و) عن (المنابذة) ولم يذكر في شيء من طرق حديث أبي هريرة تفسيرهما والمنابذة أن يجعلا النبذ بيعًا اكتفاء به عن الصيغة فيقول أحدهما: أنبذ إليك ثوبي بعشرة فيأخذه الآخر، أو يقول بعتكه بكذا على أني إذا نبذته إليك لزم البيع وانقطع الخيار. 64 - باب النَّهْيِ لِلْبَائِعِ أَنْ لاَ يُحَفِّلَ الإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَكُلَّ مُحَفَّلَةٍ وَالْمُصَرَّاةُ الَّتِي صُرِّيَ لَبَنُهَا وَحُقِنَ فِيهِ وَجُمِعَ فَلَمْ يُحْلَبْ أَيَّامًا وَأَصْلُ التَّصْرِيَةِ حَبْسُ الْمَاءِ، يُقَالُ مِنْهُ: صَرَّيْتُ الْمَاءَ. (باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل والبقر والغنم) بضم المثناة التحتية وفتح المهملة وتشديد الفاء المكسورة من الحفل وهو الجمع ومنه المحفل لمجمع الناس، ولا يحتمل أن تكون زائدة وأن تكون تفسيرية ولا يحفل بيانًا للنهي والتقييد بالبائع يخرج ما لو حفل المالك لجمع اللبن لولده أو عياله أو ضيفه (وكل محفلة) بفتح الفاء المشددة ونصب كل عطفًا على المفعول من عطف العام على الخاص أي وكل مصرّاة من شأنها أن تحفل فالنصوص وإن وردت في النعم لكن ألحق بها غيرها من مأكول اللحم للجامع بينهما وهو تغرير المشتري. نعم غير المأكول كالجارية والأتان وإن شارك في النهي وثبوت الخيار، ولكن الأصح أنه لا يردّ في اللبن صاعًا من تمر لعدم ثبوته ولأن لبن الآدميات لا يعتاض عنه غالبًا ولبن الأتان نجس لا عوض له، وبه قال الحنابلة في الأتان دون الجارية. (والمصراة) بضم الميم وفتح الصاد المهملة وتشديد الراء مبتدأ خبره قوله (التي صري) بضم المهملة وتشديد الراء أي ربط (لبنها) أي ضرعها (وحقن فيه) أي في الثدي من باب العطف التفسيري لأن التصرية والحقن بمعنى واحد (وجمع) اللبن (فلم يحلب أيامًا) وهذا تفسير الشافعي (و) قال أبو عبيد وأكثر أهل اللغة (أصل التصرية حبس الماء يقال منه صرّيت الماء) بتشديد الراء وزاد أبو ذر إذا حبسته. 2147 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ: الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عياش بن الوليد) بفتح العين المهملة وتشديد المثناة التحتية وبعد الألف شين معجمة الرقام البصري قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى البصري السامي قال: (حدّثنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عطاء بن يزيد) من الزيادة الليثي (عن أبي سعيد) الخدري (-رضي الله عنه-) أنه (قال): (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن لبستين) بكسر اللام (وعن بيعتين) بفتح الموحدة (الملامسة والمنابذة) وسبق تفسيرهما وقيل المنابذة نبذ الحصاة والصحيح أنها غيره وتفسير اللبستين معلوم مما سبق واختصره الراوي. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الاستئذان، وأبو داود في البيوع، وأخرجه ابن ماجة في التجارات بالنهي عن البيعتين وفي اللباس بالنهي عن اللبستين. 2148 - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَين أَنْ يَحْتَلِبَهَا: إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ». وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ وَمُوسَى بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «صَاعَ تَمْرٍ». وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: "صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَهْوَ بِالْخِيَارِ ثَلاَثًا". وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: "صَاعًا مِنْ تَمْرٍ". وَلَمْ يَذْكُرْ "ثَلاَثًا"، وَالتَّمْرُ أَكْثَرُ. وبه قال: (حدّثنا ابن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف يحيى قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل بن حسنة المصري (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز أنه قال: (قال أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تصروا الإبل والغنم) بضم التاء وفتح الصاد وتشديد الراء بوزن تزكوا من صرى يصري تصرية كزكى يزكي تزكية وأصله تصريوا فاستثقلت الضمة على الياء فسكنت فالتقى ساكنان فحذف أْولهما وضم ما قبل الواو للمناسبة، والإبل على هذا نصب على المفعولية وما بعده عطف عليه وهذه الرواية الصحيحة. وقال عياض: رويناه في غير مسلم عن

بعضهم بفتح التاء وضم الصاد من صرّ يصرّ إذا ربط. قال: وعن بعضهم بضم التاء وفتح الصاد بغير واو بصيغة الإفراد على البناء للمجهول وهو من الصر أيضًا، والإبل مرفوع به، والغنم عطف عليه والمشهور الأوّل. قال أبو عبيد: لو كان من الصر لكانت مصرورة لم مصررة لا مصراة. وأجيب: بأنه يحتمل أنها مصررة فأبدلت إحدى الراءين ألفًا نحو {دسّاها} [الشمس: 10] أصله دسسها فكرهوا اجتماع ثلاثة أحرف من جنس، وعلى هذا فلا مباينة بين تفسير الشافعي وبين رواية لا تصروا على ما صححوه على أنه قد سمع الأمران في كلام العرب، وذكر المؤلّف البقر في الترجمة ولم يقع له ذكر في الحديث إشارة إلى أنها في معنى الإبل والغنم في الحكم خلافًا لداود، وإنما اقتصر عليهما لغلبتهما عندهم. (فمن ابتاعها) أي فمن اشترى المصراة (بعد) بضم الدال أي بعد التصريح، وقيل بعد العلم بهذا النهي، وقال الحافظ الشرف الدمياطي فيما نقله الزركشي: أي بعد أن يحلبها كذا رواه ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج وبه يصح المعنى. قال الزركشي: والبخاري رواه من جهة الليث عن جعفر بإسقاطها يعني بإسقاط زيادة بعد أن يحتلبها فأشكل المعنى، لكن رواه آخر الباب عن أبي الزناد عن الأعرج بلفظ: فهو بخير النظرين بعد أن يحتلبها فلا معنى لاستدراك الحافظ له من جهة ابن لهيعة وهو ليس من شرط الصحيح مع الاستغناء عنه بوجوده في الصحيح، وتعقب بأن قوله: إن إسقاط هذه الزيادة أوجب إشكال هذا المعنى فيه نظر وذلك أن نص حديث الليث كحديث أبي الزناد ولفظه. (فإنه بخير النظرين) أي الرأيين (بين أن يحتلبها) كذا في الفرع بفتح همزة أن وإثبات الفوقية بعد الحاء وبين مرقوم عليها علامة الحموي مصحح عليها وتحت العلامة علامة السقوط. وفي الهامش مكتوب صوابه بعد أن يحتلبها أي وقت أن يحتلبها أي فالمشتري متلبس بخير النظرين في وقت حلبه لها. وقال العيني كالحافظ ابن حجر: أن يحتلبها كذا في الأصل بكسر إن على أنها شرطية وجزم يحتلبها لأنه فعل الشرط، ولابن خزيمة والإسماعيلي من طريق أسد بن موسى عن الليث بعد أن يحتلبها بفتح أن ونصب يحتلبها اهـ. والذي رأيته في فرعين لليونينية وسائر ما وقفت عليه من الأصول بفتح الهمزة والنصب، وزاد عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد فهو بالخيار ثلاثة أيام أخرجه الطحاوي، وظاهر قوله: بعد أن يحتلبها أن الخيار لا يثبت إلا بعد الحلب، والجمهور على أنه إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار على الفور من الاطّلاع عليها لكن لما كانت التصرية لا تعلم غالبًا إلا بعد الحلب ذكره قيدًا في ثبوت الخيار فلو ظهرت التصرية بعد الحلب فالخيار ثابت. (إن شاء أمسك) المصراة على ملكه (وإن شاء ردّها وصاع تمر) بالنصب على أن الواو بمعنى مع أو لمطلق الجمع ولا يكون مفعولاً معه لأن جمهور النحاة على أن شرط المفعول معه أن يكون فاعلاً نحو جئت أنا وزيدًا. وقوله: إن شاء أمسك الخ. جملتان شرطيتان عطفت الثانية على الأولى ولا محل لهما من الإعراب إذ هما تفسيريتان أُتي بهما لبيان المراد بالنظرين ما هو. وهذا الحديث أخرجه بقية الأئمة الستة. (ويذكر) بضم أوّله مبنيًا للمفعول (عن أبي صالح) ذكوان الزيات مما وصله مسلم (ومجاهد) مما وصله البزار والطبراني في الأوسط (والوليد بن رباح) بفتح الراء وتخفيف الموحدة وبعد الألف مهملة مما وصله أحمد بن منيع في مسنده (وموسى بن يسار) بالتحتية وتخفيف السين المهملة مما وصله مسلم والأربعة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صاع تمر) وقيل يكفي صاع قوت لحديث أبي داود: صاعًا من طعام، وهل يتخير بين الأقوات أو يتعين غالب قوت البلد؟ وجهان أصحهما الثاني، وعلى تعيين التمر وهو الصحيح عند الشافعية لو تراضيا على غيره من قوت أو غيره جاز ولو فقد التمر ردّ قيمته بالمدينة ذكره الماوردي وأقره الرافعي والنووي، ويتعين الصاع

ولو قل اللبن فلا يختلف قدر التمر بقلّة اللبن وكثرته كما لا تختلف غرة الجنين باختلاف ذكورته وأُنوثته ولا أرش الموضحة باختلافها صغرًا أو كبرًا. (وقال بعضهم) وصله مسلم عن قرّة (عن ابن سيرين) عن أبي هريرة مرفوعًا (صاعًا من طعام وهو بالخيار ثلاثًا) وهو وجه ضعيف عند الشافعية. وأجيب عنه: بأنه محمول على الغالب وهو أن التصرية لا تظهر إلا بثلاثة أيام لا حالة نقص اللبن قبل تمامها على اختلاف العلف أو المأوى أو تبدل الأيدي أو غير ذلك وابتداء الثلاثة على القول بها من العقد وقيل من التفرق. (وقال بعضهم) مما وصله مسلم أيضًا عن أيوب (عن ابن سيرين) عن أبي هريرة مرفوعًا أيضًا: (صاعًا من تمر ولم يذكر ثلاثًا والتمر أكثر) يعني أن الروايات الناصّة على التمر أكثر عددًا من الروايات التي لم تنص عليه أو أبدلته بذكر الطعام. 2149 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَرَدَّهَا فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا من تمر. وَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُلَقَّى الْبُيُوعُ". [الحديث 2149 - طرفه في: 2164]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا معتمر) بضم الميم الأولى وكسر الثانية (قال: سمعت أبي) سليمان بن طرخان حال كونه (يقول: حدّثنا أبو عثمان) عبد الرحمن بن مل بتشديد اللام النهدي بالنون أسلم في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأدّى إليه الصدقات (عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه) أنه (قال): (من اشترى شاة محفلة) بفتح الفاء المشددة مصراة (فردّها) أي فأراد ردّها (فليردّ معها) إن كانت مأكولة وتلف لبنها (صاعًا) زاد أبو ذر: (من تمر) أي بدل اللبن الذي حلبه وإن زادت قيمته على قيمته ولو علم بها قبل الحلب ردّ ولا شيء عليه. وهذا الحديث رواه الأكثرون عن معتمر بن سليمان موقوفًا، وأخرجه الإسماعيلي من طريق عبيد الله بن معاذ عن معتمر بن سليمان مرفوعًا وذكر أن رفعه غلط. قال ابن مسعود بالسند السابق: (ونهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تُلقى البيوع) بضم التاء وفتح اللام والقاف المشددة مبنيًّا للمفعول والبيوع رفع نائب عن الفاعل وأصله تتلقى فحذفت إحدى التاءين والمعنى تستقبل أصحاب البيوع، ولأبي ذر: أن تلقى البيوع بفتح التاء والعين كما في فرع اليونينية. وقال العيني: ويروى بالتخفيف. ورجال الحديث كلهم بصريون إلا ابن مسعود، وفيه رواية الابن عن الأب والتابعي عن الصحابي، وأخرجه المؤلّف مفرقًا، وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة. 2150 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلاَ تُصَرُّوا الْغَنَمَ، وَمَنِ ابْتَاعَهَا فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا: إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ». وبه قال: (حدّثنا: عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تلقوا الركبان) بفتح التاء واللام والقاف وأصله لا تتلقوا فحذفت إحدى التاءين أي لا تستقبلوا الذين يحملون المتاع إلى البلد للاشتراء منهم قبل أن يقدموا الأسواق ويعرفوا الأسعار (ولا يبيع) بالرفع على أن لا نافية، ولأبي ذر: ولا يبع بالجزم على النهي (بعضكم على بيع بعض) في زمن الخيار (ولا تناجشوا) أصله تتناجشوا حذفت إحدى التاءين، وقد مرّ أنه الزيادة في الثمن بلا رغبة ليغرّ غيره (ولا يبيع) بالرفع، ولأبي ذر: ولا يبع بالجزم (حاضر لبادٍ) هو أن يقول الحاضر لمن يقدم من البادية بمتاع ليبيعه بسعر يومه اتركه عندي لأبيعه لك بأغلى (ولا تضروا الغنم) بضم أوّله وفتح ثانيه بوزن تزكوا والغنم نصب به وضبطه بعضهم بفتح أوّله وضم ثانيه من صرّ يصرّ إذا ربط وضبط آخر بضم أوّله وفتح ثانيه لكن بغير واو بصيغة الإفراد على البناء للمجهول وهو من الصر أيضًا، وعلى هذا فالغنم رفع والمشهور الأول كما مرّ. وزاد في الرواية السابقة "الإبل" (ومن ابتاعها) أي المصراة (فهو) وفي السابقة فإنه (بخير النظرين بعد أن يحتلبها) بفوقية بعد الحاء المهملة وكسر اللام، ولأبي ذر: يحلبها: بإسقاط الفوقية وضم اللام (إن رضيها) أي المصراة (أمسكها وإن سخطها ردّها صاعًا من تمر) ولو اشترى مصراة بصاع من تمر ردّها وصاع تمر إن شاء واستردّ صاعه. قال القاضي وغيره: لأن الربا لا يؤثر في الفسوخ. قال الأذرعي: واسترداد الصاع من البائع إن كان

65 - باب إن شاء رد المصراة، وفي حلبتها صاع من تمر

باقيًا بيده فلو تلف وكان من نوع ما لزم المشتري ردّه فيخرج من كلام الأئمة أنهما يقعان في التقاص إن جوّزناه في المثليات كما هو الأصح المنصوص خلافًا للرافعي وغيره، ولو ردّ غير المصراة بعد الحلب بعيب فهل يردّ بدل اللبن وجهان. أحدهما وبه جزم البغوي وصححه ابن أبي هريرة والقاضي وابن الرفعة نعم كالمصراة فيردّ صاع تمر. وقال الماوردي: بل فيه اللبن لأن الصاع عوض لبن المصراة وهذا لبن غيرها. وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع أيضًا وكذا أبو داود والنسائي. 65 - باب إِنْ شَاءَ رَدَّ الْمُصَرَّاةَ، وَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ (باب) بالتنوين (إن شاء) مشتري المصراة ترك البيع (ردّ المصراة) بالنصب مفعول ردّ والجملة جواب الشرط (و) عليه (في حلبتها صاع من تمر) بسكون اللام في اليونينية وغيرها على أنه اسم الفعل ويجوز الفتح على أنه بمعنى المحلوب قاله العيني كفتح الباري. وقال في القاموس: الحلب ويحرّك استخراج ما في الضرع من اللبن كالحلاب والاحتلاب والحلب محركة والحليب اللبن المحلوب ما لم يتغير طعمه. وقال الجوهري: الحلب بالتحريك اللبن المحلوب والحلب أيضًا مصدر حلب الناقة يحلبها حلبًا واحتلبها فهو حالب، وحاصله إن أريد بالحلب اللبن فلامه مفتوحة فقط وإن أريد به المصدر فيجوز السكون والفتح، وعلى هذا فمفهوم قول البخاري وعليه في حلبتها بسكون اللام صاع من تمر أن الصاع في مقابلة الفعل وهو موافق لقول ابن حزم يجب ردّ التمر واللبن معًا لأن التمر في مقابلة الحلب لا في مقابلة اللبن، وهذا مخالف لما عليه الجمهور من أن التمر في مقابلة اللبن وقد كان القياس ردّ عين اللبن أو مثله، لكن لما تعذر ذلك باختلاط ما حدث بعد البيع في ملك المشتري بالموجود حال العقد وإفضائه إلى الجهل بقدره عين الشارع له بدلاً يناسبه قطعًا للخصومة ودفعًا للتنازع في القدر الموجود عند العقد. 2151 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زِيَادٌ أَنَّ ثَابِتًا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَنِ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن عمرو) بفتح العين، وللمستملي في رواية عبد الرحمن الهمداني زيادة ابن جبلة وكذا قال أبو أحمد الجرجاني في روايته عن الفربري، وفي رواية أبي عليّ بن شبويه عن الفربري حدّثنا محمد بن عمرو يعني ابن جبلة وأهمله الباقون، وجزم الدارقطني بأنه محمد بن عمرو أبو غسان الرازي المعروف بزنيج بزاي ونون وجيم مصغرًا، وجزم الحاكم والكلاباذي بأنه محمد بن عمرو السوّاق البلخي. قال الحافظ ابن حجر في المقدمة: ويؤيده أن المكي شيخه بلخي وقال في الشرح والأوّل أولى. قال: (حدّثنا المكي) بن إبراهيم وهو من مشايخ المؤلّف قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (زياد) بزاي مكسورة ومثناة تحتية مخففة ابن سعد بن عبد الرحمن الخراساني (أن ثابتًا) هو ابن عياض بن الأحنف (مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من اشترى غنمًا مصراة فاحتلبها فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ففي حلبتها) بسكون اللام (صاع من تمر) ظاهره أن الصاع في مقابلة المصراة سواء كانت واحدة أو أكثر لقوله: من اشترى غنمًا لأنه اسم مؤنث موضوع للجنس، ثم قال: ففي حلبتها صاع من تمر، ونقل ابن عبد البر عمن استعمل الحديث وابن بطال عن أكثر العلماء وابن قدامة عن الشافعية والحنابلة وعن أكثر المالكية يردّ عن كل واحدة صاعًا. وقال المازري: ومن المستبشع أن يغرم متلف لبن ألف شاة كما يغرم متلف لبن واحدة. وأجيب: بأن ذلك مغتفر بالنسبة إلى ما تقدم من أن الحكمة في اعتبار الصاع قطع النزاع فجعل حدًّا يرجع إليه عند التخاصم فاستوى القليل والكثير، ومن المعلوم أن لبن الشاة الواحدة أو الناقة الواحدة يختلف اختلافًا متباينًا ومع ذلك فالمعتبر الصاع سواء قلّ اللبن أم كثر فكذلك هو معتبر سواء قلّت المصراة أم كثرت انتهى. وقال الحنفية: لا يجوز للمشتري أن يرد ما اشتراه إذا وجدها مصراة مع لبنها ولا مع صاع تمر لفقده لأن الزيادة المنفصلة المتولدة عن المصراة وهو اللبن مانعة من ردها، وحديث أبي هريرة مخالف قوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194]. وهذا الحديث أخرجه أبو داود في البيوع. 66 - باب بَيْعِ الْعَبْدِ الزَّانِي وَقَالَ شُرَيْحٌ: إِنْ شَاءَ رَدَّ مِنَ الزِّنَا. (باب)

حكم (بيع العبد الزاني). (وقال شريح) بمعجمة مضمومة وراء مفتوحة ابن الحرث الكندي القاضي فيما وصله سعيد بن منصور بإسناد صحيح من طريق ابن سيرين (إن شاء) المشتري (ردّ) الرقيق المبتاع ذكرًا كان أو أُنثى ولو صغيرًا (من الزنا) الصادر منهما قبل العقد وإن لم يتكرّر لنقص القيمة به ولو تاب لأن تهمة الزنا لا تزول، ومذهب الحنفية الزنا عيب في الأمة دون العبد فترد الأمة لأن الغالب أن الافتراش مقصود فيها وطلب الولد والزنا يخل بذلك، وفي الأمالي: الزنا في الجارية عيب وإن لم تعد عند المشترى للحوق العار بأولادها، وسقط قوله وقال شريح الخ في رواية الكشميهني والحموي. 2152 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ». [الحديث 2152 - أطرافه في: 2153، 2233، 2234، 2555، 6837، 6839]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد إلإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (سعيد المقبري عن أبيه) كيسان المدني مولى بني ليث (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمعه يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا زنت الأمة فتبين زناها) بالبينة أو بالحمل أو بالإقرار (فليجلدها) سيدها ففيه أن السيد يقيم الحد على رقيقه خلافًا لأبي حنيفة، وزاد أيوب بن موسى الحد لكن قال أبو عمر: لا نعلم أحدًا ذكر فيه الحدّ غيره (ولا يثرب) بضم التحتية وفتح المثلثة وتشديد الراء المكسورة آخره موحدة أي يوبخها ولا يقرّعها بالزنا بعد الجلد لارتفاع اللوم بالحد. قال في المصابيح: وفيه نظر، وقال الخطابي: معناه أنه لا يقتصر على التثريب بل يقام عليها الحد (ثم وإن زنت) ثانيًا (فليجلدها ولا يثرب ثم إن زنت الثالثة فليبعها) استحبابًا أي بعد جلدها حد الزنا ولم يذكره اكتفاء بما قبله (ولو) كان البيع (بحبل من شعر) وهذا مبالغة في التحريض على بيعها وقيده بالشعر لأنه الأكثر في حبالهم. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في البيوع ومسلم في الحدود والنسائي. 2153 و 2154 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ قَالَ: إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لاَ أَدْرِي بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ. [الحديث 2154 - أطرافه في: 2233، 2556، 6838]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله) بتصغير الأوّل ابن عتبة بن مسعود (عن أبي هريرة وزيد بن خالد) الجهني الصحابي المدني (-رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سئل) بضم السين مبنيًّا للمفعول ولم أقف على اسم السائل (عن الأمة) أي عن حكمها (إذا زنت ولم تحصن) بضم أوّله وسكون ثانيه وكسر ثالثه بإسناد الإحصان إليها لأنها تحصن نفسها بعفافها، ولأبي ذر: ولم تحصن بفتح الصاد بإسناد الإحصان إلى غيرها ويكون بمعنى الفاعل والمفعول وهو أحد الثلاثة التي جئن نوادر يقال: أحصن فهو محصن وأسهب فهو مسهب وألفج فهو ملفج. وقال العيني: ويروى ولم تحصن بضم التاء وفتح الحاء وتشديد الصاد من باب التفعيل (قال) عليه الصلاة والسلام: (إن زنت فاجلدوها) ظاهره وجوب الرجم عليها إذا أحصنت والإجماع بخلافه. وأجيب: بأنه لا اعتبار للمفهوم حيث نطق القرآن صريحًا بخلافه في قوله تعالى: {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} [النساء: 25] فالحديث دل على جلد غير المحصن، والآية على جلد المحصن والرجم لا يتنصف فيجلدان عملاً بالدليلين أو يجاب بأن المراد بالإحصان هنا الحرية كما في قوله تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات} [النساء: 25] أو التي لم تتزوّج أو لم تسلم كما في قوله تعالى: {فإذا أحصن} الآية قيل بمعنى أسلمن وقيل تزوّجن. وقول الطحاوي إن قوله ولم تحصن لم يذكرها أحد غير مالك أنكره عليه الحفاظ فقالوا لم ينفرد بها بل رواها ابن عيينة ويحيى بن سعيد عن ابن شهاب كما رواه مالك، وإنما أعاد الزنا في الجواب غير مقيد بالإحصان للتنبيه على أنه لا أثر له وأن الموجب في الأمة مطلق الزنا. (ثم وإن زنت فاجلدوها ثم وإن زنت فبيعوها) بعد جلدها (ولو بضفير) فعيل بمعنى مفعول أي حبل مفتول أو منسوج من الشعر وهذا على جهة التزهيد فيها وليس من إضاعة المال بل هو حثّ لها على مجانبة الزنا. واستشكله ابن المنير بأنه عليه الصلاة والسلام نصح هؤلاء في إبعادها والنصيحة عامّة للمسلمين فيدخل فيها المشتري فينصح في إبعادها وأن لا يشتريها فكيف يتصوّر نصيحة الجانبين

67 - باب البيع والشراء مع النساء

وكيف يقع البيع إذا انتصحا معًا؟ وأجاب: بأن المباعدة إنما توجهت على البائع لأنه الذي لدغ فيها مرة بعد أخرى ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ولا كذلك المشتري فإنه بعد لم يجرب منها سوءًا فليست وظيفته في المباعدة كالبائع انتهى. ولعلها أن تستعف عند المشتري بأن يزوّجها أو يعفها بنفسه أو يصونها بهيبته أو بالإحسان إليها. (قال ابن شهاب) الزهري (لا أدري بعد الثالثة) ولأبي ذر عن الكشميهني: أبعد الثالثة بهمزة الاستفهام أي هل أراد أن بيعها يكون بعد الزنية الثالثة (أو الرابعة) وقد جزم أبو سعيد بأنه في الثالثة كما مرّ. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في المحاربين والعتق وفي البيوع أيضًا، وأخرجه مسلم في الحدود وكذا أبو داود، وأخرجه النسائي في الرجم وابن ماجة في الحدود والله أعلم. 67 - باب الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَعَ النِّسَاءِ (باب) حكم (البيع والشراء مع النساء) ولأبي ذر: الشراء والبيع بتقديم الشراء. 2155 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: "دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشْتَرِي وَأَعْتِقِي فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْعَشِيِّ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهْوَ بَاطِلٌ، وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ، شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال (قال عروة بن الزبير) بن العوام (قالت عائشة -رضي الله عنها-: دخل عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكرت له) أي قصة بريرة المروية في غير ما موضع من البخاري ولفظ رواية عمرة عنها في باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد من الصلاة أتتها بريرة تسألها في كتابتها فقالت: إن شئت أعطيت أهلك ويكون الولاء لي، وقال أهلها إن شئت أعطيتها ما بقي، وقال سفيان إن شئت أعتقتها ويكون الولاء لنا فلما جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكرت له ذلك (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لعائشة: (اشتري وأعتقي) بهمزة قطع، وفي رواية عمرة ابتاعيها فأعتقيها أي بريرة (فإن الولاء) ولأبوي ذر والوقت: فإنما الولاء أي على العتيق (لمن أعتق) والولاء بفتح الواو والمراد به هنا حكمي ينشأ عنه ثبوت حق الإرث من العتيق الذي لا وارث له من جهة نسب أو زوجية أو الفاضل عن ذلك وحق العقل عنه إذا جبى والتزويج للأُنثى بشروطه، وقد كانت العرب تبيع هذا الحق وتهبه فنهى الشرع عنه لأن الولاء لُحمة كلُحْمة النسب فلا يقبل الزوال بالإزالة ويقال للمعتق بهذا الاعتبار المولى من أعلى وللعتيق أيضًا لكن من أسفل وهل هو حقيقة فيهما أو في الأعلى أو في الأسفل؟ أقوال مشهورة. (ثم قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من العشي) وفي رواية عمرة: ثم قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر، وقال سفيان مرة فصعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر (فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال) عليه الصلاة والسلام (ما بال) ما شأن، وللكشميهني ثم قال: أما بعد ما بال (أناس) وحذف الفاء من فما على هذه الرواية على اللغة القليلة، ولأبي ذر: ما بال الناس، ولعمرة: ما بال أقوام (يشترطون شروطًا) وللكشميهني: شرطًا بالإفراد (ليس في كتاب الله) بالتذكير باعتبار الجنس أو باعتبار المذكور والمراد من كتاب الله حكم الله (من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فهو باطل) وللنسائي لم يجز له (وإن اشترط مائة شرط) ذكر المائة للمبالغة في الكثرة (شرط الله) الذي شرعه (أحق وأوثق) أحكم وأقوى وما سواه واهٍ فأفعل التفضيل ليس على بابه. وموضع الترجمة في اشترى يخاطب عائشة، والبيع والشراء كان في بريرة حيث اشترتها من أهلها وصدق البيع والشراء هنا من النساء مع الرجال قاله العيني، وهذا الحديث قد سبق في الصلاة كما مرّ، وفي باب الصدقة على موالي أزواج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله تعالى في البيوع والعتق والمكاتبة والهبة والطلاق والفرائض والشروط والأطعمة وكفارة الإيمان. 2156 - حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ أَبِي عَبَّادٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما-: "أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- سَاوَمَتْ بَرِيرَةَ، فَخَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَتْ: إِنَّهُمْ أَبَوْا أَنْ يَبِيعُوهَا إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطُوا الْوَلاَءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". قُلْتُ لِنَافِعٍ: حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا؟ فَقَالَ: مَا يُدْرِينِي [الحديث 2156 - أطرافه في: 2169، 2562، 6752، 6757، 6759]. وبه قال: (حدّثنا حسان بن أبي عباد) بتشديد السين من حسان والموحدة من عباد مع فتح أوّلهما واسم أبي عباد حسان أيضًا قال ابن حجر كذا للمستملي ولأبي ذر كما في الفرع، ونسبها ابن حجر لغير المستملي حسان بن حسان وهو بصري سكن المدينة ومرّ ذكره في العمرة قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ابن يحيى

68 - باب هل يبيع حاضر لباد بغير أجر؟ وهل يعينه أو ينصحه؟

(قال: سمعت نافعًا) مولى ابن عمر (يحدّث عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن عائشة -رضي الله عنها- ساومت بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء الأولى. قال في المصابيح: ووقع في تهذيب الأسماء واللغات للنووي أنها بنت صفوان. قال الجلال البلقيني: لم يقله غيره وفيه نظر ظاهر، وقيل: كانت مولاة لقوم من الأنصار، وقيل لآل عتبة بن أبي لهب، وكانت قبطية وعاشت إلى خلافة يزيد بن معاوية، والمراد ساومت أهل بريرة فأبوا عليها إلا أن يكون لهم الولاء فأرادت أن تخبر بذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فخرج) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى الصلاة فلما جاء) من الصلاة (قالت) له عائشة: (إنهم) أي أهل بريرة (أبوا) أي امتنعوا (أن يبيعوها إلا أن يشترطوا الولاء) لهم (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنما الولاء لمن أعتق) قال همام بن يحيى المذكور (قلت لنافع) مولى ابن عمر (حرًّا كان زوجها أو عبدًا فقال: ما يدريني) أي ما يعلمني، وصنيع البخاري حيث ترجم في الطلاق بقوله: باب خيار الأمة تحت العبد مع سوقه لحديثها يقتضي ترجيح كونه عبدًا، وصرح به ابن عباس في حديثه في الباب المذكور حيث قال: رأيته عبدًا يعني زوج بريرة، لكن الحديث عند المؤلّف في الفرائض عن حفص بن عمر عن شعبة وفي آخره قال الحكم: وكان زوجها حرًّا ثم ذكره بعد من طريق منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة وفيه قال الأسود وكان زوجها حرًّا. قال البخاري قول الأسود منقطع وقول ابن عباس رأيته عبدًا أصح، وقال الدارقطني في العلل: لم يختلف على عروة عن عائشة أنه كان عبدًا وكان اسمه مغيثًا مولى أبي أحمد بن جحش الأسدي وجاءت تسميته من حديث عائشة كما في الترمذي. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفرائض. 68 - باب هَلْ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِغَيْرِ أَجْرٍ؟ وَهَلْ يُعِينُهُ أَوْ يَنْصَحُهُ؟ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَنْصَحْ لَهُ». وَرَخَّصَ فِيهِ عَطَاءٌ. هذا. (باب) بالتنوين (هل) يجوز أنه (يبيع حاضر لبادٍ) سلعته التي أتى بها يريد بيعها (بغير أجر) ويمتنع مع أخذه لأنه لا يكون غرضه في الغالب إلا تحصيل الأجرة لا نصح البائع والحاضر ساكن الحاضرة وهي المدن والقرى والريف وهو أرض فيها زرع وخصب والبادي ساكن البادية وهي خلاف الحاضرة (وهل يعينه أو ينصحه)؟ (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله الإمام أحمد من حديث عطاء بن السائب عن حكيم بن أبي يزيد عن أبيه مرفوعًا والبيهقي من طريق عبد الملك بن عمير عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا أيضًا: (إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له) وهو يؤيد جواز بيع الحاضر للبادي إذا كان بغير أجر لأنه من باب النصيحة التي أمر بها الشارع عليه الصلاة والسلام. (ورخّص فيه) في بيع الحاضر للبادي بغير أجرة (عطاء) هو ابن أبي رباح فيما وصله عبد الرزاق. 2157 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ سَمِعْتُ جَرِيرًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: "بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن إسماعيل) بن أي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم أنه (قال: سمعت جريرًا) هو ابن عبد الله (-رضي الله عنه- يقول) كذا للحموي والمستملي وللكشميهني قال (بايعت) أي عاهدت (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة) المفروضة أصله إقامة الصلاة وإنما جاز حذف التاء لأن المضاف إليه عوض عنها (وإيتاء الزكاة) المكتوبة أي إعطائها (والسمع والطاعة والنصح لكل مسلم) وهذا الحديث قد سبق في آخر كتاب الإيمان، ومن لطائف إسناده هنا أن الثلاثة الأخيرة من رواته بجليون كوفيون يكنون بأي عبد الله وهو من النوادر. 2158 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ». قَالَ: فَقُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: "لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ"؟ قَالَ: لاَ يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا. [الحديث 2158 - طرفاه في: 2163، 2274]. وبه قال: (حدّثنا الصلت بن محمد) بفتح المهملة وسكون اللام الخاركي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي قال: (حدّثنا معمر) بسكون العين وفتح الميمين ابن راشد (عن عبد الله بن طاوس عن أبيه) طاوس بن كيسان (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تلقوا الركبان) أصله لا تتلقوا فحذفت إحداهما والركبان بضم الراء جمع راكب، وزاد الكشميهني للبيع (ولا يبيع) بالرفع على النفي ولأبي ذر ولا يبع بالجزم على النهي (حاضر لباد قال) طاوس (فقلت لابن

69 - باب من كره أن يبيع حاضر لباد بأجر

عباس) -رضي الله عنهما- (ما قوله) أي ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام (لا يبيع) بالرفع (حاضر لباد قال: لا يكون له سمسارًا) بكسر المهملة الأولى وبينهما ميم ساكنة أي دلالاً. واستنبط المؤلّف منه تخصيص النهي عن بيع الحاضر للبادي إذا كان بالأجر وقوّى ذلك بعموم حديث النصح لكل مسلم وخصّه الحنفية بزمن القحط لأن فيه إضرارًا بأهل البلد فلا يكره زمن الرخص وتمسكوا بعموم قوله عليه الصلاة والسلام: "الدين النصيحة" وزعموا أنه ناسخ لحديث النهي، وحمل الجمهور حديث الدين النصيحة على عمومه إلا في بيع الحاضر للبادي فهو خاص يقضي على العام، وصورة بيع الحاضر للبادي عند الشافعية والحنابلة أن يمنع الحاضر البادي من بيع متاعه بأن يأمره بتركه عنده ليبيعه له على التدريج بثمن غال والمبيع مما تعم حاجة أهل البلد إليه فلو انتفى عموم الحاجة إليه كأن لم يحتج إليه إلا نادرًا أو عمت وقصد البدوي بيعه بالتدريج فسأله الحاضر أن يفوّضه إليه أو قصد بيعه بسعر يومه فقال له اتركه عندي لأبيعه كذلك لم يحرم لأنه لم يضر بالناس ولا سبيل إلى منع المالك منه لما فيه من الإضرار به، ولو قال البدوي للحاضر ابتداء أتركه عندك لتبيعه بالتدريج لم يحرم أيضًا وجعل المالكية البداوة قيدًا فجعلوا الحكم منوطًا بالبادي ومن شاركه في معناه لكونه الغالب فألحق به من يشاركه في عدم معرفة السعر الحاضر فإضرار أهل البلد بالإشارة عليه بأن لا يبادر بالبيع وعن مالك لا يلتحق بالبدوي في ذلك إلا من كان يشبهه. قال فأما أهل القرى الذين يعرفون أثمان السلع والأسواق فليسوا داخلين في ذلك ولا يبطل البيع عند الشافعية وإن كان محرمًا لرجوع النهي فيه إلى معنى يقترن به لا إلى ذاته. وقال المالكية: إن باع حاضر لعمودي فسخ البيع وأدب الحاضر البائع للعمودي وهو المشهور وهو قول مالك وابن القاسم وأصبغ. وقال الحنابلة: لا يصح بيع حاضر لبادٍ بشروطه وهي خمسة أن يحضر البادي ليبيع سلعة بسعر يومها جاهلاً بسعرها ويقصده الحاضر ويكون بالمسلمين حاجة إليها في اجتماع هذه الشروط يحرم البيع ويبطل على المذهب فإن اختل منها شرط صح البيع على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب انتهى ولو استشار البدوي الحاضر فيما فيه حظه ففي وجوب إرشاده إلى الادّخار والبيع بالتدريج وجهان أحدهما نعم بذلاً للنصيحة والثاني لا توسيعًا على الناس. قال الأذرعي: والأول أشبه. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الإجارة، ومسلم وأبو داود في البيوع، والنسائي وابن ماجة في التجارات. 69 - باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِأَجْرٍ (باب من كره أن يبيع حاضر لباد بأجر). 2159 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ". وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. - وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن صباح) بفتح الصاد المهملة والموحدة المشدّدة وبعد الألف حاء مهملة وفي نسخة ابن الصباح بزيادة الألف واللام العطار البصري قال: (حدّثنا أبو علي) عبيد الله بالتصغير ابن عبد المجيد (الحنفي) نسبة إلى بني حنيفة (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار) صدوق في حديثه ضعف لكن حدّث عنه يحيى القطان وتكفيه رواية يحيى عنه، واحتج به البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عبد الله بن دينار العدوي مولاهم المدني مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبيع حاضر لبادٍ وبه) أي بقول: من كره بيع الحاضر للبادي. (قال ابن عباس) حيث فسر ذلك بالسمسار كما في حديثه السابق فهو مقيد لإطلاق حديث ابن عمر. 70 - باب لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِالسَّمْسَرَةِ، وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ بِعْ لِي ثَوْبًا، وَهْيَ تَعْنِي الشِّرَاءَ. هذا (باب) بالتنوين (لا يبيع حاضر لباد بالسمسرة) بمهملتين وجمعه سماسرة وهو القيم بالأمر الحافظ له ثم غلب استعماله فيمن يدخل بين البائع والمشتري في ذلك ولكن المراد به هنا أخص من ذلك وهو أن يدخل بين البائع البادي والمشتري الحاضر أو عكسه والسمسرة: البيع والشراء، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: لا يشتري بدل قوله لا يبيع فيكون قياسًا على البيع أو استعمالاً للفظ البيع في البيع والشراء.

71 - باب النهي عن تلقي الركبان، وأن بيعه مردود لأن صاحبه عاص آثم إذا كان به عالما، وهو خداع في البيع والخداع لا يجوز

(وكرهه) أي كره البيع والشراء المذكورين (ابن سيرين) محمد فيما وصله أبو عوانة (وإبراهيم) النخعي (للبائع والمشتري) ولأبي ذر كما في الفرع: وللمشتري، ورواه أبو داود من طريق أبي هلال عن ابن سيرين عن أنس كان يقال: لا يبيع حاضر لبادٍ وهي كلمة جامعة لا يبيع له شيئًا ولا يبتاع له شيئًا قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف لإبراهيم النخعى على ذلك صريحًا، لكن (قال إبراهيم) مستدلاً لما ذهب إليه من التسوية في الكراهة بين بيع الحاضر للبادي وبين شرائه له (إن العرب تقول: بع لي ثوبًا وهي تعني) أي تقصد وتريد (الشراء) وللحموي والمستملي: وهو يعني. قال الكرماني: وهو صحيح على مذهب من جوّز استعمال اللفظ المشترك في معنييه اللهم إلا أن يقال إن البيع والشراء ضدّان فلا تصح إرادتهما معًا. فإن قلت: فما وجهه؟ قلت: وجهه أن يحمل على عموم المجاز انتهى. قال البرماوي: ولا تضادّ في استعمالهما كالقرء للطهر والحيض انتهى. قال ابن حبيب من المالكية: الشراء للبادي مثل البيع لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يبيع بعضكم على بيع بعض" فإن معناه الشراء. وعن مالك في ذلك روايتان. وقال أصحابنا الشافعية: ولو قدم البادى يريد الشراء فتعرض له حاضر يريد أن يشتري له رخيصًا وهو المسمى بالسمسار فهل يحرم عليه كما في البيع. تردد فيه في المطلب واختار البخاري المنع. وقال الأذرعي: ينبغي الجزم به. 2160 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَبْتَاعُ الْمَرْءُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ». وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) البلخيّ (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن جريج) بضم الجيم الأولى عبد الملك (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يبتاع المرء) بالرفع على النفي، وللكشميهني: لا يبتع المرء بالجزم على النهي (على بيع أخيه ولا تناجشوا) أصله (تتناجشوا فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا وقد سبق أنه الزيادة في الثمن ليغرّ غيره (ولا يبيع) بالرفع، ولأبي ذر: ولا يبع بالجزم (حاضر لبادٍ) قال العيني: ولفظ السمسرة وإن لم يكن مذكورًا في الحديث فمتبادر إلى الذهن من اللام في قوله لبادٍ، وقال الكرماني من لفظ باع لغيره فليتأمل. 2161 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذٌ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: "نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ". وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال (حدّثنا معاذ) بضم الميم آخره ذال معجمة هو ابن معاذ قاضي البصرة قال: (حدّثنا ابن عون) بفتح العين المهملة وبعد الواو الساكنة نون عبد الله (عن محمد) هو ابن سيرين أنه قال: (قال أنس بن مالك -رضي الله عنه- نهينا) بضم النون أي نهانا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن يبيع حاضر لبادٍ) ووقع التصريح بالرفع في رواية مسلم والنسائي من وجه آخر، وهذه ثلاثة أبواب ساق فيها حديث لا يبيع حاضر لبادٍ، لكن في الأوّل استفهام بهل، وفي الثاني نص على الكراهة بالأجر، وفي الثالث نهي في صورة النفي مقيد بالسمسرة مستنبطًا لها وهو ترتيب حسن وخص كل باب يإسناد تكثيرًا للطرق وتقوية وتأكيدًا، وإسناد كل حكم إلى رواية الشيخ الذي استدلّ به عليه قاله الكرماني وغيره. وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع وكذا أبو داود والنسائي. 71 - باب النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَأَنَّ بَيْعَهُ مَرْدُودٌ لأَنَّ صَاحِبَهُ عَاصٍ آثِمٌ إِذَا كَانَ بِهِ عَالِمًا، وَهُوَ خِدَاعٌ فِي الْبَيْعِ وَالْخِدَاعُ لاَ يَجُوزُ (باب النهي عن تلقي الركبان) لابتياع ما يحملونه إلى البلد قبل أن يقدموا الأسواق ويعرفوا السعر (وأن بيعه) أي متلقي الركبان (مردود) باطل (لأن صاحبه) أي صاحب التلقي (عاصٍ آثم إذا كان به) أي بالنهي (عالمًا) كما هو شرط لكل ما نهي عنه (وهو) أي التلقي (خداع) بكسرَ أوله (في البيع والخداع) حرام (لا يجوز) لكن لا يلزم من ذلك بطلان البيع لأن النهي لا يرجع إلى نفس العقد ولا يخل بشيء من أركانه وشرائطه وإنما هو لدفع الإضرار بالركبان، وجزم المؤلّف بأنه مردود بناء على أن النهي يقتضي الفساد، وتعقبه الإسماعيلي وألزمه التناقض ببيع المصراة فإن فيه خداعًا ومع ذلك لا يبطل البيع وبكونه فصل في بيع الحاضر للبادي بين أن يبيع بأجر أو بغير أجر، ومذهب الشافعية يحرم التلقي للشراء قطعًا وللبيع في أحد الوجهين والمعنى فيه الغبن والوجه الثاني

72 - باب منتهى التلقي

لا يحرم، وصححه الأذرعي تبعًا لابن أبي عصرون ويصح كل من الشراء والبيع وإن ارتكب محرمًا لما سبق في بيع حاضر لبادٍ ولهم الخيار إذا عرفوا الغبن لحديث مسلم: فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار وحيث ثبت الخيار فهو على الفور قياسًا على خيار العيب وخرج بالتقييد بقبل دخول البلد التلقي بعد دخوله فلا يحرم لقوله في رواية البخاري: لا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق ولأنه إن وقع لهم غبن فالتقصير منهم لا من المتلقي، ولو التمسوا البيع منه ولو مع جهلهم بالسعر أو لم يغبنوا بأن اشتراه منهم بسعر البلد أو أكثر أو بدونه وهم عالمون به فلا خيار لهم لانتفاء المعنى السابق، ويؤخذ من كلامهم أنه لا يأثم وهو ظاهر إذ لا تغرير. وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا كان التلقي في أرض لا يضر بأهلها فلا بأس به وإن كان يضرهم فمكروه لحديث ابن عمر: كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام فنهانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نبيعه حتى نبلغ به سوق الطعام. قال الطحاوي: في هذا الحديث إباحة التلقي وفي غيره النهي، وأولى بنا أن نحمل ذلك على غير التضار فيكون ما نهي عنه من التلقي لما فيه من الضرر على غير المتلقين المقيمين في السوق وما أبيح من التلقي هو ما لا ضرر عليهم فيه. 2162 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ التَّلَقِّي، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة ابن عثمان العبدي البصري الملقب ببندار قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا عبيد الله) بالتصغير ابن عمر بن حفص بن عاصم (العمري) وسقط العمري لغير أبي ذر (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال): (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تحريم (عن التلقي) أي للقافلة (وأن يبيع حاضر لباد) وظاهره منع التلقي مطلقًا سواء كان قريبًا أو بعيدًا لأجل الشراء منهم أم لا وسيأتي البحث فيه قريبًا إن شاء الله تعالى. 2163 - حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ لاَ يَبِيعَنَّ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ فَقَالَ: لاَ يَكُنْ لَهُ سِمْسَارًا". وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولغير أبي ذر: حدّثني (عياش بن الوليد) بالمثناة التحتية والشين المعجمة الرقام البصري قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى قال: (حدّثنا معمر) هو ابن راشد (عن ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) أنه (قال: سألت ابن عباس -رضي الله عنهما- ما معنى قوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا يبيعن حاضر لبادٍ فقال لا يكن له سمسارًا) بالتحتية والجزم على النهي، ولأبي ذر والحموي والمستملي: لا يكون بالرفع على النفي، ولأبي الوقت: لا تكون بالمثناة الفوقية وليس للتلقي فيه ذكر ولعله أشار على عادته إلى أصل الحديث، وقد سبق قبل بابين في حديث آخر عن معمر وفي أوله: ولا تلقوا الركبان والتقييد بالركبان خرج مخرج الغالب في أن من جلب الطعام يكون عددًا ركبانًا ولا مفهوم له، بل لو كان الجلب عددًا مشاة أو واحدًا راكبًا لم يختلف الحكم. 2164 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَنِ اشْتَرَى مُحَفَّلَةً فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا. قَالَ: وَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ تَلَقِّي الْبُيُوعِ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء (قال: حدّثني) بالإفراد (التيمي) هو سليمان بن طرخان (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل النهدي بالنون (عن عبد الله) هو ابن مسعود (-رضي الله عنه- قال: من اشترى محفلة) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الفاء المفتوحة مصراة (فليردّ معها صاعًا) أي من تمر بدل ما فسد من لبنها (قال) ابن مسعود بالسند: (ونهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن تلقي البيوع) فيه تقييد لإطلاق حديث أبي هريرة السابق هنا. 2165 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلاَ تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى السُّوقِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يبيع) بالرفع (بعضكم على بيع بعض) عدّي بعلى لأنه ضمن معنى الاستعلاء (ولا تلقوا السلع) أصله لا تتلقوا فحذفت إحدى التاءين والسلع بكسر السين جمع سلعة وهي المتاع (حتى يهبط) بضم أوله وفتح ثالثه أي ينزل (بها إلى السوق) ويأتي البحث في هذا إن شاء الله تعالى في الباب التالي. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في البيوع وكذا مسلم وأبو داود والنسائي وأخرجه ابن ماجة في التجارات. 72 - باب مُنْتَهَى التَّلَقِّي (باب) بيان (منتهى)

73 - باب إذا اشترط شروطا في البيع لا تحل

جواز (التلقي) للركبان وابتدائه. 2166 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَنَشْتَرِي مِنْهُمُ الطَّعَامَ، فَنَهَانَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى يُبْلَغَ بِهِ سُوقُ الطَّعَامِ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا فِي أَعْلَى السُّوقِ، ويُبَيِّنُهُ حَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) قال: (حدّثنا جويرية) تضعير جارية ابن أسماء بن عبيد الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة البصري (عن نافع عن عبد الله) أي ابن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه (قال): (كنا نتلقى الركبان) داخل البلد أعلى السوق (فنشتري منهم الطعام فنهانا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نبيعه) في مكان التلقي (حتى يبلغ به سوق الطعام) فإذا بلغناه نبيع وقوله يبلغ بضم التحتية وفتح اللام مبنيًّا للمفعول وسوق بالرفع نائب عن الفاعل كذا في الفرع، وفي نسخة: نبلغ بنون مفتوحة وضم اللام والسوق نصب على المفعولية. (قال أبو عبد الله) أي البخاري -رحمه الله تعالى-: (هذا) أي التلقي المذكور في هذا الحديث كان (في أعلى السوق) بالبلد لا خارجها، وهو يدل على أن التلقي إلى أعلى السوق جائز لأن النهي إنما وقع على المتبايع لا على التلقي فلو خرج عن السوق ولم يخرج عن البلد فمذهب الشافعية الجواز لإمكان معرفتهم الأسعار من غير المتلقين وحد ابتداء التلقي عندهم من البلد، وقال المالكية: واختلف في الحد المنهي عنه فقيل الميل، وقيل الفرسخان، وقيل اليومان. وقال الباجي: يمنع قربًا وبعدًا وإذا وقع بيع التلقي على الوجه المنهي عنه لم يفسخ على المشهور، وتعرض على أهل السوق فإن لم يكن سوق فأهل البلد يشترك معه فيها من شاء منهم ومن مرت به سلعة ومنزله على نحو ستة أميال من المصر التي تجلب إليها تلك السلعة فإنه يجوز له شراؤها إذا كان محتاجًا إليها لا للتجارة انتهى. (ويبينه) أي كون التلقي المذكور في أعلى السوق (حديث عبيد الله) بن عمر التالي لهذا الحديث حيث قال فيه: كانوا يتبايعون الطعام في أعلى السوق، ولأبي ذر تأخير قوله قال أبو عبد الله الخ عن الحديث اللاحق وكونه عقب حديث جويرية هو الصواب وسقطت الواو لغير أبي الوقت من ويبينه. 2167 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ فِي أَعْلَى السُّوقِ فَيَبِيعُونَهُ فِي مَكَانِهِمْ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالسين المهملة وتشديد الدال الأولى ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) القطان (عن عبيد الله) بالتصغير العمري (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع عن عبد الله) أي ابن عمر (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كانوا يبتاعون) بموحدة ساكنة بين المثناتين التحتية والفوقية ولأبي الوقت يتبايعون بتأخيرها عنها وزيادة تحتية قبل العين (الطعام في أعلى السوق فيبيعونه في مكانهم) ولأبي ذر في مكانه الذي اشتروه فيه (فنهاهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه) أي يقبضوه ومفهومه أن التلقي خارج البلد هو المنهي عنه لا غير، وقد صرح مالك في روايته في الباب السابق عن نافع بقوله ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق فدلّ على أن التلقي الجائز إنما هو ما يبلغ به السوق والحديث يفسر بعضه بعضًا. 73 - باب إِذَا اشْتَرَطَ شُرُوطًا فِي الْبَيْعِ لاَ تَحِلُّ هذا (باب) بالتنوين (إذا اشترط) الشخص (شروطًا في البيع لا تحل) هل يفسد البيع أم لا وتحل صفة لقوله شروطًا، ولأبي ذر: في البيع شروطًا بالتقديم والتأخير. 2168 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي. فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ، وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ. فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ. فَسَمِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاَءَ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: جاءتني بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء الأولى مولاة قوم من الأنصار كما عند أبي نعيم، وقيل لآل أبي أحمد بن جحش وفيه نظر فإن زوجها مغيثًا هو الذي كان مولى أبي أحمد بن جحش، وقيل لآل عتبة وفيه نظر أيضًا لأن مولى عتبة سأل عائشة عن حكم هذه المسألة فذكرت له قصة بريرة أخرجه ابن سعد (فقالت: كاتبت أهلي) تعني مواليها (على تسع أواق) بفتح الهمزة بوزن جوار والأصل أواقي بتشديد الياء فحذفت إحدى الياءين تخفيفًا والثانية على طريق قاض (في كل عام وقية) بفتح الواو من غير همز وتشديد الياء، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: أوقية بهمزة مضمومة وهي على الأصح أربعون درهمًا أي إذا أدّتها فهي حرة ويؤخذ منه أن معنى الكتابة عتق رقيق بعوض مؤجل بوقتين فأكثر، (فأعينيني) بصيغة الأمر للمؤنث

من الإعانة، وفي رواية الكشميهني في باب: استعانة المكاتب في الكتابة فأعيتني بصيغة الخبر الماضي من الإعياء والضمير للأواقي وهو متجه المعنى أي أعجزتني عن تحصيلها. قالت عائشة: (فقلت) لها (إن أحب أهلك) بكسر الكاف أو مواليك (أن أعدّها لهم) أي تسع الأواقي ثمنًا عنك وأعتقك (ويكون ولاؤك) الذي هو سبب الإرث (لي فعلت) ذلك، (فذهبت بريرة) أي من عند عائشة (إلى أهلها فقالت لهم) مقالة عائشة -رضي الله عنها- لها (فأبوا عليها) أي امتنعوا، ولأبي ذر في نسخة: فأبوا ذلك عليها (فجاءت من عندهم) وللحموي والمستملي: من عندها إلى عائشة (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس) عندها (فقالت) لعائشة (إني عرضت) ولغير أبي ذر: إني قد عرضت (ذلك) الذي قلته وكاف ذلك بالفتح في الفرع. وقال في المصابيح بكسرها لأن الخطاب لعائشة (عليهم) وللكشميهني: من ذلك عليهم (فأبوا) فامتنعوا منه (إلا أن يكون الولاء لهم) استثناء مفرغ لأن في أبى معنى النفي. قال الزمخشري في قوله تعالى في سورة التوبة: {ويأبى الله إلا أن يتم نوره} [التوبة: 31]. فإن قلت: كيف جاز أبى الله إلا كذا ولا يقال كرهت أو أبغضت إلا زيدًا؟ قلت: قد أجري أبى مجرى لم يرد. ألا ترى كيف قوبل: {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم} بقوله: {ويأبى الله} وكيف أوقع موقع ولا يريد الله إلا أن يتم نوره. (فسمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ذلك من بريرة على سبيل الإجمال (فأخبرت عائشة -رضي الله عنها- النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) به على سبيل التفصيل زاد في الشروط فقال: ما شأن بريرة؟ ولمسلم من رواية أبي أسامة، ولابن خزيمه من رواية حماد بن سلمة وأحمد كلاهما عن هشام فجاءتني بريرة والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس فقالت لي فيما بيني وبينها: ما ردّ أهلها. فقلت: لاها الله إذًا ورفعت صوتي وانتهرتها، فسمع ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسألني فأخبرته (فقال) عليه الصلاة والسلام لعائشة: (خذيها) أي اشتريها منهم (واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق ففعلت عائشة) -رضي الله عنها- ما أمرها به عليه الصلاة والسلام من شرائها، وهذا صريح في أن كتابتها كانت موجودة قبل البيع فيكون دليلاً لقول الشافعي القديم بصحة بيع رقبة المكاتب ويملكه المشتري مكاتبًا ويعتق بأداء النجوم إليه والولاء له، وأما على قوله الجديد: إنه لا يصح بيع رقبته فاستشكل الحديث. وأجيب: بأنها عجزت نفسها ففسخ مواليها كتابتها. واستشكل الحديث أيضًا من حيث أن اشتراط البائع الولاء مفسد للعقد لمخالفته ما تقرر في الشرع من أن الولاء لمن أعتق، ولأنه شرط زائد على مقتضى العقد لا مصلحة فيه للمشتري فهو كاستثناء منفعته، ومن حيث أنها خدعت البائعين وشرطت لهم ما لا يصح، وكيف أذن لها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك. وأجيب: بأن راويه هشامًا تفرّد بقوله واشترطي لهم الولاء فيحمل على وهم وقع له لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يأذن فيما لا يجوز وهذا منقول عن الشافعي في الأم ورأيته عنه في المعرفة للبيهقي، وأثبت الرواية آخرون وقالوا هشام ثقة حافظ والحديث متفق على صحته فلا وجه لردّه، وأجاب آخرون بأن لهم بمعنى عليهم كما في قوله تعالى: {وإن أسأتم فلها} [الإسراء: 7] وهذا مشهور عن المزني وجزم به عنه الخطابي وأسنده البيهقي في المعرفة من طريق أبي حاتم الرازي عن حرملة عن الشافعي، لكن قال النووي: تأويل اللام بمعنى على هنا ضعيف لأنه عليه الصلاة والسلام أنكر الاشتراط ولو كانت بمعنى على لم ينكره، وأجاب آخرون بأنه خاص بقصة عائشة لمصلحة قطع عادتهم كما خص فسخ الحج إلى العمرة بالصحابة لمصلحة بيان جوازها في أشهره. قال النووي: وهذا أقوى الأجوبة، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل، وأجاب آخرون بأن الأمر فيه للإباحة وهو على وجه التنبيه على أن ذلك لا ينفعهم فوجوده كعدمه فكأنه قال: اشترطي أو لا تشترطي فذلك لا يفيدهم، ويؤيد هذا قوله في رواية أيمن الآتية إن شاء الله

74 - باب بيع التمر بالتمر

تعالى في آخر أبواب المكاتب: اشتريها ودعيهم يشترطون ما شاءوا، وقيل غير ذلك مما سيأتي إن شاء الله تعالى في محاله. واختلف هل يجوز بيع الكتابة؟ فقال المالكية: يجوز بيع جميعها أو جزء منها فإن وفى المكاتب ما عليه من نجوم الكتابة للمشتري عتق والولاء للأول لأنه قد انعقد له أولاً وإلا بأن عجز أو هلك قبل ذلك فهو رقيق للمشتري، وقال الشافعية: لا يصح. (ثم قام رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الناس فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: أما بعد) أي بعد الحمد والثناء (ما بال رجال) ما حالهم وحذف الفاء في جواب أما دليل على جوازه ومثله ما سبق في الحج في باب طواف القارن حيث قال: وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة طافوا بغير فاء لكنه نادر (يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله. ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) جواب ما الموصولة المتضمنة لمعنى الشرط (وإن كان) المشروط (مائة شرط) مبالغة وتأكيد (قضاء الله أحق) بالاتباع من الشروط المخالفة له (وشرط الله أوثق) باتباع حدوده التي حدها وليس أفعل التفضيل هنا على بابه إذ لا مشاركة بين الحق والباطل (وإنما الولاء لمن أعتق) وكلمة إنما للحصر فيستفاد منه إثبات الحكم للمذكور ونفيه عمّا عداه ولولا ذلك لما لزم من إثبات الولاء لمن أعتق نفيه عن غيره. 2169 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما -: "أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَتُعْتِقَهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلاَءَهَا لَنَا. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لاَ يَمْنَعُكِ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن عائشة) -رضي الله عنها- (أم المؤمنين) وفي رواية مسلم عن يحيى بن يحيى النيسابوري عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عائشة فصار من مسند عائشة، لكن يمكن أن تكون هنا عن لا يراد بها أداة الرواية بل في السياق شيء محذوف تقديره عن قصة عائشة في كونها (أرادت أن تشتري جارية) هي بريرة (فتعتقها) بالنصب عطفًا على المنصوب السابق (فقال أهلها) مواليها: (نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت) عائشة (ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (لا يمنعك ذلك) بكسر الكاف ولأبي ذر في باب ما يجوز من شروط المكاتب لا يمنعنك بنون التأكيد وهو كقوله ابتاعي فاعتقي وليس في ذلك شيء من الإشكال الذي وقع في رواية هشام السابقة (فإنما الولاء لمن أعتق). 74 - باب بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ (باب بيع التمر بالتمر) بالمثناة وسكون الميم فيهما. 2170 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ سَمِعَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام، ولأبي ذر: ليث بإسقاط أداة التعريف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن مالك بن أوس) أنه (سمع ابن عمر) بضم العين (-رضي الله عنهما-) يقول (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (البر بالبر) بضم الموحدة بيع القمح بالقمح (ربًا إلا هاء وهاء) بالمد وفتح الهمزة وقيل بالكسر وقيل بالسكون والمعنى خذ وهات أي يقول كل واحد من المتعاقدين لصاحبه هاء فيتقابضان في المجلس (والشعير بالشعير) بفتح الشين على المشهور وحكي كسرها اتباعًا (ربًا إلا هاء وهاء). واستدلّ به على أن البر والشعير صنفان عند الجمهور خلافًا لمالك -رحمه الله- فعنده أنهم صنف واحد (والتمر بالتمر ربًا إلا هاء وهاء). زاد مسلم من رواية أبي سعيد الخدري "والملح بالملح" ويقاس على ذلك سائر الطعام وهو ما قصد للطعم اقتياتًا أو تفكهًا أو تداويًا فإنه نص على البر والشعير، والمقصود منهما التقوت فألحق بهما ما يشاركهما في ذلك كالأرز والذرة وعلى التمر والمقصود منه التأدم والتفكّه فألحق به ما يشاكله في ذلك كالزبيب والتين، وعلى الملح المروي في مسلم والمقصود منه الإصلاح فألحق به ما يشاركه في ذلك كالمصطكى وغيرها من الأدوية فيشترط في بيع ذلك إذا كانا جنسًا واحدًا ثلاثة أمور: الحلول والمماثلة والتقابض في المجلس قبل التفرّق. وإن كانا جنسين كحنطة وشعير جاز التفاضل واشترط الحلول والتقابض قبل التفرق، ويدل له حديث الباب مع حديث مسلم: الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء

75 - باب بيع الزبيب بالزبيب، والطعام بالطعام

بسواء يدًا بيد فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد أي مقايضة. قال الرافعي: ومن لازمه الحلول ولا بدّ من القبض الحقيقي فلا تكفي الحوالة وإن حصل القبض بها في المجلس ويكفي قبض الوكيل في القبض عن العاقدين أو أحدهما وهما في المجلس وكذا قبض الوارث بعد موت مورثه. 75 - باب بَيْعِ الزَّبِيبِ بِالزَّبِيبِ، وَالطَّعَامِ بِالطَّعَامِ (باب بيع الزبيب بالزبيب والطعام بالطعام) من عطف العام على الخاص. 2171 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ. وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً، وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْكَرْمِ كَيْلاً". [الحديث 2171 - أطرافه في: 2172، 2185، 2205]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس واسم أبي أُويس عبد الله بن عبد الله بن أبي أويس الأصبحي ابن أُخت الإمام مالك وصهره على ابنته قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (مالك) إمام دار الهجرة ابن أنس الأصبحي (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-): (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى) نهي تحريم (عن المزابنة) بضم الميم وفتح الزاي والموحدة والنون مفاعلة من الزبن وهو الدفع الشديد، وسمي به هذا البيع المخصوص لأن كل واحد من المتعاقدين يدفع صاحبه عن حقه. وفي الجامع للقزاز: المزابنة كل بيع فيه غرر وهو كل جزاف لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده، وأصله أن المغبون يريد أن يفسخ البيع ويريد الغابن أن لا يفسخه فيتزابنان عليه أي يتدافعان. قال ابن عمر: (والمزابنة بيع الثمر) بالمثلثة وفتح الميم الرطب على النخل (بالتمر) بالمثناة الفوقية وسكون الميم الياب (كيلاً) نصب على التمييز أي من حيث الكيل، وذكر الكيل ليس قيدًا في هذه الصورة بل جرى على ما كان من عادتهم فلا مفهوم له أو له مفهوم ولكنه مفهوم موافقة لأن المسكوت عنه أولى بالمنع من المنطوق، (وبيع الزبيب بالكرم كيلاً) بفتح الكاف وسكون الراء شجر العنب والمراد العنب نفسه وإدخال حرف الجر على الكرم. قال الكرماني: من باب القلب وكان الأصل إدخالها على الزبيب. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في البيوع وكذا مسلم والنسائي. 2172 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ. قَالَ: وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يَبِيعَ الثَّمَرَ بِكَيْلٍ: إِنْ زَادَ فَلِي، وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَىَّ". وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم الجهضمي (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن المزابنة). (قال) ابن عمر: (والمزابنة أن يبيع الثمر) بالمثلثة وفتح الميم، وقوله: أن يبيع بيان لقوله المزابنة. وقال العيني: كلمة أن مصدرية في محل رفع على الخبرية وتقديره المزابنة بيع الثمر (بكيل) من التمر أو الزبيب قائلاً (إن زاد) التمر المخروص على ما يساوي الكيل (فلي وإن نقص فعليّ). والمطابقة بين الحديث والترجمة مفهومة من النهي عن بيع الزبيب بالعنب أي: فيجوز بيع الزبيب بالزبيب كالبر بالبر ويقاس بيع الطعام بالطعام عليه قاله الكرماني. ومباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في بابه. وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في البيوع. 2173 - قَالَ وَحَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا". [الحديث 2173 - أطرافه في: 2184، 2188، 2192، 2380]. (قال) عبد الله بن عمر مما وصله أيضًا في البيوع: (وحدّثني) بالإفراد (زيد بن ثابت) الأنصاري -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص في العرايا) وهي بيع الرطب أو العنب على الشجر (بخرصها) بقدره من اليابس في الأرض كيلاً وهو مستثنى من بيع المزابنة المنهي عنه، والباء في بخرصها للسببية أي بسبب خرصها وهو بفتح الخاء المعجمة المصدر وبالكسر المخروص. قال النووي: والفتح أشهر، وقال القرطبي: الرواية الكسر كذا قاله البرماوي كالزركشي وكلامهما إنما هو على رواية مسلم، والذي في الفرع وغيره من الأصول التي وقفت عليها من البخاري: الفتح. ولا ينبغي أن ينقل كلام متعلق برواية مسلم إلى لفظ البخاري إلا بعد التثبت ويأتي الكلام على العرايا إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته. 76 - باب بَيْعِ الشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ (باب بيع الشعير بالشعير). 2174 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قال أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ أَخْبَرَهُ "أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا، حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي، فَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ: حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي مِنَ الْغَابَةِ، وَعُمَرُ يَسْمَعُ ذَلِكَ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ تُفَارِقُهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس إمام الأئمة (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن مالك بن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو آخره مهملة ابن الحدثان بفتح المهملتين والمثلثة المدني له رؤية أنه

77 - باب بيع الذهب بالذهب

(أخبره أنه التمس صرفًا) بفتح الصاد المهملة من الدراهم (بمائة دينار) ذهبًا كانت معه (فدعاني طلحة بن عبيد الله) بالتصغير أحد العشرة (فتراوضنا) بضاد معجمة ساكنة أي تجارينا حديث البيع والشراء وهو ما بين المتبايعين من الزيادة والنقصان لأن كل واحد منهما يروض صاحبه، وقيل هي المواصفة بالسلعة بأن يصف كلٌّ منهما سلعته للآخر (حتى اصطرف مني) ما كان معي (فأخذ الذهب يقلبها في يده) ضمن الذهب معنى العدد المذكور وهو المائة فأنثه لذلك (ثم قال: حتى يأتي خازني) أي: اصبر حتى ويأتي خازني (من الغابة) بالغين المعجمة وبعد الألف موحدة وكان لطلحة بها مال من نخل وغيره وإنما قال ذلك لظنه جوازه كسائر البيوع وما كان بلغه حكم المسألة، (وعمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (يسمع ذلك فقال) عمر لمالك بن أوس: (والله لا تفارقه حتى تأخذ منه) عوض الذهب، وفي رواية الليث: والله لتعطينه ورقه (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الذهب بالذهب) ولأبي ذر في نسخة وصحح عليها في الفرع بالورق بفتح الواو وكسر الراء بالفضة (ربًا) في جميع الأحوال (إلا هاء وهاء) بالفتح والمد أو بالكسر أو بالسكون أي إلا حال الحضور والتقابض فكنى عن التقابض بقوله: هاء وهاء لأنه لازمه، وقد ضبب في الفرع على قوله بالذهب ورواية الورق مناسبة لسياق القصة (والبر بالبر ربًا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربًا إلاّ هاء وهاء والتمر بالتمر ربًا إلا هاء وهاء). 77 - باب بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ (باب بيع الذهب بالذهب). 2175 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرَةَ -رضي الله عنه-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ، إِلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْتُمْ». [الحديث 2175 - طرفه في: 2182]. وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) هو أبو الفضل المروزي قال: (أخبرنا إسماعيل ابن علية) بضم العين وفتح اللام وتشديد التحتية اسم أمه واسم أبيه إبراهيم (قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي الوقت: حدثنا (يحيى بن أبي إسحاق) مولى الحضارمة (قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة) بفتح الموحدة وسكون الكاف آخره هاء تأنيث (قال: قال أبو بكرة) نفيع مصغر نفع ابن الحرث الثقفي (-رضي الله عنه- قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تبيعوا الذهب بالذهب) مضروبًا كان أو غير مضروب (إلا سواء بسواء) أي إلا متساويين كطعام بطعام مع باقي الشروط وهما الحلول والتقابض قبل التفرق وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وعن مالك لا يجوز الصرف إلا عند الإيجاب بالكلام ولو تنقلا من ذلك الموضع إلى آخر لم يصح نقابضهما فلا يجوز عنده تراخي القبض في الصرف سواء كانا في المجلس أو تفرّقا، ولا يصح بيع مائتي دينار جيدة أو رديئة أو وسط بمائة دينار جيدة ومائة رديئة أو وسط بمائة رديئة ومائة وسط، وهذا من قاعدة مدّ عجوة ودرهم وهو أن تشتمل الصفقة على ربوي من الجانبين يعتبر فيه التماثل ومعه ولو من غير نوعه (و) لا تبيعوا (الفضة بالفضة) سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة (إلا سواء بسواء) متساويين مع الحلول والتقابض في المجلس (وبيعوا الذهب بالفضة والفضة بالذهب) وغير ذلك مما يختلف فيه الجنس كحنطة بشعير (كيف شئتم) أي متساويًا ومتفاضلاً بعد التقابض في المجلس، والحاصل حلّ التفاضل فقط مع الحلول والتقابض، فلو اختلفت العلة في الربويين كالذهب والحنطة أو كان أحد العوضين أو كلاهما غير ربوي كذهب وثوب وعبد وثوب حل التفاضل والنسء والتفرق قبل القبض. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في البيوع وكذا مسلم والنسائي. 78 - باب بَيْعِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ (باب بيع الفضة بالفضة). 2176 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا عَمِّي حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَهُ مِثْلَ ذَلِكَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ فِي الصَّرْفِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مِثْلاً بِمِثْلٍ». [الحديث 2176 - طرفاه في: 2177، 2178]. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (عبيد الله بن سعد) بضم العين في الأول مصغرًا وسكونها في الثاني ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري البغدادي قاضي أصبهان قال: (حدّثنا عمي) يعقوب بن إبراهيم المدني نزيل بغداد قال: (حدّثنا ابن أخي الزهري) محمد بن عبد الله بن مسلم (عن عمه) محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (سالم بن عبد الله عن) أبيه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن أبا سعيد)

79 - باب بيع الدينار بالدينار نساء

زاد أبو الوقت الخدري -رضي الله عنه- (حدّثه) حدّث عبد الله بن عمر (مثل ذلك حديثًا عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال البرماوي كالكرماني: أي مثل حديث أي بكرة السابق في الباب قبل هذا في وجوب المساواة. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: أي مثل حديث عمر الماضي في باب بيع الشعير بالشعير في قصة طلحة بن عبيد الله في الصرف مستدلاً لذلك بما أخرجه الإسماعيلي من وجهين عن يعقوب بن إبراهيم شيخ شيخ المصنف فيه بلفظ: إن أبا سعيد حدّثه حديثًا مثل حديث عمر عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الصرف فقال أبو سعيد فذكره (فلقيه عبد الله بن عمر) مرة أخرى غير مرة تحديثه له (فقال: يا أبا سعيد ما هذا الذي تحدّث) به (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إنما قال له ذلك لأنه كان يعتقد قبل ذلك جواز المفاضلة: (فقال أبو سعيد في الصرف) أي في شأن الصرف وهو بيع النقدين أحدهما بالآخر (سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول الذهب بالذهب) بالرفع في اليونينية أي بيع الذهب فحذف المضاف للعلم به أو مبتدأ خبره محذوف أي الذهب يباع بالذهب، أو بإسناد الفعل المبني للمفعول إليه أي يباع الذهب، ويجوز النصب أي بيعوا الذهب بالذهب (مثلاً بمثل) أي حال كونهما متماثلين أي متساويين، وجوّز أبو البقاء فيما حكاه الزركشي عنه فيه وفي وزنًا بوزن وجهين: أن يكون مصدرًا في موضع الحال أي الذهب يباع بالذهب موزونًا بموزون، وأن يكون مصدرًا مؤكدًا أي بوزن وزنًا. قال: وكذلك الحكم في مثلاً بمثل، وتبعه في فتح الباري، وتعقبه العيني فقال: قوله مصدرًا ليس بصحيح على ما لا يخفى، ولأبوي ذر والوقت: مثل بالرفع على إسناد الفعل المبني للمفعول إليه أي يباع مثل بمثل. (و) يباع (الورق بالورق) أي الورق يباع بالورق حال كونهما (مثلاً بمثل). فإن قلت: كيف يكون هذا صرفًا والصرف بيع الذهب بالفضة وبالعكس؟ أجيب: بأن مفهومه أنه إذا لم يكن بجنسه لا تشترط فيه المماثلة وأمثال هذه المفاهيم إنما يساعد عليها السياق، ولأبي ذر وحده مثل وتوجيهها كالسابق. 2177 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الكلاعي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل) أي إلا حال كونهما متماثلين أي متساويين أي ومع الحلول والتقابض في المجلس (ولا تشفوا) بضم المثناة الفوقية وكسر الشين المعجمة وضم الفاء المشددة من الإشفاف أي: لا تفضلوا (بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق) بكسر الراء فيهما الفضة بالفضة (إلاّ) حال كونهما (مثلاً بمثل ولا تشفوا) أي لا تفضلوا (بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبًا) أي مؤجلاً (بناجز) بالنون والجيم والزاي أي بحاضر أي: فلا بدّ من التقابض في المجلس. وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع وكذا الترمذي والنسائي. 79 - باب بَيْعِ الدِّينَارِ بِالدِّينَارِ نَسْاءً (باب بيع الدينار بالدينار) حال كونه (نساء) بفتح النون والمهملة ممدودًا وبسكون السين أي مؤجلاً. 2178، 2179 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ الزَّيَّاتَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ. فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لاَ يَقُولُهُ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَأَلْتُهُ فَقُلْتُ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: كُلُّ ذَلِكَ لاَ أَقُولُ، وَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنِّي، وَلَكِنَّنِي أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ رِبًا إِلاَّ فِي النَّسِيئَةِ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا الضحاك بن مخلد) بفتح الميم وسكون المعجمة أبو عاصم وهو شيخ المؤلّف قال: (حدّثنا ابن جريح) عبد الملك (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو بن دينار) بفتح العين (أن أبا صالح) ذكوان (الزيات أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- يقول: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم) زاد مسلم من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار: مثلاً بمثل من زاد وازداد فقد أربى. قال أبو صالح: (فقلت له) أي لأبي سعيد الخدري (فإن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (لا يقوله) أي لا يقول بأن الربا إنما هو فيما إذا كان أحد العوضين بالنسيئة، وأما إذا كانا متفاضلين فلا ربًا فيه أي لا يشترط عنده المساواة في العوضين بل يجوز بيع الدرهم بالدرهمين. (فقال أبو سعيد: سألته) ولمسلم: قد لقيت ابن عباس (فقلت) له (سمعته) بحذف

80 - باب بيع الورق بالذهب نسيئة

همزة الاستفهام أي أسمعته (من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو وجدته في كتاب الله تعالى. قال) ولأبي ذر: فقال (كل ذلك لا أقول) برفع كل كما في الفرع أي لم يكن السماع ولا الوجدان، وفي بعض الأصول بالنصب. قال في الفتح كالتنقيح: على أنه مفعول مقدم وهو في المعنى نظير قوله عليه الصلاة والسلام في حديث ذي اليدين كل ذلك لم يكن فالمنفي هو المجموع انتهى. وحينئذ فيكون لسلب الكل بخلاف وجه الرفع فإنه لعموم السلب وهو أبلغ وأعم من سلب الكل على ما لا يخفى، وهو مراد ابن عباس لأنه ليس مراده نفي المجموع من حيث هو مجموع حتى يكون البعض ثابتًا، وإذا نصبت "كل" كانت داخلة في حيز النفي ضرورة أن نصبها بأقوال الواقع بعد حرف النفي فيكون الترتيب هكذا لا أقول كل ذلك، فيكون المعنى بل أقول بعضه وليس هو المراد فتعين أن مراده نفي كل واحد من الأمرين أي: لم أسمعه من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا وجدته في كتاب الله، ثم كيف يكون التركيب مع نصب كل نظير كل ذلك لم يكن والمنفي هنا في حيز كل وفي النصب هي في حيز النفي؟ نعم إن رفع كل من قوله كل ذلك لا أقول على أنه مبتدأ أو لا أقول خبره والعائد محذوف أي أقوله على حدّ قوله: قد أصبحت أم الخيار تدعي ... عليّ ذنبًا كله لم أصنع برفع "كل" وحذف العائد أي لم أصنعه فحينئذ يكون نظير كل ذلك لم يكن ويكون المنفي كل فرد لا المجموع من حيث هو مجموع قاله في المصابيح، والنصب هو الذي في الفرع. وفي رواية مسلم فقال: لم أسمعه من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا وجدته في كتاب الله تعالى. (وأنتم أعلم برسول الله مني) أي لأنكم كنتم بالغين كاملين عند ملازمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا كنت صغيرًا، (ولكنني) بنونين، ولأبوي ذر والوقت: ولكن (أخبرني أسامة) بن زيد -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا ربًا إلا في النسيئة) أي لا في التفاضل، وقد أجمع على ترك العمل بظاهره. وقيل: إنه محمول على الأجناس المختلفة فإن التفاضل فيها لا ربًا فيه ولكنه مجمل فبيّنه حديث أبي سعيد أو أنه منسوخ، وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال. وقال الخطابي: يحتمل أنه سمع كلمة من آخر الحديث ولم يذكر أوّله كان سئل عن التمر بالشعير أو الذهب بالفضة متفاضلاً فقال: إنما الربا في النسيئة وهو صحيح لاختلاف الجنس، وقد رجع ابن عباس عن ذلك فروى الحاكم من طريق حيان العدوي وهو بالحاء المهملة والتحتية قال: سألت أبا مجلز عن الصرف؟ فقال: كان ابن عباس لا يرى به بأسًا زمانًا من عمره ما كان منه عينًا بعين يدًا بيد وكان يقول: إنما الربا في النسيئة، فلقيه أبو سعيد فذكر القصة والحديث وفيه: التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والذهب بالذهب والفضة بالفضة يدًا بيد مثلاً بمثل فمن زاد فهو ربًا. فقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: أستغفر الله وأتوب إليه فكان ينهى عنه أشد النهي. وفي حديث الباب ثلاثة من الصحابة، وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة في البيوع. 80 - باب بَيْعِ الْوَرِقِ بِالذَّهَبِ نَسِيئَةً (باب بيع الورق) بفتح الواو وكسر الراء وقد تسكن الراء وقد تكسر الواو مع إسكان الراء فهي ثلاث لغات أي الدراهم المضروبة (بالذهب) حال كونه (نسيئة) على وزن كريمة ويجوز الإدغام فتكون على وزن برية وحذف الهمزة وكسر النون كجلسة. 2180 و 2181 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْمِنْهَالِ قَالَ: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ -رضي الله عنهم- عَنِ الصَّرْفِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ مِنِّي. فَكِلاَهُمَا يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا". وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (حبيب بن أبي ثابت) قيس ويقال هند بن دينار الأسدي مولى تيم الكوفي (قال: سمعت أبا المنهال) سيار بن سلامة الرياحي بالتحتية والمهملة البصري (قال: سألت البراء بن عازب وزيد بن أرقم رضي الله عنهم عن الصرف) وهو بيع أحد النقدين بالآخر (فكل واحد منهما) أي من البراء وزيد (يقول: هذا خير مني، فكلاهما يقول: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بيع الذهب بالورق دينًا) أي غير حال حاضر في المجلس، ولا يقال لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأنها بيع الورق بالذهب والحديث

81 - باب بيع الذهب بالورق يدا بيد

عكسها لأن العوضين إذا كانا نقدين فعلى أيهما دخلت الباء فالمعنى سواء، بخلاف ما إذا كان العوضان غير النقدين اللذين هما للثمينة فإنها لا تدخل على المثمن. 81 - باب بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ يَدًا بِيَدٍ (باب بيع الذهب بالورق) حال كونه (يدًا بيد) وهذه الترجمة عكس السابقة. 2182 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إِلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَبْتَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا، وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا". وبه قال: (حدّثنا عمران بن ميسرة) البصري يقال له صاحب الأديم قال: (حدّثنا عباد بن العوام) بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة والعوام بفتح العين وتشديد الواو ابن عمر الكلابي الواسطي قال: (أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي مولاهم البصري النحوي وثّقه ابن معين واحتج به البخاري وغيره قال (حدّثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه -رضي الله عنه- قال): (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الفضة بالفضة والذهب بالذهب إلا سواء بسواء) أي متساويين وتسمى المراطلة (وأمرنا) أمر إباحة (أن نبتاع) بفتح النون أي نشتري (الذهب بالفضة) وللحموي والكشميهني في الفضة (كيف شئنا والفضة بالذهب) ولأبي ذر: في الذهب (كيف شئنا) ولم يقل فيه يدًا بيد ليطابق ما ترجم له. وأجيب: باحتمال أنه أشار به إلى ما وقع في بعض طرقه فقد أخرجه مسلم عن أبي الربيع عن عباد بن العوّام الذي أخرجه المؤلّف من طريقه وفيه: فسأله رجل فقال يدًا بيد. فقال: هكذا سمعت. واشتراط القبض في الصرف متفق عليه وإنما وقع الاختلاف في التفاضل بين الجنس الواحد وقد عدّ عليه الصلاة والسلام أصولاً وصرّح بأحكامها وشروطها المعتبرة في بيع بعضها جنسًا واحدًا أو أجناسًا، وبيّن ما هو العلة في كل واحد منها ليتوصل المجتهد بالشاهد إلى الغائب فإنه عليه الصلاة والسلام ذكر النقدين والطعومات، إيذانًا بأن علة الربا هي النقدية أو الطعم وإشعارًا بأن الربا إنما يكون في النوعين المذكورين وهما النقدان والمطعوم، واختلف في العلة التي هي سبب التحريم في الربا في الستة التي هي الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح فقال الشافعية: العلة في الذهب والفضة كونهما جنسًا للأثمان فلا يتعدّى الربا منهما إلى غيرهما من الموزونات كالحديد والنحاس وغيرهما لعدم المشاركة في المعنى، والعلة في الأربعة الباقية كونها مطعومة فيتعدّى الربا منها إلى كل مطعوم سواء كان اقتياتًا أو تفكهًا أو تداويًا كما مرّ، وقال أبو حنيفة: العلة في الذهب والفضة الوزن فيتعدّى إلى كل موزون من نحاس وحديد وغيره. 82 - باب بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ، وَهْيَ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْكَرْمِ، وَبَيْعُ الْعَرَايَا قَالَ أَنَسٌ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ. (باب بيع المزابنة) مفاعلة من الزبن وهو الدفع فإن كل واحد من المتبايعين يزبن صاحبه عن حقه أو لأن أحدهما إذا وقف على ما فيه من الغبن أراد دفع البيع عن نفسه وأراد الآخر دفعه عن هذه الإرادة بإمضاء البيع (وهي) في الشرع (بيع التمر) بالمثناة الفوقية وسكون الميم اليابس على الأرض (بالثمر) بالمثلثة وفتح الميم الرطب في رؤوس النخل وليس المراد كل الثمار فإن سائر الثمار يجوز بيعها بالتمر والذي في الفرع الثمر بالمثلثة وفتح الميم بالتمر بالمثناة وسكون الميم، (وبيع الزبيب بالكرم) بفتح الكاف وسكون الراء أي العنب على الكرم (وبيع العرايا) جمع عرية ويأتي تفسيرها إن شاء الله تعالى. (قال أنس) مما وصله في بيع المخاضرة: (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن المزابنة والمحاقلة) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وبعد الألف قاف فلام فهاء تأنيث مفاعلة من الحقل وهو الزرع وموضعه وهي بيع الحنطة بسنبلها بحنطة صافية من التبن، ووجه الفساد فيهما أنه يؤدّي إلى ربا الفضل لأن الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة من حيث إنه لم يتحقق فيها المساواة المشروطة في الربوي بجنسه وتزيد المحاقلة أن المقصود من المبيع فيها مستور بما ليس من صلاحه. 2183 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، وَلاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه إلى جده لشهرته به واسم أبيه عبد الله المخزومي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي بفتح الهمزة وسكون التحتية (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله عن) أبيه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تبيعوا الثمر) بالمثلثة وفتح الميم (حتى يبدو صلاحه) بغير ألف بعد واو يبدو للناصب أي يظهر، وبدوّ الصلاح في كل شيء هو صيرورته إلى الصفة التي تطلب فيه غالبًا، ويأتي بيانه إن شاء الله تعالى فى باب: بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها (ولا تبيعوا الثمر بالتمر) الأول بالمثلثة والثاني بالمثناة. 2184 - قَالَ سَالِمٌ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ. وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِهِ". (قال سالم) بالإسناد السابق: (وأخبرني) بالإفراد (عبد الله) بن عمر بن الخطاب (عن زيد بن ثابت أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص بعد ذلك) أي بعد النهي عن بيع الثمر بالتمر (في بيع العرية) بكسر الراء وتشديد التحتية واحد العرايا وهي أن تخرص نخلات فيكون رطبها إذا جفّت ثلاثة أوسق مثلاً (بالرطب) على الأرض (أو بالتمر) بالمثناة (ولم يرخص في غيره) مقتضاه جواز بيع الرطب على النخل بالرطب على الأرض وهو وجه عند الشافعية فتكون "أو" للتخيير، والجمهور على المنع فيتأوّلون هذه الرواية بأنها من شك الراوي أيّهما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وما في أكثر الروايات يدل على أنه إنما قال: "التمر" فلا يعول على غيره. وقد وقع عند النسائي والطبراني من طريق صالح بن كيسان والبيهقي من طريق الأوزاعي عن الزهري حال يؤيد أن أو للتخيير لا للشك ولفظه: بالرطب وبالتمر وقيس العنب بالرطب بجامع أن كلاًّ منهما زكوي يمكن خرصه ويدّخر يابسه وكالرطب البسر بعد بدوّ صلاحه لأن الحاجة إليه كهي إلى الرطب ذكره الماوردي والروياني، وأما غير الرطب والعنب من الثمار التي تجفف كالمشمش وغيره فلا يجوز لأنها متفرقة مستورة بالأوراق فلا يتأتى الخرص فيها بخلاف ثمرة النخل والكرم فإنها متدلية ظاهرة. وهذا الحديث أخرجه مسلم. 2185 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ. وَالْمُزَابَنَةُ بَيعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً، وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلاً". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن المزابنة) قال ابن عمر: (والمزابنة اشتراء الثمر) بالمثلثة وفتح الميم وفي رواية مسلم ثمر النخل وهو المراد هنا (بالتمر) بالمثناة وسكون الميم (كيلاً) بالنصب على التمييز وليس قيدًا (وبيع الكرم) العنب (بالزبيب كيلاً) وفي رواية مسلم: وبيع العنب بالزبيب كيلاً. وفي الحديث جواز تسمية العنب كرمًا وحديث النهي عن تسميته به محمول على التنزيه، وذكره هنا لبيان الجواز وهذا على تقدير أن تفسير المزابنة صادر عن الشارع صلوات الله وسلامه عليه أما على القول بأنه من الصحابي فلا حجة على الجواز ويحمل النهي على الحقيقة. وهذا الحديث سبق في باب بيع الزبيب بالزبيب. 2186 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ. وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) المذكور فيما مرّ قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام (عن داود بن الحصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين المدني مولى عمرو بن عثمان المتوفى سنة خمس وثلاثين ومائة (عن أبي سفيان) قيل اسمه قزمان بضم القاف وسكون الزاي (مولى ابن أبي أحمد) هو عبد الله بن أبي أحمد بن جحش الأسدي ابن أخي زينب بنت جحش أم المؤمنين (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (نهى عن المزابنة والمحاقلة والمزابنة اشتراء الثمر بالتمر) الأول بالمثلثة (في رؤوس النخل) زاد ابن مهدي عن مالك عند الإسماعيلي كيلاً وهو موافق لحديث ابن عمر السابق، وزاد مسلم في آخر حديث أبي سعيد والمحاقلة كراء الأرض. وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع وابن ماجة في الأحكام. 2187 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالمهملة وتشديد الدال قال: (حدّثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن الشيباني) بفتح الشين المعجمة سليمان (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن المحاقلة والمزابنة) والمزابنة في النخل والمحاقلة في الزرع. وهذا الحديث من أفراده. 2188 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رضي الله عنهم-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْخَصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا". وبه قال: (حدّثنا

83 - باب بيع الثمر على رءوس النخل بالذهب والفضة

عبد الله بن مسلمة) بفتح الميمين واللام ابن قعنب القعنبي قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت -رضي الله عنهم- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرخص لصاحب العرية) بفتح العين المهملة وتشديد التحتية الرطب أو العنب على الشجر (أن يبيعها بخرصها) بفتح الخاء المعجمة وبعد الراء الساكنة صاد مهملة بأن يقدّر ما فيها إذا صار تمرًا بتمر. زاد الطبراني عن علي بن عبد العزيز عن القعنبي شيخ المؤلّف فيه "كيلاً". ولمسلم من رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد بلفظ: رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرًا يأكلونه رطبًا، ولا يجوز بيع ذلك بقدره من الرطب لانتفاء حاجة الرخصة إليه ولا بيعه على الأرض بقدره من اليابس لأن من جملة معاني بيع العرايا أكله طريًّا على التدريج وهو منتفٍ في ذلك، وأفهم قوله كيلاً أنه يمتنع بيعه بقدره يابسًا خرصًا وهو كذلك لئلا يعظم الغرر في البيع وإنما يصح بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق بتقدير الجفاف مثله كما سيأتي إن شاء الله تعالى ويشترط فيه التقابض قبل التفرق. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في البيوع وفي الشرب وكذا الترمذي والنسائي وابن ماجة في التجارات. 83 - باب بَيْعِ الثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (باب بيع الثمر) بفتح المثلثة والميم الرطب حال كونه (على رؤوس النخل بالذهب والفضة) ولأبي ذر: أو الفضة. 2189 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَطِيبَ، وَلاَ يُبَاعُ شَىْءٌ مِنْهُ إِلاَّ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، إِلاَّ الْعَرَايَا". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الكوفي سكن مصر قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله قال: (أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت: أخبرني بالإفراد (ابن جريح) عبد الملك بن عبد العزيز (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (وأبي الزبير) بضم الزاي وفتح الموحدة محمد بن مسلم بن تدرس بفتح التاء وسكون الدال وضم الراء آخره سين مهملة كلاهما (عن جابر -رضي الله عنه-) أنه (قال): (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بيع الثمر) بفتح المثلثة والميم وهو الرطب (حتى يطيب) ولابن عيينة عند مسلم: حتى يبدو صلاحه (ولا يباع شيء منه) أي من الثمر (إلا بالدينار والدرهم) وكذا يجوز بالعروض بشرطه واقتصر على الذهب والفضة لأنهما جلّ ما يتعامل به قاله ابن بطال (إلا العرايا) زاد يحيى بن أيوب عند المؤلّف فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص فيها أي فيجوز بيع الرطب فيها بعد أن يخرص ويعرف قدره بقدر ذلك من التمر. وهذا الحديث أخرجه أبو داود في البيوع وابن ماجة في التجارات. 2190 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا وَسَأَلَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الرَّبِيعِ: أَحَدَّثَكَ دَاوُدُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ قَالَ: نَعَمْ". [الحديث 2190 - طرفه في: 2382]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) أبو محمد الحجبي (قال: سمعت مالكًا) هو إمام دار الهجرة ابن أنس الأصبحي (وسأله عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن الربيع) بفتح الراء وكان الربيع حاجب المنصور وهو والد الفضل وزير هارون الرشيد وفيه إطلاق السماع على ما قرئ على الشيخ وأقر به وقد استقر الاصطلاح على أن السماع مخصوص بما حدّث به الشيخ لفظًا (أحدّثك داود) بن الحصين (عن أبي سفيان) مولى ابن أبي أحمد (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص) بتشديد الخاء المعجمة من الترخيص، وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني: أرخص بهمزة مفتوحة قبل الراء من الإرخاص (في بيع) تمر (العرايا) والعرايا النخل (في خمسة أوسق) جمع وسق بفتح الواو على الأفصح وهو ستون صاعًا والصاع خمسة أرطال وثلث بتقدير الجفاف بمثله (أو دون خمسة أوسق قال): مالك: (نعم) حدّثني داود ووقع في مسلم أن الشك من داود بن الحصين، وللمؤلّف في آخر الشرب من وجه آخر عن مالك مثله، وقد أخذ الشافعي -رحمه الله- بالأقل لأن الأصل التحريم وبيع العرايا رخصة فيؤخذ بما يتحقق منه الجواز ويلغي ما وقع فيه الشك وهو قول الحنابلة فلا يجوز في الخمسة في صفقة ولا يخرج على تفريق الصفقة لأنه صار بالزيادة مزابنة فبطل في الجميع، والراجح عند المالكية الجواز في الخمسة فما دونها وسبب الخلاف أن النهي عن المزابنة وقع مقرونًا بالرخصة في بيع العرايا، فعلى الأول لا يجوز في الخمسة للشك في رفع التحريم، وعلى الثاني يجوز للشك في قدر التحريم. 2191 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَمِعْتُ بُشَيْرًا قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَرَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا -وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً أُخْرَى: إِلاَّ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ يَبِيعُهَا أَهْلُهَا بِخَرْصِهَا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا- وَقَالَ: هُوَ سَوَاءٌ. قَالَ سُفْيَانُ فَقُلْتُ لِيَحْيَى وَأَنَا غُلاَمٌ: إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا. فَقَالَ: وَمَا يُدْرِي أَهْلَ مَكَّةَ؟ قُلْتُ إِنَّهُمْ يَرْوُونَهُ عَنْ جَابِرٍ. فَسَكَتَ. قَالَ سُفْيَانُ: إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّ جَابِرًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ". قِيلَ لِسُفْيَانَ: ألَيْسَ فِيهِ "نَهْيٌ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ"؟ قَالَ: لاَ. [الحديث 2191 - طرفه في: 2384]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال:

84 - باب تفسير العرايا

(حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: قال يحيى بن سعيد) الأنصاري (سمعت بشيرًا) بضم الموحدة وفتح المعجمة ابن يسار ضد اليمين الأنصاري المدني (قال: سمعت سهل بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة وهو سهل بن عبد الله بن أبي حثمة واسمه عامر بن ساعدة الأنصاري -رضي الله عنه-: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن بيع الثمر) الرطب (بالتمر) اليابس (ورخص في العرية) بتشديد التحتية (أن تباع بخرصها يأكلها أهلها) المشترون الذين صاروا ملاك الثمرة (رطبًا) بضم الراء وفتح الطاء وليس التقييد بالأكل قيدًا بل لبيان الواقع. قال علي بن المديني: (وقال سفيان) بن عيينة (مرة أخرى إلا أنه رخص في العرية يبيعها أهلها) البائعون (بخرصها يأكلونها رطبًا) بضم الراء وفتح الطاء (وقال هو سواء) أي مساوٍ للقول الأول وإن اختلفا لفظًا لأنهما في المعنى واحد (قال سفيان) بن عيينة بالإسناد المذكور (فقلت ليحيى) بن سعيد الأنصاري لما حدث به (وأنا غلام) جملة حالية والمراد الإشارة إلى قدم طلبه وأنه كان في زمن الصبا يناظر شيوخه ويباحثهم (إن أهل مكة يقولون: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص لهم في بيع العرايا) أي من غير قيد (فقال) يحيى (وما يُدري) بضم أوله (أهل مكة) نصب بيدري قال سفيان: (قلت إنهم) أي أهل مكة (يروونه) أي هذا الحديث (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (فسكت) يحيى. (قال سفيان) بالإسناد المذكور (إنما أردت) أي إنما كان الحامل لي على قولي ليحيى بن سعيد أنهم يروونه عن جابر (أن جابرًا من أهل المدينة) فرجع الحديث إلى أهل المدينة ومحل الخلاف بين رواية يحيى بن سعيد ورواية أهل مكة أن يحيى بن سعيد قيد الرخصة في بيع العرايا بالخرص وأن يأكلها أهلها رطبًا، وأما ابن عيينة في روايته عن أهل مكة فأطلق الرخصة في بيع العرايا ولم يقيدها بشيء مما ذكر أنهم يروونه عن جابر وكان ليحيى أن يقول لسفيان: وأهل المدينة رووا فيه التقييد، فيحمل المطلق على المقيد والتقييد بالخرص زيادة حافظ فتعين المصير إليها، وأما التقييد بالأكل فالذي يظهر أنه لبيان الواقع لا أنه قيد. قال ابن المديني: (قيل لسفيان) بن عيينة قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تسمية القائل، (أليس فيه) أي في هذا الحديث (نهى عن بيع الثمر) بالمثلثة (حتى يبدو صلاحه. قال) سفيان: (لا) أي وإن كان هو صحيحًا من رواية غيره. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الشرب ومسلم في البيوع وكذا أبو داود والترمذي والنسائي. 84 - باب تَفْسِيرِ الْعَرَايَا وَقَالَ مَالِكٌ: الْعَرِيَّةُ أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخْلَةَ ثُمَّ يَتَأَذَّى بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِتَمْرٍ. وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ: الْعَرِيَّةُ لاَ تَكُونُ إِلاَّ بِالْكَيْلِ مِنَ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ، لاَ يَكُونُ بِالْجِزَافِ. وَمِمَّا يُقَوِّيهِ قَوْلُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: بِالأَوْسُقِ الْمُوَسَّقَةِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: كَانَتِ الْعَرَايَا أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ فِي مَالِهِ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ. وَقَالَ يَزِيدُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ: الْعَرَايَا نَخْلٌ كَانَتْ تُوهَبُ لِلْمَسَاكِينِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا بِهَا رُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهَا بِمَا شَاءُوا مِنَ التَّمْرِ. (باب تفسير العرايا) جمع عرية وهي لغة النخلة ووزنها فعيلة. قال الجمهور: بمعنى فاعلة لأنها عريت بإعراء مالكها أي إفراده لها من باقي النخل فهي عارية. وقال آخرون: بمعنى مفعولة من عراه يعروه إذا أتاه لأن مالكها يعروها أي يأتيها فهي معروّة وأصلها عريوة فقلبت الواو ياء وأدغمت فتسمية العقد بذلك على القولين مجاز عن أصل ما عقد عليه. (وقال مالك) الإمام الأعظم ابن أنس الأصبحي مما وصله ابن عبد البرّ (العرية) بتشديد التحتية (أن يعري) بضم الياء من الإعراء أي يهب (الرجل الرجل نخلة) من نخلات بستانه فيملكها لأن عند الإمام مالك أن الهبة تلزم بنفس العقد أي يهبه ثمرها (ثم يتأذى) الواهب (بدخوله) أي بدخول الموهوب له (عليه) البستان لأجل الثمرة الموهوبة والتقاطها (فرخص) بضم الراء مبنيًّا للمفعول (له) أي للواهب (أن يشتريها منه) أي يشتري رطبها من الموهوب له (بتمر) يابس، ولا يجوز لغيره ذلك. ومثله قول أبي حنيفة -رحمه الله- العرية أن يهبه نخلة ويشق عليه تردّد الموهوب له إلى بستانه ويكره أن يرجع في هبته وهذا بناء على مذهبه في أن الواهب الأجنبي يرجع في هبته متى شاء لكن يكره فيدفع إليه بدلها تمرًا ويكون هذا في معنى البيع لا أنه بيع حقيقة، وكِلا القولين بعيد عن لفظ الحديث لأن لفظ إرخاص العرية فيها عامّ وهما يقيدانها بصورة وأيضًا فقد صرّح بلفظ البيع فنفي كونه

بيعًا مخالف لظاهر اللفظ وأيضًا الرخصة قيدت بخمسة أوسق أو ما دونها والهبة لا تتقيد. (وقال ابن إدريس): الإمام أبو عبد الله محمد الشافعي وجزم به المزي في التهذيب، أو هو عبد الله بن إدريس الأودي ورجحه السفاقسي وتردّد ابن بطال ثم السبكي في شرح المهذّب (العرية) بالتشديد (لا تكون إلا بالكيل) أي فيما دون خمسة أوسق (من التمر) لتعلم المساواة (يدًا بيد) قبل التفرق لكن قبض الرطب على النخل بالتخلية وقبض التمر بالنقل كغيره (لا تكون بالجزاف) بكسر الجيم في الفرع وأصله: فيسلم المشتري التمر اليابس بالكيل ويخلي بينه وبين النخل، وعبارة الشافعي في الأم ونقلها عنه البيهقي في المعرفة من طريق الربيع عنه العرايا أن يشتري الرجل ثمر النخلة وأكثر بخرصه من التمر بأن يخرص الرطب ثم يقدّر كم ينقص إذا يبس ثم يشتري بخرصه تمرًا، فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع انتهى. قال في الفتح: وهذا وإن غاير ما علقه البخاري لفظًا فهو يوافقه في المعنى لأن محصلهما أن لا يكون جزافًا ولا نسيئة. (ومما يقويه) أي القول السابق بأن لا يكون جزافًا (قول سهل بن أبي حثمة) عند الطبري من طريق الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن سهل موقوفًا (بالأوسق الموسقة) وفائدة قوله الموسقة التأكيد كما في قوله: {والقناطير المقنطرة} [آل عمران: 14] وهو يعطي أنها المكيلة عند البيع. (وقال ابن إسحاق): هو محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي مما وصله الترمذي (في حديثه عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه قال: (كانت العرايا أن يعري الرجل الرجل في ماله النخلة والنخلتين) وصله الترمذي بدون تفسير، وأما التفسير فوصله أبو داود عنه بلفظ: النخلات وزاد فيه فيشق عليه فيبيعها بمثل خرصها. (وقال يزيد) هو ابن هارون الواسطي (عن سفيان بن حسين) الواسطي من أتباع التابعين مما وصله من حديثه الإمام أحمد عن الزهري عن سلم عن أبيه عن زيد بن ثابت مرفوعًا: في العرايا: قال سفيان بن حسين: (العرايا نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطيعون أن ينتظروا بها) أي إلى أن يصير رطبها تمرًا ولا يحبون أكلها رطبًا لاحتياجهم إلى التمر (فرخص لهم) بضم الراء مبنيًّا للمفعول (أن يبيعوها) بعد خرصها (بما شاؤوا من التمر) من الواهب أو من غيره يأخذونه معجلاً. وهذه إحدى صور العرية وهي صحيحة عند الشافعية كغيرها، وقد حكي عن الشافعي تقييدها بالمساكين على ما في هذا الحديث وهو اختيار المزني، والصحيح أنه لا يختص بالفقراء بل يجري في الأغنياء لإطلاق الأحاديث فيه، وما رواه الشافعي عن زيد بن ثابت: أن رجالاً محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبًا يأكلونه مع الناس وعندهم فضل قوتهم من التمر، فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر. أجيب عنه: بأنه ضعيف وبتقدير صحته فهو حكمة المشروعية، ثم قد يعم الحكم كما في الرمل والاضطباع على أنه ليس فيه أكثر من أن قومًا بصفة سألوا فرخص لهم، واحتمل أن يكون سبب الرخصة فقرهم أو سؤالهم والرخصة عامّة فلما أطلقت في أحاديث أُخر تبين أن سببها السؤال كما لو سأل غيرهم، وإن ما بهم من الفقر غير معتبر إذ ليس في لفظ الشارع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يدل لاعتباره، وعند الحنابلة: لا تجوز العرية إلا لحاجة صاحب الحائط إلى البيع أو المشتري إلى الرطب. 2192 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رضي الله عنهم-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلاً". قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَالْعَرَايَا نَخَلاَتٌ مَعْلُومَاتٌ تَأْتِيهَا فَتَشْتَرِيهَا. وبه قال: (حدّثنا محمد) زاد أبو ذر: هو ابن مقاتل المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله بن المبارك) قال: (أخبرنا موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف الأسدي (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر عن زيد بن ثابت -رضي الله عنهم- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص في العرايا أن تباع) ثمرتها الرطب والعنب (بخرصها) بقدره من اليابس (كيلاً) نصب على التمييز أي من حيث الكيل. (قال موسى بن عقبة) بالسند السابق (والعرايا نخلاف معلومات تأتيها فتشتريها) بتاء الخطاب فيهما كما في الفرع وأصله، وفي بعض الأصول بياء الغيبة، وفي آخر بالنون أي تشتري

85 - باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها

ثمرتها بتمر معلوم. قال في الفتح: وكأنه اختصره للعلم به ولم أجده في شيء من الطرق عنه إلا هكذا ولعله أراد أن يبين أنها مشتقة من عروت إذا أتيت وتردّدت إليه لا من العري الذي هو بمعنى التجرّد. 85 - باب بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا (باب) حكم (بيع الثمار) بالمثلثة المكسورة الشاملة للرطب وغيره (قبل أن يبدو) بغير همز أي يظهر (صلاحها) وبدو الصلاح في الأشياء صيرورتها إلى الصفة التي تطلب فيها غالبًا، ففي الثمار ظهور أوّل الحلاوة، ففي غير المتلوّن بأن يتموّه ويتليّن، وفي المتلوّن بانقلاب اللون كأن احمرّ أو اصفرّ أو اسودّ، وفي نحو القثاء بأن يجنى مثله غالبًا للأكل، وفي الحبوب اشتدادها، وفي ورق التوت بتناهيه. 2193 - وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ: كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ الأَنْصَارِيِّ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ فَإِذَا جَدَّ النَّاسُ وَحَضَرَ تَقَاضِيهِمْ قَالَ الْمُبْتَاعُ: إِنَّهُ أَصَابَ الثَّمَرَ الدُّمَانُ، أَصَابَهُ مُرَاضٌ، أَصَابَهُ قُشَامٌ -عَاهَاتٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا كَثُرَتْ عِنْدَهُ الْخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ: فَإِمَّا لاَ فَلاَ يَتَبَايَعُوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُ الثَّمَرِ، كَالْمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ، وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَمْ يَكُنْ يَبِيعُ ثِمَارَ أَرْضِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا، فَيَتَبَيَّنَ الأَصْفَرُ مِنَ الأَحْمَرِ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ حَدَّثَنَا حَكَّامٌ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ عَنْ زَكَرِيَّاءَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ سَهْلٍ عَنْ زَيْدٍ. (وقال الليث) بن سعد الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (كان عروة بن الزبير) بن العوام ولأبي ذر عن عروة بن الزبير (يحدّث عن سهل بن أبي حثمة) بسكون هاء سهل والمثلثة من حثمة (الأنصاري من بني حارثة) بالحاء المهملة والمثلثة (أنه حدّثه عن زيد بن ثابت) الأنصاري (رضي الله عنه) أنه (قال: كان الناس في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في زمنه وأيامه (يبتاعون) بتقديم الموحدة الساكنة على الفوقية والذي في اليونينية يتبايعون (الثمار) بالمثلثة، (فإذا جدّ الناس) بفتح الجيم والدال المهملة في اليونينية وفي غيرها من الأصول التي وقفت عليها. وقال الحافظ ابن حجر والعيني: بالمعجمة أي قطعوا ثمر النخل وهذا قاله في الصحاح في باب الذال المعجمة، وقال في باب الدال المهملة: وجدّ النخل يجده أي صرمه وأجدّ النخل حان له أن يجد وهذا زمن الجداد والجداد مثل الصرام والصرام. وقال في باب الميم صرمت الشيء صرمًا إذا قطعته، وصرم النخل أي جدّه، وأصرم النخل أي حان أن يصرم، وللحموي والمستملي: أجدّ بزيادة ألف. قال السفاقسي: أي دخلوا في الجداد كأظلم إذا دخل في الظلام قال وهو أكثر الروايات. (وحضر تقاضيهم) بالضاد المعجمة أي طلبهم (قال المبتاع) أي المشتري: (إنه أصاب الثمر) بالمثلثة والإفراد (الدمان) بضم الدال وتخفيف الميم وبعد الألف نون كذا في الفرع وغيره وهو رواية القابسي فيما قاله عياض وهو موافق لضبط الخطابي، وفي رواية السرخسي فيما قاله عياض الدمان بفتح الدال وهو موافق لضبط أبي عبيد والصغاني والجوهري وابن فارس في المجمل. وقال ابن الأثير: وكأن الضم أشبه لأنه ما كان من الأدواء والعاهات فهو بالضم كالسعال والزكام، وفسره أبو عبيد بأنه فساد الطلع وتعفنه وسواده، وقال القزاز فساد الخل قبل إدراكه وإنما يقع ذلك في الطلع يخرج قلب النخلة أسود معفونًا (أصابه مراض) بضم الميم وبعد الراء المخففة ألف ثم ضاد معجمة بوزن الصداع اسم لجميع الأمراض وهو داء يقع في الثمر فيهلك، وللكشميهني والمستملي كما في الفتح: مراض بكسر الميم، وللحموي والمستملي كما في الفرع: مرض (أصابه قشام) بضم القاف وتخفيف الشين المعجمة أي انتفض قبل أن يصير ما عليه بسرًا أو شيء يصيبه حتى لا يرطب كما زاده الطحاوي في روايته، وقوله: أصابه بدل من الثاني وهو بدل من الأول وهذه الأمور الثلاثة (عاهات) عيوب وآفات تصيب الثمر (يحتجون بها) قال البرماوي كالكرماني: جمع الضمير باعتبار جنس المبتاع الذي هو مفسره، وقال العيني: فيه نظر لا يخفى وإنما جمعه باعتبار المبتاع ومن معه من أهل الخصومات بقرينة يبتاعون، (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما كثرت عنده الخصومة في ذلك): (فإما لا) بكسر الهمزة وأصله فإن لا تتركوا هذه المبايعة فزيدت ما للتوكيد وأدغمت النون في الميم وحذف الفعل أي: افعل هذا إن كنت لا تفعل غيره، وقد نطقت العرب بإمالة "لا" إمالة صغرى لتضمنها الجملة وإلاّ فالقياس أن لا تمال الحروف، وقد كتبها الصغاني فأمالي بلام وياء لأجل إمالتها، ومنهم من يكتبها بالألف على الأصل وهو أكثر ويجعل عليها فتحة محرفة علامة للإمالة، والعامّة تشبع إمالتها وهو خطأ (فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر) بأن يصير على الصفة التي تطلب (كالمشورة) بفتح الميم وضم الشين وإسكان الواو كذا في الفرع وغيره مما وقفت عليه، ويجوز

سكون المعجمة وفتح الواو، بل قال ابن سيده: هي على وزن مفعلة لا على وزن فعولة لأنها مصدر والمصادر لا تجيء على مثال فعول، وزعم صاحب التثقيف والعلاّمة الحريري أن الإسكان من لحن العامة وفي ذلك نظر فقد ذكرها الجوهري وصاحب المحكم وغيرهما، والمراد بهذه المشورة أن لا يشتروا شيئًا حتى يتكامل صلاح جميع هذه الثمرة لئلا تقع المنازعة. قال في الفتح: وهذا التعليق لم أره موصولاً من طريق الليث، وقد رواه سعيد بن منصور عن ابن أبي الزناد عن أبيه نحو حديث الليث، ولكن بالإسناد الثاني دون الأول، وأخرجه أبو داود والطحاوي من طريق يونس بن يونس عن أبي الزناد بالإسناد الأول دون الثاني، وأخرجه البيهقي من طريق يونس بالإسناد معًا. (يشير بها) عليهم (لكثرة خصومتهم). قال أبو الزناد: (وأخبرني) بالإفراد (خارجة بن زيد بن ثابت) أحد الفقهاء السبعة والواو للعطف على سابقه (أن) أباه (زيد بن ثابت لم يكن يبيع ثمار أرضه حتى تطلع الثريا) النجم المعروف وهي تطلع مع الفجر أوّل فصل الصيف عند اشتداد الحر في بلاد الحجاز وابتداء نضج الثمار، والمعتبر في الحقيقة النضج وطلوع النجم علامة له، وقد بيّنه بقوله: (فيتبين الأصفر من الأحمر) وفي حديث أبي هريرة عند أبي داود مرفوعًا: إذا طلع النجم صباحًا رفعت العاهة عن كل بلد. وقوله: كالمشورة يشير بها قال الداودي الشارح تأويل بعض نقلة الحديث وعلى تقدير أن يكون من قول زيد بن ثابت فلعل ذلك كان في أوّل الأمر، ثم ورد الجزم بالنهي كما بينه حديث ابن عمر وغيره. وقال ابن المنير: أورد حديث زيد معلمًا وفيه إيماء إلى أن النهي لم يكن عزيمة وإنما كان مشورة، وذلك حي الجواز إلا أنه أعقبه بأن زيدًا راوي الحديث كان لا يبيعها حتى يبدوَ صلاحها. وأحاديث النهي بعد هذا مبتوتة فكأنه قطع على الكوفيين احتجاجهم بحديث زيد بأن فعله يعارض روايته ولا يرد عليهم ذلك أن فعل أحد الجائزين لا يدل على منع الآخر، وحاصله أن زيدًا امتنع من بيع ثماره قبل بدوّ صلاحها ولم يفسر امتناعه هل كان لأنه حرام أو كان لأنه غير مصلحة في حقه انتهى. (قال أبو عبد الله) البخاري (رواه) أي الحديث المذكور (علي بن بحر) بفتح الموحدة وسكون الحاء المهملة آخره راء القطان الرازي أحد شيوخ المصنف قال: (حدّثنا حكام) بفتح الحاء المهملة والكاف المشددة وبعد الألف ميم ابن سلم بسكون اللام أبو عبد الرحمن الرازي الكناني بنونين قال: (حدّثنا عنبسة) بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الموحدة والسين المهملة ابن سعيد بن الضريس بضم الضاد المعجمة مصغرًا الكوفي الرازي (عن زكريا) بن خالد الرازي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن عروة) بن الزبير (عن سهل) هو ابن أبي حثمة الأنصاري (عن زيد) هو ابن ثابت الأنصاري. 2194 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن بيع الثمار) منفردة عن النخل نهي تحريم (حتى يبدو صلاحها) ومقتضاه جرازه وصحته بعد بدوّه ولو بغير القطع بأن يطلق أو يشترط إبقاءه أو قطعه، والمعنى الفارق بينهما أمن العاهة بعده غالبًا وقبله تسرع إليه لضعفه (نهى البائع) لئلا يأكل مال أخيه بالباطل (و) نهى (المبتاع) أي المشتري لئلا يضيع ماله، وإلى الفرق بين ما قبل ظهور الصلاح وبعده ذهب الجمهور، وصحح أبو حنيفة -رحمه الله- البيع حالة الإطلاق قبل بدوّ الصلاح وبعده وأبطله بشرط الإبقاء قبله وبعده كذا صرّح به أهل مذهبه خلافًا لما نقله عنه النووي في شرح مسلم وبدو الصلاح في شجرة ولو في حبة واحدة يستتبع الكل إذا اتحد البستان والعقد والجنس فيتبع ما لم يبد صلاحه ما بدا صلاحه إذا اتحد فيهما الثلاثة، واكتفى ببدوّ صلاح بعضه لأن الله تعالى امتنّ علينا فجعل الثمار لا تطيب دفعة واحدة إطالة لزمن التفكّه، فلو اعتبرنا

في البيع طيب الجميع لأدى إلى أن لا يباع شيء قبل كمال صلاحه أو تباع الحبة بعد الحبة وفي كلٌّ منهما حرج لا يخفى، ويجوز البيع قبل الصلاح بشرط القطع إذا كان المقطوع منتفعًا به كالحصرم إجماعًا. وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود. 2195 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةُ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ" قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَعْنِي حَتَّى تَحْمَرَّ. وبه قال: (حدّثنا ابن مقاتل) محمد المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا حميد الطويل) أبو عبيدة البصري الثقة المدلس (عن أنس -رضي الله عنه-) وفي الباب اللاحق من وجه آخر عن حميد قال: حدّثنا أنس (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى) نهي تحريم (أن تباع ثمرة النخل) بالمثلثة (حتى تزهو) بالواو وفي رواية تزهي بالياء وصوّبها الخطابي. قال ابن الأثير: ومنهم من أنكر تزهي، ومنهم من أنكر تزهو والصواب الروايتان على اللغتين زها النخل يزهو إذا ظهرت ثمرته، وأزهى يزهي إذا احمرّ أو اصفر، وذكر النخل في هذه الطريق لكونه الغالب عندهم وأطلق في غيرها فلا فرق بين النخل وغيره في الحكم. (قال أبو عبد الله) البخاري في قوله: حتى تزهو (يعني حتى تحمرّ). وهذا الحديث من أفراده. 2196 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاء قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى تُشَقِّحَ. فَقِيلَ: مَا تُشَقِّحُ؟ قَالَ: تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ وَيُؤْكَلُ مِنْهَا". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سليم بن حيان) بفتح السين المهملة وكسر اللام وبعد التحتية ميم وحيان بفتح المهملة وتشديد المثناة التحتية الهذالي البصري قال: (حدّثنا سعيد بن ميناء) بكسر العين وميناء بكسر الميم وسكون التحتية وبعد النون همزة ممدودًا (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تباع الثمرة حتى تشقح) بضم المثناة الفوقية وفتح الشين المعجمة وتشديد القاف المكسورة آخره حاء مهملة كذا في الفرع وغيره، وضبطه العيني كالبرماوي بسكون الشين المعجمة وتخفيف القاف. قال في الفتح: من الرباعي يقال أشقح ثمر النخلة يشقح إشقاحًا إذا احمرّ أو اصفرّ والاسم الشقحة بضم المعجمة وسكون القاف. وقال الكرماني: التشقيح بالمعجمة والقاف وبالمهملة تغير اللون إلى الصفرة أو الحمرة فجعله في الفتح من باب الأفعال والكرماني من باب التفعيل، وقال في التوضيح واللامع وضبطه أبو ذر بفتح القاف. قال القاضي عياض: فإن كان هذا فيجب أن تكون القاف مشددة والتاء مفتوحة تفعل منه. (فقيل: وما تشقح)؟ بضم أوله وفتح ثانيه وبالمثناة الفوقية وسقطت الواو لغير أبي ذر (قال) سعيد أو جابر: (تحمارّ وتصفار) من باب الافعيلال من الثلاثي الذي زيدت فيه الألف والتضعيف لأن أصلهما حمر وصفر. قال الجوهري: احمر الشيء واحمارّ بمعنى، وقال في القاموس: احمرّ احمرارًا صار أحمر كاحمارّ، وفرّق المحققون بين اللون الثابت واللون العارض كما نقله في المصابيح كالتنقيح فقالوا: احمر فيما ثبتت حمرته واستقرت واحمارّ فيما تتحول حمرته ولا تثبت انتهى. وقال الخطابي: أراد بالاحمرار والاصفرار ظهور أوائل الحمرة والصفرة قبل أن يشبع، وإنما يقال تفعال من اللون الغير المتمكن. قال العيني: وفيه نظر لأنهم إذا أرادوا في لفظ حمر مبالغة يقولون احمرّ فيزيدون على أصل الكلمة الألف والتضعيف، ثم إذا أرادوا المبالغة فيه يقولون احمارّ فيزيدون فيه ألفين والتضعيف، واللون الغير المتمكن هو الثلاثي المجرد أعني حمر فإذا تمكن يقال احمر وإذا ازداد في التمكن يقال: احمار لأن الزيادة تدل على التكثير والمبالغة، (ويؤكل منها) وهذا التفسير من قول سعيد بن ميناء كما بيّن ذلك أحمد في روايته لهذا الحديث عن بهز بن أسد عن سليم بن حيان أنه هو الذي سأل سعيد بن ميناء عن ذلك فأجابه بذلك ولفظ مسلم قال: قلت لسعيد ما تشقح؟ قال: تحمارّ وتصفار ويؤكل منها. وعند الإسماعيلي: أن السائل سعيد والمفسر جابر ولفظه: قلت لجابر ما تشقح؟ الحديث. وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع وكذا أبو داود، وقد أفاد حديث زيد بن ثابت سبب النهي، وحديث ابن عمر التصريح بالنهي، وحديث أنس وجابر بيان الغاية التي ينتهي

86 - باب بيع النخل قبل أن يبدو صلاحها

إليها النهي. 86 - باب بَيْعِ النَّخْلِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا (باب بيع النخل قبل أن يبدو صلاحها) قال الحافظ ابن حجر: هذه الترجمة معقودة لحكم بيع الأصول والتي قبلها لحكم بيع الثمار، وتعقبه العيني فقال: هذا كلام فاسد غير صحيح بل كلٌّ من الترجمتين معقود لبيع الثمار، أما الأولى فهي قوله باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها ولم يذكر فيه النخل ليشمل ثمار جميع الأشجار المثمرة وهاهنا ذكر النخل والمراد ثمرته وليس المراد عين النخل لأن بيع النخل لا يحتاج أن يقيد ببدو الصلاح ولا بعدمه. ألا تراه قال في الحديث وعن النخل حتى تزهو والزهو صفة الثمرة لا صفة عين النخل والتقدير وعن ثمر النخل. وأجاب الحافظ ابن حجر في انتقاض الاعتراض بأنه قد فات العيني أنه ينقسم إلى بيع النخل دون الثمرة أو الثمرة دون النخل أو هما معًا ففي الأول لا يتقيد بصلاح الثمرة دون الأخيرين. 2197 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا مُعَلًّى حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ: "نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، وَعَنِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ. قِيلَ: وَمَا يَزْهُو؟ قَالَ: يَحْمَارُّ أَوْ يَصْفَارُّ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (علي بن الهيثم) بفتح الهاء وبعد التحتية الساكنة مثلثة فميم البغدادي قال: (حدّثنا معلى) بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد اللام المفتوحة ولأبي ذر معلى بن منصور الرازي الحافظ وهو من شيوخ البخاري وإنما يروى عنه في هذا الجامع بواسطة قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة مصغرًا ابن بشير الواسطي قال: (أخبرنا حميد) الطويل قال: (حدّثنا أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أنه نهى عن بيع الثمرة) بالمثلثة (حتى يبدو صلاحها وعن النخل) أي عن ثمره (حتى يزهو) وليس تكرارًا مع ما قبله لأن المراد بالأول غير ثمر النخل بقرينة عطفه عليه ولأن الزهو مخصوص بالرطب. (قيل: وما) معنى (يزهو)؟ بالمثناة التحتية فيهما في فرع اليونينية وفي بعض الأصول بالفوقية. (قال: يحمار أو يصفار) بألف قبل الواو ولم يسمّ السائل ولا المسؤول في هذه الرواية، وسيأتي إن شاء الله تعالى بعد خمسة أبواب عن حميد فقلنا لأنس: ما زهوها؟ قال: تحمر، وفي رواية مسلم من هذا الوجه فقلت لأنس هذا. 87 - باب إِذَا بَاعَ الثِّمَارَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، ثُمَّ أَصَابَتْهُ عَاهَةٌ فَهُوَ مِنَ الْبَائِعِ (باب) بالتنوين (إذا باع) الشخص (الثمار قبل أن يبدو صلاحها ثم أصابته) أي المبيع (عاهة فهو من البائع) أي من ضمانه ومفهومه القول بصحة البيع وإن لم يبد صلاحه لأنه إذا لم يفسد فالبيع صحيح وهو موافق لقول الزهري المذكور آخر الباب. 2198 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ. فَقِيلَ لَهُ: وَمَا تُزْهِي؟ قَالَ: حَتَّى تَحْمَرَّ. فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ"؟ وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن حميد) الطويل (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-): (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن بيع الثمار حتى تزهي) بالياء من أزهى يزهي وصوّبها الخطابي ونفى تزهو بالواو وأثبت بعضهم ما نفاه فقال زها إذا طال واكتمل وأزهى إذا احمر واصفر (فقيل له: وما تزهي)؟ زاد النسائي والطحاوي يا رسول الله وهذا صريح في الرفع لكن رواه إسماعيل بن جعفر وغيره عن حميد موقوفًا على أنس كما سبق في الباب قبله (قال) عليه الصلاة والسلام أو أنس (حتى تحمر) بتشديد الراء بغير ألف (فقال: أرأيت) أي أخبرني وهو من باب الكناية حيث استفهم وأراد الأمر، ولأبوي ذر والوقت، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرأيت (إذا منع الله الثمرة) بالمثلثة بأن تلفت (بِمَ يأخذ أحدكم مال أخيه) بحذف ألف ما الاستفهامية عند دخول حرف الجر مثل قولهم فيم وعلام وحتام ولما كانت ما الاستفهامية متضمنة الهمزة ولها صدر الكلام ناسب أن يقدر أبِمَ والهمزة للإنكار فالمعنى لا ينبغي أن يأخذ أحدكم مال أخيه باطلاً لأنه إذا تلفت الثمرة لا يبقى للمشتري في مقابلة ما دفعه شيء وفيه إجراء الحكم على الغالب، لأن تطرّق التلف إلى ما بدا صلاحه ممكن وعدم تطرقه إلى ما لم يبد صلاحه ممكن فنِيطَ الحكم بالغالب في الحالين. واختلف في هذه الجملة هل هي مرفوعة أو موقوفة، فصرّح مالك بالرفع، وتابعه محمد بن عباد عن الدراوردي عن حميد، وقال الدارقطنى خالف مالكًا جماعة منهم ابن المبارك وهشيم ومروان بن معاوية ويزيد بن هارون فقالوا فيه قال أنس: أرأيت إن منع الله الثمرة. قال الحافظ ابن حجر: وليس

88 - باب شراء الطعام إلى أجل

في جميع ما تقدم ما يمنع أن يكون التفسير مرفوعًا لأن مع الذي رفعه زيادة علم على ما عند الذي وقفه وليس في رواية الذي وقفه ما ينفي قول من رفعه، وقد روى مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر ما يقوي رواية الرفع من حديث أنس ولفظه: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لو بعت من أخيك ثمرًا فأصابته عاهة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا بِمَ تأخذ مال أخيك بغير حق". 2199 - وقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: "لَوْ أَنَّ رَجُلاً ابْتَاعَ ثَمَرًا قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، ثُمَّ أَصَابَتْهُ عَاهَةٌ كَانَ مَا أَصَابَهُ عَلَى رَبِّهِ. أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، وَلاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ». (قال) ولأبي الوقت: وقال (الليث) بن سعد الإمام مما وصله الذهلي في الزهريات (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: لو أن رجلاً ابتاع) أي اشترى (ثمرًا) بالمثلثة (قبل أن يبدو صلاحه ثم أصابته عاهة) آفة (كان ما أصابه على ربه) أي واقعًا على صاحبه الذي باعه محسوبًا عليه. قال الزهري: (أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تتبايعوا) بإثبات التاءين (الثمرة) بالمثلثة وفتح الميم (حتى يبدو صلاحها) فاستنبط الزهري مقالته من عموم هذا النهي (ولا تبيعوا الثمر) الرطب (بالتمر) اليابس وقد خصّ من عمومه العرايا كما مر. 88 - باب شِرَاءِ الطَّعَامِ إِلَى أَجَلٍ (باب) حكم (شراء الطعام إلى أجل). 2200 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: "ذَكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ فِي السَّلَفِ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ. ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ فَرَهَنَهُ دِرْعَهُ". وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) الكوفي قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق بفتح الطاء وسكون اللام القاضي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: ذكرنا عند إبراهيم) النخعي (الرهن في السلف) قال الكرماني: أي في السلم. قال في اللامع: وفيه نظر فالمراد أعمّ من ذلك بدليل الحديث فإنه ليس سلمًا (فقال) إبراهيم: (لا بأس به) أي بالرهن في السلف، (ثم حدّثنا) أي إبراهيم (عن الأسود) بن يزيد بن قيس النخعي المخضرم (عن عائشة -رضي الله عنها-): (أن رسول الله) وفي الفرع أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشترى طعامًا) عشرين صاعًا أو ثلاثين أو أربعين من شعير (من يهودي) اسمه أبو الشحم (إلى أجل فرهنه) على ذلك (درعه) بكسر الدال المهملة وسكون الراء وهي ذات الفضول كما في الجوهرة للتلمساني. وهذا الحديث قد سبق في باب شراء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بالنسيئة ويأتي إن شاء الله تعالى في البيوع أيضًا وفي الاستقراض والجهاد والشركة والمغازي، وفيه ثلاثة من التابعين الأعمش وإبراهيم والأسود، ورواية الرجل عن خاله وهو إبراهيم عن الأسود. 89 - باب إِذَا أَرَادَ بَيْعَ تَمْرٍ بِتَمْرٍ خَيْرٍ مِنْهُ هذا (باب) بالتنوين (إذا أراد) الشخص (بيع تمر بتمر) بالمثناة الفوقية فيهما أي يابسين (خير منه) ماذا يصنع حتى يسلم من الربا. 2201، 2202 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَعْمَلَ رَجُلاً عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ تَفْعَلْ، بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا". [الحديث 2201 - أطرافه في: 2302، 4244، 4246، 7350]. [الحديث 2202 - أطرافه في: 2303، 4245، 4247، 7351]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد بن جميل بفتح الجيم الثقفي البغلاني بفتح الموحدة وسكون المعجمة (عن مالك) الإمام (عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن) بميم مفتوحة بعدها جيم وصحفها بعضهم فقال عبد الحميد بالحاء المهملة وسهيل بضم السين المهملة مصغرًا، ولأبي الوقت في نسخة زيادة ابن عون (عن سعيد بن المسيب) بفتح التحتية (عن أبي سعيد الخدري، وعن أبي هريرة -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استعمل) أمر (رجلاً) هو سواد بن غزية بمعجمتين بوزن عطية وتخفيف واو سواد كما سماه أبو عوانة والدارقطني من طريق الدراوردي عن عبد المجيد (على خيبر فجاءه بتمر جنيب) بفتح الجيم وكسر النون وبعد التحتية الساكنة موحدة بوزن عظيم نوع جيد من أنواع التمر وقيل الصلب وقيل غير ذلك (فقال) له (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أكُلّ تمر خيبر هكذا؟ قال) الرجل: (لا والله يا رسول الله إنّا لنأخذ الصاع من هذا) أي من الجنيب (بالصاعين) زاد سليمان بن بلال عن عبد المجيد عند المؤلّف في الاعتصام من الجمع بفتح الجيم وسكون الميم التمر الرديء (والصاعين) من الجنيب (بالثلاثة) من الجمع والثلاثة بتاء التأنيث للقابسي وللأكثر بالثلاث وهما جائزان لأن الصاع يذكر ويؤنث (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تفعل بع الجمع) أي التمر الرديء (بالدراهم ثم ابتع) اشتر (بالدراهم) تمرًا (جنيبًا) ليكونا صفقتين فلا يدخله الربا وبه استدلّ الشافعية على جواز الحيلة في

90 - باب من باع نخلا قد أبرت، أو أرضا مزروعة، أو بإجارة

بيع الربوي بجنسه متفاضلاً كبيع ذهب بذهب متفاضلاً بأن يبيعه من صاحبه بدراهم أو عرض ويشتري منه بالدراهم أو بالعرض الذهب بعد التقابض أو أن يقرض كلٌّ منهما صاحبه ويبرئه أو أن يتواهبا أو يهب الفاضل مالكه لصاحبه بعد شرائه منه ما عداه بما يساويه، وكل هذا جائز إذا لم يشترط في بيعه وإقراضه وهبته ما يفعله الآخر. نعم هي مكروهة إذا نويا ذلك لأن كل شرط أفسد التصريح به العقد إذا نواه كره كما لو تزوجها بشرط أن يطلقها لم ينعقد أو يقصد ذلك كره، ثم إن الطرق ليست حيلاً في بيع الربوي بجنسه متفاضلاً لأنه حرام بل حيل في تمليكه لتحصيل ذلك ففي التعبير بذلك تسامح وقد زاد سليمان في روايته لهذا الحديث بعد قوله لا تفعل ولكن مثلاً بمثل أي بع المثل بالمثل وزاد في آخره وكذلك الميزان أي في بيع ما يوزن من المقتات بمثله. قال ابن عبد البر كل من روى عن عبد المجيد هذا الحديث ذكر فيه الميزان سوى مالك وهو أمر مجمع عليه لا خلاف بين أهل العلم فيه وقد أجمع على أن التمر بالتمر لا يجوز بيع بعضه ببعض إلا مثلاً بمثل وسواء فيه الطيب والدون وأنه كله على اختلاف أنواعه واحد وأما سكوت من سكت من الرواة عن فسخ البيع المذكور فلا يدل على عدم الوقوع وقد ورد الفسخ من طريق أخرى عند مسلم بلفظ فقال هذا الربا فردّوه ويحتمل تعدد القصة وإن التي لم يقع فيها الردّ كانت قبل تحريم ربا الفضل انتهى. وقد احتج بحديث الباب من أجاز بيع الطعام من رجل نقدًا ويبتاع منه طعامًا قبل الافتراق وبعده لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يخص فيه بائع الطعام ولا مبتاعه من غيره وهذا قول الشافعي وأبي حنيفة ومنعه المالكية، وأجابوا عن الحديث بأن المطلق لا يشمل ولكن يشيع فإذا عمل به في صورة فقد سقط الاحتجاج به فيما عداها بإجماع من الأصوليين وبأنه عليه الصلاة والسلام لم يقل وابتع ممن اشترى الجمع بل خرج الكلام غير متعرّض لعين البائع من هو فلا يدل والله أعلم. هذا الحديث أخرجه في الوكالة أيضًا والمغازي والاعتصام ومسلم في البيوع وكذا النسائي. 90 - باب مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ، أَوْ أَرْضًا مَزْرُوعَةً، أَوْ بِإِجَارَةٍ (باب من) ولأبي ذر: قبض من (باع نخلاً) اسم جنس يذكّر ويؤنّث والجمع نخيل (قد أبرت) بضم الهمزة وتشديد الموحدة في الفرع يقال أبرتَ الشيء أؤبره تأبيرًا كعلمته أعلمه تعليمًا، وفي غيره أبرت بالتخفيف يقال أبرت النخل آبره أبرًا بوزن أكلت الشيء آكله أكلاً والجملة صفة لقوله نخلاً والتأبير التلقيح وهو أن يشق طلع الإناث ويؤخذ من طلع الفحول فيذر فيه ليكون ذلك بإذن الله أجود مما لم يؤبر وألحق بالنخل سائر الثمار وبتأبير كلها تأبير بعضها بتبعية غير المؤبر للمؤبر لما في تتبع ذلك من العسر والعادة الاكتفاء بتأبير البعض والباقي يتشقق بنفسه وينبث ريح المذكور إليه وقد لا يؤبر شيء ويتشقق الكل والحكم فيه كالمؤبر اعتبارًا بظهور المقصود وطلع المذكور يتشقق بنفسه ولا يشقق غالبًا (أو) باع (أرضًا مزروعة) زرعًا يؤخذ مرة واحدة كالبر والشعير (أو) أخذ (بإجارة) فثمرتها للبائع وإن قال بحقوقها لأنه ليس للدوام فأشبه منقولات الدار. 2203 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُخْبِرُ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: "أَنَّ أَيُّمَا نَخْلٍ بِيعَتْ قَدْ أُبِّرَتْ لَمْ يُذْكَرِ الثَّمَرُ فَالثَّمَرُ لِلَّذِي أَبَّرَهَا، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْحَرْثُ، سَمَّى لَهُ نَافِعٌ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَ". [الحديث 2203 - أطرافه في: 2204، 2206، 2379، 2716]. (قال أبو عبد الله) البخاري (وقال لي إبراهيم) أي على سبيل المذاكرة (أخبرنا هشام) قال المزي إبراهيم هو ابن المنذر وهشام هو ابن سليمان المخزومي قال لأن ابن المنذر لم يسمع من هشام بن يوسف، وقال الحافظ ابن حجر في المقدمة: ويحتمل أن يكون إبراهيم هو ابن موسى الرازي وهشام هو ابن يوسف الصنعاني وجزم به في الشرح، وقال البرماوي كالكرماني وغيره: هو إبراهيم بن موسى الفراء الرازي الصغير وهشام هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا ابن جريح) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: سمعت ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بن عبد الله بن جدعان ويقال اسم أبي مليكة زهير التميمي المدني (يخبر عن نافع مولى ابن عمر أن) بفتح الهمزة وسقط لفظ أن لأبي ذر وزاد الأصيلي بعد قوله مولى ابن عمر أنه قال: (أيما نخل بيعت) بكسر

الموحدة من غير ألف مبنيًّا للمفعول حال كونها (قد أبرت) بتشديد الموحدة وتخفيف كما مر مبنيًّا للمفعول والجملة التي قبلها صفة (لم يذكر الثمر) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول أيضًا والثمر نائب عن الفاعل والجملة حالية أيضًا أي والحال أنهم لم يتعرضوا للثمر بأن أطلقوا إذ لو اشترطوه للمشتري كان له لا للبائع وقوله أيما للشرط نحو {أيًّا ما تدعو فله الأسماء الحسنى} [الإسراء: 115] أي أيّ نخل من النخيل بيعت فلذلك دخلت الفاء في جوابها في قوله (فالثمر للذي أبرها) لا للمشتري وذكر النخيل ليس بقيد وإنما ذكر لأن سبب ورود الحديث كان في النخل وفي معناه كل ثمر بارز كالعنب والتفاح إذا بيع أصله لم تدخل الثمرة إلا إن اشترطت. وهذا الحديث رواه ابن جريح عن نافع موقوفًا، لكن قال البيهقي ونافع: ويروى حديث النخل عن ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وكذلك العبد) إذا بيع وله مال على مذهب من يقول إنه يملك فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع أو إذا بيعت الأمة الحامل ولها ولد رقيق منفصل فهو للبائع وإن كان جنينًا لم يظهر بعد فهو للمشتري وهذا هو المناسب لما في الحديث من الثمرة، وهذا أيضًا موقوف على نافع. وقال البيهقي: وحديث العبد يرويه نافع عن ابن عمر عن عمر موقوفًا. (و) كذلك (الحرث) بسكون الراء آخرهُ مثلثة أي الزرع فإنه للبائع إذا باع الأرض المزروعة (سمى له) أي لابن جريج (نافع هذه الثلاثة) الثمر والعبد والحرث وذلك موقوت على نافع كما ترى. 2204 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: من باع نخلاً قد أبرت) بضم الهمزة وتشديد الموحدة (فثمرتها للبائع) لا للمشتري وتترك في النخل إلى الجداد وعلى البائع السقي لحاجة الثمرة لأنها ملكه ويجبر عليه، ويمكن من الدخول للبستان لسقي ثمارها وتعهدها إن كان أمينًا وإلا نصب الحاكم أمينًا للسقي ومؤونته على البائع وتسقى بالماء المعد لسقي تلك الأشجار وإن كان للمشتري فيه حق كما نقله في المطلب عن ظاهر كلام الأصحاب، وقد جعل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الثمر ما دام مستكنًا في الطلع كالولد في بطن الحامل إذا بيعت كان الحمل تابعًا لها فإذا ظهر تميز حكمه، ومعنى ذلك أن كل ثمر بارز يرى في شجره إذا بيعت أصول الشجر لم تدخل هذه الثمار في البيع (إلا أن يشترط المبتاع) أي المشتري أن الثمرة تكون له ويوافقه البائع على ذلك فتكون للمشتري. فإن قلت: اللفظ مطلق فمن أين يفهم أن المشتري اشترط الثمرة لنفسه؟ أجيب بأن تحقيق الاستثناء يبين المراد، وبأن لفظ الافتعال يدل أيضًا عليه يقال كسب لعياله واكتسب لنفسه، واستدل بهذا الإطلاق على أنه يصح اشتراط بعض الثمرة كما يصح اشتراط كلها وكأنه قال: إلا أن يشترط المبتاع شيئًا من ذلك وهذه هي النكتة في حذف المفعول. وقال ابن القاسم: لا يجوز له شرط بعضها. ومفهوم الحديث أنها إذا لم تؤبر تكون الثمرة للمشتري إلا أن يشترطها البائع وكونها في الأول للبائع صادق بأن يشترط له أو يسكت عن ذلك وكونها في الثاني للمشتري صادق بذلك. وقال أبو حنيفة رحمه الله: سواء أبرت أم لم تؤبر هي للبائع وللمشتري أن يطالبه بقلعها عن النخل في الحال ولا يلزمه أن يصبر إلى الجداد، فإذا اشترط البائع في البيع ترك الثمرة إلى الجداد فالبيع فاسد لأنه شرط لا يقتضيه العقد. قال أبو حنيفة: وتعليق الحكم بالإبار إما للتنبيه به على ما لم يؤبر أو لغير ذلك ولم يقصد به نفي الحكم عما سوى المذكور ولو اشترط المشتري الثمرة فهي له، وقال مالك: لا يجوز شرطها للبائع. والحاصل أن مالكًا والشافعي استعملا الحديث لفظًا ودليلاً وأبا حنيفة استعمله لفظًا ومعقولاً لكن الشافعي يستعمل دلالته من غير تخصيص ويستعملها مالك مخصصة وبيان ذلك أن أبا حنيفة جعل الثمرة للبائع في الحالين وكأنه رأى أن ذكر الإبار تنبيه على ما قبل الإبار وهذا المعنى يسمى في الأصول معقول الخطاب، واستعمله مالك والشافعي على أن المسكوت عنه

91 - باب بيع الزرع بالطعام كيلا

حكمه حكم المنطوق وهذا يسميه أهل الأصول دليل الخطاب قاله صاحب عمدة القاري ودلالة الحديث على القبض المذكور في الترجمة عن أبي ذر من حيث أن قبض المشتري للنخل صحيح، وإن كان ثمر البائع عليه ومعناه أن للبائع أن يقبض ثمر النخل إذا كان مؤبرًا. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الشروط وكذا مسلم وأبو داود وأخرجه النسائي في الشروط وابن ماجة في التجارات. 91 - باب بَيْعِ الزَّرْعِ بِالطَّعَامِ كَيْلاً (باب) حكم (بيع الزرع بالطعام كيلاً) نصب على التمييز أي من حيث الكيل. 2205 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمُزَابَنَةِ: أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلاً بِتَمْرٍ كَيْلاً، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلاً، أَوْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ. وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن المزابنة أن يبيع ثمر حائطه) بالمثلثة وفتح الميم رطب بستانه (إن كان) الحائط (نخلاً بتمر) بالمثناة يابس (كيلاً) وقوله: أن يبيع بدل من المزابنة والشروط تفصيل له (وإن كان) البستان (كرمًا) أي عنبًا نهى (أن يبيعه بزبيب كيلاً أو كان) ولأبي ذر أو إن كان (زرعًا) كحنطة نهى (أن يبيعه بكيل طعام) بالخفض على الإضافة لأنه بيع مجهول بمعلوم وفي نسخة بكيل طعامًا بالنصب وهذا يسمى بالمحاقلة وأطلق عليه المزابنة تغليبًا أو تشبيهًا (ونهى عن ذلك) المذكور (كله) وموضع الترجمة من الحديث قوله: أو كان زرعًا الخ ... وأما بيع رطب ذلك بيابسه بعد القطع وإمكان المماثلة فالجمهور لا يجيزون بيع شيء من ذلك بجنسه لا متفاضلاً ولا متماثلاً خلافًا لأبي حنيفة رحمه الله. وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في البيوع وابن ماجة في التجارات. 92 - باب بَيْعِ النَّخْلِ بِأَصْلِهِ (باب) حكم (بيع) ثمر (النخل بأصله) أي بأصل النخل. 2206 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَيُّمَا امْرِئٍ أَبَّرَ نَخْلاً ثُمَّ بَاعَ أَصْلَهَا فَلِلَّذِي أَبَّرَ ثَمَرُ النَّخْلِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي أبو رجاء البغلاني بفتح الموحدة وسكون المعجمة قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (أيما امرئ) بكسر الراء (أبر نخلاً) بتشديد الموحدة في الفرع وفي غيره آبر بتخفيفها أي شقق طلعه وكذا لو تشقق بنفسه (ثم باع أصلها) أي أصل النخل وليس المراد أرضها فالإضافة بيانية والنخل قد يؤنث قال تعالى: {والنخل باسقات} [ق: 10] فلذلك أنّث الضمير (فللذي أبر) وهو البائع (ثمر النخل) فلا يدخل في البيع بل هو مستمر على ملك البائع (إلا أن يشترطه) أي الثمر (المبتاع) المشتري لنفسه ولأبي ذر إلا أن يشترط بإسقاط الضمير وموضع الترجمة قوله: ثم باع أصلها. وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة. 93 - باب بَيْعِ الْمُخَاضَرَةِ (باب) حكم (بيع المخاضرة) بالخاء والضاد المعجمتين بينهما ألف مفاعلة من الخضرة لأنهما تبايعا شيئًا أخضر وهو بيع الثمار والحبوب خضراء لم يبد صلاحها. 2207 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُخَاضَرَةِ وَالْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَالْمُزَابَنَةِ". وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن وهب) بفتح الواو العلاف الواسطي قال: (حدّثنا عمر بن يونس) بن القاسم الحنفي اليماني قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي) يونس (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا، ولأبى ذر: حدّثنا (إسحاق بن أبي طلحة) هو إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة واسمه زيد بن سهل (الأنصاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن المحاقلة) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وبعد الألف قاف من الحقل جمع حقلة وهي الساحة الطيبة التي لا بناء فيها ولا شجر وهي بيع الحنطة في سنبلها بكيل معلوم من الحنطة الخالصة والمعنى فيه عدم العلم بالمماثلة وأن المقصود من المبيع مستور بما ليس من صلاحه (و) نهى عليه الصلاة والسلام أيضًا عن (المخاضرة) بالخاء والضاد المعجمتين فلا يجوز بيع زرع لم يشتد حبه ولا بيع بقول وإن كانت تجذّ مرارًا إلا بشرط القطع أو القلع أو مع الأرض كالثمر مع الشجر، فإن اشتد حب الزرع لم يشترط القطع ولا القلع كالثمر بعد بدوّ صلاحه. قال الزركشي: وقياس ما مرّ من الاكتفاء في التأبير بطلع واحد وفي بدوّ الصلاح بحبة واحدة الاكتفاء هنا باشتداد سنبلة واحدة وكل ذلك مشكل انتهى. وكذا لا يصح بيع الجزر والفجل والثوم والبصل في الأرض لاستتار مقصودها ويجوز بيع ورقها الظاهر بشرط

94 - باب بيع الجمار وأكله

القطع كالبقول (و) نهى عن (الملامسة) بأن يلمس ثوبًا مطويًّا في ظلمة ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه أو يقول إذا لمسته فقد بعتكه (والمنابذة) بالمعجمة بأن يجعلا النبذ معًا (والمزابنة) بيع التمر اليابس بالرطب كيلاً وبيع الزبيب بالعنب كيلاً. وهذا الحديث من أفراده. 2208 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ التَّمْرِ حَتَّى تَزْهُوَ. فَقُلْنَا لأَنَسٍ: مَا زَهْوُهَا؟ قَالَ: تَحْمَرُّ وَتَصْفَرُّ. أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ"؟. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) أي ابن أبي كثير أبو إبراهيم الأنصاري المدني (عن حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن بيع ثمر التمر) بالمثلثة وفتح الميم في الأولى والمثناة والسكون في الثانية مع الإضافة كذا في الفرع لكنه ضبب على الأولى. قال البرماوي كالكرماني: والإضافة مجازية انتهى. والظاهر أنه يريد بها إخراج غير ثمر النخل لأن الثمر هو حمل الشجر والشجر من النبات ما قام على ساق أو ما سما بنفسه دق أو جلّ قاوم الشتاء أو عجز عنه قاله في القاموس، فيدخل فيه شجر البلح وغيره فبيّن أن المراد ثمر النخل الرطب الذي سيصير تمرًا وفي بعض الأصول عن بيع الثمر بالمثلثة من غير إضافة (حتى يزهو) بالواو من زها النخل يزهو إذا ظهرت ثمرته قال حميد (فقلنا) وفي رواية قيل (لأنس ما زهوها؟ قال: تحمر وتصفر) بتشديد الراء فيهما من غير ألف قال أنس: (أرأيت) أي أخبرني (إن) بكسر الهمزة (منع الله الثمرة) بالمثلثة وفتح الميم والتأنيث يعني لم تخرج ولأبوي ذر والوقت الثمر بالتذكير (بم تستحل) إذا تلف الثمر (مال أخيك) هو بمعنى الإنكار وإنما اختص ذلك بما قبل الزهو مع إمكان تلفه بعده لأن ذلك أكثر وأغلب وأسرع كما مرّ، والظاهر أن التفسير موقوف على أنس ورواه معتمر بن سليمان وبشر بن المفضل عن حميد فقال فيه أرأيت الخ ... قال فلا أدري أنس قال بِمَ تستحل أو حدّث به عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخرجه الخطيب في المدرج. وقد سبق مزيد لذلك في باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها ثم أصابته عاهة فهو من البائع. 94 - باب بَيْعِ الْجُمَّارِ وَأَكْلِهِ (باب) حكم (بيع الجمار) بضم الجيم وتشديد الميم قلب النخلة (و) حكم (أكله). 2209 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يَأْكُلُ جُمَّارًا، فَقَالَ: مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ كَالرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ، فَإِذَا أَنَا أَحْدَثُهُمْ، قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ". وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك) الطيالسي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن أبي بشر) بموحدة مكسورة فمعجمة ساكنة آخره راء جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس البصري (عن مجاهد) هو ابن جبر الإمام المشهور (عن ابن عمر رضي الله عنهما) أنه (قال كنت عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يأكل جمارًا) جملة حالية (فقال) عليه الصلاة والسلام: (من الشجر) من جنسه (شجرة كالرجل المؤمن) في الصفة الحسنة زاد في كتاب العلم من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر فحدّثوني ما هي فوقع الناس في شجر البوادي. قال عبد الله: (فأردت أن أقول هي النخلة) وسقط لأبوي ذر والوقت لفظ هي فالنخلة نصب على المفعولية أو رفع بتقدير الساقط (فإذا أنا أحدثهم) زاد في باب الفهم في العلم فسكت أي تعظيمًا للأكابر وفي الأطعمة فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم أي أصغرهم سنًّا وإذا للمفاجأة (قال) عليه الصلاة والسلام: (هي النخلة) وليس في الحديث ذكر بيع الجمار المترجم به لكن الأكل منه يقتضي جواز بيعه قاله ابن المنير. والحديث قد سبق في كتاب العلم. 95 - باب مَنْ أَجْرَى أَمْرَ الأَمْصَارِ عَلَى مَا يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ فِي الْبُيُوعِ وَالإِجَارَةِ وَالْمِكْيَالِ وَالْوَزْنِ وَسُنَنِهِمْ عَلَى نِيَّاتِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمِ الْمَشْهُورَةِ وَقَالَ شُرَيْحٌ لِلْغَزَّالِينَ: سُنَّتُكُمْ بَيْنَكُمْ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ: لاَ بَأْسَ الْعَشَرَةُ بِأَحَدَ عَشَرَ وَيَأْخُذُ لِلنَّفَقَةِ رِبْحًا. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِهِنْدٍ: "خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ". وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}. وَاكْتَرَى الْحَسَنُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِرْدَاسٍ حِمَارًا فَقَالَ: بِكَمْ؟ قَالَ: بِدَانَقَيْنِ، فَرَكِبَهُ؛ ثُمَّ جَاءَ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ الْحِمَارَ الْحِمَارَ، فَرَكِبَهُ وَلَمْ يُشَارِطْهُ فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ. (باب من أجرى أمر) أهل (الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع والإجارة والمكيال والوزن وسننهم) بضم المهملة وفتح النون الأولى مخففة (على) حسب (نياتهم) مقاصدهم (ومذاهبهم) طرائقهم (المشهورة) فيما لم يأتِ فيه نص من الشارع فلو وكل رجل آخر في بيع شيء فباعه بغير النقد الذي هو عرف الناس أو باع موزونًا أو مكيلاً بغير الكيل أو الوزن المعتاد لم يجز وقد قال القاضي حسين إن الرجوع إلى العرف أحد القواعد الخمس التي ينبني عليها الفقه. (وقال شريح) بضم الشين المعجمة آخره حاء مهملة ابن الحرث الكندي القاضي مما وصله سعيد بن منصور (للغزالين) بالغين المعجمة والزاي المشددة البياعين للمغزولات لما

اختصموا إليه في شيء كان بينهم فقالوا إن سُنّتنا بيننا كذا وكذا فقال: (سنّتكم) عادتكم (بينكم) أي جائزة في معاملتكم مبتدأ وخبر ويجوز النصب بتقدير الزموا ووقع في بعض النسخ هنا زيادة في غير رواية أبي ذر ربحًا بكسر الراء وسكون الموحدة وبحاء مهملة قال الحافظ ابن حجر وغيره: وهي زيادة لا معنى لها هنا وإنما محلها آخر الأثر الذي بعده. (وقال عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي مما وصله ابن أبي شيبة عنه (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (لا بأس) أن تباع (العشرة بأحد عشر) ويجوز نصب عشرة بتقدير بع وظاهره أن ربح العشرة أحد عشر فتكون الجملة أحدًا وعشرين ولكن العرف فيه أن للعشرة دنانير دينارًا واحدًا فيقضى بالعرف على ظاهر اللفظ، وإذا ثبت الاعتماد على العرف مع مخالفته للظاهر فلا اعتماد عليه مطلقًا. قال ابن بطال: أصل هذا الباب بيع الصبرة على أن كل قفيز بدرهم من غير أن يعلم مقدار الصبرة أي بأن يقول: بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم فيصح البيع عند الشافعية والمالكية والحنابلة وأبي يوسف ومحمد في الكل لأن المبيع معلوم بالإشارة إلى المشار إليه فلا يضر بالجهل. وقال أبو حنيفة: يصح في واحد فقط ولو قال: اشتريت بمائة وقد بعتك بمائتين وربح درهم لكل عشرة جاز وكأنه قال بعتكه بمائتين وعشرين ويسمى ببيع المرابحة. (ويأخذ) البائع (للنفقة) أي لأجل النفقة على المبيع (ربحًا) فإن قال: بعت بما قام على دخل فيه مع الثمن أجرة الكيال والحمال والدلال والقصار وسائر مؤن الاسترباح كأجرة الحارس والصباغ وقيمة الصبغ حتى المكس. وقال مالك: لا يأخذ إلا فيما له تأثير في السلعة كالصبغ والخياطة وأما أجرة الدلال والشدّ والطي فلا، لكن إن أربحه المشتري على ما لا تأثير لة جاز إذا رضي بذلك ومناسبة هذا الأثر للترجمة الإشارة إلى أنه إذا كان في عرف البلد أن المشترى بعشرة دراهم يباع بأحد عشر فباعه المشتري على ذلك العرف لم يكن به بأس (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله في الباب (لهند) هي بنت عتبة زوج أبي سفيان والد معاوية. (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) وهو عادة الناس (وقال) الله (تعالى: {ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف} [النساء: 6] أباح تعالى للوصي الفقير أن يأكل من مال اليتيم بالمعروف ما يسد به جوعته ويكتسي ما يستر عورته. (واكترى الحسن) البصري فيما وصله سعيد بن منصور (من عبد الله بن مرداس) بكسر الميم (حمارًا فقال) له (بكم؟ قال) ابن مرداس (بدانقين) بفتح النون والقاف تثنية دانق بكسر النون وفتحها وصحح في الفرع على الفتح وهو سدس الدرهم فرضي الحسن بالدانقين ثم أخذ الحمار (فركبه ثم جاء مرة أخرى) إلى ابن مرداس (فقال) له (الحمار الحمار) كرره مرتين منصوب بتقدير أحضر الحمار أو اطلبه ويجوز الرفع أي الحمار مطلوب (فركبه ولم يشارطه) على الأجرة اعتمادًا على العادة السابقة فاستغنى بالعرف المعهود بينهما (فبعث إليه بنصف درهم) فزاد على الدانقين دانقًا آخر فضلاً وكرمًا. 2210 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "حَجَمَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو طَيْبَةَ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة (عن حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: حجم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبو طيبة) بفتح الطاء المهملة وسكون التحتية ثم موحدة واسمه قيل دينار وقيل نافع وقيل ميسرة مولى محيصة بضم الميم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء وبالصاد المهملة ابن مسعود الأنصاري وكانت هذه الحجامة لسبع عشرة خلت من رمضان كما في حديث عند ابن الأثير في الطبراني أن ذلك كان بعد العصر في رمضان (فأمر له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بصاع من تمر وأمر أهله) بني بياضة (أن يخففوا عنه من خراجه) بفتح الخاء المعجمة وهو ما يقرره السيد على عبده أن يؤدّيه إليه كل يوم وكان ثلاثة آصع فوضع عنه بهذه الشفاعة صاع. ومطابقته للترجمة من حيث إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يشارط الحجام المذكور

96 - باب بيع الشريك من شريكه

على أجرته اعتمادًا على العرف في مثله. وهذا الحديث سبق في أوائل كتاب البيوع في باب ذكر الحجام وأخرجه أبو داود في البيوع. 2211 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "قَالَتْ هِنْدٌ أُمُّ مُعَاوِيَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَهَلْ عَلَىَّ جُنَاحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ سِرًّا؟ قَالَ: خُذِي أَنْتِ وَبَنُوكِ مَا يَكْفِيكِ بِالْمَعْرُوفِ". [الحديث 2211 - أطرافه في: 2460، 3825، 5359، 5364، 5370، 6641، 7161، 7180]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال (حدّثنا سليمان) هو الثوري كما نص عليه المزي (عن هشام عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت (قالت هند) بالصرف ودونه (أم معاوية) بن أبي سفيان -رضي الله عنهم- (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن أبا سفيان رجل شحيح) بفتح الشين المعجمة وبالحاءين المهملتين بينهما تحتية ساكنة بخيل حريص (فهل عليّ جناح) بضم الجيم إثم (أن آخذ من ماله سرًّا) نصب على التمييز أي من حيث السر أو صفة لمصدر محذوف تقديره آخذ أخذًا سرًّا أي غير جهر وأن مصدرية (قال) عليه الصلاة والسلام: (خذي أنت وبنوك) بالرفع عطفًا على الضمير المرفوع في خذي وإنما أُتي بلفظ أنت ليصح العطف عليه وفيه خلاف بين نحاة البصرة والكوفة ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر وبنيك بالنصب على المفعول معه (ما يكفيك) لنفسك ولبنيك (بالمعروف) واقتصر عليها لأنها الكافلة لأمورهم وأحالها عليه الصلاة والسلام على العرف فيما ليس فيه تحديد شرعي وكان قوله عليه الصلاة والسلام هذا فُتيا لا حكمًا لأن أبا سفيان كان بمكة فلا يستدل به على الحكم على الغائب بل قال السهيلي إنه كان حاضرًا سؤالها فقال أنت في حِلٍّ مما أخذت. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النفقات والأحكام. 2212 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ ح. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ فَرْقَدٍ قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ "سَمِعَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تَقُولُ: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} أُنْزِلَتْ فِي وَالِي الْيَتِيمِ الَّذِي يُقِيمُ عَلَيْهِ وَيُصْلِحُ فِي مَالِهِ: إِنْ كَانَ فَقِيرًا أَكَلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ". [الحديث 2212 - طرفاه في: 2765، 4575]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق) هو ابن منصور كما جزم به خلف وغيره في الأطراف قال: (حدّثنا ابن نمير) بضم النون وفتح الميم عبد الله قال: (أخبرنا هشام ح) هو ابن عروة. قال المؤلّف بالسند: (حدّثني) بالإفراد (محمد) زاد أبو ذر في روايته ابن سلام بتشديد اللام البيكندي وهو يردّ على من قال إنه محمد بن المثنى الزمن (قال: سمعت عثمان بن فرقد) بفتح الفاء والقاف بينهما راء ساكنة آخره دال مهملة هو العطار وقد تكلم فيه لكن لم يخرج له المؤلّف موصولاً سوى هذا الحديث وقرنه بابن نمير وذكر له تعليقًا آخر في المغازي (قال: سمعت هشام بن عروة) بن الزبير (يحدّث عن أبيه أنه سمع عائشة -رضي الله عنها- تقول) في قوله تعالى في سورة النساء: ({ومن كان غنيًّا") من الأوصياء ({فليستعفف}) عن مال اليتيم ولا يأكل منه شيئًا قال في الكشاف واستعف أبلغ من عف كأنه طلب زيادة العفّة. قال ابن المنير في الانتصاف يشير إلى أن استفعل بمعنى الطلب وهو بعيد فإن تلك متعدية وهذه قاصرة والظاهر أن هذا مما جاء فيه فعل واستفعل بمعنى وردّه التفتازاني بأن كلاًّ من بابي فعل واستفعل يكون لازمًا ومتعديًا وكل من عفّ واستعفّ لازم ({ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف}) [النساء: 6] (أنزلت في والي اليتيم الذي يقيم) نفسه (عليه) أي يعتكف ويلازمه (ويصلح في ماله إن كان فقيرًا كل منه بالمعروف) بقدر قيامه. وهذا موضع الترجمة منه. وهذا الحديث قد ذكره المؤلّف في تفسير سورة النساء عن إسحاق عن ابن نمير عن هشام عن أبيه عن عائشة بلفظ: أنها نزلت في مال اليتيم إذا كان فقيرًا أنه يأكل بالمعروف منه مكان قيامه عليه بمعروف فظهر أن المسوق هنا لفظ رواية عثمان بن فرقد، وفي النسائي لفظ عبد الله بن نمير بلفظ في مال اليتيم بدل قوله هنا وفي الوصايا من طريق أبي أمامة عن هشام والي اليتيم لكنه سقط في الموضعين قوله في هذا الباب الذي يقيم عليه وهي بالمثناة التحتية بعد القاف كما في الفرع وغيره، وأما قول البرماوي ويقوم بالواو وفي بعضها يقيم فبدأ بالواويّ فلعله رآها في بعض الأصول من البخاري. نعم أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن هشام بالواو وصوّبها السفاقسي قال لأنها من القيام لا من الإقامة وقد تقدّم توجيهها ولا يقضى برواية على أخرى فيما هذا سبيله. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير وأخرجه مسلم. 96 - باب بَيْعِ الشَّرِيكِ مِنْ شَرِيكِهِ (باب)

97 - باب بيع الأرض والدور والعروض مشاعا غير مقسوم

حكم (بيع الشريك من شريكه). 2213 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-: "جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ". [الحديث 2213 - أطرافه في: 2214، 2257، 2495، 2496، 6976]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمود) هو ابن غيلان بالغين المعجمة قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن جابر) الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: جعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشفعة) بضم الشين المعجمة من شفعت الشيء إذا ضممته وسميت شفعة لضم نصيب إلى نصيب (في كل مال لم يقسم) عامّ مخصوص لأن المراد العقار المحتمل للقسمة وهذا كالإجماع وشذّ عطاء فأجرى الشفعة في كل شيء حتى في الثوب وأما ما لا يحتمل القسمة كالحمام ونحوه فلا شفعة فيه لأنه بقسمته تبطل المنفعة ولا شفعة إلا لشريك لم يقاسم فلا شفعة لجار خلافًا للحنفية واحتج لهم بما رواه الطحاوي بإسناد صحيح من حديث أنس مرفوعًا جار الدار أحق بالدار. ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في بابه وفي رواية المستملي والكشميهني في كل ما لم يقسم. (فإذا وقعت الحدود) أي صارت مقسومة (وصرفت الطرق) بضم الصاد المهملة وتشديد الراء المكسورة مبنيًّا للمجهول وفي بعض الأصول وصرفت بتخفيف الراء أي بينت مصارف الطرق وشوارعها (فلا شفعة) حينئذ لأنها بالقسمة تكون غير مشاعة قال ابن المنير أدخل في هذا الباب حديث الشفعة لأن الشريك يأخذ الشقص من المشتري قهرًا بالثمن فأخذه له من شريكه جائز قطعًا. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الباب الآتي وفي الشركة والشفعة وترك الحيل وأبو داود في البيوع والترمذي في الأحكام وكذا ابن ماجة. 97 - باب بَيْعِ الأَرْضِ وَالدُّورِ وَالْعُرُوضِ مُشَاعًا غَيْرَ مَقْسُومٍ (باب) حكم (بيع الأرض والدور) بالواو جمع دار قال الجوهري مؤنثة وأدنى العدد أدؤر فالهمزة فيه مبدلة من واو مضمومة ولك أن لا تهمز والكثير ديار مثل جبل وأجبل وجبال (و) بيع (العروض) جمع عرض أي المتاع حال كونه (مشاعًا غير مقسوم). 2214 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَضَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ. فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ". حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بِهَذَا وَقَالَ: "فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ". تَابَعَهُ هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ. قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: "فِي كُلِّ مَالٍ". رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن محبوب) بميم مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فموحدة مضمومة وبعد الواو موحدة أخرى قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: قضى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالشفعة في كل مال لم يقسم) عام يدخل فيه العقار وغيره لكنه مخصوص بالعقار وللمستملي والكشميهني ما لم يقسم (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق) بتشديد الراء وتخفف كما مر (فلا شفعة) لأنها تكون غير مشاعة. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد (بهذا) الحديث السابق (وقال) مسدد في روايته (في كل ما لم يقسم) وللحموي مال لم يقسم بلفظ العام. (تابعه) أي تابع عبد الواحد فيما وصله المؤلّف في ترك الحيل (هشام) هو ابن يوسف اليماني (عن معمر) هو ابن راشد في روايته في كل ما لم يقسم (قال عبد الرزاق) بن همام في روايته فيما وصله المؤلّف في الباب السابق (في كل مال) وكذا (رواه عبد الرحمن بن إسحاق) فيما وصله مسدد في مسنده عن بشر بن المفضل عنه (عن الزهري). قال الكرماني: الفرق بين الأساليب الثلاثة أن المتابعة أن يروي الراوي الآخر الحديث بعينه والرواية أعمّ منها والقول إنما يستعمل عند السماع على سبيل المذاكرة. 98 - باب إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَرَضِيَ هذا (باب) بالتنوين (إذا اشترى) أحد (شيئًا لغيره بغير إذنه) يعني بطريق الفضول (فرضي) ذلك الغير بذلك الشراء بعد وقوعه. 2215 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَرَجَ ثَلاَثَةٌ يَمْشُونَ فَأَصَابَهُمُ الْمَطَرُ، فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ. قَالَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ادْعُوا اللَّهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ. فَقَالَ أَحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى، ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلُبُ، فَأَجِيءُ بِالْحِلاَبِ فَآتِي بِهِ أَبَوَىَّ فَيَشْرَبَانِ، ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي. فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً فَجِئْتُ، فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ، قَالَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَالصِّبِيْةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَىَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ. قَالَ: فَفُرِجَ عَنْهُمْ. وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ، فَقَالَتْ لاَ تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتِ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً. قَالَ فَفَرَجَ عَنْهُمُ الثُّلُثَيْنِ. وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ، فَأَعْطَيْتُهُ وَأَبَى ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ، فَعَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا فَإِنَّهَا لَكَ. فَقَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي؟ قَالَ: فَقُلْتُ: مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، وَلَكِنَّهَا لَكَ. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا. فَكُشِفَ عَنْهُمْ». [الحديث 2215 - أطرافه في: 2272، 2333، 3465، 5974]. وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) بن كثير الدورقي قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي المدني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال: خرج ثلاثة يمشون) ولأبي ذر عن الكشميهني ثلاثة نفر يمشون أي حال كونهم يمشون (فأصابهم المطر) عطفه بالفاء على خرج ثلاثة وفي باب المزارعة

أصابهم بإسقاط الفاء لأنه جزاء بينهما (فدخلوا في غار) كهف وهو بيت منقور كائن (في جبل فانحطّت عليهم صخرة) على باب غارهم وفي باب المزارعة فانحطت على فم الغار صخرة من الجبل (قال) عليه الصلاة والسلام. (فقال بعضهم لبعض ادعوا الله) عز وجل (بأفضل عمل عملتموه) في المزارعة فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله تعالى فادعوا الله بها لعله يفرّجها عنكم (فقال أحدهم اللهمَّ) هو كقوله لمن قال أزيد هنا اللهم نعم أو اللهم لا كأنه ينادي الله تعالى مستشهدًا على ما قال من الجواب (إني كان لي أبوان) أب وأم فغلب في التثنية وفي المزارعة اللهم إنه كان لي والدان (شيخان كبيران) زاد في المزارعة ولي صبية صغار (فكنت أخرج) إلى الرعى (فأرعى) غنمي (ثم أجيء) من الرعى (فأحلب) ما يحلب من الغنم (فأجيء بالحلاب) بكسر الحاء وتخفيف اللام الإناء الذي يحلب فيه ومراده هنا اللبن المحلوب فيه (فأُتي به) أي بالحلاب (أبويّ) أصله أبوان لي فلما أضافه إلى ياء المتكلم سقطت النون وانتصب على المفعولية قلبت ألف التثنية ياء وأدغمت الياء فأناولهما إياه (فيشربان ثم أسقي الصبية) بكسر الصاد المهملة وإسكان الموحدة جمع صبي وفي المزارعة فبدأت بوالدي أسقيهما قبل بنيّ (وأهلي وامرأتي) والمراد بالأهل هنا الأقارب كالأخ والأخت فلا يكون عطف امرأتي على أهلي من عطف الشيء على نفسه (فاحتبست) أي تأخرت (ليلة) من الليالي بسبب عارض عرض لي (فجئت) لهما (فإذا هما نائمان) مبتدأ وخبر فإذا للمفاجأة (قال فكرهت أن أوقظهما) وفي المزارعة فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما وأكره أن أسقي الصبية (والصبية يتضاغون) بالضاد والغين المعجمتين بوزن يتفاعلون أي يضجّون بالبكاء من الجوع (عند رجليّ) بالتثنية وفي المزارعة عند قدمي (فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما) أي شأني وشأنهما مرفوع اسم يزل وذلك خبر أو منصوب وهو الذي في اليونينية على أنه الخبر وذلك الاسم كما في قوله تعالى: {فما زالت تلك دعواهم} [الأنبياء: 15] (حتى طلع الفجر) واستشكل تقديم الأبوين على الأولاد مع أن نفقة الأولاد مقدمة وأجيب باحتمال أن يكون في شرعهم تقديم نفقة الأصول على غيرهم (اللهمَّ إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك) أي طلبًا لمرضاتك وانتصاب ابتغاء على أنه مفعول له أي لأجل ابتغاء وجهك أي ذاتك (فافرج) بضم الراء فعل طلب ومعناه الدعاء من فرج يفرج من باب نصر ينصر (عنا فرجة) بضم الفاء وسكون الراء (نرى منها السماء قال ففرج عنهم) بقدر ما دعا فرجة ترى منها السماء وقوله ففرج بضم الفاء الثانية وكسر الراء. - (وقال) بالواو ولأبي الوقت فقال (الآخر اللهمَّ إن كنت تعلم أني كنت أحب امرأة من بنات عمي كأشد ما يحب الرجل النساء) الكاف زائدة أو أراد تشبيه محبته بأشد المحبات فأردتها على نفسها (فقالت لا تنال ذلك) باللام قبل الكاف ولأبي ذر ذاك بالألف بدل اللام (منها حتى تعطيها مائة دينار) كان مقتضى السياق أن يقال لا تنال ذلك مني حتى تعطيني لكنه من باب الالتفات (فسعيت فيها) أي في المائة دينار (حتى جمعتها) وفي الفرع حتى جئتها من المجيء وعزي الأول لأبي الوقت (فلما) أعطيتها الدنانير وأمكنتني من نفسها (قعدت بين رجليها) لأطأها (قالت اتق الله) يا عبد الله (ولا تفض الخاتم) بفتح المثناة الفوقية وفتح الضاد المعجمة ويجوز كسرها وهو كناية عن إزالة بكارتها (إلا بحقه) أي لا تزل البكارة إلا بالنكاح الصحيح الحلال (فقمت) من بين رجليها (وتركتها) من غير فعل (فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك) الترك (ابتغاء وجهك) أي لأجل ذاتك (فافرج عنّا) بضم الراء (فرجة قال) ولأبي الوقت فقال (ففرج) بفتحات أي ففرج الله (عنهم الثلثين) من الموضع الذي عليه الصخرة. (وقال الأخر): وهو الثالث (اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرًا) بلفظ الإفراد أي على عمل (بفرق) بفتح الفاء والراء مكيال يسع ثلاثة آصع

99 - باب الشراء والبيع مع المشركين وأهل الحرب

(من ذرة) بضم الذال المعجمة وفتح الراء المخففة حب معروف (فأعطيته) الفرق الذرة (وأبى) أي امتنع (ذلك) الأجير (أن يأخذ) الفرق وفي المزارعة فلما قضى عمله قال أعطني حقي فعرضت عليه فرغب عنه وفي باب الإجارة استأجرت أُجَراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب (فعمدت) بفتح الميم أي قصدت (إلى ذلك الفرق فزرعته) وفي المزارعة فلم أزل أزرعه (حتى اشتريت منه بقرًا وراعيها) بالنصب عطفًا على المفعول السابق ولغير أبي ذر وراعيها بالسكون (ثم جاء) الأجير المذكور (فقال) لي (يا عبد الله أعطني حقي) بهمزة قطع (فقلت) له (انطلق إلى تلك البقر وراعيها فإنها لك) وسقط لأبي ذر فإنها لك (فقال) لي (أتستهزئ بي قال فقلت) له وفي بعض الأصول قلت (ما أستهزئ بك ولكنها لك) وفي أحاديث الأنبياء فساقها وفي المزارعة فخذه فأخذه وفي الإجارة فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئًا (اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك) الإعطاء (ابتغاء وجهك) ذاتك المقدّسة (فافرج عنّا) بضم الراء (فكشف عنهم) بضم الكاف وكسر المعجمة أي كشف الله عنهم باب الغار زاد في الإجارة فخرجوا يمشون. وموضع الترجمة من هذا الحديث قوله إني استأجرت الخ فإن فيه تصرف الرجل في مال الأجير بغير إذنه فاستدلّ به المؤلّف -رحمه الله تعالى- على جواز بيع الفضولي وشرائه وطريق الاستدلال به ينبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا والجمهور على خلافه لكن تقرر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ساقه سياق المدح والثناء على فاعله وأقره على ذلك ولو كان لا يجوز لبينه فبهذا التقرير يصح الاستدلال به لا بمجرد كونه شرع من قبلنا والقول بصحة بيع الفضولي هو مذهب المالكية وهو القول القديم للشافعي -رضي الله عنه- فينعقد موقوفًا على إجازة المالك إن أجازه نفذ وإلاّ لغا والقول الجديد بطلانه لأنه ليس بمالك ولا وكيل ولا وليّ ويجري القولان فيما لو اشترى لغيره بلا إذن بعين ماله أو في ذمته وفيما لو زوّج أمة غيره أو ابنته أو طلّق منكوحته أو أعتق عبده أو آجر دابّته بغير إذنه وقد أجيب عمّا وقع هنا بأن الظاهر أن الرجل الأجير لم يملك الفرق لأن الستأجر لم يستأجره بفرق معين وإنما استأجره بفرق في الذمة فلما عرض عليه قبضه امتنع لرداءته فلم يدخل في ملكه بل بقي في حقه متعلقًا بذمّة المستأجر لأن ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح فالنتاج الذي حصل على ملك المستأجر تبرع به للأجير بتراضيهما وغاية ذلك أنه أحسّ القضاء فأعطاه القضاء حقه وزيادات كثيرة ولو كان الفرق تعين للأجير لكان تصرف المستأجر فيه تعديًّا ولا يتوسل إلى الله بالتعدي وإن كان مصلحة في حق صاحب الحق وليس أحد في حجر غيره حتى يبيع أملاكه ويطلق زوجاته ويزعم أن ذلك أحظى لصاحب الحق وإن كان أحظى فكل أحد أحق بنفسه وماله من الناس أجمعين. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الإجارة والمزارعة وأحاديث الأنبياء ومسلم في التوبة والنسائي في الرقائق. 99 - باب الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ (باب) حكم (الشراء والبيع مع المشركين وأهل الحرب) من عطف الخاص على العام. 2216 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً- أَوْ قَالَ: أَمْ هِبَةً -فَقَالَ: لاَ، بَلْ بَيْعٌ. فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً". [الحديث 2216 - طرفاه في: 2618، 5382]. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا معتمر بن سليمان) بن طرخان (عن أبيه عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل النهدي بالنون (عن عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما-) أنه (قال كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في باب قبول الهدية من المشركين من كتاب الهدية ثلاثين ومائة فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "هل مع أحد منكم طعام فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن" (ثم جاء رجل مشرك) قال الحافظ ابن حجر لم أعرف اسمه (مشعان) بضم الميم وسكون الشين المعجمة وبعد العين المهملة ألف ثم نون مشدّدة أي طويل شعر الرأس جدًّا أو البعيد العهد بالدهن الشعث وقال القاضي الثائر الرأس متفرقه (طويل بغنم يسوقها فقال) زاد في نسخة له (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيعًا) نصب على المصدرية أي ْأتبيع بيعًا أو الحال أي

100 - باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه

أتدفعها بائعًا ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف أي أهذه بيع (أم عطية أو قال أم هبة) بالنصب عطفًا على السابق ويجوز الرفع كما مرّ والشك من الراوي. (قال) المشرك (لا) ليس عطية أو ليس هبة (بل) هو (بيع) أي مبيع وأطلق البيع عليه باعتبار ما يؤول، (فاشترى) عليه الصلاة والسلام (منه شاة) فيه جواز بيع الكافر وإثبات ملكه على ما في يده وجواز قبول الهدية منه، واختلف في مبايعة من غالب ماله حرام، واحتج من رخص فيه بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمشرك: بيعًا أم هبة. وكان الحسن بن أبي الحسن لا يرى بأسًا أن يأكل الرجل من طعام العشار والصراف والعامل ويقول: قد أحلّ الله تعالى طعام اليهودي والنصراني، وقد أخبر أن اليهود أكّالون للسحت قال الحسن: ما لم يعرفوا شيئًا بعينه، وقال الشافعي: لا أحب مبايعة من أكثر ماله ربًا أو كسبه من حرام فإن بويع لا يفسخ. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الهبة والأطعمة، وأخرجه مسلم في الأطعمة أيضًا. 100 - باب شِرَاءِ الْمَمْلُوكِ مِنَ الْحَرْبِيِّ وَهِبَتِهِ وَعِتْقِهِ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِسَلْمَانَ: كَاتِبْ، وَكَانَ حُرًّا فَظَلَمُوهُ وَبَاعُوهُ. وَسُبِيَ عَمَّارٌ وَصُهَيْبٌ وَبِلاَلٌ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ، فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}. (باب) حكم (شراء المملوك من الحربي و) حكم (هبته وعتقه وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لسلمان) الفارسي (كاتب) أي اشتر نفسك من مولاك بنجمين أو أكثر (و) الحال أنه (كان حرًّا) قبل أن يخرج من داره (فظلموه وباعوه) ولم يكن إذ ذاك مؤمنًا وإنما كان إيمانه إيمان مصدّق بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا بعث مع إقامته على شريعة عيسى عليه الصلاة والسلام فأقرّه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مملوكًا لمن كان في يده إذ كان في حكمه عليه الصلاة والسلام أن من أسلم من رقيق المشركين في دار الحرب ولم يخرج مراغمًا لسيده فهو لسيده أو كان سيده من أهل صلح المسلمين فهو لمالكه قاله الطبري، وقصته أنه هرب من أبيه لطلب الحق وكان مجوسيًّا فلحق براهب ثم براهب ثم بآخر، وكان يصحبهم إلى وفاتهم حتى دلّه الأخير على الحجاز وأخبروه بظهور رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقصده مع بعض الأعراب فغدروا به فباعوه في وادي القرى ليهودي ثم اشتراه منه يهودي آخر من بني قريظة فقدم به المدينة، فلما قدمها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورأى علامات النبوّة أسلم فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كاتب عن نفسك". وقد رويت قصته من طرق كثيرة من أصحها ما أخرجه أحمد وعلّق البخاري منها ما تراه وفي سياق قصته في إسلامه اختلاف يتعسر الجمع فيه، وروى البخاري في صحيحه عن سليمان أنه تداوله بضعة عشر سيدًا. (وسبي عمار) هو ابن ياسر العنسي بالعين والسين المهملتين بينهما نون ساكنة ولم يكن عمار سبي لأنه كان غريبًا، وإنما سكن أبوه مكة وحالف بني مخزوم فزوّجوه سميّة وكانت من مواليهم فولدت له عمارًا، فيحتمل أن يكون المشركون عاملوا عمارًا معاملة السبي لكون أمه من مواليهم. (و) سُبي (صهيب) هو ابن سنان بن مالك وهو الرومي قيل له ذلك لأن الروم سبوه صغيرًا ثم اشتراه رجل من كلب فباعه بمكة فاشتراه عبد الله بن جدعان التيمي فأعتقه، ويقال بل هرب من الروم فقدم مكة فحالف ابن جدعان، وروى ابن سعد أنه أسلم هو وعمار ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في دار الأرقم. (وبلال) هو ابن رباح الحبشي المؤذن وأمه حمامة اشتراه أبو بكر الصديق من المشركين لما كانوا يعذبونه على التوحيد فأعتقه (وقال الله تعالى: {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق}) فمنكم غني ومنكم فقير ومنكم موالٍ يتولون رزقهم ورزق غيرهم ومنكم مماليك حالهم على خلاف ذلك ({فما الذين فضلوا برادي رزقهم}) بمعطي رزقهم ({على ما ملكت أيمانهم}) على مماليكهم فإنما يردون عليهم رزقهم الذي جعله الله في أيديهم ({فهم فيه سواء})، فالموالي والمماليك سواء في أن الله رزقهم فالجملة لازمة للجملة المنفية أو مقررة لها، ويجوز أن تكون واقعة موقع الجواب كأنه قيل {فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم} فيستووا في الرزق على أنه ردّ وإنكار على المشركين فإنهم يشركون بالله بعض مخلوقاته

في الألوهية ولا يرضون أن تشاركهم عبيدهم فيما أنعم الله عليهم فتساويهم فيه ({أفبنعمة الله يجحدون}) [النحل: 71] حيث يتخذون له شركاء فإنه يقتضي أن يضاف إليهم بعض ما أنعم الله عليهم ويجحدوا أنه من عند الله أو حيث أنكروا أمثال هذه الحجج بعدما أنعم الله عليهم بإيضاحها قاله البيضاوي. وموضع الترجمة قوله "على ما ملكت أيمانهم" فأثبت لهم ملك اليمين مع كون ملكهم غالبًا على غير الأرضاع الشرعية، وفي رواية أبوي ذر والوقت "على ما ملكت أيمانهم" إلى قوله "أفبنعمة الله يجحدون". 2217 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بِسَارَةَ، فَدَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ -أَوْ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ. فَقِيلَ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءِ. فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ مَنْ هَذِهِ الَّتِي مَعَكَ؟ قَالَ: أُخْتِي. ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا فَقَالَ: لاَ تُكَذِّبِي حَدِيثِي، فَإِنِّي أَخْبَرْتُهُمْ أَنَّكِ أُخْتِي، وَاللَّهِ إِنْ عَلَى الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرُكِ. فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ فَقَامَ إِلَيْهَا، فَقَامَتْ تَوَضَّأُ وَتُصَلِّي فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلاَّ عَلَى زَوْجِي فَلاَ تُسَلِّطْ عَلَىَّ الْكَافِرَ. فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ -قَالَ الأَعْرَجُ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ- قَالَتِ اللَّهُمَّ إِنْ يَمُتْ يُقَالُ هِيَ قَتَلَتْهُ. فَأُرْسِلَ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا فَقَامَتْ تَوَضَّأُ تُصَلِّي وَتَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ، وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي، إِلاَّ عَلَى زَوْجِي فَلاَ تُسَلِّطْ عَلَىَّ هَذَا الْكَافِرَ، فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ -قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ- فَقَالَتِ اللَّهُمَّ إِنْ يَمُتْ فَيُقَالُ هِيَ قَتَلَتْهُ. فَأُرْسِلَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرْسَلْتُمْ إِلَىَّ إِلاَّ شَيْطَانًا، ارْجِعُوهَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَعْطُوهَا آجَرَ، فَرَجَعَتْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ اللَّهَ كَبَتَ الْكَافِرَ وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً". [الحديث 2217 - أطرافه في: 7635، 3357، 3358، 5084، 6950]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هاجر إبراهيم) الخليل (عليه السلام بسارة) بتخفيف الراء وقيل بتشديدها أي سافر بها (فدخل بها قرية) هي مصر وقال ابن قتيبة الأردن (فيها ملك من الملوك) هو صاروق وقيل سنان بن علوان، وقيل عمرو بن امرئ القيس بن سبأ وكان على مصر (أو جبار من الجبابرة) شك من الراوي (فقيل) له (دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النساء) وقال ابن هشام وشى به حناط كان إبراهيم يمتاز منه (فأرسل) الملك (إليه أن يا إبراهيم من هذه) المرأة (التي معك قال أختي) يعني في الدين (ثم رجع) إبراهيم عليه الصلاة والسلام (إليها فقال لا تكذبي حديثي فإني أخبرتهم أنك أختي) اختلف في السبب الذي حمل إبراهيم على هذه التوصية مع أن ذلك الجبار كان يريد اغتصابها على نفسها أختًا كانت أو زوجة، فقيل: كان من دين ذلك الجبار أن لا يتعرض إلاّ لذوات الأزواج أي فيقتلهن فأراد إبراهيم عليه الصلاة والسلام دفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما، وذلك أن اغتصابه إياها واقع لا محالة لكن إن علم أن لها زوجًا في الحياة حملته الغيرة على قتله وإعدامه أو حبسه وإضراره بخلاف ما إذا علم أن لها أخًا فإن الغيرة حينئذ تكون من قبل الأخ خاصة لا من قبل الجبار فلا يبالي به، وقيل المراد إن علم أنك امرأتي ألزمني بالطلاق (والله إن) بكسر الهمزة وسكون النون نافية أي ما (على الأرض) هذه التي نحن فيها (مؤمن) ولأبي ذر: من مؤمن (غيري وغيرك) بالرفع بدلاً عطفًا على محل غيري ويجوز الجر عطفًا عليه والذي في اليونينية الرفع والنصب لا الجر، واستشكل بكون لوط كان معه كما قال تعالى: {فآمن له لوط} [العنكبوت: 26] وأجيب بأن المراد بالأرض التي وقع له فيها ما وقع كما قدرته بهذه التي نحن فيها ولم يكن معه لوط إذ ذاك (فأرسل) الخليل عليه الصلاة والسلام (بها إليه) أي بسارة إلى الجبار (فقام إليها) بعد أن دخلت عليه (فقامت) سارة حال كونها (توضأ) أصله تتوضأ فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا والهمزة مرفوعة ففيه أن الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة (وتصلي) عطف على سابقه (فقالت: اللهمَّ إن كنت آمنت بك وبرسولك) إبراهيم ولم تكن شاكّة في الإيمان بل كانت قاطعة به وإنما ذكرته على سبيل الفرض هضمًا لنفسها. وقال في اللامع: الأحسن أن هذا ترحم وتوسل بإيمانها لقضاء سؤلها (وأحصنت فرجي إلا على زوجي) إبراهيم (فلا تسلط عليّ) هذا (الكافر فغط) بضم الغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي أخذ بمجاري نفسه حتى سمع له غطيط (حتى ركض برجله) أي حركها وضرب بها الأرض، وفي رواية مسلم: فقام إبراهيم إلى الصلاة فلما دخلت عليه أي على الملك لم يتمالك أن بسط يده إليها فقبضت يده قبضة شديدة، وقد روي أنه كشف لإبراهيم عليه الصلاة والسلام حتى رأى حالهم لئلا يخامر قلبه أمر، وقيل صار قصر الجبار لإبراهيم كالقارورة الصافية فرأى الملك وسارة وسمع كلامهما. (قال الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز بالسند المذكور (قال أبو سلمة بن عبد الرحمن إن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال) مما ظاهره أنه موقوف عليه، ولعل أبا الزناد روى السابق

مرفوعًا وهذه موقوفة (قالت: اللهمَّ إن يمت) هذا الجبار (يقال) كذا للحموي والمستملي بالألف، واستشكل بأن جواب الشرط يجب جزمه وأجيب بأن الجواب محذوف تقديره أعذب، ويقال (هي قتلته) والجملة لا محل لها من الإعراب دالّة على المحذوف، وللكشميهني: يقل بالجزم وحذف الألف على الأصل أي فقد يقل قتله وذلك موجب لتوقعها مساءة خاصة الملك وأهله (فأرسل) الجبار أي أطلق مما عرض له والهمزة مضمومة (ثم قام إليها) ثانيًا (فقامت توضأ وتصلي) بالواو وهي مكشوطة في الفرع مكتوب مكانها همزة توضأ وكذا هي ساقطة في اليونينية أيضًا (وتقول: اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك) إبراهيم (وأحصنت فرجي إلا على زوجي) إبراهيم (فلا تسلط عليّ هذا الكافر) بإثبات اسم الإشارة هنا وإسقاطه في السابقة (فغط) الجبار يعني اختنق حتى صار كالمصروع (حتى ركض) ضرب (برجله) الأرض (قال) وفي نسخة: فقال (عبد الرحمن) أي ابن هرمز الأعرج، وفي نسخة: قال الأعرج ووقع في بعض الأصول قال أبو عبد الرحمن والذي يظهر لي أن ذلك سهو من الناسخ فإن كنية عبد الرحمن أبو داود لا أبو عبد الرحمن والعلم عند الله تعالى. (قال أبو سلمة) أي ابن عبد الرحمن، (قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (فقالت: اللهم إن يمت) هذا الجبار (فيقال) بالفاء والألف فهي كالفاء في قوله: {أينما تكونوا يدرككم الموت} [النساء: 78] على قراءة الرفع في يدرككم أي فيدرككم، وللمستملي يقال بحذف الفاء فهي مقدرة، وللكشميهني يقل بالجزم جوابًا للشرط (هي قتلته فأرسل) بضم الهمزة في جميع ما وقفت عليه من الأصول أي أطلق الجبار (في الثانية أو في الثالثة) شك الراوي، وفي نسخة وفي الثالثة بإسقاط الألف من غير شك (فقال) الجبار عقب إطلاقه في المرة الثانية أو الثالثة لجماعته (والله ما أرسلتم إليّ إلاّ شيطانًا) أي متمردًا من الجن وكانوا قبل الإسلام يعظّمون أمر الجن ويرون كل ما يقع من الخوارق من فعلهم وتصرفهم وهذا يناسب ما وقع له من الخنق الشبيه بالصرع (ارجعوها) بكسر الهمزة أي ردّوها (إلى إبراهيم عليه السلام) ورجع يأتي لازمًا ومتعديًا يقال: رجع زيد رجوعًا ورجعته أنا رجعًا قال الله تعالى {فإن رجعك الله إلى طائفة} [التوبة: 83] وقال: {فلا ترجعوهنّ إلى الكفار} [الممتحنة: 10] (وأعطوها) بهمزة قطع فعل أمر أي أعطوا سارة (آجر) بهمزة ممدودة بدل الهاء وجيم مفتوحة فراء، وكان أبو آجر من ملوك القبط من حقن بفتح الحاء المهملة وسكون القاف قرية بمصر، (فرجعت إلى إبراهيم عليه السلام) زاد في أحاديث الأنبياء فأتته أي إبراهيم وهو قائم يصلّي فأومأ بيده مهيم أي ما الخبر؟ (فقالت: أشعرت) أي أعلمت (أن الله كبت الكافر) بفتح الكاف والموحدة بعدها تاء مثناة فوقية أي صرعه لوجهه أو أخزاه أو ردّه خائبًا أو أغاظه وأذله (وأخدم وليدة) يحتمل أن يكون وأخدم معطوفًا على كبت، ويحتمل أن يكون فاعل أخدم هو الجبار فيكون استئنافًا، والوليدة الجارية للخدمة سواء كانت كبيرة أو صغيرة، وفي الأصل الوليد الطفل والأنُثى وليدة الجمع ولائد وحذفت مفعول أخدم الأول لعدم تعلق الغرض بتعيينه أو تأدبًا مع الخليل عليه الصلاة والسلام أن تواجهه بأن غيره أخدمها ووليدة المفعول الثاني، والمراد بها آجر المذكورة. وموضع الترجمة قوله: وأعطوها آجر وقبول سارة منه وإمضاء إبراهيم ذلك ففيه صحة هبة الكافر وقبول هدية السلطان الظالم وابتلاء الصالحين لرفع درجاتهم وفيه إباحة المعاريض وأنها مندوحة عن الكذب. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الهبة والإكراه وأحاديث الأنبياء. 2218 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتِ: "اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلاَمٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إِلَىَّ أَنَّهُ ابْنُهُ، انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ. وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ. فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ. فَلَمْ تَرَهُ سَوْدَةُ قَطُّ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص) أحد العشرة المبشرة بالجنة (وعبد بن زمعة) أخو سودة أم المؤمنين (في غلام) هو عبد الرحمن ابن وليدة زمعة

المذكور (فقال سعد: هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص) مات مشركًا وكان قد كسر ثنية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عهد) أي أوصى (إليّ أنه) أي الغلام (ابنه انظر إلى شبهه) بعتبة، (وقال عبد بن زمعة) أخو أم المؤمنين سودة -رضي الله عنها- (هذا) الغلام (أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي) زمعة (من وليدته) أي جاريته ولم تسمّ (فنظر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى شبهه فرأى شبهًا بيّنًا بعتبة) لكنه لم يعتمده لوجود ما هو أقوى منه وهو الفراش، (فقال) عليه الصلاة والسلام: (هو) أي الغلام (لك يا عبد) ولأبي ذر: يا عبد بن زمعة بضم عبد ونصب ابن (الولد) تابع (للفراش) أي لصاحبه زوجًا كان أو سيدًا خلافًا للحنفية حيث قالوا: إن ولد الأمة المستفرشة لا يلحق سيدها ما لم تقرّ به فلا عموم عندهم له في الأمة، وفيه بحث تقدم في باب تفسير الشبهات أوائل البيع (وللعاهر) أي الزاني (الحجر) أي الخيبة ولا حق له في الولد (واحتجبي منه) أي من الغلام (يا سودة بنت زمعة) هي أم المؤمنين أي ندبًا واحتياطًا وإلا فقد ثبت نسبه وأخوته لها في ظاهر الشرع لما رأى من الشبه البينّ بعتبة، (فلم تره سودة قط) وفي باب الشبهات فما رآها أي الغلام حتى لحق بالله. وموضع الترجمة منه تقرير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ملك زمعة الوليد وإجراء أحكام الرقّ عليها فدلّ على تنفيذ عهد المشرك والحكم به وأن تصرفه في ملكه يجوز كيف شاء. وهذا الحديث قد سبق في أوائل البيع. 2219 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -رضي الله عنه- لِصُهَيْبٍ: "اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَدَّعِ إِلَى غَيْرِ أَبِيكَ. فَقَالَ صُهَيْبٌ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا وَأَنِّي قُلْتُ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي سُرِقْتُ وَأَنَا صَبِيٌّ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة العبدي البصري أبو بكر بندار قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد) هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبيه) أنه قال: (قال عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- لصهيب اتق الله ولا تدع) بغير ياء وفي بعض النسخ ولا تدعي بإشباع كسرة العين ياء أي لا تنتسب (إلى غير أبيك) لأنه كان يدعي أنه عربي نمري أو لسانه أعجمي وكان يسوق نسبه إلى النمر بن قاسط ويقول: إن أمه من بني تميم (فقال صهيب ما يسرني أن لي كذا وكذا وأني قلت ذلك) الادّعاء إلى غير الأب (ولكني سرقت) بضم السين المهملة مبنيًّا للمفعول (وأنا صبي) وذلك أن أباه كان عاملاً لكسرى على الأبلة وكانت منازلهم بأرض الموصل فأغارت عليهم الروم فسبت صهيبًا فنشأ عند الروم فصار ألكن فابتاعه رجل من كلب منهم وقدم به مكة فاشتراه ابن جدعان وأعتقه كما مرّ فلذا قال له عبد الرحمن ذلك. وموضع الترجمة منه كون ابن جدعان اشتراه وأعتقه. 2220 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ -أَوْ أَتَحَنَّتُ -بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صِلَةٍ وَعَتَاقَةٍ وَصَدَقَةٍ، هَلْ لِي فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ حَكِيمٌ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهرى) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوام (أن حكيم بن حزام) بالحاء المهملة المكسورة والزاي (أخبره أنه قال: يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني (أمورًا كنت أتحنث) بالحاء المهملة وتشديد النون والمثلثة آخر الكلمة (أو أتحنت) بالمثناة بدل المثلثه بالشك وكأن المصنف رواه عن أبي اليمان بالوجهين، ولذا قال في الأدب ويقال أيضًا عن أبي اليمان أَتحنت أي بالمثناة إشارة إلى ما أورده هنا، والذي رواه الكافّة بالمثلثة وغلط القول بالمثناة. وقال السفاقسي: لا أعلم له وجهًا ولم يذكره أحد من اللغويين بالمثناة والوهم فيه من شيوخ البخاري بدليل قوله في الأدب ويقال كما مرّ وإنما هو بالمثلثة وهو مأخوذ من الحنث فكأنه قال: أتوقى ما يؤثم، ولكن ليس المراد توقّي الإثم فقد بل أعلى منه وهو تحصيل البر فكأنه قال أرأيت أمورًا كنت أتبرر (بها في الجاهلية من صلة) إحسان للأقارب (وعتاقة) للأرقاء (وصدقة) للفقراء (هل لي فيها أجر؟ قال حكيم -رضي الله عنه- قال) لي (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أسلمت على ما) أي مع ما أو مستعليًا على ما (سلف لك من خير) وسقط لأبي ذر لفظ لك. ومطابقة الحديث للترجمة مما تضمنه من الصدقة والعتاقة من المشرك

101 - باب جلود الميتة قبل أن تدبغ

فإنه يتضمن صحة ملك المشتري لأن صحة العتق متوقفة على صحة الملك فيطابق قوله في الترجمة وهبته وعتقه. وهذا الحديث قد سبق في الزكاة في باب من تصدق في الشرك ثم أسلم، وأخرجه أيضًا في الأدب وغيره. 101 - باب جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْبَغَ (باب) حكم (جلود الميتة قبل أن تدبغ) هل يصح بيعها أم لا. 2221 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ: هَلاَّ اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا؟ قَالُوا: إِنَّهَا مَيِّتَةٌ. قَالَ: إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا". وبه قال: (حدّثنا زهير بن حرب) أبو خيثمة النسائي والد أبي بكر بن أبي خيثمة قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني نزيل بغداد قال: (حدّثنا أبي عن صالح) هو ابن كيسان (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن شهاب) الزهري (أن عبيد الله بن عبد الله) بتصغير الأوّل ابن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة (أخبره أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ بشاة ميتة فقال): (هلاّ استمتعتم بإهابها)؟ بكسر الهمزة وتخفيف الهاء الجلد قبل أن يدبغ أو سواء دبغ أو لم يدبغ، وزاد مسلم من طريق ابن عيينة: هلاّ أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به (قالوا: إنها ميتة) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تعيين القائل والمعنى كيف تأمرنا بالانتفاع بها وقد حرمت علينا فبيّن لهم وجه التحريم حيث (قال: إنما حرم أكلها) بفتح الهمزة وجزم الكاف وحرم بفتح الحاء وضم الراء مخففة ويجوز الضم وتشديد الراء مكسورة وفيه جواز تخصيص الكتاب بالسُّنَّة لأن لفظ القرآن: {حرِّمت عليكم الميتة} [المائدة: 3] وهو شامل لجميع أجزائها في كل حال فخصّت السُّنّة ذلك بالأكل، واستدلّ به الزهري على جواز الانتفاع بجلد الميتة مطلقًا سواء دبغ أو لم يدبغ لكن صحّ التقييد بالدباغ من طريق أخرى وهي حجة الجمهور، واستثنى الشافعي من الميتات الكلب والخنزير وما تولد منهما النجاسة عينهما عنده، وقد تمسك بعضهم بخصوص هذا السبب فقصر الجواز على المأكول لورود الخبر في الشاة، ويتقوى ذلك من حيث النظر لأن الدباغ لا يزيد في التطهير على الذكاة وغير المأكول لو ذكّي لم يطهر بالذكاة عند الأكثر فكذلك بالدباغ. وأجاب من عمم بالتمسك بعموم اللفظ وهو أولى من خصوص السبب وبعموم الإذن بالمنفعة. وموضع الترجمة قوله: "هلآ انتفعتم بإهابها" والانتفاع يدل على جواز البيع. وقد سبق الحديث في الزكاة وأخرجه أيضًا في الذبائح. 102 - باب قَتْلِ الْخِنْزِيرِ وَقَالَ جَابِرٌ: حَرَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْعَ الْخِنْزِيرِ. (باب قتل الخنزير) هل هو مشروع. فإن قلت: ما المناسبة في سوق هذا الباب هنا؟ أجيب بأنه أشار به إلى أن ما أمر بقتله لا يجوز بيعه. (وقال جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- مما وصله المؤلّف في باب بيع الميتة والأصنام (حرّم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيع الخنزير). 2222 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ». [الحديث 2222 - أطرافه في: 2476، 3448، 3449]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني البلخي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن ابن المسيب) بفتح الياء المشددة سعيد (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (و) الله (الذي نفسي بيده) قال العارف شمس الدين بن اللبان: نسبة الأيدي إليه تعالى استعارة لحقائق أنوار علوية يظهر عنها تصرفه وبطشه بدأ وإعادة تلك الأنوار متفاوتة في روح القرب وعلى حسب تفاوتها وسعة دوائرها تكون رتب التخصيص لما ظهر عنها (ليوشكن) بلام التوكيد المفتوحة وكسر الشين المعجمة وتشديد النون (أن ينزل فيكم) أي في هذه الأمة (ابن مريم) بفتح أوّل ينزل وكسر ثالثه وأن مصدرية في محل رفع على الفاعلية أي ليسرعن أو ليقربن نزول ابن مريم من السماء ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق واضعًا كفّيه على أجنحة ملكين (حكمًا) بفتحتين أي حاكمًا (مقسطًا) عادلاً يقال أقسط إذا عدل وقسط إذا جار أي حاكمًا من حكام هذه الأمة بهذه الشريعة المحمدية لا نبيًّا برسالة مستقلة وشريعة ناسخة (فيكسر الصليب) الذي تعظمه النصارى والأصل فيه ما روي أن رهطًا من اليهود سبوا عيسى وأمه عليهما الصلاة والسلام فدعا عليهم فمسخهم الله قردة وخنازير، فأجمعت اليهود على قتله فأخبره الله بأنه يرفعه إلى السماء فقال لأصحابه: أيكم يرضى أن يلقى عليه شبهي فيقتل ويصلب

- باب لا يذاب شحم الميتة، ولا يباع ودكه

ويدخل الجنة؟ فقام رجل منهم فألقى الله عليه شبهه فقتل وصلب، وقيل كان رجلاً ينافقه فخرج ليدل عليه فدخل بيت عيسى ورفع عيسى وألقي شبهه على المنافق فدخلوا عليه فقتلوه وهم يظنون إنه عيسى، ثم اختلفوا فقال بعضهم: إنه إله لا يصح قتله، وقال بعضهم: إنه قد قتل وصلب، وقال بعضهم: إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا وإن كان صاحبنا فأين عيسى؟ وقال بعضهم: رفع إلى السماء، وقال بعضهم: الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا ثم تسلطوا على أصحاب عيسى عليه السلام بالقتل والصلب والحبس حتى بلغ أمرهم إلى صاحب الروم فقيل له إن اليهود قد تسلطوا على أصحاب رجل كان يذكر لهم أنه رسول الله وكان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويفعل العجائب فعدوا عليه فقتلوه وصلبوه، فأرسل إلى المصلوب فوضع عن جذعه وجيء بالجذع الذي صلب عليه فعظمه صاحب الروم وجعلوا منه صلبانًا، فمن ثم عظم النصارى الصلبان فكسر عيسى عليه الصلاة والسلام الصليب إذ نزل فيه تكذيبهم وإبطال لما يدعونه من تعظيمه وإبطال دين النصارى والفاء في فيكسر تفصيلية لقوله حكمًا والراء نصب عطفًا على الفعل المنصوب قبله وكذا قوله: (ويقتل الخنزير) أي يأمر بإعدامه مبالغة في تحريم أكله وفيه بيان أنه نجس لأن عيسى عليه السلام إنما يقتله بحكم هذه الشريعة المحمدية، والشيء الطاهر المنتفع به لا يباح إتلافه، وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى (ويضع الجزية) عن ذمتهم أي يرفعها وذلك بأن يحمل الناس على دين الإسلام فيسلمون وتسقط عنهم الجزية، وقيل يضعها يضربها عليهم ويلومهم إياها من غير محاباة وهذا قاله عياض احتمالاً، وتعقبه النووي بأن الصواب أن عيسى عليه السلام لا يقبل إلا الإسلام، والجزية وإن كانت مشروعة في هذه الشريعة إلا أن مشروعيتها تنقطع بزمن عيسى عليه السلام وليس عيسى بناسخ حكمها بل نبيّنا هو المبين للنسخ بقوله هذا والفعل بالنصب عطفًا على المنصوب السابق وكذا قوله: (ويفيض) بفتح التحتية وكسر الفاء وبالضاد المعجمة أي يكثر (المال حتى لا يقبله أحد) لكثرته واستغناء كل أحد بما في يديه بسبب نزول البركات وتوالي الخيرات بسبب العدل وعدم الظلم، وتخرج الأرض كنوزها وتقلّ الرغبات في اقتناء المال لعلمهم بقرب الساعة. وقوله: ويفيض ضبطه الدمياطي بالنصب كما مرّ، وضبطه ابن التين السفاقسي بالرفع على الاستئناف قال لأنه ليس من فعل عيسى عليه الصلاة والسلام. وهذا الحديث أخرجه في أحاديث الأنبياء، ومسلم في الإيمان، والترمذي في الفتن وقال: حسن صحيح. 103 - باب لاَ يُذَابُ شَحْمُ الْمَيْتَة، ِ وَلاَ يُبَاعُ وَدَكُهُ رَوَاهُ جَابِرٌ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. هذا (باب) بالتنوين (لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه) بفتح الواو والمهملة دسم اللحم ودهنه الذي يخرج منه (رواه) بمعناه (جابر) فيما رواه المؤلّف في باب بيع الميتة والأصنام (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 2223 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي طَاوُسٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ فُلاَنًا بَاعَ خَمْرًا فَقَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ فُلاَنًا، أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا". [الحديث 2223 - طرفه في: 3460]. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو بن دينار قال: أخبرني) بالإفراد (طاوس) اليماني (أنه سمع ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: بلغ عمر) زاد أبو ذر ابن الخطاب -رضي الله عنه- (أن فلانًا) في مسلم وابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن ابن عيينة بهذا الإسناد أنه سمرة، وزاد البيهقي من طريق الزعفراني عن سفيان بن جندب (باع خمرًا) أخذها من أهل الكتاب عن قيمة الجزية فباعها منهم معتقدًا جواز ذلك أو باع العصير ممن يتخذه خمرًا والعصير يسمى خمرًا باعتبار ما يؤول إليه أو يكون خلل الخمر ثم باعها ولا يظن بسمرة أنه باع الخمر بعد أن شاع تحريمها قاله القرطبي. وقال الإسماعيلي: يحتمل أن سمرة علم تحريمها ولم يعلم تحريم بيعها ولذلك اقتصر عمر -رضي الله عنه- على ذمه دون عقوبته. (فقال: قاتل الله فلانًا) يحتمل أنه لم يرد به الدعاء وإنما هي كلمة تقولها العرب عند إرادة الزجر فقالها عمر تغليظًا، والظاهر أن الراوي لم يصرح بسمرة تأدبًا من أن ينسب لأحد من الصحابة ما في ظاهره بشاعة، ومن ثم لم يفسره صاحب المصابيح الشيخ بدر الدين الدماميني

104 - باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح، وما يكره من ذلك

وقال: رأيت الكف عن ذلك وآثرت السكوت عنه جزاه الله خيرًا لكن لما كان ذلك مصرحًا به في كتب الحديث التي بأيدي الناس كان الأولى التنبيه على المعنى والله تعالى يهدينا سواء السبيل بمنّه وكرمه. (ألم يعلم) أي فلان (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (قاتل الله اليهود) الأصل في فاعل أن يكون من اثنين فلعله عبّر عنه بما هو مسبب عنه فإنهم بما اخترعوا من الحيل انتصبوا فيها لمحاربة الله ومقاتلته ومن قاتله قتله، وفسره البخاري من رواية أبي ذر فاللعنة وهو قول ابن عباس. وقال الهروي معناه قتلهم الله، وقال البيضاوي في سورة [التوبة: 30] {قاتلهم الله} دعا عليهم بالهلاك فإن من قاتله الله هلك وهو معنى ما سبق (حرمت عليهم الشحوم) وجمع الشحم لاختلاف أنواعه وإلا فهو اسم جنس حقه الإفراد أي حرم عليهم كلها مطلقًا من الميتة وغيرها وإلاّ فلو حرّم عليهم بيعها لم يكن لهم حيلة فيما صنعوه من إذابتها المذكور بقوله (فجملوها) بفتح الجيم والميم أي أذابوها (فباعوها) يعني فبيع فلان الخمر مثل بيع اليهود الشحم المذاب وكل ما حرّم تناوله حرم بيعه نعم المذاب للاستصباح ليس بحرام لأن الدعاء عليهم إنما هو مرتب على المجموع وفيه استعمال القياس في الأشباه والنظائر وتحريم بيع الخمر. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في ذكر بني إسرائيل، ومسلم في البيوع، والنسائي في الذبائح والتفسير، وابن ماجة في الأشربة. 2224 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَاتَلَ اللَّهُ يَهُودً، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا». قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: {قَاتَلَهُمُ اللهُ} لَعَنَهُمْ. {قُتِلَ}: لُعِنَ. {الخَرّاصُونَ}: الكَذّابُونَ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: سمعت سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (قاتل الله يهود) بغير تنوين لأنه لا ينصرف للعلمية والتأنيث لأنه علم للقبيلة ويروى يهودًا بالتنوين على إرادة الحي فيصير بعلة واحدة فينصرف، وفي بعض الأصول قاتل الله اليهود بالألف واللام (حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها) جمع ثمن ولم يقل في هذه الطريق فجملوها وزاد هنا في بعض الأصول في رواية المستملي: (قال أبو عبد الله) البخاري: (قاتلهم الله لعنهم) الله وهو تفسير لقاتل في اليهود لا لقاتل الواقع من عمر -رضي الله عنه- في حق فلان، واستشهد المؤلّف على ذلك بقوله تعالى: ({قتل}) أي (لعن {الخراصون}) أي ({الكذابون})، وهو تفسير ابن عباس رواه الطبري عنه في تفسيره. 104 - باب بَيْعِ التَّصَاوِيرِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا رُوحٌ، وَمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ (باب بيع التصاوير) أي المصورات (التي ليس فيها روح) كالأشجار ونحوها (و) بيان (ما يكره من ذلك) اتخاذًا وبيعًا وعملاً ونحوها. 2225 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَخْبَرَنَا عَوْفٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ: "كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ إِنِّي إِنْسَانٌ إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي، وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ أُحَدِّثُكَ إِلاَّ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا. فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ. فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنْ أَبَيْتَ إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ: كُلِّ شَىْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: سَمِعَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ مِنَ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ هَذَا الْوَاحِدَ. [الحديث 2225 - طرفاه في: 5963، 7042]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) مصغرًا قال: (أخبرنا عوف) بفتح العين آخره فاء ابن أبي حميد المعروف بالأعرابي (عن سعيد بن أبي الحسن) هو أخو الحسن البصري وأسنّ منه ومات قبله وليس له في البخاري موصولاً سوى هذا الحديث أنه (قال: كنت عند ابن عباس -رضي الله عنهما- إذ أتاه رجل) لم يسم (فقال: يا أبا عباس) هي كنية عبد الله بن عباس، وفي بعض الأصول يا ابن عباس (إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير فقال) له (ابن عباس لا أحدّثك إلا ما سمعت من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سمعته يقول): (من صوّر صورة فإن الله معذبه) بها (حتى ينفخ فيها) أي في الصورة (الروح وليس بنافخ فيها) الروح (أبدًا) فهو يعذب أبدًا (فربا الرجل) أصابه الربو وهو مرض يعلو منه النفس ويضيق الصدر أو ذعر وامتلأ خوفًا أو انتفخ (ربوة شديدة) بتثليث الراء (واصفر وجهه) بسبب ما عرض له (فقال) له ابن عباس (ويحك) كلمة ترحم كما أن ويلك كلمة عذاب (إن أبيت إلا أن تصنع) ما ذكرت من التصاوير (فعليك بهذا الشجر) ونحوه (كل شيء ليس فيه روح) لا بأس بتصويره وكل بالجر بدل كل من بعض كقوله:

105 - باب تحريم التجارة في الخمر

نضر الله أعظمًا دفنوها ... بسجستان طلحة الطلحات أو بتقدير مضاف محذوف أي عليك بمثل الشجر أو واو العطف مقدّرة أي وكل شيء كما في التحيات الصلوات إذ معناه والصلوات، وكذا في صحيح مسلم فاصنع الشجر وما لا نفس له، ولأبي نعيم: فعليك بهذا الشجر وكل شيء ليس فيه روح بإثبات واو العطف بل وجدتها كذلك في أصل من البخاري مسموع على الشرف الميدومي عن الذكي المنذري، وهذا مذهب الجمهور. واستنبطه ابن عباس من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فإن الله معذبه حتى ينفخ" فدلّ على أن المصور إنما يستحق هذا العذاب لكونه قد باشر تصوير حيوان يختص بالله عز وجل وتصوير جماد ليس في معنى ذلك لا بأس به وقوله: فعليك بهذا الشجر كل كذا في الفرع من غير واو وفي غيره بإثباتها. (وقال أبو عبد الله) البخاري (سمع سعيد بن أبي عروبة من النضر بن أنس) بالضاد المعجمة (هذا) الحديث (الواحد) أشار بهذا إلى ما رواه في اللباس من طريق عبد الأعلى عن سعيد عن النضر عن ابن عباس بمعناه ويأتي ما بين الطريقين من التغاير هناك إن شاء الله تعالى. 105 - باب تَحْرِيمِ التِّجَارَةِ فِي الْخَمْرِ وَقَالَ جَابِرٌ -رضي الله عنه-: حَرَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْعَ الْخَمْرِ. (باب تحريم التجارة في الخمر) سبقت هذه الترجمة في أبواب المساجد لكن بقيد المسجد. (وقال جابر) الأنصاري مما هو موصول في باب بيع الميتة والأصنام (حرم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيع الخمر). 2226 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "لَمَّا نَزَلَتْ آيَاتُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَنْ آخِرِهَا خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: حُرِّمَتِ التِّجَارَةُ فِي الْخَمْرِ". وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الأزدي القصاب قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح الكوفي (عن مسروق) هو ابن الأجدع الهمداني الكوفي (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت: (لما نزلت آيات سورة البقرة عن آخرها) ولأبوي ذر والوقت: من آخرها بالميم أي من أول آية الربا إلى آخر السورة (خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من حجرته إلى المسجد (فقال: حرمت التجارة في الخمر) وهذا الحديث سبق في باب تحريم تجارة الخمر في المسجد. 106 - باب إِثْمِ مَنْ بَاعَ حُرًّا (باب إثم من باع حرًّا) عالمًا متعمدًا. 2227 - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ». [الحديث 2227 - طرفه في: 2270]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد وفي بعض الأصول: حدّثنا (بشر بن مرحوم) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة ومرحوم بفتح الميم وسكون الراء وضم الحاء المهملة وهو بشر بن عبيس بضم العين وفتح الموحدة وآخره سين مهملة ابن مرحوم بن عبد العزيز بن مهران العطار البصري مولى آل معاوية بن أبي سفيان قال: (حدّثنا يحيى بن سليم) بضم السين وفتح اللام القرشي الطائفي وتكلم فيه، والتحقيق أن الكلام فيه إنما هو في روايته عن عبيد الله بن عمر خاصة وليس له في البخاري موصولاً إلا هذا الحديث، وقد ذكره في الإجارة من وجه آخر (عن إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاصي الأموي (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (قال الله) عز وجل (ثلاثة) أي من الناس (أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي) أي أعطى العهد باسمي واليمين بي وذكر الثلاثة ليس للتخصيص لأنه سبحانه وتعالى خصم لجميع الظالمين ولكنه أراد التشديد على هؤلاء الثلاثة والخصم يقع على الواحد فما فوقه والمذكر والمؤنث بلفظ واحد (ثم غدر) نقض العهد الذي عليه ولم يفِ به (ورجل باع حرًّا) عالمًا متعمدًا (فأكل ثمنه) وخصّ الأكل بالذكر لأنّه أعظم مقصود وفي حديث عبد الله بن عمر عند أبي داود مرفوعًا: ورجل اعتبد محررًا وهو أعم من الأول في الفعل وأخص منه في المفعول به واعتباد الحر كما قاله الخطابي يقع بأمرين: إما بأن يعتقه ثم يكتم ذلك أو يجحده، وإما بأن يستخدمه كرهًا بعد العتق والأول أشدهما. قال ابن الجوزي: الحر عبد الله فمن جني عليه فخصمه سيده. (ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه) العمل (ولم يعطه أجره) بفتح الهمزة وهذا كاستخدام الحر لأنه استخدمه بغير عوض فهو عين الظلم. وهذا الحديث من أفراد المؤلّف -رحمه الله تعالى-. 107 - باب أَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْيَهُودَ بِبَيْعِ أَرَضِيهِمْ ودمنهم حِينَ أَجْلاَهُمْ. فِيهِ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (باب أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اليهود ببيع أرضيهم) قال الحافظ ابن حجر: كذا

108 - باب بيع العبيد والحيوان بالحيوان نسيئة

في رواية أبي ذر بفتح الراء وكسر الضاد المعجمة جمع أرض وهو جمع شاذ لأنه جمع جمع سلامة ولم يبق مفرده سالمًا لأن الراء في المفرد ساكنة وفي الجمع محركة، وفي نسخة أرضهم بسكون الراء على الإفراد (و) بيع (دمنهم) وهذه اللفظة ساقطة في بعض الأصول (حين أجلاهم) بالجيم الساكنة بعد الهمزة المفتوحة أي أخرجهم من المدينة (فيه المقبري) أي حديثه (عن أبي هريرة) المروي في باب إخراج اليهود من جزيرة العرب من كتاب الجهاد ولفظه: بينما نحن في المسجد خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال انطلقوا إلى يهود فخرجنا حتى جئنا بيت المدراس فقال أسلموا تسلموا واعلموا أن الأرض لله ورسوله وإني أريد أن أجليكم من هذه الأرض فمن يجد منكم بماله شيئًا فليبعه وإلاّ فاعلموا أن الأرض لله ورسوله. قال الزركشي وغيره: إن اليهود هم بنو النضير والظاهر أنهم بقايا من اليهود تخلفوا بالمدينة بعد إجلاء بني قينقاع وقريظة والنضير والفراغ من أمرهم، لأن هذا كان قبل إسلام أبي هريرة لأنه إنما جاء بعد فتح خيبر كما هو معروف، وقد أقر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يهود خيبر على أن يعملوا في الأرض واستمروا إلى أن أجلاهم عمر -رضي الله عنه-. قال ابن المنير: والعجب أن ترجمة البخاري هنا على بيع اليهود أرضهم ولم يذكر فيه إلا حديث أبي هريرة وليس فيه للأرض ذكر إلا أن يكون أخذ ذلك بطريق العموم من قوله: فمن يجد منكم بماله شيئًا فليبعه والمال أعم من الأرض فتدخل فيه الأرضون وهذا باب ساقط من بعض النسخ وهو ثابت في فرع من الفروع المقابلة باليونينية لكنه رقم عليه علامة السقوط. 108 - باب بَيْعِ الْعَبِيدِ وَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ يُوفِيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ يَكُونُ الْبَعِيرُ خَيْرًا مِنَ الْبَعِيرَيْنِ. وَاشْتَرَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ فَأَعْطَاهُ أَحَدَهُمَا وَقَالَ: آتِيكَ بِالآخَرِ غَدًا رَهْوًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ لاَ رِبَا فِي الْحَيَوَانِ: الْبَعِيرُ بِالْبَعِيرَيْنِ وَالشَّاةُ بِالشَّاتَيْنِ إِلَى أَجَلٍ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لاَ بَأْسَ بَعِيرٌ بِبَعِيرَيْنِ نَسِيئَةً. (باب) حكم (بيع العبيد) أي بالعبيد نسيئة وفي نسحة بيع العبد بالإفراد (و) بيع (الحيوان بالحيوان نسيئة) من عطف العام على الخاص. (واشترى ابن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- فيما رواه مالك في الموطأ والشافعي عنه عن نافع وابن أبي شيبة من طريق أبي بشر عن نافع عن ابن عمر (راحلة) هي ما أمكن ركوبه من الإبل ذكرًا أو أُنثى (بأربعة أبعرة مضمونة) تلك الراحلة (عليه) أي على البائع (يوفيها صاحبها) أي يسلمها البائع إلى صاحبها الذي اشتراها منه (بالربذة) بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة موضع بين مكة والمدينة. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله إمامنا الشافعي -رحمه الله- من طريق طاوس عنه (قد يكون البعبر خيرًا من البعيرين). (واشترى رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة آخره جيم الأنصاري الحارثي مما وصله عبد الرزاق (بعيرًا ببعيرين فأعطاه) أي فأعطى رافع الذي باعه (أحدهما) أحد البعيرين (وقال) أنا (آتيك بـ) البعير (الآخر غدًا) إتيانًا (رهوًا وإن شاء الله) براء مفتوحة وهاء ساكنة فواو سهلاً بلا شدّة ولا مماطلة أو المراد أن المأتي به يكون سهل السير غير خشن وحينئذٍ فيكون نصب رهوًا على الحال. (وقال ابن المسيب) سعيد التابعي الجليل (لا ربًا في الحيوان) هذا وصله مالك عن ابن شهاب عنه في الموطأ وزاد أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما نهى في بيع الحيوان عن ثلاثة المضامين والملاقيح وحبل الحبلة، ووصل ابن أبي شيبة من طريق أخرى عن الزهري عنه قوله: (البعير بالبعيرين) وسقط بالبعيرين لغير أبي ذر (والشاة بالشاتين إلى أجل) ولفظ ابن أبي شيبة نسيئة والمعنى واحد. (وقال ابن سيرين) محمد التابعي الكبير فيما وصله عبد الرزاق (لا بأس بعير) ولأبي ذر: لا بأس ببعير (ببعيرين نسيئة) زاد في غير الفرع وأصله بعد قوله ببعيرين ودرهم بدرهم والأول رفع على رواية غير أبي ذر عليها جر، وفي بعض الروايات ودرهم بدرهمين بالتثنية وهو خطأ والصواب الإفراد كما هو في رواية أبي ذر وكذا هو بالإفراد عند عبد الرزاق وزاد فإن كان أحد البعيرين نسيئة فهو مكروه، وروى سعيد بن منصور من طريق يونس عنه أنه كان لا يرى بأسًا بالحيوان يدًا بيد والدراهم نسيئة، ويكره أن تكون الدراهم نقدًا والحيوان نسيئة ومذهب الشافعية أنه لا ربًا في الحيوان مطلقًا كما قال ابن المسيب لأنه لا يعدّ للأكل على هيئته فيجوز بيع العبد بالعبد نسيئة وبيع العبد بعبدين أو أكثر نسيئة. وقال

109 - باب بيع الرقيق

أبو حنيفة: لا يجوز، وقال مالك: إنما يجوز إذا اختلف الجنس. 2228 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ فَصَارَتْ إِلَى دَحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي البصري قاضي مكة قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الجهضمي (عن ثابت) الباني (عن أنس) هو ابن مالك (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كان في السبي) أي سبي خيبر (صفية) بنت حى بن أخطب (فصارت إلى دحية الكلبي) في رواية عبد العزيز بن صهيب عن أنس فجاء دحية فقال: أعطني يا رسول الله جارية من السبي، فقال: "اذهب فخذ جارية" فأخذ صفية فجاء رجل فقال: يا نبي الله أعطيت دحية صفية سيدة قريظة والنضير لا تصلح إلا لك. قال: "ادعوه بها" فلما نظر إليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "خذ جارية من السبي غيرها" (ثم صارت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ولمسلم: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشترى صفية منه بسبعة أرؤس وليس في قوله بسبعة أرؤس ما ينافي قوله في رواية عبد العزيز خذ جارية من السبي غيرها إذ ليس فيه دلالة على نفي الزيادة، وقد أورد المؤلّف هذا الحديث مختصرًا وليس فيه ما ترجم له ولعله أشار إلى نحو روايتي مسلم وعبد العزيز السابقتين. وقال ابن بطال ينزل تبديلها بجارية غير معينة يختارها منزلة بيع جارية بجارية نسيئة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في البيع قريبًا والنكاح وغزوة خيبر ومسلم والنسائي في النكاح. 109 - باب بَيْعِ الرَّقِيقِ (باب بيع الرقيق). 2229 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ مُحَيْرِيزٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ: "بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُصِيبُ سَبْيًا فَنُحِبُّ الأَثْمَانَ فَكَيْفَ تَرَى فِي الْعَزْلِ؟ فَقَالَ: أَوَإِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا ذَلِكُمْ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَسَمَةٌ كَتَبَ اللَّهُ أَنْ تَخْرُجَ إِلاَّ هِيَ خَارِجَةٌ". [الحديث 2229 - أطرافه في: 2542، 4138، 5210، 6603، 7409]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي أيضًا (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن محيريز) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وبعد الياء الساكنة راء آخره زاي مصغرًا عبد الله الجمحي (أن أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- أخبره أنه بينما) بالميم (هو جالس عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: يا رسول الله) وفي بعض الأصول قال رجل: يا رسول الله، وفسره الحافظ ابن حجر في المقدمة بأنه مجدي بن عمرو الضمري كما سيأتي في القدر إن شاء الله تعالى (إنّا نصيب سبيًا) أي نجامع الإماء المسبيات (فنحب الأثمان) فنعزل الذكر عن الفرج وقت الإنزال حتى لا ننزل فيه دفعًا لحصول الولد المانع من البيع (فكيف ترى في العزل) أهو جائز أم لا؟ (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أو إنكم تفعلون ذلك) بفتح الواو وكسر همزة إن والهمزة الداخلة على الواو للاستفهام، وهذا الاستفهام فيه إشعار بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما كان اطّلع على فعلهم ذلك، وقد كانت دواعيهم متوفرة على سؤاله عن أمور الدين فإذا فعلوا شيئًا وعلموا أنه لم يطلع عليه بادروا إلى سؤاله عن الحكم فيه (لا) حرج (عليكم أن لا تفعلوا ذلكم) بميم الجمع أي ليس عدم الفعل واجبًا عليكم. وقال الفراء: لا زائدة أي لا بأس عليكم في فعله، وقد صرح بجواز العزل في حديث جابر المروي في مسلم حيث قال: اعزل عنها إن شئت، وعند الشافعية خلاف مشهور في جواز العزل عن الحرة بغير إذنها. قال الغزالي وغيره: يجوز وهو الصحيح عند المتأخرين والوجه الآخر الجزم بالمنع إذا امتنعت وفيما إذا رضيت وجهان أصحهما الجواز وهذا كله في الحرة، وأما الأمة فإن كانت زوجة فهي مترتبة على الحرة إن جاز فيها ففي الأمة أولى وإن امتنع فوجهان: أصحهما الجواز تحرّزًا من إرقاق الولد، وإن كانت سرية جاز بلا خلاف عندهم إلا في وجه حكاه الروياني في المنع مطلقًا، واتفقت المذاهب الثلاثة على أن الحرة لا يعزل عنها إلا بإذنها وأن الأمة يعزل عنها بغير إذنها. واختلفوا في المزوّجة فعند المالكية يحتاج إلى إذن سيدها وهو قول أبي حنيفة والراجح عند أحمد. وقال أبو يوسف ومحمد: الإذن لها. وقال المانعون قوله في هذا الحديث "لا عليكم أن لا تفعلوا" نفي الحرج عن عدم الفعل فافهم ثبوت الحرج في فعل العزل ولو كان المراد نفي الحرج عن الفعل لقال لا عليكم أن تفعلوا وما ادّعى من أن لا زائدة الأصل عدمه، ووقع في رواية مجاهد في التوحيد تعليقًا ووصلها مسلم وغيره ذكر العزل عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال ولم يفعل ذلك أحدكم ولم يقل لا يفعل

110 - باب بيع المدبر

ذلك فلم يصرح بالنهي، وإنما أشار إلى أن الأولى ترك ذلك لأن العزل إن كان خشية حصول الولد فلا فائدة في ذلك. (فإنها ليست نسمة) بفتح النون والسين المهملة نفس أو إنسان (كتب الله أن تخرج) من العدم إلى الوجود (إلا هي خارجة) وفي بعض الأصول إلا وهي خارجة بثبوت الواو. وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في محالها، وقد أخرجه في النكاح والقدر والمغازي والعتق والتوحيد، ومسلم وأبو داود في النكاح والنسائي في العتق وعشرة النساء. 110 - باب بَيْعِ الْمُدَبَّرِ (باب بيع المدبر) وهو المعلق عتقه بموت سيده كأن يقول لعبده إذا من فأنت حرّ. 2230 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَاعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُدَبَّرَ". وبه قال: (حدّثنا ابن نمير) محمد بن عبد الله قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح الرؤاسي قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد (عن سملة بن كهيل) بضم الكاف مصغرًا الحضرمي (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: باع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يعقوب (المدبر) الذي أعتقه سيده أبو مذكور عن دبر وكان عليه دين ولم يكن له مال غيره من نعيم النحام بثمانمائة درهم. وعند أبي داود من طريق هشيم عن إسماعيل بسبعمائة أو تسعمائة على الشك فدفعها إليه وقال له كما في مسلم وغيره ابدأ بنفسك فتصدّق عليها. وعند النسائي من طريق الأعمش عن سلمة بن كهيل فأعطاه وقال اقضِ دينك، وقد اتفقت الروايات كلها على أن بيعه كان في حياة الذي دبره إلا ما رواه شريك عن سلمة بن كهيل أن رجلاً مات وترك مدبرًا ودينًا فأمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فباعوه في دينه بثمانمائة درهم أخرجه الدارقطني. ونقل عن شيخه أبي بكر النيسابوري أن شريكًا أخطأ فيه، والصحيح ما رواه الأعمش وغيره عن سلمة وفيه ودفع ثمنه إليه، وللنسائي من وجه آخر عن إسماعيل بن أبي خالد ودفع ثمنه إلى مولاه وقد كان شريك تغير حفظه لما ولي القضاء والتدبير تعليق عتق بصفة، وفي قول وصية للعبد يعتقه فلو باعه السيد ثم ملكه لم يعد التدبير ولو رجع عنه بقول كأبطلته أو فسخته أو رجعت فيه صح إن قلنا إنه وصية وإلا فلا يصح وهل التدبير عقد جائز أم لازم؟ فمن قال لازم منع التصرف فيه إلا بالعتق فلا يصح بيعه، ومن قال جائز أجاز بيعه، وبالأول قال مالك والكوفيون، وبالثاني قال الشافعي وأهل الحديث لحديث الباب، ولأن من أوصى بعتق شخص جاز بيعه بالاتفاق فيلحق به بيع المدبر لأنه في معنى الوصي. وأجاب الأول بأنها واقعة عين لا عموم لها فتحمل على بعض الصور وهو اختصاص الجواز بما إذا كان عليه دين وهو مشهور قول أحمد. وهذا الحديث قد سبق في باب بيع المزايدة وفي إسناده ثلاثة من التابعين إسماعيل وسلمة وعطاء، وأخرجه أبو داود في العتق، والنسائي فيه وفي البيوع والقضاء وابن ماجة في الأحكام. 2231 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "بَاعَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار وفي مسند الحميدي حدّثنا عمرو بن دينار أنه (سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- يقول: باعه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد ابن أبي شيبة في مصنفه يعني المدبر. 2232 و 2233 - حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسْأَلُ عَنِ الأَمَةِ تَزْنِي وَلَمْ تُحْصَنْ، قَالَ: اجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (زهير بن حرب) بضم الزاي مصغرًا وحرب بفتح الحاء المهملة وبعد الراء الساكنة موحدة قال: (حدّثنا يعقوب) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري (عن صالح) هو ابن كيسان أنه (قال: حدّث ابن شهاب) محمد بن مسلم وحدّث فعل ماضٍ بدون ضمير المفعول وابن فاعل وفي النسخة المقروءة على الميدومي حدّثت ابن شهاب بتاء الفعل وصحح عليها وضبب وابن نصب على المفعولية ولم يظهر لي توجيهها وفي الهامش حدّثنا بنون الجمع (أن عبيد الله) مصغرًا ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة (أخبره أن زيد بن خالد) الجهني (وأبا هريرة -رضي الله عنهما- أخبراه أنهما سمعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسأل) بتحتية مضمومة فسين ساكنة ثم همزة مفتوحة، وللحموي والمستملي: سئل بسين مضمومة فهمزة مكسورة مبنيًّا للمفعول فيهما (عن الأمة تزني ولم تحصن) بالتزويج وتحصن بضم

111 - باب هل يسافر بالجارية قبل أن يستبرئها؟

أوله وفتح ثالثه بإسناد الإحصان إلى غيرها ويجوز كسر الصاد على إسناد الإحصان إليها (قال) عليه الصلاة والسلام: (اجلدوها) أي نصف ما على الحرائر من الحد قال تعالى: {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} [النساء: 25] والرجم لا يتنصف فدلّ على عدم رجم الأمة (ثم إن زنت) أي في الثانية (فاجلدوها ثم بيعوها) بعد الجلد إذا زنت (بعد الثالثة أو) قال بعد (الرابعة) شك من الراوي. وهذا الحديث قد سبق في باب بيع العبد الزاني، واستشكل إدخاله في بيع المدبر. وأجاب الحافظ ابن حجر: بأن وجه دخوله هنا عموم الأمر ببيع الأمة إذا زنت فيشمل ما إذا كانت مدبرة أو غير مدبرة فيؤخذ منه جواز بيع المدبر في الجملة، وتعقبه العيني بأنه أخذ بعض كلامه هذا من الكرماني وزاد عليه من عنده وهو كله ليس بموجه، لأن الأمة المذكورة في الحديث إنما أمرهم عليه الصلاة والسلام ببيعها لأجل تكرر زناها، والأمة المدبرة يجوز بيعها عندهم سواء تكرر الزنا منها أم لم يتكرر أم لم تزن. قال وقوله ويؤخذ منه جواز بيع المدبر في الجملة كلام واهٍ لأن الأخذ الذي ذكره لا يكون إلا بدلالة من اللفظ في أقسام الدلالة الثلاثة، ولا يصح أيضًا على رأي أهل الأصول فإن الذي يدل لا يخلو إما أن يكون بعبارة النص أو بإشارته أو بدلالته فأيّ ذلك أراد هذا القائل انتهى. 2234 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلاَ يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي (قال: أخبرني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (عن سعيد عن أبيه) أبي سعيد كيسان المقبري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إذا زنت أمة أحدكم فتبين) أي ظهر (زناها) بالبينة أو الحمل أو الإقرار (فليجلدها) سيدها (الحد) نصف حدّ الحرة وقوله فليجلدها بسكون اللام الأولى وكسر الثانية (ولا يثرب عليها) بالمثلثة المفتوحة وبعد الراء المشددة المكسورة موحدة أي لا يوبخها ولا يقرعها بالزنا بعد الجلد أو المعنى لا يقتصر على التثريب بل يقام عليها الحد (ثم إن زنت) أي الثانية (فليجلدها الحد ولا يثرب) زاد أبو ذر هنا عليها وهي ثابتة في الأولى اتفاقًا (ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها) بعد الجلد (ولو بحبل من شعر) وفي باب بيع العبد الزاني ولو بضفير وهذا مبالغة في التحريض على بيعها وليس من باب إضاعة المال هذا. 111 - باب هَلْ يُسَافِرُ بِالْجَارِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؟ وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يُبَاشِرَهَا. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: إِذَا وُهِبَتِ الْوَلِيدَةُ الَّتِي تُوطَأُ أَوْ بِيعَتْ أَوْ عَتَقَتْ فَلْيُسْتَبْرَأْ رَحِمُهَا بِحَيْضَةٍ؛ وَلاَ تُسْتَبْرَأُ الْعَذْرَاءُ. وَقَالَ عَطَاءٌ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُصِيبَ مِنْ جَارِيَتِهِ الْحَامِلِ مَا دُونَ الْفَرْجِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}. (باب) بالتنوين (هل يسافر) الشخص (بالجارية) التي اشتراها (قبل أن يستبرئها). (ولم ير الحسن) البصري فيما وصله ابن أبي شيبة (بأسًا أن يقبلها) أي الجارية (أو يباشرها) يعني فيما دون الفرج، وفي بعض الأصول ويباشرها بحذف الألف. (وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: إذا وهبت الوليدة) بضم الواو وكسر الهاء والوليدة بفتح الواو وبعد اللام المكسورة مثناة تحتية ساكنة ثم دال مهملة الجارية (التي توطأ) مبنيًّا للمفعول (أو بيعت) بكسر الموحدة مبنيًّا للمفعول أيضًا (أو أعتقت) بفتح العين (فليستبرأ) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول أيضًا مجزوم بلام الأمر (رحمها) بالرفع نائب عن الفاعل (بحيضة). وهذا وصله ابن أبي شيبة من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، وأما قوله: (ولا تستبرأ العذراء) بضم الفوقية وفتح الراء مبنيًّا للمفعول أيضًا ولا نافية، والعذراء بفتح العين المهملة وسكون المعجمة ممدودًا البكر فوصله عبد الرزاق من طريق أيوب عن نافع عنه، وكأنه كان يرى أن البكارة مانعة من الحمل أو تدل على عدمه أو عدم الوطء وفيه نظر وعلى تقديره ففي الاستبراء شائبة تعبد، ولهذا تستبرأ التي أيست من الحيض وفي بعض الأصول فليستبرئ مبنيًّا للفاعل وكذا قوله: ولا تستبرئ العذراء بكسر همزة تستبرئ على أن لا نافية فهو مجزوم كسر لالتقاء الساكنين. (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح: (لا بأس أن يصيب) الرجل (من جاريته الحامل) من غيره (ما دون الفرج، وقال الله تعالى) في كتابه العزيز: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم}) [المعارج: 30] من السراري ووجه الاستدلال بهذه الآية دلالتها على جواز الاستمتاع بجميع وجوهه فخرج الوطء بدليل فبقي الباقي على الأصل.

112 - باب بيع الميتة والأصنام

2235 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَىِّ بْنِ أَخْطَبَ -وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا- فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِنَفْسِهِ فَخَرَجَ بِهَا، حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الرَّوْحَاءِ حَلَّتْ فَبَنَى بِهَا، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ، فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى صَفِيَّةَ. ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الغفار بن داود) بن مهران أبو صالح الحرّاني نزيل مصر قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) القاريّ بتشديد الياء نسبة إلى القارة (عن عروة بن أبي عمرو) بفتح العين وسكون الميم فيهما مولى المطلب المدني أبي عثمان واسم أبيه ميسرة (عن أنس بن مالك رضي الله عنه) أنه (قال: قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر) مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على ثمانية برد من المدينة قال ابن إسحاق خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بقية المحرم سنة سبع فأقام يحاصرها بضع عشرة ليلة (فلما فتح الله عليه الحصن) وهو القموص بالقاف المفتوحة والصاد المهملة (ذكر له) بضم الذال وكسر الكاف مبنيًّا للمفعول (جمال صفية بنت حيي بن أخطب) بالخاء المعجمة وكان سباها من هذا الحصن (وقد قتل زوجها) كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق (وكانت عروسًا) يستوي فيه المذكر والمؤنث (فاصطفاها) اختارها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنفسه) صفيًّا من مغنم خيبر والصفي ما يختار من سلاح أو دابّة أو جارية أو غير ذلك قبل القسمة، (فخرج بها) عليه الصلاة والسلام (حتى بلغنا سد الروحاء) بفتح الراء وسكون الواو ممدودًا موضع قريب من المدينة. وقال في المصابيح كالتنقيح: جبلها (حلت) أي طهرت من حيضها، وقد روى البيهقي بإسناد لين أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استبرأ صفية بحيضة (فبنى) أي دخل (بها) عليه الصلاة والسلام (ثم صنع) عليه الصلاة والسلام (حيسًا) بفتح الحاء وبعد التحتية الساكنة سين مهملتين من تمر وسمن وأقط (في نطع صغير) بكسر النون وفتح الطاء المهملة على المشهور (ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأنس: (آذن) بهمزة ممدودة وكسر المعجمة أي أعلم (من حولك) من الناس لإشهار النكاح. قال أنس: (فكانت تلك) الأخلاط التي من التمر والسمن والأقط (وليمة) عرس (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على صفية) بنصب وليمة ورفعها. (ثم خرجنا إلى المدينة قال: فرأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحوي لها) بضم التحتية وفتح المهملة وتشديد الواو المكسورة (وراءه بعباءة) بعين مهملة مفتوحة وهمزة بعد الألف كساء صغير أي يدير العباءة على سنام البعير يحجبها بذلك لكونها صارت من أمهات المؤمنين ويهيئ لها من ورائه بالعباءة مركبًا وطيئًا ويسمى ذلك المركب حوية، (ثم يجلس) عليه الصلاة والسلام (عند بعيره فيضع ركبته) الشريفة (فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب) وقد ولد صفية مائة نبي ومائة ملك ثم صيرها الله تعالى أمة لسيد الرسل صلوات الله وسلامه عليه وكانت من سبط هارون قاله الجاحظ في كتاب الموالي. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي عن عبد الغفار وعن غيره في الجهاد وفي الأطعمة والدعوات، وأخرجه أبو داود في الخراج. 112 - باب بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالأَصْنَامِ (باب) تحريم (بيع الميتة) بفتح الميم ما زالت عنه الحياة لا بذكاة شرعية (و) تحريم بيع (الأصنام) جمع صنم. قال الجوهري: هو الوثن وفرق بينهما في النهاية فقال: الوثن كل ما له جثة معمولة من جواهر الأرض أو من الخشب أو من الحجارة كصورة الآدمي يعمل وينصب فيعبد والصنم الصورة بلا جثة. قال: وقد يطلق الوثن على غير الصورة. 2236 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ وَهُوَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ. فَقَالَ: لاَ، هُوَ حَرَامٌ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ ذَلِكَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ». قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ كَتَبَ إِلَىَّ عَطَاءٌ "سَمِعْتُ جَابِرًا -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 2236 - طرفاه في: 4296، 4633]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يزيد بن أبي حبيب) البصري أبي رجاء واسم أبيه سويد (عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة واسمه أسلم القرشي وعطاء هذا كثير الإرسال، وقد بيّن المؤلّف في الرواية المعلقة اللاحقة لهذه الرواية المتصلة أن بزيد بن أبي حبيب لم يسمعه من عطاء وإنما كتب به إليه (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول عام الفتح وهو بمكة) سنة ثمان من الهجرة والواو في وهو للحال ومقول قوله: (إن الله ورسوله حرّم بيع الخمر) بإفراد الفعل وكذا هو في مسلم وكان الأصل حرّما، ولكنه أفرد للحذف في أحدهما أو لأنهما في التحريم واحد، ولأبي داود: إن الله

113 - باب ثمن الكلب

حرّم ليس فيها ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام (و) حرم بيع (الميتة والخنزير) لنجاستهما فيتعدى إلى كل نجاسة (و) حرم بيع (الأصنام) لعدم المنفعة المباحة فيها فيتعدى إلى معدوم الانتفاع شرعًا فبيعها حرام ما دامت على صورتها فلو كسرت وأمكن الانتفاع برضاضها جاز بيعها عند الشافعية وبعض الحنفية. نعم في بيع الأصنام والصور المتخذة من جوهر نفيس وجه عند الشافعية بالصحة والمذهب المنع مطلقًا وبه أجاب عامة الأصحاب (فقيل) لم يسمّ القائل وفي رواية عبد الحميد الآتية إن شاء الله تعالى فقال رجل: (يا رسول الله أرأيت) أخبرني (شحوم الميتة فإنها) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: فإنه بالتذكير (يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود) بضم أول يطلى وفتح ثالثه كيدهن مبنيان للمفعول (ويستصبح بها الناس) أي يجعلونها في سرجهم ومصابيحهم يستضيئون بها فهل يحل بيعها لما ذكر من المنافع فإنها مقتضية لصحة البيع كالحمر الأهلية فإنها وإن حرم أكلها يجوز بيعها لما فيها من المنافع، (فقال) عليه الصلاة والسلام: (لا) تبيعوها (هو) أي بيعها (حرام) لا الانتفاع بها. نعم يجوز نقل الدهن النجس إلى الغير بالوصية كالكلب وأما هبته والصدقة به فعن القاضي أبي الطيب منعهما، لكن قال في الروضة: ينبغي أن يقطع بصحة الصدقة به للاستصباح ونحوه، وقد جزم المتولي بأنه يجوز نقل اليد فيه بالوصية وغيرها انتهى. ومنهم من حمل قوله هو حرام على الانتفاع فلا ينتفع من الميتة بشيء عندهم إلا ما خص بالدليل وهو الجلد المدبوغ وأما المتنجس الذي يمكن تطهيره كالثوب والخشبة فيجوز بيعه لأن جوهره طاهر. (ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند ذلك) أي عند قوله حرام (قاتل الله اليهود) أي لعنهم (إن الله لما حرم) عليهم (شحومها) أي أكل شحوم الميتة (جملوه) أي المذكور وعند الصنعاني أجملوه بالألف والأولى أفصح أي أذابوه واستخرجوا دهنه (ثم باعوه فأكلوا ثمنه). وهذا الحديث قد سبق قريبًا، وأخرجه أيضًا في المغازي وأبو داود والترمذي وابن ماجة. (قال أبو عاصم) الضحاك بن مخلد أحد شيوخ البخاري فيما وصله الإمام أحمد: (حدّثنا عبد الحميد) بن جعفر بن عبد الله بن أبي الحكم الأنصاري قال: (حدّثنا يزيد) من الزيادة ابن أبي حبيب قال: (كتب إليّ عطاء) هو ابن أبي رباح قال: (سمعت جابرًا -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) واختلف في الاحتجاج بالكتابة فاحتج بها الشيخان، وقال ابن الصلاح إنه الصحيح المشهور، وقال أبو بكر بن السمعاني إنها أقوى من الإجازة ومن قال بالمنع علل بأن الخطوط تشتبه. 113 - باب ثَمَنِ الْكَلْبِ (باب ثمن الكلب). 2237 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ". [الحديث 2237 - أطرافه في: 2282، 5346، 5761]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام ابن أنس الأصبحي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحرث بن هشام (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو (الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى) نهي تحريم (عن ثمن الكلب) المعلم وغيره مما يجوز اقتناؤه أو لا وهذا مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما وعلة المنع عند الشافعي نجاسته مطلقًا وعند غيره ممن لا يرى نجاسته النهي عن اتخاذه والأمر بقتله وما لا ثمن له لا قيمة له إذا قتل فلو قتل كلب صيد أو ماشية لا يلزمه قيمته. وقال أبو حنيفة وصاحباه وسحنون من المالكية: الكلاب التي ينتفع بها يجوز بيعها وأثمانها لأنه حيوان منتفع به حراسة واصطيادًا، ولحديث جابر عند النسائي قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ثمن الكلب إلا كلب صيد، لكن الحديث ضعيف باتفاق أئمة الحديث كما بيّنه النووي في شرح المهذّب كغيره نحو حديث إلا كلبًا ضاربًا، وحديث: إن عثمان غرّم إنسانًا ثمن كلب قتله عشرين بعيرًا. وقال المالكية: لا يجوز بيع الكلب المنهي عن اتخاذه باتفاق لورود النهي عن بيعه وعن اتخاذه، وأما المأذون في اتخاذه ككلب الصيد ونحوه فلا يجوز بيعه على المشهور لورود النهي عن

بيعه وشهر بعضهم جواز بيعه ولم يقر هذا التشهير عند الشيخ خليل فلم يذكره، وقال القرطبي: مشهور ومذهب مالك جواز اتخاذ الكلب وكراهة بيعه ولا يفسخ إن وقع وكأنه لما لم يكن عنده نجسًا وأذن في اتخاذه لمنافعه الجائزة كان حكمه حكم جميع المبيعات، لكن الشرع نهى عن بيعه تنزيهًا لأنه ليس من مكارم الأخلاق. (و) نهى عليه الصلاة والسلام عن (مهر البغي) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتية فعيل بمعنى فاعلة يستوي فيه المذكر والمؤنث ما تأخذه الزانية على الزنا وسماه مهرًا لكونه على صورته وهو حرام بالإجماع (و) عن (حلوان الكاهن) بضم الحاء المهملة وسكون اللام مصدر حلوته حلوانًا إذا أعطيته وأصله من الحلاوة وشبه بالشيء الحلو من حيث أخذه حلوًا سهلاً بلا كلفة ولا مشقة يقال حلوته إذا أطعمته الحلو، والمراد هنا ما يأخذه الذي يدعي مطالعة الغيب ويخبر الناس عن الكوائن، وكان في العرب كهنة يدّعون أنهم يعرفون كثيرًا من الأمور، فمنهم من كان يزعم أن له رئيًا من الجن وتابعة تلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يدعي أنه يستدرك الأمور بفهم أعطيه ومنهم من كان يسمى عرّافًا وهو الذي يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات يستدل بها على مواقعها كالشيء يسرق فيعرف المظنون به السرقة وتتهم المرأة فيعرف من صاحبها، ومنهم من يسمي المنجم كاهنًا فالحديث شامل لهؤلاء كلهم. قال الخطابي: وأخذ العوض على مثل هذا وإن لم يكن منهيًّا عنه فهو من أكل المال بالباطل ولأن الكاهن يقول ما لا ينتفع به ويعان بما يعطاه على ما لا يحل. قال القرطبي: وأما التسوية في النهي بين الكلب وبين مهر البغي وحلوان الكاهن فمحمول على الكلب الذي لم يؤذن في اتخاذه وعلى تقدير العموم في كل كلب فالنهي في هذه الثلاثة للقدر المشترك من الكراهة وهو أعم من التحريم والتنزيه إذ كل واحد منها منهي عنه ثم يؤخذ خصوص كل واحد منها من دليل آخر فإنّا عرفنا تحريم مهر البغي وحلوان الكاهن من الإجماع لا من مجرد النهي ولا يلزم من الاشتراك في العطف الاشتراك في جميع الوجوه إذ قد يعطف الأمر على النهي والإيجاب على النفي انتهى. وهذا بناء على ما قاله من أن المشهور جواز اتخاذه مطلقًا أما على ما شهره الشيخ خليل فلا. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الإجازة والطلاق والطب ومسلم في البيوع وكذا أبو داود، وأخرجه الترمذي فيه وفي النكاح والنسائي فيه وفي الصيد وابن ماجة في التجارات. 2238 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: "رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى حَجَّامًا، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ وَثَمَنِ الْكَلْبِ، وَكَسْبِ الأَمَةِ. وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ". وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم السلمي الأنماطي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (عون بن أبي جحيفة) بجيم مضمومة وبعد الحاء المهملة المفتوحة تحتية ساكنة ففاء وعون بفتح العين وسكون الواو السوائي (قال: رأيت أبي) أي أبا جحيفة وهب بن عبد الله (اشترى حجامًا) زاد هنا في رواية أبوي ذر والوقت عن الكشميهني فأمر بمحاجمه فكسرت بفتح الميم جمع محجم بكسرها الآلة التي يحجم بها الحجام (فسألته عن ذلك) أي سألت أبي عن سبب كسر المحاجم (فقال): (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن ثمن الدم) أي عن أجرة الحجامة وأطلق عليه الثمن تجوّزًا (و) عن (ثمن الكلب) مطلقًا لنجاستهما أو عن غير كلب الصيد والماشية (و) عن (كسب الأمة) إذا كان من وجه لا يحل كالزنا لا كنحو الخياطة من الكسب المباح. وفي حديث رفاعة بن رافع عند أبي داود مرفوعًا: نهى عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها وقال هكذا بأصبعه نحو الغزل والنفش وهو بالفاء أي نفش الصوف وقيل المراد جميع كسبها. قال في الفتح وهو من باب سد الذرائع لأنها تؤمن إذا التزمت بالكسب أن تكتسب بفرجها فالمعنى أنه لا يجعل عليها خراج معلوم تؤدّيه كل يوم. (ولعن) عليه الصلاة والسلام (الواشمة) التي تغرز الجلد بالإبر ثم تحشوه بالكحل (والمستوشمة) وفي باب موكل الربا والموشومة أي المفعول بها ذلك لأن ذلك من عمل الجاهلية وفيه تغيير لخلق الله تعالى (و) لعن عليه الصلاة والسلام أيضًا (أكل الربا وموكله) لأنه

35 - كتاب السلم

يعين على أكل الحرام فهو شريك في الإثم كما أنه شريك في الفعل (ولعن المصور) للحيوان. وهذا الحديث قد سبق في باب موكل الربا. بسم الله الرحمن الرحيم 35 - كتاب السلم (بسم الله الرحمن الرحيم). (كتاب السلم) بفتح السين واللام السلف. قال النووي: وذكروا في حد السلم عبارات أحسنها أنه عقد على موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلاً بمجلس البيع سمي سلمًا لتسليم رأس المال في المجلس وسلفًا لتقديم رأس المال، وأورد عليه أن اعتبار التعجيل شرط لصحة السلم لا ركن فيه. وأجيب: بأن ذلك رسم لا يقدح فيه ما ذكر وأجمع المسلمون على جواز السلم انتهى. وفي التلويح: وكرهت طائفة السلم، وروي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أنه كان يكرهه والأصل في جوازه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] قال ابن عباس أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحلّه الله في كتابه ثم تلا الآية، وفيه ما يدل على ذلك وهو قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا} [البقرة: 282] وهذا في البيع الناجز فدلّ على أن ما قبله في الموصوف غير الناجز، واختلف في بعض شروطه مع الاتفاق على أنه يشترط له ما يشترط للبيع وعلى تسليم رأس المال في المجلس قاله في فتح الباري وهذا فيه نظر فإن مذهب المالكية يجوز تأخيره كله أو بعضه إلى ثلاثة أيام على المشهور لخفة الأمر في ذلك، وقيل لا يجوز للدين بالدين وعلى القول باشتراط تسليم رأس المال في المجلس لو تفرقا بعد قبض البعض صحّ فيه بقسطه ويشترط أيضًا في السلم كون المسلم فيه دينًا لأنه الذي وضع له لفظ المسلم. فإن قال: أسلمت إليك ألفًا في هذا العبد مثلاً أو أسلمت إليك هذا العبد في هذا الثوب فليس بسلم لانتفاء شرطه ولا بيعًا لاختلال لفظه لأن لفظ السلم يقتضي الدينية ويشترط أيضًا القدرة على التسليم للمسلم إليه وقت الوجوب، فإن أسلم فيما يعدم وقت الحلول كالرطب في الشتاء أو فيما يعز وجوده لقلته كاللآلي الكبار فلا يصح وكذا يشترط بيان محل تسليم المسلم فيه المؤجل، وإنما يشترط بيانه فيما لحمله مؤونة وأن يقدر بالكيل أو الوزن أو الذرع أو العد كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وأن يصفه بما ينضبط به على وجه لا يعز وجوده فلا يصح في المختلطات المقصودة الأركان التي لا تنضبط قدرًا وصفة كالهريسة والحلوى والعجونات فهذه ستة شروط للسلم زائدة على البيع. 1 - باب السَّلَمِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ (باب السلم في كيل معلوم) أي فيما يكال. وقد وقعت البسملة متوسطة بين كتاب وباب وقدّمها على الكتاب في رواية المستملي، وأخّرها النسفيّ عن الباب وحذف كتاب السلم كذا قاله الحافظ ابن حجر. 2239 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَالنَّاسُ يُسْلِفُونَ فِي الثَّمَرِ الْعَامَ وَالْعَامَيْنِ -أَوْ قَالَ عَامَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، شَكَّ إِسْمَاعِيلُ- فَقَالَ: مَنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ". حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ بِهَذَا. "فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ". [الحديث 2239 - أطرافه في: 2240، 2241، 2253]. وبه قال: (حدّثنا) وبالإفراد لأبي ذر (عمرو بن زرارة) بفتح العين وزرارة بضم الزاي وتخفيف الراءين بينهما ألف أبو محمد بن واقد قال: (أخبرنا إسماعيل ابن علية) بضم العين وفتح اللام وتشديد التحتية اسم أمه واسم أبيه إبراهيم بن سهم الأسدي قال (أخبرنا ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة اسمه عبد الله واسم أبيه يسار (عن عبد الله بن كثير) بالمثلثة أحد القراء السبعة المشهور فيما جزم به المزي والقابسي وعبد الغني أو هو ابن كثير بن المطلب بن أبي وداعة السهمي فيما جزم به ابن طاهر والكلاباذي والدمياطي وكلاهما ثقة (عن أبي المنهال) عبد الرحمن بن مطعم الكوفي وليس هو بأبي المنهال سيار البصري (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة والناس) أي والحال أن الناس (يسلفون) بضم أوله من أسلف (في الثمر) بالمثلثة وفتح الميم (العام والعامين) بالنصب على الظرفية (أو قال عامين أو ثلاثة شك إسماعيل) أي ابن علية ولم يشك سفيان فقال وهم يسلفون في الثمر السنتين والثلاثة (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من سلف) بتشديد اللام (في ثمر) بالمثناة وسكون الميم وفي رواية ابن عيينة من أسلف في شيء وهو أشمل. وقال البرماوي والعيني كالكرماني وفي بعضها أي نسخ البخاري أو رواياته ثمر بالمثلثة، والظاهر أنهم تبعوا في ذلك قول النووي في شرح

2 - باب السلم في وزن معلوم

مسلم وفي بعضها بالمثلثة وهو أعم لكن الكلام في رواية البخاري هل فيها بالمثلثة فالله أعلم ولغير أبي ذر زيادة كيل (فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم). قال في المصابيح: انظر قوله عليه الصلاة والسلام في جواب هذا فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم مع أن المعيار الشرعي في التمر بالمثناة الكيل لا الوزن انتهى. وهذا قد أجابوا عنه بأن الواو بمعنى أو والمراد اعتبار الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن. وقال النووى في شرح مسلم: معناه إن أسلم كيلاً أو وزنًا فليكن معلومًا وفيه دليل لجواز السلم في المكيل وزنًا وهو جائز بلا خلاف، وفي جواز السلم في الموزون كيلاً وجهان لأصحابنا أصحهما جوازه كعكسه انتهى. وهذا بخلاف الربويات لأن المقصود هنا معرفة القدر وهناك المماثلة بعادة عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحمل الإمام إطلاق الأصحاب جواز كيل الموزون على ما يعد الكيل في مثله ضابطًا حتى لو أسلم في فتات المسك والعنبر ونحوهما كيلاً لم يصح لأن للقدر اليسير منه مالية كثيرة والكيل لا يعدّ ضابطًا فيه. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في السلم ومسلم في البيوع وكذا أبو داود والترمذي، وأخرجه النسائي فيه وفي الشروط وابن ماجة في التجارات. وبه قال: (حدّثنا) وبالإفراد لأبي ذر (محمد) غير منسوب قال الجياني هو ابن سلام وبه جزم الكلاباذي قال: (أخبرنا إسماعيل) بن علية (عن ابن أبي نجيح) عبد الله بن يسار (بهذا) الحديث المذكور (في كيل معلوم ووزن معلوم) الواو بمعنى أو لأنّا لو أخذناه على ظاهرها من معنى الجمع لزم أن يجمع في الشيء الواحد بين المسلم فيه كيلاً ووزنًا وذلك يفضي إلى عزة الوجود وهو مانع من صحة السلم فتعين الحمل على التفصيل. 2 - باب السَّلَمِ فِي وَزْنٍ مَعْلُومٍ (باب السلم) حال كونه (في وزن معلوم) فيما يوزن. 2240 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاَثَ، فَقَالَ: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَىْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ". حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَقَالَ: «فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ». وبه قال: (حدّثنا صدقة) بن الفضل المروزي قال: (أخبرنا ابن عيينة) سفيان قال: (أخبرنا ابن أبي نجيح) عبد الله (عن عبد الله بن كثير) المقري أو ابن المطلب بن أبي وداعة وصحح هذا الأخير الجياني (عن أبي المنهال) عبد الرحمن (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة وهم يسلفون في الثمر) بالمثلثة وفتح الميم والذي في اليونينية بالفوقية وسكون الميم وفي أوله موحدة بدل "في" في الرواية السابقة (السنتين والثلاث) من غير شك كما مرّ (فقال) عليه الصلاة والسلام. (من أسلف في شيء) شامل للحيوان فيصح السلم فيه خلافًا للحنفية لنا أنه ثبت في الذمة قرضًا في حديث مسلم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اقترض بكرًا وقيس عليه السلم وعلى البكر غيره من سائر الحيوانات وحديث النهي عن السلف في الحيوان قال ابن السمعاني غير ثابت وإن خرجه الحاكم (ففي كيل معلوم) فيما يكال كالقمح والشعير (ووزن معلوم) فيما يوزن وكذا عدّ فيما بعد كالحيوان وذرع فيما يذرع كالثوب ويصح المكيل وزنًا وعكسه كما مرّ ولو أسلم في مائة صاع حنطة على أن وزنها كذا لم يصح لأن ذلك يعز وجوده ويشترط الوزن في البطيخ والباذنجان والقثاء والسفرجل والرمان فلا يكفي فيها الكيل لأنها تتجافى في المكيال ولا العد لكثرة التفاوت فيها والجمع فيها بين العد والوزن مفسد لما تقدم ويصح السلم في الجوز واللوز بالوزن في نوع يقل اختلافه بغلظ قشوره ورقتها بخلاف ما يكثر اختلافه بذلك فلا يصح ويجمع في اللبن بكسر الموحدة بين العد والوزن بأن يقول مائة لبنة وزن كل لبنة واحدة رطل (إلى أجل معلوم). قال النووي: وليس ذكر الأجل في الحديث لاشتراط الأجل بل معناه إن كان أجل فليكن معلومًا، وبقية مباحث ذلك تأتي، إن شاء الله تعالى في باب السلم إلى أجل معلوم والله الموفق. وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن أبي نجيح) عبد الله، (وقال) بعد أن روى الحديث عن أبي المنهال عن ابن عباس كما مرّ. (فليسلف في كيل معلوم) فيما يكال (إلى أجل معلوم) إن كان مؤجلاً كما مرّ. 2241 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... وَقَالَ: فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ". وبه قال: (حدّثنا

3 - باب السلم إلى من ليس عنده أصل

قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن ابن أبي نجيح) عبد الله بن يسار (عن عبد الله بن كثير) بن المطلب أو المقري كما مرّ قريبًا (عن أبي المنهال) عبد الرحمن بن مطعم أنه (قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي المدينة كما في السابقة. الحديث (وقال): (في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) أثبت الوزن في هذه وأسقطه من سابقتها وقال في الثلاث إلى أجل معلوم وصرّح في الطريق الأولى بالإخبار بين ابن عيينة وابن أبي نجيح. 2242 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ ابْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ ح. وَحَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ أَوْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْمُجَالِدِ قَالَ: "اخْتَلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ وَأَبُو بُرْدَةَ فِي السَّلَفِ، فَبَعَثُونِي إِلَى ابْنِ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنه-، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نُسْلِفُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ". وَسَأَلْتُ ابْنَ أَبْزَى فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ. [الحديث 2242 - طرفاه في: 2244، 2255]. [الحديث 2243 - طرفاه في: 2245، 2254]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن ابن أبي المجالد) بضم الميم وفتح الجيم وبعد الألف لام مكسورة فدال مهملة بالإبهام قال المؤلّف بالسند إليه (ح). (وحدّثنا يحيى) هو ابن موسى السختياني البلخي المعروف بخت أحد مشايخ المؤلّف قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح (عن شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن أبي المجالد) فسماه هنا محمدًا وأبهمه في الأولى كما مرّ. وبه قال (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي النمري قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (محمد أو عبد الله بن أبي المجالد) بالشك وجزم أبو داود بأن اسمه عبد الله، وأورده المؤلّف في الباب التالي من رواية عبد الواحد بن زياد وجماعة عن أبي إسحاق الشيباني فقالوا عن محمد بن أبي المجالد ولم يشك في اسمه، وكذا ذكره المؤلّف في تاريخه في المحميدين. (قال) أي ابن أبي المجالد (اختلف عبد الله بن شداد بن الهاد) أصله الهادي بالياء (وأبو بردة) بضم الموحدة عامر بن أبي موسى الأشعري قاضي الكوفة (في السلف) أي في السلم أي هل يجوز السلم إلى من ليس عنده المسلم فيه في تلك الحالة أم لا؟ (فبعثوني إلى ابن أبي أوفى) عبد الله وجمع الضمير إما باعتبار أن أقل الجمع اثنان أو باعتبارهما ومن معهما (-رضي الله عنه- فسألته) عن ذلك (فقال: إنّا كنّا نسلف على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في زمنه وأيام حياته (و) على عهد (أبي بكر وعمر) الخليفتين من بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورضي عنهما (في الحنطة والشعير والزبيب والتمر) بالمثناة وسكون الميم وذكر أربعة أشياء من المكيلات ويقاس عليها سائرها مما يدخل تحت الكيل، (وسألت ابن أبزى) بفتح الهمزة والزاي بينهما موحدة ساكنة عبد الرحمن أحد صغار الصحابة (فقال مثل ذلك) الذي قاله عبد الله بن أبي أوفى. وهذا الحديث أخرجه أبو داود في البيوع وكذا النسائي وابن ماجة في التجارات. 3 - باب السَّلَمِ إِلَى مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ أَصْلٌ (باب) حكم (السلم إلى من ليس عنده) مما أسلف فيه (أصل). 2244، 2245 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْمُجَالِدِ قَالَ: "بَعَثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ وَأَبُو بُرْدَةَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما- فَقَالاَ: سَلْهُ هَلْ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسْلِفُونَ فِي الْحِنْطَةِ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنَّا نُسْلِفُ نَبِيطَ أَهْلِ الشَّأْمِ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ. قُلْتُ: إِلَى مَنْ كَانَ أَصْلُهُ عِنْدَهُ؟ قَالَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ. ثُمَّ بَعَثَانِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يُسْلِفُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَمْ نَسْأَلْهُمْ أَلَهُمْ حَرْثٌ أَمْ لاَ". حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُجَالِدٍ بِهَذَا وَقَالَ: "فَنُسْلِفُهُمْ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ وَقَالَ: "وَالزَّيْتِ". حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ وَقَالَ: "فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا الشيباني) بفتح الشين المعجمة أبو إسحاق سليمان قال: (حدّثنا محمد بن أبي المجالد) ولأبي ذر مجالد (قال: بعثني عبد الله بن شداد) هو ابن الهاد (وأبو بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري (إلى عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنهما- فقالا سله) بسين مهملة مفتوحة فلام ساكنة (هل كان أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في زمنه وأيام حياته (يسلفون) بضم الياء وسكون السين من الإسلاف (في الحنطة) فسألته عن ذلك (قال) ولأبوي ذر والوقت فقال (عبد الله) بن أبي أوفى: (كنا نسلف نبيط أهل الشام) بفتح النون وكسر الموحدة وسكون المثناة التحتية وآخره طاء مهملة أهل الزراعة وقيل قوم ينزلون البطائح وسموا به لاهتدائهم إلى استخراج المياه من الينابيع لكثرة معالجتهم الفلاحة وقيل نصارى الشام الذين عمروها (في الحنطة والشعير) مما يكال (والزيت) مما يوزن وهذا بدل قوله في السابقة الزبيب ويقاس عليه الشيرج والسمن ونحوهما (في كيل معلوم) أي ووزن معلوم فيما يكال أو يوزن ويلحق بهما الذرع والعدد للجامع بينهما وهو عدم الجهالة بالمقدار وأجمعوا على أنه لا بدّ من معرفة صفة الشيء المسلم فيه صفة تميّزه عن غيره، وإنما لم يذكر في الحديث لأنهم كانوا يعملون به، وإنما تعرض لذكر

4 - باب السلم في النخل

ما كانوا يهملونه (إلى أجل معلوم) قال ابن أبي المجالد (قلت) لابن أبي أوفى هل كان السلم (إلى من كان أصله عنده) أي المسلم فيه (قال: ما كنا نسألهم عن ذلك ثم بعثاني إلى عبد الرحمن بن أبزى فسألته) عن ذلك (فقال: كان أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسلفون على) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: في (عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم نسألهم ألهم حرث) أي زرع (أم لا) حرث لهم. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن شاهين الواسطي قال: (حدّثنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن الطحان الواسطي (عن الشيباني) سليمان (عن محمد بن أبي مجالد بهذا) الحديث (وقال) فيه (فنسلفهم في الحنطة والشعير). (وقال عبد الله بن الوليد) العدني نزيل مكة (عن سفيان) الثوري مما هو موصول في جامع سفيان قال: (حدّثنا الشيباني) سليمان (وقال: والزيت) آخره مثناة فوقية. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن الشيباني) سليمان (وقال: في الحنطة والشعير والزبيب) بالموحدتين بينهما تحتية ساكنة بدل الزيت في السابقة. 2246 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيَّ قَالَ: "سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْهُ وَحَتَّى يُوزَنَ. فَقَالَ الرَّجُلُ: وَأَىُّ شَىْءٍ يُوزَنُ؟ قَالَ رَجُلٌ إِلَى جَانِبِهِ: حَتَّى يُحْرَزَ". وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ. [الحديث 2246 - طرفاه في: 2248، 2250]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرنا عمرو) بفتح العين ابن مرة بضم الميم ابن عبد الله المرادي الأعمى الكوفي (قال: سمعت أبا البختري) بفتح الموحدة وسكون الخاء المعجمة وفتح المثناة الفوقية وبالراء وتشديد التحتية سعيد بن فيروز الكوفي (الطائي قال: سألت ابن عباس -رضي الله عنهما- عن السلم في) ثمر (النخل قال) ولأبي ذر فقال: (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بيع) ثمر (النخل حتى يؤكل منه) بأن يظهر صلاحه (وحتى يوزن فقال الرجل) أي أبو البختري قاله الكرماني وقال الحافظ ابن حجر لم أقف على اسمه (وأيّ شيء يوزن) إذ لا يمكن وزن الثمر على النخل (قال رجل) لم يسم (إلى جانبه) أي جانب ابن عباس المراد (حتى يحرز) بتقديم الراء على الزاي أي يحفظ، ولأبي ذر عن الكشميهني: حتى تحرز بتقديم الزاي على الراء أي تخرص وكلها أي الأكل والوزن والخرص كنايات عن ظهور صلاحها، ومفهومه جواز السلم إذا بدا صلاح الثمرة وليس كذلك لأن العقد لم يقع على موصوف في الذمة بل على ثمرة تلك النخلة خاصة فليس مسترسلاً في الذمة مطلقًا فذكر الغاية بيان للواقع لأنهم كانوا يسلفون قبل صيرورته مما يؤكل والقيود التي خرجت مخرج الأغلب لا مفهوم لها قاله الكرماني. وقول ابن بطال فيما نقلة الزركشي والعيني والكرماني: هذا الحديث ليس من هذا الباب، وإنما هو من الباب الذي بعده وغلط فيه الناسخ، تعقبه ابن المنير بأن التحقيق أنه من هذا الباب قال وقلّ من يفهم ذلك. ووجه مطابقته أن ابن عباس لما سئل عن السلم إلى من له نخل في ذلك النخل عدّ ذلك من قبيل بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها وإذا كان السلم في النخل المعين لا يجوز لم يبق لوجودها في ملك المسلم إليه فائدة متعلقة بالسلم فتعين جواز السلم إلى من ليس عنده أصل، وإلاّ يلزم سدّ باب السلم بل لعله أجوز لأنه يؤمن فيه غائلة اعتمادها على هذا النخل بعينه فيلحق ببيع الثمار قبل بدو صلاحها. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا ومسلم في البيوع. (وقال معاذ) هو ابن معاذ التميمي قاضي البصرة (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) هو ابن مرة السابق (وقال أبو البختري) سعيد بن فيروز (سمعت ابن عباس رضي الله عنهما) يقول: (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله) أي مثل الحديث السابق. وهذا وصله الإسماعيلي عن يحيى بن محمد عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه به. 4 - باب السَّلَمِ فِي النَّخْلِ (باب) حكم (السلم في) ثمر (النخل). 2247، 2248 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: "سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ فَقَالَ: نُهِيَ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَصْلُحَ، وَعَنْ بَيْعِ الْوَرِقِ نَسَاءً بِنَاجِز. وَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْهُ أَوْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَحَتَّى يُوزَنَ". وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) هو ابن مرة السابق في الباب قبله (عن أبي البختري) بفتح الموحدة والفوقية بينهما خاء معجمة ساكنة سعيد أنه (قال: سألت ابن عمر -رضي الله عنهما- عن السلم في) ثمر (النخل فقال): (نهي) بضم النون مينيًا للمفعول باتفاق الروايات كما في

5 - باب الكفيل في السلم

الفتح (عن بيع) ثمر (النخل حتى يصلح) أي يظهر فيه الصلاح فإذا ظهر صح السلم فيه وهو قول المالكية (و) نهي (عن بيع الورق) بكسر الراء ويجوز سكونها الدراهم المضروبة من الفضة أي بالذهب كما في الرواية الأخرى (نساء) بفتح النون والمهملة والمد أي تأخيرًا (بناجز) أي حاضر ونساء نصب على الحال إما بجعل المصدر نفسه حالاً على المبالغة أو تأويله باسم المفعول أي بمؤخرًا أو على الحذف أي ذا تأخير أو أن يجعل نساء مصدر فعل محذوف ناصب له أي ينسأ نساء. قال أبو البختري: (وسألت ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن السلم في النخل فقال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بيع) ثمر (النخل حتى يؤكل منه) بضم أول يؤكل وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (أو) قال (يأكل) بفتح فضم أي يأكل صاحبه (منه وحتى يوزن) مبنيًّا للمفعول أي يخرص. 2249، 2250 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ: "سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَصْلُحَ، وَنَهَى عَنِ الْوَرِقِ بِالذَّهَبِ نَسَاءً بِنَاجِزٍ. وَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَأْكُلَ أَوْ يُؤْكَلَ وَحَتَّى يُوزَنَ. قُلْتُ: وَمَا يُوزَنُ؟ قَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ: حَتَّى يُحْرَزَ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) هو ابن مرة (عن أبي البختري) بفتح الموحدة والفوقية بينهما معجمة ساكنة سعيد أنه قال (سألت ابن عمر -رضي الله عنهما- عن السلم في) ثمر (النخل فقال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي بعض النسخ وهو اليونينية للأبوين نهى عمر -رضي الله عنه- نهيه إما باجتهاد أو سماع من الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن بيع التمر حتى يصلح ونهى عن الورق) أي عن بيع الفضة (بالذهب نساء) تأخيرًا (بناجز) أي حاضر. قال أبو البختري: (وسألت ابن عباس) -رضي الله عنهما- عن السلم في النخل (فقال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بيع) ثمر (النخل حتى يأكل) منه صاحبه (أو يؤكل) بضم أوله مبنيًّا للمفعول (وحتى يوزن) مبنيًّا للمفعول أيضًا. قال أبو البختري: (قلت وما يوزن؟ قال رجل) لم يسم (عنده)، أي عند ابن عباس (حتى يحزر) بسكون الحاء المهملة وتقديم الزاي على الراء لأبي ذر عن الكشميهني أي يخرص، وفي رواية يحرز بتقديم بالراء أي يحفظ ويصان وفي أخرى يحرر براءين مهملتين الأولى مشددة أي بالخرص ليعلم كمية حق الفقراء قبل أن يبسط المالك يده في التمر فحينئذٍ يصح السلم فيه وهو قول المالكية خلافًا للجمهور، وقد نقل ابن المنذر اتفاق الأكثر على منع السلم في نخل معين من بستان معين بعد بدوّ الصلاح لأنه غرر، وحملوا الحديث على السلم ويشهد لمذهب الجمهور حديث عبد الله بن سلام في قصة إسلام زيد بن سعنة بفتح السين وسكون العين المهملتين بعدها نون المروي عند ابن حبان والحاكم والبيهقي أنه قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هل لك أن تبيعني تمرًا معلومًا إلى أجل معلوم من حائط بني فلان؟ قال: "لا أبيعك من حائط مسمى بل أبيعك أوسقًا مسماة إلى أجل مسمى". وقول ابن عمر في الرواية الأولى نهي المبني للمفعول في معنى المرفوع بدليل تصريحه في الثانية بقوله نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال في الثانية عن بيع الثمر بدل قوله في الأولى عن بيع النخل، وسقط في رواية ابن عباس الثانية قوله في الأولى عن السلم في النخل وقدم يأكل المبني للفاعل على يؤكل المبني للمفعول في الثانية وأخره في الأولى. 5 - باب الْكَفِيلِ فِي السَّلَمِ (باب الكفيل في السلم). 2251 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ بن سلاّم حَدَّثَنَا يَعْلَى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: "اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ بِنَسِيئَةٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا لَهُ مِنْ حَدِيدٍ". وبه قال: (حدّثنا) وبالإفراد لأبي ذر (محمد بن سلام) وسقط ابن سلام لغير أبي ذر قال: (حدّثنا يعلى) بفتح التحتية واللام وبينهما عين مهملة ساكنة ابن عبيد الله بالتصغير الطنافسي الحنفي الكوفي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: اشترى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طعامًا) ثلاثين صاعًا من شعير أو أربعين أو عشرين (من يهودي) هو أبي الشحم بالمعجمة ثم المهملة (بنسيئة ورهنه درعًا له من حديد) هي ذات الفضول. ودلالة الحديث على الترجمة من حيث إنه يراد بالكفالة الضمان ولا ريب أن المرهون ضامن للدين لأنه يباع فيه يقال أكفلته إذا ضمنته إياه أو يقاس على الرهن بجامع كونهما وثيقة، ولهذا

6 - باب الرهن في السلم

كل ما صح الرهن فيه صح ضمانه والعكس أو أشار إلى ما ورد في بعض طرق الحديث على عادته، ففي الرهن عن مسدد عن عبد الواحد عن الأعمش قال تذاكرنا عند إبراهيم الرهن والقبيل في السلف الحديث ففيه التصريح بالرهن والكفيل لأن القبيل هو الكفيل والمراد بالسلم السلف سواء كان في الذمة نقدًا أو جنسًا. 6 - باب الرَّهْنِ فِي السَّلَمِ (باب الرهن في السلم). 2252 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: "تَذَاكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ فِي السَّلَفِ فَقَالَ: "حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَارْتَهَنَ مِنْهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن محبوب) بالحاء المهملة والموحدتين بينهما واو ساكنة أبو عبد الله البصري قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (قال: تذاكرنا عند إبراهيم) النخعي (الرهن في السلف) وقد أخرج الإسماعيلى من طريق ابن نمير عن للأعمش أن رجلاً قال لإبراهيم النخعي أن سعيد بن جبير يقول إن الرهن في السلم هو الربا المضمون فرد إبراهيم بهذا الحديث (فقال: حدّثني) بالإفراد (الأسود) ابن زياد (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل معلوم) سقط لأبي ذر قوله معلوم (وارتهن) اليهودي (منه) عليه الصلاة والسلام (درعًا من حديد) وقد قال الله تعالى: {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} إلى أن قال: {فرهان مقبوضة} [البقرة: 282، 283] وهو عام فيدخل فيه السلم ولأنه أحد نوعي البيع وقال المرداوي من الحنابلة في تنقيحه ولا يصح أخذ رهن وكفيل بمسلم فيه وعنه أي عن الإمام أحمد يصح وهو أظهر انتهى. واستدلّ للقول بالمنع بحديث أبي داود عن أبي سعيد من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره وجه الدلالة منه أنه لا يأمن هلاك الرهن في يده بعدوان فيصير مستوفيًا لحقه من غير المسلم فيه وعن ابن عباس رفعه من أسلم في شيء فلا يشترط على صاحبه غير قضائه أخرجه الدارقطني وإسناده ضعيف، ولو صح فهو محمول على شرط ينافي مقتضى العقد. وقال ابن بطال: وجه احتجاج النخعي بحديث عائشة أن الرهن لما جاز في الثمن جاز في المثمن وهو المسلم فيه إذ لا فرق بينهما. 7 - باب السَّلَمِ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ وَالأَسْوَدُ وَالْحَسَنُ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لاَ بَأْسَ فِي الطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ مَا لَمْ يَكُ ذَلِكَ فِي زَرْعٍ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهُ. (باب السلم إلى أجل معلوم وبه) أي باختصاص السلم بالأجل (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله الشافعي من طريق أبي حسان عن الأعرج عن ابن عباس، (وأبو سعيد) الخدري فيما وصله عبد الرزاق، (والأسود) بن يزيد مما وصله ابن أبي شيبة، (والحسن) البصري مما وصله سعيد بن منصور. (وقال ابن عمر) بن الخطاب مما وصله في الموطأ: (لا بأس) بالسلف (في الطعام الموصوف بسعر معلوم إلى أجل معلوم ما لم يك) أصله يكن فأسقط النون للتخفيف (ذلك) السلم (في زرع لم يبد صلاحه) فإن بدا صح وهذا مذهب المالكية كما مر تقريره في الباب السابق. 2253 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاَثَ، فَقَالَ: أَسْلِفُوا فِي الثِّمَارِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَقَالَ: «فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن ابن أبي نجيح) عبد الله (عن عبد الله بن كثير) بالمثلثة المقري أو ابن المطلب بن أبي وداعة (عن أبي المنهال) بكسر الميم عبد الرحمن (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة وهم) أي أهلها (يسلفون) بضم التحتية وبالفاء (في الثمار) بالمثلثة والجمع (السنتين والثلاث فقال) عليه الصلاة والسلام. (أسلفوا في الثمار في كيل معلوم) فيما يكال (إلى أجل معلوم). وقد أشار المؤلّف بالترجمة إلى الرد على من أجاز السلم الحال وهو مذهب الشافعية واستدلّ له بهذا الحديث المذكور في أوائل السلم. وقد أجاب الشافعية عنه كما سبق تقريره بحمل قوله إلى أجل معلوم على العلم بالأجل فقط فالتقدير عندهم من أسلم إلى أجل فليسلم إلى أجل معلوم لا مجهول، وأما السلم لا إلى أجل فجوازه بطريق الأولى لأنه إذا جاز مع الأجل وفيه الغرر فمع الحال أولى لكونه أبعد من الغرر فيصح السلم عند الشافعية حالاً ومؤجلاً فلو أطلق بأن لم يذكر الحلول ولا التأجيل انعقد حالاً ولو أقّت بالحصاد وقدوم الحاج ونحوهما مطلقًا لا يصح إذ ليس لهما وقت معين. وقال الحنفية والمالكية: لا بد من اشتراط الأجل لحديث الباب وغيره واختلفوا في حدّ الأجل فقال

8 - باب السلم إلى أن تنتج الناقة

المالكية أقله خمسة عشر يومًا على المشهور وهو قول ابن القاسم نظرًا إلى أن ذلك مظنة اختلاف الأسواق غالبًا. وقال الطحاوي من الحنفية أقله ثلاثة أيام اعتبارًا بمدّة الخيار وعن بعض الحنفية لو شرط نصف يوم جاز وعن محمد شهر قال صاحب الاختيار وهو الأصح. (وقال عبد الله بن الوليد) العدني (حدّثنا سفيان) بن عيينة مما هو موصول في جامع سفيان قال: (حدّثنا ابن أبي نجيح وقال في كيل معلوم) وزاد (و) في (وزن معلوم) وصرح فيه بالتحديث وهو في السابق بالعنعنة. 2254، 2255 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُجَالِدٍ قَالَ: "أَرْسَلَنِي أَبُو بُرْدَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى فَسَأَلْتُهُمَا عَنِ السَّلَفِ فَقَالاَ: كُنَّا نُصِيبُ الْمَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَكَانَ يَأْتِينَا أَنْبَاطٌ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّأْمِ، فَنُسْلِفُهُمْ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. قَالَ: قُلْتُ: أَكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ زَرْعٌ؟ قَالاَ مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن سليمان الشيباني) بفتح المعجمة (عن محمد بن أبي مجالد) بدون الألف واللام، ولأبي ذر: بإثباتهما أنه (قال: أرسلني أبو بردة) عامر بن أبي موسى الأشعري (وعبد الله بن شداد) بالمعجمة وتشديد المهملة الأولى لما اختلفا في السلف (إلى عبد الرحمن بن أبزى) بفتح الهمزة والزاي بينهما موحدة ساكنة (وعبد الله بن أبي أوفى فسألتهما عن السلف فقالا) أي ابن أبزى وابن أبي أوفى (كنا نصيب المغانم) هي ما أخذ من الكفار قهرًا (مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكان يأتينا أنباط) جمع نبط كفرس ونبيط كجميل وهم نصارى الشأم الذين عمروها أو المزارعون (من أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والزبيب)، ولأبي ذر: والزيت بالمثناة الفوقية آخره بدل الزبيب بالموحدة (إلى أجل مسمى) لم يذكر إلى أجل مسمى في الرواية السابقة في باب السلم إلى من ليس عنده أصل (قال) أي ابن أبي المجالد (قلت) لهما (أكان لهم) أي للأنباط (زرع أو لم يكن لهم زرع قال: ما كنا نسألهم عن ذلك). ومطابقته للترجمة في قوله إلى أجل مسمى كما لا يخفى، وقد ذكر الحديث قريبًا من ثلاث طرق باختلاف الشيوخ والزيادة في المتن وغيره. 8 - باب السَّلَمِ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ (باب السلم إلى أن تنتج الناقة) بضم المثناة الفوقية الأولى وفتح الثانية وسكون النون بينهما آخره جيم أي إلى أن تلد. 2256 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الْجَزُورَ إِلَى حَبَلِ الْحَبَلَةِ، فَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُ". فَسَّرَهُ نَافِعٌ: إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: بالإفراد (موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (أخبرنا جويرية) بن أسماء الضبعي البصري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) بن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه (قال: كانوا) في الجاهلية (يتبايعون الجزور) بفتح الجيم واحد الإبل يقع على الذكر والأُنثى (إلى حبل الحبلة فنهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنه فسره نافع) الراوي عن ابن عمر (إلى أن تنتج الناقة) بضم أوله وفتح ثالثه والناقة بالرفع أي تلد (ما في بطنها) زاد في باب بيع الغرر وحبل الحبلة ثم تنتج التي في بطنها لكنه لم ينسبه لتفسير نافع. نعم قال الإسماعيلي إنه مدرج من كلام نافع أي إلى أن تلد هذه الدابّة ويلد ولدها، والمراد أنه يبيع بثمن إلى نتاج النتاج وبطلان البيع المستفاد من النهي لأنه إلى أجل مجهول ففيه عدم جواز السلم إلى أجل غير معلوم، ولو أسند إلى شيء يعرف بالعادة خلافًا لمالك ورواية عن أحمد. وهذا الحديث قد مرّ في باب بيع الغرر وحبل الحبلة. بسم الله الرحمن الرحيم 36 - كتاب الشفعة (بسم الله الرحمن الرحيم). (كتاب الشفعة) كذا لأبي ذر عن المستملي، ولأبي ذر أيضًا بعد البسملة السلم في الشفعة كذا في اليونينية. وقال الحافظ ابن حجر كتاب الشفعة بسم الله الرحمن الرحيم السلم في الشفعة كذا للمستملي وسقط ما سوى البسملة للباقين وثبت للجميع. 1 - باب الشُّفْعَةُ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ فَلاَ شُفْعَةَ (باب الشفعة فيما لم يقسم) أي في المكان الذي لم يقسم والشفعة بضم المعجمة وسكون الفاء وحكي ضمها. وقال بعضهم لا يجوز غير السكون وهي في اللغة الضم على الأشهر من شفعت الشيء ضممته فهي ضم نصيب إلى نصيب ومنه شفع الأذان، وفي الشرع حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض واتفق على مشروعيتها خلافًا لما نقل عن أبي بكر الأصم من إنكارها (فإذا وقعت الحدود) أي عينت (فلا شفعة) والمعنى في الشفعة دفع ضرر مؤونة القسمة واستحداث المرافق في الحصة الصائرة إليه كمصعد ومنور وبالوعة. 2257 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد

2 - باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع

قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا معمر) بميمين مفتوحتين بينهما مهملة ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) وقد اختلف على الزهري في هذا الإسناد فقال مالك عنه عن أبي سلمة وابن المسيب مرسلاً كذا رواه الشافعي وغيره والمحفوظ روايته عن أبي سلمة عن جابر أنه (قال: قضى رسول الله) ولأبوي ذر والوقت قضى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالشفعة في كل ما) أي في كل مشترك مشاع قابل للقسمة (لم يقسم فإذا وقعت الحدود) جمع حدّ وهو هنا ما تتميز به الأملاك بعد القسمة وأصل الحد المنع ففي تحديد الشيء منع خروج شيء منه ومنع دخول غيره فيه (وصرفت الطرق) بضم الصاد المهملة وكسر الراء المخففة وتُشدّد أي بينت مصارفها وشوارعها (فلا شفعة) لأنه لا مجال لها بعد أن تميزت الحقوق بالقسمة. وهذا الحديث أصل في ثبوت الشفعة، وقد أخرجه مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر بلفظ: قضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالشفعة في كل شرك لم يقسم ربعه أو حائط ولا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به، والربعة بفتح الراء تأنيث الربع وهو المنزل والحائط البستان، وقد تضمن هذا الحديث ثبوت الشفعة في المشاع وصدره يشعر بثبوتها في المنقولات وسياقه يُشعِر باختصاصها بالعقار وبما فيه العقار، ومشهور مذهب المالكية والشافعية والحنابلة تخصيصها بالعقار لأنه أكثر الأنواع ضررًا والمراد بالعقار الأرض وتوابعها المثبتة فيها للدوام كالبناء وتوابعه الداخلة في مطلق البيع من الأبواب والرفوف والمسامير وحجري الطاحون والأشجار فلا تثبت في منقول غير تابع، ويشترط أن يكون العقار قابلاً للقسمة واحترز به عما إذا كان لا يقبلها أو يقبلها بضرر كالحمام ونحوها لما سبق أن علة ثبوت الشفعة دفع ضرر مؤنة القسمة واستحداث المرافق في الحصة الصائرة إلى الشفيع. وفي الفتح وقد أخذ بعمومها في كل شيء مالك في رواية وهو قول عطاء، وعن أحمد تثبت في الحيوانات دون غيرها من المنقولات، وروى البيهقي من حديث ابن عباس مرفوعًا: الشفعة في كل شيء، ورجاله ثقات إلا أنه قد أعلّ بالإرسال، وقد أخرج الطحاوي له شاهدًا من حديث جابر بإسناد لا بأس به انتهى. ومشهور مذهب مالك كما سبق تخصيصها بالعقار، وقال المرداوي الحنبلي في تنقيحه: ولا شفعة في طريق مشترك لا ينفذ ولا فيما تجب قسمته وما ليس بعقار كشجر وحيوان وجوهر وسيف ونحوها انتهى. وخرج بقوله في الحديث في كل شرك الجار ولو ملاصقًا خلافًا للحنفية حيث أثبتوها للجار الملاصق أيضًا. وفي الجامع: وللجار المقابل في السكة الغير النافذة أو المقابل في السكة النافذة فلا شفعة له اتفاقًا، واستدلّ لهم بقوله عليه الصلاة والسلام: "الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبًا إذا كان طريقهما واحدًا" أخرجه أبو داود والترمذى، وقد زعم بعضهم أن قوله فإذا وقعت الحدود إلى آخره مدرج من كلام جابر قال لأن قوله الأول كلام تام والثاني كلام مستقل ولو كان الثاني مرفوعًا لقال وقال: إذا وقعت الحدود انتهى. ولا يخفى ما فيه لأن الأصل أن كل ما ذكر في الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج بدليل والله الموفق. وحديث الباب قد سبق في باب بيع الشريك من شريكه. 2 - باب عَرْضِ الشُّفْعَةِ عَلَى صَاحِبِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَقَالَ الْحَكَمُ: إِذَا أَذِنَ لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَنْ بِيعَتْ شُفْعَتُهُ وَهْوَ شَاهِدٌ لاَ يُغَيِّرُهَا فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ. (باب عرض الشفعة) أي عرض الشريك الشفعة (على صاحبها) الذي هي له (قبل) صدور (البيع). (قال الحكم) بن عتيبة بضم العين المهملة وفتح الفوقية والموحدة بينهما تحتية ساكنة مصغرًا الكوفي التابعي (إذا أذن) مستحق الشفعة (له) أي للشريك الذي يريد البيع (قبل البيع فلا شفعة له) وهذا وصله ابن أبي شيبة. (وقال الشعبي) عامر بن شراحيل الكوفي التابعي الكبير فيما وصله ابن أبي شيبة (من بيعت شفعته وهو شاهد لا يغيرها فلا شفعة له) ومذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأصحابهم لو أعلم الشريك بالبيع فأذن فيه فباع ثم أراد الشريك أن يأخذ بالشفعة فله ذلك، ومفهوم قوله في حديث مسلم السابق: ولا

يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه الخ وجوب الإعلام، لكن حمله الشافعية على الندب وكراهة بيعه قبل إعلامه كراهة تنزيه ويصدق على المكروه أنه ليس بحلال ويكون الحلال بمعنى المباح وهو مستوي الطرفين بل هو راجح الترك قاله النووي. وقال في المطلب: والخبر يقتضي استئذان الشريك قبل البيع ولم أظفر به في كلام أحد من أصحابنا وهذا الخبر لا محيد عنه، وقد صح، وقد قال الشافعي إذا صح الحديث فاضربوا بمذهبي عرض الحائط انتهى. 2258 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ قَالَ: "وَقَفْتُ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَجَاءَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى إِحْدَى مَنْكِبَىَّ، إِذْ جَاءَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا سَعْدُ ابْتَعْ مِنِّي بَيْتَىَّ فِي دَارِكَ. فَقَالَ سَعْدٌ وَاللَّهِ مَا أَبْتَاعُهُمَا. فَقَالَ الْمِسْوَرُ وَاللَّهِ لَتَبْتَاعَنَّهُمَا. فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُكَ عَلَى أَرْبَعَةِ آلاَفٍ مُنَجَّمَةٍ أَوْ مُقَطَّعَةٍ. قَالَ أَبُو رَافِعٍ: لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهَا خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا أَعْطَيْتُكَهَا بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ وَأَنَا أُعْطَى بِهَا خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ". [الحديث 2258 - أطرافه في: 6977، 6978، 6980، 6981]. وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد الحنظلي قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال: (أخبرني) بالإفراد (إبراهيم بن ميسرة) ضد الميمنة (عن عمرو بن الشريد) بفتح العين وسكون الميم والشريد بفتح الشين المعجمة وكسر الراء المخففة آخره دال مهملة ابن سويد التابعي الثقة وأبوه صحابي أنه (قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة) بكسر ميم مسورة وسكون السين وفتح ميمي مخرمة وسكون الخاء المعجمة بينهما (فوضع يده على إحدى منكبي) بتأنيث إحدى، وأنكره بعضهم لأن المنكب مذكر، وفي نسخة الميدومي أحد بالتذكير وهو بخط الحافظ الدمياطي كذلك (إذ جاء أبو رافع) أسلم القبطي (مولى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكان للعباس فوهبه له عليه الصلاة والسلام، فلما بشر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإسلام العباس أعتقه وإذ للمفاجأة مضافة للجملة وجوابها قوله (فقال) أبو رافع (يا سعد ابتع) أي اشتر (مني بيتي) الكائنين (في دارك فقال سعد: والله ما أبتاعهما) أي ما أشتريهما، (فقال المسور والله لتبتاعنهما) بفتح اللام المؤكدة ونون التوكيد المثقلة، ووقع في رواية سفيان أن أبا رافع سأل المسور أن يساعده على ذلك (فقال سعد) لأبي رافع: (والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو) قال (مقطعة) وهما بمعنى أي مؤجلة والشك من الراوي، وفي رواية سفيان الآتية، إن شاء الله تعالى في ترك الحيل أربعمائة مثقال (قال أبو رافع لقد أعطيت بها خمسمائة دينار) بضم همزة أعطيت على صيغة المجهول (ولولا أني سمعت النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (الجار أحق بسقبه) بفتح السين المهملة والقاف وبعدها موحدة، ويجوز إبدال السين صادًا القرب والملاصقة أو الشريك (ما أعطيتكها) أي البقعة الجامعة للبيتين (بأربعة آلاف وأنا أعطى) بضم الهمزة وفتح الطاء مبنيًّا للمفعول، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: وإنما أعطى (بها خمسمائة دينار فأعطاها إياه) قال في معالم السنن: وقد احتج بهذا من يرى الشفعة بالجوار وأوّله غيره على أن المراد أن الجار أحق بسقبه إذا كان شريكًا فيكون معنى الحديثين على الوفاق دون الاختلاف، واسم الجار قد يقع على الشريك لأنه قد يجاور شريكه ويساكنه في الدار المشتركة بينهما كالمرأة تسمى جارة لهذا المعنى. قال: ويحتمل أنه أراد أحق بالبر والمعونة وما في معناهما، وكذا قال ابن بطال وزاد أن قولهم المراد به الشريك بناء على أن أبا رافع كان شريك سعد في البيتين، وتعقبه ابن المنير بأن ظاهر الحديث أن أبا رافع كان يملك بيتين من جملة دار سعد لا شقصًا شائعًا من منزل سعد انتهى. وإنما عدل عن الحقيقة في تفسير السقب إلى المجاز لأن لفظ أحق في الحديث يقتضي شركة في نفس الشفعة والذي له حق الشفعة الشريك والجار على مذهب القائل به ولا ريب أن الشريك أحق من غيره فكيف يرجح الجار عليه مع ورود تلك النصوص الصحيحة فيحمل الجار على الشريك جمعًا بين حديث جابر المصرح باختصاص الشفعة بالشريك وحديث أبي رافع إذ هو مصروف الظاهر اتفاقًا لأن الذين قالوا بشفعة الجوار قدّموا الشريك مطلقًا ثم المشارك في الطريق ثم على من ليس بمجاور ومن ثم تعين التأويل. وقال أبو سليمان أي الخطابي بعد أن ساق حديث أبي داود حدّثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدّثنا سفيان عن إبراهيم بن ميسرة سمع عمرو بن الشريد سمع أبا رافع سمع النبي

3 - باب أي الجوار أقرب؟

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "الجار أحق بسقبه" تكلم بعضهم في إسناد هذا الحديث واضطرب الرواة فيه فقال بعضهم: عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال بعضهم عن أبيه عن أبي رافع وأرسله بعضهم وقال فيه قتادة عن عمرو بن شعيب عن الشريد. قال: والأحاديث التي جاءت في أن لا شفعة إلا للشريك أسانيدها جياد وليس في شيء منها اضطراب انتهى. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في ترك الحيل عن علي بن عبد الله عن سفيان بن عيينة وعن محمد بن يوسف وأبي نعيم كلاهما عن سفيان الثوري وعن مسدد عن يحيى عن الثوري، وأخرجه أبو داود في البيوع عن العقيلي عن سفيان بن عيينة به وعن محمود بن غيلان عن أبي نعيم به، وأخرجه ابن ماجة في الأحكام من طريق ابن عيينة. 3 - باب أَيُّ الْجِوَارِ أَقْرَبُ؟ هذا (باب) بالتنوين (أي الجوار أقرب) بكسر الجيم وتضم فيه إشعار إلى أن المؤلّف يختار مذهب الكوفيين في استحقاق الشفعة بالجوار لكنه لم يترجم له، وإنما ذكر الحديث في الترجمة الأولى وهو دليل شفعة الجوار، وأعقبه بهذا الباب ليدل بذلك على أن الأقرب جوارًا أحق من الأبعد لكنه لم يصرح في الترجمة بأن غرضه الشفعة، واستدلّ التوربشتي بإيراد البخاري حديث الجار أحق بسقبه على تقوية شفعة الجار وإبطال ما تأوله أبو سليمان الخطابي مشنعًا عليه، وأجاب شارح المشكاة بأن إيراد البخاري لذلك ليس بحجة على الإمام الشافعي ولا على الخطابي، وقد وافق محيي السُّنّة البغوي الخطابي في ذلك وإذا كان كذلك فلا وجه للتشنيع على الإمام أبي سليمان الذي لانَ له الحديث كما لانَ لأبي سليمان الحديد انتهى. 2259 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح. وَحَدَّثَنا عَلِيُّ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ قَالَ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا". [الحديث 2259 - طرفاه في: 2595، 6020]. وبه قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن منهال السلمي الأنماطي وليس هو حجاج بن محمد الأعور قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (ح) لتحويل السند قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد (عليّ) غير منسوب، ولابن السكن وكريمة كما قال في فتح الباري، عليّ ابن عبد الله، ولابن شبويه علي بن المديني، ورجح أبو علي الجياني أنه علي بن سلمة اللبقي بفتح اللام والموحدة وبعدها قاف وبه جزم الكلاباذي وابن طاهر وهو الذي في رواية المستملي. قال الحافظ ابن حجر: وهذا يُشعِر بأن البخاري لم ينسبه وإنما نسبه من نسبه من الرواة بحسب ما طهر له، فإن كان كذلك فالأرجح أنه ابن المديني لأن العادة أن الإطلاق إنما ينصرف لمن يكون أشهر، وابن المديني أشهر من اللبقي ومن عادة البخاري إذا أطلق الرواية عن عليّ إنما يقصد به عليّ بن المديني انتهى. وفي اليونينية عليّ بن عبد الله ورقم على قوله ابن عبد الله علامة السقوط لأبي ذر قال: (حدّثنا شبابة) بفتح الشين المعجمة وتخفيف الموحدتين ابن سوّار المدايني أصله من خراسان رمي بالإرجاء. وقيل وكان داعية لكن وثّقه ابن معين وابن المديني وأبو زرعة وغيرهم، وحكى سعيد بن عمرو البرذعي عن أبي زرعة أنه رجع عن الإرجاء وقد احتج به الجماعة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا أبو عمران) عبد الملك بن حبيب الجوني بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون (قال: سمعت طلحة بن عبد الله) بن عثمان بن عبيد الله بن معمر التيمي فيما جزم به المزي وقيل هو طلحة ابن عبد الله الخزاعي (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت (قلت: يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي)؟ بضم الهمزة (قال) عليه الصلاة والسلام وزاد أبو ذر: لي. (إلى أقربهما منك بابًا) قال الزركشي: ويروى قال أقربهما بإسقاط إلى وبالجر على حذف الجار وإبقاء عمله ويجوز الرفع وهو الأكثر، وليس في الحديث ما يدل على ثبوت شفعة الجوار لأن عائشة -رضي الله عنها- إنما سألت عمن تبدأ به من جيرانها بالهدية، فأخبرها بأن من قرب أولى من غيره لأنه ينظر إلى ما يدخل دار جاره وما يخرج منها، فإذا رأى ذلك أحب أن يشاركه فيه وأنه أسرع إجابة لجاره عند النوائب العارضة له في أوقات الغفلة، فلذلك بدئ به على من بعد. وهذا الحديث من إفراد المؤلّف لم يخرجه مسلم، وأخرجه أبو داود في الأدب والمؤلّف أيضًا فيه وفي الهبة.

37 - كتاب الإجارة

بسم الله الرحمن الرحيم 37 - كتاب الإجارة بكسر الهمزة على المشهور، وحكى الرافعي ضمها وصاحب المستعذب فتحها وهي لغة اسم للأجرة وشرعًا عقد على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم فخرج بمنفعة العين وبمقصوده التافه كتفاحة للشم وبمعلومة القراض والجعالة على عمل مجهول، وبقابلة للبذل والإباحة البضع وبعوض هبة المنافع والوصية بها والشركة والإعارة وبمعلوم المساقاة والجعالة على عمل معلوم بعوض مجهول كالحج بالرزق. نعم يرد عليه بيع حق الممر ونحوه والجعالة على عمل معلوم بعوض معلوم. (بسم الله الرحمن الرحيم في الإجارات) بالجمع كذا في رواية المستملي. قال في الفتح: وسقط للنسفي في الإجارات وسقط للباقين كتاب الإجارة. 1 - باب في الإجارة اسْتِئْجَارِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} وَالْخَازِنِ الأَمِينِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ مَنْ أَرَادَهُ. هذا (باب) بالتنوين (في الإجارة استئجار الرجل الصالح) فيه إشارة إلى قطع وهم من لعله يتوهم أنه لا ينبغي استئجار الصالحين في الأعمال والخدم لأنه امتهان لهم قاله ابن المنير، ولأبي ذر: باب استئجار الرجل الصالح، وفي بعض النسخ: كتاب الإجارة في الإجارة استئجار الرجل الصالح. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على السابق وبالرفع على الاستئناف ولأبي ذر: وقال الله تعالى: ({إن خير من استأجرت القوي الأمين}) [القصص: 26] تعليل شائع يجري مجرى الدليل على أنه حقيق بالاستئجار وللمبالغة فيه جعل خير اسمًا وذكر الفعل بلفظ الماضي للدلالة على أنه أمر مجرّب معروف، وأشار بذلك إلى قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع ابنة شعيب في سقيه المواشي. قال شريح القاضي وأبو مالك وقتادة ومحمد بن إسحاق وغير واحد فيما قاله ابن كثير في تفسيره لما قالت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال لها أبوها: وما علمك بذلك؟ قالت: إنه رفع الصخرة التي لا يطيق حملها إلا عشرة رجال، ولما جئت معه تقدّمت أمامه فقال: كوني من ورائي فإذا اختلفت الطريق فاحذفي لي بحصاة أعلم بها كيف الطريق لأهتدي إليه (والخازن الأمين ومن لم يستعمل) من الأئمة (من أراده) أي لا يفوّض الأمر إلى الحريص على العمل لأنه لحرصه لا يؤمن، وهذان الجزءان من جملة الترجمة وقد ساق لكل منهما حديثًا. 2260 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْخَازِنُ الأَمِينُ الَّذِي يُؤَدِّي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء بريد بن عبد الله أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (جدي أبو بردة) عامر على الأشهر (عن أبيه أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الخازن الأمين الذي يؤدي) يعطي (ما أمر به) بضم الهمزة على صيغة المجهول من الصدقة حال كونه (طيبة) بما يؤدّيه (نفسه) رفع بطيبة، ولأبي ذر: طيب نفسه برفعهما على أن طيب خبر مبتدأ محذوف ونفسه فاعله أو توكيد. وقال الكرماني: وفي بعضها طيب نفسه مضافًا إلى النفس وإنما انتصب حالاً والحال لا يكون معرفة لأن الإضافة لفظية فلا تقبل التعريف، وقوله الخازن مبتدأ خبره (أحد المتصدقين) بفتح القاف على التثنية ويجوز كسرها على الجمع وهما في الفرع وأصله. واستشكل سياق هذا الحديث هنا من حيث أنه لا تعلق له بالإجارة المترجم بها. وأجاب السفاقسي: بأن الخازن لا شيء له في المال وإنما هو أجير، وقال الكرماني: أشار إلى أن خازن مال الغير كالأجير لصاحب المال، وقول ابن بطال: إنما أدخله لأن من استؤجر على شيء فهو أمين فيه ولا ضمان عليه فيه إن لم يفرط، وتبعه الزركشي في التنقيح، وتعقبه صاحب المصابيح بأن سقوط الضمان ليس منوطًا بالأمانة وإنما هو منوط بالائتمان حتى لو ائتمنه فوجده خائنًا لم يكن عليه ضمان والمسوق في الحديث هو من اتصف في الواقع بالأمانة فأنّى يؤخذ منه ما قاله فتأمله انتهى. وهذا الحديث سبق في باب أجر الخادم إذا تصدق من كتاب الزكاة. 2261 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: "أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعِي رَجُلاَنِ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ، فَقُلْتُ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ. فَقَالَ: لَنْ -أَوْ لاَ- نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ». [الحديث 2261 - أطرافه في: 3038، 4341، 4343، 4344، 6124، 6923، 7149، 7156، 7157، 7172]. وبه قال: (حدّثنا مسدد)

2 - باب رعي الغنم على قراريط

هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن قرة بن خالد) بضم القاف وتشديد الراء السدوسي البصري (قال: حدّثني) بالإفراد (حميد بن هلال) بضم الحاء مصغرًا العدوي البصري قال: (حدّثنا أبو بردة) عامر (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (قال: أقبلت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعي رجلان من الأشعريين) لم يسميا وقد سمي من الأشعريين الذين قدموا مع أبي موسى في السفينة: كعب بن عاصم، وأبو مالك، وأبو عامر وغيرهم. (فقلت ما علمت أنهما يطلبان العمل) كذا ساقه هنا مختصرًا ولفظه في استتابة المرتدّين في باب حكم المرتد والمرتدة ومعي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني والآخر عن يساري ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستاك فكلاهما سأل أي العمل فقال: يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس: قال قلت والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما وما شعرت أنهما يطلبان العمل فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت أي انزوت (فقال) ولأبي ذر: قال: (لن) بالنون (أو) قال (لا) بالألف شك من الراوي (نستعمل على عملنا من أراده) لما فيه من التهمة بسبب حرصه ولأن من سأل الولاية وكّل إليها ولا يعان عليها، وفي نسخة الميدومي: إنّا لا نستعمل، وذكر السفاقسي أن في بعض النسخ لن أولي نستعمل بضم الهمزة وفتح الواو وتشديد اللام مع كسرها فعل مستقبل من الولاية. قال القطب الحلبي: فعلى هذه الرواية يكون لفظ نستعمل زائدًا أو يكون تقدير الكلام لن أولي على عملنا، وقد وقع هذا الحديث في الأحكام من طريق يزيد بن عبد الله عن أبي بردة بلفظ: إنّا لا نولي على عملنا وهو يعضد هذا التقدير قاله ابن حجر، ولما كان في الغالب أن الذي يطلب العمل إنما يطلبه لأجرة طابق ذلك ما ترجم له. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الإجارة والأحكام وفي استتابة المرتدين ومسلم في المغازي وأبو داود والنسائي في القضاء. 2 - باب رَعْيِ الْغَنَمِ عَلَى قَرَارِيطَ (باب رعي الغنم على قراريط) جمع قيراط وهو نصف الدانق أو نصف عشر الدينار أو جزء من أربعة وعشرين جزءًا. 2262 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ. فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) الأزرقي القوّاس (المكي) صاحب أخبار مكة قال: (حدّثنا عمرو بن يحيى) بفتح العين وسكون الميم (عن جده) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم) وللكشميهني: إلا راعي الغنم بألف بعد الراء وكسر العين (فقال أصحابه وأنت)؟ بحذف همزة الاستفهام أي: أو أنت أيضًا رعيتها؟ (فقال) عليه الصلاة والسلام: (نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة) وفي رواية ابن ماجة عن سويد بن سعيد عن عمرو بن يحيى: كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط. وقال سويد شيخ ابن ماجة: يعني كل شاة بقيراط يعني القيراط الذي هو جزء من الدينار أو الدرهم، وقال أبو إسحاق الحربي: قراريط اسم موضع بمكة، وصححه ابن الجوزي كابن ناصر وأيّده مغلطاي بأن العرب لم تكن تعرف القيراط. قال ابن حجر: لكن الأرجح الأول لأن أهل مكة لا تعرف بها مكانًا يقال له قراريط انتهى. وقال بعضهم: لم تكن العرب تعرف القيراط الذي هو من النقد، ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح "تفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط" لكن لا يلزم من عدم معرفتهم لها أن يكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يعرف ذلك، والحكمة في إلهامهم صلوات الله وسلامه عليهم رعي الغنم قبل النبوّة ليحصل لهم التمرّن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم ولأن في مخالطتها زيادة الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على مشقة الرعي ودفعوا عنها السباع الضارية والأيدي الخاطفة وعلموا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها وعرفوا ضعفها واحتياجها إلى النقل من مرعى إلى مرعى ومن مسرح إلى مراح، فرفقوا بضعيفها وأحسنوا تعاهدها فهو توطئة لتعريفهم سياسة أممهم وخصّ الغنم لأنها أضعف من غيرها، وفي ذكره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لذلك بعد أن علم أنه أشرف خلق الله ما فيه من التواضع والتصريح بمنته عليه. وهذا

3 - باب استئجار المشركين عند الضرورة، أو إذا لم يوجد أهل الإسلام وعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- يهود خيبر

الحديث أخرجه ابن ماجة في التجارات. 3 - باب اسْتِئْجَارِ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، أَوْ إِذَا لَمْ يُوجَدْ أَهْلُ الإِسْلاَمِ وَعَامَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَهُودَ خَيْبَرَ (باب استئجار) المسلمين (المشركين عند الضرورة) أي عند عدم وجود مسلم (أو إذا لم يوجد أهل الإسلام) وفي نسخة عند الضرورة إذا لم يجد أهل الإسلام (وعامل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يهود خيبر) على العمل في أرضها إذا لم يجد أحدًا من المسلمين ينوب منابهم في ذلك. قال ابن بطال: عامة الفقهاء يجيزون استئجارهم عند الضرورة وغيرها لما في ذلك من المذلة لهم وإنما الممتنع أن يؤاجر المسلم نفسه من المشرك لما فيه من الإذلال. 2263 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "وَاسْتَأْجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا -الْخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ- قَدْ غَمَسَ يَمِينَ حِلْفٍ فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَهْوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ؛ فَأَمِنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ لَيَالٍ ثَلاَثٍ فَارْتَحَلاَ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ الدِّيلِيُّ فَأَخَذَ بِهِمْ أَسْفَلَ مَكَّةَ وَهْوَ طَرِيقُ السَّاحِلِ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) بن يزيد بن زاذان أبو إسحاق التميمي الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت: (واستأجر) بواو العطف على قصة في هذا الحديث وهي ثابتة في أصله الطويل المسوق عند المؤلّف في باب هجرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه إلى المدينة عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، الحديث. وفيه خروج أبي بكر مهاجرًا نحو أرض الحبشة حتى بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وخروجه مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى غار ثور فمكثا فيه ثلاث ليالٍ يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت معهم فلا يسمع أمرًا يكادان به إلاّ وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي منحة من غنم فيريحها عليهما حين يذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك كل ليلة من الليالي، وسقط واو العطف المذكور لأبي ذر واستأجر (النبي) ولأبي الوقت: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر رجلاً) مشركًا (من بني الديل) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية هو عبد الله بن أريقط. وقال ابن هشام: رجلاً من بني سهم بن عمرو وكان مشركًا. وهذا موضع الترجمة. (ثم من بني عبد بن عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملة وتشديد التحتية بطن من بني بكر (هاديًا) للطريق (خريتًا) بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء وسكون التحتية بعدها مثناة فوقية صفتان لرجل، ونسب الحافظ ابن حجر الأخيرة لزيادة الكشميهني. قال الزهري (الخرّيت: الماهر بالهداية قد غمس) أي عبد الله بن أريقط (يمين حلف) بكسر الحاء المهملة وبعد اللام الساكنة فاء وغمس بفتح الغين المعجمة والميم والسين المهملة أي دخل (في) جملة (آل العاصي بن وائل) بالهمز من بني سهم رهط من قريش وغمس نفسه فيهم وكانوا إذا تحالفوا غمسوا أيديهم في دم أو خلوق أو شيء يكون فيه تلويث فيكون ذلك تأكيدًا للحلف، (وهو) أي عبد الله بن أريقط (على دين كفار قريش فأمناه) بكسر الميم المخففة بعد الهمزة المفتوحة من أمنت فلانًا فهو آمن وذلك مأمون والضمير للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والصديق (فدفعا إليه راحلتيهما) تثنية راحلة من الإبل البعير القوي على الأسفار والأحمال يستوي فيه المذكر والمؤنث والتاء للمبالغة (ووعداه) ولأبي ذر: وواعداه بألف قبل العين فالأولى من الوعد والثانية من المواعدة (غار ثور) بالمثلثة كهفًا بجبل أسفل مكة (بعد ثلاث ليالٍ فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليالٍ ثلاث فارتحلا وانطلق معهما عامر بن فهيرة) بضم الفاء وفتح الهاء وبعد الياء الساكنة راء مفتوحة، (والدليل الديلي) بكسر الدال المهملة وسكون الياء من غير همز هو عبد الله بن أريقط (فأخذ بهم) أي أخذ بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر وعامر عبد اللهّ بن أريقط الدليل وفي نسخة: أسفل مكة (وهو طريق الساحل) وفي الهجرة فأخذ بهم طريق الساحل بدون لفظ وهو. وهذا الحديث أخرجه

4 - باب إذا استأجر أجيرا ليعمل له بعد ثلاثة أيام -أو بعد شهر أو بعد سنة- جاز وهما على شرطهما الذي اشترطاه إذا جاء الأجل

في باب الإجارة والهجرة. 4 - باب إِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَعْمَلَ لَهُ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ -أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ- جَازَ وَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا الَّذِي اشْتَرَطَاهُ إِذَا جَاءَ الأَجَلُ هذا (باب) بالتنوين (إذا استأجر) الرجل (أجيرًا ليعمل له) عملاً (بعد ثلاثة أيام أو بعد شهر أو بعد سنة) وجواب إذا قوله (جاز) التواجر (وهما) أي المؤجر والمستأجر (على شرطهما الذي اشترطاه إذا جاء الأجل) قال العيني وهو جائز عند مالك وأصحابه بعد اليوم أو اليومين أو ما قرب إذا أنقده الأجرة، واختلفوا فيما إذا لم ينقده فأجازه مالك وابن القاسم. وقال أشهب: لا يجوز لأنه لا يدري أيعيش أم لا. وقياسه أن يستأجر منه منزلاً مدة معلومة قبل مجيء السنة بأيام يقول آجرتك الدار سنة بعد عشرة أيام فمذهب الشافعية عدم الصحة لأن منفعتها إذ ذاك غير مقدورة التسليم في الحال فأشبه بيع العين على أن يسلمها غدًا وهو بخلاف إجارة الذمة فإنه يجوز فيها تأجيل العمل كما في السلم فلو آجر السنة الثانية لمستأجر الأولى قبل انقضائها جاز لاتصال المدتين مع اتحاد المستأجر فهو كما لو آجرهما دفعة واحدة بخلاف ما لو آجرها من غيره لعدم اتحاد المستاجر. وقال الحنفية: إذا قال في شعبان مثلاً آجرتك داري في أول يوم من رمضان جاز مطلقًا لأن العقد يتحدد بحدوث المنافع وهو مذهب المالكية. 2264 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: "وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا وَهْوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين بن خالد بن عقيل بفتح العين (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (فأخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوام (أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنها (قالت: واستأجر) بواو العطف على قصة مذكورة في الحديث كما نبّه عليه في الباب السابق (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر رجلاً) اسمه عبد الله بن أريقط (من بني الديل) بكسر الدال (هاديًا) يرشد إلى الطريق (خريتًا) بكسر المعجمة وتشديد الراء ماهرًا يهتدي لأخرات المفازة وهي طرقها الخفية ومضايقها وقال الزهري فيما أدرجه في السابقة الماهر بالهداية (وهو على دين كفّار قريش) على أن يدلهما على طريق المدة بعد ثلاث ليالٍ، (فدفعا) أي النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر -رضي الله عنه- (إليه) أي إلى عبد الله بن أريقط (راحلتيهما وواعداه) بألف قبل العين وبعد الدال (غار ثور) بأسفل مكة (بعد ثلاث ليال) زاد في نسخة الميدومي فأتاهما (براحلتيهما صبح ثلاث) نصب على الظرفية والعامل فيه واعداه وكذا العامل في غار ثور، واعترض الإسماعيلي على المصنف بأنه لا مطابقة بين الترجمة والحديث فإنه ليس فيه أنهما استأجراه على أن لا يعمل إلا بعد ثلاث بل الذي فيه أنهما استأجراه وابتدأ في العمل من وقته بتسلمه راحلتيهما منهما يرعاهما ويحفظهما إلى أن يتهيأ لهما الخروج. وأجيب: بأن الإجارة إنما كانت على الدلالة على الطريق من غير زيادة وأن يحضر لهما راحلتيهما بعد ثلاث ليالٍ عند الغار ثم يخدمهما بما أراداه من الدلالة على الطريق بعد الليالي الثلاث، وقاس المؤلّف على ذلك إذا كان ابتداء العمل بعد شهر أو بعد سنة فقاس الأجل البعيد على الأجل القريب ولم تكن إجارتهما له لخدمة الراحلتين، ويؤيده أن الذي كان يرعاهما عامر بن فهيرة لا الدليل كما في الحديث، وأما من قال ببطلان الإجارة إذا لم يشرع في العمل من وقت الإجارة فيحتاح إلى دليل. 5 - باب الأَجِيرِ فِي الْغَزْوِ (باب الأجير في الغزو). 2265 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَكَانَ مِنْ أَوْثَقِ أَعْمَالِي فِي نَفْسِي، فَكَانَ لِي أَجِيرٌ، فَقَاتَلَ إِنْسَانًا، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا إِصْبَعَ صَاحِبِهِ، فَانْتَزَعَ إِصْبَعَهُ فَأَنْدَرَ ثَنِيَّتَهُ فَسَقَطَتْ، فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ وَقَالَ: أَفَيَدَعُ إِصْبَعَهُ فِي فِيكَ تَقْضَمُهَا؟ قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ: كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ". وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (يعقوب بن إبراهيم) بن كثير الدورقي قال: (حدّثنا إسماعيل ابن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد التحتية اسم أمه واسم أبيه إبراهيم بن سهم الأسدي قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (عن صفوان بن يعلى) بفتح الياء وسكون العين وفتح اللام مقصورًا (عن) أبيه (يعلى بن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية واسم أمه منية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية (-رضي الله عنه-) أنه (قال: غزوت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جيش العسرة) بضم العين وسكون السين المهملتين

6 - باب من استأجر أجيرا فبين له الأجل، ولم يبين العمل

هو غزوة تبوك وسمي بالعسرة لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ندب الناس إلى الغزو في شدة القيظ وكان وقت طيب الثمرة فعسر ذلك وشق عليهم وكانت في سنة تسع من الهجرة، (فكان) الغزو (من أوثق أعمالي في نفسي فكان لي أجير) أي يخدمني بأجرة (فقاتل) الأجير (إنسانًا فعضَّ أحدهما إصبع صاحبه) وفي مسلم: العاض هو يعلى بن أمية (فانتزع إصبعه فأندر) بهمزة مفتوحة فنون ساكنة فدال مهملة مفتوحة فراء أي أسقط (ثنيته) بجذبه والثنية مقدم الأسنان والثنايا أربع ثنتان عليا وثنتان سفلى (فسقطت) من فيه (فانطلق) الذي ندرت ثنيته (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأهدر) عليه الصلاة والسلام (ثنيته) فلم يوجب له دية ولا قصاصًا (وقال) عليه الصلاة والسلام له: (أفيدع) يترك (إصبعه في فيك تقضمها) بفتح الضاد المعجمة على اللغة الفصيحة وماضيه على ما قاله ثعلب بكسرها أي تأكلها بأطراف أسنانك والهمزة في أفيدع للاستفهام الإنكاري (قال) يعلى: (أحسبه) عليه الصلاة والسلام (قال كما يقضم الفحل) الذكر من الإبل ويقضم بفتح الضاد كما مرّ. 2266 - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ جَدِّهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ: "أَنَّ رَجُلاً عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَأَنْدَرَ ثَنِيَّتَهُ، فَأَهْدَرَهَا أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه". (قال ابن جريج) عبد الملك بالإسناد السابق: (وحدّثني) بالإفراد (عبد الله) هو مؤذن ابن الزبير وقاضيه (ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام مصغرًا زهير بن عبد الله بن جدعان القرشي التيمي ونسبه لجده لشهرته به واسم أبيه عبيد الله بالتصغير فهو عبد الله بن عبيد الله بن زهير المكنى بأبي مليكة، وهذا هو الذي اعتمده المزي في التهذيب، وقيل هو عبد الله بن عبد الله بن عبد الله أبي مليكة بن زهير فالمكنى هو عبد الله وأبوه زهير فيكون نسبه إلى جد أبيه، وهذا كما قال في الإصابة المعتمد وعزاه لابن سعد وابن الكلبي وغيرهما (عن جده) الضمير على القول الأول يعود إلى أبي مليكة زهير، وعلى الثاني يعود إلى عبد الله بن زهير. وقد أخرج الحديث الحاكم أبو أحمد في الكنى عن أبي عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أبيه عن جده عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (بمثل هذه الصفة) بكسر الصاد المهملة وتخفيف الفاء وللأربعة القصة بالقاف المكسورة وتشديد الصاد المهملة (أن رجلاً عض يد رجل فأندر ثنيته) أي أسقطها (فأهدرها أبو بكر) الصديق (-رضي الله عنه-) وفي هذا دليل للشافعية والحنفية حيث قالوا: إذا عض رجل يد غيره فنزع المعضوض يده فسقطت أسنان العاضّ أو فك لحييه لا ضمان عليه، وقال المالكية: يضمن ديتها. وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الجهاد والمغازي والدّيات، ومسلم في الحدود، وأبو داود في الدّيات، والنسائي في القصاص. 6 - باب مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَبَيَّنَ لَهُ الأَجَلَ، وَلَمْ يُبَيِّنِ الْعَمَلَ لِقَوْلِهِ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَىَّ هَاتَيْنِ} -إِلَى قَوْلِهِ- {عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} يَأْجُرُ فُلاَنًا: يُعْطِيهِ أَجْرًا. وَمِنْهُ فِي التَّعْزِيَةِ: أَجَرَكَ اللَّهُ. (باب من استأجر) ولأبي ذر: باب بالتنوين إذا استأجر (أجيرًا فبين له الأجل) أي المدة (ولم يبيّن العمل) الذي يعمله له هل يصح ذلك أم لا والذي مال إليه المصنف الجواز (لقوله) تعالى: ({إني أريد أن أنكحك}) أُزوجك ({إحدى ابنتي هاتين} إلى قوله: ({على}) ولأبي ذر والله على ({ما نقول وكيل}) [القصص: 27، 28] شاهد على ما عقدنا واعترضه المهلب بأنه ليس في الآية دليل على جهالة العمل في الإجارة، لأن ذلك كان معلومًا بينهم وإنما حذف ذكره للعلم به. وأجاب ابن المنير: بأن البخاري لم يقصد جواز أن يكون العمل مجهولاً، وإنما أراد أن التنصيص على العمل باللفظ ليس مشروطًا وأن المتبع المقاصد لا الألفاظ، وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن ما وقع في النكاح على هذا الصداق خصوصية لموسى عليه الصلاة والسلام لا يجوز لغيره لظهور الغرر في طول المدة، ولأنه قال "إحدى ابنتي هاتين" ولم يعينها. وهذا لا يجوز إلا بالتعيين. وأجاب في الكشاف: بأن ذلك لم يكن عقدًا للنكاح ولكن مواعدة، ولو كان عقدًا لقال قد أنكحتك ولم يقل إني أريد أن أنكحك، وقد اختلف فيما إذا تزوجها على أن يؤجرها نفسه سنة، فقال الشافعي: النكاح جائز على خدمته إذا كان وقتًا معلومًا ويجب عليه عين الخدمة سنة، وقال مالك: يفسخ النكاح إن لم يكن دخل بها فإن دخل ثبت النكاح بمهر

7 - باب إذا استأجر أجيرا على أن يقيم حائطا يريد أن ينقض جاز

المثل، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن كان حرًّا فلها مهر مثلها، وإن كان عبدًا فلها خدمة سنة. وقال محمد: تجب عليه قيمة الخدمة سنة لأنها متقوّمة. ثم أخذ البخاري يفسر قوله في بقية الآية: {على أن تأجرني} فقال: (يأجر فلانًا) بضم الجيم (يعطيه أجرًا ومنه) أي ومن هذا المعنى قولهم (في التعزية) بالميت: (آجرك الله) بمد الهمزة أي يعطيك أجرك، وهكذا فسره أبو عبيدة في المجاز وزاد يأجرك يثيبك ولم يذكر حديثًا لأنه إنما يقصد بتراجمه بيان المسائل الفقهية واكتفى بالآية على ما أراده هنا فالله تعالى يثيبه، وثبت قوله يأجر فلانًا الخ لأبي ذر عن الكشميهني. 7 - باب إِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا عَلَى أَنْ يُقِيمَ حَائِطًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ جَازَ هذا (باب) بالتنوين (إذا استأجر) أحد (أجيرًا على أن يقيم حائطًا يريد أن ينقض) أي يسقط (جاز). 2267 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ -يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ- وَغَيْرُهُمَا قَالَ: قَدْ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- حَدَّثَنِي أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَانْطَلَقَا فَوَجَدَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ» قَالَ سَعِيدٌ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَاسْتَقَامَ. قَالَ يَعْلَى حَسِبْتُ أَنَّ سَعِيدًا قَالَ: فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} قَالَ سَعِيدٌ: أَجْرًا نَأْكُلُهُ". وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني ({براهيم بن موسى) بن يزيد الفرّاء الصغير قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) أبو عبد الرحمن قاضي اليمن (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (يعلى بن مسلم) أي ابن هرمز (وعمرو بن دينار) المكي أبو محمد الأثرم الجمحي كلاهما (عن سعيد بن جبير) الأسدي الكوفي (يزيد أحدهما) أي يعلى أو عمرو (على صاحبه) واستشكل قوله: يزيد أحدهما على صاحبه فإنه يلزم من زيادة أحدهما على صاحبه نوع محال، وهو أن يكون الشيء مزيدًا ومزيدًا عليه. وأجاب الكرماني: بأنه أراد بأحدهما واحدًا معينًا منهما وحينئذٍ فلا إشكال، وإن أراد كل واحد منهما فمعناه أنه يزيد شيئًا لم يزده الآخر فهو مزيد باعتبار شيء ومزيد عليه باعتبار شيء آخر (وغيرهما) أي قال ابن جريج وأخبرني أيضًا غير يعلى وعمرو: (قال) ابن جريج (قد سمعته) أي الغير (يحدّثه) أي الحديث (عن سعيد) هو ابن جبير (قال لي ابن عباس -رضي الله عنهما-: حدّثني) بالإفراد (أُبيّ بن كعب) الأنصاري الخزرجي سيد القراء -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث قصة موسى مع الخضر المسوق بتمامه في التفسير وسبق في كتاب العلم في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر. (فانطلقا) موسى والخضر (فوجدا جدارًا يريد أن ينقض) تدانى أن يسقط فاستعيرت الإرادة للمشارفة. (قال سعيد) هو ابن جبير أشار الخضر (بيده) إلى الجدار (هكذا ورفع) أي الخضر (يديه) بالتثنية إلى الجدار ومسحه (فاستقام) ولأبوي ذر والوقت: يده بالإفراد. (قال يعلى) بن مسلم (حسبت أن سعيدًا قال فمسحه) أي مسح الخضر الجدار (بيده فاستقام) وهذا ما زاده يعلى على عمرو في ذلك قال موسى للخضر (لو شئت لاتخذت عليه) بتشديد الفوقية وفتح الخاء المعجمة (أجرًا) تحريضًا على أخذ الجعل ليتعشيا به أو تعريضًا بأنه فضول لما في لو من النفي كأنه لما رأى الحرمان ومساس الحاجة واشتغاله بما لا يعنيه لم يتمالك نفسه. (قال سعيد) أي ابن جبير (أجرًا نأكله) ولأبي ذر أجر بالرفع بتقدير هو، وإنما يتم الاستدلال بهذه القصة لما ترجم له إذ قلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا لقول موسى "لو شئت لاتخذت عليه أجرًا" لو شارطت على عمله بأجرة معينة لنفعنا ذلك. 8 - باب الإِجَارَةِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ (باب) حكم (الإجارة) من أول النهار (إلى نصف النهار). 2268 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ: ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى. ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنَ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ؟ فَأَنْتُمْ هُمْ. فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلاً وَأَقَلَّ عَطَاءً؟ قَالَ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي بمعجمة فمهملة البصري قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد بن درهم (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (مثلكم) مع نبيكم (ومثل أهل الكتابين) التوراة والإنجيل مع أنبيائهم (كمثل رجل استأجر أُجراء) بضم الهمزة وفتح الراء على الجمع فالمثل مضروب للأمة مع نبيهم والممثل به الأُجراء مع من استأجرهم (فقال من يعمل لي من غدوة) بضم الغين المعجمة (إلى نصف النهار على قيراط) زاد في رواية عبد الله بن دينار قيراط قيراط وهو المراد (فعملت اليهود) زاد ابن دينار على قيراط قيراط (ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر) أول وقت دخولها أو أول الشروع فيها (على قيراط) قيراط (فعملت النصارى) على قيراط قيراط

9 - باب الإجارة إلى صلاة العصر

(ثم قال من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين) قيراطين (فأنتم هم فغضبت اليهود والنصارى) أي الكفار منهم (فقالوا) وفي التوحيد فقال أهل التوراة: (ما لنا أكثر عملاً) ممن عمل من العصر إلى الغروب (وأقل عطاء) منهم لأن الوقت من الصبح إلى الظهر أكبر وأكثر وأقل بالنصب على الحال كقوله تعالى: {فما لهم عن التذكرة معرضين} [المدثر: 49] أو خبر كان أي ما لنا كنّا أكثر وما لنا كنا أقل، وفي الفرع بالرفع فيهما خبر مبتدأ محذوف أي ما لنا نحن أكثر وما لنا نحن أقل وعملاً نصب على التمييز (قال) الله تعالى: (هل نقصتكم من حقكم) زاد في الرواية الآتية شيئًا (قالوا لا) لم تنقصنا (قال فذلك فضلي أُوتيه من أشاء) من عبادي وأراد المصنف -رحمه الله- بهذا إثبات صحة الإجارة بأجر معلوم إلى أجل معلوم من جهة ضرب الشارع المثل بذلك. 9 - باب الإِجَارَةِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ (باب الإجارة إلى صلاة العصر). 2269 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالاً فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ثُمَّ عَمِلَتِ النَّصَارَى عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَعْمَلُونَ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغَارِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ. فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلاً وَأَقَلُّ عَطَاءً، قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لاَ. فَقَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أُويس) واسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله ابن أُخت الإمام مالك (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار مولى عبد الله بن عمر عن) مولاه (عبد الله به عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إنما مثلكم) مع نبيكم (واليهود والنصارى) مع أنبيائهم بالخفض عطفًا على الضمير المخفوض في مثلكم بدون إعادة الجار وهو ممنوع عند البصريين إلا يونس وقطربا والأخفش وجوّزه الكوفيون قاطبة، والحديث مما يشهد لهم ويجوز الرفع وكلاهما في اليونينية والتقدير ومثل اليهود على حذف المضاف وإعطاء المضاف إليه إعرابه، ونقل الحافظ ابن حجر وجدانه مضبوطًا بالنصب في أصل أبي ذر ووجهه على إرادة المعية (كرجل استعمل عمالاً فقال من يعمل لي) أي من أول النهار (إلى نصف النهار على قيراط قيراط) مرتين. (فعملت اليهود) أي إلى نصف النهار (على قيراط قيراط) مرتين أيضًا. قال الطيبي: هذه حالة من حالات المشبه أدخلها في حالات المشبه به وجعلت من حالاته اختصارًا إذ الأصل قال الرجل من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط فعمل قوم إلى نصف النهار إلى آخره كذلك قال الله تعالى للأمم: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط فعملت اليهود إلى آخره ونظيره قوله تعالى: {كمثل الذي استوقد نارًا} إلى قوله: {ذهب الله بنورهم} [البقرة: 17] فقوله ذهب الله بنورهم وصف للمنافقين وضع موضع وصف المستوقد اختصارًا. (ثم عملت النصارى) أي ثم قال من يعمل لي إلى صلاة العصر على قيراط فعملت النصارى (على قيراط قيراط ثم أنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغارب الشمس) بلفظ الجمع كما في رواية مالك ولعله باعتبار الأزمنة المتعددة باعتبار الطوائف المختلفة الأزمنة (على قيراطين قيراطين فغضبت اليهود والنصارى وقالوا: نحن أكثر عملاً) أي باعتبار مجموع عمل الطائفتين (وأقل عطاء قال) الله تعالى: (هل ظلمتكم) أي نقصتكم كما في رواية نافع في الباب السابق وإنما لم يكن ظلمًا لأنه تعالى شرط معهم شرطًا وقبلوا أن يعملوا به (من حقكم شيئًا؟ قالوا: لا. فقال) تعالى ولأبي ذر قال: (فذلك فضلي أُوتيه من أشاء). قال الطيبي: وما ذكر من المقاولة والمكالمة لعله تخييل وتصوير ولم يكن حقيقة لأنه لم يكن ثمة اللهم إلا أن يحمل ذلك على حصوله عند إخراج الذر فيكون حقيقة. 10 - باب إِثْمِ مَنْ مَنَعَ أَجْرَ الأَجِيرِ (باب إثم من منع أجر الأجير). 2270 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ». وبه قال: (حدّثنا يوسف بن محمد) العصفري الخراساني نزيل البصرة قال: (حدّثني) بالإفراد (يحيى بن سليم) بضم السين وفتح اللام الطائفي نزيل مكة صدوق سيئ الحفظ ولم يخرّج له المؤلّف سوى هذا الحديث وله أصل عنده من غير هذا الوجه واحتج به الباقون (عن إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاصي الأموي (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (قال الله تعالى ثلاثة) من الناس (أنا خصمهم يوم

11 - باب الإجارة من العصر إلى الليل

القيامة رجل أعطى بي) أي أعطى العهد باسمي (ثم غدر) أي نقض العهد (ورجل باع حرًّا) عالمًا متعمدًا (فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه) العمل (ولم يعطه أجره). وهذا الحديث سبق في كتاب البيع في باب إثم من باع حرًّا. 11 - باب الإِجَارَةِ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ (باب الإجارة من العصر) من أول وقته (إلى) أول دخول (الليل). 2271 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلاً يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ عَلَى أَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَعَمِلُوا لَهُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالُوا: لاَ حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ الَّذِي شَرَطْتَ لَنَا وَمَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ. فَقَالَ لَهُمْ: لاَ تَفْعَلُوا، أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ وَخُذُوا أَجْرَكُمْ كَامِلاً، فَأَبَوْا وَتَرَكُوا، وَاسْتَأْجَرَ أَجِيرَيْنِ بَعْدَهُمْ فَقَالَ: أَكْمِلاَ بَقِيَّةَ يَوْمِكُمَ هَذَا وَلَكُمَا الَّذِي شَرَطْتُ لَهُمْ مِنَ الأَجْرِ فَعَمِلُوا، حَتَّى إِذَا كَانَ حِينُ صَلاَةِ الْعَصْرِ قَالوا: لَكَ مَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ، وَلَكَ الأَجْرُ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فِيهِ. فَقَالَ لَهُم: أَكْمِلاَ بَقِيَّةَ عَمَلِكُمَا فَإِنَّ مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ شَىْءٌ يَسِيرٌ، فَأَبَوا، وَاسْتَأْجَرَ قَوْمًا أَنْ يَعْمَلُوا لَهُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ، فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا، فَذَلِكَ مَثَلُهُمْ وَمَثَلُ مَا قَبِلُوا مِنْ هَذَا النُّورِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بفتح العين والمد أبو كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء وسكون التحتية (عن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قومًا) هم اليهود وهو من باب القلب أي كمثل قوم استأجرهم رجل أو هو من باب تشبيه المركب بالمركب لا تشبيه المفرد بالمفرد فلا اعتبار إلا بالمجموعين إذ التقدير مثل الشارع معكم كمثل رجل مع آخر (يعملون له عملاً يومًا إلى الليل على أجر معلوم) أي على قيراطين (فعملوا له إلى نصف النهار فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا) إشارة إلى أنهم كفروا وتولوا واستغنى الله عنهم وهذا من إطلاق القول وإرادة لازمه ترك العمل المعبر به عن ترك الإيمان (وما عملنا باطل) إشارة إلى إحباط عملهم بكفرهم بعيسى إذ لا ينفعهم الإيمان بموسى وحده بعد بعثة عيسى (فقال لهم: لا تفعلوا) إبطال وترك الأجر المشروط (أكملوا) وللأبوين فقال أكملوا (بقية عملكم وخذوا أجركم كاملاً فأبوا وتركوا واستأجروا آخرين) بخاء معجمة فراء مكسورة وهم النصارى (بعدهم فقال) لهم (أكملوا بقية يومكم هذا ولكم الذي شرطت لهم) أي لليهود (من الأجر) وهو القيراطان (فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر) بنصب حين على أنه خبر كان الناقصة واسمها ضمير مستتر فيها يعود على انتهاء عملهم المفهوم من السياق وبالرفع على أنه فاعل كان التامة (قالوا: لك ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه) فكفروا وتولوا وحبط عملهم كاليهود (فقال لهم: أكملوا بقية عملكم فإن ما بقي من النهار شيء يسير) بالنسبة لما مضى منه، والمراد ما بقي من الدنيا (فأبوا) أن يعملوا وتركوا أجرهم، وفي رواية غير أبوي ذر والوقت: واستأجر أجيرين بجيم مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فراء مفتوحة على التثنية فقال لهما أكملا بقية يومكما هذا ولكما الذي شرطت لهم من الأجر فعملا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالا لك ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه فقال لهما أكملا بقية عملكما فإن ما بقي من النهار شيء يسير فأبيا. وفي حديث ابن عمر السابق أنه استأجر اليهود من أول النهار إلى نصفه والنصارى منه إلى العصر فبين الحديثين مغايرة. وأجيب: بأن ذلك بالنسبة إلى من عجز عن الإيمان بالموت قبل ظهور دين آخر، وهذا بالنسبة إلى من أدرك دين الإسلام ولم يؤمن به والظاهر أنهما قضيتان، وقد قال ابن رشيد ما حاصله: إن حديث ابن عمر سيق مثالاً لأهل الأعذار لقوله فعجزوا فأشار إلى أن من عجز عن استيفاء العمل من غير أن يكون له صنيع في ذلك أن الأجر يحصل له تامًّا بفضل الله قال: وذكر حديث أبي موسى مثالاً لمن أخّر لغير عذر وإلى ذلك الإشارة بقوله عنهم لا حاجة لنا إلى أجرك فأشار بذلك إلى أن من أخّر عامدًا لا يحصل له ما حصل لأهل الأعذار انتهى. ووقع في رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه الماضية في باب من أدرك ركعة من العصر الآتية إن شاء الله تعالى في التوحيد ما يوافق رواية أبي موسى ولفظها: فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطًا قيراطًا، وقال في أهل الإنجيل؛ فعملوا إلى صلاة العصر ثم عجزوا فأعطوا قيراطًا قيراطًا فهو يدل على أن مبلغ الأجرة لليهود لعمل النهار كله قيراطان، وأجر النصارى للنصف الباقي قيراطان فلما عجزوا عن العمل قبل تمامه لم يصيبوا إلا قدر عملهم وهو قيراط. (واستأجر) بالواو ولأبي ذر: فاستأجر بالفاء (قومًا) هم المسلمون (أن يعملوا له بقية يومهم

12 - باب من استأجر أجيرا فترك أجره، فعمل فيه المستأجر فزاد أو من عمل في مال غيره فاستفضل

فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين) اليهود والنصارى (كليهما) بإيمانهم بالأنبياء الثلاثة محمد وموسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم وحكى السفاقسي أن في روايته كلاهما بالألف وهو على لغة من يجعل المثنى في الأحوال الثلاثة بالألف (فذلك مثلهم) أي المسلمين (ومثل ما قبلوا من هذا النور) المحمدي وللإسماعيلي فذلك مثل المسلمين الذين قبلوا هدى الله وما جاء به رسوله ومثل اليهود والنصارى تركوا ما أمرهم الله به، واستدلّ به على أن بقاء هذه الأمة يزيد على الألف لأنه يقتضي أن مدة اليهود نظير مدتي النصارى والمسلمين، وقد اتفق أهل النقل على أن مدة اليهود إلى البعثة المحمدية كانت أكثر من ألفي سنة ومدة النصارى من ذلك ستمائة سنة وقيل أقل فتكون مدة المسلمين أكثر من ألف سنة قطعًا قاله في الفتح. 12 - باب مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَتَرَكَ أَجْرَهُ، فَعَمِلَ فِيهِ الْمُسْتَأْجِرُ فَزَادَ أَوْ مَنْ عَمِلَ فِي مَالِ غَيْرِهِ فَاسْتَفْضَلَ (باب من استأجر أجيرًا فترك أجره) وللكشميهني فترك الأجير أجره (فعمل فيه المستأجر) بالتجارة والزراعة (فزاد) فيه أي ربح (أو من) وفي بعض النسخ ومن (عمل في مال غيره فاستفضل) بالضاد المعجمة أي أفضل وليست السين للطلب وهو من باب عطف العام على الخاص. 2272 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمُ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلاَ مَالاً، فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَىْءٍ يَوْمًا فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَىَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا، فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَىَّ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي، حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ: لاَ أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهْيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ، غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَىَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لاَ تَسْتَهْزِئْ بِي. فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا. اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أن) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (انطلق ثلاثة رهط) قال الجوهري والرهط ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة قال تعالى: {وكان في المدينة تسعة رهط} [النمل: 48] فجمع وليس له واحد من لفظه مثل ذود (ممن كان قبلكم حتى أووا المبيت) بقصر الهمزة كرموا والمبيت موضع البيتوتة (إلى غار) كهف في جبل (فدخلوه فانحدرت) هبطت (صخرة من الجبل فسدّت عليهم الغار فقالوا إنه لا ينجيكم) بضم الياء من الإنجاء أي لا يخلصكم (من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم) بسكون واو تدعوا وأصله تدعون فسقطت النون لدخول أن. (فقال) بالفاء ولأبي الوقت قال (رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران) هو من باب التغليب إذ المراد الأب والأم (وكنت لا أغبق قبلهما) بفتح الهمزة وإسكان الغين المعجمة وكسر الموحدة آخره قاف من الثلاثي كذا في الفرع فى نسخة أغبق بضم الموحدة وللأصيلي كما في الفتح أغبق بضم الهمزة من الرباعي وخطؤوه والغبوق شرب العشي أي ما كنت أقدّم عليهما في شرب نصيبهما من اللبن (أهلاً) أقارب (ولا مالاً) رقيقًا (فنأى) كسعى أي بعد (بي) ولكريمة والأصيلي كما في الفتح فناء بمد بعد النون بوزن جاء وهو بمعنى الأول (في طلب شيء) بعد (يومًا فلم أرح) بضم الهمزة وكسر الراء من أراح رباعيًّا أي لم أرجع (عليهما) أي على أبويّ (حتى ناما فحلبت) وللحموي والمستملي فحملت بالميم (لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين وكرهت) بالواو ولأبوي ذر والوقت: فكرهت (أن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً فلبثت والقدح) أي والحال أن القدح (على يدي) بتشديد آخره على التثنية (أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر) بفتح الراء أي ظهر ضياؤه (فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم وإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة) بفاءين مفتوحتين فراء مكسورة مشدّدة (فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج) منه. (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال الآخر اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إليّ فأردتها عن نفسها) أي بسبب نفسها أو من جهتها وللحموي والمستملي: على نفسها أي مستعلية عليها وهو كناية عن طلب الجماع (فامتنعت مني حتى ألمت) بتشديد الميم وللكشميهني ألممت أي نزلت (بها سنة من السنين) المقحطة فأحوجتها (فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار) وفي البيوع مائة دينار والتخصيص بالعدد لا ينافي الزيادة أو المائة كانت بالتماسها والعشرين تبرّعًا منه كرامة لها (على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت)

13 - باب من آجر نفسه ليحمل على ظهره، ثم تصدق به، وأجرة الحمال

ذلك (حتى إذا قدرت عليها) وفي الرواية السابقة فلما قعدت بين رجليها (قالت لا أحلّ لك) بفتح الهمزة فى اليونينية وفي غيرها أحل بضمها من الإحلال (أن تفضّ الخاتم إلا بحقه) أي لا يحل لك إزاله البكارة إلا بالحلال وهو النكاح الشرعي المسوّغ للوطء (فتحرجت) أي تجنبت واحترزت من الإثم الناشئ (من الوقوع عليها) بغير حق (فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليّ وتركت الذهب الذي أعطيتها) قال العيني وفي رواية أبي ذر: التي أعطيتها والذهب يذكّر ويؤنّث (اللهم وإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج) بهمزة وصل وضم الراء (عنّا ما نحن فيه) أي من هذه الصخرة وقول الزركشي إنه في البخاري بقطع الهمزة وكسر الراء أي اكشف وفي رواية غير البخاري بهمزة وصل وضم الراء لم أره فيما وقفت عليه من نسخ البخاري المعتمدة كما قال بل في كلها بهمزة الوصل فالله أعلم (فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها). (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وقال الثالث اللهم إني استأجرت أُجراء) بضم الهمزة وفتح الجم والراء جمع أجير وسقط لفظ إني لأبي الوقت (فأعطيتهم أجرهم) بفتح الهمزة وسكون الجيم (غير رجل واحد) منهم (ترك) أجره (الذي له وذهب فثمرت) أي كثّرت (أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال يا عبد الله أدّي إليّ أجري) بياء ثابتة بعد الدال والصواب حذفها (فقلت له كل ما ترى) برفع كل والخبر قوله (من أجرك) وللكشميهني من أجلك باللام بدل الراء (من الإبل والبقر والغنم والرقيق) بيان لقوله ما ترى ولا منافاة بين قوله في السابقة بقرًا وراعيها (فقال يا عبد الله لا تستهزئ بي) بسكون الهمزة مجزومًا على الأمر (فقلت) له (إني لا أستهزئ بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئًا اللهم فإن) بالفاء قبل الهمزة (كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنّا) بالوصل وضم الراء (ما نحن فيه) أي من هذه الصخرة (فانفرجت الصخرة فخرجوا) من الغار (يمشون) وقد تعقب المهلب المصنف بأنه ليس في الحديث دليل لما ترجم له فإن الرجل إنما اتّجر في أجر أجيره ثم أعطاه له على سبيل التبرع فإنه إنما كان يلزمه قدر العمل خاصة. وهذا الحديث قد سبق في كتاب البيوع وتأتي بقية مباحثه في أواخر أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى بعون الله ومنّته. 13 - باب مَنْ آجَرَ نَفْسَهُ لِيَحْمِلَ عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ، وَأُجْرَةِ الْحَمَّالِ (باب من آجر نفسه) لغيره (ليحمل) له متاعه (على ظهره ثم تصدق به) أي بأجره وللكشميهني: ثم تصدق منه (و) باب (أجرة الحمال) بالحاء المهملة، ولأبى ذر: وأجر بغير هاء. 2273 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ القُرَشيّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ انْطَلَقَ أَحَدُنَا إِلَى السُّوقِ فَيُحَامِلُ، فَيُصِيبُ الْمُدَّ، وَإِنَّ لِبَعْضِهِمْ لَمِائَةَ أَلْفٍ. قَالَ: مَا نُرَاهُ إِلاَّ نَفْسَهُ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (سعيد بن يحيى بن سعيد) أي ابن أبان بن سعيد بن العاصي الأموي (القرشي) البغدادي وسقط لغير أبي ذر القرشي قال: (حدّثنا أبي) يحيى بن سعيد قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن شقيق) أبي وائل (عن أبي مسعود) عقبة بن عامر (الأنصاري) البدري (-رضي الله عنه-) أنه (قال): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أمر بالصدقة) ولأبي ذر: إذا أمرنا بالصدقة (انطلق أحدنا) لما يسمعه من الأجر الجزيل فيها (إلى السوق فيحامل) بضم التحتية وكسر الميم من باب المفاعلة الكائنة من اثنين أي يعمل صنعة الحمالين فيحمل ويأخذ الأجرة من الآخر ليكتسب ما يتصدق به (فيصيب المد) من الطعام أجرة عما حمله وعند النسائي من طريق منصور عن أبي وائل ينطلق أحدنا إلى السوق فيحمل على ظهره (وإن لبعضهم) أي اليوم (لمائة ألف) من الدنانير أو الدراهم واللام للتأكيد وهي ابتدائية لدخولها على اسم أن وتقدم الخبر زاد النسائي وما كان له يومئذ درهم أي في اليوم الذي كان يحمل فيه بالأجرة لأنهم كانوا فقراء حينئذ واليوم هم أغنياء. (قال) أبو وائل (ما نراه) بفتح النون وضمها أي ما أظن أبا مسعود عقبة بن عامر أراد بذلك البعض (إلا نفسه) وفي نسخة بالفرع وأصله ما نراه يعني إلا نفسه. وهذا الحديث سبق في باب اتقوا النار ولو بشق تمرة من كتاب الزكاة. 14 - باب أَجْرِ السَّمْسَرَةِ وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ بِأَجْرِ السِّمْسَارِ بَأْسًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَقُولَ بِعْ هَذَا الثَّوْبَ، فَمَا زَادَ عَلَى كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لَكَ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِذَا قَالَ بِعْهُ بِكَذَا، فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهْوَ لَكَ أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَلاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ». (باب) حكم (أجر السمسرة) بفتح السينين المهملتين

15 - باب هل يؤاجر الرجل نفسه من مشرك في أرض الحرب؟

بينهما ميم ساكنة أي الدلالة (ولم ير ابن سيرين) محمد (وعطاء) هو ابن أبي رباح (وإبراهيم) النخعي فيما وصله ابن أبي شيبة عنهم (والحسن) البصري (بأجر السمسار بأسًا. وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله ابن أبي شيبة (لا بأس أن يقول) للسمسار (بع هذا الثوب فما زاد على كذا وكذا فهو لك) وهذه أجرة سمسرة أيضًا لكنها مجهولة ولذلك لم يجزها الجمهور بل قالوا: إن باع على ذلك فله أجر مثله. (وقال ابن سيرين) محمد مما وصله ابن أبي شيبة أيضًا: (إذا قال بعه بكذا فما كان من ربح فهو لك) ولأبوي ذر والوقت: فلك (أو بيني وبينك فلا بأس به) وهذا أشبه بصورة المقارض من السمسار. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: المسلمون عند شروطهم) أي الجائزة شرعًا وهذا روي من حديث عمرو بن عوف المزني عند إسحاق في مسنده ومن حديث أبي هريرة عند أحمد وأبي داود والحاكم. 2274 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ، وَلاَ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. قُلْتُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لاَ يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا معمر) هو ابن راشد (عن ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يتلقى) بضم التحتية وفي بعض النسخ فوقية مبنيًا للمفعول (الركبان) بالرفع نائب عن الفاعل (ولا يبيع) بالنصب على أن لا زائدة (حاضر لبادٍ). قال طاوس (قلت يا ابن عباس ما قوله) أي: ما معنى قوله إلا يبيع حاضر لبادٍ؟ قال: لا يكون له سمسارًا). وهذا موضع الترجمة فإن مفهومه جواز أن يكون سمسارًا في بيع الحاضر لكن شرط الجمهور أن تكون الأجرة معلومة. وهذا الحديث سبق في باب النهي عن تلقي الركبان في كتاب البيوع. 15 - باب هَلْ يُؤَاجِرُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ مِنْ مُشْرِكٍ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ؟ هذا (باب) بالتنوين (هل يؤاجر الرجل) المسلم (نفسه من مشرك في أرض الحرب) وهي دار الكفر. 2275 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ حَدَّثَنَا خَبَّابٌ قَالَ: "كُنْتُ رَجُلاً قَيْنًا، فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، فَاجْتَمَعَ لِي عِنْدَهُ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ فَلاَ. قَالَ: وَإِنِّي لَمَيِّتٌ ثُمَّ مَبْعُوثٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لِي ثَمَّ مَالٌ وَوَلَدٌ، فَأَقْضِيكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا}. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق النخعي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن مسلم) هو ابن صبيح بضم الصاد مصغرًا أبي الضحى (عن مسروق) هو ابن الأجدع قال: (حدّثنا خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى ابن الأرت التميمي من السابقين إلى الإسلام (-رضي الله عنه- قال: كنت رجلاً قينًا) بفتح القاف وسكون التحتية حدادًا (فعملت) أي سيفًا (للعاصي بن وائل) السهمي والد عمرو بن العاصي الصحابيّ المشهور وكان له قدر في الجاهلية ولكنه لم يوفق للإسلام وكان عمله ذلك له بمكة وهي إذ ذاك دار حرب وخباب مسلم، (فاجتمع لي عنده) زاد الإمام أحمد بن دراهم (فأتيته أتقاضاه) أي أطلب الدراهم أجرة عمل السيف (فقال) أي العاص: (لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد. فقلت: أما) بتخفيف الميم حرف تنبيه (والله) لا أكفر (حتى تموت ثم تبعث) مفهومه غير مراد لأن الكفر لا يتصوّر بعد البعث فكأنه قال: لا أكفر أبدًا (فلا) أي فلا أكفر والفاء لا تدخل في جواب القسم فهو مفسّر للمقدّر الذي حذقه. قال الكرماني: ويروى أما بالتشديد وتقديره أما أنا فلا أكفر والله وأما غيري فلا أعلم حاله (قال) العاصي: (وإني) بحذف همزة الاستفهام والتقدير أو أني (لميت ثم مبعوث)؟ قال خباب: (قلت) له (نعم. قال: فإنه سيكون لي ثم) بفتح المثلثة أي هناك (مال وولد فأقضيك) حقك (فأنزل الله {أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولدًا} [مريم: 77]. وموضع الترجمة منه قوله: فعملت الخ ... ووجه الدلالة أن العاصي كان مشركًا وكان خباب إذ ذاك مسلمًا ومكة حينئذ دار حرب، واطّلع عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأقرّه، لكن يحتمل أن يكون الجواز مقيدًا بالضرورة وقبل الإذن بقتال المشركين والأمر بعدم إذلال المؤمن نفسه. قال ابن المنير: والذي استقرت عليه المذاهب أن الصناع في حوانيتهم كالقين والخياط ونحوهما يجوز أن تعمل لأهل الذمة ولا يعدّ ذلك ذلّة بخلاف خدمته في منزله وبطريق التبعية له كالمكاري والبلان في الحمام ونحو ذلك. وهذا الحديث سبق في باب ذكر

16 - باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب

القين والحدّاد من كتاب البيع ويأتي إن شاء الله تعالى في تفسير سورة مريم. 16 - باب مَا يُعْطَى فِي الرُّقْيَةِ عَلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ». وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لاَ يَشْتَرِطُ الْمُعَلِّمُ، إِلاَّ أَنْ يُعْطَى شَيْئًا فَلْيَقْبَلْهُ. وَقَالَ الْحَكَمُ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا كَرِهَ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ وَأَعْطَى الْحَسَنُ دَرَاهِمَ عَشَرَةً. وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ بِأَجْرِ الْقَسَّامِ بَأْسًا. وَقَالَ: كَانَ يُقَالُ السُّحْتُ الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَكَانُوا يُعْطَوْنَ عَلَى الْخَرْصِ. (باب) حكم (ما يُعطى) بضم أوله وفتح ثالثه (في الرقية) بضم الراء وسكون القاف أي العوذة (على أحياء العرب) بفتح الهمزة طائفة مخصوصة (بفاتحة الكتاب) وعورض المؤلّف في قوله على أحياء العرب لأن الحكم لا يختلف باختلاف الأمكنة والأجناس، وأجاب في فتح الباري: بأنه ترجم بالواقع ولم يتعرض لنفي غيره واعترضه في عمدة القاري بأن هذا الجواب غير مقنع لأن القيد شرط إذا انتفى ينتفي المشروط انتهى وقد شطب عليه في الفرع وأصله. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله في الطب (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله)، وبهذا تمسك الجمهور في جواز الأجرة على تعليم القرآن ومنع ذلك الحنفية في التعليم لأنه عبادة والأجر فيها على الله تعالى وأجازوه في الرقى لهذا الخبر. وبقية مبحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في باب التزويج على تعليم القرآن. (وقال الشعبي) عامر بن شراحيل فيما وصله ابن أبي شيبة: (لا يشترط المعلم) على من يعلمه أجرة (إلا أن يعطى شيئًا فليقبله) بالجزم على الأمر وفتح همزة أن والاستثناء منقطع أي لكن الإعطاء بدون الاشتراط جائز فيقبله. قال الكرماني: وفي بعضها إن بكسر الهمزة أي لكن إن يعط شيئًا بدون الشرط فليقبله. (وقال الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بفتح المثناة والموحدة مصغر الكندي الكوفي مما وصله البغوي في الجعديات (لم أسمع أحدًا) من الفقهاء (كره أجر المعلم، وأعطى الحسن) البصري (دراهم عشرة) أجرة المعلم وصله ابن سعد في الطبقات، (ولم ير ابن سيرين) محمد (بأجر القسام) بفتح القاف وتشديد المهملة من القسم وهو القاسم (بأسًا) أي إذا كان بغير اشتراط أما مع الاشتراط فكان يكرهه كما أخرجه عنه موصولاً ابن سعد بل روى عنه الكراهة من غير تقييد عبد بن حميد من طريق يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين ولفظه: أنه كان يكره أجور القسام ويقول كان يقال السحت الرشوة على الحكم وأرى هذا حكمًا يؤخذ عليه الأجر. (وقال) ابن سيرين (كان يقال السحت الرشوة في الحكم) بكسر الراء أخرجه ابن جرير بأسانيده عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت من قولهم، وأخرجه من وجه آخر مرفوعًا برجال ثقات لكنه مرسل ولفظه: "كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به" قيل: يا رسول الله وما السحت؟ قال: "الرشوة في الحكم". (وكانوا يعطون) الأجرة بفتح الطاء (على الخرص) لخارص الثمرة ومناسبة ذكر القسام والخارص الاشتراك في أن كلاًّ منهما يفصل التنازع بين المتخاصمين. 2276 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَىٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَىِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَىْءٍ، لاَ يَنْفَعُهُ شَىْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَىْءٌ. فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَىْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَىْءٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ وَاللَّهِ، إِنِّي لأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضِيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلاً. فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ. فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ. قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اقْسِمُوا. فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لاَ تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا. فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمُ، اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وَقَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ وَقَالَ شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ سَمِعْتُ أَبَا الْمُتَوَكِّلِ ... بِهَذَا. [الحديث 2276 - أطرافه في: 5007، 5736، 5749]. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس (عن أبي المتوكل) عليّ بن داود ويقال ابن دؤاد بضم الدال بعدها واو بهمزة الناجي بالنون والجيم البصري (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: انطلق نفر) هو ما بين الثلاثة إلى العشرة من الرجال، لكن عند ابن ماجة أنهم كانوا ثلاثين وكذا عند الترمذي ولم يسمّ أحد منهم، وفي رواية سليمان بن قية بفتح القاف وتشديد التحتية عند الإمام أحمد،: بعثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاثين رجلاً (من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفرة سافروها) أي في سرية عليها أبو سعيد الخدري كما عند الدارقطني ولم يعينها أحد من أهل المغازي فيما وقف عليه الحافظ ابن حجر (حتى نزلوا) أي ليلاً كما في الترمذي (على حيٍّ من أحياء العرب) قال في الفتح: ولم أقف على تعيين الحيّ الذي نزلوا بهم من أي القبائل هم (فاستضافوهم) أي طلبوا منهم الضيافة (فأبوا أن يضيفوهم) بفتح الضاد المعجمة وتشديد التحتية ويروى يضيفوهم بكسر الضاد والتخفيف (فلدغ) بضم اللام وكسر الدال المهملة لا المعجمة وسها الزركشي وبالغين المعجمة مبنيًّا

للمفعول أي لسع (سيد ذلك الحي) أي بعقرب كما في الترمذي ولم يسم سيد الحي (فسعوا له بكل شيء) مما جرت العادة أن يتداووا به من لدغة العقرب، وللكشميهني: فشفوا بفتح الشين المعجمة والفاء وسكون الواو أي طلبوا له الشفاء أي عالجوه بما يشفيه وقد زعم السفاقسي أنها تصحيف (لا ينفعه شيء فقال بعضهم) لبعض: (لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا) عندكم (لعله) وللكشميهني: لعل بإسقاط الهاء (أن يكون عند بعضهم شيء) يداويه (فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا) وللكشميهني: وشفينا (له بكل شيء لا ينفعه) في رواية معبد بن سيرين أن الذي جاءهم جارية منهم فيحمل على أنه كان معها غيرها (فهل عند أحد منكم من شيء) زاد أبو داود من هذا الوجه: ينفع صاحبنا، وزاد البزار فقالوا لهم: قد بلغنا أن صاحبكم جاء بالنور والشفاء. قالوا: نعم (فقال بعضهم) هو أبو سعيد الراوي كما في بعض روايات مسلم (نعم والله أني لأرقى) بفتح الهمزة وكسر القاف (ولكن) بالتخفيف (والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً) بضم الجيم وسكون العين ما يعطى على العمل (فصالحوهم) أي وافقوهم (على قطيع من الغنم). وفي رواية النسائي ثلاثون شاة وهو مناسب لعدد السرية كما مرّ فكأنهم اعتبروا عددهم فجعلوا لكل واحد شاة، (فانطلق) الراقي إلى الملدوغ وجعل (يتفل عليه) بفتح المثناة التحتية وسكون الفوقية وكسر الفاء وتضم ينفخ نفخًا معه أدنى بزاق. قال العارف بالله عبد الله بن أبي جمرة في بهجة النفوس: محل التفل في الرقية بعد القراءة لتحصل بركة الريق في الجوارح التي يمرّ عليها فتحصل البركة في الريق الذي يتفله (ويقرأ الحمد لله رب العالمين) الفاتحة إلى آخرها، وفي رواية الأعمش عند (¬1) سبع مرات، وفي حديث جابر ثلاث مرات والحكم للزائد (فكأنما نشط) بضم النون وكسر الشين المعجمة من الثلاثي المجرد أي حل (من عقال) بكسر العين المهملة وبعدها قاف حبل يشد به ذراع البهيمة، لكن قال الخطابي: إن المشهور أن يقال في الحلّ أنشط بالهمزة وفي العقد نشط، وقال ابن الأثير وكثيرًا ما يجيء في الرواية كأنما نشط من عقال وليس بصحيح يقال: نشطت العقدة إذا عقدتها وأنشطتها إذا حللتها. وفي القاموس كالصحاح والحبل كنصر عقده كنشطه وأنشطه حلّه، ونقل في المصابيح عن الهروي أنه رواه كأنما أنشط من عقال. وعن السفاقسي أنه كذلك في بعض الروايات هاهنا، (فانطلق) الملدوغ حال كونه (يمشي وما به قلبة) بحركات أي علة وسمي بذلك لأن الذي تصيبه يتقلب من جنب إلى جنب ليعلم موضع الداء منه، ونقل عن خط الدمياطي أنه داء مأخوذ من القلاب يأخذ البعير فيشتكي منه قلبه فيموت من يومه. (قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه) وهو الثلاثون شاة (فقال بعضهم: اقسموا فقال الذي رقى) بفتح الراء والقاف (لا تفعلوا) ما ذكرتم من القسمة (حتى نأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنذكر له) بنصب نذكر عطفًا على نأتي المنصوب بأن المضمرة بعد حتى (الذي كان) من أمرنا هذا (فننظر) نصب عطفًا على المنصوب (ما يأمرنا) به فنتبعه وفي رواية الأعمش فلما قبضنا الغنم عرض في أنفسنا منها شيء (فقدموا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المدينة (فذكروا له) القصة (فقال) عليه الصلاة والسلام للراقي: (وما يدريك أنها) أي الفاتحة (رقية) بضم الراء وإسكان القاف. قال الداودي: معناه وما أدراك؟ قال: ولعله المحفوظ لأن ابن عيينة قال: إذا قيل وما يدريك فلم يدره وما قيل فيه وما أدراك فقد علمه. وأجاب ابن التين: بأن ابن عيينة إنما قال ذلك فيما وقع في القرآن وإلاّ فلا فرق بينهما في اللغة وعند الدارقطني وما علمك أنها رقية قال حق ألقي إليّ في روعي. (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (قد أصبتم) في الرقية أو في توقفكم عن التصرف في الجعل حتى استأذنتموني أو أعمّ من ذلك (اقسموا) الجعل بينكم (واضربوا) اجعلوا (لي معكم) منه (سهمًا) أي نصيبًا ¬

(¬1) هكذا بياض بأصله.

17 - باب ضريبة العبد، وتعاهد ضرائب الإماء

والأمر بالقسمة من باب مكارم الأخلاق وإلاّ فالجميع للراقي وإنما قال اضربوا تطييبًا لقلوبهم ومبالغة في أنه حلال لا شبهة فيه (فضحك رسول الله) ولأبوي ذر والوقت: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (قال أبو عبد الله) البخاري (وقال شعبة) بن الحجاج فيما وصله الترمذي والمؤلّف في الطب لكن بالعنعنة: (حدّثنا أبو بشر) جعفر بن أبي وحشية السابق قال: (سمعت أبا المتوكل) الناجي (بهذا) الحديث السابق، وفائدة ذكره هذا تصريح أبي بشر بالسماع ومتابعة شعبة لأبي عوانة على الإسناد، وقد تابع أبا عوانة أيضًا هشيم كما في مسلم والنسائي وخالفهم الأعمش فرواه عن جعفر بن أبي وحشية عن أبي نضرة عن أبي سعيد فجعل بدل أبي المتوكل أبا نضرة أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وليس الحديث مضطربًا بل الطريقان محفوظان قاله في الفتح وقد سقط قوله قال أبو عبد الله الخ ... في رواية الحموي، وثبت للمستملي والكشميهني. ومباحث هذا الحديث وما يستنبط منه تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الطب، ومطابقته للترجمة واضحة وفيه أن رجاله كلهم مذكورون. بالكنى وهو غريب جدًّا وكلهم بصريون غير أبي عوانة فواسطي، وأخرجه المؤلّف في الطب أيضًا وكذا مسلم، وأخرجه أبو داود فيه وفي البيوع والترمذي فيه وكذا النسائي وابن ماجة في التجارات. 17 - باب ضَرِيبَةِ الْعَبْدِ، وَتَعَاهُدِ ضَرَائِبِ الإِمَاءِ (باب) حكم (ضريبة العبد) بفتح الضاد المعجمة فعيلة بمعنى مفعولة ما يقرره السيد على عبده في كل يوم (و) بيان (تعاهد ضرائب الأماء). 2277 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفَ عَنْ غَلَّتِهِ أَوْ ضَرِيبَتِهِ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي بكسر الموحدة البخاري قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن حميد الطويل) أبي عبيدة البصري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: حجم أبو طيبة) اسمه نافع على الصحيح (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمر له بصاع أو صاعين من طعام) شك الراوي، وفي باب ذكر الحجام من كتاب البيوع فأمر له بصاع من تمر (وكلم مواليه) هم بنو حارثة على الصحيح ومولاه منهم محيصة بن مسعود، وإنما جمع الوالي مجازًا كما مر (فخفّف) بفتح الخاء المعجمة وفي نسخة فخفّف بضمها مبنيًّا للمفعول (عن غلته) بفتح الغين المعجمة وتشديد اللام (أو) قال (ضريبته) وهما بمعنى والشك من الراوي. ومناسبته للترجمة واضحة وأما ضرائب الإماء فبالقياس واختصاصها بالتعاهد لكونها مظنة لتطرق الفساد في الأغلب، وإلاّ فكما يخشى من اكتساب الأمة بفرجها يخشى من اكتساب العبد بالسرقة مثلاً والحديث سبق في البيع. 18 - باب خَرَاجِ الْحَجَّامِ (باب خراج الحجام). 2278 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "احْتَجَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري البصري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد الباهلي البصري قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: احتجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأعطى الحجّام) أبا طيبة نافعًا (أجره) بفتح الهمزة أي صاعًا من تمر وزاد في البيع ولو كان حرامًا لم يعطه ونحوه في الحديث اللاحق وهو نص في إباحتها، وإليه ذهب الجمهور وحملوا ما ورد في الزجر عنه على التنزيه وذهب الإمام أحمد وغيره إلى الفرق بين الحر والعبد فكرهوا للحر الاحتراف بالحجامة ومنعوه الإنفاق منها على نفسه وأباحوا إنفاقها على عبده ودابته وأباحوها للعبد مطلقًا لحديث محيصة عند مالك وأحمد وأصحاب السنن ورجاله ثقات أنه سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن كسب الحجام فنهاه فذكر له الحاجة فقال له اعلفه نواضحك. 2279 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "احْتَجَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ، وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيَةً لَمْ يُعْطِهِ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) بفتح السين وتشديد الدال الأولى المهملات الأسدي البصري قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بتقديم الزاي على الراء مصغرًا البصري (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: احتجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأعطى الحجام) أبا طيبة (أجره) صاعًا من تمر (ولو علم) عليه الصلاة والسلام (كراهية) في أجر الحجام (لم يعطه) أجره. 2280 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْتَجِمُ، وَلَمْ يَكُنْ يَظْلِمُ أَحَدًا أَجْرَهُ". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين آخره

19 - باب من كلم موالي العبد أن يخففوا عنه من خراجه

راء ابن كدام (عن عمرو بن عامر) بفتح العين وسكون الميم الأنصاري وليس له رواية في البخاري إلاّ عن أنس ولا له في البخاري إلا حديثان هذا وآخر سبق في الطهارة أنه (قال: سمعت أنسًا) هو ابن مالك (-رضي الله عنه- يقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحتجم) التعبير بكان يُشعِر بالمواظبة على القول بأن كان تقتضي التكرار (ولم يكن يظلم أحدًا أجره) أي لم يكن ينقص من أجر أحد ولا يردّه بغير أجر وهو أعم من أجر الحجام وغيره ممن يستعمله في عمل. 19 - باب مَنْ كَلَّمَ مَوَالِيَ الْعَبْدِ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ (باب من كلم موالي العبد أن يخففوا عنه من خراجه). 2281 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُلاَمًا حَجَّامًا فَحَجَمَهُ وَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ صَاعَيْنِ، أَوْ مُدٍّ أَوْ مُدَّيْنِ، وَكَلَّمَ فِيهِ فَخُفِّفَ مِنْ ضَرِيبَتِهِ". وبه قال: (حدّثنا آدم) ابن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غلامًا حجّامًا فحجمه) وسقط قوله حجامًا في رواية أبوي ذر والوقت، والظاهر أنه أبو طيبة وإن كان حجمه أبو هند مولى بني بياضة كما عند ابن منده وأبي داود لأنه ليس في حديثه عندهما ما في حديث أبي طيبة قوله: (وأمر له بصاع أو صاعين أو مدّ أو مدّين) أي من تمر والشك من شعبة (وكلم) عليه الصلاة والسلام بالواو وللحموي والمستملي: فكلم (فيه) مولاه محيصة بن مسعود، وإنما جمع في الترجمة كالحديث السابق على طريق المجاز أو كان مشتركًا بين جماعة من بني حارثة منهم محيصة (فخفف من ضريبته) بضم الخاء المعجمة مبنيًّا للمفعول. وفي حديث عمر عند ابن أبي شيبة أن خراجه كان ثلاثة آصع والله أعلم. 20 - باب كَسْبِ الْبَغِيِّ وَالإِمَاءِ وَكَرِهَ إِبْرَاهِيمُ أَجْرَ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {فَتَيَاتِكُمْ}: إِمَاؤُكُمْ. (باب) حكم (كسب البغي) بفتح الموحدة وكسر الغين المعجمة وتشديد التحتية أي الزانية (و) حكم كسب (الإماء) البغايا والممنوع كسب الأمة بالفجور لا بالصنائع الجائزة. (وكره إبراهيم) النخعي فيما وصله ابن أبي شيبة (أجر النائحة والمغنية) من حيث أن كلاًّ منهما معصية وإجارته باطلة كمهر البغيّ. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على كسب أو بالرفع على الناسشاف ({ولا تكرهوا فتياتكم}) أي إماءكم ({على البغاء}) أي الزنا. وكان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة أرسلها تزني وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت، فلما جاء الإسلام نهى الله المؤمنين عن ذلك، وكان سبب نزول هذه الآية ما رواه الطبري أن عبد الله بن أُبيّ أمر أمة له بالزنا فجاءت ببرد فقال ارجعي فازني على آخر فقالت ما أنا براجعة فنزلت. وهذا أخرجه مسلم من طريق أبي سفيان عن جابر مرفوعًا وروى أبو داود والنسائي من طريق أبي الزبير سمع جابرًا قال: جاءت مسيكة أمة لبعض الأنصار فقالت: إن سيدي يُكرِهني على البغاء فنزلت والظاهر أنها نزلت فيهما وسمّاها الزهري معاذة ({إن أردن تحصنًا}). قال في الكشاف، فإن قلت: لِمَ أقحم قوله: "إن أردن تحصنًا" قلت: لأن الإكراه لا يتأتى إلا مع إرادة التحصّن وآمر المؤاتية للبغاء لا يسمى مكرهًا ولا أمره إكراهًا وكلمة إن وإيثارها على إذا إيذانًا بأن الباغيات كنّ يفعلن ذلك برغبة وطواعية منهنّ وأن ما وجد من معاذة ومسيكة من حيز الشاذ النادر ({لتبتغوا عرض الحياة الدنيا}) من خراجهنّ وأولادهن ({ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن}) لهنّ ({غفور رحيم}) [النور: 33] وقال الترمذي: لهم أو لهنّ أو لهم ولهنّ إن تابوا وأصلحوا. وقال أبو حيان في البحر: فإن الله من بعد إكراههنّ غفور رحيم جواب الشرط، والصحيح أن التقدير غفور لهم ليكون جواب الشرط فيه ضمير يعود على من الذي هو اسم الشرط ويكون ذلك مشروطًا بالتوبة، ولما غفل الزمخشري وابن عطية وأبو البقاء عن هذا الحكم قدّروا فإن الله غفور رحيم لهن أي للمكرهات فعريت جملة جواب الشرط من ضمير يعود على اسم الشرط وقد ضعف ما قلناه أبو عبد الله الرازي فقال: فيه وجهان. أحدهما: فإن الله غفور رحيم لهن لأن الإكراه يزيل الإثم والعقوبة عن المكره فيما فعل، والثاني: فإن الله غفور رحيم للمكره بشرط التوبة وهذا ضعيف لأنه على التفسير الأول لا حاجة لهذا الإضمار وعلى الثاني يحتاج إليه انتهى. وكلامهم كلام من لم يمعن في لسان العرب.

21 - باب عسب الفحل

فإن قلت: قوله بعد إكراههنّ مصدر أضيف إلى المفعول وفاعل المصدر محذوف والمحذوف كالملفوظ به والتقدير من بعد إكراههم إياهنّ والربط يحصل بهذا المحذوف المقدر فلتجز هذه المسألة. قلت: لم يعدّوا في الرابط الفاعل المحذوف تقول هند عجبت من ضربها زيدًا فتجوز المسألة. ولو قلت: هند عجبت من ضرب زيدًا لم تجز ولما قدّر الزمخشري في أحد تقديراته لهنّ أورد سؤالاً فقال: فإن قلت: لا حاجة إلى تعليق المغفرة بهنّ لأن المكرهة على الزنا بخلاف المكره عليه في أنها غير آثمة. قلت: لعل الإكراه كان دون ما اعتبرته الشريعة من إكراه بقتل أو بما يخاف منه التلف أو ذهاب العضو من ضرب عنيف وغيره حتى تسلم من الإثم وربما قصرت عن الحد الذي تعذّر فيه فتكون آثمة انتهى. وهذا السؤال والجواب مبنيان على تقدير لهنّ انتهى. وقد حكى ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس أنه قال: فإن فعلتم فإن الله لهنّ غفور رحيم وإثمهنّ على مَن أكرههنّ قال: وكذا قال عطاء الخراساني ومجاهد والأعمش وقتادة وعن الزهري قال غفر لهنّ ما أكرههنّ عليه، وعن زيد بن أسلم قال غفور رحيم للمكرهات حكاهنّ ابن المنذر في تفسيره قال: وعند ابن أبي حاتم قال في قراءة عبد الله بن مسعود فإن الله من بعد إكراههنّ لهنّ غفور رحيم وإثمهنّ على من أكرههنّ انتهى. وهذا يرجح قول القائل إن الضمير يعود على المكرهات. (وقال مجاهد) في تفسير (فتياتكم) أي (إماءكم) أخرجه عبد بن حميد والطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء قال إماءكم على الزنا، وهذا ساقط في رواية غير المستملي ثابت في روايته ولفظ رواية أبي ذر {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنًا} إلى قوله: {غفور رحيم}. 2282 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين (عن مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبي مسعود الأنصاري) هو عقبة بن عامر (-رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن) أكل (ثمن الكلب) مطلقًا (و) عن (مهر البغي) بكسر الغين المعجمة وتشديد الياء وفي الفرع بسكون الغين والذي في اليونينية كسرها وإطلاق المهر فيه مجاز، والمراد ما تأخذه على الزنا لأنه حرام بالإجماع فالمعاوضة عليه لا تحل لأنه ثمن عن محرم (و) عن (حلوان الكاهن) بضم الحاء وهو ما يعطاه على كهانته. وهذا الحديث قد سبق في أواخر البيوع. 2283 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ كَسْبِ الإِمَاءِ". [الحديث 2283 - طرفه في: 5348]. وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن جحادة) بجيم مضمومة فحاء مهملة مفتوحة وبعد الألف دال مهملة الأيامي بفتح الهمزة وتخفيف التحتية الكوفي (عن أبي حازم) بالخاء المهملة والزاي المعجمة المكسورة سلمان الأشجعي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن كسب الإماء) بالفجور لا ما تكتسبه بالصنعة والعمل. 21 - باب عَسْبِ الْفَحْلِ (باب) النهي عن (عسب الفحل) بفتح العين المهملة وسكون السين آخره موحدة والفحل الذكر من كل حيوان. 2284 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (وإسماعيل بن إبراهيم) أمه علية (عن عليّ بن الحكم) بفتحتين البناني بضم الموحدة وتخفيف النونين (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) كراء (عسب الفحل) حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه والمشهور في كتب الفقه أن عسب الفحل ضرابه وقيل أجرة ضرابه وقيل ماؤه، فعلى الأول والثالث تقديره بدل عسب الفحلِ، وفي رواية الشافعي -رحمه الله- نهى عن ثمن عسب الفحل، والحاصل أن بذل المال عوضًا عن الضراب إن كان بيعًا فباطل قطعًا لأن ماء الفحل غير متقوّم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه، وكذا إن كان إجارة على الأصح، ويجوز أن يعطي صاحب الأنثى صاحب الفحل شيئًا على سبيل الهدية لما روى الترمذي وقال: حسن غريب من حديث

22 - باب إذا استأجر أرضا فمات أحدهما

أنس أن رجلاً من كلاب سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن عسب الفحل. فقال: يا رسول الله إنّا نطرق الفحل فنكرم فرخص في الكرامة، وهذا مذهب الشافعي. قال المالكية: حمله أهل المذهب على الإجارة المجهولة وهو أن يستأجر منه فحله ليضرب الأنثى حتى تحمل، ولا شك في جهالة ذلك لأنها قد تحمل من أول مرة فيغبن صاحب الأنثى. وقد لا تحمل من عشرين مرة فيغبن صاحب الفحل فإن استأجره على نزوات معلومة ومدّة معلومة جاز. وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في البيوع. 22 - باب إِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ لَيْسَ لأَهْلِهِ أَنْ يُخْرِجُوهُ إِلَى تَمَامِ الأَجَلِ. وَقَالَ الْحَكَمُ وَالْحَسَنُ وَإِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: تُمْضَى الإِجَارَةُ إِلَى أَجَلِهَا. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَعْطَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ بِالشَّطْرِ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ جَدَّدَا الإِجَارَةَ بَعْدَ مَا قُبِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. هذا (باب) بالتنوين (إذا استأجر) أحد (أرضًا) من آخر (فمات أحدهما) أي أحد المتآجرين هل تنفسخ الإجارة أم لا؟ (وقال) بالواو لأبي الوقت قال (ابن سيرين) محمد (ليس لأهله) أي أهل الميت (أن يخرجوه) أي المستأجر (إلى تمام الأجل) الذي وقع العقد عليه وقول البرماوي كالكرماني لأهله أي لورثته أن يخرجوه من عقد الإجارة ويتصرفوا في منافع المستأجر. قال العيني: هو بيان لعود المنصوب في أن يخرجوه إلى عقد الاستئجار قال وهذا لا معنى له بل الضمير يعود على المستأجر ولكن لم يتقدم ذكر للمستأجر فكيف يعود إليه، وكذلك الضمير في أهله ليس مرجعه مذكورًا ففيهما إضمار قبل الذكر، ولا يجوز أن يقال مرجع الضميرين يفهم من لفظ الترجمة وضعت بلا ريب قبل قول ابن سيرين، فالوجه أن يقال: إن مرجع الضميرين محذوف والقرينة تدل عليه فهو في حكم الملفوظ وأصل الكلام في أصل الوضع هكذا سئل محمد بن سيرين في رجل استأجر من رجل أرضًا فمات أحدهما هل لورثة الميت أن يخرجوا يد المستأجر من تلك الأرض أم لا؟ فأجاب بقوله ليس لأهله أي لأهل الميت أن يخرجوا المستأجر إلى تمام الأجل أي أجل الإجارة. (وقال الحكم) بن عتيبة أحد فقهاء الكوفة (والحسن) البصري (وإياس بن معاوية) بن قرة المزني (تمضى الإجارة) بضم الفوقية وفتح الضاد ولأبي ذر بفتحها وكسر الضاد (إلى أجلها) وصله ابن أبي شيبة من طريق حميد عن الحسن وإياس بن معاوية ومن طريق أيوب عن ابن سيرين نحوه، والحاصل أن الإجارة لا تنفسخ عندهم بموت أحد المتآجرين وهو مذهب الجمهور وذهب الكوفيون والليث إلى الفسخ واحتجوا بأن الوارث ملك الرقبة والمنفعة تبع لها فارتفعت يد المستأجر عنها بموت الذي آجره. (وقال ابن عمر) -رضي الله عنهما- مما أخرجه مسلم (أعطى النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر بالشطر) أي بأن يكون النصف للزراع والنصف له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فكان ذلك) مستمرًا (على عهد النبي) ولأبي ذر: على عهد رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) عهد (أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر) -رضي الله عنهما- (ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جدّدا الإجارة) ولأبي ذر: ولم يذكر أن أبا بكر جدّد الإجارة (بعدما قبض النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فدلّ على أن عقد الإجارة لم ينفسخ بموت أحد المتآجرين. 2285 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ الْمَزَارِعَ كَانَتْ تُكْرَى عَلَى شَىْءٍ سَمَّاهُ نَافِعٌ لاَ أَحْفَظُهُ". [الحديث 2285 - أطرافه في: 2328، 2329، 2331، 2338، 2499، 2720، 3152، 4248]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) قال: (حدّثنا جويرية بن أسماء عن نافع عن عبد الله) أي ابن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه (قال: أعطى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر) زاد أبوا ذر والوقت اليهود (أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها). (وأن ابن عمر) عطف على سابقه أي عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- (حدّثه) أيضًا (أن المزارع) بفتح الميم (كانت تكرى على شيء) من حاصلها قال جويرية (سمّاه) لم سمى (نافع) مقدار ذلك الشيء (لا أحفظه). 2286 - وَأَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ حَدَّثَ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ". وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ "حَتَّى أَجْلاَهُمْ عُمَرُ". [الحديث 2285 - أطرافه في: 2327، 2332، 2344، 2722]. (وأن رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة (حدّث) بإثبات الضمير في الأول وحذفه في هذا لأن ابن عمر -رضي الله عنهما- حدّث نافعًا بخلاف رافع فإنه لم يحدّث له خصوصًا (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن كراء المزارع) بفتح الميم. (وقال عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (حتى أجلاهم عمر)

38 - كتاب الحوالات

-رضي الله عنه- وهذا وصله مسلم ولفظه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع ورواه أيضًا من وجوه أخرى وفي آخره قال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نقرّكم بها على ذلك ما شئنا فقروا بها حتى أجلاهم عمر -رضي الله عنه- إلى تيماء وأريحاء. بسم الله الرحمن الرحيم 38 - كتاب الحوالات (بسم الله الرحمن الرحيم). (الحوالات) بالجمع وفتح الحاء وقد تكسر وهي نقل دين من ذمة إلى ذمة أخرى وفي رواية أبي ذر عن المستملي كما في الفرع وأصله كتاب الحوالات بسم الله الرحمن الرحيم. وقال الحافظ ابن حجر: بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الحوالة كذا للأكثر وزاد النسفيّ والمستملي بعد البسملة كتاب الحوالة. 1 - باب فِي الْحَوَالَةِ. وَهَلْ يَرْجِعُ فِي الْحَوَالَةِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: إِذَا كَانَ يَوْمَ أَحَالَ عَلَيْهِ مَلِيًّا جَازَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَتَخَارَجُ الشَّرِيكَانِ وَأَهْلُ الْمِيرَاثِ فَيَأْخُذُ هَذَا عَيْنًا وَهَذَا دَيْنًا، فَإِنْ تَوِيَ لأَحَدِهِمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ. هذا (باب) بالتنوين (في الحوالة وهل يرجع) المحيل (في الحوالة) أم لا فإن قلنا إنها عقد لازم لا يرجع. ولها ستة أركان محيل ومحتال ومحال عليه ودين للمحتال على المحيل ودين للمحيل على المحال عليه وصيغة. وهي بيع دين بدين جوّز للحاجة ولهذا لم يشترط التقابض في المجلس وإن كان الدينان ربويين فهي بيع لأنها إبدال مال بمال فإن كلاًّ من المحيل والمحتال يملك بها ما لم يملكه قبلها لا استيفاء لحق بأن يقدر أن المحتال استوفى ما كان له على المحيل وأقرضه المحال عليه. وشروطها رضا المحيل والمحتال لأن للمحيل إيفاء الحق من حيث شاء فلا يلزم بجهة وحق المحتال في ذمة المحيل فلا ينتقل إلا برضاه ومعرفة رضاهما بالصيغة ولا يشترط رضا المحال عليه لأنه محل الحق والتصرف كالعبد المبيع ولأن الحق للمحيل فله أن يستوفيه بغيره كما لو وكل غيره بالاستيفاء والإيجاب والقبول كما في البيع وأن تكون الحوالة بدين لازم فلو أحال على من لا دين عليه لم تصح الحوالة ولو رضي بها لعدم الاعتياض إذ ليس عليه شيء يجعله عوضًا عن حق المحتال فإن تطوّع بأداء دين المحيل كان قاضيًا دين غيره وهو جائز ويشترط أيضًا اتفاق الدينين جنسًا وقدرًا وحلولاً وتأجيلاً وصحة وتكسيرًا وجودة ورداءة وقال المالكية ولا يشترط رضا المحال عليه على المشهور خلافًا لابن شعبان وعلى المشهور فيشترط في ذلك السلامة من العداوة وهو قول مالك، وحقيقتها أن تكون على أصل دين فإن لم تكن على أصل دين انقلبت حمالة ولو كانت بلفظ الحوالة واشتراط الحنفية رضا المحال عليه لتفاوت الناس في الاقتضاء فلعل المحال عليه أعسر وأفلس فيشترط رضاه دفعًا للضرر عنه. وقال الحنابلة: ولا يعتبر رضا محتال إن كان المحال عليه مليًّا ولو ميتًا قاله في الرعاية. (وقال الحسن) البصري (وقتادة) مما وصله ابن أبي شيبة والأثرم واللفظ له وقد سئلا عن رجل أحال على رجل فأفلس فقالا: (إذا كان) المحال عليه (يوم أحال عليه مليًّا) أصله مليئًا بالهمزة بعد الياء الساكنة فأبدلت الهمزة ياء وأدغمت الياء في الياء أي غنيًّا وجواب إذا قوله: (جاز) أي الفعل وهو الحوالة وليس له أي للمحتال أن يرجع على المحيل ومفهومه: أنه إذا كان مفلسًا يوم الحوالة له الرجوع ومذهب الشافعي أن المحتال لا يرجع بحال حتى لو أفلس المحال عليه ومات أو لم يمت أو جحد وحلف لم يكن للمحتال الرجوع على المحيل كما لو تعوّض عن الدين ثم تلف الدين في يده وكذا لو بان المحال عليه عبدًا لغير المحيل بل يطالبه بعد العتق. وقال الحنابلة: يرجع على المحيل إذا شرط ملاءة المحال عليه فتبين مفلسًا، وقال المالكية يرجع عليه فيما إذا حصل منه غرور بأن يكون إفلاس المحال عليه مقترنًا بالحوالة وهو جاهل به مع علم المحيل به، وقال الحنفية: يرجع عليه إذا توى حقه والتوى عند أبي حنيفة إما أن يجحد الحوالة ويحلف ولا بيّنة عليه أو يموت مفلسًا. وقال محمد وأبو يوسف يحصل التوي بأمر ثالث وهو أن يحكم الحاكم بإفلاسه في حال حياته. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله ابن أبي شيبة بمعناه: (يتخارج الشريكان) إذا كان لهما دين على إنسان فأفلس أو مات أو جحد وحلف حيث لا بيّنة يخرج هذا الشريك مما وقع في نصيب صاحبه وذلك الآخر كذلك في القسمة بالتراضي بغير قرعة مع استواء الدين (و) كذا يتخارج (أهل الميراث فيأخذ هذا عينًا وهذا دينًا فإن توي) بفتح المثناة الفوقية وكسر الواو على

وزن قوي من توي المال يتوى من باب علم يعلم إذا هلك أي فإن هلك (لأحدهما) شيء مما أخذه (لم يرجع على صاحبه) لأنه رضي بالدين عوضًا فتوي في ضمانه كما لو اشترى عينًا فتلفت في يده وقد ألحق المؤلّف الحوالة بذلك وكذلك الحكم بين الورثة كما أشار إليه بقوله وأهل الميراث. 2287 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ». [الحديث 2287 - طرفاه في: 2288، 2400]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (مطل) المديان (الغني) القادر على وفاء الدين ربه بعد استحقاقه (ظلم) محرم عليه وخرج بالغني العاجز عن الوفاء، والمطل أصله المدّ تقول مطلت الحديدة أو مطلها إذا مددتها لتطول، والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر ولفظ المطل يشعر بتقدم الطلب فيؤخذ منه أن الغني لو أخّر الدفع مع عدم طلب صاحب الحق له لم يكن ظالمًا، وقد حكى أصحابنا وجهين في وجوب الأداء مع القدرة من غير طلب من رب الدين فقال إمام الحرمين في الوكالة من النهاية وأبو المظفر السمعاني في القواطع في أصول الفقه والشيخ عز الدّين بن عبد السلام في القواعد الكبرى لا يجب الأداء إلا بعد الطلب وهو مفهوم تقييد النووي في التفليس بالطلب، والجمهور على أن قوله "مطل الغني ظلم" من باب إضافة المصدر للفاعل كما سبق تقريره، وقيل هو من إضافة المصدر للمفعول والمعنى أنه يجب وفاء الدين وإن كان مستحقه غنيًّا ولا يكون سببًا لتأخيره عنه، وإذا كان كذلك في حق الغني فهو في حق الفقير أولى. قال الحافظ زين الدين العراقي: وهذا فيه تعسف وتكلف ولو لم يكن له مال لكنه قادر على التكسب فهل يجب عليه ذلك لوفاء الدين؟ أطلق أكثر أصحابنا ومنهم الرافعي والنووي أنه ليس عليه ذلك، وفصل الفراوي فيما حكاه ابن الصلاح في فوائد الرحلة بين أن يلزمه الدين بسبب هو به عاصٍ فيجب عليه الاكتساب لوفائه أو غير عاصٍ فلا. قال الأسنوي: وهو واضح لأن التوبة مما فعله واجبة وهي متوقفة في حقوق الآدميين على الردّ انتهى. قال ابن العراقي: ولو قيل بوجوب التكسُّب مطلقًا لم يبعد كالتكسب لنفقة الزوجة وكما أن القدرة على الكسب كالمال في منع أخذ الزكاة يبقى النظر في أن لفظ هذا الحديث هل يتناوله إن فسّرنا الغنى بالمال فلا وإن فسّرناه بالقدرة على وفاء الدين فنعم وكلامهم فيمن ماله غائب يوافق الثاني، وفي رواية ابن عيينة عن أبي الزناد عند النسائي وابن ماجة المطل ظلم والمعنى أنه من الظلم وأطلق ذلك للمبالغة في التنفير عن المطل. (فإذا أتبع أحدكم) بضم الهمزة وسكون المثناة الفوقية وكسر الموحدة مبنيًّا للمفعول (على ملي) بتشديد المثناة التحتية وضبطها الزركشي بالهمزة وقال الغنيّ من الملاءة. وقال في المصابيح: وظاهره أن الرواية كذلك فينبغي تحريرها ولم أظفر بشيء انتهى. والذي في الفرع وجميع ما وقفت عليه من الأصول المعتمدة بدون الهمزة وهو الذي رويناه وذكر هذه الجملة عقب ما قبلها يشعر بأن الأمر بقبول الحوالة معلل بكون مطل الغني ظلمًا. قال ابن دقيق العيد: ولعل السبب فيه أنه إذا تقرر كونه ظلمًا والظاهر من حال المسلم الاحتراز عنه فيكون ذلك سببًا للأمر بقبول الحوالة عليه لأن به يحصل المقصود من غير ضرر المطل، ويحتمل أن يكون ذلك لأن المليّ لا يتعذر استيفاء الحق منه عند الامتناع بل يأخذه الحاكم قهرًا ويوفيه ففي قبول الحوالة عليه يحصل الغرض من غير مفسدة في الحق قال: والمعنى الأول أرجح لما فيه من بقاء معنى التعليل بكون المطل ظلمًا وعلى هذا المعنى الثاني تكون العلة عدم وفاء الحق لا الظلم انتهى. والمعنى الأول هو الذي اقتصر عليه الرافعي، وقال ابن الرفعة في المطلب وهذا إذا كان الوصف بالغنى يعود إلى من عليه الدين، وقد قيل إنه يعود إلى من له الدّين وعلى هذا لا يحتاج أن يذكر في التقديرين الغني انتهى. قال البرماوي: وقد يدعى أن في كلٍّ منهما بقاء للتعليل بكون المطل ظلمًا لأنه لا بدّ في كلٍّ منهما من حذف بذكره يحصل

2 - باب إذا أحال على ملي فليس له رد

الارتباط فيقدر في الأول مطل الغني ظلم والمسلم في الظاهر يجتنبه فمن أتبع على مليّ فينبغي أن يتبعه وفي الثاني مطل الغني ظلم والظلم تزيله الحكام ولا تقره فمن اتبع على مليّ فليتبع ولا يخش من المطل ويشبه كما قال الأذرعي أنه يعتبر في استحباب قبولها على مليّ كونه وفيًّا وكون ماله طيبًا ليخرج المماطل ومن في ماله شبهة (فليتبع) بفتح التحتية وسكون الفوقية أي إذا أحيل بالدين الذي له على موسر فليحتل ندبًا وقوله ظلم يشعر بكونه كبيرة والجمهور على أن فاعله يفسق لكن هل يثبت فسقه بمرة واحدة أم لا. قال النووي مقتضى مذهبنا التكرار ورده السبكي في شرح المنهاج بأن مقتضى مذهبنا عدمه واستدلّ بأن منع الحق بعد طلبه وانتفاء العذر عن أدائه كالغصب والغصب كبيرة والكبيرة لا يشترط فيها التكرار لكن لا يحكم عليه بذلك إلا بعد أن يظهر عدم عذره انتهى. ويدخل في المطل كل من لزمه حق كالزوج لزوجته والسيد لعبده والحاكم لرعيته والعكس، واستدلّ به على اعتبار رضا المحيل والمحتال دون المحال عليه لكونه لم يذكر في الحديث وبه قال الجمهور كما مرّ. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الحوالة ومسلم في البيوع وكذا النسائي والترمذي وابن ماجة. 2 - باب إِذَا أَحَالَ عَلَى مَلِيٍّ فَلَيْسَ لَهُ رَدٌّ هذا (باب) بالتنوين (إذا أحال) من عليه دين رب الدين بدينه (على مليّ فليس له ردّ). 2288 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَمَنْ أُتْبِعَ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتَّبِعْ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن ابن ذكوان) عبد الله (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (مطل الغني ظلم ومن أتبع على مليّ فليتبع) بتشديد التاء كما في الفرع. وقال النووي المشهور في الرواية واللغة التخفيف، وقال الخطابي أكثر المحدّثين يقولونه بالتشديد والصواب التخفيف والمعنى جعل تابعًا له بدينه وهو معنى أحيل في الرواية الأخرى في مسند الإمام أحمد بلفظ: وإذا أحيل أحدكم على مليّ فليحتل ولهذا عدّى أتبع بعلى لأنه ضمن معنى أحيل. وعند ابن ماجة من حديث ابن عمر: فإذا أحلت على مليّ فاتبعه بتشديد التاء بلا خلاف وجمهور العلماء على أن هذا الأمر للندب، وقال أهل الظاهر وجماعة من الحنابلة بالوجوب فأوجبوا قبولها على المليء كما حكيناه فى الباب السابق عن الرعاية من كتبهم وإليه مال البخاري حيث قال فليس له ردّ وهو ظاهر الحديث، وعلى الأول فالصارف للأمر عن حقيقته وهي الوجوب إلى الندب أنه راجع لمصلحة دنيوية فيكون أمر إرشاد أشار إليه ابن دقيق العيد بقوله لما فيه من الإحسان إلى المحيل بتحصيل مقصوده من تحويل الحق عنه وترك تكليفه التحصيل بالطلبة انتهى. وقد يقال الإحسان قد يكون واجبًا كإنظار المعسر والدنيوي إنما هو في جانب المحيل أما قبول المحتال الحوالة فلأمر أخروي، وقيل الصارف كونه أمر أبعد حظر وهو بيع الكالئ بالكالئ فيكون للإباحة أو الندب على المرجح في الأصول ومن أتبع بالواو وحينئذٍ فلا تعلق للجملة الثانية بالأولى بخلاف الحديث السابق حيث عبر بالفاء فإذا أتبع وقد مرّ ما في ذلك. وهذا الباب ثابت في نسخة الفربري ساقط من نسخ الباقين. 3 - باب إِنْ أَحَالَ دَيْنَ الْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ جَازَ هذا (باب) بالتنوين (إذا أحال) رجل (دين الميت على رجل جاز) هذا الفعل. 2289 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا، فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لاَ. فَصَلَّى عَلَيْهِ. ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلِّ عَلَيْهَا. قَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قِيلَ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ. فَصَلَّى عَلَيْهَا. ثُمَّ أُتِيَ بِالثَّالِثَةِ فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيْهَا. قَالَ: هَلْ تَرَكَ شَيْئًا؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَهَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: ثَلاَثَةُ دَنَانِيرَ. قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ. قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَىَّ دَيْنُهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ". [الحديث 2289 - طرفه في: 2295]. وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد البلخي قال: (حدّثنا يزيد بن أبي عبيد) بالتصغير مولى سلمة بن الأكوع (عن سلمة بن الأكوع) واسمه سنان المدني شهد بيعة الرضوان (-رضي الله عنه-) أنه (قال كنا جلوسًا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ أتي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بجنازة فقالوا: صلّ عليها) يا رسول الله ولم يسم صاحب الجنازة ولا الذي قال صلّ عليها، وفي حديث جابر عند الحاكم: مات رجل فغسّلناه وكفّناه وحنّطناه ووضعناه حيث توضع الجنازة عند مقام جبريل ثم آذنًا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- به (فقال: هل عليه) أي الميت (دين) لأنه عليه السلام كان قبل أن تفتح عليه الفتوح إذا أُتي بمدين لا وفاء لدينه قال لأصحابه صلّوا عليه ولا يصلّي هو عليه تحذيرًا عن الدين وزجرًا

39 - كتاب الكفالة

عن المماطلة (قالوا لا) دين عليه (قال فهل ترك شيئًا؟ قالوا لا) لم يترك شيئًا (فصلّى عليه) زاده الله شرفًا لديه (ثم أُتي بجنازة أخرى فقالوا يا رسول الله صلّ عليها قال) عليه الصلاة والسلام: (هل عليه دين؟ قيل: نعم) عليه دين قال: (فهل ترك شيئًا) لدينه؟ (قالوا) ترك (ثلاثة دنانير) وللحاكم من حديث جابر ديناران وعند الطبراني من حديث أسماء بنت يزيد كانا دينارين وشطرًا وجمع الحافظ ابن حجر بين هذا بأن من قال ثلاثة جبر الكسر. ومن قال دينارين ألغاه أو كان أصلهما ثلاثة فوفى قبل موته دينارًا وبقي عليه ديناران فمن قال ثلاثة فباعتبار الأصل ومن قال ديناران فباعتبار ما بقي (فصلّى عليها) ولعله عليه الصلاة والسلام على أن هذه الدنانير الثلاثة تفي بدينه بقرائن الحال أو بغيرها (ثم أُتي با) لجنازة ا (لثالثة فقالوا صلّ عليها) يا رسول الله (قال: هل ترك) الميت (شيئًا قالوا لا قال فهل عليه دين قالوا) نعم (عليه دنانير قال: صلوا على صاحبكم) (قال أبو قتادة) الحرث بن ربعي الأنصاري (صلِّ عليه يا رسول الله وعليّ دينه فصلّى عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وفي رواية ابن ماجة من حديث أبي قتادة نفسه فقال أبو قتادة أنا أتكفل به زاد الحاكم في حديث جابر فقال هما عليك، وفي مالك، والميت منهما بريء. قال: نعم فصلّى عليه فجعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا لقي أبا قتادة يقول ما صنعت الديناران حتى كان آخر ذلك أن قال قد قضيتهما يا رسول الله. قال: الآن حين بردت عليه جلده، وقد ذكر في هذا الحديث ثلاثة أحوال وترك الرابع وهو من لا دين عليه وله مال وحكم هذا أنه كان يصلّي عليه ولعله إنما لم يذكر لكونه كان كثيرًا لا لكونه لم يقع ولم يسم أحد من الموتى الثلاثة. ومطابقته للترجمة ظاهرة من قول أبي قتادة عليّ دينه وفي الرواية الأخرى أنا أتكفل به. وقوله عليه الصلاة والسلام هما عليك وفي مالك والميت منهما بريء، وإلى هذا ذهب الجمهور فصححوا هذه الكفالة من غير رجوع في مال الميت وعن مالك له أن يرجع إن قال ضمنت لأرجع، فإن لم يكن للميت مال وعلم الضامن بذلك فلا رجوع له، وعن أبي حنيفة إن ترك الميت وفاء جاز الضمان بقدر ما ترك وإن لم يترك وفاء لم يصح وصلاته عليه الصلاة والسلام عليه وإن كان الدين باقيًا في ذمة الميت، لكن صاحب الحق عاد إلى الرجاء بعد اليأس واطمأن بأن دينه صار في مأمن فخفّ سخطه وقرب من الرضاء. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الكفالة وهو سابع ثلاثياته، وأخرجه النسائي أيضًا في الجنائز. بسم الله الرحمن الرحيم 39 - كتاب الكفالة (بسم الله الرحمن الرحيم). 1 - باب الْكَفَالَةِ فِي الْقَرْضِ وَالدُّيُونِ بِالأَبْدَانِ وَغَيْرِهَا (باب الكفالة في القرض والدّيون) من عطف العام على الخاص والكفالة في العرف كما قاله الماوردي تكون في النفوس والضمان في الأموال والحمالة في الدّيات والزعامة في الأموال العظام. قال ابن حبان في صحيحه: والزعيم لغة أهل المدينة والحميل لغة أهل مصر والكفيل لغة أهل العراق وهي التزام حق ثابت في ذمة الغير أو إحضار من هو عليه أو عين مضمونة (بالأبدان وغيرها) أي الكفالة بالأموال والجار والمجرور يتعلق بالكفالة وسقطت البسملة لأبي ذر. 2290 - وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ عُمَرَ -رضي الله عنه- بَعَثَهُ مُصَدِّقًا، فَوَقَعَ رَجُلٌ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، فَأَخَذَ حَمْزَةُ مِنَ الرَّجُلِ كَفِيلاً حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُمَرَ، وَكَانَ عُمَرُ قَدْ جَلَدَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، فَصَدَّقَهُمْ، وَعَذَرَهُ بِالْجَهَالَةِ". وَقَالَ جَرِيرٌ وَالأَشْعَثُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُرْتَدِّينَ: اسْتَتِبْهُمْ وَكَفِّلْهُمْ، فَتَابُوا وَكَفَلَهُمْ عَشَائِرُهُمْ. وَقَالَ حَمَّادٌ إِذَا تَكَفَّلَ بِنَفْسٍ فَمَاتَ فَلاَ شَىْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحَكَمُ يَضْمَنُ. (وقال أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن محمد بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي (ابن عمرو) بفتح العين (الأسلمي عن أبيه) حمزة (أن عمر -رضي الله عنه- بعثه مصدقًا) بتشديد الدال المكسورة أي آخذًا للصدقة عاملاً عليها (فوقع رجل على جارية امرأته) لم يسم أحد منهم وهذا مختصر من قصة أخرجها الطحاوي ولفظه كما رأيته في شرح معاني الآثار له أن عمر بن الخطاب بعثه مصدقًا على سعد هذيم فأُتي حمزة بمال ليصدقه فإذا رجل يقول لامرأته أدّي صدقة مال مولاك وإذا المرأة تقول له بل أنت فأدّ صدقة مال ابنك فسأل حمزة عن أمرهما وقولهما فأخبر أن ذلك الرجل زوج تلك المرأة وأنه وقع على جارية لها فولدت ولدًا فأعتقته المرأة ثم ورث من أمه مالاً فقالوا: هذا المال لابنه من جاريته. قال حمزة للرجل: لأرجمنّك بأحجارك فقيل له إن أمره رفع

إلى عمر فجلده مائة ولم يرَ عليه رجمًا قال (فأخذ حمزة) -رضي الله عنه- (من الرجل كفيلاً) ولأبي ذر كفلاء بالجمع (حتى قدم على عمر وكان عمر) -رضي الله عنه- (قد جلده مائة جلدة) كما سبق وسقط قوله جلدة لأبوي ذر والوقت (فصدقهم) بالتشديد في الفرع وغيره من الأصول المعتمدة أي صدق القائلين بما قالوا (و) إنما درأ عمر عنه الرجم لأنه (عذره بالجهالة) وفي بعض الأصول فصدقهم بالتخفيف أي صدق الرجل القوم واعترف بما وقع منه لكن اعتذر بأنه لم يكن عالمًا بحرمة وطء جارية امرأته أو بأنها جاريتها لأنها التبست واشتبهت بجارية نفسه أو بزوجته ولعل اجتهاد عمر اقتضى أن يجلد بالحرمة وإلا فالواجب الرجم فإذا سقط بالعذر لم يجلد واستنبط من هذه القصة مشروعية الكفالة بالأبدان فإن حمزة صحابي وقد فعله ولم ينكره عليه عمر مع كثرة الصحابة حينئذٍ. (وقال جرير) بفتح الجيم وكسر الراء ابن عبد الله البجلي (والأشعث) بن قيس الكندي الصحابي (لعبد الله بن مسعود في المرتدين) وهذا أيضًا مختصر من قصة أخرجها البيهقي بطولها من طريق أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال: صليت الغداة مع عبد الله بن مسعود فلما سلم قام رجل فأخبره أنه انتهى إلى مسجد بني حنيفة فسمع مؤذن عبد الله ابن النوّاحة يشهد أن مسيلمة رسول الله فقال عبد الله: عليّ بابن النواحة وأصحابه فجيء بهم فأمر قرظة بن كعب فضرب عنق ابن النواحة ثم استشار الناس في أولئك النفر فأشار عليه عديّ بن حاتم بقتلهم فقام جرير والأشعث فقالا: لا بل (استتبهم وكفلهم) أي ضمنهم وكانوا مائة وسبعين رجلاً كما رواه ابن أبي شيبة (فتابوا وكفلهم) ضمنهم (عشائرهم). قال البيهقي في المعرفة: والذي روي عن ابن مسعود وجرير والأشعث في قصة ابن النوّاحة في استتابتهم وتكفيلهم عشائرهم كفالة بالبدن في غير مال. وقال ابن المنير: أخذ البخاري الكفالة بالأبدان في الدّيون من الكفالة بالأبدان في الحدود بطريق الأولى والكفالة بالنفس قال بها الجمهور ولم يختلف من قال بها أن المكفول بحد أو قصاص إذا غلب أو مات أن لا حدّ على الكفيل بخلاف الدين والفرق بينهما أن الكفيل إذا أدّى المال وجب له على صاحب المال مثله، وفرق الشافعية والحنفية بين كفالة من عليه عقوبة لآدمي كقصاص وحدّ قذف ومن عليه عقوبة لله فصححوها في الأولى لأنها حق لازم كالمال ولأن الحضور مستحق عليه دون الثانية لأن حقه تعالى مبني على الدرء. قال الأذرعي: ويشبه أن يكون محل المنع حيث لا يتحتم استيفاء العقوبة فإن تحتم وقلنا لا يسقط بالتوبة فيشبه أن يحكم بالصحة. (وقال حماد) هو ابن أبي سليمان واسمه مسلم الأشعري الكوفي الفقيه أحد مشايخ الإمام أبي حنيفة (إذا تكفل بنفس فمات فلا شيء عليه) سواء كان المتعلق بتلك النفس حدًا أو قصاصًا أو مالاً من دين وغيره. قال في عيون المذاهب: وتبطل أي الكفالة بموته إلا عند مالك وبعض الشافعية يلزمه ما عليه وبموت الكفيل لا الطالب بالإجماع انتهى. والذي رأيته في شرح مختصر الشيخ خليل للشيخ بهران عند قوله ولا يسقط بإحضاره أن حكم لا إن أثبت موته أو عدمه في غيبته ولو بغير بلده ورجع به مراده أن يشير إلى ما وقع من الخلاف والتفصيل في هذه المسألة، ونصها عند ابن زرقون ولو مات الغريم سقطت الحمالة بالوجه وقاله في المدونة قال: وهذا إذا مات ببلده قبل أن يلتزم الغريم قبل الأجل أو بعده وأما إن مات بغير البلد فقال أشهب لا أبالي مات غائبًا أو في البلد أي يبرأ الحميل وهو مذهب المدونة. وقال ابن القاسم يغرم الحميل إن كان الدين حالاً قربت غيبته أو بعدت وإن كان مؤجلاً فمات قبله بمدة طويلة لو خرج إليها لجاء قبل الأجل فلا شئ عليه وإن كان على مسافة لا يمكنه أن يجيء إلا بعد الأجل ضمن. (وقال الحكم) بن عتيبة (يضمن) أي ما يقبل ترتبه في الذمة وهو المال وهذا وصله الأثرم من طريق شعبة عن حماد والحكم. 2291 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ، فَقَالَ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا. قَالَ: فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ، قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلاً. قَالَ: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلاَنًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلاً فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلاً، فَرَضِيَ بِكَ. وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، فَرَضِيَ بِكَ. وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا. فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَهْوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ، فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ. قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَىَّ بِشَىْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ، فَانْصَرِفْ بِالأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا". (قال أبو عبد الله) البخاري، (وقال الليث) بن سعد وسبق في باب التجارة في البحر أن أبا ذر عن المستملي وصله فقال حدّثني

عبد الله بن صالح قال حدّثني الليث وعبد الله هذا هو كاتب الليث وكذا وصله أبو الوقت فيما قاله في الفتح كذلك وسقط في رواية أبي ذر قوله أبو عبد الله وكذا في رواية أبي الوقت واقتصرا على قوله وقال الليث، (حدّثني) بالإفراد (جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل بن حسنة القرشي المصري (عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أنه ذكر رجلاً من بني اسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم) على ذلك (فقال كفى بالله شهيدًا. قال فائتني بالكفيل قال كفى بالله كفيلاً قال: صدقت) وفي رواية أبي سلمة فقال سبحان الله نعم (فدفعها) أي الألف دينار (إليه) وفي رواية أبي سلمة فعدّ له ستمائة دينار. قال ابن حجر رحمه الله: والأول أرجح لموافقته حديث عبد الله بن عمرو (إلى أجل مسمى فخرج) الذي استلف (في البحر فقضى حاجته) وفي رواية أبي سلمة فركب البحر بالمال يتجر فيه (ثم التمس مركبًا) بفتح الكاف أي سفينة (يركبها) حال كونه (يقدم عليه) أي على الذي أسلفه ودال يقدم مفتوحة (للأجل الذي أجله فلم يجد مركبًا) زاد في رواية أبي سلمة وغدا ربّ المال إلى الساحل يسأل عنه ويقول اللهم اخلفني وإنما أعطيت لك (فأخذ) الذي استلف (خشبة فنقرها) أي حفرها (فأدخل فيها) في الخشبة وللكشميهني فيه أي في المكان المنقور من الخشبة (ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه) الذي استلف منه ولأبي الوقت وصحيفة فيه، وفي رواية لأبي سلمة وكتب إليه صحيفة من فلان إلى فلان إني دفعت مالك إلى وكيل توكل بي (ثم زجج موضعها) بزاي وجيمين. قال القاضي عياض: سمرها بمسامير كالزج أو حشا شقوق لصاقها بشيء ورقعه بالزج، وقال الخطابي: سوّى موضع النقر وأصلحه وهو من تزجيج الحواحب وهو حذف زوائد الشعر، ويحتمل أن يكون مأخوذًا من الزج وهو النصل كأن يكون النقر في طرف الخشبة فشد عليه زجًّا يمسكه ويحفظ ما فيه، وقال السفاقسي: أصلح موضع النقر، (ثم أتى بها) أي بالخشبة (إلى البحر فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانًا ألف دينار). قال ابن حجر كالزركشي كذا وقع فيه هنا تسلفت فلانًا والمعروف تعديته بحرف الجرّ، وزاد ابن حجر كما وقع في رواية الإسماعيلي استسلفت من فلان، وتعقبه العيني بأن تنظيره باستسلفت غير موجه لأن تسلفت من باب التفعّل واستسلفت من باب الاستفعال وتفعل يأتي للمتعدي بلا حرف الجرّ كتوسدت التراب واستسلفت معناه طلبت منه السلف ولا بدّ من حرف الجرّ انتهى. وسقط قوله: كنت في رواية أبي ذر (فسألني كفيلاً فقلت كفى بالله كفيلاً فرضي بك وسألني شهيدًا فقلت كفى بالله شهيدًا فرضي بك) ولأبي ذر عن الكشميهني: فرضي بذلك. وقال العيني كالحافظ ابن حجر قوله فرضي بذلك للكشميهني ولغيره فرضي به أي بالهاء، وفي رواية الإسماعيلي فرضي بك أي بالكاف انتهى. والذي في الفرع وغيره من الأصول المعتمدة التي وقفت عليها بك لغير الكشميهني وبذلك له على أن في المتن الذي ساقه العيني بك بالكاف في الموضعين فالله أعلم. (وإني جهدت) بفتح الجيم والهاء (أن أجد مركبًا أبعث إليه الذي له) في ذمتي (فلم أقدر) على تحصيلها (وإني أستودعكها) بكسر الدال وضم العين ولأبوي ذر والوقت استودعتكها بفتح الدال وسكون العين وبعدها مثناة فوقية (فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه) بتخفيف اللام أي دخلت في البحر (ثم انصرف وهو) أي والحال أنه (في ذلك يلتمس) أي يطلب (مركبًا يخرج إلى بلده) أي إلى بلد الذي أسلفه (فخرج الرجل الذي كان أسلفه) حال كونه (ينظر لعل مركبًا قد جاء بماله) الذي أسلفه للرجل (فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله) يجعلها (حطبًا) للإيقاد (فلما نشرها) أي قطعها بالمنشار (وجد المال) الذي له (والصحيفة) التي كتبها الرجل إليه بذلك (ثم قدم)

2 - باب قول الله تعالى: {والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم}

الرجل (الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار) ذكر ابن مالك فيه ثلاثة أوجه. أحدها: أن يكون أراد بالألف ألف دينار على البدل وحذف المضاف وأبقى المضاف إليه على حاله من الجر. قال ابن الدماميني المضاف هنا مجرور فلِمَ لم يقل أن المضاف إليه أقيم مقام المضاف. الثاني: أن يكون أصله بالألف الدينار ثم حذف من الخط لصيرورتها بالإدغام دالاً فكتبت على اللفظ. قال في مصابيح الجامع: لكن الرواية بتنوين دينار ولو ثبت عدم تنوينه برواية معتبرة تعين هذا الوجه وكثيرًا ما يعتمد هو وغيره التوجيه باعتبار الخط ويلغون تحقيق الرواية. الثالث: أن يكون الألف مضافًا إلى دينار والألف واللام زائدتان فلم يمنعا الإضافة ذكره أبو علي الفارسي. (فقال) بالفاء ولأبي الوقت: وقال للذي أسلفه (والله ما زلت جاهدًا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبًا قبل الذي أتيت فيه قال) الذي أسلفه (هل كنت بعثت إليّ بشيء) وللحموي والمستملي: إليّ شيئًا (قال أخبرك أني لم أجد مركبًا قبل الذي جئت فيه) وللحموي والمستملي: جئت به (قال فإن الله قد أدّى عنك) المال (الذي) وللحموي والمستملي: التي أي الألف التي (بعثت) بها أو به (في الخشبة) ولأبوي الوقت وذر عن الكشميهني: بعثت والخشبة نصب على المفعولية (فانصرف) بكسر الراء والجزم على الأمر (بالألف الدينار) التي أتيت بها صحبتك حال كونك (راشدًا) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم هذا الرجل لكن رأيت في مسند الصحابة الذين نزلوا مصر لمحمد بن الربيع الجيزي بإسناد له فيه مجهول عن عبد الله بن عمرو بن العاصي يرفعه أن رجلاً جاء إلى النجاشي فقال أسلفني ألف دينار إلى أجل فقال من الحميل بك قال الله فأعطاه الألف دينار فضرب بها الرجل أي سافر بها في تجارة، فلما بلغ الأجل أراد الخروج إليه فحبسه الريح فعمل تابوتًا فذكر الحديث نحو حديث أبي هريرة فاستفدنا منه أن الذي أقرض هو النجاشي فيجوز أن تكون نسبته إلى بني إسرائيل بطريق الاتباع لهم لا أنه من نسلهم انتهى. وتعقبه العيني فقال هذا الكلام في البعد إلى حدّ السقوط لأن السائل والمسؤول منه كلاهما من بني إسرائيل على ما صرّح به ظاهر الكلام وبين الحبشة وبين بني إسرائيل بعد عظيم في النسبة وفي الأرض، ويبعد أن يكون ذلك الانتساب إلى بني إسرائيل بطريق الاتباع وهذا يأباه من له نظر تام في تصرفه في وجوه معاني الكلام على أن الحديث المذكور ضعيف لا يعمل به انتهى. وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن المراد بالاتباع الاتباع في الدين فيستوي بعيد الأرض وقريبها وبعيد النسب وقريبه وكان جمع من أهل اليمن دخلوا في دين بني إسرائيل وهي اليهودية ثم دخل من يقابل أهل اليمن من الحبشة في دين بني إسرائيل أيضًا وهي النصرانية وكان النجاشي ممن تحقق ذلك الدين ودان به قبل التبديل والملك لما بلغه دعوة الإسلام بادر إلى الإجابة لما عنده من العلم حتى قال لما سمع قوله تعالى: {إنما المسيح عيسى ابن مريم} [النساء: 171] الآية لا يزيد عيسى على هذا. وهذا الحديث أخرجه أيضًا مختصرًا في الاستقرار واللقطة والاستئذان والشروط وسبق في البيع والزكاة. 2 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (باب قول الله تعالى: ({والذين عاقدت أيمانكم}) مبتدأ ضمن معنى الشرط فوقع خبره مع الفاء وهو قوله: ({فآتوهم نصيبهم}) [النساء: 33] ويجوز أن يكون منصوبًا على قولك زيدًا فاضربه ويجوز أن يعطف على الولدان ويكون الضمير في فآتوهم للموالي، والمراد بالذين عاقدت أيمانكم موالي الموالاة كان الرجل يعاقد الرجل فيقول دمي دمك وثأري ثأرك وحربي حربك وسلمي سلمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك وتعقل عني وأعقل عنك فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف فنسخ بقوله تعالى: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} [الأحزاب: 6] ووجه دخول هذا الباب هنا كما قاله ابن المنير أن الحلف كان في أول الإسلام يقتضي استحقاق الميراث فهو مال أوجبه عقد التزام على وجه التبرع فلزم وكذلك الكفالة إنما هي التزام مال بغير عوض تطوّعًا فلزم. 2292 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ إِدْرِيسَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} قَالَ: وَرَثَةً {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَالَ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الْمُهَاجِرُ الأَنْصَارِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ، لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نَسَخَتْ. ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} إِلاَّ النَّصْرَ وَالرِّفَادَةَ وَالنَّصِيحَةَ -وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ- وَيُوصِي لَهُ". [الحديث 2292 - طرفاه في: 4580، 6747]. وبه قال

3 - باب من تكفل عن ميت دينا فليس له أن يرجع وبه قال الحسن

(حدّثنا الصلت بن محمد) بفتح الصاد المهملة وسكون اللام آخره مثناة فوقية ابن عبد الرحمن الخاركي بخاء معجمة البصري قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن إدريس) بن يزيد من الزيادة ابن عبد الرحمن الأودي بفتح الهمزة وسكون الواو وبالدال المهملة (عن طلحة بن مصرف) بكسر الراء المشددة ابن عمرو بن كعب اليامي بالتحتية الكوفي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه قال في قوله تعالى: ({ولكلًّ جعلنا موالي}) [النساء: 33] (قال): تفسير موالي (ورثة) وبه قال مجاهد وقتادة وزيد بن سلم والسدي والضحاك ومقاتل بن حيان ({والذين عاقدت أيمانكم}) أي عاقدت ذوو أيمانكم ذوي أيمانهم، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي عقدت بغير ألف أسند الفعل إلى الإيمان وحذف المفعول أي عقدت أيمانكم عهودهم فحذف العهود وأقيم الضمير المضاف إليه مقامه كما حذف في الأولى. (قال) أي ابن عباس (كان المهاجرون لما قدموا) زاد أبو ذر على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (المدينة يرث) فعل مضارع ولأبي ذر عن الكشميهني: ورث (المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه) أقربائه (للأخوة التي آخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينهم) بين المهاجرين والأنصار (فلما نزلت {ولكلٍّ جعلنا موالي} نسخت) أي آية الوالي آية المعاقدة (ثم قال) ابن عباس في قوله تعالى ({والذين عقدت أيمانكم} إلا النصر والرفادة) بكسر الراء أي المعاونة (والنصيحة) مستثنى من الأحكام المقدرة في الآية المنسوخة أي نسخت تلك الآية حكم نصيب الإرث لا النصر وما بعده، والاستثناء منقطع أي لكن النصر باقٍ ثابت (وقد ذهب الميراث) بين المعاقدين (ويوصى له) بفتح الصاد مبنيًّا للمفعول والضمير للذي كان يرث بالأخوة وهذا الحديث أخرجه البخاري في التفسير والفرائض وأبو داود والنسائي جميعًا في الفرائض. 2293 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَآخَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري الزرقي أبو إسحاق القاري (عن حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قدم علينا عبد الرحمن بن عوف) الزهري أحد العشرة -رضي الله عنه- (فآخى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينه وبين سعد بن الربيع) الأنصاري الخزرجي أحد نقباء الأنصار. وهذا حديث مختصر من حديث طويل سبق في البيوع والغرض منه إثبات الحلف في الإسلام. 2294 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ: "قُلْتُ لأَنَسٍ رضي الله عنه: أَبَلَغَكَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ حِلْفَ فِي الإِسْلاَمِ؟ فَقَالَ: قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ فِي دَارِي". [الحديث 2294 - طرفاه في: 6083، 7340]. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن الصباح) بالمهملة والموحدة المشددة وبعد الألف حاء مهملة الدولابي البغدادي قال: (حدّثنا إسماعيل بن زكريا) الخلقاني بالخاء المعجمة المضمومة واللام الساكنة بعدها قاف وبعد الألف نون الكوفي قال: (حدّثنا عاصم) هو ابن سليمان المعروف بالأحول (قال: قلت لأنس) ولأبي ذر زيادة ابن مالك (-رضي الله عنه- أبلغك) بهمزة الاستفهام الاستخباري (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا حلف) بكسر الحاء المهملة وسكون اللام آخره فاء أي لا عهد (في الإسلام) على الأشياء التي كانوا يتعاهدون عليها في الجاهلية (فقال) أنس له (قد حالف) آخى (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين قريش والأنصار فى داري) أي بالمدينة على الحق والنصرة والأخذ على يد الظالم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما إلا النصر والنصيحة والرفادة ويوصى له وقد ذهب الميراث. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الاعتصام ومسلم في الفضائل وأبو داود في الفرائض. 3 - باب مَنْ تَكَفَّلَ عَنْ مَيِّتٍ دَيْنًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ (باب من تكفل عن ميت دينًا فليس له أن يرجع) عن الكفالة لأنها لازمة له واستقر الحق في ذمته (وبه) أي بعدم الرجوع (قال الحسن) البصري وهو قول الجمهور. 2295 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ؟ قَالُوا: لاَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ. ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ مَنْ دَيْنٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ. قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: عَلَىَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ". وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل الشيباني البصري (عن يزيد بن أبي عبيد) بضم العين مصغرًا من غير إضافة الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع (عن سلمة بن الأكوع) هو ابن عمرو بن الأكوع (-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بجنازة) بضم الهمزة (ليصلّي عليها فقال): (هل عليه) أي الميت (من دين. فقالوا: لا. فصلّى عليه) زاد في

4 - باب جوار أبي بكر في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وعقده

باب: إن أحال دين الميت على رجل جاز قال: (ثم أُتي بجنازة أخرى فقال: هل عليه من دين؟ قالوا نعم) عليه دين زاد في الرواية السابقة ثلاثة دنانير (قال: صلوا) ولأبي ذر: فصلوا (على صاحبكم. قال أبو قتادة) الحرث بن ربعي الأنصاري (عليّ دينه) ولابن ماجة: أنا أتكفل به (يا رسول الله فصلّى عليه) صلوات الله وسلامه عليه واقتصر في هذه الطريق على اثنين من الأموات الثلاثة المذكورة في الرواية السابقة. ووجه المطابقة هنا أنه لو كان لأبي قتادة أن يرجع لما صلّى عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يوفي أبو قتادة الدين لاحتمال أن يرجع فيكون قد صلّى على مديان دينه باقٍ عليه فدلّ على أنه ليس له أن يرجع. 2296 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهم- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ قَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا، فَلَمْ يَجِئْ مَالُ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، فَحَثَى لِي حَثْيَةً، فَعَدَدْتُهَا، فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ وَقَالَ: خُذْ مِثْلَيْهَا". [الحديث 2296 - أطرافه في: 2598، 2683، 3137، 3164، 4383]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) هو ابن دينار أنه (سمع محمد بن علي) أي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب (عن جابر بن عبد الله) الأنصارى (رضي الله عنهم) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لو قد جاء مال البحرين) موضع بين البصرة وعمان أي لو تحقق المجيء (قد أعطيتك هكذا وهكذا) زاد في غير رواية أبي الوقت وهكذا زاد في الشهادات فبسط يديه ثلاث مرات فيه اقتران الماضي الوافع جوابًا "للو" بقد. قال ابن هشام وهو غريب كقول جرير: لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة ... تدع الصوادي لا يجدن غليلا يقال: نقع الماء العطش سكنه والذي وقع هنا يؤيده كحديث ابن عباس عند البخاري في باب: رجم الحبلى من الزنا الذي فيه ذكر البيعة بعد وفاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال عبد الرحمن بن عوف: لو رأيت رجلاً أتى أمير المؤمنين فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول لو قد مات عمر لقد بايعت فلانًا ففيه كالذي قبله ورود جواب لو وشرطها جميعًا مقترنين بقد، وفلان المشار إليه بالبيعة هو طلحة بن عبيد كما في فوائد البغوي (فلم يجيء مال البحرين حتى قبض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- رجلاً (فنادى من كان له عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدة) أي وعد (أو دين فليأتنا) قال جابر: (فأتيته فقلت) له: (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لي كذا وكذا فحثا لي) أبو بكر رضي الله عنه (حثية) بفتح الحاء المهملة وبالثاء المثلثة فيهما. قال ابن قتيبة: هي الحفنة. وقد ابن فارس ملء الكفّين (فعددتها فإذا هي خمسمائة وقال: خذ مثليها) أي مثلي خمسمائة فالجملة ألف وخمسمائة وذلك لأن جابرًا لما قال: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لي كذا وكذا ثلاث مرات حثا له أبو بكر حثية فجاءت خمسمائة فقال خذ مثليها لتصير ثلاث مرات كما وعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان من خلقه الوفاء بالوعد، فنفذه أبو بكر بعد وفاته عليه الصلاة والسلام. ومطابقته للترجمة من جهة أن أبا بكر -رضي الله عنه- لما قام مقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تكفل بما كان عليه من واجب أو تطوع، فلما التزم لزمه أن يوفي جميع ما عليه من دين أو عدّة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الخمس والمغازي والشهادات ومسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 4 - باب جِوَارِ أَبِي بَكْرٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَقْدِهِ (باب جوار أبي بكر) الصديق -رضي الله عنه- أي أمانه قال تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره} [التوبة: 6] أي أمنه وجيم جوار بالكسر ويجوز الضم (في عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في زمنه (وعقده) أي وعقد أبي بكر. 2297 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: "لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ". وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ قَطُّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَرَفَىِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً. فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ الْحَبَشَةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، وَهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ فَأَعْبُدَ رَبِّي. قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: إِنَّ مِثْلَكَ لاَ يَخْرُجُ وَلاَ يُخْرَجُ. فَإِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، وَأَنَا لَكَ جَارٌ. فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلاَدِكَ، فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَطَافَ فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلاَ يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلاً يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ؟ فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ، وَقَالُوا لاِبْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ وَلاَ يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا. قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِي بَكْرٍ، فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلاَ يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلاَةِ وَلاَ الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ. ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَبَرَزَ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً لاَ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَأَعْلَنَ الصَّلاَةَ وَالْقِرَاءَةَ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَأْتِهِ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلاَّ أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبِي بَكْرٍ الاِسْتِعْلاَنَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَىَّ ذِمَّتِي؛ فَإِنِّي لاَ أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ - وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، رَأَيْتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ، وَهُمَا الْحَرَّتَانِ. فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْضُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ. وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجده لشهرته به وأبوه عبد الله المخزومي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد أنه قال: (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم (فأخبرني) الفاء عاطفة على محذوف تقديره أخبرني فلان بكذا فأخبرني (عروة بن الزبير) بن العوام (أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: لم أعقل) بكسر القاف أي لم أعرف (أبوي) أبا بكر وأم رومان، وزاد أبو ذر عن الكشميهني هنا قط بتشديد الطاء المضمومة للنفي في الماضي

(إلا وهما يدينان الدين) بكسر الدال المهملة والنصب على نزع الخافض أي يدينان بدين الإسلام. (وقال أبو صالح) سليمان بن صالح المروزي، وفي نسخة بالفرع وأصله سلموية بفتح المهملة واللام وضم الميم وسكون الواو وفتح التحتية آخره تاء تأنيث. قال الحافظ ابن حجر: وهذا التعليق قد سقط مني رواية أبي ذر: وساق الحديث عن عقيل وحده (حدّثني) بالإفراد (عبد الله) بن المبارك (عن يونس) بن يزيد (عن الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لم أعقل أبوي قطّ إلا وهما بدينان الدين ولم يمر علينا يومًا إلا يأتينا فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طرفي النهار بكرة وعشية) تفسير لقوله طرفي النهار وهو منصوب على الظرف، (فلما ابتلي المسلمون) بأذى المشركين وأذن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة (خرج أبو بكر) -رضي الله عنه- حال كونه (مهاجرًا قبل الحبشة) بكسر القاف وفتح الموحدة أي إلى جهة الحبشة ليلحق بمن سبقه من المسلمين فسار (حتى إذا بلغ برك الغماد) بفتح الموحدة وسكون الراء بعدها كاف والغماد بكسر الغين المعجمة وتخفيف الميم، ولأبي ذر: برك بكسر الموحدة. قال في المطالع: وبكسر الموحدة وقع للأصيلي وِالمستملي والحموي قال: وهو موضع بأقاصي هجر، وقيل اسم موضع باليمن، وقيل وراء مكة بخمس ليال (لقيه ابن الدغنة) بفتح الدال المهملة وكسر الغين المعجمة وفتح النون المخففة ولأبي ذر: الدغنة بضم الدال والغين وتشديد النون كذا في الفرع وأصله لأبي ذر، وعند المروزي الدغنة بفتح الدال والغين والنون المخففة. قال الأصيلي: وكذا رواه لنا المروزي، وقيل إن ذلك كان لاسترخاء في لسانه والصواب فيه الكسر وهو اسم أمه واسمه الحرث بن يزيد كما عند البلاذري. وحكى السهيلي مالك وعند الكرماني أن ابن إسحاق سماه ربيعة بن رفيع وهو وهم من الكرماني لأن ربيعة المذكور آخر يقال له ابن الدغنة أيضًا لكنه سلمي والذي هنا من القارة فافترقا (وهو سيد القارة) بالقاف وتخفيف الراء قبيلة مشهورة من بني الهون بضم الهاء وسكون الواو ويوصفون بجودة الرمي، واسم ابن الدغنة قال مغلطاي اسمه مالك، وعند البلاذري في حديث الهجرة أنه الحرث بن يزيد. قال الحافظ ابن حجر: وهو أولى ووهم من زعم أنه ربيعة بن رفيع (فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر) -رضي الله عنه-: (أخرجني قومي) أي تسببوا في إخراجي (فأنا أريد أن أسيح) بفتح الهمزة وسين مهملة مكسورة وبعد التحتية حاء مهملة أي أسير (في الأرض). فإن قلت: حقيقة السياحة أن لا يقصد موضعًا بعينه ومعلوم أنه قصد التوجّه إلى أرض الحبشة. أجيب: بأنه عمي عن ابن الدغنة جهة مقصده لكونه كان كافرًا، ومن المعلوم أنه لا يصل إليها من الطريق التي قصدها حتى يسير في الأرض وحده زمانًا فيكون سائحًا. (فأعبد) بالفاء، ولأبي ذر: وأعبد (ربي: قال ابن الدغنة: إن مثلك لا يخرج ولا يخُرج) بفتح أوّل الأوّل وضم أوّل الثاني مبنيًّا للفاعل والثاني للمفعول (فإنك تكسب المعدوم) بفتح المثناة الفوقية أي تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك. قيل: والصواب المعدم بدون الواو أي الفقير لأن المعدوم لا يكسب. وأجيب: بأنه لا يمتنع أن يطلق على المعدم المعدوم لأنه كالمعدم الميت الذي لا تصرف له. وقال الزركشي: وتكسب العديم أي الفقير فعيل بمعنى فاعل وهذا أحسن من الرواية السابقة أول الكتاب في حديث خديجة تكسب المعدوم انتهى. ولم أقف على شيء من النسخ كما ادّعاه ولعله وقف عليها في نسخة كذلك. (وتصل الرحم) أي القرابة (وتحمل الكل) بفتح الكاف وتشديد اللام الذي لا يستقل بأمره أو الثقل بكسر المثلثة وسكون القاف (وتقري الضيف) بفتح المثناة الفوقية من الثلاثي أي تهيئ له طعامه ونزله (وتعين على نوائب الحق) أي حوادثه وإنما قال نوائب الحق لأنها تكون في الحق والباطل، وهذا كقول خديجة -رضي الله عنها- للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أخبرها بأول مجيء الملك له (وأنا لك

جار) أي مجير لك مؤمنك ممن أخافك منهم. (فارجع فاعبد ربك ببلادك فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر) استشكل بأن القياس أن يقال رجع أبو بكر معه عكس المذكور كما لا يخفى. وأجيب: بأنه من باب إطلاق الرجوع وإرادة لازمه الذي هو المجيء أو هو من قبيل المشاكلة لأن أبا بكر كان راجعًا أو أطلق الرجوع باعتبار ما كان قبله بمكة، وفي باب الهجرة فرجع أي أبو بكر وارتحل معه ابن الدغنة وهو الأصل، والمراد في الروايتين كما قال ابن حجر مطلق الصاحبة. (فطاف) أي ابن الدغنة (في أشراف كفار قريش) أي ساداتهم (فقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله) بفتح أوّله وضم ثالثه مبنيًّا للفاعل ولأبي ذر لا يخرج بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (ولا يخُرج) بضم أو وفتح ثالثه ولأبي ذر بفتح أوله وضم ثالثه (أتخرجون رجلاً) بضم التاء وكسر الراء والهمزة للاستفهام الإنكاري (يكسب المعدوم) بفتح الياء وضمها كما في الفرع وأصله والجملة في محل نصب صفة لرجلاً وما بعده عطف عليه (ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق فأنفذت قريش) بالذال المعجمة بعد الفاء أي أمضوا (جوار ابن الدغنة) ورضوا به (وآمنوا) بمدّ الهمزة وفتح الميم المخففة أي جعلوا (أبا بكر) في أمن ضد الخوف (وقالوا لابن الدغنة: مُر أبا بكر فليعبد ربه في داره) دخلت الفاء على شيء محذوف. قال الكرماني تقديره ليعبد ربه فليعبد ربه قال العيني: لا معنى لما ذكره لأنه لا يفيد زيادة شيء بل تصلح الفاء أن تكون جزاء شرط تقديره مر أبا بكر إذا قيل ما يشترط عليه فليعبد ربه في داره (فليصلّ) بالفاء، وفي نسخة بالفرع وأصله: وليصل (وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك) إشارة إلى ما ذكر من الصلاة والقراءة (ولا يستعلن) لا يجهر (به فإنا قد خشينا أن يفتن) بفتح التحتية وكسر الفوقية أي يخرج (أبناءنا ونساءنا) من دينهم إلى دينه (قال ذلك) الذي شرطه كفار قريش (ابن الدغنة لأبي بكر فطفق) بكسر الفاء أي جعل وفي الهجرة فلبث (أبو بكر) -رضي الله عنه- (يعبد ربه في داره ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره ثم بدا) أي ظهر (لأبي بكر) -رضي الله عنه- رأي في أمره بخلاف ما كان يفعله (فابتنى مسجدًا بفناء داره) بكسر الفاء ممدودًا ما امتد من جوانبها وهو أول مسجد بني في الإسلام (وبرز) ظهر أبو بكر (فكان يصلّي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف) بالمثناة الفوقية بعد التحتية وللكشميهني فينقصف بالنون الساكنة بدل الفوقية وتخفيف الصاد (عليه نساء المشركين وأبناؤهم) أي يزدحمون عليه حتى يسقط بعضهم على بعض فيكاد ينكسر وأطلق يتقصف مبالغة (يعجبون) زاد الكشميهني منه (وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلاً بكّاءً) بتشديد الكاف أي كثير البكاء (لا يملك دمعه) وفي الهجرة لا يملك عينيه أي لا يملك إسكانهما عن البكاء من رقة قلبه (حين يقرأ القرآن فأفزع) بالفاء الساكنة وبعدها زاي أي أخاف (ذلك أشراف قريش من المشركين) لما يعلمون من رقة قلوب النساء والشباب أن يميلوا دين الإسلام (فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا له: إنّا كنّا أجرنا) بالراء الساكنة، وللكشميهني: أجرنا بالزاي بدل الراء (أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدًا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة وقد خشينا أن يفتن) بفتح أوله وكسر ثالثه (أبناءنا ونساءنا) ولأبي ذر: أن يفتن بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول أبناؤنا ونساؤنا بالرفع نائبًا عن الفاعل (فائته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبي) امتنع (إلا أن يعلن ذلك) المذكور من الصلاة والقراءة أي يجهر (فسله) بسكون اللام من غير همز فعل أمر (أن يردّ إليك ذمتك) عهدك له (فإنّا كرهنا أن نخفرك) بضم النون وسكون الخاء المعجمة وكسر الفاء وفتح الراء أي ننقض عهدك (ولسنا مقرّين لأبي بكر الاستعلان) أي لا نسكت على الإنكار عليه خوف نسائنا وأبنائنا. (قالت عائشة) -رضي الله عنها- (فأتى ابن الدغنة أبا بكر فقال) له (قد علمت الذي

5 - باب الدين

عقدت لك عليه) مع أشراف قريش (فإما أن تقتصر على ذلك) الذي شرطوه (وإما أن تردّ إليّ ذمتي) عهدي (فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت) مبنيًا للمفعول أي غدرت (في رجل عقدت له. قال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه-: (إني) ولأبي ذر: فإني (أردّ إليك جوارك وأرضى بجوار الله) أي بأمانة الله وحمايته وفيه قوّة يقين الصدّيق -رضي الله عنه- (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومئذٍ بمكة فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قد أريت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (دار هجرتكم رأيت سبخة) بفتح السين المهملة والخاء المعجمة بينهما موحدة ساكنة، ولأبي ذر سبخة بفتح الموحدة أرضًا يعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر. قال في المصابيح كالتنقيح: وإذا وصفت به الأرض كسرت الباء (ذات نخل بين لابتين) بموحدة مخففة تثنية لابة (وهما الحرّتان) بتشديد الراء بعد الحاء المفتوحة المهملة والحرة أرض بها حجارة سود، وهذا مدرج من تفسير الزهري. (فهاجر) بالفاء ولأبي الوقت: وهاجر (من هاجر) من المسلمين (قبل المدينة) لكسر القاف وفتح الموحدة (حين ذكر ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة وتجهز أبو بكر) رضي الله عنه حال كونه (مهاجرًا) أي طالبًا للهجرة من مكة (فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: على رسلك) بكسر الراء وسكون السين المهملة أي على مهلك من غير عجلة (فإني أرجو أن يؤذن لي) بضم الياء مبنيًّا للمفعول في الهجرة. (قال أبو بكر: هل ترجو ذلك بأبي أنت) مبتدأ خبره بأبي أي مفدّى بأبي أو أنت تأكيد لفاعل ترجو وبأبي قسم (قال) عليه الصلاة والسلام (نعم) أرجو ذلك (فحبس أبو بكر نفسه) أي منعها من الهجرة (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر) بفتح السين المهملة وضم الميم زاد في الهجرة وهو الخبط وهو مدرج فيه من تفسير الزهري (أربعة أشهر). ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن المجير ملتزم للمجار أن لا يؤذى من جهة من أجار منه وكأنه ضمن أن لا يؤذي وأن تكون العهدة عليه في ذلك، وقد ساق المؤلّف الحديث هنا على لفظ يونس عن الزهري، وساقه في الهجرة على لفظ عقيل كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقد سبق صدر هذا الحديث في أبواب المساجد في باب المسجد يكون في الطريق والله أعلم. 5 - باب الدَّيْنِ (باب) بيان حكم (الدين) سقط الباب وترجمته لأبوي ذر والوقت والحديث الآتي إن شاء الله تعالى من رواية المستملي وعند النسفيّ وابن شبويه باب بغير ترجمة. 2298 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَسْأَلُ: هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلاً؟ فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ لِدَيْنِهِ وَفَاءً صَلَّى، وَإِلاَّ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ. فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَالَ: أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَىَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ". [الحديث 2298 - أطرافه في: 2398، 2399، 4781، 5371، 6731، 6745، 6763]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-): (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يؤتى بالرجل المتوفى) بفتح الفاء المشددة أي الميت حال كونه (عليه الدين فيسأل) عليه الصلاة والسلام (هل ترك لدينه فضلاً) أي قدرًا زائدًا على مؤونة تجهيزه، وللكشميهني: قضاء بدل فضلاً وكذا هو عند مسلم وأصحاب السُّنن وهو أولى بدليل قوله (فإن حدّث) بضم الحاء مبنيًّا للمفعول (أنه ترك لدينه وفاء) أي ما يوفي به دينه (صلّى) عليه (وإلا) بأن لم يترك وفاء (قال للمسلمين صلّوا على صاحبكم فلما فتح الله عليه الفتوح) من الغنائم وغيرها (قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دينًا) وزاد مسلم أو ضيعة (فعليّ قضاؤه) مما أفاء الله عليّ (ومن ترك مالاً فلورثته) واستنبط منه التحريض على قضاء دين الإنسان في حياته والتوصل إلى البراءة منه ولو لم يكن أمر الدين شديدًا لما ترك عليه الصلاة والسلام على المديون وهل كانت صلاته على المديون حرامًا أو جائزة؟ وجهان. قال النووي: الصواب الجزم بجوازها مع وجود الضامن كما في حديث مسلم، وفي حديث ابن عباس عند الحازمي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما امتنع من الصلاة على من عليه دين جاءه جبريل

40 - كتاب الوكالة

فقال إنما الظالم في الدّيون التي حملت في البغي والإسراف فأما المتعفف ذو العيال فأنا ضامن له أؤدّي عنه فصلّى عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال بعد ذلك: "من ترك ضياعًا" الحديث. قال الحافظ ابن حجر: وهو حديث ضعيف، وقال الحازمي: لا بأس به في المتابعات ففيه أنه السبب فى قوله عليه الصلاة والسلام: من ترك دينًا فعلي فهو ناسخ لتركه الصلاة على من مات وعليه دين. حديث الباب أخرجه أيضًا في النفقات، ومسلم في الفرائض، والترمذي في الجنائز. بسم الله الرحمن الرحيم 40 - كتاب الوكالة (بسم الله الرحمن الرحيم). (كتاب الوكالة) بفتح الواو ويجوز كسرها وهي في اللغة التفويض وفي الشرع تفويض شخص أمره إلى آخر فيما يقبل النيابة والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه} [الكهف: 19] وقوله تعالى: {اذهبوا بقميصي هذا} [يوسف: 93] وهو شرع من قبلنا وورد في شرعنا ما يقرره كقوله تعالى: {فابعثوا حكمًا من أهله} [النساء: 35] الآية وفي رواية أبي ذر تقديم كتاب على البسملة. 1 - باب وَكَالَةُ الشَّرِيكِ الشَّرِيكَ فِي الْقِسْمَةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ أَشْرَكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيًّا فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِقِسْمَتِهَا هذا (باب) بالتنوين (في وكالة الشريك) ولأبي ذر: سقوط الباب وحرف الجر ولفظه كتاب الوكالة وكالة الشريك. قال الحافظ ابن حجر: وللنسفي كتاب الوكالة ووكالة الشريك بواو العطف ولغيره باب بدل الواو (الشريك في القسمة) بدل من الشريك الأول، وفي نسخة الشريك بالرفع على الاستئناف وفي أخرى الشريك بالنصب (وغيرها) أي والشريك في غير القسمة. (وقد أشرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليًّا) هو ابن أبي طالب (في هديه) وهذا وصله المؤلّف في الشركة من حديث جابر بلفظ أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر عليًّا أن يقيم على إحرامه وأشركه في الهدي (ثم أمره بقسمتها) أي الهدايا. وهذا وصله أيضًا في الحج من حديث عليّ بلفظ أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره أن يقوم على بدنه وأن يقسم بدنه كلها. 2299 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجِلاَلِ الْبُدْنِ الَّتِي نُحِرَتْ وَبِجُلُودِهَا". وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة العامري الكوفي السوائي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن ابن أبي نجيح) عبد الله (عن مجاهد) هو ابن جبر الإمام في التفسير (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري المدني (عن علي -رضي الله عنه-) أنه (قال): (أمرني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أتصدق بجلال البدن) بسكون الدال المهملة بعد الموحدة المضمومة جمع بدنة والجلال بكسر الجيم جمع جلّ ما تلبسه الدابة (التي نحرت وبجلودها) بضم النون وكسر الحاء وفتح الراء وسكون التاء على البناء للمفعول والتاء للتأنيث ويجوز فتح النون والحاء وسكون الراء وضم التاء مبنيًا للفاعل والضمير للفاعل، والمراد به عليّ -رضي الله عنه-. ومطابقته للترجمة من كونه عليه الصلاة والسلام أشركه. وهذا الحديث قد سبق في الحج وذكر هنا طرفًا منه. 2300 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ، فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: ضَحِّ أَنْتَ". [الحديث 2300 - أطرافه في: 2500، 5547، 5555]. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين ابن فرّوخ الحرّاني الجزري نزيل مصر قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يزيد) بن أبي حبيب (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة وآخره دال مهملة (عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاه غنمًا) للضحايا (يقسمها على صحابته) بعد أن وهب جملتها لهم (فبقي عتود) بفتح العين المهملة وضم المثناة الفوقية وبعد الواو الساكنة دال مهملة الصغير من المعز إذا قوي أو إذا أتى عليه حول (فذكره للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: ضحّ أنت) ولأبي ذر: ضحّ به أنت وعلم منه أنه كان من جملة من كان له نصيب من هذه القسمة فكأنه كان شريكًا لهم وهو الذي تولى القسمة بينهم، لكن استشكله ابن المنير باحتمال أن يكون -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهب لكل واحد من المقسوم فيهم ما صار إليه فلا تتجه الشركة. وأجاب بأنه سيأتي الحديث في الأضاحي من طريق أخرى بلفظ أنه قسم بينهم ضحايا قال فدلّ على أنه عيّن تلك الغنم للضحايا فوهب لهم جملتها ثم أمر عقبة بقسمتها فيصح الاستدلال به لما ترجم له. قال في المصابيح: ينبغي أن يضاف إلى ذلك أن عقبة كان وكيلاً على القسم بتوكيل شركائه في تلك الضحايا التي قسمها حتى يتوجه إدخال حديثه في ترجمة وكالة الشريك

2 - باب إذا وكل المسلم حربيا في دار الحرب -أو في دار الإسلام- جاز

لشريكه في القسم. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الضحايا والشركة، ومسلم في الضحايا، والترمذي والنسائي وابن ماجة فيها أيضًا. 2 - باب إِذَا وَكَّلَ الْمُسْلِمُ حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ -أَوْ فِي دَارِ الإِسْلاَمِ- جَازَ هذا (باب) بالتنوين (إذا وكل المسلم حربيًّا في دار الحرب أو) وكل المسلم حربيًّا كائنًا (في دار الإسلام) بأمان (جاز). 2301 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كِتَابًا بِأَنْ يَحْفَظَنِي فِي صَاغِيَتِي بِمَكَّةَ وَأَحْفَظَهُ فِي صَاغِيَتِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا ذَكَرْتُ "الرَّحْمَنَ" قَالَ: لاَ أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ، كَاتِبْنِي بِاسْمِكَ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَاتَبْتُهُ "عَبْدُ عَمْرٍو". فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ خَرَجْتُ إِلَى جَبَلٍ لأُحْرِزَهُ حِينَ نَامَ النَّاسُ، فَأَبْصَرَهُ بِلاَلٌ، فَخَرَجَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَجْلِسٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، لاَ نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أُمَيَّةُ. فَخَرَجَ مَعَهُ فَرِيقٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي آثَارِنَا، فَلَمَّا خَشِيتُ أَنْ يَلْحَقُونَا خَلَّفْتُ لَهُمُ ابْنَهُ لأَشْغَلَهُمْ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَبَوْا حَتَّى يَتْبَعُونَا -وَكَانَ رَجُلاً ثَقِيلاً- فَلَمَّا أَدْرَكُونَا قُلْتُ لَهُ: ابْرُكْ، فَبَرَكَ، فَأَلْقَيْتُ عَلَيْهِ نَفْسِي لأَمْنَعَهُ، فَتَخَلَّلُوهُ بِالسُّيُوفِ مِنْ تَحْتِي حَتَّى قَتَلُوهُ، وَأَصَابَ أَحَدُهُمْ رِجْلِي بِسَيْفِهِ. وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يُرِينَا ذَلِكَ الأَثَرَ فِي ظَهْرِ قَدَمِهِ قال أبو عبد الله: سمع يوسف صالحًا وسمع إبراهيم أباه. [الحديث 2301 - طرفه في: 3971]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى القرشي العامري الأويسي المدني الأعرج (قال: حدّثني) بالإفراد (يوسف بن الماجشون) بكسر الجيم وتفتح وبضم الشين المعجمة وبعد الواو الساكنة نون مكسورة ومعناه المورّد واسمه يعقوب بن عبد الله بن أي سلمة المدني (عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف) القرشي (عن أبيه) إبراهيم (عن جدّه عبد الرحمن بن عوف) أحد العشرة المبشرة بالجنة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كاتبت أمية بن خلف) بضم الهمزة وتخفيف الميم المفتوحة وتشديد التحتية أي كتبت إليه (كتابًا بأن يحفظني في صاغيتي بمكة) بصاد مهملة وغين معجمة مالي أو حاشيتي أو أهلي ومن يصغي إليه أي يميل (وأحفظه في صاغيته بالمدينة، فلما ذكرت الرحمن قال لا أعرف الرحمن) قال ابن حجر: أي لا أعترف بتوحيده، وتعقبه العيني فقال: هذا لا يقتضيه قوله لا أعرف الرحمن وإنما معناه أنه لما كتب له ذكر اسمه بعبد الرحمن فقال: ما أعرف الرحمن الذي جعلت نفسك عبدًا له ألا ترى أنه قال: (كاتبني بأسمك الذي كان في الجاهلية فكاتبته عبد عمرو) بفتح العين ورفع عبد كذا في الفرع وفي غيره عبد بالنصب على المفعولية، (فلما كان في يوم) غزوة (بدر) في رمضان في السنة الثانية من الهجرة وسقط الجار لأبي ذر (خرجت إلى جبل لأحرزه) بضم الهمزة أي لأحفظه والضمير المنصوب لأمية وفي نسخة: لأحذره (حين نام الناس) أي حين غفلتهم بالنوم لأصون دمه (فأبصره) أي أمية بن خلف (بلال) المؤذن وكان أمية يعذب بلالاً بمكة لأجل إسلامه عذابًا شديدًا (فخرج) بلال (حتى وقف على مجلس من الأنصار) ولأبي ذر: على مجلس الأنصار فأسقط حرف الجر (فقال): دونكم أو الزموا (أمية بن خلف) وفي الفرع وأصله تضبيب على أمية، ولأبي ذر: أمية بن خلف بالرفع أي هذا أمية بن خلف (لا نجوت وإن نجا أمية فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه) عليًّا (لأشغلهم) بفتح الهمزة وقيل بضمها من الإشغال، ولأبي ذر: لنشغلهم بنون الجمع، وفي نسخة الميدومي: يشغلهم بإسقاط اللام وبالياء بدل النون أو الهمزة عن أمية بابنه (فقتلوه) أي الابن والذي قتله قيل هو عمار بن ياسر (ثم أبوا) بالموحدة أي امتنعوا، وفي نسخة أتوا بالمثناة الفوقية من الإتيان (حتى يتبعونا وكان) أمية (رجلاً ثقيلاً) ضخم الجثة (فلما أدركونا قلت له) لأمية (ابرك فبرك فألقيت عليه نفسي لأمنعه) منهم، وإنما فعل عبد الرحمن ذلك لأنه كان بينه وبين أمية بمكة صداقة وعهد فقصد أن يفي بالعهد (فتخللوه) بالخاء المعجمة (بالسيوف) أي أدخلوا أسيافهم خلاله حتى وصلوا إليه وطعنوا بها (من تحتي) من قولهم خللته بالرمح وأخللته إذا طعنته به، ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي: فتحللوه بالحاء المهملة كما في الفرع وأصله، وفي رواية: فتجللوه بالجيم أي غشوه بالسيوف، ونسب هذه في فتح الباري، للأصيلي وأبي ذر قال ولغيرهما بالخاء المعجمة قال: ووقع في رواية المستملي فتخلوه بلام واحدة مشددة انتهى. والأولى أظهر من جهة المعنى لقول عبد الرحمن بن عوف فألقيت عليه نفسي فكأنهم أدخلوا سيوفهم من تحته كما مرّ. (حتى قتلوه) والذي قتله رجل من الأنصار من بني مازن. وقال ابن هشام ويقال قتله معاذ بن عفراء وخارجة بن زيد وخبيب بن أساف اشتركوا في قتله. وفي مستخرج الحاكم ما يدل على أن رفاعة بن رافع الزرقي من جملة المشاركين في قتله، وفي مختصر الاستيعاب أن قاتله بلال. (وأصاب أحدهم) أي الذين باشروا قتل أمية (رجلي بسيفه) وكان الذي أصاب رجله الحباب بن المنذر كما عند

3 - باب الوكالة في الصرف والميزان وقد وكل عمر وابن عمر في الصرف

البلاذري (وكان عبد الرحمن بن عوف يرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه). (قال أبو عبد الله) البخاري: (سمع يوسف) بن الماجشون (صالحًا) هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، (و) سمع (إبراهيم أباه). وفائدة ذلك تحقيق السماع وسقط قوله قال أبو عبد الله إلى آخره في رواية غير المستملي. ورجال هذا الحديث مدنيون، وأخرجه أيضًا في المغازي مختصرًا. 3 - باب الْوَكَالَةِ فِي الصَّرْفِ وَالْمِيزَانِ وَقَدْ وَكَّلَ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ فِي الصَّرْفِ (باب) حكم (الوكالة في الصرف) يعني في بيع النقد بالنقد (و) الوكالة في (الميزان) أي في الموزون، (وقد وكل عمر) بن الخطاب (وابن عمر) فيما وصله سعيد بن منصور عنهما (في الصرف). 2302 و 2303 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَعْمَلَ رَجُلاً عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُمْ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ. فَقَالَ: لاَ تَفْعَلْ، بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا. وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال (أخبرنا مالك) الإمام (عن عبد المجيد) بميم مفتوحة قبل الجيم (ابن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني وسهيل مصغر (عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استعمل رجلاً) قيل هو سواد بن غزية بفتح السين المهملة والواو المخففة وغزية بغين مفتوحة وزاي مكسورة معجمتين وتحتية مشددة، وقيل مالك بن صعصعة (على خيبر فجاءهم بتمر جنيب) بفتح الجيم وكسر النون وبعد التحتية الساكنة موحدة الكبيس أو الطيب أو الذي أخرج منه حشفه ورديئه (فقال) له عليه الصلاة والسلام ولأبي الوقت: قال: (أكل تمر خيبر هكذا فقال) الرجل (إنّا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين) سقط في رواية أبي ذر من هذا وفي نسخة بصاعين منكرًا (والصاعين بالثلاثة، فقال) عليه الصلاة والسلام له (لا تفعل بع الجمع) أي التمر الذي يقال له الجمع وهو تمر غير مرغوب فيه لرداءته (وبالدراهم ثم ابتع) أي اشتر (بالدراهم) تمرًا (جنيبًا وقال) عليه الصلاة والسلام (في الميزان) أي الموزون (مثل ذلك) أي لا يباع رطل برطلين بل بع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم. ومطابقته للترجمة من قوله عليه الصلاة والسلام لعامل خيبر: بع الجمع بالدراهم إلى آخره لأنه فوّض أمر ما يكال ويوزن إلى غيره فهو في معنى الوكيل عنه ويلتحق به الصرف. وهذا الحديث قد سبق في باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه من كتاب البيوع ويأتي إن شاء الله تعالى في المغازي والاعتصام. 4 - باب إِذَا أَبْصَرَ الرَّاعِي أَوِ الْوَكِيلُ شَاةً تَمُوتُ أَوْ شَيْئًا يَفْسُدُ ذَبَحَ وَأَصْلَحَ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ هذا (باب) بالتنوين (إذا أبصر الراعي) للغنم (أو الوكيل) أي أبصر الوكيل (شاة) من الغنم (تموت) أي أشرفت على الموت (أو) أبصر الوكيل (شيئًا يفسد) أي أشرف على الفساد (ذبح) الراعي الشاة لئلا تذهب مجانًا (أو أصلح) الوكيل (ما يخاف عليه الفساد) بإبقائه كما إذا كان تحت يده فاكهة مثلاً أو غيرها مما يخاف عليه الفساد ولأبوي ذر والوقت: أو أصلح ما يخاف الفساد، وعزاها العيني كابن حجر لأبي ذر والنسفيّ. قال في الفتح: وعليه جرى الإسماعيلي، ولابن شبويه فأصلح بدل أو أصلح والفاء عاطفة على أبصر وجواب الشرط محذوف تقديره جاز ونحو ذلك قال: في شرح ابن التين بحذف أو فصار الجواب أصلح ما يخاف الفساد وأما الأصيلي فعنده أو شيئًا يفسد ذبح أو أصلح انتهى. 2304 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ الْمُعْتَمِرَ أَنْبَأَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُمْ غَنَمٌ تَرْعَى بِسَلْعٍ فَأَبْصَرَتْ جَارِيَةٌ لَنَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِنَا مَوْتًا، فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: لاَ تَأْكُلُوا حَتَّى أَسْأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَوْ أُرْسِلَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ يَسْأَلُهُ- وَأَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَاكَ -أَوْ أَرْسَلَ- فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهَا". قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَيُعْجِبُنِي أَنَّهَا أَمَةٌ وَأَنَّهَا ذَبَحَتْ. تَابَعَهُ عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ. [الحديث 2304 - أطرافه في: 5501، 5502، 5504]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه أنه (سمع المعتمر) بن سليمان يقول (أنبأنا عبيد الله) بالتصغير ابن عمر العمري واستعمل الانباء بصيغة الجمع ولا فرق عنده كآخرين بين لفظ أنبأنا وأخبرنا وحدّثنا وخصّ المتأخرون الأول بالإجازة كما مرّ تفصيله في أوائل الكتاب (عن نافع) مولى ابن عمر (أنه سمع ابن كعب بن مالك) عبد الله كما جزم به المزي أو هو أخوه عبد الرحمن قال ابن حجر كالكرماني أنه الظاهر لأنه روى طرفًا من هذا الحديث كما عند ابن وهب عن أسامة بن زيد عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك (يحدّث عن أبيه) كعب بن مالك الأنصاري أحد الثلاثة الذين تِيبَ عليهم (أنه) أي أن الشأن (كانت لهم) بضمير الجمع ولأبي ذر عن الحموي والمستملي له بضمير الإفراد (غنم) شامل للضأن والمعز (ترعى بسلع) بفتح السين المهملة وبعد اللام الساكنة عين مهملة جبل بطيبة (فأبصرت جارية لنا) لم يعرف اسمها (بشاة من غنمنا موتًا)

5 - باب وكالة الشاهد والغائب جائزة

بنون الجمع، وللكشميهني: من غنمها أي غنم الجارية التي ترعاها فالإضافة ليست للملك (فكسرت حجرًا) يجرح كالسكين (فذبحتها به) فيه جواز ذبيحة الحرة والأمة والذبح بكل جارح إلا السن والظفر فورد استثناؤهما كما سيأتي إن شاء الله تعالى في بابهما. (فقال لهم) كعب: (لا تأكلوا) منها شيئًا (حتى أسأل النبي) ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو) قال حتى (أرسل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من يسأله) عن ذلك شك الراوي (وأنه سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذاك) أي عن ذبح الشاة وفي نسخة عن ذلك باللام (أو أرسل) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من يسأله فسأله (فأمره) عليه الصلاة والسلام (بأكلها. قال عبيد الله) بن عمر العمري راوي الحديث بالإسناد المذكور إليه (فيعجبني أنها أمة وأنها ذبحت). (تابعه) أي تابع المعتمر بن سليمان (عبدة) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة ابن سليمان الكوفي في روايته (عن عبيد الله) المذكور وهذه المتابعة وصلها المؤلّف -رحمه الله- في كتاب الذبائح. وفي هذا الحديث تصديق الراعي والوكيل فيما ائتمن عليه حتى يظهر عليه دليل الخيانة والكذب. قال في عمدة القاري: وهو قول مالك وجماعة. وقال ابن القاسم: إذا خاف الموت على شاة فذبحها لم يضمن ويصدق إن جاء بها مذبوحة، وقال غيره: يضمن حتى يبين ما قال، وقال ابن القاسم: إذا أنزى على إناث الماشية بغير إذن مالكها فهلكت فلا ضمان عليه لأنه من صلاح المال ونمائه، وقال أشهب: عليه الضمان. ومطابقة الترجمة للحديث في مسألة الراعي لأن الجارية كانت راعية للغنم فلما رأت شاة منها تموت ذبحتها، ولما رفع أمرها إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بأكلها ولم ينكر على من ذبحها، وأما مسألة الوكيل فملحقة بها لأن يد كل من الراعي والوكيل يد أمانة فلا يعملان إلا بما فيه مصلحة ظاهرة ولا يمنع من ذلك كون الجارية كانت ملكًا لصاحب الغنم لأن الكلام في جواز الذبح الذي تضمنته الترجمة لا في الضمان. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الذبائح وكذا ابن ماجة. 5 - باب وَكَالَةُ الشَّاهِدِ وَالْغَائِبِ جَائِزَةٌ وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو إِلَى قَهْرَمَانِهِ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهُ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْ أَهْلِهِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. هذا (باب) بالتنوين (وكالة الشاهد) أي الحاضر (والغائب جائزة وكتب عبد الله بن عمرو) هو ابن العاصي (إلى قهرمانه) بفتح القاف والراء بينهما هاء ساكنة خازنه القائم بقضاء حوائجه ولم يعرف اسمه (وهو) أي والحال أنه (غائب عنه) أي عن عبد الله (أن يزكي) بالزاي (عن أهله الصغير والكبير) زكاة الفطر. 2305 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِنٌّ مِنَ الإِبِلِ، فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: أَعْطُوهُ، فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلاَّ سِنًّا فَوْقَهَا، فَقَالَ: أَعْطُوهُ، فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللَّهُ بِكَ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً". [الحديث 2305 - أطرافه في: 2306، 2390، 2392، 2393، 2401، 2606، 2609]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن سلمة) ولأبوي ذر والوقت: زيادة ابن كهيل بضم الكاف وفتح الهاء (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان لرجل على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمل) له (سن) معين (من الإبل فجاءه) أي جاء الرجل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يتقاضاه) أي يطلب أن يقضيه الجمل المذكور (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أعطوه) بفتح الهمزة زاد في الباب اللاحق سنًّا مثل سنّه، وفيه جواز توكيل الحاضر بالبلد بغير عذر وهو مذهب الجمهور ومنعه أبو حنيفة إلا بعذر مرض أو سفر أو برضا الخصم، واستثنى مالك من بينه وبين الخصم عداوة. وهذا موضع الترجمة لأن هذا توكيد منه عليه الصلاة والسلام لمن أمره بالقضاء عنه، ولم يكن عليه الصلاة والسلام مريضًا ولا غائبًا، وأما قول الحافظ ابن حجر: وموضع الترجمة منه لوكالة الحاضر واضح وأما لغائب فيستفاد منه بطريق الأولى، فتعقبه العيني بأنه ليس فيه شيء يدل على حكم الغائب فضلاً عن الأولوية. وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن وجه الأولوية أن وكالة الحاضر إذا جازت مع إمكان مباشرة الموكل بنفسه فجوازها للغائب مع الاحتياج إليه أولى فمن لا يدرك هذا القدر كيف يتصدى للاعتراض. (فطلبوا سنّه فلم يجدوا له إلا سنًّا فوقها) والمخاطب بذلك أبو رافع مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما أخرجه مسلم من حديثه (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أعطوه فقال) الرجل له عليه

6 - باب الوكالة في قضاء الديون

الصلاة والسلام (أوفيتني) أي أعطيتني وافيًا (أوفى الله بك) وحرف الجر في المفعول زائد للتوكيد لأن الأصل أن يقول أوفاك الله (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن خياركم أحسنكم قضاء) نصب على التمييز وأحسنكم خبر لقوله خياركم. لكن استشكل كون المبتدأ بلفظ الجمع والخبر بالإفراد والأصل التطابق بين المبتدأ والخبر في الإفراد وغيره. وأجيب: باحتمال أن يكون مفردًا بمعنى المختار وحينئذ فالمطابقة حاصلة أو أن أفعل التفضيل المضاف المقصود به الزيادة يجوز فيه الإفراد والمطابقة لمن هو له، والمراد الخيرية في المعاملات أو أن من مقدرة كما في الرواية الأخرى. وفي هذا الحديث رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه أيضًا في الاستقراض والوكالة والهبة ومسلم في البيوع وكذا الترمذي والنسائي، وأخرجه ابن ماجة في الأحكام. 6 - باب الْوَكَالَةِ فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ (باب) حكم (الوكالة في قضاء الدّيون). 2306 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَقَاضَاهُ فَأَغْلَظَ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً. ثُمَّ قَالَ: أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ نَجِدُ إِلاَّ أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ. فَقَالَ: أَعْطُوهُ، فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سلمة بن كهيل) الحضرمي الكوفي أنه (قال: سمعت أبا سلمة) عبد الله أو إسماعيل (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يتقاضاه) أي يطلب منه قضاء دين وهو بعير له سنّ معين كما مرّ قريبًا، (فأغلظ) للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكونه كان يهوديًا أو كان مسلمًا وشدّد في المطالبة من غير قدر زائد يقتضي كفرًا بل جرى على عادة الأعراب من الجفاء في المخاطبة وهذا أولى، ويدل له ما رواه الإمام أحمد عن عبد الرزاق عن سفيان جاء أعرابي يتقاضى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعيرًا، ووقع في ترجمة بكر بن سهل من المعجم الأوسط للطبراني عن العرباض بن سارية ما يفهم أنه هو، لكن روى النسائي والحاكم الحديث المذكور وفيه ما يقتضي أنه غيره وكأن القصة وقعت للأعرابي ووقع للعرباض نحوها. (فهمّ به أصحابه) عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم- أي أرادوا أن يؤذوا الرجل المذكور بالقول أو بالفعل لكنهم لم يفعلوا ذلك أدبًا معه عليه الصلاة والسلام (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (دعوه) أي اتركوه ولا تتعرضوا له وهذا من حسن خلقه عليه الصلاة والسلام وكرمه وقوّة صبره على الجفاة مع قدرته على الانتقام منهم (فإن لصاحب الحق مقالاً) أي صولة الطلب وقوّة الحجة لكنه على من يمطله أو يسيء المعاملة لكن مع رعاية الأدب المشروع (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (أعطوه سنًّا مثل سنّه قالوا يا رسول الله لا نجد) سنًّا (إلا أمثل) أي أفضل (من سنّه) وسقط في الفرع وأصله لا نجد فصار لفظه قالوا: يا رسول الله إلا أمثل من سنّه (فقال) عليه الصلاة والسلام ولأبي الوقت قال: (أعطوه فإن خيركم) ولأبي ذر عن الكشميهني: فإن من خيركم (أحسنكم قضاء) ومطابقته للترجمة ظاهرة. 7 - باب إِذَا وَهَبَ شَيْئًا لِوَكِيلٍ أَوْ شَفِيعِ قَوْمٍ جَازَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِوَفْدِ هَوَازِنَ حِينَ سَأَلُوهُ الْمَغَانِمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نَصِيبِي لَكُمْ. هذا (باب) بالتنوين (إذا وهب) أحد (شيئًا لوكيل) بالتنوين أي لوكيل قوم (أو) وهب شيئًا (شفيع قوم) وجواب الشرط قوله (جاز لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لوفد هوازن) قبيلة من قيس والوفد قوم يجتمعون ويردون البلاد (حين سألوه) أن يردّ إليهم (المغانم) التي أصابها منهم (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نصيبي) منها (لكم) وهذا طرف من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي أخرجه ابن إسحاق في المغازي وظاهره كما قال ابن المنير: يوهم أن الموهبة وقعت للوسائط الذين جاؤوا شفعاء في قومهم وليس كذلك بل المقصود هبة لكل من غاب منهم ومن حضر فيدل على أن الألفاظ تنزل على المقاصد لا على الصور وأن من شفع لغيره في هبة فقال المشفوع عنده للشفيع: قد وهبتك ذلك فليس للشفيع أن يتعلق بظاهر اللفظ ويخص بذلك نفسه بل الهبة للمشفوع له. 2307 و 2308 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَزَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَىَّ أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا السَّبْيَ وَإِمَّا الْمَالَ. وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ -وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ- فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلاَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلاَءِ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ بِذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ. فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُمْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعُوا إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ، فَرَجَعَ النَّاسُ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا". [الحديث 2307 - أطرافه في: 2539، 2584، 2607، 3131، 4318، 7176]. [الحديث 2308 - أطرافه في: 2540، 2583، 2608، 3132، 4319، 7177]. وبه قال (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء اسم جده واسم أبيه كثير ونسبه لجده لشهرته به (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه

(قال: وزعم عروة) بن الزبير بن العوّام والواو عطف على محذوف، وقول الحافظ ابن حجر أنه معطوف على قصة الحديبية لم أعرف له وجهًا فلينظر، والزعم هنا بمعنى القول المحقق كما قاله الكرماني، وفي كتاب الأحكام عن موسى بن عقبة قال ابن شهاب: حدّثني عروة بن الزبير (أن مروان بن الحكم) بن أبي العاص الأموي ابن عمّ عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ولد بعد الهجرة بسنتين أو بأربع. قال ابن أبي داود: لا ندري أسمع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا أم لا. قال في الإصابة: ولم ير من جزم بصحبته فكأنه لم يكن حينئذ مميزًا ولم يثبت له أزيد من الرؤية، وأرسل عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (والمسور بن مخرمة) بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو ومخرمة بفتح الميم والراء بينهما خاء معجمة ساكنة ابن نوفل الزهري وكان مولده بعد الهجرة بسنتين فيما قاله يحيى بن بكير وقدم المدينة في ذي الحجة بعد الفتح سنة ثمان وهو ابن ست سنين. وقال البغوي: حفظ عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحاديث وحديثه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في خطبة عليّ لابنة أبي جهل في الصحيحين وغيرهما (أخبراه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ظاهره أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة حضرا ذلك، لكن مروان لا يصح له سماع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا صحبة، وأما المسور فقد صحّ سماعه منه لكنه إنما قدم مع أبيه وهو صغير بعد الفتح وكانت هذه القصة بعده لكنه كان في غزوة حنين مميزًا فقد ضبط في ذلك الأوان قصة خطبة عليّ لابنة أبي جهل (قام حين جاءه وفد هوازن) حال كونهم (مسلمين) وكان فيهم تسعة نفر من أشرافهم (فسألوه أن يردّ اليهم أموالهم وسبيهم) وعند الواقدي كان فيهم أبو برقان السعدي فقال: يا رسول الله إن في هذه الحظائر إلا أمهاتك وخالاتك وحواضنك ومرضعاتك فامنن علينا منّ الله عليك (فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أحب الحديث إليّ أصدقه) رفع قوله أحب (فاختاروا) أن أردّ إليكم (احدى الطائفتين إما السبي وإما المال وقد) بالواو ولأبوي ذر والوقت: فقد (كنت استأنيت) بهمزة ساكنة لكن موضع الهمزة في الفرع سكون فقط من غير همز أي انتظرت (بكم) ولأبي ذر: بهم (وقد كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انتظرهم) ليحضروا (بضع عشرة ليلة) لم يقسم النبي وتركه بالجعرانة (حين قفل) بفتح القاف والفاء أي رجع (من الطائف) إلى الجعرانة فقسم الغنائم بها وكان توجه إلى الطائف فحاصرها ثم رجع عنها فجاءه وفد هوازن بعد ذلك فبيّن أنه أخّر القسم ليحضروا فأبطأوا، (فلما تبين لهم) ظهر لوفد هوازن (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير رادّ إليهم إلا إحدى الطائفتين) المال أو السبي (قالوا: فإنّا نختار سبينا) وفي مغازي ابن عقبة قالوا: خيّرتنا يا رسول الله بين المال والحسب فالحسب أحب إلينا ولا نتكلم في شاة ولا بعير، (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء) وفد هوازن (قد جاؤونا) حال كونهم (تائبين وإني قد رأيت أن أردّ إليهم سبيهم) هذا موضع الترجمة، لأن الوفد كانوا وكلاء شفعاء في ردّ سبيهم (فمن أحب منكم أن يطيب بذلك) بضم أوله وفتح الطاء وتشديد المثناة التحتية المكسورة مضارع طيب يطيب تطيبًا من باب التفعيل، ولأبي ذر: يطيب بفتح أوله وكسر ثانيه وسكون ثالثه من الثلاثي من طاب يطيب، والمعنى من أحب أن يطيب بدفع السبي إلى هوازن نفسه مجانًا من غير عوض (فليفعل) جواب من المتضمنة معنى الشرط فلذا دخلت الفاء فيه (ومن أحب منكم أن يكون على حظه) أي نصيبه من السبي (حتى نعطيه إياه) أي عوضه (من أول ما يفيء الله علينا فليفعل) بضم حرف المضارعة من أفاء يفيء والفيء ما يحصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد وأصل الفيء الرجوع كأنه كان في الأصل لهم فرجع إليهم

8 - باب إذا وكل رجل أن يعطي شيئا ولم يبين كم يعطي، فأعطى على ما يتعارفه الناس

ومنه قيل للظل الذي بعد الزوال فيء لأنه يرجع من جانب المغرب إلى جانب الشرق (فقال الناس: قد طيبنا ذلك) بتشديد التحتية أي جعلناه طيبًا من حيث كونهم رضوا بذلك وطابت نفوسهم به (لرسول الله) أي لأجله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهم) ولأبي الوقت قد طيبنا ذلك يا رسول الله لهم وسقط لأبي ذر لفظة لهم (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنّا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفعوا) بالواو على لغة أكلوني البراغيث، وللكشميهني: حتى يرفع (إلينا عرفاؤكم أمركم) جمع عريف وهو الذي يعرف أمور القوم وهو النقيب ودون الرئيس، وأراد عليه الصلاة والسلام بذلك التقصي عن أمرهم استطابة لنفوسهم (فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم) في ذلك فطابت نفوسهم به (ثم رجعوا) أي العرفاء (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه أنهم) أي القوم (قد طيبوا) ذلك (وأذنوا) لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يردّ السبي إليهم، وفيه أنّ إقرار الوكيل عن موكله مقبول لأن العرفاء بمنزلة الوكلاء فيما أقيموا له من أمرهم، وبهذا قال أبو يوسف وقيده أبو حنيفة ومحمد بالحاكم، وقال الشافعية: لا يصح إقرار الوكيل عن موكله بأن يقول: وكّلتك لتقرّ عني لفلان بكذا فيقول الوكيل أقررت عنه بكذا أو جعلته مقرًّا بكذا لأنه إخبار عن حق فلا يقبل التوكيل كالشهادة لكن التوكيل فيه إقرار من الموكل لإشعاره بثبوت الحق عليه، وقيل ليس بإقرار كما أن التوكيل بالإبراء ليس بإبراء ومحل الخلاف إذا قال وكّلتك لتقرّ عني لفلان بكذا، فلو قال أقرّ عني لفلان بألف له علي كان إقرارًا مطلقًا، ولو قال أقرّ له عليّ بألف لم يكن إقرارًا قطعًا صرّح به صاحب التعجيز، وليس في الحديث حجة لجواز الإقرار في الوكيل لأن العرفاء ليسوا وكلاء، وإنما هم كالأمراء عليهم فقبول قولهم في حقهم بمنزلة قبول قول الحاكم في حق من هو حاكم عليه. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الخمس والمغازي والعتق والهبة والأحكام، وأخرجه أبو داود في الجهاد والنسائي في السير بقصة العرفاء مختصرًا. 8 - باب إِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ يُعْطِي، فَأَعْطَى عَلَى مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا وكّل رجل) زاد أبو ذر: رجلاً (أن يعطي) شخصًا (شيئًا ولم يبين) الموكل (كم يعطي فأعطى) أي الوكيل ذلك الشخص (على ما يتعارفه الناس) أي في هذه الصورة فهو جائز. 2309 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرِهِ -يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَمْ يُبَلِّغْهُ كُلُّهُمْ، رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَكُنْتُ عَلَى جَمَلٍ ثَفَالٍ إِنَّمَا هُوَ فِي آخِرِ الْقَوْمِ، فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: مَا لَكَ؟ قُلْتُ: إِنِّي عَلَى جَمَلٍ ثَفَالٍ. قَالَ: أَمَعَكَ قَضِيبٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَعْطِنِيهِ، فَأَعْطَيْتُهُ فَضَرَبَهُ فَزَجَرَهُ، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنْ أَوَّلِ الْقَوْمِ. قَالَ: بِعْنِيهِ، قُلْتُ: بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: بِعْنِيهِ قَدْ أَخَذْتُهُ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ أَخَذْتُ أَرْتَحِلُ، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً قَدْ خَلاَ مِنْهَا. قَالَ: فَهَلاَّ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ أَبِي تُوُفِّيَ وَتَرَكَ بَنَاتٍ فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْكِحَ امْرَأَةً قَدْ جَرَّبَتْ خَلاَ مِنْهَا. قَالَ: فَذَلِكَ. فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ: يَا بِلاَلُ اقْضِهِ وَزِدْهُ. فَأَعْطَاهُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَزَادَهُ قِيرَاطًا. قَالَ جَابِرٌ: لاَ تُفَارِقُنِي زِيَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمْ يَكُنِ الْقِيرَاطُ يُفَارِقُ جِرَابَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ". وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير التميمي البلخي أبو السكن قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة وبعد الألف حاء مهملة (وغيره) بالجر عطفًا على سابقه حال كون الغير (يزيد بعضهم على بعض) أي ليس جميع الحديث عند واحد منهم بعينه بل عند بعضهم ما ليس عند الآخر (و) الحال أنه (لم يبلغه) بضم أوله وفتح ثانيه وكسر ثالثه مشددًا أي لم يبلغ الحديث (كلهم) بل بلغه (رجل واحد منهم عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-). قال في الفتح: وقد وقفت من تسمية من روى ابن جريج عنه هذا الحديث عن جابر على أبي الزبير، وقد تقدم في الحج شيء من ذلك. وتعقبه العيني بأنه ليس في الحج شيء من ذلك وإنما الذي تقدم في كتاب البيوع في باب شراء الدواب والحمير، وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن العيني ظن أن المراد قصة جمل جابر وليس كذلك، وإنما المراد اللفظ الواقع في السند الذي وقع الاختلاف فيه فإنه قد تقدم في الحج بمتن آخر يتعلق بالحج قال: ولكن هذا المعترض يهجم بالإنكار قبل أن يتأمل انتهى. وكذا قال في المقدمة في كتاب الوكالة أنه أبو الزبير وإنه تقدم في الحج وقد استوعبت ما ذكره في المقدمة في الحج فلم أجد لذلك ذكرًا فالله أعلم. (قال) أي جابر (كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) في غزوة الفتح كما مرّ في البيع (فكنت) راكبًا (على جمل ثفال) بمثلثة مفتوحة وكسرها هنا خطأ ففاء خفيفة فألف غلام صفة الجمل أي بطيء السير (إنما هو في آخر القوم فمرّ بي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (من هذا)؟ المتأخر عن الناس (فقلت: جابر بن عبد الله قال) عليه الصلاة

9 - باب وكالة المرأة الإمام في النكاح

والسلام (ما لك) تأخرت (قلت: إني على جمل ثقال. قال): عليه الصلاة والسلام (أمعك قضيب؟ قلت: نعم، قال: أعطنيه فأعطيته فضربه) به (فزجره فكان) الجمل (من ذلك المكان) الذي ضربه عليه الصلاة والسلام فيه (من أول القوم) ببركته عليه الصلاة والسلام حيث تبدّل ضعفه بالقوة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بعنيه) أي الجمل (قلت): ولأبي ذر: قال بدل فقلت (بل هو لك يا رسول الله) عطية من غير ثمن (قال بعنيه) بالثمن ولأبي ذر قال بل بعنيه (قد أخذته) وللكشميهني قال قد أخذته (بأربعة دنانير) وفي البيع فاشتراه مني بأوقية فتحمل أربعة الدنانير على أنها كانت يومئذ أوقية، وقد اختلفت الروايات في قدر الثمن الذي وقع به البيع واضطربت في ذلك اضطرابًا لا يقبل التلفيق وتكلف الجمع بينها بعيد عن التحقيق وقد تقدم شيء من مباحث ذلك في البيع قال العيني: وبل للإضراب عن قول جابر خذه بلا ثمن (ولك ظهره) أي ركوبه (إلى المدينة) إعارة (فلما دنونا) قربنا (من المدينة أخذت أرتحل قال) عليه الصلاة والسلام: (أين تريد؟ قلت تزوجت امرأة) اسمها سيهلة (قد خلا منها) أي ذهب منها بعض شبابها ومضى من عمرها ما جربت به الأمور. قال القاضي عياض: ورواه بعضهم بالمدّ فصحف قاله في المصابيح كالتنقيح وفي نسخة قد خلا منها زوجها أي مات وعليها شرح العيني كالكرماني. (قال) عليه الصلاة والسلام: (فهلا) تزوّجت (جارية) بكرًا (تلاعبها وتلاعبك) وفي رواية: فهلا تزوّجت بكرًا تضاحكك وتضاحكها وتلاعبك وتلاعبها (قلت: إن أبي) عبد الله (توفي وترك بنات) كن تسعًا كما في مسلم ولم يسمين (فأردت أن أنكح امرأة) بفتح الهمزة (قد جربت) حوادث الدهر وصارت ذات تجربة تقدر على تعهّد أخواتي وتفقّد أحوالهن (قد خلا منها) بعض شبابها أو مات زوجها كما مرّ (قال) عليه الصلاة والسلام: (فذلك) مبتدأ حذف خبره تقديره مبارك ونحوه. (فلما قدمنا المدينة قال)، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يا بلال اقضه) ثمن جمله (وزده) على ثمنه (فأعطاه) أي أعطى بلال جابرًا (أربعة دنانير) ثمن الجمل (وزاده قيراطًا). وهذا موضع الترجمة فإنه لم يذكر قدر ما يعطيه عند أمره بإعطاء الزيادة فاعتمد بلال على العرف في ذلك فزاده قيراطًا. (قال جابر: لا تفارقني زيادة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال عطاء: (فلم يكن القيراط يفارق جراب جابر بن عبد الله) بكسر الجيم من جراب، ولأبي ذر عن الكشميهني، وعزاها في فتح الباري، لأبي ذر والنسفيّ: قراب بكسر القاف أي قراب سيفه، وقد زاد مسلم في آخر هذا الحديث من وجه آخر فأخذه أهل الشام يوم الحرّة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الشروط ومسلم في البيوع. 9 - باب وَكَالَةِ الْمَرْأَةِ الإِمَامَ فِي النِّكَاحِ (باب وكالة الامرأة) بهمزة مكسورة بعد اللام الساكنة فميم ساكنة فراء مفتوحة، ولأبي ذر: المرأة أي حكم توكيل المرأة (الإمام) بالنصب على المفعولية (في) عقد (النكاح). 2310 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: "جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ وَهَبْتُ لَكَ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا. قَالَ: قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ". [الحديث 2310 - أطرافه في: 5029، 5030، 5087، 5121، 5126، 5132، 5135، 5141، 5149، 5150، 5871، 7417]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء في الأول والعين في الثاني ابن مالك الأنصاري الساعدي أنه (قال: جاءت امرأة) لم تسمّ. قال الحافظ ابن حجر: ووهم من زعم أنها أم شريك (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهو في المسجد (فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت لك من نفسي) بزيادة من للتوكيد. واستشكل بأنهم اشترطوا للزيادة ثلاثة شروط. أحدها: تقدم نفي أو نهي أو استفهام بهل نحو: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها} [الأنعام: 59] ونحو: إلا يقم من أحد ونحو {فارجع البصر هل ترى من فطور} [الملك: 3]. الثاني: تنكير مجرورها. الثالث: كونه فاعلاً أو مفعولاً به أو مبتدأ والشرطان الأولان مفقودان هنا. وأجيب: بأن الأخفش لم يشترطهما مستدلاً بنحو {ولقد جاءك من نبأ المرسلين} [الأنعام: 34] {يغفر لكم من ذنوبكم} [نوح: 4] {يحلون فيها من أساور} [الكهف: 31] وكذا لم يشترط الكوفيون الأول. وقال العيني كالكرماني: ويروى وهبت لك نفسي بدون كلمة من انتهى.

10 - باب إذا وكل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل فهو جائز وإن أقرضه إلى أجل مسمى جاز

وفي الفرع علامة السقوط لأبوي ذر والوقت على قولها لك فالله أعلم. وفي قولها: قد وهبت لك نفسي حذف مضاف تقديره أمر نفسي أو نحوه وإلاّ فالحقيقة غير مرادة لأن رقبة الحرّ لا تملك فكأنها قالت: أتزوّجك من غير عوض، (فقال رجل): لم يسمّ نعم في رواية معمر والثوري عند الطبراني فقام رجل أحسبه من الأنصار وفي رواية زائدة عنده فقال رجل من الأنصار (زوّجنيها) زاد في باب السلطان ولي من كتاب النكاح إن لم يكن لك بها حاجة قال: هل عندك من شيء تصدقها؟ قال: ما عندي إلا إزاري. فقال: إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك. قال فالتمس شيئًا قال: ما أجد شيئًا؟ فقال التمس ولو خاتمًا من حديد فلم يجد. قال: أمعك من القرآن شيء؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا السور سماها (قال) عليه الصلاة والسلام: (قد زوّجناكها بما معك من القرآن) الباء للتعويض كهي في نحو بعتك العبد بألف فظاهره جواز كون الصداق تعليم القرآن وليست هي للسبب أي لأجل ما معك من القرآن، وفي رواية مسلم اذهب فعلمها من القرآن وفي أخرى له علّمها عشرين آية ويحتج به من يجيز في الصداق أن يكون منافع، ومنعه أبو حنيفة في الحر وأجازه في العبد، وذهب الطحاوي وغيره إلى أن الباء للسبب وأن ذلك جائز له دون غيره لأنه لما جازت له الموهوبة جاز له أن يهبها ولذلك ملكها له ولم يشاورها وهذا يحتاج إلى دليل. ولئن سلمنا أنها للسبب فقد يكون الصداق مسكوتًا عنه لأنه أصدق عنه كما كفر عن الذي وطئ في رمضان إذ لم يكن عنده شيء أو أنكحه إياها نكاح تفويض وأبقى الصداق في ذمته حتى يكتسبه ويكون قوله بما معك من القرآن حضًّا له على تعلمه وتكرمه لأهله، وقد تعقب الداودي المصنف بأنه ليس في الحديث ما ترجم له فإنه لم يذكر فيه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استأذنها ولا أنها وكّلته وإنما زوّجها للرجل بقول الله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} [الأحزاب: 6] انتهى. قال في فتح الباري: وكأن المصنف أخذ ذلك من قولها قد وهبت نفسي لك ففوّضت أمرها إليه، وقال الذي خطبها زوّجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فلم تنكر هي ذلك بل استمرّت على الرضا فكأنها فوّضت أمرها إليه بتزويجها أو يزوّجها لمن رأى. وفي حديث أبي هريرة عند النسائي وأبي داود أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال للمرأة: "إني أريد أن أزوجك هذا إن رضيت" فقالت: ما رضيت ليس فقد رضيت. ولم يرد أن الرجل قال بعد قوله عليه الصلاة والسلام: "زوّجتكها" قبلت نكاحها. وأجاب المهلب بأن بساط الكلام في هذه القصة أغنى عن القبول لما تقدم من الطلب والمعاودة في ذلك فمن كان في مثل حال هذا الرجل الراغب لم يحتج إلى تصريح منه بالقبول لسبق العلم برغبته بخلاف غيره ممن لم تقم القرائن على رضاه انتهى فليتأمل. ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في محالها بعون الله وقوّته. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد والنكاح، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي في النكاح وابن ماجه فيه وفي فضائل القرآن. 10 - باب إِذَا وَكَّلَ رَجُلاً فَتَرَكَ الْوَكِيلُ شَيْئًا فَأَجَازَهُ الْمُوَكِّلُ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ أَقْرَضَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى جَازَ هذا (باب) بالتنوين (إذا وكل) رجل (رجلاً) بحذف الفاعل وفي نسخة إذا وكّل رجل بحذف المفعول (فترك الوكيل شيئًا) مما وكّل فيه (فأجازه) وفي نسخة: فأجابه (الموكل فهو جائز وإن أقرضه) أي وإن أقرض الوكيل شيئًا مما وكلّ فيه (إلى أجل مسمى جاز) أي إذا أجازه الموكل. 2311 - وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو عَمْرٍو حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ: وَاللَّهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَىَّ عِيَالٌ، وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ. قَالَ: فَخَلَّيْتُ عَنْهُ. فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ. فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّهُ سَيَعُودُ، فَرَصَدْتُهُ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَىَّ عِيَالٌ، لاَ أَعُودُ، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ. قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ. فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ، أَنَّكَ تَزْعُمُ لاَ تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ. قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا. قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ} حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ. فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ. فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ. قَالَ: مَا هِيَ؟ قُلْتُ: قَالَ لِي إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ} وَقَالَ لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، وَكَانُوا أَحْرَصَ شَىْءٍ عَلَى الْخَيْرِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ". [الحديث 2311 - طرفاه في: 3275، 5010]. (وقال عثمان بن الهيثم) بفتح الهاء والمثلثة بينهما تحتية ساكنة آخره ميم (أبو عمرو) المؤذن وقد ساقه المؤلّف من غير أن يصرح بالتحديث، وكذا ذكره في قصة إبليس وفضائل القرآن لكن مختصرًا ووصله النسائي والإسماعيلي وأبو نعيم من طرق إلى عثمان هذا قال: (حدّثنا عوف) بالفاء ابن أبي جميلة بالجيم المفتوحة الأعرابي العبدي البصري رمي بالقدر والتشيع لكن احتج به الجماعة وهو من صغار التابعين (عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: وكّلني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحفظ زكاة) الفطر

من (رمضان فأتاني آتٍ) كقاضٍ (فجعل يحثو) بحاء مهملة ومثلثة أي يأخذ بكفّيه (من الطعام). وفي رواية أبي المتوكل عن أبي هريرة عند النسائي أنه كان على تمر الصدقة فوجد أثر كفّ قد أخذ منه، ولابن الضريس من هذا الوجه فإذا التمر قد أخذ منه ملء كفّ (فأخذته) أي الذي حثا من الطعام، وزاد في رواية أبي المتوكل أن أبا هريرة شكا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوّلاً فقال له: إن أردت أن تأخذه فقل سبحان من سخرك لمحمد. قال فقلتها فإذا أنا به قائم بين يدي فأخذته (وقلت والله لأرفعنّك) من رفع الخصم إلى الحاكم أي لأذهبن بك (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليحكم عليك بقطع اليد لأنك سارق، وسقط قوله: والله في رواية أبي ذر (قال: إني محتاج) لما آخذه (وعليّ عيال) أي نفقة عيال أو "عليّ" بمعنى "لي" وفي رواية أبي المتوكل فقال إنما أخذته لأهل بيت فقراء من الجن (ولي) وللكشميهني وبي بالموحدة بدل اللام (حاجة شديدة. قال) أبو هريرة (فخلّيت عنه فأصبحت فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما أتيته: (يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة)؟ سمي أسيرًا لأنه كان ربطه بسير لأن عادة العرب يربطون الأسير بالقدّ. قال الداودي: وفيه اطّلاعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المغيبات وفي حديث معاذ بن جبل عند الطبراني أن جبريل جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعلمه بذلك (قال) أبو هريرة (قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أما) بالتخفيف حرف استفتاح (إنه) بكسر الهمزة وفتحها في اليونينية والفتح على جعل أما بمعنى حقًّا (قد كذبك) بتخفيف الذال في قوله إنه محتاج (وسيعود) إلى الأخذ (فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنه سيعود فرصدته) أي ترقبته (فجاء) ولأبي ذر عن الحموي فجعل بدل فجاء (يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: دعني فإني محتاج) للأخذ (وعليّ عيال لا أعود فرحمته فخلّيت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بإثبات لي هنا وإسقاطها في السابق والتعبير بالنبي بدل الرسول: (يا أبا هريرة ما فعل أسيرك)؟ سقط هنا قوله في السابق البارحة (قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله قال) عليه الصلاة والسلام (أما أنه) بالتخفيف وكسر الهمزة وفتحها (قد كذبك وسيعود) لم يقال هنا فعرفت أنه سيعود الخ (فرصدته) المرة (الثالثة فجاء) ولأبي ذر عن الحموي: فجعل (يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا آخر ثلاث مرات أنك) بفتح الهمزة (تزعم لا تعود) صفة لثلاث مرات على أن كل مرة موصوفة بهذا القول الباطل ولأبي ذر إنك بكسر الهمزة وفي نسخة مقروءة على الميدومي إنك تزعم أنك لا تعود (ثم تعود. قال: دعني) وفي رواية أبي المتوكل: خل عني (أعلمك) بالجزم (كلمات) نصب بالكسرة (ينفعك الله بها) بجزم ينفعك. قال الطيبي: وهو مطلق لم يعلم منه أي النفع فيحمل على المقيد في حديث علي عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قرأها يعني آية الكرسي حين يأخذ مضجعه آمنه الله تعالى على داره ودار جاره وأهل دويرات حوله رواه البيهقي في شعب الإيمان انتهى. وفي رواية أبي المتوكل إذا قلتهن لم يقربك ذكر ولا أنثى من الجن (قلت: ما هو) أي الكلام وللحموي والمستملي ما هن أي الكلمات (قال: إذا أويت) أتيت (إلى فراشك) للنوم وأخذت مضجعك (فاقرأ آية الكرسي (لا إله إلاّ هو الحيّ القيوم} حتى تختم الآية) [البقرة: 255] زاد معاذ بن جبل في روايته عند الطبراني وخاتمة سورة البقرة آمن الرسول إلى آخرها (فإنك لن يزال عليك من الله) أي من عند الله أو من جهة أمر الله أو من قدرته أو من بأس الله ونقمته (حافظ) يحفظك (ولا يقربنك) بفتح الراء والموحدة ونون التوكيد الثقيلة كذا في اليونينية وفي غيرها ولا يقربك بإسقاط النون ونصب الموحدة عطفًا على السابق المنصوب بلن (شيطان) وفي

نسخة الشيطان (حتى تصبح فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت) ولأبي الوقت: فقلت (يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال) عليه الصلاة والسلام (ما هي) الكلمات (قلت) ولأبي الوقت قال بدل قلت (قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أوّلها حتى تختم) زاد أبو ذر: الآية ({الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم}) [البقرة: 255] (وقال لي لمن يزال) وللكشميهني: لم يزل (عليك من الله حافظ) وسقط قوله لي من رواية أبي ذر (ولا يقربك شيطان) بفتح الراء والموحدة ولأبي ذر: ولا يقربك بضم الموحدة من غير نون فيهما كذا في الفرع وأصله. قال البرماوي كالكرماني بعد أن ذكرا فتح الراء والموحدة وأصله يقربنك بالنون المؤكدة. قال في المصابيح: لا أدري ما دعاه إلى ارتكاب مثل هذا الأمر الضعيف مع ظهور الصواب في خلافه وذلك أنه قال فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فعندنا فعل منصوب بلن وهو قوله يزال والآخر من يقربك منصوب بالعطف على المنصوب المتقدم ولا زائدة لتأكيد النفي مثلها في قولك: لمن يقوم زيد ولا يضحك وأجريناهاعلى طريقتهم في إطلاق الزيادة على لا هذه وإن كان التحقيق أنها ليست بزائدة دائمًا ألا ترى أنه إذا قيل ما جاءني زيد وعمرو، احتمل نفي مجيء كلٍّ منهما على كل حال ونفي اجتماعهما في المجيء فإذا جيء بلا كان الكلام نصًّا في المعنى الأول. نعم هي زائدة في مثل قولك لا يستوي زيد ولا عمرو انتهى. ولأبي ذر: ولا يقربك الشيطان (حتى تصبح وكانوا) أي الصحابة (أحرص شيء على) تعلم (الخير) وفعله وكان الأصل أن يقول وكنا لكنه على طريق الالتفات وقيل هو مدرج من كلام بعض رواته، وبالجملة فهو مسوق للاعتذار عن تخلية سبيله بعد المرة الثالثة حرصًا على تعلّم ما ينفع (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أما إنه) بالتخفيف وفتح الهمزة وكسرها كما مرّ (قد صدقك) بتخفيف الدال في نفع آية الكرسي، ولما أثبت له الصدق أوهم المدح فاستدركه بصيغة تفيد المبالغة في الذم بقوله (وهو كذوب) وفي حديث معاذ بن جبل صدق الخبيث وهو كذوب (تعلم من تخاطب منذ) بالنون، وللحموي والمستملي: مذ (ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة؟ قال لا) أعلم (قال) عليه الصلاة والسلام: (ذاك شيطان) من الشياطين. قال في شرح المشكاة ونكر لفظ الشيطان بعد سبق ذكره منكرًا في قوله: لا يقربك شيطان ليؤذن بأن الثاني غير الأوّل، وأن الأول مطلق شائع في جنسه، والثاني فرد من أفراد ذلك الجنس، فلو عرف لأوهم المقصود لأنه إما أن يشار إلى السابق أو إلى المعروف والمشهور بين الناس وكلاهما غير مراد، وكان من الظاهر أن يقال شيطانًا بالنصب لأن السؤال في قوله من تخاطب عن المفعول فعدل إلى الجملة الاسمية وشخصه باسم الإشارة لمزيد التعيين ودوام الاحتراز عن كيده ومكره. فإن قلت: قد سبق في الصلاة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إن شيطانًا تفلت عليّ البارحة" الحديث. وفيه "ولولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطًا بسارية". وفي حديث الباب أن أبا هريرة أمسك الشيطان الذي رآه. أجيب: باحتمال أن الذي همّ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يوثقه رأس الشياطين الذي يلزم من التمكن منه التمكن من الشياطين فيضاهي حينئذٍ سليمان في تسخيرهم، والمراد بالشيطان في حديث أبي هريرة هذا شيطانه بخصوصه أو غيره في الجملة فلا يلزم من تمكه منه استتباع غيره من الشياطين في ذلك التمكّن أو الشيطان الذي همّ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تبدّى له في صفته التي خلق عليها، وكذلك كانوا في خدمة سليمان عليه الصلاة والسلام على هيئتهم، والذي تبدّى لأبي هريرة في حديث الباب كان على هيئة الآدميين فلم يكن في إمساكه مضاهاة لملك سليمان، وقد وقع لأُبيّ بن كعب عند النسائي وأبي أيوب الأنصاري عند الترمذي وأبي أسيد الأنصاري عند الطبراني وزيد بن

11 - باب إذا باع الوكيل شيئا فاسدا فبيعه مردود

ثابت عند ابن أبي الدنيا قصص في ذلك إلاّ أنه ليس فيها ما يشبه قصة أبي هريرة إلا قصة معاذ وهو محمول على التعدّد. وموضع الترجمة قوله: فخليت سبيله لأن أبا هريرة ترك الرجل الذي حثا الطعام لما شكا الحاجة فأخبر بذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأجازه. قال الزركشي كغيره: وفيه نظر لأن أبا هريرة لم يكن وكيلاً بالعطاء بل بالحفظ خاصة. قال في المصابيح: النظر ساقط لأن المقصود انطباق الترجمة على الحديث وهي كذلك لأن أبا هريرة وإن لم يكن وكيلاً في الإعطاء فهو وكيل في الجملة ضرورة أنه وكيل بحفظ الزكاة وقد ترك مما وكل بحفظه شيئًا، وأجاز عليه الصلاة والسلام فعله فقد طابقته الترجمة قطعًا نعم في أخذ إقراض الوكيل إلى أجل مسمى من هذا الحديث نظر، وقد قرر بعضهم وجه الأخذ بأن أبا هريرة لما ترك السارق الذي حثا من الطعام كان ذلك الأجل ولا يخفى ما في ذلك من التكلف والضعف. 11 - باب إِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ شَيْئًا فَاسِدًا فَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ هذا (باب) بالتنوين (إذا باع الوكيل شيئًا) مما وكل فيه بيعًا (فاسدًا فبيعه مردود) يعني يُردّ. 2312 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - هُوَ ابْنُ سَلاَّمٍ - عَنْ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْغَافِرِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- قَالَ: "جَاءَ بِلاَلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ قَالَ بِلاَلٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِيطْعِمَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ ذَلِكَ: أَوَّهْ أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا، عَيْنُ الرِّبَا، لاَ تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ". وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم أو ابن منصور كما جزم به أبو علي الجياني لأن مسلمًا أخرج هذا الحديث بعينه عن إسحاق بن منصور، لكن قال في الفتح وليس ذلك بلازم قال: (حدّثنا يحيى بن صالح) الوحاظي قال: (حدّثنا معاوية هو ابن سلام) بتشديد اللام (عن يحيى) بن أبي كثير أنه (قال: سمعت عقبة بن عبد الغافر) العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالذال المعجمة (أنه سمع أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال جاء بلال) المؤذن (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتمر برنيّ) بفتح الموحدة وسكون الراء وكسر النون وتشديد التحتية. قال في الصحاح: ضرب من التمر. قال الراجز: المطعمان اللحم بالعشج ... وبالغداة فلق البرنجّ فأبدل من الياء جيمًا، وزاد في المحكم أنه أصفر مدوّر وهو أجود التمر، وفي مسند أحمد مرفوعًا: خير تمركم البرني يذهب الداء (فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من أين هذا) التمر البرني (قال بلال: كان عندنا) وللحموي والمستملي: عندي (تمر رديّ) بتشديد المثناة التحتية في الفرع وأصله وفي غيره رديء بالهمزة على وزن فعيل على الأصل من ردؤ الشيء يردؤ رداءة فهو رديء أي فاسد وأردأته أفسدته قاله الجوهري فخفف بقلب الهمزة ياء لانكسار ما قبلها وأدغمت الياء في الياء فصار رديّ بتشديد الياء كما مرّ (فبعت منه صاعين بصاع ليطعم) بلال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كذا في الفرع وأصله ليطعم بضم المثناة التحتية وكسر العين، وفي بعض الأصول لنطعم بالنون بدل التحتية والنبي نصب على الروايتين على المفعولية. قال العيني كابن حجر: وهذه رواية أبي ذر وغيره ليطعم بفتح التحتية والعين من طعم يطعم والنبي رفع به، وقول البرماوي كالكرماني: وفي بعضها المطعم بالميم أي مفتوحة كالعين والنبي خفض بالإضافة لم أقف عليه في شيء من نسخ البخاري. نعم هو في صحيح مسلم كذلك. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند ذلك) القول الصادر من بلال (أوّه أوّه) هذا (عين الربا) هذا (عين الربا لا تفعل) بتكرير كلٍّ من عين الربا وأوّه مرتين وأوّه بفتح الهمزة وتشديد الواو وسكون الهاء بمعنى التحزّن. قال السفاقسي: وإنما تأوّه ليكون أبلغ في الزجر وقاله، إما للتألم من هذا الفعل وإما من سوء الفهم زاد مسلم من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد في نحو هذه القصة فردّوه، ومعلوم أن بيع الربا مما يجب ردّه (ولكن إذا أردت أن تشتري) التمر الجيد (فبع التمر) الرديء (ببيع آخر ثم اشتر) الجيد (به) أي بثمن الرديء حتى لا تقع في الربا، ولغير أبي ذر: ثم اشتره أي التمر الجيد. وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع وكذا النسائي. 12 - باب الْوَكَالَةِ فِي الْوَقْفِ وَنَفَقَتِهِ، وَأَنْ يُطْعِمَ صَدِيقًا لَهُ وَيَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ (باب الوكالة في الوقف ونفقته) أي الوكيل (وأن يطعم صديقًا له ويأكل بالمعروف) أي وإطعام الوكيل صديقه وأكله بما يتعارفه الوكلاء فيه لأنه حبس نفسه لتصرف موكله والقيام بأمره قياسًا على وليّ اليتيم.

13 - باب الوكالة في الحدود

2313 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، قَالَ فِي صَدَقَةِ عُمَرَ -رضي الله عنه-: "لَيْسَ عَلَى الْوَلِيِّ جُنَاحٌ أَنْ يَأْكُلَ وَيُؤْكِلَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالاً. فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ هُوَ يَلِي صَدَقَةَ عُمَرَ، يُهْدِي لِلنَّاسِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ". [الحديث 2313 - أطرافه في: 2737، 2764، 2772، 2773، 2777]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار أنه (قال في صدقة عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-) لم يدرك ابن دينار عمر فهو مرسل غير موصول. وقال الحافظ ابن حجر: قوله في صدقة عمر أي في روايته لها عن ابن عمر كما جزم بذلك المزي في الأطراف ويوضحه رواية الإسماعيلي من طريق ابن أبي عمر عن سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عمر، وتعقبه العيني: بأن المزي لم يذكر هذا في الأطراف أصلاً وإنما قال بعد العلامة بحرف الخاء المعجمة حديث عمرو بن دينار إلى آخر ما ذكره البخاري ثم قال موقوف، ثم قال العيني: والتقدير الذي قدّره هذا القائل يعني ابن حجر خلاف الأصل ولا ثمة داعٍ يدعوه إلى ذلك قال: وأما قوله ويوضحه رواية الإسماعيلي الخ ... فلا يستلزم ما ذكره من التقدير المذكور بالتعسف انتهى. - قال في الانتقاض: وما نفاه عن المزي هو المدعى وهو أنه جزم أن المروي في هذا الأثر بهذا السند كلام ابن عمر فهو الذي عبّر المزي عنه بقوله موقوف، ومن لا يدري بأن معنى قول المحدث موقوف أن الصحابيّ لا يصرح بنسبته إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثل ما في هذا الطريق فما باله والاعتراض على أهل الفن بكلام غير أهل الفن. وصدقة مضاف لعمر في الفرع وغيره مما وقفت عليه من الأصول، لكن قال الكرماني في صدقة بالتنوين عمر بالرفع فاعل وفي بعضها بالإضافة وفي بعضها عمرو بالواو فالقائل هو ابن دينار أي قال ابن دينار في الوقف العمري ذلك (ليس على الولي) الذي يتولى أمر الوقف (جناح) إثم (أن يأكل) منه (ويؤكل) منه (صديقًا) زاد أبو ذر له أي للولي وهو في محل نصب صفة لصديقًا حال كونه (غير متأثل) بميم مضمومة فمثناة فوقية مفتوحة وبعد الهمزة مثلثة مشددة مكسورة أي غير جامع (مالاً فكان ابن عمر) -رضي الله عنهما-. قال ابن حجر: هو موصول بالإسناد المذكور كما هو في رواية الإسماعيلي. قال العيني: قد صرّح الكرماني بأنه مرسل فكيف يكون المعطوف على المرسل موصولاً انتهى. قال في الانتقاض مجيبًا عن هذا الاعتراض ليس بينهما مانعية جمع (هو يلي صدقة عمر يهدي للناس) بضم أوله من الرباعي من صدقة عمر ولأبي ذر: لناس (من أهل مكة) هم آل عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العاصي (كان) ابن عمر (ينزل عليهم) أي على الناس، وإنما كان ابن عمر يهدي منه أخذًا بالشرط المذكور وهو أن يؤكل صديقًا له أو من نصيبه الذي جعل له أن يأكل منه بالمعروف فكان يوفره ليهدي لأصحابه منه. 13 - باب الْوَكَالَةِ فِي الْحُدُودِ (باب) جواز (الوكالة في الحدود) كسائر الحقوق بل يتعين التوكيل في قصاص الطرف وحد القذف كما سيأتي في موضعهما إن شاء الله تعالى. 2314، 2315 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا». [الحديث 2314 - أطرافه في: 2649، 2696، 2725، 6634، 6828، 6831، 6843، 6860، 7194، 7259، 7279]. [الحديث 2315 - أطرافه في: 2695، 2724، 6633، 6827، 6833، 6835، 6842، 6859، 7193، 7258، 7260، 7278]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (أخبرنا) ولأبي الوقت: حدّثنا (الليث) بن سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بالتصغير، ولأبي ذر زيادة ابن عبد الله أي ابن عتبة (عن زيد بن خالد) الجهني الصحابي (وأبي هريرة -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (واغد يا أنيس) بصيغة التصغير ابن الضحاك الأسلمي واغد أمر من غدا بالغين المعجمة أي اذهب وهو عطف على شيء سبق وساقه هنا مقتصرًا على القدر المحتاج إليه، ولفظه كما أخرجه في باب الاعتراف بالزنا في كتاب المحاربين: كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقام رجل فقال أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله، فقام خصمه وكان أفقه منه فقال: اقضِ بيننا بكتاب الله وائذن لي قال: قل قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا فزنى بامرأته فافتديت منه بمائة شاة وخادم ثم سألت رجالاً من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وعلى امرأته الرجم، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. "والذي نفسي ييده لأقضيّن بينكما بكتاب الله المائة شاة والخادم ردّ عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس" (على) وللكشميهني: إلى (امرأة هذا فإن اعترفت) بالزنا (فارجمها) وإنما خصّه من بين الصحابة قصدًا إلى

14 - باب الوكالة في البدن وتعاهدها

أنه لا يؤمّر في القبيلة إلا رجل منهم لنفورهم عن حكم غيرهم وكانت المرآة أسلمية. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النذور والمحاربين والصلح والأحكام والشروط والاعتصام وخبر الواحد والشهادات، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة في الحدود والنسائي في القضاء والرجم والشروط. 2316 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: "جِيءَ بِالنُّعَيْمَانِ -أَوِ ابْنِ النُّعَيْمَانِ- شَارِبًا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوا، قَالَ فَكُنْتُ أَنَا فِيمَنْ ضَرَبَهُ، فَضَرَبْنَاهُ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ". [الحديث 2316 - طرفاه في: 6774، 6775]. وبه قال: (حدّثنا ابن سلام) بالتخفيف، ولأبي ذر: سلام بالتشديد البيكندي قال: (أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب) السختياني (عن ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبيد الله (عن عقبة بن الحرث) بن عامر القرشي النوفلي المكي له صحبة أسلم يوم الفتح، وله في البخاري ثلاثة أحاديث أنه (قال: جيء بالنعيمان) بضم النون مصغرًا ولغير أبي ذر النعمان بالتكبير (أو ابن النعيمان) بالتصغير أيضًا والشّك من الراوي، ووقع عند الإسماعيلي الشك في تصغيره وتكبيره. وللإسماعيلي أيضًا في رواية: جئت بالنعيمان بغير شك فيستفاد منه تسمية الذي حضر به وهو عقبة والنعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحرث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري ممن شهد بدرًا وكان مزاحًا حال كونه (شاربًا) مسكرًا أي متّصفًا بالشرب لأنه حين جيء به لم يكن شاربًا حقيقة بل كان سكران، ويدل له ما في الحدود بلفظ: هو سكران. (فأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من كان في البيت أن يضربوا) بحذف الضمير المنصوب وفي نسخة يضربوه بإثباته (قال) عقبة بن الحرث: (فكنت أنا فيمن ضربه فضربناه بالنعال والجريد). وموضع الترجمة منه قوله فيه فأمر من كان في البيت أن يضربوه فإن الإمام لما لم يتولّ إقامة الحدّ بنفسه وولاّه غيره كان ذلك بمنزلة توكيله لهم في إقامته، ولا يصح عند الشافعية التوكيل في إثبات الحدود لبنائها على الدرء. نعم قد يقع إثباتها بالوكالة تبعًا بأن يقذف شخص آخر فيطالبه بحد القذف فله أن يدرأه عن نفسه بإثبات زناه بالوكالة، فإذا ثبت أقيم عليه الحد ويستفاد من الحديث كما قال الخطابي: إن حدّ الخمر لا يستأنى به الإفاقة كحد الحامل لتضع حملها. 14 - باب الْوَكَالَةِ فِي الْبُدْنِ وَتَعَاهُدِهَا (باب) حكم (الوكالة في) أمر (البدن) التي تهدى (و) حكم (تعاهدها). 2317 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ: "قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- أَنَا فَتَلْتُ قَلاَئِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدَىَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي، فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَىْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي المدني ابن أخت الإمام مالك (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة (عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي (عن) خالته (عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية (أنها أخبرته قالت عائشة) -رضي الله عنها-: (أنا فتلت قلائد هدي رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيدي) بتشديد الياء على التثنية. وهذا الحديث ساقه هنا مختصرًا، وفي باب من قلد القلائد بيده من كتاب الحج أطول من هذا ولفظه: عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة -رضي الله عنها- أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: من أهدى هديًا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر هديه. قالت عمرة فقالت عائشة -رضي الله عنها-: ليس كما قال ابن عباس أنا فتلت قلائد هدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيديّ. (ثم قلدها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيديه) بالتثنية (ثم بعث) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بها) أي بالهدي وأنّث الضمير باعتبار البدنة لأن هديه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي بعث به كان بدنة (مع أبي) أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- سنة تسع عام حج أبو بكر -رضي الله عنه- بالناس (فلم يحرم على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيء أحلّه الله له حتى نحر الهدي) بضم النون مبنيًا للمجهول والهدي رفع نائب عن الفاعل أي حتى نحره أبو بكر -رضي الله عنه-، والحديث ظاهر فيما ترجم له من الوكالة في البدن وأما تعاهدها فيحتمل أن يكون من مباشرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياها بنفسه حتى قلدها بيده. 15 - باب إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِوَكِيلِهِ: ضَعْهُ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ وَقَالَ الْوَكِيلُ: قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا قال الرجل لوكيله) الذي وكّله (ضعه) أي الشيء الموكل فيه (حيث أراك الله وقال الوكيل قد سمعت ما قلت) أي فوضعه حيث أراد جاز. 2318 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالاً، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بِيْرُ حَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ. فَلَمَّا نَزَلَتْ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَىَّ بِيْرُ حَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ. فَقَالَ: بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَائِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَائِحٌ. . قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا، وَأَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ. قَالَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ". تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ عَنْ مَالِكٍ. وَقَالَ رَوْحٌ عَنْ مَالِكٍ "رَابِحٌ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (يحيى بن

16 - باب وكالة الأمين في الخزانة ونحوها

يحيى) بن بكر بن زياد التميمي الحنظلي (قال: قرأت على مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله) بن أبي طلحة (أنه سمع) عمه (أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: كان أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (أكثر الأنصار) ولأبي ذر: أكثر أنصاريّ قال البرماوي كالكرماني وهو من التفضيل على التفصيل أي أكثر من كل واحد واحد من الأنصار ولذا لم يقل أكثر الأنصار (بالمدينة مالاً) نصب على التمييز أي من حيث المال (وكان أحب أمواله إليه بيرحاء) بكسر الموحدة وسكون التحتية وضم الراء وبعد الحاء المهملة همزة مفتوحة ممدودًا ولأبي ذر: بيرحا من غير همز وفيها وجوه أخرى ذكرتها في الزكاة. (وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب) بالجر صفة لماء، (فلما نزلت) هذه الآية: ({لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}) من الصدقة (قام أبو طلحة) منتهيًا (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إن الله تعالى يقول في كتابه: {لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92] (وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء) بكسر الموحدة وضمُّ الراء مهموزًا مع الفتح والمد في الفرع لأبي ذر (وإنها صدقة لله أرجو برّها) خيرها (وذخرها) بالذال المضمومة والخاء الساكنة المعجمتين أي أقدمها فأذخرها لأجدها (عند الله فضعها يا رسول الله حيث شئت فقال) عليه الصلاة والسلام: (بخ) بفتح الموحدة وسكون الخاء المعجمة وبتنوينها وبالتخفيف والتشديد فيهما فهي أربعة كلمة تقال عند مدح الشيء والرضا به (ذلك مال رائح) بالهمز والخاء المهملة في الفرع وأصله (ذلك مال رائح) بالتكرار مرتين أي ذاهب فإذا ذهب في الخير فهو أولى (قد) بغير واو قبل القاف (سمعت ما قلت فيها وأرى أن تجعلها في الأقربيين قال) أبو طلحة (أفعل يا رسول الله) بهمزة قطع على أنه فعل مستقبل مرفوع (فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه) من باب عطف الخاص على العامّ. (تابعه) أي تابع يحيى بن يحيى (إسماعيل) بن أبي أويس (عن مالك) فيما وصله المؤلّف في تفسير سورة آل عمران. (وقال روح) بفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة ابن عبادة في روايته (عن مالك) أيضًا (رابح) بالموحدة فيما وصله الإمام أحمد عنه وفي غير الفرع وأصله من الأصول في رواية يحيى رابح بالموحدة أي يربح فيه صاحبه، وقال العيني: رائج بالجيم من الرواج فليتأمل. وموضع الترجمة من الحديث قول أبي طلحة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنها صدقة الخ ... فإنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينكر عليه ذلك وإن كان ما وضعها بنفسه بل أمره أن يضعها في الأقربين، لكن الحجة فيه تقريره عليه الصلاة والسلام على ذلك. وهذا الحديث قد سبق في باب الزكاة على الأقارب من كتاب الزكاة. 16 - باب وَكَالَةِ الأَمِينِ فِي الْخِزَانَةِ وَنَحْوِهَا (باب وكالة الأمين في الخزانة) بكسر الخاء المعجمة اسم للموضع الذي يخزن فيه (ونحوها). 2319 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَازِنُ الأَمِينُ الَّذِي يُنْفِقُ -وَرُبَّمَا قَالَ: الَّذِي يُعْطِي- مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلاً مُوَفَّرًا طَيِّبًا نَفْسُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ بِهِ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن العلاء) أبو كريب الهمداني قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الليثي (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء مصغرًا (عن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء اسمه عامر أو الحرث (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الخازن الأمين الذي ينفق وربما قال الذي يعطي ما أمر به) بضم الهمزة وكسر الميم مبنيًّا للمفعول أي ما أمره به سيده من الصدقة حال كونه (كاملاً موفورًا) بفتح الفاء المشددة (طيب نفسه) مبتدأ وخبره مقدم وفي الزكاة طيب به نفسه، ولأبي ذر والأصيلي: طيبًا بالنصب على الحال (إلى الذي أمر به) لا لغيره (أحد المتصدقين) خبر قوله الخازن والمتصدقين بفتح القاف بلفظ التثنية. ومطابقته للترجمة من جهة أن الخازن الأمين مفوّض إليه الإنفاق والإعطاء بحسب أمر الآمر به. وهذا الحديث سبق في باب أجر الخادم من كتاب الزكاة. بسم الله الرحمن الرحيم 41 - كتاب الحرث والمزارعة (بسم الله الرحمن الرحيم). (كتاب الحرث) أي الزرع (والمزارعة) وهي المعاملة على الأرض

1 - باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه. وقوله الله: {أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون * لو نشاء لجعلناه حطاما} [الواقعة: 63 - 65]

ببعض ما يخرج منها ويكون البذر من مالكها فإن كان من العامل فهي مخابرة وهما إن أفردتا عن المساقاة باطلتان للنهي عن المزارعة في مسلم وعن المخابرة في الصحيحين، ولأن تحصيل منفعة الأرض ممكنة بالإجارة فلم يجز العمل عليها ببعض ما يخرج منها كالمواشي بخلاف الشجر فإنه لا يمكن عقد الإجارة عليها فجوّزت المساقاة، واختار في الروضة تبعًا لابن المنذر وابن خزيمة والخطابي صحتهما وحمل أخبار النهي على ما إذا شرط لأحدهما زرع قطعة معينة وللآخر أخرى وعلى الأوّل فيشترط تقديم المساقاة على المزارعة بأن يقول: ساقيتك وزارعتك، فلو قال: زارعتك وساقيتك أو فصل بينهما لم يصح لانتفاء التبعية فإن خابره تبعًا لم يصح كما لو أفردها وفارقت المزارعة بأن المزارعة أشبه بالمساقاة وورد الخبر بصحتها بخلاف المخابرة. 1 - باب فَضْلِ الزَّرْعِ وَالْغَرْسِ إِذَا أُكِلَ مِنْهُ. وَقَوْلِهِ الله: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} [الواقعة: 63 - 65] (باب فضل الزرع والغرس) قال في القاموس: زرع كمنع طرح البذر كازدرع وأصله ازترع أبدلوها دالاً لتوافق الزاي والله أنبت وغرس الشجر أثبته في الأرض كأغرسه والغرس المغروس (إذا كل منه) قيد في فضيلة كل منهما ولأبي ذر كتاب الحرث بفح الحاء وسكون الراء المهملتين آخره مثلثة وله عن الحموي في الحرث وإسقاط كتاب، وله أيضًا عن الكشميهني كتاب المزارعة مع تأخير البسملة فيها وسقط له قوله ما جاء في الحرث والمزارعة، وقوله باب وما بعده ثابت عنده وحينئذٍ فيكون قوله فضل الزرع مرفوعًا على ما لا يخفى، وهذا ما في الفرع وأصله وفي فتح الباري، عن النسفيّ كالكشميهني باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه بسم الله الرحمن الرحيم. وزاد النسفيّ فقال: باب ما جاء في الحرث والمزارعة وفضل الزرع، ومثله للأصيلي وكريمة إلا أنهما حذفا لفظ كتاب المزارعة، وللمستملي: كتاب الحرث، وقدم الحموي البسملة وقال في الحرث بدل كتاب الحرث. (وقوله تعالى) بالجرّ عطفًا على السابق، ولأبي ذر وقول الله تعالى بالرفع على الاستئناف: ({أفرأيتم ما تحرثون}) تبذرون حبه ({أأنتم تزرعونه}) تنبتونه ({أم نحن الزارعون}) المنبتون ({لو نشاء لجعلناه حطامًا}) [الواقعة: 16] هشيمًا وإنما نسب سبحانه وتعالى الحرث إلينا والزرع إليه جلّ جلاله، وإن كانت الأفعال كلها له سبحانه حرثًا وبذرًا وغير ذلك لأن المراد بالزرع هنا الإنبات لا البذر وذلك خصائص القدرة القديمة، ووجه الاستدلال بهذه الآية على إباحة الحرث أن الله تعالى امتنّ علينا بإنبات ما نحرثه فدلّ على أن الحرث جائز إذ لا يمتنّ بممنوع. 2320 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ح. وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ».وقال لنا مسلمٌ حدثنا أبانُ حدثنا قتادة حدثنا أنسٌ عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 2320 - طرفه في: 6012]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (ح) مهملة وينطق بها كذلك علامة لتحويل السند قال المؤلّف بالسند: (وحدّثني عبد الرحمن بن المبارك) بن عبد الله العيشي بعين مهملة مفتوحة فتحتية ساكنة فشين معجمة منسوب إلى بني عائش قال: (حدّثنا أبو عوانة عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) ولأبي ذر: أنس بن مالك (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما من مسلم يغرس غرسًا) بمعنى المغروس أي شجرًا (أو يزرع زرعًا) مزروعًا وأو للتنويع لأن الزرع غير الغرس (فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة) بالرفع اسم كان والتعبير بالمسلم يخرج الكافر فيختص الثواب في الآخرة بالمسلم دون الكافر لأن القرب إنما تصح من المسلم فإن تصدق الكافر أو فعل شيئًا من وجوه البر لم يكن له أجر في الآخرة. نعم ما أكل من زرع الكافر يثاب عليه في الدنيا كما ثبت دليله، وأما من قال يخفف عنه بذلك من عذاب الآخرة فيحتاج إلى دليل. وفي حديث عائشة عند مسلم قلت: يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال: "لا ينفعه إن لم يقل يومًا ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين" يعني لم يكن مصدقًا بالبعث ومن لم يصدق به كافر ولا ينفعه عمل. ونقل عياض الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب، لكن بعضهم أشد عذابًا من بعضهم بحسب جرائمهم. وأما حديث أبي

2 - باب ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع، أو مجاوزة الحد الذي أمر به

أيوب الأنصاري عند أحمد مرفوعًا: ما من رجل يغرس غرسًا وحديث ما من عبد فظاهرهما يتناول المسلم والكافر لكن يحمل المطلق على المقيد والمراد بالمسلم الجنس فتدخل المرأة المسلمة. (وقال لنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي البصري قال العيني كابن حجر: كذا بإثبات لنا للأصيلي وكريمة وأبي ذر وفي رواية النسفيّ وآخرين وقال مسلم بدون لفظة لنا (حدّثنا أبان) ابن يزيد العطار قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يسق متن هذا السند لأن غرضه منه التصريح بالتحديث من قتادة عن أنس، وقد أخرجه مسلم عن عبد بن حميد عن مسلم بن إبراهيم المذكور بلفظ: أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى نخلاً لأم مبشر امرأة من الأنصار فقال: "من غرس هذا النخل أمسلم أم كافر"؟ قالوا: مسلم بنحو حديثهم كذا عند مسلم فأحال به على ما قبله، وقد بيّنه أبو نعيم في المستخرج من وجه آخر عن مسلم بن إبراهيم، وباقيه: لا يغرس مسلم غرسًا فيأكل منه إنسان أو طير أو دابّة إلا كان له صدقة، وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طرق عن جابر قال في بعضها فيأكل منه سبع أو طائر أو شيء إلا كان له فيه أجر، وفي أخرى: فيأكل منه إنسان ولا دابّة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة. ومقتضاه أن ثواب ذلك مستمر ما دام الغرس أو الزرع مأكولاً منه ولو مات غارسه أو زارعه ولو انتقل ملكه إلى غيره. قال ابن العربي: في سعة كرم الله أن يثيب على ما بعد الحياة كما كان يثيب ذلك في الحياة وذلك في ستة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، أو غرس، أو زرع، أو رباط فللمرابط ثواب عمله إلى يوم القيامة انتهى. ونقل الطيبي عن محيي السُّنّة أنه روى أن رجلاً مرّ بأبي الدرداء وهو يغرس جوزة فقال: أتغرس هذه وأنت شيخ كبير وهذه لا تطعم إلا في كذا وكذا عامًا. قال: ما عليّ أن يكون لي أجرها ويأكل منها غيري. قال: وذكر أبو الوفاء البغدادي أنه مرّ أنو شروان على رجل يغرس شجر الزيتون فقال له: ليس هذا أوان غرسك الزيتون وهو شجر بطيء الأثمار، فأجابه غرس من قبلنا فأكلنا ونغرس ليأكل من بعدنا. فقال أنو شروان: زه أي أحسنت، وكان إذا قال زه يعطي من قيلت له أربعة آلاف درهم فقال: أيها الملك كيف تعجب من شجري وإبطاء ثمره فما أسرع ما أثمر. فقال: زه فزيد أربعة آلاف درهم أخرى. فقال: كل شجر يثمر في العام مرة وقد أثمرت شجرتي في ساعة مرتين. فقال: زه فزيد مثلها فمضى أنو شروان فقال: إن وقفنا عليه لم يكفه ما في خزائننا. ثم إن حصول هذه الصدقة المذكورة يتناول حتى من غرسه لعياله أو لنفقته لأن الإنسان يُثاب على ما سرق له وإن لم ينوِ ثوابه ولا يختصّ حصول ذلك بمن يباشر الغراس أو الزراعة بل يتناول من استأجر لعمل ذلك والصدقة حاصلة حتى فيما عجز عن جمعه كالسنبل المعجوز عنه بالحصيدة فيأكل منه حيوان فإنه مندرج تحت مدلول الحديث. واستدلّ به على أن الزراعة أفضل المكاسب وقال به كثيرون، وقيل الكسب باليد، وقيل التجارة، وقد يقال كسب اليد أفضل من حيث الحلّ والزرع من حيث عموم الانتفاع، وحينئذٍ فينبغي أن يختلف ذلك باختلاف الحال فحيث احتيج إلى الأقوات أكثر تكون الزراعة أفضل للتوسعة على الناس، وحيث احتيج إلى المتجر لانقطاع الطرق تكون التجارة أفضل، وحيث احتيج إلى الصنائع تكون أفضل والله أعلم. وهذا الحديث أخرجه المصنف أيضًا في الأدب والترمذي في الأحكام. 2 - باب مَا يُحْذَرُ مِنْ عَوَاقِبِ الاِشْتِغَالِ بِآلَةِ الزَّرْعِ، أَوْ مُجَاوَزَةِ الْحَدِّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ (باب) بيان (ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع) يحذر بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه مخففًا، ولأبي ذر: يحذر بالتشديد (أو مجاوزة الحد) قال الحافظ ابن حجر: كذا للأصيلي وكريمة ولابن شبويه أو يجاوز بالمثناة التحتية بدل الميم، ولأبي ذر والنسفيّ: جاوز الحد، وفي رواية بالفرع: أو جاز الحد (الذي أمر به) سواء كان واجبًا أو مندوبًا. 2321 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ الْحِمْصِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ -وَرَأَى سِكَّةً وَشَيْئًا مِنْ آلَةِ الْحَرْثِ فَقَالَ- سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يَدْخُلُ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إِلاَّ أُدْخِلَهُ الذُّلُّ» قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاسْمُ أَبِي أُمَامَةَ صُدَيٌّ بْنُ عَجلانَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا عبد الله بن سالم الحمصي) أبو يوسف قال: (حدّثنا محمد بن زياد الألهاني) بفتح الهمزة وسكون اللام بعدها هاء فألف

3 - باب اقتناء الكلب للحرث

فنون فياء نسب أبو سفيان الحمصي (عن أبي أمامة الباهلي) أنه (قال و) الحال أنه (رأى سكة) بكسر السين المهملة وتشديد الكاف المفتوحة الحديدة التي تحرث بها الأرض (وشيئًا من آلة الحرث فقال: سمعت النبي) ولأبي ذر: سمعت رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا يدخل هذا بيت قوم) يعملون بها بأنفسهم (إلا أدخله الذل) بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة مبنيًّا للمفعول، والذل رفع نائب عن الفاعل فلو كان لهم من يعمل لهم وأدخلت الآلة المذكورة دراهم للحفظ فليس مرادًا أو هو على عمومه، فإن الذل داخل شامل لكل من أدخل على نفسه ما يستلزم مطالبة آخر له، ولا سيما إذا كان المطالب من ظلمة الولاة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: إلا أدخله الله بفتح الهمزة والخاء مبنيًّا للفاعل الذلّ مفعول للاسم الكريم، وله عن الكشميهني: إلا دخله الذل بإسقاط الهمزة وحذف الجلالة والذل رفع. وفي مستخرج أبي نعيم: إلا أدخلوا على أنفسهم ذلاًّ لا يخرج عنهم إلى يوم القيامة أي لما يلزمهم من حقوق الأرض التي يزرعونها ويطالبهم بها الولاة، بل ويأخذون منهم الآن فوق ما عليهم بالضرب والحبس، بل ويجعلونهم كالعبيد أو أسوأ من العبيد فإن مات أحد منهم أخذوا ولده عوضه بالغصب والظلم، وربما أخذوا الكثير من ميراثه ويحرمون ورثته، بل ربما أخذوا من ببلد الزراع فجعلوه زراعًا، وربما أخذوا ماله كما شاهدنا فلا حول ولا قوة إلا بالله. وكان العمل في الأراضي أول ما افتتحت على أهل الذمة فكان الصحابة يكرهون تعاطي ذلك. قال في فتح الباري: وقد أشار البخاري بالترجمة إلى الجمع بين حديث أبي أمامة، والحديث السابق في فضل الزرع والغرس وذلك بأحد أمرين: إما أن يحمل ما ورد من الذم على عاقبة ذلك ومحله إذا اشتغل به فضيع بسببه ما أمر بحفظه، وإما أن يحمل على ما إذا لم يضيع إلا أنه جاوز الحد فيه. (قال محمد) هو ابن زياد الراوي (واسم أبي أمامة) الباهلي المذكور (صديّ بن عجلان) بفتح العين المهملة وسكون الجيم وبعد اللام ألف ونون وصدي بضم الصاد وفتح الدال المهملتين آخره تحتية مشددة آخر من مات بالشام من الصحابة، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخرين في الأطعمة والجهاد وهو ثابت هنا في بعض النسخ وعليه شرح العيني وهو في هامش اليونينية بإزاء قوله في السند: عن أبي أمامة من غير إشارة لمحله مرقوم عليه علامة أبي ذر عن المستملي والكشميهني، وفي بعض النسخ وعزاه في الفتح وتبعه العيني للمستملي قال أبو عبد الله أي البخاري بدل قوله قال محمد. وهذا الحديث من أفراد البخاري. 3 - باب اقْتِنَاءِ الْكَلْبِ لِلْحَرْثِ (باب اقتناء الكلب) بالقاف أي اتخاذه (للحرث). 2322 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ، إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ". قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَأَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِلاَّ كَلْبَ غَنَمٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ صَيْدٍ». وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ». [الحديث 2322 - طرفه في: 3324]. وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء أبو زيد البصري قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من أمسك كلبًا فإنه ينقص كل يوم من) أجر (عمله قيراط). وعند مسلم: فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان والحكم للزائد لأنه حفظ ما لم يحفظه الآخر أو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبر أوّلاً بنقص قيراط واحد، فسمعه الراوي الأول ثم أخبر ثانيًا بنقص قيراطين زيادة في التأكيد للتنفير عن ذلك فسمعه الثاني أو ينزل على حالين فنقص القيراطين باعتبار كثرة الأضرار باتخاذها ونقص الواحد باعتبار قلته. وقد حكى الروياني في البحر اختلافًا في الأجر هل ينقص من العمل الماضي أو المستقبل وفي محل نقصان القيراطين فقيل من عمل النهار قيراط ومن عمل الليل آخر وقيل من الفرض قيراط ومن النفل آخر، والقيراط هنا مقدار معلوم عند الله تعالى، والمراد نقص جزء أو جزأين من أجزاء عمله، وهل إذا تعددت الكلاب تتعدد القراريط؟ وسبب النقص امتناع الملائكة من دخول بيته أو لما يلحق المارّين من الأذى أو ذلك عقوبة لهم لاتخاذهم ما نهى عن اتخاذه أو لأن بعضها شياطين أو ولوغها في الأواني عند غفلة صاحبها. (إلا

4 - باب استعمال البقر للحراثة

كلب حرث أو ماشية) فيجوز وأو للتنويع لا للترديد والأصح عند الشافعية إباحة اتخاذ الكلاب لحفظ الدور والدروب قياسًا على المنصوص بما في معناه، واستدلّ المالكية بجواز اتخاذها على طهارتها. فإن ملابستها مع الاحتراز عن مسّ شيء منها أمر شاق والإذن في الشيء إذن في مكملات مقصوده كما في المنع من لوازمه مناسبة للمنع منه. وأجيب: بعموم الخبر الوارد في الأمر من غسل ما ولغ فيه الكلب من غير تفصيل وتخصيص العموم غير مستنكر إذا سوّغه الدليل. (قال) ولأبي ذر. وقال (ابن سيرين) محمد مما تتبعه الحافظ ابن حجر فلم يجده موصولاً (وأبو صالح) ذكوان الزيات مما وصله أبو الشيخ الأصبهاني في كتابه الترغيب (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا كلب غنم أو) كلب (حرث أو) كلب (صيد) فزاد أو صيد. (وقال أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان بسكون اللام الأشجعي مما وصله أبو الشيخ (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلب صيد أو) كلب (ماشية) فأسقط كلب الحرث ولأبي ذر بالتقديم والتأخير. 2323 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ -رَجُلاً مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لاَ يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلاَ ضَرْعًا نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ. قُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِي وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ». [الحديث 2323 - طرفه في: 3325]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن يزيد بن خصيفة) بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة مصغرًا نسبه لجده واسم أبيه عبد الله (أن السائب بن يزيد) من الزيادة كالسابق الكندي صحابي صغير حج به في حجة الوداع وهو ابن سبع سنين، وولاه عمر سوق المدينة وهو آخر من مات بها من الصحابة (حدّثه أنه سمع سفيان بن أبي زهير) بضم الزاي مصغرًا (رجلاً) بالنصب قال العيني بتقدير أعني أو أخص، ولأبي ذر: رجل بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هو رجل (من أزد شنوءة) بفتح الهمزة وسكون الزاي وشنوءة بفتح الشين المعجمة وبعد النون المضمومة همزة مفتوحة (وكان من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من اقتنى كلبًا) وهذا مطابق للترجمة مفسر لقوله في الحديث السابق: من أمسك كلبًا (لا يغني عنه زرعًا ولا ضرعًا) كناية عن الماشية (نقص كل يوم من) ثواب (عمله قيراط) قال السائب بن يزيد (قلت) لسفيان بن أبي زهير للتثبت في الحديث (أنت سمعت هذا) الذي قلته (من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: إي) سمعته منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ورب هذا المسجد) أقسم للتأكيد. وفي هذا الحديث صحابي عن صحابي، وأخرجه مسلم في البيوع والنسائي وابن ماجة في الصيد. 4 - باب اسْتِعْمَالِ الْبَقَرِ لِلْحِرَاثَةِ (باب استعمال البقر للحراثة). 2324 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "بَيْنَمَا رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى بَقَرَةٍ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، خُلِقْتُ لِلْحِرَاثَةِ. قَالَ: آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَأَخَذَ الذِّئْبُ شَاةً فَتَبِعَهَا الرَّاعِي، فَقَالَ الذِّئْبُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لاَ رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي؟ قَالَ: آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: مَا هُمَا يَوْمَئِذٍ فِي الْقَوْمِ". [الحديث 2324 - أطرافه في: 3471، 3663، 3690]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن بشار) بالموحدة والشين المعجمة المشددة المفتوحتين العبدي البصري أبو بكر بندار قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد) بسكون العين، ولأبي ذر زيادة ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قاضي المدينة أنه (قال: سمعت أبا سلمة) بن عبد الرحمن الزهري المدني أحد الأعلام يقال اسمه عبد الله ويقال إسماعيل وهو عمّ سعد بن إبراهيم السابق (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (بينما) بالميم (رجل) لم يسم (راكب على بقرة) وجواب بينما قوله (التفتت إليه) أي البقرة وزاد في المناقب في فضل أبي بكر من طريق أبي اليمان فتكلمت (فقالت: لم أخلق لهذا) أي للركوب بقرينة قوله راكب (خلقت للحراثة) وفي ذكر بني إسرائيل من طريق عليّ عن سفيان بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فقالت: إنّا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث فقال الناس: سبحان الله بقرة تتكلم. (قال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (آمنت به) أي بنطق البقرة وفي ذكر بني إسرائيل فإني أومن بهذا والفاء فيه جزاء شرط محذوف أي فإذا كان الناس يستغربونه ويعجبون منه فإني لا أستغربه وأؤمن به (أنا وأبو بكر وعمر). فإن قلت: ما فائدة ذكر أنا وعطف ما بعده عليه وهلا عطف على المستتر في أؤمن مستغنيًا عنه بالجار والمجرور؟ أجيب: بأنه لو لم يذكر أنا لاحتمل أن يكون وأبو بكر عطفًا على محل أن واسمها والخبر

محذوف فلا يدخل في معنى التأكيد، وتكون هذه الجملة واردة على التبعية ولا كذلك في هذه الصورة قاله في شرح المشكاة، واستدلّ بقولها: إنما خلقنا للحرث على أن الدواب لا تستعمل إلا فيما جرت العادة باستعمالها فيه، ويحتمل أن يكون قولها: إنما خلقنا للحرث إشارة إلى تعظيم ما خلقت له ولم ترد الحصر في ذلك لأنه غير مراد اتفاقًا لأن جملة ما خلقت له أنها تذبح وتؤكل بالاتفاق. قال ابن بطال: في هذا الحديث حجة على من منع أكل الخيل مستدلاً بقوله تعالى {لتركبوها} [النحل: 8] فإنه لو كان ذلك دالاًّ على منع أكلها لدل هذا الخبر على منع أكل البقر لقوله في الحديث: إنما خلقنا للحرث، وقد اتفقوا على جواز أكلها فدلّ على أن المراد بالعموم المستفاد من صيغة إنما في قولها إنما خلقنا للحرث عموم مخصوص. (وأخذ الذئب شاة) هو معطوف على الخبر الذي قبله بالإسناد المذكور (فتبعها) أي الشاة (الراعى) لم يسم وإيراد المصنف الحديث في ذكر بني إسرائيل فيه إشعار بأنه عنده ممن كان قبل الإسلام نعم وقع كلام الذئب لأهبان بن أوس كما عند أبي نعيم في الدلائل (فقال الذئب) ولأبي ذر: فقال له الذئب، وفي ذكر بني إسرائيل وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة فطلبه حتى كأنه استنقذها منه فقال له الذئب هذا استنقذتها مني. واستشكل هذا التركيب، وخرّجه ابن مالك في التوضيح على ثلاثة أوجه. أحدها: أن يكون منادى محذوفًا منه حرف النداء واعترضه البدر الدماميني بأنه ممنوع أو قليل. الثاني: أن يكون في موضع نصب على الظرفية مشارًا به إلى اليوم أي هذا اليوم استنقذتها. الثالث: في موضع نصب على المصدرية أي هذا الاستنقاذ استنقذتها مني، وقد وهم الزركشي في التنقيح وتبعه البدر الدماميني في المصابيح والبرماوي في اللامع الصبيح فذكروا هذه الكلمة المستشكلة في رواية هذا الباب ناقلين ما ذكرته عن ابن مالك في توجيهها، وليس لها ذكر في هذا الباب أصلاً والله أعلم. ولفظ رواية الحديث المذكور في المناقب: بينما راعٍ في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي فالتفت إليه الذئب فقال: (من لها) أي للشاة (يوم السبع) بضم الموحدة ويجوز فتحها وسكونها المفترس من الحيوان وجمعه أسبع وسباع كما في القاموس (يوم لا راعي لها غيري) أي إذا أخذها السبع لم تقدر على خلاصها منه فلا يرعاها حينئذٍ غيري أي إنك تهرب منه وأكون أنا قريبًا منه أراعي ما يفضل لي منها، أو أراد من لها عند الفتن حين تترك بلا راعٍ نهبة للسّباع فجعل السبع لها راعيًا إذ هو منفرد بها، أو أراد يوم أكلي لها يقال: سبع الذئب الغنم أي أكلها. وقال ابن العربي: هو بالإسكان والضم تصحيف، وقال ابن الجوزي: هو بالسكون والمحدثون يروونه بالضم، وقال في القاموس: والسبع أي بسكون الموحدة الموضع الذي يكون فيه الحشر أي من لها يوم القيامة، ويعكر على هذا قول الذئب لا راعي لها غيري والذئب لا يكون راعيًا يوم القيامة أو يوم السبع عيد لهم في الجاهلية كانوا يشتغلون فيه يلهوهم عن كل شيء قال: وروي بضم الباء انتهى. أي: يغفل الراعي عن غنمه فيتمكن الذئب منها وإنما قال ليس لها راعٍ غيري مبالغة في تمكنه منها. (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما تعجب الناس حيث قالوا سبحان الله ذئب يتكلم كما في ذكر بني إسرائيل (آمنت به) أي بتكلم الذئب (أنا وأبو بكر وعمر). (قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن الراوي بالسند المذكور (وما هما) أي العمران (يومئذٍ في القوم) أي لم يكونا حاضرين: فيحتمل أن يكون أهبان على تقدير أن يكون هو صاحب القصة لما أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك. كان العمران حاضرين فصدّقاه، ثم أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس بذلك وهما غائبان فلذا قال عليه الصلاة والسلام: "فإني أؤمن بذلك وأبو بكر وعمر" وأطلق ذلك لما اطّلع عليه من أنهما يصدقان بذلك إذا سمعاه ولا يتردّدان فيه كغيره من قواعد العقائد. وقال التوربشتي: إنما أراد عليه الصلاة والسلام تخصيصهما بالتصديق الذي بلغ عين اليقين وكوشف صاحبه بالحقيقة التي ليس وراءها للتعجب

5 - باب إذا قال اكفني مئونة النخل أو غيره وتشركني في الثمر

مجال انتهى. ونطق البقرة والذئب جائز عقلاً أعني النطق اللفظي والنفسي معًا غير أن النفسي يشترط فيه العقل وخلقه في البقرة والذئب جائز، وكل جائز أخبر به صاحب المعجزة أنه واقع علمنا عقلاً أنه واقع، ولا يحمل توقف المتوقفين على أنهم شكوا في الصدق ولكن استبعدوه استبعادًا عاديًا ولم يعلموا علمًا مكينًا أن خرق العادة في زمن النبوّات يكاد أن يكون عادة فلا عجب إذًا. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المناقب وبني إسرائيل ومسلم في الفضائل والترمذي في المناقب مقطعًا. 5 - باب إِذَا قَالَ اكْفِنِي مَئُونَةَ النَّخْلِ أَوْ غَيْرِهِ وَتُشْرِكُنِي فِي الثَّمَرِ هذا (باب) بالتنوين (إذا قال) صاحب النخل لغيره (اكفني مؤونة النخل) أي العمل فيه من السقي والقيام عليه بما يتعلق به (أو) مؤونة (غيره) كالعنب، ولأبي ذر وغيره بإسقاط الألف (وتشركني) بضم أوّله وكسر ثالثه مضارع أشرك ويجوز فتحهما مضارع شرك وكلاهما في الفرع وأصله ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف أي وأنت تشركني والواو للحال والنصب بتقدير أن بعد الواو (في الثمر) الذي يحصل من النخل أو الكرم جاز هذا القول. 2325 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَتِ الأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ. قَالَ: لاَ. فَقَالُوا: تَكْفُونَا الْمَئُونَةَ وَنُشْرِكُكُمْ فِي الثَّمَرَةِ. قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا". [الحديث 2325 - طرفاه في: 2719، 3782]. وبه قال: (حدّثنا الحكم بن نافع) هو أبو اليمان الحمصي قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي اسم أبيه دينار قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال قالت الأنصار للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حين قدم المدينة: يا رسول الله (اقسم بيننا وبين إخواننا) المهاجرين (النخيل) بكسر الخاء ثم تحتية ساكنة، وللكشميهني: النخل بسكون الخاء والنخيل جمع نخل كالعبيد جمع عبد وهو جمع نادر (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا) اقسم وإنما أبى ذلك لأنه علم أن الفتوح ستفتح عليهم فكره أن يخرج عنهم شيئًا من رقبة نخيلهم التي بما قوام أمرهم شفقة عليهم فلما فهم الأنصار ذلك جمعوا بين المصلحتين امتثال ما أمرهم به عليه الصلاة والسلام وتعجيل مواساة إخوانهم المهاجرين (فقالوا) أي الأنصار للمهاجرين أيها المهاجرون (تكفونا المؤونة) في النخل بتعهده بالسقي والتربية (ونشرككم) بفتح أوله وثالثه. قال ابن حجر: حسب والذي في الفرع وأصله بالوجهين كالسابق (في الثمرة) أي ويكون المتحصل من الثمرة مشتركًا بيننا وبينكم وهذه عين المساقاة لكن لم يبينوا مقدار الأنصباء التي وقعت والمقرّر أن الشركة إذا أبهمت ولم يكن فيها جزء معلوم كانت نصفين أو كان نصيب العامل في المساقاة معلومًا بالعرف المنضبط فتركوا النص عليه اعتمادًا على ذلك العرف. وقد أخرج المؤلّف هذا الحديث بهذا السند بلفظ: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل. قال لا فقال تكفوننا المؤونة ونشرككم في الثمرة. قال البيضاوي: وهو خبر في معنى الأمر أي اكفونا تعب القيام بتأبير النخل وسقيها وما يتوقف عليه صلاحها. (قالوا) أي الأنصار والمهاجرون كلهم (سمعنا وأطعنا) أي امتثلنا أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما أشار إليه قاله العيني. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الشروط وكذا النسائي. 6 - باب قَطْعِ الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ وَقَالَ أَنَسٌ: أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ. (باب) حكم (قطع الشجر والنخل) بسكون الخاء للحاجة والمصلحة كإنكاء العدو. (وقال أنس) مما وصله في باب نبش قبور الجاهلية في المساجد من كتاب الصلاة (أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنخل فقطع) وفيه الجواز للحاجة. 2326 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه-: "عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ، وَهْيَ الْبُوَيْرَةُ، وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ: وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَىٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرٌ [الحديث 2326 - أطرافه في: 3021، 4031، 4032، 4884]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال (حدّثنا جويرية) بن أسماء (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) بن عمر (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أنه حرق نخل بني النضير) بفتح النون وكسر الضاد المعجمة قوم من اليهود (وقطع) شجرها (وهي البويرة) بضم الموحدة وفتح الواو وسكون التحتية وبالراء موضع معروف من بلد بني النضير (ولها) للبويرة (يقول حسان) بدون الصرف على أنه من الحس بغير نون وبالصرف على أنه من الحسن بالنون وهو ابن ثابت الخزرجي الأنصاري (وهان) بالواو ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لهان باللام وللقابسي فيما ذكره العيني هان فيكون فيه العضب

7 - باب

بالمعجمة وهو خرم مفاعلتن (على سراة بني لؤي) بضم اللام وبعدها همزة مفتوحة فتحتية مشددة أكابر قريش وسراة بفتح السين المهملة. قال الجوهري جمع السريّ وهو جمع عزيز أن يجمع فعيل على فعلة ولا يعرف غيره وجمع السراة سروات، وقد شدد السهيلي في الروض الأنف النكير في هذه المسألة على النحاة وقال: لا ينبغي أن يقال في سراة القوم أنه جمع سري لا على القياس ولا على غير القياس، وإنما هو مثل كاهل القوم وسنامهم، والعجب كيف خفي هذا على النحويين حتى قلد الخالف منهم السالف وساق فيه كلامًا طويلاً حاصله أن السراة مفرد لا جمع، واستدلّ عليه بما تقف عليه من كلامه (حريق بالبويرة مستطير) أي منتشر، ولما أنشد حسان هذا أجابه سفيان بن الحرث بقوله: أدام الله ذلك من صنيع ... وحرق في نواحيها السعير وفي ذلك نزلت: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة} [الحشر: 5]. وإنما قال حسان ذلك لأن قريشًا هم الذين حملوا كعب بن أسد صاحب عقد بني قريظة على نقض العهد بينه وبين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى خرج معهم إلى الخندق، وقيل إنما قطع النخل لأنها كانت تقابل القوم فقطعت ليبرز مكانها فتكون مجالاً للحرب. 7 - باب هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة. 2327 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِيِّ سَمِعَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ قَالَ: "كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُزْدَرَعًا، كُنَّا نُكْرِي الأَرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا مُسَمًّى لِسَيِّدِ الأَرْضِ، قَالَ فَمِمَّا يُصَابُ ذَلِكَ وَتَسْلَمُ الأَرْضُ وَمِمَّا يُصَابُ الأَرْضُ وَيَسْلَمُ ذَلِكَ، فَنُهِينَا. وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ". وبه قال: (حدّثنا محمد) ولأبوي ذر والوقت: ابن مقاتل قال (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن حنظلة بن قيس الأنصاري) الزرقي أنه (سمع رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة آخره جيم الأنصاري (قال: كنا أكثر أهل المدينة مزدرعًا) هو مكان الزرع أو مصدر أي كنا أكثر أهل المدينة زرعًا ونصبه على التمييز وأصله مزترعًا فأبدلت التاء دالاً لأن مخرج التاء لا يوافق الزاي لشدتها (كنا نكري الأرض) بضم النون من الإكراء (بالناحية منها مسمى) القياس مسماة لأنه حال من الناحية ولكنه ذكره باعتبار أن ناحية الشيء بعضه أو باعتبار الزرع (لسيد الأرض) أي مالكها تنزيلاً لها منزلة العبد وأطلق السيد عليه. (قال) رافع بن خديج (فمما) أي كثيرًا ما، ولأبي ذر عن الكشميهني: فمهما (يصاب ذلك) البعض أي تقع عليه مصيبة ويتلف ذلك (وتسلم الأرض) أي باقيها (ومما يصاب الأرض ويسلم ذلك) البعض. قال في المصابيح: الظاهر تخريج فمما على أنها بمعنى ربما على ما ذهب إليه السيرافي وابنا طاهر وخروف والأعلم وخرجوا عليه قول سيبويه واعلم أنهم مما يحذفون كذا انتهى. ولأبي ذر: ومهما كالأول والأولى أولى لأن مهما تستعمل لأحد معانٍ ثلاثة: أحدها: تضمن معنى الشرط فيما لا يعقل غير الزمان. والثاني: الزمان والشرط وأنكر الزمخشري ذلك. والثالث: الاستفهام ولا يناسب مهما إلا بالتعسف. (فنهينا) عن هذا الإكراء على هذا الوجه لأنه موجب لحرمان أحد الطرفين فيؤدّي إلى الأكل بالباطل. (وأما الذهب والورق) بكسر الراء وللأصيلي والفضة (فلم يكن يومئذ) يكري بهما ولم يرد نفي وجودهما. وهذا الباب بمنزلة الفصل من السابق لكن استشكل إدخال الحديث فيه حتى قيل إنه وضع في غير موضعه من الناسخ. وأجيب: بأن وجه دخوله من حيث إن من اكترى أرضًا لمدة فله أن يزرع ويغرس فيها ما شاء فإذا تمّت المدة فلصاحب الأرض طلبه بقلعهما فهو من إباحة قطع الشجر وهذا كافٍ في المطابقة وفيه أن كراء الأرض بجزء مما يخرج منها منهي عنه وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي. وفي هذا الحديث رواية تابعي عن تابعي عن الصحابي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في المزارعة والشروط ومسلم في البيوع وكذا أبو داود، وأخرجه النسائي في المزارعة وابن ماجة في الأحكام. 8 - باب الْمُزَارَعَةِ بِالشَّطْرِ وَنَحْوِهِ وَقَالَ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتِ هِجْرَةٍ إِلاَّ يَزْرَعُونَ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ. وَزَارَعَ عَلِيٌّ وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْقَاسِمُ وَعُرْوَةُ وَآلُ أَبِي بَكْرٍ وَآلُ عُمَرَ وَآلُ عَلِيٍّ وَابْنُ سِيرِينَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ: كُنْتُ أُشَارِكُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ فِي الزَّرْعِ. وَعَامَلَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى إِنْ جَاءَ عُمَرُ بِالْبَذْرِ مِنْ عِنْدِهِ فَلَهُ الشَّطْرُ، وَإِنْ جَاءُوا بِالْبَذْرِ فَلَهُمْ كَذَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ أَنْ تَكُونَ الأَرْضُ لأَحَدِهِمَا فَيُنْفِقَانِ جَمِيعًا، فَمَا خَرَجَ فَهْوَ بَيْنَهُمَا. وَرَأَى ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُجْتَنَى الْقُطْنُ عَلَى النِّصْفِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَالْحَكَمُ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الثَّوْبَ بِالثُّلُثِ أَوِ الرُّبُعِ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: لاَ بَأْسَ أَنْ تُكرَى الْمَاشِيَةُ عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. (باب المزارعة بالشطر) وهو النصف (ونحوه. وقال قيس بن مسلم) هو ابن الجدلي الكوفي مما وصله عبد الرزاق (عن أبي جعفر) محمد بن علي بن الحسين الباقر أنه (قال: ما بالمدينة أهل بيت

هجرة) أي مهاجري (إلا يزرعون على الثلث والربع) الواو بمعنى أو، وقوله في الفتح عاطفة على الفعل لا على المجرور أي يزرعون على الثلث ويزرعون على الربع، تعقبه في عمدة القاري بأنه لا يقال الحرف يعطف على الفعل، وإنما الواو بمعنى أو فإذا أبقيناها على أصلها يكون فيه حذف تقديره وإلاّ يزرعون على الربع ولا يضر تفرّد قيس الكوفي بروايته هذا عن أبي جعفر المدني عن المدنيين الراوين عنه فإن انفراد الثقة الحافظ غير مؤثر على أنه لم ينفرد به فقد وافقه غيره في بعض معناه كما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا. (وزارع علي) هو ابن أبي طالب فيما وصله ابن أبي شيبة من طريق عمرو بن صليع عنه، (وسعد بن مالك) وهو سعد بن أبي وقاص، (وعبد الله بن مسعود) فيما وصله عنهما ابن أبي شيبة أيضًا من طريق موسى بن طلحة، (وعمر بن عبد العزيز) فيما وصله أيضًا ابن أبي شيبة من طريق خالد الحذاء (والقاسم) بن محمد فيما وصله عبد الرزاق، (وعروة بن الزبير) فيما وصله ابن أبي شيبة أيضًا (وآل أبي بكر) الصديق (وآل عمر) بن الخطاب (وآل علي) بن أبي طالب فيما وصله ابن أبي شيبة أيضًا وآل الرجل أهل بيته (وابن سيرين) محمد فيما وصله سعيد بن منصور. (وقال عبد الرحمن بن الأسود) بن يزيد النخعي أبو بكر الكوفي فيما وصله ابن أبي شيبة: (كنت أشارك عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي الكوفي وهو أخو الأسود بن يزيد وابن أخي علقمة بن قيس (في الزرع) زاد ابن أبي شيبة فيه وأحمله إلى علقمة والأسود فلو رأيا به بأسًا لنهياني عنه. (وعامل عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (الناس على إن جاء) بكسر الهمزة (عمر بالبذر) بالذال المعجمة (من عنده فله الشطر وإن جاؤوا بالبذر) من عندهم (فلهم كذا) وهذا وصله ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد أن عمر فذكر نحوه وهذا مرسل. - وأخرجه البيهقي من طريق إسماعيل بن أبي حكيم عن عمر بن عبد العزيز قال: لما استخلف عمر أجلى أهل نجران وأهل فدك وتيماء وأهل خيبر واشترى عقرهم وأموالهم واستعمل يعلى بن أمية فأعطى البياض يعني بياض الأرض على أن كان البذر والبقر والحديد من عمر فلهم الثلث ولعمر الثلثان وإن كان منهم فلهم الشطر، وأعطى النخل والعنب على أن له الثلثين ولهم الثلث وهذا مرسل أيضًا فيتقوى أحدهما بالآخر، وكأن المصنف أبهم المقدار بقوله فلهم كذا لما وقع فيه من الاختلاف لأن غرضه منه أن عمر أجاز المعاملة بالجزء. وفي إيراد البخاري هذا الأثر وغيره في هذه الترجمة ما يقتضي أنه يرى أن المزارعة والمخابرة بمعنى واحد وهو وجه عند الشافعية والآخر أنهما مختلفا المعنى، فالزارعة العمل في الأرض ببعض ما يخرج منها والبذار من المالك والمخابرة مثلها لكن البذر من العامل. (وقال الحسن): البصري (لا بأس أن تكون الأرض لأحدهما فينفقان جميعًا) عليها (فما خرج) منها (فهو بينهما) وهذا وصله سعيد بن منصور فيما قاله الحافظ ابن حجر قال العيني لم أجده بعد الكشف. (ورأى ذلك) الذي قاله الحسن (الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب قال ابن حجر: وصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة نحوه قال العيني لم أجده عندهما. (وقال الحسن: لا بأس أن يجتنى القطن على النصف) بضم التحتية وسكون الجيم وفتح الفوقية مبنيًّا للمفعول والقطن رفع نائب عن الفاعل وهذا موصول فيما قاله الحافظ ابن حجر عند عبد الرزاق ومثل القطن العصفر ولقاط الزيتون والحصاد وغير ذلك مما هو مجهول فأجازه جماعة من التابعين وهو قول أحمد قياسًا على القراض لأنه يعمل بالمال على جزء منه معلوم لا يدرى مبلغه. (وقال إبراهيم) النخعي مما وصله الأثرم (وابن سيرين) محمد مما وصله ابن أبي شيبة (وعطاء) هو ابن أبي رباح (والحكم) بن عتيبة فيما وصله عنهما ابن أبي شيبة كما قاله في الفتح وقال في عمدة القاري: لم أجد ذلك عنده (والزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (وقتادة) فيما وصله عنه ابن أبي شيبة: (لا بأس أن يعطي الثوب) أي الغزل للنسّاج ينسجه وإطلاق الثوب عليه من

باب المجاز، ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي: الثور (بالثلث أو الربع ونحوه) أي يكون الثلث أو الربع ونحوه للنساج والباقي لمالك الغزل. (وقال معمر): بفتح اليمين وسكون العين المهملة بينهما ابن راشد مما وصله عبد الرزاق عنه، وفي نسخة باليونينية وفرعها معتمر بالفوقية فلينظر (لا بأس أن تكون الماشية) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: تكرى الماشية (على الثلث أو الربع إلى أجل مسمى) أي ثلث الكراء الحاصل منها أي بأن يكريها لحمل طعام مثلاً إلى مدة معلومة على أن يكون ذلك بينهما أثلاثًا أو أرباعًا، ورأيت بهامش اليونينية ما لفظه وعند الحافظ أبي ذر على قوله إلى أجل مسمى علامة المستملي والكشميهني وهو يدل على أنه عندهما دون الحموي وهو ثابت على ما تراه في روايته في هذا الأصل، وكذا كل ما أشار إليه في المواضع العلم عليها فاعلم ذلك وأمعن النظر فيه. 2328 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ مِائَةَ وَسْقٍ. ثَمَانُونَ وَسْقَ تَمْرٍ. وَعِشْرُونَ وَسْقَ شَعِيرٍ، فَقَسَمَ عُمَرُ خَيْبَرَ، فَخَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ مِنَ الْمَاءِ وَالأَرْضِ، أَوْ يُمْضِيَ لَهُنَّ؟ فَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الأَرْضَ وَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الْوَسْقَ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ اخْتَارَتِ الأَرْضَ. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي قال: (حدّثنا أنس بن عياض) الليثي (عن عبيد الله) بالتصغير ابن عمر العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أخبره عن النبي) ولأبي ذر: أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (عامل) أهل (خيبر بشطر) بنصف (ما يخرج منها من ثمر) بالمثلثة إشارة إلى المساقاة (أو زرع) إشارة إلى المزارعة (فكان يعطي أزواجه) -رضي الله عنهن- (مائة وسق) بفتح الواو وكسرها كما في التاليين في الفرع وأصله الوسق ستون صاعًا بصاع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها (ثمانون وسق تمر و) منها (عشرون وسق شعير) وسق نصب على التمييز في الموضعين مضاف فيهما للاحقه، وللكشميهني ثمانين وعشرين بالنصب فيهما. (فقسم) بالفاء ولأبي ذر وقسم (عمر خيبر) كذا بإثبات خيبر في الفرع وغيره مما وقفت عليه من الأصول وقول الحافظ ابن حجر قوله: وقسم عمر أي خيبر وصرّح بذلك أحمد في روايته عن ابن نمير عن عبيد الله بن عمر مقتضاه أن رواية البخاري بحذفه ليس إلا فلينظر (فخير أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أن يقطع لهن) بضم الياء وسكون القاف من الإقطاع (من الماء والأرض أو يمضي لهن) أي يجري لهن قسمتهن على ما كان في حياة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما كان من التمر والشعير، (فمنهنّ من اختار الأرض، ومنهنّ من اختار الوسق، وكانت عائشة) -رضي الله عنها- (اختارت الأرض). وفي هذا الحديث جواز المزارعة والمخابرة لتقرير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لذلك واستمراره في عهد أبي بكر إلى أن أجلاهم عمر -رضي الله عنهما-، وبه قال ابن خزيمة وابن المنذر والخطابي، وصنف فيهما ابن خزيمة جزءًا بيّن فيه علل الأحاديث الواردة بالنهي عنهما وجمع بين أحاديث الباب، ثم تابعه الخطابي وقال: ضعف أحمد بن حنبل حديث النهي وقال هو مضطرب، وقال الخطابي وأبطلها مالك وأبو حنيفة والشافعي لأنهم لم يقفوا على علته قال فالمزارعة جائزة وهي عمل المسلمين في جميع الأمصار لا يبطل العمل بها أحد هذا كلام الخطابي، والمختار جواز المزارعة والمخابرة وتأويل الأحاديث على ما إذا شرط لواحد زرع قطعة معينة ولآخر أخرى، والمعروف في المذهب إبطالهما فمتى أفردت الأرض بمخابرة أو مزارعة بطل العقد، وإذا بطلتا فتكون الغلة لصاحب البذر لأنها نماء ماله فإن كان البذر للعامل فلصاحب الأرض عليه أجرتها أو المالك فللعامل عليه أجرة مثل عمله وعمل ما يتعلق به من آلاته كالبقر إن حصل من الزرع شيء أو لهما فعلى كلٍّ منهما أجرة مثل عمل الآخر بنفسه وآلاته في حصته، لذلك فإن أراد أن يكون الزرع بينهما على وجه مشروع بحيث لا يرجع أحدهما على الآخر بشيء فليستأجر العامل من المالك نصف الأرض بنصف منافعه ومنافع آلاته ونصف البذر إن كان منه، وإن كان البذر من المالك استأجر المالك العامل بنصف البذر ليزرع له نصف الأرض ويعيره نصف الأرض الآخر وإن شاء استأجره بنصف البذر ونصف منفعة تلك الأرض ليزرع له باقيه في باقيها وإن كان البذر

9 - باب إذا لم يشترط السنين في المزارعة

لهما آجره نصف الأرض بنصف منفعته ومنفعة آلاته أو أعاره نصف الأرض وتبرع العامل بمنفعة بدنه وآلته فيما يخص المالك أو أكراه نصفها بدينار مثلاً واكترى العامل ليعمل على نصيبه بنفسه وآلته بدينار وتقاصّا. وفي الحديث أيضًا جواز المساقاة في النخل والكرم وجميع الشجر الذي من شأنه أن يثمر كالخوخ والمشمش بجزء معلوم يجعل للعامل من الثمرة، وبه قال الجمهور وخصّه الشافعي في الجديد بالنخل وكذا شجر العنب لأنه في معنى النخل بجامع وجوب الزكاة وتأتي الخرص في ثمرتيهما فجوّزت المساقاة فيهما سعيًا في تثميرهما رفقًا بالمالك والعامل والمساكين، واختار النووي في تصحيحه صحتها على سائر الأشجار المثمرة وهو القول القديم، واختاره السبكي فيها إن احتاجت إلى عمل ومحل المنع أن تفرد بالمساقاة فإن ساقاه عليها تبعًا لنخل أو عنب صحّت كالمزارعة وألحق المقل بالنخل. وقال أبو حنيفة وزفر: لا تجوز المساقاة بحال لأنها إجارة بثمرة معدومة أو مجهولة، وجوّزها أبو يوسف ومحمد وبه يفتي لأنها عقد على عمل في المال ببعض نمائه فهو كالمضاربة لأن المضارب يعمل في المال بجزء من نمائه وهو معدوم ومجهول، وقد صح عقد الإجارة مع أن المنافع معدومة وكذلك هنا وأيضًا فالقياس في إبطال نص أو إجماع مردود. 9 - باب إِذَا لَمْ يَشْتَرِطِ السِّنِينَ فِي الْمُزَارَعَةِ (باب) بالتنوين (إذا لم يشترط) المالك للأرض (السنين) المعلومة (في) عقد (المزارعة). 2329 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "عَامَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بن عمر العمري قال: (حدّثني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: عامل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أهل (خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر) بالمثلثة (أو زرع) للتنويع ولم يقع في شيء من طرق هذا الحديث التقييد بسنين معلومة وفيه جواز ذلك فللمالك أن يخرج العامل متى أراد وقد أجاز ذلك من أجاز المخابرة والمزارعة. 10 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة فهو بمنزلة الفصل من السابق. 2330 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: "قُلْتُ لِطَاوُسٍ: لَوْ تَرَكْتَ الْمُخَابَرَةَ، فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْهُ. قَالَ: أَىْ عَمْرُو، إِنِّي أُعْطِيهِمْ وَأُغْنِيهِمْ. وَإِنَّ أَعْلَمَهُمْ أَخْبَرَنِي -يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلَكِنْ قَالَ: أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ خَرْجًا مَعْلُومًا". [الحديث 2330 - طرفاه في: 2342، 2634]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال عمرو) هو ابن دينار (قلت لطاوس: لو تركت المخابرة) وهي كما مرّ العمل في الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل وجواب لو محذوف تقديره لكان خيرًا أو لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب (فإنهم) أي رافع بن خديج وعمومته والثابت بن الضحاك وجابر بن عبد الله ومن روى منهم والفاء للتعليل (يزعمون أن النبي) أي يقولون أنه (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عنه) أي عن الزرع على طريق المخابرة (قال) طاوس (أي عمرو) يعني يا عمرو (إني) ولأبي ذر: فإني (أعطيهم) بضم الهمزة من الإعطاء (وأغنيهم) بضم الهمزة وسكون الغين المعجمة من الإغناء وفي رواية وأعينهم بضم الهمزة وكسر العين المهملة وبعدها تحتية ساكنة من الإعانة كذا للمستملي والحموي كما في فتح الباري، وتبعه في عمدة القاري وكذا هي في الأصل المقروء على الميدومي، وصوّب الحافظ ابن حجر الثانية، ولأبي ذر عن الكشميهني كما في الفرع وأصله وأعينهم بضم الهمزة وسكون العين المهملة وكسر النون بعدها تحتية ساكنة فلينظر. (وإن أعلمهم) أي الذين يزعمون أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن ذلك (أخبرني يعني ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينه عن) أي عن الزرع على طريق المخابرة ولا يقال هذا يعارض النهي عنه لأن النهي كان فيما يشترطون فيه شرطًا فاسدًا وعدمه فيما لم يكن كذلك أو المراد بالإثبات نهي التنزيه وبالنفي نهي التحريم، (ولكن قال) عليه الصلاة والسلام: (أن) بفتح الهمزة وسكون النون (يمنح أحدكم أخاه خير له) بفتح أول يمنح وآخره ولأبي ذر إن بكسر الهمزة وسكون النون يمنح بفتح أوله وسكون آخره وقول الحافظ ابن حجر: إن الأولى تعليلية والأخرى شرطية، تعقبه العيني فقال: ليس كذلك بل أن بفتح الهمزة مصدرية ولام الابتداء مقدّرة قبلها والمصدر المضاف إلى أحدكم مبتدأ خبره قوله خير له وقد جاء أن بالفتح بمعنى أن بالكسر الشرطية

11 - باب المزارعة مع اليهود

فحينئذ يمنح مجزوم به وجواب الشرط خير لكن فيه حذف تقديره فهو خير له وقول الزركشي وفي يمنح فتح النون وكسرها مع ضم أوله فإنه يقال منحته وأمنحته إذا أعطيته لم أقف عليه في شيء من نسخ البخاري كذلك والله أعلم. وقد وقع في رواية الطحاوي: لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير له (من أن يأخذ) أي من أخذه (عليه خرجًا معلومًا) أي أجرة معلومة. ومناسبة هذا الحديث للباب السابق من جهة أن فيه للعامل جزءًا معلومًا وهنا لو ترك مالك الأرض هذا الجزء للعامل كان خيرًا له من أن يأخذه منه وفيه جواز أخذ الأجرة لأن الأولوية لا تنافي الجواز. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المزارعة والهبة، ومسلم، وأبو داود في البيوع، والترمذي وابن ماجة في الأحكام، والنسائي في المزارعة. 11 - باب الْمُزَارَعَةِ مَعَ الْيَهُودِ (باب) حكم (المزارعة مع اليهود) أي وغيرهم من أهل الذمة. 2331 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَى خَيْبَرَ الْيَهُودَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا خَرَجَ مِنْهَا". وبه قال: (حدّثنا ابن مقاتل) المروزي ولأبي ذر محمد المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا عبيد الله) بالتصغير ابن عمر العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطى خيبر اليهود على أن يعملوها) أي يتعاهدوا أشجارها بالسقي وإصلاح مجاري الماء وتقليب الأرض بالمساحي وقلبها للحرث وتلقيح الشجر وقطع المضر بالشجر من الحشيش ونحوه وغير ذلك (ويزرعوها ولهم شطر) أي نصف (ما يخرج منها) زاد في الرواية السابقة في باب إذا لم يشترط السنين في المزارعة من ثمر أو زرع. واعلم أن اليهود استمروا على هذه المعاملة إلى صدر من خلافة عمر -رضي الله عنه- فبلغه قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في وجعه: لا يجتمع في جزيرة العرب دينان فأجلاهم عنها، والذي ذهب إليه الأكثرون المنع من كراء الأرض بجزء مما يخرج منها، وحمل بعضهم هذا الحديث على أن المعاملة كانت مساقاة على النخل والبياض المتخلل بين النخيل كان يسيرًا فتقع المزارعة تبعًا للمساقاة، وذهب غيره إلى أن صورة هذه صورة المعاملة وليست لها حقيقتها فإن الأرض كانت قد ملكت بالاغتنام والقوم صاروا عبيدًا فالأموال كلها للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والذي جعل لهم منها بعض ماله لينتفعوا به لا على أنه حقيقة المعاملة، وهذا يتوقف على إثبات أن أهل خيبر استرقوا فإنه ليس بمجرد الاستيلاء يحصل الاسترقاق للبالغين قاله ابن دقيق العيد. وقد سبق ما في الحديث قريبًا ومراد البخاري بهذه الترجمة الإعلام بأنه لا فرق في جواز هذه المعاملة بين المسلمين وأهل الذمة. 12 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الشُّرُوطِ فِي الْمُزَارَعَةِ (باب) بيان (ما يكره من الشروط في المزارعة). 2332 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى سَمِعَ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيَّ عَنْ رَافِعٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَقْلاً، وَكَانَ أَحَدُنَا يُكْرِي أَرْضَهُ فَيَقُولُ: هَذِهِ الْقِطْعَةُ لِي وَهَذِهِ لَكَ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ ذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ ذِهِ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) أبو الفضل المروزي قال: (أخبرنا ابن عيينة) سفيان (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري أنه (سمع حنظلة) بفتح الحاء المهملة والظاء المعجمة بينهما نون ساكنة ابن قيس (الزرقي عن رافع) هو ابن خديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال وبعد التحتية جيم (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا أكثر أهل المدينة حقلاً) بفتح الحاء المهملة وسكون القاف والنصب على التمييز أي زرعًا والمحاقلة بيع الطعام في سنبله وقيل اشتراء الزرع بالحنطة، وقيل المزارعة بالثلث وبالربع وغيرهما وقيل كراء الأرض بالحنطة، (وكان أحدنا يكري أرضه فيقول) بالفاء ولأبي الوقت ويقول (هذه القطعة) من الأرض (لي وهذه) القطعة منها (لك فربما أخرجت ذه) بكسر الذال المعجمة وسكون الهاء وبكسرها كما في اليونينية ويكون بالاختلاس والإشباع والأصل ذي فجيء بالهاء للوقف أو لبيان اللفظ إشارة إلى القطعة من الأرض وهي من الأسماء المبهمة التي يشار بها إلى المؤنث، (ولم تخرج ذه) يعني ربما تخرج هذه القطعة المستثناة ولم تخرج سواها أو بالعكس فيفوز صاحب هذه بكل ما حصل ويضيع حق الآخر بالكلية (فنهاهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن ذلك لما فيه من حصول المخاطرة المنهي عنها. وموضع الترجمة قوله هذه القطعة الخ ... ولا ريب أن هذا يؤدّي إلى النزاع على ما لا يخفى. وقد سبق هذا

13 - باب إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم، وكان في ذلك صلاح لهم

الحديث قريبًا. 13 - باب إِذَا زَرَعَ بِمَالِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ صَلاَحٌ لَهُمْ هذا (باب) بالتنوين (إذا زرع) أحد (بمال قوم بغير إذنهم وكان في ذلك) الزرع (صلاح لهم) لمن يكون الزرع. 2333 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالاً عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجُهَا عَنْكُمْ. قَالَ أَحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَىَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ بَنِيَّ. وَإِنِّي اسْتَأْخَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَىَّ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا فَرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ. فَفَرَجَ اللَّهُ فَرَأَوُا السَّمَاءَ. وَقَالَ الآخَرُ اللَّهُمَّ إِنَّهَا كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، فَطَلَبْتُ مِنْهَا فَأَبَتْ حَتَّى أَتَيْتُهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَبَغَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُهَا، فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فَرْجَةً، فَفَرَجَ. وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيهَا، فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ. فَقُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الْبَقَرِ وَرُعَاتِهَا فَخُذْ. فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَسْتَهْزِئْ بِي. فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَخُذْ. فَأَخَذَهُ. فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ مَا بَقِيَ. فَفَرَجَ اللَّهُ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ ابْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ "فَسَعَيْتُ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي الوقت: حدّثني (إبراهيم بن المنذر) الحمامي قال (حدّثنا أبو ضمرة) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم أنس بن عياض قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) بضم العين المهملة وسكون القاف (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (بينما) بالميم (ثلاثة نفر) لم يعرف اسمهم. زاد الطبراني من حديث عقبة بن عامر من بني إسرائيل حال كونهم (يمشون) وعند ابن حبان والبزار من حديث أبي هريرة والطبراني من حديث عقبة بن عامر أنهم خرجوا يرتادون لأهليهم (أخذهم المطر فأووا) بقصر الهمزة (إلى غار) كائن (في جبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم) وعند الطبراني من حديث النعمان بن بشير إذ وقع حجر من الجبل مما يهبط من خشية الله حتى سدّ فم الغار (فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله) بالنصب صفة لأعمالاً. ولأبي ذر عن الكشميهني: خالصة لله (فادعوا الله لعله يفرّجها عنكم) بضم المثناة التحتية وفتح الفاء وتشديد الراء مكسورة ولأبي ذر يفرجها بفتح التحتية وسكون الفاء وضم الراء ولأبي الوقت يفرجها كذلك لكن بكسر الراء (قال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ولي صبية) بكسر الصاد جمع صبي (صغار كنت أرعى عليهم فإذا رحت عليهم حلبت) غنمي (فبدأت بوالديّ أسقيهما) بفتح الهمزة (قبل بنيّ) الصبية (وإني استأخرت) بالخاء المعجمة وعند مسلم من طريق أبي ضمرة وإني نأى بي ذات يوم الشجر أي أنه استطرد مع غنمه في الرعي إلى أن بعد عن مكانه زيادة على العادة فلذلك استأخر (ذات يوم فلم) بالفاء، ولأبوي ذر والوقت: ولم (آت) بهمزة مفتوحة ممدودة أي لم أجيء (حتى أمسيت) دخلت في المساء (فوجدتهما ناما) وللكشميهني نائمين (فحلبت) الغنم (كما كنت أحلب فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما) من نومهما فيشق ذلك عليهما (وأكره أن أسقي الصبية) قبلهما (والصبية يتضاغون) بالضاد والعين المعجمتين يتصايحون بالبكاء بسبب الجوع (عند قدميّ) بفتح الميم وتشديد التحتية بلفظ التثنية (حتى طلع الفجر) زاد من طريق سالم عن أبيه فاستيقظا فشربا غبوقهما (فإن كنت تعلم أني فعلته ابتغاء وجهك). استشكل هذا من حيث إن المؤمن يعلم قطعًا أن الله تعالى يعلم ذلك. وأجيب: بأنه تردّد في عمله ذلك هل له أعتبار عند الله أم لا؟ فكأنه قال: إن كان عملي ذلك مقبولاً عندك (فافرج) بهمزة وصل مع ضم الراء، ولأبي الوقت: فافرج بقطع الهمزة وكسر الراء (لنا فرجة) بفتح الفاء وأصله، وقال في القاموس والفرجة مثلثة (نرى منها السماء ففرج الله) بتخفيف الراء وتشدد أي كشف الله (فرأوا السماء). (وقال الآخر: اللهم إنها) أي القصة (كانت لي بنت عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء) الكاف زائدة أو أراد تشبيه محبته بأشدّ المحاب (فطلبت منها) ما يطلب الرجل من المرأة وهو الوطء (فأبت حتى) ولأبي ذر عن الكشميهني: فأبت عليّ حتى (أتيتها) بهمزة مقصورة ففوقية مفتوحة وبعد التحتية الساكنة فوقية أخرى ولأبي ذر آتيها بمد الهمزة وكسر الفوقية وأسقط الأخرى (بمائة دينار فبغيت) بالموحدة وفتح الغين المعجمة وسكون التحتية أي نظرت وطلبت، ولأبي الوقت: فتعبت بفوقية وعين مهملة مكسورة فموحدة ساكنة من التعب (حتى جمعتها) وأعطيتها إياها وخلت بيني وبين نفسها (فلما وقعت بين رجليها) لأطأها (قالت: يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم) أي الفرج (إلا بحقه) أي لا يحل لك أن تطأني إلا بتزويج صحيح وبين في رواية سالم سبب إجابتها بعد امتناعها فقال: فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة قحط فجاءتني. وفي حديث النعمان بن بشير عند الطبراني أنها ترددت إليه ثلاث مرات تطلب إليه شيئًا من معروفه ويأبى عليها إلا أن تمكّنه من نفسها فأجابت في الثالثة بعد أن استأذنت زوجها فأذن لها وقال لها: أغني عيالك. قال: فرجعت

فناشدتني بالله فأبيت عليها فأسلمت إليّ نفسها فلما كشفتها ارتعدت من تحتي فقلت: ما لك؟ فقالت: أخاف الله ربّ العالمين. فقلت: خفتيه في الشدة ولم أخفه في الرخاء (فقمت) أي وتركتها والذهب الذي أعطيتها (فإن كنت تعلم أني فعلته ابتغاء وجهك) وفي ذكر بني إسرائيل: فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك، وفي الطبراني عن عليّ: من مخافتك وابتغاء مرضاتك (فافرج) بهمزة وصل وضم الراء (عنّا فرجة) بفتح الفاء وتضم وتكسر لم يقل في هذه نرى منها السماء (ففرج) حذف الفاعل للعلم به أي ففرج الله. (وقال الثالث: اللهمّ إني استأجرت أجيرًا) واحدًا وفي رواية سالم أجزاء (بفرق أرز) بفتح الفاء والراء بعدها قاف وقد تسكن الراء قال في القاموس: مكيال بالمدينة يسع ثلاثة آصع أو يسع ستة عشر رطلاً والأرز فيه ست لغات فتح الألف وضمها مع ضم الراء وتضم الألف مع سكون الراء وتخفيف الزاي وتشديدها والرواية هنا بفتح الهمزة وضم الراء وتشديد الزاي، (فلما قضى عمله) الذي استأجرته عليه (قال) ولأبي ذر فقال (أعطني) بهمزة قطع مفتوحة (حقي فعرضت عليه) أي حقه (فرغب عنه) ولم يأخذه (فلم أزل أزرعه) بالجزم (حتى جمعت منه بقرًا وراعيها) بالإفراد، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ورعاتها (فجاءني فقال اتق الله فقلت) ولأبي الوقت قلت (اذهب إلى ذلك) بالتذكير باعتبار اللفظ وللمستملي إلى تلك (البقر ورعاتها) بالجمع (فخذ) بإسقاط ضمير المفعول (فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي) بالجزم على الأمر (فقلت) ولأبي ذر فقال وهو من باب الالتفات (إني لا أستهزئ بك فخذ) بإسقاط الضمير أيضًا (فأخذه فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج) عنّا (ما بقي) من الصخرة (ففرج الله) أي عنهم وخرجوا يمشون. (قال أبو عبد الله) البخاري، (وقال ابن عقبة) ولأبي ذر وقال إسماعيل بن عقبة وفي نسخة وقال إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة أي وفي روايته وفي الفرع وأصله كنسخة الصغاني، وقال إسماعيل أي ابن أبي أويس. وقال ابن عقبة (عن نافع فسعيت) بالسين والعين المهملتين بدل قوله في رواية عمه موسى بن عقبة فبغيت، وهذا التعليق عن إسماعيل بن عقبة وصله المؤلّف في باب إجابة دعاء من برّ والديه من كتاب الأدب. وهذه الرواية عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة هي الصواب، وأما ما وقع في نسخة أبي ذر وقال إسماعيل عن ابن عقبة عن نافع فهو وهم لأن إسماعيل هو ابن إبراهيم بن عقبة ابن أخي موسى بن عقبة نبّه عليه الجياني. وأما موضع الترجمة من الحديث ففي قوله فعرضت عليه حقه فرغب عنه الخ ... قال ابن المنير: لأنه قد عيّن له حقه ومكّنه منه فبرئت ذمته بذلك فلما تركه وضع المستأجر يده عليه وضعًا مستأنفًا ثم تصرف فيه بطريق الإصلاح لا بطريق التضييع فاغتفر ذلك ولم يعدّ تعدّيًا يوجب المعصية ولذلك توسل به إلى الله عز وجل وجعله من أفضل أعماله وأقرّ على ذلك ووقعت الإجابة له به، ومع ذلك فلو هلك الفرق لكان ضامنًا له إذ لم يؤذن له في التصرف فيه فمقصود الترجمة إنما هو خلاص الزارع من المعصية بهذا القصد ولا يلزم من ذلك رفع الضمان كذا نقله عنه في فتح الباري، وتبعه في عمدة القاري وهو متعقب لما قاله ابن المنير أيضًا في باب: إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه فرضي من كتاب البيوع حيث قال هناك فانظر في الفرق من الذرة هل ملكه الأجير أم لا؟ والظاهر أنه لم يملكه لأنه لم يستأجره بفرق معين وإنما استأجره بفرق على الذمّة لما عرض عليه أن يقبضه امتنع فلم يدخل في ملكه ولم يتعين له وإنما حقه في ذمة المستأجر وجميع ما نتج إنما نتج على ملك المستأجر، وغاية ذلك أنه أحسن القضاء فأعطاه حقه وزيادات كثيرة هذا كلامه وهو مخالف لما قرره هنا قطعًا، ويحتمل أن يقال إن توسله بذلك إنما كان لكونه أعطى الحق الذي عليه مضاعفًا لا بتصرفه كما أن الجلوس بين رجلي المرأة كان معصية لكن التوسل لم يكن إلا بترك الزنا والمسامحة بالمال ونحوه. وهذا

14 - باب أوقاف أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأرض الخراج ومزارعتهم ومعاملتهم

الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في ذكر بني إسرائيل، وقد أخرجه البزار والطبراني بإسناد حسن عن النعمان بن بشير أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذكر الرقيم قال: انطلق ثلاثة فكانوا في كهف فوقع الجبل على باب الكهف فأوصد عليهم، الحديث ففيه أن الرقيم المذكور في قوله تعالى. {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم} [الكهف: 9] هو الغار الذي أصاب فيه الثلاثة ما أصابهم والله أعلم. 14 - باب أَوْقَافِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَرْضِ الْخَرَاجِ وَمُزَارَعَتِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعُمَرَ: «تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لاَ يُبَاعُ، وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ. فَتَصَدَّقَ بِهِ» (باب) بيان حكم (أوقاف أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) بيان (أرض الخراج و) بيان (مزارعتهم ومعاملتهم) -رضي الله عنهم- (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث وصله المؤلّف في الوصايا (لعمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- لما تصدق بمال له على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان نخلاً فقال عمر: يا رسول الله إني استفدت مالاً وهو عندي نفيس فأردت أن أتصدّق به فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تصدق بأصله لا يباع) بسكون القاف أمره أن يتصدّق به صدقة مؤبدة (ولكن ينفق ثمره) بضم المثناة التحتية وفتح الفاء مبنيًّا للمفعول وثمره رفع نائب عن الفاعل (فتصدق به) عمر -رضي الله عنه- والضمير يرجع إلى المال وحكى الماوردي أنها أوّل صدقة تصدق بها في الإسلام. 2334 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: لَوْلاَ آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فَتَحْتُ قَرْيَةً إِلاَّ قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ". [الحديث 2334 - أطرافه في: 3125، 4235، 4236]. وبه قال: (حدّثنا صدقة) بن الفضل المروزي قال: (أخبرنا عبد الرحمن) بن مهدي البصري (عن مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر المدني الثقة العالم وكان يرسل (عن أبيه) أسلم العدوي مولى عمر مخضرم أنه (قال: قال عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-: لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية) بفتح الفاء وسكون الحاء مبنيًّا للفاعل وقرية نصب على المفعولية كذا في الفرع وأصله وفي بعض الأصول فتحت بضم الفاء مبنيًّا للمفعول قرية رفع نائب عن الفاعل (إلا قسمتها بين أهلها) الغانمين (كما قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر) لكن النظر لآخر المسلمين يقتضي أن لا أقسمها بل أجعلها وقفًا على المسلمين ومذهب الشافعية في الأرض المفتوحة عنوة أنه يلزم قسمتها إلا أن يرضى بوقفيتها من غنمها وعن مالك تصير وقفًا بنفس الفتح وعن أبي حنيفة يتخير الإمام بين قسمتها ووقفيتها. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والجهاد وأبو داود في الخراج. 15 - باب مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا وَرَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- فِي أَرْضِ الْخَرَابِ بِالْكُوفَةِ. وَقَالَ عُمَرُ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهْيَ لَهُ. وَيُرْوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ: وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ فِيهِ حَقٌّ. وَيُرْوَى فِيهِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب من أحيا أرضًا مواتًا) غير معمورة في الإسلام أو عمرت جاهلية ولا هي حريم لمعمور بالزرع أو الغرس أو السقي أو البناء فهي له وسميت مواتًا تشبيهًا لها بالميتة لغير المنتفع بها ولا يشترط في نفي العمارة التحقق بل يكفي عدم تحققها بأن لا يرى أثرها ولا دليل عليها من أصول شجر ونهر وجدر وأوتاد ونحوها. (ورأى ذلك) أي إحياء الموات (عليّ) هو ابن أبي طالب (-رضي الله عنه- في أرض الخراب بالكوفة) قال في الفتح: كذا وقع للأكثر، وفي رواية النسفيّ في أرض بالكوفة مواتًا والذي في اليونينية في أرض الخراب بالكوفة موات لكنه رقم على قوله في أرض علامة السقوط من غير عزو لأحد وعلى موات علامة السقوط أيضًا لأبي ذر وفي نسخة مقروءة على الميدومي بالخراب موات بالكوفة لكنه رقم على موات علامة السقوط من غير عزو لأحد. (وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- فيما وصله مالك في الموطأ (من أحيا أرضًا ميتة) بتشديد الياء (فهي له) بمجرد الإحياء سواء أذن له الإمام أم لا اكتفاء بإذن الشارع عليه الصلاة والسلام وهذا مذهب الشافعي وأبي يوسف ومحمد نعم يستحب استئذانه خروجًا من خلاف أبي حنيفة حيث قال ليس له أن يحيي مواتًا مطلقًا إلا بإذنه. (ويروى عن عمر) بضم العين أي ابن الخطاب (وابن عوف) عمرو بن يزيد المزني الصحابي وهو غير عمرو بن عوف الأنصاري البدري والواو في قوله وابن عوف عاطفة، وفي بعض النسخ المعتمدة وهي التي في الفرع وأصله عن عمرو بن عوف بفتح العين وسكون الميم وبالواو وإسقاط ألف ابن، وصحح هذه الكرماني وقال الحافظ ابن حجر: إن الأولى تصحيف، ويؤيده قول الترمذي في باب: ذكر من أحيا أرض الموات. وفي الباب عن جابر وعمرو بن عوف المزني جد كثير وسمرة وقول الكرماني وابن

عوف أي عبد الرحمن ليس بصحيح كما قاله العيني وغيره (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي مثل حديث عمر هذا وهذا وصله ابن أبي شيبة في مسنده. (وقال) أي عمرو بن عوف زاد على قوله من أحيا أرضًا ميتة قوله (في غير حق مسلم) فإن كانت فيه حرم التعرض لها بالإحياء وغيره إلا بإذن شرعي لحديث الصحيحين: من أخذ شبرًا من أرض ظلمًا فإنه يطوّقه من سبع أرضين ولو كان بالأرض أثر عمارة جاهلية لم يعرف مالكها، فللمسلم تملكها بالإحياء وإن لم تكن مواتًا كالركاز، ولحديث عاديّ الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني أي أيها المسلمون رواه الشافعي -رضي الله عنه- ولو كان بها أثر عمارة إسلامية فأمرها إلى الإمام في حفظها أو بيعها وحفظ ثمنها إلى ظهور مالكها من مسلم أو ذمي كسائر الأموال الضائعة وإن أحيا ذمي أرضًا ميتة بدارنا ولو بإذن الإمام نزعت منه فلا يملكها لما فيه من الاستعلاء ولحديث الشافعي السابق ولا أجرة عليه لأن الأرض ليست ملك أحد وقال الحنفية والحنابلة: إذا أحيا مسلم أو ذمي أرضًا لا ينتفع بها وهي بعيدة إذا صاح من أقصى العامر لا يسمع بها صوته ملكها (وليس لعرق) بكسر العين وسكون الراء والتنوين (ظالم) نعت له أي من غرس غرسًا في أرض غيره بغير إذنه فليس له (فيه حق) أي في الإبقاء فيها. قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات واختار الإمامان الشافعي ومالك تنوين عرق وعبارة الشافعي العرق الظالم كل ما احتفر أو بني أو غرس ظلمًا في حق امرئ تعين خروجه منه، وقال مالك: كل ما احتفر أو غرس أو أخذ بغير حق، وقال الأزهري قال أبو عبيد العرق الظالم أن يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها غرسًا وقال القاضي عياض أصله في الغرس يغرسه في الأرض غير ربها ليستوجبها به وكذلك ما أشبهه من بناء أو استنباط أو استخراج معدن سميت عروقًا لشبهها في الإحياء بعرق الغرس انتهى. وقال في النهاية: وهو على حذف مضاف أي ليس لذي عرق ظالم فجعل العرق نفسه ظالمًا والحق لصاحبه أو يكون الظالم من صفة صاحب العرق، وقال ابن شعبان في الزاهي: العروق أربعة. عرقان ظاهران وعرقان باطنان، فالظاهران البناء والغراس والباطنان الآبار والعيون، وفي بعض الأصول وليس لعرق ظالم بترك التنوين فقط على الإضافة وحينئذٍ فيكون الظالم صاحب العرق وهو الغارس وسمي ظالمًا لأنه تصرف في ملك الغير بلا استحقاق. وهذا التعليق وصله إسحاق بن راهويه فقال: حدّثنا أبو عامر العقدي عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف حدّثني أبي أن أباه حدّثه أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "من أحيا أرضًا مواتًا من غير أن تكون حق مسلم فهي له وليس لعرق ظالم حق" وكثير هذا ضعيف وليس لجدّه عمرو بن عوف في البخاري سوى هذا الحديث، وله شاهد قويّ أخرجه أبو داود من حديث سعيد بن زيد. (ويروى فيه) أي في هذا الباب (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنه- مما أخرجه الترمذي، من وجه آخر عن هشام وصححه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولفظه "من أحيا أرضًا ميتة فهي له" وإنما عبر بلفظ يروى المفيد للتمريض لأنه اختلف فيه على هشام. 2335 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لأَحَدٍ فَهْوَ أَحَقُّ». قَالَ عُرْوَةُ: قَضَى بِهِ عُمَرُ -رضي الله عنه- فِي خِلاَفَتِهِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا وهو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري ونسبه إلى جده لشهرته به قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن أبي جعفر) يسار الأموي القرشي المصري (عن محمد بن عبد الرحمن) أبي الأسود يتيم عروة بن الزبير (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال): (من أعمر أرضًا) بفتح الهمزة والميم من الثلاثي المزيد قال عياض كذا رواه أصحاب البخاري والصواب من عمر من الثلاثي قال الله تعالى: {وعمروها أكثر مما عمروها} [الروم: 9] إلا أن يريد أنه جعل فيها عمارًا وقال ابن بطال: ويمكن أن يكون أصله من اعتمر أرضًا اتخذها وسقطت التاء من الأصل. قال في المصابيح: وهذا رد لاتفاق الرواة بمجرد احتمال يجوز أن يكون وأن لا يكون وأكثر ما يعتمد هو وغيره على مثل هذا وأنا لا أرضى

16 - باب

لأحد أن يقع فيه انتهى. وأجيب: بأن صاحب العين ذكر أنه يقال أعمرت الأرض أي وجدتها عامرة ويقال أعمر الله بك منزلك وعمر الله بك منزلك وعورض بأن الجوهري بعد أن ذكر عمر الله بك منزلك وعمر بك ذكر أنه يقال أعمر الرجل منزله بالألف. وقال الزركشي ضم الهمزة أجود من الفتح. قال في المصابيح: يفتقر ذلك إلى ثبوت رواية فيه وظاهر كلام القاضي أن جميع رواة البخاري على الفتح انتهى. وقد ثبت في الفرع وأصله عن أبي ذر أعمر بضم الهمزة وسكون العين وكسر الميم أي أعمره غيره وكأن المراد بالغير الإمام والمعنى من أعمر أرضًا (ليست لأحد) بالإحياء (فهو أحق) وحذف متعلق أحق للعلم به وعند الإسماعيلى فهو أحق بها أي من غيره. (قال عروة) بن الزبير بن العوّام بالإسناد المذكور إليه: (قضى به) أي بالحكم المذكور (عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- في خلافته) وهذا مرسل لأن عروة ولد في خلافة عمر قاله خليفة وما سبق أول الباب عن عمر هو من قوله وهذا من فعله. قال البيضاوي: مفهوم هذا الحديث أن مجرد التحجّر والإعلام لا يملك به بل لا بدّ من العمارة وهي تختلف باختلاف المقاصد انتهى. فمن شرع في الإحياء لموات من حفر أساس وجمع تراب ونحوهما ولم يتمه أو نصب عليه علامة للإحياء كغرز خشبة فهو متحجر لا مالك لأن سبب الملك الإحياء ولم يوجد ولو تحجر فوق كفايته أو ما يعجز عن إحيائه فلغيره إحياء الزائد فإن تحجر ولم يعمر بلا عذر أمره الإمام بالإحياء أو يرفع يده عنه لأنه ضيق على الناس في حق مشترك فيمنع من ذلك وأمهله مدة قريبة يستعد فيها للعمارة بحسب ما يراه فإن مضت مدة المهلة ولم يعمر بطل حقه ولو بادر أجنبي فأحيا متحجر الآخر ملكه وإن لم يأذن له الإمام. وقال الحنفية: من حجر أرضًا ولم يعمرها ثلاث سنين دفعت إلى غيره لقول عمر -رضي الله عنه- ليس لمتحجر بعد ثلاث سنين حق ولو أحياها غيره قبل انقضاء هذه المدة ملكها لأن الأول كان مستحقًا لها من جهة التعلق لا من جهة التملك كما في السوم على سوم غيره. وهذا الحديث من أفراد المصنف ونصف إسناده الأول مصريون بالميم والثاني مدنيون. 16 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة فهو كالفصل من سابقه. 2336 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُرِيَ وَهْوَ فِي مُعَرَّسِهِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي بَطْنِ الْوَادِي فَقِيلَ لَهُ: إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ. فَقَالَ مُوسَى: وَقَدْ أَنَاخَ بِنَا سَالِمٌ بِالْمُنَاخِ الَّذِي كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُنِيخُ بِهِ يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهْوَ أَسْفَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري المؤدب المديني (عن موسى بن عقبة) الأسدي المديني (عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُري) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أي في المنام (وهو في معرّسه) بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الراء المفتوحة وبالسين المهملة موضع التعريس وهو نزول المسافر آخر الليل للاستراحة وكان نزوله عليه الصلاة والسلام (بذي الحليفة) وللكشميهني: من ذي الحليفة (في بطن الوادي) أي وادي العقيق (فقيل له: إنك ببطحاء مباركة، فقال موسى) بن عقبة (وقد أناخ بنا سالم) هو ابن عبد الله بن عمر (بالمناخ) بضم الميم آخره خاء معجمة أي المبرك (الذي كان عبد الله) أبوه (ينيخ) أي يبرك (به) راحلته حال كونه (يتحرى) بالحاء المهملة وتشديد الراء يقصد (معرّس) بفتح الراء المشددة مكان تعريس (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو) أي المكان (أسفل) بالرفع (من المسجد الذي) كان إذ ذاك (ببطن الوادي بينه) أي بين المعرس (وبين الطريق وسط من ذلك) بفتح السين أي متوسط بين بطن الوادي وبين الطريق. وقد استشكل دخول هذا الحديث هنا. وأجيب: بأنه أشار به إلى أن ذا الحليفة لا يملك بالإحياء لما في ذلك من منع الناس النزول به وأن الموات يجوز الانتفاع به وأنه غير مملوك لأحد وهذا كافٍ في وجه دخوله. 2337 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اللَّيْلَةَ أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي وَهْوَ بِالْعَقِيقِ أَنْ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ». وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (أخبرنا شعيب بن إسحاق) الدمشقي (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (يحيى) بن أبي كثير (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-

17 - باب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله -ولم يذكر أجلا معلوما- فهما على تراضيهما

عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الليلة) بالنصب (أتاني آتٍ من ربي) هو جبريل عليه السلام (وهو بالعقيق أن صلّ) بفتح الهمزة (في هذا الوادي المبارك) أي وادي العقيق (وقل) هذه (عُمرة في حجة) وللحموي والمستملي وقال بلفظ الماضي عمرة بالنصب. وهذان الحديثان قد سبقا في الحج. 17 - باب إِذَا قَالَ رَبُّ الأَرْضِ أُقِرُّكَ مَا أَقَرَّكَ اللَّهُ -وَلَمْ يَذْكُرْ أَجَلاً مَعْلُومًا- فَهُمَا عَلَى تَرَاضِيهِمَا هذا (باب) بالتنوين (إذا قال رب الأرض) مالكها للمزارع (أقرّك) بضم الهمزة (ما أقرك الله) أي مدّة إقرار الله إياك (و) الحال أن رب الأرض (لم يذكر أجلاً معلومًا) أي مدة معلومة (فهما) أي رب الأرض والمزارع (على تراضيهما) أي الذي تراضيا عليه. 2338 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى أَخْبَرَنَا نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنهما- أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا، وَكَانَتِ الأَرْضُ حِينَ ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَأَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا فَسَأَلَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُقِرَّهُمْ بِهَا أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا، فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلاَهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ". وبه قال: (حدّثنا أحمد بن المقدام) بكسر الميم ابن سليمان أبو الأشعث العجلي البصري قال: (حدّثنا فضيل بن سليمان) بضم أوّلهما النميري قال: (حدّثنا موسى) بن عقبة قال: (أخبرنا نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال عبد الرزاق) بن همام الحميري فيما وصله الإمام أحمد ومسلم: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: حدّثني) بالإفراد (موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- أجلى) بالجيم أي أخرج (اليهود والنصارى من أرض الحجاز) لأنه لم يكن لهم عهد من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بقائهم في الحجاز دائمًا بل كان موقوفًا على مشيئته والحجاز كما قاله الواقدي من المدينة إلى تبوك ومن المدينة إلى طريق الكوفة، وقال غيره: مكة والمدينة واليمامة ومخالفيها. وقال ابن عمر مما هو موصول له: (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما ظهر) أي غلب (على خيبر أراد إخراج اليهود منها وكانت الأرض حين ظهر) أي غلب عليه الصلاة والسلام (عليها لله ولرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وللمسلمين) كانت خيبر فتح بعضها صلحًا وبعضها عنوة فالذي فتح عنوة كان جميعه لله ولرسوله وللمسلمين والذي فتح صلحًا كان لليهود ثم صار للمسلمين بعقد الصلح (وأراد) عليه الصلاة والسلام (إخراج اليهود منها) أي من خيبر (فسألت اليهود رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليقرّهم بها) بضم الياء وكسر القاف ونصب الراء ليسكنهم بخيبر (أن) أي بأن (يكفّوا عملها) أي بكفاية عمل نخلها ومراعيها والقيام بتعهدها وعمارتها فأن مصدرية (ولهم نصف الثمر) الحاصل من الأشجار (فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (نقرّكم بها على ذلك) الذي ذكرتموه من كفاية العمل ونصف الثمرة لكم (ما شئنا) استدلّ به الظاهرية على جواز المساقاة مدة مجهولة. وأجاب عنه الجمهور بأن المراد أن المساقاة ليست عقدًا مستمرًا كالبيع بل بعد انقضاء مدّتها إن شئنا عقدنا عقدًا آخر وإن شئنا أخرجناكم (فقروا بها) بفتح القاف وتشديد الراء أي سكنوا بخيبر (حتى أجلاهم) أخرجهم (عمر) -رضي الله عنه- منها (إلى تيماء) بفتح الفوقية وسكون الياء التحتية ممدودًا قرية من أمهات القرى على البحر من بلاد طيئ (وأريحاء) بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون الياء التحتية وبالحاء المهملة ممدودًا قرية من الشام سميت بأريحاء بن الملك بن أرفخشذ بن سام بن نوح، وإنما أجلاهم عمر لأنه عليه الصلاة والسلام عهد عند موته أن يخرجوا من جزيرة العرب. ومطابقة هذا الحديث للترجمة في قوله نقرّكم بها على ذلك ما شئنا. وهذا الحديث أخرجه موصولاً من طريق فضيل ومعلقًا من طريق ابن جريح وساقه على لفظ الرواية المعلقة، وسيأتي إن شاء الله تعالى لفظ رواية فضيل في كتاب الخمس. 18 - باب مَا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُوَاسِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الزِّرَاعَةِ وَالثَّمَرَةِ (باب ما كان أصحاب النبي) ولأبي ذر: من أصحاب النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يواسي بعضهم بعضًا في الزراعة والثمرة) ولأبي ذر والثمر. 2339 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ أَبِي النَّجَاشِيِّ مَوْلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَمِّهِ ظُهَيْرِ بْنِ رَافِعٍ قَالَ ظُهَيْرٌ: "لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَمْرٍ كَانَ بِنَا رَافِقًا. قُلْتُ: مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهْوَ حَقٌّ. قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ؟ قُلْتُ: نُؤَاجِرُهَا عَلَى الرُّبُعِ وَعَلَى الأَوْسُقِ مِنَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ. قَالَ: لا تَفْعَلُوا، ازْرَعُوهَا، أَوْ أَزْرِعُوهَا، أَوْ أَمْسِكُوهَا. قَالَ رَافِعٌ: قُلْتُ سَمْعًا وَطَاعَةً". [الحديث 2339 - طرفاه في: 2346، 4012]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) أبو الحسن المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (عن أبي النجاشي) بفتح النون وتخفيف الجيم وكسر الشين المعجمة عطاء بن صهيب التابعي (مولى رافع بن خديج) أنه قال: (سمعت رافع بن خديج بن رافع) الأنصاري

(عن عمه ظهير بن رافع) بضم الظاء المعجمة مصغرًا (قال ظهير: لقد نهانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أمر كان بنا رافقًا) أي ذا رفق وانتصابه على أنه خبر كان واسمها الضمير الذي في كان قال رافع (قلت) لظهير (ما قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو حق) لأنه ما ينطق عن الهوى (قال: دعاني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي فلما أتيته (قال): (ما تصنعون بمحاقلكم)؟ بفتح الميم والحاء المهملة بمزارعكم. قال ظهير: (قلت نؤاجرها على الربع) بضم الراء والموحدة وتسكن، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: على الربيع بضم الراء وفتح الموحدة وسكون التحتية تصغير الربع، وفي رواية على الربيع بفتح الراء وكسر الموحدة وهو النهر الصغير أي على الزرع الذي هو عليه، والمعنى أنهم كانوا يكرون الأرض ويشترطون لأنفسهم ما ينبت على النهر (وعلى الأوسق من التمر والشعير) والواو بمعنى أو (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا تفعلوا) وهذه صيغة النهي المذكور أول الحديث حيث قال لقد نهانا (ازرعوها) أنتم بهمزة وصل تكسر وبفتح الراء (أو أزرعوها) بهمزة قطع مفتوحة وكسر الراء أي أعطوها لغيركم يزرعها بغير أجرة (أو أمسكوها) بهمزة قطع مفتوحة وكسر السين أي اتركوها معطلة وأو للتخيير لا للشك. (قال رافع: قلت سمعًا وطاعة) نصب بتقدير أسمع كلامك سمعًا وأطيعك طاعة ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف تقديره أي كلامك وأمرك سمع أي مسموع وفيه مبالغة وكذلك طاعة يعنى مطاع أو أنت مطاع فيما تأمر به. وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع والنسائي في المزارعة وابن ماجة في الأحكام. 2340 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانُوا يَزْرَعُونَهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، أَوْ لِيَمْنَحْهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ". [الحديث 2340 - طرفه في: 2632]. وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن موسى) أبو محمد العبسي الكوفي قال: (أخبرنا الأوزاعي) عبد الرحمن (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) والظاهر أن الأوزاعي كان يرويه عن أبي النجاشي عطاء وعن عطاء بن أبي رباح كل واحد منهما بسنده أنه (قال: كانوا) أي الصحابة في عصر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يزرعونها) أي الأرض وسقط لغير أبي ذر النون قبل الهاء من يزرعونها (بالثلث والربع والنصف) بما يخرج منها والواو في الموضعين بمعنى أو (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها) بفتح النون أي يجعلها منيحة أي عطية وهذه مفسرة لقوله في الحديث السابق: أو ازرعوها. ولمسلم: من كانت له أرض فليزرعها فإن عجز عنها فليمنحها أخاه المسلم ولا يؤاجرها (فإن لم يفعل فليمسك أرضه). 2341 - وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ». (قال الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة (ابن نافع أبو توبة) بفتح الفوقية والموحدة بينهما واو ساكنة الحافظ الثقة وكان يعدّ من الإبدال وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الطلاق وتوفي سنة إحدى وأربعين ومائتين فيما وصله مسلم: (حدّثنا معاوية) بن سلام بتشديد اللام (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه) المسلم (فإن أبى) قبولها (فليمسك أرضه) وزاد في هذه أخاه كرواية جابر في باب فضل المنيحة. 2342 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: ذَكَرْتُهُ لِطَاوُسٍ فَقَالَ يُزْرِعُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلَكِنْ قَالَ: أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مَعْلُومًا". وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وفتح الصاد المهملة ابن عقبة الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عمرو) هو ابن دينار أنه (قال ذكرته) أي حديث رافع بن خديج المذكور آنفًا (لطاوس فقال) طاوس: (يزرع) بضم أوله وكسر ثالثه من الإزراع أي يزرع غيره بالكراء (قال ابن عباس -رضي الله عنهما-) تعليل من جهة طاوس لقوله يزرع (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينه عنه) أي لم يحرّمه وصرّح بذلك الترمذي ولفظه عن ابن عباس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يحرّم المزارعة (ولكن قال): (أن يمنح) بفتح الهمزة ونصب يمنح ولأبي ذر أن يمنح بكسر الهمزة على أن إن شرطية ويمنح مجزوم بها أي يعطي (أحدكم أخاه) المسلم أرضه ليزرعها (خير له من أن يأخذ) أي من أخذه (شيئًا معلومًا)

19 - باب كراء الأرض بالذهب والفضة

لأنهم كانوا يتنازعون في كراء الأرض حتى أفضى بهم إلى التقاتل بسبب كون الخراج واجبًا لأحدهما على صاحبه فرأى أن المنحة خير لهم من المزارعة التي توقع بينهم مثل ذلك. وفي الطحاوي التصريح بعلة النهي ولفظه عن زيد بن ثابت أنه قال: يغفر الله لرافع بن خديج أنا والله كنت أعلم منه بالحديث إنما جاء رجلان من الأنصار إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد اقتتلا فقال: إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع فسمع قوله لا تكروا المزارع. قال الطحاوي: فهذا زيد بن ثابت يخبر أن قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تكروا المزارع النهي الذي قد سمعه رافع لم يكن من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على وجه التحريم وإنما كان لكراهية وقوع الشر بينهم. وهذا الحديث قد سبق في باب إذا لم يشترط السنين في المزارعة. 2343 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ: "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَصَدْرًا مِنْ إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ". [الحديث 2343 - طرفه في: 2345]. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي بمعجمة فمهملة قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن أيوب) السختياني (عن نافع أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان يكري) بضم أوّله من أكرى أرضه يكريها (مزارعه) بفتح الميم (على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر وعمر وعثمان) أيام خلافتهم (وصدرًا من إمارة معاوية) بكسر الهمزة ولم يقل خلافته لأنه أي ابن عمر كان لا يبايع لمن لم يجتمع عليه الناس ومعاوية لم يجتمع عليه الناس، ولذا لم يبايع لابن الزبير ولا لعبد الملك في حال اختلافهما ولم يذكر علي بن أبي طالب فيحتمل أن يكون لأنه لم يزرع في أيامه. 2344 - ثُمَّ حُدِّثَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ، فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى رَافِعٍ، فَذَهَبْتُ مَعَهُ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ عَلِمْتَ أَنَّا كُنَّا نُكْرِي مَزَارِعَنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا عَلَى الأَرْبِعَاءِ وَبِشَىْءٍ مِنَ التِّبْنِ". (ثم حدّث) بضم الحاء المهملة وتشديد الدال المكسورة ابن عمر (عن رافع بن خديج) وللكشميهني: ثم حدّث رافع بن خديج بفتح أول حدث وحذف عن (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن كراء المزارع فذهب ابن عمر) -رضي الله عنهما- (إلى رافع) قال نافع (فذهبت معه) أي مع ابن عمر (فسأله) أي فسأل ابن عمر رافعًا (فقال) رافع (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن كراء المزارع فقال ابن عمر: قد علمت) يا رافع (أنّا كنّا نكري مزارعنا على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما) ينبت (على الأربعاء) بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الموحدة ممدودًا جمع ربيع وهو النهر الصغير (وبشيء من التبن) بالموحدة الساكنة وحاصل حديث ابن عمر هذا أنه ينكر على رافع إطلاقه في النهي عن كراء الأراضي، ويقول الذي نهى عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الذي كانوا يدخلون فيه الشرط الفاسد وهو أنهم يشترطون ما على الأربعاء وطائفة من التبن وهو مجهول، وقد يسلم هذا ويصيب غيره آفة أو بالعكس فتقع المزارعة ويبقى المزارع أو رب الأرض بلا شيء. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن رافع بن خديج لما روى النهي عن كراء المزارع يلزم منه عادة أن أصحاب الأرض إنما يزرعون بأنفسهم أو يمنحون بها لمن يزرع من غير بدل فتحصل فيه المواساة. 2345 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنْتُ أَعْلَمُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ الأَرْضَ تُكْرَى. ثُمَّ خَشِيَ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَحْدَثَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ، فَتَرَكَ كِرَاءَ الأَرْضِ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة ونسبه لجدّه لشهرته واسم أبيه عبد الله المخزومي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم أن) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: كنت أعلم في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الأرض تكرى) بضم أوّله وفتح الراء (ثم خشي عبد الله) بن عمر (أن يكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أحدث في ذلك شيئًا لم يكن يعلمه) ولأبي ذر: علمه أي حكم بما هو ناسخ لما كان يعلمه من جواز الكراء (فترك كراء الأرض). وهذا الحديث ساقه هنا مختصرًا، وقد أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق شعيب بن الليث عن أبيه مطوّلاً وأوّله أن عبد الله كان يكري أرضه حتى بلغه أن رافع بن خديج ينهى عن كراء الأرض فلقيه فقال: يا ابن خديج ما هذا؟ قال: سمعت عميّ وكانا قد شهدا بدرًا يحدثان أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن كراء الأرض فقال عبد الله قد كنت أعلم فذكره، وقد احتج بهذا من كره إجارة الأرض بجزء مما يخرج منها وقد مرّ قريبًا. 19 - باب كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ أَمْثَلَ مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ أَنْ تَسْتَأْجِرُوا الأَرْضَ الْبَيْضَاءَ مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ. (باب) جواز (كراء الأرض بالذهب والفضة. وقال

20 - باب

ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله الثوري في جامعه بإسناد صحيح (إن أمثل) أفضل (ما أنتم صانعون أن تستأجروا الأرض البيضاء) زاد الثوري ليس فيها شجر (من السنة إلى السنة). 2346، 2347 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: "حَدَّثَنِي عَمَّاىَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُكْرُونَ الأَرْضَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا يَنْبُتُ عَلَى الأَرْبِعَاءِ أَوْ شَىْءٍ يَسْتَثْنِيهِ صَاحِبُ الأَرْضِ، فَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ. فَقُلْتُ لِرَافِعٍ: فَكَيْفَ هِيَ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ؟ فَقَالَ رَافِعٌ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ". وَقَالَ اللَّيْثُ: وَكَانَ الَّذِي نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ مَا لَوْ نَظَرَ فِيهِ ذَوُو الْفَهْمِ بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ لَمْ يُجِيزُوهُ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُخَاطَرَةِ. [الحديث 2347 - طرفه في: 4013]. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين ابن فرّوخ قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) واسمه فروخ مولى المنكدر بن عبد الله (عن حنظلة بن قيس) بالحاء المهملة والظاء المعجمة الزرقي الأنصاري (عن رافع بن خديج) أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عماي) أحدهما ظهير بن رافع المذكور قريبًا وسمى الآخر بعض من صنف في المبهمات مظهرًا بميم مضمومة وظاء معجمة مفتوحة وهاء مشددة مكسورة وراء كما ضبطه عبد الغني وابن ماكولا. وقال الكلاباذي: لم أقف على اسمه، وقيل اسمه مهير بوزن أخيه ظهير مصغرًا فعند أبي علي بن أبي السكن من طريق سعيد بن أبي عروبة عن يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار عن رافع بن خديج أن بعض عمومته قال سعيد: زعم قتادة أن اسمه مهير فذكر الحديث. قال في الفتح: فهذا أولى أن يعتمد (أنهم) أي الصحابة (كانوا يكرون الأرض على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما ينبت) فيها (على الأربعاء) جمع ربيع وهو النهر الصغير (أو شيء) ولأبي ذر: أو بشيء بموحدة كالثلث أو الربع (يستثنيه صاحب الأرض) من المزروع لأجله (فنهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك) لما فيه من الجهل قال حنظلة بن قيس: (فقلت لرافع فكيف هي) أي كيف حكمها (بالدينار والدرهم؟ فقال رافع) بطريق الاجتهاد (ليس بها بأس بالدينار والدرهم) أو علم ذلك بطريق التنصيص على جوازه أو علم أن جواز الكراء بالدينار والدرهم غير داخل في النهي عن كراء الأرض بجزء مما يخرج منها. وقد أخرج أبو داود والنسائي بإسناد صحيح من طريق سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن المحاقلة والمزابنة وقال: إنما يزرع ثلاثة رجل له أرض ورجل منح أرضًا ورجل اكترى أرضًا بذهب أو فضة وهو يرجح أن ما قاله رافع مرفوع، لكن بيّن النسائي من وجه آخر أن المرفوع منه النهي عن المحاقلة والمزابنة وأن بقيته مدرجة من كلام سعيد بن المسيب. (وقال الليث) بن سعد الإمام مما هو موصول بالسند المذكور ولأبي ذر قال أبو عبد الله أي البخاري من هاهنا قال الليث: أراه بضم الهمزة أي أظن شيخي ربيعة المذكور: (وكان الذي نهي) بضم النون وكسر الهاء (عن) ولأبوي ذر والوقت: من (ذلك ما لو نظر فيه ذوو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه) وفي رواية النسفيّ وابن شبويه ذو الفهم بالحلال والحرام لم يجزه بالإفراد فيهما (لما فيه من المخاطرة) وهي الإشراف على الهلاك وهذا موافق ما عليه الجمهور من حمل النهي عن كراء الأرض على الوجه المفضي إلى الغرر والجهالة لا عن كرائها مطلقًا بالذهب والفضة، وقد سقطت هذه المقالة المذكورة عن الليث جميعها عند النسفيّ وابن شبويه فيما قاله الحافظ ابن حجر فتكون مدرجة عندهما في نفس الحديث، ولم يذكر النسائي ولا الإسماعيلي في روايتهما لهذا الحديث من طريق الليث هذه الزيادة. قال التوربشتي: لم يظهر لي هل هذه الزيادة من الرواة أم من قول البخاري. وقال البيضاوي: الظاهر من السياق أنها من كلام رافع انتهى. قال الحافظ ابن حجر: وقد تبيّن برواية أكثر الطرق في البخاري أنها من كلام الليث. وفي هذا الحديث رواية تابعي عن تابعي وهما ربيعة وحنظلة ورواية صحابي عن صحابيين. 20 - باب هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة. 2348 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلاَلٌ ح. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ -وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ- أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ. قَالَ فَبَذَرَ، فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ، فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَىْءٌ. فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: وَاللَّهِ لاَ تَجِدُهُ إِلاَّ قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ. فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 2348 - طرفه في: 7519]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون وبعد الألف نون أخرى قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة ابن سليمان قال: (حدّثنا هلال) هو ابن علي المعروف بابن أسامة. قال المؤلّف بالسند (ح). (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو بن قيس العقدي

21 - باب ما جاء في الغرس

قال: (حدّثنا فليح) هو ابن سليمان (عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار) بالتحتية والمهملة المخففة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يومًا يحدّث) أصحابه (وعنده رجل من أهل البادية) لم يسم والواو للحال. (أن رجلاً من أهل الجنة) بفتح همزة أن لأنه في موضع المفعول (استأذن ربه) عز وجل أي يستأذن ربه فأخبر عن الأمر المحقق الآتي بلفظ الماضي (في) أن يباشر (الزرع) يعني سأله تعالى أن يزرع (فقال) ربه تعالى: (له ألست) وفي رواية محمد بن سنان: أو لست بزيادة واو استفهام تقريري يعني أو لست كائنًا (فيما شئت) من المشتهيات (قال بلى) الأمر كذلك (ولكني) بالياء بعد النون ولأبي ذر ولكن (أحب أن أزرع) فأذن له (قال فبذر) بالذال المعجمة أي ألقى البذر على أرض الجنة (فبادر) بالدال المهملة وفي رواية محمد بن سنان فأسرع فبادر (الطرف) بفتح الطاء وسكون الراء نصب على المفعولية لقوله (نباته واستواؤه واستحصاده) من الحصد وهو قلع الزرع (فكان أمثال الجبال) يعني أنه لما بذر لم يكن بين ذلك وبين استواء الزرع ونجاز أمره كله من الحصد والتذرية والجمع إلا كلمح البصر وكان كل حبة منه مثل الجبل وفيه أن الله تعالى أغنى أهل الجنة فيها عن تعب الدنيا ونصبها (فيقول الله تعالى دونك) بالنصب على الإغراء أي خذه (يا ابن آدم فإنه) أي فإن الشأن (لا يشبعك شيء فقال الأعرابي) أي ذلك الرجل الذي من أهل البادية (والله لا تجده إلا قرشيًا أو أنصاريًّا فإنهم) أي قريشًا والأنصار (أصحاب زرع وأما نحن) أي أهل البادية (فلسنا بأصحاب زرع فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). فإن قلت: ما وجه إدخال هذا الحديث هنا؟ أجاب ابن المنير للتنبيه على أن أحاديث المنع من الكراء إنما جاءت على الندب لا على الإيجاب لأن العادة فيما يحرص عليه ابن آدم أشد الحرص أن لا يمنع من الاستمتاع به وبقاء حرص هذا الحريص من أهل الجنة على الزرع وطلب الانتفاع به حتى في الجنة دليل على أنه مات على ذلك لأن المرء يموت على ما عاش عليه ويبعث على ما مات عليه، فدل ذلك على آخر عهدهم من الدنيا جواز الانتفاع بالأرض واستثمارها ولو كان كراؤها محرمًا عليه لفطم نفسه عن الحرص عليها حتى لا يثبت هذا القدر في ذهنه هذا الثبوت انتهى. وهذا الحديث هو لفظ الإسناد الثاني ومتن السند الأول يأتي في التوحيد إن شاء الله تعالى. 21 - باب مَا جَاءَ فِي الْغَرْسِ (باب ما جاء في الغرس). 2349 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّا كُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ سِلْقٍ لَنَا كُنَّا نَغْرِسُهُ فِي أَرْبِعَائِنَا فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ لَهَا، فَتَجْعَلُ فِيهِ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ -لاَ أَعْلَمُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِيهِ شَحْمٌ وَلاَ وَدَكٌ- فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ زُرْنَاهَا فَقَرَّبَتْهُ إِلَيْنَا، فَكُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَمَا كُنَّا نَتَغَدَّى وَلاَ نَقِيلُ إِلاَّ بَعْدَ الْجُمُعَةَ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا يعقوب) القاريّ بغير همز نسبة إلى قارة حيّ من العرب، ولأبي ذر: يعقوب بن عبد الرحمن وأصله مدني سكن الإسكندرية (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج المدني (عن سهل بن سعد) الأنصاري الساعدي (-رضي الله عنه- أنه قال: إنّا كنّا نفرح) ولأبوي ذر والوقت عن الكشميهني: إن بسكون النون كنا لنفرح (بيوم الجمعة كانت لنا عجوز) لم تسم (تأخذ من أصول سلق لنا) بكسر السين المهملة (كنا نغرسه في أربعائنا) نهرنا الصغير أو ساقيتنا الصغيرة (فتجعله في قدر لها فتجعل فيه حبات من شعير) قال يعقوب: (لا أعلم إلا أنه قال ليس فيه شحم ولا ودك) بفتح الواو والدال المهملة دسم اللحم (فإذا صلينا الجمعة زرناها) أي العجوز (فقربته إلينا) زاد في الجمعة فنلعقه (فكنا نفرح بيوم الجمعة من أجل ذلك) الذي تصنعه العجوز (وما كنا نتغدى ولا نقيل) من القيلولة (إلا بعد) صلاة (الجمعة) وموضع الترجمة من الحديث قوله كنا نغرسه في أربعائنا، وقد سبق في باب قول الله عز وجل: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} [لجمعة: 10] في آخر كتاب الجمعة. 2350 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "يَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ، وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ، وَيَقُولُونَ: مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لاَ يُحَدِّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ؟ وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ، وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا: لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ثَوْبَهُ -حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ- ثُمَّ يَجْمَعَهُ إِلَى صَدْرِهِ فَيَنْسَى مِنْ مَقَالَتِي شَيْئًا أَبَدًا، فَبَسَطْتُ نَمِرَةً لَيْسَ عَلَىَّ ثَوْبٌ غَيْرَهَا حَتَّى قَضَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقَالَتَهُ ثُمَّ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ إِلَى يَوْمِي هَذَا. وَاللَّهِ لَوْلاَ آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا أَبَدًا {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} - إِلَى - {الرَّحِيمُ}. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري البصري قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: يقولون إن أبا هريرة يكثر

42 - كتاب [الشرب و] المساقاة

الحديث) أي روايته، وفي كتاب العلم قال: إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة وسقط قوله هنا الحديث عند أبي ذر (والله الموعد) بفتح الميم وكسر العين المهملة بينهما واو ساكنة وهو مصدر ميمي أو ظرف زمان أو مكان وعلى كل تقدير لا يصح أن يخبر به عن الله تعالى فلا بد من إضمار وتقديره في كونه مصدرًا والله الواعد وإطلاق المصدر على الفاعل للمبالغة يعني الواعد في فعله للخير والشر، والوعد يستعمل في الخير والشر يقال: وعدته خيرًا ووعدته شرًّا فإذا أسقط الخير والشر يقال في الخير الوعد والعدة وفي الشر الإيعاد والوعيد وتقديره في كونه ظرف زمان وعند الله الموعد يوم القيامة وتقديره في كونه ظرف مكان وعند الله الموعد في الحشر والمعنى على كل تقدير فالله تعالى يحاسبني إن تعمدت كذبًا ويحاسب من ظن بي السوء، (ويقولون) أي الناس (ما للمهاجرين والأنصار لا يحدّثون مثل أحاديثه) أي أبي هريرة (وإن إخوتي من المهاجرين) كلمة من بيانية (كان يشغلهم) بفتح الغين المعجمة (الصفق بالأسواق) كناية عن التبايع (وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم) في الزراعة والغراسة وهذا موضع الترجمة (وكنت امرأً مسكينًا) أي من مساكين الصفة (ألزم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ملء بطني) بكسر الميم (فأحضر) مجلس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حين يغيبون) أي الأنصار والمهاجرون (وأعي) أي أحفظ (حين ينسون وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا) من الأيام: (لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يجمعه) بالنصب عطفًا على قوله لن يبسط أي يجمع الثوب (إلى صدره فينسى من مقالتي شيئًا أبدًا) والمعنى أن البسط المذكور والنسيان لا يجتمعان لأن البسط الذي بعده الجمع المتعقب للنسيان منفي فعند وجود البسط ينعدم النسيان وبالعكس (فبسطت نمرة) بفتح النون وكسر الميم بردة من صوف يلبسها الأعراب والمراد بسط بعضها لئلا يلزم كشف عورته (ليس عليّ ثوب غيرها) أي غير النمرة (حتى قضى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقالته ثم جمعتها إلى صدري فو) الله (الذي بعثه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الثقلين (بالحق ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا) ولمسلم من رواية يونس فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئًا حدّثني به وهو يدل على العموم لأن تنكير شيئًا بعد النفي يدل على العموم لأن النكرة في سياق النفي تدل عليه فدلّ على العموم في عدم النسيان لكل شيء من الحديث وغيره لا أنه خاص بتلك المقالة كما يعطيه ظاهر قوله من مقالته تلك، ويعضد العموم ما في حديث أبي هريرة أنه شكا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ينسى ففعل ما فعل ليزول عنه النسيان ويحتمل أن يكون وقعت له قضيتان فالقضية التي رواها الزهري مختصّة بتلك المقالة والأخرى عامّة. (والله لولا آيتان) موجودتان (في) وفي نسخة: من (كتاب الله ما حدّثتكم) فيه حذف اللام من جواب لولا وهو جائز والأصل لما حدثتكم شيئًا أبدًا {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات} [البقرة: 159] (إلى قوله: {الرحيم}) [البقرة: 160] ولأبي ذر {من البينات والهدى} إلى {الرحيم} وفي هذا وعيد شديد لمن كتم ما جاءت به الرسل من الدلالات البينة الصحيحة والهدى النافع للقلوب من بعد ما بيّنه الله تعالى لعباده في كتبه التي أنزلها على رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وقد مضى هذا الحديث في باب حفظ العلم في كتاب العلم أخصر من هذا والله الموفق والمعين. بسم الله الرحمن الرحيم 42 - كتاب [الشرب و] المساقاة (بسم الله الرحمن الرحيم). (كتاب [الشرب و] المساقاة) هي مأخوذة من السقي المحتاج إليه فيها غالبًا لأنه أنفع أعمالها وأكثرها مؤونة وحقيقتها أن يعامل غيره على نخل أو شجر عنب ليتعهده بالسقي والتربية على أن الثمرة لهما والمعنى فيها أن مالك الأشجار قد لا يحسن تعهدها أو لا يتفرّغ له ومن يحسن ويتفرّغ قد لا يملك الأشجار فيحتاج ذاك إلى الاستعمال وهذا إلى العمل ولو اكترى المالك لزمته الأجرة في الحال وقد لا يحصل له شيء من الثمار ويتهاون العامل فيها فدعت الحاجة إلى تجويزها.

1 - باب في الشرب، وقول الله تعالى: {وجعلنا من الماء كل شىء حى أفلا يؤمنون}

1 - باب فِي الشُّرْبِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ} وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ}. الأُجَاجُ: الْمُرُّ. الْمُزْنُ: السَّحَابُ. هذا (باب) بالتنوين (في الشرب) بكسر الشين المعجمة أي باب الحكم في قسمة الماء والشرب بالكسر في الأصل النصيب والحظ من الماء وفي الفرع بضمها وعزاه عياض للأصيلي قال والكسر أولى. وقال السفاقسي: من ضبطه بالضم أراد المصدر وقال غيره المصدر مثلث وسقط لأبي ذر كتاب المساقاة ولفظ باب. قال ابن حجر: ولا وجه لقوله كتاب المساقاة فإن الترجمة التي فيه غالبها تتعلق بإحياء الموات. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه ({وجعلنا من الماء كل شيء حيّ}) بالجر صفة لشيء أي كل حيوان كقوله تعالى: {والله خلق كل دابة من ماء} [النور: 45] أو كأنما خلقناه من ماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبره عنه كقوله تعالى: {خلق الإنسان من عجل} [الأنبياء: 37] أو المعنى صيّرنا كل شيء حيّ بسبب من الماء لا يحيا دونه وفي حديث أبي هريرة عند الإمام أحمد قال قلت يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني فأنبئني عن كل شيء. قال "كل شيء خلق من الماء" الحديث وإسناده على شرط الشيخين إلا أبا ميمونة فمن رجال السنن واسمه سليم والترمذي يصحح له، وروى ابن أبي حاتم عن أبي العالية أن المراد بالماء النطفة {أفلا يؤمنون} [الأنبياء: 30] مع ظهور الآيات. (وقوله جلّ ذكره: {أفرأيتم الماء الذي تشربون}) أي العذب الصالح للشرب ({أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون}) بقدرتنا ({لو نشاء جعلناه أجاجًا فلولا تشكرون}) [الواقعة: 68 و69 و70] قال البخاري تبعًا لأبي عبيد: (الأجاج: المرّ) وقيل هو الشديد الملوحة أو المرارة أو الحارّ حكاه ابن فارس. وقال المؤلّف تبعًا لقتادة ومجاهد فيما أخرجه الطبري عنهما (المزن: السحاب) وقيل هو الأبيض وماؤه أعذب، وفي رواية المستملي أجاجًا منصبًا وهو موافق لتفسير ابن عباس وقتادة ومجاهد فيما أخرجه الطبري المزن: السحاب، الأجاج: المرّ، فراتًا: عذابًا. وعن السدي فيما رواه ابن أبي حاتم العذب: الفرات الحلو. وقوله ثجاجًا وفراتًا ذكرهما هنا استطرادًا على عادته في زيادته فرائد الفوائد ولفظ رواية أبي ذر {أفرأيتم الماء الذي تشربون} إلى قوله: {فلولا تشكرون}. وقد أورد الزمخشري هنا سؤالاً فقال: فإن قلت: لِمَ أدخلت اللام على جواب "لو" في قوله تعالى: {لو نشاء لجعلناه حطامًا} [الواقعة: 65] ونزعت منه هاهنا. وأجاب بأن "لو" لما كانت داخلة على جملتين معلقة ثانيتهما بالأولى تعلق الجزاء بالشرط ولم تكن مخلصة للشرط كان ولا عاملة مثلها، وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقًا من حيث إفادتها في مضمون جملتيها أن الثاني امتنع لامتناع الأوّل افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علمًا على هذا التعلق فزيدت هذه اللام لتكون علمًا على ذلك فإذا حذفت بعدما صارت علمًا مشهورًا مكانه فلأن الشيء إذا علم وشهر موقعه وصار مألوفًا ومأنوسًا به لم يبالِ بإسقاطه عن اللفظ استغناء بمعرفة السامع أو أن هذه اللام مفيدة معنى التوكيد لا محالة فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أن أمر المطعوم مقدّم على أمر المشروب وأن الوعيد بفقده أشد وأصعب من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعًا للمطعوم ولهذا قدّمت آية المطعوم على آية المشروب انتهى. 1 - باب فِي الشُّرْبِ وَمَنْ رَأَى صَدَقَةَ الْمَاءِ وَهِبَتَهُ وَوَصِيَّتَهُ جَائِزَةً، مَقْسُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَقْسُومٍ وَقَالَ عُثْمَانُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلاَءِ الْمُسْلِمِينَ» فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ -رضي الله عنه-. هذا (باب) بالتنوين (في الشرب) بضم المعجمة (ومن رأى) ولأبي ذر: باب من رأى (صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة مقسومًا كان أو غير مقسوم، وقال عثمان) بن عفان -رضي الله عنه- فيما وصله الترمذي والنسائي وابن خزيمة (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من يشتري بئر رومة) بإضافة بئر إلى رومة بضم الراء وسكون الواو فميم فهاء بئر معروفة بالمدينة (فيكون دلوه فيها) أي في البئر المذكور (كدلاء المسلمين) يعني يوقفها ويكون حظه منها كحظ غيره منها من غير مزية (فاشتراها عثمان -رضي الله عنه-) ووقفها على الفقير والغني وابن السبيل، وقد تمسك به من جوّز الوقف على النفس. وأجيب: بأنه كما لو وقف على الفقراء ثم صار فقيرًا فإنه يجوز له الأخذ منه ورومة قيل إنه علم على صاحب البئر وهو رومة الغفاري كما ذكره ابن منده فقال يقال: إنه أسلم

روى حديثه عبد الله بن عمر بن أبان عن المحاربي عن أبي مسعود عن أبي سلمة بشير بن بشير الأسلمي عن أبيه قال: لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة كان يبيع منها القرية بالمد فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بعينها بعين في الجنة" فقال: يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله أتجعل لي مثل الذي جعلت لرومة عينًا في الجنة؟ قال: "نعم" قال: قد اشتريتها وجعلتها للمسلمين. قال في الإصابة: تعلق ابن منده على قوله أتجعل لي مثل الذي جعلت لرومة ظنًا منه أن المراد به صاحب البئر وليس كذلك لأن في صدر الحديث أن رومة اسم البئر، وإنما المراد بقوله: جعلت لرومة أي لصاحب رومة أو نحو ذلك. وقد أخرجه البغوي عن عبد الله بن عمر بن أبان فقال فيه مثل الذي جعلت له فأعاد الضمير على الغفاري، وكذا أخرجه ابن شاهين والطبراني من طريق ابن أبان. وقال البلاذري في تاريخه: هي بئر قديمة كانت ارتطمت فأتى قوم من مزينة حلفاء للأنصار فقاموا عليها وأصلحوها وكانت رومة امرأة منهم أو أمة لهم تسقي منها الناس فنسبت إليها اهـ. ويأتي في الوقف إن شاء الله تعالى أن عثمان -رضي الله عنه- قال: ألستم تعلمون أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من حفر رومة" فحفرتها. وهذا يقتضي أن رومة اسم العين لا اسم صاحبها، ويحتمل أن يكون على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه جمعًا بين الحديثين كما مر والله أعلم. 2351 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ أَصْغَرُ الْقَوْمِ وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ يَا غُلاَمُ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ الأَشْيَاخَ؟ قَالَ: مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ". [الحديث 2351 - أطرافه في: 2366، 2451، 2602، 2605، 5620]. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي مولاهم المصري قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وبعد الألف نون محمد بن مطرف الليثي المدني نزل عسقلان (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج المدني (عن سهل بن سعد) الساعدي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أُتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة وكسر المثناة الفوقية والنبي رفع نائب عن الفاعل (بقدح) فيه ماء أو لبن شيب به (فشرب منه وعن يمينه غلام أصغر القوم) هو ابن عباس -رضي الله عنهما- كما في مسند ابن أبي شيبة (والأشياخ) وفيهم خالد بن الوليد (عن يساره فقال) عليه الصلاة والسلام: (يا غلام أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ قال) الغلام (ما كنت لأوثر بفضلي) قال الكرماني وتبعه العيني والبرماوي وغيرهما وفي بعضها بفضل (منك أحدًا يا رسول الله فأعطاه إياه) ووجه دخول هذا الحديث هنا من جهة مشروعية قسمة الماء وأنه يملك إذ لو لم يملك لما جازت فيه القسمة. 2352 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: "حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّهَا حُلِبَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَاةٌ دَاجِنٌ -وَهْيَ فِي دَارِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ- وَشِيبَ لَبَنُهَا بِمَاءٍ مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي فِي دَارِ أَنَسٍ، فَأَعْطَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقَدَحَ فَشَرِبَ مِنْهُ، حَتَّى إِذَا نَزَعَ الْقَدَحَ مِنْ فِيهِ، وَعَلَى يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ عُمَرُ -وَخَافَ أَنْ يُعْطِيَهُ الأَعْرَابِيَّ- أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدَكَ، فَأَعْطَاهُ الأَعْرَابِيَّ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ: الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ". [الحديث 2352 - أطرافه في: 2571، 5612، 5619]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنها) أي القصة ولأبي ذر عن الكشميهني أنه أي الشاة (حلبت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاة داجن) هي التي تألف البيوت وتقيم بها ولم يقل داجنة اعتبارًا بتأنيث الموصوف لأن الشاة تذكر وتؤنث وفي النهاية هي التي تعلف في المنزل (وهي) أي الداجن والواو للحال ولأبي ذر وهو أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في دار أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (وشيب لبنها) بكسر الشين مبنيًّا للمفعول ولبنها رفع نائب عن الفاعل أي خلط (بماء من البئر التي في دار أنس فأعطى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القدح فشرب منه) عليه الصلاة والسلام (حتى إذا نزع القدح) أي قلعه (عن فيه) وللمستملي والحموي من فيه (وعلى يساره أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (وعن يمينه أعرابي) قيل إنه خالد بن الوليد ورد بأنه لا يقال له أعرابي وعبّر بقوله وعلى في الأولى وبعن في الثانية، فقال الكرماني لعل يساره كان موضعًا مرتفعًا فاعتبر استعلاؤه أو كان الأعراب بعيدًا عن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه-: (وخاف) أي والحال أن عمر خاف

2 - باب من قال: إن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروى، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يمنع فضل الماء

(أن يعطيه) أي يعطي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القدح (الأعرابيّ أعط) بهمزة مفتوحة القدح (أبا بكر يا رسول الله عندك) قاله تذكيرًا للرسول عليه الصلاة والسلام وإعلامًا للأعرابي بجلالة الصديق (فأعطاه) عليه الصلاة والسلام (الأعراب الذي على يمينه) ولأبي ذر في نسخة وصحح عليها في الفرع وأصله عن بالنون بدل على باللام، (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: قدّموا (الأيمن فالأيمن) قال الكرماني وتبعه البرماوي وغيره: الأيمن ضبط بالنصب على تقدير أعط الأيمن وبالرفع على تقدير الأيمن أحق، واستدلّ العيني لترجيح الرفع بقوله في بعض طرق الحديث الأيمنون الأيمنون الأيمنون قال أنس فهي سنة فهي سنة فهي سنة أي تقدمة الأيمن وإن كان مفضولاً لا خلاف في ذلك. نعم، خالف ابن حزم فقال: لا يجوز مناولة غير الأيمن إلا بإذن الأيمن. وأما حديث ابن عباس عند أبي يعلى الموصلي بإسناد صحيح قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سقي قال "ابدؤوا بالكبراء -أو قال- بالأكابر" فمحمول على ما إذا لم يكن على جهة يمينه أحد، بل كان الحاضرون تلقاء وجهه مثلاً وإنما استأذن عليه الصلاة والسلام الغلام في الحديث السابق ولم يستأذن الأعرابي هنا ائتلافًا لقلب الأعرابي وتطييبًا لنفسه وشفقة أن يسبق إلى قلبه شيء يهلك به لقرب عهده بالجاهلية ولم يجعل للغلام ذلك لأنه قرابته وسنّه دون المشيخة فاستأذنه عليهم تأدّبًا ولئلا يوحشهم بتقديمه عليهم وتعليمًا بأنه لا يدفع إلى غير الأيمن بإذنه. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأشربة وكذا مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة. 2 - باب مَنْ قَالَ: إِنَّ صَاحِبَ الْمَاءِ أَحَقُّ بِالْمَاءِ حَتَّى يَرْوَى، لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ (باب من قال: إن صاحب الماء أحق بالماء حتى يروى) بفتح أوله وثالثه من الري (لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الآتي إن شاء الله تعالى موصولاً (لا يمنع) بضم أوله مبنيًّا للمفعول مرفوعًا نفي بمعنى النهي ولأبي ذر ولا يمنع بالجزم على النهي (فضل الماء) بالرفع نائب عن الفاعل لأن مفهومه أنه أحق بمائه عند عدم الفضل. 2353 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلأُ». [الحديث 2353 - طرفاه في: 2354، 6962]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يمنع) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول (فضل الماء ليمنع) مبني للمفعول أيضًا (به الكلأ) بفتح الكاف والرفع العشب يابسه ورطبه واللام في ليمنع لام العاقبة كهي في قوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًّا وحزنًا} [القصص: 8] ومعنى الحديث أن من شقّ ماء بفلاة وكان حول ذلك الماء كلأ ليس حوله ماء غيره ولا يوصل إلى رعيه إلا إذا كانت المواشي ترد ذلك فنهى صاحب الماء أن يمنع فضل مائه لأنه إذا منعه منع رعي ذلك الكلأ والكلأ لا يمنع لما في منعه من الإضرار بالناس، ويلتحق به الرعاء إذا احتاجوا إلى الشرب لأنهم إذا منعوا من الشرب امتنعوا من الرعي هناك، والصحيح عند الشافعية وبه قال الحنفية الاختصاص بالماشية، وفرق الشافعي فيما حكاه المزني عنه بين المواشي والزروع بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها بخلاف الزرع، وهذا محمول عند أكثر الفقهاء من أصحابنا وغيرهم على ماء البئر المحفورة في الملك أو في الموات بقصد التملك أو الارتفاق خاصة فالأولى وهي التي في ملكه أو في موات بقصد التملك ماؤها مملوك على الصحيح عند أصحابنا. ونص عليه الشافعي في القديم والثانية وهي المحفورة في موات الارتفاق لا يملك الحافر ماءها. نعم هو أولى به إلى أن يرتحل فإذا ارتحل صار كغيره ولو عاد بعد ذلك وفي كلا الحالين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته والمراد بحاجته نفسه وعياله وماشيته وزرعه، لكن قال إمام الحرمين: وفي الزرع احتمال على بعد أما البئر المحفورة للمارة فماؤها مشترك بينهم والحافر كأحدهم ويجوز الاستقاء منها للشرب وسقي الزرع فإن ضاق عنهما فالشرب أولى وكذا المحفورة بلا قصد على أصح الوجهين عند أصحابنا، وأما المحرز في إناء فلا يجب بذل فضله على الصحيح لغير المضطر ويملك بالإحراز هذا كلام

3 - باب من حفر بئرا في ملكه لم يضمن

الشافعية، وكلام الحنفية والحنابلة في ذلك متقارب في الأصل والمدرك وإن اختلفت تفاصيلهم، وجعل المالكية هذا الحكم في البئر المحفورة في الموات وقالوا في المحفورة في الملك لا يجب عليه بذل فضلها وقالوا في المحفورة في الموات لا تباع وصاحبها وورثته أحق بكفايتهم، وهذا النهي للتحريم عند مالك والشافعي والأوزاعي والليث وقال غيرهم هو من باب المعروف. ومطابقة هذا الحديث للترجمة من حيث إن فضل الماء يدل على أن صاحب الماء أحق به عند عدم الفضل، وأخرجه المؤلّف أيضًا في ترك الحيل ومسلم في البيوع والنسائي في إحياء الموات وأبو داود والترمذي وابن ماجة. 2354 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ فَضْلَ الْكَلإِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير قال: (حدّثنا الليث) ابن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن ابن المسيب) سعيد (وأبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني اسمه عبد الله أو إسماعيل كلاهما (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل كلأ) والمنهي عنه منع الفضل لا منع الأصل، وهي يجب عليه بذل الفاضل عن حاجته لزرع غيره الصحيح عند الشافعية، وبه قال الحنفية لا يجب. وقال المالكية: يجب عليه إذا خشي عليه الهلاك ولم يضر ذلك بصاحب الماء. قال الأبي أبو عبد الله: والحديث حجة لنا في القول بسد الذرائع لأنه إنما نهى عن منع فضل الماء لما يؤدّي إليه من منع الكلأ انتهى. وقد ورد التصريح في بعض طرق الحديث بالنهي عن منع الكلأ صححه ابن حبان من رواية أبي سعيد مولى بني غفار عن أبي هريرة ولفظه "لا تمنعوا فضل الماء ولا تمنعوا الكلأ فيهزل المال ويجوع العيال" وهو محمول على غير المملوك وهو الكلأ النابت في الموات فمنعه مجرد ظلم إذ الناس فيه سواء، أما الكلأ النابت في أرضه المملوكة له بالإحياء فمذهب الشافعية جواز بيعه، وفيه خلاف عند المالكية صحح ابن العربي الجواز. 3 - باب مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ هذا (باب) بالتنوين (من حفر بئرًا في ملكه) أو موات للتملك أو الارتفاق (لم يضمن) لأنه غير عدوان فلو كان عدوانًا ضمنته العاقلة ولو حفر بدهليزه بئرًا ودعا رجلاً فدخله فسقط فيها فهلك فالأظهر الضمان لأنه غرّة. 2355 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمود) هو ابن غيلان أبو أحمد العدوي مولاهم المروزي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: أخبرني بالإفراد (عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن موسى وهو شيخ المصنف روي عنه بغير واسطة في أول الإيمان (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني الكوفي ثقة تكلم فيه بلا حجة (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (المعدن) بكسر الدال كمجلس منبت الجواهر من ذهب ونحوه إذا حفره الرجل في ملكه أو في موات فوقع فيه شخص فمات أو انهار على حافره فهو (جبار) بضم الجيم وتخفيف الموحدة وبعد الألف راء أي هدر لا ضمان عليه (والبئر) إذا حفرها في ملكه أو في موات أو انهارت على من استأجره لحفرها (جبار) لا ضمان عليه فلو حفرها في طريق المسلمين أو في ملك غيره بغير إذنه فتلف بها إنسان وجب ضمانه على عاقلة حافرها والكفارة في مال الحافر وإن تلف بها غير الآدمي وجب ضمانه في مال الحافر (والعجماء) بفتح العين المهملة وسكون الجيم وبعد الميم همزة ممدودة أي البهيمة لأنها لا تتكلم إذا انفلتت فصدمت إنسانًا فأتلفته أو أتلفت مالاً فهي (جبار) لا ضمان على مالكها أما إذا كان معها فعليه الضمان (وفي الركاز) دفن الجاهلية سواء كان في دار الإسلام أو دار الحرب (الخمس) بشرط أن يكون نصابًا من النقدين لا الحول ومذهب الإمام أحمد أنه لا فرق بين النقدين فيه وغيرهما كالنحاس وهو مذهب الحنفية أيضًا لكنهم أوجبوا الخمس وجعلوه فيئًا والحنابلة

4 - باب الخصومة في البئر، والقضاء فيها

أوجبوا ربع العشر وجعلوه زكاة كما مرّ في الزكاة. قال ابن المنير: الحديث مطلق والترجمة مقيدة بالملك وإذا كان الحديث تحته صور أحدها الملك وهو أقعد الصور بسقوط الضمان كان دخولها في الحديث محققًا فاستقام الاستدلال لأنه إذا لم يضمن وقد حفر في غير ملكه كالذي يحفر في الصحراء فأن لا يضمن من حفر في ملكه الخاص أجدر. 4 - باب الْخُصُومَةِ فِي الْبِئْرِ، وَالْقَضَاءِ فِيهَا (باب الخصومة في البئر والقضاء فيها). 2356 و 2357 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ هُوَ عَلَيْهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً ... } الآيَةَ فَجَاءَ الأَشْعَثُ فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِيَّ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِي، فَقَالَ لِي: شُهُودَكَ. قُلْتُ مَا لِي شُهُودٌ. قَالَ: فَيَمِينَهُ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذًا يَحْلِفَ. فَذَكَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذَا الْحَدِيثَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ تَصْدِيقًا لَهُ" [الحديث 2356 - أطرافه في: 2416، 2515، 2666، 2669، 2673، 2676، 4549، 6659، 6676، 7183، 7445]. [الحديث 2357 - أطرافه في: 2417، 2516، 2667، 2670، 2677، 4550، 6660، 6677، 7184]. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله المروزي (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري المروزي (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن شقيق) هو ابن سلمة أبو وائل الأزدي الكوفي (عن عبد الله) هو ابن مسعود (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من حلف على يمين) أي على محلوف يمين حال كونه (يقتطع بها) أي بسبب اليمين (مال امرئ هو) ولأبي ذر عن الكشميهني: مال امرئ مسلم هو (عليها) أي هو في الإقدام عليها (فاجر) أي كاذب، ويحتمل أن تكون جملة يقتطع صفة ليمين والتقييد بالمسلم جرى على الغالب وإلا فلا فرق بين المسلم والذمي والمعاهد وغيرهم كما جرى على الغالب في تقييده بمال ولا فرق بين المال وغيره في ذلك، وفي مسلم من حديث إياس بن ثعلبة الحارثي: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه (لقي الله) يوم القيامة (وهو عليه غضبان) فيعامله معاملة المغضوب عليه من كونه لا ينظر إليه ولا يكلمه، ولمسلم من حديث وائل بن حجر وهو عنه معرض وعند أبي داود من حديث عمران: فليتبوأ مقعده من النار (فأنزل الله تعالى {إن الذين يشترون} يستبدلون ({بعهد الله}) بما عاهدوا الله عليه من الإيمان بالرسول والوفاء بالأمانات ({وأيمانهم}) وبما حلفوا عليه ({ثمنًا قليلاً}) [آل عمران: 77] الآية. (فجاء الأشعث) هو ابن قيس الكندي من المكان الذي كان فيه إلى المجلس الذي كان عبد الله يحدّثهم فيه (فقال: ما حدّثكم) بلفظ الماضي ولأبوي ذر والوقت والأصيلي ما يحدّثكم (أبو عبد الرحمن) يعني ابن مسعود زاد في رواية جرير في الرهن؟ قال: فحدّثناه. قال: فقال: صدق (فيّ أنزلت هذه الآية كانت لي بئر في أرض ابن عم لي) اسمه معدان بن الأسود بن معد يكرب الكندي ولقبه الجفشيش بالجيم المفتوحة والشينين المعجمتين بينهما تحتية ساكنة على الأشهر وزعم الإسماعيلي أن أبا حمزة تفرّد بذكر البئر عن الأعمش وليس كما قال فقد وافقه أبو عوانة كما في كتاب الإيمان والأحكام من رواية الثوري ومنصور عن الأعمش جميعًا، وفي رواية جرير عن منصور في شيء (فقال لي) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (شهودك) نصب بتقدير أحضر أو أقم شهودك على حقك وفي نسخة: شهودك بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي فالمثبت لحقك شهودك قال الأشعث: (قلت ما لي شهود قال): عليه الصلاة والسلام (فيمينه) أي فاطلب يمينه وفي نسخة فيمينه بالرفع أي فالحجة القاطعة بينكما يمينه (قلت: يا رسول الله إذًا يحلف) بنصب يحلف لا غير كما قاله السهيلي وكذا هو في الفرع وأصله لاستيفائها شروط أعمالها التي هي التصدّر والاستقبال وعدم الفصل ولا يجوز إلغاؤها حينئذ. قال الزركشي في أحكام عمدة الأحكام، وذكر ابن خروف في شرح سيبويه: إن من العرب من لا ينصب بها مع استيفاء الشروط حكاه سيبويه. قال: ومنه الحديث إذا يحلف بالله وهو صريح في أن الرواية بالرفع انتهى. قال في المصابيح: استشهاده بالحديث إنما يدل على أن الرفع مروي لا إنه هو المروي كما يظهر من عبارة الزركشي (فذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا الحديث) وهو قوله من حلف على يمين إلى آخره (فأنزل الله ذلك) أي قوله تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله} الآية (تصديقًا له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأشخاص والشهادات والإيمان والنذور والتفسير والشركة ومسلم في الإيمان وكذا أبو داود والنسائي في القضاء وابن ماجة في الأحكام. 5 - باب إِثْمِ مَنْ مَنَعَ ابْنَ السَّبِيلِ مِنَ الْمَاءِ (باب إثم من منع ابن السبيل) وهو

6 - باب سكر الأنهار

المسافر (من الماء) الفاضل عن حاجته. 2358 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ، فَمَنَعَهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ. وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لاَ يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِدُنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ. وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ: وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ أَعْطَيْتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ. ثُمَّ قَرَأَ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً}. [الحديث 2358 - أطرافه في: 2369، 2672، 7212، 7446]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري بكسر الميم وفتح الكاف قال: (حدّثنا عبد الواحد بن زياد) البصري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (قال: سمعت أبا صالح) ذكوان الزيات (يقول: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ثلاثة) من الناس (لا ينظر الله إليهم يوم القيامة) فإن من سخط على غيره واستهان به أعرض عنه (ولا يزكيهم) ولا يثني عليهم ولا يطهرهم (ولهم عذاب أليم) مؤلم على ما فعلوه (رجل كان له فضل ماء) زائد عن حاجته (بالطريق فمنعه) أي الفاضل من الماء (من ابن السبيل) وهو المسافر وقوله رجل مرفوع خبر مبتدأ محذوف وقوله كان له فضل ماء جملة في موضع رفع صفة لرجل (و) الثاني من الثلاثة (رجل بايع إمامًا) أي عاقد الإمام الأعظم وللحموي والمستملي إمامه (لا يبايعه إلا لدنيا) بغير تنوين (فإن أعطاه منها رضي) الفاء تفسيرية (وإن لم يعطه منها سخط و) الثالث (رجل أقام سلعته) من قامت السوق إذا نفقت (بعد العصر) ليس بقيد بل خرج مخرج الغالب لأن الغالب أن مثله كان يقع في آخر النهار حيث يريدون الفراغ عن معاملتهم نعم يحتمل أن يكون تخصيص العصر لكونه وقت ارتفاع الأعمال (فقال: والله الذي لا إله غيره لقد أعطيت بها) بفتح الهمزة في الفرع وأصله أي دفعت لبائعها بسببها وفي نسخة: أعطيت بضم الهمزة مبنيًا للمفعول أي أعطاني من يريد شراءها (كذا وكذا) ثمنًا عنها (فصدقة رجل) واشتراها بذلك الثمن الذي حلف أنه أعطاه أو أعطيه اعتمادًا على حلفه الذي أكده بالتوحيد واللام وكلمة قد التي هي هنا للتحقيق (ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام ({إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلاً}) [آل عمران: 77] الآية والتنصيص على العدد في قوله ثلاثة لا ينفي الزائد. 6 - باب سَكْرِ الأَنْهَارِ (باب سكر الأنهار) بفتح السين المهملة وسكون القاف أي سدها وفي اليونينية بتنوين باب. 2359، 2360 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ حَدَّثَهُ: "أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: سَرِّحِ الْمَاءَ يَمُرُّ. فَأَبَى عَلَيْهِ. فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلزُّبَيْرِ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاء إِلَى جَارِكَ. فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: آن كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ. فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ قَالَ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ العَبَّاسِ قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: لَيسَ أَحَدٌ يَذْكُرُ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدُ اللهِ إِلاَّ اللَّيثُ فَقَطْ. [الحديث 2360 - أطرافه في: 2361، 2362، 2708، 4585]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير عن أخيه (عبد الله بن الزبير) بن العوّام القرشي الأسدي أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة من المهاجرين وولي الخلافة تسع سنين إلى أن قتل في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين (-رضي الله عنهما- أنه حدّثه أن رجلاً من الأنصار) زاد في رواية شعيب عند المصنف في الصلح قد شهد بدرًا واسمه قيل حميد فيما أخرجه أبو موسى المديني في الذيل من طريق الليث عن الزهري قال: ولم أرَ تسميته إلا في هذه الطريق انتهى. وهذا مردود بما في بعض طرقه أنه شهد بدرًا وليس في البدريين أحد اسمه حميد وقيل هو ثابت بن قيس بن شماس حكاه ابن بشكوال في المبهمات له واستبعد، وقيل هو حاطب بن أبي بلتعة، وقيل ثعلبة بن حاطب قاله ابن باطيش قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات. وقوله في حاطب لا يصح فإنه ليس أنصاريًا انتهى. وأجيب: بحمل الأنصار على المعنى اللغوي يعني ممن كان ينصر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا بمعنى أنه كان من الأنصار المشهورين وهذا يرده ما في رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عند الطبري في هذا الحديث أنه من بني أمية بن زيد وهم بطن من الأوس. وأجيب: باحتمال أن مسكنه كان في بني أمية لا أنه منهم وقد روى ابن أبي حاتم بسنده عن سعيد بن المسيب في قوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون} [النساء: 65] الآية أنها نزلت في الزبير بن العوّام وحاطب بن أبي بلتعة اختصما في ماء فقضى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن يسقي الاعلى ثم الأسفل قال ابن كثير وهو مرسل ولكن فيه فائدة تسمية الأنصاري. (خاصم الزبير) بن العوّام أحد العشرة المبشرة بالجنة -رضي الله عنهم- (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في شراج الحرة) بكسر الشين المعجمة آخره جيم جمع شرج بفتح أوله وسكون الراء بوزن بحر وبحار ويجمع على شروج، وإنما أضيفت إلى الحرة لكونها فيها والحرة

بفتح الحاء والراء المشددة المهملتين موضع معروف بالمدينة والمراد هنا مسايل الماء (التي يسقون بها النخل) وفي رواية شعيب: كانا يسقيان به كلاهما وذلك لأن الماء كان يمر بأرض الزبير قبل أرض الأنصاري فيحبسه لإكمال سقي أرضه ثم يرسله إلى أرض جاره (فقال الأنصاري) للزبير -رضي الله عنه- ملتمسًا منه تعجيل ذلك (سرَّح الماء) بفتح السين وكسر الراء المشددة وبالحاء المهملات أي أطلب الماء حال كونه (يمرّ فأبى عليه) أي امتنع الزبير على الذي خاصمه من إرسال الماء (فاختصما عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) ولأبي الوقت قال (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للزبير): (اسق يا زبير) بهمزة قطع مفتوحة كذا في الفرع وغيره وذكره الحافظ ابن حجر عن حكاية ابن التين له وقال إنه من الرباعي. وتعقبه العيني فقال: هذا ليس بمصطلح فلا يقال رباعي إلا لكلمة أصول حروفها أربعة أحرف، وسقى: ثلاثي مجرد فلما زيدت فيه الألف صار ثلاثيًّا مزيدًا فيه وفي بعض النسخ اسق بهمزة وصل من الثلاثي وهي في الفرع أيضًا وقدّمه في فتح الباري على حكاية الأول. وقال العيني اسق بكسر الهمزة من سقى يسقي من باب ضرب يضرب ولم يذكر الوصل والمعنى اسق شيئًا يسيرًا دون حقك (ثم أرسل الماء إلى جارك) الأنصاري وهمزة أرسل قطع مفتوحة، (فغضب الأنصاري فقال): أي الأنصاري (آن كان) الزبير (ابن عمتك) صفية بنت عبد المطلب حكمت له بالتقديم عليّ وهمزة أن مفتوحة ممدودة في الفرع وأصله مصحح عليها استفهام إنكاري وحكاه في الفتح عن القرطبي وقال: إنه لم يقع لنا في الرواية انتهى. وكذا رأيته بالمد في الأصل المقروء على الميدومي وغيره وفي بعض الأصول وعليه شرح في الفتح والعمدة والمصابيح والمشكاة أن كان بفتح الهمزة وهي للتعليل مقدّرة باللام أي حكمت له بالتقديم والترجيح لأجل أنه ابن عمتك. قال الكرماني: وفي بعضها إن كان بكسر الهمزة قال في الفتح على إنها شرطية والجواب محذوف قال ولا أعرف هذه الرواية نعم وقع في رواية عبد الرحمن بن إسحاق عند الطبري فقال اعدل يا رسول الله وإن كان ابن عمتك والظاهر أن هذه بالكسر وابن بالنصب على الخبرية ولهذا القول نسب بعضهم الرجل إلى النفاق وآخرون إلى اليهودية لكن قال التوربشتي في شرح المصابيح وكلا القولين زائغ عن الحق إذ قد صح أنه كان أنصاريًّا لم تكن الأنصار من جملة اليهود ولو كان مغموصًا عليه في دينه لم يصفوه بهذا الوصف فإنه وصف مدح والأنصار وإن وجد فيهم من يرمى بالنفاق فإن القرن الأول والسلف بعدهم احترزوا أن يطلقوا على من ذكر بالنفاق واشتهر به الأنصاري والأولى أن يقال أزلّه الشيطان فيه بتمكنه عند الغضب وغير مستنكر من الصفات البشرية الابتلاء بمثل ذلك إلا من المعصوم انتهى. قال النوويّ قالوا ولو صدر مثل هذا الكلام من إنسان كان كافرًا تجري على قائله أحكام المرتدين من القتل، وإنما تركه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه كان في أول الإسلام يتألف الناس ويدفع بالتي هي أحسن ويصبر على أذى المنافقين ويقول لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه (فتلوّن) أي تغير (وجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الغضب لانتهاك حرمات النبوّة وقبيح كلام هذا الرجل (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (اسق يا زبير) بهمزة وصل (ثم احبس الماء) بهمزة وصل أيضًا أي أمسك نفسك عن السقي (حتى يرجع) أي يصير الماء (إلى الجدر) بفتح الجيم وسكون الدال المهملة ما وضع بين شربات النخل كالجدار أو الحواجز التي تحبس الماء. وقال القرطبي: هو أن يصل الماء إلى أصول النخل قال: ويروى بكسر الجيم وهو الجدار والمراد به جدران الشربات وهي الحفر التي تحفر في أصول النخل قال في شرح السُّنَّة قوله عليه الصلاة والسلام في الأول "اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك" كان أمرًا للزبير بالمعروف وأخذًا بالمسامحة وحُسْن الجوار لترك بعض حقه دون أن يكون حكمًا منه، فلما رأى عليه الصلاة والسلام الأنصاري يجهل موضع حقه أمر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزبير باستيفاء تمام

7 - باب شرب الأعلى قبل الأسفل

حقه (فقال الزبير والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك (فلا وربك) أي فوربك ولا مزيدة لتأكيد القسم لا لتظاهر لا في قوله؟ ({لا يؤمنون}) لأنها تزاد أيضًا في الإثبات كقوله تعالى: {لا أقسم بهذا البلد} [البلد: 1] ({حتى يحكموك فيما شجر بينهم}) [النساء: 65] فيما اختلف بينهم واختلط ومنه الشجر لتداخل أغصانه زاد في رواية شعيب {ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت} ضيقًا أي لا تضيق صدورهم من حكمك، وقيل شكا من أجله فإن الشاك في ضيق من أمره حتى يلوح له اليقين ويسلموا ينقادوا ويذعنوا لما تأتي به من قضائك لا يعارضونه بشيء وتسليمًا تأكيد للفعل بمنزلة تكريره كأنه قيل: وينقادوا لحكمه انقيادًا لا شبهة فيه بظاهرهم وباطنهم وزاد في بعض النسخ هنا وهو في حاشية الفرع مقابل السند وعليه علامة السقوط لأبي ذر عن الحموي: (قال محمد بن العباس) السلمي الأصبهاني من أقران البخاري وتأخر بعده توفي سنة ست وستين ومائتين. (قال أبو عبد الله) البخاري (ليس أحد يذكر عروة) بن الزبير (عن عبد الله) بن الزبير في إسناده (إلا الليث) بن سعد (فقط)، والقائل قال محمد بن العباس هو الفربري فإن أراد مطلقًا ورد عليه ما أخرجه النسائي وابن الجارود الإسماعيلي من طريق ابن وهب عن الليث ويونس جميعًا عن ابن شهاب أن عروة حدّثه عن أخيه عبد الله بن الزبير بن العوّام وإن أراد بقيد أنه لمن يقل فيه عن أبيه بل جعله من مسند عبد الله بن الزبير فمسلم فإن رواية ابن وهب فيها عن عبد الله عن أبيه. قال في المقدمة قال الدارقطني: أخرج البخاري عن التنيسي عن الليث عن الزهري عن عروة عن عبد الله بن الزبير أن رجلاً خاصم الزبير الحديث وهو إسناد متصل لم يصله هكذا غير الليث عن الزهري ورواه غير الليث فلم يذكروا فيه عبد الله بن الزبير، وأخرجه البخاري من طريق معمر أي كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الباب اللاحق ومن حديث ابن جريج بعد باب ومن حديث شعيب أي في الصلح كلهم عن الزهري عن عروة مرسلاً ولم يذكروا في حديثهم عبد الله بن الزبير كما ذكره الليث انتهى. قال ابن حجر: وإنما أخرجه البخاري بالوجهين على الاحتمال لأن عروة صح سماعه من أبيه فيجوز أن يكون سمعه من أبيه وثبته فيه أخوه فالحديث كيفما دار فهو على ثقة، وقد اشتمل على أمر يتعلق بالزبير فدواعي أولاده متوفرة على ضبطه فاعتمد تصحيحه لهذه القرينة القوية، وقد وافق البخاري على تصحيح حديث الليث هذا مسلم وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان وغيرهم مع أن في سياق ابن الجارود له التصريح بأن عبد الله بن الزبير رواه عن أبيه وهي رواية يونس عن الزهري، وزعم الحميدي في جمعه أن الشيخين أخرجاه من طريق عروة عن أخيه عبد اللِّه عن أبيه وليس كما قال فإنه بهذا السياق في رواية يونس المذكورة ولم يخرجها من أصحاب الكتب الستة إلاّ النسائي وأشار إليها الترمذي خاصة انتهى. 7 - باب شُرْبِ الأَعْلَى قَبْلَ الأَسْفَلِ (باب شرب الأعلى قبل الأسفل) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قبل السفلي. 2361 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: "خَاصَمَ الزُّبَيْرَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا زُبَيْرُ اسْقِ ثُمَّ أَرْسِلْ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: إِنَّهُ ابْنُ عَمَّتِكَ. فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ يَبْلُغُ الْمَاءُ الْجَدْرَ ثُمَّ أَمْسِكْ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ فَأَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير أنه (قال: خاصم الزبير) بن العوّام (رجل) بالرفع على الفاعلية ولأبي ذر خاصم الزبير رجلاً بالنصب على المفعولية (من الأنصار) قد سبق في الباب قبله ما قيل في اسمه زاد في الرواية السابقة في شراج الحرة التي يسقون بها النخل (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا زبير اسق) بهمزة وصل أي شيئًا يسيرًا دون حقك (ثم أرسل) زاد الكشميهني الماء أي إلى جارك كما في الحديث السابق وهذا موضع الترجمة لأن إرسال الماء لا يكون إلا من الأعلى إلى الأسفل (فقال الأنصاري) له عليه الصلاة والسلام (إنه) أي الزبير (ابن عمتك) صفية وهمزة إنه بالفتح والكسر والكسر في فرع اليونينية قال ابن مالك لأنها واقعة بعد كلام تام معلل بمضمون ما صدر بها فإذا كسرت قدّر قبلها الفاء وإذا

8 - باب شرب الأعلى إلى الكعبين

فتحت قدّر قبلها اللام والكسر أجود. قال في التنقيح ويمكن ترجيح الفاء بكونه كلامًا مستقلاً من متكلم آخر يبتدئ به كلامه وجاء الفتح لكونه علّة لما قبله قال وقوله أي ابن مالك إذا كسرت قدّر قبلها الفاء كلام مشكل لأن تقدير الفاء إنما يكون للتعليل والتعليل يقتضي الفتح لا الكسر. قال في المصابيح: هذا كلام من لم يلم بفهم كلام القوم، وذلك أن الكسر منوط بكون المحل محل الجملة لا المفرد والفتح بكون المحل للمفرد لا للجملة، وأما التعليل فلا مدخل له من حيث خصوص التعليل لا في فتح ولا في غيره ولكنه رآهم يقولون في مثل أكرم زيدًا أنه فاضل بالفتح فتحت أن لإرادة التعليل مثلاً فظن أنه الموجب للفتح وليس كذلك، وإنما أرادوا فتحة أن لأجل أن لام الجر مرادة وهي في الواقع للتعليل فالفتح إنما هو لأجل أن حرف الجر مطلقًا لا يدخل إلا على مفرد ففتحت أن من حيث دخول اللام باعتبار كونها حرف جر لا باعتبار كونها للتعليل ولا بدّ ألا ترى أن حرف الجر المقدّر لو لم يكن للتعليل أصلاً لكانت أن مفتوحة ثم ليس كل حرف دل على التعليل تفتح أن معه وإنما قدر ابن مالك الفاء مع الكسر ليأتي بحرف دالّ على السببية ولا يدخل إلا على الجمل فيلزم كسر إن بعده ولا شك أن الفاء الوضوعة للسببية كذلك أي تختص بالجمل انتهى. وقوله في فتح الباري: ولم يقرأ هنا إلا بالكسر وإن جاء الفتح في العربية فيه شيء فقد وجدت الفتح في الفرع وغيره من الأصول المعتمدة وليس للحصر وجه فليتأمل. (فقال عليه السلام) وفي نسخة: فقال-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اسق يا زبير) بهمزة وصل (ثم يبلغ) ولأبوي ذر والوقت: حتى يبلغ (الماء الجدر) وسقط لأبوي ذر والوقت لفظ الماء (ثم أمسك) بهمزة قطع أي نفسك عن السقي (فقال) ولأبوي ذر والوقت قال (الزبير فأحسب هذه الأية نزلت في ذلك {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}) وتأتي صفة إرسال الماء من الأعلى إلى الأسفل في الباب اللاحق إن شاء الله تعالى. 8 - باب شِرْبِ الأَعْلَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ (باب شرب الأعلى إلى الكعبين) بكسر الشين المعجمة لأبي ذر أي نصيب الأعلى. 2362 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ: "أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ فِي شِرَاجٍ مِنَ الْحَرَّةِ يَسْقِي بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اسْقِ يَا زُبَيْرُ -فَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ- ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ. فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ. فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثُمَّ قَالَ: اسْقِ ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَرْجِعَ الْمَاءُ إِلَى الْجَدْرِ -وَاسْتَوْعَى لَهُ حَقَّهُ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ أُنْزِلَتْ فِي ذَلِكَ {فَلاَ وَرَبِّكِ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}. قَالَ لِي ابْنُ شِهَابٍ: فَقَدَّرَتِ الأَنْصَارُ وَالنَّاسُ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اسْقِ ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ» وَكَانَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (محمد) ولأبي الوقت: هو ابن سلام قال: (أخبرنا مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام ولأبي ذر مخلد بن يزيد الحرّاني (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز المكي (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (أنه حدّثه أن رجلاً من الأنصار) هو حاطب أو حميد أو ثابت بن قيس كما مرّ (خاصم الزبير في شراج من الحرة) بكسر الشين المعجمة آخره جيم والحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء أي مجاري الماء الذي يسيل منها (يسقي بها) بفتح أوّله أي يسقي بالشراج ولأبي ذر ليسقي به أي بالماء (النخل فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اسق يا زبير) بهمزة وصل (فأمره بالمعروف) من العادة الجارية بينهم في مقدار الشرب أو أمره بالقصد وهو الأمر الوسط وأن يترك بعض حقه وهذه الجملة المعترضة من كلام الراوي وضبط في جميع الروايات فأمره فعل ماضٍ وضبطه الكرماني بكسر الميم وتشديد الراء على أنه فعل أمر من الإمرار قال في الفتح وهو محتمل (ثم أرسل) أي الماء، ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني: ثم أرسله (إلى جارك) والهمزة مقطوعة (فقال الأنصاري آن كان) الزبير (ابن عمتك) صفية حكمت له بالتقديم وهمزة آن ممدودة في الفرع وقد مرّ ما فيها في باب سكر الأنهار فليراجع (فتلوّن) أي تغير (وجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من كلامه وجرأته على منصب النبوّة ولم يعاقبة لصبره على الأذى ومصلحة تألف الناس صلوات الله وسلامه عليه (ثم قال) عليه الصلاة والسلام للزبير: (اسق) نخلك (ثم احبس) نفسك عن السقي (حتى يرجع الماء إلى الجدر واستوعى) بالعين وفي نسخة واستوفى عليه الصلاة والسلام (له) أي للزبير (حقه) كاملاً أي استوفاه واستوعبه حتى كأنه جمعه كله في وعاء بحيث لم يترك منه شيئًا وكان أولاً

9 - باب فضل سقي الماء

أمره أن يسامح ببعض حقه فلما لم يرض الأنصاري استقصى الحكم وحكم به، وأما قول ابن الصباغ وغيره أنه لما لم يقبل الخصم ما حكم به أوّلاً ووقع منه ما وقع أمره أن يستوفي أكثر من حقه عقوبة للأنصاري لما كانت العقوبة بالأموال ففيه نظر لأن سياق الحديث يأبى ذلك لا سيما قوله: واستوعى للزبير حقه في صريح الحكم كما في رواية شعيب في الصلح ومعمر في التفسير فمجموع الطرق قد دلّ على أنه أمر الزبير أوّلاً أن يترك بعض حقه، وثانيًا أن يستوفيه وقول الكرماني تبعًا للخطابي، ولعل قوله واستوعى له حقه من كلام الزهري إذ عادته الإدراج فيه شيء لأن الأصل في الحديث أن يكون حكمه كله واحدًا حتى يرد ما بين ذلك ولا يثبت الإدراج بالاحتمال. (فقال الزبير: والله إن هذه الآية أنزلت في ذلك {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} [النساء: 65] وسقط قوله: فيما شجر بينهم لأبي ذر وقد جزم هنا بأن الآية نزلت في ذلك وشك فيما سبق قال أحسب وجمع بينهما بأن الشخص قد يشك ثم يتحقق الأمر عنده وبالعكس. قال ابن جريج (قال) ولأبي ذر: فقال (لي ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (فقدّرت الأنصار والناس) من عطف العامّ على الخاص (قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي للزبير. (اسق ثم احبس) بهمزة وصل فيهما (حتى يرجع إلى الجدر وكان ذلك) أي قوله اسق الخ (إلى الكعبين) يعني قدروا الماء الذي يرجع إلى الجدر فوجدوه يبلغ الكعبين، وهذا هو الذي عليه الجمهور في سقي الأرض بالماء غير المختص إذا تزاحموا عليه وضاق عنهم فيسقي الأول فالأول فيحبس كل واحد الماء إلى أن يبلغ الكعبين لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى بذلك في مسيل مهزور بفتح الميم وسكون الهاء وضم الزاي وبعد الواو الساكنة راء ومذينب بذال معجمة ونون مصغرًا واديان بالمدينة أن يمسك حتى الكعبين ثم يرسل الأعلى قبل الأسفل رواه مالك في الموطأ من مرسل عبد الله بن أبي بكر وله إسناد موصول في غرائب مالك للدارقطني من حديث عائشة وصححه الحاكم، وأخرجه أبو داود وابن ماجة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وإسناده حسن. وعن الماوردي الأولى التقدير بالحاجة في العادة لأن الحاجة تختلف باختلاف الأرض وباختلاف ما فيها من زرع وشجر وبوقت الزراعة ووقت السقي ثم يرسله الأول إلى الثاني، وهكذا فإن انخفض بعض من أرض الأعلى بحيث يأخذ فوق الحاجة قبل سقي المرتفع منها أفرد كلٌّ منهما بسقي بأن يسقي أحدهما ثم يسدّه ثم يسقي الآخر فإن احتاج الأول إلى السقي مرة أخرى قدم، أما إذا اتسع الماء فيسقي كل منهما متى شاء وهل الماء الذي يرسله هو ما يفضل عن الماء الذي حبسه، أو الجميع المحبوس وغيره بعد أن يصل إلى أرضه إلى الكعبين الذي ذكره أصحاب الشافعي؟ الأول وهو قول مطرف وابن الماجشون من المالكية، وقال ابن القاسم: يرسله كله ولا يحبس منه شيئًا، ورجح ابن حبيب الأول بأن مطرّفًا وابن الماجشون من أهل المدينة وبها كانت القصة فهما أقعد بذلك لكن ظاهر الحديث مع ابن القاسم لأنه قال: احبس الماء حتى يبلغ الجدر والذي يبلغ الجدر هو الماء الذي يدخل الحائط فمقتضى اللفظ أنه هو الذي يرسله بعد هذه الغاية، وزاد في رواية أبي ذر عن المستملي بعد قوله إلى الجدر الجدر هو الأصل وقد مرّ ما فيه قريبًا فليراجع والله الموفق والمعين. 9 - باب فَضْلِ سَقْيِ الْمَاءِ (باب فضل سقي الماء) للمحتاج إليه. 2363 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي. فَمَلأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ". تَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَالرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام الأعظم (عن سمي) بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية زاد في المظالم مولى أبي بكر أي ابن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بينا) بغير ميم (رجل) لم يسم (يمشي) وللدارقطني في الموطآت من طريق روح عن مالك: يمشي بفلاة وله من طريق ابن وهب عن مالك يمشي بطريق مكة (فاشتد عليه العطش)

أي إذا اشتد فالفاء هنا وقعت موضع إذا كما وقعت إذا موضعها في قوله: {إذا هم يقنطون} [الروم: 36] (فنزل بئرًا فشرب منها ثم خرج) من البئر (فإذا هو بكلب) حال كونه (يلهث) بفتح الهاء والشاء المثلثة أي يرتفع نفسه بين أضلاعه أو يخرج لسانه من العطش حال كونه (يأكل الثرى) بفتح المثلثة أي يكدم بفيه الأرض الندية (من العطش) وفي رواية الحموي والمستملي: من العطاش بضم العين كغراب. قال في القاموس: هو داء لا يروى صاحبه. وقال السفاقسي: داء يصيب الغنم تشرب فلا تروى، وهذا موضع ذكر هذه الرواية. وسها الحافظ ابن حجر فذكرها في فتح الباري، وتبعه العيني عند اشتداد العطش على الرجل وعبارته قوله: فاشتد عليه العطش كذا للأكثر وكذا هو في الموطأ، ووقع في رواية المستملي: العطاش. قال ابن التين: هو داء يصيب الغنم تشرب فلا تروى وهو غير مناسب هنا قال وقيل يصح على تقدير أن العطش يحدث عنه هذا الداء كالزكام. قلت: وسياق الحديث يأباه فظاهره أن الرجل سقى الكلب حتى روي ولذلك جوزي بالمغفرة اهـ فتأمله. (فقال) الرجل (لقد بلغ هذا) أي الكلب (مثل الذي بلغ بي) أي من شدّة العطش، وزاد ابن حبّان من وجه آخر عن أبي صالح: فرحمه، وقوله مثل بالرفع في فرع اليونينية والنسخة المقروءة على الميدومي وغيرهما مما وقفت عليه من الأصول المعتمدة. وحكاه ابن الملقن عن ضبط الحافظ الدمياطي على أنه فاعل بلغ. وقوله هذا مفعول به مقدّم، وقال الحافظ ابن حجر وتبعه العيني كالزركشي: مثل بالنصب نعت لمصدر محذوف أي بلغ مبلغًا مثل الذي بلغ بي. قال في المصابيح: وهذا لا يتعين لجواز أن يكون المحذوف مفعولاً به أي عطشًا. وزاد أبو ذر هنا في روايته فنزل بئرًا (فملأ خفّه) ولابن حبان: فنزع إحدى خفّيه (ثم أمسكه بفيه) ليصعد من البئر لعسر المرتقى منها (ثم رقي) منها بفتح الراء وكسر القاف كصعد وزنًا ومعنى، ومقتضى كلام ابن التين أن الرواية رقى بفتح القاف وذلك أنه قال: ثم رقى كذا وقع وصوابه رقي على وزن علم ومعناه صعد. قال تعالى: {أو ترقى في السماء} [الإسراء: 93] وأما رقى بفتح القاف فمن الرقية وليس هذا موضعه وخرّجه على لغة طيئ في مثل بقي يبقى ورضي يرضى يأتون بالفتحة مكان الكسرة فتنقلب الياء ألفًا وهذا دأبهم في كل ما هو من هذا الباب انتهى. قال العلاّمة البدر الدماميني: ولعل المقتضي لإيثار الفتح هنا إن صح قصد المزاوجة بين رقى وسقى وهي من مقاصدهم التي يعتمدون فيها تغيير الكلمة عن وضعها الأصلي انتهى. (فسقى الكلب) زاد عبد الله بن دينار عن أبي صالح فيما سبق في كتاب الوضوء: حتى أرواه أي جعله ريان (فشكر الله له) أثنى عليه أو قبل عمله ذلك أو أظهر ما جازاه به عند ملائكته (فغفر له) وفي رواية عبد الله بن دينار: "فأدخله الجنة" بدل قوله: "فغفر له". (قالوا) أي الصحابة وسمي منهم سراقة بن مالك بن جعشم فيما رواه أحمد وابنا ماجة وحبان (يا رسول الله) الأمر كما ذكرت (وإن لنا في) سقي (البهائم) أو الإحسان إليها (أجرًا) أتوا بالاستفهام المؤكد للتعجب (قال) عليه الصلاة والسلام (في) إرواء (كل) ذي (كبد) بفتح الكاف وكسر الموحدة ويجوز سكونها وكسر الكاف وسكون الموحدة (رطبة) برطوبة الحياة من جميع الحيوانات أو هو الحيوانات أو هو من باب وصف الشيء باعتبار ما يؤول إليه فيكون معناه في كل كبد حرى لمن سقاها حتى تصير رطبة (أجر) بالرفع مبتدأ قدم خبره، والتقدير: أجر حاصل أو كائن في إرواء كل ذي كبد حي في جميع الحيوانات، لكن قال النووي: إن عمومه مخصوص بالحيوان المحترم وهو ما لم يؤمر بقتله فيحصل الثواب بسببه ويلتحق به إطعامه. وفي هذا الحديث الحثّ على الإحسان وأن الماء من أعظم القربات، وعن بعض الصالحين: من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء، وأخرجه أيضًا في المظالم والأدب ومسلم في الحيوان وأبو داود في الجهاد. (تابعه حماد بن سلمة) بفتح السين المهملة واللام (والربيع) بفتح الراء وكسر

10 - باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه

الموحدة (ابن مسلم) بكسر اللام المخففة البصري (عن محمد بن زياد) وسقطت هذه المتابعة من بعض النسخ. 2364 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى صَلاَةَ الْكُسُوفِ فَقَالَ: دَنَتْ مِنِّي النَّارُ حَتَّى قُلْتُ أَيْ رَبِّ وَأَنَا مَعَهُمْ؟ فَإِذَا امْرَأَةٌ -حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ- تَخْدِشُهَا هِرَّةٌ. قَالَ: مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ قَالُوا: حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا". وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي قال: (حدّثنا نافع بن عمر) بن عبد الله بن الجمحي المكي (عن ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة واسمه زهير بن عبد الله الأحول المكي (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى صلاة الكسوف فقال) أي بعد أن انصرف منها (دنت) أي قربت (مني النار حتى قلت أي رب) بفتح الهمزة حرف نداء (وأنا معهم) بحذف همزة الاستفهام تقديره أو أنا معهم وفيه تعجب وتعجيب واستبعاد من قربه من أهل النار كأنه استبعد قربهم منه وبينه وبينهم كبعد المشرقين (فإذا امرأة) لم تسم لكن في مسلم أنها امرأة من بني إسرائيل، وفي أخرى له إنها حميرية وحمير قبيلة من العرب وليسوا من بني إسرائيل. قال نافع بن عمر: (حسبت أنه) أي ابن أبي مليكة أو قالت أسماء: حسبت أنه أي النبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال تخدشها) بشين معجمة بعد الدال المهملة المكسورة أي تقشر جلدها (هرة) بالرفع على الفاعلية (قال) عليه الصلاة والسلام، وفي باب: ما يقرأ بعد التكبير قلت (ما شأن هذه)؟ أي المرأة (قالوا حبستها حتى ماتت جوعًا) وتقدم هذا الحديث بأتم من هذا في أوائل صفة الصلاة. 2365 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، قَالَ: فَقَالَ: -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-: لاَ أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلاَ سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا، وَلاَ أَنْتِ أَرْسَلْتِيهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ». [الحديث 2365 - طرفاه في: 3318، 3482]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (عذبت امرأة) بضم العين وكسر المعجمة مبنيًّا للمفعول (في) شأن (هرة) أو بسبب هرة واحتج به ابن مالك على ورود في للسببية (حبستها حتى ماتت جوعًا فدخلت فيها) أي بسببها (النار قال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) الله أو مالك خازن النار (والله أعلم) جملة معترضة بين قوله فقال وقوله (لا أنت أطعمتيها) بإشباع كسرة التاء ياء كذا في رواية المستملي والكشميهني وفي رواية الحموي أطعمتها بدون إشباع (ولا سقيتيها حين حبستيها) بإشباع كسرة التاء فيهما ياء وفي اليونينية حذف الياء من سقيتيها (ولا أنت أرسلتيها) بإشباع كسرة التاء ياء ولأبي ذر أرسلتها بغير إشباع وسقط في نسخة لفظ أنت (فأكلت) وللكشميهني: فتأكل (من خشاش الأرض) حشراتها. وحكى الزركشي تثليث الخاء المعجمة. وقال في المصابيح ليس فيه تصريح بأن الرواية بالتثليث ولم أتحقق ذلك فيبحث عنه انتهى. قلت: كذا هو بالتثليث في فرع اليونينية، وقد سبق الزركشي إلى حكاية التثليث صاحب المشارق، لكن قال النووي: إن الفتح أشهر. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث أن هذه المرأة لما حبست الهرة إلى أن ماتت الهرة جوعًا وعطشًا فاستحقت هذا العذاب فلو كانت سقتها لم تعذب، ومن هنا يعلم فضل سقي الماء وهل كانت هذه المرأة كافرة أو مؤمنة؟ قال القرطبي: كلاهما محتمل. وقال النووي: الصواب أنها كانت مسلمة وأنها دخلت النار بسبب الهرة كما هو ظاهر الحديث، وهذه المعصية ليست صغيرة بل صارت بإصرارها كبيرة، وليس في هذا الحديث أنها تخلد في النار، وقد أخرجه مسلم في الأدب وفي الحيوان. 10 - باب مَنْ رَأَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَوْضِ وَالْقِرْبَةِ أَحَقُّ بِمَائِهِ (باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه) من غيره. 2366 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَدَحٍ فَشَرِبَ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ، وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ، قَالَ: يَا غُلاَمُ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ الأَشْيَاخَ؟ فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد العزيز عن) أبيه (أبي حازم) سلمة بن دينار المدني (عن سهل بن سعد) الساعدي الأنصاري الخزرجي المتوفى سنة ثمان وثمانين أو بعدها وقد جاوز المائة (-رضي الله عنه-) أنه (قال أُتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بقدح) فيه ماء (فشرب) زاد في باب الشرب: منه (وعن يمينه غلام هو) ولأبي ذر: وهو (أحدث القوم) سنًّا وكان مولده قبل الهجرة بثلاث سنين -رضي الله عنه- (والأشياخ عن يساره) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان فيهم خالد بن الوليد (قال) عليه الصلاة والسلام ولأبي الوقت فقال أي لابن عباس: (يا غلام أتأذن لي أن

أعطي الأشياخ) القدح ليشربوا (فقال) ابن عباس: (ما كنت لأُوثر بنصيبي منك أحدًا يا رسول الله فأعطاه) عليه الصلاة والسلام (إياه). قال المهلب: لا مناسبة بين الحديث والترجمة إذ لا دلالة فيه على أن صاحب الماء أحق به وإنما فيه أن الأيمن أحق. وأجاب ابن المنير بأن استدلال البخاري ألطف من ذلك لأنه إذا استحقه الأيمن بالجلوس واختص به فكيف لا يختص به صاحب اليد المتسبب في تحصيله؟ وتعقبه العيني فقال: فيه نظر لأن الفرق ظاهر بين الاستحقاقين فاستحقاق الأيمن غير لازم حتى إذا منع ليس له الطلب الشرعي بخلاف صاحب اليد. وأجاب في فتح الباري: بأن مناسبته من حيث إلحاق الحوض والقربة بالقدح فكان صاحب القدح أحق بالتصرف فيه شربًا وسقيًا، وتعقبه في عمدة القاري فقال: إن كان مراده القياس عليه فغير صحيح لما تقدم، وإن كان مراده من الإلحاق أن صاحب القدح مثل صاحب القربة في الحكم فليس كذلك على ما لا يخفى قال وقوله فكان صاحب القدح أحق بالتصرف فيه شربًا وسقيًا لا يخلو أن يقرأ قوله: فكأن بكاف التشبيه دخلت على أن بفتح الهمزة أو كان بلفظ الماضي من الأفعال الناقصة وأيًّا ما كان ففساده ظاهر يعرف بالتأمل، لكن قد يقال: إن صاحب الحوض مثل صاحب القدح في مجرد الاستحقاق مع قطع النظر عن اللزوم وعدمه انتهى. وهذا الحديث قد مرّ في باب الشرب. 2367 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأَذُودَنَّ رِجَالاً عَنْ حَوْضِي كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنَ الإِبِلِ عَنِ الْحَوْضِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد الشين المعجمة أبو بكر بندار قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر البصري ربيب شعبة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن زياد) القرشي الجمحي المدني أنه قال: (سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (و) الله (الذي نفسي بيده) بقدرته (لأذودن) بهمزة مفتوحة فذال معجمة مضمومة ثم واو ساكنة ثم دال مهملة أي لأطردن (رجالاً عن حوضي) المستمد من نهر الكوثر (كما تذاد) تطرد الناقة (الغريبة من الإبل عن الحوض) إذا أرادت الشرب والحكمة في الذود المذكور أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريد أن يرشد كل أحد إلى حوض نبيه على ما سيجيء إن شاء الله تعالى في ذكر الحوض من كتاب الرقاق: إن لكل نبي حوضًا أو أن المذودين هم المنافقون أو المبتدعون أو المرتدون الذين بدلوا. ومناسبته للترجمة في قوله حوضي فإنه يدل على أنه أحق بحوضه وبما فيه. وهذا الحديث ذكره المؤلّف معلقًا، وأخرجه مسلم موصولاً في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 2368 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ وَكَثِيرِ بْنِ كَثِيرٍ -يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ -أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ- لَكَانَتْ عَيْنًا مَعِينًا. وَأَقْبَلَ جُرْهُمُ فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَلاَ حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ. قَالُوا نَعَمْ". [الحديث 2368 - أطرافه في: 2362، 3363، 3364، 3365]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (عبد الله بن محمد) المسندي بفتح النون قال: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين وسكون العين ابن راشد (عن أيوب) السختياني (وكثير بن كثير) بالمثلثة فيهما ابن المطلب بن أبي وداعة السهمي الكوفي (يزيد أحدهما على الآخر) قال صاحب الكواكب: كلٌّ منهما مزيد ومزيد عليه باعتبارين (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: قال ابن عباس -رضي الله عنهما- قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يرحم الله أُم إسماعيل) هاجر (لو تركت زمزم) لما ضرب جبريل موضعها بعقبه حتى ظهر ماؤها ولم تحوضه (أو قال) عليه الصلاة والسلام (لو لم تغرف من الماء) إلى القربة والشك من الراوي (لكانت عينًا معينًا) بفتح الميم أي ظاهرًا جاريًا على وجه الأرض لأن ظهورها نعمة من لله محضة بغير عمل عامل فلما خالطها تحويض هاجر داخلها كسب البشر فقصرت على ذلك (وأقبل جرهم) بضم الجيم وسكون الراء حيّ من اليمن وهو ابن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح (فقالوا) لأُم إسماعيل (أتأذنين) لنا (أن ننزل عندك؟ قالت: نعم ولا حق لكم في الماء. قالوا: نعم) بفتح العين وفي لغة كنانة وهذيل كسرها وهي حرف تصديق ووعد وإعلام، فالأول بعد الخبر كقام زيد أو ما قام زيد، والثاني بعد أفعل ولا تفعل وما في معناهما نحو هلاّ تفعل وهلاّ لم تفعل وبعد الاستفهام في نحو: هل تعطيني، والثالث المتعين بعد الاستفهام في نحو: هل جاءك زيد، ونحو: {فهل وجدتم ما وعد

11 - باب لا حمى إلا لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-

ربكم حقًّا} [الأعراف: 144] ولم يذكر سيبويه معنى الإعلام البتّة بل قال: وأما نعم فعدة وتصديق، وأما بلى فيوجب بها بعد النفي وكأنه رأى أنه إذا قيل هل قام زيد؟ فقيل: نعم فهي لتصديق ما بعد الاستفهام والأولى ما ذكرناه من أنها للإعلام إذ لا يصح أن يقال لقائل ذلك صدقت لأنه إنشاء لا خبر، وليعلم أنه إذا قيل: قام زيد فتصديقه نعم وتكذيبه لا ويمتنع دخول بلى لعدم النفي، وإذا قيل ما قام زيد فتصديقه نعم وتكذيبه بلى، ومنه: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى} [التغابن: 7] ويمتنع دخول لا لأنها لنفي الإثبات لا لنفي النفي، وإذا قيل أقام زيد فهو مثل قام زيد أعني إنك إذا أثبت القيام نعم، وإذا نفيته لا. ويمتنع دخول بلى. وإذا قيل: ألم يقم زيد فهو مثل لم يقم زيد فتقول إن أثبت القيام بلى ويمتنع دخول لا وإن نفيته قلت نعم. قال تعالى: {ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172]. وعن ابن عباس أنه لو قيل: نعم في جواب {ألست بربكم} كان كفرًا، والحاصل أن بلى لا تأتي إلا بعد نفي وأن لا لا تأتي إلا بعد إيجاب وأن نعم تأتي بعدها، وإنما جاز {بلى وقد جاءتك آياتي} [الزمر: 59] مع أنه لم تتقدم أداة نفي لأن: {لو أن الله هداني} [الزمر: 57] يدل على نفي هدايته ومعنى الجواب حينئذٍ بلى قد هديتك بمجيء الآيات أي قد أرشدتك بذلك. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في أحاديث الأنبياء والنسائي في المناقب. 2369 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهْوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ فَيَقُولُ اللَّهُ: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ». قَالَ عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ -غَيْرَ مَرَّةٍ- عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (عبد الله بن محمد) البخاري المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ثلاثة) من الناس (لا يكلمهم الله يوم القيامة) عبارة عن غضبه عليهم وتعريض بحرمانهم حال مقابلتهم في الكرامة والزلفى من الله، وقيل: لا يكلمهم بما يحبون ولكن بنحو قوله: {اخسؤوا فيها ولا تكلمون} [المؤمنون: 108] (ولا ينظر إليهم) نظر رحمة أولهم (رجل حلف على سلعة) ولأبي ذر: على سلعته (لقد أعطى) بفتح الهمزة والطاء لمن اشتراها منه (بها) أي بسببها ولأبي ذر: أعطي بضم الهمزة وكسر الطاء مبنيًّا للمفعول أي أعطاه من يريد شراءها (أكثر مما أعطى) بفتح الهمزة والطاء أي دفع له أكثر مما أعطى زيد الذي استامه (وهو كاذب) جملة حالية (و) الثاني (رجل حلف على يمين كاذبة) أي محلوف فسمى يمينًا مجازًا للملابسة بينهما والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه وإلاّ فهو قبل اليمين ليس محلوفًا عليه فيكون من مجاز الاستعارة (بعد العصر) قال الخطابي: خصّ وقت العصر بتعظيم الإثم فيه وإن كانت اليمين الفاجرة محرمة كل وقت لأن الله عظّم هذا الوقت، وقد روي أن الملائكة تجتمع فيه وهو ختام الأعمال والأمور بخواتيمها فغلظت العقوبة فيه لئلا يقدم عليها (ليقتطع بها مال رجل مسلم) أي ليأخذ قطعة من ماله (و) الثالث (رجل منع فضل ماء) زائد عما يحتاج إليه ولأبي ذر فضل مائه (فيقول الله اليوم أمنعك فضلي) بضم العين (كما منعت فضل ما لم تعمل يداك). (قال عليّ) هو ابن المديني: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (غير مرة عن عمرو) هو ابن دينار أنه (سمع أبا صالح) ذكوان السمان (يبلغ به النبي) أي يرفع أبو صالح الحديث إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيه إشارة إلى أن سفيان كان يرسل هذا الحديث كثيرًا ولكنه صحح الموصول لكونه سمعه من الحفاظ موصولاً، وقد أخرجه أيضًا عمرو الناقد فيما أخرجه عنه عن سفيان. ومناسبة الحديث للترجمة من حيث أن المعاقبة وقعت على منع الفضل فدلّ على أنه أحق بالأصل، وقد مضى هذا الحديث في باب: إثم من منع ابن السبيل من الماء. 11 - باب لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا (باب) بالتنوين (لا حمى إلا لله ولرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الحمى بكسر الحاء وفتح الميم من غير تنوين مقصورًا وهو لغة المحظور واصطلاحًا ما يحمي الإمام من الموات لمواشٍ بعينها ويمنع سائر الناس الرعي فيه. 2370 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ». وَقَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَمَى النَّقِيعَ، وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى السَّرَفَ وَالرَّبَذَةَ. [الحديث 2370 - طرفه في: 3013]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله

12 - باب شرب الناس وسقي الدواب من الأنهار

بن عتبة) بضم العين وسكون التاء (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن الصعب بن جثامة) بفتح الصاد المهملة وسكون العين وجثامة بفتح الجيم وتشديد المثلثة الليثي (قال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا حمى) لأحد يخص نفسه به يرعى فيه ماشيته دون سائر الناس (إلا لله) عز وجل (ولرسوله) ومن قام مقامه عليه الصلاة والسلام وهو الخليفة خاصة، إذا احتيج إلى ذلك لمصلحة المسلمين كما فعل العمران وعثمان -رضي الله عنهم-، وإنما يحمي الإمام ما ليس بمملوك كبطون الأودية والجبال والموات. وفي النهاية قيل: كان الشريف في الجاهلية إذا نزل أرضًا في حيّه استعوى كلبًا فحمى مدى عواء الكلب لا يشركه فيه غيره وهو يشارك القوم في سائر ما يرعون فيه فنهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك وأضاف الحمى إلى الله ورسوله أي إلا ما يحمى للخيل التي ترصد للجهاد والإبل التي يحمل عليها في سبيل الله تعالى وإبل الزكاة وغيرها. (وقال) أي ابن شهاب بالسند السابق مرسلاً (بلغنا) ولأبي ذر وقال أبو عبد الله أي البخاري بلغنا (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حمى النقيع) بفتح النون وكسر القاف وبعد التحتية الساكنة عين مهملة وهو موضع على عشرين فرسخًا من المدينة وقدره ميل في ثمانية أميال كما ذكره ابن وهب في موطئه، وهو في الأصل كل موضع يستنقع فيه الماء أي يجتمع فإذا نضب الماء نبت فيه الكلأ وهو غير نقيع الخضمات، وقد توهم رواية أبي ذر حيث قال: وقال أبو عبد الله بلغنا أنه من كلام المؤلّف وإنما الضمير المرفوع في بلغنا يرجع إلى الزهري كما صرح به أبو داود. (وأن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (حمى السرف) بفتح السين المهملة والراء كذا في فرعين لليونينية كهي، وفي النسخة المقروءة على الميدومي وغيرها السرف بكسر الراء ككتف موضع قرب التنعيم، وذكر القاضي عياض أنه الذي عند البخاري، وقال الدمياطي: إنه خطأ، وفي نسخة بالفرع وأصله الشرف بفتح الشين المعجمة والراء وهو كذلك في بعض الأصول المعتمدة وهو الذي في موطأ ابن وهب، ورواه بعض رواة البخاري أو أصلحه وهو الصواب وأما سرف فلا يدخله الألف واللام كما قاله القاضي عياض (والربذة) بفتح الراء والموحدة والمعجمة موضع معروف بين الحرمين وقوله وأن عمر الخ ... عطف على الأول وهو من بلاغ الزهري أيضًا. وعند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن نافع عن ابن عمر أن عمر حمى الربذة لنعم الصدقة. وحديث الباب أخرجه البخاري أيضًا في الجهاد وأبو داود في الخراج والنسائي في الحمى والسِّيَر. 12 - باب شُرْبِ النَّاسِ وسقيِ الدَّوَابِّ مِنَ الأَنْهَارِ (باب شرب الناس وسقي الدواب من الأنهار). 2371 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ. فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَطَالَ بِهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ، فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ مِنَ الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَلَوْ أَنَّهُ انْقَطَعَ طِيَلُهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ، فَهِيَ لِذَلِكَ أَجْرٌ. وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلاَ ظُهُورِهَا فَهِيَ لِذَلِكَ سِتْرٌ. وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لأَهْلِ الإِسْلاَمِ فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ. وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْحُمُرِ فَقَالَ: مَا أُنْزِلَ عَلَىَّ فِيهَا شَىْءٌ إِلاَّ هَذِهِ الآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}. [الحديث 2371 - أطرافه في: 2860، 3646، 4962، 4963، 7356]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك بن أنس) الإمام (عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر المدني (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الخيل لرجل أجر) أي ثواب (ولرجل ستر) أي ساتر لفقره ولحاله (وعلى رجل وزر) أي إثم ووجه الحصر في هذه أن الذي يقتني الخيل إما أن يقتنيها للركوب أو للتجارة وكلٌّ منهما إما أن يقترن به فعل طاعة الله وهو الأول أو معصيته وهو الأخير أو يتجرد عن ذلك وهو الثاني (فأما) الأول (الذي) هي (له أجر فرجل ربطها في سبيل الله) أي أعدّها للجهاد (فأطال بها) ولأبي ذر: لها باللام بدل الموحدة (في مرج) بفتح الميم وبعد الراء الساكنة جيم أرض واسعة فيها كلأ كثير (أو روضة) شك من الراوي (فما أصابت في طيلها ذلك) بكسر الطاء المهملة وبعد التحتية المفتوحة لام الحبل الذي يربط به ويطوّل لها لترعى ويقال طول بالواو المفتوحة بدل الياء (من المرج أو الروضة كانت له) أي لصاحبها، ولأبي ذر: كان لها (حسنات) بالنصب (ولو أنه انقطع طيلها فاستنت) بفتح الفوقية وتشديد النون أي عدت بمرح ونشاط أي رفعت يديها وطرحتهما معًا (شرفًا أو شرفين) بالشين المعجمة المفتوحة والفاء فيهما أي شوطًا أو شوطين وسمي به لأن المغازي يشرف على

ما يتوجه إليه وقال في المصابيح كالتنقيح الشرف العالي من الأرض (كانت آثارها) في الأرض بحوافرها عند خطواتها (وأرواثها حسنات له) أي لصاحبها (ولو أنها مرّت بنهر) بفتح الهاء وسكونها لغتان فصيحتان (فشربت منه) من غير قصد صاحبها (ولم يرد أن يسقي) بحذف ضمير المفعول (كان ذلك) أي شربها وعدم إرادته أن يسقيها (حسنات له فهي لذلك أجر) لرابطها. وهذا موضع الترجمة (و) الثاني الذي هي له ستر (رجل ربطها تغنيًّا) بفتح الفوقية والغين المعجمة وكسر النون المشددة أي استغناء عن الناس يطلب نتاجها (وتعففًا) عن سؤالهم فيتجر فيها أو يتردّد عليها متاجرة أو مزارعة (ثم لم ينس حق الله) المفروض (في رقابها) فيؤدي زكاة تجارتها (ولا) في (ظهورها) فيركب عليها في سبيل الله أو لا يحملها ما لا تطيقه (فهي لذلك) المذكور (ستر) لصاحبها أي ساترة لفقره ولحاله (و) الثالث الذي هي له وزر (رجل ربطها فخرًا) نصب للتعليل أي لأجل الفخر أي تعاظمًا (ورياءً) أي إظهارًا للطاعة والباطن بخلاف ذلك (ونواء) بكسر النون وفتح الواو وممدودًا أي عداوة (لأهل الإسلام فهي على ذلك) الرجل (وزر) إثم. (وسئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الحمر) أي عن صدقتها كما قال الخطابي والسائل هو صعصعة بن ناجية جدّ الفرزدق (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما أنزل عليّ فيها شيء) منصوص (إلا هذه الآية الجامعة) أي العامة الشاملة (الفاذة) بالذال المعجمة المشددة أي القليلة المثل المنفردة في معناها فإنها تقتضي أن من أحسن إلى الحمر رأى إحسانه في الآخرة ومن أساء إليها وكلفها فوق طاقتها رأى إساءته لها في الآخرة ({فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره}) [الزلزلة: 7 - 8] والذرة النملة الصغيرة وقيل الذر ما يرى في شعاع الشمس من الهباء. وقال الزركشي وهو أي قوله الجامعة حجة لمن قال بالعموم في من وهو مذهب الجمهور، قال في المصابيح: وهو حجة أيضًا في عموم النكرة الواقعة في سياق الشرط نحو: {من عمل صالحًا فلنفسه} [فصّلت: 46، الجاثية: 15]. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الجهاد وفي علامات النبوّة والتفسير والاعتصام ومسلم في الزكاة والنسائي في الخيل. 2372 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلاَّ فَشَأْنَكَ بِهَا. قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ. قَالَ فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: مَالَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس قال: (حدّثنا) ولأبي الوقت: حدّثني بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام (عن رييعة بن أبي عبد الرحمن) هو المشهور بربيعة الرأي (عن يزيد مولى المنبعث) بضم الميم وسكون النون وفتح الموحدة وكسر العين المهملة بعدها مثلثة المدني (عن زيد بن خالد) ولأبي ذر زيادة: الجهني (رضي الله عنه) أنه (قال: جاء رجل) قال في المقدمة هو عمير أبو مالك كما رواه الإسماعيلي وأبو موسى المديني في الذيل من طريقه، وفي الأوسط للطبراني من طريق ابن لهيعة عن عمارة بن غزية عن ربيعة عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد أنه قال: سألت. وفي رواية سفيان الثوري عن ربيعة عند المصنف: جاء أعرابي. وذكر ابن بشكوال أنه بلال، وتعقب بأنه لا يقال له أعرابي، ولكن الحديث في أبي داود وفي رواية صحيحة جئت أنا ورجل معي فيفسر الأعرابي بعمير أبي مالك، ويحمل على أنه وزيد بن خالد جميعًا سألا عن ذلك وكذلك بلال. نعم وجدت في معجم البغوي وغيره من طريق عقبة بن سويد الجهني عن أبيه قال سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن اللقطة فقال "عرّفها سنة" الحديث. وسنده جيد وهو أولى ما فسر به المبهم الذي في الصحيح انتهى. (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسأله عن اللقطة) بضم اللام وفتح القاف لا يعرف المحدثون غيره ويجوز إسكانها وهي لغة الشيء الملقوط وشرعًا ما وجد من حق ضائع محترم غير محرز ولا ممتنع بقوّته (فقال) عليه الصلاة والسلام له. (اعرف عفاصها) بكسر العين المهملة وبالفاء والصاد المهملة الوعاء الذي تكون فيه (ووكاءها) بكسر الواو والمد الخيط الذي يشد به الوعاء ومعنى الأمر بمعرفة ذلك حتى يعرف بذلك صدق واصفها وكذبه وأن لا يختلط بماله (ثم

13 - باب بيع الحطب والكلإ

عرفها سنة فإن جاء صاحبها) قبل فراغ التعريف أو بعده وهي باقية وجواب الشرط محذوف للعلم به أي فردّها إليه (وإلا) بأن لم يجيء صاحبها (فشأنك بها) أي تملكها وشأن نصب على أنه مفعول بفعل محذوف، وفي كتاب العلم ثم عرفها سنة ثم استمتع بها فإن جاء ربها فأدّها إليه (قال) أي الرجل (فضالة الغنم؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (هي لك) إن أخذتها وعرفتها ولم تجد صاحبها (أو لأخيك) صاحبها إن جاء (أو للذئب) يأكلها إن تركتها ولم يجيء صاحبها (قال) الرجل (فضالة الإبل)؟ مبتدأ حذف خبره أي ما حكمها (قال) عليه الصلاة والسلام: (ما لك ولها) استفهام إنكاري أي ما لك وأخذها والحال أنها (معها سقاؤها) بكسر السين والمدّ جوفها فإذا وردت الماء شربت ما يكفيها حتى ترد ماء آخر أو المراد بالسقاء العنق لأنها ترد الماء وتشرب من غير ساق يسقيها أو أراد أنها أجلد البهائم على العطش (وحذاؤها) بكسر الحاء المهملة وبالذال المعجمة والمدّ أي خفّها (ترد الماء وتأكل الشجر) فهي تقوى بأخفافها على السير وقطع البلاد الشاسعة وورود المياه النائية فشبهها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمن كان معه سقاء وحذاء في سفره، وهذا موضع الترجمة. (حتى يلقاها ربها) أي مالكها والمراد بهذا النهي عن التعرض لها لأن الأخذ إنما هو للحفظ على صاحبها إما بحفظ العين أو بحفظ القيمة وهذه لا تحتاج إلى حفظ بما خلق الله تعالى فيها من القوّة والمنعة وما يسّر لها من الأكل والشرب. وهذا الحديث قد سبق في باب الغضب في الموعظة من كتاب العلم. 13 - باب بَيْعِ الْحَطَبِ وَالْكَلإِ (باب بيع الحطب) المحتطب من الأرض المباحة (والكلأ) بفتح الكاف واللام بعدها همزة مقصورًا وهو العشب رطبه ويابسه. 2373 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أَحْبُلاً فَيَأْخُذَ حُزْمَةً مِنْ حَطَبٍ فَيَبِيعَ فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهِ وَجْهَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أُعْطِيَ أَمْ مُنِعَ». وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمي أبو الهيثم البصري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد البصري (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن الزبير بن العوّام -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لأن يأخذ أحدكم أحبلاً) بهمزة مفتوحة وحاء مهملة ساكنة وموحدة مضمومة جمع حبل ويجمع أيضًا على حبال قال أبو طالب: أمن أجل حبل لا أباك ضربته ... بمنسأة قد جرّ حبلك أحبلا واللام في قوله "لأن" ابتدائية أو جواب لقسم محذوف أي: والله لأن، ولأبي ذر عن الكشميهني: لأن يأخذ أحدكم حبلاً (فيأخذ) بالنصب عطفًا على المنصوب السابق (حزمة) بضم الحاء المهملة وسكون الزاي والنصب على المفعولية (من حطب) ولأبي الوقت: حزمة حطب بالإضافة وسقوط حرف الجر (فيبيع فيكف الله به) أي فيمنع الله بثمن ما يبيعه (وجهه) من أن يريق ماءه بالسؤال من الناس وقوله فيبيع فيكف بالنصب فيهما عطفًا على السابق ولأبي ذر: فيكف الله بها عن وجهه فأنّث الضمير باعتبار الحزمة (خير) خبر مبتدأ محذوف أي هو خير له (من أن يسأل الناس) أي إن لم يجد أحدكم إلا الاحتطاب من الحرف فهو مع ما فيه من امتهان المرء نفسه ومن المشقّة خير له من سؤال الناس (أعطي أم منع) بضم الهمزة وكسر الطاء في الأول وضم الميم وكسر النون في الثاني مبنيين للمفعول. وهذا الحديث سبق في باب الاستعفاف في المسالة من كتاب الزكاة، ومطابقته للترجمة هنا في قوله: "فيأخذ حزمة من حطب فيبيع". 2374 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجدّه واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (عن أبي عبيد) مصغرًا (مولى عبد الرحمن بن عوف أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): والله (لأن يحتطب أحدكم حزمة) أي من حطب بأرض مباحة ثم يحملها (على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا) أن مصدرية أي من سؤال أحد (فيعطيه أو يمنعه) بنصب

الفعلين عطفًا على ما قبلهما وسقط قوله له في رواية أبوي الوقت وذر. 2375 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنهم- أَنَّهُ قَالَ: "أَصَبْتُ شَارِفًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَغْنَمٍ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: وَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَارِفًا أُخْرَى، فَأَنَخْتُهُمَا يَوْمًا عِنْدَ بَابِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهِمَا إِذْخِرًا لأَبِيعَهُ، وَمَعِي صَائِغٌ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ فَأَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى وَلِيمَةِ فَاطِمَةَ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَشْرَبُ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ مَعَهُ قَيْنَةٌ. فَقَالَتْ: أَلاَ يَا حَمْزَ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ، فَثَارَ إِلَيْهِمَا حَمْزَةُ بِالسَّيْفِ فَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، ثُمَّ أَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا -قُلْتُ لاِبْنِ شِهَابٍ: وَمِنَ السَّنَامِ: قَالَ: قَدْ جَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا فَذَهَبَ بِهَا- قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه-: فَنَظَرْتُ إِلَى مَنْظَرٍ أَفْظَعَنِي، فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ زَيْدٌ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَدَخَلَ عَلَى حَمْزَةَ فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ، فَرَفَعَ حَمْزَةُ بَصَرَهُ وَقَالَ: هَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لآبَائِي! فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَهْقِرُ حَتَّى خَرَجَ عَنْهُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء الرازي المعروف بالصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني اليماني قاضيها (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز المكي (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (ابن شهاب) الزهري (عن عليّ بن حسين بن عليّ) سقط لأبي ذر: ابن عليّ (عن أبيه حسين بن عليّ عن أبيه عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم أنه قال: أصبت شارفًا) بشين معجمة وبعد الألف راء مكسورة ثم فاء المسنة من النوق قاله الجوهري وغيره وعن الأصمعي يقال للذكر شارف والأنثى شارفة (مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مغنم يوم بدر) في السنة الثانية من الهجرة وفي نسخة في مغنم يوم بدر بإضافة مغنم ليوم (قال: وأعطاني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شارفًا) مسنّة (أخرى) من النوق قبل يوم بدر من الخمس من غنيمة عبد الله بن جحش (فأنختهما يومًا عند باب رجل من الأنصار وأنا أريد أن أحمل عليهما إذخزًا) بكسر الهمزة وسكون الدال وكسر الخاء المعجمتين نبت معروف طيب الرائحة يستعمله الصوّاغون واحدته إذخرة (لأبيعه ومعي صائغ) بصاد مهملة وبعد الألف همزة وقد تسهل وآخره غين معجمة من الصياغة ولأبي ذر عن المستملي: طابع بطاء مهملة وموحدة مكسورة بعد الألف فعين مهملة، وله أيضًا عن الحموي: طالع باللام بدل الموحدة أي ومعه من يدله على الطريق قال الكرماني، وقد يقال إنه اسم الرجل (من بني قينقاع) بفتح القافين وضم النون وفتحها في الفرع ويجوز الكسر غير منصرف على إرادة القبيلة أو منصرف على إرادة الحيّ وهم رهط من اليهود (فأستعين به) أي بثمن الإذخر (على وليمة فاطمة) بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقوله: فأستعين بالنصب عطفًا على قوله لأبيعه (وحمزة بن عبد المطلب يشرب) خمرًا (في ذلك البيت معه قينة) بفتح القاف وسكون التحتية وفتح النون ثم هاء تأنيث أي مغنية (فقالت: ألا) للتنبيه (يا حمز) منادى مرخم مفتوح الزاي على لغة من نوى وفي نسخة: يا حمز بضم الزاي على لغة من لم ينوِ (للشرف) بضم الشين المعجمة والراء جمع شارف وهي المسنة من النوق (النواء) بكسر النون وتخفيف الواو ممدودًا جمع ناوية وهي السمينة صفة للشرف وفي جمعهما وهما شارفان دليل على إطلاق الجمع على الاثنين والجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره انهض تستدعيه أن ينحر شارفي عليّ المذكورين ليطعم أضيافه من لحمهما، وهذا مطلع قصيدة وبقيته: وهن معقلات بالفناء وبعده: ضع السكين في اللبات منها ... وضرّجهن حمزة بالدماء وعجل من أطايبها الشرب ... قديرًا من طبيخ أو شواء وقوله: بالفناء بكسر الفاء المكان المتسع أمام الدار، واللبات جمع لبة وهي المنحر، وضرّجهنّ أمر من التضريج بالضاد المعجمة والجيم التدمية، وأطايب الجزور السنام والكبد، والشرب بفتح الشين المعجمة الجماعة يشربون الخمر، وقديرًا: منصوب على أنه مفعول لقوله عجل والقدير المطبوخ في القدر. (فثار) بالمثلثة أي قام بنهضة (إليهما) أي إلى الشارفين (حمزة بالسيف) لما سمع مقالة القينة (فجب) بالجيم والموحدة المشددة قطع (أسنمتهما) جمع سنام فهو على حدّ {فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4] إذ المراد قلبًا كما والسنام ما علا ظهر البعير (وبقر) بالموحدة والقاف أي شق (خواصرهما) أي خصريهما (ثم أخذ من أكبادهما) لأن السنام والكبد أطايب الجزور عند العرب قال ابن جريج: (قلت لابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (ومن السنام) بفتح السين أي أخذ منه (قال قد جب) قطع (أسنمتهما فذهب بها) جمع الضمير على لفظ الأسنمة، وهذه الجملة مدرجة من قول ابن جريج. (قال ابن شهاب، قال عليّ) هو ابن أبي طالب (-رضي الله عنه-: فنظرت إلى منظر) بفتح الميم

14 - باب القطائع

والمعجمة (أفظعني) بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح الظاء المعجمة والعين المهملة أي خوّفني لتضرره بتأخر الابتناء بفاطمة -رضي الله عنها- بسبب فوات ما يستعين به قال: (فأتيت نبيّ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنده زيد بن حارثة) حبه عليه الصلاة والسلام (فأخبرته الخبر فخرج) عليه الصلاة والسلام (ومعه زيد) حبه (فانطلقت معه فدخل على حمزة) البيت الذي هو فيه (فتغيظ) أي أظهر عليه الصلاة والسلام الغيظ (عليه فرفع حمزة بصره وقال: هل أنتم إلا عبيد لآبائي)؟ أراد به التفاخر عليهم بأنه أقرب إلى عبد المطلب ومن فوقه لأن عبد الله أبا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبا طالب عمه كانا كالعبدين لعبد المطلب في الخضوع لحرمته وجواز تصرفه في مالهما وقد قاله قبل تحريم الخمر فلم يؤاخذ به، (فرجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقهقر) أي إلى ورائه. زاد في آخر الجهاد: ووجهه لحمزة خشية أن يزداد عيبه في حال سكره فينتقل من القول إلى الفعل فأراد أن يكون ما يقع منه بمرأى منه ليدفعه إن وقع منه شيء. وعند ابن أبي شيبة أنه أغرم حمزة ثمنها ومحل النهي عن القهقرى إن لم يكن عذر (حتى خرج عنهم) أي عن حمزة ومن معه (وذلك) أي المذكور من هذه القصة (قبل تحريم الخمر) فلذلك عذره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما قال وفعل ولم يؤاخذه -رضي الله عنه-. وموضع الترجمة منه قوله: وأنا أريد أن أحمل عليهما إذخرًا لأبيعه فإنه دالّ على ما ترجم به من جواز الاحتطاب والاحتشاش، والحديث قد سبق بعضه في باب: ما قيل في الصواغ من كتاب البيوع، ويأتي إن شاء الله تعالى في المغازي واللباس والخمس، وقد أخرجه مسلم وأبو داود واستنبط منه فوائد كثيرة تأتي إن شاء الله تعالى في محالها والله الموفق والمعين. 14 - باب الْقَطَائِعِ (باب القطائع) جمع قطيعة وهي ما يخص به الإمام بعض الرعية من الأرض فإن أقطعه لا للتمليك بل لتكون غلته له فهو كالمتحجر فلا يقطعه ما يعجز عنه ويكون المقطع أحق بما أقطعه يتصرف في غلته بالإجارة ونحوها. قال السبكي: وهو الذي يسمى في زماننا هذا إقطاعًا. قال: ولم أرَ أحدًا من أصحابنا ذكره وتخريجه على طريق فقهي مشكل، والذي يظهر أنه يحصل للمقطع بذلك اختصاص كاختصاص المتحجر ولكنه لا يملك الرقبة بذلك لتظهر فائدة الإقطاع. قال الزركشي: وينبغي أن يستثنى هنا ما أقطعه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا يملكه الغير بإحيائه قياسًا على أنه لا ينقض ما حماه أما إذا أقطعه لتمليك رقبته فيملكه ويتصرف فيه تصرف الملاك ذكره النووي في شرح المهذّب في باب الركاز. وفي حديث أسماء بنت أبي بكر عند المؤلّف في أواخر الخمس أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقطع الزبير أرضًا من أموال بني النضير، وفي الترمذي وصححه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقطع وائل بن حجر أرضًا بحضرموت. 2376 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- قَالَ: "أَرَادَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُقْطِعَ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: حَتَّى تُقْطِعَ لإِخْوَانِنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَ الَّذِي تُقْطِعُ لَنَا. قَالَ: سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي". [الحديث 2376 - أطرافه في: 2377، 3163، 3794]. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي الأزدي البصري قاضي مكة قال: (حدّثنا حماد) ولأبي ذر حماد بن زيد واسم جدّه درهم الجهضمي (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري أنه (قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- قال: أراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقطع) الأنصار (من البحرين) بلفظ التثنية ناحية معروفة (فقالت الأنصار) لا تقطع لنا (حتى تقطع لإخواننا من المهاجرين مثل الذي تقطع لنا) زاد البيهقي في روايته فلم يكن ذلك عنده أي ليس عنده ما يقطع منه (قال) عليه الصلاة والسلام: (سترون بعدي أثرة) بفتح الهمزة والمثلثة وبضم الأولى وسكون الأخرى في الفرع وبهما قيد الجياني فيما حكاه ابن قرقول. قال الزركشي: ويقال بكسر الهمزة وسكون المثلثة وهو الاستئثار أي يستأثر عليكم بأمور الدنيا ويفضل غيركم نفسه عليكم ولا يجعل لكم في الأمر نصيبًا (فاصبروا حتى تلقوني) زاد في غزوة الطائف فإني على الحوض. وفي الحديث أن للإمام أن يقطع من الأراضي التي تحت يده لمن يراه أهلاً لذلك. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الجزية وفضل الأنصار. 15 - باب كِتَابَةِ الْقَطَائِعِ (باب كتابة القطائع) لمن أقطعه الإمام لتكون توثقة بيده دفعًا

16 - باب حلب الإبل على الماء

للنزاع. 2377 - وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: "دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأَنْصَارَ لِيُقْطِعَ لَهُمْ بِالْبَحْرَيْنِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ فَعَلْتَ فَاكْتُبْ لإِخْوَانِنَا مِنْ قُرَيْشٍ بِمِثْلِهَا، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي". (وقال الليث) بن سعد الإمام (عن يحيي بن سعيد) الأنصاري (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه قال: (دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأنصار ليقطع لهم بالبحرين) قال الخطابي يحتمل أنه أراد الموات منها ليتملكوه بالإحياء أو أراد أن يخصّهم بتناول جزيتها وبه جزم إسماعيل القاضي (فقالوا: يا رسول الله إن فعلت) أي الإقطاع (فاكتب لإخواننا من قريش بمثلها فلم يكن ذلك) المثل (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يعني بسبب قلة الفتوح يومئذ (فقال) عليه الصلاة والسلام: (سترون بعدي أثرة) بضم الهمزة وسكون المثلثة وفتحهما وهذا من أعلام نبوّته فإن فيه إشارة إلى ما وقع من استئثار الملوك من قريش عن الأنصار بالأموال وغيرها (فاصبروا حتى تلقوني) أي يوم القيامة قيل فيه إن الأنصار لا تكون فيهم الخلافة لأنه جعلهم تحت الصبر إلى يوم القيامة والصبر لا يكون إلا من مغلوب محكوم عليه وفيه فضيلة ظاهرة للأنصار حيث لم يستأثروا بشيء من الدنيا دون المهاجرين، ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد لذلك في باب فضل الأنصار. وهذا الحديث أورده المؤلّف غير موصول. قال أبو نعيم: وكأنه أخذه عن عبد الله بن صالح كاتب الليث عنه. وقال ابن حجر لم أره موصولاً من طريقه. 16 - باب حَلَبِ الإِبِلِ عَلَى الْمَاءِ (باب حلب الإبل) بفتح اللام ويجوز تسكينها أي استخراج ما في ضرعها من اللبن (على الماء) أي عند الماء كذا قاله ابن حجر، ونازعه العيني بأن على لم تجيء بمعنى عند بل هي هنا بمعنى الاستعلاء، وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن كثيرًا من أهل العربية قالوا إن حروف الجر تتناوب وحمل عليّ على الاستعلاء يقتضي أن يقع المحلوب في الماء وليس ذلك مرادًا اهـ. 2378 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مِنْ حَقِّ الإِبِلِ أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي الوقت: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) الحزامي المديني قال: (حدّثنا محمد بن فليح) بضم الفاء وفتح اللام وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة الأسلمي أو الخزاعي صدوق يهم وله عند المؤلّف أحاديث توبع عليها (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) فليح بن سليمان الأسلمي صدوق لكنه كثير الخطأ وهو من طبقة مالك واحتج به البخاري وأصحاب السنن، لكن لم يعتمد عليه البخاري اعتماده على مالك وابن عيينة وأضرابهما، وإنما أخرج له أحاديث أكثرها في المتابعات وبعضها في الرقائق (عن هلال بن عليّ) هو ابن أبي ميمونة القرشي العامري مولاهم المدني (عن عبد الرحمن بن أبي عمرة) بفتح العين المهملة وسكون الميم الأنصاري النجاري قيل ولد في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكن قال ابن أبي حاتم: ليست له صحبة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من حق الإبل) المعهود عند العرب (أن تحلب على الماء) أي عنده لما فيه من نفع المساكين الذين هناك وزاد أبو نعيم في مستخرجه يوم ورودها. 17 - باب الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ مَمَرٌّ أَوْ شِرْبٌ فِي حَائِطٍ أَوْ فِي نَخْلٍ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ بَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ، فَلِلْبَائِعِ الْمَمَرُّ وَالسَّقْيُ حَتَّى يَرْفَعَ، وَكَذَلِكَ رَبُّ الْعَرِيَّةِ". (باب الرجل يكون له ممر) أي حق ممر (أو) يكون له (شرب) بكسر الشين نصيب (في حائط) بستان (أو) في (نخل) من باب اللف والنشر فالحائط يتعلق بالممر والنخل يتعلق بالشرب (قال) ولأبوي ذر والوقت: وقال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما سبق موصولاً في باب: من باع نخلاً قد أبرت (من باع نخلاً بعد أن تؤبر) بتشديد الموحدة (فثمرتها للبائع) قال البخاري (فللبائع) بالفاء ولأبي ذر: وللبائع (الممر والسقي) للنخل لأجل الثمرة التي هي ملكه (حتى) أي إلى أن (يرفع) أي يقطعها وفي النسخة المقروءة على الميدومي ترفع بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول (وكذلك رب العرية) أي صاحبها لا يمنع أن يدخل في الحائط ليتعهد عريته بالإصلاح والسقي. 2379 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنِ ابْتَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ. وَمَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ». وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ فِي الْعَبْدِ. وبه قال: (أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت: حدّثنا (عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وحده أخبرنا (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (عن أبيه) عبد الله (-رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع) فله حق الاستطراق لاقتطافها وليس للمشتري أن يمنعه من الدخول إليها لأن له

حقًّا لا يصل إليه إلا به (إلا أن يشترط المبتاع) أن تكون الثمرة له ويوافقه البائع فتكون للمشتري (ومن ابتاع) اشترى (عبدًا وله) أي للعبد (مال فماله للذي باعه) لأن العبد لا يملك شيئًا أصلاً لأنه مملوك فلا يجوز أن يكون مالكًا، وبه قال أبو حنيفة وهو رواية عن أحمد. وقال مالك وأحمد وهو القول القديم للشافعي: لو ملكه سيده مالاّ ملكه لقوله وله مال فأضافه إليه لكنه إذا باعه بعد ذلك كان ماله للبائع، وتأوّل المانعون قوله وله مال بأن الإضافة للاختصاص والانتفاع لا للملك كما يقال: جلّ الدابة وسرج الفرس، ويدل له قوله فماله للبائع فأضاف المال إليه وإلى البائع في حالة واحدة، ولا يجوز أن يكون الشيء الواحد كله ملكًا لاثنين في حالة واحدة فثبت أن إضافة المال إلى العبد مجاز أي للاختصاص وإلى المولى حقيقة أي للملك (إلا أن يشترط المبتاع) كون المال جميعه أو جزء معين منه له فيصحّ لأنه يكون قد باع شيئين العبد والمال الذي في يده بثمن واحد جائز ولو باع عبدًا وعليه ثيابه لم تدخل في البيع بل تستمر على ملك البائع إلا أن يشترطها المشتري لاندراج الثياب تحت قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وله مال ولأن اسم العبد لا يتناول الثياب وهذا أصح الأوجه عند الشافعية والثاني أنها تدخل والثالث يدخل ساتر العورة فقط وقال المالكية: تدخل ثياب المهنة التي عليه. وقال الحنابلة: يدخل ما عليه من الثياب المعتادة ولو كان مال العبد دراهم والثمن دراهم أو دنانير والثمن دنانير، واشترط المشتري أن ماله له ووافقه البائع فقال أبو حنيفة والشافعي: لا يصح هذا البيع لما فيه من الربا وهو من قاعدة مد عجوة، ولا يقال هذا الحدلث يدل للصحة لأنا نقول قد علم البطلان من دليل آخر. وقال مالك: يجوز لإطلاق الحديث وكأنه لم يجعل لهذا المال حصة من الثمن. ثم إن ظاهر قوله في مال العبد إلا أن يشترط المبتاع أنه لا فرق بين أن يكون معلومًا أو مجهولاً لكن القياس يقتضي أنه لا يصح الشرط إذا لم يكن معلومًا، وقد قال المالكية: أنه يصح اشتراطه ولو كان مجهولاً وكذا قال الحنابلة إن فرعنا على أن العبد يملك بتمليك السيد صح الشرط وإن كان المال مجهولاً وإن فرعنا على أنه لا يملك اعتبر علمه وسائر شروط البيع إلا إذا كان قصده العبد لا المال فلا يشترط، ومقتضى مذهب الشافعي وأبي حنيفة أنه لا بدّ أن يكون معلومًا. (وعن مالك) الإمام بواو العطف على قوله حدّثنا الليث فهو موصول غير معلق (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر عن) أبيه (عمر) -رضي الله عنه- (في العبد) أن ماله لبائعه كذا رواه مالك في الموطأ عن عمر من قوله. ومن طريقه أبو داود في سننه قال ابن عبد البر: وهذا أحد المواضع الأربعة التي اختلف فيها سالم ونافع عن ابن عمر، وقال البيهقي هكذا رواه سالم وخالفه نافع فروى قصة النخل عن ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقصة العبد عن ابن عمر عن عمر، ثم رواه من طريق مالك كذلك قال: وكذلك رواه أيوب السختياني وغيره من نافع انتهى. وقد اختلف في الأرجح من روايتي نافع وسالم على أقوال. أحدها: ترجيح رواية نافع فروى البيهقي في سننه عن مسلم والنسائي أنهما سئلا عن اختلاف سالم ونافع في قصة العبد فقالا القول ما قال نافع وإن كان سالم أحفظ منه. الثاني: ترجيح رواية سالم فنقل الترمذي في جامعه عن البخاري أنها أصح وفي التمهيد لابن عبد البر أنها الصواب، فإنه كذلك رواه عبد الله بن دينار عن ابن عمر يرفع القصتين معًا وهذا مرجح لرواية سالم. الثالث: تصحيحهما معًا قال الترمذي في العلل أنه سأل البخاري عنه فقال له حديث الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "من باع عبدًا" وقال نافع عن ابن عمر عن عمر أيّهما أصح؟ قال: إن نافعًا خالف سالمًا في أحاديث وهذا منها: روى سالم عن أبيه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال نافع عن ابن عمر عن عمر كأنه رأى الحديثين صحيحين وليس بين ما نقله عنه في الجامع وما نقله عنه في العلل اختلاف فحكمه على الحديثين بالصحة لا ينافي حكمه في الجامع بأن حديث سالم أصح بل صيغة أفعل تقتضي اشتراكهما في الصحة قاله الحافظ زين الدين العراقي. قال ولده أبو زرعة: المفهوم من كلام المحدثين

في مثل هذا والمعروف من اصطلاحهم فيه أن المراد ترجيح الرواية التي قالوا إنها أصح والحكم للراجح، فتكون تلك الرواية شاذة ضعيفة والمرجحة هي الصحيحة وحينئذٍ فبين النقلين تنافٍ، لكن المعتمد ما في الجامع لأنه مقول بالجزم واليقين بخلاف ما في العلل فإنه على سبيل الظن والاحتمال وما ذكر عن سالم ونافع هو المشهور عنهما. وروي عن نافع رفع القصتين رواه النسائي من رواية شعبة عن عبد ربه عن سعيد عن نافع عن ابن عمر فذكر القصتين مرفوعتين، ورواه النسائي أيضًا من رواية محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر عن عمر مرفوعًا بالقصتين وقال: هذا خطأ والصواب حديث ليث بن سعد وعبيد الله وأيوب أي عن نافع عن ابن عمر عن عمر بقصة العبد خاصة موقوفة، ورواه النسائي أيضًا من رواية سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر بالقصتين مرفوعًا. قال المزي: والمحفوظ أنه من حديث ابن عمر. 2380 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رضي الله عنهم- قَالَ: "رَخَّصَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُبَاعَ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا". وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن نافع عن ابن عمر) بن الخطاب (عن زيد بن ثابت -رضي الله عنهم-) أنه (قال: رخص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تباع العرايا بخرصها تمرًا) بفتح الخاء المعجمة في الفرع وغيره. قال النووي: وهو أشهر من الكسر فمن فتح قال هو مصدر أي اسم للفعل، ومن كسر قال هو اسم للشيء المخروص أي بقدر ما فيها إذا صار تمرًا بأن يقول الخارص هذا الرطب الذي عليها إذا جفّ يجيء منه ثلاثة أوسق من التمر مثلاً فيبيعه صاحبه لإنسان بثلاثة أوسق من التمر ويتقايضان في المجلس فيسلم المشتري التمر ويسلم بائع الرطب الرطب بالتخلية كذا عند الشافعي وأحمد والجمهور وفي تفسيرها أقوال أُخَر سبق بعضها. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن المعري ليس له أن يمنع المعرى من دخوله في الحائط لتعهد العرية. وهذا الحديث قد مرّ في باب تفسير العرايا من كتاب البيوع. 2381 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمُخَابَرَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَعَنِ الْمُزَابَنَةِ وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، وَأَنْ لاَ تُبَاعَ إِلاَّ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، إِلاَّ الْعَرَايَا". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن عطاء) هو ابن أبي رباح أنه (سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) يقول: (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن المخابرة) بضم الميم وبعد الخاء المعجمة ألف فموحدة فراء وهي عقد المزارعة بأن يكون البذر من العامل (و) عن (المحاقلة) بالحاء المهملة والقاف بيع الزرع بالبر الصافي (وعن المزابنة) بالزاي والموحدة والنون بيع الكرم بالزبيب ونحوه في الرطب والتمر (وعن بيع الثمر) بالمثلثة والميم المفتوحتين (حتى يبدو صلاحها) بأن تذهب العاهة وذلك عند طلوع الثريا ولأبي ذر صلاحه بتذكير الضمير (وأن لا تباع) الثمرة بالمثلثة بالتمر بالمثناة وإسكان الميم فالأول اسم له وهو رطب على رؤوس النخل والثاني اسم له بعد الجداد واليبس وأجمعوا على أن ذلك مزابنة وحقيقتها الجامعة لإفرادها بيع الرطب من الربوي باليابس منه (إلا بالدينار والدرهم) الذهب والفضة فيجوز (إلا العرايا) فلا تباع بهما بل بخرصها تمرًا. 2382 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "رَخَّصَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، شَكَّ دَاوُدُ فِي ذَلِكَ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة القرشي المكي المؤذن، ولأبي ذر: سكون زاي قزعة قال: (أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت: حدّثنا (مالك) الإمام (عن داود بن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين الأموي مولاهم أبي سليمان المدني ثقة إلا في عكرمة ورمي برأي الخوارج، لكن قال ابن حبان: لم يكن داعية وقد وثقه ابن معين والعجلي والنسائي، وروى له البخاري هذا الحديث فقط وله شواهد (عن أبي سفيان) قيل اسمه وهب وقيل قزمان (مولى أبي أحمد) بن جحش، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: مولى ابن أبي أحمد (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: رخص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيع العرايا بخرصها من التمر) متعلق ببيع العرايا والباء في قوله بخرصها للسببية أي رخص في بيع رطبها من التمر بسبب خرصها يأكلونها رطبًا (فيما دون خمسة أوسق) جمع وسق بفتح الواو وهو ستون صاعًا

43 - كتاب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس

والصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي (أو في خمسة أوسق شك داود) بن حصين (في ذلك) فوجب الأخذ بأقل من خمسة أوسق وتبقى الخمسة على التحريم احتياطًا لأن الأصل تحريم بيع التمر بالرطب وجاءت العرايا رخصة، وشك الراوي في خمسة أوسق أو دونها فوجب الأخذ باليقين وهو دون خمسة أوسق وبقيت الخمسة على التحريم. وهذا الحديث مخصص لعموم الأحاديث السابقة. 2383، 2384 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَسَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ حَدَّثَاهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ، بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، إِلاَّ أَصْحَابَ الْعَرَايَا فَإِنَّهُ أَذِنَ لَهُمْ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي بُشَيْرٌ ... مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا زكريا بن يحيى) الطائي الكوفي قال: (أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت: حدّثنا (أبو أسامة) حماد بن أسامة (قال: أخبرني) بالإفراد (الوليد بن كثير) المخزومي المدني ثم الكوفي صدوق رمي برأي الخوارج، وقال الآجري عن أبي داود: ثقة إلا أنه إباضيّ والأباضية فرقة من الخوارج لكن مقالتهم ليست شديدة الفحش ولم يكن الوليد داعية وقد وثقه ابن معين وغيره (قال: أخبرني) بالإفراد (بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة في الأول مصغرًا ويسار ضد اليمين الحارثي (مولى بني حارثة أن رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة الأنصاري الأوسي وأول مشاهده أُحُد ثم الخندق (وسهل بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة ابن ساعدة بن عامر الأنصاري الخزرجي المدني صحابي صغير ولد سنة ثلاث من الهجرة (حدّثاه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن المزابنة بيع الثمر) بالمثلثة وفتح الميم على الشجر (بالتمر) بالمثناة الفوقية وسكون الميم موضوعًا على الأرض لأن المساواة بينهما شرط وما على الشجر لا يحصر بكيل ولا وزن وإنما يكون مقدّرًا بالخرص وهو حدس بظنّ لا يؤمن فيه التفاوت وبيع مجرور عطفًا على المزابنة عطف تفسير (إلا أصحاب العرايا فإنه) عليه السلام (أذن لهم) في بيعها بقدر ما فيها إذا صار تمرًا وفيه إشعار بأنّ العرايا مستثناة من المزابنة. (قال أبو عبد الله) أي البخاري (وقال ابن إسحاق) هو محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي (حدّثني) بالإفراد (بشير) هو ابن يسار السابق (مثله) ولأبوي ذر والوقت. قال: وقال ابن إسحاق فأسقطا أبو عبد الله، فعلى الرواية الأولى يكون معلقًا. قال الحافظ ابن حجر: ولم أره موصولاً من طريقه. بسم الله الرحمن الرحيم 43 - كتاب في الاستقراض وأداء الدّيون والحجر والتفليس (كتاب) بالتنوين ولغير أبي ذر: باب بالتنوين بدل كتاب (في الاستقراض) وهو طلب القرض وهو بفتح القاف أشهر من كسرها ويطلق اسمًا بمعنى الشيء المقرض ومصدرًا بمعنى الإقراض وهو تمليك الشيء على أن يردّ بدله وسمي بذلك لأن المقرض يقطع للمفترض من ماله ويسميه أهل الحجاز سلفًا (وأداء الدّيون و) في (الحجر) بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم وهو في الشرع منع التصرف في المال (و) في (التفليس) وهو في اللغة النداء على المفلس وشهرته بصفة الإفلاس المأخوذ من الفلوس التي هي أخس الأموال وشرعًا حجر الحاكم على المفلس والمفلس لغة المعسر، ويقال من صار ماله فلوسًا وشرعًا من حجر عليه ليقضي ماله عن دين لآدمي، وجمع المؤلّف بين هذه الأمور الثلاثة لقلة الأحاديث الواردة فيها ولتعلق بعضها ببعض، وقال الحافظ ابن حجر: وزاد في غير رواية أبي ذر البسملة قبل كتاب وللنسفي باب بدل كتاب وعطف الترجمة التي تليه عليه بغير باب انتهى. والذي رأيته في الفرع البسملة بعد كتاب الاستقراض بسم الله الرحمن الرحيم باب في الاستقراض مرقوم عليها علامتا أبي ذر والتقديم فليعلم. 1 - باب مَنِ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ ثَمَنُهُ، أَوْ لَيْسَ بِحَضْرَتِهِ (باب من اشترى) شيئًا (بالدين و) الحال أنه (ليس عنده ثمنه) أي ثمن الذي اشتراه (أو ليس) ثمنه (بحضرته). 2385 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ؟ أَتَبِيعُنِيهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ. فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ غَدَوْتُ إِلَيْهِ بِالْبَعِيرِ، فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ". وبه قال: (حدّثنا محمد) غير منسوب وجزم أبو علي الجياني بأنه ابن سلام وحكاه عن رواية ابن السكن وهو كذلك في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري كما قاله الحافظ ابن حجر، ولأبي ذر: محمد بن يوسف وهو البيكندي قال: (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن المغيرة) بن مقسم بكسر الميم الضبي الكوفي الأعمى (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: غزوت مع

2 - باب من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أو إتلافها

النبي) وفي نسخة مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) غزوة الفتح فأبطأ جملي وأعيا (قال) عليه الصلاه والسلام ولأبوي ذر والوقت فقال: (كيف ترى بعيرك) قلت: يا رسول الله قد أعيا فنزل يحجنه بمحجنه ثم قال: "اركب فركبت" فلقد رأيته أكفه عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم قال عليه الصلاة والسلام (أتبيعنيه) بنون الوقاية، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي "أتبيعه" لإسقاطها (قلت نعم) أبيعه (فبعته إياه) بأوقية (فلما قدم المدينة غدوت إليه بالبعير فأعطاني ثمنه). ومطابقة الحديث للترجمة من حيث شراؤه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجمل في السفر وقضاؤه ثمنه بالمدينة. 2386 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: "تَذَاكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ فِي السَّلَمِ فَقَالَ: حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ". وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بضم الميم وفتح العين وتشديد اللام المفتوحة العمي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد البصري قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: تذاكرنا عند إبراهيم) النخعي (الرهن في السلم) أي في السلف ولم يرد به السلم الذي هو بيع الذين بالعين بأن يعطي أحد النقدين في سلعة معلومة إلى أجل معلوم (فقال) الأعمش: (حدّثني) بالإفراد (الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشترى طعامًا من يهودي) اسمه أبو الشحم (إلى أجل) معلوم (ورهنه) عليه (درعًا من حديد) قيد يخرج به القميص لإطلاق الدرع عليه وهذا الدرع يسمى ذات الفضول وهل البيع إلى أجل رخصة أو عزيمة. قال ابن العربي: جعلوا الشراء إلى أجل رخصة وهو في الظاهر عزيمة لأن الله تعالى يقول في محكم كتابه: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} [البقرة: 282] فأنزله أصلاً في الدين ورتب عليه كثير من الأحكام. والحديث الأول سبق في باب شراء الدواب، والثاني في باب شراء الطعام إلى أجل من كتاب البيوع. 2 - باب مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا، أَوْ إِتْلاَفَهَا (باب من أخذ أموال الناس) أي شيئًا منها بطريق القرض أو بغيره حال كونه (يريد أداءها) أدّى الله عنه (أو) حال كونه يريد (إتلافها) أتلفه الله. 2387 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي) بضم الهمزة قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) القرشي التيمي (عن ثور بن زيد) بالمثلثة أخي عمرو الديلى بكسر الدال وهو غير ثور بن يزيد بلفظ الفعل (عن أبي الغيث) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية آخره مثلثة سالم المدني مولى عبد الله بن المطيع (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من أخذ أموال الناس) بطريق القرض أو غيره بوجه من وجوه المعاملات (يريد أداءها أدّى الله) وللكشميهني: أدّاها الله (عنه) أي يسّر له ما يؤدّيه من فضله لحسن نيّته وروى ابن ماجة وابن حبّان والحاكم من حديث ميمونة مرفوعًا: ما من مسلم يدّان دينًا يعلم الله أنه يريد أداءه إلاّ أدّاه الله في الدنيا (ومن أخذ) أي أموال الناس (يريد إتلافها) على صاحبها (أتلفه الله) في معاشه أي يذهبه من يده فلا ينتفع به لسوء نيّته ويبقي عليه الدين فيعاقبه يه يوم القيامة. وعن أبي أمامة مرفوعًا: "من تداين بدين وفي نفسه وفاؤه ثم مات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاه، ومن تداين بدين وليس في نفسه وفاؤه ثم مات اقتصّ الله تعالى لغريمه يوم القيامة" رواه الحاكم عن بشر بن نمير وهو متروك عن القاسم عنه. ورواه الطبراني في الكبير أطول منه ولفظه قال: "من ادّان دينًا وهو ينوي أن يؤدّيه أدّاه الله عنه يوم القيامة، ومن استدان دينًا وهو لا ينوي أن يؤدّيه فمات قال الله عز وجل يوم القيامة ظننت أني لا آخذ لعبدي بحقه فيؤخذ من حسناته فتجعل في حسنات الآخر فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات الآخر فتجعل عليه". وعن عائشة مرفوعًا "من حمل من أمتي دينًا ثم جهد في قضائه ثم مات قبل أن يقضيه فأنا وليّه" رواه أحمد بإسناد جيد. وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة في الأحكام. 3 - باب أَدَاءِ الدُّيُونِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (باب) وجوب (أداء الدّيون) ولأبي ذر: الدين بالإفراد (وقال الله) ولأبي ذر وقول الله (تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها}) عامّ في جميع ما يتعلق بالذمة وما لا يتعلق بها ({وإذا حكمتم بين الناس أن}) أي بأن ({تحكموا بالعدل

إن الله نعما}) أي نعم شيئًا ({يعظكم به}) أو نعم الشيء الذي يعظكم به والمخصوص بالمدح محذوف أي نعم ما يعظكم به ذاك وهو المأمور به من أداء الأمانات والعدل في الحكم ({إن الله كان سميعًا بصيرًا}) [النساء: 58] يدرك المسموعات حال حدوثها والمبصرات حال وجودها، ولأبي ذر {إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} الآية. وأسقط ما عدا ذلك. 2388 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا أَبْصَرَ -يَعْنِي أُحُدًا- قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّهُ يُحَوَّلُ لِي ذَهَبًا يَمْكُثُ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلاَّ دِينَارًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الأَكْثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ، إِلاَّ مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا -وَأَشَارَ أَبُو شِهَابٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ- وَقَلِيلٌ مَا هُمْ. وَقَالَ: مَكَانَكَ، وَتَقَدَّمَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَسَمِعْتُ صَوْتًا، فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ. ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ: مَكَانَكَ حَتَّى آتِيَكَ. فَلَمَّا جَاءَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الَّذِي سَمِعْتُ -أَوْ قَالَ: الصَّوْتُ الَّذِي سَمِعْتُ- قَالَ: وَهَلْ سَمِعْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَقَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإِنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (أحمد بن يونس) بن عبد الله التميمي اليربوعي قال: (حدّثنا أبو شهاب) عبد ربه الحناط بالحاء المهملة والنون المشددة المعروف بالأصغر (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن زيد بن وهب) الهمداني الجهني (عن أبي ذر) جندب بن جنادة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما أبصر يعني أُحُدًا) الجبل المشهور (قال): (ما أحب أنه) أي أن أُحُدًا (تحوّل لي ذهبًا) بفتح المثناة الفوقية كتفعل، ولغير أبي ذر: يحول بضم المثناة التحتية مبنيًّا للمفعول من باب التفعيل وفيه حول بمعنى صير. قال في التوضيح: وهو استعمال صحيح وقد خفي على أكثر النحويين حتى أنكر بعضهم على الحريري قوله في الخمر: وما شيء إذا فسدا ... تحول غيه رشدا زكيّ العرق والده ... ولكن بئس ما ولدا وحينئذ فتستدعي مفعولين قال: والرواية لما لم يسم فاعله فرفعت أول المفعولين وهو الضمير في تحول الراجع إلى أُحُد ونصبت الثاني خبرًا لها وهو ذهبًا (يمكث عندي منه) أي من الذهب (دينار) رفع فاعل يمكث والجملة في محل نصب صفة لذهبًا (فوق ثلاث) من الليالي (إلا دينارًا) نصب على الاستثناء من سابقه ولأبي ذر إلا دينار بالرفع على البدل من دينار السابق (أرصده) بضم الهمزة وكسر الصاد من الإرصاد أي أعده (لدين) والجملة في محل نصب صفة لدينار أو في نسخة بالفرع وحكاها السفاقسي وابن قرقول أرصده بفتح الهمزة من رصدته أي رقبته. (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (إن الأكثرين) مالاً (هم الأقلون) ثوابًا (إلا من قال بالمال) أي إلا من صرف المال على الناس في وجوه البر والصدقة (هكذا وهكذا وأشار أبو شهاب) عبد ربه المذكور (بين يديه وعن يمينه وعن شماله) وفيه التعبير عن الفعل بالقول نحو قولهم قال بيده أي أخذ أو رفع وقال برجله أي مشى (وقليل ما هم) جملة اسمية فهم مبتدأ مؤخر وقليل خبره وما زائدة أو صفة. (وقال) عليه الصلاة والسلام: (مكانك) بالنصب أي الزم مكانك حتى آتيك (وتقدم غير بعيد فسمعت صوتًا فأردت أن آتيه) عليه الصلاة والسلام (ثم ذكرت قوله) الزم (مكانك حتى آتيك فلما جاء قلت يا رسول الله) ما هو (الذي سمعت أو قال) ما هو (الصوت الذي سمعت) شك من الراوي (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وهل سمعت)؟ استفهام على سبيل الاستخبار (قلت: نعم) سمعت (قال) عليه الصلاة والسلام: (أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام فقال: من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة قلت وإن) ولأبي ذر عن المستملي: ومن (فعل كذا وكذا) أي وإن زنى وإن سرق كما جاء في الرقاق مفسرًا (قال: نعم). ومطابقة الحديث للترجمة في قوله إلا دينارًا أرصده لدين من حيث إن فيه ما يدل على الاهتمام بأداء الدين وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي، وأخرجه أيضًا في الاستئذان. والرقاق وبدء الخلق ومسلم في الزكاة والترمذي في الإيمان والنسائي في اليوم والليلة. 2389 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا يَسُرُّنِي أَنْ لاَ يَمُرَّ عَلَىَّ ثَلاَثٌ وَعِنْدِي مِنْهُ شَىْءٌ، إِلاَّ شَىْءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ» رَوَاهُ صَالِحٌ وَعُقَيْلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. [الحديث 2389 - طرفاه في: 6445، 7228]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (أحمد بن شبيب بن سعيد) بفتح المعجمة وكسر الموحدة الأولى وسعيد بكسر العين الحبطي بفتح الحاء والطاء المهملتين وبالموحدة الساكنة بينهما البصري قال: (حدّثنا أبي) سعيد (عن يونس) بن يزيد الأيلي (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري: (حدّثني) بالإفراد (عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله بن عتبة قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو كان لي مثل) جبل (أُحُد ذهبًا) نصب

4 - باب استقراض الإبل

على التمييز. قال في التوضيح: ووقوع التمييز بعد مثل قليل وجواب لو قوله (ما يسرني) فعل مضارع منفي بما وكان الأصل أن يكون ماضيًا ولعله أوقع المضارع موقع الماضي أو الأصل ما كان يسرني فحذف كان وهو الجواب وفيه ضمير وهو اسمه وقوله يسرني خبره، وسقط لأبي ذر قوله ما من قوله ما يسرني (أن لا يمر عليّ) بتشديد الياء (ثلاث) من الليالي (وعندي منه) أي من الذهب (شيء) مبتدأ خبره عندي مقدمًا والواو في قوله وعندي للحال ولا في أن لا يمر على رواية إثبات ما يسرني زائدة (إلا شيء) بالرفع بدل من شيء الأول (أرصده لدين) بضم الهمزة وفتحها وكسر الصاد كما سبق وهما في اليونينية (رواه) أي الحديث (صالح) هو ابن كيسان (وعقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب مما هو في الزهريات للذهلي. وحديث الباب أخرجه أيضًا في الرقاق. 4 - باب اسْتِقْرَاضِ الإِبِلِ (باب) جواز (استقراض الإبل) كغيرها من الحيوان. نعم يحرم إقراض جارية لمن تحلّ له ولو غير مشتهاة لأنه عقد جائز يثبت فيه الردّ والاسترداد وربما يطؤها المقترض ثم يردّها فيشبه إعارة الجواري للوطء، وقول النووي في شرح مسلم: ويجوز إقراض الأمة للخنثى، تعقبه السبكي بأنه قد يصير واضحًا فيطؤها ويردّها. وقال الأذرعي: الأشبه المنع. 2390 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بِبَيْتِنَا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَجُلاً تَقَاضَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً، وَاشْتَرُوا لَهُ بَعِيرًا فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ. وَقَالُوا: لاَ نَجِدُ إِلاَّ أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ: اشْتَرُوهُ فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ، فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً". وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرنا سلمة بن كهيل) بفتح لام سلمة وضم كاف كهيل مصغرًا (قال: سمعت أبا سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (ببيتنا) أي منزل سكننا كذا في الفرع وغيره، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: بمنى أي لما حج (يحدّث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً) ولأحمد عن عبد الرزاق عن سفيان جاء أعرابي، وفي المعجم الأوسط للطبراني ما يفهم أنه العرباض بن سارية، لكن روى النسائي والحاكم الحديث المذكور وفيه ما يقتضي أنه غيره، ولفظه عن عرباض بعت من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكرًا فأتيته أتقاضاه فقال: أجل لا أقضيكها إلا النجيبة فقضاني فأحسن قضائي، وجاءه أعرابي يتقاضاه سنًّا الحديث. وأخرجه ابن ماجة أيضًا عن العرباض فذكر قصة الأعرابي وأسقط قصة العرباض، فتبين بهذا أنه سقط من رواية الطبراني قصة الأعرابي فلا يفسر المبهم. (تقاضى رسول الله) أي طلب منه قضاء دين له عليه، ولأحمد استقرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من رجل بعيرًا (فأغلظ له) بالتشديد في المطالبة سيما وقد كان أعرابيًّا كما مرّ فقد جرى على عادته في الجفاء والغلظة في الطلب، وقيل إن الكلام الذي أغلظ فيه هو أنه قال: يا بني عبد المطلب إنكم مطل وكذب فإنه لم يكن في أجداده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا في أعمامه من هو كذلك بل هم أهل الكرم والوفاء ويبعد أن يصدر هذا من مسلم، (فهم أصحابه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورضي عنهم ولأبي ذر: فهمّ به أصحابه أي عزموا أن يؤذوه بالقول أو الفعل لكنهم تركوا ذلك أدبًا معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) عليه الصلاة والسلام: (دعوه فإن لصاحب الحق مقالاًً) أي صولة الطلب وقوّة الحجة لكن مع مراعاة الأدب المشروع (واشتروا له بعيرًا) وعند أحمد عن عبد الرزاق التمسوا له مثل سنّ بعيره (فأعطوه إياه وقالوا) ولأبي ذر: قالوا بإسقاط الواو (لا نجد إلا أفضل من سنّه) أي فوق سن بعيره (قال اشتروه) أي الأفضل (فأعطوه إياه) والمخاطب بذلك أبو رافع مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في مسلم (فإن خيركم أحسنكم قضاء) أي من خيركم كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الهبة فإن من خيركم أو خيركم على الشك كما في بعض الأصول وسيأتي إن شاء الله تعالى ما فيه. وفي هذا الحديث ما ترجم له وهو استقراض الإبل ويلتحق بها جميع الحيوان كما مرّ وهو قول مالك والشافعي والجمهور، ومنع ذلك الحنفية لحديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة رواه ابن حبان والدارقطني عن ابن عباس مرفوعًا بإسناد رجاله ثقات إلا أن الحفاظ رجحوا إرساله، وأخرجه

5 - باب حسن التقاضي

الترمذي من حديث الحسن عن سمرة وفي سماع الحسن من سمرة اختلاف، وقول الطحاوي إنه ناسخ لحديث الباب متعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وقد جمع الشافعي -رحمه الله- بين الحديثين بحمل النهي على ما إذا كان نسيئة من الجانبين. وحديث الباب قد مرّ في الوكالة ومن غرائب الصحيح. قال البزار: لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد ومداره سلمة بن كهيل، وقد صرح في هذا الباب بأنه سمعه من أبي سلمة كما سبق. 5 - باب حُسْنِ التَّقَاضِي 2391 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَاتَ رَجُلٌ! فَقِيلَ لَهُ، قَالَ: كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ فَأَتَجَوَّزُ عَنِ الْمُوسِرِ وَأُخَفِّفُ عَنِ الْمُعْسِرِ. فَغُفِرَ لَهُ». قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك) بن عمير القرشي الكوفي (عن ربعي) بكسر الراء وسكون الموحدة وكسر المهملة وتشديد التحتية ابن خراش (عن حذيفة) بن اليمان (-رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (مات رجل) لم يسم (فقيل له) وفي باب من أنظر موسرًا من طريق منصور عن ربعي قالوا أعلمت من الخير شيئًا؟ ولأبي ذر عن المستملي هنا: فقيل له ما كنت تقول؟ (قال كنت أبايع الناس فأتجوّز) بتشديد الواو (عن الموسر وأخفف عن العسر فغفر له) بضم الغين المعجمة مبنيًّا للمفعول. (قال أبو مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري البدري بالإسناد السابق (سمعته) أي هذا الحديث (من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر عن الكشميهني عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعين بدل الميم، ولفظ مسلم اجتمع حذيفة وأبو مسعود قال حذيفة: لقي رجل ربه فقال ما عملت؟ قال: ما عملت من الخير إلا أني كنت رجلاً ذا مال فكنت أطالب به الناس فكنت أقبل الميسور وأتجاوز عن المعسور. قال: تجاوزوا عن عبدي. قال أبو مسعود: هكذا سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول، وفي رواية له من طريق شقيق عن أبي مسعود حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء وهو عامّ مخصوص لأن عنده الإيمان، ولذلك يجوز العفو عنه؟ {إن الله لا يغفر أن يشرك به} [النساء: 48] والأليق به أنه كان ممن قام بالفرائض لأنه كان ممن وقي شحّ نفسه فالمعنى أنه لم يوجد له من النوافل إلا هذا، ويحتمل أن له نوافل أُخَر لكن هذا أغلب عليه فلم يذكرها اكتفاء بهذا، ويحتمل أن يكون المراد بالخير المال فيكون المعنى أنه لم يوجد له فعل برّ في المال إلا إنظار المعسر والله أعلم. 6 - باب هَلْ يُعْطَى أَكْبَرَ مِنْ سِنِّهِ؟ هذا (باب) بالتنوين (هل يعطى) بفتح الطاء أي هل يعطي المستقرض للمقرض (أكبر من سنّه) الذي اقترضه. 2392 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَقَاضَاهُ بَعِيرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَعْطُوهُ. فَقَالُوا: مَا نَجِدُ إِلاَّ سِنًّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ. فَقَالَ الرَّجُلُ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَاكَ اللَّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَعْطُوهُ، فَإِنَّ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ أَحْسَنَهُمْ قَضَاءً". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل بن مغربل أبو الحسن الأسدي البصري الثقة (عن يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (سلمة بن كهيل) الحضرمي أبو يحيى الكوفي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً) أعرابيًا (أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتقاضاه بعيرًا) كان عليه الصلاة والسلام اقترضه منه (فقال) ولأبوي ذر والوقت قال (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أعطوه) بهمزة قطع مفتوحة ولمسلم فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره (فقالوا: ما) ولأبي ذر عن الكشميهني: لا (نجد إلاّ سنًّا أفضل من سنّه) زاد في باب استقراض الإبل اشتروه فأعطوه إياه (فقال الرجل) له عليه الصلاة والسلام: (أوفيتني) أي أعطيتني حقّي وافيًا كاملاً (أوفاك الله) بالهمزة قبل الواو الساكنة فيهما (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطوه) أي الأفضل (فإن من خيار الناس أحسنهم قضاء) وهذا من مكارم أخلاقه وليس هو من قرض جر منفعة إلى المقرض المنهي عنه لأن المنهي عنه ما كان مشروطًا في القرض كشرط ردّ عن مكسر أو ردّه بزيادة في القدر أو الصفة، والمعنى فيه أن موضوع القرض الإرفاق فإذا شرط لنفسه حقًّا خرج عن موضوعه فمنع صحته فلو فعل ذلك بلا شرط كما هنا استحب ولم يكره ويجوز للمقرض أخذها لكن مذهب المالكية أن الزيادة في العدد منهي عنها، واحتج الشافعية بعموم قوله فإن من خيار الناس أحسنهم قضاء ولو شرط أجلاً لا يجرّ منفعة

7 - باب حسن القضاء

للمقرض بأن لم يكن له فيه غرض أو أن يردّ الأردأ أو المكسر أو أن يقرضه قرضًا آخر لغا الشرط وحده دون العقد لأن ما جرّه من المنفعة ليس للمقرض بل للمقترض والعقد عقد إرفاق فكأنه زاد في الإرفاق ووعده وعدًا حسنًا، لكن استشكل ذلك بأن مثله يفسد الرهن. وأجيب: بقوّة داعي القرض لأنه مستحب بخلاف الرهن ويندب الوفاء باشتراط الأجل كما في تأجيل الدين الحال قاله ابن الرفعة. 7 - باب حُسْنِ الْقَضَاءِ وهذا الحديث قد سبق قريبًا. (باب) استحباب (حسن القضاء) أي أداء الدين. 2393 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِنٌّ مِنَ الإِبِلِ، فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَعْطُوهُ. فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلاَّ سِنًّا فَوْقَهَا، فَقَالَ: أَعْطُوهُ. فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي وَفَّى اللَّهُ بِكَ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن سلمة) أي ابن كهيل (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان لرجل) أعرابي (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سنّ من الأبل) استسلفه منه وكان كما في مسلم بكرًا بفتح الموحدة وسكون الكاف وهو الفتيّ من الإبل كالغلام من الآدميين (فجاءه يتقاضاه) أي يطلبه منه (فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أعطوه) سنّه (فطلبوا سنه) أي مثله (فلم يجدوا له إلا سنًّا فوقها) أي أعلى منها ثمنًا أي من حيث الحسن والسنّ وفي مسلم أنه كان رباعيًّا وهو بفتح الراء وتخفيف الموحدة ما دخل في السنة السابعة (فقال) عليه الصلاة والسلام ولأبي الوقت قال: (أعطوه) أي الأعلى (فقال) الرجل: (أوفيتني) حقي وافيًا كاملاً (وفى الله بك) بالهمزة قبل الواو الساكنة في الأولى وبإسقاطها في الثانية، ولأبي ذر: أوفى الله بك بإثباتها ولأبي الوقت لك باللام بدل الموحدة (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن خياركم) وفي الهبة فإن من خيركم (أحسنكم قضاءً) فيه استحباب الزيادة في الأداء كما مرّ لكن هذا إن اقترض لنفسه فإن اقترض لمحجوره أو لجهة وقف فليس له ردّ زائد. 2394 - حَدَّثَنَا خَلاَّدٌ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِي الْمَسْجِدِ -قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهُ قَالَ ضُحًى - فَقَالَ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ. وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي". وبه قال: (حدّثنا خلاد) غير منسوب ولأبي ذر خلاد بن يحيى السلمي الكوفي قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين ابن كدام قال: (حدّثنا محارب بن دثار) بدال مهملة مكسورة فمثلثة خفيفة ومحارب بضم الميم وكسر الراء السدوسي الكوفي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في المسجد) بالمدينة (قال مسعر): الراوي (أراه) بضم الهمزة أي أظن أنه (قال ضحى فقال) عليه الصلاة والسلام: (صلِّ ركعتين) تحية المسجد (وكان لي عليه دين) وهو ثمن الجمل الذي اشتراه عليه الصلاة والسلام منه لما رجع من غزوة تبوك أو ذات الرقاع واستثنى حملانه إلى المدينة وكان أوقية (فقضاني) أي أدّاني ذلك (وزادني) عليه أي قيراطًا. وروي أن جابرًا قال قلت هذا القيراط الذي زادني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يفارقني أبدًا فجعلته في كيس فلم يزل عندي حتى جاء أهل الشام يوم الحرّة فأخذوه فيما أخذوا. ويأتي الحديث إن شاء الله تعالى في الشروط، ومطابقته لما ترجم به هنا واضحة وقد سبق في غير ما موضع. 8 - باب إذا قَضى دُونَ حَقِّهِ أَوْ حَلَّلَهُ فَهُوَ جَائِزٌ (باب) بالتنوين (إذا قضى) المديون (دون حقه) أي حق الدين برضاه (أو حلله) صاحب الدين من جميعه (فهو جائز) كذا وجهه ابن المنير وبه يجاب عن قول ابن بطال أنه بالألف في النسخ كلها والصواب وحلله بإسقاط الألف، لكن في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري والنسفيّ عن البخاري ومستخرج الإسماعيلي وحلله بالواو صوّبه ابن بطال. 2395 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاءُ فِي حُقُوقِهِمْ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا تَمْرَ حَائِطِي وَيُحَلِّلُوا أَبِي فَأَبَوْا، فَلَمْ يُعْطِهِمِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَائِطِي وَقَالَ: سَنَغْدُو عَلَيْكَ، فَغَدَا عَلَيْنَا حِينَ أَصْبَحَ، فَطَافَ فِي النَّخْلِ وَدَعَا فِي ثَمَرِهَا بِالْبَرَكَةِ، فَجَدَدْتُهَا فَقَضَيْتُهُمْ، وَبَقِيَ لَنَا مِنْ تَمْرِهَا". وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن أبي جبلة الأزدي العتكي المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن كعب بن مالك) هو عبد الله كما عند المزي أو هو عبد الرحمن كما عند أبي مسعود الدمشقي وخلف في الأطراف (أن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أخبره أن أباه) عبد الله بن عمرو بن حرام بمهملتين (قتل يوم أُحُد) حال كونه (شهيدًا وعليه دين) وفي رواية وهب بن كيسان في الباب اللاحق عن جابر أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقًا لرجل من اليهود (فاشتد الغرماء) يعني في الطلب (في

9 - باب إذا قاص، أو جازفه في الدين تمرا بتمر أو غيره

حقوقهم فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في علامات النبوّة من غير هذا الوجه فقلت إن أبي ترك عليه دَينًا وليس عندي إلا ما يخرج نخله ولا يبلغ ما يبلغ سنين ما عليه فانطلق معي لكيلاً يفحش عليّ الغرماء (فسألهم) عليه الصلاة والسلام (أن يقبلوا تمر حائطي) بالمثناة وإسكان الميم (ويحللوا أبي) أي يجعلوه في حِلٍّ مما يتأخر عليه من الدين (فأبوا) أي امتنعوا أن يأخذوا تمر الحائط (فلم يعطهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تمر (حائطي وقال) عليه الصلاة والسلام: (سنغدو عليك فغدا علينا حين أصبح فطاف في النخل ودعا في ثمرها) بالمثلثة وفتح الميم (بالبركة فجددتها) بجيم مفتوحة فدالين مهملتين أولاهما مفتوحة مخففة والأخرى ساكنة من الجداد أي قطعت ثمرها (فقضيتهم) حقهم كله (وبقي لنا من تمرها) بالمثناة الفوقية وسكون الميم وفي نسخة من ثمرها بالمثلثة وفتح الميم وفي رواية مغيرة في البيوع وبقي تمري كأنه لم ينقص منه شيء. 9 - باب إِذَا قَاصَّ، أَوْ جَازَفَهُ فِي الدَّيْنِ تَمْرًا بِتَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (باب) بالتنوين (إذا قاص) بتشديد الصاد المهملة (أو جازفه) بالجيم والزاي من المجازفة وهي الحدس (في الدين) متعلق بكلٍّ من المقاصة والمجازفة أي عند الأداء زاد في رواية أبوي ذر والوقت والأصلي هنا فهو جائز أي سواء كانت المقاصة والمجازفة (تمرًا بتمر أو غيره) كبر ببرّ أو شعير بشعير والضمير في قاصّ يرجع إلى المديون وكذا الضمير المرفوع في جازفه وأما المنصوب فإلى صاحب الدين، وقد اعترض المهلب على المؤلّف بأنه يجوز أن يأخذ من له دين تمر من غريمه تمرًا مجازفة بدينه لما فيه من الجهل والغرر، وإنما يجوز أن يأخذ مجازفة إذا علم الآخذ ذلك ورضي انتهى. وأجيب: بأن مراد البخاري ما أثبته المعترض لا ما نفاه وغرضه بيان أنه يغتفر في القضاء من المعاوضة ما لا يغتفر ابتداء لأن بيع الرطب بالتمر لا يجوز في غير العرايا ويجوز في المعاوضة عند الوفاء. 2396 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: "أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ عَلَيْهِ ثَلاَثِينَ وَسْقًا لِرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَاسْتَنْظَرَهُ جَابِرٌ، فَأَبَى أَنْ يُنْظِرَهُ، فَكَلَّمَ جَابِرٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَشْفَعَ لَهُ إِلَيْهِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَلَّمَ الْيَهُودِيَّ لِيَأْخُذَ ثَمَرَ نَخْلِهِ بِالَّذِي لَهُ فَأَبَى، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّخْلَ فَمَشَى فِيهَا، ثُمَّ قَالَ لِجَابِرٍ: جُدَّ لَهُ فَأَوْفِ لَهُ الَّذِي لَهُ، فَجَدَّهُ بَعْدَ مَا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَوْفَاهُ ثَلاَثِينَ وَسْقًا، وَفَضَلَتْ لَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَجَاءَ جَابِرٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُخْبِرَهُ بِالَّذِي كَانَ فَوَجَدَهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُ بِالْفَضْلِ، فَقَالَ: أَخْبِرْ ذَلِكَ ابْنَ الْخَطَّابِ، فَذَهَبَ جَابِرٌ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ عَلِمْتُ حِينَ مَشَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيُبَارَكَنَّ فِيهَا". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (إبراهيم بن المنذر) بن عبد الله بن المنذر الحزامي بالزاي تكلم فيه أحمد من أجل القرآن ووثقه ابن معين وابن وضاح والنسائي وأبو حاتم والدارقطني واعتمده البخاري وانتقى من حديثه وروى له الترمذي والنسائي وغيرهما قال: (حدّثنا أنس) هو ابن عياض أبو ضمرة (عن هشام) هو ابن عروة بن الزبير (عن وهب بن كيسان) بفتح الكاف القرشي مولاهم أبي نعيم المدني (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أنه أخبره أن أباه) عبد الله (توفي وترك عليه ثلاثين وسقًا) من تمر دينًا (لرجل من اليهود) هو أبو الشحم رواه الواقدي في المغازي في قصة دين جابر عن إسماعيل بن عطية بن عبد الله السلمي عن أبيه عن جابر، وكذا ذكره في المنتقى من تاريخ دمشق لابن عساكر، وفي رواية فراس عن الشعبي في الوصايا أن أباه استشهد يوم أُحُد وترك ست بنات وترك عليه دينًا (فاستنظره جابر) طلب أن ينظره في الدين المذكور (فأبى) امتنع (أن ينظره) من إنظاره (فكلم جابر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليشفع له إليه فجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكلم) بالواو، ولأبي ذر: فكلم (اليهودي ليأخذ ثمر نخله) بالمثلثة وفتح الميم (بالذي له) من الدين، ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني: بالتي أي بالأوسق التي له (فأبى) اليهودي (فدخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النخل فمشى فيها). وفي الباب فطاف في النخل ودعا في ثمرتها بالبركة (ثم قال لجابر): (جد): أي اقطع (له فأوفِ له الذي له) بفتح همزة فأوف (فجده) أي قطعه جابر (بعدما رجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأوفاه ثلاثين وسقًا) التي كانت له في ذمة أبيه (وفضلت له سبعة عشر وسقًا) بالموحدة بعد السين المهملة وضاد فضلت مفتوحة في الفرع وبالكسر ضبطها البرماوي، وفي علامات النبوّة فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل ما أعطاهم وجمع بينهما بالحمل على تعدّد الغرماء فكأن أصل الدين كان منه ليهودي ثلاثون وسقًا من صنف واحد فأوفاه وفضل من ذلك البيدر سبعة عشر وسقًا وكان منه لغير ذلك اليهودي أشياء أُخَر من أصناف أخرى فأوفاهم وفضل من المجموع قدر الذي أوفاه، ويؤيده قوله في رواية نبيح

10 - باب من استعاذ من الدين

العنزي عن جابر عند الإمام أحمد فكِلت لهم من العجوة فأوفاهم الله وفضل لنا من التمر كذا وكذا ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد لذلك في باب علامات النبوّة بعون الله وقوّته. (فجاء جابر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليخبره بالذي كان) من البركة وفضل من التمر بعد قضاء الدين (فوجده يصلّي العصر فلما انصرف أخبره بالفضل فقال) عليه الصلاة والسلام له: (أخبر ذلك) الذي ذكرته من الفضل (ابن الخطاب) عمر -رضي الله عنه- ولأبي ذر ذاك بإسقاط اللام (فذهب جابر إلى عمر فأخبره) بذلك (فقال له) أي لجابر (عمر لقد علمت حين مشى فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليباركنّ فيها) بضم التحتية وفتح الراء مبنيًا للمفعول مؤكدًا بالنون الثقيلة، وقيل: وخصّ عمر بذلك لأنه كان مهتمًّا بقصة جابر. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الصلح وأبو داود في الوصايا وكذا النسائي وأخرجه ابن ماجة في الأحكام. 10 - باب مَنِ اسْتَعَاذَ مِنَ الدَّيْنِ (باب من استعاذ) بالله (من الدين) أي من ارتكابه. 2397 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ ح. وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ. فَقَالَ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنَ الْمَغْرَمِ؟ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (ح) مهملة لتحويل السند قال المؤلّف: (وحدّثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس وسقط لغير أبي ذر قوله حدّثنا أبو اليمان إلى آخر واو وحدّثنا إسماعيل (قال: حدّثني) بالإفراد (أخي) عبد الحميد أبو بكر وهو بكنيته أشهر (عن سليمان) بن بلال (عن محمد بن أبي عتيق) هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق التيمي المدني (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (أن عائشة -رضي الله عنها- أخبرته أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يدعو في الصلاة ويقول): (اللهم أعوذ بك) ولأبي ذر: اللهم إني أعوذ بك (من المأثم) الذي يأثم به الإنسان أو هو الإثم نفسه وضعًا للمصدر موضع الاسم (والمغرم) هو أيضًا مصدر وضع موضع الاسم يريد به مغرم الذنوب والمعاصي. وقيل كالغرم وهو الدين ويريد به ما استدين فيما يكرهه الله أو فيما يجوز ثم عجز فأما دين احتاج إليه وهو قادر على أدائه فلا يستعاذ منه أو المراد الاستعاذة من الاحتياج إليه ولا تعارض بين الاستعاذة من الدين وجواز الاستدانة لأن الذي استعيذ منه ليس هو نفس الدين بل غوائل الذين المشار إليها بقوله: (فقال قائل) هي عائشة -رضي الله عنها- كما في الرواية الأخرى (ما أكثر ما تستعيذ) بالله (يا رسول الله من المغرم. قال) عليه الصلاة والسلام (إن الرجل إذا غرم حدّث) قال البيضاوي: أي أخبر عن ماضي الأحوال لتمهيد معذرته في التقصير (فكذب) وللكشميهني: كذب (ووعد) فيما يستقبل (فأخلف) لا يفي بوعده وتعقبه في شرح المشكاة بأنه لم يرد بإدخال إذا في حدّث ووعد أنهما شرطان وكذب وأخلف جزءان بل أراد بيان ترتبهما عليهما بحرف التعقيب فكيف يتصور ذلك وإن الشرط في الحديث غرم وحدّث جزاء ووعد عطف عليه وكذب وأخلف مرتبان على الجزاء وما عطف عليه. 11 - باب الصَّلاَةِ عَلَى مَنْ تَرَكَ دَيْنًا (باب) حكم (الصلاة على من ترك) عليه (دينًا). 2398 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلاًّ فَإِلَيْنَا». وبه قال: (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي التابعي المشهور وثّقه أحمد والعجلي والدارقطني إلا أنه كان يغلو في التشيع لكن أخرج له الجماعة ولم يخرج له في الصحيح شيء مما يقوّي بدعته (عن أبي حازم) بالزاي بعد الحاء المهملة سلمان الأشجعي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من ترك) بعد وفاته (مالاً فلورثته ومن ترك كلاًّ) بفتح الكاف وتشديد اللام الثقل من كل ما يتكلف، والكل: العيال قاله في النهاية، ولا ريب أن الدين من كل ما يتكلف والمعنى من مات وترك عيالاً أو دينًا (فإلينا) يرجع أمره فنوفي دينه ونقوم بمصالح عياله. 2399 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَأَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالاً فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَلْيَأْتِنِي، فَأَنَا مَوْلاَهُ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي بفتح النون قال: (حدّثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو العقدي قال: (حدّثنا فليح) هو ابن سليمان الخزاعي أو الأسلمي أبو يحيى المدني ويقال فليح

لقب واسمه عبد الملك من طبقة مالك واحتج به البخاري وأصحاب السُّنن وروى له مسلم حديثًا واحدًا وهو حديث الإفك وهو ثقة لكنه كثير الخطأ وضعّفه ابن معين وأبو داود. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة مستقيمة وغرائب وهو عندي لا بأس به انتهى. قال الحافظ ابن حجر لم يعتمد عليه البخاري اعتماده على مالك وابن عيينة وأضرابهما وإنما أخرج له أحاديث أكثرها في المتابعات وبعضها في الرقاق. (عن هلال بن علي) العامري المدني وقد ينسب إلى جدّه أسامة (عن عبد الرحمن بن أبي عمرة) بفتح العين وسكون الميم آخره هاء تأنيث الأنصاري النجاري يقال ولد في عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال ابن أبي حاتم ليست له صحبة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال: ما من مؤمن إلا وأنا) بالواو ولأبى الوقت إلا أنا (أولى) أحق الناس (به في) كل شيء من أمور (الدنيا والآخرة اقرؤوا إن شئتم) قوله تعالى: ({النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}) [الأحزاب: 6] قال بعض الكبراء إنما كان عليه الصلاة والسلام أولى بهم من أنفسهم لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك وهو يدعوهم إلى النجاة. قال ابن عطية: ويؤيده فى قوله عليه الصلاة والسلام: "أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها" ويترتب على كونه أولى بهم من أنفسهم أنه يجب عليهم إيثار طاعته على شهوات أنفسهم وإن شقّ ذلك عليهم وأن يحبوه أكثر من محبتهم لأنفسهم ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه ووالده" الحديث. واستنبط بعضهم من الآية أن له عليه الصلاة والسلام أن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج عليه الصلاة والسلام إليهما وعلى صاحبهما البذل ويفدي بمهجته نبيّه صلوات الله وسلامه عليه، وأنه لو قصده عليه الصلاة والسلام ظالم وجب على من حضره أن يبذل نفسه دونه ولم يذكر عليه الصلاة والسلام عند نزول هذه الآية ما له في ذلك من الحظ وإنما ذكر ما هو عليه فقال: (فأيما مؤمن مات وترك مالاً) أي أو حقًّا وذكر المال خرج مخرج الغالب فإن الحقوق تورث كالمال (فليرثه عصبته من كانوا) عبر بمن الموصولة ليعم أنواع العصبة والذي عليه أكثر الفرضيين أنهم ثلاثة أقسام عصبة بنفسه وهو من له ولاء وكل ذكر نسيب يدلى إلى الميت بلا واسطة أو بتوسط محض المذكور وعصبة بغيره وهو كل ذات نصف معها ذكر يعصبها وعصبة مع غيره وهو أخت فأكثر لغير أم معها بنت أو بنت ابن فأكثر (ومن ترك دينًا أو ضياعًا) بفتح الضاد المعجمة مصدر أطلق على اسم الفاعل للمبالغة كالعدل والصوم وجوّز ابن الأثير الكسر على أنه جمع ضائع كجياع في جمع جائع وأنكره الخطابي أي من ترك عيالاً محتاجين (فليأتني فأنا مولاه) أي وليّه أتولى أموره فإن ترك دينًا وفيته عنه أو عيالاً فأنا كافلهم وإليّ ملجؤهم ومأواهم، وقد كان عليه الصلاة والسلام في صدر الإسلام لا يصلّي على من عليه دين فلما فتح الله تعالى عليه الفتوح صار يصلّي عليه ويوفي دينه فصار ذلك ناسخًا لفعله الأول وهل كان ذلك محرّمًا عليه أم لا؟ فيه خلاف للشافعية حكاه الروياني في الجرجانيات وحكى خلافًا أيضًا في أنه هل كان يجوز له أن يصلّي مع وجود الضامن. قال النووي: والصواب الجزم بجوازه مع وجود الضامن اهـ. قال في شرح تقريب الأسانيد والظاهر أن ذلك لم يكن محرّمًا عليه وإنما كان يفعله ليحرّض الناس على قضاء الدين في حياتهم والتوصل إلى البراءة منه لئلا تفوتهم صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما فتح الله تعالى عليه الفتوح صار يصلّي عليهم ويقضي دين من لم يخلف وفاء كما مرّ وهل كان ذلك واجبًا عليه أو يفعله تكرّمًا وتفضلاً؟ فيه خلاف عند الشافعية أيضًا والأشهر عندهم وجوبه وعدّوه من الخصائص وعند ابن حبان وصححه أنا وارث من لا وارث له أعقل منه وأرثه فهو عليه الصلاة والسلام لا يرث لنفسه بل يصرفه للمسلمين. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف

12 - باب مطل الغني ظلم

أيضًا في التفسير. 12 - باب مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ هذا (باب) بالتنوين (مطل الغني ظلم). 2400 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَخِي وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الأعلى) هو ابن عبد الأعلى البصري (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام بن منبّه أخي وهب بن منبّه) بكسر الموحدة فيهما (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مطل الغني ظلم) قال الأزهري المطل المدافعة وإضافة المطل إلى الغني إضافة المصدر للفاعل هنا وإن كان المصدر قد يضاف إلى المفعول لأن المعنى أنه يحرم على الغني القادر أن يمطل بالدين بعد استحقاقه بخلاف العاجز، وقيل إنه مضاف إلى المفعول والمعنى أنه يجب وفاء الدين ولو كان مستحقه غنيًّا ولا يكون غناه سببًا لتأخير حقه عنه، وإذا كان كذلك في حق الغنيّ فهو في حق الفقير أولى وفيه تكلّف وتعسّف على ما لا يخفى وعن سحنون تردّ شهادة المليّ إذا مطل لكونه سمي ظالمًا وعند الشافعية تكرّر. وهذا الحديث قد سبق في باب إذا أحال على مليّ من الحوالة. 13 - باب لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالٌ وَيُذْكَرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَىُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وَعِرْضَهُ». قَالَ سُفْيَانُ عِرْضُهُ: يَقُولُ مَطَلْتَنِي. وَعُقُوبَتُهُ: الْحَبْسُ. هذا (باب) بالتنوين (لصاحب الحق مقال) فلا يلام إذا تكرّر طلبه لحقه (ويذكر) بضم أوله وفتح ثالثه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله أحمدُ وإسحاق في مسنديهما وأبو داود والنسائي من حديث عمرو بن الشريد بن أوس الثقفي عن أبيه وإسناده حسن (لي الواجد) بفتح اللام وتشديد التحتية والواجد بالجيم أي مطل القادر على قضاء دينه (يحل) بضم أوله وكسر ثانيه (عرضه وعقوبته قال سفيان) هو الثوري مما وصله البيهقي من طريق الفريابي عنه (عرضه يقول مطلتني) بتاء الخطاب وللأبوين مطلني أي حقي (وعقوبته الحبس) تأديبًا له لأنه ظالم والظلم حرام وإن قلّ. 2401 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ يَتَقَاضَاهُ فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً". وبه قال: (حدّثنا مسدد) بمهملات قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن سلمة) بن كهيل بضم الكاف وفتح الهاء (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل) أعرابي (يتقاضاه) أي يطلب أن يقضيه بكرًا اقترضه منه (فأغلظ له) في الطلب بكلام غير مؤذٍ إذ إيذاؤه عليه الصلاة والسلام كفر (فهمّ به) أي بالأعرابي (أصحابه) رضوان الله عليهم أي عزموا أن يوقعوا به فعلاً (فقال) عليه الصلاة والسلام: (دعوه) اتركوه (فإن لصاحب الحق مقالاًً). 14 - باب إِذَا وَجَدَ مَالَهُ عِنْدَ مُفْلِسٍ فِي الْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَالْوَدِيعَةِ فَهْوَ أَحَقُّ بِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا أَفْلَسَ وَتَبَيَّنَ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ وَلاَ بَيْعُهُ وَلاَ شِرَاؤُهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: قَضَى عُثْمَانُ مَنِ اقْتَضَى مِنْ حَقِّهِ قَبْلَ أَنْ يُفْلِسَ فَهْوَ لَهُ، وَمَنْ عَرَفَ مَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ فَهْوَ أَحَقُّ بِهِ. هذا (باب) بالتنوين (إذا وجد) شخص (ماله عند) شخص (مفلس) حكم القاضي بإفلاسه (في البيع) بأن يبيع رجل متاعًا لرجل ثم يفلس المشتري ويجد البائع متاعه الذي باعه عنده (و) في (القرض) بأن يقرض لرجل ثم يفلس المقترض فيجد المقرض ما أقرضه عنده (و) في (الوديعة) بأن يودع شخص عند آخر وديعة ثم يفلس المودع بفتح الدال وجواب إذا قوله (فهو) أي فكلٌّ من البائع والمقرض والمودع بكسر الدال (أحق به) أي بمتاعه من غيره من غرماء المفلس. (وقال الحسن) البصري: (إذا أفلس) شخص (وتبين) إفلاسه عند الحاكم (لم يجز عتقه) أي إذا أحاط الدين بماله (ولا بيعه ولا شراؤه) وكذا هبته ورهنه ونحوها كشرائه بالعين بغير إذن الغرماء لتعلق حقهم بالأعيان كالرهن ولأنه محجور عليه بحكم الحاكم فلا يصح تصرفه على مراغمة مقصود الحجر كالسفيه. قال الأذراعي: ويجب أن يستثني من منع الشراء بالعين ما لو دفع له الحاكم كل يوم نفقة له ولعياله فاشترى بها فإنه يصح جزمًا فيما يظهر ويصح تدبيره ووصيته لعدم الضرر لتعلق التفويت بما بعد الموت ويصح إقراره بالدين من معاملة أو غيرها، كما لو ثبت بالبينة والفرق بين الإنشاء والإقرار أن مقصود الحجر منع التصرف فألغي إنشاؤه والإقرار إخبار والحجر لا يسلب العبارة عنه. (وقال سعيد بن المسيب): مما وصله أبو عبيد في كتاب الأموال والبيهقي بإسناد صحيح إلى سعيد (قضى عثمان) بن عفان (من اقتضى) أي أخذ (من حقه) الذي له عند شخص شيء (قبل أن يفلس) الشخص المأخوذ منه ولفظ أبي عبيد قبل أن يتبين إفلاسه (فهو) أي الذي أخذه (له) لا يتعرض إليه أحد من الغرماء (ومن عرف متاعه بعينه)

عند أحد (فهو أحق به) من سائر الغرماء. 2402 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَوْ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ-: «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهْوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) التميمي اليربوعي ونسبه لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا زهير) بالتصغير ابن معاوية الجعفي قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو بكر بن محمد بن عمرو) بفتح العين المهملة وسكون الميم (ابن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي (أن عمر بن عبد العزيز) بن مروان القرشي الأموي الخليفة العادل -رحمه الله تعالى- (أخبره أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام) المعروف براهب قريش لكثرة صلاته (أخبره أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو قال سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) شك من الراوي: (من أدرك ماله) أي وجده (بعينه) لم يتغير ولم يتبدل (عند رجل أو) قال عند (إنسان) بالشك كأن ابتاعه الرجل أو اقترضه منه (قد أفلس) أو مات بعد ذلك وقبل أن يؤدي ثمنه ولا وفاء عنده (فهو أحق به من غيره) من غرماء المشتري المفلس أو الميت فله فسخ العقد واسترداد العين ولو بلا حاكم كخيار المسلم بانقطاع المسلم فيه والمكتري بانهدام الدار بجامع تعذّر استيفاء الحق ويشترط كون الردّ على الفور كالردّ بالعيب بجامع دفع الضرر، وفرّق المالكية بين الفلس والموت فهو أحق به في الفلس دون الموت فإنه فيه أسوة الغرماء لحديث أبي داود أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أيما رجل باع متاعًا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من الثمن شيئًا فوجد متاعه بعينه فهو أحق به فإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء". واحتجوا بأن الميت خربت ذمته فليس للغرماء محل يرجعون إليه فلو اختصّ البائع بسلعته عاد الضرر على بقية الغرماء لخراب ذمة الميت وذهابها بخلاف ذمة المفلس فإنها باقية. ولنا: ما رواه إمامنا الشافعي من طريق عمرو بن خلدة قاضي المدينة عن أبي هريرة قال: قضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه" وهو حديث حسن يحتج بمثله. وأخرجه أيضًا أحمد وأبو داود وابن ماجة وصححه الحاكم والدارقطني، وزاد بعضهم في آخرها "إلا أن يترك صاحبه وفاء" فقد صرّح ابن خلدة بالتسوية بين الإفلاس والموت فتعين المصير إليه لأنها زيادة من ثقة. وخالف الحنفية الجمهور فقالوا: إذا وجد سلعته بعينها عند مفلس فهو كالغرماء لقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} فاستحق النظرة إلى ميسرة بالآية. وليس له الطلب قبلها ولأن العقد يوجب ملك الثمن للبائع في ذمة المشتري وهو الدين وذلك وصف في الذمة فلا يتصور قبضه، وحملوا حديث الباب على المغصوب والعواري والإجارة والرهن وما أشبهها فإن ذلك ماله بعينه فهو أحق به وليس المبيع مال البائع ولا متاعًا له وإنما هو مال المشتري إذ هو قد خرج عن ملكه وعن ضمانه بالبيع والقبض. واستدلّ الطحاوي لذلك بحديث سمرة بن جندب أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من سرق له متاع أو ضاع له متاع فوجده في يد رجل بعينه فهو أحق به ويرجع المشتري على البائع بالثمن" ورواه الطبراني وابن ماجة. ولنا: أنه وقع التنصيص في حديث الباب أنه في صورة البيع فروى سفيان الثوري في جامعه، وأخرجه من طريقه ابنا خزيمة وحبان عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد إذا ابتاع سلعة ثم أفلس وهي عنده بعينها فهو أحق بها من الغرماء. ولمسلم من رواية ابن أبي حسين عن أبي بكر بن محمد بسند حديث الباب أيضًا في الرجل الذي يعدم إذا وجد عنده المتاع ولم يفرقه أنه لصاحبه الذي باعه، فقد تبين أن حديث الباب وارد في صورة البيع وحينئذٍ فلا وجه للتخصيص بما ذكره الحنفية ولا خلاف أن صاحب الوديعة وما أشبهها أحق بها سواء وجدها عند مفلس أو غيره وقد شرط الإفلاس في الحديث. قال البيهقي: وهذه الرواية الصحيحة الصريحة في البيع أو السلعة تمنع من حمل الحكم فيها على الودائع والعواري والمغصوب مع تعليقه إياه في جميع الروايات بالإفلاس

15 - باب من أخر الغريم إلى الغد أو نحوه ولم ير ذلك مطلا

انتهى. وأيضًا فإن الشارع عليه الصلاة والسلام جعل لصاحب المتاع الرجوع إذا وجده بعينه والمودع أحق بعينه سواء كان على صفته أو تغير عنها فلم يجز حمل الخير عليه ووجب حمله على البائع لأنه إنما يرجع بعينه إذا كان على صفته لم يتغير فإذا تغير فلا رجوع له، وأيضًا لا مدخل للقياس إلا إذا عدمت السُّنّة فإن وجدت فهي حجة على من خالفها. وأما حديث سمرة ففيه الحجاج بن أرطاة وهو كثير الخطأ والتدليس. قال ابن معين: ليس بالقوي وإن روى له مسلم فمقرون بغيره والله أعلم. وحديث الباب أخرجه أيضًا مسلم في البيوع وكذا أبو داود والترمذي والنسائي، وأخرجه ابن ماجة في الأحكام. 15 - باب مَنْ أَخَّرَ الْغَرِيمَ إِلَى الْغَدِ أَوْ نَحْوِهِ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ مَطْلاً وَقَالَ جَابِرٌ: "اشْتَدَّ الْغُرَمَاءُ فِي حُقُوقِهِمْ فِي دَيْنِ أَبِي، فَسَأَلَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَ حَائِطِي فَأَبَوْا، فَلَمْ يُعْطِهِمِ الْحَائِطَ وَلَمْ يَكْسِرْهُ لَهُمْ قَالَ: سَأَغْدُو عَلَيْكَ غَدًا، فَغَدَا عَلَيْنَا حِينَ أَصْبَحَ فَدَعَا فِي ثَمَرِهَا بِالْبَرَكَةِ، فَقَضَيْتُهُمْ". (باب من أخّر) من الحكام (الغريم) أي مطالبته بالدين لربه (إلى الغد أو نحوه) كيومين أو ثلاثة (ولم ير ذلك) التأخير (مطلاً) أي تسويفًا عن الحق. (وقال جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- فيما سبق قريبًا موصولاً من طريق كعب بن مالك عن جابر (اشتد الغرماء) في الطلب (في حقوقهم في دين أبي فسألهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد أن أتيته فقلت له: إن أبي ترك دينًا وليس عندي إلا ما يخرج نخله ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه فانطلق معي لكيلاً يفحش عليّ الغرماء (أن يقبلوا ثمر حائطي) بالثاء المثلثة وفتح الميم وفي باب إذا قضى دون حقه أو حلله بالمثناة الفوقية وسكون الميم كذا في الفرع (فأبوا) أي امتنعوا أن يقبلوه (فلم يعطهم) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الحائط) أي ثمره (ولم يكسره) أي لم يكسر الثمر من النخل (لهم) أي لم يعين ولم يقسمه عليهم (قال) ولأبي ذر قال: (سأغدو عليك غدًا) ولأبي ذر عليكم بميم الجمع وسقط عنده لفظ غدًا (فغدا علينا حين أصبح فدعا في ثمرها) بالمثلثة أي في ثمر النخل (بالبركة) أي بعد أن طاف بها (فقضيتهم) حقهم. وموضع الترجمة من هذا الحديث قوله سأغدو عليك، وقد سقطت الترجمة وحديثها هذا في رواية النسفيّ وتبعه أكثر الشراح، وقد سبق الحديث في باب إذا قضى دون حقه أو حلله ويأتي بعد بابين إن شاء الله تعالى. 16 - باب مَنْ بَاعَ مَالَ الْمُفْلِسِ أَوِ الْمُعْدِمِ فَقَسَمَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، أَوْ أَعْطَاهُ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ (باب من باع) من الحكم (مال المفلس أو المعدم) بكسر الدال مال الفقير (فقسمه) أي ثمن مال المفلس (بين الغرماء) بنسبة ديونهم الحالّة لا المؤجلة فلا يدّخر منه شيء للمؤجل ولا يستدام له الحجر كما لا يحجر به فلو لم يقسم حتى حلَّ المؤجل التحق بالحالّ (أو أعطاه) أي أعطي الحاكم المعدم ثمن ما باعه يومًا بيوم (حتى ينفق على نفسه) أي وقريبه وزوجته القديمة ومملوكه كأم ولده نفقة المعسرين ويكسوهم بالمعروف لإطلاق حديث "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" إن لم يكن له كسب لائق به وإلاً فلا، بل ينفق ويكسو من كسبه فإن فضل منه شيء ردّ إلى المال أو نقص كمل من المال فإن امتنع من الكسب فقضية كلام المنهاج والمطلب أنه ينفق عليه من ماله واختاره الأسنوي وقضية كلام المتولي خلافه واختاره السبكي والأول أشبه بقاعدة الباب من أنه لا يؤمر بتحصيل ما ليس بحاصل. 2403 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَعْتَقَ رَجُلٌ غُلاَمًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَأَخَذَ ثَمَنَهُ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالسين المهملة هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي مصغرًا قال: (حدّثنا حسين المعلم) بكسر اللام قال: (حدّثنا عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: أعتق رجل) وزاد الكشميهني: منا، ولمسلم وأبي داود والنسائي من رواية أبي الزبير: أعتق رجل من بني عذرة ولهم أيضًا فى لفظ أن رجلاً من الأنصار يقال له أبو مذكور أعتق (غلامًا له عن دبر) يقال له يعقوب وكان قبطيًّا كما عند البيهقيّ وغيره وذكره ابن فتحون في ذيله على الاستيعاب في الصحابة وأنه سماه في البخاري ومسلم لكن ذكره البخاري وهم وعند النسائي وكان أي الرجل محتاجًا وكان عليه دين وفي رواية له فاحتاج الرجل، وفي لفظ فقال عليه الصلاة والسلام: "ألك مال غيره"؟ فقال: لا (فقال النبي) وفي نسخة رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من يشتريه) أي العبد (مني) مقتضاه أنه عليه الصلاة والسلام باشر البيع بنفسه الكريمة وهو أولى بالمؤمنين من

17 - باب إذا أقرضه إلى أجل مسمى، أو أجله في البيع

أنفسهم وتصرفه عليهم ماضٍ ليدل على أنه يجوز للمدبر بكسر الموحدة بيع المدبر بفتحها وأن الحاكم يبيع على المديون ماله عند المفلس ليقسمه بين الغبرباء (فاشتراه نعيم بن عبد الله) بضم النون والميم وفتح العين المهملة النحام بفتح النون وتشديد الحاء المهملة القرشي وفي رواية للبخاري فباعه بثمانمائة درهم وعند أبي داود بسبعمائة أو بتسعمائة والصحيح الأول وأما رواية أبي داود فلم يضبطها راويها ولهذا شك فيها (فأخذ) عليه الصلاة والسلام (ثمنه فدفعه إليه) زاد في لفظ للنسائي قال: اقضِ دينك، ولمسلم والنسائي فدفعها إليه، ثم قال: ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا يقول بين يديك وعن يمينك وعن شمالك، ولم يذكر في هذا الحديث الرقيق، ولعله داخل في الأهل أو لأن أكثر الناس لا رقيق لهم فأجرى الكلام على الغالب أو أن ذلك الشخص المخاطب لا رقيق له، وليس المراد بقوله فهكذا أو هكذا حقيقة هذه الجهات المحسوسة. ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أنه عليه السلام باع على الرجل ماله لكونه مديانًا ومال المديان إما أن يقسمه الإمام بنفسه أو يسلمه إليه ليقسمه بين غرمائه قاله ابن المنير. وهذا الحديث قد سبق في باب بيع المدبر من كتاب البيوع. 17 - باب إِذَا أَقْرَضَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، أَوْ أَجَّلَهُ فِي الْبَيْعِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْقَرْضِ إِلَى أَجَلٍ: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ أُعْطِيَ أَفْضَلَ مِنْ دَرَاهِمِهِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: هُوَ إِلَى أَجَلِهِ فِي الْقَرْضِ. هذا (باب) بالتنوين (إذا أقرضه) أي إذا أقرض رجل رجلاً دراهم أو دنانير أو شيئًا مما يصح فيه القرض (إلى أجل مسمى) معلوم (أو أجله) أي الثمن (في البيع) فهو جائز فيهما عند الجمهور خلافًا للشافعية في القرض فلو شرط أجلاً لا يجرّ منفعة للمقرض لغا الشرط دون العقد نعم يستحب الوفاء باشتراط الأجل قاله ابن الرفعة. (قال) ولأبي ذر: وقال (ابن عمر) بن الخطاب (في القرض إلى أجل) معلوم (لا بأس به و) كذا (إن أعطي) بضم الهمزة أي وإن أعطي المقترض للمقرض (أفضل من دراهمه) كالصحيح عن المكسر (ما لم يشترط) ذلك فإن اشترطه حرم أخذه بل يبطل العقد وما روي من أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر عبد الله بن عمرو بن العاصي أن يأخذ بعيرًا ببعيرين إلى أجل فمحمول على البيع أو السلم إذ لا أجل في القرض كالصرف بجامع أنه يمتنع فيهما التفاضل، وقد رواه أبو داود وغيره بلفظ: أمرني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أشتري بعيرًا ببعيرين إلى أجل وتعليق ابن عمر هذا وصله ابن أبي شيبة من طريق المغيرة قال: قلت لابن عمر إني أسلف جيراني إلى العطاء فيقضوني أجود من دراهمي قال: لا بأس به ما لم تشترط. (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح (وعمرو بن دينار) مما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنهما (هو) أي المقترض (إلى أجله) المقرر بينه وبين المقرض (في القرض) فلو طلب أخذه قبل الأجل لم يكن له ذلك وهذا مذهب المالكية خلافًا للأئمة الثلاثة فيثبت عندهم في ذمة المقترض حالاً وإن أجل فيأخذه المقرض متى أحب. 2404 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: "عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى" الحديث. (وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله المؤلّف في باب الكفالة (حدّثني) بالإفراد (جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل بن حسنة الكندي المصري (عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل) لم يسم وقيل هو النجاشي وحينئذ فتكون نسبته إلى بني إسرائيل بطريق الاتباع لهم لا أنه من نسلهم (أن يسلفه) سقط هنا قوله في الكفالة ألف دينار (فدفعها) المسلف (إليه) إلى المستسلف (إلى أجل مسمى) معلوم (الحديث) بطوله في الكفالة وغيرها، ولأبي ذر فذكر الحديث واحتج به على جواز التأجيل في القرض وهو مبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا وفي ذلك خلاف يأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى في محله. 18 - باب الشَّفَاعَةِ فِي وَضْعِ الدَّيْنِ (باب الشفاعة في وضع) بعض (الدين) لا إسقاطه كله. 2405 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "أُصِيبَ عَبْدُ اللَّهِ وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا، فَطَلَبْتُ إِلَى أَصْحَابِ الدَّيْنِ أَنْ يَضَعُوا بَعْضًا مِنْ دَيْنِهِ فَأَبَوْا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَشْفَعْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا. فَقَالَ: صَنِّفْ تَمْرَكَ كُلَّ شَىْءٍ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ عِذْقَ ابْنِ زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ، وَاللِّينَ عَلَى حِدَةٍ، وَالْعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ أَحْضِرْهُمْ حَتَّى آتِيَكَ. فَفَعَلْتُ. ثُمَّ جَاءَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَعَدَ عَلَيْهِ، وَكَالَ لِكُلِّ رَجُلٍ حَتَّى اسْتَوْفَى، وَبَقِيَ التَّمْرُ كَمَا هُوَ كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ". وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي البصري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن مغيرة) بن مقسم بكسر الميم الضبي (عن عامر) الشعبي (عن جابر) هو ابن عبد الله

الأنصاري (-رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه (قال: أصيب) أبي (عبد الله) هو ابن عمرو بن حرام يوم أحد أي قتل (وترك عيالاً) بكسر العين سبع بنات أو تسعًا (ودينًا) ثلاثين وسقًا كما مرّ مع غيره (فطلبت إلى أصحاب الدين) أي انتهى طلبي إليهم (أن يضعوا بعضًا من دينه) وسقط لأبي ذر قوله من دينه وفي روايته كن الحموي والمستملي بعضها بدل قوله بعضًا (فأبوا) أن يضعوا (فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاسثشفعت به عليهم فأبوا) أن يضعوا بعد أن سألهم عليه الصلاة والسلام في ذلك (فقال) عليه الصلاة والسلام لي: (صنّف تمرك) اجعله أصنافًا متميزة (كل شيء منه على حدته) بكسر الحاء وتخفيف الدال على انفراده غير مختلط بغيره والهاء عوض من الواو مثل عدة (عذق ابن زيد) بكسر العين المهملة وفي نسخة بفتحها وسكون الذال المعجمة والنصب بدلاً من السابق وهو علم على شخص نسب إليه هذا النوع الجيد من التمر، وقال الدمياطي: المشهور عذق زيد والعذق بالفتح النخلة وبالكسر الكباسة (على حدة) ولأبي ذر: على حدته (واللين) بكسر اللام وسكون التحتية اسم جنس جمعي واحده لينة وهو من اللون فياؤه منقلبة عن واو لسكونها وانكسار ما قبلها نوع من التمر أيضًا أو هو رديئه وقيل إن أهل المدينة يسمون النخل كلها ما عدا الببرنيّ والعجوة اللون (على حدة) ولأبي ذر: على حدته (والعجوة) وهي من أجود التمر (على حدة ثم أحضرهم) بكسر الضاد المعجمة والجزم فعل أمر أي أحضر الغرماء (حتى آتيك) قال جابر: (ففعلت) ما أمرني به عليه الصلاة والسلام من التصنيف وإحضار الغرماء (ثم جاء عليه السلام) وفي نسخة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقعد عليه) أي على التمر (وكال) من التمر (لكل رجل) من أصحاب الدّيون حقه (حتى استوفى) حقهم (وبقي التمر كما هو) قال الكرماني كلمة ما موصولة مبتدأ خبره محذوف أو زائدة أي كمثله (كأنه لم يمس) بضم التحتية وفتح الميم مبنيًّا للمفعول وقال جابر بالسند المذكور: 2406 - "وَغَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى نَاضِحٍ لَنَا، فَأَزْحَفَ الْجَمَلُ فَتَخَلَّفَ عَلَىَّ فَوَكَزَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خَلْفِهِ. قَالَ: بِعْنِيهِ وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ -فَلَمَّا دَنَوْنَا اسْتَأْذَنْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَمَا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ قُلْتُ: ثَيِّبًا، أُصِيبَ عَبْدُ اللَّهِ وَتَرَكَ جَوَارِيَ صِغَارًا فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا تُعَلِّمُهُنَّ وَتُؤَدِّبُهُنَّ. ثُمَّ قَالَ: ائْتِ أَهْلَكَ. فَقَدِمْتُ فَأَخْبَرْتُ خَالِي بِبَيْعِ الْجَمَلِ فَلاَمَنِي، فَأَخْبَرْتُهُ بِإِعْيَاءِ الْجَمَلِ، وَبِالَّذِي كَانَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَكْزِهِ إِيَّاهُ. فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَدَوْتُ إِلَيْهِ بِالْجَمَلِ، فَأَعْطَانِي ثَمَنَ الْجَمَلِ وَالْجَمَلَ وَسَهْمِي مَعَ الْقَوْمِ". (وغزوت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) غزوة ذات الرقاع كما قاله ابن إسحاق أو تبوك كما يأتي إن شاء الله تعالى في تعليق داود بن قيس في الشروط (على ناضح لنا) بالضاد المعجمة والحاء المهملة جمل يسقى عليه النخل (فأزحف) بهمزة مفتوحة فزاي فحاء مهملة ففاء أي كل وأعيا (الجمل) بالجيم وأصله أن البعير إذا تعب يجرّ رسنه فكأنهم كنوا بقولهم أزحف رسنه أي جرّه من الإعياء ثم حذفوا المفعول لكثرة الاستعمال (فتخلّف عليّ) أي عن القوم (فوكزه) بالواو بعد الفاء أي ضربه (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالعصا (من خلفه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فوكزه بالراء بدل الواو أي ركز فيه العصا والمراد المبالغة في ضربه بها فسبق القوم (قال) عليه الصلاة والسلام: (بعنيه) في رواية سبقت بوقية (ولك ظهره إلى المدينة) أي ركوبه وللنسائي وأعرتك ظهره إلى المدينة (فلما دنونا) قربنا من المدينة (استأذنت فقلت يا رسول الله إني حديث عهد بعرس قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فما تزوجت بكرًا أم) بالميم ولأبوي ذر والوقت: أو (ثيبًا)؟ بالمثلثة أوّله (قلت) تزوّجت (ثيبًا أصيب عبد الله) أبي (وترك جواري صغارًا فتزوجت ثيبًا تعلمهن وتؤدبهن ثم قال) عليه الصلاة والسلام (ائت أهلك فقدمت) عليهم (فأخبرت خالي) ثعلبة بن عنمة بفتح العين المهملة والنون ابن عدي بن سنان الأنصاري الخزرجي وله خال آخر اسمه عمرو بن عنمة وأختمها أنيسة بنت عنمة أم جابر بن عبد الله (ببيع الجمل فلامني) يحتمل أن يكون لومه لكونه محتاجًا إليه أو لكونه باعه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يهبه منه. وعند ابن عساكر بإسناده إلى جابر أن اسم خاله الذي شهد به العقبة الجد بن قيس بالجيم والدال المهملة. ورواه الطبراني وابن منده من طريق معاوية بن عمار عن أبيه عن أبي الزبير عن جابر بلفظ: حملنى خالي جد بن قيس وما أقدر أن أرمي بحجر في السبعين راكبًا من الأنصار الذين وفدوا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر الحديث في بيعة العقبة وإسناده قوي ويقال:

19 - باب ما ينهى عن إضاعة المال

إنه كان منافقًا فروى أبو نعيم وابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس أنه نزل فيهم، ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني فيحتمل أن الجد خال جابر من جهة مجازية وأن يكون هو الذي لامه على بيع الجمل لما اتهم به من النفاق بخلاف ثعلبة وعمرو، وقد ذكر أبو عمر في آخر ترجمة جد بن قيس أنه تاب وحسنت توبته (فأخبرته) أي خالي (بإعياء الجمل وبالذي كان من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووكزه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وركزه (إياه فلما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليه بالجمل فأعطاني ثمن الجمل) وزادني (و) أعطاني (الجمل وسهمي) من الغنيمة بإسكان الهاء اسم مضاف إلى الياء مع نصبه عطفًا على المنصوب السابق وفي البرماوي كالكرماني ويروى وسهمني (مع القوم) بفتح الهاء والميم فعل اتصلت به نون الوقاية وضبطه في المصابيح كالتنقيح بتشديد الهاء، وهذا كما قال ابن الجزري من أحسن التكرم لأن من باع شيئًا فهو في الغالب محتاج لثمنه فإذا تعوّض الثمن بقي في قلبه من البيع أسف على فراقه فإذا ردّ عليه المبيع مع ثمنه ذهب أسفه وثبت فرجه وقضيت حاجته فكيف مع ما انضم إليه من الزيادة في الثمن. 19 - باب مَا يُنْهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ} وَ {إِنَّ اللهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَصَلَوَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ}. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ} وَالْحَجْرِ فِي ذَلِكَ وَمَا يُنْهَى عَنِ الْخِدَاعِ. (باب ما ينهى) أي النهي (عن إضاعة المال) صرفه في غير وجهه أو في غير طاعة الله (وقول الله تعالى) في سورة البقرة ({والله لا يحب الفساد}) [البقرة: 205] وعند النسفيّ مما ذكره في فتح الباري {إن الله لا يحب الفساد} ولعله سهو من الناسخ وإلاّ فالأول هو لفظ التنزيل (و) قوله تعالى في سورة يونس: ({إن الله لا يصلح عمل المفسدين}) [يونس: 81] لا يجعله ينفعهم وقال ابن حجر ولابن شبويه والنسفيّ: وإن الله لا يحب بدل لا يصلح وهذا سهو والأول هو التلاوة (وقال في قوله تعالى) في سورة هود ({أصلاتك تأمرك أن نترك} أي بترك ({ما يعبد آباؤنا}) من الأصنام ({أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء} [هود: 87] من البخس والظلم ونقص المكيال والميزان وقد يتبادر إلى الأذهان عطف أن نفعل على أن نترك لأنه يرى أن والفعل مرتين وبينهما حرف العطف وذلك باطل لأنه لم يأمرهم أن يفعلوا في أموالهم ما يشاؤون وإنما هو عطف على ما فهو معمول للترك أي بترك أن نفعل كذا في المغني لابن هشام، وتفسير البيضاوي وغيرهما. وقال زيد بن أسلم: كان مما ينهاهم شعيب عليه السلام عنه وعذبوا لأجله قطع الدنانير والدراهم وكانوا يقرضون من أطراف الصحاح لتفضل لهم القراضة. (وقال تعالى) في سورة النساء ({ولا تؤتوا السفهاء}) النساء والصبيان ({أموالكم}) [النساء: 5] يقول لا تعمدوا إلى أموالكم التي خوّلكم الله وجعلها لكم معيشة فتعطونها إلى أزواجكم وبنيكم فيكونوا هم الذين يقومون عليكم ثم تنظروا إلى ما في أيديهم ولكن أمسكوا أموالكم وأنفقوا أنتم عليهم في كسوتهم ورزقهم. وعن أبي أمامة مما رواه ابن أبي حاتم بسنده قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن النساء السفهاء إلا التي أطاعت قيمها" وعنده أيضًا عن أبي هريرة {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} قال: الخدم وهم شياطين الإنس. وعند ابن جرير عن أبي موسى: ثلاثة يدعون الله فلا يستجيب لهم: رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل أعطى ماله سفيهًا وقد قال: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}، ورجل كان له دين على رجل فلم يشهد عليه. وقال الطبري: الصواب عندنا أنها عامة في حق كل سفيه (والحجر في ذلك) بالجر عطفًا على إضاعة المال أي: والحجر في السفه. والحجر في اللغة المنع وفي الشرع المنع من التصرفات المالية والأصل فيه {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح} [النساء: 6] الآية. وقوله تعالى: {فإن كان الذي عليه الحق سفيهًا أو ضعيفًا} [البقرة: 282] الآية. وقال ابن كثير في تفسيره: ويؤخذ الحجر على السفهاء من هذه الآية يعني قوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}. والحجر نوعان: نوع شرع لمصلحة الغير كالحجر على المفلس للغرماء والراهن للمرتهن في المرهون والمريض للورثة فى ثلثي ماله والعبد لسيده والمكاتب لسيده ولله تعالى والمرتد للمسلمين. ونوع شرع لمصلحة المحجور عليه وهو ثلاثة:

حجر الجنون والصبا والسفه وكلٍّ منها أعمّ مما بعده. (وما ينهى عن الخداع) في البيع وهو عطف على سابقه أيضًا. 2407 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي أُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ، فَقَالَ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خِلاَبَةَ. فَكَانَ الرَّجُلُ يَقُولُهُ". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عبد الله بن دينار) أنه قال (سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رجل) هو حبان بن منقذ أو والده منقذ بن عمرو (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إني أخدع) بضم الهمزة وسكون الخاء المعجمة وفتح الدال آخره عين مهملتين أي أغبن (في البيوع، فقال) عليه الصلاة والسلام له: (إذا بايعت فقل لا خلابة) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام وبعد الألف موحدة أي لا خديعة (فكان الرجل يقوله) وهذه واقعة عين وحكاية حال فمذهب الحنفية والشافعية أن الغبن غير لازم سواء قل الغبن أو أكثر وهو الأصح من روايتي مالك. وقال البغداديون من أصحابه: للمغبون الخيار بشرط أن يبلغ الغبن ثلث القيمة وإن كان دونه فلا وكذا قاله بعض الحنابلة. وهذا الحديث قد سبق في باب ما يكره من الخداع في البيع من كتاب البيوع، ومطابقته لما ترجم له هنا من حيث إن الرجل كان يغبن في البيوع وهو من إضاعة المال. 2408 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ. وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (عثمان) بن أبي شببة قال (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن وراد) بتشديد الراء الكوفي (مولي المغيرة بن شعبة) وكاتبه (عن المغيرة بن شعبة) بن مسعود الثقفي الصحابي المشهور أسلم قبل الحديبية وولي إمرة البصرة ثم الكوفة المتوفى سنة خمسين على الصحيح أنه قال: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الله) عز وجل (حرم عليكم عقوق الأمهات) وكذا حرم عقوق الآباء وخص الأمهات بالذكر لأن برهن مقدم على بر الأب في التلطف والحنو لضعفهن فهو من تخصيص الشيء بالذكر إظهارًا لتعظيم موقعه (ووأد) بفتح الواو وسكون الهمزة دفن (البنات) أحياء حين يولدن وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهية فيهن وقيل: إن أول من فعل ذلك قيس بن عاصم التميمي وكان بعض أعدائه أغار عليه فأسر ابنته فاتخذها لنفسه ثم حصل بينهم صلح فخيّر ابنته فاختارت زوجها فآلى قيس على نفسه أن لا تولد له بنت إلا دفنها حيّة فتبعه العرب على ذلك (ومنع) بفتحات بغير صرف، ولأبي ذر: ومنعًا بسكون النون مع تنوين العين أي وحرم عليكم منع الواجبات من الحقوق (وهات) بالبناء على الكسر فعل أمر من الإيتاء أي وحرم أخذ ما لا يحل من أموال الناس أو يمنع الناس رفده ويأخذ رفدهم (وكره لكم قبل) كذا (وقال) فلان كذا مما يتحدث به من فضول الكلام (وكثرة السؤال) في العلم للامتحان وإظهار المراء أو مسألة الناس أموالهم أو عما لا يعني وربما يكره المسؤول الجواب فيفضي إلى سكوته فيحقد عليهم أو يلتجئ إلى أن يكذب، وعد منه قول الرجل لصاحبه أين كنت، وأما السائل المنهي عنها في زمنه عليه الصلاة والسلام فكان ذلك خوف أن يفرض عليهم ما لم يكن فرضًا وقد أمنت الغائلة (و) كره أيضًا (إضاعة المال) السرف في إنفاقه كالتوسع في الأطعمة اللذيذة والملابس الحسنة وتمويه الأوافي والسقوف بالذهب والفضة لما ينشأ عن ذلك من القسوة وغلظ الطبع. وقال سعيد بن جبير إنفاقه في الحرام والأقوى أنه ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعًا سواء كانت دينية أو دنيوية فمنع منه لأن الله تعالى جعل المال قيامًا لمصالح العباد وفي تبذيرها تفويت تلك المصالح إما في حق مضيعها وإما في حق غيره، ويستثنى من ذلك كثرة إنفاقه في وجوه البر لتحصيل ثواب الآخرة ما لم يفوت حقًا أخرويًّا هو أهم منه. والحاصر أن في كثرة الإنفاق ثلاثة أوجه: الأول: إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعًا فلا شك في منعه. والثاني: إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعًا فلا ريب في كونه مطلوبًا بالشرط المذكور. والثالث: إنفاقه في المباحات بالأصالة كملاذ النفس فهذا ينقسم إلى قسمين. أحدهما: أن يكون على وجه يليق بحال المنفق وبقدر ماله فهذا ليس بإسراف. والثاني:

20 - باب العبد راع في مال سيده، ولا يعمل إلا بإذنه

ما لا يليق به عرفًا وهو ينقسم أيضًا إلى قسمين: ما يكون لدفع مفسدة ناجزة أو متوقعة فليس هذا بإسراف، والثاني: ما لا يكون في شيء من ذلك والجمهور علي أنه إسراف. وذهب بعض الشافعية إلى أنه ليس بإسراف قال لأنه تقوم به مصلحة البدن وهو غرض صحيح إذا كان في غير معصية فهو مباح. قال ابن دقيق العيد: وظاهر القرآن يمنع ما قاله اهـ. وقد صرّح بالمنع القاضي حسين، وتبعه الغزالي وجزم به الرافعي وصحح في باب الحجر من الشرح، وفي المحرر أنه ليس بتبذير، وتبعه النووي والذي يترجح أنه ليس مذمومًا لذاته لكنه يفضي غالبًا إلى ارتكاب المحذور كسؤال الناس وما أدّى إلى المحذور فهو محذور. ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون ومنصور وشيخه وشيخ شيخه تابعيون، وسبق في باب قول الله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافًا} [البقرة: 273] من كتاب الزكاة. 20 - باب الْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ، وَلاَ يَعْمَلُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ هذا (باب) بالتنوين (للعبد راعٍ في مال سيده ولا يعمل إلا بإذنه). 2409 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: فَالإِمَامُ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ، وَهْيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. قَالَ: فَسَمِعْتُ هَؤُلاَءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله عن) أبيه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقول): (كلكم راعٍ و) كل راعٍ (مسؤول عن رعيته) أصل راعٍ راعي بالياء فأعلّ إعلال قاضٍ من رعى يرعى وهو حفظ الشيء وحسن التعهد له، والراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه فكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته فإن وفى ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر والجزاء الأكبر وإن كان غير ذلك طالبه كل أحد من رعيته بحقه ثم فصل ما أجمله فقال: (فالإمام) الأعظم أو نائبه (راعٍ) فيما استرعاه الله فعليه حفظ رعيته فيما تعين عليه من حفظ شرائعهم والذبّ عنها وعدم إهمال حدودهم وتضييع حقوقهم وترك حمايتهم ممن جار عليهم ومجاهدة عدوّهم فلا يتصرف فيهم إلا بإذن الله ورسوله ولا يطلب أجره إلا من الله (وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في أهله) زوجته وغيرها (راعٍ) بالقيام عليهم بالحق في النفقة وحسن العاشرة (وهو مسؤول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية) بحسن التدبير في أمر بيته والتعهد لخدمه وأضيافه (وهي مسؤولة عن رعيتها والخادم) أي العبد (في مال سيده راعٍ) بالقيام بحفظ ما في يده منه وخدمته وسقط من رواية أبي ذر قوله راع (وهو مسؤول عن رعيته قال) ابن عمر: (فسمعت هؤلاء من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأحسب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال والرجل في مال أبيه راعٍ وهو مسؤول عن رعبته فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته). قال الطيبي: الفاء في فكلكم جواب شرط محذوف الفذلكة وهي التي يأتي بها الحاسب بعد التفصيل ويقول فذلك كذا وكذ ضبطًا للحساب وتوقيًا عن الزيادة والنقصان فيما فصله وقوله: "كلكم راعٍ" تشبيه مضمر الأداة أي كلكم مثل الراعي، وكلكم مسؤول عن رعيته حال عمل فيه معنى التشبيه وهذا مطّرد في التفصيل. ووجه التشبيه حفظ الشيء وحسن التعهد لما استحفظه وهو القدر المشترك في التفصيل، وفيه أن الراعي ليس مطلوبًا لذاته وإنما أقيم بحفظ ما استرعاه انتهى. فمن لم يكن إمامًا ولا أهل له ولا سيد ولا أب فرعايته على أصدقائه وأصحاب معاشرته، وإذا كان كلٌّ منّا راعيًا فمن الرعية أجاب الكرماني أعضاؤه وجوارحه وقواه وحواسه أو الراعي يكون مرعيًّا باعتبار آخر ككونه مرعيًّا للإمام راعيًا لأهله أو الخطاب خاص بأصحاب التصرفات. وهذا الحديث قد سبق في باب الجمعة في القرى والمدن من كتاب الجمعة. بسم الله الرحمن الرحيم 44 - كتاب في الخصومات (في الخصومات) جمع خصومة (بسم الله الرحمن الرحيم) وسقط لغير أبي ذر قوله في الخصومات. 1 - باب مَا يُذْكَرُ فِي الإِشْخَاصِ، وَالْخُصُومَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْيَهُودِ (باب ما يذكر) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول (في الأشخاص) بكسر الهمزة وسكون الشين وبالخاء المعجمتين أي إحضار الغريم من موضع إلى موضع، ولأبي ذر زيادة: والملازمة وهي مفاعلة

من اللزوم والمراد أن يمنع الغريم غريمه من التصرف حتى يعطيه حقه (و) ما يذكر في (الخصومة بين المسلم واليهود) ولأبي ذر والأصيلي: واليهودي بالإفراد. 2410 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ أَخْبَرَنِي قَالَ: سَمِعْتُ النَّزَّالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ: "سَمِعْتُ رَجُلاً قَرَأَ آيَةً سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خِلاَفَهَا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَأَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ. قَالَ شُعْبَةُ أَظُنُّهُ قَالَ: لاَ تَخْتَلِفُوا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا". [الحديث 2410 - طرفاه في: 3408، 3414، 3476، 4813، 5063، 6517، 7428، 7477]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال عبد الملك بن ميسرة) الهلالي الكوفي التابعي الزرّاد بزاي فراء مشددة (أخبرني) هو من تقديم الراوي على الصيغة وهو جائز عندهم (قال: سمعت النزال) بتشديد النون والزاي زاد أبو ذر عن الكشميهني ابن سبرة بفتح السين المهملة وسكون الموحدة الهلالي التابعي الكبير وذكره بعضهم في الصحابة لإدراكه، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث عن ابن مسعود وآخر في الأشربة عن عليّ قال: (سمعت عبد الله) يعني ابن مسعود -رضي الله عنه- (يقول: سمعت رجلاً) قال الحافظ ابن حجر في المقدمة: لم أعرف اسمه، وقال في الفتح: يحتمل أن يفسر بعمر -رضي الله عنه- (قرأ آية) في صحيح ابن حبان أنها من سورة الرحمن (سمعت من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلافها فأخذت بيده فأتيت به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في روايته عن آدم بن أبي إياس في بني إسرائيل فأخبرته فعرفت في وجهه الكراهية (فقال) عليه الصلاة والسلام: (كلاكما محسن) فإن قلت: كيف يستقيم هذا القول مع إظهار الكراهية؟ أجيب: بأن معنى الإحسان راجع إلى ذلك الرجل لقراءته وإلى ابن مسعود لسماعه من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم تحرّيه في الاحتياط والكراهة راجعة إلى جداله مع ذلك الرجل كما فعل عمر بهشام كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى لأن ذلك مسبوق بالاختلاف، وكان الواجب عليه أن يقرّه على قراءته ثم يسأل عن وجهها. وقال المظهري: الاختلاف في القرآن غير جائز لأن كل لفظ منه إذا جاز قراءته على وجهين أو أكثر فلو أنكر أحد واحدًا من ذينك الوجهين أو الوجوه فقد أنكر القرآن، ولا يجوز في القرآن القول بالرأي لأن القرآن سُنّة متّبعة بل عليهما أن يسألا عن ذلك ممن هو أعلم منهما. (قال شعبة) بن الحجاج بالسند السابق (أظنه قال): (لا تختلفوا) أي في القرآن وفي معجم البغوي عن أبي جهيم بن الحرث بن الصمة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فلا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر (فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا) وسقط لأبي الوقت عن الكشميهني لفظ كان. ومطابقة الحديث للترجمة قال العيني في قوله: لا تختلفوا لأن الاختلاف الذي يورث الهلاك هو أشد الخصومة. وقال الحافظ ابن حجر في قوله فأخذت بيده فأتيت به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: فإنه المناسب للترجمة انتهى. فهو شامل للخصومة وللأشخاص الذي هو إحضار الغريم من موضع إلى آخر والله أعلم". 2411 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "اسْتَبَّ رَجُلاَنِ: رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، قَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ، فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَطَمَ وَجْهَ الْيَهُودِيِّ، فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ، فَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُسْلِمَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَصْعَقُ مَعَهُمْ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ جَانِبَ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحات قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني نزيل بغداد ثقة حجة تكلم فيه بلا قادح وأحاديثه عن الزهري مستقيمة روى له الجماعة (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (وعبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج) كلاهما (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: استب رجلان رجل من المسلمين) هو أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- كما أخرجه سفيان بن عيينة في جامعه وابن أبي الدنيا في كتاب البعث لكن في تفسير سورة الأعراف من حديث أبي سعيد الخدري التصريح بأنه من الأنصار فيحمل على تعدد القصة (ورجل من اليهود) زعم ابن بشكوال أنه فنحاص بكسر الفاء وسكون النون وبمهملتين وعزاه لابن إسحاق قال في الفتح: والذي ذكره ابن إسحاق لفنحاص مع أبي بكر قصة أخرى عند نزول قوله تعالى: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء} [آل عمران: 181] (قال المسلم) أبو بكر -رضي الله عنه- أو غيره ولأبي ذر فقال المسلم: (والذي اصطفى محمدًا على العالمين فقال اليهودي والذي اصطفى موسى على العالمين) وفي

رواية عبد الله بن الفضل بينما يهودي يعرض سلعته أعطي بها شيئًا كرهه فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر (فرفع المسلم يده عند ذلك) أي عند سماع قول اليهودي والذي اصطفى موسى على العالمين لما فهمه من عموم لفظ العالمين فيدخل فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد تقرر عند المسلم أن محمدًا أفضل (فلطم وجه اليهودي) عقوبة له على كذبه عنده (فذهب اليهودي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسلم فسأله عن ذلك فأخبره) وفي رواية عبد الله بن الفضل فقال اليهودي: يا أبا القاسم إن لي ذمةً وعهدًا فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال: لِمَ لطمت وجهه فذكره فغضب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى ريء في وجهه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تخيروني على موسى) تخييرًا يؤدي إلى تنقيصه أو تخييرًا يفضي بكم إلى الخصومة أو قاله تواضعًا أو قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم (فإن الناس يصعقون) بفتح العين من صعق بكسرها إذا أغمي عليه من الفزع (يوم القيامة فأصعق معهم فأكون أول من يفيق) لم يبين في رواية الزهري محل الإفاقة من أيّ الصعقتين، ووقع في رواية عبد الله بن الفضل فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من يشاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث (فإذا موسى باطش جانب العرش) آخذ بناحية منه بقوّة (فلا أدري كان) بهمزة الاستفهام ولأبي الوقت كان (فيمن صعق فأفاق قبلي) فيكون ذلك له فضيلة ظاهرة (أو كان ممن استثنى الله) في قوله تعالى: {فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله} [الزمر: 68] فلم يصعق فهي فضيلة أيضًا. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التوحيد وفي الرقاق ومسلم في الفضائل وأبو داود في السنة والنسائي في النعوت. 2412 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ جَاءَ يَهُودِيٌّ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ ضَرَبَ وَجْهِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِكَ. فَقَالَ: مَنْ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ: ادْعُوهُ. فَقَالَ: أَضَرَبْتَهُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ بِالسُّوقِ يَحْلِفُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، قُلْتُ: أَىْ خَبِيثُ، عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ ضَرَبْتُ وَجْهَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ، أَمْ حُوسِبَ بِصَعْقَةِ الأُولَى". [الحديث 2412 - أطرافه في: 3398، 4638، 6916، 6917، 7427]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بالتصغير ابن خالد قال: (حدّثنا عمرو بن يحيى) بفتح العين وسكون الميم (عن أبيه) يحيى بن عمارة الأنصاري (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال: بينما) بالميم ولأبوي ذر والوقت: بينا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس جاء يهودي) قيل اسمه فنحاص كما مرّ (فقال: يا أبا القاسم ضرب وجهي رجل من أصحابك فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من؟ قال) اليهودي: ضربني (رجل من الأنصار) سبق أنه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- وهو معارض بقوله هنا من الأنصار فيحمل الأنصار على المعنى الأعم أو على التعدد (قال) عليه الصلاة والسلام (ادعوه) فدعوه فحضر (فقال) له عليه الصلاة والسلام: (أضربته؟ قال): نعم (سمعته بالسوق يحلف والذي اصطفى موسى على البشر) ولأبي ذر عن الكشميهني: على النبيين (قلت: أي) حرف نداء أي يا (خبيث) أأصطفي موسى (على محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)؟ استفهام إنكاري (فأخذتني غضبة ضربت وجهه، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تخيروا بين الأنبياء) تخيير تنقيص وإلا فالتفضيل بينهم ثابت قال تعالى: {ولقد فضّلنا بعض النبيين على بعض} [الإسراء: 55] و {تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض} [البقرة: 253] (فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أوّل من تنشق عنه الأرض) أي أوّل من يخرج من قبره قبل الناس أجمعين من الأنبياء وغيرهم (فإذا أنا بموسى) هو (آخذ بقائمة من قوائم العرش) أي بعمود من عمده (فلا أدري أكان فيمن صعق) أي فيمن غشي عليه من نفخة البعث فأفاق قبلي (أم حوسب بصعقة) الدار (الأولى) وهي صعقة الطور المذكور في قوله تعالى: {وخرّ موسى صعقًا} [الأعراف: 143] ولا منافاة بين قوله في الحديث السابق أو كان ممن استثنى الله وبين قوله هنا: أم حوسب بصعقه الأولى لأن المعنى لا أدري أي هذه الثلاثة كانت من الإفاقة أو الاستثناء أو المحاسبة. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله عليه الصلاة والسلام (ادعوه) فإن المراد به إشخاصه بين يديه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. والحديث أخرجه المؤلّف في التفسير

2 - باب من رد أمر السفيه والضعيف العقل، وإن لم يكن حجر عليه الإمام

والدّيات وأحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والتوحيد، ومسلم في أحاديث الأنبياء، وأبو داود في السُّنّة مختصرًا لا تخيروا بين الأنبياء. 2413 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ. قِيلَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكِ، أَفُلاَنٌ أَفُلاَنٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ فَأَوْمَتْ بِرَأْسِهَا، فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ". [الحديث 2413 - أطرافه في: 2746، 5295، 6876، 6877، 6879، 6884، 6885]. وبه قال: (حدّثنا موسى) هو ابن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا همّام) هو ابن يحيى بن دينار البصري (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه- أن يهوديًّا رضَّ) بتشديد الضاد المعجمة أي دق (رأس جارية) لم تسم هي ولا اليهودي. نعم في رواية أبي داود أنها كانت من الأنصار (بين حجرين) وعند الطحاوي عدا يهودي في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على جارية فأخذ أوضاحًا كانت عليها ورضخ رأسها والأرضاح نوع من الحلي يعمل من الفضة، ولمسلم فرضح رأسها بين حجرين، وللترمذي خرجت جارية عليها أوضاح فأخذها يهودي فرضح رأسها وأخذ ما عليها من الحلي قال: فأدركت وبها رمق فأتي بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قيل): (من فعل هذا) الرض (بك أفلان) فعله؟ استفهام استخباري (أفلان) فعله قاله مرتين وفائدته أن يعرف المتهم ليطالب (حتى سمى) القائل (اليهودي) ولغير أبي ذر: حتى سمي بضم السين وكسر الميم مبنيًّا للمفعول اليهودي بالرفع نائب عن الفاعل (فأومت) ولأبي ذر: فأومأت بهمزة بعد الميم أي أشارت (برأسها) أي نعم (فأخذ اليهودي) بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة واليهودي رفع (فاعترف) أنه فعل بها ذلك (فأمر به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرضّ رأسه بين حجرين) احتجّ به المالكية والشافعية والحنابلة والجمهور على أن من قتل بشيء يقتل بمثله وعلى أن القصاص لا يختص بالمحدّد بل يثبت بالمثقل خلافًا لأبي حنيفة حيث قال: لا قصاص إلا في القتل بمحدد، وتمسك المالكية بهذا الحديث لمذهبهم في ثبوت القتل على المتهم بمجرد قول المجروح وهو تمسك باطل لأن اليهودي اعترف كما ترى وإنما قتل باعترافه قال النووي. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الوصايا والدّيات، ومسلم في الحدود، وابن ماجة في الدّيات. 2 - باب مَنْ رَدَّ أَمْرَ السَّفِيهِ وَالضَّعِيفِ الْعَقْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَرَ عَلَيْهِ الإِمَامُ وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَدَّ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ قَبْلَ النَّهْيِ، ثُمَّ نَهَاهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ وَلَهُ عَبْدٌ لاَ شَىْءَ لَهُ غَيْرُهُ فَأَعْتَقَهُ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ. (باب من ردّ أمر السفيه) السفه ضد الرشد الذي هو صلاح الدين والمال (و) أمر (الضعيف العقل) وهو أعمّ من السفيه (وإن لم يكن حجر عليه الإمام) وهذا مذهب ابن القاسم وقصره أصبغ على من ظهر سفهه، وقال الشافعية: لا يرد مطلقًا إلا ما تصرف بعد الحجر. (ويذكر) بضم أوّله وفتح ثالثه (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ردّ على المتصدق) المحتاج لما تصدق به (قبل النهي ثم نهاه) أي عن مثل هذه الصدقة بعد ذلك، ومراده ما رواه عبد ابن حميد موصولاً في مسنده من طريق محمود بن لبيد عن جابر في قصة الذي أتى بمثل البيضة من ذهب أصابها في معدن فقال: يا رسول الله خذها مني صدقة فوالله ما لي مال غيرها فأعرض عنه فأعاد فحذفه بها ثم قال: "يأتي أحدكم بماله لا يملك غيره فيتصدّق به ثم يقعد بعد ذلك يتكفف الناس إنما الصدقة عن ظهر غنى" ورواه أبو داود وصححه ابن خزيمة كذا قاله ابن حجر في المقدمة، وزاد في الشرح: ثم ظهر لي أن البخاري إنما أراد قصة الذي دبر عبده فباعه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما قاله عبد الحق وإنما لم يجزم بل عبر بصيغة التمريض لأن القدر الذي يحتاج إليه في الترجمة ليس على شرطه وهو من طريق أبي الزبير عن جابر أنه قال: أعتق رجل من بني عذرة عبدًا له عن دبر فبلغ ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "ألك مال غيره" فقال: لا. الحديث وفيه ثم قال ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك" الحديث. وهذه الزيادة تفرّد بها أبو الزبير وليس هو من شرط البخاري والبخاري لا يجزم غالبًا إلا بما كان على شرطه. (وقال مالك) الإمام الأعظم مما أخرجه ابن وهب في الموطأ عنه (إذا كان لرجل على رجل مال وله عبد لا شيء له غيره فأعتقه لم يجز عتقه) وهذا استنبطه من قصة المدبر السابقة. 3 - باب مَنْ بَاعَ عَلَى الضَّعِيفِ وَنَحْوِهِ فَدَفَعَ ثَمَنَهُ إِلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِالإِصْلاَحِ وَالْقِيَامِ بِشَأْنِهِ فَإِنْ أَفْسَدَ بَعْدُ مَنَعَهُ، لأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ، وَقَالَ لِلَّذِي يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ، وَلَمْ يَأْخُذِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَالَهُ (ومن باع) بواو العطف على سابقه ولأبوي ذر والوقت: باب من باع (على الضعيف) العقل (ونحوه)

وهو السفيه (فدفع) وللأبوين: ودفع (ثمنه إليه وأمره بالإصلاح والقيام بشأنه) وهذا حاصل ما فعله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيع المدبر (فإن أفسد بعد) بالضم أي فإن أفسد الضعيف العقل بعد ذلك (منعه) من التصرف (لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن إضاعة المال) كما مر قريبًا (وقال) عليه السلام (للذي يخدع في البيع) أي يغبن فيه (إذا بايعت فقل لا خلابة) كما مرّ أيضًا (ولم يأخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ماله) أي مال الرجل الذي باع غلامه لأنه لم يظهر عنده سفهه حقيقة إذ لو ظهر لمنعه من أخذه. 2414 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ رَجُلٌ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خِلاَبَةَ، فَكَانَ يَقُولُهُ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد العزيز بن مسلم) القسملي المروزي ثم البصري قال: (حدّثنا عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان رجل) اسمه حبان بن منقذ الأنصاري الصحابي ابن الصحابي المازني (يخدع في البيع) وكان قد شج في بعض مغازيه مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحجر من بعض الحصون فأصابته في رأسه مأمومة فتغير بها لسانه وعقله ولكنه لم يخرج عن التمييز (فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد أن شكا إليه ما يلقى من الغبن. (إذا بايعت فقل لا خلابة) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام أي لا خديعة (فكان يقوله) وعند الدارقطني فجعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له الخيار فيما يشتريه ثلاثًا فلو كان الغبن مثبتًا للخيار إلى اشتراط الخيار ثلاثًا ولا احتاج أيضًا إلى قوله "لا خلابة" فهي واقعة عين وحكاية حال مخصوصة بصاحبها لا تتعداه إلى غيره. وفي الترمذي من حديث أنس أن رجلاً كان في عقدته ضعف وكان يبايع وأن أهله أتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: يا رسول الله احجر عليه فدعاه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنهاه، فقال: يا رسول الله إني لا أصبر عن البيع فقال: "إذا بايعت فقل هاء ولا خلابة". واستدلّ به الشافعي وأحمد على حجر السفيه الذي لا يحسن التصرف، ووجه ذلك أنه لا طلب أهله إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحجر عليه دعاه فنهاه عن البيع وهذا هو الحجر. وقال الترمذي: وفي الباب عن ابن عمر حديث أنس حسن صحيح غريب والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم وقالوا: يحجر على الرجل الحر في البيع والشراء إذا كان ضعيف العقل، وهو قول أحمد وإسحاق ولم ير بعضهم أن يحجر على الحر البالغ انتهى. وهو قول الحنفية. وسبق هذا الحديث في باب ما يكره من الخداع في البيع في كتاب البيوع. 2415 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَرَدَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَابْتَاعَهُ مِنْهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ". وبه قال: (حدّثنا عاصم بن علي) الواسطي قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير التيمي المدني (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه- أن رجلاً) من الصحابة يسمى بأبي مذكور (أعتق عبدًا له) يقال له يعقوب (ليس له مال غيره) وأطلق العتق هنا وقيده في الرواية السابقة بقوله عن دبر فيحمل المطلق على المقيد جميعًا بين الحديثين (فردّه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تدبيره (فابتاعه منه) أي ابتاع العبد من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثمانمائة درهم (نعيم بن النحام) بنون مفتوحة وحاء مهملة مشددة، وقوله ابن النحام وقع كذلك في مسند أحمد وفي الصحيحين وغيرهما، لكن قال النووي قالوا وهو غلط وصوابه فاشتراه النحام فإن المشتري هو نعيم وهو النحام سمي بذلك لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "دخلت الجنة فسمعت فيها نحمة لنعيم" والنحمة الصوت، وقيل هو السعلة، وقيل النحنحة. ونعيم هذا قرشي من بني عدي أسلم قديمًا قبل إسلام عمر، وكان يكتم إسلامه. قال مصعب الزبيري: كان إسلامه قبل عمر، ولكنه لم يهاجر إلا قبيل فتح مكة وذلك لأنه كان ينفق على أرامل بني عدي وأيتامهم فلما أراد أن يهاجر قال له قومه أقم ودن بأي دين شئت. وقال الزبير ذكروا أنه لما قدم المدينة قال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا نعيم إن قومك كانوا خيرًا لك من قومي" قال: بل قومك خير يا رسول الله قال: "إن قومي أخرجوني وإن قومك أقرّوك" فقال نعيم: يا رسول الله إن قومك أخرجوك إلى الهجرة وإن قومي حبسوني عنها انتهى. فإن قلت: ما وجه

4 - باب كلام الخصوم بعضهم في بعض

المناسبة بين الترجمة وما ساقه معها؟ فالجواب ما قاله ابن المنير وهو أن العلماء اختلفوا في سفيه الحال قبل الحكم هل تردّ عقوده، واختلف قول مالك في ذلك واختار البخاري ردّها، واستدلّ بحديث المدبر وذكر قول مالك في ردّ عتق المديان قبل الحجر إذا أحاط الدين بماله ويلزم مالكًا ردّ أفعال سفيه الحال لأن الحجر في المديان والسفيه مطّرد، ثم فهم البخاري أنه يردّ عليه حديث الذي يخدع فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اطّلع على أنه يخدع وأمضى أفعاله الماضية والمستقبلة فنبّه على أن الذي ترد أفعاله هو الظاهر السفه البيّن الإضاعة كإضاعة صاحب المدبر وأن المخدوع في البيوع يمكنه الاحتراز، وقد نبّهه الرسول على ذلك ثم فهم أنه يرد عليه كون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطى صاحب المدبر ثمنه ولو كان بيعه لأجل السفه لما سلم إليه الثمن فنبّه على أنه إنما أعطاه بعد أن أعلمه طريق الرشد وأمره بالإصلاح والقيام بشأنه وما كان السفه حينئذٍ فسقًا وإنما كان لشيء من الغفلة وعدم البصيرة بمواقع المصالح فلما بيّنها كفاه ذلك ولو ظهر للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك أنه لم يهتد ولم يرشد لمنعه التصرف مطلقًا وحجر عليه. 4 - باب كَلاَمِ الْخُصُومِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ (باب كلام الخصوم بعضهم في بعض) أي فيما لا يوجب حدًّا ولا تعزيرًا. 2416، 2417 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. قَالَ فَقَالَ الأَشْعَثُ: فِيَّ وَاللَّهِ كَانَ ذَلِكَ. كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ أَرْضٌ، فَجَحَدَنِي، فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: احْلِفْ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذًا يَحْلِفَ وَيَذْهَبَ بِمَالِي. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} إِلَى آخِرِ الآيَةِ". وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام كما ذكره أبو نعيم وخلف قال: (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاي الضرير (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن شقيق) أبي وائل هو ابن سلمة الأسدي الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من حلف على يمين) أي محلوف يمين أو على شيء بيمين (وهو فيها) أي والحال أنه فيها (فاجر) كاذب (ليقتطع بها) أي باليمين الفاجرة (مال امرئ مسلم) أو ذمي والتقييد بالمسلم جرى على الغالب كما جرى على الغالب في تقييده بمال وإلا فلا فرق بين المسلم والذمي والمعاهد وغيرهم ولا بين المال وغيره في ذلك لأن الحقوق كلها في ذلك سواء ومعنى اقتطاعه المال أن يأخذه بغير حقه بل بمجرد يمينه المحكوم بها في ظاهر الشرع (لقي الله) عز وجل يوم القيامة (وهو عليه غضبان) جملة اسمية وقعت حالاً والغضب من المخلوقين شيء يداخل قلوبهم ولا يليق أن يوصف الباري تعالى بذلك فيؤول ذلك على ما يليق به تعالى فيحمل على آثاره ولوازمه، فيكون المراد أن يعامله معاملة المغضوب عليه فيعذبه بما شاء من أنواع العذاب (قال: فقال الأشعث) بن قيس الكندي (فيّ والله كان ذلك كان بيني وبين رجل من اليهود) اسمه الجفشيش بالجيم المفتوحة والشينين المعجمتين بينهما تحتية ساكنة على الأشهر، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: كان بين رجل وبيني (أرض) ولمسلم أرض باليمين وفي باب الخصومة في البئر كانت لي بئر في أرض (فجحدني فقدّمته إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ألك بينة) أي تشهد لك باستحقاقك ما ادّعيته قال الأشعث (قلت لا) بيّنة لي (قال: فقال) عليه الصلاة والسلام (لليهودي: احلف قال) الأشعث: (قلت يا رسول الله إذًا يحلف) بالنصب بإذًا (ويذهب بمالي) بنصب يذهب عطفًا على سابقه وهذا موضع الترجمة فإنه نسبه إلى الحلف الكاذب لأنه أخبر بما كان يعلمه منه (فأنزل الله تعالى {إن الذين يشترون}) أي يستبدلون ({بعهد الله}) بما عاهدوا الله عليه الإيمان بالرسول والوفاء بالأمانات ({وأيمانهم}) وبما حلفوا عليه ({ثمنًا قليلاً}) [آل عمران: 7] متاع الدنيا (إلى آخر الآية) فى سورة آل عمران أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله أي بما يسرهم ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم، وقيل نزلت في أحبار حرّفوا التوراة وبدّلوا نعت محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحكم الأمانات وغيرهما وأخذوا على ذلك رشوة، وقيل نزلت في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد اشتراها بما لم يشتر به. وقد سبق هذا الحديث في المساقاة. 2418 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ كَعْبٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى: يَا كَعْبُ قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا -فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَىِ الشَّطْرَ- قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: قُمْ فَاقْضِهِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي بفتح النون قال: (حدّثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي

البصري وأصله من بخارى قال: (أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت: حدّثنا (يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عبد الله بن كعب بن مالك عن) أبيه (كعب -رضي الله عنه- أنه تقاضى ابن أبي حدرد) بفتح الحاء وسكون الدال المهملتين ثم راء مفتوحة ثم دال مهملة قال الجوهري: ولم يأتِ من الأسماء على قعلع بتكرير العين غير حدرد واسمه عبد الله الأسلمي (دينًا) وعند الطبراني أنه كان أوقيتين (كان له عليه في المسجد) متعلق بتقاضى (فارتفعت أصواتهما حتى سمعها) أي الأصوات (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في بيته فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته) بكسر السين المهملة وسكون الجيم وبالفاء أي سترها أو هو أحد طرفي الستر المفرج (فنادى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يا كعب قال) كعب (لبيك يا رسول الله قال) عليه الصلاة والسلام (ضع من دينك هذا فأومأ) بالفاء أي أشار ولأبي ذر وأومأ (إليه أي) ضع (الشطر) أي ضع النصف (قال) كعب (لقد فعلت يا رسول الله) عبّر بالماضي مبالغة في امتثال الأمر (قال) عليه الصلاة والسلام لابن أبي حدرد: (قم فاقضه) الشطر الآخر. ومطابقة الترجمة في قوله فارتفعت أصواتهما مع قوله في بعض طرق الحديث فتلاحيا فإن ذلك يدل على أنه وقع بينهما ما يقتضي ذلك. وهذا الحديث قد سبق في باب التقاضي والملازمة في المسجد من كتاب الصلاة. 2419 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْرَأَنِيهَا، وَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ، ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا، فَقَالَ لِي: أَرْسِلْهُ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: اقْرَأْ فَقَرَأَ. قَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ. ثُمَّ قَالَ لِي: اقْرَأْ. فَقَرَأْتُ. فَقَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ. إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ". [الحديث 2419 - أطرافه في: 4992، 5041، 6936، 7550]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة ابن أنس الأصبحي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عبد الرحمن بن عبد) بالتنوين غير مضاف لشيء (القاريّ) بتشديد التحتية نسبة إلى القارة بطن من خزيمة بن مدركة وليس منسوبًا إلى القراءة، وكان عبد الرحمن هذا من كبار التابعين وذكر في الصحابة لكونه أُتي به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو صغير كما أخرجه البغوي في معجم الصحابة بإسناد لا بأس به (أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام) بالحاء المهملة والزاي الأسدي وله ولأبيه صحبة وأسلما يوم الفتح (يقرأ سورة الفرقان) وغلط من قال سورة الأحزاب (على غير ما أقرؤها وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقرأنيها وكدت أن أعجل عليه) بفتح الهمزة وسكون العين وفتح الجيم، ولأبي ذر في نسخة: أن أعجل عليه بضم الهمزة وفتح العين وتشديد الجيم المكسورة أي أن أخاصمه وأظهر بوادر غضبي عليه (ثم أمهلته حتى انصرف). قال العيني كالكرماني: أي من القراءة انتهى. وفيه نظر فإن في الفضائل في باب أنزل القرآن على سبعة أحرف من رواية عقيل عن ابن شهاب فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فيكون المراد هنا حتى انصرف من الصلاة (ثم لببته) بتشديد الموحدة الأولى وسكون الثانية (بردائه) جعلته في عنقه وجررته به لئلا ينفلت وإنما فعل ذلك به اعتناء بالقرآن وذبًّا عنه ومحافظة على لفظه كما سمعه من غير عدول إلى ما تجوّزه العربية مع ما كان عليه من الشدة في الأمر بالمعروف، (فجئت به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية عقيل عن ابن شهاب فانطلقت به أقوله إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقلت إني سمعت هذا يقرأ) زاد عقيل سورة الفرقان (على غير ما أقرأتنيها فقال) عليه الصلاة والسلام (لي): (أرسله) أي أطلق هشامًا لأنه كان ممسوكًا معه (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (له) أي لهشام: (اقرأ فقرأ) زاد عقيل القراءة التي سمعته يقرأ (قال) عليه الصلاة والسلام: (هكذا أنزلت) قال عمر (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (لي: اقرأ فقرأت) كما أقرأني (فقال) عليه الصلاة والسلام: (هكذا أنزلت) ثم قال عليه الصلاة والسلام تطييبًا لعمر لئلا ينكر تصويب الشيئين المختلفين (إن القرآن أنزل على سبعة أحرف) أي أوجه من الاختلاف وذلك إما في الحركات بلا تغيير في المعنى والصورة نحو البخل ويحسب بوجهين أو بتغيير في المعنى فقط نحو: {فتلقى آدم من ربه كلمات} [البقرة: 37]

5 - باب إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت بعد المعرفة وقد أخرج عمر أخت أبي بكر حين ناحت

واذكر بعد أمة وأمه. وإما في الحروف بتغيير المعنى لا الصورة نحو: تبلو ونبلو وننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك وننجيك أو عكس ذلك نحو: بسطة وبصطة والسراط والصراط أو بتغييرهما نحو: أشد منكم ومنهم ويأتل ويتأل، وفامضوا إلى ذكر الله، وإما في التقديم والتأخير نحو: فيقتلون ويقتلون وجاءت سكرة الحق بالموت أو في الزيادة والنقصان نحو: أوصى ووصى والذكر والأُنثى، فهذا ما يرجع إليه صحيح القراءات وشاذها وضعيفها ومنكرها لا يخرج عنه شيء، وأما نحو اختلاف الإظهار والإدغام والروم والإشمام مما يعبر عنه بالأصول فليس من الاختلاف الذي يتنوّع فيه اللفظ أو المعنى لأن هذه الصفات المتنوّعة في أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظًا واحدًا ولئن فرض فيكون من الأول ويأتي إن شاء الله تعالى بعونه سبحانه مزيد لذلك في فضائل القرآن، وفي كتابي الذي جمعته في فنون القراءات الأربعة عشر من ذلك ما يكفي ويشفي (فاقرؤوا منه) أي من المنزل بالسبعة (ما تيسر) فيه إشارة إلى الحكمة في التعدد وأنه للتيسير على القارئ ولم يقع في شيء من الطرق فيما علمت تعيين الأحرف التي اختلف فيها عمر وهشام من سورة الفرقان. نعم يأتي إن شاء الله تعالى ما اختلف في ذلك من دون الصحابة فمن بعدهم في هذه السورة في باب الفضائل، والغرض من الحديث هنا قوله ثم لببته بردائه ففيه مع إنكاره عليه بالقول إنكاره عليه بالفعل. وقد أخرج المؤلّف هذا الحديث في فضائل القرآن والتوحيد وفي استتابة المرتدين ومسلم في الصلاة وكذا أبو داود وأخرجه الترمذي في القراءة والنسائي في الصلاة وفي فضائل القرآن. 5 - باب إِخْرَاجِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْخُصُومِ مِنَ الْبُيُوتِ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ عُمَرُ أُخْتَ أَبِي بَكْرٍ حِينَ نَاحَتْ (باب إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت بعد المعرفة) أي بأحوالهم على سبيل التأديب لهم (وقد أخرج عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (أخت أبي بكر) الصديق -رضي الله عنه- أم فروة من بيتها (حين ناحت) لما توفي أبو بكر أخوها وعلاها بالدرة ضربات فتفرق النوائح حين سمعن ذلك كما وصله ابن سعد في الطبقات بإسناد صحيح من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب. 2420 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى مَنَازِلِ قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة ابن عثمان العبدي البصري أبو بكر بندار قال: (حدّثنا محمد بن أبي عدي) نسبه لجده واسم أبيه إبراهيم البصري (عن شعبة) بن الحجاج (عن سعد بن إبراهيم) بسكون العين ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري -رضي الله عنه- (عن) عمه (حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لقد هممت) أي قصدت (أن آمر بالصلاة فتقام) بالنصب عطفًا على المنصوب بأن وأل في الصلاة للعهد، ففي رواية أنها العشاء، وفي أخرى الفجر، وفي أخرى الجمعة أو للجنس فهو عام، وفي رواية يتخلفون عن الصلاة مطلقًا فيحمل على التعدد (ثم أخالف) أي آتي (إلى منازل قوم لا يشهدون الصلاة) في الجماعة (فأحرّق) بالتشديد (عليهم) أي بيوتهم كما في الأخرى. وهذا موضع الترجمة لأنه إذا أحرقها عليهم بادروا بالخروج منها. وسبق هذا الحديث في باب وجوب صلاة الجماعة من كتاب الصلاة. 6 - باب دَعْوَى الْوَصِيِّ لِلْمَيِّتِ (باب دعوى الوصي للميت) أي عنه في الاستلحاق وغيره من الحقوق. 2421 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصَانِي أَخِي إِذَا قَدِمْتُ أَنْ أَنْظُرَ ابْنَ أَمَةِ زَمْعَةَ فَأَقْبِضَهُ فَإِنَّهُ ابْنِي. وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ أَمَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي. فَرَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَبَهًا بَيِّنًا، فَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ. وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن عبد بن زمعة) بسكون الميم، ولأبي ذر: زمعة بفتحها (وسعد بن أبي وقاص) أخا عتبة بن أبي وقاص لأبيه واسم أبي وقاص مالك بن أهيب (اختصما) عام الفتح (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ابن أمة زمعة) أي جاريته واسم ابنها عبد الرحمن الصحابي (فقال سعد: يا رسول الله أوصاني أخي) عتبة (إذا قدمت) بتاء المتكلم أي مكة ولأبي ذر: إذا قدمت بتاء الخطاب (أن انظر ابن أمة زمعة) بسكون النون وقطع همزة انظر أو بوصل الهمزة فتكسر النون والراء (فأقبضه) بهمزة الوصل والجزم على الأمر، ولأبي ذر: فأقبضه بهمزة

7 - باب التوثق ممن تخشى معرته

قطع وفتح الضاد (فإنه ابني) أي لكونه وطئها. (وقال عبد بن زمعة): هو (أخي وابن أمة أبي ولد على فراش أبي) زمعة (فرأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في عبد الرحمن الابن المتنازع فيه (شبهًا بيّنًا) زاد أبو ذر والأصيلي: بعتبة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (هو) أي الولد (لك) أي أخوك (يا عبد بن زمعة) برفع عبد ونصبه ونصب ابن كذا في الفرع. وقال البرماوي ينبغي أن يقرأ برفع عبد فقط لأنه علم ونصب ابن دائمًا على الأكثر، فقد قال في التسهيل فربما ضم ابن اتباعًا (الولد للفراش) أي لصاحبه زاد في الأخرى وللعاهر الحجر (واحتجبي منه) أي من الولد (يا سودة) قطعًا للذريعة بعد حكمه بالظاهر فكأنه حكم بحكمين حكم ظاهر وهو الولد للفراش وباطن وهو الاحتجاب لأجل الشبه وللرجل أن يمنع امرأته من رؤية أخيها. وهذا الحديث سبق في أوائل البيوع ويأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الفرائض. 7 - باب التَّوَثُّقِ مِمَّنْ تُخْشَى مَعَرَّتُهُ وَقَيَّدَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِكْرِمَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَالْفَرَائِضِ. (باب) مشروعية (التوثق ممن تخشى معرّته) بفتح الميم والعين المهملة وتشديد الراء أي فساده (وقيد ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله ابن سعد في الطبقات وأبو نعيم في الحلية (عكرمة) مولاه (على تعلم القرآن والسُّنن والفرائض). 2422 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ -فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالَ: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول بعث رسول الله خيلاً) أي ركبانًا (قبل نجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة نجد ومقابلها وكان أميرهم محمد بن مسلمة أرسله عليه الصلاة والسلام في ثلاثين راكبًا إلى القرطاء سنة ست قاله ابن إسحاق. وقال سيف في الفتوح له كان أميرها العباس بن عبد المطلب وهو الذي أسر ثمامة (فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال) بضم المثلثة وتخفيف الميم وبعد الألف ميم أخرى مفتوحة وأثال بضم الهمزة وتخفيف المثلثة وبعد الألف لام (سيد أهل اليمامة) بتخفيف الميمين مدينة من اليمن على مرحلتين من الطائف (فربطوه بسارية من سواري المسجد) للتوثق خوفًا من معرّته. وهذا موضع الترجمة، وقد كان شريح القاضي إذا قضى على رجل أمر بحبسه في المسجد إلى أن يقوم فإن أعطى حقه وإلا أمر به إلى السجن، (فخرج إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): ولأبوي ذر والوقت: فقال: (ما عندك يا ثمامة؟ قال عندي يا محمد خير) وفي صحيح ابن خزيمة أن ثمامة أسر فكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يغدو إليه فيقول: "ما عندك يا ثمامة"؟ فيقول: إن تقتل تقتل ذا دم وإن تمنّ تمنّ على شاكر وإن ترد المال نعطك منه ما شئت (فذكر الحديث) بتمامه كما سيأتي إن شاء الله تعالى في المغازي. (قال) عليه الصلاة والسلام ولأبوي الوقت وذر: فقال: (أطلقوا ثمامة) أي بعد أن أسلم كما قد صرّح به في بقية حديث ابن خزيمة السابق ولفظه فمرّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا فأسلم فحلّه وهو يرد على ظاهر قول البرماوي كالكرماني أسره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم أطلقه فأسلم بفاء التعقيب المقتضية لتأخّر إسلامه عن حله. وقد سبق الحديث في باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضًا في المسجد من كتاب الصلاة ويأتي إن شاء الله تعالى في المغازي. 8 - باب الرَّبْطِ وَالْحَبْسِ فِي الْحَرَمِ وَاشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ دَارًا لِلسِّجْنِ بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَلَى أَنَّ عُمَرَ إِنْ رَضِيَ فَالْبَيْعُ بَيْعُهُ. وَإِنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُمِائَةٍ. وَسَجَنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ. (باب الربط والحبس) للغريم (في المحرم واشترى نافع بن عبد الحرث) الخزاعي وكان من فضلاء الصحابة وكان من جملة عمال عمر واستعمله على مكة (دارًا للسجن بمكة) بفتح السين مصدر سجن يسجن من باب نصر ينصر سجنًا بالفتح (من صفوان بن أمية) الجمحيّ المكي الصحابي (على أن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- بفتح الهمزة وتشديد النون (إن رضي) بكسر الهمزة وتسكين النون، ولأبي ذر: على أن عمر رضي الله بكسر الهمزة وسكون النون أدخل على إن الشرطية نظرًا إلى المعنى كانه قال هذا الشرط (فالبيع بيعه وإن لم يرض عمر) بالابتياع المذكور (فلصفوان) في مقابلة الانتفاع إلى أن يعود الجواب من عمر (أربعمائة) ولأبي ذر زيادة دينار. واستشكل بأن البيع بمثل هذا الشرط فاسد.

9 - باب الملازمة

وأجيب: بأنه لم يدخل الشرط في نفس العقد بل هو وعد يقتضيه العقد أو بيع بشرط الخيار لعمر بعد أن أوقع العقد له كما صرح به في رواية عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي حيث ذكروه موصولاً من طرق عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن فروخ به. قال في الفتح: ووجهه ابن المنير بأن العهدة في البيع على المشتري وإن ذكر أنه يشتري لغيره لأنه المباشر للعقد قال وكأن ابن المنير وقف مع ظاهر اللفظ ولم ير سياقه تامًّا فظن أن الأربعمائة هي الثمن الذي اشترى به نافع وليس كذلك، وإنما كان الثمن أربعة آلاف اهـ. وقال العيني: يحتمل أن تكون هذه الأربعة آلاف دراهم أو دنانير، لكن الظاهر الدراهم وكانت من بيت المال وبعيد أن عمر -رضي الله عنه- كان يشتري دارًا للسجن بأربعة آلاف دينار لشدة احترازه على بيت المال اهـ. ولينظر قوله في رواية أبي ذر: أربعمائة دينار. (وسجن ابن الزبير) عبد الله أي المديون (بمكة) أيام ولايته عليها. وهذا وصله ابن سعد من طريق ضعيف وكذا وصله خليفة بن خياط في تاريخه وأبو الفرج الأصبهاني في الأغاني. 2423 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (سعيد بن أبي سعيد) المقبري أنه (سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيلاً) فرسانًا (قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد). وهذا الحديث قد سبق في الباب المتقدم بأتم منه، وقد أشار المؤلّف بما ساقه هنا إلى ردّ ما رواه ابن أبي شيبة من طريق قيس بن سعد عن طاوس أنه كان يكره السجن بمكة ويقول: لا ينبغي لبيت عذاب أن يكون في بيت رحمة، فأراد المؤلّف -رحمه الله- أن يعارضه بأثر عمر وابن الزبير وصفوان ونافع وهم من الصحابة وقوي ذلك بقصة ثمامة وقد ربط في مسجد المدينة وهو أيضًا حرم فلم يمنع ذلك من الربط فيه قاله في فتح الباري. 9 - باب الْمُلاَزَمَةِ (باب الملازمة) ولأبي ذر: باب بالتنوين في الملازمة كذا في فرع اليونينية، ونسب في الفتح ثبوت البسملة قبل الترجمة لرواية الأصيلي وكريمة وسقوطها للباقين. 2424 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ -وَقَالَ غَيْرُهُ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ: "عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيِّ دَيْنٌ، فَلَقِيَهُ فَلَزِمَهُ، فَتَكَلَّمَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَمَرَّ بِهِمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا كَعْبُ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: النِّصْفَ- فَأَخَذَ نِصْفَ مَا عَلَيْهِ وَتَرَكَ نِصْفًا. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (جعفر بن ربيعة) ولأبي ذر عن جعفر (وقال غيره) أي غير يحيى بن بكير مما وصله الإسماعيلي من طريق شعيب بن الليث قال: (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد (قال: حدّثني) بالإفراد (جعفر بن رييعة) قال العيني: والفرق بين الطريقين أن الأول روي بعن والثاني بحدّثني اهـ. وهذا الذي قاله إنما يتأتى على رواية أبي ذر أما على رواية الآخرين فلا (عن عبد الرحمن) ولأبي ذر عن الكشميهني: عن عبد الله (بن هرمز) الأعرج (عن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري عن) أبيه (كعب بن مالك -رضي الله عنه- أنه كان له على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي دين) وكان أوقيتين كما عند الطبراني (فلقيه فلزمه) أي فلزم كعب بن مالك ابن أبي حدرد (فتكلما حتى ارتفعت أصواتهما فمرّ بهما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكعب ملازمه ولم ينكر عليه ذلك (فقال) عليه الصلاة والسلام: (يا كعب وأشار بيده كأنه يقول) له ضع (النصف) من دينك (فأخذ) كعب (نصف ما) له (عليه وترك) له (نصفًا) وقد سبق هذا الحديث غير مرة. 10 - باب التَّقَاضِي (باب التقاضي) للدين أي المطالبة بهِ. 2425 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: "كُنْتُ قَيْنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَرَاهِمُ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: لاَ أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. فَقُلْتُ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى يُمِيتَكَ اللَّهُ ثُمَّ يَبْعَثَكَ. قَالَ: فَدَعْنِي حَتَّى أَمُوتَ ثُمَّ أُبْعَثَ فَأُوتَى مَالاً وَوَلَدًا ثُمَّ أَقْضِيَكَ. فَنَزَلَتْ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا} الآيَةَ". وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن راهويه قال: (حدّثنا وهب بن جرير) بفتح الجيم (ابن حازم) الأزدي البصري قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح الكوفي (عن مسروق) بن الأجدع (عن خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة وبعد الألف موحدة أخرى ابن الأرت أنه (قال: كنت قينًا) أي حدادًا (في الجاهلية، وكان) وفي رواية وكانت (لي على العاص بن وائل دراهم) أجرة (فأتيته أتقاضاه) أي

45 - كتاب في اللقطة

أطلب منه دراهمي (فقال) أي العاص لي (لا أقضيك) دراهمك (حتى تكفر بمحمد، فقلت: لا والله لا كفر بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يميتك الله ثم يبعثك) خاطبه على اعتقاده أنه لا يبعث فكأنه قال: لا أكفر أبدًا. زاد الترمذي قال: وإني لميت ثم مبعوث؟ فقلت: نعم (قال: فدعني حتى أموت ثم أبعث) بالنصب عطفًا على المنصوب السابق (فأوتى مالاً) بضم الهمزة وفتح التاء مبنيًا للمفعول (وولدًا ثم أقضيك) بالنصب عطفًا على السابق (فنزلت {أفرأيت الذي كفر بآياتنا}) بالقرآن ({وقال لأوتين مالاً وولدًا}) [مريم: 77] أي في الجنة بعد البعث (الآية) وسقط لأبي ذر لفظ الآية. بسم الله الرحمن الرحيم 45 - كتاب في اللقطة (بسم الله الرحمن الرحيم كتاب) بالتنوين (في اللقطة) بضم اللام وفتح القاف ويجوز إسكانها والمشهور عند المحدثين فتحها. قال الأزهري: وهو الذي سمع من العرب وأجمع عليه أهل اللغة والحديث، ويقال: لقاطة بضم اللام ولقط بفتحها بلا هاء وهي في اللغة الشيء الملقوط وشرعًا ما وجد من حق ضائع محترم غير محرز ولا ممتنع بقوّته ولا يعرف الواجد مستحقه، وفي الالتقاط معنى الأمانة والولاية من حيث أن الملتقط أمين فيما التقطه والشرع ولاّه حفظه كالولي في مال الطفل وفيه معنى الاكتساب من حيث أن له التملك بعد التعريف. (وإذا أخبر رب اللقطة) أي مالكها (بالعلامة) التي بها (دفع) الملتقط (إليه) اللقطة وفي النسخة القروءة على الميدومي دفع إليه بضم الدال ولأبي ذر: باب بالتنوين إذا أخبره بالضمير المنصوب، ولغير المستملي والنسفيّ: 1 - باب إِذَا أَخْبَرَهُ رَبُّ اللُّقَطَةِ بِالْعَلاَمَةِ دَفَعَ إِلَيْهِ بسم الله الرحمن الرحيم باب في اللقطة وإذا أخبره ربّ اللقطة الخ. 2426 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ سَمِعْتُ سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ قَالَ: لَقِيتُ أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ -رضي الله عنه- فَقَالَ: "أَخَذْتُ صُرَّةً مِائَةَ دِينَارٍ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلاً، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلَهَا فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلاً، فَعَرَّفْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ ثَلاَثًا فَقَالَ: احْفَظْ وِعَاءَهَا وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلاَّ فَاسْتَمْتِعْ بِهَا، فَاسْتَمْتَعْتُ. فَلَقِيتُهُ بَعْدُ بِمَكَّةَ فَقَالَ: لاَ أَدْرِي ثَلاَثَةَ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلاً وَاحِدًا". [الحديث 2426 - طرفه في: 2437]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد والواو في الفرع مرقومًا عليها علامة أبي ذر وفي غير الفرع ح للتحويل حدّثني (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سلمة) بن كهيل أنه قال: (سمعت سويد بن غفلة) بفتح المعجمة والفاء واللام وسويد بضم السين مصغرًا الجعفي الكوفي التابعي المخضرم قدم المدينة يوم دفن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان مسلمًا في حياته وتوفي سنة ثمانين وله مائة وثلاثون سنة (قال: لقيت أُبيّ بن كعب -رضي الله عنه- فقال: أخذت) وللكشميهني: وجدت، وللمستملي: أصبت (صرة مائة دينار) بنصب مائة بدلاً من صرة. قال العيني: ويجوز الرفع على تقدير فيها مائة دينار اهـ. قلت: كذا في النسخة المقروءة على الميدومي وجدت صرة فيها مائة دينار. (فأتيت) بها (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لي: (عرفها حولاً) أمر من التعريف كان ينادي من ضاع له شيء فليطلبه عندي ويكون في الأسواق ومجامع الناس وأبواب المساجد عند خروجهم من الجماعات ونحوها لأن ذلك أقرب إلى وجود صاحبها إلا في المساجد كما لا تطلب اللقطة فيها، نعم يجوز تعريفها في المسجد الحرام اعتبارًا بالعرف ولأنه مجمع الناس وقضية التعليل أن مسجد المدينة والأقصى كذلك، وقضية كلام النووي في الروضة تحريم التعريف في بقية المساجد قال في المهمات: وليس كذلك فالمنقول الكراهة، وقد جزم به في شرح المهذّب قال الأذرعي وغيره: بل المنقول والصواب التحريم للأحاديث الظاهرة فيه، وبه صرح الماوردي وغيره، ولعل النووي لم يرد بإطلاق الكراهة كراهة التنزيه ويجب أن يكون محل التحريم أو الكراهة إذا وقع ذلك برفع الصوت كما أشارت إليه الأحاديث. أما لو سأل الجماعة في المسجد بدون ذلك فلا تحريم ولا كراهة ويجب التعريف في محل اللقطة ولو التقط في الصحراء وهناك قافلة تبعها وعرف فيها وإلاّ ففي بلد يقصدها قربت أم بعدت ويجب التعريف حولاً كاملاً إن أخذها للتملك بعد التعريف وتكون أمانة ولو بعد السنة حتى يتملكها، والمعنى في كون التعريف سُنّة أنها لا تتأخر فيها القوافل وتمضي فيها الأزمنة الأربعة، ولو التقط اثنان لقطة عرّف كلٌّ منهما سنة، قال ابن الرفعة: وهو الأشبه لأنه

في النصف كملتقط واحد، وقال السبكي: بل الأشبه أن كلاًّ منهما يعرفها نصف سنة لأنها لقطة واحدة والتعريف من كلٍّ منهما لكلها إلا لنصفها وإنما تقسم بينهما عند التملك ولا يشترط الفور للتعريف بل المعتبر تعريف سنة متى كان ولا الموالاة، فلو فرق السنة كأن عرف شهرين وترك شهرين وهكذا لأنه عرف سنة ولا يجب الاستيعاب للسنة بل يعرف على العادة فينادي في كل يوم مرتين في طرفيه في الابتداء ثم في كل يوم مرة ثم في كل أسبوع مرتين أو مرة ثم في كل شهر. قال أُبيّ بن كعب: (فعرفتها) أي الصرة (حولها) بالهاء والنصب على الظرفية وسقط لأبي ذر قوله حولها وثبت في بعض الأصول قوله حولاً بإسقاط الهاء بدل حولها (فلم أجد من يعرفها) بالتخفيف (ثم أتيته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال عرفها حولاً فعرفتها فلم أجد) أي من يعرفها (ثم أتيته) عليه الصلاة والسلام (ثلاثًا) أي مجموع إتيانه ثلاث مرات لا أنه أتى بعد المرتين الأوليين ثلاثًا، وإن كان ظاهر اللفظ يقتضيه لأن ثم إذا تخلفت عن معنى التشريك في الحكم والترتيب والمهلة تكون زائدة لا عاطفة البتّة قاله الأخفش والكوفيون، (فقال) عليه الصلاة والسلام، ولأبي الوقت: قال (احفظ وعاءها) الذي تكون فيه اللقطة من جلد أو خرقة أو غيرهما وهو بكسر الواو وبالهمزة ممدودًا (وعددها ووكاءها) بكسر الواو والثانية وبالهمزة ممدودًا الخيط الذي يشدّ به رأس الصرة أو الكيس أو نحوهما، والمعنى فيه ليعرف صدق مدّعيها ولئلا تختلط بما له وليتنبّه على حفظ الوعاء وغيره لأن العادة جارية بإلقائه إذا أخذت النفقة وهل الأمر للوجوب أو الندب؟ قال ابن الرفعة بالأول، وقال الأذرعي وغيره للندب وكذا يندب كتب الأوصاف المذكورة. قال الماوردي: وأنه التقطها من موضع كذا في وقت كذا (فإن جاء صاحبها) أي فارددها إليه فحذف جزاء الشرط للعلم به، وفي رواية أحمد والترمذي والنسائي من طريق الثوري وأحمد وأبي داود من طريق حماد كلهم عن سلمة بن كهيل في هذا الحديث فإن جاء أحد يخبرك بعددها ووعائها ووكائها فأعطها إياه أي على الوصف من غير بيّنة، وبه قال المالكية والحنابلة. وقال الحنفية والشافعية: يجوز للملتقط دفعها إليه على الوصف ولا يحبر على الدفع لأنه يدّعي مالاً في يد غيره فيحتاج إلى البيّنة لعموم قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البيّنة على المدّعي فيحمل الأمر بالدفع في الحديث على الإباحة جمعًا بين الحديثين، فإن أقام شاهدين بها وجب الدفع وإلاّ لم يجب ولو أقام مع الوصف شاهدًا بها ولم يحلف معه لم يجب الدفع إليه، فإن قال له: يلزمك تسليمها إليّ فله إذا لم يعلم صدقة الحلف أنه لا يلزمه ذلك، ولو قال: تعلم أنها ملكي فله الحلف أنه لا يعلم لأن الوصف لا يفيد العلم كما صرّح به في الروضة، لكن يجوز له بل يستحب كما نقل عن النص الدفع إليه إن ظن صدقه في وصف لها عملاً بظنه ولا يجب لأنه مدّع فيحتاج إلى حجة فإن لم يظن صدقه لم يجز ذلك ويجب الدفع إليه إن علم صدقه ويلزمه الضمان لا إن ألزمه بتسليمها إليه بالوصف حاكم يرى ذلك كمالكي وحنبلي فلا تلزمه العهدة لعدم تقصيره في التسليم، وإن سلمها إلى الواصف باختياره من غير إلزام حاكم له ثم تلفت عند الواصف وأثبت بها آخر حجة وغرم الملتقط بدلها رجع الملتقط بما غرمه على الواصف إن سلم اللقطة له ولم يقرّ له الملتقط بالملك لحصول التلف عنده ولأن الملتقط سلمه بناء على الظاهر وقد بان خلافه فإن أقرّ له بالملك لم يرجع عليه مؤاخذة له بإقراره. (وإلا) بأن لم يجيء صاحبها (فاستمتع بها) أي بعد التملك باللفظ كتملكت وتكفي إشارة الأخرس كسائر العقود وكذا الكتابة مع النية قال أبي: (فاستمتعت) أي البصرة. قال شعبة: (فلقيته) أي لقيت سلمة بن كهيل (بعد) بالبناء على الضم حال كونه (بمكة فقال) أي سلمة (لا أدري) قال سويد بن غفلة (ثلاثة أحوال أو) قال (حولاً واحدًا) ولم يقل أحد بأن اللقطة تعرّف ثلاثة أحوال والشك يوجب سقوط المشكوك فيه وهو الثلاثة فوجب العمل

2 - باب ضالة الإبل

بالجزم وهو رواية العام الواحد، لكن قد روى الحديث غير شعبة عن سلمة بن كهيل وجماعة بغير شك وفيه هذه الزيادة أخرجها مسلم من طريق الأعمش والثوري وزيد بن أبي أنيسة كلهم عن سلمة وقال قالوا في حديثهم جميعًا ثلاثة أحوال إلا حماد بن سلمة فإن في حديثه عامين أو ثلاثة، وجمع بعضهم بين حديث أبي هذا وحديث زيد بن خالد الآتي إن شاء الله تعالى في الباب اللاحق فإنه لم يختلف عليه في الاقتصار على سنة واحدة فقال: يحمل حديث أُبيّ بن كعب على مزيد التورع عن التصرف في اللقطة والمبالغة في التعفّف عنها، وحديث زيد على ما لا بدّ منه أو لاحتياج الأعرابي واستغناء أبي. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف هنا من طريقين والمتن للطريق النازلة، وقد أخرجه مسلم في اللقطة وكذا أبو داود والترمذي في الأحكام والنسائي في اللقطة وابن ماجة في الأحكام. 2 - باب ضَالَّةِ الإِبِلِ (باب) حكم التقاط (ضالة الأبل) هل يجوز التقاطها أم لا. 2427 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ رَبِيعَةَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "جَاءَ أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُ عَمَّا يَلْتَقِطُهُ فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ احْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِهَا وَإِلاَّ فَاسْتَنْفِقْهَا. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ. قَالَ: ضَالَّةُ الإِبِلِ؟ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عمرو بن عباس) بفتح العين وسكون الميم وعباس بالموحدة وبعد الألف مهملة الباهلي البصري قال: (حدّثنا عبد الرحمن) بن مهدي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن ربيعة) الرأي بسكون الهمزة أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (يزيد) من الزيادة (مولى المنبعث) بضم الميم وسكون النون وفتح الموحدة وكسر المهملة بعدها مثلثة المدني (عن زيد بن خالد الجهني) المدني (-رضي الله عنه-) أنه (قال: جاء أعرابي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسأله عما يلتقطه) سواء كان ذهبًا أو فضةً أو لؤلؤًا أو غير ذلك مما عدا الحيوان، وقد زعم ابن بشكوال أن السائل بلال، وعورض بأنه لا يقال له أعرابي، ورجح الحافظ ابن حجر أنه سويد والد عقبة بن سويد الجهني لما في معجم البغوي بسند جيد أنه قال سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن اللقطة قال: وهو أولى ما فسر به المبهم الذي في الصحيح لكونه من رهط زيد بن خالد، وتعقبه العيني بأنه لا يلزم من كون سويد من رهط زيد أن يكون حديثهما واحدًا بحسب الصورة وإن كانا في المعنى من باب واحد، (فقال) عليه الصلاة والسلام للسائل ولأبي الوقت: قال: (عرفها سنة ثم احفظ) ولأبوي ذر والوقت: ثم اعرف (عفاصها) بكسر العين المهملة وبعد الفاء المخففة ألف ثم صاد مهملة أي وعاءها الذي تكون فيه من العفص وهو الثني لأن الوعاء ينثني على ما فيه (ووكاءها) الخيط الذي يشدّ به رأس الصرّة أو الكيس ونحوهما ولم يقل في هذه وعددها فيقاس بمعرفة خارجها معرفة داخلها كالجنس هل هي ذهب أم غيره؟ والنوع أهروية أم غيرها؟ والقدر بوزن أو كيل أو عدد (فإن جاء أحد يخبرك بها) أي باللقطة فأدّها إليه فحذف جواب الشرط للعلم به (وإلا) بأن لم يجيء أحد (فاستنفقها) أي بعد أن تعرفها سنة فإن جاء ربها فأدّها إليه. (قال) أي السائل (يا رسول الله فضالة الغنم)؟ أي ما حكمها والأكثرون على أن الضالة مختصة بالحيوان وأما غيره فيقال فيه لقطة، وسوّى الطحاوي بين الضالة واللقطة، ولأبوي ذر والوقت: ضالة الغنم بغير فاء قبل الضاد (قال) عليه الصلاة والسلام ولأبي الوقت: فقال (لك) إن أخذتها وعرفتها سنة ولم تجد صاحبها (أو لأخيك) في الدين ملتقط آخر (أو للذئب) إن تركتها ولم يأخذها غيرك لأنها لا تحمي نفسها، وهذا على سبيل السبر والتقسيم، وأشار إلى إبطال قسمين فتعين الثالث فكأنه قال: ينحصر الأمر في ثلاثة أقسام: أن تأخذها لنفسك، أو تتركها فيأخذها مثلك، أو يأكلها الذئب ولا سبيل إلى تركها للذئب فإنه إضاعة مال ولا معنى لتركها لملتقط آخر مثل الأول بحيث يكون الثاني أحق لأنهما استويا، وسبق الأول فلا معنى لترك السابق واستحقاق المسبوق، وإذا بطل هذان القسمان تعين الثالث وهو أن تكون لهذا الملتقط والتعبير بالذئب ليس بقيد فالمراد جنس ما يأكل الشاة ويفترسها من السباع. (قال) السائل ولأبي الوقت: فقال (ضالة الأبل)؟ ما حكمها (فتمعر) بتشديد العين المهملة أي تغير (وجه النبي -صَلَّى

3 - باب ضالة الغنم

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الغضب (فقال) عليه الصلاة والسلام (ما لك ولها) استفهام إنكاري (معها حذاؤها) بكسر الحاء المهملة وبالذال المعجمة ممدودًا أخفافها فتقوى بها على السير وقطع البلاد الشاسعة وورود المياه النائية (وسقاؤها) بكسر السين المهملة والمدّ جوفها أي حيث وردت الماء شربت ما يكفيها حتى ترد ماء آخر أو السقاء العنق أي ترد الماء وتشرب من غير ساق يسقيها. قال ابن دقيق العيد: لما كانت مستغنية عن الحافظ والمتعهد وعن النفقة عليها بما ركب في طبعها من الجلادة على العطش والحفاء عبّر عن ذلك بالحذاء والسقاء مجازًا، وبالجملة فالمراد بهذا النهي عن التعرّض لها لأن الأخذ إنما هو للحفظ على صاحبها إما بحفظ العين أو بحفظ القيمة، وهذه لا تحتاج إلى حفظ لأنها محفوظة بما خلق الله فيها من القوّة والمنعة وما يسر لها من الأكل والشرب كما قال: (ترد الماء وتأكل الشجر) ويلحق بالإبل ما يمتنع بقوّته من صغار السباع كالبقر والفرس، أو بعدوه كالأرنب والظبي، أو بطيرانه كالحمام. فهذا ونحوه لا يحل التقاطه بمفازة لأنه مصون بالامتناع عن أكثر السباع مستغنٍ بالرعي إلى أن يجده مالكه إذا كان التقاطه له للتملك ويجوز للحفظ صيانة له من الخونة، أما إذا وجده في العمارة فيجوز له التقاطه للتملك ويجوز للحفظ صيانة له من الخونة، أما إذا وجده في العمارة فيجوز له التقاطه للتملك كما يجوز للحفظ، وقيل لا يجوز كالمفازة، وفرّق الأول بأنه في العمارة يضيع بامتداد الخائنة إليه بخلاف المفازة فإن طروّ الناس بها لا يعمّ، ولو وجد في زمن نهب جاز التقاطه للتملك والحفظ قطعًا في المفازة وغيرها، والمراد بالعمارة الشارع والمسجد ونحوهما لأنها مع الموات محال اللقطة ولو التقط الممتنع من صغار السباع للتملك في مفازة آمنة ضمنه ولا يبرأ بردّه إلى مكانه فإن سلمه إلى الحاكم برئ كما في الغصب، وبالجملة فأخذ الجمهور بظاهر الحديث أن ضالة الإبل ونحوها لا تلتقط، وقال الحنفية: الأولى أن تلتقط. وهذا الحديث سبق في كتاب العلم في باب الغضب في الموعظة. 3 - باب ضَالَّةِ الْغَنَمِ (باب) حكم التقاط (ضالة الغنم). 2428 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: «سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ اللُّقَطَةِ فَزَعَمَ أَنَّهُ قَالَ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً (يَقُولُ يَزِيدُ: إِنْ لَمْ تُعْتَرَفِ اسْتَنْفَقَ بِهَا صَاحِبُهَا، وَكَانَتْ وَدِيعَةً عِنْدَهُ. قَالَ يَحْيَى: فَهَذَا الَّذِي لاَ أَدْرِي أَفِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ أَمْ شَىْءٌ مِنْ عِنْدِهِ). ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تَرَى فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ؟ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ (قَالَ يَزِيدُ: وَهْيَ تُعَرَّفُ أَيْضًا). ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تَرَى فِي ضَالَّةِ الإِبِلِ؟ قَالَ: فَقَالَ: دَعْهَا، فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (سليمان) التيمي مولاهم المدني ولأبوي ذر والوقت: سليمان بن بلال (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن يزيد مولى المنبعث) المدني (أنه سمع زيد بن خالد) الجهني (-رضي الله عنه- يقول: سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن اللقطة) ما حكمها؟ وفي الباب السابق أن السائل أعرابي وقيل هو بلال وقيل غيره، (فزعم) أي زيد بن خالد والزعم يستعمل في القول المحقق كثيرًا (أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال): (اعرف عفاصها) وعاءها الذي تكون فيه (ووكاءها) الخيط الذي يربط به الوعاء (ثم عرّفها سنة) أي متوالية فلو عرفها سنة متفرقة كأن عرفها في كل سنة شهرًا لم يكف، ولو فرق السنة كأن عرف شهرين وترك شهرين وهكذا جاز لأنه عرف سنة. ولا يشترط أن يعرفها بنفسه بل يجوز أن يوكل فإن قصد التملك ولو بعد التقاطه للحفظ أو مطلقًا فمؤنة التعريف الواقع بعد قصده عليه تملك أم لا؟ لأن التعريف سبب لتملكه ولأن الحظ له، وإن قصد الحفظ ولو بعد التقاطه للتملك أو مطلقًا فمؤنة التعريف على بيت المال إن كان فيه سعة وإلاّ فعلى المالك بأن يقترض عليه الحاكم منه أو من غيره أو يأمره بصرفها ليرجع كما في هرب الجمال: وإنما لم تجب على الملتقط لأن الحظ للمالك فقط. قال يحيى بن سعد الأنصاري بالإسناد السابق: (يقول يزيد) مولى المنبعث (إن لم تعترف) بضم المثناة الفوقية وسكون المهملة وفتح الفوقية والراء، ولأبي ذر عن الكشميهني: إن لم تعرف بإسقاط الفوقية الثانية أي اللقطة (استنفق بها) بفتح الفاء والقاف (صاحبها) أي ملتقطها (وكانت وديعة عنده). قال سليمان بن بلال: (قال يحيى) بن سعيد الأنصاري بالإسناد السابق: (فهذا الذي لا أدري) أي لا أعلم (أفي حديث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو) أي قوله وكانت وديعة عنده (أم شيء من عنده) أي من عند يزيد من قوله: وسيأتي إن شاء الله تعالى في كلام المؤلّف باب إذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة ردّها عليه لأنها وديعة عنده

4 - باب إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة فهي لمن وجدها

وفيه إشارة إلى ترجيح رفعها، وقد جزم يحيى بن سعيد برفعها مرة أخرى فيما أخرجه مسلم عن القعنبي والإسماعيلي من طريق يحيى بن حسان كلاهما عن سليمان بن بلال عن يحيى بلفظ: فإن لم تعرف فاستنفقها أو لتكن وديعة عندك. (ثم قال) السائل يا رسول الله (كيف ترى في ضالة الغنم؟ قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب) أي إنها ضعيفة لعدم الاستقلال معرضة للهلاك مرددة بين أن تأخذها أنت أو أخوك. قيل: والمراد بالأخ ما هو أعم من صاحبها أو ملتقط آخر، وعورض بأن البلاغة لا تقتضي أن يقرن صاحبها المستحق لها بالذئب العادي فالمراد ملتقط آخر والمراد جنس ما يأكل الشاة، وفي قوله: "خذها" تصريح بالأمر بالأخذ ففيه ردّ إحدى الروايتين عن أحمد في قوله يترك التقاط الشاة، واستدلّ به المالكية على أنه إذا وجدها في فلاة تملكها بالأخذ ولا يلزمه بدلها ولو جاء صاحبها واحتجّ لهم بالتسوية بين الذئب والملتقط والذئب لا غرامة عليه فكذلك الملتقط كذا نقله في الفتح. والظاهر أنهم تمسكوا بقوله في الشاة هي لك واللام للتمليك بخلاف قوله في غيرها فاستمتع بها إذ ظاهره أنه ليس على وجه التمليك لها إذ لو كان المراد التمليك التام لم يقتصر به على الاستمتاع الذي ظاهره الانتفاع لا أصل الملك بخلاف قوله فهي لك. وأجيب: بأن اللام ليست للتمليك ومذهب الشافعية أن ما لا يمتنع من صغار السباع كالعجل والفصيل يجوز التقاطه للتملك مطلقًا سواء وجده بمفازة أم لا صيانة له عن السباع والخونة، ويتخير آخذه من المفازة فإن شاء عرفه وتملكه بعد التعريف وإن شاء باعه استقلالاً إن لم يجد حاكمًا أو بإذنه في الأصح إن وجده وتملك ثمنه بعد التعريف وله أكله إن كان مأكولاً في الحال متملكًا له بقيمة فيغرمها إن ظهر مالكه ولا يجب بعد أكله تعريفه فإن أخذه من العمران فله الخصلتان الأوليان لا الثالثة وهي الأكل على الأصح في المنهاج والأظهر في الروضة لسهولة البيع فيه بخلافه في المفازة فقد لا يجد فيها من يشتري ويشق النقل إلى العمران. (قال يزيد) مولى المنبعث بالإسناد المذكور (وهي) أي ضالة الغنم (تعرف أيضًا) أي على سبيل الوجوب كذا عند الجمهور، لكن قال الشافعية: لا يجب تعريفها بعد الأكل إذا وجدت في الفلاة وأما في القرية فيجب على الأصح. (ثم قال) السائل يا رسول الله (كيف ترى في ضالة الأبل؟ قال) زيد (فقال) عليه الصلاة والسلام: (دعها فإن معها حذاءها) بكسر الحاء المهملة وبالذال المعجمة أي خفها (وسقاءها) بكسر السين جوفها أو عنقها (ترد الماء وتأكل الشجر) فهي مستغنية عن الحفظ لها بما ركب في طباعها من الجلادة على العطش وتناول المأكول لطول عنقها ومصونة بالامتناع عن أكثر السباع (حتى يجدها ربها) أي مالكها فمن أخذها للتملك ضمنها ولا يبرأ من الضمان بردّها إلى موضعها كما مرّ. 4 - باب إِذَا لَمْ يُوجَدْ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ سَنَةٍ فَهْيَ لِمَنْ وَجَدَهَا هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة) أي بعد التعريف سنة (فهي لمن وجدها) اكتفاء بقصده عند الأخذ للتملك وهذا أحد الوجوه الثلاثة عند الشافعية، وقيل يملكها بمضي الحول والتصرف والأظهر التملك باللفظ كما مر وسواء كان المتملك غنيًّا أو فقيرًا وخصّها الحنفية بالفقير دون الغني لأن تناول مال الغير بغير إذنه غير جائز بلا ضرورة بإطلاق النصوص. 2429 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلاَّ فَشَأْنَكَ بِهَا. قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ. قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) المشهور بالرأي المدني واسم أبيه فروخ (عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد) الجهني (-رضي الله عنه-) أنه (قال: جاء رجل) أي أعرابي كما في السابقة، أو هو بلال كما قال ابن بشكوال، أو سويد والد عقبة كما رجحه ابن حجر وقد مرّ (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسأله عن اللقطة) أي عن حكمها (فقال) عليه الصلاة والسلام: (اعرف عفاصها) وعاءها الذي هي فيه (ووكاءها) الخيط الذي يشد به رأس الوعاء لتعرف صدق مدعيها عند طلبها (ثم

5 - باب إذا وجد خشبة في البحر أو سوطا أو نحوه

عرفها سنة فإن جاء صاحبها) أي فأدّها إليه (وإلا) بأن لم يجيء صاحبها (فشأنك بها) بالنصب أي الزم شأنك بها والشأن الحال أي تصرف فيها، وسبق في حديث أبي بلفظ فاستمتع بها، ولمسلم من طريق ابن وهب فإن لم يأت لها طالب فاستنفقها. واستدلّ به على أن اللاقط يملكها بعد انقضاء مدة التعريف وهو ظاهر نص الشافعي، لكن المشهور عند الشافعية اشتراط التلفظ بالتملك كما مرّ قريبًا فإذا تصرّف فيها بعد التعريف سنة ثم جاء صاحبها فالجمهور على وجوب الرد إن كانت العين موجودة أو البدل إن كانت استهلكت لقوله في الرواية السابقة: ولتكن وديعة عندك وقوله أيضًا عند مسلم ثم كلها فإن جاء صاحبها فادّها إليه فإنه يقتضي وجوب ردّها بعد أكلها فيحمل على رد البدل وحيئنذٍ فيحمل قول المصنف في الترجمة فهي لمن وجدها أي في إباحة التصرف إذ ذاك وأما أمر ضمانها بعد ذلك فهو ساكت عنه. (قال) السائل يا رسول الله (فضالة الغنم)؟ قال: (هي لك أو لأخيك أو للذئب قال) السائل يا رسول الله (فضالة الإبل) ما حكمها؟ (قال) عليه الصلاة والسلام: (ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر) أي ما لك وأخذها والحال أنها مستقلة بأسباب تعيشها (حتى يلقاها ربها) مالكها. 5 - باب إِذَا وَجَدَ خَشَبَةً فِي الْبَحْرِ أَوْ سَوْطًا أَوْ نَحْوَهُ هذا (باب) بالتنوين (إذا وجد) شخص (خشبة في البحر أو) وجد (سوطًا أو) وجد شيئًا (نحوه) كعصًا ماذا يصنع به هل يأخذه أو يتركه وإذا أخذه هل يتملكه أو يكون سبيله سبيل اللقطة. 2430 - وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: "عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ -وَسَاقَ الْحَدِيثَ- فَخَرَجَ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا هُوَ بِالْخَشَبَةِ فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ". (وقال الليث) بن سعد الإمام مما هو موصول عند المؤلّف في باب التجارة في البحر في رواية أبوي ذر والوقت حيث قال في آخر الحديث: حدّثني عبد الله بن صالح قال: حدّثني الليث بهذا (حدّثنى) بالإفراد (جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل بن حسنة القرشي المصري (عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج (عن أبي هريرة رضي السُّنَّة عنه عن رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل) لم يسم (وساق الحديث) هنا مختصرًا وبأتم منه في الكفالة ولفظه: وسأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار وقال: ائتني بالشهداء أشهدهم. فقال: كفى بالله شهيدًا. قال: ائتني بالكفيل قال: كفى بالله كفيلاً. قال: صدقت فدفعها إليه إلى أجل مسمى، وزاد في الزكاة فخرج. في البحر فلم يجد مركبًا فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار فرمى بها في البحر، (فخرج) أي الرجل الذي أسلفه وهو فيما قيل النجاشي كما مر في الزكاة والبيع والكفالة (ينظر لعل مركبًا قد جاء بماله) الذي أسلفه (فإذا بالخشبة) التي أرسلها المستلف، ولغير أبوي ذر والوقت: فإذا هو بالخشبة (فأخذها لأهله حطبًا فلما نشرها وجد المال) الذي بعثه المستلف إليه (والصحيفة) التي كتبها ببعث المال المذكور. وموضع الترجمة قوله: فأخذها وهو مبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لمن يأت في شرعنا ما يخالفه لا سيما إذا ورد بصورة الثناء على فاعله ولم يقع للسوط ونحوه في الحديث ذكر، وأجيب: بأنه استنبطه بطريق الإلحاق. 6 - باب إِذَا وَجَدَ تَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ هذا (باب) بالتنوين (إذا وجد) شخص (تمرة) بالمثناة الفوقية وسكون الميم أو غيرها من المحقرات (في الطريق) جاز له أخذ ذلك كله. 2431 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ قَالَ: لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلْتُهَا». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن طلحة) بن مصرف (عن أنس) هو ابن مالك (-رضي الله عنه-) أنه (قال: مرّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتمرة) ملقاة (في الطريق قال) ولأبوي ذر والوقت: فقال بالفاء قبل القاف. (لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة) المحرمة عليّ (لأكلتها) ظاهره أنه تركها تورعًا خشية أن تكون من الصدقة فلو لم يخش ذلك لأكلها ولم يذكر تعريفًا فدلّ على أن مثل ذلك من المحقرات يملك بالأخذ ولا يحتاج إلى تعريف، لكن هل يقال إنها لقطة رخص في ترك تعريفها أو ليست لقطة لأن اللقطة ما من شأنه أن يتملك دون ما لا قيمة له. 2432 - وَقَالَ يَحْيَى: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ. وَقَالَ زَائِدَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ طَلْحَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنِّي لأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي، فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي فَأَرْفَعُهَا لآكُلَهَا، ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلْفِيَهَا». (وقال يحيى) بن سعيد القطان مما وصله مسدد في مسنده عنه وأخرجه الطحاوي من طريق مسدد: (حدّثنا

7 - باب كيف تعرف لقطة أهل مكة؟

سفيان) الثوري قال: (حدّثني) بالإفراد (منصور) هو ابن المعتمر. (وقال زائدة) هو ابن قدامة مما وصله مسلم من طريق أبي أسامة عن زائدة (عن منصور) أيضًا (عن طلحة) بن مصرف أنه قال (حدّثنا أنس). قال المؤلّف: (وحدّثنا) وفي بعض الأصول للتحويل، وحدّثنا (محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام بن منبه) بكسر الموحدة المشددة وتشديد ميم همام الصنعاني أخي وهب (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال: إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة) بسكون الميم وقال أجد بلفظ المضارع استحضارًا للصورة الماضية (ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها) بالنصب (ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها) بضم الهمزة وسكون اللام وكسر القاف والرفع قال الكرماني لا غير. قال العيني: يعني لا يجوز نصب الياء لأنه معطوف على فأرفعها فإذا نصب فربما يظن أنه معطوف على قوله أن تكون فيفسد المعنى انتهى. نعم في فروع اليونينية فألقيها بالنصب وكذا في كثير من الأصول التي وقفت عليها، وفي الفرع التنكزي فألفيها بالفاء بدل القاف والنصب وعليها علامة أبي ذر مصححًا عليها، وخرج بعض علماء العصر النصب على أنه عطف على تكون بمعنى ألقيها في جوفي أي أخشى أن أطرحها في جوفي، وأما رواية الفاء والنصب فعلى معنى ثم أخشى أن أجدها من الصدقة أي أن يظهر لي أنها من الصدقة اهـ فليتأمل. ويحتمل تخريجه على نحو خذ اللص قبل يأخذك بالنصب على تقدير قبل أن يأخذك كقوله: سأترك منزلي لبني تميم ... وألحق بالحجاز فأستريحا وقرئ شاذًّا فيدمغه بالأنبياء بالنصب. قال في الكشاف: وهو في ضعف والذي في اليونينية فألفيها بالفاء وسكون الياء لا غير مصحّحًا عليها. 7 - باب كَيْفَ تُعَرَّفُ لُقَطَةُ أَهْلِ مَكَّةَ؟ وَقَالَ طَاوُسٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهَا إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا». وَقَالَ خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُعَرِّفٍ». هذا (باب) بالتنوين (كيف تعرف) بفتح العين والراء المشددة مبنيًّا للمفعول (لقطة أهل مكة. وقال طاوس) اليماني فيما وصله المؤلّف في حديث في باب لا يحل القتال بمكة من الحج (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال: لا يلتقط لقطتها) أي مكة وحرمها (إلا من عرفها) للحفظ لصاحبها. (وقال خالد) الحذاء مما وصله في باب ما قيل في الصوّاغ من أوائل البيوع في حديث (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال (لا تلتقط) بضم أوله وفتح ثالثه (لقطتها) يعني مكة (إلا لمعرف) يحفظها لمالكها، ولأبوي ذر والوقت: لا يلتقط بفتح أوّله وكسر ثالثه لقطتها بالنصب على المفعولية إلا معرّف. 2433 - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يُعْضَدُ عِضَاهُهَا، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ، وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا. فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ الإِذْخِرَ. فَقَالَ: إِلاَّ الإِذْخِرَ». (وقال أحمد بن سعد) بسكون العين مضببًا عليه ولأبوي ذر والوقت: سعيد بكسرها وهو فيما حكاه ابن طاهر الرباطي وفيما ذكره أبو نعيم الدارمي (حدّثنا روح) بفتح الراء وسكون الواو ثم حاء مهملة هو ابن عبادة وقد وصله الإسماعيلي من طريق العباس بن عبد العظيم وأبو نعيم من طريق خلف بن سالم عن روح بن عبادة قال: (حدّثنا زكريا) بن إسحاق المكي قال: (حدّثنا عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): أي عن مكة. (لا يعضد) بضم التحتية وفتح الضاد المعجمة والرفع في الفرع على النفي وجوّز الكرماني الجزم على النهي أي لا يقطع (عضاهها) بكسر العين المهملة وفتح الضاد المعجمة وبعد الألف هاءان مرفوع نائب عن الفاعل شجر أم غيلان أو كل شجر له شوك عظيم (ولا ينفر صيدها) بالرفع (ولا تحل لقطتها إلا لمنشد) أي لمعرف على الدوام يحفظها وإلاّ فسائر البلاد كذلك فلا تظهر فائدة التخصيص فأما من يريد أن يعرفها ثم يتملكها فلا. قال النووي في الروضة، قال أصحابنا: ويلزم الملتقط بها الإقامة للتعريف أو دفعها إلى الحاكم ولا يجيء الخلاف فيمن التقط للحفظ هل يلزمه التعرف بل يجزم هنا بوجوبه للحديث والله أعلم. وإنما اختصت مكة بأن لقطتها

لا تملك لإمكان إيصالها إلى ربها لأنها إن كانت للمكي فظاهر وإن كانت للآفاقي فلا تخلو غالبًا من وارد إليها فإذا عرفها واجدها في كل عام سهل التوصل إلى معرفة صاحبها ولا تلحق لقطة المدينة الشريفة بلقطة مكة كما صرّح به الدارمي والروياني. وقضية كلام صاحب الانتصار أن حرمها كحرم مكة كما في حرمة الصيد وجرى عليه البلقيني لما روى أبو داود بإسناد صحيح في حديث المدينة ولا تلتقط لقطتها إلا لمن أشاد بها وهو بالشين المعجمة ثم الدال المهملة أي رفع صوته. وقال جمهور المالكية وبعض الشافعية: لقطة مكة كغيرها من البلاد، ووافق جمهور الشافعية من المالكية الباجي وابن العربي تمسكًا بحديث الباب، لكن قال ابن عرفة منتصر المشهور مذهب المالكية والانفصال عن التمسك به على قاعدة مالك في تقديمه العمل على الحديث الصحيح حسبما ذكره ابن يونس في كتاب الأقضية ودلَّ عليه استقراء المذهب. وقال ابن المنير: مذهب مالك التمسك بظاهر الاستثناء لأنه نفى الحل واستثنى المنشد والاستثناء من النفي إثبات فيكون الحل ثابتًا للمنشد أي المعرف يريد بعد قيامه بوظيفة التعريف، وإنما يريد على هذا أن مكة وغيرها بهذا الاعتبار في تحريم اللقطة قبل التعريف وتحليلها بعد التعريف واحد، والسياق يقتضي اختصاصها عن غيرها. والجواب أن الذي أشكل على غير مالك إنما هو تعطيل المفهوم إذ مفهوم اختصاص مكة بحل اللقطة بعد التحريم وتحريمها قبله أن غير مكة ليس كذلك بل تحل لقطته مطلقًا أو تحرم مطلقًا وهذا لا قائل به فإذا آل الأمر إلى هذا فالخطب سهل يسير، وذلك أنّا اتفقنا على أن التخصيص إذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، وكذلك نقول هنا الغالب أن لقطة مكة ييأس ملتقطها من صاحبها لتفرق الخلق عنها إلى الآفاق البعيدة فربما داخله الطمع فيها من أوّل وهلة فاستحلها قبل التعريف فخصّها الشارع بالنهي عن استحلال لقطتها قبل التعريف لاختصاصها بما ذكرناه، فقد ظهر للتخصيص فائدة سوى المفهوم فسقط الاحتجاج به وانتظم الاختصاص حينئذٍ وتناسب السياق، وذلك أن المأيوس من معرفة صاحبه لا يعرف كالموجود بالسواحل لكن مكة تختص بأن تعرف لقطتها وقد نص بعضهم على أن لقطة العسكر بدار الحرب إذا تفرق العسكر لا تعرف سنة لأنها إما لكافر فهي مباحة واما لأهل العسكر فلا معنى لتعريفها في غيرهم فظهر حينئذٍ اختصاص مكة بالتعريف، وإن تفرق أهل الموسم مع أن الغالب كونها لهم وإنهم لا يرجعون لأجلها فكأنه عليه الصلاة والسلام قال: ولا تحل لقطتها إلا بعد الإنشاد والتعريف سنة بخلاف ما هو من جنسها كمجتمعات العساكر ونحوها، فإن تلك تحل بنفس افتراق العسكر، ويكون المذهب حينئذٍ أقعد بظاهر الحديث من مذهب المخالف لأنهم يحتاجون إلى تأويل اللام وإخراجها عن التمليك ويجعلون المراد ولا تحل لقطتها إلا لمنشد فيحل له إنشادها لا أخذها فيخالفون ظاهر اللام وظاهر الاستثناء، ويحقق ما قلناه من أن الغالب على مكة أن لقطتها لا يعود لها صاحبها أنا لم نسمع أحدًا ضاعت له نفيقة بمكة فرجع إليها ليطلبها ولا بعث في ذلك بل ييأس منها بنفس التفرق والله أعلم. (ولا يختلى) بضم التحتية وسكون المعجمة مقصورًا أي لا يقطع (خلاها) بفتح المعجمة مقصورًا كلؤها الرطب. (فقال عباس) بدون أل عمه عليه الصلاة والسلام (يا رسول الله إلا الإذخر) بكسر الهمزة وبالذال والخاء المكسورة المعجمتين نبت معروف طيب الرائحة (فقال) عليه الصلاة والسلام ولأبي الوقت قال: (إلا الإذخر) بالنصب على الاستثناء كالأوّل قال ابن مالك وهو المختار على الرفع إما لكون الاستثناء متراخيًا عن المستثنى منه فتفوت المشاكلة بالبدلية وإما لكون الاستثناء عرض في آخر الكلام ولم يكن مقصودًا أولاً. 2434 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ، قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، فَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلاَ تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ. وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُفْدَى، وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِلاَّ الإِذْخِرَ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِلاَّ الإِذْخِرَ. فَقَامَ أَبُو شَاهٍ -رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ- فَقَالَ: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ. قُلْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ: مَا قَوْلُهُ اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هَذِهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن موسى) بن عبد ربه السختياني البلخي المعروف بخت قال: (حدّثنا الوليد بن مسلم) القرشي

8 - باب لا تحتلب ماشية أحد بغير إذن

أبو العباس الدمشقي قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (قال: حدّثني) بالإفراد (يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة واسمه صالح (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: لما فتح الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة قام في الناس) عقب ما قتل رجل من خزاعة رجلاً من بني ليث راكبًا على راحلته فخطب (فحمد الله وأثنى عليه ثم قال): (إن الله حبس عن مكة الفيل) بالفاء المكسورة والمثناة التحتية الساكنة وهو المذكور في التنزيل في قوله تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} [الفيل: 1] ولغير الكشميهني كما في الفتح القتل بالقاف المفتوحة والفوقية الساكنة والصواب الأول والذي في الفرع كأصله القتل بالوجهين لأبي ذر عن الكشميهني (وسلّط عليها) على مكة (رسوله والمؤمنين فإنها لا تحل) أي لم تحل (لأحد كان قبلي وإنها أحلت لي) بضم الهمزة وكسر الحاء المهملة أي أن أقاتل فيها (ساعة من نهار) هي ساعة الفتح (وإنها لا تحل) ولأبي ذر: لن تحل (لأحد بعدي) ولأبي ذر: من بعدي (فلا ينفر صيدها) بالرفع نائبًا عن الفاعل أي لا يجوز لمحرم ولا لحلال (ولا يختلى) أي لا يقطع (شوكها) بالرفع أيضًا كسابقه (ولا تحل ساقطتها) لقطتها (إلا لمنشد) معرّف يعرّفها ويحفظها لمالكها ولا يتملكها كسائر اللقطات في غيرها من البلاد (ومن قتل) بضم القاف وكسر التاء (له قتيل) بالرفع نائبًا عن الفاعل (فهو بخير النظرين إما أن يفدى) بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول أي يعطى الدّية (وإما أن يقيد) بضم أوّله وكسر ثانيه أي يقتصّ. (فقال العباس) بن عبد المطلب -رضي الله عنه- (إلا الإذخر فإنا) وللحموي والمستملي: فإنما (نجعله لقبورنا) نمهدها به ونسدّ به فرج اللحد المتخللة بين اللبنات (و) سقف (بيوتنا) نجعله فوق الخشب والمعنى ليكن الإذخر استثناء من كلامك يا رسول الله فيتمسك به من يرى انتظام الكلام من متكلمين، لكن التحقيق في المسألة أن كلاًّ من المتكلمين إذا كان ناويًا لما يلفظ به الآخر كان كل متكلمًا بكلام تام ولهذا لم يكتفِ في هذا الحديث بقول العباس إلا الإذخر (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: إلا الإذخر) وذلك إما بوحي أو إلهام أو اجتهاد على الخلاف المشهور في مثله. (فقام أبو شاه) بالهاء الأصلية منوّنة وهو مصروف. قال عياض: كذا ضبطه بعضهم وقرأته أنا معرفة ونكرة، ونقل ابن الملقن عن ابن دحية أنه بالتاء منصوبًا. قال في المصابيح: لا يتصور نصبه لأنه مضاف إليه في مثل هذا العلم دائمًا وإنما مراده أنه معرب بالفتحة في حال الجر لكونه غير منصرف وذلك لأن القاعدة في العلم ذي الإضافة اعتبار حال المضاف إليه بالنسبة إلى الصرف وعدمه وامتناع دخول اللام ووجوبها، فيمتنع مثل هذا ومثل أبي هريرة من الصرف ومن دخول الألف واللام، وينصرف مثل أبي بكر، وتجب اللام في مثل امرئ القيس، وتجوز في مثل ابن العباس اهـ. وأبو شاه (رجل من أهل اليمن) ويقال إنه كلبي ويقال فارسي من الأبناء الذين قدموا اليمن في نصرة سيف بن ذي يزن. قال في الإصابة: كذا رأيته بخط السلفي وقال إن هاءه أصلية وهو بالفارسي ومعناه الملك. قال: ومن ظن أنه باسم أحد الشاه فقد وهم انتهى. (فقال) أي أبو شاه (اكتبوا لي يا رسول الله) يعني الخطبة المذكورة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اكتبوا لأبي شاه) قال الوليد بن مسلم (قلت للأوزاعي) عبد الرحمن (ما قوله) أي أبي شاه (اكتبوا لي يا رسول الله؟ قال: هذه الخطبة) بالنصب على المفعولية ولأبي ذر قال هذه الخطبة بالرفع (التي سمعها من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وفي هذا الحديث ثلاثة من المدلسين على نسق واحد لكن قد صرح كل واحد من رواته بالتحديث فزالت التهمة، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن الصحابي، وأخرجه مسلم في الحج وكذا أبو داود وفي العلم والدّيات والنسائي في العلم والترمذي وابن ماجة في الدّيات. 8 - باب لاَ تُحْتَلَبُ مَاشِيَةُ أَحَدٍ بِغَيْرِ إِذْنٍ هذا (باب) بالتنوين (لا تحتلب ماشية أحد بغير إذن) بالتنوين

9 - باب إذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة ردها عليه، لأنها وديعة عنده

ولأبي ذر عن الكشميهني: بغير إذنه بالهاء والماشية فيما قاله في النهاية تقع على الإبل والبقر والغنم لكنها في الغنم أكثر. 2435 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ؟ فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَاتِهِمْ، فَلاَ يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِهِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام (عن نافع) وهي موطأ محمد بن الحسن عن مالك أخبرنا نافع (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله) وفي رواية يزيد بن الهاد عن مالك عند الدارقطني في الموطآت له أنه سمع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يحلبن) بضم اللام وفي رواية يزيد بن الهاد المذكورة لا يحتلبن بكسرها وزيادة مثناة فوقية قبلها (أحد ماشية امرئ) وكذا امرأة مسلمين أو ذميين (بغير إذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته) بضم الراء وفتحها في الفرع وأصله وغيرهما أي موضعه المصون لما يخزن فيه كالغرفة (فتكسر) بضم التاء وفتح السين والنصب عطفًا على أن تؤتى (خزانته) بكسر الخاء وبالرفع نائبًا عن الفاعل مكانه أو وعاؤه الذي يخزن فيه ما يريد حفظه (فينتقل طعامه) بضم الياء وسكون النون وفتح التاء والقاف من فينتقل منصوب عطفًا على المنصوب السابق (فإنما تخزن) بضم الزاي وللكشميهني تحرز بضم أوّله وإهمال الحاء وكسر الراء بعدها زاي (لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم) نصب بالكسرة على المفعولية لضروع والمراد وإن فشبّه عليه الصلاة والسلام ضروع الواشي في ضبطها الألبان على أربابها بالخزانة التي تحفظ ما أودعت من متاع وغيره (فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه) وفيه النهي عن أن يأخذ المسلم للمسلم شيئًا بغير إذنه وإنما خص اللبن بالذكر لتساهل الناس فيه فنبّه به على ما هو أعلى منه. وقال النووي في شرح المهذّب: اختلف العلماء فيمن مرّ ببستان أو زرع أو ماشية فقال الجمهور: لا يجوز أن يأخذ منه شيئًا إلا في حال الضرورة فيأخذ ويغرم عند الشافعي والجمهور، وقال بعض السلف: لا يلزمه شيء وقال أحمد: إذا لم يكن على البستان حائط جاز له الأكل من الفاكهة الرطبة في أصح الروايتين ولو لم يحتج إلى ذلك وفي الرواية الأخرى إذا احتاج ولا ضمان عليه في الحالتين، وعلّق الشافعي القول بذلك على صحة الحديث. قال البيهقي: يعني حديث ابن عمر مرفوعًا: إذا أمر أحدكم بحائط فليأكل ولا يتخذ خبنة أخرجه الترمذي واستغربه. قال البيهقي: لم يصح وجاء من أوجه أُخر غير قوية. قال الحافظ ابن حجر: والحق أن مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح، وقد احتجوا في كثير من الأحكام بما هو دونها انتهى. وحديث الباب أخرجه مسلم في القضاء وأبو داود في الجهاد. 9 - باب إِذَا جَاءَ صَاحِبُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ سَنَةٍ رَدَّهَا عَلَيْهِ، لأَنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ هذا (باب) بالتنوين (إذا جاء صاحب اللقطة بعد سنة ردّها عليه لأنها وديعة عنده). 2436 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ -رضي الله عنه-: «أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ اللُّقَطَةِ قَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ -أَوِ احْمَرَّ وَجْهُهُ- ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي مولاهم البغلاني البلخي قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري المدني (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) التميمي مولاهم المدني المعروف بربيعة الرأي (عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أن رجلاً) وفي السابقة أنه أعرابي وهو يرد على ابن بشكوال حيث فسره ببلال، وفسره الحافظ ابن حجر بسويد والد عقبة بن سويد الجهني لحديث أخرجه الحميديّ وابن السكن وغيرهما كما مرّ (سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن اللقطة) ما حكمها؟ (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عرّفها سنة) وجوبًا ولا يجب الاستيعاب للسنة بل تعرّف على العادة (ثم اعرف وكاءها) بكسر الواو الخيط الذي يربط بها وعاؤها (وعفاصها) بكسر العين وعاءها، وهذا يقتضي أن التعريف يكون قبل معرفة علاماتها وفي باب ضالة الغنم اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة وهي رواية الأكثر وهي تقتضي أن يكون التعريف متأخرًا عن العلامات، فجمع بينهما النووي بأن يكون مأمورًا بمعرفة العلامات أوّل ما يلتقط حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها كما مرّ ثم بعد تعريفها سنة إذا أراد أن يتملكها تعرفها مرة أخرى تعرفًا وافيًا محقّقًا ليعلم قدرها وصفتها قبل التصرف فيها (ثم استنفق بها فإن جاء ربها) أي مالكها (فأدّها إليه) إن كانت موجودة وإلاّ فردّ

10 - باب هل يأخذ اللقطة ولا يدعها تضيع حتى لا يأخذها من لا يستحق؟

مثلها إن كانت مثلية أو قيمتها يوم التملك إن كانت متقوّمة لأنه يوم دخولها في ضمانه وضمانها ثابت في ذمته من يوم التلف، ولا ريب أن المأذون في استنفاقه إذا أنفق لا تبقى عينه وإن جاء المالك وقد بيعت اللقطة فله الفسخ في زمن الخيار لاستحقاقه الرجوع لعين ماله مع بقائه، وقيل ليس له الفسخ لأن خيار العقد إنما يستحقه العاقد دون غيره لأن شرط الخيار للمشتري وحده فليس للمالك الخيار، ولو كانت موجودة لكنها نقصت بعد التملك لزم الملتقط ردّها مع غرم الأرش لأن جميعها مضمون عليه فكذا بعضها وزاد المؤلّف في الحديث المسوق في ضالة الغنم وكانت وديعة عنده. (قالوا) ولأبوي ذر والوقت: فقال أي الرجل (يا رسول الله فضالة الغنم) ما حكمها؟ (قال) عليه الصلاة والسلام: (خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب) أي إن تركتها ولم يأخذها غيرك يأكلها الذئب غالبًا فنبّه على جواز التقاطها وتملكها وعلى ما هو العلة وهو كونها معرّضة للضياع ليدل على اطّراد هذا الحكم في كل حيوان يعجز عن الرعية بغير راعٍ والتحفّظ عن صغار السباع. (قال) السائل (يا رسول الله فضالة الإبل) ما حكمها؟ (قال) زيد بن خالد (فغضب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى احمرّت وجنتاه) ما ارتفع من وجهه الكريم (أو احمر وجهه) شك الراوي (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (ما لك ولها معها حذاؤها وسقاؤها) خفّها وجوفها زاد في الرواية الأخرى ترد الماء وتأكل الشجر (حتى يلقاها ربّها) وأشار بالتقييد بقوله معها سقاؤها إلى أن المانع والفارق بينها وبين الغنم ونحوها استقلالها بالتعيش. 10 - باب هَلْ يَأْخُذُ اللُّقَطَةَ وَلاَ يَدَعُهَا تَضِيعُ حَتَّى لاَ يَأْخُذَهَا مَنْ لاَ يَسْتَحِقُّ؟ هذا (باب) بالتنوين (هل يأخذ) الشخص (اللقطة ولا يدعها) حال كونها (تضيع) بتركه إياها (حتى لا يأخذها من لا يستحق). قال الحافظ ابن حجر: سقطت "لا" بعد حتى في رواية ابن شبويه وأظن الواو سقطت من قبل حتى، والمعنى لا يدعها تضيع ولا يدعها حتى يأخذها من لا يستحق، وتعقبه العيني فقال: لا يحتاج إلى هذا الظن ولا إلى تقدير الواو لأن المعنى صحيح والمعنى لا يتركها ضائعة ينتهي إلى أخذها من لا يستحق، وأشار بهذه الترجمة إلى الرد على من كره اللقطة مستدلاًّ بحديث الجارود مرفوعًا عند النسائي بإسناد صحيح: ضالة المسلم حرق النار بفتح الحاء المهملة والراء وقد تسكن الراء، والمعنى أن ضالة المسلم إذا أخذها إنسان ليتملكها أدّته إلى النار وهو تشبيه بليغ حذف منه حرف التشبيه للمبالغة وهو من تشبيه المحسوس بالمحسوس، ومذهب الشافعية استحبابها لأمين وثّق بنفسه وتكره لفاسق لئلا تدعوه نفسه إلى الخيانة ولا تجب، وإن غلب على ظنه ضياع اللقطة وأمانة نفسه كما لا يجب قبول الوديعة. وحملوا حديث الجارود على من لا يعرفها لحديث زيد بن خالد عند مسلم من آوى الضالة فهو ضال ما لم يعرفها. 2437 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ وَزَيْدِ بْنِ صُوحَانَ فِي غَزَاةٍ، فَوَجَدْتُ سَوْطًا، فَقَالَ لِي: أَلْقِهِ، قُلْتُ: لاَ، وَلَكِنْ إِنْ وَجَدْتُ صَاحِبَهُ وَإِلاَّ اسْتَمْتَعْتُ بِهِ. فَلَمَّا رَجَعْنَا حَجَجْنَا، فَمَرَرْتُ بِالْمَدِينَةِ، فَسَأَلْتُ أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ -رضي الله عنه- فَقَالَ: وَجَدْتُ صُرَّةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ، فَأَتَيْتُ بِهَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلاً، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلاً. ثُمَّ أَتَيْتُ فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلاً، فَعَرَّفْتُهَا حَوْلاً. ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلاً فَعَرَّفْتُهَا حَوْلاً. ثُمَّ أَتَيْتُهُ الرَّابِعَةَ فَقَالَ: اعْرِفْ عِدَّتَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلاَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا». حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ بِهَذَا، قَالَ: "فَلَقِيتُهُ بَعْدُ بِمَكَّةَ فَقَالَ: لاَ أَدْرِي أَثَلاَثَةَ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلاً وَاحِدًا". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي بمعجمة ثم مهملة قال: (حدّثنا شعبة) ابن الحجاج (عن سلمة بن كهيل) بالتصغير الحضرمي أبي يحيى الكوفي أنه (قال: سمعت سويد بن غفلة) بتصغير سويد وفتح الغين المعجمة والفاء واللام من غفلة الجعفي المخضرم التابعي الكبير (قال: كنت مع سلمان بن ربيعة) بفتح السين وسكون اللام ابن يزيد بن عمرو الباهلي يقال له صحبة وكان يلي الخيول أيام عمر وهو أول من استقضي على الكوفة (وزيد بن صوحان) بضم الصاد المهملة وسكون الواو وبالحاء المهملة العبدي التابعي الكبير المخضرم (في غزاة) زاد أحمد من طريق سفيان عن سلمة حتى إذا كنّا بالعذيب وهو بضم العين المهملة وفتح الذال المعجمة آخره موحدة موضع أو هو بين الجار وينبع أو وادٍ بظاهر الكوفة (فوجدت سوطًا فقال لي) أحدهما ولأبي ذر: فقالا لي أي سلمان وزيد (ألقه) قال ابن غفلة (قلت لا) ألقيه (ولكن) ولأبي ذر: ولكني (إن وجدت صاحبه) دفعته إليه (وإلا استمتعت به، فلما رجعنا حججنا فمررت بالمدينة فسألت أُبي بن كعب رضي الله تعالى عنه) عن حكم التقاط السوط. (فقال: وجدت صرة على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها مائة دينار) استدلّ به لأبي حنيفة

11 - باب من عرف اللقطة ولم يدفعها إلى السلطان

في تفرقته بين قليل اللقطة وكثيرها فيعرّف الكثير سنة والقليل أيامًا، وحدّ القليل عنده ما لا يوجب القطع وهو ما دون العشرة (فأتيت بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (عرّفها حولاً فعرفتها حولاً) أي فلم أجد من يعرفها (ثم أتيت) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) عليه الصلاة والسلام (عرفها حولاً فعرفتها حولاً) أي فلم أجد من يعرفها (ثم أتيته) عليه الصلاة والسلام (فقال) عليه الصلاة والسلام (عرفها حولاً فعرفتها حولاً) أي فلم أجد من يعرفها (ثم أتيته الرابعة) أي بعد أن عرفتها ثلاثًا (فقال اعرف عدتها ووكاءها ووعاءها فإن جاء صاحبها) فأدّها إليه (وإلا) بأن لم يجيء (استمتع بها) بدون فاء. قال ابن مالك: في هذه الرواية حذف جواب إن الأولى وحذف شرط إن الثانية وحذف الفاء من جوابها، والأصل فإن جاء صاحبها أخذها أو نحو ذلك وإن لا يجيء فاستمتع بها. وبه قال: (حدّثنا عبدان) واسمه عبد الله (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عثمان بن جبلة بفتح الجيم والموحدة الأزدي البصري (عن شعبة) بن الحجاج (عن سلمة) هو ابن كهيل (بهذا) الحديث المذكور. (قال) شعبة بن الحجاج (فلقيته) أي سلمة بن كهيل كما صرّح به مسلم (بعد) بالبناء على الضم حال كونه (بمكة فقال) سلمة (لا أدري) قال سويد (أثلاثة أحوال أو) قال (حولاً واحدًا) وقد مرّ ما في هذه المسألة من البحث وأن الشك يوجب سقوط المشكوك فيه وهو الثلاثة فيجب العمل بالجزم وهو التعريف سنة واحدة في أول اللقطة. 11 - باب مَنْ عَرَّفَ اللُّقَطَةَ وَلَمْ يَدْفَعْهَا إِلَى السُّلْطَانِ (باب من عرف اللقطة ولم يدفعها) بالدال المهملة ولأبي ذر عن الكشميهني: ولم يرفعها بالراء (إلى السلطان). 2438 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ -رضي الله عنه-: «أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ اللُّقَطَةِ، قَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعِفَاصِهَا وَوِكَائِهَا وَإِلاَّ فَاسْتَنْفِقْ بِهَا. وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ وَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ، دَعْهَا حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا. وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْغَنَمِ. فَقَالَ: هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي بكسر الفاء قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن ربيعة) الرأي (عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد) الجهني (-رضي الله عنه- أن أعرابيًّا) مرّ الخلاف في اسمه (سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن اللقطة) ما حكمها؟ (قال) عليه الصلاة والسلام: (عرفها سنة فإن جاء أحد يخبرك بعفاصها) وعائها (ووكائها) فادفعها إليه (وإلاّ) بأن لم يجيء أحد أو جاء ولم يخبر بعلاماتها (فاستنفق بها) فإن جاء صاحبها فردّ بدلها. (وسأله) الأعرابيّ (عن) حكم (ضالة الأبل فتمعر) بتشديد العين المهملة أي تغير (وجهه) عليه الصلاة والسلام من الغضب (وقال ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها) بالذال المعجمة (ترد الماء وتأكل الشجر) فهي مستغنية بذلك عن الحفظ (دعها) اتركها (حتى يجدها ربها) مالكها. نعم إذا وجد الإبل أو نحوها في العمارة فيجوز له التقاطها للتملك كما مرّ مع غيره في ضالة الإبل. (وسأله) الأعرابيّ أيضًا (عن) حكم (ضالة الغنم. فقال) عليه الصلاة والسلام (هي لك) إن أخذتها (أو لأخيك) ملتقط آخر (أو للذئب) يأكلها إن تركتها ولم يأخذها غيرك لأنها لا تحمي نفسها. 12 - باب هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة وسقط لأبي ذر فهو كالفصل من سابقه. 2439 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْبَرَاءُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- ح. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "انْطَلَقْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ -فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ- فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرْتُهُ فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ الْغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ فَقَالَ هَكَذَا -ضَرَبَ إِحْدَى كَفَّيْهِ بِالأُخْرَى- فَحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَقَدْ جَعَلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِدَاوَةً، عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ". [الحديث 2439 - أطرافه 3615، 3652، 3908، 3917، 5607] وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (أخبرنا النضر) بسكون الضاد المعجمة ابن شميل مصغرًا قال: (أخبرنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: أخبرني) بالإفراد (البراء) بن عازب (عن أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما-). وبه قال: (ح حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني بضم الغين المعجمة والتخفيف البصري وثّقه غير واحد قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جدّه (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب (عن أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: انطلقت) وفي علامات النبوّة من طريق زهير بن معاوية أسرينا ليلتنا ومن الغد حتى قام قائم الظهيرة وخلا الطريق لا يمرّ فيه أحد فرفعت لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأت عليه الشمس فنزلنا عنده وسويت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكانًا بيدي ينام عليه وبسطت فيه فروة وقلت: نم يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك فنام وخرجت أنفض ما حوله (فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه فقلت) وسقطت الفاء لغير

46 - كتاب في المظالم والغصب

أبي ذر وثبتت له في نسخة (لمن) ولأبي ذر ممن بالميم بدل اللام (أنت؟ قال: لرجل من قريش فسماه فعرفته) ولم يعرف اسم الراعي ولا صاحب الغنم؟ وذكر الحاكم في الإكليل ما يدل على أنه ابن مسعود. قال الحافظ ابن حجر: وهو وهم (فقلت: هل في غنمك من لبن) بفتح اللام والموحدة وحكى عياض أن في رواية لبن بضم اللام وتشديد الموحدة جمع لابن أبي ذوات لبن (فقال: نعم) فيها (فقلت: هل أنت حالب لي)؟ قال في الفتح: الظاهر أن مراده بهذا الاستفهام أي أمعك إذن في الحلب لمن يمرّ بك على سبيل الضيافة، وبهذا يندفع الإشكال وهو كيف استجار أبو بكر أخذ اللبن من الراعي بغير إذن مالك الغنم، ويحتمل أن يكون أبو بكر لما عرفه عرف رضاه بذلك لصداقته له أو إذنه العام بذلك (قال): الراعي (نعم) أحلب لك. قال أبو بكر -رضي الله عنه- (فأمرته فاعتقل شاة من غنمه) أي حبسها والاعتقال أن يضع رجله بين فخذي الشاة ويحلبها (ثم أمرته أن ينفض ضرعها) أي ثديها (من الغبار ثم أمرته أن ينفض كفّيه) من الغبار أيضًا (فقال) ولأبي الوقت: قال (هكذا ضرب إحدى كفّيه بالأخرى فحلب كثبة) بضم الكاف وسكون المثلثة وفتح الموحدة أي قدر قدح أو شيئًا قليلاً أو قدر حلبة (من لبن وقد جعلت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إداوة) ركوة (على فمها) بالميم، ولأبي ذر والأصيلي عن الحموي والمستملي: على فيها (خرقة) بالرفع (فصببت على اللبن) من الماء الذي في الإداوة (حتى برد أسفله) بفتح الموحدة والراء (فانتهيت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في العلامات فوافقته حين استيقظ (فقلت اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت) الحديث في شأن الهجرة، وقد ساقه بأتم من هذا السياق في العلامات. قال ابن المنير: أدخل البخاري هذا الحديث في أبواب اللقطة لأن اللبن إذ ذاك في حكم الضائع المستهلك فهو كالسوط الذي اغتفر التقاطه، وأعلى أحواله أن يكون كالشاة الملتقطة في المضيعة، وقد قال فيها: "هي لك أو لأخيك أو للذئب" وكذا هذا اللبن إن لم يحلب ضاع، وتعقبه في المصابيح بأنه قد يمنع ضياعه مع وجود الراعي بحفظه وهذا يقدح في تشبيهه بالشاة لأنها بمحل مضيعة بخلاف هذا اللبن والله الموفّق والمعين على إتمام هذا الكتاب والنفع به والإخلاص فيه. بسم الله الرحمن الرحيم 46 - كتاب في المظالم والغصب وقول الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ}: المقنِعُ والمقمِحُ واحد. (بسم الله الرحمن الرحيم). (كتاب في المظالم) جمع مظلمة بكسر اللام وفتحها حكاه الجوهري وغيره والكسر أكثر ولم يضبطها ابن سيده في سائر تصرفها إلا بالكسر وفي القاموس، والمظلمة بكسر اللام وكثمامة ما يظلمه الرجل فلم يذكر فيه غير الكسر، ونقل أبو عبيد عن أبي بكر بن القوطية: لا تقول العرب مظلمة بفتح اللام إنما هي مظلمة بكسرها وهي اسم لما أخذ بغير حق والظلم بالضم. قال صاحب القاموس وغيره: وضع الشيء في غير موضعه. (والغصب) وهو لغة أخذ الشيء ظلمًا، وقيل أخذه جهرًا بغلبة وشرعًا الاستيلاء على حق الغير عدوانًا، وسقط حرف الجرّ لأبي ذر وابن عساكر، والمظالم بالرفع والغصب عطف عليه وسقط لفظ كتاب لغير المستملي وللنسفي كتاب الغصب باب في المظالم. (وقول الله تعالى) بالجرّ عطفًا على سابقه ({ولا تحسبن}) يا محمد ({الله غافلاً عما يعمل الظالمون}) أي لا تحسبه إذا أنظرهم وأجلهم أنه غافل عنهم مهمل لهم لا يعاقبهم على صنيعهم بل هو يحصي ذلك عليهم ويعدّه عدًّا، فالمراد تثبيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو هو خطاب لغيره ممن يجوز أن يحسبه غافلاً لجهله بصفاته تعالى، وعن ابن عيينة تسلية للمظلوم وتهديدًا للظالم ({إنما يؤخرهم}) يؤخر عذابهم ({ليوم تشخص فيه الأبصار}) أي تشخص فيه أبصارهم فلا تقرّ في أماكنها من شدة الأهوال، ثم ذكر تعالى كيفية قيامهم من قبورهم ومجيئهم إلى المحشر فقال: ({مهطعين مقنعي رؤوسهم}) [إبراهيم: 43] أي رافعي رؤوسهم (المقنع) بالنون والعين (والمقمح) بالميم والحاء المهملة معناهما (واحد) وهو رفع الرأس فيما أخرجه الفريابي عن مجاهد وهو تفسير أكثر أهل اللغة، وسقط قوله المقنع إلى آخره في رواية غير المستملي والكشميهني وزاد أبو ذر هنا: 1 - باب قِصَاصِ الْمَظَالِمِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مُهْطِعِينَ} مُدِيمِي النَّظَرِ. وَيُقَالُ مُسْرِعِينَ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ. {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} يَعْنِي جُوفًا لاَ عُقُولَ لَهُمْ {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}. (باب قصاص المظالم) أي يوم القيامة وسقط التبويب والترجمة هنا لأبي ذر وثبتا عنده بعد قوله المقنع والقمح واحد وسقطت الواو من قوله وقال مجاهد.

(وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي أيضًا (مهطعين) أي (مديمي النظر) لا يطرفون هيبة وخوفًا وسقط وقال لأبي ذر، ولأبوي ذر والوت: مدمني النظر. (ويقال: مسرعين) أي إلى الداعي كما قال تعالى: {مهطعين إلى الداع} [القمر: 8] وهذا تفسير أبي عبيدة في المجاز ({لا يرتد إليهم طرفهم}) بل تثبت عيونهم شاخصة لا تطرف لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة لما يحل بهم ({وأفئدتهم هواء} يعني جوفًا) بضم الجيم وسكون الواو خاوية خالية (لا عقول لهم) لفرط الحيرة والدهشة وهو تشبيه محض لأنها ليست بهواء حقيقة، وجهة التشبيه يحتمل أن تكون في فراغ الأفئدة من الخير والرجاء والطمع في الرحمة ({وأنذر الناس}) يا محمد ({يوم يأتيهم العذاب}) يعني يوم القيامة أو يوم الموت فإنه أول يوم عذابهم وهو مفعول ثانٍ لأنذر ولا يجوز أن يكون ظرفًا لأن القيامة ليست بموطن الإنذار ({فيقول الذين ظلموا}) بالشر والتكذيب ({ربنا أخّرنا إلى أجل قريب}) أخّر العذاب وردّنا إلى الدنيا وأمهلنا إلى أمد وحدّ من الزمان قريب نتدارك ما فرطنا فيه ({نجب دعوتك ونتبع الرسل}) جواب للأمر ونظيره قوله تعالى: {لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصدّق} [المنافقون: 10] ({أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال}) على إرادة القول وفيه وجهان أن يقولوا ذلك بطرًا وأشرًّا ولما استولى عليهم من عادة الجهل والسفه وأن يقولوه بلسان الحال حيث بنوا شديدًا وأمهلوا بعيدًا وقوله {ما لكم} جواب القسم وإنما جاء بلفظ الخطاب لقوله أقسمتم، ولو حكي لفظ المقسمين لقيل ما لنا من زوال، والمعنى أقسمتم أنكم باقون في الدنيا لا تزالون بالموت والفناء وقيل لا تنتقلون إلى دار أخرى يعني كفرهم بالبعث لقوله تعالى: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت} [النحل: 38] قاله الزمخشري. ({وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم}) بالكفر والمعاصي كعاد وثمود ({وتبين لكم كيف فعلنا بهم}) بما تشاهدون في منازلهم من آثار ما نزل بهم وما تواتر عندكم من أخبارهم ({وضربنا لكم الأمثال}) من أحوالهم أي بيّنّا لكم أنكم مثلهم في الكفر واستحقاق العذاب أو صفات ما فعلوا وفعل بهم التي هي في الغرابة كالأمثال المضروبة ({وقد مكروا مكرهم}) أي مكرهم العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم لإبطال الحق وتقرير الباطل ({وعند الله مكرهم}) ومكتوب عنده فعلهم فهو مجازيهم عليه بمكر هو أعظم منه أو عنده ما يمكرهم به وهو عذابهم الذي يستحقونه ({وإن كان مكرهم}) في العظم والشدة ({لتزول منه الجبال}) مسوّى لإزالة الجبال معدًّا لذلك وقيل إن نافية واللام مؤكدة لها كقوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة: 143] والمعنى ومحال أن تزول الجبال بمكرهم على أن الجبال مثل لآيات الله وشرائعه لأنها بمنزلة الجبال الراسية ثباتًا وتمكّنًا، وتنصره قراءة ابن مسعود: وما كان مكرهم وقرئ لتزول بلام الابتداء على معنى وإن كان مكرهم من الشدة بحيث تزول منه الجبال وتنقلع عن أماكنها ({فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله}) [إبراهيم: 47] يعني قوله إنّا لننصر رسلنا كتب الله لأغلبنّ أنا ورسلي وأصله مخلف رسله وعده فقدم المفعول الثاني على الأول إيذانًا بأنه لا يخلف الوعد أصلاً كقوله: {إن الله لا يخلف الميعاد} [آل عمران: 9] وإذا لم يخلف وعده أحدًا فكيف يخلف رسله ({إن الله عزيز}) غالب لا يماكر قادر لا يدافع ({ذو انتقام}) لأوليائه من أعدائه كما مرّ ولفظ رواية أبي ذر {ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون} إلى قوله: {إن الله عزيز ذو انتقام} وعنده بعد قوله: {وأنذر الناس} الآية. 2440 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، لأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا». وَقَالَ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ. [الحديث 2440 - طرفه في: 6535]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) هو ابن راهويه قال: (أخبرنا معاذ بن هشام) البصري قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة بن قتادة الدوسي البصري الأكمه أحد الأعلام (عن أبي المتوكل) علي بن دؤاد بدال مضمومة بعدها واو بهمزة (الناجي) بالنون

2 - باب قول الله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين}

والجيم (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا خلص المؤمنون) نجوا (من) الصراط المضروب على (النار حبسوا بقنطرة) كائنة (بين الجنة و) الصراط الذي على متن (النار فيتقاصون) بالصاد المهملة المشدّدة المضمومة من القصاص، والمراد به تتبع ما بينهم من المظالم وإسقاط بعضها ببعض، وللكشميهني: فيتقاضون بالضاد المعجمة المفتوحة المخففة (مظالم كانت بينهم في الدنيا) من أنواع المظالم المتعلقة بالأبدان والأموال فيتقاصون بالحسنات والسيئات، فمن كانت مظلمته أكثر من مظلمة أخيه أخذ من حسناته ولا يدخل أحد الجنة ولأحد عليه تباعة (حتى إذا نُقوا) بضم النون والقاف المشددة مبنيًّا للمفعول من التنقية، ولأبي ذر عن المستملي: تقصوا بفتح المثناة الفوقية والقاف وتشديد الصاد المهملة المفتوحة أي أكملوا التقاص (وهذبوا) بضم الهاء وتشديد الذال المعجمة المكسورة أي خلصوا من الآثام بمقاصصة بعضها ببعض (أذن لهم بدخول الجنة) بضم الهمزة وكسر المعجمة ويقتطعون فيها المنازل على قدر ما بقي لكل واحد من الحسنات (فو) الله (الذي نفس محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده) استعارة لنور قدرته (لأحدهم) بالرفع مبتدأ وفتح اللام للتأكيد (بمسكنه في الجنة) وخبر المبتدأ قوله (أدل) بالدال المهملة (بمنزله) وللحموي والمستملي: بمسكنه (كان في الدنيا) وإنما كان أدل لأنهم عرفوا مساكنهم بتعريضها عليهم بالغداة والعشي. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الرقاق. (وقال يونس بن محمد) المؤدب البغدادي فيما وصله ابن منده في كتاب الإيمان قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن التيمي مولاهم النحوي البصري نزيل الكوفة يقال إنه منسوب إلى نحوة بطن من الأزد لا إلى علم النحو (عن قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا أبو المتوكل) هو الناجي وغرض المؤلّف بسياق هذا التعليق تصريح قتادة بالتحديث عن أبي المتوكل. 2 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (باب قول الله تعالى) في سورة هود: (ألا لعنة الله على الظالمين) وأولها: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين} [هود: 18] قال ابن كثير: بيّن تعالى حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدار الآخرة على رؤوس الخلائق من الملائكة والرسل وسائر البشر والجان، وقال غيره من جوارحهم، وفي قوله: {ألا لعنة الله على الظالمين} تهويل عظيم بما يحيق بهم حينئذٍ لظلمهم بالكذب على الله. 2441 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّجْوَى؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَىْ رَبِّ. حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ، أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ». [الحديث 2441 - أطرافه في: 4685، 6070، 7514]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى بن دينار البصري العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة (قال: أخبرنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد فيهما (قتادة) بن دعامة (عن صفوان بن محرز) بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء وبالزاي (المازني) وقيل الباهلي البصري أنه (قال: بينما) بالميم وفي رواية بينا (أنا أمشي مع ابن عمر -رضي الله عنهما- آخذ بيده) بمد الهمزة مرفوع بدلاً من أمشي الذي هو خبر لقوله أنا والجملة حالية والضمير في يده لابن عمر وجواب بينما قوله (إذ عرض) له (رجل) لم أعرف اسمه (فقال) له: (كيف سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في النجوى) وللكشميهني: يقول في النجوى أي التي تقع بين الله وعبده يوم القيامة وهو فضل من الله تعالى حيث يذكر المعاصي للعبد سرًّا (فقال) ابن عمر -رضي الله عنهما- (سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقول): (إن الله) عز وجل (يدني المؤمن) أي يقربه (فيضع عليه كنفه) بفتح الكاف والنون والفاء أي حفظه وستره، وفي كتاب خلق الأفعال في رواية عبد الله بن المبارك عن محمد بن سواء عن قتادة في آخر الحديث قال عبد الله بن المبارك كنفه ستره (ويستره) عن أهل الموقف (فيقول) تعالى له (أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا) مرتين ولأبي ذر ذنبًا بالتنوين في الأخيرة (فيقول) المؤمن (نعم أي رب) أعرفه (حتى إذا قرره بذنوبه) جعله مقرًّا بأن أظهر له ذنوبه وألجأه إلى الإقرار

3 - باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه

بها حتى يعرف منة الله عليه في سترها عليه في الدنيا وفي عفوه عنه في الآخرة وسقط في رواية أبي ذر لفظ إذا (ورأى في نفسه أنه هلك) باستحقاقه العذاب (قال) تعالى له: (سترتها) أي الذنوب (عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى) حينئذٍ (كتاب حسناته، وأما الكافر) بالإفراد (والمنافقون) بالجمع في رواية أبي ذر عن الكشميهني والمستملي وله عن الكشميهني أيضًا والمنافق بالإفراد (فيقول الأشهاد) جمع شاهد وشهيد من الملائكة والنبيين وسائر الإنس والجن (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين). وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير والأدب والتوحيد ومسلم في التوبة والنسائي في التفسير وفي الرقائق وابن ماجة في السُّنَّة. 3 - باب لاَ يَظْلِمُ الْمُسْلِمُ الْمُسْلِمَ وَلاَ يُسْلِمُهُ هذا (باب) بالتنوين (لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه) بضم الياء وسكون المهملة وكسر اللام مضارع أسلم أي لا يلقيه إلى هلكة بل يحميه من عدوّه. 2442 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". [الحديث 2442 - طرفه في: 6951]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري ونسبه إلى جدّه لشهرته به قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن عقيل بالفتح الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن سالمًا أخبره أن) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (المسلم) سواء كان حرًّا أو عبدًا بالغًا أو لا (أخو المسلم) في الإسلام (لا يظلمه) خبر بمعنى النهي لأن ظلم المسلم للمسلم حرام (ولا يسلمه) بضم أوّله وسكون ثانيه وكسر ثالثه لا يتركه مع من يؤذيه بل يحميه وزاد الطبراني ولا يسلمه في مصيبة نزلت به (ومن كان في حاجة أخيه) المسلم (كان الله في حاجته) وعند مسلم من حديث أبي هريرة "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" (ومن فرج عن مسلم كربة) بضم الكاف وسكون الراء وهي الغم الذي يأخذ النفس أي من كرب الدنيا (فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة) بضم الكاف والواء جمع كربة (ومن ستر مسلمًا) رآه على معصية قد انقضت فلم يظهر ذلك للناس فلو رآه حال تلبسه بها وجب عليه الإنكار لا سيما إن كان مجاهرًا بها فإن انتهى وإلا رفعه إلى الحاكم وليس من الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة (ستره الله يوم القيامة) وفي حديث أبي هريرة عند الترمذي ستره الله في الدنيا والآخرة". وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الإكراه ومسلم وأبو داود والترمذي في الحدود والنسائي في الرجم. 4 - باب أَعِنْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا هذا (باب) بالتنوين (أعن أخاك) المسلم سواء كان (ظالمًا أو مظلومًا). 2443 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ وَحُمَيْدٌ الطَّوِيلُ سَمِعَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا». [الحديث 2443 - طرفاه في: 2444، 6952]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي الوقت: حدّثني بالإفراد (عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم بن عثمان أبو الحسن العبسي الكوفي قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة بالتصغير ابن بشير بالتصغير أيضًا الواسطي قال: (أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر بن أنس) بضم العين مصغرًا ابن مالك الأنصاري (وحميد الطويل) سقط الطويل لأبي ذر أن كلاًّ منهما (سمع أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول) ولأبي ذر سمعا بالتثنية أي عبيد الله وحميد وقول العيني أن الضمير في سمع بلفظ الإفراد يعود على حميد لا يخفى ما فيه (قال رسول الله) ولأبي ذر قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (انصر أخاك) أي فى الإسلام (ظالمًا) كان (أو مظلومًا) زاد في الإكراه من طريق أخرى عن هشيم عن عبيد الله وحده فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلومًا أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: تحجزه عن الظلم فإن ذلك نصره" أي منعك إياه من الظلم نصرك إياه على شيطانه الذي يغويه وعلى نفسه التي تأمره بالسوء وتطغيه. 2444 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) بمهملات وتشديد الدال الأولى ابن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري قال: (حدّثنا معتمر) من الاعتمار هو ابن سليمان بن طرخان التيمي (عن حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا قالوا): ولأبي الوقت في نسخة قال وفي الإكراه فقال رجل (يا رسول الله) ولم يسم هذا

5 - باب نصر المظلوم

الرجل (هذا) أي الرجل الذي (ننصره) حال كونه (مظلومًا فكيف ننصره) حال كونه (ظالمًا قال) عليه الصلاة والسلام (تأخذ فوق يديه) بالتثنية وهو كناية عن منعه عن الظلم بالفعل إن لم يمتنع بالقول، وعنى بالفوقية الإشارة إلى الأخذ بالاستعلاء والقوّة وقد ترجم المؤلّف بلفظ الإعانة، وساق الحديث بلفظ النصر فأشار إلى ما ورد في بعض طرقه وذلك فيما رواه حديج بن معاوية وهو بالمهملة وآخره جيم مصغرًا عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا "أعن أخاك ظالمًا" الحديث. أخرجه ابن عدي وأبو نعيم في المستخرج من الوجه الذي أخرجه منه المؤلّف. قال ابن بطال: النصر عند العرب الإعانة، وقد فسر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نصر الظالم منعه من الظلم لأنك إذا تركته على ظلمه أدّاه ذلك إلى أن يقتص منه فمنعك له من وجوب القصاص نصرة له، وهذا من باب الحكم للشيء وتسميته بما يؤول إليه وهو من عجيب الفصاحة ووجيز البلاغة، وقد ذكر مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر سببًا لحديث الباب يستفاد منه زمن وقوعه ولفظه: اقتتل رجل من المهاجرين وغلام من الأنصار فنادى المهاجريّ يا للمهاجرين ونادى الأنصاري يا للأنصار فخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "ما هذا أدعوى الجاهلية" قالوا: لا إن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر فقال: "لا بأس ولينصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا" الحديث. وذكر المفضل الضبي في كتابه الفاخر: إن أول من قال انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم وأراد بذلك ظاهره وهو ما اعتادوه من حمية الجاهلية لا على ما فسره النبي وفي ذلك يقول شاعرهم: إذا أنا لم أنصر أخي وهو ظالم ... على القوم لم أنصر أخي حين يظلم قاله الحافظ ابن حجر. 5 - باب نَصْرِ الْمَظْلُومِ (باب نصر المظلوم). 2445 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدٍ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَمَرَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ. فَذَكَرَ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعَ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ، وَرَدَّ السَّلاَمِ، وَنَصْرَ الْمَظْلُومِ، وَإِجَابَةَ الدَّاعِي، وَإِبْرَارَ الْمُقْسِمِ". وبه قال: (حدّثنا سعيد بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة وكسر عين سعيد العامري الحرشي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأشعث بن سليم) بضم السين وفتح اللام مصغرًا والأشعث بالمعجمة والمثلثة أبي الشعثاء الكوفي (قال: سمعت معاوية بن سويد) بضم السين وفتح الواو ابن مقرّن المزني الكوفي (قال: سمعت البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: أمرنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونهانا عن سبع فذكر عيادة المريض) وهي سنة إذا كان له متعهد وإلاّ فواجبة (واتباع الجنائز) فرض على الكفاية (وتشميت العاطس) إذا حمد الله سنة (ورد السلام) فرض كفاية (ونصر المظلوم) مسلمًا كان أو ذميًّا واجب على الكفاية ويتعين على السلطان وقد يكون بالقول أو بالفعل ويكفّه عن الظلم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "أمر الله بعبد من عباده أن يضرب في قبره مائة جلدة فلم يزل يسأل الله تعالى ويدعوه حتى صارت واحدة فامتلأ قبره عليه نارًا فلما ارتفع عنه أفاق فقال علام جلدتموني؟ قالوا: إنك صلّيت صلاة بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره". رواه الطحاوي إن كان هذا حال من لم ينصره فكيف من ظلمه. (إجابة الداعي) سُنّة إلا في وليمة النكاح، فعند الشافعية والحنابلة أنها فرض عين إذا كان الداعي مسلمًا وأن تكون في اليوم الأول وأن لا يكون هناك منكر كشرب خمر. (وإبرار المقسم) بميم مضمومة وكسر السين سُنّة أي الحالف إذا أقسم عليه في مباح يستطيع فعله ولأبي ذر عن الكشميهني وإبرار القسم. وهذا الحديث قد سبق في الجنائز تامًّا وساقه هنا مختصرًا لم يذكر السبع المنهي عنها والمراد منه هنا قوله: "ونصر المظلوم". 2446 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة مصغرًا ابن عبد الله بن أبي بردة (عن) جده (أبي بردة) الحرث أو عامر (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (المؤمن للمؤمن) التعريف فيه للجنس والمراد بعض المؤمن للبعض (كالبنيان يشد بعضه

6 - باب الانتصار من الظالم، لقوله جل ذكره: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما}. {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}. قال إبراهيم: كانوا يكرهون أن يستذلوا، فإذا قدروا عفوا.

بعضًا) بيان لوجه التشبيه وللكشميهنى يشد بعضهم بعضًا بميم الجمع (وشبك) عليه الصلاة والسلام (بين أصابعه) كالبيان للوجه أي شدًّا مثل هذا الشد وفيه تعظيم حقوق المسلمين بعضهم لبعض وحثّهم على التراحم والملاطفة والتعاضد، والمؤمن إذا شدّ المؤمن فقد نصره والله أعلم. 6 - باب الاِنْتِصَارِ مِنَ الظَّالِم، لِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}. {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُسْتَذَلُّوا، فَإِذَا قَدَرُوا عَفَوْا. (باب الانتصار من الظالم لقوله جل ذكره) في سورة النساء: ({لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلاّ من ظلم}) أي إلا جهر من ظلم بالدعاء على الظالم والتظلّم منه، وعن السدي نزلت في رجل نزل بقوم فلم يضيفوه فرخص له أن يقول فيهم ونزولها في واقعة عين لا يمنع حملها على عمومها. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- المراد بالجهر من القول الدعاء فرخص للمظلوم أن يدعو على من ظلمه ({وكان الله سميعًا) لكلام المظلوم ({عليمًا}) [النساء: 148] بالظالم ولقوله تعالى في سورة الشورى: ({والذين إذا أصابهم البغي}) يعني الظلم ({هم ينتصرون}) [الشورى: 39] ينتقمون ويقتصّون. (قال إبراهيم) النخعي مما وصله عبد بن حميد وابن عيينة في تفسيرهما (كانوا) أي السلف (يكرهون أن يستذلوا) بضم الياء وفتح التاء والمعجمة من الذل (فإذا قَدَروا) بفتح الدال المهملة (عفوا) عمّن بغى عليهم. 7 - باب عَفْوِ الْمَظْلُومِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء: 149]. {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ... } {وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}. [الشورى: 40 - 44]. (باب عفو المظلوم) عمن ظلمه (لقوله تعالى) في سورة النساء: ({إن تبدوا خيرًا) طاعةً وبرًّا ({أو تخفوه}) أي تفعلوه سرًّا ({أو تعفوا عن سوء}) لكم المؤاخذة عليه وهو المقصود وذكر إبداء الخير وإخفائه تسبيب له ولذلك رتب عليه قوله: ({فإن الله كان عفوًّا قديرًا) [النساء: 149] أي يكثر العفو عن العصاة مع كمال قدرته على الانتقام فأنتم أولى بذلك وهو حثّ للمظلوم على العفو بعدما رخص له في الانتصار حملاً على مكارم الأخلاق، وقوله تعالى في سورة حم عسق: ({وجزاء سيئة سيئة مثلها}) وسمى الثانية سيئة للازدواج ولأنها تسوء من تنزل به ({فمن عفا وأصلح}) بينه وبين خصمه بالعفو والإغضاء ({فأجره على الله}) عدة مبهمة لا يقاس أمرها في العظم ({إنه لا يحب الظالمين}) المبتدئين بالسيئة والمتجاوزين في الانتقام ({ولمن انتصر بعد ظلمه}) بعدما ظلم فهو من إضافة المصدر إلى المفعول ({فأولئك ما عليهم من سبيل}) من مأثم ({إنما السبيل}) يعني الإثم والحرج ({على الذين يظلمون الناس}) يبتدئونهم بالإضرار يطلبون ما لا يستحقونه تجبّرًا عليهم ({ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم}) على ظلمهم وبغيهم ({ولمن صبر}) على الأذى ولم يقتص من صاحبه ({وغفر}) تجاوز عنه وفوّض أمره إلى الله ({إن ذلك}) الصبر والتجاوز ({لمن عزم الأمور}) [الشورى: 40 - 41، 42 - 43] أي إن ذلك منه فحذف للعلم به كما حذف في قولهم السمن منوان بدرهم. ويحكى أن رجلاً سبّ رجلاً في مجلس الحسن -رحمه الله- فكان المسبوب يكظم ويعرق فيمسح العرق ثم قام فتلا هذه الآية فقال الحسن: عقلها والله وفهمها إذ ضيعها الجاهلون. وفي حديث أبي هريرة عند الإمام أحمد وأبي داود أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأبي بكر: "ما من عبد ظلم مظلمة فعفا عنها إلا أعز الله بها نصره" وقد قالوا: العفو مندوب إليه ثم قد ينعكس الأمر في بعض الأحوال فيرجع ترك العفو مندوبًا إليه، وذلك إذا احتيج إلى كف زيادة البغي وقطع مادة الأذى، وسقط من الفرع قوله تعالى: {ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده} أي من ناصر يتولاه من بعد خذلان الله له وثبت فيه قوله تعالى: ({وترى الظالمين لما رأوا العذاب}) حين يرونه فذكره بلفظ الماضي تحقيقًا ({يقولون هل إلى مرد من سبيل}) [الشورى: 44] أي إلى رجعة إلى الدنيا. وفي رواية أبي ذر {فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين} إلى قوله: {مردّ من سبيل} فأسقط ما ثبت في رواية غيره. 8 - باب الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هذا (باب) بالتنوين (الظلم ظلمات يوم القيامة). 2447 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس أبو عبد الله التميمي اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن عبد الله بن أبي سلمة واسمه دينار (الماجشون) بكسر الجيم وبالشين المعجمة المضمومة قال: (أخبرنا عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الظلم) بأخذ مال الغير بغير حق أو التناول من عرضه أو نحو ذلك

9 - باب الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم

(ظلمات) على صاحبه (يوم القيامة). فلا يهتدي يوم القيامة بسبب ظلمه في الدنيا فربما وقع قدمه في ظلمة ظلمه فهوت في حفرة من حفر النار وإنما ينشأ الظلم من ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر، فإذا سعى المتّقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت ظلمات الظلم الظالم حيث لا يغني عنه ظلمه شيئًا. قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: يؤتى بالظلمة فيوضعون في تابوت من نار ثم يزجّون فيها. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب والترمذي في البر. 9 - باب الاِتِّقَاءِ وَالْحَذَرِ مِنْ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ (باب الاتّقاء والحذر من دعوة المظلوم). 2448 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَكِّيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن موسى) بن عبد ربّه البلخي الملقب بخت بفتح المعجمة وتشديد المثناة الفوقية قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح الرؤاسي بضم الراء وهمزة ثم مهملة الكوفي قال: (حدّثنا زكريا بن إسحاق المكي) الثقة (عن يحيى بن عبد الله بن صيفي) بالصاد المهملة المكي (عن أبي معبد) نافذ بالفاء والمعجمة أو المهملة (مولى ابن عباس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث معاذًا إلى) أهل (اليمن) واليًا عليهم سنة عشر يعلمهم الشرائع ويقبض الصدقات (فقال) له: (اتق دعوة المظلوم) وإن كان عاصيًا (فإنها) أي دعوة المظلوم وللمستملي فإنه أي الشأن (ليس بينها وبين الله حجاب) كناية عن الاستجابة وعدم الرد كما صرّح به في حديث أبي هريرة عند الترمذي مرفوعًا بلفظ ثلاثة لا تردّ دعوتهم الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب وعزّتي لأنصرنّك ولو بعد حين". وحديث الباب قد سبق في باب أخذ الصدقة من الأغنياء من كتاب الزكاة بأتم من هذا واقتصر منه هنا على المراد. 10 - باب مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ عِنْدَ الرَّجُلِ فَحَلَّلَهَا لَهُ هَلْ يُبَيِّنُ مَظْلَمَتَهُ؟ (باب من كانت له مظلمة) بكسر اللام وحكي فتحها (عند الرجل) وفي رواية عند رجل (فحللها له هل يبين مظلمته) حتى يصح التحليل منها أم لا. 2449 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَىْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْمَقْبُرِيَّ لأَنَّهُ كَانَ نَزَلَ نَاحِيَةَ الْمَقَابِرِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَسَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ هُوَ مَوْلَى بَنِي لَيْثٍ، وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، وَاسْمُ أَبِي سَعِيدٍ كَيْسَانُ. [الحديث 2449 - طرفه في: 6534]. وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) عبد الرحمن العسقلاني الخراساني الأصل قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن قال: (حدّثنا سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من كانت له مظلمة) بكسر اللام وفي الرقاق من رواية مالك عن المقبري من كانت عنده مظلمة (لأحد) ولأبي ذر: لأخيه (من عرضه) بكسر العين المهملة موضع الذم والدح منه سواء كان في نفسه أو أصله أو فرعه (أو شيء) من الأشياء كالأموال والجراحات حتى اللطمة وهو من عطف العام على الخاص (فليتحلله منه اليوم) نصب على الظرفية والمراد من اليوم أيام الدنيا لمقابلته بقوله (قبل أن لا يكون دينار ولا درهم) فيؤخذ منه بدل مظلمته وهو يوم القيامة، والمراد بالتحلل أن يسأله أن يجعله في حلٍّ وليطلبه ببراءة ذمته. وقال الخطابي: معناه يستوهبه ويقطع دعواه عنه لأن ما حرم الله من الغيبة لا يمكن تحليله وجاء رجل إلى ابن سيرين فقال: اجعلني في حِلٍّ فقد اغتبتك. فقال: إني لا أحل ما حرم الله ولكن ما كان من قبلنا فأنت في حلٍّ ولما قال قبل أن لا يكون دينار ولا درهم كأنه قيل فما يؤخذ منه بدل مظلمته؟ فقال: (إن كان له) أي الظالم (عمل صالح أخذ منه) أي من ثواب عمله الصالح (بقدر مظلمته) التي ظلمها لصاحبه (وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه) الذي ظلمه (فحمل عليه) أي على الظالم عقوبة سيئات المظلوم. قال المازري: زعم بعض المبتدعة أن هذا الحديث معارض لقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: 164] وهو باطل وجهالة بيّنة لأنه إنما عوقب بفعله ووزره فتوجه عليه حقوق لغريمه فدفعت إليه من حسناته فلما فرغت حسناته أخذ من سيئات خصمه فوضعت عليه فحقيقة العقوبة مسببة عن ظلمه ولم يعاقب بغير جناية منه. (قال أبو عبد الله) المؤلّف (قال إسماعيل بن أبي أويس) هو شيخ المؤلّف (إنما سمي) أي أبو سعيد المذكور في السند (المقبري لأنّه كان نزل) ولأبي ذر: ينزل (ناحية المقابر) بالمدينة الشريفة، وقيل: لأن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جعله على حفر القبور بالمدينة وهو تابعي. (قال

11 - باب إذا حلله من ظلمه فلا رجوع فيه

أبو عبد الله) البخاري (وسعيد المقبري هو مولى بني ليث) كان مكاتبًا لامرأة من أهل المدينة من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة (وهو سعيد بن أبي سعيد واسم أبي سعيد كيسان) بفتح الكاف ومات سعيد المقبري في أول خلافة هشام. وقال ابن سعد مات سنة ثلاث وعشرين ومائة واتفقوا على توثيقه. قال محمد بن سعد: كان ثقة كثير الحديث لكنه اختلط قبل موته بأربع سنين، وقد سقط قوله قال أبو عبد الله قال إسماعيل الخ في غير رواية الكشميهني وثبت فيها والله أعلم. 11 - باب إِذَا حَلَّلَهُ مِنْ ظُلْمِهِ فَلاَ رُجُوعَ فِيهِ هذا (باب) بالتنوين (إذا حلله من ظلمه فلا رجوع فيه) سواء كان معلومًا أو مجهولاً عند من يجيزه. 2450 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: " {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} قَالَتِ: الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ لَيْسَ بِمُسْتَكْثِرٍ مِنْهَا يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَتَقُولُ: أَجْعَلُكَ مِنْ شَأْنِي فِي حِلٍّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي ذَلِكَ". [الحديث 2450 - أطرافه في: 2694، 4601، 5206]. وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن مقاتل قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) زاد الكشميهني في هذه الآية: ({وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا) تجافيًا عنها وترفعًا عن صحبتها كراهة لها ومنعًا لحقوقها ({أو إعراضًا) [النساء: 128] بأن يقل مجالستها ومحادثتها. (قالت) عائشة (الرجل تكون عنده المرأة) حال كونه (ليس بمستكثر منها) أي ليس بطالب كثرة الصحبة منها إما لكبرها أو لسوء خلقها أو لغير ذلك وخبر المبتدأ الذي هو الرجل قوله (يريد أن يفارقها) أي لما ذكر (فتقول) المرأة (أجعلك من) أجل (شأني في حلٍّ) أي من حقوق الزوجية وتتركني بغير طلاق (فنزلت هذه الآية في ذلك). وعن علي -رضي الله عنه- نزلت في المرأة تكون عند الرجل تكره مفارقته فيصطلحان على أن يجيئها كل ثلاثة أيام أو أربعة. وروى الترمذي من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خشيت سودة أن يطلقها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله لا تطلقني واجعل يومي لعائشة ففعل ونزلت هذه الآية وقال: حسن غريب. وقد تبين أن مورد الحديث إنما هو في حق من تسقط حقها من القسمة وحينئذٍ فقول الكرماني أن المطابقة بين الترجمة وما بعدها من جهة أن الخلع عقد لازم لا يصح الرجوع فيه فيلتحق به كل عقد لازم وهم كما نبّه عليه في فتح الباري. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير. 12 - باب إِذَا أَذِنَ لَهُ أَوْ أَحَلَّهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ هُوَ هذا (باب) بالتنوين (إذا أذن) رجل (له) أي لرجل آخر في استيفاء حقه (أو أحلّه) ولأبي ذر عن الكشميهني أو أحلّ له (ولم يبيّن كم هو) أي مقدار المأذون في استيفائه أو المحلّل. 2451 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ -وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ- فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ؟ فَقَالَ الْغُلاَمُ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا. قَالَ فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي يَدِهِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي حازم بن دينار) بالحاء المهملة والزاي سلمة الأعرج (عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله) وفي نسخة صحح عليها في اليونينية أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتي بشراب) في قدح والشراب هو اللبن الممزوج بالماء (فشرب منه وعن يمينه غلام) هو ابن عباس (وعن يساره الأشياخ فقال) عليه الصلاة والسلام: (للغلام أتأذن لي أن أعطي) القدح (هؤلاء)؟ أي الأشياخ (فقال الغلام: لا والله يا رسول الله لا أؤثر بنصيبي منك أحدًا) إنما قال ذلك لأنه عليه الصلاة والسلام لم يأمره به ولو أمره لأطاع وظاهره أنه لو أذن له لأعطاهم (قال: فتلّه) بالمثناة الفوقية واللام المشدّدة أي دفعه (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في يده) ولم يظهر لي وجه الناسبة بين الترجمة والحديث والله أعلم. وقد قيل إنها تؤخذ من معنى الحديث لأنه لو أذن الغلام له عليه الصلاة والسلام بدفع الشراب إلى الأشياخ لكان تحليل الغلام غير معلموم وكذلك مقدار شربهم وشربه. 13 - باب إِثْمِ مَنْ ظَلَمَ شَيْئًا مِنَ الأَرْضِ (باب إثم من ظلم شيئًا من الأرض). 2452 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ ظَلَمَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئًا طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ». [الحديث 2452 - طرفه في: 3198]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: حدّثني) بالإفراد (طلحة بن عبد الله) بن عوف ابن أخي عبد الرحمن بن عوف (أن عبد الرحمن بن عمرو بن سهل) القرشي وقيل الأنصاري المدني، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث (أخبره أن سعيد بن زيد) القرشي أحد العشرة المبشرة بالجنة (-رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من ظلم

من الأرض شيئًا) قليلاً أو كثيرًا وفي رواية عروة في بدء الخلق: من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا، ولأحمد من حديث أبي هريرة: من أخذ من الأرض شبرًا بغير حقه (طوّقه) بضم الطاء المهملة وكسر الواو المشددة وبالقاف مبنيًّا للمفعول (من سبع أرضين) بفتح الراء وقد تسكن أي يوم القيامة قيل أراد طوق التكليف وهو أن يطوّق حملها يوم القيامة. ولأحمد والطبراني من حديث يعلى بن مرّة مرفوعًا: "من أخذ أرضًا بغير حقها كلّف أن يحمل ترابها إلى المحشر" وفي رواية للطبراني في الكبير "من ظلم من الأرض شبرًا كلف أن يحفره حتى يبلغ به الماء ثم يحمله إلى المحشر" وقيل إنه أراد أنه يخسف به الأرض فتصير الأرض المغصوبة في عنقه كالطوق ويعظم قدر عنقه حتى يسع ذلك كما جاء في غلظ جلد الكافر وعظم ضرسه. قال البغوي: وهذا أصح، ويؤيده حديث ابن عمر المسوق في هذا الباب ولفظه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين. وفي حديث ابن مسعود عند أحمد بإسناد حسن والطبراني في الكبير قلت: يا رسول الله أيّ الظلم أظلم؟ فقال: "ذراع من الأرض ينتقصها المرء المسلم من حق أخيه فليس حصاة من الأرض يأخذها إلا طوّقها يوم القيامة إلى قعر الأرض ولا يعلم قعرها إلاّ الله الذي خلقها" أو المراد بالتطوّق الإثم فيكون الظلم لازمًا في عنقه لزوم الإثم عنقه، ومنه قوله تعالى: {ألزمناه طائره في عنقه} [الإسراء: 13] وفي هذا تهديد عظيم للغاصب خصوصًا ما يفعله بعضهم من بناء المدارس والربط ونحوهما مما يظنون به القرب والذكر الجميل من غصب الأرض لذلك وغصب الآلات واستعمال العمال ظلمًا وعلى تقدير أن يعطى فإنما يعطى من المال الحرام الذي اكتسبه ظلمًا الذي لم يقل أحد بجواز أخذه ولا الكفّار على اختلاف مِللهم فيزداد هذا الظالم بإرادته الخير على زعمه من الله بعدًا أما سمع هذا الظالم قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من ظلم من الأرض شيئًا طوّقه من سبع أرضين" وقوله عليه الصلاة والسلام فيما يروي عن ربه: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي العهد ثم غدر، ورجل باع حرًّا وأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه عمله ولم يعطه أجره" رواه البخاري. 2453 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ، فَذَكَرَ لِعَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا سَلَمَةَ اجْتَنِبِ الأَرْضَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ». [الحديث 2453 - طرفه في: 3195]. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو بن الحجاج المقعد البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا حسين) المعلم (عن يحيى بن أبي كثير) الطائي اليمامي (قال: حدّثني) بالإفراد (محمد بن إبراهيم) التيمي (أن أبا سلمة) عبد الله أو إسماعيل بن عبد الرحمن بن عوف (حدّثه أنه كانت بينه وبين أناس خصومة) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على أسمائهم، ووقع لمسلم من طريق حرب بن شداد عن يحيى وكان بينه وبين قومه خصومة في أرض ففيه نوع تعيين للخصوم وتعيين التخاصم فيه (فذكر لعائشة -رضي الله عنها-) أي ذلك كما في بدء الخلق (فقالت له: يا أبا سلمة اجتنب الأرض) فلا تغصب منها شيئًا (فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) وفي رواية يقول: (من ظلم قيد شبر) بكسر القاف وسكون المثناة التحتية أي قدر شبر (من الأرض طوّقه من سبع أرضين) أي يوم القيامة. وفي حديث أبي مالك الأشعري عند ابن أبي شيبة بإسناد حسن "أعظم الغلول عند الله يوم القيامة ذراع أرض يسرقه رجل فيطوّقه من سبع أرضين". وعند ابن حبّان من حديث يعلى بن مرة مرفوعًا "أيما رجل ظلم شبرًا من الأرض كلفه الله أن يحفره حتى يبلغ آخر سبع أرضين ثم يطوّقه يوم القيامة حتى يقضي بين الناس". وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في بدء الخلق ومسلم في البيوع. 2454 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَخَذَ مِنَ الأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ». قَالَ الفربري: قال أَبُو جَعْفَرِ بْنُ أَبِي حَاتَم: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِخُرَاسَانَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، أَمْلاَهُ عَلَيْهِمْ بِالْبَصْرَةِ. [الحديث 2454 - طرفه في: 3196]. وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا عبد الله بن المبارك) المروزي قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) وعن أبيه أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من أخذ من الأرض شيئًا) قلّ أو أكثر (بغير حقه خسف به) أي بالآخذ غصبًا تلك الأرض المغصوبة (يوم القيامة إلى سبع أرضين) فتصير له كالطوق في عنقه بعد أن يطوّله الله تعالى أو أن هذه الصفات تتنوّع

14 - باب إذا أذن إنسان لآخر شيئا جاز

لصاحب هذه الجناية على حسب قوّة الفسدة وضعفها فيعذب بعضهم بهذا وبعضهم بهذا. وفي الحديث إمكان غصب الأرض خلافًا لأبي حنيفة وأبي يوسف حيث قالا: الغصب لا يتحقق إلا فيما ينقل ويجوّل لأن إزالة اليد بالنقل ولا نقل في العقار وإذا غصب عقارًا فهلك في يده لم يضمنه. وقال محمد: يضمنه وهو قول أبي يوسف الأول وبه قال الشافعي لتحقق إثبات اليد، ومن ضرورته زوال يد المالك لاستحالة اجتماع اليدين على محل واحد في حالة واحدة فيتحقق الوصفان وهو الغصب فصار كالمنقول وجحود الوديعة، ولهما يعني لأبي حنيفة وأبي يوسف أن الغصب إثبات اليد بإزالة يد المالك بفعل في العين وهذا لا يتصوّر في العقار لأن يد المالك لا تزول إلا بإخراجه عنها وهو فعل فيه لا في العقار قاله في الهداية. واستدلّ لهما في الاختيار شرح المختار بحديث الباب "من ظلم من الأرض شيئًا طوّقه من سبع أرضين" لأنه عليه الصلاة والسلام ذكر الجزاء في غصب العقار ولم يذكر الضمان ولو وجب لذكره وصوّر المسألة بما إذا سكن دار غيره بغير إذنه ثم خرجت أما إذا هدم البناء وحفر الأرض فيضمن لأنه وجد منه النقل والتحويل فإنه إتلاف ويضمن بالإتلاف ما لا يضمن بالغصب، والعقار يضمن بالإتلاف وإن لم يضمن بالغصب ولأنه تصرف في العين انتهى. ومن فوائد حديث الباب ما قاله ابن المنير أن فيه دليلاً على أن الحكم إذا تعلق بظاهر الأرض تعلق بباطنها إلى التخوم فمن ملك ظاهر الأرض ملك باطنها من حجارة وأبنية ومعادن، ومن حبس أرضًا مسجدًا أو غيره يتعلق التحبيس بباطنه حتى لو أراد إمام المسجد أن يحتفر تحت أرض المسجد ويبني مطامير تكون أبوابها إلى جانب المسجد تحت مصطبة له أو نحوها أو جعل المطامير حوانيت ومخازن لم يكن له ذلك لأن باطن الأرض تعلق به الحبس كظاهرها، فكما لا يجوز اتخاذ قطعة من المسجد حانوتًا كذلك لا يجوز ذلك في باطنه. (قال الفربري: قال أبو جعفر بن أبي حاتم) واسمه محمد البخاري ورّاق المؤلّف (قال أبو عبد الله) البخاري: (هذا حديث) أي حديث الباب (ليس بخراسان في كتاب ابن المبارك) ولأبي ذر في كتب ابن المبارك التي صنف بها (أملاه) أي الحديث، وللمستملي والحموي: إنما أملى بزيادة إنما وضم الهمزة وحذف الضمير المنصوب (عليهم بالبصرة) لكن نعيم بن حماد المروزي ممن حمل عنه بخراسان وقد حدّث عنه بهذا الحديث فيحتمل أن يكون حدّث به بخراسان والله أعلم. وهذا الفائدة التي ذكرها الفربري ثابتة في رواية أبي ذر ساقطة لغيره. 14 - باب إِذَا أَذِنَ إِنْسَانٌ لآخَرَ شَيْئًا جَازَ هذا (باب) بالتنوين (إذا أذن إنسان لآخر شيئًا) أي في شيء (جاز). 2455 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ جَبَلَةَ: "كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فِي بَعْضِ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَأَصَابَنَا سَنَةٌ، فَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَرْزُقُنَا التَّمْرَ، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَمُرُّ بِنَا فَيَقُولُ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الإِقْرَانِ، إِلاَّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَخَاهُ". [الحديث 2455 - أطرافه في: 2489، 2490، 5446]. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن جبلة) بالجيم والموحدة واللام المفتوحات ابن سحيم بضم السين وفتح الحاء المهملتين الشيباني أنه قال: (كنّا بالمدينة في بعض أهل العراق) وعند الترمذي في بعث أهل العراق (فأصابنا سنة) غلاء وجدب (فكان ابن الزبير) عبد الله (يرزقنا) أي يطعمنا (التمر فكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يمرّ بنا) أي ونحن نأكله (فيقول إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الإقران) بهمزة مكسورة بين اللام والقاف من الثلاثي المزيد فيه. قال عياض: والصواب القران بإسقاط الهمزة وهو أن تقرن تمرة بتمرة عند الأكل لأن فيه إجحافًا برفيقه مع ما فيه من الشره المزري بصاحبه نعم إذا كان التمر ملكًا له فله أن يأكل كيف شاء (إلا أن يستأذن الرجل منكم أخاه) فيأذن له فإنه يجوز لأنه حقه فله إسقاطه، واختلف هل قوله إلا أن يستأذن الخ ... مدرج من قول ابن عمر أو مرفوع، فذهب الخطيب إلى الأوّل، وعورض بحديث جبلة عند البخاري سمعت ابن عمر يقول: "نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقرن بين التمرتين جميعًا حتى يستأذن أصحابه" وهل النهي للتحريم أو للتنزيه؟ فنقل عياض عن أهل الظاهر أنه للتحريم، وعن غيرهم أنه للتنزيه. وصوّب النووي التفصيل فإن كان مشتركًا بينهم حرم إلا برضاهم وإلاّ فلا. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف

15 - باب قول الله تعالى: {وهو ألد الخصام} [البقرة: 204]

أيضًا في الأطعمة والشركة ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة في الأطعمة والنسائي في الوليمة. 2456 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ: "أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو شُعَيْبٍ كَانَ لَهُ غُلاَمٌ لَحَّامٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو شُعَيْبٍ: اصْنَعْ لِي طَعَامَ خَمْسَةٍ لَعَلِّي أَدْعُو النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَامِسَ خَمْسَةٍ -وَأَبْصَرَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْجُوعَ! فَدَعَاهُ، فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ لَمْ يُدْعَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ هَذَا قَدِ اتَّبَعَنَا، أَتَأْذَنُ لَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ". وبه قال: (حدثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري البدري (أن رجلاً من الأنصار يقال له أبو شعيب كان له غلام لحام) يبيع اللحم ولم يسم (فقال له أبو شعيب: اصنع لي طعام خمسة) لعلمه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سيتبعه غيره (لعلي أدعو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خامس خمسة) أي أحد خمسة (وأبصر في وجه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجوع) جملة فعلية حالية يعني أنه قال لغلامه اصنع لنا في حال رؤيته تلك (فدعاه) أي دعا أبو شعيب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فتبعهم رجل) أي سادس لم يسم أيضًا (لم يدع فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن هذا قد اتّبعنا) بتشديد التاء (أتأذن له) في الدخول؟ (قال: نعم). وهذا الحديث قد مضى في باب ما قيل في اللحام والجزار من كتاب البيوع. 15 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة: 204] (باب قول الله تعالى) في سورة البقرة ({وهو ألد الخصام}) [البقرة: 204] ألد أفعل تفضيل من اللدد وهو شدة الخصومة والخصام المخاصمة، ويجوز أن يكون جمع خصم كصعب وصعاب بمعنى أشد الخصوم خصومة أو أن أفعل هنا ليست للتفضيل بل بمعنى الفاعل أي وهو لديد الخصام أي شديد المخاصمة فهو من إضافة الصفة المشبهة. وعن ابن عباس أي ذو جدال، وقال السدي فيما ذكره ابن كثير نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي جاء إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأظهر الإسلام وفي باطنه خلاف ذلك، وعن ابن عباس في نفر من المنافقين تكلموا في خبيب وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع وعابوهم فأنزل الله ذم المنافقين ومدح خبيب وأصحابه. 2457 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ». [الحديث 2457 - طرفاه في: 4523، 7188]. وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز المكي (عن ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبيد الله واسم أبي مليكة زهير المكي الأحول (عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن أبغض الرجال إلى الله) عز وجل (الألد الخصم) بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة المولع بالخصومة الماهر فيها واللام في الرجال للعهد، فالمراد الأخنس وهو منافق، أو المراد الألد في الباطل المستحل له أو هو تغليظ في الزجر. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأحكام والتفسير ومسلم في القدر والترمذي والنسائي في التفسير. 16 - باب إِثْمِ مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهْوَ يَعْلَمُهُ (باب إثم من خاصم في) أمر (باطل وهو يعلمه) أي يعلم أنه باطل. 2458 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّهَا أُمَّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَدَقَ فَأَقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ فَلْيَتْرُكْهَا». [الحديث 2458 - أطرافه في: 2680، 6967، 7169، 7181، 7185]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي (قال: حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني نزيل بغداد تكلم قيه بلا قادح (عن صالح) هو ابن كيسان مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن زينب بنت أم سلمة) بنت أبي سلمة عبد الله وكان اسمها برة فسماها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. زينب (أخبرته أن أمها أم سلمة) هند بنت أبي أمية (-رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرتها عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه سمع خصومة بباب حجرته) التي هي سكن أم سلمة (فخرج إليهم) أي إلى الخصوم ولم يسموا (فقال): (إنما أنا بشر) من باب الحصر المجازي لأنه حصر خاص أي باعتبار علم البواطن ويسمى عند علماء البيان قصر القلب لأنه أتى به على الرد على من زعم أن من كان رسولاً يعلم الغيب فيطلع على البواطن ولا يخفى عليه المظلوم ونحو ذلك. فأشار إلى أن الوضع البشري يقتضي أن لا يدرك من الأمور إلا ظواهرها فإنه خلق خلقًا لا يسلم من قضايا تحجبه عن حقائق الأشياء فإذا ترك على ما جبل عليه من القضايا البشرية ولم يؤيد بالوحي السماوي طرأ عليه ما يطرأ على سائر البشر (وإنه يأتيني الخصم) وفي الأحكام: وإنكم تختصمون إليّ (فلعل بعضكم أن يكون أبلغ) أي أحسن إيرادًا للكلام (من بعض) أي وهو

17 - باب إذا خاصم فجر

كاذب وفي الأحكام ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض أي ألسن وأفصح وأبين كلامًا وأقدر على الحجة وفيه اقتران خبر لعل التي اسمها "بعضَ" بأن المصدرية (فأحسب) بفتح السين وكسرها لغتان والنصب عطفًا على أن يكون أبلغ وبالرفع أي فأظن لفصاحته ببيان حجته (أنه صدق فأقضي له بذلك) الذي سمعته منه (فمن قضيت) أي حكمت (له بحق مسلم) أي أو ذمي أو معاهد فالتعبير بالمسلم لا مفهوم له وإنما خرج مخرج الغالب كنظائره مما سبق (فإنما هي) أي القصة أو الحالة (قطعة) طائفة (من النار) أي من قضيت له بظاهر يخالف الباطن فهو حرام فلا يأخذن ما قضيت له لأنه يأخذ ما يؤول به إلى قطعة من النار فوضع المسبب وهو قطعة من النار موضع السبب وهو ما حكم له به (فليأخذها أو فليتركها) ولأبي ذر: أو ليتركها بإسقاط الفاء. قال النووي: ليس معناه التخيير بل هو للتهديد والوعيد كقوله تعالى: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: 29] وقوله تعالى: {اعملوا ما شئتم} [فصّلت: 40] انتهى. وتعقب بأنه إن أراد أن كلتا الصيغتين للتهديد فممنوع فإن قوله: فليتركها للوجوب وإن أراد الأولى وهو فليأخذها فلا تخيير فيها بمجردها حتى يقول ليس للتخيير ثم إن أو مما يشرك لفظًا ومعنى والتهديد ضد الوجوب. وأجيب: بأنه يحتمل إرادة الصيغتين لا على معنى أن كل واحدة منهما للتهديد بل الأمر للتخيير المستفاد من مجموعهما بدليل تنظيره بقوله تعالى: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} وكلاهما نظير خذ من مالي درهمًا أو خذ دينارًا، وكذلك في معنى ذلك {اعملوا ما شئتم} لأنه ينحل إلى اعملوا خيرًا إن شئتم واعملوا شرًّا إن شئتم، والتهديد هو التخويف. ودلالة هذه الصيغ عليها إنما هي بقرينة خارجة عن اللفظ وهي ما قصد في الكلام من التخويف بعاقبة ذلك، ويحتمل أن الصيغة الأولى هي التي للتهديد وهو قريب من نحو "فليتبوّأ مقعده من النار" وحينئذٍ فأو للإضراب والصيغة الثانية على حقيقتها من الإيجاب أي بل ليدعها، وقد قال سيبويه: إن أو تأتي للإضراب بشرطين سبق نفي أو نهي وإعادة العامل والشرطان موجودان فيه لأنّا إذا حملنا فليأخذها على التهديد كأن معناه فلا يأخذها بل يدعها قاله في العدّة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأحكام والشهادات وترك الحيل ومسلم في القضاء وأبو داود في الأحكام. 17 - باب إِذَا خَاصَمَ فَجَر هذا (باب) بالتنوين في ذم من (إذا خاصم فجر) وفي نسخة بترك تنوين باب. 2459 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا، أَوْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ». وبه قال: (حدّثنا بشر بن خالد) بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة العسكري قال: (أخبرنا محمد) غير منسوب ولأبي ذر محمد بن جعفر (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن عبد الله بن مرة) الهمداني الخارفي بخاء معجمة وراء وفاء الكوفي (عن مسروق) هو ابن الأجدع أبو عائشة الهمداني (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن العاصي (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (أربع) أي أربع خصال (من كنّ فيه كان منافقًا) عمليًّا لا إيمانيًّا أو منافقًا عرفيًّا لا شرعيًّا وليس المراد الكفر الملقي في الدرك الأسفل من النار (أو كانت فيه خصلة) أي خلة بفتح الخاء (من أربعة) ولأبي ذر: أربع (كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها) يتركها (إذا حدّث) في كل شيء (كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) في الخصومة أي مال عن الحق والمراد به هنا الشتم والرمي بالأشياء القبيحة والبهتان، وزاد في كتاب الإيمان: "إذا ائتمن خان" لكنه أسقطه هنا وأسقط "وإذا وعد" الخ ... هناك لأن المسقط في الموضعين داخل تحت المذكور منهما فحصل من الروايتين خمس خصال. وفي حديث أبي هريرة في كتاب الإيمان أيضًا "آية المنافق ثلاث إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان" فأسقط الغدر في المعاهدة، وفي رواية مسلم لحديث الباب الخلف في الوعد بدل الغدر كحديث أبي هريرة هذا فكأن بعض الرواة تصرف في لفظه لأن معناهما قد يتّحد، وعلى هذا فالمزيد الفجور في الخصومة وقد يندرج في الخصلة الأولى

18 - باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه

وهي الكذب في الحديث، ووجه الاقتصار على الثلاثة أنها مبنية على ما عداها إذ أصل الديانة ينحصر في ثلاثة: القول والفعل والنيّة. فنبّه على فساد القول بالكذب، وعلى فساد الفعل بالخيانة، وعلى فساد النيّة بالخلف، لأن خلف الوعد لا يقدح إلا إذا كان العزم عليه مقارنًا للوعد أما لو كان عازمًا ثم عرض له مانع أو بدا له رأي فهذا لم توجد منه صورة النفاق. وعند أبي داود والترمذي من حديث زيد بن أرقم: إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي له فلم يفِ فلا إثم عليه. قال الكرماني: والحق أنها خمسة متغايرة عرفًا وباعتبار تغاير الأوصاف واللوازم أيضًا، ووجه المحصر فيها أن إظهار خلاف الباطن أما في الماليات وهو إذا ائتمن خان، وإما في غيرها فهو إما في حالة الكدورة وهو إذا خاصم فجر، وإما في حالة الصفاء فهو إما مؤكد باليمين وهو إذا عاهد أو لا فهو إما بالنظر إلى المستقبل وهو إذا وعد وإما بالنظر إلى الحال وهو إذا حدّث. وقال البيضاوي: يحتمل أن يكون هذا مختصًّا بأبناء زمانه فإنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علم بنور الوحي بواطن أحوالهم وميز بين من آمن به صدقًا ومن أذعن له نفاقًا وأراد تعريف أصحابه عن حالهم ليكونوا على حذر منهم ولم يصرح بأسمائهم لأنه عليه الصلاة والسلام علم أن منهم من سيتوب فلم يفضحهم بين الناس، ولأنه عدم التعيين أوقع في النصيحة وأجلب للدعوة إلى الإيمان وأبعد عن النفور، ويحتمل أن يكون عامًّا لينزجر الكل عن هذه الخصال على آكد وجه إيذانًا بأنها طلائع النفاق الذي هو أسمج القبائح كأنه كفر مموّه باستهزاء وخداع مع رب الأرباب ومسبب الأسباب، فعلم من ذلك أنها منافية لحال المسلمين فينبغي للمسلم أن لا يرتع حولها فإن من رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه اهـ. وسئل الطيبي أيّ الرذائل أقبح؟ فأجاب بأنه الكذب. قال: ولذلك علّل سبحانه وتعالى عذابهم به في قوله: {ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} [البقرة: 10] ولم يقل بما كانوا يصنعون من النفاق ليؤذن بأن الكذب قاعدة مذهبهم وأسه، فينبغي للمؤمن المصدق أن يجتنب الكذب لأنه مُنافٍ لوصف الإيمان والتصديق ومنه الفجور في الخصومة. وقد سبق الحديث في علامة المنافق من كتاب الإيمان. 18 - باب قِصَاصِ الْمَظْلُومِ إِذَا وَجَدَ مَالَ ظَالِمِهِ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: يُقَاصُّهُ، وَقَرَأَ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]. (باب قصاص المظلوم) الذي أخذ ماله (إذا وجد مال ظالمه) الذي ظلمه هل يأخذ منه بقدر الذي له ولو بغير حكم حاكم وهي مسألة الظفر والمفتى به عند المالكية أنه يأخذ بقدر حقه إن أمن فتنة أو نسبة إلى رذيلة وهذا في الأموال وأما في العقوبات البدنية فلا يقتصّ فيها لنفسه وإن أمكنه لكثرة الغوائل. (وقال ابن سيرين) محمد مما وصله عبد بن حميد في تفسيره (يقاصّه) بتشديد الصاد المهملة أي يأخذ مثل ماله، (وقرأ) ابن سيرين ({وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به}) [النحل: 126] أي من غير زيادة ولا نقص. 2460 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: «جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ عَلَىَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا؟ فَقَالَ: لاَ حَرَجَ عَلَيْكِ أَنْ تُطْعِمِيهِمْ بِالْمَعْرُوفِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عروة) بن الزبير بن العوّام (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءت هند بنت عتبة بن ربيعة) أم معاوية أسلمت يوم الفتح وتوفيت في خلافة عمر -رضي الله عنه- (فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان) صخر بن حرب زوجها والد معاوية (رجل مسيك) بكسر الميم وتشديد السين المهملة في المشهور عند المحدثين، وفي كتب اللغة الفتح والتخفيف أي بخيل شديد المسك لما في يده (فهل عليّ حرج) إثم (أن أطعم) بضم الهمزة وكسر العين (من الذي له عيالنا؟ فقال) عليه الصلاة والسلام: (لا حرج) لا إثم (عليك أن تطعميهم) أي بإطعامك إياهم (بالمعروف) أي بقدر ما يتعارف أن يأكل العيال. ومطابقة هذا الحديث للترجمة من جهة إذنه عليه الصلاة والسلام لهند بالأخذ من مال زوجها أبي سفيان إذ فيه دلالة على جواز أخذ صاحب الحق من مال من لم يوفه أو جحده قدر حقه. وهذا الحديث قد مرّ ويأتي إن شاء الله تعالى في النفقات وفيه فوائد، وقوله في شرح السُّنَّة: إن من فوائده أن القاضي له أن يقضي بعلمه لأنه عليه

19 - باب ما جاء في السقائف

الصلاة والسلام لم يكلفها البيّنة فيه نظر لأنه إنما كان فتوى لا حكمًا، وكذا استدلال جماعة به على جواز القضاء على الغائب لأن أبا سفيان كان حاضرًا بالبلد. 2461 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «قُلْنَا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ لاَ يَقْرُونَا، فَمَا تَرَى فِيهِ؟ فَقَالَ لَنَا: إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأُمِرَ لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ». [الحديث 2461 - طرفه في: 6137]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (يزيد) بن أبي حبيب (عن أبي الخير) مرثد بالمثلثة ابن عبد الله اليزني (عن عقبة بن عامر) الجهني أنه (قال: قلنا للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقرونا) بفتح أوله وإسقاط نون الجمع للتخفيف، ولأبي ذر: لا يقروننا أي لا يضيفوننا (فما ترى فيه؟ فقال) عليه الصلاة والسلام (لنا): (إن نزلتم بقوم فأمر لكم) بضم الهمزة وكسر الميم (بما ينبغي للضيف فاقبلوا) ذلك منهم (فإن لم يفعلوا فخذوا منهم) وللكشميهني: فخذوا منه أي من مالهم (حق الضيف) ظاهره الوجوب بحيث لو امتنعوا من فعله أخذ منهم قهرًا. وحكي القول به عن الليث، وقال أحمد بالوجوب على أهل البادية دون القرى، ومذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي والجمهور أن ذلك سُنّة مؤكدة، وأجابوا عن حديث الباب بحمله على المضطرين فإن ضيافتهم واجبة تؤخذ من مال الممتنع بعوض عند الشافعي أو هذا كان في أول الإسلام حيث كانت المواساة واجبة، فلما اتسع الإسلام نسخ ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: "جائزته يوم وليلة" والجائزة تفضل وليست بواجبة، أو المراد العمال المبعوثون من جهة الإمام بدليل قوله: إنك تبعثنا فكان على المبعوث إليهم طعامهم ومركبهم وسكناهم يأخذونه على العمل الذي يتولونه لأنه لا مقام لهم إلا بإقامة هذه الحقوق. واستدلّ به المؤلّف على مسألة الظفر وبها قال الشافعي فجزم بالأخذ فيما إذا لم يمكن تحصيل الحق بالقاضي بأن يكون منكرًا ولا بيّنة لصاحب الحق. قال: ولا يأخذ غير الجنس مع ظفره بالجنس فإن لم يجد إلا غير الجنس جاز الأخذ وإن أمكن تحصيل الحق بالقاضي بأن كان مقرًّا مماطلاً أو منكرًا وعليه بيّنة أو كان يرجو إقراره لو حضر عند القاضي وعرض عليه اليمين فهل يستقل بالأخذ أم يجب الرفع إلى القاضي؟ فيه للشافعية وجهان أصحهما عند أكثرهم جواز الأخذ، واختلف المالكية والمفتى به عندهم أنه يأخذ بقدر حقه إن أمن فتنة أو نسبة إلى رذيلة، وقال أبو حنيفة: يأخذ من الذهب الذهب ومن الفضة الفضة ومن المكيل المكيل ومن الموزون الموزون ولا يأخذ غير ذلك. وفي سنن أبي داود من حديث المقدام بن معد يكرب قال، قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أيما رجل ضاف قومًا فأصبح الضيف محرومًا فإن نصره حق على كل مسلم حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله". ورواه ابن ماجة بلفظ "ليلة الضيف واجبة فمن أصبح بفنائه فهو دين عليه فإن شاء اقتضى إن شاء ترك" فظاهره أنه يقتضي ويطالب وينصره المسلمون ليصل إلى حقه لا أنه يأخذ ذلك بيده من غير علم أحد. 19 - باب مَا جَاءَ فِي السَّقَائِفِ وَجَلَسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ. (باب ما جاء في السقائف) جمع سقيفة وهي المكان المظلل. (وجلس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه في سقيفة بني ساعدة) التي وقعت المبايعة فيها بالخلافة لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وهذا طرف من حديث وصله المؤلّف في الأشربة من حديث سهل بن سعد ومراد المؤلّف التنبيه على جواز اتخاذها وهي أن صاحب جانبي الطريق يجوز له أن يبني سقفًا على الطريق تمر المارّة تحته ولا يقال إنه تصرف في هواء الطريق وهو تابع لها يستحقه المسلمون لأن الحديث دالٌّ على جواز اتخاذها، ولولا ذلك لما أقرّها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا جلس تحتها. 2462 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ ح وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ "عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنهم- قَالَ حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ الأَنْصَارَ اجْتَمَعُوا فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَقُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: انْطَلِقْ بِنَا، فَجِئْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ". [الحديث 2462 - أطرافه في: 3445، 3928، 4021، 6829، 6830، 7323]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (مالك) الإمام قال ابن وهب (ح). (وأخبرني) بالإفراد أيضًا (يونس) أي ابن يزيد الأيلي كلاهما (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بضم العين في الأول مصغرًا وفي الثالث وسكون ثانيه (أن ابن عباس أخبره عن عمر -رضي الله عنهم- قال حين توفّيَّ الله نبيّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة)

20 - باب لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره

نسبت إليهم لأنهم كانوا يجتمعون إليها أو لأنهم بنوها وساعدة هو ابن كعب بن الخزرج قال عمر (فقلت لأبي بكر) الصدّيق (انطلق بنا) زاد في الحدود إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم (فجئناهم في سقيفة بني ساعدة) الحديث بطوله في الحدود، وساقه هنا مختصرًا والغرض منه أن الصحابة استمروا على الجلوس في السقيفة المذكورة فليس ظلمًا. والحديث أخرجه أيضًا في الهجرة والحدود، وسيأتي ما فيه من المباحث إن شاء الله تعالى. 20 - باب لاَ يَمْنَعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبةً فِي جِدَارِهِ هذا (باب) بالتنوين في قوله عليه الصلاة والسلام (لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة) بالإفراد لأبي ذر ولغيره خشبه بالهاء بصيغة الجمع (في جداره) ومعنى الجمع والإفراد واحد لأن المراد بالواحد الجنس كما نقل عن ابن عبد البر. قال في الفتح: وهذا الذي يتعين للجمع بين الروايتين وإلاّ فالمعنى قد يختلف باعتبار أن أمر الخشبة الواحدة أخف في مسامحة الجار بخلاف الخشب الكثيرة، وقول عبد الغني بن سعيد كل الناس يقولونه بالجمع إلا الطحاوي فإنه قال عن روح بن الفرج: سألت أن زيد والحرث بن بكير ويونس بن عبد الأعلى عنه فقالوا كلهم خشية بالتنوين مردود بموافقة أبي ذر. 2463 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَمْنَعُ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ. ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاللَّهِ لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ». [الحديث 2463 - طرفاه في: 5627، 5628]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي الحارثي البصري المدني الأصل (عن مالك) هو ابن أنس الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يمنع) بالجزم على أن لا ناهية وبالرفع وعزاها في الفتح لأبي ذر على أنه خبر بمعنى النهي، ولأحمد: لا يمنعن (جار جاره) الملاصق له (أن يغرز خشبة) بالإفراد وخشبه بالجمع كما مرّ، وقال المزني فيما ذكره البيهقي في المعرفة بسنده حدّثنا الشافعي قال: أخبرنا مالك فذكره وقال: خشبه بغير تنوين، وقال يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن مالك خشبة بالتنوين (في جداره) حمله الشافعي في الجديد على الندب فليس لصاحب الخشب أن يغرزها في جدار جاره إلا برضاه ولا يجبر مالك الجدار إن امتنع من وضعها، وبه قال المالكية والحنفية جمعًا بين حديث الباب وحديث خطبة حجة الوداع المروي عند الحاكم بإسناد على شرط الشيخين في معظمه ولفظه: لا يحلّ لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس، وفي القديم على الإيجاب عند الضرورة وعدم تضرر الحائط واحتياج المالك لحديث الباب فليس له منعه فإن أبى جبره الحاكم، وبه قال أحمد وإسحاق وأصحاب الحديث وابن حبيب من المالكية ولا فرق في ذلك عندهم بين أن يحتاج في وضع الخشب إلى نقب الجدار أم لا، لأن رأس الخشب يسد المنفتح ويقوّي الجدار، وجزم الترمذي وابن عبد البر عن الشافعي بالقول القديم وهو نصه في البويطي، وقال البيهقي في معرفة السنن والآثار: وأما حديث الخشب في الجدار فإنه حديث صحيح ثابت لم نجد في سنن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يعارضه ولا تصح معارضته بالعمومات، وقد نص الشافعي في القديم والجديد على القول به فلا عذر لأحد في مخالفته، وقد حمله الراوي على ظاهره وهو أعلم بالمراد بما حدّث به يشير إلى قوله: (ثم يقول أبو هريرة) بعد روايته لهذا الحديث محافظة على العمل بظاهره وتحضيضًا على ذلك لما رآهم توقفوا عنه (ما لي أراكم عنها) أي عن هذه المقالة (معرضين) وعند أبي داود: إذا استأذن أحدكم أخاه أن يغرز خشبة في جداره فلا يمنعه فنكسوا رؤوسهم فقال أبو هريرة: ما لي أراكم قد أعرضتم (والله لأرمين بها) أي هذه المقالة (بين أكتافكم) بالمثناة الفوقية جمع كتف، وفي رواية أبي داود لألقينها أي لأصرخن بالمقالة فيكم ولأوجعنكم بالتقريع بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه ليستيقظ من غفلته أو الضمير للخشبة، والمعنى إن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلن الخشبة على رقابكم كارهين وقصد بذلك المبالغة قاله الخطابي. وقال الطيبي: هو كناية عن إلزامهم

21 - باب صب الخمر في الطريق

بالحجة القاطعة على ما ادّعاه أي لا أقول الخشبة ترمى على الجدار بل بين أكتافكم لما وصى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالبرّ والإحسان في حق الجار وحمل أثقاله. وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع وأبو داود في القضاء والترمذي في الأحكام وأخرجه ابن ماجة أيضًا. 21 - باب صَبِّ الْخَمْرِ فِي الطَّرِيقِ (باب صبّ الخمر في الطريق) أي المشتركة بين الناس، وفي رواية في الطرق بالجمع. 2464 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَبُو يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: «كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنَادِيًا يُنَادِي: أَلاَ إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ. قَالَ: فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: قَدْ قُتِلَ قَوْمٌ وَهْيَ فِي بُطُونِهِمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآيَةَ». [الحديث 2464 - أطرافه في: 4617، 4620، 5580، 5582، 5583، 5584، 5600، 5622، 7253]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى) المعروف بصاعقة قال: (أخبرنا عفّان) بن مسلم الصفار وهو من شيوخ المؤلّف روى عنه في الجنائز بغير واسطة قال: (حدّثنا حماد بن زيد) البصري واسم جده درهم قال: (حدّثنا ثابت) هو ابن أسلم البناني (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه قال: (كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة) سهل الأنصاري زوج أم أنس وقد جاءت أسامي القوم مفرّقة في أحاديث صحيحة في هذه القصة وهم: أُبيّ بن كعب، وأبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وأبو دجانة سماك بن خرشة، وسهيل بن بيضاء، وأبو بكر رجل من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وهو ابن شعوب الشاعر، (وكان خمرهم يومئذ الفضيخ) بفاء ومعجمتين بوزن عظيم اسم للبسر الذي يحمر أو يصفر قبل أن يترطب، وقد يطلق الفضيخ على خليط البسر والرطب كما يطلق على خليط البسر والتمر وكما يطلق على البسر وحده وعلى التمر وحده (فأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مناديًا) قال الحافظ ابن حجر لم أر التصريح باسمه (ينادي). (ألا) بفتح الهمزة والتخفيف (إن الخمر قد حرمت قال) أي أنس (فقال لي أبو طلحة) ولأبي ذر قال: فجرت في سكك المدينة جمع سكة بكسر السين في المفرد والجمع أي طرقها وأزقتها وفي السياق حذف تقديره حرمت فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإراقتها فأريقت فجرت في سكك المدينة فقال لي أبو طلحة (اخرج فأهرقها) بقطع الهمزة في الفرع ووصلها في غيره والجزم على الأمر أي صبها قال أنس: (فخرجت فهرقتها) بفتح الهاء والراء وسكون القاف والأصل أرقتها فأبدلت الهمزة هاء وقد يستعمل بالهمزة والهاء معًا كما مرّ وهو نادر أي صببتها (فجرت) أي سألت الخمر (في سكك المدينة) وفيه إشارة إلى توارد من كانت عنده من المسلمين على إراقتها حتى جرت في الأزقة من كثرتها. قال المهلب: إنما صبت الخمر في الطريق للإعلان برفضها وليشتهر تركها وذلك أرجح في المصلحة من التأذّي بصبها في الطريق، ولولا ذلك لم يحسن صبّها فيه لأنها قد تؤذي الناس في ثيابهم ونحن نمنع من إراقة الماء في الطريق من أجل أذى الناس في ممشاهم فكيف أذى الخمر؟ قال ابن المنير: إنما أراد البخاري التنبيه على جواز مثل هذا في الطريق للحاجة فعلى هذا يجوز تفريغ الصهاريج ونحوها في الطرقات ولا يعدّ ذلك ضررًا ولا يضمن فاعله ما ينشأ عنه من زلق ونحوه انتهى. ومذهب الشافعية لو رش الماء في الطريق فزلق به إنسان أو بهيمة فإن رش لمصلحة عامة كدفع الغبارعن المارّة فليكن كحفر البئر للمصلحة العامّة وإن كان لمصلحة نفسه وجب الضمان ولو جاوز القدر المعتاد في الرش. قال المتولي: وجب الضمان قطعًا كما لو بلّ الطين في الطريق فإنه يضمن ما تلف به، ويحتمل أنها إنما أريقت في الطرق المنحدرة بحيث ينصب إلى الأتربة والحشوش أو الأودية فتستهلك فيها، ويؤيده ما أخرجه ابن مردويه من حديث جابر بسند جيد في قصة صب الخمر قال: فانصبت حتى استنقعت في بطن الوادي. (فقال بعض القوم) لم أقف على اسم القائل (قد قتل قوم وهي) أي الخمر (في بطونهم) وعند البيهقي والنسائي من طريق ابن عباس قال نزل تحريم الخمر في ناس شربوا فلما ثملوا عبثوا فلما صحوا جعل بعضهم يرى الأثر بوجه الآخر فنزلت فقال ناس من المتكلفين هي رجس وهي في بطن فلان وقد قتل بأُحد، وروى البزار من حديث جابر أن الذين قالوا ذلك كانوا من اليهود (فأنزل الله) عز وجل الآية التي في سورة المائدة ({ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا}) الآية [المائدة: 93] يعني شربوا قبل تحريمها ووقع

22 - باب أفنية الدور والجلوس فيها، والجلوس على الصعدات

في رواية الإسماعيلي عن ابن ناجية عن أحمد بن عبدة ومحمد بن موسى عن حماد في آخر هذا الحديث قال حماد فلا أدري هذا في الحديث أي عن أنس أو قاله ثابت أي مرسلاً يعني قوله فقال بعض القوم إلى آخر الحديث. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في تفسير سورة المائدة وفي الأشربة ومسلم وأبو داود في الأشربة. 22 - باب أَفْنِيَةِ الدُّورِ وَالْجُلُوسِ فِيهَا، وَالْجُلُوسِ عَلَى الصُّعُدَاتِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَابْتَنَى أَبُو بَكْرٍ مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ. (باب) جواز تحجير (أفنية الدور) جمع فناء بكسر الفاء والمد المكان المتسع أمام الدار كبناء مساطب فيها إذا لم يضر الجار والمار (و) حكم (الجلوس فيها و) حكم (الجلوس على الصعدات) بضم الصاد والعين المهملتين جمع صعد بضمتين أيضًا جمع صعيد كطريق وطرق وطرقات وزنًا ومعنى ولأبي ذر الصعدات بفتح العين وضمها. (وقالت عائشة) -رضي الله عنها- في حديث الهجرة الطويل الوصول في بابها (فابتنى أبو بكر مسجدًا بفناء داره يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف) بالقاف والصاد المهملة المشددة (عليه نساء المشركين وأبناؤهم) أي يزدحمون عليه حتى يسقط بعضهم على بعض فيكاد ينكسر وأطلق يتقصف مبالغة (يعجبون منه والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومئذ بمكة) جملة حالية كقوله يعجبون منه. 2465 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ. فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا. قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا. قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ». [الحديث 2465 - طرفه في: 6229]. وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والمعجمة الزهري أبو زيد البصري قال: (حدّثنا أبو عمر) بضم العين (حفص بن ميسرة) العقيلي بضم العين الصنعاني نزيل عسقلان (عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر المدني (عن عطاء بن يسار) بالمثناة التحتية والسين المهملة المخففة الهلالي المدني (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إياكم والجلوس) بالنصب على التحذير (على الطرقات) لأن الجالس بها لا يسلم غالبًا من رؤية ما يكره وسماع ما لا يحل إلى غير ذلك وترجم بالصعدات ولفظ المتن الطرقات ليفيد تساويهما في المعنى. نعم ورد بلفظ الصعدات عند ابن حبان من حديث أبي هريرة (فقالوا: ما لنا بدٍّ) أي غنى عنها (إنما هى) أي الطرقات ولأبي ذر: إنما هو (مجالسنا نتحدّث فيها) وللحموي والمستملي: فيه بالتذكير (قال) عليه الصلاة والسلام (فإذا أبيتم إلاّ المجالس) من الإباء وتشديد إلاّ أي إن أبيتم إلا الجلوس فعبّر عن الجلوس بالمجالس، وللحموي والمستملي: فإذا أتيتم من الإتيان إلى المجالس (فأعطوا الطريق حقها) بهمزة قطع (قالوا) يا رسول الله (وما حق الطريق؟ قال) عليه الصلاة والسلام (غضّ البصر) عن الحرام (وكفّ الأذى) عن الناس فلا تحتقرنهم ولا تغتابنهم إلى غير ذلك (وردّ السلام) على من يسلم من المارة (وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر) ونحوهما مما ندب إليه الشارع من المحسنات ونهى عنه من المقبحات، وزاد أبو داود "وإرشاد السبيل وتشميت العاطس". والطبري من حديث عمر "وإغاثة الملهوف" وقد تبيّن من سياق الحديث أن النهي للتنزيه لئلا يضعف الجالس عن أداء هذه الحقوق المذكورة وفيه حجة لمن يقول إن سدّ الذرائع بطريق الأولى لا على الحتم لأنه عليه الصلاة والسلام نهى أولاً عن الجلوس حسمًا للمادة فلما قالوا ما لنا بدٌّ فسح لهم في الجلوس بها على شريطة أن يعطوا الطريق حقها وفسرها لهم بذكر المقاصد الأصلية فرجح أولاً عدم الجلوس على الجلوس وإن كان فيه مصلحة لأن القاعدة تقتضي تقديم درء المفسدة على جلب المصلحة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الاستئذان ومسلم فيه وفي اللباس وأبو داود في الأدب. 23 - باب الآبَارِ عَلَى الطُّرُقِ إِذَا لَمْ يُتَأَذَّ بِهَا (باب) حكم (الآبار) التي حفرت (على الطرق) ولأبي ذر: على الطريق بالإفراد (إذا لم يتأذّ بها) أحد من المارة وفي اليونينية بضم تحتية يتأذّ والآبار جمع بئر مؤنثة وهو بهمزة مفتوحة ساكنة ثم همزة مفتوحة. قال في الصحاح: ومن العرب: يقلب الهمزة فيقول آبار بمد الهمزة وفتح الموحدة، وبه ضبط في البخاري وهذا جمع قلة كأبؤر وأبور بالهمز وتركه فإذا كثرت جمعت على بئار والأبّار حافرها. 2466 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لأَجْرًا؟ فَقَالَ: فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام الأعظم (عن سمي) بضم

24 - باب إماطة الأذى

المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية (مولى أبي بكر) أي ابن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي) ولأبي ذر أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بينا) ولأبي ذر: بينما بالميم (رجل) لم يسم (بطريق) وفي رواية الدارقطني في الموطآت من طريق ابن وهب عن مالك يمشي بطريق مكة (اشتد) ولأبي ذر فاشتد بزيادة الفاء (عليه العطش) والفاء في موضع إذا (فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب ثم خرج) منها (فإذا كلب يلهث) بالمثلثة أي يرتفع نفسه بين أضلاعه أو يخرج لسانه من العطش حال كونه (يأكل الثرى) بالمثلثة المفتوحة الأرض الندية (من العطش) ويجوز أن يكون قوله يأكل الثرى خبرًا ثانيًا (فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب) بالنصب على المفعول به (من العطش مثل الذي كان بلغ منى) برفع مثل فاعل بلغ (فنزل البئر فملأ خفّه ماء) ولابن حبان خفّيه بالتثنية (فسقى الكلب) بعد أن خرج من البئر حتى روي (فشكر الله له) أثنى عليه أو قبل عمله (فغفر له) الفاء للسببية أي بسبب قبول عمله غفر الله له (قالوا) أي الصحابة ومنهم سراقة بن مالك بن جعشم كما عند أحمد وغيره (يا رسول الله) الأمر كما قلت (وإن لنا في) سقي (البهائم لأجرًا؟ فقال) عليه الصلاة والسلام (في) إرواء (كل ذات كبد رطبة) برطوبة الحياة من جميع الحيوانات المحترمة (أجر) أي أجر حاصل في الإرواء المذكور فأجر مبتدأ قدم خبره. وفي الحديث جواز حفر الآبار في الصحراء لانتفاع عطشان وغيره بها. فإن قلت: كيف ساغ مع مظنة الاستضرار بها بساقط بليل أو وقوع بهيمة أو نحوها فيها؟ أجيب: بأنه لما كانت المنفعة أكثر ومتحققة والاستضرار نادرًا ومظنونًا غلب الانتفاع وسقط الضمان فكانت جبارًا فلو تحققت المضرة لم يجز وضمن الحافر. وهذا الحديث قد سبق في باب سقي الماء من كتاب الشرب. 24 - باب إِمَاطَةِ الأَذَى وَقَالَ هَمَّامٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ». (باب إماطة الأذى) أي إزالته عن المسلمين (وقال همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ابن منبّه أَخو وهب مما وصله المؤلّف في باب من أخذ بالركاب من الجهاد (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (يميط الأذى) هو على حدّ قوله تسمع بالمعيدي أي أن تسمع وأن يميط الأذى فأن مصدرية أي إماطة الرجل الأذى كتنحية حجر أو شوك (عن الطريق صدقة) على أخيه المسلم لأنه لما تسبب في سلامته عند المرور بالطريق من ذلك الأذى فكأنه تصدّق عليه بذلك فحصل له أجر الصدقة. 25 - باب الْغُرْفَةِ وَالْعُلِّيَّةِ الْمُشْرِفَةِ وَغَيْرِ الْمُشْرِفَةِ فِي السُّطُوحِ وَغَيْرِهَا (باب) جواز سكنى (الغربة) بضم الغين المعجمة وسكون الراء وفتح الفاء المكان المرتفع في البيت (و) سكنى (العلية) بضم العين المهملة وكسرها وتشديد اللام المكسورة والمثناة التحتية. قال الكرماني: وهي مثل الغرفة، وقال الجوهري: الغرفة العلية فهو من العطف التفسيري (المشرفة) على المنازل (وغير المشرفة) بالشين المعجمة الساكنة والفاء وتخفيف الراء فيهما صفتان للسابق (في السطوح وغيرها) ما لم يطلع منها على حرمة أحد وقد تحصل مما ذكره أربعة: عليّة مشرفة على مكان على سطح. مشرفة على مكان على غير سطح. غير مشرفة على مكان على سطح. غير مشرفة على مكان غير سطح. 2467 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: «أَشْرَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلاَلَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ». وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أشرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أطم) بضم الهمزة والطاء (من آطام المدينة) بمد الهمزة جمع أطم وهو بناء مرتفع كالعلية المشرفة، وقيل الآطام حصون على المدينة (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (هل ترون ما أرى) بفتح الهمزة وزاد أبو ذر عن المستملي إني أرى (مواقع الفتن) بنصب مواقع على المفعولية وعلى رواية غير المستملي بحذف إني أرى يكون بدلاً من ما أرى (خلال بيوتكم) بكسر الخاء المعجمة أي وسطها وخلال نصب مفعول ثانٍ. قال شارح المشكاة: والأقرب إلى الذوق أن

يكون حالاً (كمواقع القطر) أي المطر وهو كناية عن كثرة وقوع الفتن بالمدينة والرؤية هنا بمعنى النظر أي كشف لي فأبصرتها عيانًا. وقد سبق هذا الحديث في أواخر الحج ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته في كتاب الفتن. 2468 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَلَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ -رضي الله عنه- عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ لَهُمَا: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}، فَحَجَجْتُ مَعَهُ، فَعَدَلَ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِالإِدَاوَةِ، فَتَبَرَّزَ، حَتَّى جَاءَ فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الإِدَاوَةِ فَتَوَضَّأَ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللَّتَانِ قَالَ لَهُمَا: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} فَقَالَ: وَاعَجَبِي لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الْحَدِيثَ يَسُوقُهُ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ -وَهْيَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ- وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الأَمْرِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَهُ. وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الأَنْصَارِ، فَصِحْتُ عَلَى امْرَأَتِي، فَرَاجَعَتْنِي، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي. فَقَالَتْ: وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيُرَاجِعْنَهُ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ. فَأَفْزَعَنِي. فَقُلْتُ: خَابَتْ مَنْ فَعَلَ مِنْهُنَّ بِعَظِيمٍ. ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَىَّ ثِيَابِي فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ أَىْ حَفْصَةُ، أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ. فَقُلْتُ: خَابَتْ وَخَسِرَتْ، أَفَتَأْمَنُ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِغَضَبِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَهْلِكِينَ؟ لاَ تَسْتَكْثِرِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ تُرَاجِعِيهِ فِي شَىْءٍ وَلاَ تَهْجُرِيهِ. وَاسْأَلِينِي مَا بَدَا لَكِ. وَلاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يُرِيدُ عَائِشَةَ). وَكُنَّا تَحَدَّثْنَا أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ النِّعَالَ لِغَزْوِنَا، فَنَزَلَ صَاحِبِي يَوْمَ نَوْبَتِهِ، فَرَجَعَ عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا وَقَالَ: أَنَائِمٌ هُوَ؟ فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، وَقَالَ: حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، قُلْتُ: مَا هُوَ، أَجَاءَتْ غَسَّانُ؟ قَالَ: لاَ، بَلْ أَعْظَمُ مِنْهُ وَأَطْوَلُ، طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءَهُ. قَالَ: قَدْ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ. كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ هَذَا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ فَجَمَعْتُ عَلَىَّ ثِيَابِي، فَصَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ مَشْرُبَةً لَهُ فَاعْتَزَلَ فِيهَا. فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَإِذَا هِيَ تَبْكِي. قُلْتُ مَا يُبْكِيكِ، أَوَ لَمْ أَكُنْ حَذَّرْتُكِ؟ أَطَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: لاَ أَدْرِي، هُوَ ذَا فِي الْمَشْرُبَةِ. فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ الْمِنْبَرَ، فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ، فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ قَلِيلاً. ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْمَشْرُبَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا، فَقُلْتُ لِغُلاَمٍ لَهُ أَسْوَدَ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ. فَدَخَلَ فَكَلَّمَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ. فَانْصَرَفْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ. ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجِئْتُ -فَذَكَرَ مِثْلَهُ- فَجَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ. ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْغُلاَمَ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ -فَذَكَرَ مِثْلَهُ- فَلَمَّا وَلَّيْتُ مُنْصَرِفًا فَإِذَا الْغُلاَمُ يَدْعُونِي قَالَ: أَذِنَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ، مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ: طَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَىَّ فَقَالَ: لاَ. ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ أَسْتَأْنِسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَنِي وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى قَوْمٍ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ ... فَذَكَرَهُ. فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثُمَّ قُلْتُ: لَوْ رَأَيْتَنِي وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ لاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يُرِيدُ عَائِشَةَ)، فَتَبَسَّمَ أُخْرَى. فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ. ثُمَّ رَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِيهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلاَثَةٍ، فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ، فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ. وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي. فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ حِينَ أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ، وَكَانَ قَدْ قَالَ: مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا، مِنْ شِدَّةِ مَوْجَدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ. فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَبَدَأَ بِهَا، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: إِنَّكَ أَقْسَمْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا، وَإِنَّا أَصْبَحْنَا لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَعُدُّهَا عَدًّا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، وَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأُنْزِلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ، فَبَدَأَ بِي أَوَّلَ امْرَأَةٍ فَقَالَ: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، وَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ. قَالَتْ: قَدْ أَعْلَمُ أَنَّ أَبَوَىَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِكَ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} -إِلَى قَوْلِهِ- {عَظِيمًا} " قُلْتُ: أَفِي هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَىَّ، فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. ثُمَّ خَيَّرَ نِسَاءَهُ. فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله المخزومى مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور) بالمثلثة وضم العين وفتح الموحدة في العبد الأول المدني مولى بني نوفل (عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لم أزل حريصًا على أن أسأل عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- عن المرأتين من أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللتين قال الله) عز وجل (لهما {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما}) [التحريم: 4] (فحججت معه) ولابن مردويه في رواية يزيد بن رومان عن ابن عباس أردت أن أسأل عمر فكنت أهابه حتى حججنا معه فلما قضينا حجنا (فعدل) عن الطريق المسلوكة إلى طريق لا تسلك غالبًا ليقضي حاجته (وعدلت معه بالإداوة) بكسر الهمزة إناء صغير من جلد يتخذ للماء كالسطيحة (فتبرز) أي خرج إلى الفضاء لقضاء حاجته (حتى) ولأبي ذر: ثم (جاء) من البراز (فسكبت على يديه) ماء (من الإداوة فتوضأ فقلت) له عقب وضوئه (يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللتان قال لهما) ولأبي ذر قال الله عز وجل لهما: ({إن تتوبا إلى الله}) أي من التعاون والتظاهر على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) ولأبي ذر: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما. فقال أي عمر: (واعجبي لك يا ابْنَ عباس) بكسر الموحدة وسكون المثناة التحتية، وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي: واعجبًا بالتنوين نحو: يا رجلاً وفي نسخة مقابلة على اليونينية أيضًا بالألف في آخره من غير تنوين نحو: وازيدا. قال الكرماني: يندب على التعجب وهو إما تعجب من ابن عباس كيف خفي عليه هذا الأمر مع شهرته بينهم بعلم التفسير وإما من جهة حرصه على سؤاله عما لا يتنبه له إلا الحريص على العلم من تفسير ما أبهم في القرآن. وقال ابن مالك في التوضيح: "وا" في قوله واعجبًا اسم فعل إذا نوّن عجبًا بمعنى أعجب ومثله وي وجيء بقوله عجبًا توكيدًا وإذا لم ينوّن فالأصل فيه واعجبي فأبدلت المثناة التحتية ألفًا وفيه استعمال "وا" في غير الندبة كما هو رأي المبرد، وقال الزمخشري قاله تعجبًا كأنه كره ما سأله عنه (عائشة وحفصة) هما المرأتان اللتان قال الله تعالى لهما: {إن تتوبا إلى الله}. (ثم استقبل عمر) -رضي الله عنه- (الحديث) حال كونه (يسوقه فقال: إني كنت وجار لي من الأنصار) هو عتبان بن مالك بن عمرو العجلاني الخزرجي كما عن ابن بشكوال، والصحيح أنه أوس بن خولي بن

كائنين في بني أمية بن زيد (وهي) أي أمكنتهم (من عوالي المدينة) القرى التي بقربها وأدناها منها على أربعة أميال وأقصاها من جهة نجد ثمانية (وكنا نتناوب النزول على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فينزل هو يومًا و) أنا (أنزل يومًا) والفاء تفسيرية للتناوب المذكور (فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر) أي الوحي إذ اللام للأمر المعهود بينهم أو الأوامر الشرعية (وغيره) من الحوادث الكائنة عنده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وإذا نزل) أي جاري (فعل مثله) أي مثل الذي أفعله معه من الأخبار بأمر الوحي وغيره (وكنا معشر قريش نغلب النساء) أي نحكم عليهن ولا يحكمن علينا (فلما قدمنا على الأنصار) أي المدينة (إذا هم) أي فاجأناهم (قوم) ولأبي ذر عن الكشميهني: إذ هم بسكون الذال قوم (تغلبهم نساؤهم) فليس لهم شدة وطأة عليهن (فطفق نساؤنا) أي أخذن (يأخذن من أدب نساء الأنصار) بالدال المهملة أي من سيرتهن وطريقتهن كذا وجدته في جميع ما وقفت عليه من الأصول المعتمدة، وقال الحافظ ابن حجر: إنه بالراء قال وهو العقل (فصحت على امرأتي) أي رفعت صوتي عليها (فراجعتني) ردّت عليّ الجواب (فأنكرت أن تراجعني) أي تراددني في القول (فقالت: ولم تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليراجعنه) بسكون العين (وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل) بجر الليل بحتى، وفي رواية عبيد بن حنين عند المؤلّف في تفسير سورة التحريم وإن ابنتك لتراجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يظل يومه غضبان، (فأفزعني) كلامها ولأبي ذر عن الكشميهني: فأفزعتني أي المرأة (فقلت: خابت) بتاء التأنيث الساكنة ولغير الكشميهني: خاب (من فعلت منهن) ذلك (بعظيم) أي بأمر عظيم وفي نسخة لعظيم بلام مفتوحة بدل الموحدة، وللكشميهني جاءت من المجيء من فعل منهن بعظيم (ثم جمعت عليّ ثيابي) أي لبستها جميعًا (فدخلت على حفصة) يعني ابنته (فقلت أي) أي يا (حفصة أتغاضب إحداكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اليوم حتى الليل)؟ بالجر (فقالت: نعم) إنّا لنراجعه (فقلت: خابت وخسرت) أي من غاضبته (أفتامن) التي تغاضبه منكنّ (أن يغضب الله) عليها (لغضب رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتهلكين) بكسر اللام وفي آخره نون. قال أبو علي الصدفي: والصواب أفتأمنين وفي آخره فتهلكي أي بحذف النون كذا قال وليس بخطأ لإمكان توجيهه، وقال البرماوي كالكرماني: القياس فيه حذف النون فتأويله فأنت تهلكين، وقال في المصابيح بكسر اللام وفتح الكاف وفاعله ضمير الأوّل (لا تستكثري على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لا تطلبي منه الكثير (ولا تراجعيه في شيء) أي، لا ترادديه في الكلام (ولا تهجريه) ولو هجرك (واسأليني) بسكون السين وبعدها همزة مفتوحة ولأبي ذر: وسليني بفتح السين وإسقاط الهمزة (ما بدا لك) أي ظهر لك من الضرورات (ولا يغرّنك) بنون التوكيد الثقيلة (أن كانت) بفتح الهمزة وتخفيف النون أي بأن كانت (جارتك) أي ضرتك والعرب تطلق على الضرة جارة لتجاورهما المعنوي ولكونهما عند شخص واحد وإن لم يكن حسيًّا (هي أوضأ) بفتح الهمزة وسكون الواو وبعد الضاد المعجمة المفتوحة همزة من الوضاءة أي ولا يغرنك كون ضرّتك أجمل وأنظف (منك وأحب إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولغير أبي ذر أوضأ وأحب بالنصب فيهما خبر كان ومعطوفًا عليه (يريد) عمر -رضي الله عنه- بجارتها الموصوفة بالوضاءة (عائشة) -رضي الله عنها-، والمعنى، تغترّي بكون عائشة تفعل ما نهيتك عنه فلا يؤاخذها بذلك فإنها تدل بجمالها ومحبة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها فلا تغتري أنت بذلك لاحتمال أن لا تكوني عنده في تلك المنزلة فلا يكون لك من الإدلال مثل الذي لها. (وكنّا تحدّثنا) وفي نسخة عليها علامة السقوط في اليونينية حدّثنا بإسقاط المثناة الفوقية وضم الحاء وكسر الدال المهملة المشددة (أن غسان)

بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وبعد الألف نون رهطًا من قحطان نزلوا حين تفرقوا من مأرب بماء يقال له غسان فسموا بذلك وسكنوا بطرف الشام (تنعل) بضم المثناة الفوقية وبعد النون الساكنة عين مهملة مكسورة الدواب (النعال) بكسر النون وفيه حذف أحد المفعولين للعلم به وللحموي والمستملي: تنتعل بمثناتين فوقيتين مفتوحتين بينهما نون ساكنة وفي باب موعظة الرجل ابنته من النكاح تنعل الخيل (لغزونا) معشر المسلمين (فنزل صاحبي) الأنصاري المسمى عتبان بن مالك على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يوم نوبته) فسمع اعتزال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن زوجاته (فرجع) إلى العوالي (عشاء) نصب على الظرفية أي في عشاء فجاء إليّ (فضرب بابي ضربًا شديدًا وقال: أنائم هو) بهمزة الاستفهام على سبيل الاستخبار ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي: أثم هو بفتح المثلثة أي في البيت وذلك لبطء إجابتهم له فظن أنه خرج من البيت قال عمر رضي الله عنه: (ففزعت) بكسر الزاي أي خفت لأجل الضرب الشديد (فخرجت إليه وقال: حدث أمر عظيم: قلت: ما هو أجاءت غسان) وفي رواية عبيد بن حنين جاء الغساني واسمه كما في تاريخ ابن أبي خيثمة والمعجم الأوسط للطبراني جبلة بن الأيهم. (قال: لا بل أعظم منه وأطول طلّق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نساءه) وعند ابن سعد من حديث عائشة فقال الأنصاري: أعظم من ذلك ما أرى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا وقد طلّق نساءه فوقع طلق مقرونًا بالظن، وفي جميع الطرق عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور طلق بالجزم فيحتمل أن يكون الجزم وقع من إشاعة بعض أهل النفاق فتناقله الناس وأصله ما وقع من اعتزاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك ولم تجر عادته بذلك فظنوا أنه طلقهن (قال): أي عمر (قد خابت حفصة وخسرت) خصّها بالذكر لمكانتها منه لكونها ابنته ولكونه كان قريب العهد بتحذيرها من وقوع ذلك (كنت أظن أن هذا يوشك) بكسر الشين (أن يكون) أي يقرب كونه لأن المراجعة قد تفضي إلى الغضب المفضي إلى الفرقة (فجمعت عليَ ثيابي) أي لبستها (فصليت صلاة الفجر مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخل مشربة) بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء وفتح الموحدة غرفة (له فاعتزل فيها فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي قلت: ما يبكيك أو لم أكن حذّرتك)؟ أي من أن تغاضبي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو تراجعيه أو تهجريه زاد في رواية سماك بن الوليد عند مسلم لقد علمت أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يحبك ولولا أنا لطلّقك فبكت أشد البكاء، وذلك لما اجتمع عندها من الحزن على فراق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولما تتوقعه من شدة غضب أبيها وقد قال لها فيما أخرجه ابن مردويه والله إن كان طلّقك لا أكلمك أبدًا ثم استفهمها عما سمعه فقال: (أطلقكنّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قالت: لا أدري هو ذا في المشربة فخرجت) من بيت حفصة (فجئت المنبر فإذا حوله رهط) لم يسموا (يبكي بعضهم فجلست معهم قليلاً ثم غلبنى ما أجد) أي من شغل قلبه بما بلغه من تطليقه عليه الصلاة والسلام نساءه ومن جملتهن بنته وفي ذلك من المشقّة ما لا يخفى (فجئت المشربة التي هو) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فيها) وفي نسخة التي فيه وفي الفرع علامة السقوط على قوله هو فيها ثم كتب بالهامش الذي فيه بالتذكير وإسقاط هو وصحح على ذلك (فقلت لغلام له أسود) اسمه رباح بفتح الراء والموحدة المخففة وبعد الألف حاء مهملة وسقط لفظ له في رواية أبي ذر (استأذن عمر فدخل فكلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم خرج فقال: ذكرتك له) عليه الصلاة والسلام (فصمت) قال عمر -رضي الله عنه-: (فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت فذكر مثله) ولأبي ذر فجئت فقلت للغلام أي استأذن لعمر فذكر مثله (فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت: استأذن لعمر فذكر مثله

فلما وليت) حال كوني (منصرفًا فإذا الغلام) فاجأني (يدعوني قال: أذن لك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في الدخول (فدخلت عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإذا هو مضطجع على رمال حصير) بكسر الراء والإضافة ما رمل أي نسج من حصير وغيره (ليس بينه) عليه الصلاة والسلام (وبينه) أي الحصير (فراش قد أثر الرمال بجنبه) الشريف وهو (متكيء على وسادة من أدم) بفتحتين جلد مدبوغ (حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم: طلقت) أي أطلقت (نساءك)؟ فهمزة الاستفهام مقدّرة (فرفع) عليه الصلاة والسلام (بصره) الشريف (إليّ فقال): (لا ثم قلت وأنا قائم أستانس) أي أتبصر هل يعود -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الرضا أو هل أقول قولاً أطيب به قلبه وأسكن غضبه (يا رسول الله لو رأيتني) بفتح التاء (وكنا معشر قريش) بسكون العين (نغلب النساء فلما قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم فذكره) أي السابق من القصة (فتبسم النبي) ولغير أبي ذر وكريمة فتبسم رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قلت: لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت: لا يغرّنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب) بالرفع فيهما لأبي ذر ولغيره أوضأ وأحب بنصبهما خبر كان ومعطوفًا عليه (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريد عائشة فتبسم) عليه الصلاة والسلام (أخرى، فجلست حين رأيته تبسم ثم رفعت بصري) أي نظرت (في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئًا يرد البصر غير أهبة ثلاثة) بفتح الهمزة والهاء جمع إهاب الجلد قبل أن يدبغ أو مطلقًا، ولأبي ذر عن الكشميهني: ثلاث بغير هاء (فقلت: ادع الله) ليوسع (فليوسع على أمتك) فالفاء عطف على محذوف فكرر لفظ الأمر الذي هو بمعنى الدعاء للتأكيد قاله الكرماني (فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله وكان) عليه الصلاة والسلام (متكئًا) فجلس (فقال: أو في شك أنت يا ابن الخطاب) بفتح الهمزة والواو للإنكار التوبيخي أي أأنت في شك في أن التوسع في الآخرة خير من التوسع في الدنيا (أولئك) فارس والروم (قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت يا رسول الله استغفر لي) أي عن جراءتي بهذا القول في حضرتك أو عن اعتقادي من التجملات المدنيوية مرغوب فيها قال عمر -رضي الله عنه-. (فاعتزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة) وهو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلا بمارية في يوم عائشة وعلمت حفصة بذلك فقال لها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "اكتمى عليّ وقد حومت مارية على نفسي" فأفشت حفصة إلى عائشة فغضبت عائشة حتى حلف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لا يقربها شهرًا وهو معنى قوله (وكان قد قال) عليه الصلاة والسلام: (ما أنا بداخل عليهن) أي نسائه (شهرًا من شدة موجدته) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الجيم وفتحها في الفرع كأصله مصدر ميمي أي غضبه (عليهن حين عاتبه الله) وللكشميهني حتى عاتبه الله أي بقوله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرّم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك} [التحريم: 1]. والذي في الصحيحين أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش ويمكث عندها فتواطأت عائشة وحفصة على أن أيتهما دخًا عليها فلتقل له أكلت مغافير إني أجد منك ريح مغافير فقال: "لا ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش ولن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدًا" فقد اختل فى الذي حرمه على نفسه وعوتب على تحريمه كما اختلف في سبب حلفه، والأول رواه جماعة يأتي ذكرهم إن شاء الله تعالى في تفسير سورة التحريم. وعند ابن مردويه عن أبي هريرة قال: دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمارية بيت حفصة فجاءت فوجدتها معه فقالت: يا رسول الله في بيتي تفعل هذا معي دون نسائك فحلف لها لا يقربها وقال: "هي حرام" فيحتمل أن تكون الآية نزلت في الشيئين معًا. ووقع عند ابن مردويه في رواية يزيد بن رومان عن عائشة ما يجمع القولين وفيه أن حفصة أهديت لها عكة فيها عسل

26 - باب من عقل بعيره على البلاط، أو باب المسجد

وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا دخل عليها حبسته حتى تلعقه أو تسقيه منها فقالت عائشة لجارية عندها حبشية يقال لها خضراء: إذا دخل على حفصة فانظري ما تصنع فأخبرتها الجارية بشأن العسل فأرسلت إلى صواحبها فقالت: إذا دخل عليكن فقلن إنّا نجد منك ريح مغافير، فقال: هو عسل والله لا أطعمه أبدًا فلما كان يوم حفصة استأذنته أن تأتي أباها فأذن لها فذهبت فأرسل إلى جاريته مارية فأدخلها بيت حفصة قالت حفصة: فرجعت فوجدت الباب مغلقًا فخرج ووجهه يقطر وحفصة تبكي فعاتبته فقال: "أشهدك أنها حرام انظري لا تخبري بهذا امرأة وهي عندك أمانة" فلما خرج قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت: ألا أبشرك أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد حرم أمته فنزلت أي: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك}. (فلما مضت تسع وعشرون) ليلة (دخل) عليه الصلاة والسلام (على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة: إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرًا وإنا أصبحنا لتسع وعشرين ليلة) باللام وللحموي والمستملي بتسع بالموحدة بدل اللام (أعدها عدًّا فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الشهر) الذي آليت فيه (تسع وعشرون وكان ذلك الشهر) وجد (تسع وعشرون) وفي رواية تسعًا وعشرين بالنصب خبر كان الناقصة. (قالت عائشة) -رضي الله عنها- (فأنزلت آية التخيير) الآتية (فبدأ بي أوَل امرأة فقال) ولأبي الوقت قال: (إني ذاكر لك أمرًا ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك) أي لابأس عليك في عدم التعجيل أو لا زائدة أي ليس عليك التعجيل والاستئمار (قالت قد أعلم أن أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه) ولأبي ذر بفراقك (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (إن الله) عز وجل (قال: {يا أيها النبي قل لأزواجك} إلى قوله (عظيمًا}) [الأحزاب: 28، 29] سقط لفظ قوله لأبي ذر وهذه آية التخيير المذكورة. (قلت أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم خير) عليه الصلاة والسلام (نساءه فقلن مثل ما قالت عائشة) نريد الله ورسوله والدار الآخرة. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فدخل مشربة له لأن المشربة هي الغرفة، وكان البخاري يكفيه أن يكتفي من هذا الحديث بقوله مثلاً ودخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مشربة له فاعتزل كما هو شأنه وعادته، والظاهر أنه تأسى بعمر -رضي الله عنه- في سياق الحديث بتمامه، وكان يكفيه في جواب سؤال ابن عباس أن يكتفي بقوله عائشة وحفصة لكنه ساق القصة كلها لما في ذلك من زيادة شرح وبيان. وفي هذا الحديث فوائد جمة يأتي الكلام عليها في محالها إن شاء الله تعالى بمنّه وعونه. 2469 - : حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ حَدَّثَنَا الْفَزَارِىُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: "آلَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، وَكَانَتِ انْفَكَّتْ قَدَمُهُ، فَجَلَسَ فِى عِلِّيَّةٍ لَهُ؛ فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَك؟ َ قَالَ: لاَ، وَلَكِنِّي آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْرًا. فَمَكُثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، ثُمَّ نَزَلَ فَدَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (ابن سلام) بتخفيف اللام هو محمد قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (الفزاري) بفتح الفاء والزاي المخففة وبالراء هو مروان بن معاوية بن الحرث بن أسماء الكوفي نزيل مكة ودمشق (عن حميد الطويل عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال آلى) بهمزة مفتوحة ممدودة أي حلف (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من نسائه شهرًا وكانت انفكت قدمه) أي انفرجت والفك انفراج المنكب أو القدم عن مفصله (فجلس في عليّة له فجاء عمر) -رضي الله عنه- إليه في عليته (فقال: أطلقت نساءك؟ فقال) عليه الصلاة والسلام: (لا ولكني آليت منهن شهرًا فمكث) بضم الكاف (تسعًا وعشرين) يومًا (ثم نزل) من العلية (فدخل على نسائه) وللحموي والمستملي على عائشة وتأتي إن شاء الله تعالى مباحث هذا الحديث مستوفاة في كتاب النكاح. 26 - باب مَنْ عَقَلَ بَعِيرَهُ عَلَى الْبَلاَطِ، أَوْ بَابِ الْمَسْجِدِ (باب من عقل) أيَ شدّ (بعيره) بالعقال (على البلاط) بفتح الموحدة (أو) عقله على (باب المسجد). 2470 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ قَالَ: أَتَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَسْجِدَ فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ وَعَقَلْتُ الْجَمَلَ فِي نَاحِيَةِ الْبَلاَطِ فَقُلْتُ: هَذَا جَمَلُكَ، فَخَرَجَ فَجَعَلَ يُطِيفُ بِالْجَمَلِ قَالَ: الثَّمَنُ وَالْجَمَلُ لَكَ". وبه قال) (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم قال: (حدّثنا أبو عقيل) بفتح العين وكسر القاف بشير بن عقبة الدورقي قال: (حدّثنا أبو المتوكل) عليّ (الناجي) بالنون والجيم (قال أتيت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسجد فدخلت

27 - باب الوقوف والبول عند سباطة قوم

إليه وعقلت الجمل) أي الذي اشتراه منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في السفر (في ناحية البلاط) الحجارة المفروشة عند باب المسجد (فقلت) يا رسول الله (هذا جملك) الذي ابتعته مني (فخرج) عليه الصلاة والسلام من المسجد (فجعل يطيف) أي يلم (بالجمل) ويقاربه (قال) عليه الصلاة والسلام (الثمن) أي ثمن الجمل (والجمل لك) ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: وعقلت الجمل في ناحية البلاط فإنه يستفاد منه جواز ذلك إذا لم يحصل به ضرر، وقوله أو باب المسجد هو بالاستنباط من ذلك. وقال في المصابيح: يشير بالترجمة إلى أن مثل هذا الفعل لا يكون موجبًا للضمان. قال ابن المنير: ولا ضمان على من ربط دابته بباب المسجد أو السوق لحاجة عارضة إذا رمحت ونحوه بخلاف من يعتاد ذلك ويجعله مربطًا لها دائمًا وغالبًا فيضمن. وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع. 27 - باب الْوُقُوفِ وَالْبَوْلِ عِنْدَ سُبَاطَةِ قَوْم (باب) جواز (الوقوف والبول عند سباطة قوم) بضم السين المهملة الكناسة أو هي المزبلة ومعناهما متقارب لأن الكناسة الزبل الذي يكنس. 2471 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَوْ قَالَ: لَقَدْ أَتَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي بالمعجمة المهملة البصري قاضي مكة (عن شعبة) بن الحجاج بن الورد الواسطي البصري (عن منصور) هو ابن المعتمر السلمي الكوفي أحد الأعلام (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الكوفي (عن حذيفة -رضي الله عنه-) أنه (قال: لقد رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو قال لقد أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سباطة قوم) بضم المهملة وبعدها موحدة مزبلتهم وكناستهم تكون بفناء الدور مرفقًا لأهلها وتكون في الغالب سهلة لا يرتد فيها البول على البائل وإضافتها إلى القوم إضافة اختصاص لا ملك لأنها لا تخلو عن النجاسة (فبال قائمًا) لبيان الجواز أو لجرح كان في مأبضه أي باطن ركبته لم يتمكن لأجله من القعود أو يستشفي به من وجع الصلب أو لغير ذلك مما سبق في كتاب الوضوء والغرض منه هنا جواز البول في السباطة وإن كانت لقوم معينين لأنها أعدّت لإلقاء النجاسات المستقذرات والله أعلم. 28 - باب مَنْ أَخَذَ الْغُصْنَ وَمَا يُؤْذِي النَّاسَ فِي الطَّرِيقِ فَرَمَى بِهِ (باب) ثواب (من أخذ) ولأبي ذر عن الكشميهني: من أخر (الغصن) الذي يؤذي المارين (و) ثواب من أخذ (ما يؤذي الناس في الطريق) وفي نسخة في الطرق بلفظ الجمع (فرمى به) في غير المطريق. 2472 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ فَأَخَذَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي وسقط قوله ابن يوسف لغير أبي ذر قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن سميّ) بضم المهملة وفتح الميم وتشديد الياء مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بينما) بالميم (رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك) زاد أبو ذر على الطريق (فأخذه) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: فأخره (فشكر الله له) أي أثنى عليه أو قبل عمله (فغفر له). 29 - باب إِذَا اخْتَلَفُوا فِي الطَّرِيقِ الْمِيتَاءِ -وَهْيَ الرَّحْبَةُ تَكُونُ بَيْنَ الطَّرِيقِ- ثُمَّ يُرِيدُ أَهْلُهَا الْبُنْيَانَ، فَتُرِكَ مِنْهَا الطَّرِيقُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ هذا (باب) بالتنوين (إذا اختلفوا في الطريق الميتاء) بكسر الميم وسكون المثناة التحتية وبعد الفوقية ألف ممدودة التي لعامة الناس (وهي الرحبة) الواسعة (وتكون بين الطريق ثم يريد أهلها) أصحابها (البنيان فترك) ولأبي الوقت في نسخة: فيترك (منها الطريق سبعة) وفي نسخة سبع (أذرع) بالذال المعجمة ولأبي ذر فترك منها للطريق سبعة أذرع لتسلكها الأحمال والأثقال دخولاً وخروجًا وتسع ما لا بدّ لهم من طرحه عند الأبواب، ويلتحق بأهل البنيان من قعد للبيع في حافة الطريق فإن كانت طريق أزيد من سبعة أذرع لم يمنع من القعود في الزائد وإن كان آقل منع منه لئلا يضيق الطريق على غيره. 2473 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ خِرِّيتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَضَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا تَشَاجَرُوا فِي الطَّرِيقِ بِسَبْعَةِ أَذْرُعٍ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بالجيم في الأول والحاء المهملة والزاي في الثاني ابن زيد بن عبد الله الأزدي البصري (عن الزبير بن خرّيت) بكسر الخاء المعجمة والراء المشددة وبعد التحتية الساكنة مثناة فوقية البصري (عن عكرمة) مولى ابن عباس أنه قال (سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قضى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا تشاجروا) بالشين المعجمة والجيم أي

30 - باب النهبى بغير إذن صاحبه

تخاصموا (في الطريق الميتاء بسبعة أذرع) متعلق بقوله قضى وسقط الميتاء في رواية المستملي والحموي كذا في فرع اليونينية. وقال الحافظ ابن حجر: وتبعه العيني زاد المستملي في روايته الميتاء ولم يتابع عليه وليست بمحفوظة في حديث أبي هريرة وإنما ذكرها المؤلّف في الترجمة مشيرًا بها إلى ما ورد في بعض طرق الحديث كعادته وذلك فيما أخرجه عبد الرزاق عن ابن عباس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إذا اختلفتم في الطريق الميتاء فاجعلوها سبعة أذرع" أي يجعل قدر الطريق المشتركة سبعة أذرع ثم يبقى بعد ذلك لكل واحد من الشركاء في الأرض قدر ما ينتفع به ولا يضر غيره قال الزركشي تبعًا للأذرعي ومذهب الشافعي اعتبار قدر الحاجة والحديث محمول عليه فإن ذلك عرف المدينة صرح بذلك الماوردي والروياني. 30 - باب النُّهْبَى بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ وَقَالَ عُبَادَةُ بَايَعْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ لاَ نَنْتَهِب. (باب النهبى) بضم النون وسكون الهاء وفتح الموحدة (بغير إذن صاحبه) أي صاحب الشيء المنهوب. (قال عبادة) بن الصامت الأنصاري مما وصله المؤلّف في وفود الأنصار: (بايعنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا ننتهب) لأنه كان من شأن الجاهلية انتهاب ما يحصل لهم من الغارات فوقعت البيعة على الزجر عن ذلك. 2474 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّ -وَهُوَ جَدُّهُ أَبُو أُمِّهِ- قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ النُّهْبَى وَالْمُثْلَةِ". [الحديث 2474 - طرفه في: 5516]. وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي قال: (سمعت عبد الله بن يزيد) من الزيادة الخطمي (الأنصاري) وللكشميهني ابن زيد قال ابن حجر وهو تصحيف (وهو) يعني عبد الله بن يزيد (جدّه) أي جدّ عدي بن ثابت (أبو أمه) فاطمة واختلف في سماع عبد الله بن يزيد هذا من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الدارقطني له ولأبيه صحبة وشهد بيعة الرضوان وهو صغير (قال): (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن النهبى والمثلة) بضم الميم وسكون المثلثة العقوبة الفاحشة في الأعضاء كجدع الأنف وقطع الأذن ونحوهما. 2475 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ». وَعَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... مِثْلَهُ، إِلاَّ النُّهْبَةَ. قَالَ الفَرْبَرِيُّ: وَجَدتُ بِخَطِّ أبَيِ جَعْفَرٍ: "قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: تَفْسِيرُهُ أَنْ يَنزَعَ مِنهُ، يُرِيدُ الإِيمان" [الحديث 2475 - أطرافه في: 5578، 6772، 6810]. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين وفتح الفاء (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحرث بن هشام بن المغيرة المخزومي المدني (عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) كامل (ولا يشرب) هو أي الشارب (الخمر حين يشرب وهو مؤمن) أي كامل ففي يشرب ضمير مستتر مرفوع على الفاعلية راجع إلى الشارب الدالّ عليه يشرب بالالتزام لأن يشرب يستلزم شاربًا وحسن ذلك تقدم نظيره وهو لا يزني الزاني وليس براجع إلى الزاني لفساد المعنى، وقول الزركشي فيه حذف الفاعل بعد النفي فإن الضمير لا يرجع إلى الزاني بل لفاعل مقدّر دلّ عليه ما قبله أي ولا يشرب الشارب الخمر، تعقبه العلاّمة البدر الدماميني فقال في كلامه تدافع فتأمله، ووجه التدافع كونه قال فيه حذف الفاعل ثم قال فإن الضمير لا يرجع إلى الزاني بل لفاعل مقدّر لأن الفاعل عمدة فلا يحذف وإنما هو ضمير مستتر في الفعل (ولا يسرق) أي السارق (حين يسرق وهو مؤمن) كامل (ولا ينتهب) الناهب (نهبة يرفع الناس إليه) أي إلى المنتهب (فيها) أي في النهبة (أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن) كامل فالمراد سلب كمال الإيمان دون أصله أو المراد من فعل ذلك مستحلاًّ له أو هو من باب الإنذار بزوال الإيمان إذا اعتاد هذه المعاصي واستمر عليها. وقال في المصابيح: انظر ما الحكمة في تقييد الفعل المنفي بالظرف في الجميع أي لا يزني الزاني حين يزني ولا يشرب الخمر حين يشربها ولا يسرق حين يسرق ولا ينتهب نهبة حين ينتهبها ويظهر لي والله أعلم أن ما أضيف إليه الظرف هو من باب التعبير عن الفعل بإرادته وهو كثير في كلامهم أي لا يزني الزاني حين إرادته الزنا وهو مؤمن لتحقّق قصده وانتفاء ما عداه بالسهو لوقوع الفعل منه في حين إرادته وكذا البقية فذكر القيد لإفادة كونه متعمدًا لا عذر له انتهى. ومطابقة الحديث للترجمة

31 - باب كسر الصليب وقتل الخنزير

في قوله ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم لأنه يستفاد منه التقييد بالإذن في الترجمة لأن رفع البصر إلى المنتهب في العادة لا يكون إلا عند عدم الإذن، ومفهوم الترجمة أنه إذن جاز ومحله في المنهوب المبتاع كالطعام يقدم للقوم فلكلٍّ منهم أن يأكل مما يليه ولا يجذب من غيره إلا برضاه. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الحدود ومسلم في الإيمان والنسائي في الأشربة وابن ماجة في الفتن. (وعن سعيد) هو ابن المسيب (وأبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه- (عن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله) أي مثل حديث أبي بكر بن عبد الرحمن (إلا النهبة) فلم يذكرها فانفرد أبو بكر بن عبد الرحمن بزيادتها. (قال الفربري) محمد بن يوسف (وجدت بخط أبي جعفر) هو ابن أبي حاتم ورّاق المؤلّف. (قال أبو عبد الله) أي المؤلّف (تفسيره) أي تفسير قوله: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن (أن ينزع منه يريد الإيمان) كذا في فرعين لليونينية وروايته فيها عن المستملي بلفظ يريد من الإرادة. وقال في فتح الباري: نور الإيمان والإيمان هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان ونوره الأعمال الصالحة واجتناب المناهي فإذا زنى أو شرب الخمر أو سرق ذهب نوره وبقي صاحبه في الظلمة. 31 - باب كَسْرِ الصَّلِيبِ وَقَتْلِ الْخِنْزِيرِ (باب كسر الصليب وقتل الخنزير). 2476 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) بن جعفر المديني البصري قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب) أنه (سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا تقوم الساعة) أي القيامة (حتى ينزل فيكم) أي في هذه الأمة (ابن مريم) عيسى صلوات الله وسلامه عليه (حكمًا) بفتح الحاء والكاف أي حاكمًا (مقسطًا) عادلاً في حكمه فيحكم بالشريعة الحميدية (فيكسر الصليب) الذي اتخذه النصارى زاعمين أن عيسى عيه الصلاة والسلام صلب على خشبة على تلك الصورة وفي كسره له إشعار بأنهم كانوا على الباطل في تعظيمه والفاء في قوله فيكسر الصليب تفصيلية لقوله حكمًا مقسطًا (ويقتل الخنزير) بنصب يقتل عطفًا على فيكسر المنصوب وكذا قوله (ويضع الجزية) يتركها فلا يقبل من الكفار إلا الإسلام (ويفيض المال) بفتح الياء وكسر الفاء والنصب عطفًا على السابق ولأبي ذر ويفيض بالرفع على الاستئناف أي يكثر (حتى لا يقبله أحد) لعلمهم بقيام الساعة وأشار المؤلّف بإيراد هذا الحديث هنا إلى أن من كسر صليبًا أو قتل خنزيرًا لا يضمن لأنه فعل مأمورًا به، لكن محله إذا كان مع المحاربين أو الذمي إذا جاوز الحد الذي عوهد عليه فإذا لم يجاوزه وكسره مسلم كان متعديًّا لأنهم على تقديرهم على ذلك يؤدون الجزية. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في أحاديث الأنبياء وتقدم من وجه آخر في باب قتل الخنزير في أواخر البيوع، وأخرجه مسلم في الإيمان وابن ماجة في الفتن. 32 - باب هَلْ تُكْسَرُ الدِّنَانُ الَّتِي فِيهَا الْخَمْرُ، أَوْ تُخَرَّقُ الزِّقَاقُ؟ فَإِنْ كَسَرَ صَنَمًا أَوْ صَلِيبًا أَوْ طُنْبُورًا أَوْ مَا لاَ يُنْتَفَعُ بِخَشَبِهِ. وَأُتِيَ شُرَيْحٌ فِي طُنْبُورٍ كُسِرَ فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَىْء. هذا (باب) بالتنوين (هل تكسر الدنان) بكسر الدال جمع دن الحب وهو الخابية فارسي معرّب (التي فيها الخمر) صفة للدنان ولأبي ذر فيها خمر بالتنكير (أو تخرق الزقاق) بضم التاء وفتح الخاء المعجمة والراء مبنيًّا للمفعول عطفًا على هل تكسر الدنان والزقاق بكسر الزاي جمع زق أي التي فيها الخمر أيضًا فيه تفصيل وإن كانت الأوعية بحيث تراق وإذا غسلت طهرت وينتفع بها لم يجز إتلافها وإلاّ جاز، وقال أبو يوسف وأحمد في رواية: إن كان الدن أو الزق لمسلم لم يضمن، وقال محمد بن الحسن وأحمد في رواية يضمن لأن الإراقة بغير الكسر ممكنة وإن كان الدن لذمي، فقال الحنفية يضمن بلا خلاف لأنه مال متقوّم في حقهم، وقال الشافعي وأحمد: لا يضمن لأنه غير متقوّم في حق المسلم فكذا في حق الذمي وإن كان الدن لحربي فلا يضمن بلا خلاف، وعن مالك زق الخمر لا يطهره الماء لأن الخمر غاص فيه (فإن كسر صنمًا) ما يتخذ إلهًا من دون الله ويكون من خشب وغيره حديد ونحاس وغيرهما (أو) كسر (صليبًا أو طنبورًا) بضم الطاء والموحدة بينهما نون ساكنة آلة

مشهورة من آلات الملاهي (أو) كسر (ما لا ينتفع بخشبه) قبل الكسر كآلات اللاهي المتخذة من الخشب فهو تعميم بعد تخصيص وجزاء الشرط محذوف أي هل يضمن أو يجوز أو فما حكمه؟ (وأتي) بضم الهمزة (شريح) هو ابن الحرث الكندي أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يلقه واستقضاه عمر بن الخطاب على الكوفة أي أتاه اثنان (في طنبور كسر) ادّعى أحدهما على الآخر أنه كسر طنبوره (فلم يقضِ فيه بشيء) أي لم يحكم فيه بغرامة وهذا وصله ابن أبي شيبة. 2477 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى نِيرَانًا تُوقَدُ يَوْمَ خَيْبَرَ قَالَ: عَلَى مَا تُوقَدُ هَذِهِ النِّيرَانُ؟ قَالُوا: عَلَى الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. قَالَ: اكْسِرُوهَا وَأَهْرِقُوهَا. قَالُوا: أَلاَ نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: اغْسِلُوا". قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: كَانَ ابنُ أَبِي أُوَيسٍ يَقُولُ "الحمرِ الأنسيةِ" بنصبِ الألف والنون. [الحديث 2477 - أطرافه في: 4196، 5497، 6148، 6331، 6891]. وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة النبيل البصري (عن يزيد بن أبي عبيد) الأسلمي بن الأكوع (عن سلمة بن الأكوع) هو سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي أبو مسلم شهد بيعة الرضوان وتوفي سنة أربع وسبعين (-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى نيرانًا توقد يوم) غزوة (خيبر) سنة سبع (قال): (على ما توقد هذه النيران) بإثبات ألف ما الاستفهامية مع دخول الجار عليها وهو قليل، والنيران بكسر النون الأولى جمع نار والياء منقلبة عن واو وللأصيلي قال علام بحذف ألف ما الاستفهامية، ولأبي ذر فقال: علام بفاء قبل القاف وحذف ألف ما (قالوا) ولأبي ذر قال (على الحمر) بضم المهملة والميم (الإنسية) بكسر الهمزة وسكون النون نسبة إلى الإنس بني آدم وثبت قوله على لأبي ذر وسقطت لغيره (قال) عليه الصلاة والسلام (اكسروها) أي القدور (وأهرقوها) بسكون الهاء ولأبي ذر وهريقوها بحذف الهمزة وزيادة مثناة تحتية قبل القاف والهاء مفتوحة أي صبوها (قالوا) مستفهمين (ألا نهريقها) بضم النون وفتح الهاء وبعد الراء المكسورة تحتية ساكنة أي من غير كسر (ونغسلها قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجيبًا لهم (اغسلوا) بحذف الضمير المنصوب أي اغسلوها أي القدور وإنما قال ذلك عليه الصلاة والسلام لاحتمال تغير اجتهاده أو أوحي إليه بذلك. وقال ابن الجوزي: أراد التغليظ عليهم في طبخهم ما نهي عن أكله فلما رأى إذعانهم اقتصر على غسل الأواني، وفيه رد على من زعم أن دنّان الخمر لا سبيل إلى تطهيرها فإن الذي دخل القدور من الماء الذي طبخت به الحمر نظيره، وقد أذن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غسلها فدلّ على إمكان تطهيرها. وهذا الحديث تاسع ثلاثيات البخاري، وقد أخرجه أيضًا في المغازي والأدب والذبائح والدعوات ومسلم في المغازي وبالذبائح (قال أبو عبد الله) البخاري (كان ابن أبي أويس) إسماعيل وهو شيخ المؤلّف وابن أخت الإمام مالك (يقول: الحمر الأنسية بنصب الألف والنون) نسبة إلى الأنس بالفتح ضد الوحشة. قال في فتح الباري: وتعبيره عن الهمزة بالألف وعن الفتح بالنصب جائز عند المتقدمين وإن كان الاصطلاح أخيرًا قد استقرّ على خلافه فلا يبادر إلى إنكاره انتهى. وتعقبه العيني فقال: ليس هذا بمصطلح عند النحاة المتقدمين والمتأخرين إنهم يعبّرون عن الهمزة بالألف وعن الفتح بالنصب فمن ادّعى خلاف ذلك فعليه البيان بالهمزة ذات حركة والألف مادة هوائية لا تقبل الحركة والفتح من ألقاب البناء والنصب من ألقاب الإعراب وهذا مما لا يخفى على أحد. 2478 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ وَحَوْلَ البيتِ ثَلاَثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَجَعَلَ يَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} الآيَةَ". [الحديث 2478 - طرفاه في: 4287، 4720]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المدني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة عبد الله بن يسار بالتحتية والسين المهملة المخففة (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن أبي معمر) بفتح الميمين وسكون المهملة بينهما عبد الله بن سخبرة الأزدي الكوفي (عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-) أنه (قال دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة) في غزوة الفتح في رمضان سنة ثمان (وحول البيت) وفي نسخة وهي التي في الفرع وأصله الكعبة (ثلاثمائة وستون نصبًا) بضم النون والصاد المهملة وبالموحدة حجرًا كانوا ينصبونه في الجاهلية ويتخذونه صنمًا يعبدونه والجمع أنصاب والواو في قوله وحول البيت للحال (فجعل) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

33 - باب من قاتل دون ماله

(يطعنها) بضم العين في الفرع ويجوز فتحها أي يطعن الأصنام (بعود في يده) صفة لعود وفيه إذلال للأصنام وعابديها وإظهار أنها لا تضر ولا تنفع ولا تدفع عن أنفسها (وجع) عليه الصلاة والسلام (يقول): (جاء الحق وزهق الباطل) أي هلك واضمحل (الآية) إلى آخرها. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي والتفسير ومسلم في المغازي والترمذي في التفسير وكذا النسائي. 2479 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّهَا كَانَتِ اتَّخَذَتْ عَلَى سَهْوَةٍ لَهَا سِتْرًا فِيهِ تَمَاثِيلُ. فَهَتَكَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَاتَّخَذَتْ مِنْهُ نُمْرُقَتَيْنِ، فَكَانَتَا فِي الْبَيْتِ يَجْلِسُ عَلَيْهِمَا". [الحديث 2479 - أطرافه في: 5954، 5955، 6109]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (إبراهيم بن المنذر) الحزامي الأسدي قال: (حدّثنا أنس بن عياض) الليثي أبو ضمرة المدني (عن عبيد الله) بالتصغير العمري ولأبي ذر زيادة ابن عمر (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت اتخذت على سهوة لها) بفتح السين المهملة كالصفة تكون بين يدي البيت أو الطاق يوضع فيه الشيء أو خزانة أو رف (سترًا فيه تماثيل) جمع تمثال وهو ما صوّر من الحيوانات (فهتكه) أي نزعه أو خرقه (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاتخذت) عائشة -رضي الله عنها- (منه) أي من الستر (نمرقتين) تثنية نمرقة بضم النون والراء وسادة صغيرة وقد تطلق على الطنفسة (فكانتا) يعني النمرقتين (في البيت يجلس عليهما) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فإن قلت: ما وجه دخول هذا الحديث في المظالم؟ أجيب: بأن هتك الستر الذي فيه التماثيل من إزالة الظلم لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه. وهذا الحديث من أفراده. 33 - باب مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ (باب من قاتل دون ماله) أي عند ماله فقتل فهو شهيد. 2480 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ -هُوَ ابْنُ أَبِي أَيُّوبَ- قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد) من الزيادة القرشي العدوي أبو عبد الرحمن القري مولى آل عمر بن الخطاب قال: (حدّثنا سعيد هو ابن أبي أيوب) الخزاعي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو الأسود) محمد بن عبد الرحمن يتيم عروة (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن العاص (-رضي الله عنهما-) أنه (قال سمعت النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من قتل دون ماله فهو شهيد). وهذا الحديث أخرجه النسائي بهذا الإسناد بلفظ "من قتل دون ماله مظلومًا فله الجنة". وفي الترمذي من حديث سعيد بن زيد مرفوعًا "من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد" ثم قال: حديث صحيح. 34 - باب إِذَا كَسَرَ قَصْعَةً أَوْ شَيْئًا لِغَيْرِهِ هذا (باب) بالتنوين (إذا كسر) شخص (قصعة) بفتح القاف إناء من خشب (أو) كسر (شيئًا لغيره) هو من باب عطف العام على الخاص أي هل يضمن المثل أو القيمة فجواب إذا محذوف. 2481 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ خَادِمٍ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا فَكَسَرَتِ الْقَصْعَةَ، فَضَمَّهَا وَجَعَلَ فِيهَا الطَّعَامَ وَقَالَ: كُلُوا. وَحَبَسَ الرَّسُولَ وَالْقَصْعَةَ حَتَّى فَرَغُوا، فَدَفَعَ الْقَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ وَحَبَسَ الْمَكْسُورَةَ". وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 2481 - طرفه في: 5225]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان عند بعض نسائه) هي عائشة (فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين) هي صفية كما رواه أبو داود والنسائي أو حفصة رواه الدارقطني وابن ماجة أو أم سلمة رواه الطبراني في الأوسط وإسناده أصح من إسناد الدارقطني وساقه بسند صحيح وهو أصح ما ورد في ذلك ويحتمل التعدد (مع خادم) لم يسم (بقصعة فيها طعام) وفي الأوسط للطبراني بصحفة فيها خبز ولحم من بيت أم سلمة (فضربت) عائشة (بيدها فكسرت القصعة) زاد أحمد نصفين وعند النسائي من حديث أم سلمة فجاءت عائشة ومعها فهر ففلقت الصحفة (فضمها) عليه الصلاة والسلام أي القصعة، وفي رواية ابن علية عند المؤلّف في النكاح فجمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلق الصحفة (وجعل فيها الطعام) الذي انتثر منها (وقال) عليه الصلاة والسلام لأصحابه الذين كانوا معه: (كلوا وحبس الرسول) الذي جاء بالطعام (والقصعة) بالنصب عطفًا على المنصوب السابق (حتى فرغوا) من الأكل وأتى بقصعة من عند عائشة (فدفع القصعة الصحيحة) إلى الرسول ليعطيها للتي كسرت صحفتها (وحبس) القصعة (المكسورة) في بيت التي كسرت

35 - باب إذا هدم حائطا فليبن مثله

زاد الثوري وقال إناء كإناء وطعام كطعام. واستشكل بأنه إنما يحكم في الشيء بمثله إذا كان متشابه الأجزاء كالدراهم وسائر المثليات والقصعة إنما هي من المتقوّمات، والجواب ما حكاه البيهقي بأن القصعتين كانتا للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيت زوجتيه فعاقب الكاسرة بجعل القصعة المكسورة في بيتها وجعل الصحيحة في بيت صاحبتها ولم يكن ذلك على سبيل الحكم على الخصم. (وقال ابن أبي مريم) هو شيخ المؤلّف سعيد (أخبرنا يحيى بن أيوب) قال: (حدّثنا حميد) الطويل قال: (حدّثنا أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وغرض المؤلّف بسياق هذا بيان التصريح بتحديث أنس لحميد قاله في الفتح. 35 - باب إِذَا هَدَمَ حَائِطًا فَلْيَبْنِ مِثْلَهُ هذا (باب) بالتنوين (إذا هدم) شخص (حائطًا) لشخص آخر (فليبن مثله) خلافًا لمن قال من المالكية وغيرهم تلزمه القيمة. 2482 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَانَ رَجُلٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ يُصَلِّي، فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ، فَأَبَى أَنْ يُجِيبَهَا فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي؟ ثُمَّ أَتَتْهُ فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ الْمُومِسَاتِ. وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ. لأَفْتِنَنَّ جُرَيْجًا. فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَكَلَّمَتْهُ، فَأَبَى. فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَلَدَتْ غُلاَمًا فَقَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ. فَأَتَوْهُ وَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ، فَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى الْغُلاَمَ فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلاَمُ؟ قَالَ: الرَّاعِي. قَالُوا: نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ؟ قَالَ لاَ، إِلاَّ مِنْ طِينٍ». وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي الأزدي البصري قال: (حدّثنا جرير) هو (ابن حازم) بالحاء المهملة والزاي ابن زيد بن عبد الله الأزدي البصري (عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كان رجل في بني إسرائيل يقال له جريج) بضم الجيم الأولى وفتح الراء وسكون التحتية وفي رواية كريمة جريج الراهب (يصلّي) أي في صومعته وفي أول حديث أبي سلمة عند (¬1) كان رجل في بني إسرائيل تاجرًا وكان ينقص مرة ويزيد أخرى فقال ما في هذه التجارة خير لألتمسن تجارة هي خير من هذه فبنى صومعة وترهب فيها، وهذا يدل على أنه كان بعد عيسى عليه الصلاة والسلام وأنه كان من أتباعه لأنهم الذين ابتدعوا الترهب وحبس النفس في الصوامع وهو يرد قول ابن بطال إنه يمكن أن يكون نبيًّا (فجاءته أمه) لم تسم (فدعته) وفي رواية أبي رافع عند أحمد فأتته أمه ذات يوم فنادته فقالت ابني جريج أشرف حتى أكلمك أنا أمك (فأبى أن يجيبها فقال) في نفسه مناجيًا لله تعالى سرًّا من غير نطق أو نطق وكان الكلام مباحًا في شريعتهم كما كان عندنا في صدر الإسلام (أجيبها أو أصلي ثم أتته) أي بعدما رجعت وفي رواية أبي رافع فصادفته يصلّي فقالت يا جريج فقال: يا رب أمي وصلاتي فاختار صلاته فرجعت فأتته وصادفته يصلّي فقالت: يا جريج أنا أمك فكلمني فقال مثله. وفي حديث عمران بن حصين عند الطبراني في الأوسط أنها جاءته ثلاث مرات تناديه في كل مرة ثلاث مرات، وقوله: أمي وصلاتي أي اجتمع عليّ إجابة أمي وإتمام صلاتي فوفقني لأفضلهما (فقال: اللهم لا تمته حتى تريه المومسات) جمع مومسة بضم الميم وسكون الواو وكسر الميم بعدها مهملة الزانية. وفي رواية الأعرج في باب: إذا دعت الأم ولدها في الصلاة من أواخر كتاب الصلاة حتى ينظر في وجوه المياميس، وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي: حتى تريه وجوه المومسات (وكان جريج في صومعته) بفتح الصاد المهملة وسكون الواو وهي البناء المرتفع المحدّد أعلاه وزنها فوعلة من صمعت إذا دققت لأنها دقيقة الرأس (فقالت امرأة) بغي منهم (لأفتنن جريجًا) ولم تسم. نعم في حديث عمران بن حصين أنها كانت بنت ملك القرية لكن يعكر عليه ما في رواية الأعرج وكانت تأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم. وأجيب: باحتمال أنها خرجت من دارها بغير علم أهلها متنكرة للفساد إلى أن ادّعت أنها تستطيع أن تفتن جريجًا فاحتالت بأن خرجت في صورة راعية ليمكنها أن تأوي إلى ظل صومعته لتتوصل بذلك إلى فتنته. (فتعرضت له فكلمته) أن يواقعها (فأبى فأتت راعيًا) قال القطب القسطلاني في المبهمات له اسمه صهيب، وكذا قال ابن حجر في المقدمة لكنه قال في فتح الباري في أحاديث الأنبياء: لم أقف على اسم الراعي وزاد أحمد في رواية وهب بن جرير بن حازم عن أبيه كان يؤوي غنمه إلى أصل صومعة جريج (فأمكنته من نفسها) فواقعها وحملت منه (فولدت غلامًا) بعد انقضاء مدة الحمل فسئلت ممن هذا الغلام (فقالت هو من جريج فأتوه ¬

(¬1) بياض بالأصل.

47 - كتاب الشركة

وكسروا صومعته) وفي رواية أبي رافع فأقبلوا بفؤوسهم ومساحيهم. وفي حديث عمران فما شعر حتى سمع بالفؤوس في أصل صومعته فجعل يسألهم ويلكم ما لكم فلم يجيبوه، فلما رأى ذلك أخذ الحبل فتدلى (فأنزلوه) ولأبي ذر: وأنزلوه بالواو بدل الفاء (وسبوه) زاد أحمد في رواية وهب بن جرير وضربوه فقال: ما شأنكم؟ قالوا: إنك زنيت بهذه، وفي رواية أبي رافع عند أحمد أيضًا فجعلوا في عنقه وعنقها حبلاً فجعلوا يطوفون بهما في الناس (فتوضأ) وفيه أن الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة لمن قال ذلك. نعم من خصائصها الغرة والتحجيل في القيامة (وصلّى) زاد في حديث عمران ركعتين وفي رواية وهب بن جرير ودعا (ثم أتى الغلام فقال: من أبوك يا غلام) وفي رواية الأعرج قال يا بابوس من أبوك أي يا صغير وليس هو اسم هذا الغلام بعينه (قال) الغلام أبي (الراعي) وفيه أن الطفل يدعى غلامًا وقد تكلم من الأطفال ستة. شاهد يوسف. وابن ماشطة بنت فرعون. وعيسى عليه الصلاة والسلام. وصاحب جريج هذا. وصاحب الأخدود. وولد المرأة التي من بني إسرائيل لما مرّ بها رجل من بني إسرائيل وقالت: اللهم اجعل ابني مثله فترك ثديها وقال: اللهم لا تجعلني مثله، وزعم الضحاك في تفسيره أن يحيى تكلم في المهد أخرجه الثعلبي فإن ثبت صاروا سبعة. ومبارك اليمامة في الزمن النبوي الحميدي وتأتي دلائل ذلك إن شاء الله تعالى في أحاديث الأنبياء. (قالوا نبني صومعتك من ذهب قال) جريج (لا إلا من طين) كما كانت ففعلوا. قال ابن مالك في التوضيح فيه شاهد على حذف المجزوم بلا الناهية فإن مراده لا تبنوها إلا من طين. قال في المصابيح: يحتمل أن يكون التقدير لا أريدها من طين فلا شاهد فيه. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: نبني صومعتك الخ ... لأن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأت شرعنا بخلافه لكن في الاستدلال بهذه القصة فيما ترجم به نظر لأن شرعنا أوجب المثل في المثليات والحائط متقوّم لا مثلي لكن لو التزم الهادم الإعادة ورضي صاحبه بذلك جاز بلا خلاف. وفي الحديث إيثار إجابة الأم على صلاة التطوّع لأن الاستمرار فيها نافلة وإجابة الأم وبرّها واجب. قال النووي: وإنما دعت عليه وأجيبت لأنه كان يمكنه أن يخفف ويجيبها لكن لعله خشي أن تدعوه إلى مفارقة صومعته والعود إلى الدنيا وتعلقاتها انتهى. وفيه بحث يأتي إن شاء الله تعالى، وعند الحسن بن سفيان من حديث يزيد بن حوشب عن أبيه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لو كان جريج فقيهًا لعلم أن إجابة أمه أولى من عبادة ربه. وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في أحاديث الأنبياء ومسلم في الأدب. بسم الله الرحمن الرحيم 47 - كتاب الشركة (بسم الله الرحمن الرحيم). 1 - باب الشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ وَالنَّهْدِ وَالْعُرُوضِ وَكَيْفَ قِسْمَةُ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ مُجَازَفَةً أَوْ قَبْضَةً قَبْضَةً، لَمَّا لَمْ يَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي النَّهْدِ بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ هَذَا بَعْضًا وَهَذَا بَعْضًا. وَكَذَلِكَ مُجَازَفَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْقِرَانُ فِي التَّمْرِ. (باب الشركة) بفتح الشين المعجمة وكسر الراء كما ضبطها في اليونينية وهي لغة الاختلاط وشرعًا ثبوت الحق في شيء لاثنين فأكثر على جهة الشيوع، وقد تحدث الشركة قهرًا كالإرث أو باختيار كالشراء وهي أنواع أربعة شركة الأبدان كشركة الحمالين وسائر المحترفة ليكون كسبهما متساويًا أو متفاوتًا مع اتفاق الصنعة واختلافها وشركة الوجوه كأن يشترك وجيهان عند الناس ليبتاع كلٌّ منهما بمؤجل، ويكون المبتاع لهما فإذا باعا كان الفاضل عن الأثمان بينهما وشركة المفاوضة بأن يشترك اثنان بأن يكون بينهما كسبهما بأموالهما أو أبدانهما وعليهما ما يعرض من مغرم، وسميت مفاوضة من تفاوضا في الحديث شرعًا فيه جميعًا وشركة العنان بكسر العين من عنّ الشيء ظهر إما لأنها أظهر الأنواع أو لأنه ظهر لكلٍّ منهما مال الآخر وكلها باطلة إلا شركة العنان لخلوّ الثلاثة الأول عن المال المشترك ولكثرة الغرر فيها بخلاف الأخيرة فهي الصحيحة ولها شروط: العاقدان وشرطهما أهلية التوكيل والتوكل، والصيغة ولابدّ فيها من لفظ يدل على الإذن من كلٍّ منهما للآخر في التصرف بالبيع والشراء والمال المعقود عليه، وتجوز

الشركة في الدراهم والدنانير بالإجماع وكذا في سائر المثليات كالبرّ والحديد لأنها إذا اختلطت بجنسها ارتفع عنها التمييز فأشبهت النقدين، وأن يخلطا قبل العقد ليتحقق معنى الشركة وسقط لفظ باب في رواية أبي ذر وقال في الشركة بكسر المعجمة وسكون الراء كما في الفرع ولم يضبطه في أصله، وفي رواية النسفيّ وابن شبويه كتاب الشركة. (في الطعام) الآتي حكمه في باب مفرد (والنهد) بكسر النون، ولأبي ذر: والنهد بفتحها والهاء في الروايتين ساكنة وهو إخراج القوم نفقاتهم على قدر عدد الرفقة وخلطها عند المرافقة في السفر وقد يتفق رفقة فيصنعونه في الحضر كما سيأتي إن شاء الله تعالى. (والعروض) بضم العين جمع عرض بسكون الراء مقابل النقد ويدخل فيه الطعام (وكيف قسمة ما يكال ويوزن) هل تجوز قسمته (مجازفة أو) لا بدّ من الكيل في المكيل والوزن في الموزون كما قال (قبضة قبضة) يعني متساوية (لما) بفتح اللام وتشديد الميم في أصلين مقايلين على اليونينية وغيرهما مما وقفت عليه. وقال الحافظ ابن حجر وتبعه العيني: لما بكسر اللام وتخفيف الميم (لم ير المسلمون في النهد بأسًا أن) أي بأن (يأكل هذا بعضًا وهذا بعضًا) مجازفة (وكذلك مجازفة الذهب) بالفضة (والفضة) بالذهب لجواز التفاضل في ذلك كغيره مما يجوز التفاضل فيه مما يكال أو يوزن من المطعومات ونحوها (والقران) بالجر عطفًا على سابقه، وفي رواية والإقران (في التمر) وقد ذكره في المظالم والذي في اليونينية وفرعها رفع القران والإقران لا غير. 2483 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَهُمْ ثَلاَثُمِائَةٍ وَأَنَا فِيهِمْ، فَخَرَجْنَا. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ، فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ فَجُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ، فَكَانَ مِزْوَدَىْ تَمْرٍ، فَكَانَ يُقَوِّتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلاً قَلِيلاً حَتَّى فَنِيَ، فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلاَّ تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ، -فَقُلْتُ: وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ- قَالَ: ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ، فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ، فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلاَعِهِ فَنُصِبَا، ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا". [الحديث 2483 - أطرافه في: 2983، 4360، 4361، 4362، 5493، 5494]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن وهب بن كيسان) بفتح الكاف (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أنه قال بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثًا قبل الساحل) في رجب سنة ثمانٍ من الهجرة والساحل شاطئ البحر (فأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح) بفتح الجيم وشديد الراء وبعد الألف حاء مهملة واسم أبي عبيدة عامر بن عبد الله (وهم) أي البعث (ثلاثمائة وأنا فيهم فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد) أي أشرف على الفناء (فأمر) الأمير (أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش فجمع ذلك كله فكان مزودي تمر) بكسر الميم وإسكان الزاي وفتح الواو والدال وسكون المثناة التحتية تثنية مزود ما يجعل فيه الزاد كالجراب (فكان يقوّتنا) بتشديد الواو وحذف الضمير، ولأبي ذر عن الكشميهني: يقوّتناه (كل يوم) بالنصب على الظرفية (قليلاً قليلاً) بالنصب كذا في رواية أبي ذر عن الكشميهني وفي رواية عن الحموي والمستملي: يقوّتنا بفتح أوّله وضم القاف وسكون الواو كل يوم قليل قليل بالرفع (حتى فني) أكثره (فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة) قال وهب بن كيسان (فقلت) لجابر (وما تغني تمرة): أي عن الجوع (فقال) جابر (لقد وجدنا فقدها حين فنيت) مؤثرًا وفي رواية أبي الزبير عن جابر عند مسلم فقلت: كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: نمصها كما يمص الصبي ثم نشرب عيها من الماء فتكفينا يومنا إلى الليل (قال) أي جابر (ثم انتهينا إلى) ساحل (البحر فإذا حوت مثل الظرب) بظاء معجمة مشالة مفتوحة فراء مكسورة فموحدة: أي الجبل الصغير وضبط أيضًا في الفرع بكسر الطاء وسكون الراء أي منبسط ليس بالعالي (فأكل منه ذلك الجيش) الثلاثمائة (ثماني عشرة ليلة ثم أمر أبو عبيدة) بن الجراح (بضلعين) بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام (من أضلاعه فنصبا) استشكل إسقاط تاء التأنيث لأن الضلع مؤنثة. وأجيب: بأن تأنيثها غير حقيقي فيجوز التذكير (ثم أمر براحلة فرحلت ثم مرت تحتهما) أي تحت الضلعين (فلم تصبهما). ومطابقة الحديث للترجمة في قوله فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش فجمع لأنه لما كان يفرق عليهم قليلاً قليلاً صار في معنى النهد، واعترض بأنه ليس فيه ذكر المجازفة لأنهم لم يريدوا المبايعة ولا البذل. وأجيب: بأن حقوقهم تساوت فيه بعد جمعهم فتناولوه مجازفة كما جرت العادة. وهذا الحديث أخرجه

المؤلّف أيضًا في المغازي والجهاد ومسلم في الصيد والترمذي وابن ماجة في الزهد والنسائي في الصيد والسير. 2484 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "خَفَّتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ وَأَمْلَقُوا، فَأَتَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَحْرِ إِبِلِهِمْ فَأَذِنَ لَهُمْ، فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ: مَا بَقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبِلِكُمْ؟ فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَقَاؤُهُمْ بَعْدَ إِبِلِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نَادِ فِي النَّاسِ فَيَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، فَبُسِطَ لِذَلِكَ نِطَعٌ وَجَعَلُوهُ عَلَى النِّطَعِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَعَا وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ فَاحْتَثَى النَّاسُ حَتَّى فَرَغُوا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ". [الحديث 2484 - طرفه في: 2982]. وبه قال: (حدّثنا بشر بن مرحوم) هو بشر بن عبيس بالعين المهملة والموحدة والسين المهملة مصغرًا ابن مرحوم الطائي البصري نزيل الحجاز ونسبه لجده لشهرته به قال: (حدّثنا حاتم بن إسماعيل) المدني الحارثي صدوق يهم (عن يزيد بن أبي عبيد) الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع (عن سلمة) أي ابن الأكوع (-رضي الله عنه-) أنه (قال: خفت أزواد القوم) أي في غزوة هوازن كما عند الطبراني وللحموي والمستملي أزودة القوم (وأملقوا) أي افتقروا (فأتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نحر إبلهم فأذن لهم) في نحرها (فلقيهم عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (فأخبروه) بذلك (نقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم) إذا نحرتموها لأن توالي المشي قد يفضي إلى الهلاك (فدخل على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله ما بقاؤهم بعد إبلهم؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ناد في الناس) فهم (يأتون) ولغير أبي ذر فيأتون (بفضل أزوادهم فبسط لذلك نطع) بكسر النون وفتح الطاء ويجوز فتح النون وسكون الطاء فهي أربع لغات (وجعلوه) أي فضل الأزواد (على النطع فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدعا وبرك) بتشديد الراء (عليه) أي ما على النطع (ثم دعاهم بأوعيتهم) جمع وعاء (فاحتثى الناس) بهمزة وصل وسكون الحاء المهملة وفتح المثناة الفوقية والمثلثة أي أخذوا حثية حثية وهي الأخذ بالكفّين (حتى فرغوا ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) إشارة إلى أن ظهور المعجزة مما يؤيد الرسالة. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله جمع أزوادهم لأنه أخذها منهم بغير قسمة مستوية وقد أخرجه أيضًا في الجهاد وهو من إفراده. 2485 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَصْرَ فَنَنْحَرُ جَزُورًا، فَتُقْسَمُ عَشْرَ قِسَمٍ، فَنَأْكُلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي كما قاله أبو نعيم الحافظ قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو قال: (حدّثنا أبو النجاشي) بتخفيف الجيم وبعد الألف معجمة عطاء بن صهيب (قال: سمعت رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وبعد المثناة التحتية جيم (-رضي الله عنه- قال: كنا نصلي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العصر فننحر جزورًا فتقسم عشر قسم) بكسر القاف وفتح السين جمع قسمة (فنأكل لحمًا نضيجًا) بفتح النون وكسر المعجمة آخره جيم أي مستويًا (قبل أن تغرب الشمس) والغرض منه قوله فتقسم عشر قسم فإن فيه جمع الأنصباء مجازفة. وهو من الأحاديث المذكورة في غير مظنتها وفيه تعجيل العصر وقد ذكر في المواقيت من هذا الوجه تعجيل المغرب ولفظه: حدّثنا محمد بن مهران، حدّثنا الوليد حدّثنا الأوزاعي قال: حدّثني أبو النجاشي مولى رافع هو عطاء بن صهيب قال: سمعت رافع بن خديج يقول: كنا نصلي المغرب مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله اهـ. 2486 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) أبو كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا حماد بن أسامة) القرشي مولاهم الكوفي أبو أسامة (عن بريد) بضم الموحدة ابن عبد الله (عن) جدّه (أبي بردة) الحرث أو عامر (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الأشعريين) بتشديد المثناة التحتية نسبة إلى الأشعري قبيلة من اليمن (إذا أرملوا في الغزو) بفتح الهمزة والميم أي فني زادهم وأصله من الرمل كأنهم لصقوا بالرمل من القلّة كما قيل ترب الرجل إذا افتقر كأنه لصق بالتراب (أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم) وللحموي والمستملي: ثم اقتسموا بحذف الضمير المنصوب (في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم) أي متصلون بي أو فعلوا فعلي في هذه المواساة وفيه منقبة عظيمة للأشعريين. وفي الحديث استجاب خلط الزاد سفرًا وحضرًا وقول ابن حجر فيه جواز هبة المجهول تعقبه العيني بأنه ليس في الحديث ما يدل له

2 - باب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية في الصدقة

وليس فيه إلا مواساة بعضهم بعضًا والإباحة وهذا لا يسمى هبة لأن الهبة تمليك المال والتمليك غير الإباحة وأيضًا الهبة لا تكون إلا بالإيجاب والقبول ولابد فيها من القبض عند جمهور العلماء ولا تجوز فيما يقسم إلا محوزة مقسومة. ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة والحديث أخرجه مسلم في الفضائل والنسائي في السير والله أعلم. 2 - باب مَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ فِي الصَّدَقَةِ هذا (باب) بالتنوين (ما كان من خليطين) أي مخالطين وهما الشريكان (فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية في الصدقة) قيد بالصدقة لوروده فيها لأن التراجع لا يصح بين الشريكين في الرقاب. 2487 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ: "أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن المثنى) بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري القاضي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عبد الله (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم (ابن عبد الله بن أنس) وثمامة عمّ عبد الله بن المثنى (أن) جده (أنسًا) هو ابن مالك (حدّثه أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- كتب له فريضة الصدقة التي فرض) أي قدر (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (وما كان من خليطين) تثنية خليط وهو الشريك (فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) أي أن الشريكين إذا خلطا رأس مالهما والربح بينهما فمن أنفق من مال الشركة أكثر مما أنفق صاحبه تراجعا عند القسمة بقدر ذلك لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر الخليطين في الغنم بالتراجع بينهما وهما شريكان فدلّ ذلك على أن كل شريكين في معناهما قاله أبو سليمان الخطابي. وتعقبه ابن المنير: بأن التراجع الواقع بين الخليطين في الفتح ليس من باب قسمة الربح إنما أصله غرم مستهلك لأنّا نقدّر من لم يعط استهلك مال من أعطى إذا أعطى عن حق وجب على غيره وقيل إنما يقدر مستلفًا من صاحبه على ذلك الخلاف في وقت التقويم عند التراجع هل يقوّم وقت الأخذ أو وقت الوفاء فالأول على أنه استهلك والثاني على أنه استلف قال وفيه حجة لمذهب مالك رحمه الله أن من قام عن غيره بواجب فله الرجوع عليه وإن لم يكن أذن له في القيام عنه، وأما لو ذبح أحد الخليطين أو الشريكين من الشركة شيئًا فهو مستهلك فالقيمة يوم الاستهلاك قولاً واحدًا بخلاف ما يأخذه الساعي كذا نقله عن ابن المنير في المصابيح والفتح بنحوه مختصرًا. وهذا الحديث بهذا السند قد ذكره المؤلّف في مواضع مقطعًا في عشرة مواضع سبق منها في الزكاة ستة وباقيها في الشركة والخمس واللباس وترك الحيل، وأخرجه أبو داود في موضع واحد بتمامه. 3 - باب قِسْمَةِ الْغَنَمِ (باب قسمة الغنم) أي بالعدد. 2488 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ فَأَصَابُوا إِبِلاً وَغَنَمًا، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ، فَعَجِلُوا وَذَبَحُوا وَنَصَبُوا الْقُدُورَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ ثُمَّ قَسَمَ، فَعَدَلَ عَشْرَةً مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ، فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ، فَأَهْوَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا. فَقَالَ جَدِّي: إِنَّا نَرْجُو -أَوْ نَخَافُ- الْعَدُوَّ غَدًا، وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى، أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ قَالَ: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ". [الحديث 2488 - أطرافه في: 2507، 3075، 5498، 5503، 5506، 5509، 5543، 5544]. وبه قال: (حدّثنا عليّ بن الحكم) بفتحتين ابن ظبيان بفتح المعجمة وسكون الموحدة المروزي (الأنصاري) المؤدب قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن سعيد بن مسروق) بن عدي والد سفيان الثوري (عن عباية بن رفاعة) بفتح العين المهملة وتخفيف الموحدة وبعد الألف مثناة تحتية مفتوحة ورفاعة بكسر الراء (ابن رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وآخره جيم (عن جده) رافع بن خديج -رضي الله عنه- أنه (قال كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذي الحليفة) زاد مسلم كالمؤلّف في باب من عدل عشرًا من الغنم بجزور من تهامة وهو يردّ على النووي حيث قال تبعًا للقابسي إنه المهل الذي بقرب المدينة قال السفاقسي: وكان ذلك سنة ثمان من الهجرة في قضية حُنين (فأصاب الناس جوع فأصابوا إبلاً وغنمًا) بكسر الهمزة والموحدة لا واحد له من لفظه بل واحده بعير (قال) رافع (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أُخريات القوم) بضم الهمزة للرفق بهم وحمل النقطع (فعجلوا) بكسر الجيم وفي الفرع بفتحها ولم يضبطها في اليونينية (وذبحوا) مما أصابوه (ونصبوا القدور) بعد أن وضعوا اللحم فيها للطبخ (فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالقدور) أن تكفأ (فأكفئت) بضم الهمزة الأولى أي أميلت ليفرغ ما فيها يقال كفأت الإناء وأكفأته إذا أملته وإنما أكفئت لأنهم ذبحوا الغنم قبل أن تقسم ولم يكن لهم ذلك وقال النووي لأنهم كانوا قد انتهوا إلى دار

الإسلام والمحل الذي لا يجوز الأكل فيه من مال الغنيمة المشتركة، فإن الأكل منها قبل القسمة إنما يباح في دار الحرب، والمأمور به من الإراقة إنما هو إتلاف المرق عقوبة لهم، وأما اللحم فلم يتلفوه بل يحمل على أنه جمع وردّ إلى المغنم ولا يظن بأنه أتلف مال الغانمين لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن إضاعة المال. نعم في سنن أبي داود بسند جيد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكفأ القدور بقوسه ثم جعل يزيل اللحم بالتراب ثم قال: "إن النهبة ليست بأحلّ من الميتة أو إن الميتة ليست بأحل من النهبة" شك هناد أحد رواته وقد يجاب بأنه لا يلزم من تزبيله إتلافه لإمكان تداركه بالغسل لكنه بعيد، ويحتمل أن فعله ذلك لأنه أبلغ في الزجر ولو ردّها إلى المغنم لم يكن فيه كبير زجر إذا ما ينوب الواحد منهم في ذلك نزر يسير فكان إفسادها عليهم مع تعلق قلوبهم بها وغلبة شهواتهم أبلغ في الزجر. (ثم قسم) عليه الصلاة والسلام (فعدل) بتخفيف الدال (عشرة) بإثبات تاء التأنيث في أصل أبي ذر والأصيلي وابن عساكر والأصل المسموع على أبي الوقت بقراءة الحافظ ابن السمعاني لكن قال ابن مالك لا يجوز إثباتها فالصواب فعدل عشرًا (من الغنم ببعير) أي سواها به وهو محمول على أنه كان بحسب قيمتها يومئذ ولا يخالف هذا قاعدة الأضحية من إقامة بعير مقام سبع شياه لأنه الغالب في قيمة الشياه والإبل المعتدلة. وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى (فند) بفتح النون وتشديد الدال المهملة أي هرب وشرد (منها بعير فطلبوه فأعياهم) أي أعجزهم (وكان في القوم خيل يسيرة) أي قليلة (فأهوى) أي مال وقصد (رجل منهم) إليه (بسهم) أي فرماه به (فحبسه الله) أي بذلك السهم (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن لهذه البهائم) أي الإبل (أوابد) جمع آبدة بالمد وكسر الموحدة المخففة أي نوافر وشوارد (كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا) أي ارموه بالسهم كالصيد. قال عباية بن رفاعة (فقال جدي) رافع بن خديج (إنّا نرجو أو) قال (نخاف العدوّ غدًا) والشك من الراوي والرجاء هنا بمعنى الخوف (وليست مدى) ولأبي ذر عن الكشميهني والأصيلي: وليست معنا مدى، وللحموي والمستملي: وليست لنا مدى وهو بضم الميم وبالدال المهملة مقصور منوّن جمع مدية مثلث الميم سكين أي استعملنا السيوف في الذبائح تكل وتعجز عند لقاء العدوّ عن المقاتلة بها (أفنذبح بالقصب) ولمسلم فنذكي بالليط بكسر اللام وسكون المثناة التحتية وبالطاء المهملة قطع القصب أو قشوره (قال) عليه الصلاة والسلام: (ما أنهر الدم) أي صبه بكثرة وهو مشبه بجري الماء في النهر وكلمة ما موصولة مبتدأ والخبر فكلوه أو شرطية والفاء جواب الشرط. وقال البرماوي كالزركشي وروي بالزاي حكاه القاضي عياض وهو غريب. قال في المصابيح وهذا تحريف في النقل، فإن القاضي قال في المشارق ووقع للأصيلي في كتاب الصيد أنهز بالزاي وليس بشيء والصواب ما لغيره أنهر أي بالراء كما في سائر المواضع، فالقاضي إنما حكى هذا عن الأصيلي في كتاب الصيد لا في المكان الذي نحن فيه وهو كتاب الشركة وكلام الزركشي ظاهر في روايته في هذا المحل الخاص وهو تحريف بلا شك انتهى. (وذكر اسم الله عليه فكلوه) هذا تمسك به من اشترط التسمية عند الذبح وهم المالكية والحنفية فإنه علق الإذن في الأكل بمجموع أمرين والمعلق على شيئين ينتفي بانتفاء أحدهما. وأجاب أصحابنا الشافعية بأن هذا معارض بحديث عائشة -رضي الله عنها- أن قومًا قالوا إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا فقال "سموا أنتم وكلوا" فهو محمول على الاستحباب. وبقية مباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الصيد والذبائح. قال العلاّمة البدر الدماميني، فإن قلت: الضمير من قوله فكلوه لا يعود على ما لأنها عبارة عن آلة التذكية وهي لا تؤكل فعلى ماذا يعود؟ وأجاب: بأنه يعود على المذكّي المفهوم من الكلام لأن إنهار الآلة للدم يدل على شيء أنهر دمه ضرورة وهو المذكى

4 - باب القران في التمر بين الشركاء حتى يستأذن أصحابه

ولكن لا بدّ من رابط يعود على ما من الجملة أو ملابسها فيقدر محذوف ملابس أي فكلوا مذبوحة أو يقدر ذلك مضافًا إلى ما ولكنه حذف فالتقدير مذبوح ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه. فإن قلت: يلزم عدد الارتباط حينئذ. وأجاب: بأن الربط حاصل. قال: وذلك أنّا نقدّر التركيب هكذا ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه على مذكاه فكلوا فالضمير عائد على ملتبس فحصل الربط، وقد قال الكسائي وتبعه ابن مالك في قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن} [البقرة: 234] إن الذين مبتدأ ويتربصن الخبر والأصل يتربص أزواجهم ثم جيء بالضمير مكان الأزواج لتقدّم ذكرهنّ فامتنع ذكر الضمير لأن النون لا تضاف لكونها ضميرًا وجعل الربط بالضمير القائم مقام الظاهر المضاف إلى الضمير وهذا مثل مسألتنا. (ليس السن والظفر) قال الزركشي والبرماوي والكرماني واليني ليس هنا للاستثناء بمعنى إلا وما بعدها نصب على الاستثناء. قال في المصابيح: الصحيح أنها ناسخة وأن اسمها ضمير راجع للبعض المفهوم مما تقدم واستتاره واجب فلا يليها في اللفظ إلا المنصوب (وسأحدثكم عن ذلك) أي سأبيّن لكم علّته وحكمته لتتفقهوا في الدين (أما السن فعظم) لا يقطع غالبًا وإنما يجرح ويدمي فتزهق النفس من غير تيقن الذكاة وهذا يدل على أن النهي عن الذكاة بالعظم كان متقدمًا فأحال بهذا القول على معلوم قد سبق. قال ابن الصلاح ولم أجد بعد البحث أحدًا ذكر ذلك بمعنى يعقل قال وكأنه عندهم تعبدي، وكذا نقل عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه قال: للشرع علل تعبد بها كما أن له أحكامًا تعبد بها أي وهذا منها. وقال النووي: المعنى لا تذبحوا بالعظام لأنها تنجس بالدم وقد نهيتم عن تنجيس العظام في الاستنجاء لكونها زاد إخوانكم من الجن انتهى. قال في جمع العدة: وهو ظاهر. (وأما الظفر فمدى الحبشة) ولا يجوز التشبه بهم ولا بشعارهم لأنهم كفار وهم يدمون المذبح بأظفارهم حتى تزهق النفس خنقًا وتعذيبًا ويحلّونها محل الذكاة فلذلك ضرب المثل بهم والألف واللام في الظفر للجنس فلذلك وصفها بالجمع ونظيره قولهم: أهلك الناس الدرهم البيض والدينار الصفر قال النووي: ويدخل فيه ظفر الآدمي وغيره متصلاً ومنفصلاً ظاهرًا أو نجسًا وكذا السن، وجوّزه أبو حنيفة وصاحباه بالمنفصلين. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الشركة والجهاد والذبائح، ومسلم في الأضاحي، وأبو داود في الذبائح، والترمذي في الصيد والأضاحي، وابن ماجة في الأضاحي والذبائح. 4 - باب الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ (باب) ترك (القران في التمر) هو الجمع بين التمرتين عند الأكل (بين الشركاء حتى يستأذن أصحابه) فيه حذف المضاف وهو ترك وإقامة المضاف إليه مقامه لوجود الدليل عليه والأصل ترك القران فحذف الترك لأن الغاية المذكورة تدل عليه قاله البدر الدماميني وهو أحسن من قول غيره إن حتى كانت حين فتصحفت أو سقط من الترجمة لفظ النهي من أولها. 2489 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَقْرُنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ". وبه قال: (حدّثنا خلاّد بن يحيى) بن صفوان السلمي الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا جبلة بن سحيم) بضم السين وفتح الحاء المهملتين وبعد المثناة التحتية الساكنة ميم وجبلة بفتح الجيم والموحدة واللام التيمي (قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تنزيه (أن يقرن الرجل) بفتح الياء وسكون القاف وضم الراء وصحح عليه في اليونينية وفي غيرها يقرن بكسر الراء. قال الصغاني: يقال فيه يقرن ويقرن بضم الراء وكسرها مع فتح أولهما ويقرن بكسر الراء مع ضم الأول (بين التمرتين جميعًا) في الأكل بين الشركاء (حتى يستأذن أصحابه). وهذا الحديث قد سبق في المظالم. 2490 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ جَبَلَةَ قَالَ: "كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فَأَصَابَتْنَا سَنَةٌ، فَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَرْزُقُنَا التَّمْرَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَمُرُّ بِنَا فَيَقُولُ: لاَ تَقْرُنُوا، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الإِقْرَانِ، إِلاَّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَخَاهُ". وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن جبلة) بن سحيم أنه (قال: كنا بالمدينة فأصابتنا سنة) عام مقحط لم تنبت الأرض فيه شيئًا سواء نزل غيث أو لم ينزل (فكان ابن الزبير) عبد الله (يرزقنا التمر) أي يقوتنا به، (وكان ابن عمر) بن الخطاب

5 - باب تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل

-رضي الله عنهما- (يمر بنا فيقول: لا تقرنوا) بضم الراء في اليونينية وبكسرها في غيرها من باب نصر ينصر وضرب يضرب أي لا تجمعوا في الأكل بين تمرتين (فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن الإقران) بكسر الهمزة من الثلاثي المزيد فيه وللحموي والمستملي عن القران بغير همز من الثلاثي وهو الصواب والنهي للتنزيه لما فيه من الحرص على الأكل والشره مع ما فيه من الدناءة. وقال ابن بطال: النهي عن القران من حسن الأدب في الأكل عند الجمهور لا على التحريم خلافًا للظاهرية لأن الذي يوضع للأكل سبيله سبيل المكارمة لا التشاح لاختلاف الناس في الأكل لكن إذا استأثر بعضهم بأكثر من بعض لم يحمد له ذلك. (إلا أن يستأذن الرجل منكم أخاه) في القران فلا كراهة. 5 - باب تَقْوِيمِ الأَشْيَاءِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ بِقِيمَةِ عَدْلٍ (باب تقويم الأشياء) نحو الأمتعة والعروض (بين الشركاء) حال كون التقويم (بقيمة عدل) واختلف في قسمتها بغير تقويم فأجازه الأكثر إذا كان على سبيل التراضي ومنعه الشافعي. 2491 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ -أَوْ شِرْكًا، أَوْ قَالَ نَصِيبًا- وَكَانَ لَهُ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ فَهْوَ عَتِيقٌ، وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ». قَالَ: لاَ أَدْرِي قَوْلُهُ: "عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ" قَوْلٌ مِنْ نَافِعٍ، أَوْ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 2491 - أطرافه في: 2503، 3521، 2522، 2523، 2524، 2525]. وبه قال: (حدّثنا عمران بن ميسرة) بفتح الميم وسكون المثناة التحتية أبو الحسن البصري الأدمي قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد العنبري التنوري بفتح المثناة الفوقية وتشديد النون البصري (قال: حدّثنا أيوب) بن أبي تميمة السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من أعتق شقصًا) بكسر الشين المعجمة نصيبًا (له) قليلاً كان أو كثيرًا (من عبد) أي ذكر أو أنثى قال تعالى: {إن كل من في السماوات والأرض إلا آت الرحمن عبدًا} [مريم: 93] فإنه يتناول الذكر والأنثى قطعًا (أو) قال (شركًا) بكسر الشين أيضًا (أو قال نصيبًا) من عبد مشترك بينه وبين آخر (وكان له) أي الذي أعتق (ما يبلغ ثمنه) أي ثمن بقية العبد أما حصته فهو موسر بها لملكه لها فتعتق على كل حال. قال أصحابنا وغيرهم: ويصرف في ثمن بقية العبد جميع ما يباع في الدين فيباع مسكنه وخادمه وكل ما فضل عن قوت يومه وقوت من تلزمه نفقته ودست ثوب يلبسه وسكنى يومه، والمراد بالثمن هنا القيمة لأن الثمن ما اشتريت به العين واللازم هنا القيمة لا الثمن ويأتي إن شاء الله تعالى في رواية أيوب في كتاب العتق بلفظ: ما يبلغ قيمته (بقيمة العدل) بفتح العين من غير زيادة ولا نقص (فهو عتيق) أي معتق كله بعضه بالإعتاق وبعضه بالسراية ويقاس الوسر ببعض الباقي على الموسر بكله في السراية إليه وقيل لا يسري إليه اقتصارًا على الوارد في الحديث (وإلاّ) وإن لم يكن له مال يبلغ ثمنه (فقد عتق) وللحموي والمستملي: فأعتق (منه) أي من العبد (ما عتق) أي المقدار الذي عتقه فقط وعين في الموضعين مفتوحة، ولأبي ذر: عتق بضمها وكسر الفوقية، وجوّزه الداودي، وتعقبه السفاقسي بأنه لم يقله غيره وإنما يقال عتق بالفتح وأعتق بضم الهمزة ولا يعرف عتق بضم العين لأن الفعل لازم غير متعدٍّ. (قال) أي أيوب كما في باب: إذا أعتق عبدًا بين اثنين من كتاب العتق (لا أدري قوله) بالرفع (عتق منه ما عتق قول من نافع) فيكون منقطعًا مقطوعًا (أو في الحديث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيكون موصولاً مرفوعًا، وفي هذا بحث يأتي إن شاء الله تعالى مع بقية مباحث في كتاب العتق. ومطابقته للترجمة ظاهرة، وأخرجه أيضًا في العتق ومسلم في النذور والعتق وأبو داود في العتق والترمذي في الأحكام والنسائي في البيوع. 2492 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ مَمْلُوكِهِ فَعَلَيْهِ خَلاَصُهُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ الْمَمْلُوكُ قِيمَةَ عَدْلٍ، ثُمَّ اسْتُسْعِيَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ». [الحديث 2492 - أطرافه في: 2504، 2526، 2527]. وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة السختياني أبو محمد المروزي صدوق لكنه رمي بالإرجاء قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا سعيد بن أبي عروبة) بفتح العين المهملة وضم الراء بالموحدة اسمه مهران اليشكري (عن قتادة) بن دعامة (عن النضر بن أنس) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن مالك الأنصاري (عن بشير بن نهيك) بفتح النون وكسر الهاء وبعد التحتية الساكنة كاف وبشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة السلولي أو السدوسي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من أعتق

6 - باب هل يقرع في القسمة؟ والاستهام فيه

شقيصًا) بفتح الشين المعجمة وبعد القاف المكسورة تحتية ساكنة فصا مهملة نصيبًا وزنًا ومعنى (من مملوكه فعليه خلاصه في ماله) أي فعليه أداء قيمة الباقي من ماله ليتخلص من الرق (فإن لم يكن له) أي للذي أعتق (مال قوّم المملوك) أي كله (قيمة عدل) نصب على المفعول المطلق والعدل بفتح العين أي قيمة استواء لا زيادة فيها ولا نقص (ثم أستسعي) بضم تاء الاستفعال على البناء للمفعول أي ألزم العبد الاكتساب لقمة نصيب الشريك ليفك بقية رقبته من الرق (غير مشقوق) أي مشدّد (عليه) في الاكتساب إذا عجز وغير نصب على الحال من الضمير المستتر العائد على العبد وعليه في محل رفع نائب عن الفاعل ولم يذكر بعض الرواة السعاية فقيل هي مدرجة في الحديث من قول قتادة ليست من كلامه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وبذلك صرح النسائي وغيره والقول بالسعاية مذهب أبي حنيفة وخالفه صاحباه والجمهور. ويأتي إن شاء الله تعالى بقية المباحث المتعلقة بذلك في كتاب العتق. ومطابقة الحديث للترجمة لا تخفى وقد أخرجه أيضًا في العتق وفي الشركة ومسلم في العتق والنذور وأبو داود في العتق والترمذي في الأحكام والنسائي في العتق وابن ماجة في الأحكام. 6 - باب هَلْ يُقْرَعُ فِي الْقِسْمَةِ؟ وَالاِسْتِهَامِ فِيهِ هذا (باب) بالتنوين (هل يقرع) بضم أوله وفتح ثالثه وكسره من القرعة (في القسمة) بين الشركاء (والاستهام فيه) أي في أخذ السهم وهو النصيب قال الكرماني والضمير في فيه عائد إلى القسم أو المال الذي تدل عليهما القسمة. وقال في الفتح: على القسم بدلالة القسمة، وتعقبهما في عمدة القاري فقال: كلاهما بمعزل عن نهج الصواب ولم يذكر هنا قسم ولا مال حتى يعود الضمير إليه بل الضمير يعود إلى القسمة والتذكير باعتبار أن القسمة هنا بمعنى القسم وفي المغرب القسم اسم من أسماء الاقتسام وجواب هل محذوف تقديره نعم يقرع. 2493 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا». [الحديث 2493 - طرفه في: 2686]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين الكوفي قال: (حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة خالد ويقال هبيرة بن ميمون بن فيروز الهمداني الوادعي الكوفي الثقة لكنه كان يدلس (قال: سمعت عامرًا) الشعبي (يقول: سمعت النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (مثل القائم على حدود الله) الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر (والواقع فيها) أي في الحدود التارك للمعروف والمرتكب للمنكر (كمثل قوم استهموا) اقترعوا (على سفينة) مشتركة بينهم بالإجارة أو الملك تنازعوا في المقام بها علوًّا أو سفلاً (فأصاب بعضهم) بالقرعة (أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين) وللحموي والمستملي: فكان الذي (في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم). قال في المصابيح: يظهر لي أن قوله الذي صفة لموصوف مفرد اللفظ كالجمع فاعتبر لفظه فوصف بالذي واعتبر معناه فأعيد عليه ضمير الجماعة في قوله إذا استقوا وهو أولى من أن يجعل الذي مخففًا من الذين بحذف النون انتهى. وفي الشهادات: فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به. (فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ) بضم النون وسكون الهمزة وبالذال المعجمة أي لم نضر (من فوقنا) وفي الشهادات فأخذ فأسًا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا ما لك قال تأذيتم بي ولا بدّ لي من الماء (فإن يتركوهم وما أرادوا) من الخرق في نصيبهم (هلكوا جميعًا) أهل العلو والسفل لأن من لازم خرق السفينة غرقها وأهلها (وإن أخذوا على أيديهم) منعوهم من الخرق (نجوا) أي الآخذون (ونجوا جميعًا) أي جميع من في السفينة وهكذا إقامة الحدود يحصل بها النجاة لمن أقامها وأقيمت عليه وإلا هلك العاصي بالمعصية والساكت بالرضا بها. ومطابقة الحديث للترجمة غير خفية وفيه وجوب الصبر على أذى الجار إذا خشي وقوع ما هو أشد ضررًا وأنه ليس لصاحب السفل أن يحدث على صاحب العلو ما يضرّ به وأنه إن أحدث عليه ضررًا لزمه إصلاحه، وأن لصاحب العلو منعه من الضرر وفيه جواز قسمة العقار المتفاوت بالقرعة. قال

7 - باب شركة اليتيم وأهل الميراث

ابن بطال: والعلماء متفقون على القول بالقرعة إلا الكوفيين فإنهم قالوا لا معنى لها لأنها تشبه الأزلام التي نهى الله عنها ويأتي مزيد لما ذكرته هنا في باب الشهادات إن شاء الله تعالى، وقد أخرج الحديث الترمذي في الفتن وقال حسن صحيح. 7 - باب شَرِكَةِ الْيَتِيمِ وَأَهْلِ الْمِيرَاثِ (باب شركة اليتيم وأهل الميراث) أي مع أهل الميراث. 2494 - حَدَّثَنَا الأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- ... وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فإِنْ خِفْتُمْ} -إِلَى- {وَرُبَاعَ} فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي، هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا تُشَارِكُهُ فِي مَالِهِ، فَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا، فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا، فَيُعْطِيهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ. قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} -إِلَى قَوْلِهِ- {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}، وَالَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ الآيَةُ الأُولَى الَّتِي قَالَ فِيهَا: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} قَالَتْ عَائِشَةُ: وَقَوْلُ اللَّهِ فِي الآيَةِ الأُخْرَى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} هِيَ رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ لِيَتِيمَتِهِ الَّتِي تَكُونُ فِي حَجْرِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا رَغِبُوا فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا مِنْ يَتَامَى النِّسَاءِ إِلاَّ بِالْقِسْطِ مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ". [الحديث 2494 - أطرافه في: 2763، 4573، 4574، 4600، 5064، 5092، 5098، 5128، 5131، 5140، 6965]. وبه قال: (حدّثنا الأويسي) بضم الهمزة وفتح الواو وسكون التحتية وكسر المهملة ولغير أبي ذر حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله العامري الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرنى) بالإفراد (عروة) بن الزبير بن العوّام (أنه سأل) خالته (عائشة رضي الله عنها). (وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله الطبري في تفسيره (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق (أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- عن) معنى (قول الله تعالى) في سورة النساء ({فإن خفتم}) بالفاء في الفرع وفي النسخة المقروءة على الشرف الميدومي وإن خفتم بالواو {أن لا تقسطوا} تعدلوا (إلى) قوله ({ورباع}) [النساء: 3] وسقط لغير أبي الوقت أن لا تقسطوا (فقالت) أي عائشة ولأبي الوقت قالت (يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليّها) القائم بأمورها زاد في تفسير سورة النساء من رواية أبي أسامة ووارثها (تشاركه في ماله) زاد أبو أسامة أيضًا حتى في العذق (فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليّها) التي هي تحت حجره (أن يتزوّجها بغير أن يقسط) أن يعدل (في صداقها) في النكاح من رواية عقيل عن ابن شهاب ويريد أن ينتقص من صداقها (فيعطيها) بالنصب عطفًا على معمول بغير أن أي يريد أن يتزوّجها بغير أن يعطيها (مثل ما يعطيها غيره فنهوا) بضم النون والهاء على وزن فعوا بحذف لام الفعل لأن الأصل نهيوا فنقلت ضمة الياء إلى الهاء فالتقى ساكنان فحذفت الياء (أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنّتهن) أي طريقهن (من الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن). (قال عروة) بن الزبير بالسند السابق (قالت عائشة: ثم إن الناس استفتوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) طلبوا منه الفتيا في أمر النساء (بعد) نزول (هذه الآية) وهي وإن خفتم إلى رباع (فأنزل الله) عز وجل ({ويستفتونك في النساء}) إلى قوله: ({وترغبون أن تنكحوهن}) [النساء: 127] في أن تنكحوهن أو عن أن تنكحوهن (والذي ذكر الله أنه يتلى عليكم في الكتاب الآية الأولى التي قال) تعالى (فيها {وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى}) أي إن خفتم أن لا تعدلوا في يتامى النساء إذا تزوجتم بهن ({فانكحوا ما طاب لكم من النساء}) [النساء: 3] من غيرهن. (قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى {وترغبون أن تنكحوهن} هي رغبة أحدكم) ولغير أبوي ذر والوقت يعني هي رغبة أحدكم (ليتيمته) التي في حجره ولأبي ذر عن الكشميهني يتيمته بإسقاط اللام وللكشميهني والحموي والمستملي عن يتيمته (التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال) قال ابن حجر: ولعل رواية عن أصوب وقد تبين أن أولياء اليتامى كانوا يرغبون فيهن إن كنّ جميلات ويأكلون أموالهن وألاّ يعضلوهن طمعًا في ميراثهنّ (فنهوا أن ينكحوا ما) أي التي (رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط) بالعدل (من أجل رغبتهم عنهن) لقلة مالهن وجمالهن فينبغي أن يكون نكاح اليتيمتين على السواء في العدل. وفي الحديث أن للولي أن يتزوج من هي تحت حجره لكن يكون العاقد غيره، وسيأتي البحث فيه مع غيره إن شاء الله تعالى في كتاب النكاح وغيره. وقد أخرجه أيضًا في الأحكام والشركة ومسلم في التفسير، وأخرجه أبو داود في النكاح وكذا النسائي. 8 - باب الشَّرِكَةِ فِي الأَرَضِينَ وَغَيْرِهَا (باب الشركة في الأرضين وغيرها) كالعقارات والبساتين. 2495 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "إِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني اليماني قال:

9 - باب إذا اقتسم الشركاء الدور أو غيرها فليس لهم رجوع ولا شفعة

(أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال): (إنما جعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشفعة في كل ما لم يقسم) أي في كل مشترك لم يقسم من الأراضي ونحوها ومفهومه أن ما لم يقسم يكون بين الشركاء (فإذا وقعت الحدود) جمع حد وهو هنا ما تتميز به الأملاك بعد القسمة وأصل الحد المنع ففي تحديد الشيء منع خروج شيء منه ومنع دخول غيره فيه (وصرفت الطرق) أي بيّنت مصارفها وشوارعها وراء صرفت مشددة (فلا شفعة) وفيه أنه لا شفعة إلا في العقار. والحديث قد سبق في الشفعة بمباحثه فليراجع. 9 - باب إِذَا اقْتَسَمَ الشُّرَكَاءُ الدُّورَ أَوْ غَيْرَهَا فَلَيْسَ لَهُمْ رُجُوعٌ وَلاَ شُفْعَةٌ هذا (باب) بالتنوين (إذا اقتسم) ولأبي ذر: قسم (الشركاء الدور أو غيرها) كالبساتين ولأبي ذر وغيرها (فليس لهم رجوع) لأن القسمة عقد لازم فلا رجوع فيها (ولا شفعة) لأن الشفعة في الشركة لا في القسمة لأنها لا تكون إلا في المشاع. 2496 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَضَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالسين المهملة وتشديد الدال المهملة الأولى ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد البصري قال: (حدّثنا معمر) بعين مهملة ساكنة بين ميمين مفتوحتين ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-) أنه (قال): (قضى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) دلّ بمنطوقه صريحًا على أن الشفعة في مشترك مشاع لم يقسم بعد، فإذا قسم وتميزت الحقوق ووقعت الحدود وصرفت الطرق بأن تعددت وحصل لنصيب كل طريق مخصوص لم يبق للشفعة مجال. فإن قلت: لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن فيها لزوم القسمة وليس في الحديث إلا نفي الشفعة. أجاب ابن المنير: بأنه يلزم من نفي الشفعة نفي الرجوع إذ لو كان للشريك الرجوع لعاد ما يشفع فيه مشاعًا فحينئذٍ تعود الشفعة. 10 - باب الاِشْتِرَاكِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَا يَكُونُ فِيهِ الصَّرْفُ (باب) جواز (الاشتراك في الذهب والفضة) بشرط خلطهما حتى لا يتميز إلا كدراهم سود خلطت ببيض وأن لا تكون الدراهم من أحدهما والدنانير من الآخر عند الشافعي ومالك في المشهور عنه والكوفيين إلا الثوري وأن لا تختلف الصفة كصحاح ومكسرة عند الشافعي وظاهر إطلاق المؤلّف يقتضي موافقة الثوري، (وما يكون فيه الصرف) والأكثرون على أنه يصح في كل مثلي وهو الأصح عند الشافعية، وقيل يختص بالنقد المضروب. 2497، 2498 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُثْمَانَ -يَعْنِي ابْنَ الأَسْوَدِ- قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْمِنْهَالِ عَنِ الصَّرْفِ يَدًا بِيَدٍ فَقَالَ: "اشْتَرَيْتُ أَنَا وَشَرِيكٌ لِي شَيْئًا يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً، فَجَاءَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: فَعَلْتُ أَنَا وَشَرِيكِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَسَأَلْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَخُذُوهُ وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَذَرُوهُ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن بحر الباهلي البصري الصيرفي قال: (حدّثنا أيو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل شيخ المؤلّف أيضًا (عن عثمان يعني ابن الأسود) بن موسى بن باذان المكي أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سليمان بن أبي مسلم) الأحول (قال: سألت أبا المنهال) بكسر الميم وسكون النون عبد الرحمن بن مطعم البناني بضم الموحدة ونونين بينهما ألف مخففًا البصري نزيل مكة (عن الصرف) وهو بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة أو أحدهما بالآخر (يدًا بيد) أي متقابضين في المجلس (فقال) أي أبو النهال (اشتريت أنا وشريك لي) لم يسم (شيئًا يدًا بيد ونسيئة) أي متأخرًا من غير تقابض (فجاءنا البراء بن عازب) -رضي الله عنه- (فسألناه) عن ذلك (فقال: فعلت) ذلك (أنا وشريكي زيد بن أرقم وسألنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك فقال): (ما كان يدًا بيد فخذوه وما كان نسيئة فذروه) بالذال المعجمة أي اتركوه وفي رواية فردّوه من الردّ وفيه كما قال ابن المنير حجة للقول بتفريق الصفقة وأنه يصح منها الصحيح ويبطل منها الفاسد، وتعقب باحتمال أن يكون أشار إلى عقدين مختلفين. قال الحافظ ابن حجر وفي رواية النسفيّ ردّوه بدون الفاء لأن الاسم الموصول بالفعل المتضمن للشرط يجوز فيه دخول الفاء في خبره ويجوز تركه. 11 - باب مُشَارَكَةِ الذِّمِّيِّ وَالْمُشْرِكِينَ فِي الْمُزَارَعَةِ (باب) جواز (مشاركة الذمي والمشركين في المزارعة) وعطف المشركين على الذمي من عطف العام على الخاص، والمراد بالمشركين المستأمنون فيكونون في معنى

12 - باب قسمة الغنم والعدل فيها

أهل الذمة. 2499 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي قال: (حدّثنا جويرية بن أسماء) تصغير جارية الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) أي ابن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه (قال: أعطى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أرض (خيبر اليهود) وكانوا أهل ذمة (أن يعملوها ويزرعوها) أي بياض أرضها (ولهم شطر ما يخرج منها) من زرع وإذا جاز مشاركة الذمي في المزارعة جاز في غيرها خلافًا لأحمد ومالك إلا أنه أجاز إذا كان يتصرف بحضرة المسلم خشية أن يدخل في مال المسلم ما لا يحل كالربا وثمن الخمر والخنزير. وأجيب: بمشروعية أخذ الجزية منهم مع أن في أموالهم ما فيها وبمعاملته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يهود خيبر وألحق بالذمي الشرك. نعم مذهب الشافعية يكره مشاركة الذمي ومن لا يحترز من الربا ونحوه كما نقله ابن الرفعة عن البندنيجي لما في أموالهما من الشبهة. 12 - باب قِسْمَةِ الْغَنَمِ وَالْعَدْلِ فِيهَا (باب قسمة الغنم) ولأبوي ذر والوقت: قسم الغنم (والعدل فيها). 2500 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ ضَحَايَا، فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ أَنْتَ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البغلاني بفتح الموحدة وسكون المعجمة الثقفي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الفهمي أبو الحرث المصري الإمام المشهور (عن يزيد بن أبي حبيب) أبي رجاء البصري واسم أبيه سويد (عن أبي الخير) مرثد بالميم والمثلثة بوزن حمير ابن عبد الله اليزنيّ بالتحتية والزاي والنون (عن عقبة بن عامر) الجهني (-رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاه غنمًا يقسمها على صحابته ضحايا فبقي عتود) أي منها والعتود بفتح العين المهملة وضم المثناة الفوقية ما بلغ سنة. وقال في المشارق: هو من ولد المعز إذا بلغ السفاد، وقيل إذا قوي وشب (فذكره لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (ضح به أنت) واستدلّ به على أنه يجزئ في الأضحية الجذع من المعز وإذا جاز ذلك منه فمن الضأن أولى، وقد دلّت رواية النسائي من طريق معاذ بن عبد الله بن خبيب عن عقبة بن عامر على الضان صريحًا ولفظه (¬1). وبقية المبحث في ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في الأضحية وتبويب البخاري بقوله قسمة الغنم والعدل فيها يدل على أنه فهم أن هذه القسمة هي القسمة المعهودة التي يعتبر فيها تسوية الأجزاء وفيه نظر لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما أمره بتفرقة غنم على أصحابه. فإما أن يكون عليه الصلاة والسلام عين ما يعطيه لكل واحد منهم وإما أن يكون وكّل ذلك إلى رأيه من غير تقييد عليه بالتسوية فإن في ذلك عسرًا وحرجًا، والغنم لا يتأتى فيها قسمة الأجزاء ولا تقسم إلا بالتعديل ويحتاج ذلك في الغالب إلى ردّ لأن قسمتها على التحرير بعيد، والظاهر أن هذه الغنم كانت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقسمتها بينهم على سبيل التبرع. وهذا الحديث قد سبق في أول الوكالة، وأخرجه مسلم والنسائي والترمذي في الأضاحي. 13 - باب الشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ وَيُذْكَرُ أَنَّ رَجُلاً سَاوَمَ شَيْئًا فَغَمَزَهُ آخَرُ، فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ لَهُ شَرِكَةً. (باب الشركة في الطعام وغيره) مما يجوز تملكه (ويذكر) بضم أوّله وفتح ثالثه فيما وصله سعيد بن منصور (أن رجلاً) لم يسم (ساوم شيئًا فغمزه آخر) حتى اشتراه (فرأى عمر) -رضي الله عنه- (أن له) أي للذي غمز (شركه) فيه مع الذي ساوم اكتفاء بالإشارة مع ظهور القرينة عن الصيغة وإلى هذا ذهب مالك -رضي الله عنه- وقال أيضًا: في السلعة تعرض للبيع فيقف من يشتريها للتجارة فإذا اشتراها واحد منهم واستشركه الآخر لزمه أن يشركه لأنه انتفع بتركه الزيادة عليه. 2501، 2502 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ -وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْهُ، فَقَالَ: هُوَ صَغِيرٌ. فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ- وَعَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ إِلَى السُّوقِ فَيَشْتَرِي الطَّعَامَ، فَيَلْقَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنهم- فَيَقُولاَنِ لَهُ: أَشْرِكْنَا، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ دَعَا لَكَ بِالْبَرَكَةِ، فَيَشْرَكُهُمْ، فَرُبَّمَا أَصَابَ الرَّاحِلَةَ كَمَا هِيَ فَيَبْعَثُ بِهَا إِلَى الْمَنْزِلِ". [الحديث 2501 - طرفه في: 7210]. [الحديث 2502 - طرفه في: 6353]. وبه قال: (حدثنا أصبغ بن الفرج) أبو عبد الله الأموي مولاهم الفقيه المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن وهب) القرشي مولاهم أبو محمد المصري الفقيه الحافظ (قال: أخبرني) بالإفراد أيضًا (سعيد) هو ابن أبي أيوب مقلاص الخزاعي (عن زهرة بن معبد) بضم الزاي وسكون الهاء ومعبد بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة القرشي التيمي أبي عقيل المدني نزيل مصر (عن جده عبد الله بن هشام) واسم جده (¬2) زهرة بن عثمان (وكان قد أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قبل موته بست سنين فيما ذكره ابن منده (وذهبت به أمه زينب بنت حميد) الصحابية ¬

(¬1) بيّض له المؤلّف ولفظه قال: ضحينا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بجذع من الضأن اهـ. (¬2) قوله: "واسم جده" أي عبد الله كما في الخلاصة. ا. هـ مصححه

14 - باب الشركة في الرقيق

(إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الفتح (فقالت: يا رسول الله بايعه) بسكون العين أي عاقده على الإسلام (فقال) عليه الصلاة والسلام: (هو صغير فمسح رأسه ودعا له) أي بالبركة. (وعن زهرة بن معبد) بالإسناد السابق (أنه كان يخرج به جده عبد الله بن هشام إلى السوق فيشتري الطعام فيلقاه ابن عمر) عبد الله (وابن الزبير) عبد الله (-رضي الله عنهم- فيقولان له) أي لعبد الله بن هشام (أشركنا) بوصل الهمزة في الفرع وفتح الراء وكسرها وفي غيره وهو الذي في اليونينية لا غير بقطعها مفتوحة وكسر الراء أي جعلنا شريكين لك في الطعام الذي اشتريته (فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد دعا لك بالبركة فيشركهم) بفتح الياء والراء (فربما أصاب) أي من الربح (الراحلة كما هي) أي بتمامها (فيبعث بها إلى المنزل) والراحلة يحتمل أن يراد بها المحمول من الطعام وأن يراد بها الحامل والأول أولى لأن سياق الكلام وارد في الطعام، وقد ذهب المظهري إلى المجموع حيث قال: يعني ربما يجد دابة متاع على ظهرها فيشتريها من الربح ببركة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله أشركنا لكونهما طلبا منه الاشتراك في الطعام الذي اشتراه فأجابهما إلى ذلك وهم من الصحابة ولم ينقل عن غيرهم ما يخالف ذلك فيكون حجة، والجمهور على صحة الشركة في كل ما يتملك والأصح عند الشافعية اختصاصها بالمثلي، لكن من أراد الشركة مع غيره في العروض المتقوّمة باع أحدهما نصف عرضه بنصف عرض صاحبه وتقابضا أو باع كل منهما بعض عرضه لصاحبه بثمن في الذمة وتقابضا كما صرّح به في الروضة وأذن بعد ذلك كل منهما للآخر في التصرف سواء تجانس العرضان أم اختلفا، وإنما اعتبر التقابض ليستقر الملك، وعن المالكية تكره الشركة في الطعام والراجح عندهم الجواز. 14 - باب الشركةِ في الرَّقيقِ (باب الشركة في الرقيق) بفتح الشين وكسر الراء. 2503 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِى مَمْلُوكٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ كُلَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ قَدْرَ ثَمَنِهِ يُقَامُ قِيمَةَ عَدْلٍ: وَيُعْطَى شُرَكَاؤُهُ حِصَّتَهُمْ وَيُخَلَّى سَبِيلُ الْمُعْتَقِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا جويرية بن أسماء) الضبعي (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من أعتق شركًا) بكسر الشين المعجمة وسكون الراء نصيبًا. قال ابن دقيق العيد: وهو في الأصل مصدر لا يقبل العتق وأطلق على متعلقه وهو المشترك وعلى هذا لابدّ من إضمار تقديره جزء مشترك أو ما يقارب ذلك لأن المشترك في الحقيقة هو جملة العين أو الجزء العين منها إذا أفرد بالتعيين كاليد والرجل مثلاً وأما النصيب المشاع فلا اشتراك فيه انتهى. وحينئذٍ فيكون من إطلاق المصدر على المفعول أم من حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أو أطلق الكل على البعض، وهذا موضع الترجمة لأن الإعتاق مبني على صحة الملك فلو لم تكن الشركة في الرقيق صحيحة لما ترتب عليها صحة العتق وفي رواية سبقت من أعتق شقصًا وفي أخرى شقيصًا. (له في مملوك) شامل للذكر والأنثى (وجب عليه أن يعتق) بضم أوله وكسر المثناة الفوقية (كله) قال في المصابيح: الغالب على كل أن تكون تابعة نحو: جاء القوم كلهم وحيث تخرج عن التبعية فالغالب أن لا يعمل فيها إلا ابتداء ووقعت هنا في غير الغالب قال: ويحتمل أن يجري فيه على غير الغالب بأن يجعل كله تأكيدًا لضمير محذوف أي يعتقه كله بناء على جواز حذف المؤكد وبقاء التأكيد، وقد قال به إماما أهل العربية الخليل وسيبويه انتهى. وظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يكون المعتق والشريك والعبد مسلمين أو كفارًا أو بعضهم كفّارًا. وبه قال الشافعية وعند الحنابلة وجهان فيما لو أعتق الكافر شركًا له من عبد مسلم هل يسري عليه أم لا؟ وقال المالكية: إن كانوا كفارًا فلا سراية وإن كان المعتق كافرًا دون شريكه فهل يسري عليه أم لا يسري فيما إذا كان العبد مسلمًا دون ما إذا كان كافرًا: ثلاثة أقوال. وإن كانا كافرين والعبد مسلمًا فروايتان وإن كان المعتق

15 - باب الاشتراك في الهدي والبدن وإذا أشرك الرجل الرجل في هديه بعد ما أهدى

مسلمًا سرى عليه بكل حال. (وإن كان له مال قدر ثمنه يقام) عليه (قيمة عدل) بفتح العين أي قيمة استواء لا زيادة فيها ولا نقص وقيمة نصب على المفعول المطلق (ويُعطى) بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (شركاؤه) رفع نائب عن الفاعل (حصتهم) نصب على المفعولية (ويخلى سبيل المعتق) بفتح الطاء الفوقية ويخلى مبني للمفعول وسبيل نائب الفاعل. 2504 - : حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِى عَبْدٍ أُعْتِقَ كُلُّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلاَّ يُسْتَسْعَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي البصري الملقب بعارم قال: (حدّثنا جرير بن حازم) الأزدي البصري وثّقه ابن معين وضعفه في قتادة خاصة ووثقه النسائي، وقال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن سعد ثقة إلا أنه اختلط في آخر عمره انتهى. ولم يحدث في حال اختلاطه واحتج به الجماعة ولم يخرج له البخاري عن قتادة إلا أحاديث توبع فيها (عن قتادة) بن دعامة (عن النضر) بسكون الضاد المعجمة (ابن أنس) الأنصاري (عن بشير بن نهيك) بفتح الموحدة وكسر الشين في الأول وفتح النون وكسر الهاء وبعد التحتية كافٍ في الثاني السلولي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من أعتق شقصًا) بكسر الشين زاد في غير رواية أبي ذر له (في عبد أعتق كله) بضم الهمزة (إن كان له مال وإلا) أي وإن لم يكن له مال (يستسع) بضم التحتية وفتح العين من غير إشباع مبنيًّا للمفعول مجزوم على الأمر بحذف حرف العلة، ولأبي ذر: يستسعى بإشباع الفتحة وفي أخرى استسعى بألف وصل وضم المثناة الفوقية وكسر العين وفتح الياء والمعنى أنه يكلف العبد الاكتساب لقيمة نصيب الشريك حال كونه (غير مشقوق عليه) بل مرفهًا مسامحًا. ويأتي إن شاء الله تعالى في العتق ما في ذلك من البحث، وقد سبق الحديث قريبًا والله الموفق والمعين. 15 - باب الاشتراكِ في الهدي والبُدْنِ وإذا أشرَكَ الرجُلُ الرجلَ في هديهِ بعد ما أهدَى (باب الاشتراك في الهدي) بسكون الدال ما يهدى إلى المحرم من النعم (والبدن) بضم الموحدة وسكون المهملة من عطف الخاص على العام (وإذا أشرك الرجل الرجل) ولأبي ذر: الرجل رجلاً (في هديه بعدما أهدى) هل يجوز ذلك أم لا. 2505، 2506 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ. وَعَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهم - قَالَ: "قَدِمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِى الْحَجَّةِ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ لاَ يَخْلِطُهُمْ شَىْءٌ. فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً، وَأَنْ نَحِلَّ إِلَى نِسَائِنَا. فَفَشَتْ فِى ذَلِكَ الْقَالَةُ. قَالَ عَطَاءٌ: فَقَالَ جَابِرٌ فَيَرُوحُ أَحَدُنَا إِلَى مِنًى وَذَكَرُهُ يَقْطُرُ مَنِيًّا -فَقَالَ جَابِرٌ بِكَفِّهِ- فَبَلَغَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: بَلَغَنِى أَنَّ أَقْوَامًا يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا، وَاللَّهِ لأَنَا أَبَرُّ وَأَتْقَى لِلَّهِ مِنْهُمْ، وَلَوْ أَنِّى اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِى الْهَدْىَ لأَحْلَلْتُ. فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هِىَ لَنَا أَوْ لِلأَبَدِ؟ فَقَالَ: لاَ بَلْ لِلأَبَدِ. قَالَ: وَجَاءَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا يَقُولُ: لَبَّيْكَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ الآخَرُ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، - فَأَمَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَأَشْرَكَهُ فِى الْهَدْىِ". وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) عارم بن الفضل قال: (حدّثنا حماد بن زيد) اسم جده درهم الأزدي الجهضمي أبو إسماعيل البصري قال: (أخبرنا عبد الملك بن جريج) بضم الجيم الأولى وفتح الراء (عن عطاء) هو ابن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم أحد أعلام التابعين (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (وعن طاوس) هو ابن كيسان عطف على قوله عطاء لأن ابن جريج سمع منهما لكن قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: الذي يظهر لي أن ابن جريج عن طاوس منقطع فقد قال الأئمة إنه لم يسمع من مجاهد ولا من عكرمة، وإنما أرسل عنهما وطاوس من أقرانهما وإنما سمع من عطاء لكونه تأخرت عنهما وفاته نحو عشر سنين، (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال) ولأبي ذر وكريمة قالا: أي جابر وابن عباس (قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي مكة (صبح رابعة) وللكشميهني لما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه صبح رابعة (من ذي الحجة) حال كونهم (مهلين) محرمين وجمع على رواية من أسقط لفظ أصحابه باعتبار أن قدومه عليه الصلاة والسلام مستلزم لقدوم أصحابه معه وأما على إثباته فواضح وللحموي مهلون بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هم محرمون (بالحج لا يخلطهم) بفتح الياء وسكون الخاء المعجمة وكسر اللام (شيء) من العمرة أي في وقت الإحرام، (فلما قدمنا) أي مكة شرّفها الله تعالى وجعلنا من ساكنيها (أمرنا) عليه الصلاة والسلام (فجعلناها) أي تلك الحجة (عمرة) فصرنا متمتعين (وأن نحلّ إلى نسائنا ففشت) بالفاء والشين المعجمة والفتحات أي فشاعت وأنتشرت (في ذلك) أي في فسخ الحج إلى العمرة (المقالة) بالقاف واللام وللكشميهني المقالة بزيادة ميم قبل القاف أي مقالة الناس لاعتقادهم أن العمرة غير صحيحة في أشهر الحج وأنها من أفجر الفجور. (قال عطاء) هو ابن أبي رباح بالسند السابق (فقال جابر) الأنصاري (فيروح) استفهام تعجبي محذوف الأداة أي أفيروح؟ (أحدنا

16 - باب من عدل عشرا من الغنم بجزور فى القسم

إلى منى) أي محرمًا بالحج (وذكره) لقرب عهده من الجماع (يقطر منيًّا) وهو من باب المبالغة (فقال جابر بكفّه) أشار به إلى التقطر وإنما أشار إلى ذكره استهجانًا لذلك الفعل، ولذا واجههم عليه الصلاة والسلام بقوله الآتي: لأنا أبرّ وأتقى، وللكشميهني يكفّه وهو من كفه إذا منعه أي قال جابر ذلك والحال أنه يكفّه. (فبلغ ذلك) الذي صدر منهم من القول (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقام) حال كونه (خطيبًا فقال بلغني أن أقوامًا يقولون كذا وكذا والله لأنا) بلام التوكيد مبتدأ خبره قوله (أبرّ وأتقى لله) عز وجل (منهم) وفي الفرع علامة السقوط على لفظ الجلالة الشريفة وثبت في أصله (ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت) أي لو عرفت في أول الحال ما عرفت في آخره من جواز العمرة في أشهر الحج (ما أهديت) أي ما سقت الهدي (ولولا أن معي الهدي لأحللت) من الإحرام لكن امتنع الإحلال لصاحب الهدي وهو المفرد والقارن حتى يبلغ الهدي محله وذلك في أيام النحر لا قبلها، (فقام سراقة بن مالك بن جعشم) بضم الجيم والمعجمة بينهما عين مهملة المدلجي الصحابي الشهير (فقال: يا رسول الله هي) أي العمرة في أشهر الحج (لنا) أي خاصة (أو للأبد؟ فقال) عليه الصلاة والسلام (لا) أي ليست لكم خاصة (بل) هي (للأبد) أي إلى يوم القيامة ما دام الإسلام. (قال) جابر (وجاء علي بن أبي طالب) -رضي الله عنه- أي من اليمن (فقال أحدهما) وهو جابر (يقول) عليّ (لبيك بما أهل به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال الآخر) وهو ابن عباس يقول علي -رضي الله عنهم- (لبيك بحجة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط وقال الأولى في رواية أبي ذر (فأمر النبي) بإسقاط ضمير النصب ولأبي ذر فأمره رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقيم على إحرامه) أي يثبت عليه (وأشركه) بفتح الهمزة والراء أي أشرك-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليًّا (في الهدي). قال في فتح الباري فيه بيان أن الشركة وقعت بعدما ساق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الهدي من المدينة وهو ثلاث وستون بدنة وجاء علي من اليمن إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعه سبع وثلاثون بدنة فصار جميع ما ساقه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الهدي مائة بدنة وأشرك عليًّا معه فيها اهـ. وقال المهلب: ليس في حديث الباب ما ترجم به من الاشتراك في الهدي بعدما أهدى بل لا يجوز الاشتراك بعد الإهداء ولا هبته ولا بيعه والمراد منه ما أهدى عليّ من الهدي الذي كان معه عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجعل له ثوابه، فيحتمل أن يفرد بثواب ذلك الهدي كله فهو شريك له في هديه لأنه أهدى عنه عليه الصلاة والسلام متطوّعًا من ماله، ويحتمل أن يشركه في ثواب هدي واحد فيكون بينهما إذا كان متطوّعًا كما ضحى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنه وعن أهل بيته بكبش وعمن لم يضحّ من أمته بآخر وأشركهم في ثوابه فجعل ضمير الفاعل في أشرك لعليّ -رضي الله عنه- لا لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال القاضي عياض: عندي أنه لم يكن شريكًا حقيقة بل أعطاه قدرًا يذبحه، والظاهر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحر البدن التي جاءت من المدينة وأعطى عليًّا من البدن التي جاء بها من اليمن. 16 - باب مَنْ عَدَلَ عَشْرًا مِنَ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ فِى الْقَسْمِ (باب من عدل عشرًا) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي: عشرة (من الغنم بجزور في القسم) بفتح القاف. 2507 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ - رضى الله عنه - قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذِى الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلاً، فَعَجِلَ الْقَوْمُ فَأَغْلَوْا بِهَا الْقُدُورَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَ بِهَا فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ عَدَلَ عَشْرًا مِنَ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ. ثُمَّ إِنَّ بَعِيرًا نَدَّ وَلَيْسَ فِى الْقَوْمِ إِلاَّ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ فَحَبَسَهُ بِسَهْمٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا. قَالَ قَالَ: جَدِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْجُو -أَوْ نَخَافُ- أَنْ نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا، وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى، أفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ فَقَالَ: اعْجَلْ، أَوْ أَرْنِى. مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (محمد) غير منسوب وعند ابن شبويه محمد بن سلام قال: (أخبرنا وكيع) هو ابن الجراح الرؤاسي بضم الراء ثم همزة ثم سين مهملة الكوفي (عن سفيان) الثوري (عن أبيه) سعيد بن مسروق الثوري (عن عباية بن رفاعة) بفتح عين عباية وكسر راء رفاعة (عن جده رافع بن خديج -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذي الحليفة من تهامة) خير بقيد تهامة ميقات أهل المدينة (فأصبنا غنمًا وإبلاً) ولأبوي الوقت وذر: أو إبلاً (فعجل القوم) بكسر الجيم (فأغلوا بها) أي بلحوم ما أصابوه (القدور فجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمر بها) أي بالقدور أن تكفأ (فكفئت)

48 - باب فى الرهن فى الحضر وقوله تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة} [البقرة: 283].

وللكشميهني. فكفئت أريقت بما فيها من المرق واللحم زجرًا لهم وقد مر ما فيه من البحث في باب الغنم قريبًا، (ثم عدل) عليّ رواية فعدل (عشرًا) ولأبي ذر: عشرة بإثبات تاء التأنيث، لكن قال ابن مالك: لا يجوز إثباتها (من الغنم بجزور) أي سوّاها به (ثم إن بعيرًا منها ندّ) أي هرب (وليس في القوم إلا خيل يسيرة فرماه رجل) وسقط ضمير النصب لأبي ذر (فحبسه بسهم) أصابه وفي الرواية السابقة فحبسه الله (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن لهذه البهائم) أي الإبل (أوابد كأوابد الوحش) كنفراته (فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا) أي ارموه بالسهم (قال) عباية (قال جدي) رافع بن خديج (يا رسول الله إنّا نرجو أو) قال (نخاف أن نلقى العدوّ غدًا وليس معنا مدى) جمع مدية أي سكين وإن استعملنا السيوف في الذبح تكلّ عند لقاء العدوّ عن المقاتلة (أفنذبح بالقصب؟ فقال) ولأبي ذر: قال: (اعجل) بفتح الجيم (أو) قال (أرني) بهمزة مفتوحة وراء ساكنة ونون مكسورة وياء حاصلة من إشباع كسرة النون وليست ياء إضافة على ما لا يخفى، ولأبي ذر: أرن بكسر الراء وسكون النون وهي بمعنى أعجل أي أعجل ذبحها لئلا تموت خنقًا فإن الذبح إذا كان بغير حديد احتاج صاحبه إلى خفة يد وسرعة (ما أنهر الدم) أراقه بكثرة (وذكر اسم الله عليه فكلوا) الضمير في فكلوا لا يصح عوده على ما ولا بدّ من رابط يعود على ما من الجملة أو ملابسها فيقدر أي فكلوا مذبوحة ويحتمل أن يقدّر ذلك مضافًا إلى ما ولكنه حذف والتقدير مذبوح ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه (ليس السن والظفر) نصب على الاستثناء أو أن ليس ناسخة واسمها ضمير راجع للبعض المفهوم مما تقدم كما مرّ (وسأحدّثكم عن) علة (ذلك أما السن فعظم) يتنجس بالدم وقد نهيتم عن تنجيسه بالاستنجاء لأنه زاد إخوانكم من الجن (وأما الظفر فمدى الحبشة) ولا يجوز التشبه بهم. وهذا الحديث قد سبق قريبًا في باب قسمة الغنم. بسم الله الرحمن الرحيم 48 - باب فِى الرَّهْنِ فِى الْحَضَرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]. (بسم الله الرحمن الرحيم كتاب) بالتنوين (في الرهن في الحضر)، وللكشميهني: كتاب الرهن، ولغير أبي ذر باب بالتنوين بدل كتاب في الرهن، وفي النسخة المقروءة على الميدومي: كتاب الرهن باب الرهن في الحضر، ولابن شبويه: باب ما جاء إلى آخره والرهن لغة الثبوت ومنه الحالة الراهنة أي الثابتة، وقال الإمام الاحتباس ومنه {كل نفس بما كسبت رهينة} وشرعًا جعل عين متموّلة وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه ويطلق أيضًا على العين المرهونة تسمية للمفعول باسم المصدر، (وقوله تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبًا فرهان مقبوضة} [البقرة: 283] بكسر الراء وفتح الهاء وألف بعدها جمع رهن وفعل وفعال يطرد كثيرًا نحو: كعب وكعاب وكلب وكلاب، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: فرهن بضم الراء والهاء من غير ألف جمع رهن وفعل يجمع على فعل نحو سقف وسقف وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير وابن محيصن واليزيدي. قال أبو عمرو بن العلاء: إنما قرأت فرهن للفصل بين الرهان في الخيل وبين جمع رهن في غيرها، ومعنى الآية كما قال القاضي -رحمه الله- فارهنوا واقبضوا لأنه مصدر جعل جزاء للشرط بالفاء فجرى مجرى الأمر كقوله: {فتحرير رقبة} [النساء: 92] {فضرب الرقاب} [محمد: 4] وقيده في الترجمة بالحضر إشارة إلى أن التقييد بالسفر في الآية خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له لدلالة الحديث على مشروعيته في الحضر وهو قول الجمهور، واحتجوا له من حيث المعنى بأن الرهن شرع على الذين لقوله تعالى: {فإن أمن بعضكم بعضًا} [البقرة: 283] فإنه يشير إلى أن المراد بالرهن الاستيثاق وإنما قيده بالسفر لأنه مظنة فقد الكاتب فأخرجه مخرج الغالب وخالف في ذلك مجاهد والضحاك فيما نقله الطبري عنهما فقالا: لا يشرع إلا في السفر حيث لا يوجد الكاتب، وبه قال داود وأهل الظاهر وفي رواية أبي ذر وقول الله تعالى: {فرهان مقبوضة} كذا في الفرع وهو ينافي قول الحافظ ابن حجر وكلهم ذكر الآية من أولها. 2508 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: "وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دِرْعَهُ بِشَعِيرٍ، وَمَشَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ. وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا أَصْبَحَ لآلِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ صَاعٌ وَلاَ أَمْسَى، وَإِنَّهُمْ لَتِسْعَةُ أَبْيَاتٍ". وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا

1 - باب من رهن درعه

هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-): أنه (قال ولقد رهن رسول الله) هو عطفًا على شيء محذوف بينه أحمد من طريق أبان العطار عن قتادة عن أنس أن يهوديًا دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأجابه ولقد رهن رسول الله ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- درعه) بكسر الدال وسكون الراء (بشعير) أي في مقابلة شعير فالباء للمقابلة عند أبي الشحم اليهودي وكان قدر الشعير ثلاثين صاعًا كما عند المؤلّف في الجهاد وغيره. قال أنس: (ومشيت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بخبز شعير) بالإضافة (وإهالة سنخة) بكسر الهمزة وتخفيف الهاء ما أذيب من الشحم والألية وسنخة بفتح السين المهملة وكسر النون وفتح الخاء المعجمة صفة لإهالة أي متغيرة الريح. وقال أنس أيضًا: (ولقد سمعته) عليه الصلاة والسلام (يقول: ما أصبح لآل محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلاّ صاع ولا أمسى) أي ليس لهم إلا صاع، وعند الترمذي والنسائي من طريق ابن أبي عدي ومعاذ بن هشام عن هشام بلفظ: ما أمسى لآل محمد صاع تمر ولا صاع حب، وسبق في أوائل البيوع من وجه آخر بلفظ: بن بدل تمر، والمراد بالآل أهل بيته عليه الصلاة والسلام، وقد بينه بقوله: (وإنهم) أي آله (لتسعةُ أبياتٍ) أي تسع نسوة وأراد بقوله ذلك بيانًا للواقع لا تضجرًا وشكاية حاشاه الله من ذلك بل قاله معتذرًا عن إجابته لدعوة اليهودي ولرهنه درعه عنده وفيه ما كان عليه الصلاة والسلام من التواضع والزهد في الدنيا والتقلل منها مع قدرته عليها والكرم الذي أفضى به إلى عدم الادخار حتى احتاج إلى رهن درعه والصبر على ضيق العيش والقناعة باليسير. وهذا الحديث قد سبق في أوائل البيع. 1 - باب مَنْ رَهَنَ دِرْعَهُ (باب من رهن درعه). 2509 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: "تَذَاكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ وَالْقَبِيلَ فِى السَّلَفِ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشْتَرَى مِنْ يَهُودِىٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم البصري قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: تذاكرنا عند إبراهيم) النخعي (الرهن والقبيل) بفتح القاف وكسر الموحدة هو الكفيل وزنًا ومعنى (من السلف فقال: إبراهيم): بن يزيد النخعي (حدّثنا الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله عنها-): (أن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اشترى من يهودي) اسمه أبو الشحم كما في رواية الشافعي والبيهقي (طعامًا) ثلاثين صاعًا من شعير وعند البيهقي والنسائي بعشرين ولعله كان دون الثلاثين فجبر الكسر تارة وألغاه أخرى وعند ابن حبّان من طريق شيبان عن قتادة عن أنس أن قيمة الطعام كانت دينارًا (إلى أجل) في صحيح ابن حبان من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش أنه سنة (ورهنه درعه). أي ذات الفضول كما بيّنه أبو عبد الله التلمساني في كتاب الجوهرة، وقد قيل إنه عليه الصلاة والسلام افتكّه قبل موته لحديث أبي هريرة، وصححه ابن حبان: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه وهو-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منزّه عن ذلك، وهذا معارض بما وقع في أواخر المغازي من طريق الثوري عن الأعمش بلفظ: توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودرعه مرهونة. وفي حديث أنس عند أحمد: فما وجد ما يفتكها به. وأجيب عن حديث نفس المؤمن معلق بدينه بالحمل على من لم يترك عند صاحب الدين ما يحصل له به الوفاء، وإليه جنح الماوردي، وذكر ابن الطلاع في الأقضية النبوية أن أبا بكر افتكّ الدرع بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وفي الحديث جواز البيع إلى أجل واختلف هل هو رخصة أو عزيمة قال ابن العربي: جعلوا الشراء إلى أجل رخصة وهو في الظاهر عزيمة لأن الله تعالى يقول في محكم كتابه: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} [البقرة: 282] فأنزله أصلاً في الدين ورتب عليه كثيرًا من الأحكام. وهذا الحديث قد سبق في باب شراء النبي--صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنسيئة. 2 - باب رَهْنِ السِّلاَحِ (باب رهن السلاح). 2510 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا. فَأَتَاهُ فَقَالَ: أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ. فَقَالَ: ارْهَنُونِى نِسَاءَكُمْ. قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ؟ قَالَ: فَارْهَنُونِى أَبْنَاءَكُمْ. قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَالُ: رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ؟ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللأْمَةَ - قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِى السِّلاَحَ - فَوَعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَتَوُا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرُوهُ". [الحديث 2510 - أطرافه في: 3031، 2032، 4037]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) بن المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال عمرو) بفتح العين ابن دينار (سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله

4 - باب الرهن مركوب ومحلوب

وصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من لكعب بن الأشرف) اليهودي أي من يتصدى لقتله (فإنه آذى الله) ولأبي ذر: فإنه قد آذى الله (ورسوله) وكان كعب قد خرج من المدينة إلى مكة لما جرى ببدر ما جرى فجعل ينوح ويبكي على قتلى بدر ويحرّض الناس على رسول الله وصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وينشد الأشعار (فقال محمد بن مسلمة): بفتح الميمين واللام ابن خالد (أنا) لقتله يا رسول الله: زاد في المغازي: فأذن لي أن أقول شيئًا؟ قال قل (فأتاه) محمد بن مسلمة (فقال: أردنا أن تسلفنا) وزاد في المغازي فقال إن هذا الرجل قد سألنا صدقة وإنه قد عنانا وإني قد أتيتك أستسلفك (وسقًا) بفتح الواو وكسرها وهو ستون صاعًا (أو وسقين) شك من الراوي (فقال) كعب (ارهنوني) وللحموي والمستملي أترهنوني (نساءكم قالوا) يعني محمد بن مسلمة ومن معه (كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال: فارهنوني أبناءكم. قالوا: كيف نرهن) ولأبي ذر في نسخة كيف نرهنك (أبناءنا فيسب أحدهم) بضم المثناة التحتية وفتح المهملة وأحدهم رفع نائب عن الفاعل (فيقال: رهن بوسق أو وسقين) بضم الراء وكسر الهاء مبنيًّا للمفعول (هذا عار علينا ولكنا نرهنك اللأمة) بالهمزة وقد تترك تخفيفًا. (قال سفيان): بن عيينة في تفسير اللأمة (يعني السلاح فوعده) محمد بن مسلمة (أن يأتيه) زاد في المغازي فجاءه ليلاً ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة فدعاهم إلى الحصن فنزل إليهم فقالت امرأته أين تخرج هذه الساعة فقال: إنما هو محمد بن مسلمة وأخي أبو نائلة وقال غير عمرو: قالت: أسمع صوتًا كأنه يقطر منه الدم قال إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة إن الكريم لو دعي إلى طعنة بالليل لأجاب قال: ويدخل محمد بن مسلمة معه برجلين قيل لسفيان سماهم عمرو، قال سمى بعضهم قال عمرو جاء معه برجلين، وقال غير عمرو أبو عبس بن جبر والحرث بن أوس وعباد بن بشر فقال: إذا ما جاء فإني نائل بشعره فأشمه فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه وقال مرة ثم أشمكم فنزل إليهم متوشحًا وهو ينفح منه ريح الطيب فقال: ما رأيت كاليوم ريحًا أي أطيب وقال غير عمرو: قال: عندي أعطر نساء العرب وأكمل العرب قال عمرو فقال: أتأذن ليس أن أشم؟ قال: نعم فشمه ثم أشم أصحابه ثم قال أتاذن لي؟ قال: نعم فلما استمكن منه قال: دونكم (فقتلوه ثم أتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه) ففرح ودعا لهم؛ قال ابن بطال: وليس في قولهم نرهنك اللأمة دليل على جواز رهن السلاح عند الحرب وإنما كان ذلك من معاريض الكلام المباحة في الحرب وغيره. وقال العيني: المطابقة بين الحديث والترجمة في قوله: ولكنّا نرهنك اللأمة أي السلاح بحسب ظاهر الكلام وإن لم يكن في نفس الأمر حقيقة الرهن وهذا المقدار كافٍ في وجه المطابقة انتهى. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي والجهاد ومسلم في المغازي وأبو داود في الجهاد والنسائي في السير. 4 - باب الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ وَقَالَ مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: تُرْكَبُ الضَّالَّةُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا، وَتُحْلَبُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا. وَالرَّهْنُ مِثْلُهُ. هذا (باب) بالتنوين (الرهن مركوب ومحلوب) أي يجوز إذا كان ظهرًا يركب أو من ذوات الدر يحلب، وهذا لفظ حديث أخرجه الحاكم وصححه على شرط الشيخين. (وقال: منيرة) هو ابن مقسم بكسر الميم وسكون القاف مما وصله سعيد بن منصور (عن إبراهيم) النخعي (تركب الضالة) ما ضل من البهائم ذكر كان أو أنثى (بقدر علفها وتحلب بقدر علفها) وفي نسخة لأبي ذر عن الكشميهني: عملها. قال في الفتح: والأول أصوب (والرهن) أي المرهون (مثله) في الحكم المذكور يعني يركب ويحلب بقدر العلف وهذا وصله سعيد بن منصور أيضًا. 2511 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ، وَيُشْرَبُ لَبَنُ الدَّرِّ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا». [الحديث 2511 - طرفه في: 2512]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة (عن عامر) هو الشعبي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أنه كان يقول): (الرهن) أي الظهر المرهون (يركب) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (بنفقته) أي يركب وينفق عليه (ويشرب لبن الدر إذا كان مرهونًا). بفتح الدال المهملة وتشديد الراء. قال الكرماني وتبعه

4 - باب الرهن عند اليهود وغيرهم

العيني وغيره مصدر بمعنى الدارّة أي ذات الضرع، وقال الحافظ ابن حجر: هو من إضافة الشيء إلى نفسه، وتعقبه العيني بأن إضافة الشيء إلى نفسه لا تصح إلا إذا وقع في الظاهر فيؤوّل، وإذا كان المراد بالدر الدارّة فلا يكون من إضافة الشيء إلى نفسه لأن اللبن غير الدارة، واحتج به الإمام حيث قال: يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام بمصلحته ولو لم يأذن له المالك وأجمع الجمهور على أن المرتهن لا ينتفع من الرهن بشيء. قال ابن عبد البر: هذا الحديث عند جمهور الفقهاء يردّه أصول مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها ويدل على نسخه، حديث ابن عمر أي القاضي في أبواب المظالم لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه انتهى. وقال إمامنا الشافعي: يشبه أن يكون المراد من رهن ذات در وظهر لم يمنع الراهن من درّها وظهرها فهي محلوبة ومركوبة له كما كانت قبل الرهن انتهى. فيجوز للراهن انتفاع لا ينقص المرهون كركوب وسكنى واستخدام ولبس وإنزاء فحل لا ينقصانه وقال الحنفية ومالك وأحمد في رواية عنه: ليس للراهن ذلك لأنه ينافي حكم الرهن وهو الحبس الدائم، واحتج الطحاوي في شرح الآثار: بأن هذا الحديث مجمل لم يبين فيه من الذي يركب ويشرب اللبن فمن أين جاز لهم أن يجعلوه للراهن دون أنس يجعلوه للمرتهن إلا أن يعاونه دليل من كتاب أو سُنّة أو إجماع قال: ومع ذلك فقد روى هشيم هذا الحديث بلفظ: إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها وثمن الذي يشرب وعلى الذي يشرب نفقتها ويركب، فدلّ هذا الحديث أن المعنيّ بالركوب وشرب اللبن في الحديث الأوّل هو المرتهن لا الراهن فجعل ذلك له وجعلت النفقة عليه بدلاً مما يتعوض منه مما ذكرنا وكان هذا عندنا في الوقت الذي كان الربا مباحًا فلما حرم الربا حرمت أشكاله، وردت الأشياء المأخوذة إلى أبدالها المساوية لها وحرم بيع اللبن في الضرع فدخل في ذلك النهي عن النفقة التي يملك بها المنفق لبنًا في الضرع وتلك النفقة غير موقوف على مقدارها واللبن أيضًا كذلك فارتفع بنسخ الربا أن تجب النفقة على المرتهن بالمنافع التي تجب له عوضًا منها، وباللبن الذي يحتلبه ويشربه. وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال والتاريخ في هذا متعذر والله أعلم. 2512 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِى يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) أبو الحسن الكسائي المروزي نزيل بغداد ثم مكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا زكريا) بن أبي زائدة (عن الشعبي) بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة وكسر الموحدة عامر (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الرهن) ولأبوي الوقت وذر قال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الظهر (يركب بنفقته إذا كان مرهونًا ولبن الدر) أي ذات الضرع (يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا) أي يركبه الراهن ويشرب اللبن لأن له رقبتها أو المراد المرتهن وهذا الأخير قول أحمد كما مرّ في السابق، واحتج له في المغني بأن نفقة الحيوان واجبة وللمرتهن فيه حق وقد أمكنه استيفاء حقه من نماء الرهن والنيابة عن المالك فيما وجب عليه واستيفاء ذلك من منافعه فجاز ذلك كما يجوز للمرأة أخذ مؤونتها من مال زوجها عند امتناعه بغير إذنه (وعلى الذي يركب) الظهر (ويشرب) لبن الدارّة (النفقة) عليها وكذا مؤونة المرهون غيرهما التي يبقى بها كنفقة العبد ويبقى الأشجار والكروم وتجفيف الثمار وأجرة الإصطبل والبيت الذي يحفظ فيه المتاع المرهون إذا لم يتبرع بذلك المرتهن، وحكى الإمام المتولي وجهين في أن هذه المؤن هل يجبر عليها الراهن حتى يقوم بها من خالص ماله وجهان أصحهما الإجبار حفظًا للوثيقة، وأما المؤن التي تتعلق بالمداواة كالفصد والحجامة والمعالجة بالأدوية والمراهم فلا تجب عليه. 4 - باب الرَّهْنِ عِنْدَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ (باب الرهن عند اليهود وغيرهم). 2513 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتِ: "اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ يَهُودِىٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: اشترى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من يهودي)

5 - باب إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه فالبينة على المدعى، واليمين على المدعى عليه

هو ابن الشحم بفتح الشين المعجمة ولسكون الحاء المهملة اليهودي من بني ظفر بفتح الظاء والفاء بطن من الأوس وكان حليفًا لهم (طعامًا) وكان ثلاثين صاعًا من شعير كما مرّ (ورهنه درعه) ذات الفضول. وهذا الحديث قد سبق ذكره كثيرًا ومراد المؤلّف من سياقه هنا جواز معاملة غير المسلمين وإن كانوا يأكلون أموال الربا كما أخبر الله تعالى عنهم ولكن مبايعتهم وكل طعامهم مأذون لنا فيه بإباحة الله وقد ساقاهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على خيبر كما مرّ. 5 - باب إِذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ وَنَحْوُهُ فَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِى، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هذا (باب) بالتنوين (إذا اختلف الراهن والمرتهن) في أصل الرهن كأن قال: رهنتني كذا فأنكر أو في قدره كأنه قال: رهنتني الأرض باشجارها؟ فقال: بل وحدها أو تعيينه كذا العبد فقال: بل الثوب أو قدر المرهون به كبعشرة فقال بل بعشرين (ونحوه) كاختلاف المتبايعين (فالبينة على المدعي) وهو من إذا ترك ترك (واليمين على المدعى عليه) وهو من إذا ترك لا يترك بل يجبر. 2514 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ: "كَتَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَتَبَ إِلَىَّ: إنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ". [الحديث 2514 - طرفاه في: 2668، 4552]. وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان السلمي الكوفي قال: (حدّثنا نافع بن عمر) بن عبد الله الجمحي (عن ابن أي مليكة) بضم الميم وفتح اللام وبعد التحتية الساكنة كاف هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي ميكة واسمه زهير المكي الأحول وكان قاضيًا لابن الزبير أنه (قال: كتبت إلى ابن عباس) -رضي الله عنهما- أي أسأله في قضية امرأتين ادّعت إحداهما على الأخرى كما سيأتي في سير سورة آل عمران ففيه حذف المفعول (فكتب إليّ): (إن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر إن على الحكاية وبفتحها على تقدير الجار أي بأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قضى أن اليمين على المدعى عليه) قال العلماء: والحكمة في كون البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه أن جانب المدعي ضعيف لأنه يقول خلاف الظاهر فكلف الحجة القوية وهي البيّنة وهي لا تجلب لنفسها نفعًا ولا تدفع عنها ضررًا فيقوى بها ضعف المدعي وجانب المدّعى عليه قويّ لأن الأصل فراغ ذمته فاكتفي فيه بحجة ضعيفة وهي اليمين لأن الحالف يجلب لنفسه النفع ويدفع الضرر فكان ذلك في غاية الحكمة. نعم قد يجعل اليمين في جانب المدعي في مواضع تستثنى لدليل كأيمان القسامة ودعوى القيمة في المتلفات ونحو ذلك كما هو مبسوط في محله من كتب الفقه، ويأتي إن شاء الله تعالى في محله من هذا الكتاب ومذهب الشافعية في مسألة الرهن تصديق الراهن بيمينه حيث لا بينة لأن الأصل عدم رهن ما ادّعاه المرتهن فإن قال الراهن: لم تكن الأشجار موجودة عند العقد بل أحدثتها فإن لم يتصور حدوثها بعده فهو كاذب وطولب بجواب الدعوى فإن أصرّ على إنكار وجودها عند العقد جعل ناكلاً وحلف المرتهن وإن لم يصر عليه واعترف بوجودها وأنكر رهنها قبلنا منه إنكاره لجواز صدقه في نفي الرهن، وإن كان قد بان كذبه في الدعوى الأولى وهي نفي الوجود أما إذا تصور حدوثها بعد العقد فإن لم يمكن وجودها عنده صدّق بلا يمين وإن أمكن وجودها وعدمه عنده فالقول قوله بيمينه لما مر، فإن حلف فهي كالأشجار الحادثة بعد الرهن في القلع وسائر الأحكام، وقد مرّ بيانها هذا إن كان رهن تبرع فإن اختلفا في رهن مشروط في بيع بأن اختلفا في اشتراطه فيه أو اتفقا عليه واختلفا في شيء مما سبق تحالفًا كسائر صور البيع إذا اختلف فيها. نعم إن اتفقا على اشتراطه فيه واختلفا في أصله فلا تحالف لأنهما لم يختلفا في كيفية البيع بل يصدّق الراهن وللمرتهن الفسخ إن لم يرهن. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الشهادت وتفسير آل عمران ومسلم والترمذي وابن ماجة في الأحكام وأبو داود والنسائي في القضايا. 2515، 2516 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِى وَائِلٍ قَالَ: "قَالَ عَبْدُ اللَّهِ - رضى الله عنه: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالاً وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِىَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} فَقَرَأَ إِلَى {عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77]. ثُمَّ إِنَّ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: فَحَدَّثْنَاهُ قَالَ: فَقَالَ صَدَقَ، لَفِىَّ وَاللَّهِ أُنْزِلَتْ، كَانَتْ بَيْنِى وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِى بِئْرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: شَاهِدُكَ أَوْ يَمِينُهُ. قُلْتُ: إِنَّهُ إِذًا يَحْلِفُ وَلاَ يُبَالِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالاً هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِىَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ. ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} إِلَى {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة أنه (قال: قال عبد الله) يعني ابن مسعود (-رضي الله عنه- من حلف على يمين) أي على محلوف يمين فسماه يمينًا مجازًا للملابسة بينهما والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه وإلا فهو قبل اليمين ليس محلوفًا عليه (يستحق بها) أي

49 - كتاب العتق

باليمين (مالاً) لغيره (وهو فيها) أي في اليمين (فاجر) أي كاذب وهو من باب الكناية إذ الفجور لازم الكذب والواو في وهو للحال (لقي الله وهو عليه غضبان) من باب المجازاة أي يعامله معاملة المغضوب عليه فيعذبه (فأنزل الله) ولأبوي ذر والوقت: ثم أنزل الله (تصديق ذلك) في كتابه العزيز ({إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلاً} فقرأ إلى {عذاب أليم}) [آل عمران: 77] برفعهما على الحكاية (ثم إن الأشعث بن قيس) الكندي (خرج إلينا) من المكان الذي كان فيه (فقال: ما يحدّثكم أبو عبد الرحمن)؟ يعني ابن مسعود (قال: فحدّثناه) بسكون المثلثة (قال: فقال صدق لفيّ) بفتح اللام وكسر الفاء وتشديد التحتية (والله أنزلت) ولأبي ذر: لفيّ نزلت أي الآية (كانت بيني وبين رجل) اسمه معدان بن الأسود بن معد يكرب الكندي (خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (شاهدك) بالرفع والإفراد، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: شاهداك أي ليحضر شاهداك أو ليشهد شاهداك فالرفع على الفاعلية بفعل محذوف أو على خبر مبتدأ محذوف تقديره أي الواجب شرعًا شاهداك أي شهادة شاهديك أو مبتدأ حذف خبره أي شهادة شاهديك الواجب في الحكم (أو يمينه) عطف عليه. قال الأشعث (قلت) يا رسول الله (إنه) أي الرجل (إذًا يحلف ولا يبالي) بنصب يحلف بإذًا لوجود شرائط عملها التي هي التصدّر والاستقبال وعدم الفصل ولغير أبي الوقت بالرفع، وذكر ابن خروف في شرح سيبويه أن من العرب من لا ينصب بها مع استيفاء الشروط حكاه سيبويه قال ومنه الحديث إذًا يحلف ففيه جواز الرفع على ما لا يخفى. (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من حلف على يمين يستحق بها مالاً فهو) ولأبي ذر: وهو (فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان) بغير تنوين للصفة وزيادة الألف والنون (فأنزل الله) ولأبي ذر: ثم أنزل الله (تصديق ذلك ثم اقترأ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هذه الآية: ({إن الدين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلاً} إلى {ولهم عذاب أليم}). وهذا الحديث قد سبق في باب الخصومة في البئر من كتاب الشرب. بسم الله الرحن الرحيم 49 - كتاب العتق 1 - باب في العتقِ وفضلهِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد: 13 - 15]. (بسم الله الرحمن الرحيم). (باب في العتق وفضله) ولأبي ذر: ما جاء في العتق بسم الله الرحمن الرحيم، وله عن المستملي كتاب العتق بسم الله الرحمن الرحيم ولم يقل باب، وللنسفي كتاب في العتق باب ما جاء في العتق وفضله والعتق بمعنى الإعتاق وهو إزالة الرقّ عن الآدمي، (وقوله تعالى) بالرفع في اليونينية على الاستئناف وبالجر عطفًا على المجرور السابق ({فك رقبة) برفع الكاف وخفض رقبة ({أو إطعام}) بوزن إكرام وهذه قراءة نافع وابن عامر وعاصم وحمزة على جعل فك خبر مبتدأ مضافًا إلى رقبة وإطعام مصدرًا ولأبي ذر {فك رقبة} فعلاً ماضيًا ورقبة مفعوله أو أطعم فعلاً ماضيًا، والمراد بفك الرقبة تخليصها من الرق من باب تسمية الشيء باسم بعضه وإنما خصّت بالذكر إشارة إلى أن حكم السيد عليه كالغل في رقبته فإذا عتق فك من عنقه ({في يوم) المراد مطلق الزمان ليلاً كان أو نهارًا ({ذي مسغبة}) مجاعة ({يتيمًا}) نصب بأطعم أو بالمصدر لأنه يعمل عمل فعله ({ذا مقربة}) [البلد: 13] صفة ليتيمًا أي قرابة. 2517 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِى وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِى سَعِيدٌ ابْنُ مَرْجَانَةَ صَاحِبُ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ: لِى أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ. قَالَ: سَعِيدٌ ابْنُ مَرْجَانَةَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَى عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ، فَعَمَدَ عَلِىُّ بْنُ حُسَيْنٍ - رضى الله عنهما - إِلَى عَبْدٍ لَهُ قَدْ أَعْطَاهُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ - أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ - فَأَعْتَقَهُ". [الحديث 2517 - طرفه في: 6715]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي قال: (حدّثنا عاصم بن محمد) أي ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني -رضي الله عنهم- (قال: حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (واقد بن محمد) بالقاف ابن زيد أخو عاصم الراوي عنه (قال: حدّثني) بالإفراد (سعيد ابن مرجانة) بفتح الميم وسكون الراء بعدها جيم وهو سعيد بن عبد الله ومرجانة أمه وليس له في البخاري سوى هذا الحديث (صاحب علي بن حسين) ولأبي ذر: صاحب علي بن الحسين بالتعريف عليهما السلام هو زين العابدين بن حسين بن علي بن أبي طالب (قال: قال لي أبو هريرة -رضي الله عنه-، قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أيما رجل) بالجر في اليونينية

2 - باب أى الرقاب أفضل

وغيرها وقال الكرماني وبالرفع على البدلية وكلمة أي للشرط دخلت عليها ما، وللإسماعيلي من طريق عاصم بن علي عن عاصم بن محمد كمسلم والنسائي من طريق إسماعيل بن أبي حكيم عن سعيد بن مرجانة: أيما مسلم (أعتق امرأً مسلمًا استنقذ الله) أي خلص الله (بكل عضو منه عضوًا منه من النار) زاد في كفّارات الإيمان: حتى فرجه بفرجه وخصّ الفرج بالذكر لأنه محل أكبر الكبائر بعد الشرك، قال الخطابي: ويستحب عند بعض العلماء أن لا يكون العبد المعتق ناقص العضو بالعور أو الشلل ونحوهما، بل يكون سليمًا ليكون معتقه قد نال الموعود في عتق أعضائه كلها من النار بإعتاقه إياه من الرقّ في الدنيا قال: وربما كان نقصان الأعضاء زيادة في الثمن كالخصي إذا صلح لما لا يصلح له غيره من حفظ الحريم وغيره انتهى ففيه إشارة إلى أنه يغتفر النقص المجبور بالمنفعة ولا شك أن في عتق الخصي فضيلة لكن الكامل أولى. (قال سعيد بن مرجانة) بالسند السابق: (فانطلقت إلى) ولأبي ذر: به أي بالحديث إلى (علي بن حسين) ولأبي ذر ابن الحسين ولمسلم فانطلقت حتى سمعت الحديث من أبي هريرة فذكرته لعلي زاد أحمد وأبو عوانة من طريق إسماعيل بن أبي حكيم عن سعيد بن مرجانة فقال علي بن الحسين أنت سمعت هذا من أبي هريرة فقال: نعم (فعمد) بفتح الميم أي قصد (علي بن حسين -رضي الله عنهما-) ولأبي ذر ابن الحسين (إلى عبد له) اسمه مطرف كما عند أحمد وأبي عوانة وأبي نعيم في مستخرجيهما على مسلم (قد أعطاه به) أي في مقابلة العبد (عبد الله بن جعفر) أي ابن أبي طالب وهو ابن عمّ والد علي بن الحسين (عشرة ألاف درهم أو ألف دينار فأعتقه) وفي رواية إسماعيل عند مسلم فقال: اذهب فأنت حرّ لوجه الله تعالى، والشك من الراوي وفيه إشارة إلى أن الدينار إذ ذاك بعشر دراهم. وأخرجه المؤلّف أيضًا في كفارات الإيمان ومسلم في العتق وكذا النسائي والترمذي. 2 - باب أَىُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ هذا (باب) بالتنوين (أي الرقاب أفضل) أي للعتق. 2518 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى مُرَاوِحٍ عَنْ أَبِى ذَرٍّ - رضى الله عنه - قَالَ: "سَأَلْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَىُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِى سَبِيلِهِ. قُلْتُ فَأَىُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَغْلاَهَا ثَمَنًا. وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا. قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: تُعِينُ ضَائِعًا، أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ". وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين مصغرًا ابن باذام العبسي الكوفي (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن أبيه عن أبي مراوح) بضم الميم وتخفيف الراء وكسر الواو آخره حاء مهملة الغفاري ويقال الليثي المدني من كبار التابعين وقيل له صحبة، وقال الحاكم أبو أحمد: أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يره ولا يعرف اسمه وقيل اسمه سعد ولا يصح (عن أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي العمل أفضل؟ قال): (أيمان بالله وجهاد في سبيله) قرنهما لأن الجهاد كان إذ ذاك أفضل الأعمال (قلت: فأيّ الرقاب أفضل)؟ أي للعتق (قال: أغلاها) بالغين المعجمة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أعلاها (ثمنًا) بالعين المهملة ومعناهما متقارب، ولمسلم من طريق حماد بن زيد عن هشام أكثرها ثمنًا وهو يبين المراد. قال النووي: محله والله أعلم فيمن أراد أن يعتق رقبة واحدة، أما لو كان مع شخص ألف درهم مثلاً فأراد أن يشتري بها رقبة يعتقها فوجد رقبة نفيسة ورقبتين مفضولتين قال: فالاثنتان أفضل. قال: وهذا بخلاف الأضحية فإذ الواحدة السمينة أفضل لأن المطلوب هنا (فك الرقبة) وهناك طيب اللحم انتهى. قال في فتح الباري: والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص فربّ شخص واحد إذا عتق انتفع بالعتق وانتفع به أضعاف ما يحصل من النفع بعتق أكثر عددًا منه وربّ محتاج إلى كثرة اللحم ليفرقه على المحاويج الذين ينتفعون به أكثر مما ينتفع هو بطيب اللحم والضابط أن أيّهما كان أكثر نفعًا كان أفضل سواء قلّ أو كثر. (وأنفسها عند أهلها) بفتح الفاء أي أكثرها رغبة عند أهلها لمحبتهم فيها لأن عتق مثل ذلك لا يقع إلا خالصًا. (قلت: فإن لم أفعل)؟ أي إن لم أقدر على العتق، وللدارقطني في الغرائب: فإن لم أستطع (قال: تعين صانعًا) بالصاد المهملة والنون من الصنعة كذا في اليونينية المقابلة بالأصول كأصل أبي ذر وأبي الوقت والأصيلي وغيرهم

3 - باب ما يستحب من العتاقة فى الكسوف والآيات

وكذا في جميع ما وقفت عليه من الأصول المعتمدة كالأصل المقروء على الشرف الميدومي وغيره، وضبطه الحافظ ابن حجر وغيره ضائعًا بالضاد المعجمة والهمزة تكتب ياء أي تعين ذا ضياع من فقر أو عيال أو حال قصر عن القيام بها، وكذا هو بالمعجمة في رواية مسلم من طريق حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي مراوح. قال القاضي عياض مما نقله عنه النووي في شرح مسلم: روايتنا في هذا من طريق هشام فتعين ضائعًا بمعجمة قال: وكذا في الرواية الأخرى أي من صحيح مسلم وهي رواية الزهري عن حبيب مولى عروة بن الزبير عن عروة عن أبي مراوح فتعين الضائع بالمعجمة من جميع طرقنا عن مسلم في حديث هشام والزهري إلا من رواية أبي الفتح السمرقندي عن عبد الغافر الفارسي، فإن شيخنا أبا بحر حدّثنا عنه فيهما بالمهملة وهو صواب الكلام لمقابلته بالأخرق وإن كان المعنى من جهة الضائع صحيحًا، لكن صحّت الرواية عن هشام هنا بالصاد المهملة، وكذا رويناه في صحيح البخاري انتهى. وجزم الحافظ ابن حجر بأنه بالمعجمة في جميع روايات البخاري قال: وقد خبط من قال من شراح البخاري إنه روي بالصاد المهملة والنون فإن هذه الرواية لم تقع في شيء من طرقه انتهى. ويؤيده قول ابن الصلاح هو في رواية هشام بالمهملة والنون في أصل الحافظين أبي عامر العبدري وابن عساكر، ولكنه ليس من رواية هشام وإن كان صحيحًا في نفس الأمر ولكن روايته إنما هي بالمعجمة، وأما رواية الزهري فالمحفوظ عنه أنه بالمهملة وكان ينسب هشامًا إلى التصحيف قال: وذكر القاضي عياض أنه في رواية الزهري بالمعجمة إلا رواية السمرقندي وليس الأمر على ما حكاه في روايات أصولنا بكتاب مسلم فكلها مقيدة في رواية الزهري بالمهملة انتهى. لكن قول الحافظ ابن حجر رحمه الله: إن القاضي عياضًا جزم بأنه في البخاري بالمعجمة يردّه ما سبق عن القاضي من قوله صحّت الرواية عن هشام بالصاد المهملة، وكذا رويناه في صحيح البخاري فليتأمل. وقال النووي يروى بهما فيهما والصحيح عند العلماء المهملة والأكثر في الرواية المعجمة انتهى. وممن نسب هشامًا إلى التصحيف في هذه الدارقطني وحكاه ابن المديني وقد تقرر مما ذكرناه أن رواية هشام بالمعجمة لا بالمهملة وإن نسب إلى التصحيف ويبقى النظر في تطابق الأصول التي وقفت عليها مع توافق أهل هذا الشأن على الاعتماد على الأصول المعتمدة على ما لا يخفى. (أو تصنع لأخرق) بفتح الهمزة والراء بينهما ساكنة وآخره قاف لا يحسن صنعة ولا يهتدي إليها (قال: فإن لم أفعل؟ قال: تدع الناس من الشر) أي تكفّ عنهم شرك (فإنها صدقة تصدّق بها على نفسك) بحذف إحدى التاءين والأصل تتصدق والضمير في قوله فإنها للمصدر الذي دل عليه الفعل وأنثه لتأنيث الخبر. وهذا الحديث من أعلى حديث وقع عند المؤلّف وهو في حكم الثلاثيات، لأن هشام بن عروة شيخ من شيخه من التابعين وإن كان روى هنا عن تابعي آخر وهو أبوه عروة، وفيه ثلاثة من التابعين في نسق واحد هشام وأبوه وأبو مراوح، وأخرجه مسلم في الإيمان، والنسائي في العتق والجهاد، وابن ماجة في الأحكام. 3 - باب مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الْعَتَاقَةِ فِى الْكُسُوفِ وَالآيَاتِ (باب ما يستحب من العتاقة) بفتح العين أي الإعتاق (في الكسوف والآيات) كخسوف القمر والظلمة الشديدة وهو من عطف العامّ على الخاص ولأبوي الوقت وذر: أو الآيات بألف قبل الواو. 2519 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما - قَالَتْ: "أَمَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْعَتَاقَةِ فِى كُسُوفِ الشَّمْسِ". تَابَعَهُ عَلِىٌّ عَنِ الدَّرَاوَرْدِىِّ عَنْ هِشَامٍ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن مسعود) هو أبو حذيفة النهدي بفتح النون البصري مشهور بكنيته أكثر من اسمه قال: (حدّثنا زائدة بن قدامة) أبو الصلت الثقفي الكوفي (عن هشام بن عروة) ابن الزبير (عن فاطمة بنت المنذر) بن الزبير بن العوّام زوج هشام (عن أسماء بنت أبي بكر) الصدّيق (-رضي الله عنهما-) أنها (قالت أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-بالعتاقة) أي فك الرقبة من العبودية بالإعتاق (في كسوف الشمس) لأن الخيرات تدفع العذاب. (تابعه) أي تابع موسى بن مسعود (علي) قال الحافظ ابن حجر: يعني ابن المديني وهو شيخ البخاري ووهم من قال: المراد به ابن حجر انتهى. أي: بضم الحاء المهملة وسكون

4 - باب إذا أعتق عبدا بين اثنين، أو أمة بين الشركاء

الجيم وبالراء والقائل بأنه المراد هو الكرماني قال العيني: كل من ابن المديني وابن حجر شيخ المؤلّف وروي عن اللاحق فما الدليل على تخصيص ابن المديني ونسبة الوهم إلى غيره (عن الدراوردي) بفتح الدال المهملة والراء المخففة والواو وسكون الراء وكسر الدال المهملة وتشديد التحتية نسبة إلى دراورد قرية من قرى خراسان واسمه عبد العزيز بن محمد (عن هشام) أي ابن عروة عن فاطمة بنت المنذر إلى آخره، وقد مضى الحديث في أبواب الكسوف. 2520 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ حَدَّثَنَا عَثَّامٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما - قَالَتْ: "كُنَّا نُؤْمَرُ عِنْدَ الْخُسُوفِ بِالْعَتَاقَةِ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن أبي بكر) المقدمي قال: (حدّثنا عثام) بفتح العين المهملة وتشديد المثلثة وبعد الألف ميم ابن علي بن الوليد العامري الكوفي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن عروة (عن) زوجته (فاطمة بنت المنذر) بن الزبير (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما-) أنها (قالت: كنا نؤمر عند الخسوف) بالخاء المعجمة أي خسوف القمر (بالعتاقة) بفتح العين أي الإعتاق للرقبة وقد وضح برواية زائدة السابقة أن الآمر في رواية عثام هو الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفيه تقوية للقائل إن قول الصحابي كنّا نؤمر بكذا له حكم الرفع وهو الأصح. 4 - باب إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَوْ أَمَةً بَيْنَ الشُّرَكَاءِ هذا (باب) بالتنوين (إذا أعتق) الشخص (عبدًا) مشتركًا (بين اثنين) أو أكثر (أو) أعتق (أمة بين الشركاء) وإنما قال: في العبد بين اثنين وفي الأمة بين الشركاء محافظة على لفظ الحديث وإلا فالحكم واحد. 2521 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُعْتَقُ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من أعتق عبدًا) أي أو أمة (بين اثنين) فأكثر (فإن كان) الذي أعتق (موسرًا) صاحب يسار (قوّم عليه) بضم القاف مبنيًّا للمفعول أي قيمة عدل كما في الرواية الأخرى أي سواء من غير زيادة ولا نقص (ثم يعتق) أي العبد أو الأمة وأول يعتق مضموم وثالثه مفتوح، وقول ابن المنير قوله: من أعتق عبدًا بين اثنين فيه دليل لطيف على صحة إطلاق الجمع على الواحد لأنه قال عبدًا بين اثنين، ثم قال: فأعطى شركاءه حصصهم والمراد شريكه قطعًا. قال العلاّمة البدر الدماميني: هذا سهو منه فإن الحديث الذي فيه من أعتق عبدًا بين اثنين ليس فيه فأعطى شركاءه حصصهم والذي فيه فأعطى شركاءه حصصهم ليس فيه من أعتق عبدًا بين اثنين إنما فيه من أعتق شركًا له في عبد انتهى. وليس في قوله ثم يعتق دليل للمالكية على أنه لا يعتق إلا بعد أداء القيمة كما سيأتي بيانه قريبًا في هذا الباب إن شاء الله تعالى. وهذا الحديث قد سبق في باب تقويم الأشياء بين الشركاء بقيمة عدل. 2522 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِى عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ الْعَبْدُ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من أعتق شركًا) بكسر الشين أي نصيبًا (له في عبد) سواء كان قليلاً أو كثيرًا والشرك في الأصل مصدر أطلق على متعلقه وهو المشترك ولا بدّ من إضمار أي جزء مشترك لأن المشترك في الحقيقة الجملة (فكان له) أي للذي أعتق (مال يبلغ) وللحموي والمستملي ما يبلغ أي شيء (ثمن العبد) أي قيمة بقيته (قوّم العبد) بضم القاف مبنيًّا للمفعول زاد أبو ذر والأصيلي عليه (قيمة عدل) بأن لا يزاد من قيمته ولا ينقص (فأعطى شركاءه حصصهم) أي قيمة حصصهم وروي فأعطي بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول شركاؤه بالرفع نائبًا عن الفاعل (وعتق عليه) بفتح العين والتاء ولا يبنى للمفعول إلا إذا كان بهمزة التعدية فيقال أعتق ولأبي ذر وعتق عليه العبد (وإلا) بأن لم يكن موسرًا (فقد عتق منه ما عتق) أي حصته. وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في العتق. 2523 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِى أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِى مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلِّهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ على المعتق، فَأُعْتِقَ مِنْهُ مَا أَعْتَقَ». حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ... اخْتَصَرَهُ. وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين أبو محمد القرشي الهباري الكوفي من ولد هبار بن الأسود واسمه في الأصل عبد الله وعبيد لقب غلب عليه (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-)

أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من أعتق شركًا له في مملوك فعليه عتقه كله) قال الزركشي وتبعه ابن حجر بالجر أنه تأكيد للضمير المضاف أي أعتق العبد كله، وتعقبه العيني بأنه ليس هنا ضمير مضاف حتى يكون تأكيدًا وفيه مساهلة جدًّا، وإنما هو تأكيد لقوله في مملوك انتهى. أي: فعليه عتق المملوك كله والأحسن أن يقال: إنه تأكيد للضمير المضاف إليه (إن كان له) أي للذي أعتق (مال يبلغ ثمنه) أي قيمة بقية العبد (فإن لم يكن له مال يقوم عليه قيمة عدل على المعتق) بكسر التاء ويقوم بفتح الواو المشددة صفة لقوله مال أي من لا مال له بحيث يقع عليه التقويم فإن العتق يقع في نصيبه خاصة، وليس المراد أن التقويم يشرع فيمن لم يكن له مال فليس يقوّم جوابًا للشرط بل هو قوله: (فأعتق منة) بضم الهمزة وكسر الفوقية مبنيًّا للمفعول أي فأعتق من العبد (ما أعتق) بفتح الهمزة والتاء أي ما أعتق المعسر. وقال الإمام البلقيني: يحتمل أن يكون المراد فإن لم يكن له مال يبلغ قيمة حصة الشريك بل البعض فيقوم لأجل ذلك، ويكون حجة لأصح الوجهين في مذهب الشافعي أنه يعتق من حصة الشريك بقدر ما يوسر به أو يحكم على هذه اللفظة بالشذوذ والمخالفة لما رواه الناس فإنها لا تعرف إلا من هذا الطريق أوردها به البخاري انتهى. وفي نسخة: ما أعتق بضم الهمزة وكسر التاء وللحموي والمستملي قيمة عدل على العتق بكسر العين وسكون المثناة الفوقية، وعند النسائي من رواية خالد بن الحرث عن عبيد الله فإن كان له مال قوّم عليه قيمة عدل في ماله فإن لم يكن له مال عتق منه ما عتق. وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالسين المهملة ابن مسرهد أبو الحسن الأسدي البصري قال: (حدّثنا بشر) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن المفضل (عن عبيد الله) بن عمر العمري (اختصره) مسدد بالإسناد المذكور فذكر المقصود منه فقط. قال في فتح الباري: وقد أخرجه مسدد في مسنده من رواية معاذ بن المثنى عنه بهذا الإسناد، وأخرجه البيهقي من طريقه ولفظه: "من أعتق شركًا له في مملوك فقد عتق كله" وقد رواه غير مسدد عن بشر مطوّلاً، وقد أخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن بشر لكن ليس فيه أيضًا قوله عتق منه ما عتق فيحتمل أن يكون مراده أنه اختصر هذا القدر. 2524 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِى مَمْلُوكٍ أَوْ شِرْكًا لَهُ فِى عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ فَهْوَ عَتِيقٌ. قَالَ: نَافِعٌ: وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ. قَالَ أَيُّوبُ: لاَ أَدْرِى أَشَىْءٌ قَالَهُ نَافِعٌ، أَوْ شَىْءٌ فِى الْحَدِيثِ". وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل قال: (حدّثنا حماد) ولأبي ذر حماد بن زيد (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من أعتق نصيبًا له في مملوك أو) قال (شركًا له في عبد) شك أيوب (وكان) بالواو، ولأبوي ذر والوقت: فكان (له من المال ما يبلغ قيمته) أي قيمة بقية العبد (بقيمة العدل) من غير زيادة ولا نقص (فهو) أي العبد (عتيق) أي معتق بضم الميم وفتح المثناة كله بعضه بالإعتاق وبعضه بالسراية فلو كان له مال لا يفي بحصصهم سرى إلى القدر الذي هو موسر به تنفيذًا للعتق بحسب الإمكان وخرج بقوله أعتق ما إذا أعتق عليه قهرًا بأن ورث بعض من يعتق عليه بالقرابة فإنه يعتق ذلك القدر خاصة ولا سراية، وبهذا صرّح الفقهاء من أصحابنا الشافعية وغيرهم، وعن أحمد رواية بخلافه، وخرج أيضًا ما إذا أوصى بإعتاق نصيبه من عبد فإنه يعتق ذلك القدر ولا سراية لأن المال ينتقل إلى لوارث ويصير الميت معسرًا بل لو كان كل العبد له فأوصى بإعتاق بعضه عتق ذلك البعض ولم يسر كما قاله الجمهور، ولا تتوقف السراية فيما إذا أعتق البعض على أداء القيمة لأنه لو لم يعتق قبل الأداء لما وجبت القيمة، وإنما تجب على تقدير انتقال أو قرض أو إتلاف ولم يوجد الأخيران فتعيّن الأول وهو الانتقال إليه وهذا مذهب الجمهور، والأصح عند الشافعية وبعد المالكية وفي رواية النسائي وابن حبّان من طريق سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر: من أعتق عبدًا وله فيه شركاء وله وفاء فهو حرّ ويضمن نصيب شركائه بقيمته، وللطحاوي نحوه، ومشهور مذهب المالكية أنه لا يعتق إلا بدفع القيمة فلو أعتق الشريك قبل أخذ

القيمة نفذ عتقه واستدلّ لهم بقوله في رواية سالم المذكور أول الباب: فإن كان موسرًا قوّم عليه ثم عتق. وأجيب: بأنه لا يلزم من ترتيب العتق على التقويم ترتيبه على أداء القيمة فإن التقويم يفيد معرفة القيمة وأما الدفع فقدر زائد على ذلك، وأما رواية مالك فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد فلا يقتضي ترتيبًا لسياقها بالواو، ولا فرق بين أن يكون العبد والمعتق والشريك مسلمين أو كفارًا أو بعضهم مسلمين وبعضهم كفارًا ولا خيار للشريك في ذلك ولا للعبد ولا للمعتق بل ينفذ الحكم، وإن كرهوا كلهم مراعاة لحق الله تعالى في الحرية، وهذا مذهب الشافعية. وعند الحنابلة وجهان فيما لو أعتق الكافر شركًا له في عبد مسلم هل يسري عليه أم لا؟ وقال المالكية إن كانوا كفارًا فلا سراية وإن كان المعتق كافرًا دون شريكه فهل يسري عليه أم لا؟ أم يسري فيما إذا كان العبد مسلمًا دون ما إذا كان كافرًا؟ ثلاثة أقوال وإن كانا كافرين والعبد مسلمًا فروايتان وإن كان المعتق مسلمًا سرى عليه بكل حال. (قال نافع) مولى ابن عمر (وإلا) أي وإن لم يكن له مال (فقد عتق منه ما عتق) بفتح العين والتاء فيهما وهو نصيبه ونصيب الشريك رقيق لا يكلف إعتاقه ولا يستسعي العبد في فكّه ولأبي ذر أعتق بضم الهمزة في الأول وكسر التاء مبنيًّا للمفعول وفتحها في الثاني وإسقاط منه. (قال أيوب) السختياني (لا أدري أشيء) أي حكم المعسر (قاله نافع) من قبله فيكون منقطعًا موقوفًا (أو شيء في الحديث) فيكون موصولاً مرفوعًا، وقد وافق أيوب على الشك فى رفع هذه الزيادة يحيى بن سعيد عن نافع فيما رواه مسلم والنسائي ولم يختلف عن مالك في وصلها ولا عن عبيد الله بن عمر، لكن اختلف عليه في إثباتها وحذفها والذين أثبتوها حفاظ فإثباتها عند عبيد الله مقدّم وقد رجح الأئمة رواية من أثبت هذه الزيادة مرفوعة. قال إمامنا الشافعي -رضي الله عنه-: لا أحسب عالمًا بالحديث يشك في أن مالكًا أحفظ لحديث نافع من أيوب لأنه كان ألزم له منه حتى لو استويا فشك أحدهما في شيء لم يشك فيه صاحبه كانت الحجة مع من لم يشك، ويقوي ذلك قول عثمان الدارمي قلت لابن معين مالك في نافع أحب إليك أو أيوب؟ قال مالك ومن جزم حجة على من تردد وزاد فيه بعضهم كما قاله الشافعي -رضي الله عنه- فيما نقله عنه البيهقي في المعرفة ورقّ منه ما رقّ، ووقعت هذه الزيادة عند الدارقطني وغيره من طريق إسماعيل بن أمية وغيره عن نافع عن ابن عمر بلفظ ورقّ منه ما بقي واستدلّ بذلك على ترك الاستسعاء، لكن في إسناده إسماعيل بن مرزوق الكعبي وليس بالمشهور عن يحيى بن أيوب وفي حفظه شيء. 2525 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مِقْدَامٍ حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ "عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي فِي الْعَبْدِ أَوِ الأَمَةِ يَكُونُ بَيْنَ شُرَكَاءَ فَيُعْتِقُ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ مِنْهُ يَقُولُ: قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلِّهِ إِذَا كَانَ لِلَّذِي أَعْتَقَ مِنَ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ يُقَوَّمُ مِنْ مَالِهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ، وَيُدْفَعُ إِلَى الشُّرَكَاءِ أَنْصِبَاؤُهُمْ وَيُخَلَّى سَبِيلُ الْمُعْتَقِ، يُخْبِرُ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وَرَوَاهُ اللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَجُوَيْرِيَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... مُخْتَصَرًا. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن مقدام) بكسر الميم وسكون القاف أبو الأشعث العجلي البصري قال (حدّثنا الفضيل بن سليمان) بضم الفاء وفتح المعجمة في الأول وضم السين وفتح اللام في الثاني النميري قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف قال: (أخبرني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يفتي في العبد أو الأمة يكون بين الشركاء فيعتق) بضم التحتية وكسر الفوقية (أحدهم نصيبه منه من العبد أو الأمة (يقول) أي ابن عمر (وقد وجب علبه عتقه كله) بالجر تأكيدًا للضمير إليه كما مرّ أي وجب عليه عتق العبد كله أو الأمة كلها (إذا كان الذي أعتق من المال ما يبلغ) أي قيمة نصيب شركائه فحذف المفعول (يقوّم من ماله) أي من مال الذي أعتق (قيمة العدل) بفتح العين أي قيمة استواء من غير زيادة ولا نقص وقيمة نصب مفعول مطلق (ويدفع) بضم أوله مبنيًّا للمفعول (إلى الشركاء أنصباؤهم) بالرفع نائبًا عن الفاعل (ويخلى) بفتح اللام مبنيًا للمفعول (سبيل المعتق) بالرفع نائبًا عن الفاعل والمعتق بفتح التاء أي العتيق، ولأبي ذر: ويدفع بفتح أوّله إلى الشركاء أنصباءهم بالنصب على المفعولية ويخلي بكسر اللام مبنيًّا للفاعل أي المعتق بكسر التاء "سبيل" على المفعولية وفتح الفوقية من المعتق (يخبر ذلك

5 - باب إذا أعتق نصيبا في عبد وليس له مال استسعي العبد غير مشقوق عليه، على نحو الكتابة

ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (ورواه) أي الحديث المذكور (الليث) بن سعد الإمام فيما وصله مسلم والنسائي (وابن أبي ذئب) محمد فيما وصله أبو نعيم في مستخرجه (وابن إسحاق) محمد صاحب المغازي فيما وصله أبو عوانة (وجويرية) بن أسماء فيما وصله المؤلّف في الشركة (ويحيى بن سعيد) الأنصاري فيما وصله مسلم (وإسماعيل بن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية فيما وصله عبد الرزاق كلهم (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مختصرًا) بفتح الصاد يعني لم يذكر والجملة الأخيرة في حق المعسر وهي قول فقد عتق منه ما عتق. وقد أخرج المؤلّف حديث ابن عمر في هذا الباب من ستة طرق تشتمل على فصول من أحكام عتق العبد المشترك كما ترى. 5 - باب إِذَا أَعْتَقَ نَصِيبًا فِي عَبْدٍ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ اسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ، عَلَى نَحْوِ الْكِتَابَةِ هذا (باب) بالتنوين (إذا أعتق) شخص (نصيبًا) له (في عبد وليس له مال) وجواب إذا قوله (استسعي) بضم تاء الاستفعال مبنيًّا للمفعول أي ألزم (للعبد) السعي في تحصيل القدر الذي يخلص به باقيه من الرقّ حال كونه (غير مشقوق عليه على نحو) عقد (الكتابة). 2526 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي النَّضْرُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ عَبْدٍ ... ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (أحمد بن أبي رجاء) واسمه عبد الله بن أيوب أبو الوليد الحنفي الهروي قال: (حدّثنا يحيى بن آدم) بن سليمان القرشي الكوفي قال: (حدثنا جرير بن حازم) البصري (قال: سمعت قتادة) بن دعامة أبا الخطاب السدوسي (قال: حدّثني) بالإفراد (النضر بن أنس بن مالك) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة الأنصاري البصري (عن بشبر بن نهيك) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وفتح النون وكسر الهاء في الثاني وآخره كاف السدوسي ويقال السلوليّ البصري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من أعتق شقيصًا) بفتح الشين المعجمة وكسر القاف أي نصيبًا (من عبد) كذا ساقه مختصرًا وعطف عليه طريق سعيد عن قتادة فقال بالسند إليه. 2527 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا -أَوْ شَقِيصًا- فِي مَمْلُوكٍ فَخَلاَصُهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلاَّ قُوِّمَ عَلَيْهِ فَاسْتُسْعِيَ بِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ». تَابَعَهُ حَجَّاجُ بْنُ حَجَّاجٍ وَأَبَانُ وَمُوسَى بْنُ خَلَفٍ عَنْ قَتَادَةَ ... اخْتَصَرَهُ شُعْبَةُ. (وحدّثنا) وفي الفرع حدّثنا بحذف واو العطف (مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بتقديم الزاي على الراء مصغرًا أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري الثقة الحافظ ذو التصانيف كثير التدليس واختلط لكنه من أثبت الناس في قتادة وقد سمع منه يزيد بن زريع قبل اختلاطه (عن قتادة) بن دعامة (عن النضر بن أنس) الأنصاري (عن بشير بن نهيك) بفتح أوّلهما وكسر ثانيهما وزنًا واحدًا (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من أعتق نصيبًا أو) قال (شقيصًا) بفتح أوله وكسر ثانيه والشك من الراوي (في مملوك) مشترك بينه وبين غيره (فخلاصه) كله من الرقّ (عليه في ماله) بأن يؤدي قيمة باقيه من ماله (إن كان له مال وإلاّ) بأن لم يكن للذي أعتق مال (قوم) بضم القاف مبنيًّا للمفعول (عليه فاستسعي) بضم التاء أي ألزم العبد (به) أي باكتساب ما قوّم من قيمة نصيب الشريك ليفك بقية رقبته من الرقّ أو يخدم سيده الذي لم يعتقه بقدر ما له فيه من الرقّ، والتفسير الأول هو الأصح عند القائل بالاستسعاء لاسيما وفي رواية عبدة عند النسائي ومحمد بن بشر عند أبي داود كلاهما عن سعيد ما يوضح أن المراد الأول ولفظه واستسعى في قيمته لصاحبه (غير مشقوق عليه) في الاكتساب إذا عجز، وقال ابن التين: معناه لا يستغلى عليه في الثمن وهو قول أبي حنيفة مستدلاً بهذا الحديث، وما رواه مسلم وأصحاب السنن وخالفه أصحابه وهو مذهب الشافعية والمالكية والحنابلة. (تابعه) أي تابع سعيد بن أبي عروبة في روايته عن قتادة على ذكر السعاية (حجاج بن حجاج) بتشديد الجيم فيهما الأسلمي الباهلي البصري الأحول مما هو في نسخته عن قتادة من رواية أحمد بن حفص أحد شيوخ البخاري عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عن حجاج وفيها ذكر السعاية (وأبان) بن يزيد العطار مما أخرجه أبو داود والنسائي من طريقه قال: حدّثنا قتادة أخبرنا النضر بن أنس ولفظه:

فإن عليه أن يعتق بقيته إن كان له مال وإلا استسعي العبد الحديث. (وموسى بن خلف) العمي فيما وصله الخطيب في كتاب الفصل للوصل من طريق أبي ظفر عبد السلام بن مطهر عنه كلهم (عن قتادة) بن دعامة، وأراد المؤلّف بهذا الرد على من زعم أن الاستسعاء في هذا الحديث غير محفوظ، وأن سعيد بن أبي عروبة تفرّد به فاستظهر له برواية جرير بن حازم لموافقته ثم ذكر ثلاثة تابعوهما على ذكرها فنفى عنه التفرّد ثم قال: (اختصره) أي الحديث (شعبة) هو ابن الحجاج وكأنه جواب عن سؤال مقدّر، وهو أن شعبة أحفظ الناس لحديث قتادة فكيف لا يذكر الاستسعاء فأجاب بأن هذا لا يؤثر فيه ضعفًا لأنه أورده مختصرًا وغيره بتمامه والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد. ورواية شعبة أخرجها مسلم والنسائي من طريق غندر عنه عن قتادة بإسناده ولفظه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه قال "يضمن". ومن طريق معاذ عن شعبة بلفظ: "من أعتق شقصًا من مملوك فهو حر من ماله" وقد اختصر ذكر السعاية أيضًا هشام الدستوائي عن قتادة إلا أنه اختلف عليه في إسناده فمنهم من ذكر فيه النضر بن أنس، ومنهم من لم يذكره. وقد أجاب أصحابنا الشافعية عن الأحاديث المذكور فيها السعاية بأجوبة. أحدها: أن الاستسعاء مدرج في الحديث من كلام قتادة لا من كلامه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما رواه همام بن يحيى عن قتادة بلفظ: إن رجلاً أعتق شقصًا من مملوك فأجاز النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عتقه وغرمه بقية ثمنه قال قتادة: إن لم يكن له مال استسعي العبد غير مشقوق عليه أخرجه الدارقطني والخطابي والبيهقي وفيه فصل السعاية من الحديث وجعلها من قول قتادة. وقال ابن المنذر والخطابي في معالم السنن: هذا الكلام لا يثبته أكثر أهل النقل مسندًا عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ويزعمون أنه من كلام قتادة، واستدلّ له ابن المنذر برواية همام وقد ضعف الشافعي -رضي الله عنه- أمر السعاية فيما ذكره عنه البيهقي بوجوه. منها: أن شعبة وهشامًا الدستوائي رويا هذا الحديث ليس فيه استسعاء وهما أحفظ. ومنها: أن الشافعي -رضي الله عنه- سمع بعض أهل النظر والقياس والعلم بالحديث يقول: لو كان حديث سعيد بن أبي عروبة في الاستسعاء منفردًا لا يخالفه غيره ما كان ثابتًا قال الشافعي -رضي الله عنه- في القديم: وقد أنكر الناس حفظ سعيد. قال البيهقي: وهذا كما قال الشافعي فقد اختلط سعيد بن أبي عروبة في آخر عمره حتى أنكروا حفظه، إلا أن حديث الاستسعاء قد رواه أيضًا جرير بن حازم عن قتادة، ولذلك أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح، واستشهد البخاري برواية الحجاج بن الحجاج وأبان وموسى عن قتادة فذكر الاستسعاء فيه، وإنما يضعف الاستسعاء في هذا الحديث رواية همام بن يحيى عن قتادة فإنه فصله من الحديث وجعله من قول قتادة، ولعل الذي أخبر الشافعي بضعفه وقف على رواية همام أو عرف علة أخرى لم يقف عليها اهـ. فجزم هؤلاء الأثمة بأنه مدرج وأبى ذلك جماعة منهم الشيخان فصحّحا كون الجميع مرفوعًا وهو الذي رجحه ابن دقيق العيد وجماعة لأن سعيد بن أبي عروبة أعرف بحديث قتادة لكثرة ملازمته له وكثرة أخذه عنه من همام وغيره، وهمام وشعبة وإن كانا أحفظ من سعيد لكنهما لم ينفيا ما رواه، وإنما اقتصرا من الحديث على بعضه وليس المجلس متحدًّا حتى يتوقف في زيادة سعيد فإن ملازمة سعيد لقتادة كانت أكثر منهما فسمع منه ما لم يسمعه غيره وهذا كله لو انفرد وسعيد لم ينفرد، وقد قال النسائي في حديث قتادة عن أبي المليح في هذا الباب بعد أن ساق الاختلاف فيه على قتادة هشام: وسعيد أثبت في قتادة من همام وما أعلّ به حديث سعيد من كونه اختلط أو تفرد به مردود لأنه في الصحيحين وغيرهما من رواية من سمع منه قبل الاختلاط كيزيد بن زريع، ووافقه عليه أربعة تقدم ذكرهم وآخرون معهم يطول ذكرهم وهمام هو الذي انفرد بالتفصيل، وهو الذي خالف

6 - باب الخطإ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه، ولا عتاقة إلا لوجه الله تعالى

الجميع في القدر المتفق على رفعه فإنه جعله واقعة عين وهم جعلوه حكمًا عامًّا فدلّ على أنه لم يضبطه كما ينبغي، وقد وقع ذكر الاستسعاء في غير حديث أبي هريرة أخرجه الطبراني من حديث جابر. واحتج من أبطل الاستسعاء بحديث عمران بن حصين عند مسلم أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعاهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجزأهم أثلاثًا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرقّ أربعة. ووجه الدلالة منه أن الاستسعاء لو كان مشروعًا لنجز من كل واحد منهم عتق ثلثه وأمره بالاستسعاء في بقية قيمته لورثة الميت. وروى النسائي من طريق سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من أعتق عبدًا وله وفاء فهو حر ويضمن نصيب شركائه بقيمته لما أساء من مشاركتهم وليس على العبد شيء". ورواه البيهقي أيضًا من وجه آخر. 6 - باب الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْعَتَاقَةِ وَالطَّلاَقِ وَنَحْوِهِ، وَلاَ عَتَاقَةَ إِلاَّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى». وَلاَ نِيَّةَ لِلنَّاسِي وَالْمُخْطِئِ. (باب) حكم (الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه) أي نحو كلٍّ منهما من الأشياء التي يريد الشخص أن يتلفظ بشيء منها فيسبق لسانه إلى غيره كان يقول لعبده: أنت حر، أو لامرأته أنت طالق من غير قصد، فقال الحنفية: يلزمه الطلاق، وقال الشافعية: من سبق لسانه إلى لفظ الطلاق في محاورته وكان يريد أن يتكلم بكلمة أخرى لم يقع طلاقه لكن لمن تقبل دعواه سبق اللسان في الظاهر إلا إذا وجدت قرينة تدل عليه، فإذا قال طلّقتك ثم قال سبق لساني وإنما أردت طلبتك فنصّ الشافعي -رحمه الله- أنه لا يسع امرأته أن تقبل منه. وحكى الروياني عن صاحب الحاوي وغيره: إن هذا فيما إذا كان الزوج متّهمًا فأما إن ظنت صدقه بأمارة فلها أن تقبل قوله ولا تخاصمه. قال الروياني: وهذا هو الاختيار نعم يقع الطلاق والعتق من الهازل ظاهرًا وباطنًا ولا يدين فيهما. (ولا عتاقة إلا لوجه الله تعالى) أي لذاته ولجهة رضاه ومراده بذلك إثبات اعتبار النيّة لأنه لا يظهر كونه لوجه الله تعالى إلا مع القصد وفي حديث ابن عباس مرفوعًا كما في الطبراني: لا طلاق إلا لعدّة ولا عتاقة إلا لوجه الله. (وقال: النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما سبق موصولاً في حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. (لكل امرئ ما نوى) الحديث (ولا نيّة للناسي والمخطئ) وهو من أراد الصواب فصار إلى غيره قال الحافظ ابن حجر وللقابسي والخاطئ وهو من تعمد لما لا ينبغي. 2528 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ». [الحديث 2528 - طرفاه في: 5269، 6664]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثني (الحميدي) عبد الله بن الزبير بن عيسى قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين ابن كدام بكسر الكاف ودال مهملة مخففة (عن قتادة) بن دعامة (عن زرارة بن أوفى) هو من ثقات التابعين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الله) عز وجل (تجاوز لي) أي لأجلي (عن أمتي ما وسوست به صدورها) جملة في محل نصب على المفعولية وما موصول ووسوست صلته وبه عائد وصدورها بالرفع فاعل وسوست ولأبي ذر صدورها بالنصب على أن وسوست بمعنى حدثت، ونسب هذه في الفتح وغيره لرواية الأصيلي، ويأتي إن شاء الله تعالى في الطلاق بلفظ ما حدّثت به أنفسها والمعنى ما حدّثت به نفسه وهو ما يخطر بالبال والوسوسة الصوت الخفي ومنه وسواس الحلي لأصواتها وقيل ما يظهر في القلب من الخواطر إن كانت تدعو إلى الرذائل والمعاصي تسمى وسوسة، فإن كانت تدعو إلى الخصال الرضية والطاعات تسمى إلهامًا ولا تكون الوسوسة إلا مع التردّد والتزلزل من غير أن يطمئن إليه أو يستقر عنده (ما لم تعمل) في العمليات بالجوارح (أو تكلم) في القوليات باللسان على وفق ذلك وأصل تكلم تتكلم بمثناتين حذفت إحداهما تخفيفًا. ومطابقة الحديث للترجمة من قوله: ما وسوست لأن الوسوسة لا اعتبار لها عند عدم التوطّن فكذلك المخطئ والناسي لا توطن لهما، وأما قول ابن العربي: إن المراد بقوله ما لم تكلم الكلام النفسي إذ هو الكلام الأصلي وإن القول الحقيقي هو الموجود بالقلب الموافق للعلم

فمراده به الانتصار لما روي عن الإمام الأعظم مالك أنه يقع الطلاق والعتاق بالنيّة وإن لم يتلفظ. قال في المصابيح: وقد أشكل هذا على كثير من أصحابه لأن النية عبارة عن القصد في الحال أو العزم في الاستقبال فكما لا يكون قاصد الصلاة مصليًّا حتى يفعل المقصود وكذا قاصد الزكاة والنكاح وغيرهما كذلك ينبغي أن يكون قاصد الطلاق، ثم قول القائل: يقع الطلاق بالقصد متدافع، وحاصله يقع ما لم يوقعه المكلف إذ القصد ضرورة يفتقر إلى مقصود النية فكيف يكون القصد نفس المقصود هذا قلب للحقائق، فمن هنا اشتد الإنكار حتى حمل على التأويل، والذي يرفع الإشكال أن النية التي أُريدت هنا هي الكلام النفسي الذي يعبر عنه بقول القائل أنت طالق فالمعنى الذي هذا لفظه هو المراد بالنيّة وإيقاع الطلاق على من تكلم بالطلاق وأنشأه حقيقة لا ريب فيه، وذلك أن الكلام يطلق على النفسي حقيقة وعلى اللفظي قيل حقيقة وقيل مجازًا ولهذا نقول قاصد الإيمان مؤمن لأن التكلم بالإيمان كلامًا نفسيًّا مصدقًا عن معتقده مؤمن وكذلك معتقد الكفر بقلبه المصدق له كافر وأما المتكلم في نفسه بإحرام الصلاة وبالقراءة فإنما لم يعد مصليًا ولا قارئًا بمجرد الكلام النفسي لتعبّد الشرع في هذه المواضع الخاصة بالنطق اللفظي. ألا ترى أن المتكلم بإحرام الحج في نفسه محرم وإن لم يلب وكذلك المخيرة إذا تسترت ونقلت قماشها ونحو ذلك كان ذلك اختيارًا وإن لم تتكلم بلفظ لأنها قد تكلمت في نفسها ونصبت هذه الأفعال دلالات على الكلام النفسي، فإن الدليل عليه لا يخص النطق بل تدخل فيه الإشارات والرموز والخطوط، ولها كانت المعاطاة عنده بيعًا لدلالتها على الكلام النفسي عرفًا فاندفع السؤال وصار ما كان مشكلاً هو اللائح انتهى. وهذا نقضه الخطابي بالظهار فإنهم أجمعوا على أنه لو عزم على الظهار لم يلزم حتى يتلفظ به قال: وهو في معنى الطلاق وكذلك لو حدّث نفسه بالقذف لم يكن قاذفًا ولو حدّث نفسه في الصلاة لم يكن عليه إعادة، وقد حرّم الله تعالى الكلام في الصلاة فلو كان حديث النفس في معنى الكلام لبطلت الصلاة، وقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الطلاق والنذور، ومسلم في الإيمان، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في الطلاق. 2529 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلاِمْرِئٍ مَا نَوَى: فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) أبو عبد الله العبدي البصري الثقة ولم يصب من ضعفه وقد وثّقه أحمد (عن سفيان) الثوري قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري التابعي (عن محمد بن إبراهيم التيمي) القرشي المدني التابعي (عن علقمة بن وقاص الليثي) بالمثلثة أنه (قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الأعمال) إنما تصح (بالنية) بالإفراد (ولامرئ) ثواب (ما نوى) بحذف إنما في الموضعين ومعنى النية القصد إلى الفعل، وقال الحافظ المقدسي في أربعينه: النية والقصد والإرادة والعزم بمعنى، والعرب تقول نواك الله بحفظه أي قصدك وعبارة بعضهم إنها تصميم القلب على فعل الشيء، وقال الماوردي في كتاب الإيمان: قصد الشيء مقترنًا بفعله فإن تراخى عنه كان عزمًا، وقال الخطابي: قصدك الشيء بقلبك وتحري الطلب منك له، وقال البيضاوي: النيّة عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقًا لغرض من جلب نفع أو دفع ضرِّ حالاً أو مآلاً والشرع خصّها بالإرادة المتوجهة نحو الفعل ابتغاء لوجه الله وامتثالاً لحكمه والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي ليحسن تطبيقه وتقسيمه بقوله: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا) وللكشميهني: لدنيا (يصيبها أو امرأة يتزوّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) فإنه تفصيل لما أجمله واستنباط للمقصود عما أصله، والمعنى من قصد بهجرته وجه الله وقع أجره على الله، ومن قصد بها دنيا أو امرأة فهي حظه ولا نصيب له في الآخرة، فالأولى للتعظيم، والثانية للتحقير. ولا يقال اتحد

7 - باب إذا قال رجل لعبده هو لله ونوى العتق، والإشهاد في العتق

الشرط والجزاء لأنّا نقول ليس الجزاء هنا نفس الشرط وإنما الجزاء محذوف أقيم هذا المذكور مقامه وتأوّله ابن دقيق العيد بأن التقدير فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نيّةً وقصدًا فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا، وفيه بحث سبق أوّل هذا الكتاب وأواخر الإيمان فليراجع. وتنقسم النية إلى أقسام كثيرة: كالتعبد وهو إخلاص العمل لله تعالى، والتمييز كمن أقبض رب الدين من جنس دينه شيئًا فإنه يحتمل الهبة والقرض والوديعة والإباحة ونحوها، ويحتمل أن يكون من وفاء الدين وكذا في مواضع من المعاملات ونحوها: ككناية البيع والطلاق فإنه لو لم ينوِ الطلاق لم يقع وكمن أكره على الكفر فتكلم به وهو ينوي خلافه فإنه لا يكفر ونحو ذلك مما هو معروف في كتب الفقه. وزعم قوم أن الاستدلال بالحديث في غير العبادات غير صحيح لأنه إنما جاء في اختلاف مصارف وجوه العبادات، والجواب أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. واستنبط المؤلّف منه عدم وقوع العتاق والطلاق من الناسي والمخطئ لأنه لا نيّة لهما ولا يحتاج صريح الطلاق إلى نيّة لأن الصريح موضوع للطلاق شرعًا فكان حقيقة فيه فاستغنى عن النية، وقال الحنفية: طلاق الخاطئ والناسي والهازل واللاعب والذي تكلم به من غير قصد واقع لأنه كلام صحيح صادر من عاقل بالغ. 7 - باب إِذَا قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِهِ هُوَ لِلَّهِ وَنَوَى الْعِتْقَ، وَالإِشْهَادُ فِي الْعِتْقِ هذا (باب) بالتنوين (إذا قال لعبده) ولغير أبوي ذر والوقت: إذا قال رجل لعبده (هو لله و) الحال أنه (نوى العتق) صح (والإشهاد بالعتق) بجرّ الإشهاد في الفرع وأصله أي وباب الإشهاد وهو مشكل لأنه إن قدر منوّنًا احتاج إلى خبر وإلا لزم حذف التنوين من الأول ليصح العطف عليه وهو بعيد. ومن ثم قال العيني: ومن جر الإشهاد فقد جر ما لا يطيق حمله، وفي نسخة: والإشهاد بالرفع أي وباب بالتنوين يذكر فيه الإشهاد وهذا هو الوجه. 2530 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ لَمَّا أَقْبَلَ يُرِيدُ الإِسْلاَمَ -وَمَعَهُ غُلاَمُهُ- ضَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَأَقْبَلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا غُلاَمُكَ قَدْ أَتَاكَ، فَقَالَ: أَمَا إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُ حُرٌّ. قَالَ فَهُوَ حِينَ يَقُولُ: يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ [الحديث 2530 - أطرافه في: 2531، 2532، 4393]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني بسكون الميم الكوفي أبو عبد الرحمن (عن محمد بن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة العبدي الكوفي (عن إسماعيل) بن أبي خالد سعد الأحمسي البجلي (عن قيس) هو ابن أي حازم بالحاء المهملة والزاي واسمه عوف (عن أبي هريرة رضي الله عنه لما أقبل) حال كونه (يريد الإسلام) وكان مقدمه فيما قاله الفلاس عام خيبر وكان في المحرم سنة سبع وكان إسلامه بين الحديبية وخيبر (ومعه غلامه) قال ابن حجر: لم أقف على اسمه (ضلّ) أي تاه (كل واحد منهما من صاحبه) فذهب إلى ناحية (فأقبل) أي الغلام (بعد ذلك) ولأبي ذر: بعد ذاك (وأبو هريرة جالس مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا أبا هريرة هذا غلامك قد أتاك فقال: أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم أي حقًّا (إني أشهدك أنه حر. قال فهو حين يقول) أي الوقت الذي وصل فيه إلى المدينة: (يا ليلة من طولها وعنائها) بفتح العين المهملة وتخفيف النون ممدودًا تعبها ومشقتها (على أنها من دارة الكفر) أي الحرب (نجت) وهذا من بحر الطويل وفيه الخرم بالمعجمة والراء الساكنة وهو أن يحذف من أول الجزء حرف لأن أصله: فيا ليلة. وهذا الشعر لأبي هريرة أو لغلامه، أو لأبي مرثد الغنوي تمثل به أبو هريرة وفيه التألم من النصب والسفر. 2531 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ فِي الطَّرِيقِ: يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ قَالَ: وَأَبَقَ مِنِّي غُلاَمٌ لِي فِي الطَّرِيقِ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَايَعْتُهُ، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الْغُلاَمُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، هَذَا غُلاَمُكَ. فَقُلْتُ: هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ، فَأَعْتَقْتُهُ". لَمْ يَقُلْ أَبُو كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ "حُرٌّ". وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن سعيد) السرخسي اليشكري أبو قدامة قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي البجلي (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أريد الإسلام (قلت في الطريق): (يا ليلة من طولها وعنائها ... على أنها من دارة الكفر نجت) (قال) أبو هريرة (وأبق) بفتحات وحكى ابن القطاع كسر الموحدة أي هرب (مني غلام لي في الطريق قال) أبو هريرة: (فلما قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بايعته) على الإسلام، ولأبي ذر: فبايعته (فبينا) بغير ميم (أنا عنده) وجواب بينا قوله (إذ طلع الغلام فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):

8 - باب أم الولد

(يا أبا هريرة هذا غلامك) يحتمل أن يكون وصفه أبو هريرة له عليه الصلاة والسلام فعرفه أو رآه مقبلاً إليه أو أخبره الملك. قال أبو هريرة: (فقلت هو حرٌّ لوجه الله فأعتقته) أي باللفظ المذكور فالفاء تفسيرية وليس المراد أنه أعتقه بعد هذا بلفظ آخر (لم يقل) ولأبي ذر قال أبو عبد الله البخاري لم يقل (أبو كريب) هو محمد بن العلاء أحد مشايخه في روايته (عن أبي أسامة حر) بل قال لوجه الله فأعتقه وهذا وصله في أواخر المغازي. 2532 - حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: "لَمَّا أَقْبَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-وَمَعَهُ غُلاَمُهُ- وَهْوَ يَطْلُبُ الإِسْلاَمَ فَضَلَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ... -بِهَذَا وَقَالَ- أَمَا إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُ لِلَّهِ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (شهاب بن عباد) بفتح العين وتشديد الموحدة أبو عمر العبدي الكوفي قال: (حدّثنا إبراهيم بن حميد) الرؤاسي بضم الراء وبعدها همزة فسين مهملة الكوفي (عن إسماعيل عن قيس) هو ابن أبي حازم البجلي أنه (قال: لما أقبل أبو هريرة -رضي الله عنه- ومعه غلامه) لم يسم (وهو يطلب الإسلام) جملة حالية (فضلّ أحدهما صاحبه) بالنصب على نزع الخافض أي من صاحبه كما في الطريق الأولى (بهذا) اللفظ السابق، وقوله فضلّ كذا هو في رواية أبي ذر لكنه ضبب عليه في فرع اليونينية. وقال في الهامش: الصواب فأضلّ أي معدّى بالهمزة وحينئذ لا يحتاج إلى تقدير (وقال: أما) بالتخفيف (إني أشهدك أنه) أي الغلام (لله) وهذا من الكناية كقوله لا ملك لي عليك ولا سبيل ولا سلطان أو أزلت ملكي عنك، وأما قوله له هو حر أو محرر أو حررته فصريح لا يحتاج إلى نيّة ولا أثر للخطأ في التذكير والتأنيث بأن يقول للعبد: أنت حرّة وللأمة أنت حرّ وفك الرقبة صريح على الأصح، ولو كانت أمته تسمى قبل جريان الرقّ عليها حرة فقال لها يا حرة فإن لم يخطر له النداء باسمها القديم عتقت فإن قصد نداءها لم تعتق على الأصح وقيل تعتق لأنه صريح، ولو كان اسمها في الحال حرة أو اسم العبد حر أو عتيق فإن قصد النداء لم يعتق، وكذا إن أطلق على الأصح. وفي فتاوى الغزالي إنه لو اجتاز بالمكاس فخاف أن يطالبه بالمكس عن عبده فقال هو حرّ وليس بعبد وقصد الإخبار لم يعتق فيما بينه وبين الله تعالى وهو كاذب في خبره ومقتضى هذا أن لا يقبل ظاهرًا، ولو قيل لرجل استخبارًا: أطلّقت زوجتك؟ فقال: نعم فإقرار بالطلاق فإن كان كاذبًا فهي زوجته في الباطن فإن قال أردت طلاقًا ماضيًا وراجعت صدق بيمينه في ذلك وإن قيل له ذلك التماسًا لإنشاء فقال نعم فصريح، لأن نعم قائم مقام طلّقتها المراد بذكره في السؤال، وأنه لو قال لعبده: افرغ من هذا العمل قبل العشي وأنت حر، وقال أردت حرًّا من العمل دون العتق دين فلا يقبل ظاهرًا ولو قال لعبده يا مولاي فكناية ولو قال له يا سيدي قال القاضي حسين والغزالي هو لغو، وقال الإمام الذي أراه أنه كناية ولو قال لعبد غيره أنت حر فهو إقرار بحريته وهو باطل في الحال فلو ملكه حكمنا بعتقه مؤاخذة له بإقراره. 8 - باب أُمِّ الْوَلَدِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّهَا». (باب) حكم (أم الولد قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- فيما تقدم بمعناه موصولاً في الإيمان (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أشراط الساعة أن تلد الأمة ربها) أي سيدها لأن ولدها من سيدها ينزل منزل سيدها لمصير مال الإنسان إلى ولده، ولا دلالة فيه على جواز بيع أم الولد ولا عدمه كما سبق تقريره في كتاب الإيمان فليراجع. وقال ابن المنير: استدلّ البخاري بقوله تلد الأمة ربها على إثبات حرية أم الولد وأنها لا تباع من جهة كونه من أشراط الساعة أي يعتق الرجل والمرأة أمهما الأمة ويعاملانها معاملة السيد تقبيحًا لذلك، وعدّه من الفتن ومن أشراط الساعة فدلّ على أنها محترمة شرعًا. 2533 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "إِنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنْ يَقْبِضَ إِلَيْهِ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ قَالَ عُتْبَةُ: إِنَّهُ ابْنِي. فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَمَنَ الْفَتْحِ أَخَذَ سَعْدٌ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَقْبَلَ مَعَهُ بِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ. فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا ابْنُ أَخِي، عَهِدَ إِلَىَّ أَنَّهُ ابْنُهُ. فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَخِي، ابْنُ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَإِذَا هُوَ أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِيهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ. مِمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ. وَكَانَتْ سَوْدَةُ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: حدّثني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: إن عتبة بن أبي وقاص) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: كان عتبة بن أبي وقاص (عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص) أحد العشرة المبشرة بالجنة (أن يقبض إليه ابن وليدة زمعة) بن قيس العامري ولم تسمِّ الوليدة نعم ذكر مصعب الزبيري في نسب قريش أنها كانت أمة يمانية

واسم ولدها عبد الرحمن (قال عتبة) بن أبي وقاص: (إنه) أي عبد الرحمن (ابني فلما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مكة (زمن الفتح أخذ سعد) بالتنوين (ابن وليدة زمعة) عبد الرحمن بنصب ابن على المفعولية ويكتب بالألف (فأقبل به إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأقبل معه بعبد بن زمعة) أخي سودة أم المؤمنين (فقال سعد) بالتنوين وفي اليونينية برفعه من غير تنوين (يا رسول الله هذا) أي عبد الرحمن (ابن أخي) عتبة (عهد إليّ أنه ابنه، فقال عبد بن زمعة: يا رسول الله هذا) أي عبد الرحمن (أخي ابن وليدة) أبي (زمعة) ولأبوي ذر والوقت: هذا أخي ابن زمعة (ولد على فراشه) من جاريته (فنظر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ابن وليدة زمعة) عبد الرحمن (فإذا هو أشبه الناس به) أي بعتبة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هو) أي عبد الرحمن (لك) أخ إما بالاستلحاق وإما من القضاء بعلمه لأن زمعة كان صهره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فألحق ولده به لما علمه من فراشه (يا عبد بن زمعة) بضم الدال على الأصل ونصب ابن (من أجل أنه ولد على فراش أبيه) زمعة. (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: احتجبي منه يا سودة بنت زمعة) بضم سودة ونصبها على الوجهين المشهورين في مثل يا زيد بن عمرو ذلك أن توابع المبني المفرد من التأكيد والصفة وعطف البيان ترفع على لفظه وتنصب على محله بيانه أن لفظ سودة وعبد في يا عبد منادى مبني على الضم، فإذا أكد أو اتّصف أو عطف عليه يجوز فيه الوجهان، وأما بنت زمعة فالنصب لا غير لأنه مضاف إضافة معنوية وما كان كذلك من توابع المنادى وجب نصبه، وأما قول الزركشي يجوز رفع بنت فقال في المصابيح: هو خطأ منه أو من الناسخ، والأمر هنا للندب والاحتياط عند الشافعية والمالكية والحنابلة، وإلاّ فقد ثبت نسبه وأخوته لها في ظاهر الشرع قيل: يحتمل أن يكون قوله هو لك أي ملكًا لأنه ابن وليدة أبيك من غيره لأن زمعة لم يقرّ به فلم يبق إلا أنه عبد تبعًا لأمه، ولذا أمرها بالاحتجاب منه، وهذا يردّه قوله في رواية البخاري في المغازي هو لك فهو أخوك يا عبد، وإذا ثبت أنه أخو عبد لأبيه فهو أخو سودة لأبيها وإنما أمرها بالاحتجاب. (مما رأى من شبهه بعتبة وكانت سودة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). قال إمامنا الشافعي رحمه الله: رؤية ابن زمعة لسودة مباحة لكنه كرهه للشبهة وأمرها بالتنزّه عنه اختيارًا انتهى. وقد استشكل الحديث من جهة خروجه عن الأصول المجمع عليها وذلك أن الاتفاق على أنه لا يدعى أحد عن أحد إلا بتوكيل من المدعى له، فكيف ادّعى سعد وليس وكيلاً عن أخيه عتبة، وادّعى عبد بن زمعة على أبيه ولدًا بقوله أخي ابن وليدة أبي ولم يأتِ ببينة تشهد على إقرار أبيه زمعة بذلك ولا تجوز دعواه على أمة. وأجيب: باحتمال أن يكون حكمًا مستوفيًا الشروط ولم تستوعب الرواة القصة، وقد سبق أن عتبة عهد إلى أخيه سعد أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك وإذا كان وصيّ أخيه فهو أحق بكفالة ابن أخيه وحفظ نسبه فتصحّ دعواه بذلك وكذا دعوى عبد بن زمعة المخاصمة في أخيه فإنه كافله وعاصبه إن كان حرًّا ومالكه إن كان عبدًا فلا يحتاج إلى إثبات وكالة ولا وصية لأن كلاًّ منهما يطلب الحضانة وهي حقه إذ أحدهما في دعواه عمّ والآخر أخ، وغرض المؤلّف من الحديث قول عبد بن زمعة أخي ابن وليدة زمعة ولد على فراشه وحكمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لابن زمعة بأنه أخوه فإن فيه ثبوت أمية الأمة لكن ليس فيه تعريض لحريتها ولا لإرقاقها، لكن قال الكرماني: أنه رأى في بعض النسخ في آخر الباب ما نصه فسمى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم وليدة زمعة أمة ووليدة فدلّ على أنها لم تكن عتيقة اهـ. وحينئذٍ فهو ميل من المؤلّف إلى أنها لا تعتق بموت السيد؟ وأجيب: بأن عتق أم الولد بموت السيد ثبت بأدلة أخرى وقيل غرض البخاري بإيراده أن بعض الحنفية لما التزم أن أم الولد المتنازع فيه كانت حرة ردّ ذلك وقال بل كانت عتقت، وكأنه قال: قد ورد في بعض

9 - باب بيع المدبر

طرقه أنها أمة فمن ادّعى أنها عتقت فعليه البيان. وأجاب ابن المنير: بأن البخاري استدلّ بقوله الولد للفراش على أن أم الولد فراش كالحرة بخلاف الأمة ولهذا سوّى بينها وبين الزوجة في هذا اللفظ العام. وبقية مباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في الفرائض، وقد اختلف السلف والخلف في عتق أم الولد وفي جواز بيعها فالثابت عن عمر عدم جواز بيعها وهو مروي عن عثمان وعمر بن عبد العزيز وقول أكثر التابعين وأبي حنيفة والشافعي في أكثر كتبه وعليه جمهور أصحابه وهو قول أبي يوسف ومحمد وزفر وأحمد وإسحاق، وعن أبي بكر الصديق جواز بيعها وهو كذا عن عليّ وابن عباس وابن الزبير وجابر وفي حديثه: كنا نبيع سرارينا أمهات أولادنا والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيّ لا يرى بذلك بأسًا أخرجه عبد الرزاق. وفي لفظ: بعنا أمهات الأولاد على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا، ولم يسند الشافعي القول بالمنع إلا إلى عمر فقال قلته تقليدًا لعمر قال بعض أصحابه لأن عمر لما نهى عنه فانتهوا صار إجماعًا يعني فلا عبرة بندور المخالف بعد ذلك، وإذا قلنا بالمذهب إنه لا يجوز بيع أم الولد فقضى قاضٍ بجوازه، فحكى الروياني عن الأصحاب كما قاله في الروضة: أنه ينقض قضاؤه وما كان فيه من خلاف فقد انقطع وصار مجمعًا على منعه، ونقل الإمام فيه وجهين والمستولدة فيما سوى نقل الملك فيها كالقنة فله إجارتها واستخدامها ووطؤها وأرش الجناية عليها وعلى أولادها التابعين لها وقيمتهم إذا قتلوها ومن غصبها فتلفت في يده ضمنها كالقنة وفي تزويجها أقوال أظهرها للسيد الاستقلال به لأنه يملك إجارتها ووطأها كالمدبرة، والثاني قاله في القديم لا يزوّجها إلا برضاها، والثالث لا يجوز وإن رضيت وعلى هذا هل يزوجها القاضي؟ وجهان: أحدهما: نعم بشرط رضاها ورضا السيد، والثاني: لا. 9 - باب بَيْعِ الْمُدَبَّرِ (باب) جواز (بيع المدبر) وهو الذي علق سيده عتقه على الموت وسمي به لأن الموت دبر الحياة وقيل لأن السيد دبر أمر دنياه باستخدامه استرقاقه وأمر آخرته بإعتاقه. 2534 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنَّا عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِ فَبَاعَهُ. قَالَ جَابِرٌ: مَاتَ الْغُلاَمُ عَامَ أَوَّلَ". وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة وتخفيف الياء قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عمرو بن دينار) قال: (سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: أعتق رجل منّا) أي من الأنصار يسمى بأبي مذكور (عبدًا له) يسمى يعقوب (عن دبر) بضم الدال المهملة والموحدة وسكونها أيضًا أي بعد موته يقال دبرت العبد إذا علقت عتقه بموتك وهو التدبير كما مرّ أي أنه يعتق بعدما يدبر سيده ويموت (فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- به) أي بالعبد (فباعه) من نعيم النحام بثمانمائة درهم فدفعها إليه كما عند المؤلّف وفي لفظ لأبي داود فبيع بسبعمائة أو بتسعمائة. (قال جابر) -رضي الله عنه-: (مات الغلام) يعقوب (عام أول) بالفتح على البناء وهو من باب إضافة الموصوف لصفته وله نظائر: فالكوفيون يجيزونه، والبصريون يمنعونه ويؤوّلون ما ورد من ذلك على حذف مضاف تقديره هنا عام الزمن الأول، أو نحو ذلك، واختلف في بيع المدبر على مذاهب. أحدها: الجواز مطلقًا وهو مذهب الشافعي والمشهور من مذهب أحمد وحكاه الشافعي عن التابعين وأكثر الفقهاء كما نقله عنه البيهقي في معرفة الآثار لهذا الحديث لأن الأصل عدم الاختصاص بهذا الرجل. الثاني: المنع مطلقًا وهو مذهب الحنفية وحكاه النووي عن جمهور العلماء والسلف من الحجازيين والشاميين والكوفيين، وتأوّلوا الحديث بأنه لم يبع رقبته وإنما باع خدمته وهذا خلاف ظاهر اللفظ وتمسكوا بما روي عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قال: إنما باع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خدمة المدبر وهذا مرسل لا حجة فيه، وروي عنه موصولاً ولا يصح. وأما ما عند الدارقطني عن ابن عمر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حرّ من الثلث" فهو حديث ضعيف لا يحتج بمثله. الثالث: المنع من بيعه إلا أن يكون على السيد دين مستغرق فيباع في حياته

10 - باب بيع الولاء وهبته

وبعد مماته، وهذا مذهب المالكية لزيادة في الحديث عند النسائي وهي كان عليه دين وفيه فأعطاه وقال: اقضِ دينك. وعورض بما عند مسلم ابدأ بنفسك فتصدق عليها إذ ظاهره أنه أعطاه الثمن لإنفاقه لا لوفاء دين به. الرابع: تخصيصه بالمدبر فلا يجوز في المدبرة وهو رواية عن أحمد وجزم به ابن حزم عنه وقال هذا تفريق لا برهان على صحته والقياس الجلي يقتضي عدم الفرق. الخامس: بيعه إذا احتاج صاحبه إليه تمسكًا بقوله في الرواية الأخرى ولم يكن له مال غيره. السادس: لا يجوز بيعه إلا إذا أعتقه الذي ابتاعه وكأن القائل بهذا رأى بيعه موقوفًا كبيع الفضولي عند القائل به فإن أعتقه تبيّن أن البيع صحيح وإلاّ فلا. وقال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد: من منع بيعه مطلقًا فالحديث حجة عليه لأن المنع الكلي يناقضه الجواز الجزئي ومن أجاز بيعه في بعض الصور يقول أنا أقول بالحديث في صورة كذا فالواقعة واقعة حال لا عموم لها فلا تقوم عليّ الحجة في المنع من بيعه في غيرها كما يقول مالك في بيع الدين. وقال النووي: الصحيح أن الحديث على ظاهره وأنه يجوز بيع المدبر بكل حال ما لم يمت السيد. وهذا الحديث قد سبق في البيع. 10 - باب بَيْعِ الْوَلاَءِ وَهِبَتِهِ (باب) منع (بيع الولاء) بفتح الواو والمد ميراث المعتق بالفتح (و) منع (هبته). 2535 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِهِ". [الحديث 2535 - طرفه في: 6756]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد اللك الطيالسي قال: (حدثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن دينار) العدوي مو اهم أبو عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر (قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول): (نهى رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بيع الولاء) أي ولاء المعتق (وعن هبته) وقد اشتهر هذا الحديث عن عبد الله بن دينار حتى قال مسلم في صحيحه الناس في هذا الحديث عيال عليه. وقد اعتنى أبو نعيم الأصبهاني بجمع طرق هذا الحديث عن عبد الله بن دينار فأورده عن خمسة وثلاثين نفسًا ممن حدّث به عن عبد الله بن دينار، وأخرج الشافعي من رواية أبي يوسف القاضي عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر (الولاء لحمة كلحمة النسب) وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى، وأخرجه أبو نعيم من طريق عبد الله بن جعفر بن أعين عن بشر فزاد في المتن لا يباع ولا يوهب، ومن طريق عبد الله بن نافع عن عبد الله بن دينار إنما الولاء نسب لا يصلح بيعه ولا هبته، والمحفوظ في هذا ما أخرجه عبد الرزاق عن الثوري عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب موقوفًا عليه "الولاء لحمة كلحمة النسب". قال ابن بطال: أجمع العلماء على أنه لا يجوز تحويل النسب إذا كان حكم الولاء حكم النسب فكما لا ينقل النسب لا ينقل الولاء وكانوا في الجاهلية ينقلون الولاء بالبيع وغيره فنهى الشرع عن ذلك، وقال ابن العربي: معنى الولاء لحمة كلحمة النسب أن الله أخرجه بالحرية إلى النسب حكمًا كما أن الأب أخرجه بالنطفة إلى الوجود حسًّا لأن العبد كان كالمعدوم في حق الأحكام لا يقضي ولا يلي ولا يشهد فأخرجه سيده بالحرية إلى وجود هذه الأحكام من عدمها، فلما شابه حكم النسب نيط بالمعتق فلذلك جاء إنما الولاء لمن أعتق وألحق برتبة النسب فنهي عن بيعه وعن هبته، وأجاز بعض السلف نقله ولعلهم لم يبلغهم الحديث. وهذا الحديث أخرجه مسلم في العتق وأبو داود في الفرائض والنسائي. 2536 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: "اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ، فَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلاَءَهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَعْتِقِيهَا، فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ. فَأَعْتَقْتُهَا، فَدَعَاهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَيَّرَهَا مِنْ زَوْجِهَا فَقَالَتْ: لَوْ أَعْطَانِي كَذَا وَكَذَا مَا ثَبَتُّ عِنْدَهُ. فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا". وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد الكوفي الثقة الحافظ الشهير إلا أنه كان له أوهام لكن وثقه يحيى بن معين وابن عبد البر والعجلي وجماعة قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد بن قرط بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة الكوفي (عن منصور) هو ابن المعتمر بن عبد الله السلمي (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: اشتريت بريرة فاشترط أهلها ولاءها) أن يكون لهم (فذكرت ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (اعتقيها) بهمزة قطع (فإن الولاء لمن أعطى الورق) بفتح الواو وكسر الراء الدراهم المضروبة، وللترمذي: وإنما الولاء لمن أعطى

11 - باب إذا أسر أخو الرجل أو عمه هل يفادى إذا كان مشركا؟

الثمن قالت عائشة: (فأعتقتها فدعاها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي دعا بريرة (فخبّرها من زوجها) مغيث لأنه كان عبدًا على الأصح (فقالت: لو أعطاني كذا وكذا ما ثبت عنده فاختارت نفسها). ومراد المؤلّف من هذا الحديث كما قاله في فتح الباري: أصله فإنما الولاء لمن أعتق وهو وإن كان لم يسقه هنا بهذا اللفظ فكأنه أشار إليه كعادته، ووجه الدلالة منه حصره في المعتق فلا يكون لغيره معه منه شيء. 11 - باب إِذَا أُسِرَ أَخُو الرَّجُلِ أَوْ عَمُّهُ هَلْ يُفَادَى إِذَا كَانَ مُشْرِكًا؟ وَقَالَ أَنَسٌ: "قَالَ الْعَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلاً". وَكَانَ عَلِيٌّ لَهُ نَصِيبٌ فِي تِلْكَ الْغَنِيمَةِ الَّتِي أَصَابَ مِنْ أَخِيهِ عَقِيلٍ وَعَمِّهِ عَبَّاسٍ. هذا (باب) بالتنوين (إذا أسر أخو الرجل أو عمه هل يفادى) بضم الياء وفتح الدال المهملة بأن يعطي مالاً ويستنقذه من الأسر (إذا كان) أخوه أو عمه (مشركًا. وقال أنس) -رضي الله عنه- في حديث سبق موصولاً في كتاب الصلاة. (قال العباس) -رضي الله عنه- (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فاديت نفسي وفاديت عقيلاً) بفتح العين وكسر القاف ابن أبي طالب، وكان العباس قد أسر في وقعة بدر فأفدى نفسه بمائة أوقية من ذهب قاله ابن إسحاق. وقال ابن كثير في تفسيره: وهذه المائة عن نفسه وعن ابني أخيه عقيل ونوفل. قال البخاري: (وكان عليّ) هو ابن أبي طالب (له نصيب في تلك الغنيمة التي أصاب من أخيه عقيل وعمه عباس) فلو كان الأخ ونحوه من ذوي الرحم يعتق بمجرد الملك لعتق العباس وعقيل في حصته من الغنيمة وكذلك في نصيبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو حجة على أبي حنيفة -رحمه الله- في أن من ملك ذا رحم محرم عتق عليه. وأجيب: بأن الكافر لا يملك بالغنيمة ابتداء بل يتخير الإمام فيه بين القتل والاسترقاق والفداء والمنّ فالغنيمة سبب في الملك بشرط اختيار الإرقاق فلا يلزم العتق بمجرد الغنيمة. 2537 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رِجَالاً مِنَ الأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: ائْذَنْ فَلْنَتْرُكْ لاِبْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ، فَقَالَ: لاَ تَدَعُونَ مِنْهُ دِرْهَمًا". [الحديث 2537 - طرفاه في: 3048، 4018]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس ابن أخت الإمام مالك بن أنس احتج به الشيخان ولم يخرج له البخاري مما ينفرد به سوى حديثين وروى له الباقون إلا النسائي فإنه أطلق القول بضعفه لأنه أخطأ في أحاديث رواها من حفظه، لكن الذي أخرجه له البخاري من صحيح حديثه فلا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح من أجل ذلك وقدح فيه النسائي وغيره إلا أن يشاركه غيره فيعتبر به قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة) بضم العين وسكون القاف وثقه النسائي ويحيى بن معين وأبو حاتم وتكلم فيه الساجي بكلام لا يستلزم قدحًا، وقد احتج به البخاري والنسائي لكن لم يكثرا عنه (عن موسى) ولأبي ذر زيادة ابن عقبة الإمام في المغازي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أنس -رضي الله عنه- أن رجالاً من الأنصار) لم يعرف الحافظ ابن حجر أسماءهم (استأذنوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا ائذن) زاد أبو ذر لنا (فلنترك لابن أختنا) بالمثناة الفوقية (عباس) هو ابن عبد المطلب وليسوا بأخواله إنما هم أخوال أبيه عبد المطلب لأن أمه سلمى بنت عمرو بن أحيحة بمهملتين مصغرًا وهي من بني النجار، وأما أم عباس فهي نتيلة بالنون والمثناة الفوقية مصغرًا بنت جناب بالجيم والنون وبعد الألف موحدة وليست من الأنصار اتفاقًا، وإنما قالوا ابن أختنا لتكون المنّة عليهم في إطلاقه بخلاف ما لو قالوا ائذن لنا فلنترك لعمك (فداءه) أي المال الذي يستقذ به نفسه من الأسر (فقال) عليه الصلاة والسلام: (لا تدعون منه) أي لا تتركون من فدائه (درهمًا) وإنما لم يجبهم عليه الصلاة والسلام إلى ذلك لئلا يكون في الدين نوع محاباة وكان العباس ذا مال فاستوفيت منه الفدية وصرفت إلى الغانمين، وأراد المؤلّف بإيراده هنا الإشارة إلى أنّ العم وابن العم لا يعتقان على من ملكهما من ذوي رحمهما لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد ملك من عمه العباس ومن ابن عمه عقيل بالغنيمة التي له فيها نصيب، وكذلك علي -رضي الله عنه- قد ملك من أخيه عقيل وعمه العباس ولم يعتقا عليه وهو حجة على الحنفية كما سبق، والحديث الذي تمسكوا به في ذلك المروي عند أصحاب السنن من طريق الحسن عن سمرة استنكره ابن المديني ورجح إرساله. وقال البخاري: لا يصح، وقال أبو داود: تفرّد به

12 - باب عتق المشرك

حماد وكان يشك في وصله، وذهب الشافعي إلى أنه لا يعتق على المرء إلا أصوله ذكورًا وإناثًا وإن علوا وفروعه كذلك وإن سفلوا لا لهذا الدليل بل لأدلة أخرى منها قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه" رواه مسلم وقال تعالى: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا سبحانه بل عباد مكرمون} [الأنبياء: 26] دل على نفي اجتماع الولدية والعبدية وهذا مذهب مالك أيضًا لكنه زاد الأخوة حتى من الأم وإنما خالف الشافعية في الأخوة لقصة عقيل وعليّ كما مرّ على ما لا يخفى. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الجهاد والمغازي. 12 - باب عِتْقِ الْمُشْرِكِ (باب) حكم (عتق المشترك) المصدر مضاف إلى الفاعل. 2538 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ أَخْبَرَنِي أَبِي "أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ -رضي الله عنه- أَعْتَقَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِائَةَ رَقَبَةٍ، وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ. فَلَمَّا أَسْلَمَ حَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ وَأَعْتَقَ مِائَةَ رَقَبَةٍ. قَالَ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا -يَعْنِي أَتَبَرَّرُ بِهَا- قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ". وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين مصغرًا غير مضاف واسمه في الأصل عبد الله أبو محمد القرشي الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) قال: (أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (أن حكيم بن حزام) بكسر الحاء المهملة وبالزاي وحكيم بفتح المهملة وكسر الكاف ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي ابن أخي خديجة أم المؤمنين أسلم يوم الفتح وصحب وله أربع وسبعون سنة (-رضي الله عنه- أعتق في الجاهلية) وهو مشرك (مائة رقبة وحمل على مائة بعير فلما أسلم حمل على مائة بعير وأعتق مائة رقبة) في الحج لما روي أنه حج في الإسلام ومعه مائة بدنة قد جللها بالحبرة ووقف بمائة عبد وفي أعناقهم أطواق الفضة فنحر وأعتق الجميع وظاهر قوله: أن حكيم بن حزام الإرسال لأن عروة لم يدرك زمن ذلك، لكن بقية الحديث أوضحت الوصل وهي قوله (قال) أي حكيم (فسألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت يا رسول الله أرأيت)؟ أي أخبرني (أشياء كنت أصنعها في الجاهلية كنت أتحنث بها) بالحاء المهملة المفتوحة والنون المشددة والمثلثة قال هشام بن عروة (يعني أتبرر) بالموحدة والراءين المهملتين أولاهما مشددة أي أطلب (بها) البرّ والإحسان إلى الناس والتقرّب إلى الله تعالى (قال) حكيم (فقال) لي (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أسلمت على ما سلف لك من خير) ليس المراد به صحة التقرب في حال الكفر بل إذا أسلم ينتفع بذلك الخير الذي فعله أو أنك بفعل ذلك اكتسبت طباعًا جميلة فانتفعت بتلك الطباع في الإسلام وتكون تلك العادة قد مهدت لك معونة على فعل الخير أو أنك ببركة فعل الخير هديت إلى الإسلام لأن المبادي عنوان الغايات. وهذا الحديث قد سبق في باب من تصدق في الشرك ثم أسلم من كتاب الزكاة. 13 - باب مَنْ مَلَكَ مِنَ الْعَرَب رَقِيقًا فَوَهَبَ وَبَاعَ وَجَامَعَ وَفَدَى وَسَبَى الذُّرِّيَّة وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَىْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [النحل: 75]. (باب من ملك من العرب رقيقًا فوهب وباع وجامع وفدى) حذف مفعولات الأربعة للعلم بها ثم عطف على قوله ملك قوله (وسبى الذرية) قال في الصحاح الذرية نسل الثقلين يقال: ذرأ الله الخلق أي خلقهم إلا أن العرب تركت همزها، والمراد الصبيان والعرب هم الجيل المعروف من الناس وهم سكان الأمصار أو عام والأعرابي منهم سكان البادية خاصة ولا واحد له من لفظه ويجمع على أعاريب. قال في القاموس: والعربة محركة ناحية قرب المدينة وأقامت قريش بعربة فنسب العرب إليها هي باحة العرب وباحة دار أبي الفصاحة إسماعيل عليه الصلاة والسلام. وقد ساق المؤلّف هنا أربعة أحاديث دالّة على ما ترجم به إلا البيع لكن في بعض حديث أبي هريرة ذكره كما سيأتي إن شاء الله تعالى (وقوله تعالى) بالجرّ عطفًا على قوله. من ملك ({ضرب الله مثلاً عبدًا}) ولأبي ذر وقول الله تعالى عبدًا ({مملوكًا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منّا رزقًا حسنًا فهو ينفق منه سرًّا وجهرًا هل يستوون}) قال العوفيّ عن ابن عباس هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن واختاره ابن جرير، فالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء مثل الكافر والمرزوق الرزق الحسن مثل المؤمن. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: هل مثل مضروب للوثن وللحق تعالى أي مثلكم في إشراككم بالله الأوثان مثل من سوّى بين عبد مملوك عاجز عن التصرف وبين حرّ مالك قد رزقه الله مالاً فهو

يتصرف فيه وينفق منه كيف يشاء وتقييد العبد بالمملوك للتمييز من الحر لأن اسم العبد يقع عليهما جميعًا فإنهما من عباد الله تعالى وسلب القدرة في قوله لا يقدر على شيء للتمييز عن المكاتب والمأذون له فإنهما يقدران على التصرف وجعله قسيمًا للمالك المتصرف يدل على أن المملوك لا يملك ومن في قوله ومن رزقناه موصوفة على الأظهر ليطابق عبدًا وجمع الضمير في يستوون لأنه للجنسين أي هل يستوي الأحرار والعبيد ({الحمد لله}) شكر على بيان الأمر بهذا المثال وعلى إذعان الخصم كأنه لما قال هل يستوون قال الخصم لا فقال الحمد لله ظهرت الحجة ({بل أكثرهم لا يعلمون}) [النحل: 75] أبدًا ولا يداخلهم إيمان. ووجه مطابقة هذه الآية للترجمة من جهة أن الله تعالى أطلق القول في العبد المملوك ولم يقيده يكونه عجميًّا فدلّ على أن العبد يكون عجميًّا وعربيًّا قاله ابن المنير. 2539، 2540 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: ذَكَرَ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ: إِنَّ مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَىَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْمَالَ وَإِمَّا السَّبْيَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ -وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ- فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلاَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا. فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ. فَقَالَ النَّاسُ: طَيَّبْنَا ذَلِكَ. قَالَ: إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ. فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ. فَرَجَعَ النَّاسُ: فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ. ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا. فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ. وَقَالَ أَنَسٌ قَالَ عَبَّاسٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَفَادَيْتُ عَقِيلاً". وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري (قال: أخبرني) بالإفراد ولا ذر: أخبرنا (الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد بن عقيل بالفتح وفي نسخة حدّثني بالإفراد عقيل (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: ذكر عروة) بن الزبير وفي الشروط أخبرني عروة (أن مروان) بن الحكم (والمسور بن مخرمة) بفتح الميمين وسكون الخاء المعجمة (أخبراه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذه الرواية مرسلة لأن مروان لا صحبة له، وأما المسور فلم يحضر القصة لأنه إنما قدم مع أبيه وهو صغير بعد الفتح وكانت هذه القصة قبل ذلك بسنتين، وحينئذ فلم يصب من أخرجه من أصحاب الأطراف في مسند المسور أو مروان، ووقع في أوّل الشروط من طريق شيخ المؤلّف يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع مروان والمسور بن مخرمة يخبران عن أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر قصة الحديبية (قام حين جاءه وفد هوازن) زاد في الوكالة مسلمين (فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال) لهم عليه الصلاة والسلام: (إن معي من ترون وأحب الحديث إليّ أصدقه) بالرفع خبر المبتدأ الذي هو أحب (فاختاروا) أن أرد إليكم (إحدى الطائفتين إما المال وإما السبي وقد كنت استأنيت بهم) أي أخرت قسم السبي ليحضروا. (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انتظرهم) ليحضروا (بضع عشرة ليلة) لم يقسم السبي وتركه بالجعرانة (حين قفل) رجع (من الطائف) إلى الجعرانة وقسم بها الغنائم (فلما تبين لهم) أي للوفد (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير رادّ إليهم إلا إحدى الطائفتين) المال أو السبي (قالوا فإنّا) وللحموي والمستملي: إنّا (نختار سبينا) زاد في مغازي ابن عقبة ولا نتكلم في شاة ولا بعير (فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال): (أما بعد: فإن إخوانكم جاؤونا) ولأبي ذر: قد جاؤونا حال كونهم (تائبين وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك) بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الياء أي من أحب أن يطيب بدفع السبي إلى هوازن نفسه (فليفعل) جواب من المتضمنة معنى الشرط فلذا دخلت عليه الفاء (ومن أحب) أي منكم (أن يكون على حظه) نصيبه من السبي (حتى نعطيه إياه) أي عوضه (من أول ما يفيء الله علينا فليفعل) أي يرجع إلينا من أموال الكفار من غنيمة أو خراج أو غير ذلك ولم يرد الفيء الاصطلاحي وحده ويفيء بضم أوله من أفاء (فقال الناس طيبنا ذلك) ولأبي ذر: طيبنا لك ذلك (قال) عليه الصلاة والسلام: (إنّا لا ندري من أذن منكم) زاد في الوكالة في ذلك (ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم) أراد عليه الصلاة والسلام بذلك التقصّي عن أمرهم استطابة لنفوسهم (فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم) في ذلك فطابت نفوسهم به (ثم رجعوا) أي العرفاء (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه أنهم) أي الناس (طيبوا) ذلك (وأذنوا) له عليه الصلاة والسلام أن يرد السبي إليهم. قال الزهري: (فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن) وزاد في الهبة

هذا آخر قول الزهري يعني فهذا الذي بلغنا انتهى. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله من ملك رقيقًا من العرب فوهب. (وقال أنس) -رضي الله عنه- مما سبق موصولاً ونبّهت عليه قريبًا في باب: إذا أسر أخو الرجل (قال عباس للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فاديت نفسي وفاديت عقيلاً) وأوله أُتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمال من البحرين فقال انثروه في المسجد وفيه فجاء العباس فقال: يا رسول الله أعطني فإني فاديت إلى آخره. 2541 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: "كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ فَكَتَبَ إِلَىَّ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ. حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ". وبه قال: (حدّثنا علي بن الحسن) بفتح الحاء ولأبي ذر زيادة ابن شقيق أبو عبد الرحمن العبدي مولاهم المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا ابن عون) بالنون عبد الله بن أرطبان البصري (قال: كتبت) وفي نسخة كتب (إلى نافع) مولى ابن عمر (فكتب إليّ) بتشديد الياء أي نافع (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أغار) ولمسلم من طريق سليم بن أخضر عن ابن عون قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء إلى الإسلام قبل القتال قال فكتب إليّ إنما كان ذلك في أوّل الإسلام قد أغار رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على بني المصطلق) بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء المهملتين وبعد اللام المكسورة قاف بطن من خزاعة وهو المصطلق بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر (وهم غارون) بالغين المعجمة وتشديد الراء جمع غار بالتشديد أي غافلون أي أخذهم على غرّة (وأنعامهم تسقى) بضم الفوقية وفتح القاف (على الماء فقتل مقاتلتهم) أي الطائفة الباغية (وسبى ذراريهم) بتشديد الياء وقد تخفّف، وفي هذا جواز الإغارة على الكفار الذي بلغتهم الدعوة من غير إنذار بالإغارة، ولكن الصحيح استحباب الإنذار وبه قال الشافعي والليث وابن المنذر والجمهور، وقال مالك: يجب الإنذار مطلقًا وفيه جوازًا استرقاق العرب لأن بني المصطلق عرب من خزاعة كما مرّ، وهذا قول إمامنا الشافعي في الجديد وبه قال مالك وجمهور أصحابه وأبو حنيفة، وقال جماعة من العلماء: لا يسترقون لشرفهم وهو قول الشافعي في القديم (وأصاب) عليه الصلاة والسلام (يومئذ جويرية) بتخفيف المثناة التحتية الثانية وسكون الأولى بنت الحرث بن أبي ضرار بكسر المعجمة وتخفيف الراء ابن الحرث بن مالك بن المصطلق وكان أبوها سيد قومه وقيل وقعت في سهم ثابت بن قيس وكاتبته نفسها فقضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتابتها وتزوّجها فأرسل الناس ما في أيديهم من السبايا المصطلقية ببركة مصاهرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلا تعلم امرأة أكثر بركة على قومها منها. قال نافع (حدّثني) بالإفراد (به) أي بالحديث (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (وكان في ذلك الجيش). 2542 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ قَالَ: "رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ -رضي الله عنه- فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ فَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا؛ مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلاَّ وَهْيَ كَائِنَةٌ". وبه قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) التميمي مولاهم المدني المعروف بربيعة الرأي (عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة وبعد الألف نون (عن ابن محيريز) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتسكين التحتيتين بينهما راء وآخره زاي وهو عبد الله بن محيريز بن جنادة بن وهب الجمحي بضم الجيم وفتح الميم بعدها مهملة المكي أنه (قال: رأيت أبا سعيد) الخدري (-رضي الله عنه- فسألته) عن العزل (فقال: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيًا من سبي العرب فاشتهينا النساء فاشتدت علينا العزبة وأحببنا العزل) أي نزع الذكر من الفرج بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج دفعًا لحصول الولد المانع من البيع والمرأة تتأذى بذلك ولأبي ذر وأحببنا الفداء (فسألنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (ما عليم أن لا تفعلوا) أي لا بأس عليكم أن تفعلوا فلا زائدة واختار إمامنا الشافعي جوازه عن الأمة مطلقًا وعن الحرة بإذنها نعم هو مكروه لأنه طريق إلى قطع النسل، ولذا ورد العزل الوأد الخفي وفي حديث جابر عند مسلم التصريح بالتجويز حيث قال اعزل عنها إن شئت، ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في النكاح (ما من نسمة) أي ما من نفس (كائنة) في علم الله (إلى

14 - باب فضل من أدب جاريته وعلمها

يوم القيامة إلا وهي كائنة) في الخارج لا بدّ من مجيئها من العدم إلى الوجود سواء عزلتم أم لا فلا فائدة في عزلكم فإنه إن كان الله تعالى قدّر خلقها سبقكم الماء فلا ينفعكم الحرص، وعند أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه من حديث أنس جاء رجل إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسأل عن العزل فقال: لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله منها أو يخرج الله منها ولدًا وليخلقن الله نفسًا هو خالقها. 2543 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "لاَ أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ ... ". وَحَدَّثَنِي ابْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ... وَعَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "مَا زِلْتُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مُنْذُ ثَلاَثٍ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِيهِمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ. قَالَ: وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا. وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَ: أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ". [الحديث 2543 - طرفه في: 4366]. وبه قال: (حدّثنا زهير بن حرب) أبو خيثمة النسائي والد أبي بكر بن أبي خيثمة ثقة روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن عمارة بن القعقاع) بضم العين وتخفيف الميم (عن أبي زرعة) بضم الزاي وسكون الراء وفتح العين المهملة هرم بن جرير بن عبد الله البجلي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: لا أزال أحب بني تميم) هو ابن مرة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر. قال المؤلّف بالسند: (وحدّثني) بالإفراد (ابن سلام) محمد قال: (أخبرنا جرير بن عبد الحميد) بن قرظ بضم القاف وسكون الراء وهو السابق قريبًا (عن المغيرة) بن مقسم بكسر الميم وسكون القاف الضبي مولاهم أبي هشام الكوفي (عن الحرث) بن زيد العكلي التميمي الكوفي (عن أبي زرعة) هرم (عن أبي هريرة وعن عمارة) بن القعقاع (عن أبي زرعة عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال ما زلت أحب بني تميم منذ) بالنون ولأبي ذر: مذ (ثلاث) أي ثلاث ليالٍ (سمعت من رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول فيهم) أي في بني تميم (سمعته يقول): (هم أشد أمتي على الدجال قال وجاءت صدقاتهم) أي صدقات بني تميم (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه صدقات قومنا) لاجتماع نسبهم بنسبه الشريف عليه الصلاة والسلام في إلياس بن مضر. (وكانت سبية منهم عند عائشة) بفتح السين وكسر الموحدة وتشديد التحتية لكن عند الإسماعيلي وكانت على عائشة نسمة من بني إسماعيل. قال ابن حجر: لم أقف على اسمها، وعند أبي عوانة من رواية الشعبي وكان على عائشة محرر وبين الطبراني في الأوسط من رواية الشعبي المراد بالذي كان عليها وأنه كان نذرًا، وعنده في الكبير أنها قالت: يا نبي الله إني نذرت عتيقًا من ولد إسماعيل فقال لها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اصبري حتى يجيء فيء بني العنبر غدًا فجاء فيء بني العنبر فقال لها: خذي منهم أربعة فأخذت منهم رديحًا بمهملات مصغرًا وزبيبًا بالزاي والموحدتين مصغرًا أيضًا وهو ابن ثعلبة وزخيًا بالزاي والخاء المعجمتين مصغرًا أيضًا وسمرة أي ابن عمرو فمسح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على رؤوسهم وبرك عليهم. قال الحافظ ابن حجر: والذي تعين لعتق عائشة من هؤلاء الأربعة إما رديح وأما زخي ففي سنن أبي داود من حديث الزبيب بن ثعلبة ما يرشد إلى ذلك انتهى. (فقال) عليه الصلاة والسلام لعائشة (أعتقيها) أي النسمة (فإنها من ولد إسماعيل) وفيه دليل على جواز استرقاق العرب وتملكهم كسائر فرق العجم إلا أن عتقهم أفضل، لكن قال ابن المنير تملك العرب لا بدّ عندي فيه من تفصيل وتخصيص للشرفاء فلو كان العربي مثلاً من ولد فاطمة -رضي الله عنها-، فلو فرضنا أن حسنيًا أو حسينيًّا تزوّج أمة بشرطه لاستبعدنا استرقاق ولده. قال: وإذا أفاد كون المسبي من ولد إسماعيل يقتضي استحباب إعتاقه فالذي بالمثابة التي فرضناها يقتضي وجوب حريته حتمًا، وقد ساق المؤلّف حديث أبي هريرة هذا هنا عن شيخين له كلٌّ منهما حدّثه به عن جرير لكنه فرّقه لأن أحدهما زاد فيه عن جرير إسناد آخر، وساقه هنا على لفظ محمد بن سلام، ويأتي إن شاء الله تعالى في المغازي على لفظ زهير بن حرب، وقد أخرجه مسلم في الفضائل عن زهير والله أعلم. 14 - باب فَضْلِ مَنْ أَدَّبَ جَارِيَتَهُ وَعَلَّمَهَا (باب فضل من أدّب جاريته وعلّمها) زاد النسفيّ وأعتقها وسقط له ولأبي ذر لفظ فضل. 2544 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَعَالَهَا فَأَحْسَنَ إِلَيْهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا كَانَ لَهُ أَجْرَانِ». وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) المشهور بابن راهويه (سمع محمد بن فضيل) أي ابن غزوان (عن مطرف) هو ابن طريف الحارثي (عن الشعبي) عامر (عن أبي بردة) بضم الموحدة الحرث بن أبي

15 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «العبيد إخوانكم فأطعموهم مما تأكلون»

موسى (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من كانت له جارية فعالها) أي أنفق عليها من عال الرجل عياله يعولهم إذا قام بما يحتاجون إليه، ولأبي ذر عن الكشميهني: فعلمها من التعليم وهو المناسب للترجمة (فأحسن) ولأبي ذر عن الكشميهني أيضًا وأحسن (إليها ثم أعتقها وتزوّجها كان له أجران): أجر بالنكاح والتعليم وأجر بالعتق. قال المهلب: فيه أن من تواضع في منكحه وهو يقدر على نكاح أهل الشرف رجي له جزيل الثواب. وتأتي مباحث هذا الحديث في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي، وقد سبق في باب تعليم الرجل أمته وأهله من كتاب العلم، وأخرجه مسلم في النكاح وكذا أبو داود والنسائي. 15 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْعَبِيدُ إِخْوَانُكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ» وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} [النساء: 36]. (باب) ذكر (قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: العبيد إخوانكم فأطعموهم مما تأكلون) وهذا وصله المؤلّف بالمعنى من حديث أبي ذر ومن حديث جابر وصحابيّ لم يسمّ في الأدب المفرد. (وقوله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه ({واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا}) صنمًا أو غيره أو شيئًا من الإشراك جليًّا أو خفيًّا ({وبالوالدين إحسانًا}) وأحسنوا بهما إحسانًا ({وبذي القربى}) وبصاحب القرابة ({واليتامى والمساكين والجار ذي القربى}) الذي قرب جواره ({والجار الجنب}) البعيد ({والصاحب بالجنب}) الرفيق في أمر حسن كتعلم وتصرف وصناعة وسفر فإنه صحبك وحصل بجنبك وقيل المرأة ({وابن السبيل}) المسافر أو الضيف ({وما ملكت أيمانكم}) العبيد والإماء ({إن الله لا يحب من كان مختالاً}) متكبّرًا يأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه وعبيده وإمائه ولا يلتفت إليهم ({فخورًا}) [النساء: 36] يتفاخر عليهم يرى أنه خير منهم فهو في نفسه كبير وهو عند الله حقير، واقتصر في رواية أبي ذر من أول الآية إلى قوله تعالى: {والمساكين} ثم قال إلى قوله: {مختالاً فخورًا} وزاد في روايته: قال أبو عبد الله أي البخاري (ذي القربى) أي القريب وهو مروي عن ابن عباس فيما رواه عنه علي بن أبي طلحة ولفظه: يعني الذي بينك وبينه قرابة والجنب الغريب الذي ليس بينك وبينه قرابة وقيل القريب المسلم والجنب اليهودي والنصراني رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وفي غير رواية أبي ذر مما في اليونينية وغيرها الجار الجنب يعني الصاحب في السفر وهذا قاله مجاهد وقتادة. 2545 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ قَالَ: سَمِعْتُ الْمَعْرُورَ بْنَ سُوَيْدٍ قَالَ: "رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ -رضي الله عنه- وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ". وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) عبد الرحمن العسقلاني الفقيه العابد قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا واصل الأحدب) هو ابن حبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة الأسدي الكوفي (قال: سمعت المعرور) بفتح الميم وسكون العين المهملة وبضم الراء الأولى ولأبي ذر سمعت معرور (بن سويد) الأسدي أبا أمية الكوفي عاش مائة وعشرين سنة (قال: رأيت أبا ذر) جندب بن جنادة (الغفاري -رضي الله عنه-) زاد في الإيمان من وجه آخر عن شعبة بالربذة وهو موضع بالبادية على ثلاث مراحل من المدينة (وعليه حلّة) من برود اليمن ولا تسمى حلّة إلا إذا كانت ثوبين من جنس واحد (وعلى غلامه حلّة) مثلها ولم يسمّ الغلام (فسألناه عن ذلك) بضمير المفعول، وسقط لأبي ذر: والمعنى سألناه عن السبب في إلباسه غلامه مثل لبسه لأنه على خلاف المعهود (فقال: إني ساببت) بفتح الموحدة الأولى وسكون الثانية أي وقع بيني وبينه سباب بالتخفيف وهو من السبّ بالتشديد وعند الإسماعيلي شاتمت (رجلاً) قيل هو بلال المؤذن مولى أبي بكر وزاد مسلم من إخواني وزاد المؤلّف في الإيمان فعيّرته بأمه (فشكاني إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أعيّرته بأمه)؟ زاد في الإيمان إنك امرؤ فيك جاهلية أي خصلة من خصال الجاهلية وفيه دليل على جواز تعدية عيّرت بالباء وقد أنكره ابن قتيبة وتبعه غيره وقالوا إنما يقال عيّرته أمه وأثبت آخرون أنها لغة والحديث حجة لهم في ذلك (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (إن إخوانكم) أي مماليككم إخوانكم خبر مبتدأ محذوف واعتبار الأخوة إما من جهة

16 - باب العبد إذا أحسن عبادة ربه، ونصح سيده

آدم أي إنكم متفرعون من أصل واحد أو من جهة الدين (خولكم) بفتح الخاء المعجمة والواو أي خدمكم سموا بذلك لأنهم يتخولون الأمور أي يصلحونها ومنه الخولي لمن يقوم بإصلاح البستان أو التخويل التمليك (جعلهم الله تحت أيديكم) أي ملككم (فمن كان أخوه تحت يده) ملكه ولأبي ذر يديه بالتثنية (فليطعمه) على سبيل الندب (مما يأكل وليلبسه) على سبيل الندب أيضًا (مما يلبس) أي من جنس كلٍّ منهما والمراد المواساة لا المساواة من كل وجه. نعم الأخذ بالأكمل وهو المساواة كما فعل أبو ذر أفضل فلا يستأثر المرء على عياله وإن كان جائزًا. قال النووي: يجب على السيد نفقة المملوك وكسوته بالمعروف بحسب البلدان والأشخاص سواء كان من جنس نفقة السيد ولباسه أو فوقه حتى لو قتر السيد على نفسه تقتيرًا خارجًا عن عادة أمثاله إما زهدًا أو شحًّا لا يحلّ له التقتير على المملوك وإلزامه بموافقته إلا برضاه (ولا تكلفوهم) أي من العمل (ما يغلبهم) لصعوبته أو عظمته وهذا على سبيل الوجوب. قال الله تعالى: {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} [البقرة: 286] أي إلا ما تسعه قدرتها فضلاً ورحمة وإرشادًا وتعليمًا لنا كيف نفعل فيما ملكنا تعالى (فإن كلفتموهم ما يغلبهم) ولأبي ذر عن الكشميهني: مما يغلبهم وسقط ما يغلبهم في كتاب الإيمان كما مرّ، وأما قول الحافظ ابن حجر هنا قوله فإن كلفتموهم أي ما يغلبهم وحذف للعلم به فسهو، نعم هو صحيح بالنسبة لما في كتاب الإيمان كما مرّ يعني إن كلّفتم العبيد جنس ما يطيقونه فإن استطاعوه فذاك وإلاّ (فأعينوهم) عليه. وهذا الحديث قد سبق في باب المعاصي من أمر الجاهلية في كتاب الإيمان. 16 - باب الْعَبْدِ إِذَا أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَنَصَحَ سَيِّدَهُ (باب) بيان ثواب (العبد إذا أحسن عبادة ربه) بأن أقامها بشروطها (ونصح سيده). 2546 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْعَبْدُ إِذَا نَصَحَ سَيِّدَهُ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ». [الحديث 2546 - طرفه في: 2550]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي الحارثي (عن مالك) الإمام الأعظم ابن أنس الأصبحي المدني إمام دار الهجرة (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال): (العبد إذا نصح سيده) قال الكرماني النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له وهو إرادة صلاح حاله وتخليصه من الخلل وتصفيته من الغش (وأحسن عبادة ربه) المتوجهة عليه بأن أقامها بشروطها وواجباتها ومستحباتها (كان له أجره مرتين) لقيامه بالحقين وانكساره بالرق. واستشكل هذا من جهة أنه يفهم منه أنه يؤجر على العمل الواحد مرتين مع أنه لا يؤجر على كل عمل إلا مرة واحدة لأنه أتى بعملين وكذا كل آتٍ بطاعتين يؤجر على كل واحدة أجرها فلا خصوصية للعبد بذلك. وأجيب: بأن التضعيف مختص بالعمل الذي تتحد فيه طاعة الله وطاعة السيد فيعمل عملاً واحدًا ويؤجر عليه أجرين بالاعتبارين، وأما العمل المختلف الجهة فلا اختصاص له بتضعيف الأجر فيه على غيره من الأحرار أو المراد ترجيح العبد المؤدي للحقين على العبد المؤدي لأحدهما، وقال ابن عبد البر: لأنه لما قام بالواجبين كان له ضعفًا أجر الحر المطيع لأنه فضل الحر بطاعة من أمره الله بطاعته، وعورض بأن مزيد الفضل للعبد إنما هو لانكساره بالرق فلو كان التضعيف بسبب اختلاف جهة العمل لم يختص العبد بذلك. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأيمان والنذور. 2547 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ صَالِحٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ فَلَهُ أَجْرَانِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) أبو عبد الله العبدي وثّقه أبو حاتم وأحمد بن حنبل قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن صالح) هو ابن صالح بن حيّ ويقال ابن حيان قال أحمد ثقة ثقة (عن الشعبي) عامر (عن أبي بردة عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أيما رجل كانت له جارية فأدّبها) ولأبوي ذر والوقت أدّبها بإسقاط الفاء (فأحسن تأديبها) ولأبي ذر: تعليمها (وأعتقها وتزوجها فله أجران) أجر بالعتق وأجر بالتعليم والتزويج (وأيما عبد أدّى حق الله وحق مواليه فله أجران) أجر في عبادة ربه وأجر في قيامه بحق مواليه، لكن الأجران غير

متساويين لأن طاعة الله أوجب من طاعة الموالي قاله الكرماني، وعورض بأن طاعة المولى المأمور بها هي من طاعة الله تعالى. قال ابن عبد البرّ: وفي الحديث أن العبد المؤدي لحق الله وحق سيده أفضل من الحر ويعضده ما روي عن المسيح عليه الصلاة والسلام أنه قال: مرّ الدنيا حلو الآخرة وحلو الدنيا مرّ الآخرة وللعبودية مضاضة ومرارة لا تضيع عند الله تعالى. 2548 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الصَّالِحِ أَجْرَانِ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْحَجُّ وَبِرُّ أُمِّي لأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ». وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) السختياني المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب قال: (سمعت سعيد بن المسيب يقول قال أبو هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (للعبد المملوك الصالح) في عبادة ربه الناصح لسيده (أجران). فإن قلت: يلزم أن يكون أجر المملوك أضعف من السيد. أجيب: بأنه لا محذور في ذلك أو يكون أجره مضاعفًا من هذه الجهة، وقد يكون لسيده جهات أخرى يستحق بها أضعاف أجر العبد. قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: (والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبرّ أمي) اسمها أميمة بالتصغير بنت صبيح أو صفيح بالموحدة أو الفاء ابن الحرث وهي صحابية ثبت ذكر إسلامها في صحيح مسلم وبيان اسمها في الذيل لأبي موسى وجزء إسحاق بن إبراهيم بن شاذان، والمعنى لولا القيام بمصلحة أمي في النفقة والمؤن والخدمة ونحو ذلك مما لا يمكن فعله من الرقيق (لأحببت أن أموت وأنا مملوك) وإنما استثنى أبو هريرة ذلك لأن الجهاد والحج يشترط فيهما إذن السيد، وكذا برّ الأم قد يحتاج فيه إلى إذن السيد في بعض وجوهه بخلاف بقية العبادات البدنية، وهذه الجملة من قوله: والذي نفسي بيده الخ ... ليست مرفوعة بل هي مدرجة من قول أبي هريرة -رضي الله عنه- كما جزم به غير واحد من أئمة المحدثين، ويشهد له من حيث المعنى قوله وبرّ أمي فإنه لم يكن للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذ أم يبرّها، وأما توجيه الكرماني بأنه عليه الصلاة والسلام أراد به تعليم أمته أو أورده على سبيل فرض حياتها أو المراد أمه حليمة السعدية التي أرضعته فمردود بما ورد من التنصيص على الإدراج فعند الإسماعيلي من طريق أخرى عن ابن المبارك والذي نفس أبي هريرة بيده الخ، وكذا أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن وهب وأبي صفوان الأموي والبخاري في الأدب المفرد من طريق سليمان بن بلال وأبو عوانة من طريق عثمان بن عمر. 2549 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نِعْمَ مَا لأَحَدِهِمْ يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ». وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) نسبة إلى جده واسم أبيه إبراهيم السعدي المروزي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا أبو صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (نعم ما) بكسر النون وسكون العين وتخفيف الميم كذا في الفرع وغيره. وقال في الفتح: بفتح النون وكسر العين وإدغام الميم في الأخرى. قلت: وبها قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف والأعمش في قوله تعالى: {نعما يعظكم به} [النساء: 58] في سورة البقرة في الأصل، لأن الأصل نعم كعلم ويجوز كسر النون إتباعًا لكسرة العين مع تشديد الميم وهي لغة هذيل وكسر النون مع إسكان العين وهي قراءة قالون وأبي عمور وأبي بكر وأبي جعفر واليزيدي والحسن، واختاره أبو عبيد وحكاه لغة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قوله "نعما المال الصالح" وتصحيح الحاكم في المستدرك فتح النون وكسر العين رواية أخرى فلا يمنع، لكن بعضهم يجعل الإسكان من وهم الرواة عن أبي عمرو وممن أنكره المبرد والزجّاج والفارسي لأن فيه جمعًا بين ساكنين على غير حدّهما قال المبرّد: لا يقدر أحد أن ينطق به وإنما يروم الجمع بين ساكنين فيحرك ولا يشعر، وقال الفارسي: لعل أبا عمرو أخفى عينه فظنه الراوي سكونًا. وأجيب: بأن الأصل في جامع شروط الرواية الضبط واغتفر التقاء الساكنين وإن كان الأول غير مدّ لعروضه كالوقف وتجويز هذه الأوجه حكاه النووي في شرح مسلم عند قوله "نعما للملوك" المضبوط في الرواية فيه بكسر النون والعين وتشديد الميم، أما في رواية البخاري فالذي

17 - باب كراهية التطاول على الرقيق، وقوله عبدي أو أمتي

رأيته في كثير من الأصول المعتمدة ورويته كسر النون وسكون العين وتخفيف الميم ومن حفظ غير ما ذكرته في رواية البخاري فهو حجة، وفاعل نعم ضمير مستتر فيها مفسر بقوله يحسن أي: نعما مملوك (لأحدهم يحسن عبادة ربه وينصح لسيده) ولمسلم من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة نعما للمملوك أن يتوفى يحسن عبادة الله وصحابة سيده نعما له وأما قول ابن مالك -رحمه الله تعالى- أن "ما" مساوية للضمير في الإبهام فلا تمييز لأن التمييز لبيان الجنس المميز عنه المراد شيء عفقال العلامة البدر الدماميني -رحمه الله تعالى- في المصابيح: إنه مدفوع بأن ما ليس مساويًا للضمير لأن ظيم قال: وموضع يحسن عبادة ربه الخ تفسير لما في المعنى فلا محل لها من الإعراب. 17 - باب كَرَاهِيَةِ التَّطَاوُلِ عَلَى الرَّقِيقِ، وَقَوْلِهِ عَبْدِي أَوْ أَمَتِي وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}، وَقَالَ: {عَبْدًا مَمْلُوكًا}. {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}. وَقَالَ: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}. وَقَالَ النَّبِيّ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ». وَ {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}: سَيِّدِكَ: وَ «وَمَنْ سَيِّدُكُمْ». (باب كراهية التطاول) أي الترافع (على الرقيق و) كراهية (قوله) أي الشخص لمن يملكه من الرقيق (عبدى أو أمتي) كراهية تنزيه (و) يجوز أن يقول ذلك (قال الله تعالى) في سورة النور ({والصالحين من عبادكم وإمائكم}) [النور: 32] و (قال) عز وجل في سورة النحل: ({عبدًا مملوكًا}) [النحل: 75] وفي سورة يوسف عليه الصلاة والسلام ({وألفيا سيدها لدى الباب}) [يوسف: 25] و (قال) تعالى في سورة النساء: ({من فتياتكم المؤمنات}) [النساء: 25] جمع فتاة وهي الأمة. (وقال النبي "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ") في حديث أبي سعيد عند المؤلّف في المغازي (قوموا إلى سيدكم) يشير إلى سعد بن معاذ مخاطبًا للأنصار كما سيأتي إن شاء الله تعالى في قصة قريظة وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحسن "إن ابني هذا سيد" (و) قال: يوسف عليه الصلاة والسلام للذي ظن أنه ناجٍ ({اذكرني عند ربك}) [يوسف: 42] أي (سيدك) ولأبي ذر واذكرني عند ربك عند سيدك أي اذكر حالي عند الملك كي يخلصني (و) قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما أخرجه المؤلّف في الأدب الفرد من حديث جابر: (من سيدكم) يا بني سلمة؟ قالوا: الجدّ بن قيس بضم الجيم وتشديد الدال الحديث. وسقط قوله ومن سيدكم لأبوي ذر والوقت والنسفيّ، وقد دل ذلك على الجواز وحمله عليه جميع العلماء حتى الظاهرية. 2550 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا نَصَحَ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالمهملات وتشديد ما قبل الآخر ابن مسرهد أبو الحسن الأسدي البصري قال: (حدّثنا يحيى) القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (قال: حدّثنى) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) بن عمر (رضي الله عنه) وعن أبيه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا نصح العبد سيده) بما يجب له عليه من الخدمة ونحوها (وأحسن عبادة ربه كان له أجره مرتين) سماه عبدًا ومالكه سيده، ولا ريب أنه إذا قام بما عليه من طاعة ربه وخدمة سيده كره أن بتطاول عليه. وهذا الحديث قد سبق قريبًا. 2551 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمَمْلُوكُ الَّذِي يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَيُؤَدِّي إِلَى سَيِّدِهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَالنَّصِيحَةِ وَالطَّاعَةِ، لَهُ أَجْرَانِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة مصغرًا ابن عبد الله (عن) جدّه (أبي بردة) الحرث (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (المملوك) ولأبي ذر للمملوك (الذي يحسن عبادة ربه ويؤدي إلى سيده الذي له عليه من الحق والنصيحة والطاعة) فيما يسوغ شرعًا (له أجران) خبر المبتدأ الذي هو المملوك، وسقط لفظ له من قوله له أجران من رواية أبي ذر وحينئذ فيكون قوله أجران مبتدأ وللمملوك خبره مقدمًا، ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة. 2552 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ: أَطْعِمْ رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ. وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي مَوْلاَىَ. وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ. عَبْدِي، أَمَتِي. وَلْيَقُلْ: فَتَاىَ وَفَتَاتِي وَغُلاَمِي». وبه قال: (حدّثنا محمد) زاد ابن شبويه في روايته فقال محمد بن سلام وكذا حكاه الجياني عن رواية ابن السكن، وحكى عن الحاكم أنه الذهلي، وقد أخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق فيحتمل أن يكون هو شيخ البخاري فيه فقد حدّث عنه في الصحيح أيضًا قاله في الفتح قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) بفتح اليمين وسكون العين المهملة بينهما ابن راشد (عن همام بن منبه) بكسر الموحدة (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يحدث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-}) أنه (قال): (لا يقل أحدكم) لمملوك غيره

(أطعم ربك) بفتح الهمزة أمر من الإطعام (وضئ ربك) أمر من وضأه يوضئه (اسق ربك) بهمزة وصل ويجوز قطعها مكسورة وفي نسخة مفتوحة تثبت في الابتداء وتسقط في الدرج ويستعمل ثلاثيًّا ورباعيًّا أمر من سقاه يسقيه، وسبب النهي عن ذلك أن حقيقة الربوبية لله تعالى لأن الرب هو المالك والقائم بالشيء ولا يوجد هذا حقيقة إلا له تعالى. قال الخطابي: سبب المنع أن الإنسان مربوب متعبد بإخلاص التوحيد لله تعالى وترك الإشراك معه فكره له المضاهاة بالاسم لئلا يدخل في معنى الشرك ولا فرق في ذلك بين الحر والعبد، وأما من لا تعبد عليه من سائر الحيوانات والجمادات فلا يكره أن يطلق ذلك عليه عند الإضافة كقول: ربّ الدار والثوب. فإن قلت: قد قال تعالى: {اذكرني عند ربك} [يوسف: 42] و {ارجع إلى ربك} أجيب: بأنه ورد لبيان الجواز والنهي للأدب والتنزيه دون التحريم أو النهي عن الإكثار من ذلك واتخاذ هذه اللفظة عادة ولم ينهَ عن إطلاقها في نادر من الأحوال، وهذا اختاره القاضي عياض وتخصيص الإطعام وما بعده بالذكر لغلبة استعمالها في المغالطات، ويدخل في النهي أن يقول السيد ذلك عن نفسه فإنه قد يقول لعبده: اسقِ ربك فيضع الظاهر موضع الضمير على سبيل التعظيم لنفسه بل هذا أولى بالنهي من قول العبد ذلك أو الأجنبي ذلك عن السيد. قال في مصابيح الجامع ساق المؤلّف في الباب قوله تعالى: {والصالحين من عبادكم وإمائكم} [النور: 32] وقوله عليه الصلاة والسلام: "قوموا إلى سيدكم" تنبيهًا على أن النهي إنما جاء متوجهًا على جانب السيد إذ هو في مظنة الاستطالة وأن قول الغير هذا عبد زيد وهذه أمة خالد جائز لأنه يقوله إخبارًا وتعريفًا وليس في مظنة الاستطالة، والآية والحديث مما يؤيد هذا الفرق، وفي الحكايات المأثورة أن سائلاً وقف ببعض الأحياء فقال: من سيد هذا الحي؟ فقال رجل: أنا. فقال: لو كنت سيدهم لم تقله. وقال النووي: المراد بالنهي من استعمله على جهة التعاظم لا من أراد التعريف. (وليقل سيدي مولاي) ولأبي الوقت: ومولاي بإثبات الواو، وإنما فرّق بين السيد والرب لأن الرب من أسماء الله تعالى اتفاقًا، واختلف في السيد هل هو من أسماء الله تعالى، ولم يأتِ في القرآن أنه من أسماء الله تعالى. نعم روى المؤلّف في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي والإمام أحمد بن حديث عبد الله بن الشخير عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "السيد الله" فإن قلنا إنه ليس من أسماء الله تعالى فالفرق واضح إذ لا التباس، وإن قلنا إنه من أسماء الله تعالى فليس في الشهرة والاستعمال كلفظ الرب فيحصل الفرق بذلك، وأما من حيث اللغة فالسيد من السؤدد وهو التقديم يقال ساد قومه إذا تقدم عليهم، ولا شك في تقدم السيد على غلامه فلما حصل الافتراق جاز الإطلاق وأما المولى فقال النووي: يقع على ستة عشر معنى منها الناصر والولي والمالك، وحينئذٍ فلا بأس أن يقول مولاي أيضًا لكن يعارضه حديث مسلم والنسائي من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في هذا الحديث: لا يقل أحدكم مولاي فإن مولاكم الله. وأجيب بأن مسلمًا قد بيّن الاختلاف في ذلك عن الأعمش وأن منهم من ذكر هذه الزيادة ومنهم من حذفها. قال عياض: وحذفها أصح، وقال القرطبي: روى من طريق متعددة مشهورة وليس ذلك مذكورًا فيها فظهر أن اللفظ الأوّل أرجح، وإنما صرنا للترجيح للتعارض بينهما والجمع متعذر والعلم بالتاريخ مفقود فلم يبق إلا بالترجيح. (ولا يقل أحدكم عبدي أمتي) لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى ولأن فيها تعظيمًا لا يليق بالمخلوق، وقد بيّن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العلّة في ذلك حيث قال في هذا الحديث عند مسلم والنسائي في عمل اليوم والليلة من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة: لا يقولن أحدكم عبدي فإن كلكم عبيد الله وعند أبي داود والنسائي في اليوم والليلة أيضًا من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة فإنكم المملوكون والرب الله فنهى عن التطاول في اللفظ كما نهى عن التطاول في الفعل. (وليقل فتاي وفتاتي وغلامي) لأنها ليست دالة على الملك

18 - باب إذا أتاه خادمه بطعامه

كدلالة عبدي فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى ما يؤدي إلى المعنى مع السلامة من التعاظم مع أنها تطلق على الحر والمملوك لكن إضافته تدل على الاختصاص قال الله تعالى: {وإذ قال موسى لفتاه} [الكهف: 60] وهذا النهي للتنزيه دون التحريم كما مرّ. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب. 2553 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ مِنَ الْعَبْدِ، فَكَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ وَأُعْتِقَ مِنْ مَالِهِ، وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ». وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل عارم السدوسي البصري قال: (حدّثنا جرير بن حازم) الأزدي البصري اختلط في آخر عمره لكنه لم يحدّث في حال اختلاطه (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من أعتق نصيبًا له من العبد) بالتعريف (فكان له) وقت العتق ولأبي ذر كان له (من المال ما يبلغ قيمته) نصب على المفعولية أي قيمة بقيته (يقوّم) ولأبي ذرّ قوّم (عليه) باقيه (قيمة عدل) نصب على المفعول المطلق والعدل بفتح العين الاستواء أي قيمة استواء لا زيادة فيه ولا نقص أي بقيمة يوم الإعتاق (وأعتق) بضم الهمزة وكسر التاء (من ماله) بنفس الإعتاق ومشهور مذهب المالكية أنه لا يعتق إلا بدفع القيمة (وإلا) بأن كان معسرًا حال الإعتاق (فقد عتق) بفتحات من غير همز (منه) أي ما أعتق المعتق فقط ويبقى نصيب الشرك رقيقًا ولأبي ذر أعتق بهمزة مضمومة وكسر التاء منه (ما عتق) بفتحات من غير همز قالوا والمطابقة بين الحديث والترجمة من جهة أنه لو لم يحكم عليه بعتقه كله عند اليسار لكان بذلك متطاولاً عليه. وقد سبق هذا الحديث في باب: إذا أعتق عبدًا بين اثنين. 2554 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ فَهُوَ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهْيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ. أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) بمهملات ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر بن حفص العمري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (نافع عن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (كلكم راع) كقاضٍ أي حافظ لما قام عليه (فمسؤول) بالفاء ولأبي ذر ومسؤول (عن رعيته) فإن وفى ما عليه من الرعاية كان له الحظ الأوفر والجزاء الأكبر وإلا طالبه كل أحد من رعيته بحقه (فالأمير الذي على الناس راعٍ) فيما استرعاه الله ولأبي ذر فهو راعٍ عليهم (وهو مسؤول عنهم) وهذا تفصيل لما أجمله (والرجل راعٍ على أهل بيته) زوجته وغيرها يقوم عليهم بالحق في النفقة وحسن المعاشرة (وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده) أي وغيرهم كخدمه وأضيافه بحسن التدبير في أمرهم والقيام بمصالحهم (وهي مسؤولة عنهم والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه) وهذا موضع الترجمة لأنه إذا كان ناصحًا لسيده في خدمته مؤدّيًا له الأمانة ناسب أن يعينه ولا يتطاول عليه (ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته). وهذا الحديث سبق في الجمعة وفي الاستقراض. 2555، 2556 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَزَيْدَ بْنَ خَالِدٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ». وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) النهدي أبو غسان الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب قال: (حدّثني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال (سمعت أبا هريرة رضي الله عنه وزيد بن خالد) الجهني المدني المشهور- رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا زنت الأمة فاجلدوها) أي خمسين جلدة نصف جلد الحرة سواء كانت محصنة أو غير محصنة لأن الإحصان وصف كمال ولا يكون مع النقص من الرقّ وكذا الصبا والجنون والمبعضة كالأمة (ثم إذا زنت فاجلدوها ثم إذا زنت فاجلدوها في الثالثة أو الرابعة بيعوها) أي بعد جلدها ولأبوي ذر والوقت والأصيلي فبيعوها بفاء في أوله (ولو بضفير) بالضاد المعجمة أي حبل مفتول أو منسوج من الشعر. ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الأمة إذا زنت لا يكره التطاول عليها بل تجلد فإن عادت بيعت وكل ذلك مباين للتعاظم عليها. وهذا الحديث سبق في باب بيع العبد الزاني من كتاب البيوع. 18 - باب إِذَا أَتَاهُ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ هذا (باب) بالتنوين (إذا أتاه) ولأبوي ذر والوقت: إذا أتى أي الشخص (خادمه) سواء كان حرًّا أو عبدًا ذكرًا أو أُنثى (بطعامه) فليجلسه

19 - باب العبد راع في مال سيده. ونسب النبي -صلى الله عليه وسلم- المال إلى السيد

معه ليأكل. 2557 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ، أَوْ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ، فَإِنَّهُ وَلِيَ عِلاَجَهُ». [الحديث 2557 - طرفه في: 5460]. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) الأنماطي أبو محمد الأسلمي مولاهم البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (محمد بن زياد) بكسر الزاي وتخفيف التحتية أبو الحرث القرشي الجمحي التابعي (قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا أتى أحدكم خادمه) بالرفع وأحدكم منصوب به (بطعامه فإن لم يجلسه معه) معطوف على مقدّر تقديره فليجلسه معه وفي رواية مسلم: فليقعده معه فليأكل وعند أحمد والترمذي من رواية معبد بن أبي خالد عن أبيه عن أبي هريرة فليجلسه معه فإن لم يجلسه معه ولابن ماجة من طريق أبي ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة فليدعه فليأكل معه فإن لم يفعل (فليناوله) من الطعام (لقمة أو لقمتين) شك من الراوي، ورواه الترمذي بلفظ: لقمة فقط، وفي رواية مسلم تقييد ذلك بما إذا كان الطعام قليلاً (أو أكلة أو أكلتين) بضم الهمزة فيهما يعني لقمة أو لقمتين قال في المصابيح فإن قلت ما هذا العطف قلت لعل الراوي شك هل قال عليه الصلاة والسلام فليناوله لقمة أو لقمتين أو قال فليناوله أكلة أو أكلتين فجمع بينهما وأتى بحرف الشك ليؤدي المقالة كما سمعها ويحتمل أن يكون من عطف أحد المترادفين على الآخر بكلمه أو وقد صرّح بعضهم بجوازه (فإنه) أي الخادم (ولي علاجه) أي الطعام عند تحصيل آلاته وتحمل مشقة حرّه ودخانه عند الطبح وشقّت به نفسه وشم رائحته، واختلف في حكم الأمر بالإجلاس فقال الشافعي إنه أفضل، فإن فعل فليس بواجب أو يكون بالخيار بين أن يجلسه أو يناوله وقد يكون أمره اختيارًا غير حتم، ورجح الرافعي الاحتمال الأخير وحمل الأوّل على الوجوب ومعناه أن الإجلاس لا يتعين لكن إن فعله كان أفضل وإلا تعينت المناولة ويحتمل أن الواجب أحدهما لا بعينه والثاني أن الأمر للندب مطلقًا. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأطعمة. 19 - باب الْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ. وَنَسَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَالَ إِلَى السَّيِّدِ هذا (باب) بالتنوين (العبد راعٍ في مال سيده ونسب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المال إلى السيد) في حديث ابن عمر من باع عبدًا وله مال فماله للسيد، وهذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة لأن الرقّ مُنافٍ للملك. 2558 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهْيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. قَالَ: فَسَمِعْتُ هَؤُلاَءِ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله عن) أبيه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (كلّكم راعٍ ومسؤول عن رعيته) وهذا على سبيل الإجمال ثم فصله بقوله: (فالإمام) الأعظم أو نائبه (راعٍ ومسؤول عن رعيته والرجل في أهله راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راعٍ وهو مسؤول عن رعيته) فرعاية الإمام ولاية أمور الرعية والإحاطة من ورائهم إقامة الحدود والأَحكام فيهم، ورعاية الرجل أهله بالقيام عليهم بالحق في النفقة وحُسْن المعاشرة، ورعاية المرأة في بيت زوجها بحُسْن التدبير في أمر بيته وأَولاده وخدمه وأضيافه، ورعاية الخادم حفظ ما في يده من مال سيده والقيام بشغله (قال) أي ابن عمر: (فسمعت هؤلاء من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأحسب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: والرجل في مال أبيه راعٍ ومسؤول عن رعيته فكلكم راعٍ) أي مثل الراعي (وكلكم) ولأبي الوقت فكلكم (مسؤول عن رعيته) حال عمل فيه معنى التشبيه ووجه التشبيه حفظ الشيء وحُسْن التعهّد لما استحفظه وهو القدر المشترك في التفصيل قاله الطيبي وسبق بأتم من هذا. 20 - باب إِذَا ضَرَبَ الْعَبْدَ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ هذا (باب) بالتنوين (إذا ضرب) الرجل (العبد فليجتنب الوجه). 2559 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ فُلاَنٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن عبيد الله) مصغرًا أبو ثابت المدنى قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله (قال: حدّثني مالك بن أنس) الإمام قال الحافظ ابن حجر: وكأن أبا ثابت تفرّد به عن ابن وهب فإني لم أره في شيء من المصنفات إلا من طريقه قال: أبو ثابت بالسند (قال) أي ابن

50 - كتاب المكاتب

وهب (وأخبرني) بالإفراد (ابن فلان) وكان ابن وهب سمعه من مالك وبالقراءة على الآخر وكان ابن وهب حريصًا على تمييز ذلك زاد أبو ذر في روايته عن المستملي، قال أبو إسحاق قال أبو حرب الذي قال ابن فلان هو قول ابن وهب وهو أي المبهم ابن سمعان يعني عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان المدني، وقد أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق عبد الرحمن بن خراش بكسر المعجمة عن البخاري قال: حدّثنا أبو ثابت محمد بن عبد الله المدني فذكر الحديث، لكن قال بدل قوله ابن فلان ابن سمعان فكأن البخاري كنّى به عنه في الصحيح عمدًا لضعفه فإنه مشهور بالضعف متروك الحديث كذبه مالك وأحمد وغيرهما ولا حدّث به البخاري خارج الصحيح، نسبه، لكن ليس له في الصحيح إلا هذا الموضع على أنه لم يسق المتن من طريقه مع كونه مقرونًا بل ساقه على لفظ رواية همام عن أبي هريرة، وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق العباس بن الفضل عن أبي ثابت فقال ابن فلان وفي موضع آخر فقال ابن سمعان: (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن أبيه) أبي سعيد كيسان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال المؤلّف بالسند (ح). (وحدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبّه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه) ولمسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة فليتق بدل فليجتنب وقاتل بمعنى قتل فالمفاعلة ليست على ظاهرها، ويؤيده حديث مسلم من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ إذا ضرب ومثله للنسائي من طريق عجلان ولأبي داود من طريق أبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة وعند المؤلّف في الأدب المفرد من طريق محمد بن غيلان أخبرني سعيد عن أبي هريرة إذا ضرب أحدكم خادمه، ويحتمل أن تكون على ظاهرها ليتناول ما يقع عند دفع الصائل مثلاً فينتهي دافعه عن القصد بالضرب إلى وجهه ويدخل في النهي كل من ضرب في حد أو تعزير أو تأديب، وفي حديث أبي بكرة وغيره عند أبي داود وغيره في قصة التي زنت فأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برجمها وقال: "ارموا واتقوا الوجه" وقد وقع في مسلم تعليل اتّقاء الوجه ففي حديث أبي هريرة من طريق أبي أيوب فإن الله خلق آدم على صورته والأكثر على أن الضمير يعود على المضروب لما تقدم من الأمر بإكرام وجهه، ولولا أن المراد التعليل بذلك لم يكن لهذه الجملة ارتباط بما قبلها وقيل يعود على آدم أي على صفته فأمر الاجتناب إكرامًا لآدم لمشابهته لصورة المضروب ومراعاة لحق الأبوّة وظاهر النهي التحريم، ويؤيده حديث سويد بن مقرن عند مسلم أنه رأى رجلاً لطم غلامه فقال أما علمت أن الصورة محرّمة. بسم الله الرحمن الرحيم 50 - كتاب المكاتب (بسم الله الرحمن الرحيم). (كتاب المكاتب) بضم الميم وفتح المثناة الفوقية الرقيق الذي يكاتبه مولاه على مال يؤديه إليه فإذا أدّاه عتق فإن عجز ردّ إلى الرقّ وبكسر التاء السيد الذي تقع منه المكاتبة والكتابة بكسر الكاف عقد عتق بلفظها بعوض منجم بنجمين فأكثر وهي خارجة عن قواعد المعاملات عند من يقول إن العبد لا يملك لدورانها بين السيد ورقيقه ولأنها بيع ماله بماله وكانت الكتابة متعارفة قبل الإسلام، فأقرّها الشارع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال الروياني: إنها إسلامية لم تكن في الجاهلية والأول هو الصحيح وأول من كوتب في الإسلام بريرة ومن الرجال سلمان وهي لازمة من جهة السيد إلا إن عجز العبد وجائزة له على الراجح، ولغير أبي ذر كما في الفتح كتاب المكاتب بدل قوله في المكاتب والبسملة ثابتة للكل. 1 - باب إِثْمِ مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ (باب إثم من قذف مملوكه) لم يذكر فيه حديثًا أصلاً ولعله بيض له ليثبت فيه ما ورد في معناه فلم يقدر له ذلك. نعم ترجم في كتاب الحدود وقذف العبد وساق فيه حديث من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جلد يوم القيامة، وقد سقطت هذه

1 - المكاتب ونجومه في كل سنة نجم

الترجمة عند أبي ذر والنسفيّ وهو الأولى لما لا يخفى. 1 - الْمُكَاتَبِ وَنُجُومِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ نَجْمٌ وَقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33]. وَقَالَ رَوْحٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَىَّ إِذَا عَلِمْتُ لَهُ مَالاً أَنْ أُكَاتِبَهُ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ إِلاَّ وَاجِبًا. وَقَالَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَتَأْثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: لاَ. ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسًا الْمُكَاتَبَةَ -وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ- فَأَبَى، فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ -رضي الله عنه-، فَقَالَ: كَاتِبْهُ، فَأَبَى، فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ وَيَتْلُو عُمَرُ: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}، فَكَاتَبَهُ". (باب المكاتب) بفتح التاء (ونجومه) بالجر عطفًا على سابقه وبالرفع على الاستئناف (في كل سنة نجم) رفع بالابتداء وخبره الجار والمجرور والجملة في موضع رفع على الخبرية وسقط للنسفي قوله نجم فالجار والمجرور في موضع نصب على الحال من قوله ونجومه ونجم الكتاب هو القدر المعين الذي يؤدّيه المكاتب في وقت معين، وأصله أن العرب كانوا يبنون أمورهم في المعاملة على طلوع النجم لأنهم لا يعرفون الحساب فيقول أحدهم: إذا طلع النجم الفلاني أدّيت حقك فسميت الأوقات نجومًا بذلك ثم سمي المؤدى في الوقت نجمًا، (وقوله) تعالى بالجر عطفًا على السابق ({والذين يبتغون الكتاب}) المكاتبة وهو أن يقول الرجل لمملوكه كاتبتك على ألف مثلاً منجمًا إذا أدّيته فأنت حر ويبين عدد النجوم وقسط كل نجم وهو إما أن يكون من الكتاب لأن السيد كتب على نفسه عتقه إذا وفى بالمال أو لأنه مما يكتب لتأجيله أو من الكتب بمعنى الجمع لأن العوض فيه يكون منجمًا بنجوم يضم بعضها إلى بعض ({مما ملكلت أيمانكم}) عبدًا أو أمة والموصول بصلته مبتدأ خبره ({فكاتبوهم}) أو مفعول بمضمر هذا تفسيره والفاء لتضمن معنى الشرط واشترط الشافعي التأجيل وقومًا مع التسمية بناء على أن الكتابة من الضم وأقل ما يحصل به الضم نجمان، ولأنه أمكن لتحصيل القدرة على الأداء وجوّز الحنفية والمالكية الكتابة حالاً ومؤجلاً ومنجمًا وغير منجم لأن الله تعالى لم يذكر التنجيم. وأجيب: بأن هذا احتجاج ضعيف لأن المطلق لا يعم مع أن العجز عن الأداء في الحال يمنع صحتها كما في السلم فيما لا يوجد عند المحل ({إن علمتم فيهم خيرًا}) أمانة وقدرة على أداء المال بالاحترام كما فسّره بهما إمامنا الشافعي -رحمه الله- وفسّره ابن عباس بالقدرة على الكسب والشافعي ضم إليها الأمانة لأنه قد يضيع ما يكسبه فلا يعتق، وفي المراسيل لأبي داود عن يحيى بن أبي كثير قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا} قال: إن علمتم فيهم حرفة ولا ترسلوهم كلاًّ على الناس، وقيل المراد الصلاح في الدين، وقيل المال وهما ضعيفان ولو فقد الشرطان لم تستحب لكن لا تكره لأن الخير شرط الأمر فلا يلزم من عدمه عدم الجواز. وقال ابن القطان: يكره والصحيح الأول ({وآتوهم من مال الله الذي آتاكم}) [النور: 33] أمر للموالي أن يبذلوا لهم شيئًا من أموالهم وفي معناه حط شيء من مال الكتابة وهو للوجوب عند الأكثر ويكفي أقل ما يتموّل، وذكر ابن السكن الماوردي من طريق ابن إسحاق عن خاله عبد الله بن صبيح عن أبيه وكان جدّ ابن إسحاق أبا أمه قال: كنت مملوكًا لحاطب فسألته الكتابة فأبى ففيّ أنزلت {والذين يبتغون الكتاب} الآية. قال ابن السكن: لم أر له ذكرًا إلا في هذا الحديث وصبيح ضبطه في فتح الباري بفتح الصاد المهملة ولم يضبطه في الإصابة، لكنه ذكره عقب صبيح بالتصغير والد أبي الضحى مسلم بن صبيح والأمر في قوله فكاتبوهم للندب وبه قطع جماهير العلماء لأن الكتابة معارضة تتضمن الإرفاق فلا تجب كغيرها إذا طلبها الملوك وإلاّ لبطل أثر الملك واحتكم المماليك على المالكين. (وقال روح): بمهملتين أولاهما مفتوحة بينهما واو ساكنة ابن عبادة مما وصله إسماعيل القاضي في أحكام القرآن وعبد الرزاق والشافعي من وجهين آخرين (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز المكي قال: (قلت لعطاء) هو ابن أبي رباح (أواجب عليّ) إذا طلب مني مملوكي الكتابة (إذا علمت له مالاً أن أكاتبه؟ قال: ما أراه) بضم الهمزة ولأبي ذر ما أراه بفتحها (إلا واجبًا. وقال عمرو بن دينار) بفتح العين (قلت لعطاء تأثره) ولأبي ذر: أتأثره بهمزة الاستفهام أي أترويه (عن أحد قال) عطاء (لا) أرويه عن أحد وظاهر هذا أنه من رواية عمرو بن دينار عن عطاء قال الحافظ ابن حجر: وليس كذلك بل وقع في هذه الرواية تحريف لزم منه الخطأ، والصواب ما رأيته في الأصل المعتمد من رواية النسفيّ عن البخاري بلفظ وقاله أي الوجوب عمرو بن دينار وفاعل

قلت لعطاء تأثره ابن جريج لا عمرو، وحينئذٍ فيكون قوله، وقال عمرو بن دينار معترضًا بين قوله ما أراه إلا واجبًا وبين قوله قلت لعطاء تأثره، ويؤيد ذلك ما أخرجه عبد الرزاق والشافعي ومن طريقه البيهقي كما رأيته في المعرفة له عن عبد الله بن الحرث كلاهما عن ابن جريج ولفظه قال: قلت لعطاء أواجب عليّ إذا علمت أن فيه خيرًا أن أكاتبه؟ قال: ما أراه إلا واجبًا وقالها عمرو بن دينار، وقلت لعطاء أتأثرها عن أحد. قال: لا. قال ابن جريج: (ثم أخبرني) أي عطاء (أن موسى بن أنس) أي ابن مالك الأنصاري قاضي البصرة (أخبره أن سيرين) بكسر السين المهملة أبا عمرة والد محمد بن سيرين الفقيه المشهور وكان من سبي عين التمر قرب الكوفة فاشتراه أنس في خلافة أبي بكر وذكره ابن حبان في ثقات التابعين (سأل أنسًا) هو ابن مالك الأنصاري (المكاتبة وكان كثير المال فأبى) أي امتنع أن يكاتبه (فانطلق) سيرين (إلى عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-) فذكر له ذلك (فقال) عمر لأنس: (كاتبه فأبى فضربه بالدرة) بكسر الدال وتشديد الراء آلة يضرب بها (ويتلو عمر) -رضي الله عنه- ({فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا}) فأدّاه اجتهاده إلى أن الأمر في الآية للوجوب وأنس إلى الندب (فكاتبه) وقرأت في باب تعجيل الكتابة من المعرفة للبيهقي عن أنس بن سيرين عن أبيه قال: اتبني أنس بن مالك على عشرين ألف درهم فأتيته بكتابته فأبى أن يقبلها مني إلا نجومًا فأتيت عمر بن الخطاب فذكرت ذلك له فقال: أراد أنس الميراث وكتب إلى أنس أن أقبلها من الرجل فقبلها. وقال الربيع، قال الشافعي: روي عن عمر بن الخطاب أن مكاتبًا لأنس جاءه فقال: إني أتيت بمكاتبتي إلى أنس فأبى أن يقبلها فقال: أنس يريد الميراث ثم أمر أنسًا أن يقبلها أحسبه قال فأبى فقال آخذها فأضعها في بيت المال فقبلها أنس، وروى ابن أبي شيبة من طريق عبيد الله بن أبي بكر بن أنس قال: هذه مكاتبة أنس عندنا هذا ما كاتب أنس غلامه سيرين كاتبه على كذا وكذا ألفًا وعلى غلامين يعملان مثل عمله. 2560 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: "إِنَّ بَرِيرَةَ دَخَلَتْ عَلَيْهَا تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا وَعَلَيْهَا خَمْسَةُ أَوَاقٍ نُجِّمَتْ عَلَيْهَا فِي خَمْسِ سِنِينَ؛ فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ -وَنَفِسَتْ فِيهَا- أَرَأَيْتِ إِنْ عَدَدْتُ لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً أَيَبِيعُكِ أَهْلُكِ فَأُعْتِقَكِ فَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي؟ فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَعَرَضَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: لاَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَنَا الْوَلاَءُ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهْوَ بَاطِلٌ، شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ". (وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله الذهلي في الزهريات عن أبي صالح كاتب الليث عن الليث قال: (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري لكن قال في الفتح المحفوظ رواية الليث له عن شهاب نفسه بغير واسطة أنه قال: (قال عروة) بن الزبير: (قالت عائشة -رضي الله عنها-: إن بريرة) بفتح الموحدة وكانت تخدم عائشة قبل أن تشتريها فلما كاتبها أهلها (دخلت عليها تستعينها في) شأن (كتابتها وعليها خمسة أواق) كجوار ولأبي ذر خمس أواقي بإسقاط تاء التأنيث من خمس إثبات التحتية في أواقي (نجمت) بضم النون مبنيًّا للمفعول صفة لأواقي أي وزعت وفرقت (عليها في خمس سنين) المشهور ما في رواية هشام بن عروة الآتية إن شاء الله تعالى بعد بابين أنها كاتبت على تسع أواق في كل عام أوقية، ومن ثم جزم الإسماعيلي أن هذه الرواية المعلقة غلط لكن جمع بينهما بأن التسع أصل والخمس كانت بقيت عليها، وبه جزم القرطبي والمحب الطبري، وعورض بأن في رواية قتيبة، ولم تكن أدت من كتابتها شيئًا. وأجيب: بأنها كانت حصلت أربع الأواقي قبل أن تستعين بعائشة ثم جاءتها وقد بقي عليها خمس أواق أو الخمس هي التي كانت استحقت عليها بحلول نجومها من جملة التسع الأواقي المذكورة في حديث هشام، ويؤيده قوله في رواية عمرة عن عائشة السابقة في أبواب المساجد فقال أهلها إن شئت أعطيت ما تبقى. (فقالت لها عائشة ونفست) بكسر الفاء أي رغبت (فيها) والجملة حالة (أرأيت) أي أخبرينى (إن عددت) الخمس الأواقي (لهم عدة واحدة أيبيعك أهلك فأعتقك) بضم الهمزة والنصب أي بأن مضمرة بعد الفاء (فيكون) نصب عطفًا على السابق (ولاؤك لي فذهبت بريرة إلى أهلها فعرضت ذلك) الذي قالت عائشة (عليهم فقالوا: لا) نبيعك (إلا أن يكون لنا الولاء. قالت عائشة: فدخلت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكرت ذلك) الذي قالوه (له فقال لها) أي لعائشة (رسول الله

2 - باب ما يجوز من شروط المكاتب، ومن اشترط شرطا ليس في كتاب الله فيه ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اشتريها فأعتقيها) بهمزة قطع (فإنما الولاء لمن أعتق ثم قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في الشروط في الناس فحمد الله وأثنى عليه يحتمل أنه أراد بقام ضد قعد فيكون دليلاً للخطبة من قيام، ويحتمل أن يكون المراد بقام إيجاد الفعل كقولهم قام بوظيفته والمعنى قام بأمر الخطبة (فقال: ما بال) ما حال (رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله) أي في حكم الله الذي كتبه على عباده وشرعه لهم (من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله) عز وجل (فهو باطل شرط الله) الذي شرطه وجعله شرعًا (أحق) أي هو الحق (وأوثق) بالمثلثة أي أقوى وما سواه واهٍ فأفعل التفضيل فيهما ليس على بابه. وهذا الحديث قد سبق في كتاب الصلاة في باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد، وأورده في عدة مواضع بوجوه مختلفة وطرق متباينة، وقد أفرد بعض الأئمة فوائده فزادت على ثلاثمائة. 2 - باب مَا يَجُوزُ مِنْ شُرُوطِ الْمُكَاتَبِ، وَمَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِيهِ ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب ما يجوز من شروط المكاتب) بفتح التاء (ومن اشترط شرطًا ليس في كتاب الله) عز وجل (فيه) أي في الباب (ابن عمر) بن الخطاب ولأبي ذر فيه عن ابن عمر بن الخطاب (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي ذر وكأنه أشار إلى حديث ابن عمر الآتي إن شاء الله تعالى في الباب الثاني. 2561 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ: "أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا، وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا. قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لأَهْلِهَا فَأَبَوْا وَقَالُوا إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لَنَا. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. قَالَ: ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ، شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد أبو رجاء البغلاني قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام زاد في نسخة عن عقيل بضم العين ابن خالد بن عقيل بفتح العين (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (أن عائشة -رضي الله عنها- أخبرته أن بريرة جاءت) إليها (تستعينها في) مال (كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئًا قالت لها عائشة ارجعي إلى أهلك) ساداتك (فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك) وللكشميهني عن كتابتك (ويكون) نصب عطفًا على المنصوب السابق (ولاؤك لي) وجواب الشرط قوله: (فعلت) وظاهره أن عائشة طلبت أن يكون الولاء لها إذا أدّت جميع مال الكتابة وليس ذلك مرادًا وكيف تطلب ولاء من أعتقه غيرها، وقد أزال هذا الإشكال ما وقع في رواية أبي أسامة عن هشام حيث قال بعد قوله أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت فتبين أن غرضها أن تشتريها شراء صحيحًا ثم تعتقها إذ العتق فرع ثبوت اللك (فذكرت ذلك) الذي قالته عائشة بريرة (لأهلها فأبوا) فامتنعوا أن يكون الولاء لعائشة (وقالوا: وإن شاءت) أي عائشة (أن تحتسب) الأجر (عليك) عند الله (فلتفعل ويكون) نصب عطفًا على أن تحتسب (ولاؤك لنا) لا لها (فذكرت) بريرة (ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي الشروط فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم فأبوا عليها فجاءت من عندهم ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس فقالت: إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرت عائشة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): وسقط لفظ لها في رواية أبي ذر. (ابتاعي) ها (فاعتقي) ها بهمزة قطع (فإنما الولاء لمن أعتق قال: ثم قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: ما بال أناس يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله) قال ابن خزيمة: أي ليس في حكم الله جوازها أو وجوبها لا أن كل من شرط شرطًا لم ينطق به الكتاب باطل لأنه قد يشترط في البيع الكفيل فلا يبطل الشرط ويشترط في الثمن شروط من أوصافه أو نجومه ونحو ذلك فلا يبطل فالشروط المشروعة صحيحة وغيرها باطل (من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله) عز وجل (فليس له وإن شرط) ولأبي ذر وإن اشترط (مائة مرة) ولأبي ذر عن المستملي مائة شرط توكيد لأن العموم في قوله من اشترط دال على بطلان جميع الشروط المذكورة فلا حاجة إلى تقييدها بالمائة فلو زادت عليها كان الحكم كذلك لما دلّت عليه الصيغة (شرط الله أحق وأوثق) ليس أفعل التفضيل فيهما على بابه فالمراد أن شرط الله هو الحق والقوي وما سواه واهٍ كما مرّ. 2562 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَرَادَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً لِتُعْتِقَهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: عَلَى أَنَّ وَلاَءَهَا لَنَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ يَمْنَعُكِ ذَلِكِ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك)

3 - باب استعانة المكاتب وسؤاله الناس

هو ابن أنس إمام دار الهجرة (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أرادت عائشة أُم المؤمنين -رضي الله عنها-) وسقط لأبي ذر أُم المؤمنين (أن تشتري جارية) هي بريرة (لتعتقها) بضم التاء والنصب وفى نسخة رقم عليها في الفرع وأصله علامة السقوط تعتقها بضم أوّله مع إسقاط اللام والرفع (فقال) ولأبي ذر: قال (أهلها) نبيعكها (على أن ولاءها لنا قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لعائشة: (لا يمنعك) ولأبي ذرة لا يمنعنك بنون التوكيد الثقيلة (ذلك) الشرط الذي شرطوه من شرائها وعتقها (فإنما الولاء لمن أعتق) وليس في حديثي الباب إلا ذكر شرط الولاء وجمع في الترجمة بين حكمين وكأنه فسر الأول بالثاني وإن ضابط الجواز ما كان في كتاب الله أي في حكمه من كتاب أو سُنّة أو إجماع، وقد اشترط لصحة الكتابة شروط أن يكاتب السيد المختار المتأهل للتبرع جميع العبد فلا يصحّ كتابة بعضه لأنه حينئذٍ لا يستقل بالتردّد لاكتساب النجوم إلا أن يكون باقيه حرًّا أو يكاتبه مالكاه معًا ولو بوكالة إن اتفقت النجوم جنسًا وأجلاً وعددًا فتصح لأنها حينئذٍ تفيد الاستقلال وليس له في الثانية أن يدفع لأحد المالكين شيئًا لم يدفع مثله للآخر في حال دفعه إليه، فإن أذن أحدهما في دفع شيء للآخر ليختص به لم يصح القبض وتصح كتابة بعضه أيضًا في صور: منها إذا أوصى بكتابة عبد فلم يخرج من الثلث إلا بعضه ولم تجز الورثة وأن يقول مع لفظ الكتابة إذا أدّيت النجوم إليّ فأنت حر أو ينويه فلا يكفي لفظ الكتابة بلا تعليق ولا نيّة لأنه يقع على هذا العقد وعلى المخارجة فلابدّ من تمييزه بذلك وأن يقول المكاتب قبلت وبه تتم الصيغة، وأن تكون عوضًا معلومًا فلا تصح بمجهول وأن يكون العوض أقل من نجمين كما جرى عليه الصحابة فمن بعدهم فلا تجوز بعوض حال، فإن كاتبه على دينار الآن وخدمة شهر لم يجز لعدم تنجيم الدينار أو على خدمة شهر من الآن ودينار عند تقضيه أو قبله أو بعده في زمن معلوم جاز لأن المنفعة مستحقة في الحال والمدة لتقديرها وللتوفية فيها والدينار إنما تستحق المطالبة به في وقت آخر، وإذا اختلف الاستحقاق حصل التنجيم ولا بأس بكون المنفعة حالّة لأن التأجيل إنما يشترط لحصول القدرة وهو قادر على الاشتغال بالخدمة في الحال فالتنجيم إنما هو شرط في غير المنفعة التي عليه الشروع فيها في الحال. 3 - باب اسْتِعَانَةِ الْمُكَاتَبِ وَسُؤَالِهِ النَّاسَ (باب) جواز (استعانة المكاتب) أي طلبه العون من غيره ليعينه بشيء يضمه إلى مال الكتابة (وسؤاله الناس). 2563 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "جَاءَتْ بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً وَأُعْتِقَكِ فَعَلْتُ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي. فَذَهَبَتْ إِلَى أَهْلِهَا، فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ. فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: خُذِيهَا فَأَعْتِقِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاَءَ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ رِجَالٍ مِنْكُمْ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ فَأَيُّمَا شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهْوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، فَقَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، مَا بَالُ رِجَالٍ مِنْكُمْ يَقُولُ أَحَدُكُمْ أَعْتِقْ يَا فُلاَنُ وَلِيَ الْوَلاَءُ إِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين مصغرًا من غير إضافة الهباري بفتح الهاء والموحدة المشددة القرشي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) ولأبي ذر: عن هشام بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: جاءت بريرة فقالت إني كاتبت أهلي على تسع أواق) وفي نسخة في اليونينية أوقية (في كل عام وقية) ولأبي ذر أوقية بزيادة همزة مضمومة قبل الواو وهي أربعون درهمًا (فأعينيني) بصيغة الأمر للمؤنث من الإعانة أي على مال كتابتي ولأبي ذر عن الكشميهني فأعيتني بصيغة الخبر الماضي من الإعياء أي أعجزتني الأواقي عن تحصيلها (فقالت عائشة) لبريرة: (إن أحب أهلك أن أعدها) أي الأواقي (لهم عدة واحدة وأعتقك) نصب عطفًا على أن أعدّها (فعلت ويكون) بالنصب أيضًا ولأبي ذر فيكون بالفاء (ولاؤك لي فذهبت إلى أهلها فأبوا ذلك عليها) فجاءت إلى عائشة (فقالت: إني عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم) أي إلا بأن فحذف منه حرف الجر أي بشرط ذلك والاستثناء مفرغ لأن في أبى معنى النفي قال الزمخشري في قوله تعالى: {ويأبى الله إلا أن يتم نوره} قد أجرى أبي مجرى لم يرد ألا ترى كيف قوبل {يريدون أن يطفئوا نور الله} [التوبة: 32] بقوله {ويأبى الله إلا أن يتم نوره} [التوبة: 32] فقوله: {ويأبى الله} واقع موقع لم يرد قالت عائشة: (فسمع بذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فسألني فأخبرته فقال): (خذيها) اشتريها (فأعتقيها) بهمزة قطع (واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء

4 - باب بيع المكاتب إذا رضي.

لمن أعتق) ولأبي ذر: فإن الولاء. واستشكل قوله واشترطي لهم الولاء لأنه يفسد البيع ومتضمن للخداع والتغرير، وكيف أذن لأهله بما لا يصح ومن ثم أنكر يحيى بن أكثم فيما رواه الخطابي عنه ذلك، وعن الشافعي في الأم الإشارة إلى تضعيف رواية هشام المصرّحة بالاشتراط لكونه انفرد بها دون أصحاب أبيه. وقال في المعرفة فيما قرأته فيها حديث يحيى عن عمرة عن عائشة أثبت من حديث هشام، وأحسبه غلط في قوله واشترطي لهم الولاء، وأحسب حديث عمرة أن عائشة شرطت لهم الولاء بغير أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي ترى ذلك يجوز فأعلمها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها إن أعتقتها فالولاء لها. وقال: لا يمنعك عنها ما تقدم من شرطك ولا أرى أنه أمرها أن تشترط لهم ما لا يجوز ثم قال بعد سياقه لحديث نافع عن ابن عمر السابق في الباب الذي قبل هذا ولعل هشامًا أو عروة حين سمع أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا يمنعك ذلك" رأى أنه أمرها أن تشترط لهم الولاء فلم يقف من حفظه على ما وقف عليه ابن عمر انتهى. وقد أثبت رواية هشام جماعة وقالوا هشام ثقة حافظ والحديث متفق على صحته فلا وجه لردّه، واختلفوا في تأويلها فقيل لهم بمعنى عليهم كقوله تعالى: {لهم اللَّعنة} [الرعد: 25] أي عليهم، وهذا رواه البيهقي في المعرفة من طريق أبي حاتم الرازي عن حرملة عن الشافعي، وقال النووي تأويل اللام بمعنى على هنا ضعيف لأنه عليه الصلاة والسلام أنكر الاشتراط، ولو كانت بمعنى على لم ينكره، وقيل الأمر هنا للإباحة وهو على جهة التنبيه على أن ذلك لا ينفعهم فوجوده وعدمه سواء فكأنه يقول: اشترطي أو لا تشترطي فذلك لا يفيدهم، وقال النووي: أقوى الأجوبة أن هذا الحكم خاص بعائشة، في هذه القضية، وتعقبه ابن دقيق العيد: بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل وبأن الشافعي نص على خلاف هذه المقالة ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في الشروط. (قالت عائشة: فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الناس) خطيبًا (فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فما) بالفاء في اليونينية (بال) أي ما حال (رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله فأيما شرط ليس) ولأبي ذر كان ليس (في كتاب الله) أي في حكمه من كتاب أو سُنّة أو إجماع (فهو باطل وإن كان مائة شرط) قال القرطبي: خرج مخرج التكثير يعني أن الشروط غير المشروعة باطلة ولو كثرت (فقضاء الله أحق) أي بالاتباع من الشروط المخالفة له (وشرط الله أوثق) باتباع حدوده التي حدّها وليست المفاعلة هنا على حقيقتها إذ لا مشاركة بين الحق والباطل (ما) بغير فاء في اليونينية (بال رجال منكم يقول أحدهم أعتق يا فلان ولي الولاء إنما الولاء لمن أعتق) ويستفاد من التعبير بإنما إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه فلا ولاء لمن أسلم على يديه رجل، وفيه جواز سعي المكاتب وسؤاله واكتسابه وتمكين السيد له من ذلك، لكن محل الجواز إذا عرفت جهة حل كسبه وأن للمكاتب أن يسأل من حين الكتابة ولا يشترط في ذلك عجزه خلافًا لمن شرطه وأنه لا بأس بتعجيل مال الكتابة إلى غير ذلك مما سيأتي إن شاء الله تعالى في محاله. 4 - باب بَيْعِ الْمُكَاتَبِ إِذَا رَضِيَ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَىْءٌ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هُوَ عَبْدٌ إِنْ عَاشَ وَإِنْ مَاتَ وَإِنْ جَنَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَىْءٌ. (باب) جواز (بيع المكاتب إذا رضي) وللحمُوي والمستملي: بيع المكاتبة قال في الفتح: والأوّل أصح لقوله إذا رضي، (وقالت عائشة) رضي الله عنها مما وصله ابن أبي شيبة وابن سعد (هو) أي المكاتب (عبد ما بقي عليه شيء) من مال الكتابة، (وقال زيد بن ثابت) مما وصله الشافعي وسعيد بن منصور (ما بقي عليه درهم، وقال ابن عمر) -رضي الله عنهما- مما وصله ابن أبي شيبة (هو عبد إن عاش وإن مات وإن جنى ما بقي عليه شيء). 2564 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: "أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- فَقَالَتْ لَهَا: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَصُبَّ لَهُمْ ثَمَنَكِ صَبَّةً وَاحِدَةً فَأُعْتِقَكِ فَعَلْتُ. فَذَكَرَتْ بَرِيرَةُ ذَلِكَ لأَهْلِهَا فَقَالُوا: لاَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ وَلاَؤُكِ لَنَا. قَالَ مَالِكٌ قَالَ يَحْيَى: فَزَعَمَتْ عَمْرَةُ أَنَّ عَائِشَةَ ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن يحيى بن سعيد (¬1) عن عمرة بنت عبد الرحمن) الأنصارية المدنية (أن بريرة جاءت تستعين عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- فقالت لها إن أحب أهلك أن أصبّ لهم ثمنك صبة واحدة فأعتقك) بضم الهمزة والنصب عطفًا على أن أصبّ بالفاء، ولأبي ذر: ¬

(¬1) بياض بالأصل.

5 - باب إذا قال المكاتب اشترني وأعتقني، فاشتراه لذلك

وأعتقك (فعلت فذكرت بريرة ذلك لأهلها فقالوا: لا إلاّ أن يكون ولاؤك) وللحموي والمستملي: الولاء (لنا. قال مالك) الإمام بالإسناد السابق (قال يحيى) بن سعيد: (فزعمت عمرة أن عائشة) الزعم يستعمل بمعنى القول المحقق أي قالت إن عائشة (ذكرت ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لها: (اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق) وظاهر هذا الحديث جواز بيع رقبة المكاتب إذا رضي بذلك ولو لم يعجز نفسه واختاره المؤلّف وهو مذهب الإمام أحمد ومنعه أبو حنيفة والشافعي في الأصح وبعض المالكية، وأجابوا عن قصة بريرة بأنها عجزت نفسها لأنها استعانت بعائشة في ذلك، وعورض ليس في استعانتها ما يستلزم العجز ولا سيما مع القول بجواز كتابة من لا مال عنده ولا حِرفة له. قال ابن عبد البر: ليس في شيء من طرق حديث بريرة أنها عجزت عن أداء النجوم ولا أخبرت بأنها قد حلّ عليها شيء لم يرد في شيء من طرقه استفصال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها عن شيء من ذلك انتهى. لكن قال الشافعي مما رأيته في المعرفة: إذا رضي أهلها بالبيع ورضيت المكاتبة بالبيع فإن ذلك ترك الكتابة. 5 - باب إِذَا قَالَ الْمُكَاتَبُ اشْتَرِنِي وَأَعْتِقْنِي، فَاشْتَرَاهُ لِذَلِكَ هذا (باب) بالتنوين (إذا قال المكاتب) لأحد (اشتري) من سيدي ولأبي ذر اشترني (وأعتقني فاشتراه لذلك) جاز وحذف جواب إذا. 2565 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَيْمَنُ قَالَ: "دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَقُلْتُ: كُنْتُ لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ وَمَاتَ وَوَرِثَنِي بَنُوهُ، وَإِنَّهُمْ بَاعُونِي مِنَ ابْنِ أَبِي عَمْرٍو فَأَعْتَقَنِي ابْنُ أَبِي عَمْرٍو، وَاشْتَرَطَ بَنُو عُتْبَةَ الْوَلاَءَ. فَقَالَتْ: دَخَلَتْ بَرِيرَةُ وَهْيَ مُكَاتَبَةٌ فَقَالَتِ: اشْتَرِينِي وَأَعْتِقِينِي، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَتْ: لاَ يَبِيعُونِي حَتَّى يَشْتَرِطُوا وَلاَئِي، فَقَالَتْ: لاَ حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ. فَسَمِعَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَوْ بَلَغَهُ- فَذَكَرَ لِعَائِشَةَ فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ مَا قَالَتْ لَهَا، فَقَالَ: اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا وَدَعِيهِمْ يَشْتَرِطُونَ مَا شَاءُوا، فَاشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ فَأَعْتَقَتْهَا، وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا الْوَلاَءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَإِنِ اشْتَرَطُوا مِائَةَ شَرْطٍ". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عبد الواحد بن أيمن) المخزومي مولاهم المكي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي أيمن) الحبشي المكي (قال: دخلت على عائشة -رضى الله عنها- فقلت) لها (كنت لعتبة بن أبي لهب) أي ابن عبد المطلب بن هاشم ابن عمّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسلم عام الفتح، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: كنت غلامًا لعتبة بن أبي لهب (ومات) لعله في خلافة أبي بكر -رضي الله عنه-، (وورثني بنوه) العباس وهاشم وغيرهما (وإنهم باعوني من ابن أبي عمرو) بفتح العين وللكشميهني باعوني من عبد الله بن أبي عمرو بن عمر بضم العين ابن عبد الله المخزومي (فأعتقني ابن أبي عمرو واشترط بنو عتبة) عليه (الولاء) لهم عليّ (فقالت) عائشة (دخلت) عليّ (بربرة وهي مكاتبة فقالت: اشتريني وأعتقيني) بواو العطف ولأبي ذر فأعتقينى (قالت) عائشة فقلت لها (نعم. قالت) بريرة (لا يبيعوني) تعني أهلها (حتى يشترطوا) عليك أن يكون (ولائي) لهم (فقالت) عائشة فقلت: (لا حاجة لي بذلك) على أن يكون الولاء لهم (فسمع بذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قالت: (بلغه) شك من الراوي (فذكر ذلك) أي الذي سمعه أو بلغه (لعائشة) وسقط من اليونينية ذلك من قوله فذكر وثبت في فرعها (فذكرت عائشة) له عليه الصلاة والسلام (ما قالت لها) بريرة (فقال) عليه الصلاة والسلام لها: (اشتريها وأعتقيها) بهمزة قطع بعد واو العطف ولأبي ذر فأعتقيها (ودعيهم يشترطون ما شاؤوا) ولأبي ذر: يشترطوا بإسقاط النون منصوبًا بأن مقدرة (فاشترتها عائشة فأعتقتها) فيه دليل على أن عقد الكتابة الذي كان عقد لها مواليها الفسخ بابتياع عائشة لها (واشترط أهلها الولاء فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الولاء لمن أعتق وإن اشترطوا مائة شرط). وفي هذا الحديث جواز كتابة الأمة كالعبد وجواز سعي المكاتبة والسؤال لمن احتاج إليه من دين أو غرم أو نحوهما وغمر ذلك مما سيأتي إن شاء الله تعالى في محاله. بسم الله الرحمن الرحيم 51 - كتاب الهبة (بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الهبة). 1 - باب الهبة وفضلها والتحريض عليها (باب الهبة وفضلها والتحريض عليها) ولأبي ذر عن الكشميهني وابن شبويه فيها بدل قوله عليها وأخّر النسفيّ البسملة. والهبة بكسر الهاء مصدر من وهب يهب وأصلها وهب لأنها معتلّة الفاء كالعدة أصلها وعد فلما حذفت الفاء عوّض عنها الهاء، فقيل هبة وعدة ومعناها في اللغة إيصال الشيء للغير بما ينفعه مالاً كان أو غير مال يقال وهبه له كودعه وهبًا ووهبًا وهبة ولا تقل وهبكه، وحكاه أبو عمرو عن أعرابي والموهبة العطية وهي في الشرع

تمليك بلا عوض في الحياة وأورد عليه ما لو أهدي لغني من لحم أضحية أو هدي أو عقيقة فإنه هبة ولا تمليك فيه وما لو وقف شيئًا فإنه تمليك بلا عوض وليس بهبة. وأجيب عن الأول بمنع أنه لا تمليك فيه بل تمليك لكن يمنع من التصرف فيه بالبيع ونحوه كما علم من باب الأضحية، وعن الثاني بأنه تمليك منفعة وإطلاقهم التمليك إنما يريدون به الأعيان وهي شاملة للهدية والصدقة، فأما الهدية فهي تمليك ما يبعث غالبًا بلا عوض إلى المهدى إليه إكرامًا له فلا رجوع فيها إذا كانت لأجنبي فإن كانت من الأب لولده فله الرجوع فيها بشرط بقاء الموهوب في سلطنة المتهب، ومنها الهدي المنقول إلى الحرم ولا يقع اسم الهدية على العقار لامتناع نقله فلا يقال أهدى إليه دارًا ولا أرضًا بل على المنقول كالثياب والعبيد. واستشكل ذلك بأنهم صرّحوا في باب النذر بما يخالفه حيث قالوا لو قال: لله عليّ أن أهدي هذا البيت أو الأرض أو نحوهما مما ينقل صحّ وباعه ونقل ثمنه. وأجيب: بأن الهدي وإن كان من الهدية لكنهم توسعوا فيه بتخصيصه بالإهداء إلى فقراء الحرم وبتعميمه في المنقول وغيره ولهذا لو نذر الهدي انصرف إلى الحرم ولم يحمل على الهدية إلى فقير، وأما الصدقة فهي تمليك ما يعطى بلا عوض للمحتاج لثواب الآخرة، وأما الهبة فهي تمليك بلا عوض خالٍ عما ذكر في الصدقة والهدية بإيجاب وقبول لفظًا بأن يقول نحو وهبت لك هذا فيقول قبلت، ولا يشترطان في الهدية على الصحيح بل يكفي البعث من هذا والقبض من ذاك وكلٌّ من الصدقة والهدية هبة ولا عكس فلو حلف لا يهب له فتصدّق عليه أو أهدى له حنث والاسم عند الإطلاق ينصرف إلى الأخير واستعمل المؤلّف المعنى الأعم فإنه أدخل فيها الهدايا. 2566 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ». [الحديث 2566 - طرفه في: 6017]. وبه قال: (حدّثنا عاصم بن علي) أبو الحسين الواسطي مولى قريبة بنت محمد بن أبي بكر الصدّيق قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن الحرث بن أبي ذئب (عن المقبري) سعيد (عن أبيه) كيسان بفتح الكاف وسقط قوله عن أبيه في رواية الأصيلي وابن عساكر وكريمة. قال في الفتح: وضبب عليه في رواية النسفيّ والصواب إثباته (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يا نساء المسلمات) بضم الهمزة منادى مفرد معرّف بالإقبال عليه والمسلمات صفة له فيرفع على اللفظ وينصب على المحل ويجوز فتح الهمزة على أنه منادى مضاف، والمسلمات حينئذٍ صفة لموصوف محذوف تقديره يا نساء الطوائف أو نساء النفوس المسلمات فيخرج حينئذٍ عن إضافة الموصوف إلى الصفة، وأنكر ابن عبد البر رواية الإضافة وردّه ابن السيد بأنها قد صحت نقلاً وساعدتها اللغة فلا معنى للإنكار، وفي النسخة المقروءة على الميدومي: يا نساء المؤمنات، ورواه الطبراني من حديث عائشة بلفظ يا نساء المؤمنين (لا تحقرن جارة) هدية مهداة (لجارتها) ولأبي ذر: لجارة (ولو) أنها تهدي (فرسن شاة) بفاء مكسورة فراء ساكنة فسين مهملة مكسورة عظم قليل اللحم وهو للبعير موضع الحافر من الفرس ويطلق على الشاة مجازًا، وأشير بذلك إلى المبالغة في إهداء الشيء اليسير وقبوله لا إلى حقيقة الفرسن لأنه لم تجر العادة بإهدائه أي لا تمنع جارة من الهدية لجارتها الموجود عندها لاستقلاله، بل ينبغي أن تجود لها بما تيسر وإن كان قليلاً فهو خير من العدم وإذا تواصل القليل صار كثيرًا وفي حديث عائشة المذكور يا نساء المؤمنين تهادوا ولو فرسن شاة فإنه يثبت المودة ويذهب الضغائن. وحديث الباب أخرجه مسلم أيضًا، وأخرجه الترمذي من طريق أبي معشر عن سعيد عن أبي هريرة ولم يقل عن أبيه، وزاد في أوله تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر الحديث. وقال: غريب. وأبو معشر مضعف وقال الطرقي: أنه أخطأ فيه لم يقل عن أبيه كذا قال وقد تابعه محمد بن عجلان عن سعيد أخرجه أبو عوانة لكن من زاد فيه عن أبيه أحفظ وأضبط فروايتهم أولى قاله الحافظ ابن حجر. 2567 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: "ابْنَ أُخْتِي، إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلاَلِ ثُمَّ الْهِلاَلِ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَارٌ. فَقُلْتُ: يَا خَالَةُ، مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتِ: الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ كَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ، وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَلْبَانِهِمْ فَيَسْقِينَا". [الحديث 2567 - طرفاه في: 6458، 6459]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز

2 - باب القليل من الهبة

بن عبد الله) بن يحيى بن عمرو بن أويس (الأويسي) بضم الهمزة وفتح الواو وسكون التحتية المدني قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (ابن أبي حازم) هو عبد العزيز واسم أبي حازم سلمة بن دينار (عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار (عن يزيد بن رومان) بضم الراء مولى آل الزبير (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت لعروة) بن الزبير: (ابن أختي) بوصل الهمزة وتكسر في الابتداء وفتح النون على النداء وأداة النداء محذوفة كذا في روايتنا بوصل الهمزة وهو الذي في الفرع. وقال الزركشي بفتح الهمزة. قال ابن الدماميني: فتكون الهمزة نفسها حرف نداء ولا كلام في ذلك مع ثبوت الرواية اهـ. وأم عروة هي أسماء بنت أبي بكر وفي رواية يحيى بن يحيى عن عبد العزيز عند مسلم: والله يا ابن أختي (إن كنا لننظر إلى الهلال) إن هذه مخففة من الثقيلة دخلت على الفعل الماضي الناسخ واللام في لننظر فارقة بينها وبين النافية وهذا مذهب البصريين، وأما الكوفيون فيرونها إن النافية ويجعلون اللام بمعنى إلا (ثم الهلال ثم الهلال) بالجر عطفًا على السابق (ثلاثة أهلّة) نكملها (في شهرين) باعتبار رؤية الهلال في أوّل الشهر الأول، ثم رؤيته ثانيًا في أول الشهر الثاني، ثم رؤيته في أوّل الشهر الثالث فالمدة ستون يومًا والمرئي ثلاثة أهلة. وقوله: ثلاثة بالنصب بتقدير لننظر وبالجر (وما أوقدت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (في أبيات رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نار) بالرفع نائبًا عن الفاعل. وعند المؤلّف في الرقاق من طريق هشام بن عروة عن أبيه بلفظ: كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارًا، ولا منافاة بينها وبين رواية يزيد بن رومان هذه، وعند ابن ماجه, من طريق أبي سلمة عن عائشة -رضي الله عنها- بلفظ: لقد كان يأتي على آل محمد الشهر وما نرى في بيت من بيوته الدخان الحديث. قال عروة (فقلت) أي لعائشة -رضي الله عنها- (يا خالة) بضم التاء منادى مفرد ولأبي ذر: يا خالت بكسرها (ما كان يعيشكم) بضم المثناة التحتية وكسر العين وسكون التحتية من أعاشه الله عيشة، ولأبي ذر: يعيشكم بضم الياء الأولى وفتح العين وتشديد الياء الثانية، وقول الحافظ ابن حجر رحمه الله وفي بعض النسخ ما كان يغنيكم بسكون الغين المعجمة بعدها نون مكسورة ثم تحتية، تعقبه العيني بأنه تصحف عليه فجعله من الإغناء وليس هو إلا من القوت كذا قال: (قالت: الأسودان) أي قالت عائشة كان يعيشنا (التمر والماء) من باب التغليب كالعمرين والقمرين وإلاّ فالماء لا لون له، ولذلك قالوا: الأبيضان اللبن والماء، وإنما أطلقت على التمر أسود لأنه غالب تمر المدينة. وقول بعض الشرّاح تبعًا لصاحب المحكم أن تفسير الأسودين بالتمر والماء مدرج تعقب بأن الإدراج لا يثبت بالتوهم قاله في الفتح (إلا أنه قد كان لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جيران من الأنصار) بكسر الجيم سعد بن عبادة وعبد الله بن عمرو بن حرام وأبو أيوب خالد بن زيد وسعد بن زرارة وغيرهم (كانت لهم منائح) جمع منيحة بفتح الميم وكسر النون وسكون التحتية آخره حاء مهملة أي غنم فيها لبن (وكانوا يمنحون) بفتح أوله وثالثه مضارع منح أي يعطون (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ألبانهم) وبضم أوله وكسر ثالثه مضارع أمنح، والذي في اليونينية يمنحون بفتح الياء والنون وبفتح الياء وكسر النون أي يجعلونها له منحة أي عطية (فيسقينا). وهذا موضع الترجمة لأنهم كانوا يهدون إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ألبان منائحهم وفي الهدية معنى الهبة. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة، ورواته كلهم مدنيون ورواية الراوي عن خالته وثلاثة من التابعين على نسق واحد أولهم أبو حازم، وأخرجه مسلم. 2 - باب الْقَلِيلِ مِنَ الْهِبَةِ (باب القليل من الهبة). 2568 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَىَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ». [الحديث 2568 - طرفه في: 5178]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة المفتوحة والمعجمة المشددة العبدي البصري بندار قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) هو محمد بن أبي عدي واسمه إبراهيم البصري (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن

3 - باب من استوهب من أصحابه شيئا

مهران الأعمش (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لو دعيت إلى ذراع) بالذال المعجمة وهو الساعد وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب أكله لأنه مبادي الشاة وأبعد عن الأذى (أو كراع) بضم الكاف وبعد الراء ألف ثم عين مهملة ما دون الركبة من الساق (لأجبت) الداعي (ولو أهدي إليّ ذراع أو كراع لقبلت) وهذا يدل على جواز القليل من الهدية وأنه لا يردّ والهدية في معنى الهبة فتحصل المطابقة بين الحديث والترجمة وإنما حضّ على قبول الهدية وإن قلّت لما فيه من التآلف. 3 - باب مَنِ اسْتَوْهَبَ مِنْ أَصْحَابِهِ شَيْئًا وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا». (باب من استوهب من أصحابه شيئًا) سواء كان عينًا أو منفعة جاز بغير كراهة في ذلك إذا كان يعلم طيب أنفسهم، (وقال أبو سعيد) الخدري في حديث الرقية بالفاتحة الموصول بتمامه في كتاب الإجارة (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اضربوا لي معكم سهمًا). 2569 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْسَلَ إِلَى امْرَأَةٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَكَانَ لَهَا غُلاَمٌ نَجَّارٌ قَالَ لَهَا: مُرِي عَبْدَكِ فَلْيَعْمَلْ لَنَا أَعْوَادَ الْمِنْبَرِ، فَأَمَرَتْ عَبْدَهَا، فَذَهَبَ فَقَطَعَ مِنَ الطَّرْفَاءِ، فَصَنَعَ لَهُ مِنْبَرًا. فَلَمَّا قَضَاهُ أَرْسَلَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَدْ قَضَاهُ، قَالَ: أَرْسِلِي بِهِ إِلَىَّ، فَجَاءُوا بِهِ، فَاحْتَمَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَضَعَهُ حَيْثُ تَرَوْنَ". وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي المصري قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة وبعد الألف نون محمد بن مطرف الليثي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار (عن سهل) هو ابن سعد الساعدي الأنصاري (-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسل إلى امرأة من المهاجربن) هذا وهم من أبي غسان، والصواب أنها من الأنصار. نعم يحتمل أن تكون أنصارية حالفت مهاجريًّا أو تزوّجت به أو بالعكس واختلف في اسمها كما مرّ في الجمعة قال في الفتح: وأغرب الكرماني هنا فزعم أن اسم المرأة مينا وهو وهم وإنما قيل ذلك في اسم النجار اهـ. (وكان لها غلام نجار) اسمه باقوم وقيل غير ذلك (قال لها): (مري عبدك) ولأبي ذر فقال: مري بإسقاط لها وإثبات الفاء قبل القاف (فليعمل لنا أعواد المنبر) أي ليفعل لنا فعلاً في أعواد من نجر وتسوية وخرط يكون منها منبر (فأمرت عبدها) بذلك (فذهب فقطع من الطرقاء) التي بالغابة (فصنع له) أي للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (منبرًا فلما قضاه) أي صنعه وأحكمه (أرسلت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه) أي عبدها (قد قضاه) أي المنبر (قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لفظ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى آخره لأبي ذر (أرسلي به) أي بالمنبر (إليّ) وهمزة أرسلي مفتوحة (فجاؤوا به فاحتمله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوضعه حيث ترون). ومطابقته للترجمة لا تخفى، والحديث سبق في كتاب الجمعة. 2570 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنْتُ يَوْمًا جَالِسًا مَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَنْزِلٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ - وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَازِلٌ أَمَامَنَا - وَالْقَوْمُ مُحْرِمُونَ وَأَنَا غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا - وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نَعْلِي - فَلَمْ يُؤْذِنُونِي بِهِ، وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ، فَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ، فَقُمْتُ إِلَى الْفَرَسِ فَأَسْرَجْتُهُ، ثُمَّ رَكِبْتُ، وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقَالُوا: لاَ وَاللَّهِ لاَ نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَىْءٍ. فَغَضِبْتُ، فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُمَا، ثُمَّ رَكِبْتُ فَشَدَدْتُ عَلَى الْحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ، فَوَقَعُوا فِيهِ يَأْكُلُونَهُ. ثُمَّ شَكُّوا فِي أَكْلِهِمْ إِيَّاهُ وَهُمْ حُرُمٌ، فَرُحْنَا -وَخَبَأْتُ الْعَضُدَ مَعِي- فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: مَعَكُمْ مِنْهُ شَىْءٌ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ فَأَكَلَهَا حَتَّى نَفَّدَهَا وَهْوَ مُحْرِمٌ". فَحَدَّثَنِي بِهِ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى أبو القاسم القرشي العامري الأويسي (قال: حدّثني) بالإفراد (محمد بن جعفر) هو ابن أبي كثير الأنصاري المدني (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن عبد الله بن أبي قتادة) الحرث (السلمي) بفتح السين المهملة واللام الأنصاري الخزرجي (عن أبيه) أبي قتادة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت يومًا جالسًا مع رجال من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في منزل في طريق مكة ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نازل أمامنا والقوم محرمون وأنا محرم) لأنه لم يقصد نسكًا وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسله إلى جهة ليكشف أمر عدو (فأبصروا حمارًا وحشيًا وأنا مشغول أخصف نعلي) بخاء معجمة ثم صاد مهملة مكسورة أي أخرزه قال تعالى: {وطفقا يخصفان} [الأعراف: 22] أي يلزقان البعض بالبعض وكأن نعله كانت انخرقت والواو في قوله ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي القوم وفي وأنا غير محرم وفي وأنا مشغول كلها للحال (فلم يؤذنوني به) أي بالحمار (وأحبوا لو أني أبصرته) وفي الحج فبصر أصحابي بحمار وحش فجعل بعضهم يضحك إلى بعض (فالتفت) بالفاء وفي نسخة والتفت (فأبصرته فقمت إلى الفرس) قال في المصابيح: اسمه الجرادة كما رواه البخاري في الجهاد، (فأسرجته ثم ركبت) عليه (ونسيت السوط والرمح فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح فقالوا: لا والله لا نعينك عليه بشيء) أي لأنهم محرمون (فغضبت فنزلت فأخذتهما) السوط والرمح (ثم ركبت فشددت على الحمار فعقرته) جرحته حتى مات (ثم جئت به وقد مات فوقعوا فيه يأكلونه

4 - باب من استسقى

ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حُرُم فرحنا وخبأت العضد) من الحمار (معي فأدركنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكان تقدّم (فسألناه عن ذلك فقال): (معكم منه شيء): استفهام محذوف الأداة (فقلت: نعم فناولته العضد فأكلها حتى نفدها) بتشديد الفاء وبالدال المهملة أي أفناها، ولأبي ذر: نفدها بكسر الفاء مخففة لكن ردّه ابن التين كما حكاه في الفتح (وهو) أي والحال أنه عليه الصلاة والسلام (محرم). قال محمد بن جعفر الراوي عن أبي حازم فيما سبق (فحدّثني به) بهذا الحديث (زيد بن أسلم) أبو أسامة أيضًا (عن عطاء بن يسار) بالسين المهملة أبي محمد الهلالي مولى أم المؤمنين ميمونة (عن أبي قتادة) المذكور في السند السابق (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط قوله عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند المستملي والحموي. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: معكم منه شيء فإنه في معنى الاستيهاب من الأصحاب، وزاد في الحج "كلوا وأطعموني" قال في الفتح: ولعل المصنف أشار إلى هذه الزيادة، وإنما طلب عليه الصلاة والسلام ذلك منهم ليؤنسهم به ويرفع عنهم اللبس في توقفهم في جواز ذلك، وقد سبق هذا الحديث في الحج في أبواب. 4 - باب مَنِ اسْتَسْقَى وَقَالَ سَهْلٌ: "قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اسْقِنِي". (باب من استسقى) أي طلب من غيره ماءّ أو لبنًا ليشربه أو غير ذلك مما تطيب به نفس المطلوب منه يجوز له، (وقال سهل) هو ابن سعد الأنصاري -رضي الله عنه- مما وصله المؤلّف في النكاح (قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اسقني) يا سهل. 2571 - حَدَّثَني خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو طَوَالَةَ -اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ- قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: "أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي دَارِنَا هَذِهِ فَاسْتَسْقَى، فَحَلَبْنَا لَهُ شَاةً لَنَا، ثُمَّ شُبْتُهُ مِنْ مَاءِ بِئْرِنَا هَذِهِ، فَأَعْطَيْتُهُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ يَسَارِهِ وَعُمَرُ تُجَاهَهُ وَأَعْرَابِيٌّ عَنْ يَمِينِهِ. فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ عُمَرُ: هَذَا أَبُو بَكْرٍ، فَأَعْطَى الأَعْرَابِيَّ فَضْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: الأَيْمَنُونَ الأَيْمَنُونَ، أَلاَ فَيَمِّنُوا. قَالَ أَنَسٌ: فَهْيَ سُنَّةٌ فَهْيَ سُنَّةٌ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ". وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء القطواني الكوفي قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو طوالة) بضم الطاء المهملة وتخفيف الواو الأنصاري قاضي المدينة وزاد في غير رواية أبي ذر اسمه عبد الله بن عبد الرحمن (قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- يقول: أتانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في دارنا هذه فاستسقى فحلبنا له شاة لنا) سقط لفظ له لأبي ذر (ثم شبته) بكسر المعجمة وضمها أي خلطت اللبن (من ماء بئرنا هذه فأعطيته) ذلك (وأبو بكر عن يساره وعمر تجاهه) بفتح الهاء الأولى أي مقابله (وأعرابي) لم يسم (عن يمينه) ووهم من قال: هو خالد بن الوليد فشرب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلما فرغ قال عمر: هذا أبو بكر) أي اسقه (فأعطى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الأعرابي فضله) وسقط لغير أبي ذر فضله (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (الأيمنون) مقدّمون (الأيمنون) مقدّمون أو هو مرفوع بفعل محذوف تقديره يقدّم الأيمنون وهذا الثاني تأكيد للأيمنون الأول (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيه (فيمنوا) أمر من اليمن وهو تأكيد بعد تأكيد (قال أنس: فهي) أي البداءة بالأيمن (سُنّة فهي سنة ثلاث مرات) وزاد في رواية أبوي ذر والوقت: فهي سُنّة وسقط لأبي ذر وحده قوله ثلاث مرات، وإنما أعطى الأعرابي ولم يستأذنه ليتألفه بذلك لقرب عهده بالإسلام وفيه جلوس القوم على قدر سبقهم. وهذا الحديث أخرجه في الأشربة. 5 - باب قَبُولِ هَدِيَّةِ الصَّيْدِ. وَقَبِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَبِي قَتَادَةَ عَضُدَ الصَّيْدِ (باب) جواز (قبول هدية) صائد (الصيد وقبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أبي قتادة عضد الصيد) سبق موصولاً قبل الباب السابق. 2572 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا، فَأَدْرَكْتُهَا فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُ بِهَا أَبَا طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا وَبَعَثَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوَرِكِهَا -أَوْ فَخِذَيْهَا قَالَ: فَخِذَيْهَا لاَ شَكَّ فِيهِ- فَقَبِلَهُ. قُلْتُ: وَأَكَلَ مِنْهُ؟ قَالَ وَأَكَلَ مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: قَبِلَهُ". [الحديث 2572 - طرفاه في: 5489، 5535]. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الازدي الواشحي بالمعجمة ثم المهملة البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك) الأنصاري (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال أنفجنا) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الفاء وسكون الجيم أي أثرنا ونفرنا (أرنبًا) من موضعه (بمرّ الظهران) بفتح الميم وتشديد الراء والظاء المعجمة وهو على مثال تثنية ظهر من العلم المضاف. والمضاف إليه فالإعراب للأوّل وهو مرّ والثاني مجرورًا أبدًا بالإضافة موضع طريق من مكة، والأرنب واحد الأرانب اسم جنس يطلق على الذكر والأُنثى (فسعى القوم) نحوه ليصطادوه (فلغبوا) بفتح الغين المعجمة، ولأبي ذر: فلغبوا بكسرها والأوّل أفصح، بل أنكر بعضهم الكسر وللكشميهني: فتعبوا وهو معنى لغبوا أي أعيوا. قال أنس: (فأدركتها) أي الأرنب (فأخذتها فأتيت

6 - باب قبول الهدية

بها أبا طلحة) زوج أم أنس واسمها أم سليم (فذبحها وبعث بها) وفي رواية أبي داود أنه بعث بها مع أنس (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لأبي ذر لفظ بها (بوركها) بفتح الواو وكسر الراء ويجوز كسر الواو وسكون الراء ما فوق الفخذ مع الإفراد فيهما (أو فخذيها) بكسر الخاء وفتح الذال المعجمتين مثنى والشك من الراوي (قال) شعبة: (فخذيها لا شك فيه) قال ابن بطال: وقول شعبة فخذيها لا شك فيه دليل على أنه شك في الفخذين أولاً ثم استيقن (فقبله) بفتح القاف وكسر الموحدة أي قبل المبعوث إليه (قلت: وأكل منه) عليه الصلاة والسلام؟ (قال: وأكل منه ثم قال بعد) أي بعد القول بالأكل (قبله) فشك في الأكل واستيقن القبول فجزم به آخرًا. وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم في الذبائح، وأبو داود في الأطعمة، والترمذي والنسائي وابن ماجه في الصيد. 6 - باب قَبُولِ الْهَدِيَّةِ (باب قبول الهدية) كذا ثبت في رواية أبي ذر وسقط لغيره قال: في الفتح وهو الصواب. 2573 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ -رضي الله عنهم-: "أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِمَارًا وَحْشِيًّا -وَهْوَ بِالأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ- فَرَدَّ عَلَيْهِ. فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: أَمَا إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلاَّ أَنَّا حُرُمٌ". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس: (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس عن الصعب) بالصاد والعين الساكنة المهملتين (ابن جثامة) بفتح الجيم وتشديد المثلثة (-رضي الله عنهم- أنه) أي الصعب (أهدى لرسول الله حمارًا وحشيًّا وهو بالأبواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة والمد اسم قرية من الفرع من أعمال المدينة بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً (أو بودّان) بفتح الواو وتشديد الدال المهملة آخره نون موضع أقرب إلى الجحفة من الأبواء والشك من الراوي (فردّ عليه) بحذف الضمير المفعول (فلما رأى) عليه الصلاة والسلام (ما في وجهه) أي وجه الصعب من الكراهة لردّه هديته عليه (قال) عليه الصلاة والسلام تطييبًا لقلبه: (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم (إنّا لم نردّه) بتشديد الدال على الإدغام وضمها وفتحها والوجهان في الفرع وأصله هنا والصواب الأول كآخر المضاعف من كل مضاعف مجزوم اتصل به ضمير المذكر مراعاة للواو التي توجبها ضمة الهاء بعدها ولم يحفظ سيبويه في نحوه إلا ذلك وصرّح ابن الحاجب وغيره أنه مذهب البصريين، وللكشميهني وحده: لم نردّده بفك الإدغام فالدال الأولى مضمومة والثانية مجزومة (عليك) وللحموي والمستملي إليك بالهمزة بدل العين لعلة من العلل (إلا أنا حُرُم) أي محرمون، وإنما ردّه عليه لأنه ظن أنه صيد له. ومباحث هذا الحديث سبقت في الحج، ومراد المؤلّف منه هنا قوله لم نرده عليك إلا أنا حُرُم لأن مفهومه أنه لو لم يكن محرمًا لقبله. 7 - باب قَبُولِ الْهَدِيَّةِ (باب قبول الهدية) قال الحافظ ابن حجر: كذا ثبت لأبي ذر وهو تكرار بغير فائدة، وهذه الترجمة بالنسبه إلى ترجمة قبول هدية الصيد من العام بعد الخاص ووقع عند النسفيّ باب من قبل الهدية. 2574 - حَدَّثَني إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدَةُ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ يَبْتَغُونَ بِهَا -أَوْ يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ- مَرْضَاةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 2574 - أطرافه في: 2580، 2581، 3775]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفرّاء الرازي الصغير قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة ابن سليمان قال: (حدّثنا هشام) هو ابن عروة بن الزبير (عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-) (أن الناس كانوا يتحرّون) أي يقصدون (بهداياهم يوم) نوبة (عائشة) حين يكون عليه الصلاة والسلام عندها حال كونهم (يبتغون) أي يطلبون (بها) أي بهداياهم (أو يبتغون بذلك) أي بالتحرّي (مرضاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح ميم مرضاة مصدر ميمي بمعنى الرضا وعند أبي ذر مرضاه بكتب التاء هاء وفي الفرع وأصله يبتغون في الموضعين بموحدة بعدها فوقية ثم غين معجمة من الابتغاء فالشك إنما هو في بها أو بذلك وفي غيره يتبعون بها بتقديم المثناة مشددة وكسر الموحدة وبالعين المهملة من الاتباع أو يبتغون بذلك بالغين المعجمة من الابتغاء. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل والنسائي في عشرة النساء. 2575 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَهْدَتْ أُمُّ حُفَيْدٍ -خَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ- إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقِطًا وَسَمْنًا وَأَضُبًّا، فَأَكَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الأَقِطِ وَالسَّمْنِ وَتَرَكَ الأضَّبَّ تَقَذُّرًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث أطرافه في: 5489، 5402، 7358]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا

جعفر بن إياس) بكسر الهمزة وتخفيف الياء كالسابق هو ابن أبي وحشية (قال: سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال): (أهدت أم حفيد) بالحاء المهملة المضمومة والفاء المفتوحة آخره مهملة مصغرًا واسمها هزيلة تصغير هزلة بالزاي وهي أُخت أُم المؤمنين ميمونة (خالة ابن عباس إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقطًا) بفتح الهمزة وكسر القاف بعدها طاء مهملة لبنًا مجفّفًا (وسمنًا وأضبًّا) بفتح الهمزة وضم الضاد المعجمة وتشديد الموحدة جمع ضب بفتح الضاد وللحموي والمستملي: وضبًّا على الإفراد دويبة لا تشرب الماء وتعيش سبعمائة سنة فصاعدًا ويقال أنها تبول في كل أربعين يومًا قطرة ولا يسقط لها سن (فأكل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن الأقط والسمن وترك الضب) ولأبي ذر: وترك الأضب بلفظ الجمع (تقدّرًا) بالقاف والذال المعجمة والنصب على التعليل أي لأجل التقذّر أي كراهة (قال ابن عباس: فأكل) أي الضب (على مائدة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولو كان حرامًا ما أكل على مائدة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). قال الشافعي: حديث ابن عباس موافق حديث ابن عمر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امتنع من أكل الضب لأنه عافه لا لأنه حرَّمه فأكل الضب حلال انتهى. ومباحث الحديث تأتي في الأطعمة إن شاء الله تعالى ومطابقة الحديث لما ترجم له في قوله: فأكل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الأقط والسمن لأن أكله دليل على قبول الهدية. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأطعمة والاعتصام، ومسلم في الذبائح، وأبو داود في الأطعمة، والنسائي في الصيد. 2576 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ: أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَإِنْ قِيلَ صَدَقَةٌ قَالَ لأَصْحَابِهِ: كُلُوا، وَلَمْ يَأْكُلْ. وَإِنْ قِيلَ: هَدِيَّةٌ، ضَرَبَ بِيَدِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَكَلَ مَعَهُمْ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) الحزامي بالحاء المهملة والزاي الأسدي، ولأبي ذر: ابن منذر بدون الألف واللام قال: (حدّثنا معن) هو ابن عيسى بن يحيى القزاز المدني (قال: حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء الخراساني أحد الأئمة وثّقه ابن معين والجمهور وتكلم فيه بالإرجاء وقد ذكر الحاكم أنه رجع عنه (عن محمد بن زياد) القرشي الجمحي مولى آل عثمان بن مظعون المدني سكن البصرة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أُتي بطعام) زاد أحمد وابن حبان من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد من غير أهله (سأل عنه أهدية أم صدقة) بالرفع فيهما على الخبر أي هذا ويجوز النصب بتقدير أجئتم به هدية أم صدقة؟ (فإن قيل صدقة) بالرفع (قال لأصحابه: كُلُوا ولم يأكل) لأنها حرام عليه (وإن قيل هدية) بالرفع (ضرب بيده) أي شرع في الأكل مسرعًا (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية لأبي ذر (فأكل معهم) ومطابقته للترجمة في قوله: وإن قيل هدية إلخ ... لأن أكله معهم يدل على قبول الهدية. 2577 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلَحْمٍ، فَقِيلَ: تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ، قَالَ: هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة ابن عثمان العبدي البصري أبو بكر بندار قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر الهذلي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال): (أُتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلحم) فسأل عنه (فقيل تصدق) به (على بريرة. قال: هو لها صدقة ولنا هدية) أي حيث أهدته بريرة لنا لأن الصدقة يسوغ للفقير التصرف فيها بالبيع وغيره كتصرف سائر الملاك في أملاكهم. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الزهد ومسلم في الزكاة، وأخرجه أيضًا أبو داود والنسائي. 2578 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْهُ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ، وَأَنَّهُمُ اشْتَرَطُوا وَلاَءَهَا، فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. وَأُهْدِيَ لَهَا لَحْمٌ، فَقِيلَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَذَا تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ. وَخُيِّرَتْ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: زَوْجُهَا حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ؟ قَالَ شُعْبَةُ: سَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْ زَوْجِهَا، قَالَ: لاَ أَدْرِي أَحُرٌّ أَمْ عَبْد". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن بشار) هو العبدي السابق قال: (حدّثنا غندر) الهذلي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي الفقيه أبي محمد المدني الإمام ولد في حياة عائشة -رضي الله عنها- (قال) أي شعبة (سمعته) أي الحديث الآتي إن شاء الله تعالى (منه) أي من عبد الرحمن (عن القاسم) أبيه (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها أرادت أن تشتري بريرة) من أهلها (وأنهم اشترطوا) على عائشة (ولاءها

8 - باب من أهدى إلى صاحبه، وتحرى بعض نسائه دون بعض

فذكر) بضم المعجمة مبنيًّا للمفعول أي ذكر ما اشترطوه على عائشة (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لعائشة: (اشتريها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق) ومباحث هذا سبقت مرات. (وأهدي) بضم الهمزة (لها) أي لبريرة (لحم) وفي نسخة وأهدت لها لحمًا (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما هذا؟ قلت تصدق) مبنيًّا للمفعول زاد في نسخة به (على بريرة) ولأبي ذر بعد قوله لحم فقيل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا تصدق به على بريرة (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هو لها صدقة ولنا هدية) ومفهومه أن التحريم إنما هو على الصفة لا على العين وعلى الرواية الأولى يكون السؤال والجواب من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والثانية أصوب. (وخيرت بريرة) أي صارت مخيرة بين أن تفارق زوجها وأن تبقى تحت نكاحه (قال عبد الرحمن) بن القاسم الراوي (زوجها) مغيث (حرّ أو عبد. قال شعبة) بن الحجاج (سألت) وفي نسخة ثم سألت (عبد الرحمن) بن القاسم (عن زوجها؟ قال: لا أدري أحرّ أم عبد) بهمزة الاستفهام وبالميم بعد الهمزة الأخرى، ولأبي ذر: حرّ أو عبد والمشهور وهو قول مالك والشافعي أنه عبد وخالف أهل العراق فقالوا: إنه كان حرًّا. وهذا الحديث أخرجه مسلم في العتق والزكاة بقصد الهدية والنسائي في البيوع والفرائض والطلاق والشروط. 2579 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: "دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَقَالَ: عِنْدَكُمْ شَىْءٌ؟ قَالَتْ: لاَ، إِلاَّ شَىْءٌ بَعَثَتْ بِهِ أُمُّ عَطِيَّةَ مِنَ الشَّاةِ الَّتِي بُعِثْتَ إِلَيْهَا مِنَ الصَّدَقَةِ. قَالَ: إِنَّهُ قَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا". وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) الكسائي نزيل بغداد ثم مكة قال: (أخبرنا خالد بن عبد الله) الطحان الواسطي (عن خالد الحذاء) بالحاء المهملة والذال المعجمة (عن حفصة بنت سيرين عن أُم عطية) نسيبة الأنصارية أنها (قالت: دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عائشة -رضي الله عنها- فقال: لها): (عندكم) ولأبي ذر: أعندكم بإثبات همزة الاستفهام (شيء) (قالت) عائشة (لا) شيء (إلاّ شيء بعثت به أم عطية من الشاة التي بعثت إليها من الصدقة) بفتح الموحدة وسكون المثلثة وتاء الخطاب، ولأبي ذر بعثت بضم الموحدة مبنيًّا للمفعول قال في الفتح: وهو الصواب (قال) عليه الصلاة والسلام (إنها) أي الشاة وللحموي والمستملي إنه (قد بلغت محلها) بفتح الميم وكسر الحاء المهملة يقع على الزمان والمكان أي صارت حلالاً بانتقالها من الصدقة إلى الهدية. وهذا الحديث قد مرّ في باب إذا تحوّلت الصدقة من كتاب الزكاة. 8 - باب مَنْ أَهْدَى إِلَى صَاحِبِهِ، وَتَحَرَّى بَعْضَ نِسَائِهِ دُونَ بَعْضٍ (باب من أهدى) شيئًا (إلى صاحبه وتحرى) أي قصد (بعض نسائه دون بعض). 2580 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمُ يَوْمِي. وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: إِنَّ صَوَاحِبِي اجْتَمَعْنَ، فَذَكَرَتْ لَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي الجهضمي البصري (عن هشام) ولأبي ذر: عن هشام بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان الناس يتحرّون) يقصدون (بهداياهم يومي) الذي يكون فيه عندي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وزاد الإسماعيلي عن حماد بن زيد بهذا الإسناد فاجتمعن صواحبي إلى أم سلمة فقلن لها خبّري رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يأمر الناس أن يهدوا له حيث كان. (وقالت أم سلمة) أم المؤمنين له عليه الصلاة والسلام (إن صواحبي) تعني أمهات المؤمنين (اجتمعن) عندي (فذكرت له) الذي قلن من أنه يأمر الناس أن يهدوا له حيث كان (فأعرض) عليه الصلاة والسلام (عنها) أي عن أم سلمة لم يلتفت لما قالته وفي نسخة عنهن أي عن بقية أمهات المؤمنين. وهذا الحديث أورده هنا مختصر أو أورده في فضائل عائشة مطوّلاً وأخرجه الترمذي في المناقب. 2581 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سلمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّ نِسَاءَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُنَّ حِزْبَيْنِ: فَحِزْبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ، وَالْحِزْبُ الآخَرُ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ عَلِمُوا حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَائِشَةَ، فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ أَحَدِهِمْ هَدِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُهْدِيَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَّرَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِ عَائِشَةَ بَعَثَ صَاحِبُ الْهَدِيَّةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِ عَائِشَةَ. فَكَلَّمَ حِزْبُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ لَهَا: كَلِّمِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكَلِّمُ النَّاسَ فَيَقُولُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَدِيَّةً فَلْيُهْدِهِ إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ بُيُوتِ نِسَائِهِ، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِمَا قُلْنَ، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا، فَسَأَلْنَهَا فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئًا، فَقُلْنَ لَهَا: فَكَلِّمِيهِ، قَالَتْ: فَكَلَّمَتْهُ حِينَ دَارَ إِلَيْهَا أَيْضًا، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا. فَسَأَلْنَهَا فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئًا. فَقُلْنَ لَهَا: كَلِّمِيهِ حَتَّى يُكَلِّمَكِ فَدَارَ إِلَيْهَا فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَ لَهَا: لاَ تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ: فَإِنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ إِلاَّ عَائِشَةَ. قَالَتْ: أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ أَذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ إِنَّهُنَّ دَعَوْنَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَرْسَلْت إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَقُولُ: إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ اللَّهَ الْعَدْلَ فِي بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ. فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ، أَلاَ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ قَالَتْ: بَلَى. فَرَجَعَتْ إِلَيْهِنَّ فَأَخْبَرَتْهُنَّ، فَقُلْنَ ارْجِعِي إِلَيْهِ، فَأَبَتْ أَنْ تَرْجِعَ. فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، فَأَتَتْهُ فَأَغْلَظَتْ وَقَالَتْ: إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ اللَّهَ الْعَدْلَ فِي بِنْتِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ، فَرَفَعَتْ صَوْتَهَا حَتَّى تَنَاوَلَتْ عَائِشَةَ وَهْيَ قَاعِدَةٌ فَسَبَّتْهَا، حَتَّى إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيَنْظُرُ إِلَى عَائِشَةَ هَلْ تَكَلَّمُ، قَالَ: فَتَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ تَرُدُّ عَلَى زَيْنَبَ حَتَّى أَسْكَتَتْهَا. قَالَتْ: فَنَظَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَائِشَةَ وَقَالَ: إِنَّهَا بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ". قَالَ الْبُخَارِيُّ: الْكَلاَمُ الأَخِيرُ قِصَّةُ فَاطِمَةَ يُذْكَرُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وَقَالَ أَبُو مَرْوَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ: "كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ". وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَرَجُلٍ مِنَ الْمَوَالِي عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ: "قَالَتْ عَائِشَةُ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَأْذَنَتْ فَاطِمَةُ". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (أخي) أبو بكر عبد الحميد بن أبي أويس (عن سليمان) بن بلال (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أن نساء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كنّ حزبين) بكسر الحاء المهملة وسكون الزاي تثنية حزب أي طائفتين (فحزب فيه عائشة) بنت أبي بكر (وحفصة) بنت عمر (وصفية) بنت حيي (وسودة) بنت زمعة، (والحزب الآخر أُم سلمة) بنت أبي أمية (وسائر نساء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زينب

بنت جحش وميمونة بنت الحرث وأم حبيبة بنت أبي سفيان وجويرية بنت الحرث، (وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عائشة) بضم الحاء (فإذا كانت عند أحدهم هدية يربد أن يهديها إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخّرها حتى إذا كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيت عائشة) يوم نوبتها (بعث صاحب الهدية إلى) ولأبي ذر بها إلى (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيت عائشة، فكلم حزب أم سلمة فقلن لها كلمي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكلم الناس) بجزم يكلم ويكسر لالتقاء الساكنين وبالرفع (فيقول) تفسير ليكلم. (من أراد أن يهدي) بضم الياء من أهدى (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هدية فليهده) بضم الياء وتذكير الضمير أي الشيء المهدى وللحموي والمستملي فليهدها أي الهدية إليه، وقال الحافظ ابن حجر: فليهد في رواية الكشميهني بحذف الضمير انتهى. وهو الذي في النسخة المقروءة على الميدومي (حيث كان) عليه الصلاة والسلام (من نسائه) ولغير أبي ذر من بيوت نسائه (فكلمته أم سلمة بما قلن) لها (فلم يقل لها) عليه الصلاة والسلام (شيئًا فسألنها) عما أجابها (فقالت): أم سلمة (ما قال لي شيئًا فقلن لها فكلميه) بالفاء، ولأبي ذر: كلميه (قالت) أي عائشة وفي نسخة قال: (فكلمته) أي أم سلمة (حين دار إليها) أي يوم نوبتها (أيضًا فلم يقل لها شيئًا فسألنها فقالت: ما قال لي شيئًا. فقلن لها كلميه حتى يكلمك فدار إليها فكلمته فقال: لها): (لا تؤذيني في عائشة) لفظة في للتعليل كقوله تعالى: {فذلكن الذي لمتنني فيه} [يوسف: 32] (فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة) (قالت) أي أم سلمة (فقلت) وفي نسخة قالت أي عائشة فقالت أم سلمة (أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله ثم إنهن) أي أمهات المؤمنين الذين هم حزب أم سلمة (دعون) بالواو وللكشميهني دعين بالياء أي طلبن (فاطمة بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأرسلت) أي فاطمة (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهو عند عائشة (تقول) له عليه الصلاة والسلام (إن نساءك) بتشديد النون وفي اليونينية ليس فيها غيره أن بجزمة على النون مخففة (ينشدنك الله) بفتح الياء وضم المعجمة أي يسألنك بالله وسقط لأبي ذر لفظ الجلالة وقال في الفتح وللأصيلي: يناشدنك الله (العدل في بنت أبي بكر) عائشة قال في الفتح: أي التسوية بينهن في كل شيء من المحبة وغيرها. وقال الكرماني في محبة القلب فقط لأنه كان يساوي بينهن في الأفعال المقدورة، وقد اتفق على أنه لا يلزمه التسوية في المحبة لأنها ليست من مقدور البشر (فكلمته) فاطمة -رضي الله عنها- في ذلك، وعند ابن سعد من مرسل عليّ بن الحسين أن التي خاطبت فاطمة بذلك منهن زينب بنت جحش، وإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سألها أرسلتك زينب؟ قالت: زينب وغيرها. قال: "أهي التي وليت ذلك" قالت: نعم (فقال) (يا بنية ألا تحبين ما أحب) (قالت: بلى) زاد مسلم قال (فأحبي هذه) أي عائشة (فرجعت) فاطمة (إليهن فأخبرتهن) بالذي قاله (فقلن ارجعي إليه فأبت) فاطمة (أن ترجع) إليه (فأرسلن زينب بنت جحش فأتته) عليه الصلاة والسلام (فأغلظت) في كلامها (وقالت: إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ابن أبي قحافة) بضم القاف وبعد الحاء المهملة ألف ففاء فهاء تأنيث هو والد أبي بكر الصديق واسمه عثمان -رضي الله عنهما- (فرفعت) زينب (صوتها حتى تناولت عائشة) أي منها (وهي قاعدة) جملة اسمية (فسبّتها) أي سبت زينب عائشة -رضي الله عنها- (حتى أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لينظر إلى عائشة هل تكلم) بحذف إحدى التاءين (قال) (فتكلمت عائشة تردّ على زينب حتى أسكتتها) (قالت: فنظر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى عائشة وقال): (إنها بنت أبي بكر). أي إنها شريفة عاقلة عارفة كأبيها، وكأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشار إلى أن أبا بكر كان عالمًا بمناقب مضر ومثالبها ولا يستغرب من بنته تلقّي ذلك عنه. ومن يشابه أبيه فما ظلم. والولد سرّ أبيه. قال المهلب في الحديث: إنه لا حرج على الرجل

9 - باب ما لا يرد من الهدية

في إيثار بعض نسائه بالتحف والطرف في المآكل، واعترضه ابن المنير بأنه لا دلالة في الحديث على ذلك وإنما الناس كانوا يفعلون ذلك والزوج وإن كان مخاطبًا بالعدل بين نسائه فالمهدون الأجانب ليس أحدهم مخاطبًا بذلك، فلهذا لم يتقدم عليه الصلاة والسلام إلى الناس بشيء في ذلك، وأيضًا فليس من مكارم الأخلاق أن يتعرض الرجل إلى الناس بمثل ذلك لما فيه من التعرّض لطلب الهدية، ولا يقال إنه عليه الصلاة والسلام هو الذي يقبل الهدية فيملكها فيلزم التخصيص من قبله لأنّا نقول: المهدي لأجل عائشة كأنه ملك الهدية بشرط تخصيص عائشة والتمليك يتبع فيه تحجير المالك مع أن الذي يظهر أنه عليه الصلاة والسلام كان يشركهن في ذلك، وإنما وقعت المنافسة لكون العطية تصل إليهن من بيت عائشة ولا يلزم في ذلك تسوية. ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون وفيه رواية الأخ عن أخيه والابن عن أبيه، ولما تصرف الرواة في حديث الباب بالزيادة والنقص حتى أن منهم من جعله ثلاثة أحاديث. (قال البخاري: الكلام الأخير قصة فاطمة يذكر عن هشام بن عروة عن رجل) لم يسمّ (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن محمد بن عبد الرحمن) بن الحرث بن هشام عن عائشة ويغتفر جهالة الراوي في الشواهد والمتابعات. (وقال أبو مروان) يحيى بن أبي زكريا الغساني سكن واسطًا (عن هشام عن عروة كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة) -رضي الله عنها-، (وعن هشام) هو ابن عروة (عن رجل من قريش ورجل من الموالي) لم يسميا (عن الزهري عن محمد بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام) أنه قال: (قالت عائشة: كنت عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستأذنت فاطمة) الحديث. قال الحافظ ابن حجر في تعليق التعليق من المقدمة رواية هشام عن رجل، ورواية أبي مروان عن هشام لم أجدهما. 9 - باب مَا لاَ يُرَدُّ مِنَ الْهَدِيَّةِ (باب ما لا يردّ من الهدية). 2582 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَنَاوَلَنِي طِيبًا، قَالَ: كَانَ أَنَسٌ -رضي الله عنه- لاَ يَرُدُّ الطِّيبَ. قَالَ: وَزَعَمَ أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لاَ يَرُدُّ الطِّيبَ". [الحديث 2582 - طرفه في: 5929]. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو بن الحجاج المنقري المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا عزرة بن ثابت) بفتح العين المهملة وسكون الزاي وفتح الراء (الأنصاري قال: حدّثني) بالإفراد (ثمامة بن عبد الله) بضم المثلثة وتخفيف الميم ابن أنس قاضي البصرة (قال) أي عزرة (دخلت عليه) أي على ثمامة (فناولني طيبًا قال: كان أنس -رضي الله عنه- لا يردّ الطيب قال: وزعم) أي قال: (أنس) (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لا يرد الطيب) لأنه ملازم لمناجاة الملائكة كذا قاله ابن بطال، ومفهومه أنه من خصائصه وليس كذلك وقد اقتدى به أنس فى ذلك والحكمة في ذلك ما في حديث أبي هريرة بإسناد صحيح عند أبي داود والنسائي مرفوعًا: من عرض عليه طيب فلا يردّه فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة". وعند الترمذي بإسناد حسن من حديث ابن عمر مرفوعًا "ثلاثة لا تردّ الوسائد والدهن واللبن" قال الترمذي: يعني بالدهن الطيب. وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في اللباس والترمذي في الاستئذان في باب ما جاء في كراهية ردّ الطيب وقال: حسن صحيح والنسائي في الوليمة والزينة. 10 - باب مَنْ رَأَى الْهِبَةَ الْغَائِبَةَ جَائِزَة (باب من رأى الهبة) أي التي توهب ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من يرى ولأبي ذر أن الهبة (الغائبة جائزة) نصب مفعول ثانٍ لرأى وبالرفع خبر أن على رواية أبي ذر. 2583 , 2584 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: ذَكَرَ عُرْوَةُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ رضي الله عنهما وَمَرْوَانَ أَخْبَرَاهُ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ قَامَ فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا. فَقَالَ النَّاسُ: طَيَّبْنَا لَكَ". وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي بالولاء قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين في ابن خالد بن عقيل بالفتح الأيلي بفتح الهمزة وسكون التحتية الأموي مولاهم (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: ذكر عروة) بن الزبير (أن المسور بن مخرمة -رضي الله عنهما- ومروان) بن الحكم (أخبراه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين جاءه وفد هوازن) زاد في الوكالة مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم (قام في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال): (أما بعد فإن إخوانكم جاؤونا) حال كونهم (تائبين وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن

11 - باب المكافأة في الهبة

يطيب ذلك) بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الياء أي من أحب أن يطيب نفسه بدفع السبي إلى هوازن (فليفعل) جواب من المتضمنة معنى الشرط (ومن أحب) أي منكم (أن يكون على حظه) أي نصيبه من السبي (حتى نعطيه إياه) أي عوضه (من أوّل ما يفيء الله عليها) بضم الياء وكسر الفاء من أفاء أي يرجع إلينا من أموال الكفار وجواب الشرط فليفعل وحذف هنا في هذه الطريق (فقال الناس: طيبنا لك) زاد في العتق ذلك وقد سبق فيه إن هذه الرواية مرسلة لأن مروان لا صحبة له، والمسور لم يحضر القصة، ومراد المؤلّف منه هنا قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وإني رأيت أن أردّ إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل" مع قولهم طيبنا لك ففيه أنهم وهبوا ما غنموه من السبي قبل أن يقسم وذلك في معنى الغائب وتركهم إياه في معنى الهبة كذا قرره في فتح الباري، وفيه من التعسّف ما لا يخفى وإطلاق الترك على الهبة بعيد. وزعم ابن بطال أن فيه دليلاً على أن للسُّلطان أن يرفع أملاك قوم إذا كان في ذلك مصلحة واستئلاف، وتعقبه ابن المنير بأنه لا دليل فيه على ذلك بل في نفس الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يفعل ذلك إلا بعد تطييب نفوس المالكين، ولا يسوغ للسلطان نقل أملاك الناس وكل أحد أحقّ بماله، وتعقبه ابن الدماميني من المالكية فقال: لنا في المذهب صورة ينقل فيها السلطان ملك الإنسان عنه جبرًا كدار ملاصقة للجامع الذي احتيج إلى توسعته وغير ذلك لكنه لا ينقل إلا بالثمن قال: وهو مراد على عموم كلامه. وهذا الحديث قطعة من حديث سبق في العتق. 11 - باب الْمُكَافَأَةِ فِي الْهِبَةِ (باب المكافاة في الهبة) بالهمزة وقد يترك مفاعلة بمعنى المقابلة وللكشميهني الهدية بالدال المهملة بدل الهبة بالموحدة. 2585 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا". لَمْ يَذْكُرْ وَكِيعٌ وَمُحَاضِرٌ: "عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عيسى بن يونس) بن إسحاق السبيعي بفتح السين المهملة وكسر الباء (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت) (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقبل الهدية ويثيب عليها) أي يعطي الذي يهدي له بدلها. واستدلّ به بعض المالكية على وجوب الثواب على الهدية إذا أطلق وكان ممن يطلب مثله الثواب كالفقير للغني بخلاف ما يهبه الأعلى للأدنى، ووجه الدلالة منه مواظبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك، ومذهب الشافعية لا يجب بمطلق الهبة والهدية إذ لا يقتضيه اللفظ ولا العادة ولو وقع ذلك من الأدنى إلى الأعلى كما في إعارته له إلحاقًا للأعيان بالمنافع فإن أثابه المتهب على ذلك فهبة مبتدأة، وإذا قيدها المتعاقدان بثواب معلوم لا مجهول صحّ العقد بيعًا نظرًا للمعنى فإنه معاوضة مال بمال معلوم كالبيع بخلاف ما إذا قيّداها بمجهول لا يصح لتعذره بيعًا وهبة. نعم المكافأة على الهدية والهبة مستحبة اقتداء به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وأشار المؤلّف بقوله: (لم يذكر وكيع) هو ابن الجراح فيما وصله ابن ابي شيبة (ومحاضر) بضم الميم وكسر الضاد المعجمة ابن المورع بتشديد الراء المكسورة وبالعين المهملة الكوفي (عن هشام عن أبيه) عروة (عن عائشة) إلى أن عيسى بن يونس تفرد بوصل هذا الحديث عن هشام، وقد قال الترمذي والبزار لا نعرفه موصولاً إلاّ من حديث عيسى بن يونس وهو عند الناس مرسل. قال ابن حجر: ورواية محاضر لم أقف عليها. ومطابقة الحديث للترجمة متجهة إذا أريد بلفظ الهبة معناها الأعم، والحديث أخرجه أبو داود في البيوع والترمذي في البر. 12 - باب الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ وَإِذَا أَعْطَى بَعْضَ وَلَدِهِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَعْدِلَ بَيْنَهُمْ وَيُعْطِيَ الآخَرُ مِثْلَهُ، وَلاَ يُشْهَدُ عَلَيْهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ». وَهَلْ لِلْوَالِدِ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَطِيَّتِهِ؟ وَمَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ يَتَعَدَّى؟ "وَاشْتَرَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عُمَرَ بَعِيرًا ثُمَّ أَعْطَاهُ ابْنَ عُمَرَ وَقَالَ: اصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ". (باب) حكم (الهبة للولد) من الوالد (وإذا أعطى) الوالد (بعض ولده شيئًا لم يجز) له ذلك (حتى يعدل بينهم ويعطي الآخرين مثله) وللحموي والمستملي ويعطى بضم أوّله وفتح ثالثه الآخر بالإفراد والرفع نائبًا عن الفاعل (ولا يشهد عليه) مبني للمفعول والضمير في عليه للأب أي لا يسع الشهود أن يشهدوا على الأب إذا فضل بعض بنيه على بعض. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله في الباب اللاحق من حديث النعمان (اعدلوا بين أولادكم في العطية) هبة أو هدية أو صدقة وسقط

13 - باب الإشهاد في الهبة

لفظ في العطية في الباب اللاحق، (وهل للوالد أن يرجع في عطيته) التي أعطاها لولده نعم له ذلك وكذا سائر الأصول من الجهتين ولو مع اختلاف الدين من دون حكم الحاكم سواء أقبضها الولد أم لا غنيًّا كان أو فقيرًا صغيرًا أو كبيرًا لحديث الترمذي والحاكم وصححاه لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلاّ الوالد فيما يعطي لولده، والوالد يشمل كل الأصول إن حمل اللفظ على حقيقته ومجازه وإلاّ لحق به بقية الأصول بجامع أن لكل ولادة كما في النفقة (و) حكم (ما يأكل) الوالد (من مال ولده بالمعروف) إذا احتاج (ولا يتعدى)، لكن قال ابن المنير: وفي انتزاعه من حديث الباب خفاء وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند الحاكم مرفوعًا "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه فكلوا من مال أولادكم". (واشترى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله المؤلّف في كتاب البيوع في حديث طويل (من عمر) ابن الخطاب (بعيرًا ثم أعطاه) (ابن عمر وقال) عليه الصلاة والسلام (اصنع به ما شئت) فيه تأكيد للتسوية بين الأولاد في الهبة لأنه عليه الصلاة والسلام لو سأل عمر أن يهبه لابن عمر لم يكن عدلاً بين بني عمر، فلذلك اشتراه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم وهبه له وفيه دليل على أن الأجنبي يجوز له أن يخص بالهبة بعض ولد صديقه دون بعض ولا يعدّ ذلك جورًا. 2586 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ: "أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلاَمًا. فَقَالَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَارْجِعْهُ". [الحديث 2576 - طرفاه في: 2587، 2650]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن حميد بن عبد الرحمن) بضم الحاء المهملة ابن عوف (ومحمد بن النعمان بن بشير) بفتح المؤكدة وكسر المعجمة ابن سعد بن ثعلبة بن الجلاس بضم الجيم وتخفيف اللام آخره سين مهملة التابعي (أنهما حدّثاه عن النعمان بن بشير أن أباه) بشير بن سعد بن ثعلبة (أتى به إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إني نحلت) بفتح النون والحاء المهملة وسكون اللام أي أعطيت (ابني هذا) النعمان (غلانًا) لم يسم (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أكل ولدك نحلت) أي أعطيت (مثله): وهمزة أكل للاستفهام على طريق الاستخبار وكل منصوب بقوله نحلت، ولمسلم من رواية أبي حيان فقال: أكلهم وهبت لهم مثل هذا (قال: لا) وفي الموطآت للدارقطني من رواية ابن القاسم قال: لا والله يا رسول الله (قال) (فارجعه) بهمزة وصل ولمسلم من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب قال: فاردده وتمسك به من أوجب التسوية في عطية الأولاد، وبه صرح البخاري وهو مذهب طاوس والثوري، وحمل الجمهور الأمر على الندب والنهي على التنزيه فيكره للوالد وإن علا أن يهب لأحد ولديه أكثر من الآخر ولو ذكرًا لئلا يفضي ذلك إلى العقوق، وفارق الإرث بأن الوارث راضٍ بما فرض الله له بخلاف هذا، وبأن الذكر والأُنثى إنما يختلفان في الميراث بالعصوبة أما بالرحم المجردة فهما سواء كالأخوة والأخوات من الأم، والهبة للأولاد أمر بها صلة للرحم. نعم إن تفاوتوا حاجة قال ابن الرفعة: فليس من التفضيل والتخصيص المحذور السابق وإذا ارتكب التفضيل المكروه فالأولى أن يعطي الآخرين ما يحصل به العدل ولو رجع جاز بل حكي في البحر استحبابه. قال الأسنوي: ويتجه أن يكون محل جوازه أو استحبابه في الزائد وعن أحمد تصح التسوية، ويجب أن يرجع عنه يجوز التفاضل إن كان له سبب كأن يحتاج الولد لزمانته أو دينه أو نحو ذلك دون الباقين، وقال أبو يوسف: تجب التسوية إن قصد بالتفضيل الإضرار. وفي هذا الحديث رواية الابن عن أبيه ورواته كلهم مدنيون إلاّ شيخ المؤلّف، وأخرجه أيضًا في الهبة والشهادات، ومسلم في الفرائض، والترمذي في الأحكام، والنسائي في النحل، وابن ماجه في الأحكام والله الموفق. 13 - باب الإِشْهَادِ فِي الْهِبَةِ (باب الإشهاد في الهبة). 2587 - حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: "سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ. قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ". وبه قال: (حدّثنا حامد بن عمر) بن حفص بن عبيد الله الثقفي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي (عن عامر) الشعبي أنه (قال: سمعت النعمان بن بشير

14 - باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها

-رضي الله عنهما- وهو على المنبر) بالكوفة كما عن ابن حبان والطبراني (ويقول: أعطاني أبي) بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس بضم الجيم وتخفيف اللام وضبطه الدارقطني بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام الأنصاري الخزرجي (عطية) كانت العطية غلامًا سألت أم النعمان أباه أن يعطيه إياه من ماله كما في مسلم (فقالت عمرة): بفتح العين وسكون الميم (بنت رواحة) بفتح الراء وبالحاء المهملة الأنصارية أم النعمان لأبيه (لا أرضى حتى تشهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنك أعطيته ذلك على سبيل الهبة وغرضها بذلك تثبيت العطية (فأتى) بشير (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إني أعطيت ابني) النعمان (من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله) على ذلك (قال) عليه الصلاة والسلام: (أعطيت سائر ولدك مثل هذا)؟ الذي أعطيته النعمان (قال: لا) وعند ابن حبان والطبراني عن الشعبي: لا أشهد على جور، وتمسك به الإمام أحمد في وجوب العدل في عطية الأولاد أن تفضيل أحدهم حرام وظلم. وأجيب: بأن الجور هو الميل عن الاعتدال والمكروه أيضًا جور، وقد زاد مسلم: أشهد على هذا غيري وهو إذن بالإشهاد على ذلك، وحينئذ فامتناعه عليه الصلاة والسلام من الشهادة على وجه التنزّه. واستضعف هذا ابن دقيق العيد بأن الصيغة وإن كان ظاهرها الإذن بهذا إلا أنها مُشعِرة بالتنفير الشديد عن ذلك الفعل حيث امتنع عليه الصلاة والسلام من مباشرة هذه الشهادة معلّلاً بإنها جور فتخرج الصيغة عن ظاهر الإذن بهذه القرائن وقد استعملوا مثل هذا اللفظ في مقصود التنفير. (قال): (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) (قال: فرجع) بشير من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فردّ عطيته) التي أعطاها للنعمان. وفي الحديث كراهة تحمل الشهادة فيما ليس بمباح وإن الإشهاد في الهبة مشروع وليس بواجب: وأن للإمام الأعظم أن يتحمل الشهادة وتظهر فائدتها إما ليحكم في ذلك بعلمه عند من يجيزه أو يؤدّيها عند بعض نوّابه. وقول ابن المنير: إن فيه إشارة إلى سوء عاقبة الحرص والتنطع لأن عمرة لو رضيت بما وهبه زوجها لولده ما رجع فيه لما اشتد حرصها في تثبيت ذلك أفضى إلى بطلانه، تعقبه في المصابيح بأن إبطالها ارتفع به جور وقع في القضية فليس ذلك من سوء العاقبة في شيء. 14 - باب هِبَةِ الرَّجُلِ لاِمْرَأَتِهِ وَالْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ: جَائِزَةٌ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لاَ يَرْجِعَانِ. وَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ». وَقَالَ الزُّهْرِيُّ -فِيمَنْ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ- هَبِي لِي بَعْضَ صَدَاقِكِ أَوْ كُلَّهُ. ثُمَّ لَمْ يَمْكُثْ إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى طَلَّقَهَا فَرَجَعَتْ فِيهِ قَالَ: يَرُدُّ إِلَيْهَا إِنْ كَانَ خَلَبَهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَعْطَتْهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ لَيْسَ فِي شَىْءٍ مِنْ أَمْرِهِ خَدِيعَةٌ جَازَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ} [النساء: 4]. (باب) حكم (هبة الرجل لامرأته و) حكم هبة (المرأة لزوجها. قال إبراهيم) بن يزيد النخعي فيما وصله عبد الرزاق: (جائزة) أي الهبة من الرجل لامرأته ومنها له. (وقال عمر بن عبد العزبز) فيما وصله عبد الرزاق: (لا يرجعان) أي الزوج فيما وهبه لزوجته ولا هي فيما وهبته له. (واستأذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما هو موصول في هذا الباب (نساءه في أن يُمرّض في بيت عائشة). ووجه مطابقته للترجمة من حيث أن أمهات المُؤمنين وهبن له عليه الصلاة والسلام ما استحققن من الأيام ولم يكن لهن في ذلك رجوع فيما مضى وإن كان لهن الرجوع في المستقبل. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): فيما يأتي إن شاء الله تعالى آخر الباب موصولاً (العائد في هبته) زوجًا كان أو غيره (كالكلب يعود في قيئه) (وقال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب فيما وصله عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد عنه (فيمن قال لامرأته: هبي لي) أمر من وهب يهب وأصله أو هبي حذفت واوه تبعًا لفعله لأن أصل يهب يوهب فلما حذفت الواو استغنى عن الهمزة فحذفت فصار هبي على وزن علي (بعض صداقك أو) قال هبي لي (كله) فوهبته (ثم لم يمكث إلا يسيرًا حتى طلّقها فرجعت فيه. قال) الزهري (يرد) الزوج (إليها) ما وهبته (إن كان خلبها) بفتح الخاء المعجمة واللام والموحدة أي خدعها (وإن كانت أعطته) وهبته ذلك (عن طيب نفس) منها (ليس في شيء من أمره خديعة) لها (جاز) ذلك ولا يجب رده إليها. (قال الله تعالى) في سورة النساء: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا} [النساء: 4] قال البيضاوي الضمير للصداق حملاً على المعنى أو يجري

15 - باب هبة المرأة لغير زوجها، وعتقها إذا كان لها زوج فهو جائز إذا لم تكن سفيهة فإذا كانت سفيهة لم يجز قال تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} [النساء: 5]

مجرى اسم الإشارة. قال الزمخشري: كأنه قيل عن شيء من ذلك وقيل للإيتاء ونفسًا تمييز لبيان الجنس ولذا وحّد، والمعنى: فإن وهبن لكم من الصداق شيئًا عن طيب نفس، لكن جعل العمدة طيب النفس للمبالغة وعدّاه بعن لتضمنه معنى التجافي والتجاوز وقال منه بعثًا لهنّ عن تقليل الموهوب، وزاد أبو ذر في روايته فكلوه أي فخذوه وأنفقوا هنيئًا أي حلالاً بلا تبعة وإلى التفصيل المذكور بين أن يكون خدعها فلها أن ترجع وإلاّ فلا ذهب المالكية إن أقامت البيّنة على ذلك وقيل يقبل قولها في ذلك مطلقًا وإلى عدم الوجوب من الجانبين مطلقًا ذهب الجمهور وقال الشافعي: لا يردّ الزوج شيئًا إذا خالعها ولو كان مضرًّا بها لقوله تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229]. 2588 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: "قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ الأَرْضَ، وَكَانَ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ. فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَذَكَرْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ: وَهَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفرّاء الرازي المعروف بالصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني اليماني (عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله) بضم العين في الأول ابن عتبة بن مسعود (قالت: عائشة -رضي الله عنها-): (لما ثقل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في وجعه (فاشتد وجعه) وكان في بيت ميمونة -رضي الله عنها- (استأذن أزواجه أن يمرّض) بضم أوله وفتح الميم وتشديد الراء (في بيتي) وكان المخاطب لأمهات المؤمنين في ذلك فاطمة كما عند ابن سعد بإسناد صحيح (فأذن) بتشديد النون (له) عليه الصلاة والسلام أن يمرض في بيت عائشة (فخرج) عليه الصلاة والسلام (بين رجلين تخطّ رجلاه الأرض) بضم الخاء المعجمة ورجلاه فاعل أي يؤثر برجليه في الأرض كأنه يخط خطًْا (وكان بين العباس وبين رجل آخر فقال عبيد الله) بن عبد الله (فذكرت لابن عباس ما قالت عائشة) -رضي الله عنها- (فقال لي: وهل تدري من الرجل الذي لم تسمّ عائشة؟ قلت: لا) أدري. (قال: هو علي بن أبي طالب) -رضي الله عنه-. وهذا الحديث قد سبق في كتاب الطهارة وغيرها ويأتي إن شاء الله تعالى وبقية مباحثه في باب مرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخر المغازي. 2589 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ». [الحديث 2589 - أطرافه في: 2621، 2622، 6975]. وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء مصغرًا ابن خالد بن عجلان البصري قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (العائد) زوجًا أو غيره (في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) وزاد أبو داود قال: ولا نعلم القيء إلا حرامًا، واحتجّ به الشافعي وأحمد على أنه ليس للواهب أن يرجع فيما وهبه إلا الذي ينحله الأب لابنه وعند مالك له أن يرجع في الأجنبي الذي قصد منه الثواب ولم يثبه وبه قال أحمد في رواية، وقال أبو حنيفة: للواهب الرجوع في هبته من الأجنبي ما دامت قائمة ولم يعوّض منها. وأجاب عن الحديث بأنه عليه الصلاة والسلام جعل العائد في هبته كالعائد في قيئه فالتشبيه من حيث أنه ظاهر القبح مروءة وخلقًا لا شرعًا والكلب غير متعبد بالحرام والحلال فيكون العائد في هبته عائدًا في أمر قذر كالقذر الذي يعود فيه الكلب فلا يثبت بذلك منع الرجوع في الهبة ولكنه يوصف بالقبح. 15 - باب هِبَةِ الْمَرْأَةِ لِغَيْرِ زَوْجِهَا، وَعِتْقُهَا إِذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَهْوَ جَائِزٌ إِذَا لَمْ تَكُنْ سَفِيهَةً فَإِذَا كَانَتْ سَفِيهَةً لَمْ يَجُزْ قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ} [النساء: 5] (باب) حكم (هبة المرأة لغير زوجها و) حكم (عتقها) جاريتها وفي نسخة بالفرع وأصله وعتقها بالرفع على الاستئناف (إذا كان لها زوج) ليست إذا للشرط بل هي للظرف لأن الكلام فيما إذا كان لها زوج وقت الهبة والعتق أما إذا لم يكن لها زوج فلا نزاع في جوازه (فهو) أي ما ذكر من الهبة والعتق (جائز إذا لم تكن سفيهة فإذا كانت سفيهة لم يجز. قال الله تعالى). ولأبي ذر وقال الله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} [النساء: 5] وهذا مذهب الجمهور وعن مالك لا يجوز لها أن تعطي بغير إذن زوجها ولو كانت رشيدة إلا من الثلث قياسًا على الوصية. 2590 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَسْمَاءَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي مَالٌ إِلاَّ مَا أَدْخَلَ عَلَىَّ الزُّبَيْرُ، فَأَتَصَدَّقُ؟ قَالَ: تَصَدَّقِي، وَلاَ تُوعِي فَيُوعَى عَلَيْكِ". وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن ابن أبي مليكة) بضم

الميم وفتح اللام عبد الله بن عبيد الله (عن عباد بن عبد الله) بتشديد الموحدة بعد العين المفتوحة ابن الزبير بن العوّام (عن) جدّتها لأبيه (أسماء) بنت أبي بكر الصديق (-رضي الله عنها-) وعن أبيها أنها (قالت: قلت يا رسول الله ما لي مال إلاّ ما أدخل عليّ) بتشديد الياء زوجي (الزبير) بن العوّام وصيره ملكًا لها (فأتصدق) بحذف أداة الاستفهام وللمستملي كما في الفتح أفاتصدق بإثباتها (قال) عليه الصلاة والسلام: (تصدقي ولا توعي) بضم أوله وكسر العين من الإيعاء (فيوعى عليك) بفتح العين أي لا تجمعي في الوعاء وتبخلي بالنفقة فتجازي بمثل ذلك. وقد روى أيوب هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن عائشة بغير واسطة أخرجه أبو داود والترمذي وصححه والنسائي، وصرح أيوب عن ابن أبي مليكة بتحديث عائشة له بذلك فيحمل على أنه سمعه من عباد عنها ثم حدّثته به. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله تصدقي فإنه يدل على أن المرأة التي لها زوج لها أن تتصدق بغير إذن زوجها والمراد من الهبة في الترجمة معناها اللغوي وهو يتناول الصدقة وقد تقدم الحديث في أوانل كتاب الزكاة. 2591 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَنْفِقِي، وَلاَ تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ، وَلاَ تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ». وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين ابن سعيد اليشكري السرخسي قال: (حدّثنا عبد الله بن نمير) بضم النون وفتح الميم قال: (حدّثنا هشام بن عروة) بن الزبير (عن) بنت عمه (فاطمة) بنت المنذر بن الزبير بن العوّام (عن) جدّتهما لأبيهما (أسماء) بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) لها: (أنفقي) بهمزة قطع وكسر الفاء (ولا تحصي) بضم أوله وكسر الصاد من الإحصاء (فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي الله عليك) بنصب المضارع الواقع بعد الفاء في جواب النهي فيهما والإحصاء مجاز عن التضييق لأن العود مستلزم له ويحتمل أن يكون من الحصر الذي هو بمعنى المنع وقال الخطابي: لا توعي أي لا تخبئي الشيء في الوعاء أي أن مادة الرزق متصلة باتصال النفقة منقطعة بانقطاعها فلا تمنعي فضلها فتحرمي مادتها وكذلك لا تحصي فإنها إنما تحصى للتبقية والذخر فيحصى عليك بقطع البركة ومنع الزيادة وقد يكون مرجع الإحصاء إلى المحاسبة عليه والمناقشة في الآخرة. 2592 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً وَلَمْ تَسْتَأْذِنِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ قَالَتْ: أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي؟ قَالَ: أَوَفَعَلْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِيهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ". وَقَالَ بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ: "إِنَّ مَيْمُونَةَ أَعْتَقَتْ ... ". [الحديث 2592 - أطرافه في: 2594]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومى (عن الليث) بن سعد الإمام (عن يزيد) بن أبي حبيب (عن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف ابن عبد الله الأشجّ (عن كريب مولى ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن ميمونة بنت الحرث) أم المؤمنن الهلالية (-رضي الله عنها- أخبرته أنها أعتقت وليدة) أي أمة وللنسائي أنها كانت لها جارية سوداء قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسمها، (ولم تستأذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت: أشعرت) أي أعلمت (يا رسول الله أني أعتقت وليدتي قال): عليه الصلاة والسلام: (أوفعلت)؟ بفتح الواو والهمزة للاستفهام أي أوفعلت العتق (قالت نعم) فعلته (قال) (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم (إنك) بكسر الهمزة في الفرع وأصله على أن أما استفتاحية بمعنى ألا وفي بعض الأصول أنك بفتح الهمزة على أن أما بمعنى حقًّا (لو أعطيتها) أي الوليدة (أخوالك) من بني هلال. قال العيني: ووقع في رواية الأصيلي أخواتك بالتاء بدل اللام قال عياض: ولعله أصح من رواية أخوالك بدليل رواية مالك في الموطأ فلو أعطيتها أختيك ولا تعارض، فيحتمل أنه عليه الصلاة والسلام قال ذلك كله. (كان) إعطاؤك لهم (أعظم لأجرك) من عتقها. ومفهومه أن الهبة لذوي الرحم أفضل من العتق كما قاله ابن بطال، وليس ذلك على إطلاقه بل يختلف باختلاف الأحوال، وقد وقع في رواية النسائي بيان وجه الأفضلية في إعطاء الأخوال وهو احتياجهم إلى من يخدمهم ولفظه: أفلا فديت بها بنت أختك من رعاية الغنم، على أنه ليس في حديث الباب نص على أن صلة الرحم أفضل من العتق لأنها واقعة عين. فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟

16 - باب بمن يبدأ بالهدية

أجيب: بأنها أعتقت قبل أن تستأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكانت رشيدة فلم يستدرك ذلك عليها بل أرشدها إلى ما هو الأولى فلو كان لا ينفذ لها تصرف في مالها لأبطله قال في الفتح. وفي هذا الحديث ثلاثة من التابعين على نسق واحد ونصف رجاله الأول مصريون والأُخر مدنيون، وأخرجه مسلم في الزكاة والنسائي في العتق. (وقال بكر بن مضر) بفتح الموحدة وسكون الكاف ومضر بضم الميم وفتح الضاد المعجمة ابن محمد بن حكيم المصري مما وصله المؤلّف في الأدب المفرد وبرّ الوالدين له (عن عمرو) بفتح العين ابن الحرث (عن بكير) المذكور (عن كربب) مولى ابن عباس (أن ميمونة أعتقت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أعتقته بضمير النصب الراجع لكريب. قال في الفتح: وهو غلط فاحش، وفي هذا التعليق موافقة عمرو بن الحرث ليزيد بن أبي حبيب على قوله عن كريب قال: وقد خالفهما محمد بن إسحاق فرواه عن بكير فقال: عن سليمان بن يسار بدل كريب أخرجه أبو داود والنسائي من طريقه قال الدارقطني: ورواية يزيد وعمرو أصح ورواية بكر بن مضر له عن عمرو عن بكير عن كريب أن ميمونة صورتها صورة الإرسال لكونه ذكر قصة ما أدركها، لكن قد رواه ابن وهب عن عمرو بن الحرث فقال: فيه عن كريب عن ميمونة أخرجه مسلم والنسائي من طريقه. 2593 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 2593 - أطرافه في: 2637، 2661، 2688، 2879، 4025، 4141، 4690، 4749، 4750، 4757، 5212، 6662، 6679، 7369، 7370، 7500، 7545]. وبه قال: (حدّثنا حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه فأيتهنّ) أي أيّ امرأة منهن (خرج سهمها) الذي باسمها (خرج) عليه الصلاة والسلام (بها معه) في صحبته (وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها غير أن سودة بنت زمعة) أم المؤمنين (وهبت يومها وليلتها لعائشة) -رضي الله عنها- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونها (تبتغى) تطلب (بدلك رضا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ومطابقة الحديث للترجمة في قوله وهبت لعائشة إذ لو قلنا أن الهبة كانت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم تقع المطابقة قاله الكرماني. وقال ابن بطال: إن هذا الحديث ليس من هذا الباب لأن للسفيهة أن تهب يومها لضرّتها وإنما السفه في إفساد مال الخاصّة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الشهادات وأبو داود في النكاح والنسائي في النكاح في عِشرة النساء. 16 - باب بِمَنْ يُبْدَأُ بِالْهَدِيَّةِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (بمن يبدأ بالهدية) قال في الفتح: أي عند التعارض في أصل الاستحقاق. 2594 - حَدَّثَنَا وَقَالَ بَكْرٌ عَنْ عَمْرٍو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: "أنَّ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً لَهَا، فَقَالَ لَهَا: وَلَوْ وَصَلْتِ بَعْضَ أَخْوَالِكِ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ". (وقال بكر) هو ابن مضر (عن عمرو) هو ابن الحرث مما وصله المؤلّف في الأدب المفرد وبرّ الوالدين له (عن بكير) بضم الموحدة وفح الكاف ابن عبد الله الأشج (عن كريب) زاد في رواية غير أبي ذر مولى ابن عباس (أن ميمونة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعتقت وليدة) أمة (لها) لم تسم (فقال لها) أي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما ثبت في الرواية السابقة، بل ثبت في النسخة المقروءة على الميدومي كنسخ غيرها. (ولو) بالواو في اليونينية وفي نسخة لو (وصلت بعض أخوالك) من بني هلال (كان أعظم لأجرك) من عتقها. وفي حديث سليمان بن عامر الضبي عند الترمذي والنسائي وصححه ابنا خزيمة وحبان مرفوعًا "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم صدقة صلة" والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال كما سبق تقريره قريبًا. 2595 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ- عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن بشار) بالموحدة المفتوحة والمعجمة المشددة العبدي البصري الملقب ببندار قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي عمران) عبد الملك بن حبيب (الجوني) بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون (عن طلحة بن عبد الله) بن عثمان (رجل من بني تميم بن مرة) بضم الميم وتشديد الراء (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال): (إلى أقربهما منك

17 - باب من لم يقبل الهدية لعلة

بابًا) نصب على التمييز وأقربهما أي أشدّهما قربًا قيل الحكمة فيه أن الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوّق لها بخلاف الأبعد. 17 - باب مَنْ لَمْ يَقْبَلِ الْهَدِيَّةَ لِعِلَّة وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: "كَانَتِ الْهَدِيَّةُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَدِيَّةً، وَالْيَوْمَ رِشْوَةٌ". (باب من لم يقبل الهدية لعلّة) أي لأجل علة كهدية المستقرض إلى المقرض. (وقال عمر بن عبد العزيز): فيما وصله ابن سعد وأبو نعيم في الحلية (كانت الهدية في زمن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هدية واليوم رشوة) بتثليث الراء ما يؤخذ بغير عوض ويعاب أخذه. 2596 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيَّ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يُخْبِر: ُ" أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِمَارَ وَحْشٍ وَهْوَ بِالأَبْوَاءِ -أَوْ بِوَدَّانَ- وَهْوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّهُ، قَالَ صَعْبٌ: فَلَمَّا عَرَفَ فِي وَجْهِي رَدَّهُ هَدِيَّتِي قَالَ: لَيْسَ بِنَا رَدٌّ عَلَيْكَ، وَلَكِنَّا حُرُمٌ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله) بضم العين في الأول (ابن عتبة) بن مسعود (أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أخبره أنه سمع الصعب بن جثامة الليثي، وكان من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عاش إلى خلافة عثمان على الأصح (يخبر أنه أهدى لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حمار وحش وهو بالأبواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة قرية من الفرع من عمل المدينة (أو بودّان) بفتح الواو وتشديد الدال المهملة قرية جامعة قريبة من الجحفة والشك من الراوي (وهو محرم) جملة حالية (فردّه) أي فردّ عليه الصلاة والسلام الحمال على الصعب (قال) ولأبي ذر: فقال (صعب: فلما عرف) عليه الصلاة والسلام (في وجهي ردّه) مصدر مفعول عرف أي عرف أثر التغيّر في وجهي من كراهة ردّه (هديتي قال): (ليس بنا) أي بسببنا وجهتنا (ردّ عليك ولكنّا حُرُم) أي وإنما سبب الردّ كوننا محرمين. وهذا الحديث سبق في باب: إذا أهدى المحرم حمارًا وحشيًّا من كتاب الحج. 2597 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. قَالَ: فَهَلاَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ -أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ- فَيَنْظُرَ أيُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ -ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ، حَتَّى رَأَيْنَا غُفْرَةَ إِبْطَيْهِ- اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ. ثَلاَثًا». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن أبي حميد) بضم الحاء المهملة وفتح الميم عبد الرحمن بن المنذر (الساعدي) الأنصاري (-رضي الله عنه-) قال: استعمل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً من الأزد) بفتح الهمزة وسكون الزاي آخره دال مهملة (يقال له ابن الأتبية على الصدقة) بسكون اللام وضم الهمزة وفتح الفوقية وكسر الموحدة وتشديد التحتية وفيه أربعة أقوال سبق التنبيه عليها في كتاب الزكاة قال الكرماني: والأصح أنه باللام وسكون الفوقية وأنها نسبة إلى بني لتب قبيلة معروفة واسمه عبد الله، (فلما قدم) المدينة وفرغ من عمله حاسبه عليه الصلاة والسلام (قال) أي ابن الأتبية: (هذا لكم وهذا أهدي لي قال) عليه الصلاة والسلام: (فهلاّ جلس في بيت أبيه أو) قال (بيت أمه فنظر يهدى) بحذف همزة الاستفهام ولأبي ذر: أيهدى (له) وللحموي والمستملي إليه (أم لا) بنصب الفعل المضارع المقترن بالفاء في جواب التحضيض المتقدم وهو: هلاّ جلس في بيت أبيه أو بيت أمه، والظاهر أن النظر هنا بصري والجملة الواقعة بعده مقترنة بالاستفهام في محل نصب وهو معلق عن العمل. وقد صرّح الزمخشري بتعليق النظر البصري لأنه من طريق العلم، وتوقف فيه ابن هشام في مغنيه مرة، وقال به أخرى حكاه في المصابيح، وهذا موضع الترجمة لأنه عليه الصلاة والسلام عاب على ابن الأتبية قبوله الهدية التي أهديت له لكونه كان عاملاً وفيه أنه يحرم على العمال قبول هدايا رعاياهم على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى. (والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منه) أي من مال الصدقة (شيئًا إلا جاء به يوم القيامة) حال كونه (يحمله على رقبته إن كان) المأخوذ (بعيرًا) أي يحمله على رقبته بحذف جواب الشرط لدلالة المذكور عليه (له رغاء) بضم الراء وبالغين المعجمة ممدودًا صفة للبعير يقال رغا البعير إذا صوّت (أو) كان المأخوذ (بقرة) يحملها على رقبته (لها خوار) بضم الخاء المعجمة صفة للبقرة وهو صوتها (أو) كان المأخوذ (شاة) يحملها على رقبته (تيعر) بفتح المثناة الفوقية وسكون التحتية وفتح العين المهملة آخره راء صفة لشاة أي تصوّت، (ثم رفع) عليه الصلاة والسلام (بيده) وفي نسخة يده (حتى رأينا عفرة إبطيه)

18 - باب إذا وهب هبة أو وعد ثم مات قبل أن تصل إليه

بضم العين المهملة وسكون الفاء وفتح الراء آخره تأنيث أي بياضهما المشوب بالسمرة، ولأبي ذر: عفر بإسقاط هاء التأنيث (اللهم هل بلغت هل بلغت ثلاثًا) أي قد بلغت أو استفهام تقريري والتقرير للتأكيد ليسمع من لا سمع وليبلغ الشاهد الغائب، وفيه أن هدايا العمال تجعل في بيت المال وأن العامل لا يملكها إلا أن يطيبها له الإمام كما في قصة معاذ أنه عليه الصلاة والسلام طيّب له الهدية فأنفذها له أبو بكر -رضي الله عنه- بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقد سبق حديث الباب في الزكاة، وأخرجه أيضًا في الأحكام والنذور وترك الحيل ومسلم في المغازي وأبو داود في الخراج. 18 - باب إِذَا وَهَبَ هِبَةً أَوْ وَعَدَ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَيْهِ وَقَالَ عَبِيدَةُ: إِنْ مَاتا وَكَانَتْ فُصِلَتِ الْهَدِيَّةُ وَالْمُهْدَى لَهُ حَىٌّ فَهْيَ لِوَرَثَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فُصِلَتْ فَهْيَ لِوَرَثَةِ الَّذِي أَهْدَى. وَقَالَ الْحَسَنُ أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلُ فَهْيَ لِوَرَثَةِ الْمُهْدَى لَهُ إِذَا قَبَضَهَا الرَّسُولُ. هذا (باب) بالتنوين (إذا وهب) الرجل (هبة) لاخر (أو وعد) آخر وزاد الكشميهني عدة (ثم مات) الذي وهب أو الذي وعد أو الذي وهب له أو الذي وعد له (قبل أن تصل) الهبة أو الذي وعده به (إليه) إلى الموهوب له أو الموعود لم ينفسخ عقد الهبة لأنه يؤول إلى اللزوم كالبيع بخلاف نحو الشركة والوكالة ومثل الموت الجنون والإغماء، لكن لا يقبضان إلا بعد الإفاقة قاله البغوي. وقام وارث الواهب في الإقباض والإذن، ووارث المتهب في القبض مقام المورث، فإن رجع الواهب أو وارثه في الإذن في القبض أو مات هو أو المتهب بطل الإذن، ولو مات المهدي أو المهدى إليه قبل القبض فليس للرسول إيصال الهدية إلى المهدى إليه أو وارثه إلا بإذن جديد كما هو مفهوم مما مرّ. (وقال عبيدة): بفتح العين المهملة وكسر الموحدة ابن عمرو السلماني بفتح السين وسكون اللام مما لم أعرف من وصله (إن مات) أي المهدي وفي نسخة: إن ماتا أي المهدي والمُهدى (وكانت فصلت الهدية) بالفاء المضمومة والصاد المهملة المكسورة، وفي نسخة: فصلت بفتحهما وهما من الفصل والمراد القبض، وفي نسخة: وصلت بالواو بدل الفاء فالفصل بالنظر إلى المهدي والوصل بالنظر إلى المُهدى إليه إذ حقيقة الإقباض لا بدّ لها من فصل الموهوب عن الواهب ووصله إلى المتهب قاله الكرماني (والمهدى له حيّ) حال القبض ثم مات (فهي) أي الهدية (لورثته وإن لم تكن) أي الهدية (فصلت فهي لورثة الذي أهدى) بفتح الهمزة والدال. قال في فتح الباري وتفصيله بين أن تكون انفصلت أم لا مصير منه إلى أنّ قبض الرسول يقوم مقام قبض المهدى إليه، وذهب الجمهور إلى أن الهدية لا تنتقل إلى المهدى إليه إلا بأن يقبضها أو وكيله انتهى. ومفهومه أن المراد بقوله فصلت أي من المهدي إلى الرسول لا قبض المهدى إليه لها وهو خلاف ما قاله الكرماني. (وقال الحسن) البصري -رحمه الله- مما لم أعرفه موصولاً (أيهما) أي أيّ واحد من المهدي والمهدى إليه (مات قبل) أي قبل الآخر (فهي) أي الهدية (لورثة المهدى له إذا قبضها الرسول) فإن لم يقبضها فهي للمهدي أو لورثته. 2598 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعْتُ جَابِرًا -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا (ثَلاَثًا)، فَلَمْ يَقْدَمْ حَتَّى تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا. فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَدَنِي فَحَثَى لِي ثَلاَثًا". وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا ابن المنكدر) محمد قال: (سمعت جابرًا) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه- قال: قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو جاء مال البحرين) من الجزية (أعطيتك هكذا ثلاثًا فلم يقدم) مال البحرين (حتى توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أرسله العلاء بن الحضرمي (فأرسل) والذي في الفرع فأمر (أبو بكر) -رضي الله عنه- (مناديًا) يحتمل أن يكون بلالاً (فنادى من كان له عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدة) وعده بها (أو دين) كقرض أو نحوه (فليأتنا) نوفه ذلك قال جابر (فأتيته) -رضي الله عنه- (فقلت) له: (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعدني) عدة (فحثى لي) بالحاء المهملة والمثلثة (ثلاثًا) أي ثلاث حثيات من حثى يحثي ويحثو لغتان والحثية ما يملأ الكف والحفنة ما يملأ الكفّين، وذكر أبو عبيد أنهما بمعنى وكانت كل حثية خمسمائة. وقول الإسماعيلي أن ما قاله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لجابر ليس هبة وإنما هي عدة على وصف لكن لما كان وعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يجوز أن يتخلف نزلوا وعده منزله الضمان

19 - باب كيف يقبض العبد والمتاع

في الصحة فرقًا بينه وبين غيره من الأمّة ممن يجوز أن يفي وأن لا يفي، فلا مطابقة بين الحديث والترجمة إلا على هذا التأويل فيه نظر وبيانه كما في المصابيح: أن الترجمة لشيئين. أحدهما: إذا وهب ثم مات قبل وصولها فساق لهذا ما ذكره عن عبيدة والحسن. ثانيهما: إذا وعد ثم مات قبل وصولها، وساق له حديث- جاير وهو قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا ثلاثًا" وهذا وعد بلا ريب فلم يقع للمؤلّف -رحمه الله- إخلال بما وقع في الترجمة على ما لا يخفى وليس فعل الصدّيق واجبًا عليه ولم يكن لازمًا للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنما فعله اقتداء بطريقة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه كان أوفى الناس بعهده وأصدقهم لوعده. وبقية مباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الخمس وغيره. 19 - باب كَيْفَ يُقْبَضُ الْعَبْدُ وَالْمَتَاعُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ، فَاشْتَرَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (كبف يقبض العبد) الموهوب (والمتاع) الموهوب ويقبض مبني للمفعول والعبد نائب عن الفاعل (وقال ابن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما- مما وصله المؤلّف في كتاب البيوع في باب: إذا اشترى شيئًا فوهبه من ساعته (كنت على بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف جمل (صعب فاشتراه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من عمر بن الخطاب لا من ابنه (وقال: هو لك يا عبد الله) فاكتفى في القبض بكونه في يده ولم يحتج إلى قبض آخر لأجل الهبة. 2599 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْبِيَةً وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ مِنْهَا شَيْئًا، فَقَالَ مَخْرَمَةُ: يَا بُنَىَّ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَقَالَ: ادْخُلْ فَادْعُهُ لِي، قَالَ: فَدَعَوْتُهُ لَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْهَا فَقَالَ: خَبَأْنَا هَذَا لَكَ. قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: رَضِيَ مَخْرَمَةُ". [الحديث 2599 - أطرافه في: 2657، 3127، 5800، 5862، 6132]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن المسور بن مخرمة) بكسر الميم وسكون السين المهملة ومخرمة بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ابن نوفل الزهري (-رضي الله عنهما- أنه قال: قسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقبية) بفتح الهمزة وسكون القاف وكسر الموحدة جمع قباء بفتح القاف ممدودًا جنس من الثياب ضيقة من لباس العجم معروف (ولم يعطِ مخرمة منها) أي من الأقبية (شيئًا) أي في حال تلك القسمة (فقال مخرمة) للمسور: (يا بنيّ انطلق بنا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية حاتم في الشهادات عسى أن يعطينا منها شيئًا الحديث. قال المسور: (فانطلقت معه فقال: ادخل فادعه) عليه الصلاة والسلام (لي) زاد في رواية تأتي إن شاء الله تعالى فأعظمت ذلك فقال: يا بني إنه ليس بجبار (قال: فدعوته له فخرج) عليه الصلاة والسلام (إليه وعليه قباء منها) أي من الأقبية والجملة حالية (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أخبأنا هذا) القباء (لك) (قال) المسور (فنظر إليه) إلى القباء مخرمة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (رضي مخرمة) استفهام أي هل رضي، ويحتمل كما قال ابن التين: أن يكون من قول مخرمة. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث أن نقل المتاع إلى الموهوب له قبض، واختلف هل من شرط صحة الهبة القبض أم لا؟ فالجمهور وهو قول الشافعي الجديد والكوفيون أنها لا تملك إلا بالقبض لقول أبي بكر الصديق لعائشة -رضي الله عنهما- في مرضه فيما نحلها في صحته من عشرين وسقًا وددت أنك حزته أو قبضته وإنما هو اليوم مال الوارث ولأنه عقد إرفاق كالقرض فلا يملك إلا بالقبض، وفي القديم تصح بنفس العقد وهو مشهور مذهب المالكية وقالوا: تبطل إن لم يقبضها الموهوب له حتى وهبها الواهب لغيره وقبضها الثاني وهو قول أشهب ومحمد، وعن أبي القاسم مثله، وهو قول الغير في المدوّنة ولابن القاسم أنها للأوّل. قال محمد: وليس بشيء والحائز أولى، وقال المرداوي من الحنابلة: وتصح بعقد وتملك به أيضًا ولو بمعاطاة بفعل فتجهيز بنته بجهاز إلى الزوج تمليك وهو كبيع في تراخي قبوله وتقديمه وغيرهما وتلزم بقبض كمبيع بإذن واهب إلا ما كان في يد متهبه فيلزم بعقد ولا يحتاج إلى مضي مدّة يتأتى قبضه فيها، وعنه أي عن أحمد يلزم في غير مكيل وموزون ومعدود ومدروع بمجرد الهبة ولا يصح قبض إلا بإذن واهب. اهـ. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في اللباس والشهادات والخمس والأدب ومسلم في الزكاة وأبو داود في اللباس والترمذي في الاستئذان. 20 - باب إِذَا وَهَبَ هِبَةً فَقَبَضَهَا الآخَرُ وَلَمْ يَقُلْ قَبِلْتُ هذا (باب) بالتنوين (إذا وهب) رجل (هبة فقبضها الآخر) الموهوب له (ولم يقل

21 - باب إذا وهب دينا على رجل

قبلت) جازت، واشترط الشافعية الإيجاب والقبول فيها كسائر التمليكات بخلاف صحة الإبراء والعتق والطلاق بلا قبول لأنها إسقاط، ويستثنى من اعتبار ذلك الهبة الضمنية كان قال لغيره: أعتق عبدك عني ففعل فإنه يدخل في ملكه هبة ويعتق عنه ولا يشترط القبول ولا يشترط الإيجاب والقبول في الهدية والصدقة ولو في غير المطعوم، بل يكفي البعث من المملك والقبض من التملك كما جرى عليه الناس في الإعصار، ولهذا كانوا يبعثونهما على أيدي الصبيان الذين لا تصح عقولهم. فإن قيل: كان هذا إباحة لا هدية أجيب: بأنه لو كان إباحة ما تصرفوا فيه تصرف الملاك ومعلوم أنه ليس كذلك. 2600 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَلَكْتُ، فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ بِأَهْلِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ: أتَجِدُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِعَرَقٍ -وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ- فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: اذْهَبْ بِهَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ. قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا. ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن محبوب) أبو عبد الله البصري البناني قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: جاء رجل) سلمة بن صخر أو سلمان بن صخر أو أعرابي (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: هلكت) فعلت ما هو سبب لهلاكي (فقال) عليه الصلاة والسلام: (وما ذاك) ولأحمد: وما الذي أهلكك؟ (قال: وقعت بأهلي) أي وطئت امرأتي (في رمضان) نهارًا (قال) عليه الصلاة والسلام: (تجد) ولأبي ذر: أتجد (رقبة) المراد الوجود الشرعي ليدخل فيه القدرة بالشراء ونحوه ويخرج عنه مالك الرقبة المحتاج إليها بطريق شرعي (قال) الرجل: (لا) أجد رقبة (قال) عليه الصلاة والسلام: (فهل تستطبع أن تصوم شهرين متتابعين)؟ (قال) الرجل: (لا) أستطيع ذلك (قال) عليه الصلاة والسلام: (فتستطيع أن تطعم ستين مسكينًا) (قال) الرجل (لا) أستطيع (قال: فجاء رجل من الأنصار) قال في مقدمة فتح الباري: لم يسمِّ وإن صحّ أن المحترق سلمة بن صخر فالرجل هو فروة بن عمرو البياضي (بعرق) بفتح العين والراء المهملتين قال أبو هريرة أو الزهري أو غيره (والعرق المكتل) بكسر الميم وسكون الكاف وفتح المثناة الفوقية وهو الزنبيل (فيه تمر) زاد ابن أبي حفصة عند أحمد فيه خمسة عشر صاعًا. وعند ابن خزيمة من حديث عائشة فأتى بعرق فيه عشرون صاعًا. وعند مسدد من مرسل عطاء فأمر له ببعضه وهو يجمع بين الروايات فمن قال: عشرون أراد أصل ما كان فيه ومن قال: خمسة عشر أراد قدر ما تقع به الكفارة (قال) عليه الصلاة والسلام (اذهب بهذا) العرق (فتصدق به) بالجزم على الأمر (فقال) الرجل أتصدق به (على) ناس (أحوج منّا يا رسول الله و) الله (الذي بعثك بالحق ما بين لابتيها) بغير همزة أي حرّتي المدينة المكتنفتين بها (أهل بيت أحوج منّا. قال) عليه الصلاة والسلام، ولأبوي ذر والوقت: ثم قال: (اذهب فأطعمه أهلك) من تلزمك نفقته أو زوجتك وكان من مال الصدقة والكفارة باقية في ذمته كما سبق تقريره في الصيام قال في الفتح: والغرض منه هنا أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطى الرجل التمر فقبضه ولم يقل قبلت ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك ولمن اشترط القبول أن يجيب عن هذا بأنها واقعة عين فلا حجة فيها ولم يصرّح فيها بذكر القبول ولا بنفيه. 21 - باب إِذَا وَهَبَ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ قَالَ شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ: هُوَ جَائِزٌ. وَوَهَبَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - لِرَجُلٍ دَيْنَهُ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلْيُعْطِهِ أَوْ لِيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ». فَقَالَ جَابِرٌ: "قُتِلَ أَبِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُرَمَاءَهُ أَنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَ حَائِطِي، وَيُحَلِّلُوا أَبِي". هذا (باب) بالتنوين (إذا وهب) رجل (دينًا) له (على رجل) لآخر أو لمن هو عليه (قال شعبة) بن الحجاج فيما وصله ابن أبي شيبة: (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة (هو) أي فعل هبة الدين لمن هو عليه (جائز ووهب الحسن بن علي) أي ابن أبي طالب (عليهما السلام لرجل) له عليه دين (دينه) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على من وصله ولم يسم الرجل. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله مسدد في مسنده من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعًا (من كان له) أي لأحد (عليه حق فليعطه) إياه (أو ليتحلله منه). بالجزم على الأمر والضمير في منه لصاحب الحق. قال الحافظ ابن حجر: وجه الدلالة منه لجواز هبة الدين أنه من سوّى بين أن يعطيه إياه أو يحلله منه ولم يشترط في التحليل قبضًا (فقال) بالفاء وفي نسخة وقال: بالواو (جابر: قتل أبي) هو عبد الله

الأنصاري وكان قتل بأُحُد (وعليه دين) رقم في الفرع على قوله وعليه دين علامة السقوط. (فسأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غرماءه أن يقبلوا تمر حائطي) أي بستاني (ويحللوا أبي) وهذا التعليق سبق موصولاً في القرض وساقه هنا بأتم منه كما قال: 2601 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ. وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ: "أَنَّ أَبَاهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا فَاشْتَدَّ الْغُرَمَاءُ فِي حُقُوقِهِمْ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَلَّمْتُهُ، فَسَأَلَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا ثَمَرَ حَائِطِي وَيُحَلِّلُوا أَبِي فَأَبَوْا، فَلَمْ يُعْطِهِمْ وَلَمْ يَكْسِرْهُ لَهُمْ، وَلَكِنْ قَالَ: سَأَغْدُو عَلَيْكَ -إِنْ شَاءَ اللهُ-. فَغَدَا عَلَيْنَا حَتَّى أَصْبَحَ، فَطَافَ فِي النَّخْلِ وَدَعَا فِي ثَمَرِهِ بِالْبَرَكَةِ، فَجَدَدْتُهَا، فَقَضَيْتُهُمْ حُقُوقَهُمْ، وَبَقِيَ لَنَا مِنْ ثَمَرِهَا بَقِيَّةٌ. ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ جَالِسٌ فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعُمَرَ: اسْمَعْ -وَهْوَ جَالِسٌ- يَا عُمَرُ. فَقَالَ: أَلاَّ يَكُونُ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟ وَاللَّهِ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ". (حدثنا عبدان) هو عبد الله بن جبلة بفتح الجيم والموحدة العتكي بفتح المهملة والمثناة الفوقيه المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن زيد الأيلي. (وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله الذهلي في الزهريات (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري (أنه قال: حدّثني) بالإفراد (ابن كعب بن مالك أن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-) قال الكرماني: ابن كعب يحتمل أن يكون عبد الرحمن أو عبد الله لأن الزهري يروي عنهما جميعًا لكن الظاهر أنه عبد الله لأنه يروي عن جابر (أخبره أن أباه) عبد الله (قتل يوم) وقعة (أُحُد شهيدًا) وكان عليه دين ثلاثين وسقًا لرجل من اليهود (فاشتد الغرماء) عليّ (في) طلب (حقوقهم فأتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكلمته) أي ليشفع لي زاد في علامات النبوّة من وجه آخر فقلت إن أبي ترك عليه دينًا وليس عندي إلا ما يخرج نخله ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه (فسألهم) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن يقبلوا ثمر حائطي) بفتح المثلثة والميم أي في دينهم (ويحللوا أبي) أي يجعلوه في حِلٍّ بإبرائهم ذمته (فأبوا) أي امتنعوا (فلم يعطهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ثمر نخل (حائطي ولم يكسره) بفتح أوّله وكسر ثالثه أي لم يكسر الثمر من النخل (لهم) أي لم يعين ولم يقسم عليهم قاله الكرماني (ولكن قال): عليه الصلاة والسلام: (سأغدوا عليك) زاد أبو ذر إن شاء الله تعالى قال جابر: (فغدا علينا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حين أصبح) ولغبر أبي ذر حتى أصبح والأول أوجه وضبب على الأخير في الفرع (فطاف في النخل ودعا) بالواو ولأبوي ذر والوقت فدعا (في ثمره بالبركة) وعند أحمد عن جابر من وجه آخر فجاء هو وأبو بكر وعمر فاستقرأ النخل يقوم تحت كل نخلة لا أدري ما يقول حتى مرّ على آخرها (فجددتها) بالجيم والدالين المهملتين أي قطعتها (فقضيتهم حقهم) الذي لهم وفي اليونينية وفرعها حقوقهم (وبقي لنا من ثمرها) بالمثلثة المفتوحة، ولأبي الوقت: من تمرها بالمثناة الفوقية وسكون الميم أي تمر النخل (بقية) وفي علامات النبوّة وبقي مثل ما أعطاهم، (ثم جئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو جالس) جملة حالية (فأخبرته بذلك) الذي وقع من قضاء الحقوق وبقاء الزيادة وظهور بركة دعائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر) بن الخطاب: (اسمع) ما يقول جابر (وهو) أي عمر (جالس يا عمر فقال) عمر (ألا يكون) بالرفع وفي بعض الأصول بالنصب (قد علمنا أنك رسول الله والله إنك لرسول الله) بفتح الهمزة وتشديد اللام من ألا وأصلها أن المخففة ضمت إليها لا النافية أي هذا إنما يحتاج إليه من لا يعلم أنك رسول الله فكذبك في الخبر فيحتاج إلى الاستدلال، وأما من علم أنك رسول الله فلا يحتاج إلى ذلك ولأبي ذر عن الكشميهني ألا بتخفيف اللام كما في فروع عدة لليونينية وأصول معتمدة ووجه بأن الهمزة للاستفهام التقريري، وإذا تقرر هذا فلينظر في قول الحافظ ابن حجر في علامات النبوّة ألا يكون بفتح الهمزة وتشديد اللام في الروايات كلها. وزعم بعض المتأخرين أن الرواية فيه بتخفيف اللام وأن الهمزة للاستفهام التقريري فأنكر عمر عدم علمه بالرسالة فأنتج إنكاره ثبوت علمه بها. قال الحافظ ابن حجر: وهو كلام موجه إلا أن الرواية إنما هي بالتشديد وكذا ضبطها عياض وغيره انتهى. وقال الكرماني: ومقصوده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تأكيد علم عمر -رضي الله عنه- وتقويته وضم حجة أخرى إلى الحجج السابقة. وقال في الفتح: النكتة في اختصاصه بإعلامه بذلك أنه كان معتنيًا بقضية جابر مهتمًّا بشأنه مساعدًا له على وفاء دين أبيه. ومطابقة الحديث للترجمة تؤخذ كما قاله في عمدة القاري من معنى الحديث، ولكنه

22 - باب هبة الواحد للجماعة

بالتكلف وهو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سأل غرماء أبي جابر أن يقبضوا ثمر حائطه ويحللوه من بقية دينه ولو قبلوا ذلك كان إبراء لذمة أبي جابر من بقية الدين وهو في الحقيقة لو وقع كان هبة للدين ممن هو عليه وهو معنى الترجمة، وقد اختلف فيما إذا وهب دينًا له على رجل لآخر فقال المالكية يصح إذا أشهد له بذلك وجمع بينه وبين غريمه وقال الشافعي: بالبطلان لاشتراطهم القبض. 22 - باب هِبَةِ الْوَاحِدِ لِلْجَمَاعَةِ وَقَالَتْ أَسْمَاءُ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَابْنِ أَبِي عَتِيقٍ: وَرِثْتُ عَنْ أُخْتِي عَائِشَةَ بِالْغَابَةِ، وَقَدْ أَعْطَانِي بِهِ مُعَاوِيَةُ مِائَةَ أَلْفٍ، فَهُوَ لَكُمَا. (باب هبة الواحد) الشيء الواحد (للجماعة) مشاعًا جائز وإن كان لا ينقسم كعبد لأن الهبة عقد تمليك والمشاع قبل للملك فتجوز هبته كبيعه، وقال الحنفية: تجوز فيما لا ينقسم كالحمام والرحى لا فيما ينقسم إلا بعد القسمة كما لا تجوز هبة سهم في دار لأن القبض في الهبة منصوص عليه مطلقًا فينصرف إلى الكامل والقبض في المشاع ليس بكامل لأنه في حيزّه من وجه وفي حيّز شريكه من وجه، وتمامه إنما يحصل بالقسمة بخلاف المشاع فيما لم يقسم لأن القبض الكامل فيه غير متصوّر فاكتفى بالقاصر قاله ابن فرشتاه في شرح المجمع، وقبض المشاع يحصل بقبض الجميع منقولاً كان أو غيره فإن كان منقولاً ومنع من القبض الشريك فيه ووكله الموهوب له في القبض له جاز فيقبضه له الشريك، فإن امتنع الموهوب له من توكيل الشريك فيقبض له الحاكم ويكون في يده لهما أما إذا لم يمتنع الشريك من القبض بأن رضي بتسليم نصيبه أيضًا إلى الموهوب له فقبض الجميع فيحصل الملك ويكون نصيبه تحت يد الموهوب له وديعة. (وقالت أسماء) بنت أبي بكر الصدّيق (للقاسم بن محمد) هو ابن أخي أسماء (وابن أبي عتيق) هو أبو بكر عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر وهو ابن أخي أسماء (ورثت) وفي بعض الأصول الذي ورثت (عن أختي عائشة) زاد أبو ذر عن الكشميهني مالاً (وبالغابة) بالغين المعجمة وبعد الألف موحدة موضع بالعوالي قريب من المدينة به أموال أهلها (وقد أعطاني به معاوية) بن أبي سفيان (مائة ألف) أي وما بعته منه (فهو لكما) خطاب للقاسم وعبد الله بن أبي عتيق وقد كانت عائشة لما ماتت ورثتها أختاها أسماء وأم كلثوم وأولاد أخيها عبد الرحمن ولم يرثها أولاد أخيها محمد لأنهُ لم يكن شقيقها، فكأن أسماء قصدت جبر خاطر القاسم بذلك وأشركت معه عبد الله لأنه لم يكن وارثًا لوجود أبيه قاله في الفتح، والجمع يطلق على الاثنين فتحصل المطابقة بينه وبين الترجمة ولم أرَ هذا التعليق موصولاً. 2602 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ، وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: إِنْ أَذِنْتَ لِي أَعْطَيْتُ هَؤُلاَءِ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدًا. فَتَلَّهُ فِي يَدِهِ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي القرشي المكي المؤذن قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج (عن سهل بن سعد) الساعدي الأنصاري له ولأبيه صحبة (-رضي الله عنه-) وعن أبيه. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتيَ بشراب) لبن ممزوج بماء (فشرب) عليه الصلاة والسلام منه (وعن يمينه غلام) هو ابن عباس (وعن يساره الأشياخ) منهم أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- (فقال) عليه الصلاة والسلام (للغلام) ابن عباس (إن أذنت لي أعطيت هؤلاء) الأشياخ القدح (فقال) الغلام (ما كنت لأُوثر بنصيبي منك يا رسول الله أحدًا فتله) بالمثناة الفوقية وتشديد اللام أي رمى به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في يده) أي يد الغلام. قال الإسماعيلي: ليس في هذا الحديث هبة لا للواحد ولا للجماعة وإنما هو شراب أُتي به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم سقي على وجه الإباحة والإرفاق كما لو قدّم للضيف طعامًا يأكله وليس قوله للغلام: أتأذن لي على جهة أنه حق له بالهبة لكن الحق من جهة السُّنّة في الابتدائية وللأشياخ حق السن وأجاب في فتح الباري: بأن الحق كما قال ابن بطال أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سأل الغلام أن يهب نصيبه الأشياخ وكان نصيبه منه مشاعًا غير متميز فدلّ على صحة هبة المشاع. ويؤخذ من الحديث تقديم الصغير على الكبير والمفضول على الفاضل إذا جلس على يمين الرئيس فيكون مخصوصًا من عموم حديث ابن عباس عند أبي يعلى بسند قوي قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

23 - باب الهبة المقبوضة وغير المقبوضة، والمقسومة وغير المقسومة

وَسَلَّمَ- إذا سقي قال: ابدؤوا بالأكبر ويكون الأيمن ما امتاز بمجرد الجلوس في الجهة اليمنى بل الخصوص كونها يمين الرئيس والفضل إنما فاض عليه من الأفضل قال الزركشي: ويؤخذ منه أنه إذا تعارضت الفضيلة المتعلقة بالمكان والمتعلقة بالذات تقدم المتعلقة بالذات وإلاَّ لم يستأذنه. قال في المصابيح: وقع في النظائر والأشباه لابن السبكي أنه بحث مرة مع أبيه الشيخ تقي الدين السبكي في صلاة الظهر بمنى يوم النحر إذا جعلنا منى خارجة عن حدود المحرم أتكون أفضل من صلاتها في المسجد لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاّها بمنى والاقتداء به أفضل أو في المسجد لأجل المضاعفة فقال بل في منى وإن لم تحصل بها المضاعفة فإن في الاقتداء بأفعال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الخير ما يربو على المضاعفة. وهذا الحديث قد سبق في المظالم ويأتي إن شاء الله تعالى في الأشربة. 23 - باب الْهِبَةِ الْمَقْبُوضَةِ وَغَيْرِ الْمَقْبُوضَةِ، وَالْمَقْسُومَةِ وَغَيْرِ الْمَقْسُومَةِ وَقَدْ وَهَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ لِهَوَازِنَ مَا غَنِمُوا مِنْهُمْ، وَهْوَ غَيْرُ مَقْسُومٍ. (باب الهبة المقبوضة) السابق حكمها (وغير المقبوضة) علم من حكم المقبوضة (والمقسومة وغير المقسومة) أما المقسومة فحكمها ظاهر وأما غير المقسومة فهو المقصود بهذه الترجمة وهي مسألة هبة المشاع السابق تقريرها أوّل الباب السابق، (وقد وهب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) -رضي الله عنهم- مما وصله بأتمّ منه في الباب التالي (لهوازن ما غنموا منهم) قال: المؤلّف تفقهًا (وهو) أي الذي غنموه (غير مقسوم) وفي الفرع وأصله علامة السقوط على قوله لهوازن وإثباتها بعد قوله غير مقسوم لأبي ذر ويبقى النظر في قوله منهم على هذه الرواية فليتأمل. واستدلّ المؤلّف بهذا التعليق على صحة هبة المشاع وتعقب بأن غير المقسوم يلزم منه أن يكون غير مقبوض فلا يتم له الاستدلال. وأجيب بأن قبضهم إياه وقع تقديريًّا باعتبار حيازتهم له على الشيوع. 2603 - وَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ مُحَارِبٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ فَقَضَانِي وَزَادَنِي". وبه قال: (حدّثنا ثابت بن محمد) أبو إسماعيل العابد الشيباني الكوفي وسقط ابن محمد لأبي ذر ولغير أبي ذر، ونسبه الحافظ ابن حجر لأبي زيد المروزي وقال ثابت بصورة التعليق وهو موصول عند الإسماعيلي وغيره وبالأول جزم أبو نعيم في المستخرج وفاقًا للأكثر قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم ابن كدام (عن محارب) بكسر الراء ابن دثار (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه-) عن أبيه أنه (قال): (أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد) المدني (فقضاني) أي على يد بلال ثمن الجمل الذي كان اشتراه مني بأوقية بطريق تبوك أو ذات الرقاع بعد أن أعيا ودعا له حتى سار سيرًا ليس يسير مثله (وزادني) أي قيراطًا. وهذا الحديث قد سبق بأتم من هذا في باب شراء الدواب والحمير من كتاب البيوع، وساقه هنا من طريق أخرى فقال بالسند إليه: 2604 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَارِبٍ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "بِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعِيرًا فِي سَفَرٍ، فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ: ائْتِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ. فَوَزَنَ". قَالَ شُعْبَةُ: أُرَاهُ "فَوَزَنَ لِي فَأَرْجَحَ، فَمَا زَالَ مِنْهَا شَىْءٌ حَتَّى أَصَابَهَا أَهْلُ الشَّأْمِ يَوْمَ الْحَرَّةِ". (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة المشهور ببندار العبدي البصري قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر الهذلي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محارب) هو ابن دثار أنه قال: (سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- يقول: بعت من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعيرًا في سفر فلما أتينا المدينة قال) عليه الصلاة والسلام: (ائت المسجد فصل) فيه (ركعتين) وفي رواية وهب بن كيسان في البيوع قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة قبلي وقدمت بالغداة فجئت إلى المسجد فوجدته فقال: "الآن قدمت"؟ قلت: نعم قال: فدع الجمل وادخل فصلِّ ركعتين (فوزن) أي ثمن الجمل. (وقال شعبة) بن الحجاج (أراه) بضم الهمزة أظنه قال (فوزن لي فأرجح) وهو على سبيل المجاز لأن ذلك إنما كان بواسطة بلال كما في مسلم ولفظه: فلما قدمت المدينة قال لبلال أعطه أوقية من ذهب وزده. قال: فأعطاني أوقية وزادني قيراطًا فقلت: لا تفارقني زيادة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فما زال منها) وللكشميهني: فما زال معي منها (شيء حتى أصابها أهل الشام يوم) وقعة (الحرّة) أي التي كانت حوالي المدينة عند حرّتها بين عسكر الشام من جهة يزيد بن معاوية وبين أهل المدينة سنة ثلاث وستين. 2605 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِشَرَابٍ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ؟ فَقَالَ الْغُلاَمُ: لاَ وَاللَّهِ، لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا. فَتَلَّهُ فِي يَدِهِ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد الثقفي أبو رجاء البغلاني بفتح الموحدة وسكون

24 - باب إذا وهب جماعة لقوم.

المعجمة (عن مالك) إمام دار الهجرة (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج المدني القاصّ (عن سهل بن سعد) الساعدي (-رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بشراب) لبن شيب بماء (وعن يمينه غلام) ابن عباس (وعن يساره أشياخ) منهم أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- (فقال) عليه الصلاة والسلام (للغلام): (أتاذن لي أن أعطي هؤلاء) الأشياخ القدح؟ (فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك) زاد في رواية الباب السابق يا رسول الله (أحدًا فتله) أي رمى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالقدح (في يده) أي في يد ابن عباس. 2606 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَيْنٌ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً. وَقَالَ: اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا فَأَعْطُوهَا إِيَّاهُ، فَقَالُوا: إِنَّا لاَ نَجِدُ سِنًّا إِلاَّ سِنًّا هِيَ أَفْضَلُ مِنْ سِنِّهِ. قَالَ: فَاشْتَرُوهَا فَأَعْطُوهَا إِيَّاهُ، فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة) بفتح الجيم والموحدة واللام الملقب عبدان قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) هو عثمان بن جبلة (عن شعبة) بن الحجاج (عن سلمة) بن كهيل أنه (قال: سمعت أبا سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان لرجل) أعرابي لم يسم (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دين) بغير كان اقترضه عليه الصلاة والسلام منه (فهمّ به أصحابه) أي عزموا أن يؤذوه بالقول أو الفعل، لكنهم تركوا ذلك أدبًا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذلك أغلظ في المطالبة على عادة الأعرابي في الجفاء والغلظة في الطلب (فقال) عليه الصلاة والسلام: (دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً) أي صولة في الطلب (وقال) عليه الصلاة والسلام (اشتروا له سنًّا) مثل سنَّ بعيره (فأعطوها إياه) بهمزة قطع في فأعطوها وفي مسلم أن المخاطب بذلك أبو رافع مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالوا: إنّا لا نجد سنًّا إلا سنًّا هي أفضل من سنّه) في الثمن والحسن والسنّ (قال) عليه الصلاة والسلام (فاشتروها) بهمزة وصل (فأعطوها إياه فإن من خيركم أحسنكم قضاءً) بنصب أحسنكم اسم إن وخبرها والجار والمجرور، وفي بعض النسخ فإن من خيركم أحسنكم بالرفع على حذف اسم إن أي إن من خيركم أناسًا أحسنكم، ولأبي ذر: فإن خيركم بإسقاط حرف الجر والنصب، وأحسنكم بالرفع اسم إن وخبرها، وفي بعض الأصول: فإن من خيركم أو خيركم على الشك أي أو إن خيركم أحسنكم بالرفع خبر إن على ما لا يخفى، وفي النسخة المقروءة على الميدومي: فإن من أخيركم أو خيركم بالجر عطفًا على السابق وزيادة همزة في الأولى وسكون الخاء على هذا فالشك في إثبات الهمزة وحذفها أحسنكم بالنصب اسم إن لكن الألف مزيدة وجزمة الحاء وفتحة نون أحسنكم على كشط بغير خط كاتب الأصل ومداده كما هو الظاهر وفي الفرع علامة السقوط لهذا الحديث إسنادًا ومتنًا لأبي ذر. وهذا الحديث قد مضى في الاستقراض. 24 - باب إِذَا وَهَبَ جَمَاعَةٌ لِقَوْمٍ. هذا (باب) بالتنوين (إذا وهب جماعة لقوم) شيئًا وزاد أبو ذر عن الكشميهني أو وهب رجل جماعة جاز وهذه الزيادة لا فائدة فيها لتقدمها قبل. 2607 و 2608 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ: مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَىَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا السَّبْيَ وَإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ -وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ- فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلاَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا. فَقَامَ فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلاَءِ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ. فَقَالَ النَّاسُ: طَيَّبْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ. فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِيهِ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُهُمْ-. ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا". وَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا مِنْ سَبْيِ هَوَازِنَ. هَذَا آخِرُ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ. يَعْنِي فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف نسبة إلى جده لشهرته به واسم أبيه عبد الله المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن عقيل بفتح العين وكسر القاف الأيلي الأموي مولاهم (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (أن مروان بن الحكم) الأموي (والمسور بن مخرمة) الزهري وروايتهما هذه مرسلة لأن الأول لا صحبة له والآخر إنما قدم مع أبيه صغيرًا بعد الفتح وكانت هذه القصة الآتية بعده (أخبراه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): وفي الوكالة: قام بالميم بدل اللام (حين جاءه وفد هوازن) القبيلة المعروفة حال كونهم (مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم) عليه الصلاة والسلام: (معي من ترون) من العسكر (وأحب الحديث إليّ أصدقه) رفع خبر وأحب (فاختاروا) أن أرد إليكم (إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال وقد كنت استأنيت) بالهمزة الساكنة محذوفة في الفرع وأصله أي: انتظرتكم (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انتظرهم) ليحضروا (بضع عشرة ليلة) لم يقسم السبي وتركه بالجعرانة (حين

25 - باب من أهدي له هدية وعنده جلساؤه فهو أحق

قفل) رجع (من الطائف) إلى الجعرانة فقسم الغنائم بها لما أبطؤوا (فلما تبيّن لهم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رادٍّ إليهم إلا إحدى الطائفتين) السبي أو المال (قالوا: فإنّا نختار سبينا) وفي مغازي ابن عقبة: ولا نتكلم في شاة ولا بعير (فقام) عليه الصلاة والسلام (في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال): (أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء) وفد هوازن (جاؤونا) حال كونهم (تائبين وإني رأيت أن أردّ إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك) بفتح الطاء وتشديد التحتية المكسورة وفي الوكالة بذلك بزيادة الموحدة لم يطيب بدفع السبي إلى هوازن نفسه (فليفعل) ذلك (ومن أحب أن يكون) وفي الوكالة: ومن أحب منكم أن يكون (على حظه) نصيبه من السبي (حتى نعطيه إياه) أي عوضه (من أول ما يفيء الله علينا) بضم حرف المضارعة من أفاء يفيء (فليفعل) جواب من المتضمنة معنى الشرط كالسابق ومن ثم دخلت الفاء فيهما. (فقال الناس طيبنا) بتشديد المثناة التحتية أي جعلناه طيبًا من جهة كونهم رضوا به وطابت أنفسهم به (يا رسول الله لهم) أي لهوازن (فقال) عليه الصلاة والسلام لهم: (إنّا لا ندري من أذن منكم فيه ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع) بالنصب في الفرع وأصله وغيرهما بأن مقدرة بعد حتى وقال: كالكرماني: قالوا هو بالرفع أجود انتهى. ولم يبين وجه أجوديته وفي الوكالة: حتى يرفعوا بالواو وعلى لغة أكلوني البراغيث (إلينا عرفاؤكم أمركم) (فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم) في ذلك فطابت نفوسهم به (ثم رجعوا) أي العرفاء (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه أنهم طيبوا) أي ذلك وفي الوكالة قد طيبوا (وأذنوا) له عليه الصلاة والسلام أن يرد سبيهم إليهم (وهذا) ولأبي ذر فهذا (الذي بلغنا من) خبر (سبي هوازن). قال البخاري: (هذا آخر قول الزهري يعني فهدا الذي بلغنا) وسقط قوله: وهذا الذي بلغنا إلخ في نسخة ورقم عليه في الفرع وأصله علامة السقوط كذلك، وفي نسخة ثابتة بهامشها قال أبو عبد الله أي البخاري قوله فهذا الذي بلغنا من قول الزهري. ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الغانمين وهم جماعة وهبوا بعض الغنيمة لمن غنموها منهم وهم قوم هوازن، وأما الدلالة لزيادة الكشميهني فمن جهة أنه كان للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سهم معين وهو سهم الصفي فوهبه لهم أو من جهة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استوهب من الغانمين سهامهم فوهبوها له فوهبها هو لهم قاله في فتح الباري. وهذا الحديث قد سبق في باب: إذا وهب شيئًا الوكيل أو شفيع قوم جاز من كتاب الوكالة، ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في غزوة حنين من المغازي. 25 - باب مَنْ أُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةٌ وَعِنْدَهُ جُلَسَاؤُهُ فَهْوَ أَحَقُّ وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جُلَسَاءَهُ شُرَكَاءُ. وَلَمْ يَصِحَّ. هذا (باب) بالتنوين (من أهدى له هدية) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول وهدية بالرفع نائبًا عن الفاعل (وعنده جلساؤه) جمع جليس والجملة حالية وجواب من (فهو أحق) أي بالهدية من جلسائه (ويذكر) بضم أوّله وفتح ثالثه بصيغة التمريض (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما روي مرفوعًا موصولاً عند عبد بن حميد بإسناد فيه مندل بن علي وهو ضعيف وموقوفًا وهو أصلح من المرفوع (أن جلساءه شركاء) فيما يهدى له ندبًا وشركاء بحذف الضمير قال: البخاري (ولم يصح) هذا عن ابن عباس أو لا يصح في هذا الباب شيء. 2609 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: "عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ أَخَذَ سِنًّا، فَجَاءَه صَاحِبُهُ يَتَقَاضَاهُ؛ فَقَالُوا لَهُ: فَقَالَ: إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً، ثُمَّ قَضَاهُ أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ وَقَالَ: أَفْضَلُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً". وبه قال: (حدّثنا ابن مقاتل) محمد المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن سلمة بن كهيل) مصغرًا الحضرمي الكوفي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه أخذ سنًّا) معينًا من الابل من رجل قرضًا (فجاءه صاحبه يتقاضاه) أي يطلب من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقضيه جمله وأغلظ بالتشديد في الطلب (فقالوا) أي الصحابة (له) وفي الاستقراض وغيره فهم به أصحابه وسقط لغير أبي ذر فقالوا له: (فقال) عليه الصلاة والسلام: (إن لصاحب الحق مقالا ثم قضاه أفضل من سنّه وقال) عليه الصلاة

26 - باب إذا وهب بعيرا لرجل وهو راكبه، فهو جائز

والسلام (أفضلكم) في المعاملة (أحسنكم قضاء). ووجه المطابقة أنه عليه الصلاة والسلام وهبه الفضل بين السنين فامتاز به دون الحاضرين بناء على أن الزيادة في الثمن تبرعًا حكمها حكم الهبة إلا الثمن أو فيها شائبة الهبة والثمن فنزل المؤلّف الأمر على ذلك. 2610 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو: "عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَكَانَ عَلَى بَكْرٍ لِعُمَرَ صَعْبٍ، فَكَانَ يَتَقَدَّمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَقُولُ أَبُوهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لاَ يَتَقَدَّمِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَدٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بِعْنِيهِ، فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ لَكَ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ، فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدثنا ابن عيينة) سفيان (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) قال ابن حجر: لم أقف على تعيينه انتهى، (فكان) ولأبوي ذر والوقت: وكان بالواو بدل الفاء (على بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف ولد الناقة أوّل ما يركب (صعب) صفة لبكر أي نفور لكونه لم يذلل وكان (لعمر) أبيه والذي في الفرع وأصله تقديم لعمر على قوله صعب (فكان) البكر (يتقدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيقول أبوه) عمر بن الخطاب (يا عبد الله لا يتقدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحد فقال له) أي لعمر (النيي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بعنيه) أي الجمل (فقال) ولأبوي ذر والوقت: قال بإسقاط الفاء (عمر: هو لك) يا رسول الله (فاشتراه) عليه الصلاة والسلام من عمر (ثم قال) عليه الصلاة والسلام لابنه (هو لك يا عبد الله فاصنع به ما شئت) من أنواع التصرفات. ووجه المناسبة بين الحديث والترجمة فالذي يظهر كما قاله في فتح الباري أن البخاري أراد إلحاق المشاع في ذلك بغير المشاع وإلحاق الكثير بالقليل لعدم الفارق. وقال ابن بطال: هبته لابن عمر مع الناس فلم يستحق أحد منهم فيه شركة هذا ما رأيته في وجه المناسبة لهم والله أعلم فليتأمل. والحديث قد مرّ في باب إذا اشترى شيئًا فوهبه من ساعته قبل أن يتفرقا. 26 - باب إِذَا وَهَبَ بَعِيرًا لِرَجُلٍ وَهْوَ رَاكِبُهُ، فَهُوَ جَائِزٌ هذا (باب) بالتنوين (إذا وهب) رجل (بعيرًا لرجل وهو) أي والحال أن الموهوب له (راكبه) والذي في الفرع راكب بحذف الهاء أي البعير الموهوب (فهو جائز). 2611 - وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، وَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعُمَرَ: بِعْنِيهِ، فَابْتَاعَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ". (وقال الحميدي) عبد الله أبو بكر المكي مما وصله الإسماعيلي (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) هو ابن دينار (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر وكنت على بكر صعب) لعمر -رضي الله عنه- (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر): (بعنيه فابتاعه) بسكون الموحدة وبالمثناة الفوقية عليه الصلاة والسلام منه ولأبي ذر فباعه أي عمر له عليه الصلاة والسلام (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو لك) أي هبة (يا عبد الله). 27 - باب هَدِيَّةِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهَا (باب) جواز (هدية ما يكره لبسها) أنّث باعتبار الحلّة وفي نسخة بالفرع وأصله، ونسبها الحافظ ابن حجر للنسفي لبسه بالتذكير والكراهة هنا أعم من التنزيه والتحريم. 2612 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اشْتَرَيْتَهَا فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ. قَالَ: إِنَّمَا يَلْبَسُهَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ. ثُمَّ جَاءَتْ حُلَلٌ، فَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمَرَ مِنْهَا حُلَّةً، فَقَالَ: أَكَسَوْتَنِيهَا وَقُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا. فَكَسَا عُمَرُ أَخًا لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: رأى عمر بن الخطاب حلّة سيراء) بكسر السين المهملة وفتح المثناة التحتية وبالراء ممدودًا قال الخليل ليس في الكلام فعلاء بكسر أوّله مع المد سوى سيراء وحولاء وهو الماء الذي يخرج على رأس الولد وعنباء لغة في العنب وقوله حلة بالتنوين في الفرع وأصله وغيرهما على الصفة. وقال عياض: ضبطناه على متقني شيوخنا حلّة سيراء على الإضافة وهو أيضًا في اليونينية، وقال النووي: إنه قول المحققين ومتقني العربية وأنه من إضافة الشيء لصفته كما قالوا ثوب خزّ قال مالك: والسيراء هو الوشي من الحرير، وقال الأصمعي: ثياب فيها خطوط من حرير أو قزّ وإنما قيل لها سيراء لتسيير الخطوط فيها، وقيل الحرير الصافي والمعنى رأى حلّة حرير تباع (عند باب المسجد) وفي رواية جرير بن حازم عن نافع عند مسلم رأى عمر عطاردًا التميمي يقيم حقة بالسوق وكان رجلاً يغشى الملوك ويصيب منهم (فقال: يا رسول الله لو اشتريتها فلبستها يوم الجمعة وللوفد) زاد في اللباس إذا أتوك (قال) عليه الصلاة والسلام: (إنما يلبسها) أي حلة الحرير (من لا خَلاق) أي لا حظّ (له) منه أي

من الحرير (في الآخرة) (ثم جاءت) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حُلَل) أي سيراء منها (فأعطى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمر منها حلّة) زاد في رواية جرير بن حازم وبعث إلى أسامة بحلّة، وأعطى علي بن أبي طالب حلّة، ولأبي ذر: فأعطى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها حلّة لعمر (وقال) بالواو أي عمر، ولأبي ذر: فقال (أكسوتنيها) بهمزة الاستفهام وفي رواية جرير بن حازم فجاء عمر بحلّته يحملها فقال بعثت إليّ بهذه (وقلت في حلّة عطارد) هو ابن حاجب بن زرارة بن عدس بمهملات الدارمي وكان من جملة وفد بني تميم أصحاب الحجرات وقد أسلم وحسن إسلامه (ما قلت) أي مما يدل على التحريم (فقال) عليه الصلاة والسلام (إني لم أكسكها لتلبسها) وفي اللباس فقال: إنما بعثت إليك لتبيعها أو تكسوها (فكسا) بحذف الضمير المنصوب، ولأبي ذر والأصيلي: فكساها (عمر أخًا له) من أمه أو من الرضاع وسماه ابن بشكوال في المبهمات نقلاً عن ابن الحذاء عثمان بن حكيم. قال الدمياطي: وهو السلمي أخو خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص قال: وهو أخو زيد بن الخطاب لأمه فمن أطلق عليه أنه أخو عمر لأمه لم يصب. وأجيب: باحتمال أن يكون عمر ارتضع من أم أخيه زيد فيكون عثمان هذا أخًا لعمر لأمه من الرضاع وقوله له في محل نصب صفة لأخًا أي أخًا كائنًا له وكذا قوله (بمكة مشركًا) صفة بعد صفة قبل إسلامه. ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، وسبق الحديث في الجمعة، ويأتي إن شاء الله تعالى في اللباس بعون الله وقوّته. 2613 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَبُو جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَتَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا، وَجَاءَ عَلِيٌّ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ عَلَى بَابِهَا سِتْرًا مَوْشِيًّا، فَقَالَ: مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؟ فَأَتَاهَا عَلِيٌّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهَا، فَقَالَتْ: لِيَأْمُرْنِي فِيهِ بِمَا شَاءَ. قَالَ: نُرْسِلُ بِهِ إِلَى فُلاَنٍ، أَهْلِ بَيْتٍ بِهِمْ حَاجَةٌ". وبه قال (حدّثنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي الحسين الحافظ (أبو جعفر) الكوفي نزيل فيد بفتح الفاء وسكون التحتية آخره دال مهملة بلد بين بغداد ومكة. وقال الحافظ ابن حجر: يحتمل عندي أن يكون هو أبا جعفر القومسي الحافظ المشهور، فقد أخرج عنه البخاري حديثًا غير هذا في المغازي، وإنما جوّزت ذلك لأن المشهور في كنية الفيدي أبو عبد الله بخلاف القومسي فكنيته أبو جعفر بلا خلاف وبالأول جزم الكلاباذي قال: (حدّثنا ابن فضيل) محمد (عن أبيه) فضيل بن غزوان (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيت فاطمة بنته) -رضي الله عنها- وسقط قوله بنته في كثير من النسخ (فلم يدخل عليها) زاد في رواية ابن نمير عن فضيل عن أبي داود وابن حبان قال: وقلّما كان يدخل إلا بإذنها، (وجاء علي) زوجها -رضي الله عنهما- زاد ابن نمير فرآها مهتمة (فذكرت له ذلك) الذي وقع منه عليه الصلاة والسلام من عدم دخوله عليها (فذكره) في (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية ابن نمير فقال: يا رسول الله اشتد عليها أنك جئت فلم تدخل عليها (قال) عليه الصلاة والسلام: (إني رأيت على بابها سترًا موشيًا) بفتح الميم وسكون الواو وكسر المعجمة وبعدها تحتية أي مخططًا بألوان شتى (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما لي وللدنيا) (فأتاها عليّ) -رضي الله عنه- (فذكر ذلك) الذي قاله عليه الصلاة والسلام (لها، فقالت ليأمرني) بالجزم على الأمر (فيه) أي في الستر (بما شاء، قال): عليه الصلاة والسلام لما بلغه قولها ليأمرني فيه بما شاء (ترسل به) أي بالستر الموشى وترسل بضم اللام أي فاطمة، ولأبي ذر: ترسلي بحذف النون على لغة. وقال في المصابيح: فيه شاهد على حذف لام الأمر وبقاء عملها مثل قوله: محمد تفد نفسك كل نفس ... إذا ما خفت من أمر تبالا ويحتمل وهو الأولى أن يخرج على حذف أن الناصبة وبقاء عملها أي آمرك أن ترسلي به (إلى فلان أهل بيت) بالهاء والجر بدل من سابقه، وفي نسخة آل بهمزة ممدودة وإسقاط الهاء (بهم حاجة) وليس ستر الباب حرامًا لكنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كره لابنته ما كره لنفسه من تعجيل الطيبات. قال الكرماني: أو لأن فيه صورًا ونقوشًا. وهذا الحديث أخرجه أبو داود في اللباس. 2614 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَهْدَى إِلَىَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُلَّةً سِيَرَاءَ، فَلَبِسْتُهَا، فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَشَقَقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي". [الحديث 2614 - طرفاه في: 5366، 5840]. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم السلمي الأنماطي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال:

28 - باب قبول الهدية من المشركين

أخبرني) بالإفراد (عبد الملك بن ميسرة) ضدّ الميمنة الهلالي الكوفي وفي اليونينية ابن ميسرة بخفض ابن والظاهر أنه سبق قلم (قال: سمعت زيد بن وهب) الجهني أبا سليمان الكوفي المخضرم (عن عليّ) هو ابن أبي طالب (رضي الله عنه) أنه (قال): (أهدى) بفتح الهمزة والدال (إليّ) بتشديد التحتية (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلّة سيراء) نوع من البرود يخالطه حرير وحلة بالتنوين ولغير أبي ذر حلة سيراء بإسقاط التنوين للإضافة (فلبستها فرأيت الغضب في وجهه) زاد مسلم في رواية أبي صالح فقال: إني لم أبعث بها إليك لتلبسها إنما بعثت بها إليك لتشفها خمرًا بين النساء (فشققتها بين نسائي) أي قطعتها ففرّقتها عليهن خمرًا بضم الخاء المعجمة وبالميم جمع خمار بكسر أوّله مع التخفيف ما تغطي به المرأة رأسها والمراد بقوله نسائي ما فسره في رواية أبي صالح حيث قال: بين الفواطم. قال ابن قتيبة: المراد بالفواطم فاطمة بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفاطمة بنت أسد بن هاشم والدة عليّ ولا أعرف الثالثة، وذكر أبو منصور الأزهري أنها فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، وقد أخرج الطحاوي وابن أبي الدنيا في كتاب الهدايا وعبد الغني بن سعيد في المبهمات وابن عبد البرّ كلهم من طريق يزيد بن أبي زياد عن أبي فاختة عن هبيرة بن يريم بتحتية ثم راء بوزن عظيم عن عليّ في نحو هذه القصة قال: فشققت منها أربعة أخمرة فذكر الثلاثة المذكورات قال: ونسي يزيد الرابعة. وقال عياض: لعلها فاطمة امرأة عقيل بن أبي طالب وهي بنت شيبة بن ربيعة، وقيل بنت عتبة بن ربيعة، وقيل بنت الوليد بن عتبة. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله فرأيت الغضب في وجهه فإنه دالٌّ على أنه كره له لبسها مع كونه أهداها له، وهذه الحلّة كان أهداها عليه الصلاة والسلام أكيدر دومة كما في مسلم. وقد أخرج المؤلّف حديث الباب أيضًا في النفقات واللباس ومسلم في اللباس والنسائي في الزينة. 28 - باب قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بِسَارَةَ، فَدَخَلَ قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ أَوْ جَبَّارٌ فَقَالَ: أَعْطُوهَا آجَرَ». وَأُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ. وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: "أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا، وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ". (باب) جواز (قبول الهدية من المشركن، وقال أبو هريرة) مما وصله في أحاديث الأنبياء (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هاجر إبراهيم) الخليل (عليه السلام بسارة) زوجته وكانت من أجمل النساء (فدخل قرية) قيل هى مصر (فيها ملك أو) قال (جبار) هو عمرو بن امرئ القيس بن سبأ وكان على مصر ذكره السهيلي، وهو قول ابن هشام في التيجان، وقيل اسمه صادوق حكاه ابن قتيبة وأنه كان على الأردن، وقيل غير ذلك فقيل له: إن هاهنا رجلاً معه امرأة من أحسن النساء فأرسل إليها فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ فقال ادعي الله لي ولا أضرّك فدعت فأطلق (فقال: أعطوها آجر) بهمزة بدل الهاء والجيم مفتوحة، وفي نسخة هاجر أي هبة لها لتخدمها لأنه أعظمها أن تخدم نفسها. ويأتي الحديث: إن شاء الله تعالى تامًّا في أحاديث الأنبياء. (وأهديت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بخيبر (شاة فيها سم) وهذا التعليق ذكره في هذا الباب موصولاً. (وقال أبو حميد) عبد الرحمن الساعدي الأنصاري مما وصله في باب: خرص التمر من الزكاة (أهدى) يوحنا بن روبة واسم أمه العلماء بفتح العين وسكون اللام ممدودًا (ملك أيلة) بفتح الهمزة وسكون التحتية بلد معروف بساحل البحر في طريق المصريين إلى مكة وهي الآن خراب (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بغلة بيضاء وكساه) بالواو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر فكساه (بردًا وكتب) أي أمر عليه الصلاة والسلام أن يكتب (له) وفي نسخة لأبي ذر والأصيلي: إليه (ببحرهم) أي ببلدهم أي أهل بحرهم والمعنى أنه أقرّه عليهم بما التزمه من الجزية، وقد سبق لفظ الكتاب في الزكاة ومناسبة هذا للترجمة غير خفية. 2615 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ -رضي الله عنه- قَالَ: "أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جُبَّةُ سُنْدُسٍ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا". [الحديث 2615 - طرفاه في: 2616، 3248]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا يونس بن محمد) المؤدب البغدادي قال: (حدّثنا شيبان) بفتح الشين المعجمة وسكون التحتية ابن عبد الرحمن النحوي (عن قتادة) بن دعامة أنه قال: (حدّثنا أنس) هو ابن مالك (-رضي الله عنه-) أنه (قال): (أهدي للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبّة سندس) بضم همزة أهدي وكسر

ثالثه وجبّة رفع نائب عن الفاعل والسندس مارق من الديباج وهو ما ثخن وغلظ من ثياب الحرير (وكان) عليه الصلاة والسلام (ينهى عن) استعمال (الحرير) والجملة حالية (فعجب الناس منها فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في اللباس أتعجبون من هذا قلنا نعم قال: (و) الله (الذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ) الأوسي (في الجنة أحسن من هذا) الثوب قيل: وإنما خصّ المناديل بالذكر لكونها تمتهن فيكون ما فوقها أعلى منها بطريق الأولى. 2616 - وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: "إِنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". (وقال سعيد) هو ابن أبي عروبة فيما وصله أحمد عن روح عنه (عن قتاة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- (أن أكيدر) بضم الهمزة وكسر الدال مصغرًا ابن عبد الملك بن عبد الجن بالجيم والنون، وكان نصرانيًّا أسره خالد بن الوليد لما أرسله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سرية، وقتل أخاه وقدم به إلى المدينة فصالحه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الجزية وأطلقه وكان صاحب (دومة أهدى إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ودومة بضم الدال المهملة والمحدثون يفتحونها وسكون الواو وهي دومة الجندل مدينة بقرب تبوك بها نخل وزرع على عشر مراحل من المدينة وثمان من دمشق، والجندل الحجارة. والدومة: مستدار الشيء ومجتمعه كأنها سميت به لأن مكانتها مجتمع الأحجار ومستدارها، ومراد المؤلّف من هذا التعليق بيان الذي أهدى ليطابق الترجمة. 2617 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: "أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا، فَقِيلَ: أَلاَ نَقْتُلُهَا؟ قَالَ: لاَ. فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) أبو محمد الحجبي البصري قال: (حدّثنا خالد بن الحرث) الهجيمي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام بن زيد) بن أنس بن مالك الأنصاري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن يهودية) اسمها زينب واختلف في إسلامها (أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في خيبر (بشاة مسمومة) وأكثرت من السمّ في الذراع لما قيل لها إنه عليه الصلاة والسلام يحبها (فأكل منها) وأكل معه بشر بن البراء ثم قال: لأصحابه أمسكوا فإنها مسمومة (فجيء بها) أي باليهودية فاعترفت (فقيل: ألا نقتلها؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (لا) لأنه كان لا ينتقم لنفسه ثم مات بشر فقتلها به قصاصًا. قال أنس (فما زلت أعرفها) أي تلك الأكلة (في لهوات رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح اللام والهاء والواو جمع لهاة وهي اللحمة المعلقة في أصل الحنك، وقيل: هي ما بين منقطع اللسان إلى منقطع أصل الفم ومراد أنس -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يعتريه المرض من تلك أكلة أحيانًا، ويحتمل أنه كان يعرف ذلك في اللهوات بتغيّر لونها أو بنتو فيها أو تحفير قاله القرطبي فيما نقله عنه في فتح الباري. 2618 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثِينَ وَمِائَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ؟ فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أَوْ نَحْوُهُ، فَعُجِنَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً؟ أَوْ قَالَ: أَمْ هِبَةً؟ قَالَ: لاَ، بَلْ بَيْعٌ. فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً، فَصُنِعَتْ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَودِ الْبَطْنِ أَنْ يُشْوَى. وَإيْمُ اللَّهِ مَا فِي الثَّلاَثِينَ وَالْمِائَةِ إِلاَّ وقَدْ حَزَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ حُزَّةً مِنْ سَوَاهدِ بَطْنِهَا، إِنْ كَانَ شَاهِدًا أَعْطَاهَا إِيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا خَبَأَ لَهُ، فَجَعَلَ مِنْهَا قَصْعَتَيْنِ، فَأَكَلُوا أَجْمَعُونَ وَشَبِعْنَا، فَفَضَلَتِ الْقَصْعَتَانِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْبَعِيرِ. أَوْ كَمَا قَالَ". وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا المعتمر بن سليمان) بن طرخان التيمي البصري (عن أبيه) سليمان (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل بلام مشددة والميم مثلثة النهدي بفتح النون وسكون الهاء مشهور بكنيته مخضرم عاش مائة وثلاثين سنة أو أكثر (عن عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: كنّا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاثين ومائة فقال) له (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هل مع أحد منكم طعام فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه) بالرفع عطفًا على صاع والضمير للصاع (فعجن ثم جاء رجل مشرك) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه ولا على اسم صاحب الصاع (مشعان) بضم الميم وسكون الشين المعجمة وبعدها عين مهملة آخره نون مشددة (طويل) زاد المستملي جدًّا فوق الطول ويحتمل أن يكون تفسيرًا للمشعان وقال: القزاز المشعان الجافي الثائر الرأس، وقال غيره: طويل شعر الرأس جدًّا البعيد العهد بالدهن الشعث، وقال القاضي: ثائر الرأس متفرقه: (بغنم يسوقها فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له (بيعًا) نصب بفعل مقدّر أي أتبيع بيعًا أو الحال أي أتدفعها بائعًا (أم عطية) (أو قال): عليه الصلاة والسلام (أم هبة) عطف على المنصوب السابق والشك من الراوي (قال) المشرك (لا) ليس هبة (بل) هو (بيع) أي مبيع وأطلق عليه بيعًا باعتبار ما يؤول إليه (فاشترى) عليه الصلاة والسلام (منه) أي من المشرك (شاة) وللكشميهني

29 - باب الهدية للمشركين

بمنها أي من الغنم شاة (فصنعت) أي ذبحت (وأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسواد البطن) منها وهو كبدها أو كل ما في بطنها من كبد وغيرها لكن الأول أبلغ في المعجزة (أن يشوى وإيم الله) بوصل الهمزة قسم (ما في الثلاثين والمائة) الذين كانوا معه عليه الصلاة والسلام (إلا وقد حزّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الحاء المهملة أي قطع (له حزة) بضم الحاء المهملة أي قطعة (من سواد بطنها وإن كان شاهدًا أعطاها إياه) قال: الحافظ ابن حجر أي أعطاه إياها فهو من القلب، وقال العيني: أي أعطى الحزة الشاهد أي الحاضر ولا حاجة إلى دعوى القلب بل العبارتان سواء في الاستعمال (وإن كان غائبًا خبأ له) منها (فجعل منها) أي من الشاة (قصعتين فأكلوا أجمعون) تأكيد للضمير الذي في أكلوا أي أكلوا من القصعتين مجتمعتين عليهما فيكون فيه معجزة أخرى لكونهما وسعتا أيدي القوم كلهم أو المراد أنهم أكلوا منها في الجمعة من الاجتماع والافتراق (وشبعنا ففضلت القصعتان فحملناه) أي الطعام الذي فضل، وفي رواية المصنف في الأطعمة وفضل في القصعتين ولغير أبي ذر: فحملنا بإسقاط ضمير المفعول (على البعير أو كما قال): شك من الراوي، وفي هذا الحديث معجزة تكثير سواد البطن حتى وسع هذا العدد وتكثير الصاع ولحم الشاة حتى أشبعهم أجمعين وفضلت منهم فضلة حملوها لعدم حاجة أحد إليها. وهذا الحديث مضى مختصرًا في البيع، ويأتي في الأطعمة إن شاء الله تعالى. 29 - باب الْهَدِيَّةِ لِلْمُشْرِكِينَ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَْ} [الممتحنة: 8]. (باب الهدية للمشركين وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على الهدية في سورة الممتحنة ({لا ينهاكم الله عن}) الاحسان إلى الكفرة ({الذين لم يقاتلوكم في الدين}) قال ابن كثير: كالنساء والضعفة منهم ({ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم}) أي تحسنوا إليهم وتصلوهم ({وتقسطوا إليهم}) [الممتحنة: 8] قال السمرقندي: تعدلوا معهم بوفاء عهدهم زاد أبو ذر إن الله يحب المقسطين أي العادلين. 2619 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "رَأَى عُمَرُ حُلَّةً عَلَى رَجُلٍ تُبَاعُ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ابْتَعْ هَذِهِ الْحُلَّةَ تَلْبَسْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِذَا جَاءَكَ الْوَفْدُ، فَقَالَ: إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهَا بِحُلَلٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ مِنْهَا بِحُلَّةٍ، فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ أَلْبَسُهَا وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ؟ قَالَ: إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا، تَبِيعُهَا أَوْ تَكْسُوهَا. فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ". وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون المعجمة أبو الهيثم البجلي القطواني بفتح القاف والطاء الكوفي خالد: (حدّثنا سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبو عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: رأى عمر) أبوه (حلة) زاد في رواية نافع السابقة سيراء (على رجل) هو عطارد بن حاجب (تباع) أي عند باب المسجد كما في رواية نافع (فقال) عمر (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابتع) اشتر (هذه الحلة تلبسها يوم الجمعة) بجزم تلبسها في الفرع وأصله (وإذا جاءك الوفد فقال): عليه الصلاة والسلام: (إنما يلبس هذه) أي الحلة ولغير أبي بذر هذا أي الحرير (من لا خلاق) أي لا حظ (له) منه (في الآخرة) (فأتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها بحلل فأرسل إلى عمر منها بحلة فقال عمر) له عليه الصلاة والسلام (كيف ألبسها وقد قلت فيها) وفي رواية نافع وقد قلت في حلّة عطارد (ما قلت. قال): عليه الصلاة والسلام ولأبوي ذر والوقت فقال: (إني لم أكسكها لتلبسها تبيعها أو تكسوها) بالرفع (فأرسل بها) أي بالحلة (عمر إلى أخ له) من الرضاعة اسمه عثمان بن حكيم (من أهل مكة) زاد نافع مشركًا (قبل أن يسلم) لم يقل نافع قبل أن يسلم. 2620 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- قَالَتْ: "قَدِمَتْ عَلَىَّ أُمِّي وَهْيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ: إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهْيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ". [الحديث 2620 - أطرافه في: 3183، 5978، 5979]. وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين مصغرًا واسمه عبد الله الهباري بفتح الهاء وتشديد الموحدة قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الليثي (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن أسماء بنت أبي بكر) الصدّيق (-رضي الله عنهما-) أنها (قالت) ولأبوي ذر والوقت، قلت يا رسول الله (قدمت عليّ أمي) قتيلة بالقاف والفوقية مصغرًا بنت عبد العزى بن سعد زاد الليث عن هشام في الأدب مع ابنها واسمه كما ذكره الزبير الحرث بن مدركة. قال الحافظ ابن حجر: ولم أرَ له ذكرًا في الصحابة فكأنه مات مشركًا، وفي رواية ابن سعد وأبي داود الطيالسي والحاكم من حديث عبد الله بن

30 - باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته

الزبير قدمت قتيلة بنت عبد العزى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر في الهدنة وكان أبو بكر طلّقها في الجاهلية بهدايا زبيب وسمن وقرظ فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها (وهي مشركة) جملة حالية (في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في زمنه (فاستفتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلت) وفي رواية حاتم بن إسماعيل في الجزية فقلت يا رسول الله (إن أمي قدمت وهي راغبة) في شيء تأخذه أو عن ديني أو في القرب مني ومجاورتي والتودّد إليّ لأنها ابتدأت أسماء بالهدية، ورغبت منها في المكافأة لا الإسلام لأنه لم يقع في شيء من الروايات ما يدل على إسلامها ولو حمل قوله راغبة أي في الإسلام لم يستلزم إسلامها فلذا لم يصب من ذكرها في الصحابة، وأما قول الزركشي ورُوِيَ راغمة بالميم أي كارهة للإسلام ساخطة له فيوهم أنه رواية في البخاري وليس كذلك بل هي رواية عيسى بن يونس عن هشام عند أبي داود والإسماعيلي (أفأصل أمي قال): عليه الصلاة والسلام: (نعم صلّى أمك) زاد في الأدب عن الحميدي عن ابن عيينة قال ابن عيينة: فأنزل الله فيها {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} [الممتحنة: 8]. 30 - باب لاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِِ هذا (باب) بالتنوين (لا يحل لأحد أن يرجع في هبته) التي وهبها (و) لا في (صدقته) التي تصدق بها. 2621 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَشُعْبَةُ قَالاَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ». وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي بالفاء أبو عمرو البصري قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (وشعبة) بن الحجاج (قالا: حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن سعيد بن المسيب) بفتح التحتية (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (العائد في هبته كالعائد في قيئه) زاد أبو داود في آخره قال: همام قال: قتادة ولا أعلم القيء إلا حرامًا. 2622 - وحَدَّثَني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ، الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وحدّثني بالإفراد وواو العطف (عبد الرحمن بن المبارك) ليس أخا عبد الله بن المبارك المشهور بل هو العيشي بتحتية ومعجمة البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري بفتح المثناة وتشديد النون قال: (حدّثنا أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني البصري (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس لنا) وفي رواية: منّا. (مثل السوء) بفتح السين ومثل بفتح الميم والمثلثة (الذي يعود في هبته) أي العائد في هبته (كالكلب يرجع في قيئه) زاد مسلم من رواية أبي جعفر محمد بن علي الباقر عنه فيأكله وله في رواية بكير إنما مثل الذي يتصدق بصدقة ثم يعود في صدقته كمثل الكلب يقيء ثم يأكل قيأه، والمعنى كما قال البيضاوي: لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتّصف بصفة ذميمة يشابهنا فيها أخسّ الحيوانات في أحوالها. قال في الفتح: ولعل هذا أبلغ في الزجر عن ذلك وأدلّ على التحريم مما لو قال: مثلاً لا تعودوا في الهبة. قال النووي: هذا المثل ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة والصدقة بعد إقباضهما وهو محمول على هبة الأجنبي لا ما وهب لولده وولد ولده كما صرّح به في حديث النعمان، وهذا مذهب الشافعي ومالك، وقال الحنفية: يكره الرجوع فيها لحديث الباب ولا يحرم لأن فعل الكلب يوصف بالقبح لا بالحرمة فيجوز الرجوع فيما يهبه لأجنبي بتراضيهما أو بحكم حاكم لقوله عليه الصلاة والسلام: "الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها" أي ما لم يعوض عنها. 2623 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ مِنْهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لاَ تَشْتَرِهِ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي المكي قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم مولى عمر بن الخطاب أنه (قال: سمعت عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يقول، حملت على فرس) أي تصدقت به ووهبته بأن يقاتل عليه (في سبيل الله) واسمه الورد وكان للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاه له تميم الداري فأعطاه عمر (فأضاعه الذي كان عنده) بتقصيره في خدمته ومؤونته قال: عمر (فأردت أن أشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص، فسألت عن ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (لا تشتره) نهي للتنزيه (وإن أعطاكه بدرهم واحد) قال في الفتح: ويستفاد منه أنه لو وجده مثلاً يباع بأغلى من ثمنه ولم يتناوله النهي (فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه) الفاء في فإن العائد للتعليل أي

31 - باب

كما يقبح أن يقيء ثم يأكل كذلك يقبح أن يتصدّق بشيء ثم يجره إلى نفسه بوجه من الوجوه. 31 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة وهو كالفصل من السابق. 2624 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: "أَنَّ بَنِي صُهَيْبٍ مَوْلَى بْنِ جُدْعَانَ ادَّعَوْا بَيْتَيْنِ وَحُجْرَةً أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَى ذَلِكَ صُهَيْبًا، فَقَالَ مَرْوَانُ مَنْ يَشْهَدُ لَكُمَا عَلَى ذَلِكَ؟ قَالُوا: ابْنُ عُمَرَ. فَدَعَاهُ، فَشَهِدَ لأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صُهَيْبًا بَيْتَيْنِ وَحُجْرَةً، فَقَضَى مَرْوَانُ بِشَهَادَتِهِ لَهُمْ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفرّاء الرازي المعروف بالصغير قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) الصنعاني اليمني قاضيها (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام وتصغير عبد الثاني المكي (أن بني صهيب) بضم المهملة وفتح الهاء ابن سنان الرومي لأن الروم سبوه صغيرًا وبنوه هم حمزة وحبيب وسعد وصالح وصيفي وعباد وعثمان ومحمد (مولى ابن جدعان) بضم الجيم وسكون المهملة عبد الله بن عمرو بن جدعان كان اشتراه بمكة من رجل من كلب وأعتقه، وقيل بل هرب من الروم فقدم مكة فحالف فيها ابن جدعان وللكشميهني في نسخة والحموي: بني جدعان (ادعوا) أي بنو صهيب عند مروان (بيتين) تثنية بيت (وحجرة) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم الموضع المنفرد في الدار (أنّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطى ذلك) الذي ادعوه من البيتين والحجرة أباهم (صهيبًا فقال مروان: من يشهد لكما على ذلك) الذي ادّعيتماه وعبر بالتثنية وفي البقية بالجمع فيحمل على أن الذي تولى الدعوى منهم اثنان برضا الباقين فخاطبهما مروان بالتثنية لأن الحاكم لا يخاطب إلاّ المدّعي وعند الإسماعيلي، فقال مروان: من يشهد لكم بصيغة الجمع (قالوا) كلهم يشهد بذلك (ابن عمر) عبد الله (فدعاه) مروان (فشهد لأعطى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح لام لأعطى. قال الكرماني: كأنه جعل للشهادة حكم القسم أو يقدر قسم أي والله لأعطى عليه الصلاة والسلام (صهيبًا بيتين وحجرة) وهي التي ادّعى بها (فقضى مروان بشهادته لهم) أي بشهادة ابن عمر وحده لبني صهيب بالبيتين والحجرة. فإن قيل: كيف قضى شهادته وحده؟ أجاب ابن بطال: بأنه إنما قضى لهم بشهادته ويمينهم، وتعقب بأنه لم يذكر ذلك في الحديث، بل عبّر عن الخبر بالشهادة والخبر يؤكد بالقسم كثيرًا وإن كان السامع غير منكر ولو كانت شهادة حقيقة لاحتاج إلى شاهد آخر ولا يخفى ما في هذا فليتأمل. والقاعدة المستمرة تنفي الحكم بشهادة الواحد فلا بدّ من اثنين أو شاهد ويمين فالحمل على هذا أولى من حمله على الخبر وكون الشهادة غير حقيقية، وهذا الحديث تفرّد به البخاري. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لأبي ذر في اليونينية قال ابن حجر: وثبتت للأصيلي وكريمة قبل الباب. 32 - باب مَا قِيلَ فِي الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى أعْمَرْتُهُ الدَّارَ فَهْيَ عُمْرَى: جَعَلْتُهَا لَهُ. {اسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61] جَعَلَكُمْ عُمَّارًا. (باب ما قيل) أي ورد (في العمرى) بضم العين المهملة وسكون الميم مع القصر مأخوذة من العمر (والرقبى) بوزنها مأخوذة من الرقوب لأن كلاًّ منهما يرقب موت صاحبه وكانا عقدين في الجاهلية وتفسير العمري أن يقول الرجل لغير (أعمرته الدار فهي عمرى) أي (جعلتها له) ملكًا مدة عمره وتكون هبة ولو زاد فإن متّ فهي لورثته فهبة أيضًا طوّل فيها العبارة (استعمركم فيها) أي (جعلكم عمارًا) هذا تفسير أبي عبيدة في المجاز وقال غيره استعمركم أطال أعماركم أو أذن لكم في عمارتها واستخراج قوتكم منها. 2625 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَضَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْعُمْرَى أَنَّهَا لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن جابر -رضي الله عنه-) أنه (قال: قضى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعمرى أنها) أي حكم في العمرى بأنها (لمن وهبت له) بضم الواو مبنيًّا للمفعول زاد مسلم في رواية الزهري عن أبي سلمة لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث، وله من طريق الليث عن الزهري فقد قطع قوله حقه فيها وهي لمن أعمر ولعقبه فلو قال: إن متّ عاد إليّ أو إلى ورثتي إن متّ صحّت الهبة ولغا الشرط لأنه فاسد ولإطلاق الحديث. وحديث الباب أخرجه مسلم في الفرائض وأبو داود في البيوع والترمذي وابن ماجة في الأحكام والنسائي في العمرى. 2626 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي النَّضْرُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْعُمْرَى جَائِزَةٌ». وقال عطاءٌ: حدّثني جابرٌ عنِ النبى-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... مثلَه. وبه قال: (حدّثنا حفص بن

33 - باب من استعار من الناس الفرس

عمر) الحوضي قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى الشيباني البصري قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (قال: حدّثني) بالإفراد (النضر بن أنس) الأنصاري (عن بشير بن نهيك) بفتح الموحدة وكسر المعجمة ونهيك بفتح النون وكسر الهاء السلولي (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (العمرى جائزة) أي للمعمر بفتح الميم ولورثته من بعده لا حق للمعمر فيها. (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح بالإسناد السابق الموصول إلى قتادة (حدّثني) بالإفراد (جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه) أي نحو حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، ورواه مسلم عن قتادة عن عطاء بلفظ العمرى ميراث لأهلها، ولعله المراد بقوله نحوه لكن في رواية أبي ذر بلفظ مثله بدل نحوه قال النووي، قال أصحابنا: للعمرى ثلاثة أحوال: أحدها: أن يقول أعمرتك هذه الدار فإذا متّ فهي لورثتك أو لعقبك فتصح بلا خلاف ويملك رقبة الدار وهي هبة فإذا مات فالدار لورثته، وإلاّ فلبيت المال ولا تعود إلى الواهب بحال. ثانيها: أن يقتصر على قوله جعلتها لك عمرى ولا يتعرّض لما سواه ففي صحته قولان للشافعي أصحهما وهو الجديد صحته. ثالثها: أن يزيد عليه بأن يقول فإن متّ عادت إليّ ولورثتي إن متّ ولغا الشرط. وقال أحمد: تصحّ العمرى المطلقة دون المؤقتة، وقال مالك العمرى في جميع الأحوال تمليك لمنافع الدار مثلاً ولا تملك فيها رقبتها بحال، ومذهب أبي حنيفة كالشافعية ولم يذكر المؤلّف في الرقبى المذكورة في جملة الترجمة شيئًا فلعله يرى اتحادهما في المعنى كالجمهور، وقد روى النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوفًا: العمرى والرقبى سواء وقد منعها مالك وأبو حنيفة ومحمد خلافًا للجمهور ووافقهم أبو يوسف. وللنسائي من طريق إسرائيل عن عبد الكريم عن عطاء قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن العمرى والرقبى. قلت: وما الرقبى؟ قال: "يقول الرجل للرجل هي لك حياتك فإن فعلتم فهو جائز" أخرجه مرسلاً. وأخرجه من طريق ابن جريج عن عطاء عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر مرفوعًا "لا عمرى ولا رقبى فمن أعمر شيئًا أو أرقبه فهو له حياته ومماته" ورجاله ثقات. لكن اختلف في سماع حبيب له من ابن عمر فصرّح به النسائي في طريق ونفاه في طريق أخرى. وأجيب: بأن معناه لا عمرى بالشروط الفاسدة على ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من الرجوع أي فليس لهم العمرى المعروفة عندهم المقتضية للرجوع فأحاديث النهي محمولة على الإرشاد. 33 - باب مَنِ اسْتَعَارَ مِنَ النَّاسِ الْفَرَسَ (باب من استعار من الناس الفرس) زاد أبو ذر والدابة، وزاد الكشميهني وغيرها قال الحافظ ابن حجر: وثبت مثله لابن شبويه لكن قال وغيرهما بالتثنية وعند بعض الشرّاح قبل الباب كتاب العارية ولم أره لغيره والعارية بتشديد الياء وقد تخفّف وفيها لغة ثالثة عارة بوزن غارة وهي اسم لما بعار مأخوذ من عار إذا ذهب وجاء، ومنه قيل للغلام الخفيف عيار لكثرة ذهابه ومجيئه، وقيل من التعاور وهو التناوب. وقال الجوهري: كأنها منسوبة إلى العار لأن طلبها عار وعيب وحقيقتها شرعًا إباحة الانتفاع بما يحلّ الانتفاع به مع بقاء عينه والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: {ويمنعون الماعون} [الماعون: 7] فسّره جمهور المفسرين بما يستعيره الجيران بعضهم من بعض. 2627 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: "كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ، فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ الْمَنْدُوبُ فَرَكِبَه، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: مَا رَأَيْنَا مِنْ شَىْءٍ، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا". [الحديث 2627 - أطرافه في: 2820، 2857، 2862، 2866، 2867، 2908، 2968، 2969، 3040، 6033، 6212]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: سمعت أنسًا) هو ابن مالك -رضي الله عنه- (يقول: كان فزع) بفتح الفاء والزاي خوف من العدوّ (بالمدينة فاستعار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرسًا من أبي طلحة) زيد بن سهل زوج أم أنس (يقال له المندوب) زاد في الجهاد من طريق سعيد عن قتادة كان يقطف أو كان فيه قطاف بالشك أي بطيء المشي. وقال ابن الأثير: المندوب أي المطلوب وهو من الندب الرهن الذي يجعل في السباق، وقيل سمي به لندب كان في جسمه وهو أثر الجرح، وقال عياض: يحتمل أنه لقب أو اسم بعير كسائر الأسماء (فركب) عليه الصلاة

34 - باب الاستعارة للعروس عند البناء

والسلام زاد في رواية جرير بن حازم عن محمد عن أنس في الجهاد، ثم خرج يركض وحده فركب الناس يركضون خلفه (فلما رجع قال): (ما رأينا من شيء) يوجب الفزع (وإن وجدناه) أي الفرس (لبحرًا) أي واسع الجري ومنه سمي البحر بحرًا لسعته، وتبحر فلان في العلم إذا اتسع فيه، وقيل شبّهه بالبحر لأن جريه لا ينفذ كما لا ينفذ ماء البحر. قال الخطابي: وإن هنا نافية واللام بمعنى إلا أي ما وجدناه إلا بحرًا، وعليه اقتصر الزركشي قال في التوضيح: وهو قصور وهذا إنما هو مذهب كوفي ومذهب البصريين أن إن مخففة من الثقيلة واللام فارقة بينها وبين النافية انتهى، وقد سبقه إليه ابن التين. قال الحافظ ابن حجر: وفي رواية المستملي وإن وجدنا بحذف الضمير، وفي رواية حماد عن ثابت عن أنس في الجهاد أيضًا استقبلهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على فرس عري ما عليه سرج وفي عنقه سيف. وأخرجه الإسماعيلي عن حماد وفي أوّله فزع أهل المدينة ليلة فتلقاهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد سبقهم إلى الصوب ___ وهو على فرس بغير سرج واستدلّ به على مشروعية العارية وكانت كما قاله الروياني واجبة أول الإسلام للآية السابقة، ثم نسخ وجوبها فصارت مستحبة أي أصالة فقد تجب كإعارة الثوب لدفع حرّ أو برد وإعارة الخيل لإنقاذ غريق والسكين لذبح حيوان محترم يخشى موته وقد تحرم كإعارة الصيد من المحرم والأمة من الأجنبي، وقد تكره كإعارة العبد المسلم من كافر، ويشترط في المعير أن يملك المنفعة فتصحّ الإعارة من المستأجر لا من المستعير لأنه غير مالك لها، وإنما أبيح له الانتفاع لكن للمستعير استيفاء المنفعة بنفسه وبوكيله كأن يركب الدابة المستعارة وكيله في حاجته أو زوجته أو خادمه لأن الانتفاع راجع إليه بواسطة المباشر وحكم العارية إذا تلفت في يد المستعير بآفة سماوية أو أتلفها هو أو غيره ولو بلا تقصير الضمان لحديث أبي داود وغيره العارية مضمونة ولأنها مال يجب ردّه لمالكه فيضمن عند تلفه كالمأخوذ بجهة السوم، فإن تلفت باستعمال ماذون فيه كاللبس والركوب المعتادين لم يضمن لحصول التلف بسبب مأذون فيه. 34 - باب الاِسْتِعَارَةِ لِلْعَرُوسِ عِنْدَ الْبِنَاءِ (باب الاستعارة للعروس) نعت يستوي فيه الذكر والأُنثى ما داما في أعراسهما (عند البناء) أي الزفاف، وقال ابن الأثير: الدخول بالزوجة، وقيل له بناء لأنهم كانوا يبنون لمن يتزوّج قبّة ليدخل بها فيها ثم أطلق ذلك على التزويج. 2628 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- وَعَلَيْهَا دِرْعُ قِطْرٍ ثَمَنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ، فَقَالَتِ: ارْفَعْ بَصَرَكَ إِلَى جَارِيَتِي انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهَا تُزْهَى أَنْ تَلْبَسَهُ فِي الْبَيْتِ. وَقَدْ كَانَ لِي مِنْهُنَّ دِرْعٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ تُقَيَّنُ بِالْمَدِينَةِ إِلاَّ أَرْسَلَتْ إِلَىَّ تَسْتَعِيرُه". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عبد الواحد بن أيمن) بفتح الهمزة وسكون التحتية وبعد الميم المفتوحة نون المخزومي المكّي قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي) أيمن الحبشي (قال: دخلت على عائشة -رضي الله عنها- وعليها درع قطر) بكسر الدال وسكون الراء قميص المرأة وقطر بكسر القاف وسكون الطاء ثم راء مع إضافة درع لقطر ضرب من برود اليمن غليظ فيه بعض الخشونة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قطن بضم القاف وآخره نون والجملة حالية (ثمن خمسة دراهم) برفع ثمن وجر خمسة في الفرع وأصله وغيرهما من الأصول المعتمدة التي وقفت عليها. وقال في الفتح: ثمن بالنصب بنزع الخافض وخمسة بالجر على الإضافة أو ثمن خمسة بالرفع فيهما على حذف الضمير أي ثمنه خمسة دراهم ويروى ثمن بضم المثلثة وتشديد الميم المكسورة على صيغة المجهول من الماضي وخمسة بالنصب بنزع الخافض أي قوّم بخمسة دراهم قال: ووقع في رواية ابن شبويه وحده خمسة الدراهم. (قالت ارفع بصرك إلى جاريتي) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسمها (انظر إليها) بلفظ الأمر (فإنها تزهى) بضم أوّله وفتح ثالثه تتكبر (أن تلبسه في البيت) يقال: زهى الرجل إذا تكبر وأعجب بنفسه وهو من الأفعال التي لم ترد إلا مبنية لما لم يسم فاعله وإن كان بمعنى الفاعل مثل عني بالأمر ونتجت الناقة، لكن قال في الفتح: إنه رآه في رواية أبي ذر تزهى بفتح أوّله، وقد حكاها ابن دريد لكن قال الأصمعي: لا يقال بالفتح (وقد كان لي منهن) أي من الدروع (درع على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في زمنه

35 - باب فضل المنيحة

وأيامه (فما كانت امرأة تقين) بضم حرف المضارعة وفتح القاف وتشديد التحتية آخره نون مبنيًّا للمفعول أي تزين. قال صاحب الأفعال: قان الشيء قيانة أصلحه وقيل تجلى على زوجها (بالمدينة إلا أرسلت إليّ تستعيره) أي ذلك الدرع لأنهم كانوا إذ ذاك في حال ضيق فكان الشيء الخسيس عندهم نفيسًا. وهذا الحديث تفرّد به البخاري وفيه من الفوائد ما لا يخفى فتأمله. 35 - باب فَضْلِ الْمَنِيحَةِ (باب فضل المنيحة) بفتح الميم والحاء المهملة بينهما نون مكسورة فمثناة تحتية ساكنة الناقة. أو الشاة تعطيها غيرك يحتلبها ثم يردّها عليك والمنحة بالكسر العطية وسقط لفظ باب في رواية أبي ذر ففضل مرفوع حينئذٍِ. 2629 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نِعْمَ الْمَنِيحَةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً، وَالشَّاةُ الصَّفِيُّ تَغْدُو بِإِنَاءٍ وَتَرُوحُ بِإِنَاءٍ». حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَإِسْمَاعِيلُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: "نِعْمَ الصَّدَقَةُ ... ". [الحديث 2629 - طرفه في: 5608]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو ابن عبد الله بن بكير ونسبه لجد لشهرته به المخزومي قال: (حدّثنا مالك) الإمام الأعظم (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (نعم المنيحة) الناقة (اللقحة) بكسر اللام وسكون القاف والرفع صفة لسابقها الملقوحة وهي ذات اللبن القريبة العهد بالولادة (الصفي) بفتح الصاد وكسر الفاء صفة ثانية لكثيرة اللبن واستعمله بغير هاء. قال الكرماني: لأنه إما فعيل أو فعول يستوي فيه المذكر والمؤنث وتعقبه العيني بأن قوله إما فعيل غير صحيح لأنه من معتل اللام والواوي دون اليائي. وقال في المصابيح: والأشهر استعمالها بغير هاء. قال العيني: ويروى أيضًا الصفية (منحة) نصب على التمييز قال ابن مالك في التوضيح: فيه وقوع التمييز بعد فاعل نعم ظاهرًا وقد منعه سيبويه إلا مع إضمار الفاعل نحو {بئس للظالمين بدلاً} [الكهف: 50] وجوّزه المبرد وهو الصحيح انتهى. وقال في المصابيح: يحتمل أن يقال إن فاعل نعم في الحديث مضمر والمنيحة الموصوفة بما ذكر هي المخصوص بالمدح ومنحة تمييز تأخر عن المخصوص فلا شاهد فيه على ما قال ولا يرد على سيبويه حيئنذٍ. (والشاة الصفي) صفة وموصوف عطف على ما قبله (تغدو بإناء وتروح بإناء) أي تحلب إناء بالغداة وإناء بالعشي أو تغدو بأجر حلبها في الغدو والرواح والمنحة من باب الصلاة لا من باب الصدقات. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (وإسماعيل) بن أبي أويس (عن مالك) أنه (قال) في روايته للحديث السابق (نعم الصدقة) أي اللقحة الصفي منحة قال: في الفتح وهذا هو المشهور عن مالك وكذا رواه شعيب عن أبي الزناد كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الأشربة أي بلفظ الصدقة. 2630 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ مِنْ مَكَّةَ وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ، وَكَانَتِ الأَنْصَارُ أَهْلَ الأَرْضِ وَالْعَقَارِ، فَقَاسَمَهُمُ الأَنْصَارُ عَلَى أَنْ يُعْطُوهُمْ ثِمَارَ أَمْوَالِهِمْ كُلَّ عَامٍ وَيَكْفُوهُمُ الْعَمَلَ وَالْمَؤونَةَ. وَكَانَتْ أُمُّهُ أُمُّ أَنَسٍ أُمُّ سُلَيْمٍ كَانَتْ أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، فَكَانَتْ أَعْطَتْ أُمُّ أَنَسٍ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِذَاقًا، فَأَعْطَاهُنَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّ أَيْمَنَ مَوْلاَتَهُ أُمَّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ ". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ خَيْبَرَ فَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ رَدَّ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى الأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمُ مِنْ ثِمَارِهِمْ، فَرَدَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أُمِّهِ عِذَاقَهَا، وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّ أَيْمَنَ مَكَانَهُنَّ مِنْ حَائِطِهِ". وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ بِهَذَا وَقَالَ: "مَكَانَهُنَّ مِنْ خَالِصِه". [الحديث 2630 - أطرافه 3128، 4030، 4120]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا ابن وهب) عبد الله المصري قال: (حدّثنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما قدم المهاجرون المدينة من مكة وليس بأيديهم يعني شيئًا) وسقط لأبي ذر: يعني شيئًا (وكانت الأنصار أهل الأرض والعقار) بالخفض عطفًا على السابق وجواب لما قوله (فقاسمهم الأنصار على أن يعطوهم ثمار أموالهم كل عام ويكفوهم العمل والمؤونة) في الزراعة والمنفي في حديث أبي هريرة السابق في المزارعة حيث قالوا: قسم بيننا وبين إخواننا النخل قال: لا مقاسمة الأصول، والمراد هنا مقاسمة الثمار، (وكانت أمه أم أنس) بدل من أمه والضمير فيه يعود على أنس واسمها سهلة وهي (أم سليم) بضم السين مصغرًا بدل من المرفوع السابق أيضًا و (كانت أم عبد الله بن أبي طلحة) أيضًا فهو أخو أنس لأمه. قال في الفتح: والذي يظهر أن قائل ذلك الزهري عن أنس لكن بقية السياق تقتضي أنه من رواية الزهري عن أنس فيكون من باب التجريد كأنه ينتزع من نفسه شخصًا فيخاطبه (فكانت أعطت) أي وهبت (أم أنس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عذاقًا) بكسر العين المهملة وتخفيف الذال المعجمة جمع عذق بفتح العين وسكون الذال النخلة نفسها أو إذا كان حملها موجودًا والمراد ثمرها ولأبي ذر عذاقًا بفتح العين (فأعطاهن) أي النخلات (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم أيمن)

بركة (مولاته) وحاضنته (أم أسامة بن زيد) مولاه عليه الصلاة والسلام وهو أخو أيمن بن عبيد الحبشي لأمه. وهذا الحديث أخرجه مسلم في المغازي والنسائي في المناقب. (قال ابن شهاب) الزهري بالسند السابق (فأخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما فرغ من قتل) وللأصيلي من قتال (أهل خيبر فانصرف إلى المدينة ردّ المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارهم) لاستغنائهم بغنيمة خيبر (فردّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أمه) هي أم أنس أم سليم (عذاقها) بكسر العين ولأبي ذر عذاقها بفتحها أي الذي كانت أعطته وأعطاه هو لأم أيمن (وأعطى) بالواو ولأبي ذر فأعطى (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم أيمن) مولاته (مكانهن) أي بدلهن (من حائطه) أي بستانه. (وقال أحمد بن شبيب) بفتح الشين المعجمة وكسر الموحدة الأولى البصري: (أخبرنا أبي) شبيب بن سعيد الحبطي بفتح الحاء المهملة والموحدة البصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (بهذا) الحديث متنًا وإسنادًا (وقال: مكانهنّ) فوافق ابن وهب إلا في قوله من حائطه فقال (من خالصه) أي خالص ماله وفي مسلم من طريق سليمان التيمي عن أنس أن الرجل كان يجعل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النخلات من أرضه حتى فتحت عليه قريظة والنضير فجعل بعد ذلك يردّ عليه ما كان أعطاه. قال أنس: وإن أهلي أمروني أن آتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسأله ما كان أهله أعطوه أو بعضه، وكان نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أعطاه أم أيمن فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعطانيهن فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي وقالت: والله لا أعطيكهن وقد أعطانيهن فقال نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا أم أيمن اتركيه ولك كذا وكذا" وتقول كلاّ والله الذي لا إله إلا هو فجعل يقول كذا وكذا حتى أعطاها عشرة أمثاله أو قريبًا من عشرة أمثاله، وإنما فعلت ذلك لأنها ظنت أنها هبة مؤبدة وتمليك الأصل الرقبة، فأراد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استطابة قلبها في استرداد ذلك فما زال يزيدها في العوض حتى رضيت تبرعًا منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإكرامًا لها من حق الحضانة زاده الله شرفًا وتكريمًا. 2631 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- يَقُول: ُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَرْبَعُونَ خَصْلَةً -أَعْلاَهُنَّ مَنِيحَةُ الْعَنْزِ- مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ». قَالَ حَسَّانُ: فَعَدَدْنَا مَا دُونَ مَنِيحَةِ الْعَنْزِ -مِنْ رَدِّ السَّلاَمِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ- فَمَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عيسى بن يونس) الهمداني قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن (عن حسان بن عطية) الشامي (عن أبي كبشة) بفتح الكاف وسكون الموحدة وفتح الشين المعجمة (السلولي) بفتح السين المهملة وضم اللام الأولى أنه (قال: سمعت عبد الله بن عمرو) هو ابن العاص (-رضي الله عنهما- يقول قال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أربعون خصلة) مبتدأ ولأحمد أربعون حسنة بدل خصلة وقوله (أعلاهن) مبتدأ ثانٍ خبره (منيحة العنز) الأُنثى من المعز والجملة خبر المبتدأ الأول (ما من عامل يعمل بخصلة منها) أي من الأربعين (رجاء ثوابها) بنصب رجاء على التعليل وكذا قوله (وتصديق موعودها إلا أدخله الله) عز وجل (بها الجنة) (قال حسان) هو ابن عطية راوي الحديث بالسند السابق (فعددنا ما دون منيحة العنز من ردّ السلام وتشميت العاطس وإماطة الأذى عن الطريق ونحوه) مما وردت به الأحاديث (فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خصلة) قال ابن بطال: ما أبهمها عليه الصلاة والسلام إلا لمعنى هو أنفع من ذكرها وذلك والله أعلم خشية أن يكون التعيين والترغيب فيها مزهدًا في غيرها من أبواب الخير، وقول حسان: فما استطعنا ليس بمانع أن يوجد غيرها ثم عدد خصالاً كثيرة، تعقبه ابن المنير في بعضها فقال: التعداد سهل، ولكن الشرط صعب وهو أن يكون كل ما عدّده من الخصال دون منيحة العنز ولا يتحقق فيما عدّده ابن بطال بل هو منعكس، وذلك أن من جملة ما عدّده نصرة المظلوم والذبّ عنه ولو بالنفس وهذا أفضل من منيحة العنز والأحسن في هذا أن لا يعدّ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبهمه وما أبهمه الرسول كيف يتعلق الأمل ببيانه من غيره مع أن الحكمة في إبهامه أن لا يحتقر شيء من وجوه البرّ وإن قلّ. وهذا

36 - باب إذا قال أخدمتك هذه الجارية على ما يتعارف الناس فهو جائز

الحديث أخرجه أبو داود في الزكاة. 2632 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَتْ لِرِجَالٍ مِنَّا فُضُولُ أَرَضِينَ، فَقَالُوا: نُؤَاجِرُهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي بكسر الموحدة قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن قال: (حدّثني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح ولأبي ذر عن عطاء (عن جابر) هو ابن عبد الله (-رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه (قال: كانت لرجال منّا فضول أرضين) بفتح الراء (فقالوا نؤاجرها بالثلث والربع والنصف) بما يخرج منها والواو في الموضعين بمعنى أو (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مَن كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها) بفتح الياء والنون والجزم على الأمر فيهما أي يعطها (أخاه) المسلم (فإن أبى) امتنع (فليمسك أرضه) وسقط لفظ أخاه في هذا الحديث في باب: ما كان أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يواسي بعضهم بعضًا في الزراعة والثمرة والغرض منه هنا قوله أو ليمنحها أخاه. 2633 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ قَالَ: "جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُ عَنِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ، إِنَّ الْهِجْرَةَ شَأْنُهَا شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتُعْطِي صَدَقَتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ تَمْنَحُ مِنْهَا شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتَحْلُبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا". (وقال محمد بن يوسف) البيكندي مما وصله الإسماعيلي وأبو نعيم قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن قال: (حدّثني) بالإفراد (الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (عطاء بن يزيد) من الزيادة الليثي قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (أبو سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (قال: جاء أعرابي إلى النبي) ولأبي ذر: إلى رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسأله عن الهجرة) أي أن يبايعه على الإقامة بالمدينة ولم يكن من أهل مكة الذين وجبت عليهم الهجرة قبل الفتح (فقال) له عليه الصلاة والسلام: (ويحك) كلمة ترحم وتوجع لمن وقع في هلكة لا يستحقها (إن الهجرة شأنها) أي القيام بحقها (شديد) لا يستطيع القيام به إلا القليل (فهل لك من إبل؟ قال: نعم، قال) عليه الصلاة والسلام له (فتعطي صدقتها) المفروضة؟ (قال: نعم قال) عليه الصلاة والسلام (فهل تمنح) بفتح النون وكسرها له في الفرع كالصحاح (منها شيئًا قال: نعم) وهذا موضع الترجمة فإن فيه إثبات فضيلة المنيحة (قال): عليه الصلاة والسلام (فتحلبها يوم وردها) بكسر الواو وفي اليونينية بفتحها ولعله سبق قلم وفي النسخة المقروءة على الميدومي ورودها أي يوم نوبة شربها لأن الحلب يومئذ أوفق للناقة وأرفق للمحتاجين (قال: نعم قال) عليه الصلاة والسلام له (فاعمل من وراء البحار) بموحدة ومهملة أي من وراء القرى والمدن، ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني: من وراء التجار المثناة الفوقية وبالجيم بدل الموحدة والحاء (فإن الله لن يترك) بفتح المثناة التحتية وكسر الفوقية أي لن ينقصك (من) ثواب (عملك شيئًا). وهذا الحديث سبق في الزكاة في باب زكاة الإبل. 2634 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَعْلَمُهُمْ بِذَاكَ -يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ إِلَى أَرْضٍ تَهْتَزُّ زَرْعًا، فَقَالَ: لِمَنْ هَذِهِ؟ فَقَالُوا: اكْتَرَاهَا فُلاَنٌ. فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَوْ مَنَحَهَا إِيَّاهُ كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا أَجْرًا مَعْلُومًا". وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا عبد الوهاب) هو ابن عبد المجيد البصري قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار المكي (عن طاوس) هو ابن كيسان اليماني أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أعلمهم بذاك) ولأبي ذر: بذلك باللام وفي المزارعة قاله عمرو: قلت لطاوس لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عنها. قال: أي عمرو وإني أعطيهم وأغنيهم وإن أعلمهم أخبرني (يعني ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج إلى أرض تهتز زرعًا) أي تتحرك بالنبات وترتاح لأجل الزرع (فقال) عليه الصلاة والسلام: (لمن هذه) الأرض (فقالوا اكتراها فلان فقال) عليه الصلاة والسلام (أما) بالتخفيف (أنه لو منحها) أي أعطاها المالك (إياه) أي فلانًا المكتري على سبيل المنحة (كان خيرًا له من أن يأخذ) أي من أخذه (عليها أجرًا معلومًا) لأنها أكثر ثوابًا وسبق هذا الحديث في المزارعة. 36 - باب إِذَا قَالَ أَخْدَمْتُك هَذِهِ الْجَارِيَةَ عَلَى مَا يَتَعَارَفُ النَّاسُ فَهْوَ جَائِزٌ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: هَذِهِ عَارِيَّةٌ. وَإِنْ قَالَ: كَسَوْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ فَهذهِ هِبَةٌ. هذا (باب) بالتنوين (إذا قال) رجل لآخر (أخدمتك هذه الجارية على ما يتعارف الناس) أي على عرفهم في صدور هذا القول منهم أو على عرفهم في كون الإخدام هبة أو عارية (فهو جائز) جواب إذا (وقال بعض الناس) قال: الكرماني: قيل أراد به الحنفية (وهذه) الصفة المذكورة بقوله إذا قال: أخدمتك هذه الجارية مثلاً فهي (عارية) قال الحنفية: لأنه صريح في إعارة الاستخدام (وإن قال كسوتك هذا الثوب فهو) ولأبي ذر: فهذه (هبة) قال الله تعالى

37 - باب إذا حمل رجل على فرس فهو كالعمرى والصدقة

{فكفارته إطعام عشرة مساكين} (إلى قوله) {أو كسوتهم} [المائدة: 89] ولم تختلف الأمة أن ذلك تمليك للطعام والكسوة فلو قال: كسوتك هذا الثوب مدة معينة فله شرطه قاله ابن بطال وقال ابن المنير: الكسوة للتمليك بلا شك لأن ظاهرها الأصلي لا يراد إذ أصلها لمباشرة الإلباس لكنّا نعلم أن الغني إذا قال للفقير كسوتك هذا الثوب لا يعني أنني باشرت إلباسك إياه فإذا تعذّر حمله على الوضع حمل على العرف وهو العطية. وقال الكرماني قوله: وإن قال كسوتك إلخ يحتمل أن يكون من تتمة قول الحنفية ومقصود المؤلّف منه أنهم تحكموا حيث قالوا ذلك عارية وهذا هبة، ويحتمل أن يكون عطفًا على الترجمة. 2635 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ بِسَارَةَ، فَأَعْطَوْهَا آجَرَ، فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ اللَّهَ كَبَتَ الْكَافِرَ، وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً»؟ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (هاجر إبراهيم) الخليل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بسارّة) زوجته فدخل قرية فيها جبار من الجبابرة فقيل إن هاهنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليها، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ فقال: ادعي الله لي ولا أضرّك فدعت الله فأطلق بعض حجبته (فأعطوها آجر) بهمزة بدل الهاء وفتح الجيم (فرجعت) سارّة إلى الخليل (فقالت) له (أشعرت أن الله) عز وجل (كبت الكافر) أي صرفه وأذلّه (وأخدم) أي الكافر (وليدة) جارية أي وهبها لأجل الخدمة. (وقال ابن سيرين) محمد مما هو موصول في أحاديث الأنبياء (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (فأخدمها هاجر) غرض المؤلّف أن لفظ الإخدام للتمليك وكذلك الكسوة، لكن قال ابن بطال: استدلاله بقوله فأخدمها هاجر على الهبة لا يصح، وإنما صحّت الهبة في هذه القصة من قوله فأعطوها هاجر. قال في فتح الباري: مراد البخاري أنه إن وجدت قرينة تدل على العرف حمل عليها فإن كان جرى بين قوم عرف في تنزيل الإخدام منزلة الهبة فأطلقه شخص وقصد التمليك نفذ، ومن قال هي عارية في كل حال فقد خالف والله أعلم. وهذا الحديث قد مرّ بتمامه في البيع في باب شراء المملوك من الحربي وساق هنا قطعة منه. وهاهنا فروع لو أعطى إنسان آخر دراهم وقال: اشترِ لك بها عمامة أو ادخل بها الحمام أو نحو ذلك تعينت لذلك مراعاة لغرض الدافع هذا إن قصد ستر رأسه بالعمامة وتنظيفه بدخول الحمام لما رأى به من كشف الرأس وشعث البدن ووسخه، وإن لم يقصد ذلك بل قاله على سبيل التبسّط المعتاد فلا يتعيّن ذلك بل يملكها ويتصرف فيها كيف شاء وكذا لو طلب الشاهد من المشهود له مركوبًا ليركبه في أداء الشهادة فأعطاه أجرة المركوب فيأتي فيها التفصيل السابق، لكن قال الأسنوي: والصحيح أن له صرفها إلى جهة أخرى كما ذكروه في بابه، والفرق أن الشاهد يستحق أجرة المركوب فله التصرف فيها كيف شاء والمذكور أولاً من باب الصدقة والبرّ فروعِيَ فيه غرض الدافع، وإن أعطاه كفنًا لأبيه فكفّنه في غيره فعليه ردّه له إن كان قصد التبرّك بأبيه وما يحصله خادم الصوفية لهم من السوق وغيره يملكه دونهم لأنه ليس بوكيل عنهم ووفاؤه لهم مروءة منه فإن قصدهم الدافع معه فالملك مشترك أو دونه فمختص بهم إن كان وكيلاً عنهم. 37 - باب إِذَا حَمَلَ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ فَهْوَ كَالْعُمْرَى وَالصَّدَقَةِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا. هذا (باب) بالتنوين (إذا حمل رجل رجلاً) آخر غيره (على فرس) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: إذا حمل رجلاً بالنصب على المفعولية والفاعل مضمر أي حمل رجل رجلاً على فرس (فهو) أي فحكمه (كالعمرى والصدقة) في عدم الرجوع فيه (وقال بعض الناس) أبو حنيفة -رحمه الله- (له أن يرجع فيها) في الفرس الذي حمله عليها ناويًا الهبة لأنه يجوز عنده الرجوع في الهبة للأجنبي. 2636 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَسْأَلُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: "قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَرَأَيْتُهُ يُبَاعُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لاَ تَشْتَرِ وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ". وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (أخبرنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت مالكًا) الإمام الأعظم (يسأل زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر المدني (قال) ولأبي ذر فقال (سمعت أبي) أسلم (يقول قال عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-: حملت على فرس) أي تصدّقت به (في سبيل الله)

52 - كتاب الشهادات

عز وجل وليس المراد أنه حبسه كما سبق واسم الفرس الورد (فرأيته يباع) وأردت أن أشتريه (فسألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (لا تشتره) أي الفرس والنهي للتنزيه، ولغير أبي ذر: لا تشتر بحذف الضمير المنصوب زاد في رواية يحيى بن قزعة وإن أعطاكه بدرهم (ولا تعد في صدقتك) والله تعالى أعلم. بسم الله الرحمن الرحيم 52 - كتاب الشهادات (بسم الله الرحمن الرحيم). جمع شهادة وهي كما في القاموس خبر قاطع وقد شهد كعلم وكرم وقد تسكن هاؤه وشهده كسمعه شهودًا حضره فهو شاهد الجمع شهود وشهد ولزيد بكذا شهادة أدّى ما عنده من الشهادة فهو شاهد الجمع شهد بالفتح وجمع الجمع شهود وأشهاد واستشهده سأله أن يشهد له والشهيد وتكسر شينه الشاهد والأمين في شهادته انتهى. والفرق بين الشهادة والرواية مع أنهما خبر إن كما في شرح البرهان للمازري أن المخبر عنه في الرواية أمر عام لا يختص بمعين نحو الأعمال بالنيات والشفعة فيما لم يقسم فإنه لا يختص بمعين بل عام في كل الخلق والأعصار والأمصار بخلاف قول العدل لهذا عند هذا دينار فإنه إلزام لمعين لا يتعداه، وتعقبه الإمام ابن عرفة بأن الرواية تتعلق بالجزئي كثيرًا كحديث: يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة انتهى. وقد تكون مركبة من الرواية والشهادة كالإخبار عن رؤية هلال رمضان فإنه من جهة أن الصوم لا يختص بشخص معين بل عام على من دون مسافة القصر رواية، ومن جهة أنه مختص بأهل المسافة ولهذا العام شهادة قاله: الكرماني. وقد ثبتت البسملة قبل كتاب في الفرع ونسب ذلك فى الفتح لرواية النسفيّ وابن شبويه وفي بعض النسخ سقوطها. 1 - باب مَا جَاءَ فِي الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلاَ تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَنْ لاَ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ لاَ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282] وَقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135]. (باب ما جاء في البينة على المدعي) بكسر العين (لقوله) زاد أبو ذر تعالى ولأبي ذر أيضًا عز وجل ({يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين}) أي إذا داين بعضكم بعضًا تقول داينته إذا عاملته نسيئة معطيًا أو آخذًا ({إلى أجل مسمى}) معلوم بالأيام والأشهر لا بالحصاد وقدوم الحاج ({فاكتبوه}) قال ابن كثير: هذا إرشاد من الله تعالى لعباده المؤمنين إذا تعاملوا بمعاملات مؤجلة أن يكتبوها ليكون ذلك أحفظ لمقدارها وميقاتها وأضبط للشاهد، ويقال مما ذكره السمرقندي مَن ادّان دينًا وا يكتب فإذا نسي دينه ويدعو الله تعالى بأن يظهره يقول الله تعالى: أمرتك بالكتابة فعصيت أمري، والجمهور على أن الأمر هنا للاستحباب ({وليكتب بينكم كاتب بالعدل}) أي بالقسط من غير زيادة ولا نقصان ({ولا يأب كاتب}) ولا يمتنع أحد من الكتاب ({أن يكتب كما علمه الله}) مثل ما علمه الله من كتب الوثائق ما لم يكن يعلم ({فليكتب}) نلك الكتابة المعلمة ({وليملل الذي عليه الحق}) وليكن المملل من عليه الحق لأنه المقرّ المشهود عليه ({وليتق الله ربه}) أي المملي أو الكاتب ({ولا يبخس}) ولا ينقص ({منه شيئًا}) أي من الحق أو الكاتب لا ينجس مما أمل عليه ({فإن كان الذي عليه الحق سفيهًا}) ناقص العقل مبذرًّا ({أو ضعيفًا}) صبيًّا أو ضعيفًا مختلاًّ ({أو لا يستطيع أن يمل هو}) أو غير مستطيع للإملاء بنفسه لخرس أو جهل باللغة ({فليملل وليه بالعدل}) أي الذي يلي أمره ويقوم مقامه من قيم إن كان صبيًّا أو مختل عقل أو وكيل أو مترجم إن كان غير مستطيع وهو دليل جريان النيابة في الإقرار ولعله مخصوص بما تعاطاه القيم أو الوكيل ({واستشهدوا}) على حقكم ({شهيدين من رجالكم}) المسلمين الأحرار البالغين وقال: ابن كثير أمر بالإشهاد مع الكتابة لزيادة التوثقة ({فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان}) وهو مخصوص بالأموال عندنا ومما عدا الحدود والقصاص عند أبي حنيفة ({ممن ترضون من الشهداء}) لعلمكم بعد التهم ({أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}) أي لأجل أن إحداهما إن ضلّت الشهادة بأن نسيتها ذكرتها الأخرى وفيه إشعار بنقصان عقلهن وقلة ضبطهن ({ولا يأبَ الشهداء إذا ما دعوا}) لأداء الشهادة عند الحاكم فإذا دعي لأدائها فعليه الإجابة إذا تعينت،

2 - باب إذا عدل رجل أحدا فقال: لا نعلم إلا خيرا، أو ما علمت إلا خيرا وساق حديث الإفك فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأسامة حين استشاره، فقال: أهلك ولا نعلم إلا خيرا

وإلاّ فهو فرض كفاية أو التحمل وسموا شهداء تنزيلاً لما يشارف منزلة الواقع وما مزيدة ({ولا تسأموا}) ولا تملوا من كثرة مدايناتكم ({أن تكتبوه}) أي الدين أو الكتاب ({صغيرًا أو كبيرًا}) صغيرًا كان الحق أو كبيرًا أو مختصرًا كان الكتاب أو مشبعًا ({إلى أجلها}) أي إلى وقت حلوله الذي أقرّ به المديون ({ذلكم}) الذي أمرناكم به من الكتابة ({أقسط عند الله}) أعدل ({وأقوم للشهادة}) وأثبت لها وأعون على إقامتها إذا وضع خطه ثم رآه تذكر به الشهادة لاحتمال أنه لولا الكتابة لنسيه كما هو الواقع غالبًا ({وأدنى أن لا ترتابوا}) وأقرب في أن لا تشكوا في جنس الدين وقدره وأجله والمشهور ونحو ذلك ثم استثنى من الأمر بالكتابة فقال: ({إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح أن لا تكتبوها}) أي إلا أن تتبايعوا يدًا بيد فلا بأس أن لا تكتبوا لبعده عن التنازع والنسيان ({وأشهدوا إذا تبايعتم}) هذا التبايع أو مطلقًا لأنه أحوط ({ولا يضارّ كاتب ولا شهيد}) فيكتب هذا خلاف ما علم ويشهد هذا بخلاف ما سمع أو الضرار بهما مثل أن يعجلا عن أمر مهم ويكلفا الخروج عما حدّ لهما ولا يعطي الكاتب جعله والشاهد مؤونة مجيئه حيث كانت ({وإن تفعلوا}) الضرار بالكاتب والشاهد ({فإنه فسوق بكم}) خروج عن الطاعة لاحق بكم ({واتقوا الله}) في مخالفة أمره ونهيه ({ويعلمكم الله}) أحكامه المتضمنة لمصالحكم ({والله بكل شيء عليم}) [البقرة: 282] عالم بحقائق الأمور ومصالحها لا يخفى عليه شيء بل علمه محيط بجميع الكائنات ولفظ رواية أبي ذر بعد قوله: ({فاكتبوه}) إلى قوله: ({واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم}) وكذا لابن شبويه، وساق في رواية الأصيلي وكريمة الآية كلها قاله الحافظ ابن حجر. (وقوله تعالى) في سورة النساء ولأبوي ذر والوقت وقول الله عز وجل: ({يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط}) مواظبين على العدل مجتهدين في إقامته ({شهداء لله}) بالحق تقيمون شهاداتكم لوجه الله تعالى ({ولو}) كانت الشهادة ({على أنفسكم}) بأن تقرّوا عليها لأن الشهادة بيان الحق سواء كان الحق عليه أو على غيره ({أو الوالدين والأقربين}) ولو على أقاربكم ({إن يكن}) أي المشهود عليه أو كل واحد منه ومن المشهود له ({غنيًّا أو فقيرًا}) فلا تمتنعوا عن إقامة الشهادة فلا تراعوا الغني لغناه ولا الفقير لفقره ({فالله أولى بهما}) بالغني والفقير وبالنظر لهما فلو لم تكن الشهادة لهما أو عليهما صلاحًا لما شرعها ({فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا}) لأن تعدلوا عن الحق ({وإن تلووا}) ألسنتكم عن شهادة الحق أو عن حكومة العدل ({أو تعرضوا}) عن أدائها ({فإن الله كان بما تعملون خبيرا}) [النساء: 135] تهديد للشاهد لكيلا يقصر في أداء الشهادة ولا يكتمها، ولأبي ذر وابن شبويه بعد قوله: {بالقسط} إلى قوله: {بما تعملون خبيرًا}. ووجه الاستدلال بما ذكره على الترجمة كما قاله ابن المنير أن المدعي لو كان مصدقًا بلا بيّنة لم يحتج إلى الإشهاد ولا إلى كتابة الحقوق املائها فالإرشاد إلى ذلك يدل على الحاجة إليه وفي ضمن ذلك أن البينة على المدّعي، ولأن الله تعالى حين أمر الذي عليه الحق بالإملاء اقتضى تصديقه فيما أقرّ به، وإذا كان مصدّفًا فالبينة على مَن ادّعى تكذيبه، ولم يسق المؤلّف -رحمه الله- حديثًا اكتفاء بالآيتين. 2 - باب إِذَا عَدَّلَ رَجُلٌ أَحَدًا فَقَالَ: لاَ نَعْلَمُ إِلاَّ خَيْرًا، أَو مَا عَلِمْتُ إِلاَّ خَيْرًا وساق حديث الإفك فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأسامة حين استشاره، فقال: أهلك ولا نعلم إلا خيرًا هذا (باب) بالتنوين (إذا عدّل) بتشديد الدال (رجل أحدًا) ولأبي ذر عن المستملي: رجلاً بدل أحدًا (فقال) المعدل (لا نعلم إلا خيرًا أو قال ما) ولأبوي ذر والوقت أو ما (علمت إلا خيرًا) ما الحكم في ذلك زاد أبو ذر وساق حديث الإفك فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأسامة حين عدّله قال أهلك ولا نعلم إلا خيرًا. قال في الفتح: ولم يقع هذا كله في رواية الباقين وهو اللائق لأن حديث الإفك قد ذكر في الباب موصولاً وإن كان اختصره. 2637 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ حَدَّثَنَا ثوبانُ، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بن الزبير وَابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بن عبد الله عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا- حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ ما قَالُوا: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيًّا وَأُسَامَةَ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَأْمِرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، فَأَمَّا أُسَامَةُ فَقَالَ: أَهْلُكَ وَلاَ نَعْلَمُ إِلاَّ خَيْرًا. وَقَالَتْ بَرِيرَةُ: إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ يَعْذِرُنَا مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ مِنْ أَهْلِي إِلاَّ خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا». وبه قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن منهال قال: (حدّثنا عبد الله بن عمر) بضم العين وفتح الميم ابن غانم (النميري) بضم النون وفتح الميم قال: (حدّثنا ثَوبان) كتب في اليونينية وفرعها على ثوبان علامة السقوط من غير

3 - باب شهادة المختبئ، وأجازه عمرو بن حريث

رقم ولأبي ذر: حدّثنا يونس بن يزيد الأيلي. (وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله في تفسير سورة النور (حدّثني) بالإفراد (يونس) الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام وسقط لغير أبي ذر ابن الزبير (وابن المسيب) سعيد (وعلقمة بن وقاص) بتشديد القاف الليثي (وعبيد الله بن عبد الله) بضم العين في الأول ابن عتبة بن مسعود وسقط ابن عبد الله لغير أبي ذر (عن حديث عائشة رضي الله عنها وبعض حديثهم يصدق بعضًا) أي وحديث بعضهم يصدّق بعضًا فيكون من باب المقلوب أو المراد أن حديث كلٍّ منهم يدل على صدق الراوي في بقية حديثه لحسن سياقه وجودة حفظه (حين قال لها أهل الإفك) أسوأ الكذب (ما قالوا) مما رموها به وبرّأها الله وسقط لغير الكشميهني قوله ما قالوا: (فدعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليًا) هو ابن أبي طالب (وأسامة) الفاء في فدعا عاطفة على محذوف تقديره، وكان رسول الله قبل ذلك قد سمع ما قيل فدعا عليًّا وأسامة (حين استلبث الوحي) استفعل من اللبث وهو الإبطاء والتأخير والوحي بالرفع أي أبطأ نزوله (يستأمرما) يشاورهما (في فراق أهله) عدلت عن قولها في فراقي إلى قولها في فراق أهله لكراهتها التصريح بإضافة الفراق إليها (فأما أسامة فقال: أهلك) بالرفع أي هم أهلك، ولأبي ذر: أهل بالنصب على الإغراء أي الزم أهلك أي العفائف المعروفات بالصيانة (ولا نعلم إلاّ خيرًا). وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى، لكن اعترضه ابن المنير: بأن التعديل إنما هو تنفيذ للشهادة وعائشة -رضي الله عنها- لم تكن شهدت ولا كانت محتاجة إلى التعديل لأن الأصل البراءة، وإنما كانت محتاجة إلى نفي التهمة عنها حتى تكون الدعوى عليها بذلك غير مقبولة ولا مشبهة فيكفي في هذا القدر هذا اللفظ فلا يكون فيه لمن اكتفى في التعديل بقوله لا أعلم إلا خيرًا حجة انتهى. ولا يلزم من أنه لا يعلم منه إلا خيرًا أن لا يكون فيه شيء، وعند الشافعية لا يقبل التعديل ممن عدل غيره حتى يقول هو عدل، وقيل: عدل علي ولي. قال الإمام: وهو أبلغ عبارات التزكية ويشترط أن تكون معرفته به باطنة متقادمة بصحبة أو جوار أو معاملة، وقال مالك: لا يكون قوله لا نعلم إلاّ خيرًا تزكية حتى يقول رضًا ونقل الطحاوي عن أبي يوسف إنه إذا قال: لا نعلم إلا خيرًا قبلت شهادته، والصحيح عند الحنفية أن يقول هو عدل جائز الشهادة قال ابن فرشتاه: وإنما أضاف إلى قوله هو عدل كونه جائز الشهادة لأن العبد والمحدود في قذف يكونان عدلين إذا تابا ولا تقبل شهادتهما انتهى. (وقالت بريرة) خادمتها حين سألها عليه السلام هل رأيت شيئًا يريبك (إن رأيت عليها أمرًا) بكسر همزة إن النافية أي ما رأيت عليها شيئًا (أغمصه) بفتح الهمزة وسكون الغين المعجمة وكسر الميم وبصاد مهملة أي أعيبها به (أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها) لرطوبة بدنها وسقط لأبي ذر قوله جارية (فتأتي الداجن) بدال مهملة وبعد الألف جيم الشاة تألف البيوت ولا تخرج إلى المرعى (فتأكله فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من يعذرنا) أي من ينصرنا أو من يقوم بعذره فيما رمى به أهلي من المكروه أو من يقوم بعذري إذا عاقبته على سوء ما صدر منه، ورجح النووي هذا الثاني (في) وللكشميهني من (رجل) هو عبد الله بن أبي (بلغني أذاه في أهل بيتي) فيما رمى به من المكروه (فوالله ما علمت من أهلي إلاّ خيرًا ولقد ذكروا رجلاً) هو صفوان بن معطل (ما علمت عليه) ولأبي ذر عن الكشميهني فيه (إلاّ خيرًا). وهذا الحديث أخرجه هنا مختصرًا، وأخرجه أيضًا في الشهادات والمغازي والتفسير والإيمان والنذور والتوحيد ومسلم في التوبة والنسائي في عشرة النساء والتفسير. 3 - باب شَهَادَةِ الْمُخْتَبِئ، وَأَجَازَهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ قَالَ: وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِالْكَاذِبِ الْفَاجِرِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ: السَّمْعُ شَهَادَةٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ يَقُولُ: لَمْ يُشْهِدُونِي عَلَى شَىْءٍ، وَإِنِّي سَمِعْتُ كَذَا وَكَذَا. (باب) حكم (شهادة المختبئ) بالخاء المعجمة والموحدة أي الذي يختفي عند تحمل الشهادة (وأجازه) أي الاختباء عند تحملها (عمرو بن حريث) بفتح العين وسكون الميم وحريث بضم الحاء المهملة وبالمثلثة آخره مصغرًا المخزومي من

صغار الصحابة -رضي الله عنهم- ولأبيه صحبة أيضًا وليس له في البخاري ذكر إلا هذا، ورواه البيهقي (وقال) أي عمرو بن حريث (وكذلك يفعل) ما ذكر من الاختباء عند التحمل (بالكاذب الفاجر) بسبب المديون الذي لا يعترف بالدين ظاهرًا بل إذا خلا به صاحب الدين يعترف به فيسمع إقراره به من هو مختف عمل بذلك، وبه قال الشافعي في الجديد ومالك وأحمد، قال أبو حنيفة: لا. (وقال الشعبي) بفتح المعجمة وسكون المهملة عامر فيما وصله ابن أبي شيبة (وابن سيرين) محمد (وعطاء) هو ابن أبي رباح (وقتادة) بن دعامة (السمع شهادة) وإن لم يشهد المقر، (وقال) ولأبي ذر كان (الحسن) البصري (يقول) الذي سمع من قوم شيئًا للقاضي (لم يشهدوني على شيء وإني) ولأبي ذر: ولكن (سمعت) هم يقولون (كذا وكذا) وهذا وصله ابن أبي شيبة. 2638 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَالِمٌ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِيُّ يَؤُمَّانِ النَّخْلَ وَهْوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ، وَابْنُ صَيَّادٍ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ فِي قَطِيفَةٍ، لَهُ فِيهَا رَمْرَمَةٌ أَوْ زَمْزَمَةٌ، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لاِبْنِ صَيَّادِ: أَىْ صَافِ، هَذَا مُحَمَّدٌ. فَتَنَاهَى ابْنُ صَيَّادٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (قال سالم سمعت) أبي (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- يقول: انطلق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأُبيّ بن كعب الأنصاري يؤمان النخل) أي يقصدانه ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إلى النخل (التي فيها ابن صياد) واسمه صافي (حتى إذا دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في النخل (طفق) بكسر الفاء جعل (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وخبر طفق قوله (يتقي بجذوع النخل وهو يختل) بفتح المثناة التحتية وسكون الخاء المعجمة وكسر الفوقية آخره لام أي حال كونه يطلب (أن يسمع من ابن صياد شيئًا) من كلامه الذي يقوله في خلوته ليعلم هو وأصحابه أكاهن هو أو ساحر (قبل أن يراه) أي ابن صياد كما صرّح به في الجنائز (وابن صياد مضطجع) الواو للحال (على فراشه في قطيفة) كساء له حمل (له) أي لابن صياد (فيها) في القطيفة (رمرمة) براءين مهملتين بينهما ميم ساكنة وبعد الراء الثانية ميم أخرى أي صوت خفي (أو زمزمة) بزاءين معجمتين ومعناها كالأولى والشك من الراوي (فرأت أم ابن صياد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو) أي والحال أنه (يتقي) يخفي نفسه (بجذوع النخل) حتى لا تراه أم صياد (فقالت لابن صياد) أمه (أي صافٍ) كقاضٍ أي يا صافٍ (هذا محمد) صلوات الله وسلامه عليه (فتناهى ابن صياد) أي رجع إليه عقله وتنبّه من غفلته أو انتهى عن زمزمته (قال رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو تركته) أمه ولم تعلمه بمجيئنا (بين) لنا من حاله ما نعرف به حقيقة أمره. وهذا يقتضي الاعتماد على سماع الكلام وإن كان السامع محتجبًا عن المتكلم إذا عرف صوته. وهذا الحديث سبق في الجنائز في باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلّى عليه وأخرجه أيضًا في بدء الخلق وغيره. 2639 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَأَبَتَّ طَلاَقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ، إِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ. فَقَالَ: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لاَ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ. وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَهُ، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِالْبَابِ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ. فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلاَ تَسْمَعُ إِلَى هَذِهِ مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 2639 - أطرافه في: 5260، 5261، 5265، 5317، 5792، 5825، 6084]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: جاءت امرأة رفاعة) بكسر الراء (القرظي النبي) بالنصب والقرظي بضم القاف وفتح الراء وبالظاء المعجمة من بني قريظة وهو أحد العشرة الذين نزل فيهم ولقد وصلنا لهم القول الآية كما رواه الطبراني عنه قال البغوي: ولا أعلم له حديثًا غيره واسم زوجته سهيمة، وقيل غير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى في النكاح ولأبي ذر: جاءت إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت) له عليه الصلاة والسلام: (كنت عند رفاعة فطلقني فأبتَّ طلاقي) بهمزة مفتوحة وتشديد المثناة الفوقية كذا في جميع ما وقفت عليه من النسخ في الأصول المعتمدة فأبتَّ بالهمز من الثلاثي المزيد فيه، وقال العيني: فبتَّ من غير همز من الثلاثي المجرّد قال وفي النسائي فأبتَّ من المزيد انتهى. نعم رأيت في النسخة المقروءة على الميدومي فطلّقني فأبتَّ فزاد فطلّقني ولم يقل بعد أبت طلاقي، وفي الطلاق عند المؤلّف طلّقني فبتَّ طلاقي أي قطع قطعًا كليًّا بتحصيل البينونة الكبرى بالطلاق الثلاث متفرقات. (فتزوّجت)

4 - باب إذا شهد شاهد أو شهود بشىء وقال آخرون ما علمنا بذلك يحكم بقول من شهد

بعد انقضاء العدّة (عبد الرحمن بن الزبير) بفتح الزاي وكسر الموحدة ابن باطا القرظي (إنما) أي إن الذي (معه مثل هدبة الثوب) بضم الهاء وسكون الدال المهملة طرفه الذي لم ينسج شبهوه بهدب العين وهو شعر جفنها ومرادها ذكره وشبهته بذلك لصغره أو استرخائه وعدم انتشاره. قال في العدة: والثاني أظهر، وجزم به ابن الجوزي لأنه يبعد أن يبلغ في الصغر إلى حدّ لا تغيب منه الحشفة التي يحصل بها التحلل (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة) سبب هذا الاستفهام قول زوجها عبد الرحمن بن الزبير كما في مسلم أنها ناشز تريد رفاعة. قال الكرماني: وفي بعضها ترجعين بالنون على لغة من يرفع الفعل بعد أن حملاً على ما أختها (لا) رجوع لك إلى رفاعة (حتى تذوقي عسيلته) أي عسيلة عبد الرحمن (ويذوق) هو أيضًا (عسيلتك) بضم العين وفتح السين المهملتين مصغرًا فيهما كناية عن الجماع فشبّه لذته بلذة العسل وحلاوته واستعار لها ذوقًا. وقد روى عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة مرفوعًا إن العسيلة هي الجماع. رواه الدارقطني فهو مجاز عن اللذة وقيل العسيلة ماء الرجل والنطفة تسمى العسيلة، وحينئذٍ فلا مجاز لكن ضعف بأن الإنزال لا يشترط، وإن قال به الحسن البصري، وأنّث العسيلة لأنه شبّهها بالقطعة من العسل أو أن العسل في الأصل يذكّر ويؤنّث، وإنما صغره إشارة إلى القدر القليل الذي يحصل به الحلّ قال: النووي واتفقوا على أن تغيب الحشفة في قبلها كافٍ من غير إنزال وقال ابن المنذر: في الحديث دلالة على أن الزوج الثاني إن واقعها وهي نائمة أو مغمى عليها لا تحسّ باللذة أنها لا تحلّ للأوّل لأن الذوق أن تحسّ باللذة وعامّة أهل العلم أنها تحلّ. (وأبو بكر) الصديق رضي الله عنه (جالس عنده) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وخالد بن سعيد بن العاص) الأموي (بالباب) الشريف النبوي (ينتظر أن يؤذن له فقال) أي خالد وهو بالباب: (يا أبا بكر ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام (تسمع إلى هذه ما تجهر به عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من قولها: إنما معه مثل الهدبة وكأنه استعظم تلفظها بذلك بحضرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا موضع الترجمة لأن خالد بن سعيد أنكر على امرأة رفاعة ما كانت تتكلم به عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع كونه محجوبًا عنها خارج الباب، ولم ينكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك فاعتماد خالد على سماع صوتها حتى أنكر عليها هو حاصل ما يقع من شهادة السمع ولا معنى للإشهاد إلا الإسماع، فإذا أسمعه فقد أشهده قصد ذلك أم لا؟ وقد قال الله تعالى: {ولا تكتموا الشهادة} [البقرة: 283] ولم يقل الإشهاد والسماع شهادة ولكن إذا صرّح المقرّ بالإشهاد فالأحسن أن يكتب الشاهد أشهدني بذلك فشهدت عليه حتى يخلص من الخلاف. وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه في النكاح والنسائي فيه وفي الطلاق. 4 - باب إِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَوْ شُهُودٌ بِشَىْءٍ وَقَالَ آخَرُونَ مَا عَلِمْنَا بذَلِكَ يُحْكَمُ بِقَوْلِ مَنْ شَهِدَ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: هَذَا كَمَا أَخْبَرَ بِلاَلٌ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ، وَقَالَ الْفَضْلُ: لَمْ يُصَلِّ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِشَهَادَةِ بِلاَلٍ. كَذَلِكَ إِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ لِفُلاَنٍ عَلَى فُلاَنٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَشَهِدَ آخَرَانِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، يُقْضَى بِالزِّيَادِةَ. هذا (باب) بالتنوين (إذا شهد شاهد) بقضية (أو) شهد (شهود بشيء فقال) بالفاء ولأبي ذر قال: جماعة (آخرون ما علمنا ذلك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: بذلك (يحكم بقول من شهد) لأنه مثبت فيقدم على النافي (قال الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي فيما وصله في الحج (هذا) أي الحكم (كما أخبر بلال) المؤذن (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى في) جوف (الكعبة) عام الفتح، (وقال الفضل) بن العباس (لم يصلّ) عليه الصلاة والسلام فيها (فأخذ الناس بشهادة بلال) فرجحوها على رواية الفضل لأن فيها زيادة علم وإطلاق الشهادة على إخبار بلال تجوّز. وقال الكرماني فإن قلت: ليس هذا من باب ما علمنا بل هما متنافيان لأن أحدهما قال: صلّى، والآخر قال: لم يصلّ؟ وأجاب: بأن قوله لم يصلِّ معناه أنه ما علم أنه صلّى قال ولعلّ الفضل كان مشتغلاً بالدعاء ونحوه فلم يره صلّى فنفاه عملاً بظنه. (كذلك) الحكم (إن شهد شاهدان أن لفلان على فلان ألف درهم وشهد آخران بألف وخمسمائة) مثلاً (يقضي بالزيادة) لأن عدم علم الغير لا يعارض علم من علمه، ولأبي

5 - باب الشهداء العدول، وقول الله تعالى: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} -و- {ممن ترضون من الشهداء} [الطلاق: 2، والبقرة: 282]

ذر يعطي بدل يقضي فالباء في بالزيادة على هذا ساقطة أو زائدة. 2640 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: "عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لأَبِي إِهَابِ بْنِ عَزِيزٍ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي تَزَوَّجَ. فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ: مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِي، وَلاَ أَخْبَرْتِنِي. فَأَرْسَلَ إِلَى آلِ أَبِي إِهَابٍ يَسْأَلُهُمْ فَقَالُوا: مَا عَلِمْنَاه أَرْضَعَتْ صَاحِبَتَنَا. فَرَكِبَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ فَفَارَقَهَا وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ". وبه قال: (حدّثنا حبّان) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن موسى السلمي المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا عمر بن سعيد بن أبي حسين) بضم العين في الأول وكسرها في الثاني وضم حاء حسين النوفلي المكي: (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن أبي مليكة) هو عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة بالتصغير واسمه زهير التيمي المدني (عن عقبة بن الحرث) بن عامر بن نوفل المكي صحابي من مسلمة الفتح بقي إلى بعد الخمسين (أنه تزوّج ابنة لأبي إهاب بن عزيز) بكسر همزة إهاب وعزيز بفتح العين المهملة وزايين معجمتين بوزن عظيم، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: عزيز بضم العين وفتح الزاي الأولى، لكن قال في الفتح وتبعه العيني آخره راء فالله أعلم واسم المرأة غنية وهي أم يحيى (فأتته امرأة) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمها (فقالت: قد أرضعت) وعند المؤلّف في باب الرحلة في المسألة النازلة من العلم فقالت إني قد أرضعت (عقبة) بن الحرث (و) المرأة (التي تزوّج) بحذف بها الثابتة في رواية عنده في باب الرحلة (فقال لها عقبة: مما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني) بغير مثناة تحتية بعد الفوقية فيهما، وفي رواية بباب الرحلة بإثباتها فيهما وعبر بأعلم المضارع وأخرت الماضي لأن نفي العلم حاصل في الحال بخلاف نفي الإخبار فإنه كان في الماضي لا غير (فأرسل) عقبة (إلى آل أبي إهاب يسألهم) أي عن مقالة المرأة، ولأبوي ذر والوقت: فيسألهم (فقالوا ما علمنا) بحذف الضمير المنصوب ولأبي ذر: ما علمناه (أرضعت صاحبتنا فركب) عقبة (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (بالمدينة) أي فيها (فسأله) أي سأل عقبة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الحكم في هذه الواقعة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كيف) تباشرها وتفضي إليها (وقد قيل) إنك أخوها من الرضاعة إن ذلك بعيد من ذي المروءة والورع (ففارقها) زاد في الرحلة ففارقها عقبة أي طلّقها احتياطًا وورعًا لا حكمًا بثبوت الرضاع قال ابن بطال: ويدل عليه الاتفاق على أنه لا يجوز شهادة امرأة واحدة في الرضاع إذا شهدت بذلك بعد النكاح، لكن تعقب في دعوى الاتفاق بأن شهادتها وحدها فيه قول جماعة من السلف ونقل عن أحمد حتى المالكية فإن عندهم رواية أنها تقبل وحدها لكن بشرط فشوّ ذلك في الجيران. (ونكحت) غنية بعد فراق عقبة (زوجًا غيره) هو ظريب بمعجمة مضمومة وراء مفتوحة آخره موحدة ابن الحرث. ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمفارقة تورعًا فجعل كالحكم وإخبارها كالشهادة وعقبة نفى العلم. وسبق هذا الحديث في باب الرحلة من كتاب العلم. 5 - باب الشُّهَدَاءِ الْعُدُولِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} -و- {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [الطلاق: 2، والبقرة: 282] (باب) بيان (الشهداء العدول) جمع عدل وهو مسلم فلا تقبل شهادة كافر ولو على مثله لقوله تعالى: {شهيدين من رجالكم} [البقرة: 282] والكافر ليس من رجالنا بالغ عاقل فلا تقبل شهادة صبي ومجنون حرّ فلا تقبل شهادة من فيه رقٌّ لنقصه غير فاسق لقوله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} [الحجرات: 6] نعم إن كان فسقه بتأويل كذي بدعة قبلت شهادته بصير فلا تقبل من أعمى لانسداد طريق المعرفة عليه مع اشتباه الأصوات إلا في مواضع غير مغفل إذ المغفل لا يضبط ولا يوثق بقوله نعم لا يقدح الغلط اليسير لأن أحدًا لا يسلم منه ذو مروءة وهو المتخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه فالأكل والشرب في السوق لغير سوقيّ والمشي فيه مكشوف الرأس وقبلته زوجته أو أمته بحضرة الناس وإكثار حكايات مضحكة بينهم مسقط لإشعاره بالخسة. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على السابق ({وأشهدوا ذوي عدل منكم}) [الطلاق: 2] فالعدالة في الشاهد شرط ({و}) قوله تعالى: ({ممن ترضون من الشهداء}) [البقرة: 282] فإذا لم يرض بهم لمانع عن الشهادة لا تقبل شهادتهم كشهادة أصل لفرع أو هو لأصله. 2641 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَىْءٌ، اللَّهُ يُحَاسِبُ سَرِيرَتِهِ. وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ". وبه قال: (حدّثنا الحكم بن نافع) أبو اليمان البرهاني الحمصي قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه

6 - باب تعديل كم يجوز؟

(قال: حدّثني) بالإفراد (حميد بن عبد الرحمن بن عوف) بضم حاء حميد مصغرًا (أن عبد الله بن عتبة) أي ابن مسعود وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي المتوفى زمن عبد الملك بن مروان (قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: إن إناسًا كانوا يؤخدون بالوحي) يعني كان الوحي يكشف عن سرائر الناس في بعض الأوقات (في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأن الوحي قد انقطع) بوفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يأت الملك به عن الله لبشر لختم النبوة (وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر لنا خيرًا أمناه) بهمزة مقصورة وميم مكسورة ونون مشددة من الأمان أي جعلناه آمنًا من الشرّ أو صيّرناه عندنا أمينًا (وقرّبناه) أي أكرمناه وعظمناه إذ نحن إنما نحكم بالظاهر (وليس إلينا من سريرته شيء الله يحاسبه) بمثناة تحتية مضمومة وإثبات ضمير النصب في الفرع. وقال ابن حجر: محاسبه بميم أوّله وهاء آخره، ولأبي ذر عن الكشميهني: يحاسب بحذف ضمير المفعول ومثناة مضمومة أوّله (في سريرته ومن أظهر لنا سوءًا) ولأبي ذر عن الكشميهني: شرًّا (لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال وإن سريرته حسنة) ويؤخذ منه أن العدل من لم توجد منه ريبة. وهذا الحديث من إفراده. 6 - باب تَعْدِيلِ كَمْ يَجُوزُ؟ (باب) بيان (تعديل كم) نفس (يجوز) قال مالك والشافعي وأبو يوسف ومحمد: لا يقبل أقل من رجلين، وقال أبو حنيفة: يكفي الواحد. 2642 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِجَنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ: وَجَبَتْ. ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا -أَوْ قَالَ: غَيْرَ ذَلِكَ- فَقَالَ: وَجَبَتْ. فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ لِهَذَا وَجَبَتْ وَلِهَذَا وَجَبَتْ. قَالَ: شَهَادَةُ الْقَوْمِ. الْمُؤْمِنُونَ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم الجهضمي البصري (عن ثابت) البناني (عن أنس) هو ابن مالك (-رضي الله عنه-) أنه (قال: مرّ) بضم الميم مبنيًّا للمفعول (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بجنازة فأثنوا عليها خيرًا فقال) عليه الصلاة والسلام: (وجبت ثم مرّ بأخرى فأثنوا عليها شرًّا) واستعمل الثناء في الشر على اللغة الشاذة للمشاكلة لقوله فأثنوا عليها خيرًا (أو قال غير ذلك) شك الراوي (فقال) عليه الصلاة والسلام (وجبت فقيل) القائل عمر كما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى (يا رسول الله قلت لهذا) المثني عليه خيرًا (وجبت ولهذا) المثني عليه شرًّا (وجبت) (قال) عليه الصلاة والسلام: (شهادة القوم المؤمنين) مقبولة فشهادة مبتدأ والمؤمنين صفة القوم المجرور بالإضافة والخبر محذوف تقديره مقبولة كما مر (شهداء الله في الأرض) خبر مبتدأ محذوف أي هم شهداء الله، ولأبي ذر عن الكشميهني: شهادة القوم المؤمنين بالرفع مبتدأ وشهداء الله خبره وشهادة القوم مبتدأ حذف خبره أي شهادة القوم مقبولة، وقال الحافظ ابن حجر: ووقع في رواية الأصيلي شهادة بالنصب، ووجهه في المصابيح بأن يكون النائب عن الفاعل ضمير المصدر مستكنًّا في الفعل وخيرًا حال منه أي فأثنى هو أي الثناء حالة كونه خيرًا. 2643 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ قَالَ: "أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ وَقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ وَهُمْ يَمُوتُونَ مَوْتًا ذَرِيعًا، فَجَلَسْتُ إِلَى عُمَرَ -رضي الله عنه-، فَمَرَّتْ جِنَازَةٌ فَأُثْنِيَ خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ: وَجَبَتْ. ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَأُثْنِيَ خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ: وَجَبَتْ. ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ فَأُثْنِيَ شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ. فَقُلْتُ: مَا وَجَبَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: قُلْتُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ. قُلْنَا: وَثَلاَثَةٌ؟ قَالَ: وَثَلاَثَةٌ. قُلْنَا: وَاثْنَانِ؟ قَالَ: وَاثْنَانِ. ثُمَّ لَمْ نَسْأَلْهُ عَنِ الْوَاحِدِ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا داود بن أبي الفرات) بلفظ النهر واسمه عمرو الكندي قال: (حدّثنا عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء آخره هاء تأنيث (عن أبي الأسود) ظالم بن عمرو بن سفيان الديلي أنه (قال: أتيت المدينة) يثرب (وقد وقع بها مرض) جملة حالية كقوله (وهم يموتون موتًا ذريعًا) بفتح المعجمة سريعًا (فجلست إلى عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- فمرّت جنازة فأُثني خير) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ورفع خير نائبًا عن الفاعل وحذف عليها، ولأبي ذر والأصيلي: فأثني بضم الهمزة أيضًا خيرًا بالنصب صفة لمصدر محذوف أي ثناء خيرًا أو بنزع الخافض أي بخير (فقال عمر: وجبت. ثم مرّ) بضم الميم (بأخرى فأُثني خيرًا) بضم الهمزة ونصب خيرًا كما مرّ (فقال) أي عمر (وجبت، ثم مر بالثالثة) ولأبي ذر بالثالث بحذف هاء التأنيث (فأُثني شرّا) بضم الهمزة ونصب شرًّا أيضًا أي ثناء شرًّا أو بشر (فقال) أي عمر (وجبت) قال أبو الأسود. (فقلت ما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وما أي وما معنى قولك (وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أيما مسلم شهد له أربعة)

7 - باب الشهادة على الأنساب، والرضاع المستفيض، والموت القديم

من المسلمين (بخير أدخله الله الجنة. قلنا: وثلاثة؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (وثلاثة. قلنا. واثنان؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (واثنان ثم لم نسأله عن الواحد) استبعادًا أن يكتفى به في مثل هذا المقام العظيم. وسبق هذا الحديث في الجنائز. 7 - باب الشَّهَادَةِ عَلَى الأَنْسَابِ، وَالرَّضَاعِ الْمُسْتَفِيضِ، وَالْمَوْتِ الْقَدِيمِ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ». وَالتَّثَبُّتِ فِيهِ. (باب الشهادة على الأنساب والرضاع المستفيض) الشائع الذائع (والموت القديم) الذي تطاول عليه الزمان (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أرضعتني وأبا سلمة، بالنصب عطفًا على المفعول وفتح اللام ابن عبد الأسد المخزومي زوج أم سلمة أم المؤمنين وتوفي سنة أربع فتزوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم سلمة (ثويبة) بالمثلثة والموحدة مصغرًا مولاة أبي لهب. وهذا طرف من حديث وصله في الرضاع (والتثبيت فيه) أي في أمر الرضاع وهذا من بقية الترجمة. 2644 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: "اسْتَأْذَنَ عَلَىَّ أَفْلَحُ فَلَمْ آذَنْ لَهُ، فَقَالَ: أَتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وَأَنَا عَمُّكِ؟ فَقُلْتُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخِي بِلَبَنِ أَخِي. فَقَالَتْ: سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رسول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: صَدَقَ أَفْلَحُ، ائْذَنِي لَهُ". [الحديث 2644 - أطرافه في: 4796، 5103، 5111، 5229، 6156]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرنا الحكم) بفتحتين ابن عتيبة مصغرًا (عن عراك بن مالك) بكسر العين المهملة وتخفيف الراء (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت استأذن علي أفلح) بتشديد الياء أي طلب الإذن في الدخول عليّ بعد نزول الحجاب، وأفلح هو أبو الجعد أخو أبي القعيس بضم القاف وفتح العين المهملة واسم أبي القيس ما قال الدارقطني وائل الأشعري (فلم آذن له) بالمد في الدخول عليّ (فقال) أي أفلح (أتحتجبين منّي وأنا عمك: فقلت وكيف ذلك قال): ولأبي ذر فقال: (أرضعتك امرأة أخي) وائل (بلبن أخي فقالت) عائشة (سألت عن ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لغير الكشميهني قوله عن ذلك (فقال): (صدق أفلح ائذني له) زاد مسلم من طريق يزيد بن أبي حبيب عن عراك عن عروة لا تحتجبي منه فإنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، واستشكل كونه عليه الصلاة والسلام عمل بمجرد دعوى أفلح من غير بيّنة. وأجيب: باحتمال اطلاعه عليه الصلاة والسلام على ذلك، وفيه أن لبن الفحل يحرّم وأن زوج المرضعة بمنزلة الوالد للرضيع وأخاه بمنزلة العم له. ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في محالها. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح والتفسير وكذا مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. 2645 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بِنْتِ حَمْزَةَ: لاَ تَحِلُّ لِي، يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِة مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ، هِيَ ابِنةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ". [الحديث 2645 - طرفه في: 5100]. وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي بالفاء البصري قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى العوذي بفتح المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة البصري قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن جابر بن زيد) التابعي الأزدي ثم الجوفي بفتح الجيم وسكون الواو بعدها فاء أبو الشعثاء البصري (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لما قال عليّ -رضي الله عنه- (في بنت حمزة) بن عبد المطلب عمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخيه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب ألا تتزوجها (لا تحل لي) وكان اسمها أمامة أو عمارة أو غير ذلك. (يحرم من الرضاع) ولأبي ذر: من الرضاعة (ما يحرم من النسب) يستثنى من هذا العموم أربع نسوة يحرمن في النسب مطلقًا وفي الرضاع قد لا يحرمن، ويأتي ذكرهنّ إن شاء الله في النكاح، وكما أن الرضاع يحرّم ما يحرم من النسب يبيح ما يبيحه بالإجماع فيما يتعلق بالنكاح وتوابعه وانتشار الحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة وتنزيلهم منزلة الأقارب في جواز النظر والخلوة والمسافرة لا باقي الأحكام من التوارث وغيره مما يأتي إن شاء الله تعالى في محله (هي) أي بنت حمزة أمامة (بنت) ولأبي ذر: ابنة (أخي) حمزة (من الرضاعة). وهذا الحديث أخرجه أيضًا المؤلّف ومسلم والنسائي وابن ماجه في النكاح. 2646 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهَا أَنَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عِنْدَهَا، وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُرَاهُ فُلاَنًا، لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ -فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أُرَاهُ فُلاَنًا، لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ كَانَ فُلاَنٌ حَيًّا -لِعَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ- دَخَلَ عَلَىَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نَعَمْ، إِنَّ الرَّضَاعَةَ يَحْرُمُ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلاَدَةِ". [الحديث 2646 - طرفاه في: 3105، 5099]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن عبد الله بن أبي بكر) اسم جده محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني (عن عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية (أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرتها أن رسول الله) ولأبي ذر أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان عندها) في بيتها (وأنها سمعت صوت رجل) قال ابن حجر:

لم أعرف اسمه (يستأذن في بيت حفصة) بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين والجملة في موضع جر صفة لرجل (قالت عائشة -رضي الله عنها-: فقلت يا رسول الله أراه) بضم الهمزة أي أظنه (فلانًا لعم حفصة) أم المؤمنين (من الرضاعة فقالت عائشة: يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك) الذي فيه حفصة (قالت) عائشة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أراه) بضم الهمزة أظنه (فلانًا لعم) أي عم (حفصة من الرضاعة) لم يسم عم حفصة هذا وسقط قوله قالت عائشة فقلت يا رسول الله أراه إلخ في الأصل المقروء على الميدومي، وثبت في عدة من الفروع المقابلة بأصل اليونينية وكذا رأيته فيها وسقوطه أولى كما لا يخفى (فقالت عائشة) له عليه الصلاة والسلام (لو كان فلان حيًّا لعمها) اللام بمعنى عن أبي عن عمها (من الرضاعة دخل عليّ) بتشديد الياء أي هل كان يجوز أن يدخل عليّ؟ قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم عم حفصة ووهم من فسره بأفلح أخي أبي القعيس لأن أبا القعيس والد عائشة من الرضاعة، وأما أفلح فهو أخوه وهو عمها من الرضاعة وقد عاش حتى جاء يستأذن على عائشة فأمرها عليه الصلاة والسلام أن تأذن له بعد أن امتنعت فالمذكور هنا عم آخر أخو أبيها أبي بكر من الرضاع أرضعتهما امرأة واحدة، وقيل هما واحد. وغلطه النووي بأن عمها في حديث أبي القعيس كان حيًّا والآخر كان ميتًا وإنما ذكرت عائشة ذلك في العم الثاني لأنها جوّزت تبدل الحكم فسألت مرة أخرى. (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في جوابها (نعم) أي يجوز دخوله عليك ثم علّل جواز ذلك بقوله (إن الرضاعة تحرم) بتشديد الراء المكسورة مع ضم أوله ولأبي ذر عن الكشميهني يحرم منها بفتح المثناة التحتية وضم الراء مخفّفًا (ما يحرم) بفتح أوله مخفّفًا (من الولادة) أي مثل ما يحرم من الولادة فهو على حذف مضاف وتعبيره بقوله ما يحرم من الولادة وفي الرواية الأخرى من النسب. قال القرطبي: دليل على جواز الرواية بالمعنى أو قال عليه الصلاة والسلام اللفظين في وقتين وقطع بالأخير في الفتح معلّلاً بأن الحديثين مختلفان في القصة والسبب والراوي. وهذا الحديث أخرجه في الخمس أيضًا والنكاح ومسلم والنسائي في النكاح. 2647 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَىَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدِي رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ قَالَ: يَا عَائِشَةُ انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ". تَابَعَهُ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ. [الحديث 2647 - طرفه في: 5102]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة أبو عبد الله العبدي البصري وثقه أحمد، وروى له المؤلّف ثلاثة أحاديث في العلم والبيوع والتفسير توبع عليها قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن أشعث بن أبي الشعثاء) بالشين المعجمة والمثلثة والعين المهملة فيهما والأخير ممدود (عن أبيه) أبي الشعثاء سليم بن الأسود (عن مسروق) هو ابن الأجدع (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل عليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعندي رجل) الواو للحال وأخو عائشة هذا لا أعرف اسمه، وقول الجلال البلقيني فيما نقله عنه في المصابيح أنه وجد بخط مغلطاي على حاشية أسد الغابة ما يدل على أنه عبد الله بن يزيد تعقبه في مقدمة فتح الباري بأنه غلط لأنه تابعي انتهى. يعني وهذا صحابي لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رآه بلا ريب عند عائشة، نعم عبد الله التابعي هذا المذكور أخوها من الرضاعة كما صرّح به في رواية مسلم في الجنائز وكثير بن عبد الله الكوفي أخوها أيضًا كما عند المؤلّف في الأدب المفرد وسنن أبي داود وسبق التنبيه على ذلك في باب الغسل بالصاع. (قال) عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر: فقال (يا عائشة من هذا؟ قلت: أخي من الرضاعة. قال: يا عائشة انظرن) بهمزة وصل وضم الظاء المعجمة من النظر بمعنى التفكّر والتأمّل (من إخوانكن) استفهام (فإنما الرضاعة) الفاء تعليلية لقوله انظرن من إخوانكن أي ليس كل من أرضع لبن أمهاتكنّ يصير أخاكن بل شرطه أن يكون (من المجاعة) بفتح الميم من الجوع أي أن الرضاعة المعتبرة في المحرمية شرعًا ما كان فيه تقوية للبدن واستقلال بسد الجوع، وذلك إنما يكون في حال الطفولية قبل الحولين كما سيأتي إن شاء الله تعالى تقريره في بابه بعون الله وقوّته.

8 - باب شهادة القاذف والسارق والزاني

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح وكذا مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. (تابعه) أي تابع محمد بن كثير (ابن مهدي) عبد الرحمن بفتح الميم في روايته الحديث فيما وصله مسلم وأبو يعلى (عن سفيان) الثوري ثم إن المطابقة بين الترجمة والأحاديث المسوقة في بابها مستفادة منها فأما النسب فمن أحاديث الرضاعة فإنه من لازمه وأما الرضاعة فبالاستفاضة وأما الموت القديم فبالإحقاق قاله ابن المنير والله أعلم. 8 - باب شَهَادَةِ الْقَاذِفِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي وَقَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 4 - 5]. وَجَلَدَ عُمَرُ أَبَا بَكْرَةَ وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ وَنَافِعًا بِقَذْفِ الْمُغِيرَةِ، ثُمَّ اسْتَتَابَهُمْ وَقَالَ: مَنْ تَابَ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُ. وَأَجَازَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ وَشُرَيْحٌ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ. وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: الأَمْرُ عِنْدَنَا بِالْمَدِينَةِ إِذَا رَجَعَ الْقَاذِفُ عَنْ قَوْلِهِ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ: إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ جُلِدَ وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إِذَا جُلِدَ الْعَبْدُ ثُمَّ أُعْتِقَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنِ اسْتُقْضِيَ الْمَحْدُودُ فَقَضَايَاهُ جَائِزَةٌ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ وَإِنْ تَابَ. ثُمَّ قَالَ: لاَ يَجُوزُ نِكَاحٌ بِغَيْرِ شَاهِدَيْنِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ مَحْدُودَيْنِ جَازَ، وَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ لَمْ يَجُزْ. وَأَجَازَ شَهَادَةَ الْمَحْدُودِ وَالْعَبْدِ وَالأَمَةِ لِرُؤْيَةِ هِلاَلِ رَمَضَانَ. وَكَيْفَ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ. وَقَدْ نَفَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزَّانِيَ سَنَةً، وَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ كَلاَمِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ حَتَّى مَضَى خَمْسُونَ لَيْلَةً. (باب) حكم (شهادة القاذف) بالذال المعجمة الذي يقذف أحدًا بالزنا (والسارق والزاني) هل تقبل بعد توبتهم أم لا (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه ولأبي ذر عز وجل ({ولا تقبلوا لهم شهادة}) قال القاضي أيّ شهادة كانت لأنه مصرٌّ وقيل شهادتهم في القذف ولا يتوقف ذلك على استيفاء الجلد ({أبدًا}) ما لم يتب وعند أبي حنيفة إلى آخر عمره ({وأولئك هم الفاسقون}) المحكوم بفسقهم ({إلا الذين تابوا}) عن القذف ({من بعد ذلك وأصلحوا}) [النور: 4 - 5] أي أعمالهم بالتدارك ومنه الاستسلام للحد أو الاستحلال من المقذوف فإن شهادتهم مقبولة لأن الله استثنى التائبين عقب النهي عن قبول شهادتهم، وقال الحنفية: ذكره بالتأبيد يدل على أنها لا تقبل بعد استيفاء الحد بكل حال والاستثناء منصرف إلى ما يليه وهو قوله: {وأولئك هم الفاسقون} وقال الحنفية: الاستثناء منقطع لأن التائبين غير داخلين في صدر الكلام وهو قوله: {وأولئك هم الفاسقون} إذ التوبة تجب ما قبلها من الذنوب فلا يكون التائب فاسقًا، وأما شهادته فلا تقبل أبدًا لأن ردّها من تتمة الحد لأنه يصلح جزاء فيكون مشار كالأول في كونه حدًّا وقوله: وأولئك هم الفاسقون لا يصلح أن يكون جزاء لأنه ليس بخطاب للأئمة بل إخبار عن صفة قائمة بالقاذفين فلا يصلح أن يكون من تمام الحد لأنه كلام مبتدأ على سبيل الاستئناف منقطع عما قبله لعدم صحته على ما سبق لأن قوله: وأولئك هم الفاسقون جملة خبرية ليس بخطاب للأئمة وما قبله إنشائية خطاب لهم، وقوله: {ولا تقبلوا} إنشائية يصح عطفها على فاجلدوا فإذا شهد قبل الحد أو قبل تمام استيفائه قبلت شهادته فإذا استوفى لم تقبل وإن تاب وكان من الأتقياء الأبرار لتعلقها باستيفاء الحد وتعقبه الشافعي بأن الحدود كفّارات لأهلها فهو بعد الحدّ خير منه قبله فكيف ترد في خير حالتيه وتقبل في شرهما ولأن أبدًا في كل شيء على ما يليق به كما لو قيل لا تقبل شهادة الكافر أبدًا أي ما دام كافرًا. (وجلد عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- فيما وصله الشافعي (أبا بكرة) نفيع بن الحرث بن كلدة بالكاف واللام والدال المهملة المفتوحات الصحابيّ (وشبل بن معبد) بكسر الشين وسكون الموحدة ومعبد بفتح الميم وسكون المهملة وفتح الموحدة ابن عبيد بن الحرث البجلي أخا أي بكرة لأمه سميّة وهو معدود في المخضرمين (ونافعًا) هو ابن الحرث أخو أبي بكرة لأمه أيضًا (بقذف المغيرة) بن شعبة وكان أمير البصرة لعمر -رضي الله عنه- لما رأوه وكان معهم أخوهم لأمهم زياد بن أبي سفيان متبطن الرقطاء أم جميل بنت عمرو بن الأفقم الهلالية زوج الحجاج بن عتيك بن الحرث بن عوف الجشمي فرحلوا إلى عمر فشكوه فعزله وولى أبا موسى الأشعري وأحضر المغيرة فشهد عليه الثلاثة بالزنا ولم يثبت زياد الشهادة وقال: رأيت منظرًا قبيحًا وما أدري أخالطها أم لا. وعند الحاكم فقال زياد: رأيتهما في لحاف واحد وسمعت نفسًا عاليًا وما أدري ما وراء ذلك فأمر عمر بجلد الثلاثة حذ القذف (ثم استتابهم وقال: من تاب قبلت شهادته) نصب مفعول قبلت. (وأجازه) أي الحكم المذكور وهو قبول شهادة المحدود في القذف (عبد الله بن عتبة) بضم العين وسكون المثناة الفوقية ابن مسعود فيما وصله الطبري من طريق عمران بن عمير عنه، (وعمر بن عبد العزيز) الخليفة المشهور فيما وصله الطبري أيضًا والخلال من طريق ابن جريج عن عمران بن موسى عنه، (وسعيد بن جبير) التابعي المشهور فيما

وصله الطبري من طريقه، (وطاوس) هو ابن كيسان اليماني، (ومجاهد) هو ابن جبر المكي فيما وصله عنهما سعيد بن منصور والشافعي والطبري من طريق ابن أبي نجيح، (والشعبي) عامر بن شراحيل فيما وصله الطبري من طريق ابن أبي خالد عنه، (وعكرمة) مولى ابن عباس فيما وصله البغوي في الجعديات عن شعبة عن يونس هو ابن عبيد عنه، (والزهري) محمد بن مسلم بن شهاب فيما وصله ابن جرير عنه، (ومحارب بن دثار) بكسر الدال وبالمثلثة ومحارب بضم الميم وبعد الحاء المهملة ألف فراء مكسورة آخره موحدة الكوفي قاضيها (وشريح) القاضي (ومعاوية بن قرة) ابن إياس البصري فيما قاله العيني، لكن قال ابن حجر: لم أرَ عن واحد من الثلاثة أي الأخيرة التصريح بالقبول. (وقال أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان فيما وصله سعيد بن منصور (الأمر عندنا بالمدينة) طيبة (إذا رجع القاذف عن قوله فاستغفر ربه قبلت شهادته) وهذا بخلاف الحنفية كما مرّ (وقال الشعبي) عامر بن شراحيل (وقتادة) فيما وصله الطبري عنهما مفرقًا (إذا أكذب) القاذف (نفسه جلد) حد القذف (وقبلت شهادته) لقوله تعالى: {إلا الذين تابوا} [النور: 4] وقد سأل ابن المنير فقال: إن كان صادقًا في قذفه فمِمَّ يتوب إذا؟ وأجاب: بأنه يتوب من الهتك ومن التحدّث بما رآه، ويحتمل أن يقال إن المعاين للفاحشة مأمور بأن لا يكشف صاحبها إلا إذا تحقق كمال النصاب معه فإذا كشف قبل ذلك عصى فيتوب من المعصية في الإعلان لأمن الصدق في علمه، وتعقبه في الفتح بأن أبا بكرة لم يكشف حتى تحقق كمال النصاب ومع ذلك أمره عمر بالتوبة لتقبل شهادته قال: ويجاب عن ذلك بأن عمر لعله لم يطلع على ذلك فأمره بالتوبة ولذلك لم يقبل منه أبو بكرة ما أمره به لعلمه بصدقه عند نفسه انتهى. (وقال الثوري) سفيان مما هو في جامعه برواية عبد الله بن الوليد العدني عنه (إذا جلد العبد) بالرفع نائبًا عن الفاعل (ثم أعتق) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (جازت شهادته وإن استقضي المحدود) بسكون السين وضم الفوقية وسكون القاف وكسر الضاد المعجمة أي طلب منه أن يحكم بين خصمين (فقضاياه جائزة، وقال بعض الناس) يعني أبا حنيفة -رحمه الله- (لا تجوز شهادة القاف وإن تاب) عن جريمة القذف لقوله تعالى: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا} [النور: 4] كما مرّ (ثم قال) أي أبو حنيفة (لا يجوز نكاح بغير شاهدين فإن تزوج بشهادة محدودين) في قذف (جاز) النكاح لأنهما أهل للشهادة تحملاً وعدم قبولها عند الأداء لا يمنع تحققها إذ الأداء من ثمراتها وفوت الثمرة لا يدل على فوت الأصل وانعقاد النكاح موقوف على حضور الشاهدين لا على أدائهما الشهادة كذا عللوه وفي الحقائق من كتبهم أن محل الخلاف في المحدودين قبل ظهور التوبة إذ بعده ينعقد إجماعًا (وإن تزوج بشهادة عبدين لم يجز) لأن الشهادة من باب الولاية لكونها نافذة على الغير رضي والعبد ليس من أهل الولاية. (وأجاز) بعض الناس المذكور (شهادة المحدود) أي في قذف بعد التوبة (والعبد والأمة لرؤية هلال رمضان) لجريانه مجرى الخبر وهو مخالف للشهادة في المعنى قال البخاري: (وكيف تعرف توبته) أي القاذف وهذا من كلام المصنف من تمام الترجمة، وقد قال: الشافعي كأكثر السلف: لا بدّ أن يكذب نفسه، وعن مالك إذا ازداد خيرًا كفى ولا يتوقف على تكذيبه نفسه لجواز أن يكون صادقًا في نفس الأمر، وإلى هذا مال المؤلّف -رحمه الله- ثم استدلّ لذلك بقوله: (وقد نفى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزاني سنة) فيما يأتي موصولاً قريبًا وسقط (قد) لأبي ذر، (ونهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) ولأبي ذر: ونهي عن (كلام كعب بن مالك وصاحبيه) وهما هلال بن أمية ومرارة بن الربيع (حتى مضى خمسون ليلة) كما يأتي إن شاء الله تعالى موصولاً في غزوة تبوك وتفسير براءة ووجه الدلالة من ذلك أنه لم ينقل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلفهما بعد التوبة بقدر زائد على النفي والهجران. 2648 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ. وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: "أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ أَمَرَ بها فَقُطِعَتْ يَدُهَا. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا وَتَزَوَّجَتْ، وَكَانَتْ تَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 2648 - أطرافه في: 3475، 3732، 3733، 4304، 6787، 6788، 6800]. وبه قال: (حدّثنا

9 - باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد

إسماعيل) بن أبي أُويس (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي (وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله أبو داود لكن بغير هذا اللفظ فظهر أن اللفظ لابن وهب (حدّثني) بالإفراد (يونس) الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن امرأة) هي فاطمة بنت الأسود عبد الأسد المخزومية على الراجح كما سيأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الحدود (سرقت في غزوة الفتح) وزاد ابن ماجه، وصحّحه الحاكم أن الذي سرقته كان قطيفة من بيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويأتي في الحدود إن شاء الله تعالى الجمع بينه وبين ما رواه ابن سعد أن الذي سرقته كان حليًّا (فأُتي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بها) أي بالمرأة السارقة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم أمر) عليه الصلاة والسلام وزاد أبو ذر عن الكشميهني: بها (فقطعت يدها) أي اليمنى وعند النسائي من حديث ابن عمر قم يا بلال فخذ بيدها فاقطعها بعدما ثبت عنده عليه الصلاة والسلام المقتضي للقطع وعند أبي داود تعليقًا عن صفية بنت أبي عبيد نحو حديث المخزومية وزاد فيه قال: فشهد عليها. (قالت عائشة) -رضي الله عنها- زاد في الحدود فتابت (فحسنت توبتها) وهذا موضع الترجمة. وقد نقل الطحاوي الإجماع على قبول شهادة السارق إذا تاب وكان المؤلّف أراد إلحاق القاذف بالسارق لعدم الفارق عنده (وتزوجت) وللإسماعيلي في الشهادات فنكحت رجلاً من بني سليم (وكانت تأتي بعد ذلك) أي عندي (فأرفع حاجتها إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعند الحاكم في آخر حديث مسعود بن الحكم قال ابن إسحاق: وحدّثني عبد الله بن أبي بكر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان بعد ذلك يرحمها ويصلها. وهذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى بقية مباحثه في غزوة الفتح وكتاب الحدود. 2649 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ -رضي الله عنه-: "عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ أَمَرَ فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصِنْ بِجَلْدِ مِائَةٍ وَتَغْرِيبِ عَامٍ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين مصغرًا ابن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (عن زيد بن خالد) الجهني المدني المتوفى بالكوفة سنة ثمان وستين أو وسبعين وله ثمانون سنة (-رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (أنه أمر فيمن زنى ولم يحصن) بكسر الصاد ولأبي ذر ولم يحصن بفتحها بمعنى الفاعل وهو الذي اجتمع فيه العقل والبلوغ والحرية والإصابة في النكاح الصحيح والواو للحال (بجلد مائة) الباء تتعلق بأمر (وتغريب عام). واستشكل الداودي إيراد هذا الحديث في هذا الباب يعني فإنه ليس مجرد الغربة عامًّا توبة توجب قبول الشهادة باتفاق فكيف يتوجه قول البخاري؟ وأجاب ابن المنير: بأنه أراد أن الحال يتغير في العام وينتقل إلى حال لا يحتاج معها إلى تغريب وكأنها مظنة لكسر سورة النفس وهيجان الشهودة. 9 - باب لاَ يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ جَوْرٍ إِذَا أُشْهِدَ هذا (باب) بالتنوين (لا يشهد) الرجل وفي بعض الأصول لا يشهد بالجزم على النص (على شهادة جور) ظلم أو حيف أو ميل عن الحق (إذا أشهد) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول. 2650 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "سَأَلَتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِي مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي، فَقَالَتْ: لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَنَا غُلاَمٌ فَأَتَى بِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِهَذَا. قَالَ: أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ؟. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأُرَاهُ قَالَ: لاَ تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ". وَقَالَ أَبُو حَرِيزٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ: «لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عتمان المروزي قال: (حدّثنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا أبو حيان) بالحاء المهملة والمثناة التحتية المشددة وبعد الألف نون يحيى بن سعيد (التيمي) الكوفي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-) أنه (قال: سألت أمي) عمرة بنت رواحة بفتح الراء والواو المخففة وبالحاء المهملة (أبي) بشيرًا (بعض الموهبة لي) مصدر ميمي بمعنى الهبة (من ماله) والموهبة عبد أو أمة كما صرّح به في رواية أبي ذر وفي رواية غلام من غير شك ولم يسمّ وفي رواية حديقة وحملهما ابن حبان على حالتين (ثم بدا له) بعد أن امتنع أوّلاً (فوهبها لي) الأمة أو الحديقة (فقالت) أمي (لا أرضى حتى تشهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنك أعطيته (فأخذ) أبي (بيدي وأنا غلام فأتى

النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا قال) عليه الصلاة والسلام ولأبي الوقت فقال: (ألك ولد سواه؟ قال: نعم قال) أي النعمان (فأراه) بضم الهمزة أظنه عليه الصلاة والسلام (قال) لبشير (لا تشهدني على جور) بفتح الجيم وبعد الواو الساكنة راء. (وقال أبو حريز) بفتح الحاء وكسر الراء المهملتين وبعد التحتية الساكنة زاي بوزن سعيد عبد الله بن الحسين الأزدي قاضي سجستان مما وصله ابن حبان في صحيحه والطبراني (عن الشعبي) عامر بن شراحيل أي عن النعمان في هذا الحديث (لا أشهد على جور) واستدلّ به الحنابلة على وجوب العدل في عطية الأولاد. وأجاب الجمهور: بأن الجور هو الميل عن الاعتدال والمكروه أيضًا جور، وسبق في الهبة مزيد لذلك ووقع في اليونينية أنه أثبت قوله، وقال: أبو حريز إلخ هنا بعد ما قدّمه على قوله حدّثنا عبدان وضبب عليه والأولى تأخيره لما لا يخفى. 2651 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ زَهْدَمَ بْنَ مُضَرِّبٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ -قَالَ عِمْرَانُ: لاَ أَدْرِي أَذَكَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدُ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً- قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلاَ يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ". [الحديث 2651 - أطرافه في: 3650، 6428، 6695]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا أبو جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي (قال: سمعت زهدم بن مضرب) بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة ابن مضرب بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة الجرمي البصري (قال: سمعت عمران بن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (-رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (خيركم) أي خير الناس أهل (قرني) أي عصري مأخوذ من الاقتران في الأمر الذي يجمعهم، والمراد هنا الصحابة قيل والقرن ثمانون سنة أو أربعون أو مائة أو غير ذلك (ثم الذين يلونهم) أي يقربون منهم وهم التابعون (ثم الذين يلونهم) وهم أتباع التابعين (قال عمران) بن حصين مما هو موصول بالإسناد السابق (لا أدري أذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد) بالبناء على الضم لنيّة الإضافة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بعد قرنه (قرنين أو ثلاثة قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (إن بعدكم قومًا) بالنصب اسم إن قال العيني وهي رواية النسفيّ. وقال الحافظ ابن حجر: ولبعضهم قوم بالرفع فيحتمل أن يكون من الناسخ على طريقة من لا يكتب الألف في المنصوب، وقال العيني: مرفوع بفعل محذوف أي إن بعدكم يجيء له قوم (يخونون) بالخاء المعجمة من الخيانة (ولا يؤتمنون) لخيانتهم الظاهرة بحيث لا يعتمد عليهم (ويشهدون ولا يستشهدون) أي يتحملون الشهادة من غير تحميل أو يؤدّونها من غير طلب الأداء، وهذا لا يعارضه حديث زيد بن خالد المروي في مسلم مرفوعًا: "ألا أخبرم بخير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها لأن المراد بحديث زيد من عنده شهادة لإنسان بحق لا يعلم بها صاحبها فيأتي إليه فيخبره بها أو يموت صاحبها العالم بها ويخلف ورثة فيأتي الشاهد إليهم أو إلى من يتحدث عنهم فيعلمهم بذلك أو أن الأول في حقوق الآدمين، وهذا في حقوق الله تعالى التي لا طالب لها أو المراد بها الشهادة على المغيب من أمر الناس يشهد على قوم أنهم من أهل الجنة بغير دليل كما يصنع ذلك أهل الأهواء وهذا حكاه الطحاوي وتبعه جماعة منهم الزركشي، وتعقبه في المصابيح فقال: هذا مشكل لأن الذم ورد في الشهادة بدون استشهاد والشهادة على الغيب مذمومة مطلقًا سواء كانت باستشهاد أو بدونه (ويندرون) بفتح حرف المضارعة وبكسر الذال المعجمة ولأبي ذر وينذرون بضم الذال (ولا يفون) من الوفاء (ويظهر فيهم السمن) بكسر السين المهملة وفتح الميم أي يعظم حرصهم على الدنيا والتمتع بلذاتها وإيثار شهواتها والترفّه في نعيمها حتى تسمن أجسادهم أو المراد تكثرهم بما ليس فيهم وادّعاؤهم الشرف أو المراد جمعهم المال، وعند الترمذي من طريق هلال بن يساف عن عمران بن حصين: ثم يجيء قوم يتسمنون ويحبون السمن. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: يشهدون ولا يستشهدون لأن الشهادة قبل الاستشهاد فيها معنى الجور، وقد أخرجه المؤلّف أيضًا في فضل الصحابة وفي الرقاق والنذور، ومسلم في الفضائل، والنسائي في النذور. 2652 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ». قَالَ إِبْرَاهِيمُ: "وَكَانُوا يَضْرِبُونَنَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ". [الحديث 2652 - أطرافه في: 3651، 6429، 6658]. وبه

10 - باب ما قيل في شهادة الزور

قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن عبيدة) بفتح العين السلماني (عن عبد الله) ابن مسعود (رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (خير الناس) أهل (قرني) يعني أصحابه (ثم الذين يلونهم) يعني أتباعهم (ثم الذين يلونهم) يعني أتباع التابعين وهذا يقتضي أن الصحابة أفضل من التابعين والتابعون أفضل من أتباع التابعين لكن هل الأفضلية بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد محل بحث، وإلى الثاني ذهب الجمهور والأول قول ابن عبد البرّ، وفي كتاب بالمواهب اللدنية بالمنح المحمدية مباحث ذلك، ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد لذلك في فضائل الصحابة بعون الله تعالى وقوّته (ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته) أي في حالين لا في حالة واحدة لأنه دور قال البيضاوي وتبعه الكرماني: هم الذين يحرصون على الشهادة مشغوفين بترويجها يحلفون على ما يشهدون به فتارة يحلفون قبل أن يأتوا بالشهادة وتارة يعكسون، ويحتمل أن يكون مثلاً في سرعة الشهادة واليمين وحرص الرجل عليهما والتسرّع فيهما حتى لا يدري بأيهما يبتدئ فكأنه يسبق أحدهما الآخر من قلة مبالاته بالدين. قال النووي: واحتج به المالكية في ردّ شهادة من حلف معها والجمهور على أنها لا ترد. (قال إبراهيم) النخعي بالأسناد السابق (وكانوا يضربوننا) زاد المؤلّف في الفضائل ونحن صغار (على الشهادة والعهد) أي قول الرجل أشهد بالله وعلّي عهد الله ما كان كذا على معنى الحلف حتى لا يصير لهم عادة فيحلفون في كل ما يصلح وما لا يصلح والله أعلم. 10 - باب مَا قِيلَ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ}، وَكِتْمَانِ الشَّهَادَةِ {وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. تَلْوُوا أَلْسِنَتَكُمْ بِالشَّهَادَةِ. (باب ما قيل في شهادة الزور) أي من التغليظ والوعيد (لقول الله) أي لأجل قول الله ولأبي ذر لقوله عز وجل: ({والذين لا يشهدون الزور}) [الفرقان: 72] أي لا يقيمون الشهادة الباطلة أو لا يحضرون محاضر الكذب والفسق والكفر أو اللهو والغناء. وقال ابن حجر: أشار أي المؤلّف إلى أن الآية سيقت في ذم متعاطي شهادة الزور وهو اختيار منه لأحد ما قيل في تفسيرها، وتعقبه العيني فقال: ما سيقت الآية إلا في مدح تاركي شهادة الزور وقوله: وهو اختيار لأحد ما قيل في تفسيرها لم يقل به أحد من المفسرين وحينئذ فإيراد المؤلّف للآية في معرض التعليل لما قيل في شهادة الزور من الوعيد لا وجه له لأنها ما سيقت إلا في مدح الذين لا يشهدون الزور انتهى. وما قاله ابن حجر أقعد ليكون ما قاله المؤلّف مطابقًا لما استدلّ له ولعله وقف على ذلك من قول بعض المفسرين، وجزم العيني بأنه لم يقل به أحد من المفسرين ودعواه الحصر فيه نظر ولا يخفى، ونقل في الفتح عن الطبري أنه قال: وأولى الأقوال عندنا أن المراد به مدح من لا يشهد شيئًا من الباطل (و) ما قيل في (كتمان الشهادة) بكسر الكاف (لقوله) تعالى ({ولا تكتموا الشهادة}) أيها الشهود إذا دعيتم لتأديتها عند الحاكم ({ومن يكتمها فإنه آثمٌ قلبه) أي يأثم قلبه وإسناد الأثم إلى القلب لأن الكتمان يتعلق به لأنه مضمر فيه ({والله بما تعملون}) من كتمان الشهادة وإقامتها ({عليم}) [البقرة: 283] فيجازي على كتمان الشهادة وأدائها وسقط لغير أبي ذر لقوله الثابتة قبل قوله: ({ولا تكتموا الشهادة} وقوله تعالى في سورة النساء وأن ({تلووا}) [النساء: 135] يعني {ألسنتكم بالشهادة) كذا فسره ابن عباس فيما روي عنه من طريق عليّ بن أبي طلحة كما عند الطبري وروي عنه من طريق العوفي قال: تلوي لسانك بغير الحق وهي اللجلجلة فلا تقيم الشهادة على وجهها واللّي هو التحريف وتعمد الكذب، وأتى المؤلّف -رحمه الله- بكلمة مفردة من التنزيل في معرض الاحتجاج ولم يقل، وقوله (وإن) ولم يفصل بين الكلمة القرآنية وتفسيرها. 2653 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ جَرِيرٍ وَعَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ إِبْرَاهِيمَ قَالاَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْكَبَائِرِ قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ". تَابَعَهُ غُنْدَرٌ وَأَبُو عَامِرٍ وَبَهْزٌ وَعَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ شُعْبَةَ. [الحديث 2653 - طرفاه في: 5977، 6871]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون آخره راء أبو عبد الرحمن المروزي الزاهد أنه (سمع وهب بن جرير) هو ابن حازم الأزدي (وعبد الملك بن إبراهيم) مولى بني عبد الدار القرشي (قالا: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس) بتصغير عبد (عن) جده (أنس) هو ابن

مالك (-رضي الله عنه-) أنه (قال: سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الكبائر) جمع كبيرة واختلف فيها والأقرب أنها كل ذنب رتب الشارع عليه حدًّا أو صرّح بالوعيد فيه (قال) عليه الصلاة والسلام الكبائر: (الإشراك بالله) رفع خبرًا عن المبتدأ المقدّر (وعقوق الوالدين) بأن يفعل الولد ما يتأذى به تأذّيًا ليس بالهين مع كونه ليس من الأفعال الواجبة (وقتل النفس) أي بغير حق قال تعالى {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها} [النساء: 93] الآية (وشهادة الزور) الواو في الثلاثة للعطف على السابق وليس المراد حصر الكبائر فيما ذكر بل اقتصر على أكبرها والشرك أعظمها. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب والدّيات ومسلم في الإيمان والترمذي في البيوع والتفسير والنسائي في القضاء والقصاص والتفسير. (تابعه) أي تابع وهب بن جرير في روايته عن شعبة (غندر) وهو محمد بن جعفر (وأبو عامر) عبد الملك العقدي فيما وصله أبو سعيد النقاش في كتاب الشهود وابن مندة في كتاب الإيمان (وبهز) بفتح الموحدة وبعد الهاء الساكنة زاي ابن أسد العميّ فيما وصله أحمد (وعبد الصمد) بن عبد الوارث فيما وصله المؤلّف في الدّيات الأربعة (عن شعبة) أي ابن الحجاج المذكور. 2654 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ (ثَلاَثًا)؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ -وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ-: أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ. قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ". وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ... [الحديث 2654 - أطرافه في: 5976، 6273، 6274، 6919]. وبه قال: (حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي بقاف ومعجمة البصري قال: (حدّثنا الجريري) بضم الجيم وفتح الراء الأولى سعيد بن إياس الأزدي (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه) أبي بكرة نفيع بضم النون الثقفي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط لأبي ذر قال الأولى: (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيه لتدل على تحقق ما بعدها (أنبئكم) بالتشديد والذي في اليونينية بالتخفيف أي أخبركم (بأكبر الكبائر) قال ذلك (ثلاثًا) تأكيدًا لتنبيه السامع على إحضار فهمه (قالوا: بلى يا رسول الله) أي أخبرنا (قال) عليه الصلاة والسلام: أكبر الكبائر (الإشراك بالله وعقوق الوالدين) وهذا يدل على انقسام الكبائر في عظمها إلى كبير وأكبر ويؤخذ منه ثبوت الصغائر لأن الكبيرة بالنسبة إليها أكبر منها وأما ما وقع للأستاذ أبي إسحاق الإسفرايني والقاضي أبي بكر الباقلاني والإمام وابن القشيري من أنس كل ذنب كبيرة ونفيهم الصغائر نظرًا إلى عظمة من عصى بالذنب، فقد قالوا كما صرّح به الزركشي إن الخلاف بينهم وبين الجمهور لفظي. قال القرافي: وكأنهم كرهوا تسمية معصية الله صغيرة إجلالاً له عز وجل مع أنهم وافقوا في الجرح على أنه لا يكون بمطلق المعصية وأن من الذنوب ما يكون قادحًا في العدالة وما لا يقدح هذا مجمع عليه، وإنما الخلاف في التسمية والإطلاق والصحيح التغاير لورود القرآن والأحاديث به ولأن ما عظم مفسدته أحقّ باسم الكبيرة بل قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} [النساء: 31] صريح في انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر، ولذا قال الغزالي: لا يليق إنكار الفرق بينهما وقد عرفا من مدارك الشرع انتهى. ولا يلزم من كون هذه المذكورات أكبر الكبائر سواء رتبتها في نفسها كما إذا قلت زيد وعمرو أفضل من بكر فإنه لا يقتضي استواء زيد وعمرو في الفضيلة، بل يحتمل أن يكونا متفاوتين فيها وكذلك هنا فإن الإشراك أكبر الذنوب المذكورة (وجلس وكان متكئًا) تأكيدًا للحرمة (فقال) (ألا وقول الزور) ولأبي ذر: وكان متكئًا ألا وقول الزور فأسقط فقال: وفصل بين المتعاطفين بحرف التنبيه والاستفتاح تعظيمًا لشأن الزور لما يترتب عليه من المفاسد وإضافة القول إلى الزور من إضافة الموصوف إلى صفته، وفي رواية خالد عن الجريري ألا وقول الزور وشهادة الزور. قال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يكون من الخاص بعد العام، لكن ينبغي أن يحمل على التأكيد فإنّا لو حملنا القول على الإطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة مطلقًا كبيرة وليس كذلك ومراتب الكذب متفاوتة بحسب تفاوت مفاسده. (قال) أنس (فما زال) عليه الصلاة والسلام (يكررها حتى قلنا: ليته) عليه

11 - باب

الصلاة والسلام (سكت) قال في الفتح: أي شفقة عليه وكراهية لما يزعجه، وفيه ما كانوا عليه من كثرة الأدب معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمحبة له والشفقة عليه، وقال في جمع العمدة: هو تعظيم لما حصل لمرتكب هذا الذنب من غضب الله ورسوله ولما حصل للسامعين من الرعب والخوف من هذا المجلس. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في استتابة المرتدين والاستئذان والأدب ومسلم في الإيمان والترمذي في البر والشهادات والتفسير. (وقال إسماعيل بن إبراهيم) ابن علية وهي أمه مما وصله المؤلّف في كتاب استتابة المرتدّين (حدّثنا الجريري) سعيد بن إياس الأزدي منسوب إلى جرير بن عبادة قال: (حدّثنا عبد الرحمن) هو ابن أبي بكرة. 11 - باب شَهَادَةِ الأَعْمَى وَأَمْرِهِ وَنِكَاحِهِ وَإِنْكَاحِهِ وَمُبَايَعَتِهِ وَقَبُولِهِ فِي التَّأْذِينِ وَغَيْرِهِ. وَمَا يُعْرَفُ بِالأَصْوَاتِ. وَأَجَازَ شَهَادَتَهُ قَاسِمٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إِذَا كَانَ عَاقِلاً. وَقَالَ الْحَكَمُ: رُبَّ شَىْءٍ تَجُوزُ فِيهِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَرَأَيْتَ ابْنَ عَبَّاسٍ لَوْ شَهِدَ عَلَى شَهَادَةٍ أَكُنْتَ تَرُدُّهُ؟ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَبْعَثُ رَجُلاً، إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ أَفْطَرَ. وَيَسْأَلُ عَنِ الْفَجْرِ فَإِذَا قِيلَ لَهُ طَلَعَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَعَرَفَتْ صَوْلتى، قَالَتْ: سُلَيْمَانُ؟ ادْخُلْ فَإِنَّكَ مَمْلُوكٌ مَا بَقِيَ عَلَيْكَ شَىْءٌ. وَأَجَازَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ مُنْتَقِبَةٍ. (باب) بيان حكم (شهادة الأعمى و) بيان (أمره) في تصرفاته (ونكاحه) بامرأة (وإنكاحه) غيره (ومبايعته) بيعه وشرائه (وقبوله في التأذين وغيره) كإقامته الصلاة إذا توقّى النجاسة (وما يعرف بالأصوات) عند تحققها أما عند الاشتباه فلا اتفاقًا (وأجاز شهادته قاسم) هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق أحد الفقهاء السبعة مما وصله سعيد بن منصور (والحسن) البصري (وابن سيرين) محمد فيما وصله ابن أبي شيبة عنهما (والزهري) محمد بن مسلم بن شهاب فيما وصله ابن أبي شيبة أيضًا عنه (وعطاء) هو ابن أبي رباح فيما وصله الأثرم وهذا مذهب المالكية وعبارة المختصر وإن أعمى في قول أو أصم في فعل يعني فلا يشترط في الشاهد أن يكون سميعًا بصيرًا وعند الشافعية كالجمهور لا تقبل شهادة الأعمى لانسداد طريق المعرفة عليه مع اشتباه الأصوات إلا في أربعة مواضع في ترجمته لكلام الخصوم أو الشهود للقاضي لأنها تفسير للفظ فلا تحتاج إلى معاينة وإشارة والنسب ونحوه مما يثبت بالاستفاضة كالموت والملك إن كان المشهود له معروف الاسم والنسب وما تحمله قبل العمى إن كان المشهود له وعليه معروف الاسم والنسب بخلاف مجهوليه أو أحدهما وأن يقبض على المقر حتى يشهد عليه عند القاضي بما سمعه من نحو طلاق أو عتق أو مال لشخص معروف الاسم والنسب. (وقال الشعبي) عامر بن شراحيل مما وصله ابن أبي شيبة (تجوز شهادته إذا كان عاقلاً) أي فطنًا مدركًا لدقائق الأمور بالقرائن وليس احترازًا عن الجنون إذ العقل شرط في البصير والأعمى. (وقال الحكم) بفتحتين ابن عتيبة فيما وصله ابن أبي شيبة أيضًا (ربّ شيء تجوز فيه) شهادته. (وقال الزهري). محمد بن مسلم مما وصله الكرابيسي في أدب القضاء (أرأيت ابن عباس لو شهد على شهادة كنت تردّه) مع كونه كان أعمى. (وكان ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله عبد الرزاق بمعناه (يبعث رجلاً) لم يسمِّ (إذا غابت الشمس) يفحص عن غروب الشمس للإفطار فإذا أخبره أنها غربت (أفطر) من صومه (ويسأل عن الفجر، فإذا قيل) زاد في رواية غير أبي ذر له (طلع صلّى ركعتين) ولا يرى شخص المخبر له وإنما يسمع صوته. (وقال سليمان بن يسار) ضدّ اليمين أبو أيوب (استأذنت) في الدخول (على عائشة -رضي الله عنها- فعرفت صوتي قالت) ولأبي ذر فقالت (سليمان) بحذف حرف النداء (ادخل فإنك مملوك ما بقي عليك شيء) أي من مال الكتابة وكان مكاتبًا لأم المؤمنين وفيه أن عائشة كانت لا ترى الاحتجاب من العبد سواء كان في ملكها أوفي ملك غيرها. (وأجاز سمرة بن جندب شهادة امرأة منتقبة) بسكون النون وفتح المثناة الفوقية بعدها قاف مكسورة من الانتقاب ولأبي ذر منتقبة بتقديم المثناة على النون وتشديد القاف من التنقيب التي على وجهها نقاب. قال الحافظ ابن حجر: ولم أعرف اسم هذه المرأة. 2655 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "سَمِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً يَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهُنَّ مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا". وَزَادَ عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ: "تَهَجَّدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِي فَسَمِعَ صَوْتَ عَبَّادٍ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، أَصَوْتُ عَبَّادٍ هَذَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ عَبَّادًا". [الحديث 2655 - أطرافه في: 5037، 5042، 6335]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبيد بن ميمون) بضم عين عبيد مصغرًا من غير إضافة القرشي التيمي مولاهم المدني وقيل كوفي التبان قال: (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

رجلاً) هو عبد الله بن يزيد الأنصاري القاري وزعم عبد الغني أنه الخطمي. قال ابن حجر: وليس في روايته التي ساقها نسبته كذلك وقد فرق ابن منده بينه وبين الخطمي فأصاب، والمعنى هنا سمع صوت رجل (يقرأ في المسجد فقال) عليه الصلاة والسلام: (رحمه الله) أي القارئ (لقد أذكرني كذا وكذا آية) وسقط لأبي ذر قوله وكذا الثانية (أسقطتهن) اي نسيتهن (من سورة كذا وكذا) كلمة مبهمة وهي في الأصل مركبة من كاف التشبيه واسم الإشارة ثم نقلت فصارت يكنى بها عن العدد وغيره. قال في الفتح: ولم أقف على تعيين الآيات المذكورة وأغرب من زعم أن المراد بذلك إحدى وعشرون آية لأن ابن عبد الحكم قال فيمن أقرأن عليه: كذا وكذا درهمًا أنه يلزمه أحد وعشرون درهمًا، وقال الداودي يكون مقرًّا بدرهمين لأنه أول ما يقع عليه ذلك انتهى. وقال المالكية: واللفظ للشيخ خليل وكذا درهمًا وعشرون وكذا وكذا أحد وعشرون وكذا كذا أحد عشر وقال الشافعية ويجب عليه بقوله كذا درهم بالرفع درهم لكون الدرهم تفسيرًا لما أبهمه بقوله: كذا وكذا لو نصب الدرهم أو خفض أو أسكن أو كرر كذا بلا عاطف في الأحوال الأربعة لذلك ولاحتمال التوكيد في الأخيرة وإن اقتضى النصب لزوم عشرين لكونه أوّل عدد مفرد ينصب الدرهم عقبه إذ لا نظر في تفسير المبهم إلى الإعراب ومتى كررها وعطف بالواو أو بثم ونصب الدرهم كقوله له: في كذا وكذا درهمًا أو كذا ثم كذا درهمًا تكرر الدرهم بعدد كذا فيلزمه في كلٍّ من المثالين درهمان لأنه أقرّ بمبهمين وعقبهما بالدرهم منصوبًا فالظاهر أنه تفسير لكل منهما بمقتضى العطف غير أنا نقدّره في صناعة الإعراب تمييزًا لأحدهما ونقدّر مثله للآخر فلو خفض الدرهم أو رفعه أو سكنه لا يتكرر لأنه لا يصلح تمييِزًا لما قبله. (وزاد عباد بن عبد الله) بفتح العين وتشديد الموحدة في الأول ابن الزبير ابن العوّام التابعي فيما وصله أبو يعلى (عن عائشة) -رضي الله عنها- (تهجد) أي صلّى (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيتي فسمع صوت عباد) هو ابن بشر الأنصاري الأشهلي الصحابي (يصلّى في المسجد فقال): (يا عائشة أصوت عباد هذا) بهمزة الاستفهام (قلت: نعم قال): (اللهمَّ ارحم عبادًا) وظاهره أن المبهم في الرواية السابقة هو هذا المفسر في هذه إذ مقتضى قوله زاد أن يكون المزيد فيه والمزيد عليه حديثًا واحدًا فتتّحد القصة، لكن جزم عبد الغني بن سعيد في مبهماته بأن المبهم في الأولى هو عبد الله بن يزيد كما مرّ، فيحتمل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سمع صوت رجلين فعرف أحدهما فقال: هذا صوت عباد ولم يعرف الآخر فسأل عنه، والذي لم يعرفه هو الذي تذكر بقراءته الآيات التي نسيها وفيه جواز النسيان عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما ليس طريقه البلاغ. وبقية مباحثه تأتي إن شاء الله تعالى في فضائل القرآن ومطابقته لما ترجم له هنا من كونه عليه الصلاة والسلام اعتمد على صوت الرجل من غير رؤية شخصه. 2656 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ بِلاَلاً يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ -أَوْ قَالَ حَتَّى تَسْمَعُوا أَذَانَ- ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ». وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلاً أَعْمَى لاَ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَقُولَ لَهُ النَّاسُ: أَصْبَحْتَ. وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم النهدي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة) هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة بفتح اللام واسمه الماجشون بكسر الجيم وبعدها معجمة مضمومة المدني نزيل بغداد قال: (أخبرنا ابن شهاب) الزهري (عن سالم بن عبد الله عن) أبيه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن بلالاً يؤذن) للصبح (بليل) أي في ليل (فكلوا واشربوا حتى) أي إلى أن (يؤذن أو قال حتى تسمعوا أذان ابن أُم مكتوم) عمرو أو عبد الله بن قيس القرشي والشك من الراوي (وكان ابن أم مكتوم رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقول له الناس أصبحت) في الأذان أصبحت أصبحت مرتين. ومطابقته لما ترجم له الاعتماد على صوت الأعمى، وقد سبق في أذان الأعمى من كتاب الأذان. 2657 - حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْبِيَةٌ، فَقَالَ لِي أَبِي مَخْرَمَةُ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ عَسَى أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئًا. فَقَامَ أَبِي عَلَى الْبَابِ فَتَكَلَّمَ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَوْتَهُ، خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ قَبَاءٌ وَهُوَ يُرِيهِ مَحَاسِنَهُ وَهُوَ يَقُولَ: خَبَأْتُ هَذَا لَكَ، خَبَأْتُ هَذَا لَكَ". وبه قال: (حدّثنا زياد بن يحيى) بن زياد أبو الخطاب البصري قال: (حدّثنا حاتم بن وردان) أبو صالح البصري قال: (حدّثنا أيوب) بن أبي تميمة كيسان السختياني (عن

12 - باب شهادة النساء

عبد الله بن أبي مليكة) نسبه لجده لشهرته به. واسم أبيه عبيد الله بالتصغير واسم أبي مليكة زهير (عن المسور بن مخرمة) الزهري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقبية) وفي الهبة قسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقبية ولم يعط مخرمة منها شيئًا (فقال لي أي مخرمة انطلق بنا إليه) صلوات الله وسلامه عليه (عسى أن يعطينا منها شيئًا فقام أبي على الباب فتكلم فعرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صوته فخرج) بالفاء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي خرج (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعه قباء) وفي الهبة فخرج إليه وعليه قباء منها (وهو يريه محاسنه وهو يقول): (خبأت هذا لك خبأت هذا لك) مرتين. ومطابقة الحديث للترجمة كالذي قبله كما لا يخفى. 12 - باب شَهَادَةِ النِّسَاءِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: 282]. (باب) جواز (شهادة النساء. وقوله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه ({فإن لم يكونا}) أي فإن لم يكن الشهيدان ({رجلين فرجل وامرأتان}) [البقرة: 282] فليشهد أو فالمستشهد رجل وامرأتان كذا قاله البيضاوي كالزمخشري قال في المصابيح: الأنسب فإن لم يكن الشهيدان رجلين فالشهيدان رجل وامرأتان أو فليشهد رجل وامرأتان لأن المأمور هم المخاطبون لا الشهداء انتهى. وهذا مخصوص بالأموال عندنا وبما عدا الحدود والقصاص عند الحنفية. 2658 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَا بَلَى. قَالَ: فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا". وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) سعيد الجمحي قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) هو ابن أبي كثير (قال: أخبرني) بالإفراد (زيد) هو ابن أسلم (عن عياض بن عبد الله) بن سعد بن أبي سرح بفتح المهملة وسكون الراء بعدها حاء مهملة القرشي العامري المكي (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-) وسقط لأبي ذر الخدري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال): (أليس) ولأبي ذر: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أليس (شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل) لقوله تعالى فرجل وامرأتان (قلنا) بالألف بعد النون، ولأبي ذر: قلن (بلى قال): (فذلك) بكسر الكاف (من نقصان عقلها) لأن الاستظهار بأخرى يؤذن بقلة ضبطها وهو يُشعِر بقلة عقلها وهذا موضع الترجمة. وأنواع الشهادات سبعة. ما يقبل فيه شاهد واحد وهو رؤية هلال رمضان لحديث ابن عمر أخبرت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصام وأمر الناس بصيامه. رواه أبو داود وابن حبان. وما يقبل فيه شاهد ويمين في الأموال خاصة لحديث مسلم وغيره عن ابن عباس -رضي الله عنهما-. وما يقبل فيه شاهد وامرأتان في الأموال وعيوب النساء خاصة. وما يقبل فيه شاهدان في الحدود والنكاح والقصاص لما روى مالك عن الزهري مضت السُّنَّة أنه لا يجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح والطلاق وقيس بالثلاثة ما في معناها كقصاص ورجعة وإسلام وردّة وجرح وتعديل وموت وإعسار. وما يقبل فيه شاهدان ويمين وهو في مسائل: دعوى ردّ المبيع بالعيب، ودعوى البكر أو الثيّب العنة على الزوج ودعوى الجراحة في عضو باطن ادّعى الخصم أنه غير سليم، ودعوى إعسار نفسه إذا عهد له مال، وعلى الغائب والميت ووليّ الصغير والمجنون، وفيما إذا قال لامرأته: أنت طالق أمس، ثم قال: أردت أنها طالق من غيري فيقيم في هذه الصورة البينة بما ادّعاه، ويحلف معها طلبًا للاستظهار والمراد بالمحلوف في الأولى قدم العيب وفي الثانية عدم الوطء. وما يقبل فيه أربعة من الرجال في الشهادة على الزنا. نعم يكفي في الشهادة على الإقرار به اثنان. وأجاز الكوفيون شهادة النساء في النكاح والطلاق والنسب والولاء، واختلف فيما لا يطّلع عليه الرجال هل يكفي فيه امرأة واحدة؟ فعند الجمهور لا بدّ من أربع وعن مالك تكفي شهادة البعض، وقال الحنفية، تجوز شهادتها وحدها. وهذا الحديث قد مرّ بأتمّ من هذا في كتاب الحيض. 13 - باب شَهَادَةِ الإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ وَقَالَ أَنَسٌ: شَهَادَةُ الْعَبْدِ جَائِزَةٌ إِذَا كَانَ عَدْلاً. وَأَجَازَهُ شُرَيْحٌ وَزُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ إِلاَّ الْعَبْدَ لِسَيِّدِهِ. وَأَجَازَهُ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ فِي الشَّىْءِ التَّافِهِ. وَقَالَ شُرَيْحٌ: كُلُّكُمْ بَنُو عَبِيدٍ وَإِمَاءٍ. (باب) حكم (شهادة الإماء والعبيد) أي في حال الرقّ. (وقال أنس) فيما وصله ابن أبي شيبة من رواية المختار بن فلفل (شهادة العبد) الرقيق (جائز إذا كان عدلاً، وأجازه) أي حكم شهادة العبد (شريح)

14 - باب شهادة المرضعة

القاضي فيما وصله ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور في الشيء اليسير إذا كان مرضيًّا وعنه جوازها إلا لسيده (و) أجازه أيضًا (زرارة بن أوفى) قاضي البصرة. (وقال ابن سيرين) محمد مما وصله عبد الله بن الإمام أحمد (شهادته) يعني العبد (جائزة إلا العبد لسيده، وأجازه) أي حكم شهادة العبد (الحسن) البصري (وإبراهيم) النخعي فيما وصله ابن أبي شيبة عنهما من طريقين (في الشيء التافه) بالمثناة الفوقية وكسر الفاء الحقير، (وقال شريح) القاضي مما وصله ابن أبي شيبة أيضًا (كلكم بنو عبيد وإماء) ولابن السكن كلكم عبيد وإماء فأسقط بنو وهذا قاله: لما شهد عنده عبد وأجاز شهادته فقيل: إنه عبد واتفق الأئمة الثلاثة على عدم قبول شهادة العبد مطلقًا لأنه ناقص الحال قليل المبالاة فلا يصلح لهذه الأمانة، وقال الحنابلة واللفظ للمرداوي في تنقيحه: وتقبل شهادة عبد حتى في حدّ وقود نصًّا وعنه لا تقبل فيهما وهي أشهر. 2659 - حدثنا أبو عاصم عن ابن جُريج عن ابن أبي مُلَيكةَ عن عُقبةَ بن الحارثِ ح. وحَدَّثَنَا علي بن عبد الله حدثنا يحيى بن سعيد عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ أَوْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ: "أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إِهَابٍ، قَالَ: فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْرَضَ عَنِّي، قَالَ: فَتَنَحَّيْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنها قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا. فَنَهَاهُ عَنْهَا". وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد (عن ابن جربج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن عقبة بن الحرث) بن عامر بن نوفل بن عبد مناف النوفلي المكي الصحابي من مسلمة الفتح وبقي إلى بعد الخمسين (ح) للتحويل. قال المؤلّف بالسند: (وحدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن ابن جريج) عبد الملك أنه (قال سمعت ابن أبي مليكة) عبد الله (قال: حدّثني) بالإفراد (عقبة بن الحرث) وسقط في بعض النسخ من قوله وحدّثنا علي إلى آخر قوله عقبة بن الحرث (أو سمعته منه أنه تزوّج أم يحيى) غنية أو زينب (بنت أبي إهاب) بكسر الهمزة (قال: فجاءت أمة سوداء) لم تسم (فقالت قد أرضعتكما) تعني عقبة والتي تزوجها قال عقبة (فذكرت ذلك) الذي قالته الأمة (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعرض عني، قال: فتنحيت) أي من تلك الناحية إلى قبل وجهه (فذكرت ذلك) الذي قالته (له) عليه الصلاة والسلام (قال): (وكيف) خبر مبتدأ محذوف أي كيف ذلك أو كيف بقاء الزوجية (و) الحال أن (قد زعمت) أي قالت الأمة (أنها) وللحموي والمستملي: أن (قد أرضعتكما فنهاه عنها) وهو يقتضي فراقها بقول الأمة المذكورة فلو لم تكن شهادتها مقبولة ما عمل بها. وأجيب: بأن في بعض طرق الحديث فجاءت مولاة لأهل مكة وهو لفظ يطلق على الحرة التي عليها الولاء فلا دلالة على أنه كانت رقيقة، وتعقب بأن رواية حديث الباب فيها التصريح بأنها أمة فتعين أنها ليست بحرّة وقد قال ابن دقيق العيد: إن أخذنا بظاهر حديث الباب فلا بدّ من القول بشهادة الأمة، وتعقبه بعضهم فيما ادّعاه من لزوم شهادة الأمة بأنه ورد في النكاح عند البخاري بلفظ: فجاءتنا امرأة سوداء، وفي الباب اللاحق فجاءت امرأة فلم يقيد بالأمة. وأجيب: بأن مجيء رواية بوصف يجب أن يكون بيانًا لرواية الإطلاق فتبين أن المراد الأمة اللهمَّ إلا أن يدّعي أنه أطلق عليها أمة مجازًا باعتبار ما كانت عليه، وإنما هي حرة بدليل قوله في الحديث: مولاة لأهل مكة فإذن ليس هذا من شهادة الإماء في شيء على أنه لم يعمل بشهادتها في حديث البخاري، وإنما دله عليه الصلاة والسلام على طريق الورع. 14 - باب شَهَادَةِ الْمُرْضِعَةِ (باب شهادة المرضعة). 2660 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: "تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً, فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: وَكَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ دَعْهَا عَنْكَ. أَوْ نَحْوَهُ". وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد (عن عمر بن سعيد) بكسر العين وعمر بضم العين ابن حسين النوفلي القرشي المكي (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن عقبة بن الحرث) النوفلي أنه (قال: تزوجت امرأة) هي أم يحيى بنت أبي إهاب كما في الأخرى (فجاءت امرأة) لم يقل أمة فالأولى مقيدة لهذه وقد مرّ ما في ذلك قريبًا (فقالت: إني قد أرضعتكما) زاد المؤلّف في العلم من طريق عمر بن سعيد عن أبي حسين عن ابن أبي مليكة ما أرضعتني ولا أخبرتني يعني بذلك قبل التزوج (فأتيت النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي العلم فركب إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة فسأله (فقال) عليه الصلاة والسلام: (وكيف وقد قيل دعها) اتركها (عنك أو نحوه)

15 - باب تعديل النساء بعضهن بعضا

احتج به من قبل شهادة المرضعة وحدها، وأجاب الجمهور بحمل النهي في قوله في السابقة فنهاه عنها على التنزيه والأمر في قوله في هذا دعها عنك على الإرشاد. (حديث الإفك) هذا ساقط عند أبي الوقت. 15 - باب تَعْدِيلِ النِّسَاءِ بَعْضِهِنَّ بَعْضًا (باب تعديل النساء بعضهن بعضًا). 2661 - حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ -وَأَفْهَمَنِي بَعْضَهُ أَحْمَدُ- حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا -وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتُ لَهُ اقْتِصَاصًا- وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا. زَعَمُوا أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ. فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ فَخَرَجَ سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَهُ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجٍ وَأُنْزَلُ فِيهِ. فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، فَأَقْبَلَ الَّذِينَ يَرْحَلُونَ لِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَثْقُلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، وَإِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ حِينَ رَفَعُوهُ ثِقَلَ الْهَوْدَجِ فَاحْتَمَلُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنْزِلَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونَني فَيَرْجِعُونَ إِلَىَّ. فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنَاىَ فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ، فَأَتَانِي، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ يَدَهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُعَرِّسِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ. وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الإِفْكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ ابْنُ سَلُولَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ بِهَا شَهْرًا، والناس يُفِيضُونَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، وَيَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَرَى مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ، إِنَّمَا يَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ لاَ أَشْعُرُ بِشَىْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى نَقَهْتُ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ مُتَبَرَّزُنَا، لاَ نَخْرُجُ إِلاَّ لَيْلاً إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِي الْبَرِّيَّةِ أَوْ فِي التَّنَزُّهِ. فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ بِنْتُ أَبِي رُهْمٍ نَمْشِي، فَعَثُرَتْ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلاً شَهِدَ بَدْرًا؟ فَقَالَتْ: يَا هَنْتَاهْ أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالُوا؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا على مَرَضِي. فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمَ فَقَالَ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ فَقُلْتُ: ائْذَنْ لِي إِلَى أَبَوَىَّ -قَالَتْ وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا- فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَتَيْتُ أَبَوَىَّ, فَقُلْتُ لأُمِّي: مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ، هَوِّنِي عَلَى نَفْسِكِ الشَّأْنَ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلاَّ أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا. فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَلَقَدْ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: فَبِتُّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ. ثُمَّ أَصْبَحْتُ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْوُدِّ لَهُمْ، فَقَالَ أُسَامَةُ: أَهْلُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ نَعْلَمُ وَاللَّهِ إِلاَّ خَيْرًا. وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَرِيرَةَ فَقَالَ: يَا بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ فِيهَا شَيْئًا يَرِيبُكِ؟ فَقَالَتْ بَرِيرَةُ: لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنْ رَأَيْتُ مِنْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا قط أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنِ الْعَجِينَ فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَىٍّ ابْنِ سَلُولَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ خَيْرًا، وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ مَعِي. فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ أَعْذِرُكَ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمْرَكَ. فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ -وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلاً صَالِحًا، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ- فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ، والله لاَ تَقْتُلُهُ وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ. فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ فَقَالَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ. فَثَارَ الْحَيَّانِ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ. فَنَزَلَ فَخَفَّضَهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ. وَبَكَيْتُ يَوْمِي لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، فَأَصْبَحَ عِنْدِي أَبَوَاىَ وقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتي وَيَوْمًا حَتَّى أَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي. قَالَتْ: فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي إِذِ اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسَ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مِنْ يَوْمِ قِيلَ فِيَّ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ مَكُثَ شَهْرًا لاَ يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شَىْءٌ. قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: يَا عَائِشَةُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، وَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا قَالَ. قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَتْ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لاَ أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ، فَقُلْتُ: إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ وَوَقَرَ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ، وَإِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ -وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي بَرِيئَةٌ- لاَ تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ -وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ- لَتُصَدِّقُنِّي. وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلاً إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ إِذْ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}. ثُمَّ تَحَوَّلْتُ عَلَى فِرَاشِي وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِي ا

مبنيين للمفعول والهودج بهاء ودال مهملة مفتوحتين بينهما واو ساكنة آخره جيم محمل له قبلة تستر بالثياب ونحوها يوضع على ظهر البعير يركب فيه النساء ليكون أستر لهنّ (فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غزوته تلك وقفل) بقاف ففاء أي رجع من غزوته (ودنونا) أي قربنا (من المدينة آذن) بالمدّ والتخفيف ويجوز القصر والتشديد أي أعلم (ليلة بالرحيل) وفي رواية ابن إسحاق عند أبي عوانة: فنزل منزلاً فبات به بعض الليل ثم آذن بالرحيل (فقمت حين آذنوا بالرحيل) بالمد والقصر كما مرّ (فمشيت) أي لقضاء حاجتي منفردة (حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني) أي الذي توجهت له (أقبلت إلى الرحل) إلى المنزل (فلمست صدري فإذا عقد لي) بكسر العين قلادة (من جزع أظفار) بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها عين مهملة مضاف لقوله أظفار بهمزة مفتوحة ومعجمة ساكنة والجزع خرز معروف في سواده بياض كالعروق، وقد قال التيفاشي: لا يتيمن بلبسه ومن تقلده كثرت همومه ورأى منامات رديئة، وإذا علق على طفل سال لعابه، وإذا لفّ على شعر المطلقة سهلت ولادتها، ولأبي ذر عن الكشميهني: ظفار بإسقاط الهمزة وفتح الظاء وتنوين الراء فيهما كما في الفرع وغيره. قال ابن بطال: الرواية أظفار بألف وأهل اللغة لا يقرؤونه بألف ويقولون ظفار وقال الخطابي الصواب الحذف وكسر الراء مبني كحضار مدينة باليمن قالوا فدلّ على أن رواية زيادة الهمزة وهم وعلى تقدير صحة الرواية فيحتمل أنه كان من الظفر أحد أنواع القسط وهو طيب الرائحة يتبخر به فلعله عمل مثل الخرز فأطلقت عليه جزعًا تشبيهًا به ونظمته قلادة إما لحسن لونه أو لطيب ريحه، وفي رواية الواقدي كما في الفتح: فكان في عنقي عقد من جزع ظفار كانت أمي قد أدخلتني به على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قد انقطع) وفي رواية ابن اسحاق عند أبي عوانة قد انسلّ من عنقي وأنا لا أدري (فرجعت) أي إلى المكان الذي ذهبت إليه (فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه) أي طلبه، وعند الواقدي وكنت أظن أن القوم لو لبثوا شهرًا لم يبعثوا بعيري حتى أكون في هودجي (فأقبل الذين يرحلون لي) بفتح أوّله وسكون الراء مخففًا أي يشدون الرحل على بعيري ولم يسم أحد منهم نعم ذكر منهم الواقدي أبا مويهيبة، وقال البلاذري: إنه شهد غزوة المريسيع وكان يخدم بعير عائشة ولأبي ذر يرحلون بضم أوّله وفتح الراء مشددًا (فاحتملوا هودجي فرحلوه) بالتخفيف، ولأبي ذر: فرحّلوه بالتشديد أي وضعوا هودجي (على بعيري الذي كنت أركب) أي عليه، وفي قوله فرحلوه على بعيري تجوّز لأن الرجل هو الذي يوضع على ظهر البعير ثم يوضع الهودج فوقه (وهم يحسبون أني فيه) في الهودج، (وكان النساء إذ ذاك خفافًا لم يثقلن) بكثرة الأكل (ولم يغشهن اللحم) لم يكثر عليهن (وإنما يأكلن العلقة) بضم العين وسكون اللام وبالقاف أي القليل (من الطعام فلم يستنكر القوم) بالرفع على الفاعلية (حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه) وثقل بكسر المثلثة وفتح القاف الذي اعتادوه منه الحاصل فيه بسبب ما ركب منه من خشب وحبال وستور وغيرها، ولشدة نحافة عائشة لا يظهر بوجودها فيه زيادة ثقل، وفي تفسير سورة النور من طريق يونس خفّة الهودج وهذه أوضح لأن مرادها إقامة عذرهم في تحميل هودجها وهي ليست فيه فكأنها لخفّة جسمها بحيث إن الذين يحملون هودجها لا فرق عندهم بين وجدها فيه وعدمها، ولهذا أردفت ذلك بقولها: (وكنت جارية حديثة السن) لم تكمل إذ ذاك خمس عشرة سنة (فبعثوا الجمل) أي أثاروه (وساروا فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش) أي ذهب ماضيًا وهو استفعل من مرّ (فجئت منزلهم وليس فيه أحد) وفي التفسير فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجُيب (فأممت) بالتخفيف فقصدت (منزلي الذي كنت فيه فظننت) أي علمت (أنهم سيفقدوني) بكسر القاف وحذف النون تخفيفًا، ولأبوي

ذر والوقت: سيفقدونني (فيرجعون إليّ فبينا) بغير ميم (أنا جالسة) وجواب بينا قوله (غلبتني عيناي فنمت) أي من شدة الغم الذي اعتراها، أو أن الله تعالى لطف بها فألقى عليها النوم لتستريح من وحشة الانفراد في البرية بالليل (وكان صفوان بن المعطل) بفتح الطاء المشددة (السلمي) بضم السين وفتح اللام (ثم الذكواني) بالذال المعجمة منسوب إلى ذكوان بن ثعلبة وكان صحابيًّا فاضلاً (من وراء الجيش). وفي حديث ابن عمر عند الطبراني أن صفوان كان سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يجعله على الساقة، فكان إذا رحل الناس قام يصلّي ثم اتبعهم فمن سقط له شيء أتاه به، وفي حديث أبي هريرة عند البزار: وكان صفوان يتخلّف عن الناس فيصيب القدح والجراب والإداوة، وفي مرسل مقاتل بن حيان في الإكليل: فيحمله فيقدم به فيعرّفه في أصحابه (فأصبح عند منزلي) كأنه تأخر في مكانه حتى قرب الصبح فركب ليظهر له ما يسقط من الجيش مما يخفيه الليل أو كان تأخره مما جرت به عادته من غلبة النوم عليه (فرأى سواد إنسان) أي شخص إنسان (نائم) لا يدري أرجل أو امرأة (فأتاني) زاد في التفسير فعرفني حين رآني (وكان يراني قبل الحجاب) أي قبل نزوله (فاستيقظت) من نومي (باسترجاعه) أي بقوله: إنّا لله وإنّا إليه راجعون (حين أناخ راحلته) وكأنه شق عليه ما جرى لعائشة فلذا استرجع، ولأبي ذر عن الكشميهني: حتى أناخ راحلته (فوطئ يدها) أي وطئ صفوان يد الراحلة ليسهل الركوب عليها فلا تحتاج إلى مساعد (فركبتها فانطلق) صفوان حال كونه (يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا) حال كونهم (معرسين) بفتح العين المهملة وكسر الراء المشددة بعدها سين مهملة نازلين (في نحر الظهيرة) حين بلغت الشمس منتهاها من الارتفاع وكأنها وصلت إلى النحر وهو أعلى المصدر أو أولها وهو وقت شدة الحر (فهلك من هلك) زاد أبو صالح في شأني، وفي رواية أبي أويس عند الطبراني: فهنالك قال أهل الإفك فيّ وفيه ما قالوا (وكان الذي تولى الإفك) أي تصدّى له وتقلده رأس المنافقين (عبد الله بن أُبي بن سلول) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد المثناة وابن سلول يكتب بالألف والرفع لأن سلول بفتح السين غير منصرف علم لأم عبد الله فهو صفة لعبد الله لا لأبي وأتباعه مسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش. وفي حديث ابن عمر فقال عبد الله بن أُبي: فجرَّبها وربّ الكعبة وأعانه على ذلك جماعة وشاع ذلك في العسكر (فقدمنا المدينة فاشتكيت) مرضت (بها شهرًا) زاد في التفسير حين قدمتها وزاد هنا بدل لها بها (والناس يفيضون) بضم أوّله يشيعون (من قول أصحاب الإفك) وسقط للحموي والمستملي قوله والناس (ويريبني) بفتح أوّله من رابه ويجوز ضمه من أرابه أي يشككني ويوهمني (في وجعي أني لا أرى من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللطف) بضم اللام وسكون الطاء عند ابن الخطيئة عن أبي ذر كذا في حاشية فرع اليونينية كهي وفي متنهما زيادة فتح اللام والطاء أي الرفق (الذي كنت أرى منه حين أمرض) بفتح الهمزة والراء (إنما يدخل) عليه الصلاة والسلام (فيسلم ثم يقول) وللحموي والمستملي فيقول: (كيف تيكم)؟ بكسر المثناة الفوقية وهي في الإشارة للمؤنث مثل ذاكم في المذكر قال في التنقيح: وهي تدل على لطف من حيث سؤاله عنها وعلى نوع جفاء من قوله: "تيكم" (لا أشعر بشيء من ذلك) الذي يقوله أهل الإفك (حتى نقهت) بفتح النون والقاف وقد تكسر أي أفقت من مرضي ولم تتكامل لي الصحة (فخرجت أنا وأم مسطح) بكسر الميم وسكون السين وفتح الطاء المهملتين آخره حاء مهملة (قبل المناصع) بكسر القاف وفتح الموحدة والمناصع بالصاد والعين المهملتين موضع خارج المدينة (متبرزنا) بفتح الراء المشددة وبالرفع أي وهو متبرزنا أي موضع قضاء حاجتنا، ولغير أبي ذر: متبرزنا بالجر بدلاً من المناصع (لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف) بضم الكاف والنون جمع كنيف وهو الساتر

والمراد به هنا المكان المتخذ لقضاء الحاجة (قريبًا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول) بضم الهمزة وتخفيف الواو وكسر اللام في الفرع وغيره نعت للعرب، وفي نسخة الأوّل بفتح الهمزة وتشديد الواو وضم اللام نعت للأمر. قال النووي: وكلاهما صحيح، وقد ضبطه ابن الحاجب بفتح الهمزة، وصرّح بمنع وصف الجمع بالضم ثم خرّجه على تقدير ثبوته على أن العرب اسم جمع تحته جموع فيصير مفردًا بهذا التقرير قال: والرواية الأولى أشهر وأقعد انتهى. أي: لم يتخلقوا بأخلاق أهل الحاضرة والعجم في التبرّز (في البرية) بفتح الموحدة وتشديد الراء والمثناة التحتية خارج المدينة (أو في التنزه) بمثناة فوقية فنون ثم زاي مشددة طلب النزاهة والمراد البعد عن البيوت والشك من الراوي (فأقبلت أنا وأم مسطح) سلمى (بنت أبي رهم) حال كوننا (نمشي) أي ماشين، ورهم بضم الراء وسكون الهاء واسمه أنيس (فعثرت) بالعين المهملة والمثلثة والراء المفتوحات أي أم مسطح (في مرطها) بكسر الميم كساء من صوف أو خرز أو كتان قاله الخليل (فقالت: تعس مسطح) بكسر العين المهملة وفتح الفوقية قبلها آخره سين مهملة وقد تفتح العين وبه قيد الجوهري أي كب لوجهه أو هلك أو لزمه الشر (فقلت لها: بئسما قلت أتسبين رجلاً شهد بدرًا). وعند الطبراني: أتسبين ابنك وهو من المهاجرين الأوّلين؟ (فقالت: يا هنتاه) بفتح الهاء وسكون النون وقد تفتح وبعد المثناة الفوقية ألف ثم هاء ساكنة في الفرع كأصله وقد تضم أي يا هذه نداء للبعيد فخاطبتها خطاب البعيد لكونها نسبتها للبله وقلة المعرفة بمكائد النساء (ألم تسمعي ما قالوا فأخبرتني بقول الإفك) وللكشميهني أهل الإفك (فازددت مرضًا إلى) أي مع ولأبوي ذر والوقت: على (مرضي) قال في الفتح: وعند سعيد بن منصور من مرسل أبي صالح فقالت: وما تدرين ما قال؟ قالت: لا والله فأخبرتها بما خاض فيه الناس فأخذتها الحمى، وعند الطبراني بإسناد صحيح عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: لما بلغني ما تكلموا به هممت أن آتي قليبًا فأطرح نفسي فيه. (فلما رجعت إلى بيتي دخل عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلم فقال): (كيف تيكم)؟ (فقلت ائذن لي) أن آتي (إلى أبوي قالت وأنا حيينذٍ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهتهما (فأذن لي رسول الله) في ذلك (فأتيت أبوي فقلت لأمي) أم رومان زاد في التفسير يا أمتاه (ما يتحدّث به الناس) بفتح المثناة التحتية من يتحدث، ولأبي ذر: ما يتحدث الناس به بتقديم الناس على الجار والمجرور. (فقالت: يا بنية هوّني على نفسك الشأن فوالله لقلما كانت امرأة قطّ وضيئة) بالرفع صفة لامرأة أو بالنصب على الحال واللام في لقل للتأكيد، وقلَّ: فعل ماضي دخلت عليه ما للتأكيد والوضيئة المعجمة والهمزة والمد على وزن عظيمة من الوضاءة وهي الحسن والجمال، وكانت عائشة -رضي الله عنها- كذلك. ولمسلم من رواية ابن ماهان حظية من الحظوة أي وجيهة رفيعة المنزلة (عند رجل يحبها ولها ضرائر) جمع ضرّة وزوّجات الرجل ضرائر لأن كل واحدة يحصل لها الضرر من الأخرى بالغيرة (إلاّ أكثرن) أي نساء ذلك الزمان (عليها) القول في عيبها ونقصها فالاستثناء منقطع أو بعض أتباع ضرائرها كحمنة بنت جحش أخت زينب أم المؤمنين فالاستثناء متصل والأول هو الراجح لأن أمهات المؤمنين لم يعبنها. سلمنا أنه متصل لكن المراد بعض أتباع الضرائر كقوله تعالى: {حتى إذا استيأس الرسل} [يوسف: 110] فأطلق الأياس على الرسل، والمراد بعض أتباعهم وأرادت أمها بذلك أن تهوّن عليها بعض ما سمعت فإن الإنسان يتأسى بغيره فيما يقع له، وطيبت خاطرها بإشارتها بما يشعر بأنها فائقة الجمال والحظوة عنده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (فقلت: سبحان الله!) تعجبًّا من وقوع مثل ذلك في حقها مع براءتها المحققة عندها وقد نطق القرآن الكريم بما تلفظت به فقال تعالى عند ذكر ذلك: {سبحانك هذا بهتان عظيم} [النور: 16] (ولقد يتحدّث الناس

بهذا) بالمضارع المفتوح الأول، ولأبي ذر: تحدّث الناس بالماضي، وفي رواية هشام بن عروة عند البخاري فاستعبرت فبكيت فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت بلغها الذي ذكر من شأنها ففاضت عيناه، فقال: أقسمت عليك يا بنية إلا رجعت إلى بيتك فرجعت. (قالت) أي عائشة (فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع) بالقاف والهمزة أي لا ينقطع (ولا أكتحل بنوم) لأن الهموم موجبة للسهر وسيلان الدموع. وفي المغازي عن مسروق عن أم رومان قالت عائشة: سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قالت: نعم. قالت: وأبو بكر؟ قالت: نعم فخرّت مغشيًا عليها فما أفاقت إلاّ وعليها حمى بنافض فطرحت عليها ثيابها فغطتها. (ثم أصبحت فدعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علي بن أبي طالب) رضي الله تعالى عنه (وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي) حال كونه (يستشيرها) لعلمه بأهليتهما للمشورة (في فراق أهله) لم تقل في فراقي لكراهتها التصريح بإضافة الفراق إليها والوحي بالرفع في الفرع أي طال لبث نزوله. وقال ابن العراقي: ضبطناه بالنصب على أنه مفعول لقوله استلبث أي استبطأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الوحي، وكلام النووي يدل على الرفع (فأما أسامة فأشار عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بالذي يعلم في نفسه من الودّ لهم فقال أسامة): هم (أهلك) العفائف اللائقات بك وعبر بالجمع إشارة إلى تعميم أمهات المؤمنين بالوصف المذكور أو أراد تعظيم عائشة وليس المراد أنه تبرأ من الإشارة، ووكل الأمر في ذلك إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنما أشار وبرّأها. وجوّز بعضهم النصب أي أمسك أهلك لكن الأولى الرفع لرواية معمر حيث قال: هم أهلك (يا رسول الله ولا نعلم والله إلاّ خيرًا) إنما حلف ليقوي عنده عليه الصلاة والسلام براءتها ولا يشك وسقط لفظ والله لأبي ذر (وأما علي بن أبي طالب) -رضي الله عنه- (فقال: بل رسول الله لم يضيق الله عليك) وللحموي والمستملي: لم يضيق عليك بحذف الفاعل للعلم به وبناء الفعل للمفعول (والنساء سواها كثير) بصيغة التذكير للكل على إرادة الجنس، وللواقدي قد أحلّ الله لك وأطاب طلّقها وانكح غيرها، وإنما قال لما رأى عنده عليه الصلاة والسلام من القلق والغمّ لأجل ذلك، وكان شديد الغيرة صلوات الله وسلامه عليه فرأى عليّ أن بفراقها يسكن ما عنده بسببها إلى أن يتحقق براءتها فيراجعها فبذل النصيحة لإراحته لا عداوة لعائشة. وقال في بهجة النفوس مما قرأته فيها لم يجزم عليّ بالإشارة بفراقها لأنه عقب ذلك بقوله (وسل الجارية) بريرة (تصدقك) بالجزم على الجزاء ففوّض في الأمر في ذلك إلى نظره عليه الصلاة والسلام فكأنه قال: إن أردت تعجيل الراحة ففارقها، وإن أردت خلاف ذلك فابحث عن حقيقة الأمر إلى أن تطلع على براءتها لأنه كان يتحقق أن بريرة لا تخبره إلا بما علمته وهي لم تعلم من عائشة إلا البراءة المحضة. (فدعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بريرة). قال الزركشي: قيل إن هذا وهم فإن بريرة إنما اشترتها عائشة وأعتقتها قبل ذلك ثم قال: والمخلص من هذا الإشكال أن تفسير الجارية ببريرة مدرج في الحديث من بعض الرواة ظنًّا منه أنها هي. قال في المصابيح: وهذا أي الذي قاله الزركشي ضيق عطن فإنه لم يرفع الإشكال إلا بنسبة الوهم إلى الراوي قال: والمخلص عندي من الإشكال الرافع لتوهيم الرواة وغيرهم أن يكون إطلاق الجارية على بريرة وإن كانت معتقة إطلاقًا مجازيًّا باعتبار ما كانت عليه فاندفع الإشكال ولله الحمد انتهى. وهذا الذي قاله: في المصابيح بناء على سبقية عتق بريرة وفيه نظر لأن قصتها إنما كانت بعد فتح مكة لأنها لما خيرت فاختارت نفسها كان زوجها يتبعها في سكك المدينة يبكي عليها فقال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للعباس: "يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة"؟ ففيه دلالة على أن قصة بريرة كانت متأخرة في السنة التاسعة أو العاشرة لأن العباس إنما سكن المدينة بعد رجوعهم من غزوة الطائف

وكان ذلك في أواخر سنة ثمانٍ، ويؤيد ذلك قول ابن عباس أنه شاهد ذلك وهو إنما قدم المدينة مع أبويه، وأيضًا فقول عائشة إن شاء مواليك أن أعدّها لهم عدة واحدة فيه إشارة إلى وقوع ذلك في آخر الأمر لأنهم كانوا في أول الأمر في غاية الضيق ثم حصل لهم التوسع بعد الفتح، وقصة الإفك في المريسيع سنة ست أو سنة أربع وفي ذلك ردّ على من زعم قصتها كانت متقدمة قبل قصة الإفك، وحمله على ذلك قوله هنا فدعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بريرة. وأجيب: باحتمال أنها كانت تخدم عائشة قبل شراءها أو اشترتها وأخرت عتقها إلى بعد الفتح أو دام حزن زوجها عليها مدة طويلة أو كان حصل لها الفسخ وطلب أن يردّه بعقد جديد أو كانت لعائشة ثم باعتها ثم استعادتها بعد الكتابة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (يا بريرة هل رأيت فيها شيئًا يريبك)؟ بفتح أوّله يعني من جنس ما قيل فيها فأجابت على العموم ونفت عنها كل ما كان من النقائص من جنس ما أراد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السؤال عليه وغيره (فقالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق إن رأيت) بكسر الهمزة أي ما رأيت (منها أمرًا أغمصه) بهمزة مفتوحة فغين معجمة ساكنة فميم مكسورة فصاد مهملة أعيبه (عليها) في كل أمورها، ولأبي ذر عن المستملي: قطّ (أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين) لأن الحديث السن يغلبه النوم ويكثر عليه (فتأتي الداجن فتأكله) بدال مهملة ثم جيم الشاة التي تألف البيوت ولا تخرج إلى المرعى، وفي رواية مقسم مولى ابن عباس عن عائشة عند الطبراني: ما رأيت منها شيئًا منذ كنت عندها إلا أني عجنت عجينًا لي فقلت: احفظي هذه العجينة حتى أقتبس نارًا لأخبزها فغفلت فجاءت الشاة فأكلتها وهو تفسير المراد بقولها فتأتي الداجن وهذا موضع الترجمة لأنه عليه الصلاة والسلام سأل بريرة عن حال عائشة وأجابت ببراءتها، واعتمد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قولها حين خطب فاستعذر من ابن أُبي، لكن قال القاضي عياض: وهذا ليس ببيّن إذ لم تكن شهادة والمسألة المختلف فيها إنما هي في تعديلهن للشهادة فمنع من ذلك مالك والشافعي ومحمد بن الحسن وأجازه أبو حنيفة في المرأتين والرجل لشهادتهما في المال، واحتج الطحاوي لذلك بقول زينب في عائشة وقول عائشة في زينب فعصمها الله بالورع قال: ومن كانت بهذه الصفة جازت شهادتها، وتعقب بأن إمامه أبا حنيفة لا يجيز شهادة النساء إلاّ في مواضع مخصوصة فكيف يطلق جواز تزكيتهنّ. (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من يومه) على المنبر خطيبًا (فاستعذر) بالذال المعجمة (من عبد الله بن أبي ابن سلول فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من يعذرني) بفتح حرف المضارعة وكسر الذال المعجمة من يقوم بعذري إن كافأته على قبيح فعله ولا يلومني أو من ينصرني (من رجل بلغني أذاه في أهلى فوالله ما علمت في أهلي إلا خيرًا وقد ذكروا رجلاً) زاد الطبراني في روايته صالحًا (ما علمت عليه إلا خيرًا وما كان يدخل على أهلي إلاّ معي) (فقام سعد بن معاذ) وهو سيد الأوس، وسقط لأبوي ذر والوقت ابن معاذ. واستشكل ذكر سعد بن معاذ هنا بأن حديث الإفك كان سنة ست في غزوة المريسيع كما ذكره ابن إسحاق وسعد بن معاذ مات سنة أربع من الرمية التي رميها بالخندق. وأجيب: بأنه اختلف في المريسيع، وقد حكى البخاري عن موسى بن عقبة أنها كانت سنة أربع وكذلك الخندق فتكون المريسيع قبلها لأن ابن إسحاق جزم بأنها كانت في شعبان وأن الخندق كانت في شوّال فإن كانا في سنة استقام ذلك، لكن الصحيح في النقل عن موسى بن عقبة أن المريسيع سنة خمس فما في البخاري عنه من أنها سنة أربع سبق قلم والراجح أن الخندق أيضًا في سنة خمس خلافًا لابن إسحاق فيصح الجواب. (فقال يا رسول الله أنا والله) ولأبي ذر عن المستملي: والله أنا (أعذرك منه) بكسر الذال (إن كان من الأوس) قبيلتنا (ضربنا عنقه) وإنما قال ذلك لأنه كان سيدهم كما مرّ فجزم بأن حكمه فيهم نافذ

ومن آذاه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجب قتله (وإن كان من إخواننا من الخزرج) من الأولى تبعيضية والثانية بيانية، ولأبي ذر: من إخواننا الخزرج بإسقاط من البيانية (أمرتنا ففعلنا فيه أمرك) وإنما قال ذلك لما كان بينهم من قبل فبقيت فيهم بعض أنفة أن يحكم بعضهم في بعض فإذا أمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأمر امتثلوا أمره. (فقام سعد بن عبادة) شهد العقبة وكان أحد النقباء ودعا له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "اللهمَّ اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة" رواه أبو داود (وهو سيد الخزرج) بعد أن فرغ سعد بن معاذ من مقالته (وكان قبل ذلك رجلاً صالحًا) أي كاملاً في الصلاح، (ولكن) لأبوي ذر والوقت: وكان (احتملته) من مقالة سعد بن معاذ (الحمية) أي أغضبته (فقال) لابن معاذ (كذبت) زاد في رواية أبي أسامة في التفسير أما والله لو كان من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم (لعمر الله) بفتح العين أي وبقاء الله (لا تقتله) ولأبي ذر عن المستملي والله لا تقتله قال في الفتح وفسر قوله بقوله (ولا تقدر على ذلك) لأنّا نمنعك منه ولم يرد سعد بن عبادة الرضا بما نقل عن عبد الله بن أُبي ولم ترد عائشة -رضي الله عنها- أنه ناضل عن المنافقين، وأما قولها: وكان قبل ذلك رجلاً صالحًا أي لم يتقدم منه ما بتعلق بالوقوف مع أنفة الحمية ولم تغمصه في دينه، لكن كان بين الحيّين مشاحنة قبل الإسلام ثم زالت بالإسلام وبقي بعضها بحكم الأنفة فتكلم سعد بن عبادة بحكم الأنفة ونفى أن يحكم فيهم سعد بن معاذ. وقد وقع في بعض الروايات بيان السبب الحامل لسعد بن عبادة على مقالته هذه لابن معاذ. ففي رواية ابن إسحاق فقال: سعد بن عبادة: ما قلت هذه المقالة إلا أنك علمت أنه من الخزرج، وفي رواية يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عند الطبراني فقال سعد بن عبادة: يا ابن معاذ والله ما بك نصرة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكنها قد كانت بيننا ضغائن في الجاهلية وإحَن لم تحلل لنا من صدوركم فقال ابن معاذ: الله أعلم بما أردت. وقال في بهجة النفوس: إنما قال سعد بن عبادة لابن معاذ كذبت لا تقتله أي لا تجد لقتله من سبيل لمبادرتنا قبلك لقتله ولا تقدر على ذلك أي لو امتنعنا من النصرة فأنت لا تستطيع أن تأخذه من بين أيدينا لقوّتنا. قال: وهذا في غاية النصرة إذ أنه يخبر أنه في القوة والتمكين بحيث لا يقدر له الأوس مع قوتهم وكثرتهم، ثم هم مع ذلك تحت السمع والطاعة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحملته الحمية مثل ما حملت الأول أو أكثر فلم يستطع أن يرى غيره قام في نصرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو قادر عليها فقال لابن معاذ ما قال، وإنما قالت عائشة: ولكن احتملته الحميّة لتبين شدّة نصرته في القضية مع إخبارها بأنه صالح لأن الرجل الصالح أبدًا يعرف منه السكون والناموس لكنه زال عنه ذلك من شدة ما توالى عليه من الحمية لنبيّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انتهى. وهو محمل حسن ينفي ما في ظاهر اللفظ مما لا يخفى. (فقام أسيد بن الحضير) بضم الهمزة من أسيد والحاء المهملة من الحضير مصغرين ولأبي ذر: ابن حضير زاد في التفسير وهو ابن عمّ سعد بن معاذ أي من رهطه (فقال) لابن عبادة: (كذبت لعمر الله والله لنقتلنّه) أي ولو كان من الخزرج إذا أمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك وليست لكم قدرة على منعنا قابل قوله لابن معاذ كذبت لا تقتله بقوله كذبت لنقتلنّه (فإنك منافق) قال له ذلك مبالغة في زجره عن القول الذي قاله أي إنك تصنع صنيع المنافقين وفسّره بقوله: (تجادل عن المنافقين). قال المازري: لم يرد نفاق الكفر وإنما أراد أن يظهر الودّ للأوس ثم ظهر منه في هذه القضية ضدّ ذلك فأشبه حال المنافقين لأن حقيقته إظهار شيء وإخفاء غيره، وقال ابن أبي جمرة: وإنما صدر ذلك منهم لأجل قوة حال الحمية التي غطت على قلوبهم حين سمعوا ما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يتمالك أحد منهم إلاّ قام في نصرته لأن الحال إذا ورد على القلب ملكه فلا يرى غير ما هو لسبيله، فلما غلبهم حال الحمية لم يراعوا الألفاظ فوقع منهم السباب

والتشاجر لغيبتهم لشدة انزعاجهم في النصرة. (فثار الحيّان الأوس والخزرج) بمثلثة والحيّان بمهملة فتحتية مشددة تثنية حيّ أي نهض بعضهم إلى بعض من الغضب (حتى هموا) زاد في المغازي والتفسير: أن يقتتلوا (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر فنزل فخفضهم حتى سكتوا وسكت) عليه الصلاة والسلام. (وبكيت يومي) بكسر الميم وتخفيف الياء (لا يرقأ) بالهمزة لا يسكن ولا ينقطع (لي دمع أكتحل بنوم) لأن الهم يوجب السهر وسيلان الدمع (فأصبح عندي أبواي) أبو بكر الصديق وأم رومان أي جاءا إلى المكان الذي هي فيه من بيتهما (قد) ولأبوي ذر والوقت: وقد (بكيت ليلتين) بالتثنية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ليلتي بالإفراد (ويومًا) ولأبي الوقت عن الكشميهني ويومي بكسر الميم وتخفيف الياء ونسبتهما إلى نفسها لما وقع لها فيهما. وقال الحافظ ابن حجر في رواية الكشميهني: ليلتين ويومًا أي الليلة التي أخبرتها فيها أم مسطح الخبر واليوم الذي خطب فيه عليه الصلاة والسلام الناس والتي تليه (حتى أظن أن البكاء فالق كبدي. قالت: فبينما هما) أي أبواها (جالسان عندي وأنا أبكي) جملة حالية (إذ استأذنت امرأة من الأنصار) لم تسم (فأذنت لها فجلست تبكي معي) تفجّعًا لما نزل بعائشة وتحزّنًا عليها (فبينا) بغير ميم (نحن كذلك إذ دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي أسامة عن هشام في التفسير فأصبح أبواي عندي فلم يزالا حتى دخل عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد صلّى العصر ثم دخل وقد اكتنفني أبواي عن يميني وشمالي (فجلس) عليه الصلاة والسلام (ولم يجلس عندي من يوم قيل فيّ) بتشديد الياء ولأبي ذر يوم بالتنوين ولأبوي ذر والوقت لي (ما قيل قبلها وقد مكث شهرًاً لا يوحى إليه في شأني) أمري وحالي (شيء) ليعلم المتكلم من غيره ولأبوي ذر والوقت عن الكشميهني بشيء. (قالت) عائشة: (فتشهد) عليه الصلاة والسلام وفي رواية هشام بن عروة فحمد الله وأثنى عليه (ثم قال): (يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا) كناية عمّا رميت به من الإفك (فإن كنت بريئة فسيبرئك الله) بوحي ينزله (وإن كنت ألممت) زاد في رواية أبوي ذر والوقت عن الكشميهني بذنب أي وقع منك على خلاف العادة (فاستنغري الله وتوبي إليه) وفي رواية أبي أويس عند الطبراني: "إنما أنت من بنات آدم إن كنت أخطأت فتوبي" (فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب) أي منه إلى الله (تاب الله عليه) (فلما قضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقالته قلص دمعي) بفتح القاف واللام آخره صاد مهملة أي انقطع لأن الحزن والغضب إذا أخذا حدّهما فقد الدمع لفرط حرارة المصيبة (حتى ما أحس) بضم الهمزة وكسر المهملة أي ما أجد (منه قطرة وقلت لأبي: أجب عني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فقلت لأمي: أجيبي عنّي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما قال. قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قالت) عائشة (وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا في القرآن فقلت: إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدّث به الناس ووقر في أنفسكم وصدقتم به ولئن قلت لكم إنّي بريئة والله يعلم إنّي بريئة) بكسر إني (لا تصدقوني) ولأبي ذر لا تصدقونني (بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقني) بضم القاف وإدغام إحدى النونين في الأخرى (والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف) يعقوب عليهما السلام (إذ) أي حين (قال: {فصبر جميل}) أي فأمري صبر جميل لا جزع فيه على هذا الأمر وفي مرسل حبان بن أبي جبلة قال سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن قوله فصبر جميل فقال صبر لا شكوى فيه أي إلى الخلق قال صاحب المصابيح إنه رأى في بعض النسخ صبر بغير فاء مصححًا عليه كرواية ابن إسحاق في سيرته ({والله المستعان على ما تصفون}) [يوسف: 18] أي على ما تذكرون عني مما يعلم الله براءتي منه. (ثم تحوّلت على فراشي) زاد ابن جرير في روايته ووليت

وجهي نحو الجدار (وأنا أرجو أن يبرئني الله، ولكن) بتخفيف النون (والله ما ظننت أن ينزل) الله بضم أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه وحذف الفاعل للعلم به (في شأني وحيًا) زاد في رواية يونس يتلى (ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري) بضم ياء يتكلم. وعند ابن إسحاق يقرأ في المساجد ويصلّى به، (ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في النوم رؤيا يبرئني الله) بها، ولأبوي ذر والوقت: تبرئني بالمثناة الفوقية وحذف الفاعل (فوالله ما رام) أي ما فارق -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت) أي الذين كانوا إذ ذاك حضورًا (حتى أنزل عليه) زاده الله شرفًا لديه، ولأبي ذر عن الكشميهني حتى أنزل عليه الوحي (فأخده) عليه الصلاة والسلام (ما كان يأخذ من البرحاء) بضم الموحدة وفتح الراء ثم مهملة ممدودًا العرق من شدة ثقل الوحي (حتى أنه ليتحدر) بتشديد الدال واللام للتأكيد أي ينزل ويقطر (منه مثل الجمان) بكسر الميم وسكون المثلثة مرفوعًا والجمان بضم الجيم وتخفيف الميم أي مثل اللؤلؤ (من العرق في يوم شاتٍ، فلما سري) بضم المهملة وتشديد الراء المكسورة أي كشف (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يضحك) سرورًا (فكان أول كلمة تكلم بها) بنصب أول (أن قال لي): (يا عائشة احمدي الله) وعند الترمذي البشرى يا عائشة احمدي الله (فقد برأك الله) أي مما نسبه أهل الإفك إليك بما أنزل من القرآن: (فقالت) ولأبي ذر: قالت (لي أمي قومي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأجل ما بشّرك به (فقلت: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله) الذي أنزل براءتي وأنعم عليّ بما لم أكن أتوقعه من أن يتكلم الله فيّ بقرآن يُتلى وقالت ذلك إدلالاً عليهم وعتبًا لكونهم شكّوا في حالها مع علمهم بحسن طرائقها وجميل أحوالها وارتفاعها عما نسب إليها مما لا حجة فيه ولا شبهة، (فأنزل الله تعالى {إن الذين جاءوا بالأفك}) بأبلغ ما يكون من الكذب ({عصبة منكم}) [النور: 11] جماعة من العشرة إلى الأربعين، والمراد عبد الله بن أبي وزيد بن رفاعة، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم (الأيات) في براءتها وتعظيم شأنها وتهويل الوعيد لمن تكلم فيها والثناء على من ظن فيها خيرًا. (فلما أنزل الله) عز وجل (هذا في براءتي) وطابت النفوس المؤمنة وتاب إلى الله تعالى من كان تكلم من المؤمنين في ذلك وأقيم الحدّ على من أقيم عليه (قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، وكان ينفق على مسطح بن أثاثة) بكسر الميم وسكون المهملة وأثاثة بضم الهمزة ومثلثتين بينهما ألف (لقرابته) أي لأجل قرابته (منه) وكان ابن خالة الصديق وكان مسكينًا لا مال له: (والله لا أنفق على مسطح شيئًا) ولأبي ذر عن الكشميهني: بشيء (أبدًا بعد ما قال لعائشة) أي عنها من الإفك (فأنزل الله تعالى) يعطف الصديق عليه: ({ولا يأتل}) أي لا يحلف ({أولو الفضل منكم}) أي من الطول والإحسان والصدقة ({والسعة}) في المال (إلى قوله: {غفور رحيم}) [النور: 22] ولأبوي ذر والوقت {والسعة أن يؤتوا} إلى قوله: {غفور رحيم} أي فإن الجزاء من جنس العمل فكما تغفر لك وكما تصفح يصفح عنك. (فقال أبو بكر الصديق) عند ذلك: (بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع) بتخفيف الجيم (إلى مسطح الذي كان يُجري عليه) من النفقة، ويجري بضم أوله. (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسأل) ولأبي ذر وأبي الوقت سأل بلفظ الماضي (زينب بنت جحش) أم المؤمنين (عن أمري فقال): (يا زينب ما علمت) على عائشة (ما رأيت) منها؟ (فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي) من أن أقول سمعت ولم أسمع (وبصري) من أن أقول أبصرت ولم أبصر (والله ما علمت عليها إلاّ خيرًا. قالت) أي عائشة (وهي) أي زينب (التي كانت تساميني) بضم التاء بالسين المهملة أي تضاهيني وتفاخرني بجمالها ومكانتها عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مفاعلة من السموّ وهو الارتفاع (فعصمها الله) أي

16 - باب إذا زكى رجل رجلا كفاه

حفظها الله ومنعها (بالورع) أي بالمحافظة على دينها أن تقول بقول أهل الإفك. (قال) أبو الربيع سليمان بن داود شيخ المؤلّف: (وحدّثنا فليح) هو ابن سليمان المذكور (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن) أبيه (عروة عن عائشة) -رضي الله عنها- (وعبد الله بن الزبير مثله) أي مثل حديث فليح عن الزهري عن عروة. (نال) أي أبو الربيع أيضًا (وحدّثنا فليح) المذكور (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) شيخ مالك الإمام (ويحيى بن سعيد) الأنصاري (عن القاسم بن محمد بن أبي بكر) الصديق (مثله): والحاصل أن فليحًا روى الحديث عن هؤلاء الأربعة. (لطيفة). قال الصلاح الصفدي: رأيت بخط ابن خلكان أن مسلمًا ناظر نصرانيًّا فقال له النصراني في خلال كلامه محتقنًا في خطابه بقبيح آثامه: يا مسلم كيف كان وجه زوجة نبيّكم عائشة في تخلّفها عن الركب عند نبيّكم معتذرة بضياع عقدها؟ فقال له المسلم: يا نصراني كان وجهها كوجه بنت عمران لما أتت بعيسى تحمله من غير زوج فمهما اعتقدت في دينك من براءة مريم أعتقدنا مثله في ديننا من براءة زوج نبيّنا، فانقطع النصراني ولم يحِرْ جوابًا. وقد أخرج المؤلّف الحديث في المغازي والتفسير والأيمان والنذور والجهاد والتوحيد والشهادات أيضًا ومسلم في التوبة والنسائي في عشرة النساء والتفسير وبقية ما فيه من المباحث والفوائد تأتي إن شاء الله تعالى والله الموفق والمعين. 16 - باب إِذَا زَكَّى رَجُلٌ رَجُلاً كَفَاهُ وَقَالَ أَبُو جَمِيلَةَ: وَجَدْتُ مَنْبُوذًا فَلَمَّا رَآنِي عُمَرُ قَالَ: عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسًا، كَأَنَّهُ يَتَّهِمُنِي. قَالَ عَرِيفِي: إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ. قَالَ: كَذَاكَ، اذْهَبْ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ. هذا (باب) بالتنوين (إذا زكّى رجل) واحد (رجلاً كفاه) فلا يحتاج إلى آخر معه والذي ذهب إليه الشافعية والمالكية وهو قول محمد بن الحسن اشتراط اثنين. (وقال أبو جميلة) بفتح الجيم وكسر الميم واسمه سنين بضم السين المهملة وفتح النون الأولى مصغرًا فيما رواه البخاري (وجدت منبوذًا) بالذال المعجمة أي لقيطًا ولم يسم (فلما رآني عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (قال: عسى الغوير) بضم الغين المعجمة تصغير غار (أبؤسًا) بفتح الهمزة وسكون الموحدة بعدها همزة مضمومة فسين مهملة جمع بؤس وانتصب على أنه خبر ليكون محذوفة أي: عسى الغوير أن يكون أبؤسًا وهو مثل مشهور يقال فيما ظاهره السلامة ويخشى منه العطب، وأصله كما قال الأصمعي: أن ناسًا دخلوا يبيتون في غار فانهار عليهم فقتلهم، وقيل أول من تكلم به الزبّاء بفتح الزاي وتشديد الموحدة ممدودًا لما عدل قصير بالأحمال عن الطريق المألوفة وأخذ على الغوير أبؤسًا أي عساه أن يأتي بالبأس والشر، وأراد عمر بالمثل لعلك زنيت بأمه وادّعيته لقيطًا قاله ابن الأثير، وقد سقط قوله قال عسى الغوير أبؤسًا لغير الأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني (كأنه يتهمني) أي كان عمر يتّهم أبا جميلة. قال ابن بطال: أن يكون ولده أتى به ليفرض له في بيت المال (قال عريفي): القيّم بأمور القبيلة والجماعة من الناس يلي أمورهم ويعرّف الأمير أحوالهم واسمه سنان فيما ذكره الشيخ أبو حامد الإسفرايني في تعليقه (أنه رجل صالح قال) عمر لعريفه (كذاك) هو صالح مثل ما تقول؟ قال: نعم. فقال: (اذهب) به زاد مالك فهو حر ولك ولاؤه أي تربيته وحضانته (وعلينا نفقته) أي في بيت المال بدليل رواية البيهقي ونفقته في بيت المال. وهذا موضع الترجمة فإن عمر اكتفى بقول العريف على ما يفهمه قوله كذاك، ولذا قال: اذهب وعلينا نفقته. 2662 - حَدَّثَنَي مُحَمَّدُ ابْنُ سَلاَمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: وَيْلَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنَقَ صَاحِبِكَ (مِرَارًا). ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ فُلاَنًا. وَاللَّهُ حَسِيبُهُ. وَلاَ أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا. أَحْسِبُهُ كَذَا وَكَذَا. إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ". [الحديث 2662 - طرفاه في: 6061، 6162]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: حدّثني بالإفراد (ابن سلام) بتخفيف اللام ولأبي ذر محمد بن سلام قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي البصري قال: (حدّثنا خالد الحذاء) بالمهملة والمعجمة ممدودًا ابن مهران البصري (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه) أبي بكرة نفيع بن الحرث الثقفي أنه (قال: أثنى رجل على رجل) لم يسميا ويحتمل كما قال في المقدمة والفتح أن يسمى المثني بمحجن ابن الأذرع والمثنى عليه بعبد الله ذي البجادين كما سيأتي في الأدب إن شاء الله تعالى (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (ويلك) نصب بعامل مقدّر من غير لفظه (قطعت عنق صاحبك قطعت عنق صاحبك) مرتين وهو

17 - باب ما يكره من الإطناب في المدح، وليقل ما يعلم

استعارة من قطع العنق الذي هو القتل لاشتراكهما في الهلاك قالها (مرارًا ثم قال) عليه الصلاة والسلام (من كان منكم مادحًا أخاه لا محالة) بفتح الميم لا بدّ (فليقل أحسب) بكسر عين الفعل وفتحه أي أظن (فلانًا والله حسبه) أي كافيه فعيل بمعنى فاعل (ولا أزكّي على الله أحدًا) أي لا أقطع له على عاقبته ولا على ما في ضميره لأن ذلك مغيب عنّا (أحسبه) أي أظنه (كذا وكذا إن كان يعلم ذلك) أي يظنه (منه) فلا يقطع بتزكيته لأنه لا يطلع على باطنه إلاّ الله تعالى. ووجه المطابقة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتبر تزكي الرجل إذا اقتصد لأنه لم يعب عليه إلاّ الإسراف والتغالي في المدح. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأدب، ومسلم في آخر الكتاب، وأبو داود وابن ماجه في الأدب. 17 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الإِطْنَابِ فِي الْمَدْحِ، وَلْيَقُلْ مَا يَعْلَمُ (باب ما يكره من الإطناب) بكسر الهمزة أي المبالغة (في المدح وليقل) أي المادح في الممدوح (ما يعلم) ولا يتجاوزه. 2663 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: "سَمِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي مَدْحِهِ فَقَالَ: أَهْلَكْتُمْ -أَوْ قَطَعْتُمْ- ظَهْرَ الرَّجُلِ". [الحديث 2663 - طرفه في: 6060]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن الصباح) بالصاد والحاء المهملتين بينهما موحدة مشددة فألف البزار أبو جعفر البغدادي الثقة الحافظ قال: (حدّثنا إسماعيل بن زكريا) بن مرّة الخلقاني بضم الخاء المعجمة وسكون اللام بعدها قاف الكوفي الملقب بشقوصا بفتح الشين المعجمة وضم القاف المخففة وبالصاد المهملة قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء مصغرًا (عن) جدّه (أبي بردة) الحرث أو عامر أو اسمه كنيته (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس (رضي الله عنه) أنه (قال: سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً يثني على رجل) لم يسميا أو هما محجن وذو البجادين السابقان في الباب السابق (ويطريه) بضم أوله من الإطراء أي يبالغ (في مدحه) ولأبوي ذر والوقت في المدح (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أهلكتم أو) قال (قطعتم ظهر الرجل) خاف عليه العجب والشك من الراوي، ولم يأتِ المؤلّف بما يدل لجزء الترجمة الأخير، ويحتمل أن يقال: إن الذي يطنب لا بدّ أن يقول ما لا يعلم أو أن حديثي أبي بكرة وأبي موسى متّحدان، وقد قال في حديث أبي بكرة: إن كان يعلم ذلك منه ولا كراهة في مدح الرجل الرجل في وجهه إنما المكروه الإطناب. 18 - باب بُلُوغِ الصِّبْيَانِ وَشَهَادَتِهِمْ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا}. [النور: 59]. وَقَالَ مُغِيرَة: احْتَلَمْتُ وَأَنَا ابْنُ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ سَنَةً. وَبُلُوغُ النِّسَاءِ فِي الْحَيْضِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَاءِكُم -إِلَى قَوْلِهِ- أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: أَدْرَكْتُ جَارَةً لَنَا جَدَّةً بِنْتَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَة. (باب) حدّ (بلوغ الصبيان و) حكم (شهادتهم) هل هي معتبرة أم لا؟ (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على المجرور السابق ولأبي ذر: عز وجل بدل قوله تعالى. ({وإذا بلغ الأطفال}) الذين إنما كانوا يستأذنون في العورات الثلاث ({منكم الحلم فليستأذنوا}) [النور: 59] على كل حال يعني بالنسبة إلى أجانبهم وإلى الأحوال التي يكون الرجل مع أهله وإن لم يكن في الأحوال الثلاث قال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير إذا كان الغلام رباعيًّا فإنه يستأذن في العورات الثلاث على أبويه فإذا بلغ الحلم فليستأذن على كل حال. (وقال مغيرة) بن مقسم الضبي الفقيه الأعمى الكوفي: (احتلمت وأنا ابن اثنتي عشرة سنة) وقد قالوا إن عمرو بن العاص لم يكن بينه وبين ابنه عبد الله في السن سوى اثنتي عشرة سنة. (وبلوغ النساء) بجر بلوغ عطفًا على قوله بلوغ الصبيان فهو من الترجمة والذي في الفرع مبتدأ وخبره قوله (في الحيض) ولأبوي ذر والوقت: إلى الحيض (لقوله عز وجل: {واللائي يئسن من المحيض} [الطلاق: 4] إلى قوله) ولأبوي ذر والوقت {من نسائكم} إلى قوله: {أن يضعن حملهم} [الطلاق: 4] فعلق الحكم في العدة بالإقراء على حصول الحيض وأما قبله وبعده فبالأشهر فدلّ على أن وجود الحيض ينقل الحكم وقد أجمعوا على أن الحيض بلوغ في حق النساء قاله في الفتح. (وقال الحسن بن صالح) الهمداني الكوفي العابد مما وصله الدينوري في المجالسة من طريق يحيى بن آدم عنه (أدركت جارة لنا جدّة) نصب بدلاً من جارة (بنت إحدى وعشرين) زاد أبو ذر في روايته عن الكشميهني سنة وبنت نصب صفة لجدة وزاد في المجالسة وأقل أوقات الحمل تسع سنين انتهى. وقال الشافعي: أعجل ما سمعت من النساء يحضن نساء تهامة يحضن لتسع سنين، وقال

أيضًا إنه رأى جدّة بنت إحدى وعشرين سنة وأنها حاضت لاستكمال تسع سنين ووضعت بنتًا لاستكمال عشر ووقع لبنتها مثل ذلك. 2664 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-:" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي، ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي" قَالَ نَافِعٌ: فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهْوَ خَلِيفَةٌ فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَحَدٌّ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ. [الحديث 2664 - طرفه في: 4097]. وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن سعيد) بكسر العين أبو قدامة السرخسي وجزم البيهقي في الخلافيات بأنه عبيد بن إسماعيل بالتصغير أيضًا من غير إضافة وهو الهباري القرشي الكوفي أحد مشايخ البخاري قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (قال: حدّثني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع) مول ابن عمر (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن عمر) عبد الله (-رضي الله عنهما-) (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عرضه يوم أُحُد) في شوّال سنة ثلاث (وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني) بضم أوله من الإجازة. وقال الكرماني: فلم يثبتني في ديوان المقاتلين ولم يقدر لي رزقًا مثل أرزاق الأجناد وكان مقتضى السياق أن يقول عرضه فلم يجزه بدل قوله فلم يجزني وأن يقول ثم عرضه بدل قوله عرضني كالأولى، لكنه على طريق الالتفات أو التجريد وقد وقع في رواية يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر في المغازي فلم يجزه، ولمسلم عن ابن نمير عن أبيه عن عبد الله عرضني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أُحُد في القتال فلم يجزني، وله أيضًا من رواية إدريس وغيره عن عبد الله فاستصغرني (ثم عرضني يوم الخندق) سنة خمس، وجنح المؤلّف إلى قول موسى بن عقبة أن الخندق في شوّال سنة أربع، والمرجح قول ابن إسحاق وأكثر أهل السير: إن الخندق سنة خمس كما سيأتي إن شاء الله تعالى (وأنا ابن خمس عشرة) زاد أبو الوقت وأبو ذر عن الحموي: سنة، واستشكل هذا على قول ابن إسحاق إذ مقتضاه أن يكون سنّ ابن عمر في الخندق ست عشرة سنة. وأجاب البيهقي: بأنه كان في أُحُد دخل في أربع عشرة سنة وفي الخندق تجاوزها فألغى الكسر في الأولى وجبره في الثانية (فأجازني) استدلّ بذلك على أن من استكمل خمس عشرة سنة قمرية تحديدية ابتداؤها من انفصال جميع الولد يكون بالغًا بالسن فتجري عليه أحكام البالغين وإن لم يحتلم فيكلف بالعبادات وإقامة الحدود ويستحق سهم الغنيمة وغير ذلك من الأحكام، وقال المالكية: ببلوغه ثمان عشرة وبه قال أبو حنيفة لقوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده} [الأنعام: 152] فسره ابن عباس بثمان عشرة سنة والجارية سبع عشرة لأن نشوء الإناث وبلوغهن أسرع فنقص عن ذلك سنة. وقال أبو يوسف ومحمد: بخمس عشر في الغلام والجارية وهي رواية عن أبي حنيفة. قال ابن فرشتاه: وعليه الفتوى لأن العادة جارية على أن البلوغ لا يتأخر عن هذه المدة. وأجاب بعض المالكية عن قصة ابن عمر بأنها واقعة عين لا عموم لها، فيحتمل أن يكون صادف أنه كان عند ذلك السنّ قد احتلم فأجازه، وقال آخر: الإجازة المذكورة حكم منوط بإطاقة القتال والقدرة عليه فإجازته عليه الصلاة والسلام ابن عمر في الخمس عشرة لأنه رآه مطيقًا للقتال في هذا السن ولما عرضه وهو ابن أربع عشرة لم يره مطيقًا للقتال فرده قال: فليس فيه دليل على أنه رأى عدم البلوغ في الأول ورآه في الثاني انتهى. وهذا مردود بما أخرجه أبو عوانة وابن حبّان في صحيحيهما وعبد الرزاق من وجه آخر من ابن جريج أخبرني نافع بلفظ: عرضت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أُحُد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ولم يرني بلغت, وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني ورآني بلغت. قال الحافظ ابن حجر: وهذه زيادة صحيحة لا مطعن فيها لجلالة ابن جريج وتقدمه على غيره في حديث نافع، وقد صرّح بالتحديث فانتفى ما يخشى من تدليسه وقد نص ابن عمر بقوله ولم يرني بلغت وابن عمر أعلم بما روى من غيره لا سيما في قصة تتعلق به. (قال نافع) مولى ابن عمر بالإسناد السابق: (فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو خليفة فحدّثته هذا الحديث) الذي حدّثه به ابن عمر (فقال: إن هذ) السن وهو خمس عشرة سنة (لحدّ بين

19 - باب سؤال الحاكم المدعي: هل لك بينة؟ قبل اليمين

الصغير والكبير، وكتب إلى عماله أن يفرضوا) أي يقدّروا (لمن بلغ خمس عشرة) سنة رزقًا في ديوان الجند. وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة في الحدود. 2665 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (صفوان بن سليم) بضم السين المهملة وفتح اللام المدني الزهري مولاهم (عن عطاء بن يسار) بالمثناة التحتية والمهملة المخففة أبي محمد الهلالي المدني مولى ميمونة (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- يبلغ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (غسل يوم الجمعة) لصلاتها (واجب) أي كالواجب (على كل محتلم) أي بالغ وفيه الإشارة إلى أن البلوغ يحصل بالإنزال فيستفاد مقصود الترجمة بالقياس على سائر الأحكام من جهة تعلق الوجوب بالاحتلام. وقد تقدم هذا الحديث مع شرحه في كتاب الجمعة. 19 - باب سُؤَالِ الْحَاكِمِ الْمُدَّعِيَ: هَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ؟ قَبْلَ الْيَمِينِ (باب سؤال الحاكم المدّعي) بكسر العين وسكون التحتية وفي اليونينية بفتحها (هل لك بينة) تشهد بما تدّعي (قبل) عرض (اليمين) على المدّعى عليه والمدّعي هو من يخالف قوله الظاهر والمدّعى عليه من يوافقه، ولذلك جعلت البيّنة على المدّعي لأنها أقوى من اليمين التي جعلت على المنكر لينجبر ضعف جانب المدّعي بقوة حجته وضعف حجة المنكر بقوّة جانبه، وقيل: المدّعي من لو سكت خلي ولم يطالب بشيء والمدّعى عليه من لا يخلى ولا يكفيه السكوت فإذا طالب زيد عمرًا بحق فأنكر فزيد يخالف قوله الظاهر من براءة عمرو، ولو سكت ترك وعمرو يوافق قوله الظاهر ولو سكت لم يترك فهو مدّعى عليه وزيد مدّعٍ على القولين ولا يختلف موجبهما غالبًا، وقد يختلف مثل أن يقول الزوج وقد أسلم هو وزوجته قبل الوطء أسلمنا معًا فالنكاح باقٍ وقالت بل أسلمنا مرتبًا فالنكاح مرتفع، فالزوج على الأصح مدّعٍ لأن وقوع الإسلامين معًا خلاف الظاهر وهي مدّعى عليها، وعلى الثاني هي مدّعية لأنها لو سكتت تركت وهو مدّعى عليه لأنه لا يترك لو سكت لزعمها انفساخ النكاح، فعلى الأول تحلف الزوجة ويرتفع النكاح، وعلى الثاني يحلف الزوج ويستمر النكاح ولو قال لها: أسلمت قبلي فلا نكاح بيننا ولا مهر لك. وقالت: بل أسلمنا معًا صدق في الفرقة بلا يمين وفي المهر بيمينه على الأصح لأن الظاهر معه وصدقت بيمينها على الثاني لأنها لا تترك بالسكوت لأن الزوج يزعم سقوط المهر، فإذا سكتت ولا بيّنة جعلت ناكلة وحلف هو سقط المهر والأمين في دعوى الرد مدّعٍ لأنه يزعم الردّ الذي هو خلاف الظاهر لكنه يصدق بيمينه لأنه أثبت يده لغرض المالك وقد ائتمنه فلا يحسن تكليفه ببيّنة الردّ، وأما على القول الثاني فهو مدّعى عليه لأن المالك هو الذي لو سكت ترك وفي التحالف كلٌّ من الخصمين مدَّعٍ ومدّعى عليه لاستوائهما. 2666، 2667 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ -وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ- لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. قَالَ: فَقَالَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: فِيَّ وَاللَّهِ كَانَ ذَلِكَ، كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ أَرْضٌ فَجَحَدَنِي فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: احْلِفْ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذًا يَحْلِفَ وَيَذْهَبَ بِمَالِي. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} [آل عمران: 77] إِلَى آخِرِ الآيَةِ". وبه قال: (حدّثنا محمد) قال في مقدمة الفتح: جزم ابن السكن بأنه محمد بن سلام ونسبه الأصيلي في بعضها كذلك، وقد صرّح البخاري بالرواية عن محمد بن سلام بن أبي معاوية في النكاح وغيره قال: (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم بمعجمتين الضرير الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن شقيق) أبي وائل (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من حلف على) محلوف (يمين) سماه يمينًا مجازًا للملابسة بينهما، والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه وإلاّ فهو قبل اليمين ليس محلوفًا عليه فيكون من مجاز الاستعارة (وهو فيها فاجر) كاذب والواو للحال (ليقتطع بها) باليمين (مال امرئ مسلم) أو ذمي أو معاهد بأن يأخذه بغير حق بل بمجرّد يمينه المحكوم بها في ظاهر الشرع والتقييد بالمسلم جرى على الغالب. وفي مسلم من حديث إياس بن ثعلبة الحارثي: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار". قالوا: وإن كان شيئًا يسيرًا؟ قال: "وإن كان قضيبًا من أراك" ففيه أنه لا فرق بين المال وغيره (لقي الله وهو عليه غضبان) اسم فاعل من غضب يقال رجل غضبان وامرأة غضبى والغضب من المخلوقين شيء يداخل قلوبهم، وأما غضب الخالق تعالى فهو

20 - باب اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود

إنكاره على من عصاه وسخطه عليه ومعاقبته له قاله في النهاية. والحاصل: أن الصفات التي لا يليق وصفه تعالى بها على الحقيقة تؤوّل بما يليق به تعالى فتحمل على آثارها ولوازمها كحمل الغضب على العذاب، والرحمة على الإحسان فيكون ذلك من صفات الأفعال أو يحمل عن أن المراد بالغضب مثلاً إرادة الانتقام وبالرحمة إرادة الإنعام والإفضال فيكون من صفات الذات. (قال) أي ابن مسعود (فقال الأشعث بن قيس) الكندي (فيّ والله كان ذلك. كان بيني) ولأبوي الوقت وذر عن الحموي والكشميهني: كان ذلك بيني (وبين رجل من اليهود) اسمه الجفشيش بجيم مفتوحة ففاء ساكنة فشينين معجمتين بينهما تحتية ساكنة وسقط لأبي ذر: من اليهود (أرض) زاد مسلم باليمين (فجحد لي فقدمته إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (ألك بينة) تشهد لك باستحقاقك ما ادّعيته (قال) الأشعث: (قلت لا) بيّنة لي (قال فقال) عليه الصلاة والسلام (لليهودي) (احلف) ولأبي ذر عن المستملي قال احلف (قال) الأشعث (قلت يا رسول الله إذًا يحلف) بالنصب بإذا (ويذهب بمالي) بنصب يذهب عطفًا على سابقه وفي الفرع كأصله يحلف ويذهب برفعهما أيضًا على لغة من لا ينصب بإذا ولو وجدت شرائط عملها التي هي التصدّر والاستقبال وعدم الفصل كما حكاه سيبويه. (قال فأنزل الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل ({إن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنًا قليلاًْ}) [آل عمران: 77] (إلى آخر الأية) من سورة آل عمران. فإن قلت: كيف يطابق نزول هذه الآية قوله إذًا يحلف ويذهب بمالي؟ أجيب: باحتمال كأنه قيل للأشعث ليس لك عليه إلا الحلف فإن كذب فعليه وباله وفيه دليل على أن الكافر يحلف في الخصومات كما يحلف المسلم. وهذا الحديث سبق في الخصومات. 20 - باب الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الأَمْوَالِ وَالْحُدُودِ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ كَلَّمَنِي أَبُو الزِّنَادِ فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي، فَقُلْتُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282]. قُلْتُ: إِذَا كَانَ يُكْتَفَى بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي فَمَا تَحْتَاجُ أَنْ تُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى، مَا كَانَ يَصْنَعُ بِذِكْرِ هَذِهِ الأُخْرَى؟. هذا (باب) بالتنوين (اليمين على المدّعي عليه) دون المدّعي (في الأموال والحدود). وقال الكوفيون: تختص اليمين بالمدّعى عليه في الأموال دون الحدود. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله قريبًا (شاهداك أو يمينه) برفع شاهداك خبر مبتدأ محذوف أي المثبت لدعواك أو الحجة لك شاهداك أو مبتدأ خبره محذوف أي شاهداك هما المطلوبان في دعواك أو شاهداك هما المثبتان لدعواك ويمينه عطف عليه. (قال قتيبة) أي ابن سعيد، وفي بعض النسخ كما نقل عن الشيخ قطب الدين الحلبي حدّثنا قتيبة قال: (حدّثنا سفيان) هو ابن عيينة (عن ابن شبرمة) بضم المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة هو عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسان الضبي قاضي الكوفة المتوفى سنة أربع وأربعين ومائة أنه قال: (كلمني أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان قاضي المدينة (في) القول بجواز (شهادة الشاهد ويمين المدّعي) وكان مذهب أبي الزناد القضاء بذلك كأهل بلده لأنه عليه الصلاة والسلام قضى بشاهد ويمين. رواه مسلم من حديث ابن عباس، وأصحاب السنن من حديث أبي هريرة، والترمذي وابن ماجه وصحّحه ابن خزيمة وأبو عوانة من حديث جابر ومذهب ابن شبرمة خلافه كأهل بلده فلا يعمل بالشاهد واليمين وهو مذهب الحنفية. قال ابن شبرمة: (فقلت) أي لأبي الزناد محتجًّا عليه (قال الله تعالى: {واستشهدوا}) على حقكم ({شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء}) العدول ({إن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}) [البقرة: 282] الشهادة. قال ابن شبرمة (قلت: إذا كان يكتفى) بضم أوله وفتح الفاء (بشهادة شاهد ويمين المدّعي) وجواب الشرط (فما يحتاح أن تذكر إحداهما الأخرى) وما نافية في قوله: فما يحتاج واستفهامية في قوله (ما كان يصنع بذكر) بموحدة ومعجمة مكسورتين وسكون الكاف وفي نسخة تذكر بفوقية ومعجمة مفتوحتين وضم الكاف مشددة (هذه الأخرى) وفي نسخة تذكر بضم الفوقية وسكون المعجمة وكسر الكاف والمعنى إذا جاز أن يكتفى بالشاهد واليمين فلا احتياج إلى تذكير إحداهما الأخرى

إذ اليمين تقوم مقامهما فما فائدة ذكر التذكير في القرآن؟ وأجيب: بأنه لا يلزم من التنصيص على الشيء نفيه عما عداه وغاية ما في ذلك عدم التعرّض له لا التعرّض لعدمه، والحديث قد تضمن زيادة مستقلة على ما في القرآن بحكم مستقل، وقد أجاب إمامنا الشافعي عن الآية كما في المعرفة: بأن اليمين مع الشاهد لا تخالف من ظاهر القرآن شيئًا لأنّا نحكم بشاهدين وشاهد وامرأتين ولا يمين، فإذا كان شاهد حكمنا بشاهدين ويمين بالسُّنّة وليس هذا مما يخالف ظاهر القرآن لم يحرم أن يجوز أقل مما نص عليه في كتابه ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعلم بما أراد الله عز وجل، وقد أمرنا الله تعالى أن نأخذ ما أتانا به وننتهي عما نهانا عنه، ونسأل الله العصمة والتوفيق انتهى. 2668 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: "كَتَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- إليّ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْه". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا نافع بن عمر) بن عبد الله بن جميل الجمحي القرشي المكي المتوفى سنة تسع وستين ومائة (عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة بضم الميم وفتح اللام مصغرًا أنه (قال: كتب ابن عباس -رضي الله عنهما-) أي بعد أن كتبت إليه أسأله عن قصة المرأتين اللتين ادّعت إحداهما على الأخرى أنها جرحتها كما في تفسير سورة آل عمران وزاد أبو ذر: إليّ (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى باليمين على المدّعي عليه). وعند البيهقي من طريق عبد الله بن إدريس عن ابن جريج وعثمان بن الأسود عن ابن أبي مليكة بلفظ: كنت قاضيًا لابن الزبير على الطائف وذكر قصة المرأتين فكتبت إلى ابن عباس فكتب إليّ: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لو يعطى الناس بدعواهم لادّعى رجال أموال قوم ودماءهم ولكن البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر" وإسناده حسن وإنما كانت البيّنة على المدّعي لأن حجته قوية لانتفاء التهمة وجانبه ضعيف لأنه خلاف الظاهر فكلّف الحجة القوية وهي البيّنة ليقوى بها ضعفه وعكسه المدّعى عليه فاكتفى بالحجة الضعيفة وهي اليمين. نعم قد تجعل اليمين في جانب المدّعي في مواضع مستثناة كأيمان القسامة لحديث الصحيحين المخصص لحديث الباب وفي البيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر إلا في القسامة ودعوى بالقيمة في المتلفات". وفي هذا الحديث دلالة لمذهب الشافعي والجمهور أن اليمين متوجهة على المدّعى عليه سواء كان بينه وبين المدّعي اختلاط أم لا؟ وقال مالك وأصحابه: إن اليمين لا تتوجه إلا على من بينه وبينه خلطة لئلا يبتذل السفهاء أهل الفضل بتحليفهم مرارًا في اليوم الواحد فاشترطت الخلطة لهذه المفسدة. وهذا الحديث قد سبق في الرهن ويأتي إن شاء الله تعالى في تفسير سورة آل عمران. هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة وهو ساقط عند أبوي ذر والوقت. 2669 , 2670 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالاً لَقِيَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ -إِلَى- عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77]. ثُمَّ إِنَّ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ فَحَدَّثْنَاهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ: صَدَقَ، لَفِيَّ أُنْزِلَتْ، كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي شَىْءٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ إِذن يَحْلِفُ وَلاَ يُبَالِي: فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالاً -وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ- لَقِيَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ. ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي الحافظ قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة أنه (قال: قال عبد الله) هو ابن مسعود: (من حلف على) محلوف (يمين يستحق بها) باليمين (مالاً) لغيره (لقي الله) أي يوم القيامة (وهو عليه غضبان) غير مصروف للصفة وزيادة الألف والنون مع وجود الشرط وهو أن لا يكون المؤنث فيه بتاء التأنيث فلا تقول فيه امرأة غضبانة بل غضبى، والمراد من الغضب لازمه أي فيعذبه أو ينتقم منه (ثم أنزل الله عز وجل تصديق ذلك {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم} إلى {عذاب أليم}) [آل عمران: 77] برفعهما على الحكاية، ولأبوي ذر والوقت: {وأيمانهم ثمنًا قليلاً} إلى {أليم}. (ثم إن الأشعث بن قيس) الكندي (خرج إلينا) من الموضع الذي كان فيه (فقال: ما يحدّثكم أبو عبد الرحمن) بن مسعود؟ (فحدّثاه بما) حدّثنا به (قال، فقال: صدق) ابن مسعود (لفيّ) بلام مفتوحة ففاء مكسورة فتحتية مشددة (أنزلت) بضم الهمزة زاد في الرهن والله أنزلت هذه الآية ولأبي ذر: نزلت بإسقاط الهمزة

21 - باب إذا ادعى أو قذف فله أن يلتمس البينة وينطلق لطلب البينة

وفتح النون والزاي ولأبي الوقت نزلت بضم النون وكسر الزاي مشددة (كان بيني وبين رجل) اسمه معدان بن الأسود بن معد يكرب الكندي ولقبه الجفشيش بجيم مفتوحة ففاء ساكنة فشين معجمتين بينهما تحتية ساكنة (خصومة في شيء) في الرهن في بئر وفي رواية في أرض، وزاد مسلم. أرض باليمن. ولا يمتنع أن تكون المخاصمة في الكل فمرة ذكر الأرض لأن البئر داخلة فيها ومرة ذكر البئر لأنها المقصودة لسقي الأرض (فاختصمنا إلى رسول الله) ولأبوي ذر والوقت إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (شاهداك أو يمينه) قال القاضي عياض: كذا الرواية بالرفع فيهما تقديره عليك شاهداك أو عليه يمينه أو يقدر لك شاهداك أو يمينه أي لك إقامة شاهديك أو طلب يمينه فحذف المضاف من كل من المتعاطفين وأقيم المضاف إليه مقامه. قال الأشعث: (فقلت له) عليه الصلاة والسلام (أنه) أي معدان (إذًا يحلف) بالرفع على لغة من لا ينصب بإذا (ولا يبالي) أي لا يكترث وربما حذفت ألفه فقيل: لم أبل، وزاد مسلم وأصحاب السنن الأربعة في نحو هذه القصة من حديث وائل بن حجر. "ليس لك إلا ذلك". واستدلّ بهذا الحصر على ردّ القضاء بالشاهد واليمين وهو مردود بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى بذلك، وبأن المراد بقوله: "شاهداك" أي بيّنتك سواء كانت رجلين أو رجلاً وامرأتين أو رجلاً ويمين الطالب فالمعنى شاهداك أو ما يقوم مقامهما (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من حلف على يمين) الحلف هو اليمين فخالف بين اللفظين تأكيدًا لعقده وسماه يمينًا مجازًا للملابسة بينهما والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه وإلا فهو قبل اليمين ليس محلوفًا عليه (يستحق بها) باليمين (مالاً) ليس له والجملة صفة ليمين أو حال (وهو فيها) في اليمين (فاجر) كاذب (لقي الله) زاد أبو ذر عز وجل (وهو عليه غضبان) اسم فاعل من غضب يقال رجل غضبان وامرأة غضبى وهو من باب المجازاة أي يعامله معاملة المغضوب عليه فيعذبه والواو في وهو في الموضعين للحال (فأنزل الله تعالى تصديق ذلك ثم اقترأ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هذه الآية) أي السابقة وهي {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم} إلى {عذاب أليم} [آل عمران: 77]. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله "شاهداك أو يمينه". 21 - باب إِذَا ادَّعَى أَوْ قَذَفَ فَلَهُ أَنْ يَلْتَمِسَ الْبَيِّنَةَ وَيَنْطَلِقَ لِطَلَبِ الْبَيِّنَةِ هذا (باب) بالتنوين (إذا ادّعى) رجل بشيء على آخر (أو قذف) رجل رجلاً أو قذف اâرآته بأن رماها بالزنا (فله) للمدعي أو للقاذف (أن يلتمس البيّنة وينطلق) بالنصب عطفًا على أن يلتمس أي يمهل (لطلب البيّنة) ونحوها كالنظر في الحساب ثلاثة أيام فقط وهل هذا الإمهال واجب أو مستحب؟ قال الروياني: وإذا أمهلناه ثلاثًا فأحضر بعدها وطلب الإنظار ليأتي بالشاهد الثاني أمهلناه ثلاثة أخرى. 2671 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ هِشَامٍ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْبَيِّنَةُ، أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلاً يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ؟ فَجَعَلَ يَقُولُ: الْبَيِّنَةَ وَإِلاَّ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ. فَذَكَرَ حَدِيثَ اللِّعَانِ". [الحديث 2671 - طرفاه في: 4747، 5307]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة ابن عثمان العبدي البصري أبو بكر بندار قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) هو مجمخ وازم أبي عخيّ ؤبذاني â ( عن هشام) هو ابن حسان القردوسي البصري أنه قال: (حدّثنا عكرمة) مولى ابن عباس ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عن عكرمة (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن هلال بن أمية) الأنصاري الواقفي (قدف امرأته) قيل اسمها خولة بنت عاصم رواه ابن منده أي رماها بالزنا (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشريك بن سحماء) بفتح السين وسكون الحاء المهملتين اسم أمه وأما أبوه فعبدة بفتح العين المهملة والموحدة ابن معتب بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد الفوقية آخره موحدة كذا ضبطه النووي وضبطه الدارقطنى مغيث بالغين المعجمة وسكون التحتية آخره مثلثة (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (البيّنة) نصب أي أحضر البيّنة ويجوز الرفع أي الواجب عليك البيّنة (أو حدًّا) بالنصب بفعل مقدر والرفع أي الواجب عند عدم البيّنة حدّ (في ظهرك) أي على ظهرك كقوله: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} [طه: 71] (فقال): هلال ولأبي ذر قال: (يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق) حال كونه (يلتمس) يطلب (البيّنة

22 - باب اليمين بعد العصر

فجعل عليه الصلاة والسلام يقول): (البيّنة وإلاّ حدّ) بنصب البيّنة ورفع حدّ أي تحضر البيّنة وإن لم تحضرها فجزاؤك حدّ (في ظهرك) فحذف ناصب البيّنة وفعل الشرط والجزاء الأول من الجملة الجزائية والفاء. قال ابن مالك: وحذف مثل هذا لم يذكر النحاة أنه يجوز إلا في الشعر، لكنه يردّ عليهم وروده في هذا الحديث الصحيح، ولأبوي الوقت وذر: أو حدّ أي تحضر البيّنة أو يقع حدّ في ظهرك. قال في المصابيح: وفي هذا التقدير محافظة على تشاكل الجملتين لفظًا، وفي نسخة البيّنة بالرفع والتقدير: إما البيّنة وإما حدّ في ظهرك. (فذكر) أي ابن عباس (حديث اللعان) الآتي تمامه في تفسير سورة النور مع ما فيه من المباحث إن شاء الله تعالى، والغرض منه هنا تمكين القاذف من إقامة البيّنة على زنا المقذوف لدفع الحدّ عنه ولا يرد عليه إن الحديث ورد في الزوجين والزوج له مخرج عن الحدّ باللعان إن عجز عن البيّنة بخلاف الأجنبي لأنّا نقول: إنما كانت ذلك قبل نزول آية اللعان حيث كان الزوج والأجنبي سواء، وإذا ثبت ذلك للقاذف ثبت لكل مُدّعٍ من باب أولى قاله في الفتح، ومن قبله الزركشي في تنقيحه. وقال في المصابيح: إنه كلام ابن المنير بعينه. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في التفسير والطلاق. 22 - باب الْيَمِينِ بَعْدَ الْعَصْرِ (باب اليمين بعد العصر) أي بيان ما جاء في فعلها بعد العصر. 2672 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِطَرِيقٍ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ. وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلاً لاَ يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِلدُّنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى وَإِلاَّ لَمْ يَفِ لَهُ. وَرَجُلٌ سَاوَمَ رَجُلاً بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَأَخَذَهَا". وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا جرير بن عبد الحميد) بن قرط بضم القاف وسكون الراء وبالطاء المهملة الضبي الكوفي نزيل الريّ وقاضيها (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ثلاثة) من الناس (لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم) فإن من سخط على غيره أعرض عنه زاد في المساقاة يوم القيامة (ولا يزكيهم) ولا يطهرهم (ولهم عذاب أليم) مؤلم على ما فعلوه (رجل على فضل ماء) فضل عن كفايته (بطريق يمنع منه) أي من الفاضل من الماء (ابن السبيل) المسافر، (ورجل بايع رجلاً) وفي المساقاة بايع إمامًا والمراد الإمام الأعظم (لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه ما يريد وفى له) بتخفيف الفاء ويقال وفى بعهده وفاء بالمد وأما بالتشديد فيستعمل في توفية الحق وإعطائه (وإلا) بأن لم يعطه ما يريد (لم يفِ له) بما عاقده عليه (ورجل ساوم رجلاً بسلعة) جار ومجرور، ولأبوي ذر والوقت: سلعة: بالنصب على المفعولية (بعد العصر فحلف بالله لقد أعطى) بفتح الهمزة بائعها الذي اشتراها منه، ولأبي ذر أُعطي بضم الهمزة أي أعطاه من يريد شراءها (بها) أي بسببها ولغير الكشميهني به أي بالمتاع الذي يدل عليه السلعة (كذا وكذا) ثمنًا عنها (فأخذها) أي السلعة الرجل الثاني بالثمن الذي حلف عليه المالك اعتمادًا على حلفه وتخصيص هذا الوقت بتعظيم الإثم على من حلف فيه كاذبًا. قال المهلب: لشهود ملائكة الليل والنهار ذلك الوقت: قال في الفتح: وفيه نظر لأن بعد صلاة الصبح مشاركة له في شهود الملائكة ولم يأتِ فيه ما أتي في وقت العصر ويمكن أن يكون اختصّ بذلك لكونه وقت ارتفاع الأعمال. وهذا الحديث قد سبق في باب: إثم من منع ابن السبيل من الماء. 23 - باب يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَلاَ يُصْرَفُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى غَيْرِهِ قَضَى مَرْوَانُ بِالْيَمِينِ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: أَحْلِفُ لَهُ مَكَانِي، فَجَعَلَ زَيْدٌ يَحْلِفُ، وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَجَعَلَ مَرْوَانُ يَعْجَبُ مِنْهُ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» وَلَمْ يَخُصَّ مَكَانًا دُونَ مَكَانٍ. هذا (باب) بالتنوين (يحلف المدعى عليه حيثما وجبت عليه اليمين ولا يصرف من موضع الى غيره) للتغليظ وجوبًا، وهذا قول الحنفية فلا يغلظ عندهم بمكان كالتحليف في المسجد ولا بزمان كالتحليف في يوم الجمعة قالوا لأن ذلك زيادة على النص. وقال الحنابلة واللفظ للمرداوي في تنقيحه: ولا تغلظ إلا فيما له خطر كجناية وطلاق إن قلنا يحلف فيهما. وقال الشافعية: تغلظ ندبًا ولو لم يطلب الخصم تغليظها لا بتكرير الأيمان لاختصاصه باللعان والقسامة ووجوبه فيهما ولا بالجمع لاختصاصه باللعان بل بتعديد أسماء الله تعالى وصفاته وبالزمان والمكان سواء كان المحلوف عليه مالاً أم غيره كالقود والعتق والحدّ والولاء والوكالة والوصاية والولادة، لكن استثنى

24 - باب إذا تسارع قوم في اليمين

من المال أقل من عشرين دينارًا أو مائتي درهم فلا تغليظ في ذلك إلا أن يراه القاضي لجراءة في الحالف فله ذلك بناء على الأصح أن التغليظ لا يتوقف على طلب الخصم. (قضى مروان) بن الحكم الأموي وكان وإلي المدينة من جهة معاوية بن أبي سفيان فيما وصله في الموطأ (باليمين على زيد بن ثابت على المنبر) لما اختصم هو وعبد الله بن مطيع إليه في دار (فقال) أي زيد: (أحلف له مكاني) زاد في الموطأ فقال مروان: لا والله إلا عند مقاطع الحقوق (فجعل زيد يحلف) أن حقه لحق (وأبى أن يحلف على المنبر، فجعل مروان يعجب منه) أي من زيد. قال الشافعي: لو لم يعرف زيد أن اليمين عند المنبر سنّة لأنكر ذلك على مروان كما أنكر عليه مبايعة الصكوك وهو احترز منه تهيبًا وتعظيمًا للمنبر. قال الشافعي: ورأيت مطرفًا بصنعاء يحلف على المصحف وذلك عندي حسن. (وقال النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): فيما تقدم موصولاً في حديث الأشعث (شاهداك أو يمينه) قال المؤلّف: تفقهًا منه (فلم) بالفاء ولأبوي الوقت وذر ولم (يخص) عليه الصلاة والسلام (مكانًا دون مكان) واعترض عليه بأنه ترجم لليمين بعد العصر فأثبت التغليظ بالزمان ونفاه هنا بالمكان. وأجيب: بأنه لا يلزم من ترجمته اليمين بعد العصر تغليظ اليمين بالزمان ولم يصرح هناك بشيء من النفي والإثبات. 2673 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالاً لَقِيَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم البصري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن ابن مسعود) عبد الله (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من حلف على يمين) أي على شيء مما يحلف عليه سمي المحلوف عليه يمينًا لتلبسه باليمين (ليقتطع بها) أي باليمين (مالاً) ليس له (لقي الله) عز وجل يوم القيامة (وهو عليه غضبان) أي يعامله معاملة المغضوب عليه. وهذا الحديث قد سبق قريبًا ولم تظهر لي المطابقة بينه وبين ما ترجم له فالله يوفق للصواب. نعم، قال شيخ الإسلام زكريا: مطابقته من حيث أنه لم يقيد الحكم بمكان. 24 - باب إِذَا تَسَارَعَ قَوْمٌ فِي الْيَمِينِ هذا (باب) بالتنوين (إذا تسارع قوم في اليمين) حيث وجبت عليهم جميعًا أيهم يبدأ أولاً. 2674 - حَدَّثَني إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا، فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي الْيَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: حدّثني بالإفراد (إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي البخاري قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد الأزدي مولاهم البصري (عن همام) هو ابن منبّه الصنعاني (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عرض على قوم) تنازعوا عينًا ليست في يد واحد منهم ولا بيّنة (اليمين فأسرعوا) أي إلى اليمين (فأمر) عليه الصلاة والسلام (أن يسهم) أي يقرع (بينهم في اليمين أيهم يحلف) قبل الآخر. وعند النسائي وأبي داود من طريق أبي رافع أن رجلين اختصما في متاع ليس لواحد منهما بيّنة فقال النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "استهما على اليمين" الحديث. ورواه أحمد عن عبد الرزاق وقال: إذا كره الاثنان اليمين أو استحباها فيستهمان عليها فإذا ادّعى اثنان في يد ثالث وأقام كلٌّ منهما بينة مطلقتي التاريخ أو متفقتيه أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة ولم يقرّ لواحد منهما تعارضتا وتساقطتا وكأنه لا بيّنة. وأما حديث الحاكم أن رجلين اختصما إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعير فأقام كلٌّ منهما بيّنة أنه له فجعله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينهما. فأجيب عنه: بأنه يحتمل أن البعير كان بيدهما فابطل البيّنتين وقسمه بينهما. وأما حديث أبي داود أن خصمين أتيا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأتى كل واحد منهما بشهود فأسهم بينهما وقضى لمن خرج له السهم. فأجيب عنه: بأنه يحتمل أن التنازع كان في قسمة أو عتق. 25 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (باب قول الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل ({إن الذين يشترون بعهد الله}) يعتاضون عما عاهدوا الله عليه ({وأيمانهم}) الكاذبة ({ثمنًا قليلاً}) من حطام

26 - باب كيف يستحلف، قال تعالى: {يحلفون بالله}

الدنيا ({أولئك لا خلاق}) لا نصيب ({لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله}) بكلام يسرّهم ({ولا ينظر إليهم}) نظر رحمة ({ولا يزكّيهم}) ولا يطهرهم من الذنوب ({ولهم عذاب أليم}) [آل عمران: 77] مؤلم موجع. قال في الروضة: واستحب الشافعي -رحمه الله- أن يقرأ على الحالف هذه الآية. 2675 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ السَّكْسَكِيُّ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "أَقَامَ رَجُلٌ سِلْعَتَهُ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا مَا لَمْ يُعْطَهَا. فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} [آل عمران: 77]. وَقَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى: النَّاجِشُ آكِلُ رِبًا خَائِنٌ". وبه قال (حدّثنا) بالإفراد (إسحاق) هو ابن منصور كما جزم به أبو علي الغساني أو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم الأصبهاني قال: (أخبرنا يزيد بن هارون) بن زاذان أبو خالد الواسطي قال: (أخبرنا العوّام) بتشديد الواو ابن حوشب قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم) بن عبد الرحمن (أبو إسماعيل السكسكي) بسينين مهملتين مفتوحتين بينهما كاف ساكنة وأخرى بعد الثانية مكسورة نسبة إلى السكاسك ابن أشرس ابن كندة الكوفي أنه (سمع عبد الله بن أبي أوفى) الصحابي ابن الصحابي (-رضي الله عنهما-) حال كونه (يقول: أقام رجل) لم يسم (سلعته) أي روّجها (فحلف بالله لقد أعطى) بفتح الهمزة والطاء (بها) أي بدل سلعته (ما لم يعطها) بكسر الطاء وضم الأول أي يحلف أنه دفع فيها من ماله ما لم يكن دفعه، ولأبوي ذر والوقت: أعطي بها ما لم يعطها بضم الهمزة وكسر الطاء وفتحها في الأخرى، وفي باب ما يكره من الحلف في البيع ما لم يعط بحذف الضمير (فنزلت {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلاًً}) [آل عمران: 77] الآية إلى آخرها وهي متضمنة لذمّهم بما ارتكبوه من الأيمان الكاذبة الفاجرة (وقال) ولأبي ذر قال بحذف الواو (ابن أبي أوفى) عبد الله بالسند السابق (الناجش آكل ربا) أي كآكل ربا (خائن) لكونه غاشًّا وهو خبر بعد خبر. 2676 , 2677 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبًا لِيَقْتَطِعَ مَالَ رَجُلٍ -أَوْ قَالَ أَخِيهِ- لَقِيَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً -إلى قوله- عَذَابٌ أَلِيمٌ}. فَلَقِيَنِي الأَشْعَثُ فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ الْيَوْمَ؟ قُلْتُ: كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ". وبه قال؛ (حدّثنا بشر بن خالد) العسكري أبو محمد الفرائضي نزيل البصرة قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (محمد بن جعفر) غندر البصري (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن أبي وائل) شقيق (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من حلف على يمين) أي على شيء مما يحلف عليه (كاذبًا ليقتطع) بيمينه (مال رجل) ولأبوي ذر والوقت مال الرجل بالتعريف (أو قال) عليه الصلاة والسلام: (أخيه) بدل رجل شك الراوي (لقي الله) أي يوم القيامة (وهو عليه غضبان) بغير صرف والمراد من الغضب لازمه أي يعامله معاملة المغضوب عليه فيعذبه (وأنزل الله) زاد أبو ذر عز وجل (تصديق ذلك في القرآن) في سورة آل عمران ({إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلاً}) عوضًا يسيرًا (الآية) زاد أبوا ذر والوقت إلى قوله: {عذابٌ أليمٌ} بالرفع فيهما على الحكاية وزاد أبو الوقت: ولهم، (فلقيني الأشعث) بن قيس الكندي (فقال: ما حدّثكم عبد الله) يعني ابن مسعود (اليوم؟ قلت: كذا وكذا. قال): أي الأشعث (فيّ أنزلت) أي آية آل عمران {إن الذين يشترون بعهد الله} إلى آخرها. 26 - باب كَيْفَ يُسْتَحْلَفُ، قَالَ تَعَالَى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ} وَقَوْل اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}. يُقَالُ: بِاللَّهِ وَتَاللَّهِ وَوَاللَّهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَرَجُلٌ حَلَفَ بِاللَّهِ كَاذِبًا بَعْدَ الْعَصْرِ» وَلاَ يُحْلَفُ بِغَيْرِ اللَّهِ. هذا (باب) بالتنوين (كيف يستحلف) بضم أوله مبنيًّا للمفعول أي كيف يستحلف الحاكم من تتوجه عليه اليمين (قال تعالى) {يحلفون بالله لكم} [التوبة: 62] على معاذيرهم فيما قالوا، وسقط (لكم) عند أبي ذر (وقوله عز وجل) ولأبي ذر: وقول الله عز وجل: ({ثم جاؤوك}) حين يصابون للاعتذار ({يحلفون بالله}) حال ({إن أردنا إلا إحسانًا وتوفيقًا) [النساء: 62] أي يحلفون ما أردنا بذهابنا إلى غيرك وتحاكمنا إلى من عداك إلاّ الإحسان والتوفيق أي المداراة والمصانعة اعتقادًا منّا صحة تلك الحكومة، وزاد في رواية أبي ذر عن الكشميهني قوله: {ويحلفون بالله أنهم لمنكم} [التوبة: 56] أي من جملة المسلمين وقوله: {يحلفون بالله لكم} ليرضوكم أي بحلفهم، وقوله: فيقسمان بالله لشهادتنا أحقّ من شهادتهما أي أصدق منها وأولى أن تقبل، وغرض المؤلّف من سياق هذه الآية كما قال في الفتح أنه لا يجب التغليظ بالقول. وقال في العمدة: بل غرضها الإشارة إلى أن أصل اليمين أن تكون بالله (يقال بالله) بالموحدة (وتالله) بالمثناة الفوقية (ووالله) بالواو. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله عن أبي هريرة في باب اليمين بعد العصر بالمعنى (ورجل حلف بالله

كاذبًا بعد العصر) وهو أحد الثلاثة الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم (ولا يحلف بغير الله) هذا من كلام المؤلّف على سبيل التكميل للترجمة ويحلف بفتح الياء وكسر اللام ويجوز ضمها وفتح اللام وكلاهما في الفرع والذي في الأصل هو الأول فقط. 2678 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلٍ بن مالكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُهُ عَنِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَصِيَامُ شهر رَمَضَانَ، فَقَالَ: هَلْ عَلَىَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ. قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزَّكَاةَ. قَالَ: هَلْ عَلَىَّ غَيْرُه؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ. قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهْوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ. قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن عمه أبي سهيل) نافع ولأبوي ذر والوقت زيادة ابن مالك (عن أبيه) مالك بن أبي عامر الأصبحي (أنه سمع طلحة بن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عثمان التميمي أبا محمد المدني أحد العشرة استشهد يوم الجمل (-رضي الله عنه- يقول: جاء رجل) هو ضمام بن ثعلبة أو غيره (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في باب الزكاة من الإسلام من كتاب الإيمان من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول حتى دنا (فإذا هو يسأله) أي الرجل يسأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن الإسلام) أي عن أركانه وشرائعه (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): هو (خمس صلوات في اليوم والليلة) (فقال) الرجل: (هل عليّ غيرها) بالرفع على الخبرية لهل الاستفهامية ولأبوي الوقت وذر عن المستملي غيره بتذكير الضمير أي غير المذكور (قال) عليه الصلاة والسلام (لا) شيء عليك غيرها أي الصلوات الخمس (إلا أن تطوّع) أي لكن التطوع مستحب لك أو الاستثناء متصل فيستدل به على أن من شرع في تطوع يلزمه إتمامه (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (وصيام رمضان) ولأبي ذر شهر رمضان (قال) أي الرجل ولأبي ذر فقال: (هل عليّ غيره) أي صيام رمضان ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني غيرها بالتأنيث أي باعتبار الأيام المقدّرة في صيام رمضان (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا إلاّ أن تطوّع) لكن التطوع مستحب ولا يلزمك إتمامه أو إلا إذا تطوعت فيلزمك إتمامه (قال) طلحة (وذكر له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزكاة. قال) الرجل: (هل عليّ غيرها) ولأبي ذر عن المستملي غيره أي غير ما ذكر من حكمها (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا إلا أن تطوع) (قال) طلحة -رضي الله عنه-: (فأدبر الرجل) ولّى (وهو يقول والله لا أزيد) في التصديق والقبول (على هذا ولا أنقص) أي منه (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أفلح) أي فاز الرجل (إن صدق) في قوله هذا زاد في الصيام فأخبره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشرائع الإسلام، ويدخل فيها جميع الواجبات والمنهيات والمندوبات ومطابقة الحديث لما ترجم به في قوله: والله لا أزيد لأنه يستفاد منه الاقتصار على الحلف بالله دون زيادة قاله في الفتح. وقال: في العمدة: لأن فيه صورة الحلف بلفظ اسم الله وبالباء الموحدة والحديث سبق في كتاب الإيمان. 2679 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ قَالَ: ذَكَرَ نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ». [الحديث 2679 - أطرافه في: 3836، 6108، 6646، 6648]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري البصري قال: (حدّثنا جويرية) بن أسماء (قال: ذكر نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) أي ابن عمر بن الخطاب (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من كان حالفًا) أي من أراد أن يحلف (فليحلف بالله) أي باسم الله أو صفة من صفاته (أو ليصمت) بضم الميم وزاد في التنقيح وكسرها. قال في المصابيح: يعني أنه مضارع ثلاثي أو رباعي يقال صمت يصمت صمتًا وصموتًا وصماتًا سكت وأصمت مثله كذا في الصحاح، ولكن الشأن في الضبط من جهة الرواية اهـ. ولم أره في الأصول التي وقفت عليها إلا بالضم أي أو ليسكت كما في بعض الروايات، والمعنى فلا يحلف أصلاً، وفيه أن الحلف المخلوق لا لسبق لسان مكروه كالنبي والكعبة وجبريل والصحابة، وفي الصحيحين: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، وعند النسائي وصححه ابن حبان: لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا تحلفوا إلا بالله. قال الإمام وقول الشافعي أخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية محمول على المبالغة في التنفير من ذلك فلو حلف به لم ينعقد يمنًا كما صرّح به في الروضة، فإن اعتقد في المحلوف بغير الله ما يعتقده في الله كفر أما إذا سبق لسانه إليه بلا

27 - باب من أقام البينة بعد اليمين

قصد فلا كراهة بل هو لغو يمين وعليه يحمل حديث الصحيحين في قصة الأعرابي الذي قال لا أزيد على هذا ولا أنقص أفلح وأبيه إن صدق أو هو على حذف مضاف أي وربّ أبيه أو هو قبل النهي وضعف لأنه يحتاج إلى تاريخ. فإن قلت: قد أقسم الله تعالى ببعض مخلوقاته كالليل والشمس؟ أجيب: بأن الله تعالى له أن يقسم بما شاء من مخلوقاته تنبيهًا على شرفها. وبقية مباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الأيمان والنذور. 27 - باب مَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْيَمِينِ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ». وَقَالَ طَاوُسٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَشُرَيْحٌ: الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ. (باب من أقام البينة بعد اليمين) الصادرة من المدّعى عليه تقبل بيّنته وهو مذهب الكوفيين والشافعي وأحمد وقال مالك في المدوّنة إن استحلفه ولا علم له بالبيّنة ثم علمها قبلت وقضي له بها وإن علم بها وتركها فلا حق له. (وقال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) فيما وصله في باب إثم من خاصم في كتاب المظالم وذكره في هذا الباب (لعل بعضكم ألحن) أعرف (بحجته من بعض) (وقال طاوس) هو ابن كيسان (وإبراهيم) هو النخعي (وشريح) القاضي (البيّنة العادلة) المرضية (أحق من اليمين الفاجرة) وأحق ليس على بابه من الأفضلية إذ اليمين الفاجرة لا حق فيها وصورة ذلك ما إذا شهدت على الحالف بأنه أقرّ بخلاف ما حلف عليه فإنه يظهر بذلك أن يمينه فاجرة. قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على قول طاوس وإبراهيم موصولين، وأما شريح فوصله البغوي في الجعديات من طريق ابن سيرين عن شريح لكن بلفظ من ادّعى قضائي فهو عليه حتى تأتي بيّنة الحق أحق من قضائي الحق أحق من يمين فاجرة. 2680 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَىَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ، فَلاَ يَأْخُذْهَا». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي (عن مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن زينب عن أُم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم ألحن بحجته) أي ألسن وأفصح وأبين كلامًا وأقدر على الحجة (من بعض) وفيه حذف أي وهو كاذب بدليل قوله في الرواية السابقة في المظالم فأحسب أنه صدق (فمن قضيت له بحق أخيه شيئًا بقوله) الظاهر المخالف للباطن وفي المظالم بحق مسلم ولا مفهوم له لأنه خرج مخرج الغالب وإلاّ فالذميّ والمعاهد كذلك (فإنما أقطع له قطعة من النار فلا يأخذها) أطلق عليه ذلك لأنه سبب في حصول النار له فهو من مجاز التشبيه قوله: {إنما يأكلون في بطونهم نارًا} [النساء: 10] وفيه دلالة لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور من علماء الإسلام وفقهاء الأمصار أن حكم القاضي الصادر منه فيما باطن الأمر فيه بخلاف ظاهره بأن ترتب على أصل كاذب ينفذ ظاهرًا لا باطنًا فلا يحل حرامًا ولا عكسه فإذا شهد شاهدًا زور لإنسان بمال فحكم به بظاهر العدالة لم يحلّ للمحكوم له ذلك المال ولو شهدا عليه بقتل لم يحلّ للوالي قتله مع علمه بكذبهما وإن شهدًا عليه أنه طلّق امرأته لم يحلّ لمن علم بكذبهما أن يتزوجها بعد حكم القاضي بالطلاق. وقال أبو حنيفة ينفذ القضاء بشهادة الزور ظاهرًا فيما بيننا وباطنًا في ثبوت الحلّ فيما بينه وبين الله تعالى في العقود كالنكاح والطلاق والبيع والشراء، فإذا ادّعت على رجل أنه تزوّجها وأقامت عليه شاهدي زور حلّ له وطؤها عند أبي حنيفة وكذا ادّعى عليها نكاحًا وهي تجحد وهذا عنده بخلاف الأموال بخلاف صاحبيه. قال النووي: وهذا مخالف لهذا الحديث الصحيح والإجماع من قبله ومخالف لقاعدة وافق هو غيره عليها وهو أن الإبضاع أولى بالاحتياط من الأموال. فإن قلت: ظاهر الحديث أنه يقع منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حكم في الظاهر مخالف للباطن وقد اتفق الأصوليون على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يقرّ على الخطأ في الأحكام؟ أجيب بأنه لا معارضة بين الحديث وقاعدة الأصول لأن مرادهم فيما حكم فيه باجتهاده هل يجوز أن يقع فيه خطأ فيه خلاف أكثرون على جوازه، وأما الذي في الحديث فليس من الاجتهاد في شيء لأنه حكم بالبيّنة فلو وقع منه ما يخالف الباطن لا يسمى الحكم خطأ بل هو صحيح على ما استقر عليه التكليف وهو وجوب العمل بشاهدين مثلاً فإن كانا شاهدي

28 - باب من أمر بإنجاز الوعد. وفعله الحسن

زور أو نحو ذلك فالتقصير منهما وأما الحكم فلا حيلة له فيه ولا عتب عليه بسببه قاله النووي وموضع استنباط الترجمة على إقامة البيّنة بعد اليمين من هذا الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يجعل اليمين الكاذبة لحق المحقّ بل نهي الكاذب بعد يمينه عن الأخذ، فإذا ظفر صاحب الحق ببيّنة فهو باقٍ على القيام بها وقد سبق الحديث في باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه من المظالم. 28 - باب مَنْ أَمَرَ بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ. وَفَعَلَهُ الْحَسَنُ {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ}. وَقَضَى ابْنُ الأَشْوَعِ بِالْوَعْدِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ سَمُرَةَ بن جندب. وَقَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ فَقَالَ: وَعَدَنِي فَوَفَى لِي». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: رَأَيْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ ابْنِ أَشْوَعَ. (باب من أمر بإنجاز الوعد) أي الوفاء به. (وفعله) أي إنجاز الوعد (الحسن) البصري (وذكر) الله عز وجل (إسماعيل) في كتابه فقال: ({إنه كان صادق الوعد}) [مريم: 54] ولغير النسفيّ: {واذكر في الكتاب} إلخ. وهذا ثناء من الله تعالى عليه. قال ابن جريج فيما نقله عنه ابن كثير وغيره: لم يعد ربه عدة إلا أنجزها. وعند ابن جريج أنه وعد رجلاً مكانًا أن يأتيه فجاء ونسي الرجل فظل به إسماعيل وبات حتى جاء الرجل من الغد فقال ما برحت من هاهنا. قال: لا. قال: إني نسيت. قال: لم أكن لأبرح حتى تأتيني فلذلك كان صادق الوعد، وقال سفيان الثوري: بلغني أنه أقام في ذلك المكان ينتظره حولاً حتى جاءه، وقال ابن شوذب: بلغني أنه اتخذ ذلك الموضع مسكنًا فصدق الوعد من الصفات الحميدة كما أن خلفه من الصفات الذميمة. (وقضى ابن الأشوع) بهمزة مفتوحة فشين معجمة ساكنة فواو مفتوحة فعين مهملة غير منصرف وهو سعيد بن عمرو بن الأشوع الهمداني الكوفي قاضيها في زمان إمارة خالد القسري على العراق بعد المائة ولأبوي ذر والوقت ابن أشوع (بالوعد) أي بإنجازه. (وذكر) ابن أشوع (ذلك عن سمرة) ولأبوي ذر والوقت زيادة ابن جندب، وقد وقع ذلك في تفسير إسحاق بن راهويه. (وقال المسور بن مخرمة) -رضي الله عنه- (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر صهرًا له) يعني أبا العاص بن الربيع زوج زينب بنته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال) ولأبي ذر فقال: (وعدني فوفى لي) بتخفيف الفاء الثانية ولأبوي ذر والوقت فوعدني فوفاني ولأبي الوقت وحده فأوفاني، وكان أبو العاص مصافيًا لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسأله المشركون أن يطلق زينب فأبى فشكر له عليه الصلاة والسلام ذلك، ولما أطلقه من الأسر شرط عليه أن يرسل زينب إلى المدينة فعاد إلى مكة وأرسلها، فلذا قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "حدّثني فصدقني ووعدني فوفى لي" (قال أبو عبد الله) البخاري (ورأيت إسحاق بن إبراهيم) أي ابن راهويه وسقطت الواو من قوله ورأيت عند أبي ذر (يحتج بحديث ابن أشوع) الذي ذكره عن سمرة بن جندب في وجوب إنجاز الوعد، وفي حاشية الفرع كأصله ما نصه عند أبي ذر مخطوط على قال أبو عبد الله رأيت إسحاق إلى ابن أشوع بحاء هكذا حـ فيعلم بذلك أنه ثابت عند أبي ذر عن الحموي وحده. 2681 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: "سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يأَمُرُ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، قَالَ: وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي المعجمة أبو إسحاق الزبيري المدني قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله) بضم العين في الأول ابن عتبة بن مسعود (أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أخبره قال: أخبرني أبو سفيان) صخر بن حرب (أن هرقل) بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف ملك الروم (قال له) أي لأبي سفيان (سألتك ماذا يأمركم) عليه الصلاة والسلام به (فزعمت أنه أمركم) ولأبي ذر يأمر (بالصلاة) المعهودة (والصدق) وهو القول المطابق للواقع (والعفاف) أي الكف عن المحارم وخوارم المروءة (والوفاء بالعهد وأداء الأمانة قال) أي هرقل: (وهذه صفة نبي) وقد كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صادق الوعد لا يعد أحدًا شيئًا إلا وفى له به. هذا (باب) بالتنوينَ وسقط من غير الفرع كأصله. 2682 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ نَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا ائتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخَلَفَ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البغلاني قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الزرقي الأنصاري أبو إسحاق (عن أبي سهيل) بضم السين مصغرًا (نافع

بن مالك بن أبي عامر) الأصبحي التميمي المدني (عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (آية المنافق) أي علامته (ثلاث) اسم جمع ولفظه مفرد والتقدير آية المنافق معدودة بالثلاث (إذا حدّث كذب) بتخفيف الذال المعجمة أي أخبر عن الشيء على خلاف ما هو به (وإذا ائتمن) بضم التاء (خان) في أمانته بأن تصرف فيها على خلاف الشرع (وإذا وعد) أحدًا خيرًا (أحلف) فلم يفِ لكن لو كان عازمًا على الوفاء فعرض له مانع فلا إثم عليه ولو وجدت الثلاثة في مسلم فهل يكون منافقًا. قال الخطابي: هذا القول إنما خرج على سبيل الإنذار للمسلم والتحذير له أن يعتاد هذه الخصال فيفضي به إلى النفاق لا أن من ندرت منه أو فعل شيئًا منها من غير اعتياد أنه منافق. وقد سبق هذا الحديث في باب علامات المنافق من كتاب الإيمان. 2683 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم قَالَ: "لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ أَبَا بَكْرٍ مَالٌ مِنْ قِبَلِ الْعَلاَءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَيْنٌ، أَوْ كَانَتْ لَهُ قِبَلَهُ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنَا: قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ وَعَدَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُعْطِيَنِي هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا -فَبَسَطَ يَدَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ- قَالَ جَابِرٌ: فَعَدَّ فِي يَدِي خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ خَمْسَمِائَةٍ، ثُمَّ خَمْسَمِائَةٍ". وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفرّاء أبو إسحاق الرازي المعروف بالصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف أبو عبد الرحمن اليماني قاضيها (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه (قال أخبرني) بالإفراد (عمرو بن دينار عن محمد بن عليّ) أي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب (عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهم-) أنه (قال: لما مات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاء أبا بكر) الصديق -رضي الله عنه- (مال من قبل العلاء بن الحضرمي) بكسر القاف وفتح الموحدة وكان عاملاً لرسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على البحرين وأقرّه الشيخان عليها إلى أن مات سنة أربع عشرة (فقال أبو بكر) رضي الله عنه: (من كان له على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دين أو كانت له قبله) بكسر القاف وفتح الموحدة جهته (عدة) بتخفيف الدال أي وعد (فليأتينا) نَفِ له بذلك (قال جابر فقلت) له بعد أن أتيته (وعدني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا فبسط يديه) بالتثنية (ثلاث مرات قال جابر فعدّ) أبو بكر -رضي الله عنه- (في يدي خمسمائة ثم خمسمائة ثم خمسمائة) ثلاثًا كما وعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاثًا ولما كان من خلقه الوفاء بالوعد نفذه أبو بكر بعد وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقد سبق هذا الحديث في باب من تكفل عن الميت دينًا من الكفالة ويأتي إن شاء الله تعالى في فرض الخمس بعون الله وقوّته. 2684 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: "سَأَلَنِي يَهُودِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ: أَىَّ الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قُلْتُ: لاَ أَدْرِي حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى حَبْرِ الْعَرَبِ فَأَسْأَلَهُ. فَقَدِمْتُ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: قَضَى أَكْثَرَهُمَا وَأَطْيَبَهُمَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَالَ فَعَلَ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: حدّثني بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم) أبو يحيى صاعقة قال: (أخبرنا سعيد بن سليمان) بكسر العين سعدويه البغدادي قال: (حدّثنا مروان بن شجاع) مولى مروان بن محمد بن الحكم القرشي الأموي الجزري (عن سالم الأفطس) بن عجلان (عن سعيد بن جبير) الأسدي مولاهم الكوفي أنه (قال: سألني يهودي من أهل الحيرة) بكسر الحاء المهملة بلد معروف بالعراق. قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسم اليهودي (أي الأجلين قضى موسى) أطولهما أو أقصرهما لما قال له صهره إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني أي أن تأجر نفسك مني ثماني حجج أي سنين فإن أتممت عشرًا فمن عندك أي فإتمامه من عندك تفضلاً لا من عندي إلزامًا عليك فتحصل البراءة من العهدة بفعل الأقل، ولذا قال: أيما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ أي فلا حرج عليّ قال سعيد بن جبير: (قلت) لليهودي: (لا أدري حتى أقدم) أي مكة (على حبر العرب) بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة ابن عباس، وعند أبي نعيم من حديث ابن عباس مرفوعًا: أن جبريل سمّاه بذلك (فاسأله) عن ذلك (فقدمت) مكة (فسألت ابن عباس) -رضي الله عنهما- (فقال قضى أكثرهما وأطيبهما) في نفس شعيب (إن رسول الله) موسى (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أو من اتّصف بالرسالة ولم يرد نبيًّا بعينه (إذا قال فعل) لأن محاسن الأخلاق النبوية مقتضية لذلك، وهذا رواه سعيد موقوفًا وهو في الحكم مرفوع لأن ابن عباس كان لا يعتمد على أهل الكتاب، وقد صرّح برفعه عكرمة عن ابن عباس كما عند ابن جرير عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "سألت جبريل أيّ

29 - باب لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها

الأجلين قضي موسى"؟ قال: أتمهما وأكملهما. وعند ابن أبي حاتم من مرسل يوسف بن مرح أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سئل أيّ الأجلين قضى موسى؟ قال: لا علم لي فسأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبريل فقال: لا علم لي، فسأل جبريل ملكًا فوقه فقال لا علم لي فسأل ذلك الملك ربه فقال الرب عز وجل: أبرّهما وأتقاهما أو قال أرجاهما. وزاد الإسماعيلي من الطريق التي أخرجها البخاري قال سعيد: فلقيني اليهودي فأعلمته ذلك فقال: صاحبك والله عالم. 29 - باب لاَ يُسْأَلُ أَهْلُ الشِّرْكِ عَنِ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ الشَّعْبِيُّ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْمِلَلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} [المائدة: 14]. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ} الآيَةَ". هذا (باب) بالتنوين (لا يسأل) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول (أهل الشرك) بالرفع نائبًا عن الفاعل (عن الشهادة و) لا (غيرها) إذ لا تقبل شهادتهم خلافًا للحنفية حيث قالوا بقبولها من أهل الذمة على بعضهم وإن اختلفت مِلَلهم لأنه عليه الصلاة والسلام رجم يهوديين زنيا بشهادة أربعة منهم. (وقال الشعبي) عامر بن شراحيل فيما وصله سعيد بن منصور (لا تجوز شهادة أهل المِلل) بكسر الميم أي مِلل الكفر (بعضهم على بعض) زاد سعيد بن منصور إلاّ المسلمين (لقوله تعالى) ولأبي ذر عز وجل ({فأغرينا}) فألزمنا من غري بالشيء إذا ألصق به ({بينهم العداوة والبغضاء}) [المائدة: 14] ولا يزالون كذلك إلى قيام الساعة وكذلك طوائف النصارى على اختلاف أجناسهم لا يزالون متباغضين متعادين يكره بعضهم بعضًا فالمالكية تكفر اليعقوبية وكذلك الآخرون كل طائفة تلعن الأخرى في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. (وقال أبو هريرة) فيما وصله في تفسير سورة البقرة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تصدقوا أهل الكتاب) أي فيما لا تعرفون صدقه من قبل غيرهم (ولا تكذبوهم وقولوا آمنّا بالله وما أنزل الآية) وفيه دليل لرد شهادتهم وعدم قبولها وسقط قوله الآية عند أبوي ذر والوقت. 2685 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْدَثُ الأَخْبَارِ بِاللَّهِ تَقْرَءُونَهُ لَمْ يُشَبْ؟ وَقَدْ حَدَّثَكُمُ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمُ الْكِتَابَ فَقَالُوا: {هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً} [البقرة: 79] أَفَلاَ يَنْهَاكُمْ بمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ؟ لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلاً قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ". [الحديث 2685 - أطرافه في: 7363، 7522، 7523]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري وسقط قوله يحيى عند أبوي ذر والوقت قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن زيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن ابن عباس) ولأبوي ذر والوقت: عن عبد الله بن عباس (-رضي الله عنهما- قال): (يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب) من اليهود والنصارى والاستفهام للإنكار (وكتابكم) القرآن (الذي أنزل) بضم الهمزة ولأبي ذر: أنزل بفتحها (على نبيّه) محمد (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحدث الأخبار بالله) بفتح الهمزة أي أقربها نزولاً إليكم من عند الله عز وجل فالحدوث بالنسبة إلى المنزل إليهم وهو في نفسه قديم وأحدث رفع خبر كتابكم وأنزل صفته (تقرؤونه لم يشب) بضم أوّله وفتح ثانيه لم يخلط ولم يغير ولم يبدل (وقد حدّثكم الله) في كتابه (إن أهل الكتاب) صنف من اليهود وعن ابن عباس هم أحبار اليهود وعنه أيضًا هم المشركون وأهل الكتاب (بدّلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم الكتاب فقالوا هو) ولأبي ذر عن الكشميهني فقالوا هذا (من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلاً) قال الحسن: الثمن القليل الدنيا بحذافيرها (أفلا ينهاكم ما) ولأبوي ذر والوقت عن المستملي بما (جاءكم من العلم عن مسايلتهم) بميم مضمومة فسين مهملة وبعد الألف مثناة تحتية مفتوحة، ولأبي ذر عن مساءلتهم بهمزة بعد الألف بدل التحتية ممدودًا (ولا والله ما رأينا رجلاً منهم قطّ يسألكم عن الذي أنزل عليكم) فأنتم بالطريق الأولى أن لا تسألوهم ولا في قوله ولا والله لتأكيد النفي. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التوحيد والاعتصام. 30 - باب الْقُرْعَةِ فِي الْمُشْكِلاَتِ وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44]. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ اقْتَرَعُوا فَجَرَتِ الأَقْلاَمُ مَعَ الْجِرْيَةِ، وَعَال قَلَمُ زَكَرِيَّاءَ الْجِرْيَةَ، فَكَفَلَهَا زَكَرِيَّاءُ. وَقَوْلِهِ: {فَسَاهَمَ} [الصافات: 141] أَقْرَعَ {فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} مِنَ الْمَسْهُومِينَ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "عَرَضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا، فَأَمَرَ أَنْ يُسْهِمَ بَيْنَهُمْ: أَيُّهُمْ يَحْلِفُ". (باب) مشروعية (القرعة في) الأشياء (المشكلات) التي يقع النزاع فيها بين اثنين أو أكثر ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من بدل في أي لأجل المشكلات كقوله تعالى: {من خطاياهم} [العنكبوت: 12] أي لأجل خطاياهم (وقوله) زاد أبو ذر عز وجل أي في قصة مريم {إذ يلقون} أي حين يلقون {أقلامهم} أقداحهم للاقتراع وقيل اقترعوا بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها التوراة تبركًا {أيّهم يكفل مريم} [آل عمران: 44] متعلق بمحذوف دلّ عليه يلقون أقلامهم أي يلقونها ليعلموا أيهم

يكفلها أي يضمها إلى نفسه ويربيها رغبة في الأجر وذلك لما وضعتها أمها حنّة وأخرجتها في خرقتها إلى بني الكاهن بن هارون أخي موسى بن عمران وهم يومئذٍ يلون من بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة فقالت لهم: دونكم هذه النذيرة فإني حرّرتها وهي ابنتي وأنا لا أردّها إلى بيتي فقالوا: هذه ابنة إمامنا، وكان عمران يؤمهم في الصلاة فقال زكريا: ادفعوها إليّ فإن خالتها تحتي فقالوا: لا تطيب نفوسنا هي ابنة إمامنا فعند ذلك اقترعوا عليها. (وقال ابن عباس: اقترعوا فجرت الأقلام) التي ألقوها في نهر الأردن (مع الجرية) بكسر الجيم أي جرية الماء إلى الجهة السفلى (وعال) بعين مهملة وبعد الألف لام أي ارتفع (قلم زكريا الجرية) فأخذها وضمها إلى نفسه وللأصيلي: وعالا بألف بعد اللام، ولأبي ذر عن الكشميهني: وعدا بالدال بدل اللام كذا في الفرع وأصله. وقال في فتح الباري وفي رواية الكشميهني: وعلا أي بعين فلام فألف من العلوّ قال وفي نسخة وعدا بالدال وهذا وصله ابن جرير بمعناه (فكفلها زكريا وقوله) تعالى بالجر عطفًا على قوله الأول في قضية يونس (فساهم) قال ابن عباس فيما أخرجه ابن جرير أي (أقرع) {فكان من المدحضين} [الصافات: 141] قال ابن عباس أيضًا فيما أخرجه ابن جرير أي (من المسهومين) وأشار المؤلّف بما ذكره من قصة مريم ويونس عليهما الصلاة والسلام إلى الاحتجاج بصحة الحكم بالقرعة وهو مبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يرد ما يخالفه. (وقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- مما وصله قريبًا في باب: إذا تسارع قوم في اليمين (عرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قوم اليمين فأسرعوا) إلى اليمين (فأمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن يسهم بينهم) بكسر هاء يسهم أي يقرع (في اليمين أيّهم يحلف) قبل الآخر وفيه دلالة لمشروعية القرعة على ما لا يخفى. 2686 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي الشَّعْبِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلاَهَا، فَكَانَ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلاَهَا، فَتَأَذَّوْا بِهِ، فَأَخَذَ فَأْسًا فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: مَا لَكَ؟ قَالَ: تَأَذَّيْتُمْ بِي وَلاَ بُدَّ لِي مِنَ الْمَاءِ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ، وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ". وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) بكسر الغين المعجمة آخره مثلثة ابن طلق بفتح الطاء وسكون اللام الكوفي قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني) بالإفراد (الشعبي) عامر بن شراحيل (أنه سمع النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مثل المدهن) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر الهاء آخره نون أي الذي يرائي (في حدود الله) المضيع لها (والواقع فيها) المرتكبها (مثل قوم استهموا) اقترعوا (سفينة) مشتركة بينهم تنازعوا في المقام بها علوًّا أو سفلاً فأخذ كل واحد منهم نصيبًا من السفينة بالقرعة (فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها فكان الذين في أسفلها يمرّون بالماء على الذين) وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي على الذي (في أعلاها فتأذّوا) أي الذين أعلاها (به) بالماء عليهم بالماء حالة السقي أو بالماء الذي مع المار (فأخذ) الذي مرّ بالماء (فأسًا) بهمزة ساكنة وقد تبدل ألفًا (فجعل ينقر) بضم القاف أي يحفر (أسفل السفينة) ليخرقها (فأتوه) الذين أعلاها (فقالوا: ما لك) تحفر السفينة (قال: تأذيتم بي ولا بدّ لي من الماء فإن أخذوا على يديه) بالتثنية أي منعوه من الحفر ولأبي ذر على يده بالإفراد (أنجوه) أي الحافر (ونجوا أنفسهم) بتشديد الجيم من الغرق (وإن تركوه) يحفر (أهلكوه وأهلكوا أنفسهم). ومن فوائد هذا الحديث: تبيين الحكم بضرب المثل ووقع في الشركة من وجه آخر عن عامر وهو الشعبي: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها. قال في فتح الباري: وهو أصوب لأن المدهن والواقع في الحكم واحد والقائم مقابله، وعند الإسماعيلي في الشركة: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها والمرائي في ذلك، ووقع عنده هنا أيضًا مثل الواقع في حدود الله والناهي عنها وهو المطابق للمثل المضروب فإنه لم يقع فيه إلا ذكر فرقتين فقط، لكن إذا كان المدهن مشتركًا في الذم مع الواقع فيها صار بمنزلة فرقة واحدة وبيان وجود الفرق الثلاث في المثل المضروب أن الذين أرادوا خرق السفينة بمنزلة الواقع في حدود الله ثم من عداهم إما منكر وهو

القائم وإما ساكت وهو المدهن. وهذا الحديث قد سبق في باب: هل يقرع في القسمة في الشركة؟. 2687 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِمْ قَدْ بَايَعَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ: "أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُ سَهْمُهُ فِي السُّكْنَى حِينَ أَقْرَعَتِ الأَنْصَارُ سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ، قَالَتْ أُمُّ الْعَلاَءِ: فَسَكَنَ عِنْدَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَاشْتَكَى فَمَرَّضاهُ، حَتَّى إِذَا تُوُفِّيَ وَجَعَلْنَاهُ فِي ثِيَابِهِ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ. فَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ؟ فَقُلْتُ: لاَ أَدْرِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَّا عُثْمَانُ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ الْيَقِينُ، وَإِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي -وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ- مَا يُفْعَلُ بِهِ. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا، وَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ. قَالَتْ: فَنِمْتُ فَأُرِيتُ لِعُثْمَانَ عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ذَلِكَ عَمَلُهُ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الأموي مولاهم واسم أبيه دينار (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (خارجة بن زيد الأنصاري) أحد الفقهاء السبعة التابعي الثقة (أن أم العلاء) بفتح العين ممدودًا بنت الحرث بن ثابت يقال إنها أم خارجة الراوي عنها (امرأة) بالنصب صفة للسابق (من نسائهم قد بايعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي عاقدته (أخبرته) في موضع رفع خبر إن (أن عثمان بن مظعون) بفتح الميم وسكون الظاء المعجمة وضم العين المهملة الجمحي القرشي (طار) أي وقع (له) ولأبوي ذر والوقت: لهم (سهمه في السكنى حين اقترعت الأنصار) وفي الفرع أقرعت الأنصار (سكنى المهاجرين) لما دخلوا المدينة ولم يكن لهم مساكن (قالت أم العلاء: فسكن عندنا عثمان بن مظعون فاشتكى) أي مرض (فمرضناه) بتشديد الراء أي قمنا بأمره (حتى إذا توفي وجعلناه في ثيابه) أي أكفانه بعد أن غسلناه (دخل علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت رحمة الله عليك) يا (أبا السائب) بالسين المهملة كنية عثمان (فشهادتي عليك) أي لك (لقد أكرمك الله فقال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (وما يدريك) بكسر الكاف أي من أين علمت (أن الله أكرمه)؟ (فقلت: لا أدري بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أما عثمان فقد جاءه والله اليقين) أي الموت (وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به) أي بعثمان بن مظعون وفي الجنائز في رواية غير الكشميهني ما يفعل بي وهو موافق لقوله تعالى في سورة الأحقاف: {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} [الأحقاف: 9] وسبق ما فيه ثم (قالت) أم العلاء: (فوالله لا أزكي أحدًا بعده أبدًا وأحزنني) بالواو ولأبي ذر فأحزنني (ذلك) الذي قاله عليه الصلاة والسلام (قالت: فنمت فأريت) بهمزة مضمومة فراء مكسورة، ولأبي ذر عن الكشميهني: فرأيت (لعثمان عينًا لمجري فجئت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته) بما رأيت لعثمان (فقال) عليه الصلاة والسلام (ذلك) بلام وكسر الكاف، ولأبي الوقت بفتحها ولأبي ذر ذاك (عمله) قال الكرماني وقيل إنما عبّر بالماء بالعمل وجريانه بجريانه لأن كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطًا فإن عمله ينمو إلى يوم القيامة. وهذا الحديث سبق في الجنائز ويأتي وإن شاء الله تعالى في الهجرة والتفسير والتعبير. 2688 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ. وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا. غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) بكسر التاء المروزيّ المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه) تطييبًا لقلوبهنّ (فأيتهنّ خرج سهمها) الذي باسمها منهن (خرج بها معه) في سفره (وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها غير أن سودة بنت زمعة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- (وهبت يومها وليلتها لعائشة) -رضي الله عنها- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونها (تبتغي بذلك رضا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وهذا الحديث قد سبق في الهبة. 2689 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (إسماعيل) بن أبي أُويس عبد الله الأصبحي (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن سمي) بضم أوله وفتح الميم آخره تحتية مشددة (مولى أبي بكر) أي ابن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لو يعلم الناس ما في النداء) أي الأذان (و) ما في (الصف الأول) الذي يلي الإمام من الخير والبركة (ثم لم يجدوا) شيئًا من وجوه الأولوية بأن يقع التساوي (إلا أن يستهموا) أي يقترعوا (عليه) أي على المذكور من الأذان

53 - كتاب الصلح

والصف الأول (لاستهموا) أي لاقترعوا عليه (ولو يعلمون ما في التهجير) أي التبكير إلى الصلوات (لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في) ثواب أداء صلاة (العتمة) أي العشاء في جماعة (و) ثواب أداء صلاة (الصبح لأتوهما ولو حبوًا) على اليدين والركبتين. وقد سبق هذا الحديث في الأذان، وقد وقع في رواية أبوي ذر والوقت حديث عمر بن حفص بن غياث المسوق هذا في هذا الباب مؤخرًا هنا بعد قوله: "ولو حبوًا". وغرض المؤلّف -رحمه الله- بسياق هذه الأحاديث الإشارة إلى مشروعية القرعة لفصل النزاع عند التشاحح في حق ثبت لاثنين فأكثر وتكون في الحقوق المتساوية وفي تعيين الملك، فمن الأول الإمامة الكبرى إذا استووا في صفاتها، وفي الأذان والصف الأول كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وفي إمامة الصلاة، وكذا إذا تنازع أخوان وزوجتان في غسل الميت ولا مرجح لأحدهما أقرع بينهما وكذا لو اجتمع اثنان في الصلاة على الميت واستوت خصالهما المعروفة وتشاحًا، وكذا لو سبق اثنان إلى مقعد من شارع وتنازعا فيه ولو جاءا إلى معدن الظاهر ككبريت معًا أقرع ولو التقط لقيطًا معًا واستويا في الخصال، ولو اجتمع أولياء في درجة واحدة وتساووا في الصفات وتشاحوا وأراد كلٌّ منهم أن يزوج أقرع أيضًا، وفي ابتداء القسم بين الزوجات والسفر ببعضهن كما في حديث عائشة والحاضنات إذا كن في درجة واحدة وولاة القصاص عند الاستواء، وكذا إذا ازدحم خصوم عند القاضي وجهل الأسبق أو جاؤوا معًا، وكذا عند تعارض البيّنتين فيما إذا شهدت بيّنة أنه أعتق في مرضه سالمًا وأخرى أنه أعتق غانمًا وكل واحد منهما ثلث ماله واتحد تاريخ البيّنتين وإن أطلقتا قيل يقرع والمذهب يعتق من كل نصفه ولو أعتق ثلاثة أو قسمة ما لا يعظم ضرره بالأجزاء كمثلي من حبوب ودراهم وأدهان وغيرها ودار متفقة أبنية وأرض مشتبهة الأجزاء فيجبر الممتنع عليها فتعدل السهام كيلاً في المكيل أو وزنًا في الموزون أو ذرعًا في المذروع بعدد الأنصباء إن استوت كالأثلاث لزيد وعمرو وبكر، ويكتب في كل رقعة اسم شريك أو جزء مميز بحد أو جهة وتدرّج في بنادق مستوية وزنًا وشكلاً من طين مجفّف أو شمع ثم يخرج من لم يحضرها رقعة على الجزء الأول إن كتب الأسماء فيعطى من خرج اسمه أو على اسم زيد إن كتب الأجزاء فيعطى ذلك الجزء ويفعل كذلك في الرقعة الثانية فيخرجها على الجزء الثاني أو على اسم عمرو وتتعين الثالثة للباقي إن كانت ثلاثًا وتعين من يبتدأ به من الشركاء فإن اختلفت الأنصباء كنصف وثلث وسدس في أرض جزّئت الأرض على أقل السهام وهو السدس فتكون ستة أجزاء وقسمت كما سبق والله أعلم. بسم الله الرحمن الرحيم 53 - كتاب الصلح (بسم الله الرحمن الرحيم) بإثبات البسملة (كتاب الصلح). 1 - باب مَا جَاءَ فِي الإِصْلاَحِ بَيْنَ النَّاسِ وَقَوْلِ عَزَّ وَجَلَّ: {لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114]. (ما جاء في الإصلاح بين الناس) زاد الأصيلي وأبو ذر عن الكشميهني إذا تفاسدوا وسقط لغير الأصيلي وأبي الوقت كتاب الصلح ولأبي ذر: ما جاء. وزاد في الفتح ثبوت كتاب الصلح للنسفي أيضًا قال: ولغيرهم باب. والصلح لغة قطع النزاع وشرعًا عقد يحصل به ذلك وهو أنواع فمنه ما يكون بين المتداعيين وتارة يكون على إقرار وتارة على إنكار والأول يكون على عين كدار أو حصة منها وعلى منفعة في دار ويكون الصلح أيضًا بين الزوجين عند الشقاق وفي الجراح كالعفو على مال وبين الفئة الباغية. (وقول الله تعالى) بالجرّ عطفًا على قوله في الإصلاح، ولأبي ذر عز وجل: ({لا خير في كثير من نجواهم}) من تناجي الناس ({لا من أمر بصدقة أو معروف}) إلا نجوى من أمر على أنه مجرور بدلاً من كثير كما تقول: لا خير في قيامهم إلاّ قيام زيد، ويجوز أن يكون منصوبًا على الانقطاع بمعنى ولكن من أمر يصدقة ففي نجواه الخير، والمعروف كل ما يستحسنه الشرع ولا ينكره العقل وفسّرها هنا بالقرض وإغاثة الملهوف وصدقة التطوّع وسائر ما فسر به ({أو إصلاح بين الناس}) أو إصلاح ذات البين ({ومن

يفعل ذلك}) الذي ذكر ({ابتغاء مرضاة الله}) طلبًا لثوابه لا للرياء والسمعة ({فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا}) [النساء: 114] وصف الأجر بالعظم تنبيهًا على حقارة ما فاته في جنبه من أعراض الدنيا، ووقع في رواية أبوي ذر والوقت الاقتصار من الآية على قوله: {من أمر بصدقة} ثم قال إلى آخر الآية. وعند الأصيلي إلى قوله: {ابتغاء مرضاة الله} ثم قال: الآية. وأشار بهذه الآية إلى بيان فضل الإصلاح بين الناس وأن الصلح مندوب إليه وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة"؟ قالوا: "بلى". قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة". رواه أحمد. (وخروج الإمام) بالجر أيضًا على قوله وقول الله وهو من بقية الترجمة (إلى المواضع ليصلح بين الناس بأصحابه). 2690 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه-: "أَنَّ نَاسًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَانَ بَيْنَهُمْ شَىْءٌ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ وَلَمْ يَأْتِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَذَّنَ بِلاَلٌ بِالصَّلاَةِ وَلَمْ يَأْتِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَجَاءَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُبِسَ، وَقَدْ حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَؤُمَّ النَّاسَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِنْ شِئْتَ. فَأَقَامَ الصَّلاَةَ فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ، فَأَخَذَ النَّاسُ في التَّصْفِيحِ حَتَّى أَكْثَرُوا، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لاَ يَكَادُ يَلْتَفِتُ فِي الصَّلاَةِ، فَالْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَاءَهُ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ فَأَمَرَهُ أن يُصَلِّي كَمَا هُوَ، فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ حَتَّى دَخَلَ فِي الصَّفِّ، فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى بِالنَّاسِ. فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا لَكُمْ إِذَا نَابَكُمْ شَىْءٌ فِي صَلاَتِكُمْ أَخَذْتُمْ بِالتَّصْفِيحِ، إِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ، مَنْ نَابَهُ شَىْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلاَّ الْتَفَتَ، يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا مَنَعَكَ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ لَمْ تُصَلِّ بِالنَّاسِ؟ فَقَالَ: مَا كَانَ يَنْبَغِي لاِبْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَىِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم أبو محمد الجمحي مولاهم البصري قال: (حدّثنا) وللأصيلي: أخبرنا (أبو غسان) محمد بن مطرف الليثي المدني (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي (رضي الله عنه أن أناسًا من بني عمرو بن عوف) بفتح العين وسكون الميم لم يسموا وكانت منازلهم بقباء (كان بينهم شيء) من الخصومة حتى تراموا بالحجارة، ولأبي ذر عن الكشميهني: شرّ ضدّ الخير (فخرج إليهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أناس من أصحابه) سمي منهم أُبي بن كعب وسهيل بن بيضاء في الطبراني (يصلح بينهم فحضرت الصلاة) هي العصر (ولم يأتِ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مسجده (فجاء بلال فأذّن بلال بالصلاة) سقط قوله فجاء بلال لأبوي ذر والوقت والأصيلي، وفي نسخة الميدومي فجاء بلال فأذن بالصلاة فأسقط لفظ بلال الثاني (ولم يأتِ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجاء) بلال (إلى أبي بكر) الصديق) -رضي الله عنه- (فقال) له (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حبس) بضم الحاء مبنيًّا للمفعول بسبب الإصلاح (وقد حضرت الصلاة فهل لك أن تؤم الناس؟ فقال: نعم إن شئت فأقام الصلاة فتقدم أبو بكر) ودخل في الصلاة (ثم جاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يمشي في الصفوف حتى قام في الصف الأول) وهو جائز للإمام مكروه لغيره (فأخذ الناس بالتصفيح) بالحاء المهملة وأوّله موحدة، ولأبي ذر في التصبيح بفيء، بدل الموحدة وله عن الكشميهني بالتصفيق بالموحدة والقاف وهما بمعنى أي ضرب كلّ يده بالأخرى حتى سمع لها صوت (حتى أكثروا) منه، (وكان أبو بكر) -رضي الله عنه- (لا يكاد يلتفت في الصلاة) لأنه اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة الرجل كما عند ابن خزيمة (فالتفت) لما أكثروا التصفيق (فإذا هو بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وراءه فأشار إليه) عليه الصلاة والسلام (بيده) الكريمة (فأمره يصلّي) وللأصيلي وأبي الوقت وأبي ذر عن الكشميهني أن يصلّي (كما هو فرفع أبو بكر يده) بالإفراد (فحمد الله) أي بلسانه زاد في باب من دخل ليؤم الناس من الصلاة على ما أمره به أي من الوجاهة في الدين زاد الأصيلي وأثنى عليه (ثم رجع) أبو بكر (القهقرى وراءه) حتى لا يستدبر القبلة ولا ينحرف عنها (حتى دخل في الصف وتقدم) بالواو ولأبوي ذر والوقت والأصيلي فتقدم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصلّى بالناس فلما فرغ) عليه الصلاة والسلام من الصلاة (أقبل على الناس فقال): (يا أيها الناس إذا نابكم) أي أصابكم (شيء في صلاتكم أخدتم بالتصفيح) بالموحدة والحاء ولأبي ذر عن الكشميهني بالتصفيق بالموحدة والقاف وإذا للظرفية المحضة لا للشرطية وفي حاشية الفرع كأصله مكتوبًا صوابه ما لكم إذا نابكم فضبب على لفظ الناس فليتأمل (إنما التصفيح للنساء. من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله) وزاد الأبوان عن الحموي سبحان الله (فإنه لا يسمعه أحد) يصلّي معه (إلا التفت) إليه (يا أبا بكر ما منعك) قال الكرماني: مجاز عن دعاك حملاً للنقيض على النقيض. قال السكاكي: والتعلق بين الصارف عن فعل الشيء والداعي إلى تركه يحتمل أن يكون منعك مرادًا به

2 - باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس

دعاك (حتى أشرت إليك) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي أشير بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (لم تصل بالناس) (فقال: ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي النبي) وللأصيلي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي قدامه إمامًا به ولم يقل ما كان ينبغي لي ولا لأبي بكر تحقيرًا لنفسه واستصغارًا لمرتبته. وفي الحديث مشروعية الإصلاح بين الناس والذهاب إليهم لذلك. 2691 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي أَنَّ أَنَسًا -رضي الله عنه- قَالَ: "قِيلَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ أَتَيْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ. فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَكِبَ حِمَارًا، فَانْطَلَقَ الْمُسْلِمُونَ يَمْشُونَ مَعَهُ -وَهْيَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ- فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ قَالَ: إِلَيْكَ عَنِّي، وَاللَّهِ لَقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِكَ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِنْهُمْ: وَاللَّهِ لَحِمَارُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ. فَغَضِبَ لِعَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَشَتَمَا، فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابُهُ، فَكَانَ بَيْنَهُمَا ضَرْبٌ بِالْجَرِيدِ وَالأَيْدِي وَالنِّعَالِ، فَبَلَغَنَا أَنَّهَا أُنْزِلَتْ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد المهملة الأولى ابن مسرهد قال: (حدّثنا معتمر) بضم الميم الأولى وكسر الميم الثانية (قال: سمعت أبي) سليمان بن طرخان (أن أنسًا) هو ابن مالك (-رضي الله عنه- قال: قيل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لو أتيت عبد الله بن أبي) أي ابن سلول الخزرجي وكان منزله بالعالية ولو للتمني فلا تحتاج إلى جواب أو على أصلها والجواب محذوف أي لكان خيرًا أو نحو ذلك، (فانطلق إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وركب حمارًا) جملة حالية (فانطلق المسلمون) حال كونهم (يمشون معه) عليه السلام (وهي) أي الأرض التي مرّ فيها عليه السلام (أرض سبخة) بكسر الموحدة ذات سباخ تعلوها الملوحة لا تكاد تنبت إلا بعض الشجر (فلما أتاه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): أي عبد الله بن أبي له عليه الصلاة والسلام ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: (إليك) أي تنح (عني والله لقد آذاني نتن حمارك) وفي تفسير مقاتل مرّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الأنصار وهو راكب حماره يعفور فبال فأمسك ابن أبي بأنفه وقال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خلِّ للناس سبيل الريح من نتن هذا الحمار (فقال رجل من الأنصار منهم) هو عبد الله بن رواحة (والله لحمار رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أطيب ريحًا منك) برفع أطيب خبرًا لحمار واللام للتأكيد (فغضب لعبد الله) أي لأجل عبد الله بن أبي (رجل من قومه) قال ابن حجر: لم أعرفه (فشتما) بالتثنية من غير ضمير أي شتم كل واحد منهما الآخر ولأبي ذر عن الكشميهني فشتمه (فغضب لكل واحد منهما أصحابه فكان بينهما ضرب بالجريد) بالجيم والراء الغصن الذي يجرد عنه الخوص ولأبي ذر عن الكشميهني بالحديد بالحاء والدال المهملتين والأول أصوب (والأيدي والنعال) قال أنس بن مالك (فبلغنا أنها) أي الآية (أنزلت) بهمزة مضمومة ولابوي ذر والوقت والأصيلي نزلت: ({وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}) [الحجرات: 9]. واستشكل ابن بطال نزول هذه الآية في هذه القصة أن المخاصمة وقعت بين من كان معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الصحابة وبين أصحاب عبد الله بن أبي وكانوا حينئذٍ كفارًا. وأجيب: بأن قول أنس بلغنا أنها أنزلت لا يستلزم النزول في ذلك الوقت، ويؤيده أن نزول آية الحجرات متأخر جدًّا. وقال مغلطاي فيما نقله عنه في المصابيح وفي تفسير ابن عباس: وأعان ابن أبي رجال من قومه وهم مؤمنون فاقتتلوا قال: وهذا فيه ما يزيل استشكال ابن بطال، وذكر سعيد بن جبير أن الأوس والخزرج. 2 - باب لَيْسَ الْكَاذِبُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ (باب) بالتنوين (ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس) أي ليس من يصلح بين الناس كاذبًا فهو من باب القلب قاله في الفتح. 2692 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) الزهري (أن حميد بن عبد الرحمن) بضم الحاء وفتح الميم مصغرًا ابن عوف (أخبره أن أمه أم كلثوم) بضم الكاف وبالمثلثة (بنت عقبة) بضم العين وسكون القاف ابن أبي معيط أُخت عثمان بن عفان لأمه (أخبرته أنها سمعت رسول الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (ليس الكذاب الذي) ولأبي الوقت والأصيلي: بالذي (يصلح بين الناس) بضم الياء من الإصلاح والجملة في محل نصب خبر ليس (فينمي خيرًا) بفتح المثناة التحتية وسكون النون وكسر الميم يقال: نميت الحديث بالتخفيف أنميه إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير فإذا بلغته على وجه الإفساد

3 - باب قول الإمام لأصحابه: اذهبوا بنا نصلح

والنميمة قلت نميته بالتشديد كذا قال أبو عبيدة وابن قتيبة والجمهور، وقال الحربي: هي مشددة وأكثر المحدثين يخففها وهذا لا يجوز ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يلحن ومن خفف لزمه أن يقول خير يعني بالرفع. قال ابن الأثير: وهذا ليس بشيء فإن خيرًا ينتصب بينمي كما ينتصب بقال. (أو يقول خيرًا) شك من الراوي، وليس المراد نفي ذات الكذب بل نفي إثمه فالكذب كذب سواء كان للإصلاح أو لغيره وقد يرخص في بعض الأوقات في الفساد القليل الذي يؤمل فيه الصلاح الكثير، وعند مسلم والنسائي من رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه في آخر هذا الحديث ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس أنه كذب إلا في ثلاث يعني الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته، لكن هذه الزيادة مدرجة كما بيّن ذلك مسلم من طريق يونس عن الزهري فجوّز قوم الكذب في هذه الثلاثة وقاس بعضهم عليها أمثالها وقالوا: إن الكذب مذموم فيما فيه مضرّة أو ما ليس فيه مصلحة ومنعه بعضهم مطلقًا وحملوا المذكور هنا على التورية كأن يقول للظالم دعوت لك أمس يعني اللهم اغفر للمسلمين ويعد امرأته بعطية شيء ويريد إن قدّر الله وأن يظهر من نفسه قوّة في الحرب. قال المهلب: وإنما أطلق عليه السلام للمصلح بين الناس أن يقول ما علم من الخير بين الفريقين ويسكت عما سمع من الشر بينهم لا أنه يخبر بالشيء على خلاف ما هو عليه. وقال في المصابيح: وليس في تبويب البخاري ما يقتضي جواز الكذب في الإصلاح، وذلك أنه قال: ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس وسلب الكاذب عن الإصلاح لا يسلتزم كون ما يقوله كذبًا لجواز أن يكون صدقًا بطريق التصريح أو التعريض وكذا الواقع في الحديث فإنه ليس فيه الكذاب الذي يصلح بين الناس واتفقوا على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما هو فيما لا يسقط حقًّا عليه أو عليها أو أخذ ما ليس لها أو له وعلى جواز الكذب عند الاضطرار كما لو قصد ظالم قتل رجل هو مختف عنده فله أن ينفي كونه عنده ويحلف على ذلك ولا يأثم. وهذا الحديث ثابت في رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي ساقط عند غيرهما. 3 - باب قَوْلِ الإِمَامِ لأَصْحَابِهِ: اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ (باب قول الإمام لأصحابه اذهبوا بنا نصلح) بالرفع. 2693 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه-: "أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ فَقَالَ اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله) هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي فيما جزم به الحاكم قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي) هو من مشايخ المؤلّف وروى عنه بلا واسطة في الباب السابق (وإسحاق بن محمد الفروي) بفتح الفاء وسكون الراء من مشايخه أيضًا (قالا: حدّثنا محمد بن جعفر) هو ابن أبي كثير (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الأنصاري (-رضي الله عنه- أن أهل قباء) بالصرف وفي أول كتاب الصلح أن ناسًا من بني عمرو بن عوف (اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول الله) بضم الهمزة وكسر الموحدة وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك فقال) لبعض أصحابه وسمى منهم أُبيّ بن كعب وسهيل بن بيضاء كما في الطبراني. (اذهبوا بنا نصلح بينهم) برفع نصلح على تقدير نحن نصلح، ولأبي ذر نصلح بالجزم على جواب الأمر. وفي الحديث خروج الإمام في أصحابه للإصلاح بين الناس عند شدّة تنازعهم. وهذا الحديث طرف من الحديث السابق أوّل كتاب الصلح ومطابقته لما ترجم به هنا ظاهرة. 4 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنْ يُصلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] (باب قول الله تعالى) في سورة النساء مخبرًا ومشرعًا عن حال الزوجين تارة في نفور الرجل عن المرأة وتارة في حال اتفاقه معها وتارة عند فراقه لها ({أن يُصلِحا بينهما صلحًا}) أصله أن يتصالحا فأبدلت التاء وأدغمت في تاليتها أن يصطلحا بأن تحطّ له بعض المهر أو القسم أو تهب له شيئًا تستميله به وقرأ الكوفيون أن يصلحا من أصلح بين المتنازعين وعلى هذا جاز أن ينتصب صلحًا على المفعول به وبينهما ظرف أو حال منه على المصدر كما في القراءة الأولى والمفعول بينهما أو هو محذوف ({والصلح خير}) [النساء: 128] من الفرقة وسوء العشرة أو من الخصومة، ويجوز أن لا يراد به التفضيل بل بيان أنه من الخيور كما أن الخصومة من الشرور قاله البيضاوي. 2694 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} قَالَتْ: "هُوَ الرَّجُلُ يَرَى مِنِ امْرَأَتِهِ مَا لاَ يُعْجِبُهُ كِبَرًا أَوْ غَيْرَهُ فَيُرِيدُ فِرَاقَهَا، فَتَقُولُ: أَمْسِكْنِي، وَاقْسِمْ لِي مَا شِئْتَ. قَالَتْ: ولاَ بَأْسَ إِذَا تَرَاضَيَا". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد)

5 - باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود

الثقفي أبو رجاء البغلاني بفتح الموحدة وسكون المعجمة قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-) في تفسير قوله تعالى: ({وإن امرأة خافت من بعلها}) توقعت منه لما ظهر لها من المخايل ({نشوزًا}) تجافيًا عنها وترفعًا عن صحبتها كراهية لها ({أو إعراضًا}) [النساء: 128] بأن يقل مجالستها ومحادثتها (قالت: هو الرجل يرى من امرأته ما لا يعجبه كبرًا) بكسر الكاف وفتح الموحدة أي كبر السن والهرم وفي الفرع كبرًا بسكون الموحدة وليس هو في اليونينية (أو غيره) من سوء خُلق أو خَلق ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وغيره بإسقاط الألف وله أيضًا عن الكشميهني وغيره بمثناة فوقية بدل الهاء (فيريد فراقها فتقول) أي المرأة لزوجها (امسكني) ولا تفارقني (واقسم لي ما شئت) من النفقة وغيرها (قالت) عائشة (فلا) بالفاء ولأبي ذر: ولا (بأس) بذلك (إذا تراضيا) أي الرجل وامرأته. وتأتي مباحث ذلك في تفسير سورة النساء إن شاء الله تعالى بعون الله. 5 - باب إِذَا اصْطَلَحُوا عَلَى صُلْحِ جَوْرٍ فَالصُّلْحُ مَرْدُودٌ هذا (باب) بالتنوين (إذا اصطلحوا) أي المتخاصمون (على صلح جور) بالإضافة أي ظلم وجوّز في الفتح وغيره تنوين صلح فيكون جور صفة له (فالصلح) بالفاء جواب إذا المتضمنة معنى الشرط ولأبوي ذر والوقت والأصيلي فهو (مردود). 2695 , 2696 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنهما قَالاَ: "جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ. فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ. فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَقَالُوا لِي: عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ، فَفَدَيْتُ ابْنِي مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَقَالُوا: إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ. وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ -لِرَجُلٍ- فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا. فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا". وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني -رضي الله عنهما-) أنهما (قالا: جاء أعرابي فقال: يا رسول الله اقضِ بيننا بكتاب الله) القرآن أو بحكم الله مطلقًا والثاني أولى لأن النفي والرجم ليسا في القرآن نعم يؤخذ من الأمر بطاعة الرسول في قوله: {وما آتاكم الرسول فخذوه} [الحشر: 7] ونحوه وفي حديث عبادة بن الصامت عند مسلم مرفوعًا: خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم فوضح دخوله تحت السبيل المذكور في الآية فيصير التغريب في القرآن من هذا الوجه، لكن زيادة الجلد مع الرجم منسوخة بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجم من غير جلد، ولا ريب أنه عليه الصلاة والسلام إنما يحكم بكتاب الله، فالمراد أن يفصل بينهما بالحكم الصرف لا بالصلح إذ للحاكم أن يفعل ذلك برضا الخصوم. (فقام خصمه) هو في الأصل مصدر خصمه يخصمه إذا نازعه وغالبه ثم أطلق على المخاصم وصار اسمًا له ولذا يطلق على الواحد والاثنين والأكثر بلفظ واحد مذكرًا كان المخاصم أو مؤنثًا لأنه بمعنى ذو كذا على القول البصريين في رجل عدل ونحوه قال تعالى: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب} [ص: 21] وربما ثني وجمع نحو: لا تخف خصمان ولم يسم هذا الخصم (فقال: صدق اقضِ) وللأصيلي وأبوي الوقت وذر عن الكشميهني والمستملي: فاقضِ (بيننا بكتاب الله، فقال الأعرابيّ: إن ابني) لم يسم (كان عسيفًا) وفي الشروط فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه. نعم فاقضِ بيننا بكتاب الله وائذن لي فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قل قال إن ابني كان عسيفًا وظاهر هذه الرواية أن القائل إن ابني كان عسيفًا هو الثاني لا الأول، وجزم الكرماني بأنه الأول لا الثاني ولعله تمسك بقوله هنا. فقال الأعرابيّ: إن ابني، لكن قال الحافظ ابن حجر إن قوله فقال الأعرابي إن ابني زيادة شاذة وإن المحفوظ في سائر الطرق غير ما هنا انتهى. والعسيف: بالسين المهملة المخففة والفاء أي أجيرًا (على هذا) لم يقل لهذا ليعلم أنه أجير ثابت الأجرة عليه لكونه لابس العمل وأتمه (فزنى) ابني (بأمرأته) لم تسم (فقالوا لي: على ابنك الرجم) أي إن كان بكرًا واعترف (ففديت ابني منه بمائة من الغنم ووليدة) أي جارية ومن في قوله منه للبدلية كما في قوله تعالى: {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} [التوبة: 38] أي بدل الآخرة (ثم سألت أهل العلم) الصحابة الذين كانوا

يفتون في عصره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهم الخلفاء الأربعة وثلاثة من الأنصار أُبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت، وزاد ابن سعد في الطبقات عبد الرحمن بن عوف (فقالوا: إنما على ابنك جلد مائة) بإضافة جلد لمائة في الفرع اليونيني وفي الفرع المقروء على الميدومي جلد بالتنوين مائة بالنصب على التمييز، وقال القاضي عياض: إنه رواية الجمهور قال وجاء عن الأصيلي جلده مائة بالإضافة مع إثبات الهاء يعني بإضافة المصدر إلى ضمير الغائب العائد على الابن من باب إضافة المصدر إلى المفعول قال وهو بعيد إلا أن ينصب مائة على التفسير أو يضمر مضاف أي عدد مائة أو نحو ذلك (وتغريب عام) ونفي من البلد الذي وقعت فيه الجناية (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لأقضين بينكما بكتاب الله) أي بحكمه (أما الوليدة) الجارية (والغنم) اللذان افتديت بهما ابنك (فرد) أي مردود (عليك) فأطلق المصدر على المفعول، ولأبوي الوقت وذر عن الحموي والمستملي: فترد على صيغة المجهول من المضارع قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على أن ما أخذ بالمعاوضة الفاسدة يجب ردّه ولا يملك (وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام) بالإضافة فيهما زاد في باب: إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنا عند الحاكم من حديث عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب وجلد ابنه مائة وغرّبه عامًّا (وأما أنت يا أنيس -لرجل-) من أسلم وهو بضم الهمزة وفتح النون مصغرًا هو أنيس بن الضحاك الأسلمي لا ابن مرثد ولا خادمه عليه الصلاة والسلام (فاغد على امرأة هذا) أي ائتها غدوة أو امشِ إليها (فارجمها) إن اعترفت كما في الرواية الأخرى، (فغدا عليها أنيس فرجمها) بعد أن اعترفت وإنما خصّ عليه الصلاة والسلام أنيسًا بهذا الحكم لأنه من قبيلة المرأة وقد كانوا ينفرون من حكم غيرهم. لكن في بعض الروايات فاعترفت فأمر بها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرجمت. قال القرطبي: وهو يدل على أن أنيسًا إنما كان رسولاً ليسمع إقرارها وإن تنفيذ الحكم كان منه عليه الصلاة والسلام ويشكل عليه كونه اكتفى في ذلك بشاهد واحد. وأجيب: بأن قوله فاعترفت فأمر بها فرجمت هو من رواية الليث عن الزهري، وقد رواه عن الزهري مالك بلفظ: فاعترفت فرجمها لم يقل فأمر بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرجمت، وعند التعارض فحديث مالك أولى لما تقرر من ضبط مالك وخصوصًا في حديث الزهري فإنه من أعرف الناس به، فالظاهر أن أنيسًا كان حاكمًا، ولئن سلمنا أنه كان رسولاً فليس في الحديث نص على انفراده بالشهادة فيحتمل أن غيره شهد عليها. وبقية مباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الحدود. وقد سبق بعض الحديث في باب الوكالة في الحدود من كتاب الوكالة. ومطابقته لما ترجم له في قوله: "أما الوليدة والغنم فرد عليك" لأنه في معنى الصلح عما وجب على العسيف من الحد ولم يكن ذلك جائزًا في الشرع فكان جورًا. 2697 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَخْرَمِيُّ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ. وبه قال: (حدثنا يعقوب) هو ابن إبراهيم الدورقي كما في المغازي في باب من شهد بدرًا. قال البخاري: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم قال أبو ذر في روايته أي الدورقي وبذلك رجحه الحافظ ابن حجر حملاً لما أطلقه البخاري هنا على ما قيده في المغازي قال: وهذه عادة البخاري لا يهمل نسبة الراوي إلا إذا ذكرها في مكان آخر فيهملها استغناء عنها بما ذكره قال: (حدثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن القاسم بن محمد) هو ابن أبي بكر الصديق المدني (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت. قال رسول الله) ولأبوي الوقت وذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من أحدث في أمرنا) ديننا (هذا ما ليس فيه) مما لا يوجد في كتاب ولا سُنّة ولأبوي الوقت وذر منه (فهو رد) من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول أي فهو مردود أي باطل غير معتد به. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأقضية وأبو داود وابن ماجه في السُّنن. (رواه) أي الحديث المذكور (عبد الله بن جعفر) أي ابن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة (المخرمي) بفتح

6 - باب كيف يكتب "هذا ما صالح فلان ابن فلان وفلان ابن فلان وإن لم ينسبه إلى قبيلته أو نسبه"

الميم الأولى وكسر الثانية بينهما خاء معجمة ساكنة فراء مفتوحة نسبة إلى جده الأعلى فيما وصله مسلم من طريق أبي عامر العقدي والبخاري في خلق أفعال العباد، (وعبد الواحد بن أبي عون) المدني فيما وصله الدارقطني من طريق عبد العزيز بن محمد عنه، وليس لعبد الواحد في البخاري سوى هذا (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف وسعد بسكون العين. 6 - باب كَيْفَ يُكْتَبُ "هَذَا مَا صَالَحَ فُلاَنُ ابْنُ فُلاَنٍ وَفُلاَنُ ابْنُ فُلاَنٍ وَإِنْ لَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى قَبِيلَتِهِ أَوْ نَسَبِهِ" هذا (باب) بالتنوين (كيف يكتب) بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول أي كيف يكتب الصلح؟ يكتب (هذا ما صالح فلان بن فلان وفلان بن فلان) فيكتفي بذلك إن كان مشهورًا (ولم) ولأبي ذر عن الكشميهني وإن لم (ينسبه إلى قبيلته أو نسبه) ولأبي ذر والأصيلي في نسخة إلى قبيلة بإسقاط المثناة الفوقية التي بعد اللام إذا كان مشهورًا بدون ذلك بحيث يؤمن اللبس وإلا فتتعيّن النسبة. 2698 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ كَتَبَ عَلِيٌّ بن أبي طالب رضوان الله عليه بَيْنَهُمْ كِتَابًا فَكَتَبَ "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لاَ تَكْتُبْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، لَوْ كُنْتَ رَسُولاً لَمْ نُقَاتِلْكَ. فَقَالَ لِعَلِيٍّ: امْحُهُ. فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا أَنَا بِالَّذِي أَمْحَاهُ. فَمَحَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، وَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَدْخُلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَلاَ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ بِجُلُبَّانِ السِّلاَحِ. فَسَأَلُوهُ: مَا جُلُبَّانُ السِّلاَحِ؟ فَقَالَ: الْقِرَابُ بِمَا فِيهِ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة أبو بكر العبدي البصري المعروف ببندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني الكوفي أنه (قال: سمعت البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: لما صالح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهل الحديبية) بتخفيف الياء في الفرع كأصله وغيره قال القاضي عياض كذا ضبطناه عن المتقنين وعامّة الفقهاء والمحدثون يشدّدونها وهي قرية ليست بالكبيرة سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة (كتب علي بن أبي طالب رضوان الله عليه) بأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسقط لغير أبوي ذر والوقت ابن أبي طالب (بينهم) أي بين المسلمين والمشركين (كتابًا) بالصلح على أن يوضع الحرب بينهم عشر سنين وأن يأمن بعضهم بعضًا وأن يرجع عنهم عامهم (فكتب محمد رسول الله) فيه حذف أي هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله زاد في رواية غير أبي ذر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال المشركون لا تكتب محمد رسول الله لو كنت رسولاً لم نقاتلك. فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لعليّ) -رضي الله عنه-: (امحه) بضم الحاء في الفرع كأصله وفي نسخة بفتحها أي امح الخط الذي لم يريدوا إثباته يقال محوت الكتابة ومحيتها (فقال) ولأبوي ذر والوقت: قال (عليّ) -رضي الله عنه- (ما أنا بالذي أمحاه) ليس بمخالفة لأمره عليه الصلاة والسلام بل علم بالقرينة أن الأمر ليس للإيجاب (فمحاه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد أبو ذر عن الكشميهني والمستملي بيده (وصالحهم على أن يدخل هو وأصحابه) في العام المقبل مكة (ثلاثة أيام ولا) بالواو ولأبي ذر فلا (يدخلوها إلا بجلبان السلاح) بضم الجيم وسكون اللام وبضمها وتشديد الموحدة وقال عياض وبالتشديد ضبطناه وصوّبه ابن قتيبة وبالتخفيف ضبطه الهروي وصوّبه وإنما اشترطوا ذلك ليكون أمارة للسلم لئلا يظن أنهم دخلوها قهرًا (فسألوه ما جلبان السلاح) بتخفيف الموحدة وتشديدها (فقال) ولأبي ذر قال: (القراب بما فيه). ومطابقته للترجمة في قوله فكتب محمد رسول الله ولم ينسبه لأبيه وجده وأقرّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك لأمن اللبس. وهذا الحديث أخرجه مسلم في المغازي وأبو داود في الحج. 2699 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: "اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ كَتَبُوا: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالُوا: لاَ نُقِرُّ بِهَا، فَلَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا مَنَعْنَاكَ، لَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ: امْحُ: "رَسُولُ اللَّهِ" قَالَ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أَمْحُوكَ أَبَدًا، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْكِتَابَ فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، لاَ يَدْخُلُ مَكَّةَ سِلاَحٌ إِلاَّ فِي الْقِرَابِ، وَأَنْ لاَ يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَّبِعَهُ، وَأَنْ لاَ يَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا. فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ اخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الأَجَلُ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَتَبِعَتْهُمُ ابْنَةُ حَمْزَةَ -يَا عَمِّ، يَا عَمِّ- فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ احْمِلِيهَا. فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ. فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا وَهْيَ ابْنَةُ عَمِّي وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي. وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي. فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِخَالَتِهَا وَقَالَ: الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ، وَقَالَ لِعَلِيٍّ أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ. وَقَالَ لِجَعْفَرٍ أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي. وَقَالَ لِزَيْدٍ: أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلاَنَا". وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين مصغرًا أبو محمد العبسي مولاهم الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق (عن) جده (أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء) وللأصيلي زيادة ابن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذي القعدة) بفتح القاف في الفرع كأصله وغيرهما (فأبى أهل مكة أن يدعوه) بفتح الدال أي امتنعوا أن يتركوه (يدخل مكة حتى قاضاهم) من القضاء وهو إحكام الأمر وإمضاؤه (على أن يقيم بها ثلاثة أيام) فقط (فلما كتبوا الكتاب) بخط علي (كتبوا هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله) زاد في غير رواية أبي ذر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالوا): أي المشركون (لا نقرّ بها) أي بالرسالة (فلو) بالفاء ولأبي ذر ولو (نعلم أنك رسول الله ما منعناك) من دخول

مكة وعبّر بالمضارع بعد لو التي للماضي لتدل على الاستمرار أي استمر عدم علمنا برسالتك في سائر الأزمنة من الماضي والمضارع وهذا كقوله تعالى: {لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم} [الحجرات: 7] قاله في شرح المشكاة (لكن أنت محمد بن عبد الله قال): (أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله ثم قال لعليّ امح رسول الله) بالرفع على الحكاية ولأبي الوقت امح رسول الله بالنصب على المفعولية (قال) أي علي (لا والله لا أمحوك أبدًا) لعلمه بالقرائن أن الأمر ليس للإيجاب (فأخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكتاب فكتب) إسناد الكتابة إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على سبيل المجاز لأنه الآمر بها، وقيل كتب وهو لا يحسن بل أطلقت يده بالكتابة ولا ينافي هذا كونه أميًّا لا يحسن الكتابة لأنه ما حرك يده تحريك من يحسن الكتابة إنما حركها فجاء المكتوب صوابًا من غير قصد فهو معجزة ودفع بأن ذلك مناقض لمعجزة أخرى وهو كونه أميًّا لا يكتب وفي ذلك إفحام الجاحد وقيام الحجة والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضًا وقيل لما أخذ القلم أوحى الله إليه فكتب، وقيل ما مات حتى كتب (هذا) إشارة إلى ما في الذهن مبتدأ خبره قوله (ما قاضى) ومفسر له زاد أبو ذر عن الكشميهني عليه (محمد بن عبد الله لا يدخل) بفتح أوّله وضم ثالثه (مكة سلاح) بالرفع وللأصيلي إلا وله ولأبي الوقت بسلاح بزيادة حرف الجر ولأبوي الوقت وذر لا يدخل بضم أوله وكسر ثالثه مكة سلاحًا بالنصب على المفعولية (إلا في القراب) وقوله لا يدخل مفسر لقوله قاضى وكذا قوله (وأن لا يخرج) بفتح أوّله وضم الراء (من أهلها بأحد) أي من الرجال (إن أراد أن يتبعه) بتشديد المثناة الفوقية ولأبي ذر والأصيلي يتبعه بسكونها (وأن لا يمنع أحدًا من أصحابه أراد أن يقيم بها) أي بمكة. (فلما دخلها) أي مكة في العام القابل (ومضى الأجل) وهو الأيام الثلاثة أي قرب انقضاؤها كقوله تعالى: {فإذا بلغن أجلهن} [البقرة: 234] قال الكرماني ولا بدّ من هذا التأويل لئلا يلزم عدم الوفاء بالشرط (أتوا عليًّا) -رضي الله عنه- (فقالوا: قل لصاحبك) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لأصحابك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه (أخرج عنا فقد مضى الأجل) زاد البيهقي فحدّثه عليّ بذلك فقال نعم (فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتبعتهم ابنة) وللأصيلي بنت (حمزة) اسمها عمارة أو أمامة (يا عم يا عم) مرتين أي تقول له عليه الصلاة والسلام يا عم لأنه عمها من الرضاعة (فتناولها علي) وللأصيلي علي بن أبي طالب (فأخذ بيدها وقال لفاطمة عليها السلام: دونك) بكسر الكاف أي خذي (ابنة عمك حملتها) بلفظ الماضي ولعل الفاء سقطت، وقد ثبتت في رواية النسائي من الوجه الذي أخرجه منه البخاري، ولأبي ذر عن الكشميهني: احمليها. وعند الحاكم من مرسل الحسن فقال علي لفاطمة وهي في هودجها: أمسكيها عندك (فاختصم فيها) أي بعد أن قدموا المدينة كما في حديث علي عند أحمد والحاكم (علي وزيد) هو ابن حارثة (وجعفر) أخو علي في أيّهم تكون عنده (فقال علي: أنا أحق بها وهي ابنة عمي) زاد في حديث علي عند أبي داود: وعندي ابنة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي أحق بها. (وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها) أي أسماء بنت عميس (تحتي) زوجتي، (وقال زيد: ابنة أخي) لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخى بين زيد وأبيها حمزة (ققضى بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لخالتها) زوجة جعفر. وفي حديث ابن عباس عند ابن سعد في شرف المصطفى بسند ضعيف فقال جعفر أولى بها فرجح جانب جعفر باجتماع قرابة الرجل والمرأة (وقال) عليه الصلاة والسلام: (الخالة بمنزلة الأم) في الحضانة لأنها تقرب منها في الحنوّ والشفقة والاهتداء إلى ما يصلح الولد ولم يقدح في حضانتها كونها متزوّجة بمن له مدخل في الحضانة بالعصوبة وهو ابن العم. واستنبط منه أن الخالة مقدمة في الحضانة على العمة لأن صفية بنت عبد المطلب كانت موجودة حينئذ وإذا قدمت على العمة مع كونها أقرب العصبات من النساء فهي مقدمة على غيرها. وفيه تقديم أقارب الأم على أقارب الأب وغير ذلك

7 - باب الصلح مع المشركين. فيه عن أبي سفيان

مما يأتي إن شاء الله تعالى في محله. (وقال) عليه الصلاة والسلام (لعلي) (أنت مني وأنا منك) أي في النسب والسابقية والمحبة وغيرها (وقال لجعفر: أشبهت خلْقي وخُلُقي) بفتح الخاء في الأول وضمها في الثانية وهي منقبة جليلة لجعفر (وقال لزيد) (أنت أخونا) في الإيمان (ومولانا) من جهة أنه أعتقه فطيب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلوبهم بنوع من التشريف على ما يليق بهم بالحال وإن كان قضى لجعفر فقد بيّن وجه ذلك. وهذا الحديث أخرجه الترمذي أيضًا ويأتي بقية مباحثه، إن شاء الله تعالى في عمرة القضية. 7 - باب الصُّلْحِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ. فِيهِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «ثُمَّ تَكُونُ هُدْنَةٌ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ». وَفِيهِ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ "لقد رأيتنا يوم أبي جندل"، وَأَسْمَاءُ، وَالْمِسْوَرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب) حكم (الصلح مع المشركين فيه عن أبي سفيان) صخر بن حرب في شأن هرقل المسوق أول الكتاب والغرض منه هنا الإشارة إلى مدة الصلح المذكورة في قوله ونحن منه في مدة وغير ذلك. (وقال عوف بن مالك) بفتح العين المهملة وسكون الواو آخره فاء الأشجعي الغطفاني فيما وصله المؤلّف بتمامه في الجزية من طريق أبي إدريس الخولاني (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (ثم تكون هدنة) بضم الهاء وسكون الدال أي صلح (بينكم وبين الأصفر) هم الروم. (وفيه) أي في الباب روى (سهل بن حنيف) بضم الحاء المهملة الأنصاري الأوسي فيما وصله في آخر الجزية وللأصيلي وفيه عن سهل بن حنيف (لقد رأيتنا يوم أبي جندل) بفتح الجيم وسكون النون وفتح الدال المهملة آخره لام العاص بن سهيل حين حضر من مكة إلى الحديبية يرسف في قيوده إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان يكتب هو وأبو سهيل بن عمرو كتاب الصلح، وكان أبو جندل قد أسلم بمكة فحبسه أبوه فهرب، وجاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخذ أبوه سهيل يجره ليردّه إلى قريش، فجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين يفتنوني في ديني، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين بمكة فرجًا ومخرجًا وإنّا قد عقدنا بيننا وبينهم صلحًا وعهدًا ولا نغدر بهم" وسقط قوله: لقد رأيتنا يوم أبي جندل لغير أبي ذر كما في الفرع وأصله. وقال في الفتح: ولم يقع في رواية أبي ذر والأصيلي لقد رأيتنا يوم أبي جندل وللأصيلي كما في الفرع، وأصله: رأتنا بهمزة ففوقية ساكنة فنون فألف فليتأمل. (و) في الباب أيضًا روت (أسماء) بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- فيما وصله في الهبة بلفظ قدمت عليّ أمي راغبة في عهد قريش لأن فيه معنى الصلح (والمسور) بن مخرمة فيما وصله في كتاب الشروط (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ويأتي إن شاء الله تعالى بعد سبعة أبواب. 2700 - وَقَالَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "صَالَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرُدُّوهُ. وَعَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا مِنْ قَابِلٍ وَيُقِيمَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، وَلاَ يَدْخُلَهَا إِلاَّ بِجُلُبَّانِ السِّلاَحِ: السَّيْفِ وَالْقَوْسِ وَنَحْوِهِ. فَجَاءَ أَبُو جَنْدَلٍ يَحْجُلُ فِي قُيُودِهِ فَرَدَّهُ إِلَيْهِمْ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَمْ يَذْكُرْ مُؤَمَّلٌ عَنْ سُفْيَانَ أَبَا جَنْدَلٍ، وَقَالَ: "إِلاَّ بِجُلُبِّ السِّلاَحِ". (وقال موسى بن مسعود) أبو حذيفة النهدي فيما وصله أبو عوانة في صحيحه وغيره (حدّثنا سفيان بن سعيد) هو الثوري (عن أبي إسحاق) هو السبيعي (عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-) أنه (قال): (صالح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المشركين يوم الحديبية) بالتخفيف (على ثلاثة أشياء -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن من أتاه من المشركين ردّه إليهم) بدل من قوله ثلاثة أشياء، (ومن أتاهم من المسلمين لم يردّوه) إليه (وعلى أن يدخلها من قابل) أي مكة من عام قابل والواو في ومن وعلى للعطف على السابق (ويقيم) بالنصب عطفًا على السابق (بها) أي بمكة (ثلاثة أيام) أي لا غير (ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح) بتخفيف الموحدة وتشديدها (السيف والقوس ونحوه) بالجر فيها بدلاً من سابقها. قال في التنقيح: كذا وقع مفسرًا هنا وهو مخالف لقوله في السياق السابق فسألوه ما جلبان السلاح قال: القراب بما فيه وهو الأصوب. قال الأزهري: الجلبان يشبه الجراب من الأدم يضع فيه الراكب سيفه مغمودًا ويضع فيه سوطه وأدائه ويعلقها في آخرة الرحل أو واسطته اهـ. قال في المصابيح: فعلى ما قاله الأزهري لا يخالف ما في هذا الحديث السياق الأول أصلاً فإنه هنا فسر السلاح الذي يوضع في الجلبان بالسيف والقوس ونحوه ولم يفسره في الأول حيث قال: القراب بما فيه فأيّ تخالف وقع فتأمله. (فجاء) ولأبي ذر عن

8 - باب الصلح في الدية

الحموي والمستملي فجعل (أبو جندل) عبد الله أو العاص بن سهيل (يحجل في قيوده) بفتح الياء وسكون الحاء المهملة وضم الجيم أي يمشي مثل الحجلة الطير الذي يرفع رجلاً ويضع أخرى لأن المقيد لا يمكنه أن ينقل رجليه معًا (فردّه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إليهم) محافظة للعهد ومراعاة للشرط ولأن أباه في الغالب لا يبلغ به الهلاك (قال: لم يذكر) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي في نسخة قال أبو عبد الله أي البخاري لم يذكر (مؤمل) بتشديد الميم الثانية مفتوحة ابن إسماعيل في روايته لهذا الحديث (عن سفيان) الثوري (أبا جندل) فتابع موسى بن إسماعيل إلا في قصة أبي جندل فلم يذكرها (وقال) بدل قوله إلا بجلبان السلاح (إلا بجلب السلاح) بضم الجيم واللام وتشديد الموحدة وإسقاط الألف والنون ولم يشدد الموحدة في الفرع. وطريق مؤمل هذا أخرجه موصولاً أحمد في مسنده عنه. 2701 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَلاَ يَحْمِلَ سِلاَحًا عَلَيْهِمْ إِلاَّ سُيُوفًا، وَلاَ يُقِيمَ بِهَا إِلاَّ مَا أَحَبُّوا. فَاعْتَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَقَامَ بِهَا ثَلاَثًا أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ فَخَرَجَ". [الحديث 2701 - طرفه في: 4252]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن رافع) بالفاء والعين المهملة العماد بن أبي يزيد أبو عبد الله القشيري النيسابوري قال: (حدّثنا سريج بن النعمان) بسين مهملة مضمومة آخره جيم البغدادي الجوهري وهو من شيوخ المؤلّف قال: (حدّثنا فليح) هو ابن سليمان بن المغيرة واسمه عبد الملك فشهر بلقبه فليح (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج) من المدينة حال كونه (معتمرًا فحال كفار قريش بينه وبين البيت) الحرام أي منعوه (فنحر هديه وحلق رأسه) ناويًا التحلّل من عمرته (بالحديبية) وهي من الحلّ (وقاضاهم) أي صالحهم (على أن يعتمر العام المقبل ولا يحمل) ولأبوي الوقت وذر عن الحموي والمستملي ولا يحتمل بمثناة فوقية بعد الحاء (سلاحًا عليهم إلا سيوفًا ولا يقيم بها) بمكة (إلا ما أحبوا) وفي الرواية السابقة ويقيم بها ثلاثة أيام (فاعتمر من العام المقبل فدخلها) عليه الصلاة والسلام (كما كان صالحهم) من غير حمل سلاح إلا ما استثنى (فلما أقام بها ثلاثًا) ولأبي الوقت في نسخة ثلاثة (أمروه) عليه الصلاة والسلام (أن يخرج) من مكة (فخرج) عليه الصلاة والسلام. 2702 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: "انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ إِلَى خَيْبَرَ وَهْيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ ... ". [الحديث 2702 - أطرافه في: 3173، 6143، 6898، 7192]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر) بموحدة مكسورة فشين معجمة ساكنة ابن المفضل قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح المعجمة مصغرًا ابن يسار بالمهملة المخففة المدني (عن سهل بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة عامر بن ساعدة الأنصاري المدني الصحابي أنه (قال: انطلق عبد الله بن سهل) الأنصاري الحارثي (ومحيصة بن مسعود بن زيد) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد المثناة التحتية المكسورة وبالصاد المهملة الحارثي (إلى خيبر وهي) أي خيبر ولأبي ذر عن الكشميهني وهم أي أهلها اليهود وللأصيلي وهو (يومئذ صلح) مع المسلمين. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الجزية والأدب والدّيات والأحكام ومسلم في الحدود وأبو داود في الدّيات وكذا الترمذي وابن ماجه، وأخرجه النسائي في القضاء والقسامة. 8 - باب الصُّلْحِ فِي الدِّيَةِ (باب الصلح في الدّية). 2703 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ أَنَّ الرُّبَيِّعَ -وَهْيَ ابْنَةُ النَّضْرِ- كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَلَبُوا الأَرْشَ وَطَلَبُوا الْعَفْوَ , فَأَبَوْا. فَأَتَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَهُمْ بِالْقِصَاصِ. فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا. فَقَالَ: يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ. فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَعَفَوْا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ» زَادَ الْفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: "فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَقَبِلُوا الأَرْشَ". [الحديث 2703 - أطرافه في: 2806، 4499، 4500، 4611، 6894]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله) بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك (الأنصاري) البصري قاضيها (قال: حدّثني) بالإفراد (حميد) الطويل (أن أنسًا) هو ابن مالك -رضي الله عنه- (حدّثهم أن الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وكسر المثناة التحتية المشددة آخره عين مهملة (وهي ابنة النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة الأنصارية عمة أنس بن مالك (كسرت ثنية جارية) أي شابة لا رقيقة ولم تسم (فطلبوا) أي قوم الجارية (الأرش وطلبوا) منهم أيضًا (العفو) عن الربيع (فأبوا) أي امتنع قوم الجارية فلم يرضوا أخذ الأرش منهم ولا بالعفو عنها (فأتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وتخاصموا بين يديه (فأمرهم) ولأبي ذر فأمر بحذف ضمير النصب (بالقصاص، فقال أنس بن النضر) وهو عمّ أنس بن مالك المستشهد يوم أحد المنزل فيه قوله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23] (أتكسر ثنية الربيع يا رسول

9 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للحسن بن علي رضي الله عنهما: «ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين، وقوله جل ذكره {فأصلحوا بينهما}

الله لا و) الله (الذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها) قال البيضاوي: لم يرد به الردّ على الرسول والإنكار لحكمه: وإنما قاله توقعًا ورجاءً من فضله تعالى أن يرضي خصمها ويلقي في قلبه أن يعفو عنها ابتغاء مرضاته. وقال شارح المشكاة لا في قوله لا والذي بعثك ليس ردًّا للحكم بل نفي لوقوعه، وقوله لا تكسر إخبار عن عدم الوقوع وذلك لما كان له عند الله من القرب والزلفى والثقة بفضل الله ولطفه في حقه أنه لا يخيبه بل يلهمهم العفو يدل عليه قوله في رواية مسلم ولا والله لا يقتص منها أبدًا أو أنه لم يكن يعرف أن كتاب الله القصاص على التعيين بل ظن التخيير لهم بين القصاص والدّية أو أراد الاستشفع به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم (فقال) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي قال: (يا أنس كتاب الله القصاص) برفعهما على الابتداء والخبر والمعنى حكم الكتاب على حذف المضاف وأشار به إلى نحو قوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194] وقوله: {والسنّ بالسنّ} [المائدة: 45] إن قلنا شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد له نسخ في شرعنا. قال في المصابيح كالتنقيح: ويروى كتاب الله بالنصب على الإغراء أي عليكم كتاب الله القصاص بالرفع مبتدأ حذف خبره أي القصاص واجب أو مستحق أو نحو ذلك (فرضي القوم وعفوا) عن الربيع فتركوا القصاص (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه) في قسمه وهو ضدّ الحنث وجعله من زمرة المخلصين وأولياء الله المطيعين. (زاد الفزاري) بفتح الفاء وتخفيف الزاي والراء مروان بن معاوية الكوفي سكن مكة فيما وصله المؤلّف في سورة المائدة (عن حميد) الطويل (عن أنس فرضي القوم وقبلوا الأرش). وهذا موضع الترجمة لأن قبول الأرش عوض القصاص لم يكن إلا بالصلح. وهذا الحديث أخرجه في التفسير والدّيات ومسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجة. 9 - باب قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما: «ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ، وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط لفظ باب لأبي ذر فيكون قول النبي رفعًا على ما لا يخفى (للحسن بن علي -رضي الله عنهما-) (ابني هذا سيد) هذا مبتدأ مؤخر وسيد خبر بعد خبر واللام في للحسن بمعنى عن (ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين) الفئة التي من جهته والتي من جهة معاوية عند اختلافهما على الخلافة. (وقوله جل ذكره) بالجر عطفًا على المجرور بالإضافة وبالرفع عطفًا على رواية سقوط لفظ باب وسقط قوله جل ذكره في رواية أبي ذر ({فأصلحوا بينهما}) [الحجرات: 9] فيه إشارة إلى أن الصلح مندوب إليه. 2704 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: "اسْتَقْبَلَ وَاللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الْجِبَالِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنِّي لأَرَى كَتَائِبَ لاَ تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ -وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ- أَىْ عَمْرُو، إِنْ قَتَلَ هَؤُلاَءِ وهَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِِ مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ، مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ، مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ؟ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ -عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ- فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَاعْرِضَا عَلَيْهِ وَقُولاَ لَهُ وَاطْلُبَا إِلَيْهِ. فَأَتَيَاهُ فَدَخَلاَ عَلَيْهِ فَتَكَلَّمَا وَقَالاَ لَهُ وطَلَبَا إِلَيْهِ. فَقَالَ لَهُمَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا. قَالاَ: فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا. وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ. قَالَ: فَمَنْ لِي بِهَذَا؟ قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ. فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلاَّ قَالاَ: نَحْنُ لَكَ بِهِ. فَصَالَحَهُ. فَقَالَ الْحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ -وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ- وَهْوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ لِي عليُّ بْنِ عَبْدِ اللهِ: إِنَّمَا ثَبَتَ لَنَا سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ. [الحديث 2704 أطرافه في: 3629، 3746، 7109]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي موسى) إسرائيل بن موسى البصري أنه (قال: سمعت الحسن) البصري (يقول استقبل والله الحسن بن علي معاوية) نصب على المفعولية ابن أبي سفيان -رضي الله عنهم- (بكتائب) بالمثناة الفوقية أي بجيوش (أمثال الجبال) أي لا يرى طرفها لكثرتها كما لا يرى من قابل الجبل طرفيه (فقال عمرو بن العاص) بإثبات الياء محرّضًا لمعاوية على قتال الحسن (إني لأرى كتائب لا تولي) لا تدبر (حتى تقتل أقرانها) بفتح الهمزة وجمع قرن بكسر القاف وهو الكفء والنظير في الشجاعة والحرب، (فقال له معاوية) جوابًا عن مقالته (وكان والله خير الرجلين) جملة معترضة من قول الحسن البصري أي وكان معاوية خيرًا من عمرو بن العاص لأنه كان يحرض معاوية على القتال ومعاوية يتوقع الصلح وأن الحسن يبايعه ويأخذ منه ما يريد من غير قتال (أي عمرو) حرف نداء ومنادى مبني على الضم (إن قتل هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء) الأوّل مرفوع على الفاعلية والثاني منصوب على المفعولية في الموضعين أي إن قتل جيشنا جيشه أو قتل جيشه جيشنا (من لي) أي من يتكفل لي (بأمور الناس) هو جواب الشرط في قوله إن قتل يعني أنه المطالب عند الله على كِلا التقديرين (من لي) ولأبي ذر من لنا (بنسائهم من لي بضيعتهم) بفتح الضاد المعجمة وسكون التحتية وبالعين المهملة أي عيالهم وقال العيني ويروى بصبيتهم بالصاد المهملة والموحدة

قال وعلى هذه الرواية فسّرها الكرماني بقوله والصبية المراد بها الأطفال والضعفاء لأنهم لو تركوا بحالهم لضاعوا لعدم استقلالهم بالمعاش اهـ. والذي في النسخة التي وقفت عليها من الكرماني والضيعة بالضاد المعجمة. نعم روى المؤلّف الحديث في الفتن بلفظ قال معاوية: من لذراري المسلمين؟ ومفهوم هذا أن معاوية كان راغبًا في الصلح وترك الحرب ليسلم من تَبِعَة الناس دنيا وأخرى -رضي الله عنه-. (فبعث إليه) أي بعث معاوية إلى الحسن (رجلين من قربش من بنى عبد شمس عبد الرحمن بن سمرة) بالنصب بدلاً من رجلين ابن حبيب بن عبد شمس القرشي من مسلمة الفتح (وعبد الله بن عامر بن كريز) بضم الكاف وفتح الراء وسكون التحتية آخره زاي وسقط قوله ابن كريز في رواية الأصيلي (فقال) معاوية لهما: (اذهبا إلى هذا الرجل) الحسن (فأعرضا عليه) الصلح (وقولا له واطلبا إليه) قال الكرماني أي يكون مطلوبكما مفوّضًا إليه وطلبكما منتهيًا إليه أي التزما مطالبه (فأتياه فدخلا عليه فتكلما) ولأبوي ذر والوقت وتكلما بالواو بدل الفاء (وقالا له) ولأبي ذر وحده فقالا له (وطلبا) بالواو ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي فطلبا (إليه فقال لهما) أي للرّسولين ولأبوي الوقت وذر عن الحموي والمستملي فقال لهم (الحسن بن علي) أي للرسولين ومن معهما (إنّا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال) بالخلافة ما صارت لنا به عادة في الإنفاق والإفضال على الأهل والحاشية فإن تخليت من أمر الخلافة قطعت العادة (وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها) بعين مهملة فألف فمثلثة فمثناة فوقية أي اتسعت في القتل والإفساد فلا تكف إلا بالمال (قالا) عبد الرحمن وعبد الله (فإنه) أي معاوية (يعرض عليك كذا وكذا) أي من المال والأقوات والثياب (ويطلب إليك ويسألك) وكان الحسن فيما قاله ابن الأثير في الكامل قد كتب إلى معاوية كتابًا وذكر فيه شروطًا وأرسل معاوية رسوليه المذكورين قبل وصول كتاب الحسن إليه ومعهما صحيفة بيضاء مختوم على أسفلها وكتب إليه أن اكتب إليّ في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها بما شئت فهو لك. (قال) الحسن (فمن لي) أي فمن يتكفل لي (بهذا) الذي ذكرتماه؟ (قالا: نحن) نتكفل (لك به فما سألهما) الحسن (شيئًا إلا قالا نحن) نتكفل (لك به) وسقط من قوله فما سألهما إلى آخره في رواية أبي ذر عن الحموي والكشميهني (فصالحه) الحسن على ما وقع من الشروط رعاية لمصلحة دينية ومصلحة الأمة، وقيل: إن معاوية أجاز الحسن بثلائمائة ألف ألف ثوب وثلاثين عبدًا ومائة جمل وقرأت في كامل ابن الأثير أن الحسن لما سلم معاوية أمر الخلافة طلب أن يعطيه الشروط التي في الصحيفة التي ختم عليها معاوية فأبى ذلك معاوية وقال قد أعطيتك ما كنت تطلب وكان الذي طلب الحسن منه أن يعطيه ما في بيت مال الكوفة ومبلغه خمسة آلاف وخراج دارابجرد من فارس ثم انصرف الحسن إلى المدينة قال الكرماني: وقد كان يومئذٍ الحسن أحقّ الناس بهذا الأمر فدعاه ورعه إلى ترك الملك رغبة فيما عند الله ولم يكن ذلك لعلّة ولا لذلّة ولا لقلّة فقد بايعه على الموت أربعون ألفًا، وفيه دلالة على جواز النزول عن الوظائف الدينية والدنيوية بالمال وجواز أخذ المال على ذلك وإعطائه بعد استيفاء شرائطه بأن يكون المنزول له أولى من النازل وأن يكون المبذول من مال الباذل. (فقال) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي قال (الحسن) أي البصري: (ولقد سمعت أبا بكرة) نفيع بن الحرث الثقفي (يقول: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى) الواو في قوله والحسن وفي قوله وهو يقبل للحال (ويقول): (إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين) تثنية فئة أي فرقتين (عظيمتين من المسلمين). (قال: قال لي علي بن عبد الله) المديني ولأبوي الوقت وذر والأصيلي قال أبو عبد الله أي البخاري قال لي عليّ بن عبد الله: (إنما ثبت لنا سماع

10 - باب هل يشير الإمام بالصلح؟

الحسن) البصري (من أبي بكرة) نفيع المذكور (بهذا الحديث) لأنه صرّح فيه بالسماع وفي رواية أبي ذر لهذا باللام بدل الموحدة. وقد أخرج المؤلّف هذا الحديث عن علي بن المديني عن ابن عيينة في كتاب الفتن ولم يذكر هذه الزيادة وأخرجه أيضًا في علامات النبوّة وفضل الحسن وأبو داود في السنّة والترمذي في المناقب والنسائي فيه وفي الصلاة واليوم والليلة. 10 - باب هَلْ يُشِيرُ الإِمَامُ بِالصُّلْح؟ هذا (باب) بالتنوين (هل يشير الإمام) لأحد الخصمين أو لهما جميعًا (بالصلح) وحرف الاستفهام ساقط لغير أبي ذر عن الحموي والمستملي. 2705 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أُمَّهُ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تَقُولُ: "سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ، عَالِيَةٍ أَصْوَاتُهُمَا، وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَىْءٍ، وَهْوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لاَ أَفْعَلُ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللَّهِ لاَ يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ؟ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدّثني) بالإفراد (أخي) عبد الحميد بن أبي أويس (عن سليمان) بن بلال (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن) الأنصاري وكان له أولاد عشرة رجالاً كاملين فكني بأبي الرجال (أن أمه عمرة) بفتح العين وسكون الميم (بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية (قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صوت خصوم) بضم الخاء جمع خصم (بالباب عالية أصواتهم) بجر عالية صفة لخصوم وفي نسخة عالية بالنصب على الحال من خصوم وإن كان نكرة لتخصيصه بالوصف أو من الضمير المستكن في الظرف المستقر ولغير الكشميهني أصواتهما بالتثنية فالجمع باعتبار من حضر الخصومة والتثنية باعتبار الخصمين أو التخاصم وقع من الجانبين بين جماعة فجمع ثم ثنى باعتبار جنس الخصم. قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على تسمية واحد منهم (وإذا أحدهما) أحد الخصمين مبتدأ خبره (يستوضع الأخر) يطلب منه أن يضع من دينه شيئًا (ويسترفقه في شيء) يطلب منه أن يرفق به في الاستيفاء والمطالبة (وهو يقول: والله لا أفعل) ما سألته من الحطيطة (فخرج) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي خرج بحذف الفاء (عليهما) على المتخاصمين (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (أين المتألي على الله) بضم الميم وفتح المثناة الفوقية والهمزة وتشديد اللام المكسورة الحالف المبالغ في اليمين (لا يفعل المعروف) (فقال: أنا يا رسول الله) المتألي (وله) أي لخصمي (أي ذلك أحب) من وضع المال والرفق ولأبوي ذر والوقت فله بالفاء بدل الواو أي بالنصب وللأصيلي له بإسقاط الفاء والواو. واستنبط من الحديث فوائد لا تخفى على المتأمل وفيه ثلاثة من التابعين وكل رجاله مدنيون وأخرجه مسلم في الشركة. 2706 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ قَالَ: "حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيِّ مَالٌ، فَلَقِيَهُ فَلَزِمَهُ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَمَرَّ بِهِمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا كَعْبُ -فَأَشَارَ بِيَدِهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: النِّصْفَ- فَأَخَذَ نِصْفَ مَا لَهُ وَتَرَكَ نِصْفًا". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف مصغرًا قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك أنه كان له على عبد الله بن أبي حدرد) بفتح الحاء وسكون الدال وفتح الراء وآخره دال مهملات (الأسلمي مال) وكان أوقيتين كما أفاده ابن أبي شيبة في رواية (فلقيه) ولأبي ذر عن الكشميهني قال فلقيه (فلزمه حتى ارتفعت أصواتهما) زاد في باب التقاضي والملازمة في المسجد من كتاب الصلاة حتى سمعهما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في بيته فخرج إليهما (فمرّ بهما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهما في المسجد (فقال): (يا كعب) زاد في الباب المذكور قال لبيك يا رسول الله (فأشار) عليه الصلاة والسلام (بيده كأنه يقول) ضع عنه من دينك (النصف فأخذ) كعب (نصف ما له عليه) وسقط لغير أبي ذر لفظ له والضمير ع في عليه لابن أبي حدرد (وترك نصفًا). وهذا الحديث قد سبق في الصلاة مع مباحثه. 11 - باب فَضْلِ الإِصْلاَحِ بَيْنَ النَّاسِ وَالْعَدْلِ بَيْنَهُمْ (باب فضل الأصلاح بين الناس والعدل بينهم). 2707 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ النَّاسِ صَدَقَةٌ». [الحديث 2707 - طرفاه في: 2891، 2989]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) أبو يعقوب الكوسج المروزي وسقط لغير أبي ذر ابن منصور قال: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن منبّه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كل سلامى) بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم

12 - باب إذا أشار الإمام بالصلح فأبى، حكم عليه بالحكم البين

مقصورًا أي كل مفصل من المفاصل الثلثمائة والستين التي في كل واحد (من الناس عليه) في كل واحد منها (صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس) بنصب كل ظرفًا لما قبله وفي الفرع كلٌّ بالرفع مبتدأ والجملة بعده خبره والعائد يجوز حذفه شكرًا لله تعالى بأن جعل عظامه مفاصل تقدر على القبض والبسط وتخصيصها من بين سائر الأعضاء لأن في أعمالها من دقائق الصنائع ما تتحير فيه الأفهام فهي من أعظم نِعَم الله على الإنسان وحق المنعم عليه أن يقابل كل نعمة منها بشكر يخصّها فيعطي صدقة كما أعطي منفعة لكن الله تعالى خفّف بأن جعل العدل بين الناس ونحوه صدقة كما قال: (يعدل) مبتدأ على تقدير العدل كقوله تسمع بالمعيدي خير من أن تراه أي أن يعدل المكلف (بين الناس) وخبره (صدقة). وهذا موضع الترجمة لأن الإصلاح كما قال الكرماني نوع من العدل وعطف العدل عليه في الترجمة من عطف العام على الخاص. وهذا الحديث أخرجه في الجهاد أيضًا ومسلم في الزكاة. 12 - باب إِذَا أَشَارَ الإِمَامُ بِالصُّلْحِ فَأَبَى، حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْحُكْمِ الْبَيِّنِ هذا (باب) بالتنوين (إذا أشار الإمام بالصلح فأبى) أي امتنع من عليه الحق من الصلح (حكم عليه بالحكم البيّن) الظاهر. 2708 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شِرَاجٍ مِنَ الْحَرَّةِ كَانَا يَسْقِيَانِ بِهِ كِلاَهُمَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلزُّبَيْرِ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ. فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ. فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: اسْقِ، ثُمَّ احْبِسْ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ. فَاسْتَوْعَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَئِذٍ حَقَّهُ لِلزُّبَيْرِ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ ذَلِكَ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْيٍ سَعَةٍ لَهُ وَلِلأَنْصَارِيِّ فَلَمَّا أَحْفَظَ الأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَوْعَى لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ، قَالَ عُرْوَةُ قَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ مَا أَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ إِلاَّ فِي ذَلِكَ: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآيَةَ". [النساء: 65]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير أن) أباه (الزبير) بن العوّام (كان يحدّث أنه خاصم رجلاً من الأنصار قد شهد بدرًا) هو حميد كما رواه أبو موسى في الذيل بسند جيد (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في شراج) بالشين المعجمة المكسورة آخره جيم أي مسايل الماء (من الحرة) بالحاء المفتوحة والراء المشددة المهملتين موضع بالمدينة (كانا يسقيان به كلاهما) تأكيد (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للزبير): (اسقِ يا زبير) بهمزة وصل في الفرع وغيره وسبق في المساقاة أن فيه القطع أيضًا (ثم أرسل) بهمزة قطع مفتوحة أي الماء (إلى جارك) الأنصاري (فغضب الأنصاري، فقال) أي الأنصاري (يا رسول الله آن كان) بمد الهمزة في الفرع مصححًا عليه على الاستفهام وسبق في المساقاة أن فيه القصر أي لأجل أن كان الزبير (ابن عمتك) صفية بنت عبد المطلب حكمت له بالتقديم (فتلوّن) تغير (وجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الغضب لانتهاك حرمة النبوّة (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (اسق) بهمزة وصل زاد في المساقاة يا زبير (ثم احبس) بهمزة وصل أي الماء (حتى يبلغ) الماء (الجدر) بفتح الجيم وسكون الدال أي الجدار قيل والمراد به هنا أصل الحائط وقيل أصول الشجر وقيل جدر المشارب بضم الجيم والدال التي يجتمع فيها أي الماء في أصول الثمار (فاستوعى) أي استوفى (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذٍ حقه للزبير) كاملاً بحيث لم يترك منه شيئًا (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل ذلك أشار على الزبير برأي سعة) بالنصب أي للسعة أي مسامحة (له وللأنصاري) وتوسيعًا عليهما على سبيل الصلح والمجاملة وفي الفرع كأصله سعة بالجر صفة لسابقه (فلما أحفظ) بهمزة مفتوحة فجاء مهملة ساكنة ففاء فمعجمة أي أغضب (الأنصاري رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استوعى للزبير حقه في صريح الحكم) وزعم الخطابي أن هذا من قول الزهري أدرجه في الخبر وفي ذلك نظر لأن الأصل أنه حديث واحد ولا يثبت الإدراج بالاحتمال (قال عروة قال الزبير والله ما أحسب هذا الآية) التي في سورة النساء (نزلت إلا في ذلك {فلا وربك}) أي فوربك ({لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر} [النساء: 65] ({بينهم} الآية) إلى آخرها. 13 - باب الصُّلْحِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَأَصْحَابِ الْمِيرَاثِ، وَالْمُجَازَفَةِ فِي ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَتَخَارَجَ الشَّرِيكَانِ فَيَأْخُذَ هَذَا دَيْنًا وَهَذَا عَيْنًا فَإِنْ تَوِيَ لأَحَدِهِمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى صَاحِبِهِ. (باب الصلح بين الغرماء وأصحاب الميراث والمجازفة في ذلك) عند المعاوضة (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله ابن أبي شيبة (لا بأس أن يتخارج الشريكان) أي إذا كان لهما دين على إنسان فأفلس أو مات أو جحد وحلف حيث لا بيّنة فيخرج هذا الشرك مما وقع في نصيب صاحبه وذلك الآخر كذلك في القسمة بالتراضي من غير قرعة مع استواء الدين (فيأخذ هذا دينًا وهذا عينا

14 - باب الصلح بالدين والعين

فإن توي) بفتح الفوقية وكسر الواو، ولأبي ذر بفتح الواو على لغة طيئ أي هلك (لأحدهما) شيء مما أخذه (لم يرجع على صاحبه) قال في النهاية أي إذا كان المتاع بين ورثة لم يقتسموه أو بين شركاء وهو في يد بعضهم دون بعض فلا بأس أن يتبايعوه بينهم وإن لم يعرف كل واحد منهم نصيبه بعينه ولم يقبضه صاحبه قبل البيع وقد رواه عطاء عنه مفسرًا قال: لا بأس أن يتخارج القوم في الشركة تكون فيأخذ هذا عشرة دنانير نقدًا وهذا عشرة دنانير والتخارج تفاعل من الخروج كأنه يخرج كل واحد عن ملكه إلى صاحبه بالبيع. 2709 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "تُوُفِّيَ أَبِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَعَرَضْتُ عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَأْخُذُوا التَّمْرَ بِمَا عَلَيْهِ فَأَبَوْا، وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ فِيهِ وَفَاءً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: إِذَا جَدَدْتَهُ فَوَضَعْتَهُ فِي الْمِرْبَدِ آذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَجَاءَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ وَدَعَا بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ قَالَ: ادْعُ غُرَمَاءَكَ فَأَوْفِهِمْ. فَمَا تَرَكْتُ أَحَدًا لَهُ عَلَى أَبِي دَيْنٌ إِلاَّ قَضَيْتُهُ، وَفَضَلَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ وَسْقًا: سَبْعَةٌ عَجْوَةٌ وَسِتَّةٌ لَوْنٌ، أَوْ سِتَّةٌ عَجْوَةٌ وَسَبْعَةٌ لَوْنٌ. فَوَافَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَغْرِبَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَضَحِكَ فَقَالَ: ائْتِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَأَخْبِرْهُمَا، فَقَالاَ: لَقَدْ عَلِمْنَا -إِذْ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا صَنَعَ- أَنْ سَيَكُونُ ذَلِكَ". وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ وَهْبٍ عَنْ جَابِرٍ: "صَلاَةَ الْعَصْرِ" وَلَمْ يَذْكُرْ "أَبَا بَكْرٍ" وَلاَ "ضَحِكَ" وَقَالَ: "وَتَرَكَ أَبِي عَلَيْهِ ثَلاَثِينَ وَسْقًا دَيْنًا". وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبٍ عَنْ جَابِرٍ "صَلاَةَ الظُّهْرِ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة العبدي البصري قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد بن الصلت الثقفي البصري قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب (عن وهب بن كيسان) بفتح الكاف (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: توفي أبي) عبد الله (وعليه دين) ثلاثون وسقًا لرجل من اليهود (فعرضت على غرمائه أن يأخذوا التمر) بالمثناة الفوقية وسكون الميم (بما عليه) من الدين (فأبوا ولم يروا أن فيه وفاء) بما لهم عليه (فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدكرت ذلك له فقال): (إذا جددته) بإهمال الدالين في الفرع وأصله وغيرهما وبالمعجمتين كما في المصابيح كالتنقيح أي: قطعته (فوضعته في المربد) بكسر الميم وفتح الموحدة الموضع الذي تجفف فيه الثمرة وجواب إذا قوله (آذنت) بهمزة ممدودة وتاء الضمير منه مفتوحة أي أعلمت (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ووضع موضع المضمر لتقوية الداعي أو للإشعار بطلب البركة منه ونحوه وفي الفرع ضم التاء أيضًا (فجاء) عليه الصلاة والسلام (ومعه أبو بكر وعمر) -رضي الله عنهما- (فجلس عليه) أي على التمر (ودعا) فيه (بالبركة ثم قال): (ادع غرماءك فأوفهم) دينهم قال جابر: (فما تركت أحدًا له على أبي دين) اليهودي وغيره (إلا قضيته وفضل ثلاثة عشر وسقًا) بفتح الضاد المعجمة من فضل ولأبي ذر وفضل بكسرها قال ابن سيده في الحكم: فضل الشيء يفضل أي من باب دخل يدخل وفضل يفضل من باب حذر يحذر ويفضل نادر جعلها سيبويه كمن تموت. وقال اللحياني فضل يفضل كحسب يحسب نادر كل ذلك بمعنى والفضالة ما فضل من الشيء (سبعة عجوة) هي من أجود تمور المدينة (وستة لون) نوع من النخل وقيل هو الدقل (أو ستة عجوة وسبعة لون) شك من الراوي (فوافيت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المغرب فذكرت ذلك له فضحك فقال): (ائت أبا بكر وعمر) -رضي الله عنهما- (فأخبرهما) لكونهما كانا حاضرين معه حين جلس على التمر ودعا فيه بالبركة مهتمين بقصة جابر (فقالا) لما أخبرهما جابر (لقد علمنا إذ صنع) أي حين صنع (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما صنع أن سيكون ذلك) بفتح الهمزة مفعول علمنا. (وقال هشام) هو ابن عروة فيما وصله المؤلّف في الاستقراض (عن وهب) هو ابن كيسان (عن جابر صلاة العصر) بدل قوله في رواية عبيد الله عن وهب المغرب (ولم يذكر) هشام (أبا بكر) بل اقتصر على عمر (ولا) ذكر قوله في رواية عبيد الله (ضحك. وقال: وترك أبي عليه ثلاثين وسقًا دينًا). (وقال ابن إسحاق) محمد في روايته (عن وهب عن جابر صلاة الظهر) فاختلفوا في تعيين الصلاة التي صلاها جابر معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أعلمه بقصته وهذا لا يقدح في صحة أصل الحديث لأن الغرض منه وهو توافقهم على حصول بركته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد حصل ولا يترتب على تعيين تلك الصلاة كبير معنى. وهذا الحديث قد مضى في الاستقراض في باب: إذا قاصّ أو جازفه في الدين وتأتي مباحثه إن شاء الله تعالى في علامات النبوّة. 14 - باب الصُّلْحِ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ (باب الصلح بالدين والعين). 2710 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ ح. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهما رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِي بَيتهِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ, فَقَالَ: يَا كَعْبُ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ، فَقَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُمْ فَاقْضِهِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عثمان بن عمر) بن فارس وسقط ابن عمر في رواية أبي ذر قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي. (وقال الليث) بن سعد فيما وصله الذهلي في الزهريات

54 - كتاب الشروط

(حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن كعب أن) أباه (كعب بن مالك أخبره أنه تقاضى ابن أبي حدرد) عبد الله (دينًا) وكان أوقيتين (كان له عليه في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد) متعلق بتقاضى (فارتفعت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في المسجد حتى ارتفعت (أصواتهما حتى سمعها) أي الأصوات (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في بيت) من بيوته جملة حالية، ولأبي ذر: في بيته (فخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهما حتى كشف سجف حجرته) بكسر السين المهملة وسكون الجيم ستر بيته (فنادى كعب بن مالك فقال): (يا كعب) (فقال) أي كعب ولأبي ذر قال: (لبيك يا رسول الله) (فأشار) إليه عليه الصلاة والسلام (بيده) الكريمة (أن ضع الشطر) من دينك (فقال كعب: قد فعلت) ذلك (يا رسول الله) ما أمرتني به وعبر بالماضي مبالغة في امتثال الأمر (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قم فاقضه) بكسر الهاء ضمير الغريم المذكور أو ضمير الشطر الباقي من الدين بعد الوضع. وفيه إشارة إلى أنه لا تجتمع الوضيعة والتأجيل. وهذا الحديث قد سبق قريبًا وفي الصلاة أيضًا والله أعلم. بسم الله الرحمن الرحيم 54 - كتاب الشروط (بسم الله الرحمن الرحيم). (كتاب الشروط) جمع شرط وهو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، فخرج بالقيد الأوّل المانع فإنه لا يلزم من عدمه شيء، وبالثاني السبب فانه يلزم من وجوده الوجود وبالثالث مقارنة الشرط للسبب فيلزم الوجود كوجود الحول الذي هو شرط لوجوب الزكاة مع النصاب الذي هو سبب للوجوب ومقارنة المانع كالدين على القول بأنه مانع من وجوب الزكاة فيلزم العدم والوجود فلزوم الوجود والعدم في ذلك لوجود السبب والمانع لا لذات الشرط ثم هو عقلي كالحياة للعلم وشرعي كالطهارة للصلاة وعادي كنصب السلم لصعود السطح ولغوي وهو المخصص كما في أكرم بني إن جاؤوا أي الجائين منهم فينعدم الإكرام المأمور به بانعدام المجيء ويوجد بوجوده إذا امتثل الأمر قاله الجلال المحلي وسقط قوله كتاب الشروط لغير أبي ذر. 1 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الشُّرُوطِ فِي الإِسْلاَمِ، وَالأَحْكَامِ، وَالْمُبَايَعَةِ (باب ما يجوز من الشروط) عند الدخول (في الإسلام) كشرط عدم التكلف بالنقلة من بلد إلى أخرى لا أنه لا يصلّي مثلاً (و) ما يجوز من الشروط في (الأحكام) أي العقود والفسوخ وغيرهما من المعاملات (والمبايعة) من عطف الخاص على العام. 2711 , 2712 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ رضي الله عنهما يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَن لاَ يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ -وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ- إِلاَّ رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ. فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامْتَعَضُوا مِنْهُ، وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلاَّ ذَلِكَ فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ذَلِكَ، فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ عَلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلاَّ رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا. وَجَاءَت الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَئِذٍ -وَهْيَ عَاتِقٌ- فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ -إِلَى قَوْلِهِ- وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 1]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي مولاهم المصري ونسبه إلى جدّه لشهرته به واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأموي مولاهم (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أنه سمع مروان) بن الحكم ولا صحبة له (والمسور بن مخرمة) وله سماع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكنه إنما قدم مع أبيه وهو صغير بعد الفتح وكانت قصة الحديبية الآتي حديثها هنا مختصرًا قبل بسنتين (-رضي الله عنهما- يخبران عن أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهم عدول ولا يقدح عدم معرفة من لم يسم منهم (قال) كلٌّ منهما (لما كاتب سهيل بن عمرو) بضم السين مصغرًا وعمرو بفتح العين وسكون الميم أحد أشراف قريش وخطيبهم وهو من مسلمة الفتح (يومئذٍ) أي يوم صلح الحديبية (كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لا يأتيك منا أحد) من قريش (وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه فكره المؤمنون ذلك وامتعضوا منه) بعين مهملة فضاد معجمة أي غضبوا من هذا الشرط وأنفوا منه وقال ابن الأثير شقّ عليهم وعظم (وأبي سهيل إلا ذلك) الشرط (فكاتبه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك فرد) عليه الصلاة والسلام (يومئذٍ أبا جندل) العاصي حين حضر من مكة إلى الحديبية يرسف في قيوده (إلى أبيه سهيل بن عمرو) لأنه لا يبلغ به

2 - باب إذا باع نخلا قد أبرت

في الغالب الهلاك (ولم يأته) بكسر الهاء عليه الصلاة والسلام (أحد من الرجال إلا ردّه) إلى قريش (في تلك المدة وان كان مسلمًا) وفاء بالشرط (وجاء المؤمنات) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وجاءت المؤمنات (مهاجرات) نصب على الحال من المؤمنات (وكانت أم كلثوم) بضم الكاف وسكون اللام وضم المثلثة (بنت عقبة بن أبي معيط) بضم العين وسكون القاف وفتح الموحدة ومعيط بضم الميم وفتح العين المهملة وسكون التحتية (ممن خرج إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومئذٍ وهي عاتق) بعين مهملة فألف فمثناة فوقية فقاف وهي شابة أول بلوغها الحلم (فجاء أهلها يسألون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرجعها إليهم) بفتح ياء المضارعة لأن ماضيه ثلاث قال تعالى: {فإن رجعك الله} (فلم يرجعها) عليه الصلاة والسلام (إليهم لما) بكسر اللام وتخفيف الميم (أنزل الله فيهنّ) في المهاجرات ({إذا جاءكم المؤمنات}) سماهن به لتصديقهن بألسنتهن ونطقهن بكلمة الشهادة ولم يظهر منهن ما يخالف ذلك ({مهاجرات}) من دار الكفر إلى دار الإسلام ({فامتحنوهن}) فاختبروهن بالحلف والنظر في العلامات ليغلب على ظنكم صدق إيمانهن ({الله أعلم بإيمانهنّ}) منكم لأن عنده حقيقة العلم (إلى قوله) تعالى ({ولا هم يحلون لهن}) [الممتحنة: 10] لأنه لا حلّ بين المؤمنة والمشرك. 2713 - قَالَ عُرْوَةُ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الآيَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ -إِلَى- غَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قَدْ بَايَعْتُكِ" كَلاَمًا يُكَلِّمُهَا بِهِ، وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلاَّ بِقَوْلِهِ". [الحديث 2713 - أطرافه في: 2733، 4182، 4891، 5288، 7214]. (قال عروة) بن الزبير متصل بالإسناد السابق أولاً (فأخبرتني عائشة) -رضي الله عنها- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يمتحنهن) يختبرهن (بهذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} إلى {غفور رحيم}) وسقط لفظ فامتحنوهن لأبي ذر (قال عروة قالت عائشة فمن أقرّ بهذا الشرط منهن قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قد بايعتك) حال كونه (كلامًا يكلمها به والله ما مسّت يده) عليه الصلاة والسلام (يد امرأة قطّ في المبايعة) بفتح الياء (وما بايعهنّ إلا بقوله). وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الطلاق ويأتي إن شاء الله تعالى تامًّا قريبًا من وجه آخر عن ابن شهاب. 2714 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: "بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاشْتَرَطَ عَلَىَّ: وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن زياد بن علاقة) بعين مهملة مكسورة وبقاف الثعلبي بالمثلثة والعين المهملة الكوفي أنه (قال: سمعت جربرًا) بفتح الجيم وكسر الراء الأولى (-رضي الله عنه- يقول): (بايعت رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاشترط علي والنصح) بالنصب (لكل مسلم) وفي نسخة في الفرع وأصله وغيرهما وعليه شرح الكرماني والنصح بالجر عطفًا على مقدّر يعلم من الحديث بعده أي على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة. 2715 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد البجلي أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (قيس بن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي البجلي أيضًا (عن جرير بن عبد الله) البجلي (-رضي الله عنه-) أنه (قال): (بايعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على إقام الصلاة) حذف تاء إقامة لأن المضاف إليه عوض عنها (وإيتاء الزكاة والنصح) بالجر عطفًا على السابق (لكل مسلم) ولأبي ذر والنصح بالرفع كما في الفرع وأصله. 2 - باب إِذَا بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ هذا (باب) بالتنوين (إذا باع) شخص (نخلاً) حال كونها (قد أبرت) بضم الهمزة وتشديد الموحدة ولأبي ذر أبرت بتخفيفها وهو الأكثر أي لقحت وزاد في رواية أبي ذر عن الكشميهني ولم يشترط الثمرة أي المشتري وجواب الشرط محذوف تقديره فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المشتري. 2716 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من باع نخلاً قد أبرت) مبني للمفعول مع تشديد الموحدة ولأبي ذر أبرت بتخفيفها (فثمرتها للبائع) بالمثلثة وبالمثناة بعد الراء ولأبي ذر فثمرتها بحذف المثناة (إلا أن يشترط المبتاع) أي المشتري. وتقدم هذا الحديث في باب من باع نخلاً قد أبرت من كتاب البيوع. 3 - باب الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ (باب الشروط في البيع) ولأبي ذر في البيوع بالجمع. 2717 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةََ-رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ: "أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ عَائِشَةَ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا، وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَأَبَوْا وَقَالُوا: إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ وَيَكُونَ لَنَا وَلاَؤُكِ. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهَا: ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر في نسخة: أخبرنا

4 - باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز

(عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحرثي القعنبي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ولأبي ذر حدّثنا ليث (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (أن عائشة -رضي الله عنها- أخبرته أن بريرة جاءت عائشة تستعينها في كتابتها ولم تكن) بريرة (قضت) لمواليها (من كتابتها شيئًا) وكانت كاتبتهم على تسع أواق في كل عام أوقية (قالت لها عائشة: ارجعي إلى أهلك) بكسر الكاف أي مواليك (فإن أحبّوا أن أقضي عنك كتابتك) وأعتقك (ويكون) بالنصب عطفًا على السابق (ولاؤك) الذي هو سبب الإرث (لي فعلت) ذلك (فذكرت ذلك) الذي قالته عائشة (بريرة إلى أهلها) ولأبي ذر لأهلها (فأبوا) امتنعوا (وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك) بكسر الكاف (فلتفعل ويكون) بالنصب عطفًا على المنصوب السابق (لنا ولاؤك، فذكرت ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال لها): (ابتاعيـ) ها (فأعتقيـ) ـها بهمزة قطع وحذف الضمير المنصوب في الموضعين للعلم به (فإنما الولاء لمن أعتق). وفيه دليل لقول الشافعي في القديم إنه يصح بيع رقبة المكاتب ويملكه المشتري مكاتبًا ويعتق بأداء النجوم إليه والولاء له أما على الجديد فلا يصح. وترجمة المؤلّف هنا مطلقة تحتمل جواز الاشتراط في البيع وعدم الجواز ومذهب الشافعية لا يجوز بيع وشرط كبيع بشرط بيع أو قرض للنهي عنه في حديث أبي داود وغيره إلا في ست عشرة مسألة. أولها: شرط الرهن. ثانيها: الكفيل المعين لثمن في الذمة للحاجة إليهما في معاملة من لا يرضى إلا بهما ولا بدّ من كون الرهن غير المبيع فإن شرط رهنه بالثمن أو غيره بطل البيع لاشتماله على شرط رهن ما لم يملكه بعد. ثالثها: الإشهاد لقوله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم}. رابعها: الخيار. خامسها: الأجل المعين. سادسها: العتق للمبيع في الأصح لأن عائشة -رضي الله عنها- اشترت بريرة بشرط العتق والولاء ولم ينكر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الولاء لهم بقوله ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله إلى آخره ولأن استعقاب البيع العتق عهد في شراء القريب فاحتمل شرطه والثاني البطلان كما لو شرط بيعه أو هبته، وقيل يصح البيع ويبطل الشرط. سابعها: شرط الولاء لغير المشتري مع العتق في أضعف القولين فيصح البيع ويبطل الشرط لظاهر حديث بريرة والأصح بطلانهما لما تقرر في الشرع من أن الولاء لمن أعتق، وأما قوله لعائشة: واشترطي لهم الولاء فأجيب عنه بأن الشرط لم يقع في العقد وبأنه خاص بقضية عائشة وبأن لهم بمعنى عليهم. ثامنها: البراءة من العيوب في المبيع. تاسعها: نقله من مكان البائع لأنه تصريح بمقتضى العقد. عاشرها وحادي عاشرها: قطع الثمار أو تبقيتها بعد الصلاح. ثاني عشرها: أن يعمل فيه البائع عملاً معلومًا كأن باع ثوبًا بشرط أن يخيطه في أضعف الأقوال وهو في المعنى بيع وإجارة يوزع المسمى عليها باعتبار القيمة، وقيل يبطل الشرط ويصح البيع بما يقابل المبيع من المسمى والأصح بطلانهما لاشتمال البيع على شرط عمل فيما لم يملكه بعد. ثالث عشرها: أن يشترط كون العبد فيه وصف مقصود. رابع عشرها: أن لا يسلم المبيع حتى يستوفي الثمن. خامس عشرها: الردّ بالعيب. سادس عشرها: خيار الرؤية فيما إذا باع ما لم يره على القول بصحته للحاجة إلى ذلك وهذا الحديث قد سبق في البيع والعتق وغيرهما. 4 - باب إِذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ ظَهْرَ الدَّابَّةِ إِلَى مَكَانٍ مُسَمًّى جَازَ هذا (باب) بالتنوين (إذا اشترط البائع) على المشتري (ظهر الدابة) أي ركوب ظهر الدابة التي باعها (إلى مكان مسمى) معين (جاز) هذا البيع. 2718 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ - رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا، فَمَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَضَرَبَهُ، فَسَارَ سَيْرًا لَيْسَ يَسِيرُ مِثْلَهُ. ثُمَّ قَالَ بِعْنِيهِ بِأَوقِيَّةٍ، فَبِعْتُهُ, فَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي. فَلَمَّا قَدِمْنَا أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَأَرْسَلَ عَلَى إِثْرِي قَالَ: مَا كُنْتُ لآخُذَ جَمَلَكَ، فَخُذْ ذَلِكَ فَهْوَ مَالُكَ". قَالَ شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ جَابِرٍ: "أَفْقَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظَهْرَهُ إِلَىَ الْمَدِينَةِ". وَقَالَ إِسْحَاقُ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مُغِيرَةَ: "فَبِعْتُهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ". وَقَالَ عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ: "وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ". وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ: "شَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ". وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ جَابِرٍ: "وَلَكَ ظَهْرُهُ حَتَّى تَرْجِعَ" وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: "أَفْقَرْنَاكَ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ". وَقَالَ الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ: "تَبَلَّغْ عَلَيْهِ إِلَى أَهْلِكَ". قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: الاشْتِرَاطُ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ عِنْدِي. وقال عُبَيْدُ اللَّهِ وَابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبٍ عَنْ جَابِرٍ: "اشْتَرَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَوقِيَّةٍ". وَتَابَعَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ جَابِرٍ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ: "أَخَذْتُهُ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ" وَهَذَا يَكُونُ أوَقِيَّةً عَلَى حِسَابِ الدِّينَارِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ. وَلَمْ يُبَيِّنِ الثَّمَنَ مُغِيرَةُ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ، وَابْنُ الْمُنْكَدِرِ وَأَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ. وَقَالَ الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ "أَوقِيَّةٍ ذَهَبٍ". وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ "بِمِائَتَىْ دِرْهَمٍ" وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرٍ اشْتَرَاهُ بِطَرِيقِ تَبُوكَ، أَحْسِبُهُ قَالَ: بِأَرْبَعِ أَوَاقٍ". وَقَالَ أَبُو نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ: "اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا". وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ "بِأَوْقِيَةٍ" أَكْثَرُ. الاِشْتِرَاطُ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ عِنْدِي. قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة الكوفي (قال: سمعت عامرًا) الشعبي (يقول: حدّثني) بالإفراد (جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه- أنه كان يسير على جمل له) في غزوة تبوك أو ذات الرقاع (قد أعيا) أي تعب (فمرّ) به (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فضربه فدعا له) بالفاء فيهما وكأنه عقب الدعاء له بضربة، ولمسلم وأحمد من هذا الوجه فضربه برجله ودعا له ولأحمد من هذا الوجه أيضًا قلت: يا رسول الله أبطأ جملي هذا. قال:

(أنخه) وأناخ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قال (أعطني هذه العصا أو اقطع لي عصا من الشجرة) ففعلت فأخذها فنسخه بها نسخات ثم قال (اركب) فركبت (فسار بسير) بلفظ الجار والمجرور والمصدر ولأبي ذر سيرًا بإسقاط حرف الجر (ليس يسير مثله) بلفظ المضارع ولابن سعد من هذا الوجه فانبعث فما كدت أمسكه ولمسلم من رواية أبي الزبير عن جابر فكنت بعد ذلك أحبس خطامه لأسمع حديثه (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (بعنيه) أي الجمل (بوقية) بفتح الواو مع إسقاط الهمزة ولأبي ذر بأوقية بهمزة مضمومة والتحتية مشددة فيهما (قلت: لا) أبيعه، وللنسائي من هذا الوجه وكانت لي إليه حاجة شديدة. وقال ابن التين قوله لا غير محفوظ إلا أن يريد لا أبيعكه هو لك بغير ثمن وكأنه نزّه جابرًا عن قوله لا لسؤال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, لكن قد ثبت قوله لا لكن النفي متوجه لترك البيع وعند أحمد من رواية وهب بن كيسان عن جابر أتبيعني جملك هذا يا جابر قلت بل أهبه لك (ثم قال) عليه الصلاة والسلام ثانيًا (بعنيه بوقية) ولأبي ذر بأوقية (فبعته) بها امتثالاً لأمره عليه الصلاة والسلام وإلاّ فقد كان عرضه أن يهبه للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فاستثنيت) أي اشترطت (حملانه) بضم الحاء المهملة وسكون الميم أي حمله إياي فحذف المفعول (إلى أهلي فلما قدمنا) إلى المدينة (أتيته بالجمل). وفي الاستقراض: في باب الشفاعة في وضع الدين من طريق مغيرة عن الشعبي، فلما دنونا من المدينة استأذنت فقلت: يا رسول الله إني حديث عهد بعرس. قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فما تزوجت بكرًا أم ثيّبًا؟ قلت: ثيّبًا أصيب عبد الله وترك جواري صغارًا فتزوّجت ثيّبًا تعلّمهنّ وتؤدّبهنّ ثم قال: (ائت أهلك) فقدمت فأخبرت خالي ببيع الجمل فلامني زاد في رواية وهب بن كيسان في البيوع قال: "فدع الجمل وادخل فصلِّ ركعتين (ونقدني) بالنون والقاف أي أعطاني (ثمنه) على يد بلال زاد في الاستقراض وسهمي مع القوم (ثم انصرفت فأرسل) عليه الصلاة والسلام (على أثري) بكسر الهمزة وسكون المثلثة فلما جئته (قال) (ما كنت لآخذ جملك فخذ جملك ذلك) هبة (فهو مالك) برفع اللام وعند أحمد من رواية يحيى القطان عن زكريا قال أظننت حين ماكستك أذهب بجملك خذ جملك وثمنه فهما لك والمماكسة المناقصة في الثمن وأشار بذلك إلى ما وقع بينهما من المساومة عند البيع. (قال) ولأبي ذر وقال (شعبة) بن الحجاج فيما وصله البيهقي من طريق يحيى بن كثير عنه (عن مغيرة) بن مقسم الكوفي (عن عامر) الشعبي (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (أفقرني) بفتح الهمزة وسكون الفاء فقاف مفتوحة فراء (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظهره) أي حملني عليه (إلى المدينة، وقال إسحاق) بن راهويه مما وصله في الجهاد (عن جرير) هو ابن عبد الحميد (عن مغيرة) بن مقسم الكوفي عن عامر عن جابر (فبعته على أن لي فقار ظهره حتى أبلغ المدينة) فيه الاشتراط بخلاف التعليق السابق. (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح (وغيره) أي عن جابر مما سبق مطوّلاً في باب الوكالة (لك) ولأبي ذر ولك (ظهره إلى المدينة) وليس فيه دلالة على الاشتراط. (وقال محمد بن المنكدر) مما وصله البيهقي من طريق المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه (عن جابر شرط ظهره إلى المدينة، وقال زيد بن أسلم عن جابر: ولك ظهره حتى ترجع) أي إلى المدينة وكذا وصله الطبراني أيضًا وليس فيه ذكر الاشتراط أيضًا. (وقال أبو الزبير) محمد بن أسلم بن تدرس مما وصله البيهقي (عن جابر أفقرناك ظهره إلى المدينة) وهو عند مسلم من هذا الوجه لكن قال قلت على أن لي ظهره إلى المدينة قال (ولك ظهره إلى المدينة). (وقال الأعمش) سليمان بن مهران مما وصله الإمام أحمد ومسلم (عن سالم) هو ابن أبي الجعد (عن جابر تبلغ) بفوقية وموحدة مفتوحتين ولام مشددة فغين معجمة بصيغة الأمر (عليه إلى أهلك) وليس فيه ما يدل على الاشتراط

وللنسائي من طريق ابن عيينة عن أيوب: وقد أعرتك ظهره إلى المدينة. (قال أبو عبد الله) البخاري (الاشتراط) في العقد عند البيع (أكثر) طرفًا (وأصح عندي) مخرجًا من الرواية التي لا تدل عليه لأن الكثرة تفيد القوة وهذا وجه من وجوه الترجيح فيكون أصح، ويترجح أيضًا بأن الذين رووه بصيغة الاشتراط معهم زيادة وهم حفاظ فيكون حجة وليست رواية من لم يذكر الاشتراط منافية لرواية من ذكره لأن قوله لك ظهره وأفقرناك ظهره وتبلغ عليه لا يمنع وقوع الاشتراط قبل ذلك. وبهذا الحديث تمسك الحنابلة لصحة شرط البائع نفعًا معلومًا في المبيع وهو مذهب المالكية في الزمن اليسير دون الكثير، وذهب الجمهور إلى بطلان البيع لأن الشرط المذكور ينافي مقتضى العقد وأجابوا عن حديث الباب بأن ألفاظه اختلفت، فمنهم من ذكر فيه الشرط، ومنهم من ذكر ما يدل عليه، ومنهم من ذكر ما يدل على أنه كان بطريق الهبة وهي واقعة عين يطرقها الاحتمال، وقد عارضه حديث عائشة في قصة بريرة ففيه بطلان الشرط المخالف لمقتضى العقد، وصحّ من حديث جابر أيضًا النهي عن بيع الثنيا أخرجه أصحاب السنن وإسناده صحيح، وورد النهي عن بيع وشرط. وقال الإسماعيلي قوله ولك ظهره وعد قام مقام الشرط لأن وعده لا خلف فيه وهبته لا رجوع فيها لتنزيه الله تعالى له عن دناءة الأخلاق، فلذلك ساغ لبعض الرواة أن يعبر عنه بالشرط، ولا يجوز أن يصح ذلك في حق غيره، وحاصله أن الشرط لم يقع في نفس العقد وإنما وقع سابقًا أو لاحقًا فتبرع بمنفعته أوّلاً كما تبرع آخرًا وسقط في رواية غير أبي ذر قال أبو عبد الله إلى آخره. (وقال عبيد الله) مصغرًا ابن عمر العمري فيما وصله المؤلّف في البيوع (وابن إسحاق) محمد مما وصله أحمد وأبو يعلى والبزار (عن وهب) بسكون الهاء ابن كيسان (عن جابر) -رضي الله عنه- (اشتراه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بوقية) ولأبي ذر: بأوقية. (وتابعه) ولأبي ذر بإسقاط الواو أي تابع وهبًا (زيد بن أسلم عن جابر) في ذكر الأوقية وهذه المتابعة وصلها البيهقي. (وقال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز فيما وصله البخاري في الوكالة (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (وغيره) بالجر عطفًا على المجرور السابق (عن جابر) (أخذته) أي قال عليه الصلاة والسلام: "أخذت الجمل" (بأربعة دنانير) ذهبًا قال البخاري (وهذا) أي ما ذكر من أربعة الدنانير (يكون وقية) ولأبي ذر: أوقية (على حساب الدينار) الواحد (بعشرة دراهم). قال الكرماني وتبعه ابن حجر: الدينار مبتدأ وقوله بعشرة دراهم خبره والحساب مضاف إلى الجملة أي دينار من الذهب بعشرة دراهم وأربعة دنانير تكون أوقية من الفضة، وتعقبه العيني فقال: هذا تصرف عجيب ليس له وجه أصلاً لأن لفظ الدينار وقع مضافًا إليه وهو مجرور بالإضافة، ولا وجه لقطع لفظ حساب عن الإضافة ولا ضرورة إليه، والمعنى أصح ما يكون انتهى. وسقط قوله دراهم في رواية أبي ذر (ولم يبين الثمن مغيرة) بن مقسم فيما وصله في الاستقراض (عن الشعبي) عامر (عن جابر و) كذا لم يبين الثمن (ابن المنكدر) محمد فيما وصله الطبراني (وأبو الزيير) محمد بن أسلم فيما وصله النسائي (عن جابر) نعم وقع في رواية أبي الزبير عند مسلم تعيينها بخمس أواق وفي فوائد تمام بأربعين درهمًا. (وقال الأعمش) سليمان بن مهران فيما وصله أحمد ومسلم وغيرهما (عن سالم) هو ابن أبي الجعد (عن جابر وقية ذهب) ولأبي ذر: أوقية ذهب، (وقال أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي مما لم يقف الحافظ ابن حجر على وصله (عن سالم عن جابر بمائتي درهم بالتثنية, (وقال داود بن قيس) الفراء الدباغ أبو سليمان (عن عبيد الله بن مقسم) بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين المهملة وعبيد الله بضم العين مصغرًا القرشي المدني (عن جابر اشتراه) أي اشترى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجمل (بطريق تبوك) وجزم ابن إسحاق عن وهب بن كيسان في روايته المشار إليها قبل بأن ذلك كان في غزوة ذات

5 - باب الشروط في المعاملة

الرقاع. قال ابن حجر وهي الراجحة في نظري لأن أهل المغازي أضبط لذلك من غيرهم (أحسبه قال: بأربع أواق) كقاضٍ ولأبوي ذر والوقت والأصيلي أواقي بإثبات الياء فجزم بزمان القصة وشك في مقدار الثمن وقد وافقه على ما جزم به علي بن زيد بن جدعان عن أبي المتوكل عن جابر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ بجابر في غزوة تبوك. (وقال أبو نضرة) بنون مفتوحة فضاد معجمة ساكنة المنذر بن مالك العبدي فيما وصله ابن ماجه (عن جابر اشتراه بعشرين دينارًا) قال المؤلّف: (وقول الشعبي) عامر بن شراحيل (بوقية) ولأبي ذر بأوقية (أكثر) من غيره في أكثر الروايات (الاشتراط أكثر) طرقًا (وأصح عندي) مخرجًا (قاله أبو عبد الله) أي البخاري. وهذا قد سبق قريبًا وزيد هنا في نسخة وسقط في نسخ، والحاصل من الروايات في الثمن أنه في رواية الأكثر أوقية وأربعة دنانير وهي لا تخالفها وأوقية ذهب وأربع أواق وخمس أواق ومائتا درهم وعشرون دينارًا وعند أحمد والبزار من رواية علي بن زيد عن أبي المتوكل ثلاثة عشر دينارًا، وقد جمع القاضي عياض بين هذه الروايات بأن سبب الاختلاف الرواية بالمعنى، وأن المراد أوقية الذهب وأربع الأواقي والخمس بقدر ثمن الأوقية الذهب وأربعة الدنانير مع العشرين دينارًا محمولة على اختلاف الوزن والعدد وكذلك الأربعين درهمًا مع المائتي درهم قال: وكأن الإخبار بالفضة عما وقع عليه العقد وبالذهب عما حصل به الوفاء أو بالعكس. 5 - باب الشُّرُوطِ فِي الْمُعَامَلَةِ (باب الشروط في المعاملة) مزارعة وغيرها. 2719 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَتِ الأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ. قَالَ: لاَ. فَقَالُوا: تَكْفُونَنا الْمَؤُونَةَ وَنُشْرِكُكُمْ فِي الثَّمَرَةِ، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان الزيات (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قالت الأنصار للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما قدم المدينة مهاجرًا: يا رسول الله (أقسم بيننا وبين إخواننا) المهاجرين (النخيل) بكسر الخاء المعجمة (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا) أقسم كراهية أن يخرج عنهم شيئًا من رقبة نخلهم الذي به قوام أمرهم شفقة عليهم (فقال الأنصار) أيها المهاجرون (تكفونا) ولأبي ذر تكفوننا (المؤونة) في النخيل بتعهده في السقي والتربية والجداد (ونشرككم) بفتح أوله وثالثه أو بضم ثم كسر (في الثمرة) وهذا موضع الترجمة لأن تقديره ان تكفونا المؤونة نقسم بينكم أو نشرككم وهو شرط لغوي اعتبره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قالوا) أي المهاجرون والأنصار (سمعنا وأطعنا). وهذا الحديث قد سبق في المزارعة في باب إذا قال اكفني مؤونة النخل. 2720 - حَدَّثَنَا مُوسَى بنُ إسماعيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي وسقط لأبي ذر بن إسماعيل قال: (حدّثنا جويرية بن أسماء عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) أي ابن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه (قال): (أعطى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر اليهود أن) وفي باب المزارعة مع اليهود من طريق عبد الله عن نافع على أن (يعملوها) أي يتعاهدوا أشجارها بالسقي وإصلاح مجاري الماء وغير ذلك (ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها) من ثمر أو زرع. ومطاقته للترجمة ظاهرة، لكن الأكثرون على المنع من كراء الأرض بجزء مما يخرج منها لكن حمله بعضهم على أن المعاملة كانت مساقاة على النخل والبياض المتخلل بين النخيل كان يسيرًا فتقع المزارعة تبعًا للمساقاة وسبق الحديث في المزارعة. 6 - باب الشُّرُوطِ فِي الْمَهْرِ عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ (باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح) بضم العين وسكون القاف أي وقت عقده. وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ مَقَاطِعَ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ، وَلَكَ مَا شَرَطْتَ. وَقَالَ الْمِسْوَرُ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ فَأَحْسَنَ قَالَ: حَدَّثَنِي فصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي". (وقال عمر) هو ابن الخطاب -رضي الله عنه- فيما وصله ابن أبي شيبة (أن مقاطع الحقوق عند الشروط ولك ما شرطت، وقال المسور) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو ابن مخرمة فيما وصله في الخمس (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر صهرًا له) هو أبو العاص بن الربيع من مسلمة الفتح (فأثنى عليه) خيرًا (في مصاهرته) وكان قد تزوّج زينب بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل البعثة (فأحسن) الثناء عليه (قال): (حدّثني وصدقني) بتخفيف الدال في حديثه بالواو في اليونينية

7 - باب الشروط في المزارعة

وفي الفرع فصدقني بالفاء بدل الواو (ووعدني) أي أن يرسل إليّ زينب وذلك أنه لما أسر ببدر مع المشركين فدته زينب فشرط عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرسلها إليه (فوفى لي) بذلك فأثنى عليه لأجل وفائه بما شرط له. وهذا الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في كتاب النكاح. 2721 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِا مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ». [الحديث 2721 - طرفه في: 5151]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (يزيد بن أبي حبيب) من الزيادة البصري واسم أبيه سويد (عن أبي الخير) مرثد بفتح الميم والمثلثة ابن عبد الله اليزني (عن عقبة بن عامر) الجهني (رضي الله عنه) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج) معناه عند الجمهور أولى الشروط وحمله بعضهم على الوجوب. قال أبو عبد الله الأبي: وهو الأظهر لأنه على الأول يلزم أن لا يجب شرط مطلقًا لأنه إذا كان الشرط الذي تستباح به الفروج ليس بواجب فغيره أحرى، ومعلوم أن لنا في البياعات وغيرها شروط لازمة لأن لفظ الشروط هنا عام، وإنما كان النكاح كذلك لأن أمره أحوط وبابه أضيق والمراد شروط لا تنافي مقتضى عقد النكاح بل تكون من مقاصده كاشتراط العشرة بالمعروف وأن لا يقصر في شيء من حقوقها أما شرط يخالف مقتضاه كشرط أن لا يتسرى عليها ولا يسافر بها فلا يجب الوفاء به بل يلغوا الشرط ويصح النكاح بمهر المثل فهو عام مخصوص لأنه تخرج منه الشروط الفاسدة، وقال أحمد: يجب الوفاء بالشرط مطلقًا لحديث أحق الشروط قاله النووي في شرح مسلم، لكن رأيت في تنقيح المرداوي من الحنابلة تفصيلاً في ذلك يأتي إن شاء الله تعالى في باب الشروط في النكاح من كتابه مع بقية ما في الحديث من المباحث. وقد أخرج هذا الحديث أبو داود والترمذي وابن ماجه في النكاح والنسائي فيه وفي الشروط. 7 - باب الشُّرُوطِ فِي الْمُزَارَعَةِ (باب) (الشروط في المزارعة) هذه الترجمة أخص من سابقة السابقة. 2722 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "كُنَّا أَكْثَرَ الأَنْصَارِ حَقْلاً، فَكُنَّا نُكْرِي الأَرْضَ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ هذِهِ، فَنُهِينَا عَنْ ذَلِكَ، وَلَمْ نُنْهَ عَنِ الْوَرِقِ". وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) ابن زياد بن درهم أبو غسان النهدي الكوفي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري (قال: سمعت حنظلة الزرقي) بن قيس (قال: سمعت رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال وبعد التحتية جيم (-رضي الله عنه- يقول: كنا أكثر الأنصار حقلاً) بحاء مهملة مفتوحة وقاف ساكنة منصوب على التمييز أي زرعًا (فكنا نكري الأرض) بضم نون نكري وفي باب ما يكره من الشروط في المزارعة عن صدقة بن الفضل وكان أحدنا يكري أرضه فيقول هذه القطعة لي وهذه لك (فربما أخرجت هذه) القطعة من الأرض (ولم تخرج ذه) بذال معجمة مكسورة وهاء مكسورة مع الاختلاس أو الإشباع وحذف الهاء قبل المعجمة والأصل ذي فجيء بالهاء للوقف أي ولم تخرج القطعة الأخرى فيفوز صاحب تلك بكل ما حصل ويضيع الآخر بالكلية (فنهينا) وفي حديث صدقة بن الفضل المذكور فنهاهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن ذلك) لما فيه من حصول المخاطرة المنهي عنها (ولم ننه) بضم النون الأولى وسكون الثانية وفتح الهاء مبنيًّا للمفعول أي لم ينهنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن الورق) بكسر الراء أي عن الإكراء بالدراهم. 8 - باب مَا لاَ يَجُوزُ مِنَ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ (باب ما لا يجوز من الشروط في) عقد (النكاح). 2723 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ يَزِيدَنَّ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ يَخْطُبَنَّ عَلَى خِطْبَتِهِ. وَلاَ تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَكْفِئَ إِنَاءَهَا». وبه قال: (حدّثنا مسدد) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد المهملة الأولى ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بتقديم الزاي على الراء مصغرًا أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد الأزدي مولاهم البصري نزيل اليمن (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد) هو ابن المسيب (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يبيع) بإثبات التحتية بعد الموحدة على أن لا نافية وللأصيلي لا يبع بحذفها وسكون العين على أنها ناهية (حاضر لبادٍ) متاعًا يقدم به من البادية ليبيعه بسعر يومه بأن يقول له اتركه عندي لأبيعه لك على التدريج بأغلى (و) قال عليه الصلاة

9 - باب الشروط التي لا تحل في الحدود

والسلام (لا تناجشوا) الأصل تتناجشوا حذفت إحدى التاءين تخفيفًا من النجش بالنون والجيم والمعجمة وهو أن يزيد في الثمن بلا رغبة بل ليغرّ غيره (ولا يزيدن) بنون التأكيد الثقيلة وفي البيع من حديث عليّ بن المديني عن ابن عيينة ولا يبيع الرجل (على بيع أخيه ولا يخطبن) بنون التوكيد الثقيلة (على خطبته) بكسر الخاء المعجمة (ولا تسأل المرأة) بكسر اللام لالتقاء الساكنين على النهي (طلاق أختها) قال النووي: نهى المرأة الأجنبية أن تسأل رجلاً طلاق زوجته وأن يتزوّجها هي فيصير لها من نفقته ومعروفه ومعاشرته ما كان للمطلقة وعبّر عن ذلك بقوله (لتستكفئ) بسين مهملة ساكنة بين المثناتين الفوقيتين أي لتقلب (إناءها) قال: والمراد بأختها نسبًا أو رضاعًا أو دينًا ويلتحق بذلك الكافرة في الحكم وإن لم تكن أختًا في الدين إما لأن المراد الغالب أو أنها أختها في الجنس الآدمي، وقال ابن عبد البر: المراد الضرة. وهذا الحديث سبق في البيوع ويأتي إن شاء الله تعالى في النكاح. 9 - باب الشُّرُوطِ الَّتِي لاَ تَحِلُّ فِي الْحُدُودِ (باب الشروط التي لا تحل في الحدود). 2724 , 2725 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا قَالاَ: "إِنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلاَّ قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ. فَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ -وَهْوَ أَفْقَهُ مِنْهُ-: نَعَمْ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَائْذَنْ لِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُلْ. قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ: الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ. اغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا. قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُجِمَتْ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البغلاني قال: (حدّثنا ليث) بلام واحدة ابن سعد الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله) مصغرًا (ابن عبد الله بن عتبة) بضم العين وسكون المثناة الفوقية (ابن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني -رضي الله عنهما- أنهما قالا: إن رجلاً من الأعراب) لم يسم كغيره من المبهمات في هذا الحديث (أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله أنشدك الله) بفتح الهمزة وضم المعجمة والمهملة أي سألتك الله أي بالله ومعنى السؤال هنا القسم كأنه قال أقسمت عليك بالله أو ذكرتك الله بتشديد الكاف وحينئذ فلا حاجة لتقدير حرف جر فيه (إلا قضيت) أي ما أطلب منك إلا قضاءك (لي بكتاب الله) أي بحكم الله أو المراد به ما كان من القرآن متلوًّا فنسخت تلاوته وبقي حكمه وهو الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة نكالاً من الله (فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه) أي بحسن مخاطبته وأدبه أو أفقه منه في هذه القصة لوصفها على وجهها (نعم فاقضِ بيننا بكتاب الله) الفاء جواب شرط محذوف (وائذن لي) هو بهمزتين الأولى همزة وصل تحذف في الدرج والثانية فاء الفعل ساكنة فإذا ابتدأت بها ظهرت همزة الوصل وقلبت همزة الفعل ياء من جنس حركة الهمزة قبلها على قاعدة اجتماع الهمزتين وحذف المفعول المعدّى بحرف الخفض للعلم به من السياق، والتقدير وائذن لي في أن أقول وهذا الاستئذان من حسن الأدب في مخاطبة الكبير (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قل) (قال إن ابني كان عسيفًا) القائل أن ابني إلخ هو الخصم الثاني كما هو ظاهر السياق، وجزم الكرماني بأنه الأوّل وعبارته ولفظ ائذن لي عطف على اقضِ إذا المستأذن هو الرجل الأعرابي لا خصمه انتهى. والظاهر أنه استدلّ لذلك بما تقدم في كتاب الصلح عن آدم عن ابن أبي ذئب فقال الأعرابي: إن ابني بعد قوله في الحديث جاء أعرابي وفيه فقال خصمه، لكن قال الحافظ ابن حجر: إن هذه الزيادة شاذة يعني قوله فقال الأعرابيّ والمحفوظ في سائر الطرق كما هنا انتهى. وينظر في قول الكرماني إذ المستأذن هو الرجل الأعرابي لا خصمه حيث جعله علّة لقوله ائذن لي عطف على اقضِ لأن ظاهره التدافع على ما لا يخفى وكذا قول العيني في باب الاعتراف بالزنا من كتاب الحدود وقوله وائذن لي أي في الكلام لأتكلم، وهذا من جملة كلام الرجل لا الخصم وهذا من جملة فقهه حيث استأذن بحسن الأدب وترك رفع الصوت انتهى فليتأمل. والعسيف بالسين المهملة والفاء أي كان أجيرًا (على هذا فزنى) أي ابنه (بامرأته) بامرأة الرجل (وإني أخبرت) بضم الهمزة وكسر الموحدة (أن على ابني الرجم) لكونه كان بكرًا واعترف (فافتديت) ابني (منه بمائة شاة) من الغنم (ووليدة) جارية (فسألت أهل العلم) الصحابة الذين كانوا يفتون في العصر النبويّ

10 - باب ما يجوز من شروط المكاتب إذا رضي بالبيع على أن يعتق

وهم الخلفاء الأربعة وأُبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت الأنصاريون وزاد ابن سعد عبد الرحمن بن عوف (فأخبروني إنما على ابني جلد مائة) بإضافة جلد إلى مائة ولأبي ذر مائة جلدة (وتغريب عام) من البلد الذي وقع فيه ذلك (وإن على امرأة هذا الرجم فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله) أي بحكمه أو بما كان قرآنًا قبل نسخ لفظه (الوليدة والغنم رد) أي مردود (عليك) فأطلق المصدر على المفعول مثل نسج اليمن أي يجب ردّهما عليك وسقط قوله عليك لغير أبي ذر (وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام) لأنه كان بكرًا واعترف هو بالزنا لأن إقرار الأب عليه لا يقبل نعم إن كان هذا من باب الفتوى، فيكون المعنى إن كان ابنك زنى وهو بكر فحدّه ذلك (اغد يا أنيس) بضم الهمزة وفتح النون مصغرًا (إلى امرأة هذا فإن اعترفت) بالزنا وشهد عليها اثنان (فارجمها) لأنها كانت محصنة (قال: فغدا عليها) أنيس (فاعترفت) بالزنا (فأمر بها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرجمت) يحتمل أن يكون هذا الأمر هو الذي في قوله: فإن اعترفت فارجمها، وأن يكون ذكر له أنها اعترفت فأمره ثانيًا أن يرجمها وبعث أنيس كما قاله النووي محمول عند العلماء من أصحابنا على إعلام المرأة بأن هذا الرجل قذفها بابنه فلها عليه حدّ القذف فتطالب به أو تعفو عنه إلا أن تعترف بالزنا فلا يجب عليه حدّ القذف بل عليها حدّ الزنا وهو الرجم قال: ولا بدّ من هذا التأويل لأن ظاهره أنه بعث ليطلب إقامة حدّ الزنا وهذا غير مراد لأن حدّ الزنا لا يحتاط له بالتجسس بل لو أقرّ الزاني استحب أن يعرض له بالرجوع. ومطابقة الحديث للترجمة قيل في قوله فافتديت منه بمائة شاة ووليدة لأن ابن هذا كان عليه جلد مائة وتغريب عام وعلى المرأة الرجم فجعلوا في الحد الفداء بمائة شاة ووليدة كأنهما وقعا شرطًا لسقوط الحدّ عنهما فلا يحل هذا في الحدود، كذا قالوا وفيه تعسف لا يخفى لأن الذي وقع إنما هو صلح. وهذا الحديث قد ذكره البخاري في مواضع مختصرًا ومطوّلاً في الصلح والأحكام والمحاربين والوكالة والاعتصام وخبر الواحد وأخرجه بقية الجماعة. 10 - باب مَا يَجُوزُ مِنْ شُرُوطِ الْمُكَاتَبِ إِذَا رَضِيَ بِالْبَيْعِ عَلَى أَنْ يُعْتَقَ (باب ما يجوز من شروط المكاتب إذا رضي بالبيع على أن يعتق) بضم أوله وفتح ثالثه وكلمة على للتعليل كهي في قوله تعالى {ولتكبروا الله على ما هداكم} أي إذا رضي بالبيع لأجل عتقه. 2726 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ الْمَكِّيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَىَّ بَرِيرَةُ وَهْيَ مُكَاتَبَةٌ فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اشْتَرِينِي، فَإِنَّ أَهْلِي يَبِيعُونِي فَأَعْتِقِينِي. قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَتْ: إِنَّ أَهْلِي لاَ يَبِيعُونني حَتَّى يَشْتَرِطُوا وَلاَئِي. قَالَتْ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيكِ. فَسَمِعَ ذَلِكَ رسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَوْ بَلَغَهُ- فَقَالَ: مَا شَأْنُ بَرِيرَةَ؟ فَقَالَ: اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا وَلْيَشْتَرِطُوا مَا شَاؤُوا. قَالَتْ فَاشْتَرَيْتُهَا فَأَعْتَقْتُهَا وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلاَءَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَإِنِ اشْتَرَطُوا مِائَةَ شَرْطٍ". وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام ابن صفوان السلمي أبو محمد الكوفي نزيل مكة صدوق رمي بالإرجاء قال: (حدّثنا عبد الواحد بن أيمن) ضد أيسر الحبشي مولى ابن أبي عمرو المخزومي القرشي (المكي عن أبيه) أيمن أنه (قال: دخلت على عائشة -رضي الله عنها-) قبل آية الحجاب أو من وراء الحجاب (قالت: دخلت عليّ بريرة وهي مكاتبة) الواو للحال ولم تكن قضت من كتابتها شيئًا وكانت كاتبتهم على تسع أواق في كل سنة وقية (فقالت يا أم المؤمنين اشتريني فإن أهلي يبيعوني) ولأبي ذر: يبيعونني بنونين على الأصل (فأعتقيني) بهمزة قطع (قالت) عائشة فقلت لها (نعم) أشتريك فأعتقك (قالت) بريرة (إن أهلي لا يبيعوني) ولأبي ذر: لا يبعونني (حتى يشترطوا ولائي) الذي هو سبب الإرث أن يكون لهم (قالت) عائشة فقلت لها (لا حاجة لي فيك) حينئذ (فسمع ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو بلغه) شك الراوي (فقال): (ما شأن بريرة)؟ أي فذكرت له شأنها (فقال) ولأبي ذر قال: (اشتريها فأعتقيها) بهمزة وصل في الأولى وقطع في الأخرى (وليشترطوا) بلام ساكنة ولأبي ذر ويشترطوا بإسقاطها (ما شاؤوا) (قالت) عائشة (فاشتريتها فأعتقتها) ولأبي ذر قال أي الراوي فاشترتها أي عائشة فأعتقتها (واشترط أهلها ولاءها) أن يكون لهم (فقال: النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (الولاء لمن أعتق وإن اشترطوا مائة شرط). ومطابقته للترجمة من كون بريرة شرطت على عائشة أن تعتقها إذا اشترتها وقد تكرر ذكر هذا الحديث مرات. 11 - باب الشُّرُوطِ فِي الطَّلاَقِ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ: إِنْ بَدَأَ بِالطَّلاَقِ أَوْ أَخَّرَ فَهُوَ أَحَقُّ بِشَرْطِهِ. (باب الشروط في الطلاق. وقال ابن المسيب) سعيد (والحسن) البصري

12 - باب الشروط مع الناس بالقول

(وعطاء) هو ابن أبي رباح فيما وصله عبد الرزاق (إن بدا) بغير همزة في الفرع وأصله وفي غيرها بإثباته في الشرط (بالطلاق) بأن قال: أنت طالق إن دخلت الدار (أو أخّر) بأن قال: إن دخلت الدار فأنت طالق (فهو أحق بشرطه). 2727 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ التَّلَقِّي، وَأَنْ يَبْتَاعَ الْمُهَاجِرُ لِلأَعْرَابِيِّ. وَأَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا، وَأَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ. وَنَهَى عَنِ النَّجْشِ، وَعَنِ التَّصْرِيَةِ". تَابَعَهُ مُعَاذٌ وَعَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ شُعْبَةَ. وَقَالَ غُنْدَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ: "نُهِيَ". وَقَالَ آدَمُ: "نُهِينَا". وَقَالَ النَّضْرُ وَحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ: "نَهَى". وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) الناجي السامي بالسين المهملة القرشي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان الأشجعي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال): (نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن التلقي) للركبان لشراء متاعهم قبل معرفة سعر البلد (وأن يبتاع) يشتري (المهاجر) أي المقيم (للأعرابي) الذي يسكن البادية (وأن تشترط المرأة) عند العقد (طلاق أختها) أعم من أن تكون معها في العصمة كالضرّة أو لا تكون في العصمة كالأجنبية. وهذا موضع الترجمة كما قاله ابن بطال لأن مفهومه أنها إذا اشترطت ذلك فطلق أختها وقع الطلاق لأنه لو لم يقع لم يكن للنهي عنه معنى. (وأن يستام الرجل على سوم أخيه) بأن يقول لمن اتفق مع غيره في بيع ولم يعقداه أنا أشتريه بأزيد أو أنا أبيعك خيرًا منه بأرخص منه فيحرم بعد استقرار الثمن بالتراضي صريحًا وقبل العقد (ونهى) عليه الصلاة والسلام أيضًا (عن النجش) بنون مفتوحة فجيم ساكنة فشين معجمة وهو أن يزيد في الثمن بلا رغبة بل ليغرّ غيره (وعن التصرية) وهي ربط البائع ضرع ذات اللبن من مأكول اللحم ليكثر لبنها لتغرير المشتري. وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع وكذا النسائي. (تابعه) أي تابع محمد بن عرعرة في تصريحه برفع الحديث إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (معاذ) أي ابن معاذ بن نصر بن حسان العنبري البصري فيما وصله مسلم (وعبد الصمد) بن عبد الوارث فيما وصله مسلم أيضًا (عن شعبة) بن الحجاج (وقال غندر) محمد بن جعفر فيما وصله مسلم أيضًا، وأبو نعيم في مستخرجه كما في المقدمة (وعبد الرحمن) بن مهدي (نهي) بضم النون وكسر الهاء مبنيًّا للمفعول: (وقال آدم) بن أبي إياس عن شعبة (نهينا) بضم النون وكسر الهاء مع ضمير الجمع، (وقال النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل (وحجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون (نهي) بفتح النون والهاء مبنيًّا للمعلوم من الماضي المفرد ولم يعينا الفاعل وبعد هاء نهي ياء وفي رواية أبي ذر كما في الفرع نها بألف بدل الياء. قال الحافظ ابن حجر في المقدمة ورواية آدم وعبد الرحمن والنضر لم أقف عليها أي موصولة ورواية حجاج وصلها البيهقي وقال في الفتح: رواية آدم رويناها في نسخته وأما رواية النضر فوصلها إسحاق بن راهويه في مسنده عنه. 12 - باب الشُّرُوطِ مَعَ النَّاسِ بِالْقَوْلِ (باب الشروط مع الناس بالقول) أي دون الإشهاد والكتابة. 2728 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ -يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَغَيْرُهُمَا قَدْ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ- قَالَ: إِنَّا لَعِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: حَدَّثَنِي أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مُوسَى رَسُولُ اللَّهِ ... فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}: كَانَتِ الأُولَى نِسْيَانًا، وَالْوُسْطَى شَرْطًا، وَالثَّالِثَةُ عَمْدًا. {قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} , {لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ}، {فَانْطَلَقنا ... فَوَجَدَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ}. قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ "أَمَامَهُمْ مَلِكٌ". وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف أبو عبد الرحمن الصنعاني قاضيها (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبره) ولأبي ذر أخبرهم بميم الجمع (قال: أخبرني) بالإفراد (يعلى بن مسلم) على وزن يرضى ابن هرمز (وعمرو بن دينار) بفتح العين وسكون الميم (عن سعيد بن جبير) الكوفي (يزبد أحدهما على صاحبه وغيرهما) بالرفع عطفًا على فاعل أخبرني (قد سمعته) الضمير المرفوع لابن جريج والمنصوب للغير (يحدّثه عن سعيد بن جبير) أنه (قال: إنّا لعند ابن عباس) بفتح اللام للتأكيد (-رضي الله عنهما- قال: حدّثني) بالإفراد (أُبيّ بن كعب) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (موسى رسول الله) مبتدأ وخبر أي صاحب الخضر هو موسى بن عمران كليم الله ورسوله لا موسى آخر كما يزعم نوف البكالي (فذكر الحديث) في قصة موسى والخضر. (قال) أي الخضر لموسى ({ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا} كانت) المسألة (الأولى) من موسى (نسيانًا) بالنصب خبر كان (و) المسألة (الوسطى) شرطًا يعني كانت بالشرط بالقول (و) المسألة (الثالثة عمدًا) وأشار إلى الأولى بقوله: ({قال لا تؤاخدني

13 - باب الشروط في الولاء

بما نسيت}) أي بالذي نسيته أو بنسياني أو بشيء نسيته يعني وصيته بأن لا يعترض عليه وهو اعتذار بالنسيان أخرجه في معرض النهي عن المؤاخذة مع قيام المانع لها قاله البيضاوي. وقال السمرقندي، قال ابن عباس: هذا من معاريض الكلام لأن موسى لم ينس، ولكن قال: لا تؤاخذني بما نسيت إذا كان مني نسيان فلا تؤاخذني به ({ولا ترهقني من أمري عسرًا}) لا تكلفني من أمري شدة وأشار إلى الوسطى التي كانت بالشرط بقوله: ({لقيا غلامًا فقتله}) إلى الثالثة بقوله (فانطلقنا {فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقض}) أي تدانى إلى أن يسقط فاستعيرت الإرادة للمشارقة ({فأقامه}) بعمارته أو بعمود عمد به وقيل مسحه بيده فقام (قرأها ابن عباس) أي وراءهم من قوله تعالى: ({أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم} (أمامهم ملك). ومطابقة الحديث للترجمة في قوله والوسطى شرطًا لأن المراد به قوله إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني والتزم موسى بذلك ولم يكتبا ذلك ولم يشهدا أحدًا وفيه دلالة على العمل بمقتضى ما دلّ عليه الشرط فإن الخضر قال لموسى لما أخلف الشرط هذا فراق بيني وبينك ولم ينكر عليه موسى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في مواضع كثيرة تزيد على العشرة مطوّلاً ومختصرًا. 13 - باب الشُّرُوطِ فِي الْوَلاَءِ (باب الشروط في الولاء). 2729 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي. فَقَالَتْ: إِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ. فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ -وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ- فَقَالَتْ: إِنِّي عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- , فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاَءَ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ. ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهْوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) ابن أبي أويس الأصبحي ابن أُخت إمام الأئمة مالك بن أنس قال: (حدّثنا مالك) هو خالد الإمام الأعظم (عن هشام بن عروة) وسقط لأبي ذر بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي) موالي (على تسع أواق) بالتنوين من غير ياء (في كل عام أوقية فأعينيني) وفي كتاب المكاتبة مما ذكره معلقًا، ووصله الذهلي في الزهريات عن الليث عن يونس عن ابن شهاب قال عروة قالت عائشة: إن بريرة دخلت عليها تستعينها في كتابتها وعليها خمسة أواق نجمت عليها في خمس سنين، لكن المشهور ما في رواية هشام بن عروة تسع أواق، وجزم الإسماعيلي بأن الرواية المعلقة غلط لكن جمع بينهما بأن الخمس هي التي كانت استحقت عليها بحلول نجومها من جملة التسع الأواقي المذكورة في حديث هشام ويشهد له أن في رواية عمرة عن عائشة في أبواب المساجد فقال: أهلها إن شئت أعطيت ما يبقى (فقالت) عائشة لبريرة (إن أحبوا) أهلك (أن أعدّها لهم) أي الأواقي التسع وهو يشكل على الجمع الذي ذكرته فليتأمل (ويكون) نصب عطفًا على المنصوب السابق (ولاؤك لي) بعد أن أعتقك وجواب الشرط (فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم) ما قالته عائشة (فأبوا عليها) أي فامتنعوا أن يكون الولاء لعائشة (فجاءت من عندهم) إلى عائشة (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس) عندها (فقالت: إني قد عرضت ذلك) بكسر الكاف (عليهم) تعني أهلها (فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرت عائشة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (خذيها) اشتريها فأعتقيها (واشترطي لهم الولاء) أي عليهم فاللام بمعنى على كذا رويناه عن حرملة عن الشافعي، لكن ضعفه النووي بأنه عليه الصلاة والسلام أنكر الاشتراط فلو كانت بمعنى على لم ينكره. قال وأقوى الأجوبة أن هذا الحكم خاص بعائشة في هذه القصة، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل أو المراد التوبيخ لهم لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد بيّن لهم أن الشرط لا يصح فلما لجّوا في اشتراطه قال ذلك أي لا تبالي به سواء شرطيته أم لا. والحكمة في إذنه ثم إبطاله أن يكون أبلغ في قطع عادتهم وزجرهم عن مثله، وقد أشار الشافعي في الأم إلى تضعيف رواية هشام المصرّحة بالاشتراط لكونه انفرد بها دون أصحاب أبيه، لكن قال الطحاوي: حدّثني المزني به عن الشافعي بلفظ: وأشرطي لهم الولاء بهمزة قطع بغير مثناة فوقية ثم وجهها بأن المعنى أظهري لهم حكم الولاء ولا يلزم أن يكون ما نقله الطحاوي عن المزني مذكورًا في الأم (فإنما الولاء لمن أعتق) (ففعلت عائشة)

14 - باب إذا اشترط في المزارعة "إذا شئت أخرجتك"

الشراء والعتق (ثم قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الناس) خطيبًا (فحمد الله وأثنى عليه ثم قال): (ما بال رجال) ما شأنهم (يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله) أي ليست في حكمه وقضائه (ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط) أو أكثر (قضاء الله أحق) أي الحق (وشرط الله) الذي شرطه وجعله شرعًا (أوثق) أي القوي وما سواه واهٍ فأفعل التفضيل فيهما ليس على بابه (وإنما الولاء لمن أعتق). وهذا الحديث قد ذكره المؤلّف في مواضع كثيرة بوجوه مختلفة وطرق متباينة قال العيني وهذا هو الرابع عشر موضعًا. 14 - باب إِذَا اشْتَرَطَ فِي الْمُزَارَعَةِ "إِذَا شِئْتُ أَخْرَجْتُكَ" هذا (باب) بالتنوين (إذا اشترط) صاحب الأرض (في) عقد (المزارعة إذا شئت أخرجتك). 2730 - حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو غَسَّانَ الْكِنَانِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَمَّا فَدَعَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَقَالَ: نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ، وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى مَالِهِ هُنَاكَ فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ فَفُدِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاَهُ، وَلَيْسَ لَنَا هُنَاكَ عَدُوٌّ غَيْرُهُمْ، هُمْ عَدُوُّنَا وَتُهَمَتُنَا، وَقَدْ رَأَيْتُ إِجْلاَءَهُمْ. فَلَمَّا أَجْمَعَ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ أَتَاهُ أَحَدُ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَتُخْرِجُنَا وَقَدْ أَقَرَّنَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَامَلَنَا عَلَى الأَمْوَالِ وَشَرَطَ ذَلِكَ لَنَا؟ فَقَالَ عُمَرُ: أَظَنَنْتَ أَنِّي نَسِيتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ تَعْدُن بِكَ قَلُوصُكَ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ. فَقَالَ: كَانَ ذَلِكَ هُزَيْلَةً مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ. فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ. فَأَجْلاَهُمْ عُمَرُ، وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الثَّمَرِ مَالاً وَإِبِلاً وَعُرُوضًا مِنْ أَقْتَابٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ". رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَحْسِبُهُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، اخْتَصَرَهُ. وبه قال: (حدّثنا أبو أحمد) غير مسمى ولا منسوب، ولأبي ذر وابن السكن عن الفربري أبو أحمد مرار بن حمويه بفتح الميم وتشديد الراء الأولى وأبوه بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم الهمداني بفتح الميم والمعجمة النهاوندي وليس له كشيخه في البخاري سوى هذا الحديث، ويقال إنه محمد بن يوسف البيكندي، ويقال إنه محمد بن عبد الوهاب الفراء قال: (حدّثنا محمد بن يحيى) بن علي (أبو غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة المشددة (الكناني) قال (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما فدع) بالفاء والدال والعين المهملتين محركتين، وضبطه الكرماني كالصغاني بالغين المعجمة وتشديد الدال المهملة من الفدع وهو كسر الشيء المجوّف (أهل خيبر) بالرفع على الفاعلية ومفعوله (عبد الله بن عمر قام) أبوه (عمر) -رضي الله عنه- (خطيبًا فقال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان عامل يهود خيبر على أموالهم) أي التي كانت لهم قبل أن يفيئها الله على المسلمين (وقال) لهم: (نقركم) بضم النون وكسر القاف فيها (ما أقركم الله) أي ما قدر الله أنا نترككم فإذا شئنا فأخرجناكم منها تبين أن الله قد أخرجكم (وأن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هنالك) بخفض ماله (فعُدِيَ عليه) بضم العين وكسر الدال المخففة أي ظلم على ماله (من الليل) وألقوه من فوق بيت (ففدعت) بضم الفاء الثانية وكسر الدال مبنيًّا للمفعول والنائب عن الفاعل قوله (يداه ورجلاه). قال في القاموس: الفدع محركة اعوجاج الرسغ من اليد والرجل حتى ينقلب الكف أو القدم إلى إنسيها أو هو المشي على ظهر القدم أو ارتفاع أخمص القدم حتى لو وطئ الأفدع عصفورًا ما آذاه، أو هو عوج في المفاصل كأنها قد زالت عن موضعها، وأكثر ما يكون في الأرساغ خلقة أو زيغ بين القدم وبين عظم الساق، ومنه حديث ابن عمر أن يهود خيبر دفعوه من بيت ففدعت قدمه. (وليس لنا هناك عدوّ غيرهم هم عدونا وتهمتنا) بضم الفوقية وفتح الهاء، ولأبي ذر: وتهمتنا بسكون الهاء أي الذين نتهمهم (وقد رأيت إجلاءهم) بكسر الهمزة وسكون الجيم ممدودًا إخراجهم من أوطانهم (فلما أجمع عمر على ذلك) أي عزم عليه (أتاه أحد بني أبي الحقيق) بضم الحاء المهملة وفتح الأولى وسكون التحتية رؤساء اليهود (فقال: يا أمير المؤمنين أتخرجنا) بهمزة الاستفهام الإنكاري (وقد أقرّنا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الواو في وقد للحال (وعاملنا على الأموال) بفتح الميم واللام من وعاملنا (وشرط ذلك) أي إقرارنا في أوطاننا (لنا؟ فقال) له (عمر: أظننت) بهمزة الاستفهام الإنكاري (أني نسيت قول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. كيف بك إذا أخرجت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول وتاء الخطاب (من خيبر تعدو) بعين مهملة أي تجري (بك قلوصك ليلة بعد ليلة) بفتح القاف وضم اللام والصاد المهملة بينهما واو ساكنة الناقة الصابرة على السير أو الأنثى أو الطويلة القوائم، وأشار -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى إخراجهم من خيبر فهو من أعلام النبوّة (فقال) أحد بني أبي الحقيق: (كانت هذه) وللحموي والمستملي كان ذلك (هزيلة من أبي القاسم) بضم الهاء وفتح الزاي تصغير هزلة ضدّ الجد وفي اليونينية هزيلة بكسر الزاي أي لم تكن حقيقة وكذب عدوّ الله (قال) عمر، ولأبي ذر: فقال (كذبت يا عدوّ الله فأجلاهم عمر وأعطاهم) بعد أن

15 - باب الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط

أجلاهم (قيمة ما كان لهم من الثمر) بالمثلثة وفتح الميم (مالاً وإبلاً وعروضًا) نصب تمييزًا للقيمة (من أقتاب وحبال وغير ذلك) والأقتاب جمع قتب وهو أكاف الجمل، وإنما ترك عمر مطالبتهم بالقصاص لأنه فادع ليلاً وهو نائم فلم يعرف عبد الله من فدعه فأشكل الأمر. (رواه) أي الحديث (حماد بن سلمة) فيما وصله أبو يعلى (عن عبيد الله) مصغرًا العمري (أحسبه عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اختصره) حماد وشك في وصله رواه الوليد بن صالح عن حماد بغير شك فيما قاله البغوي. 15 - باب الشُّرُوطِ فِي الْجِهَادِ، وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَكِتَابَةِ الشُّرُوطِ (باب) بيان (الشروط في الجهاد و) بيان (المصالحة مع أهل الحروب) وفي الفرع كأصله أيضًا الحرب بفتح الحاء وسكون الراء (وكتابة الشروط) زاد أبو ذر عن المستملي مع الناس بالقول. قال في الفتح: وهي زيادة مستغنى عنها لأنها تقدمت في ترجمة مستقلة إلا أن تحمل الأولى على الاشتراط بالقول خاصة وهذه على الاشتراط بالقول والفعل معًا انتهى. فليتأمل مع قوله: وكتابة الشروط. 2731 , 2732 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ -يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ- قَالاَ: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً، فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ. فَوَاللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُمْ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ. فَأَلَحَّتْ. فَقَالُوا خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ. وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ. ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يَسْأَلُونني خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلاَّ أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا. ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ. قَالَ فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، فَلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاسُ حَتَّى نَزَحُوهُ، وَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَطَشُ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ، فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ. فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ -وَكَانُوا عَبيةَ نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ- فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَىٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَىٍّ نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمَعَهُمُ الْعُودُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمُ الْحَرْبُ وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أَظْهَرْ فَإِنْ شَاءُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ. وَإِلاَّ فَقَدْ جَمُّوا. وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي، وَلَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ. فَقَالَ بُدَيْلٌ: سَأُبَلِّغُهُمْ مَا تَقُولُ. قَالَ فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا قَالَ: إِنَّا قَدْ جِئْنَاكُمْ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ، وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلاً، فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا. فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ: لاَ حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُخْبِرُونَا عَنْهُ بِشَىْءٍ. وَقَالَ ذَوُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ: هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ. قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا. فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: أَىْ قَوْمِ، أَلَسْتُمْ بِالْوَالِدِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ أَوَلَسْتُ بِالْوَلَدِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَهَلْ تَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظٍ، فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَىَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ عليكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ اقْبَلُوهَا وَدَعُونِي آتِهِ. قَالُوا ائْتِهِ. فَأَتَاهُ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ. فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَىْ مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ أَمْرَ قَوْمِكَ، هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَهْلَهُ قَبْلَكَ؟ وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى، فَإِنِّي وَاللَّهِ لأَرَى وُجُوهًا، وَإِنِّي لأَرَى أْشَوَابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا وَيَدَعُوكَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: امْصُصْ بَظْرَ اللاَّتِ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ؟ فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالُوا: أَبُو بَكْرٍ. قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلاَ يَدٌ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لأَجَبْتُكَ. قَالَ: وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَكُلَّمَا تَكَلَّمَ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ السَّيْفُ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ وَقَالَ لَهُ: أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. فَقَالَ: أَىْ غُدَرُ، أَلَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ؟ وَكَانَ الْمُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَّا الإِسْلاَمَ فَأَقْبَلُ وَأَمَّا الْمَالَ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ. ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَيْنَيْهِ. قَالَ فَوَاللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نُخَامَةً إِلاَّ وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، فإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ. فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَىْ قَوْمِ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِيكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحَمَّدًا، وَاللَّهِ إِنْ يتَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلاَّ وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّموا خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ. وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ: دَعُونِي آتيهِ، فَقَالُوا: ائْتِهِ. فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَذَا فُلاَنٌ، وَهْوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ، فَابْعَثُوهَا لَهُ، فَبُعِثَتْ لَهُ، وَاسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلاَءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ. فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ: رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ، فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَالَ: دَعُونِي آتِهِ. فَقَالُوا: ائْتِهِ. فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَذَا مِكْرَزٌ، وَهْوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ. فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو. قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ. قَالَ مَعْمَرٌ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا. فَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْكَاتِبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، فقَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا "الرَّحْمَنُ" فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هِيَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ "بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ". كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللَّهِ لاَ نَكْتُبُهَا إِلاَّ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِي

بضم الخاء المعجمة واللام أي ليس الخلاء لها بعادة كما حسبتم (ولكن حبسها) أي القصواء (حابس الفيل) زاد ابن إسحاق عن مكة أي حبسها الله عن دخول مكة كما حبس الفيل عن مكة لأنهم لو دخلوا مكة على تلك الهيئة وصدّهم قريش عن ذلك لوقع بينهم ما يفضي إلى سفك الدماء ونهب الأموال لكن سبق في العلم القديم أنه يدخل في الإسلام منهم جماعات. (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (والذي نفسي بيده لا يسألوني) أي قريش ولأبي ذر لا يسألونني بنونين على الأصل (خطة) بضم الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي خصلة (يعظمون فيها حرمات الله) يكفون بسببها عن القتال في الحرم تعظيمًا له (إلا أعطيتهم إياها) أي أجبتهم إليها وإن كان في ذلك تحمل مشقة (ثم زجرها) أي زجر عليه الصلاة والسلام الناقة (فوثبت) بالمثلثة وآخره مثناة أي قامت (قال فعدل) عليه الصلاة والسلام (عنهم) وفي رواية ابن سعد فولى راجعًا (حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد) بفتح الثاء والميم آخره دال مهملة (قليل الماء) قال في القاموس: الثمد ويحرك وككتاب الماء القليل لا مادة له أو ما يبقى في الجلد أو ما يظهر في الشتاء ويذهب في الصيف اهـ. وقوله قليل الماء قيل تأكيد لدفع توهم أن يراد لغة من يقول إن الثمد الماء الكثير وعورض بأنه إنما يتوجه أن لو ثبت في اللغة أن الثمد الماء الكثير، واعترض في المصابيح قوله تأكيد بأنه لو اقتصر على قليل أمكن أما مع إضافته إلى الماء فيشكل وذلك لأنك لا تقول هذا ماء قليل الماء. نعم قال الداودي: الثمد العين وقال غيره: حفرة فيها ماء فإن صح فلا إشكال. (يتبرضه) بالموحدة المفتوحة بعد المثناتين التحتية والفوقية فراء مشددة فضاد معجمة أي يأخذه (الناس تبرضًا) نصب على أنه مفعول مطلق من باب التفعل للتكلف أي قليلاً قليلاً وقال صاحب العين التبرض جمع الماء بالكفّين (فلم يلبثه) بضم أوله وفتح اللام وتشديد الموحدة وسكون المثلثة في الفرع وأصله وغيرهما مصححًا عليه، ونسبه في الفتح وتبعه في العمدة لقول ابن التين، وضبطناه بسكون اللام مضارع ألبث أي لم يتركوه يلبث أي يقيم (الناس حتى نزحوه) لم يبقوا منه شيئًا يقال نزحت البئر على صيغة واحدة في التعدي واللزوم. (وشكي) بضم أوله مبنيًّا للمفعول (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العطش) بالرفع نائبًا عن الفاعل (فانتزع سهمًا من كنانته) بكسر الكاف جعبته التي فيها النبل (ثم أمرهم أن يجعلوه) أي السهم (فيه) في الثمد، وروى ابن سعد من طريق أبي مروان حدّثني أربعة عشر رجلاً من الصحابة أن الذي نزل البئر ناجية بن الأعجم، وقيل هو ناجية بن جندب، وقيل البراء بن عازب، وقيل عباد بن خالد حكاه عن الواقدي، ووقع في الاستيعاب خالد بن عبادة قاله في المقدمة. وقال في الفتح: ويمكن الجمع بأنهم تعاونوا على ذلك بالحفر وغيره (فوالله ما زال يجيش) بفتح أوله وكسر الجيم آخره شين معجمة بعد تحتية ساكنة يفور ويرتفع (لهم بالري) بكسر الراء (حتى صدروا عنه) أي رجعوا رواء بعد ورودهم، وزاد ابن سعد حتى اغترفوا بآنيتهم جلوسًا على شفير البئر، (فبينما) بالميم ولأبي ذر عن الكشميهني فبينا بإسقاطها (هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء) بضم الموحدة وفتح الدال المهملة مصغرًا وأبوه بفتح الواو وسكون الراء وبالقاف ممدودًا (الخزاعي) بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي وبعد الألف عين مهملة الصحابيّ المشهور (في نفر من قومه من خزاعة) منهم عمرو بن سالم، وخراش بن أمية فيما قاله الواقدي، وخارجة بن كرز، ويزيد بن أمية كما في رواية أبي الأسود عن عروة (وكانوا) أي بديل والنفر الذين معه (عيبة نصح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح العين المهملة وسكون التحتية وفتح الموحدة ويصح بضم النون أي موضع سرّه وأمانته فشبّه الصدر الذي هو مستودع السر بالعيبة التي هي مستودع خير الثياب وكانت خزاعة (من أهل تهامة) بكسر المثناة الفوقية مكة وما حولها زاد ابن إسحاق في روايته، وكانت خزاعة عيبة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مسلمها ومشركها لا يخفون عنه شيئًا كان بمكة (فقال) بديل (إني تركت كعب بن

لؤي وعامر بن لؤي) بضم اللام وفتح الهمزة وتشديد الياء فيهما (نزلوا أعداد مياه الحديبية) بفتح الهمزة وسكون العين المهملة جمع عد بالكسر والتشديد وهو الماء الذي لا انقطاع لمادّته كالعين والبئر وفيه أنه كان بالحديبية مياه كثيرة وأن قريشًا سبقوا إلى النزول عليها، ولذا عطش المسلمون حتى نزلوا على الثمد المذكور وذكر أبو الأسود في روايته عن عروة وسبقت قريش إلى الماء ونزلوا عليه (ومعهم العوذ) بضم العين المهملة وسكون الواو وآخره ذال معجمة جمع عائذ أي النوق الحديثات النتاج ذات اللبن (المطافيل) بفتح الميم والطاء المهملة وبعد الألف فاء مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فلام الأمهات التي معها أطفالها ومراده أنهم خرجوا معهم بذوات الألبان من الإبل ليتزوّدوا بألبانها ولا يرجعوا حتى يمنعوه. وقال ابن قتيبة: يريد النساء والصبيان ولكنه استعار ذلك يعني أنهم خرجوا معهم بنسائهم وأولادهم لإرادة طول المقام وليكون أدعى إلى عدم الفرار، ويحتمل إرادة المعنى الأعم وعند ابن سعد معهم العوذ المطافيل والنساء والصبيان (وهم مقاتلوك وصادّوك) أي مانعوك (عن البيت) الحرام (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنّا لم نجيء لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين وأن قريشًا قد نهكتهم الحرب) بفتح أوله وبفتح الهاء وكسرها في الفرع كأصله أي أبلغت فيهم حتى أضعفت قوّتهم وهزلتهم أو أضعفت أموالهم (وأضرّت بهم فإن شاؤوا ماددتهم) أي جعلت بيني وبينهم (مدة) معينة أترك قتالهم فيها (ويخلوا بيني وبين الناس) أي من كفار العرب وغيرهم زاد أبو ذر عن المستملي والكشميهني إن شاؤوا (فإن أظهر) بالجزم (فإن شاؤوا) شرط معطوف على الشرط الأول (أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس) من طاعتي وجواب الشرطين قوله (فعلوا وإلا) أي وإن لم أظهر (فقد جمعوا) بفتح الجيم وتشديد الميم المضمومة أي استراحوا من جهد القتال، ولابن عائذ من وجه آخر عن الزهري: فإن ظهر الناس عليّ فذلك الذي يبغون فصرّح بما حذفه هنا من القسم الأول والتردد في قوله فإن أظهر ليس شكًّا في وعد الله أنه سينصره ويظهره بل على طريق التنزيل وفرض الأمر على ما زعم الخصم (وإن هم أبوا) امتنعوا (فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي) بالسين المهملة وككسر اللام أي حتى تنفصل رقبتي أي حتى أموت أو حتى أموت وأبقى منفردًا في قبري (ولينفذن الله أمره) بضم المثناة التحتية وسكون النون وبالذال المعجمة وتشديد النون وضبطه في المصابيح كالتنقيح بتشديد الفاء المكسورة أي ليمضين الله أمره في نصر دينه. (فقال بديل: سأبلغهم) بفتح الموحدة وتشديد اللام (ما تقول. قال فانطلق) بديل (حتى أتى قريشًا قال: إنّا جئناكم من هذا الرجل) يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وسمعناه يقول قولاً فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا. فقال سفهاؤهم) قال في الفتح: سمى الواقدي منهم عكرمة بن أبي جهل، والحكم بن أبي وقاص: (لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء. وقال ذو الرأي منهم: هات) بكسر التاء أي أعطني (ما سمعته يقول قال: سمعته يقول كذا وكذا فحدّثهم بما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقام عروة بن مسعود) هو ابن معتب بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الفوقية المشددة الثقفي أسلم ورجع إلى قومه ودعاهم إلى الإسلام فقتلوه (فقال: أي قوم) أي يا قوم (ألستم بالوالد) أي مثل الأب في الشفقة لولده؟ (قالوا: بلى. قال: أو لستم بالولد) مثل الابن في النصح لوالده؟ (قالوا: بلى) وعند ابن إسحاق عن الزهري أن أم عروة هي سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف فأراد بقوله ألستم بالوالد إنكم قد ولدتموني في الجملة لكون أمي منكم، ولأبي ذر فيما قاله الحافظ ابن حجر ألستم بالولد وألست بالوالد والأول هو الصواب وهو الذي في رواية أحمد وابن إسحاق وغيرهما (قال: فهل تتهموني)؟ ولأبي ذر تتهمونني بنوني على الأصل أي هل تنسبونني إلى التهمة (قالوا: لا). نتهمك (قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ) بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وآخره ظاء معجمة غير منصرف لأبي ذر ولغيره بالتنوين أي دعوتهم

للقتال نصرة لكم (فلما بلحوا علّي) بالموحدة وتشديد اللام المفتوحتين ثم حاء مهملة مضمومة امتنعوا أو عجزوا (جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني. قالوا: بلى. قال: فإن هذا) يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وقد عرض لكم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عليكم (خطة رشد) بضم الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي خصلة خير وصلاح وإنصاف (اقبلوها ودعوني) اتركوني (آتيه) بالمد والياء على الاستئناف أي أنا آتيه، ولأبي ذر: آته مجزومًا بحذف الياء على جواب الأمر والهاء مكسورة أي أجيء إليه (قالوا ائته) بهمزة وصل فهمزة قطع ساكنة فمثناة فوقية مكسورة فهاء مكسورة أمر من أتى يأتي (فأتاه) عليه الصلاة والسلام عروة (فجعل يكلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لعروة (نحوًا من قوله لبديل) السابق. وزاد ابن إسحاق وأخبره أنه لم يأت يريد حربًا (فقال عروة عند ذلك) أي عند قوله لأقاتلنّهم (أي محمد) أي يا محمد (أرأيت) أي أخبرني (إن استأصلت أمر قومك) أي استهلكتهم بالكلية (هل سمعت بأحد من العرب اجتاح) بتقديم الجيم على الحاء المهملة أهلك (أهله قبلك) بالكلية ولأبي ذر في نسخة أصله كذا في الفرع كأصله وضبب على الأولى (وإن تكن الأخرى) قال الكرماني وتبعه العيني: وإن تكن الدولة لقومك فلا يخفى ما يفعلون بكم فجواب الشرط محذوف وفيه رعاية الأدب مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث لم يصرح إلا بشق غالبيته، وقال في المصابيح: التقدير وإن تكن الأخرى لم ينفعك أصحابك، وأما قول الزركشي: التقدير وإن كانت الأخرى كانت الدولة للعدوّ وكان الظفر لهم عليك وعلى أصحابك فقال في المصابيح: هذا التقدير غير مستقيم لما يلزم عليه من اتحاد الشرط والجزاء لأن الأخرى هي انتصار العدوّ وظفرهم فيؤل التقدير إلى أنه إن انتصر أعداؤك وظفروا كانت الدولة لهم وظفروا. (فإني والله لا أرى وجوهًا) أي أعيان الناس (وإني لأرى أشوابًا من الناس) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وتقديمها على الواو أخلاطًا من الناس من قبائل شتى ولأبي ذر عن الكشميهني: أو شابًّا بتقديم الواو على المعجمة ويروى أوباشًا بتقديم الواو والموحدة أخلاطًا من السفلة (خليقًا) بالخاء المعجمة والقاف حقيقًا (أن يفروا) أي بأن يفروا (ويدعوك) يتركوك لأن العادة جرت أن الجيوش المجمعة لا يؤمن عليها الفرار بخلاف من كان من قبيلة واحدة فإنهم يأنفون الفرار في العادة وما علم عروة أن مودة الإسلام أبلغ من مودة القرابة (فقال له أبو بكر -رضي الله عنه-) ولأبي ذر: أبو بكر الصديق وكان خلف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاعدًا فيما ذكره ابن إسحاق (امصص) بهمزة وصل فميم ساكنة فصادين مهملتين الأولى مفتوحة بصيغة الأمر من مصص يمصص من باب علم يعلم، ولأبي ذر وحكاه ابن التين عن رواية القابسي امصص بضم الصاد وخطأها (ببظر اللات) بفتح الموحدة بعد الجارة وسكون المعجمة قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة. وقال الداودي: البظر فرج المرأة. قال السفاقسي: والذي عند أهل اللغة أنه ما يخفض من فرج المرأة أي يقطع عند خفاضها. وقال في القاموس: البظر ما بين اسكتي المرأة الجمع بظور كالبيظر والبنظر بالنون كقنفذ والبظارة وتفتح وأمة بظراء طويلته والاسم البظر محركة واللام اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها، وقد كانت عادة العرب الشتم بذلك تقول: ليمصص بظر أمه فاستعار ذلك أبو بكر -رضي الله عنه- في اللات لتعظيمهم إياه فقصد المبالغة في سبّ عروة بإقامة من كان يعبد مقام أمه وحمله على ذلك ما أغضبه به من نسبته إلى الفرار ولأبي ذر: بظر بإسقاط حرف الجر (أنحن نفرّ عنه وندعه)؟ استفهام إنكاري، (فقال) أي عروة (من ذا)؟ أي المتكلم (قالوا: أبو بكر. قال) عروة (أما) بالتخفيف حرف استفتاح (والذي نفسي بيده لولا يد) أي نعمة ومنّة (كانت لك عندي لم أجزك) بفتح الهمزة وسكون الجيم وبالزاي أي لم أكافئك (بها لأجبتك) وبين عبد العزيز الإمامي عن الزهري في هذا الحديث أن اليد المذكورة أن عروة كان تحمل بدية فأعانه

فيها أبو بكر بعون حسن وفي رواية الواقدي عشر قلائص قاله الحافظ ابن حجر. (قال وجعل) عروة (يكلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكلما تكلم) زاد أبو ذر عن الحموي والكشميهني كلمة والذي في اليونينية كلمه بدل قوله تكلم. وفي نسخة فكلما كلمه (أخذ بلحيته) الشريفة على عادة العرب من تناول الرجل لحية من يكلمه لا سيما عند الملاطفة (ومغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعه سيف) قصدًا لحراسته (وعليه) أي على المغيرة (المغفر) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الفاء ليستخفي من عروة عمه (فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضرب يده) إجلالاً للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتعظيمًا (بنعل السيف) وهو ما يكون أسفل القراب من فضة أو غيرها (وقال له: أخّر يدك عن لحية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد عروة بن الزبير فإنه لا ينبغي لمشرك أن يمسه (فرفع عروة رأسه فقال: من هذا)؟ الذي يضرب يدي (قالوا) ولأبي ذر قال (المغيرة بن شعبة) وعند ابن إسحاق فتبسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال له عروة: من هذا يا محمد؟ قال: هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة. قال في الفتح. وكذا أخرجه ابن أبي شيبة من حديث المغيرة بن شعبة نفسه بإسناد صحيح وأخرجه ابن حبان. (فقال) عروة مخاطبًا للمغيرة (أي غدرًا) بضم الغين المعجمة وفتح الدال أي يا غدر معدول عن غادر مبالغة في وصفه بالغدر (ألست أسعى في غدرتك) أي ألست أسعى في دفع شرّ خيانتك ببذل المال (وكان المغيرة) قبل إسلامه (صحب قومًا في الجاهلية) من ثقيف من بني مالك لما خرجوا زائرين المقوقس بمصر فأحسن إليهم وقصر بالمغيرة فحصلت له الغيرة منهم لأنه ليس من القوم فلما كانوا بالطريق شربوا الخمر فلما سكروا وناموا غدر بهم (فقتلهم) جميعًا (وأخذ أموالهم) فلما بلغ ثقيفًا فعل المغيرة تداعوا للقتال فسعى عروة عم المغيرة حتى أخذوا منه ديّة ثلاثة عشر نفسًا واصطلحوا فهذا هو سبب قوله أي غدر (ثم جاء) إلى المدينة (فأسلم) فقال له أبو بكر: ما فعل المالكيون الذين كانوا معك؟ قال: قتلتهم وجئت بأسلابهم إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لتخمس أو ليري رأيه فيها (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أما الإسلام) بالنصب على المفعولية (فأقبل) بلفظ المضارع أي أقبله (وأما المال فلست منه في شيء) أي لا أتعرض له لكونه أخذه غدرًا لأن أموال المشركين وإن كانت مغنومة عند القهر فلا يحلّ أخذها عند الأمن، فإذا كان الإنسان مصاحبًا لهم فقد أمّن كل واحد منهما صاحبه فسفك الدماء وأخذ الأموال عند ذلك غدر والغدر بالكفار وغيرهم محظور وإنما تحل أموالهم بالمحاربة والمغالبة ولعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترك المال في يده لإمكان أن يسلم قومه فيردّ إليهم أموالهم. (ثم وإن عروة جعل يرمق) بضم الميم أي يلحظ (أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعينيه) بالتثنية (قال: فوالله ما تنخم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نخامة) بضم النون ما يصعد من الصدر إلى الفم (إلا وقعت في كل رجل منهم فدلك بها) أي بالنخامة (وجهه وجلده) تبركًا بفضلاته وزاد ابن إسحاق ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه (وإذا أمرهم ابتدروا أمره) أي أسرعوا إلى فعله (وإذا توضأ كانوا يقتتلون على وضوئه) بفتح الواو وفضلة الماء الذي توضأ به أو على ما يجتمع من القطرات وما يسيل من الماء الذي باشر أعضاءه الشريفة عند الوضوء، (وإذا تكلم) عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر وإذا تكلموا أي الصحابة (خفضوا أصواتهم عنده وما يحدّون) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول في اليونينية بالحاء المهملة (إليه النظر) أي ما يتأملونه ولا يديمون النظر إليه (تعظيمًا له، فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم) أي يا قوم (والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر) غير منصرف للعجمة وهو لقب لكلٍّ من ملك الروم (وكسرى) بكسر الكاف وتفتح اسم لكل من ملك الفرس (والنجاشي) بفتح النون وتخفيف الجيم وبعد الألف شين معجمة وتشديد التحتية وتخفف لقب من ملك الحبشة، وهذا من باب عطف الخاص على العام وخصّ الثلاثة بالذكر لأنهم كانوا أعظم ملوك ذلك الزمان (والله إن)

بكسر الهمزة نافية أي ما (رأيت ملكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (محمدًا والله إن) بكسر الهمزة نافية أي ما (تنخم) بلفظ الماضي ولأبي ذر يتنخم (نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم) عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر تكلموا بضمير الجمع أي الصحابة (خفضوا أصواتهم عنده) إجلالاً له وتوقيرًا (وما يحدون إليه النظر تعظيمًا له وإنه) بكسر الهمزة عليه الصلاة والسلام (قد عرض عليكم خطة رشد) بضم الخاء المعجمة وتشديد المهملة أي خصلة خير وصلاح (فاقبلوها) بهمزة وصل وفتح الموحدة. (فقال رجل من بني كنانة) هو الحليس بمهملتين مصغرًا ابن علقمة سيد الأحابيش كما ذكره الزبير بن بكار (دعوني آتيه) بتحتية قبل الهاء ولأبي ذر آته بحذفها مجزومًا مع كسر الهاء (فقالوا ائته) بهمزة ساكنة وكسر الهاء فأتى (فلما أشرف على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن) بضم الموحدة وسكون الدال المهملة جمع بدنة وهي من الإبل والبقر (فابعثوها) أي أثيروها (له) (فبعثت له واستقبله الناس) حال كونهم (يلبون) بالعمرة (فلما رأى) الكناني (ذلك) المذكور من البدن واستقبال الناس له بالتلبية (قال) متعجبًا (سبحان الله! ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا) بضم أوله وفتح الصاد المهملة أي يمنعوا (عن البيت فلما رجع إلى أصحابه قال) لهم: (رأيت البدن قد قلدت) بضم القاف وكسر اللام المشددة أي علق في عنقها شيء ليعلم أنها هدي (وأشعرت) بضم أوّله وسكون المعجمة وكسر المهملة أي طعن في سنامها بحيث سأل دمها ليكون علامة للهدي أيضًا (فما رأى) بفتح الهمزة (أن يصدوا عن البيت) زاد ابن إسحاق وغضب وقال: يا معشر قريش ما على هذا عاقدناكم أيصدّ عن بيت الله من جاء معظّمًا له. فقالوا: كفّ عنّا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى. (فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص) بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الراء بعدها زاي ابن الأخيف بخاء معجمة فتحتية ففاء وهو من بني عامر بن لؤي (فقال: دعوني آتيه) ولأبي ذر آته بحذف التحتية (فقالوا: ائته فلما أشرف عليهم) على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (هذا مكرز وهو رجل فاجر) أي غادر لأنه كان مشهورًا بالغدر ولم يصدر منه في قصة الحديبية فجور ظاهر (فجعل) أي مكرز (يكلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبينما) بالميم (هو) أي مكرز (يكلمه) عليه الصلاة والسلام (إذ جاء سهيل بن عمرو (تصغير سهل وعمرو بفتح العين (قال معمر) هو ابن راشد بالإسناد السابق (فأخبرني) بالإفراد (أيوب) هو السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (أنه لما جاء سهيل بن عمرو) سقط لأبي ذر ابن عمرو (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (لقد) ولأبي ذر: قد (سهل لكم من أمركم) بفتح السين المهملة وضم الهاء وهذا مرسل، وله شاهد موصول عند ابن أبي شيبة من حديث سلمة بن الأكوع قال: بعثت قريش بسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليصالحوه، فلما رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سهيلاً قال: "قد سهل لكم من أمركم" وهذا من باب التفاؤل، وكان عليه الصلاة والسلام يعجبه الفأل الحسن وأتى بمن التبعيضية في قوله: من أمركم إيذانًا بأن السهولة الواقعة في هذه القصة ليست عظيمة قيل ولعله عليه الصلاة والسلام أخذ ذلك من التصغير الواقع في سهيل فإن تصغيره يقتضي كونه ليس عظيمًا. (قال معمر) بالإسناد السابق أيضًا (قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (في حديثه) السابق فحديث عكرمة معترض في أثنائه (فجاء سهيل بن عمرو) في رواية ابن إسحاق فلما انتهى إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جرى بينهما القول حتى وقع بينهما الصلح على أن توضع الحرب عشر سنين وأن يؤمن بعضهم بعضًا وأن يرجع عنهم عامهم (فقال) سهيل (هات) بكسر التاء (اكتب بيننا وبينكم كتابًا فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكاتب) هو عليّ بن أبي طالب

(فقال) له (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اكتب بسم الله الرحمن الرحيم) (قال) ولأبي ذر فقال: (سهيل أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ما هي بتأنيث الضمير أي كلمة الرحمن (ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب) وكان عليه الصلاة والسلام يكتب كذلك في بدء الإسلام كما كانوا يكتبونها في الجاهلية فلما نزلت آية النمل كتب بسم الله الرحمن الرحيم فأدركتم حمية الجاهلية (فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): لعلي -رضي الله عنه- (اكتب باسمك اللهم ثم قال) عليه الصلاة والسلام اكتب (هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (والله إني لرسول الله وإن كذبتموني) بتشديد المعجمة وجزاؤه محذوف (اكتب محمد بن عبد الله). (قال الزهري): محمد بن مسلم بن شهاب بالسند السابق (وذلك) أي أجابته لسؤال سهيل حيث قال: اكتب باسمك اللهم، واكتب محمد بن عبد الله (لقوله) عليه الصلاة والسلام السابق (لا يسألوني) أي قريش، ولأبي ذر: لا يسألونني بنوني على الأصل (خطة) بضم الخاء المعجمة خصلة (يعظمون فيها حرمات الله) يكفون بها عن القتال في الحرم (إلا أعطيتهم إياها) أي أجبتهم إليها (فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (على أن تخلوا بيننا وبين البيت) العتيق (فنطوف به) بالتخفيف وبالنصب عطفًا على المنصوب السابق وفي نسخة فنطوف بالرفع على الاستئناف وفي أخرى فنطوّف بتشديد الطاء والواو وأصله نتطوّف وبالنصب والرفع (فقال سهيل: والله لا) نخلي بينك وبين البيت الحرام (تتحدث العرب أنا أخذنا) بضم الهمزة وكسر الخاء (ضغطة) بضم الضاد وسكون الغين المعجمتين وبالنصب على التمييز قهرًا والجملة استئنافية وليست مدخولة لا (ولكن ذلك) أي التخلية (من العام المقبل فكتب) علّي ذلك. (فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منّا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا). وفي رواية عقيل عن الزهري في أوّل الشروط لا يأتيك منا أحد وهي تعمّ بالرجال والنساء فيدخلن في هذا الصلح ثم نسخ ذلك الحكم فيهن أو لم يدخلن إلا بطريق العموم فخصصن. (قال المسلمون) قال في الفتح وقائل ذلك يشبه أن يكون عمر لما سيأتي، وممن قال أيضًا أسيد بن حضير وسعد بن عبادة كما قاله الواقدي وسهل بن حنيف (سبحان الله، كيف يردّ إلى المشركين وقد جاء) حال كونه (مسلمًا فبينما هم كذلك) بالميم في بينما (إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو) بالجيم والنون بوزن جعفر وسهيل بضم السين مصغرًا وعمرو بفتح العين واسم أبي جندل العاص وكان حبس حين أسلم وعذب فخرج من السجن وتنكب الطريق وركب الجبال حتى هبط على المسلمين حال كونه (يرسف) بفتح أوّله وسكون الراء وضم السين المهملة آخره فاء يمشي (في قيوده) مشي المقيد المثقل (وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال) أبوه: (سهيل هذا يا محمد أوّل ما) ولأبي ذر عن الكشميهني من (أقاضيك عليه أن تردّه إليّ فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنّا لم نقضِ الكتاب بعد) بنون مفتوحة فقاف ساكنة فضاد معجمة أي لم نفرغ من كتابته، ولأبي ذر عن المستملي والحموي: لن نفض بالفاء وتشديد المعجمة. (قال) سهيل: (فوالله إذًا) بالتنوين (لم أصالحك) وفي نسخة لا أصالحك (على شيء أبدًا. قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (فأجزه) بهمزة مفتوحة فجيم مكسورة فزاي ساكنة أي امض (لي) فعلي فيه فلا أردّه إليك (قال) سهيل: (ما أنا بمجيزه) ولأبي ذر: بمجيز ذلك (لك. قال) عليه الصلاة والسلام: (بلى فافعل) (قال) سهيل: (ما أنا بفاعل. قال مكرز) بكسر الميم وسكون الكاف وبعد الراء المفتوحة زاي ابن حفص وكان ممن أقبل مع سهيل بن عمرو في التماس الصلح (بل قد أجزناه) بحرف الإضراب وللكشميهني كما في الفتح بلى أي نعم. وفي نسخة قال مكرز قد أجزناه (لك. قال أبو

جندل أي معشر المسلمين أردّ) بضم الهمزة وفتح الراء (إلى المشركين وقد جئت) حال كوني (مسلمًا ألا ترون ما قد لقيت) بفتح القاف في اليونينية فقط وفي غيرها لقيت بكسرها (وكان قد عذب عذابًا شديدًا في الله) زاد ابن إسحاق فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا أبا جندل اصبر واحتسب فإنّا لا نغدر وإن الله جاعل لك فرجًا ومخرجًا". وقول الكرماني فإن قلت: لم رد أبا جندل إلى المشركين وقد قال مكرز أجزناه لك؟ وجوابه: بأن المتصدي لعقد المهادنة هو سهيل لا مكرز فالاعتبار بقول المباشر لا بقول مكرز متعقب بما نقله في فتح الباري عن الواقدي أنه روى أن مكرزًا كان ممن جاء في الصلح مع سهيل وكان معهما حويطب بن عبد العزى، وأنه ذكر في روايته ما يدل على أن إجازة مكرز لم تكن في أن لا يرده إلى سهيل بل في تأمينه من التعذيب، وأن مكرزًا وحويطبًا أخذا أبا جندل فأدخلاه فسطاطًا وكفا أباه عنه. وقال الخطابي: إنما ردّه إلى أبيه والغالب أن أباه لا يبلغ به الهلاك. (فقال) ولأبي ذر قال (عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه-: (فأتيت نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت) له (ألست نبي الله) بالنصب خبر ليس (حقًّا؟ قال) عليه الصلاة والسلام (بلى) (قلت ألسنا على الحق وعدوّنا على الباطل؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (بلى) (قلت: فلِمَ نُعطي الدنيّة) بفتح الدال والمهملة وكسر النون وتشديد التحتية والأصل فيه الهمزة لكنه خفّف وهو صفة لمحذوف أي الحالة الدنيّة الخبيثة (في ديننا إذًا) بالتنوين أي حينئذٍ (قال): (إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري) فيه تنبيه لعمر- رضي الله عنه- على إزالة ما حصل عنده من القلق، وأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يفعل ذلك إلا لأمر أطلعه الله عليه من حبس الناقة وأنه لم يفعل ذلك إلا بوحي من الله. قال عمر -رضي الله عنه- (قلت) له عليه الصلاة والسلام: (أوليس كنت تحدّثنا أنّا سنأتي البيت فنطوف به) بالتخفيف وفي نسخة فنطّوّف بتشديد الطاء والواو وعند الواقدي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان رأى في منامه قبل أن يعتمر أنه دخل هو وأصحابه البيت فلما رأوا تأخير ذلك شقّ عليهم (قال) عليه الصلاة والسلام: (بلى فأخبرتك أنّا نأتيه العام) هذا (قال) عمر (قلت لا. قال: فإنك آتيه ومطوّف به) بتشديد الطاء المفتوحة والواو المكسورة المشددة أيضًا. (قال) عمر (فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقًّا)؟ وفي اليونينية نبي الله بالنصب (قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي) الخصلة (الدنيّة) الخبيثة (في ديننا إذًا) أي حينئذٍ (قال) أبو بكر -رضي الله عنه- مخاطبًا لعمر رضي الله عنهما (أيها الرجل إنه لرسول الله) ولأبي ذر إنه رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه) بفتح العين المعجمة وبعد الراء الساكنة زاي وهو للإبل بمنزلة الركاب للفرس أي فتمسك بأمره ولا تخالفه كما يتمسك المرء بركاب الفارس فلا يفارقه، (فوالله إنه على الحق) قال عمر: (قلت أليس كان) عليه الصلاة والسلام: (يحدّثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به) ولأبي ذر فنطوّف بالفاء بدل الواو والتشديد (قال) أبو بكر: (بلى أفأخبرك) عليه الصلاة والسلام (أنك تأتيه العام) هذا قال عمر: (قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوّف به) بالتشديد مع كسر الواو وفي ذلك دلالة على فضيلة أبي بكر ووفور عمله لكونه أجاب به الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب بالسند السابق (قال عمر) -رضي الله عنه- (فعملت لذلك) التوقف في الامتثال ابتداء (أعمالاً) صالحة. وعند ابن إسحاق فكان عمر يقول: ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذٍ مخافة كلامي الذي تكلمت به، وعند الواقدي من حديث ابن عباس قال عمر -رضي الله عنه-: لقد أعتقت بسبب ذلك رقابًا وصمت دهرًا الحديث. ولم يكن هذا شكًّا منه في الدين بل ليقف على الحكمة في القضية وتنكشف عنه الشبهة وللحثّ على إذلال الكفار كما عرف من قوّته في نصرة الدين وقول الزهري هذا منقطع بينه وبين عمر. (قال: فلما فرغ من قضية الكتاب)

وأشهد على الصلح رجالاً من المسلمين منهم أبو بكر وعمر وعليّ ورجالاً من المشركين منهم مكرز بن حفص (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه): (قوموا فانحروا) الهدي (ثم احلقوا) رؤوسكم (قال فوالله ما قام منهم رجل) رجاء نزول الوحي بإبطال الصلح المذكور ليتم لهم قضاء نسكهم أو لاعتقادهم أن الأمر المطلق لا يقتضي الفور (حتى قال) عليه السلام لهم (ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد دخل) عليه السلام (على أم سلمة) -رضي الله عنها- (فذكر لها ما لقي من الناس) من كونهم لم يفعلوا ما أمرهم به (فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك)؟ وعند ابن إسحاق قالت أم سلمة: يا رسول الله لا تلمهم فإنهم قد دخلهم أمر عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقّة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح ويحتمل أنها فهمت من الصحابة أنه احتمل عندهم أن يكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرهم بالتحلّل أخذًا بالرخصة في حقهم وأنه هو يستمر على الإحرام أخذًا بالعزيمة في حق نفسه فأشارت عليه أن يتحلل لينفي عنهم هذا الاحتمال فقالت: (اخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك) بضم الموحدة وسكون المهملة (وتدعو حالقك) بنصب الفعل عطفًا على الفعل المنصوب قبله (فيلحقك فخرج) عليه الصلاة والسلام (فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه) بضم الموحدة وسكون المهملة وكانوا سبعين بدنة فيها جمل لأبي جهل في رأسه برّة من فضة ولأبي ذر عن الكشميهني هديه (ودعا حالقه) هو خراش بمعجمتين ابن أمية بن الفضل الخزاعي الكعبي (فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا) هديهم ممتثلين ما أمرهم به إذ لم تبق بعد ذلك غاية تنتظر (وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا) أي ازدحامًا وفيه فضيلة أم سلمة ووفور عقلها، وقد قال إمام الحرمين في النهاية: قيل ما أشارت امرأة بصواب إلا أم سلمة في هذه القضية. (ثم جاءه) عليه الصلاة والسلام (نسوة مؤمنات) بعد ذلك في أثناء مدة الصلح (فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين أمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات}) نصب على الحال ({فامتحنوهن}) فاختبروهن بما يغلب على ظنكم موافقة قلوبهن (حتى بلغ {بعصم الكوافر}) [الممتحنة: 10] بما تعتصم به الكافرات من عقد ونسب جمع عصمة والمراد نهي المؤمنين عن المقام على نكاح المشركات وبقية الآية {الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار} أي إلى أزواجهن الكفرة لقوله: {لا هنّ حلٌّ لهم ولا هم يحلُّون لهنّ وآتوهم ما أنفقوا} أي ما دفعوا إليهن من المهور، وهذه الآية على رواية لا يأتيك منّا أحد وإن كان على دينك إلا رددته تكون مخصصة للسنة وهذا من أحسن أمثلة ذلك وعلى طريقة بعض السلف ناسخة من قبيل نسخ السنة بالكتاب، أما على رواية: لا يأتيك منا رجل فلا إشكال فيه. (فطلق عمر) -رضي الله عنه- (يومئذٍ امرأتين) قريبة بنت أبي أمية وابنة جرول الخزاعي كما في الرواية التالية (كانتا له في الشرك) لقوله تعالى في الآية {لا هنّ حِلٌّ لهم ولا هم يحلُّون لهنّ} [الممتحنة: 10] وقد كان ذلك جائزًا في ابتداء الإسلام (فتزوّج إحداهما) وهي قريبة (معاوية بن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية) وفي الرواية اللاحقة وتزوج الأخرى أبو جهم. (ثم رجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المدينة فجاءه أبو بصير) بفتح الموحدة وكسر الصاد المهملة (رجل من قريش) بدل من أبو بصير ومعنى كونه من قريش أنه منهم بالحلف وإلاّ فهو ثقفي واسمه عتبة بضم العين المهملة وسكون الفوقية ابن أسيد بفتح الهمزة على الصحيح ابن جارية بالجيم الثقفي حليف بني زهرة وبنو زهرة من قريش (وهو مسلم) جملة حالية (فأرسلوا) أي قريش (في طلبه رجلين) هما خنيس بخاء معجمة مضمومة ونون مفتوحة آخره سين مهملة مصغرًا ابن جابر وأزهر بن عوف لزهريّ إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالوا العهد الذي جعلت لنا) يوم الحديبية أن ترد إلينا من جاء منا وإن كان على دينك وسألوه أن يردّ إليهم أبا بصير كما وقع في الصلح (فدفعه) عليه السلام (إلى الرجلين) وفاء بالعهد (فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد

الرحلين) في رواية ابن سعد لخنيس بن جابر ولابن إسحاق للعامري (والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدًا فاستلّه الآخر) أي أخرج السيف صاحبه من غمده (فقال: أجل) نعم (والله إنه لجيد لقد جرّبت به ثم جرّبت، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه فأمكنه منه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي به بدل منه أي بيده (فضربه) أبو بصير (حتى برد) بفتح الموحدة والراء أي مات (وفرّ الآخر) وعند ابن إسحاق وخرج المولى يشتد أي هربًا وهو مولى خنيس واسمه كوثر (حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو) بالعين المهملة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين رآه) (لقد رأى هذا ذعرًا) بضم الذال المعجمة وسكون العين المهملة خوفًا (فلما انتهى إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال قتل) بضم القاف مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر قتل بفتح القاف والتاء أي قتل أبو بصير (والله صاحبي وإني لمقتول) أي إن لم تردّوه عني (فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك) كان القياس أن يقول والله قد أوفى الله ذمتك لكن القسم محذوف والمذكور مؤكد له ولغير أبي ذر إليك ذمتك (قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (ويل أمه) برفع اللام في رواية أبي ذر خبر مبتدأ أي هو ويل لأمه وقطع همزة أمه وتشديد ميمها مكسورة وفي نسخة ويل أمه بحذف الهمزة تخفيفًا، وفي أخرى ويل أمه بنصب اللام على أنه مفعول مطلق. قال الجوهري: وإذا أضفته فليس فيه إلا النصب وفي اليونينية ويل أمه بكسر اللام وقطع الهمزة. قال ابن مالك تبعًا للخليل: وي كلمة تعجب وهي من أسماء الأفعال واللام بعدها مكسورة ويجوز ضمها إتباعًا للهمزة وحذف الهمزة تخفيفًا. وقال الفراء أصل قولهم ويل فلان وي لفلان أي حزن له فكثر الاستعمال فألحقوا بها اللام فصارت كأنها منها وأعربوها (مسعر حرب) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين بالنصب على التمييز أو الحال مثل لله درّه فارسًا ولأبي ذر مسعر بالرفع أي هو مسعر وحرب مجرور بالإضافة وأصل ويل دعاء عليه واستعمل هنا للتعجب من إقدامه في الحرب والإيقاد لنارها وسرعة النهوض لها (لو كان له أحد) ينصره لإسعار الحرب لأثار الفتنة وأفسد الصلح، (فلما سمع) أبو بصير (ذلك عرف أنه) عليه السلام (سيردّه إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر) بكسر السين المهملة وسكون التحتية وبعدها فاء أي ساحله في موضع يسمى العيص بكسر العين المهملة وسكون التحتية آخره صاد مهملة على طريق أهل مكة إذا قصدوا الشام. (قال وينفلت) بالفاء والمثناة الفوقية أي ويتخلص (منهم أبو جندل بن سهيل) أي من أبيه وأهله من مكة وعبّر بصيغة الاستقبال إشارة إلى إرادة مشاهدة الحال على حدّ قوله تعالى: {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابًا} [الروم: 48] وفي رواية أبي الأسود عن عروة وانفلت أبو جندل في سبعين راكبًا مسلمين (فلحق بأبي بصير) بسيف البحر (فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة) بكسر العين جماعة ولا واحد لها من لفظها وهي تطلق على الأربعين فما دونها، لكن عند ابن إسحاق أنهم بلغوا نحوًا من سبعين بل جزم به عروة في المغازي وزاد وكرهوا أن يقدموا المدينة في مدة الهدنة خشية أن يعادوا إلى المشركين وسمى الواقدي منهم الوليد بن الوليد بن المغيرة. (فوالله ما يسمعون بعير) بخبر عير بكسر العين قافلة (خرجت) من مكة (لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها) وقفوا لها في طريقها بالعرض وذلك كناية عن منعهم لها من المسير، (فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش) أبا سفيان بن حرب (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تناشده بالله والرحم) تقول له سألتك بالله وبحق القرابة ولأبي ذر تناشده الله والرحم (لما) بالتشديد أي ألا (أرسل) إلى أبي بصير وأصحابه بالامتناع عن إيذاء قريش (فمن أتاه) منهم مسلمًا (فهو آمن) من الرد إلى قريش (فأرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم) زاد في رواية أبي الأسود فقدموا عليه، وفيها: فعلم الذين كانوا أشاروا بأن لا يسلم أبا جندل إلى أبيه أن طاعة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خير مما كرهوا

(فأنزل الله تعالى {وهو الذي كفّ أيديهم عنكم}) أي أيدي كفار مكة ({وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم}) [الفتح: 24] أي أظهركم عليهم (حتى بلغ الحمية حمية الجاهلية) أي التي تمنع الإذعان للحق وسقط لأبي ذر قوله: {ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم} وقوله: الحمية من قوله حتى بلغ الحمية (وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبيّ الله، ولم يقرّوا ببسم الله الرحمن الرحيم وحالوا بينهم وبين البيت) وظاهر قوله فأنزل الله {وهو الذي كفّ أيديهم} أنها نزلت في شأن أبي بصير وفيه نظر والمشهور أنها نزلت بسبب القوم الذين أرادوا من قريش أن يأخذوا المسلمين غرّة فطفروا بهم فعفا عنهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنزلت. رواه مسلم وغيره زاد أبو ذر عن المستملي. قال أبو عبد الله البخاري مفسرًا لبعض غريب في بعض الآية من المجاز لأبي عبيدة معرة مفعلة من العرّ بضم العين وتشديد الراء الجرب بالجيم يعني أن المعرة مشتقة من عرّه إذا دهاه ما يكره ويشق عليه والعر هو الجرب. قال الجوهري: العر بالفتح الجرب وبالضم قروح مثل القوباء تخرج بالإبل متفرقة في مشافرها وقوائمها يسيل منها مثل الماء الأصفر فتكوى الصحاح لئلا تعديها المراض. تزيلوا: انمازوا أي تميز بعضهم وقوله: انمازوا ليس في الفرع وأصله وحميت القوم منعتهم من حصول الشر والأذى إليهم ومصدره حماية على وزن فعالة بالكسر وأحميت الحمى بكسر الحاء وفتح الميم مقصورًا جعلته حمى لا يدخل فيه ولا يقرب منه وهو بضم الياء وفتح الخاء مبنيًّا للمفعول، وأحميت الحديد في النار فهو محمي وأحميت الرجل إذا أغضبته ومصدره إحماء بكسر الهمزة وسكون الحاء المهملة. 2733 - وَقَالَ عُقَيْلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: "قَالَ عُرْوَةُ فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ. وَبَلَغَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَرُدُّوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ مَا أَنْفَقُوا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ، وَحَكَمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ لاَ يُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ، أَنَّ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ -قَرِيبَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ. وَابْنَةَ جَرْوَلٍ الْخُزَاعِيِّ فَتَزَوَّجَ قَرِيبَةَ مُعَاوِيَةُ وَتَزَوَّجَ الأُخْرَى أَبُو جَهْمٍ. فَلَمَّا أَبَى الْكُفَّارُ أَنْ يُقِرُّوا بِأَدَاءِ مَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَىْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} [الممتحنة: 11] وَالْعَقِبُ مَا يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ إِلَى مَنْ هَاجَرَتِ امْرَأَتُهُ مِنَ الْكُفَّارِ، فَأَمَرَ أَنْ يُعْطَى مَنْ ذَهَبَ لَهُ زَوْجٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَنْفَقَ مِنْ صَدَاقِ نِسَاءِ الْكُفَّارِ اللاَّئِي هَاجَرْنَ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ ارْتَدَّتْ بَعْدَ إِيمَانِهَا. وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَصِيرِ بْنَ أَسِيدٍ الثَّقَفِيَّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا فِي الْمُدَّةِ، فَكَتَبَ الأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُهُ أَبَا بَصِيرٍ" فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. (وقال عقيل) بضم العين فيما تقدم موصولاً في الشروط (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال عروة) بن الزبير (فأخبرتني عائشة) -رضي الله عنها- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يمتحنهن) أي يختبر المهاجرات بالحلف والنظر في الإمارات. قال الزهري فيما وصله ابن مردويه في تفسيره: (وبلغنا أنه لما أنزل الله تعالى أن يردّوا إلى المشركين ما أنففوا على من هاجر من أزواجهم) أي من الأصدقة (وحكم على المسلمين أن لا يمسكوا بعِصَم الكوافر أن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (طلق امرأتين قريبة) بضم القاف وفتح الراء وبعد التحتية موحدة وللكشميهني قريبة بفتح القاف وكسر الراء (بنت أبي أمية وابنة جرول) بفتح الجيم وسكون الراء أم عبد الله بن عمر (الخزاعي) بالخاء المضمومة والزاي المعجمتين (فتزوّج قريبة) وللحموي والمستملي قريبة بضمّ القاف (معاوية بن أبي سفيان وتزوّج الأخرى أبو جهم) بفتح الجيم وسكون الهاء عامر بن حذيفة الأموي (فلما أبى الكفار أن يقرّوا بأداء ما أنفق المسلمون على أزواجهم) المأمور به في قوله تعالى: {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا} [الممتحنة: 20] أي وطالبوا بما أنفقتم من مهور نسائكم اللاحقات بالكفار وليطالبوا بما أنفقوا من مهور أزواجهن اللاتي هاجرن إلى المسلمين (أنزل الله تعالى {وإن فاتكم}) وإن سبقكم وانفلت منكم مرتدًّا ({شيء}) أحد ({من أزواجكم}) وإيقاع شيء موقع أحد للتحقير والمبالغة في التعميم أي شيء من مهورهن ({إلى الكفار فعاقبتم} [الممتحنة: 11] والعقب) بفتح العين وسكون القاف في اليونينية وقد تفتح هو (ما يؤدي المسلمون) من المهر (إلى من هاجرت امرأته) المسلمة (من الكفار) إلى المسلمين (فأمر) الله تعالى (أن يعطى) بضم الياء مبنيًّا للمفعول (من ذهب له زوج من المسلمين) إلى الكفار مرتدة مثل (ما أنفق) عليها من المهر مفعول ثانٍ ليعطى (من صداق نساء الكفار) الجار والمجرور متعلق بيعطى (اللاتي) أسلمن و (هاجرن) إلى المسلمين إذا تزوّجن ولا يعطى الزوج الكافر شيئًا (وما نعلم أحدًا) ولأبي ذر: وما نعلم أن أحدًا (من المهاجرات ارتدّت بعد إيمانها). قال الزهري: (وبلغنا أن أبا بصير بن أسيد) بفتح الهمزة (الثففي) بالمثلثة فالقاف فالفاء وهذا من مرسل الزهري بخلافه في رواية معمر فإنه موصول إلى المسور (قدم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (مؤمنًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من منى قال الحافظ ابن حجر وهو تصحيف (مهاجرًا)

16 - باب الشروط في القرض وقال ابن عمر وعطاء -رضي الله عنهما-: إذا أجله عن القرض جاز

حال من الأحوال المترادفة أو المتداخلة (في المدة) التي وقع الصلح عليها (فكتب الأخنس) بهمزة مفتوحة فخاء معجمة ساكنة وبعد النون المفتوحة سين مهملة (ابن شريق) بشين معجمة مفتوحة فراء مكسورة وبعد التحتية الساكنة قاف (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسأله أبا بصير) أن يردّه إليهم وفاء بالعهد (فذكر الحديث) الى آخره. وفي الرواية السابقة فأرسلوا في طلبه رجلين وقد سماهما ابن سعد في طبقاته خنيس بمعجمة ونون مصغرًا ابن جابر ومولى له يقال له كوثر، وقال ابن إسحاق: فكتب الأخنس بن شريق والأزهر بن عبد عوف إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتابًا وبعثا به مع مولى لهما ورجل من بني عامر استأجراه ببكرين انتهى. قال في الفتح: والأخنس من ثقيف رهط أبي بصير وأزهر من بني زهرة حلفاء أبي بصير فلكلٍّ منهما المطالبة بردّه. 16 - باب الشُّرُوطِ فِي الْقَرْضِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٌ -رضي الله عنهما-: إِذَا أَجَّلَهُ عن الْقَرْضِ جَازَ (باب الشروط في القرض. وقال ابن عمر) بن الخطاب (وعطاء) هو ابن أبي رباح (-رضي الله عنهما- إذا أجله) إلى أجل معلوم (في القرض جاز) أي التأجيل أي صح القرض بشرطه وهذا قد سبق معناه في باب إذا أقرضه إلى أجل مسمى. 2734 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: "عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارِ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى". (وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله في باب التجارة في البحر من رواية أبي ذر عن المستملي فقال: حدّثني عبد الله بن صالح قال حدّثني الليث قال: (حدّثني) بالإفراد (جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل بن حسنة القرشي (عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (أنه ذكر رجلاً سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فدفعها) المسلف (إليه) أي المستلف (إلى أجل مسمى) معلوم والذي أسلم هو النجاشي كما سماه في مسند الصحابة الذين نزلوا مصر لمحمد بن الربيع الجيزيّ بإسناد له فيه مجهول من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا. والحديث سبق تامًّا في باب الكفالة في القرض، وهذا الباب جميعه ثابت في رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي ساقط لغيرهما وقال في الفتح: إنه ساقط للنسفي لكن زاد في الترجمة التي تليه فقال: باب الشروط في القرض والمكاتب إلخ ... وفي الفرع كأصله علامة تأخير الحديث عن الأثر. 17 - باب الْمُكَاتَبِ، وَمَا لاَ يَحِلُّ مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي تُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- فِي الْمُكَاتَبِ: شُرُوطُهُمْ بَيْنَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -أَوْ عُمَرُ-: كُلُّ شَرْطٍ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ فَهْوَ بَاطِلٌ، وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يُقَالُ عَنْ كِلَيْهِمَا، عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ. (باب) حكم (المكاتب وما لا يحل من الشروط التي تخالف كتاب الله) أي حكم كتاب الله وهو أعم من أن يكون نصًّا أو استنباطًا (وقال جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-) مما وصله سفيان الثوري في كتاب الفرائض له من طريق مجاهد عن جابر (في المكاتب شروطهم) أي شروط المكاتبين وساداتهم (بينهم) معتبرة، (وقال ابن عمر أو) أبوه (عمر) بن الخطاب كذا وقع بالشك ولم يقل في رواية النسفيّ أو عمر (-رضي الله عنهما- كل شرط خالف كتاب الله) أي حكم كتاب الله (فهو باطل وإن اشترط مائة شرط. وقال أبو عبد الله) البخاري: (يقال عن كليهما عن عمر وابن عمر) كذا في رواية كريمة وسقط قوله: وقال أبو عبد الله إلى آخره عند أبي ذر. 2735 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "أَتَتْهَا بَرِيرَةُ تَسْأَلُهَا فِي كِتَابَتِهَا فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتِ أَعْطَيْتُ أَهْلَكِ وَيَكُونُ الْوَلاَءُ لِي. فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَّرْتُهُ ذَلِكَ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ابْتَاعِيهَا فَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ". وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن عمرة) بنت عبد الرحمن الأنصارية (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: أتتها بريرة تسألها) أن تعينها (في كتابتها) وفي رواية عروة عن عائشة تستعينها في كتابتها (فقالت) عائشة لها (إن شئت أعطيت أهلك) ثمنك وأعتقتك (ويكون الولاء) عليك (لي) فذكرت بريرة ذلك لأهلها فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم (فلما جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لعائشة (ذكرته ذلك) بتخفيف كاف ذكرته ولأبي ذر ذكرته بتشديدها وفتح الراء وسكون الفوقية وفي نسخة بسكون الراء وضم الفوقية (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ابتاعيها) بهمزة وصل (فأعتقيها) بهمزة قطع (فإنما الولاء لمن أعتق) لا غيره (ثم قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر) خطيبًا (فقال: ما بال) ما شأن (أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله) أي ليست في حكم الله الذي كتبه على عباده وشرعه لهم وليس المراد به خصوص القرآن لأن كون الولاء للمعتق غير منصوص في القرآن، ولكن الكتاب أمر بطاعة الرسول واتباع حكمه وقد حكم

18 - باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الإقرار، والشروط التي يتعارفها الناس بينهم. وإذا قال مائة إلا واحدة أو ثنتين

بأن الولاء لمن أعتق (من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة شرط) التقييد بالمائة للتأكيد لأن العموم في قوله: من اشترط دال على بطلان جميع الشروط المذكورة فلو زادت الشروط على المائة كان الحكم كذلك لما دلّت عليه الصيغة. وهذا الحديث قد سبق غير مرة. 18 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الاِشْتِرَاطِ وَالثُّنْيَا فِي الإِقْرَارِ، وَالشُّرُوطِ الَّتِي يَتَعَارَفُهَا النَّاسُ بَيْنَهُمْ. وَإِذَا قَالَ مِائَةٌ إِلاَّ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: قَالَ رَجُلٌ لِكَرِيِّهِ: أَدْخِلْ رِكَابَكَ، فَإِنْ لَمْ أَرْحَلْ مَعَكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا فَلَكَ مِائَةُ دِرْهَمٍ، فَلَمْ يَخْرُجْ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: مَنْ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ طَائِعًا غَيْرَ مُكْرَهٍ فَهْوَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: إِنَّ رَجُلاً بَاعَ طَعَامًا. قَالَ: إِنْ لَمْ آتِكَ الأَرْبِعَاءَ فَلَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بَيْعٌ، فَلَمْ يَجِئْ. فَقَالَ شُرَيْحٌ لِلْمُشْتَرِي: أَنْتَ أَخْلَفْتَ، فَقَضَى عَلَيْهِ. (باب) بيان (ما يجوز من الاشتراط والثنيا) بضم المثلثة وسكون النون بعدها تحتية مقصورًا الاستثناء (في الإقرار و) بيان (الشروط التي يتعارفها) ولأبي ذر عن الكشميهني يتعارفه (الناس بينهم) كشرط نقل المبيع من مكان البائع فإنه جائز لأنه تصريح بمقتضى العقد أو شرط قطع الثمار أو تبقيتها بعد الصلاح، أو شرط أن يعمل فيه البائع عملاً معلومًا كأن باع ثوبًا بشرط أن يخيطه في أضعف الأقوال وهو في المعنى بيع وإجارة يوزع المسمى عليهما باعتبار القيمة، وقيل يبطل الشرط ويصح البيع بما يقابل المبيع من المسمى والأصح بطلانهما لاشتمال البيع على شرط عمل فيما لم يملكه بعد (وإذا قال) لفلان عليّ (مائة إلا واحدة أو اثنتين) بكسر المثلثة وهذا استثناء قليل من كثير لا خلاف فيه فيصحّ ويلزمه في قوله إلاّ واحدة تسعة وتسعون درهمًا وفي قوله الاثنتين ثمانية وتسعون. (وقال ابن عون) بفتح العين المهملة وبعد الواو الساكنة نون عبد الله بن أرطبان البصري مما وصله سعيد بن منصور عن هشيم عنه (عن ابن سيرين) محمد (قال رجل) ولأبي ذر عن الكشميهني قال الرجل بالتعريف (لكريه) بفتح الكاف وكسر الراء وتشديد التحتية بوزن فعيل المكاري، وقال الجوهري: يطلق على المكري وعلى المكتري أيضًا (أدخل) بهمزة مفتوحة فدال مهملة ساكنة فحاء معجمة مكسورة أمر من الإدخال، ولأبي ذر عن الكشميهني: ارحل بهمزة مكسورة فراء ساكنة فحاء مهملة مفتوحة (ركابك) بكسر الراء منصوب بأدخل الإبل التي يسار عليها الواحدة راحلة لا واحد لها من لفظها أي أدخلها فناءك لأرحل معك يوم كذا وكذا (فإن لم أرحل معك يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج) أي لم يرحل معه (فقال شريح) القاضي: (من شرط على نفسه) شيئًا حال كونه (طائعًا) مختارًا (غير مكره) عليه (فهو) أي الشرط الذي شرطه (عليه) أي يلزمه، وقال الجمهور: هي عدة فلا يلزم الوفاء بها. (وقال أيوب) السختياني مما وصله سعيد بن منصور (عن ابن سيرين) محمد (أن رجلاً باع طعامًا) لآخر (وقال) المشتري للبائع (إن لم آتك الأربعاء) بكسر الموحدة أي يوم الأربعاء (فليس بيني وبينك بيع فلم يجيء) أي المشتري، (فقال شريح) القاضي: (للمشتري) عند التحكيم إليه (أنت أخلفت) الميعاد (فقضى عليه) برفع البيع وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد، وقال مالك والشافعي: يصح البيع ويبطل الشرط. 2736 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا، مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ». [الحديث 2736 - طرفاه في: 6410، 7392]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن لله تسعة وتسعين اسمًا) بالنصب على التمييز وليس فيه نفي غيرها وقد نقل ابن العربي إن لله ألف اسم قال وهذا قليل فيها ولو كان البحر مدادًا لأسماء ربي لنفد البحر قبل أن تنفد أسماء ربي ولو جئنا بسبعة أبحر مثله مدادًا. وفي الحديث "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتبك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك" وإنما خص هذه لشهرتها. ولما كانت معرفة أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية إنما تعلم من طريق الوحي والسُّنّة، ولم يكن لنا أن نتصرف فيها بما لم يهتدِ إليه مبلغ علمنا ومنتهى عقولنا، وقد منعنا عن إطلاق ما لم يرد به التوقيف في ذلك وإن جوّزه العقل وحكم به القياس كان الخطأ في ذلك غيرهن والمخطئ فيه غير معذور والنقصان عنه كالزيادة فيه غير مرضي، وكان الاحتمال في رسم الخط واقعًا باشتباه تسعة

19 - باب الشروط في الوقف

وتسعين في زلّة الكاتب وهفوة القلم بسبعة وسبعين أو سبعة وتسعين أو تسعة وسبعين فينشأ الاختلاف في المسموع من المسطور أكده حسمًا للمادة وإرشادًا إلى الاحتياط بقوله: (مائة) بالنصب على البدلية (إلا) اسمًا (واحدًا) ولأبي ذر إلا واحدة بالتأنيث ذهابًا إلى معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة (من أحصاها) علمًا وإيمانًا أو عدًّا لها حتى يستوفيها فلا يقتصر على بعضها بل يثني على الله ويدعوه بجميعها أو من عقلها وأحاط بمعانيها أو حفظها (دخل الجنة). وبقية مباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في محالها، وكأن المؤلّف أورده ليستدل به على أن الكلام إنما يتم بآخره فإذا كان فيه استثناء أو شرط عمل به وأخذ ذلك من قوله مائة إلا واحدًا وهو في الاستثناء مسلم فلو قال في البيع: بعث من هذه الصبرة مائة صاع إلا صاعًا صح وعمل به وكان بائعًا لتسعة وتسعين صاعًا، وكذا في الإقرار كما مرّ ولا يؤخذ بأوّل كلامه ويلغى آخره، لكن في استنباط ذلك من هذا الحديث نظر لأن قوله: مائة إلا واحدًا إنما ذكر تأكيدًا لما تقدم فلم يستفد به فائدة مستأنفة حتى يستنبط منه هذا الحكم لحصول هذا المقصود بقوله تسعة وتسعين اسمًا. وأما الشروط فليست صورة الحديث قاله الوليّ بن العراقي. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في التوحيد والترمذي في الدعوات والنسائي في النعوت وابن ماجة في الدعاء. 19 - باب الشُّرُوطِ فِي الْوَقْفِ (باب الشروط في الوقف). 2737 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَنْبَأَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا. قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ. وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ وَفِي الْقُرْبَى وَفِي الرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ، ولاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ". قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ ابْنَ سِيرِينَ فَقَالَ: "غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالاً". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي البغلاني قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله الأنصاري) قال: (حدّثنا ابن عون) بفتح المهملة وبالنون عبد الله البصري (قال: أنبأني) بالإفراد أي أخبرني والإنباء يطلق على الإجازة أيضًا كما عرف في موضعه (نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن) أباه (عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (أصاب أرضًا بخيبر فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستأمره) أي يستشيره (فيها فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضًا بخيبر) تسمى ثمغ بفتح المثلثة وسكون الميم وبالغين المعجمة (لم أصب مالاّ قطّ أنفس) أي أجود (عندي منه فما تأمرني به) أن أفعل فيها (قال) عليه السلام: (إن شئت حبست) بتشديد الموحدة أي وقفت (أصلها وتصدقت بها) (قال: فتصدّق بها عمر أنه لا يباع) أصلها (ولا يوهب ولا يورث وتصدق بها على الفقراء وفي القربى) القرابة في الرحم (وفي) فك (الرقاب) وهم المكاتبون بأن يدفع إليهم شيء من الوقف تفك به رقابهم (وفي سبيل الله) منقطع الحاج ومنقطع الغزاة (وابن السبيل) الذي له مال في بلدة لا يصل إليها وهو فقير (والضيف) من عطف العام على الخاص (لا جناح) لا إثم (على من وليها) ولي التحدّث على تلك الأرض (أن يأكل منها) من ريعها (بالمعروف) بحسب ما يحتمل ريع الوقف على الوجه المعتاد (ويطعم) بالنصب عطفًا على المنصوب بضم الياء من الإطعام بأن يطعم غيره حال كونه (غير متموّل. قال) ابن عون (فحدّثت به) بهذا الحديث (ابن سيرين) محمدًا (فقال غير متأثل) بضم الميم وفتح الفوقية وبعد الهمزة المفتوحة مثلثة مشدّدة مكسورة فلام أي جامع (مالاً) وقول الزركشي مالاً نصب على التمييز. قال الإمام بدر الدين الدماميني: إنه خطأ وإنما نصب على أنه مفعول به أي لمتأثل. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الوصايا وكذا مسلم وأخرجه النسائي في الأحباس والله تعالى أعلم.

55 - كتاب الوصايا

بسم الله الرحمن الرحيم 55 - كتاب الوصايا (كتاب الوصايا). جمع وصية وهي لغة الإيصال من وصى الشيء بكذا أوصله به لأن الموصي وصل خير دنياه بخير عقباه، وشرعًا تبرع بحق مضاف إلى ما بعد الموت ليس بتدبير ولا تعليق عتق وإن التحقا بها حكمًا في حسابهما من الثلث كالتبرع المنجز في مرض الموت أو الملحق به. 1 - باب الْوَصَايَا، وَقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَصِيَّةُ الرَّجُلِ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} جَنَفًا: مَيْلاً. مُتَجَانِفٌ: مَائِلٌ. (بسم الله الرحمن الرحيم). (باب) حكم (الوصايا) وقدّم النسفيّ في روايته البسملة على لفظ كتاب (و) باب (قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وصية الرجل مكتوبة عنده) التقييد بالرجل خرج مخرج الغالب، وإلا فلا فرق في الوصية الصحيحة بين الرجل والمرأة، لكن قال الحافظ ابن حجر: إنه لم يقف على هذا الحديث باللفظ المذكور فكأنه رواه بالمعنى فإن المرء هو الرجل، (و) باب (قول الله تعالى): ولأبي ذر: وقال الله عز وجل: ({كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت}) أي حضرت أسبابه وظهرت أماراته {إن ترك خيرًا} مالاً، وقيل: مالاً كثيرًا لما روي عن علي -رضي الله عنه- أن مولى له أراد أن يوصي وله سبعمائة درهم فمنعه، وقال الله تعالى: ({إن ترك خيرًا}) والخير هو المال الكثير ({الوصية}) مرفوع بكتب وتذكير فعلها على تأويل أن يوصي أو الإيصاء ({للوالدين والأقربين بالمعروف}) بالعدل فلا يفضل الغنى ولا يتجاوز الثلث ({حقًّا على المتقين}) مصدر مؤكد أي حق حقًّا أي واجبًا ({فمن بدّله}) أي بدل ما ذكر من الوصية ({بعدما سمعه}) وصل إليه ({فإنما إثمه على الذين يبدّلونه}) ووقع أجر الميت على الله ({إن الله سميع}) للوصية ({عليم}) بما بدل منها فيجازي المبدل بغير حق، وهذا الحكم كان في بدء الإسلام قبل نزول آية المواريث فلما نزلت نسختها وصارت المواريث المقررة فريضة من الله يأخذها أهلها حتمًا من غير وصية ولا تحمل ما نيّة الوصي، وفي حديث عمرو بن خارجة في السنن مرفوعًا "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" ({فمن خاف من موصٍ}) أي توقع وعلم ({جنفًا أو إثمًا}) بأن تعمد الجور في وصيته فزاد على الثلث ({فأصلح بينهم}) بين

الموصي لهم بردّ ما زاد ({فلا إثم عليه}) في هذا التبديل لأنه تبديل باطل إلى حق بخلاف الأوّل ({إن الله غفور رحيم}) [البقرة: 180 و181 و182] حيث لم يجعل على عباده حرجًا في الدين، وقال البخاري مفسرًا لقوله (جنفًا) أي (ميلاً) رواه الطبري عن عطاء بإسناد صحيح (متجانف): أي (مائل). ولغير أبي ذر كما في فتح الباري: متمايل، وسقط لأبي ذر من قوله: {والأقربين} إلى الآخر، وقال بعد قوله: ({للوالدين}) إلى {جنفًا} وللنسفيّ كما في الفتح الآية، وفي نسخة {والأقربين بالمعروف} إلى قوله: {إن الله غفور رحيم}. 2738 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَىْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ». تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما) وسقط لأبي ذر عبد الله (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ما) أي ليس (حق امرئ) رجل (مسلم) أو ذمي، ولمسلم عن أيوب عن نافع "ما حق امرئ يؤمن بالوصية" قال ابن عبد البر: فسّره ابن عيينة أي يؤمن بأنها حق (له شيء) صفة لامرئ، وعند البيهقي "له مال" بدل "شيء" حال كونه (يوصي فيه) صفة لشيء حال كونه "يبيت ليلتين" صفة أخرى لامرئ ومفعول يبيت محذوف تقديره آمنًا أو ذاكرًا أو موعوكًا، وعند البيهقي ليلة أو ليلتين، ولمسلم والنسائي ثلاث ليالٍ، والاختلاف دالٌّ على التقريب لا التحديد والمبتدأ الذي هو ما حق محصور في خبره المقدّر بعد "إلا" من قوله: (إلاّ ووصيته) أي ما حقه إلا المبيت ووصيته (مكتوبة عنده). مشهود بها فإن الغالب إنما يكتب العدول قال الله تعالى: {شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم} [المائدة: 106] ولأن أكثر الناس لا يحسن الكتابة فلا دلالة فيه على اعتماد الخط، ونقل في المصابيح: فيما إذا وجدت وصية بخط الميت من غير إشهاد في تَرِكته ويعرف أنها خطه بشهادة عدلين عن الباجي أنها لا يثبت شيء منها لأنه قد يكتب ولا يعزم. رواه ابن القاسم في المجموعة والعتبية ولم يحكِ ابن عرفة فيها خلافًا، والواو في ووصيته اللحال، قال في العدة: ويحتمل أن يكون خبر المبتدأ يبيت بتأويله بالمصدر تقديره ما حقه بيتوتة ليلتين إلا وهو بهذه الصفة، وهذا معنى قوله في المصابيح أن يبيت ليلتين ارتفع بعد حذف أن مثل قوله تعالى: {ومن آياته يريكم البرق} [الروم: 24] وقال في الفتح ونحوه، وتعقبه العيني فقال هذا قياس فاسد وفيه تغيير المعنى أيضًا، وإنما قدر أن في قوله تعالى: {يريكم البرق} لأنه في موضع الابتداء لأن قولها {ومن آياته} في موضع الخبر والفعل لا يقع مبتدأ فتقدر أن فيه حتى يكون في معنى المصدر فيصح حينئذٍ وقوعه مبتدأ فمن له ذوق في العربية يفهم هذا ويعلم تغيير المعنى فيما قال انتهى ولم يجب عن ذلك في انتقاض الاعتراض بشيء بل بيض له ككثير من الاعتراضات التي أوردها العيني عليه لكن يدل لما قالوه رواية النسائي من طريق فضيل بن عياض عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر حين قال فيها: أن يبيت، فصرح بأن المصدرية والتعبير بالمسلم جرى على الغالب وإلاّ فالذمي كذلك فإن الكفار مخاطبون بالفروع. فإن قلت: الوصية شرعت زيادة في العمل الصالح والكافر لا عمل له بعد الموت: أجيب: بأنهم نظروا إلى أن الوصية كالإعتاق وهو صحيح من الذمي والحربي أو التعبير بالمسلم من الخطاب المسمى عند البيانيين بالتهييج أي الذي يمتثل أمر الله ويجتنب نواهيه إنما هو المسلم ففيه إشعار بنفي الإسلام عن تارك ذلك. وقال الشافعي فيما حكاه النووي: معنى الحديث ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده، وروى البيهقي في المعرفة مما قرأته فيها عن الشافعي أيضًا أنه قال في قوله: ما حق امرئ يحتمل ما لامرئ أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده، ويحتمل ما المعروف في الأخلاق إلا هذا لا من وجه الفرض انتهى. وقد أجمع على الأمر بها، لكن مذهب الأربعة أنها مندوبة لا واجبة ولا دلالة في حديث الباب لمن قال بالوجوب وكيف، وفي رواية مسلم من طريق عبيد الله بن عمر وأيوب يريد أن يوصي فيه فجعل ذلك متعلقًا بإرادته. سلمنا أنه يدل على الوجوب لكن صرفه عن ذلك أدلة أخرى كقوله تعالى فيما قاله السهيلي: {من بعد وصية يوصي

بها أو دين} [النساء: 11و12] فإنه نكر الوصية كما نكر الدين، ولو كانت الوصية واجبة لقال من بعد الوصية. نعم، روى ابن عون عن نافع عن ابن عمر الحديث بلفظ: لا يحل لامرئ مسلم، وقال المنذري: إنها تؤيد القول بالوجوب، لكن لم يتابع ابن عون على هذه الوصية، وقد قال المنذري إنها شاذة، نعم تجب الوصية على من عليه حق لله كزكاة وحج أو حق لآدمي بلا شهود بخلاف ما إذا كان به شهود فلا تجب، وهل الحكم كذلك في اليسير التي جرت العادة بردّه مع القرب فيه كلام لبعضهم مال فيه إلى أن مثل هذا لا تجب الوصية فيه على التضييق والفور مراعاة للشفقة. وهذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. (تابعه) أي تابع مالكًا في أصل الحديث (محمد بن مسلم) الطائفي فيما رواه الدارقطني في الإفراد (عن عمرو) هو ابن دينار (عن ابن عمر) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 2739 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ خَتَنِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخِي جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَ: "مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ مَوْتِهِ دِرْهَمًا وَلاَ دِينَارًا وَلاَ عَبْدًا وَلاَ أَمَةً وَلاَ شَيْئًا، إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ وَسِلاَحَهُ وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً". [الحديث 2739 - أطرافه في: 2873، 2912، 3098، 4461]. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن الحرث) البغدادي سكن نيسابور قال: (حدّثنا يحيى بن أبي بكير) بضم الموحدة مصغرًا العبدي الكوفي الكرماني لا ابن بكير المصري قال: (حدّثنا زهير بن معاوية) بضم الزاي وفتح الهاء مصغرًا (الجعفي) قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي (عن عمرو بن الحرث) بن أبي ضرار الخزاعي (ختن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الخاء المعجمة والمثناة الفوقية والجر وصف لعمرو أو عطف بيان أو بدل وهو كل ما كان من قبل المرأة مثل الأب والأخ (أخي جويرية بنت الحرث) أم المؤمنين -رضي الله عنها- وأخي بالجر عطفًا على المجرور السابق أنه (قال) (ما ترك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند موته درهمًا ولا دينارًا ولا عبدًا ولا أمة) في الرقّ (ولا شيئًا) من عطف العام على الخاص ولأبي ذر عن الكشميهني ولا شاة قال ابن حجر والأوّل أصح وزاد مسلم وأبو داود والنسائي ولا بعيرًا (إلا بغلته البيضاء وسلاحه) الذي أعده للحرب كالسيوف (وأرضًا جعلها صدقة). قال ابن التين فيما نقله العيني هي فدك والتي بخيبر وإنما تصدّق بها في صحته وأخبر بالحكم عند وفاته، وإليه أشارت عائشة -رضي الله عنها- بقولها في حديثها الذي رواه مسلم وغيره المذكور ولا أوصى بشيء. قال الكرماني: الضمير في قوله وجعلها راجع إلى الثلاث أي البغلة والسلاح والأرض لا إلى الأرض فقط. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث أن فيه التصدّق بما ذكر وحكمه حكم الوقف وهو في معنى الوصية لبقائها بعد الموت، قاله العيني. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الخمس والجهاد والمغازي والنسائي في الأحباس. 2740 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا مَالِكٌ حَدَّثَنَا هُوَ ابنُ مِغْوَلٍ حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ قَالَ: "سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما-: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْصَى؟ فَقَالَ: لاَ. فَقُلْتُ: كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةُ أَوْ أُمِرُوا بِالْوَصِيَّةِ؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ". [الحديث 2740 - طرفاه في: 4460، 5022]. وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان أبو محمد السلمي الكوفي قال: (حدّثنا مالك) زاد أبو ذر عن المستملي والكشميهني هو ابن مغول بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الواو آخره لام البجلي الكوفي وهذه الزيادة من قول المؤلّف. قال الكرماني: لو لم يقلها كان افتراء على شيخه إذ الشيخ لم ينسبه بل قال مالك فقط قال: (حدّثنا طلحة بن مصرف) بضم الميم وفتح الصاد المهملة وكسر الراء المشدّدة آخره فاء اليامي من بني يام من همدان (قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى) اسمه علقمة (-رضي الله عنهما- هل كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوصى؟ فقال: لا) لم يوصِ وصية خاصة فالنفي ليس للعموم لأنه أثبت بعد ذلك أنه أوصى بكتاب الله والمراد أنه لم يوصِ بما يتعلق بالمال قال طلحة: (فقلت) لابن أبي أوفى أي لما فهم منه عموم النفي (كيف كتب على الناس الوصية) في قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت} [البقرة: 180] الآية (أو أمروا بالوصية)؟ مبنيًّا للمفعول في أمروا ككتب والشك من الراوي (قال): في الجواب (أوصى بكتاب الله) أي بالتمسك به والعمل بمقتضاه واقتصر على الوصية بكتاب الله لكونه أعظم وأهم ولأن فيه تبيان كل شيء إما بطريق النص وإما بطريق الاستنباط فإن اتبعوا ما في الكتاب عملوا بكل ما أمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- به لقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7] وأما ما صح في مسلم وغيره أنه -صَلَّى اللَّهُ

2 - باب أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوصى عند موته بثلاث: لا يبقين بجزيرة العرب دينان، وفي لفظ: أخرجوا اليهود من جزيرة العرب، وقوله أجيزوا الوفد بما كنت أجيزهم به، ولم يذكر الراوي الثالثة وغير ذلك، فالظاهر أن ابن أبي أوفى لم يرد نفيه؛ قاله في الفتح. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فكيف كتب على الناس إلخ ... والحديث أخرجه في المغازي وفضائل القرآن ومسلم في الوصايا وكذا الترمذي والنسائي وابن ماجه. 2741 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: "ذَكَرُوا عِنْدَ عَائِشَةَ أَنَّ عَلِيًّا -رضي الله عنهما- كَانَ وَصِيًّا، فَقَالَتْ: مَتَى أَوْصَى إِلَيْهِ وَقَدْ كُنْتُ مُسْنِدَتَهُ إِلَى صَدْرِي -أَوْ قَالَتْ: حَجْرِي- فَدَعَا بِالطَّسْتِ، فَلَقَدِ انْخَنَثَ فِي حَجْرِي فَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَمَتَى أَوْصَى إِلَيْهِ"؟ [الحديث 2741 - طرفه في: 4459]. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين وسكون الميم وزرارة بضم الزاي وتخفيف الراء الأولى ابن واقد الكلابي النيسابوري قال: (أخبرنا إسماعيل) بن علية (عن ابن عون) عبد الله (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد خال إبراهيم أنه (قال: ذكروا عند عائشة أن عليًّا -رضي الله عنهما- كان وصيًّا) عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوصى له بالخلافة في مرض موته (فقالت): ردًّا عليهم (متى أوصى إليه) بها (وقد كنت مسندته) خبر كان بلفظ اسم الفاعل من الإسناد (إلى صدري أو قالت حجري) بفتح الحاء والشك من الراوي (فدعا بالطست فلقد انخنث) بنون ساكنة فخاء فنون فمثلثة مفتوحات أي انثنى ومال لاسترخاء أعضائه الشريفة (في حجري) عند فراق الحياة (فما شعرت أنه قد مات فمتى أوصى إليه)؟ بالخلافة فنفت ذلك مستندة إلى ملازمتها له إلى أن مات ولم يقع منه شيء من ذلك. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي ومسلم في الوصايا والنسائي في الطهارة والوصايا وابن ماجه في الجنائز. 2 - باب أَنْ يَتْرُكَ وَرَثَتَهُ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَكَفَّفُوا النَّاسَ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (أن يترك ورثته أغنياء) بفتح همزة أن في الفرع كأصله على أنها مصدرية أي تركه ورثته مبتدأ خبره (خير) وفي بعض الأصول أن يترك بكسر الهمزة على أنها شرطية والجزاء محذوف تقديره إن يترك ورثته أغنياء فهو خير (من أن يتكففوا الناس). 2742 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُنِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، وَهْوَ يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا، قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ ابْنَ عَفْرَاءَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لاَ. قُلْتُ: فَالشَّطْرُ؟ قَالَ: لاَ. قُلْتُ: الثُّلُثُ؟ قَالَ: فَالثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ وَإِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةُ الَّتِي تَرْفَعُهَا إِلَى فِي امْرَأَتِكَ، وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَئِذٍ إِلاَّ ابْنَةٌ". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف (عن) خاله (عامر بن سعد) بسكون العين كالسابق (عن) أبيه (سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه) أنه (قال: جاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يعودني) زاد الزهري في روايته في الهجرة من وجع أشفيت منه على الموت (وأنا بمكة) في حجة الوداع أو في الفتح أو في كل منهما (وهو) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو سعد (يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها قال): (يرحم الله ابن عفراء) وفي رواية الزهري عن عامر في الفرائض لكن البائس سعد بن خولة. قال الدمياطي: والزهري أحفظ من سعد بن إبراهيم فلعله وهم في قوله ابن عفراء ويحتمل أن يكون لأمه اسمان خولة وعفراء أو يكون أحدهما اسمًا والآخر لقبًا أو أحدهما اسم أمه والآخر اسم أبيه قال سعد بن أبي وقاص: (قلت يا رسول الله أوصي بمالي كله؟ قال: لا. قلت: فالشطر) بالرفع لأبوي ذر والوقت أي أفيجوز الشطر وهو النصف والجر عطفًا على قوله بمالي كله أي فأوصي بالنصف وقال الزمخشري هو بالنصب على تقدير فعل أي أعين النصف أو أسمي النصف (قال: لا. قلت: الثلث) بالرفع والجر والنصب ولأبي ذر فالثلث بالفاء والرفع والجر (قال) عليه الصلاة والسلام: (فالثلث) بالنصب على الإغراء أو بالرفع على الفاعل أي يكفيك الثلث أو على تقدير الابتداء والخبر محذوف أي الثلث كافٍ أو العكس وبالجر ولأبي ذر قال الثلث بغير فاء (والثلث كثير) بالمثلثة بالنسبة إلى ما دونه. قال في الفتح: ويحتمل أن يكون لبيان أن التصدّق بالثلث هو الأكمل أي كثير أجره، ويحتمل أن يكون معناه كثير غير قليل. قال الشافعي: وهذا أولى معانيه يعني أن الكثرة أمر نسبي (إنك) بالكسر على الاستثناء وتفتح بتقدير حرف الجر أي لأنك (إن تدع ورثتك) أي بنته وأولاد أخيه عتبة بن أبي وقاص منهم هاشم بن عتبة الصحابي ولأبي ذر: أن تدع أنت ورثتك (أغنياء) وهمزة أن تدع مفتوحة على التعليل فمحل أن تدع مرفوع على الابتداء أي تركك أولادك أغنياء والجملة بأسرها خبر أن وبكسرها على

3 - باب الوصية بالثلث

الشرطية وجزاء الشرط قوله (خير) على تقدير فهو خير وحذف الفاء من الجزاء سائغ غير مختص بالضرورة، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في حديث اللقطة: "فإن جاء صاحبها وإلاّ استمتع بها" بحذف الفاء في ذلك وأشباهه ومن خص هذا الحذف بضرورة الشعر فقد حاد عن التحقيق وضيق حيث لا تضييق كما قاله ابن مالك وردّ بأنه يبقى الشرط بلا جزاء. وأجيب: بأنه إذا صحت الرواية فلا التفات إلى من لم يجوّز حذف الفاء من الجملة الاسمية بل هو دليل عليه. قال ابن مالك: الأصل إن تركت ورثتك أغنياء فهو خبر فحذف الفاء والمبتدأ ونظيره قوله: فإن جاء صاحبها وإلاّ استمتع بها، وذلك مما زعم النحويون أنه مخصوص بالضرورة وليس مخصوصًا بها بل يكثر استعماله في الشعر ويقل في غيره، ومن خصّ هذا الحذف بالشعر حاد عن التحقيق وضيق حيث لا تضييق. (من أن تدعهم عالة) بتخفيف اللام فقراء (يتكففون الناس) يسألونهم بأكفّهم بأن يبسطوها للسؤال أو يسألون ما يكف عنهم الجوع (في أيديهم) أي بأيديهم أو يسألون بأكفهم وضع المسؤول في أيديهم (وإنك مهما) عطف على إنك أن تدع أي وإنك إن عشت فمهما (أنفقت من نفقة) ابتغاء وجه الله (فإنها صدقة) فالأجر حاصل لك حيًّا وميتًا وأجر الواجب يزداد بالنية فافهم (حتى اللقمة) بالجر على أن حتى جارّة وبالرفع لأبي ذر على كونها ابتدائية والخبر (ترفعها) وبالنصب. قال في فتح الباري عطفًا على نفقة والظاهر أنه سقط من نسخته حرف الجر أو مراده العطف على الموضع ولغير أبي ذر حتى اللقمة التي ترفعها (إلى في امرأتك) فمها (وعسى الله أن يرفعك) أي يطيل عمرك وقد حقّق الله ذلك فاتفقوا على أنه عاش بعد ذلك قريبًا من خمسين سنة (فينتفع بك ناس) من المسلمين بالغنائم مما سيفتح الله على يديك من بلاد الشرك (ويضر) مبني للمفعول (بك آخرون) من المشركين الذين يهلكون على يديك (ولم يكن له) لابن أبي وقاص (يومئذٍ) وارث من أرباب القروض أو من الأولاد (إلا ابنة) واحدة قيل اسمها عائشة. وقال في الفتح: الظاهر أنها أم الحكم الكبرى، وقال في مقدمته: ووهم من قال هي عائشة أصغر أولاده وعاشت إلى أن أدركها مالك بن أنس وقد كان لابن أبي وقاص عدة أولاد منهم عمر وإبراهيم ويحيى وإسحاق وعبد الله وعبد الرحمن وعمران وصالح وعثمان ومن البنات ثنتا عشرة بنتًا وهذا الحديث مضى في باب رثاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سعد بن خولة من كتاب الجنائز ويأتي إن شاء الله تعالى في الهجرة وغيرها. 3 - باب الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ يَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ وَصِيَّةٌ إِلاَّ الثُّلُثُ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49]. (وقال الحسن) البصري (لا يجوز للذمي وصية إلا الثلث) فلو أوصى بأكثر لا تنفذ وصيته بالزائد. (وقال الله تعالى) ولأبي ذر: عز وجل ({وأن احكم بينهم}) أي بين اليهود ({بما أنزل الله}) [المائدة: 49] بالقرآن أو بالوحي فإذا تحاكم ورثة الذمي إلينا لا ننفذ من وصيته إلا الثلث لأنّا لا نحكم فيهم إلا بحكم الإسلام لهذه الآية قاله ابن المنير. 2743 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَوْ غَضَّ النَّاسُ إِلَى الرُّبْعِ، لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما) أنه (قال: لو غضّ الناس) بغين فضاد مشددة معجمتين أي لو نقصوا من الثلث (إلى الربع) في الوصية كان أولى وفي رواية ابن أبي عمر في مسنده عن سفيان كان أحب إليّ وعند الإسماعيلي كان أحب إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لأن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الثلث والثلث كثير) بالمثلثة (أو كبير) بالموحدة بالشك وهل يستحب النقص عن الثلث لهذا الحديث؟ قال النووي: إن كان الورثة أغنياء فلا وإن كانوا فقراء استحب، وقال ابن الصباغ: في هذه الحالة يوصي بالربع فما دونه. وقال القاضي أبو الطيب: إن كان ورثته لا يفضل ماله عن غناهم فالأفضل أن لا يوصي وأطلق الرافعي النقص عن الثلث لخبر سعد ولقول عليّ: لأن أوصي بالخمس أحب إليّ من أن أوصي بالربع وبالربع أحب إليّ من الثلث، والتفصيل الأوّل هو الذي جزم به

4 - باب قول الموصي لوصيه: تعاهد ولدي. وما يجوز للوصي من الدعوى

في التنبيه وأقرّه عليه النووي في التصحيح وجزم في شرح مسلم وحكاه عن الأصحاب. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفرائض والنسائي وابن ماجه في الوصايا. 2744 - حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَرِضْتُ فَعَادَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ لاَ يَرُدَّنِي عَلَى عَقِبِي. قَالَ: لَعَلَّ اللَّهَ يَرْفَعُكَ، وَيَنْفَعُ بِكَ نَاسًا. قُلْتُ: أُرِيدُ أَنْ أُوصِيَ، وَإِنَّمَا لِي ابْنَةٌ. فقُلْتُ: أُوصِي بِالنِّصْفِ؟ قَالَ: النِّصْفُ كَثِيرٌ. قُلْتُ: فَالثُّلُثِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ -أَوْ كَبِيرٌ- قَالَ: فَأَوْصَى النَّاسُ بِالثُّلُثِ فجَازَ ذَلِكَ لَهُمْ". وبه قال (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم) الحافظ المعروف بصاعقة قال: (حدثنا زكريا بن عدي) أبو يحيى الكوفي قال: (حدّثنا مروان) بن معاوية الفزاري (عن هاشم بن هاشم) بألف بعد الهاء فيهما ابن عتبة بن أبي وقاص الزهري (عن عامر بن سعد عن أبيه) سعد بن أبي وقاص (-رضي الله عنه-) أنه (قال: مرضت فعادني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: يا رسول الله ادع الله أن لا يردني على عقبي) بكسر الموحدة وتخفيف التحتية في الفرع وغيره لا يميتني في الدار التي هاجرت منها وهي مكة وقال العيني كالكرماني عقبي بتشديد التحتية (قال): عليه الصلاة والسلام: (لعل الله يرفعك) يقيمك من مرضك (وينفع بك ناسًا) من المسلمين زاد في رواية الباب السابق ويضرّ بك آخرون (قلت) ولأبي ذر: فقلت (أريد أن أوصي وإنما لي) وارث من أصحاب الفروض (ابنة) واحدة وهي أم الحكم الكبرى (قلت) ولأبي ذر فقلت (أوصي بالنصف، قال): (النصف كثير) بالمثلثة (قلت فالثلث)، بالجر عطفًا على المجرور السابق ولأبي ذر فالثلث بالرفع أي أفيجوز الثلث (قال): (الثلث) يكفيك (والثلث كثير) بالمثلثة (أو) قال (كبير). بالموحدة شك الراوي (قال) سعد أو من دونه (فأوصى) بالفاء ولأبي ذر وأوصى (الناس بالثلث وجاز) بالواو ولأبي ذر فجاز (ذلك لهم) وهذا الحديث قد سبق قريبًا. 4 - باب قَوْلِ الْمُوصِي لِوَصِيِّهِ: تَعَاهَدْ وَلَدِي. وَمَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ مِنَ الدَّعْوَى (باب قول الموصي) بكسر الصاد (لوصيه) الذي أوصى إليه (تعاهد ولدي) بالنظر في أمره (وما يجوز للوصي من الدعوى) إذا ادّعى. 2745 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا قَالَتْ: "كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي، فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ. فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ فَقَالَ: ابْنُ أَخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَىَّ فِيهِ. فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ: أَخِي وَابْنُ أَمَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ. فَتَسَاوَقَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي، كَانَ عَهِدَ إِلَىَّ فِيهِ. فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ ابْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ. ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ احْتَجِبِي مِنْهُ. لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ، فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام الأعظم (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها قالت: كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة) بفتح الزاي وسكون الميم ولأبي ذر: زمعة بفتح الميم ابن قيس العامري ولم تسم الوليدة وأما ولدها فاسمه عبد الرحمن (مني) أي ابني (فاقبضه إليك) بكسر الموحدة (فلما كان عام الفتح) بالرفع اسم كان ولأبي ذر عام بالنصب بتقدير في (أخذه سعد فقال: ابن أخي) أي هذا ابن أخي (قد كان عهد إليّ فيه، فقام عبد بن زمعة) بسكون الميم ولأبي ذر بفتحها (فقال: أخي) أي هذا أخي (وابن أمة أبي) زمعة (ولد على فراشه) من أمته المذكورة (فتساوقا) أي تماشيا (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال سعد: يا رسول الله ابن أخي) أي هذا عبد الرحمن ابن أخي (كان عهد إليّ فيه) أنه ابنه (فقال عبد بن زمعة) بسكون الميم وفتحها لأبي ذر هو (أخي وابن وليدة أبي) زمعة (وقال) بالواو ولأبي ذر فقال (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هو) أي عبد الرحمن (لك) أخ (يا عبد بن زمعة) بنصب ابن (الولد للفراش) أي لصاحبه (وللعاهر) أي الزاني (الحجر) الخيبة (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (لسودة بنت زمعة) أم المؤمنين -رضي الله عنها-: (احتجبي منه) أي من عبد الرحمن (لما رأى من شبهه بعتبة) أي ابن أبي وقاص (فما رآها) عبد الرحمن (حتى لقي الله) تعالى، والأمر بالاحتجاب للندب والاحتياط وإلاّ فقد ثبت نسبه وأخوته لها في ظاهر الشرع والحديث قد سبق مرارًا. 5 - باب إِذَا أَوْمَأَ الْمَرِيضُ بِرَأْسِهِ إِشَارَةً بَيِّنَةً جَازَتْ هذا (باب) بالتنوين (إذا أومأ المريض) أشار (برأسه إشارة بيّنة) أي ظاهرة (جازت) كذا في فرع اليونينية كأصلها بإثبات جازت وسقطت في بعض الأصول وحيئذٍ فيقدر بعد بيّنة هل يحكم بها أو نحو ذلك؟ 2746 - حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ أَبِي عَبَّادٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ يَهُوِدِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ؟ أَفُلاَنٌ أَوْ فُلاَنٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَجِيءَ بِهِ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى اعْتَرَفَ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ". وبه قال: (حدّثنا حسان بن أبي عباد) بفتح المهملة وتشديد الموحدة قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى العودي بفتح العين (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه- أن يهوديًّا) لم يسمّ (رض) أي دق (رأس جارية) وكانت من الأنصار كما في رواية أبي داود ولم تسم (بين حجرين فقيل لها: من فعل

6 - باب لا وصية لوارث

بك) هذا الرض؟ (أفلان) فعله بهمزة الاستفهام الاستخباري (أفلان) مرتين ليعرف فيطلب فيقتص منه (حتى سمي اليهودي) بضم السين وكسر الميم مبنيًّا للمفعول واليهودي بالرفع نائب عن الفاعل (فأومأت) بهمزة بعد الميم أشارت (برأسها) نعم (فجيء به) أي باليهودي الذي أشارت إليه (فلم يزل) بفتح الأوّل والثاني (حتى اعترف) بأنه الراض (فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرضّ رأسه بالحجارة) وفي رواية موسى بن إسماعيل التبوذكي في الأشخاص بين حجرين قال في الروضة لو أعتقل لسانه صحّت وصيته بالإشارة والكتابة. 6 - باب لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ هذا (باب) بالتنوين (لا وصية لوارث) ولو بدون الثلث إن كانت ممن لا وارث له غير الموصى له وإلاّ فموقوفة على إجازة بقية الورثة لحديث البيهقي وغيره من رواية عطاء عن ابن عباس لا وصية لوارث إلا أن تجيز الورثة. قال الذهبي: إنه صالح الإسناد، لكن قال البيهقي: إن عطاء غير قوي ورواه أبو داود والترمذي وغيرهما من حديث أبي أمامة بلفظ: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث، وفي إسناده إسماعيل بن عياش وقد قوّى حديثه عن الشاميين جماعة: منهم الإمام أحمد والبخاري وهذا من روايته عن شرحبيل بن مسلم وهو شامي ثقة، وصرّح في روايته بالتحديث عند الترمذي وقال الترمذي حديث حسن وقد ورد من طرق بأسانيد لا يخلو واحد منها عن مقال لكن مجموعها يقتضي أن له أصلاً بل جنح الإمام الشافعي في الأم إلى أن متنه متواتر لكن نازع الفخر الرازي في ذلك. 2747 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ، وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ، فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ، وَجَعَلَ لِلأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ، وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبْعَ، وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ". [الحديث 2747 - طرفاه في: 4578، 6739]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي (عن ورقاء) بفتح الواو وسكون الراء وبالقاف ممدودًا ابن عمر بن كليب أبي بشر اليشكري (عن ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة عبد الله (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن ابن عباس رضي الله عنهما) أنه (قال: كان المال) المخلف عن الميت (للولد) ميراثًا (وكانت الوصية) في أوّل الإسلام واجبة (للوالدين) على ما يراه الموصي من المساواة والتفضيل (فنسخ الله من ذلك ما أحب) بآية الفرائض (فجعل للذكر مثل حظ الأنُثين) لفضله (وجعل للأبوبن) مع الولد (لكل واحد منهما السدس وجعل للمرأة) مع وجود الولد (الثمن و) عند عدمه (الربع وللزوج) عند عدم الولد (الشطر) أي النصف (و) عند وجوده (الربع). واحتج بحديث: لا وصية لوارث من قال بعدم صحتها للوارث مطلقًا ولو أجاز الورثة وبه قال المزني وداود، واحتجّ الجمهور بالزيادة المتقدمة وهي قوله إلا أن تجيز الورثة وبأن المنع إنما كان في الأصل لحق الورثة فإذا أجازوه لم يمتنع ولا أثر للإجازة والردّ من الورثة للوصية قبل موت الموصي فلو أجازوا قبله فلهم الرد بعده وبالعكس إذ لا حق قبله لهم ولا للموصي له فلا أثر للإجازة إلا بعد موته، ولو قبل القسمة والعبرة في كونه وارثًا أو غير وارث بيوم الموت فلو أوصى لغير وارث كأخ مع وجود ابن فصار وارثًا بأن مات الابن قبل موت الموصي أو معه فوصية لوارث فتبطل إن لم يكن وارث غيره وإلاّ فتوقف على الإجازة، ولو أوصى لوارث كاخ فصار غير وارث بأن حدث للموصي ابن صحت فيما يخرج من الثلث والزائد عليه يتوقف على إجازة الوارث. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الوصايا والتفسير. 7 - باب الصَّدَقَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ (باب) فضل (الصدقة عند الموت) وإن كانت عند الصحة أفضل. 2748 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ حَرِيصٌ، تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ، وَلاَ تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلاَنٍ كَذَا وَلِفُلاَنٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن سفيان) الثوري (عن عمارة) بضم العين وتخفيف الميم ابن القعقاع بن شبرمة الضبي الكوفي (عن أبي زرعة) اسمه هرم وقيل غير ذلك ابن عمرو البجلي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رجل) لم يسم (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي الصدقة أفضل؟ قال): أفضلها (أن تصدق) بتشديد الصاد والدال المهملتين في محل رفع خبر المبتدأ المحذوف (وأنت صحيح) جملة حالية "حريص". وفي رواية موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد بن زياد في الزكاة وأنت شحيح بدل حريص حال كونك

8 - باب قول الله عز وجل: {من بعد وصية يوصي بها أو دين} [النساء: 11]

(تأمل الغنى) بسكون الهمزة وضم الميم تطمع فيه (وتخشى الفقر ولا تمهل) بالجزم بلا الناهية ولأبي ذرّ: ولا تمهل أصله تتمهل فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا (حتى إذا بلغت) الروح أي قاربت (الحلقوم) بضم الحاء المهملة مجرى النفس عند الغرغرة: "قلت لفلان كذا ولفلان كذا"، مرتين كناية عن الموصى له والموصى به فيهما (وقد كان لفلان) أي وقد صار ما أوصى به للوارث فيبطله إن شاء إذا زاد على الثلث أو أوصى به لوارث آخر، ويحتمل أن يراد بالثلاثة من يوصى له وإنما أدخل كان في الأخير إشارة إلى تقدير القدر له. وفي الحديث أن التصدق في الصحة ثم في الحياة أفضل من صدقته مريضًا وبعد الموت، وفي الترمذي بإسناد حسن وصححه ابن حبان عن أبي الدرداء مرفوعًا "مثل الذي يعتق ويتصدق عند موته مثل الذي يهدي إذا شبع" وعن بعض السلف أنه قال في بعض أهل الترفه: يعصون الله في أموالهم مرتين يبخلون بها وهي في أيديهم يعني في الحياة ويسرفون فيها إذا خرجت عن أيديهم يعني بعد الموت فإن الشيطان ربما زين لهم الحيف في الوصية. 8 - باب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] وَيُذْكَرُ أَنَّ شُرَيْحًا وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَطَاوُسًا وَعَطَاءً وَابْنَ أُذَيْنَةَ أَجَازُوا إِقْرَارَ الْمَرِيضِ بِدَيْنٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ أَحَقُّ مَا تَصَدَّقَ بِهِ الرَّجُلُ آخِرَ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا وَأَوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الآخِرَةِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَالْحَكَمُ: إِذَا أَبْرَأَ الْوَارِثَ مِنَ الدَّيْنِ بَرِئَ. وَأَوْصَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنْ لاَ تُكْشَفَ امْرَأَتُهُ الْفَزَارِيَّةُ عَمَّا أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُهَا. وَقَالَ الْحَسَنُ إِذَا قَالَ لِمَمْلُوكِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ: كُنْتُ أَعْتَقْتُكَ جَازَ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ عِنْدَ مَوْتِهَا: إِنَّ زَوْجِي قَضَانِي وَقَبَضْتُ مِنْهُ جَازَ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لاَ يَجُوزُ إِقْرَارُهُ لِسُوءِ الظَّنِّ بِهِ لِلْوَرَثَةِ. ثُمَّ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: يَجُوزُ إِقْرَارُهُ بِالْوَدِيعَةِ وَالْبِضَاعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ". وَلاَ يَحِلُّ مَالُ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «آيَةُ الْمُنَافِقِ إِذَا ائتُمِنَ خَانَ». وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] فَلَمْ يَخُصَّ وَارِثًا وَلاَ غَيْرَهُ. فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب قول الله تعالى) ولأبي ذر: عز وجل: ({من بعد وصية يوصي بها أو دين}) [النساء: 11] قال البيضاوي كالزمخشري متعلق بما تقدمه من قسمة المواريث كلها أي هذه الأنصباء للورثة من بعد ما كان من وصية أو دين، وإنما قال بأو التي للإباحة دون الواو للدلالة على أنهما متساويان في الوجوب مقدّمان على القسمة مجموعين ومنفردين، وقدّم الوصية على الدين وهي متأخرة في الحكم لأنها مشبهة بالميراث شاقة على الورثة مندوب إليها والدين إنما يكون على النذور، وقال غيرهما تجوّز بالوصية عن المال الموصى به والتقدير من بعد أداء وصية أو إخراج وصية، وقد تكون الوصية مصدرًا كالفريضة وتكون من مجاز التعبير بالقول عن المقول فيه لأن الوصية قول. وأجاب ابن الحاجب عن تقدم الوصية على الدين وإن كان الدين أقوى وتقدمته الوجه بأن حكم أو في كلام العرب والقرآن حكم الاستثناء في أن ما بعدها يرفع ما قبلها بدليل: تقاتلونهم أو يسلمون فإن الإسلام رافع للمقاتلة، وكأنه قال تقاتلونهم إلا أن يسلموا أو إن لم يسلموا فكذلك هذه الآية فكأنه قال: من بعد وصية يوصي بها إلا أن يكون دين فلا تقدم. (ويذكر) بضم أوله وفتح ثالثه (أن شريحًا) القاضي فيما وصله ابن أبي شيبة بإسناد فيه جابر الجعفي وهو ضعيف (وعمر بن عبد العزيز) مما لم يقف الحافظ ابن حجر على من وصله (وطاوسًا) مما وصله ابن أبي شيبة بإسناد فيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف أيضًا (وعطاء) هو ابن أبي رباح مما وصله ابن أبي شيبة أيضًا (وابن أُذينة) بضم الهمزة وفتح الذال المعجمة وبعد التحتية الساكنة نون عبد الرحمن قاضي البصرة التابعي الثقة مما وصله ابن أبي شيبة أيضًا بإسناد رجاله ثقات (أجازوا إقرار المريض بدين). (وقال الحسن) البصري مما وصله الدارمي (أحق ما تصدق به الرجل) على وزن تفعل بصيغة الماضي (آخر يوم) أي في آخر يوم (من الدنيا) ويجوز رفع آخر خبرًا لأحق (وأوّل يوم من الآخرة) بنصب أوّل عطفًا على السابق ويجوز الرفع كما مر في آخر. وقال العيني كالكرماني ما يصدق بالبناء للمفعول من التصديق. قال الكرماني: وهو المناسب للمقام أي أن إقرار المريض في مرض موته حقيق بأن يصدق به ويحكم بإنفاذه. (وقال إبراهيم) النخعي (والحكم) بن عتيبة فيما وصله ابن أبي شيبة عنهما (إذا أبرأ) أي المريض (الوارث من الدين برئ وأوصى رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة آخره جيم الأوسي الأنصاري مما لم يقف عليه الحافظ ابن حجر موصولاً (أن لا تكشف امرأته) بضم المثناة الفوقية وفتح الشين المعجمة مبنيًّا للمفعول وامرأته رفع نائب عن الفاعل وسقط امرأته للكشميهني (الفزارية) بفتح الفاء والزاي وبعد الألف راء (عما أغلق عليه بابها) رفع نائب عن الفاعل وأغلق مبني للمفعول، وللحموي والمستملي: عن مال

9 - باب تأويل قول الله تعالى: {من بعد وصية يوصي بها أو دين} [النساء: 12]

أغلق عليها. قال العيني: والظاهر أن المراد أن المرأة بعد موت زوجها لا يتعرض لها فإن جميع ما في بيته لها وإن لم يشهد لها زوجها بذلك، وإنما يحتاح إلى الإشهاد والإقرار إذا علم أنه تزوّجها فقيرة وأن ما في بيتها من متاع الرجال وبه قال مالك انتهى. (وقال الحسن) البصري مما لم يقف عليه الحافظ ابن حجر مطولاً (إذا قال لمملوكه عند الموت كنت أعتقتك جاز) وعتق وخالفه الجمهور فقالوا لا يعتق إلا من الثلث. (وقال الشعبي): عامر بن شراحيل (إذا قالت المرأة عند موتها إن زوجي قضاني) أدّاني حقي (وقبضت) ذلك (منه جاز) إقرارها. (وقال بعض الناس): قيل المراد السادة الحنفية (لا يجوز إقراره) أي المريض لبعض الورثة السوء الظن به) أي بهذا الإقرار (للورثة) ولأبي ذر عن الحموي بسوء الموحدة بدل اللام. قال العيني: لم يعلل الحنفية عدم جواز إقرار المريض لبعض الورثة بهذه العبارة بل لأنه ضرر لبقية الورثة، ومذهب المالكية كأبي حنيفة إذا اتهم وهو اختيار الروياني من الشافعية والأظهر عندهم أنه يقبل مطلقًا كالأجنبي لعموم أدلة الإقرار لأنه انتهى إلى حالة يصدق فيها الكذوب ويتوب فيها الفاجر فالظاهر أنه لا يقر إلا بتحقيق (ثم استحسن) أي بعض الناس (فقال: يجوز إقراره) أي المريض (بالوديعة والبضاعة والمضاربة) والفرق بين هذه والدين أن مبني الإقرار بالدين على اللزوم ومبني الإقرار بهذه على الأمانة وبين اللزوم والأمانة فرق ظاهر قاله العيني. (وقد قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) أي أكذب في الحديث من غيره لأن الصدق والكذب يوصف بهما القول لا الظن وهذا طرف من حديث وصله المؤلّف في الأدب وساقه هنا لقصد الردّ على من أساء الظن بالمريض فمنع تصرّفه وهذا مبني على تعليل بعض الناس بسوء الظن وقد علّلوا بخلافه كما مر (ولا يحل مال المسلمين) أي المقر لهم من الورثة (لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) السابق موصولاً في كتاب الإيمان من حديث أبي هريرة (آية المنافق إذا ائتمن خان). قال الكرماني فإن قلت: ما وجه دلالته عليه؟ قلت: إذا وجب ترك الخيانة وجب الإقرار بما عليه فإذا أقرّ فلا بدّ من اعتبار إقراره وإلاّ لم يكن لإيجاب الإقرار فائدة. (وقال الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} [النساء: 58] فلم يخصّ وارثًا ولا غيره) أي لم يفرّق بين الوارث وغيره في ترك الخيانة ووجوب أداء الأمانة إليه فيصح الإقرار للوارث أو غيره قاله الكرماني، ونازع العيني البخاري في الاستدلال بهذه الآية لما ذكره بأنه على تقدير تسليم اشتغال ذمّة المريض بشيء في نفس الأمر لا يكون إلاّ دينًا مضمونًا فلا يطلق عليه الأمانة قال فلا يصح الاستدلال بالآية الكريمة على ذلك على أن يكون الدين في ذمته (فيه) أي في قوله آية المنافق إذا ائتمن خان (عبد الله بن عمرو) بفتح العين (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولفظه "أربع من كنّ فيه كان منافقًا خالصًا" وفيه "وإذا ائتمن خان" وقد سبق في كتاب الإيمان. 2749 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَبُو سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن داود أبو الربيع) الزهراني العتكي قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الزرقي مولاهم المدني قال: (حدّثنا نافع بن مالك بن عامر أبو سهيل) بضم السين مصغرًا الأصبحي (عن أبيه) مالك (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (آية) (المنافق) أي علامته (ثلاث) فإن قلت: القياس جمع آية ليطابق ثلاث. أجيب: بأن الثلاث اسم جمع ولفظه مفرد على أن التقدير آية المنافق معدودة بالثلاث، وسقط لفظ ثلاث لأبي ذر (إذا حدّث) في كل شيء (كذب وإذا ائتمن) أمانة (خان) فيها (وإذا وعد) بخير في المستقبل (أخلف) فلم يفِ. 9 - باب تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] وَيُذْكَرُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ. وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] فَأَدَاءُ الأَمَانَةِ أَحَقُّ مِنْ تَطَوُّعِ الْوَصِيَّةِ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ صَدَقَةَ إِلاَّ عَنْ ظَهْرِ غِنًى». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ يُوصِي الْعَبْدُ إِلاَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ». وهذا الحديث قد سبق في كتاب الإيمان. (باب تأويل قول الله) ولأبي ذر قوله تعالى ({من بعد وصية} توصون) ولأبي ذر يوصي ({بها أو دين}) أي بيان المراد بتقديم الوصية في الذكر على الدين مع أن الدين هو المقدم في الأداء. قال ابن كثير: أجمع العلماء سلفًا وخلفًا أن الدين مقدّم على الوصية وبعده

الوصية ثم الميراث وذلك عند إمعان النظر يفهم من فحوى الآية. (ويذكر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى بالدين قبل الوصية). رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن عليّ بن أبي طالب بلفظ قال: إنكم تقرؤون من بعد وصية يوصي بها أو دين وإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى بالدين قبل الوصية الحديث. وفيه الحرث الأعور تكلم فيه، لكن قال الترمذي إن العمل عليه عند أهل العلم، وقد قال السهيلي: قدمت الوصية في الذكر لأنها تقع على سبيل البرّ والصلة بخلاف الدين لأنه يقع قهرًا فكانت الوصية أفضل فاستحقت البداءة، وقيل الوصية تؤخذ بغير عوض فهي أشق على الورثة من الدين وفيها مظنة التفريط فكانت أهم فقدمت وقد نازع بعضهم في إطلاق كون الوصية مقدمة على الدين في الآية لأنه ليس فيها صيغة ترتيب بل المراد أن المواريث إنما تقع بعد قضاء الدين وإنفاذ الوصية وأتى بأو التي للإباحة وهي كقولك جالس الحسن أو ابن سيرين أي لك مجالسة كلٌّ منهما اجتمعا أو افترقا. (وقوله) بالجر عطفًا على سابقه وزاد أبو ذر: عز وجل ({إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها}) [النساء: 58] خطاب يعمّ المكلفين والأمانات وإن نزلت يوم الفتح في عثمان بن طلحة لما أغلق باب الكعبة وأبى أن يدفع المفتاح ليدخل فيها فلوى عليّ يده وأخذه منه فأمر الله تعالى رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يردّه عليه (فأداء الأمانة) الذي هو واجب (أحق من تطوّع الوصية، وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله في كتاب الزكاة (لا صدقة) كاملة (إلا عن ظهر غنى) لفظ ظهر مقحم والمديون ليس بغني فالوصية التي لها حكم الصدقة تعتبر بعد الدين قاله الكرماني. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله ابن أبي شيبة (لا يوصي العبد إلا بإذن أهله) أي سيده (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما سبق موصولاً في باب كراهية التطاول على الرقيق من كتاب العتق (العبد راع في مال سيده). 2750 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى. قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لاَ أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا. فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا. ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، إِنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَىْءِ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهُ. فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي بكسر الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير) بن العوّام (أن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعطاني ثم سألته فأعطاني) بتكرير الإعطاء مرتين (ثم قال لي): (يا حكيم إن هذا المال) في الرغبة والميل إليه كالفاكهة (خضر) في المنظر (حلو) في الذوق وذكر الخبر هنا وأنّثه في الزكاة وتقدم توجيهه ثم (فمن أخذه بسخاوة نفس) من غير حرص عليه أو بسخاوة نفس المعطي (بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس) بكسر الهمزة وسكون الشين المعجمة مكتسبًا له بطلب النفس وحرصها عليه وتطلعها إليه (لم يبارك له فيه) أي للآخذ في المأخوذ (وكان كالذي يأكل ولا يشبع) أي كذي الجوع الكاذب بسبب علة من غلبة خلط سوداوي أو آفة ويسمى جوع الكلب كلما ازداد أكلاً ازداد جوعًا (واليد العليا) المنفقة (خير من اليد السفلى) المنفق عليها (قال حكيم: فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا) بفتح الهمزة وتقديم الراء الساكنة على الزاي آخره همزة مضمومة أي لا آخذ من أحد (بعدك شيئًا) من ماله (حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (يدعو حكيمًا ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئًا) خوف الاعتياد فتتجاوز به نفسه إلى ما لا يريده (ثم إن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (دعا) بحذف الضمير ولأبي ذر عن المستملي دعاه أي حكيمًا (ليعطيه فيأبى) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي فأبى بلفظ الماضي (أن يقبله فقال) أي عمر (يا معشر المسلمين إني أعرض عليه حقه الذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبى) بلفظ المضارع ولأبي ذر: فأبى (أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى توفي رحمه الله) لعشر سنين من إمارة معاوية مبالغة في الاحتراز ولم يظهر لي وجه المطابقة، وما ذكروه لا يخلو من تعسف كبير، فالله أعلم. وهذا

10 - باب إذا وقف أو أوصى لأقاربه، ومن الأقارب؟

الحديث قد سبق في الزكاة. 2751 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّخْتِيَانِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، قَالَ: وَأحْسِبُ أَنْ قَدْ قَالَ: وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ». وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة (السختياني) بفتح السين المهملة وكسر الفوقية المروزي وسقط لأبي ذر: السختياني، قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم عن ابن عمر) عبد الله (عن أبيه -رضي الله عنهما-) أنه (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (كلكم راعٍ) حافظ ملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره (ومسؤول) في الآخرة (عن رعيته والإمام راع) فيمن ولي عليهم (ومسؤول) في الآخرة (عن رعيته والرجل راع في أهله) زوجته وعياله (ومسؤول) في الآخرة (عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية) بحسن تدبيرها في المعيشة والنصح له والأمانة في ماله وحفظ عياله وأضيافه ونفسها (ومسؤولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع) بحفظه والقيام بخدمته (ومسؤول عن رعيته) (قال) ابن عمر (وحسبت) بلفظ الماضي ولأبي ذر وأحسب (أن قد قال): عليه الصلاة والسلام (والرجل راعٍ في مال أبيه) يحفظه ويدبر مصلحته، وفي كتاب الجمعة: ومسؤول عن رعيته وحذفه هنا للعلم به. 10 - باب إِذَا وَقَفَ أَوْ أَوْصَى لأَقَارِبِهِ، وَمَنِ الأَقَارِبُ؟ وَقَالَ ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي طَلْحَةَ: اجْعَلْهَا لِفُقَرَاءِ أَقَارِبِك. فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ وَأُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ" وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ مِثْلَ حَدِيثِ ثَابِتٍ: "قَالَ اجْعَلْهَا لِفُقَرَاءِ قَرَابَتِكَ، قَالَ أَنَسٌ: فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ وَأُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ وَكَانَا أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنِّي". وَكَانَ قَرَابَةُ حَسَّانَ وَأُبَىٍّ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ وَاسْمُهُ زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامٍ، فَيَجْتَمِعَانِ إِلَى حَرَامٍ وَهْوَ الأَبُ الثَّالِثُ، وَحَرَامُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَهْوَ يُجَامِعُ حَسَّانُ وأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَىٌّ إِلَى سِتَّةِ آبَاءٍ إِلَى عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، وَهْوَ أُبَىُّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَعَمْرُو بْنُ مَالِكٍ يَجْمَعُ حَسَّانَ وَأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيًّا. وَقَالَ بَعْضُهْمْ: إِذَا أَوْصَى لِقَرَابَتِهِ فَهْوَ إِلَى آبَائِهِ فِي الإِسْلاَمِ. هذا (باب) بالتنوين (إذا وقف) شخص (أو أوصى لأقاربه ومن الأقارب) استفهام، وقد اختلف في ذلك، فقال الشافعية: لو أوصى لأقارب نفسه لم ندخل ورثته بقرينة الشرع لأن الوارث لا يوصى له عادة وقيل يدخلون لوقوع الاسم عليهم ثم يبطل نصيبهم لعدم إجازتهم لأنفسهم ويصح الباقي لغيرهم ويدخل في الوصية لأقارب زيد ورحمه الوارث وغيره والقريب والبعيد والمسلم والكافر والذكر والأنثى والخنثى والفقير والغني لشمول الاسم لهم، ويستوي في الوصية للأقارب قرابة الأب والأم، ولو كان الموصي عربيًّا لشمول الاسم، وقيل لا تدخل قرابة الأم إن كان الموصي عربيًّا لأن العرب لا تعدّها قرابة ولا تفتخر بها، وهذا ما صححه في المنهاج كأصله، لكن قال الرافعي في شرحيه: الأقوى الدخول وصححه في أصل الروضة وإن أوصى لأقرب أقارب زيد دخل الأبوان والأولاد كما يدخل غيرهم عند عدمهم لأن أقربهم هو المنفرد بزيادة القرابة وهؤلاء كذلك وإن لم يطلق عليهم أقارب عرفًا. وقال أحمد كالشافعية إلا أنه أخرج الكافر، وقال أبو حنيفة: القرابة كل ذي رحم محرم من قبل الأب أو الأم ولكن يبدأ بقرابة الأب قبل الأم، وقال أبو يوسف ومحمد: من جمعهم أب منذ الهجرة من قبل أبي أو أم من غير تفصيل، زاد زفر: ويقدم من قرب وهو رواية عن أبي حنيفة أيضًا وأقل من يدفع له ثلاثة وعند محمد اثنان وعند أبي يوسف واحد ولا يصرف للأغنياء عندهم إلا أن يشترط ذلك، وقال مالك: يختص بالعصبية سواء كان يرثه أم لا ويبدأ بفقرائهم حتى يغنوا ثم يعطي الأغنياء. (وقال ثابت) مما أخرجه مسلم (عن أنس) -رضي الله عنه- (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري الخزرجي مشهور بكنيته لما نزلت هذه الآية {لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92] قال أبو طلحة: أرى ربنا يسألنا من أموالنا فأشهدك يا رسول الله أني جعلت أرضي بيرحاء لله قال: فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اجعلها) أي بيرحاء، ولأبي ذر: اجعله (لفقراء أقاربك) (فجعلها لحسان) هو ابن ثابت شاعر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وأبي بن كعب) وكانا من بني أعمامه فيه أن الصدقة على الأقارب أفضل من الأجانب إذا كانوا محتاجين غير ورثة ولو أوصى لفقراء أقاربه لم يعط مكفي بنفقة قريب أو زوج ولو أوصى لجماعة من أقرب أقارب زيد فلا بدّ من الصرف إلى ثلاثة من الأقربين. (وقال الأنصاري) محمد بن عبد الله بن المثنى مما وصله المؤلّف في تفسير سورة آل عمران مختصرًا (حدّثني) بالإفراد (أبي) عبد الله بن أنس (عن) عمه (ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم ابن عبد الله بن أنس (عن) جدّه (أنس مثل) ولأبي ذر: بمثل (حديث ثابت) السابق قريبًا (قال: اجعلها لفقراء قرابتك

قال أنس فجعلها) أبو طلحة (لحسان وأُبيّ بن كعب وكانا أقرب إليه مني) زاد في تفسير سورة آل عمران في غير رواية أبي ذر ولم يجعل لي منها شيئًا، ولأبي ذر: هنا عن الحموي والمستملي إليه أقرب مني بالتقديم والتأخير. قال البخاري أو شيخه وهو الصواب كما وقع التصريح به في سُنن أبي داود (وكان قرابة حسان وأُبيّ) بن كعب (من أبي طلحة واسمه) أي أبي طلحة (زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة) بفتح الميم وتخفيف النون وإضافة زيد إلى مناة وليس بين زيد، ومناة لفظ ابن لأنه اسم مركب منهما قاله الكرماني، وحرام بحاء وراء مهملتين وعمرو بفتح العين كالآتي (ابن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار) لأنه اختتن بالقدوم وأو ضرب وجه رجل بقدوم فنجره فقيل له النجار (وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام) بمهملتين (فيجتمعان) أي أبو طلحة وحسان (إلى حرام وهو الأب الثالث) لهما فهو جد أبيهما (وحرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار فهو) بالفاء ولأبي ذر: وهو أي حرام بن عمرو (يجامع حسان وأبا طلحة) على ما لا يخفى والذي في اليونينية حسان بالرفع مصححًا عليه وقد تبين أن قوله وحرام ابن عمرو مسوق لفائدة كونه يجامعهما نعم ما بعد ذلك إلى النجار مستغنى عنه بما سبق فليتأمل. (وأُبيّ) بالرفع جملة مستأنفة أي وأبي يجامعهما (إلى ستة أباء) من آبائه (إلى عمرو بن مالك) ويوضح ذلك ما زاده في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني حيث قال (وهو أُبيّ بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار فعمرو بن مالك) الجدّ السادس لأُبي بن كعب السابع للآخرين (يجمع) الثلاثة (حسان وأبا طلحة وأُبيًّا) هذا ما ظهر لي من شرح ذلك مع ما فيه من التكرار، وإنما يستقيم على ثبوت الواو قبل أبا طلحة من قوله فهو يجامع حسان أبا طلحة لكني لم أرها ثابتة في شيء من النسخ التي وقفت عليها. نعم في الفرع كشط في موضعها يشبه أنها كانت ثابتة ثم أُزيلت وأصلحت النصبة التي على حسان بضمة علامة للرفع وصحح عليها، وحينئذٍ فيكون قوله هو ضمير الشأن مبتدأ خبره الجملة الفعلية، وحسان رفع على الفاعلية أي حسان يجامع أبا طلحة في حرام وأبي بالرفع جملة مستأنفة أو عطف على حسان أي وأبي يجامع أبا طلحة إلى ستة آباء، ثم رأيت الواو بعد حسان قبل أبا طلحة ثابتة في بعض النسخ وفي نسخة حسان بالرفع أيضًا ونصب تالييه والضمير للشأن أي حسان يجامع أبا طلحة إلى حرام ويجامع أُبيًّا إلى ستة آباء وجوّز رفع الثلاثة. قال ابن الدماميني كالزركشي: وهو صواب أيضًا انتهى أي حسان وأبو طلحة وأبي يجامع كلٌّ منهما الآخر، وإنما كان حسان وأُبيّ أقرب إلى أبي طلحة من أنس لأن الذي يجمع أبا طلحة وأنسًا النجار لأن أنسًا هو ابن مالك بن النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن ضمضم بفتح الضادين المعجمتين ابن زيد بن حرام بمهملتين ابن عامر بن غنم بفتح الغين المعجمة وسكون النون ابن عدي بن النجار وأبو طلحة وأُبيّ بن كعب كما مرّ من بني مالك بن النجار، فلذا كان أُبيّ بن كعب أقرب إلى أبي طلحة من أنس وقول الكرماني وتبعه العيني إنما كانا أقرب إليه منه لأنهما يبلغان إلى عمرو بن مالك بواسطة ستة أنفس وأنس يبلغ إليه بواسطة اثني عشر نفسًا، ثم ساقا نسبه إلى عدي فقالا ابن عمرو بن مالك بن النجار فيه نظر لأن عديًّا المذكور في نسب أنس هو أخو مالك والد عمرو فلا اجتماع لهم فيه، ولئن سلمنا ثبوت عمرو بن مالك في هذا كما ذكرا فأنس إنما يبلغ إليه بتسعة أنفس لا باثني عشر فليتأمل. (وقال بعضهم) أراد به أبا يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة (إذا أوصى لقرابته فهو إلى آبائه) الذين كانوا (في الإسلام). 2752 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي طَلْحَةَ: أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا بين الأَقْرَبِينَ، فقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} جَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنَادِي: يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ، لِبُطُونِ قُرَيْشٍ". وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) سقط ابن أبي طلحة لأبي ذر (أنه سمع أنسًا -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي طلحة): (أرى أن تجعلها في الأقربين)

11 - باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب؟

اختصره هنا، ولفظه في باب الزكاة على الأقارب من كتاب الزكاة أنه سمع أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: كان أبو طلحة -رضي الله عنه- أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية {لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون} قام أبو طلحة إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله قال فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت إني أرى أن تجعلها في الأقربين" (قال) ولأبي ذر فقال (أبو طلحة: أفعل يا رسول الله فقسمها) أي بيرحاء (أبو طلحة في أقاربه وبني عمه) هو من عطف الخاص على العام. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله في مناقب قريش وتفسير سورة الشعراء (لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214] جعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينادي) (يا بني فهر) بكسر الفاء وسكون الهاء (يا بني عدى) (لبطون قريش) زاد في سورة تبّت بعد قوله عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين، وهذه الزيادة كما قال القرطبي كانت قرآنًا فنسخت، وزاد أيضًا في تفسير الشعراء بعدها صعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الصفا، وهذا يدل على أن هذا الحديث مرسل، وبه جزم الإسماعيلي لأن ابن عباس كان حينئذٍ إما لم يولد وإما طفلاً، لكن روى الطبراني من حديث أبي أمامة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع بني هاشم ونساءه وأهله وفيه فقال: "يا عائشة بنت أبي بكر يا حفصة بنت عمر يا أم سلمة" فهذا إن ثبت كما قاله في الفتح يدل على التعدد لأن القصة الأولى وقعت بمكة لتصريحه في الشعراء بأنه صعد الصفا ولم تكن عائشة وحفصة وأم سلمة عنده من أزواجه إلا بالمدينة فتكون متأخرة عن الأولى فيحضر ابن عباس ذلك، ويحمل قوله جعل أي بعد ذلك لا أنه وقع على الفور. (وقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين} قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا معشر قريش) وهذا طرف من حديث وصله في الباب اللاحق. 11 - باب هَلْ يَدْخُلُ النِّسَاءُ وَالْوَلَدُ فِي الأَقَارِبِ؟ هذا (باب) بالتنوين (هل يدخل النساء والولد في الأقارب) إذا أوصى لهم. 2753 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا. يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا. يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا. يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا. وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا". تَابَعَهُ أَصْبَغُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. [الحديث 2753 - طرفاه في: 3527، 4771]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب وأبو سلمة) عبد الله أو إسماعيل (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين أنزل الله عز وجل {وأنذر عشيرتك الأقربين} أي الأقرب فالأقرب منهم فإن الاهتمام بشأنهم أهم. وهذا الحديث من مرسل أبي هريرة لأن إسلامه إنما كان بالمدينة. نعم إن قلنا بالتعدّد المفهوم من حديث أبي أمامة عند الطبراني حيث قال: يا عائشة إلخ انتفى كونه مرسلاً، ويحمل على أن أبا هريرة حضر القصة بالمدينة كما مرّ في الباب السابق. (قال): عليه الصلاة والسلام (يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم) من الله بأن تخلصوها من العذاب بإسلامكم (لا أغني) لا أدفع (عنكم من الله شيئًا، يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئًا يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا ويا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئًا، ويا فاطمة بنت محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئًا) سقطت التصلية بعد قوله بنت محمد من نسخة وثبتت في أخرى بعد عمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعباس وصفية وفاطمة بالبناء على الضم، وقول الزركشي يجوز في عباس الرفع والنصب وكذا في يا صفية عمة وكذا يا فاطمة بنت. قال في المصابيح: يريد بالرفع والنصب الضم والفتح إذ مثله من المناديات مبني على الضم وفتح للإتباع أو للتركيب على الخلاف. والمطابقة بين

12 - باب هل ينتفع الواقف بوقفه؟

الحديث والترجمة في قوله: يا صفية ويا فاطمة ففيه دلالة على دخول النساء في الأقارب وكذا الفروع وعلى عدم التخصيص بمن يرث ولا بمن كان مسلمًا قاله في الفتح، لكن مذهبنا كأبي حنيفة أنه لا يدخل في الوصية للأقارب الأبوان والأولاد ويدخل الأجداد لأن الوالد والولد لا يعرفان بالقرب في العرف بل القريب من ينتمي بواسطة فتدخل الأحفاد والأجداد، وقيل لا يدخل أحد من الأصول والفروع، وقيل يدخل الجميع وبه قطع المتولي. (تابعه) أي تابع أبا اليمان (أصبغ) بن الفرج (عن ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري، وهذه المتابعة أخرجها مسلم. 12 - باب هَلْ يَنْتَفِعُ الْوَاقِفُ بِوَقْفِهِ؟ وَقَدِ اشْتَرَطَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا. وَقَدْ يَلِي الْوَاقِفُ وَغَيْرُهُ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ جَعَلَ بَدَنَةً أَوْ شَيْئًا لِلَّهِ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا كَمَا يَنْتَفِعُ غَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ. هذا (باب) بالتنوين (هل ينتفع الواقف بوقفه)؟ إذا وقفه على نفسه ثم على غيره أو شرط لنفسه جزءًا معينًا أو يجعل للناظر على وقفه شيئًا ويكون هو الناظر، والصحيح من مذهب الشافعية بطلان الوقف على النفس وهو المنصوص، ولو وقف على الفقراء وشرط أن يقضي من غلة الوقف زكاته وديونه فهذا وقف على نفسه ففيه الخلاف، وكذا لو شرط أن يأكل من ثماره أو ينتفع به ولو استبقى الواقف لنفسه التولية وشرط أجره وقلنا لا يجوز أن يقف على نفسه فالأرجح جوازه، ولو وقف على الفقراء ثم صار فقيرًا ففي جواز أخذه وجهان: إذا قلنا لا يقف على نفسه لأنه لم يقصد نفسه وقد وجدت الصفة والأصح الجواز ورجح الغزالي المنع لأن مطلقه ينصرف إلى غيره. (وقد اشترط عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-) في تحبيسه أرضه التي بخيبر المسماة بثمغ السابق موصولاً في آخر الشروط (لا جُناح) لا إثم (على من وليه) ولي التحدث إليه (أن يأكل) زاد أبو ذر عن الكشميهني منها بالتأنيث أي من الأرض المحبسة. قال البخاري تفقّهًا منه: (وقد يلي الواقف) التحدث على وقفه (و) قد يليه (غيره) واستنبط منه أن للواقف أن يشترط لنفسه جزءًا من ريع الموقوف لأن عمر شرط لمن ولي وقفه أن يأكل منه ولم يستثن إن كان هو الواقف أو غيره فدلّ على صحة الشرط، وإذا جاز في المبهم الذي لم يعينه كان فيما يعينه أجوز، وقال المالكية: لا تكون ولاية النظر للواقف. قال ابن بطال سدًّا للذريعة: لئلا يصير كأنه وقف على نفسه أو يطول العهد فينسى الواقف فيتصرف فيه لنفسه أو يموت فيتصرف فيه ورثته، واستنبط بعضهم من هذا صحة الوقف على النفس وهو قول أبي يوسف، وقال المرداوي من الحنابلة في تنفيحه: ولا يصح على نفسه ويصرف على من بعده في الحال وعنه يصح واختاره جماعة وعليه العمل وهو أظهر، وإن وقف على غيره واستثنى كل الغلة أو بعضها له أو لولده مدّة حياته نصًّا أو مدة معينه أو استثنى الأكل أو الانتفاع لأهله أو يطعم صديقه صح فلو مات في أثناء المدة كان لورثته، ثم قوّى المؤلّف ما احتج به من قصة عمر بقوله: (وكذلك من) ولأبي ذر وكذلك كل من (جعل بدنة أو شيئًا لله) على سبيل العموم كالمسلمين (فله أن ينتفع بها) بتلك العين التي جعلها لله (كما ينتفع غيره) من المسلمين بناء على أن المخاطب يدخل في عموم خطابه (وإن لم يشترط) لنفسه ذلك في أصل الوقف ومن ذلك انتفاعه بكتاب وقفه على المسلمين. 2754 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ لَهُ: ارْكَبْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ -فِي الثَّالِثَةِ أَوِ في الرَّابِعَةِ- ارْكَبْهَا وَيْلَكَ -أَوْ وَيْحَكَ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط ولأبي ذر ابن سعيد قال: (حدّثنا أبو عوانة الوضاح اليشكري (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلاً) لم يعرف اسمه (يسوق بدنة فقال له) عليه الصلاة والسلام: (اركبها) (فقال) الرجل: (يا رسول الله إنها بدنة) أي هدي (فقال) عليه الصلاة والسلام (في الثالثة أو الرابعة) ولأبي ذر: أو في الرابعة (اركبها ويلك) كلمة عذاب (أو) قال (ويحك) كلمة رحمة أو هما بمعنى واحد والشك في الموضعين من الراوي. 2755 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ: ارْكَبْهَا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: ارْكَبْهَا وَيْلَكَ. فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثنا) وفي نسخة حدّثني بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن

13 - باب إذا وقف شيئا قبل أن يدفعه إلى غيره فهو جائز

رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلاً يسوق بدنة) هديًا (فقال) له عليه الصلاة والسلام: (اركبها) (قال: يا رسول الله إنها بدنة) هدي (قال) (اركبها ويلك في الثانية أو في الثالثة) واحتج بذلك من أجاز الوقف على النفس لأنه أجاز له الانتفاع بما أهداه بعد خروجه عن ملكه بغير شرط فجوازه بالشرط أحرى، والحديث سبق في الحج. 13 - باب إِذَا وَقَفَ شَيْئًا قبلَ أن يَدْفَعْهُ إِلَى غَيْرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ لأَنَّ عُمَرَ -رضي الله عنه- أَوْقَفَ فَقَالَ: لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ، وَلَمْ يَخُصَّ إِنْ وَلِيَهُ عُمَرُ أَوْ غَيْرُهُ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي طَلْحَةَ: «أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ، فَقَالَ: أَفْعَلُ، فَقَسَمَهَا فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ". هذا (باب) بالتنوين (إذا وقف) شخص (شيئًا فلم يدفعه) ولأبي ذر: قبل أن يدفعه (إلى غيره فهو جائز) أي صحيح، (لأن عمر -رضي الله عنه- أوقف) بهمزة قبل الواو لغة شاذة في وقف بإسقاطها أرضه التي بخيبر (وقال): ولأبي ذر فقال: (لا جناح على من وليه) أي الوقف (أن يأكل) من ريعه (ولم يخص وإن وليه عمر أو غيره) ولم يأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإخراجه من يده فكان تقريره لذلك دالاًّ على صحة الوقف وإن لم يقبضه الموقوف عليه قاله في الفتح، واشترط المالكية لصحة الوقف خروجه عن يد واقفه وأن يقبضه الموقوف عليه وبه قال محمد بن الحسن. (قال) ولأبي ذر: وقال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما سبق موصولاً من طريق إسحاق بن أبي طلحة (لأبي طلحة (أرى أن تجعلها في الأقربين) (فقال) أبو طلحة (أفعل فقسمها في أقاربه وبني عمه) واستشكل الداوديّ الاستدلال بهذا على صحة الوقف قبل القبض بأنه حمل للشيء على ضدّه وتمثيله بغير جنسه فإنه دفع صدقته إلى أُبيّ بن كعب وحسان. وأجاب ابن المنير: بأن أبا طلحة أطلق صدقة أرضه وفوّض إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مصرفها فلما قال له: أرى أن تجعلها في الأقربين ففوّض له قسمتها بينهم صار كأنه أقرّها في يده بعد أن مضت الصدقة اهـ. وقد وقع التصريح في الحديث كما سيأتي إن شاء الله تعالى بأن أبا طلحة هو الذي تولى قسمتها. قال في الفتح: وبذلك يتم الجواب اهـ. وقرأت في المعرفة للبيهقي في ترجمة تمام الحبس بالكلام دون القبض. قال الشافعي: ولم يزل عمر بن الخطاب المتصدق بأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلي فيما بلغنا صدقته حتى قبضه الله، ولم يزل عليّ بن أبي طالب يلي صدقته حتى لقي الله، ولم تزل فاطمة -رضي الله عنها- تلي صدقتها حتى لقيت الله أخبرنا بذلك أهل العلم من ولد عليّ وفاطمة وعمر ومواليهم، ولقد حفظت الصدقات عن عدد كثير من المهاجرين والأنصار، ولقد حكى لي عدد كثير من أولادهم وأهليهم أنهم لم يزالوا يلون صدقاتهم حتى ماتوا ينقل ذلك العامّة منهم عن العامّة لا يختلفون فيه، وإن أكثر ما عندنا بالمدينة ومكة من الصدقات لكما وصفت لم يزل يتصدق بها المسلمون من السلف يلونها حتى ماتوا. 14 - باب إِذَا قَالَ: دَارِي صَدَقَةٌ لِلَّهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ غَيْرِهِمْ فَهُوَ جَائِزٌ، وَيُعْطِيهَا لِلأَقْرَبِينَ أَوْ حَيْثُ أَرَادَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي طَلْحَةَ حِينَ قَالَ أَحَبُّ أَمْوَالِي إِلَىَّ بَيْرَحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، فَأَجَازَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ يَجُوزُ حَتَّى يُبَيِّنَ لِمَنْ، وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. هذا (باب) بالتنوين (إذا قال) شخص: (داري صدقة لله) عز وجل (و) الحال أنه (لم يبين) هل هي (للفقراء أو غيرهم فهو جائز) أي تتم قبل تعيين جهة مصرفها (ويضعها) بعد ذلك (في الأقربين) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ويعطيها للأقربين (أو حيث أراد. قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي طلحة حين قال: أحب أموالي إليّ بيرحاء)، بكسر الموحدة وفتحها وسكون الياء من غير همز وفتح الراء وضمها آخره همزة مصروف وغير مصروف ولأبي ذر بيرحا بكسر الموحدة وسكون التحتية من غير همز وضم الراء آخره ألف من غير همز وفيها وجوه أخرى سبقت (وإنها صدقة لله) ولم يعين المتصدّق عليه ولا المتصدق فيه. قال المؤلّف تفقّهًا: (فأجاز النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك). الوقف من غير تعيين، (وقال بعضهم: لا يجوز) هذا الوقف المطلق (حتى يبين) واقفه (لمن) يصرف وهذا أحد قولي الشافعي، لكن قال بعض الشافعية: إن قال وقفته وأطلق فهو محل الخلاف، وإن قال وقفته لله خرج عن ملكه جزمًا واستدلّ بقصة أما طلحة (والأول) القائل بالجواز (أصح). 15 - باب إِذَا قَالَ أَرْضِي أَوْ بُسْتَانِي صَدَقَةٌ لله عَنْ أُمِّي فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لِمَنْ ذَلِكَ هذا (باب) بالتنوين (إذا قال) شخص (أرضي أو بستاني صدقة) زاد أبو ذر: لله (عن أمّي فهو جائز وإن لم يبين لمن ذلك) الموقوف للفقراء أو غيرهم فهي كالترجمة السابقة إلا أنه عين في هذه المتصدق عنه. 2756 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: أَنْبَأَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ -رضي الله عنه- تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهْوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شَىْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِي الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا". [الحديث 2756 - طرفاه في: 2762، 2770]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) وسقط لغير أبي ذر ابن سلام قال: (أخبرنا مخلد بن يزيد) بفتح الميم

16 - باب إذا تصدق أو وقف بعض رقيقه أو دوابه فهو جائز

وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام ويزيد من الزيادة قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (يعلى) هو ابن مسلم المكي البصري الأصل كما سماه عبد الرزاق في روايته عن ابن جريج عنه (أنه سمع عكرمة) مولى ابن عباس (يقول: أنبأنا) من الإنباء ويستعمله المتأخرون في الإجازة المجرّدة (ابن عباس -رضي الله عنهما- أن سعد بن عبادة) الأنصاري سيد الخزرج (-رضي الله عنه- توفيت أمه) عمرة بنت مسعود وقيل سعد بن قيس بن عمرو الأنصارية الخزرجية سنة خمس (وهو غائب عنها) مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة دومة الجندل، وكانت أسلمت وبايعت كما عند ابن سعد والجملة الاسمية حالية (فقال): سعد (يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها أينفعها) عند الله (شيء إن تصدّقت به)؟ أي بشيء وهمزة إن مكسورة (عنها؟ قال): (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (نعم) ينفعها عند الله (قال): سعد (فإني أشهدك أن حائطي) بستاني (المخراف) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة آخره فاء عطف بيان لحائطي اسم له أو وصف أي المثمر (صدقة عليها) ولأبي ذر عن الكشميهني: عنها وهو أصح. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الوصايا. 16 - باب إِذَا تَصَدَّقَ أَوْ وَقَفَ بَعْضَ رَقِيقِهِ أَوْ دَوَابِّهِ فَهُوَ جَائِزٌ هذا (باب) بالتنوين (إذا تصدق) شخص (أو وقف) بألف قبل الواو لغة شاذة ولأبي ذر: أو وقف (بعض ماله أو بعض رقيقه أو) بعض (دوابه فهو جائز) إذا كان غير مريض لكن يستحب أن يبقي لنفسه منه ما يعيش به خوف الحاجة، وقوله أو بعض رقيقه من عطف الخاص على العام. 2757 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه-: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ: أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ". [الحديث 2757 - أطرافه في: 2947، 2948، 2949، 2950، 3088، 3556، 3889، 3951، 4418، 4673، 4676، 4677، 4678، 6255، 6690، 7225]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أن) أباه (عبد الله بن كعب قال: سمعت) أبي (كعب بن مالك -رضي الله عنه- يقول): أي حين تخلف عن غزوة تبوك وتيب عليه (قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع) أي أن أخرج (من مالي) بالكلية (صدقة) بالنصب مفعولاً له أي لأجل التصدّق أو حالاً بمعنى متصدقًا (إلى الله وإلى رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): عليه الصلاة والسلام: (أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك) من إنفاقه كله لئلا تتضرر بالفقر وعدم الصبر على الإضاقة. قال كعب (قلت) يا رسول الله (فإني أمسك سهمي الذي بخيبر). واستدلّ به على كراهة التصدق بجميع المال وجواز وقف المنقول، ومطابقته للترجمة ظاهرة وقد ساقه هنا مختصرًا كما في باب: لا صدقة إلا عن ظهر غنى وبتمامه في المغازي. 17 - باب مَنْ تَصَدَّقَ إِلَى وَكِيلِهِ ثُمَّ رَدَّ الْوَكِيلُ إِلَيْهِ 2758 - وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} جَاءَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَىَّ بِيرُحَاءَ -قَالَ وَكَانَتْ حَدِيقَةً كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْخُلُهَا وَيَسْتَظِلُّ بِهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا- فَهِيَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْجُو بِرَّهُ وَذُخْرَهُ، فَضَعْهَا أَىْ رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بَخْ يَا أَبَا طَلْحَةَ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ قَبِلْنَاهُ مِنْكَ وَرَدَدْنَاهُ عَلَيْكَ، فَاجْعَلْهُ فِي الأَقْرَبِينَ. فَتَصَدَّقَ بِهِ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى ذَوِي رَحِمِهِ. قَالَ وَكَانَ مِنْهُمْ أُبَىٌّ وَحَسَّانُ. قَالَ: وَبَاعَ حَسَّانُ حِصَّتَهُ مِنْهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ فَقِيلَ لَهُ: تَبِيعُ صَدَقَةَ أَبِي طَلْحَةَ؟ فَقَالَ: أَلاَ أَبِيعُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بِصَاعٍ مِنْ دَرَاهِمَ؟ قَالَ: وَكَانَتْ تِلْكَ الْحَدِيقَةُ فِي مَوْضِعِ قَصْرِ بَنِي حُدَيْلَةَ الَّذِي بَنَاهُ مُعَاوِيَةُ". (باب من تصدق إلى) وللكشميهني: على (وكيله ثم ردّ الوكيل) الصدقة (إليه) أي إلى الموكل. (وقال إسماعيل) كذا ثبت في أصل أبي ذر من غير أن ينسبه، وجزم أبو نعيم في مستخرجه أنه ابن جعفر، وأسنده الدمياطي في أصله بخطه فقال: حدّثنا إسماعيل. قال الحافظ ابن حجر: فإن كان محفوظًا تعين أنه ابن أبي أويس، وبه جزم المزي قال: (أخبرني) بالإفراد (عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة) الماجشون واسم أبي سلمة دينار (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (لا أعلمه إلا عن أنس -رضي الله عنه-) وجزم به ابن عبد البر في تمهيده والظاهر كما في الفتح أن الذي قال لا أعلمه إلا عن أنس البخاري أنه (قال: لما نزلت: {لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92]. جاء أبو طلحة إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد ابن عبد البر ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر (فقال: يا رسول الله يقول الله تعالى في كتابه: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء) بكسر الموحدة وسكون التحتية وضم الراء آخره همزة غير منصرف وفيها لغات أخرى سبقت (قال: وكانت) أي بيرحاء (حديقة كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدخلها ويستظل فيها ويشرب من مائها) جملة معترضة بين قوله: وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء وبين قوله: (فهي إلى الله عز وجل وإلى رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي خالصة لله ولرسوله (أرجو برّه وذخره) بالذال المضمومة والخاء الساكنة المعجمتين

18 - باب قول الله عز وجل: {وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه}

(فضعها أي رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بخ يا أبا طلحة) بفتح الموحدة وسكون الخاء المعجمة من غير تكرار كلمة تقال عند المدح والرضا بذلك الشيء (ذلك مال رابح) بالموحدة أي يربح صاحبه فيه في الآخرة (قبلناه) أي المال (منك ورددناه عليك فاجعله في الأقربين) (فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه) الشامل لقرابة الأب والأم بلا خلاف في العرب والعجم. (قال): أنس (وكان منهم أُبيّ) هو ابن كعب (وحسان) هو ابن ثابت (قال) أنس (وباع حسان حصته منه) من ذلك المال المتصدق به (من معاوية) بن أبي سفيان قيل إنما باعها لأن أبا طلحة لم يقفها بل ملكهم إياها إذ لا يسوغ بيع الموقوف، وحينئذٍ فكيف يستدل به لمسائل الوقف؟ وأجانب الكرماني بأن التصدق على المعين تمليك له. قال العيني: وفيه نظر لا يخفى. وأجاب آخر: بأن أبا طلحة حين وقفها شرط جواز بيعهم عند الاحتياج فإن الوقف بهذا الشرط قال بعضهم: بجوازه والله أعلم. (فقيل له): لحسان (تبيع صدقة أبي طلحة)؟ بحذف همزة الاستفهام (فقال: ألا أبيع صاعًا من تمر بصاع من دراهم) في الفتح عن أخبار المدينة لمحمد بن الحسن المخزومي من طريق أبي بكر بن حزم أن ثمن حصة حسان مائة ألف درهم قبضها من معاوية بن أبي سفيان (قال: وكانت تلك الحديقة) المتصدق بها (في موضع قصر بني جديلة) بجيم مفتوحة فدال مهملة مكسورة كذا في الفرع وأصله وضبب عليه، والصواب أنه بالحاء المضمومة وفتح الدال المهملتين كما ذكره الأئمة الحفّاظ أبو نصر وأبو علي الغساني والقاضي عياض بطن من الأنصار وهم بنو معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار وجديلة أمهم وإليهم ينسب القصر المذكور (الذي بناه معاوية) بن أبي سفيان لما اشترى حصة حسان ليكون حصنًا له لما كانوا يتحدثون به بينهم مما وقع لبني أمية، وكان الذي تولى بناءه لمعاوية الطفيل بن أُبيّ بن كعب قاله عمر بن شبة في أخبار المدينة وأبو غسان المدني وغيرهما وليس هو معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار كما ذكره الكرماني. قاله في الفتح. وهذا الباب وحديثه سقط من أكثر الأصول وثبتا في رواية الكشميهني فقط. نعم ثبتت الترجمة وبعض الحديث للحموي إلى قوله: مما تحبون. ومطابقته للترجمة في قوله: قبلناه منك ورددناه عليك فهو شبيه بما ترجم به. 18 - باب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} (باب قول الله تعالى) ولأبي ذر: عز وجل ({وإذا حضر القسمة}) قسمة الميراث ({أولو القربى}) ممن ليس بوارث ({واليتامى والمساكين فارزقوهم منه}) [النساء: 8]. ارضخوا لهم من التَرِكة نصيبًا قبل القسمة، وكان ذلك واجبًا في ابتداء الإسلام لأن أنفسهم تتشوّف إلى شيء من ذلك إذا رأوا هذا يأخذ وهذا يأخذ وهم آيسون لا يعطون شيئًا فأمر الله تعالى برأفته ورحمته أن يرضخ لهم شيء من الوسط إحسانًا إليهم وجبرًا لقلوبهم، ثم نسخ ذلك بآية المواريث وهذا مذهب الجمهور، وقالت طائفة: هي محكمة وليست بمنسوخة. 2759 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "إِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نُسِخَتْ، وَلاَ وَاللَّهِ مَا نُسِخَتْ، وَلَكِنَّهَا مِمَّا تَهَاوَنَ النَّاسُ، هُمَا وَالِيَانِ: وَالٍ يَرِثُ وَذَاكَ الَّذِي يَرْزُقُ، وَوَالٍ لاَ يَرِثُ فَذَاكَ الَّذِي يَقُولُ بِالْمَعْرُوفِ، يَقُولُ لاَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ". [الحديث 2759 - طرفه في: 4576]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن الفضل أبو النعمان) وفي نسخة: حدّثنا أبو النعمان محمد بن الفضل بالتقديم والتأخير قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن أبي بشر) بكسر وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسم أبي وحشية إياس اليشكري البصري (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال): موقوفًا. عليه (إن ناسًا يزعمون) منهم عائشة (إن هذه الآية) وإذا حضر القسمة إلى آخرها (نسخت) بضم النون وكسر السين بآية المواريث (ولا والله ما نسخت) بل هي محكمة فيعطى الحاضر ممن ذكر من التَرِكَة (ولكنها) أي قضية الآية (مما تهاون الناس) فيها ولم يعملوا بها (هما) أي المتصرفان في التَّرِكَة والمتوليان أمرها (واليان والٍ يرث) المال كالعصبة مثلاً (وذاك) بغير لام ولأبي ذر: وذلك (الذي يرزق) يرضخ الحاضرين من أُولي القربى واليتامى والمساكين (ووالٍ لا يرث) كوليّ اليتيم (فذاك) ولأبي ذر: فذلك (الذي يقول بالمعروف يقول: لا أملك لك أن أعطك) شيئًا منه إنما هو لليتيم ولو كان لي

19 - باب ما يستحب لمن يتوفى فجأة أن يتصدقوا عنه، وقضاء النذور عن الميت

منه شيء لأعطيتك وسقط قوله لك في رواية المستملي. 19 - باب مَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ يُتَوَفَّى فَجْأَةً أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَنْهُ، وَقَضَاءِ النُّذُورِ عَنِ الْمَيِّتِ (باب ما يستحب لمن يتوفى) بضم أوّله وفتح تالييه، ولأبي ذر: توفي بحذف التحتية وضم الفوقية والواو وكسر الفاء مات (فجأة) بفتح الفاء وسكون الجيم من غير مدّ، ولأبي ذر: فجاءة بضم الفاء وفتح الجيم مخففة ممدودًا بغتة (أن يتصدقوا) أهله أو أصحابه (عنه و) استحباب (قضاء النذور) بالمعجمة والجمع (عن الميت) الذي مات وعليه نذور. 2760 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: "أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسَهَا، وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، تَصَدَّقْ عَنْهَا". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أُويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن هشام) ولأبي ذر: زيادة ابن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رجلاً) هو سعد بن عبادة (قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن أمي) عمرة بنت مسعود (افتلتت) بالفاء الساكنة والفوقية المضمومة وكسر اللام مبنيًّا للمفعول (نفسها) بالنصب مفعول ثانٍ أي افتلتها الله نفسها، ولأبي ذر: نفسها بالرفع مفعول ناب عن الفاعل أي أخذت نفسها فلتة والنفس هنا الروح أي ماتت بغتة دون تقدّم مرض ولا سبب (وأراها) بضم الهمزة أي أظنها لعلمي بحرصها على الخير (لو تكلمت تصدقت أفأتصدق عنها؟ قال): عليه الصلاة والسلام: (نعم تصدق عنها). بجزم تصدق على الأمر. وعند النسائي قلت: فأيّ الصدقة؟ قال: "سقي الماء" وفيه دلالة على أن الصدقة تنفع الميت. وهذا الحديث أخرجه النسائي في الوصايا. 2761 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ -رضي الله عنه- اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ، فَقَالَ: اقْضِهِ عَنْهَا". [الحديث 2761 - طرفاه في: 6698، 6959]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله) بضم عين الأول مصغرًا العمري (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن سعد بن عبادة رضي الله عنه استفتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إن أمي) عمرة (ماتت وعليها نذر) لم تقضه (فقال): (اقضه عنها) وفي رواية سليمان بن كثير عند النسائي: أفيجزي عنها أن أعتق؟ قال: "أعتق عن أمك". 20 - باب الإِشْهَادِ فِي الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ 2762 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: "أَنْبَأَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ - رضي الله عنه-أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ- تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهْوَ غَائِبٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، فَهَلْ يَنْفَعُهَا شَىْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِي الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا". (باب الإشهاد في الوقف والصدقة). وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) الصنعاني (أن ابن جريج) عبد الملك (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (يعلى) بن مسلم المكي البصري الأصل (أنه سمع عكرمة مولى ابن عباس يقول: أنبأنا) أي أخبرنا (ابن عباس أن سعد بن عبادة -رضي الله عنه- أخًا بني ساعدة) أي واحدًا منهم أي أنه أنصاري ساعدي (توفيت أمه) عمرة (وهو غائب) زاد أبو ذر: عنها أي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة دومة الجندل سنة خمس (فأتى) سعد (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها شيء إن تصدقت به) أي بشيء (عنها؟ قال): عليه الصلاة والسلام: (نعم) ينفعها (قال: فإني أشهدك أن حائطي) بستاني (المخراف) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة آخره فاء اسم للبستان أو وصف له أي المثمر، وسمي بذلك لما يخرف منه أي يجنى من التمرة تقول: شجرة مخراف ومثمار قاله الخطابي، وفي رواية عبد الرزاق المخرف بغير ألف. (صدقة عليها) أي مصروفة على مصلحتها، وسقط قوله من قوله قال فإني أشهدك للحموي والكشميهني. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: أشهدك أن حائطي صدقة وألحق الوقف بالصدقة وعورض بأن قوله أشهدك يحتمل إرادة الإشهاد المعتبر أو الإعلام واستدلّ له المهلب بقوله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم} [البقرة: 282] الآية. لأنه إذا أمر بالإشهاد في البيع الذي له عوض فلأن يشرع في الوقف الذي لا عوض له أولى. وهذا الحديث سبق قبل ثلاثة أبواب. 21 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 12 - 13]. (باب قول الله تعالى) ولأبي ذر: عز وجل بدل قوله تعالى: ({وآتوا}) وأعطوا ({اليتامى أموالهم}) إليهم إذا بلغوا الحلم كاملة موفرة ({ولا تتبدلوا الخبيث}) من أموالهم الحرام عليكم ({بالطيب}) الحلال من أموالكم، وقال سعيد بن جبير والزهري: لا تعطوا هزيلاً وتأخذوا سمينًا، وقال السدي؛ كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ويجعل مكانها الشاة المهزولة ويقول: شاة بشاة، ويأخذ الدراهم الجيدة ويطرح مكانها الزائف ويقول: درهم

22 - باب قول الله تعالى:

بدرهم فنهوا عن ذلك ({ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم}) أي مع أموالكم ({إنه}) أي أكل أموالهم ({كان حوبًا}) إثمًا ({كبيرًا}) عظيمًا ({وإن خفتم ألاّ تقسطوا}) أن لا تعدلوا ({في}) نكاح ({اليتامى فانكحوا ما طاب}) حلّ ({لكم من النساء}) [النساء: 2، 3] سواهن، وفي رواية أبي ذر: بعد قوله {إلى أموالكم} إلى قوله: {فانكحوا ما طاب لكم}. 2763 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: "كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} قَالَتْ: هِيَ الْيَتِيمَةُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ نِسَائِهَا، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} [النساء: 127] قَالَتْ: فَبَيَّنَ اللَّهُ فِي هَذِهِ أَنَّ الْيَتِيمَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ وَمَالٍ رَغِبُوا فِي نِكَاحِهَا وَلَمْ يُلْحِقُوهَا بِسُنَّتِهَا بِإِكْمَالِ الصَّدَاقِ، فَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبَةً عَنْهَا فِي قِلَّةِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ تَرَكُوهَا وَالْتَمَسُوا غَيْرَهَا مِنَ النِّسَاءِ. قَالَ فَكَمَا يَتْرُكُونَهَا حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا إِذَا رَغِبُوا فِيهَا إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا الأَوْفَى مِنَ الصَّدَاقِ وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: كان عروة بن الزبير) بن العوّام (يحدّث أنه سأل عائشة -رضي الله عنها-) عن هذه الآية ({وإن}) ولأبي ذر: فإن بالفاء بدل الواو لفظ التلاوة ({خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء}) [النساء: 3]. سقط قوله: {من النساء} لأبي ذر. (قال) أي عروة مخبرًا عن عائشة ولأبي ذر عن المستملي قالت عائشة: (هي اليتيمة في حجر وليها) الذي يلي مالها (فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة نسائها) أي بأقل من مهر مثلها من قراباتها (فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا) أي يعدلوا (لهنّ في إكمال الصداق) بيان للإلحاق بسنّتها (وأمر بنكاح من سواهن) سوى اليتامى (من النساء. قالت عائشة: ثم استفتى الناس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد) أي بعد نزول قوله تعالى: {وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى} الآية (فأنزل الله عز وجل: {ويستفتونك}) أي يطلبون منك الفتوى ولأبي ذر: يستفتونك بحذف الواو ({في النساء قل الله يفتيكم فيهن}) [النساء: 127]. (قالت) عائشة (فبيّن الله) عز وجل (في هذه) ولأبي ذر: في هذه الآية (أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها ولم) وللكشميهني: أو لم (يلحقوها بسنّتها) بمهر مثلها من قراباتها (بكمال الصداق فإذا كانت) أي اليتيمة (مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء قال فكما يتركونها حين يرغبون عنها) لقلة مالها وجمالها (فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها) لمالها وجمالها (إلاّ أن يقسطوا لها) لذات الجمال والمال المرغوب فيها (الأوفى من الصداق ويعطوها حقها) كاملاً. وهذا الحديث سبق في باب شركة اليتيم وأهل الميراث، وتأتي إن شاء الله تعالى بقية مباحثه في التفسير وغيره. 22 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا * لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النساء: 6 و7] حَسِيبًا يَعْنِي كَافِيًا. (باب قول الله تعالى) ولأبي ذر: عز وجل ({وابتلوا اليتامى}) أي اختبروهم في عقولهم وأديانهم وحفظهم أموالهم ({حتى إذا بلغوا النكاح}) يعني الحلم بأن يروا في منامهم ما ينزل به الماء الدافق أو يستكملوا خمس عشرة سنة ({فإن آنستم}) أبصرتم ({منهم رشدًا}) أي صلاحًا في دينهم وحفظًا لأمواله ({فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها}) يا معاشر الأولياء والأوصياء ({إسرافًا}) بغير حق ({وبدارًا}) ومبادرة وانتصبا على الحال أي مسرفين ومبادرين ({أن يكبروا}) أي حذارًا من أن يكبروا أي يبلغوا فيلزمكم تسليم المال إليهم ثم بيّن ما يحل لهم فقال: ({ومن كان غنيًا فليستعفف}) فليمتنع عن مال اليتيم فلا يرزؤه قليلاً ولا كثيرًا ({ومن كان فقيرًا}) إلى مال اليتيم وهو يحفظه ويتعهده ({فليأكل بالمعروف}) بأجرة عمله ({فإذا دفعتم}) أيها الأوصياء ({إليهم}) إلى اليتامى ({أموالهم فأشهدوا عليهم}) بعد بلوغهم الحلم وإيناس الرشد، والأمر للندب خوف الإنكار ({وكفى بالله حسيبًا للرجال نصيب}) حظ ({مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصبب مما ترك الوالدان والأقربون مما قلّ منه}) من المال ({أو كثر}) أي الجميع فيه سواء في حكم الله يستوون في أصل الوراثة وإن تفاوتوا بحسب ما فرض الله لكلٍّ منهم بما يدلي به إلى الميت من قرابة أو زوج أو ولاء فإنه لحُمة كلُحمة النسب ({نصيبًا مفروضًا}) أي مقدّرًا. [النساء: 6 و7]. وقال المؤلّف مفسرًا لقوله: (حسيبًا يعني كافيًا}) وسقط لأبي ذر لفظة يعني وقال غيره: محاسبًا ومجازيًّا وشاهدًا به، وقد كان المشركون لا يورثون النساء ولا الصغار شيئًا فأنزل الله ذلك إبطالاً لفعلهم ثم بيّن تعالى مقادير ما لكلٍّ بقوله سبحانه وتعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأُنثيين} [النساء: 11] إلى آخرها. وسياق {وابتلوا اليتامى} إلى آخر قوله:

باب وما للوصي أن يعمل في مال اليتيم وما يأكل منه بقدر عمالته

{مفروضًا} ثابت في رواية الأصيلي وكريمة. وقال أبو ذر في روايته بعد قوله: {فادفعوا إليهم أموالهم} إلى قوله: {مما قلّ منه أو كثر نصيبًا مفروضًا} كذا في الفرع. وقال في الفتح بعد قوله رشدًا. باب وَمَا لِلْوَصِيِّ أَنْ يَعْمَلَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَمَا يَأْكُلُ مِنْهُ بِقَدْرِ عُمَالَتِهِ (باب وما للوصي) سقط لأبي ذر لفظ باب ولفظ ما فصار وللوصي (أن يعمل في مال اليتيم وما يأكل منه بقدر عمالته) بضم العين وتخفيف الميم أي بقدر حق سعيه وأجرة مثله، ومذهب الشافعية أن يأخذ أقل الأمرين من أجرته ونفقته ولا يجب ردّه على الصحيح، وقال سعيد بن جبير ومجاهد: إذا أكل ثم أيسر قضى. وعن ابن عباس إن كان ذهبًا أو فضة لم يجز له أن يأخذ منه شيئًا إلا على سبيل القرض وإن كان غير ذلك جاز بقدر الحاجة. 2764 - حَدَّثَنَا هَارُونُ بن الأشعَثِ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بِمَالٍ لَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ثَمْغٌ، وَكَانَ نَخْلاً- فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي اسْتَفَدْتُ مَالاً وَهُوَ عِنْدِي نَفِيسٌ فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ، لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ، وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ. فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ، فَصَدَقَتُهُ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي الرِّقَابِ وَالْمَسَاكِينِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَلِذِي الْقُرْبَى، وَلاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُوكِلَ صَدِيقَهُ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ بِهِ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (هارون بن الأشعث) بالشين المعجمة والعين المهملة والمثلثة الهمداني الكوفي ثم البخاري ولم يخرج عنه المؤلّف سوى هذا. وسقط لغير أبي ذر ابن الأشعث قال: (حدّثنا أبو سعيد) بكسر العين عبد الرحمن بن عبد الله الحافظ (مولى بني هاشم) قال: (حدّثنا صخر بن جويرية) بصاد مهملة مفتوحة فخاء معجمة ساكنة وجويرية بالجيم مصغرًا البصري (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن) أباه (عمر) بن الخطاب (تصدّق بمال له) أي بأرض له فهو من إطلاق العام على الخاص (على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي زمنه (وكان يقال له) للمال (ثمغ) بمثلثة مفتوحة فميم ساكنة فغين معجمة، وحكى المنذري فتح الميم أرض تلقاء المدينة كانت لعمر (وكان نخلاً فقال عمر: يا رسول الله إني استنفدت مالاً وهو عندي نفيس) أي جيد (فأردت أن أتصدق به، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (تصدق بأصله) بالجزم على الأمر (لا يباع ولا يوهب ولا يورث) هذا حكم الوقف ويخرج به التمليك المحض (ولكن ينفق ثمره فتصدّق به عمر فصدقته ذلك) المذكور ولأبي ذر عن الكشميهني تلك (في سبيل الله) الغزاة الذين لا رزق لهم في الفيء (وفي الرقاب) وفي الصرف في فكّ الرقاب (والمساكين) الذين لا يملكون ما يقع موقعًا من كفايتهم (والضيف) الذي ينزل بالقوم للقرى (وابن السببل) المسافر (ولذي القربى) الشامل لجهة الأب والأم (ولا جناح) أي ولا إثم (على من وليه) ولي التحدّث إليه (أن يأكل منه بالمعروف) بقدر أجرة عمله (أو يؤكل صديقه) بضم الياء وكسر الكاف وصديقه نصب به أي يطعم صديقه منه حال كونه (غير متموّل به) أي بالمال الذي تصدّق به عمر وهو الأرض. قاله الكرماني. ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن المقصود جواز أخذ الأجرة من مال اليتيم لقول عمر: ولا جناح على من وليه أن يأكل منه بالمعروف. 2765 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ، وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} قَالَتْ: أُنْزِلَتْ فِي وَالِي الْيَتِيمِ أَنْ يُصِيبَ مِنْ مَالِهِ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا بِقَدْرِ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ". وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين مصغرًا وكان اسمه عبد الله بالتكبير مع الإضافة الهباري القرشي الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) في قوله تعالى: ({ومن كان غنيًّا}) من الأوصياء ({فليستعفف}) عن مال اليتيم ولا يأكل منه شيئًا ({ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف}) [النساء: 6]. بقدر أجرة عمله (قالت) أي عائشة (أنزلت في والي اليتيم) ولأبي ذر عن المستملي في مال اليتيم (أن يصيب من ماله إذا كان) الوالي (محتاجًا بقدر ماله) بكسر اللام في الموضعين أي مال اليتيم (بالمعروف) بيان له ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني: أن يصيبوا أي الأولياء. وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا. 23 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10]. (باب قول الله تعالى): ولأبي ذر: عز وجل ({إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا}) حرامًا بغير حق ({إنما يأكلون في بطونهم نارًا}) أي ما يجر إلى النار فكأنه نار في الحقيقة ((وسيصلون سعيرًا}) [النساء: 10]. نارًا ذات لهب أي يقاسون شدتها وحرّها. وفي حديث الإسراء المروي عند ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري قلنا يا رسول الله ما رأيت ليلة اسري بك؟ قال: "انطلق بي إلى خلق من خلق الله رجال كل رجل له مشفر كمشفر البعير موكل بهم رجال يفكون لحي أحدهم ثم يجاء بصخرة من نار فتقذف في في أحدهم

24 - باب

حتى تخرج من أسفله وله جؤار وصراخ. قلت يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا". 2766 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ». [الحديث 2766 - طرفاه في: 5764، 6857]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) القرشي الأويسي (قال: حدّثني) بالإفراد (سليمان بن بلال) أبو أيوب القرشي التميمي (عن ثور بن زيد المدني) وسقط المدني لأبي ذر (عن أبي الغيث) مرادف المطر واسمه سالم مولى ابن مطيع القرشي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (اجتنبوا السبع الموبقات) أي المهلكات (قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال): أحدها (الشرك بالله)، بأن يتخذ معه إله غيره (و) الثاني (السحر)، وهو لغة صرف الشيء عن وجهه وتأتي مباحثه إن شاء الله تعالى في كتاب الطب بعون الله وقوّته (و) الثالث (قتل النفس التي حرّم الله) قتلها (إلا بالحق، و) الرابع (أكل الربا)، وهو لغة الزيادة (و) الخامس (أكل مال اليتيم)، الذي مات أبوه وهو دون البلوغ (و) السادس (التولّي يوم الزحف) أي الفرار عن القتال يوم ازدحام الطائفتين (و) السابع (قذف المحصنات) بفتح الصاد اسم مفعول اللاتي أحصنهن الله تعالى وحفظهن من الزنا (المؤمنات) احترز به عن قذف الكافرات (الغافلات). بالغين المعجمة والفاء أي عما نسب إليهن من الزنا والتنصيص على عدد لا ينافي أزيد منه في غير هذا الحديث كالزنا بحليلة الجار وعقوق الوالدين واليمين الغموس وغير ذلك مما سيأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وفضله. وهذا الحديث رواته كلهم مدنيون، وأخرجه أيضًا في الطب والمحاربين، ومسلم في الإيمان، وأبو داود في الوصايا، والنسائي فيه وفي التفسير. 24 - باب {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 220]. لأَعْنَتَكُمْ: لأَحْرَجَكُمْ وَضَيَّقَ عَلَيْكُمْ. وَعَنَتْ: خَضَعَتْ. (باب قول الله تعالى: ({ويسألونك}) وسقط لأبي ذر لفظ قول الله تعالى والواو من ويسألونك ({عن اليتامى}) قال ابن عباس فيما رواه ابن جرير بسنده وأبو داود والنسائي والحاكم: لما نزلت: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} [الأنعام: 152] و {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا} [النساء: 10] الآية. انطلق: من كان عنده يتيم يعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأنزل تعالى {ويسألونك عن اليتامى} ({قل إصلاح لهم}) أي الإصلاح لأموالهم من غير أجرة ولا عوض ({خير}) أعظم أجرًا ({وإن تخالطوهم}) تشاركوهم في أموالهم وتخلطوها بأموالكم فتصيبوا من أموالهم عوضًا من قيامكم بأمورهم ({فإخوانكم}) فهم إخوانكم والإخوان يعين بعضهم بعضًا ويصيب بعضهم من مال بعض ({والله يعلم المفسد}) لأموالهم ({من المصلح}) لها يعني الذي يقصد بالمخالطة الخيانة وإفساد مال اليتيم وأكله بغير حق من الذي يقصد الإصلاح ({ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز) في ملكه ({حكيم}) [البقرة: 220] فيما أمر به. قال البخاري مفسّرًا لقوله تعالى: (لأعنتكم) أي: (لأحرجكم وضيق عليكم) وسقط لفظ عليكم من اليونينية وثبت في فرعها، وهذا تفسير ابن عباس فيما أخرجه ابن المنذر وزاد ولكنه وسع ويسر (وعنت) أي: (خضعت). كذا أورده المؤلّف وعورض بأنه لا تعلق له بلأعنتكم لأنه من العنوّ بضم العين المهملة والنون وتشديد الواو وليس هو من العنت في شيء، وأجيب: بأنه أوردها استطرادًا. 2767 - وَقَالَ لَنَا سُلَيْمَانُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: مَا رَدَّ ابْنُ عُمَرَ عَلَى أَحَدٍ وَصِيَّةً. وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ أَحَبَّ الأَشْيَاءِ إِلَيْهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ أَنْ يَجْتَمِعَ إِلَيْهِ نُصَحَاؤُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ فَيَنْظُرُوا الَّذِي هُوَ خَيْرٌ لَهُ. وَكَانَ طَاوُسٌ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَىْءٍ مِنْ أَمْرِ الْيَتَامَى قَرَأَ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}. وَقَالَ عَطَاءٌ فِي يَتَامَى الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ: يُنْفِقُ الْوَلِيُّ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ بِقَدْرِهِ مِنْ حِصَّتِهِ. قال البخاري: (وقال لنا سليمان) بن حرب الواشحي (حدّثنا حماد) أبو أسامة بن أسامة (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر أنه (قال: ما ردّ ابن عمر على أحد وصيته) يبتغي بذلك الأجر لحديث "أنا وكافل اليتيم كهاتين" نعم يكره الدخول في الوصايا عند خشية التهمة أو الضعف عن القيام بحقها. وقول سليمان هذا قال ابن حجر: إنه موصول، وقال الكرماني وقال بلفظ قال لأنه لم يذكره على سبيل النقل والتحمل، وتعقب العيني ابن حجر فقال: كيف يكون موصولاً وليس فيه لفظ من الألفاظ الدالة على الاتصال من التحديث والإخبار والسماع والعنعنة؟ فالذي قاله الكرماني هو الأظهر. (وكان ابن سيرين) محمد (أحب الأشياه إليه في مال اليتيم) بنصب أحب، ولأبي ذر: أحب بالرفع مبتدأ وخبره

25 - باب استخدام اليتيم في السفر والحضر إذا كان صلاحا له. ونظر الأم أو زوجها لليتيم

(أن يجتمع إليه) وسقط لفظ إليه عند أبي ذر ولأبي ذر عن الكشميهني أن يخرج إليه (نصحاؤه) بضم النون جمع ناصح (وأولياؤه فينظروا الذي هو خير له) وفي الأصل المقروء على الميدومي فينظرون بالنون أي فهم ينظرون وهذا التعليق. قال ابن حجر: لم أقف عليه موصولاً. (وكان طاوس) هو ابن كيسان اليماني مما وصله سفيان بن عيينة في تفسيره (إذا سئل عن شيء من أمر اليتامى قرأ) قوله تعالى: ({والله يعلم المفسد}) لأموال اليتامى ({من المصلح}) لها. (وقال عطاء): هو ابن أبي رباح مما وصله ابن أبي شيبة (في يتامى الصغير والكبير) بالجر فيهما على البدل مما قبلهما ولأبي ذر الصغير والكبير بالرفع أي الوضيع والشريف (ينفق الولي) ولأبي ذر عن المستملي الوالي (على كل إنسان) منهما (بقدره) بقدر الإنسان اللائق بحاله (من حصته). 25 - باب اسْتِخْدَامِ الْيَتِيمِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ إِذَا كَانَ صَلاَحًا لَهُ. وَنَظَرِ الأُمِّ أو زَوْجِهَا لِلْيَتِيمِ (باب) حكم (استخدام اليتيم في السفر والحضر إذا كان) الاستخدام (صلاحًا له) فيهما (و) حكم (نظر الأم أو) نظر (زوجها لليتيم) وإن لم يكونا وصيّين. 2768 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَنَسًا غُلاَمٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ، قَالَ: فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، مَا قَالَ لِي لِشَىْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا؟ وَلاَ لِشَىْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا"؟ [الحديث 2768 - طرفاه في: 6038، 6911]. وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير) بالمثلثة الدورقي قال: (حدّثنا ابن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد التحتية اسم أم إسماعيل بن إبراهيم قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة ليس له خادم فأخذ أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس (بيدي فانطلق بي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إن أنسًا غلام كيِّس) بفتح اللام وبعد التحتية المشددة المكسورة سين مهملة عاقل أو غير أحمق (فليخدمك) بسكون اللام والجزم على الأمر (قال) أنس: (فخدمته) عليه الصلاة والسلام (في السفر والحضر ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا ولا لشيء لم أصنعه لِمَ لَمْ تصنع هذا هكذا)؟ وهذا من محاسن أخلاقه العظيمة. ومطابقة الحديث للترجمة في السفر والحضر من قوله فخدمته في السفر والحضر وفي قوله ونظر الأم من جهة أن أبا طلحة لم يفعل ذلك إلا بعد رضا أم سليم، وفي قوله وزوجها من قوله فأخذ أبو طلحة بيدي إلى آخره. ورواة الحديث كلهم بصريون وأخرجه البخاري أيضًا في الدّيات ومسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 26 - باب إِذَا وَقَفَ أَرْضًا وَلَمْ يُبَيِّنِ الْحُدُودَ فَهْوَ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ هذا (باب) بالتنوين (إذا وقف) شخص (أرضًا و) الحال أنه (لم يبين الحدود) التي لها (فهو جائز) إذا كانت الأرض مشهورة متميزة بحيث لا تلتبس بغيرها (وكذلك الصدقة) أي الوقف بلفظ الصدقة. 2769 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَار بِالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ مَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَاءَ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا نَزَلَتْ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قَامَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَىَّ بِيرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، فَقَالَ: بَخْ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ -أَوْ رَايِحٌ-، شَكَّ ابْنُ مَسْلَمَةَ -وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ. قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَفِي بَنِي عَمِّهِ". وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ «رَايِحٌ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري (أنه سمع أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: كان أبو طلحة) الأنصاري (أكثر أنصاري) أي أكثر كل واحد من الأنصار. قال الكرماني: إذا أريد التفضيل أضيف إلى المفرد النكرة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أكثر الأنصار (بالمدينة مالاً) نصب على التمييز (من نخل) حرف الجر للبيان (وكان أحب ماله إليه بيرحاء) بفتح الموحدة وكسرها وسكون التحتية وضم الراء وفتحها آخره همزة مصروف وغير مصروف، وعند أبي ذر بالقصر من غير همز. قال في المشارق: ورواية الأندلسيين والمغاربة بضم الراء في الرفع وفتحها في النصب وكسرها في الجر مع الإضافة إلى حاء وحاء على لفظ الحاء من حروف المعجم، وكذا وجدته بخط الأصيلي. قال الباجي: وأنكر أبو ذر الضم والإعراب في الراء وقال إنما هي بفتح الراء في كل حال. قال الباجي: وعليه أدركت أهل العلم بالمشرق وقال لي أبو عبد الله الصوري إنما هي بفتح الباء والراء في كل حال واختلف في حاء هل هي اسم رجل أو امرأة أو مكان أضيفت إليه البئر أو كلمة زجر للإبل فكأن الإبل كانت ترعى هناك وتزجر بهذه اللفظة فأضيفت البئر إلى اللفظة المذكورة (مستقبلة المسجد، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدخلها) زاد عبد العزيز ويستظل فيها (ويشرب من ماء فيها طيب قال أنس: فلما نزلت {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92] قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله

27 - باب إذا وقف جماعة أرضا مشاعا فهو جائز

إن الله) عز وجل (يقول {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء) بفتح الموحدة وكسرها وسكون التحتية وفتح الراء وضمها آخره همزة مصروف ولأبي ذر غير مصروف (وإنها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله فضعها حيث أراك الله فقال) عليه الصلاة والسلام: (بخ) بفتح الموحدة وسكون المعجمة من غير تكرير ومعناه تفخيم الأمر والأعجاب به (ذلك مال رابح) بالموحدة (أو رايح) بالتحتية (شك ابن مسلمة) عبد الله القعنبي (وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين قال) ولأبي ذر فقال (أبو طلحة أفعل ذلك يا رسول الله) بضم لام أفعل على أنه من قول أبي طلحة وسقط لأبي ذر لفظة ذلك (فقسمها أبو طلحة في أقاربه وفي بني عمه) وفي رواية ثابت السابقة فجعلها لحسان وأبي، وفي رواية الماجشون السابقة أيضًا فجعلها أبو طلحة في ذوي رحمه وكان منهم حسان وأُبي بن كعب وهو يدل على أنه أعطى غيرهما أيضًا وسقط لأبي ذر لفظة من قوله وفي بني عمه. (وقال إسماعيل) هو ابن أبي أويس فيما وصله في التفسير (وعبد الله بن يوسف) هو التنيسي فيما وصله في الزكاة (ويحييان بن يحيى) بن بكير أبو زكريا التميمي الحنظلي فيما وصله في الوكالة الثلاثة في روايتهم (عن مالك) الإمام (رايح). بالمثناة التحتية. 2770 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ أُمَّهُ تُوُفِّيَتْ أَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّ لِي مِخْرَافًا، فَأَنَا أُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ به عَنْهَا". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم) المشهور بصاعقة قال: (أخبرنا روح بن عبادة) بفتح الراء وعبادة بضم العين وتخفيف الموحدة ابن العلاء البصري قال: (حدّثنا زكريا بن إسحاق) المكي الثقة (قال: حدّثني) بالإفراد (عمرو بن دينار عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رجلاً) هو سعد بن عبادة (قال لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن أمه توفيت) زاد في رواية يعلى بن مسلم عن عكرمة وهو غائب عنها (أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (نعم) ينفعها (قال) سعد (فإن لي مخرافًا) بالألف قال الدمياطي وصوابه مخرفًا بحذفها وهو البستان (وأشهدك) ولأبي ذر: فأنا أشهدك (أني قد تصدقت عنها) ولأبي ذر به عنها. 27 - باب إِذَا وْقَفَ جَمَاعَةٌ أَرْضًا مُشَاعًا فَهْوَ جَائِزٌ 2771 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا، قَالُوا: لاَ وَاللَّهِ لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ". هذا (باب) بالتنوين (إذا أوقف) بالألف وهي لغية ولأبي ذر وقف (جماعة أرضًا) شركة (مشاعًا فهو جائز). وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري (عن أبي التياح) بفتح المثناتين الفوقية والتحتية المشددتين وبعد الألف حاء مهملة يزيد بن حميد الضبعي (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ببناء المسجد) المدني وزاد في الصلاة فأرسل إلى ملأ من بني النجار (فقال): (يا بني النجار ثامنوني) بالمثلثة ساوموني (بحائطكم) ببستانكم (هذا قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله) أي لا نطلب ثمنه من أحد لكنه مصروف إلى الله فالاستثناء منقطع أو معناه لا نطلب ثمنه مصروفًا إلا إلى الله أو منتهيًا إلا إلى الله فالاستثناء متصل قاله الكرماني، وقال في الفتح: ظاهره أنهم تصدقوا بالأرض لله عز وجل فقبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-ذلك ففيه دليل لما ترجم له كذا قال فليتأمل فإنه ليس فيه تصريح بقبوله عليه الصلاة والسلام ذلك منهم، وإنما أرادوا وقفه حيث قالوا لا نطلب ثمنه إلا إلى الله ولم يبيّن لهم عليه الصلاة والسلام أن هذا الذي قصدوه باطل، وعند ابن سعد في الطبقات عن الواقدي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشتراه بعشرة دنانير دفعها عنه أبو بكر الصديق لأنه كان ليتيمين لم يقبله من بني النجار إلا بالثمن، فالمطابقة كما قال في الفتح من جهة تقريره عليه الصلاة والسلام لقول بني النجار وعدم إنكاره عليهم فلو كان وقف المشاع لا يجوز لأنكر عليهم وبيّن لهم الحكم. وهذا الحديث قد سبق في باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية في أوائل الصلاة. 28 - باب الْوَقْفِ كَيْفَ يُكْتَبُ؟ (باب الوقف كيف يكتب)؟ ولأبي ذر: الوقف وكيف بالواو وباب بغير تنوين مضاف لتاليه كذا في الفرع وأصله. 2772 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَصَابَ عُمَرُ بِخَيْبَرَ أَرْضًا، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا. فَتَصَدَّقَ عُمَرُ أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْقُرْبَى وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ، لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يزيد بن زريع) من الزيادة وزريع بتقديم الزاي على الراء مصغرًا وزاد أبو

داود بشر بن المفضل ويحيى بن القطان قال الثلاثة: (حدّثنا ابن عون) عبد الله (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أصاب عمر بخيبر أرضًا) وعند أحمد من رواية أيوب أن عمر أصاب أرضًا من يهود بني حارثة يقال لها ثمغ (فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): إني (أصبت أرضًا لم أصب مالاً قطّ أنفس) أي أجود (منه) قال الداودي: سمي نفيسًا لأنه يأخذ بالنفس، وعند النسائي أنه قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لي مائة رأس فاشتريت بها مائة سهم من خيبر من أهلها. قال الحافظ ابن حجر: فيحتمل أن تكون ثمغ من جملة أراضي خيبر وأن مقدارها كان مائة سهم من السهام التي قسمها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين من شهد خيبر وهذه المائة سهم غير المائة سهم التي كانت لعمر بخيبر التي حصلها من جزئه من الغنيمة وغيرها، وكانت قصة عمر هذه فيما ذكره ابن شبة بإسناد ضعيف عن محمد بن كعب سنة سبع من الهجرة، وقال البكري في المعجم "ثمغ" موضع تلقاء المدينة كان فيه مال لعمر بن الخطاب فخرج إليه يومًا ففاتته صلاة العصر فقال: شغلتني ثمغ عن الصلاة أشهدكم أنها صدقة (فكيف تأمرني) أن أفعل (به)؟ من أفعال البر والتقرب إلى الله تعالى (قال) عليه الصلاة والسلام: (إن شئت حبست أصلها) بتشديد الموحدة للمبالغة ولهذا كان صريحًا في الوقف، لاقتضائه بحسب الغلبة استعمالاً الحبس على الدوام وحقيقة الوقف تحبيس مال يمكنه الانتفاع به مع بقاء عينه يقطع تصرف الواقف وغيره في رقبته ليصرف ريعه في جهة خير تقربًا إلى الله تعالى (وتصدقت بها). أي بالأرض المحبسة فهو صريح بنفسه أو إذا قيد بقرينة أو الضمير راجع إلى الثمرة والغلة وحينئذٍ فالصدقة على بابها لا على معنى التحبيس لكنه يكون على حذف مضاف أي وتصدقت بثمرتها وبريعها أو بغلتها وبه جزم القرطبي (فتصدق عمر) أي بها (أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث) زاد الدارقطني من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع حبيس ما دامت السماوات والأرض، وظاهره أن الشرط من كلام عمر، لكن سبق في باب قول الله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح} [النساء: 6] وما للوصي أن يعمل في مال اليتيم من طريق صخر بن جويرية عن نافع فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تصدق بأصله لا يباع ولا يورث ولكن ينفق ثمره" فتصدق به عمر أي كما أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في الفقراء) الذين لا مال لهم ولا كسب يقع موقعًا من حاجتهم (والقربى) أي الأقارب، والمراد قربى الواقف لأنه الأحق بصدقة قريبه، ويحتمل على بعد أن يراد قربى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في الغنيمة (والرقاب) أي في عتقها بأن يشتري من غلتها رقابًا فيعتقون (وفي سبيل الله) أي في الجهاد وهو أعم من الغزاة ومن شراء آلات الحرب وغير ذلك (والضيف) وهو من نزل بقوم يريد القرى (وابن السبيل) المسافر أو مريد السفر وأطلق عليه ابن السبيل لشدة ملازمته للسبيل وهي الطريق ولو بالقصد (لا جناح) لا إثم (على من وليها أن يأكل منها بالمعروف) أي بالأمر الذي يتعارفه الناس بينهم ولا ينسبون فاعله لإفراط فيه ولا تفريط (أو يطعم) وفي رواية صخر المذكورة أو يؤكل (صديقًا) له حال كونه (غير متمؤل فيه). أي غير متخذ منها وإلاّ أي ملكًا، والمراد أنه لا يتملك شيئًا من رقابها. وزاد الترمذي من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن علية عن ابن عون حدّثني به رجل أنه قرأها في قطعة أديم أحمر غير متأثل مالاً. قال ابن علية: وأنا قرأتها عند ابن عبيد الله بن عمر فكان فيه غير متأثل مالاً. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: إن شئت حبست أصلها إلخ إذ فيه شروط تكتب كلها في كتاب الوقف. وقد كتب عمر -رضي الله عنه- كتاب وقفه هذا بخط معيقيب كما رواه أبو داود من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري بلفظ قال: نسخها لي عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب بسم الله الرحمن الرحيم؛ هذا ما كتب عبد الله عمر بن الخطاب في ثمغ فقصّ من خبره نحو حديث نافع فقال: غير متأثل مالاً فما عفى عنه

29 - باب الوقف للغني والفقير والضيف

من ثمره فهو للسائل والمحروم وساق القصة قال: فإن شاء ولي ثمغ اشترى من ثمره رقيقًا لعمله. وكتب معيقيب وشهد عبد الله بن الأرقم بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث أن ثمغًا وصرمة ابن الأكوع والعبد الذي فيه والمائة سهم الذي بخيبر ورقيقه الذي فيه والمائة التي أطعمه محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالوادي تليه حفصة ما عاشت ثم يليه ذو الرأي من أهلها أن لا يباع ولا يشترى ينفقه حيث رأى من السائل والمحروم وذي القربى ولا حرج على من وليه إن أكل أو آكل أو اشترى رقيقًا منه وآكل الثانية بالمدّ أي أطعم ووصفه بأمير المؤمنين يشعر بأنه كتبه في زمن خلافته، وقد كان معيقيب كاتبه إذ ذاك. وحديث الباب يقتضي أن الوقف كان في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيكون وقفه حينئذٍ باللفظ وكتب بعد، وقد قال الشافعي فيما قرأته في كتاب المعرفة للبيهقي: ولم يحبس أهل الجاهلية فيما علمته دارًا ولا أرضًا تبررًا بحبسها وإنما حبس أهل الإسلام اهـ. وعند أحمد عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال: أول صدقة كانت أي موقوفة في الإسلام صدقة عمر. تنبيه: أكثر الرواة عن نافع ثم عن ابن عون جعلوا هذا الحديث من مسند ابن عمر كما ساقه المؤلّف، وأخرجه مسلم والنسائي من رواية سفيان الثوري من مسند عمر والمشهور الأول قاله في الفتح، وقد سبق في باب الشروط في الوقف، وفي باب قول الله تعالى: {وابتلوا اليتامى} وبعضه في باب إذا وقف شيئًا فلم يدفعه إلى غيره. 29 - باب الْوَقْفِ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَالضَّيْفِ 2773 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: "أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه وَجَدَ مَالاً بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ قَالَ: إِنْ شِئْتَ تَصَدَّقْتَ بِهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَذِي الْقُرْبَى وَالضَّيْفِ". (باب) جواز (الوقف للغني والفقير والضيف). وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد المشهور بالنبيل قال: (حدثنا ابن عون) بالنون عبد الله (عن نافع عن ابن عمر أن) أباه (عمر -رضي الله عنه- وجد مالاً بخيبر) وهو اسم جامع لما يملك من ذهب وفضة وحيوان وأرض وغراس وبناء وغيرها وربما استعمل خاصًّا كما في حديث: نهى عن إضاعة المال، وأكثر ما يطلق عند العرب على الإبل لأنها كانت أكثر أموالهم (فأتى) عمر (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره) أي فقال كما في الرواية السابقة أصبت أرضًا لم أصب مالاً قط أنفس منه فكيف تأمرني به (قال): (إن شئت تصدقت بها). بالأرض لا تباع ولا توهب ولا تورث (فتصدّق بها) عمر كما قال له عليه الصلاة والسلام (في الففراء والمساكين وذي القربى) الشامل للغني والفقير (والضيف) سواء كان محتاجًا أو غير محتاج. 30 - باب وَقْفِ الأَرْضِ لِلْمَسْجِدِ 2774 - حَدَّثَنَي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- "لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ أَمَرَ بِالْمَسْجِدِ وَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا، فَقَالُوا: لاَ وَاللَّهِ لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ. (باب) جواز (وقف الأرض للمسجد) أي لأجل أن يبنى عليها المسجد. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إسحاق) غير منسوب وللأصيلي كما في الفتح ابن منصور وهو الكوسج قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (عبد الصمد قال: سمعت أبي) عبد الوارث بن سعيد العنبري مولاهم التنوري بفتح الفوقية وتشديد النون البصري قال: (حدّثنا أبو التياح) بفتح المثناتين الفوقية والتحتية آخره مهملة يزيد بن حميد الضبعي (قال: حدّثني) بالإفراد (أنس بن مالك -رضي الله عنه-) قال: (لما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) مهاجرًا (أمر بالمسجد) ولأبي ذر عن الكشميهني: أمر ببناء المسجد (وقال): (يا بني النجار ثامنوني) بالمثلثة أي ساوموني (بحائطكم هذا) ولأبي ذر حائطكم بحذف حرف الخفض فينصب (قالوا) ولأبي ذر فقالوا (لا والله، لا نطلب ثمنه إلا إلى الله) عز وجل أي من الله، وقد اختلف فيما إذا بنى صورة المسجد ولم يصرح بانيه بالوقف والجمهور لا يثبت إلا إن صرّح به، وعن الحنفية إن أذن للجماعة بالصلاة فيه ثبت والله أعلم. 31 - باب وَقْفِ الدَّوَابِّ وَالْكُرَاعِ وَالْعُرُوضِ وَالصَّامِتِ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِيمَنْ جَعَلَ أَلْفَ دِينَارٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدَفَعَهَا إِلَى غُلاَمٍ لَهُ تَاجِرٍ يَتْجُرُ بِهَا، وَجَعَلَ رِبْحَهُ صَدَقَةً لِلْمَسَاكِينِ وَالأَقْرَبِينَ، هَلْ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ رِبْحِ ذَلِكَ الأَلْفِ شَيْئًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَعَلَ رِبْحَهَا صَدَقَةً فِي الْمَسَاكِينِ؟ قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا. (باب وقف الدواب والكراع) بضم الكاف وتخفيف الراء الخيل من عطف الخاص على العام (والعروض) بضم العين جمع عرض بسكون الراء وهو المتاع لا نقد فيه (والصامت) ضد الناطق أي النقدين الذهب والفضة. (قال) ولأبي ذر: وقال (الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب مما أخرجه عنه ابن وهب في موطئه (فيمن جعل ألف دينار في سبيل الله ودفعها إلى غلام له تاجر يتجر

32 - باب نفقة القيم للوقف

بها) بفتح التحتية وسكون الفوقية وضم الجيم وتكسر (وجعل ربحه) أي ربح المال المتجر به (صدقة للمساكن والأقربين هل للرجل) الجاعل (أن يأكل من ربح ذلك الألف شيئًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: تلك الألف بالتأنيث وهو ظاهر ووجه التذكير باعتبار اللفظ (وإن لم يكن جعل ريحها صدقة) شرط على سبيل المبالغة يعني هل له أن يأكل وإن لم يجعل ربحها صدقة (في المساكين؟ قال) الزهري: (ليس له أن يأكل منها) وإن لم يجعل. 2775 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ عُمَرَ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَعْطَاهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ فَحَمَلَ عَلَيْهَا رَجُلاً، فَأُخْبِرَ عُمَرُ أَنَّهُ قَدْ وَقَفَهَا يَبِيعُهَا، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَبْتَاعَهَا، فَقَالَ: لاَ تَبْتَعْهَا وَلاَ تَرْجِعَنَّ فِي صَدَقَتِكَ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر العمري (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن) أباه (عمر حمل على فرس له في سبيل الله) فيه حذف المفعول أي حمل رجلاً على فرس، والمعنى أنه وهبه إياه وجعله مركوبًا له ليقاتل عليه في سبيل الله (أعطاها رسول الله) برفع رسول وفي اليونينية بالنصب (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له ليحمل عليها رجلاً) ولأبي ذر فحمل أي عمر عليها (فأخبر عمر) عن الرجل (أنه قد وقفها) بفتح القاف مخففة (يبيعها فسأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبتاعها) من الرجل (فقال) عليه الصلاة والسلام له: (لا تبتعها) بسكون العين مجزومًا على النهي للتنزيه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لا تبتاعها بألف قبل العين ورفعها (ولا ترجعن) بنون التأكيد الثقيلة (في صدقتك). ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: حمل على فرس في سبيل الله. قال العيني: وفيه نظر لأنه إنما تصدق به على الرجل من غير أن يقفه، ويدل لذلك أنه أراد بيعه ولم ينكر عليه ذلك ولو كان حمل تحبيس لم يبع إلا أن يحمل على أنه انتهى إلى حال لا ينتفع به فيما حبس عليه لكن ليس في اللفظ ما يشعر به، ويدل لذلك أيضًا قوله: ولا تعد في صدقتك ولو كان تحبيسًا ووقفًا لعلل به دون الهبة. وهذا الحديث قد سبق في كتاب الهبة. 32 - باب نَفَقَةِ الْقَيِّمِ لِلْوَقْفِ 2776 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَقْتَسِمْ وَرَثَتِي دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، مَا تَرَكْتُ -بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمؤُونَةِ عَامِلِي- فَهْوَ صَدَقَةٌ». [الحديث 2776 - طرفاه في: 3096، 6729]. (باب نفقة القيم للوقف) ولأبي ذر عن الحموي: نفقة بقية الوقف. قال في الفتح: والأول أظهر لأن المراد أجرة القيم وهو العامل على الوقف. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يقتسم) بالجزم على النهي، ولأبي ذر: لا يقتسم بالرفع على الخبر (ورثتي دينارًا) زاد أبو ذر عن الكشميهني ولا درهمًا وتوجيه الرفع أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يترك مالاً يورث عنه، وأما النهي فعلى تقدير أن يخلف شيئًا فنهاهم عن قسمته إن اتفق أنه يخلفه وسماهم ورثة مجازًا وإلا فقد قال: إنّا معاشر الأنبياء لا نورث (ما تركت بعد نفقة نسائي) احتج له ابن عيينة فيما قاله الخطابي بأنهن في معنى المعتدات لأنهن لا يجوز لهن أن ينكحن أبدًا فجرت لهن النفقة وتركت حجرهن لهن يسكنها (ومؤونة عاملي فهو صدقة) بالجر عطفًا على نفقة نسائي وهو القيم على الأرض أو الخليفة بعده عليه الصلاة والسلام ففيه دليل على مشروعية أجرة العامل على الوقف. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الفرائض ومسلم في المغازي وأبو داود في الخراج. 2777 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ عُمَرَ اشْتَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنْ يَأْكُلَ مَنْ وَلِيَهُ وَيُؤكِلَ صَدِيقَهُ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ مَالاً". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البغلاني قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد بن درهم (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) (أن) أباه (عمر اشترط في وقفه) الأرض التي أصابها بخيبر (أن يأكل من وليه) أي الوقف (ويؤكل) أي يطعم (صديقه) منه حال كونه (غير متموّل) أي متخذ منه (مالاً). وهذا الحديث قد سبق قريبًا، ومطابقته للترجمة هنا في قوله: اشترط إلخ. 33 - باب إِذَا وَقَفَ أَرْضًا أَوْ بِئْرًا وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ مِثْلَ دِلاَءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَوْقَفَ أَنَسٌ دَارًا، فَكَانَ إِذَا قَدِمَهَا نَزَلَهَا. وَتَصَدَّقَ الزُّبَيْرُ بِدُورِهِ، وَقَالَ لِلْمَرْدُودَةِ مِنْ بَنَاتِهِ: أَنْ تَسْكُنَ غَيْرَ مُضِرَّةٍ وَلاَ مُضَرٍّ بِهَا، فَإِنِ اسْتَغْنَتْ بِزَوْجٍ فَلَيْسَ لَهَا حَقٌّ. وَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ نَصِيبَهُ مِنْ دَارِ عُمَرَ سُكْنَى لِذَوِي الْحَاجَةِ مِنْ آلِ عَبْدِ اللَّهِ. هذا (باب) بالتنوين (إذا وقف) شخص (أرضًا أو بئرًا واشترط) ولأبي ذر: أو اشترط (لنفسه مثل دلاء المسلمين) هل يجوز أم لا؟ (وأوقف) بالهمز لغية ولأبي ذر: ووقف (أنس) هو ابن مالك (دارًا) بالمدينة (فكان إذا قدم) المدينة مارًّا بها للحج وفي نسخة باليونينية إذا قدمها (نزلها) وهذا

34 - باب إذا قال الواقف لا نطلب ثمنه إلا إلى الله فهو جائز

وصله البيهقي. (وتصدق الزبير) بن العوّام فيما وصله الدارمي في مسنده (بدوره وقال للمردودة) أي المطلقة (من بناته أن تسكن) بفتح الهمزة أي لأن تسكن حال كونها (غير مضرة) بكسر الضاد اسم فاعل للمؤنث من الضرر (ولا مضر بها) بفتح الضاد اسم مفعول (فإن استغنت بزوج فليس لها حق) في السكنى. ومطابقة هذا لما ترجم به من جهة أن البنت قد تكون بكرًا فتطلق قبل الدخول فتكون مؤنتها على أبيها فيلزمه إسكانها فإذا أسكنها في وقفه فكأنه اشترط على نفسه رفع كلفة. (وجعل ابن عمر نصيبه) الذي خصّه (من دار) أبيه (عمر) التي تصدّق بها وقال لا تباع ولا نوهب (سكنى لذوي الحاجة) بالإفراد ولأبي ذر عن الحموي والمسلملي لذوي الحاجات (من آل عبد الله) كبارهم وصغارهم وهذا وصله ابن سعد بمعناه. 2778 - وَقَالَ عَبْدَانُ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: "أَنَّ عُثْمَانَ -رضي الله عنه- حَيْثُ حُوصِرَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ اللهَ، وَلاَ أَنْشُدُ إِلاَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ، فَحَفَرْتُهَا؟ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ، فَجَهَّزْتهُ؟ قَالَ: فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ. وَقَالَ عُمَرُ فِي وَقْفِهِ: لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ، وَقَدْ يَلِيهِ الْوَاقِفُ وَغَيْرُهُ، فَهْوَ وَاسِعٌ لِكُلٍّ". (وقال عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي فيما وصله الدارقطني والإسماعيلي وغيرهما (أخبرني) بالإفراد (أبي) هو عثمان (عن شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن حبيب السلمي الكوفي القاري (أن عثمان) بن عفان (-رضي الله عنه- حيث) ولأبي ذر عن الكشميهني: حين (حوصر) أي لما حاصره أهل مصر في داره لأجل تولية عبد الله بن سعد بن أبي سرح واجتمع الناس (أشرف عليهم وقال: أنشدكم الله) زاد النسائي من رواية ثمامة بن حرب عن عثمان والإسلام وفي روايته أيضًا من طريق الأحنف أنشدكم بالله الذي لا إله إلاّ هو وسقط لفظ الجلالة هنا عند غير أبي ذر (ولا أنشد إلا أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألستم تعلمون أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من حفر رومة فله الجنة فحفرتها) المشهور أن اشتراها لا أنه حفرها كما في الترمذي بلفظ: هل تعلمون أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،- قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال: "من يشتري بئر رومة يجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة فاشتريتها من صلب مالي الحديث. وعند النسائى أنه اشتراها بعشرين ألفًا أو بخمسة وعشرين ألفًا، لكن روى البغوي الحديث في الصحابة بلفظ: وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة وإذا كانت عينًا فيحتمل أن يكون عثمان حفر فيها بئرًا أو كانت العين تجري إلى بئر فوسعها عثمان أو طواها فنسب حفرها إليه قاله في فتح الباري. (ألستم تعلمون أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال): (من جهز جيش العسرة) بضم العين وسكون السين المهملتين وهي غزوة تبوك (فله الجنة فجهزتهم) ولأبي ذر عن الكشميهني فجهزته (قال: فصدقوه بما قال) والضمير للصحابة. وروى النسائي من طريق الأحنف بن قيس أن الذين صدقوه هم عليّ بن أبي طالب وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص. (وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- فيما سبق موصولاً (في وقفه) تلك الأرض (لا جناح) لا إثم (على من وليه) من ناظر ومتحدّث (أن يأكل) أي منه بالمعروف قال البخاري (وقد يليه) أي الوقف (الواقف وغيره فهو واسع لكلٍّ) من الواقف وغيره، وقد استدلّ المؤلّف بما ذكره على جواز اشتراط الواقف لنفسه منفعة من وقفه وهو مقيد بما إذا كانت المنفعة عامّة كالصلاة في بقعة جعلها مسجدًا والشرب من بئر وقفها، وكذا كتاب وقفه على المسلمين للقراءة فيه ونحوها وقدر للطبخ فيها وكيزان للشرب ونحو ذلك، والفرق بين العامة والخاصة أن العامة عادت إلى ما كانت عليه من الإباحة بخلاف الخاصة. 34 - باب إِذَا قَالَ الْوَاقِفُ لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ فَهْوَ جَائِزٌ 2779 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ، قَالُوا: لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ". هذا (باب) بالتنوين (إذا قال الواقف لا نطلب ثمنه إلا إلى الله فهو جائز). وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد العنبري مولاهم التنوري (عن أبي التياح) يزيد بن حميد الضبعي (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما أراد بناء مسجده: (يا بني النجار ثامنوني) بالمثلثة أي ساوموني "حائطكم" ببستانكم (قالوا لا نطلب ثمنه إلا إلى الله) عز وجل أي منه ولا يصير الملك

35 - باب قول الله عز وجل:

وقفًا بقول مالكه لا أطلب ثمنه إلا إلى الله، لكن أجاب ابن المنير بأن مراد البخاري أن الواقف يصح بأي لفظ دلّ عليه إما بمجرده أو بقرينة اهـ. وألفاظ الواقف صريحة كوقفت كذا وحبست وسبلت أو أرضي موقوفة أو محبسة أو مسبلة، وكناية كحرمت هذه البقعة للمساكين أو أبدتها، أو داري محرمة أو مؤيدة، ولو قال تصدقت به على المساكين ونوى الوقف فوجهان: أصحهما أن النية تلتحق باللفظ ويصير وقفًا وإن أضاف إلى معين فقال تصدقت عليك، أو قاله لجماعة معينين لم يكن وقفًا على الصحيح بل ينفذ فيما هو صريح فيه وهو التمليك المحض، ولو قال: جعلت هذا المكان مسجدًا صار مسجدًا على الأصح لإشعاره بالمقصود واشتهاره فيه. 35 - باب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ * فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ * ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 106 - 108]. الأَوْلَيَانِ وَاحِدُهُمَا أَوْلَى، وَمِنْهُ: أَوْلَى بِهِ. عُثِرَ: ظُهرَ. أَعْثَرْنَا: أَظْهَرْنَا. (باب) بيان سبب نزول (قول الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل ({يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم}) أي شهادة اثنين فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه أو التقدير فيما أمرتم شهادة بينكم والمراد بالشهادة الإشهاد وأضافها إلى الظرف على الاتساع ({إذا حضر أحدكم الموت}) أحدكم نصب على المفعولية وإذا حضر ظرف للشهادة وحضور الموت مشارفته وظهور أمارات بلوغ الاجل ({حين الوصية}) بدل من إذا حضر قال في الكشاف: وفي إبداله منه دليل على وجوب الوصية وأنها من الأمور اللازمة التي ما ينبغي أن يتهاون بها المسلم ويذهل عنها وخبر المبتدأ الذي هو شهادة بينكم قوله ({اثنان}) وجوّز الزمخشري أن يكون اثنان فاعل شهادة بينكم على معنى فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان ({ذوا عدل}) أي أمانة وعقل ({منكم}) من المسلمين أو من أقاربكم ({أو آخران من غيركم}) من غير المسلمين يعني أهل الكتاب عند فقد المسلمين أو من غير أقاربكم ({إن أنتم ضربتم في الأرض}) أي سافرتم فيها ({فأصابتكم مصيبة الموت}) أي قاربتموها وهذان شرطان لجواز استشهاد الذميّين عند فقد المسلمين أن يكون ذلك في سفر وأن يكون في وصية، وهذا مروي عن الإمام أحمد وهو من أفراده وخالفه الأئمة الثلاثة في ذلك وإن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {ممن ترضون من الشهداء} [البقرة: 282] وقد أجمعوا على ردّ شهادة الفاسق والكافر شر من الفاسق نعم جوّز أبو حنيفة شهادة الكفار بعضهم على بعض ({تحبسونهما}) تمسكونهما لليمين ليحلفًا ({من بعد الصلاة}) صلاة العصر أو صلاة أهل دينهما ({فيقسمان}) فيحلفان ({بالله إن ارتبتم}) أي ظهرت لكم ريبة من اللذين ليسا من أهل ملّتكم إنهما خانا فيحلفان حينئذٍ بالله ({لا نشتري به}) بالقسم ({ثمنًا}) لا نعتاض عنه بعوض قليل من الدنيا الفانية الزائلة ({ولو كان}) المشهود عليه ({ذا قربى}) أي قريبًا إلينا وجوابه محذوف أي لا نشتري ({ولا نكتم شهادة الله}) أي الشهادة التي أمر الله بإقامتها ({إنّا إذًا لمن الآثمين}) إن كتمناها ({فإن عُثر}) فإن اطلع ({على أنهما}) أي الشاهدين ({استحقا إثمًا}) أي استوجباه بالخيانة والحنث في اليمين ({فآخران}) فشاهدان آخران من قرابة الميت ({يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم}) الإثم أي فيهم ولأجلهم وهم ورثة الميت استحق الحالفان بسببهم الإثم فعلى بمعنى في كقوله على ملك سليمان أي في ملك سليمان ({الأوليان}) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هما الأوليان كأنه قيل: ومن هما؟ فقيل: هما الأوليان. وقيل بدل من الضمير في يقومان أو من آخران أي الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما من الأجانب ({فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما}) أي أصدق منهما وأولى بأن تقبل ({وما اعتدينا}) فيما قلنا فيهما من الخيانة ({إنّا إذًا لمن الظالمين}) [المائدة: 106، 107] إن كنا قد كذبنا عليهما. ومعنى الآيتين كما قاله، القاضي: أن المحتضر إذا أراد الوصية ينبغي أن يشهد عدلين من ذوي نسبه أو دينه على وصيته أو يوصي إليهما احتياطًا فإن لم يجدهما بأن كان في سفر فآخران من غيرهم، ثم إن وقع نزاع وارتياب أقسما على صدق ما يقولان بالتغليظ في الوقت فإن اطّلع على أنهما كذبا بأمارة ومظنة حلف آخران من أولياء الميت، والحكم منسوخ إن كان الاثنان شاهدين فإنه لا يحلف

36 - باب قضاء الوصي ديون الميت بغير محضر من الورثة

الشاهد ولا يعارض يمينه بيمين الوارث وثبت إن كانا وصيين وردّ اليمين إلى الورثة إما لظهور خيانة الوصيين فإن تصديق الوصي باليمين لأمانته أو لتغيير الدعوى. ({ذلك}) الذي تقدم من بيان الحكم ({أدنى}) أقرب ({أن يأتوا}) أي الشهداء على نحو تلك الحادثة ({بالشهادة على وجهها}) من غير تحريف ولا خيانة فيها ({أو يخافوا أن تردّ أيمان بعد أيمانهم}) اي أقرب إلى أن يخافوا ردّ اليمين بعد يمينهم على المدّعين فيحلفون على خيانتهم وكذبهم فيفتضحوا ويغرموا وإنما جمع الضمير لأنه حكم يعم الشهود كلهم ({واتقوا الله}) أن تحلفوا كاذبين أو تخونوا ({واسمعوا}) الموعظة ({والله لا يهدي القوم الفاسقين}) أي لا يرشد من كان على معصية، وساق في رواية أبي ذر من قوله: {يا أيها الذين آمنوا} إلى قوله: {من غيركم} ثم قال إلى قوله: {والله لا يهدي القوم الفاسقين}. وقال المؤلّف: (الأوليان وأحدهما أولى ومنه أولى به): أي أحق به، وقوله: (عثر) أي (أظهر) قاله أبو عبيدة في المجاز (أعثرنا) أي (أظهرنا). قاله الفراء وهذا كله ثابت في رواية الكشميهني فقط. 2780 - وَقَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا مِنْ ذَهَبٍ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ وُجِدَ الْجَامُ بِمَكَّةَ فَقَالُوا: ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلاَنِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ فَحَلِفَا: لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَإِنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ، قَالَ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ}. (وقال لي علي بن عبد الله) المديني (حدّثنا) وهذا وصله المؤلّف في التاريخ فقال: حدّثنا علي بن المديني قال: حدّثنا (يحيى بن آدم) بن سليمان المخزومي قال: (حدّثنا ابن أبي زائدة) يحيى بن زكريا واسم أبي زائدة ميمون الهمداني القاضي (عن محمد بن أبي القاسم) الطويل (عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه) سعيد (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: خرج رجل من بني سهم) هو بزيل بضم الموحدة وفتح الزاي مصغرًا عند ابن ماكولا، ولابن منده من طريق السدي عن الكلبي بديل بن أبي مارية بدال مهملة بدل الزاي وليس هو بديل بن ورقاء فإنه خزاعي وهذا سهمي، وفي رواية ابن جريج أنه كان مسلمًا (مع تميم الداري) الصحابي المشهور وكان نصرانيًّا وكان ذلك قبل أن يسلم (وعدي بن بداء) بفتح الموحدة وتشديد المهملة ممدودًا مصروفًا وكان عدي نصرانيًّا. قال الذهبي: لم يبلغنا إسلامه من المدينة للتجارة إلى أرض الشام (فمات) بزيل (السهمي بأرض ليس بها مسلم) وكان لما اشتدّ وجعه أوصى إلى تميم وعدي وأمرهما أن يدفعا متاعه إذا رجعا إلى أهله (فلما قدما) عليهم (بترِكَته فقدوا جامًا) بفتح القاف وبالجيم وتخفيف الميم. قال في الفتح: أي إناء، وتعقبه العيني فقال: هذا تفسير الخاص بالعام وهو لا يجوز لأن الإناء أعم من الجام والجام هو الكأس انتهى. والذي ذكره البغوي وغيره من المفسرين: أنه إناء من فضة منقوش بالذهب فيه ثلاثمائة مثقال، وكذا في رواية ابن جريج عن عكرمة إناء من فضة منقوش بذهب. (من فضة مخوّصًا من ذهب) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة والواو المشددة آخره صاد مهملة أي فيه خطوط طوال كالخوص كانا أخذاه من متاعه، وفي رواية ابن جريج عن عكرمة أن السهمي المذكور مرض فكتب وصيته بيده ثم دسها في متاعه ثم أوصى إليهما فلما مات فتحا متاعه ثم قدما على أهله فدفعا إليهم ما أراد ففتح أهله متاعه فوجدوا الوصية وفقدوا أشياء فسألوهما عنها فجحدًا فرفوعهما إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنزلت هذه الآية إلى قوله: {لمن الآثمين} [المائدة: 106] (فأحلفهما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم وجد الجام بمكة. فقالوا) أي الذين وجد الجام معهم (ابتعناه من تميم وعدي فقام رجلان) عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة (من أوليائه) أي من أولياء بزيل السهمي (فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما) يعني يميننا أحق من يمينهما (وإن الجام لصاحبهم قال وفيهم نزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم}) زاد أبو ذر ({إذا حضر أحدكم الموت}). 36 - باب قَضَاءِ الْوَصِيِّ دُيُونَ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنَ الْوَرَثَةِ (باب) جواز (قضاء الوصي ديون الميت بغير محضر من الورثة). 2781 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ -أَوِ الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْهُ- حَدَّثَنَا شَيْبَانُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ فِرَاسٍ قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا، فَلَمَّا حَضَرهُ جِذاذُ النَّخْلِ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا كَثِيرًا، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الْغُرَمَاءُ. قَالَ: اذْهَبْ فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرٍ عَلَى نَاحِيَةٍ. فَفَعَلْتُ، ثُمَّ دَعَوْتُهُ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ، فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ طَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ادْعُ أَصْحَابَكَ، فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي، وَأَنَا وَاللَّهِ رَاضٍ أَنْ يُؤَدِّيَ اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي وَلاَ أَرْجِعَ إِلَى أَخَوَاتِي تَمْرَةٍ، فَسَلِمَ وَاللَّهِ الْبَيَادِرُ كُلُّهَا حَتَّى أَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً". قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: "أَغْرُوا بِي" يَعْنِي هِيجُوا بِي. {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءُ} [المائدة: 14]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سابق) بالسين المهملة وبعد الألف موحدة ثم قاف أبو جعفر التميمي مولاهم البغدادي البزاز الفارسي الأصل ثم الكوفي (أو الفضل بن يعقوب) الرخامي بالخاء المعجمة البغدادي (عنه) أي عن محمد بن سابق

56 - كتاب الجهاد والسير

والشك من المؤلّف، وقد روى عن ابن سابق بواسطة في أول حديث يلي هذا الباب وفي المغازي والنكاح والأشربة ولم يرو عنه بغير واسطة إلا في هذا الموضع مع التردد في ذلك قال: (حدّثنا شيبان) هو ابن عبد الرحمن (أو معاوية) النحوي البصري ثم الكوفي (عن فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف سين مهملة ابن يحيى الهمداني الحارثي الكوفي أنه (قال: قال الشعبي) عامر بن شراحيل (حدّثني) بالإفراد (جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- أن أباه استشهد يوم أُحُد) سنة ثلاث (وترك ست بنات وترك عليه دينًا) ليهودي وغيره (فلما حضر جداد النخل) بفتح الجيم وبدالين مهملتين أي أوان قطع ثمرتها، ولأبي ذر: فلما حضره جذاذ النخل بضمير المفعول وجذاذ بذالين معجمتين وكسر الجيم يقال: جذذت الشيء أي كسرته وقطعته (أتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: يا رسول الله قد علمت أن والدي استشهد يوم أُحُد وترك عليه دينًا كثيرًا وإني أحب أن يراك الغرماء قال): (اذهب فبيدر) بفتح الموحدة وسكون التحتية وكسر الدال المهملة أمر من بيدر يبيدر أي اجعل كل صنف في بيدر أي جرين يخصه ولأبي ذر عن الحموي فبادر (كل تمر على ناحية) (ففعلت) ذلك (ثم دعوت) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر عن الحموي والمستملي دعوته وله عن الكشميهني فدعوته بالفاء بدل ثم (فلما نظروا) أي الغرماء (إليه) عليه الصلاة والسلام (أغروا) بضم الهمزة وسكون الغين المعجمة وبالراء المهملة مبنيًّا لما لم يسمّ فاعله أي لهجوا (بي) وقال في النهاية: لجوا في مطالبتي وألحوا عليّ (تلك الساعة، فلما رأى) عليه الصلاة والسلام (ما يصنعون) بي (أطاف) بالهمزة قبل الطاء ولأبي ذر طاف بإسقاطها (حول أعظمها بيدرًا ثلاث مرات ثم جلس عليه ثم قال): (ادع أصحابك) أي غرماء أبيك فدعوتهم (فما زال يكيل لهم) من ذلك البيدر (حتى أدى الله أمانة والدي وأنا والله راضٍ أن يؤدي الله أمانة والدي ولا أرجع إلى أخواتي) الستة (بتمرة) بمثناة فوقية بعد الموحدة وسكون الميم، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: تمرة بإسقاط الموحدة (فسلم والله البيادر كلها حتى أني) بفتح الهمزة (أنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كأنه لم ينقص تمرة واحدة). (قال أبو عبد الله) أي البخاري في تفسير قوله (أغروا بي يعني هيجوا بي) بكسر الهاء وسكون التحتية ({فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء}) [المائدة: 14] قال أبو عبيدة في المجاز الإغراء التهييج والإفساد، وسقط قوله قال أبو عبد الله إلخ ... للحموي والكشميهني وثبت للمستملي وحده والله أعلم. وقد سبق حديث الباب غير مرة. منها في الصلح والاستقراض والهبة ويأتي إن شاء الله تعالى في علامات النبوّة. بسم الله الرحمن الرحيم 56 - كتاب الجهاد والسير بكسر السين المهملة وفتح التحتية وجاء في الفرع بفتح السين وسكون التحتية جمع سيرة وهي الطريقة، وأطلق ذلك على أبواب الجهاد لأنها متلقاة من أحوال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي غزواته. والجهاد: بكسر الجيم مصدر جاهدت العدوّ مجاهدة وجهادًا وأصله جيهاد كقيتال فخفف بحذف الياء وهو مشتق من الجهد بفتح الجيم وهو التعب والمشقّة لما فيه من ارتكابها أو من الجهد بالضم وهو الطاقة لأن كل واحد منهما بذل طاقته في دفع صاحبه، وهو في الاصطلاح قتال الكفار لنصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله، ويطلق أيضًا على جهاد النفس والشيطان وهو من أعظم الجهاد، والمراد بالترجمة الأول والأصل فيه قبل الإجماع آيات كقوله تعالى: {كتب عليكم القتال} [البقرة: 216] {وقاتلوا المشركين كافة} [التوبة: 36] وكان قبل الهجرة محرمًا ثم أمر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعدها بقتال من قاتله ثم أبيح الابتداء به في غير الأشهر الحرم ثم أمر به مطلقًا. ثم أن الجهاد قد يكون فرض عين، وقد يكون فرض كفاية لأن الكفار إن دخلوا بلادنا أو أسروا مسلمًا يتوقع فكّه ففرض عين. وإن كان

1 - باب فضل الجهاد والسير

ببلادهم ففرض كفاية، ويأتي البحث في ذلك إن شاء الله تعالى في باب: وجوب النفير. 1 - باب فَضْلُ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ, وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ؟ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ -إِلَى قَوْلِهِ- وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 111]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحُدُودُ الطَّاعَةُ. (بسم الله الرحمن الرحيم). قدم النسفيّ البسملة وسقط كتاب الترجمة لأبي ذر كما في الفرع وأصله. (باب فضل الجهاد والسير). سقط لفظ باب لأبي ذر وحينئذ فقوله فضل رفع بالابتداء. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على المجرور أو بالرفع ولأبي ذر عز وجل بدل قوله تعالى: ({إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}) أي طلب من المؤمنين أن يبذلوا أنفسهم وأموالهم في الجهاد في سبيل الله ليثيبهم الجنة، وذكر الشراء على وجه المثل لأن الأنفس والأموال كلها لله وهي عندنا عارية، ولكنه قال أراد التحريض والترغيب في الجهاد وهذا كقوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنا} [البقرة: 245]. والباء في بأن للمعاوضة وهذا من فضله تعالى وكرمه وإحسانه فإنه قبل العوض عما يملكه بما تفضل به على عباده المطيعين له، ولذا قال الحسن البصري: بايعهم الله فأغلى ثمنهم، وقال عبد الله بن رواحة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة العقبة: أشترط لربك ولنفيك ما شئت. فقال: "أشترط لربي أن تصدقوه ولا تشركوا به شيئًا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم" قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: "الجنة" قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل. فنزلت: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}. ({يقاتلون في سبيل الله}) أي في طاعته مع العدوّ وهذا كما قال الزمخشري في معنى الأمر أو هو بيان ما لأجله الشراء ({فيَقْتلون ويُقْتلون}) أي يقتلون العدوّ ويقتلهم ({وعدًا عليه حقًّا}) مصدر مؤكد أي أن هذا الوعد الذي وعده للمجاهدين في سبيله وعد ثابت قد أثبته ({في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله}) مبالغة في الإنجاز وتقرير لكونه حقًّا. ({فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به}) [التوبة: 111، 112]. أي فافرحوا به غاية الفرح فإنه أوجب لكم عظائم المطالب وذلك هو الثواب الوافر، (-إلى قوله- {وبشر المؤمنين}) [التوبة: 112] أي الموصوفين بتلك الفضائل من التوبة والعبادة والصوم وغير ذلك مما في الآية، وساق في رواية أبي ذر إلى قوله: {وعدًا عليه حقًّا} ثم قال إلى قوله: {والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين} وللنسفي وابن شبويه: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} الآيتين إلى قوله: {وبشر المؤمنين} وساق في رواية الأصيلي وكريمة الآيتين جميعًا قاله في فتح الباري. (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله ابن أبي حاتم في تفسير قوله تعالى: {تلك حدود الله} [البقرة: 187]. (الحدود الطاعة). وكأنه تفسير باللازم لأن من أطاع الله وقف عند امتثال أمره واجتناب نهيه. 2782 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْوَلِيدَ بْنَ الْعَيْزَارِ ذَكَرَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلاَةُ عَلَى مِيقَاتِهَا. قُلْتُ: ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قُلْتُ: ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَسَكَتُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (الحسن بن صباح) بتشديد الموحدة البزار آخره راء أبو علي الواسطي قال: (حدّثنا محمد بن سابق) التميمي البزار الكوفي نزيل بغداد قال: (حدّثنا مالك بن مغول) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الواو الكوفي (قال: سمعت الوليد بن العيزار) بفتح العين المهملة وسكون التحتية وبالزاي وبعد الألف راء ابن حريث العبدي الكوفي (ذكر عن أبي عمرو) بفتح العين سعد بن أياس (الشيباني) بالشين المعجمة المفتوحة أنه (قال: قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلت يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: (الصلاة على ميقاتها) على بمعنى في لأن الوقت ظرف لها (قلت: ثم أيّ)؟ بالتشديد منوّنًا. قال ابن الخشاب: لا يجوز غيره لأنه اسم معرب غير مضاف وسبق زيادة بحث في هذا في المواقيت (قال): عليه الصلاة والسلام (ثم برّ الوالدين) أي بالإحسان إليهما وترك عقوقهما (قلت: ثم أيّ؟ قال): (الجهاد في سبيل الله) بالنفس والمال، وإنما خصّ هذه الثلاثة بالذكر لأنها عنوان على ما سواها من الطاعات لأن من حافظ عليها كان لما سواها أحفظ، ومن ضيعها كان لما سواها أضيع. قال ابن مسعود (فسكت عن) سؤال (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حينئذ (ولو استزدته) أي طلبت منه الزيادة في السؤال (لزادني) في الجواب. وهذا الحديث

2 - باب أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله

قد سبق في المواقيت من كتاب الصلاة. 2783 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا". وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (قال: حدّثني) بالإفراد (منصور) هو ابن المعتمر (عن مجاهد) هو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة المخزومي مولاهم المكي الإمام في التفسير (عن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي يوم فتح مكة سنة ثمان. (لا هجرة) واجبة من مكة إلى المدينة (بعد الفتح) أي فتح مكة للاستغناء عن ذلك إذ كان معظم الخوف من أهلها فأمر المسلمون أن يقيموا في أوطانهم، والمراد لا هجرة بعد الفتح لمن لم يكن هاجر بدليل الحديث الآخر يقيم المهاجر ثلاثًا بعد قضاء الحج (ولكن جهاد) في الكفار (ونيّة)، في الخير يحصلون بهما الفضائل التي في معنى الهجرة، وقال النووي: معناه أن تحصيل الخير بسبب الهجرة قد انقطع بفتح مكة لكن حصلوه بالجهاد والنية الصالحة قال: وفيه حثّ على نيّة الخير وأنه يثاب عليها (إذا) بالواو. ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فإذا (استنفرتم) بضم التاء وكسر الفاء (فانفروا) بهمزة وصل وكسر الفاء أيضًا أي إذا طلبكم الإمام إلى الخروج إلى الغزو فاخرجوا إليه. وهذا دليل على أن الجهاد ليس فرض عين بل فرض كفاية. وهذا الحديث سبق في كتاب الحج في باب: لا يحل القتال بمكة. 2784 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ "عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ، أَفَلاَ نُجَاهِدُ؟ قَالَ: لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالسين وتشديد الدال الأولى المهملات ابن مسرهد قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان قال: (حدّثنا حبيب بن أبي عمرة) بفتح العين وسكون الميم الأسدي القصاب (عن عائشة بنت طلحة) التيمية القرشية (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: يا رسول الله نرى) بضم النون وفي نسخة بفتحها وفي أخرى بمثناة فوقية مضمومة وهي التي في الفرع وأصله أي نظن أو نعتقد (الجهاد أفضل العمل)، وللنسائي من رواية جرير عن حبيب: فإني لا أرى في القرآن أفضل من الجهاد (أفلا نجاهد؟ قال): (لكن أفضل الجهاد) بضم الكاف وتشديد النون لأبي ذر ولغيره لكن بكسر الكاف وزيادة ألف قبلها أفضل الجهاد بنصب أفضل بلكن (حج مبرور) خبر مبتدأ محذوف أي هو حج. وهذا الحديث قد سبق في الحج. 2785 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو حَصِينٍ أَنَّ ذَكْوَانَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ. قَالَ: لاَ أَجِدُهُ. قَالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلاَ تَفْتُرَ، وَتَصُومَ وَلاَ تُفْطِرَ؟ قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ فَرَسَ الْمُجَاهِدِ لَيَسْتَنُّ فِي طِوَلِهِ، فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٍ". وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) وسقط لأبي ذر ابن منصور قال: (أخبرنا عفان) بن مسلم الصفار قال: (حدّثنا همام) بتشديد الميم الأولى ابن يحيى بن دينار العوذي الشيباني قال: (حدّثنا محمد بن جحادة) بجيم مضمومة فحاء مهملة مخففة الأيامى (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي (أن ذكوان) الزيات (حدّثه أن أبا هريرة رضي الله عنه حدّثه قال: جاء رجل) قال ابن حجر: لم أقف على اسمه (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: دلّني) بفتح اللام (على عمل يعدل الجهاد) أي يساويه ويماثله. (قال): عليه الصلاة والسلام: (لا أجده) أي لا أجد العمل الذي يعدل الجهاد ثم (قال) عليه الصلاة والسلام مستأنفًا: (هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم) بالنصب عطفًا على أن تدخل (ولا تفتر وتصوم ولا تفطر) بنصبهن عطفًا على السابق (قال): الرجل (ومن يستطيع ذلك)؟ (قال أبو هريرة): موقوفًا عليه، وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الخيل ثلاثة من طريق زيد بن أسلم عن أبي صالح مرفوعًا: (إن فرس المجاهد ليستنّ) من الاستنان وهو العدو، وقال الجوهري هو أن يرفع يديه ويطرحهما معًا (في طوله)، بكسر الطاء المهملة وفتح الواو وحبله المشدود به المطوّل له ليرعى وهو بيد صاحبه (فيكتب له حسنات). أي فيكتب له استنانه حسنات فالضمير راجع إلى المصدر الذي دل عليه ليستنّ فهو مثل: اعدلوا هو أقرب للتقوى وحسنات نصب على أنه مفعول ثانٍ. وهذا الحديث أخرجه النسائي في الجهاد أيضًا. 2 - باب أَفْضَلُ النَّاسِ مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصف: 10 - 12]. هذا (باب) بالتنوين (أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله) ولغير الكشميهني مجاهد بالميم صفة لمؤمن. (وقوله تعالى): بالرفع عطفًا

على أفضل ({يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة}) استفهام في اللفظ إيجاب في المعنى ({تنجيكم}) تخلصكم ({من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم}) استئناف مبين للتجارة وهو الأجمع بين الإيمان والجهاد والمراد به الأمر وإنما جيء به بلفظ الخبر للإيذان بوجوب الامتثال كأنها وجدت وحصلت ({ذلكم}) أي ما ذر من الإيمان والجهاد ({خير لكم}) في أنفسكم وأموالكم ({إن كنتم تعلمون}) العلم ({يغفر لكم ذنوبكم}) جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر قال القاضي: ويبعد جعله جوابًا لهل أدلكم لأن مجرد دلالته لا يوجب المغفرة ({ويدخلكم}) عطف على يغفر لكم ({جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك}) ما ذكر من المغفرة وإدخال الجنة ({الفوز العظيم}) [الصف: 10 - 12]. وفي نسخة بعد قوله من {عذاب أليم} إلى {الفوز العظيم}. 2786 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ. قَالُوا: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ". [الحديث 2786 - طرفه في: 6494]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عطاء بن يزيد) من الزيادة (الليثي) بالمثلثة (أن أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- حدّثه قال: قيل يا رسول الله أي الناس أفضل)؟ قال في الفتح: لم أقف على اسم السائل، وقد سبق أن أبا ذر سأل عن نحو ذلك، وللحاكم: أي الناس أكمل إيمانًا؟ (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مؤمن) أي أفضل الناس مؤمن (يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله). لما فيه من بذلهما لله مع النفع المتعدي، وعند النسائي: إن من خير الناس رجلاً عمل في سبيل الله على ظهر فرسه بمن التبعيضية وذلك يقوي قول من قال أن قوله مؤمن يجاهد المقدّر بقوله أفضل الناس مؤمن يجاهد عام مخصوص وتقديره من أفضل الناس لأن العلماء الذين حملوا الناس على الشرائع والسُّنن وقادوهم إلى الخير أفضل وكذا الصديقون. (قالوا: ثم من)؟ يلي المؤمن المجاهد في الفضل (قال): عليه الصلاة والسلام (مؤمن) أي ثم يليه مؤمن (في شعب من الشعاب) بكسر الشين المعجمة وسكون العين المهملة في الأول وفتحها في الثاني آخره موحدة هو ما انفرج بين الجبلين وليس بقيد بل على سبيل المثال. والغالب على الشعاب الخلوّ عن الناس فلذا مثل بها للعزلة والانفراد فكل مكان يبعد عن الناس فهو داخل في هذا المعنى كالمساجد والبيوت ولمسلم من طريق معمر عن الزهري: رجل معتزل (يتقي الله ويدع الناس من شره) وفيه فضل العزلة لما فيها من السلامة من الغيبة واللغو ونحوهما وهو مقيد بوقوع الفتنة. وفي حديث بعجة بفتح الموحدة والجيم بينهما عين مهملة ساكنة ابن عبد الله عن أبي هريرة مرفوعًا: "يأتي على الناس زمان يكون خير الناس فيه منزلة من أخذ بعنان فرسه في سبيل الله يطلب الموت في مظانه ورجل في شعب من هذه الشعاب يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويدع الناس إلا من خير". رواه مسلم وابن حبان. وروى البيهقي في الزهد عن أبي هريرة مرفوعًا: "يأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من هرب بدينه من شاهق إلى شاهق ومن حجر إلى حجر فإذا كان ذلك لم تنل المعيشة إلا بسخط الله فإذا كان ذلك كذلك كان هلاك الرجل على يد زوجته وولده فإن لم يكن له زوجة ولا ولد كان هلاكه على يد أبويه فإن لم يكن له أبوان كان هلاكه على يد قرابته أو الجيران". قالوا: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: "يعيرونه بضيق المعيشة فعند ذلك يورد نفسه الموارد التي يهلك فيها نفسه". أما عند عدم الفتنة فمذهب الجمهور أن الاختلاط أفضل لحديث الترمذي: المؤمن الذي يخال الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرًا من الذي لا يخال الناس ولا يصبر على أذاهم. وحديث الباب أخرجه البخاري أيضًا في الرقاق، ومسلم وأبو داود في الجهاد، وابن ماجه في الفتن. 2787 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ- كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ. وَتَوَكَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي هريرة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):

ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قال: (مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله) أي الله أعلم بعقد نيّته إن كانت خالصة لإعلاء كلمته فذلك المجاهد في سبيله وإن كان في نيته حب المال والدنيا واكتساب الذكر فقد أشرك مع سبيل الله الدنيا والجملة معترضة بين قوله مثل المجاهد في سبيل الله وبين قوله: (-كمثل الصائم) نهاره (القائم-) ليله، وزاد مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة: "كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صيام ولا صلاة" وزاد النسائي من هذا الوجه: "الخاشع الراكع الساجد" ومثله بالصائم لأن الصائم ممسك لنفسه عن الأكل والشرب واللذات، وكذلك المجاهد ممسلك لنفسه على محاربة العدوّ وحابس نفسه على من يقاتله وكما أن الصائم القائم الذي لا يفتر ساعة من العبادة مستمرًّا الأجر كذلك المجاهد لا يضيع ساعة من ساعاته بغير أجر. قال تعالى: {ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة} إلى قوله: {إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين} [التوبة: 120]. (وتوكل الله) أي تكفل الله تعالى على وجه الفضل منه (للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة) أي بتوفيه بدخوله الجنة في الحال بغير حساب ولا عذاب كما ورد: إن أرواح الشهداء تسرح في الجنة (أو يرجعه) بفتح أوّله أي أو أن يرجعه إلى مسكنه حال كونه (سالمًا مع أجر) وحده (أو غنيمة) مع أجر وحذف الأجر من الثاني للعلم به إذ لا يخلو المجاهد عنه فالقضية مانعة الخلو لا مانعة الجمع أو لنقصه بالنسبة إلى الأجر الذي بدون الغنيمة إذ القواعد تقتضي بأنه عند عدم الغنيمة أفضل منه وأتم أجرًا عند وجودها. وقد روى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا: "ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلاّ تعجلوا ثلثي أجرهم ويبقى لهم الثلث فإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم" فهذا صريح ببقاء بعض الأجر مع حصول الغنيمة فتكون الغنيمة في مقابلة جزء من ثواب الغزو. وفي التعبير بثلثي الأجر حكمة لطيفة، وذلك أن الله تعالى أعدّ للمجاهد ثلاث كرامات: دنيويتان وأُخروية، فالدنيويتان السلامة والغنيمة، والأخروية دخول الجنة، فإذا رجع سالمًا غانمًا فقد حصل له ثلثا ما أعدّ الله له وبقي له عند الله الثلث، وإن رجع بغير غنيمة عوّضه الله عن ذلك ثوابًا في مقابلة ما فاته، وليس المراد ظاهر حديث الباب أنه إذا غنم لا يحصل له أجر، وقيل إن أو بمعنى الواو وبه جزم ابن عبد البر والقرطبي ورجحه التوربشتي في شرحه للمصابيح والتقدير بأجر وغنيمة، وكذا رواه مسلم بالواو وفي بعض رواياته، ورواه الفريابي وجماعة عن يحيى بن يحيى بصيغة أو، وكذا مالك في موطئه ولم يختلف عليه إلا في رواية يحيى بن بكير عنه بالواو، ولكن في رواية ابن بكير عن مالك مقال وكذا وقع عند النسائي وأبي داود بإسناد صحيح، فإن كانت هذه الروايات محفوظة تعين القول بأن "أو" في هذا الحديث بمعنى "الواو" كما هو مذهب نحاة الكوفة، لكن استشكله ابن دقيق العيد من حيث أنه إذا كان المعنى يقتضي اجتماع الأمرين كان ذلك داخلاً في الضمان فيقتضي أنه لا بدّ من حصول الأمرين لهذا المجاهد وقد لا يتفق له ذلك فما فرّ منه الذي ادّعى أن "أو" بمعنى الواو وقع في نظيره لأنه يلزم على ظاهرها أن من رجع بغنيمة رجع بغير أجر كما يلزم على أنها بمعنى الواو وأن كل غاز يجمع له بين الأجر والغنيمة معًا. وأجاب في المصابيح: بأنه إنما يرد الإشكال إذا كان القائل بأنها للتقسيم قد فسر المراد بما ذكره هو من قوله فله الأجر إن فاتته الغنيمة إلى آخره، وأما إن سكت عن هذا التفسير فلا يتجه الإشكال إذ يحتمل أن يكون التقدير أو يرجعه سالمًا مع أجر وحده أو غنيمة وأجر كما مرّ والتقسيم بهذا الاعتبار صحيح والإشكال ساقط مع أنه لو سلم أن القائل بأنها للتقسيم صرح بأن المراد فله الأجر إن فاتته الغنيمة، وإن حصلت فلا لم يرد الإشكال المذكور عليه لاحتمال أن يكون تنكير الأجر لتعظيمه ويراد به الأجر الكامل فيكون معنى قوله فله الأجر إن فاتته الغنيمة وإن حصلت

3 - باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء

فلا يحصل له ذلك الأجر المخصوص وهو الكامل فلا يلزم انتفاء مطلق الأجر عنه اهـ. وهذا الحديث أخرجه النسائي في الجهاد أيضًا. 3 - باب الدُّعَاءِ بِالْجِهَادِ وَالشَّهَادَةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي بَلَدِ رَسُولِكَ. (باب الدعاء بالجهاد) كأن يقول: اللهم اجعلني من المجاهدين في سبيلك (والشهادة) أي والدعاء بالشهادة (للرجال والنساء) كأن يقول: اللهمّ ارزقنا الشهادة في سبيلك. (وقال عمر): بن الخطاب -رضي الله عنه- مما سبق موصولاً بأتم منه في آخر كتاب الحج (ارزقني) ولأبي ذر عن الكشميهني: اللهم ارزقني قتلاً في سبيلك ووفاة في بلد نبيك. الحديث. 2788 و 2789 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَطْعَمَتْهُ وَجَعَلَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَىَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ -أَوْ مِثْلُ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ، شَكَّ إِسْحَاقُ- قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ , فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ. فَقُلْتُ وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَىَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ -كَمَا قَالَ فِي الأَوَّلِ- قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ. فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ". [الحديث 2788 - أطرافه في: 2799، 2877، 2894، 6282، 7001]. [الحديث 2789 - أطرافه في: 2800، 2878، 2895، 2924 , 6283، 7002]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (عن مالك) الإمام الأعظم (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه سمعه يقول: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدخل على أم حرام) بفتح الحاء والراء المهملتين (بنت ملحان) بكسر الميم وسكون اللام وبالحاء المهملة وبعد الألف نون وهي أخت أم سليم وخالة أنس بن مالك (فتطعمه) مما في بيتها من الطعام (وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت)، الأنصاري أي زوجًا له. (فدخل عليها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يومًا (فأطعمته وجعلت تفلي رأسه)، بفتح المثناة الفوقية وإسكان الفاء وكسر اللام من فلى يفلي من باب ضرب يضرب يعني تفتش شعر رأسه لتستخرج هوامه، وإنما كانت تفلي رأسه لأنها كانت منه ذات محرم من قبل خالاته لأن أم عبد المطلب كانت من بني النجار، وقيل: كانت إحدى خالاته عليه الصلاة والسلام من الرضاعة. قال ابن عبد البر: فأيّ ذلك كان فأم حرام محرم منه. ونقل النووي الإجماع على ذلك قال: وإنما اختلفوا هل ذلك من النسب أو الرضاع وصوّب بعضهم أنه لا محرمية بينهما كما بيّنه الحافظ الدمياطي في جزء أفرده لذلك قال: وليس في الحديث ما يدل على الخلوة بها فلعل ذلك كان مع ولد أو زوج أو خادم أو تابع والعادة تقتضي المخالطة بين المخدوم وأهل الخادم لا سيما إذا كنّ مُسنّات مع ما ثبت له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من العصمة أو هو من خصائصه عليه الصلاة والسلام (فنام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عندها (ثم استيقظ وهو يضحك) فرحًا وسرورًا لكون أمته تبقى بعده متظاهرة أمور الإسلام قائمة بالجهاد حتى في البحر والجملة حالية (قالت) أم حرام (فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال): (ناس من أمتي عرضوا عليّ) حال

4 - باب درجات المجاهدين في سبيل الله. يقال هذه سبيلي، وهذا سبيلي

كونهم (غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر) بمثلثة فموحدة مفتوحتين فجيم وسطه أو معظمه أو هوله أقوال (ملوكًا) نصب بنزع الخافض أي مثل ملوك (على الأسرّة) أي في الجنة كما قاله ابن عبد البر. قال النووي: والأصح أنه صفة لهم في الدنيا أي يركبون مراكب الملوك لسعة حالهم واستقامة أمرهم (أو) قال (مثل الملوك على الأسرّة) (شك إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة (قالت فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وهذا ظاهر فيما ترجم له المؤلّف في حق النساء ويؤخذ منه حكم الرجال بطريق الأولى، ولا يقال لا مطابقة بينهما لأنه ليس في الحديث تمني الشهادة وإنما فيه تمني الغزو ولأن الشهادة هي الثمرة العظمى المطلوبة في الغزو. واستشكل الدعاء بالشهادة إذ حاصله أن يدعو الله تعالى أن يمكن منه كافرًا يعصي الله بقتله فيقل عدد المسلمين ويدخل السرور على قلوب المشركين، ومقتضى القواعد الفقهية أن لا يتمنى معصية الله لنفسه ولا لغيره. وأجاب ابن المنير: بأن المدعو به قصدًا إنما هو نيل الدرجة الرفيعة المعدة للشهداء وأما قتل الكافر للمسلم فليس بمقصود للداعي وإنما هو من ضرورات الوجود لأن الله قد أجرى حكمه أن لا ينال تلك الدرجة إلا شهيدًا. (ثم وضع) عليه الصلاة والسلام (رأسه) الشريف ثانيًا فنام (ثم استيقظ وهو يضحك فقلت: وما يضحكك يا رسول الله)؟ وسقطت الواو من قوله وما لأبي ذر (قال): (ناس من أمتي عرضوا عليّ) حال كونهم (غزاة في سبيل الله) قيل أي يركبون البرّ (كما قال في الأول) ملوكًا على الأسرّة، ولأبي ذر: في الأولى بالتأنيث. (قالت فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: (أنت من الأولين) الذين يركبون ثبج البحر (فركبت البحر زمن معاوية ابن أبي سفيان) مع زوجها في أول غزوة كانت إلى الروم مع معاوية زمن عثمان بن عفان سنة ثمان وعشرين وهذا قول أكثر أهل السِّيَر. وقال البخاري ومسلم في زمان معاوية فعلى الأول يكون المراد زمان غزو معاوية في البحر لا زمان خلافته (فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت). في الطريق لما رجعوا من غزوهم بغير مباشرة للقتال، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد". رواه مسلم، وروى أبو داود من حديث أبي مالك الأشعري مرفوعًا: "من رقصته فرسه أو بعيره أو لدغته هامة أو مات على فراشه فهو شهيد". وقال تعالى: {ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} [النساء: 100]. وحديث الباب أخرجه البخاري أيضًا في الجهاد وكذا أبو داود والترمذي والنسائي والله أعلم. 4 - باب دَرَجَاتِ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. يُقَالُ هَذِهِ سَبِيلِي، وَهَذَا سَبِيلِي قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: غُزًّا وَاحِدُهَا غَازٍ. هُمْ دَرَجَاتٌ: لَهُمْ دَرَجَات. (باب درجات المجاهدين في سبيل الله. يقال هذه سبيلي، وهذا سبيلي) يريد المؤلّف أن السبيل يؤنث ويذكر وبذلك جزم الفرّاء (قال أبو عبد الله): البخاري (غُزًّا) بضم المعجمة وتشديد الزاي (وأحدها غازٍ هم درجات) أي (لهم درجات) أي منازل قاله أبو عبيدة، وقال غيره أي وهم ذوو درجات وثبت قوله قال أبو عبد الله: إلى آخره. في رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي. 2790 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ -أُرَاهُ قَالَ: وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ- وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ «وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ». [الحديث 2790 - طرفه في: 7423]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن صالح) الوحاظي الشامي قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة عبد الملك بن سليمان (عن هلال بن عليّ) الفهري المدني (من عطاء بن يسار) بالتحتية والمهملة المخففة الهلالي المدني (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله) ولأبي ذر: قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان) لم يذكر الزكاة والحج ولعله سقط من أحد رواته، وقد ثبت الحج في الترمذي في حديث معاذ بن جبل وقال فيه: ولا أدري أذكر الزكاة أم لا. وأيضًا فإن الحديث لم يذكر لبيان الأركان فكأن الاقتصار على ما ذكر إن كان محفوظًا لأنه هو المتكرر غالبًا وأما الزكاة فلا تجب إلا على من له مال بشرطه والحج لا يجب إلا مرة على التراخي. (كان حقًّا على الله) بطريق الفضل والكرم لا بطريق الوجوب (أن يدخله الجنة جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها). وفي نسخة: في بيته الذي ولد فيه وفيه تأنيس لمن حرم الجهاد وأنه ليس محرومًا من الأجر بل له من الإيمان والتزام الفرائض ما يوصله إلى الجنة وإن قصر عن درجة المجاهدين. (فقالوا: يا رسول الله) في الترمذي أن الذي خاطبه بذلك هو معاذ بن جبل، وعند الطبراني: وأبو الدرداء (أفلا نبشر الناس)؟ بذلك (قال): (إن في الجنة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض) قال الطيبي وتبعه الكرماني: لما سوى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين الجهاد وبين عدمه وهو المراد بالجلوس في أرضه التي ولد فيها في دخول المؤمن بالله ورسوله المقيم للصلاة الصائم لرمضان في الجنة استدرك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قوله الأول بقوله الثاني: إن في الجنة مائة درجة إلى آخره، وتعقب بأن التسوية ليست على عمومها وإنما هي في أصل دخول الجنة لا في تفاوت الدرجات كما مرّ. وقال الطيبي في شرح المشكاة: هذا الجواب من الأسلوب الحكيم أي بشرهم بدخول الجنة بالإيمان والصوم والصلاة ولا تكتف بذلك بل زد على تلك البشارة بشارة أخرى وهي الفوز بدرجات الشهداء فضلاً من الله ولا تقنع بذلك أيضًا بل بشّرهم بالفردوس الذي هو أعلى، وتعقبه في فتح الباري فقال: لو لم يرد الحديث إلا كما وقع هنا (كان) ما قال متجهًا، لكن ورد في الحديث زيادة دلّت على أن قوله إن في الجنة مائة درجة تعليل لتلك

5 - باب الغدوة والروحة في سبيل الله، وقاب قوس أحدكم من الجنة

البشارة المذكورة فعند الترمذي من رواية معاذ قلت: يا رسول الله ألا أخبر الناس؟ قال: "ذر الناس يعملوا فإن في الجنة مائة درجة" فظهر أن المراد لا تبشر الناس بما ذكرته من دخول الجنة لمن آمن وعمل الأعمال المفروضة عليه فيقفوا عند ذلك ولا يتجاوزوه إلى ما هو أفضل منه من الدرجات التي تحصل في الجهاد، وهذه هي النكتة في قوله: أعدها الله للمجاهدين، وتعقبه العيني بأن قوله: لكن وردت في الحديث زيادة على آخره غير مسلم لأن الزيادة المذكورة في حديث معاذ بن جبل وكلام الطيبي وغيره في حديث أبي هريرة وكل واحد من الحديثين مستقل بذاته، والراوي مختلف فكيف يكون ما في حديث معاذ تعليلاً لما في حديث أبي هريرة على أن حديث معاذ لا يعادل حديث أبي هريرة ولا يدانيه فإن عطاء بن يسار لم يدرك معاذًا اهـ. وهذا الذي قاله العيني ليس مانعًا مما ذكره الحافظ ابن حجر فالحديث يبيّن بعضه بعضًا وإن تباينت طرقه واختلفت مخارجه ورواته على ما لا يخفى. (فإن سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة) أي أفضلها (وأعلى الجنة). يعني أرفعها. وقال ابن حيان: المراد بالأوسط السعة، وبالأعلى الفوقية. قال يحيى بن صالح شيخ البخاري (أراه) بضم الهمزة أي أظنه (قال: وفوقه عرش الرحمن) بفتح القاف قيل وقيده الأصيلي بضمها، ولم يصححه ابن قرقول بل قال: إنه وهم عليه. قال في المصابيح: ووجهه أن فوق من الظروف الملازمة للظرفية فلا تستعمل غير منصوبة أصلاً والضمير المضاف إليه فوق ظاهر التركيب عوده إلى الفردوس، وقال السفاقسي: راجع إلى الجنة كلها. قال في المصابيح: والتذكير حينئذ باعتبار كون الجنة مكانًا وإلاّ فمقتضى الظاهر على ذلك أن يقال وفوقها. (ومنه) أي من الفردوس (تفجر أنهار الجنة) الأربعة المذكورة في قوله تعالى: {فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن أبي يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 15]. وأصل تفجر تتفجر فحذفت إحدى التائين تخفيفًا وقيل الفردوس مستنزه أهل الجنة، وفي الترمذي هو ربوة الجنة. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد والترمذي. (قال محمد بن فليح) فيما وصله في التوحيد (عن أبيه) فليح (وفوقه عرش الرحمن) فلم يشك كما شك يحيى بن صالح حيث قال: أراه. 2791 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا جَرِيرٌ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ فَأَدْخَلاَنِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا، قَال أَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ". وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن حازم قال: (حدّثنا أبو رجاء) عمران بن ملحان العطاردي البصري (عن سمرة) أي ابن جندب -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (رأيت الليلة رجلين) أي ملكين وهما جبريل وميكائيل (أتيا فصعدا بي الشجرة فأدخلاني) بالفاء ولأبي ذر وأدخلاني (دارًا هي أحسن وأفضل) أي من الأولى المذكورة في هذا الحديث المسوق مطوّلاً في الجنائز حيث قال: وأدخلاني دارًا لم أرَ قط أحسن منها فيها رجال وشيوخ وشباب ونساء وصبيان، ثم أخرجاني منها فصعدا بي الشجرة وأدخلاني دارًا هي أحسن وأفضل (لم أرَ قطّ أحسن منها، قالا) أي الملكان ولأبي ذر عن المستملي قال: (أما هذه الدار فدار الشهداء) وهو يدل على أن منازل الشهداء أرفع المنازل. 5 - باب الْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ (باب الغدوة والروحة في سبيل الله)، بفتح الغين المعجمة المرة الواحدة من الغدو وهو الخروج في أي وقت كان من أوّل النهار إلى انتصافه والروحة بفتح الراء المرة الواحدة من الرواح وهو الخروج في أي وقت كان من زوال الشمس إلى غروبها (وقاب قوس أحدكم من الجنة) بجر قاب عطفًا على الغدوة المجرورة بالإضافة وبالرفع على الاستئناف ما بين الوتر والقوس، أو قدر طولها، أو ما بين السية والمقبض، أو قدر ذراع أو ذراع يقاس به فكأن المعنى بيان فضل قدر الذراع من الجنة، ولأبي ذر عن الكشمميهني: في الجنة. 2792 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». [الحديث 2792 - طرفاه في: 2796، 6568]. وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمي البصري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد البصري قال: (حدّثنا حميد) هو الطويل (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ

6 - باب الحور العين وصفتهن

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال): (لغدوة في سبيل الله) مبتدأ تخصص بالصفة وهي قوله في سبيل الله والتقدير لغدوة كائنة في سبيل الله واللام في لغدوة للتأكيد. وقال ابن حجر: للقسم، ولأبي ذر عن الكشميهني: الغدوة في سبيل الله (أو روحة) عطف عليه وأو للتقسيم أي لخرجة واحدة في الجهاد من أوّل النهار أو آخره (خير من الدنيا وما فيها). أي ثواب ذلك الزمن القليل في الجنة خير من الدنيا وما اشتملت عليه، وكذا قوله: لقاب قوس أحدكم أي ما صغر في الجنة من الموضع كلها بساتينها وأرضها فأخبر أن قصير الزمان وصغير المكان في الجنة خير من طويل الزمان وكبير المكان في الدنيا تزهيدًا وتصغيرًا لها وترغيبًا في الجهاد، فينبغي أن يغتبط صاحب الغدوة والروحة بغدوته وروحته أكثر مما يغتبط أن لو حصلت له الدنيا بحذافيرها نعيمًا محضًا غير محاسب عليه مع أن هذا لا يتصور. وهذا الحديث من هذا الوجه من أفراد البخاري. 2793 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَقَابُ قَوْسٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ. وَقَالَ: لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَتَغْرُبُ». [الحديث 2793 - طرفه في: 3253]. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي بالحاء المهملة والزاي الأسدي قال: (حدّثنا محمد ابن فليح قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) فليح اسمه عبد الملك بن سليمان (عن هلال بن علي) الفهري المدني (عن عبد الرحمن بن أبي عمرة) بفتح العين وسكون الميم الأنصاري واسم أبي عمرو بن محصن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لقاب قوس) مبتدأ واللام للتأكيد (في الجنة) صفة لقاب قوس (خير مما عليه تطلع الشمس وتغرب) لا تدخل الجنة مع الدنيا تحت أفضل إلا كما يقال: العسل أحلى من الخل، والغدوة أو الروحة في سبيل الله وثوابها خير من نعيم الدنيا كلها لو ملكها وتصور تنعمه بها كلها لأنه زائل ونعيم الآخرة باقٍ (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لغدوة) ولأبي ذر: الغدوة (أو روحة في سبيل الله خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب). 2794 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الرَّوْحَةُ وَالْغَدْوَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». [الحديث 2794 - أطرافه في: 2892، 3250، 6415]. وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أبي حازم) سلمة بن دينار المدني (عن سهل بن سعد) الساعدي (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الروحة والغدوة) ولمسلم من طريق وكيع عن سفيان غدوة أو روحة (في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها) وهو معنى تطلع عليه الشمس وتغرب، وقد يقال: إن بينهما تفاوتًا فإن حديث: وما فيها يشمل ما تحت طباقها مما أودعه الله تعالى فيها من الكنوز وغيرها، وحديث: ما طلعت عليه الشمس وغربت يشمل ما تطلع وتغرب عليه من بعض السماوات لأنها في الرابعة أو السابعة على الخلاف وللمتكلمين قولان في حقيقة الدنيا أحدهما: أنها ما على الأرض من الهواء والجوّ، والثاني: أنها كل المخلوقات من الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدار الآخرة، والحاصل من أحاديث هذا الباب أن المراد تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد وأن من حصل له من الجنة قدر سوط يصير كأنه حصل له أعظم من جميع ما في الدنيا فكيف بمن حصل له منها أعلى الدرجات. 6 - باب الْحُورُ الْعِينُ وَصِفَتُهُنَّ يَحَارُ فِيهَا الطَّرْفُ. شَدِيدَةُ سَوَادِ الْعَيْنِ، شَدِيدَةُ بَيَاضِ الْعَيْنِ. وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ: أَنْكَحْنَاهُمْ. (باب) بيان (الحور العين و) بيان (صفتهن) وسقط لفظ: باب في رواية أبي ذر وحينئذٍ فالثلاثة بالرفع فالحور مبتدأ والعين وصف له وصفتهن عطف على المبتدأ والخبر محذوف أي صفتهن ما نذكره والحور بضم الحاء وسكون الواو وتحرك. قال في القاموس: أن يشتد بياض بياض العين وسواد سوادها وتستدير حدقتها وترقّ جفونها ويبيض ما حواليها أو شدة بياضها وسوادها في شدة بياض الجسد أو اسوداد العين كلها مثل الظباء ولا يكون في بني آدم بل يستعار لها والعين بكسر العين جمع عيناء (يحار فيها الطرف) أي يتحير فيها البصر لحسنها (شديدة سواد العين، شديدة بياض العين) كأنه يريد تفسير العين بالكسر، وبه قال أبو عبيدة. وقال في القاموس: وعين كفرح عينًا وعينة بالكسر عظم سواد عينه في سعة فهو أعين (وزوجناهم بحور) أي: (أنكحناهم). قاله أبو عبيدة وسقط لغير أبي ذر بحور. 2795 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، إِلاَّ الشَّهِيدَ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجَعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى». [الحديث 2795 - طرفه في: 2817]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) الجعفي المسندي قال: (حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين الأزدي البغدادي

7 - باب تمني الشهادة

قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد الفزاري (عن حميد) الطويل أنه (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما من عبد يموت) صفة لعبد (له عند الله خير) أي ثواب والجملة صفة أخرى (يسره أن يرجع إلى الدنيا) أي رجوعه، فأن مصدرية والجملة وقعت صفة لقوله خير (وأن له الدنيا وما فيها)، بفتح الهمزة عطفًا على أن يرجع، ويجوز الكسر على أن تكون جملة حالية (إلا الشهيد) مستثنى من قوله يسره أن يرجع (لما يرى من فضل الشهادة) بكسر اللام التعليلية (فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى) فيقتل بضم التحتية وفتح الفوقية مبنيًّا للمفعول منصوب عطفًا على أن يرجع. 2796 - قَالَ: وَسَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قَالَ: «لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ -يَعْنِي سَوْطَهُ- خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلأَتْهُ رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». (وسمعت) ولأبي ذر عن المستملي قال أي حميد الطويل وسمعت (أنس بن مالك عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لروحة في سبيل الله أو غدوة) بفتح الراء والغين (خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو) قال: والشك من الراوي (موضع قيد) بكسر القاف وسكون التحتية دون إضافة مع التنوين الذي هو عوض عن المضاف إليه (يعني سوطه) تفسير للقيد غير معروف، ومن ثم جزم بعضهم بأن الصواب (قِدّ) بكسر القاف وتشديد الدال وهو السوط المتخذ من البلد، وأن زيادة الياء تصحيف. وأما قول الكرماني: إنه لا تصحيف فيه وإن المعنى صحيح وإن غاية ما فيه أن يقال قلب إحدى الدالين ياء وذلك كثير، فتعقبه العيني فقال: نفيه التصحيف غير صحيح وتعليله لما ادّعاه تعليل من ليس له وقوف على علم الصرف، وذلك أن قلب أحد الحرفين المتماثلين ياء إنما يجوز إذا أمن اللبس ولا لبس أشد من ذلك إذ القيد بالياء المقدار والقد بالتشديد السوط المتخذ من الجلد وبينهما بون عظيم وعبر بموضع سوط لأنه الذي يسوق به الفرس للزحف فهو أقل آلات المجاهد ومع كونه تافهًا في الدنيا فمحله في الجنة أو ثواب العمل به أو نحوه عظيم بحيث أنه "خير من الدنيا وما فيها". وهو من تنزيل المغيب منزلة المحسوس وإلاّ فليس شيء من الآخرة بينه وبين الدنيا توازن حتى يقع فيه التفاضل، أو المراد أن إنفاق الدنيا وما فيها لا يوازن ثوابه ثواب هذا فيكون التوازن بين ثوابي عملين فليس فيه تمثيل الباقي بالفاني، (ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت) بتشديد الطاء المفتوحة وفتح اللام "إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما" أي بين السماء والأرض "ولملأته ريحًا"، وعن ابن عباس فيما ذكره ابن الملقن في شرحه: خلقت الحوراء من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزعفران، ومن ركبتيها إلى ثديها من المسك الأذفر، ومن ثديها إلى عنقها من العنبر الأشهب، ومن عنقها من الكافور الأبيض. "ولنصيفها" بفتح لام التأكيد والنون وكسر الصاد المهملة وسكون التحتية وبالفاء أي خمارها (على رأسها خير من الدنيا وما فيها). وعند الطبراني من حديث أنس مرفوعًا للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن جبريل (لو أن بعض بنانها بدا لغلب ضوءه الشمس والقمر ولو أن طاقة من شعرها بدت لملأت ما بين المشرق والمغرب من طيب ريحها) الحديث. 7 - باب تَمَنِّي الشَّهَادَةِ 2797 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلاَ أَنَّ رِجَالاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْدو فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ». (باب تمني الشهادة). وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): "والذي نفسي بيده" بسكون الفاء قال عياض واليد هنا الملك والقدرة (لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله) بالزاي، ولأبي ذر: تغدو بالدال المهملة بدل الزاي من الغدو، وفي رواية أبي زرعة بن عمرو في باب الجهاد من الإيمان: لولا أن أشق على أمتي، ورواية الباب تفسر المراد بالمشقّة المذكورة وهي أن نفوسهم لا تطيب بالتخلف ولا يقدرون على التأهب لعجزهم عن آلة السفر من مركوب وغيره تعذّر وجوده عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وصرح بذلك في رواية همام عند مسلم

8 - باب فضل من يصرع في سبيل الله فمات فهو منهم

ولفظه: ولكن لا أجد سعة أحملهم ولا يجدون سعة فيتبعوني ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي. قاله في الفتح: (والذي نفسي بيده لوددت) بفتى اللام والواو وكسر الدال الأولى وتسكين الثانية (أني أقتل في سبيل الله ثم أحيى) بضم الهمزة على البناء للمفعول (ثم أقتل ثم أحيى ثم أقتل ثم أحيى، ثم أقتل) بتكرير ثم ست مرات. قال الطيبي: ثم وإن دلّ على التراخي في الزمان لكن الحمل على التراخي في الرتبة هو الوجه لأن المتمنى حصول درجات بعد القتل والإحياء لم تحصل قبل ومن ثم كررها لنيل مرتبة بعد مرتبة إلى أن ينتهي إلى الفردوس الأعلى، ولأبي ذر: فأقتل بالفاء في الثلاثة عوض "ثم" وقال في الفتح: ثم إن النكتة إيراد هذه عقب تلك إرادة تسلية الخارجين في الجهاد عن مرافقته لهم فكأنه قال الوجه الذي تسيرون إليه فيه من الفضل ما أتمنى لأجله أن أقتل مرات فمهما فاتكم من مرافقتي والقعود معي من الفضل يحصل لكم مثله أو فوقه من فضل الجهاد فراعى خواطر الجميع. واستشكل هذا التمني منه عليه الصلاة والسلام مع علمه بأنه لا يقتل. وأجيب بأن تمني الفضل والخير لا يستلزم الوقوع فكأنه عليه الصلاة والسلام أراد المبالغة في بيان فضل الجهاد وتحريض المؤمنين عليه. 2798 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "خَطَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ. وَقَالَ: مَا يَسُرُّنَا أَنَّهُمْ عِنْدَنَا". قَالَ أَيُّوبُ: أَوْ قَالَ: "مَا يَسُرُّهُمْ أَنَّهُمْ عِنْدَنَا، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ". وبه قال: (حدّثنا يوسف بن يعقوب الصفار) بفتح الصاد المهملة وتشديد الفاء وبعد الألف راء الكوفي وليس له في البخاري سوى هذا الحديث قال (حدّثنا إسماعيل بن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد التحتية (عن أيوب) السختياني (عن حميد بن هلال) العدوي البصري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: خطب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد أن أرسل سرية إلى مؤتة في جمادي الأولى سنة ثمان واستعمل عليهم زيدًا وقال "إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة" فاقتتلوا مع الكفار فأصيب زيد (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أخذ الراية زيد فأصيب)، أي قتل (ثم أخذها جعفر فأصيب. ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب، ثم أخذها خالد بن الوليد عن غير إمرة) بكسر الهمزة وسكون الميم أي من غير أن يؤمره أحد لكنه لما رأى المصلحة في ذلك فعله (ففتح له) بضم الفاء الثانية (وقال) عليه الصلاة والسلام (ما يسرنا أنهم) أي الذين أصيبوا (عندنا). وإنما قال عليه الصلاة والسلام ذلك لعلمه بما صاروا إليه من الكرامة (قال أيوب) السختياني: (أو قال) عليه الصلاة والسلام: (ما يسرهم أنهم عندنا)، لتحققهم خيرية ما حصلوا عليه من السعادة العظمى والدرجة العليا قال ذلك (وعيناه تذرفان) بفتح الفوقية وسكون الذال المعجمة وكسر الراء تسيلان دمعًا على فراقهم أو رحمة لما خلفوه من عيال وأطفال يحزنون لفراقهم ولا يعرفون مقدار عاقبتهم وما لهم عند الله تعالى والجملة حالية. 8 - باب فَضْلِ مَنْ يُصْرَعُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَاتَ فَهُوَ مِنْهُمْ وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: 100] وَقَعَ: وَجَبَ. (باب فضل من يصرع في سبيل الله فمات) عطف على يصرع وعطف الماضي على المضارع قليل، وكان الأصل أن يقول: من صرع فمات أو من يصرع فيمت، وسقط للنسفي لفظ فمات وجواب الشرط قوله: (فهو منهم) أي من المجاهدين، (وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على فضل، ولأبي ذر: عز وجل بدل قوله تعالى: ({ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت}) بقتل أو وقوع من دابة أو غير ذلك ({فقد وقع أجره على الله}) [النساء: 100] (وقع) أي: (وجب) هذا تفسير أبي عبيدة في المجاز، وسقط قوله وقع وجب للمستملي، وروى الطبري أن الآية نزلت في رجل مسلم كان مقيمًا بمكة فلما سمع قوله تعالى: {ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} [النساء: 97] قال لأهله وهو مريض: أخرجوني إلى جهة المدينة فأخرجوه فمات في الطريق فنزلت، واسمه ضمرة على الصحيح. 2799 و 2800 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ خَالَتِهِ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ قَالَتْ: "نَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا قَرِيبًا مِنِّي، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَتَبَسَّمُ , فَقُلْتُ: مَا أَضْحَكَكَ؟ قَالَ: أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَىَّ يَرْكَبُونَ هَذَا الْبَحْرَ الأَخْضَرَ كَالْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ، قَالَتْ: فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ , فَدَعَا لَهَا. ثُمَّ نَامَ الثَّانِيَةَ، فَفَعَلَ مِثْلَهَا، فَقَالَتْ: مِثْلَ قَوْلِهَا، فَأَجَابَهَا مِثْلَهَا، فَقَالَتِ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ. فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ غَازِيًا أَوَّلَ مَا رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزوَتهِمْ قَافِلِينَ فَنَزَلُوا الشَّأْمَ فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَصَرَعَتْهَا فَمَاتَتْ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا بحيى) بن سعيد الأنصاري (عن محمد بن يحيي بن حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة (عن أنس بن مالك عن خالته أم حرام) بفتح الحاء والراء المهملتين (بنت ملحان)

9 - باب من ينكب في سبيل الله

بكسر الميم وسكون اللام بعدها حاء مهملة أنها (قالت: نام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا قريبًا مني، ثم استيقظ) حال كونه (يتبسم)، وفي رواية مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس في باب: الدعاء بالجهاد وهو يضحك (فقلت: ما أضحكك؟ قال): (أناس من أمتي عرضوا عليّ يركبون هذا البحر الأخضر) قال الزركشي وتبعه الدماميني قيل المراد الأسود، وقال الكرماني الأخضر صفة لازمة للبحر لا مخصصة إذ كل البحار خضر. فإن قلت: الماء بسيط لا لون له. قلت: تتوهم الخضرة من انعكاس الهواء وسائر مقابلاته إليه اهـ. (كالملوك على الأسرّة) في الدنيا أو في الجنة (قالت: فادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها. ثم نام) عليه الصلاة والسلام (الثانية. ففعل مثلها)، أي من التبسم (فقالت مثل قولها). أي ما أضحكك (فأجابها مثلها) أي مثل الأولى من العرض، لكن قيل: إن المعروضين راكبو البر (فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال): (أنت من الأوّلين). أي الذين يركبون البحر الأخضر (فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت) حال كونه (غازيًا أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية) بن أبي سفيان في خلافة عثمان -رضي الله عنهم- (فلما انصرفوا من غزوهم) ولأبي ذر: من غزوتهم بزيادة تاء التأنيث (قافلين) أي راجعين (فنزلوا الشام فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت) والفاء في فصرعتها فصيحة أي فركبتها فصرعتها. وهذا الحديث قد سبق في باب الدعاء بالجهاد. 9 - باب مَنْ يُنْكَبُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ 2801 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْوَامًا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ إِلَى بَنِي عَامِرٍ فِي سَبْعِينَ، فَلَمَّا قَدِمُوا قَالَ لَهُمْ خَالِي: أَتَقَدَّمُكُمْ، فَإِنْ أَمَّنُونِي حَتَّى أُبَلِّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِلاَّ كُنْتُمْ مِنِّي قَرِيبًا. فَتَقَدَّمَ فَأَمَّنُوهُ، فَبَيْنَمَا يُحَدِّثُهُمْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَوْمَؤوا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَطَعَنَهُ فَأَنْفَذَهُ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. ثُمَّ مَالُوا عَلَى بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ فَقَتَلُوهُمْ إِلاَّ رَجُلاً أَعْرَجَ صَعِدَ الْجَبَلَ، قَالَ هَمَّامٌ: وَأرَاهُ آخَرَ مَعَهُ، فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُمْ قَدْ لَقُوا رَبَّهُمْ فَرَضِيَ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ؛ فَكُنَّا نَقْرَأُ أَنْ بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا؛ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ وَبَنِي عُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". (باب) فضل (من ينكب في سبيل الله) بضم أوله وفتح ثالثه وآخره موحدة أي من أدمي عضو منه أو أعم وفي بعض النسخ تنكب على وزن تفعل. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر الحوضي) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وبالضاد المعجمة نسبة إلى حوض داود محلة ببغداد وسقط الحوضي لأبي ذر قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى البصري (عن إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقوامًا من بني سليم إلى بني عامر في سبعين) وهم المشهورون بالقرّاء لأنهم كانوا أكثر قراءة من غيرهم، وسليم: بضم السين المهملة وفتح اللام وسكون التحتية وقد وهم الدمياطي هذه الرواية بأن بني سليم مبعوث إليهم والمبعوث هم القرّاء وهم من الأنصار، وقال ابن حجر: التحقيق أن المبعوث إليهم بنو عامر وأما بنو سليم فغدروا بالقرّاء المذكورين، والوهم في هذا السياق من حفص بن عمر شيخ البخاري، فقد أخرجه هو في المغازي عن موسى بن إسماعيل عن همام فقال: بعث أخًا لأم سليم في سبعين راكب وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل الحديث. فلعل الأصل بعث أقوامًا معهم أخو أم سليم إلى بني عامر فصارت من بني سليم. (فلما قدموا) بئر معونة (قال لهم خالي): حرام بن ملحان (أتقدمكم)، أي إلى بني سليم (فإن أمنوني) بتشديد الميم (حتى أبلّغهم) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد اللام المكسورة (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه يدعوهم إلى الإيمان (وإلاّ) أي وإن لم يؤمنوني (كنتم مني قريبًا، فتقدم) إليهم (فأمنوه فبينما) بالميم هو (يحدّثهم) أي يحدّث بني سليم (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ أومؤوا) جواب بينما أي أشاروا وفي رواية أومئ بضم الهمزة وكسر الميم أي أشير (إلى رجل منهم) هو عامر بن الطفيل (فطعنه) برمح (فأنفذه) بالفاء والذال المعجمة في جنبه حتى خرج من الشق الآخر (فقال): أي حرام المطعون (الله أكبر فزت) بالشهادة (ورب الكعبة ثم مالوا على بقية أصحابه) أي أصحاب حرام (فقتلوهم إلا رجلاً أعرج) بالنصب، وهذا الرجل هو كعب بن يزيد الأنصاري وهو من بني أمية كما عند الإسماعيلي، ولأبي ذر: رجل أعرج بالرفع، وقال الكرماني: وفي بعضها يكتب بدون ألف على اللغة الربيعية (صعد الجبل. قال همام): الراوي (فأراه) بضم الهمزة بعد الفاء ولأبي ذر وأراه بالواو أي أظنه (آخر معه) هو عمرو بن أمية الضمري (فأخبر جبريل عليه الصلاة والسلام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنهم قد لقوا ربهم فرضي عنهم

10 - باب من يجرح في سبيل الله عز وجل

وأرضاهم فكنا نقرأ) أي في جملة القرآن (أن بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم نسخ) لفظه (بعد) من التلاوة. وهاهنا تنبيه وهو: هل يجوز بعد نسخ تلاوة الآية أن يمسها المحدّث ويقرأها الجنب؟ قال الآمدي: تردد فيه الأصوليون والأشبه المنع من ذلك، وكلام السهيلي يقتضي خلاف ذلك فإنه قال: إن هذا المذكور ليس عليه رونق الإعجاز، إنه لم ينزل بهذا النظم ولكن بنظم معجز كنظم القرآن، فإن قيل: إنه خبر فلا ينسخ؟ قلنا: لم ينسخ منه الخبر وإنما نسخ منه الحكم فإن حكم القرآن أن يتلى في الصلاة وأن لا يمسه إلا طاهر وأن يكتب بين الدفتين وأن يكون تعلمه فرض كفاية وكل ما نسخ رفعت منه هذه الأحكام وإن بقي محفوظًا فهو منسوخ، فإن تضمن حكمًا جاز أن يبقى ذلك الحكم معمولاً به اهـ. وزاد ابن جرير من طريق عمر بن يونس عن عكرمة عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس وأنزل الله: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون} [آل عمران: 169] (فدعا عليهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أربعين صباحًا) في القنوت (على رعل) بكسر الراء وسكون العين المهملة آخره لام مجرور بدل من عليهم بإعادة العامل ورعل هم بطن من بني سليم (وذكوان) بفتح المعجمة وسكون الكاف (وبني لحيان) بكسر اللام وسكون الحاء المهملة (وبني عصية) بضم العين وفتح الصاد المهملتين وتشديد الياء التحتية (الذين عصوا الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسيأتي في أواخر الجهاد إن شاء الله تعالى أنه دعا على أحياء من بني سليم حيث قتلوا القراء. قال في الفتح: وهو أصرح في المقصود. 2802 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ فِي بَعْضِ الْمَشَاهِدِ قَدْ دَمِيَتْ إِصْبَعُهُ فَقَالَ: هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصْبَعٌ دَمِيتِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ". [الحديث 2802 - طرفه في: 6146]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن الأسود بن قيس) ولأبي ذر هو ابن قيس (عن جندب بن سفيان) بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال وضمها ابن عبد الله بن سفيان -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في بعض المشاهد) أي أمكنة الشهادة قيل كان في غزوة أُحُد (وقد دميت أصبعه) بفتح الدال أي جرحت أصبعه فظهر منها الدم (فقال): مخاطبًا لها لما توجعت على سبيل الاستعارة أو حقيقة على سبيل المعجزة تسلية لها: (هل أنتِ إلا أصبع دميت) بفتح الدال وسكون التحتية وكسر الفوقية صفة للأصبع والمستثنى فيه أعم عام الصفة لم ما أنت بأصبع موصوفة بشيء إلا بأن دميت فتثبتي فإنك ما ابتليت بشيء من الهلاك أو القطع إلا أنك دميت ولم يكن ذلك هدرًا (و) لكنه (في سبيل الله) ورضاه (ما لقيت). بسكون التحتية وكسر الفوقية، ولغير أبي ذر: دميت لقيت بسكون الفوقية، وهذا مما تعلق به الملحدون في الطعن فقالوا: هذا شعر نطق به، والقرآن ينفي عنه أن يكون شاعرًا وأجيب بأنه رجز والرجز ليس بشعر على مذهب الأخفش وإنما يقال لصاحبه فلان الراجز لا الشاعر إذ الشعر لا يكون إلا بيتًا تامًّا مقفى على أحد أنواع العروض المشهورة وبأن الشعر لا بدّ فيه من قصد ذلك فما لم يكن مصدره عن نيّة له وروية فيه وإنما هو اتفاق كلام يقع موزونًا ليس منه فالمنفي صنعة الشاعرية لا غير. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأدب ومسلم في المغازي والترمذي في التفسير والنسائي في اليوم والليلة. 10 - باب مَنْ يُجْرَحُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (باب) فضل (من يجرح في سبيل الله عز وجل) بضم التحتية وسكون الجيم. 2803 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ, لاَ يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ- إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ, وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (و) الله (الذي نفسي بيده) بقدرته أو في ملكه (لا يكلم) بضم التحتية وسكون الكاف وفتح اللام أي لا يجرح (أحد) مسلم (في سبيل الله) أي في الجهاد ويشمل من جرح في ذات الله وكل ما دافع فيه المرء بحق فأصيب فهو مجاهد كقتال البغاة وقطاع الطريق وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعند مسلم من طريق همام عن أبي هريرة: كل كلم يكلمه المسلم (-والله أعلم بمن يكلم) يجرح (في سبيله-) جملة

11 - باب قول الله عز وجل: {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} [التوبة: 52] والحرب سجال

معترضة بين المستثنى منه والمستثنى مؤكدة مقررة لمعنى المعترض فيه وتفخيم شأن من يكلم في سبيل الله، ومعناه والله أعلم تعظيم شأن من يكلم في سبيل الله ونظيره قوله تعالى: {قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى} [آل عمران: 36] أي والله أعلم بالشيء الذي وضعت وما علق به من عظائم الأمور، ويجوز أن يكون تتميمًا للصيانة عن الرياء والسمعة وتنبيهًا على الإخلاص في الغزو وأن الثواب المذكور إنما هو لمن أخلص فيه وقاتل لتكون كلمة الله هي العليا (إلا جاء يوم القيامة و) جرحه يثعب بالمثلثة والعين المهملة يجري دمًا (اللون لون الدم والريح ريح المسك). أي كريح المسك إذ ليس هو مسكًا حقيقة بخلاف اللون لون الدم فلا حاجة فيه لتقدير ذلك لأنه دم حقيقة فليس له من أحكام الدنيا والصفات فيها إلا اللون فقط، وظاهر قوله في رواية مسلم: كل كلم يكلمه المسلم أنه لا فرق في ذلك بين أن يستشهد أو تبرأ جراحته، لكن الظاهر أن الذي يجيء يوم القيامة وجرحه يثعب دمًا من فارق الدنيا وجرحه كذلك، ويؤيده ما رواه ابن حبان في حديث معاذ: عليه طابع الشهداء، والحكمة في بعثته كذلك أن يكون معه شاهد فضيلته ببذله نفسه في طاعة الله عز وجل، ولأصحاب السُّنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من حديث معاذ بن جبل: من جرح جرحًا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها الزعفران وريحها المسك. قال الحافظ ابن حجر: وعرف بهذه الزيادة أن الصفة المذكورة لا تختص بالشهيد بل هي حاصلة لكل من جرح كذا قال فليتأمل. وقال النووي: قالوا وهذا الفضل وإن كان ظاهره أنه في قتال الكفار فيدخل فيه من جرح في سبيل الله في قتال البغاة وقطاع الطريق وفي إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك، وكذا قال ابن عبد البرّ واستشهد على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: "من قتل دون ماله فهو شهيد". لكن قال الولي بن العراقي: قد يتوقف في دخول المقاتل دون ماله في هذا الفصل لإشارة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى اعتبار الإخلاص في ذلك بقوله: والله أعلم بمن يكلم في سبيله والمقاتل دون ماله لا يقصد بذلك وجه الله وإنما يقصد صون ماله وحفظه فهو يفعل ذلك بداعية الطبع لا بداعية الشرع، ولا يلزم من كونه شهيدًا أن يكون دمه يوم القيامة كريح المسك وأيّ بذل بذل نفسه فيه لله حتى يستحق هذا الفضل. وهذا الحديث أورده المؤلّف في باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء من كتاب الطهارة وسبق البحث في وجه ذكره ثَمَّ. 11 - باب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: 52] وَالْحَرْبُ سِجَالٌ (باب) ذكر (قول الله تعالى) ولأبي ذر: عز وجل ({قل هل تربصون بنا}) تنتظرون بنا ({إلا إحدى الحسنيين}) [التوبة: 52] إلا إحدى العاقبتين اللتيَن كلٌّ منهما حسنى العواقب الفتح أو الشهادة وسقط قوله قل لغير أبي الوقت (والحرب سجال) بكسر السين المهملة وتخفيف الجيم أي تارة وتارة ففي غلبة المسلمين يكون لهم الفتح وفي غلبة المشركين يكون للمسلمين الشهادة. 2804 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ "أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ كَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ، فَزَعَمْتَ أَنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ وَدُوَلٌ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبة إلى جده واسم أبيه عبد الله المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله) بضم العين من الأول مصغرًا ابن عتبة بن مسعود (أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان) زاد أبو ذر ابن حرب (أخبره أن هرقل) بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف آخره لام ملك الروم الملقب بقيصر (قال له) أي لأبي سفيان (سألتك كيف كان قتالكم إياه) عليه الصلاة والسلام بفصل ثاني الضميرين قيل: هو أصوب من وصله ونص عليه الزمخشري (فزعمت أن الحرب سجال ودول)، بكسر الدال ولأبي ذر ودول بضمها قال القزاز: العرب تقول الأيام دول ودول ثلاث لغات فقيل بالضم الاسم وبالفتح المصدر، وفي بدء الوحي من طريق شعيب عن الزهري: الحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه،

12 - باب قول الله عز وجل:

(فكذلك الرسل تبتلى) أي تختبر (ثم تكون لهم العاقبة). وهذه قطعة من حديث سبق في أوائل الكتاب. 12 - باب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب: 23]. (باب قول الله تعالى) ولأبي ذر: عز وجل: ({من المؤمنين رجال}) مبتدأ وخبره مقدّم ({صدقوا ما عاهدوا الله عليه}) أوّل ما خرجوا إلى أحد لا يولون الأدبار وقال مقاتل ليلة العقبة: من الثبات مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمقاتلة لإعلاء الدين من صدقني إذ قال لي الصدق فإن المعاهد إذا أوفى بعهده فقد صدق فيه ({فمنهم من قضى نحبه}) أي نذره بأن قاتل حتى استشهد كأنس بن النضر وطلحة والنحب النذر استعير للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان ({ومنهم من ينتظر}) الشهادة كعثمان ({وما بدلوا}) العهد ولا غيروه ({تبديلاً}) [الأحزاب: 23] بل استمروا على ما عاهدوا الله عليه وما نقضوه كفعل المنافقين الذين قالوا إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلاّ فرارًا وقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار. 2805 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْخُزَاعِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا ح. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ حَدَّثَنَا زِيَادٌ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ، يَعْنِي أَصْحَابَهُ، وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ. ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ، الْجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ، إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ. قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ. قَالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ، وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلاَّ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ. قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نَرَى -أَوْ نَظُنُّ- أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ". [الحديث 2805 - طرفاه في: 4048، 4783]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سعيد) بكسر العين (الخزاعي) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي وبالعين المهملة البصري الملقب بمردويه قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالسين المهملة (عن حميد) الطويل (قال: سألت أنسًا). (حدّثنا) ولأبي ذر قال: وحدّثني بالإفراد، وفي نسخة ح لتحويل السند: وحدّثنا (عمرو بن زرارة) بفتح العين وسكون الميم وزرارة بضم الزاي وتخفيف الراءين بينهما ألف ابن واقد الهلالي قال: (حدّثنا زياد) بكسر الزاي وتخفيف التحتية ابن عبد الله العامري البكائي (قال: حدّثني) بالإفراد (حميد الطويل عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: غاب عمي أنس بن النضر) بالنون والضاد المعجمة (عن قتال بدر فقال: يا رسول الله: غبت عن أوّل قتال قاتلت المشركين) لأن غزوة بدر هي أولى غزوة غرّاها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكانت في السنة الثانية من الهجرة (لئن الله أشهدني) أي أحضرني (قتال المشركين ليرين الله) بنون التوكيد الثقيلة واللام جواب القسم المقدّر ولأبي ذر عن المستملي ليراني الله بألف بعد الراء وتحتية بعد النون المكسورة المخففة (ما أصنع فلما كان يوم أُحُد) برفع يوم على أنه فاعل بكان التامة وفي الفرع وأصله يوم بالنصب أيضًا على الظرفية أي يوم قتال أُحُد أو أطلق اليوم وأراد الواقعة فهو إضمار أو مجاز قاله الكرماني (وانكشف المسلمون)، وفي رواية الإسماعيلي: وانهزم الناس وهو معنى انكشف (قال) أنس بن النضر: (اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه) المسلمين من الفرار (وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين) من القتال فاعتذر عن الأولياء وتبرأ عن الأعداء مع أنه لم يرض الأمرين جميعًا (ثم تقدم) نحو المشركين (فاستقبله) أي استقبل أنس بن النضر (سعد بن معاذ) بضم الميم آخره ذال معجمة وزاد في مسند الطيالسي من طريق ثابت عن أنس منهزمًا (فقال: يا سعد بن معاذ) أريد (الجنة ورب النضر) أي والده (إني أجد ريحها) أي ريح الجنة حقيقة أو وجد ريحًا طيبة ذكره طيبها بطيب ريح الجنة (من دون أحد) أي عنده (قال سعد): هو ابن معاذ (فما استطعت يا رسول الله ما صنع) من إقدامه ولا صنيعه في المشركين من القتل مع أني شجاع كامل القوّة، ولا ما وقع له من الصبر بحيث وجد في جسده ما يزيد على الثمانين من ضربة وطعنة ورمية، كما (قال أنس) هو ابن مالك (فوجدنا به) أي بابن النضر (بضعًا) بكسر الموحدة وقد تفتح (وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم) قال العيني: وكلمة أو في الموضعين للتنويع وفي رواية عبد الله بن بكر عن حميد عند الحرث بن أبي أسامة. قال أنس: فوجدناه بين القتلى (ووجدناه قد قتل وقد مثّل به المشركون) بفتح الميم وتشديد المثلثة من المثلة أي قطعوا أعضاءه من أنف وأُذن وغيرهما (فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه) بإصبعه أو بطرف إصبعه (قال أنس): هو ابن مالك (كنا نرى) بضم النون (أو نظن) شك من الراوي وهما بمعنى واحد (أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: {من المؤمنين

13 - باب عمل صالح قبل القتال

رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23] إلى آخر الأية). 2806 - وَقَالَ: "إِنَّ أُخْتَهُ -وَهْيَ تُسَمَّى الرُّبَيِّعَ- كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ امْرَأَةٍ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا. فَرَضُوا بِالأَرْشِ وَتَرَكُوا الْقِصَاصَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ". (وقال: إن أخته-) أي أخت أنس بن النضر وهي عمة أنس بن مالك (وهي تسمى الربيع-) بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد التحتية (كسرت ثنية امرأة) زاد في الصلح فطلبوا الأرش وطلبوا العفو فأبو فأتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالقصاص، فقال أنس): هو ابن النضر المستشهد يوم أُحُد (يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنينها)، قاله توقعًا ورجاءً من فضله تعالى أن يرضى خصمها ليعفو عنها ابتغاء مرضاته (فرضوا بالأرش) عوضًا عن القصاص (وتركوا القصاص، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه) في قسمه وهو ضد الحنث وقصة الربيع هذه سبقت في باب الصلح في الدّية من كتاب الصلح. 2807 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ ح. وحَدَّثَنا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ أُرَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "نَسَخْتُ الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ فَفَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الأَحْزَابِ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ بِهَا، فَلَمْ أَجِدْهَا إِلاَّ مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ، وَهْوَ قَوْلُهُ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} " [الحديث 2807 - أطرافه في: 4049، 4679، 4784، 4986، 4988، 4989، 7191، 7425]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب. (وحدّثنا) ولغير أبي ذر حدّثني بالإفراد وإسقاط واو العطف، وفي نسخة ح للتحويل وحدّثني بالإفراد والواو (إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (أخي) أبو بكر عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (أراه) بضم الهمزة أي أظنه (عن محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن خارجة بن زيد) الأنصاري (أن زيد بن ثابت) الأنصاري (-رضي الله عنه-) واللفظ لابن أبي عتيق ويأتي لفظ شعيب إن شاء الله تعالى في سورة الأحزاب (قال: نسخت الصحف في المصاحف ففقدت) بفتح القاف (آية من سورة الأحزاب) وسقط لأبي ذر سورة (كنت أسمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ بها فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهادته شهادة رجلين) خصوصية له -رضي الله عنه- لما كلم عليه الصلاة والسلام رجلاً في شيء فأنكره فقال خزيمة: أنا أشهد فقال عليه الصلاة والسلام: "أتشهد ولم تستشهد" فقال: نحن نصدقك على خبر السماء فكيف بهذا فأمضى شهادته وجعلها بشهادتين وقال لا تعد (وهو قوله) تعالى: ({من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}) [الأحزاب: 23]. واستشكل كونه أثبتها في المصحف بقول واحد أو اثنين إذ شرط كونه قرآنًا التواتر. وأجيب: بأنه كان متواترًا عندهم ولذا قال: كنت أسمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ بها، وقد روي أن عمر - رضي الله عنه- قال: أشهد لسمعتها من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكذا عن أُبي بن كعب وهلال بن أمية فهؤلاء جماعة. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير وفي فضائل القرآن والترمذي والنسائي في التفسير هذا. 13 - باب عَمَلٌ صَالِحٌ قَبْلَ الْقِتَالِ وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ بِأَعْمَالِكُمْ. وَقَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 2 - 4]. (باب) بالتنوين يذكر فيه (عمل صالح قبل القتال): وفي نسخة باب عمل صالح بالإضافة. (وقال أبو الدرداء): عويمر بن مالك الأنصاري مما ذكره الدينوري في المجالسة (إنما تقاتلون بأعمالكم) أي متلبسين بأعمالكم، (وقوله عز وجل) بالرفع عطفًا على المرفوع السابق ({يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون}). كان المؤمنون يقولون لو علمنا أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه فأنزل الله تعالى: {إن الله يحب الذين يقاتلون} [الصف: 4] فكرهوا القتال فوعظهم الله وأدّبهم فقال: لِمَ تقولون ما لا تفعلون ({كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}) أي عظم ذلك في البغض وهذا من أفصح الكلام وأبلغه في معناه قصد في كبر التعجب من غير لفظه، ومعنى التعجب بتعظيم الأمر في قلوب السامعين لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره وأشكاله، وأسند كُبر إلى أن تقولوا ونصب مقتًا على تفسيره دلالة على أن قولهم ما لا يفعلون مقت خالص لا شوب فيه لفرط تمكن المقت منه واختير لفظ المقت لأنه أشد البغض وأبلغه ({إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله}) أي في طاعته ({صفًّا}) صافين أنفسهم ({كأنهم بنيان مرصوص}) [الصف: 3، 4] أي كأنهم في تراصّهم بنيان رصّ بعضه إلى بعض والمراد أنهم لا يزولون عن أماكنهم، ولفظ رواية أبي ذر بعد قوله: {ما لا تفعلون} إلى قوله: {كأنهم بنيان مرصوص} فلم يذكر ما بينهما. قال ابن المنير: ومناسبة الآية

14 - باب من أتاه سهم غرب فقتله

للترجمة فيها خفاء وكأنه من جهة أن الله تعالى عاتب من قال أنه يفعل الخير ولم يفعله وأثنى على من وفى وثبت عند القتال أو من جهة أنه أنكر على من قدّم على القتال قولاّ غير مرضي، ومفهومه ثبوت الفضل في تقديم الصدق والعزم الصحيح على الوفاء وذلك من أصلح الأعمال. وقال الكرماني: والمقصود من ذكر هذه الآية ذكره {صفًّا} إذ هو عمل صالح قبل القتال. 2808 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ الْفَزَارِيُّ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالْحَدِيدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُ أَوْ أُسْلِمُ؟ قَالَ: أَسْلِمْ ثُمَّ قَاتِلْ. فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَاتَلَ فَقُتِلَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَمِلَ قَلِيلاً وَأُجِرَ كَثِيرًا". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم) المعروف بصاعقة قال: (حدّثنا شبابة بن سوار) بفتح الشين المعجمة وتخفيف الموحدة وبعد الألف موحدة ثانية وسوار بفتح السين المهملة وتشديد الواو وبعد الألف راء (الفزاري) بفتح الفاء وتخفيف الزاي قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه (قال: سمعت البراء) بن عازب (رضي الله عنه يقول: أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسمه لكنه أنصاري أوسي من بني النبيت بنون مفتوحة فموحدة مكسورة فتحتية ساكنة ففوقية كما في مسلم، ولولا ذلك لأمكن تفسيره بعمرو بن ثابت بن وقش بفتح الواو والقاف بعدها معجمة وهو المعروف بأصيرم بني عبد الأشهل فإن بني عبد الأشهل بطن من الأنصار من الأوس وهم غير بني النبيت، ويمكن أن يحمل على أن له في بني النبيت نسبة فإنهم إخوة بني عبد الأشهل يجمعهم الانتساب إلى الأوس (مقنع) بفتح القاف والنون المشددة أي غطى وجهه (بالحديد فقال: يا رسول الله أقاتل وأسلم)؟ ولأبي ذر عن المستملي: أو أسلم (قال) عليه الصلاة والسلام: (أسلم ثم قاتل) (فأسلم ثم قاتل فقتل فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (عمل قليلاً وأجر) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أجرًا (كثيرًا) بالمثلثة. وأخرج ابن إسحاق في المغازي بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: "أخبروني عن رجل دخل الجنة لم يصلِّ صلاة ثم يقول هو عمرو بن ثابت". 14 - باب مَنْ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَقَتَلَهُ (باب من أتاه سهم غرب فقتله) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء آخره موحدة منوّنًا كسهم صفة له قال أبو عبيد وغيره أي لا يعرف راميه أو لا يعرف من أين أتى أو جاء على غير قصد من راميه وعن أبي زيد فيما حكاه الهروي إن جاء من حيث لا يعرف فهو بالتنوين والإسكان وإن عرف راميه لكن أصاب من لم يقصد فهو بالإضافة وفتح الراء، وأنكر ابن قتيبة السكون ونسبه لقول العامة وجوّز الفتح إضافة سهم لغرب. 2809 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو أَحْمَدَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهْيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلاَ تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ -وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ- فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ. قَالَ: يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى". [الحديث 2809 - أطرافه في: 3982، 6550، 6567]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله) هو محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي كما جزم به الكلاباذي وتبعه غيره وقد نسبه المؤلّف إلى جده قال: (حدّثنا حسين بن محمد) بضم الحاء وفتح السين (أبو أحمد) بن بهرام التميمي المروذي سكن بغداد قال: (حدّثنا شيبان) بفتح المعجمة أبو معاوية النحوي (عن قتادة) بن دعامة أنه قال: (حدّثنا أنس بن مالك أن أم الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد التحتية المكسورة (بنت البراء) بنصب بنت وتخفيف راء البراء وهذا وهم والصواب المعروف أن الربيع بنت النضر بن ضمضم عمة أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم، وقال ابن الأثير في جامعه: إنه الذي وقع في كتب النسب والمغازي وأسماء الصحابة. قال ابن حجر: وليس هذا بقادح في صحة الحديث ولا في ضبط رواته. (وهي أم حارثة بن سراقة) بضم السين المهملة وتخفيف الراء والقاف وحارثة بالحاء المهملة والمثلثة الأنصاري (أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا نبي الله ألا تحدّثني عن حارثة)؟ بضم المثلثة من تحدّثني (وكان قتل يوم) وقعة (بدر أصابه سهم غرب) بتنوين سهم وغرب مع سكون الراء، ولأبي ذر: غرب بفتح الراء. قال ابن قتيبة: وهو الأجود لكنه ذكره مع إضافة سهم لغرب وقد مرّ مع غيره أوّلاً، (فإن كان في الجنة صبرت) قال ابن المنير: إنما شكت فيه لأن العدوّ لم يقتله قصدًّا وكأنها فهمت أن الشهيد هو الذي يقتل قصدًا لأنه الأغلب، فنزلت الكلام على الغالب حتى بيّن لها الرسول العموم (وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء). نقل الحافظ ابن حجر وتبعه العيني عن الخطابي ما نصه:

15 - باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا

أقرّها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على هذا فيؤخذ منه الجواز ثم تعقباه بأن ذلك كان قبل تحريم النوح فلا دلالة فيه فإن تحريمه كان في غزوة أُحُد، وهذه القصة كانت عقب غزوة بدر وفي هذا نظر لا يخفى فإنها لم تقل اجتهدت عليه في النوح ولا يلزم من الاجتهاد في البكاء النوح وليس فيما نقلاه عن الخطابي ما يفهم ذلك، بل قوله أقرّها على هذا إشارة إلى البكاء المذكور في الحديث، ولا ريب أن البكاء على الميت قبل الدفن وبعده جائز اتفاقًا فليتأمل. (قال) عليه الصلاة والسلام (يا أم حارثة، إنها جنان) أي درجات (في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى) فرجعت وهي تضحك وتقول: بخ بخ لك يا حارثة والضمير في قوله إنها مبهم يفسره ما بعده كقولهم: هي العرب تقول ما تشاء، ويجوز أن يكون الضمير للشأن، وجنان مبتدأ والتنكير فيه للتعظيم والمراد بذلك التفخيم والتعظيم. (بسم الله الرحمن الرحيم) وسقطت البسملة لأبي ذر. 15 - باب مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا (باب) فضل (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا). 2810 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين وسكون الميم هو ابن مرة (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس (رضي الله عنه) أنه (قال: جاء رجل) هو لاحق بن ضميرة الباهلي كما عند أبي موسى المديني في الصحابة (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل للذكر) بين الناس ويشتهر بالشجاعة (والرجل يقاتل ليُرَى) بضم الياء وفتح الراء مبنيًّا للمفعول (مكانه) بالرفع نائب عن الفاعل أي مرتبته في الشجاعة، وفي رواية الأعمش عن أبي وائل الآتية إن شاء الله تعالى في التوحيد ويقاتل رياء، وزاد في رواية منصور عن أبي وائل السابقة في العلم والأعمش ويقاتل حمية وفي رواية منصور ويقاتل غضبًا فتحصل أن أسباب القتال خمسة طلب المغنم وإظهار الشجاعة والرياء والحمية، والغضب (فمن في سبيل الله؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (من قاتل لتكون كلمة الله) أي كلمة التوحيد (هي العليا) بضم العين المهملة (فهو) المقاتل (في سبيل الله) عز وجل لا طالب الغنيمة والشهرة ولا مُظهِر الشجاعة ولا للحميّة ولا للغضب فلو أضاف إلى الأوّل غيره أخلّ بذلك. نعم لو حصل ضمنًا لا أصلاً ومقصودًا لا يخل وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أبي أمامة بإسناد جيد قال: جاء رجل فقال يا رسول الله أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ قال: لا شيء له. فأعادها ثلاثًا كل ذلك يقول لا شيء له. ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا وابتغي به وجهه". وقال ابن أبي جمرة: ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما انضاف إليه اهـ. وفي جوابه عليه الصلاة والسلام بما ذكر غاية البلاغة والإيجاز فهو من جوامع كلمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه لو أجابه بأن جميع ما ذكره ليس في سبيل الله احتمل أن يكون ما عداه في سبيل الله وليس كذلك فعدل إلى لفظ جامع عدل به عن الجواب عن ماهية القتال إلى حالة المقاتل فتضمن الجواب وزيادة، وقد يفسر القتال للحمية بدفع المضرّة والقتال غضبًا بجلب المنفعة والذي يرى منزلته أي في سبيل الله فتناول ذلك المدح والذمّ فلذا لم يحصل الجواب بالإثبات ولا بالنفي قاله في فتح الباري. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الخمس والتوحيد، وسبق في العلم في باب: من سأل وهو قائم عالمًا جالسًا. 16 - باب مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَسُولِ اللهِ -إِلَى قَوْلِهِ- إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120]. (باب) فضل (من اغبرت قدماه في سبيل الله) عند الاقتحام في المعارك لقتال الكفار وخص القدمين لكونهما العمدة في سائر الحركات. (وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على السابق ولأبي ذر: عز وجل: ({ما كان لأهل المدينة}) ظاهره خبر ومعناه نهي ({ومن حولهم من الأعراب}) سكان البوادي مزينة وجهينة وأشجع وأسلم وغفار ({أن يتخلفوا عن رسول الله}) إذا غزا (إلى قوله: {وإن الله لا يضيع أجر المحسنين}) [التوبة: 120] ولغير أبي ذر: {ما كان لأهل المدينة} إلى قوله: {إن الله لا يضيع أجر المحسنين} ومناسبة الآية للترجمة كما قال ابن

17 - باب مسح الغبار عن الرأس في سبيل الله

بطال: إن الله تعالى قال في الآية {ولا يطؤون موطئًا} أي أرضًا يغيظ الكفار وطؤهم إياها ولا ينالون من عدوّ نيلاً أي لا يصيبون من عدوهم قتلاً أو أسرًا أو غنيمة إلا كتب لهم به عمل صالح قال: ففسر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العمل الصالح بأن النار لا تمس من عمل بذلك قال: والمراد بسبيل الله جميع طاعاته اهـ. وعن عباية بن رفاعة قال: أدركني أبو عبس وأنا أذهب إلى الجمعة فقال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "من اغبرّت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار". رواه البخاري وفيه استعمال اللفظ في عمومه لكن المتبادر عند الاطلاق من لفظ سبيل الله الجهاد. 2811 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا عَبَايَةُ بْنُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عَبْسٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَبْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ». وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن منصور كما نسبه الأصيلي فيما ذكره الجياني قال: (أخبرنا) بالخاء المعجمة (محمد بن المبارك) الصوري قال: (حدّثنا يحيى بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي الحميري قاضي دمشق (قال: حدّثني) بالإفراد (يزيد بن أبي مريم) يزيد من الزيادة أبو عبد الله قال: (أخبرنا عباية بن رفاعة) بفتح عين عباية وتخفيف الموحدة والتحتية ورفاعة بكسر الراء وبالفاء وبعد الألف عين مهملة (ابن رافع بن خديج) بالفاء والعين المهملة وخديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وبعد التحتية الساكنة جيم وسقط لغير أبي ذر ابن رفاعة، وسقط لأبي ذر ابن خديج (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو عبس) بفتع العين وسكون الموحدة آخره سين مهملة (هو عبد الرحمن بن جبر) بفتح الجيم وسكون الموحدة آخره راء وسقط هو عبد الرحمن ابن جبر لأبي ذر (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ما اغبرّت قدما عبد) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ما اغبرتا بالتثنية وهي لغة والأولى أفصح، وزاد أحمد من حديث أبي هريرة: "ساعة من نهار" (في سبيل الله فتمسه النار) بنصب تمسه أي أن المس ينتفي بوجود الغبار المذكور وإذا كان مسَّ الغبار قدميه دافعًا لمس النار إياه فكيف إذا سعى بهما واستفرغ جهده فقاتل حتى قتل وقتل؟ وفي الأوسط للطبراني عن أبي الدرداء مرفوعًا من اغبرت قدماه في سبيل الله حرم الله سائر جسده على النار وحديث الباب قد سبق في باب: المشي إلى الجمعة في كتاب الجمعة. 17 - باب مَسْحِ الْغُبَارِ عَنِ الرأسِ فِي سَبِيلِ الله (باب) عدم كراهة (مسح الغبار عن الناس في السبيل) كذا في عدة نسخ مقابلة على اليونينية وفي بعض الأصول عن الرأس في سبيل الله، وقيل: إن التعبير بالناس تصحيف. قال العيني. ولا وجه لدعوى التصحيف لأنه إذا لم يكره مسح الغبار عن رأس من هو فى سبيل الله فكذلك مسح غيرها. 2812 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ لَهُ وَلِعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: ائْتِيَا أَبَا سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ. فَأَتَيْنَاهُ وَهُوَ وَأَخُوهُ فِي حَائِطٍ لَهُمَا يَسْقِيَانِهِ، فَلَمَّا رَآنَا جَاءَ فَاحْتَبَى وَجَلَسَ فَقَالَ: "كُنَّا نَنْقُلُ لَبِنَ الْمَسْجِدِ لَبِنَةً لَبِنَةً، وَكَانَ عَمَّارٌ يَنْقُلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَسَحَ عَنْ رَأْسِهِ الْغُبَارَ وَقَالَ: وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ». وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) الرازي الصغير قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة أن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (قال له) أي لعكرمة (ولعلي) أي ولابنه عليّ (بن عبد الله) بن عباس أبي الحسن العابد (ائتيا أبا سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (فاسمعا من حديثه فأتيناه) ولأبي ذر عن الكشميهني فأتيا (وهو وأخوه) أي من الرضاعة وليس لأبي سعيد أخ شقيق ولا أخ من أبيه ولا من أمه إلا قتادة بن النعمان، ولا يصح أن يكون هو فإن عليّ بن عبد الله بن عباس ولد في آخر خلافة عليّ ومات قتادة بن النعمان، قبل ذلك في أواخر خلافة عمر. (في حائط) أي بستان (لهما يسقيانه، فلما رآنا) أبو سعيد (جاء) فأخذ رداءه (فاحتبى وجلس فقال: كنا ننقل لبن المسجد) بفتح اللام وكسر الموحدة طوبه النيء المتخذ لعمارته (لبنة لبنة) مرتين (وكان عمار) هو ابن ياسر (ينقل لبنتين لبنتين) ذرهما مرتين كلبنة (فمرّ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومسح عن رأسه الغبار وقال): (ويح عمار تقتله الفئة الباغية)، هم أهل الشام، وسقط لأبي ذر قوله تقتله الفئة الباغية، وفي البزار أن أبا سعيد هذا الساقط عند أبي ذر من أصحابه لا من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عمار يدعوهم) أي يدعو عمار الفئة الباغية وهم أصحاب معاوية الذين قتلوه في وقعة صفين (إلى) طاعة (الله) إذ طاعة عليّ الإمام إذ ذاك من طاعة الله وقال ابن بطال: يريد والله أعلم أهل مكة الذين أخرجوا عمارًا من دياره وعذبوه في ذات الله

18 - باب الغسل بعد الحرب والغبار

قال: ولا يمكن أن يتأوّل ذلك على المسلمين لأنهم أجابوا دعوة الله تعالى، وإنما يدعى إلى الله من كان خارجًا عن الإسلام (ويدعونه) أي الفئة الباغية أو أهل مكة (إلى) سبب (النار) لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم لأنهم كانوا مجتهدين ظانين أنهم يدعونه إلى الجنة وإن كان في نفس الأمر بخلاف ذلك فلا لوم عليهم في اتباع ظنونهم الناشئة عن الاجتهاد، وإذ قلنا المراد أهل مكة وأنهم دعوه إلى الرجوع إلى الكفر، وأن هذا كان أول الإسلام فلم قال: يدعوهم بلفظ المستقبل فيكون قد عبّر بالمستقبل موضع الماضي كما يقع التعبير بالماضي موضع المستقبل فمعنى يدعوهم دعاهم إلى الله فأشار عليه الصلاة والسلام إلى ذكر هذا لما طابقت شدّته في نقله لبنتين شدّته في صبره بمكة على العذاب تنبيهًا على فضيلته وثباته في أمر الله قاله ابن بطال. والأول هو ظاهر السياق لا سيما مع قوله: تقتله الفئة الباغية، ولا يصح أن يقال: إن مراده الخوارج الذين بعث عليّ عمارًا يدعوهم إلى الجماعة لأن الخوارج إنما خرجوا على عليّ بعد قتل عمار بلا خلاف، فإن ابتداء أمر الخوارج كان عقب التحكيم، وكان عقب انتهاء القتال بصفّين، وكان قتل عمار قبل ذلك قطعًا، لكن ابن بطال تأدب حيث لم يتعرض لذكر صفين إبعادًا لأهلها عن نسبة البغي إليهم وفيما تقدم من الاعتذار عنهم بكونهم مجتهدين والمجتهد إذا أخطأ له أجر ما يكفي عن هذا التأويل البعيد. وهذا الحديث قد مرّ في باب التعاون في بناء المسجد من كتاب الصلاة. 18 - باب الْغَسْلِ بَعْدَ الْحَرْبِ وَالْغُبَارِ 2813 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا رَجَعَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَوَضَعَ السِّلاَحَ وَاغْتَسَلَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ الْغُبَارُ فَقَالَ: وَضَعْتَ السِّلاَحَ؟ فَوَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَأَيْنَ؟ قَالَ: هَاهُنَا -وَأَوْمَأَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ- قَالَتْ: فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". (باب) جواز (الغسل بعد الحرب والغبار). وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد) بغير نسبه ونسبة أبو ذر عن الكشميهني فقال محمد بن سلام بتخفيف اللام ابن الفرج السلمي البيكندي قال: (أخبرنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما رجع يوم الخندق) الذي حفره الصحابة لما تحزبت عليهم الأحزاب بالمدينة سنة أربع أو سنة خمس (ووضع السلاح) وسقط لأبي ذر لفظ السلاح (واغتسل، فأتاه جبريل) عليهما السلام (و) الحال أنه (قد عصب رأسه الغبار) بتخفيف الصاد المهملة أي ركب على رأسه الغبار وعلق به كالعصابة تحيط بالرأس (فقال) له: (وضعت السلاح فوالله ما وضعته. فقال) له (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (فأين)؟ وفي المغازي من طريق عبد الله بن أبي شيبة عن ابن نمير عن هشام والله ما وضعناه فأخرج إليهم قال: "فإلى أين"؟ (قال: هاهنا وأومأ إلى بني قريظة) بضم القاف وفتح الراء وسكون التحتية وفتح الظاء المعجمة قبيلة من اليهود (قالت) عائشة -رضي الله عنها- (فخرج إليهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): وهذا الحديث أخرجه في المغازي أيضًا. 19 - باب فَضْلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَحْسِبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَنْ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 179 - 181]. (باب فضل قول الله تعالى): أي فضل من ورد فيه قول الله تعالى، ولأبي ذر: عز وجل ({ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء) أي بل هم أحياء ({عند ربهم}) ذوو زلفى منه ({يرزقون}) من الجنة ({فرحين}) حال من الضمير في يرزقون ({بما آتاهم الله من فضله}) وهو شرف الشهادة والفوز بالحياة الأبدية والقرب من الله تعالى والتمتع بنعيم الجنة ({ويستبشرون}) عطف على فرحين أي يسرون بالبشارة ({بالذين لم يلحقوا بهم}) أي بإخوانهم المؤمنين الذين فارقوهم أحياء فيلحقوا بهم ({من خلفهم ألاّ خوف عليهم}) فيمن خلفوهم من ذريتهم ({ولا هم يحزنون}) على ما خلفوا من أموالهم ({يستبشرون}) قال القاضي كرره للتوكيد، أو ليعلق به ما هو بيان لقوله (أن لا خوف عليهم) ويجوز أن يكون الأول بحال إخوانهم وهذا بحال أنفسهم ({بنعمة من الله}) ثواب لأعمالهم ({وفضل}) زيادة عليه كقوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس: 26] وتنكيرهما للتعظيم ({وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين}) [آل عمران: 169 - 170 - 171] من جملة المستبشر به عطف على فضل. وفي حديث ابن عباس عند الإمام أحمد مرفوعًا: الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم

20 - باب ظل الملائكة على الشهيد

رزقهم بكرةً وعشيًّا. وقال سعيد بن جبير: لما دخلوا الجنة ورأوا ما فيها من الكرامة بالشهداء قالوا: يا ليت إخواننا الذين في الدنيا يعلمون ما عرفناه من الكرامة فإذا شهدوا القتال باشروه بأنفسهم حتى يستشهدوا فيصيبوا ما أصبنا من الخير، فأخبر الله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأمرهم وما هم فيه من الكرامة وأخبرهم أني قد أنزلت على نبيكم وأخبرته بأمركم وما أنتم فيه فاستبشروا فذلك قوله تعالى: {ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم} [آل عمران: 170] الآية. وسياق الآيتين الكريمتين ثابت في رواية الأصيلي وكريمة، وقال في رواية أبي ذر: يرزقون -إلى- وإن الله لا يضيع أجر المؤمنين. 2814 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ. ثَلاَثِينَ غَدَاةً، عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قَالَ أَنَسٌ: أُنْزِلَ فِي الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنٌ قَرَأْنَاهُ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ: بَلِّغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس الأصبحي (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن) عمه (أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال): (دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة) بفتح الميم وضم العين المهملة وبعد الواو الساكنة نون موضع من جهة نجد (ثلاثين غداة على رعل) بكسر الراء وسكون العين المهملة بدل من الذين قتلوا بإعادة العامل (وذكوان) بالذال المعجمة (وعصية) بضم العين وفتح الصاد المهملة وتشديد التحتية (عصت الله ورسوله) (قال أنس: أنزل في الذين قتلوا ببئر معونة قرآن قرأناه ثم نسخ)، لفظه (بعد بلغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه). زاد عمر بن يونس عن عكرمة عن إسحاق بن أبي طلحة عند ابن جرير {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله} [آل عمران: 169] وبهذه الزيادة تحصل المطابقة بين الحديث والآية. وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي بأتم من هذا وأخرجه مسلم في الصلاة. 2815 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "اصْطَبَحَ نَاسٌ الْخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ قُتِلُوا شُهَدَاءَ. فَقِيلَ لِسُفْيَانَ: مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ؟ قَالَ: لَيْسَ هَذَا فِيهِ". [الحديث 2815 - طرفاه في: 4044، 4618]. وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار المكي أنه (سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- يقول: اصطبح ناس) منهم والد جابر (الخمر) أي شربوها بالغداة (يوم أُحُد) وكانت إذ ذاك مباحة (ثم قتلوا شهداء)، والخمر في بطونهم فلم يمنعهم ما كان في علم الله من تحريمها ولا كونها في بطونهم من حكم الشهادة وفضلها، لأن التحريم إنما يلزم بالنهي وما كان قبل النهي فغير مخاطب به، (فقيل لسفيان) بن عيينة: (من آخر ذلك اليوم) أي في هذا الحديث هذا اللفظ موجود (قال) سفيان: (ليس هذا فيه). وأما مطابقة الحديث للترجمة فقال ابن المنير: عسر جدًّا إلا أن يكون مراده التنبيه على أن الخمر التي شربوها لم تضرهم لأن الله أثنى عليهم بعد موتهم ورفع عنهم الخوف والحزن، وما ذاك أن الخمر كانت يومئذٍ مباحة، ولا يتعلق التكليف بفعل المكلف باعتبار ما في علم الله تعالى حتى يبلغه رسوله اهـ. قال في المصابيح بعد ذكره لهذا: لم تحصل النفس على شفاء من مطابقة الحديث للترجمة لأن هؤلاء الذين اصطبحوا ثم ماتوا وهي في بطونهم لم يفعلوا ما يتوقع عليه عتاب ولا عقاب ضرورة أنها كانت مباحة حينئذٍ فهي كغيرها من مباحات صدرت منهم ذلك اليوم فما الحكمة في تخصيص هذا المباح دون غيره اهـ. وأجاب في فتح الباري: بإمكان أن يكون أورد الحديث للإشارة إلى أحد الأقوال في سبب نزول الآية المترجم بها، فقد روى الترمذي من حديث جابر أيضًا: إن الله تعالى لما كلم والد جابر وتمنى أنه يرجع إلى الدنيا ثم قال: يا رب بلغ من ورائي فأنزل الله تعالى {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا} الآية [آل عمران: 169]. وحديث الباب قد أخرجه المؤلّف أيضًا فى المغازي والتفسير. 20 - باب ظِلِّ الْمَلاَئِكَةِ عَلَى الشَّهِيدِ 2816 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: "جِيءَ بِأَبِي إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ وَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَذَهَبْتُ أَكْشِفُ عَنْ وَجْهِهِ، فَنَهَانِي قَوْمِي، فَسَمِعَ صَوْتَ نَائِحَةٍ، فَقِيلَ: ابْنَةُ عَمْرٍو -أَوْ أُخْتُ عَمْرٍو- فَقَالَ: لِمَ تَبْكِي، أَوْ لاَ تَبْكِي، مَا زَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا. قُلْتُ لِصَدَقَةَ: أَفِيهِ حَتَّى رُفِعَ؟ قَالَ: رُبَّمَا قَالَهُ". (باب ظل الملائكة على الشهيد). وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي (قال: أخبرنا ابن عيينة) سفيان (قال: سمعت محمد بن المنكدر) وسقط لأبي ذر لفظ محمد (أنه سمع جابرًا) الأنصاري (يقول: جيء بأبي) عبد الله أي يوم وقعة أُحُد (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد مثل به) بضم الميم وتشديد المثلثة المكسورة أي جدع أنفه وأُذنه أو شيء من أطرافه (ووضع بين يديه فذهبت أكشف عن وجهه) الثوب (فنهاني قومي فسمع) عليه الصلاة والسلام (صوت) امرأة (صائحة) ولأبي ذر عن

21 - باب تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا

الكشميهني: صوت نائحة زاد في الجنائز فقال من هذه (فقيل: ابنة عمرو) فاطمة أخت المقتول عمة جابر (-أخت عمرو-) عمة المقتول عبد الله والشك من الراوي (فقال) عليه الصلاة والسلام: (لِمَ تبكي) بكسر اللام وفتح الميم أي لم تبكي هي فالخطاب لغيرها، وإلاّ فلو كان مخاطبًا لها لقال: لم تبكين؟ (أو لا تبكي)، شك الراوي هل استفهم أو نهى (ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها) فكيف تبكي عليه مع حصول هذه المنزلة له؟ قال البخاري -رحمه الله تعالى- (قلت: لصدقة): أي ابن الفضل شيخه (أفيه) أي في الحديث (حتى رفع؟ قال) أبي سفيان بن عيينة (ربما قاله) أي جابر ولم يجزم وقد جزم به في الجنائز من طريق علي بن عبد الله المديني، وكذا رواه الحميدي وجماعة عن سفيان كما أفاده في فتح الباري. وهذا الحديث قد سبق في الجنائز وأخرجه أيضًا في المغازي. 21 - باب تَمَنِّي الْمُجَاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا 2817 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَىْءٍ، إِلاَّ الشَّهِيدُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ». (باب تمني المجاهد) الذي قتل في سبيل الله (أن يرجع إلى الدنيا) لما يرى من الكرامة. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا غندر) بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة آخره راء منوّنة محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت قتادة) بن دعامة (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا و) الحال أن (له ما على الأرض من شيء) وفي رواية مسلم من طريق أبي خالد الأحمر: وأن له الدنيا وما فيها (إلا الشهيد) بالرفع ولأبي ذر: إلا الشهيد بالنصب "يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل" بالنصب (عشر مرات) أي في سبيل الله (لما) باللام أي لأجل ما (يرى من الكرامة). ولأبي ذر بما بالموحدة أي بسبب ما يرى. وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي في الجهاد. 22 - باب الْجَنَّةُ تَحْتَ بَارِقَةِ السُّيُوفِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا: مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ. وَقَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلَيْسَ قَتْلاَنَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلاَهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى. هذا (باب) بالتنوين (الجنة تحت بارقة السيوف) من إضافة الصفة إلى الموصوف والبارقة اللمعان. (وقال المغيرة بن شعبة): مما وصله المؤلّف تامًّا في الجزية (أخبرنا نبينا) وللأصيلي وأبي الوقت: نبينا محمد، وليس في اليونينية لفظ محمد نعم هو في فرعها (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن رسالة ربنا) (من قتل منا) أي في سبيل الله "صار إلى الجنة" وثبت قوله عن رسالة ربنا للحموي والمستملي. (وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- مما وصله المؤلّف في قصة عمرة الحديبية (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ (قال): (بلى). 2818 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ -وَكَانَ كَاتِبَهُ- قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ». تَابَعَهُ الأُوَيْسِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. [الحديث 2818 - أطرافه في: 2833، 2966، 3024، 7237]. وبه قال: (حدّثنا) وفي نسخة بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين بن المهلب الأزدي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد الفزاري لا السبيعي وسها الكرماني (عن موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف الإمام في المغازي (عن سالم أبي النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن أبي أمية (مولى عمر بن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن معمر التميمي (-وكان) أي سالم (كاتبًا-) أي لعمر بن عبيد الله وفي الفرع كان كاتبه قاله الكرماني وتبعه البرماوي، وقد وقع التصريح بذلك في باب: لا تمنوا لقاء العدوّ من رواية يوسف بن موسى عن عاصم بن يوسف اليربوعي عن أبي إسحاق الفزاري حيث قال فيها: حدّثني سالم أبو النضر كنت كاتبًا لعمر بن عبيد الله وحين فقول الحافظ ابن حجر قوله وكان كاتبه أي أن سالمًا كان كاتب عبد الله بن تأبى أوفى سهو، وتبعه فيه العلامة العيني وزاد فقال: وقد سهى الكرماني سهوا فاحشًا حيث قال: وكان سالم كاتب عمر بن عبيد الله، وليس كذلك بل الصواب ما ذكرناه أي من كونه كاتب عبد الله بن أبي أوفى. (قال) أي سالم (كتب إليه) أي إلى عمر بن عبيد الله (عبد الله بن أبي أوفى) فاعل كتب (-رضي الله عنهما-). زاد في رواية يوسف بن موسى فقرأته قال الدارقطني: لم يسمع أبو النضر من ابن أبي أوفى فهو حجة في رواية المكاتبة، وتعقب كما في فتح الباري بأن شرط الرواية بالمكاتبة عند أهل الحديث أن تكون الرواية صادرة إلى المكتوب إليه، وابن أبي أوفى لم يكتب إلى سالم إنما كتب إلى عمر بن عبد الله

23 - باب من طلب الولد للجهاد

وحينئذٍ فتكون رواية سالم له عن عبد الله بن أبي أوفى من صور الوجادة. قال الحافظ ابن حجر: ويمكن أن يقال الظاهر أنه من رواية سالم عن مولاه عن عبد الله بقراءته عليه لأنه كان كاتبه عن عبد الله بن أبي أوفى أنه كتب إليه فيصير حينئذٍ من صور المكاتبة اهـ. وفيه التصريح بأن سالمًا كاتب عمر بن عبيد الله فترجح أن قوله الأوّل سهو أو سبق قلم، ويستأنس له بقول الدارقطني لم يسمع أبو النضر من ابن أبي أوفى فليتأمل. (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف). أي أن ثواب الله والسبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيوف في سبيل الله وهو من المجاز البليغ لأن ظل الشيء لما كان ملازمًا له ولا شك أن ثواب الجهاد الجنة، فكأن ظلال السيوف المشهورة في الجهاد تحتها الجنة أي ملازمها استحقاق ذلك، وخص السيوف لأنها أعظم آلات القتال وأنفعها لأنها أسرع إلى الزهوق، وفي حديث عمار بن ياسر عند الطبراني بإسناد صحيح أنه قال يوم صفين: الجنة تحت الأبارقة، وفي ترجمة عمار بن ياسر من طبقات ابن سعد: تحت البارقة بغير همز. قال ابن حجر: وهو الصواب. والبارقة: اللمعان. وقد تطلق البارقة ويراد بها نفس السيوف، وقيل الأبريق السيف ودخلت الهاء عوضًا عن الياء، ولم يذكر المؤلّف من الحديث ما يوافق لفظ الترجمة وكأنه أشار بها إلى حديث عمار المذكور ولم يسقه لكونه ليس على شرطه، واستنبط معناها مما هو على شرطه فإنه إذا ثبت لها ظلال ثبت لها بارقة ولمعان قاله ابن المنير. (تابعه) أي تابع معاوية بن عمرو (الأويسي) عبد العزيز بن عبد الله مما رواه المؤلّف في غير كتابه هذا (عن ابن أبي الزناد) عبد الرحمن مفتي بغداد واسم أبي الزناد عبد الله بن ذكوان المدني (عن موسى بن عقبة). قال في الفتح: وقد رواه عمر بن شبة عن الأويسي فبين أن ذلك كان يوم الخندق. وهذا الحديث ذكره هنا مختصرًا، وفي باب الصبر عند القتال، وباب تأخير القتال حتى تزول الشمس مطوّلاً، وفي باب النهي عن تمني لقاء العدو، وأخرجه مسلم في المغازي، وأبو داود في الجهاد. 23 - باب مَنْ طَلَبَ الْوَلَدَ لِلْجِهَادِ (باب من طلب الولد للجهاد) أي في سبيل الله بأن ينوي ذلك عند المجامعة. 2819 - حَدَّثَنَا وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ -: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ -أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ- كُلُّهُنَّ يَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ , فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ تَحْملْ مِنْهُنَّ إِلاَّ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ». [الحديث 2819 - أطرافه في: 3424، 5242، 6639، 6720، 7469]. (وقال الليث) بن سعد الإمام الأعظم مما وصله أبو نعيم في مستخرجه من طريق يحيى بن بكير عنه وكذا مسلم (حدّثني) بالإفراد (جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل الكندي (عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج أنه (قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين) بالشك من الراوي. أي: والله لأجامعن مائة أو تسعًا وتسعين، وفي رواية ستين وليس في ذكر القليل ما ينفي الكثير (كلهن يأتي) بالتحتية، ولأبي ذر: تأتي بالفوقية (بفارس يجاهد في سبيل الله) صفة لفارس (فقال له صاحبه) وهو الملك، وفي مسلم فقال له صاحبه أو الملك بالشك من أحد الرواة (قل إن شاء الله) لنسيانه (فلم يقل) عليه السلام (إن شاء الله). بلسانه والذي في الفرع وأصله حذف قل ولم يكن غفل عن التفويض إلى الله بقلبه حاشى منصب النبوة عن ذلك (فلم يحمل) بالتحتية، ولأبي ذر: فلم تحمل بالفوقية (منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل) أي بنصف رجل كما في رواية أخرى (والذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله) عز وجل حال كونهم (فرسانًا) جمع فارس (أجمعون). رفع تأكيد لضمير الجمع في قوله لجاهدوا. قال شيخ مشايخنا السراج بن الملقن هذا الحديث أخرجه هنا البخاري معلقًا وأسنده في ستة مواضع منها في الأيمان والنذور. 24 - باب الشَّجَاعَةِ فِي الْحَرْبِ وَالْجُبْنِ 2820 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ وَاقِدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ. وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبَقَهُمْ عَلَى فَرَسٍ، وَقَالَ: وَجَدْنَاهُ بَحْرًا". (باب) مدح (الشجاعة في الحرب و) ذم (الجبن) بضم الجيم وسكون الموحدة أي فيه. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن عبد الملك بن واقد) بالقاف الحراني بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء بالنون. قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الأزدي الجهضمي البصري (عن ثابت) البناني (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

25 - باب ما يتعوذ من الجبن

أحسن الناس) لأن الله تعالى قد أعطاه كل الحسن (وأشجع الناس) إذ هو أكملهم (وأجود الناس) لتخلّقه بصفات الله تعالى التي منها الجود والكرم (ولقد فزع) بكسر الزاي أي خاف (أهل المدينة) أي ليلاً وزاد أبو داود في رواية فانطلق الناس قبل الصوت (فكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبقهم على فرس) عرى استعاره من أبي طلحة يقال له: المندوب وكان يقطف أي بطيء المشي. (وقال): حين رجع (وجدناه) أي الفرس (بحرًا). أي جوادًا واسع الجري وفيه استعمال المجاز حيث شبّه الفرس بالبحر لأن الجري منه لا ينقطع كما لا ينقطع ماء البحر وسقطت واو وقال لأبي ذر. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الجهاد والأدب والترمذي في الجهاد والنسائي في السير. 2821 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: "أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ النَّاسُ مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ، فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ فَوَقَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَعْطُونِي رِدَائِي، لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ، ثُمَّ لاَ تَجِدُونِي بَخِيلاً وَلاَ كَذُوبًا وَلاَ جَبَانًا". [الحديث 2821 - طرفه في: 3148]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عمر بن محمد بن جبير بن مطعم) عمر بضم العين ومطعم بكسرها وضم الميم النوفلي القرشي (أن) أباه (محمد بن جبير قال: أخبرني) بالإفراد أبي (جبير بن مطعم) -رضي الله عنه- (أنه بينما) بالميم (هو يسير مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعه) أي والحال أنه عليه الصلاة والسلام معه (الناس مقفلة) بفتح الميم وسكون القاف وفتح الفاء واللام مصدر ميمي أو اسم زمان أي زمان رجوعه (من حنين) وادٍ بين مكة والطائف سنة ثمان (فعلقه الناس) بفتح العين وكسر اللام المخففة وبالقاف ثم الهاء أي تعلقوا به ولأبي ذر: فعلقت بتاء التأنيث بدل الهاء الأعراب بدل الناس، وله عن الكشميهني: فطفقت الناس حال كونهم (يسألونه حتى اضطروه) أي ألجؤوه (إلى سمرة) بفتح السين المهملة وضم الميم وهي شجرة من شجر البادية ذات شوك (فخطفت رداءه) بكسر الطاء أي علق شوكها بردائه الشريف فجبذه فهو مجاز لأنه استعير لها الخطف أو المراد خطفته الأعراب، (فوقف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (أعطوني ردائي) بهمزة قطع (لو كان لي عدد هذه العضاه نعمًا) بكسر العين وفتح الضاد المعجمة وبعد الألف هاء وقفا ووصلاً شجر كثير الشوك ونعمًا نصب على التمييز ولي خبر كان، ويجوز أن يكون نعمًا خبر كان والنعم الإبل أو والبقر والغنم، ولأبي ذر عدد بالنصب خبر كان مقدمًا نعم بالرفع اسمها مؤخرًا (لقسمته بينكم) ولأبي ذر من غير اليونينية: عليكم (ثم لا تجدوني) بنون واحدة ولأبي ذر: لا تجدونني (بخيلاً ولا كذوبًا ولا جبانًا) أي إذا جربتموني لا تجدوني ذا بخل ولا ذا كذب ولا ذا جبن، فالمراد نفي الوصف من أصله لا نفي المبالغة التي تدل عليها الثلاثة لأن كذوبًا من صيغ المبالغة وجبانًا صفة مشبهة وبخيلاً يحتمل الأمرين. قال ابن المنير -رحمه الله تعالى-: وفي جمعه عليه الصلاة والسلام بين هذه الصفات لطيفة وذلك لأنها متلازمة وكذا أضدادها الصدق والكرم والشجاعة، وأصل المعنى هنا الشجاعة فإن الشجاع واثق من نفسه بالخلف من كسب سيفه فبالضرورة لا يبخل، وإذا سهل عليه العطاء لا يكذب بالخلف في الوعد لأن الخلف إنما ينشأ من البخل، وقوله: لو كان لي عدد هذه العضاه تنبيه بطريق الأولى لأنه إذا سمح بمال نفسه فلأن يسمح بقسم غنائمهم عليهم أولى واستعمال ثم هنا بعد ما تقدم ذكره ليس مخالفًا لمقتضاها وإن كان الكرم يتقدم العطاء، لكن علم الناس بكرم الكريم إنما يكون بعد العطاء، وليس المراد بثم هنا الدلالة على تراخي العلم بالكرم عن العطاء وإنما التراخي هنا لعلوّ رتبة الوصف كأنه قال: وأعلى من العطاء بما لا يتقارب أن يكون العطاء عن كرم فقد يكون عطاء بلا كرم كعطاء البخيل ونحو ذلك اهـ. وفيه دليل على جواز تعريف الإنسان نفسه بالأوصاف الحميدة لمن لا يعرفه ليعتمد عليه. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الخمس. 25 - باب مَا يُتَعَوَّذُ مِنَ الْجُبْنِ 2822 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ الأَوْدِيَّ قَالَ: "كَانَ سَعْدٌ يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ الْمُعَلِّمُ الْغِلْمَانَ الْكِتَابَةَ وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ دُبُرَ الصَّلاَةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. فَحَدَّثْتُ بِهِ مُصْعَبًا فَصَدَّقَهُ". [الحديث 2822 - أطرافه في: 6365، 6370، 6374، 6390]. (باب ما يتعوذ) بضم أوله مبنيًّا للمفعول أي بيان التعوّذ (من الجبن) وهو ضد الشجاعة. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري قال: (حدّثنا عبد الملك بن عمير) بضم

26 - باب من حدث بمشاهده في الحرب

العين مصغرًا ابن سويد الكوفي القرشي بفتح الفاء والراء ثم مهملة نسبة إلى فرس له سابق (قال: سمعت عمرو بن ميمون الأودي) بفتح الهمزة وسكون الواو وبالدال المهملة نسبة إلى أود بن معن في باهلة (قال: كان سعيد) هو ابن أبي وقاص أحد العشرة (يُعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ويقول: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يتعوذ منهن) بالميم وفي بعض الأصول بهم (دبر الصلاة): بعد السلام منها. (اللهم إني أعوذ بك من الجبن) وهو ضد الشجاعة (وأعوذ بك أن أردّ إلى أرذل العمر)، هو الخرف أي يعود كهيئته الأولى في زمن الطفولية سخيف العقل قليل الفهم أو هو أردؤه وهو حال الهرم والضعف عن أداء الفرائض وعن خدمة نفسه فيكون كلاًّ على أهله مستثقلاً بينهم يتمنون موته وإن لم يكن له أهل فالمصيبة أعظم. (وأعوذ بك من فتنة الدنيا)، زاد في باب: التعوذ من البخل من رواية آم عن شعبة عن عبد الملك عن مصعب عن سعد "وأعوذ بك من فتنة الدنيا" يعني فتنة الدجال، وحكى الكرماني أن هذا من زيادات شعبة بن الحجاج. قال ابن حجر: وليس كما قال فقد بيّن يحيى بن بكير عن شعبة أنه من كلام عبد الملك بن عمير راوي الخبر أخرجه الإسماعيلي من طريقه، وفي إطلاق الدنيا على الدجال إشارة إلى أن فتنته أعظم الفتن الكائنة في الدنيا (وأعوذ بك من عذاب القبر) الواقع أن الكفار ومن شاء الله من الموحدين بمطارق من حديد يسمعه خلق الله كلهم إلا الجن والإنس أعاذنا الله من ذلك ومن سائر المهالك بمنّه وكرمه، والإضافة هنا من إضافة المظروف إلى ظرفه فهو على تقدير في أيٍّ من عذاب القبر. قال عبد الملك بن عمير: (فحدّثت به) أي بهذا الحديث (مصعبًا) بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح العين بعدها موحدة ابن سعد بن أبي وقاص (فصدقه). ومطابقة الحديث للترجمة واضحة وإنما استعاذ من الجبن لأنه يؤدي إلى عذاب الآخرة كما قاله المهلب لأنه يفر من قرنه في الزحف فيدخل تحت الوعيد فمن ولى فقد باء بغضب من الله، وربما يفتن في دينه فيرتد بجبن أدركه وخوف على مهجته من الأسر والعبودية. ثبتنا الله على دينه القويم. وهذا الحديث أخرجه الترمذي في الدعوات، والنسائي في الاستعاذة. 2823 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ, وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ". [الحديث 2823 - أطرافه في: 6367، 6371]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: حدّثنا معتمر) بكسر الميم الثانية (قال: سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي (قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه). يقول: (كان النبي) ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (اللهم إني أعوذ بك من العجز) هو ذهاب القدرة (والكسل) بفتح السين وفي اليونينية بسكونها وهو القعود عن الشيء مع القدرة على عمله إيثارًا لراحة البدن على التعب (والجبن) وهو الخور من تعاطي الحرب ونحوها خوفًا على المهجة (والهرم) هو الزيادة في كبر السن المؤدي إلى ضعف الأعضاء وتساقط القوة. قال ابن المنير: فيه دليل على أن الغرائز قد تتبدال من خير إلى شر ومن شر إلى خير، ولولا ذلك لما صح تعوذ الجبان من الجبن (وأعوذ بك من فتنة المحيا) أن نفتتن بالدنيا ونشتغل بها عن الآخرة وأعظمها والعياذ بالله تعالى أمر الخاتمة عند الموت أو هي فتنة الدجال كما مرّ في تفسير عبد الملك بن عمير (والممات) قيل المراد فتنة القبر كسؤال الملكين ونحو ذلك، والمراد من شر ذلك وإلاّ فأصل السؤال واقع لا محالة فلا يدعى برفعه. وفي الحديث إنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبًا من فتنة الدجال فيكون عذاب القبر مسببًا عن ذلك والسبب غير المسبب، وقيل: المراد الفتنة قبيل الموت وأضيفت إلى الموت لقربها منه فعلى هذا تكون فتنة المحيا قبل ذلك. (وأعوذ بك من عذاب القبر) فيه دليل لأهل السُّنّة على إثبات عذاب القبر، وقد قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتعوذ من جميع ما ذكر تشريعًا لأمته ليبيّن لهم المهم من الأدعية. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الدعوات، وكذا مسلم، وأخرجه النسائي في الاستعاذة وأبو داود في الصلاة. 26 - باب مَنْ حَدَّثَ بِمَشَاهِدِهِ فِي الْحَرْبِ قَالَهُ أَبُو عُثْمَانَ عَنْ سَعْدٍ. (باب من حدّث بمشاهده في الحرب). ليتأسى بذلك

27 - باب وجوب النفير وما يجب من الجهاد والنية وقول الله عز وجل: {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله} [التوبة: 41] الآية. وقوله: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض؟ أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة -إلى قوله- على كل شىء قدير} [التوبة: 38]

ويرغب فيه لا للرياء والسمعة (قاله أبو عثمان) عبد الرحمن النهدي (عن سعد) هو ابن أبي وقاص فيما وصله في المغازي. 2824 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: "صَحِبْتُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَسَعْدًا وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ -رضي الله عنهم-، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ أَنِّي سَمِعْتُ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ". [الحديث 2824 - طرفه في: 4062]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي أبو رجاء البغلاني قال: (حدّثنا حاتم) هو ابن إسماعيل الكوفي (عن محمد بن يوسف) الكندي (عن السائب بن يزيد) الصحابي ابن الصحابيين وهو جد محمد بن يوسف لأمه أنه (قال: صحبت طلحة بن عبيد الله) بضم العين (و) صحبت (سعدًا) هو ابن أبي وقاص (و) صحبت (المقداد بن الأسود و) صحبت (عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، فما سمعت أحدًا منهم) أي من هؤلاء الصحابة الأربعة وسقط لفظ منهم للمستملي (يحدّث عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) خشية التزايد والنقصان والدخول في الوعيد (إلا أني سمعت طلحة) بن عبيد الله (يحدّث عن يوم أُحُد) أي بما وقع له فيه من ثبات القدم أو نحو ذلك. وقد كان من أهل النجدة، وذكر المؤلّف في المغازي عن قيس قال: رأيت يد طلحة شلاء وقى بها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أُحُد. وعن أبي عثمان النهدي أنه لم يبق مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تلك الأيام غير طلحة وسعد، فلهذا حدّث طلحة عن مشاهده يوم أُحُد ليقتدي به الناس في مثل فعله. وقال الحافظ ابن حجر: لم يبين في هذا الحديث ما حدّث به طلحة من ذلك، وقد أخرجه أبو يعلى من طريق يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد عمن حدّثه عن طلحة أنه ظاهر بين درعين يوم أُحُد. 27 - باب وُجُوبِ النَّفِيرِ وَمَا يَجِبُ مِنَ الْجِهَادِ وَالنِّيَّةِ وَقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 41] الآيَةَ. وَقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ؟ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ -إِلَى قَوْلِهِ- عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: 38] يُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "انْفِرُوا ثُبَاتٍ: سَرَايَا مُتَفَرِّقِينَ"، وَيُقَالُ: أَحَدُ الثُّبَاتِ ثُبَةٌ. (باب وجوب النفير)، بفتح النون وكسر الفاء أي الخروج إلى قتال الكفار (وما يجب) أي وبيان القدر الواجب (من الجهاد) مشروعية (النيّة) في ذلك، (وقوله) بالجر عطفًا على المجرور السابق، ولأبي ذر وقول الله عز وجل آمرًا بالنفير العام مع الرسول عليه الصلاة والسلام عام غزوة تبوك لقتال أعداء الله من الروم الكفرة من أهل الكتاب وحتم على المؤمنين في الخروج معه على كل حال في المنشط والمكره والعسر واليسر فقال تعالى: ({انفروا خفافًا}) لنشاطكم له ({وثقالاً}) عنه لمشقة عليكم أو لقلة عيالكم ولكثرتها أو ركبانًا ومشاة أو خفافًا وثقالا من السلاح أو صحاحًا ومراضًا، ولما فهم بعض الصحابة من هذا الأمر العموم لم يتخلفوا عن الغزو حتى ماتوا منهم أبو أيوب الأنصاري والمقداد بن الأسود، ثم رغب تعالى في بذل المهج في مرضاته والنفقة في سبيله فقال ({وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله}) أي بما أمكن لكم منهما كليهما أو أحدهما ({ذلكم خير لكم}) من تركه ({إن كنتم تعلمون}) الخير ({لو كان عَرَضًا قريبًا}) أي لو كان ما دعوا إليه نفعًا دنيويًا قريبًا سهل المأخذ ({وسفرًا قاصدًا}) متوسطًا ({لاتبعوك}) طمعًا في ذلك النفع ({ولكن بعدت عليهم الشقّة}) أي المسافة التي تقطع بمشقة ({وسيحلفون بالله}) [التوبة: 41، 42]. لكم إذا رجعتم إليهم لو استطعنا لخرجنا معكم (الآية) إلى آخرها. وساقها إلى آخر قوله: {بالله} وقال في رواية أبي ذر بعد قوله: {بأموالكم وأنفسكم} إلى {إنهم لكاذبون} وحذف ما عدا ذلك، وقد ذكر سفيان الثوري عن أبيه عن أبي الضحى أن هذه الآية {انفروا خفافًا} أوّل ما نزل من سورة براءة نقله ابن كثير الحافظ. (وقوله) تعالى بالجر أو بالرفع على الاستئناف: ({يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم}) تباطأتم ({إلى الأرض}) متعلق به كأنه ضمن معنى الإخلاد والميل فعدى بإلى، وكان هذا في غزوة تبوك حيث أمروا بها بعد رجوعهم من الطائف حين طاب الثمار والظلال في شدة الحر مع بعد المشقّة وكثرة العدوّ فشق عليهم ({أرضيتم بالحياة الدنيا}) وغرورها ({من الآخرة}) بدل الآخرة ونعيمها (إلى قوله) ({على كل شيء قدير}) [التوبة: 38، 39]. وقال في رواية أبي ذر قوله: {إلى الأرض} إلى قوله: {والله على كل شيء قدير}. (يذكر) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول بغير واو، ولأبي ذر: ويذكر (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه (انفروا) حال كونكم (ثبات) بضم المثلثة وتخفيف الموحدة نصب بالكسرة كهندات جمع ثبة، ولأبي ذر والقابسي: ثباتًا بالألف. قال ابن حجر: وهو غلط

28 - باب الكافر يقتل المسلم، ثم يسلم فيسدد بعد ويقتل

لا وجه له. وقال العيني: وهو صحيح لأنه جمع المؤنث السالم، وكذا قال ابن الملقن والزركشي، وتعقبه العلاّمة ابن الدماميني: بأن مذهب الكوفيين جواز إعرابه في حالة النصب بالفتح مطلقًا، وجوّزه قوم في محذوف اللام وعلى كلٍّ من الرأيين يكون لهذه الرواية وجهة، ومن ذا الذي أوجب اتباع المذهب البصري وألغى المذهب الكوفي حتى يقال بأن هذه الرواية لا وجه لها اهـ. والمعنى انفروا جماعات متفرقة حال كونكم (سرايا) جمع سرية ممن يدخل دار الحرب مستخفيًا حال كونكم (متفرقين. يقال أحد الثبات) ولأبي ذر: واحد الثبات (ثبة). بضم المثلثة فيهما وهذا قول أبي عبيدة في المجاز. 2825 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ، لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا". وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم أبو حفص الباهلي البصري قال: (حدّثنا يحيى) القطان. ولأبي ذر: يحيى بن سعيد قال: (حدّثنا سفيان) هو الثوري (قال: حدّثني) بالإفراد (منصور) هو ابن المعتمر (عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر (عن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال يوم الفتح) فتح مكة: (لا هجرة) واجبة من مكة إلى المدينة (بعد الفتح، ولكن جهاد) في الكفار (ونيّة، فإذا استنفرتم فانفروا) بهمزة وصل وكسر الفاء أي إذا طلبكم الإمام إلى الغزو فأخرجوا إليه وجوبًا فيتعيّن على من عيّنه الإمام، وكذا إذا وطئ الكفار بلدة للمسلمين وأظلوا عليها ونزلوا أمامها قاصدين ولم يدخلوا صار الجهاد فرض عين، فإن لم يكن في أهل البلدة قوة وجب على من يليهم وهل كان في الزمن النبوي فرض عين أو كفاية؟ قال الماوردي: كان عينًا على المهاجرين فقط. وقال السهيلي: كان عينًا على الأنصار دون غيرهم لمبايعتهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة العقبة على أن يؤوه وينصروه، وقيل: كان عينًا في الغزوة التي يخرج فيها عليه الصلاة والسلام دون غيرها، والتحقيق أنه كان عينًا على من عينه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حقه ولو لم يخرج عليه الصلاة والسلام. وهذا الحديث قد سبق في باب فضل الجهاد. 28 - باب الْكَافِرِ يَقْتُلُ الْمُسْلِمَ، ثُمَّ يُسْلِمُ فَيُسَدِّدُ بَعْدُ وَيُقْتَلُ (باب) حكم (الكافر يقتل المسلم ثم يسلم) القاتل (فيسدد) بالسين المهملة وكسر الدال المهملة المشددة ولأبي ذر: فيسدد بفتح الدال المهملة (بعد) بالضم أي بعد قتله المسلم (ويقتل) بضم أوّله وفتح ثانيه. 2826 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ يَدْخُلاَنِ الْجَنَّةَ، يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُسْتَشْهَدُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يضحك الله) عز وجل أي بقبل بالرضا (إلى رجلين) أي مسلم وكافر، وللنسائي: إن الله ليعجب من رجلين (يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة) زاد مسلم من طريق همام قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: (يقاتل هذا) أي المسلم (في سبيل الله) عز وجل (فيُقتل) أي فيقتله الكافر. زاد همام عند مسلم فيلج الجنة (ثم يتوب الله على القاتل) زاد همام أيضًا فيهديه إلى الإسلام ثم يجاهد في سبيل الله (فيستشهد). ولأحمد من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قيل: كيف يا رسول الله؟ قال: "يكون أحدهما كافرًا فيقتل الآخر ثم يسلم فيغزو فيقتل". قال ابن عبد البر: يستفاد من الحديث أن كل من قتل في سبيل الله فهو في الجنة اهـ. ومطابقة الحديث للترجمة على ما سبق ظاهرة فلو قتل مسلم مسلمًا عمدًا بلا شبهة ثم تاب القاتل واستشهد في سبيل الله فقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لا تقبل توبته أخذًا بظاهر قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغَضِب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا} [النساء: 93]. وفي رواية النسائي وأحمد وابن ماجه عن سالم بن أبي الجعد عنه أنه قال: إن الآية نزلت في آخر ما نزل ولم ينسخها شيء حتى قبض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقد روى الإمام أحمد والنسائي من طريق إدريس الخولاني عن معاوية سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يموت كافرًا أو الرجل يقتل مؤمنًا متعمدًا". لكن ورد عن ابن عباس خلاف ذلك

29 - باب من اختار الغزو على الصوم

فالظاهر أنه أراد بقوله الأوّل التشديد والتغليظ، وعليه جمهور السلف وجميع أهل السُّنَّة وصححوا توبة القاتل كغيره وقالوا: المراد بالخلود المكث الطويل فإن الدلائل متظاهرة على أن عصاة المسلمين لا يدوم عذابهم، ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد بحث في هذا بعون الله في تفسير سورة النساء والفرقان. 2827 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ بِخَيْبَرَ بَعْدَ مَا افْتَتَحُوهَا فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْهِمْ لِي , فَقَالَ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: لاَ تُسْهِمْ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ. فَقَالَ ابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: وَاعَجَبًا لِوَبْرٍ تَدَلَّى عَلَيْنَا مِنْ قَدُومِ ضَأْنٍ يَنْعَى عَلَىَّ قَتْلَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ أَكْرَمَهُ اللَّهُ عَلَى يَدَىَّ وَلَمْ يُهِنِّي عَلَى يَدَيْهِ. قَالَ: فَلاَ أَدْرِي أَسْهَمَ لَهُ أَمْ لَمْ يُسْهِمْ لَهُ". قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنِيهِ السَّعِيدِيُّ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: السَّعِيدِيُّ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ. [الحديث 2827 - أطرافه في: 4237، 4238، 4239]. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (عنبسة بن سعيد) بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الموحدة وبالسين المهملة وسعيد بكسر العين ابن العاص الأموي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: أتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بخيبر) سنة سبع والجملة حالية (بعدما افتتحوها فقلت: يا رسول الله أسهم لي)؟ من غنائم خيبر وهمزة أسهم قطع (فقال بعض بني سعيد بن العاص) هو أبان بن سعيد بكسر العين (لا تسهم له يا رسول الله. فقال أبو هريرة: هذا) أي أبان بن سعيد (قاتل ابن قوقل) بقافين مفتوحتين بينهما واو ساكنة آخره لام بوزن جعفر واسمه النعمان بن مالك بن ثعلبة بن أصرم بصاد مهملة بوزن أحمد بن فهر بن غنم بفتح المعجمة وسكون النون بعدها ميم ابن عمرو بن عوف بفتح العين فيهما الأوسي الأنصاري، وقوقل لقب أو لقب أصوم، وعند البغوي في الصحابة أن النعمان بن قوقل قال يوم أُحُد أقسمت عليك يا رب أن لا تغيب الشمس حتى أطأ بعرجتي في الجنة فاستشهد ذلك اليوم، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لقد رأيته في الجنة وما به عرج". (فقال) ولأبي ذر: قال (ابن سعيد بن العاص): أبان (وعجبًا) بالتنوين اسم فعل بمعنى أعجب ووا مثل واهًا وعجبًا للتوكيد وإذا لم ينوّن فأصله وأعجبي فأبدلت كسرة الباء فتحة والياء ألفًا كما فعل في يا أسفى ويا حسرتى، وفيه شاهد على استعمال وا في منادى غير مندوب كما هو رأي المبرد واختيار ابن مالك ونصب عجبًا بوا. وفي رواية علي بن عبد الله المديني: واعجباه (لوبر) بلام مكسورة فواو مفتوحة فموحدة ساكنة فراء. قال الكمال الدميري في كتابه حياة الحيوان: دويبة أصغر من السنور طحلاء اللون لا ذنب لها أي طويل يحل أكلها والناس يسمونها غنم بني إسرائيل ويزعمون أنها مسخت (تدلى) أي انحدر (علينا من قدوم ضأن) بفتح القاف وضم الدال المخففة وضأن بالضاد المعجمة وبعد الهمزة نون اسم جبل في أرض دوس قوم أبي هريرة، وقيل: هو رأس الجبل لأنه في الغالب مرعى الغنم. قال الخطابي: أراد أبان تحقير أبي هريرة وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا منع وأنه قليل القدرة على القتال (ينعى) بفتح أوّله وسكون النون وفتح العين المهملة أي يعيب (عليّ قتل رجل مسلم أكرمه الله) عز وجلّ بالشهادة (على يدي) بتشديد التحتية تثنية يد (ولم يهمني) بأن لم يقدّر موتي كافرًا (على يديه) بالتثنية فأدخل النار وقد عاش أبان حتى تاب وأسلم قبل خيبر وبعد الحديبية (قال): أي عنبسة أو من دونه (فلا أدري أسهم) عليه الصلاة والسلام (له) أي لأبي هريرة (أم) ولأبي ذر: أو (لم يسهم له) ورواه أبو داود فقال: ولم يقسم له. (قال سفيان) بن عيينة بالإسناد السابق (وحدّثنيه السعيدي) بفتح السين المهملة وكسر العين (عن جده عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-. (قال أبو عبد الله): أي البخاري وسقط ذلك لأبي ذر (السعيدي هو عمرو بن يحيى) بفتح العين وسكون الميم كالآتي (ابن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص) بكسر عين سعيد فيهما وسقط لغير أبي ذر لفظ هو. 29 - باب مَنِ اخْتَارَ الْغَزْوَ عَلَى الصَّوْمِ 2828 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ أَبُو طَلْحَةَ لاَ يَصُومُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَجْلِ الْغَزْوِ، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ أَرَهُ مُفْطِرًا إِلاَّ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى". (باب من اختار الغزو على الصوم). وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي أياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا ثابت البناني) بضم الموحدة وتخفيف النون (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان أبو طلحة) زيد بن سهل (لا يصوم على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أجل) التقوّي على (الغزو فلما قبض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكثر الإسلام واشتدت وطأة أهله على عدوّهم ورأى أن يأخذ بحظه من الصوم (لم أره مفطرًا إلا يوم فطر

30 - باب الشهادة سبع سوى القتل

أو أضحى) منوّنًا أي فكان لا يصومهما، والمراد بيوم الأضحى ما تشرع فيه الأضحية فتدخل فيه أيام التشريق. 30 - باب الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ 2829 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» هذا (باب) بالتنوين (الشهادة سبع سوى القتل). وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة (عن سمي) بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية أبي عبد الله مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام بن المغيرة القرشي المدني (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الشهداء خمسة) وعند مالك في الموطأ من حديث جابر بن عتيك: "الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله" وهو موافق لما ترجم به لكنه ليس على شرطه فلم يورده بل نبّه عليه في الترجمة إيذانًا بأن الوارد في عدّها من الخمسة والسبعة ليس على معنى التحديد الذي لا يزيد ولا ينقص أشار إليه ابن المنير. (المطعون) الذي يموت بالطاعون وهو غدّة كغدّة البعير تخرج في الآباط والمراق (والمبطون) المريض بالبطن (والغرق) بفتح الغين المعجمة وبعد الراء المكسورة قاف الذي يموت بالغرق (وصاحب الهدم) بفتح الهاء وسكون الدال الذي يموت تحته (والشهيد) الذي قتل (في سبيل الله) عز وجل، وزاد جابر بن عتيك في حديثه: الحريق وصاحب ذات الجنب والمرأة تموت بجمع بضم الجيم وفتحها وكسرها التي تموت حاملاً جامعة ولدها في بطنها أو هي البكر أو هي النفساء، وزاد مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة: ومن مات في سبيل الله فهو شهيد. ولأحمد من حديث راشد بن حبيش والسل بكسر السين المهملة وباللام، وفي السنن وصححه الترمذي من حديث سعيد بن زيد مرفوعًا: "من قتل دون ماله فهو شهيد" وقال في الدين والدم والأهل مثل ذلك، وللنسائي من حديث سويد بن مقرن مرفوعًا: "من قتل دون مظلمته فهو شهيد". وعند الدارقطني وصححه من حديث ابن عمر: موت الغريب. وفي حديث أبي هريرة عند ابن حبان: المرابط. وللطبراني من حديث ابن عباس: اللديغ والذي يفترسه السبع، ولأبي داود في حديث أم حرام المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد. ومن قال حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر فإن مات من يومه مات شهيدًا. قال الترمذي: حديث حسن غريب. وعند أبي نعيم عن ابن عمر: من صلّى الضحى وصام ثلاثة أيام من كل شهر ولم يترك الوتر كتب له أجر شهيد. وعن أبي ذر وأبي هريرة: إذا جاء الموت طالب العلم وهو على حاله مات شهيدًا. رواه ابن عبد البر في كتاب العلم. وعند الخطيب في تاريخه في ترجمة محمد بن داود الأصبهاني من حديث ابن عباس مرفوعًا: "من عشق فعف وكتم فمات فهو شهيد". ورواه السراج في مصارع العشاق من عشق فظفر فعف فمات مات شهيدًا، والمراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله أن يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء فضلاً منه سبحانه وتعالى. وقد قسم العلماء الشهداء ثلاثة أقسام: شهيد في الدنيا والآخرة وهو المقتول في حرب الكفار، وشهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا وهم المذكورون هنا، وشهيد في الدنيا دون الآخرة وهو من غل في الغنيمة أو قتل مدبرًا. والشهيد: فعيل من الشهود بمعنى مفعول لأن الملائكة تحضره وتبشره بالفوز والكرامة أو بمعنى فاعل لأنه يلقى ربه ويحضر عنده كما قال تعالى: {والشهداء عند ربهم} [الحديد: 19]. أو من الشهادة فإنه بين صدقه في الإيمان والإخلاص في الطاعة ببذل النفس في سبيل الله أو يكون تلو الرسل في الشهادة على الأمم يوم القيامة، ومن مات بالطاعون أو بوجع البطن أو نحوهما مما مرّ يلحق بمن قتل في سبيل الله لمشاركته إياه في بعض ما ينال من الكرامة بسبب ما كابده من الشدة لا في جملة الأحكام والفضائل. وهذا الحديث قد سبق في الصلاة، وأخرجه الترمذي في الجنائز والنسائي في الطب. 2830 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ». [الحديث 2830 - طرفه في: 5732]. وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة

31 - باب

وسكون الشين المعجمة السختياني المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك المروزي قال: (أخبرنا عاصم) هو ابن سليمان الأحول (عن حفصة بنت سيرين) أخت محمد بن سيرين (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الطاعون شهادة لكل مسلم) وفي حديث أبي عسيب عند أحمد مرفوعًا: "ورجز على الكافر". وفي حديث عتبة بن عبد عند الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به مرفوعًا: "يأتي الشهداء والمتوفون بالطاعون فيقول أصحاب الطاعون نحن شهداء. فيقال انظروا فإن كان جراحتهم كجراح الشهداء تسيل دمًا كريح المسك فهم شهداء فيجدونهم كذلك". وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الطب ومسلم في الجهاد. 31 - باب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ -إِلَى قَوْلِهِ- غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 95]. (باب قول الله تعالى) ولأبي ذر: عز وجل: ({لا يستوي القاعدون}) عن الجهاد ({من المؤمنين}) في موضع الحال من القاعدين أو من الضمير الذي فيه ومن للبيان، والمراد بالجهاد غزوة بدر قاله ابن عباس. وقال مقاتل: غزوة تبوك. ({غير أُولي الضرر}) برفع غير صفة للقاعدين والضرر كالعمى والعرج والمرض، ({والمجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم}) عطف على قوله: (القاعدون) أي لا مساواة بينهم وبين من قعد عن الجهاد من غير علة، وفائدته تذكير ما بينهما من التفاوت ليرغب القاعد في الجهاد رفعًا لرتبته وأنفة عن انحطاط منزلته ({فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة}) نصب بنزع الخافض أي بدرجة والجملة موضحة للجملة الأولى التي فيها عدم استواء القاعدين والمجاهدين كأنه قيل: ما بالهم لا يستوون؟ فأجيب بقوله: فضل الله المجاهدين ({وكلاًّ}) من القاعدين والمجاهدين ({وعد الله الحسنى}) المثوبة الحسنى وهي الجنة لحسن عقيدتهم وخلوص نيتهم وإنما التفاوت في زياد العمل المقتضي لمزيد الثواب ({وفضل الله المجاهدين على القاعدين}) كأنه قيل وأعطاهم زيادة على القاعدين ({أجرًا عظيمًا}) وأراد بقوله (إلى قوله: ({غفورًا رحيمًا}) [النساء: 95، 96]. تمام الآية أي غفورًا لما عسى أن يفرط منهم رحيمًا بهم، وقال في رواية أبي ذر بعد قوله: {غير أولي الضرر} إلى قوله: {غفورًا رحيمًا}. 2831 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "لَمَّا نَزَلَتْ {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْدًا فَجَاءَهُ بِكَتِفٍ فَكَتَبَهَا. وَشَكَا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ضَرَارَتَهُ فَنَزَلَتْ: {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}. [الحديث 2831 - طرفاه في: 4593، 4594، 4990]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي (قال: سمعت البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- يقول: لما نزلت) أي كادت أن تنزل ({لا يستوي القاعدون من المؤمنين} دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زيدًا) هو ابن ثابت الأنصاري (فجاء) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فجاءه (بكتف) بفتح الكاف وكسر المثناة الفوقية عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس (فكتبها) فيه. وفي رواية خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه عند أحمد وأبي داود إني لقاعد إلى جنب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ أوحي إليه وغشيته السكينة فوضع فخذه على فخذي. قال زيد: فلا والله ما وجدت شيئًا قطّ أثقل منها، فصرح خارجة بأن نزولها كان بحضرة زيد فيحتمل قوله في رواية الباب: دعا زيدًا فكتبها على أنه لما كادت أن تنزل كما مرّ. (وشكا ابن أم مكتوم) عمرو أو عبد الله بن زائدة العامري وأم مكتوم أمه واسمها عاتكة (ضرارته). بفتح الضاد المعجمة أي ذهاب بصره (فنزلت) {لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أُولي الضرر}. فإن قلت: لِمَ كرر الراوي {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} وهلا اقتصر على قوله: {غير أولي الضرر}؟ أجاب ابن المنير: بأن الاستثناء والنعت لا يجوز فصلهما عن أصل الكلام فلا بدّ أن تعاد الآية الأولى حتى يتصل بها الاستثناء والنعت. وقال السفاقسي: إن كان الوحي نزل بقوله: (غير أولي الضرر) فقط فكأن الراوي رأى إعادة الآية من أولها حتى يتصل الاستثناء بالمستثنى منه، وإن كان الوحي نزل بإعادة الآية بالزيادة بعد أن نزل بدونها فقد حكى الراوي صورة الحال. قال ابن حجر: والأول أظهر لرواية سهل بن سعد فأنزل الله تعالى: {غير أولي الضرر} وقال ابن الدماميني متعقبًا لابن المنير في قوله إن

32 - باب الصبر عند القتال

الاستثناء والوصف لا يجوز فصلهما إلخ ... ليس هذا فصلاً ولا يضر ذكره مجردًا عما قبله لأن المراد حكاية الزائد على ما نزل أوّلاً فيقتصر عليه لأنه الذي تعلق به الغرض، ولذا قال في الطريق الثانية عن زيد فأنزل الله تعالى {غير أولي الضرر} فماذا يعتذر به عن زيد بن ثابت مع كونه لم يصل الاستثناء أو النعت بما قبله؟ والحق أن كلاً الأمرين سائغ ثم إن اسثناء أولي الضرر يفهم التسوية بين القاعدين للعذر وبين المجاهدين، إذ الحكم المتقدم عدم الاستواء فيلزم ثبوت الاستواء لمن استثنى ضرورة أنه لا واسطة بين الاستواء وعدمه. وحديث الباب أخرجه أيضًا في التفسير ومسلم في الجهاد. 2832 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "رَأَيْتُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ , فَأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْلَى عَلَيْهِ: {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قَالَ فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يُمِلُّهَا عَلَىَّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ -وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى- فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي. فَثَقُلَتْ عَلَىَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي. ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}. [الحديث 2832 - طرفه في: 4592]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين (الزهري قال: حدّثني) بالإفراد (صالح بن كيسان) بفتح الكاف وسكون التحتية (عن ابن شهاب) الزهري (عن سهل بن سعد الساعدي) الصحابي -رضي الله عنه-. وقال الترمذي: لم يسمع منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو من التابعين. قال ابن حجر: لا يلزم من عدم السماع عدم الصحبة (أنه قال: رأيت مروان بن الحكم) التابعي أمير المدينة زمن معاوية ثم صار خليفة بعد (جالسًا في المسجد فأقبلت حتى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت) الأنصاري -رضي الله عنه- (أخبره) (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أملى عليه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أملى عليّ ({ولا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله}) [النساء: 95]. (قال: فجاء ابن أم مكتوم وهو يمليها عليّ) بضم المثناة التحتية وكسر الميم وضم اللام مشددة وهو مثل يمليها عليّ ويملي ويملل بمعنى ولعل الياء منقلبة عن إحدى اللامين (فقال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت)؟ أي لو استطعت وعبر بالمضارع إشارة إلى الاستمرار أو استحضارًا لصورة الحال، (وكان رجلاً أعمى) وهذا يفسر قوله في الرواية السابقة وشكا ضرارته (فأنزل الله تعالى على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفخذه على فخذي) بالذال المعجمة والواو للحال (فثقلت عليّ) فخذه الشريفة ثقل الوحي (حتى خفت أن ترض) بضم المثناة الفوقية وبعد الراء المفتوحة ضاد معجمة مثقلة أي تدق (فخذي) ولغير أبي ذر أن ترض بفتح أوله (ثم سري) بضم المهملة وتشديد الراء أي كشف (عنه فأنزل الله عز وجل: {غير أولي الضرر}) وفي رواية خارجة بن زيد عند أحمد وأبي داود قال زيد بن ثابت، فوالله لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع كان بالكتف. وحديث الباب من أفراد البخاري، ومسلم. 32 - باب الصَّبْرِ عِنْدَ الْقِتَالِ 2833 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى كَتَبَ فَقَرَأْتُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا». (باب) فضل (الصبر عند القتال) مع الكفار. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين الأزدي البغدادي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد الفزاري (عن موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (عن سالم أبي النضر) مولى عمر بن عبيد الله (أن عبد الله بن أبي أوفى كتب) أي إلى عمر بن عبيد الله (فقرأته أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا لقيتموهم) أي الكفار عند الحرب والتصاف (فاصبروا) ولا تنصرفوا عن الصف وجوبًا إذا لم يزد عدد الكفار على مثليكم بخلاف ما إذا زاد لقوله تعالى: {فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين} [الأنفال: 66]. الآية. وهو أمر بلفظ الخبر إذ لو كان خبرًا لم يقع بخلاف المخبر عنه (إلاّ متحرفًا لقتالٍ} كمن ينصرف ليكمن في موضع فيهجم أو ينصرف من مضيق ليتبعه العدوّ إلى متّسع سهل للقتال {أو متحيزًا إلى فئة} يستنجد بها ولو بعيدة فلا يحرم انصرافه قال تعالى: (إلاّ متحرفًا} [الأنفال: 16] الآية. وخرج بالتصاف ما لو لقي مسلم كافرين فله الانصراف وإن كان هو الذي طلبهما لأن فرض الجهاد، والثبات إنما هو في الجماعة. وقد مضى هذا الحديث في باب الجنة تحت بارقة السيوف؛ لكنه لم يذكر فيه قوله: إذا لقيتموهم فاصبروا وإنما قال: واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف. فقول بعض الشراح هنا ذكر فيه المؤلّف طرفًا من حديث ابن أبي أوفى، وقد تقدّم التنبيه عليه قريبًا في باب:

33 - باب التحريض على القتال، وقوله عز وجل: {حرض المؤمنين على القتال} [الأنفال: 65]

الجنة تحت بارقة السيوف لا يخفى ما فيه من التجوّز إذ لم يقع ذلك لا في المتن ولا في الشرح والله أعلم. 33 - باب التَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَالِ، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: 65] 2834 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْخَنْدَقِ فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ، فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ. فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا [الحديث 2834 - أطرافه في: 2835، 2961، 3795، 3796، 4099، 4100، 6413، 7201]. (باب التحريض على القتال، وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على المجرور السابق ولأبي ذر وقول الله عز وجل {حرض المؤمنين على القتال} [الأنفال: 65]، أي حثهم عليه. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا معاوية بن عمرو) البغدادي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم الفزاري (عن حميد) بضم الحاء المهملة وفتح الميم مصغرًا الطويل أنه (قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- يقول: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الخندق) في شوّال سنة خمس من الهجرة (فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون) فيه بكسر الفاء حال كونهم (في غداة باردة فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك) الحفر (لهم، فلما رأى) عليه الصلاة والسلام (ما بهم) أي الأمر المتلبس بهم (من النصب) أي التعب (والجوع قال): عليه الصلاة والسلام محرّضًا لهم على عملهم الذي هو بسبب الجهاد. (اللهم إن العيش) المعتبر أو الباقي المستمر (عيش الآخرة) لا عيش الدنيا (فاغفر للأنصار والمهاجرة) بضم الميم وكسر الجيم وللأنصار بلام الجر ويخرج به عن الوزن، وفي نسخة: فاغفر الأنصار بالألف بدل اللام وهذا من قول ابن رواحة تمثل به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال الداودي: وإنما قال ابن رواحة لاهمّ بلا ألف ولا لام فأتى به بعض الرواة على المعنى وإنما يتزن هكذا، وتعقبه في المصابيح فقال: هذا توهيم للرواة من غير داعٍ إليه فلا يمتنع أن يكون ابن رواحة قال: اللهمَّ بألف ولام على جهة الخزم يعني بالخاء المعجمة والزاي وهو الزياة على أول البيت حرفًا فصاعدًا إلى أربعة، وكذا على أول النصف الثاني حرفًا أو اثنين على الصحيح هذا أمر لا نزاع فيه بين العروضين ولم يقل أحد منهم بامتناعه وإن لم يستحسنوه، ولا قال أحد إن الخرْم يقتضي إلغاء ما هو فيه حتى أنه لا يعدّ شعراء نعم الزيادة لا يعتدّ بها في الوزن ويكون ابتداء النظم ما بعدها فكذا ما نحن فيه اهـ. (فقالوا) الأنصار والمهاجرة حال كونهم (مجيبين له) عليه الصلاة والسلام. (نحن الذين بايعوا) ولأبي ذر: عن الحموي والمستملي بايعنا (محمدًا) على الجهاد ما بقينا أبدًا. وقال ابن بطال: ليس هو من قوله عليه الصلاة والسلام، ولو كان لم يكن به شاعرًا وإنما يسمى به من قصد صناعته وعلم السبب والوتد وجميع معايبه من الزحاف والخزم والقبض ونحو ذلك اهـ. وفي نظر لأن شعراء العرب لم يكونوا يعلمون ما ذكره من ذلك. 34 - باب حَفْرِ الْخَنْدَقِ 2835 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "جَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ وَيَقُولُونَ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا ... عَلَى الإِسْلاَمِ مَا بَقِينَا أَبَدًا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُجِيبُهُمْ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الآخِرَهْ، فَبَارِكْ فِي الأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ. (باب) ذكر (حفر الخندق) حول المدينة. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة عبد الله بن عمرو المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن صهيب البصريون (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: جعل المهاجرون والأنصار) في غزوة الأحزاب (يحفرون الخندق حول المدينة) وكان الذي أشار بحفره سلمان الفارسي -رضي الله عنه- (وينقلون التراب على متونهم) جمع متن ومتنًا مكتنفًا الصلب عن يمين وشمال من عصب ولحم يذكّر ويؤنّث (ويقولون): نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الإسلام ما بقينا أبدًا ولأبي ذر عن الحموي والمستملي على الجهاد ويتّزن البيت بهذه الرواية. وقال الزركشي: هو الصواب، وتعقبه الدماميني بأن كونه غير موزونه لا يعدّ خطأ فلم لا يجوز أن يكون هذا الكلام نثرًا مسجعًا وإن وقع بعضه موزونًا بحيث إذا روى أحد فيها شيئًا لا يدخل في الوزن حكم بخطئه؟ (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجيبهم ويقول): (اللهم إنه لا خير) مستمر (إلا خير الآخرة، فبارك في الأنصار والمهاجرة). وفي الحديث السابق أنهم كانوا يجيبونه عليه الصلاة والسلام فقد كان تارة يجيبهم وتارة يجيبونه. 2836 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- يَقُول: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْقُلُ وَيَقُولُ: لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا". [الحديث 2836 - أطرافه في: 2837، 3034، 4104، 4106، 6620، 7236]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه (قال: سمعت البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- يقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم حفر الخندق

35 - باب من حبسه العذر عن الغزو

(ينقل) أي التراب (ويقول): (لولا أنت ما اهتدينا). وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الجهاد والمغازي ومسلم في المغازي والنسائي في السير. 2837 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الأَحْزَابِ يَنْقُلُ التُّرَابَ -وَقَدْ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ- وَهُوَ يَقُولُ: لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلِ السَّكِينَةَ عَلَيْنَا، وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا، إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا , إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا". وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: رأيت رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الأحزاب) سمي به لاجتماع القبائل واتفاقهم على محاربته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يوم الخندق (ينقل التراب) من الخندق (وقد وارى) أي ستر (التراب بياض بطنه وهو يقول): (لولا أنت ما اهتدينا) قال الزركشي: هكذا روى لولا وصوابه في الوزن لا همّ أو تالله لولا أنت ما اهتدينا. قال في المصابيح: وهذا عجيب فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو المتمثل بهذا الكلام والوزن لا يجري على لسانه الشريف غالبًا. (ولا تصدقنا ولا صلينا، فأنزل السكينة) أي الوقار (علينا) وللأصيلي وأبوي الوقت وذر عن الكشميهني: فأنزلن بنون التوكيد الخفيفة سكينة بالتنكير، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فأنزل بحذف النون والجزم سكينة بالتنكير (وثبت الأقدام إن لاقينا) الكفار (إن الألى) هو من الألفاظ الموصولات لا من أسماء الإشارة جمعًا للمذكر (قد بغوا علينا) من البغي وهو الظلم وهذا أيضًا غير متزن فيتزن بزيادة هم فيصير إن الألى هم قد بغوا علينا (إذا أرادوا فتنة أبينا) من الإباء. 35 - باب مَنْ حَبَسَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْغَزْوِ 2838 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ قَالَ: "رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 2838 - طرفاه في: 2839، 4423]. (باب من حبسه العذر) بالذال المعجمة وهو الوصف الطارئ على المكلف المناسب للتسهيل عليه (عن الغزو) فله أجر المغازي. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) اليربوعي ونسبه لجدّه لشهرته به واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية الجعفي قال: (حدّثنا حميد) الطويل (أن أنسًا) هو ابن مالك (حدّثهم قال: رجعنا من غزوة تبوك مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). قال المؤلّف: (حدّثنا) وفي بعض الأصول ح للتحويل. وحدّثنا (سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد هو ابن زيد عن حميد) الطويل (عن أنس رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في غزاة) هي غزوة تبوك كما هو في رواية زهير (فقال): 2839 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ فِي غَزَاةٍ فَقَالَ: إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلاَ وَادِيًا إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ". وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الأَوَّلُ أَصَحُّ. (إن أقوامًا بالمدينة خلفنا) بسكون اللام أي وراءنا (ما سلكنا شعبًا) بكسر الشين المعجمة وسكون العين المهملة بعدها موحدة طريقًا في الجبل (ولا واديًا إلاّ وهم معنا فيه) أي في ثوابه، ولابن حبان وأبي عوانة من حديث جابر: إلاّ شركوكم في الأجر بدل قوله إلا وهم معكم. وللإسماعيلي من طريق أخرى عن حماد بن زيد: إلاّ وهم معكم فيه بالنيّة، ولأبي داود عن حماد: لقد تركتم بالمدينة أقوامًا ما سرتم من مسير ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم واديًا إلاّ وهم معكم فيه. قالوا: يا رسول الله وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال: (حبسهم العذر) هو أعم من المرض فيشمل عدم القدرة على السفر وغيره. وفي مسلم من حديث جابر: حبسهم المرض وهو محمول على الغالب. (وقال موسى) بن إسماعيل شيخ المؤلّف: (حدّثنا حماد) هو ابن سلمة (عن حميد) الطويل (عن موسى بن أنس عن أبيه) أنس بن مالك (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قال أبو عبد الله): البخاري السند (الأول) المحذوف منه موسى بين حميد وأنس (أصح) من الثاني المثبت فيه موسى، ولأبي ذر: الأول عندي أصح، واعترضه الإسماعيلي بأن حمادًا عالم بحديث حميد مقدّم فيه على غيره. قال في الفتح: وإنما قال ذلك لتصريح حميد بتحديث أنس له كما تراه ولا مانع أن يكون حميد سمع هذا من موسى عن أبيه، ثم لقي أنسًا فحدّثه به أو سمع من أنس فثبته فيه ابنه موسى اهـ. وفيه: أن المؤمن يبلغ بنيته أجر العامل إذا منعه العذر عن العمل كمن غلبه النوم عن صلاة الليل فإنه يكتب له أجر صلاته ويكون نومه صدقة عليه من ربه. رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذر أو أبي الدرداء شك شعبة مرفوعًا. ورواه ابن خزيمة موقوفًا. 36 - باب فَضْلِ الصَّوْمِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (باب فضل الصوم) في الجهاد (في سبيل الله) أو المراد ابتغاء وجه الله لئلا يعارض أولوية الفطر في الجهاد عن الصوم لأنه يضعف عن اللقاء، لكن يؤيد الأول ما في حديث أبي هريرة المروي في فوائد أبي الطاهر

37 - باب فضل النفقة في سبيل الله

الذهلي ما من مرابط يرابط في سبيل الله فيصوم يومًا في سبيل الله الحديث. وحينئذ فالأولوية المذكورة محمولة على من يضعفه الصوم عن الجهاد، أما من لم يضعفه فالصوم في حقه أفضل لأنه يجمع بين الفضيلتين. 2840 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَسُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا». وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر فنسبه إلى جده ويعرف بالسعدي لأنه نزل بباب بني سعد قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرنا) بالإفراد (يحيى بن سعيد) الأنصاري (وسهيل بن أبي صالح أنهما سمعا النعمان بن أبي عياش) بتشديد التحتية وبعد الألف شين معجمة واسمه زيد بن الصلت وقيل زيد بن النعمان الزرقي الأنصاري (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) بالدال المهملة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من صام يومًا في سبيل الله) عز وجل (بعّد الله) بتشديد العين (وجهه) أي ذاته كلها (عن النار سبعين خريفًا) أي سنة. وعند أبي يعلى من طريق زياد بن فائد عن معاذ بن أنس: بعّد من النار مائة عام سير المضمر الجواد. وعند الطبراني في الصغير والأوسط بإسناد حسن عن أبي الدرداء: "جعل الله بينه وبين النار خندقًا كما بين السماء والأرض". وفي كامل ابن عدي عن أنس تباعدت منه جهنم خمسمائة عام قيل ظاهرها التعارض. وأجيب: بالاعتماد على رواية سبعين للاتفاق عليها في الصحيح أولى أو أن الله أعلم نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالأدنى ثم ما بعده على التدريج أو أن ذلك بحسب اختلاف أحوال الصائمين في كمال الصوم ونقصانه. 37 - باب فَضْلِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (باب فضل النفقة) أي الإنفاق في الجهاد (في سبيل الله) أو في الجهاد وغيره مما يقصد به وجه الله تعالى. 2841 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دَعَاهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ -كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ-: أَىْ فُلُ، هَلُمَّ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَاكَ الَّذِي لاَ تَوَى عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (سعد بن حفص) أبو محمد الطلحي الكوفي قال: (حدّثنا شيبان) بفتح الشين المعجمة وسكون التحتية وفتح الموحدة ابن عبد الرحمن أبو معاوية النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من أنفق زوجين) أي صنفين مقترنين شكلين كانا أو نقيضين وكل واحد منهما زوج، ومراده أن يشفع المنفق ما ينفقه من دينار أو درهم أو سلاح أو غيره. وقال الداودي: ويقع الزوج على الواحد والاثنين وهو هنا على الواحد جزمًا. وفي رواية إسماعيل القاضي: من أنفق زوجين من ماله (في سبيل الله) عام في جميع أنواع الخير أو خاص بالجهاد (دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب) أي خزنة كل باب فهو من المقلوب (أي فل)، بضم اللام وإسكانها وليس ترخيمًا لأنه لا يقال إلا بسكون اللام ولو كان ترخيمًا لفتحوها أو ضموها. قال سيبويه؛ ليس ترخيمًا إنما هي صيغة ارتجلت في باب النداء، وقد جاء في غير النداء في لجة أمسك فلانًا عن فل. فكسر اللام للقافية. وقال الأزهري: ليس بترخيم فلان ولكنها كلمة على حدة فبنو أسد يوقعونها على الواحد والاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد وغيرهم يثني ويجمع ويؤنث فيقول: يا فلان ويا فلان ويا فلة ويا فلتان ويا فلات، وفلان وفلانة كناية عن الذكر والأنثى من الناس، فإن كنيت بهما عن غير الناس قلت الفلان والفلانة. وقال قوم: إنه ترخيم فلان فحذف النون للترخيم والألف لسكونها وتفتح اللام وتضم على مذهبي الترخيم قاله ابن الأثير أي فلان. (هلم) بفتح الهاء وضم اللام وتشديد الميم أي تعال. (قال أبو بكر): الصديق -رضي الله عنه- (يا رسول الله ذاك الذي) يدعوه خزنة كل باب (لا توى عليه) بفتح المثناة الفوقية والواو مقصورًا أي لا بأس عليه أن يدخل بابًا ويترك آخرًا (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إني لأرجو أن تكون منهم) أي ممن يدعى من تلك الأبواب كلها. وهذا الحديث سبق في الصيام وأخرجه أيضًا في فضل أبي بكر ومسلم في الزكاة. 2842 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلاَلٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ. ثُمَّ ذَكَرَ زَهْرَةَ الدُّنْيَا فَبَدَأَ بِإِحْدَاهُمَا وَثَنَّى بِالأُخْرَى. فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قُلْنَا يُوحَى إِلَيْهِ، وَسَكَتَ النَّاسُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِمِ الطَّيْرَ. ثُمَّ إِنَّهُ مَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ الرُّحَضَاءَ فَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ آنِفًا؟ أَوَخَيْرٌ هُوَ- ثَلاَثًا. إِنَّ الْخَيْرَ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِالْخَيْرِ. وَإِنَّهُ كُلُّ مَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ، أكلَتْ حَتَّى امْتَلأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ ثُمَّ رَتَعَتْ. وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ لِمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ فَجَعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ، وَمَنْ لَمْ يَأْخُذْهُ بِحَقِّهِ فَهْوَ كَالآكِلِ الَّذِي لاَ يَشْبَعُ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون العوفي الباهلي الأعمى قال: (حدّثنا فليح) هو ابن سليمان قال: (حدّثنا هلال) هو ابن أبي ميمونة الفهري (عن عطاء بن يسار)

38 - باب فضل من جهز غازيا أو خلفه بخير

بالمهملة المخففة (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قام على المنبر) وفي طريق معاذ بن فضالة عن هشام عن هلال في باب الصدقة على اليتامى جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله (فقال): (إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض). (ثم ذكر زهرة الدنيا) أي حسنها وبهجتها الفانية (فبدأ بإحداهما) أي ببركات الأرض (وثنى بالأخرى) أي بزهرة الدنيا (فقام رجل) لم أعرف اسمه (فقال: يا رسول الله، أو يأتي الخير بالشر)؟ بفتح الواو أي تصير النعمة عقوبة؟ (فسكت عنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قلنا يوحى إليه وسكت الناس كأن على رؤوسهم الطير) كأنهم يريدون صيده فلا يتحركون مخافة أن يطير (ثم إنه) عليه الصلاة والسلام (مسح عن وجهه الرحضاء) بضم الراء وفتح الحاء المهملة والضاد المعجمة ممدودًا العرق الذي أدره عند نزول الوحي عليه (فقال): (أين السائل آنفًا)؟ بمدّ الهمزة وكسر النون الآن (أو خير هو) بفتح الواو والهمزة استفهام على سبيل الإنكار أي المال هو خير قالها (ثلاثًا): (إن الخير) الحقيقي (لا يأتي إلا بالخير) وهذا ليس بخير حقيقي لما فيه من الفتنة والاشتغال عن كمال الإقبال إلى الآخرة. (وإنه كلما) بفتح اللام ولأبي ذر كل ما بضمها (ينبت الربيع) بضم التحتية من الإنبات والربيع رفع على الفاعلية وهو الجدول الذي يستقى به (ما يقتل) قتلاً (حبطًا) بفتح الحاء المهملة والموحدة والطاء المهملة منصوب على التمييز وهو انتفاخ البطن من كثرة الأكل وسقط قوله ما لأبي ذر وحده وقوله حبطًا له ولأبي الوقت والأصيلي (أو يلم) بضم أوله وكسر ثانيه وتشديد ثالثه أي يقرب أن يقتل (كلما أكلت) ضبب على كلما في اليونينية وكتب في الحاشية صوابه إلا آكلة الخضر بضم الخاء وفتح الضاد المعجمتين وآكلة بمدّ الهمزة والاستثناء مفرغ والأصل كلما ينبت الربيع ما يقتل آكلة إلا الدابة التي تأكل الخضر فقط أكلت أي آكلة الخضر (حتى إذا امتلأت) ولأبي ذر: حتى إذا امتدّت (خاصرتاها) شبعًا (استقبلت الشمس فثلطت) بفتح المثلثة واللام المخففة والطاء المهملة آخره فوقية أي ألقت بعرها سهلاً رقيقًا (وبالت) فزال عنها الحبط وإنما تحبط الماشية لأنها تمتلئ بطونها ولا تثلط ولا تبول فتنتفخ بطونها فيعرض لها المرض فتهلك (ثم رتعت) وهذا مثل ضربه للمقتصد في جمع الدنيا المؤدي حقها الناجي من وبالها كما نجت آكلة الخضر (وإن هذا المال خضرة) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين أي من حيث المنظر وأنّثه مع أن المال مذكّر باعتبار أنه زهرة الدنيا فالتأنيث وقع على التشبيه أو التاء للمبالغة كراوية وعلامة (حلوة) أي من حيث الذوق (ونعم) أي المال (صاحب المسلم لمن أخذه بحقه) بأن جمعه من حلال (فجعله في سبيل الله) جميع أنواع الخير ومنها الجهاد وهو موضع الترجمة. وقد روى النسائي والترمذي وقال: حسن، وابن حبان في صحيحه وصححه الحاكم من حديث خريم بن فاتك بالراء مصغرًا ابن فاتك بالفاء الفوقية المكسورة رفعه: "من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف". وعند ابن ماجه من حديث أبي هريرة وغيره مرفوعًا: "من أرسل نفقة في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم ومن غزا في سبيل الله بنفسه وأنفق في وجه ذلك فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم ثم تلا هذه الآية: {والله يضاعف لمن يشاء} [البقرة: 261]. (واليتامى والمساكين) ولأبي ذر عن الكشميهني زيادة: وابن السبيل (ومن لم يأخذه) أي المال (بحقه) ولأبي ذر: يأخذها أي زهرة الدنيا (فهو كالأكل الذي لا يشبع) لأنه كلما نال منه شيئًا ازدادت رغبته واستقل ما عنده ونظر إلى ما فوقه، وسقط لأبي ذر لفظ الذي (ويكون) ماله (عليه شهيدًا يوم القيامة) بأن ينطق الله الصامت منه بما فعل أو يمثل مثاله. وهذا الحديث قد سبق في باب الصدقة على اليتامى من كتاب الزكاة ويأتي إن شاء الله تعالى بمنّه وعونه في الرقاق. 38 - باب فَضْلِ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ خَلَفَهُ بِخَيْرٍ (باب فضل من جهز غازيًا أو خلفه) بتخفيف اللام أي قام بعده في أهله من يتركه (بخير) بأن قام عنه بما كان

39 - باب التحنط عند القتال

يفعله. 2843 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا». وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا الحسين) بضم الحاء وفتح السين ابن ذكوان المعلم البصريون قال: (حدّثني) بالإفراد (يحيى) هو ابن كثير اليمامي الطائي (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف قال: (حدّثني) بالإفراد كذلك (بسر بن سعيد) بضم الموحدة وسكون المهملة وكسر عين سعيد مولى الحضرمي من أهل المدينة (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (زيد بن خالد) أبو عبد الرحمن الجهني (-رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من جهز غازيًا في سبيل الله بخير) بأن هيأ له أسباب سفره من ماله أو من مال المغازي (فقد غزا) أي فله مثل أجر المغازي وإن لم يغز حقيقة من غير أن ينقص من أجر المغازي شيء لأن المغازي لا يتأتى منه الغزو إلا بعد أن يكفى ذلك العمل فصار كأنه يباشر معه الغزو ولكنه يضاعف الأجر لمن جهز من ماله ما لا يضاعف لمن دلّه أو أعانه إعانة مجردة عن بذل المال. نعم من تحقق عجزه عن الغزو وصدقت نيّته ينبغي أن لا يختلف أن أجره يضاعف كأجر العامل المباشر لما مرّ فيمن نام عن حزبه. (ومن خلّف غازيًا في سبيل الله بخير) في أهله ومن يتركه بأن ناب عنه في مراعاتهم وقضاء مآربهم زمان غيبته (فقد غزا) أي شاركه في الأجر من غير أن ينقص من أجره شيء لأن فراغ المغازي له واشتغاله به بسبب قيامه بأمر عياله فكأنه مسبب من فعله. وفي حديث عمر بن الخطاب مرفوعًا: "من جهز غازيًا حتى يستقل كان له مثل أجره حتى يموت أو يرجع" رواه ابن ماجة. وفي الطبراني الأوسط برجال الصحيح مرفوعًا: "من جهز غازيًا في سبيل الله فله مثل أجره ومن خلف غازيًا في أهله بخير وأنفق على أهله فله مثل أجره". وفي حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في صحيح ابن حبان مرفوعًا: "من أظل رأس غازٍ أظله الله يوم القيامة" الحديث. فإن قلت: هل من جهز غازيًا على الكمال ويخلفه بخير في أهله أجر غازيين أو غازٍ واحد؟ أجاب ابن جمرة: بأن ظاهر اللفظ يفيد أن له أجر غازيين لأنه عليه الصلاة والسلام جعل كل فعل مستقلاً بنفسه غير مرتبط بغيره. وحديث الباب أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في الجهاد. 2844 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ بَيْتًا بِالْمَدِينَةِ غَيْرَ بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ، إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِ، فَقِيلَ لَهُ: فَقَالَ: إِنِّي أَرْحَمُهَا، قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري وسقط ابن إسماعيل لغير أبي ذر قال: (حدّثنا همام) بتشديد الميم ابن يحيى الشيباني (عن إسحاق بن عبد الله) بن أبي طلحة (عن أنس- رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن يدخل بيتًا) يكثر دخوله (بالمدينة غير بيت أم سليم) سهلة أو اسمها رميلة أو الغميصاء وهي أم أنس (إلا على أزواجه) أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- (فقيل له): أي لِمَ تخص أم سليم بكثرة الدخول إليها؟ ولم يسمّ القائل (فقال): عليه الصلاة والسلام: (إني أرحمها، قتل أخوها) حرام بن ملحان يوم بئر معونة (معي) أي في عسكري أو على أمري وفي طاعتي لأنه عليه الصلاة والسلام لم يشهد بئر معونة كما سيأتي إن شاء الله تعالى في المغازي، وتعليل الكرماني دخوله عليه الصلاة والسلام على أم سليم بأنها كانت خالته من الرضاعة أو النسب وأن المحرمية سبب لجواز الدخول لا يحتاج إليه لأن من خصائصه عليه الصلاة والسلام جواز الخلوة بالأجنبية لثبوت عصمته. وقد ظهرت مطابقة الحديث للترجمة من حيث أنه عليه الصلاة والسلام خلف أخاها في أهله بخير بعد وفاته وحسن العهد من الإيمان وكفى بجبر الخاطر والتودّد خيرًا لا سيما من سيد الخلق -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل. 39 - باب التَّحَنُّطِ عِنْدَ الْقِتَالِ (باب التحنط) أي استعمال الحنوط وهو ما يطيب به الميت (عند القتال). 2845 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ قَالَ: وَذَكَرَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ قَالَ: "أَتَى أَنَسٌ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ وَقَدْ حَسَرَ عَنْ فَخِذَيْهِ وَهْوَ يَتَحَنَّطُ فَقَالَ: يَا عَمِّ مَا يَحْبِسُكَ أَنْ لاَ تَجِيءَ؟ قَالَ: الآنَ يَا ابْنَ أَخِي، وَجَعَلَ يَتَحَنَّطُ -يَعْنِي مِنَ الْحَنُوطِ- ثُمَّ جَاءَ فَجَلَسَ، فَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ انْكِشَافًا مِنَ النَّاسِ فَقَالَ: هَكَذَا عَنْ وُجُوهِنَا حَتَّى نُضَارِبَ الْقَوْمَ، مَا هَكَذَا كُنَّا نَفْعَلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بِئْسَ مَا عَوَّدْتُمْ أَقْرَانَكُمْ". رَوَاهُ حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) أبو محمد الحجبي البصري قال: (حدّثنا خالد) بن الحرث الهجيمي بضم الهاء وفتح الجيم قال (حدّثنا ابن عون) عبد الله (عن موسى بن أنس) أي ابن مالك أنه (قال: وذكر) بواو الحال ولأبي ذر عن الحموي ذكر بإسقاطها (يوم) وقعة (اليمامة)

40 - باب فضل الطليعة

التي كانت بين المسلمين وبين بني حنيفة أصحاب مسيلمة في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر واليمامة بتخفيف الميم مدينة من اليمن على مرحلتين من الطائف سميت بامرأة زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام (قال: أتى) أبي (أنس) بالرفع على الفاعلية (ثابت بن قيس) هو ابن شماس بفتح الشين المعجمة وتشديد الميم آخره سين مهملة الخزرجي خطيب الأنصار (وقد حسر) بمهملتين مفتوحتين أي كشف (عن فخذيه) بالذال المعجمة واستدلّ به على أن الفخذ ليس بعورة (وهو يتحنط) يستعمل الحنوط في بدنه والواو للحال (فقال) أي أنس لثابت (يا عم) دعاه بذلك لأنه كان أسنّ منه ولأنه من قبيلته الخزرج (ما يحبسك) أي ما يؤخرك (ألا تجيء) بتشديد اللام وتجيء بالنصب (قال: الآن يا ابن أخي) أجيء (وجعل يتحنط يعني من الحنوط) بفتح الحاء، (ثم جاء) زاد الطبراني وقد تحنط ونشر أكفانه (فجلس فذكر) أنس (في الحديث انكشافًا) أي نوع انهزام (من الناس) وعند ابن أبي زائدة عن ابن عون عند الطبراني فجاء حتى جلس في الصف والثاني ينكشفون (فقال: هكذا عن وجوهنا) أي افسحوا لنا (حتى نضارب القوم)، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بالقوم بزيادة حرف الجر (ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بل كان الصف لا ينحرف عن موضعه (بئسما عوّدتم أقرانكم) من الفرار من عدوّكم حتى طمعوا فيكم. وزاد ابن أبي زائدة فتقدم فقاتل حتى قتل. وأقرانكم بالنصب على المفعولية جمع قرن بكر القاف وهو الذي يعادل الآخر في الشّدة، ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني: بئسما عوّدكم أقرانكم بالرفع فاعل عوّدكم. (رواه) أي الحديث (حماد) هو ابن سلمة (عن ثابت) هو البناني (عن أنس) هو ابن مالك ولفظه فيما رواه الطبراني: أن ثابت بن قيس بن شماس جاء يوم اليمامة وقد تحنط ولبس ثوبين أبيضين تكفن فيهما وقد انهزم القوم فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء ثم قال: بئسما عوّدتم أقرانكم منذ اليوم خلوا بيننا وبينهم ساعة فحمل فقاتل حتى قتل، وكانت درعه قد سرقت فرآه رجل فيما يرى النائم فقال: إنها في قدر تحت أكاف بمكان كذا وكذا فأوصاه بوصايا فوجدوا الدرع وأنفذوا وصاياه، وعند الحاكم أنه أوصى بعتق بعض رقيقه. 40 - باب فَضْلِ الطَّلِيعَةِ (باب فضل الطليعة) بفتح الطاء المهملة وكسر اللام اسم جنس يشمل الواحد فأكثر وهو من يبعث إلى العدوّ ليطلع على أحوالهم. 2846 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ يَوْمَ الأَحْزَابِ؟ قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا. ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ؟ قَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ". [الحديث 2846 - أطرافه في: 2847، 2997، 3719، 4113، 7261]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير التيمي المدني (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) عن أبيه أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من يأتيني بخبر القوم) بني قريظة (يوم الأحزاب) لما اشتد الأمر وذلك أن الأحزاب من قريش وغيرهم لما جاؤوا إلى المدينة وحفر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخندق بلغ المسلمين أن بني قريظة من اليهود نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين المسلمين ووافقوا قريشًا على حرب المسلمين (قال) ولأبي ذر: فقال (الزبير): بن العوّام القرشي أحد العشرة (أنا) آتيك بخبرهم (ثم قال): عليه الصلاة والسلام (من يأتيني بخبر القوم) (قال) ولأبي ذر: فقال (الزبير: أنا) مرتين، وعند النسائي من رواية وهب بن كيسان أشهد لسمعت جابرًا يقول لما اشتد الأمر يوم بني قريظة قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من يأتينا بخبرهم" فلم يذهب أحد فذهب الزبير فجاء بخبرهم، ثم اشتد الأمر أيضًا فقال عليه الصلاة والسلام: "من يأتينا بخبرهم" فلم يذهب أحد فذهب الزبير وفيه أن الزبير توجه إليهم ثلاث مرات. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن لكل نبي حواريًّا) بفتح الحاء المهملة والواو وبعد الألف راء مكسورة فتحتية مشددة أي خاصة من أصحابه. وقال الترمذي: الناصر، ومنه الحواريون أصحاب عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام

41 - باب هل يبعث الطليعة وحده

أي خلصاؤه وأنصاره، وقال قتادة فيما رواه عبد الرزاق: الوزير (وحواري الزبير) إضافة إلى ياء المتكلم فحذف الياء وقد ضبطه جماعة بفتح الياء وهو الذي في الفرع وغيره وآخرون بالكسر وهو القياس، لكنهم حين استثقلوا ثلاث ياءات حذفوا ياء المتكلم وأبدلوا من الكسرة فتحة. وقد استشكل ذكر الزبير هنا فقال ابن الملقن في التوضيح المشهور كما قاله شيخنا فتح الدين اليعمري: إن الذي توجه ليأتي بخبر القوم حذيفة بن اليمان. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وهذا الحصر مردود فإن القصة التي ذهب لكشفها غير القصة التي ذهب حذيفة لكشفها، فقصة الزبير كانت لكشف خبر بني قريظة هل نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين المسلمين ووافقوا قريشًا على محاربة المسلمين. وقصة حذيفة كانت لما اشتد الحصار على المسلمين بالخندق وتمالأت عليهم الطوائف، ثم وقع بين الأحزاب الاختلاف وحذرت كل طائفة من الأخرى، وأرسل الله عليهم الريح واشتد البرد تلك الليلة فانتدب عليه الصلاة والسلام من يأتيه بخبر قريش فانتدب له حذيفة بعد تكراره طلب ذلك. وحديث الباب أخرجه البخاري أيضًا في المغازي ومسلم في الفضائل والترمذي في المناقب والنسائي فيه وفي السير وابن ماجه في السُّنّة. 41 - باب هَلْ يُبْعَثُ الطَّلِيعَةُ وَحْدَهُ هذا (باب) بالتنوين (هل يبعث الطليعة) بالرفع مفعول ناب عن الفاعل، ولأبي ذر: يبعث بفتح أوله الطليعة بالنصب على المفعولية أي هل يبعثه الإمام إلى كشف العدوّ (وحده)؟ 2847 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "نَدَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّاسَ -قَالَ صَدَقَةُ أَظُنُّهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ- فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَ النَّاسَ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَ النَّاسَ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ"». وبه قال: (حدّثنا صدقة) بن الفضل قال: (أخبرنا ابن عيينة) سفيان قال: (حدّثنا ابن المنكدر) محمد (أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: ندب) أي دعا (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال صدقة): شيخ المؤلّف (أظنه) أي الندب (يوم الخندق) وقد رواه الحميدي عن ابن عيينة فقال فيه يوم الخندق من غير شك (فانتدب الزبير) أي أجاب (ثم ندب الناس فانتدب الزبير) وسقط لفظ الناس لغير أبي ذر (ثم ندب الناس فانتدب الزبير، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): بعد الثالثة وسقط لأبي ذر لفظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (إن لكل نبيّ حواريًّا) بتخفيف الواو ناصرًا أو وزيرًا (وإن حواري) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: وحواري (الزبير بن العوّام) فيه منقبة للزبير وقوة قلبه وشجاعته. 42 - باب سَفَرِ الاِثْنَيْنِ 2848 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْجُوَيْرِثِ قَالَ: "انْصَرَفْتُ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَنَا -أَنَا وَصَاحِبٍ لِي-: أَذِّنَا وَأَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا". (باب) جواز (سفر) الشخصين (الاثنين) معًا. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا أبو شهاب) موسى بن نافع الأسدي الحناط بالحاء المهملة والنون مشهور بكنيته وهو أكبر (عن خالد الحذاء) بفتح الحاء المهملة والذال المعجمة المشددة ممدودًا (عن أبي قلابة) بكسر القاف وتخفيف اللام عبد الله بن زيد البصري (عن مالك بن الحويرث) بضم الحاء المهملة وفتح الواو آخره مثلثة مصغرًا أنه (قال: انصرفت من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال لنا أنا) تأكيد أو بيان أو بدل من المجرور أو خبر مبتدأ محذوف (وصاحب لي) هو ابن عمه وهو ليثي وصاحب بالجر أو بالرفع عطفًا على سابقه أي لما أردنا السفر إلى أهلينا إذ أنتما خرجتما: (أذنا وأقيما) بكسر المعجمة أي من أحب منكما أن يؤذن فليؤذن أو المراد أن أحدهما يؤذن والآخر يجيب لا أنهما يؤذنان معًا (وليؤمكما) بسكون اللام وفتح الميم (أكبركما). ومطابقة الحديث للترجمة من كونهما لما أرادا السفر قال لهما عليه الصلاة والسلام أذنا فأقرّهما على ذلك، وحديث (الراكبان شيطانان) المروي بإسناد حسن وصححه ابن خزيمة قال الطبري: إنه زجر أدب وإرشاد حسمًا للمادة فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة له ويأتي إن شاء الله تعالى البحث في ذلك في محله، وقد سبق الحديث في باب: الأذان للمسافر من كتاب مواقيت الصلاة. 43 - باب الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ 2849 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». [الحديث 2849 - طرفه في: 3644]. هذا (باب) بالتنوين (الخيل معقود في نواصيها الخير) أي لازم لها (إلى يوم القيامة). وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن رافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال

رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) لفظ عام والمراد به الخصوص أي الخيل الغازية في سبيل الله لقوله في الحديث الآخر: الخيل لثلاثة أو المراد جنس الخيل أي أنها بصدد أن يكون فيها الخير فأما من ارتبطها لعمل غير صالح فحصول الوزر لطريان ذلك الأمر العارض. ولأبي ذر: معقود في نواصيها الخير فأثبت لفظة معقود كالإسماعيلي من رواية عبد الله عن مالك عن نافع وسقطت في الموطأ كرواية غير أبي ذر وكذا في مسلم من رواية مالك أيضًا. ومعنى معقود ملازم لها كأنه معقود فيها. قال في شرح المشكاة: ويجوز أن يكون الخير المفسر بالأجر والغنيمة أي في الحديث الآتي في الباب اللاحق استعارة مكنية لأن الخير ليس بشيء محسوس حتى تعقد عليه الناصية لكنه شبّهه لظهوره وملازمته بشيء محسوس معقود يحل على مكان مرتفع فنسب الخير إلى لازم المشبه به وذكر الناصية تجريد للاستعارة، والحاصل أنهم يدخلون المعقول في المحسوس ويحكمون عليه بما يحكم به المحسوس مبالغة في اللزوم والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل من مقدم الفرس، وقد يكنى بالناصية عن جميع ذات الفرس. قال الولي ابن العراقي: ويمكن أنه أشير بذكر الناصية إلى أن الخير إنما هو في مقدمها للإقدام به على العدوّ دون مؤخرها لما فيه من الإشارة إلى الإدبار. وفي الحديث كما قاله القاضي عياض مع وجيز لفظه من البلاغة والعذوبة ما لا مزيد عليه في الحسن مع الجناس الذي بين الخيل والخير، وقال ابن عبد البر: فيه تفضيل الخيل على سائر الدواب لأنه عليه الصلاة والسلام لم يأتِ عنه في غيرها مثل هذا القول. وروى النسائي عن أنس لم يكن أحب إلى رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد النساء من الخيل، وفي طبقات ابن سعد عن عريب بضم المهملة المليكي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئل عن قوله تعالى: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًّا وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: 274]. من هم؟ قال عليه الصلاة والسلام: "هم أصحاب الخيل" ثم قال: "إن المنفق على الخيل كباسط يده بالصدقة لا يقبضها وأبوالها وأرواثها كذكي المسك يوم القيامة". ويروى أن الفرس إذا التقت الفئتان تقول: سبوح قدوس ربّ الملائكة والروح، وهو أشد الدواب عدوا وفي طبعه الخيلاء في مشيه والسرور بنفسه والمحب لصاحبه، وربما عمر الفرس إلى تسعين سنة. وحديث الباب أخرجه مسلم أيضًا في المغازي. 2850 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنٍ وَابْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». قَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ شُعْبَةَ: "عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ". تَابَعَهُ مُسَدَّدٌ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ: "عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ". [الحديث 2850 - أطرافه في: 2852، 3119، 3643]. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي (وابن أبي السفر) بفتح السين المهملة والفاء سعيد كلاهما (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن عروة بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة البارقي الأزدي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الخيل) أي المعدّة للجهاد في سبيل الله أو جنس الخيل (معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة). وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الجهاد والخُمس وعلامات النبوة ومسلم في المغازي والترمذي في الجهاد والنسائي في الخيل وابن ماجه في الجهاد. (قال سليمان) أي ابن حرب شيخ المؤلّف مما رواه أبو نعيم في مستخرجه موصولاً مخالفًا لحفص بن عمر شيخ المؤلّف أيضًا (عن شعبة) بن الحجاج أنه قال في روايته أي عن حصين وابن أبي السفر عن الشعبي (عن عروة بن أبي الجعد) فزاد لفظ أبي بين ابن والجعد على رواية حفص وليس مراده أن شعبة يروي عن عروة كيف وشعبة لم يدركه وإنما مراده أن شعبة قال في روايته عروة بن أبي الجعد كما مرّ. (تابعه) أي تابع سليمان بن حرب على زيادة أبي (مسدد) هو ابن مسرهد أحد شيوخ المؤلّف أيضًا مما هو موصول في مسند مسدّد (عن هشيم) بالتصغير هو ابن بشير بوزن عظيم السلمي الواسطي (عن حصين) هو ابن عبد الرحمن السابق (عن الشعبي عن عروة بن أبي الجعد). فأثبت لفظ أبي وصوّبه

44 - باب الجهاد ماض مع البر والفاجر

ابن المديني. وذكر ابن أبي حاتم أن اسم أبي الجعد سعد، وسيكون لي عودة إلى زيادة كلام في هذا في علامات النبوّة إن شاء الله تعالى بعون الله ومنّه وقوّته. 2851 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْبَرَكَةُ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ». [الحديث 2851 - طرفه في: 3645]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد البصري قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن أبي التياح) بفتح الفوقية والتحتية المشددة وبعد الألف حاء مهملة يزيد بن حميد الضبعي (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (البركة) حاصلة (في نواصي الخيل) وعند الإسماعيلي: البركة تنزل في نواصي الخيل فصرّح فيه بما يتعلق به الجار والمجرور ولم يقل في هذا الحديث إلى يوم القيامة، وقد يراد بالبركة هنا الزيادة بما يكون من نسلها والكسب عليها والمغانم والأجر. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في علامات النبوّة ومسلم في المغازي والنسائي في الخيل. 44 - باب الْجِهَادُ مَاضٍ مَعَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». هذا (باب) بالتنوين (الجهاد ماضٍ) أي مستمر (مع) الإمام (البر) أي العادل (و) مع الإمام (الفاجر) أي الجائر (لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) الموصول في السابق واللاحق. 2852 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ حَدَّثَنَا عُرْوَةُ الْبَارِقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة (عن عامر) هو الشعبي أنه قال: (حدّثنا عروة) هو ابن الجعد أو ابن أبي الجعد السابق قريبًا (البارقي) بالموحدة والراء بعد الألف فالقاف نسبة إلى بارق جبل باليمن أو قبيلة من ذي رعين (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) والخير هو (الأجر) أي الثواب في الآخرة (والمغنم) أي الغنيمة في الدنيا فهما بدلان من الخير أو خبر مبتدأ محذوف أي هو الأجر والمغنم كما مرّ. وذكر بقاء الخير في نواصي الخيل إلى يوم القيامة وفسره بالأجر والمغنم والمغنم المقترن بالأجر إنما يكون من الخيل بالجهاد ولم يقيد ذلك بما إذا كان الإمام عدلاً فدلّ على أنه لا فرق في حصول هذا الفضل بين أن يكون الغزو مع الإمام العادل أو الجائر، وأن الإسلام باقٍ وأهله إلى يوم القيامة لأن من لازم بقاء الجهاد بقاء المجاهدين وهم المسلمون. وفي حديث أبي داود عن مكحول عن أبي هريرة مرفوعًا: "الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برًّا كان أو فاجرًا وإن عمل الكبائر" وإسناده لا بأس به إلا أن مكحول لم يسمع من أبي هريرة. وفي حديث أنس عنده أيضًا مرفوعًا: "والجهاد ماضٍ منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل". وفي حديث جابر عند الإمام أحمد من الزيادة على حديث الباب في نواصيها الخير والنيل بفتح النون وسكون التحتية بعدها لام وأهلها معانون عليها فخذوا بنواصيها وادعوا بالبركة، وزاد ابن سعد في الطبقات وابن مندة في الصحابة والمنفق عليها كباسط كفه في الصدقة. 45 - باب مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] (باب) فضل (من احتبس فرسًا) زاد الكشميهني (في سبيل الله) (لقوله تعالى: {من رباط الخيل} [الأنفال: 60]). أي للغزو. 2853 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا طَلْحَةُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدًا الْمَقْبُرِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ , إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِهِ، فَإِنَّ شِبَعَهُ وَرِيَّهُ وَرَوْثَهُ وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وبه قال: (حدّثنا علي بن حفص) المروزي وقيل حفص اسم جده. قال ابن أبي حاتم والصواب أنه علي بن الحسن بن نشيط بفتح النون وكسر المعجمة بوزن عظيم قال: (حدّثنا ابن المبارك) عبد الله قال: (أخبرنا طلحة بن أبي سعيد) المصري نزيل الإسكندرية المدني الأصل (قال: سمعت سعيدًا المقبري يحدّث أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من احتبس فرسًا في سبيل الله) بنية جهاد العدوّ لا لقصد الزينة والترفه والتفاخر (إيمانًا بالله) بالنصب على أنه مفعول له أي ربطه خالصًا لله تعالى امتثالاً لأمره (وتصديقًا بوعده) الذي وعد به من الثواب على ذلك (فإن شبعه) بكسر المعجمة أي ما يشبع به (وريه) بكسر الراء وتشديد التحتية أي ما يرويه من الماء (وروثه) بالمثلثة (وبوله) ثواب (في ميزانه يوم القيامة). وعند ابن أبي عاصم في الجهاد عن يزيد بن عبد الله بن عريب بفتح العين المهملة وكسر الراء بعدها تحتية ساكنة ثم موحدة المليكي عن أبيه عن جده مرفوعًا: "في الخليل وأبوالها وأرواثها كف مسك الجنة". ورواه ابن سعد في

46 - باب اسم الفرس والحمار

الطبقات بلفظ: "المنفق على الخيل كباسط يده بالصدقة لا يقبضها وأبوالها وأرواثها عند الله يوم القيامة كذكي المسك". وعند ابن ماجه من حديث تميم الداري -رضي الله عنه- مرفوعًا: "من ارتبط فرسًا في سبيل الله ثم عالج علقه بيده كان له بكل حبة حسنة". ورواه ابن أبي عاصم أيضًا في حديث شرحبيل بن مسلم أن روح بن زنباع الجذامي زار تميمًا الداري فوجده ينقي لفرسه شعيرًا ثم يعلقه عليه وحوله أصله، فقال له روح: أما كان لك من هؤلاء من يكفيك؟ قال تميم: بلى ولكني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "ما من امرئ مسلم ينقي لفرسه شعيرًا ثم يعلقه عليه إلاّ كتب الله له بكل حبة حسنة". ورواه الإمام أحمد في مسنده. 46 - باب اسْمِ الْفَرَسِ وَالْحِمَارِ (باب اسم الفرس والحمار) أي مشروعية تسميتها كغيرهما من الدواب بأسماء تخصها لتميزها عن غيرها من جنسها. 2854 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَخَلَّفَ أَبُو قَتَادَةَ مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ وَهْوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَرَأَوْا حِمَارًا وَحْشِيًّا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ، فَلَمَّا رَأَوْهُ تَرَكُوهُ حَتَّى رَآهُ أَبُو قَتَادَةَ، فَرَكِبَ فَرَسًا لَهُ يُقَالُ لَهُ الْجَرَادَةُ، فَسَأَلَهُمْ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا، فَتَنَاوَلَهُ، فَحَمَلَ فَعَقَرَهُ، ثُمَّ أَكَلَ فَأَكَلُوا، فَنَدِمُوا، فَلَمَّا أَدْرَكُوهُ قَالَ: هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَىْءٌ؟ قَالَ: مَعَنَا رِجْلُهُ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَكَلَهَا". وبه قال: (حدّثنا محمد بن أبي بكر) المقدمي (قال: حدّثنا فضيل بن سليمان عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحرث بن ربعي الأنصاري (أنه خرج مع النبي) ولأبي ذر: مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عام الحديبية (فتخلف أبو قتادة مع بعض أصحابه وهم محرمون) بالعمرة (وهو غير محرم) لأنه عليه الصلاة والسلام بعثه لكشف حال عدوّ لهم بجهة الساحل (فرأوا حمارًا وحشيًّا) ولأبي ذر: حمار وحش (قبل أن يراه) أبو قتادة (فلما رأوه تركوه حتى رآه أبو قتادة، فركب فرسًا له يقال له) بالتذكير ولأبي ذر: لها (الجرادة) بفتح الجيم والراء المخففة والفرس واحد الخيل والجمع أفراس الذكر والأنثى فيه سواء وأصله التأنيث. وروى أبو داود من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يسمي الأنثى من الخيل فرسة. قالوا: ولا يقال لها فرسة. نعم حكى ابن جني والفراء فرسة وتصغير الفرس فريس، وإن أردت الأنثى خاصة لم تقل إلا فريسة بالهاء والجمع أفراس وفروس ولفظها مشتق من الأفراس كأنها تفترس الأرض لسرعة مشيها، وللفرس كنى منها: أبو شجاع وأبو مدرك والحجر الأنثى من الخيل. قال في القاموس: وبالهاء لحن، وقال بعضهم: لم يدخلوا فيه الهاء لأنه اسم لا يشركها فيه الذكر والجمع أحجار وحجور، لكن روى ابن عدي في الكامل من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا: "ليس في حجرة ولا بغلة زكاة". وهذا يدل على أنه يقال حجرة بالهاء. (فسألهم) أي سأل أبو قتادة أصحابه المحرمين (أن يناولوه سوطه فأبوا) أن يناولوه (فتناوله فحمل) أبو قتادة على الحمار (فعقره، ثم أكل) منه (فأكلوا، فقدموا) بالقاف، ولأبي ذر في نسخة وأبي الوقت والأصيلي: فندموا النون بدل القاف من الندامة أي ندموا على أكله لكونهم محرمين (فلما أدركوه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان قد سبقهم وسألوه عن حكم أكله (قال): (هل معكم منه شيء؟ قال: معنا رجله فأخذها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأكلها). وهذا الحديث قد سبق بمعناه في الحج بدون تسمية فرس أبي قتادة، ووقع في سيرة ابن هشام أن اسمها الحزوة بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي بعدها واو، والذي في الصحيح هو الصحيح أو يكون لها اسمان. 2855 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا أُبَىُّ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: "كَانَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَائِطِنَا فَرَسٌ يُقَالُ لَهُ اللُّحَيْفُ" قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: وَقَالَ بَعَضُهُمْ "اللُّخَيْفِ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله بن جعفر) المديني قال: (حدّثنا معن بن عيسى) بفتح الميم وسكون العين المهملة آخره نون القزاز بالقاف وتشديد الزاي الأولى المدني (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (أُبي بن عباس بن سهل) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتية وعباس بالموحدة آخره سين مهملة وسهل بفتح السين المهملة وسكون الهاء ابن سعد الساعدي (عن أبيه عن جده) أنه (قال: كان للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حائطنا) بستاننا (فرس يقال له اللحيف) بضم اللام وفتح الحاء المهملة وسكون التحتية بعدها فاء مصغرًا وضبطه بعضهم بفتح أوله وكسر ثانيه على وزن رغيف ورجحه الدمياطي وجزم به الهروي وقال: سمي به لطول ذنبه فعيل بمعنى فاعل كأنه يلحف الأرض بذنبه، وزاد أبو ذر والوقت والأصيلي هنا قال أبو عبد الله: أي

47 - باب ما يذكر من شؤم الفرس

البخاري. وقال بعضهم: اللخيف أي بضم اللام وفتح الخاء المعجمة قال عياض: وبالأول ضبطناه عن عامة شيوخنا، وبالثاني عن أبي الحسين اللغوي، وقيل لا وجه لضبطه بالخاء المعجمة. وفي النهاية أنه روي بالجيم بدل الخاء المعجمة، وعند ابن الجوزي بالنون بدل اللام من النحافة. وهذا الحديث من إفراد المؤلّف. 2856 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ يَحْيَى بْنَ آدَمَ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ مُعَاذٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ: يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: لاَ تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا". [الحديث 2856 - أطرافه في: 5967، 6267، 6500، 7373]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه المروزي (أنه سمع يحيى بن آدم) بن سليمان القرشي الكوفيّ قال: (حدّثنا أبو الأحوص) هو سلام بتشديد اللام ابن سليم الحنفيّ الكوفيّ وعليه يدل كلام المزي أو هو عمار بن زريق وبه جزم ابن حجر لإخراج النسائي الحديث وصرح فيه به، وجزم الكرماني بالأول وتبعه العيني وقال: لا يصلح أن يكون هو عمارًا لأنه مما انفرد به مسلم ولم يخرج له البخاري (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين وسكون الميم الأودي بفتح الهمزة وسكون الواو وبالدال المهملة (عن معاذ) هو ابن جبل الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت ردف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر الراء وسكون الدال أي راكبًا خلفه (على حمار) له عليه الصلاة والسلام (يقال له: عفير)، بضم العين المهملة وفتح الفاء وبعد التحتية الساكنة راء تصغير أعفر أخرجوه عن بناء أصله كما قالوا سويد في تصغير أسود مأخوذ من العفرة وهي حمرة يخالطها بياض، ووهم عياض في ضبطه له بالغين المعجمة وهو غير الحمار الآخر الذي يقال له يعفور، وابن عبدوس حيث قال: إنهما واحد فإن عفيرًا أهداه المقوقس له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويعفورًا أهداه فروة بن عمرو، وقيل بالعكس (فقال): (يا معاذ هل) ولأبي ذر: وهل (تدري حق الله) كذا بإسقاط ما في الفرع وغيره في نسخة ما حق الله (على عباده وما حق العباد على الله) (قلت الله ورسوله أعلم. قال): عليه الصلاة والسلام (فإن حق الله على العباد أن يعبدوه) وللكشميهني أن يعبدوا بحذف المفعول (ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد) بالنصب عطفًا على فإن حق الله ولأبي ذر: حق العباد (على الله) بالرفع على الاستئناف فضلاً منه (أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقلت يا رسول الله أفلا) أي قلت ذلك فلا (أبشر به الناس)؟ فالمعطوف عليه مقدر بعد الهمزة (قال: لا تبشرهم) بذلك (فيتكلوا) بتشديد المثناة الفوقية من الاتكال، وللكشميهني: فينكلوا بالنون الساكنة وكسر الكاف من النكول. وفي اليونينية بضم الكاف لا غير. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله على حمار يقال له: عفير، لأن الحمار اسم جنس سمي ليتميز به عن غيره، والحديث أخرجه أيضًا في الرقاق، لكنه لم يسم فيه الحمار. 2857 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ، فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَسًا لَنَا يُقَالُ لَهُ مَنْدُوبٌ فَقَالَ: مَا رَأَيْنَا مِنْ فَزَعٍ، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا". وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بموحدة فمعجمة مشددة قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (سمعت قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان فزع) أي خوف (بالمدينة) أي ليلاً (فاستعار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرسًا لنا) لا ينافي قوله فيما سبق أنه لأبي طلحة لأنه زوج أمه (يقال له: مندوب) بغير ألف ولام وكان بطيء المشي (فقال): حين استبرأ الخبر ورجع (ما رأينا من فزع وإن وجدناه أي الفرس (لبحرًا) شبه جريه لما كان كثيرًا بالبحر لكثرة مائه وعدم انقطاعه، وقال الخطابي: إن هنا نافية واللام في لبحرًا بمعنى إلا أي ما وجدناه إلا بحرًا والعرب تقول: إن زيد لعاقل أي ما بزيد إلاّ عاقل. ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، وقد كان للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعة وعشرون فرسًا لكل واحدة منها اسم مخصوص بعينه ويميزه عن غيره من جنسه وكان له بغلة تسمى: دلدل، وناقة تسمى القصواء، وأخرى تسمى العضباء. وغير ذلك. 47 - باب مَا يُذْكَرُ مِنْ شُؤْمِ الْفَرَسِ (باب) (ما يذكر) في الحديث (من شؤم الفرس) بالهمزة وتخفف واوًا وهو ضد اليمن. 2858 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي الْفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أن) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت

النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إنما الشؤم) كائن (في ثلاثة: في الفرس) أي إذا لم يغز عليه أو كان شموسًا (والمرأة) إذا كانت غير ولود أو غير قانعة أو سليطة (والدار) ذات الجار السوء أو الضيقة أو البعيدة من المسجد لا تسمع الأذان، وقد يكون الشؤم في غير هذه الثلاثة فالحصر فيها كما قاله ابن العربي بالنسبة إلى العادة لا بالنسبة إلى الخلقة. وقال الخطابي: اليمن والشؤم علامتان لما يصيب الإنسان من الخير والشر ولا يكون شيء من ذلك إلا بقضاء الله، وهذه الأشياء الثلاثة ظروف جعلت مواقع لأقضية ليس لها بأنفسها وطبائعها فعل ولا تأثير في شيء إلا أنها لما كانت أعم الأشياء التي يقتنيها الإنسان، وكان في غالب أحواله لا يستغني عن دار يسكنها وزوجة يعاشرها وفرس مرتبطة ولا يخلو عن عارض مكروه في زمانه أضيف اليمن والشؤم إليها إضافة مكان وهما صادران عن مشيئة الله عز وجل انتهى. وقد روى الحديث مالك وسفيان وسائر الرواة بدون "إنما" واتفقت الطرق كلها على الاقتصار على الثلاثة المذكورة. نعم زادت أم سلمة في حديثها المروي في ابن ماجة "السيف". ولمسلم من طريق يونس عن ابن شهاب "لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم في ثلاثة: المرأة، والفرس، والدار". وظاهره أن الشؤم والطيرة في هذه الثلاثة. وعند أبي داود من حديث سعد بن مالك مرفوعًا: "لا هامة ولا عدوى ولا طيرة وإن تكن الطيرة في شيء ففي الدار والفرس والمرأة" قال الخطابي وكثيرون: هو في معنى الاستثناء من الطيرة أي الطيرة نهي عنها إلا في هذه الثلاثة. وقال الطيبي في شرح المشكاة يحتمل أن يكون معنى الاستثناء على حقيقته وتكون هذه الثلاثة خارجة من حكم المستثنى منه أي الشؤم ليس في شيء من الأشياء إلا في هذه الثلاثة قال: ويحتمل أن ينزل على قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لو كان شيء سابق القدر سبقه العين، والمعنى أن لو فرض شيء له قوة وتأثير عظيم يسبق القدر لكان عينًا والعين لا تسبق فكيف بغيرها. وعليه كلام القاضي عياض حيث قال: وجه تعقيب قوله: ولا طيرة بهذه الشريطة يدل على أن الشؤم أيضًا منفي عنها، والمعنى أن الشؤم لو كان له وجود في شيء لكان في هذه الأشياء فإنها أقبل الأشياء له، لكن لا وجود له فيها فلا وجود له أصلاً انتهى. قال الطيبي: فعلى هذا الشؤم في الأحاديث المستشهد بها محمول على الكراهة التي سببها ما في الأشياء من مخالفة الشرع أو الطبع كما قيل: شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها، وشؤم المرأة عدم ولادتها وسلاطة لسانها ونحوهما، وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها، فالشؤم فيها عدم موافقتها له شرعًا أو طبعًا. ويؤيده ما ذكره في شرح السُّنَّة كأنه يقول: إن كان لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس لا تعجبه فليفارقها بأن ينتقل عن الدار ويطلّق المرأة ويبيع الفرس حتى يزول عنه ما يجده في نفسه من الكراهة كما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في جواب من قال: يا رسول الله إنّا كنا في دار كثير فيها عددنا وأموالنا فتحوّلنا إلى أخرى فقلّ فيها ذلك، ذروها ذميمة. رواه أبو داود وصححه الحاكم فأمرهم بالتحوّل عنها لأنهم كانوا فيها على استقتال واستيحاش فأمرهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالانتقال عنها ليزول عنهم ما يجدون من الكراهة لأنها سبب في ذلك، وقيل: يحمل الشؤم هنا على معنى قلة الموافقة وسوء الطباع كما في حديث سعد بن أبي وقاص عند أحمد مرفوعًا: "من سعادة المرء المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الهنيء، ومن شقاوة المرء المرأة السوء والمسكن السوء والمركب السوء". وقد جاء عن عائشة -رضي الله عنها- أنها أنكرت على أبي هريرة تحديثه بذلك. فعند أبي داود الطيالسي في مسنده عن مكحول قال قيل لعائشة إن أبا هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الشؤم في ثلاثة"، فقالت: لم يحفظ أنه دخل وهو يقول: "قاتل الله اليهود يقولون الشؤم في ثلاثة" فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله لكنه منقطع لأن مكحولاً لم يسمع من عائشة. نعم روى أحمد وابن خزيمة وصححه الحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا: إن أبا هريرة قال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "الطيرة في الفرس

48 - باب الخيل لثلاثة، وقوله عز وجل: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون} [النحل: 8]

والمرأة والدار" فغضبت غضبًا شديدًا وقالت: ما قاله، وإنما قال: "إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك" فأخبرت أنه عليه الصلاة والسلام إنما قال ذلك حكاية عن أهل الجاهلية فقط لكن لا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة مع موافقة من ذكر من الصحابة له في ذلك. وهذا الحديث أخرجه والنسائي في عشرة النساء. 2859 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنْ كَانَ فِي شَىْءٍ فَفِي الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالْمَسْكَنِ». [الحديث 2859 - طرفه في: 5095]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن أبي حازم بن دينار) اسمه سلمة (عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن كان في شيء) أي إن كان الشؤم في شيء حاصلاً (ففي المرأة والفرس والمسكن) إخبار أنه ليس فيهن شؤم فإذا لم يكن في هذه الثلاثة فلا يكون في شيء واتفقت النسخ على إسقاط قوله الشؤم وكذا هو في الموطأ. نعم زاد في آخره يعني الشؤم، وكذا رواه مسلم ورواه الدارقطني عن إسماعيل بن عمر عن مالك ومحمد بن سليمان الحراني عن مالك بلفظ: إن كان الشؤم في شيء ففي المرأة إلخ ... إلا أن إسماعيل لم يقل في شيء. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح والطب ومسلم في الطب وابن ماجه في النكاح. 48 - باب الْخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 8] هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (الخيل لثلاثة. وقوله تعالى) ولأبي ذر: وقول الله عز وجل ({والخيل}) أي وخلق الخيل ({والبغال والحمير لتركبوها وزينة}) مفعول له عطف على محل لتركبوها واستدلّ به على حرمة لحومها ولا دليل فيه إذ لا يلزم من تعليل الفعل بما يقصد منه غالبًا أن لا يقصد منه غيره أصلاً، ويدل له أن الآية مكية وعامة المفسرين والمحدثين على أن الحمر الأهلية حرمت عام خيبر وزاد أبو ذر ({ويخلق ما لا تعلمون}) [النحل: 8]. 2860 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ. فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَطَالَ فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ، فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ مِنَ الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ أَرْوَاثُهَا وَآثَارُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ. فَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ وِزْر فَهُو رَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِئَاءً وَنِوَاءً لأَهْلِ الإِسْلاَمِ فَهْيَ وِزْرٌ عَلَى ذَلِكَ. وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْحُمُرِ فَقَالَ: مَا أُنْزِلَ عَلَىَّ فِيهَا إِلاَّ هَذِهِ الآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) هو إمام دار الهجرة ابن أنس (عن زيد بن أسلم) العدوي المدني (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الخيل لثلاثة) جار ومجرور، ولأبي ذر عن الكشميهني: ثلاثة بإسقاط حرف الجر والرفع الرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وِزر فأما) الرجل (الذي) هي (له أجر فرجل ربطها) للجهاد (في سبيل الله) عز وجل (فأطال) في الحبل الذي ربطها به حتى تسرح للرعي (في مرج) بفتح الميم وبعد الراء الساكنة جيم موضع كلأ (أو روضة) بالشك من الراوي كالآتي (فما أصابت) أي ما أكلت وشربت ومشت (في طيلها ذلك) بكسر الطاء المهملة وفتح التحتية حبلها المربوطة فيه (من المرج أو الروضة كانت له) أي لصاحبها (حسنات) يوم القيامة يجدها موفورة (ولو أنها قطعت طيلها) حبلها المذكور (فاستنت) بفتح الفوقية وتشديد النون عدت بمرح ونشاط (شرفًا أو شرفين) بفتح الشين المعجمة والراء والفاء فيهما شوطًا أو شوطين فبعدت عن الموضع الذي ربطها صاحبها فيه ترعى ورعت في غيره (كانت أرواثها) بالمثلثة (وآثارها) بالمثلثة في الأرض بحوافرها عند خطواتها (حسنات له) أي لصاحبها يوم القيامة (ولو أنها مرّت بنهر) بفتح الهاء وسكونها (فشربت منه) بغير قصد صاحبها (ولم يرد أن يسقيها كان ذلك) أي شربها وعدم إرادته أن يسقيها (حسنات له). (و) أما الرجل الذي هي عليه وزر فهو (رجل ربطها فخرًا) بالنصب للتعليل أي لأجل الفخر أي تعاظمًا (ورياءً) أي إظهارًا للطاعة والباطن بخلافه (ونواء) بكسر النون وفتح الواو والمد عداوة (لأهل الإسلام فهي وزر) أي إثم (على ذلك) الرجل، وقيل: الواو في رياء ونواء بمعنى (أو) لأن هذه الثلاثة قد تفترق في الأشخاص وكل واحد منها مذموم على حدته وحذف من هذه الرواية أحد هذه الثلاثة اختصارًا وهو كما ثبت في آخر كتاب الشرب رجل ربطها تغنيًا وتعففًا ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي لذلك ستر وسيأتي في علامات النبوّة. (وسُئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) السائل صعصعة بن ناجية جد الفرزدق (عن الحمر) أي عن صدقتها (فقال) عليه الصلاة والسلام (ما أنزل عليّ فيها) شيء مخصوص

49 - باب من ضرب دابة غيره في الغزو

(إلا هذه الآية الجامعة) العامة الشاملة (الفاذة) بالفاء والذال المعجمة المشددة القليلة مثل المنفردة في معناها ({فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره}) [الزلزلة: 7، 8]. وفي هذه الآية كما قال ابن بطال: تعليم الاستنباط والقياس لأنه شبّه ما لم يذكر الله حكمه في كتابه وهي الحمر بما ذكره. وتعقبه ابن المنير بأن هذا ليس من القياس في شيء وإنما هو استدلال بالعموم وإثبات لصيغته خلافًا لمن أنكر أو وقف وسيكون لنا عودة إلى الكلام على هذا الحديث في علامات النبوّة إن شاء الله تعالى. 49 - باب مَنْ ضَرَبَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الْغَزْوِ (باب من ضرب دابة غيره) لما عيت (في الغزو) إعانة له. 2861 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ قَالَ: "أَتَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنِي بِمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: سَافَرْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ -قَالَ أَبُو عَقِيلٍ: لاَ أَدْرِي غَزْوَةً أَوْ عُمْرَةً- فَلَمَّا أَنْ أَقْبَلْنَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَعَجَّلَ إِلَى أَهْلِهِ فَلْيُعَجِّلْ. قَالَ جَابِرٌ: فَأَقْبَلْنَا وَأَنَا عَلَى جَمَلٍ لِي أَرْمَكَ لَيْسَ فِيهِ شِيَةٌ وَالنَّاسُ خَلْفِي، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ قَامَ عَلَىَّ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا جَابِرُ اسْتَمْسِكْ، فَضَرَبَهُ بِسَوْطِهِ ضَرْبَةً، فَوَثَبَ الْبَعِيرُ مَكَانَهُ، فَقَالَ: أَتَبِيعُ الْجَمَلَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَسْجِدَ فِي طَوَائِفِ أَصْحَابِهِ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ وَعَقَلْتُ الْجَمَلَ فِي نَاحِيَةِ الْبَلاَطِ فَقُلْتُ لَهُ: هَذَا جَمَلُكَ. فَخَرَجَ فَجَعَلَ يُطِيفُ بِالْجَمَلِ وَيَقُولُ: الْجَمَلُ جَمَلُنَا. فَبَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوَاقٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: أَعْطُوهَا جَابِرًا. ثُمَّ قَالَ: اسْتَوْفَيْتَ الثَّمَنَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: الثَّمَنُ وَالْجَمَلُ لَكَ". وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي بالفاء قال: (حدّثنا أبو عقيل) بفتح العين وكسر القاف بشير بن عقبة الدورقي البصري قال: (حدّثنا أبو المتوكل) علي بن داود (الناجي) بالنون والجيم نسبة إلى بني ناجية بن سامة قبيلة كبيرة منهم (قال: أتيت جابر بن عبد الله الأنصاري) -رضي الله عنه- (فقلت له: حدّثني بما سمعت من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: سافرت معه في بعض أسفاره -قال أبو عقيل) بشير المذكور (لا أدري) قال أبو المتوكل (غزوة أو عمرة-) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أم عمرة بالميم بدل الواو، وقال داود بن قيس يعني الفراء الدباغ فيما علقه المؤلّف في الشرط عن عبيد الله بن مقسم عن جابر اشتراه بطريق تبوك فبين الغزوة جازمًا بها، ووافقه على ذلك عليّ بن زيد بن جدعان عن أبي المتوكل، لكن جزم ابن إسحاق بأنه كان في غزوة ذات الرقاع ورجح بأن أهل المغازي أضبط. (فلما أن أقبلنا) بزيادة أن (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من أحب أن يتعجل إلى أهله فليعجل) بسكون اللام وضم التحتية بعدها عين مهملة وتشديد الجيم المكسورة، ولأبي ذر عن الكشميهني: فليتعجل بمثناة فوقية بعد التحتية من باب التفعل (قال جابر: فأقبلنا وأنا على جمل لي أرمك) بهمزة مفتوحة فراء ساكنة فميم مفتوحة فكاف يخالط حمرته سواد (ليس فيه) أي في الجمل ولأبي ذر فيها أي في الراحلة لأن الجمل راحلة (شية) بكسر الشين المعجمة وفتح التحتية المخففة علامة أي ليس فيه لمعة من غير لونه أو لا عيب فيه (والناس خلفي) جملة حالية من قوله: وأنا على جمل لي أي أن جمله كان يسبق جمال غيره (فبينا) بغير ميم (أنا كذلك إذ قام علي) أي وقف جملي من الإعياء والكلال كقوله تعالى: {وإذا أظلم عليهم قاموا} [البقرة: 20]. أي وقفوا (فقال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا جابر استمسك، فضربه بسوطه ضربة فوثب البعير مكانه) ولأحمد قلت: يا رسول الله أبطأ جملي هذا. قال: "أنخه" وأناخ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قال: "أعطني هذه العصا" ففعلت فأخذها فنسخه بها نخسات ثم قال: "اركب" (فقال) (أتبيع الجمل)؟ (قلت: نعم) وفي باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة من كتاب الشروط من طريق عامر الشعبي عن جابر قلت: لا. ثم قال: بعنيه بوقية فبعته، وفي رواية داود بن قيس أحسبه بأربع أواق فاستثنيت حملانه إلى أهلي (فلما قدمنا المدينة ودخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسجد في طوائف أصحابه فدخلت إليه) ولأبي ذر عن الكشميهني: عليه (وعقلت الجمل) بالعقال (في ناحية البلاط) بفتح الموحدة الحجارة المفروشة عند باب المسجد (فقلت له) عليه الصلاة والسلام (هذا جملك) الذي ابتعته مني (فخرج) من المسجد (فجعل يطيف بالجمل ويقول: الجمل جملنا، فبعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أواق من ذهب فقال: أعطوها جابرًا) بقطع همزة أعطوها مفتوحة (ثم قال): (استوفيت الثمن)؟ (قلت: نعم. قال): (الثمن والجمل لك) هبة. قال السهيلي ما محصله أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أخبر جابرًا بعد قتل أبيه بأُحد أن الله أحياه وقال ما تشتهي فأزيدك أكد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخبر بما يشبهه فاشترى منه الجمل وهو مطيته بثمن معلوم ثم وفر عليه الثمن والجمل وزاده على الثمن كما اشترى الله من المؤمنين أنفسهم بثمن هو الجنة ثم ردّ عليهم أنفسهم وزادهم كما قال تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس: 26]. فتشاكل الفعل

50 - باب الركوب على الدابة الصعبة والفحولة لأنها أجرى من الخيل

مع الخبر. وهذا الحديث قد سبق مختصرًا في المظالم وشرحه في الشروط. 50 - باب الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّةِ الصَّعْبَةِ وَالْفُحُولَةِ لأَنَّهَا أَجْرَى مِنَ الْخَيْلِ وَقَالَ رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ الْفُحُولَةَ لأَنَّهَا أَجْرَى وَأَجْسَرُ. (باب الركوب على الدابة الصعبة) بسكون العين أي الشديدة (و) على (الفحولة من الخيل) جمع فحل والتاء فيه كما قال الكرماني لعلها تأكيد الجمع كما في الملائكة. (وقال راشد بن سعد): بسكون العين المقرئي بفتح الميم وضمها وسكون القاف وفتح الراء بعدها همزة نسبة إلى قرية من قرى دمشق تابعي ليس له في البخاري سوى هذا (كان السلف) أي من الصحابة فمن بعدهم (يستحبون الفحولة) من الخيل أن يقاتلوا عليها في الجهاد (لأنها أجرى) بهمزة مفتوحة فجيم ساكنة فراء مفتوحة بغير همز من الجري، وفي بعض الأصول أجرأ بالهمز من الجراءة (وأجسر) بالجيم وبالسين المهملة أي من الإناث. وروى الوليد بن مسلم في الجهاد له من طريق عبادة بن نسيّ بضم النون وفتح المهملة مصغرًا أو ابن محيريز أنهم كانوا يستحبون إناث الخيل في الغارات والبيات ولما خفي أمر الحرب، ويستحبون الفحول في الصفوف والحصون ولما ظهر من أمور الحرب. 2862 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ، فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَسًا لأَبِي طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ مَنْدُوبٌ، فَرَكِبَهُ وَقَالَ: مَا رَأَيْنَا مِنْ فَزَعٍ، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا". وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) قال الدارقطني: هو أحمد الملقب بشبويه واسم جده ثابت، وقال الحاكم: هو أحمد بن محمد بن موسى ولقبه مردويه المروزي وهو أشهر وأكثر من الأول كما قاله في الفتح قال: (أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك المروزي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال): (كان بالمدينة فزع)، بفتح الفاء والزاي خوف (فاستعار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرسًا لأبي طلحة يقال له: مندوب) كان بطيء المشي (فركبه وقال): حين استبرأ ورجع (ما رأينا من فزع، وإن وجدناه) الفرس (لبحرًا). إن في قول الكوفيين بمعنى ما واللام في لبحرًا بمعنى إلا أي ما وجدنا الفرس. إلا بحرًا، وعند البصريين إن مخففة من الثقيلة قاله ابن الملقن وقال ابن المنير: ولا دليل في لفظ الفرس في الحديث لما ترجم له حيث قال: والفحولة من الخيل لأن الفرس يتناول الفحل والأنثى، وإنما الحصان يخص الفحل إلا أن يستدل البخاري على أنه فحل بعود ضمير المذكر عليه يعني في قوله: وإن وجدناه وهو استدلال ضعيف أيضًا لأن العود يصح أيضًا على اللفظ كما يصح على المعنى ولفظ الفرس مذكر، وإن كان يقع على المؤنث عكس لفظ الجماعة فإنه مؤنث ولكنه يقع على المذكر فيجوز إعادة الضمير على اللفظ وعلى المعنى إلا أنهم قالوا في تصغير الفرس الذكر فريس، وفي الأنثى فريسة فاتبعوا المعنى لا اللفظ وهذا يقوي استدلاله قال في المصابيح: لا يقويه ولا يعضده بوجه فتأمله تجده كما قلنا. 51 - باب سِهَامِ الْفَرَسِ (باب) كمية (سهام الفرس). (وقال مالك) إمام دار الهجرة: (بسهم للخيل والبراذين) بفتح الباء والراء وبالذال المعجمة جمع برذون بكسر الموحدة وسكون الراء وفتح المعجمة وسكون الواو التركي (منها) أي من الخيل وخلافها العراب والأنثى برذونة وزاد في الموطأ والهجين (لقوله تعالى: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها} [النحل: 8]) لأن الله تعالى امتنّ بركوب الخيل وأسهم لها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، واسم الخيل يقع على البرذون والهجين بخلاف البغال والحمير والمراد بالهجين ما يكون أحد أبويه غير عربي والآخر عربي (ولا يسهم لأكثر من فرس) هو بقية قول مالك وهو مذهب الشافعية والحنابلة وأبي يوسف ومحمد. 2863 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا". وَقَالَ مَالِكٌ: يُسْهَمُ لِلْخَيْلِ وَالْبَرَاذِينِ مِنْهَا لِقَوْلِهِ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} [النحل: 8] وَلاَ يُسْهَمُ لأَكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ. [الحديث 2863 - طرفه في: 4228]. وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين مصغرًا وكان اسمه عبد الله الهباري القرشي الكوفي (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (عن عبيد الله) بالتصغير ابن عمر العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهمًا) أي غير سهمي الفرس فيصير للفارس ثلاثة أسهم ولا يزاد الفارس على ثلاثة وإن حضر بأكثر من فرس كما لا ينقص عنها. وقال أبو حنيفة: لا يسهم للفارس إلا سهم واحد ولفرسه سهم، وقال: أكره أن أفضل بهيمة على مسلم، واحتجوا له في ذلك بظاهر ما رواه الدارقطني من طريق أحمد بن منصور الرمادي عن

52 - باب من قاد دابة غيره في الحرب

أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة وابن نمير كلاهما عن عبيد الله بن عمر بلفظ: أسهم للفارس سهمين. وأجيب: بأن المعنى أسهم للفارس بسبب فرسه سهمين غير سهمه المختص به فلا حجة فيه، وقد روى أبو داود من حديث أبي عمرة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطى للفرس سهمين ولكل إنسان سهمًا، فكان للفارس ثلاثة أسهم، وفي رواية أبي ذر تقديم هذا الحديث على قول مالك. 52 - باب مَنْ قَادَ دَابَّةَ غَيْرِهِ فِي الْحَرْبِ (باب من قاد دابّة غيره في الحرب). 2864 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: "قَالَ رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنه-: أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ: لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَفِرَّ، إِنَّ هَوَازِنَ كَانُوا قَوْمًا رُمَاةً، وَإِنَّا لَمَّا لَقِينَاهُمْ حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ فَانْهَزَمُوا، فَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْغَنَائِمِ، فَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ، فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَفِرَّ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَإِنَّهُ لَعَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ آخِذٌ بِلِجَامِهَا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ". [الحديث 2864 - أطرافه في: 2874، 2930، 3042، 4315، 4316، 4317]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا سهل بن يوسف) الأنماطي (عن شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه قال: (قال رجل) في رواية عند المؤلّف في غزوة حنين أنه من قيس (للبراء بن عازب -رضي الله عنه-: أفررتم) وفي باب بغلة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمغازي أوليتم (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) وقعة (حنين)؟ وكانت لستِّ خلت من شوّال سنة ثمان (قال: لكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يفر)، بتشديد نون لكن أي نحن فررنا، ولكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يفر وحذف لأنه لم يرد أن يصرح بفرارهم، ومعلوم من حال نبينا وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عدم الفرار لفرط إقدامهم وشجاعتهم وثقتهم بوعد الله في رغبتهم في الشهادة ولم يثبت عن أحد منهم أنه فر، ومن قال ذلك في النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قتل ولم يستتب عند مالك. (إن هوازن) وهي قبيلة كبيرة من العرب ينسبون إلى هوازن بن منصور (كانوا قومًا رماة) جمع رام (وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا فأقبل المسلمون على الغنائم واستقبلونا) أي هوازن ولأبي ذرّ فاستقبلونا بالفاء بدل الواو (بالسهام فأما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يفر)، أي فأما نحن فقد فررنا، وأما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يفر فبيّن شعبة أن فرار من فر لم يكن على نيّة الاستمرار في الفرار، وإنما انكشفوا من وقع السهام والفرار المتوعد عليه هو أن ينوي عدم العود وأما من تحيز إلى فئة أو كان فرارًا لكثرة عدد العدو بأن كان ضعفهم أو أكثر أو نوى العود إذا أمكنه فليس داخلاً في الوعيد، (فلقد رأيته) عليه الصلاة والسلام (وإنه لعلى بغلته البيضاء)، التي أهداها له ملك أيلة أو فروة الجذامي (وإن أبا سفيان) بن الحرث بن عبد المطلب (آخذ بلجامها والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (أنا النبي لا كذب)، أي أنا النبي والنبي لا يكذب فلست بكاذب فيما أقول حتى أنهزم وأنا متيقن أن الذي وعدني الله به من النصر حق فلا يجوز عليّ لفرار، وقوله لا كذب بسكون الباء. وحكى ابن التين عن بعض أهل العلم أنه كان يقوله بفتح الباء ليخرجه عن الوزن. قال في المصابيح: وهذا تغيير للرواية الثابتة بمجرد خيال يقوم في النفس، وقد سبق ما يدفع كون هذا شعرًا فلا حاجة إلى إخراج الكلام عما هو عليه في الرواية "أنا ابن عبد المطلب" انتسب إلى جده لشهرة عبد المطلب بين الناس لما رزق من نباهة الذكر وطول العمر بخلاف عبد الله أبيه فإنه مات شابًّا أو لأنه اشتهر أنه يخرج من ذرية عبد المطلب من يدعو إلى الله ويهدي الله الخلق به وأنه خاتم الأنبياء فانتسب إليه ليتذكر ذلك من كان يعرفه. 53 - باب الرِّكَابِ وَالْغَرْزِ لِلدَّابَّةِ (باب الركاب)، بكسر الراء (والغرز للدابة) بالغين المعجمة المفتوحة وتقديم الراء الساكنة على الزاي واختلف هل الركاب والغرز مترادفان أو الغرز للجمل والركاب للفرس أو الركاب يكون من الحديد والخشب والغرز لا يكون إلا من الجلد. 2865 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ وَاسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ قَائِمَةً أَهَلَّ مِنْ عِنْدِ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبيد بن إسماعيل) الهباري (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (عن عبيد الله) بن عمر العمري (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان إذا أدخل رجله) الشريفة (في الغرز واستوت به ناقته) حال كونها (قائمة أهل) بالحح أو العمرة (من عند مسجد ذي الحليفة) بضم الحاء المهملة وفتح اللام قرية خربة على ستة أميال من المدينة. والمطابقة بين الحديث والترجمة ظاهرة في الغرز والركاب في معناه فألحقه به أو أشار به إلى أنهما مترادفان. 54 - باب رُكُوبِ الْفَرَسِ الْعُرْيِ (باب ركوب الفرس العري) بضم العين المهملة وسكون

55 - باب الفرس القطوف

الراء. وقال السفاقسي بفتح العين وتشديد التحتية، وقال ابن فارس: عروت الفرس إذا ركبته عريًا وهي نادرة والمراد ليس له سرج ولا أداة ولا يقال مثل هذا في الآدميين، إنما يقال عريان. 2866 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه "اسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى فَرَسٍ عُرْيٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ، فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ". وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عون) بفتح العين وسكون تاليها فيهما ابن أوس السلمي الواسطي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن ثابت) البناني (عن أنس -رضي الله عنه- استقبلهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما فزعوا ليلة بالمدينة وكان قد سبقهم إلى الصوت (على فرس) استعاره من أبي طلحة (عري ما عليه سرج) حال كونه (في عنقه سيف) معلق وفيه ما كان عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من التواضع والفروسية المبالغة. 55 - باب الْفَرَسِ الْقَطُوفِ (باب الفرس القطوف) بفتح القاف وضم الطاء أي البطيء المشي مع تقارب الخطا. 2867 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه-: "أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَزِعُوا مَرَّةً، فَرَكِبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَسًا لأَبِي طَلْحَةَ كَانَ يَقْطِفُ -أَوْ كَانَ فِيهِ قِطَافٌ- فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: وَجَدْنَا فَرَسَكُمْ هَذَا بَحْرًا، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يُجَارَى". وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) البصري ثم البغدادي قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا ويزيد من الزيادة قال (حدّثنا سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن أهل المدينة فزعوا مرة) ليلاً (فركب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرسًا لأبي طلحة) يقال له: مندوب استعاره منه (كان يقطف) بكسر الطاء المهملة وتضم (أو كان فيه تطاف) بكسر القاف والشك من الراوي وعند المؤلّف في باب السرعة والركض من طريق محمد بن سيرين عن أنس بلفظ فركب فرسًا لأبي طلحة بطيئًا (فلما رجع) بعد أن استبرأ الخبر (قال: وجدنا فرسكم هذا بحرًا)، قال في أساس البلاغة وصفه بالبحر لسعة جريه (فكان بعد ذلك لا يجارى) بضم أوّله وفتح الراء مبنيًّا للمفعول أي لا يطيق فرس الجري معه ببركة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 56 - باب السَّبْقِ بَيْنَ الْخَيْلِ (باب) مشروعية (السبق بين الخيل) بفتح السين المهملة وسكون الموحدة مصدر وأما بفتحها فهو المال الذي يدفع إلى السابق. 2868 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَجْرَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا ضُمِّرَ مِنَ الْخَيْلِ مِنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَجْرَى مَا لَمْ يُضَمَّرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكُنْتُ فِيمَنْ أَجْرَى". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ سُفْيَانُ: بَيْنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ، وَبَيْنَ ثَنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ. وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وبعد التحتبة الساكنة صاد مهملة ابن عقبة قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبيد الله) بن عمر العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال): (أجرى) أي سابق (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما ضمر) بضم المعجمة وكسر الميم المشددة (من الخيل) أي علف حتى سمن وقوي ثم قلل علفه إلاّ قوتًا ثم أدخل بيتًا كنينًا وغشي بالجلال حتى حمي وعرق وجف عرقه فخف لحمه وقوي على الجري (من الحفياء) بفتح الحاء المهملة وسكون الفاء بعدها تحتية ممدودًا ويقصر مكان خارج المدينة (إلى ثنية الوداع) بفتح الواو والثنية بفتح المثلثة وكسر النون وتشديد التحتية أعلى الجبل أو الطريق فيه أو غير ذلك وسميت بذلك لأن الخارج من المدينة يمشي معه المودّعون إليها "وأجرى" أي سابق عليه الصلاة والسلام (ما لم يضمر) من الخيل (من الثنية) المذكورة (إلى مسجد بني زريق) بتقديم المضمومة على الراء آخره قاف مصغرًا قبيلة من الأنصار وأضيف المسجد إليهم لصلاتهم فيه فالإضافة إضافة تعريف لا ملك (قال ابن عمر) -رضي الله عنهما-: (وكنت فيمن أجرى) أي سابق: (قال عبد الله) بن الوليد العدني (حدّثنا سفيان) الثوري (قال: حدّثني) بالإفراد (عبيد الله) بن عمر العمري ومراد المؤلّف من هذا بيان تصريح الثوري عن شيخه بالتحديث بخلاف الرواية الأولى فإنها بالعنعنة (قال سفيان): الثوري بالسند السابق (بين الحفياء) ولأبي ذر من الحفياء (إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة، وبين ثنية) بالجر ولأبي ذر: ثنية بالفتح (إلى مسجد بني زريق ميل). ومطابقة الحديث للترجمة في قوله أجرى وقد مضى في باب يقال مسجد بني فلان من كتاب الصلاة. 57 - باب إِضْمَارِ الْخَيْلِ لِلسَّبْقِ (باب إضمار الخيل للسبق) أي إهزالها لأجل السبق وسبقت كيفية ذلك في الباب السابق. 2869 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه-: "أَنَّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ، وَكَانَ أَمَدُهَا مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ سَابَقَ بِهَا". قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ} [الحديد: 19]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله اليربوعيّ الكوفي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن نافع عن عبد الله) هو ابن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سابق) أي بنفسه أو أمر أو أباح

58 - باب غاية السباق للخيل المضمرة

المسابقة (بين الخيل التي لم تضمر) بتشديد الميم المفتوحة (وكان أمدها) أي غايتها (من الثنية) المعروة بثنية الوداع (إلى مسجد بني زريق) بضم الزاي بعدها راء مفتوحة (وأن عبد الله بن عمر كان سابق بها). أي بالخيل التي لم تضمر وفيه دليل على أن المراد بالمسابقة بين الخيل مركوبة وليس المراد إرسال الفرسين ليجريا بأنفسهما. (قال أبو عبد الله): البخاري تبعًا لأبي عبيدة في المجاز (أمدًا) أي غاية. ({فطال عليهم الأمد}) وهذا مما اتفق عليه أهل اللغة وقد سقط قوله قال أبو عبد الله إلخ في رواية الحموي والكشميهني، وقد أورد ابن بطال هنا سؤالاً وهو كيف ترجم على إضمار الخيل؟ وذكر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سابق بين الخيل التي لم تضمر، وأجاب بأنه أشار بطرف من الحديث إلى بقيته وأحال على سائره لأن تمام الحديث: أنه عليه الصلاة والسلام سابق بين الخيل التي أضمرت وبين الخيل التي لم تضمر، وتعقبه ابن المنير فقال: إنما كان البخاري يترجم على الشيء من الجهة العامة لما قد يكون ثابتًا ولما قد يكون منفيًّا فمعنى قوله باب إضمار الخيل للسبق أي هل هو شرط أو لا فبيّن أنه ليس بشرط لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سابق بها مضمرة وغير مضمرة وهذا أقعد لمقاصد البخاري من قول الشارح، إنما ذكر طرفًا من الحديث ليدل على تمامه لأن لقائل أن يقول إذا لم يكن بدٌّ من الاختصار فذكر الطرف المطابق للترجمة أولى في البيان لا سيما والطرف المطابق هو أول الحديث، إذ أوله عن ابن عمر سابق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين الخيل التي أضمرت من الحفياء إلى ثنية الوداع ثم ذكر الخيل التي لم تضمر كما ساق في هذه الترجمة فحمله على تأويلها لا يعترض عليه. قال ابن حجر: ولا منافاة بين كلامه وكلام ابن بطال بل أفاد النكتة في الاقتصار. 58 - باب غَايَةِ السِّباق لِلْخَيْلِ الْمُضَمَّرَةِ (باب غاية السبق للخيل المضمرة) بتشديد الميم المفتوحة. 2870 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "سَابَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ ضمِّرَتْ، فَأَرْسَلَهَا مِنَ الْحَفْيَاءِ، وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ. فَقُلْتُ لِمُوسَى: فَكَمْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ؟ قَالَ: سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ. وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ، فَأَرْسَلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ أَمَدُهَا مَسْجِدَ بَنِي زُرَيْقٍ. قُلْتُ: فَكَمْ بَيْنَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ مِمَّنْ سَابَقَ فِيهَا". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسنديّ قال: (حدّثنا معاوية) بن عمرو الأزدي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد بن الحرث الفزاري (عن موسى بن عقبة) الأسدي المدني (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال): (سابق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين الخيل التي قد أضمرت) بضم الهمزة وكسر الميم (فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها) أي غايتها (ثنية الوداع) وأضيفت الثنية إلى الوداع لأنها موضع التوديع قال أبو إسحاق (فقلت لموسى): أي ابن عقبة (فكم كان بين ذلك قال: ستة أميال أو سبعة). وقال سفيان في الرواية السابقة خمسة أو ستة وهو اختلاف قريب (وسابق) عليه الصلاة والسلام (بين الخيل التي لم تضمر)، بتشديد الميم المفتوحة (فأرسلها من ثنية الوداع، وكان أمدها) أي غايتها (مسجد بني زريق). قال أبو إسحاق (قلت): أي لموسى (فكم بين ذلك؟ قال ميل أو نحوه). وقال سفيان ميل ولم يشك (وكان ابن عمر ممن سابق فيها). وذكر المؤلّف هذا الحديث في هذه الأبواب الثلاثة من ثلاثة طرق فأشار في الأول إلى مشروعية السبق بين الخيل وأنه ليس من العبث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة والأصل في السبق الخيل والإبل. قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر). رواه الترمذي من حديث أبي هريرة وحسّنه ابن حبّان وصححه. قال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- الخف الإبل، والحافر الخيل، وتجوز المسابقة على الفيل والبغل والحمار على المذهب أخذًا من الحديث السابق. والثاني: لا قصرًا للحديث على ما فسره به الشافعي وأشار بالثاني: إلى أن السُّنَّة أن يتقدم إضمار الخيل وأنه لا تمتنع المسابقة عليها عند عدمه. وبالثالث: إلى غاية السبق فيشترط الإعلام بالموضع الذي يبدآن بالجري منه والموضع المنتهي إليه وتساوي المتسابقين فيهما فلو شرط تقدم مبتدأ أحدهما أو منتهاه لم يجز، وفي الحديث أن المضمر لا يسابق مع غيره وهو محل اتفاق ولم يتعرض في هذا الحديث للمراهنة على ذلك بل وليس في الكتب الستّة لها ذكر، لكن ترجم الترمذي لها باب

59 - باب ناقة النبي -صلى الله عليه وسلم-

المراهنة على الخيل، ولعله أشار إلى ما أخرجه الإمام أحمد والبيهقي والطبراني من حديث ابن عمر: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سابق بين الخيل وراهن، واتفقوا على جواز المسابقة بغير عوض وبعوض لكن بشرط أن يكون العوض من غير المتسابقين. وأما الإمام أو غيره من الرعية بأن يقول: من سبق منكما فله من بيت المال كذا أو عليّ كذا لما في ذلك من الحثّ على المسابقة وبذل مال في طاعة وكذلك يجوز أن يكون من أحد المتسابقين فيقول إن سبقتني فلك كذا أو سبقتك فلا شيء لك عليّ فإن أخرج كلٌّ منهما مالاً على أنه إن سبقه الآخر فهو له لم تجز لأن كلاًّ منهما متردّد بين أن يغنم وأن يغرم وهو صورة القمار المحرم إلا أن يكون بينهما محلّل فيجوز وهو ثالث على فرس مكافئ لفرسيهما ولا يخرج المحلل من عنده شيئًا ليخرج هذا العقد عن صورة القمار، وصورته أن يخرج كلٌّ منهما مالاً ويقولا للثالث إن سبقتنا فالمالان لك وإن سبقناك فلا شيء لك وهو فيما بينهما أيّهما سبق أخذ الجعل من صاحبه، وهذا مذهب الشافعي وأحمد والجمهور ومنع المالكية إخراج السبق منهما ولو بمحلل ولم يعرف مالك المحلل. لنا ما رواه أبو داود وابن ماجه من رواية سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من أدخل فرسًا بين فرسين يعني وهو لا يأمن أن يسبق فليس بقمار ومن أدخل فرسًا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار" ولم ينفرد به سفيان بن حسين كما زعم بعضهم فقد رواه أبو داود أيضًا من طريق سعيد بن بشير عن الزهري. 59 - باب نَاقَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَرْدَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسَامَةَ عَلَى الْقَصْوَاءِ. وَقَالَ الْمِسْوَرُ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ. (باب ناقة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) ولأبي ذر وقال (ابن عمر): -رضي الله عنهما- (أردف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسامة) بن زيد (على القصواء) بفتح القاف وسكون الصاد المهملة ممدودًا اسم ناقته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا طرف من حديث وصله في الحج. (وقال المسور) بن مخرمة فيما وصله في باب الشروط في الجهاد من كتاب الشروط مطولاً (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما خلأت القصواء) أي ما حرنت. 2871 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: "كَانَتْ نَاقَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَالُ لَهَا الْعَضْبَاءُ". [الحديث 2871 - طرفه في: 2872]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا معاوية) بن عمرو الأزدي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم الفزاري (عن حميد) الطويل أنه (قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- يقول: كانت ناقة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقال لها العضباء). بعين مهملة مفتوحة فضاد معجمة ساكنة ممدود. 2872 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَاقَةٌ تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ لاَ تُسْبَقُ -قَالَ حُمَيْدٌ: أَوْ لاَ تَكَادُ تُسْبَقُ- فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ فَسَبَقَهَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى عَرَفَهُ فَقَالَ: حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَىْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ". طَوَّلَهُ مُوسَى عَنْ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد النهدي الكوفي قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي مصغرًا ابن معاوية الجعفي الكوفي (عن حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ناقة تسمى العضباء لا تسبق -قال حميد) الطويل بالإسناد المذكور: (أو لا تكاد تسبق-) على الشك (فجاء أعرابي) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم هذا الأعرابيّ بعد التتبع الشديد (على قعود) بفتح القاف وهو ما استحق الركوب من الإبل وأقل ذلك أن يكون ابن سنتين إلى أن يدخل السادسة فيسمى جملاً ولا يقال إلا للذكر (فسبقها، فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه) أي عرف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كونه شاقًّا عليهم (فقال) عليه الصلاة والسلام: (حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه) وفي رواية إن حقًّا فعلى الله متعلق بحقًّا وأن لا يرتفع خبر أن وأن مصدرية فيكون معرفة والاسم نكرة فيكون من باب القلب أي أن عدم الارتفاع حق على الله. (طوّله) أي رواه مطوّلاً (موسى) بن إسماعيل التبوذكي (عن حماد) هو ابن سلمة (عن ثابت) البناني (عن أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وهذا التعليق وصله أبو داود ووقع في رواية المستملي وحده عقب حديث عبد الله بن محمد ووقع في رواية غير أبي ذر الهروي بعد رواية زهير، وليس سياقه عند أبي داود بأطول من سياق زهير بن أبي معاوية عن حميد. نعم هو أطول من سياق أبي إسحاق الفزاري فتترجح رواية المستملي وكأنه اعتمد رواية أبي إسحاق لما وقع فيها من التصريح بسماع حميد عن أنس وأشار

60 - باب الغزو على الحمير

إلى أنه روي مطوّلاً من طريق ثابت ثم وجده من رواية حميد مطوّلاً فأخرجه قاله في فتح الباري. ومطابقة الترجمة لما ذكره من حيث أن ذكر الناقة يشمل القصواء وغيرها. قال في النهاية: القصواء الناقة التي قطع طرف أُذنها وكل ما قطع من الأُذن فهو جدع فإذا بلغ الربع فهو قصو، فإذا جاوزه فهو عضب فإذا استؤصلت فهو صلم يقال قصوته قصوًا فهو مقصوّ والناقة قصواء، ولا يقال بعير أقصى ولم تكن ناقته عليه الصلاة والسلام قصواء وإنما كان هذا لقبًا لقوله تسمى العضباء ويقال لها العضباء ولو كانت تلك صفتها لم يحتج لذلك، وقيل وقد جاء أنه كان له ناقة تسمى: العضباء وأخرى تسمى: الجدعاء وأخرى تسمى: صلماء وأخرى مخضرمة، وهذا كله في الأُذن، فيحتمل أن تكون كل واحدة صفة ناقة مفردة وأن يكون الكل صفة ناقة واحدة فسماها كل واحد منهم بما تخيل وبذلك جزم الحربي ويؤكد ذلك ما روي في حديث عليّ حين بعثه عليه الصلاة والسلام ببراءة. فروى ابن عباس أنه ركب ناقة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القصواء، وروى جابر العضباء، ولغيرهما الجدعاء، فهذا يصرح أن الثلاثة صفة ناقة واحدة لأن القصة واحدة. 60 - باب الْغَزْوِ عَلَى الْحَمِيرِ (باب الغزو على الحمير) كذا وقع للمستملي وحده من غير ذكر حديث، ويناسبه حديث معاذ السابق: كنت ردف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على حمار يقال له: عفير. فيحتمل أن المؤلّف -رحمه الله تعالى- بيّض له ليكتبه من غير الطريق السابقة كعادته فاخترمته المنيّة قبل، وضم النسفيّ هذه الترجمة لتاليتها فقال باب الغزو على الحمير وبغلة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. واستشكل لأنه لا ذكر للحمير في حديثي الباب. وأجيب: باحتمال أن يؤخذ حكم الحمار من البغلة أو أن المؤلّف بيّض له. 61 - باب بَغْلَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَيْضَاءِ، قَالَهُ أَنَسٌ وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَغْلَةً بَيْضَاءَ. (باب بغلة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الببضاء، قاله أنس) في حديثه الطويل في قصة حنين (وقال أبو حميد): عبد الرحمن بن سعد الساعدي في حديثه الطويل في غزوة تبوك السابق موصولاً في أواخر الزكاة (أهدى ملك أيلة) بفتح الهمزة وسكون التحتية مدينة على ساحل البحر بين مصر ومكة في قول أبي عبيد وقال غيره هي آخر الحجاز وأول الشام بينها وبين المدينة خمس عشرة مرحلة واسم ملكها يوحنا بن روبة واسم أمه العلماء (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بغلة بيضاء) وهذه غير البغلة التي كان عليها يوم حنين. وفي مسلم عن العباس أن البغلة التي كانت تحته يوم حنين أهداها له فروة بن نفاثة بضم النون وبعد الفاء المخففة ألف فمثلثة وهذا هو الصحيح. 2873 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ قَالَ: "مَا تَرَكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ وَسِلاَحَهُ، وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَةً". وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) أبو حفص الباهلي الصيرفي البصري قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سمعت عمرو بن الحارث) المصطلقي الخزاعي أخا أم المؤمنين جويرية بنت الحرث -رضي الله عنهما- (قال): (ما ترك النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا بغلته البيضاء) هي دلدل لأن أهل السير لم يذكروا بغلة بقيت بعده عليه الصلاة والسلام سواها والشهبة غلبة البياض على السواد فسماها بيضاء لذلك (وسلاحه)، الذي أعدّه للحرب (وأرضًا تركها) وفي الوصايا جعلها (صدقة). أي في صحته وأخبر بحكمها عند وفاته والأرض هي نصف فدك وثلث أرض وادي القرى وسهمه من خمس خيبر وصفيه من بني النضير قاله الكرماني -رحمه الله تعالى-. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الجهاد والمغازي والنسائي في الأحباس وسبق في الوصايا. 2874 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- "قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عُمَارَةَ وَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَالَ: لاَ وَاللَّهِ مَا وَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَكِنْ وَلَّى سَرَعَانُ النَّاسِ، فَلَقِيَهُمْ هَوَازِنُ بِالنَّبْلِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِهَا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ , أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الزمن البصري قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال له رجل): من قيس (يا أبا عمارة وليتم) وفي باب من قاد دابة غيره أفررتم (يوم) وقعة (حنين قال: لا والله ما ولى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، قال النووي: هذا الجواب من بديع الأدب لأن تقدير الكلام: أفررتم كلكم

62 - باب جهاد النساء

فيدخل فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال البراء: لا والله ما فرّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويحتمل أن السائل أخذ التعميم من قوله تعالى: {ثم وليتم مدبرين} [التوبة: 25} فبين له البراء أنه من العموم الذي أريد به الخصوص ثم أوضح سبب ذلك بقوله (ولكن ولى سرعان الناس) بفتح السين المهملة والراء وقد سكن أي المستعجلون منهم (فلقيهم هوازن بالنبل) بفتح النون لا واحد له من لفظه وفي باب من قاد دابة غيره أن هوازن كانوا قومًا رماة وإنما لما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا فأقبل المسلمون على الغنائم فاستقبلونا بالسهام فبيّن السبب في الإسراع (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بغلته البيضاء) التي أهداها له فروة بن نفاثة كما مرّ عن رواية مسلم ولأبي ذر: على بغلة بيضاء (وأبو سفيان بن الحرث) بن عبد المطلب (آخذ بلجامها والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (أنا النبي لا كذب) أي فلا أنهزم لأن الذي وعدني الله به من النصر حق لا خلف لميعاده تعالى (أنا ابن عبد المطلب) انتسب لجده لشهرته به كما قال ضمام بن ثعلبة لما قدم أيكم ابن عبد المطلب. 62 - باب جِهَادِ النِّسَاءِ 2875 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: "اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: جِهَادُكُنَّ الْحَجُّ". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة أبو عبد الله العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن معاوية بن إسحاق) بن طلحة التيمي أبي الأزهر (عن) عمته (عائشة بنت طلحة) التميمية (عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها) أنها (قالت: استأذنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الجهاد) وهو القتال في سبيل الله (فقال) عليه الصلاة والسلام: (جهادكن الحج) وسبق هذا الحديث بمعناه في أول الجهاد وأواخر الحج. (وقال عبد الله بن الوليد): العدني (حدّثنا سفيان) الثوري مما هو موصول في جامعه (عن معاوية) بن إسحاق (بهذا). 2876 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بِهَذَا. وَعَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ "عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلَهُ نِسَاؤُهُ عَنِ الْجِهَادِ فَقَالَ: نِعْمَ الْجِهَادُ الْحَجُّ". وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة السوائي العامري قال: (حدّثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري (عن معاوية) بن إسحاق (بهذا) الحديث. (وعن حبيب بن أبي عمرة) بفتح العين وسكون الميم القصاب أبي عبد الله الحماني بكسر المهملة وتشديد الميم الكوفي (عن عائشة بنت طلحة) التيمية (عن عائشة أم المؤمنين) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (سأله نساؤه عن الجهاد) في سبيل الله هل يفعلنه (فقال) عليه الصلاة والسلام: (نعم الجهاد الحج) بكسر النون وسكون العين المهملة ورواية حبيب هذه قال الحافظ ابن حجر: إنها موصولة من رواية قبيصة المذكورة قال: والحاصل أن عنده يعني المؤلّف فيه عن سفيان إسنادين وفيه كما قال ابن بطال: أن النساء لا يجب عليهن الجهاد لأنهن لسن من أهل القتال للعدو والمطلوب منهن التستر ومجانبة الرجال، فلذا كان الحج أفضل لهن. نعم لهن أن يتطوعن بالجهاد وللإمام أن يستعين بامرأة وخنثى ومراهق إذا كان فيهن غناء في القتال أو غيره كسقي الماء ومداواة الجرحى كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. 63 - باب غَزْوِ الْمَرْأَةِ فِي الْبَحْرِ 2877 و 2878 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ هوَ الفَزاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: "دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ابْنَةِ مِلْحَانَ فَاتَّكَأَ عِنْدَهَا، ثُمَّ ضَحِكَ، فَقَالَتْ: لِمَ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ الأَخْضَرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَثَلُهُمْ مَثَلُ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مِنْهُمْ. ثُمَّ عَادَ فَضَحِكَ، فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ -أَوْ مِمَّ- ذَلِكَ، فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَتِ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَلَسْتِ مِنَ الآخِرِينَ. قَالَ: قَالَ أَنَسٌ فَتَزَوَّجَتْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ مَعَ بِنْتِ قَرَظَةَ، فَلَمَّا قَفَلَتْ رَكِبَتْ دَابَّتَهَا، فَوَقَصَتْ بِهَا، فَسَقَطَتْ عَنْهَا فَمَاتَتْ". (باب غزو المرأة) ولأبي ذر عن الكشميهني غزوة المرأة (في البحر) وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين الأزدي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن الحرث وزاد أبو ذر هو الفزاري بفتح الفاء والزاي (عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري) أبي طوالة بضم الطاء المهملة وتخفيف الواو وليس بينه وبين سابقه زائدة بن قدامة كما زعم أبو مسعود في الأطراف وأقره المزي عليه فقد أخرجه الإمام أحمد وغيره كالبخاري ليس فيه زائدة عن أبي طوالة وقد ثبت سماع أبي إسحاق من أبي طوالة أنه (قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- يقول: دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ابنة ملحان) بكسر الميم وسكون اللام بعدها حاء مهملة فألف فنون أم حرام خالة أنس (فاتكأ عندها) فنام (ثم ضحك) بعد أن استيقظ من نومه (فقالت): أم حرام (لم تضحك يا رسول الله؟ فقال): (ناس) أي أضحكني ناس (من أمتي يركبون البحر الأخضر في سبيل الله، مثلهم) في الدنيا أو في الجنة (مثل الملوك على الأسرة). (فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال): ولأبي ذر: فقال: (اللهم اجعلها منهم) (ثم عاد) إلى النوم ثم استيقظ (فضحك،

64 - باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه

فقالت له مثل-) أي مثل قولها الأول لم تضحك (أو) قالت (مم. ذلك)؟ أي الضحك (فقال لها مثل ذلك)، ناس من أمتي يركبون إلى آخره، لكن قيل في هذا يركبون البر وهو ظاهر (فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم قال): (أنت من الأولين) الذين يركبون البحر (ولست من الآخرين) الذين يركبون البر (قال) أبو طوالة: (قال أنس: فتزوجت عبادة بن الصامت) وفي رواية إسحاق عن أنس في أول الجهاد وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وظاهر هذه أنها كانت حينئذٍ زوجته بخلاف الأولى. وأجيب: بأنها كانت إذ ذاك زوجته ثم طلقها ثم راجعها بعد ذلك قاله ابن التين، وقيل إنما تزوجها بعد ذلك وهذا أولى لموافقة محمد بن يحيى بن حبان عن أنس على أن عبادة تزوجها بعد كما سيأتي إن شاء الله تعالى في باب ركوب البحر، ويحمل قوله في رواية إسحاق وكانت تحت عبادة على أنه جملة معترضة أراد الراوي وصفها به غير مقيد بحال من الأحوال وظهر من رواية غيره أنه إنما تزوجها بعد ذلك قاله في الفتح. (فركبت البحر مع بنت قرظة)، بالقاف والراء والظاء المعجمة المفتوحات فاختة امرأة معاوية بن أبي سفيان وكان أخذها معه لما غزا قبرص في البحر سنة ثمان وعشرين وهو أوّل من ركب البحر للغزاة في خلافة عثمان -رضي الله عنهما- وقرظة هو ابن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف وليس هو قرظة بن كعب الأنصاري، (فلما قفلت) أي رجعت (ركبت دابتها، فوقصت بها)، بفتح الواو (فسقطت عنها فماتت). الوقص كسر العنق يقال: وقصت عنقه أقصها وقصًا ووقصت به راحلته كقولك خذ الخطام وخذ بالخطام، ولا يقال وقصت العنق نفسها ولكن يقال وقص الرجل فهو موقوص. 64 - باب حَمْلِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ فِي الْغَزْوِ دُونَ بَعْضِ نِسَائِهِ 2879 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، كُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ يَخْرُجُ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي. فَخَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبلَ أن يَنزِلَ الْحِجَابُ". (باب حمل الرجل امرأته في الغزو دون بعض نسائه). وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم أبو محمد السلمي الأنماطي البرساني البصري قال: (حدّثنا عبد الله بن عمر النميري) بضم النون وفتح الميم مصغرًا قال: (حدّثنا يونس) بن يزيد الأيلي (قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: سمعت عروة بن الزبير) بن العوّام وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص) أي الليثي (- وعبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الأربعة (عن حديث عائشة) -رضي الله عنها- (كلٌّ حدّثني طائفة) أي قطعة (من الحديث) عنها أنها (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أراد أن يخرج) أي يمضي إلى سفر (أقرع بين نسائه) تطييبًا لقلوبهن (فأيتهن) بتاء التأنيث (يخرج) بفتح حرف المضارعة وضم الراء (سهمها خرج بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأقرع بيننا في غزوة غزاها) هي غزوة بني المصطلق (فخرج فيها سهمي فخرجت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن ينزل الحجاب). أي الأمر به، وفي رواية ابن إسحاق: فخرج سهمي عليهن فخرج بي معه وهو ظاهر بأنه خرج بها وحدها، وأما ما ذكره الواقدي من أن أم سلمة خرجت معه أيضًا في هذه الغزوة فغير صحيح. 65 - باب غَزْوِ النِّسَاءِ وَقِتَالِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ 2880 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِنَّ تَنْقُزَانِ الْقِرَبَ -وَقَالَ غَيْرُهُ: تَنْقُلاَنِ الْقِرَبَ- عَلَى مُتُونِهِمَا ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلآنِهَا ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِه فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ". [الحديث 2880 - أطرافه في: 2902، 3811، 4064]. (باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال). وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما مهملة ساكنة عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ميسرة المقعد التميمي المنقري مولاهم البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما كان يوم أُحُد انهزم الناس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وثبت -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يبق معه من أصحابه إلا اثنا عشر رجلاً وكان سبب الهزيمة اشتغالهم بغنيمة الكفّار لما هزمهم المسلمون كما سيأتي إن شاء الله تعالى في المغازي (قال) أنس: (ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر) الصديق (وأم سليم) هي أم أنس (وإنهما لمشمرتان) بكسر الميم الثانية المشددة (أرى) أبصر (خدم سوقهما) بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة خلاخيلهما وقيل سمي الخلخال خدمة لأنه ربما كان من سيور مركب فيها الذهب والفضة والخدمة في الأصل السير والمخدم موضع الخلخال من الساق، ولعل رؤيته لذلك كانت من غير قصد للنظر أو

66 - باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو

قبل الحجاب (تنقزان القرب) بفتح حرف المضارعة وسكون النون وضم القاف وبعد الزاي ألف فنون، والنقز الوثب وهو لازم أي تثبان وتقفزان من سرعة السير والقرب بالنصب واستبعد لأن تنقز غير متعدٍّ وأوله بعضهم على نزع الخافض أي تثبان بالقرب، وقرأه بعضهم بالرفع على أنه مبتدأ خبره على متونهما والجملة حالية وضبط آخر تنقزان بضم حرف المضارعة من أنقز فعداه بالهمزة أي تحركان القرب لشدة عدوهما ويصح نصب القرب على هذا الوجه، وأعربه البدر الدماميني على أنه مفعول باسم فاعل منصوب على الحال محذوف أي تنقزان جاعلتين القرب أو ناقلتين القرب على متونهما قال وحذف العامل لدلالة الكلام عليه (-وقال غيره) أي غير أبي معمر وهو جعفر بن مهران عن عبد الوارث (تنقلان القرب-) باللام بدل الزاي (على متونهما) أي ظهورهما ولا إشكال في النصب على هذه الرواية كما لا يخفى (ثم تفرغانه) بضم حرف المضارعة من أفرغ أي تفرغان الماء الذي في القرب (في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانها) أي القرب ولأبي ذر: فتفرغانه أي الماء (في أفواه القوم) قال ابن المنير: بوب على قتالهن وليس هو في الحديث فإما أن يريد أن إعانتهن للغزاة غزو وإما أن يريد أنهن ما ثبتن للمداواة ولسقي الجرحى إلا وهن يدافعن عن أنفسهن وهو الغالب فأضاف إليهن القتال لذلك؛ انتهى. ويؤيد الأول حديث ابن عباس عند مسلم كان يغزو بهن فيداوين الجرحى، ويؤيد الثاني: حديث أنس عند مسلم أيضًا أن أم سليم اتخذت خنجرًا يوم حنين فقالت اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، وقد روي أن أم سليم كانت تسبق الشجعان في الجهاد وثبتت يوم حنين والأقدام قد تزلزلت والصفوف قد انتقضت والمنايا فغرت فاها فالتفت إليها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي يدها خنجر فقالت: يا رسول الله أقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما يقتل هؤلاء الذين يحاربون فليسوا بشرّ منهم؟ فقال: "يا أم سليم إن الله قد كفى وأحسن". وقد قاتل نساء قريش يوم اليرموك حين دهمتهم جموع الروم وخالطوا عسكر المسلمين يضربن النساء يومئذٍ بالسيوف وذلك في خلافة عمر. وحديث الباب أخرجه أيضًا في فضل أبي طلحة وفي المغازي ومسلم في المغازي. 66 - باب حَمْلِ النِّسَاءِ الْقِرَبَ إِلَى النَّاسِ فِي الْغَزْوِ 2881 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ: "إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءٍ الْمَدِينَةِ، فَبَقِيَ مِرْطٌ جَيِّدٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطِ هَذَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِي عِنْدَكَ -يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ- فَقَالَ عُمَرُ: أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ. وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ عُمَرُ: فَإِنَّهَا كَانَتْ تَزْفِرُ لَنَا الْقِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ" قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: تَزْفِرُ تَخِيطُ. [الحديث 2881 - طرفه في: 4071]. (باب حمل النساء القرب إلى الناس في الغزو). وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (قال ثعلبة بن أبي مالك) أبو يحيى القرظي إمام بني قريظة ولد في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وله رؤية وطال عمره قاله الذهبي وقال غيره: اختلف في صحبته وله حديث مرفوع لكن جزم أبو حاتم بأنه مرسل وصرح الزهري عنه بالإخبار في حديث آخر سيأتي إن شاء الله تعالى في باب لواء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قسم مروطًا) أي أكسية من صوف أو خز كان يؤتزر بها (بين نساء من نساء المدينة فبقي) منها (مرط جيد) بكسر الميم وسكون الراء (فقال له بعض من عنده): قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (يا أمير المؤمنين أعط) بهمزة قطع مفتوحة (هذا ابنة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي عندك يريدون) زوجته (أم كلثوم) بضم الكاف والمثلثة (بنت عليّ) وكانت أصغر بنات فاطمة الزهراء وأولاد بناته عليه السلام ينسبون إليه (فقال عمر أم سليط) بفتح السين المهملة وكسر اللام (أحق) به (وأم سليط) هي كما ذكره ابن سعد أم قيس بنت عبيد بن زياد بن ثعلبة من بني مازن تزوجها أبو سليط بن أبي حارثة عمرو بن قيس من بني عديّ بن النجار فولدت سليطًا وفاطمة فكنيت بأم سليط لذا فهي (من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله قال عمر: فإنها كانت تزفر) بفتح المثناة الفوقية وسكون الزاي وبعد الفاء المكسورة راء أي تحمل (لنا القرب يوم أُحد) وشهدت أيضًا خيبر وحنينًا. (قال أبو عبد الله) أي البخاري (تزفر) أي (تخيط).

67 - باب مداواة النساء الجرحى في الغزو

قال عياض: وهذا غير معروف في اللغة، ولعل البخاري إنما تبع في ذلك ما روي عن أبي صالح كاتب الليث حيث قال فيما رواه أبو نعيم عنه تزفر تخرز وسقط قوله قال أبو عبد الله إلخ من رواية الحموي والكشميهني، وحديث الباب أخرجه أيضًا في المغازي. 67 - باب مُدَاوَاةِ النِّسَاءِ الْجَرْحَى فِي الْغَزْوِ 2882 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَسْقِي، وَنُدَاوِي الْجَرْحَى، وَنَرُدُّ الْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ". [الحديث 2882 - طرفاه في: 2883، 5679]. (باب مداواة النساء الجرحى) من الرجال وغيرهم (في الغزو). وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن لاحق الرقاشي بقاف وشين معجمة البصري قال: (حدّثنا خالد بن ذكوان) المدني نزيل البصرة (عن الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد التحتية المكسورة (بنت معوّذ) بضم الميم وفتح العين وتشديد الواو المكسورة وبالذال المعجمة ابن عفراء الأنصارية من المبايعات -رضي الله عنها- أنها (قالت: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الغزو (نسقي)، أصحابه (ونداوي) منهم (الجرحى)، من غير لمس بأن يصنعن الدواء ويضعه غيرهن على الجرح أو المراد المتجالات منهن لأن موضع الجرح لا يلتذ بمسّه بل يقشعر منه الجلد وتهابه النفس ولمسه مؤلم للامس والملموس والضرورات تبيح المحظورات (ونرد القتلى) منهم من المعركة (إلى المدينة). وزاد الإسماعيلي من طريق أخرى عن خالد بن ذكوان ولا نقاتل وسقط قوله إلى المدينة لأبي ذر. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الباب التالي لهذا والنسائي في السير. 68 - باب رَدِّ النِّسَاءِ الْجَرْحَى وَالْقَتْلَى 2883 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ خَالِدِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: "كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَسْقِي الْقَوْمَ وَنَخْدِمُهُمْ، وَنَرُدُّ الْجَرْحَى وَالْقَتْلَى إِلَى الْمَدِينَةِ". (باب ردّ النساء) الرجال (الجرحى والقتلى) زاد أبو ذر عن الكشميهني إلى المدينة. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر بن المفضل عن خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ) أنها (قالت: كنّا نغزو مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنسقي القوم) أي الصحابة (ونخدمهم ونردّ القتلى والجرحى) منهم (إلى المدينة). قال السفاقسي: كانوا يوم أُحُد يجعلون الرجلين والثلاثة من الشهداء على دابة وتردّهم النساء، إلى موضع قبورهم. 69 - باب نَزْعِ السَّهْمِ مِنَ الْبَدَنِ 2884 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: "رُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: انْزِعْ هَذَا السَّهْمَ، فَنَزَعْتُهُ، فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ، فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ". [الحديث 2884 - طرفاه في: 4323، 6383]. (باب) جواز (نزع السهم من البدن). وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بفتح العين والمدّ ابن كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء ابن أبي بردة (عن) جده (أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: رمي) بضم الراء بصيغة المجهول (أبو عامر) عبيد بن وهب بضم العين مصغرًا الأشعري عمّ أبي موسى وكان من كبار الصحابة (في ركبته) بسهم في غزوة أوطاس رماه جشمي (فانتهيت إليه، قال): ولأبي ذر فقال (انزع) بكسر الزاي (هذا السهم، فنزعته)، من ركبته (فنزا) بالنون والزاي المفتوحتين أي جرى (منه الماء)، ولم ينقطع (فدخلت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في المغازي في بيته (فأخبرته) بذلك (فقال) عليه الصلاة والسلام: (اللهم اغفر لعبيد) بالتنوين (أبي عامر) زاد في المغازي ورأيت بياض إبطيه ثم قال: "اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس" وإنما دعا له لأنه علم أنه ميت من ذلك. وهذا الحديث أخرجه أيضًا مقطعًا في الجهاد ويأتي إن شاء الله تعالى تامًّا في المغازي. 70 - باب الْحِرَاسَةِ فِي الْغَزْوِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ 2885 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تَقُولُ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَهِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ: لَيْتَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِي صَالِحًا يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ، إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ سِلاَحٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ جِئْتُ لأَحْرُسَكَ. فَنَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 2885 - طرفه في: 7231]. (باب) فضل (الحراسة) بكسر الحاء الحفظ (في الغزو في سبيل الله). وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن خليل) الخزاز بمعجمات الكوفي قال: (أخبرنا علي بن مسهر) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء القرشي الكوفي قاضي الموصل قال: (أخبرنا يحيى بن سعيد) الأنصاري قال: (أخبرنا عبد الله بن عامر بن ربيعة) القرشي العنزي (قال: سمعت عائشة -رضي الله عنها- تقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سهر) بفتح السين المهملة وكسر الهاء (فلما قدم المدينة) بعد زمان السهر (قال): (ليت رجلاً من أصحابي صالحًا) صفة لرجلاً (يحرسني الليلة)، وعند مسلم من طريق الليث عن يحيى بن سعيد سهر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقدمه المدينة ليلة فقال: ليت رجلاً صالحًا إلخ. وظاهره أن السهر والقول معًا كانا بعد قدومه المدينة بخلاف رواية الباب فإن ظاهرها أن السهر

كان قبل القدوم والقول بعده وهو محمول على التقديم والتأخير أي سمعت عائشة تقول لما قدم سهر وقال: ليت. ويؤيده رواية النسائي كان رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أول ما قدم المدينة سهر وليس المراد بقدومه المدينة أول قدومه إليها من الهجرة لأن عائشة إذ ذاك لم تكن عنده (إذ سمعنا صوت سلاح، فقال) عليه الصلاة والسلام: (من هذا)؟ (فقال: أنا سعد بن أبي وقاص جئت لأحرسك) وفي رواية مسلم المذكورة فقال: وقع في نفسي خوف على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجئت أحرسه فدعا له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ونام) ولأبي ذر فنام (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). زاد المؤلّف في التمني من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد حتى سمعنا غطيطه، وفي الترمذي من طريق عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحرس حتى نزلت هذه الآية {والله يعصمك من الناس} [المائدة: 67] إسناده حسن لكنه اختلف في وصله وإرساله وهو يقتضي أنه لم يحرس بعد ذلك بناءً على سبق نزول الآية، لكن ورد في عدة أخبار أنه حرس في بدر وأُحُد والخندق ورجوعه من خيبر وفي وادي القرى وعمرة القضية وفي حنين فكأن الآية نزلت متراخية عن وقعة حنين. ويؤيده ما في المعجم الصغير للطبراني عن أبي سعيد كان العباس فيمن يحرس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما نزلت هذه الآية ترك والعباس إنما لازمه بعد فتح مكة فيحمل على أنها نزلت بعد حنين، وحديث حراسته ليلة حنين أخرجه أبو داود والنسائي وقد تتبع بعضهم أسماء من حرسه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجمع منهم سعد بن معاذ ومحمد بن مسلمة والزبير وأبا أيوب وذكوان بن عبد قيس والأدرع السلمي وابن الأدرع اسمه محجن، ويقال سلمة وعباد بن بشر والعباس وأبا ريحانة. وفي الباب أحاديث كحديث عثمان مرفوعًا: حرس ليلة في سبيل الله خير من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها. رواه الحاكم وصححه ابن ماجه. وحديث أنس مرفوعًا عند ابن ماجه أيضًا: حرس ليلة في سبيل الله أفضل من صيام رجل وقيامه في أهله ألف سنة السنة ثلاثمائة يوم اليوم كألف سنة، لكن قال المنذري: ويشبه أن يكون موضوعًا وحديث ابن عمر مرفوعًا. "ألا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر حارس حرس في أرض خوف لعله أن لا يرجع إلى أهله" أخرجه الحاكم وقال: على شرط البخاري. 2886 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ» لَمْ يَرْفَعْهُ إِسْرَائِيلُ ومحمدُ بنُ جُحادةَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ. [الحديث 2886 - طرفاه في: 2887، 6435]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن يوسف) بن أبي كريمة أبو يوسف الزمي بكسر الزاي وتشديد الميم الخراساني نزيل بغداد قال: (أخبرنا أبو بكر) الحناط بالنون المقبري وزاد أبو ذر يعني ابن عياش بتشديد التحتية وبعد الألف شين معجمة (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي (عن أبي صالح) ذكوان السمان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). أنه (قال): (تعس) بفتح الفوقية وكسر العين المهملة وتفتح بعدها سين مهملة انكب على وجهه أو بعد أو هلك أو شقي (عبد الدينار و) عبد (الدرهم و) عبد (القطيفة) بفتح القاف وكسر الطاء دثار (و) عبد (الخميصة). بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم كساء أسود مربّع له أعلام وخطوط يعني إن طلب ذلك قد استبعده وصار عمله كله في طلبها كالعبادة لها فهو مجاز عن حرصه عليه وتحمله الذل لأجله (إن أعطي) بضم أوله وكسر ثالثه أي إن أعطي ما له عمل (رضي) عن خالقه (وإن لم يعط لم يرض) بما قدر له فصح أنه عبد في طلب ذلك فوجب الدعاء عليه بالتعس لأنه أوقف عمله على متاع الدنيا الفاني وترك النعيم الباقي (لم يرفعه) أي لم يرفع الحديث (إسرائيل) بن يونس (ومحمد بن جحادة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة المخففة وبعد الألف دال مهملة كلاهما (عن أبي حصين) عثمان الأسدي بل وقفاه عليه وسقط لغير أبي ذر ومحمد بن جحادة قال البخاري. 2887 - وَزَادَنَا عَمْرٌو قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ: إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ. طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثٍ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ. إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ». (وزادنا عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن مرزوق أحد مشايخه وفي نسخة وزاد لنا عمرو (قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن

71 - باب فضل الخدمة في الغزو

أبيه عن أبي صالح) ذكوان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة): لم يقل وعبد القطيفة (إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط)، بكسر الخاء المعجمة بدل قوله في الأولى لم يرض والذي زاده عمر وهو قوله (تعس وانتكس)، بالسين المهملة أي عاوده المرض كما بدأ به أو انقلب على رأسه وهو دعاء عليه بالخيبة لأن من انتكس فقد خاب وخسر (وإذا شيك) بكسر الشين المعجمة وبعد التحتية الساكنة كاف أصابته شوكة (فلا انتقش). بالقاف والشين المعجمة أي فلا خرجت شوكته بالمنقاش يقال: نقشت الشوك إذا استخرجته (طوبى) اسم الجنة أو شجرة فيها (لعبد آخذ) بمدّ الهمزة وبعد الخاء المعجمة المكسورة ذال معجمة اسم فاعل من الأخذ مجرور صفة لعبد فيمتنع من السعي للدينار والدرهم (بعنان فرسه) بكسر العين أي لجامها في الجهاد (في سبيل الله، أشعث) بالمثلثة مجرور بالفتحة لمنعه من الصرف على أنه صفة للمجرور من قوله طوبى لعبد (رأسه) بالرفع فاعل، ولأبي ذر: أشعث بالرفع. قال في الفتح: على أنه صفة الرأس أي رأسه أشعث، وتعقبه في العمدة فقال: لا يصح عند المعربين والرأس فاعل وكيف يكون صفته والصفة لا تتقدم على الموصوف، والتقدير الذي قدّره يؤدّي إلى إلغاء قوله رأسه بعد قوله أشعث انتهى. والظاهر أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره وهو أشعث (مغبرة قدماه) بسكون الغين وتشديد الراء وإعرابه مثل أشعث رأسه. وقال الطيبي في شرح المشكاة: أشعث رأسه ومغبرة قدماه حالان من العبد لأنه موصوف (إن كان في الحراسة) أي حراسة العدو خوفًا من هجومه (كان في الحراسة)، وهي مقدمة الجيش (وإن كان في الساقة) مؤخر الجيش (كان في الساقة). وفي اتحاد الشرط والجزاء دلالة على فخامة الجزاء وكمالها أي فهو في أمر عظيم فهو نحو فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله. وقال ابن الجوزي: المعنى أنه خامل الذكر لا يقصد السموّ فأيّ موضع اتفق له كان فيه فمن لازم هذه الطريقة كان حرِيًّا (إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع) أي عند الناس (لم يشفع). بتشديد الفاء المفتوحة أي لم تقبل شفاعته. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لَمْ يَرْفَعْهُ إِسْرَائِيلُ وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ. وَقَالَ: "تَعْسًا"، فكَأَنَّهُ يَقُولُ: فَأَتْعَسَهُمُ اللَّهُ. "طُوبَى": فُعْلَى مِنْ كُلِّ شَىْءٍ طَيِّبٍ وَهْيَ يَاءٌ حُوِّلَتْ إِلَى الْوَاوِ، وَهْيَ مِنْ يَطِيبُ. (قال أبو عبد الله) البخاري: (لم يرفعه إسرائيل ومحمد بن جحادة عن أبي حصين) وسبق هذا قريبًا وهو ساقط في رواية أبي ذر (وقال (تعسًا)) لفظ القرآن فتعسًا لهم (كأنه يقول: فأتعسهم الله). وأما (طوبى)، فهي (فعلى) بضم الفاء وسكون العين وفتح اللام (من كل شيء طيب وهي ياء) في الأصل أي طيبى بطاء مضمومة فياء ساكنة ثم (حوّلت) أي الياء (إلى الواو)، لانضمام ما قبلها (وهي من يطيب). بفتح أوله وكسر ثانيه. قال في الفتح إن قوله فتعسًا إلخ في رواية المستملي وحده وهو على عادة البخاري في شرح اللفظة التي توافق ما في القرآن. والحديث أخرجه أيضًا في الرقاق وابن ماجه في الزهد. 71 - باب فَضْلِ الْخِدْمَةِ فِي الْغَزْوِ 2888 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "صَحِبْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَكَانَ يَخْدُمُنِي وَهْوَ أَكْبَرُ مِنْ أَنَسٍ. قَالَ جَرِيرٌ: إِنِّي رَأَيْتُ الأَنْصَارَ يَصْنَعُونَ شَيْئًا لاَ أَجِدُ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلاَّ أَكْرَمْتُهُ". (باب فضل الخدمة في الغزو) بكسر الخاء. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بعينين مهملتين مفتوحتين بينهما راء ساكنة وبعد الثانية راء أخرى مفتوحة ابن البرند بكسر الموحدة والراء وسكون النون آخره دال مهملة السامي بالمهملة البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن يونس بن عبيد) بضم العين مصغرًا من غير إضافة العبدي (عن ثابت البناني عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) وسقط لأبي ذر لفظ ابن مالك (أنه قال: صحبت جرير بن عبد الله) البجلي زاد مسلم في سفر وهو أعم من أن يكون في الغزو أو غيره. (فكان يخدمني وهو أكبر من أنس) كان الأصل أن يقول وهو أكبر مني لكنه فيه التفات أو تجريد ويحتمل أن يكون قوله وهو أكبر من أنس من قول ثابت (قال جرير) البجلي: (إني رأيت الأنصار يصنعون) من تعظيم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخدمته (شيئًا لا أجد أحدًا منهم إلا أكرمته). قال في فتح الباري: وهذا الحديث من الأحاديث التي أوردها المصنف في غير مظنتها وأليق المواضع به المناقب انتهى. وفيه إشعار بأنه لا مطابقة بين

72 - باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر

الحديث والترجمة، لكن قال العيني إن المطابقة تؤخذ مما زاده مسلم وهو قوله في سفر لشموله الغزو وغيره كما سبق. 2889 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ أَخْدُمُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَاجِعًا وَبَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ: هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ. ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا كَتَحْرِيمِ إِبْرَاهِيمَ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا". وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي المدني قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن جعفر) هو ابن أبي كثير الأنصاري (عن عمرو بن أبي عمرو) بفتح العين فيهما (مولى المطلب بن حنطب) بفتح الحاء والطاء المهملتين بينهما نون ساكنة آخره موحدة (أنه سمع أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: خرجت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى) غزوة (خيبر) سنة ست أو سبع حال كوني (أخدمه، فلما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (راجعًا) إلى المدينة (وبدا) أي وظهر (له أحُد) الجبل المعروف (قال) عليه الصلاة والسلام: (هذا) مشيرًا إلى أُحُد (جبل يحبنا) حقيقة (ونحبه)، فما جزاء من يحب ألا يحب أو المراد يحب احدًا حبّ أهل المدينة وسكانها له كقوله تعالى: {واسأل القرية} [يوسف: 82] والأوّل أولى، ويؤيده حنين الأسطوانة على مفارقته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، (ثم أشار) عليه الصلاة والسلام (بيده إلى المدينة قال): (اللهم إني أحرم ما بين لابتيها) بتخفيف الموحدة تثنية لابة وهي الحرة والمدينة بين حرتين وسقط لفظ اللهم للمستملي وفي نسخة وقال بإثبات الواو (كتحريم إبراهيم) الخليل (مكة). في الحرمة فقط لا في وجوب الجزاء (اللهم بارك لنا في صاعنا ومدّنا). دعاء بالبركة في أقواتهم. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في أحاديث الأنبياء ومسلم في المناسك والترمذي في المناقب. 2890 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّاءَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيِّ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكْثَرُنَا ظِلاًّ الَّذِي يَسْتَظِلُّ بِكِسَائِهِ، وَأَمَّا الَّذِينَ صَامُوا فَلَمْ يَعْمَلُوا شَيْئًا، وَأَمَّا الَّذِينَ أَفْطَرُوا فَبَعَثُوا الرِّكَابَ. وَامْتَهَنُوا وَعَالَجُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن داود أبو الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة العتكي الزهراني البصري (عن إسماعيل بن زكريا) الخلقاني بضم المعجمة وسكون اللام بعدها قاف أبي زياد الكوفي الملقب بشقوصا بفتح الشين المعجمة وضم القاف الخفيفة وبالصاد المهملة قال: (حدّثنا عاصم) هو ابن سليمان الأحول (عن مورق) بضم الميم وفتح الواو وكسر الراء المشددة آخره قاف ابن مشمرج بضم الميم وفتح الشين المعجمة وسكون الميم وكسر الراء بعدها جيم ابن عبد الله (العجلي) بكسر العين المهملة وسكون الجيم البصري (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد مسلم من وجه آخر عن عاصم في سفر فمنا الصائم ومنا المفطر قال: فنزلنا منزلاً في يوم حار (أكثرنا ظلاًّ من) وفي الفرع وأصله الذي (يستظل) من الشمس (بكسائه)، وزاد مسلم ومنا من يتقي الشمس بيده (وأما الذين صاموا فلم يعملوا شيئًا) لعجزهم (وأما الذين أفطروا فبعثوا الركاب). بكسر الراء الإبل التي يسار عليها واحدها راحلة ولا واحد لها من لفظها أي أثاروها إلى الماء للسقي وغيره (وامتهنوا) بفتح الفوقية والهاء (وعالجوا) أي خدموا الصائمين وتناولوا السقي والعلف وفي رواية مسلم فضربوا الأبنية أي البيوت التي يسكنها العرب في الصحراء كالخباء والقبة وسقوا الركاب (فقال النبي) وفي نسخة فقال رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ذهب المفطرون اليوم بالأجر) الوافر وهو أجر ما فعلوه من خدمة الصائمين بضرب الأبنية والسقي وغير ذلك لما حصل منهم من النفع المتعدى ومثل أجر الصوام لتعاطيهم أشغالهم وأشغال الصوام، وأما الصائمون فحصل لهم أجر صومهم القاصر عليهم ولم يحصل لهم من الأجر ما حصل للمفطرين من ذلك. ولم تظهر لي المطابقة بين الترجمة والحديث. نعم يحتمل أن تكون مما زاده مسلم حيث قال في سفر الشامل لسفر الغزو وغيره مع قوله فبعثوا الركاب وامتهنوا وعالجوا المفسر بالخدمة. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصوم وكذا النسائي. 72 - باب فَضْلِ مَنْ حَمَلَ مَتَاعَ صَاحِبِهِ فِي السَّفَرِ 2891 - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كُلُّ سُلاَمَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ: يُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ؛ وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ». (باب فضل من حمل متاع صاحبه في السفر). وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الصنعاني اليماني (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبّه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (كل سلامى) بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم عظام

73 - باب فضل رباط يوم في سبيل الله وقول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران: 20]

الأصابع (عليه صدقة كل يوم) بنصب كل على الظرفية (يعين الرجل) مبتدأ على تأويل المصدر نحو تسمع بالمعيدي أي وإعانتك الرجل (في دابته يحامله) بالحاء المهملة يساعده في الركوب (عليها) أي الدابة ولأبي ذر عليه أي الركوب (أو يرفع عليها متاعه) وخبر المبتدأ قوله (صدقة، والكلمة الطيبة، وكل خطوة) بفتح الخاء المعجمة المرة الواحدة ولأبي ذر خطوة بضمها ما بين القدمين (يمشيها إلى الصلاة صدقة، ودل الطريق) بفتح الدال المهملة وتشديد اللام أي الدلالة عليه للمحتاج إليه (صدقة). ومطابقته للترجمة في قوله يعين الرجل في دابته وسبق بعض الحديث في الصلح. 73 - باب فَضْلِ رِبَاطِ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 20] (باب فضل رباط يوم في سبيل الله) بكسر راء رباط وتخفيف الموحدة مصدر رابط ووجه المفاعلة في هذا أن كلاًّ من الكفار والمسلمين ربطوا أنفسهم على حماية طرف بلادهم من عدوّهم والرباط مراقبة العدوّ في الثغور المتاخمة لبلادهم بحراسة من بها من المسلمين وهو في الأصل الإقامة على الجهاد، وقيل الرباط مصدر رابط بمعنى لازم وقيل هو اسم لما يربط من الشيء أي يشد فكأنه يربط نفسه عما يشغله عن ذلك أو أنه يربط فرسه التي يقاتل عليها، وقول ابن حبيب من المالكية ليس من سكن الرباط بأهله وماله وولده مرابطًا بل من يخرج عن أهله وماله وولده قاصدًا للرباط، تعقبه في الفتح فقال في إطلاقه نظر فقد يكون وطنه وينوي بالإقامة فيه دفع العدوّ ومن ثم اختار كثير من السلف سكنى الثغور. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على رباط المجرور ولأبي ذر: عز وجل بدل قوله تعالى: ({يا أيها الذين آمنوا اصبروا}) أي على مشاق الطاعات وما يصيبكم من الشدائد ({وصابروا}) وغالبوا أعداء الله في الصبر على شدائد الحرب ({ورابطوا}) أبدانكم وخيولكم في الثغور مترصدين للغزو وأنفسكم على الطاعة، وفي الموطأ حديث أبي هريرة مرفوعًا: "وانتظار الصلاة فذلكم الرباط". وروى ابن مردويه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: أقبل عليّ أبو هريرة يومًا فقال: أتدري يا ابن أخي فيم أنزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} قلت: لا، قال: أما أنه لم يكن في زمان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزو يرابطون فيه ولكنها نزلت في قوم يعمرون المساجد يصلون الصلاة في مواقيتها ثم يذكرون الله فيها ففيهم أنزلت. اصبروا على الصلوات الخمس وصابروا أنفسكم وهواكم ورابطوا في مساجدكم الحديث. وكذا رواه الحاكم بنحوه في مستدركه، لكن حمل الآية على الأول أظهر كما قاله في الفتح، وعلى تقديم تسليم أنه لم يكن في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رباط فلا يمنع ذلك من الأمر به والترغيب فيه اهـ. وعن محمد بن كعب: اصبروا على دينكم وصابروا لوعدي الذي وعدتكم به ورابطوا عدوّي وعدوّكم حتى يترك دينه لدينكم ({واتقوا الله}) في جميع أموركم وأحوالكم ({لعلكم تفلحون}) [آل عمران: 200] غدًا إذا لقيتموه تعالى وفي رواية غير أبي ذر بعد قوله تعالى: {اصبروا} إلى آخر الآية فحذف ما بينهما. 2892 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا. وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون المروزي أنه (سمع أبا النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هاشم بن القاسم التميمي أو الليثي الكناني البغدادي قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار) مولى ابن عمر (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج المدني (عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (رباط يوم) أي ثواب رباط يوم (في سبيل الله خير من) النعيم الكائن في (الدنيا وما عليها) كله لو ملكه إنسان وتنعم به لأنه نعيم زائل بخلاف نعيم الآخرة فإنه باقٍ وعبر بعليها دون فيها لما فيه من الاستعلاء وهو أعم من الظرفية وأقوى، وفيه دليل على أن الرباط يصدق بيوم واحد وكثيرًا ما يضاف السبيل إلى الله والمراد به كل عمل خالص يتقرب به إلى الله تعالى كأداء الفرائض والنوافل لكنه غلب إطلاقه على الجهاد حتى صار حقيقة شرعية فيه في مواضع (وموضع سوط أحدكم من الجنة خبر من الدنيا وما عليها)، عبر

74 - باب من غزا بصبي للخدمة

بالسوط دون سائر ما يقاتل به لأنه الذي يسوق به الفرس للزحف فهو أقل آلات الجهاد ومع كونه تافهًا في الدنيا فمحله في الجنة أو ثواب العمل به (والروحة) بفتح الراء المرة الواحدة من الرواح وهو السير فيما بين الزوال إلى الليل (يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة) بفتح الغين المعجمة المرة من الغدو وهو السير من أوّل النهار إلى الزوال (خير من الدنيا وما عليها). واو هنا للتقسيم لا للشك وهذا شامل لقليل السير وكثيره في الطريق إلى الغزو أو في موضع القتال. وهذا الحديث أخرجه الترمذي. 74 - باب مَنْ غَزَا بِصَبِيٍّ لِلْخِدْمَةِ (باب من غزا بصبي للخدمة) بطريق التبعية لا أنه مخاطب بالغزو. 2893 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأَبِي طَلْحَةَ: الْتَمِسْ غُلاَمًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى خَيْبَرَ، فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ مُرْدِفِي وَأَنَا غُلاَمٌ رَاهَقْتُ الْحُلُمَ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ كَثِيرًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ, وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ. ثُمَّ قَدِمْنَا خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَىِّ بْنِ أَخْطَبَ -وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا، وَكَانَتْ عَرُوسًا- فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ، فَبَنَى بِهَا، ثُمَّ صَنَعَ حَيصًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ. فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى صَفِيَّةَ. ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ نَظَرَ إِلَى أُحُدٍ فَقَالَ: هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ. ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا بِمِثْلِ مَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ. اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد بن جميل بفتح الجيم الثقفي البغلاني قال: (حدّثنا يعقوب) بن عبد الرحمن بن محمد القاري بتشديد الياء من القارة المدني الأصل ثم السكندري (عن عمرو) هو ابن أبي عمرو ومولى المطلب (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأبي طلحة): زيد بن سهل الأنصاري زوج أم أنس. (التمس) أي عيّن لي (غلامًا من غلمانكم يخدمني) بالرفع في الفرع أي هو يخدمني وفي نسخة يخدمني بالجزم جواب الأمر (حتى أخرج إلى) غزوة (خيبر) وكانت سنة سبع بتقديم السين على الموحدة. واستشكل من حيث أن ظاهره أن أول خدمته كان حينئذٍ فيكون إنما خدمه أربع سنين وقد صح عنه أنه قال: خدمت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تسع سنين وفي رواية عشر سنين. وأجيب: بأن يحمل قوله لأبي طلحة: التمس لي غلامًا من غلمانكم على أن يعين له من يخرج معه في تلك السفرة فينحط الالتماس على الاستئذان في المسافرة به لا في أصل الخدمة لأنها كانت متقدمة. (فخرج بي أبو طلحة مردفي) أي أردفني خلفه على الدابة (وأنا غلام راهقت الحلم) أي قاربت البلوغ والواو للحال (فكنت أخدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا نزل فكنت أسمعه كثيرًا يقول): (اللهم إني أعوذ بك من الهم) على ما يتوقع ولم يكن (والحزن) على ما وقع وهو بفتح الحاء والزاي أو الهم هو الغم والحزن تقول أهمّني هذا الأمر وأحزنني (والعجز) وهو ضد القدرة (والكسل)، وهو التثاقل عن الشيء مع وجود القدرة عليه (والبخل والجبن) بضم الجيم وسكون الموحدة ضد الشجاعة (وضلع الدين). بفتح الضاد المعجمة واللام ثقله (وغلبة الرجال). الهرج والمرج أو توحد الرجل في أمره وتغلب الرجال عليه. (ثم قدمنا خيبر فلما فتح الله عليه الحصن) المسمى بالقموص (ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب) بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وفتح الطاء المهملة آخره موحدة وحيي بضم الحاء. المهملة وفتح التحتية الأولى وتشديد الثانية (وقد قتل زوجها) كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق (وكانت عروسًا) قال الخليل رجل عروس في رجال عرس وامرأة عروس في نساء عرائس قال: والعروس نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ما داما في تعريسهما أيامًا (فاصطفاها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنفسه) لأنها بنت ملك من ملوكهم (فخرج بها) من خيبر (حتى بلغنا) ولأبي ذر عن الكشميهني حتى إذا بلغنا (سد الصهباء) بفتح السين وتضم وتشديد الدال المهملتين والصهباء بفتح الصاد المهملة وسكون الهاء بعدها موحدة ممدودًا اسم موضع (حلّت) أي طهرت من الحيض (فبنى بها)، عليه الصلاة والسلام (ثم صنع حيسًا) بحاء مهملة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فسين مهملة طعامًا من تمر وأقط وسمن (في نطع صغير) بكسر النون وفتحها وفتح الطاء وسكونها أربع لغات (ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): أي لأنس (آذن) بمدّ الهمزة وكسر المعجمة أعلم (من حولك) من المسلمين فدعوتهم إلى وليمته (فكانت تلك وليمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على صفية) فما كان فيها خبز ولا لحم (ثم خرجنا إلى المدينة قال: فرأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحوي) بضم أوله وفتح الحاء المهملة وتشديد الواو (لها) أي لأجلها (وراءه بعباءة) أي يجعلها لها حوية تدار حول سنام بعير (ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته

75 - باب ركوب البحر

فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب فسرنا حتى إذا أشرفنا على المدينة نظر إلى) جبل (أُحُد فقال): (هذا جبل يحبنا) حقيقة أو مجازًا على حذف مضاف أي أهل أُحُد (ونحبه ثم نظر إلى المدينة فقال): (اللهم إني أحرم ما بين لابتيها) أي حرّيتها (بمثل ما حرّم إبراهيم مكة). إلا في وجوب الجزاء (اللهم بارك لهم في مدّهم وصاعهم) يريد أن يبارك الله لهم في الطعام الذي يُكال بالصيعان والأمداد. 75 - باب رُكُوبِ الْبَحْرِ أي للجهاد وغيره للرجال والنساء، وكره مالك ركوبه للنساء في الحج خوفًا من عدم التستر من الرجال ومنع عمر -رضي الله عنه- ركوبه مطلقًا فلم يركبه أحد طول حياته ولا يحتج بذلك لأن السُّنَّة أباحته للرجال والنساء في الجهاد كما في حديث الباب وغيره ولو كان يكره لنهى عنه عليه الصلاة والسلام الذين قالوا له: إنّا لنركب البحر الحديث. لكن في حديث زهير بن عبد الله مرفوعًا من ركب البحر عند ارتجاجه فقد برئت منه الذمة ومفهومه الجواز عند عدم الارتجاج وهو المشهور، وقد قال مطر الورّاق ما ذكره الله إلا بحق قال تعالى: {هو الذي يسيركم في البر والبحر} فإن غلب الهلاك في ركوبه حرم وإن استويا ففي التحريم وجهان صحح النووي في الروضة التحريم. 2894 و 2895 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَرَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمًا فِي بَيْتِهَا، فَاسْتَيْقَظَ وَهْوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُضْحِكُكَ؟ قَالَ: عَجِبْتُ مِنْ قَوْمٍ مِنْ أُمَّتِي يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ كَالْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: أَنْتِ مِنْهُمْ. ثُمَّ نَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَهْوَ يَضْحَكُ. فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَيَقُولُ: أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ. فَتَزَوَّجَ بِهَا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَخَرَجَ بِهَا إِلَى الْغَزْوِ، فَلَمَّا رَجَعَتْ قُرِّبَتْ دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا، فَوَقَعَتْ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا". وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل عارم البصري السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن منقذ الأنصاري المدني (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: حدّثني أم حرام) بنت ملحان خالة أنس (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) أي نام في الظهيرة (يومًا في بيتها فاستيقظ وهو يضحك) من الفرح (قالت) ولأبي ذر: قلت بدل قالت (يا رسول الله ما يضحكك؟ قال): (عجبت من قوم من أمتي) وسقط للمستملي قوله من قوم (يركبون البحر كالملوك على الأسرّة)، في الدنيا لسعة حالهم واستقامة أمرهم أو في الجنة (فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال): (أنت منهم) ولأبي ذر عن الكشميهني: منهم (ثم نام فاستيقظ وهو يضحك. فقال مثل ذلك) القول الأول (مرتين أو ثلاثًا. قلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فيقول): مجيبًا لها (أنت من الأولين) الذين يركبون البحر (فتزوج بها عبادة بن الصامت) أي بعد ذلك وظاهر قوله في رواية إسحاق في أوّل الجهاد وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنها كانت زوجته قبل وهو محمول على أن قوله وكانت تحت عبادة جملة معترضة قصد بها وصفها بذلك غير مقيد بحال كما سبق في باب: غزو المرأة. (فخرج بها إلى الغزو)، زاد في أوّل الجهاد عن إسحاق فركبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان أي لما غزا قبرس في البحر سنة ثمان وعشرين (فلما رجعت قرّبت دابة لتركبها، فوقعت فاندقت عنقها). أي فماتت. وهذا الحديث قد سبق مرات. 76 - باب مَنِ اسْتَعَانَ بِالضُّعَفَاءِ وَالصَّالِحِينَ فِي الْحَرْبِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ قَالَ: "قَالَ لِي قَيْصَرُ: سَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَزَعَمْتَ ضُعَفَاؤُهُمْ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ". (باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب) أي ببركتهم ودعائهم (وقال ابن عباس) فيما سبق موصولاً أوّل البخاري في باب: بدء الوحي (أخبرني) بالإفراد (أبو سفيان) صخر بن حرب أنه (قال: قال لي قيصر): هو لقب هرقل (سألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم)؟ بمدّ همزة أشراف (فزعمت ضعفاؤهم)، بالنصب، وفي بدء الوحي فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه (وهم أتباع الرسل). أي في الغالب. 2896 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: "رَأَى سَعْدٌ -رضي الله عنه- أَنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَلْ تُنْصَرُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الأسدي الواشحي قال: (حدثنا محمد بن طلحة عن) أبيه (طلحة) بن مصرف اليامي (عن مصعب بن سعد) بسكون العين أنه (قال: رأى) أي ظن (سعد -رضي الله عنه-) هو ابن أبي وقاص ووالد مصعب ومصعب لم يدرك زمان هذا القول وحينئذ فيكون مرسلاً لكنه محمول على أنه سمعه من أبيه، ويؤيده أن في رواية الإسماعيلي عن مصعب عن أبيه أنه رأى (أن له فضلاً) من جهة الشجاعة والغنى (على من دونه)، زاد النسائي من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هل تنصرون وترزقون

77 - باب لا يقول فلان شهيد

إلاّ بضعفائكم) زاد النسائي بصومهم وصلاتهم ودعائهم ووجه بأن عبادة الضعفاء أشدّ إخلاصًا لخلوّ قلوبهم من التعلق بالدنيا وصفاء ضمائرهم مما يقطعهم عن الله فجعلوا همهم واحدًا فزكت أعمالهم وأجيب دعاؤهم. 2897 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنهم- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَأْتِي زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ: فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيُقَالُ نَعَمْ، فَيُفْتَحُ عَلَيْهِ. ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ فَيُقَالُ: فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيُقَالُ نَعَمْ، فَيُفْتَحُ. ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ فَيُقَالُ: فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ صَاحِبَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيُقَالُ نَعَمْ، فَيُفْتَحُ». [الحديث 2897 - طرفاه في: 3594، 3649]. وبه قال: (حدثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار أنه (سمع جابرًا) هو ابن عبد الله الأنصاري الصحابي (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأنصاري (الخدري -رضي الله عنهم-) وسقط لفظ الخدري لأبي ذر (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال)) (يأتي زمان يغزو فئام) بكسر الفاء وفتح الهمزة وبعد الألف ميم أي جماعة (من الناس) والفئام لا واحد له من لفظه والجار والمجرور في موضع رفع صلة لفئام كما أن الجملة قبله صفة لزمان والعائد محذوف أي فيه وللحموي والكشميهني يغزو فيه فئام من الناس (فيقال: فيكم) بحذف همزة الاستفهام (من صحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فيقال: نعم. فيفتح عليه ثم يأتي زمان فيقال: فيكم من صحب أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فيقال: نعم، فيفتح) أي عليه (ثم يأتي زمان فيقال: فيكم من صحب صاحب أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فيقال: نعم، فيفتح) أي عليه وحذفت منهما لدلالة الأولى والمراد من الثلاثة الصحابة والتابعون وأتباع التابعين. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في علامات النبوة وفضائل الصحابة ومسلم في الفضائل. 77 - باب لاَ يَقُولُ فُلاَنٌ شَهِيدٌ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ». هذا (باب) بالتنوين (لا يقول فلان شهيد) على سبيل القطع بذلك إلا إن ورد به الوحي. (وقال أبو هريرة) فيما وصله في باب أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (الله أعلم بمن يجاهد في سبيله) ولأبي ذر: (والله أعلم بمن يكلم) بضم أوّله وفتح ثالثه أي يجرح (في سبيله) فلا يعلم ذلك إلا من أعلمه الله. 2898 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَسْكَرِهِ وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ، فَقَالُوا: مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا صَاحِبُهُ، قَالَ فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ، قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَنَا لَكُمْ بِهِ. فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ، ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ ذَلِكَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ". [الحديث 2898 - أطرافه في: 4202، 4207، 6493، 6607]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) بن محمد القاريّ بتشديد الياء الإسكندراني (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج (عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التقى هو والمشركون) في حديث أبي هريرة الآتي إن شاء الله تعالى في باب: إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر التصريح بوقوع ذلك في خيبر لكن في اتحاد القصتين نظر لما وقع بينهما من الاختلاف في بعض الألفاظ، وقد جزم ابن الجوزي بأن قصة سهل هذه وقعت باُحُد، ويؤيده أن في حديث الباب عند أبي يعلى الموصلي أنه قيل لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أُحُد ما رأينا مثل ما أبلى فلان. الحديث. وفي ذلك شيء يأتي إن شاء الله تعالى في المغازي (فاقتتلوا فلما مال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى عسكره) أي رجع بعد فراغ القتال في ذلك اليوم (ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل) هو قزمان بضم القاف وسكون الزاي بعدها ميم فألف فنون (لا يدع لهم) أي للمشركين (شاذة) بشين معجمة وبعد الألف ذال معجمة مشدّدة (ولا فاذة) بالفاء والذال المعجمة أيضًا والأولى التي تكون مع الجماعة ثم تفارقهم والأخرى التي لم تكن قد اختلطت بهم أصلاً أي أنه لا يرى شيئًا إلا أتى عليه فقتله. والتأنيث إما أن يكون للمبالغة كعلاّمة ونسّابة أو نعت لمحذوف أي لا يترك لهم نسمة شاذة (إلاّ اتبعها يضربها بسيفه فقال) أي قائل، وعند الكشميهني في المغازي فقلت فإن كانت محفوظة فهو سهل الساعدي (ما أجزأ) بجيم وزاي فهمزة أي ما أغنى (منا اليوم أحد كما أجزأ فلان) أي قزمان (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بوحي من الله: (أما) بتخفيف الميم استفتاحية فتكسر الهمزة من قوله (إنه من أهل النار) لنفاقه في الباطن (فقال رجل من القوم): هو أكثم بن أبي الجون الخزاعي (أنا صاحبه)، أي أصحبه وألازمه لأنظر السبب الذي يصير به من أهل النار فإن فعله في الظاهر جميل وقد أخبره-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه من أهل النار فلا بدّ له من سبب عجيب (قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه وإذا

78 - باب التحريض على الرمي، وقول الله عز وجل: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} [الأنفال: 60]

أسرع أسرع معه قال: فجرح الرجل جرحًا شديدًا فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه) أي طرفه الذي يضرب به (بين ثدييه) بفتح المثلثة تثنية ثدي (ثم تحامل) أي مال (على سيفه فقتل نفسه فخرج الرجل) أكثم (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أشهد أنك رسول الله قال): عليه الصلاة والسلام (وما ذاك)؟ (قال الرجل: الذي ذكرت آنفًا) بمد الهمزة وكسر النون أي الآن (أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك فقلت أنا لكم به فخرجت في طلبه ثم جرح جرحًا) بضم الجيم (شديدًا، فاستعجل الموت فوضع سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه). واستشكل القطع بكونه من أهل النار بمجرد عصيانه بقتل نفسه والمؤمن لا يكفر بالمعصية. وأجيب: باحتمال أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علم بالوحي أنه ليس مؤمنًا أو أنه سيرتد ويستحل قتل نفسه، وفي حديث أكثم بن أبي الجون عند الطبراني فقلنا: يا رسول الله فلان يجزي في القتال؟ قال: "هو في النار". قلنا: يا رسول الله إذا كان فلان في عبادته واجتهاده ولين جانبه في النار فأين نحن؟ قال: "ذاك إخبات النفاق". (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند ذلك: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو) أي يظهر (للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو) أي يظهر (للناس وهو من أهل الجنة). قال النووي: فيه التحذير من الاغترار بالأعمال وإنه ينبغي للعبد أن لا يتكل عليها ولا يركن إليها مخافة من انقلاب الحال للقدر السابق، وكذا ينبغي للعاصي أن لا يقنط ولغيره أن لا يقنطه من رحمة الله تعالى. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث أنهم شهدوا برجحانه في أمر الجهاد فلو كان قتل لم يمتنع أن يشهدوا له بالشهادة فلما ظهر أنه لم يقاتل الله وإنما قاتل غضبًا علم أنه لا يطلق على كل مقتول في الجهاد أنه شهيد لاحتمال أن يكون مثل هذا. نعم أطلقها السلف والخلف بناء على الظاهر، أما من استشهد معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كشهداء أُحُد وبدر ونحوهم فلا خفاء به ظاهر أو الظاهر أن من بعدهم كذلك، وقد أجع الفقهاء على أن شهيد المعركة لا يغسل وللفقيه إذا سئل عن مؤمن قتل كذلك أن يقول هو شهيد، والذي منعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يطلقه الإنسان جزمًا على الغيب وهذا ممنوع حتى في زمانه عليه الصلاة والسلام إلاّ بوحي خاص. قاله ابن المنير. وهذا الحديث أيضًا في المغازي ومسلم في الإيمان والقدر. 78 - باب التَّحْرِيضِ عَلَى الرَّمْيِ، وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] (باب التحريض على الرمي) بالسهام. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على التحريض، ولأبي ذر عز وجل بدل قوله تعالى: ({وأعدّوا}) أيها المؤمنون ({لهم}) لناقضي العهد أو الكفار ({ما استطعتم من قوّة}) من كل ما يتقوى به في الحرب، وفي حديث مسلم عن عقبة بن عامر مرفوعًا {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} "ألا أن القوة الرمي" قالها ثلاثًا. وخصّه عليه الصلاة والسلام بالذكر لأنه أقواه. قاله البيضاوي كالزمخشري، وتعقبه الطيبي بأن تفسير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القوة بالرمي يخالف ما ذكره ولأن ما في قوله تعالى: {ما استطعتم} موصوله والعائد محذوف ومن قوة بيان له فالمراد بها نفس القوة وفي هذا البيان والمبين إشارة إلى أن هذه العادة لا تستثبت بدون المعالجة والإدمان الطويل وليس شيء من عدة الحرب وأداتها أحوج إلى المعالجة والإدمان عليها مثل القوس والرمي بها ولذلك كرر عليه الصلاة والسلام تفسير القوة بالرمي ({ومن رباط الخيل}) أي التي تربط في سبيل الله تعالى فعال بمعنى مفعول وعطفها على القوة من عطف الخاص على العام كعطف جبريل وميكائيل على الملائكة ({ترهبون به}) تخوّفون به ({عدوّ الله وعدوّكم}) [الأنفال: 60]. يعني كفار مكة. 2899 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ. قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟ قَالُوا: كَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ فقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ارْمُوا فَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ". [الحديث 2899 - طرفاه في: 3373، 3507]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا حاتم بن إسماعيل) بالحاء المهملة بعدها ألف ففوقية الكوفي (عن يزيد بن أبي عبيد) بضم العين مصغرًا من غير إضافة مولى سلمة بن الأكوع أنه (قال: سمعت سلمة بن الأكوع) اسم الأكوع سنان بن

79 - باب اللهو بالحراب ونحوها

عبد الله الأسلمي (-رضي الله عنه- قال: مرّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على نفر) عدة من رجال من ثلاثة إلى عشرة (من أسلم) القبيلة المشهورة وهي بلفظ أفعل التفضيل من السلامة حال كونهم (ينتضلون) بالضاد المعجمة أي يترامون والنضال الرمي مع الأصحاب. قال الجوهري: يقال ناضلت فلانًا فنضلته إذا غلبته وانتضل القوم تناضلوا أي رموا للسبق (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ارموا بني إسماعيل) أي يا بني إسماعيل بن إبراهيم الخليل وهو أبو العرب، ففيه كما قال الخطابي أن أهل اليمن من ولده أو أراد بنوّة القوة لأنهم رموا مثل رميه، ورجح على الأول لما سيأتي إن شاء الله تعالى في مناقب قريش (فإن أباكم) إسماعيل عليه الصلاة والسلام (كان راميًا ارموا وأنا مع بني فلان) وفي حديث أبي هريرة عند ابن حبان في صحيحه "ارموا وأنا مع ابن الأدرع" واسمه محجن كما عند الطبراني وقيل اسمه كما عند ابن مندة قال والأدرع لقب واسمه ذكوان (قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم) من الرمي والباء في بأيديهم زائدة في المفعول (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما لكم لا ترمون) (قالوا: كيف نرمي وأنت معهم)؟ ذكر ابن إسحاق في المغازي عن سفيان ابن قرة الأسلمي عن أشياخ من قومه من الصحابة قال: بينا محجن بن الأدرع يناضل رجلاً من أسلم يقال له: نضلة، الحديث. وفيه فقال نضلة وألقى قوسه من يده والله لا أرمي معه وأنت معه وفيه فقال نضلة: لا يغلب من كنت معه (قال) ولأبي ذر: فقال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ارموا فأنا) بالفاء (معكم كلكم) بجر اللام تأكيدًا للضمير المجرور. واستشكل كونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع الفريقين وأحدهما مغلوب، وأجاب الكرماني: بأن المراد بالمعية معية القصد إلى الخير وإصلاح النية والتدرب فيه للقتال. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في أحاديث الأنبياء ومناقب قريش. 2900 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ صَفَفْنَا لِقُرَيْشٍ وَصَفُّوا لَنَا: «إِذَا أَكْثَبُوكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالنَّبْلِ». [الحديث 2900 - طرفاه في: 3984، 3985]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن الغسيل) هو عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة الأنصاري المدني (عن حمزة ابن أبي أسيد) بضم الهمزة وفتح السين المهملة وسكون التحتية ولأبي ذر في نسخة: أسيد بفتح الهمزة وكسر المهملة وقد حكى البغوي الخلاف في فتح الهمزة، وقال الداودي عن ابن معين الضم أصوب الأنصاري الساعدي (عن أبيه) أبي أسيد مالك بن ربيعة بن البدن بفتح الموحدة والمهملة بعدها نون شهد بدرًا وأُحدًا وما بعدها وهو آخر البدريين موتًا -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر حين صففنا لقريش وصفّوا لنا): (إذا أكثبوكم) بهمزة مفتوحة فكاف ساكنة فمثلثة مفتوحة فموحدة مضمومة أي إذا دنوا منكم وقاربوكم قربًا نسيبًا بحيث تنالهم السهام لا قربًا تلتحمون معهم به (فعليكم) أن ترموهم (بالنبل) بفتح النون وسكون الموحدة جمع نبلة وهي السهام العربية اللطاف والهمزة في أكثبوكم لتعدية كثب ولذلك عدّاها إلى ضميرهم، وفي رواية أبي ذر: أكتبوكم بالمثناة الفوقية بدل المثلثة والكتيبة بالمثناة القطعة العظيمة من الجيش والجمع الكتائب ولعل الداودي شرح على هذه الرواية فقال المعنى كاثروكم فليتأمل. وإنما أمرهم بالرمي عند القرب لأنهم إذا رموهم على بُعد قد لا يصل إليهم ويذهب في غير منفعة وإلى ذلك الإشارة بقوله في رواية أبي داود: استبقوا نبلكم وليس المراد الدنوّ الذي لا يليق به إلا المطاعنة بالرماح والمضاربة بالسيوف كما لا يخفى. 79 - باب اللَّهْوِ بِالْحِرَابِ وَنَحْوِهَا (باب اللهو بالحراب ونحوها) من آلات الحرب كالسيف والقوس. 2901 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَيْنَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحِرَابِهِمْ، دَخَلَ عُمَرُ فَأَهْوَى إِلَى الْحَصَى فَحَصَبَهُمْ بِهَا، فَقَالَ: دَعْهُمْ يَا عُمَرُ". وَزَادَ عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ فِي الْمَسْجِدِ". وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) الرازي الفرّاء الصغير (قال: حدّثنا هشام) هو ابن يوسف أبو عبد الرحمن الصنعاني (عن معمر) بسكون العين ابن راشد (عن الزهري) محمد بن سليم بن شهاب (عن ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: بينا) بغير ميم (الحبشة يلعبون عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال الحافظ ابن حجر وتبعه العيني: ولم يقع في هذه الرواية ذكر الحراب فكأنه

80 - باب المجن ومن يتترس بترس صاحبه

أشار إلى ما ورد في بعض طرقه كما تقدم بيانه في باب أصحاب الحراب في المسجد من كتاب الصلاة. انتهى. ومراده حديث ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والحبشة يلعبون بحرابهم وهذا عجيب، فقد ثبت ذكر ذلك في حديث هذا الباب في غير ما نسخة من فروع اليونينية بل ورأيته فيها من رواية أبي ذر بلفظ: يلعبون عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحرابهم (دخل عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (فأهوى) أي قصد (إلى الحصباء فحصبهم بها)، أي رماهم بالحصباء لعدم علمه بالحكمة وظنه أنه من اللهو الباطل (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (دعهم يا عمر) أي اتركهم يلعبون للتدريب على مواقع الحروب والاستعداد للعدوّ. (وزاد) بالواو ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني زاد بإسقاطها وللكشميهني زادنا بضمير المفعول (عليّ) هو ابن المديني فقال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد قوله (في المسجد) يعني أن لعبهم وقع في المسجد وإنما جاز ذلك فيه لأنه من منافع الدين. وهذا الحديث أخرجه مسلم في العيد. 80 - باب الْمِجَنِّ وَمَنْ يَتَتَرَّسُ بِتُرْسِ صَاحِبِهِ (باب) ذكر (المجن) بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون الدرقة وفي النهاية هو الترس لأنه يستر حامله والميم زائدة (ومن يتترس) بتحتية ففوقيتين فراء مشددة فمهملة أي يستر ولأبي ذر: يترس بفوقية واحدة مشددة وكسر الراء (بترس صاحبه) عند القتال. 2902 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ "كَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَتَتَرَّسُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتُرْسٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ حَسَنَ الرَّمْيِ، فَكَانَ إِذَا رَمَى يُشرِفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَنْظُرُ إِلَى مَوْضِعِ نَبْلِهِ". وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) أبو الحسن الخزاعي المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان أبو طلحة) -رضي الله عنه- (يتترس مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بترس واحد)، لأنه يرمي بالسهام والرامي يرمي بيديه جميعًا فلا يمكنه غالبًا أن يمسك الترس فيستره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خوف أن يرميه العدو، (وكان أبو طلحة حسن الرمي) بالنبل وزاد في غزوة أُحُد من المغازي كسر يومئذ قوسين أو ثلاثًا أي من شدّة الرمي (فكان) وفي نسخة وكان بالواو (إذا رمى تشرّف) بفتح الفوقية والشين المعجمة والراء المشددة والفاء أي تطلع عليه (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يشرف بضم التحتية وكسر الراء من الإشراف (فينظر) بلفظ المضارع في أوله فاء ولأبي ذر عن الكشميهني: نظر (إلى موضع نبله). أين يقع. وهذا الحديث أورده المؤلّف هنا مختصرًا من هذا الوجه، ويأتي إن شاء الله تعالى قريبًا بأتم من هذا السياق في المغازي. 2903 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: "لَمَّا كُسِرَتْ بَيْضَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَأْسِهِ وَأُدْمِيَ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَخْتَلِفُ بِالْمَاءِ فِي الْمِجَنِّ، وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَغْسِلُهُ، فَلَمَّا رَأَتِ الدَّمَ يَزِيدُ عَلَى الْمَاءِ كَثْرَةً عَمَدَتْ إِلَى حَصِيرٍ، فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا عَلَى جُرْحِهِ، فَرَقَأَ الدَّمُ". وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير بالمهملة والفاء مصغرًا الأنصاري مولاهم البصريّ قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله القاريّ بتشديد التحتية (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج (عن سهل) هو ابن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أنه (قال: لما كسرت ببضة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الموحدة والضاد المعجمة بينهما تحتية ساكنة خوذته (على رأسه) يوم أُحُد (وأدمي وجهه وكسرت رباعيته) بفتح الراء والموحدة المخففة السن التي بين الثنية والناب، وكان الذي كسر رباعيته عتبة بن أبي وقاص ومن ثم لو يولد من نسله ولد فيبلغ الحنث إلا وهو أبخر أي مكسور الثنايا من أصلها يعرف ذلك في عقبه، وعند ابن هشام أنها اليمنى السفلى، وزاد جرح شفته السفلى وأن عبد الله بن هشام الزهري شجّه في جبهته، وأن ابن قميئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من المغفر في وجنته. وعند الطبراني: أن عبد الله بن قميئة رمى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أُحُد فشجّ وجهه وكسر رباعيته فقال: خذها وأنا ابن قميئة، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أقمأك الله" فسلّط الله عليه تيس جبل فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة. وعند الحاكم في مستدركه من حديث حاطب بن أبي بلتعة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له بأُحُد أن عتبة بن أبي وقاص هشم وجهي ودقّ رباعيتي بحجر رماني به الحديث. وفيه

أن حاطبًا ضرب عتبة بالسيف فطرح رأسه، وعند ابن عائذ من طريق الأوزاعي بلغنا أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما جرح يوم أُحُد أخذ شيئًا فجعل ينشف دمه وقال: لو وقع منه شيء على الأرض لنزل عليهم العذاب من السماء. (وكان عليّ) -رضي الله عنه- (يختلف بالماء في المجن) يذهب في الترس بالماء مرة بعد أخرى، (وكانت فاطمة) ابنته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تغسله) بفتح أوله وسكون المعجمة من الدم بذلك الماء (فلما رأت الدم يزيد على الماء كثرة) بالنصب على التمييز (عمدت) بفتح المهملة والميم (إلى حصير فأحرقتها). وعند الطبراني من طريق زهير بن محمد عن أبي حازم فأحرقت حصيرًا حتى صارت رمادًا (وألصقتها على جرحه) بضم الجيم (فرقأ الدم) بهمزة بعد القاف أي انقطع وفيه امتحان الأنبياء لتعظيم أجرهم ويتأسى بهم من ناله شدة فلا يجد في نفسه غضاضة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والطب. 2904 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاصَّةً، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي السِّلاَحِ وَالْكُرَاعِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ". [الحديث 2904 - أطرافه في: 3094، 4033، 4885، 5357، 5358، 6728، 7305]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) بن المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن مالك بن أوس بن الحدثان) بالحاء والدال المهملتين والمثلثة المفتوحات وبعد الألف نون النصري بالنون المدني له رؤية (عن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كانت أموال بني النضير) بفتح النون وكسر الضاد المعجمة الساقطة بطن من اليهود (مما أفاء الله) مما أعاده الله (على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بمعنى صيره له فإنه كان حقيقًا بأن يكون له لأنه تعالى خلق الناس لعبادته وخلق ما خلق لهم ليتوسلوا به إلى طاعته وهو جدير بأن يكون للمطيعين منهم من بني النضير (مما لم يوجف المسلمون عليه) بكسر الجيم ما لم يعملوا في تحصيله (بخيل ولا ركاب) أي ولا إبل، والمعنى أنهم لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة، بل حصل ذلك بما نزل عليهم من الرعب الذي ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، (فكانت) أموال بني النضير أي معظمها بسبب ذلك (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاصة) فالأمر فيها مفوّض إليه يضعها حيث شاء فلا تقسم قسمة الغنائم التي قوتل عليها (وكان) عليه الصلاة والسلام (ينفق) منها (على أهله نفقة سنته ثم يجعل ما بقي) منها (في السلاح) الشامل للمجن وغيره من آلات الحرب وبه تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة (والكراع) بضم الكاف الخيل حال كونه (عدّة) بضم العين وتشديد الدال المهملتين استعدادًا (في سبيل الله) عز وجل. وهذا الحديث أخرجه مسلم في المغازي وأبو داود في الخراج والترمذي في الجهاد والنسائي في عشرة النساء. 2905 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ عَلِيٍّ. حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا -رضي الله عنه- يَقُولُ: "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُفَدِّي رَجُلاً بَعْدَ سَعْدٍ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي". [الحديث 2905 - أطرافه في: 4058، 4059، 6184]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثني يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (سعد بن إبراهيم عن عبد الله بن شداد) هو ابن المهاد الليثي المدني (عن عليّ) هو ابن أبي طالب كذا ساقه وهو ساقط في رواية أبي ذر. وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة ابن عقبة بن محمد السوائي بضم السين المهملة وتخفيف الواو والمد الكوفي وليس هو تصحيف قتيبة بالمثناة الفوقية بعد القاف المضمومة كما زعم أبو نعيم في مستخرجه قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن سعد بن إبراهيم) أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن شداد) بفتح المعجمة وتشديد الدال المهملة الأولى ابن الهاد المدني (قال: سمعت عليًّا -رضي الله عنه- يقول: ما رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفدّي رجلاً) بضم حرف المضارعة وفتح الفاء وتشديد الدال المهملة مضارع فدّاه إذا قال له: "جعلت فداك" (بعد سعد) هو ابن أبي وقاص واسمه مالك بن وهيب أحد العشرة المبشرة (سمعته يقول): أي يوم أُحُد. (ارم) أي الكفار بالنبل (فداك أبي وأمي) بكسر الفاء قال ابن الزملكاني الحق أن كلمة التفدية نقلت بالعرف عن وضعها وصارت علامة على الرضا فكأنه قال: أرم مرضيًّا عنك، وزعم المهلب أن هذا مما خصّ به سعد، وعورض بأن في الصحيحين أنه عليه

81 - باب الدرق

الصلاة والسلام فدى الزبير، وجمع له بين أبويه يوم الخندق لكن ظاهر هذا، وقول عليّ ما رأيته يفدّي رجلاً بعد سعد التعارض، وجمع بينهما باحتمال أن يكون عليّ -رضي الله عنه- لم يطّلع عليه ذلك أو مراده ذلك بقيد يوم أُحُد. وقول صاحب المصابيح متعقبًا للزركشي في التنقيح حيث قال: قيل وقد صح أنه فدّى الزبير أيضًا فلعلّ عليًّا لم يسمعه إنما يحتاج إلى الاعتذار عنه إذا ثبت أنه فدى الزبير بعد سعد وإلاّ فقد يكون فداه قبله فلا يعارض قوله عليّ هذا انتهى. عجيب فإنه ثبت في باب مناقب الزبير من البخاري بأنه عليه الصلاة والسلام لما قال يوم الأحزاب: من يأتِ بني قريظة فيأتيني بخبرهم انطلق الزبير إليهم، فلما رجع جمع له عليه الصلاة والسلام بين أبويه وغزوة الأحزاب المفدّى فيها الزبير كانت سنة أربع أو خمس وأحد المفدى فيها سعد كانت سنة ثلاث اتفاقًا فوقوع ذلك للزبير كان بعد سعد بلا خلاف كما لا يخفى، ولم تظهر المناسبة بين الحديث والترجمة فليتأمل. وهذا الحديث أخرجه في المغازي ومسلم في الفضائل والترمذي في المناقب وابن ماجه في السير. 81 - باب الدَّرَقِ (باب) مشررعية اتخاذ (الدرق). 2906 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ عَمْرٌو حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ دَعْهُمَا. فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري (قال عمرو) بفتح العين ابن الحرث المصري (حدّثني) بالإفراد (أبو الأسود) محمد بن عبد الرحمن المعروف بيتيم عروة وكان وصيه (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: دخل عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أيام منى (وعندي جاريتان) أي دون البلوغ من جواري الأنصار إحداهما لحسان بن ثابت كما في الطبراني أو كلتاهما لعبد الله بن سلام كما في الأربعين للسلمي (تغنيان) ترفعان أصواتهما (بغناء بعاث) بضم الموحدة وفتح العين المهملة وبعد الألف مثلثة غير مصروف اسم حصن كان عند وقعة بين الأوس والخزرج قبل الهجرة بثلاث سنين كما هو المعتمد وكان كلٌّ من الفريقين ينشد الشعر يذكر مفاخر نفسه (فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه) للإعراض عن ذلك لكن عدم إنكاره يدل على تسويغ مثله على الوجه الذي أقرّه، (فدخل أبو بكر) الصديق (فانتهرني) أي لتقريرها لهما على الغناء (وقال: مزمارة الشيطان عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). فحذف أداة الاستفهام وكسر الميم آخرها تأنيث يعني الغناء أو الصوت الذي له صفير أو الصوت الحسن وأضافها إلى الشيطان لأنها تلهي القلب في ذكر الله، وإنما قال ذلك لأنه لم يعلم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقرّهن على هذا القدر اليسير لكونه ظنه نائمًا لما رآه مضطجعًا، (فأقبل عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (دعهما) وزاد هشام بن عروة عن أبيه عند ابن أبي الدنيا في العيدين له بإسناد صحيح: يا أبا بكر إن لكل قوم عيد أو هذا عيدنا فعرفه عليه الصلاة والسلام الشأن مع بيان الحكمة بأنه يوم عيد أي يوم سرور شرعي فلا ينكر فيه مثل هذا كما لا ينكر في الأعراس. قالت عائشة: (فلما غفل) بفتح الغين المعجمة والفاء للحموي والمستملي عمل بميم مكسورة بدل الفاء أي اشتغل أبو بكر بعمل (غمزتهما فخرجتا). 2907 - قَالَتْ: وَكَانَ يَوْمُ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِمَّا قَالَ: تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟ فَقلتْ: نَعَمْ. فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَيَقُولُ: دُونَكُمْ بَنِي أَرْفِدَةَ. حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ: حَسْبُكِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَاذْهَبِي". قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: قَالَ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: "فَلَمَّا غَفَلَ". (قالت): عائشة (وكان يوم عيد) بفتح يوم وفي نسخة يوم بالرفع والفتح أفصح وللحموي والمستملي: وكان يومًا عندي (يلعب السودان) الحبوش (بالدرق والحراب فأما سألت رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) النظر إلى لعبهم (وأما قال): (تشتهين تنظرين)؟ (فقالت): ولأبوي الوقت وذر والأصيلي: أن تنظري أي النظر إلى لعب السودان؟ فقلت: (نعم فأقامني وراءه) حال كون (خدّي على خدّه) متلاصقين (ويقول): أي للسودان وفي العيدين وهو يقول: (دونكم) بالنصب على الظرف بمعنى الإغراء أي الزموا هذا اللعب (يا بني أرفدة) بفتح الهمزة وكسر الفاء وفتحها وهو جدّ الحبشة الأكبر (حتى إذا مللت) بكسر اللام الأولى (قال: حسبك) أي أيكفيك هذا القدر بحذف همزة الاستفهام (قلت: نعم). حسبي (قال): (فاذهبي) (قال أحمد): أي ابن أبي صالح المصري

82 - باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق

ولأبي ذر قال أبو عبد الله أي المؤلّف رحمه الله قال أحمد (عن ابن وهب) عبد الله (فلما غفل) بالفاء من الغفلة وسقط لأبي ذر عن ابن وهب. وسبق هذا الحديث في باب: الحراب والدرق يوم العيد في أبواب العيدين. 82 - باب الْحَمَائِلِ وَتَعْلِيقِ السَّيْفِ بِالْعُنُقِ (باب) ذكر (الحمائل) جمع حمالة بالكسر وهن علاقة السيف (و) جواز (تعليق السيف بالعنق). 2908 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ. وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً فَخَرَجُوا نَحْوَ الصَّوْتِ فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدِ اسْتَبْرَأَ الْخَبَرَ وَهْوَ عَلَى فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ وَفِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهْوَ يَقُولُ: لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا. ثُمَّ قَالَ: وَجَدْنَاهُ بَحْرًا. أَوْ قَالَ: إِنَّهُ لَبَحْرٌ". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الجهضمي (عن ثابت) البناني (عن أنس رضي الله عنه) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحسن الناس وأشجع الناس) زاد في باب: الشجاعة في الحرب وأجود الناس (ولقد فزع) بكسر الزاي أي خاف (أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصوت) وسقط لأبي ذر ليلة (فاستقبلهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) راجعًا وهم ذاهبون (وقد استبرأ الخبر) أي حققه (وهو على فرس لأبي طلحة) استعاره منه وكان بطيء السير (عُرْي) بضم العين وسكون الراء صفة لفرس (وفي عنقه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (السيف) معلق بالحمائل. قال الجوهري؛ وهو السير الذي يقلده المتقلد (وهو يقول): (لم تراعوا لم تراعوا) كذا في رواية الكشميهني والحموي مرتين كما في الفتح، وفي رواية غيره مرة واحدة أي لا تخافوا. قال الكرماني: والعرب تتكلم بهذه الكلمة واضعة "لم" موضع "لا" (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (وجدناه) أي الفرس البطيء في السير (بحرًا) واسع الجري (أو قال): عليه الصلاة والسلام (إنه لبحر) بالشك من الراوي وسبق الحديث مرارًا. 83 - باب حِلْيَةِ السُّيُوفِ (باب) ما جاء في (حلية السيوف) بالجمع أي بالذهب والفضة من الجواز وعدمه ولأبي ذر باب ما جاء في حلية السيوف. 2909 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ حَبِيبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: لَقَدْ فَتَحَ الْفُتُوحَ قَوْمٌ مَا كَانَتْ حِلْيَةُ سُيُوفِهِمِ الذَّهَبَ وَلاَ الْفِضَّةَ، إِنَّمَا كَانَتْ حِلْيَتُهُمُ الْعَلاَبِيَّ وَالآنُكَ وَالْحَدِيدَ". وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) أبو العباس مودويه المروزي قاله الكلاباذي وأبو عبد الله الحاكم زاد الكلاباذي السمسار قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (قال: سمعت سليمان بن حبيب) المحاربي قاضي دمشق في زمن عمر بن عبد العزيز (قال: سمعت أبا أمامة) صدى بضم الصاد وفتح الدال وتشديد المثناة التحتية ابن عجلان الباهلي الصحابي -رضي الله عنه- (يقول: لقد فتح الفتوح قوم) أي من الصحابة (ما كانت حلية سيوفهم الذهب ولا الفضة) بضم الحاء وكسرها (إنما كانت حليتهم العلابي) بفتح العين المهملة واللام المخففة وتخفيف الموحدة وتشديد التحتية جمع علباء بكسر العين عصب في عنق البعير يشقق ثم يشد به أسفل جفن السيف وأعلاه ويجعل في موضع الحلية منه، وفسره الأوزاعي في رواية أبي نعيم في المستخرج فقال العلابي: الجلود الخام التي ليست بمدبوغة، وقال الداودي: هي ضرب من الرصاص، ولذلك قرن بالآنك وخطأه في الفتح ولعله لقول القزاز إنه غير معروف. وأجيب: بأن كونه غير معروف عند القزاز لا يستلزم تخطئة القائل به لا سيمًا، وقد قال الجوهري: هو الرصاص أو جنس منه، لكن قال في المصابيح: إن قرانه بالآنك يشبه أن يكون مانعًا من تفسيره بالرصاص لا مقتضيًا، ووقع عند ابن ماجه لتحديث أبي أُمامة بذلك سبب وهو دخلنا على أبي امامة فرأى في سيوفنا شيئًا من حلية فضة فغضب وقال: لقد فتح قوم الفتوح فذكره. (والأنك) بمد الهمزة وضم النون بعدها كاف مخففة الرصاص وهو واحد لا جمع له (والحديد) ولا يلزم من كون حلية سيوفهم ما ذكر عدم جواز غيره فيجوز للرجل تحلية السيف وغيره من آلات الحرب بالفضة كالسيف والرمح وأطراف السهام والدرع والمنطقة والرانين بالراء المهملة والنون خف يلبس الساق ليس له قدم بل يكون ما بين الركبة والكعبين، وكذا الخف لأنه يغيظ الكفار. وقد كان للصحابة -رضي الله عنهم- غنية عن ذلك لشدتهم في أنفسهم وقوتهم في إيمانهم ولا يجوز تحلية شيء مما ذكر بالذهب قطعًا ويحرم على النساء تحلية آلات الحرب بالفضة والذهب جميعًا لأن في استعمالهن ذلك تشبهًا بالرجال وليس لهن التشبه بالرجال، كذا قاله الجمهور فيما حكاه في الروضة

84 - باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند القائلة

وصوّبه. وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة في الجهاد. 84 - باب مَنْ عَلَّقَ سَيْفَهُ بِالشَّجَرِ فِي السَّفَرِ عِنْدَ الْقَائِلَةِ (باب من علق سيفه بالشجر في السفر عند) النوم وقت (القائلة) أي الظهيرة. 2910 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيُّ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ "أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَخْبَرهُ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُمُ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحْتَ شَجرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، وَنِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُونَا، وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَىَّ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهْوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: اللَّهُ (ثَلاَثًا). وَلَمْ يُعَاقِبْهُ، وَجَلَسَ". [الحديث 2910 - أطرافه في: 2913، 4134، 4135، 4136]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (سنان بن أبي سنان) يزيد بن أمية (الدؤلي) بضم الدال وفتح الهمزة نسبة إلى الدؤل من كنانة (وأبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أخبر) ولأبي ذر: أخبره أي أن كلاًّ من سنان وأبي سلمة قال إن جابرًا أخبره (أنه غزا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل نجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي ناحية نجد في غزوته إلى غطفان وهي غزوة ذي أمر بفتح الهمزة والميم موضع من ديار غطفان وكانت على رأس خمس وعشرين شهرًا من الهجرة (فلما قفل) أي رجع (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قفل) أي رجع (معه، فأدركتهم القائلة) أي الظهيرة (في وادٍ كثير العضاه)، بكسر العين وفتح الضاد المعجمة وبعد الألف هاء مكسورة شجر أم غيلان وكل شجر عظيم له شوك (فنزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتفرق الناس يستظلون بالشجر) من حرّ الشمس (فنزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحت سمرة) بفتح السين وضم الميم شجرة طلح ولأبي ذر عن الكشميهني تحت شجرة (وعلّق بها سيفه ونمنا نومة، فإذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعونا وإذا عنده أعرابي) اسمه غورث بضم الغين المعجمة وسكون الواو وفتح الراء آخره مثلثة (فقال): عليه الصلاة والسلام: (إن هذا) أي الأعرابي (اخترط) أي سل (عليّ سيفي) من غمده (وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده) حال كونه (صلتًا) بفتح الصاد المهملة وسكون اللام أي مصلتًا مجردًا عن غمده (فقال): أي الأعرابي (من يمنعك مني)؟ بضم العين ومن استفهام يتضمن النفي كأنه قال لا مانع لك مني وزاد أبو ذر من يمنعك مني مرة أخرى بل كتب بالفرع وأصله بإزاء هذه الزيادة ثلاثة بالقلم الهندي ومفهومه تكريرها ثلاثًا قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقلت): (الله) أي يمنعني منك (ثلاثًا) أي قال له ذلك ثلاث مرات. وعند ابن أبي شيبة من حديث أبي سلامة عن أن هريرة قال: يا محمد من يعصمك مني؟ فأنزل الله تعالى: {والله يعصمك من الناس} [المائدة: 67] وهذا من أعظم الخوارق للعادة فإنه عدوّ متمكن بيده سيف مشهور، فلم يحصل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- روع ولا جزع (ولم يعاقبه)، ولم يعاقب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأعرابي المذكور (وجلس) حال من المفعول. وعند إسحاق أن الكفار قالوا لدعثور وكان شجاعًا قد انفرد محمد فعليك به فأقبل ومعه صارم حتى قام على رأسه فقال له من يمنعك مني؟ فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الله) فدفع جبريل عليه السلام في صدره فوقع من يده فأخذه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال: "من يمنعك أنت مني اليوم"؟ قال: لا أحد. فقال: "قم فاذهب لشأنك" فلما ولّى قال: كنت خيرًا مني، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أنا أحق بذلك" ثم أسلم بعد. وفي لفظ قال: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ثم أتى قومه فدعاهم إلى الإسلام، وقال الذهبي في الصحابة غورث بن الحرث، ويقال دعثور أسلم قاله البخاري من حديث جابر، وتعقبه الجلال البلقيني فقال: ما نسبه من إسلامه إلى البخاري لم أقف عليه فإن البخاري أعاد هذا الحديث في الغزوات بعد غزوة ذات الرقاع في غزوة بني المصطلق، وهي المريسيع ولم يذكر إسلامه فليحرر. وحديث الباب أخرجه أيضًا في المغازي والجهاد ومسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والنسائي في السير. 85 - باب لُبْسِ الْبَيْضَةِ (باب) مشروعية (لبس البيضة) وهي الخوذة. 2911 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ -رضي الله عنه- "أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ جُرْحِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: جُرِحَ وَجْهُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَهُشِمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ، فَكَانَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - تَغْسِلُ الدَّمَ وَعَلِيٌّ يُمْسِكُ. فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ الدَّمَ لاَ يَرتدُّ إِلاَّ كَثْرَةً أَخَذَتْ حَصِيرًا فَأَحْرَقَتْهُ حَتَّى صَارَ رَمَادًا ثُمَّ أَلْزَقَتْهُ، فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه) أبي حازم واسمه سلمة بن دينار الأعرج (عن سهل) هو ابن سعد الساعدي (رضي الله عنه أنه سئل عن جرح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أُحُد فقال: جرح وجه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) جرح وجنته ابن قميئة

86 - باب من لم ير كسر السلاح عند الموت

(وكسرت رباعيته) كسرها عتبة بن أبي وقاص (وهشمت البيضة) وهي الخوذة (على رأسه)، كسرها عبد الله بن هشام (فكانت فاطمة) الزهراء (عليها السلام تغسل الدم وعليّ رضي الله عنه يمسك، فلما رأت) فاطمة (أن الدم لا يزيد) من الزيادة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لا يرتد (إلاّ كثرة أخذت حصيرًا فأحرقته حتى صار رمادًا، ثم ألزقته)، بالزاي أي الرماد بالجرح وسقط لفظ "ثم" لأبي ذر (فاستمسك الدم) أي انقطع. وهذا الحديث قد مرّ قريبًا. 86 - باب مَنْ لَمْ يَرَ كَسْرَ السِّلاَحِ عِنْدَ الْمَوْتِ (باب من لم ير كسر السلاح عند الموت). 2912 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: "مَا تَرَكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ سِلاَحَهُ وَبَغْلَةً بَيْضَاءَ وَأَرْضًا جَعَلَهَا صَدَقَةً". وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عباس) بفتح العين وسكون الميم وعباس بالموحدة آخر، مهملة أبو عثمان البصري الأهوازي قال: (حدّثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان العنبري البصري (عن سفيان) الثوري (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي (عن عمرو بن الحرث) بفتح العين ابن المصطلقُ الخزاعي أخي أم المؤمنين جويرية -رضي الله عنهما- أنه (قال: ما ترك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عند موته (إلاّ سلاحه) الذي أعدّه لحرب الكفار كالسيوف (وبغلة بيضاء) وهي الدلدل (وأرضًا بخيبر) وهي فدك (جعلها) في صحته (صدقة). وأخبر بحكمها عند موته، وخالف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهل الجاهلية فيما كانوا يوصون به من كسر السلاح وعقر الدواب وحرق المتاع من ترك بغلته وسلاحه وأرضه من غير إيصاء في ذلك بشيء إلا صدقة في سبيل الله وفي إبقاء السلاح كما قال ابن المنير عنوان للمسلم على إبقاء ذكره واستنماء أعماله الحسنة التي سنّها للناس وعادته الجميلة التي حمل عليها العباد بخلاف أهل الجاهلية ففي فعلهم ذلك إشارة إلى انقطاع أعمالهم وذهاب آثارهم، وقد مرّ الحديث في أوّل الوصايا. 87 - باب تَفَرُّقِ النَّاسِ عَنِ الإِمَامِ عِنْدَ الْقَائِلَةِ وَالاِسْتِظْلاَلِ بِالشَّجَرِ (باب تفرّق الناس عن الإمام عند القائلة والاستظلال بالشجر). 2913 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ وَأَبُو سَلَمَةَ أَنَّ جَابِرًا أَخْبَرَهُ. حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ "أَنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَدْرَكَتْهُمُ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحْتَ شَجَرَةٍ فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ ثُمَّ نَامَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ وَهْوَ لاَ يَشْعُرُ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي فَقَالَ: فمَنْ يَمْنَعُكَ؟ قُلْتُ: اللَّهُ. فَشَامَ السَّيْفَ، فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ. ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (سنان بن أبي سنان) يزيد بن أمية (وأبو سلمة) بن عبد الرحمن (أن جابرًا أخبره). وبالسند قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثنا وفي نسخة ح. وحدّثنا (موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين قال: (أخبرنا ابن شهاب) الزهري (عن سنان بن أبي سنان الدؤلي) بضم الدال المهملة وفتح الهمزة (أن جابر بن عبد الله) الأنصاري (رضي الله عنهما أخبره أنه غزا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في باب من علق سيفه بالشجر قبل نجد وسبق أنها غزوة ذي أمر (فأدركتهم القائلة في وادٍ كثير العضاه) بكسر العين المهملة والهاء وبينهما ضاد معجمة فألف شجر أم غيلان (فتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر)، من حرّ الظهيرة (فنزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحت شجرة فعلق بها سيفه ثم نام، فاستيقظ وعنده رجل وهو لا يشعر به، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): لأصحابه. (إن هذا اخترط) بالخاء المعجمة والمثناة الفوقية والراء آخره طاء مهملة أي سل (سيفي) (فقال: من) ولأبي ذر عن المستملي: فمن (يمنعك) أي مني كما في الرواية السابقة قريبًا والمعنى لا مانع لك مني (قلت): (الله) أي يمنعك (فشام السيف) بالفاء والشين المعجمة أي غمده (فها هو ذا جالس) بالرفع في الفرع كالجمهور على أن ذا خبر المبتدأ وجالس خبر ثانٍ قيل: وروى جالسًا بالنصب على الحال على جعل ذا خبر المبتدأ وعامل الحال ما في ها من معنى التنبيه أو في ذا من معنى الإشارة. (ثم لم يعاقبه) أي لم يعاقب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرجل. وهذا الحديث قد سبق قريبًا. 88 - باب مَا قِيلَ فِي الرِّمَاحِ. وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي» (باب ما قيل في) اتخاذ (الرماح) واستعمالها من الفضل. (ويذكر) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول (عن ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (جعل رزقي تحت ظل رمحي) أي من الغنيمة (وجعل الذلة والصغار) بالذال المعجمة والصغار بفتح الصاد المهملة والغين المعجمة أي بذل الجزية. (على من خالف أمري) وهذا طرف من حديث رواه أحمد. 2914 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وَهْوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا، فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا، فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَى بَعْضٌ، فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ". وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ قَالَ: «هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَىْءٌ»؟. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام

89 - باب ما قيل في درع النبي -صلى الله عليه وسلم- والقميص في الحرب وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أما خالد فقد احتبس أدراعه في سبيل الله

(عن أبي النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة بعدها راء سالم بن أبي أمية (مولى عمر بن عبيد الله) بضم العين مصغرًا المدني (عن نافع) هو ابن عباس بموحدة مشددة آخره سين مهملة ويقال عياش بتحتية ومعجمة (مولى أبي قتادة) الحرث بن ربعي (الأنصاري) وإنما قيل له ذلك للزومه، وكان مولى عقيلة الغفارية (عن أبي قتادة -رضي الله عنه- أنه كان مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عام الحديبية (حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلّف) أي أبو قتادة (مع أصحاب له محرمين) أي بالعمرة (وهو غير محرم) لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان بعثه لكشف حال عدوّ لهم بجهة الساحل والجملة حالية (فرأى حمارًا وحشيًّا) ولأبي ذر: حمار وحش (فاستوى على فرسه) الجرادة (فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا) أي امتنعوا أن يناولوه إياه (فسألهم رمحه) أي أن يناولوه إياه (فأبوا) وهذا موضع الترجمة (فأخذه ثم شد على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبى بعض) أي امتنع أن يأكل منه (فلما أدركوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سألوه عن ذلك) أي عن الحكم في أكله (قال): عليه الصلاة والسلام: (إنما هي طعمة) بضم الطاء المهملة وسكون العين (أطعمكموها الله). (وعن زيد بن أسلم) العدوي المدني (عن عطاء بن يسار عن أبي قتادة) بن الحرث الأنصاري (في الحمار الوحشي مثل حديث أبي النضر) المذكور إلا أنه (قال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي الوقت: وقال (هل معكم من لحمه شيء) وهذا وصله المؤلّف في الذبائح في باب ما جاء في الصيد ولم يذكر في هذه الرواية أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكل منها نعم في الهبة فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها. وقد سبق هذا الحديث في الحج مع كثير من مباحثه والله الموفق وبه المستعان. 89 - باب مَا قِيلَ فِي دِرْعِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْقَمِيصِ فِي الْحَرْبِ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَّا خَالِدٌ فَقَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (باب ما قيل في درع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من أي شيء كانت (و) بيان حكم (القميص في الحرب، وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): فيما وصله المؤلّف في الزكاة (أما خالد) هو ابن الوليد (فقد احتبس أدراعه) أي وقفها (في سبيل الله) والأدراع جمع درع بكسر الدال المهملة وهي الزردية. 2915 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِي قُبَّةٍ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ. اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ. فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ. وَهْوَ فِي الدِّرْعِ، فَخَرَجَ وَهْوَ يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}. وَقَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ "يَوْمَ بَدْرٍ". [الحديث 2915 - أطرافه في: 3953، 4875، 4877]. وبه قال: (حدّثنا) بالإفراد (محمد بن المثنى) الزمن العنزي قال: (حدّثنا عبد الوهاب) ابن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا خالد الحذاء عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس رضي الله عنهما) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم غزوة بدر (وهو في قبة) كالخيمة من بيوت العرب. (اللهم إني أنشدك) بفتح الهمزة وضم الشين أي أسألك (عهدك) أي بالنصر لرسلك (ووعدك) بإحدى الطائفتين وهزم حزب الشيطان (اللهم إن شئت) هلاك المؤمنين (لم تعبد بعد اليوم) وهذا تسليم لأمر الله فيما يشاء أن يفعله وفيه رد على المعتزلة القائلين بأن الشر غير مراد الله، وإنما قال ذلك لأنه علم أنه خاتم النبيين فلو هلك ومن معه حينئذٍ لم يبعث أحد ممن يدعو إلى الإيمان وفيه أن نفوس الشر لا يرتفع الخوف عنها والإشفاق جملة واحدة لأنه عليه السلام كان وعد النصر وهو الوعد الذي نشده، ولذا قال تعالى عن موسى عليه السلام حين ألقى السحرة حبالهم وعصيهم فأخبر الله تعالى بعد أن أعلمه أنه ناصره وإنه معهما يسمع ويرى فأوجس في نفسه خيفة موسى، (فأخذ أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (بيده) عليه الصلاة والسلام (فقال: حسبك) أي يكفيك مناشدتك (يا رسول الله فقد ألححت على ربك). بحاءين مهملتين الأولى مفتوحة والأخرى ساكنة داومت على الدعاء أو بالغت وأطلت فيه (وهو في الدرع)، جملة حالية وهي موضع الترجمة، (فخرج) عليه السلام لما علم أنه استجيب له لما وجد أبو بكر في نفسه من القوة والطمأنينة (وهو يقول: {سيهزم الجمع}) أي سيفرق شملهم ({ويولون الدبر}) [القمر: 45] أي الأدبار وإفراده لإرادة الجنس أو لأن كل واحد يولي دبره. وعند ابن أبي حاتم عن عكرمة لما نزلت {سيهزم الجمع ويولون الدبر} قال عمر أيّ جمع يهزم؟ أي جمع يغلب؟ قال عمر: فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

90 - باب الجبة في السفر والحرب

وَسَلَّمَ- يثب في الدرع وهو يقول: {سيهزم الجمع ويولّون الدبر} فعرفت تأويلها يومئذٍ ({بل الساعة موعدهم}) أي موعد عذابهم الأصلي وما يحيق بهم في الدنيا فمن طلائعه ({والساعة أدهى}) أشدّ والداهية أمر فظيع لا يهتدى لدوائه ({وأمر}) [القمر: 46] مذاقًا من عذاب الدنيا. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والتفسير والنسائي في التفسير. (وقاله وهيب): بضم الواو مصغرًا ابن خالد بن عجلان فيما وصله المؤلّف في سورة القمر (حدّثنا خالد) الحذاء أي عن عكرمة عن ابن عباس وزاد أن الذي قاله كان (يوم بدر). 2916 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ". وَقَالَ يَعْلَى: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ "دِرْعٌ مِنْ حَدِيدٍ". وَقَالَ مُعَلًّى: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ وَقَالَ: "رَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي البصري قال: (أخبرنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله عنها) أنها (قالت): (توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودرعه) ذات الفضول (مرهونة عند يهودي) يسمى بأبي الشحم (بثلاثين صاعًا) أي في مقابلة ثلاثين صاعًا (من شعير) فالباء للمقابلة. (وقال يعلى): بفتح أوله وثالثه بوزن يرضى ابن عبيد الطنافسي الكوفي مما سبق موصولاً في الرهن في السلام (حدّثنا الأعمش) أي في روايته عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة وزاد فقال: إنه (درع من حديد). (وقال معلى): بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد اللام المفتوحة ابن أسد العمي البصري فيما وصله في الاستقراض (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد البصري قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان أي عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة (وقال): فيه أيضًا (رهنه درعًا من حديد). 2917 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ مَثَلُ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ قَدِ اضْطَرَّتْ أَيْدِيَهُمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَكُلَّمَا هَمَّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَتِهِ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تُعَفِّيَ أَثَرَهُ، وَكُلَّمَا هَمَّ الْبَخِيلُ بِالصَّدَقَةِ انْقَبَضَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا وَتَقَلَّصَتْ عَلَيْهِ وَانْضَمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ. فَسَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: فَيَجْتَهِدُ أَنْ يُوَسِّعَهَا فَلاَ تَتَّسِعُ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (مثل البخيل والمتصدق مثل) وفي الزكاة (كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد) بضم الجيم وتشديد الموحدة (قد اضطرت) ألجئت (أيديهما إلى تراقيهما) جمع ترقوة وهي العظم الكبير الذي بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان من الجانبين وخصهما بالذكر لأنهما عند الصدر وهو مسكن القلب وهو يأمر الأمر وينهاه (فكلما همَّ المتصدّق بصدقته) ولأبي ذر عن الكشميهني: بصدقة (اتسعت عليه حتى تعفي أثره) بضم الفوقية وسكون العين وفي الفرع وأصله بفتح العين وتشديد الفاء أي تمحو الجبة أثر مشيه لسبوغها ومراده أن الصدقة تستر خطايا المتصدق كما يستر الثوب الذي يجر على الأرض أثر مشي لابسه بمرور الذيل عليه (وكلما همَّ البخيل بالصدقة انقبضت كل حلقة) بسكون اللام من الجبة (إلى صاحبتها وتقلصت) أي انزوت (عليه وانضمت يداه إلى تراقيه) والمعنى أن البخيل إذا حدّث نفسه بالصدقة شحت نفسه وضاق صدره وانقبضت يداه (فسمع) أي أبو هريرة (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (فيجتهد أن يوسعها) أي الجبة (فلا تتّسع). قال الكرماني فإن قلت: مجموع الحديث سمعه أبو هريرة من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فما وجه اختصاصه بالكلمة الأخيرة؟ وأجاب: بأن لفظ يقول يدل على الاستمرار والتكرار فلعله عليه السلام كررها دون أخواتها. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله جبتان فإنه روي بالباء الموحدة وهو المناسب لذكر القميص في الترجمة، وروي بالنون كما عند المؤلّف في باب: مثل المتصدق والبخيل من الزكاة من طريق أبي حنظلة وابن هرمز وهو المناسب للدرع. 90 - باب الْجُبَّةِ فِي السَّفَرِ وَالْحَرْبِ (باب) لبس (الجبة في السفر والحرب). 2918 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى مُسْلِمٍ هُوَ ابْنُ صُبَيْحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَالَ: "انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِحَاجَتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ، فَتلَقِيتُهُ بِمَاءٍ -وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَاْمِيَّةٌ- فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ، فَذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمِّهِ وكَانَا ضَيِّقَيْنِ، فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتُ، فَغَسَلَهُمَا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَعَلَى خُفَّيْهِ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي الضحى مسلم هو ابن صبيح) بضم الصاد المهملة وفتح الموحدة آخره حاء مهملة العطاردي وسقط لأبي ذر مسلم هو ابن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (المغيرة بن شعبة) -رضي الله عنه- (قال: انطلق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحاجته) في غزوة تبوك (ثم أقبل فلقيته بماء) بكسر القاف، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: فتلقيته

91 - باب الحرير في الحرب

بمثناة فوقية قبل اللام وفتح القاف مشدّدة زاد في رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي فتوضأ (وعليه جبة شامية) من نسج الكفار القارين بالشام لأنها إذ ذاك كانت دارهم (فمضمض واستنشق وغسل وجهه فذهب يخرج يديه من كميه) بالتثية فيهما (فكانا) بالفاء ولأبي ذر وكانا (ضيقين فأخرجهما من تحت) بالبناء على الضم (فغسلهما ومسح برأسه وعلى خفّيه). وسبق هذا الحديث في الصلاة. 91 - باب الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ (باب) جواز لبس (الحرير في الحرب) بحاء مهملة وسكون الراء في رواية أبي ذر وله في نسخة في الجرب بجيم وفتح الراء والأولى أولى بأبواب الجهاد على ما لا يخفى. 2919 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدامِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ بن الحارث حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ فِي قَمِيصٍ مِنْ حَرِيرٍ مِنْ حِكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا". [الحديث 2919 - أطرافه في: 2920، 2921، 2922، 5839]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن المقدام) أبو الأشعث العجلي البصري قال: (حدّثنا خالد بن الحرث) الجهيمي بضم الهاء وفتح الجيم وسقط لغير أبي ذر ابن الحرث قال: (حدّثنا سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (أن أنسًا) هو ابن مالك -رضي الله عنه- حدّثهم (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص لعبد الرحمن بن عوف) الزهري القرشي (والزبير) بن العوّام (في) لبس (قميص من حرير من) أجل (حكة كانت بهما). قال النووي كغيره: والحكمة في لبس الحرير للحكة لما فيه من البرودة، وتعقب بأن الحرير حار فالصواب فيه أن الحكمة فيه لخاصية فيه تدفع الحكة ولمسلم من طريق أبي كريب عن أبي أسامة عن سعيد بن أبي عروبة: رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوّام في القميص الحرير في السفر من حكة كانت بهما أو وجع كان بهما. أخرجه مسلم في اللباس وكذا أبو داود وابن ماجه وأخرجه النسائي في الزينة. 2920 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرَ شَكَوَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَعْنِي الْقَمْلَ- فَأَرْخَصَ لَهُمَا فِي الْحَرِيرِ، فَرَأَيْتُهُ عَلَيْهِمَا فِي غَزَاةٍ". وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى العوذي (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه-. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين وتخفيف النون العوقي بفتح العين المهملة والواو وبالقاف المكسورة كان ينزل العوقة وهم بطن من عبد القيس فنسب إليهم قال: (حدّثنا همام) العوذي (عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه- أن عبد الرحمن بن عوف والزبير) بن العوّام (شكوا) بالواو ولأبي ذر والأصيلي: شكيا بالياء وصوّب ابن التين الأول لأن لام الفعل منه واو كدعوا الله ربهما. وأجيب: بأن في الصحاح يقال شكيت وشكوت (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني القمل) وكأن الحكة نشأت عن أثر القمل فنسبت العلة إلى السبب أو العلة بأحد الرجلين (فأرخص لهما في) لبس (الحرير)، بهمزة مفتوحة فراء ساكنة قال أنس (فرأيته) بالهاء ولأبي ذر فرأيت (عليهما في غزاة). والظاهر أن المؤلّف أخذ قوله في الترجمة في الحرب من قوله هنا في غزاة، وقد أجاز الشافعي وأبو يوسف استعمال الحرير للضرورة كفجأة حرب ولم يجد غيره ومنعه مالك وأبو حنيفة مطلقًا، ولعل الحديث لم يبلغهما. ونقل ابن حبيب عن ابن الماجشون استحباب لبس الحرير في الجهاد والصلاة به حينئذ إرهابًا للعدوّ ولقذف الرعب والخشية في قلوبهم، ولذا رخص في الاختيال في الحرب وقد قال عليه الصلاة والسلام لأبي دجانة وهو يتبختر في مشيته (إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن). 2921 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ قَالَ: "رَخَّصَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فِي حَرِيرٍ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثني يحيى) القطان (عن شعبة) بن الحجاج أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (قتادة) بن دعامة (أن أنساً حدّثهم قال): (رخص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوّام في) لبس (حرير) ولم يذر العلة والسبب فهو محمول على السابقة. 2922 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ "رَخَّصَ -أَوْ رُخِّصَ- لَهُمَا لِحِكَّةٍ بِهِمَا". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة وتشديد الشين المعجمة بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت قتادة عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال): (رخص) بفتح الراء والخاء مبنيًّا للفاعل، وأخرجه أحمد عن غندر بلفظ: رخص رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (-أو رخص-) بضم الراء وكسر الخاء مبنيًّا للمفعول والشك من الراوي وزاد أبو ذر (لهما) أي لعبد الرحمن بن عوف والزبير أي في الحرير (لحكة) أي

92 - باب ما يذكر في السكين

لأجل حكة (بهما) ولم يذكر في هذه الرواية الحرير للعلم به من السابقة وكالحكة فيما ذكر الحر والبرد ودفع القمل وسواء في ذلك السفر والحضر، وقيل: يجوز في السفر دون الحضر لورود الرخصة فيه والمقيم تمكنه المداواة، وسوف يكون لنا عودة إن شاء الله تعالى إلى مباحث ذلك في كتاب اللباس بعون الله وقوته. 92 - باب مَا يُذْكَرُ فِي السِّكِّينِ (باب ما يذكر في السكين) بكسر السين أي من جواز الاستعمال. 2923 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُ مِنْ كَتِفٍ يَحْتَزُّ مِنْهَا، ثُمَّ دُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ". حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَزَادَ "فَأَلْقَى السِّكِّينَ". وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي المدني قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن ابن شهاب) الزهري (عن جعفر بن عمرو بن أمية) المدني ولأبي ذر زيادة الضمري بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم (عن أبيه) عمرو بفتح العين -رضي الله عنه- أنه (قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل من كتف) أي من لحم كتف شاة في بيت ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أو في بيت ميمونة حال كونه (يحتز) بالحاء المهملة والزاي المشددة أي يقطع (منها ثم دعي إلى الصلاة) في النسائي أن الذي دعاه بلال (فصلّى ولم يتوضأ) فلم يجعله ناقضًا للوضوء. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب إلخ. (وزاد: فألقى السكين) وبهذه الزيادة تحصل المطابقة بين الترجمة والحديث، ووجه إدخال الحديث هنا كون السكين من أنواع السلاح. وقد مرّ الحديث في باب: من لم يتوضأ من لحم الشاة من كتاب الوضوء ويأتي إن شاء الله تعالى في الأطعمة. 93 - باب مَا قِيلَ فِي قِتَالِ الرُّومِ (باب ما قيل في قتال الروم) أي من الفضل. 2924 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أَنَّ عُمَيْرَ بْنَ الأَسْوَدِ الْعَنْسِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ أَتَى عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَهْوَ نَازِلٌ فِي سَاحِلِ حِمْصَ وَهْوَ فِي بِنَاءٍ لَهُ وَمَعَهُ أُمُّ حَرَامٍ، قَالَ عُمَيْرٌ: فَحَدَّثَتْنَا أُمُّ حَرَامٍ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا. قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا فِيهِمْ؟ قَالَ: أَنْتِ فِيهِمْ. ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ. فَقُلْتُ: أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لاَ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحق بن يزيد) من الزيادة هو ابن إبراهيم ونسبه لجده لشهرته به الفراديسي (الدمشقي) قال: (حدّثنا) وفي نسخة: حدّثني بالإفراد (يحيى بن حمزة) بن واقد الحضرمي أبو عبد الرحمن الدمشقي قال: حدّثني) بالإفراد (ثور بن يزيد) من الزيادة وثور بالمثلثة الحمصي (عن خالد بن معدان) بفتح الميم وسكون العين المهملة الكلاعي (أن عمير بن الأسود) بضم العين مصغرًا (العنسي) بفتح العين المهملة وسكون النون وبالسين المهملة حمصي سكن داريًا مخضرم من كبار التابعين ليس له في البخاري سوى هذا الحديث (حدّثه أنه أتى عبادة بن الصامت وهو نازل في ساحل حمص وهو في بناء له ومعه) زوجته (أم حرام) بنت ملحان (قال عمير: فحدّثتنا أم حرام أنها سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (أول جيش من أمتي يغزون البحر) هو جيش معاوية (قد أوجبوا) لأنفسهم المغفرة والرحمة بأعمالهم الصالحة (قالت أم حرام: قلت يا رسول الله أنا فيهم؟ قال) عليه الصلاة والسلام (أنت فيهم) (ثم قال النبي): (أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر) ملك الروم يعني القسطنطينية (مغفور لهم) قالت أم حرام (فقلت أنا فيهم يا رسول الله؟ قال): (لا) فركبت البحر زمن معاوية لما غزا قبرس سنة ثمان وعشرين، فلما رجعت قربت دابة لتركبها فوقعت فاندقت عنقها فماتت وكان أول من غزا مدينة قيصر يزيد بن معاوية ومعه جماعة من سادات الصحابة كابن عمرو بن عباس وابن الزبير وأبي أيوب الأنصاري وتوفي بها سنة اثنتين وخمسين من الهجرة، واستدلّ به المهلب على ثبوت خلافة يزيد وأنه من أهل الجنة لدخوله في عموم قوله مغفور لهم. وأجيب: بأن هذا جارٍ على طريق الحمية لبني أمية ولا يلزم من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاص إذ لا خلاف أن قوله عليه الصلاة والسلام "مغفور لهم" مشروط بكونه من أهل المغفرة حتى لو ارتد واحد ممن غزاها بعد ذلك لم يدخل في ذلك العموم اتفاقًا قاله ابن المنير، وقد أطلق بعضهم فيما نقله المولى سعد الدين اللعن على يزيد لما أنه كفر حين أمر بقتل الحسين، واتفقوا على جواز اللعن على من قتله أو أمر به أو أجازه ورضي به، والحق أن رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مما تواتر معناه وإن كان تفاصيلها آحادًا فنحن لا نتوقف

94 - باب قتال اليهود

في شأنه بل في إيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه اهـ. ومن يمنع يستدل بأنه عليه الصلاة والسلام نهى عن لعن المصلين ومن كان من أهل القبلة. 94 - باب قِتَالِ الْيَهُودِ (باب) إخبار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن (قتال اليهود) الكائن في مستقبل الزمان. 2925 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تُقَاتِلُونَ الْيَهُودَ حَتَّى يَخْتَبِئ أَحَدُهُمْ وَرَاءَ الْحَجَرِ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ». [الحديث 2925 - طرفه في: 2593]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن محمد الفروي) بفتح الفاء وسكون الراء منسوب إلى جدّه أبي فروة قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): مخاطبًا للحاضرين والمراد غيرهم من أمته. (تقاتلون اليهود) لأن هذا إنما يكون إذا نزل عيسى عليه السلام فإن المسلمين يكونون معه واليهود مع الدجال (حتى يختبئ) بالخاء المعجمة والهمز وتركه أي يختفي (أحدهم وراء الحجر فيقول): أي الحجر حقيقة (يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله). 2926 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُودَ، حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ وَرَاءَهُ الْيَهُودِيُّ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ». وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة) بن عمرو بن جرير البجلي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود) الذين يكونون مع الدجال عند نزول عيسى عليه السلام (حتى يقول الحجر وراءه اليهودي يا مسلم: هذا يهودي ورائي فاقتله). فيه إشارة إلى بقاء دين المسلمين إلى أن ينزل عيسى عليه السلام فإنه الذي يقاتل الدجال ويستأصل اليهود الذين معه. 95 - باب قِتَالِ التُّرْكِ (باب قتال) المسلمين مع (الترك) الذي هو من أشراط الساعة. 2927 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا يَنْتَعِلُونَ نِعَالَ الشَّعَرِ، وَإِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا عِرَاضَ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطَرَّقَةُ". [الحديث 2927 - طرفه في: 3592]. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي (قال: سمعت الحسن) البصري (يقول: حدّثنا عمرو بن تغلب) بفتح العين وسكون الميم وتغلب بفتح المثناة الفوقية وسكون الغين المعجمة وبعد اللام المكسورة موحدة العبدي (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن من أشراط الساعة) من علامات يوم القيامة (أن تقاتلوا قومًا ينتعلون نعال الشعر) بفتح العين وتسكن والنعال جمع نعل أي أنهم يجعلون نعالهم من حبال ضفرت من الشعر أو المراد طول شعورهم وكثافتها فهم لذلك يمشون فيها (وإن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قومًا عراض الوجوه كأن وجوههم المجان) بفتح الميم والجيم وبعد الألف نون مشددة جمع مجن بكسر الميم أي الترس (المطرقة). بضم الميم وسكون الطاء المهملة وفتح الراء مخففة، ولأبي ذر: المطرقة بفتح الطاء وتشديد الراء والأولى هي الفصيحة المشهورة في الرواية وكتب اللغة وهي التي ألبست الطراق وهي جلدة تقدر على قدر الدرقة وتلصق عليها. قال البيضاوي: شبه وجوههم بالترس لبسطها وتدويرها وبالمطرقة لغلظها وكثرة لحمها. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله (عراض الوجوه) لأنه وصف للترك. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في علامات النبوة وابن ماجه في الفتن. 2928 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ الأَعْرَجِ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ، صِغَارَ الأَعْيُنِ حُمْرَ الْوُجُوهِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطَرَّقَةُ، وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ». [الحديث 2928 - أطرافه في: 2929، 3587، 3590، 3591]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (سعيد بن محمد) الجرمي بالجيم الكوفي قال: (حدّثنا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم (عن صالح) هو ابن كيسان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز أنه (قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك)، هم كما قال ابن عبد البر: ولد يافث وهم أجناس كثيرة أصحاب مدن وحصون ومنهم قوم في رؤوس الجبال والبراري ليس لهم عمل سوى الصيد ويأكلون الرخم والغربان وليس لهم دين ومنهم من يتدين بدين المجوس وهم الأكثرون ومنهم من يتهود وفيهم سحرة (صغار الأعين حمر الوجوه) بإسكان الميم أي بيض الوجوه مشربة بحمرة لغلبة البرد على أجسامهم (ذلف الأنوف)، بنصب الثلاثة صفة للمفعول السابق وذلف بضم الذال المعجمة وسكون اللام جمع أذلف أي فطس الأنوف قصارها مع انبطاح، وقيل غلظ في الأرنبة، وقيل تطامن وكل متقارب (كأن وجوههم المجان المطرقة). ولأبي ذر: المطرقة بتشديد الراء أي التي ألبست

96 - باب قتال الذين ينتعلون الشعر

الأطرقة من الجلود وهي الأغشية تقول: طارقت بين النعلين أي جعلت إحداهما على الأخرى. (ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا نعالهم الشعر). ولمسلم من طريق سهل بن أبي صالح عن أبي هريرة يلبسون الشعر ويمشون في الشعر. 96 - باب قِتَالِ الَّذِينَ يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ (باب قتال) القوم (الذين ينتعلون الشعر) وهم من الترك أيضًا وسقط لغير الكشميهني لفظ الشعر. 2929 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطَرَّقَةُ». قَالَ سُفْيَانُ: وَزَادَ فِيهِ أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةً «صِغَارَ الأَعْيُنِ، ذُلْفَ الأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا) أي من الترك (نعالهم الشعر) أي متخذة منه (ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا كأن وجوههم المجان) التروس (المطرقة). التي يطرق بعضها على بعض كالنعل المطرقة المخصوفة إذا طرق بعضها فوق بعض ولأبي ذر المطرّقة بتشديد الراء. (قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (وزاد فيه أبو الزناد) بكسر الزاي وتخفيف النون عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (رواية) لا على سبيل المذاكرة أي قاله عند النقل والتحمل لا عند القال والقيل قاله الكرماني وقال الحافظ ابن حجر رواية هو عوض قوله عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (صغار الأعين) بالنصب على المفعولية (ذلف الأنوف) فطسها مع القصر (كأن وجوههم المجان المطرقة) ولأبي ذر: المطرقة بفتح الطاء وتشديد الراء ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد لما ذكر هنا في علامات النبوة بعون الله. وعند البيهقي: (إن أمتي يسوقها قوم عراض الوجوه كأن وجوههم الحجف) ثلاث مرات (حتى يلحقونهم بجزيرة العرب) قالوا: يا نبي الله من هم؟ قال: (الترك والذي نفسي بيده ليربطن خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين). 97 - باب مَنْ صَفَّ أَصْحَابَهُ عِنْدَ الْهَزِيمَةِ وَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ وَاسْتَنْصَرَ (باب من صف أصحابه عند الهزيمة) وثبت هو (ونزل عن دابته واستنصر) أي بالله ولأبي ذر فاستنصر بالفاء بدل الواو. 2930 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الحرّانيُّ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -وَسَأَلَهُ رَجُلٌ: أَكُنْتُمْ فَرَرْتُمْ يَا أَبَا عُمَارَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ- قَالَ: لاَ وَاللَّهِ، مَا وَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَكِنَّهُ خَرَجَ شُبَّانُ أَصْحَابِهِ وَأَخِفَّاؤُهُمْ حُسَّرًا لَيْسَ بِسِلاَحٍ، فَأَتَوْا قَوْمًا رُمَاةً جَمْعَ هَوَازِنَ وَبَنِي نَصْرٍ، مَا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ، فَرَشَقُوهُمْ رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخْطِئُونَ، فَأَقْبَلُوا هُنَالِكَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَابْنُ عَمِّهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُودُ بِهِ، فَنَزَلَ وَاسْتَنْصَرَ ثُمَّ قَالَ: أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ. ثُمَّ صَفَّ أَصْحَابَهُ". وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين وسكون الميم (الحراني) الجزري وسقط لفظ الحراني لغير أبي ذر قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي مصغرًا ابن معاوية قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سمعت البراء) هو ابن عازب -رضي الله عنه- (وسأله رجل) هو من قيس كما عند المؤلّف في غزوة حنين (أكنتم فررتم يا أبا عمارة) بضم العين وتخفيف الميم وهي كنية أبي الدرداء (يوم) وقعة (حنين)؟ أي أفررتم كلكم فيدخل فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال): أي البراء (لا والله ما ولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم) اللذين ليس معهم سلاح يثقلهم ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وخفافهم حال كونهم (حسرًا) بضم الحاء وفتح السين المشدّدة المفتوحة المهملتين (ليس بسلاح) أي ليس أحدهم متلبسًا بسلاح فاسم ليس مضمر وقيل الحاسر الذي لا درع له ولا مغفر (فأتوا قومًا رماة) بنصب قومًا (جمع هوازن) بنصب جمع بدل من قومًا ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم جمع هوازن وجر هوازن بالفتحة لأنه لا ينصرف (وبني نصر)، بالصاد المهملة قبيلة من بني أسد (ما يكاد يسقط لهم سهم)، في الأرض من جودة رميهم، ويحتمل أن يكون في كاد ضمير شأن مستتر والجملة الفعلية خبر كاد، ويحتمل أن يكون سهم اسمها ويسقط لهم خبرها مثل ما كاد يقوم زيد على خلاف فيه (فرشقوهم رشقًا) أي رموهم بالنبل (ما يكادون يخطئون فأقبلوا) أي المسلمون (هنالك إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو على بغلته البيضاء) التي أهداها له ملك أيلة أو فروة الجذامي (وابن عمه) مبتدأ والواو للحال (أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب يقول به)، خبر المبتدأ وفي طريق شعبة عن أبي إسحاق في باب من قاد دابة غيره في الحرب وأن أبا سفيان آخذ بلجامها (فنزل) عليه الصلاة والسلام عن بغلته (واستنصر) أي دعا بالله النصر فنصره الله تعالى إذ رماهم بالتراب كما سيأتي إن شاء الله تعالى بعونه في

98 - باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة

المغازي. (ثم قال): (أنا النبي لا كذب)، أي فلست بكاذب في قولي حتى أنهزم (أنا ابن عبد المطلب) بسكون باء كذب والمطلب وانتسب لجده لشهرته به بخلاف أبيه عبد الله فإنه مات شابًّا أو لغير ذلك مما سبق عند ذكره في الجهاد (ثم صف أصحابه) الذين ثبتوا معه بعد هزيمة من انهزم لكثرة العدو بأن كانوا ضعفهم أو أكثر أو نووا العود عند الإمكان. 98 - باب الدُّعَاءِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِالْهَزِيمَةِ وَالزَّلْزَلَةِ (باب الدعاء) أي دعاء الإمام (على المشركين) عند الحرب (بالهزيمة والزلزلة). 2931 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَلأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا، شَغَلُونَا عَنِ صَلاَةِ الْوُسْطَى حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ». [الحديث 2931 - أطرافه في: 4111، 4533، 6396]. وبه قال: (حدثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قال: (حدّثنا هشام) قال في الفتح: هو الدستوائي، وزعم الأصيلي أنه ابن حسان ورام بذلك تضعيف الحديث فأخطأ من وجهين وتجاسر الكرماني فقال: المناسب أنه هشام بن عروة، وتعقبه في العمدة فقال: هو الذي تجاسر حيث قال إنه هشام الدستوائي وليس هو بالدستوائي وإنما هو هشام بن حسان مثل ما قال الأصيلي، وكذا نص عليه الحافظ المزي في الأطراف في موضعين، وكذا قال الكرماني ثم قال: لكن المناسب لما مر في شهادة الأعمى هشام بن عروة فلم يظهر منه تجاسر لأنه لم يجزم بأنه هشام بن عروة وإنما غرّته رواية عيسى بن يونس عن هشام عن أبيه عروة في الباب المذكور فظن أن هاهنا أيضًا كذلك انتهى. وسيأتي في غزوة الأحزاب إن شاء الله تعالى أن ابن حجر قال فيها: كنت ذكرت في الجهاد أنه الدستوائي لكن جزم المزي في الأطراف بأنه ابن حسان ثم وجدته مصرحًا به في عدة طرق فهذا المعتمد وأما تضعيف الأصيلي للحديث به فليس بمعتمد كما سأوضحه في التفسير إن شاء الله تعالى. (عن محمد) هو ابن سيرين (عن عبيدة) بفتح العين ابن عمرو السلماني الكوفي (عن عليّ) هو ابن أبي طالب (-رضي الله عنه-) أنه (قال لما كان يوم) وقعة الأحزاب قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ملأ الله بيوتهم) أي بيوت الكفار أحياء وقبورهم أمواتًا (نارًا، شغلونا) بقتالهم (عن الصلاة) ولأبي ذر عن صلاة (الوسطى حين) أي وقت ولأبي ذر حتى (غابت الشمس). وفي مسلم عن ابن مسعود إن المشركين حبسوهم عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس أو اصفرت، ومقتضاه أنه لم يخرج الوقت وجمع بينه وبين سابقه بأن الحبس انتهى إلى وقت الحمرة أو الصفرة ولم تقع الصلاة إلا بعد المغرب، واختلف في الصلاة الوسطى على أقوال وللحافظ الشرف الدمياطي تأليف مفرد في ذلك سماه كشف المغطى عن حكم الصلاة الوسطى. قيل: والمطابقة بين الترجمة والحديث في قوله: (ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا)، لأن في إحراق بيوتهم غاية التزلزل في أنفسهم. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والدعوات والتفسير ومسلم في الصلاة وكذا أبو داود والنسائي وأخرجه الترمذي في التفسير. 2932 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو فِي الْقُنُوتِ: اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ". وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة السوائي قال (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن ابن ذكوان) عبد الله (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعو في القنوت) في الصبح بعد الرفع من الركوع في الثانية. (اللهم أنجِ سلمة بن هشام، اللهم أنجِ الوليد بن الوليد، اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين) من العام بعد الخاص وهمزة إلخ في الأَربعة همزة قطع مفتوحة والجيم مكسورة (اللهم اشدد وطأتك) بفتح الواو وسكون الطاء المهملة أي بأسك وعقوبتك أو أخذتك الشديدة (على مضر) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة غير منصرف لأنه علم للقبيلة (اللهم سنين) نصب بتقدير اجعل (كسني يوسف) بن يعقوب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي غلاء كالغلاء الواقع في زمنه بمصر. ومطابقة الحديث للترجمة من قوله اللهم اشدد وطأتك، لأنها أعمّ من أن تكون بالهزيمة أو الزلزلة أو بغير ذلك من الشدائد، وقد سبق هذا الحديث في أول الاستسقاء. 2933 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنه- يَقُولُ: "دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الأَحْزَابِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اللَّهُمَّ اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ". [الحديث 2933 - أطرافه في: 2965، 3025، 4115، 6392، 7489]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) مردويه السمسار الرازي قال: (أخبرنا عبد الله) بن

المبارك قال: (أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي البجلي الكوفي واسم أبي خالد سعد (أنه سمع عبد الله بن أبي أوفى) علقمة بن خالد الأسلمي (-رضي الله عنهما- يقول: دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الأحزاب على المشركين فقال): (اللهم) أي يا الله يا (منزل الكتاب) القرآن يا (سريع الحساب) قال الكرماني: أما أن يراد به سريع حسابه بمجيء وقته وأما أنه سريع في الحساب (اللهم اهزم الأحزاب) أي اكسرهم وبدّد شملهم (اللهم اهزمهم وزلزلهم) فلا يثبتوا عند اللقاء بل تطيش عقولهم وترعد أقدامهم. ومطابقة هذا الحديث للترجمة ظاهرة، وإنما خص الدعاء عليهم بالهزيمة والزلزلة دون أن يدعو عليهم بالهلاك لأن الهزيمة فيها سلامة نفوسهم وقد يكون ذلك رجاء أن يتوبوا من الشرك ويدخلوا في الإسلام والإهلاك لما حق لهم مفوت لهذا المقصد الصحيح. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والتوحيد والدعوات ومسلم في المغازي والترمذي وابن ماجه في الجهاد والنسائي في السير. 2934 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَنَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَنُحِرَتْ جَزُورٌ بِنَاحِيَةِ مَكَّةَ فَأَرْسَلُوا فَجَاءُوا مِنْ سَلاَهَا وَطَرَحُوهُ عَلَيْهِ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَلْقَتْهُ عَنْهُ، فَقَالَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، لأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَعُقْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُبَىِّ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ فِي قَلِيبِ بَدْرٍ قَتْلَى". قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَنَسِيتُ السَّابِعَ. وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ "أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ"، وَقَالَ شُعْبَةُ: "أُمَيَّةُ أَوْ أُبَىٌّ". وَالصَّحِيحُ أُمَيَّةُ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي شيبة) العبسي الكوفي أخو عثمان قال: (حدّثنا جعفر بن عون) بفتح العين المهملة وبعد الواو الساكنة نون القرشي الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين الأزدي الكوفي أدرك الجاهلية (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي في ظل الكعبة فقال أبو جهل): عمرو بن هشام فرعون هذه الأمة (وناس من قريش) هو في الدعاء الآتي فيه (ونحرت جزور بناحية مكة) جملة خالية معترضة بين قول أبي جهل ومن معه ومقولهم المحذوف المقدر بقوله هاتوا من سلا الجزور التي نحرت (فأرسلوا) إليها (فجاؤوا) بشيء (من سلاها) بفتح السين المهملة وتخفيف اللام مقصورًا من جلدتها الرقيقة التي يكون فيها الولد من المواشي (وطرحوه عليه) ولأبي ذر: وطرحوا بحذف الضمير وكان الذي طرحه عقبة بن أبي معيط (فجاءت فاطمة) الزهراء -رضي الله عنها- (فألقته عنه) عليه الصلاة والسلام واستدلّ به المالكية على طهارة روث المأكول لحمه. وأجاب من قال بنجاسته بأنه لم يكن في ذلك الوقت تعبد به، وأيضًا ليس في السلا دم فهو كعضو منها فإن قيل: هو ميتة؟ أجيب: باحتمال أنه كان قبل تحريم ذبائح أهل الأوثان، وإن قيل: كان معه فرث ودم؟ قيل: لعله كان قبل التعبد بتحريمه. (فقال) عليه الصلاة والسلام: (اللهم عليك بقريش اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش)، قالها ثلاثًا (لأبي جهل بن هشام) اللام للبيان نحو: {هيت لك} [يوسف: 23] أي هذا الدعاء مختص به أو للتعليل أي دعا أو قال لأجل أبي جهل (وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة) بضم العين وسكون الفوقية (وأُبيّ بن خلف) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتية (وعقبة بن أبي معيط) بضم الميم وفتح العين وعقبة بسكون القاف. (قال عبد الله): هو ابن مسعود (فلقد رأيتهم في قليب بدر قتلى). مفعول ثانٍ لرأيتهم والقليب البئر أن تطوى. (قال أبو إسحاق) السبيعي بالسند السابق (ونسيت السابع) هو عمارة بن الوليد (وقال يوسف بن إسحاق) ولأبي ذر قال أبو عبد الله أي البخاري قال يوسف بن أبي إسحاق نسبه إلى جده (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو السبيعي مما وصله في الطهارة (أمية بن خلف) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية بدل من قوله في رواية سفيان الثوري عنه أُبيّ بن خلف (وقال شعبة) بن الحجاج فيما وصله في كتاب المبعث عن أبي إسحاق (أمية أو أبي) بالشك وكأنه حدث به مرة أمية ومرة أبي وحدّث به أخرى فشك فيه أو الشك من شعبة وهو الظاهر. قال البخاري (والصحيح) أنه (أمية) لا أُبيّ لأن أُبيًّا قتله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده يوم أُحُد بعد بدر. ورواة هذا الحديث كوفيون وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي، وسبق في باب المرأة تطرح عن المصلي شيئًا من الأذى من كتاب الصلاة. 2935 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ الْيَهُودَ دَخَلُوا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكَ، فَلَعَنْتُهُمْ. فَقَالَ: مَا لَكِ؟ قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: فَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ". [الحديث 2935 - أطرافه في: 6024، 6030، 6256، 6395، 6401، 6927]. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن

99 - باب هل يرشد المسلم أهل الكتاب أو يعلمهم الكتاب؟

حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد عن أيوب السختياني (عن ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام وسكون التحتية وفتح الكاف عبد الله، واسم أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي الأحول (عن عائشة -رضي الله عنها- أن اليهود دخلوا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: السام) بتخفيف الميم الموت (عليك) قالت عائشة (فلعنتهم). ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ولعنتهم (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما لك) بكسر الكاف أي أيّ شيء حصل لك حتى لعنتهم؟ فأجابت بقولها (قلت): ولأبي ذر: (قالت أو لم تسمع ما قالوا؟ قال): (فلم تسمعي ما قلت وعليكم) أي السام فرددت عليهم ما قالوا فإن ما قلت يستجاب لي وما قالوا يرد عليهم. قال الخطابي: رواية المحدثين وعليكم بالواو، وكان ابن عيينة يرويه بحذفها وهو الصواب لأنه إذا حذفها صار قولهم مردودًا عليهم، وإذا أثبتها وقع الاشتراك معهم والدخول فيما قالوه لأن الواو حرف عطف ولا اجتماع بين الشيئين. قال الزركشي: وفيه نظر إذ المعنى ونحن ندعوا عليكم بما دعوتم به علينا على أنّا إذا فسّرنا السام بالموت فلا إشكال لاشتراك الخلق فيه اهـ. وقال من فسرها بالموت فلا تبعد الواو، ومن فسرها بالسآمة فإسقاطها هو الوجه. وقال ابن الجوزي: وكان قتادة يمدّ ألف السام اهـ. لكن إثبات الواو أصح في الراية وأشهر، وستكون لنا عودة إلى مباحث ذلك مع مزيد فرائد الفوائد إن شاء الله تعالى في محاله بعون الله وقوّته. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب والدعوات. 99 - باب هَلْ يُرْشِدُ الْمُسْلِمُ أَهْلَ الْكِتَابِ أَوْ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ؟ هذا (باب) بالتنوين (هل يرشد المسلم أهل الكتاب) إلى طريق الهدى ويعرفهم بمحاسن الإسلام ليرجعوا إليه (أو يعلمهم الكتاب)؟ أي القرآن رجاء أن يرغبوا في دين الإسلام. 2936 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ وَقَالَ: فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ". [الحديث 2936 - طرفه في: 2940]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن منصور بن كوسج المروزي قال: (أخبرنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري قال: (حدّثنا ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله (عن عمه) محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن عبد الله بن عتبة) بضم العين وسكون الفوقية بعدها موحدة (ابن مسعود أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب إلى قيصر) وهو هرقل ملك الروم (وقال): فيما كتبه إليه: (فإن توليت) عن الإسلام (فإن عليك) مع إثمك (إثم الأريسيين) بهمزة مفتوحة فراء مكسورة فتحتية ساكنة فسين مهملة مكسورة فتحتية مشددة فأخرى ساكنة آخره نون أي الزراعين فأرشده إلى طريق الهدى والحق، والظاهر أن المؤلّف استنبط ما ترجم به من كونه عليه الصلاة والسلام كتب له بعض القرآن بالعربية فكأنه سلطه على تعليمه أوّلاً بقراءته حتى يترجم له ولا يترجم حتى يعرف المترجم كيفية استخراجه فتحصل المطابقة بين الترجمة والحديث من كتابته القرآن ومن مكاتبته، وقد منع مالك من تعليم المسلم الكافر القرآن وأجازه أبو حنيفة واحتج له الطحاوي بهذا الحديث مع قوله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} [التوبة: 6] وبحديث أسامة: مرّ النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ابن أُبيّ قبل أن يسلم، وفي المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين فقرأ عليهم القرآن، وهذا أحد قولي الشافعي. قال في فتح الباري: والذي يظهر أن الراجح التفصيل بين من يرجى منه الرغبة في الدين والدخول فيه مع الأمن منه أن يتسلط بذلك إلى الطعن فيه وبين من يتحقق أن لا ينجع فيه أو يظن أنه يتوصل بذلك إلى الطعن في الدين. 100 - باب الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْهُدَى لِيَتَأَلَّفَهُمْ (باب الدعاء للمشركين بالهدى) إلى الإسلام (ليتألفهم). 2937 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه "قَدِمَ طُفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا، فَقِيلَ: هَلَكَتْ دَوْسٌ. قَالَ: اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ". [الحديث 2937 - طرفاه في: 4392، 6397]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (أن عبد الرحمن) بن هرمز الأعرج (قال: قال أبو هريرة -رضي الله عنه- قدم طفيل بن عمرو) بفتح العين وطفيل بضم الطاء المهملة وفتح الفاء وسكون التحتية آخره لام (الدوسي) بفتح الدال المهملة وبالسين المهملة

101 - باب دعوة اليهودي والنصراني، وعلى ما يقاتلون عليه؟ وما كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى وقيصر، والدعوة قبل القتال

المكسورة (وأصحابه على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهو بخيبر وكان أصحابه ثمانين أو تسعين وهم الذين قدموا معه وهم أهل بيت من دوس وكان قدم قبلها بمكة وأسلم وصدق (فقالوا): أي طفيل وأصحابه (يا رسول الله إن دوسًا) قبيلة أبي هريرة (عصت) على الله (وأبت)، أن تسمع كلام طفيل حين دعاهم إلى الإسلام (فادع الله عليها) أي بالهلاك (فقيل: هلكت دوس. قال) عليه الصلاة والسلام: (اللهم اهدِ دوسًا) إلى الإسلام (وائت بهم): مسلمين وهذا من كمال خلقه العظيم ورحمته ورأفته بأمته جزاه الله عنّا أفضل ما جزى نبيًّا عن أمته وصلّى عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وأما دعاؤه عليه الصلاة والسلام على بعضهم فذلك حيث لا يرجو ويخشى ضررهم وشوكتهم. 101 - باب دَعْوَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، وَعَلَى مَا يُقَاتَلُونَ عَلَيْهِ؟ وَمَا كَتَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَالدَّعْوَةِ قَبْلَ الْقِتَالِ (باب دعوة اليهودي والنصراني) أي إلى الإسلام، ولأبي ذر: دعوة اليهود والنصارى (على ما يقاتلون عليه)؟ بفتح الفوقية من يقاتلون (و) بيان (ما كتب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى كسرى) ملك الفرس (وقيصر)، ملك الروم ومعنى قيصر البقير في لغتهم لأن أمه لما أتاها الطلق به ماتت فبقر بطنها عنه فخرج حيًّا وكان يفتخر بذلك لأنه لم يخرج من فرج (و) بيان (الدعوة) إلى الإسلام (قبل القتال). 2938 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: "لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لاَ يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ، وَنَقَشَ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ". وبه قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة ابن عبيد الجوهري الهاشمي مولاهم البغدادي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- يقول: لما أراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يكتب إلى) أهل (الروم قيل له: إنهم لا يقرؤون كتابًا إلا أن يكون مختومًا) كراهية أن يقرأ كتابهم غيرهم وروى من كرامة الكتاب ختمه. وعن ابن المقفع: من كتب إلى أخيه كتابًا ولم يختمه فقد استخف به. (فاتخذ خاتمًا) أي فأمر أن يصنع له خاتم (من فضة) سنة ست (فكأني أنظر إلى بياضه في) خنصر (يده) اليسرى كما في مسلم أو اليمنى كما في الترمذي (ونقش فيه محمد رسول الله) ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول سطر والله سطر لكن لم تكن كتابته على الترتيب العادي فإن ضرورة الاحتياج إلى أن يختم به تقتضي أن تكون الأحرف المنقوشة مقلوبة ليخرج الختم مستويًا، ولعل مراد المؤلّف من الحديث قوله لما أراد أن يكتب لأنه يدل على أنه قد كتب، وهو الذي ذكره ابن عباس في حديث طويل. 2939 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ يَدْفَعُهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى. فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى خَرَّقَهُ، فَحَسِبْتُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بتصغير عبد (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن عبد الله بن عباس) -رضي الله عنهما- (أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث بكتابه) مع عبد الله بن حذافة السهمي (إلى كسرى فأمره) أي أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابن حذافة (أن يدفعه إلى عظيم البحرين) المنذر بن ساوى بفتح السين المهملة والواو وكان من تحت يد كسرى والبحرين تثنية بحر موضع بين البصرة وعمان وعبر بعظيم دون ملك لأنه لا ملك ولا سلطنة للكفار (يدفعه عظيم البحرين إلى كسرى) فذهب به إلى عظيم البحرين فدفعه إليه ثم دفعه عظيم البحرين إلى كسرى، (فلما قرأه كسرى خرقه) بتشديد الراء بعد الخاء المعجمة وفي طريق صالح عن ابن شهاب عند المؤلّف في كتاب العلم مزقه بدل خرقه قال ابن شهاب: (فحسبت أن سعيد بن المسيب قال): لما مزقه وبلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غضب (فدعا عليهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن) أي بأن (يمزقوا) أي بالتمزيق (كل ممزق). بفتح الزاي فيهما أي يفرقوا كل نوع من التفريق فسلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله بأن مزق بطنه سنة سبع فتمزق ملكه كل ممزق وزال من جميع الأرض واضمحل بدعوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وفي هذا الحديث الدعاء إلى الإسلام بالكلام والكتابة وأن الكتابة تقوم مقام النطق، وقد اختلف في اشتراط الدعاء قبل القتال، ومذهب الشافعية وجوب عرض الإسلام أوّلاً على

102 - باب دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس إلى الإسلام والنبوة، وأن لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله وقوله تعالى: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب} [آل عمران: 79] إلى آخر الآية

الكفار بأن ندعوهم إليه إن علمنا أنه لم تبلغهم الدعوة وإلاّ استحب. 102 - باب دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّاسَ إِلَى الإِسْلاَمِ وَالنُّبُوَّةِ، وَأَنْ لاَ يَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الكِتَابَ} [آل عمران: 79] إِلَى آخِرِ الآيَةِ (باب دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الإسلام) ولأبي الوقت الناس إلى الإسلام (والنبوة) أي الاعتراف بها (وأن لا يتخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله) لأن كلاًّ منهم بشر مثلهم. (وقوله تعالى): بالجر عطفًا على السابق ({ما كان لبشر أن يؤتيه الله}) [آل عمران: 79] وزاد في رواية أبي ذر: الكتاب (إلى آخر الآية). وسقط لأبي ذر لفظ: إلى آخر، والمعنى ما ينبغي لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة أن يقول للناس اعبدوني مع الله، وإذا كان لا يصلح لنبي ولا لمرسل فلأن لا يصلح لأحد من الناس غيرهم بطريق الأولى، وقد كان أهل الكتاب يتعبدون لأحبارهم ورهبانهم كما قال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلاّ هو سبحانه عما يشركون} [التوبة: 31]. 2940 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ أَخْبَرَهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَيْهِ مَعَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى لِيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ، وَكَانَ قَيْصَرُ لَمَّا كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِمَا أَبْلاَهُ اللَّهُ، فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ حِينَ قَرَأَهُ: الْتَمِسُوا لِي هَا هُنَا أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ لأَسْأَلَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي ابن محمد بن حمزة بن مصعب بن عبد الله بن الزبير بن العوّام أبو إسحاق القرشي الأسدي الزبيري المدني قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي (عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف (عن ابن شهاب) الزهري (عن عببد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب) كتابًا (إلى قيصر) ملك الروم واسمه هرقل (يدعوه) فيه (إلى الإسلام وبعث) عليه الصلاة والسلام (بكتابه) هذا (إليه) إلى قيصر (مع دحية الكلبي) في آخر سنة ست بعد أن رجع من الحديبية (وأمره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أمر دحية (أن يدفعه إلى عظيم) أهل (بصرى) بضم الموحدة وسكون الصاد المهملة وفتح الراء مقصورًا مدينة حوران ذات قلعة بين الشام والحجاز وعظيمها أميرها الحرث بن شمر الغساني (ليدفعه إلى قيصر، وكان قيصر لما كشف الله عنه جنود فارس) عند غلبة جنود الروم عليهم في سنة عمرة الحديبية (مشى من حمص) مجرور بالفتحة لأنه غير منصرف للعلمية والتأنيث. وزاد ابن إسحاق عن الزهري أنه كان يبسط له البسط ويوضع عليها الرياحين فيمشي عليها (إلى إيلياء) بكسر الهمزة واللام بينهما تحتية ممدودة وهي بيت المقدس (شكرًا لما أبلاه الله) بهمزة مفتوحة وموحدة ساكنة أي أنعم الله عليه بدفع فارس عنه بعد أن ملكوا الشام وما والاها من الجزيرة وأقاصي بلاد الروم واضطروا هرقل حتى ألجؤوه إلى القسطنطينية وحاصروه فيها مدّة طويلة (فلما جاء قيصر) وهو بإيلياء (كتاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الذي بعثه مع دحية فأعطاه دحية لعظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر فلما وصل إليه (قال حين قرأه: التمسوا لي هاهنا أحدًا من قومه لأسألهم عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي عن نسبه وصفته ونعته وما يدعو إليه. 2941 - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ بنُ حَربٍ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّاْمِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا تِجَارًا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَوَجَدَنَا رَسُولُ قَيْصَرَ بِبَعْضِ الشّامِ، فَانْطَلَقَ بِي وَبِأَصْحَابِي حَتَّى قَدِمْنَا إِيلِيَاءَ، فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ وَعَلَيْهِ التَّاجُ، وَإِذَا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ. فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا. قَالَ: مَا قَرَابَةُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ؟ فَقُلْتُ هُوَ ابْنُ عَمّ. وَلَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي. فَقَالَ قَيْصَرُ: أَدْنُوهُ. وَأَمَرَ بِأَصْحَابِي فَجُعِلُوا خَلْفَ ظَهْرِي عِنْدَ كَتِفِي. ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لأَصْحَابِهِ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا الرَّجُلَ عَنِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ لَوْلاَ الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ، وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثُرُوا الْكَذِبَ عَنِّي فَصَدَقْتُهُ. ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ كَيْفَ نَسَبُ هَذَا الرَّجُلِ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ. قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لاَ. فَقَالَ: كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ عَلَى الْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قَالَ: فَيَزِيدُونَ أَم يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لاَ، وَنَحْنُ الآنَ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ نَحْنُ نَخَافُ أَنْ يَغْدِرَ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا أَنْتَقِصُهُ بِهِ -لاَ أَخَافُ أَنْ تُؤْثَرَ عَنِّي- غَيْرُهَا. قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ أَوْ قَاتَلَكُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَيْفَ كَانَتْ حَرْبُهُ وَحَرْبُكُمْ؟ قُلْتُ: دُوَلاً وَسِجَالاً: يُدَالُ عَلَيْنَا الْمَرَّةَ وَنُدَالُ عَلَيْهِ الأُخْرَى. قَالَ: فَمَاذَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ؟ قَالَ: يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَانَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْعَفَافِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ. فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ لَهُ: قُلْ لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ، فَزَعَمْتَ أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا. وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ قُلْتُ يَأْتَمُّ بِقَوْلٍ قَدْ قِيلَ قَبْلَهُ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ. وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تَخْلِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ لاَ يَسْخَطُهُ أَحَدٌ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ يَغْدِرُونَ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ قَدْ فَعَلَ، وَأَنَّ حَرْبَكُمْ وَحَرْبَهُ تَكُونُ دُوَلاً، وَيُدَالُ عَلَيْكُمُ الْمَرَّةَ وَتُدَالُونَ عَلَيْهِ الأُخْرَى، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى وَتَكُونُ لَهَا الْعَاقِبَةُ. وَسَأَلْتُكَ بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاَةِ , وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ. قَالَ: وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيِّ قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَكِنْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْكُمْ، وَإِنْ يَكُ مَا قُلْتَ حَقًّا فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَىَّ هَاتَيْنِ وَلَوْ أَرْجُو أَنْ أَخْلُصَ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لُقَاءِهِ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ قَدَمَيْهِ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُرِئَ، فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ. سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى. أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الأَرِيسِيِّينَ {وَيَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَ

عبد مناف وهو الأب الرابع له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي سفيان، ولأبي ذر: ابن عم بإسقاط الباء وتنوين الميم (وليس في المركب يومئد أحد من بني عبد مناف غيري. فقال قيصر: أدنوه) بهمزة مفتوحة أي قربوه. زاد في أول الكتاب مني، وإنما أراد بذلك الإمعان في السؤال. (وأمر بأصحابي) القرشيين (فجعلوا خلف ظهري عند كتفي) لئلا يستحيوا أن يواجهوه بالكذب إن كذب وكتفي بكسر الفاء وتخفيف الياء في الفرع. (ثم قال لترجمانه: قل لأصحابه إني سائل هذا الرجل) أبا سفيان (عن) الرجل (الذي يزعم أنه نبي فإن كذب) في حديثه عنه (فكذبوه) بتشديد الدال المكسورة (قال أبو سفيان: والله لولا الحياء يومئذ من أن يأثر) بضم المثلثة بعد الهمزة الساكنة أي يروي ويحكي (أصحابي عني الكذب لكذبته حين سألني عنه) عليه الصلاة والسلام لبغضي إياه إذ ذاك (ولكني استحببت أن يأثروا الكذب عني فصدقته) بتخفيف الدال المهملة (ثم قال): هرقل (لترجمانه: قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم)؟ أي ما حال نسبه أهو من أشرافكم أم لا؟ (قلت: هو فينا ذو نسب) عظيم (قال: فهل قال هذا القول أحد منكم) من قريش (قبله؟ قلت: لا. فقال: كنتم) أي هل كنتم؟ (تتهمونه على الكذب) وفي رواية شعيب عن الزهري أول هذا الكتاب: فهل كنتم تتهمونه بالكذب؟ (قبل أن يقول ما قال: قلت: لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك) بكسر ميم من حرف جر وكسر لام ملك صفة مشبهة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من ملك؟ بفتح ميم من اسم موصول وفتح لام ملك فعل ماض. (قلت: لا. قال: فأشراف الناس)؟ أهل النخوة والتكبر منهم (يتبعونه) بتشديد الفوقية وإسقاط همزة الاستفهام وهو قليل (أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم) أي اتبعوه (قال: فيزيدون أو ينقصون)؟ وفي رواية شعيب أم بالميم بدل الواو (قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد) منهم كما في رواية شعيب (سخطة لدينه) بالنصب على الحال أي ساخطًا (بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر)؟ أي ينقض العهد (قلت: لا. ونحن الآن منه في مدة) أي مدّة صلح الحديبية (نحن نخاف أن يغدر. قال أبو سفيان. ولم تمكني) بالفوقية والذي في اليونينية بالتحتية (كلمة أدخل فيها شيئًا أنتقصه به) وسقط في رواية شعيب لفظ انتقصه به (لا أخاف أن تؤثر) أي تروى (عني غيرها. قال: فهل قاتلتموه وقاتلكم؟ قلت: نعم. قال: فكيف كانت حربه وحربكم؟ قلت: كانت دولاً) بضم الدال وكسرها وفتح الواو (وسجالاً) بكسر السين بالجيم أي نوبًا نوبة لنا ونوبة له كما قال (يدال علينا المرة وندال عليه الأخرى) بضم أوّل يدال وندال بالبناء للمفعول أي يغلبنا مرة ونغلبه أخرى (قال: فماذا يأمركم)؟ زاد أبو ذر: به (قال): أبو سفيان فقلت (يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك) ولأبي الوقت: ولا نشرك (به شيئًا) بزيادة الواو وقيل لا (وينهانا عما كان يعبد آباؤنا) من عبادة الأصنام (ويأمرنا بالصلاة) المعهودة (والصدقة) المفروضة. وفي رواية شعيب: والصدق بدل الصدقة (والعفاف) بفتح العين الكف عن المحارم وخوارم المروءة (والوفاء بالعهد وأداء الأمانة. فقال لترجمانه حين قلت ذلك له. قل له إني سألتك عن نسبه فيكم فزعمت أنه ذو نسب) أي عظيم (وكذلك الرسل تُبعث في أشرف (نسب قومها، وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول قبله؟ فزعمت أن لا. فقلت): في نفسي (لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله قلت رجل يأتم) أي يقتدي (بقول قد قيل قبله، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا. فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس) قبل أن يظهر رسالته (ويكذب على الله) بعد إظهارها. (وسألتك هل كان من آبائه من ملك فزعمت أن لا، فقلت لو كان من آبائه ملك قلت يطلب ملك آبائه) بالجمع وفي رواية شعيب أبيه بالإفراد (وسألتك أشراف الناس

يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل) غالبًا (وسألتك هل يزيدون أو) وفي رواية شعيب أم (ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان) فإنه لا يزال في زيادة (حتى يتم) أمره بالصلاة والزكاة والصيام ونحوها، ولذا نزل في آخر سنيه عليه الصلاة والسلام {اليوم أكملت لكم دينكم} الآية [المائدة: 3]. (وسألتك هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فزعمت أن لا. فكذلك الإيمان حين تخلط) بفتح المثناة وسكون الخاء المعجمة وبعد اللام المكسورة طاء مهملة (بشاشته القلوب) بفتح الموحدة والإضافة إلى ضمير الإيمان والقلوب نصب على المفعولية أي تخالط بشاشة الإيمان القلوب التي يدخل فيها (لا يسخطه أحد) وفي رواية ابن إسحاق: وكذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلبًا فتخرج منه. (وسألتك هل يغدر؟ فزعمت أن لا. وكذلك الرسل لا يغدرون. وسألتك هل قاتلتموه وقاتلكم؟ فزعمت أن قد فعل وأن حربكم وحربه يكون دولاً وبدال) بالواو وسقطت لأبي ذر (عليكم المرّة وتدالون عليه الأخرى وكذلك الرسل تُبتلى) أي تختبر بالغلبة عليهم ليعلم صبرهم (وتكون لها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: له أي للمبتلى منهم (العاقبة، وسألتك بماذا يأمركم)؟ بإثبات الألف مع ما الاستفهامية وهو قليل، وسبق في أوّل الكتاب مزيد فوائد فلتنظر. (فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا و) أنه (ينهاكم عمّا كان يعبد آباؤكم) أي عن عبادة الأوثان (و) أنه (يأمركم بالصلاة والصدقة) وللحموي والكشميهني: والصدق بدل الصدقة (والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة. قال) هرقل (وهذه صفة النبي) ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي: نبي (قد كنت أعلم أنه خارج) قال ذلك لما رأى من علامات نبوّته الثابتة في الكتب السابقة، (ولكني لم أظن) ولأبي ذر عن الكشميهني: لم أعلم (أنه منكم) أي من قريش (وإن يك ما قلت حقًّا فيوشك) بكسر الشين المعجمة أي فيسرع (أن يملك) عليه الصلاة والسلام (موضع قدميّ هاتين) أرض بيت المقدس أو أرض ملكه (ولو أرجو أن أخلص) بضم اللام أصل (إليه لتجشمت) بالجيم والشين المعجمة لتكلفت (لقيه) ولأبي ذر عن الكشميهني: لقاءه، وفي مرسل ابن إسحاق عن بعض أهل العلم أن هرقل قال: ويحك والله إني لأعلم أنه نبي مرسل، ولكني أخاف الروم على نفسي ولولا ذاك لاتبعته (ولو كنت عنده لغسلت قدميه) وفي رواية عبد الله بن شداد عن أبي سفيان: لو علمت أنه هو لمشيت إليه حتى أقبّل رأسه وأغسل قدميه. (قال أبو سفيان ثم دعا) هرقل (بكتاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي من وكل ذلك إليه أو من يأتي به، وزاد في رواية شعيب عن الزهري الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل (فقرئ فإذا فيه): (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله) قدّم لفظ العبودية على الرسالة ليدل على أن العبودية أقرب طرق العباد إليه وتعريضًا لبطلان قول النصارى في المسيح أنه ابن الله لأن الرسل مستوون في أنهم عباد الله (إلى هرقل عظيم) أهل (الروم سلام على من اتّبع الهدى أما بعد؛ فإني أدعوك بداعية الإسلام) مصدر بمعنى الدعوة كالعافية. وفي رواية شعيب بدعاية الإسلام أي بدعوته وهي كلمة الشهادة التي يدعى إليها أهل المِلَل الكافرة (أسلم تسلم وأسلم) بكسر اللام في الأولى والأخيرة وفتحها في الثانية، وهذا في غاية الإيجاز والبلاغة وجمع المعاني مع ما فيه من بديع التجنيس فإن تسلم شامل لسلامته من خزي الدنيا بالحرب والسبي والقتل وأخذ الذراري والأموال ومن عذاب الآخرة (يؤتك الله أجرك مرتين) أي من جهة إيمانه بنبيه ثم بنبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو من جهة أن إسلامه سبب لإسلام أتباعه (فإن توليت) أعرضت عن الإسلام (فعليك) مع إثمك (إثم الأريسيين) بالهمزة وتشديد

الياء بعد السين جمع يريسي أي الأكارين وهم الفلاحون والزراعون، وللبيهقي في دلائله: عليك إثم الأكارين أي عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون بانقيادك ونبه بهؤلاء على جميع الرعايا لأنهم الأغلب وأسرع انقيادًا فإذا أسلم أسلموا وإذا امتنع امتنعوا. {ويا أهل الكتاب} بواو العطف على أدعوك أي أدعوك بداعية الإسلام وأدعوك بقول الله تعالى: يا أهل الكتاب {تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلا الله} نوحده بالعبادة ونخلص له فيها {ولا نشرك به شيئًا} ولا نجعل غيره شريكًا له في استحقاق العبادة {ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله} فلا نقول عزير ابن الله ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوه من التحريم والتحليل {فإن تولّوا} عن التوحيد {فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون} [آل عمران: 64]. أي لزمتكم الحجة فاعترفوا بأنّا مسلمون دونكم أو اعترفوا بأنكم كافرون بما نطقت به الكتب وتطابقت عليه الرسل. (قال أبو سفيان: فلما أن قضى) هرقل (مقالته علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم وكثر لغطهم) أي صياحهم وشغبهم (فلا أدري ماذا قالوا وأمر بنا فأُخرجنا) بضم الهمزة وكسر تاليها في الموضعين بالبناء لا مجهول (فلما أن خرجت مع أصحابي وخلوت بهم قلت لهم: لقد أمر) بفتح الهمزة وكسر الميم أي كبر وعظم (أمر ابن أبي كبشة) بفتح الكاف وسكون الموحدة كنية رجل من خزاعة خالف قريشًا في عبادة الأوثان فعبد الشعرى فنسبوه إليه للاشتراك في مطلق المخالفة وقيل غير ذلك مما سبق أول الكتاب في بدء الوحي أي لقد عظم شأنه (هذا ملك بني الأصفر) وهم الروم (يخافه. قال أبو سفيان: والله ما زلت ذليلاً) بالذال المعجمة (مستيقنًا بأن أمره) عليه الصلاة والسلام (سيظهر حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره) أي للإسلام، وكان ذلك يوم فتح مكة وقد حَسُنَ إسلامه وطاب به قلبه بعد ذلك -رضي الله عنه-. وهذا الحديث سبق في بدء الوحي مع زيادات مباحث والله الموفق. 2942 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه-: "سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، فَقَامُوا يَرْجُونَ لِذَلِكَ أَيُّهُمْ يُعْطَى، فَغَدَوْا وَكُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَى، فَقَالَ: أَيْنَ عَلِيٌّ؟ فَقِيلَ: يَشْتَكِي عَينَيْهِ، فَأَمَرَ فَدُعِيَ لَهُ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ مَكَانَهُ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَىْءٌ، فَقَالَ: نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا. فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ". [الحديث 2942 - أطرافه في: 3009، 3701، 4210]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي) قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه) أبي حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) بسكون العين الساعدي (رضي الله عنه) أنه (سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول يوم خيبر) في أول سنة سبع. (لأعطين الراية) أي العَلَم (رجلاً يفتح الله على يديه) زاد ابن إسحاق عن عمرو بن الأكوع ليس بفرّار (فقاموا) أي الصحابة الحاضرون (يرجون لذلك أيهم يعطى) بضم أوله مبنيًّا للمفعول أي فقام الحاضرون من الصحابة حال كونهم راجين لإعطاء الراية حتى يفتح الله على يديه (فغدوا وكلهم) أي وكل واحد منهم (يرجو أن يعطا) ها وكلمة أن مصدرية (فقال): عليه الصلاة والسلام (أين عليّ) أي ما لي لا أراه حاضرًا وكأنه عليه الصلاة والسلام استبعد غيبته عن حضرته في مثل هذا الموطن، لا سيما وقد قال: لأعطين الراية إلخ ... وحضر الناس كلهم طمعًا أن يفوزوا بذلك الوعد (فقيل): على سبيل الاعتذار عن غيبته (يشتكي عينيه) من الرمد (فأمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإحضاره (فدُعي له) بضم الدال مبنيًّا للمفعول أي دُعي عليّ للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فبصق في عينيه فبرأ مكانه) بفتح الموحدة والراء (حتى كأنه لم يكن به شيء) من الرمد (فقال): أي عليّ يا رسول الله (نقاتلهم حتى يكونوا) مسلمين (مثلنا. فقال): عليه الصلاة والسلام له (على رسلك) بكسر الراء وسكون السين أي اتئد فيه وكن على الهينة (حنى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام) أي قبل القتال. وهذا موضع الترجمة. (وأخبرهم بما يجب عليهم فوالله لأن) بفتح اللام وفي اليونينية بكسرها (يهدى بك رجل واحد) بضم أوّل يهدى وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (خير لك من حُمر النعم) بضم الحاء المهملة والميم كذا في اليونينية بضم الميم فلينظر، والنعم بفتح النون أي حمر الإبل وهي أحسنها وأعزها أي خير لك من أن تكون لك فتتصدّق بها. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في فضل عليّ ومسلم في الفضائل. 2943 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ بَعْدَ مَا يُصْبِحُ. فَنَزَلْنَا خَيْبَرَ لَيْلاً". وبه قال:

103 - باب من أراد غزوة فورى بغيرها، ومن أحب الخروج يوم الخميس

(حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد بن الحرث الفزاري (عن حميد) الطويل أنه (قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا غزا قومًا لم يغر) بضم أوّله من الإغارة (حتى يصبح فإن سمع أذانًا أمسك) عن قتالهم (إن لم يسمع أذانًا أغار) عليهم (بعدما يصبح) أي أنه كان إذا لم يعلم حال القوم هل بلغتهم الدعوة أم لا ينتظر بهم الصباح ليستبرئ حالهم بالأذان فإن سمعه أمسك عن قتالهم وإلاّ أغار عليهم، (فنزلنا خيبر ليلاً) نصب على الظرفية. 2944 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا غَزَا بِنَا ... ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) أي ابن أبي كثير (عن حميد) الطويل (عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا غزا بنا) هذا طريق آخر لحديث أنس أخرجه بتمامه في الصلاة بلفظ: إذا غزا بنا قومًا لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر فإن سمع أذانًا كفّ عنهم وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم الحديث. 2945 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بن مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهَا لَيْلاً -وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَوْمًا بِلَيْلٍ لاَ يُغِيرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ- فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ يَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثنا بواو العطف (عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج إلى خيبر فجاءها ليلاً) نصب على الظرفية (وكان إذا جاء قومًا بليل لا يغير) وفي رواية: لم يغر (عليهم حتى يصبح) أي يطلع الفجر (فلما أصبح خرجت يهود بمساحيهم) بتخفيف الياء هي كالمجارف إلاّ أنها من حديد (ومكاتلهم)، قففهم لزرعهم (فلما رأوه قالوا) جاء (محمد والله محمد والخميس) بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم أي الجيش لأنه خمس فرق المقدمة والقلب والميمنة والميسرة والساقة (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الله أكبر) ثلثه الطبراني في روايته (خربت خيبر) قاله بوحي أو تفاؤلاً لما رأى آلات الخراب معهم من المساحي والمكاتل (إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) وهذا طريق ثالث لحديث أنس؛ وأخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي والترمذي والنسائي في السير. 2946 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي نَفْسَهُ وَمَالَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ". رَوَاهُ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (سعيد بن السيب أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أُمرت أن) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أي أمرني الله تعالى بأن (أُقاتل الناس) أي بمقاتلة الناس وهو من العام الذي أريد به الخاص فالمراد بالناس المشركون من غير أهل الكتاب ويدل له رواية النسائي بلفظ: أُمرت أن أقاتل المشركين (حتى) أي إلى أن (يقولوا لا إله إلا الله) ولمسلم: حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله محمدًا رسول الله، وزاد في حديث ابن عمر عند المؤلّف في كتاب الإيمان: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة (فمن قال لا الله إلاّ الله فقد عصم) أي حفظ (مني نفسه وماله إلاّ بحقه) أي الإسلام من قتل النفس المحرمة والزنا بعد الإحصان والارتداد عن الدين (وحسابه على الله) فيما يسره من الكفر والمعاصي يعني أنا نحكم عليه بالإسلام ونؤاخذه بحقوقه بحسب ما يقتضيه ظاهر حاله. (رواه عمر وابن عمر) بضم العين فيهما مثل حديث أبي هريرة هذا (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقد وصل المؤلّف رواية عمر في الزكاة ورواية ابنه في الإيمان. 103 - باب مَنْ أَرَادَ غَزْوَةً فَوَرَّى بِغَيْرِهَا، وَمَنْ أَحَبَّ الْخُرُوجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ هذا (باب) بيان (من أراد غزوة فورّى) بتشديد الراء سترها وكنّى عنها (بغيرها)، أي بغير تلك الغزوة التي أرادها والتورية أن يذكر لفظًا يحتمل معنيين: أحدهما أقرب من الآخر مثلاً فيسأل عنه وعن طريقه فيفهم السامع بسبب ذلك أنه يقصد المكان القريب، فالمتكلم صادق لكن الخلل وقع من فهم السامع خاصة، وأصله من وراء الإنسان لأن من ورّى بشيء فكأنه جعله وراءه، وقيده السيرافي في شرح سيبويه بالهمزة قال: وأصحاب الحديث يسقطونها اهـ. وليس ذلك خطأ منهم في الصحاح واريت الشيء أي أخفيته وتوارى هو أي استتر قال: وتقول وريت الخبر تورية إذا سترته وأظهرت غيره، ولا يقال إن كونه مأخوذًا من وراء

الإنسان يقتضي أن يكون مهموزًا لأن همزة وراء ليست أصلية وإنما هي منقلبة عن ياء فإذا لوحظ في فعل معنى وراء لم يجز فيه الإتيان بالهمزة لفقدان الموجب لقلبها في الفعل وثبوته في وراء، وهذا مما يقتضي القطع بخطأ من خطأ المحدثين ولا أدري مع هذا كيف يصح كلام السيرافي فتأمله قاله في المصابيح. (و) بيان (من أحب الخروج) إلى السفر (يوم الخميس). روي في حديث ضعيف عند الطبراني عن نبيط بن شريط مرفوعًا: (بورك لأمتي في بكورها يوم الخميس) ولا يلزم من حبه عليه الصلاة والسلام لذلك المواظبة عليه، وقد خرج عليه الصلاة والسلام في بعض أسفاره يوم السبت ولعله كان يحبه أيضًا كما روي: بارك الله لأمتي في سبتها وخميسها. 2947 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ -رضي الله عنه-وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ- قَالَ: "سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدُ غَزْوَةً إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا". وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (الليث) بن سعد (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف (عن ابن شهاب) الزهري (قال:

104 - باب الخروج بعد الظهر

أخبرني) بالإفراد (عبد الرحمن بن عبد الله) يقال لعبد الله هذا رؤية (ابن كعب بن مالك) الأنصاري (أن) أباه (عبد الله بن كعب) زاد في اليونينية بين الأسطر من غير رقم عليه -رضي الله عنه- (وكان) أي عبد الله (قائد كعب) أبيه حين عمي (من بنيه) عبد الله هذا وأخويه عبيد الله بالتصغير وعبد الرحمن (قال): أي عبد الله (سمعت) أبي (كعب بن مالك) هو ابن أبي كعب عمرو الشيباني (حين تخلف عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في غزوة تبوك (ولم يكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريد غزوة إلاّ ورّى بغيرها) لئلا يتفطن العدوّ فيستعد للدفع. 2948 - وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَلَّمَا يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزُوهَا إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ فَغَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا وَمَفَازًا وَاسْتَقْبَلَ غَزْوَ عَدُوٍّ كَثِيرٍ، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ، وَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ". وبه قال: (وحدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (أحمد بن محمد) هو ابن موسى المروزي أبو العباس مردويه الكلاباذي السمسار قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك قال: سمعت) جدي (كعب بن مالك) اعترضه الدارقطني بأن عبد الرحمن لم يسمع من جده كعب، وإنما سمع من أبيه عبد الله، واستدلّ لذلك بما رواه سويد بن نصر عن ابن المبارك حيث قال عن أبيه عن كعب كما قال الجماعة، لكن جوّز الحافظ ابن حجر سماعه له عن جده كأبيه وثبته فيه أبوه فكان في أكثر الأحوال يرويه عن أبيه عن جدّه، وربما رواه عن جده لكن رواية سويد بن نصر توجب أن يكون الاختلاف فيها على ابن المبارك، وحينئذ فتكون رواية أحمد بن محمد شاذة ولا يترتب على تخريجها كبير تعليل فإن الاعتماد إنما هو على الرواية المتصلة انتهى. وحمله بعضهم على أن يكون ذكر "ابن" موضع "عن" تصحيفًا من بعض الرواة، فكأنه كان أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله عن كعب بن مالك (-رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلما) يوصل اللام بالميم وفي نسخة أبي ذر قل ما يفصلها منها (يريد غزوة يغزوها إلاّ ورّى) بتشديد الراء أي سترها وكنى عنها (بغيرها حتى كانت غزوة تبوك) في رجب سنة تسع من الهجرة بتقديم المثناة الفوقية على المهملة والمشهور في تبوك منع الصرف للعلمية والتأنيث ومن صرفها أراد الموضع (فغزاها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حرّ شديد واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا) بفتح الفاء والزاي البرية التي بين المدينة وتبوك سميت مفازًا تفاؤلاً بالفوز، وإلاّ فهي مهلكة كما قالوا للديغ سليم، (واستقبل غزو عدوّ كثير فجلا) قال الزركشي وابن حجر والدماميني وغيرهم: بالجيم وتشديد اللام زاد ابن حجر فقال: ويجوز تخفيفها. وقال العيني: بتخفيف اللام وضبطه الدمياطي في حديث سعد في المغازي بالتشديد وهو خطأ أي أظهر (للمسلمين أمرهم) بالجمع ولأبي ذر عن الحموي أمره (ليتأهبوا أهبة عدوّهم) أي ليكونوا على أهبة يلاقون بها عدوّهم ويعتدّوا لذلك (وأخبرهم بوجهه الذي يريد) أي بجهته التي يريدها وهي جهة تبوك. 2949 - وَعَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- كَانَ يَقُولُ: "لَقَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْرُجُ إِذَا خَرَجَ فِي سَفَرٍ إِلاَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ". (و) بالسند السابق عن ابن المبارك (عن يونس) بن يزيد (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الرحمن) عم عبد الرحمن بن عبد الله (بن كعب بن مالك -رضي الله عنه- أن كعب بن مالك كان يقول: لقلما كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخرج) في يوم من الأيام (إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس) فإن أكثر خروجه في السفر فيه، وقد وهم من زعم أن هذا الحديث معلق. 2950 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ". وبه قال: (حدّثني) وفي بعض النسخ: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي بفتح النون قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن) ابن شهاب (الزهري عن عبد الرحمن) أخي عبد الله (بن كعب بن مالك عن أبيه) كعب بن مالك (-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج يوم الخميس) من المدينة (في غزوة تبوك وكان يحب أن يخرج) في السفر جهاد أو غيره (يوم الخميس). والمطابقة بين الأحاديث والترجمة ظاهرة، وحاصل ما سبق في أسانيدها أن الزهري سمع من عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب كما في الحديثين الأولين ومن عمه عبد الرحمن بن كعب كما في باقيها. وكذا روى أيضًا عن أبيه عبد الله بن كعب نفسه، وكذا عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن عمه عبيد الله بن كعب بالتصغير. 104 - باب الْخُرُوجِ بَعْدَ الظُّهْرِ 2951 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ بن زيدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا". (باب) بيان (الخروج) في السفر (بعد الظهر). وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي بالشين المعجمة والحاء المهملة البصري قال: (حدّثنا حماد) ولأبي ذر: حماد بن زيد (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (عن أنس) هو ابن مالك (-رضي الله عنه-) (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما أراد حجة الوداع (صلى بالمدينة الظهر أربعًا) يوم السبت خامس عشر ذي القعدة لأن الوقفة بعرفة كانت يوم الجمعة فأول الحجة الخميس قطعًا، ولا يقال أن الخامس والعشرين من القعدة الجمعة لأنه عليه السلام صلّى الظهر أربعًا فتعين أن يكون أول القعدة الأربعاء والخامس والعشرين منه يوم السبت فيكون ناقصًا (و) صلّى عليه الصلاة والسلام (العصر بذي الحليفة ركعتين) قصرًا قال أنس: (وسمعتهم يصرخون) بضم الراء في الفرع ويجوز فتحها ولم يضبطها في اليونينية أي يلبون برفع الصوت (بهما) أي بالحج والعمرة (جميعًا). وفي الحديث إشارة إلى جواز التصرف في غير وقت البكور لأن خروجه عليه الصلاة والسلام كان بعد الظهر وحينئذ فلا يمنع حديث "بورك لأمتي في بكورها" المروي في السنن، وصححه ابن حبان من حديث صخر الغامدي بالغين المعجمة والدال المهملة جواز ذلك وإنما كان في البكور بركة لأنه وقت نشاط. 105 - باب الْخُرُوجِ آخِرَ الشَّهْرِ وَقَالَ كُرَيْبٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "انْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْمَدِينَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَقَدِمَ مَكَّةَ لأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ". (باب) جواز (الخروج) إلى السفر (آخر الشهر) من غير كراهة، (وقال كريب) مولى ابن عباس فيما وصله المؤلّف في حديث طويل في الحج (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: انطلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المدينة) في حجة الوداع (لخمس بقين من ذي القعدة) يوم السبت أي في الأذهان حالة الخروج بتقدير تمامه فاتفق أن كان الشهر ناقصًا فأخبر بما كان في الأذهان يوم الخروج لأن الأصل التمام أو ضم يوم الخروج إلى ما بقي لأن التأهب وقع في أوله كأنهم لما باتوا ليلة السبت على سفر اعتدّوا به من جملة أيام السفر قاله في الفتح، وفيه جواز السفر في أواخر الشهر خلافًا لما كان عليه أهل الجاهلية حيث كانوا يتحرون أوائل الشهر للأعمال ويكرهون فيه التصرف، (وقدم) عليه الصلاة والسلام (مكة لأربع ليالٍ خلون من ذي الحجة). 2952 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تَقُولُ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَلاَ نُرَى إِلاَّ الْحَجَّ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدُخِلَ عَلَيها يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَزْوَاجِهِ". قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: أَتَتْكَ وَاللَّهِ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن يحيي بن سعيد) الأنصاري (عن عمرة بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية (أنها سمعت عائشة -رضي الله عنها- تقول: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر عن المستملي: خرج (لخمس ليالٍ بقين من ذي القعدة) بفتح القاف وكسرها سمي به لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال (ولا نرى) بضم النون وفتح الراء أي لا نظن (إلاّ الحج، فلما دنونا) بفتح الدال والنون أي قربنا (من مكة أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت) الحرام (وسعى بين الصفا

106 - باب الخروج في رمضان

والمروة أن يحل) بفتح أوله وكسر ثانيه من نسكه. (قالت عائشة): -رضي الله عنها- (فدخل علينا) بضم الدال مبنيًّا لما لم يسم فاعله (يوم النحر) نصب على الظرفية أي في يوم النحر (بلحم بقر فقلت ما هذا؟ فقال: نحر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أزواجه) أي البقر واستعمل النحر موضع الذبح. (قال يحيى) بن سعيد الأنصاري (فذكرت هذا الحديث للقاسم بن محمد) هو ابن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- (فقال): أبي القاسم (أتتك) عمرة (والله بالحديث) الذي حدّثتك به (على وجهه) لم تختصر منه شيئًا ولا غيرته. 106 - باب الْخُرُوجِ فِي رَمَضَانَ (باب) جواز (الخروج) إلى السفر (في رمضان) من غير كراهة. 2953 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ أَفْطَرَ". قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ... وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثني) بالإفراد (الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عبيد الله) بالتصغير ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي المدني (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى مكة في غزوة فتحها يوم الأربعاء بعد العصر (في رمضان) لعشر مضين منه (فصام حتى بلغ الكديد) بفتح الكاف ودالين مهملتين الأولى مكسورة على وزن رغيف عين جارية على نحو مرحلتين من مكة وهو ما بين قديد وعسفان (أفطر) وفي رواية النسائي: حتى أتى قديدًا ثم أتى بقدح من لبن فشرب فأفطر هو وأصحابه. (قال سفيان): بن عيينة بالسند السابق (قال): ابن شهاب (الزهري أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بن عبد الله السابق قريبًا (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (وساق الحديث) بطوله كما سبق عند المؤلّف في باب: إذا صام أيامًا من رمضان في كتاب الصيام، وأفاد في هذه أن الزهري رواه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بالأخبار بخلاف الأولى فبالعنعنة وزاد المستملي: هنا. قال أبو عبد الله أي البخاري هذا قول الزهري محمد بن مسلم، ولعل مذهبه أن طروّ السفر في رمضان لا يبيح الفطر لأنه شهد الشهر في أوله فهو كطروّه في أثناء اليوم. قال المؤلّف: وإنما يقال أي يؤخذ بالآخر من فعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه ناسخ للأول وقد أفطر عند الكديد وهو أفضل السفر لأنه إنما يفعل في المخير فيه الأفضل نعم إن لم يتضرر بالصوم فهو أفضل عند الشافعية، وفيه ردّ على من كره السفر في رمضان. 107 - باب التَّوْدِيعِ (باب) بيان مشروعية (التوديع) عند السفر من المسافر للمقيم ومن المقيم للمسافر. 2954 - وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: "بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْثٍ فَقَالَ لَنَا: إِنْ لَقِيتُمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا -لِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُمَا- فَحَرِّقُوهُمَا بِالنَّارِ. قَالَ: ثُمَّ أَتَيْنَاهُ نُوَدِّعُهُ حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحَرِّقُوا فُلاَنًا وَفُلاَنًا بِالنَّارِ، وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ اللَّهُ، فَإِنْ أَخَذْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا". [الحديث 2954 - طرفه في: 3016]. (وقال) بالواو ولأبي ذر: قال (ابن وهب) عبد الله المصري مما وصله النسائي والإسماعيلي، وكذا المؤلّف لكن من وجه آخر كما سيأتي إن شاء الله تعالى. (أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن الحرث المصري (عن بكير) بضم الموحدة مصغرًا ابن عبد الله بن الأشج (عن سليمان بن يسار) ضد اليمين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: بعثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعث) أي جيش أميره حمزة بن عمرو الأسلمي (وقال): عليه الصلاة والسلام بواو العطف ولأبي ذر: فقال (لنا): (إن لقيتم فلانًا وفلانًا لرجلين) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: للرجلين (من قريش سماهما) عليه الصلاة والسلام (فحرّقوهما بالنار) هما هبار بن الأسود بتشديد الموحدة ونافع بن عبد عمرو كما عند ابن بشكوال من طريق ابن لهيعة عن بكير، أو هبار وخالد بن عبد قيس كما في سيرة ابن هشام ومسند البزار، أو هبار ونافع بن قيس بن لقيط بن عامر الفهري وهو والد عقبة كما حرره البلاذري، وهو الذي نخس بزينب بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعيرها وكانت حاملاً فألقت ما في بطنها وكان هو وهبار معه، فلذا أمر عليه الصلاة والسلام بإحراقهما قال: (قال) أبو هريرة (ثم أتيناه) عليه الصلاة والسلام (نودعه حين أردنا الخروج) للسفر فيه توديع المسافر للمقيم فتوديع المقيم للمسافر بطريق الأولى وهو أكثر في الوقوع (فقال): عليه الصلاة والسلام (إني كنت أمرتكم أن تحرّقوا فلانًا وفلانًا بالنار وإن النار لا يعذب بها إلا الله) عز وجل خبر بمعنى النهي وظاهره التحريم (فإن أخذتموهما فاقتلوهما) قاله بعد أمره بإحراقهما ففيه النسخ قبل العمل أو قبل التمكن من العمل

108 - باب السمع والطاعة للإمام

به ولا حجة في قصة العرنيين حيث سمل عليه الصلاة والسلام أعينهم بالحديد المحمى لأنها كانت قصاصًا أو منسوخة كذا قاله ابن المنير وفيه كراهة قتل مثل البرغوث بالنار. 108 - باب السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلإِمَامِ (باب) وجوب (السمع والطاعة للإمام) زاد أبو ذر عن الكشميهني ما لم يأمر بمعصية. 2955 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حَقٌّ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بمَعْصِيَةِ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ». [الحديث 2955 - طرفه في: 7144]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بالتصغير ابن عمر بن حفص العمري (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر) ابن الخطاب (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: وحدّثنا (محمد بن الصباح) وفي نسخة: ابن صباح بتشديد الموحدة آخره حاء مهملة البزار الدولابي البغدادي (عن إسماعيل بن زكريا) بن مرّة الخلقاني بضم الخاء المعجمة وسكون اللام بعدها قاف الملقب بشقوصا بفتح الشين المعجمة وضم القاف المخففة وبالصاد المهملة (عن عبيد الله) بالتصغير ابن عمر العمري السابق قريبًا (عن نافع عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (السمع) لأُولي الأمر بإجابة أقوالهم (والطاعة) لأوامرهم (حق) واجب وهو شامل لأمراء المسلمين في عهد الرسول وبعده ويندرج فيهم الخلفاء والقضاة (ما لم يؤمر) أحدكم (بالمعصية) لله، ولأبي ذر: بمعصية (فإذا أمر) أحدكم (بمعصية فلا سمع) لهم (ولا طاعة) إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وإنما الطاعة في المعروف والفعلان مفتوحان، والمراد نفي الحقيقة الشرعية لا الوجودية. 109 - باب يُقَاتَلُ مِنْ وَرَاءِ الإِمَامِ، وَيُتَّقَى بِهِ هذا (باب) بالتنوين (يقاتل) بضم المثناة التحتية وفتح الفوقية مبنيًّا للمفعول (من وراء الإمام) القائم بأمور الأنام (ويتقى به) بضم أوّله وفتح ثالثه. 2956 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (قال: حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (أن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (حدّثه أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (نحن الآخرون) في الدنيا (السابقون) في الآخرة. وهذا طرف من حديث، وقد سبق الكلام فيه في كتاب الطهارة والجمعة. ومطابقته لما ترجم له هنا غير بيّنة، لكن قال ابن المنير: إن معنى يقاتل من ورائه أي من أمامه فأطلق الوراء على الإمام لأنهم وإن تقدموا في الصورة فهم أتباعه في الحقيقة والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تقدم غيره عليه بصورة الزمان، لكن المتقدم عليه مأخوذ عهده أن يؤمن به وينصره كآحاد أمته، ولذلك ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام مأمومًا فهم في الصورة أمامه وفي الحقيقة خلفه فناسب ذلك قوله يقاتل من ورائه وهذا كما تراه في غاية من التكلف، والظاهر أنه إنما ذكره جريًا على عادته أن يذكر الشيء كما سمعه جملة لتضمنه موضع الدلالة المطلوب منه وإن لم يكن باقيه مقصودًا. 2957 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي، وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ. فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ». [الحديث 2957 - طرفه في: 7137]. (وبهذا الإسناد) السابق قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من أطاعني) فيما أمرت به (فقد أطاع الله) لأنه عليه الصلاة والسلام في الحقيقة مبلّغ والآمر هو الله عز وجل (ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير) أمير السرية أو الأمراء مطلقًا فيما يأمرونه به (فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني) قيل: وسبب قوله عليه الصلاة والسلام ذلك أن قريشًا ومن يليهم من العرب لا يعرفون الإمارة ولا يطيعون غير رؤساء قبائلهم، فأعلمهم عليه الصلاة والسلام أن طاعة الأمراء حق واجب (وإنما الإمام) القائم بحقوق الأنام (جنّة) بضم الجيم وتشديد النون سترة ووقاية يمنع العدوّ من أذى المسلمين ويحمي بيضة الإسلام (يقاتل) بضم أوله مبنيًّا للمفعول معه الكفار والبغاة (من ورائه) أي أمامه فعبر بالوراء عنه كقوله تعالى: {وكان وراءهم ملك} [الكهف: 79]. أي أمامهم فالمراد المقاتلة للدفع عن الإمام سواء كان ذلك من خلفه حقيقة أو قدامه فإن لم يقاتل من ورائه وأبى عليه مرج أمر الناس وسطا القوي على الضعيف وضيعت الحدود والفرائض (ويتقى به) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول فلا يعتقد من قاتل عنه أنه حماه، بل ينبغي أن يعتقد أنه احتمى به لأنه فئته وبه

110 - باب البيعة في الحرب أن لا يفروا، وقال بعضهم: على الموت

قويت همته وفيه إشارة إلى صحة تعدّد الجهات وأن لا يعدّ من التناقض وإن توهّم فيه ذلك لأن كونه جنّة يقتضي أن يتقدم وكونه يقاتل من أمامه يقتضي أن يتأخر فجمع بينهما باعتبارين وجهتين (فإن أمر) رعيته (يتقوى الله وعدل) (فإن له بذلك) الأمر والعدل (أجرًا، وإن قال) أي أم وحكم (بغيره) أي بغير تقوى الله وعدله (فإن عليه منه). وزرًا كذا ثبتت هذه في بعض طرق الحديث كما سيأتي إن شاء الله تعالى وحذفت هنا لدلالة مقابله السابق عليه ومنه للتبعيض، فيكون المراد أن بعض الوزر عليه أو المراد أن الوبال الحاصل منه عليه لا على المأمور، وحكى صاحب الفتح أنه وقع في رواية أبي زيد المروزي: فإن عليه منه بضم الميم وتشديد النون بعدها هاء تأنيث قال: وهي تصحيف بلا ريب، وبالأولى جزم أبو ذر. 110 - باب الْبَيْعَةِ فِي الْحَرْبِ أَنْ لاَ يَفِرُّوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَى الْمَوْتِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]. (باب البيعة في الحرب) على (أن لا يفروا وقال بعضهم على الموت) أي على أن لا يفروا ولو ماتوا (لقوله تعالى): ولأبي ذر: عز وجل بدل قوله تعالى: ({لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك}) يوم الحديبية بيعة الرضوان ({تحت الشجرة}) [الفتح: 18]. السمرة أو أم غيلان وهم يومئذ ألف وخمسمائة وأربعون رجلاً وقد أخبر سلمة بن الأكوع وهو من بايع تحت الشجرة أنه بايع على الموت وليس المراد أن يقع الموت ولا بدّ بل عدم الفرار ولو ماتوا. 2958 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "رَجَعْنَا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَمَا اجْتَمَعَ مِنَّا اثْنَانِ عَلَى الشَّجَرَةِ الَّتِي بَايَعْنَا تَحْتَهَا، كَانَتْ رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ. فَسَأَلْتُ نَافِعًا: عَلَى أَىِّ شَىْءٍ بَايَعَهُمْ، عَلَى الْمَوْتِ؟ قَالَ: لاَ، بَايَعَهُمْ عَلَى الصَّبْرِ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي قال: (حدّثنا جويرية) بضم الجيم مصغرًا جارية ابن أسماء الضبعي البصري (عن نافع) مولى ابن عمر (قال: قال عمر) ابن الخطاب (-رضي الله عنهما- رجعنا من العام المقبل)، الذي بعد صلح الحديبية إليها (فما اجتمع منا اثنان على الشجرة النبي بايعنا تحتها) أي ما وافق منا رجلان على هذه الشجرة أنها هي التي وقعت المبايعة تحتها بل خفي مكانها أو اشتبهت عليهم لئلا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير فلو بقيت لما أمن من تعظيم الجهال لها حتى ربما يفضي بهم إلى اعتقاد أنها تضر وتنفع فكان في إخفائها رحمة، وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله: (كانت رحمة من الله). قال جويرية (فسألت) ولأبي ذر عن الكشميهني: فسألنا (نافعًا) مولى ابن عمر (على أيّ شيء بايعهم) عليه السلام (على الموت) فهمزة الاستفهام مقدرة (قال: لا. بايعهم) ولأبي ذر عن الكشميهني بل بايعهم (على الصبر) أي على الثبات وعدم الفرار سواء أفضى بهم ذلك إلى الموت أم لا. 2959 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا كَانَ زَمَنَ الْحَرَّةِ أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ حَنْظَلَةَ يُبَايِعُ النَّاسَ عَلَى الْمَوْتِ. فَقَالَ: لاَ أُبَايِعُ عَلَى هَذَا أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 2959 - طرفه في: 4167]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي وسقط عند أبي ذر ابن إسماعيل قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال: (حدثنا عمرو بن يحيى) بفتح العين وسكون الميم الأنصاري المدني (عن عباد بن تميم) بفتح العين وتشديد الموحدة ابن زيد بن عاصم (عن) عمه (عبد الله بن زيد) الأنصاري المدني (-رضي الله عنه- قال: لما كان زمن الحرة) بفتح الحاء وتشديد الراء أي زمن وقعة الحرة وهي حرة زهرة أو واقم بالمدينة سنة ثلاث وستين، وسببها أن عبد الله بن حنظلة وغيره من أهل المدينة وفدوا إلى يزيد بن معاوية فرأوا منه ما لا يصلح فرجعوا إلى المدينة فخلعوه وبايعوا عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه-، فأرسل يزيد بن مسلم بن عقبة فأوقع بأهل المدينة وقعة عظيمة قتل من وجوه الناس ألفًا وسبعمائة ومن أخلاط الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان (أتاه آتِ فقال له: إن ابن حنظلة) هو عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الذي يعرف أبوه بغسيل الملائكة وكان أميرًا على الأنصار (يبايع الناس على الموت فقال) عبد الله بن زيد (لا أبايع على هذا أحدًا بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) والفرق أنه عليه الصلاة والسلام يستحق على كل مسلم أن يفديه بنفسه بخلاف غيره، وهل يجوز لأحد أن يستهدف عن أحد لقصد وقايته أو يكون ذلك من إلقاء اليد إلى التهلكة؟ تردد فيه ابن المنير قال: لا خلاف أنه لا يؤثر أحد أحدًا بنفسه لو كان في مخمصة ومع أحدهما قوت نفسه خاصة قاله في المصابيح. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي وكذا مسلم. 2960 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَايَعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ عَدَلْتُ إِلَى ظِلِّ الشَّجَرَةِ، فَلَمَّا خَفَّ النَّاسُ قَالَ يَا ابْنَ الأَكْوَعِ أَلاَ تُبَايِعُ؟ قَالَ: قُلْتُ: قَدْ بَايَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَأَيْضًا. فَبَايَعْتُهُ الثَّانِيَةَ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ، عَلَى أَىِّ شَىْءٍ، كُنْتُمْ تُبَايِعُونَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ". [الحديث 2960 - أطرافه في: 4169، 7206، 7208]. وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد الحنظلي التميمي قال: (حدّثنا يزيد بن أبي

111 - باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون

عبيد) مولى سلمة بن الأكوع (عن سلمة) بن الأكوع سنان بن عبد الله (-رضي الله عنه- قال: بايعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بيعة الرضوان بالحديبية تحت الشجرة (ثم عدلت إلى ظل الشجرة) المعهودة، ولأبي ذر: إلى ظل شجرة (فلما خفّ الناس قال): عليه الصلاة والسلام: (يا ابن الأكوع ألا تبايع)؟ (قال: قلت: قد بايعت يا رسول الله، قال): (و) بايع (أيضًا) مرة أخرى (فبايعته الثانية). وإنما بايعه مرة ثانية لأنه كان شجاعًا بذّالاً لنفسه فأكد عليه العقد احتياطًا حتى يكون بذله لنفسه عن رضًا متأكد وفيه دليل على أن إعادة لفظ النكاح وغيره ليس فسخًا للعقد الأول خلافًا لبعض الشافعية قاله ابن المنير. قال يزيد بن أبي عبيد (فقلت له): أي لسلمة بن الأكوع (يا أبا مسلم)، وهي كنية سلمة (على أيّ شيء كنتم تبايعون يومئذ؟ قال): كنا نبايع (على الموت) أي على أن لا نفر ولو متنا. وفي هذا الحديث الثلاثي التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي والترمذي والنسائي في السير. 2961 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: كَانَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ تَقُولُ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا حَيِينَا أَبَدَا فَأَجَابَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَهْ، فَأَكْرِمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ". وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث الحوضي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن حميد) الطويل (قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- يقول: كانت الأنصار يوم) حفر (الخندق تقول: نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الجهاد ما حيينا أبدا) وفي بعض الأصول كما نبّه عليه البرماوي نحن الذي بغير نون وهو على حدّ: {وخضتم كالذي خاضوا} [التوبة: 69]. وسبق في باب حفر الخندق بلفظ: على الإسلام بدل قوله هنا على الجهاد وهو الموزون (فأجابهم) متمثلاً بقول ابن رواحة يحرضهم على العمل (فقال) ولغير أبي ذر فأجابهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: (اللهم) لكن قال الداودي إنما قال ابن رواحة لا هم بغير ألف ولا لام فأتى به بعض الرواة على المعنى وليس بموزون ولا هو رجز (لا عيش) يعتبر أو يبقى (إلاّ عيش الآخرة فأكرم الأنصار والمهاجرة). ومطابقته للترجمة من قوله على الجهاد ما حيينا أبدًا فإن معناه يؤول إلى أنهم لا يفرون عنه في الحرب أصلاً. 2962 و 2963 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ مُجَاشِعٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَا وَأَخِي فَقُلْتُ: بَايِعْنَا عَلَى الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: مَضَتِ الْهِجْرَةُ لأَهْلِهَا. فَقُلْتُ: عَلاَمَ تُبَايِعُنَا؟ قَالَ: عَلَى الإِسْلاَمِ وَالْجِهَادِ". [الحديث 2962 - أطرافه في: 3078، 4305، 4307]. [الحديث 2963 - أطرافه في: 3079، 4306، 4308]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه أنه (سمع محمد بن فضيل) بضم الفاء تصغير فضل بن غزوان الكوفي (عن عاصم) هو ابن سليمان الأحول (عن أبي عثمان) عبد الرحمن النهدي بالنون البصري (عن مجاشع) بضم الميم وتخفيف الجيم وكسر الشين المعجمة آخره عين مهملة ابن مسعود السلمي بضم السين قتل يوم الجمل (-رضي الله عنه- قال: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد الفتح (أنا وأخي) مجالد بضم الميم وتخفيف الجيم وكسر اللام آخره دال مهملة ابن مسعود قال مجاشع (فقلت): يا رسول الله (بايعنا) بكسر المثناة التحتية وسكون العين (على الهجرة. فقال): عليه الصلاة والسلام: (مضت الهجرة) أي حكمها (لأهلها) الذين هاجروا قبل الفتح فلا هجرة بعده ولكن جهاد ونية (فقلت): يا رسول الله (علام) بحذف الألف وإبقاء الفتحة دليلاً عليها كفيم للفرق بين الاستفهام والخبر ولأبي ذر قلت علاما بإسقاط الفاء قبل القاف وإثبات الألف بعد الميم أي على أي شيء (تبايعنا؟ قال): عليه الصلاة والسلام أبايعكم (على الإسلام والجهاد) إذا احتيج إليه، وقد كان قبل من بايع قبل الفتح لزمه الجهاد أبدًا ما عاش إلا لعذر ومن أسلم بعده فله أن يجاهد وله التخلف عنه بنية صالحة إلا إن احتيج كنزول عدوّ فيلزم كل أحد. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والجهاد ومسلم في المغازي. 111 - باب عَزْمِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ فِيمَا يُطِيقُونَ (باب عزم الإمام على الناس فيما يطيقون) أي أن وجوب طاعة الإمام على الناس محله فيما لهم به طاقة فالجار والمجرور متعلق بمحله المحذوف من اللفظ. 2964 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ -رضي الله عنه-: "لَقَدْ أَتَانِي الْيَوْمَ رَجُلٌ فَسَأَلَنِي عَنْ أَمْرٍ مَا دَرَيْتُ مَا أَرُدُّ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً مُؤْدِيًا نَشِيطًا يَخْرُجُ مَعَ أُمَرَائِنَا فِي الْمَغَازِي، فَيَعْزِمُ عَلَيْنَا فِي أَشْيَاءَ لاَ نُحْصِيهَا. فَقُلْتُ لَهُ: وَاللَّهِ لا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ، إِلاَّ أَنَّا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَسَى أَنْ لاَ يَعْزِمَ عَلَيْنَا فِي أَمْرٍ إِلاَّ مَرَّةً حَتَّى نَفْعَلَهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَنْ يَزَالَ بِخَيْرٍ مَا اتَّقَى اللَّهَ. وَإِذَا شَكَّ فِي نَفْسِهِ شَىْءٌ سَأَلَ رَجُلاً فَشَفَاهُ مِنْهُ، وَأَوْشَكَ أَنْ لاَ تَجِدُوهُ. وَالَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، مَا أَذْكُرُ مَا غَبَرَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ كَالثَّغْبِ شُرِبَ صَفْوُهُ، وَبَقِيَ كَدَرُهُ". وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم العبسي الكوفي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد الرازي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (قال: قال عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه: لقد أتاني اليوم رجل) لم يعرف اسمه (فسألني عن أمر ما دريت) بفتح الدال والراء (ما أردّ عليه) في موضع نصب مفعول دريت (فقال: أرأيت رجلاً

112 - باب كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس

مؤديًا) أي أخبرني ففيه أمران إطلاق الرؤية وإرادة الإخبار وإطلاق الاستفهام وإرادة الأمر كأنه قال: أخبرني عن أمر هذا الرجل ومؤديًا بضم الميم وسكون الهمزة وكسر الدال المثناة التحتية أي قويًا من آدى الرجل قوي، وقيل: مؤديًا كامل الأداة أي السلاح، ومنه: عليه أداة الحرب وأداة كل شيء آلته وما يحتاج إليه. وفي هامش الفرع مما نسب إلى أبي يعني ذا أداة وسلاح، وقال النضر المؤدي القادر على السفر، وقيل المتهيئ المعدّ لذلك أداته ولا يجوز حذف الهمزة منه لئلا يصير من أودى إذا هلك (نشيطًا) بنون مفتوحة ومعجمة مكسورة من النشاط وهو الذي ينشط له ويخف إليه ويؤثر فعله (يخرج) بالمثناة التحتية وسكون الخاء أي الرجل (مع أمرائنا في المغازي) فيه التفات وإلاّ فكان يقول مع أمرائه ليوافق رجلاً، وضبط الحافظ ابن حجر نخرج بالنون وقال كذا في الرواية ثم قال: أو المراد بقوله رجلاً أحدنا أو هو محذوف الصفة أي رجلاً منا وفيه حينئذ التفات (فيعزم علينا) الأمير أي يشد علينا (في أشياء لا نحصيها) بضم النون لا نطيقها أو لا ندري أطاعة هي أم معصية أيجب على هذا الرجل طاعة الأمير أم لا. قال عبد الله بن مسعود (فقلت له): أي للرجل (والله ما أدري ما أقول لك) سبب توقفه أن الإمام إذا عين طائفة للجهاد أو لغيره من المهمات تعينوا وصار ذلك فرض عين عليهم، فلو استفتى أحدهم عليه وادّعى أنه كلفه ما لا طاقة له به بالتشهي أشكلت الفتيا حينئذ لأنّا إن قلنا بوجوب طاعة الإمام عارضنا فساد الزمان، وإن قلنا بجواز الامتناع فقد يفضي ذلك إلى الفتنة فالصواب التوقف، لكن الظاهر أن ابن مسعود بعد أن توقف أفتاه بوجوب الطاعة بشرط أن يكون المأمور به موافقًا للتقوى كما علم ذلك من قوله (إلا أنّا كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعسى أن لا يعزم علينا في أمر إلا مرة) إذ لولا صحة الاستثناء لما أوجبه الرسول (حتى نفعله) غاية لقوله أو للعزم الذي يتعلق به المستثنى وهو مرة (وإن أحدكم لن يزال بخير ما اتقى الله) عز وجل (وإذا شك في نفسه شيء) مما تردد فيه أنه جائز أم لا وهو من باب القلب أي شك نفسه في شيء (سأل) الشاكّ (رجلاً) عالمًا (فشفاه منه) بأن أزال مرض تردده عنه بإجابته له بالحق فلا يقدم المرء على ما يشك فيه حتى يسأل عنه من عنده علم (وأوشك) بفتح الهمزة والشين أي كاد (أن لا تجدوه) في الدنيا لذهاب الصحابة -رضي الله عنهم- فتفقدوا من يفتي بالحق ويشفي القلوب عن الشبه والشكوك (والذي لا إله إلا هو ما أذكر ما غبر) بفتح الغين المعجمة والموحدة أي ما بقي أو مضى (من الدنيا إلاّ كالثغب) بفتح المثلثة وإسكان الغين المعجمة وقد تفتح آخره موحدة الماء المستنقع في الموضع المطمئن (شرب صفوه وبقي كدره) شبه ببقاء غدير ذهب صفوه وبقي كدره. 112 - باب كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ أَخَّرَ الْقِتَالَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ هذا (باب) بالتنوين (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا لم يقاتل أول النهار أخّر القتال حتى تزول الشمس) لأن رياح النصر تهب حينئذ غالبًا ويتمكن من القتال بتبريد حدّة السلاح وزيادة النشاط لأن الزوال وقت هبوب الصبا التي اختصّ عليه الصلاة والسلام بالنظر بها. 2965 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَكَانَ كَاتِبًا لَهُ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما- فَقَرَأْتُهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين ابن المهلب الأزدي البغدادي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد (هو الفزاري) بفتح الفاء والزاي (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش بالشين المعجمة آخره إمام المغازي (عن سالم أبي النضر) بالضاد المعجمة ابن أبي أمية (مولى عمر بن عبيد الله) مصغرًا ابن معمر التيمي (وكان) سالم (كاتبًا له) أي لعمر بن عبيد الله كما قاله البرماوي كالكرماني، لكن خطأه العيني كالحافظ ابن حجر ولم يذكر له دليلاً وفيه نظر كما لا يخفى ويؤيد ما قاله الكرماني قوله في باب: لا تمنوا لقاء العدوّ. حدّثني سالم أبو النضر كنت كاتبًا لعمر بن عبيد الله فهو صريح في أن سالمًا كاتب عمر بن عبيد الله لا كاتب عبد الله بن أبي أوفى، وكيف يرجع الضمير على

113 - باب استئذان الرجل الإمام لقوله: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك} [النور: 62] إلى آخر الآية

متأخر رتبة والأصل خلافه (قال: كتب إليه) أي إلى عمر بن عبيد الله (عبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة والفاء (-رضي الله عنهما- فقرأته أن) بفتح الهمزة وكسرها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض أيامه) أي غزواته (التي لقي فيها) العدوّ أو الحرب واللفظ يحتملهما (انتظر) خبر أن (حتى مالت الشمس) أي زالت. 2966 - ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ". (ثم قام في الناس) خطيبًا (قال): (يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو)، لأن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر ويؤيده قوله (وسلوا الله العافية) أي من هذه المحذورات المتضمنة للقاء العدوّ ثم أمرنا بالصبر عند وقوع الحقيقة فقال (فإذا لقيتموهم فاصبروا) فإن النصر مع الصبر (واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف) أي السبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيف في سبيل الله وهو من المجاز البليغ لأن ظل الشيء لما كان ملازمًا له، وكان ثواب الجهاد الجنة كان ظلال السيوف المشهورة في الجهاد تحتها الجنة أي ملازمها استحقاق ذلك، ومثله: الجنة تحت أقدام الأمهات أو هو كناية عن الحض على مقاربة العدوّ واستعمال السيوف والاجتماع حين الزحف حتى تصير السيوف تظل المقاتلين. قال ابن الجوزي: إذا تدانى الخصمان صار كلٌّ منهما تحت ظل سيف صاحبه لحرصه على رفعه عليه ولا يكون ذلك إلا عند التحام القتال. (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (اللهم) يا (منزل الكتاب) القرآن الموعود فيه بالنصر على الكفار قال تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم} [التوبة: 14]. والمراد الجنس فيشمل سائر الكتب المنزلة على الأنبياء فيكون المراد شدة الطلب للنصر كنصره هذا الكتاب بخذلان من يكفر به ويجحد (و) يا (مجري السحاب) بقدرته إشارة إلى سرعة إجراء ما يقدره فإنه قدر جريان السحاب على أسرع حال وكأنه يسأل بذلك سرعة النصر والظفر (و) يا (هازم الأحزاب) وحده لا غيره (اهزمهم وانصرنا عليهم) فأنت المنفرد بالفعل من غير حول منّا ولا قوّة أو أن المراد التوسّل إليه بنعمه وأشار بالأولى إلى نعمة الدين بإنزال الكتاب وبالثانية إلى نعمة الدنيا وحياة النفوس بإجراء السحاب الذي جعله سببًا في نزول الغيث والأرزاق وبالثالثة إلى أنه حصل حفظ النعمتين فكأنه قال: اللهم كما أنعمت بعظيم نعمتك الأخروية والدنيوية وحفظهما فأبقهما، وقد وقع هذا السجع اتفاقًا من غير قصد. وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في باب: لا تمنوا لقاء العدو. 113 - باب اسْتِئْذَانِ الرَّجُلِ الإِمَامَ لِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ} [النور: 62] إِلَى آخِرِ الآيَةِ (باب استئذان الرجل) من الرعية (الإمام) في الرجوع أو التخلف عن الرجوع في الغزو (لقوله) زاد في رواية: عز وجل ({إنما المؤمنون}) الكاملون في الإيمان ({الذين آمنوا بالله ورسوله}) من صميم قلوبهم ({وإذا كانوا معه على أمرٍ جامع}) كتدبير أمر الجهاد والحرب ({لم يذهبوا}) عن حضرته ({حتى يستأذنوه}) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيأذن لهم واعتباره في كمال الإيمان لأنه كالمصداق لصحته والمميز للمخلص فيه عن المنافق ({إن الذين يستأذنونك}) [النور: 62] (إلى آخر الآية). يفيد أن المستأذن مؤمن لا محالة. وأن الذاهب بغير إذنه ليس كذلك وفيه أن الإمام إذا جمع الناس لتدبير أمر من أمور المسلمين أن لا يرجعوا إلا بإذنه وكذلك إذا خرجوا للغزو لا ينبغي لأحد أن يرجع بغير إذنه ولا يخالف أمير السرية لا يقال لا يستأذن غيره عليه الصلاة والسلام إذ الحكم السابق من خصوصياته عليه الصلاة والسلام لأنه إذا كان ممن عيّنه الإمام فطرأ له ما يقتضي التخلف أو الرجوع فإنه يحتاج إلى الاستئذان والاحتجاج بالآية للترجمة في تمام الآية، {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم}. قال مقاتل: نزلت في عمر -رضي الله عنه- استأذن في الرجوع إلى أهله في غزوة تبوك فأذن له وقال: انطلق لست بمنافق يريد بذلك تسميع المنافقين، ولأبي ذر على أمر جامع الآية، ولأبي عساكر إلى قوله تعالى: {إن الله غفور رحيم}. 2967 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ، فَتَلاَحَقَ بِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا عَلَى نَاضِحٍ لَنَا قَدْ أَعْيَا فَلاَ يَكَادُ يَسِيرُ، فَقَالَ لِي: مَا لِبَعِيرِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أعْيَا. قَالَ: فَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ، فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَي الإِبِلِ قُدَّامَهَا يَسِيرُ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بِخَيْرٍ، قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ. قَالَ: أَفَتَبِيعُنِيهِ قَالَ: فَاسْتَحْيَيْتُ، لَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غَيْرَهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَبِعْنِيهِ، فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي عَرُوسٌ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَأَذِنَ لِي، فَتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَقِيَنِي خَالِي فَسَأَلَنِي عَنِ الْبَعِيرِ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ بهِ فَلاَمَنِي. قَالَ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ: هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا. فَقَالَ: فَهَلاَّ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ؟ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُوُفِّيَ وَالِدِي -أَوِ اسْتُشْهِدَ- وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ فَلاَ تُؤَدِّبُهُنَّ وَلاَ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ. قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ غَدَوْتُ عَلَيْهِ بِالْبَعِيرِ، فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ وَرَدَّهُ عَلَىَّ" قَالَ الْمُغِيرَةُ: هَذَا فِي قَضَائِنَا حَسَنٌ لاَ نَرَى بِهِ بَأْسًا. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (أخبرنا جرير) بالجيم هو ابن عبد الحميد بن قرط بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة الضبي الكوفي (عن

المغيرة) بن مقسم بكسر الميم (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: غزوت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) غزوة تبوك كما في البخاري أو ذات الرقاع كما في طبقات ابن سعد أو الفتح كما في مسلم بلفظ: أقبلنا من مكة إلى المدينة (قال: فتلاحق بي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا على ناضح لنا) بنون وضاد معجمة بعير يستقى عليه وسمي بذلك لنضحه بالماء حال سقيه وعند البزار أنه كان أحمر (قد أعيا) بهمزة مفتوحة قبل العين الساكنة أي تعب وعجز عن المشي (فلا يكاد يسير فقال لي) عليه الصلاة والسلام: (ما لبعيرك) (قال: قلت عيى) ولأبي ذر عن الكشميهين: أعيا بالهمزة قبل العين (قال: فتخلف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر سقوط التصلية (فزجره ودعا له) ولمسلم وأحمد فضربه برجله ودعا له وفي رواية يونس بن بكير عن زكريا عند الإسماعيلي فضربه رسول الله عليه الصلاة والسلام ودعا له فمشى مشية ما مشى قبل ذلك مثلها (فما زال بين يدي الإبل قدامها يسير، فقال لي) عليه الصلاة والسلام: (كيف ترى بعيرك) (قال: قلت: بخير قد أصابته بركتك قال): (فتبيعنيه) بنون وتحتية بعد العين ولابن عساكر: أفتبيعه بإسقاطهما (قال: فاستحييت) منه (ولم يكن لنا ناضح غيره قال: قلت) له عليه الصلاة والسلام (نعم. قال) (فبعنيه) زاد في الشروط بأوقية (فبعته إياه على أن لي فقار ظهره) بفتح الفاء خرزات عظام الظهر وهي مفاصل عظامه أي على أن لي الركوب عليه (حتى) أي إلى أن (أبلغ المدينة) وفي الشروط وغيره فاستثنيت حملانه إلى أهله بضم الحاء أي الحمل والمفعول محذوف أي حملانه إياي أو متاعي أو نحو ذلك فالمصدر مضاف للفاعل، واختلف في جواز بيع الدابة بشرط ركوب البائع فجوّزه المؤلّف لكثرة رواية الاشتراط وعليه أحمد، وجوّزه مالك إذا كانت المسافة قريبة ومنعه الشافعي وأبو حنيفة مطلقًا لحديث النهي عن بيع وشرط. وأجيب عن هذا الحديث: بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يرد حقيقة البيع بل أراد أن يعطيه الثمن بهذه الصورة أو أن الشرط لم يكن في نفس العقد بل كان سابقًا أو لاحقًا فلم يؤثر في العقد، ووقع عند النسائي أخذته بكذا وأعرتك ظهره إلى المدينة فزال الإشكال، لكن اختلف فيها حماد بن زيد وسفيان بن عيينة وحماد أعرف بحديث أيوب من سفيان، والحاصل أن الذين ذكروه بصيغة الاشتراط أكثر عددًا من الذين خالفوهم، وهذا وجه من وجوه الترجيح فيكون أصح ويترجح أيضًا بأن الذين رووه بصيغة الاشتراط معهم زيادة وهم حفاظ فيكون حجة. (قال: فقلت: يا رسول الله إني عروس) يستوي فيه الذكر والأنثى وفي النكاح قريب عهد بعرس أي قريب عهد بالدخول على المرأة (فاستأذنته) عليه الصلاة والسلام في التقدم (فأذن لي فتقدمت الناس إلى المدينة حتى أتيت المدينة فلقيني خالي) اسمه ثعلبة بن عنمة بن عدي بن سنان وله خال آخر اسمه عمرو بن عنمة، وعند ابن عساكر: اسمه الجدّ بفتح الجيم وتشديد الدال ابن قيس وقد ذكروا أنه خاله من جهة مجازية فيحتمل أن يكون الذي لامه على بيع الجمل أيضًا لأنه كان يتهم بالنفاق بخلاف ثعلبة وعمرو ابني عنمة (فسألني عن البعير فأخبرته بما صنعت فيه) ولأبي ذر: صنعت به (فلامني) على بيعه من جهة أنه ليس لنا ناضح غيره، ولأحمد من رواية نبيح بضم النون وفتح الموحدة آخره حاء مهملة فأتيت عمتي بالمدينة فقلت لها: ألم ترى أني بعت ناضحنا فما رأيت أعجبها ذلك. الحديث. واسمها هند بنت عمرو، ويحتمل أنهما جميعًا لم يعجبهما بيعه لما ذكر من أنه لم يكن عنده ناضح غيره. (قال: وقد كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لي حين استأذنته) في التقدم إلى المدينة (هل تزوجت بكرًا أم) تزوجت (ثيبًا) قال ابن مالك في توضيحه فيه شاهد على أن هل قد تقع موقع الهمزة المستفهم بها عن التعيين فتكون أم بعدها متصلة غير منقطعة لأن استفهام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جابرًا لم يكن إلا بعد علمه بتزوجه إما بكرًا وإما ثيبًا فطلب منه

114 - باب من غزا وهو حديث عهد بعرسه فيه جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

الإعلام بالتعيين كما كان يطلب بأي فالموضع إذًا موضع الهمزة لكن استغنى عنها بهل وثبت بذلك أن أم المتصلة قد تقع بعد هل كما تقع بعد الهمزة اهـ. وتعقبه في المصابيح فقال: يمكن أن يقال: لا نسلم أنها في الحديث متصلة ولم لا يجوز أن تكون منقطعة. وثيبًا مفعول بفعل محذوف فاستفهم أوّلاً ثم أضرب واستفهم ثانيًا، والتقدير: أتزوجت ثيبًا؟ قال: ولا شك أن المصير إلى هذا أولى لما في الأول من إخراج عما عهد فيها من كونها لا تعادل إلا الهمزة. (فقلت) له عليه الصلاة والسلام (تزوجت ثيبًا) هي سهيلة بنت معوذ الأوسية (فقال): عليه الصلاة والسلام بفاء قبل القاف (هلا) بغير فاء قبل الهاء ولأبي ذر قال: فهلا (تزوجت بكرًا تلاعبها وتلاعبك) المراد الملاعبة المشهورة بدليل مجيئه في رواية أخرى بلفظ: تضاحكها وتضاحكك (فقلت: يا رسول الله توفي والدي أو استشهد ولي أخوات صغار) ولمسلم قلت: إن عبد الله هلك وترك تسع بنات (فكرهت أن أتزوج مثلهن فلا تؤدبهن) بالرفع، ولأبي ذر: فلا تؤدبهن بالنصب (ولا تقوم) بالرفع، ولأبي ذر: ولا تقوم بالنصب (عليهن فتزوجت ثيبًا لتقوم عليهن وتؤدبهن) بالرفع ولأبي ذر بالنصب (قال: فلما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة غدوت عليه بالبعير فأعطاني ثمنه وردّه) أي البعير (عليّ) فحصل لجابر الثمن والمثمن معًا. وفي رواية معمر الماضية في الاستقراض فأعطاني ثمن الجمل والجمل وسهمي مع القوم وكلها بطريق المجاز لأن العطية إنما كانت بواسطة بلال كما رواه مسلم من هذا الوجه، فلما قدمت المدينة قال لبلال: "أعطه أوقية من ذهب" قال: فأعطاني أوقية وزادني قيراطًا فقلت: لا تفارقني زيادة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (قال المغيرة) المذكور بالسند السابق أو هو من التعليقات (هذا) أي البيع بمثل هذا الشرط (في قضائنا) حكمنا (حسن لا نرى به بأسًا) لأنه أمر معلوم لا خداع فيه ولا موجب للنزاع. وهذا الحديث ذكره المؤلّف في عشرين موضعًا، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 114 - باب مَنْ غَزَا وَهُوَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسِهِ فِيهِ جَابِرٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب من غزا وهو) أي والحال أنه (حديث عهد بعرسه) بضم العين كما في الفرع وأصله أي بزمان عرسه وبكسرها أي بزوجته، ولأبي ذر عن الكشميهني: بعرس بغير ضمير مع ضم العين (فيه جابر) أي في الباب حديث جابر السابق قريبًا (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فاكتفى بالقرب عن السياق. 115 - باب مَنِ اخْتَارَ الْغَزْوَ بَعْدَ الْبِنَاءِ فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب من اختار الغزو بعد البناء) أي الدخول بزوجته لا قبله لعدم تفرغ قلبه للجهاد وإقباله عليه بنشاط لأن الذي يعقد عقده على امرأة يصير متعلق الخاطر بها بخلاف ما إذا دخل بها فإنه يصير الأمر في حقه أخف غالبًا (فيه أبو هريرة) أي في الباب حديثه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الآتي في الخمس من طريق همام عنه بلفظ: غزا نبي من الأنبياء فقال: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة ولما يبن بها وإنما لم يسقه هنا لأنه جرى على عادته الغالبة في أنه لا يعيد الحديث الواحد إذا اتحد مخرجه في مكانين بصورته غالبًا بل يتصرف فيه بالاختصار وأما قول الكرماني وإنما لم يذكره واكتفى بالإشارة إليه لأنه لم يكن على شرطه فأراد التنبيه عليه فليس بجيد. 116 - باب مُبَادَرَةِ الإِمَامِ عِنْدَ الْفَزَعِ (باب مبادرة الإمام) بالركوب (عند) وقوع (الفزع) وهو الإغاثة وفي الأصل الخوف. 2968 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَسًا لأَبِي طَلْحَةَ فَقَالَ: مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيءٍ، وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة قال: حدّثني) بالإفراد (قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان بالمدينة فزع فركب رسول الله) ولابن عساكر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرسًا) هو المندوب (لأبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري زوج أم أنس بن مالك (فقال): (ما رأينا من شيء) يوجب الفزع (وإن وجدناه) أي الفرس (لبحرًا) بلام التأكيد وإن مخففة من الثقيلة والمعنى أنه كالبحر في سرعة جريه كأنه يسبح في جريه كما يسبح ماء البحر إذا ركب بعض أمواجه بعضًا. 117 - باب السُّرْعَةِ وَالرَّكْضِ فِي الْفَزَعِ (باب السرعة والركض) وهو ضرب من السير (في الفزع). 2969 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "فَزِعَ النَّاسُ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَسًا لأَبِي طَلْحَةَ بَطِيئًا، ثُمَّ خَرَجَ يَرْكُضُ وَحْدَهُ، فَرَكِبَ النَّاسُ يَرْكُضُونَ خَلْفَهُ فَقَالَ: لَمْ تُرَاعُوا، إِنَّهُ لَبَحْرٌ. فَمَا سُبِقَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ". وبه قال: (حدّثنا

118 - باب الخروج في الفزع وحده

الفضل بن سهل) بفتح السين المهملة وسكون الهاء الأعرج البغدادي قال: (حدّثنا حسين بن محمد) هو ابن بهرام التميمي قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بفتح الجيم في الأول وبالحاء المهملة والزاي في الآخر ابن زيد الأزدي البصري (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: فزع الناس فركب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرسًا لأبي طلحة بطيئًا ثم خرج) عليه الصلاة والسلام (يركض) الفرس (وحده) من غير رفيق (فركب الناس يركضون خلفه فقال) عليه الصلاة والسلام: (لم تراعوا) أي لا تراعوا فلم بمعنى لا أي لا تخافوا وهو مجزوم بحذف النون (إنه) أي الفرس (لبحر) أي كالبحر في سرعة سيره (فما سبق) بضم السين مبنيًّا للمفعول، ولأبي الوقت قال فما سبق (بعد ذلك اليوم). 118 - باب الْخُرُوجِ فِي الْفَزَعِ وَحْدَهُ (باب الخروج في الفزع وحده) كذا ثبتت هذه الترجمة في اليونينية وغيرها من غير حديث، ولعله أراد أن يكتب فيه حديث أنس من وجه آخر فلم يتيسر له ذلك وقد رقم عليه اليونيني علامة أبي ذر. 119 - باب الْجَعَائِلِ وَالْحُمْلاَنِ فِي السَّبِيلِ (باب الجعائل) بالجيم والعين المفتوحتين جمع جعيلة ما يجعله القاعد من الأجرة لمن يغزو عنه (والحملان) بضم الحاء المهملة وسكون الميم مجرور عطفًا على سابقه مصدر كالحمل (في السبيل) أي سبيل الله وهو الجهاد. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: الْغَزْوُ. قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُعِينَكَ بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِي. قُلْتُ: أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيَّ. قَالَ: إِنَّ غِنَاكَ لَكَ، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِي فِي هَذَا الْوَجْهِ. وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ نَاسًا يَأْخُذُونَ مِنْ هَذَا الْمَالِ لِيُجَاهِدُوا، ثُمَّ لاَ يُجَاهِدُونَ، فَمَنْ فَعَلَهُ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِمَالِهِ حَتَّى نَأْخُذَ مِنْهُ مَا أَخَذَ. وَقَالَ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ: إِذَا دُفِعَ إِلَيْكَ شَىْءٌ تَخْرُجُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ وَضَعْهُ عِنْدَ أَهْلِكَ. (وقال مجاهد) هو ابن جبر ضد الكسر المفسر التابعي مما وصله المؤلّف في غزوة الفتح بمعناه (قلت لابن عمر) بن الخطاب (الغزو) أريد بالرفع كما في الفرع مبتدأ خبره محذوف، ولأبي ذر عن الكشميهني: أتغزو بالنون المفتوحة وضم الزاي بعدها واو، وفي بعض الأصول الغزو بالنصب مفعولاً بفعل محذوف أي أريد الغزو، وقول ابن حجر على الإغراء والتقدير عليك الغزو، وتعقبه العيني بأنه لا يستقيم ولا يصح معناه لأن مجاهدًا يخبر عن نفسه أنه يريد الغزو لا أنه يطلب من ابن عمر ذلك ويدل له قوله (قال) ابن عمر: (إني أحب أن أعينك بطائفة من مالي. قلت: أوسع الله عليّ. قال: إن غناك لك، وإني أحب أن يكون من مالي في هذا الوجه). فيه أنه لا يكره إعانة المغازي بنحو فرس. نعم اختلف فيما إذا آجر الغازي نفسه أو فرسه في الغزو فجوّزه الشافعية وكره المالكية وكذا الحنفية لكنهم استثنوا ما إذا كان بالمسلمين ضعف وليس في بيت المال شيء وإن أعان بعضهم بعضًا جاز لا على وجه البدل. (وقال عمر) بن الخطاب مما وصله ابن أبي شيبة وكذا المؤلّف في تاريخه من هذا الوجه (إن ناسًا يأخذون من هذا المال ليجاهدوا) نصب بلام كي بحذف النون (ثم لا يجاهدون فمن فعله) أي الأخذ ولم يجاهد ولأبي ذر فمن فعل (فنحن أحق بماله حتى نأخذ منه ما أخذ) أي الذي أخذه وفيه أن كل من أخذ شيئًا من بيت المال على عمل إذا أهمل العمل ردّ ما أخذ بالقضاء وكذلك الأخذ منه على عمل لا يتهيأ له. (وقال طاوس ومجاهد: إذا دفع إليك شيء) يضم الدال مبنيًّا للمفعول (تخرج به في سببل الله فاصنع به ما شئت) مما يتعلق بسبيل الله (وضعه) أي حتى الوضع (عند أهلك). فإنه أيضًا من تعلقاته. 2970 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ، فَقَالَ زَيْدٌ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: "قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَرَأَيْتُهُ يُبَاعُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آشْتَرِيهِ؟ فَقَالَ: لاَ تَشْتَرِهِ وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ". وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت مالك بن أنس) الأصبحي إمام دار الهجرة (سأل زيد بن أسلم فقال زيد: سمعت أبي) أسلم مولى عمر بن الخطاب (يقول: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: حملت على فرس في سبيل الله) أي ملكه وعند المؤلّف أنه أعطاها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليحمل عليها فحمل عليها رجل الحديث قال عمر (فرأيته) أي الفرس (يباع فسألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آشتريه) بهمزة استفهام ممدودة (فقال): (لا تشتره) بحذف الياء قبل الهاء جزمًا على النهي (ولا تعد) أي لا ترجع (في صدقتك). ومطابقة هذا الحديث للترجمة من حيث أن الفرس الذي حمل عليه في سبيل الله كان حملانًا ولم يكن حبسًا إذ لو كان حبسًا لم يجز بيعه. 2971 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما- "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ، فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لاَ تَبْتَعْهُ وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ". وبه قال: (حدثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر) ولأبي ذر عن ابن عمر (-رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب) سقط في رواية أبي ذر

120 - باب الأجير

ابن الخطاب (حمل على فرس في سبيل الله فوجده يباع) بضم أوله مبنيًّا للمفعول (فأراد أن يبتاعه) أي يشتريه (فسأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (لا تبتعه) بسكون الموحدة وجزم العين على النهي أي لا تشتره (ولا تعد في صدقتك). 2972 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ وَلَكِنْ لاَ أَجِدُ حَمُولَةً، وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، وَيَشُقُّ عَلَىَّ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقُتِلْتُ ثُمَّ أُحْيِيتُ، ثُمَّ قُتِلْتُ ثُمَّ أُحْيِيتُ». وبه قال: (حدثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال: حدّثني) بالإفراد (أبو صالح) ذكوان الزيات (قال: سمعت أبا هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لولا أن أشق على أمتي) لأن أنفسهم لا تطيب بالتخلف ولا يقدرون على التأهب لعجزهم عن آلة السفر (ما تخرفت عن سرية)، هي القطعة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدوّ (ولكن لا أجد حمولة) هي التي يحمل عليها من كبار الإبل (ولا أجد ما أحملهم عليه وبشق علي أن يتخلفوا عني، ولوددت أي والله لوددت (أني قاتلت في سبيل الله فقتلت ثم أحييت، ثم قتلت ثم أحييت). بالبناء للمفعول في الأربعة وتمنّيه عليه الصلاة والسلام ذلك للحرص منه على الوصول إلى أعلى درجات الشاكرين بدلاً لنفسه في مرضاة ربه وإعلاء كلمته ورغبته في الازدياد من الثواب ولتتأسى به أمته. 120 - باب الأَجِيرِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ: يُقْسَمُ لِلأَجِيرِ مِنَ الْمَغْنَمِ. وَأَخَذَ عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ فَرَسًا عَلَى النِّصْفِ فَبَلَغَ سَهْمُ الْفَرَسِ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَخَذَ مِائَتَيْنِ وَأَعْطَى صَاحِبَهُ مِائَتَيْنِ. (باب الأجير) في الغزو هل يسهم له أم لا. (وقال الحسن) البصري (وابن سيرين) محمد مما وصله عبد الرزاق عنهما بمعناه (يقسم للأجير من المغنم) خصّه الشافعية بالأجير لغير الجهاد كسياسة الدواب وحفظ الأمتعة ونحوهما مع القتال لأنه شهد الواقعة وتبين بقتاله أنه لم يقصد بخروجه محض غير الجهاد بخلاف ما إذا لم يقاتل ومحل ذلك في أجير وردت الإجارة على عينه فإن وردت على ذمته أعطي وإن لم يقاتل سواء تعلقت بمدة معينة أم لا. أما الأجير للجهاد فإن كان ذميًّا فله الأجرة دون السهم والرضخ إذ لم يحضر مجاهدًا لإعراضه عنه بالإجارة أو مسلمًا فلا أجرة له لبطلان إجارته له لأنه بحضوره الصف يتعين عليه وهل يستحق السهم فيه وجهان في الروضة وأصلها أحدهما نعم لشهود الوقعة والثاني لا وبه قطع البغوي سواء قاتل أم لا إذ لم يحضر مجاهدًا لإعراضه عنه بالإجارة وكلام الرافعي يقتضي ترجيحه. وقال المالكية والحنفية إذا استؤجر لأن يقاتل لا يسهم له. (وأخذ عطية بن قيس) الكلاعي الحمصي أو الدمشقي المتوفى سنة عشر ومائة (فرسًا) لم يسم صاحب الفرس (على النصف) مما يخص غيرها من الكراع وقت القسمة (فبلغ سهم الفرس أربعمائة دينار، فأخذ مائتين وأعطى صاحبه) النصف (مائتين). وقد وافقه على ذلك الأوزاعي وأحمد خلافًا للأئمة الثلاثة، وقد زاد المستملي هنا باب استعارة الفرس في الغزو قال الحافظ ابن حجر وهو خطأ لأنه يستلزم أن يخلو باب الأجير من حديث مرفوع ولا مناسبة بينه وبين حديث يعلى بن أمية اهـ. 2973 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَزْوَةَ تَبُوكَ فَحَمَلْتُ عَلَى بَكْرٍ، فَهْوَ أَوْثَقُ أَعْمَالِي فِي نَفْسِي، فَاسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا فَقَاتَلَ رَجُلاً فَعَضَّ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ وَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَهْدَرَهَا فَقَالَ: أَيَدْفَعُ يَدَهُ إِلَيْكَ فَتَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ؟ وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا ابن جريج) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن صفوان بن يعلى عن أبيه) يعلى بن أمية (-رضي الله عنه- قال: غزوت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزوة تبوك فحملت على بكر) فتيّ الإبل (فهو أوثق أعمالي في نفسي) بالمثلثة قبل القاف وأعمالي بالعين المهملة وللحموي أوفق أحمالي بالفاء، بدل المثلثة والحاء المهملة بدل العين وللمستملي أوثق أجمالي بالمثلثة وبالجيم وصوب البرماوي الأولى (فاستأجرت أجيرًا) لم يسم وفي رواية أبي داود آذن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الغزو وأنا شيخ ليس لي خادم فالتمست أجيرًا يكفيني وأجرى له سهمين فوجدت رجلاً فلما دنا الرحيل أتاني فقال: ما أدري ما السهمان فسم لي شيئًا كان السهم أو لم يكن؟ فسميت له ثلاثة دنانير (فقاتل) الأجير (رجلاً) هو يعلى بن أمية نفسه (فعض أحدهما الأخر) في مسلم أن العاض هو يعلى بن أمية (فانتزع) المعضوض (يده من فيه) من في العاض (ونزع ثنيته) واحدة الثنايا من الأسنان (فأتى) العاض الذي نزعت ثنيته (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأهدرها) أي

121 - باب ما قيل في لواء النبي -صلى الله عليه وسلم-

أسقطها (فقال): بالفاء، ولأبي ذر: وقال: (أيدفع يده إليك فتقضمها) بفتح المثناة الفوقية والضاد المعجمة من القضم وهو الأكل بأطراف الأسنان يقال قضمت الدابة بالكسر تقضم بالفتح (كما يقضم الفحل) بالحاء المهملة لا الفجل بالجيم والغرض منه قوله فاستأجرت أجيرًا. 121 - باب مَا قِيلَ فِي لِوَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب ما قيل في لواء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) اللواء بكسر اللام والمد الراية وهي العلم أيضًا أو هو غيرها وهي ثوب يجعل في طرف الرمح ويخلى كهيئته تصفقه الرياح والعلم يعقد أو هو دونها أو هو العلم الضخم وعلى التفرقة قوم كالترمذي، ويؤيده حديث ابن عباس المروي عنده وأحمد: كانت راية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سوداء ولواؤه أبيض، ومثله عند الطبراني عن بريدة. وعند ابن عدي عن أبي هريرة وزاد: مكتوب فِه: لا إله إلا الله محمد رسول الله وهو ظاهر في التغاير، والذي صرح به غير واحد من أهل اللغة ترادفهما فلعل التفرقة بينهما عرفية وقد كانت الراية يمسكها رئيس الجيش ثم صارت تحمل على رأسه، وأما العلم العلامة لمحل الأمير ومعه حيث دار وكان اسم رايته عليه الصلاة والسلام العقاب. 2974 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنا اللَّيْثُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيُّ: "أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ الأَنْصَارِيَّ -رضي الله عنه-وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- أَرَادَ الْحَجَّ فَرَجَّلَ". وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) بكسر العين هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم الجمحي (قال: حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (الليث) بن سعيد الإمام (قال: أخبرني) بالإفراد (عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (ثعلبة بن أبي مالك) عبد الله المدني (القرظي أن قيس بن سعد) أي ابن عبادة (الأنصاري) الصحابي ابن الصحابي سيد الخزرج ابن سيدهم (-رضي الله عنه-: وكان صاحب لواء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) جملة معترضة بين اسم أن وخبرها وهو قوله (أراد الحج فرجل) بتشديد الجيم لا بالحاء المهملة أي سرح شعر رأسه قبل أن يحرم بالحج فمفعول رجل محذوف. وهذا طرف من حديث أخرجه الإسماعيلي وتمامه: فرجَّل أحد شقي رأسه فقام غلام له فقلد هديه فنظر قيس فإذا هديه قد قلد فأهلّ بالحج ولم يرجل شق رأسه الآخر، وإنما اقتصر على هذا القدر الذي ساقه لأنه موقوف وليس من غرضه وإنما أراد منه أن قيسًا كان صاحب لوائه عليه الصلاة والسلام أي الذي يختص بالخزرج من الأنصار، وقد كان عليه الصلاة والسلام يدفع إلى كل رئيس قبيلة لواء يقاتلون تحته. نعم قوله وكان صاحب لوائه مرفوع لأنه لا يتقرر في ذلك إلا بإذنه عليه الصلاة والسلام. 2975 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سعيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي خَيْبَرَ، وَكَانَ بِهِ رَمَدٌ، فَقَالَ: أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِي فَتَحَهَا فِي صَبَاحِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ -أَوْ قَالَ: لَيَأْخُذَنَّ- غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، أَوْ قَالَ: يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ. فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ. فَقَالُوا: هَذَا عَلِيٌّ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ". [الحديث 2975 - طرفاه في: 3701، 4209]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) ولأبي ذر قتيبة بن سعيد قال: (حدّثنا حاتم بن إسماعيل) بالحاء المهملة الكوفي سكن المدينة (عن يزيد بن أبي عبيد) بضم العين وفتح الموحدة مولى سلمة (عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: كان علي) هو ابن أبي طالب (-رضي الله عنه- تخلف عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) غزوة (خيبر وكان به رمد فقال: أنا أتخلف عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)؟ يعني لأجل الرمد والهمزة في أنا للاستفهام مقدرة أو ملفوظة للإنكار كأنه أنكر على نفسه تخلفه (فخرج عليّ فلحق بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بخيبر أو في أثناء الطريق (فلما كان مساء الليلة التي فتحها في صباحها فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لأُعطين الراية) بضم الهمزة وفي اليونينية لأعطين بفتحها (أو قال): (ليأخذن) شك الراوي ولأبي ذر أو ليأخذن فأسقط لفظ قال (غدا رجل) بالرفع على الفاعلية وللحموي والمستملي رجلاً بالنصب مفعول لأعطين (يحبه الله ورسوله) (أو قال): (يحب الله ورسوله يفتح الله عليه) خيبر (فإذا نحن بعليّ) قد حضر (وما نرجوه) أي بقدومه في ذلك الوقت للرمد الذي به (فقالوا) للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هذا علي) قد حضر (فأعطاه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الراية (ففتح الله عليه) خيبر، والغرض منه قوله: "لأعطين الراية غدًا رجلاً يحبه الله" فإنه يشعر بأن الراية لم تكن خاصة بشخص بعينه بل كان يعطيها في كل غزوة لمن يريد. 2976 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: "سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلزُّبَيْرِ رضي الله عنهما: هَاهُنَا أَمَرَكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام بن عروة عن

122 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "نصرت بالرعب مسيرة شهر"

أبيه) عروة بن الزبير (عن نافع بن جبير) أي ابن مطعم (قال: سمعت العباس) بن عبد المطلب (يقول للزبير) بن العوّام (-رضي الله عنهما- هاهنا) أي بالحجون (أمرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تركز الراية) بفتح التاء وضم الكاف وتمامه قال: نعم. والحديث يأتي مطوّلاً في غزوة الفتح إن شاء الله تعالى مع مباحثه وفيه أن الراية لا تركز إلا بإذن الإمام لأنها علامة عليه وعلى مكانه فلا ينبغي أن يتصرف فيها إلا بأمره. 122 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ" وَقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ} [آل عمران: 151] قَاله جَابِرٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (ياب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (نصرت بالرعب مسيرة شهر) أي مسافته. (وقوله جل وعز) ولأبي ذر وقول الله عز وجل: ({سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب}) [آل عمران: 151] قال أهل التفسير يريد ما قذف في قلوبهم من الخوف يوم الأحزاب حتى تركوا القتال ورجعوا من غير سبب: زاد في غير رواية أبي ذر: ({بما أشركوا بالله}) أي بسبب إشراكهم به. (قال) ولأبي: قاله، أي نصره عليه الصلاة والسلام بالرعب (جابر) مما وصله المؤلّف في أوّل كتاب التيمم (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولفظه: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر" الحديث. وإنما اقتصر على الشهر لأنه لم يكن بينه وبين الممالك الكبار كالشام والعراق ومصر أكثر من شهر وليس المراد بالخصوصية مجرد حصول الرعب بل هو وما ينشأ عنه من الظفر بالعدوّ. 2977 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ. فَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُوتِيتُ مَفَاتِيح خَزَائِنِ الأَرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا». [الحديث 2977 - أطرافه في: 6998، 7013، 7273]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف (عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد بن المسبب) بفتح المثناة التحتية (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بعثت) بضم الموحدة (بجوامع الكلم) من إضافة الصفة إلى الموصوف وهي الكلمة الموجزة لفظًا المتسعة معنى وهذا شامل للقرآن والسُّنّة، فقد كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتكلم بالمعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة (ونصرت) على الأعداء (بالرعب) أي الخوف زاد في رواية التيمم السابقة "مسيرة شهر" وللطبراني من حديث السائب بن يزيد: "شهرًا أمامي وشهرًا خلفي" ولا تنافي بينه وبين حديث جابر على ما لا يخفى (فبينا أنا نائم أُوتيت مفاتيح) بضم الهمزة وواو بعدها وبحذف الموحدة من مفاتيح ولغير أبي ذر أتيت بمفاتيح (خزائن الأرض) كخزائن كسرى وقيصر ونحوهما أو معادن الأرض التي منها الذهب والفضة (فوضعت في يدي) كناية عن وعد ربه بما ذكر أنه يعطيه أمته وكذا وقع ففتح لأمته ممالك كثيرة فغنموا أموالها واستباحوا خزائن ملوكها، وقد حمل بعضهم ذلك على ظاهره فقال: هي خزائن أجناس أرزاق العالم ليخرج لهم بقدر ما يطلبونه لذواتهم فكل ما ظهر من رزق العالم فإن الاسم الإلهي لا يعطيه إلا عن محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي بيده المفاتيح كما اختص تعالى بمفاتيح الغيب فلا يعلمها إلا هو، وأعطى هذا السيد الكريم منزلة الاختصاص بإعطائه مفاتيح الخزائن اهـ. (وقال أبو هريرة): -رضي الله عنه- (وقد ذهب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنتم تنتثلونها). بفتح المثناة الفوقية وسكون النون وفتح الفوقية وكسر المثلثة أي تستخرجونها أي الأموال من مواضعها يشير إلى أنه عليه الصلاة والسلام ذهب ولم ينل منها شيئًا. 2978 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ "أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ -وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ- ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ وارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة بالزاي (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (أن ابن عباس -رضي الله عنهما- أخبره أن أبا سفيان) صخر بن حرب (أخبره أن هرقل) عظيم الروم الملقب بقيصر (أرسل إليه وهم بإيلياء) بيت المقدس (ثم) بعد حضورهم (دعا بكتاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الذي بعث به مع دحية إلى عظيم بصرى فدفعه إلى هرقل فقرأه (فلما فرغ من قراءة الكتاب كثر عنده الصخب) اختلاط الأصوات ولأبي ذر كثرت بتاء التأنيث (فارتفعت الأصوات) بالفاء ولأبي ذر: وارتفعت الأصوات (وأخرجنا) من مجلسه قال أبو سفيان (فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمر) جواب

123 - باب حمل الزاد في الغزو وقول الله عز وجل: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} [البقرة: 197]

قسم محذوف أي والله لقد أمر بكسر الميم أي عظم (أمر ابن أبي كبشة) بفتح الكاف وسكون الموحدة يريد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أنه) بكسر الهمزة على الاستئناف البياني ويجوز فتحها على أنه مفعول لأجله (يخافه ملك بني الأصفر) الروم. وهذا موضع الترجمة لأنه كان بين المدينة وبين الموضع الذي ينزله قيصر مدة شهر أو نحوه. 123 - باب حَمْلِ الزَّادِ فِي الْغَزْوِ وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197] (باب حمل الزاد في الغزو، وقول الله تعالى) ولأبي ذر: عز وجل بدل قوله تعالى: ({وتزودوا}) في سفركم للحج والعمرة ما تكفون به وجوهكم عن المسألة ({فإن خير الزاد التقوى}) [البقرة: 197] كان ناس من أهل اليمن يحجّون بلا زاد مظهرين التوكل ثم يسألون الناس فنزلت أي فمن التقوى الكف عن السؤال والإبرام. وقال بعضهم: تزوّدوا لسفر الدنيا بالطعام وتزوّدوا لسفر الآخرة بالتقوى فإن خير الزاد التقوى. 2979 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي -وَحَدَّثَتْنِي أَيْضًا فَاطِمَةُ- عَنْ أَسْمَاءَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "صَنَعْتُ سُفْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ. قَالَتْ: فَلَمْ نَجِدْ لِسُفْرَتِهِ وَلاَ لِسِقَائِهِ مَا نَرْبِطُهُمَا بِهِ، فَقُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: وَاللَّهِ مَا أَجِدُ شَيْئًا أَرْبِطُ بِهِ إِلاَّ نِطَاقِي. قَالَ: فَشُقِّيهِ بِاثْنَيْنِ فَارْبِطِيهِ: بِوَاحِدٍ السِّقَاءَ، وَبِالآخَرِ السُّفْرَةَ، فَفَعَلْتُ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ". [الحديث 2979 - طرفاه في: 3907، 5388]. وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين مصغرًا الهباري الكوفي (قال: حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) هو ابن عروة (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوام (وحدّثتني) بالإفراد (أيضًا فاطمة) بنت المنذر زوج هشام كلاهما (عن أسماء) بنت أبي بكر (-رضي الله عنها-) وعن أبيها (قالت: صنعت سفرة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم سين سفرة وسكون فائها طعام يتخذه المسافر وأكثر ما يحمل في جلد مستدير فنقل اسم الطعام إلى الجلد وسمي به كما سميت المزادة راوية (في بيت أبي بكر) -رضي الله عنه- (حين أراد أن يهاجر) من مكة (إلى المدينة قالت): أسماء (فلم نجد لسفرته ولا لسقائه) بكسر السين ظرف الماء من الجلد (ما نربطهما به) بالنون وكسر الموحدة كاللاحقة كما في الفرع وأصله. وهذا موضع الترجمة لأنه يدل على حمل الزاد لأجل السفر، لكنه استشكل لكونه لم يكن سفر غزو. وأجيب بالقياس عليه. (فقلت لأبي بكر: والله ما أجد شيئًا أربط به إلاّ نطاقي) بكسر النون ما تشدّ به المرأة وسطها ليرتفع به ثوبها من الأرض عند المهنة أو إزار فيه تكة أو ثوب تلبسه المرأة ثم تشد وسطها بحبل ثم ترسل الأعلى على الأسفل (قال) لها أبو بكر (فشقّيه باثنين فاربطيه) وللأصيلي فاربطي (بواحد السقاء وبالآخر السفرة ففعلت) ذلك بفتح اللام وسكون الفوقية مصحّحًا عليه في الفرع وفي اليونينية ففعلت بسكون اللام وضم الفوقية قال الراوي (فلذلك سميت) أسماء (ذات النطاقين). وقيل لأنها كانت تجعل نطاقًا على نطاق أو كان لها نطاقان تلبس أحدهما وتحمل في الآخر الزاد، والمحفوظ الأوّل. 2980 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الأَضَاحِيِّ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَدِينَةِ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (أخبرنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين هو ابن دينار (قال: أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر قال عمرو أخبرني (عطاء) هو ابن أبي رباح (سمع جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال): (كنّا نتزوّد لحوم الأضاحي) بتشديد الياء كما في الفرع ويجوز التخفيف جمع أضحية ما يذبح في يوم عيد الأضحى (على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المدينة) وهذا وإن لم يكن سفر غزو لكن سفر الغزو مقيس عليه، ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: "كنا نتزود". وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في الأضاحي والأطعمة ومسلم في الأضاحي والنسائي في الحج. 2981 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنِي بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ -رضي الله عنه- أَخْبَرَهُ "أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ خَيْبَرَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ -وَهْيَ أدنى خَيْبَرَ- فَصَلَّوُا الْعَصْرَ، فَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالأَطْعِمَةِ، وَلَمْ يُؤْتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ بِسَوِيقٍ، فَلُكْنَا فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا وَصَلَّيْنَا". وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) بن عبيد الزمن العنزي البصري قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (قال: سمعت يحيى) بن سعيد الأنصاري (قال: أخبرني) بالإفراد (بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة ويسار ضد اليمين الحارثي الأنصاري المدني (أن سويد بن النعمان) بن مالك الأنصاري (-رضي الله عنه- أخبره أنه خرج مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام خيبر) في غزوتها سنة سبع وخيبر غير منصرف للتأنيث والعلمية (حتى إذا كانوا) أي النبي وأصحابه (بالصهباء) بالمهملة والموحدة والمد (وهي) أي الصهباء (من خيبر وهي أدنى خيبر) أي أسفلها (فصلوا العصر) (فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالأطعمة فلم يؤت) بالفاء ولأبي ذر: ولم يؤت

124 - باب حمل الزاد على الرقاب

(النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا بسويق) وهو ما يجرش من الشعير والحنطة وغيرهما للزاد (فلكنا) بضم اللام وسكون الكاف أي مضغنا السويق وأدرناه في الفم (فأكلنا وشربنا) من الماء أي من رائق السويق (ثم قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى صلاة المغرب (فمضمض) قبل الدخول في الصلاة (ومضمضنا) كذلك (وصلينا) نحن والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم نتوضأ. وموضع الترجمة في قوله: فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالأطعمة ومن قوله إلا بالسويق وتقدم الحديث في باب من مضمض من السويق من كتاب الطهارة. 2982 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "خَفَّتْ أَزْوَادُ النَّاسِ وَأَمْلَقُوا، فَأَتَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَحْرِ إِبِلِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: مَا بَقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبِلِكُمْ؟ فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا بَقَاؤُهُمْ بَعْدَ إِبِلِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نَادِ فِي النَّاسِ يَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، فَدَعَا وَبَرَّكَ عَلَيْهِم، ثُمَّ دَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ فَاحْتَثَى النَّاسُ حَتَّى فَرَغُوا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ". وبه قال: (حدّثنا بشر بن مرحوم) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة ومرحوم بالحاء المهملة جده واسم أبيه عبيس بالعين والسين المهملتين العطار البصري مولى آل معاوية قال: (حدّثنا حاتم بن إسماعيل) بالحاء المهملة وكسر المثناة الفوقية ابن إسماعيل الكوفي (عن يزيد بن أبي عبيد) مولى سلمة بن الأكوع (عن سلمة) بن الأكوع (-رضي الله عنه- قال: خفت) أي قلت (أزواد الناس وأملقوا) أي افتقروا وفنيت أزوادهم كذا قرره الزركشي وابن حجر والبرماوي والعيني بورده في المصابيح بأن قبله خفت أزواد الناس ثم الواقع أنها لم تفن بالكلية بدليل أنهم جمعوا أفضل أزوادهم فبرك عليه الصلاة والسلام عليها (فأتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فاستأذنوه (في نحر إبلهم فأذن لهم) عليه الصلاة والسلام في نحرها (فلقيهم عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (فأخبروه) بذلك (فقال: ما بقاؤكم بعد) نحر (إبلكم فدخل عمر) -رضي الله عنه- (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله ما بقاؤهم بعد) نحر (إبلهم)؟ أي بقاؤهم يسير لغلبة الهلاك على الرجال، وقول ابن حجر والدماميني تبعًا للزركشي وهذا أخذه عمر -رضي الله عنه- من نهي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أكل لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر استبقاء لظهورها ليحمل عليها المسلمين ويحمل أزوادهم، تعقبه صاحب اللامع بأن الراجح تحريم الحمر لعينها (قال): ولأبي ذر فقال (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ناد في الناس يأتون بفضل أزوادهم) قال ابن حجر: أي هم يأتون ولذلك رفعه وتعقبه العيني فقال: كونه حالاً أوجه على ما لا يخفى (فدعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وبرك) بتشديد الراء أي دعا بالبركة (عليه) أي على الطعام ولأبي ذر عن المستملي عليهم على الأزواد (ثم دعاهم بأوعيتهم فاحتثى الناس) بالحاء المهملة والمثلثة أي أخذوا بالحثيات لكثرته أي حفنوا يأيديهم من ذلك (حتى فرغوا) من حاجتهم (ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله). إشارة إلى أن ظهور المعجزة يؤيد الرسالة. ومطابقته للترجمة في قوله: خفت أزواد الناس. 124 - باب حَمْلِ الزَّادِ عَلَى الرِّقَابِ (باب حمل الزاد على الرقاب) عند تعذر حمله على الدواب. 2983 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ بن عبد الله -رضي الله عنه- قَالَ: "خَرَجْنَا وَنَحْنُ ثَلاَثُمِائَةٍ نَحْمِلُ زَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا، فَفَنِيَ زَادُنَا، حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا يَأْكُلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَمْرَةً. قَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَأَيْنَ كَانَتِ التَّمْرَةُ تَقَعُ مِنَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَقَدْنَاهَا، حَتَّى أَتَيْنَا الْبَحْرَ، فَإِذَا حُوتٌ قَدْ قَذَفَهُ الْبَحْرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَا أَحْبَبْنَا". وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي قال: (أخبرنا عبدة) بسكون الموحدة بعد العين المفتوحة ابن سليمان (عن هشام) هو ابن عروة (عن وهب بن كيسان عن جابر -رضي الله عنه-) ولأبي ذر عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- (قال: خرجنا) أي في رجب سنة ثمان من الهجرة في بعث قبل الساحل وكان أميره أبا عبيدة بن الجراح (ونحن ثلاثمائة نحمل زادنا على رقابنا ففني زادنا) هذا موضع الترجمة، والظاهر أنه كان لهم زاد بطريق العموم وزاد بطريق الخصوص فلما فني الذي بطريق العموم اقتضى رأي أبي عبيدة أن يجمع الذي بطريق الخصوص للمواساة بينهم في ذلك وجوّز العيني أن يكون معنى فني أشرف على الفناء (حتى كان الرجل منا يأكل تمرة) وللكشميهني في كل يوم تمرة (قال رجل): هو أبو الزبير كما في مسلم وسيأتي إن شاء الله تعالى في المغازي ما يدل على أنه وهب بن كيسان (يا أبا عبد الله) هي كنية جابر (وأين كانت التمرة تقع) أي من جهة الغذاء أو القوت (من الرجل؟ قال: لقد وجدنا فقدها) أي حزنًا على فقدها أو وجدناه مؤثرًا (حين فقدناها) بفتح القاف، وفي رواية أبي الزبير فقلت: كيف كنتم تصنعون بها؟ فقال: كنا نمصها كما يمص

125 - باب إرداف المرأة خلف أخيها

الصبي ثم نشرب عليها من الماء فتكفينا يومنا إلى الليل (حتى أتينا البحر) أي ساحله (فإذا حوت) زاد في رواية غزوة سيف البحر من المغازي مثل الظرب بفتح المعجمة وكسر الراء آخره موحدة الجبل الصغير، والحوت: اسم جنس لجميع السمك أو ما عظم منه، وفي رواية الخولاني فهبطنا ساحل البحر فإذا نحن بأعظم حوت (قدفه) وللحموي والكشميهني: قد قذفه (البحر، فأكلنا منه ثمانية عشر يومًا ما أحببنا) أي ما اشهينا وفي رواية عمرو بن دينار نصف شهر، وفي رواية أبي الزبير أقمنا عليها شهرًا، ورجح النووي هذه الأخيرة لما فيها من الزيادة. وفيه جواز أكل الحوت الطافي. 125 - باب إِرْدَافِ الْمَرْأَةِ خَلْفَ أَخِيهَا (باب إرداف المرأة خلف أخيها) الراكب. 2984 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَرْجِعُ أَصْحَابُكَ بِأَجْرِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى الْحَجِّ؟ فَقَالَ لَهَا: اذْهَبِي، وَلْيَرْدِفْكِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَنْ يُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ. فَانْتَظَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَعْلَى مَكَّةَ حَتَّى جَاءَتْ". وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن بحر الباهلي البصري قال: (حدّثنا أبو عاصم) النبيل واسمه الضحاك قال: (حدّثنا عثمان بن الأسود) الجمحي قال: (حدّثنا ابن أبي مليكة) بضم الميم هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة واسم أبي مليكة زهير (عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله يرجع أصحابك بأجر حج وعمرة ولم أزد على الحج؟ فقال لها): (اذهبي وليردفك) بفتح الياء وضمها في اليونينية أخوك (عبد الرحمن) وهذا موضع الترجمة. (فأمر عبد الرحمن أن يعمرها من التنعيم) بفتح المثناة الفوقية مكان معروف خارج مكة وهو على أربعة أميال من مكة إلى جهة المدينة كما نقله الفاكهي، وزاد أبو داود في روايته فإذا هبطت بها من الأكمة فلتحرم فإنها عمرة متقبلة. وروى الفاكهي من طريق محمد بن عمير قال: إنما سمي التنعيم لأن الجبل الذي عن يمين الداخل يقال له ناعم والذي عن اليسار يقال له منعم والوادي نعمان، (فانتظرها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأعلى مكة حتى جاءت). 2985 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَمَرَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أُرْدِفَ عَائِشَةَ وَأُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله) ولأبي ذر حدّثنا عبد الله بن محمد أي المسندي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن عمرو بن دينار) بفتح العين وسكون الميم ولأبي ذر هو ابن دينار (عن عمرو بن أوس) بفتح العين والهمزة ابن أبي أوس الثقفي الطائفي التابعي وليس بصحابي (عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- قال): (أمرني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أردف) أختي (عائشة) -رضي الله عنها- (وأعمرها من التنعيم) بضم الهمزة من أردف وأعمرها. فإن قلت: ما وجه دخول هذين الحديثين هنا؟ أجيب: باحتمال أن يكون من قوله عليه الصلاة والسلام: جهادكن الحج. 126 - باب الاِرْتِدَافِ فِي الْغَزْوِ وَالْحَجِّ (باب الارتداف في) سفر (الغزو و) سفر (الحج). 2986 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنْتُ رَدِيفَ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِنَّهُمْ لَيَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا: الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) وسقط في رواية أبي ذر ابن سعيد قال: (حدّثنا عبد الوهاب) الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (عن أنس -رضي الله عنه- قال): (كنت رديف أبي طلحة وإنهم) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه رضي الله عنهم (ليصرخون) بلام التأكيد أي يرفعون أصواتهم (بهما جميعًا الحج والعمرة) بالجرّ فيهما بدلاً من الضمير ويجوز النصب على الاختصاص وبالرفع خبر مبتدأ محذوف أي أحدهما الحج والآخر العمرة. وموضع الترجمة ظاهر وفي الغزو على الحج. 127 - باب الرِّدْفِ عَلَى الْحِمَارِ (باب الردف) بكسر الراء أي المرتدف الراكب خلف الراكب (على الحمار). 2987 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى إِكَافٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ". [الحديث 2987 - أطرافه في: 4566، 5663، 5964، 6207]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا أبو صفوان) عبد الله بن سعيد الأموي (عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-) (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ركب على حمار على إكاف) بكسر الهمزة ويقال وكاف بالواو وهو ما يشد على الحمار كالسرج للفرس (عليه) أي على الإكاف (قطيفة) دثار مخمل (وأردف أسامة) بن زيد (وراءه). والحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في اللباس وفي التفسير والأدب والاستئذان والطلب ومسلم في المغازي والنسائي في الطب. 2988 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حدثنا يُونُسُ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَمَعَهُ بِلاَلٌ وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ مِنَ الْحَجَبَةِ حَتَّى أَنَاخَ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِفْتَاحِ الْبَيْتِ، فَفَتَحَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ أُسَامَةُ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ، فَمَكَثَ فِيهَا نَهَارًا طَوِيلاً، ثُمَّ خَرَجَ فَاسْتَبَقَ النَّاسُ، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ، فَوَجَدَ بِلاَلاً وَرَاءَ الْبَابِ قَائِمًا. فَسَأَلَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَأَشَارَ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ: كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ؟. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (قال: حدّثنا يونس) بن يزيد الأيلي (أخبرني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر

128 - باب من أخذ بالركاب ونحوه

(عن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقبل يوم الفتح) في رمضان سنة ثمان من الهجرة (من أعلى مكة) من كداء بالفتح والمدّ (على راحلته) حال كونه (مردفًا أسامة بن زيد) خادمه وهذا موضمع الترجمة ويلحق الارتداف على الراحلة بالارتداف على الحمار نعم هو عليه أقوى في التواضع (ومعه بلال) مؤذنه (ومعه عثمان بن طلحة) بن أبي طلحة بن عبد العزى لكونه (من الحجبة) بفتح الحاء المهملة والجيم أي حجبة الكعبة وسدنتها الذين بيدهم مفتاحها (حتى أناخ) عليه الصلاة والسلام راحلته (في المسجد) الحرام (فأمره أن يأتي بمفتاح البيت) العتيق فأتى به من عند أمه سلافة بضم السين المهملة (ففتح) عليه الصلاة والسلام به الكعبة، ولأبي ذر: ففتح بضم ثانيه مبنيًّا للمفعول (ودخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الكعبة (ومعه أسامة وبلال وعثمان) بن طلحة الحجبي (فمكث فيها نهارًا طويلاً) يصلّي ويكبر ويدعو، (ثم خرج) منها (فاستبق الناس) أي فتسابقوا للولوج إلى الكعبة (وكان) بالواو ولأبي ذر فكان (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (أوّل من دخل) الكعبة (فوجد بلالاً وراء الباب قائمًا فسأله أين صلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)؟ في الكعبة (فأشار) بلال له (إلى المكان الذي صلّى فيه) منها. وفي رواية مسلم أنه قال: صلّى بين العمودين اليمانيين. (قال عبد الله) بن عمر (فنسيت) بالفاء (أن أسأله) أي بلالاً (كم صلّى) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من سجدة) أي من ركعة، ولا يعارضه نفي أسامة صلاته عليه الصلاة والسلام فيها المروي في مسلم لأن بلالاً مثبت فهو مقدم على النافي. نعم روي عن أسامة إثباتها كما عند أحمد والطبراني ولا تناقض في روايتيه لأن النفي بالنسبة لما في علمه كونه لم يرَ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين صلّى لاشتغاله في ناحية من نواحي الكعبة أو لإتيانه بما يمحو به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصور التي كانت بالكعبة والإثبات أخبره به غيره فرواه عنه. 128 - باب مَنْ أَخَذَ بِالرِّكَابِ وَنَحْوِهِ (باب من أخذ بالركاب) للراكب (ونحوه) كالإعانة على الركوب. 2989 - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: يَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا - أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ - صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق) هو ابن منصور بن بهرام الكوسج المروزي كما رجحه الحافظ ابن حجر قال: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) بسكون ثانيه (عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كل سلامى) بضم السين وفتح الميم مقصور الأنملة من أنامل الأصابع (من الناس) أو كل عظم مجوّف من صغار العظام. قال التوربشتي: وفي معناه خلق الإنسان على ثلاثمائة وستين مفصلاً عليه أن يتصدق عن كل مفصل بصدقة. وقال في الفتح: والمعنى على كل مسلم مكلف بعدد كل مفصل من عظامه صدقة لله تعالى شكرًا له بأن جعل لعظامه مفاصل يتمكن بها من القبض والبسط وخصّت بالذكر لما في التصرف بها من دقائق الصنائع التي اختص بها الآدمي اهـ. وقال البيضاوي: المعنى أن على كل مفصل من عظام يصبح سليمًا من الآفات باقيًا على الهيئة التي تتم بها منافعه وأفعاله صدقة شكرًا لمن صوّره ووقاه عما يغيره ويؤذيه اهـ. وكل سلامى مبتدأ مضاف ومن الناس صفة لسلامى (عليه صدقة) جملة من المبتدأ والخبر خبر للمبتدأ الأوّل. فإن قلت: كان القياس أن يقول عليها لأن السلامى مؤنثة؟ أجيب: بأنه جاء على وفق لفظ كل أو أنه ضمن لفظ سلامى معنى العظم أو المفصل وأعاد الضمير عليه كذلك. (كل يوم تطلع فيه الشمس) بنصب كل على الظرفية (يعدل) المسلم المكلف أي يصلح بالعدل (بين الاثنين صدقة) بفتح أوّل يعدل وكسر ثالثه وهو مبتدأ تقديره أن يعدل مثل قوله تسمع بالمعيدي خير من أن تراه (ويعين) المسلم المكلف (الرجل) أي يساعده (على دابته فيحمل عليها) الراكب وقوله فيحمل بفتح المثناة التحتية وسكون الحاء المهملة (أو يرفع عليها متاعه صدقة). وهذا موضع الترجمة فإنه يدخل فيها الأخذ بالركاب وغيره

129 - باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو

وأو للشك من الراوي أو للتنويع. (والكلمة الطيبة) يكلمها أخاه المسلم (صدقة وكل خطوة) بفتح الخاء ولأبي ذر خطوة بضمها (يخطوها إلى الصلاة) ذاهبًا وراجعًا (صدقة، ويميط) أي يزيل (الأذى عن الطريق صدقة). 129 - باب كراهية السَّفَرِ بِالْمَصَاحِفِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَتَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَدْ سَافَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ. (باب السفر) وللمستملي كراهية السفر (بالمصاحف إلى أرض العدوّ، وكذلك يروى) القول بالكراهة الثابتة عند المستملي كما مرّ (عن محمد بن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن الفرافصة العبدي الكوفي مما وصله إسحاق بن راهويه في مسنده (عن عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عمر (عن نافع عن ابن عمر) بن الخطاب (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولفظ رواية إسحاق كره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدوّ الحديث، وأراد بالقرآن المصحف. (وتابعه) أي تابع محمد بن بشر (ابن إسحاق) صاحب المغازي مما رواه أحمد بمعناه (عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). إنما ذكر المؤلّف هذه المتابعة ليبيّن ما زاده بعضهم في هذا الحديث، وهو قوله مخافة أن يناله العدوّ زاعمًا أنه من قول الرسول لأنه لا يصح مرفوعًا، وإنما هو من قول مالك لما أخرجه أبو داود عن القعنبي عن مالك فقال قال مالك أراه مخافة، وكذا أكثر الرواة عن مالك جعلوا التعليل من كلامه، وأشار ابن عبد البرّ إلى أن ابن وهب انفرد بها. كذا قرره ابن بطال وغيره. نعم لم ينفرد بها ابن وهب فقد أخرجه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن مالك وزاد مخافة أن يناله العدوّ، وكذا رواها مرفوعة إسحاق في مسنده المشار إليه قريبًا، وكذا مسلم والنسائي وابن ماجة أيضًا من طريق الليث عن نافع ومسلم من طريق أيوب بلفظ: فإني لا آمن أن يناله العدو فصرّح بأنه مرفوع ولينس بمدرج، وحينئذٍ فالمتابعة إنما هي في أصل الحديث قاله في الفتح. والعطف في قوله وكذلك يروى صحيح على رواية المستملي، أما على رواية غيره فاستشكله الخطابي من حيث أنه لم يتقدمه ما يعطف عليه. وأجاب: باحتمال غلط النساخ بالتقديم والتأخير. (وقد سافر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) -رضي الله عنهم- (في أرض العدو وهم يعلمون القرآن) بفتح المثناة التحتية وسكون العين كذا في الفرع وأصله وأصل الدمياطي وغيرهم، فالنهي عن السفر بالقرآن إنما المراد به السفر بالمصحف خشية أن يناله العدوّ لا السفر بالقرآن نفسه، لأن القرآن المنزل لا يمكن السفر به فدلّ على أن المراد به المصحف المكتوب فيه القرآن. 2990 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-) (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى أن يسافر بالقرآن) أي بالمصحف (إلى أرض العدو) خوفًا من الاستهانة به واستدلّ به على منع بيع المصحف من الكافر لوجود العلة وهي التمكن من الاستهانة به وكذا كتب فقه فيها آثار السلف بل قال السبكي: الأحسن أن يقال كتب علم وإن خلت عن الآثار تعظيمًا للعلم الشرعي. قال ولده الشيخ تاج الدين، وقوله تعظيمًا للعلم الشرعي يفيد جواز بيع الكافر كتب علوم غير شرعية، وينبغي المنع من بيع ما يتعلق منها بالشرع ككتب النحو واللغة اهـ. فإن قلت: ما الجمع بين هذا وبين كتابه عليه الصلاة والسلام إلى هرقل من قوله: {يا أهل الكتاب} [آل عمران: 70] الآية؟ أجيب: بأن المراد بالنهي حمل المجموع أو المتميز والمكتوب لهرقل إنما هو في ضمن كلام آخر غير القرآن. 130 - باب التَّكْبِيرِ عِنْدَ الْحَرْبِ (باب) مشروعية (التكبير عند الحرب). 2991 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "صَبَّحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ وَقَدْ خَرَجُوا بِالْمَسَاحِي عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: هَذَا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ. فَلَجَؤوا إِلَى الْحِصْنِ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ. وَأَصَبْنَا حُمُرًا فَطَبَخْنَاهَا، فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ. فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَا". تَابَعَهُ عَلِيٌّ عَنْ سُفْيَانَ "رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أنس -رضي الله عنه- قال: صبح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر) لا تضاد بين هذا وقوله في رواية حميد عن أنس أنهم قدموا ليلاً فإنه يحمل على أنهم لما قدموها ناموا دونها ثم ركبوا إليها فصبحوها (وقد خرجوا) أي أهلها (بالمساحي على أعناقهم) طالبين مزارعهم (فلما رأوه) عليه الصلاة والسلام (قالوا): هذا (محمد والخميسُ محمد والخميسُ) مرتين

131 - باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير

أي الجيش وسمي به لأنه مقسوم بخمسة المقدمة والساقة والميمنة والميسرة والقلب والمعنى أن محمدًا جاء بالجيش ليقاتلهم (فلجأوا إلى الحصن) الذي بخيبر ولجأوا باللام المفتوحة والجيم والهمزة المضمومة أي تحصنوا به (فرفع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديه وقال): (الله أكبر) كذا بزيادة التكبير في معظم الطرق عن أنس وهذا موضع الترجمة (خربت خيبر)، قاله عليه الصلاة والسلام تفاؤلاً لما رأى معهم آلة الهدم أو قاله بطريق الوحي ويؤيده وله (إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) بفتح الذال المعجمة (وأصبنا حمر) بضم الحاء المهملة والميم جمع حمار والمراد الأهلي (فطبخناها) (فنادى منادي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هو أبو طلحة زيد بن سهل كما في مسلم (إن الله ورسوله ينهيانكم) بالتثنية، وللكشميهني: ينهاكم بالإفراد (عن لحوم الحمر). الأهلية لأنها رجس فتحريمها لعينها لا لأنها لم تخمس ولا لكونها تأكل العذرة ولا لأنها كانت حمولتهم (فأكفئت القدور) أي أميلت أو قلبت (بما فيها. تابعه) أي تابع عبد الله بن محمد المسندي (علي) هو ابن المديني (عن سفيان رفع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديه). 131 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي التَّكْبِيرِ (باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير). 2992 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا، ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّهُ مَعَكُمْ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ، وَتَعَالَى جَدُّهُ». [الحديث 2992 - أطرافه في: 4205، 6384، 6409، 6610، 7386]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي أو هو الفريابي كما نص عليه أبو نعيم قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عاصم) الأحول (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكنا إذا أشرفنا) أي اطّلعنا (عن وادٍ هلّلنا وكبّرنا) قد (ارتفعت أصواتنا) جملة فعلية حالية (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا أيها الناسُ أربعُوا على أنفسكم) بكسر الهمزة وفتح الموحدة أي أرفقوا أو انتظروا أو أمسكوا عن الجهر وقفوا عنه أو اعطفوا عليها بالرفق بها والكف عن الشدة (فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا إنه معكم إنه سميع) في مقابلة أصم (قريب)، في مقابلة غائبًا زاد في غير رواية أبي ذر: تبارك اسمه وتعالى جدّه. قال الطبري: وفيه كراهية رفع الصوت بالدعاء والذكر، وبه قال عامّة السلف من الصحابة والتابعين. وموضع الترجمة من معنى الحديث لأن حاصل المعنى فيه أنه عليه الصلاة والسلام كره رفع الصوت بالذكر والدعاء. 132 - باب التَّسْبِيحِ إِذَا هَبَطَ وَادِيًا (باب التسبيح إذا هبط) أتي نزل المسافر (واديًا). 2993 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا". [الحديث 2993 - طرفه في: 2994]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن حصين بن عبد الرحمن) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (عن سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: كنا إذا صعدنا) بكسر العين أي طلعنا موضعًا عاليًا كجبل أو تل (كبّرنا) استشعارًا لكبرياء الله تعالى عندما يقع البصر على الأمكنة العالية لأن الارتفاع محبوب للنفوس لما فيه من استشعار أنة أكبر من كل شيء (وإذا نزلنا) إلى مكان منخفض كوادٍ (سبّحنا) استنباطًا من قصة يونس، وتسبيحه في بطن الحوت لننجو من بطن الأودية كما نجا يونس بالتسبيح من بطن الحوت، وعن بعضهم لما كان التكبير لله عند رؤية عظيم من مخلوقاته وجب أن يكون فيما انخفض من الأرض تسبيح الله تعالى لأن تسبيحه تعالى تنزيه عن صفات الانخفاض والضعة. وقال ابن المنير: ينبغي أن يكون التنزيه في محل الانخفاض والاستعلاء لأن جهتي العلو والسفل كلاهما محال على الحق تعالى فالعلو وإن كان معنويًّا لا جسمانيًّا فقد وصف به ولم يؤذن في وصفه بالانخفاض البتّة ولا له اسم مشتق من ذلك وقد ورد: ينزل ربنا إلى سماء الدنيا وأوّلناه بالمعنى لكنه لم يشتق له منه اسم المتنزل بخلاف اسمه المتعالي سبحانه وتعالى اهـ. من المصابيح. 133 - باب التَّكْبِيرِ إِذَا عَلاَ شَرَفًا (باب التكبير إذا علا) المسافر في الغزو أو الحج أو غيرهما (شرفًا) أي مكانًا مشرّفًا عاليًا. 2994 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وَإِذَا تَصَوَّبْنَا سَبَّحْنَا". وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد الشين المعجمة العبدي البصري قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) هو محمد بن أبي عدي واسم أبي عدي إبراهيم السلمي (عن شعبة) بن الحجاج

134 - باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة

(عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن (عن سالم) هو ابن أبي الجعد (عن جابر) هو ابن عبد الله (-رضي الله عنه- قال: كنا إذا صعدنا) بكسر العين أي علونا مكانًا عاليًا (كبّرنا و (ذا تصوّبنا) أي انحدرنا ونزلنا (سبّحنا). 2995 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَفَلَ مِنَ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ -وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ: الْغَزْوِ- يَقُولُ كُلَّمَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ. آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ. صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ. قَالَ صَالِحٌ: فَقُلْتُ لَهُ أَلَمْ يَقُلْ عَبْدُ اللَّهِ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ؟ قَالَ: لاَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله) هو ابن يوسف كما قاله ابن السكن وتردد أبو مسعود الدمشقي بين أن يكون هو ابن صالح كاتب الليث وبين أن يكون ابن رجاء الغداني والمعتمد الأول كما قاله الجياني (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد العزيز بن أبي سلمة) بفتح اللام (عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف (عن سالم بن عبد الله) بن عمر (عن) أبيه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قفل) بقاف ثم فاء أي رجع (من الحج أو العمرة ولا أعلمه إلا قال الغزو) بالنصب على المفعولية والجر عطفًا على المجرور السابق وهذه الجملة كالإضراب عن الحج والعمرة كأنه قال إذا قفل من الغزو ثم إن ظاهره اختصاص قول ذلك بالمذكورات والجمهور على مشروعيته لكل سفر طاعة (يقول) عليه الصلاة والسلام (كلما أوفى) بفتح الهمزة والفاء وسكون الواو أشرف وعلا (على ثنية) بفتح المثلثة وكسر النون وتشديد التحتية أعلى الجبل أو الطريق في الجبال (أو) أوفى على (فدفد) بفاءين مفتوحتين بينهما دال ساكنة وبعد الأخيرة أخرى مهملتين الفلاة من الأرض لا شيء فيها أو الغليظة أو ذات الحصى المستوية أو المرتفعة (كبّر) الله (ثلاثًا) هو جواب الشرط وموضع الترجمة كما لا يخفى (ثم قال): (لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) قال القرطبي: وفي تعقيب التكبير بالتهليل إشارة إلى أنه المنفرد بإيجاد جميع الموجودات وأنه المعبود في جميع الأماكن. وقال في الفتح: يحتمل أنه عليه الصلاة والسلام كان يأتي بهذا الذكر عقب التكبير وهو على المكان المرتفع، ويحتمل أن التكبير يختص بالمكان المرتفع وما بعده إن كان متسعًا أكمل الذكر المذكور فيه وإلاّ فإذا هبط سبّح كما دل عليه حديث جابر، ويحتمل أن يكمل الذكر مطلقًا عقب التكبير ثم يأتي بالتسبيح إذا هبط. (آيبون)، بمد الهمزة أي نحن راجعون إلى الله تعالى نحن (تائبون)، إليه تعالى فيه إشارة إلى التقصير في العبادة وقاله عليه الصلاة والسلام على سبيل التواضع أو تعليمًا لأمته نحن (عابدون) نحن (ساجدون لربنا) نحن (حامدون) والجار والمجرور إما متعلق بساجدون أو بحامدون أو بهما أو بالصفات الأربعة المتقدمة أو بالخمسة على سبيل التنازع (صدق الله وعده) فيما وعد به من إظهار دينه (ونصر عبده) محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وهزم الأحزاب) الذين تحزبوا في غزوة الخندق لحربه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاللام للعهد أو المراد كل من تحزّب من الكفّار لحربه عليه الصلاة والسلام فتكون جنسية، أو المراد: اللهمّ اهزم الأحزاب فيكون بمعنى الدعاء والأول هو الظاهر، وقد كان عليه الصلاة والسلام إذا خرج للغزو واعتدّ له بالعدد والعُدد فيجمع أصحابه ويتخذ الخيل والسلاح فإذا رجع تعرّى عن ذلك وردّ الأمر فيه إليه فقال: وهزم الأحزاب (وحده) فينفى السبب فناء في المسبب، وهذا هو المعنى الحقيقي لأن الإنسان وفعله خلق لربه تعالى قال الله تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [الأنفال: 17] فما حصل من الهزيمة والنصرة مضاف إليه وبه وهو خير الناصرين. (قال صالح) هو ابن كيسان (فقلت له) أي لسالم بن عبد الله (ألم يقل عبد الله) بن عمر بعد قوله آيبون (إن شاء الله)؟ كما في رواية نافع مما ثبت في باب ما يقول إذا رجع من الغزو (قال): سالم (لا) أي لم يقل ذلك. 134 - باب يُكْتَبُ لِلْمُسَافِرِ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الإِقَامَةِ هذا (باب) بالتنوين (يكتب للمسافر) سفر طاعة (ما) ولغير أبي ذر مثل ما (كان يعمل في الإقامة). 2996 - حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا الْعَوَّامُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ السَّكْسَكِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ وَاصْطَحَبَ هُوَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي كَبْشَةَ فِي سَفَرٍ فَكَانَ يَزِيدُ يَصُومُ فِي السّفَرِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى مِرَارًا يَقُولُ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا". وبه قال: (حدّثنا مطر بن الفضل) المروزي قال: (حدّثنا يزيد بن هارون) بن زاذان الواسطي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (العوّام) بفتح العين المهملة وتشديد الواو ابن حوشب قال: (حدّثنا

135 - باب السير وحده

إبراهيم أبو إسماعيل) بن عبد الرحمن (السكسكي) بسينين مهملتين مفتوحتين بينهما كاف ساكنة وفي آخره أخرى أيضًا نسبة إلى السكاسك بن أشرس بن كندة (قال: سمعت أبا بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر بن أبي موسى الأشعري (واصطحب) أي أبو بردة (هو ويزيد بن أبي كبشة) بفتح الكاف وسكون الموحدة وفتح الشين المعجمة الشامي واسم أبيه حيويل بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية وكسر الواو بعدها تحتية أخرى ساكنة ثم لام ولي خراج السند لسليمان بن عبد الملك وتوفي في خلافته وليس له في البخاري ذكر إلاّ هنا والمعنى اصطحب معه (في سفر فكان يزيد يصوم في السفر فقال له أبو بردة سمعت) أبي (أبا موسى) الأشعري -رضي الله عنه- (مرارًا يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا مرض العبد) المؤمن وكان يعمل عملاً قبل مرضه ومنعه منه المرض ونيّته لولا المانع مداومته عليه (أو سافر) سفر طاعة ومنعه السفر مما كان يعمل من الطاعات ونيّته المداومة (كتب له مثل ما كان يعمل) حال كونه (مقيمًا) وحال كونه (صحيحًا) فهما حالان مترادفان أو متداخلان وفيه اللفّ والنشر الغير المرتب لأن مقيمًا يقابل أو سافر وصحيحًا يقابل إذا مرض وحمل ابن بطال الحكم المذكور على النوافل لا الفرائض فلا تسقط بالسفر والمرض وتعقبه ابن المنير بأنه تحجر واسعًا بل تدخل فيه الفرائض التي شأنها أن يعمل بها وهو صحيح إذا عجز عن جملتها أو بعضها بالمرض كتب له أجر ما عجز عنه فعلاً لأنه قام به عزمًا أن لو كان صحيحًا حتى صلاة الجالس في الفرض لمرضه يكتب له عنها أجر صلاة القائم اهـ. وهذا ذكره في المصابيح من غير عزوٍ ساكتًا عليه وتعقبه صاحب الفتح فقال وليس اعتراضه بجيد لأنهما لم يتواردا. 135 - باب السَّيْرِ وَحْدَهُ (باب) حكم (السير) حال كون السائر (وحده) من غير رفيق معه هل يكره أم لا. 2997 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "نَدَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّاسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ". قَالَ سُفْيَانُ: الْحَوَارِيُّ النَّاصِرُ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) بضم الحاء وفتح الميم عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- يقول: ندب) أي دعا (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس يوم) غزوة (الخندق) وهي الأحزاب سبق في فضل الطليعة من يأتيني بخبر القوم، ويأتي إن شاء الله تعالى في مناقبه من يأتيني بخبر بني قريظة (فانتدب) أي أجاب (الزبير) بن العوّام -رضي الله عنه- (ثم ندبهم) عليه الصلاة والسلام ثانيًا (فانتدب) أي أجاب (الزبير ثم ندبهم) عليه الصلاة والسلام ثالثًا (فانتدب الزبير) زاد في رواية أبي ذر ثلاثًا وفيه شدّة شجاعته -رضي الله عنه- (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن لكل نبي حواريًّا) بفتح الحاء المهملة منوّنًا أي خاصة من أصحابه (وحواريّ الزبير). قال الزجّاج: الحوري ينصرف لأنه منسوب إلى حوار وليس كبخاتي وكراسي لأن واحده بختيّ وكرسي، فإذا أضيف إلى ياء المتكلم فقد تحذف وقد ضبطه جماعة بفتح الياء وهو الذي في الفرع وأكثرهم بكسرها وهو القياس لكنهم حين استثقلوا الكسرة وثلاث ياءات حذفوا ياء المتكلم وأبدلوا من الكسرة فتحة. (قال سفيان): أي ابن عيينة (الحواري) هو (الناصر) وهذا أخرجه الترمذي وغيره عنه وعن ابن عباس مما وصله ابن أبي حاتم سمي الحواريون لبياض ثيابهم وإنهم كانوا صيادين، وأخرج عن الضحاك أن الحواري هو الغسال بالنبطية وعن قتادة الحواري الذي يصلح للخلافة وعنه هو الوزير. ووجه المطابقة بين الحديث والترجمة من حيث انتداب الزبير وتوجهه وحده كما يدل على ذلك ما سيأتي إن شاء الله تعالى في مناقب الزبير. 2998 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ح حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: (حدّثنا عاصم بن محمد) وللمستملي زيادة ابن زيد بن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهم- (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) محمد (عن) جده (ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح) للتحويل وسقطت في الفرع وأصله. (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال:

136 - باب السرعة في السير

(حدّثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن ابن عمر) بن الخطاب (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لو يعلم الناس ما في الوحدة) بفتح الواو وكسرها وأنكر بعضهم الكسر كما حكاه السفاقسي ونصبه على الظرفية عند الكوفيين والمصدرية عند البصريين (ما أعلم) جملة في محل نصب مفعول يعلم (ما سار راكب) وكذا ماش فالأول خرج مخرج الغالب (بليل وحده). وهذا الحديث رواه النسائي من رواية عمر بن محمد أخي عاصم بن محمد وهو يردّ على الترمذي حيث قال: إن عاصم بن محمد تفرّد بروايته ويؤخذ من حديث جابر جواز السفر منفردًا للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالانفراد كإرسال الجاسوس والطليعة والكراهة لما عدا ذلك، ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة. 136 - باب السُّرْعَةِ فِي السَّيْرِ قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي فَلْيُعَجِّلْ». (باب السرعة في السير) عند الرجوع إلى الوطن (قال) ولأبي ذر وقال: (أبو حميد) بضم الحاء المهملة عبد الرحمن الساعدي مما سبق في حديث مطوّلاً في الزكاة (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إني متعجل) بميم مضمومة ففوقية فعين مفتوحتين فجيم مكسورة (إلى المدينة فمن أراد أن يتعجل معي فليعجل) بضم التحتية وكسر الجيم مشددة ولأبي ذر فليتعجل بفتح التحتية والفوقية والجيم. قال المهلب: تعجله عليه الصلاة والسلام إلى المدينة ليريح نفسه ويفرح أهله. 2999 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ -رضي الله عنهما-كَانَ يَحْيَى يَقُولُ: وَأَنَا أَسْمَعُ، فَسَقَطَ عَنِّي- عَنْ مَسِيرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: فَكَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ. فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ. وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ". وبه قال: (حدّثنا ابن المثنى) العنزي البصري (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام) هو ابن عروة (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (قال: سئل أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-) قال البخاري قال ابن المثنى (كان يحيى) القطان (يقول): تعليقًا عن عروة أو مسندًا إليه سئل أسامة (وأنا أسمع) السؤال قال يحيى: (فسقط عني) لفظ وأنا أسمع عند رواية الحديث كأنه لم يذكرها أوّلاً واستدركه آخرًا وهذه الجملة معترضة بين قوله سئل أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- وبين قوله (عن مسير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع) حين أفاض من عرفة فقوله عن مسير متعلق بقوله سئل على ما لا يخفى (قال): أي أسامة ولأبي ذر فقال: (فكان يسير العنق). بفتح العين المهملة والنون وهو السير السهل (فإذا وجد فجوة) بفتح الفاء وسكون الجيم الفرجة بين الشيئين (نص). بفتح النون وتشديد الصاد المهملة (والنص) السير الشديد حتى يستخرج أقصى ما عنده فهو (فوق العنق). المفسر بالسير السهل وإنما تعجل عليه الصلاة والسلام إلى المزدلفة ليتعجل الوقوف بالمشعر الحرام. 3000 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ -هُوَ ابْن أَسْلَمَ- عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَبَلَغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ شِدَّةُ وَجَعٍ فَأَسْرَعَ السَّيْرَ, حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعَتَمَةَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا". وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) نسبه لجدّه الأعلى وإلا فهو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم الجمحي البصري قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) المدني (قال: أخبرني) بالإفراد (زيد هو ابن أسلم عن أبيه) أسلم (قال: كنت مع عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- بطريق مكة فبلغه عن) زوجته (صفية بنت أبي عبيد) بالتصغير الصحابية الثقفية أخت المختار وكانت من العابدات (شدّة وجع فأسرع السير) ليدرك من حياتها ما يمكنه أن تعهد إليه بما لا تعهده إلى غيره (حتى إذا كان بعد غروب الشفق ثم نزل) عن دابته (فصلّى المغرب والعتمة يجمع بينهما) ولأبي ذر جمع بينهما بصيغة الماضي (وقال: إني رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا جدّ به السير) أي اشتد قاله صاحب المحكم وقال القاضي عياض: أسرع كذا قال وكأنه نسب الإسراع إلى السير توسعًا (أخّر المغرب وجمع بينهما) أي المغرب والعشاء كذلك. 3001 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن سمي) بضم السين وفتح الميم (مولى أبي بكر) أي ابن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه) نصب بنزع الخافض أي من نومه أو مفعول ثانٍ ليمنع لأنه يطلب مفعولين كأعطى (وطعامه وشرابه) أي كمال نومه وكمال طعامه وشرابه ولذة ذلك

137 - باب إذا حمل على فرس فرآها تباع

لما فيه من المشقّة والتعب ومعاناة الحر والبرد والخوف والسرى ومفارقة الأهل والأصحاب وخشونة العيش (فإذا قضى أحدكم نهمته) بفتح النون أي بلغ همته من مطلوبه (فليعجل) بضم التحتية وكسر الجيم (إلى أهله). هذا موضع الترجمة على ما لا يخفى. قال في معالم السُّنّة: فيه الترغيب في الإقامة لئلا تفوته الجمعات والجماعات والحقوق الواجبة للأهل والقرابات وهذا في الأسفار غير الواجبة. ألا تراه يقول عليه الصلاة والسلام (فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله) أشار إلى السفر الذي له نهمة وأرب من تجارة أو غيرها دون السفر الواجب كالحج والغزو. 137 - باب إِذَا حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فَرَآهَا تُبَاعُ هذا (باب) بالتنوين (إذا حمل) رجل آخر (على فرس) ليجاهد عليها في سبيل الله (فرآها تباع) هل له أن يشتريها أم لا؟ 3002 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَوَجَدَهُ يُبَاعُ، فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: لاَ تَبْتَعْهُ، وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب حمل على فرس) أي أركبه غيره في الجهاد (في سبيل الله) هبة لا وقفًا (فوجده) أي فوجد عمر الفرس (يباع) وكان اسمه الورد وكان لتميم الداري فأهداه لعمر -رضي الله عنه- (فأراد أن يبتاعه) أي يشتريه (فسأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هل يشتريه (فقال): بالفاء قبل القاف ولأبي ذر قال: (لا تبتعه) أي لا تشتره (ولا تعد في صدقتك) سمى الشراء عودًا في الصدقة لأن العادة جرت بالمسامحة من البائع في مثل ذلك للمشتري فأطلق على القدر الذي يسامح به رجوعًا. 3003 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَابْتَاعَهُ -أَوْ فَأَضَاعَهُ- الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لاَ تَشْتَرِهِ وَإِنْ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم (قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: حملت على فرس) في الجهاد (في سبيل الله فابتاعه) أي باعه كما جاء اشترى بمعنى باع أو الأصل أباعه فهو بمعنى عرضه للبيع (أو فأضاعه الذي كان عنده) بأن فرط في القيام به، وأو للشك من الراوي (فأردت أن أشتريه وظننت أنه بائعه برخص) بضم الراء مصدر رخص السعر وأرخصه الله فهو رخيص (فسألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (لا تشتره) نهي تنزيه لا تحريم والصارف له عن التحريم تشبيهه بالعائد في قيئه (وإن) كان (بدرهم) مبالغة في رخصه (فإن العائد) الراجع (في هبته كالكلب) يقيء ثم (يعود في قيئه) فيأكله وهو دليل من منع الرجوع في الصدقة لما اشتمل عليه من التنفير الشديد حيث شبه الراجع بالكلب والمرجوع فيه بالقيء والرجوع في الصدقة برجوع الكلب في قيئه. 138 - باب الْجِهَادِ بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ (باب الجهاد بإذن الأبوين) المسلمين. 3004 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ -وَكَانَ لاَ يُتَّهَمُ فِي حَدِيثِهِ- قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: أَحَىٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ". [الحديث 3004 - طرفه في: 5972]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا حبيب بن أبي ثابت) قيس بن دينار الأسدي الكوفي (قال: سمعت أبا العباس) السائب بن فرّوخ المكي الأعمى (الشاعر وكان لا يتهم في حديثه) قال ذلك لئلا يظن أنه بسبب كونه شاعرًا يتهم (قال: سمعت عبد الله بن عمرو) هو ابن العاصي (-رضي الله عنهما- يقول: جاء رجل) هو جاهمة بن العباس بن مرداس كما عند النسائي وأحمد أو معاوية بن جاهمة كما عند البيهقي (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستأذنه في الجهاد فقال) له عليه الصلاة والسلام: (أحيٌّ والداك)؟ (قال: نعم). حيّان (قال): (ففيهما) أي الوالدين (فجاهد) الجار متعلق بالأمر قدّم للاختصاص والفاء الأولى جواب شرط محذوف والثانية جزائية لتضمن الكلام معنى الشرط أي إذا كان الأمر كما قلت فاخصصهما بالجهاد نحو قوله تعالى: {فإياي فاعبدون} [العنكبوت: 56] أي إذا لم يتسهل لكم إخلاص العبادة في بلدة ولم يتيسر لكم إظهار دينكم فهاجروا إلى حيث يتمشى لكم ذلك فحذف الشرط وعوّض منه تقدّم المفعول المفيد للإخلاص ضمنًا وقوله فجاهد جيء به للمشاكلة، وهذا ليس ظاهره مرادًا لأن ظاهر الجهاد إيصال الضرر للغير وإنما المراد القدر المشترك من كلفة الجهاد وهو بذل المال وتعب البدن فيؤول المعنى: ابذل مالك وأتعب بدنك في رضا والديك. والمطابقة بين الحديث والترجمة مستنبطة من قوله ففيهما فجاهد لأن أمره

139 - باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل

بالمجاهدة فيهما يقتضي رضاهما عليه ومن رضاهما الإذن له عند الاستئذان. وفي حديث أبي سعيد عند أبي داود فارجع فاستأذنهما فإن أذناك فجاهد وإلاّ فبرّهما. وصححه ابن حبّان والجمهور على حرمة الجهاد إذا منعا أو أحدهما بشرط إسلامهما لأن برّهما فرض عين والجهاد فرض كفاية فإذا تعين الجهاد فلا إذن وهل يلتحق الجد والجدة بهما في ذلك؟ الأصح نعم لشمول طلب البرّ. 139 - باب مَا قِيلَ فِي الْجَرَسِ وَنَحْوِهِ فِي أَعْنَاقِ الإِبِلِ (باب ما قيل في الجرس) بفتح الجيم والراء آخره سين مهملة المصوّت (ونحوه) مما يعلق كالقلائد (في أعناق الأبل) من الكراهة وتخصيصه الإبل كالحديث لأغلبيتها. 3005 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الأَنْصَارِيَّ -رضي الله عنه- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَسُولاً: أَنْ لاَ تَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلاَدَةٌ إِلاَّ قُطِعَتْ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام (عن عبد الله بن أبي بكر) هو ابن محمد بن حزم (عن عباد بن تميم) المازني (أن أبا بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة (الأنصاري) قيل اسمه قيس الأكبر بن حرير بمهملات بين الأخيرتين مثناة تحتية ساكنة وأوّله مضموم مصغرًا وليس له في هذا الكتاب سند غير هذا (رضي الله عنه أخبره أنه كان مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض أسفاره) قال في الفتح لم أقف على تعيينها (قال عبد الله) بن أبي بكر بن حزم الراوي (حسبت أنه قال والناس في مبيتهم) كأنه شك في هذه الجملة (فأرسل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رسولاً) هو زيد بن حارثة رواه الحرث بن أبي أسامة في مسنده. (لا تبقين) بالمثناة الفوقية والقاف المفتوحتين ولغير أبي ذر أن لا يبقين بزيادة أن والتحتية بدل الفوقية (في رقبة بعير قلادة من وتر) بالمثناة الفوقية لا بالموحدة (أو) قال (قلادة إلاّ قطعت) كذا هنا بلفظ أو للشك أو للتنويع والنهي للتنزيه كما حكاه النووي عن الجمهور وقيل في حكمة النهي خوف اختناق الدابة بها عند شدة الركض أو لأنهم كانوا يعلقون بها الأجراس، وفي حديث أبي داود والنسائي عن أم حبيبة مرفوعًا: لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس، أو أنهم كانوا يقلدونها أوتار القسي خوف العين فأمروا بقطعها إعلامًا بأن الأوتار لا تردّ أمر الله شيئًا وهذا الأخير قاله مالك. وأما المطابقة فمن جهة أن الجرس لا يعلق في أعناق الإبل إلا بقلادة وهي الوتر ونحوه، فذكر المؤلّف الجرس الذي يعلق بالقلادة فإذا ورد النهي عن تعليق القلائد في أعناق الإبل دخل فيه النهي عن الجرس ضرورة، والأصل في النهي عن الجرس لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس فافهم. ورواة الحديث ثلاثة مدنيون وثلاثة أنصاريون وفيه تابعيان والتحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه مسلم في اللباس وأبو داود في الجهاد والنسائي في السير. 140 - باب مَنِ اكْتُتِبَ فِي جَيْشٍ فَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ حَاجَّةً أو كَانَ لَهُ عُذْرٌ هَلْ يُؤْذَنُ لَهُ؟ (باب من اكتتب في جيش فخرجت امرأته) حال كونها (حاجة وكان) ولأبي ذر أو كان (له عذر) غير ذلك (هل يؤذن له)؟ في الحج معها. 3006 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلاَ تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ. فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً. قَالَ: اذْهَبْ فَاحجُجْ مَعَ امْرَأَتِكَ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين هو ابن دينار (عن أبي معبد) بفتح الميم والموحدة بينهما مهملة ساكنة اسمه نافذ بالنون والفاء والذال المعجمة مولى عبد الله بن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافرن امرأة) سفرًا طويلاً أو قصيرًا (إلا ومعها محرم) بنسب أو غيره أو زوج لها لتأمن على نفسها ولم يشترطوا في المحرم والزوج كونهما ثقتين وهو في الزوج واضح وأما في المحرم فسببه كما في المهمات أن الوازع الطبيعي أقوى من الشرعي وكالمحرم عبدها الأمين والاستثناء من الجملتين كما هو مذهب الشافعي لا من الجملة الأخيرة لكنه منقطع لأنه متى كان معها محرم لم تبق خلوة، فالتقدير لا يقعدن رجل مع امرأة إلا ومعها محرم واستشكل بأن الواو تقتضي معطوفًا عليه. وأجيب: بأن الواو للحال أي لا يخلون في حال إلا في مثل هذا الحال والحديث مخصوص بالزوج فإنه لو كان معها زوجها كان كالمحرم بل أولى بالجواز. (فقام رجل) لم يعرف اسمه (فقال: يا رسول الله اكتتبت في غزوة كذا وكذا)، بضم تاء اكتتبت مبنيًّا للمفعول كما في الفرع وفي بعض الأصول للفاعل أي أثبت

141 - باب الجاسوس

اسمي في جملة من يخرج فيها من قولهم اكتتب الرجل إذا كتب نفسه في ديوان السلطان ولم تعين الغزوة (وخرجت امرأتي) حال كونها (حاجة) ولم يعرف اسم المرأة (قال) عليه الصلاة والسلام: (اذهب فحج) ولأبي ذر فاحجج بفك الإدغام (مع امرأتك) فقدم الأهم لأن الغزو يقوم غيره فيه مقامه بخلاف الحج معها وليس لها محرم غيره. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الجهاد. 141 - باب الْجَاسُوسِ وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1]. التَّجَسُّسُ: التَّبَحُّثُ. (باب) حكم (الجاسوس) أي إذا كان من جهة الكفار ومشروعيته من جهة المسلمين وهو بالجيم والمهْملتين بوزن فاعول (التجسس) ولأبي ذر: والتجسس هو (التبحث) كذا فسره أبو عبيدة وهو التفتيش عن بواطن الأمور. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على الجاسوس ولأبي ذر: عز وجل بدل: قوله تعالى: ({لا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء}) [الممتحنة: 1]. نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وأولياء مفعول ثانٍ لقوله: لا تتخذوا. 3007 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا -رضي الله عنه- يَقُولُ: "بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ قَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا. فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ. فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ. فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ، أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ. فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَعْجَلْ عَلَىَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَدْ صَدَقَكُمْ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. قَالَ: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ". قَالَ سُفْيَانُ: وَأَىُّ إِسْنَادٍ هَذَا. [الحديث 3007 - أطرافه في: 3081، 3983، 4274، 4890، 6259، 6939]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو بن دينار) المكي (سمعته) بضمير النصب ولأبي ذر: سمعت (منه مرتين قال: أخبرني) بالإفراد (حسن بن محمد) أي ابن الحنفية قال: (أخبرني) بالإفراد أيضًا (عبيد الله) بضم العين (ابن رافع) أسلم مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: سمعت عليًّا -رضي الله عنه-) هو ابن أبي طالب (يقول: بعثني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنا والزبير والمقداد) زاد في رواية غير أبي ذر بن الأسود وقوله أنا تأكيد للضمير المنصوب ولا منافاة بين هذا وبين رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بعثني وأبا مريد الغنوي والزبير بن العوام لاحتمال أن يكون وقع البعث لهم جميعًا (قال): ولأبي ذر: وقال: (انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ) بخاءين معجمتين بينهما ألف لا بمهملة ثم جيم موضع بين مكة والمدينة على اثني عشر ميلاً من المدينة (فإن بها ظعينة) بفتح الظاء المعجمة وكسر العين المهملة وفتح النون المرأة في الهودج واسمها سارة على المشهور وكانت مولاة عمرو بن هشام بن عبد المطلب أو اسمها كنود كما قاله البلاذري وغيره وتكنى أم سارة (ومعها كتاب) من حاطب (فخذوه منها) (فانطلقنا تعادى) بحذف إحدى التاءين تخفيفًا إذ الأصل تتعادى أي تجري (بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة) المذكورة (فإذا نحن بالظعينة)، سارة المذكورة (فقلنا): لها (أخرجي الكتاب) بفتح الهمزة وكسر الراء الذي معك (فقالت: ما معي من كتاب. فقلنا): (لتخرجن الكتاب)، بضم المثناة الفوقية وكسر الراء والجيم (أو لنلقين) نحن (الثياب) كذا في الفرع وأصله بضم النون وكسر القاف وفتح المثناة التحتية ونون التوكيد الثقيلة وللأصيلي وأبي الوقت كما في الفرع وأصله أو لتلقن بالفوقية المضمومة وحذف التحتية، وفي بعض الأصول: أو لتلقين بتحتية مكسورة أو مفتوحة بعد القاف، والصواب في العربية أو لتلقين بدون ياء لأن النون الثقيلة إذا اجتمعت مع الياء الساكنة حذفت الياء لالتقاء الساكنين، لكن أجاب الكرماني وتبعه البرماوي وغيره بأن الرواية إذا صحّت تؤوّل الكسرة بأنها لمشاكلة لتخرجن وباب المشاكلة واسع والفتح بالحمل على المؤنث الغائب على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة. (فأخرجته) أي الكتاب (من عقاصها) بكسر العين المهملة وبالقاف والصاد المهملة الخيط الذي يعتقص به أطراف الذوائب أو الشعر المضفور، وقال المنذري: هو ليّ الشعر بعضه على بعض على الرأس وتدخل أطرافه في أصوله وقيل هو السير الذي تجمع به شعرها على رأسها (فأتينا به) أي بالكتاب، وللمستملي بها أي بالصحيفة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقول الكرماني أو بالمرأة معارض بما رواه الواحدي بلفظ وقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب إلى المشركين فخذوه وخلوا سبيلها فإن لم تدفعه لكم فاضربوا عنقها (فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة) بالحاء والطاء المكسورة المهملتين ثم موحدة وبلتعة بموحدة مفتوحة ولام ساكنة فمثناة

فوقية وعين مهملة مفتوحتين واسمه عامر وتوفي حاطب سنة ثلاثين (إلى أناس من المشركين من أهل مكة) هم صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل كما رواه الواقدي بسند له مرسل (يخبرهم ببعض أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولفظ الكتاب كما في تفسير يحيى بن سلام أما بعد: يا معشر قريش فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاءكم بجيش الليل يسير كالسيل فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده فانظروا لأنفسكم والسلام. (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا حاطب ما هذا)؟ (قال يا رسول الله لا تعجل عليّ إني كنت امرأَ ملصقًا في قريش) بفتح الصاد أي مضافًا إليهم ولا نسب لي فيهم من إلصاق الشيء بغيره وليس منه أو حليفًا لقريش (ولم أكن من أنفسها) بضم الفاء في اليونينية وفي الفرع بفتحها مصلحًا. وعند ابن إسحاق ليس لي في القوم أصل ولا عشيرة. وقال السهيلي: كان حاطب حليفًا لعبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزى (وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذا) أي حين (فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا) أي نعمة ومنّة عليهم (يحمون بها قرابتي) وفي رواية ابن إسحاق وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليه وأن في قوله أن أتخذ مصدرية في محل نصب مفعول أحببت (وما فعلت) ذلك (كفرًا ولا ارتدادًا) أي عن ديني (ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لقد صدقكم) بتخفيف الدال أي قال الصدق وزاد في فضل من شهد بدرًا من المغازي ولا تقولوا إلا خيرًا. ولأبي ذر: وقد صدقكم فأسقط اللام التي قبل قاف قد (فقال عمر): بن الخطاب (-رضي الله عنه-: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق): واستشكل إطلاق عمر عليه النفاق بعد شهادته عليه الصلاة والسلام بأنه ما فعل ذلك كفرًا ولا ارتدادًاً ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام. وهذه الشهادة نافية للنفاق قطعًا. وأجيب: بأنه إنما قال ذلك لما كان عنده من القوة في الدين وبغض المنافقين وظن أن فعله هذا يوجب قتله لكنه لم يجزم بذلك فلذا استأذن في قتله وأطلق عليه النفاق لكونه أبطن خلاف ما أظهر وعذره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه كان متأوّلاً إذ لا ضرر فيما فعله. (قال): عليه الصلاة والسلام مرشدًا إلى علّة ترك قتله (وإنه قد شهد بدرًا) وكأنه قال: وهل أسقط عنه شهوده بدرًا هذا الذنب العظيم؟ فأجاب بقوله: (وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطّلع على أهل بدر) الذين حضروا وقعتها واستعمل لعل استعمال عسى فأتى بأن. قال النووي ومعنى الترجي هنا راجع إلى عمر لأن وقوع هذا الأمر محقق عند الرسول (فقال): تعالى مخاطبًا لهم خطاب تشريف وإكرام "اعملوا ما شئتم" في المستقبل "فقد غفرت لكم" عبّر عن الآتي بالواقع مبالغة في تحققه وعند الطبراني من طريق معمر عن الزهري عن عروة غافر لكم وفي مغازي ابن عائذ من مرسل عروة: اعملوا ما شئتم فسأغفر لكم. قال القرطبي: وهذا الخطاب قد تضمن أن هؤلاء حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السابقة وتأهلوا أن تغفر لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت منهم، وما أحسن قول بعضهم: وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع وليس المراد أنهم نجزت لهم في ذلك الوقت مغفرة الذنوب اللاحقة بل لهم صلاحية أن يغفر لهم ما عساه أن يقع، ولا يلزم من وجود الصلاحية لشيء وجود ذلك الشيء وحمله البرماوي على أنهم لم يقع منهم ذنب في المستقبل ينافي عقيدة الدين بدليل قبوله عليه الصلاة والسلام عذره لما علم من صحة عقيدته وسلامة قلبه وقيل المراد غفران الماضي لا المستقبل، وتعقب بأن هذا الصادر من حاطب إنما وقع في المستقبل لأنه صدر منه بعد بدر فلو كان للماضي لم يحصل التمسك به هنا، وقد أظهر الله تعالى صدق رسوله عليه الصلاة والسلام في كل من أخبر عنه بشيء من ذلك فإنهم لم يزالوا

142 - باب الكسوة للأسارى

على أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا، ولو قدر صدرو شيء من أحد منهم لبادر إلى التوبة ولازم الطريقة المثلى كما لا يخفى والمراد الغفران لهم في الآخرة وإلاّ فلو توجه على أحد منهم حدّ مثلاً استوفي منه بلا ريب. (قال سفيان): بن عيينة (وأيّ إسناد هذا)! أي عجبًا لجلالة رجاله لأنهم الأكابر العدول الأيقاظ والثقات الحفاظ. 142 - باب الْكِسْوَةِ لِلأُسَارَى (باب الكسوة للأسارى) ما يواري عوراتهم إذ لا يجوز النظر إليها والكسوة بكسر الكاف وقد تضم. يقال: كسوته إذا ألبسته ثوبًا. والأسارى بضم الهمزة جمع أسير. 3008 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أُتِيَ بِالْعَبَّاسِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ قَمِيصًا، فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَىٍّ يَقْدُرُ عَلَيْهِ، فَكَسَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِيَّاهُ، فَلِذَلِكَ نَزَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَمِيصَهُ الَّذِي أَلْبَسَهُ". قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَتْ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدٌ، فَأَحَبَّ أَنْ يُكَافِئَهُ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) الجعفي البخاري المسندي بفتح النون من قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن عمرو) هو ابن دينار أنه (سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: لما كان يوم بدر أُتي) بضم الهمزة وكذا اللاحقة (بأُسارى) بدر (وأُتي بالعباس) بن عبد المطلب وكان في جملتهم (ولم يكن عليه ثوب فنظر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له) أي نظر يطلب لأجل العباس (قميصًا فوجدوا قميص عبد الله بن أُبيّ) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد المثناة التحتية هو أبو مالك بن الحرث وسلول أم أبي مالك وكان عبد الله سيد الخزرج ورأس المنافقين (يقدر عليه) بفتح أوّله وضم ثالثه المخفف وللأصيلي يقدَر عليه بضم ثم فتح أي يجيء على قدره (فكساه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياه) أي قميص عبد الله بن أُبيّ، وذلك أنهم لم يجدوا قميصًا يصلح للعباس إلا قميص عبد الله لأن العباس كان طويلاً جدًّا وكذلك عبد الله (فلذلك نزع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قميصه) عن بدنه (الذي ألبسه) لعبد الله بن أبي بعد أن أخرج من قبره. (قال ابن عيينة): سفيان (كانت له) أي لعبد الله بن أُبيّ (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يد) نعمة (فأحب) عليه الصلاة والسلام (أن يكافئه) عليها وفيه أن المكافأة تكون بعد الموت كالحياة. والحديث سبق في باب: هل يخرج الميت من القبر من كتاب الجنائز. 143 - باب فَضْلِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ (باب فضل من أسلم على يديه رجل) من الكفار. 3009 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيُّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَهْلٌ - رضي الله عنه-يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ خَيْبَرَ: لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. فَبَاتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَى، فَغَدَوْا كُلُّهُمْ يَرْجُوهُ، فَقَالَ: أَيْنَ عَلِيٌّ؟ فَقِيلَ: يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ، فَقَالَ: أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا، فَقَالَ: انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين البغلاني قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري) بالقاف والمثناة التحتية من غير همزة مرفوع صفة ليعقوب أو بالجر صفة لعبد وهو منسوب لبني القارة وهم بنو الهون بن خزيمة بن مدركة (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج (قال: أخبرني) بالإفراد (سهل) بفتح السين وسكون الهاء (-رضي الله عنه-) زاد في رواية غير أبي ذر يعني ابن سعد (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) غزوة (خيبر): (لأعطين الراية غدًا رجلاً يفتح الله على يديه) بالتثنية وهمزة لأعطين مفتوحة في اليونينية مضمومة في غيرها وللمستملي والحموي على يده بالإفراد (يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله) (فبات الناس ليلتهم أيهم يُعطى) الراية الموعود بها بضم المثناة التحتية من أيهم يعطى مع فتح طائها مبنيًّا للمفعول وللأصيلي أيهم يعطى بفتح المثناة من أيهم وضمها من يُعطي وكسر الطاء (فغدوا) وللحموي والمستملي: غدوا (كلهم) على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يرجوه) أي الفوز بالوعد وحذف النون بلا ناصب وجازم لغة فصيحة، ولأبي ذر: يرجونه (فقال): عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر: قال (أين عليّ)؟ أي ما لي لا أراه حاضرًا كأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استبعد غيبته عن حضرته في مثل ذلك الموطن لا سيما وقد قال: لأعطين الراية إلخ ... (فقيل) يا رسول الله هو (يشتكي عينيه) قال عليه الصلاة والسلام: فأرسلوا إليه فأُتي به (فبصق) عليه الصلاة والسلام (في عينيه ودعا له فبرأ) بفتح الراء كضرب وقد تكسر كعلم والأولى لأهل الحجاز كما في الصحاح أي شفي (كأن لم يكن به وجع) زاد الطبراني من حديث عليّ: فما رمدت ولا صدعت مذ دفع إليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الراية يوم خيبر (فأعطاه الراية فقال): عليّ (أُقاتلهم) بحذف همزة الاستفهام (حتى يكونوا مثلنا) مسلمين (فقال): عليه الصلاة والسلام (انفذ) بضم الفاء وبالذال المعجمة أي امضِ (على

144 - باب الأسارى في السلاسل

رسلك) بكسر الراء أي على هينتك (حتى تنزل بساحتهم) بفنائهم (ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم) من حق الله فيه (فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً) واحدًا (خير لك من أن تكون لك حُمر النعم) فتتصدق بها، وحمر: بضم الحاء وسكون الميم من ألوان الإبل المحمودة وهي أنفسها وخيّارها يضرب بها المثل في نفاسة الشيء وأن من لأن يهدي الله مصدرية في محل رفع على الابتداء والخبر قوله "خير لك" وكأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استحسن قول عليّ أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا واستحمده على ما قصده من مقاتلته إياهم حتى يكونوا مهتدين إعلاء لدين الله تعالى. ومن ثم حثّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ما نواه بقوله: "فوالله لأن يهدي الله بك" إلخ ... وهذا موضع الترجمة وتأتي مباحثه في المغازي إن شاء الله تعالى. 144 - باب الأُسَارَى فِي السَّلاَسِلِ (باب الأسارى في السلاسل) بضم همزة الأسارى. 3010 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلاَسِلِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة والمعجمة بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن زياد) بكسر الزاي وتخفيف المثناة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (عجب الله من قوم يدخلون الجنة) أي وكانوا في الدنيا (في السلاسل) حتى دخلوا في الإسلام وبهذا التقدير يكون المراد حقيقة وضع السلاسل في الأعناق. ويقع التطابق بين الترجمة والحديث، ويؤيد أن المراد الحقيقة ما عند المؤلّف في تفسير آل عمران من وجه آخر عن أبي هريرة في قوله تعالى: {كنتم خير أمة أُخرجت للناس} [آل عمران: 110]. قال: خير الناس الناس يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام وحمله جماعة على المجاز فقال المهلب: المعنى يدخلون في الإسلام مكرهين وسمى الإسلام بالجنة لأنه سببها. وقال ابن الجوزي: معناه أنهم أُسروا وقيدوا فلما عرفوا صحة الإسلام دخلوا طوعًا فدخلوا الجنة فكان الإكراه على الأسر والتقييد هو السبب الأول فكأنه أطلق على الإكراه التسلسل، ولما كان هو السبب في دخول الجنة أقام المسبب مقام السبب. وقال الكرماني وتبعه البرماوي: لعلهم المسلمون الذين هم أسارى في أيدي الكفار فيموتون أو يقتلون على هذه الحالة فيحشرون عليها ويدخلون الجنة كذلك اهـ. 145 - باب فَضْلِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ (باب فضل من أسلم من أهل الكتابين) التوراة والإنجيل. 3011 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَىٍّ أَبُو حَسَنٍ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ تَعْلِيمَهَا، وَيُؤَدِّبُهَا فَيُحْسِنُ تَأْدِيبَهَا، فَيَتَزَوَّجُهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمُؤْمِنُ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِي كَانَ مُؤْمِنًا ثُمَّ آمَنَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَهُ أَجْرَانِ. وَالْعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ". ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ: وَأَعْطَيْتُكَهَا بِغَيْرِ شَىْءٍ، وَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِي أَهْوَنَ مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) قال: (حدّثنا سفيان بن عيينة) قال: (حدّثنا صالح بن حي) ضدّ الميت لقب له وهو صالح بن صالح بن مسلم بن حيان وكنيته (أبو الحسن) بفتح الحاء والسين المهملتين (قال): أي صالح (سمعت النبي) عامر بن شراحيل (يقول: حدّثني) بالإفراد (أبو بردة) بضم الموحدة الحرث (أنه سمع أباه) عبد الله أبا موسى بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ثلاثة) من الرجال مبتدأ خبره قوله (يؤتون أجرهم مرتين. الرجل تكون له الأمة) برفع الرجل بدلاً من ثلاثة بدل تفصيل أو بدل كل بالنظر إلى المجموع أو الرجل مبتدأ محذوف تقديره أولهم أو الأول الرجل (فيعلمها) ما يجب تعليمه من الدين (فيحسن) بفاء العطف ولأبي ذر: ويحسن (تعليمها ويؤدبها) لتتخلق بالأخلاق الحميدة (فيحسن أدبها) من غير عنف ولا ضرب بل بالرفق وإنما غاير بينه وبين التعليم وهو داخل فيه لتعلقه بالمروءات والتعليم بالشرعيات أي الأول عرفي والثاني شرعي والأول دنيوي والثاني ديني (ثم يعتفها فيتزوجها) بعد أن يصدقها (فله أجران) أجر العتق وأجر التزويج وإنما اعتبرهما لأنهما الخاصان بالإماء دون السابقين (ومؤمن أهل الكتاب) اليهودي والنصراني (الذي كان مؤمنًا) بنبيّه موسى وعيسى (ثم آمن بالنبي) محمد (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في عهد بعثته أو بعدها إلى يوم القيامة جزم الكرماني، وتبعه العيني بالأول معللاً بأن نبيه بعد البعثة إنما هو محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باعتبار عموم بعثته عليه الصلاة والسلام ولا يخفى ما فيه فإن بعثته عليه الصلاة والسلام في عهده وبعده عامة لا فرق بينهما، وجزم بالثاني الإمام البلقيني وتبعه

الحافظ ابن حجر عملاً بظاهر اللفظ وفي كلِّ منهما نظر لأنّا إذا قلنا إن بعثته عليه الصلاة والسلام قاطعة لدعوة عيسى فلا نبيّ للمؤمن من أهل الكتاب إلاّ محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وحينئذ فالإيمان إنما هو بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقط فكيف ترتب الأجر مرتين؟ أجيب: بأن مؤمن أهل الكتاب لا بدّ أن يكون مع إيمانه بنبيه مؤمنًا بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للعهد المتقدم والميثاق في قوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين} [آل عمران: 81]. الآية. المفسر بأخذ الميثاق من النبيّين وأممهم مع وصفه تعالى له في التوراة والإنجيل، فإذا بعث -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فالإيمان به مستمر. فإن قلت: فإذا كان الأمر كما ذكرت فكيف تعدد إيمانه حتى تعدد أجره؟ أجيب: بأن الإيمان أولاً تعلق بأن الموصوف بكذا رسول وإيمانه ثانيًا تعلق بأن محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الموصوف بتلك الصفات فهما معلومان متباينان فجاء التعدد. (فله أجران) أجر الإيمان بنبيّه وأجر الإيمان بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكذا حكم الكتابية إذ النساء شقائق الرجال في الأحكام. واستشكل دخول اليهود في ذلك لأن شرعهم نسخ بعيسى عليه الصلاة والسلام والمنسوخ لا أجر في العمل به فيختص الأجران بالنصراني. أجيب: بأنّا لا نسلم أن النصرانية ناسخة لليهودية. نعم لو ثبت ذلك لكان كذلك كذا قرره الكرماني وتبعه البرماوي وغيره، لكن قال في الفتح: لا خلاف أن عيسى عليه الصلاة والسلام أرسل إلى بني إسرائيل فمن أجاب منهم نسب إليه ومن كذب منهم واستمر على يهوديته لم يكن مؤمنًا فلا يتناوله الخبر لأن شرطه أن يكون مؤمنًا بنبيه. نعم من دخل في اليهودية من غير بني إسرائيل أو لم يكن بحضرة عيسى فلم تبلغه دعوته يصدق عليه أنه يهودي مؤمن إذ هو مؤمن بنبيه موسى ولم يكذب نبيًّا آخر بعده، فمن أدرك بعثة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن كان بهذه المثابة وآمن به لم يشكل أنه دخل في الخبر المذكور. نعم الإشكال في اليهود الذين كانوا بحضرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد ثبت أن الآية الموافقة لهذا الحديث وهي قوله تعالى في سورة القصص: {أولئك يؤتون أجرهم مرتين} [القصص: 54]. نزلت في طائفة آمنوا به كعبد الله بن سلام وغيره، ففي الطبراني من حديث رفاعة القرظي قال: نزلت هذه الآيات فيّ وفيمن آمن معي، وروى الطبراني بإسناد صحيح عن عليّ بن رفاعة القرظي قال: خرج عشرة من أهل الكتاب منهم أبي رفاعة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فآمنوا فأوذوا فنزلت: {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون} [القصص: 52]. فهؤلاء من بني إسرائيل ولم يؤمنوا بعيسى بل استمروا على اليهودية إلى أن آمنوا بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد ثبت أنهم يؤتون أجرهم مرتين. قال الطيبي: فيحتمل إجراء الحديث على عمومه إذ لا يبعد أن يكون طريان الإيمان بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سببًا لقبول تلك الأديان وإن كانت منسوخة انتهى. ويمكن أن يقال: إن الذين كانوا بالمدينة لم تبلغهم دعوة عيسى عليه الصلاة والسلام لأنها لم تنتشر في أكثر البلاد فاستمروا على يهوديتهم مؤمنين بنبيهم موسى إلى أن جاء الإسلام فآمنوا بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فبهذا يرتفع الإشكال واشتراط بعضهم في الكتابي بقاءه على ما بعث به نبيه من غير تبديل ولا تحريف، وعورض بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب إلى هرقل: "أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين" وهرقل كان ممن دخل في النصرانية بعد التبديل والتقييد بأهل الكتاب مخرج لغيرهم من الكفار، فلا ينبغي حمله على العموم وإن جاء في الحديث أن حسنات الكفار مقبولة بعد إسلامهم لأن لفظ الكفار يتناول الكافر الحربي وليس له أجران قطعًا. (والعبد) المملوك (الذي يؤدي حق الله) تعالى كالصلاة والصوم (وينصح لسيده) في خدمته وغيرها (له أجران) أيضًا أجر تأديته للعبادة وأجر نصحه. (ثم قال) عامر (الشعبي): أعطيكها بضم الهمزة بلفظ المستقبل من غير واو ولا فوقية (بغير شيء) من الأجرة (وقد كان الرجل يرحل) يسافر (في أهون منها) أي من المسألة (إلى المدينة) النبوية.

146 - باب أهل الدار يبيتون، فيصاب الولدان والذراري

146 - باب أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ، فَيُصَابُ الْوِلْدَانُ وَالذَّرَارِيُّ {بَيَاتًا} [الأعراف: 4 و97، ويونس: 50]: لَيْلاً. {لَنُبَيِّتَنَّهُ} [النمل: 49]: لَيْلاً {يُبَيِّتُ} [النساء: 81]: لَيْلاً. (باب) حكم (أهل الدار) الحربيين (يبيتون) بفتح المثناة التحتية بعد الموحدة مبنيًّا للمفعول أي يغار عليهم بالليل بحيث لا يميز بين أفرادهم (فيصاب الولدان) أي الصغار بسبب التبييت (والذراري) بالذال المعجمة والرفع والتشديد عطفًا على الولدان هل يجوز ذلك أم لا؟ ثم ذكر المؤلّف رحمه الله تعالى تفسير ثلاث آيات من القرآن يوافقن ما في الخبر على عادته. الأولى: ({بياتًا}) بالموحدة ثم المثناة التحتية الخفيفة وبعد الألف فوقية لا نيامًا بالنون والميم من النوم لأن مراده قوله تعالى في الأعراف: {فجاءها بأسنا} [الأعراف: 4] أي عذابنا بعد التكذيب {بياتًا} يعني (ليلاً) وسمي الليل بياتًا لأنه يبات فيه. والثانية: قوله في سورة النمل {قالوا تقاسموا بالله ليبيتنه} بالتحتية بعد اللام في اليونينية وفي غيرها بالنون من البيات وهو مباغتة العدو (ليلاً). والثالثة: (يبيت) بمثناة تحتية ثم موحدة فمثناة مفتوحة مشددة ثم فوقية مضمومة أي (ليلاً) لكن لفظ التلاوة في سورة النساء {بيت} بموحدة ثم مثناة تحتية مشددة ففوقية مفتوحات {والله يكتب ما يبيتون} والثانية والثالثة من زيادة أبي ذر كما في الفتح، والذي في الفرع سقوطهما عنده فالله أعلم. 3012 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ -رضي الله عنهم- قَالَ: "مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالأَبْوَاءِ -أَوْ بِوَدَّانَ- فسُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ، قَالَ: هُمْ مِنْهُمْ. وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا) ابن شهاب (الزهري عن عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود وفي مسند الحميدي عن سفيان عن الزهري أخبرني عبيد الله (عن ابن عباس عن الصعب) ضدّ السهل (ابن جثامة) بفتح الجيم وتشديد المثلثة الليثي (رضي الله عنهم قال: مرّ بي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالأبواء) بفتح الهمزة وإسكان الموحدة ممدودًا من عمل الفرع من المدينة بينه وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً وسميت بذلك لتبوّئ السيول بها (أو بودان) بفتح الواو وبعد الموحدة وتشديد المهملة وبعد الألف نون قرية جامعة بينها وبين الأبواء ثمانية أميال وهي أيضًا من عمل الفرع والشك من الراوي. (وسُئل) بواو الحال وضم السين مبنيًّا للمفعول. قال في الفتح: ولم أقف على اسم السائل ثم وجدت في صحيح ابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن الزهري بسنده عن الصعب قال: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أولاد المشركين أنقتلهم معهم؟ قال: "نعم" فظهر أن الراوي هو السائل، ولأبي ذر: فسئل (عن أهل الدار) الحربين حال كونهم (يبيتون) بفتح المثناة المشددة بعد الموحدة مبنيًّا للمفعول أي يغار عليهم ليلاً بحيث لا يعرف رجل من امرأة (من المشركين) بيان لأهل الدار (فيصاب) بضم المثناة (من نسائهم وذراريهم) بالذال المعجمة وتشديد المثناة التحتية (قال): عليه الصلاة والسلام مجيبًا للسائل: (هم) أي النساء والذراري (منهم) أي من أهل الدار من المشركين وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم بل إذا لم يوصل إلى قتل الرجال إلا بذلك قتلوا وإلاّ فلا تقصد الأطفال والنساء بالقتل مع القدرة على ترك ذلك جمعًا بين الأحاديث المصرّحة بالنهي عن قتل النساء والصبيان وما هنا. قال الصعب بن جثامة: (وسمعته) عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر: فسمعته بالفاء. قال الحافظ ابن حجر: والأول أوضح (يقول): (لا حمى إلاّ لله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ومن يقوم مقامه من خلفائه وأصل الحمى عند العرب أن الرئيس منهم كان إذا نزل منزلاً مخصبًا استعوى كلبًا على مكانٍ عالٍ فإلى حيث انتهى صوته حماه من كل جانب فلا يرعى فيه غيره ويرعى هو مع غيره فيما سواه فأبطل الشرع ذلك، وحمى بغير تنوين كما في اليونينية وفي بعض النسخ حمى بثبوته فتكون لا بمعنى ليس، وعلى الأول تكون للاستغراق بخلاف الثاني. وهذا الحديث مستقل ذكره المؤلّف فيما سبق في كتاب الشرب ووجه دخوله هنا كونه في تحمل ذلك كذلك. 3013 - وَعَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ "حَدَّثَنَا الصَّعْبُ فِي الذَّرَارِيِّ". كَانَ عَمْرٌو يُحَدِّثُنَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَمِعْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "عَنِ الصَّعْبِ قَالَ: هُمْ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَقُلْ كَمَا قَالَ عَمْرٌو: هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ". (و) بالسند السابق (عن) ابن شهاب (الزهري أنه سمع عبيد الله) بن عبد الله بن عتبة بن مسعود حال كونه يقول (عن ابن عباس حدّثنا الصعب) بن جثامة (في الذراري) فقط قال سفيان (كان عمرو) أي ابن دينار (يحدّثنا) هذا

147 - باب قتل الصبيان في الحرب

الحديث (عن ابن شهاب) الزهري مرسلاً (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال من آبائهم، وقد أخرج الإسماعيلي الحديث من طريق العباس بن يزيد حدّثنا سفيان قال: كان عمرو يحدث قبل أن يقدم الزهري عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن الصعب. قال سفيان: فقدم علينا الزهري فسمعته يعيده ويبديه فذكر الحديث فانتفى الإرسال. نعم صورته صورة الإرسال ولا يندفع بإخراج الإسماعيلي له قال سفيان (فسمعناه) بعد ذلك (من الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بن عبد الله (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن الصعب) بن جثامة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال): (هم منهم) (ولم يقل كما قال عمرو) هو ابن دينار (هم من آبائهم) وأخرج الحديث مسلم في المغازي وأبو داود وابن ماجه في الجهاد والترمذي والنسائي في السير. 147 - باب قَتْلِ الصِّبْيَانِ فِي الْحَرْبِ (باب) النهي عن (قتل الصبيان في الحرب) لقصورهم عن فعل الكفر ولما في استبقائهم من الانتفاع بهم إما بالرق أو بالفداء عند من يجوّز أن يفادى به. 3014 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ -رضي الله عنه- أَخْبَرَهُ "أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقْتُولَةً، فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ". [الحديث 3014 - طرفه في: 3015]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي الكوفي قال: (أخبرنا الليث) بن سعد المصري ولأبي ذر: حدّثنا ليث (عن نافع أن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (-رضي الله عنه- أخبره أن امرأة) لم تسم (وجدت في بعض مغازي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هي غزوة الفتح كما في معجم الأوسط للطبراني (مقتولة) بالنصب (فأنكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قتل النساء والصبيان). وهذا الحديث أخرجه مسلم في المغازي وأبو داود في الجهاد. 148 - باب قَتْلِ النِّسَاءِ فِي الْحَرْبِ (باب) النهي عن (قتل النساء في الحرب). 3015 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ". وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (قال: قلت: لأبي أسامة) بضم الهمزة حماد بن أسامة (حدّثكم عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عمر (عن نافع عن ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- قال: وجدت امرأة) حال كونها (مقتولة في بعض مغازي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فتح مكة (فنهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن قتل النساء والصبيان). استدلّ به البرماوي كالكرماني على أنه إذا قال للشيخ أخبركم أو حدّثكم ونحوهما فلان وسكت عن جوابه مع قرينة الإجابة جاز له أن يرويه عنه، لكن رده الحافظ ابن حجر بأن إسحاق بن راهويه روى الحديث في مسنده كذلك وزاد في آخره فأقرّ به أبو أسامة وقال: نعم وحينئذ فلا حجة فيه لما ذكره لأنه تبين من هذه الطريق الأخرى أنه لم يسكت، وتعقبه العيني بأنه لا يستلزم من قوله: نعم في إحداهما عدم سكوته في الأخرى كذا قاله فليتأمل. 149 - باب لاَ يُعَذَّبُ بِعَذَابِ اللَّهِ (باب) بالتنوين (لا يعذب بعذاب الله) بفتح الذال من يعذب مبنيًّا للمفعول. 3016 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: "بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْثٍ فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ: إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلاَنًا وَفُلاَنًا، وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ اللَّهُ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي قال (حدّثنا الليث) بن سعد (عن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف ابن عبد الله بن الأشجّ (عن سليمان بن يسار) بفتح المثناة التحتية والمهملة المخففة الهلالي المدني مولى ميمونة أو أم سلمة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) كذا أخرجه النسائي كالمؤلّف هنا وخالد محمد بن إسحاق فرواه في السير عن يزيد بن أبي حبيب عنه بكير فأدخل بين سليمان وأبي هريرة أبا إسحاق الدوسي، وسليمان قد صحّ سماعه من أبي هريرة وهو غير مدلس فتكون رواية ابن إسحاق من المزيد في متصل الأسانيد (أنه) أي أبا هريرة (قال: بعثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعث) أميره حمزة بن عمرو الأسلمي كما عند أبي داود بإسناد صحيح (فقال): (إن وجدتم فلانًا وفلانًا) هبار بن الأسود ونافع بن عبد عمرو أو غيرهما كما مرّ (فأحرقوهما بالنار) بهمزة قطع (ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين أردنا الخروج): للسفر وودّعناه (إني أمرتكم أن تحرقوا) بالتشديد والذي في اليونينية بالتخفيف (فلانًا وفلانًا وإن النار لا يعذب بها إلا الله) عز وجل خبر بمعنى النهي وهو نسخ لأمره السابق، وفي رواية ابن لهيعة: وإنه لا ينبغي ولابن إسحاق ثم رأيت أنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا الله. قال البيضاوي: إنما منع التعذيب بالنار لأنه أشد العذاب ولذلك أوعدها الكفار، وقال

150 - باب {فإما منا بعد وإما فداء} [محمد: 4] فيه حديث ثمامة وقوله عز وجل: {ما كان لنبي أن تكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} -حتى يغلب في الأرض- {تريدون عرض الدنيا} [الأنفال: 67] الآية.

الطيبي: لعل المنع من التعذيب بها في الدنيا أن الله تعالى جعل النار فيها منافع وارتفاقهم، فلا يصح منهم أن يستعملوها في الإضرار، ولكن له تعالى أن يستعملها فيه لأنه ربها ومالكها يفعل ما يشاء من التعذيب بها والمنع منه، وإليه أشار بقوله في الحديث الآخر ربّ النار وقد جمع الله تعالى الاستعمالين في قوله تعالى: {نحن جعلناها تذكرة ومتاعًا للمقوين} [الواقعة: 73]. أي تذكيرًا بنار جهنم لتكون حاضرة للناس يذكرون ما أوعدوا به وجعلنا بها أسباب المعاش كلها انتهى. وقد اختلف السلف في التحريق فكرهه عمر وابن عباس وغيرهما مطلقًا سواء كان بسبب كفر أو قصاصًا، وأجازه عليّ وخالد بن الوليد وقال المهلب: ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع، وقد سمل عليه الصلاة والسلام أعين العرنيين بالحديد المحمى، وحرق أبو بكر- رضي الله عنه- اللائط بالنار بحضرة الصحابة، وتعقب بأنه لا حجة فيه للجواز فإن قصة العرنيين كانت قصاصًا أو منسوخة وتجويز الصحابي معارض بمنع صحابي غيره. (فإن وجدتموهما) بالواو والجيم وفي باب التوديع فإن أخذتموهما (فاقتلوهما). 3017 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ "أَنَّ عَلِيًّا -رضي الله عنه- حَرَّقَ قَوْمًا، فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ، لأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ، وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ". [الحديث 3017 - طرفه في: 6922]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (أن عليًّا -رضي الله عنه- حرّق قومًا) هم السبئية أتباع عبد الله بن سبأ كانوا يزعمون أن عليًّا ربهم تعالى الله وتقدّس عن مقالتهم، وعند ابن أبي شيبة كانوا قومًا يعبدون الأصنام (فبلغ) ذلك (ابن عباس) -رضي الله عنهما- (فقال: لو كنت أنا) بدله فالخبر محذوف وأتى بأنا تأكيدًا للضمير المتصل (لم أحرقهم لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تعذبوا بعذاب الله) وهذا أصرح في النهي من السابق في الحديث الذي قبل (ولقتلتهم كما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (من بدّل دينه) الحق وهو دين الإسلام (فاقتلوه). وفي حديث مروي في شرح السُّنّة فبلغ ذلك عليًّا فقال: صدق ابن عباس وإنما حرّقهم عليّ -رضي الله عنه- بالرأي والاجتهاد وكأنه لم يقف على النص في ذلك قبل، فجوّز ذلك للتشديد بالكفار والمبالغة في النكاية والنكال، وقوله: ولقتلتهم عطف على جواب لو وأتى باللام لإفادتها معنى التأكيد وخصها بالثاني دون الأول وهو الجواب لأن القتل أهم وأحرى من غيره ولورود النص أن النار لا يعذب بها إلا الله. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في استتابة المرتدين وأبو داود وابن ماجه في الحدود وكذا الترمذي والنسائي في المحاربة. 150 - باب {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] فِيهِ حَدِيثُ ثُمَامَةَ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} -حَتَّى يَغْلِبَ فِي الأَرْضِ- {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} [الأنفال: 67] الآيَةَ. هذا (باب) بالتنوين يذكر في التخيير بين المن والفداء في الأسرى لقوله تعالى في سورة القتال: {فإما منًّا بعد وإما فداء} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 4]. أي فإما تمنون منًّا أو تفدون فداء، والمراد التخيير بعد الأسر بين المنّ والإطلاق وبين أخذ الفداء. وعن بعض السلف أنها منسوخة بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] الآية. والأكثرون على أنها محكمة قال بعضهم: التخيير بين القسمين فلا يجوز قتله والأكثرون منهم وهو قول أكثر السلف على التخيير بين المنّ والمفاداة والقتل والاسترقاق (فيه) أي في الباب (حديث ثمامة) بضم المثلثة؛ وقد ذكره المؤلّف في مواضع ولفظه في وفد بني حنيفة من المغازي بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيلاً قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "ما عندك يا ثمامة"؟ فقال: عندي خير يا محمد إن تقتلني تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت حتى كان الغد، ثم قال له: "ما عندك يا ثمامة"؟ قال: ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر فتركه حتى كان بعد الغد فقال: "ما عندك يا ثمامة"؟ فقال: عندي ما قلت لك. فقال: أطلقوا ثمامة؛ الحديث. وهذا موضع الترجمة منه فإنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقره على ذلك ولم ينكر عليه التقسيم ثم منّ عليه بعد ذلك وهو يؤيد قول الجمهور أن الأمر في أسرى الكفار من الرجال إلى الإمام يفعل ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين، وعن مالك لا يجوز المن بغير الفداء، وعن

151 - باب هل للأسير أن يقتل ويخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة؟ فيه المسور عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

الحنفية: لا يجوز المنّ أصلاً لا بفداء ولا بغيره. (و) في الباب أيضًا (قوله عز وجل) في سورة الأنفال: ({ما كان لنبي أن تكون له أسرى} [الأنفال: 67] الآية) أي ما صح وما استقام لنبي من الأنبياء أن يأخذ أسارى ولا يقتلهم زاد في رواية أبي ذر وكريمة: ({حتى يثخن في الأرض}) [الأنفال: 67]. يعني يغلب في الأرض وهذا تفسير أبي عبيدة، وعن مجاهد الإثخان القتل وقيل المبالغة فيه أي حتى يكثر فيعز الإسلام ويذل الكفر ({تريدون عرض الدنيا}) حطامها وهو الفداء (الآية). وتمامها: ({والله يريد الآخرة}) [الأنفال: 67]. يريد لكم ثواب الآخرة أو سبب نيل الآخرة من إعزاز دينه وقمع أعدائه والله عزيز يغلب أولياءه على أعدائه حكيم يعلم ما يليق بكل حال ويخصه بها كما أمر بالإثخان ومنع من الافتداء حين كانت الشوكة للمشركين وخيّر بينه وبين المنّ لما تحولت الحال وصارت الغلبة للمؤمنين. نزلت حين جاؤوا بأسارى بدر فاستشار -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيهم فقال عمر: هم أئمة الكفر والله أغناك عن الفداء فاضرب أعناقهم، وقال أبو بكر: هم قومك وأهلك لعل الله أن يتوب عليهم خذ منهم فدية تقوي بها أصحابك فقبل الفداء وعفا عنهم. 151 - باب هَلْ لِلأَسِيرِ أَنْ يَقْتُلَ وَيَخْدَعَ الَّذِينَ أَسَرُوهُ حَتَّى يَنْجُوَ مِنَ الْكَفَرَةِ؟ فِيهِ الْمِسْوَرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا (باب) بالتنوين (هل للأسير) في أيدي الكفار (أن يقتل ويخدع) ولأبي ذر: أو يخدع (الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة فيه المسور) أي في حكم الباب حديث المسور بن مخرمة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في صلح الحديبية وفيه وعلى أنه لا يأتيك منّا رجل ولو كان على دينك إلا رددته إلينا إلى أن قال: ثم رجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين فقالا: العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من ثمر لهم فقال: أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدًا فاستله الآخر فقال: أجل والله إنه لجيد لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضربه حتى برد وفرّ الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين رآه: لقد رأى هذا ذعرًا. فلما انتهى إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله قد والله أوفى الله إليك ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم. قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد" فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر قال: وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج رجل من قريش قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تناشده بالله والرحم لما أرسل فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم فلم ينكر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أبي بصير قتله العامري ولا أمر فيه بقوَد ولا دية، وإنما لم يجزم المؤلّف -رحمه الله- بالحكم لأنه اختلف في الأسير يعاهد أن لا يهرب فقال الشافعي والكوفيون: لا يلزمه. وقال مالك: يلزمه، وقال ابن القاسم وابن الموّاز إن أكرهوه على أن يحلف لم يلزمه لأنه مكره، وقال بعض الفقهاء: لا فرق بين الحلف والعهد وخروجه عن بلد الكفر واجب والحجة في ذلك فعل أبي بصير وتصويب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعله اهـ. قال أبو عبد الله الأبي: ولا حجة فيه لأنه ليس فيه إلا أن أبا بصير عاهدهم على ذلك والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما عاهدهم على أن لا يخرج معه بأحد منهم ولا يحبسه عنهم ولا عاهدهم على أن لا يخرج منهم من أسلم فيلزم ذلك أبا بصير. 152 - باب إِذَا حَرَّقَ الْمُشْرِكُ الْمُسْلِمَ هَلْ يُحَرَّقُ؟ هذا (باب) بالتنوين (إذا حرق المشرك) الرجل (المسلم هل يحرق)؟ هذا المشرك جزاء لفعله. 3018 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْغِنَا رِسْلاً، قَالَ: مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلاَّ أَنْ تَلْحَقُوا بِالذَّوْدِ، فَانْطَلَقُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا، وَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ، فَأَتَى الصَّرِيخُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبَعَثَ الطَّلَبَ، فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ حَتَّى أُتِيَ بِهِمْ فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ بِهَا وَطَرَحَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَمَا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا". قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: قَتَلُوا وَسَرَقُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَعَوْا فِي الأَرْضِ فَسَادًا. وبه قال: (حدّثنا معلى) بضم الميم وتشديد اللام المفتوحة ولغير أبي ذر ابن أسد قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-

153 - باب

أن رهطًا من عكل) بضم العين وسكون الكاف قبيلة معروفة (ثمانية) نصب بدلاً من رهطًا أو بيانًا له (قدموا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاجتووا المدينة) بالجيم الساكنة وفتح المثناة والواو الأولى من الاجتواء أي كرهوا الإقامة بها أو لم يوافقهم طعامها (فقالوا: يا رسول الله ابغنا رسلاً) بكسر الراء وسكون السين المهملة أي اطلب لنا لبنًا (قال): ولأبي ذر: فقال: (ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود) بفتح الذال المعجمة آخره مهملة من بين الثلاث إلى العشرة من الإبل (فانطلقوا فشربوا من أبوالها وألبانها حتى صحّوا وسمنوا) وللإسماعيلي من رواية ثابت ورجعت إليهم ألوانهم (وقتلوا الراعي) يسارًا غلامه عليه الصلاة والسلام (واستاقوا الذود) افتعال من السوق وهو السير العنيف (وكفروا بعد إسلامهم فأتى الصريخ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالصاد المهملة والخاء المعجمة فعيل بمعنى فاعل أي صوت المستغيث (فبعث) عليه الصلاة والسلام (الطلب) في آثارهم، وفي حديث سلمة بن الأكوع خيلاً من المسلمين أميرهم كرز بن جابر الفهري، ولمسلم من رواية معاوية بن قرّة عن أنس أنهم شباب من الأنصار قريب من عشرين رجلاً وبعث معهم قائفًا يقتص آثارهم (فما ترجل النهار) بالجيم أي ارتفع (حتى أُتي بهم) بضم الهمزة وكسر المثناة الفوقية إليه عليه الصلاة والسلام (فقطع أيديهم وأرجلهم) بتشديد الطاء في اليونينية أي أمر بها فقطعت وظاهره أنه قطع يدي كل واحد ورجليه لكن يردّه رواية الترمذي من خِلاف وللمؤلّف من رواية الأوزاعي لم يحسمهم أي لم يكوِ ما قطع منهم بالنار لينقطع الدم بل تركهم ينزفون (ثم أمر) عليه الصلاة والسلام (بمسامير فأُحميت) بضم الهمزة رباعيًا وهو المعروف في اللغة (فكحلهم بها) بالتخفيف أي أمر بذلك، وفي رواية: فأكحلوا بهمزة مضمومة وكسر الحاء وإنما فعل ذلك بهم لما في رواية التيمي أنهم كانوا فعلوا بالرعاء مثل ذلك وعليه ينزل تبويب البخاري ولولا ذلك لم تكن ثمّ مناسبة، وقيل: إنه منسوخ بآية المائدة: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} [المائدة: 33] الآية. قاله الشافعي. (وطرحهم بالحرة) بالحاء والراء المهملتين أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة (يستسقون فما يسقون حتى ماتوا). استشكل بأن الإجماع كما قاله القاضي أن من وجب قتله فاستسقى يسقى. وأجيب: بأنه ليس في الحديث ما يدل على أنه أمر بذلك ولا أذن فيه أو أنهم بارتدادهم لم تكن لهم حرمة، ولذلك قال أصحابنا: من معه ماء يحتاج إليه لعطش وهناك مرتدّ لو لم يسقه مات يتوضأ به ولا يسقيه بخلاف الذمي والبهيمة. (قال أبو قلابة) بن عبد الله (قتلوا وسرقوا) لأنهم أخذوا اللقاح من حرز مثلها وهذا أخذه أبو قلابة استنباطًا لكنه نوزع فيه بأن هذه ليست سرقة وإنما هي حرابة. (وحاربوا الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسعوا في الأرض فسادًا). 153 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة وهو كالفضل من سابقه. 3019 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «قَرَصَتْ نَمْلَةٌ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَحْرَقْتَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ تُسَبِّحُ». [الحديث 3019 - طرفه في: 3319]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن يونس) بن يزيد الأيلي (من ابن شهاب) الزهري (عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة) بن عبد الرحمن (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (قرصت) بفتح القاف والراء والصاد المهملتين أي لدغت (نملة نبيًّا من الأنبياء) هو عزير. وعند الترمذي الحكيم أنه موسى (فأمر بقرية النمل) موضع اجتمعاهن (فأحرقت) بتاء التأنيث أي القرية، ولأبي ذر: فأحرق أي النمل لجواز التعذيب بالنار وإحراق النمل قصاصًا وهو غير مكلف في شرعه، واستدلّ به على جواز حرق الحيوان المؤذي لأن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يأتِ في شرعنا ما يرفعه. نعم ورد فيه النهي عن التعذيب بالنار إلا في القصاص بشرطه، وكذا لا يجوز عندنا قتل النمل لحديث ابن عباس في السُّنن: "أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن قتل النملة والنحلة". (فأوحى الله إليه) إلى ذلك النبي (أن قرصتك نملة)

154 - باب حرق الدور والنخيل

بفتح الهمزة وبهمزة الاستفهام مقدرة أو ملفوظ بها (أحرقت أمة من الأمم تسبح الله) تعالى في بدء الخلق فهلا نملة واحدة أي فهلا أحرقت نملة واحدة وهي التي آذتك بخلاف غيرها فلم يصدر منها جناية وفيه إشارة إلى أنه لو أحرق التي قرصته لما عوتب وقيل لم يقع عليه العتب في أصل القتل ولا في الإحراق بل في الزيادة على النملة الواحدة وهو يدل لجوازه في شرعه، وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يعاتب أصلاً ورأسًا أو أنه من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين. وقد روي أن لهذه القصة سببًا وهو أن هذا النبي مرّ على قرية أهلكها الله بذنوب أهلها فوقف متعجبًا فقال: يا رب كان فيهم صبيان ودواب ومن لم يقترف ذنبًا ثم نزل تحت شجرة فجرت له هذه القصة فنبهه الله على أن الجنس المؤذي يقتل وإن لم يؤذِ وتقتل أولاده وإن لم تبلغ الأذى، والحاصل أنه لم يعاتبه إنكارًا لما فعل بل جوابًا له وإيضاحًا لحكمة شمول الإهلاك لجميع أهل تلك القرية فضرب له المثل بذلك أي إذا اختلط من يستحق الإهلاك بغيره وتعين إهلاك الجميع طريقًا إلى إهلاك المستحق جاز إهلاك الجميع. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الحيوان وأبو داود في الأدب والنسائي في الصيد وابن ماجه. 154 - باب حَرْقِ الدُّورِ وَالنَّخِيلِ (باب) جواز (حرق الدور والنخيل) التي للمشركين وحرق بفتح الحاء وسكون الراء واعترضه في فتح الباري بأنه لا يقال في المصدر حرق، وإنما يقال تحريق واحراق لأنه رباعي. وقال الزركشي: الصواب إحراق وتعقبه في المصابيح بأن في المشارق والحرق يكون من النار والأعرف الإحراق فجعل الحرق معروفًا لا خطأ. 3020 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: "قَالَ لِي جَرِيرٌ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ -وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةَ- قَالَ فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ، قَالَ: وَكُنْتُ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا. فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا. ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخْبِرُهُ فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْوَفُ أَوْ أَجْرَبُ. قَالَ فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ". [الحديث 3020 - أطرافه في: 3036، 3076، 3823، 4355، 4356 , 4357، 6089، 6333]. وبه قال: (حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي البجلي (قال: حدّثني) بالإفراد (قيس بن أبي حازم) بالمهملة والزاي (قال: قال لي جرير) بفتح الجيم ابن عبد الله الأحمسي -رضي الله عنه- (قال لي رسول الله): (ألا تريحني) بفتح الهمزة وتخفيف اللام وبالراء والحاء المهملتين طلب يتضمن الأمر بإراحة قلبه المقدس (من ذي الخلصة) بالخاء المعجمة واللام بعدها صاد مهملة مفتوحات أو بفتح أوله وسكون ثانيه أو مهما أو بفتح ثم ضم والأول أشهر لأنه لم يكن شيء أتعب لقلبه عليه الصلاة والسلام من بقاء ما يشرك به من دون الله وخصّ جرير بذلك لأنها كانت في بلاد قومه وكان هو من أشرافهم. (وكان) ذو الخلصة (بيتًا) لصنم (في خثعم) بفتح الخاء المعجمة وسكون المثلثة وفتح العين المهملة كجعفر قبيلة شهيرة ينتسبون إلى خثعم بن أنمار بفتح الهمزة وسكون النون ابن إراش بكسر الهمزة وتخفيف الراء آخره شين معجمة أو اسم البيت الخلصة واسم الصنم ذو الخلصة، وضعفه الزمخشري بأن ذو لا تضاف إلا إلى أسماء الأجناس (يسمى) أي ذو الخلصة (كعبة اليمانية) بالتخفيف لأنه بأرض اليمن ضاهوا به الكعبة البيت الحرام من إضافة الموصوف إلى الصفة، وجوّزه الكوفيون وهو عند البصريين بتقدير كعبة الجهة اليمانية. (قال) جرير (فانطلقت) أي قبل وفاته عليه الصلاة والسلام بشهرين (في خمسين ومائة فارس من أحمس) بفتح الهمز وسكون الحاء المهملة وفتح الميم آخره سين مهملة قبيلة من العرب وهم إخوة بجيلة بفتح الموحدة وكسر الجيم رهط جرير ينتسبون إلى أحمس بن الغوث بن أنمار وبجيلة امرأة تنسب إلى القبيلة المشهورة (وكانوا أصحاب خيل) أي يثبتون عليها لقوله: (قال: وكنت لا أثبت على الخيل فضرب) عليه الصلاة والسلام (في صدري) لأن فيه القلب (حتى رأيت أثر أصابعه) الشريفة (في صدري وقال): (اللهمّ ثبّته) على الخيل (واجعله هاديًا) لغيره حال كونه (مهديًّا) بفتح الميم في نفسه، (فانطلق) جرير (إليها) إلى ذي الخلصة (فكسرها) أي هدم بناءها (وحرّقها) بتشديد الراء بأن رمى النار فيما فيها من الخشب (ثم بعث) جرير (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يخبره) بتكسيرها وتحريقها (فقال رسول جرير) هو

155 - باب قتل النائم المشرك

أبو أرطأة حصين بن ربيعة بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (والذي بعثك بالحق ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجوف) بالهمزة والجيم والواو والفاء أي صارت البعير الخالي الجوف (أو) قال (أجرب) بالراء الموحدة كناية عن نزع زينتها وإذهاب بهجتها. وقال الخطابي: مثل الجمل المطلي بالقطران من جريه إشارة إلى ما حصل لها من سواد الإحراق (قال فبارك) عليه الصلاة والسلام (في خيل أحمس ورجالها) أي دعا لها بالبركة (خمس مرات) مبالغة واقتصر على الوتر لأنه مطلوب. 3021 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "حَرَّقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري ولم يصب من ضعّفه قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة أو الثوري (عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- قال): (حرّق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتشديد الراء (نخل بني النضير) قبيلة من اليهود بالمدينة سنة أربع من الهجرة وخرّب بيوتهم بعد أن حاصرهم خمسة عشر يومًا وفيهم نزلت الآيات من سورة الحشر، وفي رواية المغازي عند المؤلّف قال: حرّق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نخل بني النضير وقطع وهي البويرة فنزلت: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله} [الحشر: 5]. والبويرة: موضع نخل بني النضير وقوله فنزلت يدل على أن نزول الآية بعد التحريق، فيحتمل أن يكون التحريق باجتهاد أو وحي ثم نزلت، واستدلّ الجمهور بذلك على جواز التحريق والتخريب في بلاد العدوّ إذا تعيّن طريقًا في نكاية العدوّ وخالف بعضهم فقال: لا يجوز قطع المثمر أصلاً وحمل ما ورد في ذلك إما على غير المثمر وإما على أن الشجر الذي قطع في قصة بني النضير كان في الموضع الذي يقع فيه القتال وهذا قول الليث والأوزاعي وأبي ثور. ويأتي الحديث بتمامه إن شاء الله تعالى مع بقية مباحثه في كتاب المغازي. 155 - باب قَتْلِ النَّائِمِ الْمُشْرِكِ (باب قتل النائم المشرك). 3022 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَهْطًا مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى أَبِي رَافِعٍ لِيَقْتُلُوهُ، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَدَخَلَ حِصْنَهُمْ، قَالَ: فَدَخَلْتُ فِي مَرْبِطِ دَوَابَّ لَهُمْ، قَالَ: وَأَغْلَقُوا بَابَ الْحِصْنِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ فَقَدُوا حِمَارًا لَهُمْ فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَهُ، فَخَرَجْتُ فِيمَنْ خَرَجَ أُرِيهِمْ أَنَّنِي أَطْلُبُهُ مَعَهُمْ، فَوَجَدُوا الْحِمَارَ، فَدَخَلُوا وَدَخَلْتُ، وَأَغْلَقُوا بَابَ الْحِصْنِ لَيْلاً، فَوَضَعُوا الْمَفَاتِيحَ فِي كَوَّةٍ حَيْثُ أَرَاهَا، فَلَمَّا نَامُوا أَخَذْتُ الْمَفَاتِيحَ فَفَتَحْتُ بَابَ الْحِصْنِ، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ، فَأَجَابَنِي، فَتَعَمَّدْتُ الصَّوْتَ فَضَرَبْتُهُ، فَصَاحَ، فَخَرَجْتُ، ثُمَّ جِئْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ كَأَنِّي مُغِيثٌ فَقُلْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ -وَغَيَّرْتُ صَوْتِي- فَقَالَ: مَا لَكَ لأُمِّكَ الْوَيْلُ، قُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي مَنْ دَخَلَ عَلَىَّ فَضَرَبَنِي، قَالَ: فَوَضَعْتُ سَيْفِي فِي بَطْنِهِ، ثُمَّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ حَتَّى قَرَعَ الْعَظْمَ، ثُمَّ خَرَجْتُ وَأَنَا دَهِشٌ، فَأَتَيْتُ سُلَّمًا لَهُمْ لأَنْزِلَ مِنْهُ فَوَقَعْتُ، فَوُثِئَتْ رِجْلِي، فَخَرَجْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِبَارِحٍ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ، فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى سَمِعْتُ نَعَايَا أَبِي رَافِعٍ تَاجِرِ أَهْلِ الْحِجَازِ. قَالَ: فَقُمْتُ وَمَا بِي قَلَبَةٌ، حَتَّى أَتَيْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْنَاهُ". [الحديث 3022 - أطرافه في: 3023، 4038، 4039، 4040]. وبه قال: (حدّثنا عليّ بن مسلم) بكسر اللام الخفيفة ابن سعيد الطوسي قال: (حدّثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة) ميمون الهمداني الكوفي القاضي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) زكريا الأعمى (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي (عن البراء بن عازب) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في رمضان سنة ست أو في ذي الحجة سنة خمس أو في آخر سنة أربع (رهطًا) ما بين الثلاثة إلى التسعة من الرجال (من الأنصار إلى أبي رافع) عبد الله أو سلام بن أبي الحقيق بضم الحاء المهملة وفتح القاف الأولى اليهودي وكان قد حزب الأحزاب على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ليقتلوه) بسبب ذلك، (فانطلق رجل منهم) هو عبد الله بن عتيك بفتح العين المهملة وكسر المثناة الفوقية الأنصاري (فدخل حصنهم) بخيبر أو بأرض الحجاز وجمع بينهما بأن يكون حصنهم كان قريبًا من خيبر في طرف أرض الحجاز (قال): عبد الله بن عتيك (فدخلت في مربط) بفتح الميم وكسر الموحدة (دواب لهم قال وأغلقوا باب الحصن ثم إنهم فقدوا) بفتح القاف (حمارًا لهم فخرجوا يطلبونه فخرجت فيمن خرج أريهم) بضم الهمزة وكسر الراء من الإراءة (أنني) بفتح الهمزة والنون الأولى المشدّدة وكسر الثانية، ولأبي ذر: أني بنون واحدة مكسورة مشددة (أطلبه معهم، فوجدوا الحمار فدخلوا ودخلت) معهم (وأغلقوا باب الحصن ليلاً فوضعوا المفاتيح في كوّة) بفتح الكاف وضمها وتشديد الواو ثقب في جدار البيت (حيث أراها) بفتح الهمزة (فلما ناموا أخذت المفاتيح ففتحت باب) مكان من (الحصن) الذي فيه أبو رافع (ثم دخلت عليه فقلت: يا أبا رافع) لأتحقق أنه هو خوفًا من أن أقتل غيره ممن لا غرض لي في قتله (فأجابني فتعمدت الصوت) أي اعتمدت جهة الصوت لأن الموضع كان مظلمًا (فضربته) عند وصولي إليه (فصاح فخرجت) من عنده (ثم جئت ثم رجعت) إليه ولأبي ذر: فخرجت ثم رجعت (كأني مغيث) له (فقلت: يا أبا رافع -وغيّرت صوتي- فقال: ما لك)؟ ما استفهامية مبتدأ وخبره لك (لأمك الويل)

156 - باب لا تمنوا لقاء العدو

القياس أن يقول: على أمك الويل وذكر الأم لإرادة الاختصاص (قلت: ما شأنك؟ قال: لا أدري من دخل عليّ فضربني. قال: فوضعت سيفي في بطنه ثم تحاملت عليه) أي تكلفته على مشقة (حتى قرع العظم) أي أصابه (ثم خرجت وأنا دهش) بفتح الدال وكسر الهاء صفة مشبهة أي متحير والجملة حالية، وهذا يقتضي أن الفاعل لذلك كله عبد الله بن عتيك، لكن عند ابن هشام عن الزهري عن كعب بن مالك أنه خرج إليه خمسة نفر: عبد الله بن عتيك، ومسعود بن سنان، وعبد الله بن أنيس، وأبو قتادة الحرث بن ربعي، وخزاعي بن أسود حليف لهم من أسلم، وأمّر عليهم عبد الله بن عتيك، وأنهم لما دخلوا عليه ابتدروه بأسيافهم وأن عبد الله بن أنيس تحامل عليه بسيفه في بطنه حتى أنفذه وهو يقول: قطني قطني أي حسبي، لكن ما في البخاري أصح. قال أبو عبد الله بن عتيك (فأتيت سُلّمًا لهم) بضم السين وفتح اللام المشددة (لأنزل منه) بفتح الهمزة (فوقعت فوثئت) بضم الواو وكسر المثلثة وهمزة مفتوحة مبنيًّا للمفعول أي أصاب عظم (رجلي) شيء لا يبلغ الكسر كأنه فك وإنما وقع من الدرجة لأنه كان ضعيف البصر، (فخرجت إلى أصحابي فقلت): لهم (ما أنا ببارح) بموحدتين فألف فراء فحاء مهملة أي بذاهب (حتى أسمع الناعية) بالنون وكسر العين أي المخبرة بموته، ولأبي ذر: الواعية بالواو بدل النون أي الصارخة التي تندب القتيل والوعي الصوت (فما برحت حتى سمعت نعايا أبي رافع) بفتح النون والعين وبعد المثناة التحتية ألف وقول الخطابي كذا روي وحقه نعاء أبا رافع أي انعوا أبا رافع كقولهم دراك بمعنى أدرك، تعقبه في المصابيح فقال: هذا قدح في الرواية الصحيحة بوهم يقع في الخاطر فالنعايا هنا جمع نعيّ كصفي وصفايا والنعيّ خبر الموت أي فما برحت حتى سمعت الأخبار مصرّحة بموت أبي رافع (تاجر أهل الحجاز) فيه قبول قول الواحد في الوفاة بقرائن الأحوال ولو كان القائل كافرًا لمحكم القرينة لا القول (قال قمت وما بي قلبة) بالقاف واللام الموحدة المفتوحات أي ما بقي علّة أو داء تقلب له رجلي لتعالج (حتى أتينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرناه) بموت أبي رافع. فإن قلت: من أين تؤخذ المطابقة بين الترجمة والحديث؟ أجيب: بأنه إنما قصد أبا رافع وهو نائم وإنما أيقظه ليعلم مكانه بصوته فكان حكمه حكم النائم لأنه حينئذٍ استمر على خبال نومه لأنه بعد أن ضربه لم يفر من مكانه ولا تحوّل من مضجعه حتى عاد إليه فقتله على أنه قد صرّح في الحديث الآتي بأنه قتله في حالة النوم اهـ. وفي الحديث جواز التجسس على المشركين وجواز قتل المشرك بغير دعوة إذا كان قد بلغته قبل ذلك وقتله إذا كان نائمًا مع تحقق استمراره على الكفر واليأس من فلاحه بالوحي أو بالقرائن الدالّة على ذلك، وأخرج الحديث المؤلّف أيضًا مختصرًا هنا وفي المغازي. 3023 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَي يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَهْطًا مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى أَبِي رَافِعٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلاً فَقَتَلَهُ وَهْوَ نَائِمٌ". وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (يحيى بن آدم) هو ابن سليمان القرشي المخزومي الكوفي قال: (حدّثنا يحيى بن أبي زائدة) هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة وسقط لفظ يحيى لأبي ذر (عن أبيه) زكريا (عن أبي إسحاق) السبيعي الكوفي (عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رهطًا) بفتح الراء وسكون الهاء (من الأنصار إلى أبي رافع فدخل عليه عبد الله بن عتيك) بالعين المهملة (بيته) الذي هو فيه من الحصن، وللحموي والمستملي بيته بتشديد المثناة التحتية المفتوحة بعد الموحدة من التبييت أي حال كونه قد بيته (ليلاً فقتله وهو نائم) صرّح بأن ابن عتيك هو الذي قتله وأنه كان نائمًا كما نبّه عليه قريبًا. 156 - باب لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ هذا (باب) بالتنوين (لا تمنوا لقاء العدوّ) بإسقاط إحدى التاءين من تمنوا تخفيفًا. 3024 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ الْيَرْبُوعِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: "حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، كُنْتُ كَاتِبًا لَهُ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى حِينَ خَرَجَ إِلَى الْحَرُورِيَّةِ فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ". وبه قال: (حدّثنا يوسف بن موسى) بن عيسى المروزي قال: (حدّثنا عاصم بن يوسف اليربوعي) الخياط الكوفي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد (الفزاري) بفتح الفاء والزاي وكسر الراء (عن موسى بن

عقبة قال: حدّثني) بالإفراد (سالم) هو ابن أبي أمية (أبو النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة (مولى عمر بن عبيد الله) بضم العين فيهما التيمي المدني وكان أميرًا على حرب الخوارج قال: (كنت كاتبًا له) أي لعمر بن عبيد الله لا لعبد الله بن أبي أوفى (قال): أي سالم (كتب إليه) أي إلى عمر بن عبيد الله التيمي (عبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة والفاء بينهما واو ساكنة وفي نسخة قال: كنت كاتبًا لعمر بن عبيد الله فأتاه كاتب عبد الله بن أبي أوفى (حين خرج إلى الحرورية) بفتح الحاء المهملة (فقرأته فإذا فيه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض أيامه التي لقي فيها العدوّ انتظر) خبر إن (حتى مالت الشمس) عن خط وسط السماء (ثم قام في الناس) خطيبًا (فقال): 3025 - "ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا -وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ". وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: "حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ: كُنْتُ كَاتِبًا لِعُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَأَتَاهُ كِتَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ". (يا أيها الناس لا تمنوا لقاء العدوّ) بحذف إحدى تاءي تمنوا. فإن قلت: تمني لقاء العدوّ جهاد والجهاد طاعة فكيف ينهى عن الطاعة؟ أجيب: بأن المرء لا يدري ما يؤول إليه الحال، وقصة الرجل الذي أثخنته الجراح في غزوة خيبر وقتل نفسه حتى آل أمره أن كان من أهل النار شاهدة لذلك، وقد روى سعيد بن منصور من طريق يحيى بن أبي بكر مرسلاً: لا تمنوا لقاء العدوّ فإنكم لا تدرون عسى أن تبتلوا بهم أو النهي لما في التمني من صورة الإعجاب والاتكال على النفوس والوثوق بالقوة وقلة الاهتمام بالعدوّ، وتمني الشهادة ليس مستلزمًا لتمني لقاء العدوّ فيجوز تمني لقاء العدوّ جهاد أو مستلزم له، وتمني الجهاد مستلزم للقاء العدوّ وهو يتضمن الضرر المذكور ولذا تممه عليه الصلاة والسلام بقوله: (وسلوا الله العافية) من هذه المخاوف المتضمنة للقاء العدوّ وهو نظير سؤال العافية من الفتن، وقد قال الصدّيق الأكبر أبو بكر رضي الله عنه: لأن أعافى فأشكر أحبّ إليّ من أن أبتلى فأصبر، وهل يؤخذ منه منع طلب المبارزة لأنه من تمنى لقاء العدوّ، ومن ثم قال عليّ لابنه: يا بني لا تدع أحدًا إلى المبارزة ومن دعاك إليها فاخرج إليه لأنه باغٍ، والله قد ضمن نصر من بُغي عليه، ولطلب المبارزة شروط معروفة في الفقه إذا اجتمعت أمن معها المحذور في لقاء العدوّ المنهي عن تمنّيه. (فإذا لقيتموهم فاصبروا) أي اثبتوا ولا تظهروا التألم من شيء يحصل لكم الصبر في القتال هو كظم ما يؤلم من غير إظهار شكوى ولا جزع وهو الصبر الجميل (واعلموا أن الجنة) أي ثوابها (تحت ظلال السيوف) وقال النووي: معناه أن الجهاد وحضور معركة الكفار طريق إلى الجنة وسبب لدخولها (ثم قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اللهم) يا (منزل الكتاب) الفرقان أو سائر الكتب السماوية (و) يا (مجري السحاب) بنزول الغيث بقدرته (و) يا (هازم الأحزاب) وحده إشارة إلى تفرّده بالنصر وهزم ما يجتمع من أحزاب العدوّ (اهزمهم وانصرنا عليهم) وفي رواية الإسماعيلي في هذا الحديث من وجه آخر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا أيضًا فقال: "اللهم أنت ربنا وربهم ونحن عبيدك نواصينا ونواصيهم بيدك فاهزمهم وانصرنا عليهم". (وقال موسى بن عقبة): بالإسناد المذكور وكان المؤلّف رواه بالإسناد الواحد مطوّلاً ومختصرًا (حدّثني) بالإفراد (سالم أبو النضر): كذا في رواية أبي ذر وسقط عند غيره من قوله مولى عمر بن عبيد الله إلى هنا وساق في رواية أبي ذر الحديث كالباقين (كنت كاتبًا لعمر بن عبيد الله) صريح في أن سالمًا كاتب عمر بن عبيد الله وهو يرد على العيني كالحافظ ابن حجر حيث رجعا الضمير في قوله في باب الجنة تحت بارقة السيوف عن سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله وكان كاتبًا له إلى عبد الله بن أبي أوفى (فأتاه) أي عمر بن عبيد الله (كتاب عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تمنَّوا لِقَاءَ العدوّ) بحذف إحدى تاءي تمنوا. 3026 - وَقَالَ أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا». (وقال أبو عامر) عبد الملك بن عمرو بن قيس البصري العقدي لا عبد الله بن براد مما وصله مسلم (حدّثنا مغيرة بن عبد الرحمن) الحزامي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (لا تمنوا) بحذف إحدى التاءين

157 - باب الحرب خدعة

تخفيفًا ولأبي ذر: لا تمنوا بإثباتها (لقاء العدو، فإذا لقيتموهم فاصبروا) لأن مع الصبر يبقى الثبات ويرجى النصر. 157 - باب الْحَرْبُ خَدْعَةٌ هذا (باب) بالتنوين (الحرب خدعة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة كما في الفرع وأصله وهي الأفصح وجزم بها أبو ذر الهروي والقزاز، وقال ثعلب: بلغنا أنها لغة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وللأصيلي كما قاله في الفتح خدعة بضم الخاء مع سكون الدال، وجوّز خدعة بضم أوله وفتح ثانيه كهمزة ولمزة وهي صيغة مبالغة، وحكى المنذري خدعة بفتح الأول والثاني جمع خادع. وحكى مكي وغيره خدعة بكسر أوّله وسكون ثانيه فهي خمسة ومعنى الإسكان أنها تخدع أهلها من وصف الفاعل باسم المصدر أو وصف للمفعول كهذا الدرهم ضرب الأمير أي مضروبه، وعن الخطابي أنها المرة الواحدة يعني أنه إذا خدع مرة واحدة لم تقل عثرته ومعنى الضم مع السكون أنها تخدع الرجال أي هي محل الخداع وموضعه ومع فتح الدال أي تخدع الرجال تمنِّيهم الظفر ولا تفي لهم كالضحكة إذا كان يضحك بالناس، وقيل: الحكمة في الإتيان بالتاء الدلالة على الوحدة فإن الخداع إن كان من المسلمين فكأنه حضّهم على ذلك ولو مرة واحدة وإن كان من الكفار فكأنه حذرهم من مكرهم ولو وقع مرة واحدة فلا ينبغي التهوّن بهم لما ينشأ عنه من المفسدة ولو قلّ. 3027 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «هَلَكَ كِسْرَى , ثُمَّ لاَ يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ. وَقَيْصَرٌ لَيَهْلِكَنَّ، ثُمَّ لاَ يَكُونُ قَيْصَرٌ بَعْدَهُ، وَلَتُقْسَمَنَّ كُنُوزُهما فِي سَبِيلِ اللَّهِ». [الحديث 3027 - أطرافه في: 3120، 3618، 6630]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (هلك) أي مات (كسرى) بكسر الكاف وقد تفتح معرب خسرو أي واسع الملك وهو اسم لكل من ملك الفرس (ثم لا يكون كسرى بعده) بالعراق وفي رواية: إذا هلك كسرى إلخ ... قال القرطبي: وبين رواية هلك وإذا هلك بون ويمكن الجمع بأن يكون أبو هريرة سمع أحد اللفظين قبل أن يموت كسرى والآخر بعد موته قال: ويحتمل أن يقع التغاير بالهلاك والموت فقوله: إذا هلك كسرى أي هلك ملكه وارتفع وقوله مات كسرى ثم لا يكون كسرى بعده المراد بعد كسرى حقيقة، والمراد بقوله هلك كسرى تحقق وقوع ذلك حتى عبّر عنه بلفظ الماضي وإن كان لم يقع بعد للمبالغة في ذلك كما في قوله تعالى: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} [النحل: 1]. (وقيصر) بغير صرف للعجمة والعلمية ونوّن في الفرع وصحح عليه مبتدأ خبره (ليهلكن) بفتح الياء وكسر اللام الثانية في الفرع كأصله وقيصر بالتنوين مصحح عليه وفي نسخة ولا قيصر ليهلكن بالصرف بعد النفي لزوال العلمية بالتنكير (ثم لا يكون قيصر بعده) بالشام. قال إمامنا الشافعي: وسبب الحديث أن قريشًا كانت تأتي الشام والعراق كثيرًا للتجارة في الجاهلية فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليها لمخالفتهم بالإسلام فقال عليه الصلاة والسلام: لا كسرى ولا قيصر بعدهما بهذين الإقليمين ولا ضرر عليكم فلم يكن قيصر بعده بالشام ولا كسرى بالعراق ولا يكون (ولتقسمن كنوزهما) أي مالهما المدفون وكل ما يجمع ويدّخر وسقطت ميم كنوزهما في الفرع وأصله (في سبيل الله) عز وجل ولتقسمن بضم المثناة الفوقية وفتح السين والميم وتشديد النون مبنيًّا للمفعول. 3028 - "وَسَمَّى الْحَرْبَ خُدْعَةً". [الحديث 3028 - طرفه في: 3029]. (وسمى) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الحرب خدعة) في غزوة الخندق لما بعث نعيم بن مسعود يخذل بين قريش وغطفان واليهود قاله الواقدي، وتكون بالتورية وبالكمين وبخلف الوعد وذلك من المستثنى الجائز المخصوص من المحرّم، وقال النووي: اتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيفما أمكن إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز. وهذا الحديث أخرجه مسلم. 3029 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَصْرَمَ -اسْمُهُ بُورُ- أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "سَمَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحَرْبَ خُدْعَةً". وبه قال: (حدّثنا أبو بكر بن أصرم) بفتح الهمزة وسكون الصاد وبعد الراء المفتوحة ميم ولأبي الوقت: أبو بكر بضم الموحدة وبعد الواو الساكنة راء وهو اسمه ولأبي ذر: اسمه بور المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام بن منبه) بضم

158 - باب الكذب في الحرب

الميم وفتح النون وتشديد الموحدة المكسورة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: سمى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (الحرب خدعة) وهذه طريقة ثانية لحديث أبي هريرة. 3030 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ». وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي قال: (أخبرنا ابن عيينة) سفيان (عن عمرو) هو ابن دينار أنه (سمع جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال): (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الحرب خدعة) وفيه كالسابق الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة. وهذا الحديث أخرجه مسلم في المغازي وأبو داود والترمذي في الجهاد والنسائي في السير. 158 - باب الْكَذِبِ فِي الْحَرْبِ 3031 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ، فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا -يَعْنِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- قَدْ عَنَّانَا وَسَأَلَنَا الصَّدَقَةَ. قَالَ: وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ. قَالَ: فَإِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ فَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُهُ. قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يُكَلِّمُهُ حَتَّى اسْتَمْكَنَ مِنْهُ فَقَتَلَهُ". (باب) حكم (الكذب في الحرب). وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من لكعب بن الأشرف) بالشين المعجمة اليهودي القرظي (فإنه قد آذى الله ورسوله) أي آذى رسول الله وأذاه لرسول الله هو أذى الله لأنه لا يرضى به (قال محمد بن مسلمة) بفتح الميم واللام الأنصاري (أتحب أن أقتله)؟ بهمزة الاستفهام وأن مصدرية أي أتحب قتله (يا رسول الله. قال): (نعم) زاد في رواية الباب اللاحق قال: فائذن لي فأقول قال قد فعلت، وبهذه الزيادة تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة فإنه يدخل فيه الإذن في الكذب تصريحًا وتلويحًا. (قال) جابر (فأتاه) أي فأتى محمد بن مسلمة كعبًا (فقال) له: (إن هذا يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد عنانا) بفتح العين والنون المشدّدة أتعبنا بما كلفنا به من الأوامر والنواهي التي فيها تعب لكنه في مرضاة الله وهذا من التعريض الجائز (وسألنا الصدقة) بفتح اللام والصدقة مفعول ثانٍ أي طلبها منّا ليضعها مواضعها (قال) كعب: (وأيضًا والله) بعد ذلك (لتملنه). بفتح اللام والفوقية والميم وضم اللام المشدّدة أي تزيد ملالتكم وتتضجرون منه أكثر وأزيد من ذلك وسقط لأبي ذر لتملنه (قال) محمد بن مسلمة: (فإنا قد اتبعناه فنكره أن ندعه حتى ننظر إليه ما يصير أمره قال فلم يزل) محمد بن مسلمة (يكلمه حتى استمكن منه فقتله) في السنة الثالثة من الهجرة وجاء برأسه إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفيه تجويز الكذب في الحرب تعريضًا وهل يجوز تصريحًا؟ نعم تضمنت الزيادة المنبّه عليها آنفًا التصريح وأصرح منها ما في الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد مرفوعًا: لا يحل الكذب إلا في ثلاث تحديث الرجل امرأته ليرضيها والكذب في الحرب وفي الإصلاح بين الناس. قال النووي: الظاهر إباحة حقيقية الكذب في الأمور الثلاثة لكن التعريض أولى. وهذا الحديث قد مرّ في باب رهن السلاح. 159 - باب الْفَتْكِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ (باب) جواز (الفتك) بفتح الفاء وسكون الفوقية آخره كاف (بأهل الحرب) أي قتلهم على غفلة. 3032 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ؟ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأْذَنْ لِي فَأَقُولَ. قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من لكعب بن الأشرف) زاد في الرواية الأولى فإنه قد آذى الله ورسوله (فقال محمد بن مسلمة) الأنصاري أخو بني عبد الأشهل: (أتحب أن أقتله) زاد ابن إسحاق أنا له يا رسول الله (قال): (نعم) (قال فائذن لي فأقول) بالنصب أي عني وعنك ما رأيته مصلحة من التعريض وغيره مما لم يحق باطلاً ولم يبطل حقًّا (قال) عليه الصلاة والسلام: (قد فعلت) أي أذنت. وهذا مختصر من الحديث السابق ووجه المطابقة بينه وبين الترجمة من معناه لأن ابن مسلمة غرّ ابن الأشرف وقتله وهو الفتك على ما تقرر. فإن قلت: كيف قتله بعد أن غرّه؟ فالجواب: لأنه نقض العهد وأعان على حرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهجاه. فإن قلت: كيف أمنه ثم قتله؟ أجيب: بأنه لم يصرح له بالتأمين وإنما أوهمه وآنسه حتى تمكن من قتله. 160 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الاِحْتِيَالِ، وَالْحَذَرِ مَعَ مَنْ يَخْشَى مَعَرَّتَهُ (باب ما يجوز من الاحتيال، والحذر من يخشى) بالتحتية والفوقية (معرته) بفتح الميم

161 - باب الرجز في الحرب، ورفع الصوت في حفر الخندق فيه سهل وأنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفيه يزيد عن سلمة

والعين المهملة والراء المشدّدة والنصب على المفعولية ولأبي ذر تخشى بضم أوّله مبنيًّا للمفعول معرته بالرفع نائبًا عن الفاعل أي فساده وشرّه. 3033 - قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: «انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ -فَحُدِّثَ بِهِ فِي نَخْلٍ- فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّخْلَ، طَفِقَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ وَابْنُ صَيَّادٍ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْرَمَةٌ، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا صَافِ هَذَا مُحَمَّدٌ، فَوَثَبَ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ». (قال) ولأبي ذر: وقال (الليث) بن سعد الإمام مما وصله الإسماعيلي (حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم بن عبد الله عن) أبيه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) وسقط لأبي ذر لفظ عبد الله (أنه قال: انطلق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعه أُبي بن كعب قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة (ابن صياد فحدّث به) بضم الحاء وكسر الدال مبنيًّا للمفعول أي فأخبر بابن صياد والحال أنه (في نخل) بالنون والخاء المعجمة (فلما دخل عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النخل طفق) جعل عليه الصلاة والسلام (يتقي) يخفي نفسه (بجذوع النخل) حتى لا يراه ابن صياد. قال العيني: وهذا احتيال وحذر لأن أم ابن صياد ممن يخشى معرته (وابن صياد في قطيفة) كساء له خمل (له فيها) أي لابن صياد في القطيفة (رمرمة) براءين مهملتين وميمين أي صوت (فرأت أم ابن صياد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا صاف) بكسر الفاء وأوّله صاد مهملة وهو اسم ابن صياد (هذا محمد فوثب ابن صياد فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو تركته) أي أمه بحيث لا يعرف بقدومه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بين) لكم باختلاف كلامه ما يهوّن عليكم أمره ويظهر حاله. 161 - باب الرَّجَزِ فِي الْحَرْبِ، وَرَفْعِ الصَّوْتِ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ فِيهِ سَهْلٌ وَأَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَفِيهِ يَزِيدُ عَنْ سَلَمَةَ (باب) إنشاد (الرجز في الحرب و) جاء في (رفع الصوت فىٍ حفر الخندق) يوم الأحزاب (فيه) أي في هذا الباب (سهل) بفتح السين وسكون الهاء ابن سعد الساعدي مما وصله في غزوة الخندق (وأنس مما سبق موصولاً في حفر الخندق كلاهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفيه اللهمّ لا عيش إلاّ عيش الآخرة (وفيه) أيضًا (يزيد) بن أبي عبيد (عن) مولاه (سلمة) بن الأكوع مما سيأتي في غزوة خيبر وفيه (اللهم لولا أنت ما اهتدينا). 3034 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعَرَ صَدْرِهِ -وَكَانَ رَجُلاً كَثِيرَ الشَّعَرِ- وَهْوَ يَرْتَجِزُ بِرَجَزِ عَبْدِ اللَّهِ: اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا إِنَّ الأَعْدَاءَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: رأيت النبي) ولأبي ذر: رأيت رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الخندق وهو ينقل التراب) الواو للحال (حتى وارى) أي ستر (التراب شعر صدره) الشريف (وكان رجلاً كثير الشعر. وهو يرتجز برجز عبد الله بن رواحة): الأنصاري البدري النقيب الشاعر، وسقط لأبي ذر عن الكشميهني والحموي لفظ ابن رواحة (اللهم لولا أنت ما اهتدينا. ولا تصدقنا ولا صلينا). (فأنزلن سكينة علينا. وثبّت الأقدام إن لاقينا). (إن الأعداء) بفتح اللام وسكون العين آخره همز ممدود. (قد بغوا) أي استطالوا (علينا إذا أرادوا فتنة أبينا). من الإباء وهو الامتناع (يرفع بها صوته). حال من قوله وهو يرتجز. وهذا الحديث قد سبق في باب حفر الخندق. 162 - باب مَنْ لاَ يَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ (باب) (من لا يثبت على الخيل). 3035 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلاَ رَآنِي إِلاَّ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي". [الحديث 3035 - طرفاه في: 3822، 6090]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن عبد الله بن نمير) بضم النون وفتح الميم مصغرًا قال: (حدّثنا ابن إدريس) عبد الله (عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي البجلي الكوفي (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن جرير) هو ابن عبد الله الأحمسي (-رضي الله عنه-) أنه (قال): (ما حجبني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي ما منعني مما التمست منه أو من دخول منزله ولا يلزم منه النظر إلى أمهات المؤمنين -رضي الله عنه- (منذ أسلمت ولا رآني إلاّ تبسم في وجهي) ولأبي ذر عن المستملي في وجهه وهو التفات من التكلم إلى الغيبة. 3036 - وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ إِنِّي لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا". (ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل فضرب بيده في صدري) لأنه محل القلب ولأبي ذر عن المستملي في صدره وهو على طريق الالتفات كالسابق (وقال): (اللهم ثبّته واجعله هاديًا) لغيره حال كونه (مهديًا) بفتح الميم في نفسه قال ابن بطال فيه تقديم وتأخير لأنه لا يكون هاديًاً لغيره إلاّ بعد أن يهتدي هو فيكون مهديًّا اهـ. وأجيب: بأنه حال من الضمير فلا تقديم ولا تأخير وأيضًا فليس هنا صيغة ترتيب. 163 - باب دَوَاءِ الْجُرْحِ بِإِحْرَاقِ الْحَصِيرِ وَغَسْلِ الْمَرْأَةِ عَنْ أَبِيهَا الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَحَمْلِ الْمَاءِ فِي التُّرْسِ (باب

164 - باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب، وعقوبة من عصى إمامه

دواء الجرح) بفتح الجيم (بإحراق الحصير) وحشوه به (وغسل المرأة عن أبيها الدم عن وجهه وحمل الماء في الترس) لأجل ذلك. 3037 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ قَالَ: "سَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ -رضي الله عنه-: بِأَىِّ شَىْءٍ دُووِيَ جُرْحُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، كَانَ عَلِيٌّ يَجِيءُ بِالْمَاءِ فِي تُرْسِهِ، وَكَانَتْ -يَعْنِي فَاطِمَةَ- تَغْسِلُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَأُخِذَ حَصِيرٌ فَأُحْرِقَ، ثُمَّ حُشِيَ بِهِ جُرْحُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا أبو حازم) سلمة بن دينار الأعرج (قال: سألوا سهل بن سعد الساعدي) الأنصاري (-رضي الله عنه- بأي شيء) الجار متعلق بدووي والمجرور للاستفهام (دووي) بواو ساكنة بعد الدال المضمومة ثم واو أخرى مكسورة على البناء للمفعول من المداواة (جرح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الذي جرحه بأُحُد (فقال) سهل: (ما بقي أحد من الناس أعلم به مني) قال ذلك لأنه كان آخر من بقي من الصحابة بالمدينة (كان عليّ) هو ابن أبي طالب (يجيء بالماء في ترسه وكانت يعني فاطمة) -رضي الله عنهما- (تغسل الدم عن وجهه) الشريف (وأخذ حصير) بالواو وضم الهمزة مبنيًّا لما لم يسمّ فاعله كقوله (فأحرق ثم حشي به جرح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) والفاعل لذلك فاطمة كما وقع التصريح به في الطب. وهذا الحديث سبق في باب غسل المرأة أباها الدم عن وجهه في الطهارة. 164 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّنَازُعِ وَالاِخْتِلاَفِ فِي الْحَرْبِ، وَعُقُوبَةِ مَنْ عَصَى إِمَامَهُ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46] يَعنِي الحَربَ. قَالَ قَتَادَةُ: الرِّيحُ الْحَرْبُ. (باب ما يكره من التنازع) وهو التخاصم والتجادل (والاختلاف في) المقاتلة في أحوال (الحرب) بأن يذهب كل واحد منهم إلى رأي (و) بيان (عقوبة من عصى إمامه) أي بالهزيمة. (وقال الله تعالى): ولأبي ذر: عز وجل بعد أن أمر المؤمنين بالثبات عند ملاقاتهم العدوّ والصبر على مبارزتهم ({ولا تنازعوا}) باختلاف الآراء كما فعلتم بأُحُد ({فتفشلوا}) جواب النهي فتجبنوا من عدوّكم ({وتذهب ريحكم}) [الأنفال: 46] مستعارة للدولة من حيث إنها في نفوذ أمرها مشبهة بالريح في هبوبها وقيل المراد بها الحقيقة فإن النصرة لا تكون إلا بريح يبعثها الله تعالى وفي الحديث نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور. (قال قتادة): فيما وصله عبد الرزاق في تفسيره (الريح الحرب). وهو تفسير مجازي وسقط لأبي ذر قوله وقال قتادة الريح الحرب وثبت له في روايته عن الكشميهني قال يعني الحرب. 3038 - حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا". وبه قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن جعفر بن أعين البيكندي أو ابن موسى بن عبد الله الختي بالخاء المعجمة وتشديد الفوقية السختياني البلخي قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح الرؤاسي بضم الراء فهمزة فمهملة الكوفي (عن شعبة) بن الحجاج (عن سعيد بن أبي بردة) عامر (عن أبيه) أبي بردة عامر (عن جده) أي جدّ أبي سعيد أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث معاذًا) هو ابن جبل (وأبا موسى) الأشعري (إلى اليمن) قبل حجة الوداع (قال) لهما: (يسرا) بفتح المثناة التحتية وتشديد السين المهملة المكسورة أي خذا بما فيه التيسير (ولا تعسرا) من التعسير وهو التشديد (وبشرا) بالموحدة والشين المعجمة من التبشير وهو إدخال السرور (ولا تنفرا) من التنفير أي لا تذكرًا شيئًا ينهزمون منه ولا تقصدا ما فيه الشدة (وتطاوعا) بفتح الواو تحابا (ولا تختلفا) فإن الاختلاف يوجب الاختلال ويكون سببًا للهلاك. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والأحكام والأدب ومسلم في الأشربة والمغازي والنسائي في الأشربة والوليمة وابن ماجه في الأشربة. 3039 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- يُحَدِّثُ قَالَ: "جَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ -وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلاً- عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ: إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلاَ تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلاَ تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ. فَهَزَمُوهُمْ. قَالَ: فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْدُدْنَ، قَدْ بَدَتْ خَلاَخِلُهُنَّ وَأَسْوُقُهُنَّ، رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ. فَقَالَ أَصْحَابُ ابْنِ جُبَيْرٍ: الْغَنِيمَةَ أَىْ قَوْمِ الْغَنِيمَةَ، ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالُوا: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ، فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرُ اثْنَىْ عَشَرَ رَجُلاً، فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ أَصَابَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً وَسَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلاً، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُجِيبُوهُ. ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. ثُمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلاَءِ فَقَدْ قُتِلُوا. فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُوؤُكَ. قَالَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ. إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي. ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ: أُعْلُ هُبَلْ. أُعْلُ هُبَلْ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلاَ تُجِيبُونَه؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ قَالَ: إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلاَ تُجِيبُونَه؟ قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُ مَوْلاَنَا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ". [الحديث 3039 - أطرافه في: 3986، 4043، 4067، 4561] وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين الحراني من إفراده قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما) حال كونه (يحدّث قال: جعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الرجالة) بفتح الراء والجيم المشددة جمع راجل على خلاف القياس وهم الذين لا خيل معهم (يوم أُحُد) نصب على الظرفية (وكانوا خمسين رجلاً عبد الله بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة الأنصاري استشهد يوم أُحُد وعبد الله نصب بجعل (فقال) عليه الصلاة والسلام لهم: (إن رأيتمونا تخطفنا الطير) بفتح الفوقية وسكون الخاء المعجمة وفتح المهملة مخففة لأبي ذر تخطفنا بفتح الخاء وتشديد الطاء وأصله تتخطفنا بتاءين حذفت إحداهما أي إن رأيتمونا

قد زلنا من مكاننا وولينا منهزمين أو إن قتلنا وأكلت الطير لحومنا (فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم) وعند ابن إسحاق قال انضحوا الخيل عنّا بالنبل لا يأتونا من خلفنا (وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم) بهمزة مفتوحة فواو ساكنة فطاء فهمزة ساكنة أي مشينا عليهم وهم قتلى على الأرض (فلا تبرحوا) أي فلا تزالوا مكانكم (حتى أرسل إليكم). وعند أحمد والحاكم والطبراني من حديث ابن عباس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقامهم في موضع ثم قال احموا ظهورنا فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا (فهزموهم) وللأربعة فهزمهم أي هزم المسلمون الكفار. (قال) أي البراء (فأنا والله رأيت النساء) المشركات (يتشددن) بمثناة فوقية بعد الشين المعجمة وكسر الدال الأولى يفتعلن أي يسرعن المشي أو يشتددن على الكفار يقال شد عليه في الحرب أي حمل عليه ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يشددن بإسقاط الفوقية وضم الدال الأولى. وقال عياض وقع للقابسي في الجهاد يسندن بضم أوله وسكون السين المهملة بعدها مكسورة ودال مهملة أي يمشين في سند الجبل يردن أن يصعدنه حال كونهن (قد بدت) ظهرت (خلاخلهن) بفتح الخاء وفي اليونينية بكسرها (وأسوقهن) بضم الواو جمع ساق وضبطه بعضهم بالهمزة لأن الواو إذا انضمت جاز همزها نحو أدور وأدؤر ليعينهن ذلك على الهرب حال كونهن (رافعات ثيابهن) وسمى ابن إسحاق النساء المذكورات وهن: هند بنت عتبة خرجت مع أبي سفيان، وأم حكيم بنت الحرث بن هشام خرجت مع زوجها عكرمة بن أبي جهل، وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة مع زوجها الحرث بن هشام، وبرزة بنت مسعود الثقفية مع صفوان بن أمية وهي أم ابن صفوان، وريطة بنت شيبة السهمية مع زوجها عمرو بن العاصي وهي والدة ابنه عبد الله، وسلافة بنت سعد مع زوجها طلحة بن أبي طلحة الحجبي، وخناش بنت مالك أم مصعب بن عمير، وعمرة بنت علقمة وعند غيره كان النساء اللواتي خرجن مع المشركين يوم أُحُد خمس عشرة امرأة وإنما خرجت قريش بنسائها لأجل الثبات. (فقال أصحاب عبد الله بن جبير) وهم الرجالة (الغنيمة أي قوم) أي يا قوم (الغنيمة) نصب على الإغراء فيهما وفي اليونينية الغنيمة مرة واحدة (ظهر) أي غلب (أصحابكم) المؤمنون الكفار (فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)؟ والهمزة في أنسيتم للاستفهام الإنكاري (قالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة. فلما أتوهم صرفت وجوههم) أي قلبت وحوّلت إلى الموضع الذي جاؤوا منه (فأقبلوا) حال كونهم (منهزمين) عقوبة لعصيانهم قوله عليه الصلاة والسلام لا تبرحوا (فذاك إذ) حين (يدعوهم الرسول في أخراهم) في جماعتهم المتأخرة إليّ عباد الله أنا رسول الله من يكرّ فله الجنة (فلم يبق مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير اثني عشر رجلاً) منهم أبو بكر وعمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوّام وأبو عبيدة بن الجراح وحباب بن المنذر وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير (فأصابوا منّا) أي من طائفة من المسلمين ولأبي ذر عن الحموي والمستملي منها (سبعين) منهم حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه أصاب) ولأبي ذر عن الكشميهني أصابوا (من المشركين يوم بدر أربعين ومئة وسبعين أسيرًا وسبعين قتيلاً) سقط قوله قتيلاً من بعض النسخ (فقال أبو سفيان): صخر بن حرب (أفي القوم محمد ثلاث مرات؟ فنهاهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يجيبوه ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة) أبو بكر الصديق (ثلاث مرات؟ ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب) عمر (ثلاث مرات)؟ والهمزة في الثلاثة للاستفهام الاستخباري ونهيه عليه الصلاة والسلام عن إجابة أبي سفيان تصاونًا عن الخوض فيما لا فائدة فيه وعن خصام مثله وكان ابن قميئة قال لهم قتلته (ثم رجع) أبو

165 - باب إذا فزعوا بالليل

سفيان (إلى أصحابه فقال: أما هؤلاء) بتشديد الميم (فقد قتلوا فما ملك عمر نفسه فقال: كذبت والله يا عدوّ الله، إن الذين عددت لأحياء كلهم) وإنما أجابه بعد النهي حماية للظن برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قتل وأن بأصحابه الوهن فليس فيه عصيان له في الحقيقة (وقد بقي لك ما يسوءك) يعني يوم الفتح (قال): أي أبو سفيان (يوم بيوم بدر) أي هذا اليوم في مقابلة يوم بدر (والحرب سجال) أي دول مرة لهؤلاء ومرة لهؤلاء (إنكم ستجدون في القوم مثلة) بضم الميم وسكون المثلثهً أي أنهم جدعوا أنوفهم وبقروا بطونهم وكان حمزة -رضي الله عنه- ممن مثل به (لم آمر بها) يعني أنه لا يأمر بفعل قبيح لا يجلب لفاعله نفعًا (ولم تسؤني) أي لم أكرهها وإن كان وقوعها بغير أمري وعند ابن إسحاق والله ما سخطت وما نهيت وما أمرت وإنما لم تسؤه لأنهم كانوا أعداء له وقد كانوا قتلوا ابنه يوم بدر (ثم أخذ يرتجز) بقوله: (أعل هبل أعل هبل) بضم الهمزة وسكون العين المهملة وهبل بضم الهاء وفتح الموحدة اسم صنم كان في الكعبة أي علا حزبك يا هبل فحذف حرف النداء (قال) ولأبي الوقت فقال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ألا تجيبوا له) أي لأبي سفيان وتجيبوا بحذف النون بدون ناصب لغة فصيحة ولأبي ذر والأصيلي ألا تجيبونه بالنون بدل اللام ولأبي ذر ألا تجيبوه بحذف النون (قالوا يا رسول الله ما نقول؟ قال): (قولوا الله أعلى وأجلّ) بقطع همز الله في اليونينية (قال) أبو سفيان: (أن لنا العزى) صنم كان لهم (ولا عزى لكم. فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ألا تجيبوا له) باللام ولأبي ذر والأصيلي ألا تجيبونه ولأبي ذر أيضًا ألا تجيبوه بحذف النون (قال: قالوا يا رسول الله ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكلم) أي الله ناصرنا. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والتفسير وأبو داود في الجهاد والنسائي في السير والتفسير. 165 - باب إِذَا فَزِعُوا بِاللَّيْلِ (باب) بالتنوين (إذا فزعوا بالليل) ينبغي لإمام العسكر أن يكشف الخبر بنفسه أو بمن يندبه لذلك. 3040 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ. قَالَ وَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلاً سَمِعُوا صَوْتًا. قَالَ: فَتَلَقَّاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى فَرَسٍ لأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ وَهُوَ مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ فَقَالَ: لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَجَدْتُهُ بَحْرًا. يَعْنِي الْفَرَسَ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن ثابت) البناني (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس قال): أي أنس (وقد فزع) بكسر الزاي أي خاف (أهل المدينة ليلة) ولأبي ذر عن الكشميهني ليلاً (سمعوا صوتًا قال) أنس: (فتلقاهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) راجعًا واستبرأ الخبر (على فرس) اسمه المندوب (لأبي طلحة عري) بضم العين وسكون الراء بغير سرج (وهو متقلد سيفه فقال): (لم تراعوا لم تراعوا) مرتين أي لا تخافوا خوفًا مستقرًّا أو خوفًا يضركم (ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (وجدته بحرًا). بصيغة التوحيد (يعني الفرس) وشبهه به لسعة جريه. وسبق هذا الحديث مرارًا. 166 - باب مَنْ رَأَى الْعَدُوَّ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا صَبَاحَاهْ. حَتَّى يُسْمِعَ النَّاسَ (باب من رأى العدوّ) وقد أقبل (فنادى بأعلى صوته يا صباحاه) أي أغيثوني وقت الصباح أي وقت الغارة (حتى يسمع الناس) بضم المثناة التحتية من الإسماع والناس نصب على المفعولية. 3041 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ: "خَرَجْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ ذَاهِبًا نَحْوَ الْغَابَةِ. حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِثَنِيَّةِ الْغَابَةِ لَقِيَنِي غُلاَمٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. قُلْتُ: وَيْحَكَ، مَا بِكَ؟ قَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: غَطَفَانُ وَفَزَارَةُ. فَصَرَخْتُ ثَلاَثَ صَرَخَاتٍ أَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا: يَا صَبَاحَاهْ، يَا صَبَاحَاهْ. ثُمَّ انْدَفَعْتُ حَتَّى أَلْقَاهُمْ وَقَدْ أَخَذُوهَا، فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَقُولُ: أَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ. فَاسْتَنْقَذْتُهَا مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبُوا، فَأَقْبَلْتُ: فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْقَوْمَ عِطَاشٌ، وَإِنِّي أَعْجَلْتُهُمْ أَنْ يَشْرَبُوا سِقْيَهُمْ، فَابْعَثْ فِي إِثْرِهِمْ. فَقَالَ: يَا ابْنَ الأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ، إِنَّ الْقَوْمَ يُقْرَوْنَ فِي قَوْمِهِمْ". [الحديث 3041 - طرفه في: 4194]. وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد البرجمي البلخي قال: (أخبرنا يزيد بن أبي عبيد) مصغرًا من غير إضافة (عن) مولاه (سلمة) بن الأكوع سنان بن عبد الله أنه (أخبره قال: خرجت من المدينة) حال كوني (ذاهبًا نحو الغابة) بالغين المعجمة وبعد الألف موحدة وهي على بريد من المدينة في طريق الشام (حتى إذا كنت بثنية الغابة) هي كالعقبة في الجبل (لقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف) لم يسم الغلام ويحتمل أنه رباح الذي كان يخدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قلت) له (ويحك ما بك قال: أخذت) بضم الهمزة آخره مثناة فوقية ساكنة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أخذ بإسقاط الفوقية (لقاح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر اللام بعدها قاف وبعد الألف حاء مهملة مرفوع نائبًا عن الفاعل وأحدها لقوح وهي الحلوب وكانت عشرين لقحة ترعى بالغابة وكان فيهم عيينة بن حصن الفزاري (قلت: من أخذها؟ قال:

167 - باب من قال: خذها وأنا ابن فلان

غطفان وفزارة) بفتح الفاء والزاي قبيلتان من العرب فيها أبو ذر (فصرخت ثلاث صرخات أسمعت ما بين لابتيها) أي لابتي المدينة واللابة الحرة (يا صباحاه يا صباحاه) مرتين بفتح الصاد والموحدة وبعد الألف حاء مهملة فألف فهاء مضمومة، وفي الفرع سكونها وكذا في أصله منادى مستغاث والألف للاستغاثة والهاء للسكت، وكأنه نادى الناس استغاثة بهم في وقت الصباح. وقال ابن المنير: الهاء للندبة وربما سقطت في الوصل، وقد ثبتت في الرواية فيوقف عليها بالسكون. وقال القرطبي: معناه الإعلام بهذا الأمر المهم الذي دهمهم في الصباح وهي كلمة يقولها المستغيث. (ثم اندفعت) بسكون العين أسرعت في السير وكان ماشيًا على رجليه (حتى ألقاهم وقد أخذوها فجعلت أرميهم) بالنبل (وأقول: أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع) بضم الراء وتشديد الضاد المعجمة بعدها عين مهملة والرفع فيهما، ولأبي ذر نصب المعرف أي يوم هلاك اللئام من قولهم لئيم راضع وهو الذي رضع اللؤم من ثدي أمه، وكل من نسب إلى لؤم فإنه يوصف بالمص والرضاع. وفي المثل: ألأم من راضع، وأصله أن رجلاً من العمالقة طرقه ضيف ليلاً فمص ضرع شاته لئلا يسمع الضيف صوت الحلب فكثر حتى صار كل لئيم راضعًا سواء فعل ذلك أو لم يفعله. وقيل: المعنى اليوم يعرف من رضع كريمة فأنجبته أو لئيمة فهجنته أو اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها من غيره. (فاستنقذتها) بالقاف والذال المعجمة (منهم) أي استخلصت اللقاح من غطفان وفزارة (قبل أن يشربوا) أي الماء (فأقبلت بها) حال كوني (أسوقها فلقيني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكان قد خرج عليه الصلاة والسلام إليهم غداة الأربعاء في الحديد متقنعًا في خمسمائة. وقيل: سبعمائة بعد أن جاء الصريخ ونودي: يا خيل الله اركبي وعقد للمقداد بن عمرو لواء وقال له: امضِ حتى تلحقك الخيول وأنا على أثرك. (فقلت: يا رسول الله إن القوم) يعني غطفان وفزارة (عطاش) بكسر العين المهملة (وإني أعجلتهم أن يشربوا) مفعول له أي كراهة شربهم (سقيهم) بكسر السين وسكون القاف أي حظهم من الشرب (فابعث في إثرهم) بكسر الهمزة وسكون المثلثة. وعند ابن سعد قال سلمة: فلو بعثتني في مائة رجل واستنقذت ما بأيديهم من السرح وأخذت بأعناق القوم. (فقال) عليه الصلاة والسلام: (يا ابن الأكوع ملكت) أي قدرت عليهم فاستعبدتهم وهم في الأصل أحرار (فأسجح)، بهمزة قطع وسين مهملة ساكنة وبعد الجيم المكسورة حاء مهملة أي فارفق وأحسن بالعفو ولا تأخذ بالشدة (إن القوم) غطفان وفزارة (يقرون) بضم المثناة التحتية وسكون القاف والواو بينهما راء مفتوحة آخره نون أي يضافون (في قومهم) يعني أنهم وصلوا إلى غطفان وهم يضيفونهم ويساعدونهم فلا فائدة في البعث في الأثر لأنهم لحقوا بأصحابهم وزاد ابن سعد فجاء رجل من غطفان فقال: مرّوا على فلان الغطفاني فنحر لهم جزورًا فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة فتركوها وخرجوا هرابًا؛ الحديث. وفيه معجزة حيث أخبر عليه الصلاة والسلام بذلك وكان كما قاله. وفي بعض الأصول من البخاري يقرون بضم الراء مع فتح أوله أي: ارفق بهم فإنهم يضيفون الأضياف فراعى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك لهم رجاء توبتهم وإنابتهم، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يقرون بفتح أوله وكسر القاف وتشديد الراء، ولأبي ذر: من قومهم. وهذا الحديث الثاني عشر من ثلاثيات البخاري، وأخرجه أيضًا في المغازي وكذا مسلم، وأخرجه النسائي في اليوم والليلة. 167 - باب مَنْ قَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ فُلاَنٍ وَقَالَ سَلَمَةُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الأَكْوَعِ. (باب من قال: خُذها) أي الرمية (وأنا ابن فلان وقال سلمة) في حديثه السابق: (خذها وأنا ابن الأكوع). المشهور في الرمي بالإصابة عن القوس وهذا على سبيل الفخر وهو منهي عنه إلا في هذه الحالة لاقتضاء الحال هنا فعله لتخويف الخصم. 3042 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: "سَأَلَ رَجُلٌ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- فَقَالَ: يَا أَبَا عُمَارَةَ، أَوَلَّيْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ قَالَ الْبَرَاءُ وَأَنَا أَسْمَعُ: أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُوَلِّ يَوْمَئِذٍ، كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذًا بِعِنَانِ بَغْلَتِهِ، فَلَمَّا غَشِيَهُ الْمُشْرِكُونَ نَزَلَ فَجَعَلَ يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ. قَالَ: فَمَا رُئِيَ مِنَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ أَشَدُّ مِنْهُ". وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بتصغير العبد ابن موسى بن باذام العبسي الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو

168 - باب إذا نزل العدو على حكم رجل

بن عبد الله السبيعي أنه (قال: سأل رجل) من قيس (البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- فقال: يا أبا عمارة) بضم العين وهي كنية البراء (أوليتم) أي أدبرتم منهزمين (يوم) غزوة (حنين) والهمزة للاستفهام الاستخباري (قال البراء: وأنا أسمع) هو من قول أبي إسحاق والواو للحال (أما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يول يومئذٍ) لفرط شجاعته وثقته بوعد الله ورغبته في الشهادة ولقاء ربه، ولا يجوز على نبي الانهزام ومن نسب أحدًا منهم لذلك قتل، وحذف الفاء من جواب أما في قوله: لم يول قال ابن مالك هو جائز نظمًا ونثرًا يعني فلا يختص بالضرورة. (وكان أبو سفيان بن الحرث) بن عبد المطلب (آخذًا بعنان بغلته) البيضاء يكفها عن الإسراع به إلى العدوّ (فلما غشيه المشركون) أي أحاطوا به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نزل) عن بغلته (فجعل يقول): (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) بسكون الموحدة فيهما وفيه التنويه بشجاعته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وثباته في الحرب وانتسب لجدّه لشهرته في العرب أو لغير ذلك مما سبق. (قال) أي البراء (فما رئي) بضم الراء وكسر الهمزة وفتح الياء (من الناس يومئذٍ أشد منه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقد سبق هذا الحديث في الجهاد في باب من قاد دابة غيره في الحرب. 168 - باب إِذَا نَزَلَ الْعَدُوُّ عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ هذا (باب) بالتنوين (إذا نزل العدوّ) من المشركين (على حكم رجل) من المسلمين ينفذ إذا أجازه الإمام. 3043 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ هُوَ ابْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَكَانَ قَرِيبًا مِنْهُ- فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ، فَجَاءَ فَجَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ. قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى الذُّرِّيَّةُ. قَالَ: لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ". [الحديث 3043 - أطرافه في: 3804، 4121، 6262]. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف القرشي المدني (عن أبي أمامة) بضم الهمزة وفتح الميمين بينهما ألف سعد (هو ابن سهل بن حنيف) بضم الحاء المهملة وفتح النون مصغرًا الأنصاري (عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان (الخدري) الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لما نزلت بنو قريظة) القبيلة المشهورة من اليهود من قلعتهم (على حكم سعد) هو ابن معاذ، وكان عليه الصلاة والسلام فيما ذكره ابن إسحاق قد حاصرهم خمسًا وعشرين ليلة وقذف الله في قلوبهم الرعب فأذعنوا أن ينزلوا على حكم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فحكم فيهم سعد بن معاذ وكان قد رمي في غزوة الخندق بسهم قطع منه الأكحل فلما نزلت على حكمه (بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في طلبه (وكان) سعد (قريبًا منه) لأنه عليه الصلاة والسلام قد جعله في خيمة رفيدة الأسلمية ليعوده من قريب في مرضه الذي أصابه من تلك الرمية (فجاء) ومعه قومه من الأنصار (على حمار) وقد وطؤوا له بوسادة من أدم وأحاطوا به في طريقهم يقولون له أحسن في مواليك فقال لهم: لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم وكان رجلاً جسيمًا (فلما دنا) أي قرب من رسول الله (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قوموا إلى سيدكم) فقاموا إليه وأنزلوه (فجاء) سعد (فجلس إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال له) عليه الصلاة والسلام: (إن هؤلاء) اليهود من بني قريظة (نزلوا على حكمك) فيهم (قال) سعد (فإني أحكم) فيهم (أن تقتل) الطائفة (المقاتلة) منهم وهم الرجال (وأن تسبى الذرية) أي النساء والصبيان (قال) عليه السلام: (لقد حكمت فيهم بحكم الملك) بكسر اللام أي بحكم الله. ونقل القاضي عياض أن بعضهم ضبطه في البخاري بكسر اللام وفتحها فإن صح الفتح فالمراد به جبريل يعني بالحكم الذي جاء به الملك عن الله، وعورض بأنه لم ينقل نزول ملك في ذلك بشيء ولو نزل بشيء اتبع وترك الاجتهاد، وبأنه ورد في بعض ألفاظ الصحيح قضيت بحكم الله. نعم ورد في غير البخاري مما ذكره بعضهم أنه قال في حكم سعد بذلك طرقني الملك سحرًا. قال ابن المنير: ويستفاد من هذا الحديث لزوم حكم المحكم برضا الخصمين سواء كان في أمور الحرب أو غيرها وهو رد على الخوارج الذين أنكروا التحكيم على عليّ -رضي الله عنه-، وفيه أيضًا تصحيح القول بأن المصيب واحد أن المجتهد ربما أخطأ ولا حرج عليه ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "لقد حكمت بحكم الملك" فدل ذلك على أن حكم الله في الواقعة

169 - باب قتل الأسير، وقتل الصبر

متقرر فمن أصابه فقد أصاب الحق ولولا ذلك لم يكن لسعد مزية في الصواب لا يقال كانت المسألة قطعية والمسائل القطعية لله فيها حكم واحد لأنّا نقول: بل كانت اجتهادية ظنية، ولهذا كان رأي الأنصار أن يعفى عن اليهود خلافًا لسعد وما كان الأنصار ليتفق أكثرهم على خلاف الصواب قطعًا، وفيه جواز الاجتهاد في زمنه عليه الصلاة والسلام وبحضرته فكيف بعد وفاته؟ وفيه أنه يسوغ للإمام الأعظم إذا كانت له حكومة في نفسه أن يولي نائبًا يحكم بينه وبين خصمه للضرورة وينفذ ذلك على خصمه إذا كان عدلاً ولا يقدح فيه أنه حكم له وهو نائبه نقله في المصابيح. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضائل سعد والاستئذان والمغازي ومسلم في المغازي، وأبو داود في الأدب، والنسائي في المناقب والسِّيَر والفضائل. 169 - باب قَتْلِ الأَسِيرِ، وَقَتْلِ الصَّبْرِ (باب) حكم (قتل الأسير، وقتل الصبر) بأن يمسك ذو روح ثم يرمى بشيء حتى يموت. وفي الحديث: النهي عن قتل شيء من الدواب صبرًا، وللكشميهني: قتل الأسير صبرًا بزيادة صبرًا بعد الأسير وحذف قوله وقتل الصبر وهي أخصر والصبر لغة الحبس إذا شدت يدا رجل ورجلاه وأمسكه آخر وضرب عنقه يقال قتل صبرًا. 3044 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: اقْتُلُوهُ". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل) مكة (عام الفتح وعلى رأسه المغفر) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وبعد الفاء المفتوحة راء زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة (فلما نزعه جاء رجل) هو أبو برزة الأسلمي (فقال): يا رسول الله (إن ابن خطل) بفتح الخاء المعجمة والطاء والمهملة آخره لام اسمه عبد الله أو عبد العزى (متعلق بأستار الكعبة فقال) عليه الصلاة والسلام: (اقتلوه) لأنه ارتد عن الإسلام وقتل مسلمًا كان يخدمه وكان يهجو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وله قينتان تغنيان بهجاء المسلمين فابتدره سعيد بن حريث أو أبو برزة أو الزبير بن العوّام أو سعد بن ذؤيب أو تعاونوا كلهم على قتله، وهذا مخصص لقوله عليه الصلاة والسلام "من دخل المسجد فهو آمن" وفيه جواز إقامة الحد والقصاص بمكة خلافًا لأبي حنيفة، وتأول الحديث بأنه قتل ابن خطل في الساعة التي أبيحت له. وأجاب أصحابنا: بأنها إنما أبيحت ساعة الدخول حتى استولى عليها، وإنما قتل ابن خطل بعد ذلك لأنه وقع بعد نزع المغفر. وهذا الحديث قد مرّ في باب دخول الحرم ومكة بغير إحرام في أواخر كتاب الحج. 170 - باب هَلْ يَسْتَأْسِرُ الرَّجُلُ؟ وَمَنْ لَمْ يَسْتَأْسِرْ، وَمَنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ هذا (باب) بالتنوين (هل يستأسر الرجل)؟ أي هل يسلم نفسه للأسر أم لا؟ (و) بيان حكم (من لم يستأسر) لم لم يسلم نفسه للأسر (ومن ركع) ولأبي ذر: من صلّى (ركعتين عند القتل). 3045 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ -وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ- أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ -جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ- فَانْطَلَقُوا، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَأَةِ -وَهْوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ- ذُكِرُوا لِحَىٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ، فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَىْ رَجُلٍ كُلُّهُمْ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَؤوا إِلَى فَدْفَدٍ، وَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ، فَقَالُوا لَهُمُ: انْزِلُوا وَأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ، وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ وَلاَ نَقْتُلُ مِنْكُمْ أَحَدًا. فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ: أَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ لاَ أَنْزِلُ الْيَوْمَ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ. فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِيُّ وَابْنُ دَثِنَةَ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، وَاللَّهِ لاَ أَصْحَبُهُمْ، إِنَّ لِي في هَؤُلاَءِ لأُسْوَةً -يُرِيدُ الْقَتْلَى- وجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَى فَقَتَلُوهُ، فَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَابْنِ دَثِنَةَ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ أَنَّ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ، فَأَخَذَ ابْنًا لِي وَأَنَا غَافِلَةٌ حِينَ أَتَاهُ، قَالَتْ: فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ، فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فِي وَجْهِي، فَقَالَ: تَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَلِكَ. وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِي يَدِهِ وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ. وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّهُ لَرِزْقٌ مِنَ اللَّهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا. فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: ذَرُونِي أَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ. ثُمَّ قَالَ: لَوْلاَ أَنْ تَظُنُّوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَطَوَّلْتُهَا، اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا: وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَىِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ، وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ، فَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا. فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ يَوْمَ أُصِيبَ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ وَمَا أُصِيبُوا، وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ لِيُؤْتَوْا بِشَىْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ، وَكَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَبُعِثَ عَلَى عَاصِمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رَسُولِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا". [الحديث 3045 - أطرافه في: 3989، 4086، 7402]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو بن أبي سفيان) بفتح العين وسكون الميم (ابن أسيد بن جارية) بفتح الهمزة وكسر السين المهملة وجارية بالجيم (الثقفي وهو حليف لبني زهرة) بضم الزاي وسكون الهاء (وكان من أصحاب أبي هريرة أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما قدم عليه بعد أُحُد رهط من عضل والقارة فقالوا: يا رسول الله إن فينا إسلامًا فابعث معنا نفرًا من أصحابك يفقهوننا (عشرة رهط) ما دون العشرة من الرجال ولا يكون فيهم امرأة (سرية) نصب على البيان (عينًا) أي جاسوسًا وانتصابه بدل من سرية. وعند ابن إسحاق أنهم كانوا ستة نفر من أصحابه وهم: مرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب، وخالد بن البكير الليثي حليف بني عديّ، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وعبد الله بن طارق. وما في الصحيح أصح وقد عدّ فيهم مغيث بن عبيد البلوي حليف الأنصار (وأمّر عليهم عاصم بن ثابت) أي ابن أبي الأقلح (الأنصاري جدّ عاصم بن عمر بن الخطاب) لأمه لأن أم عاصم بن عمر هي بنت عاصم بن ثابت واسمها جميلة بفتح الجيم. وقال مصعب الزهري: إنما

هو خال عاصم لا جدّه لأن عاصم بن عمر بن الخطاب أمه جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح أُخت عاصم بن ثابت وكان اسمها عاصية. قال الكرماني: وعليه الأكثر وسقط قوله ابن الخطاب لغير أبي ذر، وعند ابن إسحاق وأمّر عليهم مرثد بن أبي مرثد وما في الصحيح أصح. (فانطلقوا) أي الرهط العشرة (حتى إذا كانوا بالهدأة) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة وفتح الهمزة، ولغير الكشميهني: بالهدأة بفتح الدال وقد تحذف الهمزة (وهو) موضع (بين عسفان) بضم العين وسكون السين (ومكة ذكروا) بضم المعجمة وكسر الكاف مبنيًّا للمفعول (لحي من هذيل) بضم الهاء وفتح الذال المعجمة (يقال لهم بنو لحيان) بكسر اللام، وحكى فتحها وسكون الحاء المهملة وهو ابن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر وعند الدمياطي أنهم بقايا جرهم (لا فنفروا لهم) بتشديد الفاء وفي اليونينية بتخفيفها أي استنجدوا لأجلهم (قريبًا) بالنصب على المفعولية، وفي نسخة: فنفروا بتخفيف الفاء قريبًا بالنصب بنزع الخافض، وفي أخرى: فنفروا بالتخفيف أيضًا قريب بالرفع أي خرج إليهم قريب ولأبي الوقت: فنفذوا بذال معجمة بدل الراء (من مائتي رجل كلهم رامٍ) بالنبل (فاقتصوا) أي اتبعوا (آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرًا) اسم مكان نصب بتقدير الجار على حدّ رميت مرمى زيد وتمرًا نصب مفعول وجدوا (تزودوه من المدينة) صفة لتمرًا (فقالوا: هذا تمر يثرب فاقتصوا آثارهم فلما رآهم عاصم) أمير السرية (وأصحابه لجؤوا) بالجيم أي استندوا (إلى فدفد) بفاءين مفتوحتين بينهما دال مهملة ساكنة وآخره دال مهملة أيضًا رابية مشرفة (وأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا) بهمزة قطع (بأيديكم ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحدًا. قال) ولأبي ذر فقال (عاصم بن ثابت أمير السرية: أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر) أي في عهده (اللهم أخبر عنّا نبيك) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فرموهم) أي رمى الكفار المسلمين (بالنبل) بفتح النون وسكون الموحدة بالسهام العربية (فقتلوا عاصمًا) أمير السرية (في) جملة (سبعة) من العشرة، وعند ابن إسحاق أنهم كانوا ستة نفر كما مر وأنهم قتلوا منهم ثلاثة وأسروا ثلاثة (فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق منهم: خبيب) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأولى بينهما تحتية ساكنة ابن عدي (الأنصاري) الأوسي، (وابن دثنة) بفتح الدال المهملة وكسر المثلثة وفتحها وفتح النون زيد بن معاوية بن عبيد الأنصاري البياضي، (ورجل آخر) هو عبد الله بن طارق البلوي حليف بني ظفر من الأنصار كما عند ابن هشام في السيرة (فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيّهم فأوثقوهم) بها (فقال الرجل الثالث): وهو عبد الله بن طارق (هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن في هؤلاء) ولأبي ذر: إن لي في هؤلاء (الأسوة) بالنصب اسم إن أي اقتداء (يريد القتلى) عاصمًا والستة (فجرّروه) بفتح الراء الأولى المشددة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وجرروه بالواو بدل الفاء (وعالجوه على أن يصحبهم) إلى مكة (فأبى) أي فامتنع من الرواح معهم (فقتلوه) بمرّ الظهران فقبره هناك، (فانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: وقيعة بدر بكسر القاف ومثناة تحتية ساكنة. قال الكرماني وقوله بعد وقعة بدر متعلق بقوله بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ الكل كان بعده إلا البيع فقط أي المذكور في قوله (فابتاع) أي فاشترى (خبيبًا بنو الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف) وهم عقبة وأبو سروعة وأخوهما لأمهما حجر بن أبي إهاب، واشترى ابن دثنة صفوان بن أمية بضم الهمزة منهم وقتله بمكة بأبيه كما عند ابن إسحاق (وكان خبيب هو قتل الحرث بن عامر يوم بدر) فأخّروه عندهم حتى تنقضي الأشهر الحُرم (فلبث خبيب عندهم أسيرًا). قال ابن شهاب الزهري: (فأخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن عياض) بكسر العين المهملة وتخفيف التحتية وبعد الألف ضاد معجمة القباري

من القارة (أن بنت الحرث) اسمها زينب كما عند خلف في الأطراف (أخبرته أنهم حين اجتمعوا) أي لقتله (استعار منها موسى) بعدم الصرف لأنه على وزن فعلى وبه على أنه على وزن مفعل على خلاف بين الصرفيين والذي في اليونينية الصرف (يستحدّ بها) أي يحلق بها شعر عانته لئلا يظهر عند قتله (فأعارته) قالت: (فأخذ) خبيب (ابنًا لي و) الحال (أنا غافلة حين أتاه) ولأبي ذر: حتى (وكان اسم ابنها) هذا أبا الحسين بن الحرث بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وهو جد عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين المكي المحدث من أقران الزهري. (قالت: فوجدته مجلسه) بضم الميم وسكون الجيم وكسر اللام أي الصبيّ (على فخذه) بالخاء والذال المعجمة (و) الحال أن (الموسى بيده) بيد خبيب (ففزعت) بكسر الزاي وسكون العين (فزعة) بفتح الفاء وسكون الزاي (عرفها خبيب في وجهي فقال: تخشين أن أقتله) بحذف همزة الاستفهام (ما كنت لأفعل ذلك) وعند ابن سعد: ما كنت لأغدر (والله) أي: قالت بنت الحرث والله (ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب، والله لقد وجدته يومًا يأكل من قطف عنب) بكسر القاف وسكون الطاء أي عنقود عنب (في يده و) الحال (إنه لموثق) بفتح المثلثة أي لمقيد (في الحديد و) الحال أن (ما بمكة من ثمر) بفتح المثلثة والميم (وكانت تقول: إنه لرزق من الله رزقه خبيبًا) وهذه كرامة جعلها الله تعالى لخبيب آية على الكفار وبرهانًا لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتصحيحًا لرسالته عند الكافرة وأهل بلدها الكفار والكرامة ثابتة للأولياء عند أهل السُّنَّة والفرق بينها وبين المعجزة التحدي كما هو مقرر في موضعه. (فلما خرجوا) بخبيب (من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب: ذروني) أي اتركوني (اركع ركعتين فتركوه فركع ركعتين) وعند ابن سعد أنه ركعهما في موضع مسجد التنعيم (ثم قال: لولا أن تظنوا أن ما بي جزع) أي من القتل (لطولتها) يعني الصلاة. وفي نسخة: لطولتهما أي الركعتين وهو جواب لولا. والظاهر أنه سقط من النسخة التي شرح عليها الكرماني فقدره بنحو: لزدت على ركعتين أو لأطلتهما بعد أن صرح بحذفه (اللهم أحصهم عددًا) أي عمهم بالهلاك، وزاد موسى بن عقبة: ولا تبق منهم أحدًا واقتلهم بددًا بفتح الموحدة يعني متفرقين فلم يحل الحول ومنهم أحد حيّ وقال خبيب بعد فراغه من الدعاء عليهم: (ما أبالي)، ولأبي ذر عن الكشميهني: وما أن أبالي، وله أيضًا عن الحموي والمستملي: ولست أبالي (حين أقتل مسلمًا -على أيّ شق) بكسر الشين المعجمة وفي المغازي على أي جنب (كان لله مصرعي). أي مطرحي على الأرض. (وذلك) أي قتلي (في ذات الإله) أي في وجه الله وطلب ثوابه (وإن يشأ- يبارك على أوصال شلو) بكسر الشين المعجمة وسكون اللام أي أوصال جسد (ممزع) بضم الميم الأولى وفتح الثانية والزاي المشددة وبعدها عين مهملة أي مقطع مفرق وهذان البيتان من قصيدة أولها: لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا ... قبائلهم واستجمعوا كل مجمع وقد قربوا أبناءهم ونساءهم ... وقربت من جذع طويل ممنع ساقها ابن إسحاق ثلاثة عشر بيتًا تأتي إن شاء الله تعالى في السير بعون الله. وقال ابن هشام: أكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لخبيب (فقتله ابن الحرث) عقبة بالتنعيم وصلبه ثم، وقيل بل قتله أبو سروعة بكسر السين المهملة وفتحها عقبة بن الحرث بن عامر بن نوفل كما رواه أبو داود الطيالسي وغيره (فكان خبيب هو سن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرًا) أي مصبورًا محبوسًا للقتل، وإنما صار فعل خبيب سنّة لأنه فعل في حياة الشارع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستحسنه، وقد صلّى هاتين الركعتين زيد بن حارثة مولاه عليه الصلاة والسلام في حياته عليه الصلاة والسلام لما أراد رجل قتله كما رويناه من طريق السهيلي بسنده إلى الليث بن سعد بلاغًا

171 - باب فكاك الأسير. فيه عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

عنه (فاستجاب لعاصم بن ثابت) أمير السرية دعاءه (يوم أصيب) حيث قال: اللهم أخبر عنا نبيك (فأخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه خبرهم وما أصيبوا) أي مع ما جرى عليهم (وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم) أمير السرية (حين حدثوا) بضم الحاء المهملة وكسر الدال أي حين أخبروا (أنه قتل ليؤتوا) بفتح التاء (بشيء منه) نحو رأسه (يعرف) به (وكان) أي عاصم (قد قتل رجلاً من عظمائهم يوم) وقعة (بدر) وهو عقبة بن أبي معيط (فبعث على عاصم مثل) بضم الموحدة وكسر العين المهملة مبنيًّا للمفعول ومثل بالرفع نائبًا عن الفاعل، ولأبي ذر عن المستملي: فبعث الله على عاصم مثل نصب على المفعولية (الظلة) بضم المعجمة وتشديد اللام أي السحابة المظلة (من الدبر) بفتح الدال المهملة وإسكان الموحدة ذكور النحل أو الزنابير (فحمته) أي حفظته (من رسولهم فلم يقدروا على أن يقطع) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أن يقطعوا (من لحمه شيئًا) ولأبي ذر عن الكشميهني: فلم يقدر بضم أوله وفتح ثالثه، ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني: أن يقطع بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول من لحمه شيء بالرفع نائبًا عن الفاعل لأنه كان حلف لا يمس مشركًا ولا يمسه مشرك فبرّ قسمه، وإنما لم يحمه الله تعالى من القتل وحماه من قطع شيء من بدنه لأن القتل موجب للشهادة بخلاف القطع فلا ثواب فيه مع ما فيه من هتك حرمته وذكر أنه لما أنزل بخبيب إذا هو رطب لم يتغير بعد أربعين يومًا ودمه على جرحه وهو يبض دمًا كالمسك. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التوحيد وفي المغازي وأبو داود في الجهاد والنسائي في السير وفيه الشعر دون الدعاء. 171 - باب فَكَاكِ الأَسِيرِ. فِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب) وجوب (فكاك الأسير) من أيدي العدوّ بمال أو بغير مال (فيه) أي في الباب (عن أبي موسى) الأشعري -رضي الله عنه- مما وصله في الأطعمة والنكاح (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط هذا التعليق في رواية أبي ذر. 3046 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فُكُّوا الْعَانِيَ -يَعْنِي الأَسِيرَ- وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ». [الحديث 3046 - أطرافه في: 5174، 5373، 5649، 7173]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني وسقط لأبي ذر ابن سعيد قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق ابن سلمة (عن أبي موسى) الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (فكوا العاني) بالعين المهملة وبعد الألف نون على وزن القاضي قال جرير أو قتيبة (يعني الأسير) أي من المسلمين من بيت المال وسقط لفظ يعني لأبي ذر وفي رواية له فكوا المعاني أي الأسير بدل يعني (وأطعموا الجائع) آدميًّا وغيره (وعودوا المريض) وهذه الأخيرة سنة مؤكدة والأوليان فرض كفاية كما نبّه عليه كافّة العلماء. 3047 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ أَنَّ عَامِرًا حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "قُلْتُ لِعَلِيٍّ -رضي الله عنه-: هَلْ عِنْدَكُمْ شَىْءٌ مِنَ الْوَحْيِ إِلاَّ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: لاَ وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلاً فِي الْقُرْآنِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ". وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي الكوفي قال: (حدّثنا مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء المشدّدة بعدها فاء ابن طريف الحارثي الكوفي (أن عامرًا) الشعبي (حدّثهم عن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وبعد التحتية الساكنة فاء وهب بن عبد الله السوائي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قلت لعلي -رضي الله عنه- هل عندكم) أهل البيت النبوي (شيء من الوحي) خصّكم به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دون غيركم كما تزعم الشيعة (إلا ما في كتاب الله؟ قال) عليّ (لا والذي فلق الحبة) أي شقها في الأرض حتى نبتت ثم أثمرت فكان منها حب كثير (وبرأ النسمة) أي خلقها (وما أعلمه) عندنا (إلا فهمًا) بسكون الهاء وفتحها والنصب ولأبي ذر إلا فهم بالرفع وفتح الهاء وسكونها قاله ابن سيده (يعطيه الله رجلاً في القرآن) فيه جواز استخراج العالم من القرآن بفهمه ما لم يكن منقولاً عن المفسرين إذا وافق أصول الشريعة وهذا فيه تأييد لقول إمام دار الهجرة مالك رحمه الله ليس العلم بكثرة الرواية وإنما هو نور وفهم يضعه الله في قلب من يشاء (وما في هذه الصحيفة) وهي الورقة المكتوبة وكانت معلقة بقبضة سيفه وعند النسائي فأخرج كتابًا من قراب

172 - باب فداء المشركين

سيفه. قال أبو جحيفة (قلت) لعليّ -رضي الله عنه- (وما) أي أيّ شيء (في) هذه (الصحيفة؟ قال): فيها (العقل) أي حكم العقل وهو الدية أي أحكامها ومقاديرها وأصنافها وأسنانها (وفكاك الأسير) وهو ما يحصل به خلاصه (وأن لا يقتل مسلم بكافر) أي: وفي الصحيفة حكم العقل وحكم تحريم قتل المسلم بالكافر، وهذا مذهب الجمهور خلافًا للحنفية مستدلين بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قتل مسلمًا بمعاهد رواه الدارقطني لكنه حديث ضعيف لا يحتج به. وهذا الحديث سبق في باب كتابة العلم من كتاب العلم. 172 - باب فِدَاءِ الْمُشْرِكِينَ (باب فداء المشركين) بمال يؤخذ منهم. 3048 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ رِجَالاً مِنَ الأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ فَلْنَتْرُكْ لاِبْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ. فَقَالَ: لاَ تَدَعُونَ مِنْهَا دِرْهَمًا". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس) قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة) الأسدي مولاهم أبو إسحاق المدني (عن موسى بن عقبة) صاحب المغازي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رجالاً من الأنصار) لم يسموا (استأذنوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: يا رسول الله ائذن) زاد في رواية أبي ذر في باب إذا أسر أخو الرجل من كتاب العتق لنا (فلنترك لابن أختنا) بضم الهمزة وبالفوقية (عباس) هو ابن عبد المطلب وليسوا بأخواله بل أخوال أبيه عبد المطلب لأن أمه سلمى بنت عمرو من بني النجار وليست نتيلة أم عباس أنصارية اتفاقًا وقالوا: ابن أختنا لتكون المنّة عليهم في إطلاقه بخلاف ما لو قالوا ائذن لنا فلنترك لعمك (فداءه) أي المال الذي تستنقذ به نفسه من الأسر (فقال) عليه الصلاة والسلام: (لا تدعون منها) أي لا تتركون من فديته (درهمًا) وإنما لم يجبهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الترك لئلا يكون في الدين نوع محاباة، وكان العباس ذا مال فاستوفيت منه الفدية وصرفت إلى الغانمين، ولأبي ذر عن الكشميهني: لا تدعوا بحذف النون مجزوم على النهي، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: منه أي من الفداء، وعند ابن إسحاق أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال يا عباس افدِ نفسك وابن أخيك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحرث وحليفك عتبة بن عمرو، وعند موسى بن عقبة أن فداءهم كان أربعين أوقية ذهبًا. 3049 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بنُ طهْمانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "أن النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَجَاءَهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِنِي فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي، وَفَادَيْتُ عَقِيلاً. فَقَالَ: خُذْ. فَأَعْطَاهُ فِي ثَوْبِهِ". (وقال إبراهيم): ولأبي ذر: إبراهيم بن طهمان (عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: أُتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر أن النبي أُتي (بمال) وكان مائة ألف كما رواه ابن أبي شيبة مرسلاً وكان خراجًا (من البحرين) بلدة بين البصرة وعمان (فجاءه العباس) عمه (فقال: يا رسول الله أعطني) منه (فإني فاديت نفسي) يوم بدر (وفاديت عقيلاً) بفتح العين وكسر القاف ابن أبي طالب (فقال) له عليه الصلاة والسلام: (خذ فأعطاه) عليه الصلاة والسلام (في ثوبه). أي في ثوب العباس من ذلك المال. وهذا التعليق سبق في باب القسمة وتعلق القنو في المسجد في أبواب المساجد من الصلاة. 3050 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ -وَكَانَ جَاءَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ- قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمود) هو ابن غيلان العدوي مولاهم المروزي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة آخره راء هو ابن راشد الأزدي مولاهم البصري (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن محمد بن جبير عن أبيه) جبير بن مطعم -رضي الله عنه- (وكان جاء في) طلب فداء (أسارى بدر) وفكاكهم كافرًا أنه (قال): (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في) صلاة (المغرب بالطور) أي بسورة الطور زاد في التفسير فلما بلغ هذه الآية {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} الآيات إلى قوله: {المسيطرون} كاد قلبي يطير. ومطابقة الحديث للترجمة وكان جاء في أسارى بدر، وقد سبق هذا الحديث في باب الجهر في المغرب من كتاب الصلاة. 173 - باب الْحَرْبِيِّ إِذَا دَخَلَ دَارَ الإِسْلاَمِ بِغَيْرِ أَمَانٍ (باب) حكم (الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمان) هل يجوز قتله. 3051 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَيْنٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ -وَهْوَ فِي سَفَرٍ- فَجَلَسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ، ثُمَّ انْفَتَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ، فَقَتَلَهُ فَنَفَّلَهُ سَلَبَهُ". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا أبو العميس) بضم العين المهملة وفتح الميم وإسكان التحتية آخرهه سين مهملة عتبة بن عبد الله الهلالي (عن إياس بن سلمة) بفتح اللام (ابن الأكوع عن أبيه) -رضي الله عنه-

174 - باب يقاتل عن أهل الذمة ولا يسترقون

أنه (قال: أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عين) أي جاسوس وهو صاحب سر الشر وسمي عينًا لأن جلّ عمله بعينه (من المشركين) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (وهو في سفر) وعند مسلم أن ذلك كان في غزوة هوازن (فجلس عند أصحابه يتحدث ثم انفتل) أي انصرف (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اطلبوه واقتلوه) (فقتله) سلمة بن الأكوع (فنفله) بتشديد الفاء أي أعطاه عليه الصلاة والسلام (سلبه) نافلة زائدة على ما يستحقه بالغنيمة بفتح المهملة واللام والموحدة وهو الشيء المسلوب سمي به لأنه يسلب عن المقتول، والمراد به ثياب القتيل والخف وآلات الحرب والسرج واللجام والسوار والمنطقة والخاتم والقصعة معه ونحو ذلك مما هو مبسوط في الفقه، وهذا السلب الذي أعطيه من مقتوله جمل احمد عليه رحله وسلاحه كما وقع مبنيًّا في مسلم، وكان القياس أن يقول فقتلته فنفلني لكنه في التفات من ضمير المتكلم إلى الغيبة، نعم في رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر فقتلته بضمير المتكلم على الأصل وعند مسلم فقال: من قتل الرجل؟ قالوا: ابن الأكوع قال له سلبه أجمع. وفي الحديث قتل الجاسوس الحربي الكافر باتفاق وأما المعاهد والذمي فقال مالك: ينتقض عهده بذلك؟ وعند الشافعية خلاف أما لو شرط عليه ذلك في عهده فينتقض اتفاقًا. وهذا الحديث أخرجه أبو داود في الجهاد والنسائي في السير. 174 - باب يُقَاتَلُ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلاَ يُسْتَرَقُّونَ هذا (باب) بالتنوين (يقاتل) بفتح رابعه (عن أهل الذمة) لأنهم بذلوا الجزية على أن يأمنوا في أنفسهم وأموالهم وأهليهم فيقاتل عنهم كما يقاتل عن المسلمين (ولا يسترقون) بضم أوله والقاف المشددة مبنيًّا للمفعول ولو نقضوا العهد خلافًا لابن القاسم. 3052 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: "وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُوَفَّى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَلاَ يُكَلَّفُوا إِلاَّ طَاقَتَهُمْ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين الأودي (عن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-) أنه (قال): بعد أن طعنه أبو لؤلؤة الطعنة التي مات بها (وأوصيه) يعني الخليفة بعده (بذمة الله وذمة رسوله) أي بعهد الله وعهد رسوله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ومراده أهل الكتاب (أن يُوفى لهم بعهدهم) بضم أول يوفى وفتح ثالثه، وفي نسخة: أن يوفي بكسر ثالثه والذي في الفرع يوفى بسكون الواو وفتح الفاء مخففًا (وأن يقاتل) بضم أوله وفتح الفوقية (من ورائهم) أي من بين أيديهم فيدفع الكافر الحربي عنهم وقد سبق استعمال وراء بمعنى أمام (ولا يكلفوا) بضم أوله وفتح اللام المشددة في إعطاء الجزية (إلاّ طاقتهم) فلا يزاد عليهم على مقدارها. وسبق هذا الحديث بأطول من هذا في آخر الجنائز، ويأتي إن شاء الله تعالى في المناقب. 175 - باب جَوَائِزِ الْوَفْدِ (باب جوائز الوفد) جمع جائزة وهي العطية والوفد الجماعة يردون. 176 - باب هَلْ يُسْتَشْفَعُ إِلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ؟ وَمُعَامَلَتِهِمْ هذا (باب) بالتنوين (هل يستشفع) بضم أوله وفتح الفاء (إلى أهل الذمة ومعاملتهم) بالجر عطفًا على الجملة المضاف إليها لفظ الباب، ووقع في رواية ابن شبويه عن الفربري وهو عند الإسماعيلي تأخير باب جوائز الوفد عن باب: هل يستشفع وهو أوجه لأن ما ساقه من الحديث مطابق لترجمة جوائز الوفد لأنه قال فيه وأجيزوا الوفد وكأنه كتب باب جوائز الوفد ثم بيض له ليسوق فيه حديثًا يليق به فلم يقع له ذلك، وأسقط النسفيّ هذه الترجمة أصلاً واقتصر على ترجمة هل يستشفع. 3053 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: "يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ. ثُمَّ بَكَى حَتَّى خَضَبَ دَمْعُهُ الْحَصْبَاءَ فَقَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَعُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَقَالَ: ائْتُونِي بِكِتَابٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا. فَتَنَازَعُوا، وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ. فَقَالُوا: هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: دَعُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ. وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلاَثٍ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ، وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ". وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ: سَأَلْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَقَالَ: مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ. وَقَالَ يَعْقُوبُ: وَالْعَرْجُ أَوَّلُ تِهَامَةَ. وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان ولم يقع لقبيصة في هذا الكتاب رواية عن ابن عيينة إلا هذه وروايته فيه عن سفيان الثوري كثيرة جدًّا، وحكى الجياني عن رواية ابن السكن عن الفربري في هذا قتيبة بدل قبيصة، وقد أخرجه المؤلّف في المغازي عن قتيبة ومسلم في الوصايا عن سعيد بن منصور وقتيبة وابن أبي شيبة والناقد عن ابن عيينة (عن سليمان) بضم أوله وفتح ثانيه (الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: يوم الخميس). قال الكرماني: خبر المبتدأ

المحذوف أو بالعكس نحو يوم الخميس يوم الخميس نحو: أنا أنا والغرض منه تفخيم أمره في الشدة والمكروه وهو امتناع الكتاب فيما يعتقده ابن عباس (وما يوم الخميس)؟ أي أيّ يوم هو تعجب منه لما وقع فيه من وجعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم بكى حتى خضب) بفتح الخاء والضاد المعجمتين والموحدة أي رطب وبلل (دمعه الحصباء. فقال: اشتد برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجعه) الذي توفي فيه (يوم الخميس فقال): (ائتوني بكتاب) أي ائتوني بأدوات كتاب كالقلم والدواة أو أراد بالكتاب ما من شأنه أن يكتب فيه نحو الكاغد والكتف (اكتب لكم) بجزم أكتب جوابًا للأمر ويجوز الرفع على الاستئناف وهو من باب المجاز أي آمر أن يكتب لكم (كتابًا لن تضلوا بعده أبدًا فتنازعوا) في باب كتابة العلم من كتابه قال عمر: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا فاختلفوا وكثر اللغط (ولا ينبغي عند نبي) من الأنبياء (تنازع) في كتاب العلم قال أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع ففيه التصريح بأنه من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا من قول ابن عباس، والظاهر أن هذا الكتاب الذي أراده إنما هو في النص على خلافة أبي بكر، لكنهم لما تنازعوا واشتدّ مرضه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدل عن ذلك معوّلاً على ما أصله من استخلافه في الصلاة. وعند مسلم عن عائشة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ادعي لي أبا بكر وأخاك أكتب كتابًا فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويقول قائل: أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر". وعند البزار من حديثها لما اشتد وجعه عليه الصلاة والسلام قال: "ائتوني بدواة وكتف أو قرطاس أكتب لأبي بكر كتابًا لا يختلف الناس عليه" ثم قال: "معاذ الله أن يختلف الناس على أبي بكر" فهذا نص صريح فيما ذكرناه وأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما ترك كتابًا معوّلاً على أنه لا يقع إلا كذلك وهذا يبطل قول من قال: إنه كتاب بزيادة أحكام وتعليم وخشي عمر عجز الناس عن ذلك. (فقالوا: هجر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الهاء والجيم من غير همز في أوله بلفظ الماضي، وقد ظن ابن بطال أنها بمعنى اختلط، وابن التين أنها بمعنى هذى وهذا غير لائق بقدره الرفيع إذ يقال إن كلامه غير مضبوط في حالة من الحالات بل كل ما يتكلم به حق صحيح لا خلف فيه ولا غلط سواء كان في صحة أو مرض أو نوم أو يقظة أو رضًا أو غضب. ويحتمل أن يكون المراد أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هجركم من الهجر الذي هو ضد الوصل لما قد ورد عليه من الواردات الإلهية، ولذا قال في الرفيق الأعلى. وقال النووي: وإن صح بدون الهمزة فهو لما أصابه الحيرة والدهشة لعظيم ما شاهده من هذه الحالة الدالة على وفاته وعظم المصيبة أجرى الهجر مجرى شدة الوجع. قال الكرماني: فهو مجاز لأن الهذيان الذي للمريض مستلزم لشدة وجعه فأطلق الملزوم وأراد اللازم، وللمستملي والحموي: أهجر بهمزة الاستفهام الإنكاري أي أهذى إنكارًا على من قال: لا تكتبوا أي لا تجعلوه كأمر من هذى في كلامه أو على من ظنه بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك الوقت لشدة المرض عليه. (قال) عليه الصلاة والسلام: (دعوني) أي اتركوني (فالذي أنا فيه) من المراقبة والتأهب للقاء الله والتفكّر في ذلك (خير مما تدعوني إليه) من الكتابة ونحوها (وأوصى) عليه الصلاة والسلام (عند موته بثلاث) فقال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وفي ما بين عدن إلى ريف العراق طولاً ومن جدة إلى أطراف الشام عرضًا قاله الأصمعي فيما رواه عنه أبو عبيد، وقال الخليل: سميت جزيرة العرب لأن بحر فارس وبحر الحبش والعراق ودجلة أحاطت بها وهي أرض العرب ومعدنها ولم يتفرغ أبو بكر -رضي الله عنه- لذلك فأجلاهم عمر -رضي الله عنه-، وقيل إنهم كانوا أربعين ألفًا ولم ينقل عن أحد من الخلفاء أنه أجلاهم من اليمن مع أنها من جزيرة العرب. (وأجيزوا الوفد بنحو ما) ولأبي الوقت بنحو مما (كنت أجيزهم) قال ابن المنير: والذي بقي من هذا الرسم ضيافات الرسل

177 - باب التجمل للوفود

وإقطاعات الأعرابي ورسومهم في أوقات منه إكرام أهل الحجاز إذا وفدوا. قال ابن عيينة كما عند الإسماعيلي هنا والبخاري في الجزية أو سليمان الأحول كما في مسند الحميدي أو سعيد بن جبير كما عند النووي في شرح مسلم (ونسبت الثالثة). هي إنفاذ جيش أسامة، وكان المسلمون اختلفوا في ذلك على أبي بكر فأعلمهم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عهد بذلك عند موته أو هي قوله: "لا تتخذوا قبري وثنًا" قال في المقدمة: ووقع في صحيح ابن حبان ما يرشد إلى أنها الوصية بالأرحام. (وقال يعقوب بن محمد) الزهري فيما وصله إسماعيل القاضي في أحكامه (سألت المغيرة بن عبد الرحمن عن جزيرة العرب فقال): هي (مكة والمدينة واليمامة واليمن). وهذا موافق لما روي عن مالك إمام دار الهجرة. (وقال يعقوب): بن محمد المذكور (والعرج) بفتح العين المهملة وسكون الراء بعدها جيم قرية جامعة من الفرع على نحو ثمانية وسبعين ميلاً من المدينة (أول تهامة). بكسر المثناة الفوقية. وقد استدلّ بهذا الحديث إمامنا الشافعي من العلماء على منع إقامة الكافر ذميًّا كان أو حربيًّا بمكة والمدينة واليمامة وقراهن وما تخلل ذلك من الطرق فلا يقر في شيء منها بجزية ولا بغيرها لشرفها. نعم لا يمنع من ركوب بحر الحجاز لأنه ليس موضع إقامة بخلاف جزائره وقرى الأماكن المذكورة، وكذا لا يمنع من الإقامة باليمن لأنه ليس من الحجاز وإن كان من جزيرة العرب لأن عمر أجلى أهل الذمة من الحجاز وأقرّهم فيما عداه من اليمن ولم يخرجهم هو ولا أحد من الخلفاء منه، وإنما أخرج أهل نجران من جزيرة العرب وليست من الحجاز لنقضهم العهد بأكلهم الربا المشروط عليهم تركه وكذا يمنع من دخول الحرم المكي فلا يدخله لمصلحة ولا لغيرها لقوله تعالى: {فلا يقربوا المسجد الحرام} والمراد جميع الحرم لقوله تعالى: {وإن خفتم عيلة} [التوبة: 28] أي فقرًا بمنعهم من الحرم وانقطاع ما كان لكم من قدومهم من المكاسب {فسوف يغنيكم الله من فضله} ومعلوم أن الجلب إنما يجلب إلى البلد لا إلى المسجد نفسه فلو دخل كافر بغير إذن الإمام أخرجه وعزره إن علم أنه ممنوع ومنه وإن أذن الإمام أو نائبه له في الدخول للحجاز خارج الحرم لمصلحة لنا من رسالة أو عقد هدنة أو حمل ميرة أو متاع نحتاجه فلا يقيم فيه أكثر من أربعة أيام ولا يمنع من دونها وليس حرم المدينة كحرم مكة فيما ذكر لاختصاصه بالنسك وثبت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أدخل الكفار مسجده وكان ذلك بعد نزول سورة براءة، وجوّز أبو حنيفة -رحمه الله- دخولهم حرم مكة. وقال العيني: مذهب أبي حنيفة أنه لا بأس بأن يدخل أهل الذمة المسجد الحرام لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنزل وفد ثقيف في مسجده وهم كفار رواه أبو داود، والآية محمولة على منعهم أن يدخلوه مستولين عليه ومستعلين على أهل الإسلام من حيث القيام بعمارة المسجد. 177 - باب التَّجَمُّلِ لِلْوُفُودِ (باب التجمل) باللبس (للوفود). 3054 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "وَجَدَ عُمَرُ حُلَّةَ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ الْحُلَّةَ فَتَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوَفدِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ -أَوْ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ- فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ حَتَّى أَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْتَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ, أَوْ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لا خَلاَقَ لَهُ، ثُمَّ أَرْسَلْتَ إِلَىَّ بِهَذِهِ. فَقَالَ: تَبِيعُهَا، أَوْ تُصِيبُ بِهَا بَعْضَ حَاجَتِكَ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو ابن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم بن عبد الله أن) أباه (ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: وجد عمر) بن الخطاب (حلة إستبرق) هو ما غلظ من الحرير (تباع في السوق فأتى بها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله ابتع) أي اشتر (هذه الحلة فتجمل) أي تزين (بها للعبد وللوفود) زاد في الجمعة إذا قدموا عليك، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: والوفد بالتوحيد (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنما هذه) الحلة الحرير (لباس من لا خلاق) أي من لا نصيب (له) من الخير في الآخرة وهذا خاص بالرجال وإن كانت كلمة من تدل على العموم لأدلة أخرى على إباحة الحرير للنساء (أو إنما يلبس هذه من لا خلاق له) شك من الراوي ولم ينكر عليه الصلاة والسلام عليه طلبه التجمل وإنما أنكر عليه التجمل بهذا الشيء المنهي عنه وهذا موضع الترجمة. (فلبث) أي عمر (ما شاء الله ثم أرسل إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بجبة ديباج)

178 - باب كيف يعرض الإسلام على الصبي؟

بالإضافة وكسر الدال (فأقبل بها عمر حتى أتى بها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله قلت إنما هذه لباس من لا خلاق له أو وإنما يلبس هذه من لا خلاق له) بالشك من الراوي أيضًا (ثم أرسلت إليّ بهذه؟ فقال): (تبيعها) أي أرسلتها إليك لتبيعها (و) قال: (تصيب بها بعض حاجتك). وعند أحمد أنه باعها بألفي درهم وهو مشكل بما زاده البخاري في الجمعة حيث قال: فكساها عمر أخًا له مشركًا. 178 - باب كَيْفَ يُعْرَضُ الإِسْلاَمُ عَلَى الصَّبِيِّ؟ هذا (باب) بالتنوين (كيف يعرض الإسلام على الصبي)؟ 3055 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ وَقَدْ قَارَبَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ صَيَّادٍ يَحْتَلِمُ، فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ. فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَاذَا تَرَى؟ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خُلِطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا. قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ. قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) بسكون العين وفتح الميمين ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله عن ابن عمر) أبيه (-رضي الله عنهما- أنه أخبره أن) أباه (عمر انطلق في رهط) دون العشرة أو إلى الأربعين (من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل ابن صياد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهته وكان غلامًا من اليهود وكان يتكهن أحيانًا فيصدق ويكذب فشاع حديثه وتحدث أنه الدجال، وأشكل أمره فأراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يختبر حاله إذ لم ينزل في أمره وحي، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: ابن الصياد بالتعريف (حتى وجدوه) ولأبي ذر وجده بالتوحيد حال كونه (يلعب مع الغلمان عند أطم بني مغالة) بضم الهمزة والطاء من أطم وهو البناء المرتفع ومغالة بفتح الميم والغين المعجمة واللام بطن من الأنصار أو حيّ من قضاعة (وقد قارب يومئذٍ ابن صياد يحتلم فلم يشعر) أي ابن صياد (حتى) ولأبي ذر عن الكشميهني: بشيء حتى (ضرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظهره بيده ثم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أتشهد أني رسول الله)؟ (فنظر إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ابن صياد فقال: أشهد أنك رسول الأميين) أي العرب (فقال ابن صياد للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتشهد أني رسول الله؟ قال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (آمنت بالله ورسله) بالجمع، ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني: ورسوله بالإفراد كذا في الفرع ونسب ابن حجر الإفراد للمستملي. وقال الكرماني فإن قلت: كيف طابق قوله آمنت بالله ورسله؟ جواب الاستفهام وأجاب بأنه لما أراد أن يظهر للقوم حاله أرخى العنان حتى يبينه عند المغترّ به، فلهذا قال آخرًا: اخسأ انتهى. وقيل: يحتمل أنه أراد باستنطاقه إظهار كذبه المنافي لدعوى النبوّة ولما كان ذلك هو المراد أجابه بجواب منصف فقال: آمنت بالله ورسله. ثم (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له: (ماذا ترى)؟ (قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب) وعند الترمذي من حديث أبي سعيد قال: أرى عرشًا فوق الماء. قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ترى عرش إبليس فوق البحر. قال: ما ترى؟ قال: أرى صادقًا وكاذبين أو صادقين وكاذبًا (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (خلط عليك الأمر) بضم الخاء المعجمة وكسر اللام مخففة في الفرع وأصله مصححًا عليها ومشددة في غيرهما أي خلط عليك الحق والباطل على عادة الكهان (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إني قد خبأت لك خبيئًا) بفتح الخاء المعجمة وكسر الموحدة وسكون التحتية وبالهمز فيه وفي السابق أي أضمرت لك في نفسي شيئًا. وفي الترمذي: أنه خبأ له يوم تأتي السماء بدخان مبين (قال ابن صياد: هو الدخ) بضم الدال المهملة وبعدها خاء معجمة فأدرك البعض على عادة الكهان في اختطاف بعض الشيء من الشياطين من غير وقوف على تمام البيان. فإن قلت: كيف اطّلع ابن صياد أو شيطانه على ما في الضمير؟ أجيب: باحتمال أن يكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحدّث مع نفسه أو أصحابه بذلك فاسترق الشيطان ذلك أو بعضه. فإن قلت: ما وجه التخصيص بإخفاء هذه الآية؟ أجاب أبو موسى المديني: بأنه أشار بذلك إلى أن عيسى ابن مريم عليهما السلام يقتل الدجال بجبل الدخان فأراد التعريض لابن صياد بذلك. وحكى الخطابي أن الآية كانت حينئذٍ مكتوبة في يد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يهتد ابن صياد منها إلا لهذا القدر الناقص

179 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لليهود: أسلموا تسلموا

على طريق الكهنة ولهذا (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اخسأ) بالخاء المعجمة الساكنة وفتح السين المهملة آخره همز كلمة زجر واستهانة أي اسكت متباعدًا ذليلاً (فلن تعدو قدرك). أي لن تتجاوز القدر الذي يدركه الكهان من الاهتداء إلى بعض الشيء ولا يتجاوزون منه إلى النبوّة. قال الكرماني: وفي بعضها تعد بغير واو على أنه مجزوم بلن في لغة حكاها الكسائي كما ذكره ابن مالك في توضيحه. (قال عمر) -رضي الله عنه- (يا رسول الله ائذن لي فيه) أي في ابن صياد (أضرب عنقه). بهمزة قطع مجزومًا جواب الطلب (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن يكنه) فيه اتصال الضمير إذا وقع خبرًا لكان واسمها مستتر فيها، وابن مالك في ألفيته يختاره على الانفصال عكس ما اختاره ابن الحاجب، وللأصيلي وابن عساكر وأبوي الوقت وذر عن الحموي والمستملي: إن يكن هو بانفصال الضمير كالآتية وهو الصحيح، واختاره ابن مالك في التسهيل وشرحه تبعًا لسيبويه ولفظ هو تأكيد للضمير المستتر، وكان: تامة أو وضع هو موضع إياهُ أي أن إياه. وفي حديث ابن مسعود عند أحمد إن يكن هو الذي يخاف فلن تستطيعه وعند الحرث بن أبي أسامة عند جده مرسلاً أن يكن هو الدجال (فلن تسلط عليه)، لأن عيسى هو الذي يقتله، وفي حديث جابر عند الترمذي فلست بصاحبه إنما صاحبه عيسى ابن مريم (وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله). قال الخطابي: وإنما لم يأذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قتله مع ادّعائه النبوة بحضرته لأنه كان غير بالغ أو لأنه كان من جملة أهل المهادنة. قال في الفتح: والثاني هو المتعين وقد جاء مصرحًا به في حديث جابر عند أحمد وفي مرسل عروة: فلا يحل لك قتله ولم يصرح ابن صياد بدعوى النبوة وإنما أوهم أنه يدّعي الرسالة ولا يلزم من دعواها دعوى النبوة قال الله تعالى: {إنّا أرسلنا الشياطين على الكافرين}. 3056 - قَالَ ابْنُ عُمَرَ انْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ يَأْتِيَانِ النَّخْلَ الَّذِي فِيهِ ابْنُ صَيَّادٍ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ النَّخْلَ طَفِقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ وَهْوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ، وَابْنُ صَيَّادٍ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْزَةٌ، فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لاِبْنِ صَيَّادٍ: أَىْ صَافِ -وَهْوَ اسْمُهُ- فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ". وبالسند السابق: (قال ابن عمر) -رضي الله عنهما- (انطلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأُبي بن كعب) معه حال كونهما (يأتيان النخل الذي فيه ابن صياد حتى إذا دخل) عليه الصلاة والسلام (النخل طفق) أي جعل (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتقي) أي يستتر (بجذوع النخل) بالذال المعجمة أصولها (وهو يختل) بفتح المثناة التحتية وسكون الخاء المعجمة وكسر الفوقية أي يسمع في خفية (أن يسمع من ابن صياد شيئًا). وفي حديث جابر رجاء أن يسمع من كلامه شيئًا ليعلم أنه صادق أو كاذب (قبل أن يراه) أي ابن صياد كما في الجنائز (وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة) أي كساء له خمل (له) أي لابن صياد (فيها) أي في القطيفة (رمزة) براء مهملة مفتوحة فميم ساكنة فزاي معجمة أي صوت خفي (فرأت أم ابن صياد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو) أي والحال أنه عليه الصلاة والسلام (يتقي بجذوع النخل فقالت: لابن صياد أي صاف) بصاد مهملة وفاء مكسورة (وهو اسمه) زاد في الجنائز هذا محمد (فثار ابن صياد) بالمثلثة أي نهض من مضجعه مسرعًا (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو تركته) أمه ولم تعلمه بنا (بيّن) أي أظهر لنا من حاله ما نطّلع به على حقيقة حاله. 3057 - وَقَالَ سَالِمٌ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ "ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: إِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ قَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ؛ وَلَكِنْ سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلاً لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ". [الحديث 3057 - أطرافه في: 3337، 3439، 4402، 6175، 7123، 7127، 8407]. (وقال سالم): هو ابن عبد الله بن عمر بالإسناد السابق (قال ابن عمر) -رضي الله عنهما-: (ثم قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد (في الناس) خطيبًا (فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال): (إني أنذركموه وما من نبي إلا قد أنذره قومه لقد أنذره نوح قومه)، خصّ نوحًا بالذكر لأنه أبو البشر الثاني أو أنه أول مشرع (ولكن سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وإن الله ليس بأعور). وقد ذكر في هذا الحديث ثلاث قصص اقتصر منها في الشهادات على الثانية، وفي الفتن على الثالثة، وقد اختلف في أمر ابن صياد اختلافًا كثيرًا يأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الاعتصام بعون الله ومنّه. 179 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْيَهُودِ: أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا قَالَهُ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لليهود أسلموا) بفتح الهمزة وكسر اللام من الإسلام (تسلموا) بفتح الفوقية واللام من السلامة أي تسلموا في الدنيا من القتل والجزية وفي الآخرة من العقاب الدائم (قالها

180 - باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم

المقبري) بفتح الميم وضم الموحدة وهو سعيد بن أبي سعيد (عن أبي هريرة). -رضي الله عنه- في حديث يأتي إن شاء الله تعالى موصولاً في الجزية. 180 - باب إِذَا أَسْلَمَ قَوْمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُمْ مَالٌ وَأَرَضُونَ فَهْيَ لَهُمْ هذا (باب) بالتنوين (إذا أسلم قوم) من أهل الحرب (في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم). 3058 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا -فِي حَجَّتِهِ- قَالَ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلاً؟ ثُمَّ قَالَ: نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ الْمُحَصَّبِ حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْكُفْرِ. وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنْ لاَ يُبَايِعُوهُمْ وَلاَ يُؤْوُوهُمْ". قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَالْخَيْفُ الْوَادِي. وبه قال: (حدّثنا محمود) هو ابن غيلان قال: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام، ولأبي ذر وحده كما في الفتح حدّثنا عبد الله هو ابن المبارك بدل أخبرنا عبد الرزاق قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن علي بن حسين) بدون تعريف ابن علي زيد العابدين (عن عمرو بن عثمان بن عفان) الأموي القرشي المدني (عن أسامة بن زيد) -رضي الله عنهما- أنه (قال: قلت: يا رسول الله أين تنزل غدًا -في حجته)؟ حجة الوداع (قال): (وهل ترك لنا عقيل) بفتح العين وكسر القاف ابن أبي طالب (منزلاً) زاد في باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها من كتاب الحج: وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرث جعفر ولا عليّ شيئًا لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين أي عند وفاة أبيهما لأن عقيلاً أسلم بعد ذلك. قيل: ولما كان أبو طالب أكبر ولد عبد المطلب احتوى على أملاكه وحازها وحده على عادة الجاهلية من تقديم الأسن فتسلط عقيل أيضًا بعد الهجرة عليها. وقال الداودي: باع عقيل ما كان للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولمن هاجر من بني عبد المطلب كما كانوا يفعلون بدور من هاجر من المؤمنين وإذا أجاز عليه الصلاة والسلام لعقيل تصرفه قبل إسلامه فما بعد الإسلام بطريق الأولى. وبهذا تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة. (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (نحن نازلون غدًا بخيف بني كنانة) بكسر الكاف وبنونين بينهما ألف (المحصب) بفتح الصاد بلفظ المفعول من التحصيب عطف بيان أو بدل من الخيف. وفي الحج من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الغد يوم النحر وهو بمنى "نحن نازلون غدًا بخيف بني كنانة" وفيه تجوّز عن الزمان المستقبل القريب بلفظ الغد كما يتجوّز بالأمس عن الماضي لأن النزول في المحصب إنما يكون في الثالث عشر من الحجة لا في اليوم الثاني من العيد الذي هو الغد حقيقة (حيث قاسمت قريش) وفي باب نزول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة من الحج حيث تقاسموا بمثناة قبل القاف بلفظ الجماعة أي تحالفوا (على الكفر) (وذلك أن بني كنانة حالفت قريشًا) وفي الحج وذلك أن قريشًا وكنانة تحالفت (على بني هاشم) زاد في الحج من رواية الوليد وبني عبد المطلب أو بني المطلب بالشك (أن لا يبايعوهم ولا يؤووهم) وفي الحج أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم. قال الإمام النووي: معنى تقاسمهم على الكفر تحالفهم على إخراج النبي وبني هاشم والمطلب من مكة إلى خيف بني كنانة وكتبوا بينهم الصحيفة المشهورة فيها أنواع من الباطل فأرسل الله عليها الأرضة فأكلت ما فيها من الكفر وتركت ما فيها من ذكر الله فأخبر جبريل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبر به عمه أبا طالب فأخبرهم عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك فوجدوه كما أخبر، وقد ذكر الخطيب أن قوله هنا وذلك أن بني كنانة إلخ المعطوف على حديث أسامة مدرج في رواية الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة، وإنما هو عند الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وذلك أن ابن وهب رواه عن يونس عن الزهري ففصل بين الحديثين: وروى محمد بن أبي حفصة عن الزهري الحديث الأول فقط، وروى شعيب والنعمان بن راشد وإبراهيم بن سعد والأوزاعي عن الزهري الحديث الثاني فقط عن أبي سلمة عن أبي هريرة. قال الحافظ ابن حجر: بعد أن ذكر ذلك أحاديث الجميع عند البخاري وطريق ابن وهب عنده لحديث أسامة في الحج ولحديث أبي هريرة في التوحيد وأخرجهما مسلم معًا في الحج. (قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب: (والخيف) المذكور المنسوب لبني كنانة هو (الوادي). وقال غيره: ما ارتفع من سيل الوادي ولم يبلغ أن يكون جبلاً. 3059 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ يُدْعَى هُنَيًّا عَلَى الْحِمَى فَقَالَ: يَا هُنَىُّ اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ. وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ، وَإِيَّاىَ وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ، فَإِنَّهُمَا إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَا إِلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ، وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَأْتِنِي بِبَنِيهِ فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لاَ أَبَا لَكَ؟ فَالْمَاءُ وَالْكَلأُ أَيْسَرُ عَلَىَّ مِنَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَإيمُ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ؛ إِنَّهَا لَبِلاَدُهُمْ، فَقَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الإِسْلاَمِ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ بِلاَدِهِمْ شِبْرًا". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال

حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم مولى عمر بن الخطاب (أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- استعمل مولى له يدعى هنيًّا) بضم الهاء وفتح النون وتشديد التحتية وقد تهمز (على الحمى) بكسر الحاء المهملة وفتح الميم مقصورًا وهو موضع يعينه الإمام لنحو نعم الصدقة ممنوعًا عن الغير وعند ابن سعد من طريق عمير بن هني عن أبيه أنه كان على حمى الربذة (فقال): أي عمر له (يا هني اضمم جناحك عن المسلمين) أي اكفف يدك عن ظلمهم (واتق دعوة المظلوم) فإنها لا تحجب عن الله، ولأبي ذر: المسلمين كذا في عدة من فروع اليونينية كهي وغيرها، وعزا الأولى في فتح الباري للإسماعيلي والدارقطني وأبي نعيم وتبعه العيني والعجب منه أنها في المتن الذي ساقه بلفظ المظلوم (فإن دعوة المظلوم مستجابة وأدخل) بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة يعني أدخل في الحمى والمرعى (رب الصريمة) بضم الصاد المهملة وفتح الراء وهي القطيعة من الإبل بقدر الثلاثين (ورب الغنيمة) بضم الغين المعجمة وفتح النون تصغير غنم والمراد القليل منهما كما دلّ عليه التصغير (وإياي ونعم ابن عوف) عبد الرحمن (ونعم ابن عفان) عثمان كان القياس أن يقول: وإياك لأن هذه الكلمة للتحذير وتحذير المتكلم نفسه قليل كما مرّ ولكنه بالغ فيه من حيث أنه حذّر نفسه ومراده تحذير من يخاطبه وهو أبلغ لأنه ينهى نفسه ومراده نهي من يخاطبه عن إيثار ابن عوف وابن عفان على غيرهما في الرعى أو تقديمهما على الغير وخصّهما بالذكر على طريق المثال لأنهما كانا من مياسير الصحابة ولم يرد بذلك منعهما البتّة وإنما أراد أنه إذا لم يسع المرعى إلا نعم أحد الفريقين فنعم المقلين أولى وقد بين وجه ذلك بقوله: (فإنهما) أي ابن عوف وابن عفان (أن تهلك) بكسر اللام والجزم (ماشيتهما يرجعان إلى) عوض ذلك من أموالهما من (نخل وزرع) وغيرهما (وإن رب الصريمة) القليلة (ورب الغنيمة) القليلة اللذين ليس لهما إلا ذاك (أن تهلك ماشيتهما يأتني) مجزوم بحذف الياء (ببنيه) أي بأولاده، ولغير الكشميهني كما في الفتح بيته بمثناة فوقية قبلها تحتية ساكنة بلفظ مفرد البيت والمعنى متقارب (فيقول: يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين) مرتين أي نحن فقراء محتاجون أو نحو ذلك وعند غير أبي ذر: يا أمير المؤمنين مرة واحدة (أفتاركهم أنا) بهمزة الاستفهام الإنكاري أي أنا لا أتركهم محتاجين ولا أجوّز ذلك فلا بدّ لي من إعطاء الذهب والفضة لهم بدل الماء والكلأ من بيت المال (لا أبا لك) بغير تنوين لأنه كالمضاف وظاهره الدعاء عليه لكنه على المجاز لا الحقيقة (فالماء والكلأ أيسر عليّ من الذهب والورق) أي من إنفاقهما من بيت المال (وإيم الله إنهم) أي أرباب المواشي القليلة من أهل المدينة وقراها (ليرون) بفتح المثناة التحتية أي ليعتقدون وبضمها أي ليظنون (أني قد ظلمتهم أنها) أي هذه الأراضي (لبلادهم فقاتلوا) بفاء قبل القاف ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر قاتلوا (عليها في الجاهلية وأسلموا عليها) عفوًا (في الإسلام) فكانت أموالهم لهم وهذا بخلاف من أسلم من أهل العنوة فإن أرضه فيء للمسلمين لأنهم غلبوا على بلادهم كما غلبوا على أموالهم بخلاف أهل الصلح في ذلك، وإنما ساع لعمر -رضي الله عنه- ذلك، لأنه كان مواتًا فحماه لنعم الصدقة ومصلحة المسلمين (والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمد عليه) من لا يجد ما يركبه (في سبيل الله) من الإبل والخيل (ما حميت عليهم من بلادهم شبرًا) وجاء عن مالك أن عدّة ما كان في الحمى في عهد عمر بلغ أربعين ألفًا من إبل وخيل وغيرهما. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله إنها لبلادهم إلى آخرها وأشار بالترجمة إلى الردّ على من قال من الحنفية إن الحربي إذا أسلم في دار الحرب وأقام بها حتى غلب المسلمون عليها فهو أحق بجميع ماله إلا أرضه وعقاره فإنها تكون فيئًا للمسلمين، وقد خالفهم أبو يوسف في ذلك فوافق الجمهور قاله في فتح الباري وهذا الأثر تفرّد به البخاري عن الجماعة. وقال

181 - باب كتابة الإمام الناس

الدارقطني فيه: غريب صحيح. 181 - باب كِتَابَةِ الإِمَامِ النَّاسَ (باب كتابة الإمام الناس) بالنصب مفعولاً للمصدر المضاف لفاعله أي من المقاتلة وغيرهم ولأبي ذر للناس أي لأجلهم والمفعول محذوف. 3060 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اكْتُبُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالإِسْلاَمِ مِنَ النَّاسِ. فَكَتَبْنَا لَهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ رَجُلٍ، فَقُلْنَا: نَخَافُ وَنَحْنُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ؟ فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا ابْتُلِينَا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي وَحْدَهُ وَهْوَ خَائِفٌ". حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الأَعْمَشِ "فَوَجَدْنَاهُمْ خَمْسَمِائَةٍ". قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: مَا بَيْنَ سِتِّمِائَةٍ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) بالهمزة شقيق بن سلمة (عن حذيفة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اكتبوا لي من تلفظ) بفتح المثناة الفوقية واللام والفاء المشددة وللأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت يلفظ بالتحتية وسكون اللام وكسر الفاء (بالإسلام من الناس فكتبنا له ألفًا وخمسمائة رجل)، ولعله كان عند خروجهم إلى أُحُد أو عند حفر الخندق وبه جزم السفاقسي أو بالحديبية لأنه اختلف في عددهم هل كانوا ألفًا وخمسائة أو ألفًا وأربعمائة. وفيه مشروعية كتابة الإمام الناس عند الحاجة إلى الدفع عن المسلمين (فقلنا نخاف) أي هل خاف (ونحن ألف وخمسائة) زاد أبو معاوية عن الأعمش عند مسلم فقال: إنكم لا تدرون لعل أن تبتلوا (فلقد رأيتنا) بضم التاء للمتكلم أي لقد رأيت أنفسنا (ابتلينا) بضم التاء مبنيًّا للمفعول بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى وإن الرجل ليصلّي وحده وهو خائف) أي مع كثرة المسلمين، ولعله أشار إلى ما وقع في خلافة عثمان -رضي الله عنه- من ولاية بعض أمراء الكوفة كالوليد بن عقبة حيث كان يؤخر الصلاة أو لا يقيمها على وجهها فكان بعض الورعين يصلّي وحده سرًّا ثم يصلّي خشية الفتنة. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون اليشكري (عن الأعمش) سليمان بن مهران أي عن أبي وائل عن حذيفة الحديث وفيه (فوجدناهم خمسمائة) فلم يذكر أبو حمزة الألف التي ذكرها سفيان (قال أبو معاوية) بن خازم بالخاء المعجمة مما وصله مسلم وأحمد والنسائي وابن ماجه: (ما بين ستمائة إلى سبعمائة) وزيادة الثقة الحافظ مقدمة، ولذا قدّم المؤلّف رواية الثوري؛ وأبو معاوية وإن كان أحفظ أصحاب الأعمش بخصوصه فالثوري أحفظهم مطلقًا، وقد قيل في الجمع بأن المراد بالخمسمائة المقاتلة من أهل المدينة خاصة وبما بين الستمائة إلى السبعمائة هم ومن ليس بمقاتل وبالألف وخمسمائة هم من حولهم من أهل القرى والبوادي، لكن الحديث متّحد المخرج ومداره على الأعمش بسنده واختلاف أصحابه عليه في العدد المذكور. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الإيمان والنسائي في السير. 3061 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي حَاجَّةٌ، قَالَ: ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن ابن جريح) عبد الملك بن عبد العزيز (عن عمرو بن دينار عن أبي معبد) بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة نافذ بالنون والفاء والذال المعجمة (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: جاء رجل) لم يعرف اسمه (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إني كتبت) بضم الكاف وكسر الفوقية مبنيًّا للمفعول (في غزوة كذا وكذا و) الحال أن (امرأتي حاجّة) لم يعرف اسم المرأة ولا الغزوة أيضًا (قال) عليه الصلاة والسلام: (ارجع فحج مع امرأتك). وإنما كان ذلك لأنه ليس لها محرم غيره والغزو يقوم غيره فيه مقامه وفيه إشعار بأنه كان من عادتهم كتابة من يتعين للخروج للجهاد، وسبق الحديث في الحج والجهاد. 182 - باب إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ هذا (باب) بالتنوين (إن الله يؤيد الذين بالرجل الفاجر). 3062 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. ح. وَحَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ: هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالاً شَدِيدًا فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الَّذِي قُلْتَ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَإِنَّهُ قَدْ قَاتَلَ الْيَوْمَ قِتَالاً شَدِيدًا وَقَدْ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِلَى النَّارِ. قَالَ فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَرْتَابَ. فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنَّ بِهِ جِرَاحًا شَدِيدًا. فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْجِرَاحِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. ثُمَّ أَمَرَ بِلاَلاً فَنَادَى بِالنَّاسِ: إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ". [الحديث 3062 - أطرافه في: 4203، 4204، 6606]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (ح) لتحويل السند. (وحدّثني) بالإفراد (محمود بن غيلان) سقط لأبي ذر ابن غيلان قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد واللفظ لروايته لا لشعيب (عن الزهري عن ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: شهدنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد الأصيلي خيبر (فقال لرجل ممن يدّعي الإسلام): بفتح الياء وتشديد الدال وكسر العين

183 - باب من تأمر في الحرب من غير إمرة إذا خاف العدو

والإسلام نصب على المفعولية، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من يدعي بالإسلام بضم الياء وسكون الدال وفتح العين وبالإسلام جار ومجرور. (هذا من أهل النار) علم بالوحي أنه غير مؤمن أو أنه سيرتد ويستحل قتل نفسه وقد قيل إن اسمه قزمان الظفري وهو معدود في جملة المنافقين وعورض بأن قصة قزمان كانت في وقعة أُحُد كما سبق في حديث سهل بن سعد والأول مبني على أن القصة التي في حديث سهل متحدة مع قصة حديث أبي هريرة هذا وفيه نظر لما وقع بينهما من الاختلاف على ما لا يخفى، لكن صنيع البخاري حيث ساق الحديثين في غزوة خيبر يُشعِر باتحادهما عنده. وأما قول أبي هريرة شهدنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر فمحمول على المجاز فالمراد جنسه من المسلمين لأن الثابت أنه إنما جاء بعد أن فتحت خيبر، ووقع عند الواقدي أنه قدم بعد فتح معظم خيبر فحضر فتح آخرها وفي الجهاد من طريق عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال: أتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بخيبر بعدما افتتحها فقلت يا رسول الله أسهم لي؟ (فلما حضر القتال) بالرفع فاعل حضر ويجوز النصب على المفعولية على التوسع وفي حضر ضمير يرجع إلى الرجل وهو فاعله (قاتل الرجل قتالاً شديدًا فأصابته جراحة) وفي رواية شعيب عن الزهري في غزوة خيبر قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت به الجراحة (فقيل) القائل هو أكتم بن أبي الجون إن قلنا باتحاد القصتين (يا رسول الله الذي قلت إنه) وللأربعة الذي قلت أي الذي قلت فيه إنه (من أهل النار) فاللام بمعنى في (فإنه قد قاتل اليوم قتالاً شديدًا وقد مات، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إلى النار) (قال) أبو هريرة أو غيره (فكاد) بالدال أي قارب (بعض الناس أن يرتاب) أي يشك في صدق الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفيه جواز دخول أن على خبر كاد وهو جائز مع قلته، وسقطت في رواية شعيب، ولأبي ذر عن الكشميهني: فكأن بهمزة ونون مشددة بعض الناس أراد أن يرتاب (فبينما) بالميم (هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت ولكن) بتشديد النون (به جراحًا شديدًا فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه) وفي رواية شعيب فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده إلى كنانته فاستخرج منها أسهمًا فنحر بها نفسه (فأخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (فقال): (الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله). (ثم أمر بلالاً) المؤذن (فنادى بالناس): ولأبي ذر: في الناس (أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة)، فيه إشعار بسلب الإيمان عن الرجل المذكور (وإن الله) بكسر الهمزة وفتحها (ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر). يحتمل أن تكون اللام للعهد والمراد قزمان المذكور وأن تكون للجنس، وهذا لا يعارضه قوله عليه الصلاة والسلام المروي في مسلم "إنّا لا نستعين بمشرك" للأنه خاص بذلك الوقت، وحجة النسخ شهود صفوان بن أمية حنينًا معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو مشرك وقصته مشهورة في المغازي. قال ابن المير: موضع الترجمة من الفقه أن لا يتخيل في الإمام أو السلطان الفاجر إذا حمى حوزة الإسلام أنه مطرح النفع في الدين لفجوره فيجوز الخروج عليه وأن يخلع لأن الله قد يؤيد به دينه وفجوره على نفسه فيجب الصبر عليه والسمع والطاعة له في غير المعصية ومن هذا استجاز العلماء الدعاء للسلاطين بالتأييد والنصر وغير ذلك من الخير. وهذا الحديث قد مرّ نحوه في باب لا يقول فلان شهيد من حديث سهل بن سعد الساعدي، ويأتيان إن شاء الله تعالى في غزوة خيبر من كتاب المغازي بعون الله وقوته. 183 - باب مَنْ تَأَمَّرَ فِي الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ إِذَا خَافَ الْعَدُوَّ (باب من تأمر) أي جعل نفسه أميرًا على قوم (في الحرب من غير إمرة) أي من غير تأمير الإمام أو نائبه (إذا خاف العدوّ) أي فإنه جائز. 3063 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ، وَمَا يَسُرُّنِي -أَوْ قَالَ: مَا يَسُرُّهُمْ- أَنَّهُمْ عِنْدَنَا. وَقَالَ: وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَذْرِفَانِ". وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي قال: (حدّثنا ابن علية) بضم العين وفتح اللام وتشديد التحتية إسماعيل بن إبراهيم البصري وعليه أمه (عن أيوب) السختياني (عن حميد بن هلال) العدوي أبي نصر البصري (عن أنس بن مالك

184 - باب العون بالمدد

-رضي الله عنه-) أنه (قال: خطب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما التقى الناس بمؤتة وكشف له ما بينه وبينهم حتى نظر إلى معتركهم (فقال): (أخذ الراية زيد) هو ابن حارثة (فأصيب)، أي فقتل (ثم أخذها جعفر) هو ابن أبي طالب (فأصيب، ثم أخدها عبد الله بن رواحة) الأنصاري (فأصيب، ثم أخذها خالد بن الوليد) المخزومي سيف الله (عن غير إمرة) أي صار أميرًا بنفسه من غير أن يفوّض الإمام إليه وهو متعلق بخالد بن الوليد ففي المغازي من هذا الكتاب من حديث ابن عمر قال: أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن قتل زيد فجعفر وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة، ويروى: من غير إمرة (ففتح عليه وما) ولأبي ذر ففتح الله عليه فما (يسرني) (أو قال ما يسرهم) أي المقتولين (أنهم عندنا) لأن حالهم فيما هم فيه خير مما لو كانوا عندنا والشك من الراوي (وقال) أنس (وإن عينيه) عليه السلام (لتذرفان) بالذال المعجمة وكسر الراء تسيلان دمعًا ويؤخذ من الحديث كما قاله ابن المنير أن من تعين لولاية وتعذرت مراجعة الإمام أن الولاية تثبت لذلك المتعين شرعًا وتجب طاعته حكمًا أي إذا اتفق عليه الحاضرون وأن الإمام لو عهد إلى جماعة مرتبين فقال الخليفة: بعد موتي فلان وبعد موته فلان جاز انتقلت الخلافة إليهم على ما رتب كما رتب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمراء جيش غزوة مؤتة، فلو مات الأول في حياة الخليفة فالخلافة للثاني، ولو مات الأول والثاني في حياته فهي للثالث، ولو مات الخليفة وبقي الثلاثة أحياء فانتصب الأول للخلافة ثم أراد أن يعهد بها إلى غير الآخرين، فالظاهر من مذهب الشافعي جوازه لأنها لما انتهت إليه صار أملك بها بخلاف ما إذا مات ولم يعهد إلى أحد فليس لأهل البيعة أن يبايعوا غير الثاني ويقدم عهد الأول على اختيارهم، والعهد موقوف على قبول المعهود إليه واختلف في وقت قبوله فقيل بعد موت الخليفة، والأصح أن وقته ما بين عهد الخليفة وموته قاله في الروضة، وأشار إليه المهلب واعترضه صاحب المصابيح من المالكية بأن الإمامة حينئذٍ ترجع إلى أنها حبس على الخليفة يتحكم فيها إلى يوم القيامة فيقول فلان بعد فلان وعقب فلان بعد عقب فلان ولا يصلح هذا في مصالح المسلمين المختلفة باختلاف الأوقات. 184 - باب الْعَوْنِ بِالْمَدَدِ (باب العون) في الجهاد (بالمدد) بالميم المفتوحة ما يمدّ به الأمير بعض العسكر من الرجال. 3064 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَاهُ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّةُ وَبَنُو لِحْيَانَ فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا، وَاسْتَمَدُّوهُ عَلَى قَوْمِهِمْ، فَأَمَدَّهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ، يَحْطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ. فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى بَلَغُوا بِئْرَ مَعُونَةَ غَدَرُوا بِهِمْ وَقَتَلُوهُمْ. فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ. قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّهُمْ قَرَءُوا بِهِمْ قُرْآنًا: أَلاَ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا، بِأَنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا, فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا. ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بَعْدُ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد بن إبراهيم أبو عمرو السلمي البصري (وسهل بن يوسف) الأنماطي كلاهما (عن سعيد) هو ابن أبي عروبة البصري (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتاه رعل) بكسر الراء وسكون العين ابن خالد بن عوف بن امرئ القيس (وذكوان) بفتح الذال المعجمة ابن ثعلبة (وعصية) بضم العين وفتح الصاد المهملتين مصغرًا ابن خفاف (وبنو لحيان) بكسر اللام وفتحها حيّ من هذيل (فزعموا أنهم قد أسلموا واستمدّوه) عليه الصلاة والسلام أي طلبوا منه المدد (على قومهم فأمدّهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسبعين من الأنصار) وكان أميرهم المنذر بن عمرو وقيل مرثد بن أبي مرثد (قال أنس: كنا نسميهم القرّاء) لكثرة قراءتهم (يحطبون) بكسر الطاء أي يجمعون الحطب (بالنهار) يشترون به الطعام لأهل الصفة (ويصلّون بالليل فانطلقوا بهم حتى بلغوا بئر معونة)، بفتح الميم وضم العين المهملة وسكون الواو بعدها نون موضع ببلاد هذيل بين مكة وعسفان (غدروا بهم وقتلوهم) وكان ذلك في صفر من السنة الرابعة لكن قوله وبنو لحيان وهم كما نبّه عليه الدمياطي لأن بني لحيان ليسوا أصحاب بئر معونة وإنما هم أصحاب الرجيع الذين قتلوا عاصمًا وأصحابه وأسروا خبيبًا وكذا قوله: أتاه رعل وذكوان وعصية وهو أيضًا وإنما أتاه أبو براء من بني كلاب، وأجار أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخفر جواره عامر بن الطفيل وجمع عليهم هذه القبائل من بني سليم (فقنت) عليه الصلاة والسلام (شهرًا يدعو على رعل

185 - باب من غلب العدو، فأقام على عرصتهم ثلاثا

وذكوان وبني لحيان) فشرك بين بني لحيان وعصية وغيرهم فى الدعاء لأن خبر بئر معونة وخبر أصحاب الرجيع جاء إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ليلة واحدة. (قال قتادة) بن دعامة: (وحدّثنا أنس أنهم قرؤوا بهم قرآنًا ألا) بتخفيف اللام (بلغوا قومنا) ولأبي ذر عن الكشميهني: بلغوا عنّا قومنا (بأنّا قد لقينا ربنا فرضي عنّا وأرضانا ثم رفع ذلك بعد) بالبناء على الضم لقطعه عن الإضافة ولأبي ذر بعد ذلك أي نسخت تلاوتها. وهذا الحديث أخرجه البخاري في الطب أيضًا والمغازي، وأخرجه مسلم في الحدود والنسائي في الطهارة والحدود والطب والمحاربة. 185 - باب مَنْ غَلَبَ الْعَدُوَّ، فَأَقَامَ عَلَى عَرْصَتِهِمْ ثَلاَثًا (باب من غلب العدوّ فأقام على عرصتهم) بفتح العين والصاد المهملتين بينهما راء أي بقعتهم الواسعة التي لا بناء بها من دار وغيرها (ثلاثًا). 3065 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: "ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ". تَابَعَهُ مُعَاذٌ وَعَبْدُ الأَعْلَى: "حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 3065 - طرفه في: 3976]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال: (حدّثنا روح بن عبادة) بفتح راء روح وضم عين عبادة وتخفيف الموحدة قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان إذا ظهر على قوم) أي غلبهم (أقام بالعرصة) التي لهم (ثلاث ليالٍ). لأن الثلاث أكثر ما يستريح المسافر فيها أو لقلة احتفاله بهم كأنه يقول نحن مقيمون فإن كانت لكم قوّة فهلمّوا إلينا. وقال ابن المنير: ولعل المقصود بالإقامة تبديل السيئات وإذهابها بالحسنات وإظهار عزّ الإسلام في تلك الأرض كأنه يضيفها بما يوقعه فيها من العبادات والأذكار لله اظهار شعائر المسلمين: وإذا تأملت البقاع وجدتها ... تشقى كما تشقى الأنام وتسعد وإذا كان ذلك في حكم الضيافة ناسب أن يقيم عليها ثلاثًا لأن الضيافة ثلاث. (تابعه) أي تابع روح بن عبادة (معاذ) هو ابن عبد الأعلى العنبري فيما وصله الإسماعيلي (وعبد الأعلى) هو ابن عبد الأعلى السامي بالمهملة فيما وصله مسلم قالا: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة عن أنس عن أبي طلحة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ولفظ مسلم لما كان يوم بدر وظهر عليهم نبي الله الحديث وقد أخرج البخاري الحديث في المغازي في غزوة بدر عن شيخ آخر عن روح بأتم من هذا السياق. 186 - باب مَنْ قَسَمَ الْغَنِيمَةَ فِي غَزْوِهِ وَسَفَرِهِ وَقَالَ رَافِعٌ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلاً، فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ. (باب من قسم الغنيمة في غزوه وسفره. وقال رافع): هو ابن خديج مما وصله في الذبائح (كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذي الحليفة) هو ميقات أهل المدينة كما قاله النووي زاد مسلم كالبخاري في باب من عدل عشرًا من الغنم بجزور من تهامة وهو يرد على النووي كما مر في الشركة (فأصبنا غنمًا وإبلاً)، ولأبي ذر إبلاً وغنمًا زاد في الشركة فعجل القوم فأغلوا بها القدور فجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمر بها فأكفئت (فعدل) بتخفيف الدال المهملة أي قوّم (عشرة) بتاء التأنيث، لكن قال ابن مالك: لا يجوز إثباتها ولأبي الوقت كل عشرة وفي نسخة بالفرع وأصله عشرًا (من الغنم ببعير) أي جعلها معادلة له. 3066 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا أَخْبَرَهُ قَالَ: "اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ". وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون الدال المهملة وفتح الموحدة ابن الأسود القيسي قال: (حدّثنا همام) بتشديد الميم ابن يحيى العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر الذال المعجمة (عن قتادة) بن دعامة (أن أنسًا أخبره قال: اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الجعرانة) بسكون العين وهي ما بين الطائف ومكة (حيث قسم غنائم حنين) بالتنوين وادٍ بينه وبين مكة ثلاثة أميال. ومطابقة الحديث لما ترجم به غير خفية وفي الحديث جواز قسم الغنائم بدار الحرب وأنه راجع إلى رأي الإمام فيقسم عند الحاجة ويؤخر إذا رأى في المسلمين غنى، ومنع أبو حنيفة القسمة في دار الحرب واحتجوا له بأن الملك لا يتم إلا بالاستيلاء ولا يتم الاستيلاء إلا بإحرازها في دار الإسلام. 187 - باب إِذَا غَنِمَ الْمُشْرِكُونَ مَالَ الْمُسْلِمِ ثُمَّ وَجَدَهُ الْمُسْلِمُ 3067 - وقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "ذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ فَأَخَذَهُ الْعَدُوُّ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَأَبَقَ عَبْدٌ لَهُ فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 3067 - طرفاه في: 3068، 3069]. هذا (باب) بالتنوين (إذا غنم المشركون) المحاربون (مال المسلم ثم وجده المسلم) بعد استيلاء المسلمين عليهم هل يأخذه لأنه أحق به أو يكون من الغنيمة

188 - باب من تكلم بالفارسية والرطانة

(قال) ولأبي ذر وقال (ابن نمير): عبد الله الهمداني الكوفي مما وصله أبو داود (حدّثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: ذهب فرس له فأخذه العدوّ) من أهل الحرب، ولأبي ذر عن الكشميهني: ذهبت بزيادة تاء التأنيث فأخذها بتأنيث الضمير لأن الفرس اسم جنس يذكر ويؤنث (فظهر عليه) أي غلب على العدو (المسلمون فردّ عليه) الفرس (في زمن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبق) أي هرب (عبد له) أي لابن عمر يوم اليرموك كما عند عبد الرزاق (فلحق بالروم فظهر عليهم المسلمون فردّه) أي العبد (عليه) على ابن عمر (خالد بن الوليد بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في زمن أبي بكر الصدّيق والصحابة متوافرون من غير نكير منهم، وفيه دليل للشافعية وجماعة على أن أهل الحرب لا يملكون بالغلبة شيئًا من مال المسلمين ولصاحبه أخذه قبل القسمة وبعدها. وعند مالك وأحمد وآخرين إن وجده مالكه قبل القسمة فهو أحق به وإن وجده بعدها فلا يأخذه إلا بالقيمة رواه الدارقطني من حديث ابن عباس مرفوعًا لكن إسناده ضعيف جدًّا، وبذلك قال أبو حنيفة: إلا في الآبق فقال: مالكه أحق به مطلقًا. 3068 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ عَبْدًا لاِبْنِ عُمَرَ أَبَقَ فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَرَدَّهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ. وَأَنَّ فَرَسًا لاِبْنِ عُمَرَ عَارَ فَلَحِقَ بِالرُّومِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِ فَرَدُّوهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ". قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: عَارَ مُشْتَق مِنْ العَير، وهوَ حِمَارُ وَحش، أيْ هَرَب. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا بحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) العمري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (نافع أن عبدًا لابن عمر) -رضي الله عنهما- (أبق فلحق بالروم، فظهر عليه) أي على الآبق (خالد بن الوليد فردّه على عبد الله. وأن فرسًا لابن عمر) أيضًا (عار) بعين وراء مخففة مهملتين بينهما ألف أي انطلق هاربًا على وجهه (فلحق بالروم فظهر عليه) خالد (فردّوه) وفي نسخة فردّه (على عبد الله). أي بعد موت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال أبو عبد الله) البخاري: (عار مشتق من العير)، بفتح العين وسكون التحتية (وهو حمار وحش، أي هرب). يريد أنه فعل فعله من النفار والهرب وقال الطبري يقال ذلك للفرس إذا فعله مرة بعد مرة وسقط لغير أبوي ذر والوقت قوله قال أبو عبد الله إلخ. 3069 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّهُ كَانَ عَلَى فَرَسٍ يَوْمَ لَقِيَ الْمُسْلِمُونَ، وَأَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَهُ الْعَدُوُّ، فَلَمَّا هُزِمَ الْعَدُوُّ رَدَّ خَالِدٌ فَرَسَهُ". وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) التميمي اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية الجعفي الكوفي (عن موسى بن عقبة) صاحب المغازي (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان على فرس يوم لقي المسلمون) بحذف المفعول. قال الكرماني: أي كفار الروم، وعند الإسماعيلي في روايته عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة وأبي نعيم من طريق أحمد بن يحيشى الحلواني كلاهما عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه بلفظ يوم لقي المسلمون ظبيًا وأسدًا فاقتحم الفرس بعبد الله بن عمر جرفًا فصرعه وسقط عبد الله فعار الفرس فأخذه العدوّ، (وأمير المسلمين يومئذٍ خالد بن الوليد) -رضي الله عنه- (بعثه أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- في زمن خلافته (فأخذه) أي الفرس (العدوّ فلما هزم العدوّ) بضم الهاء مبنيًّا للمفعول والعدوّ رفع نائب عن الفاعل، وفي نسخة: هزم العدوّ بفتح الهاء مبنيًّا للفاعل أي هزم الله العدو (ردّ خالد فرسه) عليه. وقد صرّح في هذه الرواية بأن قصة الفرس كانت في زمن أبي بكر، وفي رواية ابن نمير الأولى أنها كانت في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقصة العبد بعده، وخالفه يحيى القطان فجعلهما معًا بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكن وافق ابن نمير إسماعيل بن زكريا كما عند الإسماعيلي وصححه الداودي وأنه كان في غزوة مؤتة. قال: وعبيد الله أثبت في نافع من موسى بن عقبة. 188 - باب مَنْ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالرَّطَانَةِ وَقَوْلِهِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22] وَقَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4]. (باب من تكلم بالفارسية) أي باللغة الفارسية (والرطانة) بفتح الراء ويجوز كسرها وهي التكلم بلسان العجم (وقوله تعالى): بالجر عطفًا على السابق، ولأبي ذر (وقول الله عز وجل: {واختلاف ألسنتكم}) أي: ومن آيات الله اختلاف لغاتكم أو أجناس نطقكم وأشكاله خالف جلّ وعلا بين هذه الأشياء حتى لا تكاد تسمع منطقين متفقين في همس واحد ولا جهارة ولا حدّة ولا رخاوة ولا فصاحة ولا لكنة ولا نظم

ولا أسلوب ولا غير ذلك من صفات النطق وأحواله ({وألوانكم}) بياض الجلد وسواده أو تخطيطات الأعضاء وهيئاتها وألوانها ولاختلاف ذلك وقع التعارف، وإلا فلو اتفقت وتشاكلت وكانت ضربًا واحدًا لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت مصالح كثيرة ({وما أرسلنا}) ولأبي ذر وقال وما أرسلنا ({من رسول إلاّ بلسان قومه}) [الروم: 22] فيه إشارة إلى أن نبينا محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان عارفًا بجميع الألسنة لشمول رسالته الثقلين على اختلاف ألسنتهم ليفهم عنهم ويفهموا عنه. 3070 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنْتُ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ. فَصَاحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ، إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُؤْرًا، فَحَيَّهَلاً بِكُمْ". [الحديث 3070 - طرفاه في: 4101، 4102]. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم أبو حفص الباهلي البصري قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل البصري قال: (أخبرنا حنظلة ابن أبي سفيان) الجمحي القرشي قال: (أخبرنا سعيد بن ميناء) بكسر الميم وسكون التحتية وبالنون ممدودًا ويقصر أبو الوليد المكي (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: قالت): يوم الخندق (يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا) بضم الموحدة وفتح الهاء. سكون التحتية مصغر بهمة بإسكان الهاء ولد الضأن الذكر والأنثى (وطحنت) بسكون النون (صاعًا من شعير) وفي رواية وطحنت بسكون التاء أي امرأته فقوله هنا وطحنت أي أمرتها أن تطحن (فتعال أنت ونفر). أي ومعك نفر (فصاح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (يا أهل الخندق إن جابرًا قد صنع سؤرًا)، بضم السين المهملة وإسكان الواو من غير همز وفي اليونينية بالهمز هو بالفارسية أي طعامًا دعا إليه الناس (فحيَّهلا بكم). بتخفيف اللام منونة أي فأقبلوا وأسرعوا أهلاً بكم أتيتم أهلكم وفي اليونينية بالتشديد من غير تنوين، وهذا موضع الترجمة. 3071 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَتْ: "أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ أَبِي وَعَلَىَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَنَهْ سَنَهْ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَهْيَ بِالْحَبَشِيَّةِ: حَسَنَةٌ. قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، فَزَبَرَنِي أَبِي. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دَعْهَا. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَبْلِي وَأَخْلِقِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِفِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِقِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَبَقِيَتْ حَتَّى دكن". [الحديث 3071 - أطرافه في: 3874، 5823، 5845، 5993]. وبه قال: (حدّثنا حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة وبالنون أبو محمد السلمي المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك (عن خالد بن سعيد عن أبيه) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص (عن أم خالد) اسمها أمة بفتح الهمزة (بنت خالد بن سعيد) الأموية أنها (قالت: أتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أبي وعليّ قميص أصفر قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (سنه سنه) بفتح السين المهملة وكسرها القابسي وسكون الهاء فيهما ولأبي ذر سناه سناه بألف بعد النون فيهما، وحكى ابن قرقول تشديد النون لغير أبي ذر. (قال عبد الله) أي ابن المبارك، وقال الكرماني وفي بعضها أي النسخ أبو عبد الله أي البخاري وسقط في بعضها قال عبد الله (وهي) أي سنه (بـ) اللغة (الحبشية حسنة) وهي الرطانة بغير العربي. (قالت) أم خالد (فذهبت ألعب بخاتم النبوّة) الذي بين كتفيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فزبرني) بفتح الفاء والزاي والموحدة والراء أي نهرني (أبي قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (دعها) أي اتركها (ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أبلي وأخلقي) بهمزة قطع مفتوحة وكسر اللام وبالقاف في الثاني من أبليت الثوب إذا جعلته عتيقًا وأخلقي أيضًا من باب الإفعال وهو بمعناه أيضًا، وجاز أن يكونا من الثلاثي وليس قوله أخلقي بعد أبلي عطف الشيء على نفسه لأن في المعطوف تأكيدًا وتقوية ليس في المعطوف عليه كقوله تعالى: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} [النبأ: 4 - 5] أو معنى أخلقي خرقي ثيابك وارقعيها، ولأبي ذر والمروزي: وأخلقي بالفاء. قال ابن الأثير: بمعنى العوض والبدل أي اكتسي خلفه بعد بلائه يقال: خلف الله وأخلف بالهمز أي جعلك الله ممن يخلفه عليك بعد ذهابه وتمزقه (ثم أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي) ثلاثًا والذي في اليونينية أخلفي بالفاء في الثلاثة لا بالقاف. (قال عبد الله) بن المبارك (فبقيت) أي أم خالد (حتى دكن) أي الثوب بدال مهملة مفتوحة وكاف مفتوحة وتكسر ونون للكشميهني ورجحه أبو ذر أي اسودّ لونه من كثرة ما لبس من الدكنة وهي غبرة كدرة، وللمستملي والحموي حتى ذكر بالذال المعجمة المفتوحة والراء بدل المهملة والنون مبنيًّا للفاعل، وعند ابن الدكن ذكر دهرًا وهو تفسير لرواية من روى ذكر وكأنه أراد بقي هذا القميص

189 - باب الغلول، وقول الله عز وجل: {ومن يغلل يأت بما غل} [آل عمران: 161]

مدة من الزمان طويلة نسيها الراوي فعبر عنها بقوله ذكر دهرًا أي زمانًا طويلاً نسيت تحديده ففي ذكر على هذا ضمير يرجع إلى الراوي أي ذكر الراوي دهرًا نسي الذي روى عنه تحديده، وقيل في ذكر ضمير القميص أي بقي هذا القميص حتى ذكر دهرًا مجازًا. وقال الكرماني وفي بعضها ذكرت بلفظ المعروف أي بقيت حتى ذكرت دهرًا طويلاً وفي بعضها حتى ذكرت بلفظ المجهول أي حتى صارت مذكورة عند الناس لخروجها عن العادة اهـ. وقال في المصابيح: والضمير في بقيت عائد على الخميصة فذكّر وأنّث باعتبارين إذ المراد بالقميص هو الخميصة وأحسن من هذا أن يعود ضمير المؤنث على أم خالد وضمير المذكر على القميص. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في اللباس والأدب وأخرجه أبو داود في اللباس. 3072 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه "أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْفَارِسِيَّةِ: كِخْ، كِخْ، أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ"؟ وبه قال: (حدثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة والشين المعجمة المشددة بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن زياد) بكسر الزاي وتخفيف التحتية أبي الحرث القرشي البصري لا الألهاني (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن الحسن بن علي) -رضي الله عنهما- (أخذ تمرة من تمر الصدّقة فجعلها في فيه، فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بالفارسية): (كخ كخ، أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة)، بفتح الكاف وكسرها وسكون الخاء المعجمة وكسرها منوّنة فيهما كلمة يزجر بها الصبيان عن المستقذرات يقال له: كخ أي اتركها وارم بها وهي كلمة أعجمية عرّبت، ولذا أدخلها المؤلّف عليّ هذا الباب قاله الداودي. وقال ابن المنير: وجه مناسبته أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاطبه بما يفهمه مما لا يتكلم به الرجل مع الرجل فهو كمخاطبة الأعجمي بما يفهمه من لغته، ومقصود البخاري من إدراج هذا الباب في الجهاد أن الكلام بالفارسية يحتاج إليه المسلمون لأجل رسل العجم، وسقط قوله بالفارسية في بعض الأصول وضبب عليها في الفرع كأصله، وهذا الحديث قد سبق في الزكاة. 189 - باب الْغُلُولِ، وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ} [آل عمران: 161] (باب) حرمة (الغلول) بضم الغين المعجمة واللام مطلق الخيانة أو في الفيء خاصة قال في المشارق كل خيانة غلول لكنه صار في عرف الشرع الخيانة في المغنم وزاد في النهاية قيل القسمة اهـ. فإن كان الغلول مطلق الخيانة فهو أعمّ من السرقة وإن كان من المغنم خاصة فبينه وبينها عموم وخصوص من وجه، ونقل النووي الإجماع على أنه من الكبائر. (وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على السابق ولأبي ذر: عز وجل بدل قوله تعالى: ({ومن يغلل يأت بما غل}) [آل عمران: 161] وعيد شديد وتهديد أكيد تأتي في التفسير إن شاء الله تعالى مباحثه. 3073 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي حَيَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو زُرْعَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ، قَالَ: لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ، يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ. وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ. وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا، قَدْ أَبْلَغْتُكَ. أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي، فَأَقُولُ: لاَ أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ". وَقَالَ أَيُّوبُ عَنْ أَبِي حَيَّانَ "فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَة". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) القطان (عن أبي حيان) بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية يحيى بن سعيد التيمي أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو زرعة) هرم بن عمرو بن جرير البجلي الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قام فينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر الغلول) وهو الخيانة في المغنم كما مر (فعظمه وعظم أمره قال): ولأبي الوقت فقال: (لا ألقين أحدكم) بفتح الهمزة والقاف من اللقاء ولأبي ذر عن الكشميهني: لا ألفين بفتح الهمزة والفاء وبضم الهمزة وكسر الفاء من الإلفاء وهو الوجدان وهو بلفظ النفي المؤكد بالنون والمراد به النهي وهو مثل قولهم: لا أرينك هاهنا وهو مما أقيم فيه المسبب مقام السبب والأصل لا تكن هاهنا فأراك، وتقديره في الحديث لا يغل أحدكم فألفية أي أجده (يوم القيامة على رقبته شاة لها ثناء) بمثلثة مضمومة فغين معجمة مخففة فألف ممدودة صوت الشاة، وقول ابن المنير: وما أظن أهل السياسة فهموا تجريس السارق وعملته على رقبته ونحو هذا إلا من هذا الحديث، تعقبه في المصابيح بانه لا يلزم من وقوع ذلك في الدار الآخرة جواز فعله في الدنيا لتباين الداريز وعدم استواء المنزلتين (على رقبته فرس له حمحمة) بفتح الحاءين المهملتين بينهما ميم ساكنة وبعد الأخيرة ميم أخرى مفتوحة صوت الفرس إذا

190 - باب القليل من الغلول

طلب علفه وهو دون الصهيل وسقط للكشميهني لفظ فرس وكذا في رواية ابن شبويه والنسفيّ (يقول: يا رسول الله أغثني فأقول) له (لا أملك لك شيئًا)، من المغفرة ولابن عساكر لا أملك لك من الله شيئًا وسقط للحموي والمستملي لفظة لك (قد أبلغتك) حكم الله فلا عذر لك بعد الإبلاع وهذا غاية في الزجر وإلا فهو عليه السلام صاحب الشفاعة في المذنبين (وعلى رقبته بعير له رغاء) بضم الراء وتخفيف الغين المعجمة ممدودًا صوت البعير (يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول): له (لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك) حكم الله (وعلى رقبته صامت) أي ذهب أو فضة (فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول) له (لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك) حكم الله (أو) بألف قبل الواو وسقطًا معًا لأبي ذر (على رقبته رقاع) بكسر الراء وفتح القاف وبعد الألف عين مهملة جمع رقعة (تخفق) بكسر الفاء أي تتقعقع وتضطرب إذا حركتها الرياح أو تلمع يقال: أخفق الرجل بثوبه إذا لمع، وقال الحميدي وتبعه الزركشي وغيره أراد ما عليه من الحقوق المكتوبة في الرقاع، وتعقبه ابن الجوزي بأن الحديث سيق لذكر الغلول الحسّي فحمله على الثياب أنسب (فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول): له (لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك). وحكمة الحمل المذكور فضيحة الحامل على رؤوس الأشهاد في ذلك الموقف العظيم. وقال بعضهم هذا الحديث يفسر قوله تعالى: {ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة} [آل عمران: 161] أي يأت به حاملاً له على رقبته. (وقال أيوب) السختياني فيما وصله مسلم (عن أبي حيان) يحيى بن سعيد المذكور (فرس له حمحمة) كما في الرواية الأولى عن غير الكشميهني وابن شبويه والنسفيّ. 190 - باب الْقَلِيلِ مِنَ الْغُلُولِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ حَرَّقَ مَتَاعَهُ، وَهَذَا أَصَحُّ. (باب) حكم (القليل من الغلول) هل هو مثل حكم الكثير أم لا (ولم يذكر عبد الله بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم في حديث هذا الباب (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه حرق متاعه) أي متاع الرجل بالحاء المهملة في حرّق. قال البخاري: (وهذا) الحديث المذكور (أصح). من الحديث المروي عند أبي داود من طريق صالح بن محمد بن زائدة الليثي المدني أحد الضعفاء قال: دخلت مع مسلمة بن عبد الملك أرض الروم فأتى برجل قد غلّ فسأل سالمًا عنه فقال: سمعت أبي يحدّث عن عمر -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إذا وجدتم الرجل قد غلّ فأحرقوا متاعه" قال المؤلّف في التاريخ: يحتجون بهذا الحديث في إحراق رحل الغالّ وهو باطل ليس له أصل وراويه لا يعتمد عليه. 3074 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: "كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ، فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هُوَ فِي النَّارِ، فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ سَلاَمٍ: كَرْكَرَةُ. يَعْنِي بِفَتْحِ الْكَافِ. وَهْوَ مَضْبُوطٌ كَذَا. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة (عن عبد الله بن عمرو) هو ابن العاصي أنه (قال: كان على ثقل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح المثلثة والقاف أي على عياله وما يثقل حمله من الأمتعة (رجل يقال له: كركرة) بكسر الكافين في هذه الرواية وبينهما راء ساكنة والراء الأخرى مفتوحة وكان أسود وكان يمسك دابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في القتال وفي شرف المصطفى أنه كان نوبيًّا أهداه له هوذة بن عليّ الحنفي صاحب اليمامة (فمات فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هو في النار) على معصيته إن لم يعف الله عنه (فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلّها) من المغنم. (قال أبو عبد الله): أي البخاري وسقط ذلك لأبي ذر (قال ابن سلام): بتخفيف اللام محمد شيخ المؤلّف في روايته بهذا الإسناد (عن ابن عيينة) كركرة يعني بفتح الكاف الأولى والثانية (وهو مضبوط كذا) قال القاضي عياض هو بفتح الكافين وبكسرهما. وقال النووي: إنما اختلف في كافه الأولى وأما الثانية فمكسورة اتفاقًا اهـ. والذي رأيته في الفرع كأصله كسرهما في الطريق الأولى وفتحهما في الثانية فالله أعلم. وسقط قوله قال: أبو عبد الله إلخ لأبي ذر. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله فوجدوا عباءة لأنها قليل بالنسبة إلى غيرها من الأمتعة والنقدين. 191 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ ذَبْحِ الإِبِلِ وَالْغَنَمِ فِي الْمَغَانِمِ (باب ما بكره من ذبح الأبل والغنم في المغانم). 3075 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ رَافِعٍ قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ، وَأَصَبْنَا إِبِلاً وَغَنَمًا -وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ- فَعَجِلُوا فَنَصَبُوا الْقُدُورَ، فَأَمَرَ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ ثُمَّ قَسَمَ، فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ، وَفِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةُ، فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ، فَقَالَ: هَذِهِ الْبَهَائِمُ لَهَا أَوَابِدُ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا. فَقَالَ جَدِّي: إِنَّا نَرْجُو -أَوْ نَخَافُ- أَنْ نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا، وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى؛ أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ فَقَالَ: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عليهِ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ. وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال:

192 - باب البشارة في الفتوح

(حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن سعيد بن مسروق) الثوري والد سفيان الثوري (عن عباية بن رفاعة) بفتح العين والموحدة ورفاعة بكسر الراء وفتح الفاء (عن جدّه رافع) هو ابن خديج الأنصاري أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذى الحليفة) وليس ميقات أهل المدينة ما مرّ قريبًا (فأصاب الناس جوع وأصبنا إبلاً وغنمًا، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أُخريات الناس فعجلوا) بكسر الجيم مخففة بذبح شيء مما أصابوه بغير إذن (فنصبوا القدور) للطبخ (فأمر) عليه الصلاة والسلام (بالقدور فأكفئت) أي فقلبت ونكست ليعلم أن الغنيمة إنما يستحقونها بعد قسمته لها وذلك أن القصة وقعت في دار الإسلام لقوله فيه بذي الحليفة وليس لأهل الإسلام أن يأخذوا في أرض الإسلام إلا ما قسم لهم قاله المهلب، وقال القرطبي: المأمور بإكفائه إنما هو المرق عقوبة للذين تعجلوا وأما نفس اللحم فلم يتلف بل يحمل على أنه جمع وردّ إلى المغانم ولا يظن أنه أمر بإتلافه لأنه مال الغانمين، وقد نهى عليه الصلاة والسلام عن إضاعة المال، (ثم قسم) عليه الصلاة والسلام ما أصابوه (فعدل) بتخفيف الدال (عشرة) بفتح الشين آخره فوقية وفي نسخة عشرًا بإسكان الشين (من الغنم ببعير فندّ) بالفاء والنون والدال المهملة المشددة أي نفر (منها بعير وفي القوم خيل يسيرة) بالمثناة الفوقية آخره كذا لأبي ذر وابن عساكر والأصيلي ولغيرهم يسير (فطلبوه) أي البعير (فأعياهم) أي أعجزهم (فأهوى) أي مدّ (إليه رجل) لم يسم وقيل هو رافع الراوي (بسهم فحبسه الله فقال) عليه الصلاة والسلام: (هذه البهائم لها أوابد كأوابد الوحش) جمع آبدة وهي التي قد تأبدت أي توحشت ونفرت من الإنس (فما ندّ) نفر (عليكم فاصنعوا به هكذا). قال عباية (فقال جدي): رافع بن خديج (إنّا) بتشديد النون (نرجو) أي نخاف والرجاء يأتي بمعنى الخوف (أو نخاف) شك من الراوي (أن نلقى العدوّ غدًا وليس معنا مدّى) جمع مدية وهي السكين (أفنذبح بالقصب) قال الكرماني فإن قلت: ما الغرض من ذكر لقاء العدوّ عند السؤال عن الذبح بالقصب؟ وأجاب: بأن الغرض أنّا لو استعملنا السيوف في المذابح لكلّت وعند اللقاء نعجز عن المقاتلة بها. (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما أنهر الدم) بالنون الساكنة بعد الهمزة المفتوحة أي أسأله وأجراه (وذكر اسم الله) بضم الذال المعجمة وكسر الكاف مبنيًّا للمفعول وزاد الأربعة عليه (فكُل ليس السن والظفر) كلمة ليس بمعنى إلا وما بعدها نصب (وسأحدّثكم عن ذلك) أي وسأبيّن لكم العلّة في ذلك (أما السن فعظم) إذا ذبح به يتنجس بالذم وهو زاد إخواننا من الجن ولذا نهى عن الاستنجاء به (وأما الظفر فمدى الحبسة) لأنهم يدمون مذابح الشياه بأظفارهم حتى تزهق النفس خنقًا وتعذيبًا ويحلّونها محل الذكاة قاله الخطابي. وقال النووي لأنهم كفار لا يجوز التشبّه بهم وبشعائرهم. وهذا الحديث سبق في باب قسمة الغنم من كتاب الشركة. 192 - باب الْبِشَارَةِ فِي الْفُتُوحِ (باب) مشروعية (البشارة في الفتوح). 3076 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ قَالَ: قَالَ لِي جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه-: "قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ؟ وَكَانَ بَيْتًا فِيهِ خَثْعَمُ يُسَمَّى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةَ. فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ مِنْ أَحْمَسَ -وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ- فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا. فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا، فَأَرْسَلَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُبَشِّرُهُ، فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ لِرَسُولِ اللهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ. فَبَارَكَ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ". وَقَالَ مُسَدَّدٌ: "بَيْتٌ فِي خَثْعَمَ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي قال: (حدّثنا يحيى) القطان قال: (حدّثنا إسماعيل) بن خالد الأحمسي البجلي الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد (قيس) هو ابن أبي حازم (قال: قال لي جرير بن عبد الله) البجلي (-رضي الله عنه- قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام ومعناها العرض والتحضيض وتختص بالجملة الفعلية (تريحني) من الإراحة بالراء والحاء المهملة (من ذي الخلصة) بالخاء المعجمة واللام والصاد المهملة المفتوحات (وكان بيتًا فيه خثعم) بفتح الخاء المعجمة وسكون المثلثة وفتح العين المهملة قبيلة من اليمن (يسمى كعبة اليمانية) بخفض التاء لأبي ذر وتخفيف الياء على المشهور لأن الألف بدل من إحدى ياءي النسب، وهو من إضافة الموصوف إلى الصقة وقدر فيه البصريون حذفًا تقديره كعبة الجهة اليمانية، وطلب ذلك عليه الصلاة والسلام لأنه كان فيه صنم يعبدونه من دون الله اسمه الخلصة.

193 - باب ما يعطى البشير وأعطى كعب بن مالك ثوبين حين بشر بالتوبة

قال جرير: (فانطلقت) أي قبل وفاته عليه الصلاة والسلام بشهرين (في خمسين ومائة من) رجال (أحمس) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وبعد الميم المفتوحة سين مهملة قبيلة جرير (-وكانوا أصحاب خيل- فأخبرت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إني لا أثبت على الخيل فضرب) عليه الصلاة والسلام (في صدري) بيده الشريفة لأن فيه القلب (حتى رأيت أثر أصابعه في صدري فقال): (اللهم ثبّته)، فلم يسقط بعد ذلك عن فرس (واجعله هاديًا) إشارة إلى قوة التكميل وإلى قوة الكمال بقوله (مهديًّا) بفتح الميم وهو من باب التقديم والتأخير لأنه لا يكون هاديًا لغيره إلا لغيره إلا بعد أن يهتدي هو فيكون مهديًّا (فانطلق) جرير (إليها) أي إلى ذي الخلصة (فكسرها وحرقها) بتشديد الراء (فأرسل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حصين بن ربيعة ويكنى أبا أرطأة الأحمسي (يبشره) من الأحوال المقدّرة وهذا موضع الترجمة (فقال رسول جرير): حصين (يا رسول الله) ولأبي ذر لرسول الله يا رسول الله (والذي بعثك بالحق ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجرب) شبّهها حين ذهب سقفها وكسوتها فصارت سوداء من الإحراق بالجمل الذي زال شعره ونقص جلده من الجرب وصار إلى الهزال (فبارك) عليه الصلاة والسلام (على خيل أحمس و) على (رجالها) أي دعا بالبركة لها (خمس مرات. قال) ولأبي ذر وقال (مسدد) هو ابن مسرهد في روايته لهذا الحديث عن يحيى القطان بالإسناد المذكور آنفًا بدل قوله في رواية محمد بن المثنى بيتًا فيه خثعم (بيت في خثعم). وصوّب هذه الرواية محققو الحفاظ ويؤيد ذلك ما رواه أحمد في مسنده عن يحيى بلفظ بيتًا لخثعم. وحديث الباب قد مرّ في باب حرق الدور والنخيل من كتاب الجهاد قريبًا. 193 - باب مَا يُعْطَى الْبَشِيرُ وَأَعْطَى كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ثَوْبَيْنِ حِينَ بُشِّرَ بِالتَّوْبَةِ (باب ما يعطى للبشير وأعطى كعب بن مالك) السلمي المدني أحد الثلاثة الذين تيب عليهم وأحد السبعين الذين شهدوا العقبة (ثوبين حين بشر بالتوبة) أي حين بشره سلمة بن الأكوع كذا في فتح الباري، وتبعه العيني أن المبشر سلمة بن الأكوع وفي المقدمة في المغازي إن الذي بشر كعبًا بتوبته وسعى إليه حمزة بن عمرو الأسلمي، وكذا هو في المصابيح لا ابن الأكوع أي بشره بقبول توبته لأجل تخلّفه عن غزوة تبوك وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى في حديثه الطويل في غزوة تبوك من المغازي بعون الله. 194 - باب لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ هذا (باب) بالتنوين (لا هجرة بعد الفتح) أي فتح مكة. 3077 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: لاَ هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ. وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا". وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة وتخفيف التحتية قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن طاوس) اليماني (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم فتح مكة): (لا هجرة)، من مكة (ولكن جهاد ونية). أي الهجرة بسبب الجهاد في سبيل الله والهجرة بسبب النية الخالصة لله عز وجل كطلب العلم والفرار من الفتن باقيان مدى الدهر (وإذا استنفرتم) بضم الفوقية وكسر الفاء (فانفروا): بكسر الفاء الثانية أي إذا طلب منكم الخروج إلى الغزو فاخرجوا. وهذا الحديث قد مرّ في أول كتاب الجهاد. 3078 و 3079 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "جَاءَ مُجَاشِعٌ بِأَخِيهِ مُجَالِدِ بْنِ مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَذَا مُجَالِدٌ يُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ. فَقَالَ: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَلَكِنْ أُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلاَمِ". وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء الرازي المعروف بالصغير قال: (أخبرنا يزيد بن زريع) بضم الزاي مصغرًا (عن خالد) الحذاء (عن أبي عثمان) عبد الرحمن) بن مل (النهدي) بفتح النون (عن مجاشع بن مسعود) بضم الميم بعد الجيم ألف فشين معجمة مكسورة فعين مهملة السلمي أنه (قال: جاء مجاشع باخيه مجالد بن مسعود) بميم مضمومة فجيم مخففة آخره دال مهملة (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد الفتح (فقال: هذا مجالد يبايعك على الهجرة فقال) عليه الصلاة والسلام: (لا هجرة بعد فتح مكة، ولكن أبايعه على الإسلام). زاد في باب البيعة في الحرب أن لا يفروا من طريق عاصم عن أبي عثمان والجهاد أي إذا احتيج إليه. 3080 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو وَابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: ذَهَبْتُ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ إِلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- وَهْيَ مُجَاوِرَةٌ بِثَبِيرٍ، فَقَالَتْ لَنَا: انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ مُنْذُ فَتَحَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ". [الحديث 3080 - طرفاه في: 3900، 4312]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال عمرو) هو ابن دينار (وابن جريج) عبد الملك

195 - باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة والمؤمنات إذا عصين الله، وتجريدهن

أي قال كل منهما (سمعت عطاء) هو ابن أبي رباح (يقول: ذهبت مع عبيد بن عمير) بضم العين فيهما على التصغير ابن قتادة الليثي قاصّ مكة (إلى عائشة -رضي الله عنها- وهي مجاورة بثبير) بفتح المثلثة وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة راء بالصرف لغير أبي ذر وعدمه له جبل عظيم بالمزدلفة على يسار الذاهب منها إلى منى (فقالت لنا: انقطعت الهجرة) من مكة (منذ) بالنون ولأبي ذر: مذ (فتح الله على نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة) لأن المؤمنين كانوا يفرون بدينهم إلى الله وإلى رسوله مخافة أن يفتنوا في دينهم وأما بعد فتحها فقد أظهر الله الإسلام والمؤمن يعبد ربه حيث شاء ولكن جهاد ونيّة كما مرّ. 195 - باب إِذَا اضْطَرَّ الرَّجُلُ إِلَى النَّظَرِ فِي شُعُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُؤْمِنَاتِ إِذَا عَصَيْنَ اللَّهَ، وَتَجْرِيدِهِنَّ هذا (باب) بالتنوين (إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة) بضم طاء اضطر كما في اليونينية وجواب إذا محذوف تقديره يجوز للضرورة (و) إذا اضطر الرجل إلى النظر إلى (المؤمنات إذا عصين الله و) إذا اضطر أيضًا إلى (تجريدهنّ) من الثياب. 3081 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ الطَّائِفِيُّ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ عُثْمَانِيًّا، فَقَالَ لاِبْنِ عَطِيَّةَ وَكَانَ عَلَوِيًّا: إِنِّي لأَعْلَمُ مَا الَّذِي جَرَّأَ صَاحِبَكَ عَلَى الدِّمَاءِ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالزُّبَيْرَ فَقَالَ: ائْتُوا رَوْضَةَ كَذَا، وَتَجِدُونَ بِهَا امْرَأَةً أَعْطَاهَا حَاطِبٌ كِتَابًا. فَقُلْنَا: الْكِتَابَ. قَالَتْ: لَمْ يُعْطِنِي. فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ أَوْ لأُجَرِّدَنَّكِ. فَأَخْرَجَتْ مِنْ حُجْزَتِهَا. فَأَرْسَلَ إِلَى حَاطِبٍ. فَقَالَ: لاَ تَعْجَلْ، وَاللَّهِ مَا كَفَرْتُ وَلاَ ازْدَدْتُ لِلإِسْلاَمِ إِلاَّ حُبًّا، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ وَلَهُ بِمَكَّةَ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي أَحَدٌ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا. فَصَدَّقَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ نَافَقَ. فَقَالَ: ومَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ. فَهَذَا الَّذِي جَرَّأَهُ". وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر حدّثني بالإفراد (محمد بن عبد الله بن حوشب) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة آخره موحدة مصروف (الطائفي) قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير الواسطي قال: (أخبرنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي (عن سعد بن عبيدة) بسكون عين الأول وتصغير الثاني أبي حمزة السلمي (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله السلمي (وكان) أي أبو عبد الرحمن (عثمانيًّا) يقدم عثمان بن عفان على عليّ بن أبي طالب في الفضل كما هو مذهب الأكثرين (فقال لابن عطية): حبان بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة (وكان) أي ابن عطية (علويًّا) يقدم عليًّا على عثمان في الفضل كما هو مذهب قوم من أهل السُّنَّة بالكوفة (إني لأعلم ما الذي جرأ) بالجيم المفتوحة والراء المشددة والهمزة أي جسر (صاحبك) عليًّا (على الدماء) وهذه العبارة فيها سوء أدب، فقد كان عليّ -رضي الله عنه- على أعلى درجات الفضل والعلم لا يقتل أحدًا إلا باستحقاق (سمعته يقول: بعثني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والزبير) بن العوّام -رضي الله عنه- (فقال): (ائتوا روضة كذا)، هي روضة خاخ كما في باب الجاسوسية (وتجدون بها امرأة) اسمها سارة بالسين المهملة والراء (أعطاها حاطب) بالحاء والطاء المهملتين ابن أبي بلتعة (كتابًا) (فأتينا الروضة) المذكورة (فقلنا): لها هات (الكتاب) الذي أعطاه لك حاطب (قالت: لم يعطني) حاطب كتابًا (فقلنا: لتخرجن) بلام مفتوحة للتأكيد وضم الفوقية وكسر الراء والجيم وتشديد النون أي لتخرجن الكتاب (أو لأجردنك) من ثيابك وأو بمعنى إلا في الاستثناء ولأجردنك نصب بأن المقدرة يعني لتخرجن الكتاب إلا أن تجردي كما في قوله: لأقلتنك أو تسلم أي إلا أن تسلم، وهذا مطابق لما في الترجمة من قوله وتجريدهن ولما كانت هذه المرأة ذات عهد كان حكمها حكم أهل الذمة. (فأخرجت من حجزتها) بضم الحاء المهملة وإسكان الجيم وبالزاي معقد إزارها الكتاب، وفي باب الجاسوس فأخرجته من عقاصها وهي شعورها المضفورة، وهذا مناسب لقوله في الترجمة إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة لأنه من لازم رؤيتهم لإخراج الكتاب من عقاصها نظرهم إلى شعرها ولا تنافي بين قوله هنا من حجزتها وقوله الآخر عقاصها لاحتمال أن تكون أخرجته أوّلاً من حجزتها ثم أخفته في عقاصها أو بالعكس أو كانت عقيقتها طويلة بحيث تصل إلى حجزتها فربطته في عقيصتها وغرزته في حجزتها. زاد في باب الجاسوس فأتينا به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأرسل) عليه الصلاة والسلام (الى حاطب) فلما حضر قال له يا حاطب: "ما هذا"؟ (فقال): يا رسول الله (لا تعجل) أي عليّ (والله ما كفرت) بعد إسلامي (ولا ازددت للإسلام إلا حبًّا ولم يكن أحد من أصحابك إلا وله

196 - باب استقبال الغزاة

بمكة من يدفع الله به عن أهله وماله ولم يكن لي أحد فأحببت أن أتخذ عندهم يدًا) كلمة أن مصدرية في محل نصب مفعول أحببت (فصدقه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال): ولأبي ذر فقال (عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- يا رسول الله (دعني أضرب عنقه) بجزم أضرب (فإنه قد نافق) قال ذلك لأنه والى كفار قريش وباطنهم وإنما فعل ذلك حاطب متأوّلاً في غير ضرر وقد علم الله منه صدق نيته فنجّاه من ذلك. (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما) ولأبوي الوقت وذر وما (يدريك لعل الله اطّلع على أهل بدر) فقال: (اعملوا ما شئتم). أي: فقد غفرت ذنوبكم السالفة وتأهلتم أن يغفر لكم ذنوب مستأنفة إن وقعت منكم ومعنى الترجّي كما قاله النووي راجع إلى عمر -رضي الله عنه- لأن وقوع هذا الأمر محقق عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (فهذا) أي قوله: اعملوا ما شئتم (الذي جرّأه). أي جسر عليًّا -رضي الله عنه- على الدماء. وهذا الحديث قد مرّ في باب الجاسوس من غير هذه الطريق بدون قول أبي عبد الرحمن السلمي لابن عطية. 196 - باب اسْتِقْبَالِ الْغُزَاةِ (باب استقبال الغزاة) أي عند رجوعهم من غزوهم. 3082 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ وَحُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لاِبْنِ جَعْفَرٍ - رضي الله عنهم-: أَتَذْكُرُ إِذْ تَلَقَّيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَا وَأَنْتَ وَابْنُ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَمَلَنَا وَتَرَكَكَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ابن الأسود وهو عبد الله بن محمد بن حميد ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي الحافظ وحميد جدّ عبد الله يكنى أبا الأسود فنسب تارة إلى جده وأخرى إلى جد أبيه قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا (وحميد بن الأسود) بضم الحاء مصغرًا أبو الأسود البصري صاحب الكرابيس وهو جدّ عبد الله بن أبي الأسود كلاهما (عن حبيب بن الشهيد) بفتح الشين المعجمة وكسر الهاء الأزدي الأموي البصري (عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي بمليكة واسمه زهير الأحول المكي أنه قال: (قال ابن الزبير) عبد الله (لابن جعفر) عبد الله (-رضي الله عنهم-: أتذكر إذا) أي حين (تلقينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنا وأنت وابن عباس؟ قال: نعم). أذكر ذلك (فحملنا) بفتح اللام عليه الصلاة والسلام أنا وابن عباس (وتركك) وعند مسلم وأحمد أن عبد الله بن جعفر قال ذلك لابن الزبير. قال ابن الملقن: والظاهر أنه انقلب على الراوي كما نبّه عليه ابن الجوزي في جمع المسانيد. 3083 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: "قَالَ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ - رضي الله عنه-: ذَهَبْنَا نَتَلَقَّى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ الصِّبْيَانِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ". [الحديث 3083 - طرفاه في: 4426، 4427]. وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد أبو غسان النهدي الكوفي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: قال السائب بن يزيد) بالسين المهملة ويزيد من الزيادة الكندي (-رضي الله عنه- ذهبنا نتلقى) بتشديد القاف المفتوحة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع الصبيان إلى ثنية الوداع) أي لما قدم من تبوك كما عند الترمذي. وحديث الباب أخرجه أيضًا في المغازي وأبو داود والترمذي في الجهاد. 197 - باب مَا يَقُولُ إِذَا رَجَعَ مِنَ الْغَزْوِ (باب ما يقول) الغازي (إذا رجع من الغزو). 3084 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا قَفَلَ كَبَّرَ ثَلاَثًا قَالَ: آيِبُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، حَامِدُونَ، لِرَبِّنَا سَاجِدُونَ. صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا جويرية) بضم الجيم مصغرًا ابن أسماء الضبعي البصري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) بن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا قفل) بالقاف والفاء واللام المفتوحات أي رجع من غزوة (كبّر ثلاثًا قال): (آيبون) بمدّ الهمزة أي نحن راجعون إلى الله (إن شاء الله) نحن (تائبون) إليه تعالى نحن (عابدون) نحن (حامدون لربنا) نحن (ساجدون) والجار والمجرور يتعلق بحامدون أو بساجدون أو بهما أو بالصفات الأربعة المتقدمة أو بالخمسة على طريق التنازع، وقول ابن بطال: إن المشيئة لا تتعلق بقوله أيبون لوقوع الإياب وإنما تتعلق بباقي الكلام الذي بعد والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد تقرر عنده أنه لا يزال تائبًا عابدًا ساجدًا! لكن هذا هو أدب الأنبياء عليهم السلام يظهرون الافتقار إلى الله تعالى مبالغة في شكره وإن علموا حقيقة مقامهم الشريف عنده، وأنهم آمنون مما يخافه غيرهم. تعقبه ابن المنير فقال: الظاهر أن المشيئة إنما علق عليها الإياب خاصة. وقوله قد وقع فلا تعلق وهم لأن الإياب المقصود إنما هو الرجوع الموصل إلى نفس

الوطن وهو مستقبل بعد فلا يصح أن يعلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقية الأفعال على المشيئة لأنه قد حمد الله تعالى ناجزًا وعبده دائمًا والعمل الناجز لا ينبغي تعليقه على المشيئة ولو صلّى إنسان الظهر فقال: صلّيت إن شاء الله لكان غلطًا منه لأن الله قد أمره أن يصلّي وصلّى فلا تشكيك في معلوم وبعض الفوقية لا يقول حججت ولكن يقول وصلت إلى مكة وهذا تنطع أجمع السلف على خلافه. (صدق الله وعده) فيما وعد به من إظهار دينه (ونصر عبده)، محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أعدائه (وهزم الأحزاب) الذين تحزبوا في غزوة الخندق لحربه عليه الصلاة والسلام فاللام للعهد أو كل من تحزّب من الكفار لحربه فتكون جنسية وفي قوله (وحده) نفي السبب فناء في المسبب. وهذا الحديث قد سبق في باب التكبير إذا علا شرفًا من كتاب الجهاد. 3085 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقْفَلَهُ مِنْ عُسْفَانَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَقَدْ أَرْدَفَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ، فَعَثَرَتْ نَاقَتُهُ فَصُرِعَا جَمِيعًا، فَاقْتَحَمَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: عَلَيْكَ الْمَرْأَةَ. فَقَلَبَ ثَوْبًا عَلَى وَجْهِهِ وَأَتَاهَا فَأَلْقَاهَا عَلَيْهَا، وَأَصْلَحَ لَهُمَا مَرْكَبَهُمَا فَرَكِبَا، وَاكْتَنَفْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَلَمَّا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ. فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ". وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة عبد الله بن عمرو المنقري المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري (قال: حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (يحيى بن أبي إسحاق) مولى الحضارمة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقفله) بفتح الميم وسكون القاف وفتح الفاء أي مرجعه (من عسفان) بضم العين وسكون السين المهملتين موضع على مرحلتين من مكة (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على راحلته) أي ناقته (وقد أردف صفية بنت حيي فعثرت ناقته فصرعا) أي فوقعا (جميعًا) قال الحافظ الدمياطي: ذكر عسفان مع قصة صفية وهم وإنما هو عند مقفله من خيبر لأن غزوة عسفان إلى بني لحيان كانت في سنة ست وغزوة خيبر كانت في سنة سبع، وإرداف صفية مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووقوعهما كان فيها (فاقتحم) بالفاء والقاف والحاء المهملة أي رمى نفسه (أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري زاد في الطريق الآتي عن بعيره (فقال: يا رسول الله جعلني الله فداءك) بكسر الفاء وبالهمزة ممدودًا (قال) عليه الصلاة والسلام له: (عليك المرأة) بالنصب أي الزم المرأة (فقلب) أبو طلحة (ثوبًا على وجهه) حتى لا ينظر إلى صفية (وأتاها فألقاها) أي الخميصة التي ألقاها على وجهه المسماة بالثوب ولأبي ذر فألقاه أي الثوب (عليها) أي على صفية فسترها عن الأعين (وأصلح لهما مركبهما) بفتح الكاف (فركبا واكتنفنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أحطنا به (فلما أشرفنا) أي اطّلعنا (على المدينة قال) عليه السلام: نحن (آيبون)، راجعون إلى الله نحن (تائبون)، إليه نحن (عابدون لربنا)، نحن (حامدون). وسقط من هذه الرواية قوله في السابقة ساجدون (فلم يزل يقول ذلك حتى دخل المدينة) شكرًا لله تعالى وتعليمًا لأمته. 3086 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ "عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَفِيَّةُ يرْدِفَهَا عَلَى رَاحِلَتِهِ. فَلَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَثَرَتِ الدَّابَّةَ فَصُرِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمَرْأَةُ، وَإِنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ أَحْسِبُ قَالَ: اقْتَحَمَ عَنْ بَعِيرِهِ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، هَلْ أَصَابَكَ مِنْ شَىْءٍ؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ الْمَرْأَةِ. فَأَلْقَى أَبُو طَلْحَةَ ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَصَدَ قَصْدَهَا، فَأَلْقَى ثَوْبَهُ عَلَيْهَا، فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ، فَشَدَّ لَهُمَا عَلَى رَاحِلَتِهِمَا فَرَكِبَا، فَسَارُوا، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ -أَوْ قَالَ أَشْرَفُوا عَلَى الْمَدِينَةِ- قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ. فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُهَا حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ". وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن المديني قال: (حدّثنا بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن لاحق الرقاشي بقاف ومعجمة البصري قال: (حدّثنا يحيى بن أبي إسحاق) مولى الحضارمة ولأبي ذر عن يحيى بن أبي إسحاق (عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه أقبل هو وأبو طلحة مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي من غزوة خيبر (ومع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صفية) بنت حيي (مردفها) ولأبوي ذر والوقت: يردفها بالتحتية بدل الميم (على راحلته) أي ناقته (فلما كانوا) ولأبي ذر كان (ببعض الطريق عثرت الناقة) ولأبي ذر والأصيلي الدابة بدل الناقة (فصرع) بضم الصاد المهملة أي وقع (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمرأة) بالرفع عطفًا على النبي ويجوز النصب أي مع المرأة (وإن أبا طلحة) بكسر همزة إن (قال: أحسب) أي أظن (قال: اقتحم عن بعيره) أي رمى بنفسه عنه (فأتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط قوله فأتى إلخ لأبي ذر (فقال: يا نبي الله جعلني الله فداءك هل أصابك من شيء)؟ حرف الجر زائد (قال): (لا ولكن عليك المرأة) أي الزمها وانظر في أمرها ولغير أبي ذر بالمرأة جار ومجرور (فألقى أبو طلحة ثوبه على وجهه فقصد قصدها) أي

198 - باب الصلاة إذا قدم من سفر

نحا نحوها (فألقى ثوبه عليها) ليسترها (فقامت المرأة) صفية (فشدّ لهما) أبو طلحة (على راحلتهما فركبا) النبي عليه السلام وصفية (فساروا) هما ومن معهما (حتى إذا كانوا بظهر المدينة) بفتح الطاء المعجمة وسكون الهاء أي بظاهرها (أو قال أشرفوا على المدينة) بالشك من الراوي (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (آيبون، تائبون، عابدون لربنا، حامدون) (فلم يزل يقولها حتى دخل المدينة) وسقط أيضًا قوله ساجدون. وهذا الحديث من هذه الطريق ثابت في رواية الكشميهني ساقط من رواية غيره. 198 - باب الصَّلاَةِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لأبي ذر وابن عساكر. (باب الصلاة إذا قدم) المغازي أو المسافر (من سفر). 3087 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ لِي: ادْخُلِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محارب بن دثار) بكسر الدال وتخفيف المثلثة السدوسي قاضي مكة أنه (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر فلما قدمنا المدينة قال لي): عليه السلام. (ادخل المسجد فصلِّ ركعتين) للقدوم من السفر وليستا تحية المسجد. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في نحو عشرين موضعًا مطوّلاً ومختصرًا. 3088 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ وَعَمِّهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ كَعْبٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ ضُحًى دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ". وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل البصري (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن أبيه) عبد الله (وعمه عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن كعب عن كعب) جد عبد الرحمن ووالد عبيد الله وهو ابن مالك (-رضي الله عنه-) في حديثه الطويل في قصة تخلفه عن غزوة تبوك (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا قدم من سفر) زاد أبو ذر عن الكشميهني ضحى بالضم وبالقصر (دخل المسجد فصلّى ركعتين قبل أن يجلس) تبركًا أول ما يبدأ في الحضر واستنبط منه الابتداء بالمسجد قبل بيته وجلوسه للناس عند قدومه ليسلموا عليه. وهذا الحديث سبق في الصلاة وأخرجه مسلم في الصلاة وأبو داود في الجهاد والنسائي في السير. 199 - باب الطَّعَامِ عِنْدَ الْقُدُومِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفْطِرُ لِمَنْ يَغْشَاهُ (باب) مشروعية عمل (الطعام عند القدوم) أي من السفر. (وكان ابن عمر) -رضي الله عنهما- فيما وصله إسماعيل القاضي في أحكامه بمعناه (يفطر) أي إذا قدم من سفر أيامًا (لمن يغشاه) أي لأجل من يغشاه للسلام عليه والتهنئة بالقدوم لأنه كان لا يصوم في السفر لا فرضًا ولا نفلاً ويكثر من صوم التطوّع حضرًا، فإذا قدم من السفر صام لكنه يفطر أول قدومه لما ذكر، ولأبي ذر عن الكشميهني: يصنع بدل يفطر ومعناه صحيح لكن الأول أصوب كما في الفتح، وفي نسخة قال ابن عمر بدل وكان. 3089 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَحَرَ جَزُورًا أَوْ بَقَرَةً. زَادَ مُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَارِبٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ: اشْتَرَى مِنِّي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعِيرًا بِأَوْقِيَّتَيْنِ وَدِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ. فَلَمَّا قَدِمَ صِرَارًا أَمَرَ بِبَقَرَةٍ فَذُبِحَتْ فَأَكَلُوا مِنْهَا، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الْمَسْجِدَ فَأُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَوَزَنَ لِي ثَمَنَ الْبَعِيرِ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد) هو ابن سلام البيكندي السلمي مولاهم قال: (أخبرنا وكيع) هو ابن الجراح الرؤاسي بضم الراء ثم همزة فسين مهملة أبو سفيان الكوفي (عن شعبة) بن الحجاج (عن محارب بن دثار) السدوسي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (رضي الله عنهما) (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما قدم المدينة) من غزوة تبوك وغزوة ذات الرقاع (نحر جزورًا) ناقة أو جملاً (أو بقرة) بالشك من الراوي (زاد معاذ) هو ابن معاذ العنبري مما هو موصول عند مسلم (عن شعبة) بن الحجاج (عن محارب) السدوسي أنه (سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنه- يقول: (اشترى مني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعيرًا بوقيتين) بواو مفتوحة من غير همز ولأبي ذر: بأوقيتين بهمزة مضمومة بدل الواو ساكنة (ودرهم أو درهمين) شك من الراوي وفي رواية عند المؤلّف بأوقية وفي أخرى أحسبه بأربع أواق وفي أخرى بعشرين دينارًا. وقال المؤلّف: إن رواية وقية أكثر، وجمع القاضي عياض بين هذه الروايات بأن سبب الاختلاف الرواية بالمعنى، وأن المراد أوقية الذهب والأربع أواق بقدر ثمن أوقية الذهب (فلما قدم) عليه السلام (صرارًا) بكسر الصاد المهملة وتخفيف الراء الأولى، ووهم من

57 - كتاب فرض الخمس

ضبطه بالضاد المعجمة بدل المهملة في أوله موضع يأتي إن شاء الله تعالى قريبًا آخر هذا الباب بيانه (أمر ببقرة فذبحت) وطبخت (فأكلوا منها) وهذا الطعام يقال له النقيعة بالنون والقاف مشتق فيما قيل من النقع وهو الغبار لأن المسافر يأتي وعليه غبار السفر. (فلما قدم المدينة أمرني أن آتي المسجد فأصلي) فيه (ركعتين) بنصب فأصلي عطفًا على آتي المسجد (ووزن لي ثمن البعير) سقط لفظة لي عند أبي ذر. 3090 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "قَدِمْتُ مِنْ سَفَرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ". صِرَارٌ: مَوْضِعٌ نَاحِيَةً بِالْمَدِينَةِ. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محارب بن دثار عن جابر) أنه (قال: قدمت من سفر فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (صلِّ ركعتين). استشكل إيراد طريق أبي الوليد هذه من حيث عدم المطابقة للترجمة وأن اللائق ذكر ذلك في الباب السابق. وأجيب: بأنه أشار بذلك إلى أن القدر الذي ذكره طرف من الحديث لأن الحديث عند شعبة عن محارب فروى وكيع طرفًا منه وهو ذبح البقرة عند قدومه المدينة. وروى أبو الوليد سليمان بن حرب عنه طرفًا منه وهو أمره بالصلاة ركعتين عند القدوم. وروى معاذ عنه جميعه وفيه قصة البعير وذكر ثمنه لكن باختصار، وقد تابع كلاًّ من هؤلاء عن شعبة في سياقه جماعة قاله في الفتح (صرار موضع ناحية) بالنصب أي في ناحية (بالمدينة) على ثلاثة أميال منها من جهة الشرق، وهذا من قول المؤلّف وهو ساقط في رواية أبي ذر وابن عساكر. وهذا آخر كتاب الجهاد. بسم الله الرحمن الرحيم 57 - كِتاب فَرْضِ الْخُمُسِ قال الحافظ ابن حجر: ثبتت البسملة للأكثر. 1 - باب فَرْضِ الْخُمُسِ (باب فرض الخُمس) بضم الخاء المعجمة والميم وكان ابتداء فرضه بآية: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن للهِ خُمُسه وللرسول} [الأنفال: 41]. وإضافته لله للتبرك بالابتداء باسمه تعالى، وفي نسخة كتاب بدل باب، وفي نسخة حذف ذلك والاقتصار على قوله فرض الخمس. 3091 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: "كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الْخُمُسِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاعَدْتُ رَجُلاً صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِيَ فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ الصَّوَّاغِينَ وَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي. فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَىَّ مَتَاعًا مِنَ الأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ، وَشَارِفَاىَ مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فرَجَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ، فَإِذَا شَارِفَاىَ قَدِ أُجِبَّتْ أَسْنِمَتُهُمَا، وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا، وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، وَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَىَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ مِنْهُمَا، فَقُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ فَقَالُوا: فَعَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهْوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ- فَعَرَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وَجْهِي الَّذِي لَقِيتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا لَكَ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهَ، مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ، عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَىَّ فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ. فَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرِدَائِهِ فَارْتَدَى، ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي، وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنُوا لَهُمْ، فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ، فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى سُرَّتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ. ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأَبِي؟ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى، وَخَرَجْنَا مَعَهُ". وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة الأزدي المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (علي بن الحسين أن) أباه (حسين بن عليّ عليهما السلام) وفي نسخة: -رضي الله عنهما- (أخبره أن) أباه (عليًّا) -رضي الله عنه- (قال: كانت) ولابن عساكر: كان (لي شارف) بالشين المعجمة آخره فاء مسنة من النوق (من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاني شارفًا من الخمس) أي الذي حصل من سرية عبد الله بن جحش وكانت في رجب من السنة الثانية قبل بدر بشهرين، وكان ابن جحش قال لأصحابه: إن لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مما غنمنا الخمس وذلك قبل أن يفرض الخمس فعزل له الخمس وقسم سائر الغنيمة بين أصحابه فوقع رضا الله بذلك كذا قرره ابن بطال، وتبعه ابن الملقن محتجين بما نقلاه من اتفاق أهل السير: إن الخمس لم يكن يوم بدر. وعن إسماعيل القاضي في غزوة بني قريظة أنه قيل إنه أول يوم فرض فيه الخمس وجاء صريحًا في غنائم حنين وهي آخر غنيمة حضرها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ويعارض هذا قوله في غزوة بدر من المغازي من البخاري، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاني مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ إذ ظاهره أن الفيء الذي أعطاه منه كان يوم بدر، وقد ثبت أنه وقع في الغنيمة التي قبل بدر ورضي الله بذلك فكيف يثبته هناك وينفيه فى يوم بدر مع أن سورة الأنفال التي فيها التصريح بفرض الخمس نزل غالبها في قصة بدر. وقّد جزم الداودي الشارح بأن آية الخمس نزلت يوم بدر، وقال السبكي: نزلت في بدر وغنائمها. قال عليّ -رضي الله عنه-: (فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي أدخل بها (واعدت رجلاً صوّاغًا) بفتح الصاد المهملة وتشديد الواو لم يسم (من بني قينقاع) بفتح القافين وضم النون وقد تفتح وتكسر غير منصرف ويجوز صرفه قبيلة من اليهود قاله الكرماني. وقال في القاموس: شعب من اليهود كانوا بالمدينة (أن يرتحل معي فنأتي

بإذخر) بكسر الهمزة وذال معجمة حشيشة طيبة الرائحة (أردت أن أبيعه الصوّاغين وأستعين به) بالنصب عطفًا على أبيعه أي أستعين بثمنه (في وليمة عرسي) بضم العين المهملة. قال الجوهري: العرس يعني بضم العين طعام الوليمة وأعرس الرجل إذا بنى بأهله وكذلك إذا غشيها. وفي القاموس نحوه وبكسر العين امرأة الرجل والوليمة طعام الزفاف، وحينئذ فينبغي كسر العين أي طعام وليمة المرأة وإلاّ فيصير المعنى طعام وليمة وليمتي وإنما سمي الطعام الوليمة المعمول عند العرس عرسًا باسم سببه، (فبينا) بغير ميم (أنا أجمع لشارفيّ متاعًا من الأقتاب) جمع قتب وهو معروف (والغرائر) بالغين المعجمة والراء المكررة جمع غرارة ما يوضع فيها الشيء من التبن وغيره (والحبال وشارفاي) مبتدأ خبره (مناخان) وللأربعة مناختان بزيادة فوقية بعد الحاء فالتذكير باعتبار لفظ شارف والتأنيث باعتبار معناه والمعنى مبركان (إلى جنب حجرة رجل من الأنصار) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه (رجعت) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: فرجعت (حين جمعت ما جمعت) أي من الأقتاب وغيرها (فإذا شارفاي قد أجبت) بهمزة مضمومة وجيم مكسورة وموحدة مشددة وفي اليونينية مصلح قد اجتب بضم الهمزة وكسر الجيم وضم الفوقية وتشديد الموحدة مصحح عليها علوًّا وسفلا فليتأمل. ويحرر، ولأبي ذر عن الكشميهني جبت بحذف الهمزة وضم الجيم أي قطعت (أسنمتهما) بالرفع نائبًا عن الفاعل (وبقرت) بضم الموحدة وكسر القاف أي شقت (خواصرهما) بالرفع أيضًا كذلك (وأخذ) بضم الهمزة (من أكبادهما فلم) بالفاء، ولأبي ذر عن الكشميهني: ولم (أملك عيني) من البكاء (حين) ولأبي ذر عن الكشميهني: حيث (رأيت ذلك المنظر منهما) بفتح الميم والظاء المعجمة وسقط لفظ منهما في رواية ابن عساكر وإنما بكى عليّ -رضي الله عنه- خوفًا من تقصيره في حق فاطمة -رضي الله عنها- أو في تأخير الابتناء بها لا لمجرد فوات الناقتين (فقلت: من فعل هذا؟) الجب والبقر والأخذ (فقالوا: فعل) أي ذلك (حمزة بن عبد المطلب وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار) بفتح الشين المعجمة وسكون الراء جماعة يجتمعون على شرب الخمر اسم جمع عند سيبويه وجمع شارب عند الأخفش (فانطلقت حتى أدخل) بالرفع والنصب ورجح ابن مالك النصب وعبّر بصيغة المضارعة مبالغة في استحضار صورة الحال وإلاّ فكان الأصل أن يقول حتى دخلت (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعنده زيد بن حارثة فعرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في وجهي الذي لقيت) من فعل حمزة -رضي الله عنه- (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما لك؟ فقلت: يا رسول الله ما رأيت كاليوم قط) أي أفظع (عدا) بالعين والدال المهملتين (حمزة على ناقتيّ) بفتح الفوقية وتشديد التحتية تثنية ناقة (فأجبّ) ولأبي ذر عن الكشميهني: فجب (أسنمتهما وبقر خواصرهما وها هو ذا في بيت معه شرب) بفتح الشين جماعة يجتمعون لشرب الخمر (فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بردائه فارتدى) به (ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فاستأذن) في الدخول (فأذنوا لهم فإذا هم شرب فطفق) بكسر الفاء الثانية أي جعل (رسول الله يلوم حمزة فيما فعله) بشارفي عليّ (فإذا حمزة قد ثمل) بفتح المثلثة وكسر الميم آخره لام أي سكر حال كونه (محمرة عيناه) بسبب ذلك (فنظر حمزة) -رضي الله عنه- (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صعد النظر) بفتح الصاد والعين المشددة المهملتين أي رفعه (فنظر إلى ركبته) بالإفراد، ولأبي ذر: ركبتيه بالتثنية (ثم صعد النظر فنظر) حمزة (إلى سرّته ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه ثم قال حمزة: هل أنتم إلا عبيد لأبي) أي كعبيد له. يريد والله أعلم أن عبد الله وأبا طالب كانا كأنهما عبدان لعبد المطلب في الخضوع لحرمته، والجدّ يدعى سيدًا وأنه أقرب إليه منهما فأراد الافتخار عليهم بذلك (فعرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قد ثمل) أي سكر (فنكص) أي رجع (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على

عقبيه) بالتثنية رجوع (القهقرى)، بأن مشى إلى خلف ووجهه لحمزة خشية أن يزداد عبثه في حال سكره فينتقل من القول إلى الفعل، فأراد أن يكون ما يقع منه بمرأى منه ليدفعه إن وقع منه شيء. (وخرجنا معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان ذلك قبل تحريم الخمر كما في رواية ابن جريج عن ابن شهاب في الشرب، ولذا لم يؤاخذ عليه السلام حمزة بقوله. ومن تداوى بمباح أو شرب لبنًا أو أكل طعامًا فسكر فقذف غيره فهو كالمجنون والمغمى عليه والصبي يسقط عنهم حدّ القذف وسائر الحدود غير إتلاف الأموال لرفع القلم عنهم فمن سكر من حلال فحكمه حكم هؤلاء. وحكى الطحاوي الإجماع على أن من سكر من ذلك لا طلاق عليه وهو مذهبنا أيضًا حتى لو سكر مكرهًا عندنا فكذلك، وأما ضمان إتلاف الناقتين فضمانهما لازم لحمزة لو طالبه عليّ به إذ العلماء متفقون على أن جنايات الأموال لا تسقط عن المجانين وغير المكلفين ويلزمهم ضمانها في كل حال كالعقلاء. وعند ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أغرم حمزة ثمن الناقتين. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: أعطاني شارفًا من الخمس، وقد سبق في كتاب الشرب. 3092 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ "أَنَّ فَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَقْسِمَ لَهَا مِيرَاثَهَا ممَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ". [الحديث 3092 - أطرافه في: 3711، 4035، 4240، 6725]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي العامري قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أخبرته أن فاطمة) الزهراء (عليها السلام ابنة) ولأبي ذر: بنت (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سألت أبا بكر الصديق) رضي الله عنه (بعد وفاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقسم لها ميراثها ما ترك) بدل من قوله ميراثها أو عطف بيان ولابن عساكر وأبى ذر عن الكشميهني مما ترك (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مما أفاء الله عليه) وهو ما أخذ من الكفار على سبيل الغلبة بلا قتال ولا إيجاف أي إسراع خيل أو ركاب أو نحوهما من جزية أو ما هربوا عنه لخوف أو غيره أو صولحوا عليه بلا قتال وسمي فيئًا لرجوعه من الكفار إلى المسلمين. وأما الغنيمة فهي ما أُخذ من الكفار بقتال أو إيجاف ولو بعد انهزامهم وما أخذ من دراهم اختلاسًا أو سراقة أو لقطة ولم تحل الغنيمة إلا لنا وقد كانت في أول الإسلام له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاصة يصنع فيها ما يشاء، وعليه يحمل إعطاؤه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من لم يشهد بدرًا ثم نسخ بعد ذلك فخمسه كالفيء لآية: {اعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمُسه} [الأنفال: 41]. وسميت بذلك لأنها فضل وفائدة محضة. والمشهور تغاير الفيء والغنيمة وقيل يقع اسم كل منهما على الآخر إذا أفرد فإن جمع بينهما افترقا كالفقير والمسكين وقيل اسم الفيء يقع على الغنيمة دون العكس، وقد كان عليه السلام يخمس الفيء خمسة أخماس الآية: {ما أفاء الله على رسوله} [الحشر: 7]. ويقسم خمسه على خمسة أسهم فالقسمة من خمسة وعشرين. سهم منها له عليه الصلاة والسلام كان ينفق منه على مصالحه وما فضل منه يصرف في السلاح وسائر المصالح، وأما بعد وفاته عليه السلام فمصرف هذا السهم المصالح العامة كسدّ الثغور وعمارة الحصون والقناطر وأرزاق القضاة والأئمة. والسهم الثاني: لذوي القربى من بني هاشم وبني المطلب. والثالث: لليتامى والفقراء. والرابع: والخامس: للمساكين وابن السبيل. وأما الأربعة الأخماس فهي للمرتزقة وهم المرصدون للجهاد بتعيين الإمام. وكانت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حياته مضمومة إلى خمس الخمس فحملة ما كان له من الفيء أحد وعشرون سهمًا. سهم منها للمصالح كما مرّ والمراد أنه كان يجوز له أن يأخذ ذلك لكنه لم يأخذه وإنما كان يأخذ خُمس الخمس كما مرّ. وأما الغنيمة فلخمسها حكم الفيء فيخمس خمسة أسهم للآية، وأربعة أخماسها للغانمين. وقال الجمهور: مصرف الفيء كله إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصرفه بحسب المصلحة لقول عمر الآتي: فكانت هذه خالصة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ-. 3093 - فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ. فَغَضِبَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتَّةَ أَشْهُرٍ. قَالَتْ: وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَسْأَلُ أَبَا بَكْرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خَيْبَرَ وَفَدَكٍ، وَصَدَقَتِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَقَالَ: لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْمَلُ بِهِ إِلاَّ عَمِلْتُ بِهِ، فَإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ، فَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالْمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، وَأَمَّا خَيْبَرُ وَفَدَكٌ فَأَمْسَكَهَا عُمَرُ وَقَالَ: هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَانَتَا لِحُقُوقِهِ الَّتِي تَعْرُوهُ وَنَوَائِبِهِ، وَأَمْرُهُمَا إِلَى مَنْ وَلِيَ الأَمْرَ، قَالَ: فَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ". قال أبو عبدِ اللهِ: اعتراكَ, افتعلت, من عَرَوتهُ فأصبته, ومنه: يَعروهُ, واعتراني. [الحديث 3093 - أطرافه في: 3713، 4036، 4241، 6726]. (فقال لها) أي لفاطمة -رضي الله عنها- (أبو بكر: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): وفي رواية معمر عن الزهري في الفرائض سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: (لا نورث) بالنون. وفي حديث الزبير عند النسائي: إنّا معاشر الأنبياء لا نورث (ما تركنا صدقة) بالرفع خبر المبتدأ الذي هو ما تركنا والكلام جملتان الأولى فعلية والثانية اسمية. قال ابن حجر في فتح الباري: ويؤيده وروده في بعض طرق الصحيح ما تركنا فهو صدقة وحرفه الإمامية فقالوا: لا يورث بالمثناة التحتية بدل النون وصدقة نصب على الحال وما تركنا مفعول لما لم يسم فاعله فجعلوا الكلام جملة واحدة ويكون المعنى أن ما يترك صدقة لا يورث وهذا تحريف يخرج الكلام عن نمط الاختصاص الذي دل عليه قوله عليه السلام في بعض الطرق: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" ويعود الكلام بما حرفوه إلى أمر لا يختص به الأنبياء لأن آحاد الأمة إذا وقفوا أموالهم أو جعلوها صدقة انقطع حق الورثة عنها فهذا من تحاملهم أو تجاهلهم، وقد أورده بعض أكابر الإمامية على القاضي شاذان صاحب القاضي أبي الطيب فقال أي القاضي شاذان، وكان ضعيف العربية قويًا في علم الخلاف: لا أعرف نصب صدقة من رفعها ولا أحتاج إلى علمه فإنه لا خفاء بي وبك أن فاطمة وعليًّا من أفصح العرب لا تبلغ أنت ولا أمثالك إلى ذلك منهما فلو كانت لهما حجة فيما لحظته لأبدياها حينئذ لأبي بكر فسكت ولم يحر جوابًا، وإنما فعل الإمامية ذلك لما يلزمهم على رواية الجمهور من فساد مذهبهم لأنهم يقولون بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يورث كما يورث غيره من عموم المسلمين لعموم الآية الكريمة. وذهب النحاس إلى أنه يصح النصب على الحال وأنكره القاضي لتأييده مذهب الإمامية لكن قدره ابن مالك ما تركناه متروك صدقة فحذف الخبر وبقي الحال كالعوض منه ونظيره قراءة بعضهم: {ونحن عصبة} [يوسف: 8]. (فغضبت فاطمة بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ستة أشهر) وفي رواية معمر: فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت، ووقع عند عمر بن شبة وجه آخر عن معمر فلم تكلمه في ذلك المال. ولذا نقل الترمذي عن بعض مشايخه أن معنى قول فاطمة لأبي بكر وعمر: لا أكلمكما أي في هذا الميراث، وتعقب بأن قرينة قوله غضبت يدل على أنها امتنعت من الكلام جملة وكذا صريح الهجر قاله في الفتح. وقال الكرماني: وأما غضب فاطمة فهو أمر حصل على مقتضى البشرية وسكن بعد ذلك أو الحديث كان متأولاً عندها بما فضل من معاش الورثة وضروراتهم ونحوها، وأما هجرانها فمعناه انقباضها عن لقائه لا الهجران المحرم من ترك السلام ونحوه ولفظ مهاجرته بصيغة اسم الفاعل لا المصدر اهـ. ولعل فاطمة -رضي الله عنها- لما خرجت غضبى من عند أبي بكر تمادت في اشتغالها بشأنها ثم بمرضها والهجران المحرم إنما هو أن يلتقيا فيعرض هذا وهذا. (قالت) عائشة -رضي الله عنها-: (وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من) سهمه في (خيبر) بعدم الصرف وهو الخمس (وفدك) بفتح الفاء والدال المهملة ولأبي ذر وفدك بعدمه بلد بينها وبين المدينة ثلاث مراحل وكانت له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاصة (وصدقته بالمدينة) بنصب صدقته عطفًا على المنصوب السابق وبالجر عطفًا على المجرور أي نخل بني النضير التي في أيدي بني فاطمة وكانت قريبة من المدينة ووصية مخيريق يوم أُحد، وكانت سبع حوائط في بني النضير وما أعطاه الأنصار من أرضهم وحقه من الفيء من أموال بني النضير وثلث أرض وادي القرى أخذه في الصلح حين صالح اليهود وحصنان من حصون خيبر الوطيح والسلالم حين صالح اليهود ونصف فدك وسهمه من خمس خيبر وما افتتح فيها عنوة (فأبى) أي امتنع (أبو بكر عليها ذلك وقال: لست تاركًا شيئًا كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

يعمل به إلاّ عملت به فإني أخشى إن تركت شيئًا) بكسر همزة إن تركت (من أمره أن أزيغ) بفتح الهمزة وكسر الزاي وبعد التحتية الساكنة عين معجمة أي أن أميل عن الحق إلى غيره. قالت عائشة: (فأما صدقته) عليه الصلاة والسلام (بالمدينة فدفعها عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (إلى عليّ وعباس) لينتفعا منها بقدر حقهما لا على جهة التمليك (فأما) بالفاء ولأبي ذر: وأما (خيبر) أي الذي يخص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها (وفدك فأمسكهما عمر) ولم يدفعهما لغيره (وقال: هما صدقة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانتا لحقوقه التي تعروه) أي التي تنزل به (ونوائبه) أي الحوادث التي تصيبه (وأمرهما إلى من ولي الأمر) بعده عليه الصلاة والسلام فكان أبو بكر -رضي الله عنه- يقدم نفقة أمهات المؤمنين وغيرها مما كان يصرفه عليه الصلاة والسلام فيصرفه من مال خيبر وفدك وما فضل عن ذلك جعله في المصالح وعمل عمر بعده بذلك فلما كان عثمان تصرف في فدك بحسب ما رأى فأقطعها لمروان لأنه تأول أن الذي يختص به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكون للخليفة بعده فاستغنى عثمان عنها بأمواله فوصل بها بعض أقاربه. (قال) الزهري حين حدث بهذا الحديث (فهما) أي الذي كان يخصه عليه الصلاة والسلام من خيبر وفدك (على ذلك) يتصرف فيهما من ولي الأمر (إلى اليوم) .. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي في غزوة خيبر. (قال أبو عبد الله) البخاري مفسرًا لقوله في الحديث تعروه بما في القرآن من قوله تعالى: أن نقول إلا (اعتراك افتعلت) بسكون اللام وفتح الفوقية أي أنه من باب الافتعال وأصله (من عروته فأصبته ومنه يعروه واعتراني) وهذا وقع في المجاز لأبي عبيدة وسقط قوله قال أبو عبد الله إلى آخره لابن عساكر، وزاد أبو ذر في رواية الحموي هنا ترجمة فقال قصة فدك وهي زيادة مستغنى عنها بما سبق في الحديث المتقدم. 3094 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ -وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ حَدِيثِهِ ذَلِكَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَقَالَ مَالِكٌ-: بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي حِينَ مَتَعَ النَّهَارُ، إِذَا رَسُولُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَأْتِينِي فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقَالَ: يَا مَالِ إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ، وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ، فَاقْبِضْهُ، فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَمَرْتَ لَه غَيْرِي. قَالَ: فاقْبِضْهُ أَيُّهَا الْمَرْءُ. فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَسْتَأْذِنُونَ. قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا، فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا. ثُمَّ جَلَسَ يَرْفَأ يَسِيرًا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا، فَدَخَلاَ، فَسَلَّمَا فَجَلَسَا فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا -وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ مالِ بَنِي النَّضِيرِ- فَقَالَ الرَّهْطُ -عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ- يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ. فقَالَ عُمَرُ: تَيْدَكُمْ؛ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ؟ يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفْسَهُ. قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالاَ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْفَىْءِ بِشَىْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ. ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- {قَدِيرٌ} [الحشر: 7] فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَوَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، قَدْ أَعْطَاكُمُوهُ وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ. فَعَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ حَيَاتَهُ. أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَ عُمَرُ: ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فَكُنْتُ أَنَا وَلِيَّ أَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ. ثُمَّ جِئْتُمَانِي تُكَلِّمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ، جِئْتَنِي يَا عَبَّاسُ تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَجَاءَنِي هَذَا -يُرِيدُ عَلِيًّا- يُرِيدُ نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا. فَقُلْتُ لَكُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ. فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلاَنِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا. فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا، فَبِذَلِكَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا. فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ , قَالَ: فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، لاَ أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَىَّ، فَإِنِّي أَكْفِيكُمَاهَا". وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن محمد الفروي) بفتح الفاء وسكون الراء وكسر الواو القرشي المدنيّ الأموي قال: (حدّثنا مالك بن أنس) إمام دار الهجرة (عن ابن شهاب) الزهري (عن مالك بن أوس بن الحدثان) بفتح الهمزة وسكون الواو وبالسين المهملة. والحدثان بالحاء والدال المهملتين والمثلثة المفتوحات وبعد الألف نون ابن عوف بن ربيعة النصري بالنون من بني نصر بن معاوية اختلف في صحبته. قال الزهري: (وكان محمد بن جيبر) بضم الجيم وفتح الموحدة ابن مطعم (ذكر لي ذكرًا من حديثه ذلك) أي الآتي ذكره (فانطلقت حتى أدخل) بالنصب أي إلى أن أدخل والرفع على أن تكون عاطفة ورجح ابن مالك النصب (على مالك بن أوس فسألته عن ذلك الحديث فقال مالك: بينا) بغير ميم ولأبي ذر: بينما (أنا جالس في أهلي حين متع النهار) بميم ففوقية فعين مهملة مفتوحات اشتد حره وارتفع وطال وجواب بينما قوله (إذا رسول عمر بن الخطاب) يحتمل أن يكون الرسول يرفأ الحاجب (يأتيني فقال؛ أجب أمير المؤمنين فانطلقت معه حتى أدخل) بالنصب والرفع (على عمر فإذا هو جالس على رمال سرير) بكسر راء رمال وقد تضم ما ينسج من سعف النخل ونحوه (ليس بينه وبينه فراش متكئ على وسادة من أدم فسلمت عليه ثم جلست فقال: يا مالِ) بكسر اللام على اللغة المشهورة أي يا مالك على الترخيم ويجوز الضم على أنه صار اسمًا مستقلاً فيعرب إعراب المنادى المفرد (إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات) من بني نصر بن معاوية بن أبي بكر بن هوازن وكان قد أصابهم جدب في بلادهم فانتجعوا المدينة (وقد أمرت لهم) والذي في الفرع وأصله فيهم (برضخ) بفتح الراء وسكون الضاد آخره خاء معجمتين أي بعطية قليلة غير مقدرة (فاقبضه) بكسر الموحدة (فاقسمه بينهم. فقلت: يا أمير المؤمنين لو أمرت به غيري) أي بأن يدفع الرضخ لهم غيري وفي رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي له باللام بدل به بالموحدة ولعله قال ذلك تحرجًا من قبول الأمانة (قال) عمر (اقبضه) ولأبي ذر: فاقبضه (أيها المرء)

لم يبين هل قبضه أم لا والظاهر أنه قبضه لعزم عمر عليه (فبينا) بغير ميم ولأبي ذر؛ فبينما (أنا جالس عنده أتاه حاجبه يرفأ) بمثناة تحتية مفتوحة فراء ساكنة ثم فاء فألف وقد تهمز. قال الحافظ ابن حجر: وهي روايتنا من طريق أبي ذر: وكان يرفأ من موالي عمر أدرك الجاهلية ولا يعرف له صحبة (فقال: هل لك) رغبة (في عثمان) بن عفان (وعبد الرحمن بن عوف والزبير) بن العوّام (وسعد بن أبي وقاص) زاد النسائي وعمر بن شبة من طريق عمرو بن دينار عن ابن شهاب على الأربعة طلحة بن عبيد الله حال كونهم (يستأذنون؟) في الدخول عليك (قال: نعم. فأذن لهم فدخلوا فسلموا وجلسوا ثم جلس يرفأ يسيرًا ثم قال: هل لك في عليّ وعباس) زاد شعيب في روايته في المغازي يستأذنان (قال) عمر -رضي الله عنه-: (نعم. فأذن لهما) بفتح الهمزة وكسر الذال المعجمة (فدخلا فسلما فجلسا فقال عباس) لعمر: (يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا) أي عليّ (وهما يختصمان) أي يتنازعان ويتجادلان (فيما أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب (من بني النضير) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من مال بني النضير (فقال الرهط عثمان وأصحابه: يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر. قال): ولأبي ذر: فقال (عمر: تيدكم)، بفتح المثناة الفوقية وسكون التحتية ونصب الدال على وزن فاجمعوا كيدكم وليس في الفرع غيرها، ونسبها عياض للقابسي وعبدوس، وحكى سيبويه عن بعض العرب بيس فلان بفتح الموحدة. قال عياض: فالياء يعني التحتية مسهلة من همزة والتاء يعني الفوقية مبدلة من واو لأنه في الأصل وأدة اهـ. فالنصب على المصدر والتقدير تيدوا تيدكم، ولأبي ذر: تئدكم بفتح المثناة وهمزة مكسورة. قال في الفتح: وفتح الدال وضبطها غيره بالقلم بإسكانها وآخر بالقلم أيضًا برفعها وللأصيلي تئدكم، بكسر أوّله وضم الدال مع الهمزة المفتوحة وضبطها بعضهم بالقلم بسكون الدال، وعند بعضهم تيدكم بكسر الفوقية كأنه مصدر تاد يتيد فترك همزه. قال في القاموس: التيد الرفق يقال تيدك يا هذا أي: اتئد وتيدك زيدًا أي أمهله اما مصدر والكاف مجرورة أو اسم فعل والكاف للخطاب. وقال ابن مالك: لا يكون إلا اسم فعل، ويقال: تيد زيد اهـ. والمعنى هنا اصبروا وأمهلوا على رسلكم (أنشدكم) بفتح الهمزة وضم الشين أي أسألكم (بالله الذي بإذنه تقوم السماء) فوق رؤوسكم بغير عمد (والأرض) على الماء تحت أقدامكم (هل تعلمون أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لا نورث) معاشر الأنبياء (ما تركنا صدقة) بالرفع خبر المبتدأ الذي هو ما الموصولة وتركنا صلته والعائد محذوف أي الذي تركناه صدقة (يريد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفسه) وكذا غيره من الأنبياء بدليل قوله في الرواية الأخرى: "إنا معاشر الأنبياء" فليس خاصًّا به عليه الصلاة والسلام، وأما قول زكريا: {يرثني ويرث من آل يعقوب} [مريم: 6]. وقوله: {وورث سليمان داود} [النحل: 16]. فالمراد ميراث العلم والنبوة والحكمة. (قال الرهط): عثمان وأصحابه (قد قال) عليه الصلاة والسلام (ذلك. فأقبل عمر على عليّ وعباس) -رضي الله عنهم- (فقال: أنشدكما الله) بإسقاط حرف الجر وسقط لفظ الجلالة لأبي ذر (أتعلمان أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد قال ذلك؟) أي: لا نورث ما تركنا صدقة (قالا: قد قال ذلك) وسقطت هذه الجملة من قوله قالا لأبي ذر (قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر إن الله قد خص رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدًا غيره ثم قرأ: {وما أفاء الله على رسوله منهم} إلى قوله: {قدير} [الحشر: 6]. (فكانت هذه) أي بني النضير وخيبر وفدك (خالصة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لا حق لأحد فيها غيره فكان ينفق منها نفقته ونفقة أهله ويصرف الباقي في مصالح المسلمين. هذا مذهب الجمهور. وقال الشافعي: يقسم الفيء خمسة أقسام كما مرّ مفصلاً، وتأول عمر هذا بأنه يريد الأخماس الأربعة (والله) ولأبي ذر: ووالله (ما احتازها)

بحاء مهملة ساكنة وزاي مفتوحة من الحيازة وهي الجمع يقال: حاز الشيء واحتازه جمعه وضمه (دونكم) وللكشميهني ما اختارها بالخاء المعجمة والراء (ولا استأثر) بالمثناة الفوقية وبعد الهمزة الساكنة مثلثة أي ما تفرد (بها عليكم قد أعطاكموه) أي الفيء، وللكشميهني: أعطاكموها أي أموال الفيء (وبثها) بالموحدة المفتوحة والمثلثة المشددة المفتوحة أي فرقها (فيكم حتى بقي منها هذا المال فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل) بفتح الميم والعين المهملة بينهما جيم ساكنة (مال الله) في السلاح والكراع ومصالح المسلمين، وهذا لا يعارضه حديث عائشة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توفي ودرعه مرهونة على شعير لأنه يجمع بينهما بأنه كان يدخر لأهله قوت سنتهم ثم في طول السنة يحتاج لمن يطرقه إلى إخراج شيء منه فيخرجه فيحتاج إلى تعويض ما أخذ منها فلذلك استدان (فعمل) بكسر الميم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك حياته. أنشدكم بالله) بحرف الجر (هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم. ثم قال لعليّ وعباس: أنشدكما بالله) ولأبي ذر: أنشدكما الله بإسقاط الجار (هل تعلمان ذلك؟) زاد في رواية عقيل عن ابن شهاب في الفرائض قالا: نعم. (قال عمر: ثم توفى الله نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال أبو بكر: أنا وليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والله يعلم أنه فيها لصادق بار) بتشديد الراء (راشد تباع للحق) زاد في مسلم بعد قوله قال أبو بكر: أنا وليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ما نورث ما تركنا صدقة. ثم توفى الله أبا بكر فكنت أنا وليّ أبي بكر فقبضتها سنتين من إمارتي) بكسر الهمزة (اعمل) بفتح الميم (فيها بما عمل) بكسرها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما عمل فيها أبو بكر والله يعلم أني فيها لصادق بارّ راشد تابع للحق ثم جئتماني تكلماني وكلمتكما واحدة وأمركما واحد جئتني يا عباس تسألني نصيبك) أي ميراثك (من ابن أخيك) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وجاءني هذا يريد عليًّا يريد نصيب امرأته) أي ميراثها (من أبيها) عليه الصلاة والسلام (فقلت لكما: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا نورث ما تركنا صدقة فلما بدا) أي ظهر (لي أن أدفعه إليكما قلت إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبما عمل فيها أبو بكر وبما عملت فيها منذ وليتها) بفتح الواو وتخفيف اللام أي لتتصرفا فيها وتنتفعا منها بقدر حقكما كما تصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر وعمر لا على جهة التمليك إذ هي صدقة محرمة التمليك بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقلتما ادفعها إلينا فبذلك دفعتها إليكما فأنشدكم بالله) بحرف الجر (هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرهط): عثمان وأصحابه (نعم. ثم أقبل) عمر (على عليّ وعباس فقال: أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم. قال فتلتمسان) أي أفتطلبان (مني قضاء غير ذلك فوالله الذي بإذنه تقوم السماء) بغير عمد (والأرض) على الماء (لا أقضي فيها قضاء غير ذلك) وعند أبي داود: والله لا أقضي بغير ذلك حتى تقوم الساعة (فإن عجزتما عنها فادفعاها إليّ فإني أكفيكماها). وقد استشكل الخطابي هذه القصة بأن عليًّا وعباسًا إذا كانا قد أخذا هذه من عمر على شريطة أن يتصرفا فيها كما تصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والخليفتان بعده وعلما أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا نورث ما تركنا صدقة" فإن كانا سمعاه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكيف يطلبانه من أبي بكر، وإن كانا سمعاه من أبي بكر أو في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر؟ وأجيب: بأنهما اعتقدا أن عموم قوله: "لا نورث" مخصوص ببعض ما يخلفه دون بعض، وأمّا مخاصمة علي وعباس بعد ذلك فلم تكن في الميراث بل في ولاية الصدقة وصرفها كيف

2 - باب أداء الخمس من الدين

تصرف وعورض بقوله في آخر الحديث في رواية النسائي ثم جئتماني الآن تختصمان يقول هذا أريد نصيبي من ابن أخي ويقول هذا أريد نصيبي من امرأتي والله لا أقضي بينكما إلا بذلك أي إلا بما تقدم من تسليمها على سبيل الولاية. 2 - باب أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنَ الدِّينِ هذا (باب) بالتنوين (أداء الخمس من الدين) بكسر الدال والخمس بضم الميم وتسكن أي إعطاء خمُس الغنيمة للجهات الخمس من الدين، وفي كتاب الإيمان عبّر بقوله من الإيمان بدل قوله هنا من الدين وجمع بينهما بأنه إن قررنا أن الإيمان قول وعمل دخل أداء الخمس في الإيمان وإن قررنا أنه تصديق دخل في الدين. 3095 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا هَذَا الْحَىَّ مِنْ رَبِيعَةَ، بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، فَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَأْخُذُ بهِ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا. قَالَ: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللَّهِ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ -وَعَقَدَ بِيَدِهِ- وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُؤَدُّوا لِلَّهِ خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ. وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ». وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن أبي جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران (الضبعي) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة من بني ضبيعة بطن من عبد القيس أنه (قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: قدم وفد عبد القيس) بن أفصى بهمزة مفتوحة ففاء ساكنة فصاد مهملة مفتوحة ابن دعمى بدال مهملة مضمومة فعين مهملة ساكنة على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالوا: يا رسول الله إنّا هذا الحي من ربيعة بيننا وبينك كفار مضر فلسنا نصل إليك إلاّ في الشهر الحرام) المراد به الجنس فيتناول الأشهر الحرم الأربعة المحرم ورجبًا وذا القعدة وذا الحجة لحرمة القتال فيها عندهم (فأمرنا بأمر) زاد في الإيمان فصل أي يفصل بين الحق والباطل (نأخذ منه) ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: به (وندعو إليه من وراءنا) من البلاد البعيدة عن المدينة أو أولادنا وأحلافنا بالحاء المهملة جمع حلف (قال): عليه الصلاة والسلام: (آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله)، بالجر بيان أو بدل من الأربع المأمور بها (شهادة أن لا إله إلاّ الله) بالجر أيضًا بيان لسابقه (وعقد) عليه الصلاة والسلام (بيده، وأقام الصلاة) المكتوبة (وإيتاء الزكاة) المفروضة (وصيام رمضان) لم يذكر الحج لأنه عليه الصلاة والسلام علم أنهم لا يستطيعونه بسبب كفار مضر أو غير ذلك (وأن تؤدوا لله خُمس ما غنمتم) هذا موضع الترجمة. واستشكل كونه قال: آمركم بأربع وذكر خمسة؟ وأجيب: بأن الأربعة هي ما عدا الشهادة لأنهم كانوا مقرّين بها. (وأنهاكم عن) الانتباذ في (الدباء) بضم الدال المهملة وتشديد الموحدة ممدودًا وعاء القرع اليابس (و) عن الانتباذ في (النقير) بالنون المفتوحة والقاف المكسورة جذع ينقر وسطه وينبذ فيه (و) عن الانتباذ في (الحنتم) بالحاء المهملة المفتوحة والنون الساكنة والفوقية المفتوحة الجرار الخضر أو مطلقًا (و) عن الانتباذ في (المزفّت) بتشديد الفاء المطلي بالزفت. وهذا الحديث قد سبق في كتاب الإيمان. 3 - باب نَفَقَةِ نِسَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ وَفَاتِهِ (باب نفقة نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد وفاته). 3096 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي، وَمَئُونَةِ عَامِلِي، فَهْوَ صَدَقَةٌ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يقتسم) من الاقتسام من باب الافتعال ولا نافية وليست ناهية فيقتسم مرفوع لا مجزوم ويروى كما قاله العيني وغيره لا تقسم (ورثتي دينارًا) التقييد بالدينار من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى (ما تركت بعد نفقة نسائي) أمهات المؤمنين (ومؤونة عاملي) الخليفة بعدي (فهو صدقة) لأني لا أورث ولا أخلف مالاً، ونص على نفقة نسائه لكونهنّ محبوسات عن الأزواج بسببه أو لعظم حقوقهن في بيت المال لفضلهن وقِدَم هجرتهن وكونهن أمهات المؤمنين ولذلك اختصصن بمساكنهن ولم يرثها ورثتهن. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الوصايا والفرائض، ومسلم في المغازي وأبو داود في الخراج. 3097 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا فِي بَيْتِي مِنْ شَىْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إِلاَّ شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَىَّ، فَكِلْتُهُ؛ فَفَنِيَ". [الحديث 3097 - طرفه في: 6451]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي شيبة) قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما في بيتي من شيء

4 - باب ما جاء في بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما نسب من البيوت إليهن

يأكله ذو كبد) بكسر الموحدة إنسان أو حيوان غيره (إلا شطر شعير) برفع شطر أي نصف وسق أو جزء أو شيء من شعير (في رف لي) بفتح الراء وتشديد الفاء شبه الطاق أو خشب يرفع عن الأرض إلى جنب الجدار يوقى به ما يوضع عليه أو كالغرفة الصغيرة في البيت لا باب عليه (فأكلت منه حتى طال عليّ فكلته ففني) أي فرغ قيل إن البركة مع جهل المأخوذ منه فلما كالته علمت مدة بقائه ففني عند تمام ذلك الأمد، وأما حديث: كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه فمحمول على أوّل تملكه إياه أو عند إخراج النفقة منه بشرط أن يبقى الباقي مجهولاً. ومطابقة الحديث للترجمة في قولها فأكلت منه الخ ... فإنها لم تذكر أنها أخذته في نصيبها بالميراث إذ لو لم تستحق النفقة لأخذ الشعير منها لبيت المال. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الرقاق ومسلم في آخر الكتاب وابن ماجه فى الأطعمة. 3098 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ قَالَ: "مَا تَرَكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ سِلاَحَهُ وَبَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ، وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَةً". وبه قال: (حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) القطان (عن سفيان) الثوري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو إسحاق) عمرو بن عبيد الله السبيعي (قال: سمعت عمرو بن الحرث) المصطلقي الخزاعي أخا جويرية أم المؤمنين (قال: ما ترك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في الوصايا عند موته درهمًا ولا دينارًا ولا عبدًا ولا أمة ولا شيئًا (إلاّ سلاحه) الذي أعدّه لحرب الكفار (وبغلته البيضاء) دلدل (وأرضًا تركها صدقة). وهذا موضع الترجمة لأن نفقة نسائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد موته كانت مما خصّه الله به من الفيء ومنه فدك وسهمه من خيبر. وهذا الحديث قد سبق في أوّل الوصايا. 4 - باب مَا جَاءَ فِي بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَا نُسِبَ مِنَ الْبُيُوتِ إِلَيْهِنَّ وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33]، وَ {لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53]. (باب ما جاء) من الأخبار (في بيوت أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما نسب من البيوت إليهن) رضي الله عنهن. (وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على المجرور السابق ({وقرن}) بكسر القاف وفتحها قراءتان ({في بيوتكن}) أي لا تخرجن منها [الأحزاب: 33]. (و) قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} ({لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم}) [الأحزاب: 53]. أي إلاّ وقت الإذن. 3099 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى وَمُحَمَّدٌ قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: "لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ". وبه قال: (حدّثنا حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة السلمي المروزي (ومحمد) غير منسوب هو ابن مقاتل المروزي (قالا: أخبرنا) بالمعجمة (عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا) بالمعجمة (معمر) هو ابن راشد (ويونس) هو ابن يزيد الأيلي كلاهما (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالمعجمة والإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بضم العين وسكون الفوقية (ابن مسعود أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت): (لما ثقل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح المثلثة وضم القاف أي ركدت أعضاؤه الشريفة عن خفة الحركات زاد في باب حدّ المريض أن يشهد الجماعة من الصلاة واشتد وجعه (استأذن أزواجه) أي طلب منهم الإذن (أن يمرّض) بضم التحتية وفتح الميم وتشديد الراء (في بيتي فأذن) رضي الله عنهن (له) عليه الصلاة والسلام الحديث. وذكره هنا مختصرًا وساقه مطولاً في الصلاة ومطابقته لما ترجم له هنا في قولها في بيتي حيث أسندت البيت إلى نفسها ووجه ذلك أن سكن أزواجه عليه الصلاة والسلام في بيوته من الخصائص فكما استحققن النفقة لحبسهن استحققن السكنى ما بقين فنبّه المؤلّف على أن بهذه النسبة تحقق دوام استحقاقهن لسكنى البيوت ما بقين. 3100 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا نَافِعٌ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها-: "تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِي، وَفِي نَوْبَتِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ. قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِسِوَاكٍ فَضَعُفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُ فَأَخَذْتُهُ فَمَضَغْتُهُ ثُمَّ سَنَنْتُهُ بِهِ". وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) سعيد بن الحكم الجمحي المصري قال: (حدّثنا نافع) هو ابن يزيد المصري قال: (سمعت ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبيد الله (قال: قالت عائشة -رضي الله عنها-): (توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيتي) هذا موضع الترجمة (وفي) يوم (نوبتي) أي على حساب الدور الذي كان قبل المرض (وبين سحري) بفتح السين وسكون الحاء المهملتين رئتي أو باطن حلقومي (ونحري) بالنون المفتوحة وسكون الحاء المهملة صدري يعني أنه عليه الصلاة والسلام توفي وهو مستند إلى صدرها وما يحاذي سحرها منه (وجمع الله بين ريقي وريقه) أي في آخر يوم من الدنيا وأوّل يوم من الآخرة (قالت: دخل)

أخي (عبد الرحمن) بن أبي بكر حجرتي (بسواك) بيان لجمع الله تعالى بين ريق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وريقها (فضعف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنه فأخذته فمضعته) بأسناني ولينته (ثم سننته) بنون مفتوحة فأخرى ساكنة أي سوّكته عليه الصلاة والسلام (به). 3101 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزُورُهُ وَهْوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ -فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ- ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ مَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَتَّى إِذَا بَلَغَ قَرِيبًا مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِهِمَا رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ نَفَذَا، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى رِسْلِكُمَا». قَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) نسبه لجده واسم أبيه كثير بالمثلثة (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب) الزهري (عن علي بن حسين) زين العابدين (أنّ صفية) بنت حيي -رضي الله عنها- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته أنها جاءت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونها (تزوره وهو معتكف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان) الواو في وهو معتكف للحال (ثم قامت تنقلب) أي تردّ إلى منزلها (فقام معها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى إذا بلغ قريبًا من باب المسجد عند باب أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ بهما رجلان من الأنصار) قيل هما أسيد بن حضير وعباد بن بشر (فسلما على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم نفذا) بنون فذال معجمة مفتوحات أي مضيا وتجاوزا (فقال لهما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (على رسلكما) بكسر وسكون المهملة أي امشيا على هينتكما فليس شيء تكرهانه (قالا: سبحان الله يا رسول الله) أي تنزه الله عن أن يكون رسوله عليه الصلاة والسلام متّهمًا بما لا ينبغي أو كناية عن التعجب من هذا القول (وكبُر عليهما ذلك) بضم الموحدة أي شق عليهما ما قاله عليه الصلاة والسلام (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): سقط للكشميهني والحموي قوله رسول الله الخ ... (إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم) أي كمبلغ الدم ووجه الشبه شدّة الاتصال وهو كناية عن الوسوسة (وإني خشيت أن يقذف) الشيطان (في قلوبكما شيئًا) من السوء. قال إمامنا الشافعي: خاف عليهما الكفر إن ظنا به تهمة فبادر إلى إعلامهما نصيحة لهما قبل أن يقذف الشيطان في قلوبهما شيئًا يهلكان به. 3102 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: ارْتَقَيْتُ فَوْقَ بَيْتِ حَفْصَةَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الشَّأْمِ". وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) القرشي الحزامي قال: (حدّثنا أنس بن عياض) أبو ضمرة الليثي (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة (عن) عمه (واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: ارتقيت) أي صعدت (فوق بيت حفصة) وفي باب التبرز في البيوت من الطهارة فوق ظهر بيت حفصة (فرأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقضي حاجته) وحال كونه (مستدبر القبلة مستقبل الشأم) ومطابقته للترجمة في قوله بيت حفصة. 3103 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ حُجْرَتِهَا". وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي قال: (حدّثنا أنس بن عياض) الليثي (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي العصر والشمس لم تخرج من حجرتها). أي من بيت عائشة. وهذا موضع الترجمة وكان القياس أن تقول من حجرتي لكنه من باب التجريد كأنها جردت واحدة من النساء وأثبتت لها حجرة وأخبرت بما أخبرت به. وسبق الحديث في باب وقت العصر من الصلاة. 3104 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطِيبًا فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَةَ فَقَالَ: هاهُنَا الْفِتْنَةُ -ثَلاَثًا- مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ". [الحديث 3104 - أطرافه في: 3279، 3511، 5296، 7092، 7093]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا جويرية) بضم الجيم وفتح الواو مخففًا مصغرًا ابن أسماء الضبعي البصري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) أي ابن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه (قال: قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطيبًا فأشار نحو مسكن عائشة) أي بيتها (فقال): (هاهنا) أي جانب الشرق (الفتنة ثلاثًا من حيث يطلع قرن الشيطان) وهو طرف رأسه أي حيث يدني رأسه إلى الشمس. 3105 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ بنتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ "أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عِنْدَهَا، وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ إِنْسَانٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَقُلْتُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُرَاهُ فُلاَنًا -لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ- الرَّضَاعَةُ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلاَدَةُ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام الأعظم (عن عبد الله بن أبي بكر) أي ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري (عن عمرة ابنة) ولأبي ذر: بنت (عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة

5 - باب ما ذكر من درع النبي -صلى الله عليه وسلم- وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته ومن شعره ونعله وآنيته مما تبرك أصحابه وغيرهم بعد وفاته

الأنصارية (أن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرتها أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان عندها) في بيتها (وأنها سمعت صوت إنسان) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمه (يستأذن في بيت حفصة) بنت عمر أم المؤمنين والجملة في محل جر صفة لإنسان قالت عائشة (فقلت: يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك) ولابن عساكر: في بيت حفصة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أراه) بضم الهمزة أي أظنه (فلانًا). (لعم) أي عن عم (حفصة من الرضاعة) ولم يسم ثم قال عليه الصلاة والسلام: (الرضاعة) بفتح الراء (تحرّم ما تحرّم الولادة). بتشديد الراء المكسورة بعد ضم أوّل الفعل فيهما ولأبي ذر ما يحرم من الولادة بفتح أوّله وسكون الحاء المهملة وضم الراء مخففًا وزيادة من الجارة أي مثل ما يحرم منها فهو على حذف مضاف. وهذا الحديث قد سبق في باب الشهادة على الأنساب والرضاع. 5 - باب مَا ذُكِرَ مِنْ دِرْعِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَصَاهُ وَسَيْفِهِ وَقَدَحِهِ وَخَاتَمِهِ وَمَا اسْتَعْمَلَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ قِسْمَتُهُ وَمِنْ شَعَرِهِ وَنَعْلِهِ وَآنِيَتِهِ مِمَّا تَبَرَّكُ أَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ (باب ما ذكر من درع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر الدال وسكون الراء (وعصاه وسيفه وقدحه وخاتمه وما استعمل الخلفاء بعده من ذلك مما لم يذكر قسمته) أي على سبيل قسمة الصدقات ويذكر بضم التحتية وفتح الكاف، ولأبي ذر: ما لم تذكر بإسقاط من وتذكر بالفوقية بدل التحتية وكذا للكشميهني لكنه بالتحتية بدل الفوقية (ومن شعره) بفتح العين (ونعله) بسكونها (وآنيته مما يبرك) بفتح التحتية والموحدة والراء المشددة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: مما يتبرك بزيادة فوقية بعد التحتية من باب التفعل من البركة وحذف العائد للعلم به. وقال الحافظ ابن حجر ولأبي ذر عن شيخيه يعني الحموي والمستملي شرك بالشين المعجمة من الشركة. قال الباجي: وهو ظاهر لقوله قبله مما لم يذكر قسمته وله عن الكشميهني مما يتبرك به (أصحابه) فزاد لفظة فيه (وغيرهم بعد وفاته). 3106 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ "أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- لَمَّا اسْتُخْلِفَ بَعَثَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، وَكَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ وَخَتَمَهُ بخاتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, وَكَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلاَثَةَ أَسْطُرٍ: مُحَمَّدٌ سَطْرٌ، وَرَسُولُ سَطْرٌ، وَاللَّهِ سَطْرٌ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله) هو ابن المثنى بن عبد الله (الأنصاري) البصري (قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أبي) عبد الله (عن ثمامة) بضم المثلثة وبميمين بينهما ألف ابن عبد الله بن أنس قاضي البصرة (عن) جده (أنس) ولأبي ذر حدّثنا أنس (أن أبا بكر) الصديق (-رضي الله عنه- لما استخلف) بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول (بعثه إلى البحرين) تثنية بحر بلد مشهور بين البصرة وعمان، وكان الأصل أن يقول بعثني لكنه من باب الالتفات من الغائب إلى الحاضر (وكتب له هذا الكتاب) أي كتاب فريضة الصدقة السابق ذكره في باب زكاة الغنم ولشهرته عندهم أطلق، وأشار إليه بقوله: هذا الكتاب. ولفظه في الباب المذكور أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله فمن سُئِلَها من المسلمين على وجهها فليعطها ومن سُئِلَ فوقها فلا يعط في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاة الحديث بطوله مما يخرج سياقه كله عن غرض الاختصار لا سيما وليس المراد إلا قوله (وختمه) أي وختم أبو بكر الكتاب المذكور (بخاتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، وسقط قوله بخاتم النبي الخ للحموي والمستملي، (وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر). وزاد في اللباس أن هذا الخاتم كان في يد أبي بكر وفي يد عمر بعده وأنه سقط من يد عثمان وهو جالس على بئر أريس. 3107 - حَدَّثَنِا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَسَدِيُّ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ قَالَ: أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسٌ نَعْلَيْنِ جَرْدَاوَيْنِ لَهُمَا قِبَالاَنِ، فَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ بَعْدُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمَا نَعْلاَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 3107 - طرفاه في: 5857، 5858]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (عبد الله بن محمد) هو ابن أبي شيبة قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله) مكبرًا (الأسدي) بفتح الهمزة والسين المهملة أبو أحمد الزبيري الكوفي قال: (حدّثنا عيسى بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء الجشمي بضم الجيم وفتح الشين المعجمة البصري نزيل الكوفة (قال: أخرج إلينا أنس) هو ابن مالك (نعلين جرداوين) بفتح الجيم وسكون الراء تثنية جرداء مؤنث الأجرد أي خلقين بحيث لم يبق عليهما شعر ولأبي ذر وابن عساكر جرداوتين بالمثناة الفوقية بعد الواو وقبل التحتية والقياس الأول كحمراوين (لهما) ولأبي ذر

عن الكشميهني لها (قبالان) بكسر القاف تثنية قبال وهو زمام النعل وهو السير الذي يكون بين الأصبعين قال ابن طهمان (فحدّثني ثابت البناني) بضم الموحدة (بعد) أي بعد أن كان أنس أخرج إلينا نعلين (عن أنس أنهما نعلا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وكأنه رأى النعلين مع أن ولم يعلمه أنهما نعلاه عليه الصلاة والسلام فحدّثه بذلك ثابت عن أنس. وهذا الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في اللباس. 3108 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: "أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ -رضي الله عنها- كِسَاءً مُلَبَّدًا وَقَالَتْ: فِي هَذَا نُزِعَ رُوحُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَزَادَ سُلَيْمَانُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ إِزَارًا غَلِيظًا مِمَّا يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ، وَكِسَاءً مِنْ هَذِهِ الَّتِي يَدْعُونَهَا الْمُلَبَّدَةَ". [الحديث 3108 - طرفه في: 5818]. وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر: حدّثني (محمد بن بشار) بالموحدة المفتوحة والشين المعجمة المشددة العبدي البصري الملقب ببندار قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن حميد بن هلال) العدوي أبي نصر البصري ولأبي ذر من غير اليونينية حدّثنا حميد بن هلال (عن أبي بردة) بن أبي موسى الأشعري أنه (قال: أخرجت إلينا عائشة -رضي الله عنها- كساء) من صوف (ملبدًا) مرقعًا (وقالت: في هذا نزع) بضم النون وكسر الزاي (روح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكان لبسه عليه الصلاة والسلام له تواضعًا أو اتفاقًا لا عن قصد إذ كان يلبس ما وجد. وهذا الحديث أخرجه في اللباس أيضًا وكذا مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه. (وزاد سليمان) هو ابن المغيرة القيسي البصري (عن حميد عن أبي بردة) على رواية أيوب عن حميد بن هلال عن أبي بردة مما وصله مسلم عن شيبان بن فروخ عن سليمان بن المغيرة (قال: أخرجت إلينا عائشة إزارًا غليظًا مما يصنع باليمن وكساء من هذه التي يدعونها) بالمثناة التحتية ولأبي ذر تدعونها ولمسلم التي يسمونها (الملبدة) بضم الميم وفتح اللام والموحدة المشددة. 3109 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْكَسَرَ فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ. قَالَ عَاصِمٌ: رَأَيْتُ الْقَدَحَ وَشَرِبْتُ فِيهِ". [الحديث 3109 - طرفه في: 5638]. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة العتكي المروزي (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون اليشكري (عن عاصم) هو ابن سليمان الأحول (عن ابن سيرين) محمد (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، أن قدح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انكسر فاتخذ مكان الشعب) بفتح الشين المعجمة أي الصدع والشق (سلسلة من فضة) وفاعل اتخذ أنس أو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجزم بالأوّل بعضهم لقوله في رواية فجعلت مكان الشعب سلسلة. قال في الفتح: ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون فجعلت بضم الجيم على البناء للمجهول فرجع إلى الاحتمال لإبهام الجاعل ولأبي ذر فاتخذ مبنيًّا سلسلة بالرفع نائبًا عن الفاعل. (قال عاصم) الأحول (رأيت القدح) المذكور (وشربت فيه) أي تبركًا به عليه الصلاة والسلام. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأشربة. 3110 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ كَثِيرٍ حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدِّيلِيِّ حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ حَدَّثَهُ "أَنَّهُمْ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ مِنْ عِنْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَقْتَلَ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَقِيَهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ إِلَىَّ مِنْ حَاجَةٍ تَأْمُرُنِي بِهَا؟ فَقُلْتُ لَهُ: لاَ. فَقَالَ: فَهَلْ أَنْتَ مُعْطِيَّ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَغْلِبَكَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ، وَايْمُ اللَّهِ لَئِنْ أَعْطَيْتَنِيهِ لاَ يُخْلَصُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا حَتَّى تُبْلَغَ نَفْسِي، إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا -وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ- فَقَالَ: إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي، وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا. ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ قَالَ: حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي، وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلاَلاً وَلاَ أُحِلُّ حَرَامًا، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لاَ تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبَدًا". وبه قال: (حدّثنا سعيد بن محمد) أبو عبد الله (الجرمي) بفتح الجيم وسكون الراء الكوفي قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم (أن الوليد بن كثير) بالمثلثة المخزومي (حدّثه عن محمد بن عمرو بن حلحلة) بفتح العين وسكون الميم وحلحلة بفتح الحاءين المهملتين وسكون اللام الأولى (الدؤلي) بدال مهملة مضمومة فهمزة مفتوحة ولأبي ذر عن الكشميهني الديلي بكسر الدال وسكون التحتية من غير همز وصوّبه عياض (حدّثه أن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (حدّثه أن علي بن حسين) هو زين العابدين (حدّثه أنهم حين قدموا المدينة) النبوية (من عند يزيد بن معاوية مقتل) أبيه (حسين بن علي رحمة الله عليه) في عاشوراء سنة إحدى وستين (لقيه المسور بن مخرمة) بكسر الميم وسكون السين المهملة ومخرمة بفتحها وسكون الخاء المعجمة ولهما صحبة (فقال له): أي المسور لزين العابدين (هل لك إليّ من حاجة تأمرني بها؟) قال زين العابدين (فقلت له: لا. فقال) المسور: (فهل أنت معطي) بضم الميم وسكون العين وكسر الطاء المهملتين وتشديد التحتية أي هل أنت معطي (سيف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، إياي، ولعل هذا السيف ذو الفقار، وفي مرآة الزمان أنه عليه الصلاة والسلام وهبه لعليّ قبل موته ثم انتقل إلى آله، وأراد المسور بذلك صيانة سيف

رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لئلا يأخذه من لا يعرف قدره كما قال (فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه) أي يأخذونه منك بالقوة والاستيلاء (وايم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص) بضم حرف المضارعة وفتح اللام مبنيًّا للمفعول أي لا يصل السيف (إليهم) ولابن عساكر: إليه أي لا يصل إلى السيف أحدًا (أبدًا حتى تبلغ نفسي) بضم الفوقية وفتح اللام أي تقبض روحي. (إن عليّ بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل) جويرة تصغير جارية أو جميلة بفتح الجيم (على فاطمة عليها السلام فسمعت) بسكون العين (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب الناس في ذلك على منبره هذا وأنا يومئذٍ محتلم) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني المحتلم (فقال) عليه الصلاة والسلام: (إن فاطمة مني) أي بضعة مني (وأنا أتخوف أن تفتن في دينها). بسبب الغيرة قوله تفتن بضم أوله وفتح ثالثه (ثم ذكر) عليه الصلاة والسلام (صهرًا له من بني عبد شمس) وأراد به العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس وكان زوج ابنته زينب قبل البعثة (فأثنى عليه) خيرًا (في مصاهرته إياه قال: حدّثني. فصدقني) بتخفيف الدال في حديثه (ووعدني) أي أن يرسل إليّ زينب (وفى لي) بما وعدني ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فوفاني بالنون بدل اللام: (وإني لست أحرم حلالاً ولا أحل حرامًا ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبنت عدوّ الله أبدًا). فيه إشارة إلى إباحة نكاح بنت أبي جهل لعليّ -رضي الله عنه- ولكن نهى عن الجمع بينها وبين ابنته فاطمة -رضي الله عنها- لأن ذلك يؤذيها وأذاها يؤذيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخوف الفتنة عليها بسبب الغيرة فيكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنت نبي الله عليه الصلاة والسلام وبنت عدوّ الله. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل ويأتي إن شاء الله تعالى في النكاح. 3111 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ مُنْذِرٍ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: "لَوْ كَانَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- ذَاكِرًا عُثْمَانَ -رضي الله عنه- ذَكَرَهُ يَوْمَ جَاءَهُ نَاسٌ فَشَكَوْا سُعَاةَ عُثْمَانَ، فَقَالَ لِي عَلِيٌّ: اذْهَبْ إِلَى عُثْمَانَ فَأَخْبِرْهُ أَنَّهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمُرْ سُعَاتَكَ يَعْمَلُونَ فِيهَا. فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ: أَغْنِهَا عَنَّا. فَأَتَيْتُ بِهَا عَلِيًّا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: ضَعْهَا حَيْثُ أَخَذْتَهَا". [الحديث 3111 - طرفه في: 3112]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن محمد بن سوقة) بضم السين المهملة وسكون الواو وفتح القاف أي بكر الكوفي الثقة العابد (عن منذر) بضم الميم وسكون النون وكسر الذال المعجمة ابن يعلى الثوري الكوفي (عن ابن الحنفية) محمد بن علي بن أبي طالب أنه (قال: لو كان علي -رضي الله عنه- ذاكرًا عثمان) أي ابن عفان (رضي الله عنه) وروى ابن أبي شيبة من وجه آخر عن محمد بن سوقة حدّثني منذر قال: كنا عند ابن الحنفية فنال بعض القوم من عثمان فقال: مه. فقلنا له: أكان أبوك يسب عثمان؟ فقال: لو كان ذاكرًا عثمان أي بسوء. كما زاده الإسماعيلي وجواب لو قوله (ذكره يوم جاءه ناس فشكوا سعاة عثمان) عماله على الزكاة ولم يقف الحافظ ابن حجر على تعيين الشاكي ولا المشكو (فقال لي علي: اذهب إلى عثمان فأخبره أنها) أي الصحيفة التي أرسل بها إلى عثمان (صدقة رسول الله) أي مكتوب فيها مصارف صدقة رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمر سعاتك يعملون فيها) أي بما فيها ولأبي ذر يعملوا بحذف النون ولابن عساكر وأبي ذر بها بدل فيها أي بهذه الصحيفة قال ابن الحنفية (فأتيته بها فقال: أغنها) بقطع الهمزة المفتوحة وسكون الغين المعجمة وكسر النون أي اصرفها (عنا) وإنما ردها لأنه كان عنده نظيرها (فأتيت بها عليًّا فأخبرته فقال: ضعها حيث أخذتها). 3112 - وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُنْذِرًا الثَّوْرِيَّ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبِي، خُذْ هَذَا الْكِتَابَ فَاذْهَبْ بِهِ إِلَى عُثْمَانَ، فَإِنَّ فِيهِ أَمْرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالصَّدَقَةِ". (قال): ولأبي ذر: وقال (الحميدي) عبد الله بن الزبير شيخ المؤلّف (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا محمد بن سوقة قال: سمعت منذرًا الثوري عن ابن الحنفية قال: أرسلني أبي) عليّ بن أبي طالب (خذ هذا الكتاب فاذهب به إلى عثمان، فإن فيه أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الصدقة). ولأبي ذر عن الكشميهني: بالصدقة بالموحدة بدل في، وأراد المؤلّف بإيراد هذا بيان تصريح سفيان بالتحديث ومحمد بن سوقة بسماعه من منذر. وقد ترجم المؤلّف لأشياء ذكر بعضها دون بعض فمما ذكره ولم يخرج له حديثًا الدرع، ويحتمل أنه أراد أن يكتب حديث عائشة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توفي ودرعه مرهونة فلم يتفق له ذلك وقد سبق في البيوع ومن ذلك العصا ولعله قصد كتابة

6 - باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمساكين وإيثار النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل الصفة والأرامل

حديث ابن عباس أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يستلم الركن بمحجن وقد مضى في الحج ومن ذلك الشعر وفيه حديث أنس السابق في الطهارة في قول ابن سيرين عندنا شعر من شعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكره للقدح يدل على ما عداه من آنيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 6 - باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِنَوَائِبِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمَسَاكِين وَإِيثَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهْلَ الصُّفَّةِ وَالأَرَامِلَ حِينَ سَأَلَتْهُ فَاطِمَةُ وَشَكَتْ إِلَيْهِ الطَّحْنَ وَالرَّحَى أَنْ يُخْدِمَهَا مِنَ السَّبْيِ، فَوَكَلَهَا إِلَى اللَّهِ. (باب الدليل على أن الخمس) من الغنيمة (لنوائب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهي ما ينزل به من المهمات والحوادث (والمساكين) أي لأجلهم (و) لأجل (إيثار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهل الصفة) نصب مفعول المضاف لفاعله (والأرامل) عطف على أهل الصفة جمع أرمل الرجل الذي لا امرأة له والأرملة المرأة التي لا زوج لها (حين سألته) عليه الصلاة والسلام بنته (فاطمة) الزهراء (وشكت إليه الطحن) أي شدة ما تقاسيه منه وللكشميهني الطحين بكسر الحاء ثم تحتية ساكنة بعدها (و) شدة مقالبة (الرحى أن يخدمها) بضم الياء من الإخدام أي يعطيها خادمًا (من السبي) الذي حضر عنده (فوكلها) بتخفيف الكاف أي فوض أمرها (إلى الله). 3113 - حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي الْحَكَمُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى أخبرَنا عَلِيٌّ أَنَّ فَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى مِمَّا تَطْحَنُه، فَبَلَغَهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِسَبْيٍ، فَأَتَتْهُ تَسْأَلُهُ خَادِمًا فَلَمْ تُوَافِقْهُ، فَذَكَرَتْ لِعَائِشَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ لَهُ، فَأَتَانَا وَقَدْ دَخَلْنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْنَا لِنَقُومَ فَقَالَ: عَلَى مَكَانِكُمَا، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي، فَقَالَ: أَلاَ أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَاني؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَكَبِّرَا اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمَا مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ". [الحديث 3113 - أطرافه في: 3705، 5361، 5362، 6318]. وبه قال: (حدّثنا بدل بن المحبر) بفتح الموحدة والدال المهملة المخففة والمحبر بضم الميم وفتح الحاء المهملة وفتح الموحدة المشددة قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرني) بالإفراد (الحكم) بن عتيبة (قال: سمعت ابن أبي ليلى) عبد الرحمن (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (عليّ) هو ابن أبي طالب -رضي الله عنه- (أن فاطمة عليها السلام اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن) وفي مسلم ما تلقى من الرحى في يدها (فبلغها أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتي بسبي) بضم الهمزة. قال ابن الأثير: السبي النهب وأخذ الناس عبيدًا: (فأتته تسأله خادمًا) عبدًا أو جارية (فلم توافقه)، أي تصادفه ولم تجتمع به ولمسلم فلم تجده فلقيت عائشة (فذكرت لعائشة، فجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكرت ذلك عائشة له فأتانا) عليه السلام (و) الحال أنا (قد دخلنا) ولأبي ذر عن الكشميهني أخذنا (مضاجعنا فذهبنا لنقوم) أي لأن نقوم (فقال): (على مكانكما) أي الزماه ولمسلم فقعد بيننا (حتى وجدت برد قدميه) بالتثنية، ولأبي ذر عن الكشميهني قدمه (على صدري) وحتى غاية لمقدّر أي دخل عليه السلام في مضجعنا حتى (فقال: ألا أدلكما على خير مما سألتماه) ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني سألتماني وأسند الضمير إليهما والسائل إنما هو فاطمة فقط لأن سؤالها كان برضاه (إذا أخذتما مضاجعكما فكبّرا الله أربعًا وثلاثين واحمدا ثلاثًا وثلاثين وسبحا ثلاثًا وثلاثين)، بكسر الموحدة في الموضعين وفتح الميم (فإن) ثواب (ذلك) في الآخرة (خير لكما مما سألتماه). من فائدة الخادم خدمة الطحن ونحوه ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني سألتما بحذف الضمير. فإن قلت: لا مطابقة بين الترجمة والحديث لأنه لم يذكر فيه أهل الصفة ولا الأرامل؟ أجيب بأنه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث كعادته، فعند الإمام أحمد من وجه آخر عن عليّ في هذهِ القصة مطوّلاً وفيه: والله لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم اهـ. وحديث الباب أخرجه أيضًا في فضائل عليّ وفي النفقات والدعوات ومسلم في الدعوات. 7 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] يَعْنِي لِلرَّسُولِ قَسْمَ ذَلِكَ وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَخَازِنٌ، وَاللَّهُ يُعْطِي». (باب) معنى (قول الله تعالى): ولأبي ذر وابن عساكر عز وجل بدل قوله تعالى: ({فأن لله خمسه}) مبتدأ خبره محذوف أي ثبت لله خمسه والجمهور على أن ذكر الله للتعظيم كما في قوله تعالى: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} [التوبة: 62] وإن المراد قسم الخمس على الخمسة المعطوفين ({وللرسول}) [الأنفال: 41] اللام للملك فله عليه السلام خمس الخمس من الغنيمة سواء حضر القتال أم لم يحضر وقال البخاري (يعني للرسول قسم ذلك) فقط لا ملكه وإنما خص بنسبة الخمس إليه إشارة إلى أنه ليس للغانمين فيه حق بل هو مفوّض إلى رأيه وكذلك إلى الإمام بعده، وذهب أبو العالية إلى ظاهر الآية فقال: يقسم ستة أقسام ويصرف سهم الله إلى الكعبة لما روي أنه عليه السلام كان

يأخذ منه قبضة فيجعلها للكعبة ثم يقسم ما بقي على خمسة وقيل سهم الله لبيت المال وقيل مضموم إلى سهم الرسول وسقط قوله وللرسول لغير أبي ذر واستدلّ البخاري لما ذهب إليه بقوله: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنما أنا قاسم) وهذا طرف من حديث أبي هريرة الآتي إن شاء الله تعالى في هذا الباب (و) في حديث معاوية السابق في العلم إنما أنا (خازن، والله يعطي). وذكره موصولاً في الاعتصام بهذا اللفظ. 3114 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ وَمَنْصُورٍ وَقَتَادَةَ أنهم سَمِعُوا سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: "وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا مِنَ الأَنْصَارِ غُلاَمٌ، فَأَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ مُحَمَّدًا - قَالَ شُعْبَةُ فِي حَدِيثِ مَنْصُورٍ: إِنَّ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: حَمَلْتُهُ عَلَى عُنُقِي، فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَفِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ: وُلِدَ لَهُ غُلاَمٌ فَأَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ مُحَمَّدًا -قَالَ: سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي، فَإِنِّي إِنَّمَا جُعِلْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ. وَقَالَ حُصَيْنٌ: بُعِثْتُ قَاسِمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ، وَقَالَ عَمْرٌو: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا عَنْ جَابِرٍ: أَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ الْقَاسِمَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَمُّوا بِاسْمِي، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي". [الحديث 3114 - أطرافه في: 3115، 3538، 6186، 6187، 6189، 6196]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (ومنصور) هو ابن المعتمر (وقتادة) بن دعامة (أنهم سمعوا سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أنه قال: ولد لرجل منا من الأنصار غلام) اسم الرجل أنس بن فضالة الأنصاري (فأراد أن يسميه محمدًا. قال شعبة) بن الحجاج (في حديث منصور) هو ابن المعتمر (أن الأنصاري) يعني أنس بن فضالة (قال: حملته) يعني ولده (على عنقي فأتيت به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وقال شعبة أيضًا (وفي حديث سليمان): الأعمش (-ولد- له) أي لأنس المذكور (غلام فأراد أن يسميه محمدًا- قال) عليه السلام: (سموا) بفتح السين وضم الميم المشددة (باسمي)، فيه الإذن في التسمية باسمه للبركة الموجودة ولما فيه من الفأل الحسن من معنى الحمد ليكون محمودًا وفيه أحاديث جمعها بعضهم في جزء رويناه (ولا تكنوا) بفتح أوله وثانيه والنون المشددة وأصله تتكنوا فحذفت إحدى التاءين (بكنيتي). أبي القاسم (فإني إنما جعلت قاسمًا أقسم بينكم). أي أموال المواريث والغنائم وغيرهما عن الله وليس ذلك لأحد إلا له، فلا يطلق هذا الاسم بالحقيقة إلا عليه، وحينئذٍ فيمتنع التكني بذلك مطلقًا، وهذا مذهب أهل الظاهر، وعن مالك يباح مطلقًا لأن هذا كان في زمن الرسول للالتباس بكنيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال ابن جرير: النهي للتنزيه والأدب لا للتحريم. وقال آخرون: النهي مخصوص بمن اسمه محمد أو أحمد ولا بأس بالكنية وحدها. (وقال حصين): بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي فيما رواه مسلم موصولاً (بعثت قاسمًا أقسم بينكم). وإنما قال عليه السلام ذلك تطييبًا لنفوسهم لمفاضلته في العطاء. (قال) ولأبي ذر وقال (عمرو): بفتح العين ابن مرزوق شيخ المؤلّف مما وصله أبو نعيم في مستخرجه (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة أنه قال: (سمعت سالمًا) هو ابن أبي الجعد (عن جابر) -رضي الله عنه- أنه قال: (أراد) أي الأنصاري (أن يسميه القاسم). أي أراد الأنصاري أن يسمي ولده القاسم ومن لازم تسميته به أن يكون أبوه أبا القاسم فيكون مكنى بكنيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سموا) بفتح المهملة وضم الميم ولأبي ذر تسموا بزيادة فوقية مفتوحة وفتح الميم (باسمي، ولا تكتنوا) بفتح الفوقية بينهما كاف ساكنة ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني ولا تكنوا بفتح الكاف والنون المشددة أصله تتكنوا فحذفت إحدى التاءين (بكنيتي). وهذا الحديث أخرجه أيضًا في صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي الأدب ومسلم في الاستئذان. 3115 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: "وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلاَمٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: لاَ نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ وَلاَ نُنْعِمُكَ عَيْنًا. فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ لِي غُلاَمٌ فَسَمَّيْتُهُ الْقَاسِمَ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: لاَ نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ وَلاَ نُنْعِمُكَ عَيْنًا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَحْسَنَتِ الأَنْصَارُ، سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي، فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله الأنصاري) -رضي الله عنهما- أنه (قال: ولد لرجل منا) اسمه أنس بن فضالة (غلام فسماه القاسم، فقالت الأنصار: لا نكنيك) بفتح النون الأولى وكسر الثانية بينهما كاف ساكنة آخره كاف قبلها تحتية ساكنة، ولأبي ذر عن الكشميهني: نكنك بحذف التحتية (أبا القاسم ولا ننعمك عينًا) بضم النون الأولى وسكون الثانية وكسر العين المهملة ورفع الميم ولأبي ذر عن الكشميهني ولا ننعمك بالجزم أي لا نكرمك ولا نقر عينك بذلك (فأتى) الأنصاري (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله ولد لي غلام فسميته القاسم فقالت الأنصار: لا نكنيك)

بفتح النون الأولى وسكون الكاف وبعد النون المكسورة تحتية ساكنة ولأبي ذر عن الكشميهني نكنك بحذف التحتية (أبا القاسم ولا ننعمك عينًا) ولأبي ذر عن الكشميهني ولا ننعمك بالجزم (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أحسنت الأنصار سموا) بالسين المفتوحة وضم الميم ولأبي ذر فسموا بزيادة فاء قبل السين وله أيضًا تسموا بزيادة فوقية مفتوحة وفتح الميم (باسمي، ولا تكنوا بكنيتي)، بفتح التاء والكاف والنون المشددة ولأبي ذر ولا تكتنوا بسكون الكاف بعدها فوقية والنون مخففة (فإنما أنا قاسم). بين البخاري -رحمه الله تعالى- الاختلاف على شعبة هل أراد الأنصاري أن يسمي ابنه محمدًا أو القاسم، وأشار إلى ترجيح أنه أراد أن يسميه القاسم بطريق الثوري هذه ويقوي ذلك أنه لم يقع الإنكار من الأنصار عليه إلا حيث لزم من تسميته ولده القاسم أن يصير هو أبا القاسم كما مرّ. 3116 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بن موسى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللَّهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ، وَلاَ تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ". وبه قال: (حدّثنا حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة المروزي وسقط ابن موسى لغير أبي ذر قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن حميد بن عبد الرحمن) بضم الحاء مصغرًا ابن عوف أحد العشرة المبشرة القرشي الزهري (أنّه سمع معاوية) بن أبي سفيان -رضي الله عنه- (قال): ولأبي ذر يقول: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من يرد الله به خيرًا) بالتنكير في سياق الشرط فيعم أي من يرد الله به جميع الخيرات (يفقهه في الدين والله المعطي وأنا القاسم)، فأعطى كل واحد ما يليق به وفي باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين من كتاب العلم وإنما أنا قاسم بأداة الحصر. واستشكل من حيث إن معناه ما أنا إلا قاسم وكيف يصح وله صفات أخرى كالرسول والمبشر والنذير؟ وأجيب: بأن الحصر إنما هو بالنسبة إلى اعتقاد السامع وهذا ورد في مقام كان السامع معتقدًا كونه معطيًا فلا ينفي إلا ما أعتقده السامع لا كل صفة من الصفات وحينئذٍ إن أعتقد أنه معط لا قاسم فيكون من باب قصر القلب أي ما أنا إلا قاسم أي لا معط وإن اعتقد أنه قاسم ومعط أيضًا فيكون من قصر الإفراد أي لا شركة في الوصفين بل أنا قاسم فقط. (ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي أمر الله) أي القيامة (وهم ظاهرون). وفيه بيان أن هذه الأمة آخر الأمم وأن عليها تقوم الساعة وإن ظهرت أشراطها وضعف الدين فلا بد أن يبقى من أمته من يقوم به. وهذا الحديث سبق في العلم. 3117 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلاَلٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا أُعْطِيكُمْ وَلاَ أَمْنَعُكُمْ، أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة بعدها نونان بينهما ألف قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام آخره مهملة مصغرًا لقب عبد الملك بن سليمان بن المغيرة قال: (حدّثنا هلال) هو ابن علي الفهري (عن عبد الرحمن بن أبي عمرة) بفتح العين وسكون الميم آخره هاء تأنيث الأنصاري النجاري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ما أعطيكم ولا أمنعكم)، وإنما الله المعطي في الحقيقة وهو المانع (أنا) ولأبي ذر عن الكشميهني إنما أنا (قاسم أضع حيث أمرت). لا برأيي فمن قسمت له قليلاً فذلك بقدر الله له ومن قسمت له كثيرًا فبقدر الله أيضًا. 3118 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ عَنِ ابْنِ أَبِي عَيَّاشٍ -وَاسْمُهُ نُعْمَانُ- عَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد) من الزيادة أبو عبد الرحمن المقري مولى آل عمر بن الخطاب قال: (حدّثنا سعيد بن أبي أيوب) بكسر العين الخزاعي واسم أبي أيوب مقلاص وسقط لغير المستملي ابن أبي أيوب (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو الأسود) محمد بن عبد الرحمن بن نوفل النوفلي (عن ابن أبي عياش) بالتحتية المشددة آخره شين معجمة (-واسمه نعمان-) بضم النون وسكون العين الأنصاري الزرقي واسم أبي عياش عبيد أو زيد بن معاوية بن الصلت (عن خولة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو بنت قيس بن فهد (الأنصارية) زوج حمزة بن عبد المطلب أو زوج حمزة هي خولة بنت ثائر بالمثلثة الخولانية أو ثائر لقب لقيس بن فهد وبه جزم ابن المديني (-رضي الله عنها-) أنها (قالت: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن رجالاً يتخوضون) بالخاء والضاد المعجمتين من

8 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أحلت لكم الغنائم».

الخوض وهو المشي في الماء وتحريكه ثم استعمل في التصرف في الشيء أي يتصرفون (في مال الله) الذي جعله لمصالح المسلمين (بغير) قسمة (حق)، بل بالباطل واللفظ وإن كان أعم من أن يكون بالقسمة أو بغيرها لكن تخصيصه بالقسمة لتفهم منه الترجمة صريحًا كما قاله الكرماني (فلهم النار يوم القيامة). فيه ردع الولاة أن يتصرفوا في بيت مال المسلمين بغير حق. 8 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُحِلَّتْ لَكُمُ الْغَنَائِمُ». وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} [الفتح: 20] الآية. وَهْيَ لِلْعَامَّةِ حَتَّى يُبَيِّنَهُ الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أحلت لكم الغنائم") أي ولم تحل لغيركم (وقال الله تعالى): ولأبي ذر: عز وجل بدل قوله تعالى: ({وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها}) [الفتح: 20] هي ما أصابوها معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبعده إلى يوم القيامة (فعجل لكم هذه) أي غنائم خيبر، واتفقوا على أن الآية نزلت في أهل الحديبية وزاد أبو ذر الآية (وهي) ولأبي ذر فهي أي الغنيمة (للعامة) من المسلمين (حتى يبينه) أي الاستحقاق (الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه للمقاتلين ولأصحاب الخمس فالقرآن مجمل والسُّنّة مبيّنة له. 3119 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ والأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله بن عبد الرحمن الطحان قال: (حدّثنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي (عن عامر) الشعبي (عن عروة) بن الجعد (البارقي) بالموحدة والراء والقاف الأزدي (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الخيل معقود في نواصيها) ولابن عساكر بنواصيها (الخير. الأجر) هو نفس الخير أي الثواب في الآخرة (والمغنم) بفتح الميم وسكون المعجمة أي الغنيمة في الدنيا (إلى يوم القيامة) فيه أن الجهاد لا ينقطع أبدًا وسبق هذا الحديث في الجهاد. 3120 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدّثنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده)، أي في العراق (وإذا هلك قيصر فلا) فليس (قيصر بعده) أي في الشأم (والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله). بفتح الفاء والقاف أو بكسر الفاء وضم القاف وكلاهما في اليونينية فكنوز رفع على الأول ونصب على الثاني وقد صدق الله تعالى رسوله وأنفقت كنوزهما في سبيل الله. 3121 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ سَمِعَ جَرِيرًا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ». [الحديث 3121 - طرفاه في: 3619، 6629] وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن إبراهيم بن راهويه أنه (سمع جريرًا) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن عبد الملك) بن عمير الكوفي (عن جابر بن سمرة) بفتح السين المهملة وضم الميم (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله). وهذا الحديث أخرجه أيضًا في علامات النبوة والأيمان والنذور ومسلم في الفتن. 3122 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ الْفَقِيرُ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة الواسطي قال: (أخبرنا سيار) بفتح السين المهملة وتشديد التحتية ابن أبي سيار واسمه وردان الواسطي قال: (حدّثنا يزيد الفقير) لأنه أصيب في فقار ظهره ابن صهيب الكوفي قال: (حدّثنا جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أحلت لي الغنائم) هي من خصائصه فلم تحل لأحد غيره وأمته. وهذا الحديث سبق في الطهارة في باب التيمم. 3123 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ، بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته. بأن) ولابن عساكر أن (يدخله) بفضله (الجنة) بعد الشهادة في الحال أو بغير حساب ولا عذاب بعد البعث وتكون فائدة تخصيصه أن ذلك كفارة لجميع خطاياه ولا توزن مع حسناته وعبر عن تفضله تعالى بالثواب بلفظ تكفل الله لتطمئن به النفوس

وتركن إليه القلوب (أو يرجعه) بفتح الياء لأن رجع يتعدى بنفسه أي أو أن يرجعه (إلى مسكنه الذي خرج منه مع أجر) ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني مع ما نال من أجر أي بلا غنيمة إن لم يغنموا (أو) من أجر مع (غنيمة) إن غنموا، فالقضية مانعة الخلو لا الجمع لأن الخارج للجهاد ينال الخير بكل حال فإما أن يستشهد فيدخل الجنة وإما أن يرجع بأجر فقط وإما بأجر وغنيمة معًا وهذا بخلاف أو التي في أو يرجعه فإنها تفيد منع كليهما. وهذا الحديث قد سبق في الإيمان والجهاد. 3124 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لاَ يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهْوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا، وَلاَ أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا، وَلاَ أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهْوَ يَنْتَظِرُ وِلاَدَهَا. فَغَزَا. فَدَنَا مِنَ الْقَرْيَةِ صَلاَةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ أحْبِسْهَا عَلَيْنَا، فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَجَمَعَ الْغَنَائِمَ، فَجَاءَتْ -يَعْنِي النَّارَ- لِتَأْكُلَهَا فَلَمْ تَطْعَمْهَا، فَقَالَ: إِنَّ فِيكُمْ غُلُولاً، فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، فَلْيُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، فَجَاءُوا بِرَأْسٍ بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ فَوَضَعُوهَا، فَجَاءَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا. ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الْغَنَائِمَ، رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا". [الحديث 3124 - طرفه في: 5157]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا ابن المبارك) عبد الله (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام بن منبه) بفتح الهاء وتشديد الميم ومنبه بضم الميم وفتح النون وتشديد الموحدة المكسورة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (غزا) أي أراد (نبي من الأنبياء) أن يغزو وعند الحاكم في مستدركه من طريق كعب الأحبار أن هذا النبي هو يوشع بن نون وكان الله تعالى قد نبأه بعد موسى عليه الصلاة والسلام وأمره بقتال الجبارين (فقال لقومه) بني إسرائيل (لا يتبعني) بالجزم على النهي ويجوز الرفع على النفي (رجل ملك بضع امرأة) بضم الموحدة وسكون المعجمة أي عقد نكاح امرأة (وهو) أي والحال أنه (يريد أن يبني بها) أي يدخل عليها وتزف إليه (ولما يبن بها)، أي والحال أنه لم يدخل عليها لتعلق قلبه غالبًا بها فيشتغل عما هو عليه من الطاعة وربما ضعف فعل جوارحه بخلاف ذلك بعد الدخول (ولا) يتبعني (أحد بنى بيوتًا) بالجمع (ولم يرفع سقوفها، ولا أحد) ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي ولا آخر بالخاء المعجمة والراء (اشترى غنمًا) أي حوامل (أو خلفات) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام بعدها فاء مخففة جمع خلفة وهي الحامل من النوق وقد تطلق على غير النوق، (وهو) أي والحال أنه (ينتظر ولادها) بكسر الواو وبعد الدال هاء مصدر ولد يلد ولادًا وولادة وأو في قوله غنمًا أو خلفات للتنويع، ويكون قد حذف وصف الغنم بالحمل لدلالة الثاني عليه ويؤكد كونها للتنويع رواية أبي يعلى عن محمد بن العلاء: ولا رجل له غنم أو بقر أو خلفات، ويحتمل أن تكون للشك أي هل قال غنمًا بغير صفة أو خلفات أي بصفة أنها حوامل، والمراد أن لا تتعلق قلوبهم بإنجاز ما تركوه معوّقًا. (فغزا) يوشع بمن تبعه من بني إسرائيل ممن لم يتصف بتلك الصفة (فدنا من القرية) هي أريحا بهمزة مفتوحة فراء مكسورة فتحتية ساكنة فحاء مهملة مقصورًا (صلاة العصر أو قريبًا من ذلك). وعند الحاكم من روايته عن كعب: وقت عصر يوم الجمعة فكادت الشمس أن تغرب ويدخل الليل، وعند ابن إسحاق فتوجه ببني إسرائيل إلى أريحا فأحاط بها ستة أشهر فلما كان السابع نفخوا في القرون فسقط سور المدينة فدخلوها وقتلوا الجبارين، وكان القتال يوم الجمعة فبقيت منهم بقية وكادت الشمس تغرب وتدخل ليلة السبت فخاف يوشع عليه الصلاة والسلام أن يعجزوا لأنه لا يحل لهم قتالهم فيه (فقال للشمس: إنك مأمورة). أمر تسخير بالغروب (وأنا مأمور) أمر تكليف بالصلاة أو القتال قبل غروبك وهل مخاطبته للشمس حقيقة وأن الله تعالى خلق فيها تمييزًا وإدراكًا يأتي ذلك إن شاء الله تعالى في الفتن، في سجودها تحت العرش واستئذانها من حيث تطلع (اللهم احبسها علينا) حتى نفرع من قتالهم (فحبست) بضم الحاء وكسر الموحدة أي ردت على أدراجها أو وقفت أو بطئت حركتها (حتى فتح الله عليه) ولأبي ذر عن الكشميهني: عليهم (فجمع) يوشع (الغنائم) زاد في رواية سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عند النسائي وابن حبان: وكانوا إذا غنموا غنيمة بعث الله عليها النار فتأكلها (فجاءت -يعني النار- لتأكلها فلم تطعمها)، بفتح أوّله وثالثه أي لم تذق طعمها وهو على طريق المبالغة إذ كان الأصل أن يقال

9 - باب الغنيمة لمن شهد الوقعة

فلم تأكلها وكان المجيء علامة للقبول وعدم الغلول (فقال) يوشع عليه الصلاة والسلام: (إن فيكم غلولاً)، أي سرقة من الغنيمة (فليبايعني من كل قبيلة رجل) أي فبايعوه (فلزقت يد رجل بيده)، بكسر الزاي (فقال) يوشع: (فيكم الغلول، فليبايعني) بالتحتية بعد اللام، ولأبي ذر: فلتبايعني بالفوقية (قبيلتك) أي فبايعته (فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده)، وفي رواية ابن المسيب رجلين بالجزم (فقال) يوشع (فيكم الغلول، فجاؤوا برأس مثل رأس بقرة) ولابن عساكر: البقرة بالتعريف (من الذهب، فوضعوها فجاءت النار فأكلتها)، قال ابن المنير: جعل الله علامة الغلول إلزاق يد الغال وألهم ذلك يوشع فدعاهم للمبايعة حتى تقوم له العلامة المذكورة، وكذلك يوفق الله تعالى خواص هذه الأمة من العلماء لمثل هذا الاستدلال. فقد روي في الحكايات المسندة عن الثقات أنه كان بالمدينة محمة يغسل فيها النساء وأنه جيء إليها بامرأة فبينما هي تغسل إذ وقفت عليها امرأة فقالت: إنك زانية وضربت يدها على عجيزة المرأة الميتة فألزقت يدها فحاولت وحاول النساء نزع يدها فلم يمكن ذلك فرفعت إلى والي المدينة فاستشار الفقهاء فقال قائل بقطع يدها، وقال آخر بقطع بضعة من الميتة لأن حرمة الحي آكد فقال الوالي: لا أبرم أمرًا حتى أؤامر أبا عبد الله فبعث إلى مالك -رحمه الله- فقال: لا تقطع من هذه ولا من هذه ما أرى هذه إلاَّ امرأة تطلب حقها من الحدّ فحدّوا هذه القاذفة فضربها تسعة وسبعين سوطًا ويدها ملتصقة فلما ضربها تكملة الثمانين انحلت يدها، فإما أن يكون مالك -رحمه الله- اطلع على هذا الحديث فاستعمله بنور التوفيق في مكانه، وإما أن يكون وفق فوافق وقد كان الزاق يد الغال بيد يوشع تنبيها على أنها يد عليها حق يطلب أن يتخلص منه، أو دليلاً على أنها يد ينبغي أن يضرب عليها ويحبس صاحبها حتى يؤدي الحق إلى الإمام وهو من جنس شهادة اليد على صاحبها يوم القيامة. واستنبط من هذا الحديث أن أحكام الأنبياء قد تكون بحسب الأمر الباطن. (ثم أحل الله لنا الغنائم)، خصوصية لنا وكان ابتداء ذلك من غزوة بدر (رأى) سبحانه وتعالى (ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا) رحمة بنا لشرف نبينا عليه الصلاة والسلام ولم يحلها لغيرنا لئلا يكون قتالهم لأجل الغنيمة لقصورهم في الإخلاص بخلاف هذه الأمة المحمدية فإن الإخلاص فيهم غالبًا جعلنا الله من المخلصين بمنه وكرمه، وفي التعبير بلنا تعظيم حيث أدخل عليه الصلاة والسلام نفسه الكريمة معنا، وفي قوله إن الله رأى عجزنا وضعفنا إشارة إلى أن الفضيلة عند الله تعالى هي إظهار العجز والضعف بين يديه تعالى. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح ومسلم في المغازي. 9 - باب الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ هذا (باب) بالتنوين (الغنيمة لمن شهد الوقعة) لا لمن غاب عنها. 3125 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه-: "لَوْلاَ آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فَتَحْتُ قَرْيَةً إِلاَّ قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ". وبه قال: (حدّثنا صدقة) هو ابن الفضل المروزي قال: (أخبرنا عبد الرحمن) هو ابن مهدي البصري (عن مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) مولى عمر بن الخطاب (عن أبيه) أسلم أنه (قال: قال عمر -رضي الله عنه-: لولا آخر المسلمين) الذين لم يوجدوا بعد (ما فتحت قرية إلا قسمتها) أي أرضها خاصة (بين أهلها) الفاتحين لها لأن ذلك حقهم بطريق الأصالة، لكنه رضي الله عنه رأى أنه إذا فعل ذلك لم يبق شيء لمن يجيء بعد ممن يسد من الإسلام مسدًّا، فاقتضى حسن نظره -رضي الله عنه- أن يفعل في ذلك أمرًا يسع أولهم وآخرهم فوقفها وضرب عليها الخراج للغانمين ولمن يجيء بعدهم من المسلمين ومنه بيعها وأن الحكم في أرض العنوة أن تقسم (كما قسم النبي خيبر) أي بين من شهدها كما تقسم الغنائم. وقال أبو حنيفة وصاحباه: الإمام بالخيار إن شاء خمسها وقسم أربعة أخماسها وإن شاء تركها أرض خراج، واحتج لهم بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن قسم خيبر بكمالها ولكنه قسم طائفة منها على ما احتج به عمر -رضي الله عنه- في هذا الحديث، وترك طائفة منها فلم يقسمها على ما روي عن ابن عباس وابن عمر وجابر، والذي كان قسمه منها هو الشق والنطاة وترك سائرها. وعن

10 - باب من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره؟

سهل بن أبي حثمة فيما رواه الطحاوي قال: قسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر نصفين نصفًا لنوائبه وحاجته ونصفًا بين المسلمين ففيه أنه كان وقف نصفها لنوائبه وحاجته وقسم بقيتها بين من شهدها، وأن الذي وقفه منها هو الذي كان دفعه إلى اليهود مزارعة على ما في حديث ابن عمر وجابر. قال الطحاوي: فعلمنا من ذلك أنه قسم وله أن يقسم وترك وله أن يترك فثبت بذلك أن هذا حكم الأراضي المفتتحة للإمام أن يقسمها إن رأى ذلك صلاحًا للمسلمين كما قسم عليه الصلاة والسلام ما قسم من خيبر وله تركها إن رأى ذلك صلاحًا للمسلمين، وقد فعل عمر ذلك في أرض السواد بإجماع الصحابة فتركها للمسلمين أرض خراج لينتفع بها من كان في عصره من المسلمين ومن بعدهم. وأجاب الشافعي فيما قاله ابن المنذر: بأن عمر استطاب أنفس الغانمين الذين فتحوا أرض السواد، وتعقب بأنه مخالف لتعليل عمر بقوله: لولا آخر المسلمين. وأجيب: وبأن معناه لولا آخر المسلمين ما استطبت أنفس الغانمين. وروى الطحاوي عن عبد الله بن عمر بن العاصي أن أباه لما فتح أرض مصر جمع من كان معه من الصحابة واستشارهم في قسمة أرضها بين من شهدها كما قسم بينهم غنائمها وكما قسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر بين من شهدها أو يوقفها حتى يراجع عمر -رضي الله عنه- فقال نفر منهم فيهم ابن الزبير بن العوّام: والله ما ذاك إليك ولا إلى عمر إنما هي أرض فتحها الله عز وجل علينا وأوجفنا عليها خيلنا ورجالنا وحوينا ما فيها، وقال نفر منهم: لا تقسمها حتى نراجع أمير المؤمنين فيها فاتفق رأيهم على أن يكتبوا إلى عمر في ذلك، فكتب إليهم عمر بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فقد وصل إليّ ما كان من إجماعكم على أن تفيئوا عطايا المسلمين ومؤن من يغزو العدوّ من أهل الكفر وإني إن قسمتها عليكم لم يكن لمن بعدكم من المسلمين مادة يغزون بها عدوّهم ولولا ما أحمل عليه في سبيل الله عز وجل وأدفع عن المسلمين من مؤنهم وأجري على ضعفائهم وأهل الديوان منهم لقسمتها بينكم فأوقفوها فيئًا على من بقي من المسلمين حتى تنقرض آخر عصابة تغزو من المؤمنين والسلام عليكم. ولما وضع عمر الخراج على أرض العراق وطلبوا منه أن يقسمها بينهم واحتجوا عليه بقوله تعالى: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى} إلى قوله: {وابن السبيل} [الحشر: 7] ثم قال: {للفقراء المهاجرين} [الحشر: 8] فأدخلهم معهم، ثم قال: {والذين تبوؤوا الدار والإيمان} يريد الأنصار فأدخلهم معهم احتج عليهم بقوله تعالى: {والذين جاؤوا من بعدهم} فأدخل فيهم من يجيء من بعدهم. فإن قلت: لم لا يكون قوله: {والذين جاؤوا من بعدهم} استئنافًا والخبر في قوله تعالى: {يقولون ربنا اغفر لنا} [الحشر: 9 - 10] يكون الفرق بين هؤلاء الذين لم يوجدوا بعد وبين الدين تبوؤوا الدار وهم الأنصار وكانوا يحضرون الوقائع فيستحقون كالمهاجرين، وأما هؤلاء فلا يوجد فيهم الاستحقاق ولم تدع ضرورة إلى العطف لإمكان الاستئناف؟ أجيب: بأن الاستئناف هنا لا يصح لأنه حينئذٍ يكون خبرًا عن كل من جاء بعد الصحابة أن يستغفر لهم وقد وقع خلاف هذا من أكثر الرافضة وغيرهم من السابين غير المستغفرين، فلو كان خبرًا لزم الخلف وهو باطل، فإذا جعلنا ذلك معطوفًا أدخلنا الذين جاؤوا من بعدهم في الاستحقاق للغنيمة وجعلنا قوله يقولون جملة حالية كالشرط للاستحقاق كأنه قال: يستحقون في حالة الاستغفار وبشرطه، ولهذا قال مالك: لا حق لمن سب السلف في الفيء وحينئذٍ فلا يلزم خلف، والذي تقرر أن مذهب الحنفية والحنابلة أن الإمام مخير فيما فتح عنوة بين قسمة أرضه كالمنقولات ووقفها، وأن مذهب الشافعية قسمتها على من حضر الوقعة وعن المالكية أنها تصير وقفًا بنفس الظهور، وقال الشافعية في أرض الفيء: يقفها الإمام لتبقى الرقبة مؤيدة وينتفع بغلتها المستحق كل عام بخلاف المنقول فإنه معرض للهلاك وبخلاف الغنيمة فإنها بعيدة عن نظر الإمام واجتهاده لتأكد حق الغانمين وأن الإمام إن رأى قسمة أرض الفيء أو بيعها وقسمة ثمنها جاز لكن لا يقسم سهم المصالح بل يقوف وتصرف غلته في المصالح أو يباع ويصرف ثمنه إليها. 10 - باب مَنْ قَاتَلَ لِلْمَغْنَمِ هَلْ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ؟ (باب من قاتل للمغنم) أي مع قصد

11 - باب قسمة الإمام ما يقدم عليه، ويخبأ لمن لم يحضره أو غاب عنه

أن تكون كلمة الله هي العليا (هل ينقص من أجره؟) ظاهر صنيع المؤلّف لا واحتج له ابن المنير بأن قصد الغنيمة لا يكون منافيًا للأجر ولا منقصًا له إذا قصد معه إعلاء كلمة الله لأن السبب لا يستلزم الحصر ولو كان قصد المغنم ينافي قصد أن تكون كلمة الله هي العليا لما كان الجواب من الشارع عامًّا حيث قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ولكان الجواب المطابق أن يقال: من قاتل للمغنم فليس في سبيل الله نعم الظاهر أنه ينقص، لكنه كما قال في الفتح أنه نقص نسبي فليس من قصد إعلاء كلمة الله محضًا في الأجر مثل من ضم إلى هذا القصد قصدًا آخر من غنيمة أو غيرها. وقال العيني ليس له أجر فضلاً عن النقصان لأن المجاهد هو الذي يجاهد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله والظاهر أنه أراد من قاتل للمغنم فقط من غير قصد لإعلاء كلمة الله. 3126 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ أَعْرَابِيٌّ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ، وَيُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، مَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهْوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". وبه قاله: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة المفتوحة والمعجمة المشددة قال: (حدّثنا غندر) هو لقب محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين ابن مرة أنه (قال: سمعت أبا وائل) شقيق بن سلمة (قال: حدّثنا أبو موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال أعرابي) هو لاحق بن ضمرة الباهلي (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الرجل يقاتل للمغنم) أي لأجل الغنيمة (والرجل يقاتل ليذكر) بضم الياء مبنيًّا للمفعول أي لأجل أن يذكر بالشجاعة عند الناس (ويقاتل ليرى) بضم الياء للمفعول أي لأجل أن يرى (مكانه) بالرفع نائبًا عن الفاعل أي مرتبته في الشجاعة (من) ولابن عساكر: فمن (في سبيل الله؟ فقال) عليه الصلاة والسلام: (من قاتل لتكون كلمة الله) أي كلمة توحيده (هي العليا) بضم العين (فهو) المقاتل (في سبيل الله) وإن قصد مع ذلك الغنيمة كما سبق، أما لو قصد الغنيمة فقط فليس في سبيل الله فلا أجر له البتة على ما لا يخفى قال ابن المنير: فكيف ترجم له بنقص الأجر وجوابه أن مراده مع قصد الإعلاء كما ذكرته فتأمله. 11 - باب قِسْمَةِ الإِمَامِ مَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ، وَيَخْبَأُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْهُ أَوْ غَابَ عَنْهُ (باب قسمة الإمام ما يقدم عليه) من هدايا أهل الحرب بين أصحابه وقوله يقدم بفتح الدال (ويخبأ) بفتح التحتية والموحدة (لمن لم يحضره) في مجلس القسمة (أو غاب عنه) ليس غير بلد القسمة. 3127 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُهْدِيَتْ لَهُ أَقْبِيَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرَةٌ بِالذَّهَبِ، فَقَسَمَهَا فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعَزَلَ مِنْهَا وَاحِدًا لِمَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ: ادْعُهُ لِي, فَسَمِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَوْتَهُ فَأَخَذَ قَبَاءً فَتَلَقَّاهُ بِهِ وَاسْتَقْبَلَهُ بِأَزْرَارِهِ فَقَالَ: يَا أَبَا الْمِسْوَرِ خَبَأْتُ هَذَا لَكَ، يَا أَبَا الْمِسْوَرِ خَبَأْتُ هَذَا لَكَ، وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شيء". وَرَوَاهُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ وقَالَ حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بن مخرمة "قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْبِيَةٌ". تَابَعَهُ اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن الوهاب) الحجبي البصري قال: (حدّثنا حماد بن زيد) اسم جده درهم (عن أيوب) السختياني (عن عبد الله بن أبي مليكة) التيمي الأحول القاضي التابعي (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا مرسل لكن وقع في رواية الأصيلي كما في الفتح عن ابن أبي مليكة عن المسور قال الحافظ ابن حجر وهو وهم والمعتمد الأول (أهديت له أقبية) جمع قباء (من ديباج مزررة بالذهب) من زررت القميص إذا اتخذت له أزرارًا ولأبي ذر عن المستملي مزردة بالدال المهملة بدل الراء الأخيرة من الزرد وهو تداخل حلق الدروع بعضها في بعض (فقسمها) عليه الصلاة والسلام (في أناس من أصحابه وعزل منها واحدًا لمخرمة بن نوفل) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة (فجاء) أي مخرمة (ومعه ابنه المسور بن مخرمة) بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو (فقام على الباب) النبوي (فقال) لابنه المسور (ادعه لي) أي عرفه عليه الصلاة والسلام أني حضرت وفي رواية قال المسور فأعظمت ذلك فقال: يا بني إنه ليس بجبار (فسمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صوته) أي صوت مخرمة (فأخذ قباء فتلقاه به) أي بذلك القباء (واستقبله بأزراره) الذهب ليريه محاسنه ليرضيه (فقال): (يا أبا المسور خبأت هذا لك، يا أبا المسور خبأت هذا لك) مرتين (وكان في خلقه) أي مخرمة (شدة) ولأبي ذر عن الكشميهني شيء فلاطفه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما فعله معه وكان بالمؤمنين رحيمًا. (ورواه) أي هذا الحديث ولأبي ذر رواه (ابن علية) إسماعيل واسم أبيه إبراهيم الأسدي البصري مما وصله في الأدب (عن أيوب) السختياني أي مرسلاً مثل الرواية الأولى (قال) ولأبي ذر: وقال (حاتم بن وردان) مما وصله في باب شهادة الأعمى (حدّثنا أيوب) السختياني

12 - باب كيف قسم النبي -صلى الله عليه وسلم- قريظة والنضير، وما أعطى من ذلك من نوائبه

(عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن المسور) ولأبي ذر عن المسور بن مخرمة (قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقبية) والمسور وأبوه مخرمة صحابيان فالحديث موصول في هذه الطريق. (تابعه) أي تابع أيوب (الليث) بن سعد الإمام على وصله (عن ابن أبي مليكة) عن المسور هذه المتابعة وصلها في باب كيف يقبض المتاع في الهبة والحاصل أنه اتفق اثنان عن أيوب على إرساله ووصله ثالث عن أيوب ووافقه آخر عن شيخهم واعتمد المؤلّف الموصول لحفظ من وصله فظهر أن رواية الأصيلي الموصولة في الرواية الأولى وهم كما مرّ. 12 - باب كَيْفَ قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ، وَمَا أَعْطَى مِنْ ذَلِكَ من نَوَائِبِهِ هذا (باب) بالتنوين (كيف قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قريظة والنضير وما أعطى) عليه الصلاة والسلام (من ذلك في) ولأبي ذر عن الكشميهني: من (نوائبه). 3128 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّخَلاَتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي واسم أبي الأسود حميد قال: (حدّثنا معتمر عن أبيه) سليمان بن طرخان التيمي أنه (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: كان الرجل) أي من الأنصار (يجعل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النخلات) أي من عقارهم هدية ليصرفها في نوائبه (حتى افتتح قريظة) أي حصنًا كان لقريظة (و) أجلى (النضير فكان بعد ذلك يرد عليهم) نخلاتهم وكانت النضير مما أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وانجلى عنها أهلها بالرعب فكانت خالصة له عليه الصلاة والسلام فحبس منها لنوائبه وما يعروه وقسم أكثرها في المهاجرين خاصة دون الأنصار وأمرهم أن يعيدوا إلى الأنصار ما كانوا واسوهم به لما قدموا عليهم المدينة ولا شيء لهم، فاستغنى الفريقان جميعًا ثم فتحت قريظة لما نقضوا العهد فحوصروا فنزلوا على حكم سعد وقسمها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أصحابه وأعطى من نصيبه في نوائبه أي في نفقات أهله ومن يطرأ عليه، ويجعل الباقي في السلاح والكراع عدّة في سبيل الله. وهذا الحديث مختصر من حديث يأتي إن شاء الله تعالى بتمامه مع بيان كيفية قسمه عليه السلام المترجم بها في المغازي بعون الله وقوته. 13 - باب بَرَكَةِ الْغَازِي فِي مَالِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا، مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوُلاَةِ الأَمْرِ (باب بركة الغازي في ماله) بالموحدة وصحفه بعضهم بالمثناة الفوقية، ويؤيده قوله (حيًّا وميتًا) أي في حال كونه حيًا وميتًا فكم من فقير أغناه الله ببركة غزوه (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وولاة الأمر). 3129 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: أَحَدَّثَكُمْ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: "لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ دَعَانِي فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ: يَا بُنَىِّ إِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلاَّ ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ، وَإِنِّي لاَ أُرَانِي إِلاَّ سَأُقْتَلُ الْيَوْمَ مَظْلُومًا، وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي، أَفَتُرَى يُبْقِي دَيْنُنَا مِنْ مَالِنَا شَيْئًا فَقَالَ: يَا بُنَىِّ، بِعْ مَا لَنَا، فَاقْضِ دَيْنِي. وَأَوْصَى بِالثُّلُثِ، وَثُلُثِهِ لِبَنِيهِ -يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: ثُلُثُ الثُّلُثِ- فَإِنْ فَضَلَ مِنْ مَالِنَا فَضْلٌ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَثُلُثُهُ لِوَلَدِكَ. قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ بَعْضُ وَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ وَازَى بَعْضَ بَنِي الزُّبَيْرِ -خُبَيْبٌ وَعَبَّادٌ- وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ بَنِينَ وَتِسْعُ بَنَاتٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ وَيَقُولُ: يَا بُنَىِّ إِنْ عَجَزْتَ عَنْ شَىْءٍ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلاَىَ. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَةِ مَنْ مَوْلاَكَ؟ قَالَ: اللَّهُ. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلاَّ قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ، فَيَقْضِيهِ. فَقُتِلَ الزُّبَيْرُ -رضي الله عنه- وَلَمْ يَدَعْ دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، إِلاَّ أَرَضِينَ مِنْهَا الْغَابَةُ, وَإِحْدَى عَشْرَةَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ، وَدَارَيْنِ بِالْبَصْرَةِ، وَدَارًا بِالْكُوفَةِ، وَدَارًا بِمِصْرَ. قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنُهُ الَّذِي عَلَيْهِ إنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْتِيهِ بِالْمَالِ فَيَسْتَوْدِعُهُ إِيَّاهُ، فَيَقُولُ الزُّبَيْرُ: لاَ, وَلَكِنَّهُ سَلَفٌ، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ. وَمَا وَلِيَ إِمَارَةً قَطُّ وَلاَ جِبَايَةَ خَرَاجٍ وَلاَ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي غَزْوَةٍ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ -رضي الله عنهم-. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَحَسَبْتُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ فَوَجَدْتُهُ أَلْفَىْ أَلْفٍ وَمِائَتَىْ أَلْفٍ قَالَ: فَلَقِيَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي: كَمْ عَلَى أَخِي مِنَ الدَّيْنِ؟ فَكَتَمَهُ فَقَالَ مِائَةُ أَلْفٍ. فَقَالَ حَكِيمٌ: وَاللَّهِ مَا أُرَى أَمْوَالَكُمْ تَسَعُ لِهَذِهِ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: أَرَأَيْتَكَ إِنْ كَانَتْ أَلْفَىْ أَلْفٍ وَمِائَتَىْ أَلْفٍ؟ قَالَ: مَا أُرَاكُمْ تُطِيقُونَ هَذَا، فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ شَىْءٍ مِنْهُ فَاسْتَعِينُوا بِي. قَالَ: وَكَانَ الزُّبَيْرُ اشْتَرَى الْغَابَةَ بِسَبْعِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ. فَبَاعَهَا عَبْدُ اللَّهِ بِأَلْفِ أَلْفٍ وَسِتِّمِائَةِ أَلْفٍ: ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ حَقٌّ فَلْيُوَافِنَا بِالْغَابَةِ. فَأَتَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ -وَكَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ أَرْبَعُمِائَةِ أَلْفٍ- فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ: إِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُهَا لَكُمْ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لاَ. قَالَ: فَإِنْ شِئْتُمْ جَعَلْتُمُوهَا فِيمَا تُؤَخِّرُونَ إِنْ أَخَّرْتُمْ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لاَ. قَالَ: قَالَ: فَاقْطَعُوا لِي قِطْعَةً. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَكَ مِنْ هَا هُنَا إِلَى هَا هُنَا. قَالَ فَبَاعَ فَقَضَى دَيْنَهُ فَأَوْفَاهُ. وَبَقِيَ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ، فَقَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ -وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ وَالْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ زَمْعَةَ- فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: كَمْ قُوِّمَتِ الْغَابَةُ؟ قَالَ: كُلُّ سَهْمٍ مِائَةَ أَلْفٍ. قَالَ: كَمْ بَقِيَ؟ قَالَ: أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ. فَقَالَ الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ. وَقَالَ ابْنُ زَمْعَةَ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ كَمْ بَقِيَ؟ فَقَالَ: سَهْمٌ وَنِصْفٌ. قَالَ: أَخَذْتُهُ بِخَمْسِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ. قَالَ: وَبَاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ نَصِيبَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِسِتِّمِائَةِ أَلْفٍ. فَلَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ قَالَ بَنُو الزُّبَيْرِ: اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيرَاثَنَا. قَالَ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ حَتَّى أُنَادِيَ بِالْمَوْسِمِ أَرْبَعَ سِنِينَ: أَلاَ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا فَلْنَقْضِهِ. قَالَ: فَجَعَلَ كَلَّ سَنَةٍ يُنَادِي بِالْمَوْسِمِ. فَلَمَّا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ قَسَمَ بَيْنَهُمْ. قَالَ: وَكَانَ لِلزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَرَفَعَ الثُّلُثَ فَأَصَابَ كُلَّ امْرَأَةٍ أَلْفُ أَلْفٍ وَمِائَتَا أَلْفٍ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي (قال: قلت لأبي أسامة) حماد بن أسامة الليثي (أحدثكم) بهمزة الاستفهام، ولابن عساكر: حدثكم بإسقاطها (هشام بن عروة) لم يذكر جواب الاستفهام لكن عند إسحاق بن راهويه في مسنده بهذا الإسناد قال: نعم، حدّثني هشام بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن) أخيه (عبد الله بن الزبير) أنه (قال: لما وقف الزبير) بن العوّام (يوم) وقعة (الجمل) التي كانت بين عائشة ومن معها وبين علي ومن معه -رضي الله عنهم- على باب البصرة سنة ست وثلاثين بعد مقتل عثمان وأضيفت الوقعة إلى الجمل لكون عائشة كانت عليه حال الوقعة حتى عقر (دعاني فقمت إلى جنبه فقال: يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم) عند خصمه (أو مظلوم) عند نفسه لأن كلا الفريقين كان يتأول أنه على الصواب قاله ابن بطال. وقال السفاقسي: إما صحابي يتأول فهو مظلوم وإما غير صحابي قاتل لأجل الدنيا فهو ظالم وقد كان الزبير وطلحة وغيرهما من كبار الصحابة خرجوا مع عائشة لطلب قتلة عثمان وإقامة الحدّ عليهم لا لقتال عليّ لأنه لا خلاف أن عليًّا كان أحق بالإمامة من جميع أهل زمانه وكان قتلة عثمان لجؤوا إلى عليّ فرأى أنه لا يسلمهم للقتل حتى يسكن حال الأمة وتجري الأمور على ما أوجب الله فكان ما قدر الله مما جرى به القلم، ولذا قال الزبير لابنه لما رأى شدّة الأمر وأنهم لا ينفصلون إلا عن تقاتل (وإني لا أراني) بضم الهمزة أي لا أظنني (إلا سأقتل اليوم مظلومًا) لأنه لم ينو قتالاً ولا عزم عليه أو لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بشر قاتل ابن صفية بالنار". (وإن من أكبر

همي لديني) بفتح اللام للتأكيد (أفترى) بهمزة الاستفهام وضم الفوقية أي أفتظن وبفتحها أي أتعتقد (يبقي) بضم أوله وكسو ثالثه من الإبقاء (ديننا) بالرفع على الفاعلية (من مالنا شيئًا؟) بالنصب على المفعولية وقال ذلك استكثارًا لما عليه وإشفاقًا من دينه (فقال: يا بني بع مالنا فاقض) ولأبي ذر: واقض (ديني وأوصى بالثلث) من ماله مطلقًا (وثلثه) أي وبثلث الثلث (لبنيه يعني عبد الله بن الزبير) ولأبي ذر: يعني عبد الله بن الزبير خاصة (يقول: ثلث الثلث)، كما ذكرته (فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدين شيء فثلثه) بضمات أي ثلث ذلك الفضل الذي أوصيت به من الثلث (لولدك) وسقط قوله شيء لابن عساكر، ومقتضاه أن الفاضل بعد قضاء الدين يصرف ثلثه لبني عبد الله وفيه شيء لأنه إنما أوصى لهم بثلث الثلث، ويحمل الكلام على أن المراد فإن فضل بعد الدين شيء يصرف لجهة الوصية التي أوصيتها فثلثه لولدك. وحكى الدمياطي عن بعضهم أن ثلثه ليس اسمًا وإنما هو فعل أمر بفتح المثلثة وكسر اللام المشددة لتصح إضافته إلى ولده أي ليكون الثلث وصلة إلى إيصال ثلث الثلث إلى أبناء عبد الله قال الدمياطي: فيه نظر. (قال هشام): هو ابن عروة بالسند السابق (وكان بعض ولد عبد الله) بن الزبير (قد وازى) بالزاي المعجمة أي ساوى (بعض بني الزبير) أي في السن، وقال ابن بطال: أي ساوى بنو عبد الله في أنصبائهم من الوصية بعض بني الزبير في أنصبائهم من ميراث أبيهم الزبير وهذا أولى، وإلاَّ لم يكن لذكر كثرة أولاد الزبير معنى، وتعقبه في الفتح بأنه في تلك الحالة لم يظهر مقدار الموروث ولا الموصى به، وأما قوله: لم يكن له معنى فليس كذلك لأن المراد أنه خص أولاد عبد الله دون غيرهم لكونهم كثروا وتأهلوا حتى ساووا أعمامهم في ذلك فجعل لهم نصيب من المال ليتوفر على أبيهم حصته وفيه الوصية للحفدة إذا كان لهم آباء في الحياة يحجبونهم (خبيب) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة مصغرًا مرفوعًا بدلاً أو بيانًا من بعض في قوله وكان بعض، وقول الحافظ ابن حجر: يجوز جره على أنه بيان للبعض سهو لأن بعض في موضعين أولهما مرفوع اسم كان والثاني منصوب على المفعولية (وعباد) بفتح العين وتشديد الموحدة هما ولدا عبد الله بن الزبير ولم يكن له يومئذ سواهما وهاشم وثابت (وله) أي للزبير لا لابنه عبد الله. ووهم الكرماني (يومئذ) أي يوم وصيته (تسعة بنين) عبد الله وعروة والمنذر أمهم أسماء بنت أبي بكر، وعمرو وخالد أمهما أم خالد بنت خالد بن سعيد، ومصعب وحمزة أمهما الرباب بنت أنيف، وعيدة وجعفر أمهما زينب بنت بشر (وتسع بنات) خديجة الكبرى، وأم الحسن وعائشة أمهن أسماء بنت أبي بكر، وحفصة أمها زينب، وزينب أمها أم كلثوم بنت عقبة؟ وحبيبة وسودة وهند أمهن أم خالد، ورملة أمها الرباب. (قال عبد الله: فجعل) الزبير (يوصيني بدينه) أي بقضائه (ويقول: يا بني إن عجزت عنه في شيء) ولأبي ذر وابن عساكر: إن عجزت عن شيء منه (فاستعن عليه مولاي) عز وجل (قال) عبد الله: (فوالله ما دريت) بفتح الراء (ما أراد حتى قلت يا أبت من مولاك؟) لعله ظن أن يكون أراد بعض عتقائه فلما استفهمه (قال: الله. قال) عبد الله: (فوالله ما وقعت في كربة) بضم الكاف وبالموحدة (من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه. فقتل الزبير) غدرًا فتك به عمرو بن جرموز بضم الجيم والميم بينهما راء ساكنة وآخره زاي وهو نائم. وروى الحاكم من طرق متعددة أن عليًّا ذكر للزبير بأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: "لتقاتلن عليًّا وأنت ظالم له". فرجع لذلك. وعند ابن أبي خيثمة في تاريخه أنه رجع قبل أن يقع القتال، وعند يعقوب بن سفيان أن ابن جرموز قتله بوادي السباع (-رضي الله عنه- ولم يدع دينارًا ولا درهمًا إلاَّ أرضين) بفتح الراء وكسر الضاد (منها الغابة) بغين معجمة وموحدة مخففة أرض عظيمة من عوالي المدينة اشتراها بسبعين ومائة ألف وبيعت في ترِكَته بألف ألف وستمائة

ألف (وإحدى عشرة دارًا بالمدينة) بسكون الشين (ودارين بالبصرة ودارًا بالكوفة ودارًا بمصر. قال): أي عبد الله (وإنما) وسقط لأبي ذر لفظة قال، وفي روايته عن الحموي والمستملي وقال: إنما (كان دينه الذي عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه فيقول الزبير: لا). أقبضه وديعة (ولكنه سلف) قرض في ذمتي (فإني أخشى عليه الضيعة) فيظن بي التقصير في حفظه، وهذا أوثق لرب المال وأبقى لمروءة الزبير -رضي الله عنه- (وما ولي إمارة قط) بكسر الهمزة (ولا جباية خِراج) بكسر الجيم وبالموحدة (ولا شيئًا) مما يكون سببًا لتحصيل المال ولم تكن كثرة ماله من جهة مقتضية لظن سوء بصاحبها (إلاَّ أن يكون في غزوة مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم) فيكسب من الغنيمة ولقد كان صاحب ذمة وافرة وعقارات كثيرة. وروى الزبير بن بكار بإسناده أن الزبير كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج. وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى. (وقال عبد الله بن الزبير): بالإسناد السابق (فحسبت) بفتح السين من الحساب (ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف) بالتثنية في الموضعين (قال: فلقي حكيم بن حزام) بالحاء المهملة والزاي (عبد الله بن الزبير) نصب على المفعولية (فقال: يا ابن أخي) أي في الدين (كم على أخي) أي الزبير (من الدين؟ فكتمه) عبد الله (فقال): بالفاء ولأبي ذر: وقال: (مائة ألف) ولم يذكر الباقي لئلا يستعظم حكيم ما استدان به الزبير فيظن به عدم الحزم وبعبد الله عدم الوفاء بذلك فينظر إليه بعين الاحتياج (فقال حكيم: والله ما أرى) بضم الهمزة أي ما أظن (أموالكم تسع) أي تكفي (لهذه) فلما استعظم حكيم أمر مائة ألف احتاج عبد الله أن يذكر له الجميع (فقال له عبد الله: أفرأيتك) بفتح التاء أي أخبرني (إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف) ولم يكن كتمانه الزائد كذبًا لأنه أخبر ببعض ما عليه وهو صادق. نعم من يعتبره مفهوم العدد يرى أنه أخبر بغير الواقع. (قال) حكيم: (ما أراكم تطيقون) وفاء (هذا فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي قال: وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف) بالموحدة بعد السين المهملة (فباعها) أي قوّمها وعبّر بالبيع اعتبارًا بالأول (عبد الله) ابنه (بألف ألف وستمائة ألف ثم قام فقال: من كان له على الزبير حق فليوافنا) أي فليأتنا (بالغابة فأتاه عبد الله بن جعفر) أي ابن أبي طالب (وكان له على الزبير أربعمائة ألف. فقال لعبد الله) بن الزبير: (إن شئتم تركتها) أي الأربعمائة ألف (لكم. قال عبد الله) له: (لا) تترك دينك. (قال) عبد الله بن جعفر: (فإن شئتم جعلتموها فيما تؤخرون إن أخرتم؟ فقال): بالفاء ولأبي ذر: قال (عبد الله) بن الزبير: (لا) تؤخر (قال: قال) عبد الله بن جعفر: (فاقطعوا لي قطعة. فقال عبد الله) بن الزبير له: (لك من هاهنا إلى هاهنا. قال: فباع منها) أي من الغابة والدور لا من الغابة وحدها (فقضى دينه) أي دين أبيه (فأوفاه) جميعه وكان ألفي ألف كما عند أبي نعيم في المستخرج (وبقي منها) أي من الغابة بغير بيع (أربعة أسهم ونصف، فقدم) عبد الله بن الزبير (على معاوية) بن أبي سفيان دمشق (وعنده عمرو بن عثمان) بفتح العين وسكون الميم ابن عفان (والمنذر بن الزبير) أخو عبد الله بن الزبير (وابن زمعة) بالزاي والميم والعين المفتوحات وتسكن الميم اسمه عبد الله أخو أم المؤمنين سودة (فقال له معاوية: كم قوّمت الغابة؟) بضم القاف مبنيًا للمفعول والغابة رفع نائب عن الفاعل ولأبي ذر: كم قوّمت الغابة مبنيًّا للفاعل نصب على المفعولية (قال) عبد الله بن الزبير: (كل سهم) أي من أصل ستة عشر سهمًا (مائة ألف) بنصب مائة على نزع الخافص أي جاء كل سهم بمائة ألف، وهذا يؤيد ما سبق أنه لم يبع الغابة وحدها لأنه سبق أن الدين كان ألفي ومائتي ألف وأنه باع الغابة بألف ألف وستمائة ألف وأنه بقي منها أربعة أسهم ونصف بأربعمائة وخمسين ألفًا، فيكون الحاصل من ثمنها إذ ذاك ألف

14 - باب إذا بعث الإمام رسولا في حاجة، أو أمره بالمقام, هل يسهم له؟

ألف ومائة ألف وخمسين ألفًا خاصة فيتأخر من الدين ألف ألف وخمسون ألفًا فكأنه باع بها شيئًا من الدور. قاله في الفتح. (قال: كم بقي؟ قال: أربعة أسهم ونصف. قال): ولأبي ذر: فقال (المنذر بن الزبير: قد أخذت سهمًا بمائة ألف قال): ولأبي ذر: وقال (عمرو بن عثمان: قد أخذت سهمًا بمائة ألف وقال ابن زمعة: قد أخذت سهمًا بمائة ألف فقال معاوية: كم بقي؟ فقال: سهم ونصف. قال: أخذته) ولأبي ذر قال: قد أخذته (بخمسين ومائة ألف. قال: وباع) بالواو ولأبي ذر: فباع (عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستمائة ألف) فربح مائتي ألف (فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه) أي دين أبيه (قال بنو الزبير: اقسم بيننا ميراثنا قال: لا والله لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين ألا من كان له على الزبير فليأتنا فلنقضه. قال: فجعل كل سنة ينادي بالموسم) ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا نقضه (فلما مضى أربع سنين) ولم يأته أحد (قسم بينهم) قيل: وتخصيص الأربع سنين لأن الغالب أن المسافة التي بين مكة وأقطار الأرض سنتان فيصل إلى الأقطار ثم يعود إليه، ولعل الورثة أجازوا هذا التأخير وإلاّ فمن طلب القسمة بعد وفاء الدين الذي وقع العلم به أجيب إليها فإذا ثبت بعد ذلك شيء استعيد منه (قال: فكان) بالفاء ولأبي ذر: وكان (للزبير أربع نسوة) مات عنهن أم خالد والرباب وزينب المذكورات قبل وعاتكة بنت زيد أخت سعيد بن زيد أحد العشرة، (ورفع) عبد الله (الثلث) الموصى به (فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف) ولابن عساكر ومائتي ألف (فجميع ماله) المحتوي على الوصية والميراث والدين (خمسون ألف ألف ومائتا ألف). وهذا كما قالوا من الغلط في الحساب. قال الدمياطي فيما حكاه في الفتح: وإنما وقع الوهم في رواية أبي أسامة عند البخاري في قوله في نصيب كل زوجة أنه ألف ألف ومائتا ألف، وأن الصواب أنه ألف ألف سواء بغير كسر وإذا اختص الوهم بهذه اللفظة وحدها خرج بقية ما فيه على الصحة لأنه يقتضي أن يكون الثمن أربعة آلاف ألف، فلعل بعض رواته لما وقع له ذكر مائتا ألف عند الجملة ذكرها عند نصيب كل زوجة سهوًا وهذا توجيه حسن، ويؤيده ما روى أبو نعيم في المعرفة من طريق أبي معشر عن هشام عن أبيه قال: ورثت كل امرأة للزبير ربع الثمن ألف ألف درهم وقد وجهه الدمياطي أيضًا بأحسن منه فقال: ما حاصله أن قوله فجميع مال الزبير خمسون ألف ألف ومائتا ألف صحيح والمراد به قيمة ما خلفه عند موته، وأن الزائد على ذلك وهو تسعة آلاف ألف وستمائة ألف بمقتضى ما تحصل من ضرب ألف ألف ومائتي ألف وهو ربع الثمن في ثمانية مع ضم الثلث كما تقدم، ثم قدر الدين حتى يرتفع من الجميع تسعة وخمسون ألف ألف وثمانمائة ألف حصل هذا الزائد من نماء العقار والأراضي في المدّة التي أخر فيها عبد الله بن الزبير قسم التركة استبراء للدين كما مرّ، وهذا التوجيه في غاية الحسن لعدم تكلفه وتبقية الرواية الصحيحة على وجهها، والظاهر أن الغرض ذكر الكثرة التي نشأت عن البركة في تركة الزبير إذا خلف دينًا كثيرًا ولم يخلف إلاَّ العقار المذكور ومع ذلك فبورك فيه حتى تحصل منه هذا المال العظيم. وقد جرت للعرب عادة بإلغاء الكسر مرة وجبره أخرى فهذا من ذاك، وقد وقع إلغاء الكسر في هذه القصة في عدة روايات بصفات مختلفات لا نطيل بذكرها اهـ. ملخصًا من فتح الباري. 14 - باب إِذَا بَعَثَ الإِمَامُ رَسُولاً فِي حَاجَةٍ، أَوْ أَمَرَهُ بِالْمُقَامِ, هَلْ يُسْهَمُ لَهُ؟ هذا (باب) بالتنوين (إذا بعث الإمام رسولاً في حاجة أو أمره بالمقام) بضم الميم أي ببلده (هل يسهم له؟) أي مع الغانمين. 3130 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَوْهَبٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "إِنَّمَا تَغَيَّبَ عُثْمَانُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ". [الحديث 3130 - أطرافه في: 3698، 3704، 4066، 4513، 4514، 4650، 4651، 7095]. وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري قال: (حدّثنا عثمان بن موهب) بفتح الميم والهاء بوزن جعفر ونسبه لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله الأعرج الطلحي التيمي القرشي (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: إنما تغيب عثمان عن) وقعة (بدر فإنه كانت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: كان (تحته بنت) ولابن

15 - باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين ما سأل هوازن النبي -صلى الله عليه وسلم-برضاعه فيهم- فتحلل من المسلمين, وما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعد الناس أن يعطيهم من الفىء والأنفال من الخمس، وما أعطى الأنصار، وما أعطى جابر بن عبد الله تمر خيبر

عساكر ابنة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) رقية (وكانت مريضة) فتكلف الغيبة لأجل تمريضها وتوفيت ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ببدر (فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه) وأسهمه وقال: اللهم إن عثمان كان في حاجة رسولك، واحتج أبو حنيفة بهذا على أن من بعثه الإمام لحاجة يسهم له، وقال الشافعي ومالك وأحمد: لا يسهم من الغنيمة إلا لمن حضر الوقعة. وأجابوا عن هذا الحديث بأنه خاص بعثمان ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام "إن لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه" وهذا لا سبيل إلى أن يعمله غيره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقد أخرج المؤلّف هذا الحديث في المغازي وفي فضل عثمان والترمذي في المناقب. 15 - باب وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ مَا سَأَلَ هَوَازِنُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-بِرَضَاعِهِ فِيهِمْ- فَتَحَلَّلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ, وَمَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعِدُ النَّاسَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنَ الْفَىْءِ وَالأَنْفَالِ مِنَ الْخُمُسِ، وَمَا أَعْطَى الأَنْصَارَ، وَمَا أَعْطَى جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ تَمْرَ خَيْبَرَ (باب) بالتنوين ولابن عساكر قال أبو عبد الله أي البخاري باب بالتنوين أيضًا وفي بعض الأصول وهو لأبي ذر باب بالتنوين كذلك قال: (ومن الدليل على أن الخمس) من الغنيمة (لنوائب المسلمين) التي تحدث لهم (ما سأل هوازن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) برفع هوازن على الفاعلية ونصب النبي على المفعولية (برضاعه) بفتح الراء أي بسبب رضاعه (فيهم) لأن حليمة السعدية مرضعته منهم والمراد قبيلة هوازن وأطلقها على بعضهم مجازًا (فتحلل) عليه الصلاة والسلام (من المسلمين) أي استحل من الغانمين ما كان خصهم مما غنموه منهم والواو في قوله ومن الدليل. قال في فتح الباري: عطف على الترجمة التي قبل ثمانية أبواب حيث قال الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ وقال هنا لنوائب المسلمين، وقال بعد باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام، والجمع بين هذه التراجم أن الخمس لنوائب المسلمين وإلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع تولّي قسمته أن يأخذ منه ما يحتاج إليه بقدر كفايته والحكم بعده كذلك يتولى الإمام ما كان يتولاه وتعقبه العيني بأنه لا وجه لدعوى هذا العطف البعيد المتخلل بين المعطوف والمعطوف عليه أبواب بأحاديثها وليست هذه بواو العطف بل مثل هذا يأتي كثيرًا بدون أن يكون معطوفًا على شيء وتسمى هذه واو الاستفتاح وهو المسموع عن الأسانيد الكبار اهـ. (و) من الدليل أيضًا على أن الخمس لنوائب المسلمين (ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعد الناس أن يعطيهم من الفيء) وهو ما حصل بغير قتال (والأنفال من الخمس) جمع نفل بتحريك الفاء أكثر من إسكانها وهو أن يشترط الأمير زيادة على سهم الغنيمة لمن يستعين به فيما فيه نكاية زائدة في العدوّ أو توقع ظفر أو دفع سوء ليقدم على طليعة بشرط الحاجة إليه وليس لقدره ضبط بل يجتهد فيه بقدر العمل وهو من خمس الخمس، وكذا يكون النفل لمن صدر منه في الحرب أثر محمود كمبارزة وحسن إقدام زيادة على سهمه بحسب ما يليق بالحال (و) من الدليل أيضًا (ما أعطى) عليه السلام (الأنصار وما أعطى جابر بن عبد الله) الأنصاري (تمر خيبر) بالمثناة الفوقية وسكون الميم. 3131 و 3132 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَزَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَىَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا السَّبْيَ وَإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ -وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ- فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلاَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلاَءِ قَدْ جَاؤُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَيِّبَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ. فَقَالَ النَّاسُ قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ، فَرَجَعَ النَّاسُ. فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا فَأَذِنُوا. فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ". وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) اسم أبيه كثير ونسبه لجده عفير بضم العين مصغرًا لشهرته به (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: وزعم عروة) بن الزبير بن العوام والواو في وزعم قال في الفتح عطف على قصة الحديبية ولم أدرك وجهه وفي كتاب الأحكام عن موسى بن عقبة قال ابن شهاب: حدّثني عروة بن الزبير (أن مروان بن الحكم) لم يصح له سماع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا صحبة (ومسور) ولأبي ذر: والمسور (بن مخرمة) له ولأبيه صحبة لكنه إنما قدم وهو صغير مع أبيه بعد الفتح (أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال حين جاء وفد هوازن) حال كونهم (مسلمين فسألوه أن يردّ إليهم أموالهم وسبيهم) وعند الواقدي كان فيهم أبو برقان السعدي فقال: يا رسول الله إن في هذه الحظائر إلا أمهاتك وخالاتك وحواضنك ومرضعاتك فامنن علينا منَّ الله

عليك. وفي شعر زهير بن صرد مما رويناه في المعجم الصغير للطبراني: أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ... إذ فوك تملؤه من محضها الدرر (فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أحب الحديث إليّ) أحب مبتدأ خبره قوله: (أصدقه فاختاروا) أن أرد إليكم (إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال وقد كنت استأنيت) أي انتظرت (بهم وقد كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انتظرهم) ولغير الكشميهني انتظر آخرهم (بضع عشرة ليلة) لم يقسم السبي وتركه بالجعرانة (حين قفل) أي رجع (من الطائف) إلى الجعرانة وقسم الغنائم بها وكان توجه إلى الطائف فحاصرها ثم رجع عنها فجاءه وفد هوازن بعد ذلك فبين لهم أنه أخر القسم ليحضروا فأبطؤوا (فلما تبين لهم) أي ظهر لوفد هوازن (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير رادّ إليهم إلا إحدى الطائفتين) المال أو السبي (قالوا فإنا نختار سبينا. فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال): (أما بعد؛ فإن إخوانكم) وفد هوازن (هؤلاء قد جاؤونا) حال كونهم (تائبين، وإني قد رأيت أن أردّ إليهم سبيهم من أحب أن يطيب) بضم أوله وفتح الطاء وتشديد التحتية المكسورة أي يطيب نفسه بدفع السبي مجانًا من غير عوض (فليفعل) جواب الشرط (ومن أحب منكم أن يكون على حظه) من السبي (حتى نعطيه إياه) أي عوضه (من أول ما يفيء الله علينا فليفعل) بضم حرف المضارعة من أفاء (فقال الناس: قد طيبنا ذلك يا رسول الله لهم). ولأبي ذر: قد طيبنا ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي لأجله (فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنّا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم) أراد بذلك التقصي عن أمرهم استطابة لنفوسهم (فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه أنهم قد طيبوا) ذلك (فأذنوا) بالفاء ولأبي ذر وأذنوا أي له عليه الصلاة والسلام أن يردّ السبي إليهم. قال ابن شهاب: (فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن). وهذا الحديث قد مرّ في الوكالة والعتق. 3133 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَاصِمٍ الْكُلَيْنِيُّ -وَأَنَا لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ أَحْفَظُ- عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: "كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى، فَأُتِيَ ذَكَرَ دَجَاجَةً وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنَ الْمَوَالِي، فَدَعَاهُ لِلطَّعَامِ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ فَحَلَفْتُ أن لاَ آكُلُ. فَقَالَ: هَلُمَّ فَلأُحَدِّثْكُمْ عَنْ ذَلكَ: إِنِّي أَتَيْتُ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ. وَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَهْبِ إِبِلٍ فَسَأَلَ عَنَّا فَقَالَ: أَيْنَ النَّفَرُ الأَشْعَرِيُّونَ؟ فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا؟ لاَ يُبَارَكُ لَنَا. فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا: إِنَّا سَأَلْنَاكَ أَنْ تَحْمِلَنَا، فَحَلَفْتَ أَنْ لاَ تَحْمِلَنَا، أَفَنَسِيتَ؟ قَالَ: لَسْتُ أَنَا حَمَلْتُكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا". [الحديث 3133 - أطرافه في: 4385، 4415، 5517، 5518، 6623، 6649، 6678، 6680، 6718، 6719، 6721، 7555]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) أبو محمد الحجبي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (قال): أي أيوب (وحدّثني) بالإفراد (القاسم بن عاصم الكليبي) بضم الكاف مصغرًا (وأنا لحديث القاسم أحفظ) من حديث أبي قلابة (عن زهدم) بفتح الزاي وسكون الهاء وبعد الدال المهملة المفتوحة ميم ابن مضرب الأزدي الجرمي أنه (قال: كنا عند أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (فأتى) بفتح الهمزة والفوقية بلفظ الماضي من الإتيان، (ذكر دجاجة) بكسر الذال المعجمة وسكون الكاف دجاجة بالجر والتنوين على الإضافة، وعزاه في الفتح لأبي ذر والنسفيّ، وللأصلي فأتي بضم الهمزة مبنيًا للمفعول ذكر بفتحات دجاجة بالتنوين والنصب على المفعولية وكان الراوي لم يستحضر اللفظ كله وحفظ منه لفظ دجاجة وفي النذور فأتي بطعام فيه دجاج وهو المراد. (وعنده رجل) لم يسم (من بني تيم الله) بفتح الفوقية وسكون التحتية نسبة إلى بطن من بني بكر بن عبد مناة بن كنانة ومعنى تيم الله عبد الله (أحمر) اللون (كأنه من الموالي) أي من سبي الروم (فدعاه للطعام فقال: إني رأيته يأكل شيئًا) من النجاسة (فقذرته) بكسر الذال المعجمة أي فكرهته (فحلفت لا آكل) ولأبي ذر: أن لا آكل (فقال) أبو موسى: (هلم فلأحدثكم) بجزم المثلثة وكسر اللام ولأبي ذر وابن عساكر: فأحدثكم بإسقاط اللام (عن ذلك) أي عن الطريق في حل اليمين (إني أتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نفر من الأشعريين) من الرجال ما بين الثلاثة إلى العشرة (نستحمله أي نطلب منه أن يحملنا ويحمل أثقالنا على الإبل في غزوة تبوك فقال)

عليه الصلاة والسلام: (والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم وأتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم همزة أتي مبنيًا للمفعول (بنهب إبل) غنيمة (فسأل عنا فقال: أين النفر الأشعريون) أي فأتينا (فأمر لنا بخمس ذود) بالإضافة وفتح الذال المعجمة ما بين الثنتين إلى التسعة أو ما بين الثلاث إلى العشرة من الإبل (غرّ الذرى) بضم الغين المعجمة وتشديد الراء والذرى بضم الذال المعجمة وفتح الراء أي ذوي الأسنمة البيض من سمنهن وكثرة شحومهن (فلما انطلقنا قلنا: ما صنعنا لا يبارك لنا) فيما أعطانا (فرجعنا إليه) عليه الصلاة والسلام (فقلنا): يا رسول الله (إنا سألناك أن تحملنا فحلفت أن لا تحملنا) بفتح اللام (أفنسيت) بهمزة الاستفهام الاستخباري (قال) عليه الصلاة والسلام: (لست أنا حملتكم ولكن الله حملكم) يحتمل أنه أراد إزالة المنّة عليهم بإضافة النعمة إلى الله تعالى ولو لم يكن له صنع في ذلك لم يحسن إيراد قوله: (وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين) أي محلوف يمين، والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه وإلا فهو قبل اليمين ليس محلوفًا عليه. ولمسلم على أمر بدل قوله على يمين (فأرى غيرها خيرًا منها) أي من الخصلة المحلوف عليها (إلا أتيت الذي هو خير) أي منها (وتحللتها) بالكفارة. ومناسبته للترجمة من جهة أنهم سألوه فلم يجدوا ما يحملهم عليه ثم حضر من الغنائم فحملهم منها وهو محمول على أنه حملهم على ما يختص بالخمس إذا كان له التصرف بالتنجيز من غير تعليق فكذا له التصرف بتنجيز ما علق. وأخرجه أيضًا في التوحيد والنذور والذبائح والكفارات والمغازي ومسلم في الأيمان والنذور والترمذي في الأطعمة والنسائي في الصيد والنذور. 3134 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إِبِلاً كَثِيرًا، فَكَانَتْ سُهمَانُهُمُ اثْنَىْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا، وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا". [الحديث 3134 - طرفه في: 4338]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث سرية فيها عبد الله بن عمر) سقط لغير أبي ذر ابن عمر (قبل نجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها (فغنموا إبلاً كثيرًا) وللأصيلي كثيرة وزاد مسلم وغنمًا (فكانت سهامهم) ولأبي ذر عن الكشميهني: سهمانهم بضم السين وسكون الهاء جمع سهم أي نصيب كل واحد (اثني عشر بعيرًا) ولأبي الوقت وابن عساكر: اثنا عشر على لغة من يجعل المثنى بالألف مطلقًا (أو أحد عشر بعيرًا) بالشك من الراوي (ونفلوا) بضم النون مبنيًا للمفعول أي أعطى كل واحد منهم زيادة على السهم المستحق له (بعيرًا بعيرًا). وفي رواية ابن إسحاق عند أبي داود أن التنفيل كان من الأمير والقسم من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وظاهر رواية الليث عن نافع عند مسلم أن ذلك صدر من أمير الجيش وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان مقررًا لذلك ومجيزًا له لأنه قال فيه ولم يغيره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتقريره بمنزلة فعله، واختلف هل النفل يكون من أصل الغنيمة أو من أربعة أخماسها أو من خُمس الخمس؟ والأصح عند أصحابنا أنه من خمس الخمس وحكاه النووي عن مالك وأبي حنيفة. 3135 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنَ السَّرَايَا لأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً سِوَى قِسْمِ عَامَّةِ الْجَيْشِ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو ابن عبد الله بن بكير المخزومي ونسبه لجده قال: (أخبرنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم) هو ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-): (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ينفل) بضم أوّله وفتح النون وتشديد الفاء مكسورة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ينتفل بفتح أوّله وسكون النون وفوقية مفتوحة وتخفيف الفاء (بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم) بفتح القاف بخط الدمياطي وبكسرها عن ابن مالك وسكون المهملة (عامة الجيش) أي من خمس خمس الغنيمة، وقد صح في الترمذي وغيره أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ينفل في البداءة الربع وفي الرجعة الثلث، والبداءة السرية التي يبعثها الإمام قبل دخوله دار الحرب مقدمة له، والرجعة التي يأمرها بالرجوع بعد توجه الجيش لدارنا ونقص في البداءة لأنهم مستريحون إذ لم يطل بهم السفر ولأن

الكفار في غفلة ولأن الإمام من ورائهم يستظهرون به والرجعة بخلافها في كل ذلك. وحديث الباب هذا أخرجه مسلم في المغازي وأبو داود في الجهاد. 3136 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: "بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ -أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ: أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالآخَرُ أَبُو رُهْمٍ- إِمَّا قَالَ فِي بِضْعٍ وَإِمَّا قَالَ فِي ثَلاَثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِي، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، وَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَنَا هَا هُنَا، وَأَمَرَنَا بِالإِقَامَةِ، فَأَقِيمُوا مَعَنَا. فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَنَا -أَوْ قَالَ: فَأَعْطَانَا- مِنْهَا , وَمَا قَسَمَ لأَحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنْهَا شَيْئًا، إِلاَّ لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ، إِلاَّ أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ، قَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ". [الحديث 3136 - أطرافه في: 3876، 4230، 4233]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بفتح العين والمد الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء (عن) جده (أبي بردة) عامر أو الحرث (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: بلغنا مخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة مرفوع على الفاعلية (ونحن باليمن) الواو للحال (فخرجنا) حال كوننا (مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة) اسمه عامر بن قيس الأشعري (والآخر أبو رهم) بضم الراء وبعد الهاء الساكنة ميم اسمه مجدي بفتح الميم وسكون الجيم وكسر الدال المهملة وتشديد التحتية أو مجيلة بفتح الميم وكسر الجيم وسكون التحتية ثم لام ثم هاء (إما قال في بضع) بكسر الموحدة (وإما قال في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلاً من قومي) من الأشعريين (فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي) أصحمة (بالحبشة ووافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده) أي بأرض الحبشة (فقال جعفر: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثنا هاهنا) بفتح المثلثة (وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا) بفتح العين (فأقمنا معه حتى قدمنا جميعًا فوافقنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بسكون القاف (حين افتتح خيبر فأسهم لنا) أي من غنيمتها (أو قال فأعطانا منها وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئًا إلا لمن شهد معه) عليه الصلاة والسلام (إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه) فإنه عليه الصلاة والسلام (قسم لهم معهم) أي مع من شهد الفتح والاستثناء الأول منقطع والثاني متصل والإخراج فيه من الجملة الأولى. قال ابن المنير: وظاهر هذا الحديث عدم المطابقة لما ترجم به فإن الظاهر كونه عليه الصلاة والسلام قسم لأصحاب السفينة من أصحاب الغنيمة مع الغانمين وإن كانوا غائبين تخصيصًا لهم لا من الخمس إذ لو كان منه لم تظهر الخصوصية والحديث ناطق بها ووجه المطابقة أنه إذا جاز أن يجتهد الإمام في أربعة أخماس الغانمين فلأن يجوز اجتهاده في الخمس الذي لا يستحقه معين بطريق الأولى. وقال السفاقسي: يحتمل أن يكون أعطاهم برضا بقية الجيش. اهـ. قال في الفتح: وبهذا جزم موسى بن عقبة في مغازيه، وعند البيهقي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن يسهم لهم كلم المسلمين فأشركوهم، وجزم أبو عبيد في كتاب الأموال بأنه أعطاهم من الخمس وهو الموافق للترجمة. وقال البيضاوي: إنما أسهم لهم لأنهم وردوا عليه قبل حيازة الغنيمة. قال الطيبي: وهذا من قول من قال إنه أعطاهم من الخمس الذي هو حقه دون حقوق من شهد الوقعة لأن قوله فأسهم يقتضي القسمة من نفس الغنيمة وما يعطى من الخمس ليس بسهم، وأيضًا الاستثناء في قوله إلا أصحاب سفينتنا يقتضي إثبات القسمة لهم والقسمة لا تكون من الخمس ولأن سياق كلام أبي موسى وارد على الافتخار والمباهاة فيستدعي اختصاصهم بما لي لأحد غيرهم. وهذا الحديث أخرجه أيضًا مقطعًا في الخمس وهجرة الحبشة والمغازي ومسلم في الفضائل. 3137 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرًا -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ قَدْ جَاءَنا مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا. فَلَمْ يَجِئْ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنَا فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا. فَحَثَا لِي ثَلاَثًا. وَجَعَلَ سُفْيَانُ يَحْثُو بِكَفَّيْهِ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ لَنَا: هَكَذَا قَالَ لَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ. وَقَالَ مَرَّةً فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَسَأَلْتُ فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقُلْتُ: سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي ثُمَّ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي. قَالَ: قُلْتَ تَبْخَلُ عَلَىَّ، مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ". قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرٍ فَحَثَا لِي حَثْيَةً وَقَالَ: عُدَّهَا، فَوَجَدْتُهَا خَمْسَمِائَةٍ فَقَالَ: خُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ". وَقَالَ -يَعْنِي ابْنَ الْمُنْكَدِرِ- وَأَىُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ. وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير التيمي المدني (سمع جابرًا) الأنصاري (-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو قد جاءني) بالإفراد، ولأبي ذر: جاءنا بالجمع ولابن عساكر: جاء (مال البحرين) أي من جهة الجزية (لقد أعطيتك) وسقط لأبي ذر لقد وللحموي والمستملي أعطيك بضم الهمزة وكسر الطاء وحذف الفوقية (هكذا وهكذا وهكذا) ثلاثًا (فلم يجيء) مال البحرين (حتى قبض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما جاء مال البحرين) من عند العلاء بن الحضرمي (أمر أبو بكر) -رضي الله

16 - باب ما من النبي -صلى الله عليه وسلم- على الأسارى من غير أن يخمس

عنه- (مناديًا) قيل إنه بلال (فنادى من كان له عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دين أو عدة) بكسر العين وتخفيف الدال المهملة أي وعد (فليأتنا) نفِ له به (فأتيته فقلت: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لي كذا وكذا فحثا لي) بالمهملة والمثلثة أبو بكر -رضي الله عنه- (ثلاثًا وجعل سفيان) بن عيينة (يحثو بكفيه) بالتثنية (جميعًا) هذا يقتضي أن الحثية ما يؤخذ باليدين جميعًا والذي قاله أهل اللغة أن الحثية ما يملأ الكف والحفنة ما يملأ الكفّين لكن ذكر الهروي أن الحثية والحفنة بمعنى وهذا الحديث شاهد لذلك. (ثم قال لنا) سفيان بالسند السابق: (هكذا قال لنا ابن المنكدر) محمد، (وقال) أي سفيان أيضًا بالسند السابق (مرة فأتيت أبا بكر فسألت) بحذف ضمير المفعول ولأبي الوقت فسألته (فلم يعطني ثم أتيته فلم يعطني ثم أتيته الثالثة فقلت: سألتك فلم تعطني ثم سألتك فلم تعطني ثم سألتك فلم تعطني) ثلاثًا (فإما أن تعطيني وإما أن تبخل) بفتح أوّله وسكون الموحدة (عني) أي من جهتي ولأبي الوقت من غير اليونينية عليّ (قال): أي أبو بكر -رضي الله عنه- (قلت): بتاء المخاطبة لجابر (تبخل عليّ) ولأبي ذر وابن عساكر: عني (ما منعتك) أي من العطاء (من مرة إلاّ وأنا أريد أن أعطيك) ومنعه هذا لعله لئلا يحرص على الطلب أو لئلا يزدحم الناس عليه فلم يقصد المنع الكلي. (قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (وحدّثنا عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن محمد بن علي) أْي ابن الحسين بن علي (عن جابر) -رضي الله عنه- (فحثى لي) أي أبو بكر -رضي الله عنه- (حثية) بفتح الحاء من حثى يحثي ويجوز حثوة من حثا يحثو وهما لغتان (وقال: عدّها) أي فعددتها (فوجدتها خمسمائة قال: فخذ مثلها مرتين) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: مثليها بالتثنية. قال سفيان (وقال يعني ابن المنكدر: وأي داء أدوأ من البخل) وهذا يشعر بأنه من كلام ابن المنكدر، لكن في مسند الحميدي عن سفيان في هذا الحديث وقال ابن المنكدر في حديثه ففيه اتصال ذلك إلى أبي بكر، وأدوأ بالهمز على الصواب أي أقبح والمحدّثون يروونه أدوى بغير همز وهو من دوى إذا كان به مرض في جوفه فيحمل على أنهم سهلوا الهمزة. وهذا الحديث قد سبق بعضه في الهبة وغيرها. 3138 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا قُرَّةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْسِمُ غَنِيمَةً بِالْجِعْرَانَةِ إِذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: اعْدِلْ. قَالَ: لَقَدْ شَقِيتَ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ". وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي الأزدي مولاهم قال: (حدّثنا قرّة بن خالد) السدوسي وسقط لغير أبوي ذر والوقت ابن خالد قال: (حدّثنا عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: بينما) بالميم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقسم غنيمة بالجعرانة) بكسر الجيم وسكون العين وهذه القسمة كانت غنيمة هوازن وجواب بينما قوله: (اذ قال له رجل) هو ذو الخويصرة التميمي (اعدل فقال له): (شقيت وإن لم أعدل) بفتح الشين المعجمة والفوقية أي ضللت أنت أيها التابع إذا كنت لا أعدل لكونك تابعًا ومقتديًا بمن لا يعدل أو حيث تعتقد في نبيك هذا القول لأنه لا يصدر عن مؤمن، لكن لا يلائمه حينئذ قوله: إن لم أعدل إلا أن يقدر له جواب محذوف، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر قال: شقيت بحذف فاء فقال ولفظ له وزيادة لقد وضم تاء شقيت، ومعناه ظاهر ولا محذور فيه والشرط لا يستلزم الوقوع لأنه ليس ممن لا يعدل حتى يحصل له الشقاء بل هو عادل فلا يشقى حاشاه الله مما يكره. 16 - باب مَا مَنَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الأُسَارَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمَّسَ (باب ما منّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الأسارى من غير أن يخمس) لأن له عليه الصلاة والسلام التصرف في الغنيمة بما يراه مصلحة. 3139 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ". [الحديث 3139 - طرفه في: 4024]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) أبو يعقوب الكوسج المروزي قال: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن محمد بن جبير عن أبيه) جبير بن مطعم القرشي (رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال في أسارى بدر): (لو كان المطعم بن عدي) أي ابن نوفل بن عبد مناف مات كافرًا في صفر قبل بدر بنحو سبعة أشهر (حيًّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى) بنونين مفتوحين بينهما

17 - باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام، وأنه يعطي بعض قرابته دون بعض ما قسم النبي -صلى الله عليه وسلم- لبني المطلب وبني هاشم من خمس خيبر. قال عمر بن عبد العزيز: لم يعمهم بذلك ولم يخص قريبا دون من أحوج إليه، وإن كان الذي أعطي لما يشكو إليه من الحاجة، ولما مستهم في جنبه من قومهم وحلفائهم.

فوقية ساكنة مقصورًا جمع نتن كزمن وزمنى أو جمع نتين كجريح وجرحى (لتركتهم له). أي لأطلقتهم لأجله بغير فداء مكافأة له لما كان أحسن السعي في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش في أن لا يبايعوا الهاشمية والمطلبية ولا يناكحوهم، أو لأنه عليه الصلاة والسلام لما رجع من الطائف لمكة رجع في جواره وفيه دليل على أن للإمام أن يمن على الأسارى من غير فداء لكن قال أصحابنا الشافعية: لو ترك السبي للمطعم كان يستطيب الغانمين كما فعل في سبي هوازن. قال ابن المنير: وهذا تأويل ضعيف لأن الاستطاعة عقد من العقود الاختيارية يحتمل أن يذعن صاحبها وأن لا يذعن فكيف بت الرسول عليه الصلاة والسلام القول بأنه يعطيه إياهم والأمر موقوف على اختيار من يحتمل أن لا يختار والبت في موضع الشك لا يليق بمنصب النبوة والفرق بين هذا وبين سبي هوازن أنه عليه الصلاة والسلام لم يعط هوازن ابتداء بل وقف أمرهم ووعدهم أن يكلم المسلمين ويستطيب نفوسهم بخلاف حديث الطعم فإنه جزم بأنه لو كان حيًّا وكلمه في السبي لأعطاهم إياه؟ وأجاب في الفتح: بأن الذي يظهر أن هذا كان باعتبار ما تقدم في أول الأمر أن الغنيمة كانت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتصرف فيها حيث شاء وفرض الخمس إنما نزل بعد قسمة غنائم بدر كما تقرر فلا حجة إذًا في هذا الحديث. وقد أخرج المؤلّف الحديث أيضًا في المغازي وأبو داود في الجهاد. 17 - باب وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِلإِمَامِ، وَأَنَّهُ يُعْطِي بَعْضَ قَرَابَتِهِ دُونَ بَعْضٍ مَا قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِبَنِي الْمُطَّلِبِ وَبَنِي هَاشِمٍ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ. قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَمْ يَعُمَّهُمْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَخُصَّ قَرِيبًا دُونَ مَنْ أَحْوَجُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أُعْطي لِمَا يَشْكُو إِلَيْهِ مِنَ الْحَاجَةِ، وَلِمَا مَسَّتْهُمْ فِي جَنْبِهِ مِنْ قَوْمِهِمْ وَحُلَفَائِهِمْ. هذا (باب) بالتنوين (ومن الدليل على أن الخمس للإمام وأنه يعطي بعض قرابته دون بعض ما قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لبني المطلب وبني هاشم) والمطلب وهاشم ولدا عبد مناف (من خُمس) غنيمة (خيبر. قال عمر بن عبد العزيز: لم يعمهم) ولأبي ذر: لم يعممهم بسكون العين وضم الميم وزيادة أخرى ساكنة أي لم يعم عليه الصلاة والسلام قريشًا (بذلك) القسم (ولم يخصُّ قريبًا دون من أحوج إليه) أي إلى القسم. قال ابن مالك: فيه حذف العائد على الموصول وهو قليل. ومنه قراءة يحيى بن يعمر تمامًا على الذي أحسن برفع النون هو أحسن وإذا طال الكلام فلا ضعف ومنه: وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله أي وفي الأرض هو إله اهـ. لكن في رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي من هو أحوج إليه بذكر العائد فاستغنى عن ذكر ما سبق. (وإن كان كان الذي أعطى) أبعد قرابة ممن لم يعط (لما يشكو إليه من الحاجة) تعليل لعطية إلا بعد قرابة (ولما مستهم) ولأبي ذر وابن عساكر مسهم بإسقاط الفوقية (في جنبه) أي في جانبه عليه السلام (من قومهم) كفار قريش (وحلفائهم) بحاء مهملة أي حلفاء قومهم بسبب الإسلام، وهذا وصله عمر بن شبة في أخبار المدينة بنحوه. 3140 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: "مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا. وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَىْءٌ وَاحِدٌ". قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ وَزَادَ "قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يَقْسِمِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلاَ لِبَنِي نَوْفَلٍ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَبْدُ شَمْسٍ وَهَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ إِخْوَةٌ لأُمٍّ. وَأُمُّهُمْ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ. وَكَانَ نَوْفَلٌ أَخَاهُمْ لأَبِيهِمْ". [الحديث 3140 - طرفاه في: 3502، 4229]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد بن عقيل بالفتح (عن ابن شهاب) الزهري (عن ابن المسيب) بفتح الياء المشدّدة سعيد (عن جبير بن مطعم) هو ابن نوفل أنه (قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان) وهو من بني عبد شمس (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد أبو داود والنسائي من طريق يونس عن ابن شهاب فيما قسم من الخمس بين بني هاشم وبني المطلب (فقلنا: يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة) أي في الانتساب إلى عبد مناف لأن عبد شمس ونوفلاً وهاشمًا والمطلب بنوه (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد) بالشين المعجمة ولأبي ذر عن الكشميهني سي بسين مهملة مكسورة وتشديد الياء التحتية. قال الخطابي: وهو أجود ولم يبين وجه الأجودية. قال في المصابيح: والظاهر أنهما سواء يقال هذا سي هذا مثله ونظيره وفي رواية أبي زيد المروزي مما حكاه في الفتح أحد بغير واو مع همزة الألف فقيل هما بمعنى وقيل الأحد الذي ينفرد بشيء لم يشاركه فيه غيره والواحد أوّل العدد وقيل غير ذلك. (قال): ولأبي ذر وقال الليث بن سعد الإمام بهذا الإسناد ووصله في المغازي: (حدّثني)

18 - باب من لم يخمس الأسلاب ومن قتل قتيلا فله سلبه من غير أن يخمس، وحكم الإمام فيه

بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي، (وزاد) على روايته عن عقيل (قال جبير): هو ابن مطعم (ولم يقسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لبني عبد شمس) ولابن عساكر: لعبد شمس (ولا لبني نوفل) وزاد أبو داود في رواية يونس بهذا الإسناد، وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان عمر يعطيهم منه وعثمان بعده، قال الحافظ ابن حجر: وهذه الزيادة بين الذهلي في جمع حديث الزهري أنها مدرجة من كلام الزهري. (وقال) ولأبي ذر قال: (ابن إسحاق) محمد صاحب المغازي مما وصله المؤلّف في التاريخ: (عبد شمس) ولأبي ذر وعبد شمس (وهاشم والمطلب إخوة لأم وأمهم عاتكة بنت مرة) بن هلال من بني سليم (وكان نوفل أخاهم لأبيهم). واسم أمه واقدة بالقاف بنت عدي. وفي هذا الحديث حجة لإمامنا الشافعي رحمه الله: إن سهم ذوي القربى لبني هاشم وبني المطلب دون بني عبد شمس وبني نوفل وإن كان الأربعة أولاد عبد مناف لاقتصاره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في القسمة على بني الأوّلين مع سؤال بني الآخرين له كما مرّ ولأنهم لم يفارقوه في جاهلية ولا إسلام، حتى أنه لما بعث بالرسالة نصروه وذبّوا عنه بخلاف بني الآخرين بل كانوا يؤذونه والعبرة بالانتساب إلى الآباء كما صرح به في الروضة، أما من ينتسب منهم إلى الأمهات فلا شيء له لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يعط الزبير وعثمان مع أن أم كل منهما هاشمية. (لطيفة): قال ابن جرير: كان هاشم توأم أخيه عبد شمس وأن هاشمًا خرج ورجله ملتصقة برأس عبد شمس فما تخلص حتى سال بينهما دم فتشاءم الناس بذلك أن يكون بين أولادهما حروب فكانت وقعة بني العباس مع بني أمية بن عبد شمس سنة ثلاث وثلاثين ومائة من الهجرة. 18 - باب مَنْ لَمْ يُخَمِّسِ الأَسْلاَبَ وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمِّسَ، وَحُكْمِ الإِمَامِ فِيهِ (باب من لم يخمس الأسلاب) بفتح الهمزة جمع سلب بفتح اللام وهو ما على القتيل أو من في معناه من ثياب كران وسلاح ومركوب يقاتل عليه أو ممسكًا عنانه وهو يقاتل راجلاً وآلته كسرج ولجام ومقود وكذا لباس زينة لأنه متصل به وتحت يده كمنطقة وسوار وهميان وما فيه من نفقة لا حقيبة مدودة على الفرس فلا يأخذها ولا ما فيها من دراهم وأمتعة كسائر أمتعته المخلفة في خيمته وعن أحمد لا تدخل الدابة، ومشهور مذهب الشافعية أن السلب لا يخمس. (ومن قتل قتيلاً فله سلبه) سواء قال الإمام ذلك أو لم يقله (من غير أن يخمس) بفتح الميم المشددة وكسرها أي السلب ولابن عساكر من غير خمس بضم المعجمة والميم ولأبي ذر الخمس معرفًا وعن الحنفية والمالكية لا يستحقه إلا أن شرطه له الإمام، وعن مالك يخيّر الإمام بين أن يعطيه السلب وبين أن يخمسه (وحكم الإمام فيه) أي في السلب عطف على من لم يخمس، وقال الكرماني: فإن قلت: كيف يتصوّر قتل القتيل وهو تحصيل الحاصل؟ قلت المراد من القتيل المشارف للقتل نحو {هدى للمتقين} [البقرة: 2] أي الضالين الصائرين إلى التقوى، أو هو القتيل بهذا القتل المستفاد من لفظ قتل لا بقتل سابق لئلا يلزم تحصيل الحاصل. 3141 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بِغُلاَمَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لاَ يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا. فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ فَقُلْتُ: أَلاَ إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلاَهُ. ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَاهُ. فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ. فَقَالَ: هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ قَالاَ: لاَ. فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ: كِلاَكُمَا قَتَلَهُ، سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ. وَكَانَا مُعَاذَ ابْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ". قال محمد سمع يوسف صالحاً وسمع إبراهيم أباه عبد الرحمن ابن عوف. [الحديث 3141 - طرفاه في: 3964، 3988]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يوسف بن الماجشون) بكسر الجيم وضم الشين المعجمة بالفارسية المورّد واسمه يعقوب (عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه) إبراهيم (عن جده) عبد الرحمن أنه (قال) سقط لفظ قال لأبي ذر (بينا) بغير ميم (أنا واقف في الصف يوم) وقعة (بدر فنظرت) ولأبي ذر نظرت (عن يميني وشمالي) ولأبي ذر وعن شمالي وجواب بينا قوله: (فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما) بالرفع فاعل حديثة وهي جر صفة لغلامين ويجوز الرفع والغلامان معاذ بن عمرو ومعاذ ابن عفراء كما في الحديث (تمنيت أن أكون بين أضلع) بفتح الهمزة وسكون الضاد المعجمة وبعد اللام المفتوحة عين مهملة أي أشد وأقوى (منهما) أي من الغلامين لأن الكهل أصبر في الحروب ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي أصلح بصاد وحاء مهملتين (فغمزني أحدهما) أي الغلامين

(فقال: يا عم، هل تعرف أبا جهل)؟ أهو عمرو بن هشام فرعون هذه الأمة (قلت: نعم. ما حاجتك إليه يا ابن أخي؟ قال: أخبرت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (أنه يسب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده) بفتح السين المهملة فيهما أي لا يفارق شخصي شخصه (حتى يموت الأعجل منا) باللام لا بالزاي أي الأقرب أجلاً (فتعجبت لذلك، فغمزني الآخر فقال لي مثلها، فلم أنشب) بفتح الهمزة والشين المعجمة بينهما نون ساكنة آخره موحدة أي فلم ألبث (أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس) بالجيم وفي مسلم يزول بالزاي بدلها أي يضطرب في المواضع لا يستقر على حال (قلت) ولأبي ذر فقلت (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيه والتحضيض (أن هذا صاحبكما الذي سألتماني) أي عنه (فابتدراه بسيفيهما) أي سبقاه مسرعين (فضرباه) بهما حتى (قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبراه) بقتله (فقال): (أيكما قتله قال كل واحد منهما أنا قتلته فقال) عليه السلام ولأبي ذر قال: (هل مسحتما سيفيكما) أي من الدم (قالا: لا). لم نمسحهما (فنظر) عليه الصلاة والسلام (في السيفين) ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما ومقدار عمق دخولهما في جسد المقتول ليحكم بالسلب لمن كان أبلغ ولو مسحاه لما تبين المراد من ذلك (فقال) عليه السلام: (كلاكما قتله سلبه) أي سلب أبي جهل (لمعاذ بن عمرو بن الجموح) بفتح العين وسكون الميم، والجموح بفتح الجيم وضم الميم وبعد الواو حاء مهملة لأنه هو الذي أثخنه (وكانا) أي الغلامان (معاذ ابن عفراء) بفتح العين المهملة وبعد الفاء الساكنة راء ممدودًا وهي أمه واسم أبية الحرث بن رفاعة (ومعاذ بن عمرو بن الجموح). وإنما قال كلاكما قتله وإن كان أحدهما هو الذي أثخنه تطييبًا لقلب الآخر، وقال المالكية: إنما أعطاه لأحدهما لأن الإمام مخير في السلب يفعل فيه ما يشاء وقال الطحاوي لو كان يجب للقاتل لكان التسلب مستحقًا بالقتل ولكان جعله بينهما لاشتراكهما في قتله فلما خص به أحدهما دل على أنه لا يستحق بالقتل وإنما يستحق بتعيين الإمام اهـ. وجوابه ما سبق. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي وكذا مسلم وزاد في رواية أبي ذر هنا. قال محمد يعني البخاري سمع يوسف أي ابن الماجشون صالحًا وسمع إبراهيم أباه عبد الرحمن بن عوف ولعله أشار بهذه الزيادة إلى الرد على من قال إن بين يوسف وصالح رجلاً وهو عبد الواحد بن أبي عون فيكون الحديث منقطعًا. 3142 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلاَ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَاسْتَدبرْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَىَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ؛ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللَّهِ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا، وَجَلَسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ. فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ. ثُمَّ قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ -فَقُمْتُ فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ. ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ مِثْلَهُ، فَقُمْتُ, فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟ فَاقْتَصَصْتُ عَلَيهِ القِصَّة، فَقَالَ رَجُلٌ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَسَلَبُهُ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ عَنِّي. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه-: لاَهَا اللَّهِ إِذًا لا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِيكَ سَلَبَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صَدَقَ، فَأَعْطَاهُ فَبِعْتُ الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرِفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك) الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن ابن أفلح) هو عمرو بن كثير بن أفلح بالفاء والحاء المهملة (عن أبي محمد) نافع (مولى أبي قتادة عن أبي قتادة) الحرث بن ربعي الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام حنين)، بالحاء المهملة والنون مصروفًا واد بينه وبين مكة ثلاثة أميال وكان في السنة الثامنة (فلما التقينا) أي مع العدوّ (كانت للمسلمين جولة) بالجيم أي تقدم وتأخر وعبر بذلك احترازًا عن لفظ الهزيمة وكانت هذه الجولة في بعض الجيش لا في رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن حوله (فرأيت رجلاً من المشركين علا رجلاً من المسلمين) أي ظهر عليه وأشرف على قتله أو صرعه وجلس عليه والرجلان لم يسميا (فاستدرت) من الاستدارة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فاستدبرت من الاستدبار (حتى أتيته من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل عاتقه) بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة عرق أو عصب عند موضع الرداء من العنق أو ما بين العنق والمنكب (فأقبل عليّ فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت) استعارة عن أثره أي وجدت منه شدة كشدة الموت (ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (فقلت: ما بال الناس؟) أي منهزمين (قال: أمر الله) أي قضاؤه أو المراد ما حال الناس

بعد الانهزام فقال: أمر الله غالب والعاقبة للمتقين (ثم إن الناس رجعوا) أي ثم إن المسلمين رجعوا بعد الهزيمة وعلى الثاني رجعوا بعد انهزام المشركين (وجلس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (من قتل قتيلاً له عليه بيّنة فله سلبه) قال أبو قتادة (فقمت فقلت: من يشهد لي) أي بقتل ذاك الرجل (ثم جلست، ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (من) ولابن عساكر ثم قال الثانية مثله من (قتل قتيلاً له عليه بيّنة فله سلبه) أوقع القتل على المقتول باعتبار مآله كقوله تعالى: {أعصر خمرًا} [يوسف: 36] (فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست، ثم قال الثالثة مثله فقمت فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما لك يا أبا قتادة؟ فاقتصصت عليه القصة فقال رجل): لم يسم كذا قال في الفتح، وقال في مقدمته ذكر الواقدي أن الذي شهد له بالسلب هو أسود بن خزاعي الأسلمي، والذي أخذ السلب وقع في رواية أخرى عند المصنف أنه من قريش كذا رأيته فليتأمل. فإن سياق الحديث يقتضي أنهما واحد. (صدق يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسلبه عندي فأرضه) بقطع الهمزة وكسر الهاء (عني، فقال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: لا ها الله) بقطع الهمزة ووصلها وكلاهما مع إثبات ألف ها وحذفها، كما في القاموس والمغني وغيرهما فهي أربعة النطق بلام بعدها التنبيه من غير ألف ولا همزة، والثاني بألف من غير همز، والثالث بثبوت الألف وقطع الجلالة والرابع بحذف الألف وثبوت همزة القطع والمشهور في الرواية الأوّل والثالث، وفي هذا كما قال ابن مالك شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه قال: ولا يكون ذلك إلا مع الله أي لم يسمع لاها الرحمن وأما لفظ الجلالة هنا فجر لأن ها التنبيه عوض عن واو القسم. وقال ابن مالك ليست عوضًا عنها وإن جر ما بعدها بمقدّر لم يلفظ به كما أن نصب المضارع بعد الفاء ونحوه بمقدر ولا للنفي والمعنى لا والله (إذًا لا يعمد) بكسر الميم أي لا يقصد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى أسد) أي إلى رجل كأنه في الشجاعة أسد (من أسد الله) بضم الهمزة والسين (يقاتل عن الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي صدر قتاله عن رضا الله ورسوله أي بسببهما كقوله تعالى: {وما فعلته عن أمري} [الكهف: 82] أو المعنى يقاتل ذابًّا عن دين الله أعداء الله ناصرًا لأوليائه أو يقاتل لأجل نصر دين الله وشريعة رسوله لتكون كلمة الله هي العليا (يعطيك سلبه) أي سلب قتيله الذي قتله بغير طيب نفسه وأضافه إليه باعتبار أنه ملكه، وقوله إذًا بهمزة مكسورة فذال معجمة منوّنة حرف جواب وجزاء في جميع الروايات في الصحيحين وغيرهما، لكن اتفق كثير ممن تكلم على الحديث على تخطئة جهابذة المحدثين ونسبتهم إلى الغلط والتصحيف، وأن الصواب ذا بغير همزة ولا تنوين للإشارة فقال الخطابي: المحدثون يروونه إذا وإنما هو في كلام العرب لاها الله ذا والهاء فيه بمنزلة الواو والمعنى لا والله يكون ذا. وقال المازني: الصواب لاها الله ذا أي ذا يميني وقسمي، وقال ابن الحاجب: حمل بعض النحويين إدخال إذا في هذا المحل على الغلط من الرواة لأن العرب لا تستعمل ها الله إلا مع ذا وإن سلم استعماله بدون ذا فليس هذا موضع إذن لأنه للجزاء وهو هنا على نقيضه، ومعرفة هذا تتوقف على أن يعلم أن مدخول إذن جزاء لشرط مقدر على ما نقله في المفصل عن الزجاج وإذا كان كذلك وجب أن يكون الشرط المقدر يصح وقوعه سببًا لما بعد إذا إذ الشرط يجب أن يكون سببًا للجزاء، وإذا تقرر هذا فقوله لاها الله إذا لا يعمد جواب لمن طلب السلب بقوله فأرضه عني وليس بقاتل ويعمد وقع في الرواية مع لا فيكون تقرير الكلام إن أرضاه عنك لا يكون عامدًا إلى أسد فيعطيك سلبه ولا يصح أن يكون إرضاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القاتل عن الطالب سببًا لعدم كونه عامدًا إلى أسد ومعطيًا سلبه الطالب، وإذا لم يكن سببًا له بطل كون لا يعمد جزاء للإرضاء، ومقتضى الجزائية أن لا تذكر لا مع يعمد ويقال: إذا يعمد ليصح جوابًا لطالب السلب فيكون التقدير أن يرضه عنك يكن عامدًا إلى أسد ومعطيًا سلبه

19 - باب ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه رواه عبد الله بن زيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

فتحقق الجزائية لصحة كون الإرضاء سببًا لكونه عامدًا إلى أسد من أسد الله معطيًا سلب مقتوله غير القاتل فقالوا: الظاهر أن الحديث لاها الله ذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله فصحفها بعض الرواة ثم نقلت الرواية المصحفة كذلك. وأجاب أبو جعفر الغرناطي بأن إذا جواب شرط مقدر يدل عليه قوله صدق فأرضه فكأن أبا بكر قال: إذا صدق في أنه صاحب السلب إذًا لا يعمد إلى السلب فيعطيك حقه فالجزاء على هذا صحيح لأن صدقه سبب أن لا يفعل ذلك، وقال الدار الحديثي: لا يجب أن يلازم ذا ها القسم كما لا يجب أن يلازم غيرها من حروفه وتحقيق الجزائية بإذًا لا يعمد صحيح إذ معناه إذا صدق أسد غيرك لا يعمد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى إبطال حقه وإعطاء سلبه إياك. وقال الطيبي: هو كقولك لمن قال لك افعل كذا فقلت له والله إذًا لا أفعل فالتقدير إذًا لا يعمد إلى أسد إلخ قال: ويحتمل أن تكون إذا زائدة كما قال أبو البقاء اهـ. نعم في رواية غير أبي ذر وابن عساكر إذا يعمد بإسقاط لا وحينئذٍ فلا إشكال كما لا يخفى، ويأتي الحديث إن شاء الله تعالى في المغازي. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صدق) أي أبو بكر (فأعطاه) أي أعطى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبا قتادة الدرع وكان الأصل أن يقول أعطاني لكنه عدل إلى الغيبة التفاتًا وتجريدًا وإنما أعطاه لعلمه أنه القاتل بطريق من الطرق فلا يقال أعطاه بقرار من في يده السلب لأن المال منسوب لجميع الجيش فلا اعتبار بقراره قال أبو قتادة (فبعت الدرع) بكسر الدال وسكون الراء فاشتراه منه حاطب بن أبي بلتعة بسبع أواق (فابتعت) أي اشتريت (به مخرفًا) بفتح الميم وكسر الراء وبفتحها لأبي ذر مع إسقاط لفظ به أي بستانًا لأنه يخترف منه الثمر أي يجتنى (في بني سلمة) بكسر اللام قوم أبي قتادة وهم بطن من الأنصار (فإنه لأول مال تأثلته) بمثناة فوقية فهمزة مفتوحة فمثلثة مشددة فلام ساكنة ففوقية أي تكلفت جمعه (في الإسلام) واستدلّ به على أن السلب لا يخمس فيعطى للقاتل أولاً من الغنيمة ثم المؤن اللازمة كأجرة الحمال والحارس ثم يقسم الباقي خمسة أسهم متساوية. 19 - باب مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْخُمُسِ وَنَحْوِهِ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطي المؤلّفة قلوبهم) وهم من أسلم ونيته ضعيفة أو كان يتوقع بإعطائه إسلام نظرائه (وغيرهم) ممن تظهر له المصلحة في إعطائه (من الخمس ونحوه) الخراج والفيء والجزية (رواه) أي ما ذكر (عبد الله بن زيد) الأنصاري المازني في حديثه الطويل المروي موصولاً في المغازي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 3143 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى. قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، إِنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَىْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ. فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى تُوُفِّيَ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير) بن العوّام (أن حكيم بن حزام) بحاء مهملة فزاي معجمة وكان من المؤلّفة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأعطاني ثم سألته فأعطاني) مرتين (ثم قال لي): (يا حكيم إن هذا المال خضر) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: خضرة بالتأنيث باعتبار الأنواع أو تقديره كالفاكهة الخضرة (حلو) بالتذكير فشبه المال في الرغبة فيه بها فإن الأخضر مرغوب فيه من حيث النظر والحلو من حيث الذوق فإذا اجتمعا زادا في الرغبة (فمن أخذه) ممن يدفعه (بسخاوة نفس) منشرحًا بدفعه فالسخاوة راجعة إلى المعطي أو ترجع إلى الآخذ أي من أخذه بغير حرص وطمع (بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس) بأن تعرض له (لم يبارك له فيه. وكان كالذي) به الجوع الكاذب (يأكل ولا يشبع) ويسمى بجوع الكلب كلما ازداد أكلاً ازداد جوعًا (واليد العليا) بضم العين مقصورًا المنفقة أو المتعففة (خير من اليد السفلى) الآخذة. (قال حكيم: فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزًأ أحدًا) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الزاي آخره همزة أي لا أنقص مال أحد بالأخذ منه (بعدك) أي بعد سؤالك أو غيرك

(شيئًا حتى أفارق الدنيا) وإنما امتنع من الأخذ مطلقًا وإن كان مباركًا لسعة الصدر مع عدم الإشراف مبالغة في الاحتراز إذ مقتضى الجبلة الإشراف والحرص والنفس شرافة ومن حام حول الحمى يوشك أن يواقعه، (فكان) بالفاء ولابن عساكر وكان (أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (يدعو حكيمًا ليعطيه العطاء فيأبى) أي يمتنع (أن يقبل منه شيئًا ثم إن عمر) -رضي الله عنه- (دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل) زاد أبو ذر عن الكشميهني منه (فقال): أي عمر (يا معشر المسلمين إني أعرض عليه حقه الذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه) وإنما فعل ذلك عمر ليبرئ ساحته بالإشهاد عليه (فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس) زاد أبو ذر عن الكشميهني شيئًا (بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى توفي) -رضي الله عنه-. 3144 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ عَلَىَّ اعْتِكَافُ يَوْمٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَفِيَ بِهِ. قَالَ: وَأَصَابَ عُمَرُ جَارِيَتَيْنِ مِنْ سَبْيِ حُنَيْنٍ فَوَضَعَهُمَا فِي بَعْضِ بُيُوتِ مَكَّةَ، قَالَ فَمَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى سَبْيِ حُنَيْنٍ، فَجَعَلُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ انْظُرْ مَا هَذَا؟ فَقَالَ: مَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى السَّبْيِ؛ قَالَ: اذْهَبْ فَأَرْسِلِ الْجَارِيَتَيْنِ. قَالَ نَافِعٌ: وَلَمْ يَعْتَمِرْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْجِعْرَانَةِ، وَلَوِ اعْتَمَرَ لَمْ يَخْفَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ". وَزَادَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ: "مِنَ الْخُمُسِ". وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّذْرِ وَلَمْ يَقُلْ "يَوْمَ". وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله) كذا رواه حماد عن أيوب عن نافع مرسلاً لم يذكر ابن عمر ويأتي في المغازي أن البخاري نقل أن بعضهم رواه عن حماد موصولاً (إنه كان عليّ اعتكاف يوم) ولا منافاة بين ما في كتاب الاعتكاف أنه نذر ليلة لجواز اجتماع نذرهما (في الجاهلية) قبل الإسلام وفي رواية جرير بن حازم عند مسلم أن سؤاله لذلك وقع بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف (فأمره) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن يفي به) بالاعتكاف (قال): أي نافع (وأصاب عمر) -رضي الله عنه- (جاريتين) لم يسميا (من سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة قال): أي نافع فيما أرسله (فمنّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على سبي حنين) أي أطلقهم (فجعلوا يسعون في السكك فقال عمر) لابنه: (يا عبد الله انظر ما هذا) أي فنظر وسأل عن سبب سعيهم في السكك (فقال): ولأبي ذر قال: (منّ) أي أطلق (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على السبي) وفي رواية ابن عيينة عند الإسماعيلي قلت ما هذا؟ قالوا: السبي أسلموا فأرسلهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال): أي عمر لابنه (اذهب فأرسل الجاريتين) بهمزة قطع في فأرسل ويستفاد منه العمل بخبر الواحد (قال نافع): مولى ابن عمر (ولم يعتمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الجعرانة) بسكون العين كذا رواه أبو النعمان مرسلاً ووصله مسلم وابن خزيمة (ولو اعتمر) عليه السلام منها (لم يخف على عبد الله) قال السفاقسي الذي ذكره جماعة أنه اعتمر من الجعرانة حين فرغ من حنين والطائف وليس في قول نافع حجة لأن ابن عمر لم يحدّث بكل شيء علمه ولا كل ما علمه حدث به نافعًا ولا كل ما حدث به نافعًا حفظه نافع. (وزاد جرير بن حازم عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر قال): ولأبي ذر وقال: (من الخمس) أي كانت الجاريتان من الخمس وهذا موصول، لكن قال الدارقطني: حماد أثبت من جرير في أيوب. (ورواه) أي حديث الاعتكاف (معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر في) حديث (النذر ولم يقل) فيه (يوم) بالجر والتنوين على الحكاية ولأبي ذر يوم بالنصب على الظرفية. 3145 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْمًا وَمَنَعَ آخَرِينَ، فَكَأَنَّهُمْ عَتَبُوا عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي أُعْطِي قَوْمًا أَخَافُ ظَلَعَهُمْ وَجَزَعَهُمْ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْخَيْرِ وَالْغِنَى، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ، مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُمْرَ النَّعَمِ". زَادَ أَبُو عَاصِمٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: "حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِمَالٍ -أَوْ بِسَبْيٍ- فَقَسَمَهُ ... بِهَذَا". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي قال: (حدّثنا الحسن) البصري (قال: حدّثني) بالإفراد (عمرو بن تغلب) بفتح العين وإسكان الميم وتغلب بمثناة فوقية مفتوحة فغين معجمة ساكنة وبعد اللام المكسورة موحدة غير منصرف (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أعطى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قومًا ومنه آخرين فكأنهم عتبوا عليه) قال الخليل: حقيقة العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموحدة (فقال) عليه السلام: (إني أعطي قومًا أخاف ضلعهم) بفتح الضاد المعجمة واللام أي مرض قلوبهم وضعف يقينهم كذا في الفرع بالضاد الساقطة، وفي بعض الأصول بالظاء المعجمة والمشالة وهو الذي

في اليونينية وكذا ذكره في النهاية في باب الظاء مع اللام وقال: أي ميلهم عن الحق وضعف إيمانهم ثم قال وقيل إن المائل بالضاد (وجزعهم) بالجيم والزاي (وأكل) أي أفوّض (أقوامًا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى) بكسر الغين المعجمة مقصورًا ضد الفقر ولأبي ذر عن الحموي والمستملي والغناء بفتح الغين المعجمة ممدودًا الكفاية (منهم عمرو بن تغلب فقال عمرو بن تغلب: ما أحب أن لي بكلمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي التي قالها في حقه وهي إدخاله في أهل الخير والغنى (حمر النعم) بفتح النون واحد الأنعام الراعية وأكثر ما يقع على الإبل والحمر بضم الحاء المهملة والميم الساكنة والباء في بكلمة للبدلية. وهذا الحديث مر في كتاب الجمعة. (زاد) ولغير أبي ذر وزاد (أبو عاصم) الضحاك النبيل شيخ المؤلّف مما سبق في أواخر الجمعة موصولاً عن محمد بن معمر عن أبي عاصم (عن جرير) هو ابن حازم أنه (قال: سمعت الحسن) البصري (يقول: حدّثنا عمرو بن تغلب أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية (بمال أو بسبي) بفتح السين المهملة وسكون الموحدة ولأبي ذر عن الكشميهني بشيء بالشين المعجمة والتحتية والهمزة وهو أشمل (فقسمه بهذا) الذي ذكر. 3146 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّي أُعْطِي قُرَيْشًا أَتَأَلَّفُهُمْ، لأَنَّهُمْ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ». [الحديث 3146 - أطرافه في: 3147، 3528، 3778، 3793، 4331، 4332، 4333، 4334، 4337، 5860، 6762، 7441]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إني أعطي قريشًا أتألفهم) أي أطلب إلفهم (لأنهم حديث عهد بجاهلية) أي قريب عهد بكفر، قال في المصابيح قيل: وصوابه حديثو عهد. وأجاب بأنه يقدر له موصوف مفرد لفظًا دال على الجمع معنى كفريق ونحوه. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في مناقب قريش وفي المغازي. 3147 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَ، فَطَفِقَ يُعْطِي رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ الْمِائَةَ مِنَ الإِبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَدَعُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. قَالَ أَنَسٌ: فَحُدِّثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَقَالَتِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ أَحَدًا غَيْرَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَا كَانَ حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ قَالَ لَهُ فُقَهَاؤُهُمْ أَمَّا ذَوُو آرَائِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُ الأَنْصَارَ، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي لأُعْطِي رِجَالاً حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُوا إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَوَاللَّهِ مَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ. قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ رَضِينَا. فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْحَوْضِ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ نَصْبِرْ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ولأبي ذر عن الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك أن ناسًا من الأنصار قالوا لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): وسقطت التصلية لأبي ذر (حين) ولأبي ذر عن الكشميهني حيث (أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية لأبي ذر كالسابقة (من أموال هوازن ما أفاء فطفق) بكسر الفاء الثانية أي أخذ (يعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل) يتألفهم وهم فيما ذكره ابن إسحاق أبو سفيان وابنه معاوية وحكيم بن حزام والحرث بن الحرث بن كلدة والحرث بن هشام وسهل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى والعلاء بن حارثة الثقفي وعيينة بن حصن وصفوان بن أمية والأقرع بن حابس ومالك بن عوف النصري (فقالوا: يغفر الله لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية أيضًا لأبي ذر (يعطي قريشًا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم قال أنس: فحدّث) بضم الحاء مبنيًّا للمفعول أي أخبر (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمقالتهم) وعند ابن إسحاق أن الذي أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمقالتهم سعد بن عبادة (فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم) جلد تم دباغه (ولم يدع) بسكون الدال (معهم أحدًا غيرهم فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لهم: (ما كان حديث بلغني عنكم) قال له فقهاؤهم: أي أصحاب الفهم منهم (أما ذوو رأينا) بسكون الهمزة أي أصحاب رأينا الذين مرجع أمورنا إليهم وفي اليونينية أرائنا بالهمزة قبل الراء ممدودًا (فلم يقولوا شيئًا)، من ذلك (وأما أناس منا حديثة أسنانهم) رفع بحديثه أي شبان لم يدروا الصواب (فقالوا: يغفر الله لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطي قريشًا ويترك الأنصار وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني أعطي) ولابن عساكر وأبي ذر (لأعطي رجالاً حديث عهدهم) بتنوين حديث بغير إضافة ولأبي ذر وابن عساكر حديثي عهد (بكفر) بمثناة تحتية ساكنة بعد المثلثة مضاف للاحقه وفيه شاهد لسيبويه على إجازة مثل مررت برجل حسن وجهه بإضافة حسن

إلى وجه وغيره يخالفه في ذلك والمسألة مقررة في كتب العربية بأدلتها قاله في المصابيح (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم (ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون) ولأبي ذر وترجعوا بحذف النون علامة للنصب (إلى رحالكم) جمع رحل ما يسكنه الشخص أو ما يستصحبه من المتاع (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية لأبي ذر (فوالله ما تنقلبون به) وهو رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (خير مما ينقلبون به) من المال وما موصول مبتدأ خبره خير (قالوا: بلى يا رسول الله قد رضينا. فقال) عليه الصلاة والسلام: (لهم إنكم سترون بعدي أثرة شديدة) بضم الهمزة وسكون المثلثة وبفتحهما لأبي ذر وبالوجهين قيده الجياني وبفتحهما الأصيلي أي سترون بعدي استقلال الأمراء بالأموال وحرمانكم منها (فاصبروا حتى تلقوا الله) يوم القيامة (ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الحوض) فتظفروا بالثواب الجزيل على الصبر (قال أنس: فلم نصبر) وسقطت التصلية أيضًا لأبي ذر. وهذا الحديث قد أخرجه المؤلّف أيضًا في غزوة حنين من أربعة أوجه. 3148 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ النَّاسُ مُقْبِلاً مِنْ حُنَيْنٍ عَلِقَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ، فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَعْطُونِي رِدَائِي، فَلَوْ كَانَ عَدَدُ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمًا لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُونَنِي بَخِيلاً وَلاَ كَذُوبًا وَلاَ جَبَانًا". وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي) بضم الهمزة وفتح الواو مصغرًا قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) أي ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عمر بن محمد بن جبير بن مطعم أن) أباه (محمد بن جبير قال: أخبرني) بالإفراد أبي (جبير بن مطعم) -رضي الله عنه- (أنه بينا) بغير ميم (هو مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعه الناس) حال كونه (مقبلاً) ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني مقفله بفتح الميم وسكون القاف وفتح الفاء واللام أي زمان رجوعه (من) غزوة (حنين علقت رسول الله) بكسر لام علقت مخففة ونصب لام رسول الله على المفعولية ولابن عساكر برسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأعراب) حال كونهم (يسألونه) أن يعطيهم من الغنيمة (حتى اضطروه) أي ألجؤوه (إلى سمرة) شجرة لها نور أصفر (فخطفت رداءه) بكسر الطاء المهملة الشجرة على سبيل المجاز أو الأعراب (فوقف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): ولأبي ذر ثم قال: (أعطوني ردائي فلو كان عدد هذه العضاه) بكسر العين المهملة وبعد الضاد المعجمة ألف فهاء وقفًا ووصلاً شجر عظيم له شوك (نعمًا) بفتح النون والعين إبلاً أو والبقر (لقسمته بينكم ثم لا تجدوني) ولأبي ذر لا تجدونني بنونين على الأصل (بخيلاً ولا كذوبًا ولا جبانًا). وهذا الحديث سبق في باب الشجاعة في الحرب. 3149 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ. فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ". [الحديث 3149 - طرفاه في: 5809، 6088]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المصري قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله) بن أبي طلحة الأنصاري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه قال: (كنت أمشي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعليه برد) بضم الموحدة وسكون الراء نوع من الثياب معروف والواو للحال وفي رواية الأوزاعي وعليه رداء (نجراني) بفتح النون وسكون الجيم نسبة إلى نجران بلد باليمن (غليظ الحاشية فأدركه أعرابي) من أهل البادية لم يسم (فجذبه) بجيم فذال معجمة فموحدة (جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي ناحية عاتقه الشريف وهو ما بين المنكب والعنق (قد أثرت به حاشية الرداء) وفي رواية همام حتى انشق البرد وذهبت حاشيته في عنقه (من شدة جذبته ثم قال: مر لي) وفي رواية الأوزاعي أعطني (من مال الله الذي عندك فالتفت إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فضحك ثم أمر له بعطاء). وفيه مزيد حلمه عليه الصلاة والسلام وصبره على الأذى في النفس والمال والتجاوز عمن يريد تألفه على الإسلام وغير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى في اللباس والأدب. 3150 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ: فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ. وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ. قَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ. فَقُلْتُ وَاللَّهِ لأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى. قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ". [الحديث 3150 - أطرافه في: 3405، 4335، 4336، 6059، 6100، 6291، 6336]. وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم بن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لما كان يوم حنين آثر) بمدّ الهمزة أي

خص (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أناسًا في القسمة) بالزيادة (فأعطى) بيان للقسمة المذكورة ولأبوي ذر والوقت أعطى (الأقرع بن حابس) بالحاء المهملة والموحدة والسين المهملة المجاشعي أحد المؤلّف قلوبهم (مائة من الإبل وأعطى عيينة) بن حصن الفزاري (مثل ذلك) أي مائة (وأعطى أناسًا) آخرين (من أشراف العرب فآثرهم) بالفاء ولأبي ذر وابن عساكر وآثرهم (يومئذٍ في القسمة) على غيرهم (قال رجل) هو معتب بن قشير المنافق فيما ذكره الواقدي (والله إن هذه القسمة) ولأبي الوقت لقسمة (ما عدل فيها) بضم العين وكسر الدال (وما أريد بها) أي بهذه القسمة (وجه الله) بالرفع نائبًا عن الفاعل قال ابن مسعود (فقلت، والله لأخبرن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأتيته فأخبرته فقال) عليه الصلاة والسلام: (فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم ينقل أنه عليه الصلاة والسلام عاقبه فيحتمل كما قاله المازري أنه لم يفهم منه الطعن في النبوّة وإنما نسبه لترك العدل في القسمة فلعله لم يعاقبه لأنه لم يثبت عليه ذلك وإنما نقل عنه واحد وبشهادة واحد لا يراق الدم (رحم الله موسى) النبي (قد أوذي بأكثر من هذا) الذي أوذيت (فصبر). وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي ومسلم في الزكاة. 3151 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَسْمَاءَ بْنتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- قَالَتْ: "كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَأْسِي. وَهْيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَىْ فَرْسَخٍ". وَقَالَ أَبُو ضَمْرَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْطَعَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ". [الحديث 3151 - طرفه في: 5224]. وبه قال: (حدّثنا محمود بن غيلان) بفتح الغين المعجمة قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا هشام قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (عن أسماء ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي بكر -رضي الله عنهما-) أنها (قالت: كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه) أي أعطاه (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على رأسي) متعلق بأنقل (وهي) ولأبي الوقت وهي أي الأرض التي أقطعه (مني على ثلثي فرسخ) بتثنية ثلث. (وقال أبو ضمرة): بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم أنس بن عياض (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقطع الزبير أرضًا من أموال بني النضير) وهذا التعليق المرسل لم يجد ابن حجر -رحمه الله- من وصله وفائدة ذكره هنا أن أبا ضمرة خالف أبا أسامة في وصله فأرسله وتعيين الأرض المذكورة وأنها مما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح مطوّلاً وكذا مسلم وأخرجه النسائي في عشرة النساء. 3152 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا ظَهَرَ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ الْيَهُودَ مِنْهَا. وَكَانَتِ الأَرْضُ -لَمَّا ظَهَرَ عَلَيْهَا- لِلْيَهُودِ وَلِلرَّسُولِ وَلِلْمُسْلِمِينَ. فَسَأَلَ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَتْرُكَهُمْ عَلَى أَنْ يَكْفُوا الْعَمَلَ وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نترككُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا. فَأُقِرُّوا، حَتَّى أَجْلاَهُمْ عُمَرُ فِي إِمَارَتِهِ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاء". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر والأصيلي حدّثنا (أحمد بن المقدام) بكسر الميم الأولى قال: (حدّثنا الفضيل بن سليمان) بضم الفاء مصغرًا النميري البصري قال (حدّثنا موسى بن عقبة) صاحب المغازي (قال: أخبرني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى) بالجيم أي أخرجهم (من أرض الحجاز) لقوله عليه الصلاة والسلام لا يبقين دينان بجزيرة العرب ولم يخرجهم الصديق لاشتغاله بقتال أهل الردة أو لم يبلغه الخبر (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما ظهر على أهل خيبر) ولابن عساكر على أرض خيبر (أراد أن يخرج اليهود منها وكانت الأرض لما ظهر عليها) بفتح أكثرها قبل أن يسأله اليهود أن يصالحوه بأن ينزلوا عن الأرض (لليهود وللرسول) ولأبي الوقت وابن عساكر لما ظهر عليها لله وللرسول (وللمسلمين) وهو محمول على أنه بعد أن صالحهم كانت لله فلم يبق لليهود فيها حق (فسأل اليهود رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يتركهم على أن يكفوا العمل) بفتح الياء وسكون الكاف وتخفيف الفاء من يكفوا (ولهم نصف الثمر) بالمثلثة وفتح الميم (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (نقركم) من التقرير ولأبي ذر نترككم (على ذلك ما شئنا فأقروا) على ذلك (حتى أجلاهم عمر في إمارته إلى تيماء) بفتح الفوقية وسكون التحتية قربة على البحر من بلاد طيئ (أريحا) بفتح الهمزة وكسر الراء وبالحاء المهملة مقصورًا قرية بالشام، ولأبي ذر أو ريحًا بزيادة الألف للشك. وقد سبق الحديث في كتاب المزارعة ومطابقته لما ترجم به هنا من حيث إنه ذكر فيها جهات قد

20 - باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب

علم من مكان آخر أنها كانت جهات عطاء فبهذا الطريق تدخل تحت الترجمة قاله ابن المنير رحمه الله تعالى. 20 - باب مَا يُصِيبُ مِنَ الطَّعَامِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ (باب) حكم (ما يصيب) المجاهد (من الطعام في أرض الحرب). 3153 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ خَيْبَرَ، فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ، فَنَزَوْتُ لآخُذَهُ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ". [الحديث 3153 - طرفه في: 5508]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن حميد بن هلال) العدوي البصري (عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء المشددة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا محاصرين قصر خيبر فرمى إنسان) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه (بجراب) بكسر الجيم لا بفتحها وما ألطف قول القائل لا تكسر القصعة ولا تفتح الجراب وحكى ابن التين اللغتين وقال القزاز بالفتح وعاء من جلود وبالكسر جراب الركية وهو ما حولها من أعلاها إلى أسفلها (فيه شحم) بمعجمة مفتوحة فمهملة ساكنة (فنزوت) بنون فزاي مفتوحتين فواو ساكنة أي وثبت مسرعًا (لآخذه فالتفت فإذا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستحيبت منه عليه الصلاة والسلام) لكونه اطلع على حرصي عليه ويوقيرًا له وإعراضًا عن خوارم المروءة. وموضع الاستدلال منه كونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينكر عليه، بل في مسلم ما يدل على رضاه عليه الصلاة والسلام لأن فيه أنه تبسم لمرآه، بل صرح في رواية أبي داود الطيالسي حيث قال عليه الصلاة والسلام في آخره: "هو لك" وكأنه عرف شدة حاجته إليه فسوّغ له الاستئثار به قاله في الفتح. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والذبائح ومسلم في المغازي وأبو داود في الجهاد والنسائي في الذبائح. 3154 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ، فَنَأْكُلُهُ وَلاَ نَرْفَعُهُ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) ولأبوي ذر والوقت أن ابن عمر -رضي الله عنهما- (قال: كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب) زاد أبو نعيم من رواية يونس بن محمد وأحمد بن إبراهيم عند الإسماعيلي كلاهما عن حماد بن زيد والفواكه، وعند الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن حماد بن زيد كنا نصيب العسل والسمن في المغازي (فنأكله ولا نرفعه) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو لا نحمله للإدخار. 3155 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ لَيَالِيَ خَيْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَقَعْنَا فِي الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ فَانْتَحَرْنَاهَا، فَلَمَّا غَلَتِ الْقُدُورُ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اكْفَئُوا الْقُدُورَ فَلاَ تَطْعَمُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَقُلْنَا إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ. قَالَ: وَقَالَ آخَرُونَ حَرَّمَهَا الْبَتَّةَ. وَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ: حَرَّمَهَا الْبَتَّةَ. [الحديث 3155 - أطرافه في: 4220، 4222، 4224، 5526] وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي البصري قال: (حدّثنا الشيباني) بفتح الشين المعجمة وسكون التحتية بعدها موحدة سليمان بن أبي سليمان الكوفي (قال: سمعت ابن أبي أوفى) عبد الله (-رضي الله عنهما- يقول: أصابتنا مجاعة) جوع شديد (ليالي خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها) وفي رواية البراء وابن أبي أوفى في المغازي فأصابوا حمرًا فطبخوها (فلما غلت القدور نادى منادي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أبو طلحة (اكفئوا) بفتح الهمزة وسكون الكاف وكسر الفاء وبهمزة ولابن عساكر أن اكفئوا أي أميلوا (القدور) ليراق ما فيها (فلا تطعموا) بفتح أوله وثالثه أي فلا تذوقوا (من لحوم الحمر شيئًا. قال عبد الله) هو ابن أبي أوفى (فقلنا) أي بعض الصحابة (إنما نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي عنها (لأنها لم تخمس) بضم أوّله وفتح ثالثه المشدد أي لم يؤخذ منها الخمس (قال، وقال آخرون): من الصحابة (حرمها) عليه السلام (البتة) أي قطعًا من البت وهو القطع والنصب على المصدرية قال الشيباني: (وسألت سعيد بن جبير فقال: حرمها البتة) وذكر الواقدي أن عدة الحمر التي ذبحوها كانت عشرين أو ثلاثين كذا رواه بالشك. وسيأتي ما وقع من اختلاف الصحابة في علة النهي عن لحم الحمر إن شاء الله تعالى واستفيد من هذه الأحاديث إباحة أكل الغانمين قبل اختيار التملك وقبل رجوعهم لعمران الإسلام ما يوجد من القوت والأدم والفاكهة ونحوها مما يعتاد أكله للآدمي عمومًا كاللحم والشحم والعلف للدواب شعيرًا وتبنًا لما ذكر، ولحديث أبي داود والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري عن عبد الله بن أبي أوفى قال: أصبنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بخيبر طعامًا فكان كل واحد منا يأخذ منه قدر كفايته، والمعنى فيه عزته بدار الحرب غالبًا لإحراز

58 - كتاب الجزية والموادعة

أهله له عنا فجعله الشارع مباحًا ولأنه قد يفسد وقد يتعذر نقله وقد تزيد مؤونة نقله عليه سواء كان معه طعام يكفيه أم لا لعموم الأحاديث ويتزودون منه لقطع المسافة التي بين أيديهم بقدر الحاجة ولو كانوا أغنياء عنه نعم لو أكل فوق حاجته لزم قيمته كما صرح به في الروضة. قال الزركشي: وكذا ينبغي أن يقال به في علف الدواب لا الفانيذ والسكر والأدوية التي تندر الحاجة إليها ولا انتفاع بمركوب وملبوس من الغنيمة فلو خالف لزمته الأجرة كما تلزمه القيمة إذا أتلف بعض الأعيان، فإن احتاج إلى ملبوس لبرد أو حر ألبسه الإمام بالأجرة مدة حاجته ثم يرده إلى المغنم أو حسبه عليه من سهمه وله القتال بالسلاح بلا أجرة للضرورة إليه ويرده إلى المغنم بعد زوالها فإن لم تكن ضرورة لم يجز له استعماله. والحديث الأخير أخرجه أيضًا في المغازي ومسلم في الذبائح والنسائي في الصيد وابن ماجه في الذبائح. بسم الله الرحمن الرحيم 58 - كتاب الجزية والموادعة 1 - باب الْجِزْيَةِ وَالْمُوَادَعَةِ, مَعَ أَهْلِ الذمة والْحَرْبِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] يعْنِي أَذِلاَّءُ. وَمَا جَاءَ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَالْعَجَمِ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ: قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ مَا شَأْنُ أَهْلِ الشَّأْمِ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَيْهِمْ دِينَارٌ؟ قَالَ: جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْيَسَارِ. (بسم الله الرحمن الرحيم) وسقطت البسملة لأبي ذر. (باب الجزية) بكسر الجيم وهي مال مأخوذ من أهل الذمة لإسكاننا إياهم في دارنا أو لحقن دمائهم وذراريهم وأموالهم أو لكفنا عن قتالهم (والموادعة) والمراد بها متاركة أهل الحرب مدة معينة لمصلحة (مع أهل الذمة والحرب) لف ونشر مرتب لأن الجزية مع أهل الذمة والموادعة مع أهل الحرب (وقول الله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر}) كإيمان الموحدين ({ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله}) يعني الخمر والميسر ({ولا يدينون دين الحق}) لا يتدينون بدين الإسلام ({من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية}) إن لم يسلموا ({عن يد}) أي عن قهر وغلبة ({وهم صاغرون}) [التوبة: 29] قال البخاري مفسرًا لقوله: {صاغرون} (أذلاء) ولأبي ذر يعني أذلاء وزاد أبو ذر وابن عساكر والمسكنة مصدر المسكين يقال: فلان أسكن من فلان أي أحوج منه فهو من المسكنة ولم يذهب أي البخاري إلى السكون، ووجه ذكره المسكنة هنا أنه فسر الصغار بالذلة وجاء في وصف أهل الكتاب ضربت عليهم الذلة والمسكنة فناسب ذكرها عند ذكر الذلة وساق في رواية أبي ذر وابن عساكر إلى قوله: {ولا يحرمون} ثم قال إلى قوله: {وهم صاغرون} (وما جاء في أخذ الجزية من اليهود والنصارى) أهل الكتاب (والمجوس) الذين لهم شبهة كتاب (والعجم) وهذا قول أبي حنيفة تؤخذ الجزية من جميع الأعاجم سواء كانوا من أهل الكتاب أو من المشركين. وعند الشافعي وأحمد: لا تؤخذ إلا ممن له كتاب أو شبهة كتاب فلا تؤخذ من عبدة الأوثان والشمس والقمر ومن في معناهم ولا من المرتد لأن الله تعالى أمر بقتل جميع المشركين إلى أن يسلموا بقوله: {اقتلوا المشركين} [التوبة: 5] الآية السابقة وتؤخذ أيضًا ممن زعم أنه متمسك بصحف إبراهيم وزبور داود ومن أحد أبويه كتابي والآخر وثني وعن مالك تقبل من جميع الكفار إلا من ارتد. (وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله عبد الرزاق (عن ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة عبد الله (قلت لمجاهد: ما شأن أهل الشام) أي من أهل الكتاب (عليهم) أي في الجزية (أربعة دنانير وأهل اليمن) من أهل الكتاب (عليهم) فيها (دينار؟) واحد (قال: جعل ذلك من قبل اليسار) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة اليسار وفيه جواز التفاوت في الجزية وأقلها عند الشافعية والجمهور دينار في كل حول ومن متوسط الحال ديناران ومن الموسر أربعة استحبابًا. 3156 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرًا قَالَ: "كُنْتُ جَالِسًا مَعَ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَمْرِو بْنِ أَوْسٍ فَحَدَّثَهُمَا بَجَالَةُ سَنَةَ سَبْعِينَ -عَامَ حَجَّ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ- عِنْدَ دَرَجِ زَمْزَمَ قَالَ: كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الأَحْنَفِ، فَأَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ فَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنَ الْمَجُوسِ. وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت عمرًا) هو ابن دينار (قال: كنت جالسًا مع جابر بن زيد) أي الشعثاء البصري (وعمرو بن أوس) بفتح العين وأوس بفتح الهمزة وسكون الواو بعدها سين مهملة الثقفي المكي (فحدثهما بجالة) بفتح الموحدة والجيم المخففة واللام بعدها هاء تأنيث ابن عبدة بالمهملتين بينهما موحدة مفتوحات التميمي البصري التابعي وليس له في البخاري إلا هذا (سنة سبعين) بالموحدة بعد السين

(عام حج مصعب بن الزبير) بن العوّام (بأهل البصرة) وحج معه بجالة كما عند أحمد وكان مصعب أميرًا على البصرة من قبل أخيه عبد الله بن الزبير (عند درج زمزم قال: كنت كاتبًا لجزء بن معاوية) بفتح الجيم وبعد الزاي الساكنة همزة عند المحدثين وقيده أهل النسب بكسر الزاي بعدها تحتية ساكنة ثم همزة (عم الأحنف) بن قيس وكان معدودًا في الصحابة (فأتانا كتاب عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (قبل موته) أي موت عمر (بسنة) سنة اثنتين وعشرين (فرّقوا بين كل ذي محرم) بينهما زوجية (من المجوس). فإن قلت: السنة أن لا يكشفوا عن بواطن أمورهم وعما يستحلون به من مذاهبهم في الأنكحة وغيرها؟ أجاب الخطابي بأن أمر عمر -رضي الله عنه- بالتفرقة بين الزوجين المراد منه أن يمنعوا من إظهاره للمسلمين والإشارة به في مجالسهم التي يجتمعون فيها للملاك كما يشترط على النصارى أن لا يظهروا صليبهم ولا يفشوا عقائدهم. 3157 - حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرٍ". (ولم يكن عمر) -رضي الله عنه- (أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله أخذها من مجوس هجر) بفتح الهاء والجيم بالصرف ولأبي ذر بعدمه. قال الجوهري: اسم بلد مذكر مصروف. وقال الزجاجي: يذكر ويؤنث وفي الترمذي فجاءنا كتاب عمر انظر مجوس من قبلك فخذ منهم الجزية فإن عبد الرحمن بن عوف أخبرني فذكره، وفي الموطأ بإسناد رواته ثقات إلا أنه منقطع عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر قال: لا أدري ما أصنع بالمجوس. فقال عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول "سنوا بهم سنة أهل الكتاب". قال ابن عبد البر: أي في الجزية فقط، واستدلّ بقوله سنة أهل الكتاب على أنهم ليسوا أهل كتاب. نعم روى الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد حسن عن عليّ: كان المجوس أهل كتاب يقرؤونه وعلم يدرسونه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم وقال: إن آدم كان ينكح أولاده بناته فأطاعوه وقتل من خالفه فأسرى على كتابهم وعلى ما في قلوبهم منه فلم يبق عندهم منه شيء. وحديث الباب أخرجه وأبو داود أيضًا في الخراج والترمذي في السنن وكذا النسائي. 3158 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ الأَنْصَارِيَّ -وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَىٍّ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا أَخْبَرَهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ فَوَافَتْ صَلاَةَ الصُّبْحِ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا صَلَّى بِهِمِ الْفَجْرَ انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ رَآهُمْ وَقَالَ: أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدْ جَاءَ بِشَىْءٍ , قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ لاَ الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (عن المسور بن مخرمة أنه أخبره أن عمرو بن عوف) بفتح العين وسكون الميم (الأنصاري) عدة ابن إسحاق وابن سعد ممن شهد بدرًا من المهاجرين وهو موافق لقوله هنا (وهو حليف لبني عامر بن لؤي) لأنه يشعر بكونه مكيًّا ويحتمل أن يكون أصله من الأوس والخزرج ثم نزل مكة وحالف بعض أهلها فبهذا الاعتبار يكون أنصاريًّا مهاجريًّا (وكان شهد بدرًا أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث أبا عبيدة بن الجراح) هو عامر بن عبد الله بن الجراح أمين هذه الأمة (إلى البحرين) البلد المشهور بالعراق (يأتي بجزيتها)، أي بجزية أهلها وكان أكثر أهلها إذ ذاك المجوس (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو صالح أهل البحرين) في سنة الوفود سنة تسع من الهجرة (وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي) الصحابي المشهور (فقدم أبو عبيدة) بن الجراح (بمال من البحرين)، وكان فيما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن حميد بن هلال مائة ألف وهو أوّل خراج قدم به عليه (فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافت) من الموافاة ولأبي ذر عن الكشميهني فوافقت بالقاف بعد الفاء من الموافقة (صلاة الصبح) ولابن عساكر فوافت الصبح (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما صلّى بهم الفجر انصرف فتعرضوا له فتبسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين رآهم وقال): (أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء قالوا: أجل). أي نعم (يا رسول الله قال: فأبشروا) بهمزة قطع (وأملوا) بهمزة مفتوحة فميم مكسورة مشددة من غير مدّ من التأميل. وقال الزركشي: الأمل الرجاء يقال أملته فهو مأمول. قال الدماميني: مقتضاه أن

تكون وأملوا بهمزة وصل وميم مضمومة اهـ. وضبطها الصغاني بالوجهين (ما يسركم) ففيه البشرى من الإمام لأتباعه وتوسيع أملهم (فوالله لا الفقر أخشى عليكم) بنصب الفقر مفعول أخشى (ولكن أخشى عليكم أن تبسط) بضم أوله وفتح ثالثه وأن مصدرية أي بسط (عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم) وسقط لابن عساكر لفظة كان (فتنافسوها كما تنافسوها) ولغير الكشميهني: فتنافسوا كما تنافسوا بإسقاط الهاء فيهما والذي في الفرع بإسقاطها في الأولى فقط وكذا في أصله (وتهلككم كما أهلكتهم) فيه أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى الهلاك في الدين. 3159 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ وَزِيَادُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قَالَ: "بَعَثَ عُمَرُ النَّاسَ فِي أَفْنَاءِ الأَمْصَارِ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَسْلَمَ الْهُرْمُزَانُ، فَقَالَ: إِنِّي مُسْتَشِيرُكَ فِي مَغَازِيَّ هَذِهِ. قَالَ: نَعَمْ، مَثَلُهَا وَمَثَلُ مَنْ فِيهَا مِنَ النَّاسِ مِنْ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ مَثَلُ طَائِرٍ لَهُ رَأْسٌ وَلَهُ جَنَاحَانِ وَلَهُ رِجْلاَنِ، فَإِنْ كُسِرَ أَحَدُ الْجَنَاحَيْنِ نَهَضَتِ الرِّجْلاَنِ بِجَنَاحٍ وَالرَّأْسُ. فَإِنْ كُسِرَ الْجَنَاحُ الآخَرُ نَهَضَتِ الرِّجْلاَنِ وَالرَّأْسُ. وَإِنْ شُدِخَ الرَّأْسُ ذَهَبَتِ الرِّجْلاَنِ وَالْجَنَاحَانِ وَالرَّأْسُ. فَالرَّأْسُ كِسْرَى وَالْجَنَاحُ قَيْصَرُ وَالْجَنَاحُ الآخَرُ فَارِسُ. فَمُرِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَنْفِرُوا إِلَى كِسْرَى. وَقَالَ بَكْرٌ وَزِيَادٌ جَمِيعًا عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قَالَ: فَنَدَبَنَا عُمَرُ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ، وَخَرَجَ عَلَيْنَا عَامِلُ كِسْرَى فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَقَامَ تُرْجُمَانٌ فَقَالَ: لِيُكَلِّمْنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: سَلْ عَمَّا شِئْتَ. قَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ قَالَ: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ كُنَّا فِي شَقَاءٍ شَدِيدٍ وَبَلاَءٍ شَدِيدٍ. نَمَصُّ الْجِلْدَ وَالنَّوَى مِنَ الْجُوعِ. وَنَلْبَسُ الْوَبَرَ وَالشَّعَرَ. وَنَعْبُدُ الشَّجَرَ وَالْحَجَرَ. فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرَضِينَ -تَعَالَى ذِكْرُهُ وَجَلَّتْ عَظَمَتُهُ- إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ فَأَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ، أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ. وَأَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ. وَمَنْ بَقِيَ مِنَّا مَلَكَ رِقَابَكُمْ" [الحديث 3159 - طرفه في: 7530]. وبه قال: (حدّثنا الفضل بن يعقوب) البغدادي قال: (حدّثنا عبد الله بن جعفر الرقي) بفتح الراء وكسر القاف المشددتين نسبة إلى الرقة مدينة بالقرب من الفرات قال: (حدّثنا المعتمر بن سليمان) بسكون العين المهملة وفتح الفوقية وكسر الميم وليس هو المعمر بفتح المهملة وتشديد الميم المفتوحة ولا المعمر بسكون العين ابن راشد قال: (حدّثنا سعيد بن عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة مصغرًا ابن جبير بن حيّة (الثقفي) قال: (حدّثنا بكر بن عبد الله) بسكون الكاف (المزني) البصري (وزياد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة وهو عم سعيد بن عبيد الله كلاهما (عن) والد زياد (جبير بن حية) بفتح الحاء المهملة والتحتية المشددة ابن مسعود الثقفي أنه (قال: بعث عمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما- (الناس في أفناء الأمصار) بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح النون ممدودًا والأمصار بالميم ولم أره بالنون في أصل من الأصول والمصر المدينة العظيمة (يقاتلون المشركين) فلما كانوا بالقادسية أتاهم في الجيش الذين أرسلهم يزدجرد إلى قتال المسلمين فوقع بينهم قتال عظيم لم يعهد مثله مستهل المحرم سنة أربع عشرة وأبلى في ذلك اليوم جماعة من الشجعان كطليحة الأسدي وعمرو بن معد يكرب وضرار بن الخطاب، وأرسل الله تعالى في ذلك اليوم ريحًا شديدة أرمت خيام الفرس من أماكنها وهرب رستم مقدم الجيش وأدركه المسلمون وقتلوه وانهزمت الفرس، وقتل المسلمون منهم خلقًا كثيرًا ولم يزل المسلمون وراءهم إلى أن دخلوا مدينة الملك وهي المدائن التي فيها إيوان كسرى وكان الهرمزان بضم الهاء وسكون الراء وضم الميم وتخفيف الزاي واسمه رستم من جملة الهاربين ووقعت بينه وبين المسلمين وقعة ثم وقع الصلح بينه وبينهم ثم نقضه، فجمع أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- الجيش وحاصروه فسأل الأمان إلى أن يحمل إلى عمر -رضي الله عنه- فوجهه أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- مع أنس إليه (فأسلم الهرمزان) طائعًا وصار عمر يقربه ويستشيره (فقال) له: (إني مستشيرك في مغازي هذه) بتشديد ياء مغازي أي فارس وأصبهان وأذربيجان كما عند ابن أبي شيبة أي بأيها نبدأ لأن الهرمزان كان أعلم بشأنها من غيره. (قال) الهرمذان: (نعم مثلها) أي الأرض التي دل عليها السياق (ومثل من فيها من الناس من عدوّ المسلمين مثل طائر له رأس) برفع مثل خبر المبتدأ الذي هو مثلها وما بعده عطف عليه (وله جناحان وله رجلان فإن كسر) بضم الكاف مبنيًّا للمفعول (أحد الجناحين نهضت الرجلان بجناح والرأس) بالرفع عطفًا على الرجلان ولأبي ذرّ والرأس بالجر عطفًا على بجناح (فإن كسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس وإن شدخ) بضم الشين المعجمة بعد الدال المهملة المكسورة خاء معجمة أي كسر (الرأس ذهبت الرجلان والجناحان والرأس) فإذا فات الرأس فات الكل (فالرأس كسرى) بكسر الكاف وتفتح (والجناح قيصر) غير منصرف صاحب الروم (والجناح الآخر فارس) غير منصرف اسم الجبل المعروف من العجم، وتعقب هذا بأن كسرى لم يكن رأسًا للروم. وأجيب: بأن كسرى كان رأس الكل لأنه لم يكن في زمانه ملك أكبر منه لأن سائر ملوك البلاد كانت تهادنه وتهاديه ولم يقل

في الحديث والرجلان اكتفاء بالسابق للعلم به فرجل قيصر الفرنج مثلاً لاتصالها به وكسرى الهند مثلاً قاله الكرماني (فمر المسلمين فلينفروا) بكسر الفاء (إلى كسرى) فإنه الرأس وبقطعها يبطل الجناحان. (وقال بكر) هو ابن عبد الله المزني (وزياد) هو ابن جبير (جميعًا عن جبير بن حيّة فندبنا) بفتح الدال والموحدة أي طلبنا ودعانا (عمر) -رضي الله عنه- للغزو (واستعمل علينا النعمان بن مقرن) بالميم المضمومة والقاف المفتوحة وبعد الراء المشددة المكسورة نون المزني الصحابي أميرًا (حتى إذا) أي سرنا حتى إذا (كنا بأرض العدوّ) وهي نهاوند وكان قد خرج معهم فيما رواه ابن أبي شيبة الزبير وحذيفة وابن عمرو الأشعث وعمرو بن معد يكرب (وخرج) بالواو وسقطت لأبي ذر وابن عساكر (علينا عامل كسرى) بندار كما عند الطبراني من رواية مبارك بن فضالة وعند ابن أبي شيبة ذو الجناحين (في أربعين ألفًا) من أهل فارس وكرمان ومن غيرهما كنهاوند وأصبهان مائة ألف وعشرة آلاف (فقام ترجمان) بفتح أوّله وضمه لهم لم يسم (فقال: ليكلمني رجل منكم) بالجزم على الأمر (فقال المغيرة): أي ابن شعبة الصحابي (سل عما) بألف ولأبي ذر وابن عساكر عم (شئت؟ قال): أي الترجمان ولأبوي الوقت وذر فقال (ما أنتم؟) بصيغة من لا يعقل احتقارًا (قال): أي المغيرة (نحن أناس من العرب كنا في شقاء شديد وبلاء شديد نمص الجلد) بفتح الميم في الفرع وأصله (والنوى من الجوع ونلبس الوبر والشعر ونعبد الشجر والحجر فبينا) بغير ميم (نحن كذلك إذ بعث رب السماوات ورب الأرضين) بفتح الراء (تعالى ذكره وجلت عظمته إلينا نبيًّا من أنفسنا نعرف أباه وأمه) زاد في رواية ابن أبي شيبة في شرف منا أوسطنا حسبًا وأصدقنا حديثًا (فأمرنا نبينا رسول ربنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدّوا الجزية) وهذا موضع الترجمة وفيه دلالة على جواز أخذها من المجوس لأنهم كانوا مجوسًا. (وأخبرنا نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن رسالة ربنا أنه من قتل منا) أي في الجهاد (صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها) أي الجنة (قط. ومن بقي منا ملك رقابكم). بالأسر وفيه كما قاله الكرماني فصاحة المغيرة من حيث إن كلامه مبين لأحوالهم فيما يتعلق بدنياهم من المطعوم والملبوس وبدينهم من العبادة وبمعاملتهم مع الأعداء من طلب التوحيد أو الجزية ولمعادهم في الآخرة إلى كونهم في الجنة وفي الدنيا إلى كونهم ملوكًا ملاكًا للرقاب. 3160 - فَقَالَ النُّعْمَانُ: رُبَّمَا أَشْهَدَكَ اللَّهُ مِثْلَهَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يُنَدِّمْكَ وَلَمْ يُخْزِكَ وَلَكِنِّي شَهِدْتُ الْقِتَالَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَانَ إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ انْتَظَرَ حَتَّى تَهُبَّ الأَرْوَاحُ وَتَحْضُرَ الصَّلَوَاتُ". (فقال النعمان) بن مقرن للمغيرة بن شعبة لما أنكر عليه تأخير القتال وذلك أن المغيرة كان قصد الاشتغال بالقتال أوّل النهار بعد الفراغ من المكالمة مع الترجمان: (ربما أشهدك الله) أي أحضرك (مثلها) مثل هذه الوقعة (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وانتظر بالقتال إلى الهبوب (فلم يندمك) على التأني والصبر (ولم يخزك) بالخاء المعجمة بغير نون، ولأبي ذر عن الكشميهني: ولم يحزنك بالحاء المهملة والنون والأوّل أوجه لوفاق سابقه فطلبك العجلة لأنك لم تضبط، (ولكني شهدت القتال مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وضبطت (كان إذا لم يقاتل في أوّل النهار انتظر) بالقتال (حتى تهب الأرواح) جمع ريح بالياء وأصله روح بالواو بدليل الجمع الذي غالب حاله أن يردّ الشيء إلى أصله فقلبت واو المفرد ياء لسكونها وانكسار ما قبلها وحكى ابن جني في جمعه أرياح قال الزركشي لما رآهم قالوا رياح. قال في المصابيح: إن اعتماد صاحب هذا القول على رياح وهم لأن موجب قلب الواو في رياح ثابت لانكسار ما قبلها كحياض جمع حوض ورياض جمع روض والمقتضي للقلب في أرياح مفقود والمعتمد في هذا إنما هو السماع اهـ. وفي القاموس جمع الريح أرواح وأرياح ورياح وريح كعنب وجمع الجمع أراويح وأراييح. (وتحضر الصلوات) بعد زوال الشمس كما عند ابن أبي شيبة وزاد في رواية الطبري ويطيب القتال وعند ابن أبي شيبة: وينزل النصر. وفيه فضيلة القتال بعد الزوال، ويطابق الترجمة أيضًا في تأخير

2 - باب إذا وادع الإمام ملك القرية هل يكون ذلك لبقيتهم؟

النعمان المقاتلة وانتظار هبوب الرياح وهذه موادعة في هذا الزمان مع الإمكان للمصلحة. 2 - باب إِذَا وَادَعَ الإِمَامُ مَلِكَ الْقَرْيَةِ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ لِبَقِيَّتِهِمْ؟ هذا (باب) بالتنوين (إذا وادع) أي صالح (الإمام ملك القرية) على ترك الحرب والأذى (هل يكون ذلك لبقيتهم؟) أي: لبقية أهل القرية. 3161 - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: "غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَبُوكَ، وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا، وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ". وبه قال: (حدّثنا سهل بن بكار) أبو بشر الدارمي البصري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد بن عجلان أبو بكر البصري صاحب الكرابيس (عن عمرو بن يحيى) بفتح العين ابن عمارة المازني (عن عباس) بالموحدة المشددة وآخره مهملة ابن سهل (الساعدي عن أبي حميد) عبد الرحمن أو المنذر (الساعدي) -رضي الله عنه- أنه (قال: غزونا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تبوك وأهدى ملك أيلة) هو ابن العلماء كما في مسلم واسمه يوحنا بن روبة والعلماء اسم أمه وأيلة بهمزة مفتوحة فتحتية ساكنة فلام مفتوحة آخره هاء تأنيث مدينة على ساحل البحر آخر الحجاز وأوّل الشام (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بغلة بيضاء) هي دلدل (وكساه) بالواو ولأبي ذر فكساه بالفاء أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كسا ملك أيلة (بردًا وكتب له) عليه الصلاة والسلام وفي نسخة لهم (ببحرهم) أي ببلدتهم. وعند ابن إسحاق لما انتهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى تبوك أتى يوحنا بن روبة صاحب أيلة فصالحه وأعطاه الجزية وكتب له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتابًا فهو عندهم. بسم الله الرحمن الرحيم. هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليحنة بن روبة وأهل أيلة: فبهذه الطريق تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة كما قاله في الفتح وقد أجمع على أن الإمام إذا صالح ملك القرية يدخل في ذلك الصلح بقيتهم. وهذا الحديث سبق في باب خرص الثمر من كتاب الزكاة، والله أعلم. 3 - باب الْوَصَاة بِأَهْلِ ذِمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالذِّمَّةُ الْعَهْدُ، وَالإِلُّ الْقَرَابَةُ (باب الوصاة) بفتح الواو والصاد المهملة وبعد الألف هاء تأنيث أي الوصية ولغير أبي ذر الوصايا (بأهل ذمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الذين دخلوا في عهده وأمانه قال البخاري (والذمة) هي (العهد، والإِلّ) بهمزة مكسورة ولام مشددة هو (القرابة) وهذا تفسير الضحاك في قوله تعالى: {لا يرقبون في مؤمن إلاَّ ولا ذمة} [التوبة: 10]. 3162 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جُوَيْرِيَةَ بْنَ قُدَامَةَ التَّمِيمِيَّ قَالَ: "سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-: قُلْنَا أَوْصِنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: أُوصِيكُمْ بِذِمَّةِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ ذِمَّةُ نَبِيِّكُمْ، وَرِزْقُ عِيَالِكُمْ". وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة وتخفيف التحتية قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا أبو جمرة) بالجيم والراء نصر بسكون الصاد المهملة الضبعي (قال: سمعت جويرية بن قدامة) تصغير جارية وقدامة بضم القاف وتخفيف المهملة (التميمي قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قلنا) له (أوصنا يا أمير المؤمنين. قال: أوصيكم بذمة الله فإنه ذمة نبيكم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ورزق عيالكم). لأن بسبب الذمة تحصل الجزية التي هي مقسومة على المسلمين مصروفة في مصالحهم من عيال وغيرها أو ما ينال في تردّدهم لأمصار المسلمين. 4 - باب مَا أَقْطَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْبَحْرَيْنِ، وَمَا وَعَدَ مِنْ مَالِ الْبَحْرَيْنِ وَالْجِزْيَةِ وَلِمَنْ يُقْسَمُ الْفَىْءُ وَالْجِزْيَةُ؟ (باب ما أقطع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من البحرين) أي من مالها لأنها كانت صلحًا (وما وعد من مال البحرين والجزية) من عطف الخاص على العام (ولمن يقسم الفيء) الحاصل من أموال الكفار من غير حرب (والجزية). 3163 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- قَالَ: "دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأَنْصَارَ لِيَكْتُبَ لَهُمْ بِالْبَحْرَيْنِ، قَالُوا: لاَ وَاللَّهِ حَتَّى تَكْتُبَ لإِخْوَانِنَا مِنْ قُرَيْشٍ بِمِثْلِهَا، فَقَالَ: ذَاكَ لَهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ يَقُولُونَ لَهُ. قَالَ: فَإِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي على الحوض". وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية بن خديج أبو خيثمة الجعفي الكوفي (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري أنه (قال: سمعت أنسًا) -رضي الله عنه- (قال: دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأنصار ليكتب لهم) أي ليعين لكل منهم حصة على سبيل الاقطاع من الجزية والخراج (بالبحرين)، البلد المشهور بالعراق وليس المراد تمليكهم لأن أرض الصلح لا تقسم ولا تقطع فقد كان عليه الصلاة والسلام صالح أهله وضرب عليهم الجزية (فقالوا: لا والله حتى تكتب لإخواننا) المهاجرين (من قريش بمثلها فقال) عليه الصلاة والسلام: (ذاك لهم) أي ذاك المال لقريش (ما شاء الله على ذلك) وكان الأنصار (يقولون له) عليه الصلاة والسلام في شأنهم مصرين على ذلك حتى (قال) عليه الصلاة والسلام لهم: (فإنكم سترون بعدي) من الملوك (أثرة) بفتح الهمزة والمثلثة

5 - باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم

وبضم الهمزة وسكون المثلثة أي إيثارًا لأنفسهم عليكم بالدنيا ولا يجعلون لكم في الأمر من نصيب (فاصبروا حتى تلقوني) زاد أبو ذر عن الكشميهني (على الحوض). ومطابقة الحديث للترجمة من جهة كونه عليه الصلاة والسلام لما أشار على الأنصار بما ذكر ولم يقبلوا فتركه عليه الصلاة والسلام نزل المؤلّف ما بالقوّة منزلة ما بالفعل وهو في حقه عليه الصلاة والسلام واضح لأنه لا يأمر إلا بما يجوز فعله قاله في الفتح. 3164 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِي: لَوْ قَدْ جَاءَنَا مَالُ الْبَحْرَيْنِ قَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا. فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِدَةٌ فَلْيَأْتِنِي. فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ كَانَ قَالَ لِي: لَوْ قَدْ جَاءَنَا مَالُ الْبَحْرَيْنِ لأَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا. فَقَالَ لِي: احْثُهْ. فَحَثَوْتُ حَثْيَةً. فَقَالَ لِي: عُدَّهَا. فَعَدَدْتُهَا، فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ فَأَعْطَانِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) بن معمر الهذلي) الهروي نزيل بغداد (قال: أخبرني) بالإفراد (روح بن القاسم) بفتح الراء العنبري التميمي البصري (عن محمد بن المنكدر) التميمي المدني (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لي): (لو قد جاءنا مال البحرين قد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا) ثلاثًا (فلما قبض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجاء مال البحرين) من عند العلاء بن الحضرمي (فقال أبو بكر) الصديق رضي الله عنه: (من كانت له عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدة) بكسر العين وتخفيف الدال المهملتين أي وعد (فليأتني) أفِ له به (فأتيته فقلت: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد كان قال لي: لو قد جاءنا مال البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا وهكذا) ثلاثًا (فقال) أبو بكر (لي: احثه) بضم المثلثة وكسرها وبهاء السكت (فحثوت) بالواو (حثية) بالياء وفتح الحاء فأخذ الفعل من لغة والمصدر من أخرى وكذا فعلوه في تداخل اللغتين من كلمتين (فقال لي) أبو بكر: (عدها فعددتها فإذا هي خمسمائة فأعطاني ألفًا وخمسمائة) ولأبي ذر: فأعطاني خمسمائة أي الأولى التي حثاها وأعطاني ألفًا وخمسمائة فالجملة ألفان. 3165 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ: "أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ: انْثُرُوهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذْ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي، فإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلاً. فَقَالَ: خُذْ. فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَقَالَ: مُرَّ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إِلَىَّ، قَالَ: لاَ. قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَىَّ، قَالَ: لاَ. فَنَثَرَ منه ثُمَّ ذَهب يُقٍلُّه فلم يرفعه فقال: فمُرَّ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عليَّ، قَالَ: لاَ، قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَىَّ، قَالَ: لاَ. فَنَثَرَ ثُمَّ احْتَمَلَهُ عَلَى كَاهِلِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ، فَمَا زَالَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْنَا، عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ، فَمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ". (وقال إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء الخراساني مما وصله الحاكم في مستدركه وابن منده في أماليه وأبو نعيم في مستخرجه (عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس) -رضي الله عنه- أنه قال: (أتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمال من البحرين) بعثه العلاء بن الحضرمي من الخراج وكان مائة ألف كما في مصنف ابن أبي شيبة (فقال: انثروه) بالمثلثة (في المسجد فكان أكثر مال أتي به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ جاءه العباس) عمه (فقال: يا رسول الله أعطني) أي من هذا المال (إني فاديت نفسي وفاديت عقيلاً) بفتح العين المهملة وكسر القاف ابن أبي طالب يوم بدر حين أسرا (قال) عليه الصلاة والسلام. ولأبي ذر فقال: (خذ فحثى في ثوبه) أي فحثى العباس في ثوب نفسه (ثم ذهب يقله) بضم الياء وكسر القاف أي يرفعه ويحمله (فلم يستطع فقال) العباس له عليه الصلاة والسلام: (أمر) بهمزة ساكنة في أوّله على الأصل (بعضهم) أي الحاضرين (يرفعه إليّ) بالجزم جوابًا للأمر ويجوز الرفع على الاستئناف (قال) عليه الصلاة والسلام (لا قال: فأرفعه أنت عليّ قال: لا) أرفعه (فنثر) العباس (منه ثم ذهب يقله فلم يرفعه) ولأبي ذر وابن عساكر: فلم يستطع (فقال: أمر) ولأبي ذر عن الكشميهني فمر بإسقاط الهمزة (بعضهم يرفعه عليّ قال: لا قال فارفعه أنت عليّ قال: لا فنثر ثم) ولأبي ذر وابن عساكر: فنثر منه ثم (احتمله على كاهله) وهو ما بين كتفيه (ثم انطلق فما زال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يتبعه بصره) من باب الإفعال (حتى خفي علينا عجبًا من حرصه) بنصب عجبًا مفعولاً مطلقًا من قبيل ما يجب حذف عامله أو مفعولاً له (فما قام رسول الله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المسجد (وثمّ) بفتح المثلثة وهناك (منها درهم) وهذا التعليق قد مرّ في باب تعليق القنوت في المسجد من كتاب الصلاة. 5 - باب إِثْمِ مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا بِغَيْرِ جُرْمٍ (باب إثم من قتل معاهدًا) بفتح الهاء ذميًّا (بغير جرم) أي حق. 3166 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا". [الحديث 3166 - طرفه في: 6914]. وبه قال: (حدّثنا قيس بن حفص) أبو محمد الدارمي البصري قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا الحسن بن عمرو) بفتح الحاء والعين الفقيمي الكوفي قال: (حدّثنا مجاهد) هو ابن جبر (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن

6 - باب إخراج اليهود من جزيرة العرب

العاص (-رضي الله عنهما-) وسماع مجاهد من ابن عمرو بن العاص ثابت وروى الأصيلي فيما ذكره في الفتح عن الجرجاني عن الفربري: ابن عمر بضم العين وهو تصحيف (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من قتل معاهدًا) ذميًّا وفي رواية أبي معاوية الآتية بغير حق (لم يرح) بفتح التحتية والراء في الفرع كأصله وحكى السفاقسي ضم أوّله وكسر الراء وابن الجوزي فتح أوّله وكسر ثانيه وكذا في اليونينية أي لم يشم (رائحة الجنة) أوّل ما يجدها سائر المؤمنين الذين لم يقترفوا الكبائر (وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عامًا). وعند الترمذي من حديث أبي هريرة: "سبعين خريفًا". وفي الموطأ: خمسمائة، وجمع بينهما ابن بطال بأن الأربعين أقصى أشد العمر وفيها يزيد عمل الإنسان ويقينه ويندم على سالف ذنوبه فهذا يجد ريحها على مسيرة أربعين عامًّا، وأما السبعون فحدّ المعترك وفيها تحصل الخشية والندم لاقتراب الأجل فيجد ريح الجنة من مسيرة سبعين، وأما الخمسمائة فهي زمن الفترة فيكون من جاء في آخر الفترة واهتدى باتباع النبي الذي كان قبل الفترة ولم يضره طولها فيجد ريح الجنة على خمسمائة عام. كذا قال ولا يخفى ما فيه من التكلف والله أعلم. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الدّيات وكذا ابن ماجه. 6 - باب إِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَقَالَ عُمَرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ». (باب إخراج اليهود من جزيرة العرب. وقال عمر) بن الخطاب (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أقركم ما أقركم الله به) سقط لابن عساكر لفظة به وهذا طرف من قصة أهل خيبر السابقة موصولة في المزارعة. 3167 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ، فَخَرَجْنَا حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ فَقَالَ: أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ، فَمَنْ يَجِدْ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ، وَإِلاَّ فَاعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ". [الحديث 3167 - طرفاه في: 6944، 7348]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدَّثني) بالإفراد (سعيد المقبري عن أبيه) أبي سعيد كيسان المدني مولى بني ليث (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: بينما) بالميم (نحن في المسجد) وجواب بينما قوله (خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (انطلقوا إلى يهود فخرجنا) معه (حتى جئنا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي حتى إذا جئنا (بيت المدراس) بكسر الميم وسكون الدال المهملة وفتح الراء آخره سين مهملة أي بيت العالم الذي يدرس كتابهم أو البيت الذي يدرسون فيه كتابهم (فقال) عليه الصلاة والسلام لهم: (أسلموا تسلموا) مجزوم بحذف النون بالأمر في الأوّل وجوابه في الآخر أي إن أسلمتم تصيروا سالمين وهذا آية في البلاغة اللفظية والمعنوية وهو من جوامع كلمة عليه الصلاة والسلام (واعلموا أن الأرض لله ورسوله وإني أريد أن أجليكم) بضم الهمزة وسكون الجيم أخرجكم (من هذا الأرض) ولأبي ذر: من هذه الأرض كأنهم قالوا في جواب قوله أسلموا تسلموا لِمَ قلت هذا وكررته؟ فقال: اعلموا أني أريد أن أجليكم فإن أسلمتم سلمتم من ذلك ومما هو أَشق منه، (فمن يجد منكم) بكسر الجيم (بماله) أي بدل ماله فالباء للبدلية (شيئًا فليبعه) جواب من أي من كان له شيء مما لا يمكن نقله فليبعه (وإلاَّ) أي وإن لم تسمعوا ما قلت لكم من ذلك (فاعلموا أن الأرض لله ورسوله) ولابن عساكر: ولرسوله. أي: تعلقت مشيئة الله تعالى بأن يورث أرضكم هذه للمسلمين ففارقوها، والظاهر كما قاله في فتح الباري: أن اليهود المذكورين بقايا تأخروا بالمدينة بعد إجلاء بني قينقاع وقريظة والنضير والفراغ من أمرهم لأنه كان قبل إسلام أبي هريرة لأنه إنما جاء بعد فتح خيبر وقد أقرّ عليه الصلاة والسلام يهود خيبر على أن يعملوا في الأرض واستمروا إلى أن أجلاهم عمر، ولا يصح أن يقال إنهم بنو النضير لتقدم ذلك على مجيء أبي هريرة وأبو هريرة يقول في هذا الحديث أنه كان معه عليه الصلاة والسلام. ومطابقة الحديث لما ترجم به من حيث إنه عليه الصلاة والسلام همّ بإخراج يهود لأنه كان يكره أن يكون بأرض العرب غير المسلمين إلى أن حضرته الوفاة فأوصى بإجلائهم من جزيرة العرب فأجلاهم عمر -رضي الله عنه-. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الإكراه والاعتصام والمغازي وأبو داود في الخراج والنسائي في السير. 3168 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ أبي مسلم الأَحْوَلِ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ. ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى. قُلْتُ: يَا اَبن عَبَّاسٍ مَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟ قَالَ: اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَعُهُ فَقَالَ: ائْتُونِي بِكَتِفٍ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا. فَتَنَازَعُوا. وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ. فَقَالُوا: مَا لَهُ؟ أَهَجَرَ؟ اسْتَفْهِمُوهُ. فَقَالَ: ذَرُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ. فَأَمَرَهُمْ بِثَلاَثٍ قَالَ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ، وَالثَّالِثَةُ إِمَّا أَنْ سَكَتَ عَنْهَا، وَإِمَّا أَنْ قَالَهَا فَنَسِيتُهَا". قَالَ سُفْيَانُ: هَذَا مِنْ قَوْلِ سُلَيْمَانَ. وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام كما قاله الحافظ ابن حجر قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا

7 - باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم؟

(ابن عيينة) سفيان (عن سليمان بن أبي مسلم الأحول) سقط الأحول لأبي ذر وسقط لغيره ابن أبي مسلم أنه (سمع سعيد بن جبير) وهو (سمع ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: يوم الخميس) خبر المبتدأ المحذوف أو بالعكس نحو يوم الخميس يوم الخميس نحو أنا أنا والمراد منه تفخيم أمره في الشدّة والمكروه (وما يوم الخميس؟) أي أيّ يوم يوم الخميس وهو تعظيم للأمر الذي وقع فيه (ثم بكى) ابن عباس -رضي الله عنهما- (حتى بلّ دمعه الحصى فقلت: يا ابن عباس) بالموحدة والمهملة (ما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجعه) الذي توفي فيه (فقال): (ائتوني بكتف اكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده أبدًا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع) وفي كتاب العلم فاختلفوا وكثر اللغط قال أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع فظهر أن قوله: ولا ينبغي إلخ .. من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالوا: ما له أهجر؟) بهمزة وهاء وجيم وراء مفتوحات والهمزة للاستفهام الإنكاري يعني أنهم أنكروا على من قال: لا تكتبوا أي لا تجعلوه كأمر من هذى في كلامه (استفهموه) بكسر الهاء (فقال: ذروني) أي اتركوني (فالذي أنا فيه) من المراقبة والتأهب للقاء الله والفكر في ذلك ونحوه (خير مما تدعوني) ولأبي ذر تدعونني (إليه فأمرهم بثلاث قال): ولأبي ذر: فقال (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) ولما لم يتفرغ أبو بكر لإجلائهم أجلاهم عمر -رضي الله عنهما- (وأجيزوا الوفد) الواردين (بنحو ما كنت أجيزهم والثالثة: (ما أن سكت) عليه الصلاة والسلام (عنها) ولابن عساكر ونسيت الثالثة ولغير أبي ذر وابن عساكر والثالثة خير إما أن سكت عنها (وإما أن قالها فنسيتها) قيل هي بعث أسامة (قال سفيان) بن عيينة: (هذا من قول سليمان) الأحول. 7 - باب إِذَا غَدَرَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ هَلْ يُعْفَى عَنْهُمْ؟ هذا (باب) بالتنوين (إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم)؟ 3169 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اجْمَعُوا لي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ يَهُودَ، فَجُمِعُوا لَهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَىْءٍ، فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ أَبُوكُمْ؟ قَالُوا: فُلاَنٌ. فَقَالَ: كَذَبْتُمْ، بَلْ أَبُوكُمْ فُلاَنٌ. قَالُوا: صَدَقْتَ. قَالَ: فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُ عَنْهُ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَذَبْنَا عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا. فَقَالَ لَهُمْ: مَنْ أَهْلُ النَّارِ؟ قَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا، ثُمَّ تَخْلُفُونَا فِيهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اخْسَؤُوا فِيهَا، وَاللَّهِ لاَ نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا. ثُمَّ قَالَ: هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ. قَالَ: هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالُوا: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا نَسْتَرِيحُ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ". [الحديث 3169 - طرفاه في: 4249، 5777]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (سعيد) ولابن عساكر سعيد بن أبي سعيد المقبري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما فتحت خيبر أهديت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاة) أهدتها له زينب بنت الحرث اليهودية (فيها سمّ) بتثليث السين (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اجمعوا إلي) ولأبي ذر وابن عساكر: لي (من كان هاهنا من يهود فجمعوا له فقال) عليه الصلاة والسلام لهم: (إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقيّ عنه؟) بتشديد الياء وأصله صادقون فلما أضيف إلى ياء المتكلم سقطت النون وصار صادقوي فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء (فقالوا: نعم. قال) ولأبي ذر: فقال (لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أبوكم؟ قالوا: فلان. فقال) عليه الصلاة والسلام: ولأبي ذر قال: (كذبتم. بل أبوكم فلان) قال في المقدمة: ما أدري من عنى بذلك (قالوا: صدقت. قال: فهل أنتم صادقيّ)؟ بتشديد الياء (عن شيء إن سألت عنه؟ فقالوا: نعم. يا أبا القاسم وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا. فقال لهم: من أهل النار؟ قالوا: نكون فيها يسيرًا ثم تخلفونا فيها) ولأبي ذر: تخلفوننا بنونين على الأصل فإسقاط النون في الأولى لغير ناصب ولا جازم لغة (فقال النبي: اخسؤوا فيها) زجر لهم بالطرد والإبعاد أو دعاء عليهم بذلك ويقال لطرد الكلب: اخسأ (والله لا نخلفكم فيها أبدًا) لا يقال عصاة المسلمين يدخلون النار لأن يهود لا يخرجون منها بخلاف عصاة المسلمين فلا يتصور معنى الخلافة (ثم قال) عليه السلام: (هل أنتم صادقيّ؟) بتشديد الياء كذلك (عن شيء إن سألتكم عنه؟ فقالوا) ولأبي ذر قالوا: (نعم يا أبا القاسم. قال: هل جعلتم في هذه الشاة سمًا قالوا): ولأبي ذر: فقالوا (نعم. قال: ما حملكم على ذلك؟ قالوا: أردنا إن كنت كاذبًا نستريح وإن كنت نبيًّا لم يضرك). واختلف هل عاقب عليه السلام اليهودية التي أهدت الشاة؟ وفي مسلم أنهم قالوا: ألا نقتلها؟ قال: (لا). وعند البيهقي من حديث أبي

8 - باب دعاء الإمام على من نكث عهدا

هريرة فما عرض لها. ومن طريق أبي نصرة عن جابر نحوه قال: فلم يعاقبها. وقال الزهري: أسلمت فتركها. قال البيهقي: يحتمل أن يكون تركها أولاً ثم لما مات بشر بن البراء من الأكلة قتلها وبذلك أجاب السهيلي وزاد أنه تركها لأنه كان لا ينتقم لنفسه ثم قتلها ببشر قصاصًا. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والطب والنسائي في التفسير. 8 - باب دُعَاءِ الإِمَامِ عَلَى مَنْ نَكَثَ عَهْدًا (باب) جواز (دعاء الإمام على من نكث) بالمثلثة أي نقض (عهدًا). 3170 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- عَنِ الْقُنُوتِ قَالَ: قَبْلَ الرُّكُوعِ. فَقُلْتُ إِنَّ فُلاَنًا يَزْعُمُ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ، فَقَالَ: كَذَبَ. ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَالَ: بَعَثَ أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ -يَشُكُّ فِيهِ- مِنَ الْقُرَّاءِ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَعَرَضَ لَهُمْ هَؤُلاَءِ فَقَتَلُوهُمْ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَهْدٌ، فَمَا رَأَيْتُهُ وَجَدَ عَلَى أَحَدٍ مَا وَجَدَ عَلَيْهِمْ". وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا ثابت بن يزيد) بتحتية قبل الزاي من الزيادة وأسقط بعضهم التحتية فقال: زيد فأخطأ قال: (حدّثنا عاصم) هو الأحول (قال: سألت أنسًا -رضي الله عنه- عن القنوت؟ قال: قبل الركوع فقلت: وإن فلانًا) هو محمد بن سيرين (يزعم أنك قلت بعد الركوع. فقال: كذب). أهل الحجاز يطلقون لفظ كذب في موضع أخطأ (ثم حدّثنا) ولأبي ذر: ثم حدّث (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أنه قنت شهرًا بعد الركوع) وفي حديث أنس في كتاب الوتر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قنت في الصبح بعد الركوع (يدعو على أحياء من بني سليم قال: بعث أربعين أو سبعين يشك فيه من القراء) متعلق بقوله بعث وهم طائفة من الناس نزلوا الصفة يتعلمون القرآن (إلى أناس من المشركين فعرض لهم هؤلاء) عامر بن الطفيل في أحياء وهم رعل وذكوان وعصية لما نزلوا بئر معونة فقاتلوهم (فقتلوهم) ولم ينج منهم إلاَّ كعب بن زيد الأنصاري (وكان بينهم وبين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عهد) فغدروا (فما رأيته وجد على أحد ما وجد عليهم) أي ما حزن على أحد ما حزن عليهم وفيه جواز الدعاء في الصلاة على عدو المسلمين. وهذا الحديث قد سبق في باب القنوت قبل الركوع وبعده من كتاب الوتر. 9 - باب أَمَانِ النِّسَاءِ وَجِوَارِهِنَّ (باب أمان النساء وجوارهن) بكسر الجيم والمراد هنا الإجارة. 3171 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ ابْنَةِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ ابْنَةَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: "ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً قَدْ أَجَرْتُهُ؛ فُلاَنُ بْنُ هُبَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ. قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ وَذَلِكَ ضُحًى". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية (مولى عمر بن عبيد الله) القرشي المدني (أن أبا مرّة) بضم الميم وتشديد الراء يزيد (مولى أم هانئ) بالهمزة فاختة (ابنة) ولأبي ذر: بنت (أبي طالب) ويقال مولى عقيل بن أبي طالب مدني مشهور بكنيته (أخبره) ولأبي ذر: أنه أخبره (أنه سمع أم هانئ ابنة) ولأبي ذر: بنت (أبي طالب تقول: ذهبت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الفتح) وهو بمكة (فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته) -رضي الله عنها- (تستره فسلمت عليه فقال): (من هذه؟ فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب فقال: مرحبًا) أي أتيت سعة (بأم هانئ) بحرف الجر (فلما فرغ من غسله) بضم المعجمة ولأبي ذر: من غسله بفتحها (فام فصلّى ثمان) بفتح النون ولأبي ذر: ثماني بكسر النون وبتحتية بعدها مفتوحة (ركعات ملتحفًا في ثوب واحد فقلت: يا رسول الله زعم ابن أمي عليّ) هو ابن طالب وكان أخاها من الأب والأم (أنه قاتل رجلاً) اسم فاعل لا فعل ماض (قد أجرته) بهمزة مقصورة أي أمنته (فلان ابن هبيرة) رفع فلان خبر مبتدأ محذوف أي هو فلان. ولأبي ذر: فلان ابن بالنصب بدلاً من رجلاً أو بدلاً من الضمير المنصوب وهبيرة بضم الهاء وفتح الموحدة وسكون التحتية وبالراء. وهبيرة: هو ابن أبي وهب المخزومي وهو زوج أم هانئ وابنه يسمى جعدة. قال ابن عبد البر: لم يكن لهبيرة ابن يسمى جعدة من غير أم هانئ فكيف كان عليّ يقصد قتل ابن أخته؟ وقال الزبير بن بكار: فلان ابن هبيرة هو الحرث بن هشام المخزومي. (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ) أي أمّنا من أمنتيه أو أن أمانك لذلك الرجل كأماننا له فلا يصح لعليّ قتله. وفيه جواز أمان المرأة وإن من أمنته حرم قتله، وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد. وعن سحنون وابن الماجشون: هو إلى الإمام إن أجازه جاز وإن ردّه ردّ. وقال في المصابيح لقائل أن يقول: إن كانت الإجارة منها يعني من أم هانئ نافذة فقد فات الأمر ونفذ الحكم فلا يوافق قوله عليه

10 - باب ذمة المسلمين وجوارهم واحدة، يسعى بها أدناهم

الصلاة والسلام قد أجرنا من أجرتِ لأنه يكون تحصيلاً للحاصل، فهذا يدل على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الذي أجار ولولا تنفيذه لما نفذ جوارها. وهل تنفيذ الجوار على القول بأنه موقوف إجارة مؤتنفة أو لا؟ هي قاعدة اختلف فيها كتنفيذ الورثة وصية المورث بما زاد عن الثلث، فقيل ابتداء عطية منهم فيشترط شروط العطية من الجوز وغيره، وقيل لا يشترط ذلك والتنفيذ ليس ابتداء عطية، وانظر ما في أمان الآحاد من المسلمين إذا عقدوه لأهل مدينة عظيمة مثل أن تؤمن امرأة أهل القسطنطينية هل يجب على الإمام تنفيذ ذلك أو إنما ينفذ تأمينهم للآحاد؟ يبحث فيه عن النص غير أن المتأخرين أجازوا للآحاد إعطاء الأمان، وقالوا مطلقًا ومقيدًا قبل الفتح وبعده هكذا في الصبح الصادع. (قالت أم هانئ: وذلك) ولابن عساكر: وذاك (ضحى). وهذا الحديث قد سبق في باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحفًا به في أوائل كتاب الصلاة. 10 - باب ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَجِوَارُهُمْ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ هذا (باب) بالتنوين (ذمة المسلمين وجوارهم واحدة) خبر المبتدأ الذي هو ذمة المسلمين وجوارهم عطف عليه والمعنى أن كل من عقد أمانًا لأحد من أهل الحرب جاز أمانه على جميع المسلمين دنيا كان أو شريفًا عبدًا أو حرًّا رجلاً أو امرأة، واتفق مالك والشافعي على جواز أمان العبد قاتل أو لم يقاتل، وأجازه أبو حنيفة وأبو يوسف إن كان قاتل، وسقط من بعض النسخ لفظ وجوارهم (يسعى بها) أي بذمة المسلمين يعني أمانهم (أدناهم) أي أقلهم عددًا فيدخل فيه الواحد والمرأة لا العبد عند أبي حنيفة إلا إن قاتل فيدخل كما مرّ. 3172 - حَدَّثَني مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "خَطَبَنَا عَلِيٌّ فَقَالَ: مَا عِنْدَنَا كِتَابٌ نَقْرَؤُهُ إِلاَّ كِتَابُ اللَّهِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، فَقَالَ: فِيهَا الْجِرَاحَاتُ وَأَسْنَانُ الإِبِلِ، وَالْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى فِيهَا مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ، وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد) هو ابن سلام كما قاله ابن السكن قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (وكيع) هو ابن الجراح (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم التيمي عن أبيه) يزيد بن شريك التيمي تيم الرباب أنه (قال: خطبنا عليّ) هو ابن أبي طالب (فقال: ما عندنا كتاب) في أحكام الشريعة (نقرؤه) بضم الهمزة (إلا كتاب الله) زاد أبو ذر: تعالى (وما في هذه الصحيفة؟ فقال: فيها الجراحات) أي أحكامها (وأسنان الإبل) أي إبل الدّيات مغلظة ومخففة (والمدينة حرام) يحرم صيدها ونحوه (ما بين عير) بفتح العين المهملة وبعد التحتية الساكنة راء منوّنة جبل (إلى كذا) قيل جبل أُحُد (فمن أحدث فيها) في المدينة (حدثًا) بفتح الحاء والدال المثلثة أمرًا منكرًا ليس معروفًا في السنة ولأبي ذر عن الحموي: حدثه (أو آوى فيها محدثًا) بمدّ آوى في اللازم والمتعدي جميعًا لكن القصر في اللازم والمدّ في المتعدي أشهر ومحدثًا بكسر الدال أي صاحب الحدث الذي جاء ببدعة في الدين أو بدل سنة (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) والمراد باللعنة البعد عن رحمة الله والجنة أول الأمر بخلاف الكفار فإنها البعد عنهما كل البعد أولاً وآخرًا (لا يقبل منه صرف ولا عدل)، أي فريضة ولا نفل وقيل غير ذلك ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لا يقبل الله صرفًا ولا عدلاً (ومن تولى) أي اتخذ أولياء أو موالي (غير مواليه فعليه مثل ذلك). الذي على من أحدث فيها (وذمة المسلمين واحدة)، وهذا مناسب لصدر الترجمة، وأما قوله فيها يسعى بذمتهم أدناهم فأشار به إلى ما في طريق سفيان عن الأعمش في باب: إثم من عاهد ثم غدر من ذكرها ثم، وعند الإمام أحمد وعند ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعًا: المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم (فمن أخفر مسلمًا) بهمزة مفتوحة فحاء معجمة ساكنة وبعد الفاء المفتوحة راء أي فمن نقض عهد مسلم (فعليه مثل ذلك) الوعيد المذكور في حق من أحدث في المدينة حدثًا. وهذا الحديث قد سبق في باب حرم المدينة. 11 - باب إِذَا قَالُوا صَبَأْنَا وَلَمْ يُحْسِنُوا أَسْلَمْنَا هذا (باب) بالتنوين (إذا قالوا) أي المشركون حين يقاتلون (صبأنا) بهمزة ساكنة (ولم يحسنوا) أن يقولوا (أسلمنا) جريًا منهم على لغتهم. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: "فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ, فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ". وَقَالَ عُمَرُ: إِذَا قَالَ مَتْرَسْ فَقَدْ آمَنَهُ، إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الأَلْسِنَةَ كُلَّهَا. وَقَالَ: تَكَلَّمْ. لاَ بَأْسَ. (وقال ابن عمر) -رضي الله عنهما- مما أخرجه مطوّلاً موصولاً في غزوة الفتح (فجعل خالد) هو ابن الوليد لما بعثه عليه الصلاة والسلام إلى بني هدبة فقالوا: صبأنا وأرادوا

12 - باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره، وإثم من لم يف بالعهد وقوله: {وإن جنحوا للسلم} -جنحوا: طلبوا السلم- {فاجنح لها} [الأنفال: 61] الآية

أسلمنا فلم يقبل ذلك وجعل (يقتل) منهم على ظاهر اللفظ (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): لما بلغه ذلك (أبرأ إليك) ولابن عساكر: اللهم إني أبرأ إليك (مما صنع خالد) وهذا يدل على أنه يكتفي من كل قوم بما يعرف من لغتهم وقد عذر عليه السلام خالدًا في اجتهاده ولذلك لم يقدمنه. (وقال عمر) -رضي الله عنه- مما وصله عبد الرزاق (إذا قال مترس) بفتح الميم وسكون الفوقية وبعد الراء المفتوحة سين مهملة ساكنة، ولابن عساكر: مترس بكسر الميم، ولأبي ذر: مترس بكسر الميم وتشديد الفوقية المفتوحة وكسر الراء كذا في الفرع وأصله وضبطه في الفتح والعمدة والمصابيح والتنقيح مترس بفتح الميم وتشديد الفوقية المفتوحة وإسكان الراء وهي كلمة فارسية معناها لا تخف لأن م كلمة نفي عندهم وترس بمعنى الخوف (فقد آمنه) بمدّ الهمزة (إن الله يعلم الألسنة كلها. وقال): ولأبي ذر: أو قال أي عمر -رضي الله عنه- للهرمزان حين أتوا به إليه واستعجم (تكلم. لا بأس) عليك فكان ذلك تأمينًا من عمر -رضي الله عنه-. وهذا وصله ابن أبي شيبة ويعقوب بن أبي سفيان في تاريخه بإسناد صحيح عن أنس، وهذا الباب ثابت في رواية الحموي والمستملي. 12 - باب الْمُوَادَعَةِ وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ، وَإِثْمِ مَنْ لَمْ يَفِ بِالْعَهْدِ وَقَوْلِهِ: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ} -جنحوا: طلبوا السلم- {فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] الآيَةَ (باب الموادعة) وهي المسالمة على ترك الحرب والأذى (والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره) كالأسرى (وإثم من لم يفِ) ولأبي ذر عن الكشميهني: يوفِ بضم التحتية ثم زيادة واو ساكنة وتخفيف الفاء (بالعهد وقوله) تعالى: ({وإن جنحوا للسلم}) وسقط قوله وقوله لأبي ذر وزاد جنحوا طلبوا السلم بفتح السين فيهما وهو من قول المؤلّف ({فأجنح لها}) [الأنفال: 61]. وقال أبو عبيدة: السلم والسلم واحد وهو الصلح وقيل بالفتح الصلح وبالكسر الإسلام زاد ابن عساكر وتوكل على الله إنه هو السميع العليم. وفي رواية غيره وأبي ذر بعد قوله: {فاجنح لها} الآية. 3173 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ هُوَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: "انْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ زَيْدٍ إِلَى خَيْبَرَ، وَهْيَ يَوْمَئِذٍ صُلْحٌ، فَتَفَرَّقَا، فَأَتَى مُحَيِّصَةُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ وَهْوَ يَتَشَحَّطُ فِي دَمٍ قَتِيلاً، فَدَفَنَهُ, ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةُ وَحُوَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ: كَبِّرْ كَبِّرْ -وَهْوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ- فَسَكَتَ، فَتَكَلَّمَا، فَقَالَ: أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ قَاتِلَكُمْ -أَوْ صَاحِبَكُمْ- قَالُوا: وَكَيْفَ نَحْلِفُ وَلَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَرَ -قَالَ: فَتُبْرِئكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ. فَقَالُوا: كَيْفَ نَأْخُذُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَعَقَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عِنْدِهِ". وبه قال: (حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (هو ابن المفضل) بفتح الضاد المعجمة المشددة ابن لاحق البصري قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن سعيد الأنصاري (عن بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة مصغرًا ويسار بتحتية وسين مهملة مخففة المدني مولى الأنصار (عن سهل بن أبي حثمة) بفتح السين المهملة وسكون الهاء وحثمة بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة وفتح الميم واسمه عبد الله الأنصاري المدني أنه (انطلق عبد الله بن سهل) الحارثي (ومحيصة بن مسعود بن زيد) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية وفتح الصاد المهملة الأنصاري المدني، وقيل الصواب ابن كعب بدل زيد (إلى خيبر) في أصحاب لهما يمتارون تمرًا (وهي يومئذ صُلح فتفرقا) أي ابن سهل ومحيصة (فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل) فوجده في عين قد كسرت عنقه وطرح فيها (وهو يتشحط) بالشين المعجمة والحاء المهملة أي يضطرب (فيدم) حال كونه (قتيلاً) ولأبي ذر عن الكشميهني في دمه بالضمير (فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل) أخو عبد الله بن سهل (ومحيصة و) أخوه (حويصة ابنا مسعود إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليخبروه بذلك (فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال) عليه الصلاة والسلام له: (كبر كبر) بالجزم على الأمر وكرره للمبالغة أي قدم الأسن يتكلم (وهو) أي عبد الرحمن (أحدث القوم) سنًا (فسكت فتكلما) أي محيصة وحويصة بقضية قتل عبد الله (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أتحلفون) أطلق الخطاب للثلاثة بعرض اليمين عليهم ومراده من يختص به وهو أخوه لأنه كان معلومًا عندهم أن اليمين مختص بالوارث، وإنما أمر أن يتكلم أكبر لأنه لم يكن المراد بكلامه حقيقة الدعوى لأنه لا حق لابني العم فيها، بل المراد سماع الصورة الواقعة وكيفيتها ويحتمل أن يكون عبد الرحمن وكّل الأكبر أو أمره بتوكيله فيها (وتستحقون قاتلكم) ولأبي ذر دم قاتلكم (أو صاحبكم) بالنصب أو بالجر على رواية أبي ذر. قال النووي: المعنى يثبت حقكم على من حلفتم عليه وذلك الحق أعم من أن يكون قصاصًا

13 - باب فضل الوفاء بالعهد

أو دية (قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد) قتله (ولم نر؟) من قتله (قال) عليه الصلاة والسلام: (فتبرئكم) بسكون الموحدة في الفرع أي تبرأ إليكم (يهود) من دعواكم (بخمسين) أي يمينًا (فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار؟) قال الخطابي: بدأ عليه الصلاة والسلام بالمدعين في اليمين فلما نكلوا ردّها على المدعى عليهم فلم يرضوا بأيمانهم (فعقله) أي أدّى ديته (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من عنده) من خالص ماله أو من بيت المال لأنه عاقلة المسلمين ووليّ أمرهم وفيه أن حكم القسامة مخالف لسائر الدعاوى من جهة أن اليمين على المدعي وأنها خمسون يمينًا واللوث هنا هو العداوة الظاهرة بين المسلمين واليهود. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الصلح والأدب والدّيات والأحكام ومسلم في الحدود وأبو داود والترمذي وابن ماجه في الدّيات والنسائي في القضاء والقسامة. 13 - باب فَضْلِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ (باب فضل الوفاء بالعهد). 3174 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ "أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا تِجَارًا بِالشَّأْمِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي مَادَّ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا سُفْيَانَ فِي كُفَّارِ قُرَيْشٍ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال: (حدثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان) صخر (بن حرب) ولأبي ذر وابن عساكر ابن حرب بن أمية (أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش كانوا تجارًا) بكسر الفوقية وتخفيف الجيم نحو صاحب وصحاب ويجوز ضم الفوقية وتشديد الجيم (بالشام) متعلق بتجارًا أو بكانوا أو بوصف آخر لركب (في المدّة التي مادّ فيها) بتخفيف الدال ضبطه في اليونينية هنا وفي غيرها مادّ بالمدّ والتشديد وهو فعل ماض من المفاعلة يقال مادّ الغريمان إذا اتفقا على أجل للدين وضربا له زمانًا، وهذه المدّة هي المدّة التي هادن (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبا سفيان في كفار قريش) سنة ست من الهجرة. ودلالة الحديث على الترجمة من بقية الحديث حيث قال في مدح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وكذلك الرسل لا تغدر، وقال ابن بطال: أشار البخاري بهذا إلى أن الغدر عند كل أمة قبيح مذموم وليس هو من صفات الرسل، وهذا طرف من حديث أبي سفيان السابق في أول الكتاب. 14 - باب هَلْ يُعْفَى عَنِ الذِّمِّيِّ إِذَا سَحَرَ؟ هذا (باب) بالتنوين وسقط لفظ باب لأبي ذر (هل يعفى عن الذميّ إذا سحر؟). وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ: "عَنِ ابْنِ شِهَابٍ سُئِلَ: أَعَلَى مَنْ سَحَرَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ قَتْلٌ؟ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ صُنِعَ لَهُ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْتُلْ مَنْ صَنَعَهُ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ". (وقال ابن وهب): عبد الله مما وصله في جامعه (أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (سئل) بضم السين مبنيًّا للمفعول (أعلى من سحر من أهل العهد قتل؟ قال): أي ابن شهاب مجيبًا للسائل (بلغنا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد صنع له ذلك) السحر (فلم يقتل من صنعه وكان) الذي صنعه (من أهل الكتاب) ممن له عهد. قال ابن بطال: ولا حجة لابن شهاب في هذا لأنه عليه الصلاة والسلام كان لا ينتقم لنفسه، ولأن السحر لم يضره في شيء من أمور الوحي ولا في بدنه وإنما كان اعتراه شيء من التخيل. 3175 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُحِرَ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ صَنَعَ شَيْئًا وَلَمْ يَصْنَعْهُ". [الحديث 3175 - أطرافه في: 2268، 5763، 5765، 5766، 6063، 6391]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد الأنصاري قال: (حدّثنا هشام، قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سحر) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول والذي سحره لبيد بن الأعصم اليهودي في مشط ومشاطة ودسها في بئر ذروان (حتى كان) عليه الصلاة والسلام (يخيل إليه أنه صنع شيئًا ولم يصنعه). ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إنه عفا عن اليهودي الذي سحره. وقال في فتح الباري: أشار بالترجمة إلى ما وقع في بقية القصة أي وهي قوله يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجليّ فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوب. قال: ومن طبّه؟ قال: لبيد بن الأعصم. قال: وفيم؟ قال: في مشط ومشاقة. قال: وأين؟ قال: في جف طلعة ذكر تحت راعوفة في بئر ذروان. قالت عائشة -رضي الله عنها-: فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ

15 - باب ما يحذر من الغدر وقول الله تعالى: {وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله} [الأنفال: 62] الآية

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البئر حتى استخرجه فقال: هذه البئر التي أريتها. قال: فاستخرج فقلت: أفلا أي تنشرت. فقال: أما والله قد شفاني وأنا أكره أن أثير على أحد من الناس شرًّا. 15 - باب مَا يُحْذَرُ مِنَ الْغَدْرِ وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} [الأنفال: 62] الآيَةَ (باب ما يحذر) بسكون الحاء المهملة ولأبي ذر يحذر بفتح الحاء وتشديد الذال المعجمة (من الغدْر. وقوله تعالى). ولأبي ذر: وقول الله تعالى: ({وإن يريدوا أن يخدعوك}) أي وإن يرد الكفار بالصلح خديعة ليتقوّوا ويستعدّوا ({فإن حسبك الله}) [الأنفال: 62]. أي كافيك وحده (الآية) أي إلى آخرها، ولابن عساكر: {فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره} إلى قوله: {عزيز حكيم}. 3176 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاَءِ بْنِ زَبْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ بُسْرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: "أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ -وَهْوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ- فَقَالَ: اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لاَ يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلاَّ دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا". وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا الوليد بن مسلم) أبو العباس القرشي قال: (حدّثنا عبد الله بن العلاء بن زبر) بفتح الزاي وسكون الموحدة وبالراء الربعيّ بفتح الراء والموحدة وكسر العين المهملة (قال: سمعت بسر بن عبيد الله) بضم الموحدة وسكون المهملة وعبيد الله بضم العين مصغرًا الحضرمي (أنه سمع أبا إدريس) عائذ الله الخولانيّ (قال: سمعت عوف بن مالك) الأشجعي (قال: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم) جلد مدبوغ وسقط لفظة "من" لأبي ذر وابن عساكر (فقال): (أعدد ستًّا) من العلامات (بين يدي الساعة) لقيامها أو لظهور أشراطها المقتربة منها (موتى ثم فتح بيت المقدس ثم موتان) بضم الميم وسكون الواو آخره نون منوّنة الموت أو الكثير الوقوع والمراد به الطاعون ولابن السكن موتتان بلفظ الثثنية. قال في الفتح: وحينئذٍ فهو بفتح الميم قيل ولا وجه له هنا (يأخذ) الموتان (فيكم كقعاص الغنم) بضم القاف بعدها عين مهملة فألف فصاد مهملة داء يأخذ الدواب فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة. ويقال: إن هذه الآية ظهرت في طاعون عمواس في خلافة عمر ومات منه سبعون ألفًا في ثلاثة أيام وكان ذلك بعد فتح بيت المقدس (ثم استفاضة المال) أي كثرته ووقع ذلك في خلافة عثمان -رضي الله عنه- عند فتح تلك الفتوح العظيمة (حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطًا) استقلالاً لذلك المبلغ وتحقيرًا له (ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته) أولها قتل عثمان -رضي الله عنه- (ثم هدنة) بضم الهاء وسكون الدال المهملة بعدها نون صلح على ترك القتال بعد التحرك فيه (تكون بينكم وبين بني الأصفر) وهم الروم (فيغدرون) بكسر الدال المهملة (فيأتونكم تحت ثمانين غاية) بغين معجمة فألف فتحتية أي راية. قال الجواليقي: لأنها غاية المتبع إذا وقفت وقف وإذا مشت تبعها (تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا) فجملة ذلك تسعمائة ألف وستون ألف رجل، وعند بعضهم فيما حكاه ابن الجوزي غابة في الموضعين بموحدة بدل التحتية وهي الأجمة فشبه كثرة الرماح بالأجمة. وفي حديث ذي مخبر بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الموحدة عند أبي داود في نحو هذا الحديث راية بدل غاية وفي أوله: ستصالحون الروم صلحًا أمنًا ثم تغزون أنتم وهم فتنصرون ثم تنزلون مرجًا فيرفع رجل من أهل الصليب فيقول: غلب الصليب فيغضب رجل من المسلمين فيقوم إليه فيدفع فعند ذلك تغدر الروم ويجتمعون للملحمة فيأتون فذكره. وعند ابن ماجه مرفوعًا من حديث أبي هريرة: "إذا وقعت الملاحم بعث الله بعثًا من الموالي يؤيد الله بهم الدين". وله من حديث معاذ بن جبل مرفوعًا: "الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية وخروج الدجال في سبعة أشهر". وله من حديث عبد الله بن بسر رفعه: "بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين ويخرج الدجال في السابعة" وإسناده أصح من إسناد حديث معاذ. ورواة حديث الباب كلهم شاميون إلا شيخ المؤلّف فمكيّ. 16 - باب كَيْفَ يُنْبَذُ إِلَى أَهْلِ الْعَهْدِ؟ وَقَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] الآيَةَ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (كيف ينبذ) بضم أوله وآخره معجمة مبنيًا للمفعول أي يطرح (إلى أهل العهد وقوله) ولأبي ذر وقول الله سبحانه: ({وإما تخافن}) يا محمد ({من قوم}) معاهدين ({خيانة}) نقض عهد بإمارات تلوح لك ({فانبذ إليهم}) فاطرح إليهم عهدهم ({على سواء}) [الأنفال: 58]. على عدل وطريق قصد في العهد

17 - باب إثم من عاهد ثم غدر وقول الله: {الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون} [الأنفال: 56]

ولا تناجزهم الحرب فإنه يكون خيانة منك أو على سواء في الخوف أو العلم بنقض العهد وهو في موضع الحال من النابذ على الوجه الأول أي بانيًا على طريق سويّ أو منه أو من المنبوذ إليهم أو منهما على غيره (الآية). وسقطت هذه اللفظة لابن عساكر وأبي ذر. 3177 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: "بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى: لاَ يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. وَيَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ، وَإِنَّمَا قِيلَ: "الأَكْبَرُ" مِنْ أَجْلِ قَوْلِ النَّاسِ "الْحَجُّ الأَصْغَرُ" فَنَبَذَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ، فَلَمْ يَحُجَّ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ الَّذِي حَجَّ فِيهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُشْرِكٌ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: أخبرني (حميد بن عبد الرحمن) أي ابن عوف (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: بعثني أبو بكر -رضي الله عنه-) في الحجة والتي أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل حجة الوداع (فيمن يؤذن يوم النحر بمنى لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج أكبر) هو (يوم النحر) هذا قول مالك وجماعة. وقال في المصابيح: لا دليل في الحديث المذكور على أن وقوف أبي بكر في ذى الحجة، وإنما يريد بيوم الحج ويوم النحر من الشهر الذي وقف فيه فيصدق، وإن كان وقف في ذي القعدة لأنهم كانوا يقفون وينحرون فيه فلا يدل قوله يوم الحج الأكبر على أنه كان في ذي الحجة والصحيح أنه كان في ذي القعدة (وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس الحج الأصغر) عن العمرة (فنبد) أي طرح (أبو بكر إلى الناس) عهدهم (في ذلك العام فلم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مشرك). وموضع الترجمة قوله: فنبذ أبو بكر إلى الناس على ما لا يخفى، وسبق هذا الحديث في باب لا يطوف بالبيت عريان. 17 - باب إِثْمِ مَنْ عَاهَدَ ثُمَّ غَدَرَ وَقَوْل اللهِ: {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ} [الأنفال: 56] (باب إثم من عاهد ثم غدر) بأن نقض العهد (وقوله) بالجر عطفًا على سابقه ولأبي ذر: وقول الله ({الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة}) قال البيضاوي: هم يهود قريظة عاهدهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا يمالؤوا عليه فأعانوا المشركين بالسلاح وقالوا: نسينا، ثم عاهدهم فنكثوا ومالؤوهم عليه يوم الخندق وركب كعب بن الأشرف إلى مكة فحالفهم ومن لتضمين المعاهدة معنى الأخذ والمراد بالمرة مرة المعاهدة أو المحاربة ({وهم لا يتقون}) [الأنفال: 56]. سبة الغدر، ولأبي ذر بعد قوله: {في كل مرة} الآية فأسقط ما بعدها. 3178 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَرْبَعُ خِلاَلٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ. وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ. وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد بن قرط بضم القاف وسكون الراء (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن عبد الله بن مرة) بضم الميم وتشديد الراء الهمداني بسكون الميم الكوفي التابعي (عن مسروق) أبي عائشة بن الأجدع بالجيم والدال والعين المهملتين التابعي الكوفي (عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أربع خلال) جمع خلة وهي الخصلة (من كنّ فيه كان منافقًا خالصًا. من إذا حدّث كذب)، فأخبر بخلاف الواقع والشرطية خبر المبتدأ الذي هو أربع خلال (وإذا وعد) بخير في المستقبل (أخلف)، فلم يفِ (وإذا عاهد غدر) وهذا موضع الترجمة (وإذا خاصم فجر). قال البيضاوي: يحتمل أن يكون هذا خاصًّا بأبناء زمانه عليه الصلاة والسلام علم بنور الوحي بواطن أحوالهم وميز بين من آمن به صدقًا ومن أذعن له نفاقًا فأراد تعريف أصحابه حالهم ليكونوا على حذر منهم ولم يصرح بأسمائهم لأنه علم أن منهم من سيتوب فلم يفضحهم بين الناس ولأن عدم التعيين أوقع في النصيحة وأجلب للدعوة إلى الإيمان وأبعد عن النفور والمخاصمة، ويحتمل أن يكون عامًا لينزجر الكل عن هذه الخصال على آكد وجه إيذانًا بأنها طلائع النفاق الذي هو أسمج القبائح كأنه كفر مموّه باستهزاء وخداع مع رب الأرباب ومسبب الأسباب فعلم من ذلك أنها منافية لحال المسلمين فينبغي للمسلم أن لا يرتع حولها فإن من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ويحتمل أن يكون المراد بالمنافق العرفي وهو من يخالف سره علنه مطلقًا، ويشهد له قوله: (ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها). لأن الخصال التي تتم بها المخالفة بين السر والعلن لا تزيد على هذا فإذا نقصت منها واحدة نقص

الكمال اهـ. فمن ندر ذلك منه ليس داخلاً في ذلك والكذب أقبحها ولذلك علل الله سبحانه وتعالى عذابهم به في قوله: {ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} [البقرة: 10]. ولم يقل بما كانوا يصنعون من النفاق. وهذا الحديث سبق في باب الإيمان. 3179 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَا كَتَبْنَا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ الْقُرْآنَ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ وَلاَ صَرْفٌ. وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ. وَمَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان (عن إبراهيم التيمي عن أبيه) يزيد بن شريك التيمي (عن علي -رضي الله عنه-) أنه (قال: ما كتبنا عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلاَّ القرآن وما في هذه الصحيفة). فإن قلت: إن (ما) و (إلاَّ) يفيدان الحصر عند علماء المعاني فيفيد التركيب أن عليًّا -رضي الله عنه- ما كتب شيئًا غير القرآن وما في هذه الصحيفة. فالجواب: إن في مسند الإمام أحمد أن عليًّا قال: ما عهد إليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا خاصة دون الناس إلا شيئًا سمعته منه فهو في صحيفتي في قراب سيفي قال: يزالوا به حتى أخرج الصحيفة. (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: المدينة حرام) كحرم مكة لا يحل صيدها ونحو ذلك (ما بين عائر) بالمدّ جبل معروف (إلى كذا)، وفي رواية ما بين عير وثور وفي أخرى بين عير وأُحُد، ورجحت هذه بأن أُحدًا بالمدينة وثورًا بمكة بل صرح بعضهم بتغليط الراوي وحمله بعضهم على أن المراد أنه حرم من المدينة قدر ما بين عير وثور من مكة أو حرم المدينة تحريمًا مثل تحريم ما بين عير وثور بمكة على حذف مضاف (فمن أحدث حدثًا) منكرًا ليس بمعروف (أو آوى محدثًا) بهمزة ممدودة ومحدثًا بكسر الدال أي نصر جانيًا وآواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه ويجوز فتح الدال وهو الأمر المبتدع نفسه ويكون بمعنى الإيواء الرضا به والصبر عليه فإذا رضي بالبدعة وأقرّ فاعلها ولم ينكرها فقد آواه (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه عدل ولا صرف). فريضة ولا نفل أو شفاعة ولا فدية (وذمة المسلمين واحدة) أي عهدهم لأنها يذم متعاطيها على إضاعتها (يسعى بها) أي يتولاها ويذهب بها (أدناهم) أي أقلهم عددًا، فإذا أمن أحد من المسلمين كافرًا وأعطاه ذمته لم يكن لأحد نقضه (فمن أخفر مسلمًا) بهمزة مفتوحة فخاء ساكنة معجمة يقال خفرت الرجل أجرته وحفظته وأخفرت الرجل إذا نقضت عهده وذمامه، والهمزة فيه للإزالة أي أزلت خفارته كأشكيته إذا أزلت شكواه (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل، ومن والى قومًا) أي اتخذهم أولياء (بغير إذن مواليه) ظاهره يوهم أنه شرط وليس شرطًا لأنه لا يجوز له إذا أذنوا له أن يوالي غيرهم إنما هو بمعنى التوكيد لتحريمه والتنبيه على بطلانه والإرشاد إلى السبب فيه لأنه إذا استأذن أولياءه في موالاة غيرهم منعوه، والمعنى إن سولت له نفسه ذلك فليستأذنهم فإنهم يمنعونه (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل). وهذا الحديث مرّ في باب ذمة المسلمين وجوارهم والغرض منه هنا كما قال ابن حجر: فمن أخفر مسلمًا أي نقض عهده كما مرّ. وقال العيني: يمكن أن تؤخذ المطابقة من قوله فمن أحدث حدثًا الخ ... لأن في إحداث الحدث وإيواء المحدث والموالاة بغير إذن مواليه معنى الغدر فلذا استحق هؤلاء اللعنة اهـ. 3180 - قَالَ أَبُو مُوسَى حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَمْ تَجْتَبُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا؟ فَقِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ تَرَى ذَلِكَ كَائِنًا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: إِيْ وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ, عَنْ قَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ. قَالُوا: عَمَّ ذَاكَ؟ قَالَ: تُنْتَهَكُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَشُدُّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قُلُوبَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَمْنَعُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ". (قال أبو موسى) هو محمد بن المثنى شيخ المؤلّف مما وصله أبو نعيم في المستخرج ولأبي ذر قال أي البخاري وقال أبو موسى، وقال في الفتح: ووقع في بعض نسخ البخاري حدّثنا أبو موسى قال: والأول هو الصحيح وبه جزم الإسماعيلي وأبو نعيم وغيرهما قال: (حدّثنا هاشم بن القاسم) أبو النضر التميمي قال: (حدّثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: كيف أنتم إذا لم تجتبوا) بجيم ساكنة ففوقية ثانية مفتوحة فموحدة من الجباية أي لم تأخذوا من الجزية والخراج (دينارًا ولا درهمًا؟ فقيل له: وكيف ترى ذلك كائنًا يا أبا هريرة؟ قال: إي) بكسر الهمزة وسكون التحتية (والذي نفس أبي هريرة بيده عن قول الصادق المصدوق). الذي لم

18 - باب

يقل له إلا الصدق يعني أن جبريل مثلاً لم يخبره إلا بالصدق (قالوا: عم ذلك؟ قال: تنتهك) بضم الفوقية وسكون النون وفتح الفوقية الأخرى والكاف (ذمة الله وذمة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي يتناول ما لا يحل من الجور والظلم (فيشدّ الله عز وجل) بالشين المعجمة المضمومة والدال المهملة (قلوب أهل الذمة فيمنعون ما في أيديهم) أي من الجزية. وفي هذا الحديث التوصية بأهل الذمة لما في الجزية التي تؤخذ منهم من نفع المسلمين، وفيه التحذير من ظلمهم وأنه متى وقع ذلك نقضوا العهد فلم يجتب المسلمون منهم شيئًا فتضيق أحوالهم. 18 - باب هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة. 3181 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ قَالَ: "سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ: شَهِدْتَ صِفِّينَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَسَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَقُولُ: اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ، رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ أَمْرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَرَدَدْتُهُ، وَمَا وَضَعْنَا أَسْيَافَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا لأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلاَّ أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ غَيْرِ أَمْرِنَا هَذَا". [الحديث 3181 - أطرافه في: 3182، 4189، 4844، 7308]. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان قال: (أخبرنا أبو حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري المروزي (قال: سمعت الأعمش) سليمان (قال: سألت أبا وائل) شقيق بن سلمة (شهدت صفين) بكسر الصاد المهملة والفاء المشددة غير منصرف اسم موضع على الفرات وقع فيه الحرب بين معاوية وعلي (قال: نعم. فسمعت سهل بن حنيف) بضم الحاء وفتح النون مصغرًا (يقول): وقد كانوا يتهمونه بالتقصير في القتال يوم صفين (اتهموا رأيكم) في هذا القتال يعظ الفريقين فإنما تقاتلون في الإسلام إخوانكم باجتهاد اجتهدتموه (رأيتني) أي رأيت نفسي (يوم أبي جندل) بفتح الجيم وسكون النون العاصي بن سهيل لما جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الحديبية من مكة مسلمًا وهو يجر قيوده وكان قد عذب في الله فقال أبوه يا محمد أول ما أقاضيك عليه فردّ عليه أبا جندل وكان ردّه على المسلمين أشق عليهم من سائر ما جرى عليهم (ولو) بالواو ولأبي ذر فلو (أستطيع أن أردّ أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم الحديبية (لرددته) وقاتلت قريشًا قتالاً لا مزيد عليه، فأعلمهم بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان قد تثبت يوم الحديبية في القتال إبقاء على المسلمين وصونًا للدماء هذا وهو بمرصاد الوحي وعلى يقين الحق نصًّا بغير اجتهاد ولا ظن فكيف لا تثبت في قتال الفتنة ومظنة المحنة وعدم القطع واليقين (وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا) في الله (لأمر يفظعنا) يثقل علينا ويشق (إلا أسهلن بنا) الضمير عائد على الأسياف السابق ذكرها أي أدنتنا (إلى أمر) سهل (نعرفه) فأدخلتنا فيه (غير أمرنا هذا) يعني أمر الفتنة التي وقعت بين المسلمين فإنها مشكلة حيث جلت المصيبة بقتل المسلمين. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الاعتصام والخمس والتفسير ومسلم في المغازي والنسائي في التفسير. 3182 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو وَائِلٍ قَالَ: "كُنَّا بِصِفِّينَ، فَقَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ، فَإِنَّا كُنَّا مَعَ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَلَوْ نَرَى قِتَالاً لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟ فَقَالَ: بَلَى. فَقَالَ: أَلَيْسَ قَتْلاَنَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلاَهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَعَلام نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ أَنَرْجِعُ وَلاَ يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟ فَقَالَ: ياَ بْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا. فَانْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا. فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ، فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عُمَرَ إِلَى آخِرِهَا. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَفَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا يحيى بن آدم) الكوفي مولى بني أمية قال: (حدّثنا يزيد بن عبد العزيز) من الزيادة (عن أبيه) عبد العزيز بن سياه بكسر المهملة وتخفيف التحتية آخره هاء وصلاً ووقفًا قال: (حدّثنا حبيب بن أبي ثابت) واسمه دينار الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو وائل) شقيق بن سلمة (قال: كنا بصفين فقام سهل بن حنيف فقال): لما رأى من أصحاب علّي -رضي الله عنه- كراهة التحكيم (أيها الناس اتهموا أنفسكم) فيما أداه اجتهاد كل طائفة منكم من مقاتلة الأخرى (فإنا كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الحديبية ولو نرى قتالاً لقاتلنا فجاء عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (فقال: يا رسول الله ألسنا على الحق وهم) أي قريش (على الباطل؟) ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي وهم على باطل فقال: (بلى فقال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى. قال: فعلى ما) بألف بعد الميم ولأبي ذر: فعلام بإسقاطها (نعطي الدنية) بفتح الدال وكسر النون وتشديد التحتية أي النقيصة (في ديننا أنرجع ولما) ولأبي ذر وابن عساكر: ولم (يحكم الله بيننا وبينهم؟) ولم يكن سؤال عمر- رضي الله عنه- وكلامه المذكور شكًّا بل طلبًا لكشف ما خفي عليه (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ابن الخطاب) بحذف أداة النداء، ولأبي ذر: يا ابن الخطاب (إني رسول الله) زاد في الشروط ولست أعصيه

19 - باب المصالحة على ثلاثة أيام أو وقت معلوم

أي إنما أفعل هذا بوحي ولست أفعله برأي (ولن يضيعني الله أبدًا فانطلق عمر إلى أبي بكر) -رضي الله عنهما- (فقال له مثل ما قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فقال) أبو بكر مجيبًا له: (إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدًا) وفيه فضيلة الصديق وغزارة علمه على ما يخفى (فنزلت سورة الفتح) والمراد بالفتح صلح الحديبية (فقرأها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عمر إلى آخرها فقال): ولأبي ذر قال (عمر: يا رسول الله أو فتح هو؟) بواو مفتوحة بعد همزة الاستفهام (قال) عليه الصلاة والسلام: (نعم). والحاصل أن سهلاً أعلم أهل صفين بما جرى يوم الحديبية من كراهة أكثر الناس ومع ذلك فقد أعقب خيرًا كثيرًا وظهر أن رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الصلح أتم وأحمد من رأيهم في المناجزة. وهذا الحديث قد سبق. 3183 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ بن إسماعيلَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بنت أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- قَالَتْ: "قَدِمَتْ عَلَىَّ أُمِّي وَهْيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمُدَّتِهِمْ مَعَ أَبِيهَا، فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَىَّ وَهْيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، صِلِيهَا". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي قال: (حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة وكسر الفوقية ولأبي ذر حاتم بن إسماعيل أي الكوفي (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن أسماء ابنة) ولأبي ذر وابن عساكر: بنت (أبي بكر -رضي الله عنهما-) أنها (قالت: قدمت عليّ أمي) قتيلة بنت الحرث بن مدرك كما قاله الزبير بن بكار (وهي مشركة) جملة حالية (في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم الحديبية (ومدتهم) التي كانت معينة للصلح بينهم وبينه عليه الصلاة والسلام (مع أبيها) الحرث المذكور (فاستفتت) أي قال عروة: فاستفتت أسماء (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت): ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فاستفتيت بزيادة تحتية بين الفوقيتين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت (يا رسول الله إن أمي قدمت عليّ وهي راغبة) في أن تأخذ مني بعض المال أو راغبة في الإسلام (أفأصلها؟) بهمزة الاستفهام ولأبي ذر: فأصلها بحذفها (قال) عليه الصلاة والسلام: (نعم صليها) فيه جواز صلة الرحم الكافر. وتعلق هذا الحديث بما سبق من حيث إن عدم الغدر اقتضى جواز صلة القريب ولو كان على غير دينه. قاله في العمدة. وهذا الحديث قد سبق في باب: الهدية للمشركين من كتاب الهبة. 19 - باب الْمُصَالَحَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَوْ وَقْتٍ مَعْلُومٍ (باب المصالحة) مع المشركين (على) مدة (ثلاثة أيام أو وقت معلوم). 3184 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ - رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يَسْتَأْذِنُهُمْ لِيَدْخُلَ مَكَّةَ، فَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ لاَ يُقِيمَ بِهَا إِلاَّ ثَلاَثَ لَيَالٍ، وَلاَ يَدْخُلَهَا إِلاَّ بِجُلُبَّانِ السِّلاَحِ، وَلاَ يَدْعُوَ مِنْهُمْ أَحَدًا. قَالَ: فَأَخَذَ يَكْتُبُ الشَّرْطَ بَيْنَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالُوا: لَوْ عَلِمْنَا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ نَمْنَعْكَ وَلَبَايَعْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. فَقَالَ: أَنَا وَاللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَنَا وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: وَكَانَ لاَ يَكْتُبُ، قَالَ فَقَالَ لِعَلِيٍّ امْحُ رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ لاَ أَمْحَاهُ أَبَدًا. قَالَ: فَأَرِنِيهِ، قَالَ: فَأَرَاهُ إِيَّاهُ، فَمَحَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، فَلَمَّا دَخَلَ وَمَضَتِ الأَيَّامُ أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا: مُرْ صَاحِبَكَ فَلْيَرْتَحِلْ. فَذَكَرَ ذَلِكَ عليٌّ -رضي الله عنه- لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: نَعَمْ. فَارْتَحَلَ". وبه قال: (حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيم) أبو عبد الله الأزدي الكوفي قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (شريح بن مسلمة) بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية آخره حاء مهملة ومسلمة بفتح الميم واللام الكوفي قال: (حدّثنا إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق) الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) يوسف (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد (البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- أن النبي) وفي نسخة: أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أراد أن يعتمر) في ذي القعدة يوم الحديبية (أرسل إلى أهل مكة يستأذنهم ليدخل مكة فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها) إذا دخلها في العام المقبل (إلا ثلاث ليال) بأيامها وهذا موضع الترجمة. (ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح) بضم الجيم واللام وتشديد الموحدة شبه الجراب من الأدم يوضع فيه السيف مغمودًا (ولا يدعو منهم أحدًا) وفي الصلح: وأن لا يخرج من أهلها بأحد إن أراد أن يتبعه وأن لا يمنع أحدًا من أصحابه إن أراد أن يقيم بها (قال: فأخذ يكتب الشرط بينهم عليّ بن أبي طالب فكتب: هذا)، إشارة إلى ما في الذهن مبتدأ خبره قوله (ما قاضى عليه محمد رسول الله. فقالوا: لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك) عن البيت (ولبايعناك) بالموحدة بعد اللام ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهي: ولتابعناك بالفوقية بدل الموحدة وبعد الألف موحدة أخرى بدل التحتية، (ولكن اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله (قال) عليه الصلاة والسلام: (أنا والله محمد بن عبد الله، وأنا والله رسول الله قال: وكان) عليه الصلاة والسلام (لا يكتب. قال: فقال لعليّ امح رسول الله فقال عليّ: والله لا أمحاه أبدًا) لغة في أمحوه بالواو

20 - باب الموادعة من غير وقت، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- «أقركم ما أقركم الله»

(قال) عليه الصلاة والسلام: (فأرنيه قال: فأراه إياه فمحاه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده فلما دخل) عليه الصلاة والسلام مكة في العام المقبل (ومضى) ولأبي ذر عن الكشميهني ومضت (الأيام) الثلاثة التي اشترطوا عليه أن لا يقيم أكثر منها (أتوا عليّا فقالوا: مُرْ صاحبك) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فليرتحل) فقد مضى الأجل (فذكر ذلك لرسول الله) ولأبي ذر وابن عساكر ذلك عليّ -رضي الله عنه- لرسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: نعم ثم ارتحل) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فارتحل. وهذا الحديث قد مرّ في باب: كيف يكتب الصلح من كتاب الصلح. 20 - باب الْمُوَادَعَةِ مِنْ غَيْرِ وَقْتٍ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ» (باب الموادعة) أي المصالحة والمتاركة (من غير) تعيين (وقت. وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأهل خيبر (أقركم ما) ولأبي ذر: على ما (أقركم الله به) سقط لأبي ذر وابن عساكر لفظة به. وهذا طرف من حديث ابن عمر سبق موصولاً في باب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله وليس في أمر المهادنة حدّ معلوم وإنما ذلك راجع إلى رأي الإمام والله أعلم. 21 - باب طَرْحِ جِيَفِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْبِئْرِ، وَلاَ يُؤْخَذُ لَهُمْ ثَمَنٌ (باب) جواز (طرح جيف المشركين في البئر، ولا يؤخذ لهم) أي لجيفهم (ثمن) ذكر ابن إسحاق في مغازيه أن المشركين سألوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبيعهم جسد نوفل بن عبد الله بن المغيرة وكان قد اقتحم الخندق فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا حاجة لنا بثمنه ولا جسده. قال ابن هشام: بلغنا عن الزهري أنهم بذلوا فيه عشرة آلاف. 3185 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَيْنَا النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلَى جَزُورٍ فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ حَتَّى جَاءَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - فَأَخَذَتْ مِنْ ظَهْرِهِ وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ الْمَلأَ مِنْ قُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ -أَوْ أُبَىَّ بْنَ خَلَفٍ- فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ فَأُلْقُوا فِي بِئْرٍ، غَيْرَ أُمَيَّةَ -أَوْ أُبَىٍّ- فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلاً ضَخْمًا، فَلَمَّا جَرُّوهُ تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ قَبْلَ أَنْ يُلْقَى فِي الْبِئْرِ". وبه قال: (حدّثنا عبدان بن عثمان) وللحموي والمستملي عبد الله بن عثمان وهو اسم عبدان (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عثمان بن جبلة (عن شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين الكوفي الأودي (عن عبد الله) أي ابن مسعود (رضي الله عنه) أنه (قال: بينا) بغير ميم (رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ساجد) أي عند الكعبة (وحوله ناس من قريش المشركين) ولأبي ذر وابن عساكر: من المشركين (إذ جاء عقبة) بحذف ضمير النصب ولأبي ذر: إذ جاءه عقبة (بن أبي معيط بسلى جزور) بفتح السين المهملة وتخفيف اللام مقصورًا وهي اللفافة التي يكون فيها الولد في بطن الناقة، والجزور بفتح الجيم وضم الزاي بمعنى المفعول أي المنحور من الابل (فقذفه) بالفاء قبل القاف ولأبي ذر: وقذفه أي طرحه (على ظهر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يرفع رأسه حتى جاءت فاطمة) بنته (عليها السلام فأخذت) ذلك السلى (من ظهره ودعت على مَن صنع ذلك. فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اللهم) ولأبي ذر فقال: اللهم (عليك الملأ) نصب بنزع الخافض أي خذ الجماعة (من) كفار (قريش) وأهلكهم ثم فصل ما أجمل فقال (اللهم عليك أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف أو أبيّ بن خلف) قال عبد الله: (فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر) والمراد أنه رأى أكثرهم لأن ابن أبي معيط إنما حمل أسيرًا وقتله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد انصرافه من بدر على ثلاثة أميال مما يلي المدينة (فأُلقوا في بئر) تحقيرًا لهم ولئلا يتأذى الناس برائحتهم (غير أمية) بن خلف (أو) غير (أبيّ فإنه كان رجلاً ضخمًا فلما جرّوه) براء واحدة بعدها واو ساكنة (تقطعت أوصاله قبل أن يُلقى في البئر). 22 - باب إِثْمِ الْغَادِرِ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ (باب إثم الغادر) الذي يواعد على أمر ولا يفي به (للبرّ والفاجر) أي سواء كان من برّ لفاجر أو برّ أو من فاجر لبرّ أو فاجر. 3186 - 3187 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -وَعَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ أَحَدُهُمَا يُنْصَبُ -وَقَالَ الآخَرُ: يُرَى- يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران (الأعمش) الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) أي ابن مسعود (وعن ثابت) قال في الفتح: قائل ذلك هو شعبة بينه مسلم في روايته من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن ثابت (عن أنس) كلاهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لكل غادر لواء) أي: علم (يوم القيامة قال أحدهما) أي أحد الراويين (بنصب) أي اللواء

59 - كتاب بدء الخلق

(وقال الآخر: يُرى يوم القيامة يعرف به). ولمسلم من طريق غندر عن شبعة يقال: هذه غدرة فلان. 3188 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ بن زَيد عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُنْصَبُ يوم القيامة بِغَدْرَتِهِ". [الحديث 3188 - أطرافه في: 6177، 6178، 6966، 7111]. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد) ولأبي ذر: حماد بن زيد (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لكل غادر لواء ينصب) زاد أبو ذر: يوم القيامة (لغدرته) باللام وفتح الغين المعجمة أي لأجل غدرته في الدنيا أو بقدرها، ولأبي ذر وابن عساكر: بغدرته بالموحدة بدل اللام أي بسبب غدرته والمراد شهرته في القيامة بصفة الغدر ليذمه أهل الموقف وفيه غلظ تحريم الغدر لا سيما من صاحب الولاية العامة لأن غدره يتعدى ضرره وقيل المراد نهي الرعية عن الغدر بالإمام فلا تخرج عليه. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفتن ومسلم في المغازي. 3189 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: لاَ هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا. وَقَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَهْوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهْوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلاَ يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلاَّ مَنْ عَرَّفَهَا، وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهُ. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ الإِذْخِرَ، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ. قَالَ: إِلاَّ الإِذْخِرَ". وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر السلمي الكوفي (عن مجاهد) بن جبر الإمام في التفسير (عن طاوس) هو ابن كيسان اليماني (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم فتح مكة): (لا هجرة) من مكة إلى المدينة بعد الفتح لأن مكة صارت دار إسلام (ولكن) لكم طريق في تحصيل الفضائل وهو (جهاد) في سبيل الله (ونية) في كل شيء من الخير (وإذا استنفرتم فانفروا) بكسر الفاء أي إذا طلبكم الإمام للخروج إلى الجهاد فاخرجوا. (وقال) عليه الصلاة والسلام: (يوم فتح مكة: وإن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض) ولم يحرمه الناس (فهو حرام بحرمة الله) زاد أبو ذر في رواية الكشميهني: إلى يوم القيامة (وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي) القتال فيه (إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد) بالرفع ويجوز الجزم أي لا يقطع (شوكه) غير المؤذي والتعبير بالشوك يدل على منع قطع سائر الأشجار بالطريق الأولى (ولا ينفر صيده) فإن نفره عصى (ولا يلتقط) أحد (لقطته إلا من عرفها) أبدًا ولا يتملكها فخالفت لقطة سائر البلاد بهذا (ولا يختلى) بضم أوله وسكون المعجمة أي لا يجز (خلاه) مقصور حشيشة الرطب (فقال العباس: يا رسول الله إلاَّ الإذخر؟) النبت الذكي الرائحة المعروف (فإنه لقينهم) حدادهم وصائغهم (ولبيوتهم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: وبيوتهم أي لسقف بيوتهم جيلاً بعد جيل (قال) عليه الصلاة والسلام: (إلاَّ الإذخر). وهذا محمول على أنه أوحي إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحال باستثناء الإذخر وتخصيصه من العموم أو أوحي إليه قبل ذلك أنه إن طلب أحد استثناء شيء فاستثن أو أنه اجتهد في الجميع قاله النووي. وهذا الحديث قد سبق في العلم والحج وغيرهما. وهذا آخر كتاب الجهاد نجزت كتابته على يد مؤلفه في ثامن عشر جمادى الآخرة سنة تسع وتسعمائة أعاننا الله تعالى على التكميل وجعله خالصًا لوجهه ونفع به جيلاً بعد جيل بمنّه وكرمه آمين. بسم الله الرحمن الرحيم 59 - كتاب بدء الخلق سقطت البسملة لأبي ذر. (كتاب بدء الخلق) قال في القاموس: بدأ به كمنع ابتدأ والشيء فعله ابتداء كابتدأه وأبدأه والله الخلق خلقهم والخلق بمعنى المخلوق، ورقم في اليونينية رقم علامة أبي ذر عن المستملي بثبوت كتاب بدء الخلق. وقال العيني كالحافظ ابن حجر: وقع في رواية النسفي ذكر بدء الخلق بدل كتاب بدء الخلق. 1 - باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيهِ} [الروم: 27] قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ وَالْحَسَنُ كُلٌّ عَلَيْهِ هَيِّنٌ. هَيْنٌ وَهَيِّنٌ: مِثْلُ لَيْنٍ وَلَيِّنٍ، وَمَيْتٍ وَمَيِّتٍ، وَضَيْقٍ وَضَيِّقٍ. {أَفَعَيِينَا}: أَفَأَعْيَا عَلَيْنَا. حِينَ أَنْشَأَكُمْ وَأَنْشَأَ خَلْقَكُمْ. {لُغُوبٌ}: النَّصَبُ. {أَطْوَارًا}: طَوْرًا كَذَا، وَطَوْرًا كَذَا، عَدَا طَوْرَهُ: أَىْ قَدْرَهُ (ما جاء) ولأبي ذر باب: ما جاء (في قول الله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق}) أي المخلوق ({ثم يعيده}) بعد الإهلاك ثانيًا للبعث ({وهو أهون عليه}) [الروم: 27]. أي الإعادة أسهل عليه من الأصل بالإضافة إلى قدركم والقياس على أصولكم وإلا فهما عليه سواء لا تفاوت عنده سبحانه بين الإبداء والإعادة وتذكير هو لأهون وسقط لغير أبي ذر وهو أهون عليه. (قال) ولأبي ذر: وقال (الربيع) بفتح الراء (ابن خثيم) بضم الخاء المعجمة وفتح المثلثة وسكون التحتية الثوري الكوفي التابعي مما وصله الطبري أيضًا من طريق منذر الثوري عنه

(و) قال (الحسن) البصريّ مما وصله الطبري أيضًا من طريق قتادة عنه (كل عليه هين) بتشديد الياء (هين) بسكونها ولأبي ذر: وهين بالواو مع التخفيف أيضًا (وهين) بالتشديد يريد أنهما لغتان كما جاء في ألفاظ أخر وهي (مثل لين ولين، وميت وميت، وضيق وضيق) ثم أشار المؤلّف إلى قوله تعالى: ({أفعيينا}) [ق: 15]. بالخلق الأول أي (أفأعيا علينا حين أنشأكم وأنشأ خلقكم) أي ما أعجزنا الخلق الأول حين أنشأناكم وأنشأنا خلقكم حتى نعجز عن الإعادة من عيي بالأمر إذا لم يهتد لوجه علمه والهمزة فيه للإنكار وعدل عن التكلم في قوله أنشأكم إلى الغيبة التفاتًا. قال الكرماني: والظاهر أن لفظ حين أنشأكم إشارة إلى آية أخرى مستقلة وأنشأ خلقكم إلى تفسيره وهو قوله تعالى: {إذ أنشأكم من الأرض} [النجم: 32]. فنقله البخاري بالمعنى حيث قال: حين أنشأكم بدل إذ أنشأكم أو هو محذوف في اللفظ واستغنى بالمفسر عن المفسر. ({لغوب}) [ق: 38]. (النصب) يشير إلى قوله تعالى: {ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسّنا من لغوب} [ق: 38]. من تعب ولا نصب ولا إعياء وهو ردّ لما زعمت اليهود من أنه تعالى بدأ خلق العالم يوم الأحد وفرغ منه يوم الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على العرش تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا. وقد أجمع علماء الإسلام قاطبة على أن الله تعالى خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام كما دل عليه القرآن. نعم اختلفوا في هذه الأيام أهي كأيامنا هذه أو كل يوم كألف سنة على قولين والجمهور على أنها كأيامنا هذه. وعن ابن عباس ومجاهد والضحاك وكعب أن كل يوم كألف سنة مما تعدون. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. وحكى ابن جرير في أول الأيام ثلاثة أقوال: فروي عن محمد بن إسحاق أنه قال: يقول أهل التوراة ابتدأ الله الخلق يوم الأحد ويقول أهل الإنجيل ابتدأ الله الخلق يوم الاثنين، ونقول نحن المسلمون فيما انتهى إلينا عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابتدأ الله الخلق يوم السبت، ويشهد له حديث أبي هريرة خلق الله التربة يوم السبت والقول بأنه الأحد رواه ابن جرير عن السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن جماعة من الصحابة وهو نص التوراة، ومال إليه طائفة آخرون وهو أشبه بلفظ الأحد فبهذا كمل الخلق في ستة أيام فكان آخرهن الجمعة فاتخذه المسلمون عيدهم في الأسبوع. ({أطوارًا}) [نوح: 14]. أشار إلى قوله تعالى: {وقد خلقكم أطوارًا} أي (طورًا كذا، وطورًا كذا). مرتين أي خلقهم تارات إذ خلقهم أولاً عناصر ثم مركبات ثم أخلاطًا ثم نطفًا ثم علقًا ثم مضغًا ثم عظامًا ولحومًا ثم أنشأهم خلقًا آخر فإنه يدل على أنه يمكن أن يعيدهم تارة أخرى ويقال فلان (عدا طوره أي قدره) أي: جاوزه وسقط لابن عساكر لفظة (أي). 3190 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا بَنِي تَمِيمٍ أَبْشِرُوا. فقَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا. فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ. فَجَاءَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْيَمَنِ اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ. قَالُوا: قَبِلْنَا. فَأَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَدِّثُ بَدْءَ الْخَلْقِ وَالْعَرْشِ. فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ رَاحِلَتُكَ تَفَلَّتَتْ. لَيْتَنِي لَمْ أَقُمْ". [الحديث 3190 - أطرافه في: 3191، 4365، 4386، 7418]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن جامع بن شداد) بالمعجمة وتشديد الدال المهملة الأولى أبي صخر المحاربي (عن صفوان بن محرز) بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء بعدها زاي المازني البصري (عن عمران بن الحصين) بضم أوله (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: جاء نفر) عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة سنة تسع (من بني تميم إلى النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (يا بني تميم أبشروا). بهمزة قطع بما يقتضي دخول الجنة وذلك حيث عرّفهم أصول العقائد التي هي المبدأ والمعاد وما بينهما ولما لم يكن جل اهتمامهم إلاّ بشأن الدنيا والاستعطاء (قالوا): ولأبي ذر: فقالوا (بشرتنا) وإنما جئنا للاستعطاء (فأعطنا) من المال قيل من القائلين الأقرع بن حابس وإن فيه بعض أخلاق البادية والفاء فصيحة (فتغير وجهه) عليه السلام أسفًا عليهم كيف آثروا الدنيا أو لكونه لم يكن عنده ما يعطيهم فيتألفهم به (فجاءه أهل اليمن)، وهم الأشعريون قوم أبي موسى (فقال) عليه الصلاة والسلام: (يا أهل اليمن أقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا: قبلنا) ها (فأخذ) أي شرع (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحدّث بدء الخلق) نصب بنزع الخافض (والعرش. فجاء رجل)

لم يسم (فقال: يا عمران) يعني ابن حصين (راحلتك) بالرفع على الابتداء، ولابن عساكر وأبي الوقت: إن راحلتك (تفلتت) بالفاء أي تشرّدت قال عمران (ليتني لم أقم) من مجلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى لم يفتني سماع كلامه. وهذا الحديث أخرجه في المغازي وبدء الخلق والتوحيد والترمذي في المناقب والنسائي في التفسير. 3191 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَقَلْتُ نَاقَتِي بِالْبَابِ. فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ: اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ. قَالُوا: قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا (مَرَّتَيْنِ). ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ. قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالُوا: جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ. قَالَ: كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غَيْرُهُ. وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ. وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَىْءٍ. وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ. فَنَادَى مُنَادٍ: ذَهَبَتْ نَاقَتُكَ يَا ابْنَ الْحُصَيْنِ. فَانْطَلَقْتُ فَإِذَا هِيَ يَقْطَعُ دُونَهَا السَّرَابُ. فَوَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ تَرَكْتُهَا". وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) بضم العين قال: (حدّثنا أبي) حفص النخعي الكوفي قاضي بغداد أوثق أصحاب الأعمش قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا جامع بن شداد) المحاربي (عن صفوان بن محرز) بضم الميم المازني (أنه حدثه عن عمران بن حصين -رضي الله عنهما-) أنه (قال: دخلت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعقلت ناقتي بالباب فأتاه ناس من بني تميم فقال) عليه الصلاة والسلام لهم: (اقبلوا البشرى يا بني تميم) أي أقبلوا مني ما يقتضي أن تبشروا بالجنة من التفقه في الدين (قالوا: قد بشرتنا) للتفقه (فأعطنا مرتين) أي من المال (ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن) وهم الأشعريون وسقط قوله أهل لأبي ذر (فقال) عليه الصلاة والسلام لهم: (اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم) ولأبي ذر: إن لم (يقبلها بنو تميم قالوا): قد (قبلنا) ها (يا رسول الله. قالوا: جئناك) بكاف الخطاب مرقومًا عليها علامة الكشميهني وفي الفتح حذفها له وإثباتها لغيره (نسألك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لنسألك (عن هذا الأمر) كأنهم سألوه عن أحوال هذا العالم (قال) عليه الصلاة والسلام مجيبًا لهم: (كان الله) في الأزل منفردًا متوحدًا (ولم يكن شيء غيره) وهذا مذهب الأخفش فإنه جوز دخول الواو في خبر كان وأخواتها نحو كان زيد وأبوه قائم على جعل الجملة خبرًا مع الواو أو ولم يكن شيء غيره حال أي كان الله حال كونه لم يكن شيء غيره، وأما ما وقع في بعض الكتب في هذا الحديث كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان. فقال ابن تيمية: هذه زيادة ليست في شيء من كتب الحديث (وكان عرشه على الماء). استشكل بأن الجملة الأولى تدل على عدم من سواه والثانية على وجود العرش والماء فالثانية مناقضة للأولى. وأجيب: بأن الواو في وكان بمعنى ثم فليس الثانية من تمام الأولى بل مستقلة بنفسها وكان فيهما بحسب مدخولها ففي الأولى بمعنى الكون الأزلي، وفي الثانية بمعنى الحدوث بعد العدم. وعند الإمام أحمد عن أبي رزين لقيط بن عامر العقيلي أنه قال: يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: "في عماء ما فوقه هواء ثم خلق عرشه على الماء". ورواه عن يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة به ولفظه: أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه وباقيه سواء. وأخرجه الترمذي عن أحمد بن منيع وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن الصباح ثلاثتهم عن يزيد بن هارون. وقال الترمذي: حسن. وفي كتاب صفة العرش للحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن بعض السلف أن العرش مخلوق من ياقوتة حمراء بعد ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة واتساعه خمسون ألف سنة وبعدما بين العرش إلى الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة، وقد ذهب طائفة من أهل الكلام إلى أن العرش فلك مستدير من جميع جوانبه محيط بالعالم من كل جهة وربما سموه الفلك التاسع والفلك الأطلس. قال ابن كثير: وهذا ليس بجيد لأنه قد ثبت في الشرع أن له قوائم تحمله الملائكة والفلك لا يكون له قوائم ولا يحمل وأيضًا فإن العرش في اللغة عبارة عن السرير الذي للملك وليس هو فلك والقرآن إنما نزل بلغة العرب فهو سرير ذو قوائم تحمله الملائكة وكالقبة على العالم وهو سقف المخلوقات اهـ. وأشار بقوله: "وكان عرشه على الماء" إلى أنهما كانا مبدأ العالم لكونهما خلقا قبل كل شيء. وفي حديث أبي رزين العقيلي مرفوعًا عند الإمام أحمد وصححه الترمذي أن الماء خلق قبل العرش وعن ابن عباس كان الماء على متن الريح. وعند الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة قلت: يا رسول الله إني إذا رأيتك

طابت نفسي وقرّت عيني أنبئني عن كل شيء. قال: "كل شيء خلق من الماء"، وهذا يدل على أن الماء أصل لجميع المخلوقات ومادّتها وأن جميع المخلوقات خلقت منه. وروى ابن جرير وغيره عن ابن عباس أن الله عز وجل كان عرشه على الماء ولم يخلق شيئًا غير ما خلق قبل الماء فلما أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانًا فارتفع فوق الماء فسما عليه فسمي سماء ثم أيبس الماء فجعله أرضًا واحدة ثم فتقها فجعلها سبع أرضين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فكان ذلك الدخان من نفس الماء حين تنفس ثم جعلها سماء واحدة ثم فتقها فجعلها سبع سماوات. وقال الله تعالى: {والله خلق كل دابة من ماء} [النور: 45]. وقول من قال إن المراد بالماء النطفة التي يخلق منها الحيوانات بعيد لوجهين. أحدهما: أن النطفة لا تسمى ماء مطلقًا بل مقيدًا كقوله: {خُلِقَ من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب} [الطارق: 6]. والثاني: أن من الحيوانات ما يتولد من غير نطفة كدود الخل والفاكهة فليس كل حيوان مخلوقًا من نطفة، فدلّ القرآن على أن كل ما يدب وكل ما فيه حياة من الماء ولا ينافي هذا قوله: {والجان خلقناه من قبل من نار السموم} [الحجر: 27]. وقوله عليه الصلاة والسلام: "خلقت الملائكة من نور" فقد دلّ ما سبق أن أصل النور والنار الماء ولا يستنكر خلق النار من الماء بانحداره يصير بخارًا والبخار ينقلب هواء والهواء ينقلب نارًا. (وكتب) أي قدر (في) محل (الذكر) وهو اللوح المحفوظ (كل شيء) من الكائنات (وخلق السماوات والأرض فنادى مناد) لم يسم (ذهبت ناقتك يا ابن الحصين فانطلقت) خلفها (فإذا هي يقطع دونها السراب) رفع على الفاعلية وهو بالمهملة الذي تراه نصف النهار كأنه ماء والمعنى فإذا هي يحول بيني وبين رؤيتها السراب (فوالله لوددت) بكسر الدال الأولى (أني كنت تركتها) ولم أقم لأنه قام قبل أن يكمل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثه فتأسف على ما فاته من ذلك. 3192 - وَرَوَى عِيسَى عَنْ رَقَبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: "سَمِعْتُ عُمَرَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَامَ فِينَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقَامًا، فَأَخْبَرَنَا عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مَنَازِلَهُمْ وَأَهْلُ النَّارِ مَنَازِلَهُمْ، حَفِظَ ذَلِكَ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ". (وروى) ولابن عساكر ورواه (عيسى) هو ابن موسى البخاري بالموحدة والخاء المعجمة التيمي الملقب بغنجار بغين معجمة مضمومة فنون ساكنة فجيم وبعد الألف راء لاحمرار خدّيه المتوفى سنة سبع أو ست وثمانين ومائة وليس له في البخاري إلا هذا الموضع (عن رقبة) بفتح الراء والقاف والموحدة ابن مصقلة بالصاد المهملة والقاف العبدي الكوفي كذا للأكثر وسقط منه رجل بين عيسى ورقبة وهو أبو حمزة محمد بن ميمون السكري كما جزم به أبو مسعود. وقال الطرقي: سقط أبو حمزة من كتاب الفربري وثبت في رواية حماد بن شاكر ولا يعرف لعيسى عن رقبة نفسه شيء، وقد وصله الطبراني من طريق عيسى عن أبي حمزة عن رقبة (عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب) الأحمسي الكوفي أنه (قال: سمعت عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- يقول: قام فينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقامًا) يعني على المنبر (فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم). قال الطيبي: حتى غاية أخبرنا أي أخبرنا مبتدئًا من بدء الخلق حتى انتهى إلى دخول أهل الجنة الجنة ووضع الماضي موضع المضارع للتحقق المستفاد من قول الصادق الأمين ودلّ ذلك على أنه أخبر بجميع أحوال المخلوقات منذ ابتدأت إلى أن تفنى إلى أن تبعث، وهذا من خوارق العادات ففيه تيسير القول الكثير في الزمن القليل. وفي حديث أبي زيد الأنصاري عند أحمد ومسلم قال: صلّى بنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة الصبح وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر ثم نزل فصلّى بنا الظهر ثم صعد المنبر فخطبنا ثم العصر كذلك حتى غابت الشمس، فحدّثنا بما كان وما هو كائن فبين في هذا المقام المذكور زمانًا ومكانًا في حديث عمر -رضي الله عنه-، وأنه كان على المنبر من أول النهار إلى أن غابت الشمس. (حفظ ذلك من حفظه ونسيه) ولأبي ذر: أو نسيه (من نسيه). 3193 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ اللهُ تَعَالَى: يَشْتُمنِي ابْنُ آدَمَ. وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِي وَيُكَذِّبنِي وَمَا يَنْبَغِي لَهُ. أَمَّا شَتْمُهُ فَقَوْلُهُ: إِنَّ لِي وَلَدًا. وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ فَقَوْلُهُ: لَيْسَ يُعِيدُنِي كَمَا بَدَأَنِي". [الحديث 3193 - طرفاه في: 4974، 4975]. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولغير أبي ذر: حدّثني (عبد الله بن أبي

شيبة) هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي (عن أبي أحمد) محمد بن عبد الله الزبيري الأزدي (عن سفيان) الثوري (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله) ولغير أبي ذر قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أراه) بضم الهمزة أظنه (يقول الله) عز وجل (شتمني) بلفظ الماضي ولابن عساكر بلفظ المضارع ولأبي ذر بدل قوله: أراه الخ ... (قال الله تعالى: يشتمني ابن آدم) بلفظ المضارع المفتوح الأول وكسر التاء والشتم الوصف بما يقتضي النقص (وما ينبغي له أن يشتمني ويكذبني وما ينبغي له). أن يكذبني (أما شتمه فقوله: أن لي ولدًا) لاستلزامه الإمكان المستدعي للحدوث وذلك غاية النقص في حق الباري تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا. (وأما تكذيبه فقوله: ليس يعيدني كما بدأني) وهذا قول منكري البعث من عباد الأوثان وهو موضع الترجمة وهو من الأحاديث الآلهيات. 3194 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ، فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي». [الحديث 3194 - أطرافه في: 7404، 7412، 7453، 7553، 7554]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا مغيرة بن عبد الرحمن القرشي عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لما قضى الله الخلق) أي خلقه كقوله تعالى: {فقضاهن سبع سماوات} [فصلت: 12]. أو أوجد جنسه. وقال ابن عرفة: قضاء الشيء إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه (كتب) أي أمر القلم أن يكتب (في كتابه فهو عنده) أي فعلم ذلك عنده (فوق العرش): مكنونًا عن سائر الخلائق مرفوعًا عن حيز الإدراك ولا تعلق لهذا بما يقع في النفوس من تصوّر المكانية تعالى الله عن صفات المحدثات فإنه المباين عن جميع خلقه المتسلط على كل شيء بقهره وقدرته (إن رحمتي) بكسر الهمزة حكاية لمضمون الكتاب وتفتح بدلاً من كتب (غلبت) وفي رواية شعيب عن أبي الزناد في التوحيد تغلب (غضبي) والمراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب لأن السبق والغلبة باعتبار التعلق أي تعلق الرحمة غالب سابق على تعلق الغضب لأن الرحمة مقتضى ذاته المقدسة، وأما الغضب فإنه متوقف على سابقة عمل من العبد الحادث. وقال التوربشتي: وفي سبق الرحمة بيان أن قسط الخلق منها أكثر من قسطهم من الغضب وأنها تنالهم من غير استحقاق وأن الغضب لا ينالهم إلا باستحقاق ألا ترى أن الرحمة تشمل الإنسان جنينًا ورضيعًا وفطيمًا وناشئًا من غير أن يصدر منه شيء من الطاعة ولا يلحقه الغضب إلا بعد أن يصدر عنه من المخالفات ما يستحق ذلك. وقال في المصابيح: الغضب إرادة العقاب والرحمة إرادة الثواب والصفات لا توصف بالغلبة ولا يسبق بعضها بعضًا، لكن جاء هذا على الاستعارة ولا يمتنع أن تجعل الرحمة والغضب من صفات الفعل لا الذات فالرحمة هي الثواب والإحسان، والغضب هو الانتقام والعقاب، فتكون الغلبة على بابها أي أن رحمتي أكثر من غضبي فتأمله. وقال الطيبي: وهو على وزان قوله تعالى: {كتب على نفسه الرحمة} [الأنعام: 12]. أي أوجب وعدًا أن يرحمهم قطعًا بخلاف ما يترتب عليه مقتضى الغضب والعقاب فإن الله تعالى كريم يتجاوز بفضله وأنشد: وإني إذا أوعدته أو وعدته ... لمخلف إبعادي ومنجز موعدي وفي هذا الحديث تقدم خلق العرش على القلم الذي كتب المقادير وهو مذهب الجمهور، ويؤيده قول أهل اليمن في الحديث السابق لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: جئنا نسألك عن هذا الأمر فقال: "كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء". وقد روى الطبراني في صفة اللوح من حديث ابن عباس مرفوعًا: إن الله خلق لوحًا محفوظًا من درة بيضاء صفحاتها من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابته نور لله في كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة يخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويفعل

2 - باب ما جاء في سبع أرضين، وقول الله تعالى: {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شىء قدير وأن الله قد أحاط بكل شىء علما} [الطلاق: 12]. {والسقف المرفوع}: السماء. {سمكها}: بناءها. {الحبك}: استواؤها وحسنها. {وأذنت}: سمعت وأطاعت. {وألقت}: أخرجت ما فيها من الموتى، {وتخلت} عنهم. {طحاها} أي دحاها. {بالساهرة}: وجه الأرض، كان فيها الحيوان نومهم وسهرهم.

ما شاء. وعند ابن إسحاق عن ابن عباس أيضًا قال: في صدر اللوح المحفوظ لا إله إلاّ الله وحده دينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله فمن آمن بالله وصدق بوعده واتبع رسله أدخله الجنة. قال: اللوح لوح من درّة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب وحافتاه الدر والياقوت ودفتاه ياقوتة حمراء وقلمه نور وأعلاه معقود بالعرش وأصله في حجر ملك. وقال أنس بن مالك وغيره من السلف: اللوح المحفوظ في جبهة إسرافيل. وقال مقاتل: هو عن يمين العرش. وحديث الباب أخرجه مسلم في التوبة والنسائي في النعوت. 2 - باب مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12]. {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ}: السَّمَاءُ. {سَمْكَهَا}: بِنَاءَهَا. {الْحُبُكُ}: اسْتِوَاؤُهَا وَحُسْنُهَا. {وَأَذِنَتْ}: سَمِعَتْ وَأَطَاعَتْ. {وَأَلْقَتْ}: أَخْرَجَتْ مَا فِيهَا مِنَ الْمَوْتَى، {وَتَخَلَّتْ} عَنْهُمْ. {طَحَاهَا} أَي دَحَاهَا. {بالسَّاهِرَةُ}: وَجْهُ الأَرْضِ، كَانَ فِيهَا الْحَيَوَانُ نَوْمُهُمْ وَسَهَرُهُمْ. (باب ما جاء في) وصف (سبع أرضين) بفتح الراء (وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على السابق، ولأبي ذر وابن عساكر سبحانه بدل قوله تعالى: ({الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن}) في العدد، وفيه دلالة على أن بعضها فوق بعض كالسماوات. وعن بعض المتكلمين أن المثلية في العدد خاصة وأن السبع متجاورة. وقال ابن كثير: ومن حمل ذلك على سبع أقاليم فقد أبعد النجعة وخالف القرآن، واختلف هل أهل هذه الأرضين يشاهدون السماء ويستمدون الضوء منها؟ فقيل: يشاهدونها من كل جانب من أرضهم ويستمدون الضوء منها، وهذا قول من جعل الأرض مبسوطة وقيل لا وإنما خلق الله تعالى لهم ضياء يشاهدونه وهذا قول من جعل الأرض كرة ({يتنزل الأمر بينهن}) بالوحي من السماء السابعة إلى الأرض السفلى ({لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا}) [الطلاق: 12] علة لخلق أو ليتنزل وهو يدل على كمال قدرته وعلمه. وقال ابن جرير: حدّثنا عمرو بن قيس ومحمد بن مثنى قالا: حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن ابن عباس في هذه الآية قال: في كل أرض مثل إبراهيم ونحو ما على الأرض من الخلق هكذا أخرجه مختصرًا وإسناده صحيح. وأخرجه الحاكم والبيهقي من طريق عطاء بن السائب عن أبي الضحى مطوّلاً وأوله أي سبع أرضين في كل أرض آدم كآدمكم ونوح كنوحكم إبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيساكم ونبيّ كنبيكم. قال البيهقي: إسناده صحيح إلا أنه شاذّ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعًا اهـ. ففيه أنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن كما هو معروف عند أهل هذا الشأن، فقد يصح الإسناد ويكون في المتن شذوذ أو علة تقدح في صحته، ومثل هذا لا يثبت بالحديث الضعيف. وقال في البداية وهذا محمول إن صح نقله على أن ابن عباس أخذه من الإسرائيليات اهـ. وعلى تقدير ثبوته يحتمل أن يكون المعنى ثم من يقتدى به مسمى بهذه الأسماء وهم رسل الرسل الذين يبلغون الجن عن أنبياء الله ويسمى كلٍّ منهم باسم النبي الذي يبلغ عنه. وقال الإمام أحمد: حدّثنا شريح، حدّثنا الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة قال: بينما نحن عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ مرّت سحابة فقال: "أتدرون ما هذه؟ " قال: قلنا الله ورسوله أعلم. قال-: "العنان وروايا الأرض" الحديث. وفيه: ثم قال: "أتدرون ما هذه تحتكم؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: "أرض أتدرون ما تحتها؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: "أرض أخرى" قال: "أتدرون كم بينهما؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: "مسيرة خمسمائة عام حتى عدّ سبع أرضين". رواه الترمذي عن عبد بن حميد وغير واحد عن يونس بن محمد المؤدب عن شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة قال: حدث الحسن عن أبي هريرة وذكره إلا أنه ذكر أن بُعد ما بين كل أرضين خمسمائة عام. ثم قال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. ويروى عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد أنهم قالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة. ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره من حديث أبي جعفر الرازي عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة فذكر مثل لفظ الترمذي. ورواه ابن جرير في تفسيره عن بسر بن زيد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة مرسلاً، ولعله أشبه. ورواه البزار والبيهقي من حديث أبي ذر الغفاري عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنحوه. قال في

البداية: ولا يصح إسناده اهـ. وحكى صاحب مناهج الفكر عن أصحاب الآثار مما نقله عن أهل الكتاب أن الله تعالى لما أراد أن يخلق المكانين خلق جوهرة ذكروا من طولها وعرضها ما لا تعجز القدرة عن إيجاده، ولا يسع الموحد إلاّ التمسك بعرى اعتقاده. ثم نظر إليها نظر هيبة فانماعت وعلا عليها من شدة الخوف زبد ودخان فخلق من الزبد الأرض ومن الدخان السماء ثم فتقها سبعًا بعد أن كانت رتقًا وفسروا بهذا قوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء وهي دخان} [فصلت: 11]. واختلف أهل الآثار والقدماء في اللون المرئي للسماء هل هو أصلي أو عرضيّ؟ فذهب الآثاريون إلى أنه أصلي لحديث: "ما أظلت الخضراء ولا أقلّت الغبراء". وزعم رواة الأخبار أن الأرض على ماء، والماء على صخرة، والصخرة على سنام ثور، والثور على كمكم، والكمكم على ظهر حوت، والحوت على الريح، والريح على حجاب ظلمة، والظلمة على الثرى، والى الثرى انتهى علم الخلائق. وحكى ابن عبد البر في كتاب القصد والأمم إلى معرفة أنساب الأمم: أن مقدار المعمور من الأرض مائة وعشرون سنة تسعون ليأجوج ومأجوج، واثنا عشر للسودان، وثمانية للروم، وثلاثة للعرب، وسبعة لسائر الأمم اهـ. وقد خلق الله الأرض قبل السماء كما قال تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات} [البقرة: 29]. وقال تعالى: {أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} [فصلت: 9، 10]. ثم قال: {وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين} أي تتمة أربعة أيام كقولك: سرت من البصرة إلى بغداد في عشر، وإلى الكوفة في خمس عشرة، ثم استوى إلى السماء أي قصد نحوها وهي دخان فقال لها وللأرض: {ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين} [فصلت: 11، 12]. وأما قوله: ({أنتم أشدّ خلقًا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها} [النازعات: 27 - 30]. فأجيب عنه بأن الدحي غير الخلق وهذا بعد خلق السماء. وبقية مباحث هذا تأتي إن شاء الله تعالى في تفسير حم السجدة بعون الله وقوته. وعند الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيدي فقال: "خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء. وبثّ الدواب فيها يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل". وهكذا رواه مسلم، لكن اختلف فيه على ابن جريج وقد تكلم فيه فقال البخاري في تاريخه، وقال بعضهم عن كعب الأحبار وهو أصح يعني أنه مما سمعه أبو هريرة وتلقاه عن كعب فوهم بعض الرواة فجعله مرفوعًا. وفي متنه غرابة شديدة فمن ذلك أنه ليس فيه ذكر خلق السماوات وفيه ذكر خلق الأرض وما فيها في سبعة أيام وهذا خلاف القرآن لأن الأرض خلقت في أربعة أيام ثم خلقت السماوات في يومين، ووقع في رواية أبي ذر بعد قوله: {ومن الأرض مثلهن} الآية فحذف بقيتها. ({والسقف}) بالجر عطفًا على المجرور السابق بواو القسم وهو قوله: {والطور المرفوع} [الطور: 5]. صفة السقف وهو (السماء) وهذا تفسير مجاهد كما أخرجه عبد بن حميد وابن أبي حاتم وغيرهما من طريق ابن أبي نجيح عنهما واختاره ابن جريج، واستدلّ سفيان بقوله تعالى: {وجعلنا السماء سقفًا محفوظًا} [الأنبياء: 32]. وقال الربع بن أنس: هو العرش يعني أنه سقف لجميع المخلوقات. ({سمكها}) [النازعات: 28]. بفتح السين المهملة وسكون الميم أراد به قوله تعالى: {رفع سمكها} أي (بناها) بالمد وهذا تفسير ابن عباس كما أخرجه ابن أبي حاتم وزاد في رواية غير أبي ذر وابن عساكر كان فيها حيوان. ({الحبك}) [الذاريات: 7]. ولأبي ذر وابن عساكر والحبك يريد قوله تعالى: {والسماء ذات الحبك} أي (استواؤها وحسنها) قاله ابن عباس كما أخرجه ابن أبي حاتم. وقال الحسن: حبكت بالنجوم عن ابن عباس أيضًا كما نقله ابن كثير من حسنها أنها مرتفعة شفافة

صفيقة شديدة البناء متسعة الأرجاء أنيقة البهاء مكللة بالنجوم الثوابت والسيّارات موشحة بالشمس والقمر والكواكب الزاهرات. وعند الطبري عن عبد الله بن عمرو أن المراد بالسماء هنا السابعة. ({وأذنت}) يشير إلى قوله تعالى: {إذا السماء انشقت وأذنت} [الانشقاق: 1]. قال ابن عباس من طريق الضحاك أي (سمعت و) من طريق سعيد بن جبير عنه (أطاعت) رواهما ابن أبي حاتم ({وألقت}) [الانشقاق: 4]. أي (أخرجت ما فيها من الموتى {وتخلت} عنهم) قاله مجاهد وغيره. ({طحاها}) [الشمس: 6]. قال مجاهد فيما أخرجه عبد بن حميد (دحاها) أي بسطها. ({الساهرة}) [النازعات: 14]. ولأبي ذر: بالساهرة. قال عكرمة فيما أخرجه ابن أبي حاتم (وجه الأرض)، وقال مجاهد: كانوا بأسفلها فأخرجوا إلى أعلاها. وقال ابن عباس: الأرض كلها (كان فيها الحيوان نومهم وسهرهم). وقيل: المراد أرض القيامة، وعن سهل بن سعد الساعدي أرض بيضاء عفراء. وقال الربيع بن أنس: فإذا هم بالساهرة. يقول الله تعالى: {يوم تبدل الأرض غير الأرض} [إبراهيم: 48]. فهي لا تعدّ من هذه الأرض وهي أرض لم يعمل عليها خطيئة ولم يهرق عليها دم. 3195 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَرثِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ، فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ- فَقَالَتْ: يَا أَبَا سَلَمَةَ اجْتَنِبِ الأَرْضَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (أخبرنا) ولابن عساكر: حدّثنا (ابن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد التحتية اسم أم إسماعيل بن إبراهيم (عن عليّ بن المبارك) الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون ممدودًا أنه قال: (حدّثنا يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الطائي مولاهم (عن محمد بن إبراهيم بن الحرث) بن خالد التيمي المدني (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف واسمه عبد الله أو إسماعيل (وكانت بينه وبين أناس) بهمزة مضمومة ولابن عساكر: وبين ناس بحذفها ولم يقف الحافظ ابن حجر على أسمائهم لكن في مسلم: وكان بينه وبين قومه (خصومة في أرض فدخل على عائشة) -رضي الله عنها- (فذكر لها ذلك) بلام قبل الكاف ولأبي ذر: ذاك بإسقاطها (فقالت: يا أبا سلمة اجتنب الأرض) فلا تغصب منها شيئًا (فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من ظلم قيد شبر) بكسر القاف أي قدر شبر أي من الأرض (طوّقه) بضم الطاء المهملة وكسر الواو المشددة وبالقاف (من سبع أرضين) بفتح الراء أي يوم القيامة ففيه التنصيص على أن الأرضين سبع وهو المراد بالترجمة. وهذا الحديث قد سبق في باب إثم من ظلم شيئًا من الأرض من كتاب المظالم. 3196 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ». وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (عن موسى بن عقبة) صاحب المغازي (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من أخذ شيئًا) قلّ أو كثر (من الأرض بغير حقه خسف به) أي بالآخذ غصبًا تلك الأرض المغصوبة (يوم القيامة إلى سبع أرضين) فتصير له كالطوق في عنقه بعد أن يطوّله الله تعالى، أو أن هذه الصفات تتنوع لصاحب هذه الجناية على حسب قوّة هذه المفسدة وضعفها فيعذب بعضهم بهذا وبعضهم بهذا. 3197 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ. السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ -ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ- وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: (حدّثنا عبد الوهاب) الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن محمد بن سيرين عن ابن أبي بكرة) عبد الرحمن (عن) أبيه (أبي بكرة) نفيع بن الحرث الثقفي (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الزمان) قال التوربشتي: اسم لقليل الوقت وكثيره وأراد به هاهنا السنة (قد استداره) أي الله ولأبي الوقت: استدار بحذف الضمير يعني عاد إلى زمنه المخصوص (كهيئته) الهيئة صورة الشيء وشكله وحالته والكاف صفة مصدر محذوف أي استدار استدارة مثل حالته والذي في اليونينية قال: الزمان قد استدار كهيئته (يوم خلق) الله (السماوات والأرض) ولأبي ذر: كهيئة بحذف الضمير يوم خلق الله بذكر الفاعل لا إله إلا هو ولابن عساكر والأرضين بالجمع (السنة اثنا عشر شهرًا) جملة مستأنفة مبينة للجملة الأولى، وأراد أن الزمان في انقسامه إلى الأعوام والأشهر عاد إلى أصل الحساب والوضع الذي

ابتدأ منه وذلك أن العرب كانوا إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهرًا آخر حتى رفضوا خصوص الأشهر واعتبروا مجرد العدد وهو النسيء المذكور في قوله تعالى: ({إنما النسيء}) أي تأخير حرمة الشهر إلى آخر {زيادة في الكفر} [التوبة: 37]. لأنه تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرمه فهو كفر آخر ضموه إلى كفرهم، قيل: أولى من أحدث ذلك جنادة بن عوف الكناني كان يقوم على جمل في الموسم فينادي: إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه، ثم ينادي في القابل: إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحلل فحرّموه يفعل ذلك كل سنة بعد سنة فينتقل المحرم من شهر إلى شهر حتى جعلوه في جميع شهور السنة، فلما كانت تلك السنة عاد إلى زمنه المخصوص به قبل ودارت السنة كهيئتها الأولى، فاقتضى الدوران أن يكون الحج في ذي الحجة كما شرعه الله تعالى، وقول الزمخشري: وقد وافقت حجة الوداع ذا الحجة وكانت حجة أبي بكر قبلها في ذي القعدة قاله مجاهد. وفيه نظر إذ كيف تصح حجة أبي بكر وقد وقعت في ذي القعدة وأنى هذا وقد قال الله تعالى: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر} [التوبة: 3] الآية. وإنما نودي بذلك في حجة أبي بكر فلو لم تكن في ذي الحجة لما قال تعالى: {يوم الحج الأكبر} قاله ابن كثير. ونقل الحافظ ابن حجر أن يوسف بن عبد الملك زعم في كتابه تفضيل الأزمنة أن هذه المقالة صدرت من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في شهر مارس وهو آذار بالرومية وهو برمهات بالقبطية. (منها) أي من السنة (أربعة حرم: ثلاثة) ولابن عساكر ثلاث بحذف التاء لأن الشهر الذي هو واحد الأشهر بمعنى الليالي فاعتبر لذلك تأنيثه (متواليات) هي (ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر) عطف على ثلاث لا على والمحرم وأضافه إلى مضر لأنها كانت تحافظ على تحريمه أشد من محافظة سائر العرب ولم يكن يستحله أحد من العرب (الذي بين جمادى وشعبان) ذكره تأكيدًا وإزاحة للريب الحادث فيه من النسيء، وقيل: الأشبه أنه تأسيس وذلك أنهم كما مرّ كانوا يؤخرون الشهر من موضعه إلى شهر آخر فينتقل عن وقته الحقيقي، فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان لا رجب الذي هو عندكم وقد أنسأتموه". قيل: والحكمة في جعل المحرم أول السنة ليحصل الابتداء بشهر حرام والختم بشهر حرام والتوسط بشهر حرام وهو رجب وأما توالي شهرين في الآخر فلإرادة تعضيد الختام والأعمال بخواتيمها. وأما مطابقة الحديث للترجمة فقال العيني: تتأتى بالتعسف لأن الأحاديث المذكورة فيها التصريح بسبع أرضين وهنا المذكور لفظ الأرض فقط ولكن المراد منه سبع أرضين أيضًا اهـ. ولا تعسف، فقد سبق في هذا الحديث هنا أن رواية ابن عساكر والأرضين بالجمع قال الحافظ ابن كثير: ومراد البخاري بذكر هذا الحديث هنا تقرير معنى قوله تعالى: {الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن} [الطلاق: 12]. أي في العدد كما أن عدة الشهور الآن اثنا عشر شهرًا مطابقة لعدة الشهور عند الله في كتابه الأول فهذه مطابقة في الزمان كما أن تلك مطابقة في المكان. فائدة: السنة مشتملة على ثلاثمائة وأربعة وخمسين يومًا وسدس يوم كذا ذكره صاحب المهذّب من الشافعية في الطلاق قالوا: لأن شهرًا منها ثلاثون، وشهرًا تسع وعشرون إلا ذا الحجة فإنه تسع وعشرون يومًا وخمس يوم وسدس يوم، واستشكله بعضهم وقال: لا أدري ما وجه زيادة الخمس والسدس! وصحح بعضهم أن السنة الهلالية ثلاثمائة وخمسة وخمسون يومًا وبه جزم ابن دحية في كتاب التنوير وذلك مقدار قطع البروج الاثني عشر التي ذكرها الله تعالى في كتابه، وسمي العام عامًا لأن الشمس عامت فيه حتى قطعت جملة الفلك لأنها تقطع الفلك كله في السنة مرة وتقطع في كل شهر برجًا من البروج الاثني عشر. قال تعالى: {وكلٌّ في فلك يسبحون} [يس: 40]. وفرق بعضهم بين السنة والعام بأن العام من أول المحرم إلى آخر ذي الحجة والسنة من كل يوم إلى مثله من القابلة. نقله ابن الخباز في شرح اللمع له. وهذا

3 - باب في النجوم

الحديث يأتي بأتم من هذا في حجة الوداع آخر المغازي إن شاء الله تعالى وبالله المستعان. 3198 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَن سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: "أَنَّهُ خَاصَمَتْهُ أَرْوَى -فِي حَقٍّ زَعَمَتْ أَنَّهُ انْتَقَصَهُ لَهَا- إِلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أَنْتَقِصُ مِنْ حَقِّهَا شَيْئًا؟ أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ". قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لِي سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ: "دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر وابن عساكر حدّثنا (عبيد بن إسماعيل) بضم العين مصغرًا واسمه في الأصل عبد الله الهباريّ القرشيّ الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) بضم النون وفتح الفاء العدوي أحد العشرة المبشرة -رضي الله عنهم- (أنه خاصمته أروى) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الواو مقصورًا بنت أبي أوس بالسين المهملة (في حق زعمت أنه انتقصه لها) وكان أرضًا (إلى مروان) بن الحكم وكان يومئذ متولي المدينة (فقال سعيد: أنا أنتقص من حقها شيئًا أشهد لسمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا فإنه يطوّقه) بفتح الواو المشددة مبنيًا للمفعول أي يصير كالطوق في عنقه (يوم القيامة من سبع أرضين) فيعظم قدر عنقه حتى يسع ذلك كما جاء في غلظ جلد الكافر وعظم ضرسه وقد ترك سعيد الحق لأروى ودعا عليها فقال: اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واجعل قبرها في دارها فتقبل الله دعوته فعميت ومرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها. (قال ابن أبي الزناد) عبد الرحمن بن عبد الله (عن هشام عن أبيه) عروة (قال: قال لي سعيد بن زيد: دخلت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي هذا التعليق بيان لقاء عروة سعيدًا والتصريح بسماعه منه الحديث المذكور، ففي هذه الأحاديث إثبات سبع أرضين والمراد أن كل واحدة فوق الأخرى، وفي حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعًا: أن بين كل أرض والتي تليها خمسمائة عام. 3 - باب فِي النُّجُومِ هذا (باب) بالتنوين (في) ما جاء في (النجوم). وَقَالَ قَتَادَةُ: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك: 5] خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ لِثَلاَثٍ: جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلاَمَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا، فَمَنْ تَأَوَّلَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ أَخْطَأَ وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ وَتَكَلَّفَ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {هَشِيمًا} مُتَغَيِّرًا. وَالأَبُّ: مَا يَأْكُلُ الأَنْعَامُ. والأَنَامُ الْخَلْقُ. بَرْزَخٌ: حَاجِبٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {أَلْفَافًا}: مُلْتَفَّةً. وَالْغُلْبُ: الْمُلْتَفَّةُ: فِرَاشًا: مِهَادًا. كَقَوْلِهِ: {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ}، {نَكِدًا}: قَلِيلاً. (وقال قتادة): فيما وصله عبد بن حميد ({ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح}) [الملك: 5] (خلق هذه النجوم لثلاث جعلها زينة للسماء). تضيء بالليل إضاءة السرج (ورجومًا للشياطين) الضمير في قوله تعالى: ({وجعلناها}) يعود على جنس المصابيح لا على عينها لأنه لا يرمى بالكواكب التي في السماء بل بشهب من دونها وقد تكون مستمدّة منها (وعلامات يهتدى بها)، كما قال تعالى: ({وبالنجم هم يهتدون}) [النحل: 16]. (فمن تأول بغير ذلك) وللحموي والمستملي: فمن تأول فيها بغير ذلك أي من علم أحكام ما تدل عليه حركاتها ومقارناتها في سيرها وإن ذلك يدل على حوادث أرضية فقد (أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به). لأن أكثر ذلك حدس وظنون كاذبة ودعاوى باطلة وقد جرى المؤلّف على عادته في ذكر تفسير آيات استطرادًا للفائدة، فقال. (وقال): بالواو ولأبي ذر: قال (ابن عباس: {هشيمًا}) [الكهف: 45]. أي (متغيرًا) كما ذكره إسماعيل بن أبي زياد في تفسيره وقال أبو عبيدة: هشيمًا أي يابسًا متفتتًا (والأبّ ما يأكل الأنعام) أي ولا يأكله الناس (والأنام الخلق) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وسقطت الواو من والأنام لغير أبي ذر (برزخ) قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم (حاجب) بالموحدة في آخره ولابن عساكر وأبي ذر عن المستملي والكشميهني حاجز بالزاي بدل الموحدة. (وقال مجاهد): هو ابن جبر فيما وصله عبد بن حميد في قوله تعالى: ({وجنات}) ({ألفافًا}) [النبأ: 16] أي (ملتفة) أي بعضها على بعض (والغلب: الملتفة): يريد وحدائق غلبًا قاله مجاهد أيضًا: (فراشًا) في قوله تعالى: {جعل لكم الأرض فراشًا} [البقرة: 22] كما قال قتادة فيما وصله الطبري ({مهادًا} كقوله) تعالى: ({ولكم في الأرض مستقر}) [البقرة: 36] أي موضع قرار أو هو بمعنى المهاد. ({نكدًا}) [الأعراف: 58]. من قوله: والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا. قال السدي فيما أخرجه ابن أبي حاتم (قليلاً). 4 - باب صِفَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ {بِحُسْبَانٍ} قَالَ مُجَاهِدٌ: كَحُسْبَانِ الرَّحَى، وَقَالَ غَيْرُهُ: بِحِسَابٍ وَمَنَازِلَ لاَ يَعْدُوَانِهَا. حُسْبَانٌ: جَمَاعَةُ الحِسَابٍ، مِثْلُ شِهَابٍ وَشُهْبَانٍ. ضُحَاهَا: ضَوْؤُهَا. أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ: لاَ يَسْتُرُ ضَوْءُ أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الآخَرِ، وَلاَ يَنْبَغِي لَهُمَا ذَلِكَ. سَابِقُ النَّهَارِ: يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَينِ. نَسْلَخُ: نُخْرِجُ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، وَنُجْرِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: وَاهِيَةٌ: وَهْيُهَا تَشَقُّقُهَا. أَرْجَائِهَا: مَا لَمْ يَنْشَقَّ مِنْهَا، فَهوَ عَلَى حَافَتَيْها كَقَوْلِكَ: عَلَى أَرْجَاءِ الْبِئْرِ. أَغْطَشَ وَجَنَّ: أَظْلَمَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كُوِّرَتْ تُكَوَّرُ حَتَّى يَذْهَبَ ضَوْؤُهَا. وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ: أَي جَمَعَ مِنْ دَابَّةٍ. اتَّسَقَ: اسْتَوَى. بُرُوجًا: مَنَازِلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. فالْحَرُورُ بِالنَّهَارِ مَعَ الشَّمْسِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَرُؤْبَةُ: الْحَرُورُ بِاللَّيْلِ، وَالسَّمُومُ بِالنَّهَارِ. يُقَالُ: يُولِجُ يُكَوِّرُ وَلِيجَةً، كُلُّ شَىْءٍ أَدْخَلْتُهُ فِي شَىْءٍ. (باب) تفسير (صفة الشمس والقمر {بحسبان}) [الرحمن: 5]. (قال مجاهد): فيما وصله الفريابي في تفسيره من طريق ابن أبي نجيح عنه (كحسبان الرحى) أي يجريان على حسب الحركة المرحوية ووضعها. (وقال غيره): مما وصله عبد بن حميد من طريق أبي مالك الغفاري (بحساب ومنازل لا يعدوانها). أي لا يجاوزان المنازل

(حسبان: جماعة الحساب) بالتعريف لأبوي ذر والوقت (مثل شهاب وشهبان). وهذا قول أبي عبيدة في المجاز والمعنى يجريان متعاقبين بحساب معلوم مقدر في بروجهما ومنازلهما وتتسق أمور الكائنات السفلية وتختلف الفصول والأوقات وتعلم السنون والحساب. (ضحاها) في قوله: {والشمس وضحاها} [الشمس: 1]. قال مجاهد فيما وصله عبد بن حميد (ضؤوها) أي: إذا أشرقت (أن تدرك القمر)، يريد {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر} [يس: 40]. قال مجاهد فيما وصله الفريابي في تفسيره (لا يستر ضوء أحدهما ضوء الآخر، ولا ينبغي لهما) أي لا يصح لهما (ذلك). وقال عكرمة، لكل منهما سلطان فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل ولا يستقيم لوقوع التدبير على المعاقبة، وما ألطف قول ابن الجوزي وقد وصف منافع أثر الشمس في العالم على سبيل التذكير والتعريف بصنع الله الحكيم اللطيف حيث قال: تبرز الشمس بالنهار في حلة الشعاع لانتفاع البصر فإذا ذهب النهار نشرت رداءها المعصفر ونزلت عن الأشهب فركبت الأصفر فهي تستر بالليل لسكون الخلق وتظهر بالنهار لمعايشهم، فتارة تبعد ليرطب الجوّ وينعقد الغيم ويبرد الهواء ويبرز النبات، وتارة تقرب ليجف الحب وينضج الثمر. وقوله: (سابق النهار) يريد قوله تعالى: {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يس: 40]. قال مجاهد فيما وصله الفريابي أيضًا (يتطالبان حثيثان) أي سريعان ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر حثيثين بالنصب بالياء أي فلا تسبق آية الليل آية النهار وهما النيران (نسلخ): أي (نخرج أحدهما من الآخر)، قال ابن كثير: والمعنى في هذا أنه لا فترة بين الليل والنهار بل كل منهما يعقب الآخر بلا مهلة ولا تراخ لأنهما مسخران دائبين يتطالبان طلبًا حثيثًا. وقال في الانتصاف: يؤخذ من قوله تعالى: {ولا الليل سابق النهار} أن النهار تابع لليل إذ جعل الشمس التي هي آية النهار غير مدركة للقمر الذي هو آية الليل فنفى الإدراك الذي يمكن أن يقع وهو يستدعي تقدم القمر وتبعية الشمس، فإنه لا يقال أدرك السابق اللاحق لكن يقال: أدرك اللاحق السابق، فالليل إذًا متبوع والنهار تابع. فإن قيل: فالآية مصرحة بأن الليل لا يسبق النهار. فجوابه: أنه مشترك الإلزام إذ الأقسام المحتملة ثلاثة إما تبعية النهار لليل كمذهب الفقهاء أو عكسه وهو منقول عن طائفة من النحاة واجتماعهما، فهذا القسم الثالث منفي بالاتفاق فلم يبق إلا تبعية النهار لليل وعكسه والسؤال وارد عليهما لا سيما من قال: إن النهار سابق الليل يلزم من طريق البلاغة أن يقول ولا الليل يدرك النهار فإن المتأخر إذا نفي إدراكه كان أبلغ من نفي سبقيته مع أنه ناء عن قوله: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر} [يس: 40]. نأيًا ظاهرًا فالتحقيق أن المنفي السبقية الموجبة لتراخي النهار عن الليل وتخلل زمن آخر بينهما فيثبت التعاقب، وحينئذ يكون القول بسبق الليل مخالفًا لصدر الآية. فإن عدم الإدراك الدال على التأخر والتبعية وبين السبق بونًا بعيدًا ولو كان تابعًا متأخرًا لكان حريًّا أن يوصف بعدم الإدراك ولا يبلغ به عدم السبق فتقدم الليل على النهار مطابق لصدر الآية صريحًا ولعجزها بتأويل حسن اهـ. ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ينسلخ يخرج بلفظ المضارع فيهما ويخرج بالتحتية المفتوحة وضم الراء. (ويجري) بضم أوله وكسر ثالثه (كل واحد منهما). أي من الليل والنهار في فلك، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ويجري كل منهما بفتح أول يجري وكسر رائه وكل بالرفع منوّنًا. (واهية): يشير إلى قوله تعالى: {فهي يومئذ واهية} [الحاقة: 16]. قال الفراء (وهيها) بسكون الهاء (تشققها). وقوله والملك على (أرجائها) أي (ما لم ينشق منها، فهي) أي الملائكة (على حافتيه) بالتثنية ولأبي ذر فهو أي الملك ولابن عساكر فهم جمع باعتبار الجنس وللكشميهني على حافتيها أي السماء وعن سعيد بن جبير على حافات الدنيا (كقولك: على أرجاء البئر) والأرجاء جمع رجا بالقصر، وقوله تعالى: ({اغطش}) [النازعات: 29]. ليلها ({و}) قوله: ({فلما} {جنَّ}) [الأنعام: 76] عليه الليل أي (أظلم)، فيهما

ونقل تفسير الأول به عن قتادة فيما أخرجه عبد بن حميد والثاني عن أبي عبيدة. (وقال الحسن) البصري فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: {إذا الشمس} ({كورت}) [التكوير: 1] (تكوّر) بفتح الواو المشددة (حتى يذهب ضؤوها) وأخرج الطبري عن ابن عباس {كورت} أي أظلمت. وعن مجاهد اضمحلت. والتكوير في الأصل الجمع وحينئذ فالمراد أنها تلف ويرمى بها فيذهب ضوءها قاله ابن كثير في تفسيره. ({والليل وما وسق}) [الانشقاق: 17]. ولابن عساكر يقال: وسق أي (جمع من دابة) وزاد قتادة ونجم وقال عكرمة ما ساق من ظلمة. (اتسق) يريد قوله تعالى: {والقمر إذا اتسق} [الانشقاق: 18] أي (استوى) وقوله تعالى: {جعل في السماء} {بروجًا} [الفرقان: 61]. أي (منازل الشمس والقمر) وهي اثنا عشر، وقيل هي قصور في السماء للحرس، وقيل هي الكواكب العظام. ({الحرور}) ولأبي ذر فالحرور بالفاء يريد قوله تعالى: {ولا الظل ولا الحرور} [فاطر: 21]. فسره بأنه يكون (بالنهار مع الشمس). قاله أبو عبيدة. (وقال ابن عباس الحرور): ولأبي ذر وابن عساكر وقال ابن عباس ورؤبة بضم الراء وسكون الهمزة وفتح الموحدة ابن العجاج: الحرور (بالليل، والسموم بالنهار) وتفسير رؤبة ذكره أبو عبيدة عنه في المجاز (يقال: يولج) أي (يكوّر) بالراء أي يلف النهار في الليل (وليجة)، يريد قوله تعالى: {ولا المؤمنين وليجة} [التوبة: 16]. وفسره بقوله (كل شيء أدخلته في شيء) هو قول أبي عبيدة وزاد بعد قوله في شيء ليس منه فهو وليجة والمعنى لا تتخذوا وليًّا ليس من المسلمين. 3199 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: أتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنَ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلاَ يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلاَ يُؤْذَنَ لَهَا، فيُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38] ". [الحديث 3199 - أطرافه في: 4802، 4803، 7424، 7433]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) قال: (حدّثنا سفيان بن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم التيمي عن أبيه) يزيد من الزيادة ابن شريك بن طارق التيمي الكوفي (عن أبي ذر) جندب بن جنادة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي ذر حين غربت الشمس): (تدري) بحذف همزة الاستفهام والغرض منه إعلامه بذلك، ولأبي ذر: أتدري (أين تذهب) زاد في التوحيد: هذه (قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش) منقادة لله تعالى انقياد الساجد من المكلفين أو تشبيهًا لها بالساجد عند غروبها. قال ابن الجوزي: ربما أشكل هذا الحديث على بعض الناس من حيث إنّا نراها تغيب في الأرض، وفي القرآن العظيم أنها تغيب في عين حمئة أي ذات حمأة أي طين فأين هي من العرش؟ والجواب: أن الأرضين السبع في ضرب المثال كقطب رحى والعرش لعظم ذاته بمثابة الرحى فأينما سجدت الشمس سجدت تحت العرش وذلك مستقرها. وقال ابن العربي: أنكر قوم سجودها وهو صحيح ممكن لا يحيله العقل وتأوّله قوم على التسخير الدائم ولا مانع أن تخرج عن مجراها فتسجد ثم ترجع اهـ. وتعقبه في الفتح: بأنه إن أراد بالخروج الوقوف فواضح وإلاّ فلا دليل على الخروج. قال ابن كثير: وقد حكى ابن حزم وابن المناوي وغير واحد من العلماء الإجماع على أن السماوات كرية مستديرة، واستدلّ لذلك بقوله: {في فلك يسبحون} [يس: 40] قال الحسن، يدورون. وقال ابن عباس: في فلكة مثل فلكة المغزل، ولا تعارض بين هذا وبين الحديث وليس فيه أن الشمس تصعد إلى فوق السماوات حتى تسجد تحت العرش بل هي تغرب عن أعيننا وهي مستمرة في فلكها الذي هي فيه وهو الرابع فيما قاله غير واحد من علماء التسيير وليس في الشرع ما ينفيه، بل في الحس وهو الكسوفات ما يدل عليه ويقتضيه. فإذا ذهبت فيه حتى تتوسطه وهو وقت نصب الليل مثلاً في اعتدال الزمان فإنها تكون أبعد ما تكون تحت العرش لأنها تغيب من جهة وجه العالم، وهذا محل سجودها كما يناسبها كما أنها أقرب ما تكون من العرش وقت الزوال من جهتنا فإذا كانت في محل سجودها (فتستأذن) عطف على المنصوب السابق بحتى في الطلوع من المشرق على عادتها (فيؤذن لها)، فتبدو من جهة المشرق وهي مع ذلك كارهة لعصاة بني آدم أن تطلع عليهم وهو يدل على أنها تعقل كسجودها (ويوشك) بكسر المعجمة أي يقرب (أن تسجد فلا يقبل منها)، أي لا يؤذن لها أن تسجد (وتستأذن) في المسير إلى مطلعها (فلا يؤذن لها، يقال) ولأبي ذر عن

الكشميهني فيقال (لها: ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك) أي قوله فإنها تذهب الخ ... (قوله تعالى: {والشمس تجري لمستقر لها}) [يس: 38] لحد معين ينتهي إليه دورها فشبه بمستقر المسافر إذا قطع مسيره أو لكبد السماء فإن حركتها فيه يوجد فيها ابطاء يظن أن لها هناك وقفة. وقال ابن عباس: لا تبلغ مستقرها حتى ترجع إلى منازلها وقيل إلى انتهاء أمرها عند خراب العالم، وقيل لحدّ لها من مسيرها كل يوم في مرأى عيوننا وهو المغرب، وقيل منتهى أمرها لكل يوم من المشارق والمغارب فإن لها في دورها ثلاثمائة وستين مشرقًا ومغربًا تطلع كل يوم من مطلع وتغرب من مغرب ثم لا تعود إليهما إلى العام القابل ({ذلك}) الجري على هذا التقدير والحساب الدقيق الذي يكل الفطن عن إحصائه ({تقدير العزيز}) الغالب بقدرته على كل مقدور ({العليم}) [يس: 38] المحيط علمه بكل معلوم، وظاهر هذا أنها تجري في كل يوم وليلة بنفسها كقوله تعالى في الآية الأخرى: {وكُل في فلك يسبحون} [يس: 40] أي يدورون وهو مغاير لقول أصحاب الهيئة أن الشمس مرصعة في الفلك إذ مقتضاه أن الذي يسير هو الفلك وهذا منهم على طريق الحدس والتخمين فلا عبرة به. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير والتوحيد ومسلم في الإيمان وأبو داود في الحروب والترمذي في الفتن والتفسير والنسائي في التفسير. 3200 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ الدَّانَاجُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد العزيز بن المختار) قال: (حدّثنا عبد الله) بن فيروز (الداناج) بدال مهملة وبعد الألف نون مخففة فألف فجيم معرب داناه ومعناه بالفارسية العالم وهو تابعي صغير بصري (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): أنه (قال): (الشمس والقمر مكوّران) بتشديد الواو المفتوحة مطويان ذاهبا الضوء. وزاد البزار وابن أبي شيبة في مصنفه والإسماعيلي في مستخرجه في النار (يوم القيامة). لأنهما عبدا من دون الله وليس المراد من تكويرهما فيها تعذيبهما بذلك لكنه زيادة تبكيت لمن كان يعبدهما في الدنيا ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلة. 3201 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ كَانَ يُخْبِرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) بن يحيى أبو سعيد الجعفي الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن الحرث المصري (أن عبد الرحمن بن القاسم حدّثه عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يخبر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن الشمس والقمر لا يخسفان) بفتح أوله على أنه لازم وسكون الخاء المعجمة وكسر السين المهملة ويجوز ضم أوله على أنه متعدّ أي لا يذهب الله نورهما (لموت أحد) من العظماء (ولا لحياته)، لم يقل أحد أن الكسوف لحياة أحد فذكر ذلك إنما هو تتميم للتقسيم أو لدفع توهم من يقول لا يلزم من نفي كونه سببًا للفقد أن لا يكون سببًا للإيجاد فعم عليه الصلاة والسلام النفي لدفع هذا التوهم، وهذا القول صدر منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما مات ابنه إبراهيم وقال الناس: إنما كسفت لموته إبطالاً لما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من تأثيرهما (ولكنهما) أي خسوفهما (آيتان) ولأبي ذر آية بالإفراد (من آيات الله)، الدالة على وحدانيته وعظيم قدرته (فإذا رأيتموهما) بالتثنية أي كسوف كل واحد منهما على انفراده ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فإذا رأيتموه أي الكسوف (فصلّوا). أي صلاة الكسوف. وحكمة الكسوف أن الله تعالى لما أجرى في سابق علمه أن الكواكب تعبد من دونه وخاصة النيرين قضى عليهما بالخسوف والكسوف وجعلهما لها بمنزلة الحتوف وصير ذلك دلالة على أنهما مع إشراق نورهما وما يظهر من حسن آثارهما مأموران مقهوران في مصالح العباد مسيران، وفي يوم القيامة مكوّران، فعبدة الشمس زعمت أنها ملك من الملائكة له نفس وعقل ومنها نور الكواكب وضياء العالم وهي ملك الفلك، فلذا يستحق التعظيم والسجود. ومن سنتهم إذا

نظروا إلى الشمس قد أشرقت سجدوا لها وقالوا: ما أحسنك من نور لا تقدر الأبصار أن تمتدّ بالنظر إليك فلك المجد والتسبيح وإياك نطلب وإليك نسعى لندرك السكنى بقربك إلى غير ذلك مما نقل عنهم من الخرافات. فسبحان من حجبهم عن رؤية الحقائق وحاد بهم عن متون الطرائق، فجهلوا أن صفات المخلوق تباين صفات الخالق، وأن العبادة لا يستحقها إلا من هو للحب والنوى فالق. وأما مطابقة الحديث للترجمة فمن حيث إن الكسوف والخسوف العارضين لهما من صفاتهما وقد مرّ هذا الحديث في أبواب كسوف الشمس من كتاب الصلاة. 3202 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس) هو إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله المدني وسقط ابن أبي أويس لأبي ذر قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) العدوي (عن عطاء بن يسار) بالسين المهملة المخففة (عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم مات ابنه إبراهيم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله)، علامتان يخوّف بهما عباده (لا يخسفان) بالخاء المعجمة مع فتح أوله (لموت أحد ولا لحياته)، لأنهما خلقان مسخران ليس لهما سلطان في غيرهما ولا قدرة لهما على الدفع عن أنفسهما (فإذا رأيتم ذلك) الخسوف (فاذكروا الله). وفي حديث أبي بكرة عند المؤلّف في باب: الصلاة في كسوف الشمس فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم. 3203 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ قَامَ فَكَبَّرَ وَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَقَامَ كَمَا هُوَ فَقَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً وَهْيَ أَدْنَى مِنَ الْقِرَاءَةِ الأُولَى، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلاً وَهْيَ أَدْنَى مِنَ الرَّكْعَةِ الأُولَى، ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلاً، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَلَّمَ وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ، فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ: إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلاَةِ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير بضم الموحدة وفتح الكاف مصغرًا قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي بفتح الهمزة وسكون التحتية (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (أن عائشة رضي الله عنها أخبرته أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم خسفت الشمس) بفتح الخاء المعجمة والسين والفاء (قام) في المسجد لا الصحراء لخوف الفوات بالانجلاء (فكبّر) تكبيرة الإحرام بعد أن صف الناس وراءه (وقرأ قراءة طويلة) نحوًا من سورة البقرة (ثم ركع ركوعًا طويلاً) مسبحًا فيه قدر مائة آية من البقرة (ثم رفع رأسه) من الركوع (فقال سمع الله لمن حمده وقام كما هو) لم يسجد (فقرأ قراءة طويلة) في قيامه (وهي أدنى من القراءة الأولى) نحوًا من سورة آل عمران (ثم ركع ركوعًا طويلاً وهي) أي هذه الركعة (أدنى من الركعة الأولى) مسبحًا فيه قدر ثمانين آية. وفي الفرع تضبيب على قوله وهي وبأعلاه رقم أبي ذر وابن عساكر مصححًا عليهما، (ثم سجد سجودًا طويلاً) مسبحًا فيه قدر مائة آية (ثم فعل في الركعة الآخرة) بمد الهمزة من غير ياء بعد الخاء (مثل ذلك) الذي فعله في الركعة الأولى، لكن القراءة في أولها كالنساء وفي ثانيها المائدة (ثم سلم. وقد تجلت الشمس) بمثناة فوقية وفتح الجيم وتشديد اللام أي صفت. (فخطب الناس فقال) في الخطبة (في كسوف الشمس والقمر): (إنهما آيتان من آيات الله لا يخسفان) بفتح أوله وكسر ثالثه (لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما) بالتثنية أي كسوف الشمس والقمر، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: رأيتموها بالإفراد أي الكسفة (فافزعوا) بفتح الزاي أي التجئوا وتوجهوا (إلى الصلاة) المعهودة السابق فعلها منه عليه الصلاة والسلام. 3204 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي البجلي مولاهم الكوفي أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (قيس) هو ابن أبي حازم واسمه عوف الأحمسي البجلي (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو البدري (-رضي الله عنه-) قال في الفتح: ووقع في بعض النسخ عن ابن مسعود بالموحدة والنون وهو تصحيف (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الشمس والقمر لا ينكسفان) بكاف مفتوحة وكسر السين مع فتح أوله (لموت أحد ولا لحياته) سقط قوله ولا لحياته من رواية أبي ذر (ولكنهما آيتان من آيات الله، فإذا رأيتموهما)

5 - باب ما جاء في قوله: {وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته} [الأعراف: 57]

بالتثنية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي رأيتموها بالإفراد أي الكسفة (فصلّوا). ركعتين في كل ركعة ركوعان أو ركعتين كسنة الظهر. 5 - باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57] قَاصِفًا: تَقْصِفُ كُلَّ شَىْءٍ. لَوَاقِحَ: مَلاَقِحَ مُلْقِحَةً. إِعْصَارٌ: رِيحٌ عَاصِفٌ تَهُبُّ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ كَعَمُودٍ فِيهِ نَارٌ. صِرٌّ: بَرْدٌ: نُشُرًا. مُتَفَرِّقَةً. (باب ما جاء في قوله) تعالى: ({وهو الذي يرسل الرياح بشرًا}) (¬1) جمع نشور بمعنى ناشر ({بين يدي رحمته}) [الأعراف: 57] قدّام رحمته يعني المطر فإن الصبا تثير السحاب والشمال تجمعه والجنوب تدرّه والدبور تفرقه. (قاصفًا): يريد قوله تعالى: {فيرسل عليكم قاصفًا من الريح} [الإسراء: 69] قال أبو عبيدة هي التي (تقصف كل شيء) تأتي عليه. وقوله تعالى: {وأرسلنا الرياح} [الحجر: 22] ({لواقح}) قال أبو عبيدة (ملاقح) واحدتها (ملقحة) ثم حذفت منه الزوائد وأنكره غيره، وقال هو بعيد جدًّا لأن حذف الزوائد في مثل هذا بابه الشعر. قال: ولكنه لواقح جمع لاقحة بلا خلاف على النسب أي ذات اللقاح، وقال ابن السكيت: اللواقح الحوامل. وقوله تعالى: {فأصابها إعصار} [البقرة: 266] قال أبو عبيدة (ريح عاصف تهب من الأرض إلى السماء كعمود فيه نار). وقوله تعالى: {ريح فيها صرّ}: قال أبو عبيدة (برد) شديد. وقوله: ({نشرًا}) أي (متفرقة). 3205 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد أبو بسطام الواسطي ثم البصري (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة مصغرًا الكندي الكوفي (عن مجاهد) هو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة المخزومي مولاهم المكي الإمام في التفسير (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (نصرت) أي يوم الأحزاب وكانوا زهاء اثني عشر ألفًا حين حاصروا المدينة (بالصبا)، بفتح الصاد مقصورًا الريح التي تجيء من ظهرك إذا استقبلت القبلة (وأهلكت) بضم الهمزة وكسر اللام (عاد) قوم هود (بالدبور). بفتح الدال التي تجيء من قبل وجهك إذا استقبلت القبلة، وقد قيل: إن الريح تنقسم إلى قسمين: رحمة وعذاب ثم إن كل قسم ينقسم أربعة أقسام، ولكل قسم اسم فأسماء أقسام الرحمة: المبشراث والنشر والمرسلات والرخاء. وأسماء قسم العذاب: العاصف والقاصف وهما في البحر، والعقيم والصرصر وهما في البر، وقد جاء القرآن بكل هذه الأسماء. وقد روى البيهقي في سننه الكبرى مرفوعًا: الريح من روح الله تعالى تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب فلا تسبوها واسألوا الله خيرها واستعيذوا به من شرها، وقد نزل الأطباء كل ريح على طبيعة من الطبائع الأربع: فطبع الصبا الحرارة واليبس ويسميها أهل مصر الريح الشرقية لأن مهبها من الشرق وتسمى قبولاً لاستقبالها وجه الكعبة، وطبع الدبور البرد والرطوبة ويسميها أهل مصر الغربية لأن مهبها من المغرب وهي تأتي من دبر الكعبة، وطبع الشمال البرد واليبس وتسمى البحرية لأنها يسار بها في البحر على كل حال وقلما تهب ليلاً، وطبع الجنوب الحرارة والرطوبة وتسمى القبلية والنعاما لأن مهبها من قبل القطب وهي عن يمين مستقبل المشرق ويسميها أهل مصر المريسية وهي من عيوب مصر المعدودة، فإنها إذا هبت عليهم سبع ليال استعدوا للأكفان، وقد جعل الله تعالى بلطيف قدرته الهواء عنصرًا لأبداننا وأرواحنا فيصل إلى أبداننا بالتنفس فينمي الروح الحيواني ويزيد في النفساني، فما دام معتدلاً صافيًا لا يخالطه جوهر غريب فهو يحفظ الصحة ويقويها وينعش النفس ويحييها، ومن خاصيته أن الله تعالى جعله واسطة بين الحواس ومحسوساتها فلا ترى العين شيئًا ما لم يكن بينه وبينها هواء وكذلك لا تسمع الأذن ولا يصدق الذوق ولو أن الإنسان فقد الهواء ساعة لمات. وقال كعب الأحبار: لو أن الله تعالى حبس الهواء عن الناس لأنتن ما بين السماء والأرض، ولقد أحسن بعض الشعراء حيث قال: إذا خلا الجوّ من هواء ... فعيشهم غمة وبوس فهو حياة لكل حيّ ... كأن أنفاسه نفوس وقد سبقت زيادة لهذا في باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نصرت بالصبا). 3206 - حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَأَى مَخِيلَةً فِي السَّمَاءِ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَدَخَلَ وَخَرَجَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَإِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَّفَتْهُ عَائِشَةُ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَمَا أَدْرِي لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ قَوْمٌ عَادَ {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} [الأحقاف: 24] الآيَةَ". [الحديث 3206 - طرفه في: 4829]. وبه قال: (حدّثنا مكي ¬

(¬1) الأعراف: 57.

6 - باب ذكر الملائكة وقال أنس: قال عبد الله بن سلام للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إن جبريل - عليه السلام - عدو اليهود من الملائكة قال ابن عباس: {لنحن الصافون} الملائكة

بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد الحنظلي البلخي قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا رأى مخيلة في السماء) بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة وبعد التحتية الساكنة لام مفتوحة أي سحابة يخال فيها المطر (أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغيّر وجهه) خوفًا أن يحصل من تلك السحابة ما فيه ضرر بالناس، (فإذا أمطرت السماء سُري) بضم السين مبنيًّا للمجهول أي كشف (عنه) الخوف وأزيل (فعرفته) بتشديد الراء وسكون الفوقية من التعريف أي عرفت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عائشة ذلك) الذي عرض له (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما) ولأبي ذر: وما (أدري لعله كما قال قوم) هم عاد ({فلما رأوه عارضًا}) [الأحقاف: 24] سحابًا عرض في أفق السماء ({مستقبل أوديتهم}) متوجه أوديتهم (الآية). وهذا الحديث أخرجه الترمذي في التفسير وكذا النسائي. 6 - باب ذِكْرِ الْمَلاَئِكَةِ وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَنَحْنُ الصَّافُّونَ} الْمَلاَئِكَةُ (باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم) الملائكة: جمع ملأك على الأصل كالشمائل جمع شمأل والتاء لتأنيث الجمع وتركت الهمزة في المفرد للاستثقال وهو مقلوب مألك من الألوكة وهي الرسالة لأنهم وسائط بين الله وبين الناس فهم رسل الله أو كالرسل إليهم، واختلف العقلاء في حقيقتهم بعد اتفاقهم على أنهم ذوات موجودة قائمة بأنفسها فذهب أكثر المسلمين إلى أنهم أجسام لطيفة قادرة على التشكل بأشكال مختلفة مستدلين بأن الرسل كانوا يرونهم كذلك، وقالت طائفة من النصارى: هي النفوس الفاضلة البشرية المفارقة للأبدان، وزعم الحكماء أنها جواهر مجردة مخالفة للنفوس الناطقة في الحقيقة منقسمة إلى قسمين: قسم شأنهم الاستغراق في معرفة الحق والتنزه عن الاشتغال بغيره كما وصفهم في محكم التنزيل فقال: {يسبحون الليل والنهار لا يفترون} [الأنبياء: 20] وهم العليون والملائكة المقربون. وقسم يدبر الأمر من السماء إلى الأرض على ما سبق به القضاء وجرى به القلم الإلهي لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وهم المدبرات أمرًا فمنهم سماوية ومنهم أرضية، فهم بالنسبة إلى ما هيأهم الله له أقسام: فمنهم حملة العرش، ومنهم كروبيون الذين هم حول العرش وهم أشراف الملائكة مع حملة العرش وهم الملائكة المقربون، ومنهم جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقد ذكر الله تعالى أنهم يستغفرون بظهر الغيب، ومنهم سكان السماوات السبع يعمرونها عبادة لا يفترون فمنهم الراكع دائمًا والقائم دائمًا والساجد دائمًا، ومنهم الذين يتعاقبون زمرة بعد زمرة إلى البيت المعمور كل يوم سبعون ألفًا يعودون إليه، ومنهم الموكلون بالجنان وإعداد الكرامة لأهلها وتهيئة الضيافة لساكنيها من ملابس ومساكن ومآكل ومشارب وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ومنهم الموكلون بالنار وهم الزبانية ومقدموهم تسعة عشر وخازنها مالك وهو مقدم على جميع الخزنة، ومنهم الموكلون بحفظ بني آدم فإذا جاء قدر الله خلوا عنه، ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد لا يفارقون الإنسان إلا عند الجنابة والغائط والغسل. وقد روى الطبراني من حديث ابن عباس أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لجبريل عليه السلام: "على أي شيء أنت"؟ قال: على الريح والجنود. قال: "وعلى أي شيء ميكائيل"؟ قال: على النبات والقطر. وفي حديث أنس عند الطبراني مرفوعًا: "إن ميكائيل ما ضحك منذ خلقت النار". وورد أن له أعوانًا يفعلون ما يأمرهم به فيصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الله تعالى. وروينا أنه ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يقرّها في الأرض، واتفق على عصمة الرسل منهم كعصمة رسل البشر وأنهم معهم كهم مع أممهم في التبليغ وغيره واختلف في غير الرسل منهم، فذهب بعضهم إلى القول بعدم عصمتهم لقصة هاروت وماروت وما روي عنهما من شرب الخمر والزنا والقتل مما رواه أحمد مرفوعًا وصححه ابن حبان، ومفهوم آية {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا

إبليس أبى} [البقرة: 34] الآية. إذ مفهومها أن إبليس كان منهم وإلا لم يتناوله أمرهم ولم يصح استثناؤه منهم قال في الأنوار: ولا يرد على ذلك قوله تعالى: {إلا إبليس كان من الجن} [الكهف: 50] لجواز أن يقال كان من الجن فعلاً ومن الملائكة نوعًا، ولأن ابن عباس روى أن من الملائكة ضربًا يتوالدون يقال لهم الجن ومنهم إبليس، وحاصله أن من الملائكة من ليس بمعصوم وإن كان الغالب فيهم العصمة، كما أن من الإنس معصومين وإن كان الغالب فيهم عدمها، ولعل ضربًا من الملائكة لا يخالف الشياطين بالذات وإنما يخالفهم بالعوارض والصفات كالبررة والفسقة من الإنس والجن والذي عليه المحققون عصمة الملائكة مطلقًا. وأجابوا: بأن إبليس كان جنيًّا نشأ بين أظهر الملائكة وكان مغمورًا بالألوف منهم فغلبوا عليه، أو أن الجن كانوا مأمورين مع الملائكة، لكن استغنى بذكر الملائكة عن ذكرهم فإنه إذا علم أن الأكابر مأمورون بالتذلل لأحد والتوسل به علم أن الأصاغر أيضًا مأمورون به. وأما قصة هاروت وماروت فرواها الإمام أحمد وابن حبان. ولفظ أحمد: حدّثنا يحيى بن أبي بكر، حدّثنا زهير بن محمد، عن موسى بن جبير، عن نافع، عن ابن عمر أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إن آدم لما أهبط إلى الأرض قالت الملائكة أي رب {أتجعل فيها من يفسد فيها} [البقرة: 30] الآية. قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم. قال الله تعالى للملائكة: هلموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض ومثلت لهما الزهرة امرأة من أحسن البشر فجاءتهما فسألاها نفسها. فقالت: لا والله حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك، فقالا: والله لا نشرك بالله أبدًا فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها. فقالت: لا والله حتى تقتلا هذا الصبي، فقالا: والله لا نقتله أبدًا. فذهبت ثم رجعت بقدح خمر فسألاها نفسها. فقالت: لا والله حتى تشربا هذا الخمر فشربا فسكرا فوقعا عليها وقتلا الصبي، فلما أفاقا قالت المرأة: والله ما تركتما شيئًا ابيتماه عليّ إلا قد فعلتماه حين سكرتما فخيّرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا. وهذا حديث غريب من هذا الوجه ورجاله كلهم من رجال الصحيحين إلا موسى بن جبير هذا وهو الأنصاري السلمي الحذاء. وذكره ابن حبان في كتاب الجرح والتعديل ولم يحك فيه شيئًا فهو مستور الحال، وقد تفرد به عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وروي له متابع من وجه آخر عند ابن مردويه عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكن رواه عبد الرزاق في تفسيره عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر عن كعب قال: ذكرت الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون به من الذنوب فقيل لهم: اختاروا منكم اثنين فاختاروا هاروت وماروت الحديث. ورواه ابن جرير من طريقين عن عبد الرزاق به عن كعب الأحبار قال الحافظ ابن كثير: فهذا أصح وأثبت إلى عبد الله بن عمر، وسالم أثبت في أبيه من مولاه نافع فدار الحديث ورجع إلى نقل كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل وقيل: إنهما كانا قبيلين من الجن قاله ابن حزم وهذا غريب وبعيد عن اللفظ، وعند ابن الجوزي في زاد المسير أنهما هَمّا بالمعصية ولم يفعلاها، ومنهم من قرأ الملكين بكسر اللام وقال إنهما علجان من أهل فارس قاله الضحاك. وروى الحاكم في مستدركه وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه عن ابن عباس وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما وقع الناس من بعد آدم عليه السلام فيما وقعوا فيه من المعاصي الحديث وفيه قال: وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في النساء كحسن الزهرة في سائر الكواكب وهذا اللفظ أحسن ما ورد في شأن الزهرة. (وقال أنس) فيما وصله المؤلّف في الهجرة (قال عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن جبريل عليه السلام عدوّ اليهود من الملائكة) روي أنه إنما كان عدوًّا لهم لأنه كان يطلع الرسول عليه السلام على أسرارهم وأنه صاحب كل خسف وعذاب. (وقال ابن عباس) فيما وصله الطبراني (لنحن الصافون) أي (الملائكة). 3207 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَهِشَامٌ قَالاَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ -وَذَكَرَ يعنِي رَجُلاً بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ- فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُلأن حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ الْبَطْنِ، ثُمَّ غُسِلَ الْبَطْنُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا. وَأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ الْبُرَاقُ، فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ، حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ؛ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنِ ابْنٍ وَنَبِيٍّ. فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قِيلَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْتُ عَلَى عِيسَى وَيَحْيَى، فَقَالاَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ. فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْتُ يُوسُفَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ. فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، قِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْتُ عَلَى إِدْرِيسَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَبًا بك مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ. فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قيلَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْنَا عَلَى هَارُونَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ. فَأَتَيْنَا عَلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ جِبْرِيلُ: قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قيلَ: مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ. فَلَمَّا جَاوَزْتُ بَكَى، فَقِيلَ: مَا أَبْكَاكَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ، هَذَا الْغُلاَمُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي. فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنِ ابْنٍ وَنَبِيٍّ، فَرُفِعَ لِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ. وَرُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا كَأَنَّهُ قِلاَلُ هَجَرٍ، وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الْفُيُولِ، فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ. فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَفِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ. ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَىَّ خَمْسُونَ صَلاَةً، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جِئْتُ مُوسَى فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: فُرِضَتْ عَلَىَّ خَمْسُونَ صَلاَةً. قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِالنَّاسِ مِنْكَ، عَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، وَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ. فَرَجَعْتُ فَسَأَلْتُهُ، فَجَعَلَهَا أَرْبَعِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ ثُمَّ ثَلاَثِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عِشْرِينَ، ثُمَّ مِثْلَهُ فَجَعَلَ عَشْرًا، فَأَتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ فَجَعَلَهَا خَمْسًا: فَأَتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا خَمْسًا. فَقَالَ مِثْلَهُ: قُلْتُ: فَسَلَّمْتُ. فَنُودِيَ: إِنِّي قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي. وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي، وَأَجْزِي الْحَسَنَةَ عَشْرًا". وَقَالَ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فِي الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ». [الحديث 3207 - أطرافه في: 3393، 3430، 3887]. وبه قال:

(حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون المهملة وفتح الموحدة القيسي البصري ويقال له هداب قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى بن دينار العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالذال المعجمة (عن قتادة) بن دعامة (وقال لي خليفة) أي ابن خياط العصفري مذاكرة ولفظ المتن الخليفة، وفي نسخة ح لتحويل السند (وقال لي خليفة): (حدّثنا يزيد بن زريع) بزاي مضمومة فراء مفتوحة مصغرًا العيشي البصري قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة واسمه مهران اليشكري (وهشام) هو الدستوائي (قالا: حدّثنا قتادة) قال: (حدّثنا أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة) الأنصاري (رضي الله عنهما) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بينا) بغير ميم (أنا عند البيت) الحرام (بين النائم واليقظان). هو محمول على ابتداء الحال ثم استمر يقظان في القصة كلها، وأما ما وقع في رواية شريك في التوحيد في آخر الحديث فلما استيقظ، فإن قلنا بالتعدد فلا إشكال وإلاّ حمل على أن المراد باستيقظت أنه أفاق مما كان فيه من شغل البال بمشاهدة الملكوت ورجع إلى العالم الدنيوي، وقال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين رواية شريك أنه كان نائمًا زيادة مجهولة ثم قال وشريك ليس بالحافظ (- وذكر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يعني رجلاً بين الرجلين-) وهذا مختصر أوضحته رواية مسلم من طريق سعيد عن قتادة بلفظ: إذ سمعت قائلاً يقول أحد الثلاثة بين الرجلين فأتيت فانطلقوا بي، وقد ثبت أن المراد بالرجلين حمزة وجعفر فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان نائمًا بينهما. وقال الكرماني: ثلاثة رجال وهم الملائكة تصوّروا بصورة الإنسان فلينظر، وسقط لغير الأصيلي وأبي الوقت قوله يعني رجلاً (فأتيت بطست) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول والطست بفتح الطاء وسكون السين المهملتين مؤنث (من ذهب ملئ حكمة وإيمانًا) بضم الميم وكسر اللام فهمزة مبنيًا للمفعول في الماضي كذا في الفرع، وضبط الدمياطي، والتذكير باعتبار الإناء. ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ملآن بفتح الميم وسكون اللام وزيادة نون بعد الهمزة، ولأبي ذر عن الكشميهني: ملأى بفتح الميم وسكون اللام وفتح الهمزة ولعله من باب التمثيل أو مثلت له المعاني كما مثلت له أرواح الأنبياء الدارجة بالصور التي كانوا عليها. (فشق) الملك وفي الفرع بضم الشين للمفعول (من النحر إلى مراق البطن) بفتح الميم وتخفيف الراء بعدها ألف فقاف مشدّدة وأصله مراقق بقافين فأدغمت الأولى في الثانية وهو ما سفل من البطن ورق من جلده (ثم غسل البطن) المقدس بضم الغين مبنيًا للمفعول (بماء زمزم) الذي هو أفضل المياه على ما اختير. وهذا الشق غير الذي وقع له في زمن حليمة السعدية (ثم ملئ) القلب (حكمة، وإيمانًا وأتيت بدابة أبيض) لم يقل بيضاء نظرًا إلى المعنى أي بمركوب أبيض (دون البغل وفوق الحمار) هو (البراق) ويجوز جره بدلاً من دابة واشتقاقه من البرق لسرعة مشيه وكان الأنبياء يركبونه، (فانطلقت مع جبريل حتى أتينا السماء الدنيا)، لم يذكر مجيئه لبيت المقدس كما في التنزيل {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} [الإسراء: 1] وليس صعوده إلى السماء كان على البراق بل نصب له المعراج فرقي عليه كما سيأتي إن شاء الله تعالى، ولعل الراوي اقتصر أو وقع تعدد المعراج (قيل: من هذا؟) ولأبي ذر: فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل، لخازن السماء: افتح. قال: من هذا؟ (قال) ولأبي ذر: قيل (جبريل. قيل: ومن معك؟ قيل) ولأبي الوقت: قال (محمد. قيل: وقد أرسل إليه) للعروج به إلى السماوات (قال) جبريل: (نعم. قيل: مرحبًا به)، أي لقي رحبًا وسعة (ولنعم المجيء جاء) قال المظهري: المخصوص بالمدح محذوف وفيه تقديم وتأخير تقديره جاء فنعم المجيء مجيئه. وقال في التوضيح: فيه شاهد على جواز الاستغناء بالصلة عن الموصول في (نعم) إذ التقدير: نعم المجيء الذي جاءه، (فأتيت على آدم فسلمت عليه. فقال: مرحبًا بك من ابن ونبيّ، فأتينا السماء الثانية

قيل: من هذا؟ قال جبريل: قيل من) وللأصيلي: ومن (معك؟ قال: محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لغير أبي ذر (قيل: أرسل إليه؟ قال) جبريل: (نعم. قيل مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء فأتيت على عيسى ويحيى) ابني الخالة (فقالا. مرحبًا بك، من أخ ونبي، فأتينا السماء الثالثة قيل: من هذا؟ قيل: جبريل. قيل: من معك؟ قال: محمد. قيل): ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قال: (وقد أرسل إليه؟ قال) جبريل: (نعم. قيل مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء، فأتيت يوسف) ولأبي ذر فأتيت على يوسف (فسلمت عليه) سقط لأبي ذر لفظ عليه (قال): ولأبي ذر. فقال (مرحبًا بك من أخ ونبي، فأتينا السماء الرابعة قيل: من هذا؟ قيل) ولأبي ذر قال (جبريل. قيل: من معك؟ قيل: محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لغير أبي ذر (قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبًا به، ولنعم) ولأبي ذر: ونعم (المجيء جاء، فأتيت على إدريس فسلمت عليه فقال: مرحبًا من) ولابن عساكر وأبي الوقت مرحبًا بك من (أخ ونبي) خاطبه بلفظ الأخوّة وإن كان المناسب لفظ النبوّة تلطفًا وتأدّبًا والأنبياء أخوة (فأتينا السماء الخامسة قيل: من هذا؟ قال): ولأبي ذر قيل (جبريل. قيل: ومن معك؟) بالواو (قيل: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل مرحبًا به، ولنعم المجيء جاء، فأتينا على هارون فسلمت عليه) سقط لأبي ذر لفظ عليه (فقال مرحبًا بك من أخ ونبي، فأتينا على السماء السادسة. قيل: من هذا؟ قيل: جبريل. قيل: من معك؟ قيل): وفي نسخة قال (محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (قيل: وقد أرسل إليه مرحبًا به)، سقط قال: نعم. قيل: (ولنعم) ولأبي ذر: نعم (المجيء جاء، فأتيت على موسى فسلمت فقال): ولأبي ذر عن الكشميهني فسلمت عليه فقال: (مرحبًا بك من أخ ونبي. فلما جاوزت) بحذف الضمير المنصوب (بكى) شفقة على قومه حيث لم ينتفعوا بمتابعته انتفاع هذه الأمة بمتابعة نبيهم ولم يبلغ سوادهم مبلغ سوادهم (فقيل: ما أبكاك؟ قال: يا رب هذا الغلام الذي بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمتي). أشار إلى تعظيم شأن نبينا ومنة الله تعالى عليه حيث أتحفه بتحف الكرامات وخصوص الزلفى والهبات من غير طول عمر أفناه مجتهدًا في الطاعات، والعرب تسمي الرجل المستجمع السن غلامًا ما دامت فيه بقية من القوّة، فالمراد استقصار مدته مع استكثار فضائله واستتمام سواد أمته. (فأتيا السماء السابعة قيل من هنا قيل: جبريل. قيل من معك؟ قيل: محمد. قيل: وقد أرسل إليه مرحبًا به)، سقط هنا أيضًا قال: نعم قيل: (ونعم) بغير لام، ولأبي ذر ولنعم (المجي جاء، فأتيت على إبراهيم فسلمت) زاد أبو ذر عن الكشميهني عليه (فقال: مرحبًا بك. من ابن ونبي) سقط لفظ بك من بعض النسخ كذا وقع هنا أنه رأى إبراهيم في السابعة. وفي أول كتاب الصلاة في السادسة فإن قيل بتعدد الإسراء فلا إشكال وإلاّ فيحتمل أن يكون رآه في السادسة ثم ارتقى هو أيضًا إلى السابعة. (فرفع) بضم الراء أي كشف (لي) وقرب مني (البيت المعمور) المسمى بالضراح بضم الضاد المعجمة وتخفيف الراء آخره حاء مهملة حيال الكعبة وعمارته بكثرة من يغشاه من الملائكة (فسألت جبريل). أي عنه (فقال، هذا البيت المعمور. يصلّي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم) بنصب آخر على الظرفية أو بالرفع بتقدير ذلك آخر ما عليهم من دخوله (ورفعت لي سدرة المنتهى) أي كشف لي عنها وقربت مني السدرة التي ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر الله (فإذا نبقها) بفتح النون وكسر الموحدة (كأنه قلال هجر) بكسر القاف جمع قلة وهجر بفتحات لا ينصرف. وفي الفرع صرفه (وورقها كأنه آذان الفيول) بضم الفاء جمع قيل الحيوان المشهور أي في الشكل لا في المقدار (في أصلها أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران فسألت جبريل؟) عنها (فقال: أما الباطنان ففي الجنة) نقل النووي عن مقاتل أن الباطنين السلسبيل والكوثر (وأما الظاهران النيل

والفرات) يخرجان من أصلها ثم يسيران حيث شاء الله ثم يخرجان من الأرض ويجريان فيها. (ثم فرضت عليّ خسون صلاة. فأقبلت حتى جئت موسى. فقال: ما صنعت؟ قلت: فرضت عليّ خمسون صلاة. قال: أنا أعلم بالناس منك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة). قال التوربشتي: أي مارستهم ولقيت الشدة فيما يردت منهم من الطاعة والمعالجة مثل المزاولة والمحاولة، (وإن أمتك لا تطيق) ذلك ولم يقل إنك وأمتك لا يطيقون لأن العجز مقصور على الأمة لا يتعداهم إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو لما رزقه الله من الكمال يطيق أكثر من ذلك، وكيف لا وقد جعلت قرة عينه في الصلاة (فارجع إلى ربك) أي إلى الموضع الذي ناجيت فيه ربك (فسله) أي التخفيف (فرجعت فسألته) أي التخفيف (فجعلها أربعين) أي صلاة (ثم) قال موسى (مثله) أي ما تقدم من المراجعة وسؤال التخفيف (ثم) جعلها الله تعالى (ثلاثين) صلاة (ثم) قال موسى أيضًا (مثله فجعلها) الله تعالى (عشرين) صلاة (ثم) قال موسى (مثله فجعلها) الله تعالى (عشرًا، فأتيت موسى فقال: مثله فجعلها خمسًا فأتيت موسى فقال: ما صنعت؟ قلت: جعلها) سبحانه وتعالى (خمسًا. فقال: مثله قلت: سلمت) بتشديد اللام من التسليم أي سلمت فلم يراجعه تعالى لأني استحييت منه جل وعلا. وزاد في غير رواية أبي ذر هنا بخير (فنودي) من قبل الله تعالى (إني) بكسر الهمزة (قد أمضيت) أي أنفذت (فريضتي) بخمس صلوات (وخففت عن عبادي) من خمسين إلى خمس (وأجري الحسنة عشرًا) ثواب كل صلاة عشرًا. وفيه دليل على جواز النسخ قبل الوقوع، وأنكره أبو جعفر النحاس لأن ذلك من البداء وهو محال على الله تعالى، ولأن النسخ وإن جاز قبل العمل عند من يراه فلا يجوز قبل وصوله إلى المخاطبين فهو شفاعة شفعها عليه الصلاة والسلام لا نسخ. وأجيب: بأن النسخ إنما وقع فيما وجب على الرسول من التبليغ وبأن الشفاعة لا تنفي النسخ فقد تكون سببًا له أو أن هذا كان خبرًا لا تعبدًا فلا يدخله النسخ، ومعناه أنه تعالى أخبر رسوله عليه الصلاة والسلام أن على أمته خمسين صلاة في اللوح المحفوظ، ولذا قال في الحديث في رواية: هي خمس وهي خمسون والحسنة بعشر أمثالها، فتأوّله عليه السلام على أنها خمسون بالفعل فلم يزل يراجع ربه حتى بيّن له أنها في الثواب لا بالعمل. (وقال همام) بالإسناد السابق بتشديد الميم الأولى ابن يحيى العوذي (عن قتادة) بن دعامة (عن الحسن) البصري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في البيت المعمور) يريد أن سعيد بن أبي عروبة وهشامًا الدستوائي أدرجا قصة البيت المعمور في قصة الإسراء، والصواب رواية همام هذه حيث فصلها من قصة الإسراء لكن قال يحيى بن معين لم يصح للحسن سماع من أبي هريرة. 3208 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَهْوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ- قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ. وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ». [الحديث 3208 - أطرافه في: 3332، 6594، 7454]. وبه قال: (حدّثنا الحسن بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة ابن سليمان البوراني بضم الموحدة وسكون الواو وفتح الراء البجلي الكوفي قال: (حدّثنا أبو الأحوص) بالحاء المهملة الساكنة وفتح الواو آخره صاد مهملة سلام بتشديد اللام ابن سليم الحنفي مولى بني حنيفة الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن زيد بن وهب) أبي سليمان الهمداني الكوفي أنه قال، (قال عبد الله) يعني ابن مسعود -رضي الله عنه-: (حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو الصادق) في قوله: (المصدوق) فيما وعده به ربه تعالى. قال في شرح المشكاة: الأولى أن تجعل الجملة اعتراضية لا حالية لتعم الأحوال كلها وأن يكون من عادته ودأبه ذلك فما أحسن موقعها (قال): (إن أحدكم يجمع خلقه) بضم الياء وسكون الميم وفتح الميم مبنيًا للمفعول (في بطن أمه أربعين يومًا)، أي يضم بعضه إلى بعض بعد الانتشار ليخمر فيها حتى يتهيأ للخلق، وفي قوله خلقه تعبير بالمصدر عن الجثة وحمل على أنه بمعنى المفعول كقولهم: هذا ضرب الأمير أي مضروبه. وقال الخطابي: روي عن ابن مسعود في تفسيره أن النطفة إذا وقعت في الرحم فأراد الله أن يخلق

منها بشرًّا طارت في بشرة المرأة تحت كل ظفر وشعر، ثم تمكث أربعين ليلة ثم تنزل دمًا في الرحم فذلك جمعها. وهذا رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، وقد رجح الطيبي هذا التفسير فقال: والصحابة أعلم الناس بتفسير ما سمعوه وأحقهم بتأويله وأولاهم بالصدق فيما يتحدثون به وأكثرهم احتياطًا للتوقي عن خلافه فليس لمن بعدهم أن يرد عليهم. قال في الفتح: وقد وقع في حديث مالك بن الحويرث رفعه ما ظاهره يخالف ذلك ولفظه: إذا أراد الله خلق عبد جامع الرجل المرأة طار ماؤه في كل عرق وعضو منها فإذا كان يوم السابع جمعه الله ثم أحضره كل عرق له دون آدم في أي صورة ما شاء ركبك. (ثم يكون علقة) دمًا غليظًا جامدًا (مثل ذلك) الزمان (ثم يكون مضغة) قطعة لحم قدر ما يمضغ (مثل ذلك)، الزمان. واختلف في أوّل ما يتشكل من الجنين فقيل: قلبه لأنه الأساس ومعدن الحركات الغريزية، وقيل: الدماغ لأنه مجمع الحواس ومنه تنبعث، وقيل الكبد لأن فيه النموّ والاغتذاء الذي هو قوام البدن، ورجحه بعضهم بأنه مقتضى النظام الطبيعي لأن النموّ هو المطلوب أوّلاً ولا حاجة له حينئذٍ إلى حس ولا حركة إرادية وإنما يكون له قوّة الحس والإرادة عند تعلق النفس به بتقديم الكبد ثم القلب ثم الدماغ. (ثم يبعث الله ملكًا) إليه في الطور الرابع حين يتكامل بنيانه وتتشكل أعضاؤه (فيؤمر) مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر ويؤمر (بأربع كلمات) يكتبها كما قال (ويقال له: اكتب عمله ورزقه) غذاءه حلالاً أو حرامًا قليلاً أو كثيرًا أو كل ما ساقه الله تعالى إليه لينتفع به كالعلم وغيره (وأجله) طويلاً أو قصيرًا (وشقي أو سعيد) حسب ما اقتضته حكمته وسبقت كلمته، ورفع شقي خبر مبتدأ محذوف وتاليه عطف عليه، وكان حق الكلام أن يقول: يكتب سعادته وشقاوته فعدل عن ذلك حكاية لصورة ما يكتب لأنه يكتب شقي أو سعيد. والظاهر أن الكتابة هي الكتابة المعهودة في صحيفته، وقد جاء ذلك مصرحًا به في رواية لمسلم في حديث حذيفة بن أسيد: ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد فيها ولا ينقص، ووقع في حديث أبي ذر عنه فيقضي الله ما هو قاض فيكتب ما هو لاق بين عينيه. (ثم) بعد كتابة الملك هذه الأربعة (ينفخ فيه الروح) بعد تمام صورته ثم إن حكمة تحوّل الإنسان في بطن أمه حالة بعد حالة مع أن الله تعالى قادر على أن يخلقه في أقل من لمحة أن في التحويل فوائد: منها أنه لو خلقه دفعة واحدة لشق على الأم فجعله أوّلاً نطفة لتعتاد بها مدة ثم علقة كذلك وهلمّ جرًا، ومنها إظهار قدرته تعالى حيث قلبه من تلك الأطوار إلى كونه إنسانًا حسن الصورة متحليًا بالعقل، ومنها التنبيه والإرشاد على كمال قدرته على الحشر والنشر لأن من قدر على خلق الإنسان من ماء مهين ثم من علقة ثم من مضغة قادر على إعادته وحشره للحساب والجزاء؛ قاله المظهري. فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون نصب بحتى وما نافية غير مانعة لها من العمل أو رفع وهو الذي في الفرع على أن حتى ابتدائية. وفي كتاب القدر من طريق أبي الوليد الطيالسي عن شعبة عن الأعمش وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون (بينه وبين الجنة إلاّ ذراع)، أي ما يبقى بينه وبين أن يصل إلى الجنة إلا كمن بقي بينه وبين موضع من الأرض ذراع فهو تمثيل بقرب حاله من الموت وضابط ذلك بالغرغرة التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة (فيسبق عليه كتابه) الذي كتبه الملك وهو في بطن أمه والفاء للتعقيب الدال على حصول السبق بغير مهملة (فيعمل) عند ذلك، ولأبي ذر عن الكشميهني: يعمل (بعمل أهل النار) أي فيدخلها (ويعمل) أي بعمل أهل النار (حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة). أي فيدخلها وفيه أن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به القدر. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التوحيد والقدر ومسلم في القدر وكذا أبو داود والترمذي وابن ماجه، وتأتي بقية مباحثه إن شاء الله تعالى.

بعون الله وقوّته. 3209 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَتَابَعَهُ أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ. فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ. ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ». [الحديث 3209 - طرفاه في: 6040، 7485]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) بتخفيف اللام البيكندي كما ضبطه ابن ماكولا وغيره قال: (أخبرنا مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ابن يزيد الحراني قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (عن نافع) أنه (قال: قال أبو هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وتابعه أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل شيخ المؤلّف مما ساقه في الأدب عن عمرو بن عليّ عنه (عن ابن جريج) عبد الملك أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (موسى بن عقبة عن نافع عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا أحب الله العبد نادى جبريل) نصب على المفعولية (إن الله يحب فلانًا فأحببه) بهمزة قطع مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فموحدة مكسورة وأخرى ساكنة على الفك (فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه) بتشديد الموحدة (فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في) أهل (الأرض). ممن يعرفه من المسلمين. وزاد روح بن عبادة عن ابن جريج عند الإسماعيلي: وإذا أبغض عبدًا نادى جبريل عليه السلام: إني أبغض فلانًا فأبغضه قال فيبغضه جبريل. ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه فيبغضونه ثم يوضع له البغض في الأرض. وفيه: إن محبوب القلوب محبوب الله ومبغوضها مبغوض الله، ومتن الحديث الذي ساقه المؤلّف بلفظ الرواية الثانية المعلقة، وفيه مباحث تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في كتاب الأدب. 3210 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ -وَهْوَ السَّحَابُ- فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ، فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إِلَى الْكُهَّانِ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ». [الحديث 3210 - أطرافه في: 3288، 5762، 6213، 7561]. وبه قال: (حدّثنا محمد) قيل هو ابن يحيى الذهلي. وقال أبو ذر الهروي هو البخاري ورجحه الحافظ ابن حجر بأن أبا نعيم والإسماعيلي لم يجداه من غير رواية البخاري ولو كان عند غير البخاري لما ضاق عليهما مخرجه، وتعقبه العيني بأن عدم وجدانهما للحديث لا يستلزم أن يكون محمد هنا هو البخاري وهذا ظاهر لا يخفى ولم تجر عادة البخاري بأن يذكر اسمه قبل ذكر شيخه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) سعيد بن محمد بن الحكم قال: (أخبرنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا ابن أبي جعفر) عبيد الله واسم أبي جعفر يسار القرشي (عن محمد بن عبد الرحمن) الأسود (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لأبي ذر قوله زوج النبي الخ (أنها) قالت (سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إنَّ الملائكة تنزل في العنان) بفتح العين المهملة والنون المخففة (وهو السحاب) زنة ومعنى وهو تفسير الراوي للعنان أدرجه في الحديث فالسحاب مجاز عن السماء كما أن السماء مجاز عن السحاب في قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورًا} [الفرقان: 48] في وجه (فتذكر) الملائكة (الأمر) الذي (قضي في السماء) وأصل ذلك أن الملائكة تسمع في السماء ما قضى الله تعالى في كل يوم من الحوادث فيحدث بعضهم بعضًا (فتستردّ الشياطين السمع) أي تختلسه منهم والقاف مخففة (فتسمعه فتوحيه إلى الكهان)، بضم الكاف وتشديد الهاء جمع كاهن من يخبر بالمغيبات المستقبلة (فيكذبون معها) أي مع الكلمة المسموعة من الشياطين (مائة كذبة) بفتح الكاف وسكون المعجمة وفي اليونينية بكسرها (من عند أنفسهم). 3211 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَالأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ كَانَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ الْمَلاَئِكَةُ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، فَإِذَا جَلَسَ الإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) اليربوعي ونسبه إلى جده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (والأغرّ) بفتح الهمزة والغين المعجمة آخره راء مشدّدة سلمان الجهني مولاهم المدني، وللكشميهني: والأعرج أي عبد الرحمن بن هرمز بدل الأغرّ. قال في الفتح: والأغر أرجح لأنه مشهور من روايته. نعم أخرجه النسائي من وجه آخر عن الزهري عن الأعرج وحده، (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد الملائكة) ولأبي ذر: ملائكة (يكتبون)

الداخل (الأوّل فالأوّل) الفاء لترتيب النزول من الأعلى إلى الأدنى وللتعاقب الذي ينتهي إلى أعداد كثيرة (فإذا جلس الإمام) على المنبر (طووا الصحف) التي كتبوا فيها المبادرين إلى الجمعة (وجاؤوا يستمعون الذكر) أي الخطبة. وهذا الحديث قد مرّ في كتاب الجمعة بأتم من هذا. 3212 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: "مَرَّ عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ وَحَسَّانُ يُنْشِدُ فَقَالَ: كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ. ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: أَجِبْ عَنِّي، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ؟ قَالَ: نَعَمْ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب) أنه (قال: مرّ عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه (في المسجد) النبوي المدني (وحسان) بن ثابت الأنصاري والواو للحال (ينشد) بضم أوّله وكسر ثالثه الشعر في المسجد فأنكر عليه عمر (فقال) حسان: (كنت أنشد فيه) أي في المسجد (وفيه من هو خير منك) يعني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم التفت إلى أبي هريرة) -رضي الله عنه- (فقال: أنشدك بالله أسمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بهمزة الاستفهام الاستخباري (يقول): يا حسان. (أجب عني) أي قل جواب هجاء المشركين عن جهتي (اللهمّ أيّده بروح القدس) جبريل وإضافة الروح إلى القدس وهو الطهر كقولهم: حاتم الجود. وهذا موضع الترجمة. وإنما دعا له بذلك لأن عند أخذه في الطعن والهجو في المشركين وأنسابهم مظنة الفحش من الكلام وبذاءة اللسان، وقد يؤدّي ذلك إلى أن يتكلم عليه فيحتاج الى التأييد من الله بأن يقدّسه من ذلك بروح القدس وهو جبريل. (قال) أبو هريرة: (نعم) سمعته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول ذلك. وسياق البخاري لهذا الحديث كما نبه عليه الإسماعيلي يقتضي أنه مرسل سعيد بن المسيب، فإنه لم يحضر مراجعة عمر -رضي الله عنه- وحسان، لكن عند الإسماعيلي من رواية عبد الجبار بن العلاء عن سفيان ما يقتضي أن أبا هريرة حدث سعيدًا بذلك بعد وقوعه. وهذا الحديث قد سبق في باب الشعر في المسجد من أوائل الصلاة. 3213 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِحَسَّانَ: اهْجُهُمْ -أَوْ هَاجِهِمْ- وَجِبْرِيلُ مَعَكَ». [الحديث 3213 - أطرافه في: 4123، 4124، 6153]. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحسان) بن ثابت -رضي الله عنه-: (أهجهم) بضم الهمزة والجيم أمر من هجا يهجو هجوًا وهو نقيض المدح وفي الفرع اهجهم بهمزة وصل (أو هاجهم) من المهاجاة والشك من الراوي أي جازهم بهجوهم (وجبريل معك). بالتأييد والمعونة وفيه جواز هجو الكفار وأذاهم ما لم يكن لهم أمان لأن الله تعالى قد أمر بالجهاد فيهم والإغلاظ عليهم لأن في الإغلاظ بيانًا لبغضهم والانتصار منهم بهجاء المسلمين ولا يجوز ابتداء لقوله تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} [الأنعام: 108]. (تنبيه) قوله: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحسان يفهم أنه من مسند البراء بن عازب، وعند الترمذي أنه من رواية البراء عن حسان كما أفاده في الفتح. 3214 - حَدَّثَنَا مَوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ هِلاَلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى غُبَارٍ سَاطِعٍ فِي سِكَّةِ بَنِي غَنْمٍ. زَادَ مُوسَى: مَوْكِبَ جِبْرِيلَ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن حازم الأزدي البصري (ح) للتحويل. (وحدّثنا إسحاق) بن راهويه قال: (أخبرنا وهب بن جرير قال: حدّثنا أبي) جرير بن حازم (قال: سمعت حميد بن هلال) أي ابن هبيرة العدوي البصري (عن أنس بن مالك رضي الله عنه) أنه (قال: كأني أنظر إلى غبار ساطع في سكة بني غنم) بكسر سين سكة وفتح الغين المعجمة وسكون النون من غنم أي زقاق بني غنم. قال الحافظ ابن حجر: بطن من الخزرج وهم من ولد غنم بن مالك بن النجار منهم أبو أيوب الأنصاري وآخرون. (زاد موسى) بن إسماعيل التبوذكي في روايته فيما وصله في المغازي عنه (موكب جبريل) عليه السلام برفع موكب في الفرع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا موكب جبريل ويجوز نصبه بتقدير انظر موكب وجره بدلاً من لفظ غبار والموكب نوع من السير وجماعة الفرسان أو جماعة ركاب يسيرون برفق. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي. 3215 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّ الْحَرثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ قَالَ: كُلُّ ذَلكَ. يَأْتِي الْمَلَكُ أَحْيَانًا فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، فَيَفْصِمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ، وَهْوَ أَشَدُّهُ عَلَىَّ، وَيَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ أَحْيَانًا رَجُلاً فَيُكَلِّمُنِي، فَأَعِي مَا يَقُولُ". وبه قال: (حدّثنا فروة)

بفتح الفاء وسكون الراء وفتح الواو ابن أبي المغراء الكندي الكوفي قال: (حدّثنا عليّ بن مسهر) بضم الميم وكسر الهاء قاضي الموصل (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- أن الحرث بن هشام) المخزومي -رضي الله عنه- (سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يحتمل أن يكون الحرث أخبر عائشة بذلك فيكون مرسلاً أو حضرت هي ذلك فيكون من مسندها، لكن قد أخرج ابن منده الحديث من طريق عبد الله بن الحرث عن هشام عن أبيه عن عائشة عن الحرث بن هشام قال: سألت (كيف يأتيك الوحي؟) أي حامله فإسناد الإتيان إلى الوحي مجاز أو صفة الوحي نفسه فإسناد الإتيان حقيقة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كل ذاك) بغير لام (يأتي الملك) جبريل عليه السلام ولأبي ذر عن الكشميهني يأتيني الملك (أحيانًا) أي أوقاتًا (في مثل صلصلة الجرس) أي مشابها صوت الجلجل الذي يعلق برؤوس الدواب (فيفصم) بفتح التحتية وسكون الفاء وكسر الصاد المهملة من باب ضرب يضرب أي يقلع (عني) ما يغشاني (وقد وعيت) بفتح العين أي فهمت وحفظت (ما قال)، الملك (وهو أشده عليّ، ويتمثل) أي يتصور (لي الملك) جبريل (أحيانًا رجلاً) كدحية أو غيره تانيسًا والقدر الزائد من خلقته لا يفنى بل يخفى على الرائي فقط (فيكلمني فأعي ما يقول). أي الذي يقوله، وقد مرّ هذا الحديث أوّل الكتاب. 3216 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دَعَتْهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ أَىْ فُلُ هَلُمَّ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: ذَاكَ الَّذِي لاَ تَوَى عَلَيْهِ. فقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ». وبه قال: (حدّثنا أدم) بن أبي أياس قال: (حدّثنا شيبان) قال: (حدّثنا يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من أنفق زوجين) أي درهمين أو دينارين (في سبيل الله دعته خزنة الجنة). الملائكة (أي فل) بضم الفاء واللام وتفتح حذفت منه الألف والنون لغير ترخيم أي فلان (هلمّ) أي اقرب وتعال وهو اسم فعل لا يتصرف عند أهل الحجاز وفعل يؤنث ويجمع عند تميم وأصله عند البصريين هالمّ من لم إذا قصد حذفت الألف لتقدير السكون في اللام فإنها الأصل وعند الكوفيين هل أم فحذفت الهمزة بالفاء حركتها على اللام. (فقال أبو بكر) الصدّيق -رضي الله عنه-: (ذاك الذي لا توى) بفتح الفوقية والواو ولا هلاك ولا ضياع ولا بأس (عليه) أن يدخل بابًا ويترك آخر (قال) ولأبي ذر: فقال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): أي لأبي بكر (أرجو أن تكون منهم). وهذا الحديث سبق في الجهاد. 3217 - حَدَّثَني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا: يَا عَائِشَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمَ، فَقَالَتْ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لاَ أَرَى. تُرِيدُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 3217 - أطرافه في: 3768، 6201، 6249، 6153]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قاضي اليمن قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها): (يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام) بفتح ياء يقرأ من الثلاثي (فقالت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته) ولأبي ذر ورحمت الله وبركاته بالتاء المجرورة (ترى ما لا أرى تريد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفيه أن الرؤية حالة يخلقها الله تعالى في الحيّ، ولا يلزم من حصول المرئي واجتماع سائر الشرائط الرؤية كما لا يلزم من عدمها عدمها قاله في الكواكب، وإنما لم يواجهها جبريل كما واجه مريم احترامًا لمقام سيدنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الاستئذان والرقاق وفي فضل عائشة ومسلم في الفضائل والترمذي في المناقب والنسائي في عشرة النساء. 3218 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ. ح. قَالَ: وحَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِجِبْرِيلَ: أَلاَ تَزُورُنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] الآيَةَ". [الحديث 3218 - طرفاه في: 4731، 7455]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عمر بن ذر) بضم العين وفتح الذال المعجمة وتشديد الراء (ح) لتحويل السند. (قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: وحدّثنا بواو العطف والجمع (يحيى بن جعفر) هو ابن أعين أبو زكريا البيكندي وسقط لأبي ذر ابن جعفر قال: (حدّثنا وكيع) واللفظ له (عن عمر بن ذر عن أبيه) ذر بن عبد الله الهمداني بسكون الميم (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لجبريل) عليه

السلام: (ألا تزورنا أكثر مما تزورنا)؟ بتخفيف اللام للعرض أو التحضيض أو التمني (قال: فنزلت) آية ({وما نتنزل إلا بأمر ربك}) [مريم: 64] والتنزل النزول على مهل لأنه مطاوع نزل وقد يطلق بمعنى النزول مطلقًا كما يطلق نزّل بمعنى أنزل والمعنى وما نتنزل وقتاغب وقت إلا بأمر الله على ما تقتضيه حكمته ({له ما بين أيدينا وما خلفنا}) [مريم: 64] (الآية). وهو ما نحن فيه من الأماكن والأحايين لا ننتقل من مكان إلى مكان أو لا ننزل في زمان دون زمان إلا بأمره ومشيئته. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير والتوحيد وبدء الخلق والترمذي في التفسير وكذا النسائي. 3219 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ». [الحديث 3219 - طرفه في: 4991]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدَّثني) بالإفراد (سليمان) بن بلال (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (أقرأني جبريل) عليه السلام القرآن (على حرف)، أي لغة أو وجه من الإعراب (فلم أزل أستزيده) أطلب منه أن يطلب من الله الزيادة على الحرف توسعة وتخفيفًا ويسأل جبريل ربه تعالى ويزيده (حتى انتهى إلى سبعة أحرف). وليس المراد أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، والاختلاف اختلاف تنوع وتغاير لا تضاد وتناقض إذ هو محال في القرآن وذلك يرجع إلى سبعة وذلك إما في الحركات من غير تغير في المعنى والصورة نحو: البخل ويحسب بوجهين أو بتغير في المعنى فقط نحو {فتلقى آدم من ربه كلمات} [البقرة: 37] وأما في الحروف بتغير في المعنى لا الصورة نحو تبلو وتتلو أو عكس ذلك نحو: (السراط، والصراط) أو بتغيرهما نحو (يأتل) ويتأل، وأما في التقديم والتأخير نحو: {فيقتلون ويُقتلون} [التوبة: 111] أو في الزيادة والنقصان نحو: أوصى {ووصى} وأما نحو الاختلاف في الإظهار والإدغام وغيرهما مما يسمى بالأصول فليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه. اللفظ أو المعنى لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظًا واحدًا ولئن فرض فيكون من الأول. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضائل القرآن ومسلم في الصلاة. 3220 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ. فَإِنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَفَاطِمَةُ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنَ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: حدَّثني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجود الناس) بنصب أجود خبر كان (وكان أجود ما يكون في رمضان) برفع أجود اسم كان وخبرها محذوف وجوبًا نحو قولك أخطب ما يكون الأمير قائمًا وما مصدرية أي أجود أكوان الرسول وفي رمضان سدّ مسد الخبر أي حاصلاً فيه (حين يلقاه جبريل) عليه السلام هذ في ملاقاته زيادة ترق. (وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن) نصب مفعول ثان ليدارسه على حدّ جاذبته الثوب (فلرسول الله) ولأبي ذر عن الكشميهني فإن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة). يحتمل أنه أراد بها التي أرسلت بالبشرى بين يدي رحمة الله وذلك لعموم نفعها. قال الله تعالى: {والمرسلات عرفًا} [المرسلات: الآية: 1] وأحد الوجوه في الآية أنه أراد بها الرياح المرسلات للإحسان وانتصاب عرفا بالمفعول، فلهذا المعنى في المرسلة شبه نشر جوده بالخير في العباد بنشر الريح العطر في البلاد، وشتان ما بين الأثرين فإن أحدهما يحيي القلب بعد موته والآخر يحيي الأرض بعد موتها، وقد كان عليه الصلاة والسلام يبذل المعروف قبل أن يسأل وإذا أحسن عاد وإن وجد جاد وإن لم يجد وعد ولم يخلف الميعاد، ويظهر منه آثار ذلك في رمضان أكثر مما يظهر منه في غيره قاله التوربشتي. (وعن عبد الله) بن المبارك أنه (قال: حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (معمر) هو ابن راشد (بهذا الإسناد) موصولاً عن محمد بن مقاتل فابن المبارك يرويه عن يونس الأيلي ومعمر (نحوه) أي معناه. (وروى أبو هريرة) مما وصله في

فضائل القرآن (وفاطمة) الزهراء مما وصله في علامات النبوة (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أن جبريل كان يعارضه القرآن). أي في كل سنة مرة وأنه عارضه في العام الذي قبض فيه مرتين الحديث. وروي أن قراءة زيد هي القراءة التي قرأها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على جبريل عليه السلام مرتين في العام الذي قبض فيه. 3221 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الْعَصْرَ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: "أَمَا إِنَّ جِبْرِيلَ قَدْ نَزَلَ فَصَلَّى أَمَامَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ عُمَرُ: اعْلَمْ مَا تَقُولُ يَا عُرْوَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: نَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَمَّنِي فَصَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ، يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن عمر بن عبد العزيز أخّر العصر شيئًا)، صفة مصدر محذوف أي أخر تأخيرًا يسيرًا أي أخر صلاة العصر حتى عبر شيء من وقته (فقال له) أي لعمر (عروة) بن الزبير بن العوّام (أما إن جبريل) بتخفيف أما حرف استفتاح بمنزلة ألا وتكون بمعنى حقًا ذكره سيبويه ولا تشاركها ألا في ذلك وفي اليونينية أما بتشديد الميم بفتح الهمزة وكسرها (قد نزل فصلّى أمام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح همزة أمام أي قدامه (فقال عمر) بن عبد العزيز: (اعلم ما تقول يا عروة) أي تأمل وتذكر (قال): أي عروة (سمعت بشير بن أبي مسعود) بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة (يقول: سمعت) أبي (أبا مسعود) عقبة بن عمرو البدري (يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كأن عروة يقول كيف لا أعلم ما أقول وأنا صحبت وسمعت ممن صحب وسمع صاحب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسمع منه هذا (يقول): (نزل جبريل فأمني فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه) قال ذلك أبو مسعود أو الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حال كونه (يحسب) بضم السين (بأصابعه) أي يعقدها ولأبي ذر عن الكشميهني قال فحسب بأصابعه (خمس صلوات). وهذا يدل على مزيد إتقانه وضبطه لأحوال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ومرّ هذا الحديث أول المواقيت من كتاب الصلاة. 3222 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قَالَ لِي جِبْرِيلُ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَوْ لَمْ يَدْخُلِ النَّارَ. قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد الشين المعجمة قال: (حدّثنا ابن أبي عديّ) محمد القسملي (عن شعبة) بن الحجاج (عن حبيب بن أبي ثابت) الأسدي وسقط لغير أبي ذر ابن أبي ثابت (عن زيد بن وهب) الجهني (عن أبي ذر -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي) وفي نسخة: قال رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قال لي جبريل) عليه السلام (من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة)، أي عاقبته دخولها وإن كان له ذنوب جمة أو ترك من الأركان شيئًا لكن أمره إلى الله إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه، ثم أدخله الجنة برحمته (أو لم يدخل النار). دخولاً تخليديًّا (قال): أي أبو ذر (وإن زنى وإن سرق؟) قال ابن مالك حرف الاستفهام مقدر لا بد من تقديره أو إن زنى أو سرق (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وإن) بحذف فعل الشرط والاكتفاء بحرفه، وإنما ذكر من الكبائر هذين النوعين ولم يقتصر على أحدهما لأن الذنب إما حق الله وهو الزنا أو حق العباد وهو أخذ ما لهم بغير حق. 3223 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمَلاَئِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ: مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ الَّذِينَ كانوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ -وَهْوَ أَعْلَمُ- فَيَقُولُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَقَالُوا: تَرَكْنَاهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ يُصَلُّونَ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (قال: حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي) ولأبي ذر عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الملائكة يتعاقبون) مبتدأ وخبر أي يأتي بعضهم عقب بعض بحيث إذا نزلت طائفة منهم صدرت الأخرى (ملائكة بالليل وملائكة بالنهار) بيان للتعاقب. وقال الأكثرون: هم حفظة الكتاب، وقال في شرح المشكاة كرر ملائكة وأتي بها نكرة دلالة على أن الثانية غير الأولى كقوله تعالى: {غدوّها شهر ورواحها شهر} [سبأ: 12] (ويجتمعون في صلاة الفجر والعصر) ولأبي ذر عن الكشميهني: وفي صلاة العصر واجتماعهم في هذين الوقتين من كرم الله تعالى ولطفه بعباده ليكون شهادة لهم بما شهدوه من الخير (ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم) فيه إن ملائكة الليل لا يزالون حافظين العباد إلى الصبح وكذلك ملائكة النهار إلى الليل ودليل لقول الأكثرين (فيسألهم)

7 - باب إذا قال أحدكم "آمين" والملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه

ربهم (-وهو أعلم-) تعبدًا لهم كما تكتب الأعمال وهو أعلم بالجميع (فيقول كيف تركتم؟) زاد أبو ذر عبادي (فيقولون) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فقالوا (تركناهم يصلون، وأتيناهم يصلون). وفي نسخة وهم يصلون والجملة حالية عليهما. وسبق الحديث في فضل صلاة العصر من كتاب الصلاة. 7 - باب إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ "آمِينَ" وَالْمَلاَئِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا قال أحدكم آمين والملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما) أي إحدى الكلمتين (الأخرى) في وقت التأمين أو في الخشوع والإخلاص (غفر له ما تقدم من ذنبه). وسقط آمين الثانية ولفظ باب لأبي ذر وهو أولى لأنه يلزم من إثباته وجود ترجمة بغير حديث وكون الأحاديث التالية لا تعلق لها به، فالظاهر أنه بالسند السابق عن أبي اليمان عن شعيب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ومن جملة ترجمة الملائكة، وقد ساق الإسماعيلي حديث يتعاقبون الخ. ثم قال: وبهذا الإسناد إذا قال أحدكم (آمين) فلو قال البخاري: وبهذا الإسناد أو وبه لزال الإشكال. 3224 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "حَشَوْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وِسَادَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ كَأَنَّهَا نُمْرُقَةٌ، فَجَاءَ فَقَامَ بَيْنَ النَّاسِ وَجَعَلَ يَتَغَيَّرُ وَجْهُهُ، فَقُلْتُ: مَا لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا بَالُ هَذِهِ؟ قُلْتُ: وِسَادَةٌ جَعَلْتُهَا لَكَ لِتَضْطَجِعَ عَلَيْهَا. قَالَ: أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ؟ وَأَنَّ مَنْ صَنَعَ الصُّورَةَ يُعَذَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ". وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ابن يزيد قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن إسماعيل بن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية ابن عمرو بن سعيد بن العاصي الأموي القرشي المكي (أن نافعًا حدثه أن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق (حدّثه عن) عمته (عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: حشوت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسادة) بكسر الواو مخدة (فيها تماثيل) جمع تمثال أي صورة حيوان أو غيره (كأنها نمرقة) بضم النون والراء بينهما ميم ساكنة وبالقاف وسادة صغيرة (فجاء) عليه الصلاة والسلام (فقام بين البابين) ولأبي ذر عن الحموي بين الناس (وجعل يتغير وجهه فقلت: ما لنا يا رسول الله؟) أي ما الذي فعلناه حتى تغير وجهك (قال): (ما بال هذه الوسادة؟) أي ما شأنها فيها تماثيل (قالت): ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني قلت (وسادة جعلتها لك لتضطجع عليها. قال) عليه الصلاة والسلام: (أما علمت أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة) لكونها معصية فاحشة وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى وهؤلاء الملائكة غير الحفظة لأنهم لا يفارقون المكلفين (وإن من صنع الصورة) الحيوانية (يعذب يوم القيامة) فهو من الكبائر لهذا التوعد العظيم (يقول): أي الله تعالى لهم استهزاء بهم وتعجيزًا لهم ولأبي ذر فيقول (أحيوا) بفتح الهمزة (ما خلقتم). 3225 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةُ تَمَاثِيلَ». [الحديث 3225 - أطرافه في: 3226، 3322، 4002، 5949، 5958]. وبه قال: (حدّثنا ابن مقاتل) محمد المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عبيد الله بن عبد الله) بتصغير الأول ابن عتبة بن مسعود (أنه سمع ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: سمعت أبا طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا تدخل الملائكة) غير الحفظة (بيتًا فيه كلب) يحرم اقتناؤه أو أعم قيل وامتناعهم من الدخول لأكله النجاسة وقبح رائحته (ولا صورة تماثيل). من إضافة العام إلى الخاص. قال النووي: الأظهر أن الحكم عام في كل كلب وكل صورة وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الحديث ولأن الجرو الذي كان في بيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحت السرير كان له فيه عذر ظاهر لأنه لم يعلم به، ومع هذا امتنع جبريل من دخول البيت وعلله بالجرو. (تنبيه): قال الدارقطني: لم يذكر الأوزاعي ابن عباس في إسناده يعني حيث روى هذا الحديث عن الزهري عن عبيد الله والقول قول من أثبته قال: ورواه سالم أبو النضر عن عبيد الله بن عبد الله نحو رواية الأوزاعي. قال الحافظ ابن حجر: هو عند الترمذي والنسائي من طريق أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الله قال: دخلت على أبي طلحة نحوه، وأخرج النسائي رواية الأوزاعي فأثبت ابن عباس تارة وأسقطه أخرى ورجح رواية من أثبته اهـ. واختار ابن الصلاح الحكم للناقصة. وهذا الحديث

أخرجه المؤلّف أيضًا في بدء الخلق والمغازي واللباس ومسلم في اللباس والترمذي في الاستئذان والنسائي في الصد وابن ماجه في اللباس. 3226 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ الأَشَجِّ حَدَّثَهُ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ -وَمَعَ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عُبَيْدُ اللَّهِ الْخَوْلاَنِيُّ الَّذِي كَانَ فِي حَجْرِ مَيْمُونَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- حَدَّثَهُمَا زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ. قَالَ بُسْرٌ: فَمَرِضَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ، فَعُدْنَاهُ، فَإِذَا نَحْنُ فِي بَيْتِهِ بِسِتْرٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ الْخَوْلاَنِيِّ: أَلَمْ يُحَدِّثْنَا فِي التَّصَاوِيرِ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ قَالَ: «إِلاَّ رَقْمٌ فِي ثَوْبٍ» أَلاَ سَمِعْتَهُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: بَلَى قَدْ ذَكَرَهُ". وبه قال: (حدّثنا أحمد) هو ابن صالح المصري كما جزم به أبو نعيم قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرنا عمرو) بفتح العين هو ابن الحرث المصري (أن بكير بن الأشج) بضم الموحدة وفتح الكاف مصغرًا والأشج بفتح الهمزة والشين المعجمة وبالجيم المشددة (حدّثه أن بسر بن سعيد) بضم الموحدة وسكون المهملة وسعيد بكسر العين مولى الحضرمي من أهل المدينة (حدّثه أن زيد بن خالد الجهني) الصحابيّ (-رضي الله عنه- حدّثه ومع بسر بن سعيد) المذكور (عبيد الله) بضم العين ابن الأسود (الخولاني الذي كان في حجر ميمونة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حدّثهما زيد بن خالد) الجهني (أن أبا طلحة) زيدًا (حدّثه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تدخل الملاتكة بيتًا فيه صورة) حيوانية أو غيرها (قال بسر): المذكور (فمرض زيد بن خالد)، الجهني -رضي الله عنه- (فعدناه، فإذا نحن في بيته بستر) بكسر السين (فيه تصاوير، فقلت لعبيد الله الخولاني: ألم يحدّثنا) أي زيد بن خالد (في التصاوير) أي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الملائكة لا تدخل بيتًا تكون فيه (فقال) عبيد الله الخولاني: (أنه) أي زيدًا (قال: إلاّ رقم) بفتح الراء وسكون القاف إلا نقش ووشي (في ثوب ألا) بالتخفيف (سمعته؟) استفهام (قلت: لا). لم أسمعه (قال: بلى) قد سمعته (قد ذكره). أي الحديث ولأبي ذر ذكر بإسقاط ضمير المفعول ومفهومه جواز ما كان رقمًا في ثوب والجمهور كما قاله النووي على تحريم اتخاذ المصر فيه صورة حيوان مما يلبس ثوب أو عمامة أو ستر معلق ونحو ذلك مما لا يعد ممتهنًا، فإن كان في بساط يداس ومخدة وسادة ونحوهما مما يمتهن فليس بحرام لكن يمنع دخول ملائكة الرحمة ذلك البيت، ولا فرق في هذا كله بين ماله ظل وما لا ظل له. وقال بعض السلف: إنما ينهي عما كان له ظل ولا بأس بالصورة التي ليس لها ظل وهذا مذهب باطل فإن الستر الذي أنكر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يشك فيه أحد أنه مذموم وليس لصورته ظل. وقال الزهري: النهي في الصورة على العموم وكذلك استعمال ما هي فيه ودخول البيت الذي هي فيه سواء كانت رقمًا في ثوب أو غير رقم، وسواء كانت في حائط أو ثوب أو بساط ممتهن أو غير ممتهن عملاً بظاهر الأحاديث لا سيما حديث النمرقة. قال النووي: وهذا مذهب قوي اهـ. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف ومسلم وأبو داود في اللباس والنسائي في الزينة. 3227 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عمَرو عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "وَعَدَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّا لاَ نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلاَ كَلْبٌ". [الحديث 3227 - طرفه في: 5960]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي الكوفي سكن مصر (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عمرو) بفتح العين. قال في الفتح: وظن بعضهم أنه ابن الحرث وهو خطأ لأنه لم يدرك سالمًا، ولأبوي الوقت وذر عن الكشميهني: عمر بضم العين وهو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو الصواب (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه (قال: وعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبريل) أن ينزل فلم ينزل فسأله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن السبب (فقال) جبريل عليه السلام: (إنا) معاشر الملائكة (لا ندخل بيتًا فيه صورة ولا كلب). وأورد المؤلّف هذا الحديث هنا مختصرًا وأورده في اللباس تامًّا وتأتي مباحثه فيه إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته. 3228 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قَالَ الإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن سمي) بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام بن المغيرة (عن أبي صالح) عبد الله بن ذكوان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد) بدون الواو وفي بعضها بالواو والأمران جائزان ولا ترجيح لأحدهما على الآخر في مختار أصحابنا قيل: وفيه دليل لمن قال: لا يزيد المأموم على ربنا لك الحمد

ولا يقول سمع الله لمن حمده. وأجيب: بأنّا لا نسلم إنه لا دليل له إذ ليس فيه نفي الزيادة. ولئن سلمنا فهو معارض بما ثبت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع بينهما وثبت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وفي قوله: "سمع الله لمن حمده" حال الارتفاع "وربنا لك الحمد" حال الانتصاب التفات من الغيبة إلى الخطاب. (فإنه من وافق قوله) بالحمد (قول الملائكة) به (غفر له ما تقدم من ذنبه). وهذا نظير ما ثبت في التأمين. وقد سبق هذا الحديث في صفة الصلاة في باب: فضل (اللهم ربنا لك الحمد). 3229 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ، وَالْمَلاَئِكَةُ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ صَلاَتِهِ أَوْ يُحْدِثْ». وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي بالزاي قال: (حدّثنا محمد بن فليح) بضم الفاء آخره حاء مهملة مصغرًا قال: (حدّثنا أبي) فليح بن سليمان وفليح لقبه واسمه عبد الملك (عن هلال بن علي) العامري المدني (عن عبد الرحمن بن أبي عمرة) بفتح العين وسكون الميم الأنصاري ولد في الزمن النبوي قال ابن أبي حاتم: ليست له صحبة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (أحدكم) ولغير أبي ذر: إن أحدكم (في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه والملائكة) ما دام في مصلاه (تقول: اللهم اغفر له وارحمه) زاد في نسخة اللهم ارحمه والمغفرة ستر الذنوب والرحمة إفاضة الإحسان عليه والملائكة جمع محلى باللام فيفيد الاستغراق (ما لم يقم من) موضع (صلاته أو) ما لم (يحدث). أي يتنقض وضوءه. قال ابن بطال: الحدث في المسجد خطيئة يحرم بها المحدث استغفار الملائكة ودعاءهم المرجو بركته. وهذا الحديث قد سبق في باب: الحدث في المسجد وباب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة. 3230 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} قَالَ سُفْيَانُ: فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: وَنَادَوْا يَا مَالِ". [الحديث 3230 - طرفاه في: 3266، 4819]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن صفوان بن يعلى عن أبيه) يعلى بن أمية التميمي أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ على المنبر: {ونادوا يا مالك}) [الزخرف: 77] وهو اسم خازن النار ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يا مال (قال سفيان) بن عيينة (في قراءة عبد الله): هو ابن مسعود (ونادوا يا مال) مرخم حذفت كافه واللام مكسورة ويجوز ضمها. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في صفة النار والتفسير ومسلم في الصلاة وأبو داود والنسائي في الحروف وزاد النسائي في التفسير. 3231 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ: "أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ , فَانْطَلَقْتُ. وَأَنَا مَهْمُومٌ، عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَىَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا". [الحديث 3231 - طرفه في: 7389]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا ابن وهب) عبد الله (قال أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال: حدّثني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط زوج النبي الخ لأبي ذر (حدّثته أنها قالت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم) غزوة أحد؟ (قال) عليه الصلاة والسلام: (لقد لقيت من قومك) قريش (ما لقيت وكان أشد) بالرفع ولأبي ذر بالنصب (ما لقيت منهم يوم العقبة) التي بمنى. وأشد: خبر كان واسمها عائد إلى مقدر وهو مفعول قوله لقد لقيت، ويوم العقبة ظرف وكان المعنى: كان ما لقيت من قومك يوم العقبة أشد ما لقيت منهم (إذ) أي حين (عرضت نفسي) في شوّال سنة عشر من المبعث بعد موت أبي طالب وخديجة وتوجهه إلى الطائف (على ابن عبد يا ليل) بتحتية وبعد الألف لام مكسورة فتحتية ساكنة فلام (ابن عبد كلال) بضم الكاف وتخفيف اللام وبعد الألف لام أخرى واسمه كنانة وهو من أكابر أهل الطائف من ثقيف، لكن الذي في السير أن الذي كلمه هو عبد يا ليل نفسه لا ابنه، وعند أهل النسب أن عبد كلال أخوه لا أبوه وأنه عبد يا ليل بن عمرو بن عمير بن عوف (فلم يجبني إلى ما أردت). وعند موسى بن عقبة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توجه إلى الطائف رجاء أن يؤووه فعمد إلى ثلاثة نفر من ثقيف وهم سادتهم وهم إخوة عبد يَالِيل وحبيب ومسعود بنو عمرو، فعرض عليهم نفسه وشكا إليهم ما انتهك منه قومه فردوا عليه أقبح ردّ ورضخوه بالحجارة حتى أدموا رجليه. (فانطلقت وأنا مهموم على وجهي) أي الجهة المواجهة لي

وقال الطيبي: أي انطلقت حيران هائمًا لا أدري أين أتوجه من شدة ذلك (فلم أستفق) مما أنا فيه من الغم (إلاّ وأنا بقرن الثعالب) بالمثلثة جمع ثعلب الحيوان المعروف وهو ميقات أهل نجد ويسمى قرن المنازل أيضًا وهو بينه وبين مكة يوم وليلة (فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت) إليها (فإذا فيها جبريل) عليه الصلاة والسلام (فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك وقد بعث إليك) ولأبي ذر عن الكشميهني وقد بعث الله إليك (ملك الجبال) الذي سخرت له وبيده أمرها (لتأمره بما شئت فيهم) قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فناداني ملك الجبال فسلم عليّ ثم قال: يا محمد فقال ذلك) كما قال جبريل أو كما سمعت منه (فيما) ولأبي ذر عن الكشميهني فما (شئت) استفهام جزاؤه مقدر أي فعلت. وعند الطبراني عن مقدام بن داود عن عبد الله بن يوسف شيخ المؤلّف فقال: يا محمد إن الله بعثني إليك وأنا ملك الجبال لتأمرني بأمرك فيما شئت (إن شئت أن أطبق) بضم الهمزة وسكون الطاء وكسر الموحدة (عليهم الأخشبين) بالخاء والشين المعجمتين جبلي مكة أبا قبيس ومقابله قعيقعان، وقال الكرماني: ثور ووهموه وسميا بذلك لصلابتهما وغلظ حجارتهما (فقال) بالفاء ولأبي الوقت قال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بل أرجو) ولأبي ذر عن الكشميهني: أنا أرجو (أن يخرج الله) بضم الياء من الإخراج (من أصلابهم من يعبد الله) أي يوحده وقوله: {وحده لا يشرك به شيئًا} تفسيره وهذا من مزيد شفقته على أمته وكثرة حلمه وصبره جزاه الله عنا ما هو أهله وصلّى عليه وسلم. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد ومسلم في المغازي والنسائي في البعوث. 3232 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 9]. قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ". [الحديث 3232 - طرفاه في: 4856، 4857]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري قال: (حدّثنا أبو إسحاق) سليمان بن أبي سليمان فيروز (الشيباني) الكوفي (قال: سألت زرّ بن حبيش) بكسر الزاي وتشديد الراء وحبيش بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة وبعد التحتية معجمة مصغرًا الأسدي (عن قول الله تعالى: {فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى}) [النجم: 9] قال: (حدّثنا ابن مسعود أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رأى جبريل) عليه الصلاة والسلام في صورته التي خلق عليها (له ستمائة جناح) بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب. وهذا الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في سورة النجم من التفسير. 3233 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه-: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18] قَالَ: "رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ سَدَّ أُفُقَ السَّمَاءِ". [الحديث 3233 - طرفه في: 4858]. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن يزيد (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) في قوله عز وجل: ({لقد رأى من آيات ربه الكبرى} قال: رأى رفرفًا) بساطًا (أخضر) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي خضرًا بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين (سد أفق السماء) أي أطرافها. وعند النسائي والحاكم من حديث ابن مسعود: أبصر نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبريل عليه السلام على رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض. قال الخطابي: الرفرف يحتمل أن يكون أجنحة جبريل عليه السلام بسطها كما تبسط الثياب. وهذا الحديث ذكره أيضًا في سورة النجم. 3234 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ أَنْبَأَنَا الْقَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ، وَلَكِنْ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ وَخَلْقُهُ سَادًّا مَا بَيْنَ الأُفُقِ". [الحديث 3234 - أطرافه في: 3235، 4612، 4855، 7380، 7531]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن إسماعيل) بن أبي الثلج البغدادي قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله) بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك (الأنصاري) البصري (عن ابن عون) هو عبد الله بن عون بن أرطبان المزني البصري قال: (أنبأنا القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: من زعم أن محمدًا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رأى ربه) بعيني رأسه يقظة (فقد أعظم). أي دخل في أمر عظيم أو المفعول محذوف. وفي مسلم فقد أعظم على الله الفرية وهي بكسر الفاء وإسكان الراء الكذب، والجمهور على ثبوت رؤيته عليه السلام لربه بعيني رأسه ولا يقدح في ذلك حديث عائشة -رضي الله عنها- إذ لم تخبره أنها سمعته عليه السلام يقول: لم أر ربي وإنما ذكرت متأولة لقوله

تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا أو من وراء حجاب} [الشورى: 51] ولقوله تعالى: {لا تدركه الأبصار} [الأنعام: 103] (ولكن قد رأى جبريل في صورته) في هيئته (وخلقه) بفتح الخاء وسكون اللام الذي خلق عليه حال كونه (سادًّا ما بين الأفق) ولغير أبي ذر: وخلقه سادّ برفعهما. 3235 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ ابْنِ الأَشْوَعِ عَنِ الشَّعْبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: "قُلْتُ لِعَائِشَةَ -رضي الله عنها-: فَأَيْنَ قَوْلُهُ: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}؟ قَالَتْ: ذَاكَ جِبْرِيلُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ، وَإِنَّهُ أَتَاهُ هَذِهِ الْمَرَّةَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ، فَسَدَّ الأُفُقَ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن يوسف) هو البيكندي كما جزم به الجياني قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا زكريا بن أبي زائدة) خالد الهمداني (عن ابن الأشوع) بفتح الهمزة وبعد الواو المفتوحة عين مهملة هو سعيد بن عمرو بفتح العين ابن أشوع ونسبه إلى جده (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: قلت لعائشة -رضي الله عنها-) لما أنكرت رؤيته عليه السلام لربه تعالى (فأين قوله) تعالى أي: فما وجه قوله تعالى: {ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى} [النجم: 8] (قالت: ذاك جبريل) أي ذاك الدنوّ إنما هو دنو جبريل (كان يأتيه في صورة الرجل) دحية أو غيره (وإنه أتاه هذه المرة في صورته التي هي صورته) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: وإنما أتى هذه المرة في صورته التي هي صورته أي الحقيقية (فسدّ الأفق) وكذا رآه عليه السلام مرة أخرى عند سدرة المنتهى على صورته الحقيقية من غير تشكل، ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في سورة النجم بحول الله وقوّته. 3236 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا جَرِيرٌ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَقَالاَ: الَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ، وَأَنَا جِبْرِيلُ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ». وبه قال: (حدّثنا موسى) هو ابن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن حازم الأزدي البصري قال: (حدّثنا أبو رجاء) عمران بن ملحان العطاردي البصري (عن سمرة) بن جندب أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (رأيت الليلة) في المنام ورؤيا الأنبياء وحي (رجلين أتياني قالا): ولأبي ذر عن الكشميهني: فقالا، وعن الحموي والمستملي. فقال أي أحدهما (الذي يوقد النار مالك خازن النار وأنا جبريل وهذا ميكائيل) ساقه هنا مختصرًا جدًّا. وبتمامه في آخر الجنائز وفيه: أنهما أخرجاه إلى أرض مقدّسة وأنه رأى رجلاً معه كلوب من حديد يدخله في شدق آخر يعني فيشقه وآخر يشدخ رأس آخر بصخرة، ونهرًا من دم فيه رجل وآخر قائم على شطه بين يديه حجارة فأقبل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فردّه حيث كان، وروضة خضراء فيها شجرة عظيمة في أصلها شيخ وصبيان ورجلاً قريبًا من الشجرة بين يديه نار يوقدها وأنهما قالا له: إن الرجل الذي يشق شدقه الكذاب والذي شدخ رأسه صاحب القرآن الذي ينام عنه بالليل ولم يعمل فيه بالنهار، والذي في النهر آكل الربا، والشيخ الذي في أصل الشجرة إبراهيم الخليل عليه السلام والصبيان أولاد الناس، والذي يوقد النار مالك خازن النار. 3237 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ». تَابَعَهُ شُعْبَةُ وَأَبُو حَمْزَةَ وَابْنُ دَاوُدَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ. [الحديث 3237 - طرفاه في: 5193، 5194]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن الأعمش) سليمان (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان الأشجعي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه) كناية عن الجماع (فأبت) زاد في النكاح من طريق شعبة أن تجيء (فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح). ظاهره كما قاله سيدي عبد الله بن أبي جمرة اختصاص اللعن بما إذا وقع ذلك ليلاً لقوله: حتى تصبح. وكأن السر فيه تأكد ذلك الشأن في الليل وقوّة الباعث إليه ولا يلزم من ذلك أنه يجوز لها الامتناع في النهار وإنما خص الليل بالذكر لأنه المظنة لذلك. (تابعه) أي تابع أبا عوانة (شعبة) بن الحجاج فيما وصله في النكاح (وأبو حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون اليشكري، قال في المقدمة: متابعة أبي حمزة لم أرها (وابن داود) عبد الله الخريبي بالخاء المعجمة المضمومة والراء المفتوحة وبعد التحتية الساكنة موحدة مصغرًا فيما وصله مسدد في مسنده الكبير (وأبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين فيما وصله مسلم والنسائي الخمسة (عن الأعمش) وسقط في الفرع شعبة وثبت في غيره وشرح عليه العيني كالفتح. 3238 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «ثُمَّ فَتَرَ عَنِّي الْوَحْيُ فَتْرَةً، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجِئْتُ مِنْهُ حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ، فَجئتُ أَهْلِي فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِر} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَالرِّجْزُ الأَوْثَانُ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن

يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين مصغرًا ابن خالد بن عقيل بفتح العين وكسر القاف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: سمعت أبا سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال: أخبرني) بالإفراد (جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (ثم فتر عني الوحي) أي احتبس (فترة) طويلة مدتها ثلاث سنين (فبينا) بغير ميم (أنا أمشي) وجواب بينا قوله (سمعت صوتًا من السماء فرفعت بصري قبل السماء) بكسر القاف وفتح الموحدة جهتها (فإذا الملك الذي جاءني) ولأبي ذر: قد جاءني (بحراء) وهو جبريل وحراء بالصرف وعدمه (قاعد على كرسي بين السماء والأرض) وسقط لغير أبي ذر لفظة قاعد (فجئثت) بجيم مضمومة فهمزة مكسورة فمثلثة ساكنة ففوقية أي رعبت (منه حتى هويت) سقطت (إلى الأرض) بكسر الواو وللحموي والمستملي فجئثت بمثلثتين من غير همز أي سقطت (فجئت أهلي) لذلك (فقلت لهم زملوني زملوني) مرتين (فأنزل الله تعالى {يا أيها المدثر} [المدثر: 1] إلى قوله) عز وجل: ({والرجز فاهجر}) [المدثر: 5] وسقط لغير أبي ذر قوله (والرجز) وزاد أبو ذر: ({قم فأنذر}). (قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن (والرجز الأوثان) جمع وثن ما له جثة من خشب أو حجارة أو غيرهما. 3239 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ حَدَّثَنَا ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ -يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى رَجُلاً آدَمَ طُوَالاً جَعْدًا كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى رَجُلاً مَرْبُوعًا، مَرْبُوعَ الْخَلْقِ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، سَبْطَ الرَّأْسِ، وَرَأَيْتُ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ، وَالدَّجَّالَ فِي آيَاتٍ أَرَاهُنَّ اللَّهُ إِيَّاهُ، فَلاَ تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ. قَالَ أَنَسٌ وَأَبُو بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تَحْرُسُ الْمَلاَئِكَةُ الْمَدِينَةَ مِنَ الدَّجَّالِ». [الحديث 3239 - طرفه في: 3396]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة أبو بكر بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة. قال البخاري (وقال لي خليفة) بن خياط (حدّثنا يزيد بن زريع) قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة واللفظ له (عن قتادة عن أبي العالية) رفيع الرياحي البصري أنه قال: (حدّثنا ابن عم نبيكم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يعني ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (رأيت ليلة أسري بي) إلى المسجد الأقصى (موسى) عليه السلام (رجلاً أدم) بقصر الهمزة أسمر والذي في اليونينية بمدّ الهمزة فقط (طوالاً) بضم الطاء المهملة وتخفيف الواو (جعدًا) بفتح الجيم وسكون العين المهملة ليس بسبط (كأنه من رجال شنوءة) أي في طوله وسمرته وشنوءة بفتح الشين المعجمة وبعد النون المضمومة همزة مفتوحة فهاء تأنيث قبيلة من قحطان، (ورأيت عيسى) ابن مريم (رجلاً مربوعًا) لا طويلاً ولا قصيرًا (مربوع الخلق) بفتح الخاء معتدله حال كونه مائلاً لونه (إلى الحمرة والبياض) فلم يكن شديدهما (سبط الرأس) بفتح السين وسكون الموحدة وكسرها وفتحها مسترسل الشعر، (ورأيت مالكًا خازن النار والدجال) الأعور (في) جملة (آيات) أخر (أراهن الله إياه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولعله أراد قوله تعالى {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} [النجم: 18] وحينئذٍ فيكون في الكلام التفات حيث وضع إياه موضع إياي أو الراوي نقل معنى ما تلفظ به (فلا تكن في مرية) شك (من لقائه). يعني موسى فيكون كما في الكشاف ذكر عيسى وما يتبعه من الآيات مستطردًّا لذكر موسى وإنما قطعه عن متعلقه وأخره ليشمل معناه الآيات على سبيل التبعية والإدماج، أي لا تكن يا محمد في رؤية ما رأيت من الآيات في شك، فعلى هذا الخطاب في قوله: فلا تكن للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والكلام كله متصل ليس فيه تغيير من الراوي إلا لفظة إياه وقيل قوله: أراهن الله الخ من كلام الراوي أدرجه بالحديث دفعًا لاستبعاد السامعين وإماطة لما عسى أن يختلج في صدورهم، وقال الظهري: الخطاب في فلا تكن خطاب عام لمن سمع هذا الحديث إلى يوم القيامة والضمير في لقائه عائد إلى الدجال أي إذا كان خروجه موعودًا فلا تكن في شك من لقائه ذكره في شرح المشكاة. (قال أنس) -رضي الله عنه- فيما وصله المؤلّف في باب لا يدخل المدينة الدجال من أواخر الحج (وأبو بكرة) نفيع فيما وصله في الفتن كلاهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تحرس الملائكة المدينة من الدجال). أن يدخلها.

8 - باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة

8 - باب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ (باب ما جاء) من الأخبار (في صفة الجنة وأنها مخلوقة) وموجودة الآن. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: {مُطَهَّرَةٌ}: مِنَ الْحَيْضِ وَالْبَوْلِ وَالبُصَاق. {كُلَّمَا رُزِقُوا}: أُتُوا بِشَىْءٍ، ثُمَّ أُتُوا بِآخَرَ. {قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ}: أوتينا مِنْ قَبْلُ. {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا}: يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا وَيَخْتَلِفُ فِي الطعم. {قُطُوفُهَا}: يَقْطِفُونَ كَيْفَ شَاءُوا {دَانِيَةٌ}: قَرِيبَةٌ. {الأَرَائِكُ}: السُّرُرُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: النَّضْرَةُ فِي الْوُجُوهِ، وَالسُّرُورُ فِي الْقَلْبِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {سَلْسَبِيلاً}: حَدِيدَةُ الْجِرْيَةِ. {غَوْلٌ}: وَجَعُ الْبَطْنِ. {يُنْزَفُونَ}: لاَ تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {دِهَاقًا}: مُمْتَلِئًا. {كَوَاعِبَ}: نَوَاهِدَ. {الرَّحِيقُ}: الْخَمْرُ. {التَّسْنِيمُ}: يَعْلُو شَرَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ. {خِتَامُهُ}: طِينُهُ. {مِسْكٌ} {نَضَّاخَتَانِ}: فَيَّاضَتَانِ. يُقَالُ: {مَوْضُونَةٌ} مَنْسُوجَةٌ، مِنْهُ "وَضِينُ النَّاقَةِ". وَ"الْكُوبُ" مَالاَ أُذُنَ لَهُ وَلاَ عُرْوَةَ، وَ"الأَبَارِيقُ" ذَوَاتُ الآذَانِ وَالْعُرَا. {عُرُبًا}: مُثَقَّلَةً، وَاحِدُهَا عَرُوبٌ، مِثْلُ صَبُورٍ وَصُبُرٍ، يُسَمِّيهَا أَهْلُ مَكَّةَ "الْعَرِبَةَ" وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ "الْغَنِجَةَ" وَأَهْلُ الْعِرَاقِ "الشَّكِلَةَ". وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {رَوْحٌ}: جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ. {وَالرَّيْحَانُ}: الرِّزْقُ. وَ {الْمَنْضُودُ}: الْمَوْزُ، وَ {الْمَخْضُودُ}: الْمُوقَرُ حَمْلاً، وَيُقَالُ أَيْضًا: لاَ شَوْكَ لَهُ. وَالْعُرُبُ: الْمُحَبَّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ. وَيُقَالُ: {مَسْكُوبٌ} جَارٍ. وَ {فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ}: بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ. {لَغْوًا}: بَاطِلاً. {تَأْثِيمًا}: كَذِبًا. {أَفْنَانٌ} أَغْصَانٌ. {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ}: مَا يُجْتَنَى قَرِيبٌ. {مُدْهَامَّتَانِ}: سَوْدَاوَانِ مِنَ الرِّيِّ. (قال أبو العالية) رفيع الرياحي مما وصله ابن أبي حاتم ({مطهرة}) [النساء: 57] من قوله تعالى: {ولهم فيها أزواج مطهرة} أي (من الحيض والبول والبزاق) بالزاي ولأبي ذر والبصاق بالصاد وزاد ابن أبي حاتم ومن المني والولد ({كلما رزقوا}) [البقرة: 25] أي (أتوا بشيء ثم أتوا بآخر) غيره (قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل) أي (أتينا من قبل) فيقال لهم كلوا فإن اللون واحد والطعم مختلف أو المراد بالقبلية ما كان في الدنيا، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أوتينا بواو بعد الهمزة بمعنى الأعطاء وصوبه السفاقسي والأول بمعنى المجيء (وأتوا به متشابهًا يشبه بعضه بعضًا) في اللون (ويختلف في الطعوم) ولأبي ذر في الطعم بالإفراد. قال ابن عباس: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء رواه ابن جرير. ({قطوفها}) أي (يقطفون) بكسر الطاء (كيف شاؤوا) رواه عبد بن حميد من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء ({دانية}) [الحاقة: 23] أي (قريبة) قال الكرماني فإن قلت: كيف فسر القطوف بيقطفون؟ قلت: جعل قطوفها دانية جملة حالية وأخذ لازمها. ({الأرائك}) [المطففين: 23] هي (السرر) زاد ابن عباس في الحجال. (وقال الحسن): البصري أي في قوله تعالى: {ولقاهم نضرة وسرورًا} (النضرة في الوجوه، والسرور في القلب) رواه عبد بن حميد من طريق مبارك بن فضالة عنه. (وقال مجاهد {سلسبيلا}) [الإنسان: 18] في قوله تعالى: {عينًا فيها تسمى سلسبيلا} [الإنسان: 18] (حديدة الجرية) بفتح الحاء وبدالين مهملات أي قوية الجرية. وروي عن مجاهد أيضًا قال: تجري شبيه السيل أي في قوة الجري وعن عكرمة فيما رواه ابن أبي حاتم السلسبيل اسم العين. ({غول}) أي (وجع البطن) ولأبي ذر: بطن ({ينزفون}) [الصافات: 47] أي (لا تذهب عقولهم). بل هي ثابتة مع اللذة والطرب. (وقال ابن عباس: ({دهاقًا) أي (ممتلئًا) وصله عبد بن حميد من طريق عكرمة عنه. ({كواعب}) [النبأ: 33 - 34] قال ابن عباس أي (نواهد). جمع ناهد وهي التي بدا ثديها وهذا وصله ابن أبي حاتم. ({الرحيق}) [المطففين: 25] هو (الخمر). وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة. ({التسنيم}) [المطففين: 27] أي شيء (يعلو شراب أهل الجنة). وصله عبد بن حميد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وزاد وهو صرف للمقربين ويمزج لأصحاب اليمين. ({ختامه}) [المطففين: 26] أي (طينه مسك) وصله ابن أبي حاتم من طريق مجاهد وعن أبي الدرداء فيما رواه ابن جرير قال: شراب أبيض مثل الفضة يختمون به شرابهم، ولو أن رجلاً من أهل الدنيا أدخل إصبعه فيه ثم أخرجها لم يبق ذو روح إلا وجد طيبها، وقيل: المراد بالختام ما يبقى في أسفل الشراب من الثقل وهذا يدل على أن أنهارها تجري على المسك ولذلك يرسب منه في الإناء في آخر الشراب كما يرسب الطين في آنية الدنيا. ({نضاختان}) [الرحمن: 66] أي (فياضتان). وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (يقال {موضونة} [الواقعة: 15] منسوجة) بالجيم (منه وضين الناقة). وهو كالحزام للسرج فعيل بمعنى مفعول لأنه مضفور، وقال السدي: مرمولة بالذهب واللؤلؤ، وقال عكرمة: مشبكة بالدر والياقوت. (والكوب) بضم الكاف من الكيزان (ما لا أذن له ولا عروة، والأباريق ذوات الأذان والعرى) ولأبي ذر ذات بغير واو ({عربًا} [الواقعة: 37] مثقلة) أي مضمومة الراء (واحدها عروب مثل صبور وصبر)، وزنا (يسميها أهل مكة العربة) بفتح العين وكسر الراء وفتح الموحدة وعند الطبري من طريق تميم بن حذلم العربة الحسنة التبعل كانت العرب تقول إذا كانت المرأة حسنة التبعل أنها العربة (و) يسميها (أهل المدينة الغنجة) بالغين المعجمة المفتوحة والنون المكسورة والجيم المفتوحة وعند ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم قال: هي الحسنة الكلام (و) يسميها (أهل العراق الشكلة) بفتح الشين المعجمة وكسر الكاف وعن ابن عباس العرب العواشق لأزواجهن وأزواجهن لهن عاشقون. (وقال مجاهد {روح} جنة ورخاء {والريحان} [الواقعة: 89] (الرزق) أخرجه البيهقي في شعبه ({والمضود}) [الواقعة: 29] هو (الموز) رواه ابن أبي حاتم عن أبي

سعيد ({والمخضود}) [الواقعة: 28] هو (الموقر حملاً)، بفتح قاف الموقر وحاء حملاً (ويقال أيضًا) المخضود الذي (لا شوك له). وقال مجاهد منضود متراكم الثمر يذكر بذلك قريشًا لأنهم كانوا يعجبون من وج وظلاله من طلح وسدر. وقال السدي: منضود مصفوف، وروى ابن أبي حاتم من حديث الحسن بن سعد عن شيخ من همدان قال: سمعت عليًّا يقول في طلح منضود قال: طلع منضود. قال ابن كثير: فعلى هذا يكون من وصف السدر وكأنه وصفه بأنه مخضود وهو الذي لا شكو له وأن طلعه منضود وهو كثرة ثمره. ((والعُربُ}) [الواقعة: 37] بضم العين والراء، ولأبي ذر: والعرب بسكون الراء (المحببات إلى أزواجهن) رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس من طريق سعيد بن جبير. (ويقال {مسكوب}) [الواقعة: 31] أي (جار) و ({فرش مرفوعة} [الواقعة: 34]) أي (بعضها فوق بعض) وصله الفريابي عن مجاهد وقيل العالية وذكر أن ارتفاعها مسيرة خمسمائة عام، وقيل: هي النساء لأن المرأة يكنى عنها بالفراش. ({لغوّا}) أي (باطلاً) ({تأثيمًا}) [الواقعة: 25] أي (كذبًا) وصله الفريابي عن مجاهد ({أفنان}) [الرحمن: 48] أي (أغصان {وجنى الجنتين دان}) [الرحمن: 54] أي (ما يجتنى قريب) وصله الطبري عن مجاهد ({مدهامتان}) أي (سوداوان من الري). وصله الفريابي عن مجاهد. 3240 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ. فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) اليربوعي الكوفي ونسبه لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث بن سعد) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا مات أحدكم فإنه يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي) أي فيهما بأن يحيا منه جزء ليدرك ذلك أو العرض على الروح فقط (فإن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة)، أي فالمعروض عليه من مقاعد أهل الجنة فحذف المبتدأ والمضاف المجرور بمن وأقام المضاف إليه مقامه وحينئذٍ فالشرط والجزاء متغايران لا متحدان (وإن كان من أهل النار فمن أهل النار). أي فمقعده من مقاعد أهلها يعرض عليه. وهذا الحديث سبق في باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي من الجنائز. 3241 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ». [الحديث 3241 - أطرافه في: 5198، 6449، 6546]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا سلم بن زرير) بفتح السين المهملة وسكون اللام وزرير بفتح الزاي وكسر الراء وبعد التحتية الساكنة راء أخرى العطاردي البصري قال: (حدّثنا أبو رجاء) بالجيم عمران بن ملحان العطاردي البصري (عن عمران بن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (اطلعت في الجنة) بتشديد الطاء أي أشرفت ليلة الإسراء أو في المنام لا في صلاة الكسوف (فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء) أي لما يغلب عليهن من الهوى والميل إلى عاجل زينة الدنيا والإعراض عن الآخرة لنقص عقلهن وسرعة انخداعهن قاله القرطبي. وقال المهلب: لكفرهن العشير. وموضع الترجمة قوله اطلعت في الجنة لدلالته على وجودها حالة إطلاعه، والحديث أخرجه أيضًا في الرقاق والنكاح والترمذي في صفة جهنم والنسائي في عشرة النساء والرقاق. 3242 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ النَبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ قَالَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا. فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ"؟. [الحديث 3242 - أطرافه في: 3680، 5227، 7023، 7025]. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: بينا) بغير ميم (نحن عند رسول الله) ولأبوي الوقت وذر عند النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ قال): (بينا) بغير ميم (أنا نائم رأيتني) أي رأيت نفسي (في الجنة) ورؤيا الأنبياء حق (فإذا امرأة) هي أم سليم (تتوضأ) وضوءًا شرعيًّا فيؤوّل بكونها محافظة في الدنيا على العبادة أو لغويًّا لتزداد وضاءة وحسنًا لا لتزيل وسخًا لتنزيه الجنة عنه (إلى جانب قصر) زاد الترمذي من حديث أنس من ذهب (فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا): يحتمل أنه جبريل ومن معه (لعمر بن الخطاب) زاد في النكاح فأردت أن أدخله (فذكرت غيرته) بفتح الغين

المعجمة (فوليت مدبرًا فبكى عمر) لما سمع ذلك سرورًا به أو تشوّقًا إليه (وقال) عمر -رضي الله عنه-: (أعليك أغار يا رسول الله) هذا من القلب والأصل أعليها أغار منك. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في مناقب عمر -رضي الله عنه-. 3243 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عِمْرَانَ الْجَوْنِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَيْمَةُ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ طُولُهَا فِي السَّمَاءِ ثَلاَثُونَ مِيلاً فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا لِلْمُؤْمِنِ أَهْلٌ لاَ يَرَاهُمُ الآخَرُونَ». قَالَ أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ وَالْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ: "سِتُّونَ مِيلاً". [الحديث 3243 - طرفه في: 4879]. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون الأنماطي السلمي مولاهم البصري قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى بن حبان البصري (قال: سمعت أبا عمران) عبد الملك بن حبيب (الجوني) بجيم مفتوحة فواو ساكنة فنون مكسورة فتحتية (يحدث عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس الأشعري عن أبيه) عبد الله أبي موسى الأشعري (أن النبي) ولأبي ذر: عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الخيمة) هي بيت مربع من بيوت الأعراب (درة مجوفة) بفتح الواو المشددة (طولها في السماء ثلاثون ميلاً) الميل ثلاث فرسخ، وللسرخسي والمستملي: در مجوف طوله بالتذكير في الثلاثة على معنى الخيمة وهو الشيء الساتر (في كل زاوية منها) أي من الخيمة (للمؤمن أهل) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني: من أهل (لا يراهم الآخرون). وهذا الحديث أخرجه في تفسير سورة الرحمن ومسلم والترمذي في صفة الجنة والنسائي في التفسير. (قال أبو عبد الصمد) عبد العزيز بن عبد الصمد العمي فيما وصله في سورة الرحمن (والحرث بن عبيد) بضم العين مصغرًا من غير إضافة لشيء ابن قدامة الأيادي بفتح الهمزة وتخفيف التحتية فيما وصله مسلم كلاهما (عن أبي عمران) الجوني (ستون ميلاً). لكن الذي في الرحمن بلفظ عرضها فليتأمل. 3244 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قَالَ اللَّهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنَ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنَ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} ". [الحديث 3244 - أطرافه 4779، 4780، 7498]. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قال الله) عز وجل: (أعددت لعبادي الصالحين) في الجنة (ما لا عين رأت ولا أذن سمعت) بتنوين عين وأذن والذي في اليونينية بفتحهما (ولا خطر على قلب بشر) في قوله: أعددت دليل على أن الجنة مخلوقة، وقول الطيبي: إن تخصيص البشر لأنهم الذين ينتفعون بما أعدّ لهم ويهتمون بشأنه بخلاف الملائكة معارض بما زاده ابن مسعود في حديثه المروي عند ابن أبي حاتم ولا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل (فاقرؤوا إن شئتم) هو قول أبي هريرة كما في سورة السجدة ({فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين}) (السجدة: 17] قال الزمخشري: لا تعلم النفوس كلهن ولا نفس واحدة منهن لا ملك مقرب ولا نبي مرسل أي نوع عظيم من الثواب ادّخره لأولئك وأخفاه عن جميع خلائقه لا يعلمه إلا هو مما تقر به عيونهم ولا مزيد على هذه العدة ولا مطمح وراءها اهـ. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في سورة السجدة وكذا الترمذي. 3245 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ. آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الْحُسْنِ. لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا». [الحديث 3245 - أطرافه في: 3246، 3254، 3327]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد البصري الأزدي (عن همام بن منبه) بكسر الموحدة المشدّدة الصنعاني أخي وهب (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أوّل زمرة) أي جماعة (تلج الجنة) تدخلها (صورتهم على صورة القمر ليلة البدر) في الإضاءة والحسن (لا يبصقون) بالصاد (فيها) أي في الجنة (ولا يمتخطون ولا يتغوّطون) زاد جابر في حديثه المروي في مسلم طعامهم ذلك جشاء كريح المسك وزاد المؤلّف في صفة آدم ولا يبولون، وفي الرواية الثانية لا يسقمون ففيه سلب صفات النقص عنهم (آنيتهم فيها) أي في الجنة (الذهب) زاد في الثانية: والفضة (أمشاطهم من الذهب والفضة) يمتشطون بها لا لاتساخ شعورهم بل للتلذذ (ومجامرهم) بفتح الميم الأولى (الألوّة) بفتح الهمزة وتضم وبضم اللام وتشديد الواو، وحكي كسر الهمزة وتخفيف الواو وفى اليونينية وتسكن اللام. قال الأصمعي: أراها فارسية عربت العود الهندي الذي يتبخر به أو المراد

عود مجامرهم الألوة، ويؤيده الرواية الآتية قريبًا إن شاء الله تعالى وقود مجامرهم الألوة لأن المراد الجمر الذي يطرح عليه واستشكل بأن العود إنما يفوح ريحه بوضعه في النار والجنة لا نار فيها. وأجيب: باحتمال أن يكون في الجنة نار لا تسلط لها على الاحراق إلا إحراق ما يتبخر به خاصة ولم يخلق الله فيها قوة يتأذى بها من يمسها أصلاً أو يستعمل العود بغير نار وإنما سميت مجمرة باعتبار ما كان في الأصل أو يفوح بغير استعمال. (ورشحهم المسك) أي عرقهم كالمسك في طيب ريحه (ولكل واحد منهم زوجتان) من نساء الدنيا والتثنية بالنظر إلى أن أقل ما لكل واحد منهم زوجتان، وقيل بالنظر إلى قوله تعالى: {جنتان} و {عينان} فليتأمل. ويأتي قريبًا إن شاء الله تعالى من طريق عبد الرحمن بن عمرة عن أبي هريرة: لكل امرئ زوجتان من الحور العين. وعند الفريابي عن أبي أمامة عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ما من عبد يدخل الجنة إلا ويزوّج اثنتين وسبعين زوجة اثنتين من الحور وسبعين من أهل ميراثه من أهل الدنيا ليس منهن امرأة إلا لها قُبُل شهيّ وله ذكر لا ينثني" وفيه خالد بن يزيد بن عبد الرحمن الدمشقي، وهاه ابن معين وقال: ليس بشيء. وقال النسائي ثقة. وقال الدارقطني: ضعيف. وذكر له ابن عدي هذا الحديث مما أنكر عليه. وعند أبي نعيم عن أنس قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "للمؤمن في الجنة ثلاث وسبعون زوجة" فقلنا يا رسول الله أوله قوة ذلك؟ قال: "إنه ليعطى قوة مائة". وفيه أحمد بن حفص السعدي له مناكير والحجاج بن أرطأة. قال ابن القيم: والأحاديث الصحيحة إنما فيها أن لكل منهم زوجتين وليس في الصحيح زيادة على ذلك، فإن كانت هذه الأحاديث محفوظة فإما أن يراد بها ما لكل واحد من السراري زيادة على الزوجتين، وإما أن يراد أنه يعطى قوّة من يجامع هذا العدد ويكون هذا هو المحفوظ فرواه بعض هؤلاء بالمعنى فقال: له كذا وكذا زوجة، ويحتمل أن يكون تفاوتهم في عدد النساء بحسب تفاوتهم في الدرجات. قال: ولا ريب أن للمؤمن في الجنة أكثر من اثنتين لما في الصحيحين من حديث أبي عمران الجوني عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. "إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة طولها ستون ميلاً للعبد المؤمن فيها أهلون يطوف عليهم لا يرى بعضهم بعضًا" وقوله: زوجتان بتاء التأنيث قد تكررت في الحديث والأشهر تركها وأنكرها الأصمعي فذكر له قول الفرزدق: وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي ... لساع إلى أسد الشرى يستنيلها فسكت ولم يحر جوابًا. (يرى) بضم أوله مبنيًا للمفعول (مخ سوقهما) بضم الميم وتشديد الخاء المعجمة والرفع مفعولاً ناب عن فاعله ما في داخل العظم (من وراء اللحم) والجلد (من الحسن) والصفاء البالغ ورقة البشرة ونعومة الأعضاء. وفي حديث أبي سعيد المروي عند أحمد ينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة. وفي حديث ابن مسعود عند ابن حبان في صحيحه مرفوعًا: "إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها" وذلك أن الله تعالى يقول: {كأنهن الياقوت والمرجان} [الرحمن: 58] فأما الياقوت فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكًا ثم استصفيته لرأيته من ورائه، ولأبي ذر: يرى مبنيًّا للفاعل مخ سوقهما بنصب مخ على المفعولية (لا اختلاف بينهم) بين أهل الجنة (ولا تباغض) لصفاء قلوبهم ونظافتها من الكدورات (قلوبهم قلب واحد)، أي كقلب واحد، ولأبي ذر عن الكشميهني: قلب رجل واحد (يسبحون الله) متلذذين به لا متعبدين (بكرة وعشيًّا) نصب على الظرفية أي مقدارهما يعلمون ذلك قيل بستارة تحت العرش إذا نشرت يكون النهار لو كانوا في الدنيا، وإذا طويت يكون الليل لو كانوا فيها أو المراد الديمومة كما تقول العرب: أنا عند فلان صباحًا ومساء لا بقصد الوقتين المعلومين بل الديمومة قاله في شرح المشكاة. وفي حديث

جابر عند مسلم يلهمون التسبيح والتكبير كما تلهمون النفس وحينئذٍ فلا كلفة عليهم في ذلك وذلك لأن قلوبهم تنورت بمعرفة ربهم تعالى وامتلأت بحبه. وهذا الحديث أخرجه الترمذي في صفة الجنة أيضًا. 3246 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّذِينَ عَلَى إِثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ: كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ لَحْمِهَا مِنَ الْحُسْنِ. يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا. لاَ يَسْقَمُونَ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ وَلاَ يَبْصُقُونَ. آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، وَأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، ووَقُودُ مَجَامِرِهِمُ الأُلُوَّةُ -قَالَ أَبُو الْيَمَانِ: يَعْنِي الْعُودَ- وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ». قَالَ مُجَاهِدٌ: الإِبْكَارُ أَوَّلُ الْفَجْرِ، وَالْعَشِيُّ مَيْلُ الشَّمْسِ إلى أَنْ -أَرَاهُ- تَغْرُبَ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (أول زمرة) جماعة (تدخل الجنة على صورة القمر) في الإضاءة والحسن (ليلة البدر والذين) يدخلون الجنة (على إثرهم) بكسر الهمزة وسكون المثلثة، ولأبي ذر: أثرهم بفتحهما أي عقبهم أي بعدهم (كأشد كوكب إضاءة) بأفراد المضاف إليه ليفيد الاستغراق في هذا النوع من الكواكب يعني إذا انقضت كوكبًا كوكبًا رأيتهم كأشده إضاءة قاله في شرح المشكاة (قلوبهم على قلب رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغض) تفسير لقوله قلوبهم على قلب رجل واحد. (لكل امرء منهم زوجتان). وفي حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعًا في صفة أدنى أهل الجنة منزلة وإن له من الحور لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا. ولمسلم من حديث أبي سعيد في صفة الأدنى أيضًا ثم تدخل عليه زوجتاه (كل واحدة منهما يرى مخ ساقها) ولأبي ذر يرى مبنيًّا للفاعل مخ ساقها (من وراء اللحم من الحسن) تتميم صونًا من توهم ما يتصوّر في تلك الرؤية مما ينفر عنه الطبع (يسبحون الله) متلذذين بالتسبيح (بكرة وعشيًّا) أي في مقدارهما إذ لا بكرة ثمة ولا عشية إذ لا طلوع ولا غروب (لا يسقمون) إذ هي دار صحة لا سقم (ولا يمتخطون ولا يبصقون) لكمالهم فليس لهم فضلة تستقذر (آنيتهم الذهب والفضة) في الطبراني بإسناد قوي من حديث أنس مرفوعًا إن أدنى أهل الجنة لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم بيد كل واحد صحفتان واحدة من ذهب والأخرى من فضة. (وأمشاطهم الذهب) وفي الأولى من الذهب والفضة (وقود مجامرهم الألوة) بفتح الهمزة وضم اللام وبضم فسكون وتشديد الواو ولأبي ذر: ووقود بزيادة واو العطف. (قال أبو اليمان) الحكم بن نافع (يعني) بالألوة (العود) الذي يتبخر به (ورشحهم المسك). (وقال مجاهد) فيما وصله الطبري (الإبكار) بكسر الهمزة (أول الفجر، والعشي ميل الشمس أن تراه) ولأبي ذر: إلى أن أراه بضم الهمزة أي أظنه (تغرب). الشمس. 3247 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيَدْخُلَنَّ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا -أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ- لاَ يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ، وَجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ». [الحديث 3247 - طرفاه في: 6543، 6554]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن أبي بكر المقدمي) بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة قال: (حدّثنا فضيل بن سليمان) النميري بالنون المضمومة مصغرًا (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج المدني (عن سهل بن سعد) الساعدي (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ليدخلن من أمتي) الجنة (سبعون ألفًا أو سبعمائة ألف) زاد في الرقاق من طريق سعيد بن أبي مريم عن أبي غسان عن أبي حازم شك في أحدهما ولمسلم من طريق عبد العزيز بن محمد عن أبي حازم لا يدري أبو حازم أيهما. وفي حديث ابن عباس في الرقاق وصفهم بأنهم كانوا لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون. وفي حديث أبي أمامة عند الترمذي مرفوعًا "وعدني ربي أن يدخل من أمتي سبعين ألفًا لا حساب عليهم ولا عقاب مع كل ألف سبعون ألفًا وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل" والمراد بالمعية في قوله: مع كل ألف سبعون ألفًا مجرد دخولهم الجنة بغير حساب وإن دخلوها في الزمرة الثانية أو التي بعدها. وفي حديث جابر عند الحاكم والبيهقي في البعث مرفوعًا "من زادت حسناته على سيئاته فذلك الذي يدخل الجنة بغير حساب، ومن استوت حسناته وسيئاته فذاك الذي يحاسب حسابًا يسيرًا، ومن أوبق نفسه فهو الذي يشفع فيه بعد أن يعذب". وفي التقييد بقوله أمتي إخراج غير الأمة المحمدية من العدد المذكور. فإن قلت: هذا معارض بحديث أبي برزة الأسلمي

مرفوعًا عند مسلم "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيمَ أفناه وعن جسده فيمَ أبلاه وعن علمه ما عمل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه" إذ هو عام لأنه نكرة في سياق النفي. أجيب: بأنه مخصوص بمن يدخل الجنة بغير حساب ومن يدخل النار من أول وهلة وزاد في رواية أبي غسان متماسكين آخذًا بعضهم ببعض. (لا يدخل أولهم) الجنة (حتى يدخل آخرهم) بأن يدخلوا صفًا واحدًا دفعة واحدة (وجوههم على صورة القمر ليلة البدر) ليس فيه نفي دخول أحد من هذه الأمة المحمدية على الصفة المذكورة من الشبه بالقمر والجملة حالية بدون الواو. 3248 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ -رضي الله عنه- قَالَ: "أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جُبَّةُ سُنْدُسٍ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد الجعفي) المسندي قال: (حدّثنا يونس بن محمد) المؤدب البغدادي قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: حدّثنا أنس -رضي الله عنه- قال: أهدي) بضم الهمزة (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبة سندس) برفع جبة نائبًا عن الفاعل، والسندس: ما رق من الديباج وهو ما ثخن وغلظ من ثياب الحرير وكان الذي أهداها أكيدر دومة (وكان) عليه الصلاة والسلام (ينهى عن) استعمال (الحرير فعجب الناس منها) أي من الجبة زاد في اللباس فقال: أتعجبون من هذا؟ قلنا: نعم (فقال): (والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا). الثوب. 3249 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَوْبٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَجَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهِ وَلِينِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا". [الحديث 3249 - أطرافه في: 3802، 5836، 6640]. وبه قال: (حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) بن عيينة أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي (قال: سمعت البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: أتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثوب من حرير فجعلوا) يعني الصحابة (يعجبون من حسنه ولينه فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أفضل من هذا) قال الخطابي: إنما ضرب المثل بالمناديل لأنها ليست من علية الثياب بل تبتذل في أنواع من المرافق فيمسح بها الأيدي وينفض بها الغبار عن البدن، ويغطى بها ما يهدى في الأطباق، وتتخذ لفافًا للثياب فصار سبيلها سبيل الخادم وسبيل سائر الثياب سبيل المخدوم، فإذا كان أدناها هكذا فما ظنك بعليتها؟. 3250 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج (عن سهل بن سعد الساعدي) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها) لأن نعيم الجنة دائم لا انقضاء له مع ما اشتمل عليه من البهجة التي يعجز الوصف عنها وخص السوط بالذكر. قال التوربشتي: لأن من شأن الراكب إذا أراد النزول في منزل أن يلقي سوطه قبل أن يترك معلمًا بذلك المكان الذي يريده لئلا يسبقه إليه أحد. 3251 - حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا». وبه قال: (حدّثنا روح بن عبد المؤمن) بفتح الراء وبعد الواو الساكنة حاء مهملة البصري المقرئ قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بتقديم الزاي مصغرًا البصري قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة أنه قال: (حدّثنا أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إنَّ في الجنة لشجرة) هي طوبى كما عند أحمد والطبراني وابن حبان من حديث عتبة بن عبد السلمي (يسير الراكب) الجواد المضمر السريع (في ظلها) أي ناحيتها (مائة عام لا يقطعها). وليس في الجنة شمس ولا أذى. 3252 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}». [الحديث 3252 - طرفه في: 4881]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) العوقي بفتح الواو وبعدها قاف قال: (حدّثنا فليح بن سليمان) الخزاعي المدني قال: (حدّثنا هلال بن علي) العامري المدني وقد ينسب إلى جدّه أسامة (عن عبد الرحمن بن أبي عمرة) بفتح العين وسكون الميم الأنصاري النجاري (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن في الجنة لشجرة) اسمها طوبى يذكر أنه ليس في الجنة دار إلاّ فيها غصن من أغصانها (يسير الراكب في ظلها) ناحيتها (مائة سنة) زاد في الأولى لا يقطعها (واقرؤوا إن شئتم {وظل ممدود}) [الواقعة: 30]. وعند ابن جرير عن أبي هريرة قال: إن في الجنة

لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة اقرؤوا إن شئتم {وظل ممدود} [الواقعة: 30]. فبلغ ذلك كعبًا فقال: صدق والذي أنزل التوراة على موسى والفرقان على محمد لو أن رجلاً ركب حقة أو جذعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرمًا إن الله غرسها بيده ونفخ فيها من روحه وإن أفنانها لمن وراء سور الجنة وما في الجنة نهر إلاّ وهو يخرج من أصل تلك الشجرة. وفي حديث ابن عباس موقوفًا عند ابن أبي حاتم: فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا فيرسل الله ريحًا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو في الدنيا. قال ابن كثير: أثر غريب وإسناده جيد قوي. 3253 - «وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ تَغْرُبُ». (ولقاب قوس أحدكم) أي قدره (في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس) في الدنيا من متاعها (أو تغرب) عليه. 3254 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ هِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّذِينَ عَلَى آثَارِهِمْ كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لاَ تَبَاغُضَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَحَاسُدَ، لِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ الْعَظْمِ وَاللَّحْمِ». وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) بن إسحاق الحزامي قال: (حدّثنا محمد بن فليح) قال: (حدّثنا أبي) فليح بن سليمان (عن هلال) هو ابن هلال العامري (عن عبد الرحمن بن أبي عمرة) الأنصاري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (أول زمرة) جماعة (تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر) في الحسن والإضاءة (والذين) يدخلونها (على آثارهم كأحسن كوكب دريّ في السماء إضاءة) بضم الدال وتشديد الراء والتحتية مضيء متلالئ كالزهرة في صفاته وزهرته منسوب إلى الدر أو فعيل كمرّيق من الدرء بالهمزة فإنه يدفع الظلام بضوئه (قلوبهم على قلب رجل واحد لا تباغض بينهم ولا تحاسد) لطهارة قلوبهم عن الأخلاق الذميمة (لكل امرئ) زاد في السابقة منهم (زوجتان من الحور العين) سبق قريبًا من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة بلفظ: ولكل واحد منهم زوجتان ولم يقل فيه من الحور العين، وفسر بأنهما من نساء الدنيا لحديث أبي هريرة مرفوعًا في صفة أدنى أهل الجنة: وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا فلينظر ما في ذلك. وعند عبد الله بن أبي أوفى مرفوعًا: إن الرجل من أهل الجنة ليزوج خمسمائة حوراء وأربعة آلاف بكر وثمانية آلاف ثيب يعانق كل واحدة منهم مقدار عمره في الدنيا. رواه البيهقي وفي إسناده راو لم يسم. (يرى مخ) بضم الياء مبنيًّا للمفعول. ولأبي ذر: يرى أي المرء مخ (سوقهن) أي ما في داخل العظم (من وراء العظم واللحم) من الصفاء. وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا من طريق محمد بن كعب القرظي عن رجل من الأنصار عند أبي يعلى والبيهقي: وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت كبده لها مرآة وكبدها له مرآة. الحديث. 3255 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ أَخْبَرَنِي قَالَ: "سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ: إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ". وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) السلمي مولاهم البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي التابعي (أخبرني) بالإفراد (قال: سمعت البراء) في باب ما قيل في أولاد المسلمين من طريق أبي الوليد هشام بن عبد الملك حدّثنا شعبة عن عدي بن ثابت أنه سمع البراء (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال لما مات إبراهيم) ابن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال) عليه السلام: (إن له مرضعًا في الجنة) وعند الإسماعيلي مرضعًا ترضعه في الجنة ولم يقل مرضعة بالهاء لأن المراد التي من شأنها الإرضاع أعم من أن تكون في حالة الإرضاع. 3256 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَيُونَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَيُونَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ؟ قَالَ: بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ». [الحديث 3256 - طرفه في: 6556]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) القرشي الأويسي (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك بن أنس) الإمام وسقط لأبي ذر: ابن أنس (عن صفوان بن سليم) بضم السين وفتح اللام المدني (عن عطاء بن يسار) بالتحتية والمهملة المخففة (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن أهل الجنة يتراءيون) بفتح التحتية والفوقية فهمزة مفتوحة فتحتية مضمومة بوزن يتفاعلون (أهل الغرف من فوقهم كما يتراءيون) بفتح التحتية والفوقية والهمزة بعدها تحتية مضمومة ولأبي ذر تتراءون بفوقيتين من غير تحتية بعد الهمزة (الكوكب الدريّ) بضم الدال والتحتية بغير همز الشديد الإضاءة (الغابر)

9 - باب صفة أبواب الجنة

بالموحدة بعد الألف أي الباقي في الأفق بعد انتشار ضوء الفجر وإنما يستنير في ذلك الوقت الكوكب الشديد الإضاءة وفي الموطأ الغائر بالتحتية بدل الموحدة يريد انحطاطه من الجانب الغربي. قال التوربشتي: وهو تصحيف، وفي الترمذي الغارب بتقديم الراء على الموحدة (في الأفق) أي طرف السماء (من المشرق أو المغرب). قال في شرح المشكاة، فإن قلت: ما فائدة تقييد الكوكب بالدري ثم بالغابر في الأفق؟ وأجاب: بأنه للإيذان بأنه من باب التمثيل الذي وجهه منتزع من عدّة أمور متوهمة في المشبه شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المستضيء الباقي في جانب المشرق أو المغرب في الاستضاءة مع البعد فلو اقتصر على الغائر لم يصح لأن الإشراق يفوت عند الغؤور اللهم إلا أن يقدر المستشرق على الغؤور كقوله تعالى: {فإذا بلغن أجلهن} [البقرة: 234]. أي شارفن بلوغ أجلهن لكن لا يصح هذا المعنى في الجانب الشرقي نعم. على التقدير كقولهم: متقلدًا سيفًا ورمحًا. وعلفتها تبنًا وماء باردًا أي طالعًا في الأفق من المشرق وغابرًا في المغرب. (لتفاضل ما بينهم قالوا: يا رسول الله تلك) الغرف المذكورة (منازل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يبلغها غيرهم. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بلى والذي نفسي بيده) أي نعم هي منازل الأنبياء بإيجاب الله تعالى لهم، ولكن قد يتفضل الله تعالى على غيرهم بالوصول إلى تلك المنازل، ولأبي ذر فيما حكاه السفاقسي: بل التي للإضراب. قال القرطبي: والسياق يقتضي أن يكون الجواب بالإضراب، وإيجاب الثاني أي بل هم (رجال آمنوا بالله) حق إيمانه (وصدّقوا المرسلين) حق تصديقهم وكل أهل الجنة مؤمنون مصدقون لكن امتاز هؤلاء بالصفة المذكورة. وفي حديث أبي سعيد عن الترمذي: وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما. وعنده أيضًا عن عليّ مرفوعًا: أن في الجنة غرفًا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها". فقال أعرابي: لمن هي يا رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: "هي لمن ألان الكلام وأدام الصيام وصلّى بالليل والناس نيام". وقال الكرماني: المصدقون بجميع الرسل ليس إلا أمة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيبقى مؤمنو سائر الأمم فيها اهـ. فالغرف لهذه الأمة إذ تصديق جميع الرسل إنما يتحقق لها بخلاف غيرهم من الأمم وإن كان فيهم من صدق بمن سيجيء من بعده من الرسل فهو بطريق التوقع قاله في الفتح. وهذا الحديث أخرجه مسلم في صفة الجنة. 9 - باب صِفَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ». فِيهِ عُبَادَةُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب صفة أبواب الجنة). (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله في الصيام (من أنفق زوجين) أي من أي شيء كان صنفين أو متشابهين كبعيرين أو درهمين (دعي من باب الجنة) وفي الصوم: نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير. (فيه) أي في هذا الباب (عبادة) بن الصامت (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال: "من شهد أن لا إله إلاّ الله). الحديث. وفيه: "أدخله الله من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء". 3257 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لاَ يَدْخُلُهُ إِلاَّ الصَّائِمُونَ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) الجمحي مولاهم البصري وهو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم قال: (حدّثنا محمد بن مطرف) بضم الميم وفتح الطاء وتشديد الراء المكسورة آخره فاء أبو غسان (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون) مجازاة لهم لما كان يصيبهم من العطش في صيامهم وفي الصيام ذكر باب الصلاة وباب الجهاد وباب الصدقة وفي نوادر الأصول باب الرحمة وهو باب التوبة. قال: وسائر الأبواب مقسومة على أعمال البر باب الزكاة باب الحج باب العمرة. وعند عياض باب: الكاظمين الغيظ باب الراضين الباب الأيمن الذي يدخل منه من لا حساب عليه، وعند الآجري مرفوعًا من حديث أبي هريرة باب الضحى، وفي الفردوس مرفوعًا من حديث ابن عباس باب الفرح لا يدخل منه إلا مفرح الصبيان. وعند الترمذي باب الذكر، وعند ابن بطال باب الصابرين، وفي حديث عتبة بن غزوان عند مسلم أن المصراعين من مصاريع الجنة

10 - باب صفة النار وأنها مخلوقة

بينهما مسيرة أربعين سنة ولأبي ذر تقديم هذا الحديث المسند على المعلقين والله أعلم. 10 - باب صِفَةِ النَّارِ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ {غَسَاقًا}: يُقَالُ غَسَقَتْ عَيْنُهُ، وَيَغْسِقُ الْجُرْحُ، وَكَأَنَّ الْغَسَاقَ وَالْغَسْقَ وَاحِدٌ. {غِسْلِينَ}: كُلُّ شَىْءٍ غَسَلْتَهُ فَخَرَجَ مِنْهُ شَىْءٌ فَهُوَ غِسْلِينَ، فِعْلِينَ مِنَ الْغَسْلِ، مِنَ الْجُرْحِ وَالدَّبَرِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {حَصَبُ جَهَنَّمَ}: حَطَبُ بِالْحَبَشِيَّةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ {حَاصِبًا}: الرِّيحُ الْعَاصِفُ، وَالْحَاصِبُ مَا تَرْمِي بِهِ الرِّيحُ، وَمِنْهُ حَصَبُ جَهَنَّمَ: يُرْمَى بِهِ فِي جَهَنَّمَ. هُمْ حَصَبُهَا، وَيُقَالُ حَصَبَ فِي الأَرْضِ: ذَهَبَ، وَالْحَصَبُ مُشْتَقٌّ مِنْ حَصْبَاءِ الْحِجَارَةِ. {صَدِيدٌ}: قَيْحٌ وَدَمٌ. {خَبَتْ}: طَفِئَتْ. {تُورُونَ}: تَسْتَخْرِجُونَ، أَوْرَيْتُ: أَوْقَدْتُ. {لِلْمُقْوِينَ}: لِلْمُسَافِرِينَ، وَالْقِيُّ: الْقَفْرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {صِرَاطُ الْجَحِيمِ}: سَوَاءُ الْجَحِيمِ وَوَسَطُ الْجَحِيمِ. {لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ}: يُخْلَطُ طَعَامُهُمْ وَيُسَاطُ بِالْحَمِيمِ. {زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ}: صَوْتٌ شَدِيدٌ وَصَوْتٌ ضَعِيفٌ. {وِرْدًا}: عِطَاشًا. {غَيًّا}: خُسْرَانًا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ {يُسْجَرُونَ}: تُوقَدُ بِهِمُ النَّارُ. {وَنُحَاسٌ}: الصُّفْرُ يُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمْ. {يُقَالُ ذُوقُوا}: بَاشِرُوا وَجَرِّبُوا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ ذَوْقِ الْفَمِ. {مَارِجٌ}: خَالِصٌ مِنَ النَّارِ، مَرَجَ الأَمِيرُ رَعِيَّتَهُ إِذَا خَلاَّهُمْ يَعْدُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. {مَرِيجٍ}: مُلْتَبِسٌ، مَرَجَ أَمْرُ النَّاسِ: اخْتَلَطَ. {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ}: مَرَجْتَ دَابَّتَكَ تَرَكْتَهَا. (باب صفة النار وأنها مخلوقة) الآن. ({غساقا}) [النبأ: 25]. في قوله تعالى: {إلاّ حميمًا غساقًا}. (يقال: غسقت) بفتح السين (عينه) إذا سأل ماؤها. وقال الجوهري: إذا أظلمت. وقيل: البارد الذي يحرق ببرده، وقيل المنتن. (ويغسق الجرح) بكسر السين إذا سأل منه ماء أصفر، ولعل المراد في الآية ما يسيل من صديد أهل النار المشتمل على شدة البرودة وشدة النتن (وكأن الغساق والغسق) بفتحتين ولأبي ذر: والغسيق بتحتية ساكنة بعد السين المكسورة (واحد). في كون المراد بهما الظلمة. ({غسلين}) [الحاقة: 36]. في قوله تعالى: {ولا طعام إلاّ من غسلين} هو (كل شيء غسلته فخرج منه شيء فهو غسلين فعلين من الغسل) بفتح الغين (من الجرح) بضم الجيم (والدبر) بفتح الدال المهملة والموحدة ما يصيب الإبل من الجراحات. (وقال عكرمة): فيما وصله ابن أبي حاتم (حصب جهنم حطب بالحبشية) وتكلمت بها العرب فصارت عربية ولم يقل ابن أبي حاتم بالحبشية. (وقال غيره): غير عكرمة ({حاصبًا}) [الإسراء: 68]. (الريح العاصف) الشديد (والحاصب ما ترمي به الريح) لأن الحصب الرمي (ومنه حصب جهنم يرمى به في جهنم هم) أي أهل النار (حصبها) بفتح الحاء والصاد (ويقال: حصب في الأرض) أي (ذهب والحصب) بفتحتين (مشتق من الحصباء) ولغير أبي ذر: من حصباء الحجارة وهي الحصى. ({صديد}) بالرفع ولأبي ذر بالجر في قوله تعالى: {ويسقى من ماء صديد} [إبراهيم: 16]. هو (قيح ودم) قال أبو عبيدة ({خبت}) في قوله تعالى: {كلما خبت} [الإسراء: 97]. أي (طفئت) بفتح الطاء وكسر الفاء وبعدها همزة ({تورون}) في قوله تعالى: {أفرأيتم النار التي تورون} [الواقعة: 71]. أي (تستخرجون) يقال (أوريت) أي (أوقدت) قال له أبو عبيدة. ({للمقوين}) في قوله تعالى: {ومتاعًا للمقوين} [الواقعة: 73]. أي (للمسافرين) رواه الطبري عن ابن عباس (والقيّ) بكسر القاف وتشديد التحتية (القفر) الذي لا نبات فيه ولا ماء. (وقال ابن عباس) فيما ذكره الطبري ({صراط الجحيم}) [الصافات: 23]. أي (سواء الجحيم ووسط الجحيم) {لشوبًا من حميم} [الصافات: 67]. (يخلط طعامهم ويساط) بالسين المهملة. ولأبي ذر عن الكشميهني: ويحرك (بالحميم) وكل شيء خلطته بغيره فهو مشوب ({زفير وشهيق}) [هود: 106]. (صوت شديد وصوت ضعيف) فالأول للأول والثاني للثاني كذا فسره ابن عباس فيما أخرجه الطبري وابن أبي حاتم وعنه: الزفير في الحلق والشهيق في الصدر، وعنه هو صوت كصوت الحمار أوله زفير وآخره شهيق. ({وردًا}) في قوله تعالى: {ونسوق المجرمين إلى جهنم وردًا} [مريم: 86]. أي (عطاشًا) قاله ابن عباس أيضًا. ({غيّا}) في قوله تعالى: {فسوف يلقون غيًّا} [مريم: 59]. أي (خسرانًا) وعن ابن مسعود عند الطبري واد في جهنم يقذف فيه الذين يتبعون الشهوات وعند البيهقي عنه نهر في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم. (وقال مجاهد) فيما أخرجه عبد بن حميد ({يسجرون}) [غافر: 72]. (توقد بهم النار) ولأبي ذر: لهم باللام بدل الموحدة والأول أوجه. ({ونحاس}) في قوله تعالى: {يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس} [الرحمن: 35]. هو (الصفر) يذاب ثم (يصب على رؤوسهم) أخرجه عبد بن حميد عن مجاهد أيضًا (يقال ذوقوا) يشير إلى قوله تعالى: {وقيل لهم ذوقوا عذاب الحريق} [آل عمران: 181]. أي (باشروا) العذاب (وجربوا وليس هذا من ذوق الفم) فهو من المجاز. ({مارج}) في قوله تعالى: {وخلق الجان من مارج من نار} [الرحمن: 19]. أي (خالص من النار) يقال (مرج الأمير رعيته إذا خلاهم يعدو) بالعين المهملة (بعضهم على بعض) أي تركهم يظلم بعضهم بعضًا. ({مريج}) في قوله تعالى: {فهم في أمر مريج} [ق: 5]. أي (ملتبس) ولأبي ذر عن الكشميهني منتشر. قال في الفتح: وهو تصحيف. (مرج) بفتح الميم وكسر الراء (أمر الناس) أي (اختلط) {مرج البحرين} [الرحمن: 19] قال أبو عبيدة هو كقولك (مرجت دابتك) أي (تركتها). 3258 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُهَاجِرٍ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ فَقَالَ: أَبْرِدْ، ثُمَّ قَالَ: أَبْرِدْ، حَتَّى فَاءَ الْفَىْءُ -يَعْنِي لِلتُّلُولِ- ثُمَّ قَالَ: أَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ". وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن مهاجر) بالتنوين (أبي الحسن) التيمي مولاهم الكوفي الصائغ أنه (قال: سمعت زيد بن وهب) الهمداني الكوفي (يقول: سمعت أبا ذر) جندب بن جنادة (-رضي الله

عنه- يقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر فقال) عليه الصلاة والسلام لبلال المؤذن: (أبرد) أي بالظهر لأنها الصلاة التي يشتد الحر غالبًا في أول وقتها ولا فرق بين السفر والحضر لما لا يخفى (ثم قال: أبرد حتى فاء الفيء يعني التلول) يعني مال الظل تحت التلول (ثم قال: أبردوا بالصلاة) التي يشتد الحر غالبًا في أول وقتها بقطع الهمزة والجمع (فإن شدة الحر من فيح جهنم) أي من سعة تنفسها حقيقة. وهذا الحديث سبق في الصلاة. 3259 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: "قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان (عن ذكوان) أبي صالح (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أبردوا بالصلاة) أي أخّروها حتى تذهب شدة الحر (فإن شدة الحر من فيح جهنم) والفيح كما قال الليث سطوع الحر يقال: فاحت القدر تفيح فيحًا إذا غلت وأصله السعة ومنه أرض فيحاء أو واسعة. وقال المزي من هنا لبيان الجنس أي من جنس فيح جهنم لا للتبعيض، وذلك نحو ما روي عن عائشة بسند جيد ثابت؛ من أراد أن يسمع خرير الكوثر فليجعل إصبعيه في أذنيه أي يسمع مثل خرير الكوثر اهـ. وكأنه يحاول بذلك حمل الحديث على التشبيه لا الحقيقة وهو القول الثاني، ولقائل أن يقول من محتملة للجنس وللتبعيض على كل من القولين أي من جنس الفيح حقيقة أو تشبيهًا أو بعض الفيح حقيقة أو تشبيهًا. 3260 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ فِي الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي جمرّة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اشتكت النار إلى ربها) حقيقة بلسان المقال بحياة يخلقها الله تعالى فيها أو مجازًا بلسان الحال عن غليانها وأكل بعضها بعضًا (فقالت) يا (رب أكل بعضي بعضًا فأذن لها) ربها (بنفسين) حمله البيضاوي على المجاز وغيره على الحقيقة وهو في الأصل ما يخرج من الجوف ويدخل فيه من الهواء (نفس في الشتاء ونفس في الصيف) بجر نفس على البدلية (فأشدّ ما تجدون في) ولأبي ذر: من (الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير) من ذلك النفس، والذي خلق الملك من الثلج والنار قادر على إخراج الزمهرير من النار. 3261 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ هو العَقَديُّ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: "كُنْتُ أُجَالِسُ ابْنَ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ، فَأَخَذَتْنِي الْحُمَّى فَقَالَ: أَبْرِدْهَا عَنْكَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ, فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ، أَوْ قَالَ: بِمَاءِ زَمْزَمَ. شَكَّ هَمَّامٌ". وبه قال: (حدّثنا) وفي نسخة: حدَّثني (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا أبو عامر) عبد الملك (هو العقدي) بفتح العين المهملة والقاف وسقط ذلك لغير أبي ذر قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ابن يحيى البصري (عن أبي جمرة) بالجيم المفتوحة والميم الساكنة وبالراء المفتوحة نصر بن عمران (الضبعي) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة أنه (قال: كنت أجالس ابن عباس بمكة فأخذتني الحمى فقال: أبردها) بوصل الهمزة وسكون الموحدة وضم الراء من الثلاثي من برد الماء حرارة جوفي أي أطفأها. زاد في اليونينية قطع الهمزة وكسر الراء (عنك بماء زمزم، فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الحمى) ولأبي ذر: هي الحمى (من فيح جهنم) من حرارتها حقيقة أرسلت إلى الدنيا نذيرًا للجاحدين وبشيرًا للمقربين أنها كفارة لذنوبهم أو حر الحمى شبيه بحر جهنم (فأبردوها بالماء) فكما أن النار تزال بالماء كذلك حرارة الحمى، وقوله: فأبردوها بصيغة الجمع مع وصل الهمزة وهو الصحيح المشهور في الرواية، وفي الفرع وأصله قطعها مفتوحة أيضًا مع كسر الراء، وحكاه عياض لكن قال الجوهري هي لغة ردية (أو قال: بماء زمزم شك همام). هو ابن يحيى البصري، وفي رواية عفان عن همام عند أحمد فأبردوها بماء زمزم ولم يشك وهو يرد على من قال: إن ذكر ماء زمزم ليس قيد الشك راويه وبه جزم ابن حبان فقال: إن شدة الحمى تبرد بماء زمزم دون غيره من المياه. وتعقب على تقدير أن لا شك في ذكر ماء زمزم بأن الخطاب لأهل مكة خاصة لتيسر ماء زمزم عندهم. 3262 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: الْحُمَّى مِنْ فَوْرِ جَهَنَّمَ، فَأَبْرِدُوهَا عَنْكُمْ بِالْمَاءِ". [الحديث 3262 - طرفه في: 5726]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عمرو بن عباس) بفتح العين وسكون الميم

وعباس بالموحدة والسين المهملة أبو عثمان البصري قال: (حدّثنا عبد الرحمن) بن مهدي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أبيه) سعيد بن مسروق الثوري (عن عباية بن رفاعة) بفتح عين عباية وكسر راء رفاعة أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة آخره جيم -رضي الله عنه- (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (الحمى من فور جهنم) بفتح الفاء وسكون الواو أي من شدة حرها وفورة الحر شدته (فأبردوها) بوصل الهمزة وضم الراء على المشهور وبقطعها وكسر الراء (عنكم بالماء) زاد أبو هريرة عند ابن ماجه البارد. 3263 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ». [الحديث 3263 - طرفه في: 5725]. وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم أبو غسان النهدي الكوفي قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية قال: (حدّثنا هشام عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): أنه (قال): (الحمى من فيح جهنم فأبردوها) بالوصل والقطع كما مرّ (بالماء). 3264 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ, فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ». [الحديث 3264 - طرفه في: 5723]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (عن يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر أنه (قال: حدَّثني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم أنه (قال): (الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء) وليس في هذه الأحاديث كيفية التبريد المذكور، وأولى ما يحمل عليه ما فعلته أسماء بنت أبي بكر كما في مسلم أنها كانت تؤتى بالمرأة الموعوكة فتصب الماء في جيبها وفي غيره أنها كانت ترش على بدن المحموم شيئًا من الماء بين ثديه وثوبه فالصحابي ولا سيما أسماء التي هي ممن كان يلازم بيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعلم بالمراد من غيرها، والأطباء يسلمون أن الحمى الصفراوية يدير صاحبها بسقي الماء البارد الشديد البرودة ويسقونه الثلج ويغسلون أطرافه بالماء البارد، ويحتمل أن يكون ذلك لبعض الحميات دون بعض. قال في الفتح: وهذا أوجه فإن خطابه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد يكون عامًّا وهو الأكثر وقد يكون خاصًا فيحتمل أن يكون هذا مخصوصًا بأهل الحجاز وما والاهم إذ كانت أكثر الحميات التي تعرض لهم من العرضية الحادثة عن شدة الحرارة وهذه ينفعها الماء شربًا واغتسالاً. وبقية مباحث هذا تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الطب بعون الله. 3265 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، قَالَ: فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) إمام دار الهجرة رحمه الله (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ناركم) هذه التي توقدونها في جميع الدنيا (جزء) واحد (من سبعين جزءًا من نار جهنم قيل يا رسول الله) لم أعرف القائل (إن كانت) هذه النار (لكافية) في إحراق الكفار وتعذيب الفجار فهلا اكتفى بها؟ (قال) عليه الصلاة والسلام مجيبًا له: إنها (فضلت عليهن) بضم الفاء وتشديد الضاد المعجمة أي على نيران الدنيا (بتسعة وستين جزءًا كلهن مثل حرها) أعاد عليه السلام حكاية تفضيل نار جهنم، ليتميز عذاب الله من عذاب الخلق. وقال حجة الإسلام: نار الدنيا لا تناسب نار جهنم، ولكن لما كان أشد عذاب في الدنيا عذاب هذه النار عرف عذاب نار جهنم بها وهيهات لو وجد أهل الجحيم مثل هذه النار لخاضوها هربًا مما هم فيه، وفي رواية أحمد جزء من مائة جزء والحكم للزائد. وعند ابن ماجه من حديث أنس مرفوعًا: وإنها يعني نار الدنيا لتدعو الله أن لا يعيدها فيها. 3266 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ عَطَاءً يُخْبِرُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ: "سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} ". وبه قال: (حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي مولاهم البغلاني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار أنه (سمع عطاء) هو ابن رباح (يخبر عن صفوان بن يعلى عن أبيه) يعلى بن أمية التميمي (أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ على المنبر {ونادوا يا مالك}) [الزخرف: 77]. هو اسم خازن النار. وسبق هذا الحديث في ذكر الملائكة. 3267 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: "قِيلَ لأُسَامَةَ: لَوْ أَتَيْتَ فُلاَنًا فَكَلَّمْتَهُ، قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَرَوْنَ أَنِّي لاَ أُكَلِّمُهُ إِلاَّ أُسْمِعُكُمْ، إِنِّي أُكُلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لاَ أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ، وَلاَ أَقُولُ لِرَجُلٍ -أَنْ كَانَ عَلَىَّ أَمِيرًا- إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ، بَعْدَ شَىْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالُوا: وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَىْ فُلاَنُ مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهانا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ». رَوَاهُ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الأَعْمَشِ. [الحديث 3267 - طرفه في: 7098]. وبه قال: (حدّثنا عليّ) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) شقيق

11 - باب صفة إبليس وجنوده

بن سلمة أنه (قال: قيل لأسامة) بن زيد بن الحرث (لو أتيت فلانًا) هو عثمان بن عفان -رضي الله عنه- (فكلمته) فيما وقع من الفتنة بين الناس والسعي في إطفاء نائرتها وجواب لو محذوف أو هي للتمني (قال) أسامة: (إنكم لترون) بفتح الفوقية وبضمها أيضًا أي لتظنون (أني لا أكلمه) يعني عثمان (لا أسمعكم) بضم الهمزة أي إلا بحضوركم وأنتم تسمعون (إني أكلمه في السر) طلبًا للمصلحة (دون أن أفتح بابًا) من أبواب الفتن بتهييجها بالمجاهرة بالإنكار لما في المجاهرة به من التشنيع المؤدي إلى افتراق الكلمة وتشتيت الجماعة (لا أكون أول من فتحه ولا أقول لرجل أن كان) بفتح الهمزة أي لأن كان (عليّ أميرًا أنه خير الناس بعد شيء سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالوا: وما سمعته يقول؟ قال: سمعته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول): (يجاء بالرجل) بضم الياء وفتح الجيم (يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه) جمع قتب بكسر القاف الأمعاء والاندلاق بالدال المهملة والقاف الخروج بسرعة أي تنصب أمعاؤه من جوفه وتخرج من دبره (في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون) له (أي فلان) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يا فلان (ما شأنك) الذي أنت فيه (أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهى عن المنكر؟) استفهام استخباري ولأبي ذر: وتنهانا عن المنكر (قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه) رواه أي الحديث (غندر) هو محمد بن جعفر (عن شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان فيما وصله البخاري في كتاب الفتن. وهذا الحديث أخرجه أيضًا مسلم في آخر الكتاب. 11 - باب صِفَةِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُقْذَفُونَ}: يُرْمَوْنَ. {دُحُورًا}: مَطْرُودِينَ. {وَاصِبٌ}: دَائِمٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {مَدْحُورًا}: مَطْرُودًا، يُقَالُ: {مَرِيدًا}: مُتَمَرِّدًا. بَتَّكَهُ: قَطَّعَهُ. {وَاسْتَفْزِزْ}: اسْتَخِفَّ. {بِخَيْلِكَ}: الْفُرْسَانُ. وَالرَّجْلُ: الرَّجَّالَةُ، وَاحِدُهَا رَاجِلٌ، مِثْلُ صَاحِبٍ وَصَحْبٍ، وَتَاجِرٍ وَتَجْرٍ. {لأَحْتَنِكَنَّ}: لأَسْتَأْصِلَنَّ. {قَرِينٌ}: شَيْطَانٌ. (باب صفة إبليس) وهو شخص روحاني خلق من نار السموم وهو أبو الجن والشياطين كلهم وهل كان من الملائكة أم لا. وآية البقرة وهي قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى} [البقرة: 34]. تدل على أنه منهم وإلاّ لم يتناوله أمرهم ولم يصح استثناؤه منهم ولا يرد على ذلك قوله تعالى: {إلاّ إبليس كان من الجن} [الكهف: 50]. لجواز أن يقال: إنه كان من الجن فعلاً ومن الملائكة نوعًا، ولأن ابن عباس -رضي الله عنهما- روى أن من الملائكة ضربًا يتوالد يقال لهم الجن، ومنهم إبليس. ولمن زعم أنه لم يكن من الملائكة أن يقول: إنه كان جنيًا نشأ بين أظهر الملائكة وكان مغمورًا بالألوف منهم فغلبوا عليه، ولعل ضربًا من الملائكة لا يخالف الشياطين بالذات، وإنما يخالفهم بالعوارض والصفات كالبررة والفسقة من الإنس والجن يشملهما، وكان إبليس من هذا المصنف. وعن مقاتل: لا من الملائكة ولا من الجن بل خلق منفردًا من النار ولحسنه كان يقال له: طاووس الملائكة، ثم مسخه الله تعالى وكان اسمه عزازيل ثم إبليس بعد، وهذا يؤيد قول القائل بأن إبليس عربي، لكن قال ابن الأنباري: لو كان عربيًا لصرف/ كإكليل (و) في بيان (جنوده) التي يبثها في الأرض لإضلال بني آدم، وفي مسلم من حديث جابر مرفوعًا: عرش إبليس على البحر فيبعث سراياه فيفتنون الناس فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة. (وقال مجاهد): فيما وصله عبد بن حميد في قوله تعالى: ({يقذفون}) [سبأ: 53]. ولأبي ذر: ويقذفون أي (يرمون) وفي قوله تعالى: ({دحورًا}) [الصافات: 9] أي (مطرودين) وفي قوله تعالى: {واصب}) [الصافات: 9]. أي (دائم). (وقال ابن عباس) فيما وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله تعالى ({مدحورًا} [الأعراف: 18]. أي (مطرودًا) وفي قوله تعالى: {شيطانًا مريدًا} [النساء: 117]. (يقال {مريدا}) أي (متمردًا) وفي قوله تعالى: {فليبتكن آذان الأنعام} [الأعراف: 18] يقال (بتكه) أي (قطعه) وفي قوله تعالى: {واستفزز} [الإسراء: 64] أي (استخف {بخيلك}) [الإسراء: 64]. (الفرسان والرجل) في قوله تعالى: {ورجلك} [الإسراء: 64] (الرجالة) بتشديد الراء والجيم المفتوحتين (واحدها راجل، مثل صاحب وصحب وتاجر وتجر) قاله أبو عبيدة وفي قوله تعالى: {لأحتنكن} [الإسراء: 62] أي (لأستأصلن) من الاستئصال. وفي قوله تعالى: ({قرين}) [الصافات: 51] أي (شيطان) قاله مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم. 3268 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "سُحِرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وَقَالَ اللَّيْثُ: كَتَبَ إِلَىَّ هِشَامٌ أَنَّهُ سَمِعَهُ وَوَعَاهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "سُحِرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّىْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا وَدَعَا ثُمَّ قَالَ: أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي؟ أَتَانِي رَجُلاَنِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَىَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. قَالَ: فِيما ذَا؟ قَالَ: فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ. فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأَنَّهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ. فَقُلْتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقَالَ: لاَ. أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا. ثُمَّ دُفِنَتِ الْبِئْرُ". وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن

هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: سحر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم السين وكسر الحاء المهملتين مبنيًا للمفعول لما رجع من الحديبية. (وقال الليث) بن سعد فيما وصله عيسى بن حماد في نسخته رواية أبي بكر بن أبي داود عنه (كتب إليّ هشام أنه سمعه) أي الحديث (ووعاه) أي حفظه (عن أبيه) عروة (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: سحر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى كان يخيل) بضم التحتية وفتح الخاء المعجمة مبنيًّا للمفعول (إليه أنه يفعل الشيء) من أمور الدنيا. وفي رواية ابن عيينة عند المؤلّف في الطب حتى كان يرى أنه يأتي النساء (وما يفعله). وفي جامع معمر عن الزهري أنه عليه السلام لبث كذلك سنة (حتى كان ذات يوم) بنصب ذات ويجوز رفعها وقد قيل إنها مقحمة وقيل بل هي من إضافة الشيء إلى نفسه على رأي من يجيزه (دعا ودعا) مرتين. ولمسلم من رواية ابن نمير فدعا ثم دعا ثم دعا بالتكرير ثلاثًا وهو المعهود من عادته (ثم قال) لعائشة: (أشعرت) أي أعلمت (أن الله) عز وجل (أفتاني فيما فيه شفائي) وللحميدي أفتاني في أمر استفتيه فيه أي أجابني فيما دعوته فأطلق عليّ الدعاء استفتاء لأن الداعي طالب والمجيب مستفت أو المعنى أجابني عما سألته عنه لأن دعاءه كان أن يطلعه الله على حقيقة ما هو فيه لما اشتبه عليه من الأمر (أتاني رجلان) وعند الطبراني من طريق مرجى بن رجاء عن هشام أتاني ملكان. وعند ابن سعد في رواية منقطعة أنهما جبريل وميكائيل (فقعدا أحدهما) هو جبريل كما جزم به الدمياطي في السيرة (عند رأسي) وقعد (الآخر) وهو ميكائيل (عند رجلي) بالتثنية (فقال أحدهما): وهو ميكائيل (للآخر) وهو جبريل (ما وجع الرجل؟) فيه إشعار بوقوع ذلك في المنام إذ لو كان يقظة لخاطباه وسألاه، وفي رواية ابن عيينة عند الإسماعيلي فانتبه من نومه ذات يوم، لكن في حديث ابن عباس بسند ضعيف عند ابن سعد فهبط عليه ملكان وهو بين النائم واليقظان. (قال): أي جبريل لميكائيل (مطبوب) بفتح الميم وسكون الطاء المهملة وموحدتين بينهما واو مسحور كنّوا عن السحر بالطب كما كنّوا عن اللديغ بالسليم تفاؤلاً (قال): أي ميكائيل لجبريل (ومن طبه؟ قال) جبريل لميكائيل: طبه (لبيد بن الأعصم) بفتح اللام وكسر الموحدة والأعصم بهمزة مفتوحة فعين ساكنة فصاد مفتوحة مهملتين فميم اليهودي (قال: فيماذا؟ قال: في مشط) بضم الميم وإسكان الشين وقد تكسر أوله مع إسكان ثانيه وقد يضم ثانيه مع ضم أوله فقط واحد الأمشاط الآلة التي يمشط بها الشعر، وفي حديث عروة عن عائشة أنه مشطه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ومشاقة) بالقاف ما يستخرج من الكتان (وجف طلعة) بضم الجيم وتشديد الفاء والإضافة وتنوين طلعة (ذكر) بالتنوين أيضًا صفة لجف وهو وعاء الطلع وغشاؤه إذا جف (قال) ميكائيل لجبريل: (فأين هو؟ قال) جبريل: هو (في بئر ذروان) بذال معجمة مفتوحة وراء ساكنة بالمدينة في بستان بني زريق بتقديم الزاي المضمومة على الراء من اليهود. وقال البكري والأصمعي: بئر أروان بهمزة بدل المعجمة وغلط القائل بالأول وكلاهما صحيح، ويأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى في كتاب الطب بعون الله تعالى. (فخرج إليها) إلى البئر المذكورة (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في الطب في أناس من أصحابه، ويأتي إن شاء الله تعالى ذكر تسمية من سمى منهم (ثم رجع فقال لعائشة حين رجع نخلها) التي إلى جانبها (كأنها) أي النخيل ولأبي ذر عن الحموي والمستملي كأنه أي النخل (رؤوس الشياطين) كذا وقع هنا والتشبيه إنما هو لرؤوس النخل وفي الطب وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين أي في قبح المنظر. قالت عائشة (فقلت: استخرجته. فقال) عليه السلام: (لا). لم أستخرجه (أما) بفتح الهمزة وتشديد الميم (أنا فقد شفاني الله وخشيت أن يثير ذلك) استخراجه (على الناس شرًّا) كتذكر السحر وتعلمه وهو من باب ترك المصلحة خوف المفسدة (ثم دفنت البئر) بضم الدال وكسر الفاء

مبنيًّا للمفعول. وفي الطب من طريق سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن آل عروة عن عروة: فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البئر حتى استخرجه ثم قال: فاستخرج قال فقلت: ألا تنشرت؟ فقال: أما والله قد شفاني وأكره أن أثير على أحد من الناس شرًّا فأثبت استخراج السحر، وجعل سؤال عائشة عن النشرة وزيادته مقبولة لأنه أثبت من بقية من روى هذا الحديث، لا سيما وقد كرر استخراج السحر مرتين في روايته كما ترى فبعد من الوهم وزاد ذكر النشرة وجعل جوابه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنها، وفي رواية عمرة عن عائشة أنه وجد في الطلعة تمثالاً من شمع تمثال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإذا فيه إبر مغروزة وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة فنزل جبريل بالمعوّذتين فكلما قرأ آية انحلّت عقدة وكلما نزع إبرة وجد لها ألمًا ثم يجد بعدها راحة. ومطابقة الحديث لما ترجم به من جهة أن السحر إنما يتم باستعانة الشياطين على ذلك وأخرجه في الطب أيضًا وكذا النسائي. 3269 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ -إِذَا هُوَ نَامَ- ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ. فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس) اقتصر أبو ذر على قوله إسماعيل وأسقط ما بعده (قال: حدّثني) بالإفراد (أخي) عبد الحميد بن أبي أويس (عن سليمان بن بلال) التيمي مولاهم المدني (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يعقد الشيطان) إبليس أو أحد أعوانه (على قافية رأس أحدكم) مؤخره (إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة مكانها) في مكان القافية قائلاً باق (عليك ليل طويل فارقد) قال في المغرب يقال: ضرب الشبكة على الطائر ألقاها عليه وعليك أما خبر لقوله ليل أي ليل طويل عليك أو إغراء أي عليك بالنوم أمامك ليل فالكلام جملتان والثانية مستأنفة كالتعليل للأولى، وقيل: يضرب يحجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ (فإن استيقظ فذكر الله انحلّت عقدة) واحدة من الثلاث (فإن توضأ انحلت عقدة) ثانية (فإن صلّى) فرضًا أو نفلاً (انحلت عقده) الثلاثة (كلها) فلو نام متمكنًا ثم انتبه فصلّى ولم يذكر ولم يتوضأ انحلت الثلاثة لأن الصلاة مستلزمة للوضوء والذكر (فأصبح) لما وفق له من وظائف الطاعة التي تسرع به إلى مقام الزلفى وترقيه إلى السعادة العظمى (نشيطًا) قد خلص من نفث الشيطان في عقد نفسه الأمارة (طيب النفس وإلاَّ) بأن ترك الثلاثة المذكورة (أصبح خبيث النفس كسلان) لبقاء أثر تثبيط الشيطان وظفره به. وهذا الحديث سبق في التهجد. 3270 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ نَامَ لَيْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ، أَوْ قَالَ: فِي أُذُنِهِ». وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو ابن محمد بن أبي شيبة واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بن عيسى بن عثمان العبسي الكوفي أخو أبي بكر قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد الرازي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) يعني ابن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: ذكر عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل نام ليله) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ليلة (حتى أصبح) وقد أخرج سعيد بن منصور هذا الحديث، وفيه أن ابن مسعود قال: وايم الله لقد بال في أذن صاحبكم ليلة يعني نفسه فيحتمل أن يفسر به المبهم هنا (قال) عليه الصلاة والسلام: (ذاك رجل بال الشيطان) حقيقة أو مجازًا (في أذنيه) بالتثنية (أو قال: في أذنه) بالإفراد، فإن قلت: لِمَ خص الأذن والعين أنسب بالنوم؟ أجاب الطيبي: بأنه إشارة إلى ثقل النوم لأن المسامع موارد الانتباه بالأصوات وخص البول من بين الأخبثين لأنه مع خباثته أسهل مدخلاً في تجاويف الخروق والعروق ونفوذه فيها فيورث الكسل في جميع الأعضاء. وهذا الحديث مرّ في التهجد أيضًا. 3271 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا. فَرُزِقَا وَلَدًا، لَمْ يَضُرُّهُ الشَّيْطَانُ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين رافع الغطفاني الأشجعي مولاهم الكوفي (عن كريب) هو ابن أبي مسلم الهاشمي مولاهم المدني مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه

(قال): (أما) بتخفيف الميم (إن أحدكم إذا أتى أهله) زوجته وهو كناية عن الجماع، ولأبي داود: لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله، وعند الإسماعيلي من رواية روح بن القاسم عن منصور: لو أن أحدكم إذا جامع امرأته ذكر الله (وقال) بالواو (بسم الله اللهم جنبنا) أبعِد منا (الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتنا) من الولد (فرزقا ولدًا) ذكرًا أو أنثى (لم يضره الشيطان) بضم الراء المشددة وفتحها في بدنه أو دينه واستبعد لانتفاء العصمة. وأجيب: بأن اختصاص من اختص بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق الجواز أو لم يفتنه بالكفر أو لم يشارك أباه في جماع أمه كما روي عن مجاهد أن الذي يجامع ولا يسمي يلتف الشيطان على أحليله فيجامع معه، وروى الطرطوشي في باب تحريم الفواحش باب من أي شيء يكون المخنث بسنده إلى ابن عباس، قال: المخنثون أولاد الجن قيل لابن عباس: كيف ذاك؟ قال: إن الله عز وجل ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهيا أن يأتي الرجل امرأته وهي حائض فإذا أتاها سبقه إليها الشيطان فحملت فجاءت بالمخنث. وحديث الباب هذا سبق في الطهارة ويأتي إن شاء الله تعالى في هذا الباب وفي النكاح بعون الله تعالى. 3272 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَبْرُزَ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَغِيبَ». وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا عبدة) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة ابن سليمان (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا طلع حاجب الشمس) أي طرفها الأعلى من قرصها (فدعوا الصلاة) التي لا سبب لها (حتى تبرز)، أي تظهر (وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة) التي لا سبب لها (حتى تغيب). 3273 - وَلاَ تَحَيَّنُوا بِصَلاَتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَىْ شَيْطَانٍ. أَوِ الشَّيْطَانِ، لاَ أَدْرِي أَىَّ ذَلِكَ قَالَ هِشَامٌ". (ولا تحينوا) بفتح الفوقية والحاء المهملة وتشديد التحتية وأصله لا تتحينوا بتاءين حذفت إحداهما تخفيفًا أي لا تقصدوا (بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان أو الشيطان) جانبي رأسه. قال الحافظ ابن حجر كالكرماني يقال: إنه ينتصب في محاذاة مطلع الشمس حتى إذا طلعت كانت بين جانبي رأسه لتقع السجدة له إذا سجد عبدة الشمس لها، ولأبي ذر عن الكشميهني: الشياطين بالجمع بدل الشيطان المفرد المعرف. قال عبدة بن سليمان: (لا أدري أي ذلك قال هشام) بالتنكير أو بالتعريف. والحديث مضى في باب: الصلاة بعد الفجر من كتاب الصلاة. 3274 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدريِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَىْ أَحَدِكُمْ شَىْءٌ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَمْنَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيَمْنَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ». وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة عبد الله بن عمرو المنقري المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا يونس) بن عبيد العبدي البصري (عن حميد بن هلال) العدوي أبي نصر البصري (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) ولأبي ذر عن أبي سعيد أي الخدري وضبب في الفرع على أبي هريرة أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا مرّ بين يدي أحدكم شيء) آدمي أو غيره (وهو يصلّي فليمنعه) من المرور ما استطاع ندبًا بالإجماع (فإن أبى) إلا أن يمر (فليمنعه فإن أبى فليقاتله) قيل المراد بالمقاتلة قوة المنع من غير أن ينتهي إلى الأعمال المنافية للصلاة أي يرده بأسهل ما يمكن به الردّ إلى أن ينتهي إلى المقاتلة حتى لو أتلف منه شيئًا في ذلك لا ضمان عليه، وقيل: المراد المقاتلة ابتداء لكن لا ينتهي إلى المقاتلة بالسلاح ولا بما يؤدّي إلى الهلاك إجماعًا لأنه مخالف لقاعدة الإقبال على الصلاة والاشتغال بها والسكون إليها وكان محل الإجماع في ذلك في الابتداء وإلاّ فإذا انتهى الأمر إليه جاز ولا قود، وفي الدّية خلاف. (فإنما هو شيطان) أي معه شيطان أو هو شيطان الإنس أو إنما حمله على ذلك الشيطان أو إنما فعل فعل الشيطان أو المراد قرين الإنسان فيكون شيطانه هو الحامل له على ذلك. وهذا الحديث سبق في باب يردّ المصلي من مرّ بين يديه من كتاب الصلاة. 3275 - وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ؛ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَقَالَ-: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صَدَقَكَ وَهْوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيْطَانٌ". (وقال عثمان بن الهيثم): بالمثلثة بعد التحتية الساكنة مؤذن البصرة فيما وصله الإسماعيلي والنسائي (حدّثنا عوف) بفتح العين المهملة وبعد الواو الساكنة فاء الإعرابي (عن محمد بن سيرين) بن أبي عمرة الأنصاري البصري

(عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: وكلني) بتشديد الكاف، ولأبي ذر: وكلني بتخفيفها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحفظ زكاة) الفطر من (رمضان فأتاني آت فجعل يحثو) بالحاء المهملة والمثلثة يأخذ بكفيه (من الطعام) أي التمر (فأخذته) يعني الآتي (فقلت) له (لأرفعنك) أي لأذهبن بك (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر الحديث) بتمامه كما سبق في الوكالة (فقال): أي الآتي بعد إتيانه ثلاث مرات وأخذه من الطعام، وقوله: إنه لا يعود في كل مرّة دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها. قلت: ما هن؟ قال: (إذا أويت) أي أتيت (إلى فراشك) للنوم وأخذت مضجعك (فاقرأ آية الكرسي) زاد في الوكالة {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [البقرة: 255]. حتى تختم الآية فإنك (لن يزال من الله حافظ) ولأبي ذر: عليك من الله حافظ (ولا يقربك شيطان حتى تصبح) بضم الراء والباء الموحدة ولأبي ذر: ولا يقربك بفتح الراء (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأبي هريرة لما ذكر له مقالته: (صدقك) بتخفيف الدال فيما ذكره من فضائل آية الكرسي (وهو كذوب ذاك شيطان) من الشياطين. 3276 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبيرِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي مولاهم المصري ونسبه لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين مصغرًا ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) وسقط ابن الزبير لغير أبي ذر (قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يأتي الشيطان أحدكم) يوسوس في صدره (فيقول: من خلق كذا من خلق كذا) التكرار مرتين (حتى يقول من خلق ربك فإذا بلغه) أي إذا بلغ قوله: من خلق ربك (فليستعذ بالله) من وسوسته بأن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قال تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} [الأعراف: 200] (ولينته) عن الاسترسال معه في ذلك وليبادر إلى قطعه بالإعراض عنه فإنه تندفع الوسوسة عنه لأن الأمر الطارئ بغير أصل يدفع بغير نظر في دليل إذ لا أصل له ينظر فيه. قال الخطابي: لو أذن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في محاجته لكان الجواب سهلاً على كل موحد ولكان الجواب مأخوذًا من فحوى كلامه، فإن أوّل كلامه يناقض آخره لأن جميع المخلوقات من ملك وإنس وجن وحيوان وجماد داخل تحت اسم الخلق، ولو فتح هذا الباب الذي ذكره للزم منه أن يقال: ومن خلق ذلك الشيء ويمتدّ القول في ذلك إلى ما لا يتناهى والقول بما لا يتناهى فاسد فسقط السؤال من أصله. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الإيمان وأبو داود في السنة والنسائي في اليوم والليلة. 3277 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي أَنَسٍ مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (قال: حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد الزهري (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن أبي أنس) نافع (مولى التيميين أن أباه) مالك بن أبي عامر (حدّثه أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول، قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا دخل رمضان) في الصيام من رواية غير أبي ذر وابن عساكر شهر رمضان (فتحت أبواب الجنة) حقيقة علامة للملائكة على دخول رمضان وتعظيم حرمته أو كناية عن تنزل الرحمة ولأبي ذر أبواب السماء ولا تضادّ في ذلك لأن أبواب السماء يصعد منها إلى الجنة (وغلقت أبواب جهنم) حقيقة أو كناية عن تنزه أنفس الصوّام عن رجس الفواحش والتخلص من البواعث على المعاصي بقمع الشهوات (وسلسلت الشياطين) مسترقو السمع حقيقة لأن رمضان كان وقتًا لنزول القرآن إلى سماء الدنيا وكانت الحراسة قد وقعت بالشهب كما قال الله تعالى: {وحفظًا من كل شيطان مارد} [الصافات: 7] فزيدوا التسلسل في رمضان مبالغة في الحفظ، وقيل غير ذلك كما في كتاب الصوم. 3278 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: "حَدَّثَنَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ مُوسَى قَالَ لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ». وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) هو ابن دينار (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن جبير قال: قلت لابن

عباس فقال): فيه اختصار ذكره في العلم بلفظ قلت لابن عباس. أن نوفًا البكالي يزعم أن موسى ليس بموسى بني إسرائيل إنما هو موسى آخر فقال: كذب عدو الله (حدّثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن موسى قال لفتاه) فيه اختصار أيضًا ولفظه قال: قام موسى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطيبًا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه أن عبدًا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك قال: رب وكيف به؟ فقيل له: احمل حوتًا في مكتل فإذا فقدته فهو ثم فانطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون وحملا حوتًا في مكتل حتى كانا عند الصخرة وضعا رؤوسهما وناما، فانسل الحوت من المكتل فاتخذ سبيله في البحر سربًا، وكان لموسى وفتاه عجبًا فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما فلما أصبح قال موسى لفتاه: (آتنا غداءنا) بفتح الغين المعجمة والدال المهملة أي الطعام الذي يؤكل أول النهار (قال أرأيت) أي أخبرت ما دهاني (إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أي فقدته أو نسيت ذكره بما رأيت (وما أنسانيه) أي وما أنساني ذكره (إلا الشيطان أن أذكره) نسبه للشيطان هضمًا لنفسه (ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله) عز وجل (به) وللكشميهني الذي أمره الله وأسقط هنا قوله: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا وغرضه من ذلك قوله: {وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} [الكهف: 63] كما لا يخفى. 3279 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ فَقَالَ: هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا، إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يشير إلى المشرق فقال): (ها) بالقصر من غير همز حرف تنبيه (إن الفتنة هاهنا وإن الفتنة هاهنا) مرتين (من حيث يطلع قرن الشيطان) نسب الطلوع لقرن الشيطان مع أن الطلوع للشمس لكونه مقارنًا لطلوعها ومراده عليه الصلاة والسلام أن منشأ الفتنة من جهة المشرق، وهذا من أعلام نبوّته عليه الصلاة والسلام فقد وقع ذلك كما أخبر. 3280 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ -أَوْ كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ- فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا». [الحديث 3280 - أطرافه في: 3304، 3316، 5623، 5624، 6295، 6296]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن جعفر) أبو زكريا البخاري البيكندي قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله الأنصاري) هو من شيوخ المؤلّف رُوِيَ عنه هنا بالواسطة قال: (حدّثنا) بالجمع وضبب عليها بالفرع، ولأبي ذر: حدّثني (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا استجنح الليل) بسين مهملة ساكنة ففوقية مفتوحة فجيم ساكنة فنون مفتوحة فحاء مهملة أي أقبل ظلامه حين تغيب الشمس وسقط لفظ الليل لغير أبي ذر (أو كان جنح الليل) بضم الجيم وكسرها وسكون النون وفي اليونينية ضم الجيم وفتحها أي طائفة منه وكان تامة أي حصل ولأبي ذر عن الكشميهني أو قال جنح الليل (فكفوا صبيانكم) أي ضموهم وامنعوهم من الانتشار ذلك الوقت (فإن الشياطين تنتشر حينئذٍِ) لأن حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار لأن الظلام أجمع للقوى الشيطانية، وعند انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به، فلذا خيف على الصبيان من إيذائهم (فإذا ذهب ساعة من العشاء) أي فإذا ذهب بعض الظلمة لامتدادها (فحلوهم) بالحاء المهملة المضمومة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فخلوهم بالخاء المعجمة المفتوحة وضمها في اليونينية (وأغلق بابك) بقطع الهمزة والإفراد خطًا بالمفرد، والمراد به كل واحد فهو عام بحسب المعنى (واذكر اسم الله) عليه (وأطفئ) بالهمز (مصباحك) بقطع الهمزة أمر من الإطفاء خوفًا من الفويسقة أن تجر الفتيلة فتحرق البيت. وفي سنن أبي داود من حديث ابن عباس: جاءت فأرة فأخذت تجرّ الفتيلة فجاءت بها وألقتها بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الخمرة التي كان قاعدًا عليها فأحرقت منها موضع درهم، والمصباح عام يشمل السراج وغيره. نعم القنديل المعلق إن أمن منها فلا بأس لانتفاء العلة. (واذكر

اسم الله) عليه (وأوك سقاءك) بكسر المهملة والمد أي اشدد فم قربتك بخيط أو غيره (واذكر اسم الله) عليه (وخمر) بالخاء المعجمة المفتوحة والميم المشددة المكسورة والراء غط (إناءك) صيانة من الشيطان لأنه لا يكشف غطاء ولا يحل سقاء ولا يفتح بابًا ولا يؤذي صبيًّا وفي تغطية الإناء أيضًا أمن من الحشرات وغيرها ومن الوباء الذي ينزل في ليلة من السنة إذ ورد أنه يمر بإناء ليس عليه غطاء أو شيء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه وعن الليث والأعاجم يتقون ذلك في كانون الأول (واذكر اسم الله) عليه (ولو تعرض) بضم الراء وتكسر (عليه) على الإناء (شيئًا) عودًا أو نحوه تجعله عليه عرضًا بخلاف الطول إن لم تقدر على ما تغطيه به والأمر في كلها للإرشاد. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأشربة وكذا مسلم وأبو داود وأخرجه النسائي في اليوم والليلة. 3281 - حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ صَفِيَّةَ بنتِ حُيَىٍّ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُعْتَكِفًا، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلنِي -وَكَانَ مسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْرَعَا فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ. فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا. أَوْ قَالَ: شَيْئًا». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولغير أبي ذر: حدَّثني (محمود بن غيلان) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية المروزي وسقط لأبي ذر ابن غيلان قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن علي) زين العابدين (بن حسين) يعني ابن علي بن أبي طالب (عن صفية ابنة حيي) ولأبي ذر: بنت حيي (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معتكفًا) في مسجده (فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت فانقلبت) أي فرجعت (فقام) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (معي ليقلني) بفتح التحتية وسكون القاف (وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد فمرّ رجلان من الأنصار) قيل: هما أسيد بن حضير وعباد بن بشر (فلما رأيا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسرعا) في المشي (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): هما شفقة ورأفة بهما: (على رسلكما) بكسر الراء على هينتكما فما هنا شيء تكرهانه (إنها صفية بنت حيي فقالا: سبحان الله يا رسول الله) أي تنزه الله عن أن يكون رسوله متهمًا بما لا ينبغي (قال) عليه السلام: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) حقيقة لما خلق الله فيه من القوة والاقتدار على ذلك. وقال القاضي عبد الجبار فيما نقله صاحب آكام المرجان: إذا صح ما دللنا عليه من رقة أجسامهم وأنها كالهواء لم يمتنع دخولهم في أبداننا كما يدخل الريح والنفس المتردد الذي هو الروح في أبداننا ولا يؤدي ذلك إلى اجتماع الجواهر في حيز واحد لأنها تجتمع إلا على طريق المجاورة لا على سبيل الحلول وإنما تدخل في أجسامنا كما يدخل الجسم الرقيق في الظروف. وقال ابن عقيل: إن قال قائل كيف الوسوسة من إبليس وكيف وصوله إلى القلب؟ قل هو كلام على ما قيل تميل إليه النفس والطبع وقد قيل يدخل في جسد ابن آدم لأنه جسم لطيف وهو أنه يحدث النفس بالأفكار الرديئة. قال الله تعالى: {يوسوس في صدور الناس} (الناس: 5] فإن قالوا: هذا يصح لأن القسمين باطلان أما حديثه فلو كان موجودًا لسمع بالآذان وأما دخوله في الأجسام فالأجسام لا تتداخل ولأنه نار فكان يجب أن يحرق الإنسان. قيل أما حديثه فيجوز أن يكون شيئًا تميل إليه النفس كالسحر الذي توّق النفس إلى المسحور وإن لم يكن صوتًا وأما قوله: لو أنه دخل فيه لتداخلت الأجسام ولاحترق الإنسان فغلط لأنه ليس بنار محرقة وإنما أصل خلفتهم من نار والجسم اللطيف يجوز أن يدخل إلى مخاريق الجسم الكثيف كالروح عندكم والهواء الداخل في جميع الأجسام والجن جسم لطيف، وقيل: المراد بإجرائه مجرى الدم المجاز عن كثرة وسوسته فكأنه لا يفارقه كما أن دمه لا يفارقه وذكر أنه يلقي وسوسته في مسامّ لطيفة من البدن بحيث يصل إلى القلب. وعن ابن عباس فيما رواه عبد الله بن أبي داود السجستاني قال: مثل الشيطان كمثل ابن عرس واضع فمه على فم القلب فيوسوس إليه فإذا ذكر الله خنس. وعن عروة بن رويم أن عيسى ابن مريم دعا ربه أن يريه موضع الشيطان من ابن آدم فإذا برأسه مثل الحية واضع رأسه على ثمرة القلب فإذا ذكر الله خنس برأسه وإذا ترك مناه وحدثه. وعن عمر بن عبد

العزيز فيما حكاه السهيلي أن رجلاً سأل ربه أن يريه موضع الشيطان فرأى جسدًا يرى داخله من خارجه والشيطان في صورة ضفدع عند نغض كتفيه حذاء قلبه له خرطوم كخرطوم البعوضة وقد أدخله إلى قلبه يوسوس فإذا ذكر الله العبد خنس. وعن أنس مرفوعًا "إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس وإن نسي التقم قلبه" رواه ابن أبي الدنيا. (وإني خشيت أن يقذف) الشيطان (في قلوبكما سوءًا أو قال شيئًا) فتهلكان فإن ظن السوء بالأنبياء كفر أعاذنا الله من ذلك ومن سائر المهالك بمنه وكرمه. وهذا الحديث تقدم في الاعتكاف. 3282 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ: "كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَجُلاَنِ يَسْتَبَّانِ، فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ. فَقَالُوا لَهُ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ. فَقَالَ: وَهَلْ بِي جُنُونٌ"؟ [الحديث 3282 - طرفاه في: 6048، 6115]. وبه قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري المروزي (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي (عن سليمان بن صرد) بضم السين مصغرًا وصرد بضم الصاد المهملة وبعد الراء المفتوحة دال مهملة الخزاعي -رضي الله عنه- أنه (قال: كنت جالسًا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورجلان) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسمهما (يستبان) يتشاتمان (فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه) من شدة الغضب والودج عرق في المذبح من الحلق وعبر بالجمع على حد قوله أزج الحواجب (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد) من الغضب (لو قال أعوذ بالله من الشيطان) لم يقل الرجيم (ذهب عنه ما يجد) لأن الغضب من نزعات الشيطان (فقالوا له: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: تعوذ بالله من الشيطان) في سنن أبي داود أن الذي قال له ذلك معاذ بن جبل (فقال: وهل بي جنون؟) ظن أنه لا يستعيد من الشيطان إلا من به جنون ولم يعلم أن الغضب نوع من مس الشيطان، ولذا يخرج به عن صورته ويزين له إفساد ماله كتقطيع ثوبه وكسر آنيته. وعند أبي داود من حديث عطية السعدي يرفعه: إن الغضب من الشيطان. وقال النووي: هذا كلام من لم يفقه في دين الله ولم يتهذب بأنوار الشريعة المطهرة ولعله كان من المنافقين أو من جفاة الأعراب. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب وكذا مسلم وأبو داود، وأخرجه النسائي في اليوم والليلة. 3283 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنِي، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرُّهُ الشَّيْطَانُ، وَلَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ». قَالَ: وَحَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ... مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا منصور) هو ابن المعتمر (عن سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة رافع الأشجعي مولاهم الكوفي التابعي (عن كريب) بضم الكاف وفتح الراء آخره موحدة مصغرًا مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو أن أحدكم إذا أتى أهله) زوجته وهو كناية عن الجماع (قال: اللهم جنبني الشيطان) بإفراد جنبني، وفي طريق موسى بن إسماعيل عن همام عن منصور السابقة قريبًا في هذا الباب، وطريق علي بن المديني عن جرير عن منصور في باب التسمية على كل حال وعند الوقاع من الطهارة قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان لكنه بواو قبل قال في هذا الباب (وجنب الشيطان ما رزقتني) بالإفراد أيضًا والمراد الولد وإن كان اللفظ أعم (فإن كان بينهما ولد) في الطهارة فقضي بينهما ولد (لم يضره الشيطان ولم يسلط عليه). قال القاضي عياض: لم يحمله أحد على العموم في جميع الضرر والإغواء والوسوسة. (قال) شعبة بن الحجاج: (وحدّثنا الأعمش) سليمان (عن سالم) هو ابن أبي الجعد (عن كريب عن ابن عباس مثله). وفائدة ذكر هذا الإعلام بأن لشعبة فيه شيخين. 3284 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ صَلَّى صَلاَةً فَقَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي فَشَدَّ عَلَىَّ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ عَلَىَّ، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ ... فَذَكَرَهُ". وبه قال: (حدّثنا محمود) هو ابن غيلان المروزي قال: (حدّثنا شبابة) بفتح الشين المعجمة وتخفيف الموحدة وبعد الألف موحدة أخرى ابن سوار الفزاري المروزي (حدّثنا شعبة عن محمد بن زياد) بكسر الزاي وتخفيف التحتية الجمحي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه صلّى صلاة فقال): أي بعد أن فرغ من الصلاة: (إن الشيطان عرض لي فشدّ علي يقطع الصلاة علي)، يحتمل أن يكون قطعها بمروره بين يديه

وإليه ذهب الإمام أحمد في رواية عنه لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حكم بقطع الصلاة من مرور الكلب الأسود فقيل: ما بال الأحمر من الأبيض من الأسود؟ فقال: الكلب الأسود شيطان الكلاب والجن يتصورون بصورته، ويحتمل أن يكون قطعها بأن يصدر من العفريت أفعال يحتاج إلى دفعها بأفعال تكون منافية للصلاة فيقطعها بتلك الأفعال. وفي باب: الأسير أو الغريم يربط في المسجد من كتاب الصلاة من طريق روح ومحمد بن جعفر عن شعبة عن محمد بن زياد: أن عفريتًا من الجن تفلت عليّ البارحة أو كلمة نحوها ليقطع علي الصلاة (فأمكنني الله منه فذكره). أي الحديث بتمامه وهو: فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه فذكرت قول أخي سليمان: {رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي} [ص: 35] وفيه إشارة إلى أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقدر على ذلك إلا أنه تركه رعاية لسليمان. 3285 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا نُودِيَ بِالصَّلاَةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، فَإِذَا قُضِيَ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الإِنْسَانِ وَقَلْبِهِ فَيَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا، حَتَّى لاَ يَدْرِي أَثَلاَثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا، فَإِذَا لَمْ يَدْرِ ثَلاَثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا سَجَدَ سَجْدَتَىِ السَّهْوِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) بن واقد بالقاف أبو عبد الله الفريابي قال: (حدّثنا الأوزاعي) أبو عمر وعبد الرحمن بن عمرو (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا نودي بالصّلاة أدبر الشيطان وله ضراط) زاد في باب إذا لم يدر كم صلّى ثلاثًا أو أربعًا حتى لا يسمع الأذان (فإذا قضي) الأذان (أقبل) الشيطان (فإذا ثوب بها) بالمثلثة أي أقيم (أدبر) الشيطان (فإذا قضي) التثويب (أقبل) الشيطان (حتى يخطر) بكسر الطاء المهملة. قال في الأساس: خطر الرجل برمحه إذا مشى به بين الصفين وهو يخطر في مشيه يهتز. قال الحماسي: ذكرتك والخطي يخطر بيننا والمعنى هنا أن الشيطان يدخل ويحجز (بين الإنسان وقلبه) بوسوسته (فيقول: اذكر كذا وكذا، حتى لا يدري) ذلك المصلي من الوسوسة (أثلاثًا) بالهمزة (صلّى أم أربعًا فإذا لم يدر ثلاثًا) بإسقاط الهمزة (صلّى أو أربعًا) بالواو وفي السابقة بالميم (سجد سجدتي السهو). قبل السلام بعد أن يأخذ بالأقل فيأتي بركعة يتم بها، ومبحث ذلك سبق في بابه. 3286 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ بَنِي آدَمَ يَطْعُنُ الشَّيْطَانُ فِي جَنْبَيْهِ بِإِصْبَعِهِ حِينَ يُولَدُ، غَيْرَ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ذَهَبَ يَطْعُنُ فَطَعَنَ فِي الْحِجَابِ» [الحديث 3286 - طرفاه في:3431 , 4548]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كل بني آدم يطعن الشيطان) بضم العين (في جنبيه) بالتثنية في الفرع وأصله ونسبها في فتح الباري لأبي ذر والجرجاني قال وللأكثر جنبه بالإفراد (بإصبعه) بالإفراد ولأبي ذر بإصبعيه بالتثنية في الفرع (حين يولد) زاد في آل عمران من طريق الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة فيستهل صارخًا من مس الشيطان إياه (غير عيسى ابن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب). أي الجلدة التي يكون فيها الجنين وهي المشيمة وفي آل عمران: إلاّ مريم وابنها فقيل يحتمل اقتصاره هنا على عيسى دون ذكر أمه أنه بالنسبة إلى الطعن في الجنب وذاك بالنسبة إلى المس. قال في الفتح: والذي يظهر أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر والزيادة من الحافظ مقبولة، وزاد أيضًا في آل عمران وغيرها ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} [آل عمران: 36] وفيه أنهما حفظًا ببركة دعاء حنة أم مريم ولم يكن لمريم ذرية غير عيسى. 3287 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: "قَدِمْتُ الشَّأْمَ، قَالُوا: أَبُو الدَّرْدَاءِ، قَالَ: أَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم أبو غسان النهدي الكوفي قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن المغيرة) بن مقسم الضبي (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي الكوفي أنه (قال: قدمت الشام قالوا أبو الدرداء) اسمه عويمر بن مالك الأنصاري الخزرجي وفي نسخة بهامش الفرع فقلت من هاهنا؟ قالوا أبو الدرداء (قال): أي أبو الدرداء بعد مجيئه (أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟) قيل بقوله عليه الصلاة والسلام "ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى

النار" أو بقوله عليه الصلاة والسلام المروي في الترمذي من حديث عائشة "ما خير عمار بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما" فكونه يختار الأرشد يقتضي أنه أجير من الشيطان الذي من شأنه أن يأمر بالغي. 0000 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ وَقَالَ: "الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي عَمَّارًا". [الحديث: 3287 - أطرافه في: 3742، 3743، 3761، 4943، 4944، 6278]. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن مغيرة) بن مقسم إلى آخره (وقال الذي أجاره الله على لسان نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني عمارًا). هو ابن ياسر وكان من السابقين الأوّلين إلى الإسلام. 3288 - قَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ أَخْبَرَهُ عن عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمَلاَئِكَةُ تَتَحَدَّثُ فِي الْعَنَانِ -وَالْعَنَانُ الْغَمَامُ- بِالأَمْرِ يَكُونُ فِي الأَرْضِ، فَتَستمعُ الشَّيَاطِينُ الْكَلِمَةَ فَتَقُرُّهَا فِي أُذُنِ الْكَاهِنِ كَمَا تُقَرُّ الْقَارُورَةُ، فَيَزِيدُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذِبَةٍ». (قال: وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي حاتم الرازي عن أبي صالح كاتب الليث عن الليث قال: (حدّثني) بالإفراد (خالد بن يزيد) من الزيادة السكسكي (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي المدني (أن أبا الأسود) محمد بن عبد الرحمن (أخبره عروة) ولأبي ذر أخبره عن عروة (عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الملائكة تتحدّث) ولأبي ذر: تحدّث بإسقاط إحدى التاءين تخفيفًا (في العنان) بفتح العين المهملة متعلق بتتحدث (والعنان الغمام) جملة اعتراض بين المتعلق والمتعلق (بالأمر) حال كونه (يكون في الأرض في الأرض فتسمع) بغير تاء بعد السين ولأبي ذر عن الكشميهني فتستمع (الشياطين الكلمة) من الملائكة (فتقرها) بفتح الفوقية وضم القاف والراء المشددة (في أذن الكاهن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: في آذان بالجمع الكاهن (كما تقر) بضم الفوقة وفتح القاف (القارورة) أي كما تطبق القارورة برأس الوعاء الذي يفرغ فيها أو يلقيها في آذان الكاهن كما يستقر الشيء في قراره أو يكون لما يلقيه حس كحس القارورة عند تحريكها على اليد أو على الصفا (فيزيدون معها) أي مع الكلمة (مائة كذبة). بفتح الكاف وسكون الذال، وفي الفرع بكسرها مع كشط فوق الذال وكذا في اليونينية بالكسر أيضًا، وزاد في ذكر الملائكة من عند أنفسهم. وذكر الحديث موصولاً من غير هذا الوجه. 3289 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: التَّثَاؤُبُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَالَ هَا ضَحِكَ الشَّيْطَانُ». [الحديث 3289 - طرفاه في: 6223، 6226]. وبه قال: (حدّثنا عاصم بن علي) اسم جده عاصم بن صهيب الواسطي مولى قريبة بنت محمد بن أبي بكر الصديق قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن أبيه) كيسان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (التثاؤب) بالمثلثة بعد الفوقية وبالهمزة وهو التنفس الذي ينفتح منه الفم لدفع البخارات المحتقنة في عضلات الفك (من الشيطان) لأنه ينشأ من الامتلاء وثقل النفس وكدورة الحواس ويورث الغفلة والكسل وسوء الفهم وذلك كله بواسطة الشيطان لأنه هو الذي يزين للنفس شهواتها فلذا أضيف إليه (فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع) قال في الفتح: أي يأخذ في أسباب رده وليس المراد أنه يملك رده لأن الذي وقع لا يردّ حقيقة، وقيل: المعنى إذا أراد أن يتثاءب، وقال الكرماني: أي ليكظم وليضع يده على الفم لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ودخوله فمه (فإن أحدكم إذا قال ها) مقصور من غير همز حكاية صوت المتثائب (ضحك الشيطان) فرحًا بذلك. وأخرجه ابن أبي شيبة والبخاري في التاريخ من مرسل يزيد بن الأصم: ما تثاءب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قط، وعند الخطابي من طريق مسلمة بن عبد الملك بن مروان ما تثاءب نبي قط. 3290 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ هِشَامٌ: أَخْبَرَنَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ، فَصَاحَ إِبْلِيسُ: أَىْ عِبَادَ اللَّهِ، أُخْرَاكُمْ. فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ، فَقَالَ: أَىْ عِبَادَ اللَّهِ، أَبِي أَبِي. فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ". [الحديث 3290 - أطرافه في: 3824، 4065، 6668، 6883، 6890]. وبه قال: (حدّثنا زكريا بن يحيى) أبو السكين الطائي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (قال هشام: أخبرنا عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: لما كان يوم) وقعة (أحد هزم المشركون فصاح إبليس أي عباد الله) يريد المسلمين (أخراكم) أي احذروا الذين من ورائكم متأخرين عنكم أو اقتلوهم ومراده عليه اللعنة تغليطهم ليقاتل المسلمون بعضهم بعضًا (فرجعت أولاهم) قاصدين لقتال أخراهم ظانين أنهم من المشركين (فاجتلدت) بالجيم فاقتتلت (هي وأخراهم فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان) بتخفيف الميم من غير ياء بعد النون يقتله المسلمون يظنونه من المشركين (فقال: أي عباد الله) هذا (أبي) هذا (أبي)

لا تقتلوه وسقط الجلالة أي من عباد الله لغير أبي ذر كما في الفرع وأصله (فوالله ما احتجزوا) بالحاء الساكنة والفوقية والجيم المفتوحتين والزاي المضمومة ما انفصلوا عنه (حتى قتلوه. فقال حذيفة: غفر الله لكم). عذرهم لكونهم قتلوه وهم يظنونه من الكافرين. (قال عروة) بن الزبير: (فما زالت في حذيفة منه بقية خير) دعاء واستغفار لقاتل أبيه (حتى لحق بالله). عز وجل وعند ابن إسحاق فقال حذيفة: قتلتم أبي؟ قالوا: والله ما عرفناه وصدقوا. فقال حذيفة: يغفر الله لكم فأراد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يديه فتصدق حذيفة بدمه على المسلمين فزاده ذلك عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيرًا. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والدّيات. 3291 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: "قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْتِفَاتِ الرَّجُلِ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ: هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسه الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ أَحَدِكُمْ". وبه قال: (حدّثنا الحسن بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة ابن سليمان أبو علي الكوفي البوراني قال: (حدّثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الكوفي (عن أشعث) بشين معجمة فعين مهملة فمثلثة (عن أبيه) سليم بضم السين وفتح اللام أبي الشعثاء المحاربي الكوفي (عن مسروق) هو ابن الأجدع الكوفي أنه (قال: قالت عائشة -رضي الله عنها-: سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن التفات الرجل) برأسه يمينًا أو شمالاً (في الصلاة فقال): (هو اختلاس) اختطاف بسرعة (يختلسه الشيطان من صلاة أحدكم). لأن الالتفات لما كان فيه ذهاب الخشوع استعير لذهابه اختلاس الشيطان تصويرًا لقبح ذلك بالمختلس لأن المصلي مستغرق في مناجاة مولاه وهو مقبل عليه والشيطان مراصد له منتظر لفوات ذلك فإذا التفت المصلي اغتنم الشيطان الفرصة فيختلسها منه. وقد مرّ هذا الحديث في باب الالتفات من كتاب الصلاة. 3292 - حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلُمُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ حُلُمًا يَخَافُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ». [الحديث 3292 - أطرافه في: 5747، 6984، 6986، 6995، 6996، 7005، 7044]. وبه قال: (حدّثنا أبو المغيرة) عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (قال: حدّثني) بالإفراد (يحيى) بن أبي كثير (عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحرث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). قال البخاري: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: وحدّثني (سليمان بن عبد الرحمن) المعروف بابن ابنة شرحبيل الدمشقي قال: (حدّثنا الوليد) بن مسلم الدمشقي قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن (قال: حدّثني) بالإفراد (يحين بن أبي كثير) بالمثلثة قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (عبد الله بن أبي قتادة) صرح بتحديث أبي قتادة ليحيى (عن أبيه) أبي قتادة أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الرؤيا الصالحة من الله) الصالحة صفة موضحة للرؤيا لأن غير الصالحة تسمى بالحلم أو مخصصة والصلاح إما باعتبار صورتها أو باعتبار تعبيرها (والحلم) بضم الحاء المهملة واللام وهو الرؤيا الغير الصالحة (من الشيطان) لأنه هو الذي يريها للإنسان ليحزنه ويسيء ظنه بربه (فإذا حلم أحدكم) بفتح الحاء واللام (حلمًا) بضم الحاء وسكون اللام (يخافه) في موضع نصب صفة لحلمًا (فليبصق عن يساره) طردًا للشيطان (وليتعوذ بالله من شرها) أي الرؤية السيئة (فإنها لا نضره). وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التعبير والنسائي في اليوم والليلة. 3293 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ». [الحديث 3293 - طرفه في: 6403]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن سمي) بضم السين المهملة وبفتح الميم وتشديد التحتية (مولى أبي بكر) أي ابن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي المدني (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت) ولأبي ذر عن الكشميهني كان أي القول المذكور (له عدل) بفتح العين أي مثل ثواب إعناق (عشر رقاب)، بسكون الشين وفي اليونينية بفتحها (وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزًا من الشيطان) بكسر الحاء المهملة أي حصنًا (يومه) نصب على الظرفية (ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل

مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك). قال القاضي عياض: ذكر هذا العدد من المائة دليل على أنها غاية للثواب المذكور، وأما قوله: إلا أحد عمل أكثر من ذلك فيحتمل أن يراد الزيادة على هذا العدد فيكون لقائله من الفضل بحسابه لئلا يظن أنها من الحدود التي نهى عن اعتدائها وأنه لا فضل في الزيادة عليها كما في ركعات السنن المحدودة وإعداد الطهارة ويحتمل أن يراد بالزيادة من غير هذا الجنس من الذكر وغيره أي إلا أن يزيد أحد عملاً آخر من الأعمال الصالحة، وظاهر إطلاق الحديث يقتضي أن الأجر يحصل لمن قال هذا التهليل في اليوم متواليًا أو متفرقًا في مجلس أو مجالس في أول النهار أو في آخره: لكن الأفضل أن يأتي به متواليًا في أول النهار ليكون له حرزًا في جميع نهاره وكذلك في أول الليل ليكون له حرزًا في جميع ليله. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الدعوات وكذا مسلم والترمذي، وأخرجه ابن ماجه في ثواب التسبيح. 3294 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: "اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللاَّئي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ. قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ يَهَبْنَ. ثُمَّ قَالَ: أَىْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِي وَلاَ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ". [الحديث 3294 - طرفاه في: 3683، 6085]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد) العدوي أبو عمرو المدني (أن محمد بن سعد بن أبي وقاص) الزهري أبا القاسم المدني نزيل الكوفة (أخبره أن أباه سعد بن أبي وقاص) مالك بن وهيب أحد العشرة -رضي الله عنهم- (قال: استأذن عمر) -رضي الله عنه- (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعنده نساء من قريش) هن من أزواجه (يكلمنه) عليه الصلاة والسلام (ويستكثرنه) من النفقة حال كونهن (عالية أصواتهن) زاد في المناقب على صوته، ولعله كان قبل تحريم رفع الصوت على صوته أو كان ذلك من طبعهن (فلما استأذن عمر) في الدخول (فمن) حال كونهن (يبتدرن الحجاب) أي يتسارعن إليه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: في الحجاب (فأذن له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أن يدخل فدخل (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يضحك) جملة حالية (فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله) يريد لازم الضحك وهو السرور (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عجبت من هؤلاء اللاتي) بالمثناة الفوقية، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: اللائي بالهمزة بدل الفوقية (كن عندي) يتكلمن (فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب) هيبة منك (قال عمر: فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يهبن) بفتح الهاء من الهيبة (ثم قال) عمر -رضي الله عنه- لهن: (أي عدوّات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الهاء فيهما كالسابقة (قلن: نعم. أنت أفظ وأغلظ من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). أفظ وأغلظ بالمعجمتين بصيغة أفعل التفضيل من الفظاظة والغلظة وهو يقتضي الشركة في أصل الفعل ويعارضه قوله تعالى: {ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [آل عمران: 159] فإنه يقتضي أنه لم يكن فظًّا ولا غليظًّا. وفي حديث صفته في التوراة مما أخرجه البيهقي وغيره عن كعب الأحبار: ليس بفظ ولا غليظ. وأجاب الزركشي: بأن أفعل التفضيل قد يجيء لا للمشاركة في أصل الفعل كقولهم العسل أحلى من الخل. قال في المصابيح وهو كلام إقناعي لا تحرير فيه وتحريره أن لأفعل حالات. إحداها: وهي الأصلية أن تدل على ثلاثة أمور. أحدها: اتصاف من هو له بالحدث الذي اشتق منه وبهذا المعنى كان وصفًا، والثاني مشاركة مصحوبة له في تلك الصفة، والثالث: تمييز موصوفة على مصحوبة فيها وبكل من هذين المعنيين فارق غيره من الصفات. الحالة الثانية: أن يبقى على معانيه الثلاثة، ولكن يخلع منه قيد المعنى الثاني ويخلفه قيد آخر، وذلك أن المعنى الثاني وهو الاشتراك كان مقيدًا بتلك الصفة التي هي المعنى الأول فيصير مقيدًا بالزيادة التي هي المعنى الثالث. ألا ترى أن المعنى في قولهم: العسل أحلى من الخل أن للعسل حلاوة وأن تلك الحلاوة ذات زيادة وأن زيادة حلاوة العسل أكثر من زيادة

حموضة الخل قاله ابن هشام في حاشية التسهيل وهو بديع جدًا. الحالة الثالثة: أن يخلع منه المعنى الثاني وهو المشاركة، وقيد المعنى الثالث وهو كون الزيادة على مصاحبه فيكون للدلالة على الاتصاف بالحدث وعلى زيادة مطلقة لا مقيدة وذلك نحو قولك: يوسف أحسن أخوته اهـ. وحاصله أن الأفظ هنا بمعنى فظ. قال في الفتح: وفيه نظر للتصريح بالرَجيح المقتضي لحمل أفعل على بابه، والجواب أن الذي في الآية يقتضي نفي وجود ذلك له صفة فلا يستلزم ما في الحديث بل مجرد وجود الصفة له في بعض الأحوال وهو عند إنكار المنكر مثلاً فقد أمره الله تعالى بالأغلاظ على الكافرين والمنافقين في قوله تعالى: {واغلظ عليهم} [التوبة: 73] فالنفي بالنسبة إلى المؤمنين والأمر بالنسبة إلى الكافرين والمنافقين أو النفي محمول على طبعه الكريم الذي جبل عليه والأمر محمول على المعالجة وكان عمر مبالغًا في الزجر عن المكروهات مطلقًا، وفي طلب المندوبات كلها فلذا قال النسوة له ذلك. (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكًا فجًّا) بفاء مفتوحة فجيم مشددة طريقًا واسعًا (إلا سلك فجًّا غير فجك). قال النووي: هذا الحديث محمول على ظاهره وأن الشيطان يهرب إذا رآه. وقال القاضي عياض: يحتمل أن يكون على سبيل ضرب المثل وأن عمر فارق سبيل الشيطان وسلك طريق السداد فخالف كل ما يحبه الشيطان، وسقط لأبي ذر: والذي نفسي بيده. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضل عمر ومسلم في الفضائل والنسائي في المناقب واليوم والليلة. 3295 - حَدَّثَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ -أُرَاهُ أَحَدُكُمْ- مِنْ مَنَامِهِ فَتَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثًا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ». وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر حدَّثني بالإفراد (إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي ابن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوّام القرشي الأسدي الزبيري (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي عبد العزيز واسم أبي حازم سلمة بن دينار (عن يزيد) بن عبد الله بن أسامة بن الهاد (عن محمد بن إبراهيم) بن الحرث التميمي القرشي (عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله بن عثمان التميمي القرشي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا استيقظ -أراه) بضم الهمزة أي أظنه (أحدكم- من منامه) سقط لأبي ذر عن الكشميهني أراه أحدكم (فتوضأ فليستنثر ثلاثًا) بأن يخرج ما في أنفه من أذى بنفسه بعد الاستنشاق لما فيه من تنقية مجرى النفس الذي به تلاوة القرآن، وبإزالة ما فيه تصح مجاري الحروف (فإن الشيطان يبيت على خيشومه) حقيقة لأن الأنف أحد المنافذ التي يتوصل منها إلى القلب لا سيما وليس من منافذ الجسم ما ليس عليه غلق سواه وسوى الأذنين، وقد جاء في التثاؤب الأمر بكظمه من أجل دخول الشيطان حينئذٍ في الفم، ويحتمل أن يكون على الاستعارة فإنه ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم قذر يوافق الشيطان قاله القاضي عياض. وقال التوربشتي والبيضاوي: الخيشوم هو أقصى الأنف المتصل بالبطن المقدم من الدماغ الذي هو موضع الحسن المشترك ومستقر الخيال فإذا نام تجتمع فيه الأخلاط وييبس عليه المخاط ويكل الحس ويتشوش الفكر فيرى أضغاث أحلام فإذا قام من نومه وترك الخيشوم بحاله استمر الكسل والكلال واستعصى عليه النظر الصحيح وعسر الخضوع والقيام على حقوق الصلاة وأدائها. ثم قال التوربشتي: ما ذكر هو من طريق الاحتمال وحق الأدب دون الكلمات النبوية التي هي مخازن لأسرار الربوبية ومعادن الحكم الإلهية أن لا يتكلم في هذا الحديث وأخواته لأن الله تعالى خصّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بغرائب المعاني وكاشفه عن حقائق الأشياء ما يقصر عن بيانه باع الفهم ويكلّ عن إدراكه بصر العقل اهـ. وظاهر الحديث يقتضي أن يحصل هذا لكل نائم، ويحتمل أن يكون مخصوصًا بمن لم يحترز من الشيطان بشيء من الذكر كما في حديث آية الكرسي: ولا يقربك شيطان. وسقط

12 - باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم. لقوله: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي} -إلى قوله- {عما يعملون}. {بخسا}: نقصا. وقال مجاهد: {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا}: قال كفار قريش: الملائكة بنات الله وأمهاتهم بنات سروات الجن. قال الله: {ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون}: سيحضرون للحساب. {جند محضرون}: عند الحساب.

للمستملي قوله: يبيت، وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في الطهارة. 12 - باب ذِكْرِ الْجِنِّ وَثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ. لِقَوْلِهِ: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} -إِلَى قَوْلِهِ- {عَمَّا يَعْمَلُونَ}. {بَخْسًا}: نَقْصًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا}: قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: الْمَلاَئِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ وَأُمَّهَاتُهُمْ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ. قَالَ اللَّهُ: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}: سَيُحْضَرُونَ لِلْحِسَابِ. {جُنْدٌ مُحْضَرُونَ}: عِنْدَ الْحِسَابِ. (باب ذكر) وجود (الجن و) ذكر (ثوابهم) على الطاعات (و) ذكر (عقابهم) على المعاصي، وقد دلت على وجودهم نصوص الكتاب والسنة مع إجماع كافة العلماء في عصر الصحابة والتابعين عليه وتواتر نقله عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم تواترًا ظاهرًا يعلمه الخاص والعام فلا عبرة بإنكار الفلاسفة والباطنية وغيرهم ذلك، وفي المبتدأ لإسحاق بن بشر القرشي عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: خلق الله تعالى الجن قبل آدم بألفي سنة. وفي ربيع الأبرار للزمخشري عن أبي هريرة مرفوعًا: "إن الله خلق الخلق أربعة أصناف الملائكة والشياطين والجن والإنس، ثم جعل هؤلاء الأربعة عشرة أجزاء فتسعة منهم الملائكة وجزء واحد الشياطين والجن والإنس، ثم جعل هؤلاء الثلاثة عشرة أجزاء فتسعة منهم الشياطين وواحد الجن والإنس، ثم جعل الجن والإنس عشرة أجزاء فتسعة منهم الجن وواحد منهم الإنس". قال صاحب آكام المرجان: فعلى هذا تكون نسبة الإنس من الخلق كنسبة الواحد من الألف، ونسبة الجن من الخلق كنسبة التسعة من الألف، ونسبة الشياطين من الخلق كنسبة التسعين من الألف، ونسبة الملائكة من الخلق كنسبة التسعمائة من الألف، وقد ثبت في القرآن والسنة أن أصل الجن النار كما أن أصل الإنس الطين. فإن قلت: إذا ثبت أنهم من النار فكيف تحرقهم الشهب عند استراقهم السمع والنار لا تحرق النار؟ أجيب: بأنه ليس المراد أن الجني نار حقيقة وإن كان أصله منها، كما أن الآدمي ليس طينًا وإن كان أصله منه، وفي حديث عروص الشيطان له في صلاته أنه خنقه حتى وجد برد ريقه على يده ولو كانت ذاته نارًا محرقة لما كان له ريق بارد بل ولا ريق أصلاً. وقد اختلف في صفتهم فقال أبو يعلى بن الفراء: هم أجسام مؤلفة وأشخاص مركبة يجوز أن تكون رقيقة وأن تكون كثيفة إذ لا يمكن معرفتها على التعيين إلا بالمشاهدة أو بإخبار الله تعالى أو رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكل مفقود، وقول المعتزلة: إنما هم أجسام رقيقة ولرقتهم لا نراهم مردود فإن الرقة ليست بمانعة عن الرؤية، ويجوز أن يخفى عن رؤيتنا بعض الأجسام الكثيفة إذا لم يخلق الله فينا إدراكها، وقد روى إسحاق في المبتدأ عن عكرمة عن ابن عباس لما خلق الله سوميًا أبا الجن وهو الذي خلق من مارج من نار قال تبارك وتعالى: تمنّ قال: أتمنى أن نرى ولا نرى وأن نغيب في الثرى وأن يصير كهلنا شابًّا. قال: فأعطي ذلك فهم يرون ولا يرون وإذا ماتوا غيبوا فى الثرى ولا يموت كهلهم حتى يعود شابًّا يعني مثل الصبي ثم يردّ إلى أرذل العمر اهـ. فخلق الله تعالى في عيون الجن إدراكًا يرون به الإنس ولا يرونهم لأنه تعالى لم يخلق لهم ذلك الإدراك قال تعالى: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} [الأعراف: 27] وهو يتناول أوقات الاستقبال من غير تخصيص. قال ابن عساكر في كتاب الزهادة في طلب الشهادة فيما نقله عنه في الآكام: وممن ترد شهادته ولا تسلم له عدالته من يزعم أنه يرى الجن عيانًا ويدعي أن له منهم إخوانًا، ثم روى بسنده إلى حرملة قال: سمعت الشافعي يقول: من زعم أنه يرى الجن أبطلنا شهادته لقوله تعالى في كتابه الكريم {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} [الأعراف: 27] وعن الربيع سمعت الشافعي يقول من زعم من أهل العدالة أنه يرى الجن أبطلت شهادته لأن الله تعالى يقول: {إنه يراكم} الآية. إلا أن يكون نبيًا. قال في الفتح: وهذا محمول على من يدعي رؤيتهم على صورهم التي خلقوا عليها، وأما من زعم أنه يراهم بعد أن يتصوروا على صورة شيء من الحيوان فلا، وقد تواترت الأخبار بتصورهم في صور شتى فيتصوّرون بصور بني آدم كما أتى الشيطان قريشًا في صورة سراقة بن مالك بن جعشم لما أرادوا الخروج إلى بدر وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم. وفي صورة شيخ نجدي لما اجتمعوا بدار الندوة.

وفي صورة الحيات. ففي الترمذي عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "إن بالمدينة نفرًا من الجن فإذا رأيتم من هذه الهوام شيئًا فآذنوه ثلاثًا فإن بدا لكم فاقتلوه". وفي صورة الكلاب. واختلف في ذلك فقيل: هو تخييل فقط ولا قدرة لهم على تغيير خلقتهم والانتقال في الصور، وإنما يجوز أن يعلمهم الله كلمات وضربًا من ضروب الأفعال إذا تكلموا بها وفعلوها نقلهم الله تعالى من صورة إلى صورة فيقال: إنهم قادرون على التصوير والتخييل على معنى أنهم قادرون على قول إذا قالوه نقلهم الله من صورة إلى أخرى، وأما تصوير أنفسهم فذلك محال لأن انتقال الصورة إلى أخرى إنما يكون ينقض البنية. وتفريق الأجزاء وإذا نقضت بطلت تلك الحياة واستحال وقوع الفعل بالجملة، وكذا القول في تشكل الملائكة وقد ذكر ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وابن أبي شيبة. قال ابن حجر: بإسناد صحيح أن الغيلان ذكروا عند عمر فقال: إن أحدًا لا يستطيع أن يتغير عن صورته التي خلقه الله تعالى عليها ولكن لهم سحرة كسحرتكم فإذا رأيتم ذلك فأذنوا. وفي حديث عبد الله بن عبيد بن عمير قال: سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الغيلان. قال "هم سحرة الجن". ورواه إبراهيم بن هراسة عن جرير بن حازم بن عبد الله بن عبيد عن جابر وصله. وروى الطبراني بإسناد حسن عن أبي ثعلبة الخشني -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قال: "الجن ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات، وصنف يحلون ويظعنون". ورواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. وفي حديث أبي الدرداء مرفوعًا: "خلق الله الجن ثلاثة أصناف: صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض، وصنف كالريح في الهواء، وصنف كبني آدم عليهم الحساب والعقاب. وخلق الله بني آدم أصنافًا: صنف منهم كالبهائم. قال الله تعالى: {إن هم إلاّ كالأنعام بل هم أضل سبيلاً} [الفرقان: 44] وصنف أجسادهم أجساد بني آدم وأرواحهم أرواح الشياطين، وصنف في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله". قال ابن حبان: رواه يزيد بن سفيان الرهاوي عن أبي المنيب عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي الدرداء. ويزيد بن سفيان ضعفه يحيى وأحمد وابن المديني، واختلف في الجن هل يأكلون ويشربون؟ والصحيح الذي عليه الجمهور أنهم يأكلون ويشربون، ويدل لذلك الأحاديث الصحيحة والعمومات الصريحة. منها: حديث أمية بن مخشي عند أبي داود: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالسًا ورجل يأكل ولم يسم حتى إذا لم يبق من طعامه إلا لقمة فلما رفعها إلى فيه قال: بسم الله أوله وآخره فضحك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قال: "ما زال الشيطان يأكل معه فلما ذكر اسم الله استقاء ما في بطنه". وفي الصحيحين أن الجن سألوه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزاد فقال: كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في يد أحدهم أوفر ما يكون لحمًا وكل بعر علف لدوابهم" وفي البخاري أن الروث والعظم طعام الجن. وفي أبي داود: كل عظم لم يذكر اسم الله عليه فالأول محمول على الجن المؤمنين، والثاني في حق الشياطين. وفي هذا رد على من زعم أن الجن لا تأكل ولا تشرب، وتأول قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله" على المجاز أي أكل يحبه الشيطان ويدعو إليه ويزينه. قال ابن عبد البر: وهذا ليس بشيء ولا معنى لحمل شيء من الكلام على المجاز إذا أمكنت فيه الحقيقة بوجه ما، وأما قول بعضهم أكل الجن صحيح ولكنه تشمم واسترواح لا مضغ وبلع وإنما المضع والبلع لذوي الجثث فلا دليل عليه، وكونهم أجسادًا رقيقة لا يمنع أن يكونوا ممن يأكل ويشرب، وبالجملة فالقائلون إن الجن لا تأكل ولا تشرب إن أرادوا جميعهم فباطل لمصادمتهم الأحاديث الصحيحة، وإن أرادوا صنفًا منهم فمحتمل، لكن العمومات تقتضي أن الكل يأكلون ويشربون. وقول الله تعالى: {لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} [الرحمن: 56] يدل على أنه يتأتى من الجن الطمث وهو الافتضاض وهو الجماع الذي يكون معه تدمية من الفرج أو المسيس بالمجامعة، وكذا قوله تعالى: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني} [الكهف: 50]

فإنه يدل على أنهم يتناكحون لأجل الذرية ورقتهم لا تمنع من توالدهم إذا كان ما يلدونه رقيقًا ألا ترى أنا قد نرى من الحيوان ما لا يتبين للطافته إلا بالتأمل ولا يمنع ذلك من التوالد، وغالب ما توجد الجن في مواضع النجاسات كالحمامات والحشوش والمزابل، وكثير من أهل الضلالات والبدع المظهرين للزهد والعبادة على غير الوجه الشرعي يأوون إلى مواضع الشياطين المنهي عن الصلاة فيها يقع لهم فيها بعض مكاشفات لأن الشياطين تنزل عليهم فيها وتخاطبهم ببعض الأمر كما تخاطب الكهان، وكما كانت تدخل في الأصنام وتكلم عابديها. واختلف هل هم مكلفون؟ فذهب الحشوية إلى أنهم مضطرون إلى أفعالهم وليسوا مكلفين، والذي عليه الجمهور أنهم مكلفون مخاطبون مثابون على الطاعات معاقبون على المعاصي (لقوله) عز وجل: ({يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم}) في موضع رفع صفة لرسل ({يقصون عليكم آياتي}) [الأنعام: 130] إلى قوله: ({عما يعملون}) وسقط لأبي ذر إلى قوله: {عما يعملون} وقال: الآية ويحتمل أن تكون يقصون صفة ثانية لرسل وأن تكون في موضع نصب على الحال وصاحبها رسل وإن كان نكرة لتخصيصه بالوصف أو الضمير المستتر في منكم، وزعم الفراء أن في الآية حذف مضاف أي: ألم يأتكم رسل من أحدكم يعني من جنس الإنس كقوله تعالى: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} [الرحمن: 22] وإنما يخرجان من الملح فالتقدير يخرج من أحدهما وإنما يحتاج إلى ذلك لأن الرسل عنده مختصة بالإنس يعني أنه يعتقد أن الله ما أرسل للجن رسولاً منهم بل إنما أرسل إليهم الإنس ولم يرسل من الجن إلا بواسطة رسالة الإنس لقوله تعالى: {ولّوا إلى قومهم منذرين} [الأحقاف: 29] وعلى هذا فلا يحتاج إلى تقدير مضاف، وإن قلنا: إن رسل الجن من الإنس لأنه يطلق عليهم رسل مجازًا لكونهم رسلاً بواسطة رسالة الإنس والإجماع على أن نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مبعوث إلى الثقلين الجن والإنس، وتمسك قوم منهم الضحاك وقالوا: بعث إلى كل من الثقلين رسل منهم وإن الله تعالى أرسل إلى الجن رسولاً منهم اسمه يوسف. قال ابن جرير: وأما الذين قالوا بقول الضحاك فإنهم قالوا إن الله تعالى أخبر أن من الجن رسلاً أرسلوا إليهم، ولو جاز أن يكون خبره عن رسل الجن بمعنى أنهم رسل الإنس جاز أن يكون خبره عن رسل الإنس بمعنى أنهم رسل الجن. قالوا: وفي فساد هذا المعنى ما يدل على أن الخبرين جميعًا بمعنى الخبر عنهم أنهم رسل الله تعالى لأن ذلك هو المعروف في الخطاب دون غيره. قال في الآكام: ويدل لما قاله الضحاك حديث ابن عباس عند الحاكم قال: ومن الأرض مثلهن قال سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم، وآدم كآدمكم، ونوح كنوحكم، وإبراهيم كإبراهيمكم، وعيسى كعيساكم. قال الذهبي: إسناده حسن وله شاهد عند الحاكم أيضًا عن ابن عباس قال في قوله: {سبع سماوات ومن الأرض مثلهن} [الطلاق: 12] قال في كل أرض نحو إبراهيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال الذهبي: حديث على شرط الشيخين رجاله أئمة إذا تقرر أنهم مكلفون فهم مكلفون بالتوحيد وأركان الإسلام وأما ما عداه من الفروع فاختلف فيها لما ثبت من النهي عن الروث والعظم وإنهما زاد الجن. واختلف هل يثابون على الطاعات؟ فروى ابن أبي الدنيا عن ليث بن أبي سليم قال: ثواب الجن أن يجاروا من النار ثم يقال لهم: كونوا ترابًا. وروي عن أبي حنيفة نحوه، وذهب الجمهور وهو مذهب الأئمة الثلاثة أنهم يثابون على الطاعة. وعن مالك أنه استدلّ على أن عليهم العقاب ولهم الثواب بقوله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} ثم قال: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} [الرحمن: 46] والخطاب للإنس والجن، فإذا ثبت أن فيهم مؤمنين والمؤمن من شأنه أن يخاف مقام ربه ثبت المطلوب. وهل يدخلون الجنة كالإنس؟ والجمهور على أنهم يدخلون ولا يأكلون فيها ولا يشربون، بل يلهمون التسبيح والتقديس. وحكاه الكمال الدميري عن مجاهد واستغربه. وقال الحرث المحاسبي: نراهم فيها ولا يرونا عكس ما في الدنيا

13 - باب قول الله عز وجل: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} -إلى قوله- {أولئك في ضلال مبين}. {مصرفا}: معدلا. {صرفنا}: أى وجهنا

وقيل: لا يدخلونها بل يكونون في ربضها وهذا مأثور عن مالك والشافعي وأحمد، وقيل: إنهم على الأعراف وتوقف بعضهم عن الجواب في هذا. ({بخسًا}) في قوله تعالى: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسًا} [الجن: 13] أي (نقصًا) قاله يحيى الفراء. والمراد النقص في الجزاء وفي الآية دليل على ثبوت أنهم مكلفون (قال) ولأبي الوقت وقال (مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: {وجعلوا بينه}) سبحانه وتعالى ({وبين الجنة نسبًا} قال): هم (كفار قريش) قالوا (الملائكة بنات الله وأمهاتهم) ولأبي ذر: وأمهاتهن والأولى أوجه (بنات سروات الجن) بفتحات أي ساداتهم (قال الله) عز وجل: ({ولقد علمت الجنة إنهم}) أي قائلي هذا القول وهم الكفار ({لمحضرون}) [الصافات: 158] أي (ستحضر للحساب) وسمي الملائكة جنة لاجتنانهم عن الأبصار. ({جند محضرون}) [يس: 75] في سورة يس أي (عند الحساب). ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: محضر بالإفراد والصواب الأول وهو لفظ القرآن. 3296 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: "أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- قَالَ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ وَبَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَىْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". ويه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (عن مالك) الإمام (عن عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري عن أبيه) عبد الله (أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال له) أي لعبد الله (إني أراك تحب الغنم و) تحب (البادية)، الصحراء التي لا عمارة فيها لأجل إصلاح الغنم بالرعي وهو في الغالب يكون فيها (فإذا كنت في) أي بين (غنمك) في غير بادية أو فيها (أو) في (باديتك) من غير غنم أو معها أو هو شك من الراوي (فأذنت بالصلاة) أي أعلمت بوقتها (فارفع صوتك بالنداء) بالأذان (فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن) أي غايته (جن ولا إنس ولا شيء) من حيوان أو جماد بأن يخلق الله تعالى له إدراكًا (إلا شهد له يوم القيامة) ليشتهر بالفضل وعلو الدرجة. (قال أبو سعيد) الخدري: (سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وسبق هذا الحديث في باب رفع الصوت بالنداء من كتاب الأذان والمراد منه هنا قوله فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن إلا شهد له إذ إنه يدل على أن الجن يحشرون يوم القيامة. 13 - باب قَوْلِ اللَّهَِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ} -إِلَى قَوْلِهِ- {أُولَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ}. {مَصْرِفًا}: مَعْدِلاً. {صَرَفْنَا}: أَىْ وَجَّهْنَا (باب قوله عز وجل) وسقط باب لغير أبي ذر ({وإذ صرفنا إليك نفرًا}) دون العشرة والجمع أنفار ({من الجن}) [الأحقاف: 29] (إلى قوله) جل وعلاً ({أولئك في ضلال مبين}) [الأحقاف: 32] أي حيث أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه ({مصرفًا}) أي (معدلاً) قاله أبو عبيدة ومراده قوله تعالى: {ولم يجدوا عنها مصرفًا} {صرفنا}) في قوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجن} قال المؤلّف: (أي وجهنا). وكان ذلك حين انصرف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- راجعًا من الطائف إلى مكة حين يئس من ثقيف. وعن ابن عباس أن الجن كانوا سبعة من جن نصيبين فجعلهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رسلاً إلي قومهم. وعن مجاهد فيما ذكره ابن أبي حاتم: كانوا ثلاثة من حران وأربعة من نصيبين، وسمى منهم ابن دريد وغيره شاصر وماصر ومنشى وماشى والأحقب، وعند ابن إسحاق حسا ومسا وأنين والأخصم. وعند ابن سلام عمرو بن جابر، وذكر ابن أبي الدنيا زوبعة ومنهم سرق، وقيل إنهم كانوا اثني عشر ألفًا. 14 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الثُّعْبَانُ الْحَيَّةُ الذَّكَرُ مِنْهَا، يُقَالُ الْحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ: الْجَانُّ وَالأَفَاعِي وَالأَسَاوِدُ. {آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ. يُقَالُ: {صَافَّاتٍ} بُسُطٌ أَجْنِحَتَهُنَّ. {يَقْبِضْنَ}: يَضْرِبْنَ بِأَجْنِحَتِهِنَّ (باب قول الله تعالى {وبث}) نشر وفرق ({فيها}) في الأرض ({من كل دابة}) [لقمان: 10] ما دب من الحيوان (قال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (الثعبان) في قوله تعالى: {فإذا هي ثعبان مبين} [الأعراف: 107] (الحية الذكر منها) وقيد بالذكر لأن لفظ الحية شامل للذكر والأنثى. قال المؤلّف: (يقال الحيات أجناس: الجان) بتشديد النون الحية البيضاء، (والأفاعي) جمع أفعى وهي الأنثى من الحيات والذكر منها أفعوان بضم الهمزة والعين، (والأساود) جمع أسود. قال أبو عبيدة: حيّة فيها سواد وهي أخبث الحيات. وزعموا أن الحية تعيش ألف سنة وهي في كل سنة تسلخ جلدها. ومن غريب أمرها أنها إذا لم تجد طعامًا عاشت بالنسيم وتقتات به الزمن الطويل، وإذا كبرت صغر جرمها ولا ترد الماء ولا تريده إلا أنها لا تملك نفسها عن الشراب إذا شمته لما في طبعها من الشوق إليه فهي إذا وجدته شربت منه حتى تسكر، وربما كان السكر سبب هلاكها، وتهرب من الرجل العريان وتفرح بالنار وتطلبها

15 - باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال

طلبًا شديدًا وتحب اللبن حبًا شديدًا ({أخذ بناصيتها}) [هود: 56] في قوله تعالى: {ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها} أي (في ملكه) بضم الميم في غير اليونينية والذي في اليونينية كسرها (وسلطانه) قاله أبو عبيدة. (يقال ْ {صافات}) أي (بسط) بضم الموحدة والمهملة مرفوع منوّن (أجنحتهن) بنصب التاء ({يقبضن}) أي (يضربن بأجنحتهن). قاله أبو عبيدة أيضًا في قوله تعالى: {أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن} [الملك: 19]. 3297 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالأَبْتَرَ، فَإِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ وَيَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ". [الحديث 3297 - أطرافه في: 3310، 3312، 4016]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني قال: (حدّثنا معمر، هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب على المنبر يقول): (اقتلوا الحيات واقتلوا ذا الطفيتين) بضم الطاء المهملة وسكون الفاء تثنية طفية، وهو الذي على ظهره خطان أبيضان (والأبتر) الذي لا ذنب له أو قصيره أو الأفعى التي قدر شبر أو أكثر قليلاً (فإنهما يطمسان البصر) أي يمحوان نوره (ويستسقطان) بسينين مهملتين ساكنتين بينهما فوقية مفتوحة وضبب عليها في الفرع، وفي نسخة به: ويسقطان (الحبل). بفتح الحاء المهملة والموحدة أي الولد إذا نظرت إليهما الحامل. ومن الحيات نوع إذا وقع نظره على إنسان مات من ساعته وآخر إذا سمع صوته مات وإنما أمر بقتل ذي الطفيتين والأبتر لأن الشيطان لا يتمثل بهما قاله الداودي وهو متعقب بما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. 3298 - "قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَبَيْنَا أَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً لأَقْتُلَهَا، فَنَادَانِي أَبُو لُبَابَةَ: لاَ تَقْتُلْهَا فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ. فَقَالَ: إِنَّهُ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ، وَهْيَ الْعَوَامِرُ". [الحديث 3298 - أطرافه في: 3311، 3313]. (قال عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- (فبينا) بغير ميم (أنا أطارد) أي أتبع وأطلب (حية لأقتلها) أي لأن اقتلها (فناداني أبو لبابة) بضم اللام وتخفف الموحدة. قال الكرماني: اسمه رفاعة على الأصح بكسر الراء وبالفاء ابن عبد المنذر الأوسي النقيب. وقال الحافظ ابن حجر: صحابي مشهور اسمه بشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة، وقيل مصغر، وقيل بتحتية ومهملة مصغرًا وشذ من قال اسمه مروان (لا تقتلها. فقلت) له: (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أمر بقتل الحيات قال): ولأبي ذر: فقال (إنه نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت) أي اللاتي توجدن في البيوت لأن الجني يتمثل بها، وخصصه مالك ببيوت المدينة، وفي مسلم: إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئًا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه. فإنما هو شيطان. قال الزهري: (وهي العوامر). أي سكانها من الجن سمين لطول لبثهن فيها من العمر وهو طول البقاء. 3299 - وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ: فَرَآنِي أَبُو لُبَابَةَ، أَوْ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ. وَتَابَعَهُ يُونُسُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَإِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ وَالزُّبَيْدِيُّ. وَقَالَ صَالِحٌ وَابْنُ أَبِي حَفْصَةَ وَابْنُ مُجَمِّعٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: فرَآنِي أَبُو لُبَابَةَ وَزَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ". (وقال عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد أي عن الزهري (فرآني أبو لبابة أو زيد بن الخطاب) أخو عمر على الشك في اسم الذي لقي عبد الله بن عمر. (وتابعه) أي تابع معمرًا (يونس) بن يزيد فيما وصله مسلم (وابن عيينة) سفيان مما وصله أحمد (وإسحاق) بن يحيى (الكلبي) فيما ذكره في نسخته (والزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة محمد بن الوليد الحمصي فيما وصله مسلم. (وقال صالح) هو ابن كيسان مما وصله مسلم وأبو عوانة (وابن أبي حفصة) محمد البصري مما ذكره في نسخته من طريق أبي أحمد بن عدي موصولة (وابن مجمع) بميم مضمومة فجيم مفتوحة فميم مشدّدة مكسورة إبراهيم بن إسماعيل الأنصاري المدني مما وصله البغوي وابن السكن في كتاب الصحابة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سالم عن ابن عمر: رآني) ولأبي ذر عن المستملي فرآني (أبو لبابة وزيد بن الخطاب). كلاهما من غير شك. وهذا الحديث أخرجه مسلم. 15 - باب خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ هذا (باب) بالتنوين (خير مال المسلم غنم) اسم جن يشمل المذكور والإناث (يتبع) بسكون الفوقية (بها شعف الجبال) بفتح الشين المعجمة والعين المهملة أعلاها. 3300 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الرَّجُلِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة) الأنصاري (عن أبيه عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يوشك) بكسر المعجمة يقرب (أن يكون خير مال الرجل) ولأبي ذر المسلم بدل الرجل (غنم) رفع اسم كان مؤخرًا

نكرة موصوفة ونصب خير خبرها مقدّمًا. وفي اليونينية في نسخة غنمًا نصب خبرها خير رفع اسمها ويجوز رفعها على الابتداء والخبر ويقدّر في يكون ضمير الشأن (يتبع بها شعف الجبال) رؤوسها (ومواقع القطر)، بطون الأدوية والصحارى أي يتبع بها مواقع العشب والكلأ في شعاف الجبال حال كونه (يفر بدينه من الفتن). طلبًا لسلامته لا لقصد دنيوي والباء للمصاحبة أو للسببية. وهذا الحديث سبق في باب من الدين الفرار من الفتن. 3301 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالإِبِلِ، وَالْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ». [الحديث 3301 - أطرافه في: 3499، 4388، 4389، 4390]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (رأس الكفر نحو المشرق)، بنصب نحو لأنه ظرف وهو مستقر في محل رفع خبر المبتدأ، ولأبي ذر عن الكشميهني: قبل المشرق أي أكثر الكفرة من جهة المشرق وأعظم أسباب الكفر منشؤه منه ومنه يخرج الدجال. قال في الفتح: وفي ذلك إشارة إلى شدة كفر المجوس لأن مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة إلى المدينة وكانوا في غاية القوّة والتكبر والتجبر حتى مزق ملكهم كتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليه واستمرت الفتن من قبل المشرق (والفخر) بالخاء المعجمة كإعجاب النفس (والخيلاء) بضم الخاء المعجمة وفتح التحتية ممدودًا الكبر واحتقار الغير (في أهل الخيل والإبل والفدّادين) بفتح الفاء والدال المشددة المهملة وحكي تخفيفها وبعد الألف أخرى مخففة مكسورة. قال في القاموس. الفداد مالك المئين من الإبل إلى الألف والمتكبر والجمع الفدادون وهم أيضًا الجمالون والرعيان والبقارون والحمارون والفلاحون وأصحاب الوبر والذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم والمكثرون من الإبل، وقال الخطابي: إن رؤيته بتشديد الدال فهو جمع فداد وهو الشديد الصوت وذلك من دأب أصحاب الإبل وإن رويته بتخفيفها فهو جمع الفدان وهو آلة الحرث البقر، وعلى هذا فالمراد أصحاب الفدادين فهو على حذف مضاف وإنما ذم ذلك لأنه يشغل عن أمر الدين ويلهي عن الآخرة وذلك يفضي إلى قساوة القلب، وقال القرطبي: ليس في رواية الحديث إلا التشديد وهو الصحيح على ما قاله الأصمعي وغيره. وقال ابن فارس: في الحديث الجفاء والقسوة في الفدادين أي أصحاب الحروث والمواشي. (أهل الوبر)، بفتح الواو والموحدة بيان للفدادين أي ليسوا من أهل الحضر. بل من أهل البدو. قال في القاموس: المدر محركة المدن والحضر. (والسكينة) بفتح السين وتخفيف الكاف، وفي الفاموس بكسرها مشددة الطمأنينة. وقال ابن خالويه: السكينة مصدر سكن سكينة وليس في المصادر له شبيه إلا قولهم: عليه ضريبة أي خراج معلوم (في أهل الغنم) لأنهم في الغالب دون أهل الإبل في التوسع والكثرة وهما من سبب الفخر والخيلاء. وفي حديث أم هانئ المروي في ابن ماجه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها "اتخذي الغنم فإن فيها بركة". 3302 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: "أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ فَقَالَ: الإِيمَانُ يَمَانٍ هَا هُنَا، أَلاَ إِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ". [الحديث 3302 - أطرافه في: 3498، 4387، 5303]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) هو القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي مولاهم البجلي (قال: حدّثني) بالإفراد (قيس) هو ابن أبي حازم البجلي (عن عقبة بن عمرو أبي مسعود) الأنصاري البدري أنه (قال: أشار رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده نحو اليمن فقال): (الإيمان يمان) مبتدأ وخبر وأصله يمني بياء النسبة فحذفوا الياء للتخفيف وعوضوا الألف بدلها أي الإيمان منسوب إلى أهل اليمن، وحمله ابن الصلاح على ظاهره وحقيقته لإذعانهم إلى الإيمان من غير كبير مشقة على المسلمين بخلاف غيرهم ومن اتصف بشيء وقوي إيمانه به نسب ذلك الشيء إليه إشعارًا بكمال حاله فيه، فكذا حال أهل اليمن حينئذٍ، وحال الوافدين منهم في حياته وفي أعقابه كأويس القرني وأبي مسلم الخولاني وشبههما ممن سلم قلبه وقوي إيمانه فكانت نسبة الإيمان إليهم بذلك إشعارًا بكمال إيمانهم من غير أن يكون في ذلك

نفي له عن غيرهم فلا منافاة بينه وبين قوله عليه الصلاة والسلام "الإيمان في أهل الحجاز" ثم المراد بذلك الموجودون منهم حينئذٍ لا كل أهل اليمن في كل زمان، فإن اللفظ لا يقتضيه. وصرفه بعضهم عن ظاهره من حيث إن مبدأ الإيمان من مكة ثم من المدينة حرسهما الله تعالى وردّني إليهما ردًّا جميلاً. وحكى أبو عبيد في ذلك أقوالاً فقيل: مكة لأنها من تهامة وتهامة من أرض اليمن، وقيل: مكة والمدينة، فإنه يروي في الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاله وهو بتبوك ومكة والمدينة حينئذٍ بينه وبين اليمن وأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة فقال: الإيمان يمان فنسبهما إلى اليمن لكونهما حينئذٍ من ناحية اليمن، وقيل: المراد الأنصار لأنهم يمانيون في الأصل فنسب الإيمان إليهم لكونهم أنصاره وعورض بأن في بعض طرقه عند مسلم: أتاكم أهل اليمن والأنصار من جملة المخاطبين بذلك فهم إذًا غيرهم، وفي قوله في حديث الباب أشار بيده نحو اليمن إشارة إلى أن المراد به أهلها حينئذٍ لا الذين كان أصلهم منها. (هاهنا ألا) بالتخفيف (أن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين) أي المصوتين (عند أصول أذناب الأبل) عند سوقهم لها (حيث يطلع قرنا الشيطان) بالتثنية جانبا رأسه لأنه ينتصب في محاذاة مطلع الشمس حتى إذا طلعت كانت بين قرني رأسه أي جانبيه فتقع السجدة له حين يسجد عبدة الشمس (في ربيعة ومضر) متعلق بالفدادين. وقال الكرماني: بدل منه. وقال النووي: أي القسوة في ربيعة ومضر الفدادين، والمراد اختصاص المشرق بمزيد من تسلط الشيطان ومن الكفر كما قال في الحديث الآخر: "رأس الكفر نحو المشرق". وكان ذلك في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قال ذلك، ويكون حين يخرج الدجال من المشرق وهو فيما بينهما منشأ الفتن العظيمة ومثار الكفرة الترك العاتية الشديدة البأس. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الطلاق والمناقب والمغازي ومسلم في الإيمان. 3303 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحِمَارِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ رَأَى شَيْطَانًا». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) هو ابن سعد الإمام (عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل ابن حسنة القرشي (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا سمعتم صياح الديكة) بكسر الدال المهملة وفتح التحتية جمع ديك ويجمع في القلة على أدياك وفي الكثرة على ديوك وديكة (فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكًا) بفتح اللام رجاء تأمينه على دعائكم واستغفاره لكم وشهادته لكم بالتضرع والإخلاص فتحصل الإجابة وفيه استحباب الدعاء عند حضور الصالحين، وأعظم ما في الديك من الخواص العجيبة معرفة الأوقات الليلية فيقسط أصواته عليها تقسيطًا لا يكاد يغادر منه شيئًا سواء طال النهار أو قصر، ويوالي صياحه قبل الفجر وبعده، فسبحان من هداه لذلك، ولهذا أفتى القاضي حسين والمتولي والرافعي بجواز اعتماد الديك المجرب في أوقات الصلوات. وأخرج الإمام أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان من حديث زيد بن خالد أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا تسبوا الديك فإنه يدعو إلى الصلاة قال الحليمي: فيه دليل على أن كل من استفيد منه خير لا ينبغي أن يسب ويستهان بل حقه أن يكرم ويشكر ويتلقى بالإحسان، وليس معنى دعاء الديك إلى الصلاة أنه يقول بصراخه صلوا أو حانت الصلاة بل معناه أن العادة جرت أنه يصرخ صرخات متتابعة عند طلوع الفجر وعند الزوال فطرة فطره الله عليها فيذكر الناس بصراخه الصلاة، ولا يجوز لهم أن يصلوا بصراخه من غير دلالة سواها إلا من جرب منه ما لا يخلف فيصير ذلك له إشارة والله الموفق. (وإذا سمعتم نهيق الحمار) جمعه حمير وحمر وأحمرة (فتعوذوا بالله من الشيطان) من شره وشر وسوسته (فإنه رأى شيطانًا) ولأبي ذر: فإنها رأت شيطانًا. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الدعوات وأبو داود في الأدب والترمذي في الدعوات والنسائي في التفسير واليوم والليلة. 3304 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا رَوْحٌ قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ -أَوْ أَمْسَيْتُمْ- فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُمْ وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا». قَالَ وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوَ مَا أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ وَلَمْ يَذْكُرْ «وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن راهويه كما عند أبي نعيم أو

ابن منصور بن كوسج المروزي قال: (أخبرنا روح) بفتح الراء بعد الواو الساكنة حاء مهملة ابن عبادة (قال: أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح أنه (سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا كان جنح الليل) بضم الجيم وسكون النون ظلامه أو أول ظلامه (أو أمسيتم) بالشك من الراوي أي دخلتم في المساء (فكفوا صبيانكم) عن الانتشار (فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ) وربما يتعلقون بهم فيؤذونهم (فإذا ذهب) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فإذا ذهبت (ساعة من الليل فحلوهم) بالحاء المهملة المضمومة، ولأبي ذر عن المستملي والحموي: فخلوهم بالخاء المعجمة المفتوحة (وأغلقوا الأبواب) بقطع همزة وأغلقوا (واذكروا اسم الله) عليها (فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا). وهذا الحديث سبق في باب: صفة إبليس وجنوده. (وقال) ابن جريج (وأخبرني) بالإفراد (عمرو بن دينار) أنه (سمع جابر بن عبد الله) يروي هذا الحديث (نحو ما أخبرني) بالإفراد (عطاء و) لكنه (لم يذكر) قوله (واذكروا اسم الله) كما ذكره عطاء في روايته. 3305 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ يُدْرَى مَا فَعَلَتْ، وَإِنِّي لاَ أُرَاهَا إِلاَّ الْفَأرَ: إِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْ، وَإِذَا وُضِعَ لَهَا أَلْبَانُ الشَّاءِ شَرِبَتْ. فَحَدَّثْتُ كَعْبًا فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ لِي مِرَارًا، فَقُلْتُ: أَفَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟ ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم البصري (عن خالد) ولغير أبي ذر حدّثنا خالد هو الحذاء (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (فقدت) بضم الفاء وكسر القاف مبنيًا للمفعول (أمة) رفع نائبًا عن الفاعل طائفة (من بني إسرائيل لا يدرى) بضم التحتية وفتح الراء (ما فعلت وإني لا أراها) بضم الهمزة لا أظنها (إلا الفأر) بإسكان الهمزة زاد مسلم في طريق أخرى عن ابن سيرين مسخ وآية ذلك (إذا وضع لها ألبان الأبل لم تشرب) لأن لحوم الإبل وألبانها حرمت على بني إسرائيل (وإذا وضع لها ألبان الشاء) أي الغنم (شربت) لأنها حلال لهم كلحمها وهو دليل على المسخ. قال أبو هريرة (فحدثت كعبًا) هو كعب الأحبار بذلك (فقال) لي (أنت سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقوله؟) قال أبو هريرة (قلت) له: (نعم). سمعته (قال) ولأبي ذر: فقال أي كعب (لي) أنت سمعته من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مرارًا) قال أبو هريرة (فقلت) له (أفاقرأ التوراة؟) بهمزة الاستفهام الإنكاري. وعند مسلم قال: أفأنزلت عليّ التوراة أي أنا لا أقول إلا ما سمعته عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا أنقل عن التوراة، وقد اختلف في الممسوخ هل يكون له نسل أم لا؟ فذهب أبو إسحاق الزجاج وابن العربي أبو بكر إلى أن الموجود من القردة من نسل الممسوخ تمسكًّا بحديث الباب، وقال الجمهور: لا. وهو المعتمد لحديث ابن مسعود عند مسلم مرفوعًا: إن الله لم يهلك قومًا أو يعذب قومًا فيجعل لهم نسلاً وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك. وأجابوا عن حديث الباب بأنه عليه الصلاة والسلام قاله قبل أن يوحى إليه بحقيقة الأمر في ذلك، ولذا لم يجزم به بخلاف النفي فإنه جزم به كما في حديث ابن مسعود. ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في باب أيام الجاهلية بعون الله. وهذا الحديث أخرجه مسلم في أواخر صحيحه. 3306 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها-: "إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلْوَزَغِ: الْفُوَيْسِقُ. وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ. وَزَعَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِقَتْلِهِ". وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير الأنصاري مولاهم البصري نسبه لجده لشهرته به (عن ابن وهب) عبد الله أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (يحدث عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (للوزغ) بفتح الواو والزاي جمع وزغة ويجمع أيضًا على أوزاغ ووزغان ووزاغ وأزغان وهي السام الأبرص وسميت بذلك لخفتها وسرعة حركتها واللام في قوله للوزغ بمعنى عن أي قال عن الوزغ (الفويسق) مصغرًا للذم والتحقير، وأصل الفسق الخروج ووصفت هذه بالفسق كالمذكورين في الحديث الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى لخروجها عن معظم غيرها من الحشرات بالإيذاء والإفساد. قالت عائشة: (ولم

أسمعه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أمر بقتله) لا حجة فيه إذ لا يلزم من عدم سماعها عدم وقوعه فقد سمعه غيرها بل جاء عنها من وجه آخر عند الإمام أحمد وابن ماجه أنه كان في بيتها رمح موضوع فسئلت عنه فقالت: نقتل به الوزغ فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرنا أن إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا أطفأت عنه النار إلا الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه، فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقتلها، لكن قال الحافظ ابن حجر: والذي في الصحيح أصح، ولعل عائشة سمعت ذلك من بعض الصحابة وأطلقت لفظ أخبرنا مجازًا أي أخبر الصحابة. قال عروة أو عائشة أو الزهري. (وزعم) أي قال (سعد بن أبي وقاص) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بقتله). فعلى القول بأن عروة هو القائل يكون متصلاً لأن عروة سمع من سعد، وعلى الثاني يكون من رواية القرين عن قرينه، وعلى القول بأنه الزهري يكون منقطعًا قاله في الفتح مرجحًا للأخير بأن الدارقطني أخرجه في الغرائب من طريق ابن وهب عن يونس ومالك معًا عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (للوزغ فويسق). وعن ابن شهاب عن سعد بن أبي وقاص: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بقتل الوزغ، وقد أخرج مسلم والنسائي وابن ماجه وابن حبان حديث عائشة من طريق ابن وهب وليس عندهم حديث سعد، وأخرج مسلم وأبو داود وأحمد وابن حبان من طريق معمر عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقًا، فكان الزهري وصله لمعمر وأرسله ليونس قال: ولم أر من نبه على ذلك من الشراح ولا من أصحاب الأطراف فللَّهِ الحمد اهـ. ورجح العيني احتمال كون عائشة هي القائلة. وزعم بمقتضى التركيب، ونقل الدميرى أن أصحاب الآثار ذكروا أن الوزغ أصم وأن السبب في صممه ما تقدم من نفخه النار على إبراهيم فصم لذلك وبرص. وهذا الحديث سبق في باب: ما يقتل من الدواب من كتاب الحج. 3307 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بن الفضلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أُمَّ شَرِيكٍ أَخْبَرَتْهُ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَهَا بِقَتْلِ الأَوْزَاغِ". [الحديث 3307 - طرفه في: 3359]. وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي وسقط لغير أبي ذر ابن الفضل قال: (أخبرنا ابن عيينة) سفيان قال: (حدّثنا عبد الحميد بن جبير بن شيبة) بن عثمان بن أبي طلحة العبدري الحجبي المكي (عن سعيد بن المسيب أن أم شريك) غزية بضم الغين المعجمة وفتح الزاي مصغرًا عامرية قرشية أو أنصارية (أخبرته أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرها بقتل الوزغ). وهذا الحديث أخرجه أيضًا في أحاديث الأنبياء ومسلم في الحيوان والنسائي وابن ماجه في الصيد. 3308 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَطْمِسُ الْبَصَرَ وَيُصِيبُ الْحَبَلَ». تَابَعَهُ حَمَّادُ بْنِ سَلَمَةَ: "أَخْبَرَنَا أُسَامَة" [الحديث 3308 - طرفه في: 3309]. وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) أبو محمد القرشي الهباري الكوفي من ولد هبار بن الأسود القرشي واسمه في الأصل عبد الله وعبيد لقب غلب عليه وعرف به قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنه-) أنها (قالت: قال النبي) ولأبوي ذر والوقت: قال رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اقتلوا ذا الطفيتين) بضم المهملة وسكون الفاء من الحيات الذي على ظهره خطان كالخوصتين (فإنه يطمس البصر) يمحو نوره (ويصيب الحبل) أي يسقط الجنين إذا نظرت إليه الحامل (تابعه) أي تابع أبا أسامة (حماد بن سلمة) في روايته عن هشام فيما وصله أحمد عن عفان ولأبي ذر عن الكشميهني تابع حماد بن سلمة قال: (أخبرنا أسامة) وهذه المتابعة ثبتت لأبي ذر عن الحموي والمستملي. 3309 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَتْلِ الأَبْتَرِ وَقَالَ: إِنَّهُ يُصِيبُ الْبَصَرَ وَيُذْهِبُ الْحَبَلَ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن رامك الأسدي البصري قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام) أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقتل الأبتر) القصير أو الذي لا ذنب له من الحيات (وقال): (إنه يصيب البصر) أي يعميه (ويذهب الحبل) يسقط الجنين. 3310 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ أَبِي يُونُسَ الْقُشَيْرِيِّ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقْتُلُ الْحَيَّاتِ، ثُمَّ نَهَى قَالَ: "إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَدَمَ حَائِطًا لَهُ فَوَجَدَ فِيهِ سِلْخَ حَيَّةٍ فَقَالَ: انْظُرُوا أَيْنَ هُوَ فَنَظَرُوا فَقَالَ: اقْتُلُوهُ، فَكُنْتُ أَقْتُلُهَا لِذَلِكَ". 3311 - "فَلَقِيتُ أَبَا لُبَابَةَ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ تَقْتُلُوا الْجِنَّانَ إِلاَّ كُلَّ أَبْتَرَ ذِي طُفْيَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يُسْقِطُ الْوَلَدَ وَيُذْهِبُ الْبَصَرَ فَاقْتُلُوهُ". وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم الصيرفي البصري قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد

16 - باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء وخمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم

بن إبراهيم (عن أبي يونس) حاتم بن أبي صغيرة (القشيري) بضم القاف وفتح المعجمة نسبة إلى قشير بن كعب بن ربيعة (عن ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبيد الله (أن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (كان يقتل الحيات) لعموم أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقتلها (ثم نهى) بفتح النون والهاء يعني ابن عمر لسبب يأتي إن شاء الله تعالى (قال: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هدم حائطًا له فوجد فيه سلخ حية) بكسر السين أي جلدها (فقال): (انظروا أين هو فنظروا. فقال) عليه السلام: (اقتلوه) قال ابن عمر (فكنت أقتلها لذلك) أي الذي قاله عليه السلام (فلقيت) ولأبي ذر: لذاك بغير لام قبل الكاف قال فلقيت (أبا لبابة) بن عبد المنذر الأوسي الصحابي (فأخبرني أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لا تقتلوا الجنان) بكسر الجيم وتشديد النون وبعد الألف نون أخرى جمع جان وهو الحية البيضاء أو الصغيرة أو الرقيقة أو الخفيفة (إلا كل أبتر ذي طفيتين) خطين على ظهره (فإنه يسقط الولد) من بطن أمه إذا رأته (ويذهب البصر) يعميه (فاقتلوه). واستشكل بما سبق اقتلوا ذا الطفيتين والأبتر بالواو إشارة إلى أنهما صنفان وهنا دال على أنه صنف واحد. وأجاب في الكواكب الدراري: بأن الواو للجمع بين الوصفين لا بين الذاتين فمعناه اقتلوا الحية الجامعة بين وصف الأبترية وكونها ذات الطفيتين كقولهم: مررت بالرجل الكريم والنسمة المباركة. قال: وأيضًا لا منافاة بين أن يرد الأمر بقتل ما اتصف بإحدى الصفتين وبقتل ما اتصف بهما معًا لأن الصفتين قد يجتمعان فيها وقد يفترقان اهـ. قال في الفتح: إن كان الاستثناء في قوله إلّا كل أبتر متصلاً ففيه تعقب على من زعم أن ذا الطفيتين والأبتر ليسا من الجنان، ويحتمل أن يكون منقطعًا أي لكن كل ذي طفيتين فاقتلوه. 3312 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ الْحَيَّاتِ. وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم أبو غسان النهدي الكوفي قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بفتح الجيم وحازم بالحاء المهملة والزاي (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أنه كان يقتل الحيات) أخذًا بعموم قوله عليه السلام: "اقتلوا الحيات فمن تركهن مخافة ثأرهن فليس مني" رواه أبو داود. 3313 - فَحَدَّثَهُ أَبُو لُبَابَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ قَتْلِ جِنَّانِ الْبُيُوتِ، فَأَمْسَكَ عَنْهَا". (فحدثه أبو لبابة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن قتل جنان البيوت) بكسر الجيم التي تأوي إلى البيوت وتكون فيها (فأمسك) ابن عمر (عنها). 16 - بَابَ إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الآخَرِ شِفَاءً وَخَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ هذا (باب) بالتنوين (إذا وقع الذباب) بالمعجمة واحده ذبابة ولا تقل ذبابة (في شراب أحدكم فليغمسه فإن في أحد جناحيه) ولأبوي ذر والوقت في إحدى جناحيه (داء وفي الآخر) ولهما الأخرى (شفاء وخمس من الدواب) جمع دابة من دب على الأرض يدب دبيبًا (فواسق) صفة المبتدأ وهو خمس وخبره (يقتلن) بضم أوله مبنيًا للمفعول (في الحرم) ففي الحل أولى والتبويب وتاليه ثابت في الفرع لأبي ذر. قال الحافظ ابن حجر وقوله إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثابت في رواية السرخسي ولا معنى لذكره هنا. قال: ووقع عنده أيضًا باب: خمس من الدواب فواسق، وسقط من رواية غيره وهو أولى. 3314 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عَنْهَا - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحَرَمِ: الْفَأْرَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْحُدَيَّا وَالْغُرَابُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي مصغرًا قال: (حدّثنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (خمس) أي من الدواب كما في الرواية الآتية (فواسق يقتلن في الحرم) والحل (الفأرة) بالهمز (والعقرب) وهو أصناف الجرارة والطيارة وما له من ذنب كالحربة وما له من ذنب معقف وفيها السود والخضر والصفر ولها ثمانية أرجل وعيناها في ظهرها، ومن عجيب أمرها أنها لا تضرب الميت ولا المغشي عليه ولا النائم إلا أن يتحرك شيء من بدنه فإنها عند ذلك تضربه (والحديا)، بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وتشديد التحتية مقصورًا من غير همز تصغير حدأة كعنبة الطائر المعروف. قيل: وفي طبعها أنها تقف في الطيران وليس ذلك لغيرها من الكواسر (والغراب) وهو

معروف وسمي بذلك لسواده ومنه قوله تعالى: {وغرابيب سود}) [فاطر: 27]. وهما لفظتان بمعنى واحد. والعرب تتشاءم به ولذلك اشتقوا من اسمه الغربة والاغتراب وغراب البين الأبقع. قال صاحب المجالسة: سمي غراب البين لأن بأن عنه نوح عليه السلام لما وجهه إلى الماء فذهب ولم يرجع، وقال ابن قتيبة: سمي فاسقًا لتخلفه حين أرسله نوح عليه السلام ليأتيه بخبر الأرض فترك أمره ووقع على جيفة. (والكلب العقور) الجارح وهو معروف إذا عقر إنسانًا عرض له أمراض ردئية. وسبق هذا الحديث في كتاب الحج في باب ما يقتل المحرم من الدواب. 3315 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ مَنْ قَتَلَهُنَّ وَهْوَ مُحْرِمٌ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ: الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبي عبد الرَّحمن المدني مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (خمس من الدواب من قتلهن وهو محرم فلا جناح) لا إثم (عليه) في قتلهن (العقرب، والفأرة، والكلب العقور، والغراب، والحدأة) بكسر الحاء وفتح الدال المهملتين مهموزًا. 3316 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ كَثِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- رَفَعَهُ قَالَ: «خَمِّرُوا الآنِيَةَ، وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَاكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ المَسَاءِ، فَإِنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا وَخَطْفَةً، وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا اجْتَرَّتِ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ». قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَحَبِيبٌ عَنْ عَطَاءٍ: "فَإِنَّ لِلشَّيَاطِينِ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) أبو الحسن الأسدي البصري قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الجهضمي (عن كثير) بالمثلثة ابن شنظير بكسر الشين والظاء المعجمتين بينهما نون ساكنة وبعد التحتية الساكنة راء البصري وليس له في البخاري سوى هذا الحديث، وتوبع عليه كما في آخره وآخر في السلام على المصلي، وله متابع عند مسلم من رواية أبي الزبير عن جابر (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- رفعه) أي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال) قال الكرماني: وإنما قال رفعه لأنه أعم من أن يكون بالواسطة أو بدونها وأن يكون الرفع مقارنًا لرواية الحديث أم لا. فأراد الإشارة إليه. وقال في الفتح: وقع عند الإسماعيلى من وجهين عن حماد بن زيد قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (خمّروا الآنية) بالخاء المعجمة والميم المشددة غطوها (وأوكوا الأسقية) بفتح الهمزة وسكون الواو وضم الكاف من غير همز شدوها بالوكاء وهو الخيط (وأجيفوا الأبواب) بفتح الهمزة وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة فاء أغلقوها (واكفتوا صبيانكم) بهمزة وصل وكسر الفاء بعدها فوقية، وفي بعض النسخ بضم الفاء أي ضموهم (عند العشاء) بكسر العين المهملة وضبب عليها في الفرع كأصله، ولأبوي ذر والوقت: عند المساء (فإن للجن) حينئذ (انتشارًا وخطفة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة وفتح الفاء أخذًا للشيء بسرعة (واطفئوا المصابيح) بهمزة قطع وسكون المهملة وكسر الفاء بعدها همزة مضمومة (عند الرقاد) أي عند إرادة النوم (فإن الفويسقة) الفأرة (ربما اجترت الفتيلة) من المصباح بالجيم الساكنة والفوقية والراء المشددة المفتوحتين (فأحرقت أهل البيت) والأوامر في هذا الباب من باب الإرشاد إلى المصلحة أو للندبية خصوصًا من ينوي بفعلها الامتثال. (قال ابن جريج): عبد الملك بن عبد العزيز فيما وصله المؤلّف في أوائل هذا الباب، (وحبيب) بفتح الحاء المهملة المعلم فيما وصله أحمد وأبو يعلى من طريق حماد بن سلمة عنه كلاهما (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (فإن للشيطان) ولأبي ذر: فإن للشياطين بدل قوله فإن للجن ولا تضاد بينهما إذ لا محذور في انتشار المصنفين أو هما حقيقة واحدة يختلفان بالصفات قاله الكرماني. 3317 - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَارٍ، فَنَزَلَتْ: {وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفًا} وَإِنَّا لَنَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ إِذْ خَرَجَتْ حَيَّةٌ مِنْ جُحْرِهَا، فَابْتَدَرْنَاهَا لِنَقْتُلَهَا، فَسَبَقَتْنَا فَدَخَلَتْ جُحْرَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا". وَعَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ .. مِثْلَهُ. قَالَ: "وَإِنَّا لَنَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ رَطْبَةً". وَتَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ. وَقَالَ حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا عبدة بن عبد الله) الصفار الخزاعي قال: (أخبرنا يحيى بن آدم) بن سليمان القرشي الكوفي صاحب الثوري (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي عم الأسود بن يزيد (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غار) بمنى (فنزلت) عليه ({والمرسلات عرفًا}) [المرسلات: 1]. (فإنا لنتلقاها من فيهِ) أي من فمه (إذ خرجت حية من جحرها) بتقديم الجيم المضمومة على الحاء

المهملة الساكنة (فابتدرناها) تسابقنا إليها (لنقتلها فسبقتنا فدخلت جحرها فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (وقيت شركم كما وقيتم شرها) بضم الواو وتخفيف القاف مكسورة فيهما وشر نصب كلاهما. (و) روى هذا الحديث يحيى بن آدم (عن إسرائيل) بن يونس (عن الأعمش) سليمان بن مهران كما رواه عن منصور بن المعتمر كلاهما (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود (مثله. قال: وإنا لنتلقاها من فيه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رطبة) غضة طرية أوّل ما تلاها. (وتابعه) أي وتابع إسرائيل (أبو عوانة) الوضاح اليشكري في روايته (عن مغيرة) بن مقسم بكسر الميم فيما وصله في تفسير سورة المرسلات. (وقال حفص): هو ابن غياث مما وصله في الحج (وأبو معاوية) الضرير فيما وصله مسلم (وسليمان بن قرم) بفتح القاف وسكون الراء آخره ميم الضبي مما قال الحافظ ابن حجر لم أقف عليه موصولاً الثلاثة (عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود) بدل علقمة (عن عبد الله) يعني ابن مسعود، وسقط لغير أبي ذر عن عبد الله. 3318 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خِشَاشِ الأَرْضِ». قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا نصر بن علي) الجهضمي الأزدي البصري قال: (أخبرنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالسين المهملة البصري قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة (ابن عمر) بن حفص العمري (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال): (دخلت امرأة النار) قال في الفتح: لم أقف على اسمها، وفي رواية أنها حميرية، وفي أخرى أنها من بني إسرائيل ولا تضاد بينهما لأن طائفة من حمير دخلوا في اليهودية فنسبت إلى دينها تارة وإلى قبيلتها أخرى (في) أي بسبب (هرة) أنثى السنور وجمعها هرر مثل قربة وقرب (ربطتها) وفي باب: فضل سقي الماء من كتاب الشرب حبستها حتى ماتت جوعًا (فلم تطعمها) الفاء تفصيل وتفسير للربط (ولم تدعها) أي لم تتركها (تأكل من خشاش الأرض) بتثليث الخاء المعجمة في الفرع كأصله وبشينين معجمتين بينهما ألف أي حشراتها كالفأرة، وهذا مما استدركته عائشة على أبي هريرة وقالت له: أتدري ما كانت المرأة، وإن المرأة مع ما فعلت كانت كافرة إن المؤمن أكرم على الله من أن يعذبه في هرة، فإذا حدثت عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فانظر كيف تحدث. (قال) عبد الأعلى السامي: (وحدّثنا عبيد الله) بن عمر العمري (عن سعيد المقبري عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله). 3319 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نَزَلَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ، فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِبَيْتِهَا فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: فَهَلاَّ نَمْلَةً وَاحِدَةً»؟ وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (نزل نبي من الأنبياء) عزير أو موسى (تحت شجرة فلدغته) بالدال المهملة والغين المعجمة قرصته (نملة) سميت نملة لتنملها وهو كثرة حركتها وقلة قوائمها (فأمر بجهازه) بفتح الجيم وكسرها أي بمتاعه (فأخرج من تحتها) أي من تحت الشجرة (ثم أمر ببيتها) أي ببيت النملة. وفي الجهاد من طريق الزهري بقرية النمل أي موضع اجتماعها (فأحرق بالنار فأوحى الله) عز وجل (إليه) إلى ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فهلا) أحرقت (نملة واحدة)؟ وهي التي قرصتك دون غيرها إذ لم يقع منها ما يقتضي إحراقها. وقول النووي ولعله كان جائزًا في شريعة ذلك النبي قتل النمل والتعذيب بالنار متعقب بأنه لو كان جائزًا لم يعاتب أصلاً ورأسًا. ولا يجوز عندنا قتل النمل لحديث ابن عباس المروي في السنن: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن قتل النملة والنحلة، لكن خص الخطابي النهي بالسليماني الكبير أما الصغير المسمى بالذر فقتله جائز، وكره مالك قتل النمل إلا أن يضر ولا يقدر على دفعه إلاّ بالقتل. وقال الدميري: قوله هلاًّ نملة واحدة دليل على جواز قتل المؤذي وكل قتل كان لنفع أو دفع ضرر فلا بأس به عند العلماء ولم يخص تلك النملة التي لدغت من غيرها لأنه ليس المراد القصاص لأنه لو أراده لقال: هلاًّ نملتك التي لدغتك، ولكن قال: هلاًّ نملة فكأن نملة تعم

17 - باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء

البريء والجاني، وقد ذكر أن لهذه القصة سببًا وهو أن هذا النبي مرّ على قرية أهلكها الله بذنوب أهلها فوقف متعجبًا فقال: يا رب كان فيهم صبيان ودواب ومن لم يقترف ذنبًا ثم نزل تحت شجرة فجرت له هذه القصة فنبهه الله عز وجل على أن الجنس المؤذي يقتل وإن لم يؤذ، والحاصل أن العقوبة من الله عز وجل تعم فتصير رحمة على المطيع وطهارة له وشرًّا ونقمة على العاصي. (لطيفة): روى الدارقطني والحاكم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مما ذكره في حياة الحيوان أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا تقتلوا النمل فإن سليمان عليه السلام خرج ذات يوم يستسقي فإذا هو بنملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها تقول: اللهم إنّا خلق من خلقك لا غنى لنا عن فضلك. اللهم لا تؤاخذنا بذنوب عبادة الخاطئين واسقنا مطرًا تنبت لنا به شجرًا وأطعمنا ثمرًا. فقال سليمان عليه السلام لقومه: ارجعوا فقد كفينا وسقيتم بغيركم". 17 - باب إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الأُخْرَى شِفَاءً هذا (باب) بالتنوين (إذا وقع الذباب) بالذال المعجمة (في شراب أحدكم فليغمسه) أي فيه (فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء) كذا لأبي ذر عن الحموي وسقط لغيره وهو أولى إذ لا تعلق للأحاديث اللاحقة بذلك كما ستراه قريبًا إن شاء الله تعالى. 3320 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ، فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالأُخْرَى شِفَاءً». [الحديث 3320 - طرفه في: 5782]. وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم واللام بينهما خاء معجمة ساكنة البجلي الكوفي قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) القرشي التيمي (قال: حدثني) بالإفراد (عتبة بن مسلم) بضم العين المهملة وسكون الفوقية وفتح الموحدة مولى بني تميم (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد بن حنين) بضم العين والحاء المهملتين مصغرتين مولى زيد بن الخطاب القرشي العدوي (قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم) هو شامل لكل مائع وعند ابن ماجه من حديث أبي سعيد فإذا وقع الطعام، وعند أبي داود من حديث أبي هريرة: فإذا وقع في إناء أحدكم، والإناء يكون فيه كل شيء من مأكول ومشروب (فليغمسه) زاد في الطب كله وفيه رفع توهم المجاز في الاكتفاء بغمس بعضه والأمر للإرشاد لمقابلة الداء بالدواء (ثم لينزعه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ثم لينتزعه بزيادة فوقية قبل الزاي. وفي الطب ثم ليطرحه وفي البزار برجال ثقات أنه يغمس ثلاثًا مع قول بسم الله (فإن في إحدى جناحيه) بكسر الهمزة وسكون الحاء وهو الأيسر كما قيل (داء والأخرى) بضم الهمزة وهو الأيمن (شفاء) والجناح يذكر ويؤنث فإنهم قالوا: في جمعه أجنحة وأجنح فأجنحة جمع المذكر كقذال وأقذلة، وأجنح جمع المؤنث كشمال وأشمل. والحديث هنا جاء على التأنيث وحذف حرف الجر في قوله والأخرى، وفيه شاهد لمن يجيز العطف على معمولي عاملين كالأخفش، وبقية مبحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في الطب بمنّه وكرمه. واستنبط من الحديث أن الماء القليل لا ينجس بوقوع ما لا نفس له سائلة فيه ووجهه كما نقل عن الشافعي أنه قد يفضي الغمس إلى الموت سيما إذا كان المغموس فيه حارًّا فلو نجسه لما أمر به لكن هذا الإطلاق قيده في المهمات بما إذا لم يتغير الماء به فإن تغير فوجهان. والصحيح أنه ينجس، وحكى في الوسيط عن التقريب قولاً فارقًا بين ما تعم به البلوى كالذباب والبعوض فلا ينجس وبين ما لا تعم كالعقارب والخنافس فينجس. وحكاه الرافعي في الصغير. قال الأسنوي: وهو متعين لا محيد عنه لأن محل النص فيه معنيان مناسبان عدم الدم المتعفن وعموم البلوى فكيف يقاس عليه ما وجد فيه أحدهما بل المتجه اختصاصه بالذباب لأن غمسه لتقديم الداء وهو مفقود في غيره. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الطب وابن ماجه فيه أيضًا. 3321 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «غُفِرَ لاِمْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ، قَالَ: كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ -فَنَزَعَتْ خُفَّهَا فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا فَنَزَعَتْ لَهُ مِنَ الْمَاءِ، فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ». [الحديث 3321 - طرفه في: 3467]. وبه قال: (حدّثنا الحسن بن الصباح) بتشديد الموحدة أبو عليّ الواسطي قال: (حدّثنا إسحاق) بن يوسف الواسطي (الأزرق) قال: (حدّثنا عوف) الأعرابي (عن الحسن) البصري (وابن سيرين) محمد كلاهما (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):

(غفر) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول أي غفر الله (لامرأة) لم تسم (مومسة) بميم مضمومة فواو ساكنة فميم مكسورة فسين مهملة زانية (مرت بكلب على رأس ركيّ) بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتية بئر لم تطو (يلهث) بالمثلثة يخرج لسانه عطشًا (قال: كاد يقتله العطش فنزعت خفّها) من رجلها (فأوثقته بخمارها) بكسر الخاء المعجمة بنصيفها (فنزعت له من الماء) استقت للكلب بخفها من الركية (فغفر لها بذلك) أي بسبب سقيها الكلب. وفيه أن الله تعالى يتجاوز عن الكبيرة بالعمل اليسير تفضلاً منه. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الطهارة والشرب والنسائي. 3322 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْتُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ كَمَا أَنَّكَ هَا هُنَا، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ -رضي الله عنهم- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حفظته) أي الحديث (من الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (كما أنك هاهنا)، قال الكرماني: يعني كما لا يشك في كونك في هذا المكان كذلك لا شك في حفظي من قال: (أخبرني) بالإفراد (عبد الله) بضم العين مصغرًا ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا تدخل الملائكة) غير الحفظة (بيتًا فيه كلب) يحرم اقتناؤه (ولا صورة) لحيوان أو الحكم عام في كل كلب وكل صورة. وقد سبق هذا الحديث في باب: إذا قال أحدكم آمين. 3323 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بقتل الكلاب). وفي مسلم من حديث عبد الله بن مغفل قال: أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقتل الكلاب ثم قال: "ما بالهم وبال الكلاب" ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم فحمل الأصحاب الأمر بقتلها على الكلب العقور، واختلفوا في قتل ما لا ضرر فيه منها فقال القاضي حسين وإمام الحرمين والماوردي في باب بيع الكلاب، والنووي في أول البيع من شرحي المهذّب ومسلم، لا يجوز قتلها. وقال في باب: محرمات الإحرام إنه الأصح وإن الأمر بقتلها منسوخ، وعلى الكراهة اقتصر الرافعي في الشرح وتبعه في الروضة وزاد كراهة تنزيه، ولكن قال الشافعي في الأم في باب الخلاف في ثمن الكلب واقتل الكلاب التي لا نفع فيها حيث وجدتها وهذا هو الراجح في المهمات ولا يجوز اقتناء الكلب الذي لا منفعة فيه. وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع والنسائي في الصيد وكذا ابن ماجه. 3324 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ، إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة البصري (عن يحيى) هو ابن أبي كثير قال: (حدثني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- حدّثه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من أمسك كلبًا ينقص من) أجر (عمله كل يوم قيراط) ولمسلم: قيراطان والحكم للزائد لأنه حفظ ما لم يحفظه الآخر أو يحمل على نوع من الكلاب بعضها أشد أذى من بعض أو لمعنى فيهما أو أنه يختلف باختلاف المواضع فيكون القيراطان في المدائن ونحوها، والقيراط في البوادي أو يكون في زمنين فذكر القيراط أوّلاً ثم زاد التغليظ فذكر القيراطين، والمراد بالقيراط مقدار معلوم عند الله تعالى ينقص من أجر عمله (إلا كل حرث أو ماشية) غنم فيجوز وإلاّ هنا معنى غير صفة لكلب لا استثناء لتعذره، ويجوز أن تنزل النكرة منزلة المعرفة فيكون استثناء لا صفة كأنه قيل من أمسك الكلب قاله الطيبي. وأو للتنويع وقيس عليه إمساكها لحراسة الدور والدواب. وهذا الحديث سبق في باب اقتناء الكلب للحرث من كتاب المزارعة. 3325 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ الشَّنّيَّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لاَ يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلاَ ضَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ. فَقَالَ السَّائِبُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ إِيْ وَرَبِّ هَذِهِ الْقِبْلَةِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا سليمان) هو ابن بلال (قال: أخبرني) بالإفراد (يزيد بن خصيفة) هو يزيد من الزيادة ابن عبد الله بن خصيفة بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة والفاء مصغرًا الكندي المدني

60 - كتاب أحاديث الأنبياء

ونسبه لجده (قال: أخبرني) بالإفراد (السائب بن يزيد) الكندي صحابي صغير أنه (سمع سفيان بن أبي زهير الشني) بفتح الشين المعجمة وكسر النون المشددة والتحتية المشددة، ولأبي ذر بالتنوين بفتح النون المخففة وزيادة واو مكسورة بعدها وفي نسخة الشنئي بفتح الشين والنون وبهمزة مكسورة نسبة إلى شنوءة (أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من اقتنى كلبًا لا يغني عنه زرعًا ولا ضرعًا) أي لا ينفعه من جهة الزرع والضرع وفي القاموس الضرع معروف للظلف والخف أو للشاة والبقرة ونحوهما (نقص من عمله كل يوم قيراط فقال السائب) لسفيان بن أبي زهير: (أنت سمعت هذا من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال) سفيان: (إي ورب هذه القبلة). بكسر الهمزة حرف جواب بمعنى نعم، فيكون لتصديق الخبر وإعلام المستخبر ولوعد الطالب وتوصل باليمين ما وقع هنا، ولم يظهر له تعلق بعض هذه الأحاديث بترجمة الباب، وما ذكره الكرماني من قوله: إن هذا آخر كتاب بدء الخلق وإنه ذكر فيه ما ثبت عنده مما يتعلق ببعض المخلوقات فلا يخفى بعده. والله الموفق. هذا آخر كتاب بدء الخلق وتم في يوم الأربعاء المبارك العشرين من شهر شوّال سنة عشر وتسعمائة، وأستودع الله تعالى نفسي وديني وابنتي وأحبابنا والمسلمين وأن يطيل أعمارنا في طاعته، ويلبسنا أثواب عافيته بمنه ورحمته، ويفرّج كربنا ويحسن عاقبتنا والمسلمين ويرفع هذا الطعن والطاعون والوباء عنا أجمعين، ويمن بإكمال هذا الكتاب على يدي ويجعله لوجهه الكريم وينفعني به والمسلمين والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. بسم الله الرحمن الرحيم 60 - كتاب أحاديث الأنبياء 1 - باب خَلْقِ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ {صَلْصَالٌ}: طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ، فَصَلْصَلَ كَمَا يُصَلْصِلُ الْفَخَّارُ، وَيُقَالُ مُنْتِنٌ يُرِيدُونَ بِهِ صَلَّ، كَمَا يُقَالُ صَرَّ الْبَابُ وَصَرْصَرَ عِنْدَ الإِغْلاَقِ, مِثْلُ كَبْكَبْتُهُ يَعْنِي كَبَبْتُهُ. {فَمَرَّتْ بِهِ}: اسْتَمَرَّ بِهَا الْحَمْلُ فَأَتَمَّتْهُ. {أَنْ لاَ تَسْجُدَ}: أَنْ تَسْجُدَ. وقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}: إِلاَّ عَلَيْهَا حَافِظٌ {فِي كَبَدٍ}: فِي شِدَّةِ خَلْقٍ. {وَرِيَاشًا}: الْمَالُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الرِّيَاشُ وَالرِّيشُ وَاحِدٌ وَهْوَ مَا ظَهَرَ مِنَ اللِّبَاسِ. {مَا تُمْنُونَ}: النُّطْفَةُ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ}: النُّطْفَةُ فِي الإِحْلِيلِ. كُلُّ شَىْءٍ خَلَقَهُ فَهْوَ {شَفْعٌ}: السَّمَاءُ شَفْعٌ. {وَالْوِتْرُ}: اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}: فِي أَحْسَنِ خَلْقٍ، {أَسْفَلَ سَافِلِينَ}: إِلاَّ مَنْ آمَنَ. {خُسْرٍ}: ضَلاَلٌ، ثُمَّ اسْتَثْنَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ. {لاَزِبٍ}: لاَزِمٌ. {نُنْشِئَكُمْ}: فِي أَىِّ خَلْقٍ نَشَاءُ. {نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ}: نُعَظِّمُكَ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}: فَهْوَ قَوْلُهُ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}. {فَأَزَلَّهُمَا}: فَاسْتَزَلَّهُمَا. وَ {يَتَسَنَّهْ}: يَتَغَيَّرْ. {آسِنٌ}: مُتَغَيِّرٌ. و {الْمَسْنُونُ} الْمُتَغَيِّرُ. {حَمَإٍ}: جَمْعُ حَمْأَةٍ وَهْوَ الطِّينُ الْمُتَغَيِّرُ. {يَخْصِفَانِ}: أَخْذُ الْخِصَافِ {مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} يُؤَلِّفَانِ الْوَرَقَ وَيَخْصِفَانِ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ. {سَوْآتُهُمَا}: كِنَايَةٌ عَنْ فَرْجَيهِمَا. {وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} هَا هُنَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، الْحِينُ عِنْدَ الْعَرَبِ: مِنْ سَاعَةٍ إِلَى مَا لاَ يُحْصَى عَدَدُهُ. {قَبِيلُهُ}: جِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ. (باب) ذكر (خلق آدم) صلوات الله عليه وسلامه (و) ذكر خلق (ذريته) وفي نسخة صحيحة كما في اليونينية: كتاب الأنبياء وعددهم مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألفًا أرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر كما صححه ابن حبان من حديث أبي ذر مرفوعًا صلوات الله عليهم، وفي أخرى كتاب أحاديث الأنبياء عليهم السلام باب: خلق آدم صلوات الله عليه وذريته. ({صلصال}) [الحجر: 26]. في قوله تعالى: {خلق الإنسان من صلصال} هو (طين) يابس (خلط برمل فصلصل) أي صوّت (كما يصلصل الفخار) يصوّت إذا نقر (ويقال منتن) بضم الميم (يريدون به صل) فضوعف فاء الفعل فصار صلصل (كما يقال) ولأبي ذر وأبي الوقت كما تقول (صرّ الباب) إذا صوّت (وصرصر عن الإغلاق) فضوعف فيه كذلك (مثل كبكبته) بتضعيف الكاف (يعني كببته) بتخفيف الموحدة الأولى وسكون الثانية. ({فمرّت به}) [الأعراف: 189]. في قوله تعالى: {فلما تغشاها} أي جامع آدم حواء حملت حملاً خفيفًا فمرت به أي (استمر بها الحمل فأتمته) أي وضعته. ({أن لا تسجد}) [الأعراف: 12]. في قوله تعالى {ما منعك أن لا تسجد} أي (أن تسجد) فلا صلة مثلها في لئلا يعلم مؤكدة معنى الفعل الذي دخلت عليه ومنبهة على أن الموبخ عليه ترك السجود، وقيل الممنوع عن الشيء مضطرًا إلى خلافه فكأنه قيل ما اضطرك إلى أن لا تسجد قاله في الأنوار. (باب قول الله تعالى) وسقط لأبي ذر وفي روايته وأبي الوقت وقول الله تعالى: ({واذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}) [البقرة: 30]. أي قومًا يخلف بعضهم بعضًا قرنًا بعد قرن وجيلاً بعد جيل كما قال تعالى: {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض} [الأنعام: 165]. وأن المراد آدم لأنه خلف الجن وجاء بعدهم أو لأنه خليفة الله في أرضه لإقامة حدوده وتنفيذ قضاياه ورجح القول الأول بأنه لو كان المراد آدم نفسه لما حسن قول الملائكة "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء". (قال ابن عباس) في قوله تعالى: ({لما}) بتشديد الميم ({عليها حافظ}) [الطارق: 4] أي (إلا عليها حافظ) وهي قراءة عاصم وحمزة وابن عامر فلما بمعنى إلا الاستثنائية وهي لغة هذيل يقولون سألتك بالله لما فعلت بمعنى ألا فعلت، وهذا وصله ابن أبي حاتم وزاد عليها حافظ من الملائكة. وقال قتادة: هم حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك وقيل هو الله رقيب عليها. ({في كبد}) [البلد: 4].

أي (في شدة خلق) بفتح الخاء وسكون اللام رواه ابن عيينة في تفسيره عن ابن عباس بإسناد صحيح وأخرجه الحاكم في مستدركه وقيل لأنه يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة، وقيل لم يخلق الله خلفًا يكابد ابن آدم وهو مع ذلك أضعف خلق الله. ({ورياشًا}) بفتح الياء وألف بعدها جمع ريش فهو كشع وشعاب وهي قراءة الحسن ولأبي ذر (وريشًا) بسكون الياء وإسقاط الألف وهي القراءة المتواترة في قوله تعالى: {قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوآتكم وريشًا} [الأعراف: 26]. قال ابن عباس: الرياش هو (المال). رواه عنه ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة يقال تريش الرجل إذا تموّل (وقال غيره): غير ابن عباس (الرياش) بالألف (والريش) بإسقاطها (واحد وهو ما ظهر من اللباس) وعن ابن الأعرابي: كل شيء يعيش به الإنسان من متاع أو مال أو مأكول فهو ريش ورياش، وقال ابن السكيت: الرياش مختص بالثياب والأثاث والريش قد يطلق على سائر الأموال. ({ما تمنون}) [الواقعة: 58]. قال الفراء هي (النطفة في أرحام النساء). وقرئ تمنون بفتح التاء من منى النطفة بمعنى أمناها وقراءة الجمهور بضمها من أمنى. قال القرطبي: ويحتمل أن يختلف معناهما فيكون أمنى إذا أنزل عن جماع ومنى إذا أنزل عن احتلام. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({أنه على رجعه لقادر}) [الطارق: 8]. هو (النطفة في الإحليل). قادر على أن يردّها فيه والضمير للخالق ويدل عليه خلق وقيل قادر على ردّ الماء في الصلب الذي خرج منه، وسقط لأبي ذر لفظ: إنه ولقادر (كل شيء خلقه فهو {شفع} السماء شفع) يعني أن كل شيء له مقابل يقابله فهو بالنسبة إليه شفع كالسماء والأرض والبر والبحر والجن والإنس ونحو هذا شفع. ({والوتر}) [الفجر: 3] (الله عز وجل) وحدّه وهذا وصله الطبري عن مجاهد في قوله تعالى: {ومن كل شيء خلقنا زوجين} [الذاريات: 49]. بنحوه وعن ابن عباس فيما أخرجه الطبري أيضًا من طرق صحيحة الوتر يوم عرفة والشفع يوم الذبح. ({في أحسن تقويم}) قال مجاهد فيما أخرجه الفريابي أي (في أحسن خلق) بفتح الخاء منتصب القامة حسن الصورة ({أسفل سافلين}) [التين: 4، 5]. بأن جعلناه من أهل النار أو كناية عن الهرم والضعف فينقص عمل المؤمن عن زمن الشباب ويكون له أجره لقوله تعالى: {إلا الدين آمنوا} قال مجاهد: (إلا من آمن) أي لكن من آمن فالاستثناء منقطع، والمعنى ثم رددناه أسفل سافلين رددناه إلى أرذل العمر فنقص عمله فنقصت حسناته، لكن من آمن وعمل الصالحات ولازم عليها إلى زمن الهرم والضعف فإنه يكتب له بعدة مثل الذي كان يعمل في الصحة. ({خسر}) في قوله تعالى: {إن الإنسان لفي خُسر} [العصر: 2]. أي (ضلال ثم استثنى فقال: إلا من آمن) فليس في ضلال قال مجاهد فيما أخرجه الفريابي وذكر بالمعنى وإلاّ فالتلاوة {إلا الذين آمنوا} وثبت لأبي ذر لفظ فقال. ({لازب}) في قوله تعالى: {إنّا خلقناهم من طين لازب} [الصافات: 11]. قال أبو عبيدة (لازم) بالميم. قال النابغة: ولا تحسبون الشرّ ضربة لازب أي لازم. وعن مجاهد فيما رواه الطبري لازق، وعن ابن عباس من التراب والماء فيصير طينًا يلزق فلعل تفسيره باللازم تفسير بالمعنى وأكثر أهل اللغة على أن الباء في اللازب بدل من الميم فهما بمعنى، وقد قرئ لازم بالميم لأنه يلزم اليد وقيل اللازب المنتن. ({ننشئكم}) يريد قوله تعالى: {وننشئكم فيما لا تعلمون} [الواقعة: 61]. أي (في أي خلق نشاء) أي من الصور والهيئات. وقال الحسن: أي نجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بأقوام قبلكم. ({نسبح بحمدك}) [البقرة: 30]. يريد قوله: {ونحن نسبح بحمدك} قال مجاهد: أي (نعظمك) بأن نبرئك من كل نقص فنقول: سبحان الله وبحمده. (وقال أبو العالية): رفيع بن مهران الرياحي فيما وصله الطبري بإسناد حسن في قوله تعالى: ({فتلقى آدم من ربه كلمات}) [البقرة: 37]. (فهو قوله) تعالى: ({ربنا ظلمنا أنفسنا}) [الأعراف: 23]. الآية. ({فأزلهما}) [البقرة: 36]. أي (فاستزلهما) دعاهما إلى الزلة وهي الخطيئة لكنها صغيرة وعبر عنها في طه بقوله (وعصى) تعظيمًا للزلة وزجرًا لأولاده عنها ({ويتسنه}) في قوله تعالى: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه} [البقرة: 259]. أي لم (يتغير)

ولأبي ذر: يتسنه يتغير. ({آسن}) في قوله تعالى: {من ماء غير آسن} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 15]. معناه متغير و ({المسنون}) في قوله تعالى: {من حمأ مسنون} [الحجر: 26]. معناه (المتغير) من الطين ({حمأ}) بفتح الميم (جمع حمأة) بسكونها (وهو الطين المتغير) المسود من طول مجاورة الماء. وقوله: {يتسنه} لم يتغير ذكره بطريق التبعية للمسنون وهذا كله تفسير أبي عبيدة لا من تفسير أبي العالية ويحتمل أنه كان في الأصل بعد قوله: {ربنا ظلمنا أنفسنا} [الأعراف: 23]. وقال غيره: فأزلهما. ({يخصفان}) قال أبو عبيدة هو (أخذ الخصاف) بسكون خاء أخذ وضم الذال والخصاف بكسر الخاء وجر الفاء في الفرع كأصله وفي غيرهما أخذ الخصاف بفتح الخاء والذال وألف التثنية ونصب الفاء على المفعولية {من ورق الجنة} قال ابن عباس: من ورق التين (يؤلفان الورق ويخصفان) يلزقان (بعضه إلى بعض) ليسترا به عورتهما ({سوآتهما} كناية عن فرجهما) ولأبي ذر: فرجيهما بفتح الجيم وتحتية ساكنة والضمير لآدم وحواء ({ومتاع إلى حين}) (الأنبياء: 111]. المراد به (هاهنا إلى يوم القيامة، والحين عند العرب: من ساعة إلى ما لا يحص عدده). كذا رواه الطبري عن ابن عباس بنحوه. ({قبيله}) في قوله تعالى: {إنه يراكم هو وقبيله} [الأعراف: 27] أي (جيله الذي هو منهم) كذا قاله أبو عبيدة. وعن مجاهد فيما ذكره الطبري الجن والشياطين. 3326 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ. فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآنَ». [الحديث 3326 - طرفه في: 6227]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة هو ابن راشد (عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى هو ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (خلق الله) عز وجل (آدم) عليه الصلاة والسلام زاد عبد الرزاق عن معمر على صورته والضمير لآدم أي أن الله أوجده على الهيئة التي خلقه الله عليها لم ينتقل في النساء أحوالاً ولا تردد في الأرحام أطوارًا بل خلقه كاملاً سويًا، وعورض هذا التفسير بقوله في حديث آخر خلق آدم على صورة الرحمن وهي إضافة تشريف وتكريم لأن الله تعالى خلقه على صورة لم يشاكلها شيء من الصور في الكمال والجمال (وطوله ستون ذراعًا) بقدر ذراع نفسه أو بقدر الذراع المتعارف يومئذ عند المخاطبين، ورجح الأول بأن ذراع كل أحد مثل ربعه فلو كان بالذراع المعهود لكانت يده قصيرة في جنب طول جسده، وزاد أحمد من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعًا في سبعة أذرع عرضًا (ثم قال) تعالى له (اذهب فسلّم على أولئك من الملائكة فاستمع ما يحيونك) من التحية وهذه (تحيتك وتحية ذريتك) من بعدك. وفي الترمذي من حديث أبي هريرة لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال: الحمد لله فحمد الله بإذنه. الحديث إلى قوله: اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملأ منهم جلوس، (فقال السلام عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله) وهذا أول مشروعية السلام وتخصيصه بالذكر لأنه فتح لباب المودّة وتأليف لقلوب الإخوان المؤدي إلى استكمال الإيمان كما في حديث مسلم عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم". (فكل من يدخل الجنة) يدخلها وهو (على صورة آدم) عليه السلام في الحسن والجمال والطول ولا يدخلها على صورته من السواد أو بوصف من العاهات (فلم يزل الخلق ينقص) في الجمال والطول (حتى الآن) فانتهى التناقص إلى هذه الأمة فإذا دخلوا الجنة عادوا إلى ما كان عليه آدم من الجمال وطول القامة. وفي كتاب مثير الغرام في زيارة القدس والخليل عليه السلام لتاج الدين التدمري مما نقله عن ابن قتيبة في المعارف: أن آدم عليه السلام كان أمرد وإنما نبتت اللحية لولده بعده وكان طوالاً كثير الشعر جعدًا أجمل البرية. وحديث الباب أخرجه أيضًا في الاستئذان ومسلم في صفة الجنة وصححه ابن حبان ورواه البزار والترمذي والنسائي من حديث سعيد المقبري وغيره عن أبي هريرة مرفوعًا: "إن الله

خلق آدم من تراب فجعله طينًا، ثم ترك حتى إذا كان حمأ مسنونًا خلقه وصوره، ثم تركه حتى إذا كان صلصالاً كالفخار كان إبليس يمرّ به فيقول: خلقت لأمر عظيم ثم نفخ الله فيه من روحه فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه فعطس فقال: الحمد لله. فقال الله: يرحمك ربك" الحديث. وفي حديث أبي موسى أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان مرفوعًا: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض"، ففي هذا أن الله تعالى لما أراد إبراز آدم من العدم إلى الوجود قلبه في ستة أطوار: طور التراب وطور الطين اللازب وطور الحمأ وطور الصلصال وطور التسوية وهو جعل الخزقة التي هي الصلصال عظمًا ولحمًا ودمًا ثم نفخ فيه الروح، وقد خلق الله تعالى الإنسان على أربعة أضرب: إنسان من غير أب ولا أم وهو آدم، وإنسان من أب لا غير وهو حواء، وإنسان من أم لا غير وهو عيسى، وإنسان من أب وأم وهو الذي خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب يعني من صلب الأب وترائب الأم، وهذا الضرب يتم بعد ستة أطوار أيضًا. النطفة ثم العلقة، ثم المضعة، ثم العظام، ثم كسوة العظام لحمًا، ثم نفخ الروح فيه، وقد شرف الله تعالى هذا الإنسان على سائر المخلوقات فهو صفوة العالم وخلاصته وثمرته قال الله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء: 70]. {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه} [الجاثية: 13]. ولا ريب أن من خلقت لأجله وسببه جميع المخلوقات علويها وسفليها خليق بأن يرفل في ثياب الفخر على من عداه، وتمتدّ إلى اقتطاف زهرات النجوم يداه، وقد خلقه الله تعالى واسطة بين شريف وهو الملائكة، ووضيع وهو الحيوان. ولذلك كان فيه قوى العالمين وأهل لسكنى الدارين فهو كالحيوان في الشهوة وكالملائكة في العلم والعقل والعبادة وخصه رتبة النبوة، واقتضت الحكمة أن تكون شجرة النبوّة صنفًا منفردًا ونوعًا واقعًا بين الإنسان والملك ومشاركًا لكل واحد منهما على وجه فإنه كالملائكة في الاطّلاع على ملكوت السماوات والأرض، وكالبشر في أحوال المطعم والمشرب، وإذا طهر الإنسان من نجاسته النفسية وقاذوراته البدنية وجعل في جوار الله كان حينئذٍ أفضل من الملائكة. قال تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب} [الرعد: 23]. وفي الحديث: الملائكة خدم أهل الجنة. قال ابن كثير: واختلف هل ولد لآدم في الجنة؟ فقيل: لا. وقيل: ولد له فيها قابيل وأخته. قال: وذكروا أنه كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى. وفي تاريخ ابن جرير أن حواء ولدت لآدم أربعين ولدًا في عشرين بطنًا، وقيل مائة وعشرين بطنًا في كل بطن ذكر وأنثى أوّلهم قابيل وأخته أقليمًا، وآخرهم عبد المغيث وأخته أمة المغيث، وقيل: إنه لم يمت حتى رأى من ذريته من ولده وولد ولده أربعمائة ألف نسمة والله أعلم. وذكر السدي عن ابن عباس وغيره أنه كان يزوّج ذكر كل بطن بأنثى الآخر، وأن هابيل أراد أن يتزوج أخت قابيل فأبى فأمرهما آدم أن يقربا قربانًا فنزلت نار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل فغضب وقال: لأقتلنك حتى لا تتزوج أختي فقال: {إنما يتقبل الله من المتقين} [المائدة: 27]. وضربه فقتله وكانت مدة حياة آدم ألف سنة. وعن عطاء الخراساني مما رواه ابن جرير أنه لما مات آدم بكت الخلائق عليه سبعة أيام. 3327 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَتْفِلُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ، الأَلنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي مولاهم البلخي الكوفي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن عمارة) بضم العين ابن القعقاع (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير البجلي الكوفي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن أول زمرة) أي جماعة (يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر) في الحسن والإضاءة (ثم الذين يلونهم) وفي باب ما جاء في صفة الجنة من طريق الأعرج عن أبي هريرة: ثم الذين على أثرهم (على أشد كوكب دري) بضم الدال وتشديد الراء والتحتية من غير همز (في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون) بكسر الفاء وفي باب ما جاء في صفة

الجنة ولا يبصقون بالصاد (ولا يمتخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك) أي عرقهم كالمسك في طيب ريحه (ومجامرهم الألوة) بفتح الهمزة وضم اللام وتشديد الواو وهي (الأنجوج) بهمزة مفتوحة فنون ساكنة وبعد الجيم المضمومة واو ساكنة فجيم أخرى، ولأبي ذر: الألنجوج بلام مفتوحة بين الهمزة والنون وهو (عود الطيب) الذي يبخر به. فإن قلت: أي حاجة في الجنة إلى الامتشاط ولا تتلبد شعورهم ولا تتسخ وأي حاجة إلى البخور وريحهم أطيب من المسك؟ أجيب: بأن نعيم أهل الجنة وكسوتهم ليس عن دفع ألم اعتراهم فليس أكلهم عن جوع ولا شربهم عن ظمأ ولا تطيبهم عن نتن وإنما هي لذات متوالية ونعم متتابعة. (وأزواجهم الحور العين) وهم (على خلق رجل واحد) بفتح الخاء وسكون اللام (على صورة أبيهم آدم) في الطول (ستون ذرعًا في السماء) في العلو والارتفاع. وهذا موضع الترجمة وسبق هذا الحديث في باب: ما جاء في صفة الجنة. 3328 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ "عَنْ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ الْغُسْلُ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ. فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: تَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَبِمَا يُشْبِهُ الْوَلَدُ"؟. وبه قال: (حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة) عبد الله المخزومي (عن أم سلمة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- (أن أم سليم) سهلة والدة أنس بن مالك (قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق)، قالت ذلك اعتذارًا عن تصريحها بما تنقبض عنه النفوس البشرية لا سيما بحضرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي أن الله تعالى بيّن لنا أن الحق ليس مما يستحيا منه وسؤالها هذا كان من الحق (فهل على المرأة الغسل) بفتح الغين في الفرع كأصله (إذا احتلمت)؟ وفي باب: إذا احتلمت المرأة من كتاب الغسل إذا هي احتلمت (قال) عليه الصلاة والسلام: (نعم). يجب عليها الغسل (إذا رأت الماء) أي المني بعد استيقاظها من النوم (فضحكت أم سلمة. فقالت: تحتلم المرأة) بغير همزة والواو (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبما) بألف بعد الميم مع دخول الجار وهو قليل (يشبه الولد)؟ أمه. وقال البيضاوي: هذا استدلال على أن لها منيًّا كما للرجل منيّ والولد مخلوق منهما إذ لو لم يكن لها ماء وكان الولد من مائه المجرد لم يكن يشبهها لأن الشبه بسبب ما بينهما من المشاركة في المزاج الأصلي المعين المعدّ لقبول التشكلات والكيفيات المعينة من مبدعه تبارك وتعالى، فإن غلب ماء الرجل ماء المرأة وسبق نزع الولد إلى جانبه ولعله يكون ذكرًا، وإن كان العكس نزع الولد إلى جانبه ولعله يكون أنثى. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فبما يشبه الولد؟ وسبق الحديث في الطهارة. 3329 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلاَمٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ نَبِيٌّ، قَالَ مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمِنْ أَىِّ شَىْءٍ يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ وَمِنْ أَىِّ شَىْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ. قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ. وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الْوَلَدِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ الْمَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ به، وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لَهَا. قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، إِنْ عَلِمُوا بِإِسْلاَمِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ بَهَتُونِي عِنْدَكَ. فَجَاءَتِ الْيَهُودُ، وَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ الْبَيْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ؟ قَالُوا: أَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا، وَأَخْبَرُنَا وَابْنُ أَخْيَرِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ؟ قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ. فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا. وَوَقَعُوا فِيهِ". [الحديث 3329 - أطرافه في: 3911، 3938، 4480]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) بتخفيف اللام السلمي مولاهم البيكندي قال: (أخبرنا الفزاري) بفتح الفاء والزاي مروان بن معاوية بن الحرث بن أسماء الكوفي نزيل مكة (عن حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: بلغ عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام الإسرائيلي وعبد الله نصب بقوله (مقدم) وهو رفع على الفاعلية مصدر ميمي بمعنى القدوم (رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) نصب على الظرفية (فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث) من المسائل (لا يعلمهن إلاّ نبي. أوّل) ولأبي ذر قال: قال ما أوّل (أشراط الساعة) أي علاماتها (وما أول طعم يأكله أهل الجنة) فيها (ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه) أي يشبه أباه (ومن أي شيء ينزع إلى أخواله) يشبههم (فقال رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (خبرني) بتشديد الموحدة (بهن) بالمسائل المذكورة (آنفًا جبريل) عليه السلام (قال) أنس (فقال عبد الله) بن سلام (ذاك) يعني جبريل (عدو اليهود من الملائكة، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مجيبًا له: (أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت) وهي القطعة المنفردة المتعلقة بالكبد وهي أطيبها وهي في غاية اللذة، وقيل هي أهنأ طعام وأمرؤه، وقيل: إن الحوت هو الذي عليه الأرض والإشارة بذلك إلى نفاد الدنيا. (وأما الشبه في الولد فإن الرجل

إذا غشي المرأة) أي جامعها (فسبقها ماؤه كان الشبه له، وإذا سبق ماؤها) ضبب على قوله ماؤها في الفرع، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: استبقت بهمزة وصل وتسكين السين المهملة وفوقية مفتوحة وبعد القاف تاء تأنيث، ولأبي ذر عن الكشميهني سبقت بفتح السين وإسقاط الألف والفوقية (كان الشبه لها) وفي حديث عائشة عن مسلم: إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه أعمامه وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه أخواله، والمراد بالعلو هنا السبق فقد علا شأنه فهو علو معنوي، وقيل غير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى بعونه وكرمه قبيل كتاب المغازي. (قال) ابن سلام: (أشهد أنك رسول الله. ثم قال: يا رسول الله وإن اليهود قوم بُهت) بضم الموحدة وسكون الهاء وتضم جمع بهيت كقضيب وقضب وهو الذي تبهت العقول له بما يفتريه من الكذب أي كذابون ممارون لا يرجعون إلى الحق (إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم) عني (بهتوني) كذبوا علّي (عندك فجاءت اليهود) إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ودخل عبد الله) بن سلام (البيت، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لليهود: (أي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا: أعلمنا وابن أعلمنا وأخيرنا وابن أخيرنا) أفعل تفضيل من الخير وفيه استعمال أفعل التفضيل بلفظ الأخير، ولغير أبي ذر أخبرنا وابن أخيرنا بالموحدة في الأولى من الخبرة وبالتحتية في الثانية، (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أفرأيتم) أي أخبرني (إن أسلم عبد الله)؟ تسلموا (قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله) من البيت (إليهم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. فقالوا: شرّنا وابن شرّنا ووقعوا فيه). ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: وأما الشبه لأن الترجمة في خلق آدم وذريته. 3330 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ، يَعْنِي: «لَوْلاَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ، وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا». وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه) فيه حذف قيل لعله روي قبل هذا عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر، ثم رواه عن بشر بن محمد عن عبد الله عن معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قال نحوه أي نحو الحديث المذكور ثم فسر ذلك بقوله: (يعني لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم) بخاء معجمة ساكنة فنون مفتوحة فزاي لم ينتن وأصل ذلك فيما روي عن قتادة أنس بني إسرائيل ادّخروا لحم السلوى وكانوا نهوا عن ذلك فعوقبوا بذلك فاستمر نتن اللحم من ذلك الوقت. (ولولا حواء) بالهمزة ممدودًا (لم تخن أنثى زوجها) حيث زينت لزوجها آدم عليه السلام الأكل من الشجرة فسرى في أولادها مثل ذلك فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو القول. 3331 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَمُوسَى بْنُ حِزَامٍ قَالاَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ مَيْسَرَةَ الأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَىْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ". [الحديث 3331 - طرفاه في: 5184، 5186]. وبه قال: (حدّثنا أبو كريب) بضم الكاف مصغرًا محمد بن العلاء (وموسى بن حزام) بالحاء المهملة المكسورة والزاي الترمذي العابد (قالا: حدّثنا حسين بن عليّ) بضم الحاء وفتح السين مصغرًا ابن الوليد الجعفي (عن زائدة) بن قدامة الثقفي (عن ميسرة) ضد الميمنة ابن عمار (الأشجعي) بالشين المعجمة (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان الأشجعي الغطفاني (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (استوصوا) قال البيضاوي: الاستيصاء قبول الوصية والمعنى أوصيكم (بالنساء) خيرًا وقال الطيبي: الأظهر أن السين للطلب مبالغة أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن بخير كما في قوله تعالى: {وكانوا من قبل يستفتحون} [البقرة: 89]. قال في الكشاف: السين للمبالغة أي يسألون أنفسهم الفتح عليهم كالسين في استعجب ويجوز أن يكون الخطاب العام أي يستوصي بعضكم من بعض في حق النساه، (فإن المرأة خلقت من ضلع) أي أعوج بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام وتسكن

واحد الأضلاع استعير للعوج صورة أو معنى أي فلا يتهيأ الانتفاع بها إلا بمداراتها والصبر على اعوجاجها، وقيل: أراد به أن أول النساء حواء أخرجت من ضلع آدم الأيسر، وقيل من القصيرى كما تخرج النخلة من النواة وجعل مكانها لحم، وهذا مروي عن ابن عباس فيما رواه ابن إسحاق في المبتدأ بلفظ: إن حواء خلقت من ضلع آدم الأقصر الأيسر وهو نائم، وكأن المعنى أن النساء خلقن من أصل خلق من شيء معوج، وقوله: أعوج هو أفعل التفضيل فاستعماله في العيوب شاذ، وإنما يمتنع عند الالتباس بالصفة فإذا تميز عنه بالقرينة جاز. (وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) ذكره تأكيدًا لمعنى الكسر أو إشارة إلى أنها خلقت من أعوج أجزاء الضلع مبالغة في إثبات هذه الصفة لهن أو ضرب مثلاً لأعلى المرأة لأن أعلاها رأسها وفيه لسانها، وهو الذي يحصل منه الأذى. والأصل التعبير بأعلاها لأن الضلع مؤنثة، وإنما أعاد الضمير مذكرًا على تأويله بالعضو، وقول الزركشي: تأنيثه غير حقيقي فلذا جاز التذكير، تعقبه في المصابيح فقال: هذا غلط لأن معاملة المؤنث غير الحقيقي معاملة المذكر إنما هو بالنسبة إلى ظاهره إذا أسند إليه مثل طلع الشمس، وأما مضمره فحكمه حكم المؤنث الحقيقي في وجوب التأنيث تقول: الشمس طلعت وهي طالعة ولا تقول طلع وهو طالع. نعم قد يؤول في بعض المواضع بالمذكر فينزل منزلته مثل: فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل أبقالها فأول الأرض بالمكان فذكّر وكذا ما نحن فيه. (فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته) أي وإن لم تقمه (لم يزل أعوج) فلا يقبل الإقامة وهذا ضرب مثل لما في أخلاق النساء من الاعوجاج فإن أريد منهن الاستقامة ربما أفضى ذلك إلى الطلاق. وفي مسلم من حديث أبي هريرة: إن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها، (فاستوصوا بالنساء) أيها الرجال. وفي الحديث الندب إلى المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب وفيه سياسة النساء بأخذ العفو عنهن والصبر على عوجهن فإن من رام تقويمهن فاته الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه. وفي صحيح ابن حبان مرفوعًا من حديث أبي هريرة: إن المرأة خلقت من ضلع أعوج فإن أقمتها كسرتها فدارها تعش بها. وحديث الباب أخرجه أيضًا في النكاح وعشرة النساء ومسلم في النكاح. 3332 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ: "حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ، وَأَجَلُهُ، وَرِزْقُهُ، وَشَقِيٌّ أَم سَعِيدٌ. ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ. فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا زيد بن وهب) الجهني قال: (حدّثنا عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو الصادق) في قوله (المصدوق) فيما وعده به الله عز وجل. (إن أحدكم) بكسر همزة إن في الفرع كأصله على معنى حدّثنا فقال: إن أحدكم أو إن وما بعدها محكيان بحدّثنا على ما عرف من مذهبهم في جواز الحكاية بما فيه من معنى القول لا حروفه، وقول أبي البقاء: لا يجوز إلا الفتح لأن قبله حدّثنا منقوص بما ذكر، ولأبي ذر عن الكشميهني: وإن خلق أحدكم (يجمع) بضم أوله وسكون ثانيه مبنيًّا للمفعول أي يضم (في بطن أمه أربعين يومًا) بلياليها بعد الانتشار، وزاد أبو عوانة نطفة، فبين أن الذي يجمع هو النطفة وهو المني، وذلك أن ماء الرجل إذا لاقى ماء المرأة بالجماع وأراد الله أن يخلق من ذلك الجنين هيّأ أسباب ذلك لأن في رحم المرأة قوتين قوة انبساط عند ورود مني الرجل حتى ينتشر في جسد المرأة وقوة انقباض بحيث لا يسيل من فرجها مع كونه منكوسًا، ومع كون المني ثقيلاً بطبعه وفي مني الرجل قوة الفعل وفي مني المرأة قوة الانفعال فعند الامتزاج يصير مني الرجل كالأنفحة للبن. وفي النهاية يجوز أن يريد بالجمع مكث النطفة في الرحم لتتخمر فيه حتى تتهيأ للتصوير (ثم يكون) أي يصير (علقة) دمًا غليطًا جامدًا (مثل ذلك) الزمان، والمعنى أنها تصير بتلك الصفة مدة الأربعين (ثم يكون)

يصير (مضغة) قطعة لحم سميت بذلك لأنها بقدر ما يمضعه الماضغ (مثل ذلك) الزمان (ثم يبعث الله إليه) في الطور الرابع حتى يتكامل بنيانه وتتشكل أعضاؤه (ملكًا) وهو الموكّل بالرحم أي يأمره (بأربع كلمات) يكتبها من القضايا المقدرة في الأزل (فيكتب) الملك الكتابة المعهودة في صحيفة أو بين عينيه (عمله) هل هو صالح أو فاسد (وأجله) أهو طويل أو قصير (ورزقه) أهو حلال أو حرام قليل أو كثير والثلاثة نصب بيكتب ولأبي ذر فيكتب بضم التحتية وفتح الفوقية مبنيًّا للمفعول عمله وأجله ورزقه يرفع الثلاثة على النيابة عن الفاعل (و) هو (شقي) باعتبار ما يختم له (أم سعيد) باعتبار ما يختم له. كما دل عليه الحديث، والمراد أن الملك يكتب إحدى الكلمتين كأن يكتب مثلاً عمل هذا الجنين صالح وأجله ثمانون سنة ورزقه حلال وهو سعيد. قال الحافظ ابن حجر: وحديث ابن مسعود بجميع طرقه يدل على أن الجنين يتقلب في مائة وعشرين يومًا في ثلاثة أطوار كل طور منها في أربعين (ثم) بعد تمامها (ينفخ فيه الروح فإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار) من المعاصي والباء زائدة والأصل يعمل عمل أهل النار لأن قوله عمل إما مفعول مطلق أو مفعول به وكلاهما مستغن عن الحرف فزيادة الباء للتأكيد أو ضمن يعمل معنى يتلبس في عمله بعمل أهل النار (حتى ما يكون) رفع على أن حتى ابتدائية ويجوز النصب بحتى وما نافية غير مانعة لها من العمل (بينه وبينها) أي النار (إلاّ ذراع) تمثيل بقرب حالة الموت وضابط الحسي الغرغرة التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة (فيسبق عليه الكتاب) الذي كتبه الملك عليه وهو في بطن أمه عقب ذلك من غير مهلة (فيعمل بعمل أهل الجنة) عند ذلك (فيدخل الجنة) وموضع عليه نصب على الحال أي يسبق المكتوب واقعًا عليه. والمراد بسبق الكتاب سبق ما تضمنه على حذف مضاف أو المراد المكتوب، والمعنى أنه يتعارض عمله في اقتضاء الشقاوة والمكتوب في اقتضاء السعادة فيتحقق مقتضى المكتوب فعبّر عن ذلك بالسبق لأن السابق يحصل مراده دون المسبوق. (وأن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة) من الطاعات (حتى ما يكون بينه وبينها إلاّ ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار). وفي الحديث إن الأعمال حسنها وسيئها إمارات وليست بموجبات، وإن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به القدر في الابتداء إلى غير ذلك مما يتعلق بالأصول والفروع مما يأتي إن شاء الله تعالى الإلمام بشيء منه في القدر بعون الله تعالى. 3333 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ بْنِ مَالِك عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ فِي الرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ: يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ يَا رَبِّ مُضْغَةٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهَا قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ يَا رَبِّ شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ؟ فَمَا الأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) اسم جده درهم الأزدي الجهضمي (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن أبي بكر بن أنس) أبي معاذ (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن الله وكّل) بتشديد الكاف (في الرحم ملكًا فيقول) عند وقوع النطفة التماسًّا لإتمام الخلقة (يا رب) بحذف ياء المتكلم هذه (نطفة) أي مني (يا رب) هذه (علقة) قطعة من دم جامدة (يا رب) هذه (مضغة) قطعة لحم مقدار ما يمضع وفائدة ذلك أنه يستفهم هل يتكوّن منها أم لا؟ (فإذا أراد) سبحانه وتعالى (أن يخلقها قال) الملك: (يا رب أذكر) هو (يا رب) هو (أنثى يا رب) هو (شقي) عاص لك (أم سعيد) مطيع لك (فما الرزق) الذي يعيش به (فما الأجل)؟ أي مدة حياته إلى وقت موته (فيكتب كذلك) بضم التحتية وفتح الفوقية مبنيًا للمفعول (في بطن أمه). ظرف ليكتب. وهذا الحديث سبق في الحيض. 3334 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحرثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَىْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَقَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِي. فَأَبَيْتَ إِلاَّ الشِّرْكَ». [الحديث 3334 - طرفاه في: 6538، 6557]. وبه قال: (حدّثنا قيس بن حفص) الدارمي البصري قال: (حدّثنا خالد بن الحرث) الهجيمي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي عمران) عبد الملك بن حبيب (الجوني) بفتح الجيم بعد الواو الساكنة نون (عن أنس يرفعه) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (إن الله) عز وجل (يقول) يوم القيامة (لأهون أهل النار عذابًا) قيل هو أبو طالب (لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به) بالفاء من الافتداء

2 - باب الأرواح جنود مجندة

وهو خلاص نفسه مما وقع فيه بدفع ما يملكه (قال: نعم. قال) الله تعالى (فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم) حين أخذت الميثاق (أن لا تشرك بي فأبيت) إذ أخرجتك إلى الدنيا. (إلا الشرك). هذا الحديث أخرجه أيضًا في صفة الجنة والنار أواخر الرقاق ومسلم في التوبة. 3335 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ». [الحديث 3335 - طرفاه في: 6867، 7321]. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) النخعي الكوفي قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (قال: حدثني) بالإفراد (عبد الله بن مرّة) بضم الميم وتشديد الراء (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عبد الله) هو ابن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تقتل نفس) بضم الفوقية الأولى وفتح الثانية مبنيًا للمفعول من بني آدم (ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول) قابيل حيث قتل أخاه هابيل (كفل) بكسر الكاف وإسكان الفاء نصيب (من دمها لأنه أول من سنّ القتل) على وجه الأرض من بني آدم. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن القاتل قابيل ولد آدم من صلبه فهو داخل في لفظ الذرية في الترجمة، والحديث أخرجه أيضًا في الدّيات والاعتصام، ومسلم في الحدود، والترمذي في العلم، والنسائي في التفسير، وابن ماجه في الدّيات. 2 - باب الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (الأرواح جنود مجندة) ومناسبته لسابقه من حيث إن بني آدم مركبة من الأجساد والأرواح. 3336 - قَالَ: وقَالَ اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ». وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بِهَذَا. (قال) أي المؤلّف فيما وصله في الأدب المفرد عن عبد الله بن صالح. (وقال الليث) بن سعد الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمرة) بنت عبد الرَّحمن (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (الأرواح) التي يقوم بها الجسد وتكون بها الحياة (جنود مجندة) أي جموع مجمعة وأنواع مختلفة (فما تعارف منها) توافق في الصفات وتناسب في الأخلاق (ائتلف وما تناكر منها) لم يوافق ولم يناسب (اختلف). والمراد الإخبار عن مبدأ كون الأرواح وتقدمها الأجساد أي أنها خلقت أول خلقتها على قسمين من ائتلاف واختلاف إذا تقابلت وتواجهت، ومعنى تقابلها ما جعله الله عليها من السعادة والشقاوة والأخلاق في مبدأ الخلق، فإذا تلاقت الأجساد التي فيها الأرواح في الدنيا ائتلفت على حسب ما خلقت عليه، ولذا ترى الخيّر يحب الأخيار ويميل إليهم، والشرّير يحب الأشرار ويميل إليهم. وقال الطيبي: الفاء في فما تعارف للتعقيب أتبعت المجمل بالتفصيل فدلّ قوله: ما تعارف على تقدّم اختلاط في الأزل ثم تفرق بعد ذلك في أزمنة متطاولة ثم ائتلاف بعد التعارف كمن فقد أنيسه وإلفه ثم اتصل به، وهذا التعارف إلهامات يقذفها الله تعالى في قلوب العباد من غير إشعار منهم بالسابقة. وفي حديث ابن مسعود عند العسكري مرفوعًا "الأرواح جنود مجندة تلتقي فتشامّ كما تشامّ الخيل فما تعارت منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، فلو أن رجلاً مؤمنًا جاء إلى مجلس فيه مائة منافق وليس فيه إلا مؤمن واحد لجاء حتى يجلس إليه، ولو أن منافقًا جاء إلى مجلس فيه مائة مؤمن وليس فيه إلا منافق واحد لجاء حتى يجلس إليه". وللديلمي بلا سند عن معاذ بن جبل مرفوعًا: "لو أن رجلاً دخل مدينة فيها ألف منافق ومؤمن واحد لشم روحه روح ذلك المؤمن وعكسه". ولأبي نعيم في الحلية في ترجمة أويس أنه لما اجتمع به هرم بن حيان العبدي ولم يكن لقيه وخاطبه أويس باسمه قال له هرم: من أين عرفت اسمي واسم أبي فوالله ما رأيتك ولا رأيتني؟ قال: عرفت روحي روحك حين كلمت نفسي نفسك، وإن المؤمنين يتعارفون بروح الله وإن نأت بهم الدار. وقال بعضهم: أقرب القرب مودة القلوب وإن تباعدت الأجسام، وأبعد العبد تنافر التداني. ولبعضهم: إن القلوب لأجناد مجندة ... قول الرسول فمن ذا فيه يختلف فما تعارف منها فهو مؤتلف ... وما تناكر منها فهو مختلف والآخر: بيني وبينك في المحبة نسبة ... مستورة في سرّ هذا العالم

3 - باب قول الله عز وجل: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه} [هود: 25]

نحن الذين تحاببت أرواحنا ... من قبل خلق الله طينة آدم وهذا الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة في الأدب. (وقال يحيى بن أيوب) الغافقي البصري مما وصله الإسماعيلي (حدثني) بالإفراد (يحيى بن سعيد) الأنصاري (بهذا) الحديث السابق وليس يحيى بن أيوب من شرط المؤلّف فلذا أخرج له في الاستشهاد، وأورده من الطريقين بلا إسناد فصار أقوى مما لو ساقه بإسناده قاله الإسماعيلي. قال ابن حجر: ويشهد للمتن حديث أبي هريرة عند مسلم. 3 - باب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [هود: 25] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {بَادِئَ الرَّأْيِ}: مَا ظَهَرَ لَنَا. {أَقْلِعِي}: أَمْسِكِي. {وَفَارَ التَّنُّورُ}: نَبَعَ الْمَاءُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَجْهُ الأَرْضِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {الْجُودِيُّ}: جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ. {دَأْبٌ}: مِثْلُ حَالٌ. {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ [نوح: 1 - 28]. {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ} -إِلَى قَوْلِهِ- {مِنَ الْمُسْلِمِينَ}. (باب) قول الله عز وجل ({ولقد}) جواب قسم محذوف تقديره والله لقد ({أرسلنا}) أي بعثنا ({نوحًا إلى قومه}) [الأعراف: 59] وهو ابن خمسين سنة. وقال مقاتل: ابن مائة سنة، وعند ابن جرير ثلاثمائة وخمسين سنة. وقال ابن عباس: سمي نوحًا لكثرة نوحه على نفسه، واختلف في سبب نوحه فقيل لدعوته على قومه بالهلاك، وقيل لمراجعته ربه في شأن ابنه كنعان وهو نوح بن لامك بن متوشلح بن اخنوخ وهو إدريس وهو أول نبي بعثه الله بعد إدريس، وقال القرطبي: أوّل نبي بعثه الله بعد آدم بتحريم البنات والعمات والخالات، وكان مولده فيما ذكره ابن جرير بعد وفاة آدم بمائة وستة وعشرين عامًا ومات وعمره ألف سنة وأربعمائة سنة ودفن بالمسجد الحرام، وقيل غير ذلك. وعن أبي أمامة أن رجلاً قال: يا رسول الله أنبي كان آدم؟ قال: (نعم). قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: "عشرة قرون". رواه ابن حبان وصححه. قال ابن كثير: وهو على شرط مسلم ولم يخرجوه. (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما رواه ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ({بادي الرأي}) [هود: 27] أي (ما ظهر لنا). من غير روية وتأمل بل من أوّل وهلة. ({أقلعي}) قال ابن عباس أي (أمسكي) ومنه اقلعت الحمى وهذا مجاز لأنها موات، وقيل جعل فيها ما تميز به والذي قال إنه مجاز قال لو فتش كلام العرب والعجم ما وجد فيه مثل هذه الآية على حسن نظمها وبلاغة وصفها واشتمال المعاني فيها ({وفار التنور}) [هود: 40] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن طلحة أي (نبع الماء) فيه وارتفع كالقدر يفور، والتنور أشرف موضع في الأرض وأعلاه أو التنور الذي يخبز فيه ابتدأ منه النبوع على خرق العادة، وكان في الكوفة في موضع مسجدها أو في الهند قيل: وكان من حجارة كانت حوّاء تخبز فيه فصار إلى نوح. (وقال عكرمة) مولى ابن عباس فيما وصله ابن جرير: التنور (وجه الأرض) وهو قول الزهري أيضًا. (وقال مجاهد) فيما وصله ابن أبي حاتم ({الجودي}) في قوله تعالى: {واستوت على الجوديّ} [هود: 44] هو (جبل بالجزيرة) المعروفة بابن عمر في الشرق فيما بين دجلة والفرات وزاد ابن أبي حاتم تشامخت الجبال يوم الغرق وتواضع هو لله تعالى فلم يغرق وأرسيت عليه سفينة نوح، وروي أنه ركب السفينة عاشر رجب ونزل عاشر المحرم فصام ذلك اليوم وصار سنة، وذكر ابن جرير وغيره أن الطوفان كان في ثالث عشر آب في شدة القيظ. وقد روي أن نوحًا لما يئس من صلاح قومه دعا عليهم دعوة غضب الله عليهم فلبى دعوته وأجاب طلبته قال تعالى: {ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون} [الصافات: 75] وأمره أن يغرس شجرًا ليعمل منه السفينة فغرسه وانتظره مائة سنة ثم نجره في مائة سنة أخرى وأمره أن يجعل طولها ثمانين ذراعًاً وعرضها خمسين ذراعًا. وقال قتادة: كان طولها ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين. وقال الحسن البصري: ستمائة في عرض ثلاثمائة. وعن ابن عباس ألف ومائتا ذراع في عرض ستمائة. وكانت ثلاث طبقات كل واحد عشرة أذرع، فالسفلى للدواب والوحوش والوسطى للناس والعليا للطيور وكان لها غطاء من فوقها مطبق عليها، وفتحت أبواب السماء بماء منهمر وفجرت الأرض عيونًا، وأمره الله تعالى أن يحمل في السفينة من كل زوجين اثنين من الحيوانات وسائر ما له روح من المأكولات وغيرها لبقاء نسلها ومن آمن ومن أهل بيته إلا من كان كافرًا، وارتفع الماء على أعلى جبل في الأرض خمسة عشر ذراعًاً، وقيل: ثمانين ذراعًاً، وعم الأرض

كلها طولها وعرضها ولم يبق على وجه الأرض أحد واستجاب الله دعوته حيث قال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا} فلم تبق منهم عين تطرف وهذا كما قاله الحافظ عماد الدين بن كثير يردّ على من زعم من المفسرين وغيرهم أن عوج بن عنق ويقال ابن عناق كان موجودًا من قبل نوح وإلى زمان موسى، ويقولون: كان كافرًا متمرّدًا جبارًا عنيدًا، ويقولون عنق أمه بنت آدم من زنا لأنه كان يأخذ لطوله السمك من قرار البحر ويشويه في عين الشمس، وإنه كان يقول لنوح وهو في السفينة ما هذه القصعة التي بك ويستهزئ به، ويذكرون أن طوله كان ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثًا وثلاثين ذراع إلى غير ذلك من الهذيانات التي لولا أنها مسطرة في كثير من كتب التفاسير وغيرها من التواريخ وغيرها من أيام الناس لما تعرضنا لحكايتها لسقاطتها وركاكتها ثم انها مخالفة للمعقول والمنقول. أما المعقول: فكيف يسوغ أن الله يهلك ولد نوح لكفره وأبوه نبي الأمة وزعيم أهل الإيمان ولا يهلك عوج بن عنق وهو أظلم وأطعن على ما ذكروا ولا يرحم منهم أحدًا ويترك هذا الجبار العنيد، الفاجر الشديد، الكافر الشيطان المريد على ما ذكروا. وأما المنقول فقال الله تعالى: {ثم أغرقنا الآخرين} [الشعراء: 66] وقال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا} [نوح: 26] ثم هذا الطول الذي ذكروا مخالف لما في الصحيحين عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الله تعالى خلق آدم طوله ستون ذراعًاً ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن، فهذا نص الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى وإن هو إلا وحي يوحى أنه لم يزل ينقص حتى الآن أي لم يزل الناس في نقصان طولهم من آدم إلى يوم إخباره وهلم جرًّا إلى يوم القيامة، وهذا يقتضي أنه لم يوجد من ذرية آدم من كان أطول منه، وكيف يترك ويصار إلى قول الكذبة الكفرة من أهل الكتاب الذين بدّلوا كتب الله المنزلة وحرّفوها وأوّلوها ووضعوها على غير مواضعها عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة، وما أظن هذا الخبر عن عوج بن عنق إلاّ اختلاقًا من بعض زنادقتهم وكفارهم الذين كانوا أعداء الأنبياء والله أعلم. ({دأب}) في قوله تعالى: {مثل دأب قوم نوح} [غافر: 32] قال مجاهد فيما وصله الفريايى هو (مثل حال). ولأبي ذر وابن عساكر: دأب حال فأسقط لفظ مثل ({واتل عليهم نبأ نوح}) أي خبره مع قومه ({إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم}) عظم وشق عليكم ({مقامي}) أي إقامتي بينكم مدة مديدة ألف سنة إلا خمسين عامًا أو قيامي على الدعوة ({وتذكيري}) إياكم ({بآيات الله}) بحججه (إلى قوله {من المسلمين}) [يونس: 71] أي المنقادين لحكمه، وهذه الآية ثبتت في الفرع وعليها رقم أبي ذر وابن عساكر. (باب قول الله تعالى): سقط هذا لأبي ذر وابن عساكر ({إنّا أرسلنا نوحًا إلى قومه أن أنذر}) أي بأن أنذر أي بالإنذار أو بأن قلنا له أنذر ({قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم}) [نوح: 1] عذاب الآخرة أو الطوفان (إلى آخر السورة) وسقط لأبي ذر من قوله (أن أنذر) إلى قوله {أليم}. 3337 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَالِمٌ: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما-: «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: إِنِّي لأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلاً لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان العتكي مولاهم المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال (قال سالم): هو ابن عبد الله بن عمر (وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال) بتشديد الجيم بوزن فعال من أبنية المبالغة الكثير الكذب وهو من الدجل وهو الخلط والتلبيس والتمويه (فقال): (إني لأنذركموه) أخوّفكموه والجملة مؤكدة بأن واللام وكونها اسمية (وما من نبي إلا أنذره قومه لقد أنذر نوح قومه) خصه بعد التعميم لأنه أوّل نبي أنذر قومه أو أوّل مشرع من الرسل أو أبو البشر الثاني وذريته هم الباقون في الدنيا لا غيرهم (ولكني أقول لكم فيه) سقط لفظ لكم لابن عساكر (قولا لم يقله نبي لقومه) مبالغة في التحذير (تعلمون أنه) أي الدجال (أعور) عين اليمنى أو اليسرى (وإن الله) عز وجل

(ليس بأعور). تعالى الله عن كل نقص وجل عن أن يشبه بالمحدثات. 3338 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا عَنِ الدَّجَّالِ مَا حَدَّثَ بِهِ نَبِيٌّ قَوْمَهُ: إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ بِمِثَالِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَالَّتِي يَقُولُ إِنَّهَا الْجَنَّةُ هِيَ النَّارُ، وَإِنِّي أُنْذِرُكُمْ كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهُ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا شيبان) بفتح الشين المعجمة وبعد التحتية الساكنة موحدة مفتوحة ابن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف أنه قال: (سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ألا) بالتخفيف (أحدثكم حديثًا عن الدجال ما حدّث به نبي قومه: إنه) أي الدجال (أعور وإنه يجيء معه) إذا ظهر (بمثال الجنة و) مثال (النار) ولابن عساكر: معه تمثال بمثناة مكسورة بدل الموحدة أي صورة الجنة والنار يبتلي الله تعالى به عباده بما أقدره عليه من مقدوراته كإحياء الميت الذي يقتله وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت بقدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يعجزه الله تعالى فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره فيقتله عيسى عليه السلام (فالتي يقول إنها الجنة هي النار) وبالعكس (وإني) بالواو أو لابن عساكر فإني (أنذركم) أخوّفكم منه (كما أنذر به نوح قومه). وكذا غيره من الأنبياء كما مرّ، وذلك لأن فتنته عظيمة جدًا تدهش العقول وتحير الألباب مع سرعة مروره في الأرض فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء دلائل الحدوث والنقص فيصدقون بصدقه في هذه الحالة، فلذا حذرت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قومهم من فتنته ونبهوا عليه. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفتن. 3339 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَىْ رَبِّ. فَيَقُولُ لأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: لاَ، مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ. فَيَقُولُ لِنُوحٍ مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمَّتُهُ، فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، وَهْوَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ». [الحديث 3339 - طرفاه في: 4487، 7349]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يجيء نوح وأمته) يوم القيامة (فيقول الله تعالى) له (هل بلغت)؟ رسالتي إلى قومك (فيقول: نعم). بلغتها (أي رب. فيقول) عز وجل (لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا. ما جاءنا من نبيّ. فيقول) تعالى (لنوح: من يشهد لك) أنك بلغتهم (فيقول) يشهد لي (محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمته فنشهد) له (أنه قد بلغ) أمته (وهو قوله جل ذكره {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس} [البقرة: 143] والوسط) هو (العدل). وهذا من نفس الحديث لا مدرج فيه. وهذا الحديث سيأتي ذكره في تفسير سورة البقرة. 3340 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي دَعْوَةٍ، فَرُفِعت إِلَيْهِ الذِّرَاعُ -وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ. فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً وَقَالَ: أَنَا سَيِّدُ الْقَوْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. هَلْ تَدْرُونَ بِمَنْ يَجْمَعُ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَتَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ، إِلَى مَا بَلَغَكُمْ؟ أَلاَ تَنْظُرُونَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: أَبُوكُمْ آدَمُ: فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ. أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟ أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ: رَبِّي غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَنَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ. نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ. فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ؛ وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا. أَمَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا بَلَغَنَا؟ أَلاَ تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلاَ يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. نَفْسِي نَفْسِي، ائْتُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَيَأْتُونِي، فَأَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ: لاَ أَحْفَظُ سَائِرَهُ». [الحديث 3340 - طرفاه في: 3361، 4712]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر عن المستملي: حدّثنا (إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي قال: (حدّثنا محمد بن عبيد) بضم العين مصغرًا الطنافسي الأحدب الكوفي قال: (حدّثنا أبو حيان) بالحاء المهملة وتشديد الياء التحتية يحيى بن سعيد بن حيان التيمي (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو البجلي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في دعوة) بفتح الدال وكسرها في اليونينية طعام مدعوّ إليه ضيافة (فرفع إليه الذراع) بضم الراء مبنيًّا للمفعول قال السفاقسي الصواب رفعت لأن الذراع مؤنثة. قال في المصابيح: وهذا خبط لأن هذا إسناد إلى ظاهر غير الحقيقي فيجوز التأنيث وعدمه، بل أقول: لو كان التأنيث هنا حقيقيًّا لم يجب اقتران الفعل بعلامة التأنيث لوجود الفاصل كقولك قام في الدار هند، (وكانت) أي الذراع (تعجبه) لأنها أعجل نضجًا وأخف على المعدة وأسرع هضمًا مع لذتها وحلاوة مذاقها ولذا اسم فيها (فنهس منها نهسة) بسين مهملة فيهما أخذ لحمها من العظم بأطراف أسنانه، ولأبي ذر والأصيلي فنهش منها نهشة بالشين المعجمة فيهما أخذه بأضراسه (وقال): (أنا سيد القوم) وضبب على القوم في الفرع أصله وفي الهامش مصححًا عليه سيد الناس (يوم القيامة) خصه بالذكر لارتفاع سؤدده وتسليم الجميع له فيه إذا كان سيدهم في يوم القيامة ففي الدنيا أولى، وقوله: لا تخيروا بين الأنبياء أي تخييرًا يؤدّي إلى تنقيص أو لا تخيروا في ذات النبوّة والرسالة إذ الأنبياء فيهما على حد واحد والتفاضل بأمور أخر أو خصه لأن القصة قصة يوم القيامة (هل تدرون بمن) وللكشميهني بم

وللحموي والمستملي ثم بالمثلثة بدل الموحدة وتشديد الميم (يجمع الله الأوّلين والآخرين في صعيد واحد) أرض مستوية واسعة (فيبصرهم الناظر) أي يحيط بهم بصر الناظر بحيث لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض وعدم الحجاب (ويسمعهم الداعي) بضم الياء من الإِسماع (وتدنو منهم الشمس) فيبلغهم من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون (فيقول بعض الناس) لبعض: (ألا ترون إلى ما أنتم فيه) من الغم والكرب (إلى ما بلغكم) بدل من قوله إلى ما أنتم فيه (ألا) بالتخفيف كالسابقة للعرض أو التحضيض (تنظرون إلى من يشفع لكم إلى ربكم)؟ حتى يريحكم من مكانكم هذا (فيقول بعض الناس: أبوكم آدم فيأتونه فيقولون) له: (يا آدم أنت أب البشر) كتب بغير واو بعد الموحدة من أب ولا ذر أبو البشر بإثبات الواو (خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه) الإضافة إليه تعالى إضافة تعظيم للمضاف وتشريف (وأمر الملائكة فسجدوا لك وأسكنك الجنة) زاد في رواية همام في التوحيد وعلمك أسماء كل شيء وضع شيء موضع أشياء أي المسميات لقوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها} [البقرة: 31] أي أسماء المسميات أراد التقصي واحدًا فواحدًا حتى يستغرق المسميات كلها (ألا تشفع لنا إلى ربك. ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا)؟ بفتح الغين من الكرب والعرق (فيقول) آدم عليه السلام: (ربي غضب) اليوم (غضبًا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله) والمراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال الشر إلى المغضوب عليه. وقال النووي: المراد ما يظهره تعالى من انتقامه فيمن عصاه وما يشاهده أهل الجمع من الأهوال التي لم تكن ولا يكون مثلها ولا ريب أنه لم يتقدّم قبل ذلك اليوم مثله ولا يكون بعده مثله (ونهاني عن الشجرة) أي عن أكلها (فعصيته) ولأبي ذر فعصيت بحذف الضمير (نفسي نفسي) مرّتين أي نفسي التي تستحق أن يشفع لها لأن المبتدأ والخبر إذا كانا متحدين فالمراد بعض لوازمه أو قوله نفسي مبتدأ والخبر محذوف وعند سعيد بن منصور من رواية ثابت إني أخطأت وأنا في الفردوس فإن يغفر لي اليوم فحسبي (اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح) بيان لقوله اذهبوا إلى غيري (فيأتون نوحًا فيقولون) له: (يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض) استشكلت الأولية هنا بأن آدم نبي مرسل وكذا شيث وإدريس وهم قبل نوح وأجيب بأن الأولية مقيدة بقوله إلى أهل الأرض لأن آدم ومن بعده لم يرسلوا إلى أهل الأرض. واستشكل بقوله من حديث جابر: أعطيت خمسًا. وفيه: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة. وأجيب: بأن بعثة نوح إلى أهل الأرض باعتبار الواقع لصدق أنهم قومه بخلاف عموم بعثة نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقومه ولغير قومه، ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد لذلك في محاله بعون الله وقوّته. (وسماك الله) في سورة الإسراء (عبدًا شكورًا) تحمد الله تعالى على مجامع حالاته (أما) بتخفيف الميم ولأبي ذر عن الكشميهني ألا (ترى إلى ما نحن فيه. ألا ترى إلى ما بلغنا). بفتح الغين (ألا تشفع لنا إلى ربك)؟ حتى يريحنا من مكاننا (فيقول) نوح عليه السلام: (ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله نفسي نفسي) مرتين (ائتوا النبي) محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المعروف أن نوحًا يدلهم على إبراهيم وإبراهيم على موسى وموسى على عيسى وعيسى على النبي محمد "-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" قال نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فيأتوني فأسجد تحت العرش): زاد أحمد في مسنده قدر جمعة (فيقال: يا محمد ارفع رأسك واشفع تشفع) أي تقبل شفاعتك (وسل تعطه). (قال محمد بن عبيد) مصغرًا من غير إضافة لشيء الأحدب: (لا أحفظ سائره) أي باقي الحديث لأنه مطوّل معلوم من رواية غيره. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير، ومسلم في الإِيمان، والترمذي في الزهد والأطعمة، والنسائي في الوليمة مختصرًا وفي التفسير مطوّلاً، وابن ماجه في الأطعمة. 3341 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} مِثْلَ قِرَاءَةِ الْعَامَّةِ". [الحديث 3341 - أطرافه في: 3345، 3376، 4869، 4870، 4871، 4872، 4873، 4874]. وبه قال: (حدّثنا نصر بن علي

4 - باب {وإن إلياس لمن المرسلين * إذ قال لقومه ألا تتقون} -إلى- {وتركنا عليه في الآخرين} [الصافات: 23]. قال ابن عباس: يذكر بخير. {سلام على آل ياسين * إنا كذلك نجزي المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين} [الصافات: 130]. يذكر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو إدريس.

بن نصر) الجهضمي الأزد البصري وسقط لأبي ذر ابن نصر قال: (أخبرنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمير بن درهم الزبير (عن سفيان) الثور (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن الأسود بن يزيد) النخعي (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ {فهل من مدكر}) [القمر: 15] بالإدغام والدال المهملة (مثل قراءة العامة). لا بفك الإدغام ولا بالمعجمة كما قريء في الشواذ وأصله مذتكر بذال معجمة مفتعل من الذكر فاجتمع حرفان متقاربان في المخرج والأول ساكن وألفينا الثاني مهموسًا فأبدلناه بمجهور يقاربه في المخرج وهو الدال المهملة ثم قلبت الذال دالاً وأدغمت في الدال المهملة. فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟ أجيب: من قوله في الآية الثانية وتذكيري بآيات الله والآية في شأن سفينة نوح والضمير في قوله: {ولقد تركناها} [القمر: 15] آية يعتبر بها إذ شاع خبرها واستمر، أو تركت حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير وأحاديث الأنبياء، ومسلم في الصلاة، وأبو داود في الحروف، والترمذي في القراءات، والنسائي في التفسير. 4 - باب {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ} -إِلَى- {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} [الصافات: 23]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُذْكَرُ بِخَيْرٍ. {سَلاَمٌ عَلَى آلِ يَاسِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} [الصافات: 130]. يُذْكَرُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إِلْيَاسَ هُوَ إِدْرِيسُ. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله تعالى: ({وإن إلياس لمن المرسلين}) هو إلياس بن ياسين سبط هارون أخي موسى بعث بعده. وقال عبد الله بن مسعود فيما وصله ابن أبي حاتم هو إدريس وفي مصحفه وإن إدريس لمن المرسلين ({إذ قال لقومه ألا تتقون}) ألا تخافون الله في عبادتكم غيره {أتدعون بعلاً} أي أتعبدون صنمًا أو تطلبون الخير منه {وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم ورب آبائكم الأولين} والمستحق للعبادة وحده لا شريك له {فكذبوه فإنهم لمحضرون} للعذاب يوم الحساب {إلا عباد الله المخلصين} من قومه أي الموحدين منهم وهو مستثنى من الواو في فكذبوه وهو استثناء متصل، وفيه دلالة على أن في قومه من لم يكذبه فلذلك استثنوا، ولا يجوز أن يكون مستثنى من المحضرين لفساد المعنى لأنه يلزم حينئذٍ أن يكونوا مندرجين فيمن كذب، لكنهم لم يحضروا لكونهم عباد الله المخلصين وهو بين الفساد ولا يقال هو مستثنى منه استثناء منقطعًا لأنه يصير المعنى لكن عباد الله المخلصين من غير هؤلاء لم يحضروا ولا حاجة إلى هذا بوجه إذ به يفسد نظم الكلام ({وتركنا عليه في الآخرين}) [الصافات: 123 - 124 - 125 - 126 - 127 - 128 - 129] أي ثناء جميلاً. (قال ابن عباس) فيما وصله ابن جرير (يذكر بخير) أي في الآخرين، ولأبي ذر بعد قوله: {ألا تتقون} إلى قوله {وتركنا عليه في الآخرين} إسقاط {أتدعون بعلاً} إلى آخر قوله {المخلصين} ({سلام على آل ياسين}) بفتح الهمزة ومدها وكسر اللام وفصلها من الياء وهي قراءة نافع وابن عامر ويعقوب أضافوا آل الذي هو بمعنى أهل إلى ياسين كآل إبراهيم، فهي على هذه القراءة كلمتان فيكون ياسين أبا إلياس وقراءة الباقين بكسر الهمزة وسكون اللام ووصلها بالياء كلمة واحدة جمع لإِلياس وجمع باعتبار أصحابه كالمهلبين في المهلب ({إنّا كذلك نجزي المحسنين}) أي إنما خصصناه بأن يذكر بخير لأجل كونه محسنًا ثم علل كونه محسنًا بقوله: ({إنه من عبادنا المؤمنين}) [الصافات: 130 - 131 - 132]. (يذكر) بضم أوله بصيغة التمريض (عن ابن مسعود) -رضي الله عنه- فيما وصله عبد بن حميد وابن أبي حاتم بإسناد حسن (وابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله ابن جويبر في تفسيره بإسناد ضعيف (إن الياس هو إدريس) فيكون له اسمان، وفي مصحف ابن مسعود {وإن إدريس لمن المرسلين} وسبق أن الياس من ولد هارون أخي موسى عليهم السلام فعلى هذا فليس إدريس جدًّا لنوح لأنه من بني إسرائيل، والصحيح أن الياس غير إدريس لأن الله تعالى ذكره في سورة الأنعام حيث قال: (ونوحًا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان} إلى أن قال: {وعيسى والياس} [الأنعام: 84 و95] فدلّ على أن الياس من ذرية نوح وإدريس جد أبي نوح كما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. 5 - باب ذِكْرِ إِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. وَهوَ جَدُّ أَبِي نُوحٍ، وَيُقَالُ جَدُّ نُوحٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} (باب ذكر إدريس عليه) الصلاة و (السلام) بكسر ذال ذكر وضمها في اليونينية وسقط لفظ باب لأبي ذر (وهو جد أبي نوح) لأنه نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ وهو إدريس.

(ويقال جد نوح عليهما السلام) مجازًا لأن جد الأب جد، وقوله: وهو جد وقوله: وهو جد الخ ... ثابت لابن عساكر. وكان إدريس عليه السلام أول نبي أعطي النبوة بعد آدم وشيث عليهما السلام، وأول من خط بالقلم وأدرك من حياة آدم ثلاثمائة سنة وثمان سنين. وقال ابن كثير: وقد قالت طائفة أنه المشار إليه في حديث معاوية بن الحكم السلمي لما سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الخط بالرمل فقال: "إنه كان نبي يخط بالرمل فمن وافق خطه فذاك". وزعم كثير من المفسرين أنه أول من تكلم في ذلك ويسمونه هرمس الهرامسة ويكذبون عليه في أشياء كثيرة كما كذبوا على غيره من الأنبياء. (وقول الله) عز وجل بالجر عطفًا على سابقه المجرور بالإضافة: ({ورفعناه مكانًا عليًّا}) [مريم: 57] السماء السادسة أو الرابعة أو الجنة أو شرف النبوّة والزلفى وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه رفع إلى السماء ولم يمت كما رفع عيسى. قال في البداية والنهاية: إن أراد أنه لم يمت إلى الآن ففيه نظر وإن أراد أنه رفع حيًّا إلى السماء ثم قبض، فلا ينافي ما ذكره كعب أنه قبض في السماء الرابعة. وعن ابن عباس أنه قبض في السادسة وصحح ابن كثير أنه قبض في الرابعة. 3342 - قَالَ عَبْدَانُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ. ح. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ بْن مَالِكٍ: «كَانَ أَبُو ذَرٍّ -رضي الله عنه- يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا جَاءَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ. قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: مَعِيَ مُحَمَّدٌ، قَالَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَافْتَحْ. فَلَمَّا عَلَوْنَا السَّمَاءَ إِذَا رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَسْوِدَةٌ، فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ، وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى، فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا آدَمُ، وَهَذِهِ الأَسْوِدَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ نَسَمُ بَنِيهِ، فَأَهْلُ الْيَمِينِ مِنْهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَالأَسْوِدَةُ الَّتِي عَنْ شِمَالِهِ أَهْلُ النَّارِ. فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى. ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ لِخَازِنِهَا: افْتَحْ، فَقَالَ لَهُ خَازِنُهَا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُ، فَفَتَحَ. قَالَ أَنَسٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَوَاتِ إِدْرِيسَ وَمُوسَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يُثْبِتْ لِي كَيْفَ مَنَازِلُهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَمَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ. وَقَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيلُ بِإِدْرِيسَ قَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ. ثُمَّ مَرَرْتُ بِمُوسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ. وَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُوسَى. ثُمَّ مَرَرْتُ بِعِيسَى فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالأَخِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عِيسَى. ثُمَّ مَرَرْتُ بِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالاِبْنِ الصَّالِحِ. قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيمُ -قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا حَبَّةَ الأَنْصَارِيَّ كَانَا يَقُولاَنِ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لِمُسْتَوًى أَسْمَعُ صَرِيفَ الأَقْلاَمِ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنهما-: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَفَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ خَمْسِينَ صَلاَةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى أَمُرَّ بِمُوسَى فَقَالَ مُوسَى: مَا الَّذِي فُرِضَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلاَةً، قَالَ: فَرَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَجَعْتُ، فَرَاجَعْتُ رَبِّي فَوَضَعَ شَطْرَهَا. فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَجَعْتُ فَرَاجَعْتُ رَبِّي فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهْيَ خَمْسُونَ، لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلْتُ: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي. ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى السِّدْرَةَ الْمُنْتَهَى، فَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ. ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ». (قال عبدان): هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي، وهذا التعليق وصله الجوزقي من طريق محمد بن الليث عن عبدان ولأبي ذر: وحدّثنا عبدان، ولابن عساكر: حدّثنا بغير واو قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (ح) لتحويل الإسناد. (حدّثنا) ولابن عساكر عن الزهري قال أنس بن مالك: وحدّثنا ولأبي ذر وأخبرنا (أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري قال: (حدّثنا عنبسة) بفتح العين المهملة وسكون النون وبعد الموحدة المفتوحة سين مهملة ابن خالد قال: (حدّثنا يونس) بن يزيد وهو عم عنبسة (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال): قال أنس ولأبي ذر وابن عساكر (قال أنس بن مالك: كان أبو ذر) جندب بن جنادة (-رضي الله عنه- يحدث أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (فرج) بضم الفاء مبنيًا للمفعول أي فتح (سقف بيتي) ولأبي ذر: عن سقف بيتي (وأنا بمكة) جملة حالية (فنزل جبريل) عليه السلام من الموضع الذي فتحه من السقف مبالغة في المفاجأة (ففرج) بفتحات أي شق (صدري) في رواية للمصنف إلى مراق البطن (ثم غسله بماء زمزم) لأنه أفضل المياه أو يقوّي القلب (ثم جاء بطست) بسين مهملة مؤنثة (من ذهب) وكان ذلك قبل تحريم الذهب (ممتلئ) صفة لطست وذكر على معنى الإناه (حكمة وإيمانًا) بنصبهما على التمييز تمثيل لينكشف بالمحسوس ما هو معقول وتمثيل المعاني جائز كما أن سورة البقرة تجيء يوم القيامة كأنها ظلة ولابن عساكر الحكمة والإيمان (فافرغها) أي الطست والمراد ما فيها (في صدري ثم أطبقه) وختم عليه حتى لا يجد العدو إليه سبيلاً (ثم أخد بيدي) جبريل (فعرج بي إلى السماء فلما جاء إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء) الدنيا: (افتح) بابها (قال) الخازن: (من هذا)؟ الذي قال افتح (قال: هذا جبريل) ولم يقل أنا لأن قائلها يقع في العناء وسقط لفظ هذا لأبي ذر (قال: معك) ولابن عساكر قال: ما معك (أحد؟ قال): نعم (معي محمد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: أرسل إليه) ليعرج به (قال: نعم) أرسل إليه (فافتح فلما علونا السماء) زاد أبو ذر الدنيا وهي صفة للسماء والظاهر أنه كان معهما غيرهما من الملائكة (إذا رجل عن يمينه أسودة) أشخاص (وعن يساره أسودة) أشخاص أيضًا (فإذا نظر قبل) أي جهة (يمينه ضحك) سرورًا (وإذا نظر قبل شماله بكى) حزنًا (فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح) أي أصبت رحبًا لا ضيقًا أيها النبي التام في نبوته والابن البارّ في بنوّته (قلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا آدم وهذه الأسودة) التي (عن يمينه وعن شماله نسم بنيه) بفتح النون والسين المهملة أي أرواحهم (فأهل اليمين منهم أهل الجنة) والجنة فوق السماء السابعة في جهة يمينه (والأسودة التي عن شماله أهل النار). والنار في سجين الأرض

السابعة في جهة شماله فيكشف له عنهما حتى ينظر إليهم (فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى، ثم عرج به جبريل حتى أتى السماء الثانية فقال لخازنها: افتح) بابها (فقال لها خازنها مثل ما قال الأول ففتح) بابها (قال أنس) -رضي الله عنه-: (فذكر) أبو ذر (أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وجد في السماوات إدريس، وموسى، وعيسى وإبراهيم) عليهم الصلاة والسلام (ولم يثبت) أبو ذر (لي كيف منازلهم) أي لم يعين لكل نبي سماء (غير أنه ذكر أنه وجد) ولأبي ذر: أنه قد وجد (آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السادسة وقال أنس: فلما مرّ جبريل بإدريس قال: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح) ولم يقل والابن لأنه لم يكن من آبائه (فقلت) لجبريل: (من هذا قال: هذا إدريس) وهذا موضع الترجمة. وفي حديث مالك بن صعصعة عند الشيخين أن إدريس في السماء الرابعة ولا ريب أنه موضع عليّ وإن كان غيره من الأنبياء أرفع مكانًا منه. (ثم مررت بموسى. فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح قلت) أي لجبريل ولأبي ذر فقلت بالفاء قبل القاف وله أيضًا فقال: أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو من الالتفات (من هذا؟ قال): ولأبي ذر فقال: (هذا موسى ثم مررت بعيسى فقال: مرحبًا بالنبي الصالح قلت) لجبريل: (من هذا؟ قال): هذا (عيسى) وليست ثم هنا على بابها في الترتيب فقد اتفقت الروايات على أن المرور بعيسى كان قبل المرور بموسى (ثم مررت بإبراهيم فقال: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح قلت من هذا) يا جبريل: (قال: هذا إبراهيم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقالوا: مرحبًا بالنبي الصالح ولم يقولوا بالنبي الصادق مثلاً لأن لفظ الصالح عام لجميع الخصال الحميدة، فأرادوا وصفه بما يعم كل الفضائل. (قال): أي ابن شهاب (وأخبرني) بالإفراد (ابن حزم) بالحاء المهملة المفتوحة وسكون الزاي أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري قاضي المدينة (أن ابن عباس وأبا حيّة الأنصارى) بتشديد المثناة التحتية ولأبي ذر وابن عساكر: وأبا حيّة بالموحدة بدل التحتية وهو الصواب، ورواية ابن حزم عن أبي حيّة منقطعة لأنه استشهد بأحد قبل مولد ابن حزم بمدة كما مرّ ذلك مع زيادة في أول كتاب الصلاة (كانا) أي ابن عباس وأبو حيّة (يقولان: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم عرج بي حتى) بضم العين وكسر الراء مبنيًا للمفعول ولأبي ذر: ثم عرج بي جبريل حتى (ظهرت) أي علوت (لمستوى) بفتح الواو أي موضع شرف يستوي عليه وهو المصعد. وقال التوربشتي: اللام للعلة أي علوت لاستعلاء مستوى أو لرؤيته أو لمطالعته، ويحتمل أن يكون متعلقًا بالمصدر أي ظهرت ظهور المستوى، ويحتمل أن يكون بمعنى، إلى يقال: أوحى لها أي إليها والمعنى أني قمت مقامًا بلغت فيه من رفعة المحل إلى حيث اطلعت على الكوائن وظهر لي ما يراد من أمر الله تعالى وتدبيره في خلقه وهذا والله هو المنتهى الذي لا تقدم لأحد عليه، وللحموي والمستملي بمستوى بالموحدة بدل اللام (أسمع) فيه (صريف الأقلام) أي تصويتها حالة كتابة الملائكة ما يقضيه الله تعالى. (قال ابن حزم) عن شيخه (وأنس بن مالك) عن أبي ذر: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ففرض الله عليّ) بتشديد التحتية أي وعلى أمتي (خمسين صلاة) في كل يوم وليلة (فرجعت بذلك حتى أمر بموسى) بهمزة مفتوحة فميم مضمومة فراء مشدّدة (فقال لي موسى: ما الذي فرض) أي ربك (على أمتك؟ قلت) له: (فرض) ربي (عليهم خمسين صلاة) في كل يوم وليلة، ولأبي ذر وابن عساكر: فرض بضم الفاء مبنيًّا للمفعول في الموضعين خمسون صلاة بالرفع نائبًا عن الفاعل (قال) موسى: (فراجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك) وسقط لفظ ذلك لأبي ذر (فرجعت) من عند موسى (فراجعت ربي فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربك فذكر مثله فوضع شطرها) أي جزءًا منها. وفي رواية ثابت أن التخفيف كان خمسًا خمسًا وحمل باقي الروايات عليها متعين على ما لا يخفى (فرجعت إلى موسى فأخبرته) سقط لابن عساكر لفظ

6 - باب قول الله تعالى: {وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله} [هود: 50] وقوله: {إذ أنذر قومه بالأحقاف} -إلى قوله- {كذلك نجزي القوم المجرمين} [الأحقاف: 21] فيه عن عطاء وسليمان عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. وقول الله عز وجل: {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر} [الحاقة: 6] شديدة: {عاتية}. قال ابن عيينة: عتت على الخزان: {سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما} متتابعة {فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية}: أصولها. {فهل ترى لهم من باقية}: بقية

فأخبرته (فقال) موسى: (راجع ربك) ولابن عساكر فقال ذلك أي راجع ربك ففعلت أي فرجعت فراجعت ربي فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فأخبرته بذلك فقال: راجع ربك (فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجعت ربي، فقال) جل وعلا: (هي خمس) بحسب الفعل (وهي خمسون) بحسب الثواب {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] (لا يبدل القول لدي) يحتمل أن يراد أني ساويت بين الخمس والخمسين في الثواب، وهذا القول غير مبدل أو جعلت الخمسين خمسًا ولا تبديل فيه، وإنما وقعت المراجعة للعلم بأن ذلك غير واجب قطعًا لأن ما كان واجبًا قطعًا لا يقبل التخفيف أو الفرض خمسين. ثم نسخها بخمس رحمة لهذه الأمة المحمدية. واستشكل بأنه نسخ قبل البلاغ. وأجيب: بأنه نسخ بعده بالنسبة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربك. فقلت: قد استحييت من ربي) أن أراجعه بعد قوله تعالى: لا يبدل القول لدي (ثم انطلق) جبريل (حتى أتى السدرة المنتهى) وفي نسخة إلى السدرة المنتهى، ولابن عساكر: حتى أتى بي سدرة المنتهى، ولأبي ذر: بي السدرة المنتهى وهي في أعلى السماوات وسميت بالمنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد إلا نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فغشيها ألوان لا أدري ما هي) هو كقوله تعالى: {إذ يغشى السدرة ما يغشى} [النجم: 16] فالإبهام للتفخيم والتهويل وإن كان معلومًا (ثم أدخلت) ولأبي ذر: ثم أدخلت الجنة (فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ) بفتح الجيم والنون بعدها ألف فموحدة مكسورة فذال معجمة جمع جنبذة وهي القبة (وإذا ترابها المسك). رائحة. واستنبط من هذا الحديث فوائد كثيرة يأتي إن شاء الله تعالى في سورة هود الإِلمام بشيء منها في بابه بعون الله تعالى، وقد مرّ الحديث أوّل الصلاة. 6 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} [هود: 50] وَقَوْلِهِ: {إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ} -إِلَى قَوْلِهِ- {كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [الأحقاف: 21] فِيهِ عَنْ عَطَاءٍ وَسُلَيْمَانَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ} [الحاقة: 6] شَدِيدَةٍ: {عَاتِيَةٍ}. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَتَتْ عَلَى الْخُزَّانِ: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} مُتَتَابِعَةً {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}: أُصُولُهَا. {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ}: بَقِيَّةٍ (باب قول الله تعالى) في سورة هود ({وإلى عاد أخاهم هودًا}) [الأعراف: 65] عطف على قوله: {لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه} [الأعراف: 59] كقولك: ضرب زيد عمرًا وبكر خالدًا وليس هو من باب ما فصل فيه بين حرف العطف والمعطوف بالجار والمجرور نحو ضربت زيدًا وفي السوق عمرًا فيجيء الخلاف المشهور، وقيل بل هو على إضمار فعل أي: وأرسلنا هودًا وهذا أوفق لطول الفصل وهودًا بدل أو عطف بيان لأخيهم، وكان هود أخاهم في النسب لا في الدين لأنه كان من قبيلة عاد وهم قبيلة من العرب بناحية اليمن كما يقال للرجل: يا أخا تميم، والمراد رجل منهم وهو هود بن تارخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ({قال يا قوم اعبدوا الله}) [هود: 50] أي وحدوه وسقط قوله قال يا قوم الخ ... لأبي ذر. (وقوله) بالجر عطفًا على المجرور السابق ({إذ أنذر قومه بالأحقاف}) [الأحقاف: 21] جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشيء إذا اعوج وكان قوم هود يسكنون بين رمال مشرفة على البحر بالشحر من اليمن، وكانوا كثيرًا ما يسكنون الخيام ذوات الأعمدة الضخام كما قال تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد} [الفجر: 6 - 7] وهي عاد الأولى وأما عاد الثانية فمتأخرة وأما عاد الأولى: فمنهم {عاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد} [الفجر: 6 - 7 - 8] أي مثل قبيلته، وقيل مثل العمد، ومن زعم أن إرم مدينة تدور في الأرض فقد أبعد النجعة وقال ما لا دليل عليه ولا برهان يعول عليه (إلى قوله: {كذلك نجزي القوم المجرمين}) [الأحقاف: 25] تخويف لكفار مكة أي ما سبق من قصتهم حكمنا فيمن كذب رسلنا وخالف أمرنا. (فيه) أي في هذا الباب (عن عطاء) هو ابن أبي رباح فيما وصله المؤلّف في باب ما جاء في قوله تعالى: {هو الذي أرسل الرياح} [الفرقان: 48] (و) عن (سليمان) بن يسار فيما وصله أيضًا في سورة الأحقاف كلاهما (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولفظ الأولى كان إذا رأى مخيلة أقبل وأدبر وفي آخره ولا أدري لعله كما قال قوم: {فلما رأوه عارضًا مستقبل أوديتهم} [الأحقاف: 24] الآية. وفي الثانية قالت: ما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضاحكًا حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم قالت: وكان إذا رأى غيمًا أو ريحًا عرف في وجهه؛ الحديث. (وقول الله عز وجل) بالجر عطفًا على السابق ولغير أبي ذر وابن عساكر باب قول الله

عز وجل: ({وأما عاد}) عطف على قوله تعالى: {فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية) وأما عاد ({فأهلكوا بريح صرصر} شديدة) أي شديدة الصوت في الهبوب لها صرصرة وقيل باردة ({عاتية} قال ابن عيينة) في تفسيره (عتت على الخزان) وما خرج منها إلا مقدار الخاتم وعند ابن أبي حاتم عن علي -رضي الله عنه- قال لم ينزل الله شيئًا من الريح إلا بوزن على يد ملك إلا يوم عاد فإنه أذن أذن لها دون الخزان فعتت على الخزان أو المراد عتت على عاد فلم يقدروا على ردها عنهم بقوّة ولا حيلة ({سخرها}) سلطها ({عليهم سبع ليال وثمانية أيام}) قيل كان أوّلها الجمعة وقيل من صبيحة الأربعاء إلى غروب الأربعاء الآخر وقال وهب: العرب تسميها أيام العجوز لإتيانها في عجز الشتاء وهي ذات برد ورياح شديدة ({حسومًا}) أي (متتابعة) دائمة ليس لها فتور ولا انقطاع من حسمت الدابة إذا تابعت بين كيّها أو محسمات حسمت كل خير واستأصلته أو قاطعات قطعت دابرهم ({فترى القوم}) إن كنت حاضرهم ({فيها}) في تلك الأيام والليالي أو في الليالي أو في مهابها ({صرعى}) موتى جمع صريع ({كأنهم أعجاز نخل خاوية}) أي (أصولها) وخاوية أي متأكلة أجوافها شبههم بجذوع نخل خالية الأجواف ليس لها رؤوس وقيل إن الريح أخرجت ما في بطونهم وكانت تحمل الرجل فترفعه في الهواء ثم تلقيه فتشدخ رأسه فيصير جثة بلا رأس ({فهل ترى لهم من باقية}) [الحاقة: 6 - 7 - 8] أي من (بقية). أو من نفس باقية قيل إنهم لما أصبحوا موتى في اليوم الثامن كما وصفهم الله تعالى حملتهم الريح فألقتهم في البحر فلم يبق منهم أحد. 3343 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن عرعرة) بن البرند بكسر الموحدة والراء وسكون النون ابن النعمان الناجي السامي بالسين المهملة القرشي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بضم العين مصغرًا (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (نصرت) يوم الأحزاب (بالصبا) بفتح الصاد المهملة والموحدة مقصورًا أرسلها الله تعالى على الأحزاب لما حاصروا المدينة فسفت التراب في وجوههم وقلعت خيامهم فانهزموا من غير قتال، وعن عكرمة: قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب انطلقي ننصر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت الشمال: إن الحرّة لا تسري فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا رواه ابن جرير. (وأهلكت عاد) قوم هود عليه الصلاة والسلام (بالدبور) بفتح الدال الريح التي تجيء من قبل وجهك إذا استقبلت القبلة فهي تأتي من دبرها. وروى ابن أبي حاتم عن مجاهد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا فيها إلا مثل موضع الخاتم فمرّت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم بين السماء والأرض"، فلما رأى أهل الحاضرة من عاد الريح وما فيها قالوا هذا عارض ممطرنا فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة فهلكوا جميعًا، وروي أن هودًا عليه الصلاة والسلام لما أحس بالريح خطّ على نفسه وعلى المؤمنين خطًا إلى جنب عين تنبع وكانت الريح التي تصيبهم ريحًا طيبة هادئة والريح التي تصيب قوم عاد ترفعهم من الأرض وتطير بهم إلى السماء وتضربهم على الأرض وأثر المعجزة إنما ظهر في تلك الريح من هذا الوجه. 3344 - قَالَ: وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَعَثَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذُهَيْبَةٍ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَرْبَعَةِ، الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ ثُمَّ الْمُجَاشِعِيِّ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ، وَزَيْدٍ الطَّائِيِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ الْعَامِرِيِّ أَحَدِ بَنِي كِلاَبٍ، فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ قَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا. قَالَ: إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ. فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ نَاتِئُ الْجَبِينِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُ؟ أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَلاَ تَأْمَنُونِي؟ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ -أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ- فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا -أَوْ فِي عَقِبِ هَذَا- قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ". [الحديث 3344 - أطرافه في: 3610، 4351، 4667، 5058، 6163، 6931، 6933، 7432، 5762]. (قال) أي المؤلّف ولغير أبي ذر وقال (وقال ابن كثير) العبدي البصري، ووصله في تفسير براءة فقال: حدّثنا محمد بن كثير (عن سفيان) الثوري (عن أبيه) سعيد بن مسروق الثوري الكوفي (عن أبي نعم) بضم النون وسكون العين المهملة عبد الرَّحمن البجلي الكوفي العابد (عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: بعث علي) -رضي الله عنه- أي من اليمن كما عند النسائي (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذهيبة) بضم الذال مصغرًا على معنى القطعة من الذهب أو باعتبار الطائفة ورجح لأنها كانت تبرًا (فقسمها) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بين الأربعة)

ولأبي ذر وابن عساكر: بين أربعة، ولمسلم: بين أربعة نفر (الأقرع بن حابس) بالحاء المهملة والموحدة المكسورة والسين المهملة (الحنظلي) بالحاء المهملة والظاء المعجمة المفتوحتين بينهما نون ساكنة نسبة إلى حنظلة بن مالك بن زيد مناة (ثم المجاشعي) نسبة إلى مجاشع بن دارم أحد المؤلّفة قلوبهم (وعيينة بن بدر الفزاري) بالفاء والزاء المخففة وبعد الألف راء نسبة إلى فزارة (وزيد الطائي) وكان في الجاهلية يدعى بزيد الخيل باللام فسماه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زيد الخير بالراء (ثم أحد بني نبهان) بفتح النون وسكون الموحدة (وعلقمة بن علاثة) بضم العين المهملة وتخفيف اللام وبعد الألف مثلثة ابن عوف الأحوص بن حفص بن كلاب بن ربيعة (العامري) نسبة إلى عامر بن صعصعة بن معاوية (ثم أحد بني كلاب) بكسر الكاف وتخفيف اللام ابن ربيعة (فغضبت قريش والأنصار) سقط والأنصار من رواية مسلم (قالوا: يعطي) رسول الله عليه الصلاة والسلام (صناديد أهل نجد) أي رؤساءهم الواحد صنديد بكسر الصاد (ويدعنا) أي يتركنا (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنما أتألفهم) بالإعطاء ليثبتوا على الإسلام رغبة فيما يصل إليهم من المال (فأقبل رجل) من بني تميم يقال له ذو الخويصرة واسمه حرقوص بن زهير (غائر العينين) أي داخلهما يقال غارت عيناه إذا دخلتا وهو ضدّ الجاحظ (مشرف الوجنتين) بالشين المعجمة والفاء غليظهما (ناتئ الجبين) بالهمز في رواية أبي ذر مرتفعه. قال النووي: الجبين جانب الجبهة ولكل إنسان جبينان يكتنفان الجبهة (كثّ اللحية) بفتح الكاف وبالثاء المثلثة المشددة كثير شعرها (محلوق) رأسه مخالف لما كانوا عليه من تربية شعر الرأس وفرقه (فقال: اتق الله يا محمد. فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من يطع الله) مجزوم حرك بالكسر لالتقاء الساكنين، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من يطيع الله بإثبات التحتية بعد الطاء والرفع مصححًا عليه في الفرع كأصله (إذا عصيت) أي إذا عصيته فحذف ضمير النصب (أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنوني) ولأبي ذر: ولا بالواو بدل الفاء تأمنونني بنونين (فسأله) عليه الصلاة والسلام (رجل قتله أحسبه خالد بن الوليد) وجاء أنه عمر بن الخطاب ولا تنافي بينهما لاحتمال أن يكونا سألاً معًا (فمنعه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قتله تأليفًا لغيره (فلما ولى) الرجل (قال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إن من ضئضيء) بضادين معجمتين مكسورتين بينهما همزة ساكنة آخره همزة ثانية أي من نسل (هذا) وعقبه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من صئصيء بصادين مهملتين وهما بمعنى (-أو في عقب هذا- قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم) جمع حنجرة وهي رأس الغلصمة والغلصمة منتهى الحلقوم والحلقوم مجرى الطعام والشراب أي لا يرفع في الأعمال الصالحة (يمرقون) يخرجون (من الدين) الطاعة (مروق السهم) خروجه إذا نفذ من الجهة الأخرى (من الرمية) بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتية الصيد المرمي وهذا نعت الخوارج الذين لا يدينون للأئمة ويخرجون عليهم (يقتلون أهل الإسلام ويدعون) بفتح الدال يتركون (أهل الأوثان) بالمثلثة جمع وثن كل ما له جثة متخذ من نحو: الحجارة والخشب كصورة الآدمي يعبد. والصنم الصورة بدون جثة أو لا فرق بينهما (لئن أنا أدركتهم) أي الموصوفين بما ذكر (لأقتلنهم قتل عاد) أي لأستأصلنهم بحيث لا أبقي منهم أحدًا كاستئصال عاد، وليس المراد أنه يقتلهم بالآلة التي قتلت بها عاد بعينها فالتشبيه لا عموم له. وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى، وقد أورد صاحب الكواكب سؤالاً وهو فإن قيل: أليس قال لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم فكيف لم يدع خالدًا أن يقتله وقد أدركه؟ وأجاب: بأنه إنما أراد به إدراك زمان خروجهم إذا كثروا واعترضوا الناس بالسيف ولم تكن هذه المعاني مجتمعة إذ ذاك فيوجد الشرط الذي علق به الحكم، وإنما أنذر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه سيكون ذلك في الزمان المستقبل وقد كان كما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

7 - باب قصة يأجوج ومأجوج

وَسَلَّمَ- فأوّل ما نجم هو في أيام علي -رضي الله عنه-. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير مختصرًا وفي التوحيد بتمامه وفي المغازي ومسلم في الزكاة وأبو داود في السُّنّة والنسائي في الزكاة والتفسير والمحاربة. 3345 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} ". وبه قال: (حدّثنا خالد بن يزيد) أبو الهيثم المقري الكاهلي الكوفي المتوفى سنة بضع عشرة ومائتين قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس أبو يوسف الكوفي (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة (عن الأسود) بن يزيد النخعي أنه (قال: سمعت عبد الله) يعني ابن مسعود -رضي الله عنه- (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ) قوله تعالى: ({فهل من مدكر}) [القمر: 15]. بالدال المهملة المشددة أي: فهل من معتبر بما في هذا القرآن الذي يسر الله تعالى حفظه ومعناه. وقال مطر الوراق فيما علقه المؤلّف بصيغة الجزم: {فهل من مدكر} هل من طالب علم فيعان عليه. وسبق هذا الحديث في باب قوله تعالى: {إنّا أرسلنا نوحًا} [نوح: 1]. ويأتي إن شاء الله تعالى في التفسير. 7 - باب قِصَّةِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ} [الكهف: 94] وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} - إِلَى قَوْلِهِ - {سَبَبًا} [الكهف: 83] {سَبَبًا}: طَرِيقًا. إِلَى قَوْلِهِ: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} وَاحِدُهَا زُبْرَةٌ وَهْيَ الْقِطَعُ. {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ}: يُقَالُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْجَبَلَيْنِ. وَ {السُّدَّيْنِ}: الْجَبَلَيْنِ. {خَرْجًا}: أَجْرًا. {قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا}: أَصْبُبْ عَلَيْهِ رَصَاصًا، وَيُقَالُ الْحَدِيدُ. وَيُقَالُ الصُّفْرُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النُّحَاسُ. {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ}: يَعْلُوهُ، اسْطَاعَ: اسْتَفْعَلَ مِنْ طُعْتُ لَهُ، فَلِذَلِكَ فُتِحَ أَسْطَاعَ يَسْطِيعُ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: اسْتَطَاعَ يَسْتَطِيعُ. {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ}: أَلْزَقَهُ بِالأَرْضِ. وَنَاقَةٌ دَكَّاءُ: لاَ سَنَامَ لَهَا، وَالدَّكْدَاكُ مِنَ الأَرْضِ مِثْلُهُ حَتَّى صَلُبَ مِنَ الأَرْضِ وَتَلَبَّدَ. {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} قَالَ قَتَادَةُ: حَدَبٍ أَكَمَةٍ. "قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: رَأَيْتُ السَّدَّ مِثْلَ الْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ. قَالَ: «قَدْ رَأَيْتَهُ». (باب قصة يأجوج ومأجوج). قال في الأنوار: قبيلتان من ولد يافث بن نوح عليه السلام وقيل يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل، وعن قتادة فيما ذكره محيي السنة أن يأجوج ومأجوج اثنتان وعشرون قبيلة بنى ذو القرنين السد على إحدى وعشرين قبيلة وبقيت واحدة فهم الترك سموا بالترك لأنهم تركوا خارج السد. وعن حذيفة مرفوعًا: إن يأجوج أمة ومأجوج أمة كل أمة أربعمائة ألف لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح. قال: وهم ثلاثة أصناف: صنف منهم مثل الأرز شجر بالشام طوله عشرون ومائة ذراع في السماء، وصنف منهم طوله وعرضه سواء عشرون ومائة ذراع وهؤلاء لا يقوم لهم جبل ولا حديد، وصنف منهم يفترش إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه، ومن مات منهم أكلوه مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية. وعن علي -رضي الله عنه- منهم من طوله شبر ومنهم المفرط في الطول. وفي كتاب الأمم لابن عبد البر: أن مقدار الربع العامر من الدنيا مائة وعشرون سنة وأن تسعين منها ليأجوج ومأجوج وهم أربعون أمة مختلفو الخلق والقدود في كل أمة ملك ولغة، ومنهم من لا يتكلم إلا همهمة. وذكر الباجي عن عبد الرَّحمن بن ثابت أن الأرض خمسمائة عام منها ثلاثمائة بحور ومائة وتسعون ليأجوج ومأجوج وسبع للحبشة وثلاث لسائر الناس كذا رأيته والعهدة فيه على ناقله، وقد قال الحافظ ابن كثير ذكر ابن جرير هنا عن وهب بن منبه أثرًا فيه ذكر ذي القرنين ويأجوج ومأجوج فيه طول وغرابة ونكارة في أشكالهم وصفاتهم وطولهم وقصر بعضهم وآذانهم، وكذا روى ابن أبي حاتم في ذلك أحاديث لا تصح أسانيدها، وقد قال كعب فيما ذكره محيي السنّة: إن آدم عليه السلام احتلم ذات يوم فامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم يتصلون بنا من جهة الأب دون الأم، وحكاه النووي في شرح مسلم. قال ابن كثير: وهذا القول غريب جدًّا ثم لا دليل عليه لا من عقل ولا من نقل ولا يجوز الاعتماد هاهنا على ما يحكيه بعض أهل الكتاب لما عندهم من الأحاديث المفتعلة والله أعلم. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على المجرور السابق ({قالوا يا ذا القرنين}) وفي مصحف ابن مسعود قال الذين من دونهم يا ذا القرنين ({إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض}) [الكهف: 86]. أي في أرضنا بالقتل والتخريب وإتلاف الزرع وسقط قوله قصة الخ .. (وقول الله) ولابن عساكر باب قول الله (تعالى: {ويسألونك}) يا محمد كفار مكة ({عن}) خبر ({ذي القرنين}) روى ابن جرير والأموي في مغازيه بسند ضعيف من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أنه كان شابًّا من الروم وأنه بنى الإسكندرية وأنه علا به ملك في السماء وذهب به إلى السد ورأى أقوامًا مثل وجوه الكلاب. قال ابن كثير: وهو خبر إسرائيلي وفيه من النكارة أنه من الروم وإنما الذي كان من الروم الإسكندر

الثاني، وأما الإسكندر الأول فقد طاف بالبيت مع الخليل صلوات الله عليه وسلامه أول ما بناه وآمن به واتبعه كما ذكره الأزرقي وكان وزيره الخضر، وأما الثاني فهو الإسكندر اليوناني وزيره أرسطاطاليس الفيلسوف وكان قبل المسيح بنحو ثلاثمائة سنة وسمي ذا القرنين لأنه ملك المشرق والمغرب، أو لأنه طاف قرني الدنيا شرقها وغربها، أو لأنه انقرض في أيامه قرنان من الناس، أو لأنه كان له قرنان أي ضفيرتان أو كان لتاجه قرنان، أو لأنه كان في رأسه شبه القرنين، أو لقب بذلك لشجاعته كما يقال الكبش للشجاع كأنه ينطح أقرانه. وعن علي أنه كان عبدًا ناصح الله فناصحه دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات فأحياه الله فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات فأحياه الله فسموه ذا القرنين، واختلف في نبوته مع الاتفاق على إيمانه وصلاحه {قل سأتلو عليكم منه} أي من أخباره {ذكرًا * إنّا مكنّا له في الأرض} أي مكنّا له أمره في التصرف فيها كيف شاء فحذف المفعول {وآتيناه من كل شيء} طلبه وتوجه إليه ({سببًا}) وصلة توصله إليه من العلم والقدرة. وقال عبد الرَّحمن بن زيد أي تعليم الألسنة كان لا يغزو قومًا إلا كلمهم بلسانهم، وقيل علمًا بالطرق والمسالك فسخرنا له أقطار الأرض كما سخرنا الريح لسليمان عليه السلام، وقول كعب الأحبار مستدلاً بهذه الآية إن ذا القرنين كان يربط حبله بالثريا أنكره عليه معاوية بن أبي سفيان وهو إنكار صحيح لا سبيل للبشر إلى شيء من ذلك ولا إلى الرقي في أسباب السماوات قاله ابن كثير {فأتبع سببًا} [الكهف: 83 - 85]. أي (طريقًا إلى قوله: {ائتوني}) بسكون الهمزة وهي قراءة أبي بكر عن عاصم ({زبر الحديد} واحدها زبرة) بضم الزاي وسكون الموحدة (وهي القطع) بكسر القاف وفتح الطاء ويقال كل قطعة زنة قنطار بالدمشقي أو تزيد عليه، وفي رواية أبي ذر بعد قوله: ({ويسألونك عن ذي القرنين} إلى قوله: {سببًا} طريقًا إلى قوله: {ائتوني زبر الحديد} واحدها زبرة. ولابن عساكر بعد قوله: {ذكرًا} إلى قوله: ({آتوني زبر الحديد * حتى إذا ساوى بين الصدفين}) بفتح الصاد والدال ولغير أبي ذر الصدفين بضمهما وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وهي لغة قريش ولأبي بكر ضم الصاد وإسكان الدال. (يقال عن ابن عباس) مما وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة في قوله تعالى: {بين الصدفين} قال: أي بين (الجبلين) وقيل الصدفان ناحيتا الجبلين، وقال أبو عبيدة: الصدف كل بناء عظيم مرتفع (والسدين): بضم السين ولأبي ذر السدين بفتحها وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحفص لغتان (الجبلين) سد ذو القرنين بينهما بسد وهما جبلا أرمينية وأذربيجان وقيل جبلان بأواخر الشمال في منقطع أرض الترك منفيان من ورائهما يأجوج ومأجوج، والمعنى أنه وضع بعضه على بعض من الأساس حتى حاذى به رؤوس الجبلين طولاً وعرضًا (خرجًا) أي (أجرًا) عظيمًا نخرجه من أموالنا {قال} للعملة: ({انفخوا}) في الأكوار والحديد ({حتى إذا جعله}) أي المنفوخ فيه ({نارًا}) كالنار بالإحماء ({قال آتوني أفرغ عليه قطرًا}) أي (أصبب عليه رصاصًا}) بفتح الراء وتكسر ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر أصب بموحدة مشددة ولأبي ذر: أصب عليه قطرًا (ويقال الحديد) أي المذاب (ويقال الصفر) بالضم رواه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك وهو النحاس. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح إلى عكرمة عنه: (النحاس) ورواه من طريق السدي أيضًا قال: القطر النحاس وبناه لهم بالحديد والنحاس، ومن طريق وهب بن منبه قال: شرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب وجعل خلاله عرقًا من نحاس أصفر فصار كأنه برد محبر من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد، وحكى الحافظ ابن كثير: أن الخليفة الواثق بعث في دولته بعض أمرائه في جيش لينظروا إلى السد وينعتوه له إذا رجعوا فرأوا بناءه من الحديد والنحاس ورأوا فيه بابًا عظيمًا عليه أقفال عظيمة وبقية اللبن والعمد في برج هناك وذكروا أن عنده حرسًا من الملوك المتاخمة له وأنه عال منيف شاهق.

({فما اسطاعوا}) بحذف التاء حذرًا من تلاقي متقاربين ({أن يظهروه}) أي أن (يعلوه) بالصعود لارتفاعه وانملاسه واسطاعوا جمع مفرده (استطاع) بالتاء قبل الطاء، ولأبي ذر: اسطاع بحذفها أصله (استفعل من اطعت له) بهمزة مفتوحة وفتح الطاء، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: من طعت بإسقاط الهمزة وضم الطاء وسكون العين. قال العيني: لأنه مر فعل يفعل كنصر ينصر ولكنه أجوف واوي لأنه من الطوع يقال طاع له وطعت له كقال له وقلت له ولما نقل طاع إلى باب الاستفعال صار استطاع على وزن استفعل ثم حذفت التاء للتخفيف بعد نقل حركتها إلى الهمزة فصار أسطاع بفتح الهمزة وسكون السين وأشار إلى هذه بقوله: (فلذلك فتح اسطاع) أي فلأجل حذف التاء ونقل حركتها إلى الهمزة قيل اسطاع (يسطيع) بفتح الهمزة في الماضي وفتح الياء في المستقبل، (و) لكن (قال بعضهم: استطاع يستطيع) بالمثناة الفوقية فيهما وفتح حرف المضارعة في الثاني في الفرع وغيره مما رأيته من الأصول. وقال العيني كابن حجر كالكرماني بضمه فمن فتح فمن الثلاثي ومن ضم فمن الرباعي. ({وما استطاعوا له نقبًا}) لثخنه وصلابته. وظاهر هذا أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه لأحكام بنائه وصلابته وشدته، ولا يعارضه حديث أبي هريرة عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المروي عند أحمد: أن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا فيعودون إليه فيجدونه كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا إن شاء الله ويستثني فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس الحديث. ورواه ابن ماجه والترمذي وقال غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قال ابن كثير: وإسناده جيد قوي ولكن متنه في رفعه نكارة لمخالفته الآية. ورواه كعب بنحوه، ولعل أبا هريرة تلقاه من فإنه كثيرًا ما كان يجالسه فحدث به أبو هريرة فتوهم بعض الرواة أنه مرفوع فرفعه. ({قال هذا}) السد والاقدار ({رحمة من ربي}) على عباده ({فإذا جاء وعد ربي}) وقت وعده بخروج يأجوج ومأجوج ({جعله}) أي السد ({دكاء}) أي (ألزقه بالأرض) بالزاي (و) كذلك يقال (ناقة دكاء) بالمد أي (لا سنام لها) مستوية الظهر (والدكداك من الأرض مثله) أي الملزق المستوى بها (حتى صلب من الأرض وتلبد) ولم يرتفع وسقط لأبي ذر وابن عساكر: من الأرض ({وكان وعد ربي حقًّا}) أي كائنًا لا محالة وهذا آخر حكاية قول ذي القرنين ({وتركنا بعضهم يومئذٍ}) أي بعض يأجوج ومأجوج حين يخرجون من وراء السد ({يموج في بعض}) مزدحمين في البلاد أو يموج بعض الخلق في بعض فيضطربون ويختلطون إنسهم وجنهم حيارى (حتى إذا فتحت) ولابن عساكر: باب حتى إذا فتحت ({يأجوج ومأجوج}) [الكهف: 96 - 98]. قال في الكشاف: حتى متعلقة بحرام يعني في قوله وحرام على قرية وهي غاية له لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم الساعة وهي حتى التي يحكى بعدها الكلام والكلام المحكى هو الجملة من الشرط والجزاء أعني إذا وما في حيزها وقال الحوفي: هي غاية والعامل فيها ما دل عليه المعنى من تأسفهم على ما فرطوا فيه من الطاعة حين فاتهم الاستدراك. وقال ابن عطية: "حتى" متعلقة بقوله وتقطعوا، ويحتمل على بعض التأويلات المتقدمة أن تتعلق بيرجعون، ويحتمل أن تكون حرف ابتداء وهو الأظهر بسبب إذا لأنها تقتضي جوابًا هو المقصود ذكره قال أبو حيان وكون حتى متعلقة بتقطعوا فيه بعد من حيث كثرة الفصل لكنه من حيث المعنى جيد وهو أنهم لا يزالون مختلفين على دين الحق إلى قرب مجيء الساعة فإذا جاءت الساعة انقطع ذلك كله وتلخص في تعلق "حتى" أوجه: أحدها: أنها متعلقة بحرام. الثاني: أنها متعلقة بمحذوف دل عليه المعنى وهو

قول الحوفي. الثالث: أنها متعلقة بتقطعوا. الرابع: أنها متعلقة بيرجعون وتلخص في حتى وجهان: أحدهما: أنها حرف ابتداء وهو قول الزمخشري وابن عطية فيما اختاره، والثاني: أنها حرف جر بمعنى إلى وفي جواب إذا أوجه: أحدها: أنه محذوف فقدره أبو إسحاق قالوا يا ويلنا وقدره غيره فحينئذ يبعثون. وقوله: {فإذا هي شاخصة} (الأنبياء: 97]. عطف على هذا المقدر. والثاني أن جوابها الفاء في قوله: فإذا هي قاله الحوفي والزمخشري وابن عطية. وقوله: يأجوج ومأجوج هو على حذف مضاف أي سد يأجوج ومأجوج ({وهم}) يعني يأجوج ومأجوج أو الناس كلهم ({من كل حدب}) نشر من الأرض سمي به القبر لظهوره على وجه الأرض ({ينسلون}) [الأنبياء: 96]. يسرعون. (قال قتادة) فيما ذكره عبد الرَّحمن في تفسيره (حدب) أي (أكمة) ولأبي ذر: حدب أكمة برفعهما (قال) ولأبي ذر وقال (رجل) صحابي لم يسم (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: رأيت السد) بفتح السين. ولأبي ذر بضمها (مثل البرد المحبر) بضم الميم وفتح الحاء المهملة والموحدة المشددة طريقة حمراء وطريقة سوداء (قال) عليه الصلاة والسلام: قد (رأيته) وصله ابن أبي عمر. 3346 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ زَيْنَبَ بْنتِ جَحْشٍ - رضي الله عنهن -: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ -وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا- قَالَتْ زَيْنَبُ بْنتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ". [الحديث 3346 - أطرافه في: 3598، 7059، 7135]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (أن زينب ابنة) ولأبي ذر: بنت (أبي سلمة) المخزومي ربيبة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حدثته عن أم حبيبة) رملة (بنت أبي سفيان) صخر بن حرب زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن زينب ابنة) ولأبي ذر: بنت (جحش) زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رضي الله عنهن أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عليها) الضمير لزينب حال كونه (فزعًا) بكسر الزاي خائفًا (يقول): (لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب) قيل: خص العرب بالذكر إشارة إلى ما وقع من قتل عثمان منهم أو أراد ما يقع من مفسدة يأجوج ومأجوج أو من الترك من المفاسد العظيمة في بلاد الإسلام (فتح اليوم) نصب على الظرفية (من ردم يأجوج ومأجوج) أي من سدهما (مثل هذه وحلق) بتشديد اللام وبالقاف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بإصبعه) بالإفراد، ولأبي ذر وابن عساكر: بإصبعيه (الإبهام والتي تليها) وللمؤلّف في الفتن من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري وعقد سفيان تسعين أو مائة، ولمسلم من حديث أبي هريرة من طريق وهيب وعقد وهيب بيده تسعين فاختلف في العاقد. وأجاب ابن العربي: بأن العقد مدرج ليس من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنما الرواة عبروا عن الإشارة في قوله مثل هذه بذلك (قالت) ولأبي ذر فقالت (زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (جحش فقلت يا رسول الله أنهلك) بكسر اللام في اليونينية (وفينا الصالحون؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (نعم إذا كثر الخبث) بفتح الخاء المعجمة والموحدة وبالمثلثة الفسوق والفجور أو الزنا خاصة أو أولاده. قال في الكواكب: والظاهر أنه المعاصي مطلقًا. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفتن، وأخرجه مسلم أيضًا واتفقا على إخراجه من طريق الزهري، لكن رواه مسلم عن زينب بنت أبي سلمة عن حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان عن أمها أم حبيبة والبخاري أسقط حبيبة، وفي الإسناد على هذا من الغرائب نادرة عزيزة الوقوع من ذلك رواية الزهري عن عروة وهما تابعيان واجتماع أربع نسوة في سنده كلهن يروي بعضهن عن بعض ثم كل منهن صحابية ثم اثنتان ربيبتان واثنتان زوجتان -رضي الله عنهن-. 3347 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَتَحَ اللَّهُ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلَ هَذهِ، وَعَقَدَ بِيَدِهِ تِسْعِينَ». [الحديث 3347 - طرفه في: 7136]. وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد بن عجلان البصري قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله ولابن عساكر عن ابن طاوس (عن أبيه) طاوس (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (فتح الله من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد بيده تسعين) والمراد بالتمثيل التقريب لا حقيقة التحديد، وقد سبق أنهم يحفرون كل يوم حتى لا يبقى بينهم وبين أن يخرقوه إلا يسير

فيقولن غدًا نأتي فنفرغ منه فيأتون إليه فيجدونه عاد لهيئته، فإذا جاء الوعد قالوا عند المساء غدًا إن شاء الله تعالى فإذا أتوا نقبوه وخرجوا. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفتن وكذا مسلم. 3348 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ. فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ. قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ. فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟ قَالَ: أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلاً وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفٌ. ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَكَبَّرْنَا فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَكَبَّرْنَا. فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَكَبَّرْنَا فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلاَّ كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ, أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ». [الحديث 3348 - أطرافه في: 4741، 6530، 7483]. وبه قال: (حدثني) - بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن نصر) نسبه لجده واسم أبيه إبراهيم المروزي وقيل البخاري قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن الأعمش) سليمان بن مهران أنه قال: (حدّثنا أبو صالح) ذكوان الزيات (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يقول الله تعالى) زاد في سورة الحج يوم القيامة (يا آدم فيقول) ولأبي ذر عن الكشميهني قال (لبيك) أي إجابة لك بعد إجابة ولزومًا لطاعتك فهو من المصادر المثناة لفظًا ومعناها التكرير بلا حصر ومثله (وسعديك) أي أسعدني إسعادًا بعد إسعاد (والخير في يديك فيقول) الله تعالى له (أخرج) بفتح الهمزة وكسر الراء من الناس (بعث النار) أي مبعوثها وهم أهلها (قال) يا رب (وما بعث النار)؟ أي وما مقدار مبعوث النار (قال) تعالى (من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين) نصب قال العيني: على التمييز ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف (فعنده) أي عند قوله تعالى آدم أخرج بعث النار (يشيب الصغير) من شدة الهول لو تصور وجوده لأن الهم يضعف القوي ويسرع بالشيب، أو هو محمول على الحقيقة لأن كل أحد يبعث على ما مات عليه فيبعث الطفل طفلاً فإذا وقع ذلك يشيب الطفل من شدة الهول (وتضع كل ذات حمل حملها) لو فرض وجودها أو أن من ماتت حاملاً بعثت حاملاً فتضع حملها من الفزع (وترى الناس سكارى) من الخوف (وما هم بسكارى) من الشراب، أو المعنى كأنهم سكارى من شدة الأمر الذي أدهش عقولهم وما هم بسكارى على الحقيقة كذا قرره، قال في فتوح الغيب: وهو يؤذن بأن قوله تعالى: {وما هم بسكارى} [الحج: 2]. بيان لإرادة معنى السكر من قوله {وترى الناس سكارى} فإنه إما أن يراد به التشبيه كما يقال وترى الناس كالسكارى، وشبهوا بالسكارى بسبب ما غشيهم من الخوف فبقوا مسلوبي العقول كالسكران، أو أن يراد الاستعارة كأنه قيل ترى الناس خائفين فوضع موضعه سكارى، ولذا بيّن بقوله من الخوف وصرح وما هم بسكارى من الشراب. ومن علامات المجاز صحة سلبه كما إذا قلت للبليد حمار يصح نفيه وكذا هنا نفي السكر الحقيقي بقوله: وما هم بسكارى مؤكدًا بالباء لأن هذا السكر أمر لم يعهد مثله. (ولكن عذاب الله شديد) تعليل لإثبات السكر المجازي لما نفى عنهم السكر الحقيقي وهل هذا الخوف لكل أحد أو لأهل النار خاصة. قال قوم: الفزع أكبر وغيره يختص بأهل النار أما أهل الجنة فيحشرون آمنين قال تعالى: {لا يحزنهم الفزع الأكبر} [الأنبياء: 103]. وقال آخرون: الخوف عام والله يفعل ما يشاء. (قالوا): أي من حضر من الصحابة (يا رسول الله وأينا ذلك الواحد)؟ ولأبي الوقت ذاك بألف بدل اللام (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أبشروا) بقطع الهمزة وكسر المعجمة (فإن منكم رجل) بالرفع مبتدأ مؤخر وفي أن يقدر ضمير الشأن محذوفًا أي فإنه منكم رجل، ولأبي ذر: رجلاً بالنصب وهو ظاهر (ومن يأجوج ومأجوج ألف) بالرفع ولأبي ذر ألفًا بالنصب كما مرّ في رجل ورجلاً. وفي سورة الحج من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم واحد الحديث. والحكم للزائد. (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (و) الله (الذي نفسي بيده إني أرجو أن تكونوا) أي أمته المؤمنون به (ربع أهل الجنة فكبرنا) سرورًا بهذه البشارة العظيمة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبرنا) سرورًا لذلك (فقال) عليه الصلاة والسلام (أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة) ولا يعارض هذا ما في الترمذي وحسنه عن بريدة مرفوعًا: أهل الجنة عشرون ومائة صف ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون منها من سائر الأمم لأنه ليس في حديث الباب الجزم

8 - باب قول الله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} [النساء: 165] وقوله: {إن إبراهيم كان أمة قانتا لله} [النحل: 120]

بأنهم نصف أهل الجنة فقط، وإنما هو رجاء رجاه لأمته ثم أعلمه الله تعالى بعد ذلك أن أمته ثلثًا أهل الجنة (فكبرنا) سرورًا بما أنعم الله به تعالى وتكريرًا لإعطاء ربعًا ثم نصفًا لأنه أوقع في النفس وأبلغ في الإكرام مع الحمل لهم على تجديد الشكر. (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما أنتم في الناس) في المحشر (إلا كالشعرة السوداء) بفتح العين (في جلد ثور أبيض) سقط لابن عساكر لفظ جلد (أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود) وأو للتنويع أو شك من الراوي. وهذا في المحشر كما مرّ. وأما في الجنة فهم نصف الناس هناك أو ثلثاهم كما مرّ. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فإن منكم رجل ومن يأجوج ومأجوج ألف إذ فيه الإِشارة إلى كثرتهم وأن هذه الأمة بالنسبة إليهم نحو عشر العُشر. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير وتأتي بقية مباحثه إن شاء الله تعالى في أواخر الرقاق بعون الله تعالى وقوته. 8 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [النساء: 165] وَقَوْلِهِ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لله} [النحل: 120] وَقَوْلِهِ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114]. وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ الرَّحِيمُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. (باب قول الله تعالى {واتخذ الله إبراهيم خليلا} [النساء: 125]. الخليل مشتق من الخلة بالفتح وهي الحاجة سميت خلة للاختلال الذي يلحق الإنسان فيها وسمي إبراهيم خليلاً لأنه لم يجعل فقره وفاقته إلا إلى الله تعالى في كل حال، وهذا الفقر أشرف غنى بل أشرف فضيلة يكتسبها الإنسان، ولهذا ورد: اللهم أغنني بالافتقار إليك ولا تفقرني بالاستغناء عنك، وقيل من الخلة بالضم وهي المودّة الخالصة أو من التخلل. قال ثعلب: لأن مودته تتخلل القلب وأنشد: قد تخللت مسلك الروح مني ... وبذا سمي الخليل خليلا وقال الزجاج: معنى الخليل الذي ليس في محبته خلل، وسمي إبراهيم خليل الله لأنه أحبه محبة كاملة ليس فيها نقص ولا خلل. وقال القرطبي: الخليل فعيل بمعنى فاعل كالعليم بمعنى عالم، وقيل هو بمعنى المفعول كالحبيب بمعنى المحبوب، وقيل الخليل هو الذي يوافقك في خلالك. قال عليه السلام: تخلقوا بأخلاق الله فلما بلغ إبراهيم في هذا الباب مبلغًا لم يبلغه أحد ممن تقدمه لا جرم خصه الله تعالى بهذا الاسم. وقال الإمام فخر الدين إنما سمي خليلاً لأن محبة الله تخللت في جميع قواه فصار بحيث لا يرى إلا الله ولا يتحرك إلا لله ولا يسكن إلا لله ولا يمشي إلا لله ولا يسمع إلا بالله فكان نور جلال الله قد سرى في جميع قواه الجسمانية وتخلل فيها وغاص في جواهرها ووغل في ماهيتها. وقال في الكشاف: هو مجاز عن اصطفائه واختصاصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله، والخليل المخالّ وهو الذي يخاللك أي يوافقك في خلالك أو يسايرك في طريقك من الخلط وهو الطريق في الرمل اهـ. قال في فتوح الغيب قوله تشبه كرامة الخليل بعد قوله مجاز عن اصطفائه إيذان بأن المجاز من باب الاستعارة التمثيلية، واختلف في السبب الذي من أجله {اتخذ الله إبراهيم خليلاً} [النساء: 125]. فقيل كما ذكره ابن جرير وغيره أنه أصاب الناس أزمة، وكانت الميرة تأتيه من خليل له بمصر فأرسل إبراهيم غلمانه ليمتاروا له منه فقال خليله: لو كان إبراهيم يطلب الميرة لنفسه لفعلت ولكن يريدها للأضياف وقد أصابنا ما أصاب الناس من الأزمة والشدة فرجعوا بغير شيء فاجتازوا ببطحاء لينة فقالوا: لو أنا حملنا من هذه البطحاء ليرى الناس أنا قد جئنا بميرة فإنا نستحي أن نمرّ بهم وإبلنا فارغة فملأوا تلك الغرائر ثم أتوا إبراهيم فلما أعلموه ساءه ذلك فغلبته عيناه فنام وكانت امرأته سارة نائمة فاستيقظت وقد ارتفع النهار فقالت: سبحان الله ما جاء الغلمان؟ قالوا: بلى. فقامت إلى الغرائر فأخرجت منها أحسن حوّاري فاختبزت وأطعمت واستيقظ إبراهيم فاشتم رائحة الخبز فقال: من أين لكم هذا؟ فقالت: من خليلك المصري. فقال: بل من عند خليلي الله فسماه الله تعالى خليلاً، وعلى هذا فإطلاق اسم الخلة على الله على سبيل المشاكلة لأن جوابه عليه السلام بل من عند خليلي الله في مقابلة قولها من خليلك المصري، وقيل لما أراه الله ملكوت السماوات والأرض وحاج قومه في الله ودعاهم إلى توحيده ومنعهم من عبادة النجوم والشمس والقمر والأوثان وبذل نفسه للإلقاء في

النيران وولده للقربان وماله للضيفان اتخذه الله خليلاً. وقيل غير ذلك. وإبراهيم هو ابن آزر واسمه تارح بفوقية وراء مفتوحة آخره حاء مهملة ابن ناحور بنون ومهملة مضمومة ابن شاروخ بمعجمة وراء مضمومة آخره خاء معجمة ابن راغو بغين معجمة ابن فالخ بفاء ولام مفتوحة بعدها خاء معجمة ابن عيبر، ويقال عابر وهو بمهملة وموحدة ابن شالخ بمعجمتين ابن أرفخشد بن سام بن نوح. قال في الفتح: لا يختلف جمهور أهل النسب ولا أهل الكتاب في ذلك إلا في النطق ببعض هذه الأسماء. نعم ساق ابن حبان في أوّل تاريخه خلاف ذلك وهو شاذ اهـ. وقال الثعلبي: كان بين مولد إبراهيم عليه السلام وبين الطوفان ألف سنة ومائتا سنة وثلاث وستون سنة وذلك بعد خلق آدم عليه السلام بثلاثة آلاف سنة وثلاثمائة وسبع وثلاثين سنة. وقال ابن هشام: لم يكن بين نوح وإبراهيم عليهم السلام إلا هود وصالح، وكان بين إبراهيم وهود ستمائة سنة وثلاثون سنة، وبين نوح وإبراهيم ألف سنة ومائة وثلاث وأربعون سنة. (وقوله) بالجر عطفًا على المجرور السابق بالإضافة ({إن إبراهيم كان أمة}) جامعًا للخصال المحمودة. قال ابن هانئ: ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد أي: إن الله تعالى قادر على أن يجمع في واحد ما في الناس من معاني الفضل والكمال، وقيل فعلة تدل على المبالغة. وقال مجاهد: كان مؤمنًا وحده والناس كلهم كانوا كفارًا فلذا كان وحده أمة ({قانتًا لله}) [النحل: 125]. مطيعًا له وثبتت لفظة لله لأبي ذر. (وقوله) بالجر أيضًا على العطف ({إن إبراهيم لأوّاه حليم}) [هود: 75]. (وقال) بالواو ولأبي ذر قال (أبو ميسرة) ضد الميمنة عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي فيما وصله وكيع في تفسيره الأواه (الرحيم بلسان الحبشة). ورواه ابن أبي حاتم من طريق ابن مسعود بإسناد حسن قال: الأوّاه الرحيم ولم يقل بلسان الحبشة، ومن طريق عبد الله بن شدّاد أحد كبار التابعين قال: قال رجل يا رسول الله ما الأوّاه؟ قال: "الخاشع المتضرّع في الدعاء" ومن طريق ابن عباس قال: الأواه الموقن. ومن طريق مجاهد المنيب، ومن طريق الشعبي المسبّح، ومن طريق كعب الأحبار قال: كان إذا ذكر النار قال أوّاه من عذاب الله. وقال في اللباب الأوّاه الكثير التأوّه وهو مَن يقول أواه، وقيل مَن يقول أوه وهو أنسب لأن أوه بمعنى أتوجع فالأواه فعال مثال مبالغة من ذلك وقياس فعله أن يكون ثلاثيًّا لأن أمثلة المبالغة إنما تطرد في الثلاثي وإنما وصف الله تعالى خليله بهذين الوصفين بعد قوله: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه} [التوبة: 114]. الآية لأنه تعالى وصفه بشدّة الرقة والشفقة والخوف ومن كان كذلك فإنه تعظم رقته على أبيه، ثم إنه مع هذه الصفات تبرأ من أبيه وغلظ قلبه عليه لما ظهر له إصراره على الكفر. 3349 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً. ثُمَّ قَرَأَ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ. وَإِنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: أَصْحَابِي، أَصْحَابِي. فَيَقالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- {الْحَكِيمُ} [الحديث 3349 - أطرافه في: 3447، 4625، 4626، 4740، 6524، 6525، 6526]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (أخبرنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا المغيرة بن النعمان) النخعي الكوفي (قال: حدثنى) بالإفراد (سعيد بن جبير عن ابن عباس) ولابن عساكر أراه بضم الهمزة أي أظنه عن ابن عباس (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إنكم تحشرون) عند الخروج من القبور حال كونكم (حفاة) بضم الحاء المهملة وتخفيف الفاء جمع حاف أي بلا خف ولا نعل (عراة) أي لا ثياب عليهم جميعهم أو بعضهم يحشر عاريًا وبعضهم كاسيًا لحديث سعيد عند أبي داود وصححه ابن حبان مرفوعًا: "إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها" (غرلاً) بضم الغين المعجمة وإسكان الراء أي غير مختونين والغرلة ما يقطعه الخاتن وهي القلفة (ثم قرأ): {كما بدأنا أول خلق نعيده} [الأنبياء: 104] أي نوجده بعينه بعد إعدامه مرة أخرى أو نعيد تركيب أجزائه بعد تفريقها من غير إعدام، والأول أوجه لأنه تعالى شبه الإعادة بالابتداء والابتداء ليس عبارة عن تركيب الأجزاء المتفرقة بل عن الوجود بعد العدم فوجب أن تكون الإعادة كذلك {وعدًا علينا إنّا كنا فاعلين} [الأنبياء: 104]. الإعادة والبعث. وقوله:

(وعدًا) نصب على المصدر المؤكد لمضمون الجملة المتقدمة فناصبه مضمر أي وعدنا ذلك وعدًا. قال ابن عبد البر: يحشر الآدمي عاريًا ولكل من الأعضاء ما كان له يوم ولد فمن قطع منه شيء يرد إليه حتى الأقلف وقال أبو الوفاء بن عقيل: حشفة الأقلف موفاة بالقلفة فتكون أرق فلما أزالوا تلك القطعة في الدنيا أعادها الله تعالى ليذيقها من حلاوة فضله. وفي شرح المشكاة، فإن قلت: سياق الآية في إثبات الحشر والنشر لأن المعنى نوجدكم عن العدم ما أوجدناكم أولاً عن العدم فكيف يشتهد بها للمعنى المذكور أي من كونهم غرلاً؟ وأجاب بأن سياق الآية وعبارتها على إثبات الحشر وإشارتها على المعنى المراد من الحديث فهو من باب الإدماج. (وأول من يكسى) من الأنبياء (يوم القيامة إبراهيم) بعد حشر الناس كلهم عراة أو بعضهم كاسيًا أو بعد خروجهم من قبورهم بأثوابهم التي ماتوا فيها ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة ثم يكون أول من يُكسى من الجنة إبراهيم عليه السلام وزاد البيهقي مرفوعًا من حديث ابن عباس: (وأول من يكسى من الجنة إبراهيم يكسى حلة من الجنة ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش ثم يؤتى بي فأكسى حلة من الجنة لا يقوم لها البشر). قيل: والحكمة في كون الخليل أول من يكسى لكونه جرّد حين ألقي في النار ولا يلزم من تخصيص إبراهيم بأولية الكسو هنا أفضليته على نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن حلة نبينا أعلى وأكمل فتجبر بنفاستها ما فات من الأولية، وكم لنبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من فضائل مختصة به لم يسبق إليها ولم يشارك فيها ولو لم يكن سوى خصوصية الشفاعة العظمى لكفى. (وإن أناسًا) بهمزة مضمومة ولأبي ذر وابن عساكر وإن ناسًا (من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال) وهي جهة النار (فأقول أصحابي أصحابي) أي هؤلاء أصحابي، ولأبي ذر وابن عساكر: أصيحابي أصيحابي مصغرين إشارة إلى قلة عددهم والتكرير للتأكيد (فيقال: إنهم لم) بالميم ولأبي ذر عن الكشميهني لمن (يزالوا مرتدين على أعقابهم) بالكفر (مند فارقتهم) قيل المراد قوم من جفاة الأعراب ممن لا نصرة له في الدين ممن ارتد بعد موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا يقدح ذلك في الصحابة المشهورين، فإن أصحابه وإن شاع استعماله عرفًا فيمن لازمه من المهاجرين والأنصار شاع استعماله في كل تبعه أو أدرك حضرته ووفد عليه ولو مرة أو المراد بالارتداد إساءة السيرة والرجوع عما كانوا عليه من الإخلاص وصدق النية (فأقول كما قال العبد الصالح) عيسى ابن مريم ({وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم}) أي رقيبًا عليهم أمنعهم من الارتداد ومشاهدًا لأحوالهم من كفر وإيمان؟ إلى قوله ({الحكيم}) [المائدة: 117، 118]. ولأبي ذر {فلما توفيتني} إلى قولها {العزيز الحكيم}. وهذا الحديث أخرجه في التفسير والرقاق وأحاديث الأنبياء ومسلم في صفة القيامة والتفسير والنسائي في الجنائز والتفسير. 3350 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَخِي عَبْدُ الْحَمِيدِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لاَ تَعْصِنِي؟ فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ لاَ أَعْصِيكَ. فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَىُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ. ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ، فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ». [الحديث 3350 - طرفاه في: 4768، 4769]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس الأصبحي ابن أخت الإمام مالك (قال: أخبرني) ولأبي ذر حدثني كلاهما بالإفراد (أخي عبد الحميد) أبو بكر الأعشى بن أبي أويس (عن ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرَّحمن (عن سعيد) بن أبي سعيد (المقبري) بضم الموحدة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة) سواد كالدخان (وغبرة) غبار وتقديم الظرف للاختصاص (فيقول له إبراهيم ألم أقل لك لا تعصني) مجزوم على النهي بحذف حرف العلة (فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني) أي لا تهينني ولا تذلني (يوم يبعثون فأيّ خزي أخزى من) خزي (أبي) آزر (الأبعد) من رحمة الله وعبّر بالفعل التفضيل لأن الفاسق بعيد والكافر أبعد منه (فيقول الله تعالى: إني حرمت الجنة على الكافرين) أي وإن أباك كافر فهي حرام عليه (ثم يقال له: يا إبراهيم ما تحت رجليك فينظر فإذا هو بذيخ) بذال وخاء معجمتين بينهما

تحتية ساكنة ذكر ضبع كثير الشعر والأنثى ذيخة والجمع ذيوخ وأذياخ وذيخة (ملتطخ) بالرجيع أو بالدم صفة لذيخ، وعند الحاكم من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة فيمسخ الله أباه ضبعًا (فيؤخذ بقوائمه) بضم الياء وفتح الخاء مبنيًّا للمفعول (فيلقى في النار). وعند ابن المنذر: فإذا رآه كذلك تبرأ منه قال: لست أبي؛ الحديث. وكان قبل حملته الرأفة على الشفاعة له فظهر له في هذه الصورة المستبشعة ليتبرأ منه، والحكمة في كونه مسخ ضبعًا دون غيره من الحيوان أن الضبع أحمق الحيوان ومن حمقه أنه يغفل عما يجب التيقظ له، فلما لم يقبل آزر النصيحة من أشفق الناس عليه وقبل خديعة الشيطان أشبه الضبع الموصوف بالحمق قاله الكمال الدميري. وفي هذا الحديث دليل على أن شرف الولد لا ينفع الوالد إذا لم يكن مسلمًا. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في تفسير سورة الشعراء. 3351 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: «دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَيْتَ فَوَجَدَ فِيهِ صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَصُورَةَ مَرْيَمَ فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَا هُمْ فَقَدْ سَمِعُوا أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ، هَذَا إِبْرَاهِيمُ مُصَوَّرٌ، فَمَا لَهُ يَسْتَقْسِمُ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي الكوفي نزيل مصر وهو من أفراده (قال: حدثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن الحرث المصري (أن بكيرًا) بضم الموحدة مصغرًا ابن عبد الله بن الأشج (حدثه عن كريب) بضم الكاف آخره موحدة مصغرًا (مولى ابن عباس عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البيت) العتيق (وجد) ولأبي ذر: فوجد (فيه صورة إبراهيم) الخليل (وصورة مريم) أم عيسى عليهم السلام (فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أما) بتخفيف الميم (لهم) باللام قبل الهاء، ولأبي ذر وابن عساكر: أما بتشديد الميم ولا تشديد في الفرع كأصله هم بحذف اللام أي قريش (فقد سمعوا أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة) وقسيم أما قوله (هذا إبراهيم مصوّر فما له) بيده الأزلام (يستقسم) بها وهو كان معصومًا من ذلك. وقد مرّ هذا الحديث في الحج في باب من كبر في نواحي الكعبة وأخرجه النسائي في الزينة. 3352 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما-: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ. وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - بِأَيْدِيهِمَا الأَزْلاَمُ فَقَالَ: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، وَاللَّهِ إِنِ اسْتَقْسَمَا بِالأَزْلاَمِ قَطُّ». وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) التميمي الفراء الصغير قال: (أخبرنا) ولأبي الوقت: حدّثنا (هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد الأزدي مولاهم أبي عروة البصري نزيل اليمن (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي) ولأبي ذر: عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما رأى الصور) التي صورها المشركون (في البيت) الحرام (لم يدخل) أي البيت (حتى أمر بها فمحيت) بضم الميم مبنيًّا للمفعول أزيلت ورأى صورة (إبراهيم و) صورة (إسماعيل عليهما السلام بأيديهما الأزلام) أي القداح واحدها زلم وزلم بفتح الزاي وضمها وإنما سميت القدام بالأزلام لأنها زلمت أي سويت يقال: قدم مزلم وزليم إذا حرر وأجيد قدره وصفته (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قاتلهم الله) أي لعنهم الله (والله إن استقسما) بكسر الهمزة وتخفيف النون نافية أي ما استقسما (بالأزلام قط) وكان أحدهم إذا أراد سفرًا أو تجارة أو نكاحًا أو أمرًا ضرب بالقداح المكتوب على بعضها أمرني ربي وعلى بعضها نهاني ربي وبعضها غفل خال عن الكتابة، فإن خرج الأمر أقدم على العمل وإن خرج النهي أمسك وإن خرج الغفل أعاد العمل مرة أخرى، وقيل: غير ذلك مما سبق في كتاب الحج في باب: من كبّر في نواحي الكعبة. 3353 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه-: «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَتْقَاهُمْ. فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ: فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ. قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونَ؟ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا». قَالَ أَبُو أُسَامَةَ وَمُعْتَمِرٌ: " عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ". [الحديث 3353 - أطرافه في: 3374، 3383، 3490، 4689]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (قال: حدثني) بالإفراد (سعيد بن أبي سعيد) المقبري (عن أبيه) كيسان (عن أبي هريرة رضي الله عنه قيل: يا رسول الله) لم يسم السائل (من أكرم الناس)؟ عند الله تعالى (قال) عليه الصلاة والسلام: (أتقاهم) أشدّهم لله تقوى (فقالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: فيوسف نبي الله ابن نبي الله) يعقوب (ابن نبي الله) إسحاق (ابن خليل الله) إبراهيم أشرفهم والجواب الأول من جهة الشرف بالأعمال

الصالحة والثاني من جهة الشرف بالنسب الصالح وسقط ابن نبي الله الأخيرة في رواية أبي ذر (قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال) عليه الصلاة والسلام: (فعن معادن العرب) أي أصولهم التي ينسبون إليها ويتفاخرون بها (تسألون) ولأبي ذر: تسألونني بنونين فتحتية ولابن عساكر تسألوني بإسقاط النون، وإنما جعلت معادن لما فيها من الاستعدادات المتفاوتة فمنها قابلة لفيض الله تعالى على مراتب المعادن ومنها غير قابلة لها (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام) جملة مبينة بعد التفاوت الحاصل بعد فيض الله تعالى عليها من العلم والحكمة قال الله تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أُوتي خيرًا كثيرًا} [البقرة: 269]. شبههم بالمعادن في كونها أوعية للجواهر النفيسة المعنى بها في الإنسان كونه أوعية العلوم والحكمة فالتفاوت في الجاهلية بحسب الأنساب وشرف الآباء وكرم الأصل وفي الإسلام بحسب العلم والحكمة فالشرف الأول موروث والثاني مكتسب قاله الطيبي، وخيارهم يحتمل أن يكون جمع خير وأن يكون أفعل التفضيل تقول في الواحد خير وأخير (إذا فقهوا). بضم القاف من فقه يفقه إذا صار فقيهًا كظرف، ولأبي ذر: إذا فقهوا بكسرها يفقه بالفتح بمعنى فهم فهو متعد والمضموم القاف لازم. قال أبو البقاء: وهو الجيد هنا ثم القسمة كما في الفتح رباعية فإن الأفضل من جمع بين الشرف في الجاهلية والشرف في الإسلام، ثم أرفعهم مرتبة من أضاف إلى ذلك التفقه في الدين ويقابل ذلك من كان مشروفًا في الجاهلية واستمر مشروفًا في الإسلام، فهذا أدنى المراتب. والثالث من شرف الإسلام، وفقه ولم يكن شريفًا في الجاهلية ودونه من كان كذلك لكنه لم يتفقه، والرابع من كان شريفًا في الجاهلية ثم صار مشروفًا في الإسلام فهذا دون الذي قبله. اهـ. فالإيمان يرفع التفاوت المعتبر في الجاهلية فإذا تحلى الرجل بالعلم والحكمة استجلب النسب الأصلي فيجتمع شرف النسب مع شرف الحسب ومفهومه أن الوضيع المسلم المتحلي بالعلم أرفع منزلة من الشريف المسلم العاطل وما أحسن ما قال الأحنف: كل عز إن لم يوطد بعلم ... فإلى الذل ذات يوم يصير وقال آخر: وما الشرف الموروث لا درّ دره ... لمحتسب إلا بآخر مكتسب وقول الآخر: إن السريّ إذا سرى فبنفسه ... وابن السريِّ إذا سرى أسراهما (قال أبو أسامة) حماد بن أسامة فيما وصله المؤلّف في قصة يوسف (ومعتمر) هو ابن سليمان بن طرخان فيما وصله في قصة يعقوب كلاهما (عن عبيد الله) العمري السابق (عن سعيد) المقبري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فأسقطا أبا سعيد كيسان فخالفا يحيى بن سعيد القطان حيث قال: حدّثنا عبيد الله قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة. 3354 - حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا عَوْفٌ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ حَدَّثَنَا سَمُرَةُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ طَوِيلٍ لاَ أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولاً، وَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-». وبه قال: (حدّثنا مؤمل) بالهمزة وتشديد الميم الثانية مفتوحة بصيغة اسم المفعول ابن هشام البصري قال: (حدّثنا إسماعيل) ابن علية قال: (حدّثنا عوف) الأعرابي قال: (حدّثنا أبو رجاء) عمران العطاردي قال: (حدّثنا سمرة) بن جندب -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أتاني الليلة) في منامي (آتيان) جبريل وميكائيل (فأتينا) أي فذهبا بي حتى أتينا (على رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولاً) في السماء (وإنه إبراهيم) الخليل "-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" سقطت التصلية لأبي ذر. وهذا الحديث سبق بتمامه في أواخر الجنائز. 3355 - حَدَّثَنِي بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- وَذَكَرُوا لَهُ الدَّجَّالَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ أَوْ ك ف ر -قَالَ لَمْ أَسْمَعْهُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ، وَأَمَّا مُوسَى فَجَعْدٌ آدَمُ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ؛ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي». وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (بيان بن عمرو) بفتح الموحدة وتخفيف التحتية وعمرو بفتح العين أبو محمد البخاري العابد قال: (حدّثنا النضر) بنون مفتوحة فضاد معجمة ساكنة فراء ابن شميل قال: (أخبرنا ابن عون) عبد الله (عن مجاهد) هو ابن جبر الإمام في التفسير (أنه سمع ابن عباس -رضي الله عنهما- وذكروا له الدجال) فقالوا (بين عينيه مكتوب) كتابة حقيقة (كافر أو) هذه الحروف المقطعة

(ك ف ر) بفتحات تظهر لكل مؤمن كاتبًا أو غير كاتب (قال) ابن عباس (لم أسمعه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زاد في باب الجعد من كتاب اللباس قال ذلك (ولكنه قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم) يريد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه كان أشبه الناس بإبراهيم (وأما موسى فجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة مجتمع الجسم وليس المراد جعودة شعره إذ في بعض الروايات أنه رجل الشعر (آدم) من الأدمة وهي السمرة (على جمل أحمر مخطوم) بالخاء المعجمة مزموم (بخلبة) بخاء معجمة مضمومة فلام ساكنة فموحدة مفتوحة ليفة ولأبي ذر: الخلبة الليفة (كأني أنظر إليه) حقيقة كليلة الإسراء أو في المنام ورؤيا الأنبياء وحي (انحدر) وفي الحج إذا انحدر (في الوادي) أي وادي الأزرق وزاد في الحج يلبي. 3356 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَهْوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُّومِ». تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. [الحديث 3356 - طرفه في: 6298]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي مولاهم البغلاني البلخي قال: (حدّثنا مغيرة بن عبد الرَّحمن القرشي عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اختتن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو ابن ثمانين سنة) جملة حالية (بالقدوم) بفتح القاف وتشديد الدال في الفرع وأصله وقال الحافظ ابن حجر: رويناه بالتشديد عن الأصيلي والقابسي، ووقع في رواية غيرهما بالتخفيف. قال النووي: لم تختلف الرواة على مسلم في التخفيف، وأنكر يعقوب بن شبة التشديد أصلاً واختلف في المراد به فقيل هو اسم قرية بالشام أو ثنية بالسراة، وقيل: آلة النجار وهي بالتخفيف، وأما اسم الموضع ففيه الوجهان. قال في القاموس: والقدوم يعني بالتخفيف آلة ينحت بها مؤنثة الجمع قدائم وقدم وقرية بحلب وموضع بنعمان وجبل بالمدينة وثنية بالسراة وموضع اختتن فيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وقد تشدّد داله وثنية في جبل ببلاد دوس وحصن باليمن انتهى. فمن رواه بالتشديد أراد الموضع، ومن رواه بالتخفيف فيحتمل القرية والآلة والأكثرون على التخفيف وإرادة الآلة. وقد روى أبو يعلى من طريق عليّ بن رباح قال: أمر إبراهيم بالختان فاختتن بقدوم فاشتد عليه فأوحى الله إليه عجلت قبل أن نأمرك بآلته. فقال: يا رب كرهت أن أؤخر أمرك. وعن مالك والأوزاعي فيما قاله عياض أنه اختتن وهو ابن مائة وعشرين سنة وأنه عاش بعد ذلك ثمانين سنة إلا أن مالكًا ومن تبعه وقفوه على أبي هريرة. وحكى الجارودي أنه اختتن وهو ابن سبعين وما في الصحيح أصح. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الاستئذان ومسلم في أحاديث الأنبياء. 000 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ وَقَالَ: «بِالْقَدُومِ» مُخَفَّفَةً. تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ. وتَابَعَهُ عَجْلاَنُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (وقال بالقدوم مخففة) وعليه الأكثر، والمراد به الآلة كما سبق، وثبت لفظ وقال لأبي ذر (تابعه) أي تابع شعيبًا على التخفيف (عبد الرَّحمن بن إسحاق) بن عبد الله الثقفي فيما وصله مسدد في مسنده (عن أبي الزناد) عبد الله (وتابعه) أي تابع شعيبًا أو عبد الرَّحمن بن إسحاق (عجلان) بفتح العين المهملة وسكون الجيم مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة القرشي والد محمد بن عجلان في التخفيف أيضًا فيما وصله الإمام أحمد عن يحيى القطان عن محمد بن عجلان عن أبيه (عن أبي هريرة). (ورواه) أي الحديث المذكور (محمد بن عمرو) بفتح العين فيما وصله أبو يعلى في مسنده (عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف عن أبي هريرة، ووقع في رواية أبوي ذر والوقت: تابعه عبد الرَّحمن بن إسحاق عن أبي الزناد، وتابعه عجلان عن أبي هريرة، ورواه محمد بن عمر، وعن أبي سلمة حدّثنا أبو اليمان فذكر الحديث السابق مؤخرًا عن متابعة عبد الرَّحمن ومتابعة عجلان ورواية محمد بن عمرو، وحينئذٍ فتكون المتابعتان لقتيبة بن سعيد على أن عمر إبراهيم حين اختتن كان ثمانين سنة، وكذا رواية محمد بن عمرو لأنه وقع التصريح في المتابعتين

والرواية عند من وصلها بذلك، أما على تقديم حديث أبي اليمان عليها فالمتابعتان والرواية لحديثه فى التخفيف كما مرّ فافهم. 3357 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ الرُّعَيْنِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- إِلاَّ ثَلاَثَ كذبات». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن تليد) بفتح الفوقية وسكون التحتية بينهما لام مكسورة آخره دال مهملة وهو سعيد بن عيسى بن تليد (الرعيني) المصري قال: (أخبرنا) بالجمع ولأبي ذر: أخبرني (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (جرير بن حازم) بفتح الجيم وحازم بالحاء المهملة والزاي (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لم يكذب إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلا ثلاثًا) أي إلا ثلاث كذبات كما في الطريق الثانية. 3358 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - إِلاَّ ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ: ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: قَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ} وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} وَقَالَ: بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَا هُنَا رَجُلاً مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: أُخْتِي. فَأَتَى سَارَةَ قَالَ: يَا سَارَةُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرُكِ، وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي، فَلاَ تُكَذِّبِينِي. فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ فَأُخِذَ. فَقَالَ: ادْعِي اللَّهَ لِي وَلاَ أَضُرُّكِ، فَدَعَتِ اللَّهَ فَأُطْلِقَ. ثُمَّ تَنَاوَلَهَا الثَّانِيَةَ فَأُخِذَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ، فَقَالَ: ادْعِي اللَّهَ لِي وَلاَ أَضُرُّكِ، فَدَعَتْ فَأُطْلِقَ. فَدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ فَقَالَ: إِنَّكُمْ لَمْ تَأْتُونِي بِإِنْسَانٍ، إِنَّمَا أَتَيْتُمُونِي بِشَيْطَانٍ، فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ. فَأَتَتْهُ هَاجَرَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ: مَهْيَمْ؟ قَالَتْ: رَدَّ اللَّهُ كَيْدَ الْكَافِرِ -أَوِ الْفَاجِرِ- فِي نَحْرِهِ، وَأَخْدَمَ هَاجَرَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن محبوب) ضد المبغوض البناني بضم الموحدة وتخفيف النون البصري قال: (حدّثنا حماد بن زيد) اسم جده درهم الأزدي الجهضمي البصري (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: لم يكذب إبراهيم عليه الصلاة والسلام) لم يصرح برفعه في رواية حماد بن زيد هذه إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المعتمد الموافق لرواية النسفيّ وكريمة كما رواه عبد الرزاق عن معمر، والأصل رفعه كما في رواية جرير بن حازم السابقة ورواية هشام بن حسان عند النسائي والبزار وابن حبان. ورواه البخاري عن الأعرج عن أبي هريرة في البيوع وفي النكاح عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد فصرح برفعه أيضًا في رواية أبي ذر والأصيلي وابن عساكر ولفظه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات) بسكون الذال عند ابن الحطيئة عن أبي ذر كما في اليونينية. وقال في المصابيح بفتح الذال، وفي فتح الباري عن أبي البقاء أنه الجيد لأنه جمع كذبة بسكون الذال وهو اسم لا صفة تقول كذب كذبة كما تقول ركع ركعة ولو كان صفة لسكن في الجمع، وليس هذا من الكذب الحقيقي الذي يذم فاعله حاشا وكلا، وإنما أطلق عليه الكذب تجوزًا وهو من باب المعاريض المحتملة للأمرين لمقصد شرعي ديني كما جاء في الحديث المروي عند البخاري في الأدب المفرد من طريق قتادة عن مطرف بن عبد الله عن عمران بن الحصين أن في معاريض الكلام مندوحة عن الكذب، ورواه أيضًا البيهقي في الشعب والطبراني في الكبير ورجاله ثقات، وهو عند ابن السني من طريق الفضل بن سهل مرفوعًا. قال البيهقي رحمه الله: والموقوف هو الصحيح، وروي أيضًا من حديث علي مرفوعًا وسنده ضعيف جدًّا، وعند ابن أبي حاتم عن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: في كلمات إبراهيم الثلاث التي قال ما منها كلمة إلا ما حل بها عن دين الله أي جادل ودافع، وفي حديث ابن عباس عند أحمد: والله إن جادل بهن إلا عن دين الله، وقال ابن عقيل: دلالة العقل تصرف ظاهر إطلاق الكذب عن إبراهيم، وذلك أن العقل قطع بأن الرسول ينبغي أن يكون موثوقًا به ليعلم صدق ما جاء به عن الله ولا ثقة مع تجويز الكذب عليه، فكيف مع وجود الكذب منه، وإنما أطلق عليه ذلك لكونه بصورة الكذب عند السامع وعلى كل تقدير فلم يصدر من إبراهيم عليه الصلاة والسلام إطلاق الكذب على ذلك أي حيث يقول في حديث الشفاعة: وإني كنت كذبت ثلاث كذبات إلا في حال شدّة الخوف لعلو مقامه وإلاّ فالكذب في مثل تلك المقامات يجوز، وقد يجب لتحمل أخف الضررين دفعًا لأعظمهما، وقد اتفق الفقهاء فيما لو طلب ظالم وديعة عند إنسان ليأخذها غصبًا وجب على المودع عنده أن يكذب بمثل أنه لا يعلم موضعها بل يحلف على ذلك، ولما كان ما صدر من الخليل عليه السلام مفهوم ظاهره خلاف باطنه أشفق أن يؤاخذ به لعلو حاله فإن الذي كان يليق بمرتبته في النبوة والخلة أن يصدع بالحق ويصرح بالأمر كيفما كان ولكنه رخص له فقبل الرخصة، ولذا يقول عندما يسأل في الشفاعة: إنما كنت خليلاً من وراء وراء ويستفاد منه أن الخلة لم

تكن بكمالها إلا لمن صح له في ذلك اليوم المقام المحمود، وأما قول الإمام فخر الدين: لا ينبغي أن ينقل هذا الحديث لأن فيه نسبة الكذب إلى إبراهيم، وقول بعضهم له: فكيف يكذب الراوي العدل؟ وجواب الإمام له بأنه لما وقع التعارض بين نسبة الكذب إلى الراوي وبين نسبة الكذب إلى الخليل كان من المعلوم بالضرورة أن نسبته إلى الراوي أولى فليس بشيء إذ الحديث صحيح ثابت، وليس فيه نسبة محض الكذب إلى الخليل، وكيف السبيل إلى تخطئة الراوي مع قوله: ({إني سقيم}) و ({بل فعله كبيرهم}) (الأنبياء: 63]. هذا. وعن سارة أختي إذ ظاهر هذه الثلاثة بلا ريب غير مراد (ثنتين منهن) أي من الثلاث (في ذات الله) لأجله (عز وجل) محضًا من غير حظ لنفسه بخلاف الثالثة وهي قصة سارة فإنها تضمنت حظًّا ونفعًا له. فالأولى (قوله) تعالى حاكيًا عنه لما طلبه قومه ليخرج معهم إلى معبدهم وكان أحب أن يخلو بآلهتهم ليكسرها {إني سقيم} [الصافات: 89]. مريض القلب بسبب إطباقكم على الكفر والشرك أو سقيم بالنسبة إلى ما يستقبل يعني مرض الموت، واسم الفاعل يستعمل بمعنى المستقبل كثيرًا أو خارج المزاج عن الاعتدال خروجًا قلّ من يخلو منه، وقال سفيان: سقيم أي طعين وكانوا يفرّون من المطعون، وعن ابن عباس في رواية العوفي قالوا له وهو في بيت آلهتهم أخرج فقال: إني مطعون فتركوه مخافة الطاعون. فإنه كان غالب أسقامهم الطاعون وكانوا يخافون العدوى، وأما حكاية قول بعضهم: إنه كان تأتيه الحمى في ذلك الوقت فبعيد لأنه لو كان كذلك لم يكن كذبًا لا تصريحًا ولا تلويحًا. (و) الثانية (قوله) لما كسر آلهتهم كسرًا وقطعًا إلا كبيرًا لهم فاستبقاه وكانت فيما قيل اثنين وسبعين صنمًا بعضها من ذهب وبعضها من فضة وبعضها من حديد وبعضها من رصاص وحجر وخشب، وكان الكبير من الذهب مرصعًا بالجواهر وفي عينيه ياقوتتان تتقدان وجعل الفأس في عنقه لعلهم إليه يرجعون فيسألونه: ما بال هؤلاء مكسرين وأنت صحيح والفأس في عنقك؟ إذ من شأن المعبود أن يرجع إليه أو المراد أنهم يرجعون إلى إبراهيم لتفرده واشتهاده بعداوة آلهتهم فيحاجهم أو يرجعون إلى توحيد الله عند تحققهم عجز آلهتهم فلما رجعوا من عيدهم إلى بيت آلهتهم ورأوا أصنامهم مكسرة وقالوا لإبراهيم {أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم} [الأنبياء: 62]. قال: {بل فعله كبيرهم هذا} وهذا الإضراب عن جملة محذوفة أي لم أفعله إنما الفاعل حقيقة هو الله وإسناد الفعل إلى كبيرهم من أبلغ المعاريض، وذلك أنهم لما طلبوا منه الاعتراف ليقدموا على إيذائه قلب الأمر عليهم وقال: {بل فعله كبيرهم هذا} لأنه عليه السلام غاظته تلك الأصنام حين أبصرها مصطفة وكان غيظه من كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم له فأسند الفعل إليه لأنه هو السبب في استهانته لها والفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى الحامل عليه أو أن إبراهيم عليه السلام قصد تقرير الفعل لنفسه على أسلوب تعريضي وليس قصده نسبة الفعل إلى الصنم وهذا كما لو قال لك من لا يحسن الخط فيما كتبته أأنت كتبت هذا فقلت له بل كتبته أنت قاصدًا بذلك تقريره لك مع الاستهزاء لا نفيه عنك وإثباته له ذكرهما الزمخشري، وتعقب الأول منهما صاحب الفرائد بأنه إنما يستقيم إذا كان الفعل دائرًا بين إبراهيم وبين الصنم الكبير لاحتمال أن يكون كسرها غير إبراهيم، والثاني منهما بأنه ضعيف لأن غيظه من عبادة غير الله يستوي فيه الكبير والصغير. والجواب أنه دل تقديم الفاعل المعنوي في قوله {أأنت فعلت} على أن الكلام ليس في الفعل لأنه معلوم بل في الفاعل كقوله تعالى: {وما أنت علينا بعزيز} [هود: 91]. ودل قولهم {سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} وقولهم {قالوا فأتوا به على أعين الناس} على أنهم لم يشكوا أن الفاعل هو فإذن لا يكون قصدهم في قولهم: {أأنت فعلت هذا} إلا بأن يقرّ بأنه هو فلما رد بقوله: {بل فعله كبيرهم} تعريضًا دار الأمر بين الفاعلين أو المعنى على التقديم والتأخير أي بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون فاسألوهم فجعل النطق شرطًا

للفعل إن قدروا على النطق قدروا على الفعل فأراهم عجزهم وفي ضمنه أنا فعلت ذلك. وقال: (بينا) بغير ميم (هو) أي إبراهيم (ذات يوم وسارة) بنت هاران ملك حران زوجته معه وزاد مسلم وكانت من أحسن الناس وجواب بينا قوله (إذ أتى) أي مرّ (على جبار من الجبابرة) اسمه صادوق فيما ذكره ابن قتيبة وهو ملك الأردن أو سنان أو سفيان بن علوان فيما ذكره الطبري أو عمرو بن امرئ القيس بن سبأ وكان على مصر ذكره السهيلي (فقيل له: إن ههنا رجلاً) ولأبي ذر عن الكشميهني هذا رجل (معه امرأة من أحسن الناس فأرسل) الجبار (إليه) أي إلى الخليل (فسأله عنها فقال: من هذه) المرأة (قال) الخليل هي (أختي) أي في الإسلام، ولعله أراد بذلك دفع أحد الضررين بارتكاب أخفهما لأن اغتصاب الملك إياها واقع لا محالة لكن إن علم أن لها زوجًا حملته الغيرة على قتله أو حبسه وإضراره بخلاف ما إذا علم أن لها أخًا فإن المغيرة حينئذٍ تكون من قبل الأخ خاصة لا من قبل الملك فلا يبالي به، وقيل خاف أنه إن علم أنها زوجته ألزمه بطلاقها (فأتى) الخليل (سارة قال): ولأبي ذر: فقال (يا سارة ليس على وجه الأرض) التي وقع بها ذلك (مؤمن غيري وغيرك) بفتح الراء عند ابن الحطيئة عن أبي ذر وتخصيص الأرض بالأرض التي وقع بها ذلك دافع لاعتراض من قال إن لوطًا كان مؤمنًا معه قال تعالى: ({فآمن له لوط} وإن هذا) الجبار (سألني) عنك (فأخبرته أنك أختي) في الإيمان (فلا تكذبيني) بقولك هو زوجي (فأرسل) الجبار (إليهما فلما دخلت عليه ذهب) ولأبي ذر عن الكشميهني: وذهب (يتناولها) ولأبي ذر تناولها بإسقاط التحتية بلفظ الماضي (بيده فأخذ) بضم الهمزة وكسر المعجمة مبنيًا للمفعول أي اختنق حتى ركض برجله كأنه مصروع. وعند مسلم أنه لما أرسل إليها قام إبراهيم يصلّي، وفي رواية الأعرج في البيوع في باب: شراء الملوك من الحربي وهبته وعتقه فأرسل بها إليه فقام إليها فقامت تتوضأ وتصلي فقالت: اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط عليّ الكافر فغطّ حتى ركض برجله، وفي مسلم لما دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده فقبضت يده قبضة شديدة (فقال) لها (ادعي الله لي) وعند مسلم ادعي الله أن يطلق يدي (ولا أضرّك) ولأبي ذر: ولا أضرك بفتح الراء (فدعت الله فأطلق ثم تناولها الثانية) ولأبي ذر ثانية بغير ألف ولام (فأخذ) بضم الهمزة (مثلها) أي الأولى (أو أشد) منها (فقال) لها (ادعي الله لي) أن يخلصني (ولا أضرك) بفتح الراء وضمها كالسابقة (فدعت الله فأطلق فدعا بعض حجبته) بفتح الحاء المهملة والجيم جمع حاجب ولمسلم ودعا الذي جاء بها. قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسمه (فقال: إنكم لم تأتوني بإنسان إنما أتيتموني) ولأبي ذر وابن عساكر إنك لم تأتني بإنسان إنما أتيتني (بشيطان) أي متمرد من الجن وهو مناسب لما وقع له من الصرع زاد الأعرج. أرجعوها إلى إبراهيم (فأخدمها هاجر) أي وهبها لها لتخدمها لأنه أعظمها أن تخدم نفسها وكان أبو هاجر من ملوك القبط (فأتته) أي أتت سارة إبراهيم (وهو قائم يصلّي فأومأ بيده مَهْيَا) بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء التحتية مقصور من غير همز أي ما حالك وما شأنك، ولأبي ذر عن الكشميهني: مهيم بالميم بدل الألف، ولابن السكن: مهين بالنون وكلها بمعنى (قالت) سارة (ردّ الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره) هو مثل تقوله العرب لمن رام أمرًا باطلاً فلم يصل إليه (وأخدم هاجر) وفي حديث مسلم عن أبي زرعة عن أبي هريرة في حديث الشفاعة الطويل فقال في قصة إبراهيم وذكر كذباته ثم ساقه من طريق أخرى من هذا الوجه وقال في آخره وزاد في قصة إبراهيم وذكر قوله في الكوكب هذا ربي وقوله لآلهتهم {بل فعله كبيرهم هذا} [الصافات: 91] قال القرطبي فيما قرأته في تفسيره فعلى هذا تكون الكذبات أربعة إلا أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفى تلك بقوله: "لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وواحدة في شأن سارة"

ولم يعد عليه قوله في الكوكب هذا ربي كذبة وهي داخلة فيه، لأنه والله أعلم كان حين قوله ذلك في حال الطفولية وليست حالة تكليف انتهى. وهذا الذي قاله القرطبي نقله عنه في فتح الباري وأقره وقد اتفق أكثر المحققين على فساده محتجين بأنه لا يجوز أن يكون له رسول يأتي عليه وقت من الأوقات إلا وهو موحد عابد وبه عارف ومن كل معبود سواه بريء، وكيف يتوهم هذا على من عصمه وطهره وآتاه رشده من قبل وأراه ملكوت السماوات والأرض، أفتراه أراه الملكوت ليوقن فلما أيقن رأى كوكبًا قال هذا ربي معتقدًا، فهذا لا يكون أبدًا. وأيضًا فالقول بربوبية الجماد أيضًا كفر بالإجماع وهو لا يجوز على الأنبياء بالإجماع، أو قاله بعد بلوغه على سبيل الوضع فإن المستدل على فساد قول يحكيه على ما يقول الخصم ثم يكر عليه بالإفساد كما يقول الواحد منا إذا ناظر من يقول بقدم الجسم فيقول الجسم قديم فإن كان كذلك فلم نشاهده مركبًا متغيرًا، فقوله الجسم قديم إعادة لكلام الخصم حتى يلزم المحال عليه، فكذا هنا قال (هذا ربي) حكاية لقول الخصم ثم ذكر عقبه ما يدل على فساده وهو قوله: (لا أحب الآفلين) ويؤيد هذا أنه تعالى مدحه في آخر هذه الآية على هذه المناظرة بقوله: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} [الأنعام: 83] ولذا لم تعد هذه مع تلك الثلاث المذكورة. (قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- بالسند السابق يخاطب العرب (تلك) يعني هاجر (أمكم يا بني ماء السماء) لكثرة ملازمتهم الفلوات التي بها مواقع المطر لرعي دوابهم، وقال الخطابي وقيل إنما أراد زمزم أنبعها الله لهاجر فعاشوا بها فصاروا كأنهم أولادها. وذكر ابن حبان في صحيحه إن كل مَن كان من ولد هاجر يقال له ولد ماء السماء لأن إسماعيل ولد هاجر وقد ربي بماء زمزم وهي ماء السماء الذي أكرم الله به إسماعيل حين ولدته هاجر، فأولادها أولاد ماء السماء، وقيل ماء السماء هو عامر جد الأوس والخزرج سمي بذلك لأنه كان إذا قحط الناس أقام لهم ماله مقام مطر. وهذا الحديث قد سبق في البيع، وأخرجه في النكاح أيضًا ومسلم في الفضائل. 3359 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى -أَوِ ابْنُ سَلاَمٍ عَنْهُ- أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ - رضي الله عنها-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَقَالَ: كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ». وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين مصغرًا ابن باذام العبسي الكوفي (أو) حدّثنا (ابن سلام) محمد (عنه) أي عن عبيد الله بن موسى وكلاهما من مشايخه، والظاهر أن المؤلّف شك في سماعه للحديث الآتي من عبيد الله بن موسى ثم تحقق أنه سمعه من ابن سلام عن عبيد الله فساقه هكذا قال عبيد الله (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن عبد الحميد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة مصغرًا ابن شيبة بن عثمان الحجبي (عن سعيد بن المسيب عن أم شريك) غزية أو غزيلة العامرية ويقال الأنصارية (-رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بقتل الوزغ) بفتح الواو والزاي (وقال) ولأبي ذر قال: (كان ينفخ) النار (على إبراهيم عليه السلام) حين ألقي فيها وكل دابة في الأرض كانت تطفئها عنه. وفي حديث عائشة: لما أحرق بيت المقدس كانت الأوزاغ تنفخه ذكره الكمال الدميري، وفي الطبراني عن ابن عباس مرفوعًا "اقتلوا الوزغ ولو في جوف الكعبة" وفي إسناده عمر بن قيس المكي وهو ضعيف وسقط قوله عليه السلام لأبي ذر. 3360 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتِ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ، {لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}: بِشِرْكٍ. أَوَ لَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لاِبْنِهِ: {يَا بُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) النخعي الكوفي قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن الأسود (عن عبد الله) يعني ابن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لما نزلت {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم}) [الأنعام: 82] معطوف على الصلة فلا محل لها أو الواو للحال، والجملة بعدها في محل نصب على الحال أي آمنوا غير ملبسين إيمانهم بظلم وهو كقوله تعالى: {أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} [مريم: 20] (قلنا: يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه)؟ حملوه على العموم لأن قوله بظلم نكرة في سياق النفي فبين لهم الشارع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الظاهر غير

9 - باب يزفون: النسلان في المشي

مراد بل هو من العام الذي أريد به الخاص حيث (قال) عليه الصلاة والسلام: (ليس كما تقولون) بل المراد ({لم يلبسوا إيمانهم بظلم}) [الأنعام: 82] أي (بشرك) أي لم ينافقوا (أو لم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه) أنعم أو مشكم ({يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}) [لقمان: 13] لأن التسوية بين من يستحق العبادة ومن لا يستحقها ظلم عظيم لأن وضع العبادة في غير موضعها، وسقط قوله: يا بني لأبي ذر. فإن قلت: ما وجه مناسبة هذا الحديث لما ترجم به؟ فالجواب أن قوله: {الذين آمنوا} من كلام إبراهيم جوابًا عن السؤال في قوله: فأي الفريقين أو من كلام قومه وإنهم أجابوه بما هو حجة عليهم، وحينئذٍ فالموصول خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين آمنوا فظهرت المناسبة بين الحديث والترجمة، ويكفي أدنى إشارة كما هي عادة المؤلّف -رحمه الله- في دقائق التراجم وفي حديث علي عند الحاكم أنه قرأ {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} وقال: نزلت هذه الآية في إبراهيم وأصحابه ليس في هذه الأمة. وحديث الباب سبق في الإيمان في باب ظلم دون ظلم وأخرجه أيضًا في التفسير. 9 - باب يَزِفُّونَ: النَّسَلاَنُ فِي الْمَشْيِ هذا (باب) بالتنوين من غير ذكر ترجمة فهو كالفصل من سابقه ({يزفون}) في قوله تعالى في سورة الصافات {فأقبلوا إليه} [الصافات: 94] أي إلى إبراهيم لما بلغهم خبر كسر أصنامهم ورجعوا من عيدهم حال كونهم يزفون وهو (النسلان) فيما وصله الطبري عن مجاهد بلفظ الوزيف النسلان وهو بفتح النون وسكون السين المهملة وبعد اللام ألف ونون وعن مجاهد وغيره أي يسرعون (في المشي) ووقع في فرع اليونينية علامة سقوط الباب لأبي ذر وثبوت يزفون النسلان في المشي للحموي والكشميهني وثبوت كل لابن عساكر، وقال ابن حجر سقط ذلك من رواية النسفيّ، وثبت في رواية المستملي باب بغير ترجمة، ووهم من وقع عنده باب يزفون النسلان في المشي فإنه كلام لا معنى له، والذي يظهر ترجيح ما وقع عند المستملي لأن باب بغير ترجمة كالفصل من السابق وتعلقه بما قبله واضح. 3361 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا بِلَحْمٍ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيُنْفِذُهُمُ الْبَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ مِنْهُمْ - فَذَكَرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ -فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنَ الأَرْضِ, اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَيَقُولُ: -فَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ- نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى». تَابَعَهُ أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم بن نصر) السعدي المروزي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن أبي حيان) بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية يحيى بن سعيد التيمي تيم الرباب الكوفي (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: أتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة وكسر الفوقية مبنيًا للمفعول (يومًا بلحم فقال): (إن الله يجمع يوم القيامة الأوّلين والآخرين) في باب قول الله تعالى {إنّا أرسلنا نوحًا} قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في دعوة فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة وقال: أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون بم يجمع الله الأولين والآخرين (في صعيد واحد) أرض مستوية واسعة (فيسمعهم الداعي) بضم الياء من الإسماع (وينفذهم البصر) بضم الياء والذال المعجمة في الفرع وبعضهم فيما حكاه الكرماني فتح الياء، والمعنى أنه يحيط بهم بصر الناظر لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض، وذكر أبو حاتم أنه إنما هو بالدال المهملة وإن المحدثين يروونه بالمعجمة والمعنى يبلغ أولهم وآخرهم حتى يراهم كلهم ويستوعبهم (وتدنو الشمس منهم فذكر حديث الشفاعة) إلى أن قال: (فيأتون إبراهيم فيقولون) له (أنت نبي الله وخليله من الأرض) هذا موضع الترجمة وزاد إسحاق بن راهويه ومن طريقه الحاكم في المستدرك من وجه آخر عن أبي زرعة عن أبي هريرة قد سمع بخلتك أهل السماوات والأرض (اشفع لنا إلى ربك فيقول) بالفاء ولأبي ذر ويقول أي لست هنا كم (فذكر كذباته) بفتح الذال المعجمة التي هي من باب المعاريض وليست من الكذب الحقيقي المذموم بل كانت في ذات الله تعالى وإنما أشفق منها في هذا الحل لعلو مقامه كما مر قريبًا فراجعه (نفسي نفسي) مرتين وزاد أبو ذر ثالثة (اذهبوا إلى موسى) الحديث الخ وسبق في باب قول الله تعالى: {إنّا أرسلنا نوحًا إلى قومه} [نوح: 1] قريبًا (تابعه) أي تابع أبا هريرة على رواية هذ الحديث (أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي-صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). فيما وصله المؤلّف في التوحيد. 3362 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْلاَ أَنَّهَا عَجِلَتْ لَكَانَ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا». وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أحمد بن سعيد أبو عبد الله) الرباطي بضم الراء وتخفيف الموحدة المروزي الأشقر قال: (حدّثنا وهب بن جرير) بفتح الجيم (عن أبيه) جرير بن حازم بن زيد الأزدي البصري (عن أيوب) السختياني (عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه) سعيد بن جبير الأزدي الفقيه الورع (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال): (يرحم الله أم إسماعيل) هاجر (لولا أنها عجلت) بكسر الجيم لما عطش إسماعيل وجاء جبريل عليه السلام فبحث بعقبه حتى ظهر الماء فجعلت تخوّضه وتغرف من الماء في سقائها (لكان زمزم) بغير تاء تأنيث بعد النون (عينًا معينا) بفتح الميم أي سائلاً على وجه الأرض، والقياس أن يقول معينة فالتذكير حملاً على اللفظ ووزنه مفعل من عانه إذا رآه بعينه وأصله معيون فبقي كمبيع أو فعيل من أمعنت في الشيء إذا بالغت فيه، قال ابن الجوزي: ظهور زمزم نعمة من الله محضة من غير عمل عامل، فلما خالطها تحويض هاجر داخلها كسب البشر فقصرت على ذلك. 3363 - قَالَ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَمَّا كَثِيرُ بْنُ كَثِيرٍ فَحَدَّثَنِي قَالَ: "إِنِّي وَعُثْمَانَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ جُلُوسٌ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: مَا هَكَذَا حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: أَقْبَلَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ -وَهْيَ تُرْضِعُهُ- مَعَهَا شَنَّةٌ لَمْ يَرْفَعْهُ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ". (قال) ولأبي ذر وقال (الأنصاري) محمد بن عبد الله بن مثنى بن عبد الله بن أنس مما وصله أبو نعيم في مستخرجه (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أما) ولأبي ذر قال أما (كثير بن كثير) بالمثلثة فيهما السهمي (فحدّثني) بالإفراد (قال: إني) إن واسمها (وعثمان بن أبي سليمان) عطف على المنصوب ابن جبير بن مطعم القرشي (جلوس) أي جالسان (مع سعيد بن جبير) زاد الأزرقي من طريق مسلم بن خالد الزنجي والفاكهي من طريق محمد بن جعشم كلاهما عن ابن جريج عن كثير بن كثير بأعلى المسجد ليلاً فقال سعيد بن جبير: سلوني قبل أن تروني فسأله القوم فأكثروا فكان مما سئل عنه أن قال له رجل: أحق ما سمعنا في المقام مقام إبراهيم أن إبراهيم حين جاء من الشام حلف لامرأته أن لا ينزل بمكة حتى يرجع فقربت إليه امرأة إسماعيل المقام فوضع رجله عليه حتى لا ينزل. (فقال) سعيد بن جبير (ما هكذا حدثني) بالإفراد (ابن عباس. قال): ولأبي ذر وابن عساكر: ولكنه قال (أقبل إبراهيم بإسماعيل وأمه) هاجر (عليهم السلام) مكة (وهي ترضعه) بضم الفوقية وكسر الضاد المعجمة والواو للحال (معها شنَّة) بفتح المعجمة وتشديد النون قربة يابسة (لم يرفعه) أي الحديث. (ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل) وسقط قوله ثم جاء بها الخ لأبي ذر وابن عساكر. 3364 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ وَكَثِيرِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ -يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ- عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ. وَهْيَ تُرْضِعُهُ -حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَىْءٌ، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا. فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: إِذَن لاَ يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ. فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} -حَتَّى بَلَغَ- {يَشْكُرُونَ}. وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى -أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ- فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا فَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا؛ فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا. فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقَالَتْ: صَهٍ -تُرِيدَ نَفْسَهَا- ثُمَّ تَسَمَّعَتْ أَيْضًا فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ، فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ -أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ- حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهْوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ -أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ الْمَاءِ- لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا. قَالَ: فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا، فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ: لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَةَ، فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِي هَذَا الْغُلاَمُ وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَهْلَهُ. وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنَ الأَرْضِ كَالرَّابِيَةِ، تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، فَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ -أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ في جُرْهُمَ مُقْبِلِينَ- مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ، فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ، لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ، فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ، فَأَقْبَلُوا -قَالَ وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ- فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، وَلَكِنْ لاَ حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهْيَ تُحِبُّ الإِنْسَ، فَنَزَلُوا، وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ، وَشَبَّ الْغُلاَمُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ، وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ، فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ. وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا، ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِشَرٍّ، نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ. فَشَكَتْ إِلَيْهِ. قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ. فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا فَقَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا، فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ. قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَىْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ، وَيَقُولُ: غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ. قَالَ: ذَاكِ أَبِي، وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ. فَطَلَّقَهَا، وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى. فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا. قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ، وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ. فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَتِ: اللَّحْمُ. قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتِ: الْمَاءُ. قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ , قَالَ: فَهُمَا لاَ يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلاَّ لَمْ يُوَافِقَاهُ. قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ، وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ. فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ - وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ - فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَ

البراق (وهي ترضعه) الواو للحال (حتى وضعهما) ولأبي ذر عن الكشميهني: فوضعهما (عند) موضع (البيت) الحرام قبل أن يبنيه (عند دوحة) بدال وحاء مفتوحتين مهملتين بينهما واو ساكنة شجرة عظيمة (فوق زمزم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فوق الزمزم (في أعلى) مكان (المسجد وليس بمكة يومئذٍ أحد) ولا بناء (وليس بها ماء فوضعهما هنا لك ووضع عندهما جرابًا) بكسر الجيم من جلد (فيه تمر وسقاء فيه ماء) بكسر السين قربة صغيرة (ثم قفى إبراهيم) بفتح القاف والفاء المشددة ولّى راجعًا حال كونه (منطلقًا) إلى أهله بالشام وترك إسماعيل وأمه عند موضع البيت، (فتبعته أم إسماعيل فقالت) له (يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا) ولأبي ذر في هذا (الوادي الذي ليس فيه أنس) بكسر الهمزة ضد الجن ولأبي ذر وابن عساكر أنيس (ولا شيء؟ فقالت: له ذلك مرارًا. وجعل) إبراهيم (لا يلتفت إليها فقالت له: آلله الذي أمرك بهذا)؟ بمدّ همزة الله وسقط لأبي ذر الذي (قال) إبراهيم: (نعم). وفي رواية عمر بن شبة في كتاب مكة من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير أنها نادته ثلاثًا فأجابها في الثالثة فقالت له من أمرك بهذا قال الله (قالت: إذًا لا يضيعنا) وفي رواية ابن جريج فقالت حسبي (ثم رجعت) إلى موضع الكعبة (فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية) بالمثلثة وكسر النون وتشديد التحتية بأعلى مكة حيث دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة (حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت) أي موضعه (ثم دعا بهؤلاء الكلمات) ولأبي ذر بهؤلاء الدعوات (ورفع يديه فقال رب) ولأبي ذر عن الكشميهني: ربنا وهو الموافق للتنزيل (إني أسكنت) ذرية (من ذرّيتي) فالجار: صفة لمفعول محذوف أو من مزيدة عند الأخفش والمراد بالذرية إسماعيل ومن ولد منه فإن إسكانه متضمن لإسكانهم (بوادٍ) أي في واد هو مكة (غير ذي زرع) قال في الكشاف: لا يكون فيه شيء من زرع قط كقوله: قرآنًا عربيًّا غير ذي عوج بمعنى لا يوجد فيه اعوجاج ما فيه إلا الاستقامة لا غير اهـ. قال الطيبي: هذه المبالغة يفيدها معنى الكناية لأن نفي الزرع يستلزم كون الوادي غير صالح للزرع ولأنه نكرة في سياق النفي. (عند بيتك المحرم) الذي يحرم عنده ما لا يحرم عند غيره أو حرمت التعرض له والتهاون به أو لم يزل معظمًا يهابه كل جبارًا وحرم من الطوفان أي منع منه كما سمي عتيقًا لأنه أعتق من الطوفان أو لأنه موضع البيت حرم يوم خلق السماوات والأرض وحف بسبعة من الملائكة (حتى بلغ يشكرون) أي تلك النعمة. قال في الكشاف: فأجاب الله دعوة خليله فجعله حرمًا آمنًا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقًا من لدنه ثم فضله في وجود أصناف الثمار فيه على كل ريف وعلى أخصب البلاد وأكثرها ثمارًا وفي أي بلد من بلاد الشرق والمغرب ترى الأعجوبة التي يريكها الله بواد غير ذي زرع وهي اجتماع البواكير والفواكه المختلفة الأزمان من الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد وليس ذلك من آياته بعجب أعادنا الله إلى حرمه بمنّه وكرمه ووفقنا لشكر نعمه وثبت قوله عند بيتك المحرم في رواية أبي ذر. (وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد) بكسر الفاء أي فرغ (ما في السقاء عطشت وعطش ابنها) إسماعيل بكسر الطاء فيهما، وزاد الفاكهي من حديث أبي جهم فانقطع لبنها، وكان إسماعيل حينئذٍ ابن سنتين (وجعلت) هاجر (تنظر إليه يتلوى) يتقلب ظهرًا لبطن (أو قال يتلبط) بالموحدة المشددة بعد اللام آخره طاء مهملة أي يتمرغ ويضرب بنفسه على الأرض من لبط به إذا صرع. وقال الداودي: يحرك لسانه وشفتيه كأنه يموت، وللكشميهني: يتلمظ بميم وظاء معجمة بدل الموحدة والمهملة. (فانطلقت) هاجر حال كون انطلاقها (كراهية أن تنظر إليه) في هذه الحالة الصعبة (فوجدت الصفا) بالقصر (أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي) حال كونها (تنظر هل ترى أحدًا فلم ترَ فهبطت من الصفا) بفتح الموحدة من هبطت. وعند الفاكهي

من حديث أبي جهم تستغيث ربها وتدعوه (حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها) بفتح الطاء والراء ودرعها بكسر الدال وسكون الراء أي قميصها لئلا تعثر في ذيله (ثم سعت سعي الإنسان المجهود) أي الذي أصابه الجهد وهو الأمر الشاق (حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت) ولأبي ذر فنظرت بالفاء بدل الواو (هل ترى أحدًا فلم ترَ أحدًا ففعلت ذلك سبع مرات). (قال ابن عباس قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فلذلك سعي الناس) بسكون العين وجر الناس ولأبي ذر وابن عساكر فلذلك سعي الناس (بينهما) بين الصفا والمروة. (فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا فقالت: صه) بفتح الصاد وكسر الهاء منونة في الفرع وفي بعض الأصول بسكونها أي اسكتي (تريد نفسها) لتسمع ما فيه فرج لها (ثم تسمعت) أي تكلفت السماع واجتهدت فيه (فسمعت أيضًا فقالت قد أسمعت) بفتح التاء (إن كان عندك غواث) أي فأغثني فجزاء الشرط محذوف. وغواث بكسر الغين المعجمة وفتح الواو مخففة وبعد الألف مثلث كذا في الفرع وأصله وفيه لأبي ذر غواث بضم الغين. وقال الحافظ ابن حجر: غواث بفتحها للأكثر، وقال في المصابيح: وبذلك قيده ابن الخشاب وغيره من أئمة اللغة. وقال في الصحاح: غوّث الرجل إذا قال واغوثاه والاسم الغوث والغواث والغواث. قال الفراء يقال أجاب الله دعاءه وغوائه. قال: ولم يأت في الأصوات شيء بالفتح غيره، وإنما يأتي بالضم مثل البكاء والدعاء وبالكسر مثل النداء والصياح قال الشاعر: بعثتك مائرًا فلبثت حولاً ... متى يأتي غواثك من تغيث وقال في القاموس: والاسم الغوث والغواث بالضم وفتحه شاذ واستغاثني فأغثته إغاثة ومغوثة والاسم الغياث بالكسر، (فإذا هي بالملك) جبريل (عند موضع زمزم فبحث) بالمثلثة (بعقبه) أي حفر بمؤخر رجله. قال السهيلي في تفجيره إياها دون أن يفجرها باليد أو غيرها إشارة إلى أنها لعقب إسماعيل وراثة وهو محمد وأمته كما قال تعالى {وجعلها كلمة باقية} [الزخرف: 28] في عقبه أي في أمة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أو قال بجناحه) شك من الراوي (حتى ظهر الماء فجعلت) هاجر (تحوّضه) بالحاء المهملة المفتوحة والواو المشدّدة المكسورة وبالضاد المعجمة أي تصيره كالحوض لئلا يذهب الماء (وتقول بيدها هكذا) هو حكاية فعلها وهو من إطلاق القول على الفعل (وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعدما تغرف) أي ينبع كقوله تعالى: {وفار التنور} [هود: 40]. (قال ابن عباس) بالسند السابق (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء) شك من الراوي (لكانت زمزم عينًا معينًا) بفتح الميم جاريًا على وجه الأرض لأنها لما داخلها كسب هاجر قصرت على ذلك (قال: فشربت) هاجر (وأرضعت ولدها فقال لها الملك) جبريل (لا تخافوا الضيعة) بفتح الضاد المعجمة وسكون التحتية الهلاك وعبر بالجمع على القول بأن أقل الجمع اثنان أو هما وذرية إسماعيل أو أعم. وفي حديث أبي جهم لا تخافي أن ينفد الماء وعند الفاكهي من رواية عليّ بن الوازع عن أيوب لا تخافي على أهل هذا الوادي ظمأ فإنها عين يشرب بها ضيفان الله (فإن هاهنا بيت الله) بنصب بيت اسم إن ولأبي ذر عن الحموي والمستملي هذا بيت الله (يبني هذا الغلام وأبوه) بحذف ضمير المفعول وعند الإسماعيلي يبنيه بإثباته (وإن الله لا يضيع أهله) بضم التحتية الأولى وكسر الثانية مشددة بينهما معجمة مفتوحة (وكان البيت) الحرام (مرتفعًا من الأرض كالرابية) بالراء وبعد الألف موحدة ثم تحتية ما ارتفع من الأرض. وعند ابن إسحاق أنه كان مدرة حمراء (تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله فكانت) هاجر (كذلك) تشرب وترضع ولدها، ولعلها كانت تغتذي بماء زمزم فيكفيها عن الطعام والشراب (حتى مرت بهم رفقة) بضم الراء جماعة مختلطون (من جرهم) بضم الجيم والهاء بينهما راء ساكنة غير منصرف

حيّ من اليمن وكانت جرهم يومئذٍ قريبًا من مكة (أو أهل بيت من جرهم) حال كونهم (مقبلين) متوجهين (من طريق كداء) بفتح الكاف ممدودًا. قال في الفتح: وهو في جميع الروايات كذلك وهو أعلى مكة. نعم في رواية ابن عساكر كما في اليونينية كدى بضم الكاف والقصر، ولعل الحافظ ابن حجر لم يقف عليها. (فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرًا عائفًا) بالعين المهملة والفاء وهو الذي يتردّد على الماء ويحوم حوله ولا يمضي عنه (فقالوا: إن هذا الطائر ليدور على ماء لعهدنا) بلام مفتوحة للتأكيد (بهذا الوادي) ظرف مستقر لا لغو (وما فيه ماء) الواو للحال (فأرسلوا جريًّا) بجيم مفتوحة وراء مكسورة فتحتية مشدّدة رسولاً واحدًا لينظر هل هناك ماء أم لا (أو جريين) رسولين اثنين وسمى الرسول جريًّا لأنه يجري مجرى مرسله أو يجري مسرعًا في حاجته والشك من الراوي (فإذا هم) الجريّ أو الجريان ومن تبعهما (بالماء فرجعوا) إلى جرهم (فأخبروهم بالماء فأقبلوا) إلى جهة الماء (قال: وأم إسماعيل) كائنة (عند الماء فقالوا) لها: (أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت): ولأبي ذر قالت (نعم) أذنت لكم في النزول (ولكن لا حق لكم في الماء. فقالوا: نعم). لا حق لنا فيه. (قال ابن عباس) بالسند السابق: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فألفى) بهمزة مفتوحة وسكون اللام وفتح الفاء أي وجد (ذلك) الحي الجرهمي (أم إسماعيل) بنصب أم مفعول الحي كما قرره في الكواكب. وقال في العمدة فاعل فألفى قوله ذلك وأم إسماعيل مفعوله وذلك إشارة إلى استئذان جرهم، والمعنى فألفى استئذان جرهم بالنزول أم إسماعيل (وهي) أي والحال أنها (تحب الأنس) بضم الهمزة ضدّ الوحشة ويجوز كسرها وهو الذي في الفرع كأصله أي تحب جنسها (فنزلوا) عندها (وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم) بمكة (حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام) إسماعيل بين والدان جرهم (وتعلم العربية منهم) ظاهره يعارض حديث ابن عباس المروي في مستدرك الحاكم أوّل من نطق بالعربية إسماعيل. وأجيب: بأن المعنى أوّل من تكلم بالعربية من ولد إبراهيم إسماعيل، وروى الزبير بن بكار في النسب من حديث علي بإسناد حسن: أوّل من فتق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل. قال في الفتح: وبهذا القيد يجمع بين الخبرين فتكون أوّليته في ذلك بحسب الزيادة في البيان لا الأوّلية المطلقة، فيكون بعد تعلمه أصل العربية من جرهم ألهمه الله العربية الفصيحة المبينة فنطق بها قال: ويشهد لهذا ما حكى ابن هشام عن الشرقي بن قطامي أن عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية يعرب بن قحطان وبقايا حمير وجرهم (وأنفسهم) بفتح الفاء والسين عطف على تعلم أي رغبهم فيه وفي مصاهرته. يقال: أنفسني فلان في كذا أي رغبني فيه. وقال في المصابيح: أي صار نفيسًا فيهم رفيعًا يتنافس في الوصول إليه ويرغبون فيه وفي مصاهرته. وقوله في الفتح: وأنفسهم بفتح الفاء بلفظ أفعل التفضيل من النفاسة تعقبه في العمدة فقال إنه غلط وليس هو إلاّ فعلاً ماضيًا من الإنفاس والفاعل فيه إسماعيل. (وأعجبهم حين شب فلما أدرك) الحل (زوّجوه امرأة منهم) اسمها عمارة بنت سعد بن أسامة فيما قاله ابن إسحاق أو هي الجداء بنت سعد فيما قاله السهيلي والمسعودي أو حيي بنت أسعد بن عملق فيما قاله عمر بن شبة (وماتت أم إسماعيل) قيل ولها من العمر تسعون سنة ودفنها بالحجر (فجاء إبراهيم) عليه الصلاة والسلام (بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته) بكسر الراء أي يتفقد حال ما تركه هناك، واستدل بعضهم بهذا على أن الذبيح إسحاق محتجًا بأن إبراهيم ترك إسماعيل رضيعًا وعاد إليه وقد تزوج لأن الذبح كان في الصغر في حياة أمه قبل تزوجه فلو كان إسماعيل الذبيح لذكره بين زمان الرضاع والتزويج. وأجيب: بأنه ليس في الحديث نفي مجيئه بين الزمانين، وفي حديث أبي جهم أن إبراهيم كان يزور هاجر كل شهر على البراق يغدو غدوة فيأتي مكة ثم يرجع فيقيل في منزله بالشأم. (فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا) أي

يطلب لنا الرزق (ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت) له (نحن بشرّ نحن في ضيق وشدة فشكت إليه قال) إبراهيم عليه السلام لها: (إذا جاء زوجك) إسماعيل (فاقرئي) بفتح الراء (عليه السلام) ولأبي ذر اقرئي بحذف الفاء (وقولي له: يغير بابه) بفتح الغين المهملة والفوقية والموحدة كناية عن المرأة. (فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئًا) بفتح الهمزة الممدودة والنون وفي رواية فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه (فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا) وفي رواية عطاء بن السائب عند عمر بن شبة كالمستخفة بشأنه (فسألنا عنك) بفتح اللام (فأخبرته) أنك خرجت تبتغي لنا (وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد) بفتح الجيم (وشدة قال) إسماعيل: (فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم. أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول لك غير عتبة بابك. قال: ذاك) بكسر الكاف (أبي) إبراهيم (وقد أمرني أن أفارقك الحقي بأهلك) بفتح الحاء المهملة (فطلقها وتزوج منهم) أي من جرهم (أخرى) اسمها أسامة بنت مهلهل فيما قاله المسعودي تبعًا للواقدي أو بشامة بموحدة فمعجمة مخففة بنت مهلهل بن سعد بن عوف أو عاتكة وعن ابن إسحاق فيما حكاه ابن سعد رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمية وقيل غير ذلك (فلبث) بكسر الموحدة (عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده) أي لم يجد إسماعيل (فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت: خرج يبتغي لنا) الرزق (قال: كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت: نحن بخير وسعة) بفتح المهملة (وأثنت على الله) عز وجل خيرًا بما هو أهله (فقال) لها: (ما طعامكم؟ قالت: اللحم. قال فما شرابكم؟ قالت: الماء) وزاد في حديث أبي الجهم اللبن (قال) إبراهيم: (اللهم بارك لهم في اللحم والماء قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ولم يكن لهم يومئذٍ حب) حنطة أو نحوها (ولو كان لهم دعا لهم فيه قال: فهما) أي اللحم والماء (لا يخلو عليهما) بالخاء المعجمة وللكشميهني كما في الفتح لا يخلوان بالتثنية وقال ابن القطوية: خلوت بالشيء واختليت به إذا لم أخلط به غيره، ويقال خلى الرجل اللبن إذا شرب غيره. وقال الكرماني أي لا يعتمدهما (أحد) ويداوم عليهما (بغير مكة إلا لم يوافقاه) لما ينشأ عنهما من انحراف المزاج إلا في مكة فإنهما يوافقانه وهذا من جملة بركاتها وأثر دعاء الخليل عليه السلام. وفي حديث أبي جهم: ليس أحد يخلو على اللحم والماء بغير مكة إلا اشتكى بطنه، وزاد في حديثه فقالت له: انزل رحمك الله فاطعم واشرب. قال: إني لا أستطيع النزول. قالت: فإني أراك شعثًا أفلا أغسل رأسك وأدهنه؟ قال: بلى إن شئت فجاءته بالمقام وهو يومئذٍ أبيض مثل المهاة وكان في بيت إسماعيل ملقى فوضع قدمه اليمنى وقدم إليها شق رأسه وهو على دابته فغسلت شق رأسه الأيمن، فلما فرغ حوّلت له المقام حتى وضع قدمه اليسرى وقدم إليها برأسه فغسلت شق رأسه الأيسر، فالأثر الذي في المقام من ذلك ظاهر فيه موضع العقب والإصبع. (قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه) ثم مضى إبراهيم (فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه) خيرًا (فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير) وسعة (قال: فأوصاك بشيء؟ قالت: نعم. هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك) زاد أبو جهم في حديثه فإنها صلاح المنزل (قال) إسماعيل لها (ذاك أبي) بكسر الكاف (وأنت العتبة أمرني أن أمسكك) زاد أبو جهم ولقد كنت عليّ كريمة ولقد ازددت عليّ كرامة فولدت لإسماعيل عشرة ذكور (ثم لبث عنهم) إبراهيم (ما شاء الله ثم جاء) إليهم (بعد ذلك وإسماعيل يبري) بفتح التحتية وسكون الموحدة وكسر الراء من غير همز (نبلاً له) بفتح النون وسكون الموحدة أي سهمًا قبل أن يركب فيه نصله وريشه وهو السهم العربي (تحت دوحة) بفتح الدال والحاء المهملتين بينهما واو ساكنة شجرة وهي التي نزل إسماعيل وأمه تحتها أوّل ما قدما مكة كما مرّ (قريبًا من زمزم

فلما رآه) إسماعيل (قام إليه صنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد) من الاعتناق والمصافحة وتقبيل اليد ونحو ذلك. وفي رواية معمر قال: سمعت رجلاً يقول بكيا حتى أجابهما الطير (ثم قال) إبراهيم عليه السلام (يا إسماعيل إن الله) عز وجل (أمرني بأمر. قال) إسماعيل (فاصنع ما أمرك) به (ربك. قال: وتعينني)؟ عليه (قال: وأعينك) ولأبي ذر عن الكشميهني فأعينك (قال) إبراهيم: (فإن الله أمرني أن ابني هاهنا بيتًا وأشار إلى أكمة) بفتح الهمزة والكاف والميم إلى رابية (مرتفعة على ما حولها قال: فعند ذلك رفعا) إبراهيم وإسماعيل ولأبي ذر رفع بالإفراد أي إبراهيم (القواعد من البيت) جمع قاعدة وهي الأساس صفة غالبة من القعود بمعنى الثبات ورفعها البناء عليها فإنه ينقلها عن هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع (فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء) زاد أبو جهم وجعل طوله في السماء تسعة أذرع وعرضه في الأرض يعني دوره ثلاثين ذراعًاً كان ذلك بذراعهم (جاء) أي إسماعيل (بهذا الحجر) حجر المقام (فوضعه له) للخليل (فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع}) لدعائنا ({العليم}) ببنائنا (قال: فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}) وقد قيل: ليس في العالم بناء أشرف من الكعبة لأن الآمر بمعمارته رب العالمين، والمبلغ والمهندس جبريل الأمين، والباني هو الخليل والتلميذ المعين إسماعيل. 3365 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَمَّا كَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مَا كَانَ خَرَجَ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّ إِسْمَاعِيلَ، وَمَعَهُمْ شَنَّةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ فَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَوَضَعَهَا تَحْتَ دَوْحَةٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَهْلِهِ، فَاتَّبَعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ حَتَّى لَمَّا بَلَغُوا كَدَاءً نَادَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ: يَا إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَنْ تَتْرُكُنَا؟ قَالَ: إِلَى اللَّهِ. قَالَتْ: رَضِيتُ بِاللَّهِ. قَالَ: فَرَجَعَتْ فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنَ الشَّنَّةِ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا، حَتَّى لَمَّا فَنِيَ الْمَاءُ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا. قَالَ: فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتِ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ هَلْ تُحِسُّ أَحَدًا؟ فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا. فَلَمَّا بَلَغَتِ الْوَادِيَ سَعَتْ وَأَتَتِ الْمَرْوَةَ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ أَشْوَاطًا، ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ -تَعْنِي الصَّبِيَّ- فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَإِذَا هُوَ عَلَى حَالِهِ كَأَنَّهُ يَنْشَغُ لِلْمَوْتِ، فَلَمْ تُقِرَّهَا نَفْسُهَا، فَقَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا، فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتِ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا، حَتَّى أَتَمَّتْ سَبْعًا، ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ، فَإِذَا هِيَ بِصَوْتٍ، فَقَالَتْ: أَغِثْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ خَيْرٌ، فَإِذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: فَقَالَ بِعَقِبِهِ هَكَذَا، وَغَمَزَ عَقِبَهُ عَلَى الأَرْضِ، قَالَ: فَانْبَثَقَ الْمَاءُ، فَدَهَشَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَعَلَتْ تَحْفِرُ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: لَوْ تَرَكَتْهُ كَانَ الْمَاءُ ظَاهِرًا، قَالَ: فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا. قَالَ فَمَرَّ نَاسٌ مِنْ جُرْهُمَ بِبَطْنِ الْوَادِي فَإِذَا هُمْ بِطَيْرٍ، كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَاكَ، وَقَالُوا: مَا يَكُونُ الطَّيْرُ إِلاَّ عَلَى مَاءٍ، فَبَعَثُوا رَسُولَهُمْ فَنَظَرَ، فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ، فَأَتَاهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ، فَأَتَوْا إِلَيْهَا فَقَالُوا: يَا أُمَّ إِسْمَاعِيلَ أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَكُونَ مَعَكِ، أَوْ نَسْكُنَ مَعَكِ؟ فَبَلَغَ ابْنُهَا فَنَكَحَ فِيهِمُ امْرَأَةً. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي. قَالَ: فَجَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: ذَهَبَ يَصِيدُ. قَالَ: قُولِي لَهُ إِذَا جَاءَ: غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ. فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ، قَالَ: أَنْتِ ذَاكِ، فَاذْهَبِي إِلَى أَهْلِكِ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي. قَالَ فَجَاءَ فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: ذَهَبَ يَصِيدُ، فَقَالَتْ: أَلاَ تَنْزِلُ فَتَطْعَمَ وَتَشْرَبَ؟ فَقَالَ: وَمَا طَعَامُكُمْ، وَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتْ: طَعَامُنَا اللَّحْمُ وَشَرَابُنَا الْمَاءُ -قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بَرَكَةٌ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي، فَجَاءَ فَوَافَقَ إِسْمَاعِيلَ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ يُصْلِحُ نَبْلاً لَهُ، فَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ رَبَّكَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا. قَالَ: أَطِعْ رَبَّكَ. قَالَ: إِنَّهُ أَمَرَنِي أَنْ تُعِينَنِي عَلَيْهِ، قَالَ: إِذًا أَفْعَلَ -أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: فَقَامَا فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَيَقُولاَنِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم العقدي (قال: حدّثنا إبراهيم بن نافع) المخزومي المكي (عن كثير بن كثير) بالمثلثة فيهما ابن المطلب بن أبي وداعة (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما) أنه (قال: لما كان بين إبراهيم) الخليل (وبين أهله) سارة، وسقط وبين لابن عساكر (ما كان) من جنس الخصومة لما داخل سارة من الغيرة بسبب ولادة هاجر إسماعيل (خرج) إبراهيم (بإسماعيل وأم إسماعيل) إلى مكة (ومعهم شنة) بفتح الشين المعجمة والنون المشددة قربة يابسة (فيها ماء فجعلت أم إسماعيل) هاجر (تشرب من الشنة فيدرّ لبنها) بفتح الياء وكسر الدال المهملة (على صبيها حتى قدم مكة فوضعها) هي وإسماعيل (تحت دوحة) شجرة زاد في الرواية السابقة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذٍ أحد وليس بها ماء (ثم رجع إبراهيم إلى أهله فاتبعته) بتشديد الفوقية (أم إسماعيل) ومعها إسماعيل (حتى لما بلغوا كداء) بفتح الكاف والدال المهملة ممدودًا أعلى مكة ولأبي ذر وابن عساكر كدى بضم الكاف وتنوين الدال مفتوحة من غير همز والذي في اليونينية كدى من غير تنوين (نادته) هاجر (من ورائه يا إبراهيم إلى من تتركنا؟ قال: إلى الله). عز وجل (قالت: رضيت بالله. قال: فرجعت) إلى موضعها الأوّل (فجعلت تشرب من الشنة ويدرّ لبنها على صبيها) أي إسماعيل (حتى لما فني الماء) وانقطع لبنها (قالت: لو ذهبت فنظرت لعلّي أحس أحدًا) أي أشعر به أو أراه (قال: فذهبت) ولأبي ذر إسقاط لفظ قال (فصعدت الصفا) بكسر العين (فنظرت ونظرت هل تحس أحدًا فلم تحس أحدًا) فهبطت من الصفا (فلما بلغت الوادي سعت) سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي (وأتت) بالواو ولأبي ذر أتت (المروة) فقامت عليها ونظرت هل تحس أحدًا فلم تحس أحدًا (ففعلت) ولأبي ذر وفعلت (ذلك أشواطًا) سبعة (ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل تعني الصبي) إسماعيل (فذهبت فنظرت) إليه (فإذا هو على حاله كأنه ينشغ) بتحتية مفتوحة فنون ساكنة فشين مفتوحة فغين معجمتين يشهق من صدره (للموت) من شدة ما يرد عليه (فلم تقرها نفسها) بضم المثناة الفوقية وكسر القاف وتشديد الراء ونفسها رفع على الفاعلية أي لم تتركها نفسها مستقرّة فتشاهده في حال الموت (فقالت: لو ذهبت فنظرت لعلّي أحس أحدًا، فذهبت فصعدت الصفا فنظرت ونظرت فلم تحس

أحدًا حتى أتمت سبعًا ثم قالت: لو ذهبت فنظرت ما فعل) تعني ولدها (فإذا هي بصوت فقالت: أغث إن كان عندك خير فإذا جبريل) عند موضع زمزم، وفي حديث علّي عند الطبري بإسناد حسن: فناداها جبريل، فقال: من أنت؟ قالت: أنا هاجر أم ولد إبراهيم. قال: فإلى من وكلكما؟ قالت: إلى الله. قال: وكلكما إلى كافٍ. (قال فقال بعقبه) أشار بها (هكذا وغمز) بغين وزاي معجمتين (عقبه على الأرض قال فانبثق) بهمزة وصل فنون ساكنة فموحدة فمثلثة مفتوحتين فقاف فانخرق (الماء) وتفجر (فدهشت أم إسماعيل) بفتح الدال والهاء، ولأبي ذر: فدهشت بكسر الهاء (فجعلت تحفر) بكسر الفاء آخره راء وللكشميهني تحفن بنون بدل الراء أي تملأ كفيها من الماء والأولى أوجه، ففي رواية عطاء بن السائب عند عمر بن شبة فعلت تفحص الأرض بيديها (قال فقال أبو القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو تركته كان الماء ظاهرًا) على وجه الأرض (قال: فجعلت تشرب من الماء ويدرّ لبنها على صبيها) بفتح الياء وكسر الدال (قال: فمرّ ناس من جرهم ببطن الوادي فإذا هم بطير) عائف (كأنهم أنكروا ذاك وقالوا: ما يكون الطير إلا على ماء) ولم يعهد هنا ماء (فبعثوا رسولهم فنظر) هو ومن معه من أتباعه (فإذا هم بالماء) ولأبي ذر فنظروا فإذا هو بواو الجمع وميمه ولأبي ذر أيضًا فنظر فإذا هو بالإفراد فيهما (فأتاهم فأخبرهم) بوجود الماء (فأتوا إليها فقالوا: يا أم إسماعيل أتأذنين لنا أن نكون معك أو نسكن معك)؟ شك من الراوي، وزاد في الرواية السابقة فقالت: نعم، ولكن لا حق لكم في الماء. قالوا: نعم فنزلوا وأرسلوا إلى أهليم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشبّ الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شبّ (فبلغ ابنها) الفاء فصيحة أي فأذنت فكان كذا فبلغ كما مرّ (فنكح فيهم امرأة) تسمى عمارة بنت سعد أو غيرها كما مر قريبًا (قال: ثم إنه بدا) ظهر (لإبراهيم) التوجه إليهما (فقال لأهله): سارة (إني مطلع) بضم الميم وتشديد الطاء (تركتي) أي ما تركته بمكة وهو إسماعيل وأمه، وعند الفاكهي من وجه آخر عن ابن جريج عن رجل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن سارة داخلتها غيرة فقال لها إبراهيم لا أنزل حتى أرجع إليك (قال فجاء) بعدما تزوّج إسماعيل فلم يجده (فسلم فقال) لامرأته: (أين إسماعيل؟ فقالت امرأته: ذهب يصيد) وفي رواية ابن جريج وكان عيش إسماعيل الصيد يخرج فيتصيد وزاد المؤلّف في الرواية السابقة، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت: نحن بشر نحن في ضيق وشدة فشكت إليه (قال) إبراهيم (قولي له) لإسماعيل (إذا جاء غيِّر عتبة بابك) ولأبي ذر وابن عساكر بيتك بدل بابك (فلما جاء) إسماعيل (أخبرته) بذلك (قال) ولأبي ذر فقال (أنت ذاك) المراد بالعتبة أمرني بطلاقك (فاذهبي إلى أهلك) زاد في الرواية السابقة فطلقها وتزوج منهم أخرى (قال: ثم إنه بدا لإبراهيم) التوجه إلى إسماعيل بمكة (فقال لأهله) زوجته (إني مطلع تركتي قال فجاء) منزل إسماعيل (فقال أين إسماعيل؟ فقالت امرأته: ذهب يصيد فقالت ألا) بالتخفيف (تنزل فتطعم وتشرب فقال) لها: (وما طعامكم وما شرابكم؟ قالت) له: (طعامنا اللحم وشرابنا الماء. قال: اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم قال فقال أبو القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بركة) أي في طعام مكة وشرابها بركة ففيه حذف (بدعوة إبراهيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضمير التثنية أي نبينا وإبراهيم وثبتت التصلية لأبي ذر (قال ثم إنه بدا لإبراهيم) التوجه لمكة (فقال لأهله: إني مطلع تركتي فجاء) لمكة (فوافق إسماعيل من وراء زمزم يصلح نبلاً له) بفتح النون وسكون الموحدة سهامًا عربية بغير نصل ولا ريش (فقال يا إسماعيل إن ربك أمرني أن أبني له بيتًا) هاهنا (قال) إسماعيل: (أطع ربك. قال: إنه قد أمرني أن تعينني عليه. قال) إسماعيل: (إذن أفعل) نصب (أو كما قال قال فقاما فجعل إبراهيم يبني وإسماعيل يناوله الحجارة ويقولان: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} [البقرة: 127] قال حتى ارتفع البناء

10 - باب

وضعف الشيخ) إبراهيم عليه السلام (على) ولأبي ذر عن الكشميهني: عن (نقل الحجارة فقام على حجر المقام فجعل) إسماعيل (يناوله الحجارة ويقولان: {ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}) وفي حديث عثمان ونزل عليه الركن والمقام، فكان إبراهيم يقوم على المقام يبني عليه ويرفعه إسماعيل، فلما بلغ الموضع الذي فيه الركن وضعه يومئذٍ موضعه وأخذ المقام فجعله لاصقًا بالبيت فلما فرغ إبراهيم من بناء الكعبة جاءه جبريل فأراه المناسك كلها، ثم قام إبراهيم على المقام فقال: يا أيها الناس أجيبوا ربكم فوقف إبراهيم وإسماعيل تلك المواقف وحجه إبراهيم وسارة من بيت المقدس ثم رجع إبراهيم إلى الشام فمات بالشام زاد في نسخة الصغاني هنا لفظ باب وسقط لغيره. 10 - باب 3366 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ. قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الأَقْصَى قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً. ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ". [الحديث 3366 - طرفه في: 3425]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا إبراهيم التيمي عن أبيه) يزيد بن شريك بن طارق التيمي أنه (قال: سمعت أبا ذر -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أوّل)؟ بفتح اللام غير منصرف ولأبي ذر أوّل بضمها ضمة بناء لقطعها عن الإضافة كما بنيت قبل وبعد قال أبو البقاء وهو الوجه والتقدير أوّل كل شيء ويجوز النصب منصرفًا أي أي مسجد وضع أوّلاً للصلاة (قال) عليه الصلاة والسلام: (المسجد الحرام قال) أبو ذر: (قلت) يا رسول الله: (ثم أيّ)؟ بالتنوين مشدّدًا أي ثم أي مسجد وضع بعد المسجد الحرام (قال) عليه الصلاة والسلام: (المسجد الأقصى) مسجد بيت المقدس بني بعده وسمي بالأقصى لبعد المسافة بينه وبين الكعبة أو لأنه لم يكن وراءه مسجد أو لبعده عن الأقذار والخبائث (قلت) يا رسول الله: (كم كان بينهما)؟ أي كم بين بناءي المسجدين (قال) عليه الصلاة والسلام: بينهما (أربعون سنة) استشكل بأن الخليل بنى الكعبة وسليمان بنى الأقصى وبينهما أكثر من أربعين سنة. وأجيب: بأنه لا دلالة في الحديث على أن الخليل وسليمان ابتدآ وضعهما لهما بل إنما جددا ما كان أسسه غيرهما، فليس إبراهيم أول من بنى الكعبة ولا سليمان أول من بنى الأقصى وبناء آدم للكعبة مشهور، فجائز أن يكون لما فرغ آدم من بناء الكعبة وانتشر ولده في الأرض بنى بعضهم المسجد الأقصى، وفي كتاب التيجان لابن هشام: أن آدم بنى الكعبة أمره الله تعالى بالمسير إلى بيت المقدس وأن يبنيه فبناه ونسك فيه. (ثم أينما أدركتك الصلاة بعد) أي بعد إدراك وقتها (فصلّه) بهاء السكت وللكشميهني: فصلِّ (فإن الفضل فيه) أي في فعل الصلاة إذا حضر وقتها زاد من وجه آخر عن الأعمش والأرض لك مسجدًا. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في (¬1) ... ومسلم في الصلاة والنسائي فيه وفي التفسير وابن ماجه في الصلاة. 3367 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ: هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا». رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام القعنبي (عن مالك) الإمام الأعظم (عن عمرو بن أبي عمرو) بفتح العين فيهما واسمه ميسرة (مولى المطلب) بن عبد الله بن حنطب القرشي المخزومي (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طلع) ظهر (له أُحد) بضم الهمزة والحاء المهملة جبل معروف بالمدينة (فقال): (هذا جبل يحبنا) حقيقة أو مجازًا أو هو من باب الإضمار أي يحبنا أهله (ونحبه اللهم إن إبراهيم حرم مكة) إسناد التحريم إليه لأنه مبلغه وإلاّ فهي حرام بحرمة الله يوم خلق السماوات والأرض كما ثبت في حديث آخر عند المؤلّف (وإني أحرم ما بين لابتيها). بتخفيف الموحدة تثنية لابة وهي الحرة الأرض ذات الحجارة السود. وهذا الحديث مرّ في كتاب الجهاد في باب فضل الخدمة في الغزو (ورواه) أي الحديث المذكور وثبتت الواو لأبي ذر (عبد الله بن زيد) الأنصاري فيما وصله في البيوع في باب بركة صاع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). هذا آخر المجلدة الأولى من اليونينية كما رأيته بهامش الفرع بخط الشيخ شمس الدين المزي الحريري. 3368 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنهم- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ بَنَوُا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ فَقَالَ: لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرَكَ اسْتِلاَمَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إِلاَّ أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ». وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) ¬

(¬1) بياض في الأصل.

التنيسي قال: أخبرنا مالك الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم بن عبد الله) بن عمر (أن ابن أبي بكر) هو عبد الله بن أبي بكر الصدّيق (أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة -رضي الله عنهم- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) لها: (ألم تري أن قومك) قريشًا (بنوا الكعبة) ولأبي ذر عن الكشميهني: لما بنوا الكعبة (اقتصروا عن قواعد إبراهيم) جمع قاعدة وهي الأساس (فقلت يا رسول الله ألا تردّها على قواعد إبراهيم؟ فقال) عليه الصلاة والسلام (لولا حدثان قومك) قريش بكسر الحاء وسكون الدال المهملتين وفتح المثلثة مبتدأ خبره محذوف وجوبًا أي موجود أي قرب عهدهم (بالكفر) زاد في الحج: لفعلت: (فقال عبد الله بن عمر: لئن كانت عائشة) -رضي الله عنها- (سمعت هذا من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الترديد للتقرير لا للشك والتضعيف (ما أرى) بضم الهمزة ما أظن (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لغير الحموي والمستملي لفظ أن (ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر) بكسر المهملة وسكون الجيم (إلا أن البيت لم يتمم) ما نقص منه وهو الركن الذي كان في الأصل (على قواعد إبراهيم) عليه السلام فالموجود الآن فى جهة الحجر بعض الجدار الذي بنته قريش. (وقال إسماعيل) بن أبي أويس في روايته لهذا الحديث (عبد الله بن أبي بكر) فبين أن ابن أبي بكر المذكور في الرواية السابقة هو عبد الله، وقد أورد المؤلّف حديث إسماعيل هذا في التفسير، وقوله وقال إسماعيل الخ ثابت لأبي ذر عن المستملي والكشميهني. 3369 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ -رضي الله عنه-: «أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». [الحديث 3369 - طرفه في: 6360]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك بن أنس) الإمام الأعظم وسقط ابن أنس لأبي ذر (عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي (عن أبيه) أبي بكر (عن عمرو بن سليم) بفتح العين كالسابق وسليم بضم السين مصغرًا (الزرقي) بضم الزاي وفتح الراء بعدها قاف مكسورة أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو حميد) عبد الرَّحمن (الساعدي -رضي الله عنه- أنهم) أي الصحابة -رضي الله عنهم- (قالوا) ولأبي الوقت وابن عساكر أنه أي أبا حميد الساعدي قال: (يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قولوا اللهم صلّ على محمد) صلاة تليق به (وأزواجه وذريته) نسله أولاد بنته فاطمة -رضي الله عنها- صلاة تليق بهم (كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد). وعند ابن ماجه: كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، ولفظ الآل مقحم: والمعنى كما سبقت منك الصلاة على إبراهيم نسألك الصلاة على سيدنا محمد بطريق الأولى، وبهذا التقرير يندفع الإيراد المشهور وهو أن من شرط التشبيه أن يكون المشبه به أقوى، والحاصل من الجواب أن التشبيه هنا ليس من باب إلحاق الكامل بالأكمل بل من باب التهييج ونحوه، والمراد بالبركة النموّ والزيادة من الخير والكرامة أو التطهير من العيوب والتزكية، أو المراد ثبات ذلك ودوامه واستمراره من قولهم: بركت الإبل أي ثبتت على الأرض، وبه جزم أبو اليمن ابن عساكر فيما حكاه شيخنا فقال: وبارك أي فأثبت وأدم لهم ما أعطيتهم من الشرف والكرامة. قال شيخنا: ولم يصرح أحد بوجوب قوله وبارك على محمد فيما عثرنا عليه غير أن ابن حزم ذكر ما يفهم وجوبها في الجملة فقال: على المرء أن يبارك عليه ولو مرة في العمر، وأن يقولها بلفظ خبر ابن مسعود أو حميد أو كعب. وظاهر كلام صاحب المغني من الحنابلة وجوبها في الصلاة فإنه قال: وصفة الصلاة كما ذكرها الخرقي والخرقي إنما ذكر ما اشتمل عليه حديث كعب ثم قال: وإلى هنا انتهى الوجوب. والظاهر أن أحدًا من الفقهاء لا يوافق على ذلك قاله المجد الشيرازي. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الدّعوات ومسلم في الصلاة وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجه. 3370 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا أَبُو قُرَّةَ مُسْلِمُ بْنُ سَالِمٍ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: «لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلاَ أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقُلْتُ: بَلَى فَاهْدِهَا لِي، فَقَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلاَةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ. قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». [الحديث 3370 - طرفاه في: 4797، 6357]. وبه قال: (حدّثنا قيس بن حفص) أبو محمد الدارمي مولاهم البصري

(وموسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري (قالا: حدّثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري قال: (حدّثنا أبو فروة) بالفاء المفتوحة والراء الساكنة بعدها واو (مسلم بن سالم الهمداني) بفتح الهاء وسكون الميم بالدال المهملة ونقل الكرماني عن الغساني أنه قال: يروى عن أحمد أن اسم أبي فروة عروة لا مسلم اهـ. وفي تقريب التهذيب عروة بن الحرث الكوفي أبو فروة الأكبر ومسلم بن سالم النهدي أبو فروة الأصغر الكوفي ويقال له الجهني لنزوله فيهم فهما اثنان لكن الموافق للهمداني عروة فليتأمل. (قال: حدثني) بالإفراد (عبد الله بن عيسى) بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى أنه (سمع) جده (عبد الرَّحمن بن أبي ليلى) بفتح اللامين الأنصاري المدني ثم الكوفي (قال: لقيني كعب بن عجرة) بضم العين وفتح الراء المهملتين بينهما جيم ساكنة البلوي حليف الأنصار، وعند الطبري وهو يطوف بالبيت (فقال: ألا أهدي) بضم الهمزة (لك هدية سمعتها من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت) له (بلى فأهدها لي) بقطع الهمزة (فقال: سألنا) بسكون اللام (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة) أي كيف لفظ الصلاة عليكم أهل البيت بنصب أهل علي الاختصاص (فإن الله قد علمنا كيف نسلم) زاد الكشميهني عليكم يعني في التشهد وهو قول المصلي: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، والمعنى علمنا الله كيفية السلام عليك على لسانك وبواسطة بيانك (قال): (قولوا اللهم) أي يا الله (صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إِبراهيم إنك حميد مجيد) والأمر للوجوب (اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم) ولغير أبي ذر وعلى آل إبراهيم (إنك حميد مجيد) والمرجح أن المراد بآل محمد هنا من حرمت عليهم الصدقة، وقيل أهل بيته، وقيل أزواجه وذريته لأن أكثر طرق الحديث جاء بلفظ آل محمد. وفي حديث أبي حميد السابق موضعه وأزواجه وذريته فدلّ على أن المراد بالآل الأزواج والذرية. وتعقب بأنه ثبت الجمع بين الثلاثة كما في حديث أبي هريرة عند أبي داود فلعل بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ غيره، والمراد بالآل في التشهد الأزواج ومن حرمت عليهم الصدقة وتدخل فيهم الذرية فبذلك يجمع بين الأحاديث. وقد أطلق -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أزواجه آل محمد كما في حديث عائشة ما شبع آل محمد من خبز مأدوم ثلاثة أيام. وقيل: الآل ذرية فاطمة خاصة حكاه النووي في المجموع، وقيل جميع قريش حكاه ابن الرفعة في الكفاية، وقيل جميع أمة الإجابة، ورجحه النووي في شرح مسلم وقيد القاضي حسين بالأتقياء منهم. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الدعوات والتفسير في الصلاة وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. 3371 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ». وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) نسبة لجده واسم أبيه محمد واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد الرازي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن المنهال) بكسر الميم وسكون النون ابن عمرو الأسدي الكوفي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعوّذ الحسن والحسين) ابني فاطمة ويعوذ بالذال المعجمة (ويقول) لهما: (إن أباكما) جدكما الأعلى إبراهيم عليه السلام (كان يعوذ بها) بالكلمات الآتية إن شاء الله تعالى، ولأبي الوقت وابن عساكر: بهما بلفظ التثنية (إسماعيل وإسحاق) ابنيه وهي (أعوذ بكلمات الله) كلامه على الإطلاق أو المعوّذتين أو القرآن (التامة) صفة لازمة أي الكاملة أو النافعة أو الشافية أو المباركة (من كل شيطان) إنسي وجني (وهامة) بتشديد الميم واحدة الهوام ذوات السموم (ومن كل عين لامّة) بالتشديد أيضًا التي تصيب بسوء. وقال الخطابي: كل آفة تلم بالإنسان من جنون وخبل ونحوه كذا بالتاء في الثلاثة وبالهاء الساكنة. وهذا الحديث أخرجه أبو داود في السنة والترمذي في الطب والنسائي في التعوذ وفي

11 - باب قوله عز وجل: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه} الآية [الحجر: 51]

اليوم والليلة وابن ماجه في الطب. 11 - باب قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ} الآيَةَ [الحجر: 51] {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى} الآيَةَ [البقرة: 260] هذا (باب) بالتنوين في قوله عز وجل وملحق في اليونينية بعد باب بين الأسطر قوله عز وجل ({ونبئهم}) أي وأخبر عبادي ({عن ضيف إبراهيم}) أي أضيافه جبريل وميكائيل وإسرافيل ودردائيل ({إذ دخلوا عليه}) [الحجر: 51] (الآية) وكانوا دخلوا مشاة في صورة رجال مرد حسان، فلما رآهم سرّ بهم فخرج إلى أهله فجاء بعجل سمين مشوي فقربه إليهم فأمسكوا أيديهم فقال: إنّا منكم وجلون. قالوا: (لا توجل) أي (لا تخف) وإنما خاف منهم لأنهم دخلوا بغير وقت وبغير إذن أو لأنهم امتنعوا من الأكل. فإن قيل: كيف سماهم ضيفًا مع امتناعهم من الأكل؟ أجيب: بأنه لما ظن إبراهيم أنهم إنما دخلوا عليه لطلب الضيافة جاز تسميتهم بذلك وقيل: إن من دخل دار إنسان والتجأ إليه سمي ضيفًا وإن لم يأكل. ({وإذ قال إبراهيم: رب أرني كيف تحيي الموتى} إلى قوله {ولكن ليطمئن قلبي} [البقرة: 260]) قال القرطبي: الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حال شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسؤول نحو قولك كيف علم زيد وكيف نسج الثوب ونحو هذا فكيف في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء والإحياء متقرر اهـ. وسقط لأبي ذر قوله {ولكن ليطمئن قلبي} وثبت له سابقه في فرع اليونينية وفيها. وقال الحافظ ابن حجر بعد قوله باب قوله: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم} الآية لا توجل لا تخف كذا اقتصر في هذا الباب على تفسير هذه الكلمة، وبذلك جزم الإسماعيلي وقال: ساق الآيتين بلا حديث، ثم قال الحافظ بعد قوله: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى} [البقرة: 206] كذا وقع هذا الكلام لأبي ذر متصلاً بالباب، ووقع في رواية كريمة بدل قوله {ولكن ليطمئن قلبي} وحكى الإسماعيلي أنه وقع عنده باب قوله {وإذا قال إبراهيم} الخ وسقط كل ذلك للنسفي، وصار حديث أبي هريرة تكملة الباب الذي قبله فكملت به الأحاديث عشرين حديثًا وهو متجه اهـ. 3372 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نَحْنُ أَحَقُّ بالشَكّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ: أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ: بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}، وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ». [الحديث 3372 - أطرافه في: 3375، 3387، 4537، 4694، 6992]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن صالح) المصري قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن) بن عوف (وسعيد بن المسيب) كلاهما (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) على سبيل التواضع. (نحن أحق من إبراهيم) ولأبي ذر عن الكشميهني: نحن أحق بالشك من إبراهيم (إذ قال) لما رأى جيفة حمار مطروحة على شط البحر فإذا مدّ البحر أكل دواب البحر منها وإذا جزر البحر جاءت السباع فأكلت، وإذا ذهبت جاءت الطيور فأكلت وطارت ({رب أرني كيف تحيي الموتى}) أي كيف تجمع أجزاء الحيوان من بطون السباع والطيور ودواب البحر، أو لما ناظر نمروذ حين قال: ربي الذي يحيي ويميت، وقال الملعون: أنا أحيي وأميت وأطلق محبوسًا وأقتل رجلاً. فقال إبراهيم عليه السلام: إن إحياء الله تعالى برد الروح إلى بدنها. فقال نمروذ، فهل عاينته؟ فلم يقدر أن يقول نعم. وانتقل إلى تقرير آخر فقال له نمروذ لعنه الله: قل لربك حتى يحيي وإلا قتلتك فسأل الله تعالى ذلك، وقيل: إن الله لما أوحى إليه أني متخذ بشرًا خليلاً فاستعظم إبراهيم عليه السلام ذلك فقال: إلهي ما علامة ذلك؟ قال: إنه يحيي الموتى بدعائه فلما عظم مقام إبراهيم في العبودية خطر بباله أنه الخليل فسأل إحياء الموتى ({قال أو لم تؤمن}) بأني قادر على جمع الأجزاء المتفرقة أو على الإحياء بإعادة التركيب والروح إلى الجسد ({قال بلى}) آمنت ({ولكن}) سألت ({ليطمئن قلبي}) [البقرة: 260] ليحصل الفرق بين المعلوم بالبرهان والمعلوم عيانًا أو ليطمئن قلبي بقوة حجتي، إذا قيل لي: أنت عاينت؟ أقول: نعم. أو ليطمئن قلبي بأني خليل لك، فظهر أن سؤال إبراهيم لم يكن شكًّا بل من قبيل زيادة العلم بالعيان فإن العيان يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيده الاستدلال. وعن الشافعي في معنى الحديث الشك يستحيل في حق إبراهيم عليه السلام ولو كان الشك متطرقًا إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لكنت الأحق به من إبراهيم وقد علمتم أن إبراهيم لم يشك فإذا لم أشك

12 - باب قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد} [مريم: 54]

أنا ولم أرتب في القدرة على الإحياء فإبراهيم أولى بذلك. وقال الزركشي وذكر صاحب الأمثال السائرة: إن أفعل تأتي في اللغة لنفي المعنى عن الشيئين نحو: الشيطان خير من زيد أي لا خير فيهما وكقوله تعالى: {أهم خير أم قوم تبع} [الدخان: 37] أي لا خير في الفريقين وعلى هذا فمعنى قوله نحن أحق بالشك من إبراهيم لا شك عندما جميعًا قال وهو أحسن ما يتخرج عليه هذا الحديث اهـ. وكذا نقله في الفتح، لكن عن بعض علماء العربية قال في المصابيح وهذا غير معروف عند المحققين. (ويرحم الله لوطًا) اسم أعجمي وصرف مع المعجمة والعلمية لسكون وسطه (لقد كان يأوي) في الشدائد (إلى ركن شديد) إلى الله تعالى. وقال مجاهد إلى العشيرة، ولعله يريد لو أراد لأوى إليها ولكنه أوى إلى الله تعالى. وقال أبو هريرة: ما بعث الله نبيًّا إلا في منعة من عشيرته (ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف) بضع سنين ما بين الثلاث إلى التسع (لأجبت الداعي) لأسرعت الإجابة في الخروج من السجن ولما قدّمت طلب البراءة. قال محيي السنة: وصف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوسف بالأناة والصبر حيث لم يبادر إلى الخروج حين جاءه رسول الملك فعل المذنب حين يعفى عنه مع طول لبثه في السجن بل قال {ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن} [يوسف: 50] أراد أن يقيم الحجة في حبسهم إياه ظلمًا فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على سبيل التواضع لا أنه عليه الصلاة والسلام كان في الأمر منه مبادرة وعجلة لو كان مكان يوسف والتواضع لا يصغر كبيرًا ولا يضع رفيعًا ولا يبطل الذي حق حقًّا لكنه يوجب لصاحبه فضلاً ويكسبه إجلالاً وقدرًا. اهـ. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير ومسلم في الإيمان وفي الفضائل وابن ماجه في الفتن. 12 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: 54] (باب قول الله تعالى {واذكر في الكتاب}) في القرآن ({إسماعيل إنه كان صادق الوعد}) [مريم: 54] قال ابن جريج: لم يعد ربه عدة إلا أنجزها. قال ابن كثير: يعني ما التزم عبادة قط بنذر إلا قام بها ووفاها حقها. وعند ابن جرير عن سهل بن عقيل أن إسماعيل وعد رجلاً مكانًا أن يأتيه فجاء ونسي الرجل فظل به إسماعيل وبات حتى جاء الرجل من الغد فقال: ما برحت من هاهنا: قال: لا. قال: إني نسيت. قال: لم أكن لأبرح حتى تأتيني فلذلك كان صادق الوعد. وقال سفيان الثوري: بلغني أنه أقام في ذلك المكان ينتظره حولاً حتى جاءه. وقال ابن شوذب بلغني أنه اتخذ ذلك الموضع مسكنًا، وناهيك أنه وعد الصبر على الذبح حيث قال ستجدني إن شاء الله من الصابرين فوفى به. 3373 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه- قَالَ: «مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، ارموا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ. قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ: ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي مولاهم البلخي قال: (حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة وكسر الفوقية ابن إسماعيل الكوفي (عن يزيد بن أبي عبيد) بضم العين مصغرًا مولى سلمة بن الأكوع (عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-) أنه (قال: مرّ النبي) ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على نفر) عدة من رجال من ثلاثة إلى عشرة (من أسلم) القبيلة المعروفة حال كونهم (ينتضلون) بالضاد المعجمة يترامون على سبيل المسابقة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ارموا بني إسماعيل) يا بني إسماعيل بن إبراهيم الخليل (فإن أباكم) إسماعيل وأطلق عليه أبا مجازًا لأنه جدهم الأبعد (كان راميًا وأنا مع بني فلان) يعني ابن الأدرع كما في حديث أبي هريرة عند ابن حبان في صحيحه واسمه محجن كما في الطبراني ولأبي ذر ارموا وأنا مع بني فلان وله عن الحموي والمستملي مع ابن فلان (قال: فأمسك أحد الفريقين بأيديهم) عن الرمي (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما لكم لا ترمون؟ فقالوا: يا رسول الله نرمي وأنت معهم؟ قال) ولأبي الوقت فقال (ارموا وأنا) بالواو (معكم كلكم) بجر اللام تأكيدًا للضمير المجرور. وهذا الحديث سبق في باب التحريض على الرمي من كتاب الجهاد. 13 - باب قِصَّةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ. فِيهِ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب قصة إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام) ولأبي ذر: قصة إسحاق بن إبراهيم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإسقاط الباب ورفع قصة ولم يقل وسلم (فيه) أي في الباب (ابن عمر وأبو هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكأنه يشير بحديث الأول إلى الآتي إن شاء الله تعالى في قصة يوسف،

14 - باب {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت} -إلى قوله- {ونحن له مسلمون} [البقرة: 133]

وبالثاني إلى الحديث المذكور في الباب اللاحق كذا قرره في الفتح ثم قال: وأغرب ابن التين فقال: لم يقف البخاري على سنده فأرسله وهو كلام من لم يفهم مقاصد البخاري ونحوه قول الكرماني قوله فيه أي في الباب حديث من رواية ابن عمر في قصة إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام فأشار البخاري إليه إجمالاً ولم يذكره بعينه لأنه لم يكن على شرطه اهـ. قال وليس الأمر كذلك لما بينته وتعقبه العيني فقال: هذه مناقشة باردة لأن كل من له أدنى فهم يفهم أن ما قاله ابن التين والكرماني هو الكلام الواقع في محله وكلامهما أوجه من كلامه المشتمل على التردد في قوله كأنه يشير الخ ... فلينظر المتأمل الحاذق في حديث ابن عمر الذي في قصة يوسف هل يجد لما ذكره من الإشارة إليه وجهًا قريبًا أو بعيدًا؟ وأجاب الحافظ ابن حجر في انتقاض الاعتراض بأنه لما أورد في آخر قصة يوسف حديث ابن عمر الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبرهيم وكان معناه أن من جملة قصته أنه من أنبياء الله وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سوّى بينه وبين من ذكر من آبائه في صفة الكريم فأشار إلى ذلك في قصة والده للتسوية المذكورة. وأما حديث أبي هريرة الذي في الباب الذي يليه فإنه يشتمل على ما تضمنه حديث ابن عمر مع بيان سبب الحديث وغير ذلك من الزيادة فيه، وإنما قال في حق ابن التين إن كلامه يقتضي أنه ما فهم مقصد البخاري لأنه ادّعى وجود حديث يتعلق بقصة إسحاق بن إبراهيم وجده البخاري ولم يقف على سنده فذكره مرسلاً وليست هذه طريقة البخاري أنه يعتمد على حديث لم يقف على إسناده وأما الكرماني فقوله أقرب من قول ابن التين لأنه يقتضي إثبات وجود الحديث بسنده ومتنه لكنه ليس على شرط البخاري فلذلك علقه ولكنه لم يطرد ذلك من صنيعه لأنه لا يقتصر في التعليق على ما لم يكن بشرطه بل تارة يكون بشرطه ويكون قد ذكره في مكان آخر وتارة لا يوجد إلا معلقًا وإن كان بشرطه وتارة لا يكون على شرطه اهـ. 14 - باب {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} -إِلَى قَوْلِهِ- {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت}) أم هي المنقطعة والمنقطعة تقدر ببل وهمزة الاستفهام، وبعضهم يقدرها ببل وحدها ومعنى الإضراب انتقال من شيء إلى شيء لا إبطال له، ومعنى الاستفهام الإنكار والتوبيخ فيؤول معناه إلى النفي. أي: بل أكنتم شهداء يعني لم تكونوا حاضرين إذ حضر يعقوب الموت وقال لبنيه ما قال فلم تدعون اليهودية عليه، أو متصلة بمحذوف تقديره: أكنتم غائبين أم كنتم شهداء؟ وقيل: الخطاب للمؤمنين أي ما شهدتم ذلك وإنما علمتموه من الوحي، وقوله: إذ حضر منصوب بشهداء على أنه ظرف لا مفعول به أي شهداء وقت حضور الموت إياه وحضور الموت كناية عن حضور أسبابه ومقدماته {إذ قال لبنيه} [البقرة: 133] (الآية) إذ بدل من الأولى أو ظرف لحضر. قال عطاء: إن الله لم يقبض نبيًّا حتى يخيره بين الموت والحياة فلما خير يعقوب قال: أنظرني حتى أسأل ولدي وأوصيهم ففعل ذلك به وجمع ولده وولد ولده وقال لهم: قد حضر أجلي فما تعبدون من بعدي؟ قالوا: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، والعرب تجعل العم أبًا كما تسمي الخالة أمًا قال القفال: وقيل إنه قدم ذكر إسماعيل على إسحاق لأن إسماعيل كان أسنّ من إسحاق. وقوله: إذ قال لبنيه الخ ... ثابت لأبي ذر ساقط لغيره وقالوا بعد قوله ({إذ حضر يعقوب الموت}) إلى قوله: ({ونحن له مسلمون}) أي مذعنون مخلصون. 3374 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ الْمُعْتَمِرَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قِيلَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَكْرَمُهُمْ أَتْقَاهُمْ. قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ. قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِني؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا». وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه أنه (سمع المعتمر) بن سليمان بن طرخان (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قيل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أكرم الناس)؟ عند الله (قال) عليه الصلاة والسلام: (أكرمهم أتقاهم) أي أشدهم لله تقوى (قالوا: يا نبي الله ليس عن هذا نسألك. قال): (فأكرم الناس يوسف نبي الله

15 - باب {ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون * أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون * فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون * فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين * وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين} [النمل: 84 - 88]

ابن نبي الله) إسحاق (ابن خليل الله) إبراهيم والمراد أنهم أكرم الناس أصلاً لأنهم سلسلة النبوة (قالوا: ليس عن هذا نسألك قال فعن) ولأبي ذر: أفعن (معادن العرب) أي أصولها التي ينسبون إليها "تسألوني"؟ ولأبي ذر تسألونني بنونين فتحتية (قالوا: نعم. قال فخياركم في الجاهلية خياركم) بالكاف فيهما (في الإسلام إذا فقهوا) بضم القاف ولأبي ذر فقهوا بكسرها وفيه فضل الفقه وأنه يرفع صاحبه على من نسبه أعلى منه. وهذا الحديث سبق في باب قوله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلاً}. 15 - باب {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ * فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ * وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} [النمل: 84 - 88] هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله تعالى في سورة النمل ({ولوطا}) نصب عطفًا على صالحًا أي وأرسلنا لوطًا أو عطفًا على الذين آمنوا أي وأنجينا لوطًا أو باذكر مضمرة ({إذ قال}) بدل على اذكر وظرف على أرسلنا. قال الطيبي: ولا يجوز أن يكون بدلاً إذ لا يستقيم أرسلنا وقت قوله: ({لقومه أتاتون الفاحشة}) الفعلة القبيحة والاستفهام إنكاري ({وأنتم تبصرون}) جملة حالية من فاعل تأتون أو من الفاحشة والعائد محذوف أي وأنتم تبصرونها لستم عميًا عنها جاهلين بها واقتراف القبائح من العالم بقبحها أقبح، وقيل يرى بعضكم بعضًا وكانوا لا يستترون عتوًّا منهم ({أئنكم لتأتون الرجال شهوة}) مفعول من أجله وبيان لإتيانهم الفاحشة ({من دون النساء}) اللاتي خلقن لذلك ({بل أنتم قوم تجهلون}) عاقبة المعصية أو موضع قضاء الشهوة. وقول الزمخشري فإن قلت: فسرت تبصرون بالعلم وبعده بل أنتم قوم تجهلون فكيف يكونون علماء جهلاء؟ فالجواب: تفعلون فعل الجاهلين بأنها فاحشة مع علمكم بذلك تعقبه الطيبي فقال: هذا الجواب غير مرضي تأباه كلمة الإضراب، بل أنه تعالى لما أنكر عليهم فعلهم على الإجمال وسماه فاحشة وقيده بالحال المقررة لجهة الاشكال تتميمًا للإنكار بقوله: {وأنتم تبصرون} أراد مزيد ذلك التوبيخ والإنكار فكشف عن حقيقة تلك الفاحشة متصلاً، وصرح بذكر الرجال على بلام الجنس مشيرًا به إلى أن الرجولية منافية لهذه الحالة، وقيده بالشهوة التي هي أخس أحوال البهيمة. وقد تقرر عند ذوي البصائر أن إتيان النساء لمجرد الشهوة مسترذل فكيف بالرجال؟ وضم إليه من دون النساء وآذن بأن ذلك ظلم فاحش ووضع للشيء في غير موضعه، ثم اضرب عن الكل بقوله: {بل أنتم قوم تجهلون} أي كيف يقال لمن يرتكب هذه الشنعاء وأنتم تعلمون فأولى حرف الإضراب ضمير أنتم وجعلهم قومًا جاهلين والتفت في تجهلون موبخًا معيرًا اهـ. ولما بيّن تعالى جهلهم بين أنهم أجابوا بما لا يصلح أن يكون جوابًا فقال: ({فقال كان جواب قومه}) خبر متقدم ({إلا أن قالوا}) في موضع الاسم ({أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون}) أي يتنزهون عن أفعالنا التي هي إتيان أدبار الرجال قالوه تهكمًا واستهزاء ({فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها}) قضينا عليها وجعلناها بتقديرنا ({من الغابرين}) من الباقين في العذاب ({وأمطرنا عليهم مطرًا}) وهو الحجارة ({فساء}) فبئس ({مطر المنذرين}) أي مطرهم فالمخصوص بالذم محذوف وسقط لأبي ذر قوله {وأنتم تبصرون} إلى آخر {وأمطرنا عليهم مطرًا} وقال بعد قوله {أتأتون الفاحشة} إلى قوله {فساء مطر المنذرين}. 3375 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَغْفِرُ اللَّهُ لِلُوطٍ إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يغفر الله للوط إن كان) أي أنه كان (ليأوي إلى ركن شديد) إلى الله تعالى. وسبق هذا الحديث في باب قوله عز وجل: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم} [الحجر: 51]. 16 - باب {فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ * قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} [الحجر: 62]. {بِرُكْنِهِ}: بِمَنْ مَعَهُ لأَنَّهُمْ قُوَّتُهُ: {تَرْكَنُوا}: تَمِيلُوا. فَأَنْكَرَهُمْ وَنَكِرَهُمْ وَاسْتَنْكَرَهُمْ وَاحِدٌ. {يُهْرَعُونَ}: يُسْرِعُونَ، {دَابِرٌ}: آخِرٌ. {صَيْحَةٌ}: هَلَكَةٌ. {لِلْمُتَوَسِّمِينَ}: لِلنَّاظِرِينَ. {لَبِسَبِيلٍ}: لَبِطَرِيقٍ. هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى. ({فلما جاء آل لوط المرسلون}) أي الملائكة المرسلون من عند الله بعذاب قوم مجرمين ولم يعرّفوهم أنهم ملائكة ({قال}) لهم لوط ({إنكم قوم منكرون}) [الحجر: 61 - 62] لأنهم لما هجموا عليه استنكرهم وخاف من دخولهم لأجل شرّ يوصلونه إليه ({بركنه}) [الذاريات: 39] في قوله تعالى: {وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان

17 - باب قول الله تعالى: {وإلى ثمود أخاهم صالحا} [الأعراف: 73] وقوله: {كذب أصحاب الحجر} [الحجر: 80]: الحجر: موضع ثمود. وأما {حرث حجر}: حرام، وكل ممنوع فهو حجر، ومنه "حجر محجور"، والحجر كل بناء بنيته، وما حجرت عليه من الأرض فهو حجر ومنه, سمي حطيم البيت حجرا، كأنه مشتق من محطوم، مثل قتيل من مقتول، ويقال للأنثى من الخيل حجر، ويقال للعقل: حجر. وحجى وأما حجر اليمامة فهو منزل.

مبين فتولى بركنه} [الذاريات: 38 و39] أي أدبر عن الإيمان (بمن معه) من قومه (لأنهم قوّته) التي كان يتقوى بها كالركن الذي يتقوى به البنيان كقوله تعالى: {أو آوي إلى ركن شديد} [هود: 80] وذكره المؤلّف هنا استطرادًا لقوله في قصة لوط أو آوي إلى ركن شديد ({تركنوا}) في قوله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا} [هود: 113] أي لا (تميلوا) وذكرها استطرادًا أيضًا (فأنكرهم ونكرهم واستنكرهم واحد) في المعنى، وهذا قول أبي عبيدة في قوله تعالى: {فلما رأى أيديهم لا تصل إليهم نكرهم} [هود: 70] واعترض هذا بأن الإنكار من إبراهيم غير الإنكار من لوط لأن إبراهيم أنكرهم لما لم يأكلوا ولوطًا أنكرهم لما لم يبالوا بمجيء قومه إليهم فلا وجه لذكر هذا هنا {يهرعون} في قوله تعالى {وجاءه قومه يهرعون إليه} [هود: 78] أي (يسرعون) {دابر} أي (آخر) يريد قوله تعالى: {وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع} [الحجر: 66] أي آخرهم مقطوع مستأصل {صيحة} في قوله تعالى {إن كانت إلا صيحة واحدة} [يس: 53] معناه (هلكة) ولا وجه لإيراده هنا. {للمتوسمين} [الحجر: 75] قال الضحاك (للناظرين) وقال مجاهد: للمتفرسين {لبسبيل} قال أبو عبيدة أي (لبطريق). 3376 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} ". وبه قال: (حدّثنا محمود) هو ابن غيلان قال: (حدّثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله الزبيري قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قرأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فهل من مدكر}) [القمر: 15] بالدال المهملة والأصل مذتكر فأبدلت التاء دالاً مهملة ثم أبدلت المعجمة مهملة لمقاربتها ثم أدغم. وهذا الباب بتفسيره وحديث ثابت في الفرع وأصله لأبي ذر عن الحموي والمستملي، وقال الحافظ ابن حجر: هذه التفاسير وقعت في رواية المستملي وحده. 17 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [الأعراف: 73] وَقَوْلِهِ: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ} [الحجر: 80]: الحجرِ: مَوْضِعُ ثَمُودَ. وَأَمَّا {حَرْثٌ حِجْرٌ}: حَرَامٌ، وَكُلُّ مَمْنُوعٍ فَهْوَ حِجْرٌ، وَمِنْهُ "حِجْرٌ مَحْجُورٌ"، وَالْحِجْرُ كُلُّ بِنَاءٍ بَنَيْتَهُ، وَمَا حَجَرْتَ عَلَيْهِ مِنَ الأَرْضِ فَهْوَ حِجْرٌ وَمِنْهُ, سُمِّيَ حَطِيمُ الْبَيْتِ حِجْرًا، كَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ مَحْطُومٍ، مِثْلُ قَتِيلٍ مِنْ مَقْتُولٍ، وَيُقَالُ لِلأُنْثَى مِنَ الْخَيْلِ حِجْرُ، وَيُقَالُ لِلْعَقْلِ: حِجْرٌ. وَحِجًى وَأَمَّا حَجْرُ الْيَمَامَةِ فَهْوَ مَنْزِلٌ. (باب قول الله تعالى: {وإلى ثمود}) قبيلة من العرب سموا باسم أبيهم الأكبر ثمود بن عابر بن إرم بن سام وقيل سموا لقلة مائهم من الثمد وهو الماء القليل وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى ({أخاهم صالحًا}) [الأعراف: 73] هو ابن عبيد بن ماسخ بن عبيد بن حاذر بن ثمود ({كذب أصحاب الحجر}) [الحجر: 80] (الحجر) وثبت لأبي ذر لفظ الحجر الثاني (موضع ثمود) قوم صالح وهو بين المدينة والشام (وأما {حرث حجر}) [الأنعام: 138] فمعناه (حرام، وكل) شيء (ممنوع فهو حجر محجور) أي حرام محرم (والحجر كل بناء بنيته) بتاء الخطاب في آخره ولأبي ذر تبنيه بها في أوله (وما حجرت عليه من الأرض) بتخفيف الجيم (فهو حجر، ومنه سمي حطيم البيت) الحرام وهو الحائط المستدير إلى جانبه (حجرًا كأنه مشتق من محطوم) أي مكسور وكأن الحطيم سمي به لأنه كان في الأصل داخل الكعبة فانكسر بإخراجه منها (مثل قتيل من مقتول، ويقال) ولأبي الوقت وتقول (للأنثى من الخيل الحجر) بلا هاء وجمعه حجورة بإثباتها ولأبوي الوقت وذر وابن عساكر حجر بالتنكير منونًا (ويقال للعقل حجر) قال تعالى: {هل في ذلك قسم لذي حجر} [الفجر: 5] أي عقل لمنعه صاحبه من الوقوع في المكاره (و) يقال له أيضًا (حجى) بكسر الحاء وفتح الجيم منونة مخففة (وأما حجر اليمامة) بفتح الحاء (فهو منزل) لثمود، ولأبي ذر فهو المنزل. 3377 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ زَمْعَةَ قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرَ الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ -قَالَ: انْتَدَبَ لَهَا رَجُلٌ ذُو عِزٍّ وَمَنَعَةٍ فِي قُوَّةٍ كَأَبِي زَمْعَةَ". [الحديث 3377 - أطرافه في: 4942، 5204، 6042]. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عبد الله بن زمعة) بفتح الميم وسكونها الأسدي أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يخطب (وذكر) قصة قدار (الذي عقر الناقة) ناقة صالح، وذلك أن ثمود بعد عاد عمّروا بلادهم وخلفوهم وكثروا وعمروا أعمارًا طوالاً لا تفي بها الأبنية، فنحتوا البيوت من الجبال وكانوا في خصب وسعة فعتوا وأفسدوا في الأرض وعبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم صالحًا من أشرافهم فأنذرهم فسألوه آية. فقال أية آية تريدون؟ قالوا: أخرج معنا إلى عيدنا فتدعو إلهك وندعو ألهتنا فمن استجيب له اتبع، فخرج معهم فدعوا أصنامهم فلم تجبهم ثم أشار سيدهم جندع بن عمرو إلى صخرة منفردة وقال له: أخرج من هذه الصخرة ناقة سوداء حالكة ذات عرف وناصية ووبر، وقيل قال ناقة ذات

ألوان من أحمر ناصع وأصفر فاقع وأسود حالك وأبيض يقق نظرها كالبرق الخاطف رغاؤها كالرعد القاصف طولها مائة ذراع وعرضها كذلك ذات ضروع أربعة نحلب منها ماء وعسلاً ولبنًا وخمرًا لها تبيع على صفتها حنينها بتوحيد إلهك والإقرار بنبوّتك، فإن فعلت صدقناك فأخذ عليهم صالح مواثيقهم لئن فعلت ذلك لتؤمنن به؟ فقالوا: نعم فصلّى ودعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها فانصدعت عن ناقة كما وصفوا وهم ينظرون، ثم نتجت ولدًا مثلها في العظم فآمن به جندع في جماعة ومنع الباقين من الإيمان دؤاب بن عمرو، والحباب صاحب أوثانهم، ورباب ابن كاهنهم، فمكثت الناقة مع ولدها ترعى الشجر وترد الماء غبًا فما ترفع رأسها من البئر حتى تشرب كل ما فيها ثم تتفحج فيحلبون ما شاؤوا حتى تمتلئ أوانيهم فيشربون ويدخرون وكان تصيف بظهر الوادي فتهرب منها أنعامهم إلى بطنه وتشتو ببطنه فتهرب مواشيهم إلى ظهره فشق ذلك عليهم فأجمعوا على عقرها (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فانتدب لها) كذا في الفرع بالفاء فيهما وفي اليونينية قال: انتدب لها بغير فاء فيهما أي أجاب إلى عقرها لما دعي له (رجل) منهم (ذو عزّ ومنعة) بفتح الميم والنون وتسكن قوة (في قوة) ولأبي ذر عن الحموي: في قومه بدل قوله في قوة (كأبي زمعة). الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى وهو جد عبد الله بن زمعة بن الأسود راوي الحديث ومات الأسود كافرًا، وكان ذا عزة ومنعة في قومه كعاقر الناقة وكان عاقر الناقة فيما قاله السهيلي ولد زنا أحمر أشقر أزرق قصيرًا يضرب به المثل في الشؤم فعقرها واقتسموا لحمها فرقي سقبها جبلاً فرغًا ثلاثًا فقال صالح لهم: أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب فلم يقدروا عليه إذ انفجت الصخرة بعد رغائه فدخلها فقال لهم صالح: تصبح وجوهكم غدًا مصفرة وبعد غد محمرة واليوم الثالث مسودة ثم يصبحكم العذاب، فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه فأنجاه الله تعالى إلى أرض فلسطين، ولما كانت ضحوة اليوم الرابع تحنطوا وتكفنوا بالانطاع فأتتهم صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم فهلكوا. وحديث الباب أخرجه أيضًا في التفسير والأدب والنكاح ومسلم في صفة النار والترمذي في التفسير وكذا النسائي وابن ماجه في النكاح. 3378 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ أَبُو الْحَسَنِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ بْنِ حَيَّانَ أَبُو زَكَرِيَّاءَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا نَزَلَ الْحِجْرَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَمَرَهُمْ أَنْ لاَ يَشْرَبُوا مِنْ بِئْرِهَا وَلاَ يَسْتَقُوا مِنْهَا، فَقَالُوا: قَدْ عَجَنَّا مِنْهَا وَاسْتَقَيْنَا، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَطْرَحُوا ذَلِكَ الْعَجِينَ وَيُهَرِيقُوا ذَلِكَ الْمَاءَ». وَيُرْوَى عَنْ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ وَأَبِي الشُّمُوسِ: «إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِإِلْقَاءِ الطَّعَامِ». وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ عَنِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اعْتَجَنَ بِمَائِهِ». [الحديث 3378 - طرفه في: 3379]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مسكين) اليمامي (أبو الحسن) الحراني سكن البصرة قال: (حدّثنا يحيى بن حسان بن حيان) بفتح الحاء المهملة والتحتية المشدّدة (أبو زكريا) التنيسي قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال التيمي مولاهم المدني (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم المدني مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما نزل الحجر) منازل ثمود (في غزوة تبوك أمرهم) أي أمر أصحابه (أن لا يشربوا من بئرها ولا يستقوا منها فقالوا: قد عجنا منها واستقينا فأمرهم) عليه الصلاة والسلام (أن يطرحوا ذلك العجين) المعجون بمائها (ويهريقوا) بضم الياء وسكون الهاء أي يريقوا (ذلك الماء) خوفًا أن يورثهم شربه قسوة في قلوبهم أو ضررًا في أبدانهم. (ويروى) ولأبي ذر قال: ويروى (عن سبرة بن معبد) بفتح السين المهملة وسكون الموحدة بعدها راء ومعبد بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة الجهني فيما وصله الطبراني وأبو نعيم (و) عن (أبي الشموس) بفتح الشين المعجمة وضم الميم وبعد الواو سين مهملة البلوي بفتح الموحدة واللام لا يعرف اسمه فيما وصله الطبراني وابن منده (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بإلقاء الطعام وقال أبو ذر) جندب بن جنادة فيما وصله البزار في مسنده (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه أمر (من اعتجن) عجينه (بمائه) أن يلقيه. 3379 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ "أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْضَ ثَمُودَ، الْحِجْرَ، فَاسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا وَاعْتَجَنُوا بِهِ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ بِئْارِهَا وَأَنْ يَعْلِفُوا الإِبِلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَ تَرِدُهَا النَّاقَةُ". تَابَعَهُ أُسَامَةُ عَنْ نَافِعٍ. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) أبو إسحاق القرشي الحزامي المدني قال: (حدّثنا أنس بن عياض) المدني الليثي (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أخبره أن الناس) أي

18 - باب {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت} [البقرة: 133]

الصحابة -رضي الله عنهم- (نزلوا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرض ثمود) بين المدينة والشام (الحجر) نصب بدلاً من أرض (فاستقوا) بالفاء ولأبوي ذر والوقت واستقوا (من بئرها) بسكون الهمزة ولأبي ذر من آبارها بهمزة مفتوحة ممدودة على الجمع (واعتجنوا به) بالماء المأخوذ منها (فأمرهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يهريقوا) بالهاء الساكنة أي يريقوا (ما استقوا من بئرها) بالإفراد، ولأبي ذر: من بئارها بالجمع (وأن يعلفوا الإبل العجين) المعجون بمائها والمراد بالطرح المذكور في السابق ترك اللأكل فلا تعارض بين الحديثين (وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كان) وللكشميهني التي كانت (تردها الناقة تابعه) أي تابع عبيد الله (أسامة) بن زيد بن حارثة الليثي (عن نافع) عن ابن عمر على قوله وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها ناقة صالح وهذه المتابعة وصلهان ابن المقري. وفي الحديث كراهة الاستقاء من آبار ثمود وهل هي للتحريم أو للتنزيه وعلى الأوّل هل يمنع صحة التطهر بذلك الماء والظاهر أنه لا يمنع، والحديث أخرجه مسلم أيضًا. 3380 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ - رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا مَرَّ بِالْحِجْرِ قَالَ: «لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا، إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ. ثُمَّ تَقَنَّعَ بِرِدَائِهِ وَهْوَ عَلَى الرَّحْلِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد) هو ابن مقاتل قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك (عن معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (عن أبيه) في اليونينية ملحق بين السطور -رضي الله عنهم- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما مرّ بالحجر ديار ثمود) ديار ثمود (قال) لمن معه. (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم) شامل لمنازل ثمود وغيرهم ممن في معناهم من سائر الأمم الذين نزل بهم العذاب وثبت قوله أنفسهم لأبي ذر عن الكشميهني (إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم) أي مخافة الإصابة كقولك لا تضرب الأسد أن يفترسك وأن مصدرية وهذا التقدير عند البصريين أو التقدير كما عند الكوفيين لئلا يصيبكم (ما أصابهم) أي من العذاب والبصريون لا يجوّزون الإضمار الثاني (ثم تقنّع) أي تستر عليه الصلاة والسلام (بردائه وهو على الرحل). أي رحل البعير وهو أصغر من القتب. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي والنسائي في التفسير. 3381 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بن محمدٍ حَدَّثَنَا وَهْبٌ حَدَّثَنَا أَبِي سَمِعْتُ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ -إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ- أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي، وسقط لغير أبي ذر ابن محمد قال: (حدّثنا وهب) بفتح الواو وسكون الهاء قال: (حدثنا أبي) جرير بن حازم البصري قال: (سمعت يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم أن) أباه (ابن عمر) -رضي الله عنهما- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم) ثمود أو غيرهم (إلا أن تكونوا باكين) حذر (أن يصيبكم مثل ما أصابهم) وسقط مثل لغير أبي ذر. والحديث أخرجه مسلم آخر كتابه. 18 - باب {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} [البقرة: 133] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت}) [البقرة: 133] ثبت الباب. وسياق هذه الآية هنا فى غير رواية الكشميهني في الفرع وأصله، وقد ذكرها المؤلّف قبل ثلاثة أبواب، وسبق تفسيرها ثم وصوّب في الفتح أن حديثها تلو حديث الباب التالي كما لا يخفى. 3382 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ: يُوسُفُ ابْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ». [الحديث 3382 - طرفاه في: 3390، 4688]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) الكوسج المروزي الحافظ أبو يعقوب قال: (أخبرنا عبد الصمد) بن عبد الوارث قال: (حدّثنا عبد الرَّحمن بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن دينار (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال): (الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم) في اليونينية علامة السقوط على ابن الكريم الأخيرة (يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام). وللطبراني بإسناد ضعيف عن ابن عباس قيل يا رسول الله من السيد؟ قال "يوسف بن يعقوب" قالوا: فما في أمتك سيد؟ قال "رجل أعطي مالاً حلالاً ورزق سماحة" نقله صاحب الفتح. وحديث الباب سبق ويأتي في الباب التالي والتفسير إن شاء الله تعالى. 19 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف: 7] (باب قول الله تعالى {لقد كان في يوسف وإخوته}) أي في قصتهم ({آيات}) علامات على قدرته تعالى أو على نبوتك ({للسائلين}) [يوسف: 7] لمن سأل عن قصتهم أو عبرة

للمعتبرين فإنها تشتمل على رؤيا يوسف وما حقق الله منها وعلى صبر يوسف عن قضاء الشهوة وعلى الرق والسجن، وما آل إليه أمره من الملك وعلى حزن يعقوب وصبره، وما آل إليه أمره من الوصول إلى المراد، ووصفها الله تعالى بأنها أحسن القصص إذ ليس في القصص غيرها ما فيها من العبر والحكم مع اشتمالها على ذكر الأنبياء والصالحين وسير الملوك والمماليك والتجار والنساء وحيلهن ومكرهن والتوحيد وتعبير الرؤيا والسياسة والمعاشرة وتدبير المعاش، وجمل الفوائد التي تصلح للدين والدنيا، وذكر الحبيب والمحبوب وسيرهما. 3383 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ. قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ. قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي؟ النَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا». أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ بن سلام أَخْبَرَني عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (عبيد بن إسماعيل) بضم العين من غير إضافة لشيء وكان اسمه عبد الله الهباري الكوفي (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه قال (سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أكرم الناس)؟ عند الله (قال): أكرمهم (أتقاهم لله) عز وجل أي أشدهم لله تقوى (قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله) يعقوب (ابن نبي الله) إسحاق (ابن خليل الله) إبراهيم. قال في الكواكب: وأصل الكرم كثرة الخير، وقد جمع يوسف عليه السلام مكارم الأخلاق مع شرف النبوة وكونه ابن ثلاثة أنبياء متناسلين ومع شرف رياسة الدنيا وملكها بالعدل والإحسان (قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: فعن معادن العرب) أي أصولها التي ينتسبون إليها (تسألوني)؟ ولأبي ذر: تسألونني بنونين (الناس معادن) زاد الطيالسي وغيره في حديث في الخير والشر والعسكري كمعادن الذهب والفضة (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) بضم القاف وكسرها كما مرّ فيجتمع لهم شرف النسب مع شرف العلم وسبق في باب قول الله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلاً} [النساء: 125] ما في ذلك فليراجع. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: أخبرنا (محمد بن سلام) البيكندي. وثبت ابن سلام لأبي ذر قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: أخبرني بالإفراد (عبدة) بن سليمان (عن عبيد الله) بضم العين العمري (عن سعيد) المقبري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) الحديث. 3384 - حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا: «مُرِي أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ. قَالَتْ: إِنَّهُ رَجُلٌ أَسِيفٌ، مَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ رَقَّ. فَعَادَ، فَعَادَتْ. قَالَ شُعْبَةُ: فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ -أَوِ الرَّابِعَةِ-: إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ ... ». وبه قال: (حدّثنا بدل بن المحبر) بفتح الموحدة والدال المهملة آخره لام والمحبر بضم الميم وفتح الحاء المهملة والموحدة المشددة ابن منير اليربوعي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد بن إبراهيم) بسكون العين ابن عبد الرَّحمن بن عوف أنه (قال: سمعت عروة بن الزبير) بن العوام (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها) في مرض موته: (مري) بوزن كلي من غير همز (أبا بكر) الصديق (يصلي بالناس) الظهر أو العصر أو العشاء (قالت: إنه رجل أسيف) بفتح الهمزة وكسر السين المهملة وبعد التحتية الساكنة فاء أي شديد الحزن رقيق القلب سريع البكاء (متى يقم مقامك) جزم بحذف الواو بمتى الشرطية ولأبي ذر عن الكشميهني متى يقوم بإثباتها ووجهه ابن مالك بأنها أهملت حملاً على إذا كما عملت إذا حملاً على متى في قوله إذا أخذتما مضاجعكما تكبرًا أربعًا وثلاثين والمعنى متى ما يقم مقامك في الإمامة (رق) قلبه فلا يسمع الناس (فعاد) عليه الصلاة والسلام إلى قوله: مري أبا بكر الصديق يصلّي بالناس (فعادت) عائشة إلى قولها إنه رجل أسيف. (قال شعبة) بن الحجاج بالسند السابق (فقال) عليه الصلاة والسلام (في الثالثة أو الرابعة) بالشك من الراوي (إنكن) بلفظ الجمع على إرادة الجنس وكان الأصل أن يقول إنك بلفظ المفردة (صواحب يوسف) تظهرن خلاف ما تبطن كهن، وكان غرض عائشة أن لا يتطير الناس بوقوف أبيها مكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كإظهار زليخا إكرام النسوة بالضيافة ومقصودها أن ينظرن إلى حسن يوسف ليعذرنها في محبته (مروا) بصيغة الجمع، ولأبي ذر: مري

(أبا بكر) ... الحديث. وساقه هنا مختصرًا وسبق بتمامه في أبواب الإمامة من كتاب الصلاة. 3385 - حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ يَحْيَى الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «مَرِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. فَقَالَتْ عَائِشَةَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ كَذَا-فَقَالَ مِثْلَهُ، فَقَالَتْ مِثْلَهُ- فَقَالَ: مُرُوهُ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ -فَأَمَّ أَبُو بَكْرٍ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-». وَقَالَ حُسَيْنٌ: عَنْ زَائِدَةَ «رَجُلٌ رَقِيقٌ». وبه قال: (حدّثنا الربيع) ولأبي ذر ربيع (بن يحيى) الأشناني بضم الهمزة وسكون المعجمة (البصري) سقط البصري لأبي ذر وفي نسخة الصغاني: حدّثنا ربيع بن يحيى، حدّثنا النضر بالنون المفتوحة والضاد المعجمة، حدّثنا زائدة وفي حاشية اليونينية وقع في أصل السماع حدّثنا النضر وهو غلط وتصحيف من البصري حقق ذلك من أصول الحفاظ أبي ذر والأصيلي وأبي القاسم الدمشقي وأصل أبي صادق مرشد وغير ذلك من الأصول قال: (حدّثنا زائدة) بن قدامة الثقفي أبو الصلت الكوفي (عن عبد الملك بن عمير) بضم العين وفتح الميم مصغرًا ابن سويد اللخمي حليف بني عدي الكوفي الفرسي بفتح الفاء والراء بعدها سين مهملة نسبة إلى فرس له سابق (عن أبي بردة) بضم الموحدة عامر (بن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (عن أبيه) أنه (قال: مرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مرضه الذي توفي فيه وحضرت الصلاة (فقال): (مروا أبا بكر فليصلّ بالناس) فقالت: إن ولأبي ذر (فقالت عائشة: إن أبا بكر رجل كذا) زاد أبو ذر يعني رجل أسيف (فقال) عليه الصلاة والسلام (مثله): مروا أبا بكر فليصل بالناس (فقالت مثله) أي رجل أسيف (فقال: مروه) ولأبي ذر: مروا أبا بكر أي فليصل بالناس (فإنكن صواحب يوسف) عبّر بالجمع في إنكن، والمراد عائشة، وفي قوله: صواحب والمراد زليخا (فأمّ أبو بكر) بالناس (في حياة رسول الله) ولأبي ذر في حياة النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقال بالفاء ولأبي ذر: (وقال حسين) هو ابن عليّ الجعفي: (عن زائدة) بن قدامة (رجل رقيق) وهذا وصله المؤلّف في الصلاة. 3386 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عن عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): يدعو لرجال من المسلمين يسميهم بأسمائهم فيقول: (اللهم أنج) بهمزة قطع (عياش بن أبي ربيعة) أخا أبي جهل بن هشام لأمه (اللهم أنج سلمة بن هشام) بفتح اللام وهو أخو أبي جهل (اللهم أنج الوليد بن الوليد) المخزومي أخا خالد بن الوليد وسقط ابن الوليد لأبي ذر (اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين) من عطف العام على الخاص (اللهم اشدد) بهمزة وصل (وطأتك) بفتح الواو وسكون المهملة وفتح الهمزة أي بأسك وعقوبتك (على) كفار قريش أولاد (مضر) بن نزار بن معدّ بن عدنان (اللهم اجعلها) أي الموطأة أو الأيام أو السنين (سنين كسني يوسف) الصدّيق في القحط وسقطت نون سنين للإضافة جريًا على اللغة العالية فيه وهي إجراؤه مجرى جمع المذكر السالم لكنه شاذ لأنه غير عاقل، والمراد من هذا الحديث قوله: كسني يوسف، ومرّ في باب يهوي بالتكبير حين يسجد من كتاب الصلاة. 3387 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ ابْنِ أَخِي جُوَيْرِيَةَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا عُبَيْدٍ أَخْبَرَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ ثُمَّ أَتَانِي الدَّاعِي لأَجَبْتُهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء ابن أخي جويرية) بضم الجيم مصغرًا ولأبي ذر هو ابن أخي جويرية قال: (حدّثنا جويرة بن أسماء) الضبعي (عن مالك) الإمام (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (أن سعيد بن المسيب وأبا عبيد) بضم العين مصغرًا سعد بن عبيد مولى عبد الرحمن بن الأزهر (أخبراه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يرحم الله لوطًا) بن هاران بن آزر ابن أخي إبراهيم الخليل (لقد كان يأوي إلى ركن شديد) أشار إلى قوله تعالى: {قال لو أن لي بكم قوّة أو آوي إلى ركن شديد} [هود: 80] قال الطيبي وهذا تمهيد ومقدمة للخطاب المزعج كما في قوله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} [التوبة: 43] وقال البيضاوي: استعظام لما قاله واستغراب لما بدر منه حيثما أجهده قومه فقال: {أو آوي إلى ركن شديد} [هود: 80] إذ لا ركن أشد من الركن الذي كان يأوي إليه وهو عصمة الله تعالى وحفظه. (ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم أتاني الداعي لأجبته). يريد به قوله تعالى: {فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله} [يوسف: 50] قال التوربشتي وهو

منبئ عن إحماده صبر يوسف وتركه الاستعجال بالخروج عن السجن مع امتداد مدة الحبس عليه. وروى ابن حبان عن أبي هريرة مرفوعًا: "رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قالها: {اذكرني عند ربك ما لبث في السجن} [يوسف: 43] ". 3388 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: "سَأَلْتُ أُمَّ رُومَانَ وَهْيَ أُمُّ عَائِشَةَ لمَّا قِيلَ فِيهَا مَا قِيلَ قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ عَائِشَةَ جَالِسَتَانِ، إِذْ وَلَجَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَهْيَ تَقُولُ: فَعَلَ اللَّهُ بِفُلاَنٍ وَفَعَلَ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: لِمَ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ نَمَا ذِكْرَ الْحَدِيثِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَيُّ حَدِيثٍ؟ فَأَخْبَرَتْهَا. قَالَتْ: فَسَمِعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا، فَمَا أَفَاقَتْ إِلاَّ وَعَلَيْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ. فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَا لِهَذِهِ؟ قُلْتُ: حُمَّى أَخَذَتْهَا مِنْ أَجْلِ حَدِيثٍ تُحُدِّثَ بِهِ. فَقَعَدَتْ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَئِنْ حَلَفْتُ لاَ تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنِ اعْتَذَرْتُ لاَ تَعْذِرُونِي، فَمَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ يَعْقُوبَ وَبَنِيهِ، {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}. فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا أَنْزَلَ، فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتْ: بِحَمْدِ اللَّهِ لاَ بِحَمْدِ أَحَدٍ". [الحديث 3388 - أطرافه في: 4143، 4691، 4751]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) البيكندي قال: (أخبرنا ابن فضيل) محمد وجده غزوان الكوفي قال: (حدّثنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين مصغرًا ابن عبد الرحمن (عن شقيق) أبي وائل هو ابن سلمة وفي الفرع وأصله عن سفيان (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: سألت أم رومان) بضم الراء بنت عامر (وهي أم عائشة) أم المؤمنين -رضي الله عنهما-، وقد قيل إن مسروقًا لم يسمع من أم رومان لتقدم وفاتها فيكون حديثه منقطعًا، وقال أبو نعيم: بقيت بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دهرًا طويلاً. وحينئذٍ فالحديث متصل وهو الراجح. وقول عليّ بن زيد بن جدعان الراوي أن وفاة أم رومان سنة ست ضعيف لا يحتج به، وقول الخطيب الصواب أن يقرأ سئلت أم رومان مبنيًّا للمفعول مردود بقول مسروق في المغازي حدّثتني أم رومان (عما) ولأبي ذر عن الكشميهني لما (قيل فيها) أي في عائشة (ما قيل) من الإفك (قالت: بينما) بالميم (أنا مع عائشة جالستان إذ ولجت) أي دخلت (علينا امرأة من الأنصار) لم تسم (وهي تقول: فعل الله بفلان) مسطح بن أثاثة (وفعل. قالت) أم رومان: (فقلت) للأنصارية (لم)؟ تقولين فعل الله بفلان وفعل (قالت إنه نمى ذكر الحديث) أي حديث الإفك ونمى بتخفيف الميم في الفرع ونسبه في المطالع لأبي ذر: وقال الحربي وغيره مشدد وأكثر المحدّثنين يخففونه يقال نميت الحديث أنمية إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة قلت نميته بالتشديد. (فقالت عائشة: أيّ حديث)؟ نماه قالت أم رومان (فأخبرتها) بقول أهل الإفك (قالت: فسمعه أبو بكر ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت) أم رومان: (نعم). سمعاه (فخرّت) عائشة (مغشيًا عليها فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض)، أي ملتبسة بارتعاد (فجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (ما لهذه)؟ يعني عائشة قالت أم رومان (قلت: حمى أخذتها من أجل حديث تحدث) بضم الفوقية والحاء المهملة مبنيًّا للمفعول (به) عنها (فقعدت) عائشة (فقالت: والله لئن حلفت) لكم إني لم أفعل ما قيل (لا تصدقوني) ولأبي ذر لا تصدقونني (ولئن اعتذرت لا تعذروني) ولأبي ذر لا تعذرونني (فمثلي ومثلكم) أي صفتي وصفتكم (كمثل يعقوب وبنيه) حيث صبر صبرًا جميلاً وقال: (والله المستعان على ما تصفون) أي على احتمال ما تصفونه، (فانصرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنزل الله) عز وجل (ما أنزل) في براءتها (فأخبرها) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك (فقالت: بحمد الله لا بحمد أحد) قال بعض أصحاب عبد الله بن المبارك له: أنا أستعظم هذا القول. فقال: ولت الحمد أهله ذكره فى المصابيح، ولعلها تمسكت بظاهر قوله عليه الصلاة والسلام لها: "احمدي الله" كما في الرواية الأخرى ففهمت منه أنه أمرها بإفراد الله بالحمد. 3389 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: "أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرَأَيْتِ قَوْلِ اللهِ: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا} أَوْ كُذِبُوا؟ قَالَتْ: بَلْ كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ وَمَا هُوَ بِالظَّنِّ. فَقَالَتْ: يَا عُرَيَّةُ، لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ. قُلْتُ: فَلَعَلَّهَا "أَوْ كُذِبُوا". قَالَتْ: مَعَاذَ اللَّهِ، لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا، وَأَمَّا هَذِهِ الآيَةُ قَالَتْ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ وَطَالَ عَلَيْهِمُ الْبَلاَءُ وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمُ النَّصْرُ، حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَتْ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ وَظَنُّوا أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ كَذَّبُوهُمْ جَاءَهُمْ نَصْرُ اللَّهِ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: {اسْتَيْأَسُوا} اسْتَفْعَلُوا مِنْ يَئِسْتُ، {مِنْهُ} مِنْ يُوسُفَ {لاَ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} مَعْنَاهُ مِنَ الرَّجَاءُ. [الحديث 3389 - أطرافه في: 4525، 4695، 4696]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقال لها (أرأيت قوله) تعالى أي أخبريني عن قوله ولأبي ذر قول الله ({حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا}) [يوسف: 110] بالتشديد (أو كذبوا) بالتخفيف (قالت): عائشة ليس الظن على بابه كما فهمت (بل كذبهم قومهم)، بالتشديد فهو بمعنى اليقين وهو سائغ كما في قوله تعالى: {وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه} [التوبة: 118] وقال عروة: (فقلت) لها: (والله لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم) وفي نسخة الصغاني قد كذبوهم (وما هو بالظن: فقالت) عائشة رادّة عليه: (يا عرية) بضم العين وفتح الراء المهملة وتشديد المثناة التحتية تصغير عروة وأصله يا عريوة اجتمعت الياء والواو وسبق الأول

20 - باب قول الله تعالى: {وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين}. {اركض}: اضرب. {يركضون}: يعدون

بالسكون فقلبوا الواو ياء وأدغموا الأول في الثاني وليس التصغير هنا للتحقير (لقد استيقنوا بذلك. قلت: فلعلها أو كذبوا قالت: معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك) أي إخلاف الوعد (بربها، وأما هذه الآية قالت) فالمراد من الظانين فيها (هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم) أي وصدّقوا الرسل (وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأست) أي الرسل (ممن كذبهم من قومهم وظنوا أن أتباعهم كذبوهم وجاءهم نصر الله). وظاهر هذا أن عائشة أنكرت قراءة التخفيف بناء على أن الضمير للرسل ولعلها لم تبلغها، فقد ثبتت في قراءة الكوفيين ووجهت بأن الضمير في وظنوا عائد على المرسل إليهم لتقدمهم في قوله تعالى: {كيف عاقبة الذين من قبلهم} [فاطر: 44] ولأن الرسل تستدعي مرسلاً إليه أي وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم بالدعوة والوعيد، وقيل الأول للمرسل إليهم، والثاني للرسل أي وظنوا أن الرسل قد كذبوا وأخلفوا فيما وعد لهم من النصر وخلط الأمر عليهم. قال في الأنوار كالكشاف: وما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن الرسل ظنوا أنهم أخلفوا ما وعدهم من النصر إن صح فقد أراد بالظن ما يهجس في القلب على طريق الوسوسة اهـ. وهذا فيه شيء فإنه لا يجوز أن يقال أراد بالظن ما يهجس في القلب على طريق الوسوسة فإن الوسوسة من الشيطان وهم معصومون منه. وهذا الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في التفسير. (قال أبو عبد الله): البخاري (استيأسوا) وزنه (افتعلوا من يئست) وللأصيلي استفعلوا بالسين والتاء الفوقية وهو الصواب واستفعل هنا بمعنى فعل المجرد يقال يئس واستيأس بمعنى نحو عجب واستعجب وسخر واستسخر والسين والتاء زيدتا للمبالغة (منه) أي (من يوسف) وعند ابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق فلما استيأسوا أي لما حصل لهم اليأس من يوسف اهـ. أي أيسوا منه أن يجيبهم إلى ما سألوا. وقال أبو عبيدة: استيأسوا استيقنوا أن الأخ لا يرد إليهم (لا تيأسوا من روح الله معناه الرجاء) ولأبي ذر: من الرجاء. وقال ابن عباس من رحمة الله، وعن قتادة فضل الله، وقرئ من روح الله بضم الراء. قال ابن عطية: كأن معنى هذه القراءة لا تيأسوا من حيّ معه روح الله الذي وهبه فإن من بقي روحه يرجى ومن هذا قول الشاعر: وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع وقرأ عبد الله من فضل الله وأبي: من رحمة الله تفسيرًا لا تلاوة. قال ابن عباس: إن المؤمن من الله على خير يرجوه في البلاء ويحمده في الرخاء. 3390 - أَخْبَرَنِي عَبْدَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمِ السَّلاَمُ». وبه قال: (أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن عبد الله أبو سهل الصفار الخزاعي البصري قال: (حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث البصري (عن عبد الرحمن عن أبيه) عبد الله بن دينار (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي) وفي اليونينية عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف) الصديق (بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم) الخليل نبي ابن نبيّ ابن نبي ابن نبيّ (عليهم السلام). وهذا الحديث قد مرّ في باب {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت} [البقرة: 133]. 20 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}. {ارْكُضْ}: اضْرِبْ. {يَرْكُضُونَ}: يَعْدُونَ (باب قول الله تعالى: {وأيوب}) أي: واذكر أيوب ({إذ نادى ربه أني}) أي بأني ({مسني الضرّ}) المرض في بدني ({وأنت أرحم الراحمين}) [الأنبياء: 83] ألطف في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة وذكر ربه بغاية الرحمة، واكتفى بذلك عن غرض الطلب وكان روميًّا من ولد عيص بن إسحاق استنبأه الله وكثر أهله وماله فابتلاه الله بهلاك أولاده بهدم بيت عليهم وذهاب أمواله والمرض في بدنه، فخرج من قرنه إلى قدمه ثآليل مثل أليات الغنم في سائر بدنه ولم يبق منه سليم سوى قلبه ولسانه يذكر بهما الله عز وجل ووقعت فيه حكة لا يملكها فكان يحك بأظفاره حتى سقطت كلها ثم حك بالمسوح الخشنة حتى قطعها ثم بالفخار والحجارة الخشنة حتى تقطع لحمه وتساقط حتى لم يبق إلا العظام والعصب وتغير وأنتن فأخرجه أهل القرية وجعلوه على كناسة ورفضه الناس كلهم

21 - باب {واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا * وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا} [مريم: 51] كلمه. {ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا} يقال للواحد وللاثنين والجميع: نجي. ويقال: خلصوا نجيا اعتزلوا نجيا، والجميع أنجية يتناجون. {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه} -إلى قوله- {مسرف كذاب} [غافر: 28]

إلا امرأته رحمة بنت إفراثيم بن يوسف فكانت تصلح أموره وتختلف إليه بما يصلحه وهو في كل ذلك صابر يحمد الله ويحسن الثناء عليه ولذا كان عبرة للصابرين وذكرى للعابدين ومكث في ذلك ثماني عشرة أو ثلاث عشرة سنة أو سبعًا وسبعة أشهر وسبع ساعات ويروى أن امرأته قالت له يومًا لو دعوت الله فقال كم كانت مدّة الرخاء فقالت ثمانين سنة فقال أستحيي من الله أن أدعوه وما بلغت مدّة بلائي رخائي وسقط لأبي ذر قوله إني مسني الضر الخ وقال بعد قوله: {إذ نادى ربه} [ص: 41] الآية. ({اركض}) [ص: 42] أي (اضرب) برجلك الأرض فضربها فنبعت عين فاغتسل منها فرجع صحيحًا ({يركضون}) [الأنبياء: 12] أي (يعدون) بفتح الياء وسكون العين المهملة. 3391 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ فَنَادَى رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، وَلَكِنْ لاَ غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِكَ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن محمد الجعفي) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن منبه الصنعاني (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (بينما) بالميم (أيوب يغتسل) حال كونه (عريانًا خر) سقط (عليه رجل جراد) بكسر الراء وسكون الجيم أي جماعة من جراد (من ذهب فجعل) أي أيوب (يحثي) بحاء مهملة ساكنة فمثلثة مكسورة يأخذ بيديه جميعًا ويرمي (في ثوبه) من ذلك الجراد (فنادى) ولأبي ذر والأصيلي: فناداه (ربه) عز وجل (يا أيوب) يحتمل أن يكون كلمه كموسى أو بواسطة الملك (ألم أكن أغنيتك عما ترى): من الجراد (قال: بلى يا رب) أغنيتني (ولكن لا غنى لي) بكسر الغين المعجمة والقصر من غير تنوين على أن لا لنفي الجنس، ولي باللام، ولأبي ذر: لا غنى بي (عن بركتك) عن خيرك. وعند ابن أبي حاتم من وجه آخر عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "لما عافى الله أيوب أمطر عليه جرادًا من ذهب فجعل يأخذ بيديه ويجعله في ثوبه. قال: فقيل له: يا أيوب أما تشبع؟ قال: يا رب ومن يشبع من رحمتك". وحديث الباب سبق في باب من اغتسل عريانًا من كتاب الطهارة. 21 - باب {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصًا وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا * وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: 51] كَلَّمَهُ. {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} يُقَالُ لِلْوَاحِدِ وَلِلاِثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ: نَجِيٌّ. وَيُقَالُ: خَلَصُوا نَجِيًّا اعْتَزَلُوا نَجِيًّا، وَالْجَمِيعُ أَنْجِيَةٌ يَتَنَاجَوْنَ. {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكتُمُ إيمانَه} -إِلَى قَوْلِهِ- {مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر: 28] هذا (باب) بالتنوين (قول الله) تعالى سقط لفظ باب لأبي ذر وثبت له ما بعده ({واذكر في الكتاب}) القرآن ({موسى}) هو ابن عمران بن لاهب بن عازر بن لاوي بن يعقوب ({إنه كان مخلصًا}) موحدًّا أخلص في عبادته من الشرك والرياء. قال الثوري: عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي أمامة قال الحواريون: يا روح الله أخبرنا عن المخلص لله. قال: الذي يعمل لله لا يحب أن يحمده الناس ({وكان رسولاً نبيًّا}) أرسله الله تعالى إلى قومه فأنبأهم عنه ({وناديناه من جانب الطور الأيمن}) صفة قيل للطور وقيل للجانب وقيل لموسى أي من ناحية موسى، والطور: جبل بين مصر ومدين ({وقربناه}) تقريب تشريف ({نجيًّا}) مناجيًا حال من أحد الضميرين، وهو معنى قوله (كلمه). وعند ابن جرير عن ابن عباس وقربناه نجيًّا قال: أدني حتى سمع صريف القلم اهـ. وصريف القلم: صوت جريانه بما يكتبه من أقضية الله ووحيه وما ينسخه من اللوح المحفوظ. وقال ابن كثير: صريف القلم بكتابة التوراة. وقال السدي (وقربناه نجيًّا) قال: أدخل في السماء فكلم. ({ووهبنا له من رحمتنا}) من أجل سبق رحمتنا وتقدير تخصيصه بالمواهب الدينية والدنيوية ({أخاه}) أي مؤازرته إجابة لدعوته حيث قال: واجعل لي وزيرًا من أهلي فإنه كان أسنّ من موسى، فمن ابتدائية أو المعنى ووهبنا له بعض رحمتنا. قال في فتوح الغيب: وهو الوجه لما فيه من التنبيه على سعة رحمة الله تعالى فإن الأنبياء مع جلالتهم ورِفعَة منزلتهم منحوا بعضًا منها وأخاه مفعول أو بدل بعض من كل لأن موازرته بأخيه بعض المذكورات ({هارون}) عطف بيان له ({نبيًّا}) [مريم: 51 - 52 - 53] حال منه (يقال للواحد والاثنين) وسقط قوله وكان رسولاً إلى آخر قوله نبيًا إلا قوله كلمه لأبي ذر وقال بعد قوله مخلصًا إلى قوله نبيًّا وزاد المستملي بعد هذا كلمة يعني نجيًّا يقال للواحد والاثنين (والجميع) وزار الكشميهني بعد قوله يقال للواحد والاثنين والجميع نجي، (ويقال

22 - باب قول الله عز وجل: {وهل أتاك حديث موسى * إذ رأى نارا} -إلى قوله- {بالوادي المقدس طوى} [طه: 9 - 12].

خلصوا نجيًّا) أي (اعتزلوا نجيًّا)، سقط لفظ نجيًّا لأبي ذر (والجميع أنجية) يريد أن النجي إذا أريد به المفرد فقط يكون جمعه أنجية (يتناجون تلقف) في سورة الأعراف. قال أبو عبيدة. أي (تلقم) بفتح التاء واللام والقاف المشددة. هذا (باب) بالتنوين ({وقال رجل مؤمن من آل فرعون}) من أقاربه قبطي اسمه شمعان بالشين المعجمة ({يكتم إيمانه}) إلى ({من هو مسرف}) في شركه وعصيانه ({كذاب}) [غافر: 28] على الله وفيه إشارة إلى الرمز والتعريض بعلوّ شأن موسى يعني أن الله تعالى هدى موسى إلى الإتيان بالمعجزات الباهرات، ومن هداه لذلك لا يكون مسرفًا كذابًا، فدلّ على أن موسى ليس من الكاذبين، أو المراد أن فرعون مسرف في عزمه على قتل موسى كذاب في ادّعائه الألوهية والله لا يهدي مَن هذا شأنه بل يبطله ويهدم أمره، ولغير أبي ذر بعد قوله {من آل فرعون} إلى قوله (مسرف كذاب). وسقط لأبي ذر لفظ باب إلى آخر قوله (كذاب) فلعل له روايتين. 3392 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ سَمِعْتُ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ - رضي الله عنها-: "فَرَجَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَدِيجَةَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ -وَكَانَ رَجُلاً تَنَصَّرَ، يَقْرَأُ الإِنْجِيلَ بِالْعَرَبِيَّةِ- فَقَالَ وَرَقَةُ -مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، وَإِنْ أَدْرَكَنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا". النَّامُوسُ: صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي يُطْلِعُهُ بِمَا يَسْتُرُهُ عَنْ غَيْرِهِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثثي) بالإفراد (عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (سمعت عروة) بن الزبير بن العوّام (قال: قالت عائشة -رضي الله عنها- فرجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من غار حراء بعد ما جاءه جبريل بالوحي (إلى خديجة) أم المؤمنين حال كونه (يرجف) يضطرب (فؤاده) قلبه (فانطلقت به) عليه السلام خديجة مصاحبة له بعدما أخبرها الخبر وقوله لها: "لقد خشيت على نفسي" وقولها له: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا (إلى ورقة بن نوفل وكان رجلاً تنصّر) في الجاهلية بعد أن ترك عبادة الأوثان وكان (يقرأ الإنجيل) كتاب عيسى (بالعربية) فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك تعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال ورقة) للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا ابن أخي (ماذا ترى؟ فأخبره) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبر ما رأى (فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل الله) عز وجل (على موسى وان أدركني يومك أنصرك) بالجزم جواب الشرط (نصرًا مؤزرًا). بضم الميم وفتح الهمزة وتشديد الزاي بعدها راء قويًا بليغًا وخص بالذكر دون عيسى مع كونه نصرانيًّا، لأن كتاب موسى مشتمل على أكثر الأحوال كالقرآن بخلاف كتاب عيسى إذ كله أمثال ومواعظ أو لغير ذلك مما سبق أول هذا المجموع. وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى. (الناموس: صاحب السر) أي سر الرجل (الذي يطلعه) على باطن أمره ويخصه (بما يستره عن غيره). أو صاحب سر الخير. وقال ابن دريد: صاحب سر الوحي وأهل الكتاب يسمون جبريل الناموس الأكبر. 22 - باب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا} -إِلَى قَوْلِهِ- {بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه: 9 - 12]. {آنَسْتُ}: أَبْصَرْتُ. {نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} [طه: 10] الآيَةَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {الْمُقَدَّسُ}: الْمُبَارَكُ. {طُوًى}: اسْمُ الْوَادِي. {سِيرَتَهَا}: حَالَتَهَا. {وَالنُّهَى}: التُّقَى. {بِمَلْكِنَا}: بِأَمْرِنَا. {هَوَى}: شَقِيَ. {فَارِغًا}: إِلاَّ مِنْ ذِكْرِ مُوسَى. {رِدْءًا}: كَىْ يُصَدِّقَنِي، وَيُقَالُ: مُغِيثًا، أَوْ مُعِينًا. {يَبْطُشُ وَيَبْطِشُ}. {يَأْتَمِرُونَ}: يَتَشَاوَرُونَ. وَالْجِذْوَةُ: قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ مِنَ الْخَشَبِ لَيْسَ فِيهَا لَهَبٌ. {سَنَشُدُّ}: سَنُعِينُكَ، كُلَّمَا عَزَّزْتَ شَيْئًا فَقَدْ جَعَلْتَ لَهُ عَضُدًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: كُلَّمَا لَمْ يَنْطِقْ بِحَرْفٍ، أَوْ فِيهِ تَمْتَمَةٌ أَوْ فَأْفَأَةٌ فَهْيَ: {عُقْدَةٌ}. {أَزْرِي}: ظَهْرِي. {فَيُسْحِتَكُمْ}: فَيُهْلِكَكُمْ. {الْمُثْلَى}: تَأْنِيثُ الأَمْثَلِ، يَقُولُ: بِدِينِكُمْ، يُقَالُ: خُذِ الْمُثْلَى خُذِ الأَمْثَلَ. {ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} يُقَالُ: هَلْ أَتَيْتَ الصَّفَّ الْيَوْمَ؟ يَعْنِي الْمُصَلَّى الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ. {فَأَوْجَسَ}: أَضْمَرَ خَوْفًا، فَذَهَبَتِ الْوَاوُ مِنْ {خِيفَةً} لِكَسْرَةِ الْخَاءِ. {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}: عَلَى جُذُوعِ. {خَطْبُكَ}: بَالُكَ. {مِسَاسَ}: مَصْدَرُ مَاسَّهُ مِسَاسًا. {لَنَنْسِفَنَّهُ}: لَنُذْرِيَنَّهُ. {الضَّحَاءُ}: الْحَرُّ. {قُصِّيهِ}: اتَّبِعِي أَثَرَهُ، وَقَدْ يَكُونُ أَنْ نَقُصَّ الْكَلاَمَ {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ}: {عَنْ جُنُبٍ}: عَنْ بُعْدٍ، وَعَنْ جَنَابَةٍ وَعَنِ اجْتِنَابٍ وَاحِدٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ: {عَلَى قَدَرٍ}: مَوْعِدٌ {لاَ تَنِيَا}: لاَ تَضْعُفَا: {يَبَسًا}: يَابِسًا. {مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ}: الْحُلِيِّ الَّذِي اسْتَعَارُوا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ. {فَقَذَفْتُهَا}: أَلْقَيْتُهَا. {أَلْقَى}: صَنَعَ. {فَنَسِيَ مُوسَى}: هُمْ يَقُولُونَهُ أَخْطَأَ الرَّبَّ أَنْ لاَ يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ قَوْلاً فِي الْعِجْلِ. (باب قول الله عز وجل: {وهل أتاك}) أي وقد أتاك ({حديث موسى إذ}) أي حين ({رأى نارًا}) إلى قوله: ({بالوادي المقدس طوى}) [طه: 12] ({آنست}) [طه: 10] أي (أبصرت {نارًا لعلّي آتيكم منها بقبس}) [طه: 10] (الآية) بشعلة من النار أو بجمرة. (قال ابن عباس {المقدس}) أي: (المبارك. {طوى}: اسم الوادي) ونوّنه ابن عامر والكوفيون بتأويل المكان. وعن ابن عباس أيضًا عند الطبري سمي طوى لأن موسى طواه ليلاً، وروي أنه استأذن شعيبًا عليهما السلام في الخروج إلى أمه وخرج بأهله فلما وافى وادي طوى ولد له ابن في ليلة شاتية مظلمة مثلجة وقد أضل الطريق وتفرقت ماشيته إذ رأى من جانب الطور نارًا. القصة إلى آخرها. ({سيرتها}) [طه: 21] في قوله تعالى: {سنعيدها سيرتها} أي (حالتها) الأولى وهي فعلة من السير تجوّز بها للطريقة والحالة. ({والنهى}) في قوله تعالى: {إن في ذلك لآيات لأولي النهى} [طه: 54] أي (التقى) والنهى جمع نهية. ({بملكنا}) في قوله تعالى: {ما أخلفنا موعدك بملكنا} [طه: 87] أي (بأمرنا) وفتح نافع وعاصم ميم ملكنا وضمها حمزة والكسائي. ({هوى}) في قوله تعالى: {ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى} [طه: 81] أي (شقي) وقيل: تردى، وقيل: هلك، وقيل: وقع في الهاوية وكلها سبب الشقاء ({فارغًا}) [القصص: 10] في قوله عز وجل: {وأصبح فؤاد أم موسى فارغًا} أي من كل شيء من أمر الدنيا (إلا من ذكر موسى) فلم يخل قلبها منه. ({ردءًا}) [القصص: 34] في

قوله تعالى: {فأرسله معي ردءًا} أي معينًا (كي يصدقني) فرعون بأن يلخص بلسانه الفصيح وجوه الدلائل ويجيب عن الشبهات ويجادل به الكفار، وليس المراد أن يقول هارون له صدقت. وقال السدي: التقدير كما يصدقني. (ويقال): في تفسير ردءًا (مغيثًا) بالغين المعجمة والمثلثة من الإغاثة (أو معينًا) بالعين المهملة والنون من الإعانة ({يبطش ويبطش}) بضم الطاء وكسرها لغتان في قوله تعالى: {فلما أن أراد أن يبطش} [القصص: 19] لكن الكسر هو قراءة الجمهور ({يأتمرون}) في قوله تعالى: {إن الملأ يأتمرون} [القصص: 20] أي (يتشاورون) وإنما سمي التشاور ائتمارًا لأن كلاًّ من المتشاورين يأمر الآخر ويأتمر. (والجذوة) في قوله تعالى: {أو جذوة من النار} [القصص: 29] هي (قطعة غليظة من الخشب ليس لها) كذا في الفرع والذي في أصله فيها (لهب). قال ابن مقبل: باتت حواطب ليلى يلتمسن لها ... جزل الجذا غير خوار ولا دعر الخوار: الذي يتقصف، والدعر: الذي فيه لهب، وقيل الذي في رأسه نار. قال في اللباب وهو المشهور. قال السلمي: حمى حب هذي النار حب خليلتي ... وحب الغواني فهو دون الحباحب وبدّلت بعد المسك والبان شقوة ... دخان الجذا في رأس أشمط شاحب وقد ورد ما يقتضي وجود اللهب فيه قال: وألقى على قيس من النار جذوة ... شديدًا عليها حميها والتهابها وقيل: الجذوة العود الغليظ سواء كان في رأسه نار أو لم يكن، وليس المراد هنا إلا ما في رأسه نار. ({سنشد}) [القصص: 35] أي (سنعينك) ونقويك (كلما عززت شيئًا) بعين مهملة وزايين معجمتين الأولى مشددة والأخرى ساكنة (فقد جعلت له عضدًا) يعضده (وقال غيره): غير ابن عباس (كلما لم ينطق بحرف، أو) نطق به و (فيه تمتمة) بفوقيتين وميمين تردّد في النطق بالتاء المثناة الفوقية (أو فأفأة) بالفاءين والهمزتين تردد في النطق بالفاء (فهي {عقدة}) أشار به إلى قوله: {واحلل عقدة من لساني} [طه: 27] {يفقهوا قولي} قال في الأنوار: فإنما يحسن التبليغ من البليغ وكان في لسانه رنة من جمرة أدخلها فاه، وذلك أن فرعون حمله يومًا فأخذ لحيته ونتفها فغضب وأمر بقتله فقالت له آسية: إنه صبي لا يفرّق بين الجمر والياقوت فأحضرا بين يديه فأخذ الجمرة ووضعها في فيه، واختلف في زوال العقدة كلها فمن قال به تمسك بقوله تعالى: {قد أوتيت سؤلك يا موسى} ومن لم يقل احتج بقوله تعالى: {هو أفصح مني لسانًا} وقوله تعالى: {لا يكاد يبين} وأجاب عن الأول بأنه لم يسأل حل عقدة لسانه مطلقًا بل عقدة تمنع الإفهام، ولذلك نكرها، وجعل (يفقهوا) جواب الأمر، ومن لساني يحتمل أن يكون صفة عقدة وأن يكون صلة احلل اهـ. ({أزري}) [طه: 31] في قوله: {أشدد به أزري} أي {ظهري} قاله أبو عبيدة. ({فيسحتكم}) [طه: 61] بعذاب أي (فيهلككم) ويستأصلكم به ({المثلى}) [طه: 63] في قوله تعالى: {ويذهبا بطريقتكم المثلى} (تأنيث الأمثل، يقول: بدينكم) المستقيم الذي أنتم عليه. وقال ابن عباس: بسراة قومكم وأشرافهم، وقيل أهل طريقتكم المثلى وهم بنو إسرائيل (يقال: خذ المثلى) منهما للأُنثيين (خذ الأمثل) منهما إذا كان ذكرًا والمراد بالمثلى الفضلى. ({ثم ائتوا صفًّا}) [طه: 64] قال أبو عبيدة: أي صفوفًا قال وله معنى آخر (يقال: هل أتيت الصف اليوم؟ يعني المصلّى الذي يصلّى فيه). بفتح اللام المشددة فيهما أي ائتوا المكان الموعود، وقال غيره أي مصطفين لأنه أهيب في صدور الرائين. قيل: كانوا سبعين ألفًا مع كلٍّ منهم حبل وعصًا وأقبلوا عليه إقبالة واحدة ({فأوجس}) [طه: 6] في نفسه خيفة أي (أضمر) فيها (خوفًا) من مفاجأته على ما هو مقتضى الجبلة البشرية أو خاف على الناس أن يفتتنوا بسحرهم فلا يتبعوه (فذهبت الواو من {خيفة}) [طه: 67] (لكسرة الخاء) فصارت ياء قاله أبو عبيدة

وعبارة الصرفيين أن يقال أصل خيفة خوفة فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ({في جذوع النخل}) [طه: 71] أي (على جذوع). النخل قال الرضي في هنا وفي قول الشاعر: بطل كأن ثيابه في سرحة بمعنى على والأولى أنها بمعناها لتمكّن المصلوب في الجذع كتمكّن المظروف في الظرف وهو أوّل من صلب. ({خطبك}) [طه: 95] في قوله: {قال فما خطبك يا سامري} أي ما (بالك) وما شأنك {مساس} [طه: 97] في قوله: {فإن لك في الحياة أن لا تقول لا مساس} (هو مصدر ماسه مساسًا). والمعنى أن السامري عوقب على إضلاله بني إسرائيل باتخاذه العجل والدعاء إلى عبادته في الدنيا بالنفي وبأن لا يمسّ أحدًا ولا يمسّه أحد فإن مسّه أحد أصابتهما الحمى معًا لوقتهما. ({لننسفنه}) [طه: 97] أي (لنذرينه) رمادًا بعد التحريق بالنار. ({الضحاء}) بفتح الضاد المعجمة والمد في قوله تعالى: {وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} [طه: 119] هو (الحر) وهذا في قصة آدم ذكره المؤلّف استطرادًا. ({قصيه}) في قوله تعالى: {وقالت لأخته قصيه} [القصص: 11] أي (اتبعي أثره)، حتى تعلمي خبره (وقد يكون أن يقص الكلام) أي أو أن معنى القص من قص الكلام كما في قوله تعالى: ({نحن نقص عليك}) [يوسف: 3] والقاص هو الذي يتتبع الآثار ويأتي بالخبر على وجهه ({عن جنب}) [القصص: 11] أي (عن بعد) وهو صفة لمحذوف أي مكان بعيد (وعن جنابة وعن اجتناب واحد) في المعنى وقال أبو عمرو بن العلاء أي عن شوق وهي لغة جذام يقولون جنبت إليه أي اشتقت. (قال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({على قدر}) [طه: 40] معناه (موعد) أكلمك في وأستنبئك غير مستقدم وقته المعين ولا مستأخر. ({لا تنيا}) [طه: 42] أي (لا تضعفا) وهذا وصله الفريابي عن مجاهد أيضًا وعن ابن عباس لا تبطئًا وفي اليونينية وفرعها لا تنيا وأسقط لا تضعفا وكتب بعد لا تنيا صح وزاد في بعض النسخ بعد قوله لا تضعفا مكانًا سوى منصف بينهم بفتح الميم وسكون النون وفتح الصاد وكسرها وفي أخرى منصف بتشديد الصاد مفتوحة. ({يبسًا}) [طه: 77] في قوله تعالى. {فاضرب لهم طريقًا في البحر يبسًا} أي (يابسًا) مصدر وصف به ({من زينة القوم}) [طه: 87] أي (الحلي الذي استعاروا من آل فرعون) حين هموا بالخروج من مصر باسم العرس، وقيل استعاروا لعيد كان لهم ثم لم يردوا عند الخروج مخافة أن يعلموا به. ({فقذفتها}) أي فقذفت بها أي (ألقيتها) أي في النار وفي اليونينية فقذفتها ألقيتها فأسقط فقذفت بها وهي ثابتة في فرعه. ({ألقى}) في قوله {ألقى السامري} أي (صنع) وصله الفريابي أيضًا ({فنسي}) [طه: 88] أي ({موسى}) [طه: 88] (هم) أي السامري وأتباعه (يقولونه) أي (أخطأ) موسى (الرب) الذي هو العجل أن يطلبه هنا وذهب يطلبه عند الطور (أن لا يرجع إليهم قولاً) أي (في العجل) أي أنه لا يرجع إليهم كلامًا ولا يرد عليهم جوابًا. وهذا التفسير من قوله: {لعلي آتيكم منها بقبس} [طه: 10] إلى هنا. ثابت في رواية المستملي والكشميهني، ومن قوله فذهبت الواو من خيفة إلى آخره مكتوب ثابت في حاشية الفرع وأصله والأول في أصله ولم يذكره جميع رواة البخاري هنا. نعم ذكروا بعضه في تفسير سورة طه، وقول الكرماني في أثناء هذا التفسير، وذكر هذا في هذا الكتاب العظيم الشأن اشتغال بما لا يعنيه فيه ما فيه فقد نبه في الفتح على أن المصنف لمح بهذه التفاسير بما جرى لموسى عليه السلام في خروجه إلى مدين، ثم في رجوعه لمصر، ثم في أخباره مع فرعون، ثم في غرق فرعون، ثم في ذهابه الطور، ثم في عبادة بني إسرائيل العجل قال: وكأنه لم يثبت عنده في ذلك من المرفوعات ما هو على شرطه اهـ. فالله تعالى يرحم البخاري ما أدق نظره. 3393 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ، حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ فَإِذَا هَارُونُ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ". تَابَعَهُ ثَابِتٌ وَعَبَّادُ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون الدال المهملة وفتح الموحدة القيسي من بني قيس بن ثوبان الأزدي البصري قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى بن دينار العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر الذال المعجمة البصري قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة أن رسول الله) وفي نسخة مصحح عليها أن نبي الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حدثهم عن ليلة)

23 - باب {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه} -إلى قوله- {مسرف كذاب}

بكسر التاء، وفي فرع اليونينية وأصلها ليلة بالنصب والجر مصحح علوها وسفلها (أسري به) فذكر الحديث الآتي بتمامه إن شاء الله تعالى في باب المعراج من السيرة النبوية إلى أن قال: 23 - باب {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتِمُ إِيْمَانَهُ} -إِلَى قَوْلِهِ- {مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} (حتى أتى السماء الخامسة فإذا هارون، قال): جبريل (هذا هارون فسلم عليه فسلمت عليه، فردّ) عليَّ السلام (ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح تابعه) أي تابع قتادة (ثابت) البناني (وعباد بن أبي علي) بفتح العين وتشديد الموحدة البصري في روايتهما (عن أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). في ذكر هارون في السماء الخامسة لا في سائر الحديث بل ولا في الإسناد، فإن رواية ثابت موصولة في مسلم من طريق حماد بن سلمة عنه ليس فيها ذكر مالك بن صعصعة، وكذلك عباد لم يذكر لأنس فيه شيخًا، ووقع هنا في نسخة باب بالتنوين ({وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه})؟ إلى قولها ({مسرف كذاب}) [غافر: 28] وهو ثابت في حاشية فرع اليونينية وحاشية أصلها من غير حديث. قال في الفتح: ولعله أخلى بياضًا في الأصل فوصل كنظائره. وقد سبق ذكر هذه الآية قريبًا. 24 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (باب قول الله تعالى {وكلم الله موسى تكليمًا}) [النساء: 164] مصدر مؤكد رافع للمجاز. قال الفراء: العرب تسمي ما يوصل إلى الإنسان كلامًا بأي طريق وصل، ولكن لا تحققه بالمصدر فإذا حقق بالمصدر لم يكن إلا حقيقة الكلام، وقال القرطبي: مصدر معناه التأكيد وهو يدل على بطلان قول من قال خلق الله لنبيه كلامًا في شجرة فسمعه موسى بل هو الكلام الحقيقي الذي يكون به المتكلم متكلمًا. وقال النحاس: أجمع النحويون على أنك إذا أكدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازًا وزاد في نسخة وهو الذي في اليونينية لا في فرعها قبل وكلم الله ({وهل أتاك حديث موسى}) [النازعات: 15] أي وقد أتاك كما مرّ قريبًا. 3394 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ رَأَيْتُ مُوسَى وَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ رَجِلٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ، وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِ. ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ وَفِي الآخَرِ خَمْرٌ فَقَالَ: اشْرَبْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ، فَقِيلَ: أَخَذْتَ الْفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ». [الحديث 3394 - أطرافه في: 3437، 4709، 5576، 5603]. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب) بن حزن القرشي المخزومي أحد الأعلام الأثبات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله) ولأبي ذر قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ليلة أسري بي) ولغير أبي ذر به بدل بي (رأيت موسى وإذا رجل) ولأبي ذر: وإذا هو رجل (ضرب) بضاد معجمة مفتوحة فراء ساكنة فموحدة نحيف خفيف اللحم (رجل) بفتح الراء وكسر الجيم دهين الشعر مسترسله أو غير جعد (كأنه) في الطول (من رجال شنوءة) بفتح الشين المعجمة وضم النون وبعد الواو الساكنة همزة مفتوحة ثم هاء تأنيث حي من اليمن ينسبون إلى شنوءة وهو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد لقب بشنوءة لشنآن كان بينه وبين أهله، (ورأيت عيسى) ابن مريم عليه السلام (فإذا هو رجل ربعة) بفتح الراء وسكون الموحدة وقد تفتح أي المربوع ومراده أنه ليس بطويل جدًّا ولا قصير جدًّا بل وسط (أحمر كأنما) وفي نسخة بالفرع كأصله كأنه (خرج من ديماس) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية وبعد الميم ألف فسين مهملة، وزاد في باب واذكر في الكتاب مريم من رواية عبد الرزاق عن معمر يعني الحمام. وقال في القاموس: الديماس الكن والسرب والحمام وزاد غيره الحمام بلغة الحبشة. وقيل: ولم يكن لهم يومئذٍ ديماس والحمام من جملة الكن والمراد وصفه بصفاء اللون ونضارة الجسم وكثرة ماء الوجه حتى كأنه كان في موضع كن حتى خرج منه وهو عرقان (وأنا أشبه ولد إبراهيم) الخليل زاد أبو ذر عن الكشميهني -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (به ثم أتيت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر) قبل تحريم الخمر لأن الإسراء كان بمكة وتحريم الخمر كان بالمدينة (فقال) جبريل: (اشرب أيهما) الخمر أو اللبن (شئت فأخذت اللبن فشربته فقيل): وفي رواية: فقال جبريل (أخذت الفطرة) أي الإسلام والاستقامة (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم (إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك) لأنها أم الخبائث وجالبة لأنواع الشرور

25 - باب

بالشين المعجمة في الحال والمآل. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الإيمان والترمذي في التفسير. 3395 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ حَدَّثَنَا ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ -يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى. وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ». [الحديث 3395 - أطرافه في: 3413، 4630، 7539]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بموحدة ومعجمة مشددة العبدي البصري أبو بكر بندار وسقط لأبي ذر ابن بشار قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (قال: سمعت أبا العالية) رفيعًا الرياحي قال: (حدّثنا ابن عم نبيكم يعني ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس) أي ليس لأحد أن يفضل نفسه أو ليس لأحد أن يفضلني على يونس (بن متى) وهذا منه على سبيل التواضع (ونسبه إلى أبيه) وهو بفتح الميم وفتح المثناة الفوقية وبالألف وكان رجلاً صالحًا من أهل بيت النبوّة. 3396 - وَذَكَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ فَقَالَ: «مُوسَى آدَمُ طُوَالٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ. وَقَالَ: عِيسَى جَعْدٌ مَرْبُوعٌ، وَذَكَرَ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ، وَذَكَرَ الدَّجَّالَ». (وذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة أسري به) وللكشميهني: مما ذكره في فتح الباري ليلة أسري به على الحكاية (فقال): (موسى آدم) بالمد أي أسمر (طوال) بضم الطاء وتخفيف الواو (كأنه من رجال شنوءة) في الطول (وقال) في (عيسى جعد) شعره بفتح الجيم وسكون العين وهو خلاف السبط (مربوع) لا طويل ولا قصير، (وذكر مالكًا خازن النار) وفي اليونينية وفرعها مالك بغير ألف مع المنصب والتنوين مصححًا عليه (وذكر الدجال). وهذا الحديث أخرجه في باب قول الله تعالى: {وإن يونس لمن المرسلين} [الصافات: 139] وفى التفسير والتوحيد ومسلم في أحاديث الأنبياء وأبو داود في السنة، وهو عند الأكثرين حديث واحد وبعضهم جعله حديثين ما يتعلق بيونس حديثًا والآخر بباقيه. 3397 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ عَنِ ابْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما-: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا -يَعْنِي يومَ عَاشُورَاءَ- فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهْوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ. فَقَالَ: أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ». [الحديث 3397 - أطرافه في: 2004، 3943، 4680، 4737]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا أيوب) بن أبي تميمة كيسان (السختياني) بالسين المهملة المفتوحة وسكون الخاء المعجمة وفتح الفوقية والتحتية وبعد الألف نون البصري (عن ابن سعيد بن جبير) عبد الله (عن أبيه) سعيد (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما) ولأبي ذر قال لما (قدم المدينة) من مكة مهاجرًا فأقام إلى يوم عاشوراء من السنة الثانية (وجدهم) يعني اليهود (يصومون يومًا يعني عاشوراء) بالمد عاشر المحرم على المشهور فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما هذا الصوم"؟ (فقالوا هذا يوم عظيم وهو يوم) بالتنوين (نجى الله) عز وجل (فيه موسى) وقومه من عدوّهم (وأغرق آل فرعون) في الميم وفي رواية وأغرق فيه فرعون وقومه (فصام موسى) بإسقاط ضمير النصب (شكرًا لله) وعند المؤلّف في الهجرة: ونحن نصومه تعظيمًا له (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أنا أولى بموسى منهم) أي من اليهود (فصامه وأمر) الناس (بصيامه). وقد سبق هذا الحديث في الصيام. 25 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ * وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} -إِلَى قَوْلِهِ- {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}. يُقَالُ دَكَّهُ: زَلْزَلَهُ فَدُكَّتَا، فَدُكِكْنَ جَعَلَ الْجِبَالَ كَالْوَاحِدَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا} وَلَمْ يَقُلْ كُنَّ رَتْقًا: مُلْتَصِقَتَيْنِ. {أُشْرِبُوا} ثَوْبٌ مُشَرَّبٌ مَصْبُوغٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {انْبَجَسَتْ}: انْفَجَرَتْ. {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ}: رَفَعْنَا. (باب قول الله تعالى {وواعدنا}) بألف بعد الواو ({موسى ثلاثين ليلة}) ذا القعدة ({وأتممناها بعشر}) من ذي الحجة ({فتم ميقات ربه أربعين ليلة}). روي أن موسى عليه الصلاة والسلام وعد بنى إسرائيل بمصر أن يأتيهم بعد مهلك فرعون بكتاب من الله فيه بيان ما يأتون وما يذرون، فلما هلك سأل ربه فأمره بصوم ثلاثين فلما أتم أنكر خلوف فمه فتسوّك فقالت الملائكة: كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك فأمره الله تعالى أن يزيد عليه عشرًا ({وقال موسى}) لما أراد الانطلاق إلى الجبل ({لأخيه هارون اخلفني في قومي}) كن خليفتي فيهم ({وأصلح}) أي ارفق بهم ({ولا تتبع سبيل المفسدين}) لا تطع من عصى الله ولا توافقه على أمره ({ولما جاء موسى لميقاتنا}) لوقتنا الذي وقتناه. وقال الطيبي قيل لا بد هنا من تقدير مضاف أي لآخر ميقاتنا أو لانقضاء ميقاتنا ({وكلمه ربه}) من غير واسطة ({قال: رب أرني أنظر إليك}) أرني نفسك بأن تمكنني من رؤيتك وهو دليل على أن رؤيته تعالى جائزة في الجملة لأن طلب المستحيل من الأنبياء محال، لا سيما ممن اصطفاه الله تعالى برسالته وخصه بكرامته وشرفه بتكليمه فيجب حمل الآية على أن ما اعتقد موسى جوازه جائز، لكن ظن أن ما اعتقد

26 - باب طوفان من السيل. ويقال للموت الكثير طوفان

جوازه ناجز فرجع النفي في قوله ({قال لن تراني}) إلى الإنجاز. فإن قلت: إن أرني يكفي في الطلب لأنه تعالى إذا أراه نفسه لا بد أن ينظر إليه فما فائدة إردافه بقوله أنظر إليك؟ أجيب: بأن فائدته التوكيد والكشف التام فإنه لما أردفه به أفاد طلب رفع المانع وكشف الحجاب والتمكن من الرؤية بحيث لا يختلف عنه النظر البتة ونحوه قولك نظرت بعيني وقبضت بيدي (إلى قوله {وأنا أول المؤمنين}) [الأعراف: 142 - 143] قيل: معناه أنا أوّل من آمن بأنك لا ترى في الدنيا وسقط لأبي ذر من قوله: {وأتممناها} إلى آخر {لن تراني} (يقال دكه): يريد تفسير قوله تعالى {فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا} [الأعراف: 143] أي (زلزله) وقال غيره: جعله مدكوكًا مفتتًا (فدكتا) بفتح الكاف وفي اليونينية بكسرها ولعله سبق قلم في قوله تعالى: {وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة} [الحاقة: 14] أي (فدككن) بالجمع لأن الجبال جمع والأرض في حكم الجمع لكنه (جعل الجبال كالواحدة) فلذلك قيل فدكتا بالتثنية (كما قال الله عز وجل: {إن السماوات والأرض كانتا رتقًا}) [الأنبياء: 30] بالتثنية في كانتا (ولم يقل كن رتقًا) بالجمع على القياس بل جعل كل واحدة منهما كواحدة (ملتصقتين {أشربوا}) في قوله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل} [البقرة: 93] (ثوب مشرب) أي مصبوغ يعني اختلط حب العجل بقلوبهم كما يختلط الصبغ بالثوب. (قال ابن عباس) مما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ({انبجست}) أي (انفجرت) وفي قوله تعالى: ({وإذ نتقنا الجبل}) [الأعراف: 171] أي (رفعنا). الجبل فوقهم روي أن موسى عليه السلام لما رجع إلى قومه وقد أتاهم بالتوراة فأبوا أن يقبلوها ويعملوا بها، فأمر الله تعالى جبريل عليه السلام أن يقلع جبلاً قدر عسكرهم وكان فرسخًا في فرسخ فرفعه فوق رؤوسهم مقدار قامة الرجل وكانوا ستمائة ألف وقال: إن لم تقبلوها وإلاً ألقيت عليكم هذا الجبل. 3398 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو بن يحيى) بفتح العين (عن أبيه) يحيى بن عمارة المازني الأنصاري (عن أبي سعيد) الخدري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الناس يصعقون) يغشى عليهم (يوم القيامة فأكون أول من يفيق) من الغشى (فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور). التي صعقها لما سأل الرؤية فلم يكلف بصعقة أخرى. وفيه فضيلة لموسى لكن لا يلزم من إفاقته قبل نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يكون أفضل منه، بل قيل إن قوله: فلا أدري أفاق قبلي يحتمل أن عليه الصلاة والسلام قاله قبل أن يعلم أنه أول من تنشق عنه الأرض. وتأتي مباحث ذلك إن شاء الله تعالى في محله بعون الله تعالى، وفي نسخة هنا باب بالتنوين. 3399 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْلاَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ، وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدَّهْرَ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن محمد الجعفي) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) بسكون العين المهملة وفتح الميمين ابن راشد البصري (عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ابن منبه الصنعاني (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم) بفتح التحتية وسكون الخاء المعجمة وفتح النون بعدها زاي أي لم ينتن قيل لأنهم كانوا أمروا بترك ادّخار السلوى فادخروه حتى أنتن فاستمر نتن اللحم من ذلك الوقت، وقيل لم يكن اللحم يخنز حتى منع بنو إسرائيل عن ادخاره فلما ادخروه اختنز عقوبة لهم (ولولا حوّاء) بالمد (لم تخن أنثى زوجها الدهر). لأنها رغبت آدم في أكل الشجرة بعد وسوسة إبليس فسرى في أولادها مثل ذلك. وهذا الحديث سبق في أول أحاديث الأنبياء. 26 - باب طُوفَانٍ مِنَ السَّيْلِ. وَيُقَالُ لِلْمَوْتِ الْكَثِيرِ طُوفَانٌ {الْقُمَّلُ}: الْحُمْنَانُ يُشْبِهُ صِغَارَ الْحَلَمِ. {حَقِيقٌ} حَقٌّ. {سُقِطَ}: كُلُّ مَنْ نَدِمَ فَقَدْ سُقِطَ فِي يَدِهِ. (طوفان) في قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم الطوفان} أي (من السيل) أي من كثرة الأمطار وفي نسخة باب طوفان من السيل و (يقال للموت الكثير) المتتابع (طوفان) وقيل الطاعون و ({القمل}) [الأعراف: 133] هو (الحمنان) بضم الحاء المهملة وسكون الميم ونونين بينهما ألف (يشبه صغار الحلم) بفتح الحاء المهملة واللام وهو القراد العظيم. ({حقيق}) [الأعراف: 105] قال أبو عبيدة أي (حق) وهذا على قراءة

27 - باب حديث الخضر مع موسى - عليهما السلام -

تشديد عليّ. ({سُقِطَ}) في قوله تعالى: {ولما سقط في أيديهم} وفسره بقوله (كل من ندم فقد سقط في يده). قال في القاموس: وسقط في يده وأسقط مضمومتين زل وأخطأ وندم وتحير اهـ. فإن النادم المتحسر يعض يده غمًا فتصير يده مسقوطًا فيها لأن فاه قد وقع فيها، وقيل من عادة النادم أن يطأطئ رأسه ويضع ذقنه على يده معتمدًا عليها ويصير على هيئة لو نزعت يده لسقط على وجهه فكأن اليد مسقوط فيها، ومعنى في على فمعنى في أيديهم على أيديهم، وهذه اللفظة قد اضطربت أقوال أهل اللغة في أصلها فقال أبو مروان بن سراج اللغوي قول العرب سقط في يده مما أعياني معناه. وقال الواحدي: لم أر لأهل اللغة شيئًا في أصله وحدّه أرتضيه إلا ما ذكره الزجاج أنه بمعنى ندم وأنه نظم لم يسمع قبل القرآن ولم تعرفه العرب ولم يوجد في أشعارهم، ويدل على صحة ذلك أن شعراء الإسلام لما سمعوا هذا النظم واستعملوه في كلامهم خفي عليهم وجه الاستعمال لأن عادتهم لم تجر به قال أبو نواس: ونشوة سقطت منها في يدي وأبو نواس هو العالم النحرير فأخطأ في استعمال هذا اللفظ لأن فعلت لا يبنى إلا من فعل متعدّ وسقط لازم لا يتعدى إلا بحرف الصلة لا يقال سقطت كما لا يقال رغبت وغضبت، إنما يقال رغب فيّ وغضب عليّ. وذكر أبو حاتم سقط فلان في يده بمعنى ندم وهو خطأ مثل قول أبي نواس لأنه لو كان كذلك لكان النظم ولما سقطوا في أيديهم وسقط القوم في أيديهم كذا نقله ابن عادل في اللباب. 27 - باب حَدِيثِ الْخَضِرِ مَعَ مُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - (حديث الخضر) ولأبي ذر باب حديث الخضر (مع موسى عليهما السلام). 3400 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ: «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ خَضِرٌ، فَمَرَّ بِهِمَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ، فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ: لاَ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ، فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَيْهِ، فَجُعِلَ لَهُ الْحُوتُ آيَةً، وَقِيلَ لَهُ: إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ، فَكَانَ يَتْبَعُ الْحُوتَ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ لِمُوسَى فَتَاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ. فَقَالَ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغي، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا، فَوَجَدَا خَضِرًا، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ». وبه قال: (حدّثنا عمرو بن محمد) بفتح العين ابن بكير الناقد قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثني) بالإفراد (أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن عبيد الله بن عبد الله) بضم عين الأول ابن عتبة (أخبره عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أنه تمارى) أي تنازع وتجادل (هو والحرّ بن قيس الفزاري) بفتح الفاء (في صاحب موسى) الذي ذهب إليه وقال له هل أتبعك (قال ابن عباس: هو خضر) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين (فمرّ بهما) بالحر وابن عباس (أبي بن كعب) الأنصاري (فدعاه ابن عباس فقال: إني تماريت) تجادلت (أنا وصاحبي هذا) الحر بن قيس (في صاحب موسى الذي سأل السبيل) الطريق (إلى لقيه) بضم اللام وكسر القاف وتشديد التحتية (هل سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذكر شأنه؟ قال) أبي: (نعم سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر يذكر شأنه (يقول): (بينما) بالميم (موسى في ملإ) بالقصر جماعة (من بني إسرائيل) أولاد يعقوب (جاءه رجل فقال: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ قال: لا. فأوحى الله) عز وجل (إلى موسى) عليه السلام (بلى عبدنا خضر) أي أعلم منك بشيء مخصوص (فسأل موسى) ربه (السبيل إليه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: إلى لقيه (فجعل) بضم الجيم مبنيًّا للمفعول (له الحوت آية) علامة على لقيه (وقيل له إذا فقدت الحوت) بفتح الفاء والقاف أي إذا غاب عن عينك (فارجع فإنك ستلقاه) فأخذ حوتًا فجعله في مكتل ثم انطلق معه بفتاه وقال له إذا فقدت الحوت فأخبرني (فكان يتبع الحوت) بسكون الفوقية ولأبي الوقت والأصيلي يتبع أثر الحوث (في البحر) أي ينتظر فقدانه فلما أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما فاضطرب الحوت في المكتل فسقط في البحر (فقال لموسى فتاه) يوشع بن نون (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أي فإني نسيت أن أخبرك بخبر الحوت (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) نسبه للشيطان تأدبًا مع الرب تعالى لأن نسبة النقص للنفس والشيطان أليق بمقام الأدب (فقال موسى) عليه السلام: (ذلك) الذي ذكرته (ما كنا نبغي) بالتحتية بعد الغين ولغير أبي ذر نبغ نطلب إذ هو علامة على لقي الخضر (فارتدّا) رجعا (على آثارهما) يقصان (قصصًا) حتى انتهيا إلى الصخرة (فوجدا خضرًا) نائمًا مسجى ثوبًا في

جزيرة من جزائر البحر (فكان من شأنهما الذي قص الله) عز وجل (في كتابه) في سورة الكهف. وهذا الحديث قد سبق في باب ما ذكر في ذهاب موسى إلى الخضر من كتاب العلم. 3401 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: «قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ، فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا. فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: بَلَى، لِيَ عَبْدٌ بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ: أَىْ رَبِّ وَمَنْ لِي بِهِ؟ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: أَىْ رَبِّ وَكَيْفَ لِي بِهِ؟ - قَالَ: تَأْخُذُ حُوتًا فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ، حَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَهْوَ ثَمَّ -وَرُبَّمَا قَالَ: فَهْوَ ثَمَّهْ- وَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ حَتَّى إذا أَتَيَا الصَّخْرَةَ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا، فَرَقَدَ مُوسَى، وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فَخَرَجَ فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنِ الْحُوتِ جِرْيَةَ الْمَاءِ فَصَارَ مِثْلَ الطَّاقِ -فَقَالَ: هَكَذَا مِثْلُ الطَّاقِ- فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ لِفَتَاهُ. آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا. وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ. قَالَ لَهُ فَتَاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ، وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا، فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَلَهُمَا عَجَبًا. قَالَ لَهُ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا -رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا- حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ، فَسَلَّمَ مُوسَى، فَرَدَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ قَالَ: أَنَا مُوسَى، قَالَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا. قَالَ: يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ لاَ تَعْلَمُهُ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لاَ أَعْلَمُهُ. قَالَ: هَلْ أَتَّبِعُكَ؟ قَالَ: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} -إِلَى قَوْلِهِ- {إِمْرًا}. فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ كَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ، فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُ بِغَيْرِ نَوْلٍ. فَلَمَّا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ جَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ، فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ، قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى، مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ، إِذْ أَخَذَ الْفَأْسَ فَنَزَعَ لَوْحًا، قَالَ: فَلَمْ يَفْجَأْ مُوسَى إِلاَّ وَقَدْ قَلَعَ لَوْحًا بِالْقَدُّومِ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: مَا صَنَعْتَ؟ قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا. قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ قَالَ: لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ، وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا. فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا. فَلَمَّا خَرَجَا مِنَ الْبَحْرِ مَرُّوا بِغُلاَمٍ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَقَلَعَهُ بِيَدِهِ هَكَذَا -وَأَوْمَأَ سُفْيَانُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهُ يَقْطِفُ شَيْئًا- فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ؟ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا. قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ قَالَ: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَىْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي، قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا. فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ مَائِلاً -أَوْمَأَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ سُفْيَانُ كَأَنَّهُ يَمْسَحُ شَيْئًا إِلَى فَوْقُ، فَلَمْ أَسْمَعْ سُفْيَانَ يَذْكُرُ "مَائِلاً" إِلاَّ مَرَّةً- قَالَ: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ يُضَيِّفُونَا، عَمَدْتَ إِلَى حَائِطِهِمْ، لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ، سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ فَقَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا. قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَوْ كَانَ صَبَرَ يُقَصُّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا. وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ. ثُمَّ قَالَ لِي سُفْيَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ. قِيلَ لِسُفْيَانَ: حَفِظْتَهُ قَبْلَ أَنْ تَسْمَعَهُ مِنْ عَمْرٍو أَوْ تَحَفَّظْتَهُ مِنْ إِنْسَانٍ؟ فَقَالَ: مِمَّنْ أَتَحَفَّظُهُ، وَرَوَاهُ أَحَدٌ عَنْ عَمْرٍو غَيْرِي؟ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو بن دينار) المكي (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن جبير) بضم الجيم مصغرًا الكوفي (قال: قلت لابن عباس أن نوفًا) بفتح النون وسكون الواو وتنوين الفاء ابن فضالة بفتح الفاء والضاد المعجمة أبا يزيد القاص (البكالي) بكسر الموحدة وتخفيف اللام والكاف على الصواب، ونقل عن المهلب والصدفي وأبي الحسن بن سراج نسبة إلى بكال من حمير وضبطه أكثر المحدّثنين فما قاله عياض البكالي بفتح الموحدة وتشديد الكاف قال: وكذا قيدناه عن أبي بحر وابن أبي جعفر عن العذري وقاله أبو ذر نسبة إلى بكال بن دعمى (يزعم أن موسى صاحب الخضر) الذي قص الله عنهما في سورة الكهف (ليس هو موسى بني إسرائيل إنما هو موسى آخر) يسمى موسى بن ميشا بن إفراثيم بن يوسف بن يعقوب وموسى الثاني منوّن للفرق (فقال) ابن عباس: (كذب عدوّ الله) نوف فيما زعم قاله مبالغة في الإنكار والزجر وكان في شدة غضبه لا أنه يعتقد ذلك (حدّثنا أبي بن كعب عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل فسئل أيّ الناس أعلم) أي منهم (فقال) بحسب اعتقاده (أنا) أعلم الناس وهذا أبلغ من قوله في الرواية السابقة هل تعلم أحدًا أعلم منك: قال: لا. فإنه نفى هناك علمه وفي هذه الرواية على البت (فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه) فيقول نحو الله أعلم (فقال) الله (له: بلى لي عبد) هو خضر (بمجمع البحرين) ملتقى بحري فارس والروم مما يلي المشرق (هو أعلم منك) أي بشيء مخصوص (قال) موسى (أي) أي يا (رب ومن لي به)؟ أي ومن يتكفل لي برؤيته (وربما قال سفيان) بن عيينة (أي رب وكيف لي به)؟ أي وكيف يتهيأ لي أن أظفر به (قال) تعالى: {تأخذ حوتًا) مملوحًا (فتجعله في مكتل) بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الفوقية زنبيل (حيثما فقدت الحوت) بفتح القاف (فهو) أي الخضر (ثم) بفتح المثلثة وتشديد الميم (وربما قال فهو ثمه) بزيادة هاء السكت الساكنة أي هناك (وأخذ) بالواو موسى (حوتا) مملوحًا (فجعله في مكتل) كما أمر (ثم انطلق هو وفتاه يوشع بن نون) بالصرف كنوح (حتى أتيا) ولأبي ذر حتى إذا أتيا (الصخرة) التي عند ساحل مجمع البحرين ويقال ثمة عين تسمى بعين الحياة "وضعا رؤوسهما فرقد موسى واضطرب الحوت" أي تحرك لأنه أصابه من ماء عين الحياة (فخرج) من المكتل (فسقط في البحر فاتخذ سبيله) طريقه (في البحر سربًا) مسلكًا (فأمسك الله) عز وجل (عن الحوت جرية الماء فصار) عليه (مثل الطاق) وفي نسخة في مثل الطاق (فقال: هكذا مثل الطاق) أي مثل عقد البناء قال الكرماني: معجزة لموسى والخضر (فانطلقا) موسى وفتاه (يمشيان بقية ليلتهما ويومهما) بنصب اليوم (حتى إذا كان من الغد قال) موسى (لفتاه) يوشع: (آتنا غداءنا) طعامنا الذي نأكله أوّل النهار (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا) تعبًا (ولم يجد موسى النصب حتى جاوز حيث أمره الله) تعالى (قال له فتاه) يوشع: (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أن أخبرك بحياته وانتضاب الماء مثل الطاق وغيره (وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) لها بهر العقل من عظيم القدرة (واتخذ سبيله في البحر) سبيلاً (عجبًا) مفعول ثان لاتخذ وهو كونه كالسرب (فكان للحوت) أي لدخول الحوت في الماء (سربًا) مسلكًا (ولهما) لموسى وفتاه (عجبًا) فإنه جمد الماء أو صار صخرًا (قال له موسى ذلك) الذي ذكرته (ما كنا نبغي فارتدّا على آثارهما) يقصان (قصصًا) أي (رجعا) في الطريق الذي جاءا فيه (يقصان آثارهما) قصصًا أي يتبعان آثار مسيرهما اتباعًا (حتى انتهيا إلى الصخرة) فذهبا يلتمسان الخضر (فإذا رجل) نائم (مسجى بثوب) أي مغطى كله به (فسلم موسى)

أي عليه (فردّ عليه) الخضر السلام (فقال): أي الخضر (وأنى) وكيف (بأرضك السلام) وفي رواية وهل بأرضي من سلام قال الخضر: من أنت؟ (قال أنا موسى. قال) الخضر: (موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم) موسى بني إسرائيل قال ما شأنك قال (أتيتك لتعلمني مما علمت رشدًا) مفعول ثان لتعلمني ولم يرد أن يعلمه شيئًا من أمر الدين إذ الأنبياء لا يجعلون ما يتعلق بدينهم الذي تعبدت به أمتهم (قال يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه) جميعه (وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه) جميعه. وهذا التقدير واجب دافع لمن استدلّ بقوله: إني على علم الخ بأن نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اختص بجمع الشريعة، والحقيقة ولم يكن لغيره من الأنبياء إلا أحدهما لأنه يلزم منه خلو بعض أولي العزم غير نبينا من الحقيقة وإخلاء الخضر عن علم الشريعة ولا يخفى ما فيه، ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد لذلك في سورة الكهف من التفسير، ولا ريب أن العالم بالعلم الخاص لا يكون أعلم ممن له العلم العام وهو حكم الشرائع والتكاليف فإن ضرورة الناس تدعوهم إلى ذلك. (قال) موسى للخضر (هل أتبعك؟ قال: إنك لن تستطيع معي صبرًا) لأن موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشرع (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا)؟ أي: وكيف تصبر وأنت نبي على ما أتولى من أمور ظواهرها مناكير وبواطنها لم يحط بها خبرك. وخبرًا تمييز أو مصدر لأن لم تحط به بمعنى لم تخبره (إلى قوله أمرًا) أي ولا أعصى لك أمرًا وفي اليونينية إمرًا بكسر الهمزة وكانت مفتوحة فكشطها مصححًا عليها (فانطلقا) موسى والخضر (يمشيان على ساحل البحر) ومعهما يوشع (فمرّت بهما سفينة كلموهم) بغير فاء (أن يحملوهم فعرفوا) أي أصحاب السفينة (الخضر فحملوه) وموسى وفتاه (بغير نول) بفتح النون أجرة (فلما ركبا) موسى والخضر (في السفينة جاء عصفور) بضم العين وحكي فتحها "فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة أو نقرتين" قال له (الخضر: يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله) أي من معلومه (إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من البحر) ولفظ النقص هنا ليس على ظاهره وإنما معناه إن علمي وعلمك بالنسبة إلى علم الله تعالى كنسبة ما نقره هذا العصفور إلى ماء البحر فهو على التقريب إلى الأفهام (إذ أخذ) الخضر (الفأس) بالهمز (فنزع لوحًا) من ألواح السفينة (فلم) وفي الفرع كأصله قال: فلم (يفجأ موسى) عليه السلام بعد أن صارت السفينة في لجة البحر (إلا وقد قلع) الخضر (لوحًا) من السفينة (بالقدوم) بفتح القاف وتشديد الدال في الفرع وأصله وضبطه الصغاني بالفتح والتخفيف فقال له (موسى): منكرًا عليه بلسان الشرع (ما صنعت)؟ هؤلاء (قوم حملونا) في سفينتهم (بغير نول) أجرة (عمدت) بفتح الميم (إلى سفينتهم فحرقتها لتغرق أهلها) فإن خرقها سبب لدخول الماء فيها المفضي إلى غرق أهلها وقال لتغرق أهلها ولم يقل لتغرقنا. قال السفاقسي: فنسي نفسه واشتغل بغيره في حالة يقول فيها المرء: نفسي نفسي، واللام في لتغرق للعلة أو للصيرورة (لقد جئت شيئًا إمرًا) عظيمًا. (قال) الخضر مذكرًا لموسى بما سبق من الشرط (ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا) استفهام على سبيل الإنكار (قال) موسى للخضر: (لا تؤاخذني بما نسيت) يعني وصيته بأن لا يعترض عليه وهو اعتذار بالنسيان أو أراد بالنسيان الترك أي لا تؤاخذني بما تركت (ولا ترهقني) أي لا تغشني (من أمري عسرًا) مفعول ثان لترهق (فكانت الأولى) وفي الكهف قال أي أبي، وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "وكانت الأولى" (من موسى نسيانًا فلما خرجا) أي موسى والخضر (من البحر مروا) موسى والخضر ويوشع (بغلام) وضيء الوجه اسمه جيسون بالجيم المفتوحة والتحتية الساكنة والسين المهملة المضمومة وبعد الواو نون (يلعب مع الصبيان فأخذ الخضر برأسه فقلعه بيده وهكذا وأومأ سفيان) بن عيينة (بأطراف أصابعه) كأنه يقطف بها شيئًا

(فقال له موسى): منكرًا عليه أشد من الأولى (أقتلت نفسًا زكية) بتشديد الياء من غير ألف وهي قراءة ابن عامر والكوفيين أي طاهرة من الذنوب قاله لأنه لم يرها أذنبت أو صغيرة لم تبلغ الحلم (بغير نفس) متعلق بقتلت (لقد جئت شيئًا نكرًا) منكرًا (قال) الخضر لموسى: (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا. قال) موسى: (إن سألتك عن شيء بعدها) بعد هذه المرة (فلا تصاحبني) وفارقني (وقد بلغت من لدني عذرًا) متعلق ببلغت، ولدني بضم الدال وتشديد النون ادخلوا نون الوقاية على لدن لتقيها من الكسر محافظة على سكونها (فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية) أنطاكية أو غيرها (استطعما أهلها) واستضافوهم (فأبوا أن يضيفوهما)، مفعول به واستطعما جواب إذا وتكرير أهلها قيل للتأكيد وقيل للتأسيس (فوجدا فيها) في القرية (جدارًا يريد أن ينقض) مفعول الإرادة أي (مائلاً) وهذا من مجاز كلام العرب لأن الجدار لا إرادة له فالمعفى أنه دنا من السقوط (أومأ) الخضر (بيده هكذا وأشار سفيان) بن عيينة (كأنه يمسح شيئًا إلى فوق) بالضم. قال علي بن عبد الله المديني (فلم أسمع سفيان يذكر مائلاً إلاّ مرة): (قال) موسى (قوم أتيناهم) فاستطعمناهم واستضفناهم (فلم يطعمونا ولم يضيفونا عمدت) بفتح الميم في اليونينية ليس إلا (إلى حائطهم) المائل فأقمته (لو شئت لاتخذت) بهمزة وصل وتشديد التاء وفتح الخاء وهي قراءة غير المكي والبصري (عليه أجرًا) جعلاً (قال) الخضر: (هذا فراق بيني وبينك) أي الفراق الموعود بقوله فلا تصاحبني أو الاعتراض الثالث أو الوقت أي هذا الاعتراض سبب فراقنا أو هذا الوقت وقته (سأنبئك) سأخبرك (بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا) لكونه منكرًا من حيث الظاهر. (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وددنا) بكسر الدال الأولى وسكون الثانية (أن موسى كان صبر فقص الله علينا من خبرهما) ولأبوي ذر والوقت: فقص بضم القاف مبنيًا للمفعول. (قال سفيان) بن عيينة في روايته (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرحم الله موسى لو كان صبر يقص) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي لقص (علينا من أمرهما) وفي التفسير من طريق الحميد عن سفيان: وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما. (قال) في التفسير قال سعيد بن جبير وسقط قوله قال من اليونينية وثبت في فرعها (وقرأ ابن عباس أمامهم) بدل قراءة العامة وراءهم (ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبًا وأما الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين) قال ابن المديني: (ثم قال لي سفيان: سمعته منه) أي من عمرو بن دينار (مرتين وحفظته منه. قيل لسفيان حفظته قبل أن تسمعه من عمرو) أي ابن دينار (أو تحفظته من إنسان)؟ قال الكرماني الشك من علي بن عبد الله. يعني قيل لسفيان حفظته أو تحفظته من إنسان قبل أن تسمعه من عمرو؟ (فقال): سفيان: (ممن أتحفظه. ورواه) أي أرواه (أحد من عمرو غيري) فحذف همزة الاستفهام (سمعته منه) من عمرو (مرتين أو ثلاثًا وحفظته منه). وهذا الحديث سبق في باب ما يستحب للعالم إذا سئل من كتاب العلم. 3402 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الأَصْبَهَانِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرُ لأَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ، فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلْفِهِ خَضْرَاءَ»: قَالَ الحَمَوِي: قَالَ مُحَمَّدُ بْنِ يُوسُفَ بْنِ مَطَر الفَرْبَرِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنِ خَشرَم عَنْ سُفْيَانَ بطوله. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سعيد) بكسر العين (الأصبهاني) بفتح الهمزة والموحدة وفي نسخة ابن الأصبهاني قال: (أخبرنا ابن المبارك) عبد الله (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام بن منبه) بكسر الموحدة المشددة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إنما سمي الخضر) بفتح الراء وفي اليونينية وبالضم في فرعها خضرًا (أنه) ولأبي الوقت وابن عساكر والأصيلي لأنه أي الخضر (جلس على فروة بيضاء) ليس فيها نبات، والفروة بفتح الفاء وسكون الراء جلدة وجه الأرض (فإذا هي) أي الفروة البيضاء (تهتز من خلفه خضراء) بعد أن كانت جرداء. وعن مجاهد قيل له الخضر لأنه كان إذا صلّى اخضرّ ما حوله، واسمه بليا بفتح الموحدة وسكون اللام وبعد التحتية ألف مقصورًا ابن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. قال في الفتح: فعلى هذا فمولده

28 - باب

قبل إبراهيم الخليل لأنه يكون ابن عمر جد إبراهيم. وعند الدارقطني في الإفراد من طريق مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس هو ابن آدم لصلبه وهو ضعيف منقطع، وعند أبي حاتم في المعمرين أنه ابن قابيل بن آدم، وعن ابن لهيعة كان ابن فرعون نفسه، وقيل ابن بنت فرعون، وقيل كان أخا إلياس. وعند السهيلي عن قوم أنه كان من الملائكة وليس من بني آدم واختلف في نبوته فقيل نبي واحتج بعضهم لنبوته بقوله: وما فعلته عن أمري. وأجيب: باحتمال الإيحاء إلى نبي من أنبياء ذلك الزمان أن يأمر الخضر بذلك، والأكثرون كما قاله النووي على حياته بين أظهرنا واتفق عليه سادات الصوفية كابن أدهم وبشر الحافي ومعروف الكرخي وسري السقطي والجنيد، وبه قال عمر بن عبد العزيز، والذي جزم به البخاري أنه غير موجود، وبه قال إبراهيم الحربي وأبو بكر بن العربي وطائفة من المحدثين، وعمدتهم الحديث المشهور أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال في آخر حياته: "لا يبقى على وجه الأرض بعد مائة سنة ممن هو عليها اليوم أحد". وأجيب بأنه كان حينئذٍ على وجه البحر أو هو مخصوص من الحديث إلى غير ذلك مما سبق أوائل هذا المجموع. (قال الحموي) بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم المضمومة وبعد الواو المكسورة تحتية عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي بفتح المهملة والراء (قال محمد بن يوسف بن مطر الفربري): بفتح الفاء والراء (حدّثنا علي بن خشرم) بفتح الخاء وسكون الشين المعجمتين وبعد الراء المفتوحة ميم المروزي (عن سفيان) بن عيينة فذكر حديث الخضر وموسى (بطوله) وفي الونينية علامة السقوط على قوله الحموي. 28 - باب هذ (باب) بالتنوين. 3403 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ، فَبَدَّلُوا فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ وَقَالُوا حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ». [الحديث 3403 - طرفاه في: 4479، 4641]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي المروزي وقيل البخاري قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد الأزدي مولاهم البصري (عن همام بن منبه) بكسر الموحدة المشددة الصنعاني أخي وهب (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قيل لبني إسرائيل) لما خرجوا من التيه مع يوشع بن نون بعد أربعين سنة وفتح الله عليهم بيت المقدس (ادخلوا الباب) باب القرية وكان قبل القبلة حال كونهم (سجدًا) منحنين ركوعًا أو خضوعًا شكرًا على تيسير الدخول (وقولوا حطة) بالرفع أي مسألتنا حطة: وعند ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال قيل لهم قولوا مغفرة (فبدلوا) فغيروا السجود بالزحف (فدخلوا يزحفون) بفتح الحاء المهملة (على أستاههم) بفتح الهمزة وسكون السين المهملة أي أوراكهم (وقالوا) بدل حطة (حبة في شعرة) بسكون العين فخالفوا في القول والفعل، فقالوا كلامًا مهملاً غرضهم به المخالفة لما أمروا به من الكلام المستلزم للاستغفار، وحط العقوبة عنهم فعاقبهم الله بالطاعون حتى هلك منهم سبعون ألفًا في ساعة واحدة، وقيل أربعة وعشرون ألفًا. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير، ومسلم في أواخر صحيحه، والترمذي في التفسير. 3404 - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ وَخِلاَسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلاً حَيِيًّا سِتِّيرًا لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَىْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا: مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلاَّ مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ: إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ، وَإِمَّا آفَةٌ. وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى، فَخَلاَ يَوْمًا وَحْدَهُ فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الْحَجَرِ ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا، وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الْحَجَرَ. فَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ. حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (قال: حدّثنا) ولأبوي الوقت وذر أخبرنا (روح بن عبادة) بفتح الراء وعبادة بضم العين وتخفيف الموحدة البصري قال: (حدّثنا عوف) بفتح العين المهملة وبعد الواو الساكنة فاء ابن أبي جميلة المعروف بالأعرابي (عن الحسن) البصري (ومحمد) أي ابن سيرين (وخلاس) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام آخره مهملة ابن عمرو البصري ثلاثتهم (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) ولم يسمع الحسن من أبي هريرة عند الحفاظ، وما وقع في بعض الروايات مما يخالف ذلك فمحكوم بوهمه عندهم وأما خلاس فقال أبو داود عن أحمد أنه لم يسمع من أبي هريرة، وأما محمد بن سيرين فسماعه ثابت من أبي هريرة أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن موسى) عليه الصلاة والسلام (كان رجلاً حَيِيًّا) بفتح الحاء المهملة وكسر التحتية وتشديد الثانية

29 - باب {يعكفون على أصنام لهم} [الأعراف: 138] {متبر}: خسران. {وليتبروا}: يدمروا. {ما علوا}: ما غلبوا

أي كثير الحياء (ستيرًا) بكسر السين المهملة والفوقية المشددة أي من شأنه وإرادته حب الستر (لا يُرى) بضم أوله وفتح ثانيه (من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا ما يستتر) موسى (هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص) ولغير أبي ذر برص بالجر (وإما أدرة) بفتح الهمزة وفي الفرع وأصله وسكون الدال وفيهما أيضًا بفتحهما. وقال في الفتح بضم الهمزة وسكون الدال على المشهور وبفتحتين أيضًا فيما حكاه الطحاوي عن بعض مشايخه ورجح الأول وبالرفع لأبي ذر وبالجر لغيره وهو نفخ في الخصيتين (وإما آفة) من عطف العام على الخاص (وإن الله) عز وجل (أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى) ولأبي ذر عن المستملي: بموسى بالموحدة بدل اللام (فخلا) موسى (يومًا وحده) ليغتسل (فوضع ثيابه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ثيابًا أي له (على الحجر) الذي كان ثم (ثم اغتسل) وفي رواية علي بن زيد عن أنس عند أحمد في هذا الحديث أن موسى كان إذا أراد أن يدخل الماء لم يلق ثوبه حتى يواري عورته في الماء (فلما فرغ) من غسله (أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا) بالعين المهملة مضى مسرعًا (بثوبه) بالتوحيد على إرادة الجنس (فأخذ موسى عصاه) التي كانت إحدى آياته (وطلب الحجر فجعل يقول ثوبي حجر ثوبي حجر) مرتين أي اعطني ثوبي يا حجر (حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه) حال كونه (عريانًا) حال كونه (أحسن ما خلق الله وأبرأه) تعالى (مما يقولون وقام الحجر فأخذ) موسى (ثوبه) ولأبوي ذر والوقت: بثوبه (فلبسه وطفق) بكسر الفاء أي جعل (بالحجر) يضرب (ضربًا بعصاه فوالله إن بالحجر لندبًا) بفتح النون والمهملة أي أثرًا (من أثر ضربه ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا) بالشك من الراوي. وفي الغسل في باب: من اغتسل عريانًا قال أبو هريرة: والله إنه لندب بالحجر ستة أو سبعة بالشك أيضًا وفيه أن قوله: فوالله الخ من قول أبي هريرة، وفي رواية حبيب بن سالم عن أبي هريرة عند ابن مردويه الجزم بست ضربات قال النووي: فيه معجزتان ظاهرتان لموسى عليه السلام: مشي الحجر بثوبه وحصول الندب في الحجر بضربه وفيه حصول التمييز في الجماد. (فذلك) أي ما ذكر من أذى بني إسرائيل موسى (قوله) عز وجل: ({يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى}) بنسبة العيب في بدنه ({فبرّأه الله مما قالوا}) بإبراز جسده لقومه حتى رأوه وعلموا فساد اعتقادهم ({وكان عند الله وجيهًا}) [الأحزاب: 69] كريمًا ذا جاه. وقال ابن عباس: كان حظيًّا عند الله لا يسأل شيئًا إلا أعطاه. وقال الحسن: كان مجاب الدعوة، وقيل كان محببًا مقبولاً. 3405 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَسْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ، فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان بن مهران أنه (قال: سمعت أبا وائل) شقيق بن سلمة (قال: سمعت عبد الله) يعني ابن مسعود (-رضي الله عنه- قال: قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قسمًا) بفتح القاف وسكون السين يوم حنين فآثر ناسًا في القسمة أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وعيينة بن حصن مثل ذلك وأعطى أناسًا من أشراف العرب فآثرهم يومئذٍ على غيرهم (فقال رجل): هو معتب بن قشير المنافق (إن هذه) القسمة (لقسمة ما أريد بها وجه الله)، زاد في الجهاد ما عدل فيها (فأتيت) أي قال ابن مسعود فأتيت (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته) بقول الرجل (فغضب) عليه الصلاة والسلام (حتى رأيت الغضب) أي أثره (في وجهه) الشريف (ثم قال): (يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا) الذي أوذيت به (فصبر). وهذا الحديث سبق في الجهاد في باب: ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطي المؤلّفة قلوبهم. 29 - باب {يَعْكِفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] {مُتَبَّرٌ}: خُسْرَانٌ. {وَلِيُتَبِّرُوا}: يُدَمِّرُوا. {مَا عَلَوْا}: مَا غَلَبُوا هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({يعكفون على أصنام لهم}) [الأعراف: 138] أي يقيمون على عبادتها قيل كانت تماثيل بقر، وذلك أول شأن العجل وكانوا من العمالقة الذي أمر موسى بقتالهم. ({متبر}) في قوله تعالى: {إن هؤلاء متبر ما هم فيه} [الأعراف: 139] أي (خسران) أخرجه الطبري عن ابن

30 - باب {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} الآية [البقرة: 67] قال أبو العالية العوان: النصف بين البكر والهرمة. {فاقع}: صاف. {لا ذلول}: لم يذلها العمل. {تثير الأرض}: ليست بذلول تثير الأرض ولا تعمل في الحرث. {مسلمة}: من العيوب. {لا شية} بياض. {صفراء}: إن شئت سوداء ويقال صفراء كقوله: {جمالات صفر}. {فادارأتم}: اختلفتم.

عباس بلفظ: {إن هؤلاء متبر ما هم فيه} [الأعراف: 139] قال خسران والخسران تفسير التتبير الذي اشتق منه المتبر. وقال في الأنوار: متبر مكسر مدمر يعني أن الله يهدم دينهم الذي هم فيه ويحطم أصنامهم ويجعلها رضاضًا. ({وليتبروا}) [الإسراء: 7] أي (يدمروا {ما علوا}) أي (ما غلبوا). بفتح الغين المعجمة واللام وذكره استطرادًا. 3406 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَجْنِي الْكَبَاثَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ فَإِنَّهُ أَطْيَبُهُ. قَالُوا: أَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ؟ قَالَ: وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ وَقَدْ رَعَاهَا». [الحديث 3406 - طرفه في: 5452]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن) بن عوف (أن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بمرّ الظهران (نجني الكباث) بكاف فموحدة مفتوحتين وبعد الألف مثلثة ثمر الأراك النضيج (وأن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) لمن معه من أصحابه: (عليكم بالأسود منه فإنه أطيبه قالوا: أكنت ترعى الغنم)؟ إذ لا يميز بين أنواعه غالبًا إلا من يلازم رعي الغنم (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وهل من نبي) موسى وغيره (إلا وقد رعاها)؟ ليترقى من سياستها إلى سياسة من يرسل إليه ويأخذ نفسه بالتواضع وتصفية القلب بالخلوة، وفيه إشارة إلى أن النبوة لم يضعها الله تعالى في أبناء الدنيا والمترفين منهم، وإنما جعلها في أهل التواضع قاله الخطابي ووقع عند النسائي في التفسير بإسناد رجاله ثقات افتخر أهل الإبل والشاء فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "بعث موسى وهو راعي غنم". ووقع في رواية النسفيّ ذكر باب من غير ترجمة وحينئذٍ فهو كالفصل من باب قول الله تعالى {وواعدنا موسى} [الأعراف: 142] قيل فتكون مطابقة الحديث للترجمة من حيث إن فيه حالة من حالات موسى عليه السلام لدخوله في عموم قوله: "ما من نبي إلا رعاها" لا سيما. ووقع التصريح بذكر موسى عند النسائي كما سبق. وقال في فتح الباري: ومناسبة الحديث غير ظاهرة يعني لقوله {يعكفون على أصنام لهم} والذي يهجس في خاطري أنه كان بين التفسير المذكور والحديث بياض أخلاه لحديث يدخل في الترجمة والترجمة تصلح لحديث جابر، ثم وصل كما في نظائره وقيل غير ذلك مما لا يخلو عن تعسف فالله أعلم. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأطعمة وكذا مسلم وأخرجه النسائي في الوليمة. 30 - باب {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} الآيَةَ [البقرة: 67] قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ الْعَوَانُ: النَّصَفُ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالْهَرِمَةِ. {فَاقِعٌ}: صَافٍ. {لاَ ذَلُولٌ}: لَمْ يُذِلَّهَا الْعَمَلُ. {تُثِيرُ الأَرْضَ}: لَيْسَتْ بِذَلُولٍ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَعْمَلُ فِي الْحَرْثِ. {مُسَلَّمَةٌ}: مِنَ الْعُيُوبِ. {لاَ شِيَةَ} بَيَاضٌ. {صَفْرَاءُ}: إِنْ شِئْتَ سَوْدَاءُ وَيُقَالُ صَفْرَاءُ كَقَوْلِهِ: {جِمَالاَتٌ صُفْرٌ}. {فَادَّارَأْتُمْ}: اخْتَلَفْتُمْ. هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وإذا قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}) [البقرة: 67] أول هذه القصة قوله تعالى {وإذ قتلتم نفسًا فادّارأتم فيها}. قال في الكشاف، فإن قلت: فما للقصة لم تقص على ترتيبها وكان حقها أن يقدم ذكر القتيل والضرب ببعض البقرة على الأمر بذبحها وأن يقال: {وإذ قتلتم نفسًا فادّارأتم فيها} [البقرة: 72] فقلنا اذبحوا بقرة واضربوه ببعضها. وأجاب: بأن كل ما قص من قصص بني إسرائيل إنما قص تعديدًا لما وجد منهم من الجنايات وتقريعًا لهم عليها ولما جدد فيهم من الآيات العظام، وهاتان القصتان كل واحدة منهما مستقلة بنوع من التقريع وإن كانتا متصلتين متحدتين، فالأولى: لتقريعهم على الاستهزاء وترك المسارعة إلى الامتثال وما يتبع ذلك، والثانية: للتقريع على قتل النفس المحرمة وما تبعه من الآيات العظيمة، وإنما قدمت قصة الأمر بذبح البقرة على ذكر القتيل لأنه لو عمل على عكسه لكانت قصة واحدة ولذهب الغرض في تثنية التقريع. وحاصل القصة: إنه كان في بني إسرائيل شيخ موسر فقتل ابنه بنو أخيه ليرثوه وطرحوه على باب المدينة، ثم جاؤوا يطالبون بدمه، فأمرهم الله تعالى أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها ليحيا فيخبر بقاتله فعجبوا من ذلك فقالوا: {أتتخذنا هزوًا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض} [البقرة: 67 - 68] يعني لا هرمة ولا بكر يعني ولا صغيرة {عوان بين ذلك} (قال أبو العالية): رفيع الرياحي فيما وصله آدم بن أبي إياس في تفسيره (عوان) وفي اليونينية العوان بالتعريف وفي فرعها بالتنكير أي (النصف) بفتح النون والمهملة (بين البكر والهرمة). وقال الضحاك عن ابن عباس: بين الكبيرة والصغيرة وهي أقوى ما يكون

31 - باب وفاة موسى، وذكره بعد

من الدواب والبقر وأحسن ما يكون. ({فاقع}) [البقرة: 69] أي (صاف) لونها وعن ابن عمر كانت صفراء الظلف وزاد سعيد بن جبير والقرن ({لا ذلول}) أي (لم يذلها العمل) بلام واحدة مشددة بعد المعجمة المكسورة في الحراثة، ولأبي ذر عن الكشميهني: لم يذللها بفتح الذال ولامين أولاهما مشددة والثانية ساكنة {تثير الأرض} أي (ليست بذلول تثير الأرض) تقلبها للزراعة (ولا تعمل في الحرث) بل هي مكرمة حسناء صبيحة ({مسلمة}) أي (من العيوب). وآثار العمل. وقال عطاء الخراساني. مسلمة القوائم والخلق ({لا شية}) [البقرة: 71] (بياض) بسقوط لا قبل بياض في الفرع كأصله وفي بعضها لاشية لا بياض بإثبات لما فيهما ونصب ما بعدهما وزاد السدي ولا سواد ولا حمرة ({صفراء}) [البقرة: 99] قال أبو عبيدة (إن شئت سوداء ويقال صفراء) والمعنى هنا أن الصفرة يمكن حملها على معناها المشهور، وعلى معنى السواد (كقولها {جمالات صفر}) [المرسلات: 33] قال مجاهد كالإبل السود ({فادّارأتم}) [البقرة: 72] أي (اختلفتم). وكذا قال مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم. وقال عطاء الخراساني: اختصمتم فيها. قال في الأنوار: إذ المتخاصمان يدفع بعضهم بعضًا قال ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم أن أصحاب بقرة بني إسرائيل طلبوها أربعين سنة حتى وجدوها عند رجل في بقر له وكانت تعجبه قال: فجعلوا يعطونه بها فيأبى حتى أعطوه ملء مسكها دنانير فذبحوها فضربوه يعني القتيل بعضو منها فقام تشخب أوداجه دمًا فقالوا له: من قتلك؟ قال: فلان. قال ابن كثير: ولم يجيء من طريق صحيح عن معصوم بيان العضو الذي ضربوه به، وعن عكرمة ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير رواه عبد الرزاق بإسناد جيد. قال ابن كثير: والظاهر أنه نقله عن أهل الكتاب وكذا لم يثبت كثرة ثمنها إلا من نقل من بني إسرائيل، وقال ابن جريج قال عطاء: لو أخذوا أدنى بقرة كفتهم. قال ابن جريج قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إنما أمروا بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا على أنفسهم شدد الله تعالى عليهم وأيم الله لو أنهم لم يستثنوا ما بينت لهم آخر الأبد". 31 - باب وَفَاةِ مُوسَى، وَذِكْرُهُ بَعْدُ (باب) ذكر (وفاة موسى)، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وذكره) بالجر عطفًا على المجرور ولأبي ذر: وذكره بالرفع وسقوط باب (بعد) بضم الدال لقطعه عن الإضافة. 3407 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لاَ يُرِيدُ الْمَوْتَ. قَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِمَا غَطَّى يَدُهُ بِكُلِّ شَعَرَةٍ سَنَةٌ. قَالَ: أَىْ رَبِّ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ. قَالَ: فَالآنَ. قَالَ: فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَوْ كُنْتُ ثَمَّ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ تَحْتَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن موسى) المعروف بخت بفتح الخاء المعجمة وتشديد الفوقية قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري مولاهم الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: أرسل ملك الموت) أي أرسل الله ملك الموت (إلى موسى عليهما السلام)، في صورة آدمي وكان عمر موسى إذ ذاك مائة وعشرين سنة (فلما جاءه) ظنه آدميًّا حقيقة تسوّر عليه منزله بغير إذنه ليوقع به مكروهًا فلما تصوّر ذلك (صكه)، ولأبي الوقت فصكه أي لطمه على عينه التي ركبت في الصورة البشرية دون الصورة الملكية ففقأها. وعند أحمد أن ملك الموت كان يأتي الناس عيانًا فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه (فرجع) ملك الموت (إلى ربه فقال): رب (أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت) زاد في باب من أحب الدفن في الأرض المقدّسة من الجنائز فردّ الله عز وجل عليه عينه، وقيل: المراد بفقء العين هنا المجاز يعني أن موسى ناظره وحاجه فغلبه بالحجة يقال فقأ فلان عين فلان إذا غلبه بالحجة وضعف هذا لقوله فرد الله عليه عينه (قال) له ربه: (ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور) بالمثناة الفوقية في الأولى وبالمثلثة في الثانية أي على ظهر ثور (فله بما غطت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بما غطى (يده بكل شعرة سنة. قال) موسى: (أي رب ثم ماذا)؟ يكون بعد هذه السنين حياة أو موت (قال) الله عز وجل (ثم) يكون بعدها (الموت. قال) موسى: (فالآن) يكون الموت. (قال) أبو هريرة: (فسأل الله) عز وجل موسى (أن يدنيه) يقربه (من الأرض المقدسة) ليدفن بها لشرفها (رمية بحجر) أي دنوًا لو رمى رام بحجر من ذلك الموضع الذي هو موضع قبره لوصل إلى بيت المقدس، وكان موسى إذ ذاك بالتيه وإنما سأل الإدناء ولم يسأل نفس

بيت المقدس لأنه خاف أن يشتهر قبره عندهم فيفتنوا به. قال ابن عباس: لو علمت اليهود قبر موسى وهارون لاتخذوهما إلهين من دون الله. (قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو) ولأبي ذر: فلو (كنت ثم) أي هناك (لأريتكم قبره إلى) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من وهي التي في الفرع لا غير (جانب الطريق تحت) وللكشميهني عند (الكثيب الأحمر) بالمثلثة الرمل المجتمع وليس نصًّا في الإعلام بتعيين قبره، وقد اشتهر قبره بأريحاء عند كثيب أحمر أنه قبر موسى. وأريحاء من الأرض المقدسة، وأما ما يرى عند قبره المقدس من أشباح بالقبة المبنية عليه مختلفة الهيئات والأفعال فالله أعلم بحقيقتها، لكن أخبرني شيخ الإسلام البرهان بن أبي شريف: أنه إذا وقع هناك فعل ما لا يجوز تحصل ظلمة واضطراب حتى يزال ذلك فتنجلي، وقد روي عن وهب بن منبه أن الملائكة تولوا دفنه والصلاة عليه. (قال) أي عبد الرزاق بن همام موصولاً بالإسناد المذكور: (وأخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه أنه (قال: حدّثنا أبو هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه). أي نحو الحديث المذكور. 3408 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْعَالَمِينَ -قَسَمٍ يُقْسِمُ بِهِ- فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ. فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ عِنْدَ ذَلِكَ يَدَهُ فَلَطَمَ الْيَهُودِيَّ، فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ، فَقَالَ: لاَ تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ». وبه قال: (حدثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرَّحمن) بن عوف (وسعيد بن المسيب أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: استب رجل من المسلمين) هو أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- (ورجل من اليهود) قيل هو فنحاص بفاء مكسورة ونون ساكنة وبعد الحاء المهملة ألف فصاد مهملة قاله ابن بشكوال وعزاه لابن إسحاق، وتعقب بأن الذي ذكره ابن إسحاق لفنحاص مع أبي بكر الصدّيق في لطمه إياه قصة أخرى في نزول قوله تعالى: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير} [آل عمران: 180] الآية. قال في الفتح: ولم أقف على اسم هذا اليهودي في هذه القصة (فقال المسلم) أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: (والذي اصطفى محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على العالمين قسم يقسم به، فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين فرفع المسلم) أبو بكر (عند ذلك) الذي سمعه من قول اليهودي والذي اصطفى موسى على العالمين الشامل لمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسائر الأنبياء والمرسلين وغيرهم (يده فلطم اليهودي) عقوبة له على إطلاقه. وفي رواية عبد الله بن الفضل الآتية قريبًا إن شاء الله تعالى وقال يقول: والذي اصطفى موسى على البشر والنبي بين أظهرنا (فذهب اليهودي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره الذي كان من أمره وأمر المسلم) وزاد في رواية إبراهيم بن سعد فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسلم فسأله عن ذلك فأخبره (فقال) على سبيل التواضع. (لا تخيروني على موسى). وفي حديث أبي سعيد عند ... (¬1) لا تخيروا بين الأنبياء أي من تلقاء أنفسكم فإن ذلك قد يفضي إلى العصبية فينتهز الشيطان عند ذلك فرصة فيدعوكم إلى الإفراط والتفريط فتطرون الفاضل فوق حقه وتبخسون المفضول حقه فتقعون في مهواة الغي فلا تقدموا على ذلك بآرائكم بل ما آتاكم الله من البيان (فإن الناس يصعقون) يوم القيامة (فأكون أوّل من يفيق) بعد النفخة الأخيرة (فإذا موسى باطش) آخذ (بجانب العرش) بقوّة وفي حديث أبي سعيد آخذ بقائمة من قوائم العرش (فلا أدري أكان فيمن) ولأبي ذر: ممن (صعق فأفاق قبلي) ثبت لفظ قبلي في الفرع وسقطت من أصله (وكان ممن استثنى الله) عز وجل في قوله: {فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله} [الزمر: 68] فلم يصعق فحوسب بصعقة الطور فلم يكلف صعقة أخرى. 3409 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنَ الْجَنَّةِ. فَقَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالاَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى مَرَّتَيْنِ». [الحديث 3409 - أطرافه في: 4736، 4738، 6614، 7515]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف الزهري القرشي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن حميد بن عبد الرَّحمن أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (احتج) أي تحاج (آدم وموسى) بأشخاصهما أو التقت أرواحهما ¬

(¬1) بياض في الأصل.

32 - باب قول الله تعالى: {وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون} -إلى قوله- {وكانت من القانتين} [التحريم: 11]

في السماء فوقع التحاج بينهما ويحتمل وقوع ذلك في حياة موسى (فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك) وهي أكلك من الشجرة التي نهيت عنها بقوله تعالى {ولا تقربا هذه الشجرة} [البقرة: 35] (من الجنة. فقال له آدم أنت موسى الذي اصطفاك الله) اختارك على الناس (برسالاته) يعني بأسفار التوراة وفيها قصتي (وبكلامه) وبتكليمه إياك (ثم) بالمثلثة المضمومة والميم المشدّدة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بم بموحدة مكسورة فميم مخففة (تلومني على أمر قدّر) بضم القاف وتشديد الدال المكسورة (عليّ قبل أن أخلق) وحكم بأن ذلك كائن لا محالة لعلمه السابق فهل يمكن أن يصدر مني خلاف علم الله، فكيف تغفل عن العلم السابق وتذكر الكسب الذي هو السبب وتنسى الأصل الذي هو القدر وأنت من المصطفين الأخيار الذين يشاهدون سر الله من وراء الأستار؟ (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فحج) أي غلب (آدم) بالرفع (موسى) بالحجة في دفع اللوم (مرتين) متعلق يقال، والغرض من هذا الحديث شهادة آدم لموسى أن الله اصطفاه. وقد أخرجه أيضًا في التوحيد ومسلم في القدر. 3410 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: «خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا قَالَ: عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ، فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى فِي قَوْمِهِ». [الحديث 3410 - أطرافه في: 5705، 5752، 6472، 6541]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حصين بن نمير) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ونمير بضم النون وفتح الميم مصغرين الواسطي (عن حصين بن عبد الرَّحمن) بضم الحاء مصغرًا أيضًا السلمي الكوفي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: خرج علينا النبي) ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا قال) ولأبي ذر: فقال: (عرضت) بضم العين مبنيًّا للمفعول (عليّ) بتشديد الياء (الأمم) بالرفع مفعولاً ناب عن الفاعل. وعند الترمذي والنسائي من رواية عبثر بن القاسم بموحدة ثم مثلثة بوزن جعفر في روايته عن حصين بن عبد الرَّحمن أن ذلك كان ليلة الإسراء ولفظه: لما أسري بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جعل يمرّ بالنبي الحديث. فإن كان هذا محفوظًا ففيه دلالة لمن ذهب إلى تعدّد الإسراء وأن الذي وقع بالمدينة غير الذي وقع بمكة لكن الإسراء الواقع وهو بالمدينة ليس فيه ما وقع بمكة من استفتاح أبواب السماوات بابًا بابًا إلى غير ذلك. (ورأيت سوادًا كثيرًا سدّ الأفق) أي ناحية السماء والسواد ضد البياض هو الشخص الذي يرى من بعيد ووصفه بالكثير إشارة إلى أن المراد الجنس لا الواحد (فقيل: هذا موسى في قومه). وفي حديث ابن مسعود عند أحمد حتى مرّ على موسى في كبكبة أي جماعة من بني إسرائيل فأعجبني فقلت من هؤلاء فقيل هو أخوك موسى معه بنو إسرائيل. وقد ساق المؤلّف هذا الحديث هنا مختصرًا جدًّا وأخرجه مطوّلاً في الطب والرقاق، وأخرجه مسلم في الإيمان والترمذي في الزهد والنسائي في الطب. 32 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} -إِلَى قَوْلِهِ- {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: 11] (باب قول الله تعالى {وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون}) [التحريم: 11]. هذا مثل ضربه للمؤمنين أنهم لا يضرهم مخالطة الكافرين إذا كانوا محتاجين إليهم بحال آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومنزلتها عند الله مع أنها كانت تحت أعدى أعداء الله كما قال تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة} [آل عمران: 28]. قال قتادة: كان فرعون أغنى أهل الأرض وأكفرهم فوالله ما ضر امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها ليعلموا أن الله حكم عدل لا يؤاخذ أحدًا إلا بذنبه. وروي أنه لما غلب موسى السحرة قالت آسية: آمنت برب موسى وهارون، فلما تبين لفرعون إسلامها أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس. قال سليمان: فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها فقالت: رب ابنِ لي عندك بيتًا في الجنة، فكشف الله لها عن بيتها في الجنة حتى رأته من درة فضحكت حين رأت بيتها وفرعون حاضر فقال: ألا تعجبون من جنونها إنّا نعذبها وهي تضحك ثم أمر بصخرة عظيمة تلقى عليها فانتزعت روحها ثم ألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه فلم تجد ألمًا. وقال الحسن وابن كيسان رفع الله امرأة فرعون إلى الجنة فهي تأكل وتشرب. (إلى

قوله {وكانت}) أي مريم ابنة عمران ({من القانتين}) [التحريم: 12]. قال القاضي: من عداد المواظبين على الطاعة والتذكير للتغليب والإشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعة الرجال الكاملين حتى عدت من جملتهم أو من نسلهم فتكون من ابتدائية وسقط لأبي ذر (للذين آمنوا امرأة فرعون} وقال إلى قوله: {وكانت من القانتين}. 3411 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ». [الحديث 3411 - أطرافه في: 3433، 3769، 5418]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن جعفر) البيكندي قال: (حدّثنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح بن مليح بن عدي الرؤاسي بضم الراء وهمزة ثم سين مهملة العابد الكوفي (عن شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) بفتح العين ومرة بضم الميم وتشديد الراء المرادي الأعمى الكوفي (عن مرة) بن شراحيل المخضرم (الهمداني) كان يصلّي ألف ركعة في كل يوم (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كمل) بفتح الميم في الفرع وأصله وتضم وتكسر (من الرجال كثير ولم يكمل) بضم الميم (من النساء إلا آسية امرأة فرعون) قيل: وكانت ابنة عم فرعون، وقيل من العماليق، وقيل من بني إسرائيل من سبط موسى. وقال السهيلي: هي عمة موسى (ومريم بنت عمران) أم عيسى. وقال في الكواكب ولا يلزم من لفظ الكمال نبوّتها إذ هو مطلق لتمام الشيء وتناهيه في بابه، فالمراد تناهيهما في جميع الفضائل التي للنساء وقد نقل الإجماع على عدم النبوة لهن اهـ. وهذا معارض بما نقل عن الأشعري: إن من النساء من نبئ وهن ست: حواء وسارة وأم موسى واسمها يوخاند وقيل أباذخا وقيل أباذخت وهاجر وآسية ومريم، والضابط عنده أن من جاءه الملك عن الله بحكم من أمر أو نهي أو بإعلامه شيئًا فهو نبي، وقد ثبت مجيء الملك لهؤلاء بأمور شتى من ذلك من عند الله تعالى، ووقع التصريح بالإيحاء لبعضهن في القرآن قال الله تعالى: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} [القصص: 7] الآية. وقال تعالى بعد أن ذكر مريم والأنبياء بعدها {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين} [مريم: 58]. فدخلت في عمومه. وقال القرطبي: الصحيح أن مريم نبية لأن الله أوحى إليها بواسطة الملك، وأما آسية فلم يأت ما يدل على نبوتها، واستدلّ بعضهم لنبوّتها ونبوّة مريم بالحصر في حديث الباب حيث قال: ولم يكمل من النساء إلا آسية ومريم. قال لأن أكمل النوع الإنساني الأنبياء ثم الأولياء والصديقون والشهداء، فلو كانتا غير نبيتين للزم أن لا يكون في النساء ولية ولا صديقة ولا شهيدة، والواقع أن هذه الصفات في كثير منهن موجودة فكأنه قال: لم ينبأ من النساء إلاّ فلانة وفلانة، ولو قال لم تثبت صفة الصديقية أو الولاية أو الشهادة إلا لفلانة وفلانة لم يصح لوجود ذلك في غيرهن إلا أن يكون المراد بالحديث كمال غير الأنبياء فلا يتم الدليل على ذلك لأجل ذلك، واحتج المانعون بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ} [يوسف: 109] وأجيب: بأنه لا حجة فيه لأن أحدًا لم يدّع فيهن الرسالة وإنما الكلام في النبوّة فقط. (وإن فضل عائشة) بنت أبي بكر الصدّيق (على النساء) أي نساء هذه الأمة (كفضل الثريد) بالمثلثة (على سائر الطعام) قيل: إنما مثّل بالثريد لأنه أفضل طعام العرب ولأنه ليس في الشبع أغنى غناء منه، وقيل إنهم كانوا يحملون الثريد فيما طبخ بلحم، وروي سيد الطعام اللحم فكأنها فضلت على النساء كفضل اللحم على سائر الأطعمة، والسر فيه أن الثريد مع اللحم جامع بين الغذاء واللذة والقوة وسهولة التناول وقلة المؤونة في المضغ وسرعة المرور في المريء فضرب به مثلاً ليؤذن بأنها أعطيت مع حسن الخلق حسن الخلق وحلاوة المنطق وفساحة اللهجة وجودة القريحة ورزانة الرأي ورصانة العقل والتحبب إلى البعل فهي تصلح للتبعل والتحدث والاستئناس بها والإصغاء إليها، وحسبك أنها عقلت من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما لم يعقل غيرها من النساء، وروت ما لم يرو مثلها من الرجال، ومما يدل على أن الثريد أشهى الأطعمة عندهم وألذها قول شاعرهم: إذا ما الخبز تأدمه بلحم ... فذاك أمانة الله الثريد

33 - باب {إن قارون كان من قوم موسى} الآية [القصص: 76] {لتنوء}: لتثقل. قال ابن عباس: {أولي القوة}: لا يرفعها العصبة من الرجال، يقال: {الفرحين}: المرحين. {ويكأن الله}: مثل {ألم تر أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} يوسع عليه ويضيق.

قاله في فتوح الغيب. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضل عائشة وفي الأطعمة ومسلم في الفضائل والترمذي في الأطعمة والنسائي في المناقب وعشرة النساء وابن ماجه في الأطعمة. 33 - باب {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى} الآيَةَ [القصص: 76] {لَتَنُوءُ}: لَتُثْقِلُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أُولِي الْقُوَّةِ}: لاَ يَرْفَعُهَا الْعُصْبَةُ مِنَ الرِّجَالِ، يُقَالُ: {الْفَرِحِينَ}: الْمَرِحِينَ. {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ}: مِثْلُ {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} يُوَسِّعُ عَلَيْهِ وَيُضَيِّقُ. هذا {باب} بالتنوين في قوله تعالى: ({إن قارون كان من قوم موسى}) [القصص: 76] الآية. قال ابن عباس: ابن عمه لأنه قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب، وموسى بن عمران بن قاهث. وقال ابن إسحاق: كان قارون عم موسى أخا عمران وهما ابنا يصهر، ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ للتوراة من قارون وكان يسمى المنوّر لحسن صوته بالتوراة ولكنه نافق كما نافق السامري فأهلكه الله. ({لتنوء}) في قوله تعالى: {وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء} أي (لتثقل) بضم الفوقية وكسر القاف المفاتيح (قال ابن عباس): في تفسير قوله تعالى: ({أولي القوة}) أي (لا يرفعها}) أي المفاتيح ({العصبة}) أي الجماعة الكثيرة ({من الرجال}) لكثرتها. قال الأعمش عن خيثمة قال: وجدت في الإنجيل أن مفاتيح كنوز قارون من جلود كلّ مثل الأصبع كل مفتاح لكنز، فإذا ركب حملت على ستين بغلاً، وقيل كان يعلم علم الكيمياء علمه له موسى أنزل عليه من السماء وكان ذلك سبب كثرة مال قارون، لكن قال الزجاج: هذا لا يصح لأن الكيمياء علم لا حقيقة له. قال القرطبي: ولعل ذلك كان من قبيل المعجزة (يقال) {الفرحين} [القصص: 76]. أي (المرحين) وقال مجاهد: يعني الأشرين البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم، وقال بعضهم لا يفرح بالدنيا إلا من اطمأن إليها فأما من يعلم أنه سيفارقها عن قريب لم يفرح وأما أحسن قول المتنبي: أشد الغم عندي في سرور ... تيقن عنه صاحبه انتقالا ({ويكأن الله}) قال أبو عبيدة هو (مثل {ألم تر أن الله}) [لقمان: 39]. وقال غيره كلمة مستعملة عند التنبيه للخطأ وإظهار التندم، فلما قالوا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون ثم وشاهدوا الخسف به تنبهوا لخطئهم ثم قالوا: كأنه ({يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر}) [الروم: 37]. أي ({يوسع عليه}) بحسب مشيئته وحكمته لا لكرامته عليه (ويضيق). عليه لا لهوان من يضيق عليه بل لحكمته وله الحجة المبالغة. وهذا الباب وتاليه ثابت في رواية المستملي والكشميهني فقط. 34 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [الأعراف: 85، 84، العنكبوت: 36] إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ، لأَنَّ مَدْيَنَ بَلَدٌ، وَمِثْلُهُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} وَاسْأَلِ {الْعِيرَ}: يَعْنِي أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَأَهْلَ الْعِيرِ: {وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا}: لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ. يُقَالُ إِذَا لَمْ تُقْضِ حَاجَتَهُ: ظَهَرَتْ حَاجَتِي، وَجَعَلَتْنِي ظِهْرِيًّا. قَالَ الظِّهْرِيُّ: أَنْ تَأْخُذَ مَعَكَ دَابَّةً أَوْ وِعَاءً تَسْتَظْهِرُ بِهِ. {مَكَانَتُهُمْ} وَمَكَانُهُمْ وَاحِدٌ. {يَغْنَوْا}: يَعِيشُوا {يَأْيَسُ}: يَحْزَنُ. {آسَى}: أَحْزَنُ. وَقَالَ الْحَسَنُ {إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ}: يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {لَيْكَةُ}: الأَيْكَةُ. {يَوْمِ الظُّلَّةِ}: إِظْلاَلُ الْغَمَامِ الْعَذَابَ عَلَيْهِمْ. (باب قول الله تعالى {وإلى مدين}) قيل أعجمي منع من الصرف للعجمة والعلمية وهو مدين بن إبراهيم عليه السلام ({أخاهم شعيبًا}) [هود: 84]. وهو نويب بن مدين بن إبراهيم وقال ابن إسحاق شعيب بن ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم أي أرسلنا شعيبًا (إلى أهل مدين) يعني على حذف مضاف (لأن مدين بلد) على بحر القلزم محاذية لتبوك على ست مراحل منها وأنشد الفراء: رهبان مدين والذين عهدتهم ... يبكون من حذر العذاب قعودا لو يسمعون كما سمعت كلامها ... خزوا لعزه ركعًا وسجودا وهذا عربي فمنعه للعلمية والتأنيث. (ومثله) في حذف المضاف ({واسأل القرية}) واسال ({العير}) [يوسف: 82]. (يعني أهل القرية وأهل العير) ويجوز أن يراد بالمكان ساكنوه. وقيل مدين أعجمي منع للعلمية والعجمة، وكان شعيب يقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه وكانوا أهل كفر وبخس للمكيال والميزان. ({وراءكم ظهريًّا}) [هود: 92]. بسورة هود أي (لم يتلفتوا إليه) فالضمير في واتخذتموه يعود على الله، وقيل يعود على العصيان أي واتخذتم العصيان عونًا على عداوتي فالظهري على هذا بمعنى المعين المقوي، والظهري هو المنسوب إلى الظهر والكسر من تغييرات النسب، كقولهم في النسبة إلى الأمس أمسي بكسر الهمزة وإلى الدهر دهري بضم الدال (يقال: إذا لم يقض حاجته) ولأبوي الوقت وذر ويقال إذا لم تقض بالفوقية بدل التحتية (ظهرت) بفتح الظاء المعجمة والهاء وسكون وفتح الفوقية (حاجتي) أي جعلتها وراء ظهرك (و) يقال أيضًا إذا لم يلتفت إليه ولا قضى حاجته (جعلتني ظهريًّا) أي وراء ظهرك. و (قال) أي البخاري (الظهريّ أن تأخذ معك دابة أو وعاء تستظهر به) أي تتقوى به. ({مكانتهم} ومكانهم واحد) وفي نسخة بجرهما. قال في الفتح: هكذا وقع

35 - باب قول الله تعالى: {وإن يونس لمن المرسلين} -إلى قوله- {فمتعناهم إلى حين} [الصافات: 139]، -إلى قوله- {وهو مليم} قال مجاهد: مذنب. المشحون: الموقر. {فلولا أنه كان من المسبحين} الآية {فنبذناه بالعراء} بوجه الأرض {وهو سقيم وأنبتنا عليه شجرة من يقطين} من غير ذات أصل، الدباء ونحوه

وإنما هو في قصة شعيب {مكانتكم} في قوله: {ويا قوم اعملوا على مكانتكم} [هود: 93]. ثم هو قول أبي عبيدة قال في تفسير يس في قوله: {على مكانتكم} المكان والمكانة واحد. ({يغنوا}) في قوله تعالى: {كأن لم يغنوا فيها} [هود: 68]. أي لم (يعيشوا) فيها والمغنى الدار والجمع مغان بالغين المعجمة قاله أبو عبيدة. ({يأيس}) بفتح التحتية بعدها همزة ساكنة فتحتية مفتوحة أي (يحزن) وأشار إلى قوله تعالى: {فلا تأس على القوم الكافرين} [المائدة: 26]. ولأبي ذر: تأس بإسقاط التحتية بعد الهمزة تحزن وبالفوقية بدل التحتية بينهما. ({آسى}) في قوله: {فكيف آسى} [المرسلات: 93]. أي كيف (أحزن) وأتوجع. (وقال الحسن) البصري فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله: ({إنك لأنت الحليم الرشيد}) [هود: 87]. (يستهزئون به) كما يقال للبخيل الخسيس لو رآك حاتم لسجد لك، وقال ابن عباس أرادوا السفيه الغاوي والعرب تصف الشيء بضده فتقول للديغ سليم وللفلاة مفازة. (وقال مجاهد: {ليكة}) بلام مفتوحة من غير ألف وصل قبلها ولا همزة بعدها وهي قراءة نافع وابن كثير وابن عامر هي (الأيكة) بهمزة وصل وسكون اللام بعدها همزة مفتوحة وهي قراءة الباقين أي الغيضة فيكونان مترادفين، وقيل الأيكة غيضة تنبت ناعم الشجر يريد غيضة بقرب مدين يسكنها طائفة، وقيل شجر ملتف وليكة بغير ألف اسم بلدهم وبقية مباحث ذلك في كتابي الجامع للقراءات الأربع عشرة ({يوم الظلة}) هو (إظلال العذاب) ولأبي ذر: إظلال الغمام (عليهم) وروي أنه أخذهم حر شديد فكانوا يدخلون الأسراب فيجدونها أشد حرًّا فخرجوا فأظلتهم سحابة وهي الظلة فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم نارًا فاحترقوا. 35 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} -إِلَى قَوْلِهِ- {فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات: 139]، -إِلَى قَوْلِهِ- {وَهوَ مُلِيم} قَالَ مُجَاهِدٌ: مُذْنِبٌ. المَشْحُونَ: الُموقِر. {فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ} الآيَةَ {فَنَبَذْنَاهُ بِالعَرَاءِ} بِوَجْهِ الأَرْضِ {وَهوَ سَقِيمٌ وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِن يَقْطِين} مِنْ غَيرِ ذَاتِ أَصْل، الدّبّاء وَنَحْوه {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا فمتعناهم إلى حين} [الصافات: 147]. {ولا تَكُن كصاحبِ الحُوتِ إذْ نادَى وهوَ مكظوم} [القلم: 48]، {كظيم}: وهو مغموم. وهذا الباب كله ثابت في رواية الكشميهني والمستملي فقط كالذي قبله. (باب قول الله تعالى) الباب ساقط في الفرع ثابت في أصله ({وإن يونس لمن المرسلين}) [الصافات: 139]. أي هو من المرسلين حتى في هذه الحالة (إلى قوله) ({وهو مليم}) [الصافات: 142]. حال. (قال مجاهد): فيما وصله ابن جرير في تفسير (مليم) أي (مذنب) بفعله خلاف الأولى وقيل مليم نفسه (المشحون) أي (الموقر) بفتح القاف المملوء ({فلولا أنه كان من المسبحين}) [الصافات: 143] (الآية) أي الذاكرين الله كثيرًا بالتسبيح مدة عمره أو في بطن الحوت وهو قوله {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [الأنبياء: 87]. للبث في بطنه إلى يوم يبعثون أي حيًّا أو ميّتًا ({فنبذناه}) طرحناه ({بالعراء}) أي (بوجه الأرض) قيل على جانب دجلة وقيل بأرض اليمن فالله أعلم وأضاف الله تعالى النبذ إلى نفسه المقدسة مع أنه إنما حصل بفعل الحوت إيذانًا بأن فعل العبد مخلوق له تعالى ({وهو سقيم}) [الصافات: 145]. مما حصل له. قيل صار بدنه كبدن الطفل حين يولد. ({وأنبتنا عليه شجرة من يقطين}) [الصافات: 146]. أي (من غير ذات أصل) بل تنبسط على وجه الأرض ولا تقوم على ساق (الدباء) بالجر بدلاً أو بيانًا (ونحوه) كالقثاء والبطيخ؛ وقال البغوي: المراد هنا القرع على قول جميع المفسرين ({وأرسلناه إلى مائة ألف}) هم قومه الذين هرب عنهم وهم أهل نينوى ({أو يزيدون}) في مرأى الناظر أي إذا نظر إليهم قال هم مائة ألف أو أكثر، والمراد الوصف بالكثرة ({فآمنوا}) فصدقوا ({فمتعناهم إلى حين}) [الصافات: 147]. إلى أجلهم المسمى وسقط لغير أبي ذر قوله: {وهو مليم} إلى آخر قوله (فآمنوا ({ولا تكن}) يا محمد ({كصاحب الحوت}) يونس ({إذ نادى}) في بطن الحوت ({وهو مكظوم}) [القلم: 48]. أي (كظيم) يعني أن مكظوم بوزن مفعول بمعنى كظيم بوزن فعيل أي (وهو مغموم) وسقط قوله "وهو" لأبي ذر. وكانت قصة يونس أن الله تعالى بعثه إلى أهل نينوى وهو من أرض الموصل فكذبوه فوعدهم بنزول العذاب في وقت معين ففارقهم إذ لم يتوبوا، فلما دنا الموعد أغامت السماء غيمًا أسود ذا دخان شديد فهبط حتى غشي مدينتهم فهابوا فطلبوا يونس فلم يجدوه فأيقنوا صدقة فلبسوا المسوح وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم وفرّقوا بين كل والدة وولدها، فحنّ بعضها إلى بعض وعلت الأصوات والعجيج وأخلصوا التوبة وأظهروا الإيمان وتضرعوا إلى الله فرحمهم وكشف عنهم، وأما يونس

فإنه لم يعرف الحال فظن أنه كذبهم فغضب من ذلك وذهب فركب مع قوم في سفينة فوقفت فقال لهم يونس: إن معكم عبدًا ابق من ربه وإنها لا تسير حتى تلقوه فاقترعوا فخرجت القرعة عليه فقال: أنا الآبق وزج بنفسه في الماء فأرسل الله عز وجل من البحر الأخضر حوتًا فشق البحار حتى جاء فالتقمه وأوحى الله تعالى إلى ذلك الحوت لا تأكل له لحمًا ولا تهشم له عظمًا فإنه ليس رزقًا وإنما بطنك له سجن فنادى في الظلمات ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل {أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [الأنبياء: 87]. وقال عوف الأعرابيّ: لما صار يونس في بطن الحوت ظن أنه قد مات فحرك رجليه فتحركتا فسجد مكانه فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسًّا فقال: ما هذا؟ فأوحى الله إليه هذا تسبيح دواب البحر فسبح فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا إنّا سمع صوتًا ضعيفًا بأرض غريبة. قال: ذاك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت فشفعوا فيه فأمر الله الحوت فقذفه في الساحل وهو كهيئة الفرخ الممعوط الذي ليس عليه ريش. قال أبو هريرة: وهيأ الله له أروية وحشية تأكل من خشاش الأرض فتتفشخ عليه فترويه من لبنها بكرة وعشية، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين مظلة عليه قيل إنها يبست وبكى عليها فأوحى الله تعالى إليه أتبكي على شجرة ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن تهلكهم. 3412 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي الأَعْمَشُ ح. وبه قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيي) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري أنه (قال: حدثني) بالإفراد (الأعمش) سليمان (ح). حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ» زَادَ مُسَدَّدٌ «يُونُسَ بْنِ مَتَّى». [الحديث 3412 - طرفاه في: 4603، 4804]. (حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثنا (أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش عن أبي وائل) بالهمزة شقيق بن سلمة (عن عبد الله) يعني ابن مسعود (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يقولن أحدكم إني) يريد نفسه الشريفة أو غيره (خير من يونس زاد مسدد) في رواية (يونس بن متى) بفتح الميم والفوقية المشددة قيل وخص يونس بالذكر لما يخشى على من سمع قصته أن يقع في نفسه تنقيص له فبالغ في ذكر فضله لسدّ هذه الذريعة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير وكذا النسائي. 3413 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ». وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي العالية) رفيع الرياحي (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما ينبغي لعبد أن يقول إني خير من يونس بن متى ونسبه إلى أبيه) متى وهو يرد على من قال إن متى اسم أمه وقال ذلك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-تواضعًا إن كان قاله بعد أن علم أنه سيد البشر. 3414 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «بَيْنَمَا يَهُودِيٌّ يَعْرِضُ سِلْعَتَهُ أُعْطِيَ بِهَا شَيْئًا كَرِهَهُ، فَقَالَ: لاَ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَامَ فَلَطَمَ وَجْهَهُ وَقَالَ: تَقُولُ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَظْهُرِنَا؟ فَذَهَبَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَبَا الْقَاسِمِ، إِنَّ لِي ذِمَّةً وَعَهْدًا، فَمَا بَالُ فُلاَنٍ لَطَمَ وَجْهِي؟ فَقَالَ: لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟ فَذَكَرَهُ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: لاَ تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ، أَمْ بُعِثَ قَبْلِي». 3415 - «وَلاَ أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى». [الحديث 3415 - أطرافه في: 3416، 4604، 4631، 4805]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا (عن الليث) بن سعد الإمام (عن عبد العزيز بن أبي سلمة) بفتح اللام هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون بكسر الجيم بعدها شين معجمة مضمومة المزني نزيل بغداد (عن عبد الله بن الفضل) بفتح الفاء وسكون الضاد المعجمة ابن العباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب الهاشمي المدني (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: بينما) بالميم (يهودي) لم يعرف اسمه أو هو فنحاص وضعف (يعرض سلعته) على الناس ليرغبهم في شرائها (أعطي بها شيئًا) من الثمن بخسًا (كرهه، فقال: لا) أبيعها بهذا الثمن البخس. (والذي اصطفى موسى على البشر فسمعه رجل من الأنصار). أخرج سفيان بن عيينة في جامعه وابن أبي الدنيا في كتاب البعث من طريقه عن عمرو بن دينار وابن جدعان عن سعيد بن المسيب قال: كان بين رجل من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين رجل من اليهود كلام في شيء قال عمرو بن دينار هو أبو بكر الصديق فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على البشر وهذا يعكر على قوله في حديث الباب فسمعه رجل من الأنصار إلا إن كان المراد بالأنصار المعنى الأعم، فإن أبا بكر من أنصار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطعًا بل هو رأس من نصره ومقدمهم وسابقهم قاله في الفتح. (فقام فلطم وجهه وقال:

36 - باب {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت} [لأعراف: 163]: يتعدون، يجاوزون في السبت {إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا}. -شوارع، إلى قوله- {كونوا قردة خاسئين}.

تقول: والذي اصطفى موسى على البشر والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-بين أظهرنا) جمع ظهر ومعناه أنه بينهم على سبيل الاستظهار كأن ظهرًا منهم قدامه وظهرًا وراءه فهو مكنوف من جانبيه إذ قيل بين ظهرانيهم ومن جوانبه إذا قيل بين أظهرهم أو لفظ أظهرنا مقحم كما قال الكرماني (فذهب) اليهودي (إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: أبا القاسم) أي يا أبا القاسم (إن لي ذمة وعهدًا) مع المسلمين (فما بال فلان) أبي بكر أخفر ذمتي ونقض عهدي إذ (لطم وجهي) فدعاه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) عليه الصلاة والسلام له: (لِمَ لطمت وجهه)؟ مع ما له من الذمة والعهد (فذكره) أي أمره مع اليهودي (فغضب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لذلك (حتى رئي) الغضب (في وجهه) الشريف (ثم قال: لا تفضلوا بين أنبياء الله) من قِبل أنفسكم أو تفضيلاً يؤدي إلى تنقيص أو إلى خصومة ونزاع (فإنه ينفخ في الصور) النفخة الأولى (فيصعق) أي يموت بها (من في السماوات ومن في الأرض) ممن كان حيًّا يكون آخر من يموت ملك الموت (إلا من شاء لله) قيل جبريل وميكائيل وإسرافيل فإنهم يموتون بعد وقيل حملة العرش (ثم ينفخ فيه) نفخة (أخرى) للبعث من القبور (فأكون أول من بعث) من قبره بضم الموحدة وكسر العين المهملة وفتح المثلثة مبنيًا للمفعول (فإذا موسى آخذ بالعرش) أي بقائمة من قوائمه كما في حديث أبي سعيد (فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور) لما سأل الرؤية فلم يصعق (أم بُعث) بضم الموحدة وكسر العين ولأبي ذر عن الكشميهني يبعث بالمضارع المبني للمجهول (قبلي). والظاهر أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن عنده علم ذلك حتى أعلمه الله تعالى فقد أخبر عن نفسه الكريمة أنه أول من ينشق عنه القبر، (ولا أقول أن أحدًا أفضل من يونس بن متى) قاله تواضعًا. قال ابن مالك: استعمل أحدًا في الإثبات لمعنى العموم لأنه في سياق النفي كأنه قيل لا أحد أفضل من يونس والشيء قد يعطى حكم ما هو في معناه وإن اختلفا في اللفظ فمن قوله تعالى: {أوَلم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن} [الأحقاف: 33]. (بقادر) فأجرى في دخول الباء على الخبر مجرى أوليس الذي لأنه بمعناه ومن إيقاع أحد في الإيجاب المؤول بالنفي قول الفرزدق: ولو سئلت عني نوار وأهلها ... إذن أحد لم تنطق الشفتان فإن أحدًا وإن وقع مثبتًا لكنه في الحقيقة منفي لأنه مؤخر معنى كأنه قال إذن لم ينطق منهم أحد. 3416 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى». وبه قال: (حدثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد بن إبراهيم) الزهري أنه (قال: سمعت حميد بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرة) - رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى) قال ابن أبي جمرة: يريد بذلك نفي التكييف والتحديد على ما قاله ابن الخطيب لأنه قد وجدت الفضيلة بينهما في عالم الحس، لأن نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسري به إلى فوق السبع الطباق؛ ويونس نزل به إلى قعر البحر، وقد قال نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة" فهذه الفضيلة وجدت بالضرورة، فلم يبق أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام "لا تفضلوني على يونس بن متى" ولا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس إلا بالنسبة إلى القرب من الله والبعد، فمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن أسري به إلى فوق السبع الطباق واخترق الحجب ويونس وإن نزل به لقعر البحر فهما بالنسبة إلى القرب والبعد من الله على حد واحد انتهى. 36 - باب {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} [لأعراف: 163]: يَتَعَدَّوْنَ، يُجَاوِزُونَ فِي السَّبْتِ {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا}. -شَوَارِعَ، إِلَى قَوْلِهِ- {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}. هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({واسألهم}) بهمزة وصل وسكون السين أي: واسأل يا محمد اليهود، ولأبي ذر: وسلهم بإسقاط الألف وفتح السين ({عن القرية}) عن خبر أهلها ({التي كانت حاضرة البحر}) أي قريبة منه وهي أيلة قرية بين مدين والطور على شاطئ البحر وقيل مدين وقيل طبرية ({إذ يعدون في السبت}) أي (يتعدون) أي (يتجاوزون) وفي اليونينية

37 - باب قول الله تعالى: {وآتينا داود زبورا} [النساء: 162، الإسراء: 55] {الزبر}: الكتب واحدها زبور. زبرت: كتبت. {ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه} [سبأ: 10 - 11]: قال مجاهد سبحي معه. {والطير وألنا له الحديد * أن اعمل سابغات}: الدروع. {وقدر في السرد}: المسامير والحلق، ولا يدق المسمار فيتسلسل، ولا تعظم فيفصم. {أفرغ}: أنزل. {بسطة}: زيادة وفضلا. {واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير}.

وفرعها يجاوزون بضم التحتية وسقوط الفوقية وكسر الواو (في السبت) حدود الله بالصيد فيه ({إذ تأتيهم حيتانهم}) ({[الأعراف: 163]. ظرف ليعدون ({يوم سبتهم}) يوم تعظيمهم أمر السبت مصدر سبتت اليهود إذا عظمت سبتها بالتجرد للعبادة. ({شرعًا}) أي (شوارع) قاله أبو عبيدة (إلى قولها {كونوا قردة خاسئين} [البقرة: 165]. ولأبي ذر: ويوم لا يسبتون إلى قوله: {خاسئين} روى أن الناهين لما أيسوا عن اتعاظ المعتدين كرهوا مساكنتهم فقسموا القرية بجدار وفيه باب مطروق، فأصبحوا يومًا ولم يخرج إليهم أحد من المعتدين فقالوا: إن لهم لشأنًّا فدخلوا عليهم فإذا هم قردة فلم يعرفوا أنسابهم، ولكن القردة تعرفهم فكان القرد يأتي إلى نسيبه فيحتك به فيقول الإنسان أنت فلان فيشير برأسه أي نعم فيقول له: أما حذرتك عقوبة الله أن تصيبك ثم ماتوا بعد ثلاث. قال ابن عباس: ما طعم مسخ قط ولا عاش فوق ثلاث. وعن مجاهد: مسخت قلوبهم لا أبدانهم وروى ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس صار شبابهم قردة وشيوخهم خنازير وسقط لأبي ذر: كونوا قردة وزاد بئيس أي شديد فعيل من بؤس يبؤس بأسًا إذا اشتد. 37 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} [النساء: 162، الإسراء: 55] {الزُّبُرُ}: الْكُتُبُ وَاحِدُهَا زَبُورٌ. زَبَرْتُ: كَتَبْتُ. {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ: 10 - 11]: قَالَ مُجَاهِدٌ سَبِّحِي مَعَهُ. {وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ}: الدُّرُوعَ. {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ}: الْمَسَامِيرِ وَالْحَلَقِ، وَلاَ يُدِقَّ الْمِسْمَارَ فَيَتَسَلْسَلَ، وَلاَ تُعَظِّمْ فَيَفْصِمَ. {أفرِغْ}: أنزِلْ. {بسطةً}: زيادةً وفضلاً. {وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. (باب قول الله تعالى: {وآتينا داود}) هو ابن إيشا بهمزة مكسورة وتحتية ساكنة بعدها شين معجمة ابن عوبد بعين مهملة ثم موحدة بينهما واو ساكنة آخره دال مهملة بوزن جعفر بن باعر بموحدة فألف فعين مهملة مفتوحة فراء ابن سلمون بن رياب بتحتية آخره موحدة ابن رام بن حضرون بمهملة مفتوحة فمعجمة ابن فارص بفاء فألف فراء فصاد مهملة ابن يهوذا بن يعقوب ({زبورًا}) [النساء: 163]. (الزبر) هي (الكتب واحدها زبور زبرت) أي (كتبت) وهذا ثابت للكشميهني والمستملي، وكان فيها التحميد والتمجيد والثناء على الله عز وجل. وقال القرطبي: كان فيه مائة وخمسون سورة ليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام، وإنما هي حكم ومواعظ. وكان داود حسن الصوت إذا أخذ في قراءة الزبور اجتمع عليه الإنس والجن والوحش والطير لحسن صوته ({ولقد آتينا داود منا فضلاً}) نبوة وكتابًا أو ملكًا أو جميع ما أوتي من حسن الصوت بحيث إنه كان إذا سبح تسبح معه الجبال الراسيات الصم الشامخات وتقف له الطيور السارحات والغاديات والرائحات وتجاوبه بأنواع اللغات وتليين الحديد وغير ذلك مما خص به ({يا جبال}) محكي بقول مضمر، ثم إن شئت قدرته مصدرًا ويكون بدلاً من فضلاً على جهة تفسيره به كأنه قيل آتيناه فضلاً قولنا يا جبال وإن شئت قدرته فعلاً، وحينئذ لك وجهان إن شئت جعلته بدلاً من آتيناه معناه آتينا قلنا يا جبال وإن شئت جعلته مستأنفًا وثبت للمستملي والكشميهني قوله: {ولقد آتينا داود} الخ .. ({أوّبي معه}). (قال مجاهد): فيما وصله الفريابي أي (سبحي معه) وعن الضحاك هو التسبيح بلغة الحبشة. قال ابن كثير: وفي هذا انظر فإن التأويب في اللغة هو الترجيع، وقال ابن وهب: نوحي معه وذلك إما بخلق صوت مثل صوته فيها، أو بحملها إياه على التسبيح إذا تأمل ما فيها، وقيل: سيري معه حيث سار والتضعيف للتكثير. ({والطير}) نصب في قراءة العامة عطفًا على محل جبال لأنه منصوب تقديرًا ويجوز الرفع به قرأ روح عطفًا على جبال وفي هذا من الفخامة والدلالة على عظمة داود وكبرياء سلطانه ما فيه حيث جعل الجبال والطيور كالعقلاء المنقادين لأمره وليس التأويب منحصرًا في الطير والجبال، ولكن ذكر الجبال لأن الصخور للجمود والطيور للنفور وكلاهما تستبعد منه الموافقة فإذا وافقته هذه الأشياء فغيرها أولى، وروي أنه كان إذا نادى بالنياحة أجابته الجبال بصداها وعكفت عليه الطيور فصدى الجبال الذي يسمعه الناس اليوم من ذلك، وقيل: كان إذا تخلل الجبال فسبّح الله جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح نحو ما يسبح، وقيل: كان إذا لحقه فتور أسمعه الله تسبيح الجبال تنشيطًا له، وثبت للكشميهني والمستملي سبحي معه. ({وألنا}) عطف على آتينا ({له الحديد}) حتى كان في يده كالشمع والعجين يعمل منه ما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة بل كان يفتله بيده مثل

الخيوط وذلك في قدرة الله يسير وسقط لأبي ذر: والطير إلى الحديد ({أن اعمل}) بأن اعمل ({سابغات) أي (الدروع) الكوامل الواسعات الطوال تسحب في الأرض وذكر الصفة ويعلم منها الموصوف ({وقدر في السرد}) [سبأ: 10، 11]. أي (المسامير والحلق) أي قدر المسامير وحلق الدروع (ولا تدق) بضم الفوقية وسكر الدال المهملة ولأبي ذر عن الكشميهني: ولا ترق بالراء بدل الدال (المسمار) أي لا تجعل مسمار الدرع دقيقًا أو لا تجعله رقيقًا (فيتسلسل) يقال تسلسل الماء أي جرى، ولأبي ذر عن الكشميهني فيسلس أي فلا يستمسك (ولا تعظم) بضم أوله وكسر ثالثه مشددًا أي المسمار (فيفصم) أي يكسر الخلق اجعله على قدر الحاجة، ولأبي ذر عن الكشميهني فينفصم بزيادة نون ساكنة قبل الفاء، وهذا فيه نظر لأن دروعه لم تكن مسمرة، ويؤيده قوله {وألنا له الحديد} والمعنى قدر في السرد أي في نسجها بحيث يتناسب حلقها. قال قتادة: وهو أول من عملها من الحلق، وإنما كانت قبل صفائح. وعند ابن أبي حاتم أنه كان يرفع كل يوم درعًا فيبيعها بستة آلاف درهم ألفين له ولأهله وأربعة آلاف يطعم بها بني إسرائيل خبز الحواري، وقوله: الزبر إلى هنا ثابت في رواية المستملي والكشميهني. ({أفرغ}) بفتح الهمزة وكسر الراء والفاء ساكنة يريد قوله: {ربنا أفرغ علينا صبرًا} [الأعراف: 126]. أي (أي أنزل {بسطة}) في قوله: {إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة} [الأعراف: 69]. أي (زيادة وفضلاً) وكلتا الكلمتين في قصة طالوت وهذا ثابت في رواية أبي ذر عن الكشميهني والوجه إسقاطه كما لا يخفى. ({واعملوا}) داود وأهله ({صالحًا}) في الذي أعطاكم من النعم ({إني بما تعملون بصير}) [المؤمنون: 51]. مراقب لكم بصير بأعمالكم وأقوالكم. 3417 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - الْقُرْآنُ، فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَوَابِّهِ فَتُسْرَجُ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ تُسْرَجَ دَوَابُّهُ، وَلاَ يَأْكُلُ إِلاَّ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ». رَوَاهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (خفف على داود عليه السلام القرآن) قال التوربشتي: أي الزبور وإنما قال القرآن لأنه قصد به إعجازه من طريق القراءة، وقال غيره: قرآن كل نبي يطلق على كتابه الذي أوحي إليه، وقد دل الحديث على أن الله تعالى يطوي الزمان لمن شاء من عباده كما يطوي المكان لهم. قال النووي: إن بعضهم كان يقرأ أربع ختمات بالليل وأربعًا بالنهار. ولقد رأيت أبا الطاهر بالقدس الشريف سنة سبع وستين وثمانمائة وسمعت عنه إذ ذاك أنه يقرأ فيهما أكثر من عشر ختمات، بل قال لي شيخ الإسلام البرهان بن أبي شريف أدام الله النفع بعلومه عنه: أنه كان يقرأ خمس عشرة في اليوم والليلة، وهذا باب لا سبيل إلى إدراكه إلا بالفيض الرباني، ولأبي ذر عن الكشميهني: القراءة بدل القرآن. (فكان يأمر بدوابه) التي كان يركبها ومن معه من أتباعه (فتسرج فيقرأ القرآن) الزبور (قبل أن تسرج دوابه ولا يأكل إلا من عمل يده) من ثمن ما كان يعمل من الدروع ولأبوي ذر والوقت: يديه بالتثنية. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير. (رواه) أي حديث الباب (موسى بن عقبة) فيما وصله المؤلّف في خلق أفعال العباد. (عن صفوان) بن سليم (عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 3418 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَهُ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: «أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَقُولُ: وَاللَّهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ: وَاللَّهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ؟ قُلْتُ: قَدْ قُلْتُهُ. قَالَ: إِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ. فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ. قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، وَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ وَهْوَ أعَدْلُ الصِّيَامِ. قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن سعيد بن المسيب) بفتح التحتية المشددة (أخبره وأبا سلمة) أي وأخبر أبا سلمة (بن عبد الرَّحمن) بن عوف أيضًا (أن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص (رضي الله تعالى عنهما) أنه (قال: أخبر) بضم الهمزة وكسر الموحدة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إني أقول والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت) أي مدة حياتي (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أنت الذي تقول والله لأصومن النهار ولأقومن الليل

38 - باب أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود: كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه وينام سدسه. ويصوم يوما ويفطر يوما قال علي: وهو قول عائشة: "ما ألفاه السحر عندي إلا نائما"

ما عشت) قال عبد الله بن عمرو (قلت قد قلته) زاد في الصيام من طريق أبي اليمان عن شعيب عن الزهري بأبي أنت وأمي (قال) عليه الصلاة والسلام: (إنك لا تستطيع ذلك) الذي قلته من صيام النهار وقيام الليل لحصول المشقّة (فصُم وأفطر) بهمزة قطع (وقم) متهجدًا في بعض الليل (ونم) في بعضه (وصم من الشهر ثلاثة أيام) لم يعينها (فإن الحسنة بعشر أمثالها) تعليل لكونها ثلاثة (وذلك مثل صيام الدهر) في الثواب. قال عبد الله: (فقلت إني أطيق أفضل) أكثر (من ذلك) أي صوم ثلاثة أيام من كل شهر (يا رسول الله. قال) عليه الصلاة والسلام: (فصم يومًا وأفطر يومين) بقطع الهمزة (قال) عبد الله: (قلت: إني أطيق أفضل) أكثر (من ذلك. قال) عليه الصلاة والسلام: (فصم يومًا وافطر يومًا وذلك صيام داود وهو عدل الصيام) بفتح العين وسكون الدال المهملة، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: أعدل الصيام، وفي الصيام: وهو أفضل الصيام. قال عبد الله: (قلت إني أطيق أفضل) أكثر (منه يا رسول الله. قال) عليه الصلاة والسلام: (لا أفضل من ذلك). أي بالنسبة لك وذلك لما علم من حاله ومنتهى قوّته وإذا ما هو أكثر من ذلك فإنه يضعفه عن الفرائض ويقعد به عن الحقوق والمصالح، والذي عليه المحققون أن صوم داود أفضل من صوم الدهر، وتحقيق ذلك قد سبق في كتاب الصوم وليس كل عمل صالح إذا زاد العبد منه ازداد تقربًا من ربه تعالى، بل رب عمل صالح إذا زاد منه كثرة ازداد بُعدًا كالصلاة في الأوقات المكروهة. 3419 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلَمْ أُنَبَّأْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتِ الْعَيْنُ، وَنَفِهَتِ النَّفْسُ، صُمْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَذَلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ، أَوْ كَصَوْمِ الدَّهْرِ. قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ بِي -قَالَ مِسْعَرٌ: يَعْنِي قُوَّةً- قَالَ: فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى». وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان السلمي المقري الكوفي سكن مكة قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين ابن كدام بكسر أوله وتخفيف ثانيه الهلالي الكوفي قال: (حدّثنا حبيب بن أبي ثابت) بفتح الحاء المهملة واسم أبي ثابت قيس الكوفي (عن أبي العباس) السائب الأعمى الشاعر (عن عبد الله بن عمرو بن العاص) أنه (قال: قال لي رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ألم أنبأ) بضم الهمزة وفتح النون وتشديد الموحدة (أنك تقوم الليل) كله (وتصوم النهار) ثبت لفظ النهار لأبي ذر عن الكشميهني (فقلت: نعم). سقط لفظ نعم لأبي ذر (فقال) عليه الصلاة والسلام: (فإنك إذا فعلت ذلك هجمت العين) بفتح الهاء والجيم والميم أي غارت وضعف بصرها (ونفهت النفس) بفتح النون وكسر الفاء تعبت وكلّت (صم من كل شهر ثلاثة أيام) ثالث عشره وتالييه (فذلك صوم الدهر) لأن الحسنة بعشر أمثالها (أو كصوم الدهر) شك الراوي. قال عبد الله (قلت: إني أجد بي. قال مسعر يعني قوة) على ذلك ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أجدني بالنون بدل الموحدة (قال) عليه الصلاة والسلام: (فصم صوم داود عليه السلام كان يصوم يومًا ويفطر يومًا) وهو أفضل لما فيه من زيادة المشقّة، وأفضل العبادات أشقها بخلاف صوم الدهر فإن الطبيعة تعتاده فيسهل عليها. وفي اليونينية: وكان يصوم بإثبات الواو وأسقطها في الفرع (ولا يفر إذا لاقى) العدوّ لأنه يستعين بيوم فطره على صومه فلا يضعفه ذلك عن لقاء عدوّه. 38 - باب أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ: كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ. وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا قَالَ عَلِيٌّ: وَهْوَ قَوْلُ عَائِشَةَ: "مَا أَلْفَاهُ السَّحَرُ عِنْدِي إِلاَّ نَائِمًا" هذا (باب) بالتنوين وسقط لفظ باب للمستملي والكشميهني (أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود) أحب بمعنى المحبوب وهو قليل إذ غالب أفعل التفضيل أن يكون بمعنى الفاعل ومعنى المحبة هنا إرادة الخير لفاعل ذلك (كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه) في الوقت الذي ينادي فيه الرب عز وجل: هل من سائل هل من مستغفر، (وينام سدسه) الأخير ليستريح من نصب القيام في بقية الليل (ويصوم يومًا ويفطر يومًا) وإنما صار ذلك أحب إلى الله تعالى من أجل الأخذ بالرفق على النفوس التي يخشى منها السآمة التي هي سبب إلى ترك العبادة والله تعالى يحب أن يديم فضله ويوالي إحسانه قال في الكواكب. (قال علي): غير منسوب. قال في الفتح: وأظنه ابن عبد الله المديني شيخ المؤلّف (وهو) أي قوله وينام سدسه (قول عائشة) -رضي الله

39 - باب {واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب} -إلى قوله- {وفصل الخطاب} [ص: 17 - 20] قال مجاهد: الفهم في القضاء. {ولا تشطط}: لا تسرف. {واهدنا إلى سواء الصراط * إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة} -يقال للمرأة نعجة، ويقال لها أيضا شاة- {ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها} -مثل {وكفلها زكرياء}: ضمها. {وعزني}: غلبني، صار أعز مني، أعززته: جعلته عزيزا. {في الخطاب} يقال المحاورة. {قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي} -إلى قوله- {إنما فتناه} قال ابن عباس: اختبرناه. وقرأ عمر: {فتناه} -بتشديد التاء- {فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب}.

عنها- (ما ألفاه) بالفاء أي ما وجده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (السحر) رفع على الفاعلية أي لم يجيء السحر والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عندي إلاّ) وجده (نائمًا) بعد القيام وهذا كله ثابت عند المستملي والكشميهني. 3420 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا. وَأَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي مولاهم البلخي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو بن دينار) المكي (عن عمرو بن أوس الثقفي) الطائفي أنه (سمع عبد الله بن عمرو) يعني ابن العاص (قال: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أحب الصيام إلى الله صيام داود) عليه السلام (كان يصوم يومًا ويفطر يومًا) لما فيه من المشقّة (وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه) لأن النوم بعد القيام يريح البدن ويذهب ضرر السهر. 39 - باب {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} -إِلَى قَوْلِهِ- {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 17 - 20] قَالَ مُجَاهِدٌ: الْفَهْمُ فِي الْقَضَاءِ. {وَلاَ تُشْطِطْ}: لاَ تُسْرِفْ. {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} -يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ نَعْجَةٌ، وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا شَاةٌ- {وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} -مِثْلُ {وَكَفَلَهَا زَكَرِيَّاءُ}: ضَمَّهَا. {وَعَزَّنِي}: غَلَبَنِي، صَارَ أَعَزَّ مِنِّي، أَعْزَزْتُهُ: جَعَلْتُهُ عَزِيزًا. {فِي الْخِطَابِ} يُقَالُ الْمُحَاوَرَةُ. {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لِيَبْغِي} -إِلَى قَوْلِهِ- {إِنَّمَا فَتَنَّاهُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اخْتَبَرْنَاهُ. وَقَرَأَ عُمَرُ: {فَتَّنَّاهُ} -بِتَشْدِيدِ التَّاءِ- {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ}. هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({واذكر عبدنا داود ذا الأيد}) [ص: 17]. ذا القوة في العبادة أو الملك ({إنه أوّاب}) أي رجّاع إلى مرضاة الله عز وجل (إلى قوله) تعالى ({وفصل الخطاب}) [ص: 20]. (قال مجاهد): فصل الخطاب (الفهم في القضاء) ليفصل بين الخصوم وهو طلب البيّنة واليمين. قال الإمام فخر الدين: وهذا بعيد لأن فصل الخطاب عبارة عن كونه قادرًا على التعبير عن كل ما يخطر بالبال ويحضر في الخيال بحيث لا يخل شيئًا بشيء، وبحيث يفصل كل مقام عما يخالفه. وهذا معنى عام يتناول فصل الخصومات ويتناول الدعوة إلى الدين الحق، ويتناول جميع الأقسام. وعن بلال بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى قال: أول من قال أما بعد؛ داود عليه السلام وهو فصل الخطاب. رواه ابن أبي حاتم وقال في الأنوار أو هو الكلام الملخص الذي ينبه المخاطب على المقصود من غير التباس يراعي فيه مظان الفصل والوصل والعطف والاستئناف والإضمار والإظهار والحذف والتكرار ونحوها، وإنما سمي به أما بعد لأنه يفصل المقصود عما سبق مقدمة له من الحمد والصلاة، وقيل هو الخطاب الفصل الذي ليس فيه اختصار مخل ولا إشباع ممل كما جاء في وصف كلام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فصل لا نزر ولا هذر ولأبي ذر: الفهم بالرفع بتقدير هو. {هل أتاك نبأ الخصوم} الخصم في الأصل مصدر والمراد به هنا الجمع بدليل قوله تعالى: {إذ تسوّروا المحراب} إذ دخلوا على داود (إلى) قوله: ({ولا تشطط}) [ص: 22]. أي (لا تسرف) وإنما فكه على أحد الجائزين كقوله من يرتدد ولغير أبي ذر في القضاء ولا تشطط ({واهدنا إلى سواء الصراط}) أي طريق الصواب ({وإن هذا أخي}) على ديني وطريقتي ({له تسع وتسعون نعجة} يقال) للمرأة نعجة ويقال لها أيضًا شاة ({ولي نعجة واحدة}) [ص: 23]. امرأة واحدة والكناية والتمثيل فيما يساق للتعريض أبلغ في المقصود (فقال: أكفلنيها مثل {وكفلها زكريا}) [آل عمران: 37]. أي (ضمها) إليه. وقال ابن عباس: أعطنيها ({وعزني}) أي (غلبني) في مخاطبته إياي محاجة بأن جاء بحجاج لم أقدر على رده حتى (صار أعز مني) أقوى (أعززته جعلته عزيزًا {في الخطاب} يقال المحاورة) بالحاء المهملة ({قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه}) بسؤال مصدر مضاف لمفعوله والفاعل محذوف أي بأن سأل نعجتك وضمن السؤال معنى الإضافة والانضمام أي بإضافة نعجتك على سبيل السؤال ولذلك عدي بأل وسقط عند أبي ذر قال لقد الخ .. ({وإن كثيرًا من الخلطاء}) أي (الشركاء ليبغي) ليتعدّى (إلى قوله {إنما فتناه} قال ابن عباس) أي (اختبرناه) وهذا وصله ابن جرير. (وقرأ عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- ({فتناه} بتشديد التاء {فاستغفر ربه وخرّ راكعًا) أي ساجدًا وهذا يدل على حصول الركوع وأما السجود فقد ثبت بالأخبار ({وأناب}) [ص: 24] أي رجع إلى الله تعالى بالتوبة. قال في الأنوار: وأقصى ما في هذه القصة الإشعار بأنه عليه الصلاة والسلام ودّ أن يكون له ما لغيره وكان له أمثاله فنبهه الله تعالى بهذه القصة فاستغفر وأناب عنه، وأما ما روي أنه وقع بصره على امرأة فعشقها إلى آخره مما ذكره بعض المفسرين والقُصّاص مما أكثره مأخوذ من الإسرائيليات فكذب وافتراء لم يثبت عن

40 - باب قول الله تعالى: {ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب} [ص: 30] الراجع: المنيب. وقوله: {هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي} [ص: 35]. وقوله: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان} [البقرة: 102]، {ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر} -أذبنا له عين الحديد- {ومن الجن من يعمل بين يديه} -إلى قوله- {من محاريب} [سبأ: 12] قال مجاهد: بنيان ما دون القصور {وتماثيل وجفان كالجواب} كالحياض للإبل، وقال ابن عباس: كالجوبة من الأرض {وقدور راسيات} -إلى قوله- {الشكور * فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض} -الأرضة- {تأكل منسأته} عصاه {فلما خر} -إلى قوله- {المهين} [سبأ: 14]. {حب الخير عن ذكر ربي فطفق مسحا بالسوق والأعناق} يمسح أعراف الخيل وعراقيبها. {الأصفاد}: الوثاق. . قال مجاهد: {الصافنات}: صفن الفرس رفع إحدى رجليه حتى تكون على طرف الحافر. {الجياد}: السراع. {جسدا}: شيطانا. {رخاء}: طيبة. {حيث أصاب}: حيث شاء. {فامنن}: أعط. {بغير حساب}: بغير حرج.

معصوم، ولذلك قال علي -رضي الله عنه-: من حدّث بحديث داود على ما يرويه القُصّاص جلدته مائة وستين. 3421 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَوَّامَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ أَنسْجُدُ فِي ص؟ فَقَرَأَ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} -حَتَّى أَتَى- {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} فَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ: "نَبِيُّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ أُمِرَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ". [الحديث 3421 - أطرافه في: 4632، 4806، 4807]. وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام قال: (حدّثنا سهل بن يوسف) الأنماطي البصري (قال: سمعت العوّام) بفتح العين المهملة وتشديد الواو ابن حوشب الشيباني الواسطي (عن مجاهد) هو ابن جبر أنه (قال: قلت لابن عباس) -رضي الله عنهما- (اسجد) بسكون السين بعد الهمزة ولأبي ذر عن الحموي أنسجد بنون المتكلم ومعه غيره بعد همزة الاستفهام (في) سورة (ص فقرأ) ابن عباس قوله تعالى: ({ومن ذريته داود وسليمان}) [الأنعام: 84] (حتى أتى {فبهداهم اقتده} فقال نبيكم) ولأبوي الوقت وذر: فقال ابن عباس -رضي الله عنهما- نبيكم (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ممن أمر أن يقتدي بهم). زاد في التفسير فسجدها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال الكرماني: وفي هذا الاستدلال مناقشة إذ الرسول مأمور بالاقتداء بهم في أصول الدين لا في فروعه لأنها هي المتفق عليها بين الأنبياء إذ في المختلفات لا يمكن اقتداء الرسول بكلهم وإلاّ يلزم التناقض. 3422 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَيْسَ ص مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، وَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْجُدُ فِيهَا". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: ليس) سجدة (ص من عزائم السجود) المأمور بها (ورأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسجد فيها) موافقة لداود شكرًا لقبول توبته فهي سجدة شكر عند الشافعية تسن عند تلاوتها في غير الصلاة. 40 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30] الرَّاجِعُ: الْمُنِيبُ. وَقَوْلُهُ: {هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35]. وَقَوْلُهُ: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة: 102]، {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} -أَذَبْنَا لَهُ عَيْنَ الْحَدِيدِ- {وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} -إِلَى قَوْلِهِ- {مِنْ مَحَارِيبَ} [سبأ: 12] قَالَ مُجَاهِدٌ: بُنْيَانٌ مَا دُونَ الْقُصُورِ {وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ} كَالْحِيَاضِ لِلإِبِلِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَالْجَوْبَةِ مِنَ الأَرْضِ {وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} -إِلَى قَوْلِهِ- {الشَّكُورُ * فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ} -الأَرَضَةُ- {تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ} عَصَاهُ {فَلَمَّا خَرَّ} -إِلَى قَوْلِهِ- {الْمُهِينِ} [سبأ: 14]. {حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ} يَمْسَحُ أَعْرَافَ الْخَيْلِ وَعَرَاقِيبَهَا. {الأَصْفَادُ}: الْوَثَاقُ. . قَالَ مُجَاهِدٌ: {الصَّافِنَاتُ}: صَفَنَ الْفَرَسُ رَفَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ حَتَّى تَكُونَ عَلَى طَرَفِ الْحَافِرِ. {الْجِيَادُ}: السِّرَاعُ. {جَسَدًا}: شَيْطَانًا. {رُخَاءً}: طَيِّبَةً. {حَيْثُ أَصَابَ}: حَيْثُ شَاءَ. {فَامْنُنْ}: أَعْطِ. {بِغَيْرِ حِسَابٍ}: بِغَيْرِ حَرَجٍ. (باب قول الله تعالى): سقط لفظ باب لأبي ذر فقول رفع على ما لا يخفى ({ووهبنا لداود سليمان نعم العبد}) المخصوص بالمدح محذوف أي نعم العبد سليمان ({إنه أوّاب}) [ص: 30] أي (الراجع المنيب) وقال السدي: هو المسبح (وقوله) عز وجل ({هب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي}) [ص: 35] لتكون معجزة لي مناسبة لحالي أو لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني كما كان من قصة الجسد الذي ألقي على كرسيه، والصحيح كما قاله ابن كثير أنه سأل ملكًا لا يكون لأحد من البشر مثله كما هو ظاهر سياق الآية. (وقوله) تعالى: ({واتبعوا ما تتلوا الشياطين}) أي: واتبعوا كتب السحر التي تقرؤها أو تتبعها الشياطين من الجن أو الإنس أو منهما ({على ملك سليمان}) [البقرة: 102] أي عهده وتتلو حكاية حال ماضية قيل كانوا يسترقون السمع ويضمون إلى ما سمعوا أكاذيب ويلقولها إلى الكهنة وهم يدونونها ويعلمون الناس، وفشا ذلك في عهد سليمان عليه السلام حتى قيل: إن الجن تعلم الغيب، وإن ملك سليمان تم بهذا العلم وإنه يسخر به الإنس والجن والريح له. ({ولسليمان الريح}) سخرناها له ({غدوّها ورواحها شهر}) أي جريها بالغداة مسيرة شهر وبالعشي كذلك أي كانت تسير به في يوم واحد مسيرة شهرين ({وأسلنا له عين القطر}) أي (أذبنا له عين الحديد) وقال غير واحد القطر النحاس أساله له من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ولذلك سماه عينًا وكان ذلك باليمن وإنما ينتفع الناس اليوم بما أخرج الله لسليمان وإنما أسيلت له ثلاثة أيام ({ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه}) مصدر مضاف لفاعله أي بأمره {ومن يزغ} يعدل {منهم عن أمرنا} الذي أمرناه به من طاعة سليمان {نذقه من عذاب السعير} في الآخرة وقيل في الدنيا فقد قيل إن الله تعالى وكل بهم ملكًا بيده سوط من نار فمن زاغ منهم عن أمر سليمان ضربه أحرقته {يعملون له ما شاء من محاريب} [سبأ: 13]. (قال مجاهد): فيما وصله عبد بن حميد (بنيان) سور (ما دون القصور). وقال أبو عبيدة: المحاريب جمع محراب وهو مقدم كل بيت، وقيل: المساجد وكان مما عملوا له بيت المقدس ابتدأه داود ورفعه قامة رجل وكمله سليمان فبناه بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر وعمده بأساطين المها الصافي وسقفه بأنواع الجواهر الثمينة، وفصص حيطانه باللآلي واليواقيت وسائر الجواهر وبسط أرضه بلواح الفيروزج، فلم يكن يومئذ أبهى ولا أنور منه كان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه

عيدًا ولم يزل على ما بناه سليمان حتى غزاه يختنصر وأخذ ما كان في سقفه وحيطانه مما ذكر إلى دار مملكته من أرض العراق. ({وتماثيل}) قيل كانوا ينحتون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في المساجد ليرها الناس فيزدادوا عبادة وتحريم التصاوير شرع مجدد، وقيل إنهم عملوا أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه، فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما رواه ابن أبي حاتم عن كعب في خبر طويل عجيب في صفة الكرسي. ({وجفان}) أي وصحاف ({كالجواب}) أي ({كالحياض للإبل}) قيل: كان يقعد على الجفنة الواحدة ألف رجل يأكلون منها. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم: (كالجوبة من الأرض) بفتح الجيم وبعد الواو الساكنة موحدة قال الجوهري: الجوبة الفرجة في السحاب وفي الجبال وانجابت السحابة انكشفت والجوبة موضع ينجاب في الحرة. ({وقدور راسيات}) ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها وكان يصعد إليها بالسلالم {اعملوا آل داود شكرًا} [سبأ: 13] أي اعملوا له واعبدوه شكرًا فالنصب على العلة {وقليل من عبادي الشكور} [سبأ: 13] المتوفر على أداء الشكر الباذل وسعه فيه قد شغل قلبه ولسانه وجوارحه أكثر أوقاته ومع ذلك لا يوفى حقه لأن توفيقه للشكر نعمة تستدعي شكرًا آخر، ولذا قيل: الشكور من يرى عجزه عن الشكر قاله في الأنوار. ({فلما قضينا عليه الموت}) أي على سليمان ({ما دلهم على موته إلا دابة الأرض}) هي (الأرضة) التي ({وتأكل منسأته}) أي (عصاه {فلما خر}) إلى قوله: ({المهين}) [سبأ: 12 - 13 - 14] ولأبي ذر إلى {في العذاب المهين} وقوله: بإذن ربه إلى آخر قوله: {من محاريب) ثابت لأبي ذر، وقال غيره بعد قوله: {بين يديه} إلى قوله: {من محاريب} وثبت لأبي ذر أيضًا قوله: {اعملوا آل داود} إلى آخر {الشكور} وكان سليمان لما دنا أجله وأعلم به قال: اللهم عمّ على الجن موتي حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، وكانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون من الغيب أشياء، ثم دخل محراب بيت المقدس فقام يصلّي متوكئًا على عصاه فمات قائمًا، وكان للمحراب كوى بين يديه وخلفه، فكانت الجن تعمل تلك الأعمال الشاقة وينظرون إلى سليمان فيرونه فيظنونه حيًّا فلا ينكرون خروجه للناس لطول صلاته حتى أكلت الأرضة عصاه فخر ميتًا ثم فتحوا عنه وأرادوا أن يعرفوا وقت موته فوضعوا الأرضة على العصا فأكلت يومًا وليلة مقدارًا فحسبوا ذلك المقدار فوجدوه قد مات منذ سنة، وكان عمره ثلاثًا وخمسين سنة وملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة وابتدأ عمارة بيت المقدس لأربع مضين من ذلك. ({حب الخير}) في قوله تعالى: {إني أحببت حب الخير} [ص: 32] أي الخيل التي شغلتني ({عن ذكر}) قال قتادة: عن صلاة العصر حتى غابت الشمس ({فطفق مسحًا}) أي فأخذ يمسح مسحًا ({بالسوق والأعناق}) أي (يمسح أعراف الخيل وعراقيبها). حبًّا لها، وقيل يمسح بالسيف سوقها وأعناقها يقطعها تقربًا إلى الله تعالى وطلبًا لرضاه حيث اشتغل بها عن طاعته وهذا أوجه. ({الأصفاد}) [إبراهيم: 49] في قوله: {وآخرين مقرنين في الأصفاد} أي (الوثاق) أي وآخرين من الشياطين قرن بعضهم مع بعض في الأغلال ليكفوا عن الشر. (وقال مجاهد {الصافنات}) في قوله: {إذ عرض عليه بالعشي الصافنات} هي من قولهم: (صفن الفرس) بفتح الصاد والفاء والنون والفرس رفع فاعل أي (رفع إحدى رجليه حتى يكون على طرف الحافر) وهذا وصله الفريابي، ولكن قال يديه ورجليه، وصوب القاضي عياض ما عند الفريابي، وقال في الأنوار: الصافن من الخيل الذي يقوم على طرف سنبك يد أو رجل وهو من الصفات المحمودة في الخيل ولا يكاد يكون إلا في العراب الخلص، وقال الزجاج: هو الذي يقف على إحدى يديه ويقف على طرف سنبكه وقد يفعل ذلك بإحدى رجليه قال: وهي علامة الفراهة ({الجياد}) [ص: 32 - 33 - 34] قال مجاهد فيما وصله الفريابي (السراع) في جريها. ({جسدا}) في قوله: {ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدًا} أي

(شيطانًا) قيل: إن سليمان غزا صيدون من الجزائر فقتل ملكها وأصاب ابنته جرادة فأحبها وكان لا يرقأ دمعها حزنًا على أبيها، فأمر الشياطين فمثلوا لها صورته وكان اتخاذ التماثيل جائزًا حينئذٍ فكانت تغدو إليها وتروح مع ولائدها يسجدن لها كعادتهن في ملكه، فأخبره آصف بسجودهن فكسر الصورة وضرب المرأة وخرج إلى الفلاة باكيًا متضرّعًا، وكانت له أم ولد تسمى أمينة إذا دخل للطهارة أعطاها خاتمه وكان ملكه فيه فأعطاها يومًا فتمثل لها بصورته شيطان اسمه صخر وأخذ الخاتم فتختم به وجلس على كرسيه فاجتمع عليه الخلق ونفذ حكمه في كل شيء إلا في نسائه، وغيّر سليمان عن هيئته فأتاها يطلب الخاتم فطردته فعرف أن الخطيئة قد أدركته فكان يدور على البيوت يتكلّف حتى مضى أربعون يومًا عدد ما عبدت الصورة في بيته، فطار الشيطان وقذف الخاتم في البحر فابتلعته سمكة فوقعت في يده فبقر بطنها فوجد الخاتم فتختم به وخر ساجدًا لله تعالى وعاد إليه ملكه والخطيئة تغافله عن حال أهله والسجود للصورة بغير علمه لا يضرّه. وعن مجاهد فيما رواه الفريابي {وألقينا على كرسيه جسدًا} [ص: 34] قال: شيطانًا يقال له آصف. قال له سليمان: كيف تفتن الناس؟ قال: أرني خاتمك أخبرك فأعطاه فقذفه آصف في البحر فساخ فذهب سليمان وقعد آصف على كرسيه ومنعه الله نساء سليمان فلم يقربهن الخبر بنحو ما سبق. قال ابن كثير: وهذا كله من الإسرائيليات، وقال البيضاوي أظهر ما روي في ذلك مرفوعًا أنه قال: "لأطوفن الليلة على تسعين امرأة" الحديث ويأتي قريبًا إن شاء الله تعالى بعون الله. ({رخاء}) في قوله تعالى: {فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء} [ص: 36] أي (طيبة) ولأبي ذر عن الكشميهني طيبًا بالتذكير ({حيث أصاب}) أي (حيث شاء {فامنن}) أي (اعط) من شئت أو أمسك أي امنع من شئت ({بغير حساب}) [ص: 39] أي (بغير حرج). 3423 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَىَّ صَلاَتِي، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ، فَأَخَذْتُهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبُطَهُ عَلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي سُلَيْمَانَ: رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فَرَدَدْتُهُ خَاسِئًا». عِفْرِيتٌ: مُتَمَرِّدٌ مِنْ إِنْسٍ أَوْ جَانٍّ، مِثْلُ زِبْنِيَةٍ جَمَاعَتُهَا الزَّبَانِيَةُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة ابن عثمان العبدي البصري بندار قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن زياد) القرشي الجمحي مولى آل عثمان بن مظعون (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (إن عفريتًا) بكسر العين (من الجن تفلّت) أي تعرض لي فلتة لم بغتة (البارحة) أي الليلة الخالية الزائلة (ليقطع عليّ صلاتي) بتشديد ياء عليّ (فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه) بضم الموحدة (على) كذا في اليونينية وفي فرعها إلى (سارية من سواري المسجد) أسطوانة من أساطينه (حتى تنظروا إليه كلكم فذكرت دعوة أخي) في النبوة (سليمان رب هب لي ملكًا) التلاوة {رب اغفر لي وهب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي} [ص: 35] من البشر (فرددته) حال كونه (خاسئًا) مطرودًا. ({عفريت}) [النمل: 13] أي (متمرد من إنس أو جان) وإطلاقه على الإنس على سبيل الاستعارة ولاشتهار هذه الاستعارة قال بعضهم: العفريت من الرجال الخبيث المنكر، وقال ابن عباس: العفريت الداهية، وقال الربيع الغليظ، وقال الفراء: التشديد وصف بكونه من الجن في قوله تعالى {قال عفريت من الجن} [النمل: 39] تمييزًا له. وقيل إن الشيطان أقوى من الجن وإن المردة أقوى من الشياطين وإن العفريت أقوى منهما، وقرأ أبو رجاء العطاردي وأبو السمال بالسين المهملة واللام، ورويت عن أبي بكر الصديق عفرية بكسر العين وسكون الفاء وكسر الراء وفتح التحتية بعدها تاء التأنيث المنقلبة هاء وقفًا، وأنشدوا على ذلك قول ذي الرمة: كأنه كوكب في اثر عفرية ... مسوّم في سواد الليل منقضب وهذا (مثل زبنية) بكسر الزاي وسكون الموحدة وكسر النون وفتح التحتية آخرها هاء تأنيث (جماعتها الزبانية). ولأبي ذر: جماعته زبانية، والزبانية في الأرض اسم أصحاب الشرط مشتق من الزبن وهو الدفع وسمي بذلك الملائكة لدفعهم أهل النار فيها. وقال بعضهم: وأحدها زبانيّ، وقيل

زابن، وقيل زبنيت على مثال عفريت. قال: والعرب لا تكاد تعرف هذا وتجعله من الجمع الذي لا واحد له كأبابيل وعباديد. 3424 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً تَحْمِلُ كُلُّ امْرَأَةٍ فَارِسًا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَلَمْ يَقُلْ، وَلَمْ تَحْمِلْ شَيْئًا إِلاَّ وَاحِدًا سَاقِطًا إِحْدَى شِقَّيْهِ». فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ قَالَهَا لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ». قَالَ شُعَيْبٌ وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: «تِسْعِينَ». وَهْوَ أَصَحُّ. وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء البجلي الكوفي قال: (حدّثنا مغيرة بن عبد الرَّحمن) بن عبد الله الحزاميّ بالحاء المهملة والزاي وليس بالمخزومي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان القرشي (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) - رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (قال سليمان بن داود) عليهما السلام (لأطوفن) أي والله لأطوفن (الليلة على سبعين امرأة) لأجامعهن وفي رواية الحموي والمستملي كما في الفتح لأطيفن بالياء بدل الواو لغتان (تحمل كل امرأة) منهن (فارسًا يجاهد في سبيل الله) عز وجل (فقال له صاحبه): أي الملك قل (إن شاء الله) فنسي (فلم يقل) بلسانه إن شاء الله فطاف بهن (ولم) بالواو في اليونينية وفي فرعها فلم (تحمل) منهن امرأة (شيئًا إلا) واحدة فولدت (واحدًا ساقطًا إحدى) بكسر الهمزة وسكون الحاء، ولأبي ذر والأصيلي: أحد (شقيه) وفي رواية أيوب عن ابن سيرين ولدت شق غلام، وفي رواية هشام عنه نصف إنسان، وحكى النقاش في تفسيره أن الشق المذكور هو الجسد الذي على كرسيه وكلام البيضاوي يشير إلى تصويبه. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لو قالها) أي إن شاء الله (لجاهدوا في سبيل الله) زاد شعيب فرسانًا أجمعون. (قال شعيب): هو ابن أبي حمزة كما ذكره في الأيمان والنذور (وابن أبي الزناد) عبد الرَّحمن بن عبد الله بن ذكوان (تسعين) بتقديم المثناة الفوقية على السين (وهو أصح) من سبعين بتقديم السين على الموحدة. وعند النسائي وابن حبان من طريق هشام بن عروة عن أبي الزناد مائة، وفي التوحيد من رواية أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة ستون امرأة، وفي الجهاد من طريق جعفر بن ربيعة عن الأعرج مائة امرأة أو تسع وتسعون على الشك، وجمع بين ذلك بأن الستين كن حرائر وما زاد على ذلك سراري أو بالعكس أو السبعون للمبالغة، وأما التسعون والمائة فكن دون المائة وفوق التسعين، فمن قال تسعين ألغى الكسر، ومن قال مائة جبره، ومن ثم وقع التردد في رواية جعفر. وعند ابن عساكر من طريق ابن الجوزي عن مقاتل عن أبي الزناد عن أبيه عبد الرَّحمن عن أبي هريرة أن سليمان عليه الصلاة والسلام كان له أربعمائة امرأة وستمائة سرية فقال يومًا: لأطوفن الليلة على ألف امرأة فتحمل كل واحدة منهن بفارس يجاهد في سبيل الله تعالى ولم يستثن فطاف عليهن فلم تحمل منهن إلا امرأة جاءت بشق إنسان الحديث. وعند الحاكم من طريق أبي معشر عن محمد بن كعب قال: بلغنا أنه كان لسليمان ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاثمائة صريحة وسبعمائة سرية. 3425 - حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلُ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ. قُلْتُ: ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَسْجِدُ الأَقْصَى قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ. ثُمَّ قَالَ: حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ فَصَلِّ وَالأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (عمر بن حفص) بضم العين الكوفي قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا إبراهيم التيمي عن أبيه) يزيد بن شريك (عن أبي ذر) الغفاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أوّل)؟ بفتح اللام غير منصرف وبضمها ضمة بناء لقطعها عن الإضافة، وفي باب {واتخذ الله إبراهيم خليلاً} [النساء: 125] أي مسجد وضع في الأرض أول (قال) عليه الصلاة والسلام: (المسجد الحرام) قال أبو ذر (قلت: ثم أي)؟ أي ثم أي مسجد وضع بعد المسجد الحرام (قال) عليه الصلاة والسلام: (ثم المسجد الأقصى) وسقط ثم في الفرع وثبت في أصله قال أبو ذر (قلت) يا رسول الله (كم كان بينهما؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (أربعون) أي سنة (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (حيثما أدركتك الصلاة) أي وقتها وفيه أن إيقاع الصلاة إذا حضرت لا يتوقف على المكان الأفضل (فصلّ والأرض لك مسجد) لا يختص السجود فيها بموضع دون

41 - باب قول الله تعالى: {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله} -إلى قوله- {إن الله لا يحب كل مختال فخور} [لقمان: 12 - 18]. {ولا تصعر}: الإعراض بالوجه.

آخر، وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا "وكان من قبلي إنما يصلون في كنائسهم". 3426 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ تَقَعُ فِي النَّارِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن عبد الرَّحمن) بن هرمز الأعرج أنه (حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (مثلي ومثل الناس) بفتح الميم فيهما أي مثل دعائي الناس إلى الإسلام المنقذ لهم من النار ومثل ما زينت لهم أنفسهم من التمادي على الباطل (كمثل رجل استوقد نارًا) وهي جوهر لطيف مضيء حار محرق (فجعل الفراش) بفتح الفاء دواب مثل البعوض واحدتها فراشة (وهذه الدواب) جمع دابة كالبرغش والبعوض والجندب ونحوها (تقع في النار) خبر جعل لأنها من أفعال المقاربة تعمل عمل كان، والفراشة هي التي تطير وتتهافت في السراج بسبب ضعف بصرها فهي بسبب ذلك تطلب ضوء النهار، فإذا رأت السراج بالليل ظنت أنها في بيت مظلم وأن السراج كوة في البيت المظلم إلى الموضع المضيء ولا تزال تطلب الضوء وترمي بنفسها إلى الكوّة فإذا جاوزتها ورأت الظلام ظنت أنها لم تصب الكوّة ولم تقصدها على السداد فتعود إليها مرة أخرى حتى تحترق. قال الغزالي: ولعلك تظن أن هذا لنقصانها وجهلها فاعلم أن جهل الإنسان أعظم من جهلها بل صورة الإنسان في الإكباب على الشهوات في التهافت فلا يزال يرمي بنفسه فيها إلى أن ينغمس فيها ويهلك هلاكًا مؤبدًا فليت جهل الآدمي كان كجهل الفراش فإنها باغترارها بظاهر الضوء إن احترقت تخلصت في الحال والآدمي يبقى في النار أبد الآباد، ولذلك كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول "إنكم تتهافتون في النار تهافت الفراش وأنا آخذ بحجزكم" وقال تعالى: {يوم يكون الناس كالفراش المبثوث} [القارعة: 4] فشبههم بالفراش في الكثرة والانتشار والضعف والذلة والتطاير إلى الداعي من كل جانب كما يتطاير الفراش. 3427 - «وَقَالَ: كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ صَاحِبَتُهَا إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، وَقَالَتِ الأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ. فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى, فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا. فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لاَ تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، هُوَ ابْنُهَا، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ، وَمَا كُنَّا نَقُولُ إِلاَّ الْمُدْيَةُ». [الحديث 3427 - طرفه في: 6769]. (وقال) أي أبو هريرة فهو موقوف، أو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو مرفوع كما عند الطبراني والنسائي (كانت امرأتان) لم تسميا (معهما ابناهما) لم يسميا أيضًا (جاء الذئب بابن إحداهما فقالت صاحبتها إنما ذهب) الذئب (بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك فتحاكما) كذا في الفرع وللكشميهني كما في الفتح وهي التي في اليونينية فتحاكمتا (إلى داود) عليه الصلاة والسلام (فقضى به) بالولد الباقي (للكبرى) للمرأة الكبرى منهما لكونه كان في يدها وعجزت الأخرى عن إقامة البيّنة (فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه) بالقصة (فقال): قاصدًا استشكاف الأمر (ائتوني بالسكين) بكسر السين (أشقه بينهما. فقالت الصغرى) منهما له: (لا تفعل) ذلك (يرحمك الله هو ابنها فقضى) سليمان (به للصغرى) لما رآه من جزعها الدال على عظيم شفقتها ولم يلتفت إلى إقرارها أنه ابن الكبرى لأنه علم أنها آثرت حياته بخلاف الكبرى. (قال أبو هريرة): بالإسناد السابق (والله إن) بكسر الهمزة وسكون النون كلمة نفي أي ما (سمعت بالسكين إلا يومئذٍ وما كنا نقول إلا المدية) بضم الميم، ويجوز فتحها وكسرها. وقيل للسكين مدية لأنها تقطع مدى حياة الحيوان والسكين لأنها تسكن حركته. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفرائض والنسائي في القضاء. 41 - باب قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} -إِلَى قَوْلِهِ- {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 12 - 18]. {وَلاَ تُصَعِّرْ}: الإِعْرَاضُ بِالْوَجْهِ. (باب قول الله تعالى): وسقط لفظ باب لأبي ذر فقول الله رفع على ما لا يخفى ({ولقد آتينا لقمان الحكمة}) وهو أعجمي منع الصرف للتعريف والعجمة الشخصية أو عربي مشتق من اللفم وهو حينئذٍ مرتجل لأنه لم يسبق له وضع في النكرات ومنعه حينئذٍ للتعريف وزيادة الألف والنون. قال ابن إسحاق لقمان هو ابن باعوراء بن ناحور بن تارح وهو آزر، كان ابن أخت أيوب، وقال الواقدي: كان قاضيًا في بني إسرائيل ولم يكن نبيًا خلافًا لعكرمة واتفق على أنه كان حكيمًا. روي أنه كان نائمًا فنودي. هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض فتحكم بين الناس بالحق؟ فأجاب الصوت وقال: إن خيرني

42 - باب {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية} الآية [يس: 13] {فعززنا}: قال مجاهد: شددنا. وقال ابن عباس: {طائركم} مصائبكم

ربي قبلت العافية ولم أقبل البلاء، وإن عزم عليّ فسمعًا وطاعة فإني أعلم إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني، فقالت الملائكة بصوت لا يراهم: لم يا لقمان؟ قال: لأن الحاكم بأشدّ المنازل وأكدرها يغشاه الظلم من كل مكان، ومن يكون في الدنيا ذليلاً خير من أن يكون شريفًا، فتعجبت الملائكة من حسن منطقه فنام نومة فأعطي الحكمة فانتبه وهو يتكلم بها وكان عبدًا حبشيًّا. والحكمة كما في الأنوار استكمال النفس الإنسانية باقتباس العلوم النظرية واكتساب الملكة التامة على الأفعال الفاضلة على قدر طاقته. ({أن اشكر لله}) [لقمان: 12] أن المفسرة فسر إيتاء الحكمة بقوله أن اشكر لله ثم بين أن الشكر لا ينفع إلا الشاكر (إلى قولها {إن الله لا يحب كل مختال}) في مشيه ({فخور}) [لقمان: 18] على الناس بنفسه، وسقط لأبي ذر (أن اشكر) الخ وقال: إلى قوله: {عظيم} يعني {إن الشرك لظلم عظيم} ولأبي الوقت: {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل} إلى قوله {فخور} [لقمان: 16] الضمير في أنها للخطيئة، وذلك أن ابن لقمان قال لأبيه: يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله تعالى، فقال: {يا بني} الآية. والفاء في فتكن لإفادة الاجتماع يعني إن كانت صغيرة ومع صغرها تكون خفية في موضع حريز كالصخرة لا تخفى على الله لأن الفاء للاتصال بالتعقيب ({ولا تصعر}) بتشديد العين وهي لغة تميم، وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالألف والتخفيف وهي لغة الحجاز وهما بمعنى (الإعراض بالوجه). كما يفعله المتكبرون وسقط لأبي ذر (ولا تصعر) الخ. 3428 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ؟ فَنَزَلَتْ: {لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: لما نزلت) كذا في اليونينية ({الذين آمنوا ولم يلبسوا}) عطف على الصلة فلا محل لها أو الواو للحال والجملة بعدها في موضع نصب على الحال أي آمنوا غير ملبسين أي مخلطين ({إيمانهم بظلم}) بشرك فلم ينافقوا (قال أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أينا لم يلبس إيمانه بظلم)؟ فنزلت ({لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}) [لقمان: 13] لأنه وضع النفس الشريفة المكرمة في عبادة الخسيس فوضع العبادة في غير موضعها وقوله (بظلم) وهو من العام الذي أريد به الخاص وهو الشرك. 3429 - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهْوَ يَعِظُهُ {يَا بُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق) هو ابن راهويه قال: (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي بفتح السين المهملة وكسر الموحدة قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه) أنه (قال: لما نزلت {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم}) [الأنعام: 82] (شق ذلك على المسلمين) لأنهم حملوا الظلم على العموم فيشمل جميع أنواعه لأن قوله بظلم نكرة في سياق النفي (فقالوا: يا رسول الله أينا) وفي بعض النسخ فأينا (لا يظلم نفسه؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (ليس ذلك) كما تظنون (إنما هو الشرك ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه) باران بالموحدة والراء أو أنعم (وهو يعظه) جملة حالية ({يا بني لا تشرك بالله}) قيل كان كافرًا فلم يزل به حتى أسلم ({إن الشرك لظلم عظيم}) [لقمان: 13] وليس الإيمان أن تصدق بوجود الصانع الحكيم وتخلط بهذا التصديق الإشراك. 42 - باب {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} الآيَةَ [يس: 13] {فَعَزَّزْنَا}: قَالَ مُجَاهِدٌ: شَدَّدْنَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {طَائِرُكُمْ} مَصَائِبُكُمْ هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية} الآية) والقرية إنطاكية أي: ومثل لهم من قولهم هذه الأشياء على ضرب واحد أي مثال واحد وهو يتعدى إلى مفعولين لتضمنه معنى الجعل وهما مثلاً أصحاب القرية على حذف مضاف أي اجعل لهم مثل أصحاب القرية مثلاً فترك المثل وأقيم أصحاب مقامه في الإعراب {إذ جاءها المرسلون} أي رسل عيسى وقوله {إذ أرسلنا إليهم اثنين} [يس: 13 - 14] قال: وهب: يحنا وبولس وقيل غيرهما وقوله فكذبوهما ({فعزّزنا} [يس: 14] (قال مجاهد) فيما وصله الفريابي أي (شددنا) بتشديد الدال الأولى قوينا بثالث وهو شمعون وقال كعب: الرسولان صادق وصدوق والثالث شلوم. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم

43 - باب قول الله تعالى: {ذكر رحمة ربك عبده زكرياء * إذ نادى ربه نداء خفيا * قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا} -إلى قوله- {لم نجعل له من قبل سميا} [مريم: 3 - 7]. قال ابن عباس: مثلا. يقال {رضيا}: مرضيا. {عتيا}: عصيا، عتا يعتو. {قال رب أنى يكون لي غلام} -إلى قوله- {ثلاث ليال سويا} ويقال صحيحا {فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا}. {فأوحى}: فأشار {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} -إلى قوله- {ويوم يبعث حيا}. {حفيا}: لطيفا. {عاقرا}: الذكر والأنثى سواء.

({طائركم}) [يس: 19] أي (مصائبكم). ولم يذكر المؤلّف حديثًا مرفوعًا هنا، وعلى الباب وتاليه الخ علامة السقوط فقط في الفرع وأصله من غير عزو. 43 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّاءَ * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} -إِلَى قَوْلِهِ- {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم: 3 - 7]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِثْلاً. يُقَالُ {رَضِيًّا}: مَرْضِيًّا. {عُتِيًّا}: عَصِيًّا، عَتَا يَعْتُو. {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ} -إِلَى قَوْلِهِ- {ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} وَيُقَالُ صَحِيحًا {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}. {فَأَوْحَى}: فَأَشَارَ {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} -إِلَى قَوْلِهِ- {وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا}. {حَفِيًّا}: لَطِيفًا. {عَاقِرًا}: الذَّكَرُ وَالأُنْثَى سَوَاءٌ. (باب قول الله تعالى: {ذكر رحمة ربك}) خبر سابقه أن أوّل بالسورة أو القرآن فإنه مشتمل عليه أو خبر محذوف أي هذا المتلو ذكر رحمة ربك ({عبده}) مفعول الرحمة أو الذكر على أن الرحمة فاعله على الاتساع ({زكريا}) بدل منه أو عطف بيان له ({إذ نادى ربه نداء خفيًّا}) قال في الكشاف: لأن الجهر والإخفاء عند الله سيان فكان الإخفاء أولى لأنه أبعد من الرياء، وأدخل في الإخلاص. وعن الحسن نداء لا رياء فيه. قال في فتوح الغيب: فيكون الإخفاء ملزومًا للإخلاص الذي هو عدم الرياء لأن الإخفاء أبعد من الرياء ولما عبر عن عدم الرياء بالخفاء علم أن لا اعتبار للظاهر وأن الأمر يدور على الإخلاص حتى أنه لو نادى جهرًا بلا رياء دخل أو نادى سرًا بلا إخلاص خرج منه، وقيل إنما نادى خفيًا لئلا يلام على طلب الولد في إبان الكبر أو لأن ضعف الهرم أخفى صوته واختل في سنه فقيل ستون وخمس وستون وسبعون وخمس وسبعون وخمس وثمانون، ثم فسر النداء بقوله: ({قال رب إني وهن العظم مني}) ضعف بدني، وإنما كنى عنه بقوله (وهن العظم مني) وخص العظم بالذكر لأنه كالأساس للبدن وكالعمود للبيت، وإذا وقع الخلل في الأس وسقط العمود تداعى الخلل في البناء وسقط البيت، فالكناية مبنية على التشبيه أو أن العظم أصلب ما في الإنسان فيلزم من وهنه وهن جميع الأعضاء بالطريق الأولى فالكناية غير مسبوقة بالتشبيه قاله الطيبي. ({واشتعل الرأس شيبًا}) [مريم: 2 - 3 - 4] شبه الشيب في بياضه وإنارته بشواظ النار وانتشاره وفشوّه في الشعر باشتعالها ثم أخرجه مخرج الاستعارة ثم أسند الاشتعال إلى الرأس الذي هو محل الشيب مبالغة وجعله تمييزًا إيضاحًا للمقصود (إلى قوله {لم نجعل له من قبل سميًا}) [مريم: 7] وسقط قوله إذ نادى إلى آخر قوله شيبًا لأبي ذر. (قال ابن عباس): فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق أبي طلحة أي (مثلاً) أو شبهًا لأنه لم يهم بمعصية قط ولأنه كان سيدًا وحصورًا وعنه أيضًا عنده من طريق عكرمة قال لم يسم باسم يحيى قبله غيره، وأخرجه الحاكم في المستدرك فيه فضيلة ليحيى إذ تولى الله تعالى تسميته باسم لم يسبق إليه ولم يكل ذلك إلى أبويه (يقالا {رضيا}) في قوله تعالى {واجعله رب رضيا} [مريم: 6] أي (مرضيّا) أي ترضاه أنت وعبادك. ({عتيًا}) [مريم: 8] في قوله تعالى: {وقد بلغت من الكبر عتيًا} عصيا) بفتح العين وكسر الصاد المهملتين قالوا، والصواب بالسين. وروى الطبراني بإسناد صحيح عن ابن عباس قال: ما أدري أكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ عتيًا أو عسيًا. يقال عتا الشيخ يعتو عتيًا، وعسا يعسو عسيًا إذا انتهى سنه وكبر وشيخ عات وعاس إذا صار إلى حالة اليبس والجفاف (عتا) كذا ولأبي ذر وأبي الوقت وهو ساقط لغيرهما (يعتو). مثل غزا يغزو فهو واوي. ({قال رب أنّى}) من أين ({يكون}) أو كيف يكون {لي غلام وكانت امرأتي عاقرًا} لا تلد {وقد بلغت من الكبر عتيًا} (إلى قوله {ثلاث ليال سويًّا}) [مريم: 10] أي متتابعات (ويقال صحيحًا) ما بك من خرس ولا بكم، وهذا أصح لأنه لم يقدر أن يتكلم مع الناس إلا بذكر الله وإنما ذكر الليالي هنا والأيام في آل عمران للدلالة على أنه استمر عليه المنع ثلاثة أيام ولياليهن وسقط قوله: {وكانت امرأتي) إلى آخر (عتيًّا) لغير أبي ذر ({فخرج}) زكريا ({على قومه من المحراب}) من المصلّى ({فأوحى إليهم أن سبحوا}) صلوا ونزهوا ربكم ({بكرة وعشيًّا}) [مريم: 11] طرفي النهار. وقوله: ({فأوحى}) أي (فأشار}) ببعض الجوارح بعين أو حاجب أو يد، وقيل كانت بالمسبحة لقوله إلا رمزًا وقيل كتب لهم على الأرض ({يا يحيى}) فيه حذف تقديره ووهبنا له يحيى وقلنا له يا يحيى ({خذ الكتاب}) هو التوراة ({بقوّة}) بجدّ (إلى قوله {ويوم يبعث حيًّا}) قال الطيبي: وسلام معطوف من حيث المعنى على قوله {وآتيناه الحكم صبيًا} وجعلناه برًّا بوالديه، وسلمناه في تلك المواطن الموحشة فعدل إلى الجملة الاسمية لإرادة الثبات والدوام وهي

44 - باب قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا} [مريم: 16]. {إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة} [آل عمران: 45]. {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} -إلى قوله- {يرزق من يشاء بغير حساب} [آل عمران: 33]. قال ابن عباس: {وآل عمران}. المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد -صلى الله عليه وسلم-. يقول: {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه} [آل عمران: 68] وهم المؤمنون، ويقال: {آل يعقوب} أهل يعقوب. فإذا صغروا "آل" ثم ردوه إلى الأصل قالوا: أهيل.

كالخاتمة وهي كالخاتمة للكلام السابق. ({حفيا}) في قوله تعالى عن إبراهيم {إنه كان بي حفيًّا} [مريم: 47] أي (لطيفًا) وقال في الأنوار أي بليغًا في البر والإلطاف ({عاقرًا} الذكر والأنثى سواء). فيقال للرجل الذي لا يولد له عاقر كالمرأة التي لا تلد. 3430 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ: «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ: ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا يَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا خَالَةٍ. قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى، فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّا، ثُمَّ قَالاَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ». وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وبعد الدال المهملة الساكنة موحدة مفتوحة ابن الأسود القيسي قال: (حدّثنا همام بن يحيى) بن دينار العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر الذال المعجمة قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة) الأنصاري (أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حدثهم عن ليلة أسري به) ثبت به لأبي ذرّ، والحديث المسوق بتمامه بنحوه في باب ذكر الملائكة إلى أن قال: (ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح قيل من هذا؟ قال: جبريل قال: ومن معك؟ قال: محمد قيل وقد أرسل إليه) للعروج به (قال) جبريل: (نعم فلما خلصت) من الصعود إلى السماء الثانية ووصلت إليها (فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة) وكان اسم أم مريم حنة بمهملة ونون مشدّدة بنت فاقود واسم أختها والدة يحيى إيشاع، وعند ابن أبي حاتم من طريق عبد الرَّحمن بن القاسم سمعت مالك بن أنس يقول: بلغني أن عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا كان حملهما جميعًا فبلغني أن أم يحيى قالت لمريم إني أرى ما في بطني يسجد لما في بطنك. قال مالك: أراه لفضل عيسى على يحيى (قال) جبريل (هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلمت) عليهما (فردا) علي السلام (ثم قالا) لي: (مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح) أي أصبت رحبًا لا ضيقًا والصلاح اسم جامع لسائر الخلال المحمودة. 44 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا} [مريم: 16]. {إِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ} [آل عمران: 45]. {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} -إِلَى قَوْلِهِ- {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 33]. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَآلُ عِمْرَانَ}. الْمُؤْمِنُونَ مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ وَآلِ عِمْرَانَ وَآلِ يَاسِينَ وَآلِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. يَقُولُ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ} [آل عمران: 68] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَيُقَالُ: {آلُ يَعْقُوبَ} أَهْلُ يَعْقُوبَ. فَإِذَا صَغَّرُوا "آلَ" ثُمَّ رَدُّوهُ إِلَى الأَصْلِ قَالُوا: أُهَيْلٌ. (باب قول الله تعالى): سقط التبويب لأبي ذر وقال قول بالرفع ({واذكر في الكتاب}) في القرآن ({مريم}) أي قصة مريم ({إذ انتبذت}) إذ اعتزلت ({من أهلها مكانًا شرقيًا}) [مريم: 16] في شرقي بيت المقدس أو شرقي دارها ({إذ}) ولأبي ذر وإذ ({قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة}) [آل عمران: 45] عيسى لوجوده بها وذلك قوله كن وهو من إطلاق السبب على المسبب ({إن الله اصطفى آدم ونوحًا}) اسم أعجمي لا اشتقاق له عند المحققين وهو منصرف وإن كان فيه العلمية والمعجمة خفة بنائه لكونه ثلاثيًا ساكن الوسط ({وآل إبراهيم}) إسماعيل إسحاق وأولادهما ومحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من آل إبراهيم ({وآل عمران}). موسى وهارون ابني عمران يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم فالمراد موسى وهارون وأتباعهما من الأنبياء أو المراد عمران بن قامان والد مريم وكان من نسل سليمان بن داود عليهما السلام قالوا وكان بين العمرانين ألف وثمانمائة سنة ({على العالمين}) [آل عمران: 33] متعلق باصطفى، واستدلّ القائلون بأن البشر أفضل من الملائكة بهذه الآية. (إلى قوله) تعالى ({يرزق من يشاء بغير حساب}) [آل عمران: 37] أي بغير تقدير لكثرته أو بغير استحقاق فضلاً منه. (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله ابن أبي حاتم: ({وآل عمران}) كآل إبراهيم عام أريد به الخصوص فالمراد المؤمنون من آل إبراهيم (المؤمنون من آل إبراهيم و) المؤمنون من (آل عمران و) المؤمنون من (آل ياسين) في قوله تعالى: (وإن الياس و) المؤمنون من (آل محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) أي ابن عباس ({إن أولى الناس بإبراهيم الذين اتبعوه}) [آل عمران: 68] (وهم المؤمنون) فمن خالفه ليس من آله (ويقال {آل يعقوب}) أصله (أهل يعقوب) فقلبت الهاء همزة (فإذا) ولأبوي الوقت وذر إذا (صغروا آل ثم ردوه إلى الأصل) لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصلها (قالوا: أهيل). وسقط لأبو ذر والوقت لفظ: ثم. 3431 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: مَا مِنْ بَنِي آدَمَ مَوْلُودٌ إِلاَّ يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ حِينَ يُولَدُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ، غَيْرَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا. ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36}. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: حدثني) بالإفراد (سعيد بن المسيب قال: قال أبو هريرة -رضي الله عنه- سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد) وفي باب صفة إبليس كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد (فيستهل

45 - باب {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين * يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين * ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون} [آل عمران: 42] يقال: {يكفل}: يضم. كفلها: ضمها، مخففة, ليس من كفالة الديون وشبهها.

صارخًا) نصب على المصدر كقولك فم قيامًا (من مس الشيطان) وهذا ابتداء تسليطه (غير مريم وابنها) عيسى صلوات الله وسلامه عليه زاد في باب صفة إبليس ذهب يطعن فطعن في الحجاب أي المشيمة التي فيها الولد قال القرطبي فحفظ الله تعالى مريم وابنها منه ببركة دعوة أمها حنة كما أشير إلى ذلك بقوله (ثم يقول أبو هريرة) مما هو موقوف عليه ({وإني أعيذها بك وذريتها}) ولم يكن لها ذرية غير عيسى ({من الشيطان الرجيم}) [آل عمران: 36] المطرود. وهذا الحديث أخرج نحوه في باب صفة إبليس وأخرجه مسلم أيضًا. 45 - باب {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ * ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 42] يُقَالُ: {يَكْفُلُ}: يَضُمُّ. كَفَلَهَا: ضَمَّهَا، مُخَفَّفَةً, لَيْسَ مِنْ كَفَالَةِ الدُّيُونِ وَشِبْهِهَا. هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة وهو كالفصل من سابقه ({وإذ قالت الملائكة}) جبريل وحده لدلالة ما في سورة مريم على أن المتكلم معها جبريل حيث قال الله: {فأرسلنا إليها روحنا} [مريم: 17] ({يا مريم إن الله اصطفاك}) بأن قبلك للنذيرة ولم يقبل أنثى غيرك وتفريغك للعبادة وإغنائك برزق الجنة عن الكسب ({وطهّرك}) مما يستقذر من النساء ({واصطفاك}) بالهداية وإرسال جبريل إليك وتخصيصك بالكرامات السنية كالولد من غير أب وتبرئتك مما قذفتك اليهود بإنطاق الطفل ({على نساء العالمين}) وقد دلت هذه الآية على أنها أفضل من سائر النساء ({يا مريم اقنتي لربك}) اعبديه {واسجدي} صلي، وتسمية الشيء بأشرف أجزائه مجاز مشهور ({واركعي مع الراكعين}) لم يقل مع الراكعات لأن الاقتداء بالرجل حال الاختفاء من الرجال أفضل من الاقتداء بالنساء، وقدم السجود على الركوع إما لكونه كذلك في شريعتهم أو أن الواو لا تقتضي ترتيبًا ({ذلك}) مبتدأ أي ما ذكر من القصص خبره ({من أنباء الغيب}) وجملة ({نوحيه إليك}) مستأنفة والضمير في نوحيه إليك عائد على الغيب أي الأمر والشأن أنا نوحي إليك الغيب ونعلمك به ونظهرك على قصص من تقدمك مع عدم مدارستك لأهل العلم والإخبار، ولذلك أتى بالمضارع في نوحيه ({وما كنت لديهم}) بحضرتهم ({إذ يلقون أقلامهم}) أي سهامهم للاقتراع أو أقلامهم التي كانوا يكتبون بها التوراة تبركًا ينظرون أو يقولون ({أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون}) [آل عمران: 42 - 43 - 44] تنافسًا في كفالتها إما لأن أباها عمران كان رئيسًا لهم، أو لأن أمها حررتها لعبادة الله تعالى ولخدمة بيته، وسقط لأبي ذر من قوله {وطهرك} إلى آخر قوله {أقلامهم} وقال بعد (اصطفاك) الآية إلى قوله (أيهم). (يقال: {يكفل}) أي (يضم كفلها) أي (ضمها) زكريا إلى نفسه حال كون كفلها (مخففة) وهي قراءة نافع وأبي عمرو وابن كثير وابن عامر، وقراءة الكوفيين بالتشديد أي كفلها الله تعالى ولا مخالفة بين القراءتين لأن الله تعالى لما كفلها إياه كفلها (ليس من كفالة الدّيون) بالجمع وفي نسخة الدين (وشبهها). قال في اللباب: الكفالة الضمان في الأصل ثم يستعار للضم والأخذ يقال منه كفل يكفل وكفل كعلم يعلم كفالة، وكفلاً فهو كافل وكفيل والكافل هو الذي ينفق على إنسان ويهتم بإصلاح حاله. 3432 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا النَّضْرُ عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا -رضي الله عنه- يَقُولُ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ». [الحديث 3432 - طرفه في: 3815]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أحمد بن أبي رجاء) بالجيم عبد الله بن أيوب الحنفي الهروي قال: (حدّثنا النضر) بالضاد المعجمة ابن شميل (عن هشام) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (قال: سمعت عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب (قال: سمعت عليًا -رضي الله عنه- يقول: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (خير نسائها) أي خير نساء أهل الدنيا في زمانها (مريم ابنة عمران) وليس المراد أن مريم خير نسائها لأنه يصير كقولهم: يوسف أحسن إخوته، وقد صرحوا بمنعه لأن أفعل التفضيل إذ أضيف وقصد به الزيادة على من أضيف له اشترط أن يكون منهم مثل: زيد أفضل الناس فإن لم يكن منهم فلا يجوز كما في يوسف أحسن إخوته لخروجه عنهم بإضافتهم إليه. وقال الزركشي: في قوله هنا خير فيه وجهان. أحدهما: أن يجعل خير بمعنى الخير لا على جهة التفضيل، وثانيهما: وهو الأصح أن الضمير راجع إلى الدنيا كما في زيد أفضل أهل الدنيا، ويجوز

46 - باب قوله تعالى: {إذ قالت الملائكة يا مريم} -إلى قوله- {فإنما يقول له كن فيكون} [آل عمران: 45 - 48]. {يبشرك}: ويبشرك واحد. {وجيها}: شريفا. وقال إبراهيم المسيح: الصديق. وقال مجاهد الكهل: الحليم. والأكمه: من يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل. وقال غيره: من يولد أعمى.

أن يكون على تقدير مضاف محذوف أي خير نساء زمانها مريم فيعود الضمير على مريم، وإنما جاز أن يرجع الضمير للدنيا وإن لم يجر لها ذكر لأنه يفسره الحال والمشاهدة. وقد رواه النسائي من حديث ابن عباس بلفظ: أفضل نساء أهل الجنة، وحينئذٍ فالمعنى خير نساء أهل الجنة مريم، وفي رواية خير نساء العالمين وهو كقوله تعالى: {واصطفاك على نساء العالمين} [آل عمران: 42] وظاهره: أنها أفضل من جميع النساء، وقول من قال على عالمي زمانها ترك للظاهر. قال القرطبي: خص الله تعالى مريم بما لم يؤته أحدًا من النساء، وذلك أن روح القدس كلمها وطهرها ونفخ في درعها، وليس هذا لأحد من النساء وصدقت بكلمات ربها ولم تسأل آية عندما بشرت كما سأل زكريا عليه الصلاة والسلام عن الآية، ولذلك سماها الله تعالى صديقة فقال: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} [التحريم: 12] فشهد لها بالصديقية والتصديق والقنوت، ويحتمل أن يكون المراد كما قال الكرماني نساء بني إسرائيل أو من فيه مضمرة كما قال القاضي عياض: (وخير نسائها) أي هذه الأمة (خديجة) أم المؤمنين. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضل خديجة ومسلم في الفضائل والترمذي والنسائي في المناقب. 46 - باب قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ} -إِلَى قَوْلِهِ- {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 45 - 48]. {يُبَشِّرُكِ}: وَيَبْشُرُكِ وَاحِدٌ. {وَجِيهًا}: شَرِيفًا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْمَسِيحُ: الصِّدِّيقُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْكَهْلُ: الْحَلِيمُ. وَالأَكْمَهُ: مَنْ يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ وَلاَ يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَنْ يُولَدُ أَعْمَى. (باب قول الله تعالى): سقط التبويب لأبي ذر فقول رفع وهو واضح ({إذ قالت الملائكة}) جبريل {يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه} [آل عمران: 45] هو عيسى لوجوده بها وهو قول كن فهو من باب إطلاق السبب على المسبب {اسمه المسيح} مبتدأ أو خبر {عيسى} بدل أو عطف بيان {ابن مريم} صفة لعيسى على أن عيسى خبر مبتدأ محذوف، وإنما قيل ابن مريم والخطاب لها تنبيهًا على أنه يولد من غير أب إذ الأولاد تنسب إلى الآباء ولا تنسب إلى الأم إلا إذا فقد الأب (إلى قوله) تعالى: {كن فيكون} عقب الأمر من غير مهلة، وثبت قولها {إن الله يبشرك} إلى آخر (فيكون) لأبي ذر، وقال غيره بعد ({يا مريم}) إلى قوله ({فإنما يقول له كن فيكون}) [مريم: 35] ({يبشرك}) مشددة (وبشرك) مخففة (واحد) في المعنى والثاني قراءة حمزة والكسائي والآخر قراءة الباقين. ({وجيهًا}) أي (شريفًا) في الدنيا بالنبوة وفي الآخرة بالشفاعة. (وقال إبراهيم) النخعي فيما وصله سفيان الثوري في تفسيره: (المسيح الصدّيق) بكسر الصاد والدال المهملتين المشددتين، وقال غيره هو فعيل بمعنى فاعل فحوّل مبالغة فقيل لأنه يمسح الأرض بالسياحة أي يقطعها، وقيل لأنه يمسح ذا العاهة فيبرأ، وقيل بمعنى مفعول لأنه مسح بالبركة واللام فيه للغلبة. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي (الكهل) في قوله تعالى {ويكلم الناس في المهد وكهلاً} [آل عمران: 46] هو (الحليم) باللام وهذا فيه شيء، فقد قال أبو جعفر النحاس: إنه لا يعرف في اللغة. وقال في اللباب: الكهل من بلغ سن الكهولة، وأوّلها ثلاثون أو اثنتان وثلاثون أو ثلاث وثلاثون أو أربعون وآخرها خمسون أو ستون، ثم يدخل في سن الشيخوخة، فلعل مجاهدًا فسّره بلازمه الغالب لأن الكهل غالبًا يكون فيه وقار وسكينة، وهل كهلاً نسق على وجيهًا أو حال من الضمير في يكلم أي يكلمهم حال كونه طفلاً وكهلاً كلام الأنبياء من غير تفاوت؟ قال في الفتح: وعلى الأول يتجه تفسير مجاهد. (والأكمه) في قوله {وأبرئ الأكمه} [آل عمران: 49] (من يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي وهو قول شاذ، والمعروف أن ذلك هو الأعشى. (وقال غيره): غير مجاهد الأكمه (من يولد أعمى) وهذا قول الجمهور، وقال ابن عباس: من ولد مطموس العين، وقال عكرمة: الأعمش. 3433 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ. كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) المرادي الأعمى أنه (قال: سمعت مرة) بن شراحيل (الهمداني) بفتح الهاء وسكون الميم وبالدال المهملة الكوفي (يحدث عن أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (فضل عائشة) بنت الصديق (على النساء) أي نساء هذه الأمة (كفضل الثريد) بالمثلثة (على سائر الطعام) لأنه أفضل طعام العرب لنفعه والشبع منه وسهولة مساغه والالتذاذ

47 - باب قوله: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا} [النساء: 171].

به وتيسر تناوله (كمل) بفتح الميم وتضم وتكسر (من الرجال كثير ولم يكمل) بضم الميم (من النساء إلا مريم بنت عمران) أم عيسى (وآسية امرأة فرعون) احتج القائلون بنبوتهما بالحصر في قوله: ولم يكمل من النساء إلا مريم وآسية في كلام سبق في باب قول الله تعالى: {وضرب الله مثلاً للذين آمنوا} واحتج المانعون بقوله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً}. وأجاب المجوزون بأنه لا حجة فيه لأن المدعي النبوّة لا الرسالة. 3434 - وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «نِسَاءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ: أَحْنَاهُ عَلَى طِفْلٍ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ». يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ: وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيرًا قَطُّ. تَابَعَهُ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَإِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ. [الحديث 3434 - طرفاه في: 5082، 5365]. (وقال ابن وهب) عبد الله المصري فيما وصله مسلم (أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: حدثني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (نساء قريش) مبتدأ خبره (خير نساء ركبن الإبل) كناية عن نساء العرب (أحناه على طفل) أي أحنى هذا الجنس يعني أشفقه على ولد بحسن التربية وغيرها، والأصل أن يقول: أحناهن، لكن قالوا: إن العرب لا تتكلم في مثله إلا مفردًا (وأرعاه على زوج في ذات يده) أي في ماله المضاف إليه بالأمانة وحسن التدبير في النفقة وغيرها. (يقول أبو هريرة على إثر ذلك): بكسر الهمزة وسكون المثلثة أي عقبه (ولم تركب مريم بنت عمران بعيرًا قط) فلم تدخل في الموصوفات بركوب الإبل فهي أفضل النساء مطلقًا. (تابعه) أي تابع يونس الإيلي (ابن أخي بالزهري) محمد بن عبد الله بن مسلم المدني فيما وصله ابن عدي في كامله (وإسحاق) بن يحيى (الكلبي) فيما وصله الذهلي في الزهريات (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب. 47 - باب قَوْلُهُ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [النساء: 171]. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: {كَلِمَتُهُ} كُنْ فَكَانَ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {وَرُوحٌ مِنْهُ}: أَحْيَاهُ فَجَعَلَهُ رُوحًا {وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ}. (باب قوله عز وجل): وفي نسخة: باب قوله تعالى: ({يا أهل الكتاب}) قال القاضي عياض: وقع في رواية الأصيلي هنا (قل يا أهل الكتاب) ولغيره بحذف (قل) وهو الصواب أي في هذه الآية. نعم ثبت في آية المائدة {قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق} [المائدة: 77] والمراد هنا آية النساء ({لا تغلوا في دينكم}) الخطاب للنصارى أي لا تجاوزوا الحد في تعظيم المسيح، وذلك أن الملكانية اتخذوه إلهًا، واليعقوبية يقولون: إنه ابن الله، والمرقوسية يقولون: ثالث ثلاثة أو الخطاب مع الفريقين، وذلك أن اليهود بالغوا في الحط حتى قالوا: إنه غير رشيد وذلك في الدين حرام ({ولا تقولوا على الله إلاّ الحق}) استثناء مفرغ فالنصب على المفعولية لتضمنه معنى القول نحو: قلت خطبة أو نعت مصدر محذوف أي إلا القول الحق. أي نزهوه عن الصاحبة والولد والشريك والحلول والاتحاد ({إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم}) أوصلها إليها، المسيح مبتدأ وعيسى بدل منه أو عطف بيان وابن مريم صفة ورسول الله خبر المبتدأ وكلمته عطفًا عليه، وألقاها جملة في موضع الحال من الضمير المستتر في كلمته العائد على عيسى ({وروح منه}) أي وذو روح صدرت منه بأمره لجبريل أن ينفخ في درع مريم فحملت به، أو لأنه كان يحيي الأموات أو القلوب ({فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة}) خبر مبتدأ مضمر أي لا تقولوا آلهتنا ثلاثة، والجملة في موضع نصب بالقول: {انتهوا} عن التثليث ({خيرًا لكم}) ثم أكد التوحيد بقوله: ({إنما الله إله واحد}) بالذات لا تعدد فيه بوجه ما ثم نزه نفسه عن الولد بقوله: ({سبحانه أن يكون له ولد}) وتقديره من أن يكون أي نزهوه من أن يكون له ولد فإنه يكون لمن يعادله مثل ويتطرق إليه فناء ({له ما في السماوات وما في الأرض}) ملكًا وخلقًا وعيسى ومريم في جملة ذلك ({وكفى بالله وكيلاً}) كافيًا في تدبير المخلوقات وحفظ المحدثات لا يحتاج معه إلى آخر يعينه مستغنيًا عمن يخلفه من ولد أو غيره، وسقط قوله: {ولا تقولوا} الخ لأبي ذر وقال بعد قوله {في دينكم} إلى {وكيلاً}. (قال أبو عبيد) القاسم بن سلام ({كلمته}) في قوله تعالى: {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته} [النساء: 171] هي قوله جل وعلا: (كن فكان) من غير واسطة أب ولا نطفة. (وقال غيره): غير أبي عبيد القاسم ({وروح منه}) [النساء: 171] أي (أحياه فجعله روحًا) وهذا قول أبي عبيدة معمر بن المثنى وسبق قريبًا غيره {ولا تقولوا ثلاثة} [النساء: 171] أي

48 - باب قول الله: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها} [مريم: 16]. نبذناه: ألقيناه. اعتزلت شرقيا: مما يلي الشرق: فأجاءها: أفعلت من جئت، ويقال ألجأها: اضطرها. تساقط: تسقط. قصيا: قاصيا. فريا: عظيما. قال ابن عباس نسيا: لم أكن شيئا. وقال غيره النسي: الحقير. وقال أبو وائل: علمت مريم أن التقي ذو نهية حين قالت: {إن كنت تقيا}. قال وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء {سريا}: نهر صغير بالسريانية.

آلهة ثلاثة الله والمسيح ومريم ويشهد له قوله تعالى: {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إليهن من دون الله} [المائدة: 116] أو أنهم يقولون إن الله جوهر واحد وله ثلاثة أقانيم فيجعلون كل أقنوم إلهًا، ويعنون بالأقانيم الوجود والحياة والعلم، وربما يعنون بالأقانيم الأب وابن وروح القدس، ويريدون بالأب الوجود، وبالروح الحياة، وبالمسيح العلم، أو الأب الذات والابن العلم والروح الحياة في كلام لهم فيه تخبيط، ومحصله يؤول إلى التمسك بأن عيسى إليه كان يجري الله تعالى على يديه من الخوارق وقالوا: قد علمنا خروج هذه الأمور عن مقدور البشر، فينبغي أن يكون المقتدر عليها موصوفًا بالإلهية فيقال لهم: لو كان ذلك من مقدوراته وكان مستقلاً به كان تخليصه من أعدائه من مقدوراته وليس كذلك، فإن اعترفوا بذلك سقط استدلالهم وإن لم يسلموا فلا حجة لهم أيضًا لأنهم معارضون بخوارق العادات الجارية على أيدي غيره من الأنبياء كفلق البحر وقلب العصا حيّة لموسى. وبه قال: 3435 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ عُبَادَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ». (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (الوليد) بن مسلم الدمشقي (عن الأوزاعي) عبد الرَّحمن أنه قال: (حدثني) بالإفراد (عمير بن هانئ) بضم العين وفتح الميم مصغرًا وهانئ مهموز العنسي بعين وسين مهملتين بينهما نون ساكنة الدمشقي الداراني (قال: حدثني) بالإفراد أيضًا (جنادة بن أمية) بضم الجيم وتخفيف النون الأزدي (عن عبادة) بن الصامت (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله) زاد ابن المديني وابن أمته (ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) ذكر عيسى تعريضًا بالنصارى وإيذانًا بأن إيمانهم مع القول بالتثليث شرك محض لا يخلصهم من النار وأنه رسوله تعريضًا باليهود في إنكارهم رسالته وانتمائهم إلى ما لا يحل من قذفه وقذف أمه وأنه ابن أمته تعريضًا بالنصارى أيضًا وتقريرًا لعبديته أي هو عبد الله وابن أمته، فكيف ينسبونه إلى الله عز وجل بالنبوة (والجنة) كذا (حق والنار) كذا (حق) أخبر عنهما بالمصدر مبالغة في الحقية، وأنهما عين الحق كزيد عدل تعريضًا بمنكري داري الثواب والعقاب (أدخله الله الجنة على ما كان من العمل). فيه أن عصاة أهل القبلة لا يخلدون في النار لعموم قوله: مَن شهد أن لا إله لا الله وأنه تعالى يعفو عن السيئات قبل التوبة واستيفاء العقوبة، لأن قوله على ما كان من العمل حال من قوله أدخله الله الجنة، ولا ريب أن العمل غير حاصل حينئذٍ بل الحاصل حال إدخاله استحقاق ما يناسب عمله من الثواب والعقاب لا يقال إن ما ذكر يستدعي أن لا يدخل أحد من العصاة لأن اللازم منه عموم العفو وهو لا يستلزم عدم دخول النار لجواز أن يعفو عن بعضهم بعد الدخول وقبل استيفاء العذاب. "وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر". وحديث الباب أخرجه مسلم في الإيمان والنسائي في التفسير وفي اليوم والليلة. وقال الطيبي: التعريف في العمل للعهد والإشارة به إلى الكبائر يدل له نحو قوله "وإن زنى وإن سرق" في حديث أبي ذر، وقوله: على ما كان حال، والمعنى من شهد أن لا إله إلا الله يدخل الجنة في حال استحقاقه العذاب بموجب أعماله من الكبائر أي حال هذا مخالف للقياس في دخول الجنة، فإن القياس يقتضي أن لا يدخل الجنة من شأنه هذا كما زعمت المعتزلة: وإلى هذا المعنى ذهب أبو ذر في قوله "وإن زنى وإن سرق"؟ وردّ بقوله (قال الوليد): هو ابن مسلم بالإسناد السابق (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: وحدّثني (ابن جابر) هو عبد الرَّحمن بن يزيد بن جابر الأزدي (عن عمير) هو ابن هانئ (عن جنادة) هو ابن أبي أمية بالحديث السابق عن عبادة (وزاد) بعد قوله أدخله الله الجنة على ما كان من العمل (من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء). بنصب أيّ وجره الداخل أو شاء الله تعالى من الباب المعدّ لذلك العمل. 48 - باب قولِ اللهِ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} [مريم: 16]. نَبَذْنَاهُ: أَلْقَيْنَاهُ. اعْتَزَلَتْ شَرْقِيًّا: مِمَّا يَلِي الشَّرْقَ: فَأَجَاءَهَا: أَفْعَلْتُ مِنْ جِئْتُ، وَيُقَالُ أَلْجَأَهَا: اضْطَرَّهَا. تَسَّاقَطْ: تَسْقُطْ. قَصِيًّا: قَاصِيًا. فَرِيًّا: عَظِيمًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نِسْيًا: لَمْ أَكُنْ شَيْئًا. وَقَالَ غَيْرُهُ النِّسْيُّ: الْحَقِيرُ. وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ: عَلِمَتْ مَرْيَمُ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ حِينَ قَالَتْ: {إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا}. قَالَ وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ {سَرِيًّا}: نَهَرٌ صَغِيرٌ بِالسُّرْيَانِيَّةِ. هذا (باب) بالتنوين ({واذكر}) ولأبي ذر: باب قول الله تعالى

واذكر ({في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها}) [مريم: 16] قال ابن عباس فيما وصله الطبري في قوله تعالى: {فنبذناه} [الصافات: 145] في قصة يونس أي (ألقيناه) بالقاف (اعتزلت) {شرقيًّا}، قال أبو عبيدة: (مما يلي الشرق) من بيت المقدس أو من دارها للعبادة لا يقال هذا تكرار، فقد سبق باب في قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم} لأن هذا الباب معقود لأخبار عيسى والسابق لأخبار أمه مريم (فأجاءها} المخاض من (أفعلت من جئت) أي من مزيد جاء تقول جئت إذا أخبرت عن نفسك ثم إذا أردت تعدي به إلى غيرك تقول: أجأت زيدًا فالضمير هنا يرجع إلى مريم وفاعل أجاء المخاض (ويقال: ألجأها) أي (اضطرها) المخاض وهو الطلق إلى جذع النخلة وكانت يابسة. قال في الكشاف: أجاء منقول من جاء إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء. {تساقط} [مريم: 25] بتشديد السين أصله تتساقط فأدغمت التاء الثانية في السين وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر والكسائي أي (تسقط) بفتح أوله وضم ثالثه، وهذا قول أبي عبيد لكنه ضبط تساقط بضم أوله من الرباعي وهي قراءة حفص روي أنها كانت نخلة يابسة ولا رأس لها ولا ثمرة وكان الوقت شتاء فهزته فجعل الله له رأسًا وخوصًا ورطبًا يسليها بذلك لما فيه من المعجزة الدالة على براءة ساحتها. {قصيًا} في قوله تعالى: {فانتبذت به مكانًا قصيًا} [مريم: 22] أي (قاصيًا) قال ابن عباس: أقصى وادي بيت لحم فرارًا من قومها أن يعيِّروها بولادتها من غير زوج (فريًّا) في قوله: {لقد جئت شيئًا فريًّا} [مريم: 27] أي (عظيمًا) وقيل منكرًا (قال ابن عباس: نسيًّا) في قوله تعالى: {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيًّا} [مريم: 23] أي (لم أكن شيئًا وقال غيره) أي غير ابن عباس: (النسي) هو (الحقير) وهذا قول السدي. (وقال أبو وائل) بالهمزة شقيق بن سلمة: (علمت مريم أن التقي ذو نهية) بضم النون وبعد الهاء الساكنة تحتية مفتوحة. وقال عياض بالضم: الرواية، وقد يقال بفتحها أي عقل لأنه ينهى صاحبه عن القبائح ويقال فيه ذو نهاية حكاه ثابت، وقد تكون النهية من النهي بمعنى الفعلة الواحدة منه والنهية بالفتح واحد النهي مثل ثمرة وتمر أي أن له من نفسه في كل حال زاجرًا ينهاه كما يقال التقي ملجم يقال نهيته ونهوته (حين قالت) لجبريل عليه السلام لما أتاها بصورة شاب أمرد سويّ الخلق لتستأنس بكلامه: إني أعوذ بالرحمن منك ({إن كنت تقيًّا}) أي تتقي الله وتحتفل بالاستعاذة فانته عني. (وقال) بالواو ولغير أبي ذر قال (وكيع) هو ابن الجراح (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جدّه (أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء) بن عازب ({سريًّا}) [مريم: 24] في قوله تعالى: {قد جعل ربك تحتك سريًّا} [مريم: 24] هو: (نهر صغير بالسريانية) رواه ابن أبي حاتم هكذا عن الراء موقوفًا، وفي تفسير ابن مردويه عن ابن عمر مرفوعًا: السريّ في هذه الآية نهر أخرجه الله لمريم لتشرب منه. 3436 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ: عِيسَى، وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ كَانَ يُصَلِّي، فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ، فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي؟ فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ، وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى، فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَلَدَتْ غُلاَمًا، فَقَالَتْ: مِنْ جُرَيْجٍ، فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى الْغُلاَمَ فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلاَمُ؟ قَالَ: الرَّاعِي، قَالُوا نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ مِنْ طِينٍ. وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمَصُّ إِصْبَعَهُ، ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَقَالَتْ: لِمَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، وَهَذِهِ الأَمَةُ يَقُولُونَ سَرَقْتِ زَنَيْتِ وَلَمْ تَفْعَلْ». وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي ابن زيد الأزدي (عن محمد بن سيرين) الأنصاري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لم يتكلم في المهد) وهو ما يهيأ للصبي أن يربى فيه (إلا ثلاثة). واستشكل الحصر بما روي من كلام غير الثلاثة. وأجيب: باحتمال أن يكون المعنى لم يتكلم في بني إسرائيل أو قاله قبل أن يعلم الزيادة أو الثلاثة بقيد المهد. فالأول: (عيسى) ابن مريم عليهما السلام. (و) الثاني (كان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج) وفي حديث أبي سلمة أنه كان تاجرًا وكان ينقص مرة ويزيد أخرى فقال: ما في هذه التجارة خير لألتمسن تجارة هي خير من هذه فبنى صومعة وترهب فيها. وعند أحمد وكانت أمه تأتيه فتناديه فيشرف عليها فتكلمه و (كان يصلّي) يومًا (جاءته) ولأبي ذر عن الكشميهني فجاءته (أمه فدعته) فقالت يا جريج (فقال) في نفسه: (أجيبها) وأقطع صلاتي (أو أصلي) فآثر الصلاة على إجابتها بعد أن دعته ثلاثًا كما في الرواية الأخرى أنها دعته ثلاثًا (فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات) بضم الميم الأولى وكسر

الثانية بينهما واو ساكنة الزانيات ولم تدع عليه بوقوع الفاحشة مثلاً رفقًا منها. (وكان جريج في صومعته فتعرضت له امرأة) راعية ترعى الغنم أو كانت بنت ملك القرية (فكلمته) أن يواقعها بالفاء في الفرع وفي اليونينية وكلمته بالواو بدل الفاء (فأبى) أن يفعل ذلك (فأتت راعيًا فأمكنته من نفسها) فواقعها فحملت منه (فولدت غلامًا) فقيل لها: ممن هذا الغلام؟ (فقالت: من جريج) زاد أحمد فأخذت وكان من زنى منهم قتل، وزاد أبو سلمة في روايته فذهبوا إلى الملك فأخبروه فقال: أدركوه فأتوني به (فأتوه فكسروا) بالفاء ولأبي ذر وكسروا (صومعته) بالفؤوس والمساحي (وأنزلوه) منها (وسبوه) زاد أحمد عن وهب بن جرير وضربوه فقال ما شأنكم قالوا: إنك زنيت بهذه. وعند أحمد أيضًا من طريق أبي رافع أنهم جعلوا في عنقه وعنقها حبلاً وجعلوا يطوفون بهما على الناس، وفي رواية أبي سلمة أن الملك أمر بصلبه (فتوضأ) بالفاء، ولأبي ذر: وتوضأ فيه أن الوضوء لا يختص بهذه الأمة خلافًا لمن زعم ذلك. نعم الذي يختص بها الغرة والتحجيل في الآخرة (وصلّى) في حديث عمران فصلّى ركعتين وزاد وهب بن جرير ودعا (ثم أتى الغلام فقال: من أبوك يا غلام)؟ زاد في رواية وهب بن جرير فطعنه بإصبعه، وفي رواية أبي سلمة فأتي بالمرأة والصبي وفمه في ثديها فقال له جريج: يا غلام من أبوك؟ فنزع الغلام فمه من الثدي (فقال): ولغير أبي ذر قال (الراعي) لم يسم، وزاد في رواية وهب بن جرير فوثبوا إلى جريج فجعلوا يقبلونه. وفي هذا إثبات كرامات الأولياء ووقوع ذلك لهم باختيارهم وطلبهم (قالوا: نبني) لك (صومعتك من ذهب. قال) جريح: (لا إلاّ من طين) كما كانت ففعلوا. (و) الثالث (كانت امرأة) لم تسم (ترضع ابنًا لها) لم يسم أيضًا (من بني إسرائيل فمر بها رجل راكب) لم يسم (ذو شارة) بالشين المعجمة والراء المخففة صاحب حسن أو هيئة أو ملبس حسن يتعجب منه ويشار إليه (فقالت) المرأة المرضعة: (اللهم اجعل ابني مثله) في الهيئة الجميلة (فترك) المرضع (ثديها وأقبل) بالواو ولأبي ذر فأقبل (على) الرجل (الراكب فقال: اللهم لا تجعلني مثله ثم أقبل على ثديها يمصه) بفتح الميم. (قال أبو هريرة) بالسند السابق (كأني أنظر إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمص إصبعه) فيه المبالغة في إيضاح الخبر بتمثيله بالفعل. (ثم مرّ) بضم الميم وتشديد الراء مبنيًا للمفعول (بأمه) زاد وهب بن جرير عند أحمد تضرب (فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه) المرأة (فترك ثديها فقال): ولأبي ذر وقال (اللهم اجعلني مثلها. فقالت): أي الأم لابنها و (لم) قلت (ذاك)؟ ولأبي ذر فقالت له ذلك أي عن سبب ذلك (فقال) الابن: أما (الراكب) هو (جبار من الجبابرة) وفي رواية الأعرج فإنه كافر (و) أما (هذه الأمة) فهم (يقولون سرقت زنيت) بكسر التاء فيهما على المخاطبة للمؤنث، ولأبي ذر: سرقت زنت بسكونها على الخبر (و) الحال أنها (لم تفعل) شيئًا من السرقة والزنا. وفي رواية الأعرج يقولون لها: تزني. وتقول: حسبي الله، ويقولون لها: تسرقي. وتقول: حسبي الله. والرابع: شاهد يوسف قال تعالى ({وشهد شاهد من أهلها} [يوسف: 26] وفسّر بأنه كان ابن خال زليخا صبيًا تكلم في المهد وهو منقول عن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك. والخامس: الصبي الرضيع الذي قال لأمه وهي ماشطة بنت فرعون لما أراد فرعون إلقاء أمه في النار اصبري يا أماه فإنا على الحق رواهما أحمد والبزار وابن حبان والحاكم من حديث بلفظ: لم يتكلم في المهد إلا أربعة فذكرها ولم يذكر الثالث الذي هنا، لكنه اختلف في شاهد يوسف فروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس ومجاهد أنه كان ذا لحية. وعن قتادة والحسن أيضًا أنه كان حكيمًا من أهلها، ورجح بأنه لو كان طفلاً لكان مجرد قوله إنها كاذبة كافيًا وبرهانًا قاطعًا لأنه من المعجزات ولما احتيج أن يقول من أهلها فرجح كونه رجلاً لا طفلا وشهادة القريب على قريبه أولى بالقبول من شهادته له. السادس: ما في قصة الأخدود لما أتي بالمرأة ليلقى بها في النار لتكفر ومعها صبي مرضع فتقاعست فقال لها:

يا أماه اصبري فإنك على الحق. رواه مسلم من حديث صهيب. السابع: زعم الضحاك في تفسيره أن يحيى بن زكريا عليهما السلام تكلم في المهد أخرجه الثعلبي، وفي سيرة الواقدي أن نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تكلم في أوائل ما ولد. وعن ابن عباس: قال: كانت حليمة تحدّث أنها أول ما فطمت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تكلم فقال: "الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلاً". الحديث رواه البيهقي. وعن معيقيب اليماني قال: حججت حجة الوداع فدخلت دارًا فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورأيت منه عجبًا جاءه رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا غلام من أنا"؟ قال: أنت رسول الله. قال: "صدقت بارك الله فيك". ثم إن الغلام لم يتكلم بعد حتى شبّ فكنا نسميه مبارك اليمامة رواه البيهقي من حديث معرض بالضاد المعجمة. 3437 - حَدَّثَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ ح. وحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ: لَقِيتُ مُوسَى، قَالَ فَنَعَتَهُ فَإِذَا رَجُلٌ حَسِبْتُهُ قَالَ مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ. قَالَ: وَلَقِيتُ عِيسَى، فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: رَبْعَةٌ أَحْمَرُ، كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ -يَعْنِي الْحَمَّامَ- وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ. قَالَ: وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ أَحَدُهُمَا لَبَنٌ وَالآخَرُ فِيهِ خَمْرٌ، فَقِيلَ لِي: خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ، فَقِيلَ لِي: هُدِيتَ الْفِطْرَةَ -أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ- أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إبراهيم بن موسى) أبو إسحاق التميمي الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد الأزدي (ح) لتحويل السند قال: (وحدثني) بالإفراد (محمود) هو ابن غيلان قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني ولفظ الحديث هنا لعبد الرزاق قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة أسري به) إلى بيت المقدس ولأبي ذر عن الكشميهني بي بدل به. (لقيت موسى قال فنعته) أي وصفه (فإذا رجل) قال عبد الرزاق بن همام (حسبته) أي معمرًا (قال مضطرب) أي طويل غير شديد أو خفيف اللحم، وفي رواية هشام في قصة موسى بلفظ: ضرب، وفسر بتخفيف اللحم، ورجح القاضي عياض هذه على التي في هذا الباب لما فيها من الشك. قال: وقد وقع في الرواية الأخرى جسيم وهو ضدّ الضرب إلا أن يراد بالجسيم الزيادة في الطول. قال في الفتح: وهذا الذي يتعين المصير إليه ويؤيده قوله في الرواية الآتية بعد هذه إن شاء الله تعالى كأنه من رجال الزط وهم طوال غير غلاظ (رجل) شعر (الرأس) مسترسله، وقال ابن السكيت: شعر رجل، إذا لم يكن شديد الجعودة ولا سبطًا (كأنه) لطوله (من رجال شنوءة) بفتح الشين المعجمة وضم النون وبعد الواو الساكنة همزة مفتوحة ثم هاء تأنيث حيّ من اليمن. (قال) عليه الصلاة والسلام: (ولقيت عيسى فنعته) أي وصفه (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: ربعة) ليس طويلاً ولا قصيرًا والتأنيث على تأويل النفس (أحمر كأنما خرج من ديماس) قال عبد الرزاق (يعني الحمام) ولم يقع ذلك في رواية هشام. (ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به. قال: وأتيت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بإناءين أحدهما لبن) كان القياس أن يقول فيه لبن كما قال في اللاحق فيه خمر ولكنه أراد تكثير اللبن فكأن الإناء انقلب لبنًا (والآخر فيه خمر) قبل أن يحرم (فقيل لي) القائل جبريل (خذ أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته فقيل لي) القائل هو أيضًا جبريل (هديت الفطرة) الإسلامية (أو أصبت الفطرة) بالشك من الراوي (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم (إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك) لأنها أم الخبائث وجالبة لكل شرّ. وهذا الحديث قد سبق في باب: وكلم الله موسى تكليمًا. وتأتي بقية مباحثه إن شاء الله تعالى بعون الله في الكلام على الإسراء من السيرة النبوية. 3438 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رَأَيْتُ عِيسَى وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ، فَأَمَّا عِيسَى فَأَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ، وَأَمَّا مُوسَى فَآدَمُ جَسِيمٌ سَبْطٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الزُّطِّ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي البصري قال: (أخبرنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق قال: (أخبرنا عثمان بن المغيرة) الثقفي مولاهم الكوفي الأعشى (عن مجاهد) هو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة المخزومي مولاهم المكي الإمام في التفسير (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) تعقبه الحافظ أبو ذر كما هو بهامش اليونينية ونقله عنه غير واحد من الأئمة بأن الصواب ابن عباس بدل ابن عمر، فالغلط من الفربري أو البخاري حدث به كذا، وجزم به الغساني والتيمي وغيرهما وهو المحفوظ، واحتج لذلك

بأنه في جميع الطرق عن محمد بن كثير وغيره عن مجاهد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (رأيت عيسى وموسى وإبراهيم فأما عيسى فأحمر) اللون وهو عند العرب الشديد البياض مع الحمرة (جعد) بفتح الجيم وسكون العين أي جعد الشعر ضد السبط (عريض الصدر أما موسى فآدم) بالمد أي أسمر كأحسن ما يُرى (جسيم) اعترضه التيمي بأن الجسيم إنما ورد في صفة الدجال. وأجيب: بأن الجسامة تطلق على السمن وعلى الطول والمراد هنا طويل (سبط) بفتح السين وسكون الموحدة وكسرها وفتحها (كأنه من رجال الزط) بضم الزاي وتشديد الطاء المهملة جنس من السودان أو نوع من الهنود طوال الأجساد مع نحافة، وهذا يؤيد أن معنى قوله جسيم طويل. 3439 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى عَنْ نَافِعٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ذَكَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا بَيْنَ ظَهْرَىِ النَّاسِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلاَ إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ». وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي المدني قال: (حدّثنا أبو ضمرة) أنس بن عياض المدني قال: (حدّثنا موسى) بن عقبة (عن نافع) مولى ابن عمر أنه قال: (قال عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما-: (ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الذال والكاف مبنيًّا للفاعل، والنبيّ فاعل (يومًا) ظرف (بين ظهري الناس) بفتح الظاء المعجمة وسكون الهاء بلفظ التثنية. ولأبي ذرّ: ظهراني الناس؛ بزيادة الألف والنون للتأكيد، أي جالسًا في وسط الناس مستظهرًا لا مستخفيًا (المسيح الدجّال) فعّال من أبنية المبالغة. وأصل الدجل الخلط، يقال: دجّل إذا خلّط وموَّه؛ والدجّال: هو الذي يظهر آخر الزمان ويدّعي الإلهية (فقال): (إنّ الله ليس بأعور، ألا) بالتخفيف للتنبيه (إنّ المسيح الدجال أعور العين اليمنى) وفي حديث "أنه أعور العين اليسرى". وفي حديث حذيفة عند مسلم "أنه ممسوح العين عليها ظفرة غليظة". وجُمع بأن إحدى عينيه غائرة، والأخرى معيبة؛ فيصح أن يقال لكل واحدة عوراء، إذ الأصل في العَوَر أنه العيب (كأنّ عينه عنبة طافية) بالمثناة التحتية؛ أي بارزة: وهي التي خرجت عن نظائرها في النُّتُوِّ من العنقود. ومَن همزها جعلها فاعلة من طفئت كما يطفأ السراج، أي ذهب نورها. 3440 - «وَأَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فِي الْمَنَامِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ كَأَحْسَنِ مَا يُرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ، رَجِلُ الشَّعَرِ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ وَهْوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ؛ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ. ثُمَّ رَأَيْتُ رَجُلاً وَرَاءَهُ جَعْدًا قَطَطًا أَعْوَرَ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ بِابْنِ قَطَنٍ، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلٍ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ». تَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ. [الحديث 3440 - أطرافه في: 3441، 5902، 6999، 7026، 7128]. (وأَراني الليلة) بفتح الهمزة، أي: أرى نفسي في اللّيلة (عند الكعبة في المنام، فإذا رجل آدم) بالمدّ: أسمر (كأحسن ما يرى من أُدْم الرجال) بضم الهمزة وسكون الدال (تضرب لمته بين منكبيه) بكسر اللام وتشديد الميم، وهي الشعر إذا جاوز شحمتي الأذنين وألم بالمنكبين، فإذا جاوز المنكبين فجمّة، وإن قصر عنها فوفرة (رَجِل الشعر) بكسر الجيم: قد سرّحه ودهنه (يقطر رأسه ماء) حقيقة، فيكون من الماء الذي سرح به، أو كنى به عن مزيد النظافة والنضارة حال كونه (واضعًا يديه على منكبي رجلين) لم يسميًا (وهو يطوف بالبيت) الحرام (فقلت: من هذا) الطائف؟ (فقالوا: هذا المسيح) عيسى (ابن مريم) عليهما السلام (ثم رأيت رجلاً وراءه جعدًا قططًا) بفتح الطاء وكسرها: شديد جعودة الشعر (أعور عين اليمنى) بإضافة (أعور) لتاليه، من إضافة الموصوف إلى صفته. وهو عند الكوفيين ظاهر، وعند البصريين تقديره: عين صفة وجهه اليمنى. ولأبي ذرّ: أعور العين اليمنى. (كأشبه من رأيت) بضم التاء في اليونينية وفرعها؛ وزاد الكرماني فتحها. (بابن قطن) بفتح القاف والطاء المهملة بعدها نون؛ عبد العزّى هلك في الجاهلية. حال كونه (واضعًا يديه على منكبي رجل يطوف بالبيت، فقلت: من هذا) الذي يطوف؟ وضبّب في الفرع وأصله على قوله: "فقلت من هذا". (قالوا) ولأبي ذرّ: فقالوا (المسيح الدجال) وهذا الحديث أخرجه مسلم ففي الإيمان وفي الفتن. (تابعه) أي تابع موسى بن عقبة (عبيد الله) بضم العين مصغرًا: ابن عمر العمري (عن نافع) عن ابن عمر فيما وصله مسلم في ذكر الدجال فقط إلى قوله: "عنبة طافية" ولم يذكر ما بعده. 3441 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لاَ وَاللَّهِ مَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعِيسَى "أَحْمَرُ" وَلَكِنْ قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً -أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً- فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ. فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ جَعْدُ الرَّأْسِ أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ. وَأَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ». قَالَ الزُّهْرِيُّ: رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ هَلَكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) بن الوليد (المكي) الأزرقي (قال: سمعت إبراهيم بن سعد) بسكون العين، ابن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف (فقال: حدّثني) بالإفراد (الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر بن

الخطاب (قال: لا والله، ما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعيسى) أي عن عيسى (أحمر) أقسم على غلبة ظنّه أن الوصف اشتبه على الراوي وأن الموصوف بكونه أحمر إنما هو الدجّال لا عيسى؛ وكأنه سمع ذلك سماعًا جزمًا في وصف عيسى بأنه آدم كما في الحديث السابق، فساغ له الحلف على ذلك لما غلب على ظنه أن من وَصَفه بأنه أحمر فقد وهم. وقد وافق أبو هريرة على أن عيسى أحمر، فظهر أن ابن عمر أنكر ما حفظه غيره. والأحمر عند العرب: الشديد البياض مع الحمرة. والآدم: الأسمر. وجمع بين الوصفين بأنه احمرّ لونه بسبب كالتعب وهو في الأصل أسمر. (ولكن قال: بينما) بالميم (أنا نائم) رأيت أني (أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم) أسمر (سبط الشعر) أي مسترسل الشعر غير جعد. وفي الحديث السابق في باب قوله تعالى: {وهل أتاك حديث موسى} [طه: 9] من حديث ابن عباس: "جعد" وهو ضد السبط. وجمع بينهما بأنه سبط الشعر جعد الجسم لا الشعر؛ والمراد اجتماعه واكتنازه؛ قال الجوهري: رجل سبط الشعر وسبط الجسم أي حسن القدّ والاستواء، قال الشاعر: فجاءَت به سَبْطَ العظامِ كأنَّما ... عِمَامَتُهُ بَيْنَ الرِّجالِ لواءُ (يهادى بين رجلين) بضم الياء وفتح الدال؛ أي يمشي متمايلاً بينهما (ينطف) بضم الطاء المهملة. ولأبي ذرّ: "ينطِف" بكسرها؛ أي يقطر (رأسه ماء) نصب على التمييز (-أو يهراق رأسه ماء-) بضم الياء وفتح الهاء وتسكّن. والشك من الراوي. (فقلت: من هذا؟ قالوا: ابن مريم. فذهبت ألتفت فإذا رجل أحمر) اللّون (جسيم جعد) شعر (الرأس أعور عينه اليمنى) بالإضافة، و"عينه" بالجرّ، و"اليمنى" صفته. وفي ذلك أمران: أحدهما أن قوله: "أعور عينه" من باب الصفة المجردة عن اللام المضافة إلى معمولها المضاف إلى ضمير الموصوف، نحو: حسن وجهه. وسيبويه وجميع البصريين يجوّزونها على قبح في ضرورة فقط. وأنشد سيبويه للاستدلال على مجيئها في الشعر قول الشمّاخ: أَقَامَتْ على رَبْعَيهِمَا جَارَتَا صَفًا ... كُمَيْت الأَعالي جَوْنَتَا مُصْطَلاهما فـ "جونتا مصطلاهما" نظير "حسن وجهه". وأجازه الكوفيون في السعة بلا قبح. وهو الصحيح، لوروده في هذا الحديث وفي حديث صفة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "شئن الكفّين طويل أصابعه" قال أبو علي -وهو ثقة-: كذا رويته بالخفض. وذكر الهروي وغيره في حديث أم زرع: "صفر وشامها". ومع جوازه ففيه ضعف لأنه يشبه إضافة الشيء إلى نفسه. ثانيهما: أن الزجاج ومتأخري المغاربة ذهبوا إلى أنه لا يتبع معمول الصفة المشبهة بصفة؛ مستندين فيه إلى عدم السماع من العرب، فلا يقال: زيد حسن الوجه المشرق، بجر "المشرق" على أنه صفة للوجه. وعلّل بعضهم المنع بأن معمول الفة لما كان سببًا غير أجنبي أشبه الضمير لكونه أبدًا محالاً على الأول وراجعًا إليه، والضمير لا ينعت فكذا ما أشبهه. قال ابن هشام في المغني: ويشكل عليهم الحديث في صفة الدجال أعور عينه اليمنى؛ قال في المصابيح: خرّجه بعضهم على أن "اليمنى" خبر مبتدأ محذوف لا صفة لعينه، وكأنه لما قيل: أعور عينه، قيل أي عينيه؟ فقيل: اليمنى، أي هي اليمنى. وللأصيلي كما في الفتح: "عينُه" بالرفع، بقطع إضافة "أعور عينه" ويكون بدلاً من قوله "أعور" أو مبتدأ حذف خبره تقديره: عينه اليمنى عوراء، وتكون هذه الجملة صفة كاشفة لقوله: "أعور" قاله في العمدة. (كأن عينه عنبة طافية) بغير همز: بارزة خرجت عن نظائرها. وضبّب في الفرع على قوله: "عينه" الذي بالتحتية والنون. ولأبي ذرّ والحموي والمستملي: "كأن عنبة طافية" بإسقاط "عينه" واحدة العيون، وإثبات "عنبة" بالموحدة ونصبها كتاليها اسم "كأنّ" والخبر محذوف، أي: كأن في وجهه عنبة طافية، كقوله: إن مَحَلاًّ وإن مُرْتَحَلاً أي: إن لنا محلاًّ وإن لنا مرتحلاً. وأعربه الدماميني بأن قوله "اليمنى" مبتدأ، وقوله "كأن عنبة طافية" خبره، والعائد محذوف تقديره: كأن فيها. قال: ويكون هذا وجهًا آخر في دفع ما قاله ابن هشام، يعني من الاستشكال في صفة الدجال السابق قريبًا. ولأبي ذرّ

عن الكشميهني: "كأنّ عينه طافية" بإسقاط "عنبة" بالموحدة ورفع "طافية" خبر "كأنّ" وهو مما أقيم فيه الظاهر مقام المضمر فيحصل الربط، وقد أجازه الأخفش؛ والتقدير: اليمنى كأنها طافية. قاله في المصابيح. (قلت) كذا في اليونينية، وفي فرعها: "فقلت" بالفاء (من هذا؟ قالوا: هذا الدجال) استشكل بأن الدجال لا يدخل مكة ولا المدينة. وأجيب بأن المراد لا يدخلهما زمن خروجه ولم يرد بذلك نفي دخوله في الزمن الماضي. (وأقرب الناس به شبهًا ابن قطن) عبد العزّى. (قال الزهري) محمد بن سلم بن شهاب بالسند السابق (رجل من خزاعة هلك في الجاهلية) قبل الإسلام. وهذا الحديث من أفراده. 3442 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ، وَالأَنْبِيَاءُ أَوْلاَدُ عَلاَّتٍ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ». [الحديث 3442 - طرفه في: 3443]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) ولأبي ذرّ: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرَّحمن، أي ابن عوف الزهري. (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (أنا أولى الناس بابن مريم) زاد في رواية عبد الرَّحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة الآتية قريبًا: "في الدنيا والآخرة". وقال البيضاوي: الموجب لكونه أولى الناس به أنه كان أقرب المرسلين إليه وأنّ دينه متصل بدينه ليس بينهما نبيّ وأن عيسى عليه الصلاة والسلام كان مبشرًا به ممهدًا لقواعد دينه داعي الخلق إلى تصديقه. (والأنبياء) عليهم الصلاة والسلام (أولاد علاّت) بفتح العين وتشديد اللام. والعَلّة: الضرّة؛ مأخوذة من العلل وهي الشربة الثانية بعد الأولى، وكأن الزوج قد عَلَّ منها بعدما كان ناهلاً من الأخرى. وأولاد العلاّت: أولاد الضرّات من رجل واحد. يريد أن الأنبياء أصل دينهم واحد وفروعهم مختلفة، فهم متفقون في الاعتقاديات المسماة بأصول الدين كالتوحيد وسائر علم الكلام، مختلفون في الفروع وهي الفقهيات. وإن عيسى (ليس بيني وبينه نبيّ) وهو كالشاهد لقوله: "أنا أولى الناس بابن مريم". لا يقال إنه ورد أن الرسل الثلاثة الذين أرسلوا إلى أصحاب القرية المذكورة قصتهم في سورة يس كانوا من أتباع عيسى عليه السلام وأن جرجيس وخالد بن سنان كانا نبيين وكانا بعد عيسى؛ لأن هذا الحديث الصحيح يضعف ذلك. وهذا الحديث من إفراد. 3443 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ». وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) الباهلي البصري قال: (حدّثنا فليح بن سليمان) بضم الفاء مصغرًا، أو فليح لقب واسمه عبد الملك، قال: (حدّثنا هلال بن علي) واسم جده أسامة العامري المدني (عن عبد الرَّحمن بن أبي عمرة) بفتح العين وسكون الميم الأنصاري المدني. ولد في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال ابن أبي حاتم: ليس له صحبة. (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة) لكونه مبشّرًا بي قبل بعثتي وممهدًا لقواعد ملتي في آخر الزمان تابعًا لشريعتي ناصرًا لديني، فكأننا واحد. (والأنبياء إخوة لعلاّت) استئناف فيه دليل على الحكم السابق، وكأن سائلاً سأل عما هو المقتضي لكونه أولى الناس به فأجاب بذلك. (أمهاتهم شتّى ودينهم) في التوحيد (واحد). ومعنى الحديث أن حاصل أمر النبوّة والغاية القصوى من البعثة التي بعثوا جميعًا لأجلها دعوة الخلق إلى معرفة الحق وإرشادهم إلى ما به ينتظم معاشهم ويحسن معادهم، فهم متفقون في هذا الأصل وإن اختلفوا في تفاريع الشرع التي هي كالموصلة المؤدية والأوعية الحافظة له؛ فعبّر عما هو الأصل المشترك بين الكلّ بالأب ونسبهم إليهم، وعبّر عما يختلفون فيه من الأحكام والشرائع المتفاوتة بالصورة المتقاربة في الغرض بالأمهات، وهو معنى قوله: "أمهاتهم شتّى ودينهم واحد". أو أن المراد أن الأنبياء وإن تباينت أعصارهم وتباعدت أيامهم فالأصل الذي هو السبب في إخراجهم وإبرازهم كلاًّ في عصره أمرّ واحد وهو الدين الحق، فعلى هذا فالمراد بالأمهات الأزمنة التي اشتملت عليهم. (وقال إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء، الخراساني،

فيما وصله النسائي. وسقطت واو "وقال" لأبي ذرّ. (عن موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (عن صفوان بن سليم) المدني الزهري مولاهم (عن عطاء بن يسار) الهلالي المدني مولى ميمونة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كذا ساقه معلقًا مختصرًا، وفائدته تعوّد طرق حديث أبي هريرة. 3444 - وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلاً يَسْرِقُ، فَقَالَ لَهُ: أَسَرَقْتَ؟ قَالَ: كَلاَّ وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ! فَقَالَ عِيسَى: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ عَيْنِي». وبه قال: (وحدّثنا) ولأبي ذرّ: وحدثني، بالإفراد. (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة، ابن راشد (عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى، ابن منبه (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال:) (رأى عيسى ابن مريم) سقط "ابن مريم"، لأبي ذر. (رجلاً يسرق) لم يسمّ الرجل ولا المسروق (فقال له: أسرقت)؟ بهمزة الاستفهام في الفرع وأصله، وفي غيرهما: "سرقت" بغير همزة. (قال: كلا) نفيٌ للسرقة أكّده بقوله: (والله الذي) ولأبي ذرّ: "والذي" (لا إله إلا هو) وللحموي والمستملي: إلا الله. (فقال عيسى: آمنت بالله) أي صدقت من حلف بالله (وكذبت عيني) بالإفراد وتشديد ذال "كذبت". وللمستملي: "وكَذَبت" بتخفيفها. والتشديد هو الظاهر لما رُوي في الصحيح من رواية معمر: "وكذبت نفسي" رواه مسلم وذكره الحميدي في جمعه في الثامن والسبعين بعد المائتين من المتفق عليه، أعني رواية معمر بعد ذكر حديث همام هذا. وقوله: "وكذبت نفسي" خرج مخرج المبالغة في تصديق الحالف لا أنه كذب نفسه حقيقة، أو أراد صدقه في الحكم لأنه لم يحكم بعلمه وإلاّ فالمشاهدة أعلى اليقين فكيف يكذب عينه ويصدق قول المدعي؟ وقول القرطبي: وظاهر قول عيسى "سرقتَ" أنه خبر جازم عما فعل الرجل من السرقة لكونه رآه أخذ مالاً من حرز في خفية، وقوله "وكذبتُ نفسي" أي كذبت ما ظهر لي من كون الأخذ سرقة، إذ يحتمل أن يكون الرجل أخذ ما له فيه حق أو ما أذن له صاحبه في أخذه أو أخَذَه ليقلبه وينظر فيه، ولم يقصد الغصب والاستيلاء. ويحتمل أن يكون عيسى عليه السلام كان غير جازم بذلك، وإنما أراد استفهامه بقوله: "سرقتَ" وتكون أداة الاستفهام محذوفة، وهو سائغ. اعتُرض بجزمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إن عيسى رأى رجلاً يسرق" فالاستفهام بعيد، وبأن احتمال كونه أخذ ما يحلّ له بعيد أيضًا بهذا الجزم اهـ. وهذا يمكن على حذف الهمزة، أما على رواية إثباتها ففيه نظر فليتأمل. واستُنبط منه منع القضاء بالعلم، وهو مذهب المالكية والحنابلة مطلقًا، وجوّزه الشافعية إلا في الحدود. وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا. 3445 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: سَمِعَ عُمَرَ -رضي الله عنه- يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ؛ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ». وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم (يقول: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس) أنه (سمع عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-) حال كونه (يقول على المنبر: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا تطروني) بضم التاء وسكون الطاء المهملة، من الإطراء؛ أي لا تمدحوني بالباطل، أو لا تجاوزوا الحدّ في مدحي (كما أطرت النصارى) عيسى (ابن مريم) في ادّعائهم إلهيته وغيرها (فإنما أنا عبده) ورسوله (فقولوا: عبد الله ورسوله). فإن قلت: هل ادّعى أحد في نبينا عليه السلام ما ادُّعي في عيسى؟ أُجيب بأنهم قد كادوا أن يفعلوا نحو ذلك حين قالوا له عليه الصلاة والسلام: أفلا نسجد لك؟ فقال: "لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" فنهاهم عمّا عساه أن يبلغ بهم من العبادة. وهذا الحديث طرف من حديث السقيفة ذكره مطوّلاً في كتاب المحاربين. 3446 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ حَىٍّ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ قَالَ لِلشَّعْبِيِّ. فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: أَخْبَرَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَدَّبَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا كَانَ لَهُ أَجْرَانِ؛ وَإِذَا آمَنَ بِعِيسَى ثُمَّ آمَنَ بِي فَلَهُ أَجْرَانِ، وَالْعَبْدُ إِذَا اتَّقَى رَبَّهُ وَأَطَاعَ مَوَالِيَهُ فَلَهُ أَجْرَانِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة، قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي، قال: (أخبرنا صالح بن حيّ) بفتح الحاء المهملة ضد الميت، هو صالح بن صالح الهمداني (أن رجلاً من أهل خراسان) الإقليم العظيم (قال للشعبي) عامر بن شراحيل (فقال الشعبي) حذف السؤال، وقد ذكره في رواية

49 - باب نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام

حبان بن موسى عن ابن المبارك فقال: إنّا نقول عندنا إن الرجل إذا أعتق أمّ ولده ثم تزوجها فهو كالراكب بدنته؟ فقال الشعبي: (أخبرني) بالإفراد (أبو بردة) بضم الموحدة، عامر أو الحرث (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري رضي الله عنه) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا أدّب الرجل أَمَته) لتتخلق بالأخلاق الحسنة (فأحسن تأديبها) برفق ولطف من غير عنف (وعلّمها) ما يجب تعليمه (فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها) بعد أن أصدقها (كان له) للرجل (أجران) أجر العتق وأجر التزويج (وإذا آمن بعيسى) ابن مريم (ثم آمن بي فله أجران) أجر إيمانه بعيسى وأجر إيمانه بنبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (والعبد) المملوك (إذا اتّقى ربه وأطاع مواليه فله أجران) أجر اتقاء ربه وأجر طاعة مواليه. وهذا الحديث قد سبق في باب تعليم الرجل أمته من كتاب العلم وفي العتق والجهاد، ويأتي في النكاح إن شاء الله تعالى. 3447 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً». ثُمَّ قَرَأَ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] "فَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ أَصْحَابِي! فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ. فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة: 117، 118] ". قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الفِرَبْرِيُّ: ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ: "هُمُ الْمُرْتَدُّونَ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه-". وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن المغيرة بن النعمان) النخعي الكوفي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (تحُشرون) عند الخروج من القبور حال كونكم (حفاة) بلا خُفّ ولا نعل (عراة) بلا ثياب، وبعضكم بثيابه لحديث أبي سعيد صححه ابن حبان مرفوعًا: "إن الميتَ يُبعَثُ بثيابِه الّتي يَمُوتُ فيها". (غرلاً) غير مختونين (ثم قرأ: {كما بدأنا أول خلق نعيده}) أي نوجده بعينه بعد إعدامه مرة أخرى ({وعدًا علينا إنّا كنا فاعلين}) الإعادة والبعث. (فأول من يكسى) من الأنبياء يوم القيامة (إبراهيم) الخليل بعد حشر الناس كلهم عراة أو بعضهم كاسيًا أو بعد خروجهم من قبورهم بأثوابهم التي ماتوا فيها، ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة، ثم يكون أول من يكسى إبراهيم. (ثم يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين) وهي جهة الجنة (وذات الشمال) جهة النار (فأقول): هؤلاء (أصحابي)! مرة واحدة (فيقال: إنهم لم) بالميم (يزالوا مرتدّين على أعقابهم) بالكفر (منذ فارقتهم. فأقول كما قال العبد الصالح عيسى ابن مريم: {وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم}) مشاهدًا لأحوالهم من كفر وإيمان (فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم) المراقب لأحوالهم (وأنت على كل شيء شهيد) مطلع عليه مراقب له (إن تعذبهم فإنهم عبادك) ولا اعتراض على المالك المطلق فيما يفعل في ملكه ({وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}) الذي لا يثيب ولا يعاقب إلا عن حكمة. وثبت: "إن تعذبهم ... الخ" ولأبي ذرّ. وعند غيره بعد قوله: "شهيدًا" إلى قوله: "العزيز الحكيم". (قال محمد بن يوسف الفربري) سقط لفظ "الفربري" لغير أبي ذر (ذكر) بضم الذال المعجمة مبنيًّا للمفعول (عن أبي عبد الله) محمد بن إسماعيل البخاري مما وصله الإسماعيلي (عن قبيصة) بن عقبة السوائي العامري، وهو شيخ البخاري، أنه (قال) في قوله "فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين ... الخ": (هم المرتدون) من الأعراب (الذين ارتدّوا) عن الإسلام (على عهد أبي بكر) الصدّيق في خلافته (فقاتلهم أبو بكر -رضي الله عنه-) وهذا وصله الإسماعيلي. ولا ريب أن من ارتدّ سُلب اسم الصحبة لأنها نسبة شريفة إسلامية فلا يستحقّها من ارتدّ بعد أن اتّصف بها. والحاصل أنه حمل قوله "من أصحابي" أي باعتبار ما كان قبل الردّة لأنهم ماتوا على ذلك. 49 - باب نُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليهما السلام مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ آخِرِ الزَّمَانِ. وَسَقَطَ لَفْظ "بَاب" لأَبِي ذَرّ، فـ "نزولُ" رفع. 3448 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلاً، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن راهويه قال: (أخبرنا يعقوب بن إبراهيم) الزهري قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن سعيد بن المسيب سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (و) الله (الذي نفسي بيده) بقدرته وتصريفه. قال في فتح الباري: فيه الحلف في الخبر مبالغة في تأكيده.

(ليوشكن) بكسر المعجمة وفتح الكاف: ليقربن سريعًا (أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلاً) عند مسلم من طريق الليث عن ابن شهاب: "وحكمًا مقسطًا" أي حاكمًا عادلاً يحكم بهذه الشريعة المحمدية ولا يحكم بشريعته التي أنزلت عليه في أوان رسالته. (فيكسر الصليب) الفاء تفصيلية لقولها "حكمًا عدلاً". (ويقتل الخنزير) أي يبطل دين النصرانية بكسر الصليب حقيقة، أو يبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه. واستُدل به على تحريم اقتناء الخنزير وأكله ونجاسته؛ لأن الشيء المنتفع به لا يجوز إتلافه. لكن في الطبراني الأوسط من طريق أبي صالح عن أبي هريرة: "فيكسر الصليب ويقتل الخنزير والقرد" وإسناده لا بأس به. وحينئذ فلا يصحّ الاستدلال به على نجاسة عين الخنزير لأن القرد ليس بنجس اتفاقًا. (ويضع الجزية) من أهل الكتاب لأنه لا يقبل إلا الإسلام ولعدم احتياج الناس إلى المال لما تلقيه الأرض من بركاتها كما قال: (ويفيض المال) بفتح الياء: يكثر (حتى لا يقبله أحد) وليس عيسى بناسخ لحكم الجزية بل نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو المبين للنسخ بهذا، فعدم قبولها هو من هذه الشريعة لكنه مقيد بنزول عيسى. ولأبي ذرّ عن الحموي والمستملي: "ويضع الحرب" بالحاء المهملة والراء الساكنة والموحدة بدل الجزية. (حتى تكون السجدة الواحدة خير) بالرفع. ولأبي ذرّ والأصيلي: "خيرًا" بالنصب خبر "كان". (من الدنيا وما فيها) و"حتى" الأولى متعلقة بقوله: "ويفيض المال" والثانية غاية لمفهوم قوله: "فيكسر الصليب ... الخ" والمعنى أنهم لا يتقربون إلى الله بالتصدّق بالمال بل بالعبادة لكثرة المال إذ ذاك وعدم الانتفاع به، وإلا فمعلوم أن السجدة الواحدة دائمًا خير من الدنيا وما فيها. (ثم يقول أبو هريرة) بالإسناد السابق، مستدلاًّ على نزول عيسى في آخر الزمان تصديقًا للحديث: (واقرؤوا إن شئتم: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به}) بعيسى (قبل موته) أي وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى وهم أهل الكتاب الذين يكونون في زمانه فتكون الملة واحدة وهي ملّة الإسلام. وبهذا جزم ابن عباس فيما رواه ابن جرير من طريق سعيد بن جبير عنه بإسناد صحيح. وقيل: المعنى: ليس من أهل الكتاب أحد يحضره الموت إلا آمن عند المعاينة قبل خروج روحه بعيسى وأنه عبد الله وابن أَمَتِهِ، ولكن لا ينفعه الإيمان في تلك الحالة. وظاهر القرآن عمومه في كل كتابيّ يهوديّ أو نصرانيّ في زمن نزول عيسى وقبله. فإن قلت: ما الحكمة في نزول عيسى دون غيره من الأنبياء؟ أجيب: للردّ على اليهود حيث زعموا أنهم قتلوه فبيّن الله تعالى كذبهم وأنه الذي يقتلهم. ({ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا}) أنه قد بلغهم رسالة ربه ومقرًّا بالعبودية على نفسه، وكل نبيّ شاهد على أمته. 3449 - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ». تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَالأَوْزَاعِيُّ. وبه قال: (حدّثنا ابن بكير) بضم الموحدة مصغرًا؛ هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي البصري، قال: (حدّثنا الليث) بن سعد إمام المصريين الفهمي (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن نافع) أبي محمد بن عباس بالموحدة (مولى أبي قتادة الأنصاري) للملازمة له، وإلاّ فهو مولى امرأة من غفار. (إن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم) في الصلاة (منكم) كما في مسلم: "أنه يقال له: صَلِّ لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة لهذه الأمة". قال ابن الجوزي: لو تقدم عيسى إمامًا لوقع في النفس إشكال ولقيل: أتراه نائبًا أو مبتدئًا شرعًا؟ فصلّى مأمومًا لئلا يتدنس بغبار الشبهة وجه قوله: "لا نبيّ بعدي". وقال الطيبي: معنى الحديث أن يؤمكم عيسى حال كونكم في دينكم. وصحح المولى سعد الدين التفتازاني أنه يؤمهم ويقتدي به المهدي لأنه أفضل، فإمامته أولى. وهذا يعكر عليه حديث مسلم السابق. وقال الحافظ أبو ذرّ الهروي: حدّثنا الجوزقي عن بعض المتقدمين أن معناه أنه يحكم بالقرآن لا بالإنجيل. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الإيمان.

50 - باب ما ذكر عن بني إسرائيل

(تابعه) أي تابع يونس (عقيل) بضم العين مصغرًا، ابن خالد، فيما وصله ابن منده. (والأوزاعي) عبد الرَّحمن فيما وصله ابن منده أيضًا وابن حبان والبيهقي. وفي حديث ابن عمر عند مسلم: "أن مدة إقامة عيسى بالأرض بعد نزوله سبع سنين". وفي حديث ابن عباس عند نعيم بن حماد في كتاب الفتن: "أنه يتزوج في الأرض ويقيم بها تسع عشرة سنة". وعند بإسناد فيه متّهم عن أبي هريرة: "يقيم بها أربعين سنة". بسم الله الرحمن الرحيم (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لأبي ذرّ. 50 - باب مَا ذُكِرَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ (باب ما ذكر عن بني إسرائيل) ذرية يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم من الأعاجيب التي كانت في زمنهم. 3450 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو لِحُذَيْفَةَ: أَلاَ تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ مَعَ الدَّجَّالِ إِذَا خَرَجَ مَاءً وَنَارًا؛ فَأَمَّا الَّذِي يَرَى النَّاسُ أَنَّهَا النَّارُ فَمَاءٌ بَارِدٌ، وَأَمَّا الَّتِي يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ فَنَارٌ تُحْرِقُ. فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي يَرَى أَنَّهَا نَارٌ فَإِنَّهُ عَذْبٌ بَارِدٌ». [الحديث 3450 - طرفه في: 7130]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضّاح بن عبد الله اليشكري قال: (حدّثنا عبد الملك) بن عمير الكوفي (عن ربعي بن حراش) بكسر الراء وسكون الموحدة وكسر العين المهملة؛ وحراش بالحاء المهملة وبعد الراء المخففة ألف فمعجمة، الغطفاني، يقال إنه تكلم بعد الموت. أنه (قال: قال عقبة بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم، الأنصاري المعروف بالبدري (لحذيفة) بن اليمان (ألا) بالتخفيف (تحدّثنا ما سمعت من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: إني سمعته يقول): (إن مع الدجال إذا خرج ماء ونارًا، فأما الذي) ولآبي ذرّ عن الكشميهني: "فأما التي" (يرى الناس أنها النار فماء بارد، وأما الذي يرى الناس أنه ماء بارد فنار تحرق؛ فمن أدرك) ذلك (منكم فليقع في الذي يرى أنها نار فإنه) ماء (عذب بارد). وفي مسلم عن أبي هريرة: "وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار، فالتي يقول إنه جنة هي النار وهذا من فتنته التي امتحن الله بها عباده، ثم يفضحه الله تعالى ويظهر عجزه". 3451 - قَالَ حُذَيْفَةُ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ رَجُلاً كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَتَاهُ الْمَلَكُ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ، فَقِيلَ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ، قِيلَ لَهُ: انْظُرْ. قَالَ: مَا أَعْلَمُ شَيْئًا، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا وَأُجَازِيهِمْ فَأُنْظِرُ الْمُوسِرَ وَأَتَجَاوَزُ عَنِ الْمُعْسِرِ. فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ». (قال حذيفة) بالإسناد السابق (وسمعته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول): (إنّ رجلاً) لم يسمّ (كان فيمن كان قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه، فقيل) أي فقبضها فبعثه الله فقال (له: هل عملت من خير؟ قال: ما أعلم. قيل له: انظر. قال: ما أعلم شيئًا غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا فأجازيهم) بضم الهمزة وبالجيم والزاي: أتقاضاهم الحق آخذ منهم وأعطيهم (فأنظر الموسر وأتجاوز عن المعسر. فأدخله الله الجنة) وهذا سبق في البيع. 3452 - فَقَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ رَجُلاً حَضَرَهُ الْمَوْتُ، فَلَمَّا يَئِسَ مِنَ الْحَيَاةِ أَوْصَى أَهْلَهُ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا كَثِيرًا وَأَوْقِدُوا فِيهِ نَارًا، حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ لَحْمِي وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِي فَامْتَحَشْتُ فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا ثُمَّ انْظُرُوا يَوْمًا رَاحًا فَاذْرُوهُ فِي الْيَمِّ. فَفَعَلُوا. فَجَمَعَهُ فَقَالَ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ. فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ». قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو: "وَأَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَاكَ، وَكَانَ نَبَّاشًا". (فقال) ولأبي ذر: "قال" أي حذيفة (وسمعته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول): (إن رجلاً) لم يسمّ (حضره الموت، فلما يئس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا متّ فاجمعوا لي حطبًا كثيرًا وأوقدوا) لي (فيه) في الحطب (نارًا) وألقوني فيها (حتى إذا أكلت) أي النار (لحمي وخلصت) بفتح اللام، أي وصلت (إلى عظمي فامتحشت) بفتح الفوقية والحاء المهملة والشين المعجمة. ولأبي ذرّ: "فامتُحشت" بضم التاء وكسر الحاء: احترقت. (فخذوها) أي العظام المتحرقة (فاطحنوها، ثم انظروا يومًا راحًا) براء مفتوحة بعدها ألف فحاء مهملة منوّنة: كثير الريح. (فاذروه) بالذال المعجمة ووصل الألف، أي طيروه (في اليمّ) في البحر (ففعلوا) ما أوصاهم به (فجمعه فقال) ولأبي ذرّ عن الكشميهني: "فجمعه الله فقال" (له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك. فغفر الله له. قال عقبة بن عمرو) البدري لحذيفة: (وأنا سمعته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول ذاك) بألف من غير لام (وكان) أي الرجل الموصي (نبّاشًا) للقبور يسرق الأكفان. وظاهره أنه من زيادة عقبة بن عمرو، ولكن أورده ابن حبان من طريق ربعي عن حذيفة قال: "توفي رجل كان نبّاشًا، فقال لولده: أحرقوني" فدلّ على أن قوله "وكان نبّاشًا" من رواية حذيفة وعقبة معًا. 3453 - 3454 - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ: أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَائِشَةَ وَابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم قَالاَ: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهْوَ كَذَلِكَ: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. وبه قال: (حدثني) بالإفراد. ولأبي ذرّ: حدّثنا (بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة: السختياني المروزي، قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرني) بالإفراد (معمر) هو ابن راشد (ويونس) بن يزيد الأيلي، كلاهما (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (أن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم قالا لما نزل برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح نون "نزل"

وزايه: أي الموت أو الملك لقبض روحه الشريفة زادها الله تعالى شرفًا (طفق) جعل (يطرح خميصة) كساء له أعلام (على وجهه) الشريف (فإذا اغتمّ) بالغين المعجمة، أي تسخّن بالخميصة وأخذ بنفسه من شدّة الحر (كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك) أي في حالة الطرح والكشف: (لعنة الله على اليهود والنصارى) وكأنه سئل ما سبب لعنهم، فقال: (اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وكأنه قيل للراوي: ما حكمة ذكر ذلك في ذلك الوقت؟ فقال: (يحذّر) أمته أن يصنعوا بقبره المقدس مثل (ما صنعوا) أي اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم. وهذا الحديث قد سبق في الصلاة في باب مفرد عقب باب الصلاة في البيعة. ومراد المؤلّف منه هنا ذمّ اليهود والنصارى في اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد. 3455 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- خَمْسَ سِنِينَ، فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ». قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة: بندار، قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن فرات) بضم الفاء وبعد الراء المخففة ألف ففوقية: ابن أبي عبد الرَّحمن (القزّاز) بفتح القاف وتشديد الزاي الأولى، أنه (قال: سمعت أبا حازم) بالحاء المهملة والزاي: سلمان الأشجعي (قال: قاعدت أبا هريرة) عبّر بباب المفاعلة ليدلّ على قعوده متعلقًا بأبي هريرة وملازمته له (خمس سنين، فسمعته يحدث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء) تتولى أمورهم كما تفعل الولاة برعاياهم حال كونهم (كلما هلك نبي خلفه) بفتح اللام المخففة: قام مقامه (نبيّ) يقيم لهم أمرهم ويزيل ما غيروا من أحكام التوراة إلى غير ذلك كإنصاف الظالم من المظلوم. (وإنه لا نبي بعدي) يجيء فيفعل ما كانوا يفعلون (وسيكون خلفاء) بعدي (فيكثرون) بالمثلثة المضمومة والتحتية المفتوحة. (قالوا: فما تأمرنا) الفاء جواب شرط محذوف، أي إذا كثر بعدك الخلفاء فوقع التشاجر والتنازع بينهم فما تأمرنا نفعل؟ (قال) عليه الصلاة والسلام: (فوا) بضم الفاء أمر من الوفاء (ببيعة الأول فالأول) الفاء للتعقيب والتكرير والاستمرار، ولم يرد به زمان واحد بل الحكم هذا عند تجدد كل زمان وبيعة؛ قاله الطيبي. وقال في الفتح: أي إذا بويع الخليفة بعد خليفة فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها وبيعة الثاني باطلة؛ قال النووي: سواء عقدوا للثاني عالمين بالأول أم لا، سواء كانوا في بلد واحد أو أكثر، سواء كانوا في بلد الإمام المنفصل أم لا. هذا هو الصواب الذي عليه الجمهور. وقيل: تكون لمن عقدت له في بلد الإمام دون غيره. وقيل: يقرع بينهما. قال: وهما قولان فاسدان. وقال القرطبي: في هذا الحديث حكم بيعة الأول وأنه يجب الوفاء بها. وسكت عن بيعة الثاني، وقد نصّ عليه في حديث عرفجة في صحيح مسلم حين قال: "فاضربوا عنق الآخر". (أعطوهم حقهم) من السمع والطاعة فإن في ذلك إعلاء كلمة الدين وكفّ الفتن والشرّ. وهمزة "أعطوهم" مفتوحة، قال في شرح المشكاة: وهو كالبدل من قوله: "فوا ببيعة الأول". (فإن الله) أي أعطوهم حقهم وإن لم يعطوكم حقكم فإن الله (سائلهم) يوم القيامة (عما استرعاهم) ويثيبكم بما لكم عليهم من الحقوق. وهذا الحديث أخرجه مسلم في المغازي وابن ماجه في الجهاد. 3456 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كان قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ». قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ: «فَمَنْ»؟. [الحديث 3456 - طرفه في: 7320]. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم المصري، قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة المشددة وبعد الألف نون: محمد بن مطرف (قال: حدثني) بالإفراد (زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر (عن عطاء بن يسار) بالتحتية والمهملة المخففة: الهلالي المدني مولى ميمونة (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري (-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لتتبعن) بتشديد الفوقية الثانية وكسر الموحدة وضمّ العين وتشديد النون (سنن من كان قبلكم) بفتح السين: سبيلهم ومنهاجهم (شبرًا بشبر وذراعًا بذراع) بالذال المعجمة، و"شبرًا" نصب بنزع الخافض، أي لتتبعن سنن من كان قبلكم اتباعًا بشبر متلبس بشبر وذراع متلبس بذراع؛ وهو كناية عن شدة الموافقة لهم في المخالفات والمعاصي لا في الكفر، وكذا قوله: (حتى لو سلكوا

جحر ضبّ لسلكتموه) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة. والضبّ حيوان بري معروف يشبه الورل؛ قال ابن خالويه: إنه يعيش سبعمائة سنة فصاعدًا ولا يشرب الماء، وقيل: إنه يبول في كل أربعين يومًا قطرة ولا يسقط له سنّ. وفي كتاب العقوبات لابن أبي الدنيا عن أنس: أن الضبّ ليموت في جحره هزالاً من ظلم بني آدم. وخصّ جحر الضبّ بذلك لشدّة ضيقه ورداءته، ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارهم واتباعهم طرائقهم لو دخلوا في مثل هذا الضيق الرديء لوافقوهم؛ قاله ابن حجر. (قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن) استفهام إنكاري؛ أي ليس المراد غيرهم. ولأبي ذرّ: "قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فمن". 3457 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَأُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِقَامَةَ". وبه قال: (حدّثنا عمران بن ميسرة) ضد الميمنة الأدمي البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال): لما كثر الناس وأرادوا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه (ذكروا النار) يوقدونها كالمجوس (والناقوس) يضربونه (فذكروا اليهود والنصارى). وهذا موضع الترجمة لأجل ذكر اليهود لأنهم من بني إسرائيل (فأمر بلال أن يشفع الأذان) يأتي بألفاظه مثنى إلا لفظ التكبير أوله فإنه أربع، وإلا كلمة التوحيد في آخره فإنها مفردة فالمراد معظمة (وأن يوتر الإقامة) إلا لفظ الإقامة فإنه يثنى. وقد سبق هذا الحديث في بدء الأذان من كتاب الصلاة. 3458 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ "عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها كَانَتْ تَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْمُصَلِّي يَدَهُ فِي خَاصِرَتِهِ وَتَقُولُ: إِنَّ الْيَهُودَ تَفْعَلُهُ". تَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تكره أن يجعل المصلي يده في خاصرته وتقول: إن اليهود) وهم من بني إسرائيل (تفعله) فيكره التشبه بهم كراهة تنزيه وهو فعل الجبابرة واستراحة أهل النار. (تابعه) أي تابع سفيان بن عيينة (شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان ووصل هذه المتابعة ابن أبي شيبة. وروى الحديث المؤلّف معلقًا من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في باب: الخصر في أواخر الصلاة. 3459 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا أَجَلُكُمْ -فِي أَجَلِ مَنْ خَلاَ مِنَ الأُمَمِ- مَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ. وَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالاً فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ. ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ. ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ؟ أَلاَ فَأَنْتُمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، أَلاَ لَكُمُ الأَجْرُ مَرَّتَيْنِ. فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلاً وَأَقَلُّ عَطَاءً، قَالَ اللَّهُ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَإِنَّهُ فَضْلِي، أُعْطِيهِ مَنْ شِئْتُ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي مولاهم البلخي قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام ولأبي ذر: الليث (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إنما أجلكم) أي زمانكم أيها المسلمون (في أجل من خلا) في زمان من مضى (من الأمم ما بين صلاة العصر) المنتهية (إلى مغرب الشمس) وفي الصلاة من طريق سالم عن أبيه إلى غروب الشمس (وإنما مثلكم) أيها المسلمون مع نبيكم (ومثل اليهود والنصارى) مع أنبيائهم (كرجل استعمل عمالاً) بضم العين وتشديد الميم جمع عامل بأجرة (فقال: من يعمل لي) عملاً (إلى نصف النهار على قيراط قيراط) وهو نصف دانق والمراد به هنا النصيب (فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط) فأعطوا كل واحد قيراطًا (ثم قال: من يعمل لي) عملاً (من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط). فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط. ثم قال: من يعمل لي عملاً (من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين؟ قال: ألا) بالتخفيف وفي بعض النسخ قيراطين قيراطين ألا بإسقاط قال وفي اليونينية ألا ورقم عليها لا علامة السقوط وفوقها قال (فأنتم) أيها الأمة المحمدية (الذين يعملون) ولأبي ذر تعملون بالمثناة الفوقية (من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين). سقط على قيراطين قيراطين لأبوي الوقت وذر (ألا) بالتخفيف (لكم الأجر مرتين، فغضبت اليهود والنصارى) يعني الكفار منهم (فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل عطاء قال الله) عز وجل (هل) ولأبي ذر عن الكشميهني وهل (ظلمتكم) نقصتكم (من حقكم شيئًا؟ قالوا: لا. قال: فإنه فضلي أعطيه من شئت). وهذا الحديث سبق في الصلاة. 3460 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «سَمِعْتُ عُمَرَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَاتَلَ اللَّهُ فُلاَنًا، أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا فَبَاعُوهَا». تَابَعَهُ جَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله)

المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن طاوس) هو ابن كيسان اليماني (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: سمعت عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- يقول: قاتل الله) لعن الله (فلانًا) يعني سمرة بن جندب لأنه باع خمرًا كان أخذها من أهل الكتاب عن قيمة الجزية معتقدًا جواز بيعها، ولذلك اقتصر عمر -رضي الله عنه- على ذمه ولم يعاقبه، ويحتمل أنه لم يرد الدعاء عليه بل أراد بها التغليظ عليه كعادة العرب، ولعل الراوي لم يصرح باسمه تأدبًا (ألم يعلم) فلان (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم) أكلها مطلقًا من الميتة وغيرها وجمع الشحم لاختلاف أجناسه وإلاّ فهو اسم جنس حقه الإفراد (فجملوها) بفتح الجيم والميم أي أذابوها (فباعوها) يعني فبيع فلان الخمر مثل بيع اليهود الشحم المذاب وكل ما حرم تناوله حرم بيعه. وهذا الحديث سبق في كتاب البيع. (تابعه) أي تابع ابن عباس في تحريم الشحوم (جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري فيما وصله المؤلّف في أواخر البيوع (وأبو هريرة) أيضًا فيما وصله البخاري أيضًا في باب: لا يذاب شحم الميتة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 3461 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وبعد اللام المفتوحة دال مهملة قال: (أخبرنا الأوزاعي) عبد الرَّحمن بن عمرو قال: (حدّثنا حسان بن عطية) المحاربيّ مولاهم الدمشقي (عن أبي كبشة) بفتح الكاف وسكون الموحدة وفتح المعجفة السلولي واسمه كنيته (عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بلغوا عني ولو آية) من القرآن أو المراد بالآية العلامة الظاهرة أي ولو كان المبلغ فعلاً أو إشارة ونحوهما (وحدّثوا عن بني إسرائيل). بما وقع لهم من الأعاجيب، وإن استحال مثلها في هذه الأمة كنزول النار من السماء لأكل القربان مما لا تعلمون كذبه (ولا حرج) لا ضيق عليكم في الحديث عنهم لأنه كان عليه الصلاة والسلام زجرهم عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم قبل استقرار الأحكام الدينية والقواعد الإسلامية خشية الفتنة ثم لما زال المحذور أذن لهم أو أن قوله أوّلاً حدثوا صيغة أمر تقتضي الوجوب فأشار إلى عدمه وأن الأمر للإباحة بقوله: ولا حرج أي في ترك التحديث عنهم، أو المراد رفع الحرج عن الحاكي لما في أخبارهم من ألفاظ مستبشعة كقولهم: اجعل لنا إلهًا واذهب أنت وربك، أو المراد جواز التحديث عنهم بأيّ صيغة وقعت من انقطاع أو بلاغ لتعذر الاتصال في التحديث عنهم بخلاف الأحكام المحمدية فإن الأصل فيها التحديث بالاتصال. (ومن كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ) بسكون اللام فليتخذ (مقعده من النار). أي فيها والأمر هنا معناه الخبر أي أن الله تعالى يبوئه مقعده من النار أو أمر على سبيل التهكم أو دعاء على معنى بوأه الله، ولو نقل العالم معنى قوله بلفظ غير لفظه لكنه مطابق لمعنى لفظه فهو جائز عند المحققين كما ذكر في محله. وهذا الحديث أخرجه الترمذي في العلم. 3462 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ». [الحديث 3462 - طرفه في: 5899]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي (قال: حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إبراهيم بن سعد) بسكون العين القرشي (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: قال أبو سلمة بن عبد الرَّحمن) بن عوف (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن اليهود والنصارى لا يصبغون) شيب اللحية والرأس (فخالفوهم). أي واصبغوا بغير السواد لما في مسلم من حديث جابر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "غيروه وجنبوه السواد" وقد اختار النووي تحريم الصبغ بالسواد نعم يستثنى المجاهد اتفاقًا. هذا الحديث أخرجه النسائي في الزينة. 3463 - حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ، وَمَا نَسِينَا مُنْذُ حَدَّثَنَا، وَمَا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ جُنْدُبٌ كَذَبَ عَلَى النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد) هو ابن معمر بن ربعي القيسي البحراني بالموحدة والحاء المهملة أو هو محمد بن يحيى الذهلي (قال: حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (حجاج) هو ابن منهال قال: (حدّثنا جرير) وابن حازم (عن الحسن) البصري أنه (قال: حدّثنا جندب بن عبد الله)

51 - باب حديث أبرص وأعمى وأقرع في بني إسرائيل

بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال وضمها (في هذا المسجد) مسجد البصرة (وما نسينا) ما حدّثنا به (منذ حدّثنا) بل حققناه واستمرّينا ذاكرين له لقرب العهد به (وما نخشى أن يكون جندب كذب على رسول الله) ولأبي ذر: على النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأن الصحابة عدول (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كان فيمن قبلكم) من بني إسرائيل أو من غيرهم (رجل) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (به جرح) بضم الجيم وسكون الراء بعدها حاء مهملة في يده (فجزع) بفتح الجيم وكسر الزاي لم يصبر على ألمه (فأخذ سكينًا) بكسر السين (فحزّ) بالحاء المهملة والزاي المشدّدة قطع (بها يده) من غير إبانة (فما رقأ) بفتح الراء والقاف والهمزة أي لم ينقطع (الدم حتى مات. قال الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل بدل تعالى (بادرني عبدي بنفسه) أي استعجل الموت (حرّمت عليه الجنة) لأنه استحل ذلك فكفر به فيكون مخلدًا بكفره لا بقتله، أو كان كافرًا في الأصل وعوقب بهذه المعصية زيادة على كفره، أو حرمت عليه الجنة في وقت ما كالوقت الذي يدخل فيه السابقون أو الوقت الذي يعذب فيه الموحدون ثم يخرجون أو جنة معينة كالفردوس مثلاً أو غير ذلك مما يطول ذكره. وقال الطيبي: وليس في قوله حرمت عليه الجنة ما يدل على الدوام والإقناط الكلي، ولما كان الإنسان بصدد أن يحمله الضجر والغضب على إتلاف نفسه ويسوّل له الشيطان أن الخطب فيه يسير وأنه أهون من قتل نفس أخرى محرمة أعلم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ذلك في التحريم كقتل سائر النفوس المحرمة انتهى. واستشكل قوله: بادرني بنفسه إذ مقتضاه أن من قتل فقد مات قبل أجله وليس أحد يموت بأيّ سبب كان إلا بأجله، وقد علم الله أنه يموت بالسبب المذكور وما علمه لا يتغير. وأجيب: بأنه لما وجدت منه صورة المبادرة بقصده ذلك واختياره له والله جل وعلا لم يطلعه على انقضاء أجله فاختار هو قتل نفسه فاستحق المعاقبة لعصيانه والحديث أصل كبير في تعظيم قتل النفس سواء كانت نفس الإنسان أو غيره لأن نفسه ليست ملكه أيضًا فيتصرف فيها على حسب اختياره. 51 - باب حَدِيثُ أَبْرَصَ وَأَعْمَى وَأَقْرَعَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ (حديث أبرص) وهو الذي ابيضّ ظاهر بدنه لفساد مزاجه (وأقرع) وهو الذي ذهب شعر رأسه بآفة (وأعمى) وهو الذي ذهب بصره الكائنين الثلاثة (في بني إسرائيل). وسقط لأبي ذر في بني إسرائيل، وفي بعض النسخ باب حديث أبرص الخ. 3464 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ح. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الأَبْرَصَ فَقَالَ: أَيُّ شَىْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ. قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا. فَقَالَ: أَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإِبِلُ -أَوْ قَالَ: الْبَقَرُ- هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ: إِنَّ الأَبْرَصَ وَالأَقْرَعَ قَالَ أَحَدُهُمَا: الإِبِلُ، وَقَالَ الآخَرُ: الْبَقَرُ - فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ , فَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا. وَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ: أَيُّ شَىْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ هَذَا عَنِّي، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ. قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ، وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا. قَالَ: فَأَىُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْبَقَرُ. قَالَ: فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلاً، وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا. وَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ: أَيُّ شَىْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: يَرُدُّ اللَّهُ إِلَىَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ. قَالَ: فَمَسَحَهُ، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ. قَالَ: فَأَىُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْغَنَمُ، فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا، فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ الإِبِلٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ. ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِه فَلاَ بَلاَغَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ -بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ- بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ بهِ فِي سَفَرِي. فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْحُقُوقَ كَثِيرَةٌ. فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ. فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ. وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ. وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِه، فَلاَ بَلاَغَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي. وَقَالَ لَهُ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لاَ أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشَىْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ. فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ». [الحديث 3464 - طرفه في: 6653]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أحمد بن إسحاق) السرّماري بضم السين المهملة وتشديد الراء المفتوحة نسبة إلى قرية من قرى بخارا قال: (حدّثنا عمرو بن عاصم) بفتح العين وسكون الميم القيسي الكلابي قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة قال: (حدّثنا إسحاق بن عبد الله) بن أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري ابن أخي أنس بن مالك (قال: حدثني) بالإفراد (عبد الرَّحمن بن أبي عمرة) بفتح العين المهملة وسكون الميم الأنصاري (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (حدثه أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح). وبه قال: (وحدثني) بالإفراد (محمد) غير منسوب وقد جوز الحافظ أبو ذر الهروي أنه الذهلي، وقيل هو محمد بن إسماعيل البخاري نفسه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) بالجيم ابن المثنى البصري قال: (أخبرنا همام) العوذي (عن إسحاق بن عبد الله) ابن أخي أنس أنه (قال: أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدثني (عبد الرَّحمن بن أبي عمرة أن أبا هريرة -رضي الله عنه- حدثه أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأعمى وأقرع) لم يسموا (بدا لله) بفتح الموحدة والمهملة المخففة بغير همز في الفرع، وأصله وهو الذي رويناه كالأكثرين ومعناه سبق في علم الله فأراد إظهاره لا أنه ظهر له بعد أن كان خافيًا إذ إن ذلك محال في حق الله تعالى، وخطأ هذا الكرماني في شرحه تبعًا لابن قرقول ولفظه في مطالعه ضبطناه عن متقني شيوخنا بالهمز أي ابتدأ الله أن يبتليهم قال: ورواه كثير من الشيوخ بغير

همز وهو خطأ انتهى. وقد سبقه إلى التخطئة الخطابي وليس كذلك، فقد ثبت الرواية به ووجه وأولى ما يحمل عليه كما في الفتح أن المراد قضى الله أن يبتليهم، وفي مسلم عن شيبان بن فروخ عن همام بهذا الإسناد أراد الله أن يبتليهم، وقال البرماوي تبعًا للكرماني: بدأ بالهمز الله رفع فاعل أي حكم وأراد. (عز وجل أن يبتليهم) أي يختبرهم وقوله عز وجل ثابتة لأبي ذر (فبعث إليهم ملكًا فأتى الأبرص) الذي ابيض جسده (فقال) له: (أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن قد قدرني الناس) بفتح القاف وكسر الذال المعجمة والنصب على المفعولية أي اشمأزوا من رؤيتي وعدّوني مستقذرًا وكرهوني، وفي رواية ذكرها الكرماني قذروني وهي على لغة أكلوني البراغيث (قال: فمسحه) الملك (فذهب عنه) البرص وسقط لأبي ذر لفظة عنه (فأعطي) بالفاء وضم الهمزة ولأبي ذر: وأعطي (لونًا وجلدًا حسنًا. فقال) له الملك أيضًا: (أي المال) ولغير الكشميهني كما هو مفهوم فتح الباري: وأي المال بالواو وكذا هي في اليونينية لأبي ذر عن الحموي والمستملي (أحب إليك)؟ (قال): أحبه إلي (الإبل. أو قال البقر هو) أي إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الراوي كما في مسلم (شك في ذلك أن الأبرص) كذا في اليونينية بفتح الهمزة من أن وكسرها وفي فرعها بفتحها (الأقرع قال أحدهما: الإبل وقال الأخر: البقر فأعطي) بضم الهمزة الذي تمنى الإبل (ناقة عشراء) بضم العين وفتح المعجمة والراء ممدودًا الحامل التي أتى عليها في حملها عشرة أشهر من يوم طرقها الفحل وهي من أنفس الإبل (فقال) له الملك: (يبارك لك فيها) بضم التحتية من يبارك وفي رواية شيبان بن فروخ عن همام عند مسلم بارك الله لك فيها. (وأتى) الملك (الأقرع) الذي ذهب شعر رأسه (فقال) له: (أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عني هذا) القرع ولأبي ذر ويذهب هذا عني بالتقديم والتأخير (قد قذروني الناس) كرهوني (قال: فمسحه) الملك على رأسه (فذهب) قرعه (وأعطي) بضم الهمزة (شعرًا حسنًا) ثم (قال) له (فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر قال: فأعطاه بقرة حاملاً وقال) له: (يبارك لك فيها وأتى الأعمى فقال) له: (أي شيء أحب إليك قال يرد الله إليّ بصري فأبصر به الناس. قال: فمسحه) الملك على عينيه (فرد الله بصره) ثم (قال) له: (فأي المال أحب إليك قال) له: (الغنم فأعطاه شاة والدًا) ذات ولد أو حاملاً (فأنتج) بهمزة مضمومة وهي لغة قليلة والمشهور عند أهل اللغة نتج بضم النون من غير همز (هذان) أي صاحبا الإبل والبقر (وولد) بفتح الواو وتشديد اللام (هذا) أي صاحب الشاة. قال الكرماني: وقد راعى عرف الاستعمال حيث قال فيهما أنتج وفي الشاة ولد (فكان لهذا) الذي اختار الإبل (واد) قد امتلأ (من إبل) ولأبي ذر من الإبل (ولهذا) الذي اختار البقر (واد) قد امتلأ (من بقر ولهذا) الذي اختار الغنم (واد) قد امتلأ (من الغنم) ولأبي ذر من غنم (ثم إنه) أي الملك (أتى الأبرص) الذي كان مسحه فذهب برصه (في صورته وهيئته) التي كان عليها لما اجتمع به وهو أبرص (فقال) له إني (رجل مسكين) زاد شيبان وابن سبيل (تقطعت بي الحبال في سفري) بحاء مهملة مكسورة ثم موحدة خفيفة جمع حبل والمراد الأسباب التي يقطعها في طلب الرزق أو المستطيل من الرمل أو العقبات ولبعض رواة البخاري الجبال بالجيم والموحدة قال الحافظ ابن حجر وهو تصحيف ولأبي ذر عن الحموي والمستملي به الحبال في سفره (فلا بلاغ) فلا كفاية (اليوم إلا بالله) أي ليس لي ما أبلغ به غرضي إلا بالله وفي الفرع كأصله تضبيب على غين بلاغ فليتأمل (ثم بك) ثم هنا للمرتبة في التنزل لا للترقي وهذا ونحوه من الملائكة معاريض لا إخبار كما في قول إبراهيم هذا ربي وأختي (أسألك ب) الله (الذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال) الكثير (بعيرًا أتبلغ عليه في سفري) ولأبي ذر عن الكشميهني: به. وأتبلغ بهمزة وفوقية وموحدة ولام مشددة مفتوحات ثم معجمة من البلغة وهي

52 - باب {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم} {الكهف}: الفتح في الجبل، {والرقيم}: الكتاب. {مرقوم}: مكتوب، من الرقم. {ربطنا على قلوبهم}: ألهمناهم صبرا. {شططا}: إفراطا. {الوصيد}: الفناء، وجمعه وصائد ووصد، ويقال: الوصيد الباب. {مؤصدة}: مطبقة، آصد الباب وأوصد. {بعثناهم}: أحييناهم. {أزكى}: أكثر ريعا. {فضرب الله على آذانهم}: فناموا. {رجما بالغيب}: لم يستبن. وقال مجاهد: {تقرضهم}: تتركهم.

الكفاية والمعنى أتوصل به إلى مرادي (فقال) ولأبي ذر: قال (له: إن الحقوق كثيرة فقال له) الملك: (كأني أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس) بفتح التحتية والذال المعجمة من باب علم يعلم حال كونك (فقيرًا فأعطاك الله فقال) له: (لقد ورثت) هذا المال (لكابر عن كابر) ولأبي ذر عن الكشميهني كابرًا عن كابر بإسقاط اللام والنصب أي ورثته عن آبائي وأجدادي حال من كل واحد منهم كبير أورث عن كبير فكذب وجحد نعمة الله (فقال) له الملك: (إن كنت كاذبًا) في مقالتك هذه (فصيرك الله) عز وجل (إلى ما كنت) من البرص والفقر والجملة جواب الشرط وأدخل الفاء في الفعل الماضي لأنه دعاء. فإن قلت: فَلِمَ عبّر بالماضي؟ أجيب: لقصد المبالغة في الدعاء عليه والشرط ليس على حقيقته لأن الملك لم يشك في كذبه بل هو مثل قول العامل إذا سوف في عمالته إن كنت عملت فأعطني حقي. (وأتى) الملك (الأقرع) الذي كان مسح رأسه فذهب قرعه (في صورته وهيئته) التي كان عليها أوّلاً (فقال، له مثل ما قال لهذا) الأبرص رجل مسكين تقطعت بي الحبال في سفري إلى آخره وسأله بقرة (فردّ عليه) بالفاء ولأبي ذر ورد وليست هذه في الفرع أي فرد الرجل الأقرع على الملك (مثل ما رد عليه هذا) الأبرص فقال إن الحقوق كثيرة الخ وسقط لأبي ذر لفظ هذا (فقال) له الملك: (إن كنت كاذبًا فصيّرك الله إلى ما كنت) عليه من القرع والفقر. (وأتى) الملك (الأعمى) الذي مسح عينيه فعاد بصره (في صورته) التي كان عليها (فقال: رجل مسكين وابن سبيل) ولأبي ذر: وابن السبيل (وتقطعت بي الحبال في سفري) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي به الحبال في سفره (فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك أسألك ب) الله (الذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري فقال) بالفاء ولأبي ذر وقال له (قد كنت أعمى فرد الله) عليّ (بصري وفقيرًا فقد أغناني) وضبب في الفرع على فقد أغناني وكذا في اليونينية (فخذ ما شئت) زاد شيبان ودع ما شئت (فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله) بالجيم الساكنة والهاء في الفرع وأصله. قال الحافظ ابن حجر: وهي رواية كريمة وأكثر روايات مسلم أي لا أشق عليك في ردّ شيء تطلبه مني أو تأخذه، ولأبي ذر كما في الفرع وأصله: لا أحمدك بالحاء المهملة والميم بدل الجيم والهاء لشيء باللام بدل الموحدة أي لا أحمدك على ترك شيء تحتاج إليه من مالي كقوله: وليس على طول الحياة تندم أي على فوت طول الحياة. وادعى القاضي عياض أنه لم تختلف رواة البخاري في أنها بالحاء والميم وما ذكر يرد دعواه، وأما ما حكاه القاضي أن بعضهم لما أشكل عليه معناه أسقط الميم فصار لا أحدك بتشديد الدال أي لا أمنعك. فقال في المصابيح: إنه تكلف وأساؤوا غير الرواية وإنه جراءة عظيمة لا يقدم عليها من يتقي الله. (فقال) الملك له: (أمسك مالك فإنما ابتليتم) اختبركم الله (فقد رضي الله عنك) وسقط الفاعل لأبي ذر (وسخط) بكسر الخاء (على صاحبيك) بالتثنية. 52 - باب {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} {الْكَهْفُ}: الْفَتْحُ فِي الْجَبَلِ، {وَالرَّقِيمُ}: الْكِتَابُ. {مَرْقُومٌ}: مَكْتُوبٌ، مِنَ الرَّقْمِ. {رَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ}: أَلْهَمْنَاهُمْ صَبْرًا. {شَطَطًا}: إِفْرَاطًا. {الْوَصِيدُ}: الْفِنَاءُ، وَجَمْعُهُ وَصَائِدُ وَوُصُدٌ، وَيُقَالُ: الْوَصِيدُ الْبَابُ. {مُؤْصَدَةٌ}: مُطْبَقَةٌ، آصَدَ الْبَابَ وَأَوْصَدَ. {بَعَثْنَاهُمْ}: أَحْيَيْنَاهُمْ. {أَزْكَى}: أَكْثَرُ رَيْعًا. {فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ}: فَنَامُوا. {رَجْمًا بِالْغَيْبِ}: لَمْ يَسْتَبِنْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَقْرِضُهُمْ}: تَتْرُكُهُمْ. (باب {أم حسبت}) أي بل حسبت ({أن أصحاب الكهف والرقيم}) [الكهف: 9] سقط لفظ باب لأبي ذر عن المستملي والكشميهني وكذا سقط في فرع اليونينية وأصله وسقط الرقيم لأبوي الوقت وذر وابن عساكر ({الكهف}) هو (الفتح في الجبل) قال الضحاك: والذي تظافرت به الأخبار أنه في بلاد الروم ({والرقيم}) هو (الكتاب {مرقوم}) أي (مكتوب من الرقم) وهو الكتابة. وعن أبي عبيدة: الرقيم الوادي الذي فيه الكهف، وعن كعب القرية: وعن أنس اسم الكلب، وعن سعيد بن جبير اسم الصخرة التي أطبقت على الوادي الذي فيه الكهف. وعن ابن عباس لوح من رصاص كتب فيه أسماء أصحاب الكهف لما توجهوا عن قومهم ولم يعرفوا أين توجهوا ({ربطنا على قلوبهم}) أي (ألهمناهم صبرًا) على هجر الوطن والأهل والمال وغير ذلك. ({شططًا}) [الكهف: 14] أي (إفراطًا) في الظلم والنصب على أنه صفة مصدر محذوف تقديره لقد قلنا إذًا قولاً شططًَا. ({الوصيد}) [الكهف: 18] هو (الفناء) بكسر الفاء والمد أي فناء الكهف (وجمعه صائد) بالمد (ووصد) بضم الواو

53 - باب حديث الغار

والصاد (ويقال الوصيد) هو (الباب) وقيل العتبة وقوله: ({مؤصدة}) أي (مطبقة) يقال (آصد الباب) بالمد وفتح الصاد المهملة أي أغلقه (و) يقال (أوصد) أيضًا. ({بعثناهم}) أي (أحييناهم) أو أيقظناهم ({أزكى}) [الكهف: 19] طعامًا أي (أكثر ريعًا) بالراء المفتوحة والتحتية الساكنة ثم العين المهملة أي نماء وزيادة (فضرب الله على آذانهم فناموا) نومة لا تنبههم منها الأصوات ومراده قوله فضربنا على آذانهم في الكهف ({رجمًا بالغيب}) [الكهف: 22] أي (لم يستبن. وقال): ولابن عساكر فقال (مجاهد) ({تقرضهم}) [الكهف: 17] أي (تتركهم). وسقط هذا التفسير كله للنسفي، وثبت في الفرع وأصله للكشميهني والمستملي، وسقط للحموي وهو ثابت أيضًا في أصول الحفاظ أبي ذر الهروي وأبي محمد الأصيلي وأبي القاسم الدمشقي وأبي سعد السمعاني. 53 - باب حَدِيثُ الْغَارِ (حديث الغار). 3465 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلاَءِ لاَ يُنْجِيكُمْ إِلاَّ الصِّدْقُ، فَلْيَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ. فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَجِيرٌ عَمِلَ لِي عَلَى فَرَقٍ مِنْ أَرُزٍّ، فَذَهَبَ وَتَرَكَهُ، وَأَنِّي عَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ، فَصَارَ مِنْ أَمْرِهِ أَنِّي اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا، وَأَنَّهُ أَتَانِي يَطْلُبُ أَجْرَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ. فَسُقْهَا، فَقَالَ لِي: إِنَّمَا لِي عِنْدَكَ فَرَقٌ مِنْ أَرُزٍّ. فَقُلْتُ لَهُ: اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ، فَإِنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْفَرَقِ. فَسَاقَهَا. فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا. فَانْسَاخَتْ عَنْهُمُ الصَّخْرَةُ. فَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ آتِيهِمَا كُلَّ لَيْلَةٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ لِي، فَأَبْطَأْتُ عَنهمَا لَيْلَةً، فَجِئْتُ وَقَدْ رَقَدَا؛ وَأَهْلِي وَعِيَالِي يَتَضَاغَوْنَ مِنَ الْجُوعِ، وَكُنْتُ لاَ أَسْقِيهِمْ حَتَّى يَشْرَبَ أَبَوَاىَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَهُمَا فَيَسْتَكِنَّا لِشَرْبَتِهِمَا، فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ. فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا. فَانْسَاخَتْ عَنْهُمُ الصَّخْرَةُ حَتَّى نَظَرُوا إِلَى السَّمَاءِ. فَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ، وَأَنِّي رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ إِلاَّ أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَطَلَبْتُهَا حَتَّى قَدَرْتُ، فَأَتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا، فَأَمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا فَقَالَتِ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ , فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ الْمِائَةَ دِينَارٍ. فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن خليل) الخزاز بمعجمات أبو عبد الله الكوفي قال: (أخبرنا علي بن مسهر) بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء بعدها راء القرشي الكوفي قاضي الموصل (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن عمر عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بينما) بالميم (ثلاثة نفر) لم يسموا (ممن كان قبلكم) في الطبراني عن عقبة بن عامر من بني إسرائيل (يمشون) مرفوع خبر ثلاثة. وفي حديث عقبة المذكور وأبي هريرة عند ابن حبان والبزار أنهم خرجوا يرتادون (لأهلهم إذ أصابهم مطر فأووا) بقصر الهمزة في الفرع كأصله وتمد (إلى غار فانطبق عليهم) باب الغار. وعند الطبراني من حديث النعمان من وجه آخر إذ وقع حجر من الجبل مما يهبط من خشية الله حتى سد فم الغار (فقال بعضهم لبعض: إنه) إن الشأن (والله يا هؤلاء لا ينجيكم) بضم أوله وسكون النون مخففًا ولأبي ذر ينجيكم بفتح النون مثقلاً مما أنتم فيه (إلا الصدق فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه) في حديث علي عند البزار: تفكّروا في أحسن أعمالكم فادعوا الله بها لعل الله يفرج عنكم. (فقال: واحد منهم) سقط واحد وتاليه لأبوي ذر والوقت بإسقاط القائل (اللهم إن كنت تعلم) ظاهره الشك والمؤمن يجزم بأن الله تعالى عالم بذلك فهو على خلاف الظاهر فالمعنى أنت تعلم (إنه كان لي أجير عمل لي) بكسر الميم عملاً (على فرق) بفتح الفاء والراء بعدها قاف مكيال يسع ثلاثة آصع (من أرز) بفتح الهمزة وضم الراء وتشديد الزاي، ولأبي ذر: ارز بضم الهمزة وفتحها وسكون الراء (فذهب وتركه) في حديث النعمان بن بشير عند أحمد كان لي أجراء يعملون فاستأجرت كل رجل منهم بأجر معلوم فجاء رجل ذات يوم في نصف النهار فاستأجرته بشطر أصحابه فعمل في نصف نهاره كما عمل رجل منهم في نهاره كله فرأيت علي في الزمان أن لا أنقصه مما استأجرت به أصحابه لما جهد في عمله فقال رجل منهم: تعطي هذا مثل ما أعطيتني. فقلت: يا عبد الله لم أبخسك شيئًا من شرطك وإنما هو مالي أحكم فيه بما شئت. قال: فغضب وذهب وترك أجره (وأني) بفتح الهمزة (عمدت) بفتح العين والميم (إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره أني اشتريت) ولأبي ذر عن الكشميهني: أن اشتريت (منه بقرًا) زاد موسى بن عقبة وراعيها (وأنه أتاني يطلب أجره فقلت: اعمد) بكسر الميم ولأبي ذر فقلت له اعمد (إلى تلك البقر فسقها فقال لي إنما لي عندك فرق من أرز) بالتشديد مع فتح الهمزة وضم الراء (فقلت له: اعمد) بكسر الميم (إلى تلك البقر فإنها من ذلك الفرق فساقها فإن كنت تعلم) أن عملي هذا مقبول و (أني فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنا) ما نحن فيه وكأنه لم يجزم بقبول عمله (فانساخت) بهمزة الوصل وسكون النون وبالسين المهملة والخاء المعجمة المفتوحتين بينهما ألف أي انشقت (عنهم الصخرة). ويقال: انصاخت بالصاد بدل السين أي انشق من قبل نفسه، وأنكر الخطابي انساخت بالسين والخاء المعجمة وصوب كونها بالحاء المهملة وهي التي في اليونينية وفرعها أي اتسعت، لكن الرواية بالسين والخاء المعجمة صحيحة وإن

كان الأصل بالصاد فهي تقلب سينًا. وفي حديث النعمان بن بشير فانصدع الجبل حتى رأوا الضوء. وفي حديث أبي هريرة عند ابن حبان فزال ثلث الحجر. (فقال الآخر: اللهم إن كنت) أي أنت (تعلم كان) وللأصيلي أنه كان (لي أبوان) فهو من باب التغليب أي أب وأم (شيخان كبيران) وفي حديث علي أبوان ضعيفان فقيران ليس لهما خادم ولا راع ولا ولي غيري فكنت أرعى لهما بالنهار وآوي إليهما بالليل (وكنت) ولغير أبوي ذر والوقت فكنت (آتيهما) بالمد (كل ليلة بلبن غنم لي فأبطأت عليهما) ولأبي ذر عنهما (ليلة) بسبب تباعد العشب الذي ترعاه الغنم (فجئت وقد رقدا) الأبوان (وأهلي) مبتدأ (وعيالي) عطف عليه والخبر (يتضاغون) بضاد وغين معجمتين أي وزوجتي وأولادي وغيرهم يتصايحون أو يستغيثون (من الجوع) بسبب الجوع (فكنت) بالفاء ولأبي ذر كنت (لا أسقيهم) شيئًا من اللبن (حتى يشرب أبواي فكرهت أن أوقظهما) من نومهما فيشق عليهما (وكرهت أن أدعهما) أتركهما (فيستكنا) بتشديد النون في الفرع كأصله من الاستكنان أي يلبثا في كونهما منتظرين (لشربتهما) أو بتخفيف النون كما أفهمه كلام الكرماني، وتفسير الحافظ ابن حجر مقتصرًا عليه حيث قال: وأما كراهية أن يدعهما فقد فسره بقوله فيستكنا لشربتهما أي يضعفا لأنه عشاؤهما وترك العشاء يهرم، وقوله: يستكنا من الاستكانة، وقوله لشربتهما أي لعدم شربهما فيصيران ضعيفين مسكينين والمسكين الذي لا شيء له انتهى. (فلم أزل انتظر) استيقاظهما (حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم) أن عملي هذا مقبول و (أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا) ما نحن فيه (فانساخت عنهم الصخرة) بالخاء المعجمة أي انشقت (حتى نظروا إلى السماء. فقال الأخر: اللهم إن كنت تعلم) أي أنت تعلم (أنه كان) ولأبي ذر كانت (لي ابنة عم) لم تسم (من أحب الناس إليّ) زاد في رواية موسى بن عقبة في باب إذا اشتر شيئًا لغيره بغير إذنه من البيوع كأشدّ ما يحب الرجال النساء (وإني راودتها عن نفسها) أي طلبت منها النكاح يقال راود فلان جاريته على نفسها وراودته هي على نفسه إذا حاول كل منهما الوطء، وعداه هنا بعن لأنه ضمن معنى المخادعة أي خادعتها عن نفسها والمفاعلة هنا من الواحد نحو: داويت المريض أو هي على بابها فإن كل واحد منهما كان يطلب من صاحبه شيئًا برفق هو يطلب منها الفعل وهي تطلب منه الترك إلا أن أعطاها مالاً كما قال (فأبت) أي امتنعت (إلا أن آتيها بمائة دينار). وفي رواية سالم عن أبيه في باب من استأجر أجيرًا من البيوع فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة أي سنة قحط فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار، وجمع بينه وبين رواية الباب بأنها امتنعت أوّلاً عفة عنه ودافعته بطلب المال فلما احتاجت أجابت، وأما قوله فأعطيتها عشرين ومائة دينار فيحتمل أنها طلبت منه المائة وزادها من قبل نفسه العشرين (فطلبتها) أي المائة دينار (حتى قدرت) عليها (فأتيتها بها فدفعتها إليها) وفي حديث النعمان أنها ترددت إليه ثلاث مرات تطلب شيئًا من معروفه ويأبى عليها إلا أن تمكنه من نفسها فأجابت في الثالثة بعد أن استأذنت زوجها فأذن لها وقال لها: أغني عيالك. قال: فرجعت فناشدتني بالله (فأمكنتني من نفسها فلما قعدت بين رجليها) أي جلست منها مجلس الرجل من امرأته لأطأها (قالت): كذا في الفرع والمدّ في أصله فقالت (اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه) بفتح التاء وضم الفاء وتشديد الضاد المعجمة أي لا تكسره وكنّت عن عذرتها بالخاتم وكأنها كانت بكرًا فقالت: لا تزل بكارتي إلا بتزويج صحيح، لكن في حديث النعمان بن بشير ما يدل على أنها لم تكن بكرًا فتكون كنّت عن الإفضاء بالكسر وعن الفرج بالخاتم، وفي حديث عليّ فقالت: أذكرك الله أن تركب مني ما حرم الله عليك. وفي حديث النعمان فأسلمت إليّ نفسها فلما كشفتها أرعدت من تحتي فقلت: مالك؟

54 - باب

قالت: أخاف الله رب العالمين، فقلت: خفتيه في الشّدة ولم أخفه في الرخاء. وفي حديث ابن أبي أوفى عند الطبراني فما جلست منها مجلس الرجل من المرأة ذكرت النار (فقمت) عنها من غير فعل (وتركت المائة دينار) ولأبي ذر وتركت المائة الدينار (فإن كنت تعلم) أن عملي مقبول (وأني فعلت ذلك من خشيتك ففرّج عنا) ما نحن فيه (ففرج الله عنهم فخرجوا) من الغار يمشون. فإن قلت: أي الثلاثة أفضل؟ أجيب: صاحب المرأة لأنه اجتمع فيه الخشية وقد قال تعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} [النازعات: 40] قال الغزالي: شهوة الفرج أغلب الشهوات على الإنسان وأعصاها عند الهيجان على الفعل فمن ترك الزنا خوفًا من الله تعالى مع القدرة وارتفاع الموانع وتيسر الأسباب سيما عند صدق الشهوة نال درجة الصديقين. وهذا الحديث سبق في باب: من استأجر أجيرًا فترك أجره عن سالم، وفي باب إذا اشترى شيئًا لغيره عن موسى بن عقبة عن نافع، وفي باب إذا زرع بمال قوم عن موسى بن عقبة أيضًا ولم يخرجه إلا من رواية ابن عمر، ورواه الطبراني عن أنس وابن حبان عن أبي هريرة، وأحمد عن النعمان بن بشير، والطبراني عن علي وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمرو بن العاصي وعبد الله بن أبي أوفى، واتفقوا على أن القصص الثلاثة في الأجير والمرأة والأبوين إلا حديث عقبة بن عامر ففيه بدل الأجير أن الثالث قال: كنت في غنم أرعاها فحضرت الصلاة فقمت أصلي فجاء الذئب فدخل الغنم فكرهت أن أقطع صلاتي فصبرت حتى فرغت، واختلافهم في التقديم والتأخير يفيد جواز الرواية بالمعنى. 54 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة فهو كالفصل من سابقه. 3466 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «بَيْنَا امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنَهَا إِذْ مَرَّ بِهَا رَاكِبٌ وَهْيَ تُرْضِعُهُ فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ تُمِتِ ابْنِي حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ هَذَا. فَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ. ثُمَّ رَجَعَ فِي الثَّدْيِ. وَمُرَّ بِامْرَأَةٍ تُجَرَّرُ وَيُلْعَبُ بِهَا، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا. فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا. فَقَالَ: أَمَّا الرَّاكِبُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَهَا: تَزْنِي، وَتَقُولُ: حَسْبِي اللَّهُ. وَيَقُولُونَ: تَسْرِقُ، وَتَقُولُ حَسْبِي اللَّهُ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن عبد الرَّحمن) بن هرمز الأعرج أنه (حدثه أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (بينا) بغير ميم (امرأة) لم تسم (ترضع ابنها) لم يسم، وزاد في باب: واذكر في الكتاب مريم من بني إسرائيل (إذ مرّ بها) رجل (راكب) لم يسم (وهي ترضعه فقالت: اللهم لا تمت ابني) هذا (حتى يكون مثل هذا) الراكب في هيئته الحسنة (فقال) الطفل: (اللهم لا تجعلني مثله ثم رجع في الثدي) يمصه (ومر) بضم الميم مبنيًّا للمفعول (بامرأة) لم تسم (تجرّر) بضم الفوقية وفتح الجيم والراء المشددة بعدها راء ثانية (ويلعب بها) بضم الياء وسكون اللام وفتح العين وزاد أحمد من رواية وهب بن جرير وتضرب (فقالت) أم الطفل: (اللهم لا تجعل ابني مثلها) سقط فقالت الخ لأبي ذر (فقال) الطفل: (اللهم اجعلني مثلها) زاد في باب: واذكر في الكتاب مريم فقالت يعني الأم للابن لم ذاك (فقال) الطفل: (أما الراكب فإنه كافر) وفي الباب المذكور جبار من الجبابرة (وأما المرأة فإنهم يقولون لها تزني) زاد في الباب: ولم تفعل واللام في لها تحتمل كما قاله في المصابيح أن تكون بمعنى عن كما قاله ابن الحاجب في قوله تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرًا ما سبقونا إليه} [الأحقاف: 11] ويحتمل أن تجعل لام التبليغ كما قيل به في الآية ردًّا على ابن الحاجب والتفت عن الخطاب إلى الغيبة فقال: سبقونا ولم يقل سبقتمونا. وكذا في الحديث التفت عن الخطاب فلم يقل تزنين وسلك الغيبة فقال: تزني أي هي تزني (وتقول). أي والحال أنها تقول (حسبي الله ويقولون تسرق) ولم تفعل (و) الحال أنها (تقول حسبي الله). وهذا الحديث سبق قريبًا. 3467 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ». [الحديث 3467 - طرفه في: 3321]. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن تليد) هو سعيد بكسر العين ابن عيسى بن تليد بفتح المثناة الفوقية وكسر اللام وسكون التحتية بعدها دال مهملة المصري قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي ابن زيد بن عبد الله المصري (عن أيوب) السختياني (عن محمد بن سيرين) الأنصاري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):

(بينما) بالميم (كلب يطيف) بضم أوّله وكسر ثانيه من أطاف يطيف أي يطوف (بركية) بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتية بئر لم تطو أو طويت أي يدور حولها (كاد يقتله العطش إذ رأته بغيّ) بفتح الموحدة وكسر الغين المعجمة وتشديد التحتية امرأة زانية (من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها) بضم الميم وسكون الواو وفتح القاف خفها فارسي معرب أو هو الذي يلبس فوق الخف وهو الجرموق فملأته من الركية (فسقته) حتى روي (فغفر لها) بضم الغين المعجمة وكسر الفاء مبنيًّا للمفعول أي غفر الله للبغي (به). وسقطت لفظة به للحموي والمستملي وما وقع في الطهارة والشرب أن الذي سقى الكلب رجل يقتضي تعدد ذلك وفيه أن في سقي كل حيوان أجرًا لكن بشرط أن لا يكون مأمورًا بقتله كالحية وغيرها. 3468 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ: «سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ -عَامَ حَجَّ- عَلَى الْمِنْبَرِ، فَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ -وَكَانَتْ فِي يَدِ حَرَسِيٍّ- فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ: إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هذِهِ نِسَاؤُهُمْ». [الحديث 3468 - أطرافه في: 3488، 5932، 5938]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب أبو عبد الرَّحمن القعنبي الحارثي المدني (عن مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن حميد بن عبد الرَّحمن) بن عوف الزهري (أنه سمع معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب بن أمية الأموي الصحابي أسلم قبل الفتح وكتب الوحي (عام حج) سنة إحدى وخمسين حال كونه (على المنبر) النبوي بالمدينة (فتناول قصة) بضم القاف وتشديد الصاد المهملة (من شعر) أي قطعة من شعر الناصية (كانت) ولغير أبو الوقت وذر وكانت (في يدي) بالتثنية ولأبي ذر يد (حرسيّ) واحد الحراس الذين يحرسون (فقال: يا أهل المدينة أين علماؤكم)؟ سؤال إنكار عليهم بإهمالهم إنكار هذا المنكر وغفلتهم عن تغييره (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن مثل هذه) القصة (ويقول) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها) ولأبي ذر حين اتخذ هذه أي القصة (نساؤهم) للزينة توصلها بالشعر. قال القاضي عياض: ويحتمل أنه كان محرمًا على بني إسرائيل فعوقبوا باستعماله وهلكوا بسببه، ويحتمل أن يكون الهلاك به وبغيره من المعاصي وعند ظهور ذلك فيهم هلكوا. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في اللباس وكذا مسلم وأخرجه أبو داود في الترجل والترمذي في الاستئذان والنسائي في الزينة. 3469 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ». [الحديث 3469 - طرفه في: 3689]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن) عمه (أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إنه قد كان) سقط قد في بعض النسخ (فيما مضى قبلكم من الأمم) يريد بني إسرائيل (محدثون) بفتح الدال المهملة المشددة قال المؤلّف يجري على ألسنتهم الصواب من غير نبوّة وقال الخطابي يلقى الشيء في روعه فكأنه قد حدث به يظن فيصيب ويخطر الشيء بباله فيكون وهي منزلة رفيعة من منازل الأولياء (وإنه) أي وإن الشأن (إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- قاله عليه الصلاة والسلام على سبيل التوقع، وكأنه لم يكن اطلع على أن ذلك كائن وقد وقع وقصة يا سارية الجبل مشهورة مع غيرها. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضل عمر وأخرجه النسائي في المناقب. 3470 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا، ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ، فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لاَ. فَقَتَلَهُ. فَجَعَلَ يَسْأَلُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا، فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي، وَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا، فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبُ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة العبدي أبو بكر بندار قال: (حدّثنا محمد بن أبي عدي) هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي البصري (عن شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي الصديق) بكسر الصاد والدال المشددة المهملتين بكر بن قيس (الناجي) بالنون والجيم المكسورة والتحتية المشددة كذا ضبطه الكرماني وغيره وهو الذي في اليونينية وفي الفرع بسكون التحتية (عن أبي سعيد) ولأبي ذر زيادة الخدري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (كان في بني إسرائيل رجل) لم يسم (قتل تسعة وتسعين إنسانًا) زاد الطبراني من حديث معاوية بن أبي سفيان كلهم ظلمًا (ثم خرج يسأل) وعند مسلم من طريق همام عن قتادة يسأل عن أعلم أهل الأرض فدلّ على راهب

(فأتى راهبًا) من النصارى لم يسم وفيه إشعار بأن ذلك وقع بعد رفع عيسى فإن الرهبانية إنما ابتدعها أتباعه (فسأله فقال له: هل) لي (من توبة)؟ بعد هذه الجريمة العظيمة. وفي الحديث إشكال لأنا إن قلنا لا فقد خالفنا نصوصنًا، وإن قلنا نعم فقد خالفنا نصوص الشرع فإن حقوق بني آدم لا تسقط بالتوبة بل توبتها أداؤها إلى مستحقيها أو الاستحلال منها. والجواب أن الله تعالى إذا رضي عنه وقبل توبته يرضي عنه خصمه، وسقط لأبوي ذر والوقت لفظة من فتوبة رفع. (قال) له الراهب (لا) توبة لك بعد أن قتلت تسعة وتسعين إنسانًا ظلمًا (فقتله) وكمل به مائة (فجعل يسأل) أي هل لي من توبة أو عن أعلم أهل الأرض ليسأله عن ذلك (فقال له رجل): راهب لم يسم أيضًا بعد أن سأله فقال إني قتلت مائة إنسان فهل لي من توبة؟ فقال: نعم ومن يحول بينك وبين التوبة (ائت قرية كذا وكذا) اسمها نصرة كما عند الطبراني بإسنادين أحدهما جيد من حديث عبد الله بن عمرو زاد في رواية، فانطلق حتى إذا نصف الطريق (فأدركه الموت فناء) بنون ومد وبعد الألف همزة أي مال (بصدره نحوها) نحو القرية نصرة التي توجه إليها للتوبة، وحكي فنأى بغير مدّ قبل الهمزة وبإشباعها بوزن سعى أن بعد بصدره عن الأرض التي خرج منها (فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب) زاد في رواية هشام عن قتادة عند مسلم فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط (فأوحى الله إلى هذه) القرية نصرة (أن تقربي) منه (وأوحى إلى هذه) القرية التي خرج منها وهي كفرة كما عند الطبراني (أن تباعدي. وقال) للملائكة: (قيسوا ما بينهما) فقيس (فوجد) بضم الواو مبنيًا للمفعول (إلى هذه) القرية نصرة (قرب) بفتح الموحدة ولأبي ذر فوجد له هذه أقرب (بشبر) وأقرب في هذه الرواية رفع على ما لا يخفى وفي رواية هشام فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، وعند الطبراني في حديث معاوية فوجدوه أقرب إلى دير التوّابين بأنملة (فغفر له). واستنبط منه أن التائب ينبغي له مفارقة الأحوال التي اعتادها في زمان المعصية والتحوّل عنها كلها والاشتغال بغيرها وغير ذلك مما يطول. وهذا الحديث أخرجه مسلم في التوبة وابن ماجه في الدّيات. 3471 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ، فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ؟ فَقَالَ: فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَمَا هُمَا ثَمَّ. وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ، فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي، فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لاَ رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي؟ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ؟ قَالَ: فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَمَا هُمَا ثَمَّ». وَحَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِهِ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: صلى رسول الله صلاة الصبح ثم أقبل على الناس فقال): (بينا) بغير ميم (رجل) من بني إسرائيل لم يسم (يسوق بقرة) وجواب بينا قوله (إذ ركبها فضربها فقالت إنا) أي جنس البقر (لم نخلق لهذا) الركوب (إنما خلقنا للحرث) الحصر في ذلك غير مراد اتفاقًا إذ من جملة ما خلقت له الذبح والأكل (فقال الناس) متعجبين (سبحان الله بقرة تكلم) بحذف إحدى التاءين تخفيفًا (فقال): ولأبوي ذر والوقت قال أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإني أومن بهذا) بنطق البقرة والفاء جواب شرط محذوف أي فإذا كان الناس يستغربونه فإني لا أستغربه وأومن به (أنا و) كذا (أبو بكر وعمر وما هما ثم) بفتح المثلثة أي ليسا حاضرين. قال الحافظ ابن حجر: وهو من كلام الراوي ولم يقع في رواية الزهري وثبت لفظ أنا في اليونينية وسقط في الفرع. (و) قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالإسناد السابق (بينما) بالميم (رجل) لم يسم (في غنمه إذ عدا الذئب) بالعين المهملة من العدوان (فذهب منها بشاة فطلب) أي صاحب الغنم الشاة (حتى كأنه استنقذها منه، فقال له): أي لصاحب الغنم (الذئب: هذا) أي يا هذا بحذف حرف النداء واعترض بأنه ممنوع أو قليل أو المراد هذا اليوم (استنقذتها) ولأبى ذر عن الحموي والمستملي استنقذها (مني) فهو في موضع

نصب على الظرفية مشارًا به إلى اليوم وسبق هذا مع غيره في باب استعمال البقر للحراثة من المزارعة (فمن لها) أي للشاة (يوم السبع) بضم الموحدة وجوّز عياض سكونها إلا أنه قال: إن الرواية ضمها أي إذا أخذها السبع المفترس من الحيوان عند الفتن (يوم لا راعي لها غيري) حين تترك نهبة للسباع (فقال الناس) متعجبين: (سبحان الله ذئب يتكلم قال): رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإني أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر وما هما) أي العمران (ثم) أي حاضران وذكر في هذه لفظة أنا وعطف عليها ما بعدها للتأكيد. وسبق هذا الحديث في باب استعمال البقر للحراثة. قال المؤلّف بالسند: (وحدّثنا) بالواو ولأبي ذر حدّثنا بإسقاطها (علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) هو ابن عيينة (عن مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين آخره راء ابن كدام (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن) عمه (أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمثله) أي بمثل الحديث السابق ولأبي ذر مثله بإسقاط حرف الجر والحاصل أن لسفيان فيه شيخين أبو الزناد عن الأعرج والآخر مسعر عن سعد بن إبراهيم كلاهما عن أبي سلمة. 3472 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ؛ فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي، إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ. وَقَالَ الَّذِي لَهُ الأَرْضُ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا، فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلاَمٌ. وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ، قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلاَمَ الْجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ، وَتَصَدَّقَا». وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) نسبه إلى جده واسم أبيه السعدي المروزي قال: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد الأزدي مولاهم البصري نزيل اليمن (عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي) ولأبوي الوقت وذر قال رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اشترى رجل من رجل) لم يسميا (عقارًا له) بفتح العين قال في القاموس المنزل والقصر أو المتهدم منه والبناء المرتفع والضيعة ومتاع البيت ونضده الذي لا يبتذل إلا في الأعياد ونحوها اهـ. والمراد به هنا الدار وصرح بذلك في حديث وهب بن منبه. (فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع) لم أشتر (منك الذهب) سقط لأبي ذر لفظ منك (وقال الذي) كانت (له الأرض إنما بعتك الأرض وما فيها) ظاهره أنهما اختلفا في صورة العقد فالمشتري يقول لم يقع تصريح ببيع الأرض وما فيها بل ببيع الأرض خاصة، والبائع يقول وقع التصريح بذلك أو وقع بينهما على الأرض خاصة فاعتقد البائع دخول ما فيها ضمنًا واعتقد المشتري عدم الدخول (فتحاكما إلى رجل) هو داود النبي عليه الصلاة والسلام كما في المبتدأ لوهب بن منبه، وفي المبتدأ لإسحاق بن بشر أن ذلك وقع في زمن ذي القرنين من بعض قضاته. قال في الفتح: وصنيع البخاري يقتضي ترجيح ما وقع عند وهب لكونه أورده في ذكر بني إسرائيل (فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد)؟ بفتح الواو والمراد الجنس والمعنى ألكل منكما ولد (قال أحدهما): وهو المشتري (لي غلام، وقال الآخر): وهو البائع (لى جارية. قال): أي الحاكم (أنكحوا) أنتما والشاهدان (الغلام الجارية وأنفقوا) أنتما ومن تستعينان به كالوكيل (على أنفسهما منه) أي على الزوجين من الذهب (وتصدقا) منه بأنفسكما بغير واسطة لما فيه من الفضل. ومذهب الشافعية أنه إذا باع أرضًا لا يدخل فيها ذهب مدفون فيها كالكنوز كبيع دار فيها أمتعة بل هو باق على ملك البائع. وهذا الحديث أخرجه مسلم في القضاء. 3473 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ. وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ: مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الطَّاعُونِ؟ فَقَالَ أُسَامَةُ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الطَّاعُونُ رِجْسٌ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ -أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ- فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ». قَالَ أَبُو النَّضْرِ: «لاَ يُخْرِجُكُمْ إِلاَّ فِرَارًا مِنْهُ». [الحديث 3473 - طرفاه في: 5728، 6974]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير التيمي المدني (وعن أبي النضر) بالضاد المعجمة سالم بن أبي أمية (مولى عمر بن عبيد الله) بضم العين التيمي المدني (عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد) بضم الهمزة ابن حارثة (ماذا سمعت من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) شأن (الطاعون)؟ وهو كما قال الجوهري على وزن فاعول من الطعن عدلوا به عن أصله

ووضعوه دالاً على الموت العام كالوباء (فقال أسامة: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الطاعون رجس) بالسين أي عذاب (أرسل على طائفة) هم قوم فرعون (من بني إسرائيل) لما كثر طغيانهم (أو) قال عليه السلام: (على من كان قبلكم) شك الراوي (فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه) بسكون القاف وفتح الدال (وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا) منها (فرارًا) أي لأجل الفرار (منه) أي من الطاعون لأنه إذا خرج الأصحاء وهلك المرضى فلا يبقى من يقوم بأمرهم وقيل غير ذلك مما سيأتي إن شاء الله تعالى في موضعه. (قال أبو النضر): بالسند السابق (لا يخرجكم) من الأرض التي وقع بها إذا لم يكن خروجكم (إلاّ فرارًاً منه) فالنصب على الحال وكلمة إلا للإيجاب لا للاستثناء حكاه النووي، وبهذا التقدير يزول الإشكال لأن ظاهره المنع من الخروج لكل سبب لا للفرار وهو ضد المراد. وقال الكرماني المراد منه الحصر يعني الخروج المنهي عنه هو الذي لمجرد الفرار لا لغرض فهو تفسير للمعلل المنهي لا للنهي، وقيل إلا زائدة غلطًا من الراوي والصواب حذفها فيباح لغرض آخر كالتجارة ونحوها، وقد نقل ابن جرير الطبري أن أبا موسى الأشعري كان يبعث بنيه إلى الأعراب من الطاعون وكان الأسود بن هلال ومسروق يفران منه، وعن عمرو بن العاص أنه قال: تفرقوا من هذا الرجز في الشعاب والأودية ورؤوس الجبال وهل يأتي قول عمر تفروا من الله تعالى إلى قدر الله تعالى أم لا. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في ترك الحيل ومسلم والنسائي في الطب والترمذي في الجنائز. 3474 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ». [الحديث 3474 - طرفاه في: 5734، 6619]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا داود بن أبي الفرات) عمرو الكندي قال: (حدّثنا عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة مصغرًا ابن الحصيب بالمهملتين قاضي مرو (عن يحيى بن يعمر) بفتح الميم قاضي مرو أيضًا التابعي الجليل (عن عائشة) -رضي الله عنها- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنها (قالت: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الطاعون فأخبرني) بالإفراد. (إنه عذاب يبعثه الله) عز وجل (على من يشاء) من الكفار (وإن الله جعله رحمة للمؤمنين) وشهادة كما في حديث آخر (ليس من أحد يقع الطاعون

فيمكث في بلده) الذي وقع به الطاعون ولا يخرج منه حال أنه (صابرًا محتسبًا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد) وإن مات بغير الطاعون ولو في غير زمنه، وقد علم أن درجات الشهداء متفاوتة فيكون كمن خرج من بيته على نيّة الجهاد في سبيل الله فمات بسبب آخر غير القتل وفضل الله واسع ونية المرء أبلغ من عمله. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير والطب والقدر والنسائي في الطب وبقية مباحثه تأتي في محالها إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته. 3475 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها- «أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي وسقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا الليث) هو ابن سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن قريشًا أهمهم) أحزنهم (شأن المرأة المخزومية) وهي فاطمة بنت الأسود (التي سرقت) حليًا في غزوة الفتح (فقال) بالإفراد (ومن) بالواو ولأبي ذر عن الكشميهني فقالوا بالجمع أي قريش من بحذف الواو وله عن الحموي والمستملي فقال بالإفراد من بغير واو (يكلم فيها) في المخزومية (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا): وعند ابن أبي شيبة أن القائل مسعود بن الأسود (ومن يجترئ) أي يتجاسر (عليه) بطريق الإدلال والعطف على محذوف تقديره ولا يجترئ عليه منا أحد لمهابته وأنه لا تأخذه في دين الله رأفة وما يجترئ عليه (إلا أسامة بن زيد حبّ) بكسر الحاء وتشديد الموحدة أي محبوب (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكلمه أسامة) في ذلك (فقال) له (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أتشفع في حد من حدود الله) عز وجل استفهام إنكاري (ثم قام) عليه السلام (فاختطب ثم قال: وإنما أهلك الذين قبلكم) هم بنو إسرائيل (أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله) بوصل الهمزة وقد تقطع اسم موضوع للقسم (لو أن فاطمة ابنة محمد) ولأبي ذر بنت محمد (سرقت لقطعت يدها) إنما ضرب المثل بفاطمة -رضي الله عنها- لأنها كانت أعز أهله ثم إنها كانت سميتها. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضل أسامة وفي الحدود ومسلم وأبو داود وابن ماجه والنسائي في الحدود. 3476 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ الْهِلاَلِيَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «سَمِعْتُ رَجُلاً قَرَأَ آيَةً وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ خِلاَفَهَا، فَجِئْتُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ وَقَالَ: كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ، وَلاَ تَخْتَلِفُوا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال:

(حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عبد الملك بن ميسرة) ضد الميمنة الهلالي الكوفي (قال: سمعت النزال بن سبرة) بفتح النون والزاي المشددة وبعد الألف لام وسبرة بفتح المهملة وتسكين الموحدة (الهلالي عن ابن مسعود) عبد الله (-رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت رجلاً قرأ) يحتمل أن يكون هذا الرجل عمرو بن العاصي لحديث عند أحمد يستأنس به في ذلك (وسمعت النبي) ولأبي ذر عن الكشميهني قرأ آية وسمعت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ خلافها فجئت به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته فعرفت في وجهه الكراهية) للجدال الواقع بينهما (وقال): (كلاكما محسن) في القراءة والسماع (فلا) بالفاء في الفرع والذي في أصله لا (تختلفوا) اختلافًا يؤدي إلى الكفر أو البدعة كالاختلاف في نفس القرآن وفيما جازت قراءته بوجهين وفيما يوقع في الفتنة أو الشبهة (فإن من كان قبلكم) وهم بنو إسرائيل (اختلفوا فهلكلوا) نعم إذا كان الاختلاف في الفروع ومناظرات العلماء لإظهار الحق فهو مأمور به. وسبق هذا الحديث في الأشخاص. 3477 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهْوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ». [الحديث 3477 - طرفه في: 6929]. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث النخعي الكوفي قاضيها قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدثني) بالإفراد (شقيق) هو أبو وائل بن سلمة (قال عبد الله) بن مسعود: (كأني أنظر إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحكي نبيًّا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه) قيل هو نوح فعند ابن أبي حاتم عن عبيد بن عمير الليثي أنه بلغه أن قوم نوح كانوا يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه (ويقول) إذا أفاق: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون). فإن صح أن المراد نوح فلعل هذا كان في ابتداء الأمر ثم لما يئس منهم قال: {ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا} [نوح: 26] وقد جرى لنبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثل ذلك يوم أُحد. رواه ابن حبان في صحيحه من حديث سهل بن سعد، والظاهر أن النبي المبهم هنا من أنبياء بني إسرائيل وإلاّ فلا مطابقة بين الحديث وبين ما ترجم به فإن نوحًا قبل بني إسرائيل بمدة مديدة، وثبت لفظ اللهم للكشميهني في اليونينية وكذا في فرعها. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في استتابة

المرتدّين وأخرجه مسلم في المغازي وابن ماجه في الفتن. 3478 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَّ رَجُلاً كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللَّهُ مَالاً، فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ: أَىَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ. قَالَ: فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ. فَفَعَلُوا. فَجَمَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ. فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ». وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: "سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْغَافِرِ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 3478 - طرفاه في: 6481، 7508]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن قتادة) بن دعامة (عن عقبة بن عبد الغافر) أبي نهار الأزدي الكوفي (عن أبي سعيد) الخدري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أن رجلاً) لم يسم (كان قبلكم) في بني إسرائيل (رغسه الله) بفتح الراء والغين المعجمة المخففة والسين المهملة أعطاه الله (مالاً) ووسع له فيه (فقال لبنيه لما حضر): بضم الحاء المهملة وكسر المعجمة بضم الحاء المهملة وكسر المعجمة أي لما حضره الموت (أيّ أب كنت لكم؟ قالوا) كنت لنا (خير أب. قال: فإني لم أعمل خيرًا قط فإذا متّ فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني) بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء، ولأبي ذر عن الكشميهني: ثم اذروني بألف وصل وسكون المعجمة. وقال في الفتح: أذروني بزيادة همزة مفتوحة أي طيروني (في يوم عاصف) ريحه (ففعلوا) ما أمرهم به (فجمعه الله عز وجل) في حديث سلمان الفارسي فقال الله له: كن فكان في أسرع من طرفة العين رواه أبو عوانة في صحيحه (فقال) له (ما حملك) زاد في الرواية الآتية على ما صنعت (قال) ولأبي الوقت فقال: (مخافتك) حملتني على ذلك (فتلقاه برحمته) بالقاف وتعديته بالباء ولأبي ذر عن الكشميهني فتلافاه بألف بعد اللام وفاء بدل القاف رحمته بالنصب على المفعولية. (وقال معاذ) العنبري فيما وصله مسلم (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: سمعت) ولأبي ذر: سمع (عقبة بن عبد الغافر) الأزدي يقول (سمعت أبا سعيد الخدري عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). فأفاد في هذه الطريق أن قتادة سمع من عقبة. 3479 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ لِحُذَيْفَةَ: أَلاَ تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ رَجُلاً حَضَرَهُ الْمَوْتُ لَمَّا أَيِسَ مِنَ الْحَيَاةِ أَوْصَى أَهْلَهُ: إِذَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا كَثِيرًا، ثُمَّ أَوْرُوا نَارًا، حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ لَحْمِي وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِي فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا فَذَرُّونِي فِي الْيَمِّ فِي يَوْمٍ حَارٍّ -أَوْ رَاحٍ- فَجَمَعَهُ اللَّهُ فَقَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: خَشْيَتَكَ. فَغَفَرَ لَهُ». قَالَ عُقْبَةُ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ: حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ: «فِي يَوْمٍ رَاحٍ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح (عن عبد الملك بن عمير) بضم العين مصغرًا اللخمي يقال له الفرسي بفتح الفاء والراء نسبة إلى فرس له سابق (عن ربعي بن حراش) بكسر الراء وسكون الموحدة وبكسر العين المهملة وحراش بكسر الحاء المهملة بعدها راء فألف فمعجمة أنه (قال: قال عقبة) هو ابن عمرو وأبو مسعود الأنصاري البدري وليس هو عقبة بن عبد الغافر السابق (لحذيفة) بن اليمان (ألا) بالتخفيف (تحدّثنا ما سمعت من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال)

حذيفة لعقبة: (سمعته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول): (إن رجلاً) أي من بني إسرائيل كان نباشًا للقبور يسرق الأكفان (حضره الموت لما) بتشديد الميم (أيس) بهمزة مفتوحة فتحتية مكسورة ولأبي ذر عن الكشميهني يئس بتحتية مفتوحة فهمزة مكسورة (من الحياة أوصى أهله) ولأبي ذر في اليونينية لا في الفرع إلى أهله (إذا مت) ولأبي ذر إذا مات (فاجمعوا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فاجعلوا (لي حطبًا كثيرًا ثم أوروا) بفتح الهمزة وسكون الواو أي اقدحوا وأشعلوا (نارًا) واطرحوني فيها (حتى إذا أكلت لحمي وخلصت) أي وصلت (إلى عظمي) فأحرقته (فخذوها) أي عظامه المحرقة (فأطحنوها فذروني) بفتح المعجمة وتشديد الراء في الفرع كأصله وغيرهما وضبطه في الفتح بضم المعجمة أي فرقوني (في اليم) في البحر (في يوم) بالتنوين (حار) كذا بالحاء المهملة والراء المشددة في الفرع وقيده في الفتح بتخفيفها أي شديد الحر (أو) قال: (راح) براء فألف فمهملة كثير الريح والشك من الراوي، وللمستملي والحموي: في يوم حاز راح بالحاء المهملة والزاي المخففة في الأولى، وقال العيني بتشديدها أي يحز حره أو برده (فجمعه الله) عز وجل (فقال) له: (لم فعلت)؟ هذا (قال: خشيتك) قال الحافظ شرف الدين اليونيني، قال شيخنا جمال الدين يعني ابن مالك: خشيتك بفتح التاء وكسرها والفتح أعلى اهـ. ووجه الكرماني النصب على نزع الخافض أي لخشيتك ووجه الزركشي الثاني على تقدير من، وقال البرماوي كالكرماني: خشيتك خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ حذف خبره وللكشميهني من خشيتك (فغفر له. قال عقبة) بن عمرو الأنصاري (وأنا سمعته) أي سمعت حذيفة (يقول) ما قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي ولأبي ذر عن الكشميهني: حدّثنا مسدد بدل موسى، وصوّب الحافظ أبو ذر أنه موسى موافقة للأكثر وبذلك جزم أبو نعيم في مستخرجه وهو الظاهر لأن المؤلّف ساق الحديث عن مسدد ثم بين أن موسى خالفه في لفظة منه قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح قال: (حدّثنا عبد الملك) بن عمير (وقال: في يوم راح). بدل قوله في رواية مسدد

السابقة في يوم حار. وقوله: حدّثنا موسى الخ ثابت في رواية الحموي. 3480 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا. قَالَ: فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي العامري المدني قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين القرشي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (كان الرجل) كذا بالألف واللام في الفرع كأصله لكن ضبب عليهما بل شطب عليهما بالحمرة (يداين الناس فكان يقول لفتاه) أي لصاحبه الذي يقضي حوائجه (إذا أتيت معسرًا فتجاوز عنه) بالفاء وفتح الواو ولأبي ذر تجاوز بحذف الفاء. وعند النسائي فيقول لرسوله خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز (لعل الله) عز وجل (أن يتجاوز عنا قال: فلقي الله فتجاوز عنه). وعند مسلم من طريق ربعي عن حذيفة فقال الله تعالى: أنا أحق بذلك منك تجاوزوا من عبدي. وسبق الحديث قريبًا. 3481 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اطْحَنُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَىَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا. فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ الأَرْضَ فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ، فَفَعَلَتْ , فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ حملتني. فَغَفَرَ لَهُ». وَقَالَ غَيْرُهُ: «مَخَافَتُكَ يَا رَبِّ». [الحديث 3481 - طرفه في: 7506]. وبه قال (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قاضيها قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن حميد بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (كان رجل) من بني إسرائيل (يسرف على نفسه) يبالغ في المعاصي (فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا متّ فأحرقوني) بهمزة قطع (ثم اطحنوني) بهمزة وصل (ثم ذرّوني) بفتح المعجمة وتشديد الراء. وقال العيني بتخفيفها أي اتركوني (في الريح) تفرّق أجزائي بهبوبها (فوالله لئن قدر عليّ ربي) بتخفيف الدال ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لئن قدر الله عليّ ضيق الله عليّ كقوله تعالى {ومن قدر عليه رزقه} [الطلاق: 7] أي ضيق عليه وليس شكًّا في القدرة على إحيائه وإعادته ولا إنكار البعثة كيف وقد أظهر إيمانه باعترافه بأنه فعل ذلك من خشية الله تعالى، ولا يقال إن جحد بعض الصفات لا يكون كفرًا لأن الاتفاق على جحد صفة القدرة كفر بلا ريب، وأحسن الأقوال قول النووي: إنه قال ذلك في حال دهشته وغلبة الخوف عليه بحيث ذهب تدبره فيما يقوله فصار كالغافل

والناسي الذي لا يؤاخذ بما صدر منه ولم يقله قاصدًا الحقيقة معناه (ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا) بفتح الموحدة من ليعذبني وفي اليونينية بجزمها وكذا في الفرع لكنه مصلح على كشط وفي رواية فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبه عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين (فلما مات فعل به) بضم الفاء وكسر العين (ذلك) الذي أوصى به (فأمر الله تعالى) سقط قوله تعالى في اليونينية (الأرض فقال اجمعي ما فيك منه ففعلت) فيه رد على من قال إن الخطاب السابق من الله تعالى لروح هذا الرجل لأن ذلك لا يناسب قوله: اجمعي ما فيك لأن التحريق والتفريق إنما وقع على الجسد وهو الذي يجمع ويعاد عند البعث وحينئذٍ فيكون ذلك كله إخبارًا عما سيقع لهذا الرجل يوم القيامة، وفي رواية قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله إذا متّ فحرقوه ثم ذرّ ونصفه وفي البرّ ونصفه في البحر الحديث وفيه فأمر الله تعالى البرّ فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه. (فإذا هو قائم) بين يديه تعالى (فقال) له: (ما حملك على ما صنعت قال: يا رب خشيتك حملتني) على ذلك وسقط قوله خشيتك لأبي ذر وفي نسخة خشيتك بكسر الشين وسكون التحتية أي خشيتك فصنعت ذلك (فغفر له وقال غيره) أي غير أبي هريرة (مخافتك) بدل قوله خشيتك (يا رب) وهذا أخرجه أحمد عن عبد الرزاق، ولأبي ذر خشيتك بدل قوله مخافتك لأن خشية الأولى ساقطة عنده كما مرّ. 3482 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن محمد بن أسماء) بن عبيد بن مخراق البصري قال: (حدّثنا) عمي (جويرة بن أسماء) بالجيم المضمومة تصغير جارية ابن عبيد بن مخراق (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (عذبت امرأة) من بني إسرائيل لم تسم (في) شأن (هرّة) بكسر الهاء وتشديد الراء وآخره هاء (سجنتها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ربطتها (حتى ماتت فدخلت) أي المرأة (فيها) أي بسببها (النار لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها) وهذه ساقطة من الفرع ثابتة في اليونينية (ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) بالخاء المعجمة والشينين المعجمتين بينهما ألف أي حشراتها وهوامها. قال الطيبي: وذكر الأرض هنا كذكرها في

قوله تعالى: {وما من دابة في الأرض} [الأنعام: 38] للإحاطة والشمول. وقال الدميري: كانت هذه المرأة كافرة كما رواه البزار في مسنده وأبو نعيم في تاريخ أصبهان والبيهقي في البعث والنشور عن عائشة فاستحقت التعذيب بكفرها وظلمها. وقال عياض في شرح مسلم: يحتمل أن تكون كافرة وأبقى النووي هذا الاحتمال وكأنهما لم يطلعا على نقل في ذلك. وفي مسند أبي داود الطيالسي من حديث الشعبي عن علقمة قال: كنا عند عائشة ومعنا أبو هريرة فقالت: يا أبا هريرة أنت الذي تحدث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن امرأة عذبت بالنار من أجل هرة؟ قال أبو هريرة نعم سمعته منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فقالت عائشة: المؤمن أكرم على الله من أن يعذبه من أجل هرة إنما كانت المرأة مع ذلك كافرة. يا أبا هريرة إذا حدثت عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فانظر كيف تحدّث. نعم في كامل ابن عديّ عنها أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان تمرّ به الهرة فيصغي لها الإناء فتشرب منه، وفي تاريخ ابن عساكر أن الشبلي رئي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: أوقفني بين يديه ثم قال لي: يا أبا بكر أتدري بم غفرت لك؟ فقلت: بصالح عملي؟ فقال: لا. فقلت: إلهي بماذا؟ فقال: بتلك الهرة التي وجدتها في دروب بغداد وقد أضعفها البرد فأدخلتها في فرو كان عليك وقاية لها من أليم البرد فبرحمتك لها رحمتك. وهذا الحديث سبق في بدء الخلق وفي الصلاة في باب ما يقرأ بعد التكبير وأخرجه مسلم في الحيوان والأدب. 3483 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَنْ زُهَيْرٍ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ». [الحديث 3483 - طرفاه في: 3484، 6120]. وبه قال: (حدثنا أحمد بن يونس) اليربوعي الكوفي نسبه لجده واسم أبيه عبد الله (عن زهير) هو ابن معاوية الكوفي أنه قال: (حدّثنا منصور) هو ابن المعتمر الكوفي (عن ربعي بن حراش) بكسر الراء وسكون الموحدة في الأوّل وكسر الحاء المهملة وبعد الراء ألف فمعجمة في الثاني أنه قال (حدّثنا أبو مسعود عقبة) بن عمرو البدري (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن مما أدرك الناس) بالرفع. قال ابن حجر: في جميع الطرق أي مما أدركه الناس ويجوز النصب أي مما بلغ الناس (من كلام النبوة) مما اتفقوا عليه ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم ولم يبدل فيما بدل منها لأنه أمر قد علم صوابه وظهر فضله واتفقت العقول على حسنه، وزاد أحمد وأبو داود وغيرهما الأولى أي

التي قبل نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إشارة إلى اتفاق كلمة الأنبياء من أوّلهم إلى آخرهم على استحسانه (إذا لم تستح) بكسر الحاء في الفرع وأصله اسم إن وخبرها من في مما على تأويل أن هذا القول حاصل مما أدرك الناس، ويجوز أن يكون فاعل أدرك ضميرًا عائدًا على ما والناس مفعوله وعليه كلام القاضي أي مما بلغ الناس من كلام الأنبياء المتقدمين أن الحياء هو المانع من اقتراف القبائح والاشتغال بمنهيات الشرع ومستهجنات الفعل وقوله إذا لم تستح الجملة الشرطية اسم إن على الحكاية قاله الطيبي (فافعل ما شئت) أمر بمعنى الخبر أو أمر تهديد أي اصنع ما شئت فإن الله يجزيك أو معناه انظر ما تريد أن تفعله فإن كان مما لا يستحي منه فافعله، وإن كان مما يستحي منه فدعه أو أنك إذا لم تستح من الله بأن ذلك الشيء مما يجب أن لا يستحي منه بحسب الدين فافعل ولا تبال بالخلق قاله الكرماني ونقله الطيبي عن شرح السنة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب وكذا أبو داود وأخرجه ابن ماجه في الزهد. 3484 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ، إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن منصور) هو ابن المعتمر أنه (قال: سمعت ربعي بن حراش يحدث عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو البدري أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن مما أدرك الناس من كلام النبوّة إذا لم تستحي) بسكون الحاء وكسر التحتية وفي الفرع كسر الحاء مخففة وعلامة جزمه حذف الياء التي هي لام الفعل يقال استحى يستحي (فاصنع ما شئت). وهذا الحديث ثابت في الفرع وسابقه مكتوب في الهامش من اليونينية ساقط في كثير من الأصول، وفي إثباته فوائد التصريح بسماع منصور من ربعي وكونه من طريق آدم عن

شعبة عن منصور وفيه فاصنع بدل قوله فافعل. 3485 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنَ الْخُيَلاَءِ خُسِفَ بِهِ، فَهْوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. [الحديث 3485 - طرفه في: 5790]. وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن محمد السختياني المروزي قال: (أخبرنا عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة كذا في اليونينية وفي الفرع لكنه مصلح فيه وفي غيرهما وعليه الشراح وهو ابن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سالم أن) أباه (ابن عمر) عبد الله (حدثه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بينما) بالميم (رجل) ذكر أبو بكر الكلاباذي في معاني الأخبار أنه قارون وكذا هو في صحاح الجوهري، وزاد مسلم ممن كان قبلكم (يجر إزاره من الخيلاء) من التكبر عن تخيل فضيلة تراءت له من نفسه وجواب بينما قوله (خسف به) بضم الخاء المعجمة وكسر المهملة (فهو يتجلجل) بجيمين بينهما لام ساكنة وآخره أخرى يسيخ (في الأرض) مع اضطراب شديد وتدافع من شق إلى شق (إلى يوم القيامة). وهذا الحديث أخرجه النسائي في الزينة. (تابعه) أي تابع يونس (عبد الرَّحمن بن خالد) الفهمي مولى الليث بن سعد في روايته (عن الزهري). محمد بن مسلم بن شهاب، ووصل هذه المتابعة الذهلي في الزهريات. وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب اللباس بعون الله وقوّته. 3486 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ كُلُّ أُمَّةٍ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَا مِنْ بَعْدِهِمْ. فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا، فَغَدًا لِلْيَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد (قال: حدثني) بالإفراد (ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (نحن الآخرون) في الدنيا (السابقون يوم القيامة) بما منحنا من الفضائل والكمالات (بيد) بفتح الموحدة وسكون التحتية آخره دال مهملة أي غير (كل

أمة) قال ابن مالك: المختار عندي في بيد أن تجعل حرف استثناء بمعنى لكن لأن معنى إلا مفهوم منها، والمشهور استعمالها متلوة بأن كما في حديث آخر بيد أنهم أوتوا الكتاب وقول الشاعر: بيد أن الله فضلكم فالأصل في رواية من روى بيد كل أمة بيد أن كل أمة، فحذف أن وبطل عملها وأضيف بيد إلى المبتدأ والخبر اللذين كانا معمولي أن ونحوه في حذف أن واستعمال ما بعدها على المبتدأ والخبر قول الزبير -رضي الله عنه-: فلولا بنوها حولها لخطبتها وجاز حذف أن المشددة قياسًا على المخففة في نحو قوله تعالى: {يريكم البرق} [الرعد: 12] أي أن يريكم لأنهما أختان في المصدرية. وقال الطيبي: هذا الاستثناء من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم قال النابغة: فمتى كملت أخلاقه غير أنه ... جواد فما يبقي من المال باقيا قال: والبيت يجري في الاستثناء على المنقطع لا المتصل بالادعاء كما في قوله: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب يعني: إذا كان فلول السيف من القراع عيبًا فلهم هذا العيب ولكن هو من أخص صفة الشجاعة. وعلى هذا معنى الحديث وتقريره نحن السابقون يوم القيامة بما لنا من الفضل غير أن كل أمة (أوتوا الكتاب) بالتعريف للجنس (من قبلنا وأوتينا) القرآن (من بعدهم فهذا) يوم الجمعة (اليوم الذي اختلفوا فيه) هل يلزم بعينه أم يسوغ لهم إبداله بغيره من الأيام فاجتهدوا في ذلك فأخطؤوا ولفظة فيه ثابتة لأبي ذر وحده (فغدا) يوم السبت (لليهود وبعد غد) يوم الأحد (للنصارى). 3487 - «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمٌ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ». (على كل مسلم في كل سبعة أيام يوم) هو يوم الجمعة (يغسل رأسه وجسده). ندبًا لقوله عليه

الصلاة والسلام "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل" حسنه الترمذي. وهذا الحديث سبق في أوّل الجمعة. 3488 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: "قَدِمَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْمَدِينَةَ آخِرَ قَدْمَةٍ قَدِمَهَا فَخَطَبَنَا فَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا غَيْرَ الْيَهُودِ، وَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمَّاهُ الزُّورَ. يَعْنِي الْوِصَالَ فِي الشَّعَرِ". تَابَعَهُ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. وبه قال (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عمرو بن مرة) بفتح العين وسكون الميم في الأول ومرة بضم الميم وتشديد الراء قال: (سمعت سعيد بن المسيب قال: قدم معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب الأموي (المدينة أخر قدمة) بفتح القاف وسكون الدال (قدمها) سنة إحدى وخمسين (فخطبنا فأخرج كبة) بضم الكاف وتشديد الموحدة (من شعر) بفتح العين (فقال: ما كنت أرى) بضم الهمزة أي أظن (أن أحدًا يفعل هذا غير اليهود إن) ولغير أبي ذر وإن (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سماه الزور. يعني الوصال في الشعر) الذي تفعله النساء للزينة. وهذا قد سبق قريبًا. (تابعه) أي تابع آدم (غندر) هو محمد بن جعفر في رواية الحديث المذكور (عن شعبة). ووصل هذه المتابعة مسلم في صحيحه. وهذا آخر كتاب أحاديث الأنبياء وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

61 - كتاب المناقب

بسم الله الرحمن الرحيم 61 - كتاب المناقب 1 - باب قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]. وَقَوْلُهُ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. وَمَا يُنْهَى عَنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ. الشُّعُوبُ: النَّسَبُ الْبَعِيدُ، وَالْقَبَائِلُ دُونَ ذَلِكَ. (باب المناقب) وفي بعض النسخ: كتاب، والأوّل أوجه لأن الظاهر من صنيع المؤلّف رحمه الله أنه أراد أحاديث الأنبياء على الإطلاق ليعم ويكون هذا الباب من جملة أحاديث الأنبياء. وفي القاموس المنقبة المفخرة، وقال التبريزي: المناقب المكارم وأحدها منقبة كأنها تنقب الصخرة من عظمها وتنقب قلب الحسود، وفي أساس البلاغة: وذو مناقب وهي المخابر والمآثر (قول الله تعالى): بالرفع والجرّ كذا في الفرع وأصله، وفي بعض الأصول: وقول الله بالجر عطفًا على سابقه وزيادة الواو ({يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى} [الحجرات: 13]) آدم وحواء أو خلقنا كل واحد منكم من أب وأم فلا وجه للتفاخر بالنسب ({وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا} [الحجرات: 13]) ليعرف بعضكم بعضًا للتفاخر بالآباء والقبائل ({إن أكرمكم عند الله أتقاكم}) [الحجرات: 13] فالمناقب: إنما هي بالعمل بطاعة الله أو الكف عن معصيته. وفي حديث ابن عمر: طاف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم فتح مكة على ناقته القصواء يستلم الأركان بمحجن في يده فما وجد لها مناخًا في المسجد حتى نزل على أيدي الرجال فخرج بها إلى بطن المسيل فأنيخت ثم إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطبهم على راحلته فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: "يا أيها الناس قد أذهب الله عنكم عبية الجاهلية وتعظيمها بآياتها فالناس رجلان رجل تقيّ كريم على الله، والآخر فاجر شقي هين على الله إن الله تعالى يقول: {يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} [الحجرات: 13] ثم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم". رواه ابن أبي حاتم وسقط لأبي ذر: وجعلناكم إلى آخره وقال بعد وأنثى الآية. (وقوله) عز وجل ({واتقوا الله الذي تساءلون به} [النساء: 1]) أي يسأل بعضكم بعضًا فيقول أسألك بالله ({والأرحام}) بالنصب عطفًا على لفظ الجلالة أي: واتقوا الأرحام لا تقطعوها، وقيل: إنه من عطف الخاص على العام لأن معنى اتقوا الله اتقوا مخالفته وقطع الأرحام مندرج في ذلك، وقرأ حمزة بالخفض عطفًا على الضمير المجرور في به من غير إعادة الجار،

وهذا لا يجيزه البصريون وفيه مباحث ذكرتها في مجموعي في القراءات الأربع عشرة، والأرحام جمع رحم وذو الرحم الأقارب يطلق على كل من جمع بينه وبين الآخر نسب ({إن الله كان عليكم رقيبًا}) [النساء: 1] جار مجرى التعليل (وما ينهى) بضم أوّله وسكون ثانيه وفتح ثالثه (عن دعوى الجاهلية) كالنياحة وانتساب الشخص إلى غير أبيه، وترجم المؤلّف له في باب يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى (الشعوب) بضم الشين المعجمة جمع شعب بفتحها قال مجاهد فيما أخرجه الطبري عنه (النسب: البعيد) مثل مضر وربيعة (والقبائل دون ذلك) مثل قريش وتميم، وفي نسخة، والقبائل البطون. 3489 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْكَاهِلِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ "عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ رضي الله عنهما: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13] قَالَ: الشُّعُوبُ الْقَبَائِلُ الْعِظَامُ. وَالْقَبَائِلُ: الْبُطُونُ". وبه قال: (حدّثنا خالد بن يزيد) أبو الهيثم المقري (الكاهلي) الكوفي من أفراده قال: (حدّثنا أبو بكر) هو ابن عياش بن سالم الحناط بالحاء المهملة والنون الكوفي (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) في قوله تعالى: ({وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا} [الحجرات: 13]) ثبت قوله: {لتعارفوا} في رواية أبي ذر (قال: الشعوب القبائل العظام والقبائل البطون) فالشعب الجمع العظيم المنتسبون إلى أصل واحد وهو يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمائر، والعمارة تجمع البطون، والبطن تجمع الأفخاذ، والفخذ تجمع الفصائل، فخزيمة شعب، وكنانة قبيلة، وقريش عمارة، وقصي بطن، وهاشم فخذ، وعباس فصيلة. وقيل: الشعوب بطون العجم، والقبائل بطون العرب. 3490 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَتْقَاهُمْ. قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المثقلة بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (سعيد بن أبي سعيد عن أبيه) أبي سعيد كيسان المقبري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قيل يا رسول الله من كرم الناس؟) عند الله عز وجل (قال): أكرمهم (أتقاهم) لله تعالى (قالوا: ليس عن هذا نسألك؟ قال) (فيوسف نبي الله) كذا أورده هنا مختصرًا، وفي باب قول الله تعالى: {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين} [يوسف: 7] قال: فأكرم الناس يوسف نبيّ الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله الحديث. فأطلق عليه لفظ أكرم الناس لكونه رابع نبي على نسق واحد ولم يقع ذلك لغيره اجتمع له الشرف في نسبه من وجهين. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله أتقاهم. 3491 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا كُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي رَبِيبَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْنَبُ ابْنَةُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: "قُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكَانَ مِنْ مُضَرَ؟ قَالَتْ: فَمِمَّنْ كَانَ إِلاَّ مِنْ مُضَرَ؟ مِنْ بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ". [الحديث: 3491 - طرفه في: 3492]. وبه قال: (حدّثنا قيس بن حفص) الدارمي مولاهم البصر قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا كليب بن وائل) بضم الكاف وفتح اللام ووائل بالهمز وفي اليونينية بتركه التابعي الكوفي المدني الأصل (قال: حدّثتني) بالإفراد وتاء التأنيث (ربيبة) (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زينب ابنة) ولأبي ذر: بنت (أبي سلمة) وأمها أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال) كليب: (قلت لها أرأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أخبريني عنه (أكان من مضر؟) بهمزة الاستفهام (قالت: فممن كان) استفهام إنكاري أي لم يكن (إلا من مضر) هو ابن نزار بن معد بن عدنان (من بني النضر) بفتح النون وسكون المعجمة (ابن كنانة) بكسر الكاف ابن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر، وهذا بيان له لأن مضر قبائل وهذا بطن منه، واسم النضر قيس وسمي بالنضر لنضارته وجماله وإشراق وجهه. 3492 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا كُلَيْبٌ حَدَّثَتْنِي رَبِيبَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَأَظُنُّهَا زَيْنَبَ- قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُقَيَّرِ وَالْمُزَفَّتِ. وَقُلْتُ لَهَا: أَخْبِرِينِي، النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ كَانَ، مِنْ مُضَرَ كَانَ؟ قَالَتْ: فَمِمَّنْ كَانَ إِلاَّ مِنْ مُضَرَ؟ كَانَ مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ. وبه قال: (حدّثنا موسى) هو ابن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا عبد الواحد) قال: (حدّثنا كليب) قال: (حدّثتني ربيبة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعبد الواحد شيخ موسى وقيس بن حفص (وأظنها زينب قالت:) (نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) الانتباذ في (الدباء) القرع (و) في (الحنتم) وهي جرار مدهونة خضر كان يجعل فيها الخمر (والمقير) المطلي بالقار وهو الزفت (والمزفت) وفيه تكرار على ما لا يخفى، ومن ثم قال الحافظ أبو ذر صوابه والنقير بالنون بدل الميم. قال كليب: (وقلت لها) أي لزينب (أخبريني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن كان من مضر كان؟) أي من أي قبيلة (قالت: فممن) بزيادة فاء الجواب، ولأبي ذر عن الحموي

والمستملي: ممن (كان إلا من مضر) استثناء منقطع أي: لكن كان من مضر أو من محذوف أي لم يكن إلاّ من مضر أو الهمزة محذوفة من كان، وممن كلمة مستقلة أو الاستفهام للإنكار (كان من ولد النضر بن كنانة). وروى أحمد وابن سعد من حديث الاشعث بن قيس الكندي قال: قلت يا رسول الله إنّا نزعم أنك منا يعني من اليمن فقال: "نحن من بني النضر بن كنانة". 3493 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ: خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا، وَتَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً». [الحديث 3493 - طرفاه في: 3496، 3588]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن عمارة) بن القعقاع (عن أبي زرعة) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (تجدون الناس معادن) زاد الطيالسي في الخير والشر (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) بضم القاف، ولأبي ذر بكسرها أي في الدين، ووجه الثشبيه اشتمال المعادن على جواهر مختلفة من نفيس وخسيس وكذلك الناس، فمن كان شريفًا في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شرفًا، وفي قوله إشارة إلى أن الشرف الإسلامي لا يتم إلا بالتفقه في الدين. 3494 - «وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ: الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَيَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ». [الحديث 3494 - طرفاه في: 6058، 7179]. (وتجدون خير الناس) أي من خيرهم (في هذا الشأن) في الولاية خلافة أو إمارة (أشدهم له كراهية) لما فيه من صعوبة العمل بالعدل، وحمل الناس على رفع الظلم وما يترتب عليه من مطالبة الله تعالى للقائم بذلك من حقوقه وحقوق عباده وكلراهية نصب على التمييز وأشدهم مفعول ثان لتجدون (وتجدون شر الناس ذا الوجهن) بنصب مفعول ثانٍ لتجدون هو المنافق (الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجهٍ) قال الله تعالى: {مذبذبينَ بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} [النساء: 143]. فإن قلت: هذا يقتضي الذم على ترك طريقة المؤمنين وطريقة الكفار والذم على ترك طريقة الكفار غير جائز. أجيب: بأن طريقة الكفار وإن كانت خبيثة إلا أن طريقة النفاق أخبث منها ولذا ذم المنانقين في تسع عشرة آية. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل بتمامه وفي الأدب بقصة ذي الوجهين. 3495 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ: مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا المغيرة) هو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام بالحاء المهملة والزاي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الناس تبع لقريش في هذا الشأن) الخلافة والإمرة لفضلهم على غيرهم. قيل: وهو خبر بمعنى الأمر ويدل له قوله في حديث آخر "قدموا قريشًا ولا تقدموها" أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح ولكنه مرسل وله شواهد. (مسلمهم تبع لمسلمهم) فلا يجوز الخروج عليهم (وكافرهم تبع لكافرهم) قال الكرماني: هو إخبار عن حالهم في متقدم الزمان يعني أنهم لم يزالوا متبوعين في زمان الكفر وكانت العرب تقدم قريشًا وتعظمهم، وزاد في فتح الباري، ولسكناها الحرم فلما بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودعا إلى الله تعالى توقف غالب العرب عن اتباعه، فلما فتحت مكة وأسلمت قريش تبعتهم العرب ودخلوا في دين الله أفواجًا. 3496 - «وَالنَّاسُ مَعَادِنُ: خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا، تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّ النَّاسِ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الشَّأْنِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ». (والناس معادن) بالواو في والناس في اليونينية وسقطت من فرعها (خيارهم في الجاهلية) أي من اتصف منهم بمحاسن الأخلاق كالكرم والعفة والحلم (خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) ولأبي ذر: فقهوا بكسر القاف (تجدون من خير الناس) بكسر الميم حرف جر (أشدهم) كذا في الفرع والذي في اليونينية أشد الناس مصلحة وشطب على قوله هم (كراهية لهذا الشأن) الولاية (حتى يقع فيه) فتزول عنه الكراهية لما يرى من إعانة الله تعالى له على ذلك لكونه غير راغب ولا سائل، وحينئذٍ فيأمن على دينه مما كان يخاف عليه، أو المراد أنه إذا وقع لا يجوز له الكراهية. وهذا الحديث أخرجه مسلم في المغازي والفضائل والله أعلم. هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة وهو ساقط لأبي ذر. 3497 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- {إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] قَالَ: فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: "إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلاَّ وَلَهُ فِيهِ قَرَابَةٌ، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ فِيهِ، إِلاَّ أَنْ تَصِلُوا قَرَابَةً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ". [الحديث 3497 - طرفه في: 4818]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) القطان (عن شعبة) بن الحجاج أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الملك) هو ابن ميسرة كما صرح به في تفسير

حم عسق (عن طاوس) هو ابن كيسان اليماني (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه سئل عن قول الله تعالى: ({إلا المودة في القربى}) [الشورى: 23] (قال) طاوس (فقال سعيد بن جبير: قربى محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حمل الآية على أمر المخاطبين بأن يوادّوا أقاربه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو عام لجميع المكلفين (فقال:) ابن عباس لسعيد (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن بطن من قريش إلا وله فيه قرابة فنزلت عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر فيه (إلا أن تصلوا قرابة) بالتنوين (بيني وبينكم) وهذا لم ينزل إنما نزل معناه وهو قوله: {إلا المودة في القربى} والاستثناء منقطع، وليست المودة من جنس الأجر أو متصل أي لا أسألكم عليه أجرًا إلا هذا وهو أن تودوا أهل قرابتي، ولم يكن هذا أجرًا في الحقيقة لأن قرابته قرابتهم فكانت صلتهم لازمة لهم في المودة قاله الزمخشري. وقال في الفتح: ودخول الحديث في هذه الترجمة واضح من جهة تفسيره المودة المطلوبة في الآية بصلة الرحم التي بينه وبين قريش، وهم الذين خوطبوا بذلك وذلك يستدعي معرفة النسب التي تحقق بها صلة الرحم. وهذا الحديث يأتي في التفسير إن شاء الله تعالى. 3498 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مِنْ هَا هُنَا جَاءَتِ الْفِتَنُ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالْجَفَاءُ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن إسماعيل) هو ابن أبي خالد الأخمسي مولاهم البجلي (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري البدري ولأبي الوقت: عن ابن مسعود (يبلغ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) صريح في رفعه لا أنه سمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال): (من هاهنا) أي من المشرق (جاءت الفتن) أي تجيء الفتن وعبر بالماضي مبالغة في تحقق وقوعه كأتى أمر الله وأشار بيده (نحو المشرق) بيان أو بدل من قوله هاهنا (والجفاء) بالجيم والمد وفي بدء الخلق والقسوة بدل الجفاء (وغلظ القلوب) قال القرطبي: هما شيئان لمسمى واحد كقوله تعالى: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} [يوسف: 86] أو المراد بالجفاء أن القلب لا يلين لموعظة وبالغلظ لا يفهم المراد ولا يعقل المعنى (في الفداوين) بتشديد الدال الأولى الصياحين (أهل الوبر) بفتح الواو والموحدة أي أهل البوادي وسموا بذلك لأنهم يتخذون بيوتهم من وبر الابل (عند أصول أذناب الإبل والبقر) أي عند سوقها (في ربيعة ومضر) القبيلتين. قال في الكواكب: وهو بدل من الفدّادين. 3499 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: الْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ، وَالإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ». قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: سُمِّيَتِ الْيَمَنَ لأَنَّهَا عَنْ يَمِينِ الْكَعْبَةِ، وَالشَّامَ عَنْ يَسَارِ الْكَعْبَةِ، وَالْمَشْأَمَةُ الْمَيْسَرَةُ، وَالْيَدُ الْيُسْرَى: الشُّؤْمَى، وَالْجَانِبُ الأَيْسَرُ الأَشْأَمُ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (الفخر والخيلاء) بضم الخاء وفتح التحتية والمد أي الكبر والعجب (في الفدّادين) الذي تعلو صلواتهم في حروثهم ومواشيهم (أهل) البيوت المتخذة من (الوبر) قال الخطابي: إنما ذم هؤلاء لاشتغالهم بما هم فيه عن أمور دينهم وذلك يفضي إلى قساوة القلب (والسكينة) وهي السكون والوقار والتواضع (في أهل الغنم) لأنهم غالبًا دون أهل الإبل في التوسع والكثرة وهما من سبب الفخر والخيلاء، وقد قال عليه الصلاة والسلام لأم هانئ "اتخذي الغنم فإن فيها بركة" رواه ابن ماجه. (والإيمان يمان) ظاهره نسبة الإيمان إلى اليمن لأن أصل يمان يمني فحذفت ياء النسب وعوض عنها الألف فصار يمان وهي اللغة الفصحى، واختلف في المراد فقيل معناه نسبة الإيمان إلى مكة لأنه مبتدأ منها ومكة يمانية بالنسبة إلى المدينة، أو المراد مكة والمدينة إذ هما يمانيتان بالنسبة إلى الشام بناء على أن هذه المقالة صدرت منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بتبوك، أو المراد أهل اليمن على الحقيقة وحمله على الموجودين منهم إذ ذاك لا كل أهل اليمن في كل زمان. وفي الحديث: أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبًا وأرق أفئدة الإيمان يمان (والحكمة يمانية) بالتخفيف وحي التشديد والحكمة العلم المشتمل على معرفة الله المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصدّ عن اتباع الهوى والباطل والحكيم من له ذلك. وقال

2 - باب مناقب قريش

ابن دريد: كل كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة. وهذا الحديث أخرجه مسلم. (قال أبو عبد الله:) محمد بن إسماعيل البخاري كأبي عبيدة (سميت اليمن) يمنًا (لأنها عن يمين الكعبة والشام عن) ولأبي ذر لأنها عن (يسار الكعبة) وقال الهمداني في الأنساب: لما ظعنت العرب العاربة: أقبل بنو قطن بن عامر فتيامنوا فقالت العرب: تيامنت بنو قطن فسموا اليمن، وتشاءم الآخرون فسموا شأمًا. وعن قطرب إنما سمي اليمن ليمنه والشأم لشؤمه (والمشأمة) هي (الميسرة) قاله أبو عبيدة في تفسير: {وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة} [الواقعة: 9] وقيل أصحاب المشأمة أصحاب النار لأنهم يذهبون بهم إليها وهي في جهة الشمال (واليد اليسرى الشؤمى) بالهمزة الساكنة (والجانب الأيسر الأشأم) الهمزة المتحركة وثبت قوله قال أبو عبد الله لأبي ذر. 2 - باب مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ (باب مناقب قريش) بالصرف على الأصح على إرادة الحي ويجوز عدمه على إرادة القبيلة، وهم من ولد النضر بن كنانة وهو الصحيح، أو من ولد فهر بن مالك بن النضر وهو قول الأكثر، وأول من نسب إلى قريش قصي بن كلاب وقيل غير ذلك وقيل سموا باسم دابة في البحر من أقوى دوابه لقوّتهم والتصغير للتعظيم. 3500 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ -وَهْوَ عِنْدَهُ فِي وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ- أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ، فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ، فَقَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالاً مِنْكُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلاَ تُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَالأَمَانِيَّ الَّتِي تُضِلُّ أَهْلَهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ، لاَ يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلاَّ كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أَقَامُوا الدِّينَ». [الحديث 3500 - طرفه في: 7139]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: كان محمد بن جبير بن مطعم) النوفلي الثقة العارف بالنسب (يحدث أنه بلغ معاوية) بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- (وهو) والحال أن محمد بن جبير (عنده) والحال أنه (في وفد من قريش أن عبد الله بن عمرو بن العاصي) بالياء بعد الصاد وفتح مرّة أن والعامل فيه قوله: بلغ (يحدث أنه سيكون ملك) قيل اسمه جهجاه بن قيس الغفاري (من قحطان) بفتح القاف وسكون الحاء وفتح الطاء المهملتين هم جماع اليمن (فغضب معاوية) من قوله ذلك (فقام) خطيبًا (فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالاً منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر) بالمثناة الفوقية والمثلثة لا تروى (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأولئك جهالكم فإياكم والأماني التي تضل أهلها) بتشديد ياء الأماني جمع أمنية وهي المتمنيات، وما حكاه العيني من أن الأماني بمعنى التلاوة قال: وكان المعنى إياكم وقراءة ما في الصحف التي تؤثر عن أهل الكتاب وكان ابن عمرو قد قرأ التوراة ويحكي عن أهلها وإلاّ فلو حدّث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينكر عليه معاوية لأنه لم يكن متهمًا معارض بما في البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعًا من خروج القحطاني لكن سكوت عبد الله بن عمرو يشعر بأنه لم يكن عنده في ذلك حديث معروف (فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن هذا الأمر) أي الخلافة (في قريش) يستحقولها دون غيرهم (لا يعاديهم أحد) في ذلك (إلا كبَّه الله على وجهه) وفي نسخة: أكبه بالهمزة وهذا الفعل من النوادر فإن ثلاثيه متعدّ فإذا دخلت عليه الهمزة صار لازمًا على عكس المعهود في الأصل (ما أقاموا) أي مدة إقامتهم (الدين) أو أنهم إذا لم يقيموا الدين لا يسمع لهم، وهذا الذي أنكره معاوية على ابن عمر، وقد صح من حديث أن هريرة عند المؤلّف كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه" ولا تناقض بين الحديثين لأن خروج هذا القحطاني إنما يكون هذا لم تقم قريش الدين فيدال عليهم في آخر الزمان واستحقاق قريش الخلافة لا يمنع وجودها في غيرهم، فحديث عبد الله في خروج القحطاني حكاية عن الواقع وحديث معاوية في الاستحقاق وهو مقيد بإقامة الدين ومن ثم لما استخف الخلفاء بأمر الدين ضعف أمرهم وتلاشت أحوالهم حتى لم يبق لهم من الخلافة سوى اسمها المجرد في بعض الأقطار دون أكثرها. وقول الكرماني، فإن قلت: فما قولك في زماننا حيث ليس الحكومة لقريش؟ قلت: في بلاد المغرب

الخلافة فيهم وكذا في مصر خليفة اعترضه العيني بأنه لم يكن في المغرب خليفة وليس في مصر إلا الاسم وليس له حل ولا ربط ثم قال: ولئن سلمنا صحة ما قاله فيلزم منه تعداد الخلافة ولا يجوز إلا خليفة واحد لأن الشارع أمر ببيعة الإمام والوفاء ببيعته ثم من نازعه يضرب عنقه. هذا الحديث أخرجه المؤلف أيضًا في الأحكام والنسائي في التفسير. 3501 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ». [الحديث 3501 - طرفه في: 7140]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا عاصم بن محمد قال: سمعت أبي) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي يحدث (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يزال هذا الأمر) أي الخلافة (في قريش) يستحقونها (ما بقي منهم اثنان) ولمسلم: ما بقي في الناس اثنان. قال النووي: فيه دليل ظاهر على أن الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لغيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمان الصحابة ومن بعدهم ومن خالف فيه من أهل البدع فهو محجوج بإجماع الصحابة، وقد بيّن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الحكم مستمر إلى آخر الزمان ما بقي في الناس اثنان وقد ظهر ما قاله صلوات الله وسلامه عليه من زمنه وإلى الآن وإن كان المتغلبون من غير قريش ملكوا البلاد وقهروا العباد لكنهم معترفون بأن الخلافة في قريش فاسم الخلافة باق فيهم، فالمراد من الحديث مجرد التسمية بالخلافة لا الاستقلال بالحكم أو أن قوله لا يزال الخ ... خبر بمعنى الأمر. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأحكام ومسلم في المغازي. 3502 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: «مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَىْءٌ وَاحِدٌ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي مولاهم المصري واسم أبيه عبد الله ونسب لجده لشهرته به قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي بهمزة مفتوحة فتحتية ساكنة فلام الأموي مولاهم (عن ابن شهاب عن ابن المسيب) سعيد (عن جبير بن مطعم) النوفلي أنه (قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان) وهو من بني عبد شمس وزاد في باب ومن الدليل على أن الخُمس للإمام من طريق عبد الله بن يوسف إلى رسول الله (فقال:) أي عثمان وفي طريق عبد الله بن يوسف فقلنا (يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا) من العطاء (وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة) في الانتساب إلى عبد مناف لأن عبد شمس ونوفلاً وهاشمًا والمطلب بنوه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد) ولأبي ذر عن الكشميهني: سيّ واحد بسين مهملة مكسورة وتشديد التحتية، وعزاها في الفتح للحموي يقال: هذا سيّ هذا أي مثله ونظيره، وفي رواية المروزي أحد بغير واو مع همزة الألف، واستشكله السفاقسي بأن لفظ أحد إنما يستعمل في النفي. تقول: ما جاءني أحد وأما في الإثبات فتقول جاءني واحد. 3503 - وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ مُحَمَّدٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: "ذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَعَ أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ إِلَى عَائِشَةَ، وَكَانَتْ أَرَقَّ شَىْءٍ عَلَيْهِمْ، لِقَرَابَتِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 3503 - طرفاه في: 3505، 6073]. (وقال الليث:) بن سعد مما وصله بعد عن عبد الله بن يوسف عن الليث (حدّثني) بالإفراد (أبو الأسود محمد) أي ابن عبد الرحمن (عن عروة بن الزبير) بن العوّام أنه (قال: ذهب عبد الله بن الزبير مع أناس من بني زهرة) بضم الزاي وسكون الهاء واسمه المغيرة بن كلاب بن مرة (إلى عائشة وكانت أرق شيء) زاد أبو ذر عليهم (لقرابتهم من رسول الله) من جهة أمه لأنها آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة ومن جهة قصي بن كلاب جد والد جد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنهم إخوة قصي. 3504 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدٍ ح. قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ وَجُهَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَأَشْجَعُ وَغِفَارُ مَوَالِيَّ، لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ». [الحديث 3504 - طرفه في: 3512]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (ح) للتحويل مهملة وفي الفرع وأصله معجمة. (قال يعقوب بن إبراهيم:) فيما وصله مسلم ولأبي ذر قال أبو عبد الله يعني البخاري، وقال يعقوب بن إبراهيم (حدّثنا أبي) إبراهيم (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه قال (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قريش) بنو النضر أو فهر بن

3 - باب نزل القرآن بلسان قريش

مالك بن النضر (والأنصار) الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة (وجهينة) بضم الجيم وفتح الهاء وسكون التحتية وفتح النون ابن زفر بن ليث بن سويد "ومزينة" بضم الميم وفتح الزاي وسكون التحتية وفتح النون قبيلة من مضر (وأسلم) بلفظ أفعل التفضيل قبيلة أيضًا (وأشجع) بالشين المعجمة الساكنة والجيم المفتوحة والعين المهملة قبيلة من غطفان (وغفار) بكسر الغين المعجمة وفتح الفاء المخففة وبالراء من كنانة (مواليّ) بفتح الميم وتشديد التحتية أي أنصاري المختصون بي وهو خبر المبتدأ الذي هو قريش وما بعده عطف عليه (ليس لهم مولى) متكفل بمصالحهم متول لأمورهم، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ليس لهم موال بالجمع والتخفيف (دون الله) أي غير الله (ورسوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 3505 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: "كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَحَبَّ الْبَشَرِ إِلَى عَائِشَةَ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِهَا، وَكَانَتْ لاَ تُمْسِكُ شَيْئًا مِمَّا جَاءَهَا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ إِلاَّ تَصَدَّقَتْ. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهَا، فَقَالَتْ: أَيُؤْخَذُ عَلَى يَدَيَّ؟ عَلَىَّ نَذْرٌ إِنْ كَلَّمْتُهُ. فَاسْتَشْفَعَ إِلَيْهَا بِرِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَبِأَخْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاصَّةً، فَامْتَنَعَتْ. فَقَالَ لَهُ الزُّهْرِيُّونَ أَخْوَالُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ- إِذَا اسْتَأْذَنَّا فَاقْتَحِمِ الْحِجَابَ، فَفَعَلَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِعَشْرِ رِقَابٍ، فَأَعْتَقَتْهُمْ، ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تُعْتِقُهُمْ حَتَّى بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ، فَقَالَتْ: وَدِدْتُ أَنِّي جَعَلْتُ -حِينَ حَلَفْتُ- عَمَلاً أَعْمَلُهُ فَأَفْرُغَ مِنْهُ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال، حدّثنى) بالإفراد (أبو الأسود) محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن خويلد أسد المدني يتيم عروة (عن عروة بن الزبير) بن العوّام أنه (قال: كان عبد الله بن الزبير) ابن أخت عائشة لأبيها أسماء بنت أبي بكر (أحب البشر إلى) خالته (عائشة بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر) -رضي الله عنه- (وكان) عبد الله (أبرّ الناس بها، وكانت) عائشة كريمة (لا تمسك شيئًا مما جاءها من رزق الله) حال كونها (تصدقت) به أو تصدقت استئناف. وقال في الكواكب وفي بعضها: إلاّ تصدقت (فقال ابن الزبير:) ابن أختها عبد الله (ينبغي أن يؤخذ على يديها) أي تمنع من الإعطاء ويحجر عليها (فقالت:) لما بلغها قوله (أيؤخذ) وفي اليونينية ترك الهمزة في يؤخذ مع سكون الواو فيهما (على يدي) بالتثنية وغضبت من ذلك فقالت (عليّ نذر وإن كلمته) فلما بلغ عبد الله غضبها من قوله ونذرها خاف على نفسه (فاستشفع إليها) لترضى عنه (برجال من قريش) لم أقف على أسمائهم (وبأخوال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الزهريين (خاصة فامتنعت) من ذلك (فقال له،) لعبد الله (الزهريون) المنسوبون إلى زهرة المذكور قريبًا (أخوال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منهم:) أي من الزهريين (عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث) بالغين المعجمة والمثلثة ابن وهب بن عبد مناف بن زهرة (والمسور بن مخرمة) بالخاء المعجمة الساكنة بعد فتح الميم ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف (إذا استأذنا) على عائشة في الدخول (فاقتحم الحجاب) الستر الذي بين عائشة وبين الناس أي ارم نفسك من غير استئذان ولا رؤية (ففعل) عبد الله ما قالوه له من الاقتحام (فأرسل إليها) عبد الله لما قبلت شفاعتهم (بعشر رقاب) لتعتق منهم ما شاءت كفارة ليمينها (فأعتقتهم،) بتاء التأنيث لأبي ذر وبإسقاطها لغيره (ثم لم تزل) عائشة (تعتقهم) بضم أوله من أعتق (حتى بلغت أربعين) رقبة احتياطًا، ومذهب الشافعية أن من قال: إن فعلت كذا فلله عليّ صح ويخيّر بين قربة من القرب والتعيين إليه وكفارة يمين. ونص البويطي يقتضي أنه لا يصح ولا يلزمه شيء (وقالت:) بالواو في الفرع وبالفاء في أصله (وددت) بكسر الدال المهملة الأولى وسكون الثانية تمنيت (أني جعلت حين حلفت عملاً أعمله فأفرغ منه) أي كأن كانت تقول بدل عليّ نذر عليّ إعتاق رقبة أو صوم شهر ونحوه من المعين حتى تكون كفارتها معلومة معينة تفرغ منها بالاتيان به بخلاف علي نذر فإنه مبهم يحتمل إطلاقه على أكثر مما فعلت فلم يطمئن قلبها بإعتاق رقبة أو رقبتين أو أكثر، وهذا منها -رضي الله عنها- مبالغة في كمال الاحتياط والاجتهاد في براءة الذمة على جهة اليقين، ولعلها لم يبلغها حديث مسلم: كفارة النذر كفارة يمين ونحوه ولو كان بلغها لم تفعل ذلك، وقوله: فأفرغ بالنصب في الفرع وأصله أي فإذا أفرغ ويجوز الرفع فأنا أفرغ. 3 - باب نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ هذا (باب) بالتنوين (نزل القرآن بلسان قريش) أي بلغتهم. 3506 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ: "أَنَّ عُثْمَانَ دَعَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَىْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ". [الحديث 3506 - طرفاه في: 4984، 4987]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين

4 - باب نسبة اليمن إلى إسماعيل

ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس) -رضي الله عنه- (أن عثمان) بن عفان في خلافته (دعا زيد بن ثابت،) بالمثلثة في أوله ابن الضحاك الأنصاري كاتب الوحي وكان من الراسخين في العلم (وعبد الله بن الزبير،) بن العوّام أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة من المهاجرين (وسعيد بن العاص،) بغير ياء الأموي (وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام) المخزومي وكان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أرسل إلى حفصة بنت عمر بن الخطاب أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردّها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر المذكورين بنسخها (فنسخوها في المصاحف) جمع مصحف (وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة:) الذين هم غير زيد إذ هو أنصاري لا قرشي (إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من) هجاء (القرآن) كالتابوت هل يكتب بالتاء أو بالهاء أو في شيء من إعرابه أو فيهما كقوله: {ما هذا بشرًا} [يوسف: 31] بالنصب على لغة الحجازين في إعمال "ما" وهي الفصحى وبالرفع على لغة التميميين في إهمالها (فاكتبوه) أي الذي اختلفتم فيه ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فاكتبوها أي الكلمة المختلف فيها (بلسان قريش فإنما نزل) القرآن (بلسانهم) أي بلغة قريش (ففعلوا ذلك) الذي أمرهم به. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضائل القرآن والترمذي في التفسير والنسائي في فضائل القرآن العظيم. 4 - باب نِسْبَةِ الْيَمَنِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ أَسْلَمُ بْنُ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ خُزَاعَةَ. (باب نسبة) أهل (اليمن إلى إسماعيل) بن الخليل إبراهيم (منهم) أي من أهل اليمن (أسلم بن أفصى) بفتح اللام وأفصى بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح الصاد المهملة مقصورًا (ابن حارثة) بالحاء المهملة والمثلثة (ابن عمرو بن عامر) بفتح العين فيهما ابن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد. قال الرشاطي فيما نقله في الفتح: الأزد جرثومة من جراثيم قحطان وفيه قبائل فمنهم الأنصار وخزاعة وغسان وبارق وغامد والعتيك وغيرهم وهو الأزد بن الغوث بن نبت بن ملكان بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان (من خزاعة) بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي وبعد الألف مهملة فهاء تأنيث في موضع نصب على الحال من أسلم بن أفصى واحترز به عن أسلم الذي في مذحج وبجيلة، ومراد المؤلّف أن نسب حارثة بن عمرو متصل بأهل اليمن. 3507 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ -رضي الله عنه- قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ يَتَنَاضَلُونَ بِالسُّوقِ فَقَالَ: ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ -لأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ- فَأَمْسَكُوا بِأَيْدِيهِمْ. فَقَالَ: مَا لَهُمْ؟ قَالُوا: وَكَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَ بَنِي فُلاَنٍ؟ قَالَ: ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ». وبه قال: (حدّثنا مسدّد) بضم الميم وفتح السن وتشديد الدال الأولى المهملات أبو الحسن الأسدي البصري قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن يزيد بن أبي عبيد) بضم العين مصغرًا من غير إضافة لشيء مولى سلمة بن الأكوع أنه قال: (حدّثنا سلمة) بن الأكوع (-رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قوم من أسلم) القبيلة المشهورة كونهم (يتناضلون) بالضاد المعجمة بوزن يتفاعلون أي يترامون (بالسوق فقال) عليه الصلاة والسلام: (ارموا بني إسماعيل) أي يا بني إسماعيل بن الخليل (فإن أباكم) إسماعيل عليه الصلاة والسلام (كان راميًا وأنا مع بني فلان) أي بني الأدرع كما في صحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة، واسم الأدرع محجن كما عند الطبراني (لأحد الفريقين فأمسكوا) أي الفريق الآخر (بأيديهم) عن الرمي (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما لهم؟) أمسكوا عن الرمي (قالوا: وكيف نرمي وأنت مع بني فلان) وعند ابن إسحاق: بينا محجن بن الأدرع يناضل رجلاً من أسلم يقال له نضلة الخير وفيه فقال نضلة وألقى قوسه من يده والله لا أرمي معه وأنت معه (قال) عليه الصلاة والسلام: (ارموا وأنا معكم كلكم) بالجر تأكيد للضمير المجرور. قال في فتح الباري: وقد خاطب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بني أسلم بأنهم من بني إسماعيل فدلّ على أن اليمن من بني إسماعيل قال: وفي هذا الاستدلال نظر لأنه لا يلزم من كون بني أسلم من بني إسماعيل أن يكون جميع من ينسب إلى قحطان من بني إسماعيل لاحتمال أن يكون وقع في أسلم ما وقع في خزاعة من الخلاف هل هو من بني إسماعيل، وقد ذكر ابن عبد البر من طريق القعقاع بن

5 - باب

حدرد في حديث الباب أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ بناس من أسلم وخزاعة وهم يتناضلون فقال "ارموا بني إسماعيل" فعلى هذا فلعل من كان ثم من خزاعة أكثر فقال ذلك على سبيل التغليب. وأجاب الهمداني النسابة عن ذلك: بأن قوله لهم يا بني إسماعيل لا يدل على أنهم من ولد إسماعيل من جهة الآباء، بل يحتمل أن يكون ذلك من بني إسماعيل من جهة الأمهات لأن القحطانية والعدنانية قد اختلطوا بالصهورة بالقحطانية من بني إسماعيل من جهة الأمهات. وهذا الحديث سبق في الجهاد وفي باب: {واذكر في الكتاب إسماعيل} [مريم: 54]. 5 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة. 3508 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ -وَهْوَ يَعْلَمُهُ- إِلاَّ كَفَرَ بِاللهِ، وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ نَسَبٌ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». [الحديث 3508 - طرفه في: 6045]. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة آخره راء عبد الله بن عمرو المنقري المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري (عن الحسين) بن واقد بالقاف المعلم (عن عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة مصغرًا ابن الحصيب بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين مصغرًا الأسلمي أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (يحيى بن يعمر) بفتح التحتية والميم بينهما عين مهملة ساكنة آخره راء البصري (أن أبا الأسود) ظالم بن عمرو بن سفيان (الديلي) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية (حدّثه عن أبي ذر) هو جندب بن جنادة على الأصح الغفاري (-رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (ليس من رجل ادّعى) بتشديد الدال انتسب (لغير أبيه) واتخذه أبًا (وهو) أي والحال أنه (يعلمه) غير أبيه (إلاّ كفر) أي النعمة، ولأبي ذر: إلا كفر بالله، وليست هذه الزيادة في غير روايته ولا في رواية مسلم ولا الإسماعيلي فحذفها أوجه لما لا يخفى وعلى ثبوتها فهي مؤوّلة بالمستحل لذلك مع علمه بالتحريم أو ورد على سبيل التغليظ لزجر فاعله ومن في قوله من رجل زائدة والتعبير بالرجل جرى مجرى الغالب وإلاّ فالمرأة كذلك. (ومن ادعى قومًا) أي انتسب إلى قوم (ليس له فيهم نسب) وسقط لأبي ذر لفظ له وللكشميهني ليس منهم نسب قرابة أو نحوها (فليتبوّأ مقعده من النار) خبر بلفظ الأمر أي هذا جزاؤه وقد يعفى عنه أو يتوب فيسقط عنه وقيد بالعلم لأن الإثم إنما يترتب على العالم بالشيء المتعمد له فلا بدّ منه في الحالتين إثباتًا ونفيًا. وهذا الحديث أيضًا في الأدب، ومسلم في الإيمان. 3509 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا حَرِيزٌ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عبيدِ اللَّهِ النَّصْرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ يُرِيَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ، أَوْ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا لَمْ يَقُلْ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عياش) بالتحتية والمعجمة الإلهاني الحمصي قال: (حدّثنا حريز) بالحاء المهملة المفتوحة والراء المكسورة والزاي آخره ابن عثمان الحمصي الرحبي بفتح الراء والحاء المهملة بعدها موحدة من صغار التابعين ثقة ثبت لكنه رمي بالرفض. وقال الفلاس: كان ينتقص عليًّا. وقال ابن حبان: كان داعية إلى مذهبه يجتنب حديثه. وقال البخاري قال أبو اليمان: كان ينال من رجل ثم ترك. قال ابن حجر: هذا أعدل الأقوال لعله تاب، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخره في صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وروى له أصحاب السنن (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الواحد بن عبد الله) بضم العين في الثاني مصغرًا كذا في فرع اليونينية وفي أصله وغيره بفتح العين مكبرًا ابن كعب بن عمير (النصري) بالنون المفتوحة والصاد المهملة الساكنة من بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن الدمشقي التابعي الصغير وثقه العجلي والدارقطني وغيرهما. وقال أبو حاتم: لا يحتج به وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وخرج له الأربعة (قال: سمعت واثلة بن الأسقع) بالقاف ابن كعب الليثي -رضي الله عنه- (يقول قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن من أعظم الفرى) بكسر الفاء وفتح الراء مقصورًا ويمدّ جمع فرية أي من أعظم الكذب والبهت (أن يدعي الرجل) بتشديد الدال ينتسب (إلى غير أبيه أو يري عينه ما لم تر) بالإفراد في عينه، ويري بضم أوّله وكسر ثانيه من أرى أي ينسب الرؤية إلى عينه كان يقول: رأيت في منامي كذا وكذا ولا يكون قد رآه يتعمد الكذب، وإنما زيد التشديد في هذا على الكذب في اليقظة. قال في المصابيح كالطيبي لأنه في الحقيقة كذب عليه تعالى فإنه الذي يرسل ملك الرؤيا بالرؤية ليريه المنام، وقال في الكواكب:

6 - باب ذكر أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع

لأن الرؤيا جزء من النبوّة والنبوّة لا تكون إلا وحيًا والكاذب في الرؤيا يدعي أن الله أراه ما لم يره وأعطاه جزءًا من النبوّة لم يعطه والكاذب على الله أعظم فرية ممن يكذب على غيره (أو يقول) نصب عطفًا على السابق ولأبوي ذر والوقت وعزاها في الفتح للمستملي أو تقوّل بالفوقية والقاف وتشديد الواو المفتوحات أي افترى (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما لم يقل) وقد يكون في كذبه نسبة شرع إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والشرع غالبًا إنما هو على لسان الملك فيكون الكاذب في ذلك كاذبًا على الله وعلى الملك. وهذا الحديث من عوالي المصنف وأفراده، وفيه رواية القرين عن القرين. 3510 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: «قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا مِنْ هَذَا الْحَىِّ مِنْ رَبِيعَةَ، قَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، فَلَسْنَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَرَامٍ، فَلَوْ أَمَرْتَنَا بِأَمْرٍ نَأْخُذُهُ عَنْكَ، وَنُبَلِّغُهُ مَنْ وَرَاءَنَا. قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعَةٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعَةٍ: الإِيمَانِ بِاللَّهِ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا إِلَى اللَّهِ خُمْسَ مَا غَنِمْتُمْ. وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُزَفَّتِ». وبه قال (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد بن درهم (عن أبي جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي (قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: قدم وفد عبد قيس) كانوا أربعة عشر رجلاً بالأشج (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قبل أن يخرج من مكة في الفتح (فقالوا:) لما قال لهم عليه الصلاة والسلام من الوفد (يا رسول الله إنّا هذا الحي) ولغير أبي ذر: إنّا من هذا الحي (من ربيعة) بن نزار بن معد بن عدنان (قد حالت بيننا وبينك كفار مضر) لأنهم كانوا بينهم وبين المدينة وكانت مساكنهم بالبحرين وما والاها من أطراف العراق (فلسنا نخلص إليك) بضم اللام (إلا في كل شهر حرام) من الأربعة المحرم لحرمة القتال فيها عندهم (فلو أمرتنا بأمر نأخذه عنك ونبلغه) بضم النون وفتح الموحده وتشديد اللام المكسورة (من وراءنا) خلفنا من قومنا (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (آمركم بأربع) من الخصال (وأنهاكم عن أربع) ولأبي ذر عن الحموي والمستملى: بأربعة وعن أربعة بالتأنيث فيهما والعدد إذا لم يذكر مميزه يجوز تذكيره وتأنيثه (الإيمان بالله) بالجر بدل من أربع المأمور بها (شهادة أن لا إله إلا الله) بجر شهادة أيضًا بيان لسابقه (إقام الصلاة) المكتوبة (وإيتاء الزكاة) المفروضة (وأن تؤدوا إلى الله) عز وجل (خمس ما غنمتم، وأنهاكم عن) الانتباذ في (الدباء) بالدال المهملة المضمومة والموحدة المشددة ممدود اليقطين (و) عن الانتباذ في (الحنتم) بالحاء المهملة المفتوحة وسكون النون الجرار الخضر (و) عن الانتباذ في (النقير) بفتح النون وكسر القاف ما ينقر في أصل النخلة (و) عن الانتباذ في (المزفت) بالزاي والفاء المشدّدة المفتوحتين ما طلي بالزفت لأنه يسرع إليها الإسكار فربما شرب منها وهو لا يشعر ثم ثبتت الرخصة في كل وعاء مع النهي عن شرب كل مسكر. وسبق هذا الحديث في كتاب الإيمان. 3511 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: أَلاَ إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا -يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ- مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم) بن عبد الله ولأبوي الوقت وذر قال: حدّثني بالإفراد سالم بن عبد الله (أن) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول وهو على المنبر): (ألا) بتخفيف اللام (إن الفتنة هاهنا) حال كونه (يشير إلى المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان) يريد أن منشأ الفتن من المشرق وقد وقع مصداق ذلك. وسبق هذا الحديث في صفة إبليس لعنه الله. 6 - باب ذِكْرِ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ وَأَشْجَعَ (باب ذكر أسلم) بن أفصى (وغفار)، بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وهم بنو غفار بن مليل بميم ولامين مصغرًا ابن ضمرة بن بكر بن عبد مناف بن كنانة منهم أبو ذر الغفاري (ومزينة) بضم الميم وفتح الزاي وسكون التحتية بعدها نون اسم امرأة عمرو بن أدّ بن طابخة بالموحدة ثم المعجمة ابن إلياس بن مضر وهي مزينة بنت كلب بن وبرة منهم عبد الله بن مغفل المزني (وجهينة) بضم الجيم وفتح الهاء ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بضم اللام ابن الحاف بالمهملة والفاء بوزن الياس ابن قضاعة منهم عقبة بن عامر الجهني (وأشجع) بالشين المعجمة والجيم بوزن أحمر ابن ريث براء مفتوحة فتحتية ساكنة فمثلثة ابن غطفان بن سعد بن قيس فهذه قبائل خمس من مضر. 3512 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدٍ بنِ إبراهيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ وَجُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ وَأَشْجَعُ مَوَالِيَّ، لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ». وبه قال: (حدّثنا

أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن سعد) بسكون العين (ابن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف، وثبت ابن إبراهيم لأبوي ذر والوقت (عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج (عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قريش) بن النضر أو فهر بن مالك بن النضر (والأنصار) الأوس والخزرج (وجهينة ومزينة وأسلم وغفار وأشجع) من آمن من هؤلاء السبعة (مواليّ) بتشديد التحتية أي أنصاري. قال في الفتح: ويروى موالي بالتخفيف والمضاف محذوف أي موالي الله ورسوله ويدل عليه قوله: (ليس لهم مولى دون الله) أي غير الله (ورسوله) وهذه الجملة مقررة للجملة الأولى على الطرد والعكس، وفي ذلك فضيلة ظاهرة لهؤلاء لأنهم كانوا أسرع دخولاً في الإسلام. 3513 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحٍ حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ، وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن غرير) بالغين المعجمة المضمومة وفتح الراء الأولى مصغرًا ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي (الزهري) المدني قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم عن أبيه) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان أنه قال: (حدّثنا نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله) بن عمر -رضي الله عنه- (أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال على المنبر: غفار) غير مصروف باعتبار القبيلة (غفر الله لها) ذنب سرقة الحاج في الجاهلية، وفيه إشعار بأن ما سلف منها مغفور (وأسلم سالمها الله) عز وجل بفتح اللام من المسالمة وترك الحرب، ويحتمل أن يكون قوله غفر الله لها وسالمها خبرين يراد بهما الدعاء أو هما خبران على بابهما ويؤيده قوله (وعصية) بضم العين وفتح الصاد المهملتين وتشديد التحتية وهي بطن من بني سليم ينسبون إلى عصية (عصت الله ورسوله). بقتلها القرّاء ببئر معونة، وهذا إخبار ولا يجوز حمله على الدعاء. نعم فيه إشعار بإظهار الشكاية منهم وهي تستلزم الدعاء عليهم بالخذلان لا بالعصيان، وانظر ما أحسن هذا الجناس في قوله: غفار غفر الله لها الخ. وألذه على السمع وأعلقه بالقلب وأبعده عن التكلف وهو من الاتفاقات اللطيفة، وكليف لا يكون كذلك ومصدره عمن لا ينطق عن الهوى ففصاحة لسانه عليه الصلاة والسلام غاية لا يدرك مداها ولا يدانى مننهاها. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل. 3514 - حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ، وَغِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدثنا (محمد) هو ابن سلام أو هو محمد بن عبد الله بن حوشب كما في سورة {اقتربت} والإكراه أو محمد بن المثنى كما عند الإسماعيلي لا ابن يحيى الذهلي لأنه لم يدرك الثقفي قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (الثقفي عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها) لم بفل في هذا وعصية الخ. وأخرجه مسلم في الفضائل عن محمد بن المثنى. 3515 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ «قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ جُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي أَسَدٍ وَمِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَطَفَانَ وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: خَابُوا وَخَسِرُوا. فَقَالَ: هُمْ خَيْرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَمِنْ بَنِي أَسَدٍ وَمِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَطَفَانَ وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ». [الحديث 3515 - طرفاه في: 3516، 6635]. وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة ابن عقبة قال: (حدّثنا سفيان) الثوري. قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: وحدّثنا بالجمع وسقطت الواو لغيره (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المثقلة بندار قال: (حدّثنا ابن مهدي) الثوري (عن عبد الملك بن عمير) بضم العين مصغرًا الفرسي بالفاء والسين المهملة نسبة إلى فرس له سابق (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة) بسكون الكاف (عن أبيه) أما بكرة نفيع بن الحرث بن كلدة بفتحتين -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أرأيتم) أي أخبروني والخطاب للأقرع بن حابس كما في الرواية التي بعد (إن كان جهينة ومزينة وأسلم وغفار) الأربعة (خيرًا من بنى تميم) هو ابن مر بضم الميم وتشديد الراء ابن أدّ بضم الهمزة وتشديد الدال المهملة ابن طابخة بالموحدة والخاء المعجمة ابن إلياس بن مضر (وبني أسد) أي ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر (ومن بني عبد الله بن غطفان) بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة والفاء مخففة ابن سعد بن قيس بن عيلان

بن مضر (ومن بني عامر بن صعصعة) بمهملات مفتوحات سوى الثانية فساكنة ابن معاوية بن بكير بن هوازن (فقال رجل): هو الأقرع (خابوا وخسروا، فقال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هم) أي جهينة ومزينة وأسلم وغفار (خير من بني تميم ومن بني أسد ومن بني عبد الله بن غطفان ومن بني عامر بن صعصعة) لسبقهم إلى الإسلام مع ما اشتملوا عليه من رقة القلوب ومكارم الأخلاق. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل والترمذي في المناقب. 3516 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّمَا بَايَعَكَ سُرَّاقُ الْحَجِيجِ مِنْ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ -وَأَحْسِبُهُ وَجُهَيْنَةَ، ابْنُ أَبِي يَعْقُوبَ شَكَّ- قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ -وَأَحْسِبُهُ وَجُهَيْنَةُ- خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي عَامِرٍ وَأَسَدٍ وَغَطَفَانَ خَابُوا وَخَسِرُوا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُمْ لَأخَيْرٌ مِنْهُمْ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بندار العبدي قال (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن أبي يعقوب) البصري ونسبه إلى جدّه واسم أبيه عبد الله من بني تميم أنه (قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه) أبي بكرة نفيع -رضي الله عنه- (أن الأقرع بن حابس) بحاء مهملة بعدها ألف فموحدة مكسورة فسين مهملة والأقرع بالقاف التميمي (قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنما تابعك) بالمثناة الفوقية وبعد الألف موحدة كذا لأبي الوقت ولغيره بايعك بالموحدة والتحتية (سراق الحجيج) بضم السين وتشديد الراء المفتوحة (من أسلم وغفار ومزينة وأحسبه) قال (و) من (جهينة) قال شعبة بن الحجاج (ابن أبي يعقوب) محمد الراوي هو الذي (شك) في قوله وجهينة والجزم في الأولى ينفي الشك (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) للأقرع: (أرأيت) أخبرني (إن كان أسلم وغفار ومزينة وأحسبه) قال (وجهينة خيرًا من بني تميم ومن بني عامر وأسد وغطفان) وخبر إن قوله: (خابوا) بالموحدة (وخسروا) أي أخابوا كرواية مسلم فحذف همزة الاستفهام (قال): الأقرع (نعم) خابوا وخسروا (قال): رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (والذي نفسي بيده إنهم) أي أسلم وغفار ومزينة وجهينة (لخير منهم) بلام التأكيد، ولأبي ذر: لأخير بزيادة همزة بوزن أفعل وهي لغة قليلة في خير وشر، والكثير خير وشر دون نقله إلى أفعل التفضيل. وفي رواية الترمذي لخير كالرواية الأولى، وفي الحديث السابق كرواية مسلم خير بدون لام ولا همزة. 3517 - حَدَّثَنَا سُليمانُ بن حربِ عن حَمّادٍ عن أيوبَ عن محمدٍ عَن أبِي هُريرةَ -رضيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "قال: أسلم وغِفار وشيءٌ من مُزَينةَ وجهَينةَ، أو قَالَ: شَيءٌ مِن جُهينةَ أو مزَينة -خيرٌ عِندَ الله- أو قال: يوم القِيامةِ -من أسدِ وتميمٍ وهَوَازِنَ وَغَطفانَ". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي الأزدي البصري قاضي مكة (عن حماد) هو ابن زيد ولأبوي ذر والوقت: حدّثنا حماد (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه (قال: قال): (أسلم وغفار) بحذف فاعل قال الثاني وهو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو اصطلاح لمحمد بن سيرين إذا قال قال أبو هريرة ولم يسم قائلاً كما نبه عليه الخطيب البغدادي، وتبعه ابن الصلاح فالحديث مرفوع، وقد أخرجه مسلم من طريق زهير بن حرب عن ابن علية عن أيوب والإمام أحمد من طريق معمر عن أيوب كلاهما قال فيه قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وشيء) أي بعض (من مرينة وجهينة أو قال شيء من جهينة أو مزينة) شك من الراوي جمع بينهما أو اقتصر على أحدهما وفي قوله شيء تقييد لما أطلق في حديث أبي بكرة السابق (خير عند الله أو قال يوم القيامة) بالشك أيضًا تقييد لما أطلق في الحديث السابق لأن ظهور الخيرية إنما يكون في ذلك الوقت (من أسد وتميم وهوازن وغطفان) وقد ذكر في هذا الحديث هوازن بدل بني عامر بن صعصعة وبنو عامر بن صعصعة من بني هوازن من غير عكس، فذكر هوازن أشمل من ذكر بني عامر. وسياق هذا الحديث هنا ثابت في رواية أبي ذر لأنه من تمام باب: ذكر أسلم وغفار في آخر الباب، ويليه ذكر قحطان وما ينهى من دعوى الجاهلية وقصة خزاعة وقصة إسلام أبي ذر، وباب قصة زمزم، ويليه باب من انتسب إلى غير أبيه، ويليه باب ابن أخت القوم ومولى القوم منهم ولغير أبي ذر بعد ذكر حديث أبي بكرة باب ابن أخت القوم منهم، ويليه قصة إسلام أبي ذر وباب قصة زمزم وفي آخره حديث أبي هريرة هذا، ويليه باب ذر قحطان، ويليه باب ما ينهى من دعوى الجاهلية، ويليه باب قصة خزاعة، ويليه باب قصة زمزم وجهل العرب، ويليه باب من انتسب

7 - باب ذكر قحطان

إلى آبائه في الإسلام والجاهلية. وهذا الترتيب الأخير هو الذي في الفرع وأصله ونبه في هامش الفرع على ما ذكرته، وإذا تقرر هذا فلنذكره على ترتيب الفرع وأصله ولا يضرنا تقديم حديث أبي هريرة بل هو أوجه من تأخيره كما لا يخفى. 7 - باب ذِكْرِ قَحْطَانَ (باب ذكر قحطان) بفتح القاف وسكون الحاء وفتح الطاء المهملتين وإليه تنتهي أنساب اليمن من حمير وكندة وهمدان وغيرهم. 3518 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ». [الحديث 3518 - طرفه في: 7117]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي (قال: حدّثني) بالإفراد (سليمان بن بلال) المدني (عن ثور بن زيد) بالمثلثة الديلي المدني وقول العيني ابن يزيد من الزيادة الديلي سهو فإن الذي من الزيادة حمصي رمي بالقدر (عن أبي الغيث) بالمعجمة والمثلثة بينهما تحتية ساكنة واسمه سالم مولى عبد الله بن مطيع بن الأسود (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه، وجوّز القرطبي أنه جهجاه المذكور في مسلم. (يسوق الناس بعصاه) كالراعي الذي يسوق غنمه كناية عن الملك، وخروجه يكون بعد المهدي ويسير على سيرته. رواه أبو نعيم بن حماد في الفتن. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفتن. 8 - باب مَا يُنْهَى مِنْ دَعْوَةِ الْجَاهِلِيَّةِ (باب ما ينهى من دعوى الجاهلية) وفي نسخة: من دعوة الجاهلية. 3519 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: «غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا، وَكَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا، وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ؟ ثُمَّ قَالَ: مَا شَأْنُهُمْ؟ فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِيِّ الأَنْصَارِيَّ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا؟ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ. فَقَالَ عُمَرُ: أَلاَ نَقْتُلُ يَا نبي اللَّهِ هَذَا الْخَبِيثَ؟، لِعَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ». [الحديث 3518 - طرفاه في: 4905، 4907]. وبه قال: (حدّثنا محمد) غير منسوب وهو ابن سلام كما جزم به أبو نعيم في مستخرجه والدمياطي وغيرهما قال: (أخبرنا مخلد بن يزيد) بفتح الميم وسكون المعجمة ويزيد من الزيادة الحراني الجزري قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز المكي (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو بن دينار) القرشي المكي (أنه سمع جابرًا) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه- يقول: غزونا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) غزوة المريسيع سنة ست (وقد ثاب) بالمثلثة والموحدة بينهما ألف اجتمع أو رجع (معه ناس من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل) هو جهجاه بن قيس الغفاري (لعاب) بلام مفتوحة فعين مهملة مشددة وبعد الألف موحدة أي مزاح بصيغة المبالغة من اللعب، وقيل: كان يلعب بالحراب كالحبشة (فكسع) بفتح الكاف والمهملتين ضرب (أنصاريًّا) هو سنان بن وبرة حليف بني سالم الخزرجي على دبره (فغضب الأنصاري غضبًا شديدًا حتى تداعوا) بسكون الواو بعد فتح العين كذا في الفرع بصيغة الجمع أي أتوا بالقبائل يستنصرون بهم على عادة الجاهلية وقال في الفتح وفي بعض النسخ عن أبي ذر تداعوا بفتح العين والواو بالتثنية والمشهور في هذا تداعيا بالياء عوض الواو (وقال الأنصاري: يا للأنصار) ولأبي ذر: يال الأنصار بفصل اللام (وقال المهاجري: يا للمهاجرين) ولأبي ذر: يال المهاجرين بالفصل أيضًا (فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عليهم (فقال): (ما بال دعوى أهل الجاهلية، ثم نال ما شأنهم؟) (فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري قال) جابر (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعوها) يعني دعوة الجاهلية (فإنها خبيثة) قبيحة منكرة مؤذية لأنها تؤدي إلى الغضب والتقاتل في غير الحق وتؤول إلى النار (وقال عبد الله بن أبي) بالتنوين (ابن سلول) بالرفع صفة لعبد الله وفتح اللام وسلول أمه رأس المنافقين (أقد) بهمزة الاستفهام (تداعوا علينا) بفتح العين وسكون الواو أي استغاث المهاجرون علينا (لأن) بألف مهموزة بعد اللام المفتوحة ولأبي ذر لئن بياء تحتية بدل الألف (رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز) يريد نفسه (منها الأذل) يريد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه (فقال عمر): -رضي الله عنه- (ألا) بالتخفيف (تقتل) بالمثناة الفوقية في الفرع، وزاد في الفتح فقال وبالنون وهو الذي في اليونينية (يا رسول الله) ولأبوي الوقت وذر يا نبي الله (هذا الخبيث لعبد الله) بن أبي واللام متعلق بقوله قال عمر أي قال لأجل عبد الله أو للبيان نحو: {هيت لك} [يوسف: 23] وقال الكرماني وفي بعضها يعني عبد الله (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (لا) تقتل (يتحدث الناس) استئناف لا تعلق له بقوله لا (أنه) يريد نفسه الشريفة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كان يقتل أصحابه) إذ في ذلك كما قال أبو سليمان تنفير الناس عن الدخول في الدين

9 - باب قصة خزاعة

بأن يقولوا لإخوانهم: ما يؤمنكم إذا دخلتم في دينه أن يدعي عليكم كفر الباطن فيستبيح بذلك دماءكم وأموالكم. وهذا الحديث من أفراد البخاري. 3520 - : حَدَّثَنا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَعَنْ سُفْيَانَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (ثابت بن محمد) بالمثلثة والموحدة والفوقية ابن إسماعيل الكناني الكوفي العابد قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن عبد الله بن مرّة) بضم الميم وتشديد الراء الخارفي بخاء معجمة وراء وفاء الهمداني الكوفي (عن مسروق) هو ابن الأجدع الهمداني الكوفي الوادعي (عن عبد الله) هو ابن مسعود (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (وعن سفيان) الثوري بالسند السابق (عن زبيد) بزاي مضمومة فموحدة مفتوحة فتحتية ساكنة فدال ابن الحرث بن عبد الكريم اليامي (عن إبراهيم) النخعي (عن مسروق عن عبد الله) بن مسعود (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ليس منا) أي ليس مقتديًا بنا ولا مستنًا بسنتنا (من ضرب الخدود) هو كقوله تعالى: {وأطراف النهار} [طه: 130] وقوله: شابت مفارقه وليس له إلا مفرق واحد (وشق الجيوب) جمع جيب ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس للبسه (ودعا بدعوى) أهل (الجاهلية) وهي زمان الفترة قبل الإسلام بأن قال ما لا يجوز شرعًا، ولا ريب أنه يكفر باعتقاد حل ذلك فيكون قوله: ليس منا على ظاهره وحينئذٍ فلا تأويل. وهذا الحديث سبق في باب: ليس منا من شق الجيوب من الجنائز. 9 - باب قِصَّةُ خُزَاعَةَ (باب قصة خزاعة) بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي وبعد الألف عين مهملة. 3521 - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ أَبُو خُزَاعَةَ». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولغير أبي ذر: حدّثني (إسحق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (حدّثنا يحيى بن آدم) بن سليمان القرشي الكوفي صاحب الثوري قال: (أخبرنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (عمرو بن لحي بن قمعة) عمرو بفتح العين وسكون الميم مبتدأ ولحي بضم اللام وفتح الحاء المهملة مصغرًا اسمه ربيعة وقمعة بفتح القاف وسكون الميم كذا لأبي ذر وبفتحها للأكثر مع تخفيف الميم، وللباجي عن ابن ماهان بكسر القاف وتشديد الميم وكسرها (ابن خندف) بكسر الخاء المعجمة والدال المهملة بينهما نون ساكنة وآخره فاء غير مصروف لأنها أم القبيلة، وهي ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، ولقبت بخندف لأن زوجها إلياس بن مضر والد قمعة لما مات حزنت عليه حزنًا شديدًا بحيث هجرت أهلها ودارها وساحت في الأرض حتى ماتت، فكان من رأى أولادها الصغار يقول: من هؤلاء؟ فيقال بنو خندف إشارة إلى أنها ضيعتهم واشتهر بنوها بالنسب إليها دون أبيهم قال قائلهم: أمهتي خندف وإلياس أبي وخبر المبتدأ هو قوله: (أبو خزاعة) بضم الخاء وفتح الزاي المخففة وبالمهملة، وهذا يؤيد قول من قال: إن خزاعة من مضر، وقال الرشاطي: خزاعة هو عمرو بن ربيعة وربيعة هذا هو لحي بن حارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر بن ماء السماء بن الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد. وهذا مذهب من يرى أن خزاعة من اليمن، وجمع بعضهم بين القولين فزعم أن حارثة بن عمرو لما مات قمعة بن خندف كانت امرأته حاملاً بلحي فولدته وهي عند حارثة فتبناه فنسب إليه، فعلى هذا هو من مضر بالولادة ومن اليمن بالتبتي. وقال ابن الكلبي في سبب تسميته خزاعة: أن أهل سبأ لما تفرقوا بسبب سيل العرم نزل بنو مازن على ماء يقال له غسان فمن أقام به فهو غساني، وانخزعت منهم بنو عمرر بن لحي عن قومهم فنزلوا مكة وما حولها فسموا خزاعة، وتفرق سائر الأزد وفي ذلك يقول حسان: ولما نزلت بطن مرّ تخزعت ... خزاعة منا في جموع كراكر وهذا الحديث من أفراد البخاري. 3522 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: «الْبَحِيرَةُ الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ وَلاَ يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ. وَالسَّائِبَةُ الَّتِي كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لآلِهَتِهِمْ فَلاَ يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَىْءٌ». قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرِ بْنِ لُحَىٍّ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ". [الحديث 3522 - طرفه في: 4623]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب)

10 - باب قصة إسلام أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه-

هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: سمعت سعيد بن المسيب قال: البحيرة) بفتح الموحدة وكسر المهملة فعيلة بمعنى مفعولة هي (التي يمنع درّها) أي لبنها (للطواغيت) بالمثناة الفوقية أي لأجل الطواغيت جمع طاغوت وهو الشيطان وكل رأس في الضلال والمراد هنا الأصنام (ولا يحلبها أحد من الناس) تعظيمًا للطواغيت (والسائبة) هي (التي كانوا يسيبونها) يتركونها (لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء) ولا تركب، وكان الرجل يجيء بها إلى السدنة فيتركها عندهم (قال) سعيد بن المسيب بالاسناد السابق (وقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي) وسقط لأبي ذر ابن لحي، وهذا مغاير لما سبق من نسب عمرو بن لحي إلى مضر، فإن عامرًا هو ابن ماء السماء بن سبأ وهو جدّ جدّ عمرو بن لحي عند من ينسبه إلى اليمن، ويحتمل أن يكون نسب إليه بطريق التبني كما سبق (يجر قصبه) بضم القاف وسكون المهملة وبالموحدة أمعاءه (في النار وكان) أي عمرو (أول من سيب السوائب) أي أول من ابتاع هذا الرأي الخبيث وجعله دينًا. وهذا الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في تفسير سورة المائدة، وفي رواية أبي ذر هنا ذكر قصة إسلام أبي ذر، وباب قصة زمزم السابق قبل بابين، وهذا في الفرع ونصه هنا قصة إسلام أبي ذر، وباب قصة زمزم عنده يعني أبا ذر. 10 - باب قِصَّةِ إِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ -رضي الله عنه- 11 - باب قِصَّةِ زَمْزَمَ (باب قصة زمزم) ولأبي ذر: قصة إسلام أبي ذر -رضي الله عنه-، وعند العيني باب قصة زمزم وفيه إسلام أبي ذر. 3523 - حَدَّثَنَا زَيْدٌ هُوَ ابْنُ أَخْزَمَ قَالَ أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ حَدَّثَنِي مُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ الْقَصِيرُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ قَالَ: «قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسِ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِإِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ؟ قَالَ: قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كُنْتُ رَجُلاً مِنْ غِفَارٍ، فَبَلَغَنَا أَنَّ رَجُلاً قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَقُلْتُ لأَخِي: انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، كَلِّمْهُ وَأْتِنِي بِخَبَرِهِ. فَانْطَلَقَ فَلَقِيَهُ ثُمَّ رَجَعَ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدَكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ، وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ. فَقُلْتُ لَهُ: لَمْ تَشْفِنِي مِنَ الْخَبَرِ، فَأَخَذْتُ جِرَابًا وَعَصًا. ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ فَجَعَلْتُ لاَ أَعْرِفُهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ: فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ فَقَالَ: كَأَنَّ الرَّجُلَ غَرِيبٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَانْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ شَىْءٍ وَلاَ أُخْبِرُهُ. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ لأَسْأَلَ عَنْهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَىْءٍ. قَالَ: فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ فَقَالَ: أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ يَعْرِفُ مَنْزِلَهُ بَعْدُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ. قَالَ: انْطَلِقْ مَعِي، قَالَ: فَقَالَ: مَا أَمْرُكَ، وَمَا أَقْدَمَكَ هَذِهِ الْبَلْدَةَ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنْ كَتَمْتَ عَلَىَّ أَخْبَرْتُكَ. قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ. قَالَ: قُلْتُ لَهُ: بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ هَا هُنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ، فَرَجَعَ وَلَمْ يَشْفِنِي مِنَ الْخَبَرِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَلْقَاهُ. فَقَالَ لَهُ: أَمَا إِنَّكَ قَدْ رَشَدْتَ، هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ، فَاتَّبِعْنِي، ادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ أَحَدًا أَخَافُهُ عَلَيْكَ قُمْتُ إِلَى الْحَائِطِ كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي، وَامْضِ أَنْتَ. فَمَضَى وَمَضَيْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ لَهُ: اعْرِضْ عَلَىَّ الإِسْلاَمَ، فَعَرَضَهُ، فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا ذَرٍّ. اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ، وَارْجِعْ إِلَى بَلَدِكَ، فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُورُنَا فَأَقْبِلْ. فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. فَجَاءَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيهِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ، فَقَامُوا: فَضُرِبْتُ لأَمُوتَ، فَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: وَيْلَكُمْ, تَقْتُلُونَ رَجُلاً مِنْ غِفَارَ، وَمَتْجَرُكُمْ وَمَمَرُّكُمْ عَلَى غِفَارَ؟ فَأَقْلَعُوا عَنِّي. فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحْتُ الْغَدَ رَجَعْتُ فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ. فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ، فَصُنِعَ بِي مِثْلَ مَا صُنِعَ بِالأَمْسِ، وَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ وَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ بِالأَمْسِ. قَالَ: فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ إِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ». [الحديث 3523 - طرفه في: 3861]. وبه قال: (حدّثنا زيد هو ابن أخزم) بفتح الهمزة وسكون الخاء وفتح الزاي المعجمتين آخره ميم الطائي الحافظ البصري وهو من أفراد البخاري وسقط هو ابن أخزم لأبي ذر (قال أبو قتيبة): بضم القاف مصغرًا، ولأبي ذر قال: حدّثنا أبو قتيبة (سالم بن قتيبة) كذا في الفرع سالم بألف بعد السين والذي في اليونينية وفرعها وقف آقبغا آص وغيرهما من الأصول المعتمدة وذكر مصنفو أسماء الرجال سلم بغير ألف وسكون اللام بعد الفتح الشعيري بفتح الشين المعجمة وكسر العين المهملة الخراساني سكن البصرة قال: (حدّثني) بالإفراد (مثنى بن سعيد) ضد المفرد وسعيد بكسر العين (القصير) بفتح القاف ضد الطويل القسام الضبعي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي (قال، قال لنا ابن عباس) -رضي الله عنهما- (ألا) بالتخفيف حرف تنبيه (أخبركم بإسلام أبي ذر؟) الغفاري (قال: قلنا بلى) أخبرنا (قال قال أبو ذر كنت رجلاً من) حي (غفار فبلغنا أن رجلاً) يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قد خرج) أي ظهر (بمكة) حال كونه (يزعم أنه نبي) يأتيه الخبر من السماء (فقلت لأخي) أنيس: (انطلق إلى هذا الرجل) الذي يزعم أنه نبي فإذا اجتمعت به (كلمه) ولمسلم واسمع قوله (وائتني بخبره فانطلق) أنيس حتى أتى مكة (فلقيه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسمع قوله (ثم رجع) إلى أخيه أبي ذر قال (فقلت): أي لأنيس (ما عندك؟) من خبره عليه الصلاة والسلام (فقال): (والله لقد رأيت رجلاً بأمر بالخبر وينهى عن الشر) ولمسلم رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلامًا ما هو بالشعر قال أبو ذر (فقلت له: لم تشفني من الخبر) أي لم تجيء بجواب يشفيني من مرض الجهل (فأخذت) بقصر الهمزة وتاء المتكلم ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فآخذ بمد الهمزة وضم الخاء من غير تاء (جرابًا) بكسر الجيم (وعصا) ولمسلم أنه تزوّد وحمل شنة له فيها ماء قال (ثم أقبلت إلى مكة فجعلت لا أعرفه) بفتح الهمزة وسكون العين وكسر الراء (وأكره أن أسأل عنه) قريبًا فيؤذوني (أشرب من ماء زمزم). وعند مسلم من حديث عبد الله بن الصامت: وما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما وجدت على كبدي سخفة جوع أي رقة الجوع وضعفه وهزاله فإنه لكثرة سمنه انثنت عكن بطنه (وأكون في المسجد) الحرام (قال: فمرّ بي عليّ) هو ابن أبي طالب -رضي الله عنه- (فقال) لي: (كأن الرجل غريب

قال) أبو ذر (قلت) له: (نعم) غريب (قال: فانطلق) معي (إلى المنزل. قال: فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره) عن شيء (فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه) عليه الصلاة والسلام (وليس أحد يخبرني عنه بشيء. قال: فمرّ بي عليّ) -رضي الله عنه- (فقال: أما نال) بنون فألف أي أما آن (للرجل يعرف منزله بعد؟) أي أما جاء الوقت الذي يعرف الرجل فيه منزله بأن يكون له منزل معين يسكنه أو أراد دعوته إلى بيته للضيافة وتكون إضافة المنزل إليه بملابسة إضافته له فيه، أو أراد إرشاده إلى ما قدم إليه وقصده أي أما جاء وقت إظهار المقصود من الاجتماع بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والدخول في منزله (قال): أبو ذر (قلت) له (لا). أي لا أقصد التوطن ثم أو لا أرب لي في الضيافة والمبيت بمنزلك بل أهم من ذلك وهو التفتيش على المقصود، أو لا أسأل قريبًا عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظاهرًا خوف الأذية (قال): علي (انطلق) ولأبي ذر: فانطلق (معي. قال) فانطلقت معه (فقال) لي: (ما أمرك؟) بسكون الميم (وما أقدمك هذه البلدة؟ قال): أبو ذر (قلت له إن كتمت عليّ أخبرتك) بذلك. ولمسلم كالمؤلّف في باب إسلام أبي ذر إن أعطيتني عهدًا وميثاقًا لترشدني فعلت (قال: فإني أفعل) ما ذكرته (قال، قلت له بلغنا أنه قد خرج هاهنا رجل يزعم أنه نبي فأرسلت أخي ليكلمه) ويأتيني بخبره (فرجع) بعد أن أتاه وسمع قوله (ولم يشفني من الخبر فأردت أن ألقاه فقال له): علي وسقط له لأبي ذر (أما) بالتخفيف (إنك قد رشدت) بضم الراء وكسر المعجمة والذي في اليونينية فتح الراء ولأبي ذر رشدت بفتحهما (هذا وجهي) أي توجهي (إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فاتبعني) بتشديد الفوقية وكسر الموحدة (ادخل) بضم الهمزة مجزوم بالأمر (حيث أدخل) بفتح الهمزة مضارع (فإني إن رأيت أحدًا أخافه عليك قمت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فقمت (إلى الحائط كأني أصلح نعلي) بسكون الياء (وامض أنت) بهمزة وصل قال أبو ذر (فمضى عليّ ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت له): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اعرض عليّ الإسلام فعرضه) علي (فأسلمت مكاني، فقال لي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يا أبا ذر اكتم هذا وارجع إلى بلدك فإذا بلغك ظهورنا فأقبل) بهمزة قطع وكسر الموحدة مجزوم على الأمر (فقلت): له (والذي بعثك بالحق لأصرخن) لأرفعن (بها) بكلمة التوحيد صوتي (بين أظهرهم) وإنما لم يمتثل الأمر لأنه علم بالقرائن أنه ليس للإيجاب (فجاء) أبو ذر (إلى المسجد وقريش) أي والحال أن قريشًا (فيه فقال: بل معشر قريش) بسكون العين ولأبي الوقت يا معاشر قريش (إني) ولأبي ذر أنا (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. فقالوا): يعني قريشًا (قوموا إلى هذا الصابئ) بالهمزة أي الذي انتقل من دين إلى دين أو ارتكب الجهل (فقاموا) إليه قال أبو ذر (فضربت) بضم الضاد المعجمة مبنيًا للمفعول (لأموت) لأن أموت يعني ضربوه ضرب الموت (فأدركني العباس) بن عبد المطلب (فأكبّ) بتشديد الموحدة رمى نفسه (علي) ليمنعهم أن يضربوني (ثم أقبل عليهم فقال: ويلكم تقتلون) ولأبي ذر: أتقتلون بهمزة الاستفهام (رجلاً من غفار ومتجركم وممرّكم على غفار) بالصرف وعدمه (فأقلعوا) بالقاف الساكنة أي فكفوا (عني، فلما أن أصبحت الغد رجعت فقلت مثل ما قلت بالأمس) من كلمة الإسلام (فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ فصنع) بضم الصاد مبنيًا للمفعول وزاد أبو ذر والوقت بي (مثل) بالرفع (ما صنع) بي (بالأمس) من الضرب (وأدركني) بالواو ولأبي ذر: فأدركني (العباس فأكبّ علي وقال مثل مقالته بالأمس. قال) ابن عباس (فكان هذا) الذي ذكر (أول إسلام أبي ذر رحمه الله). وهذا الحديث أخرجه أيضًا في إسلام أبي ذر، ومسلم في الفضائل. وفي رواية أبي ذر هنا باب قصة زمزم وجهل العرب، وساق في رواية غيره هنا حديث أبي هريرة حديث أسلم وغفار السابق كما ذكر، وهذا ثابت هنا بتمامه

12 - باب قصة زمزم وجهل العرب

في اليونينية وفي هامشها مكتوب مقابله هذا الحديث عند أبي ذر تمام باب، ذكر أسلم إلى آخر ما ذكرته هنا فليعلم. 12 - باب قِصَّةِ زَمْزَمَ وَجَهْلِ الْعَرَبِ (باب قصة زمزم وجهل العرب). قال في الفتح: كذا لأبي ذر ولغيره باب جهل العرب وهو أولى إذ لم يجر في حديث الباب لزمزم ذكر. 3524 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلاَثِينَ وَمِائَةٍ من سُورَةِ الأَنْعَامِ: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 140]-إِلَى قَوْلِهِ- {قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [الأنعام: 140]. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس اليشكري (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: إذا سرّك) بسين مهملة وتشديد الراء (أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة) من الآيات (في سورة الأنعام: {قد خسر الذين قتلوا أولادهم} [الأنعام: 140]) بناتهم مخافة الفقر ({سفهًا}) نصب على الحال أي ذوي سفه ({بغير علم}) لأن الفقر وإن كان ضررًا إلا أن القتل أعظم منه، وأيضًا فالقتل ناجز وذلك الفقر موهوم فالتزام أعظم المضار على سبيل القطع حذرًا من ضرر موهوم لا ريب أنه سفاهة وهذه السفاهة إنما تولدت من عدم العلم بأن الله رازق أولادهم، ولا شك أن الجهل من أعظم المنكرات والقبائح (إلى قوله: {قد ضلوا}) عن الحق ({وما كانوا مهتدين}) [الأنعام: 140]. والفائدة في قوله: {وما كانوا مهتدين} بعد قوله: ({قد ضلوا} الإشارة إلى أن الإنسان قد يضل عن الحق ويعود إلى الاهتداء، فبين أنهم قد ضلوا ولم يحصل لهم الاهتداء قط، وهذا نهاية المبالغة في الذم. الآية نزلت في ربيعة ومضر وبعض العرب وهم غير كنانة. والحديث من أفراد البخاري. 13 - باب مَنِ انْتَسَبَ إِلَى آبَائِهِ فِي الإِسْلاَمِ وَالْجَاهِلِيَّةِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْكَرِيمَ ابْنَ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ». وَقَالَ الْبَرَاءُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ». (باب) جواز (من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية) إذا كان على غير طريقة المفاخرة والمشاجرة خلافًا لمن كره ذلك مطلقًا وهو محجوج بما يأتي. (وقال ابن عمر وأبو هريرة) مما سبق حديث كل منهما موصولاً في أحاديث الأنبياء (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله) فذكر نسب يوسف إلى آبائه من الشارع عليه الصلاة والسلام فيه دلالة على جوازه لغيره عليه الصلاة والسلام لغير يوسف، وفيه مطابقة للجزء الأول من الترجمة. (وقال البراء) بن عازب مما وصله في الجهاد (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (أنا ابن عبد المطلب) فانتسب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى جده، وهو مطابق للجزء الثاني من الترجمة، وسقط هذان التعليقان في بعض النسخ وكذا في اليونينية وفرعها رقم علامة السقوط من غير عزو. 3525 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ سُلَيْمَان قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] جَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ، لِبُطُونِ قُرَيْشٍ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) بضم العين قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث النخعي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (قال: حدّثنا عمرو بن مرة) الخارفي بالخاء المعجمة والراء والفاء (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس

14 - باب ابن أخت القوم منهم، ومولى القوم منهم

-رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين}) [الشعراء: 214] (جعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينادي): (يا بني فهر) بكسر الفاء ابن مالك بن النضر (يا بني عدي) بفتح العين المهملة وكسر الدال ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر (بطون قريش) بالموحدة، ولأبي ذر عن الكشميهني: لبطون قريش باللام بدل الموحدة، وقال البخاري: 3526 - وَقَالَ لَنَا قَبِيصَةُ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] جَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُوهُمْ قَبَائِلَ قَبَائِلَ". (وقال لنا قبيصة): بفتح القاف ابن عقبة في المذاكرة. (أخبرنا) ولأبي الوقت: حدّثنا (سفيان) هو الثوري (عن حبيب بن أبي ثابت) قيس بن دينار الكوفي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214] جعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعوهم) أي عشيرته (قبائل قبائل) يا بني فلان يا بني فلان كل قبيلة بما تعرف به. 3527 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللَّهِ. يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللَّهِ. يَا أُمَّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، اشْتَرِيَا أَنْفُسَكُمَا مِنَ اللَّهِ، لاَ أَمْلِكُ لَكُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا سَلاَنِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمَا». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): حين أنزل الله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214]: (يا بني عبد مناف) بفتح الميم والنون المخففة (اشتروا أنفسكم من الله) عز وجل أي باعتبار تخليصها من العذاب كأنه قال: أسلموا تسلموا من العذاب فيكون ذلك كالشراء كأنهم جعلوا الطاعة ثمن النجاة، وأما قوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} [التوبة: 111] فمعناه أن المؤمن بائع باعتبار تحصيل الثواب والثمن الجنة (يا بني عبد المطلب اشتروا أنفسكم من الله) تعالى (يا أم الزبير بن العوّام) صفية بنت عبد المطلب (عمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عطف بيان (يا فاطمة) الزهراء (بنت محمد اشتريا أنفسكما من الله لا أملك لكما من الله شيئًا) لا أدفع أو لا أنفعكم قال تعالى: {فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء} [إبراهيم: 21]. (سلاني من مالي ما شئتما) أعطكما. وعند مسلم وأحمد من رواية موسى بن طلحة عن أبي هريرة دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قريشًا فعمّ وخصّ فقال: "يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار. يا معشر بني كعب كذلك، يا معشر بني هاشم كذلك، يا معشر بني عبد المطلب كذلك" الحديث. وعند الواقدي أنه قصر الدعوى على بني هاشم وبني المطلب وهم يومئذ خمسة وأربعون رجلاً. وفي حديث علي عند ابن إسحاق من الزيادة أنه صنع لهم شاة على ثريد وقعب لبن وأن الجميع أكلوا من ذلك وشربوا وفضلت فضلة، وقد كان الواحد منهم يأتي على جميع ذلك. تنبيه: حديث ابن عباس وأبي هريرة من مراسيل الصحابة وبذلك جزم الإسماعيلي لأن أبا هريرة إنما أسلم بالمدينة، وهذه القصة كانت بمكة، وابن عباس كان حينئذ إما لم يولد وإما طفلاً، ويحتمل أن تكون القصة وقعت مرتين لكن الأصل خلاف ذلك. وفي حديث أبي أمامة عند الطبراني قال: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214] جمع رسول الله بني هاشم ونساءه وأهله فقال: "يا بني هاشم اشتروا أنفسكم من النار واسعوا في فكاك رقابكم. يا عائشة بنت أبي بكر، يا حفصة بنت عمر، يا أم سلمة" الحديث. فهذا إن ثبت دلّ على تعدّد القصة لأن القصة الأولى وقعت بمكة لتصريحه في الحديث المسوق بسورة الشعراء أنه صعد الصفا ولم تكن عائشة وحفصة وأم سلمة عنده من أزواجه إلا بالمدينة، وحينئذ فيحتمل حضور أبي هريرة أو ابن عباس ويحمل قوله: لما نزلت جمع أي بعد ذلك لا أن الجمع وقع على الفور. قاله في الفتح. ووقع هنا في رواية أبي ذر باب ابن أخت القوم ومولى القوم منهم وقد سبق. 14 - باب ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ، وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ هذا (باب) بالتنوين (ابن أخت القوم ومولى القوم) أي معتقهم بفتح التاء أو حليفهم (منهم). 3528 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأَنْصَارَ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ؟ قَالُوا: لاَ. إِلاَّ ابْنُ أُخْتٍ لَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأنصار) زاد أبو ذر خاصة (فقال) لهم لما أتوه: (هل فيكم أحد من غيركم؟) (قالوا: لا إلا ابن أخت لنا) هو النعمان بن مقرن المزني كما عند أحمد في حديث أنس هذا (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ابن أخت القوم منهم) لأنه ينسب إلى بعضهم وهو أمه، واستدلّ به الحنفية على توريث الخال وذوي الأرحام إذا لم يكن عصبة ولا صاحب فرض، وحمله بعضهم على ما سبق. وبقية مباحثه تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الفرائض، ولم يذكر المصنف حديث: مولى القوم منهم. نعم ذكره في الفرائض من حديث أنس بلفظ: مولى القوم من أنفسهم، وعند البزار من حديث أبي هريرة: مولى القوم منهم وحليف القوم منهم وابن أخت القوم منهم. وحديث الباب أخرجه أيضًا في المغازي، ومسلم في الزكاة وكذا النسائي، وأخرجه الترمذي في المناقب. 15 - باب قِصَّةِ الْحَبَشِ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا بَنِي أَرْفَدَةَ» (باب قصة الحبش) قال في القاموس: الحبش والحبشة محركتين والأحبُش بضم الباء جنس من السودان والجمع حبشان وأحابش، وقيل: إنهم من ولد حبش بن كوش بن حام بن نوح وكانوا سبع إخوة: السند والهند والزنج والقفط والحبشة والنوية وكنعان. (وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله في العيدين (يا بني أرفدة) بفتم الفاء لأبي ذر ولغيره بكسرها كذا في اليونينية رقم علامة أبي ذر على الفتح وصحح عليه ولم يرقم للكسر شيئًا، ثم قال في الحاشية عن عياض: وبنو أرفدة بكسر الفاء لأبي ذر ولغيره بفتحها وكذلك ضبطه علينا أبو بحر.

16 - باب من أحب أن لا يسب نسبه

قال ليس ابن سراج: هو بالكسر لا غير وهو اسم جدّ لهم أو هو اسم أمه. 3529 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ. وَتِلْكَ الأَيَّامُ أَيَّامُ مِنًى». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي مولاهم المصري ونسب لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان) زاد في العيدين من جواري الأنصار (في أيام منى تدففان) بتثسديد الفاء الأولى مكسورة، ولأبي ذر: تغنيان وتدففان (وتضربان) بالدف وهو الكربال الذي لا جلاجل فيه (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متغش) بشين معجمة مشددة مكسورة منونة، وللكشميهني: متغشيًّا بزيادة مثناة منصوبة منوّنة، وللحموي والمستملي: متغشى بنصب الشين منونة من غير ياء متغط (بثوبه) مضطجعًا على الفراش قد حوّل وجهه (فانتهرهما) أي الجاريتين (أبو بكر) على فعلهما ذلك. وفي العيدين: فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فكشف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن وجهه فقال): (دعهما) اتركهما تغنيان وتدففان (يا أبا بكر فإنها أيام عيد) أي يوم سرور شرعي فلا ينكر فيه مثل هذا قالت (وتلك الأيام أيام منى). 3530 - وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتُرُنِي وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دَعْهُمْ، أَمْنًا بَنِي أَرْفَدَةَ، يَعْنِي مِنَ الأَمْنِ». (وقالت عائشة): بالسند المذكور (رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسترني) بثوب (وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد) أي بالدرق والحراب (فزجرهم عمر) وضبب في اليونينية وفرعها على لفظ هم فصار اللفظ فزجر (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دعهم) اتركهم (أمنًا) نصب على المصدر أي أنتم أمنًا يا (يا بني أرفدة يعني) أنه مشتق (من الأمن) ضد الخوف. 16 - باب مَنْ أَحَبَّ أَنْ لاَ يُسَبَّ نَسَبُهُ (باب من أحب أن لا يسب نسبه) أي أهل نسبه بضم التحتية وفتح المهملة وتاليه رفع وبفتح التحتية وضم المهملة وتاليه نصب وبهما ضبط في اليونينية وكذا في فرعها. 3531 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: "اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: كَيْفَ بِنَسَبِي؟ فَقَالَ حَسَّانُ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ الْعَجِينِ". وَعَنْ أَبِيهِ قَالَ: "ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: لاَ تَسُبُّهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 3531 - طرفاه في: 4145، 6150]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم بن عثمان العنسي الكوفي قال: (حدّثنا عبدة) بن سليمان (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: استأذن حسان) بن ثابت الشاعر (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هجاء المشركين قال): عليه الصلاة والسلام: (كيف بنسبي؟) أي كيف تهجوهم ونسبي مجتمع معهم (فقال حسان: لأسلنك) لأخلصن نسبك (منهم) من نسبهم بحيث يختص الهجو بهم دونك (كما تسل الشعرة) بضم التاء الفوقية وفتح السين مبنيًا للمفعول، ولأبي ذر كما يسل الشعر بالتحتية والشعر بالتذكير (من العجين) لأن الشعرة إذا سلت منه لا يعلق بها منه شيء لنعومتها. (وعن أبيه) أي أبي هشام وهو عروة بالإسناد السابق إليه أنه (قال: ذهبت أسبّ حسان عند عائشة، فقالت): لي (لا تسبه) بضم الموحدة ولأبي ذر بفتحها (فإنه كان ينافح) بكسر الفاء بعدها حاء مهملة أي يدافع (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال أبو الهيثم): الكشميهني في رواية أبي ذر (نفحت الدابة) بالحاء المهملة إذا رمحت بحوافرها ونفحه بالسيف إذا تناوله من بعيد) وهذا ساقط لغير أبي ذر. 17 - باب مَا جَاءَ فِي أَسْمَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: 29] وَقَوْلِهِ: {مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6] (باب ما جاء في أسماء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) جمع اسم وهو اللفظ الموضوع على الذات لتعريفها أو تخصيصها من غيرها كلفظ زيد والمسمى بفتح الميم هو الذات المقصود تمييزها بالاسم كشخص زيد والمسمى هو الواضع لذلك اللفظ والتسمية هي اختصاص ذلك اللفظ بتلك الذات. (وقول الله عز وجل): ولغير أبي الوقت وقوله تعالى بالجر عطفًا على سابقه: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} [الأحزاب: 40]. هذه الآية ثبتت هنا في رواية أبي الوقت. (وقوله عز وجل: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار}) [الفتح: 29]. (وقوله) جل وعلا ({من بعدي اسمه أحمد}) [الصف: 6] في آي أُخر في التنزيل تكرر ذكره فيها باسمه محمد، وأما أحمد فذكر فيه حكاية عن قول عيسى عليه الصلاة والسلام إذ هما أشهر أسمائه الشريفة صلوات الله وسلامه عليه. 3532 - حَدَّثَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْنٌ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ». [الحديث 3532 - طرفه في: 4896]. وبه قال: (حدّثنا)

18 - باب خاتم النبيين -صلى الله عليه وسلم-

بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (إبراهيم بن المنذر) الخزامي المدني (قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (معن) بالميم المفتوحة فعين مهملة ساكنة فنون ابن عيسى القزاز (عن مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن محمد بن جبير بن مطعم) بضم الميم وكسر العين (عن أبيه) جبير (-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لي خمسة أسماء) فإن قيل: إن المقرر في علم المعاني أن تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر، وقد وردت الروايات بأكثر من ذلك حتى قال ابن العربي: إن له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألف اسم، أجيب: بأنه لم يرد الحصر فيها فالظاهر أنه أراد أن لي خمسة أسماء أختص بها أو خمسة أسماء مشهورة عند الأمم السابقة. (أنا محمد) اسم مفعول منقول من الصفة على سبيل التفاؤل أنه سيكثر حمده إذ المحمد في اللغة هو الذي يحمد حمدًا بعد حمد ولا يأكلون مفعل مثل ممدح إلا لمن تكرر منه الفعل مرة بعد أخرى (وأحمد) منقول من الصفة التي معناها التفضيل؛ ومعناه أنه أحمد الحامدين لربه وهي صيغة تنبئ عن الانتهاء إلى غاية ليس وراءها منتهى. والاسمان اشتقا من أخلاقه المحمودة التي لأجلها استحق أن يسمى بهما. قال الأعشى يمدح بعضهم: إلى الماجد الفرع الجواد المحمد أي الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة أو هو من اسمه تعالى المحمود كما قال حسان: وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد وهل سمي بأحمد قبل محمد أو بمحمد قبل؟ قال عياض: بالأولى لأن أحمد وقع في الكتب السابقة، ومحمد في القرآن، وذلك أنه حمد ربه قبل أن يحمده الناس، إليه ذهب السهيلي وغيره، وقال بالثاني ابن القيم، ولأبي ذر عن الكشميهني: وأنا أحمد (وأنا الماحي) بالحاء المهملة أي (الذي يمحو الله بي الكفر) أي يزيله لأنه بعث والدنيا مظلمة بغياهب الكفر فأتى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنور الساطع حتى محاه. وقيل: ولما كانت البحار هي الماحية للأدران كان اسمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها الماحي. (وأنا الحاشر الذي يحشر الناس) يوم القيامة (على قدمي) بكسر الميم أي على أثري لأنه أول من تنشق عنه الأرض، وفي رواية نافع بن جبير: وأنا حاشر بعثت مع الساعة (وأنا العاقب) لأنه جاء عقب الأنبياء فليس بعده نبي. وفي الباب عن نافع بن جبير، وأبي موسى الأشعري، وحذيفة، وابن عباس، وأبي الطفيل وفيها زيادات على حديث الباب، ففي رواية نافع بن جير أنها ستة فذكر الخمسة التي في حديث الباب، وزاد الخاتم. رواه ابن سعد، وفي حديث حذيفة: أحمد ومحمد والحاشر والمقفى ونبي الرحمة. رواه الترمذي وابن سعد، وقد جمعت فإن أسمائه في كتابي المواهب اللدنية بالمنح المحمدية أكثر من أربعمانة مرتبة على حروف المعجم. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير، ومسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 3533 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ؟ يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا، وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا، وَأَنَا مُحَمَّدٌ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ألا) بالتخفيف للتنبيه (تعجبون كيف يصرف الله عني شتم) كفار (قريش ولعنهم) بسكون العين (يشتمون) بكسر المثناة الفوقية (مذمّما) بفتح الميم الأولى المشددة كالآتية (ويلعنون مذمّما) يريد بذلك تعريضهم إياه بمذمم مكان محمد وكانت العوراء زوجة أبي لهب تقول: مذمم قلينا ... ودينه أبينا ... وأمره عصينا (وأنا محمد) كثير الخصال الحميدة التي لا غاية لها، فمذمم ليس باسمه ولا يعرف به، فكان الذي يقع منهم مصروفًا إلى غيره. 18 - باب خَاتِمِ النَّبِيِّينَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب خاتم النبيين -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي آخرهم الذي ختمهم أو خُتموا به على قراءة عاصم بالفتح، وقيل: من لا نبي بعده يكون أشفق على أمته وأهدى لهم إذ هو كالوالد لولد ليس له غيره، ولا يقدح فيه نزول عيسى بعده لأنه إذا نزل يكون على دينه مع أن المراد أنه آخر من نبئ. 3534 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا سَلِيمٌ بن حَيّانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ كَرَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَكْمَلَهَا وَأَحْسَنَهَا، إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ وَيَقُولُونَ: لَوْلاَ مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ». وبه قال:

19 - باب وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-

(حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون أبو بكر العوقي بفتح العين المهملة والواو وبالقاف قال: (حدّثنا سليم) بفتح السين وكسر اللام الباهلي البصري ولأبي ذر: سليم بن حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية قال: (حدّثنا سعيد بن ميناء) بكسر الميم وسكون التحتية وبالمد ويقصر (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) كذا في اليونينية بإثبات الرضا وسقط في الفرع أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مثلي) مبتدأ (ومثل الأنبياء) قبلي عطف عليه (كرجل) خبره (بنى دارًا فأكملهما وأحسنها إلا موضع لبنة) بفتح اللام وكسر الموحدة بعدها نون ويجوز كسر اللام وسكون الموحدة قطعة طين تعجن وتيبس ويبنى بها من غير إحراق (فجعل الناس يدخلونها) أي الدار (ويتعجبون) بالفوقية بعد التحتية من حسنها (ويقولون لولا موضع اللبنة) برفع موضع مبتدأ خبره محذوف أي: لولا موضع اللبنة لكان بناء الدار كاملاً، وزاد الإسماعيلي: "وأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء". وقد أورد صاحب الكواكب سؤالاً فقال، فإن قلت: المشبه به هنا رجل والمشبه متعدد فكيف صح التشبيه؟ وأجاب: بأنه جعل الأنبياء كلهم كواحد فيما قصد في التشبيه وهو أن المقصود من بعثتهم ما تم إلا باعتبار الكل، فكذلك الدار لا تتم إلا بجميع اللبنات، أو أن التشبيه ليس من باب تشبيه المفرد بالمفرد بل هو تشبيه تمثيل فيؤخذ وصف من جميع أحوال المشبه ويشبه بمثله من أحوال المشبه به فيقال شبه الأنبياء وما بعثوا به من الهدى والعلم وإرشاد الناس إلى مكارم الأخلاق بقصر أسس قواعده ورفع بنياته وبقي منه موضع لبنة فنبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث لتتميم مكارم الأخلاق كأنه هو تلك اللبنة التي بها إصلاح ما بقي من الدار. انتهى. وهذا الحديث يخرجه مسلم في الفضائل. 3535 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ؛ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري الزرقي (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية) زاد مسلم من طريق همام "من زواياه" وهذا يرد قول من قال: إن اللبنة المشار إليها كانت في أس الدار المذكورة، وأنه لولا وضعها لانقضت تلك الدار، فإن الظاهر كما في فتح الباري أن المراد بها مكملة محسنة وإلاّ لاستلزم أن يكون الأمر بدونها كان ناقصًا وليس كذلك فإن شريعة كل نبي بالنسبة إليه كاملة، فالمراد هنا بالنظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية مع ما مضى من الشرائع (فجعل الناس يطوفون به) بالبيت (ويعجبون له) أي لأجله (ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنه وأنا خاتم النببين) ومكمل شرائع الدين. وهذا الحديث أخرجه النسائي في التفسير. 19 - باب وَفَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب وفاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كذا ثبت لأبي ذر والوجه حذف ذلك إذ محله آخر المغازي ما سيأتي إن شاء الله تعالى. 3536 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُوُفِّيَ وَهْوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ". وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ مِثْلَهُ. [الحديث 3536 - طرفه في: 4466]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توفي وهو ابن ثلاث وستين) سنة. (وقال ابن شهاب) محمد بالسند السابق (وأخبرني) أيضًا بالإفراد (سعيد بن المسيب مثله). أي مثل ما أخبرني عروة عن عائشة، وهذا من مراسيل سعيد بن المسيب، ويحتمل أن يكون سمعه من عائشة -رضي الله عنها-، ويأتي نقل الخلاف في سنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما في ذلك من المباحث في محله إن شاء الله تعالى بعون الله. 20 - باب كُنْيَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب كنية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الكنية بضم الكاف ما صدر باب أو أم، وأما اللقب فهو ما أشعر بمدح أو ذم وما عداهما الاسم والعلم بفتحتين يجمع الثلاثة. 3537 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي السُّوقِ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: سَمُّوا بِاسْمِي، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي». وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث الحوضي قال:

21 - باب

(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في السوق فقال رجل): لم يسم، وقيل إنه كان يهوديًا (يا أبا القاسم فالتفت) إليه (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد المؤلّف في رواية آدم عن شعبة في البيع فقال: إنما دعوت هذا (فقال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سموا) بضم الميم (باسمي) محمد وأحمد (ولا تكتنوا) بسكون الكاف وبعدها فوقية وتخفيف النون مضمومة من اكتنى على صيغة افتعل، وقد تشدّد مفتوحة، ولأبي ذر: ولا تكنوا بحذف الفوقية وضم النون مخففة من كنى يكني بالتخفيف كذا في الفرع، وفي اليونينية بالتشديد مع فتح الكاف على حذف أحد المثلين (بكنيتي) أبي القاسم والأمر والنهي ليسا للوجوب فقد جوزه مالك مطلقًا لأنه إنما كان في زمنه للالتباس أو مختص بمن اسمه محمد أو أحمد لحديث النهي أن يجمع بين اسمه وكنيته. ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في محلها، والحديث سبق في البيع. 3538 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي». وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سالم) هو ابن أبي الجعد (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (تسموا باسمي) بفتحات والميم مشددة (ولا تكتنوا) بالتاء بعد الكاف وضم النون مخففة وفتحها مشددة، ولأبي ذر: تكنوا بفتح التاء والكاف والنون المشدّدة بحذف التاءين (بكنيتي) وزاد في الخُمس من طريق أبي الوليد: "فإني جعلت قاسمًا أقسم بينكم" أي ليس ذلك لأحد غيري فلا يطلق هذا الاسم بالحقيقة إلا عليه. وفيه مباحث تذكر إن شاء الله تعالى. 3539 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَمُّوا بِاسْمِي، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي». وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أيوب) السختياني (عن ابن سيرين) محمد أنه (قال: سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- حال كونه (يقول: قال أبو القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (سموا) بضم الميم مشددة (باسمي) محمد وأحمد (ولا تكتنوا بكنيتي) بسكون الكاف والتخفيف، وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكنى أبا القاسم بأكبر أولاده القاسم، ويكنى أيضًا بأبي إبراهيم كما في حديث أنس في مجيء جبريل له وقوله: السلام عليك يا أبا إبراهيم، وبأبي الأرامل كما ذكره ابن دحية، وبأبي المؤمنين فيما ذكروه. 21 - باب هذا (باب) بالتوين بغير ترجمة. 3540 - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنِ الْجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: "رَأَيْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ ابْنَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ جَلْدًا مُعْتَدِلاً فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ مَا مُتِّعْتُ بِهِ -سَمْعِي وَبَصَرِي- إِلاَّ بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. إِنَّ خَالَتِي ذَهَبَتْ بِي إِلَيْهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِي شَاكٍ، فَادْعُ اللَّهَ لَهُ. قَالَ فَدَعَا لِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحق بن إبراهيم) بن راهويه وثبت ابن إبراهيم لأبوي الوقت وذر قال: (أخبرنا الفضل بن موسى) السناني بسين مهملة مكسورة ونونين قرية من قرى مرو (عن الجعيد) بضم الجيم وفتح العين المهملة آخره دال مهملة مصغرًا وقد يكبر (ابن عبد الرحمن) بن أوس الكندي أنه قال: (رأيت السائب بن زيد) بن سعد الكندي (ابن أربع وتسعين) سنة (جلدًا) بفتح الجيم وسكون اللام أي قويًا (معتدلاً) غير منحن مع كبر سنه (فقال: قد علمت) بتاء المتكلم (ما منعت به) بضم الميم وتاء المتكلم أيضًا مبنيًا للمفعول (سمعي) بدل من ضمير به (وبصري) عطف عليه (إلا بدعاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وذلك (إن خالتي) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمها (ذهبت بي إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالت): له (يا رسول الله إن ابن أختي شاك) بمعجمة وتخفيف الكاف فاعل من الشكوى. وهو المرض (فادع الله) وزاد أبو ذر عن الكشميهني لفظة له (قال) السائب (فدعا لي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وظاهر أن الحديث يطابق الباب السابق، وهو باب كنية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من حيث أن الأحاديث المسوقة فيه تتضمن أنه كان ينادي يا أبا القاسم، والأدب أن يقال: يا رسول الله يا نبي الله كما خاطبته خالة السائب. 22 - باب خَاتِمِ النُّبُوَّةِ (باب) بيان صفة (خاتم النبوّة) الذي كان بين كتفيه صلوات الله وسلامه عليه. 3541 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنِ الْجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: "ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَقَعَ، فَمَسَحَ رَأْسِي، وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، وَتَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمٍ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ". قَالَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: الْحُجْلَةُ مِنْ حُجَلِ الْفَرَسِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ: "مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبيد الله) بضم العين مصغرًا أبو ثابت القرشي المدني الفقيه مولى عثمان بن عفان قال: (حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة ابن إسماعيل المدني الحارث مولاهم

23 - باب صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-

(عن الجعيد بن عبد الرحمن) الكندي ويقال الأسدي ويقال الليثي ويقال الهلالي أنه (قال: سمعت السائب بن بزيد قال: ذهبت بي خالتي) لم تسم (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إن) السائب (ابن أختي) علبة بضم العين المهملة وسكون اللام وفتح الموحدة بنت شريح (وقع) بفتح القاف بلفظ الماضي أي وقع في المرض وبكسر القاف أيضًا في الفرع كأصله، ولأبي ذر: وقع بكسر القاف والتنوين أي أصابه وجع في قدميه أو يشتكي لحم رجليه من الحفاء لغلظ الأرض والحجارة، وفي نسخة هنا معزوّة في الوضوء لأبوي الوقت وذر وكريمة: وجع بكسر الجيم والتنوين أي مريض. قال السائب: (فمسح) عليه الصلاة والسلام (رأسي) بيده الشريفة. قال عطاء مولى السائب: كان مقدم رأس السائب أسود وهو الموضع الذي مسحه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من رأسه وشاب ما سوى ذلك، ورواه البيهقي والبغوي ولا يحضرني الآن لفظهما (ودعا لي بالبركة وتوضأ فشربت من وضوئه) بقح الواو أي من الماء المتقاطر من أعضائه المقدسة (ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم بين كتفيه) وزاد في نسخة هنا مثل زرّ الحجلة، وفي أخرى إلى خاتم النبوة بين كتفيه وهو الذي يعرف به عند أهل الكتاب. وفي مسلم في حديث عبد الله بن سرجس أنه كان إلى جهة كتفه اليسرى. (قال ابن عبد الله): بضم العين مصغرًا محمد شيخ المؤلّف المذكور (الحجلة) بضم الحاء وسكون الجيم (من حجل الفرس) بضم الحاء وفتح الجيم، ولأبي ذر بفتحهما (الذي بين عينيه) واستبعد هذا القول بأن التحجيل إنما يكون في القوائم، وأما الذي في الوجه فهو الغرة. وأجيب: بأن منهم من يطلقه على ذلك مجازًا لكن تعقب بأنه على تقدير تسليمه إن أريد البياض فليس له معنى لأنه لا يبقى فائدة لذكر الزر. واستشكل تفسير الحجلة من غير أن يقع لها ذكر سابق في كلامه. وأجاب في الفتح باحتمال أنه سقط منه شيء وكأنه كان فيه مثل زر الحجلة، ثم فسرها وأجاب في العمدة بأنه لما روى الحديث عن شيخه ابن عبيد الله وقع السؤال في المجلس عن كيفية الخاتم فقال أبو عبيد الله أو غيره: مثل زر الحجلة فسئل عن معنى الحجلة فأجاب بما سبق اهـ. ووقع عند المؤلّف في الوضوء: ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم النبوة مثل زر الحجلة، وكذا في باب الدعاء للصبيان بالبركة من كتاب الدعاء بلفظ فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة. (قال): ولأبي ذر وقال: (إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي الزبيري الأنصاري شيخ المؤلّف فيما وصله في الطب (مثل زر الحجلة) بفتح الحاء والجيم بيت للعروش كالبشخانة يزين بالثياب والستور له أزرار وعرا، فالزر على هذا حقيقة. وجزم الترمذي بأن المراد بالحجلة الطير المعروف وبزرها بيضها، وعند مسلم في صفته من حديث جابر بن سمرة كأنه بيضة حمامة. وفي حديث ابن عمر عند ابن حبان مثل البندقة من اللحم. وعند الترمذي كبضعة ناشزة من اللحم، وعند قاسم بن ثابت مثل السلعة، وأما ما ورد من أنها كانت كأثر محجم أو كالشامة السوداء أو كالخضراء أو مكتوب في باطنها أنا الله وحده لا شريك له في ظاهرها توجه حيث كنت فإنك منصور ونحو ذلك مما حكيته في المواهب اللدنية فقال الحافظ ابن حجر: لم يثبت منه شيء، وقد أخرج الحاكم في المستدرك عن وهب بن منبه قال: لم يبعث الله نبيًّا إلا وقد كان عليه شامات النبوة في يده اليمنى إلا نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن شامة النبوّة كانت بين كتفيه، وعلى هذا فيكون وضع الخاتم بين كتفيه بإزاء قلبه المكرم مما اختص به عن سائر الأنبياء. 23 - باب صِفَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في خلقه بفتح الخاء وخلقه بضمها. 3542 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: "صَلَّى أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- الْعَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي، فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَقَالَ: بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ، لاَ شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ. وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ". [الحديث 3542 - طرفه في: 3750]. وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل (عن عمر بن سعيد بن أول حسين) بضم العين في الأول وكسرها في الثاني وضم الحاء مصغرًا في الثالث التوفلي القرشي (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن عقبة بن الحرث) بن عامر القرشي أنه (قال: صلّى أبو بكر) الصديق (-رضي الله عنه- العصر ثم خرج يمشي) زاد

الإسماعيلي بعد وفاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بليال وعلي -رضي الله عنه- يمشي إلى جانبه (فرأى) أي أبو بكر (الحسن) بفتح الحاء ابن علي (يلعب مع الصبيان) وكان عمره إذ ذاك سبع سنين ولعبه محمول على اللائق به إذ ذاك (فحمله على عاتقه وقال: بأبي) وفي حاشية اليونيية وفرعها بأبي بأبي كذا مرقوم عليها علامة أبي ذر، والتصحيح ورقم اثنين بالعدد الهندي وظاهره التكرار مرتين أي أفديه أفديه هو (شبيه بالنبي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسكون التحتية من النبي في الفرع مخففة وفي اليونينية بتشديدها (لا شبيه بعلي) كذا بالسكون أيضًا في الفرع، وفي الأصل بالتشديد يعني أباه (وعلي) أي والحال أن عليًّا (يضحك) فيه إشعار بتصديقه له. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضل الحسن والنسائي في المناقب. 3543 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ الْحَسَنُ يُشْبِهُهُ". [الحديث 3543 - طرفه في: 3544]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) اليربوعي الكوفي اسم أبيه عبد الله ونسبه لجدّه (قال: حدّثنا زهير) بضم الزاي مصغرًا ابن معاوية الجعفي الكوفي قال: (حدّثنا إسماعيل) ابن أبي خالد الأحمسي البجلي الكوفي (عن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وهب بن عبد الله السوائي بضم السين المهملة وبعد الواو ألف فهمزة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان الحسن) بن عليّ (يشبهه) فوافق أبو جحيفة الصديق، ووقع في حديث أنس في المناقب أن الحسين بضم الحاء كان أشبههم بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجمع بينهما بأن الحسن كان شبهه بما بين الصدر إلى الرأس والحسين أسفل من ذلك. وحديث الباب أخرجه مسلم في صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي فضائله، والترمذي في الاستئذان، والنسائي في المناقب. 3544 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - يُشْبِهُهُ. قُلْتُ لأَبِي جُحَيْفَةَ: صِفْهُ لِي. قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ قَدْ شَمِطَ. وَأَمَرَ لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَلاَثَ عَشْرَةَ قَلُوصًا. قَالَ فَقُبِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ نَقْبِضَهَا". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد. ولأبي ذر: حدّثنا كما في اليونينية (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم الباهلي البصري الصيرفي قال: (حدّثنا ابن فضيل) بضم الفاء مصغرًا هو محمد بن فضيل بن غزوان بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي مولاهم البجلي (قال: سمعت أبا جحيفة) وهو وهب بن عبد الله (-رضي الله عنه- قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان الحسن بن علي عليهما السلام) لو قال -رضي الله عنهما- لكان أوجه لما لا يخفى (يشبهه). قال إسماعيل: (قلت لأبي جحيفة: صفه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لي. قال: كان أبيض) اللون (قد شمط) بفتح الشين المعجمة وكسر الميم صار سواد شعره مخالطًا للبياض. ولمسلم من طريق زهير عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذه منه بيضاء وأشار إلى عنفقته (وأمر لنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لأبي جحيفة وقومه من بني سواء على سبيل جائزة الوفد (بثلاث عشرة) بسكون الشين وثلاث بغير تاء (قلوصًا) بفتح القاف الأنثى من الإبل، وفي الأصول كلها من رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: بثلاثة عشر بإثبات التاء بعد المثلثة وإسقاط التاء. قال ابن مالك فيما نقله عنه اليونيني: صوابه بثلاث عشرة بحذف التاء من الثلاث وإثباتها في عشرة. قال اليونيني: وأصلحت ما في الأصل على الصواب اهـ. وقال في المصابيح: ولا يبعد التذكير على إرادة التأويل. (قال): أبو جحيفة (فقُبض) بضم القاف توفي (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن نقبضها) بنون قبل القاف. وزاد الإسماعيلي من طريق محمد بن فضيل بالإسناد المذكور فذهبنا نقبضها فأتانا موته فلم يعطونا شيئًا، فلما قام أبو بكر قال: من كانت له عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدّة فليجئ فقمت إليه فأخبرته فأمر لنا بها. 3545 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبٍ أَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَرَأَيْتُ بَيَاضًا مِنْ تَحْتِ شَفَتِهِ السُّفْلَى الْعَنْفَقَةَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني بغين معجمة مضمومة ودال مهملة مخففة البصري قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي (عن وهب) بالتنوين (أبي جحيفة) بن عبد الله (السوائي) بضم السين وبالهمزة أنه (قال: رأيت النبي) ولأبي الوقت: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورأيت بياضًا) في شعره (من تحت شفته السفلى

العنفقة) نصب بدل من بياضًاً، ويجوز الجرّ بدلاً من الشفة وهي ما بين الذقن والشفة السفلى سواء كان عليها شعر أم لا وتطلق على الشعر أيضًا. 3546 - حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ أَنَّهُ: "سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ صَاحِبَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَرَأَيْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كَانَ شَيْخًا؟ قَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ". وبه قال: (حدّثنا عصام بن خالد) بكسر العين المهملة بعدها صاد مهملة أبو إسحاق الحمصي الحضرمي قال: (حدّثنا حريز بن عثمان) بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وسكون التحتية بعدها زاي معجمة من صغار التابعين (أنه سأل عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون السين المهملة المازني (صاحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: أرأيت) بهمزة الاستفهام (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نصب على المفعولية (كان شيخًا) نصب خبر كان كذا في الفرع، وجوّزوا كون أرأيت بمعنى أخبرني والنبي رفع على الابتداء. وقوله: كان شيخًا خبره وهو استفهام محذوف الأداة. وعند الإسماعيلي قلت: شيخ كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم شاب؟ وهو يؤيد القول الأخير (قال: كان في عنفقته شعرات بيض) أي لا تزيد على عشرة لإيراده بصيغة جمع القلة وقيل إنها كانت سبع عشرة شعرة. وهذا الحديث هو الثالث عشر من ثلاثياته وهو من أفراده. 3547 - حَدَّثَنا ابْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: "سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَصِفُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلاَ آدَمَ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلاَ سَبْطٍ رَجِلٍ. أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ. قَالَ رَبِيعَةُ: فَرَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ، فَسَأَلْتُ، فَقِيلَ: احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ". [الحديث 3547 - طرفاه في: 3548، 5900]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (ابن بكير) بضم الموحدة مصغرًا وهو يحيى بن عبد الله بن بكير (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (عن خالد) هو ابن يزيد الجمحي الإسكندراني (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي المدني (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) الفقيه المدني المشهور بربيعة الرأي أنه (قال: سمعت أنس بن مالك) -رضي الله عنه- حال كونه (يصف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (كان ربعة القوم) بفتح الراء وسكون الموحدة أي مربوعًا والتأنيث باعتبار النفس وفسره بقوله: {ليس بالطويل ولا بالقصير) وزاد البيهقي عن عليّ وهو إلى الطول أقرب. وعن عائشة: لم يكن بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد وكان ينسب إلى الربعة إذا مشى وحده ولم يكن على حال يماشيه أحد من الناس ينسب إلى الطول إلاّ طاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذا فارقاه نسب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الربعة. رواه ابن عساكر والبيهقي. (أزهر اللون) أبيض مشربًا بحمرة كان صرح به في حديث أنس من وجه آخر عند مسلم، والإشراب خلط لون بلون كأن أحد اللونين سقى الآخر. يقال بياض مشرب بحمرة بالتخفيف فإذا شدد كان للتكثير والمبالغة وهو أحسن الألوان. (ليس بأبيض أمهق) بهمزة مفتوحة وميم ساكنة وهاء مفتوحة ثم قاف أي ليس بأبيض شديد البياض كلون الجص (ولا آدم) بالمد أي ولا شديد السمرة وإنما يخالط بياضه الحمرة، والعرب تطلق على كل من كان كذلك أسمر كما في حديث أنس المروي عند أحمد والبزار وابن منده بإسناد صحيح أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أسمر، والمراد بالسمرة الحمرة التي تخالط البياض (ليس) شعره (بجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة ولا (قطط) بالقاف وكسر الطاء الأولى وفتحها ولا شديد الجعودة كشعر السودان (ولا سبط) بفتح السين المهملة وكسر الموحدة، ولغير أبي ذر بسكونها من السبوطة ضد الجعودة أي ولا مسترسل فهو متوسط بين الجعودة والسبوطة (رجل) بفتح الراء وكسر الجيم والجر كذا في الفرع وأصله، وعزاها في فتح الباري للأصيلي. قيل: وهو وهم إذ لا يصح أن يكون وصفًا للسبط المنفي عن صفة شعره عليه الصلاة والسلام، وفي غير الفرع وأصله رجل بالرفع مبتدأ أو خبر أي هو رجل يعني مسترسل (أنزل عليه) الوحي (وهو ابن أربعين) سنة سواء وذلك إنما يستقيم على القول بأنه ولد في شهر ربيع وهو المشهور وبعث فيه (فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه) الوحي (وبالمدينة عشر سنين) قيل مقتضاه أنه عاش ستين سنة. قال الزركشي: هذا قول أنس. والصحيح أنه أقام بمكة ثلاث عشرة لأنه توفي وعمره ثلاث وستون سنة. وأجاب في المصابيح: بأن أنسًا لم يقتصر على قوله فلبث بمكة عشر سنين بل قال: فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه الوحي، وهذا لا ينافي أن

يكون أقام بها أكثر من هذه المدة ولكنه لم ينزل عليه إلا في العشر، ولا يخفى أن الوحي فَنَر في ابتدائه سنتين ونصفًا وأنه أقام ستة أشهر في ابتدائه يرى الرؤيا الصالحة فهذه ثلاث سنين لم يوح إليه في بعضها أصلاً، وأوحي إليه في بعضها منامًا، فيحمل قول أنس على أنه لبث بمكة ينزل عليه الوحي في اليقظة عشر سنين واستقام الكلام، لكن يقدح في هذا الجمع قوله في حديث أنس من طريق إسماعيل عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن في باب الجعد وتوفاه على رأس ستين سنة، ويأتي إن شاء الله تعالى في الوفاة آخر المغازي بعون الله تعالى وقوته ما في ذلك. (وليس) ولأبي ذر عن الكشميهني فقبض وليس (في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء) أي بل دون ذلك. وفي حديث عبد الله بن بسر السابق قريبًا كان في عنفقته شعرات بيض بصيغة جمع القلة وجمع القلة لا يزيد على عشرة لكنه خصه بعنفقته الكريمة. فيحتمل أن يكون الزائد على ذلك في صدغيه كما في حديث البراء لكن في حديث أنس من طريق حميد قال: لم يبلغ ما في لحيته من الشيب عشرين شعرة. قال حميد: وأومأ إلى عنفقته سبع عشرة. رواه ابن سعد بإسناد صحيح، وعنده أيضًا بإسناد صحيح عن أنس من طريق ثابت: ما كان في رأس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولحيته إلا سبع عشرة شعرة أو ثماني عشرة. (قال ربيعة) بن أبي عبد الرحمن بالسند المذكور (فرأيت شعرًا من شعره) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإذا هو أحمر فسألت) هل خضب عليه الصلاة والسلام (فقيل) لي إنما (احمرّ من الطيب) قيل: المسؤول المجيب بذلك أنس بن مالك -رضي الله عنه-، واستدلّ له بأن عمر بن عبد العزيز قال لأنس: هل خضب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإني رأيت شعرًا من شعره قد لوّن؟ فقال: إنما هذا الذي لوّن من الطيب الذي كان يطيب به شعره فهو الذي غيّر لونه، فيحتمل أن يكون ربيعة سأل أنسًا عن ذلك فأجابه قاله الحافظ ابن حجر وتبعه العيني فليتأمل. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في اللباس، ومسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والترمذي في المناقب، والنسائي في الزينة. 3548 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ، وَلاَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ وَلَيْسَ بِالآدَمِ، وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلاَ بِالسَّبْطِ. بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، فَتَوَفَّاهُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك بن أنس) إمام دار الهجرة الأصبحي (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) الرأي (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) سقط ابن مالك لأبي ذر (أنه سمعه يقول): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس بالطويل البائن) قال البيضاوي: أي الظاهر البيّن طوله من بان إذا ظهر، وقال ابن الأثير: أي المفرط طولاً (ولا بالقصير ولا بالأبيض الأمهق) الكريه البياض بل كان أزهر اللون أي أبيض مشربًا بحمرة (وليس بالآدم) بالمد أي الشديد السمرة (وليس) شعره (بالجعد القطط) الشديد الجعودة (ولا بالسبط) بسكون الموحدة ولأبي ذر: السبط بكسرها ولا بالمسترسل بل كان وسطًا بينهما (بعثه الله على رأس أربعين سنة) وهذا يتجه على القول بأنه ولد في ربيع الأول وبعث في رمضان فيكون له تسع وثلاثون سنة ونصف ويكون قد ألغى الكسر (فأقام بمكة عشر سنين) أي يوحى إليه (وبالمدينة عشر سنين فتوفاه الله) عز وجل (وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء). 3549 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ". وبه قال: (حدّثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله) المروزي الرباطي الأشقر قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) السلولي بفتح المهملة بولاهم أبو عبد الرحمن قال: (حدّثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يوسف بن إسحاق (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه (قال: سمعت البراء) بن عازب -رضي الله عنه- (يقول): (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحسن الناس وجهًا وأحسنه) قال البرماوي الكرماني وفي بعضها وأحسنهم (خلقًا) بضم الخاء المعجمة وسكون اللام كذا في الفرع وفي اليونينية بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام وفي غيرها بضم الخاء واللام أيضًا، وفي فتح الباري بفتح المعجمة للأكثر. وقال الكرماني: انه الأصح، وضبطه ابن التين بضم أوله، وعند الإسماعيلي خَلقًا أو خُلقًا بالشك، والخلق بالضم الطبع والسجية

(ليس بالطويل البائن) المفرط في الطول فهو اسم فاعل من بان أي ظهر أو من بان أي فارق سواه بإفراط طوله (ولا بالقصير) بل كان ربعة. وهذا الحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 3550 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: "سَأَلْتُ أَنَسًا: هَلْ خَضَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ، إِنَّمَا كَانَ شَىْءٌ فِي صُدْغَيْهِ". [الحديث 3550 - طرفاه في: 5894، 5895]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى بن دينار العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر الذال المعجمة (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: سألت أنسًا) -رضي الله عنه- (هل خضب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟) شعره (قال: لا) لم يخضب (إنما كان شيء) قليل من الشيب (في صدغيه) بضم الصاد وإسكان الدال المهملتين بعدهما معجمة وبالتثنية ما بين الأذن والعين ويطلق على الشعر المتدلي من الرأس في ذلك الموضع أي فلم يحتج إلى أن يخضب، وهذا كما نبه عليه في الفتح مغاير للحديث السابق أن الشيب كان في عنفقته، وجمع بينهما بحديث مسلم عن أنس لم يخضب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنما كان البياض في عنفقته وفي الصدغين وفي الرأس نبذ أي متفرق. قال: وعرف من مجموع ذلك أن الذي شاب من عنفقته أكثر مما شاب من غيره. وهذا الحديث أخرجه النسائي في الزينة. 3551 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيهِ، رَأَيْتُهُ. فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ". وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ "إِلَى مَنْكِبَيْهِ". [الحديث 3551 - طرفاه في: 5848، 5901]. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث بن سخبرة الحوضي النمري البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي (عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-) سقط ابن عازب لأبي ذر أنه (قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مربوعًا) يقال رجل ربعة ومربوع إذا كان بين الطويل والقصير (بعيد ما بين المنكبين) أي عريض أعلى الظهر (له شعر) في رأسه (يبلغ شحمة أذنيه) بالتثنية لأبي ذر عن الكشميهني ولغيره أذنه (رأيته في حلة) قال في القاموس: الحلة بالضم إزار ورداء ولا يكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة (حمراء) أي منسوجة بخطوط حمر مع سواد كسائر البرود اليمنية وليست كلها حمراء لأن الأحمر البحت منهي عنه أشدّ النهي، ومبحث ذلك يأتي إن شاء الله تعالى في موضعه من اللباس بعون الله وقوّته. (لم أر شيئًا قط أحسن منه) إذ حقيقة الحسن الكامل فيه لأنه الذي تم معناه دون غيره. (قال) ولأبي ذر: وقال (يوسف بن أبي إسحاق) نسبة لجده واسم أبيه إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبيه) الضمير يرجع إلى إسحاق لا إلى يوسف لأن يوسف لا يروي إلا عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي أو ذكر الأب مجازًا في روايته عن البراء (إلى منكبيه) بالتثنية أي تبلغ الجمة إلى منكبيه. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في اللباس، ومسلم في الفضائل، وأبو داود في اللباس، والترمذي في الاستئذان والأدب، والنسائي في الزينة. 3552 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: "سُئِلَ الْبَرَاءُ: أَكَانَ وَجْهُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لاَ، بَلْ مِثْلَ الْقَمَرِ". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية (عن أبي إسحاق) السبيعي أنه (قال: سئل البراء) بن عازب -رضي الله عنه-، وعند الإسماعيلي قال له رجل (أكان وجه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثل السيف؟) في الطول واللمعان ولما لم يكن السيف شاملاً للطرفين قاصرًا في تمام المرأى عن الاستدارة والإشراق الكامل والملاحة رده ردًّا بليغًا حيث (قال: لا، بل مثل القمر) في الحسن والملاحة والتدوير وعدل إلى القمر لجمعه الصفتين التدوّر واللمعان. وعند مسلم من حديث جابر بن سمرة قال: لا بل مثل الشمس أي في نهاية الإشراق والقمر أي في الحسن، وزاد: وكان مستديرًا تنبيهًا على أنه أراد التشبيه بالصفتين معًا الحسن والاستدارة لأن التشبيه بالقمر إنما يراد به الملاحة فقط. وهذا الحديث أخرجه الترمذي في المناقب. 3553 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَنْصُورٍ أَبُو عَلِيٍّ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ بِالْمَصِّيصَةِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْبَطْحَاءِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ". قَالَ شُعْبَةُ: وَزَادَ فِيهِ عَوْنٌ عَنْ أَبِيهِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: "كَانَ يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْمَارَّةُ. وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهمَا وُجُوهَهُمْ، قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ". وبه قال: (حدّثنا الحسن بن منصور أبو علي) البغدادي الشطوي بفتح الشين المعجمة والطاء المهملة قال: (حدّثنا حجاج بن محمد الأعور بالمصيصة) بفتح الميم والصاد المهملة المشددة الأولى وتخفيف الثانية مفتوحة كذا في الفرع وفي أصله بالتخفيف مع فتح الميم، وفي نسخة الناصرية بفتح الميم مخففة الصاد مدينة بناها أبو جعفر المنصور على نهر جيحان قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بضم

العين المهملة وفتح الفوقية وسكون التحتية بعدها موحدة أنه (قال: سمعت أبا جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وبعد التحتية الساكنة فاء وهب بن عبد الله السوائي (قال: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من قبة حمراء من أدم بالأبطح من مكة (بالهاجرة) في وسط النهار عند شدة الحر (إلى البطحاء) المسيل الواسع الذي فيه دقاق الحصى (فتوضأ ثم صلّى الظهر ركعتين والعصر ركعتين) قصرًا للسفر (وبين يديه عنزة) بفتحات أقصر من الرمح وأطول من العصا فيها زج. (وزاد فيه) ولأبي ذر قال شعبة بن الحجاج بالسند السابق وزاد فيه (عون) بفتح العين المهملة وبعد الواو الساكنة نون (عن أبيه أبي جحيفة) وهب بن عبد الله. قال الكرماني: وما وقع في بعض النسخ عون عن أبيه عن جحيفة سهو لأن عونًا هو ابن أبي جحيفة (قال: كان يمر من ورائها) أي من وراء العنزة (المارّة وقام الناس) إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فجعلوا يأخذون يديه) بالحنية (فيمسحون بها) بالإفراد، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: بهما (وجوههم) تبركًا (قال): أبو جحيفة (فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج) لصحة مزاجه الشريف وسلامته من العلل (وأطيب رائحة من المسك) وكانت هذه صفته عليه الصلاة والسلام وإن لم يمس طيبًا حتى كان ما رواه أبو نعيم والبزار بإسناد صحيح إذا مرّ في طريق من طرق المدينة وجدوا منه رائحة الطيب. وقالوا: مرّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من هذا الطريق ولله درّ القائل: فمن طيبه طابت له طرقاته وقالت عائشة: كان عرقه في وجهه مثل الجمان أطيب من المسك الأذفر. رواه أبو نعيم. وحديث الباب سبق في الوضوء في باب: استعمال فضل وضوء الناس. 3554 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ". وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان) بنصب أجود الثاني في الفرع، وفي اليونينية بضمها وفي الناصرية بالوجهين. قال التوربشتي: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسمح بالموجود لكونه مطبوعًا على الجود مستغنيًّا عن الفانيات بالباقيات الصالحات إذا بدا له عرض من أعراض الدنيا لم يعره مؤخر عينيه وإن عز وكثر يبذل المعروف قبل أن يسأل، وكان إذا أحسن عاد، وإذا وجد جاد، فإذا لم يجد وعد ولم يخلف الميعاد، وكان يظهر منه آثار ذلك في رمضان أكثر مما يظهر منه في غيره. (حين يلقاه جبريل) أمين الوحي ويتابع إمداد الكرامة عليه فيجد في مقام البسط حلاوة الوجد فينعم على عباد الله مما أنعم الله عليه ويحسن إليهم كما أحسن الله إليه بتعليم جاهلهم وإطعام جائعهم إلى غير ذلك مما لا يعد ولا يحدّ شكرًا لله على ما آتاه الله أفضل ما جازى نبيًّا عن أمته (وكان جبريل عليه السلام يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن) ليتقرر عنده ويرسخ فلا ينساه ويتخلق به في الجود وغيره (فلرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي فبسبب ما ذكر هو عليه الصلاة والسلام (أجود بالخير من الريح المرسلة) بفتح السين التي أرسلت بالبشرى بين يدي رحمته وذلك لعموم نفعها فلذا أشبه جوده عليه الصلاة والسلام بالخير في العباد بنشر الريح القطر في البلاد وشتان ما بين الأثرين فإن أحدهما يحيي القلب بعد موته والآخر يحيي الأرض بعد موتها. وهذا الحديث قد سبق في أول الكتاب وفي الصيام. 3555 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن موسى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهَا مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ الْمُدْلِجِيُّ لِزَيْدٍ وَأُسَامَةَ -وَرَأَى أَقْدَامَهُمَا-: إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَقْدَامِ مِنْ بَعْضٍ». [الحديث 3555 - أطرافه في: 3731، 6770، 6771]. وبه قال: (حدّثنا يحيى) غير منسوب. قال العيني كالكرماني والبرماوي: هو إما ابن موسى الختي بفتح الخاء المعجمة وتشديد المثناة الفوقية المكسورة، وإما ابن جعفر بني أعين. انتهى. والصواب: أنه الختي وصرح به في رواية أبي ذر قال: يحيى بن موسي

كما فى الفرع وأصله وهو رواية ابن السكن واسم جده عبد الله بن سالم قال: (حدّثنا عبد الرزاق بن همام) قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عليها) حال كونه (مسرورًا) فرحًا (تبرق) بضم الراء تضيء وتستنير من الفرح (أسارير وجهه) يعني خطوط وجهه التي في جبينه تبرق عند الفرح واحدها سرّ بكسر السين وجمعه أسرار فأسارير جمع الجمع (فقال): (ألم تسمعي ما قال المدلجي) بضم الميم وسكون الدال المهملة وبعد اللام المكسورة جيم فتحتية مشددة واسمه مجزز بميم مضمومة فجيم مفتوحة فزاي مكسورة مشددة فزاي أخرى (لزيد وأسامة) ابنه وكانوا يقدحون في نسب أسامة لكونه أسود وزيد أبيض، فقال مجزز المدلجي حين رآهما نائمين تحت قطيفة (ورأى أقدامهما) قد بدت من تحت القطيفة (إن بعض هذه الأقدام من بعض) فقضى بلحاق نسبه وكانوا يعتمدون قول القائف ففرح -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن في ذلك زجرًا لهم عن القدح في الأنساب. واستدلّ بذلك على العمل بالقيافة حيث يشتبه إلحاق الولد بأحد الواطئين في طهر واحد لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سرّ بذلك. قال إمامنا الشافعي رحمه الله: ولا يسر بباطل، وخالف أبو حنيفة وأصحابه، والمشهور عن مالك إثباته في الإماء ونفيه في الحرائر، واحتج أبو حنيفة بقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36]. وليس في حديث المدلجي دليل على الحكم بقول القافة لأن أسامة كان نسبه ثابتًا قبل ذلك، وإنما تعجب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من إصابة المدلجي. وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا والغرض منه هنا قوله: تبرق أسارير وجهه. 3556 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: "سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ قَالَ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا واسم أبي يحيى عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري التابعي (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب) أي الخطاب السلمي المدني التابعي (أن) أباه (عبد الله بن كعب) التابعي (قال: سمعت) أبي (كعب بن مالك) الأنصاري الخزرجي (يحدث حين تخلف عن) غزوة (تبوك قال: فلما سلمت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يبرق وجهه من السرور) فرحًا بتوبة الله على كعب (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سرّ استنار وجهه) أي أضاء (حتى كأنه) أي الموضع الذي يتبين فيه السرور وهو جبينه (قطعة قمر). فإن قلت: لِمَ عدل عن تشبيه وجهه الشريف بالقمر إلى تشبيهه بقطعة قمر؟ أجاب الشيخ سراج الدين البلقيني بأن وجه العدول أن القمر فيه قطعة يظهر فيها سواد وهو المسمى بالكلف، فلو شبه بالمجموع لدخلت هذه القطعة في المشبه به، وغرضه إنما هو التشبيه على أكمل الوجوه فلذلك قال: كأنه قطعة قمر يريد القطعة الساطعة الإشراق الخالية من شوائب الكدر انتهى. وقيل: إن الاشارة إلى موضع الاستنارة وهو الجبين وفيه يظهر السرور كما قالت عائشة: مسرورًا تبرق أسارير وجهه فكأن التشبيه وقع على بعض الوجه، فناسب أن يشبه ببعض القمر، لكن قد أخرج الطبراني حديث كعب بن مالك من طرق في بعضها كأنه دارة قمر. وأما حديث جبير بن مطعم عند الطبراني أيضًا التفت إلينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بوجه مثل شقة القمر فهو محمول على صفته عند الالتفات. (وكنا نعرف ذلك منه) أي استنارة وجهه إذا سر وجزاء قوله فلما سلمت محذوف أي قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أبشرًا" كما سيأتي إن شاء الله تعالى في غزوة تبوك. وقد ساقه هنا مختصرًا جدًّا، وأخرجه في مواضع من الوصايا والجهاد ووفود الأنصار ومواضع من التفسير والأحكام والمغازي مطولاً ومختصرًا، ومسلم في التوبة والطلاق والنسائي. 3557 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا حَتَّى كُنْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي مولاهم قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ بتشديد التحتية المدني نزيل الاسكندرية حليف بني زهرة (عن عمرو) بفتح

العين ابن أبي عمرو بفتح العين أيضًا واسمه ميسرة مولى المطلب (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بُعثت من خير قرون بني آدم قرنًا فقرنًا) بفتح القاف الطبقة من الناس مجتمعين في عصر واحد، وقيل سمي قرنًا لأنه يقرن أمة بأمة وعالمًا بعالم وهو مصدر قرنت وجعل اسمًا للوقت أو لأهله، وقيل القرن ثمانون سنة، وقيل أربعون، وقيل مائة. (حتى كنت من القرن الذي كنت فيه) ولأبي ذر: منه. وحتى غاية لقوله بعثت، والمراد بالبعث تقلبه في أصلاب الآباء أبًا فأبًا قرنًا فقرنًا حتى ظهر في القرن الذي وجد فيه، أي: انتقلت أوّلاً من صلب ولد إسماعيل، ثم من كنانة، ثم من قريش، ثم من بني هاشم، فالفاء في قوله: فقرنًا للترتيب في الفضل على سبيل الترقي من الآباء من الأبعد إلى الاقرب فالأقرب كما في قولهم: خذ الأفضل فالأكمل وأعمل الأحسن فالأجمل. وهذا الحديث من أفراده. 3558 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن عتبة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَسْدِلُ شَعَرَهُ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَىْءٍ، ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأْسَهُ". [الحديث 3588 - طرفاه في: 3944، 5917]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله) بتصغير عبد الله الأول ابن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يسدل شعره) بفتح التحتية وسكون السين وكسر الدال المهملتين ويجوز ضم الدال أي يرسل شعر ناصيته على جبهته (وكان المشركون يفرقون) بكسر الراء؛ ولأبي ذر: يفرقون بضمها (رؤوسهم) أي يلقون شعر رؤوسهم إلى جانبيه ولا يتركون منه شيئًا على جبهتهم (فكان) بالفاء، ولأبي ذر: وكان (أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم) يرسلون شعر نواصيهم على جباههم (وكان) بالواو، ولأبي ذر: فكان (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب موافقة أهل الكتاب) لأنهم كانوا على بقية من دين الرسل فكانت موافقتهم أحب إليه من موافقة عباد الأوثان (فيما لم يؤمر فيه بشيء) أي فيما لم يخالف شرعه (ثم فرق) بالتخفيف (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأسه) أي شعر رأسه أي ألقاه إلى جانبي رأسه فلم يترك منه شيئًا على جبهته بعدما سدل لأمر أمر به. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الهجرة واللباس، ومسلم في الفضائل، وأبو داود في الترجل، والترمذي في الشمائل، والنسائي في الزينة، وابن ماجه في اللباس. 3559 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا». [الحديث 3559 - أطرافه في: 3759، 6029، 6035]. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان المروزي (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون اليشكري المروزي (عن الأعمش) سليمان (عن أبي وائل) بالهمزة شقيق بن سلمة (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاصي (رضي الله عنهما) أنه (قال: لم يكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاحشًا) ناطقًا بالفحش وهو الزيادة على الحدّ في الكلام السيئ (ولا متفحشًا) ولا متكلفًا للفحش نفى عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قول الفحش والتفوّه به طبعًا وتكلفًا (وكان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول): (إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا) حسن الخلق احتياز الفضائل واجتناب الرذائل وهل هو غريزة أو مكتسب، واستدلّ القائل بأنه غريزة بحديث ابن مسعود عند البخاري أن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم. وحديث الباب أخرجه أيضًا في الأدب ومسلم في الفضائل والترمذي في البر. 3560 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: "مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِنَفْسِهِ، إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا". [الحديث 3560 - أطرافه في: 6126، 6786، 6853]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت): (ما خيّر) بضم الخاء المعجمة وكسر التحتية المشددة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أمرين) من أمور الدنيا (إلا أخذ أيسرهما) أسهلهما وأبهم فاعل خير ليكون أعم من قبل الله أو من قبل المخلوقين (ما لم يكن) أيسرهما (إثمًا) أي يفضي إلى الإثم (فإن كان) الأيسر (إثمًا كان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أبعد الناس عنه) كالتخيير بين المجاهدة والعبادة والاقتصاد فيها فإن المجاهدة إن كانت تجرّ إلى الهلاك لا تجوز أو التخيير بين أن يفتح عليه

من كنوز الأرض ما يخشى من الاشتغال به أن لا يتفرع للعبادة وبين أن لا يؤتيه من الدنيا إلا الكفاف وإن كانت السعة أسهل منه. قال في الفتح: والإثم على هذا أمر نسبي لا يراد منه معنى الخطيئة لثبوت العصمة. (وما انتقم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنفسه) خاصة كعفوه عن الرجل الذي جفا في رفع صوته عليه وقال: إنكم يا بني عبد المطلب مطل. رواه الطبراني وعن الآخر الذي جبذه بردائه حتى أثر في كتفه رواه البخاري. (إلا أن تنتهك) بضم الفوقية وسكون النون وفتح الفوقية والهاء أي لكن إذا انتهكت (حرمة الله) عز وجل (فينتقم لله) لا لنفسه ممن ارتكب تلك الحرمة (بها) أي بسببها لا يقال إنه انتقم لنفسه حيث أمر بقتل عبد الله بن خطل وعقبة بن أبي معيط وغيرهما ممن كان يؤذيه لأنهم كانوا مع ذلك ينتهكون حرمات الله. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب، ومسلم في الفضائل، وأبو داود في الأدب. 3561 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلاَ دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلاَ شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ -أَوْ عَرْفًا قَطُّ- أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ -أَوْ عَرْفِ- النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن ثابت) البناني (عن أنس رضي الله عنه) أنه (قال): (ما مسست) بكسر السين المهملة الأولى وتفتح وتسكين الثانية (حريرًا ولا ديباجًا) بكسر الدال المهملة وتفتح وهذا من عطف الخاص على العام لأن الديباج نوع من الحرير (ألين من كف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي حديث ابن أبي هالة عند الترمذي في صفته عليه الصلاة والسلام أنه كان شئن الكفّين أي غليظهما في خشونة وجمع بينهما بأن المراد اللين في الجلد والغلظ في العظام فيكون قويّ البدن ناعمه. (ولا شممت) بفتح الشين المعجمة وكسر الميم الأولى وتفتح وتسكين الثانية (ريحًا قط) أو قال (عرفًا قط) بفتح العين المهملة وبعد الراء الساكنة فاء بالشك من الراوي (أطيب من ريح) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أو) قال (عرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالفاء أيضًا، ووقع في بعض الروايات أو عرق بفتح الراء وبعدها قاف فأو على هذا للتنويع، لكن المعروف الأول وهو الريح الطيب. وهذا الحديث من أفراده نعم أخرجه مسلم بمعناه. 3562 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا". [الحديث 3562 - طرفاه في: 6102، 6119]. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى وَابْنُ مَهْدِيٍّ قَالاَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ مِثْلَهُ، "وَإِذَا كَرِهَ شَيْئًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد الأسدي البصري قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السلمي (عن عبد الله بن أبي عتبة) بضم العين المهملة وسكون الفوقية وفتح الموحدة مولى أنس بن مالك (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشد حياء) نصب على التمييز وهو تغير وانكسار عند خوف ما يعاب أو يذم (من العذراء) بالذال المعجمة البكر لأن عذرتها وهي جلدة البكارة باقية إذا دخل عليها (في خدرها) بكسر الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة أي في سترها الذي يكون في جنب البيت وهو من باب التتميم لأن العذراء في الخلوة يشتد حياؤها أكثر مما تكون خارجة عنها لكون الخلوة مظنة وقوع الفعل بها، ومحل وجود الحياء منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غير حدود الله. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب، ومسلم في فضانل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار قال: (حدّثنا يحيى) القطان (وابن مهدي) عبد الرحمن (قالا: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (مثله) مثل الحديث السابق متنًا وإسنادًا، وزاد محمد بن بشار على رواية مسدد في رواية عبد الرحمن بن مهدي وحده (وإذا كره) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (شيئًا عرف في وجهه) لتغيره بسبب ذلك. 3563 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَا عَابَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلاَّ تَرَكَهُ". [الحديث 3563 - طرفه في: 5409]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدثنا (عليّ بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة الجوهري البغدادي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان الأشجعي وليس هو أبا حازم سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال): (ما عاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طعامًا) مباحًا (قط) كأن يقول مالح قليل الملح ونحوهما (إن اشتهاه أكله وإلاّ)

أي وإن لم يشتهه (تركه) فإن كان حرامًا عابه وذمه ونهى عنه، وأما قوله للضب لا ولم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه فبيان لكراهته لا إظهار عيبه. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأطعمة، وكذا مسلم وأبو داود وابن ماجه وأخرجه الترمذي في السير. 3564 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ الأَسْدِيِّ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى نَرَى إِبْطَيْهِ". قَالَ: وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا بَكْرٌ: "بَيَاضَ إِبْطَيْهِ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي مولاهم قال: (حدّثنا بكر بن مضر) بسكون الكاف بعد الموحدة ومضر بالضاد المعجمة المفتوحة بعد ضم ابن محمد بن حكيم المصري (عن جعفر بن ربيعة) بن شراحيل المصري (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن عبد الله بن مالك) بالتنوين (ابن بحينة) بإثبات ألف ابن وبحينة بضم الباء الموحدة وفتح المهملة وبعد التحتية الساكنة نون أم عبد الله فهي صفة له لا لمالك (الأسدي) بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وأصله الأزدي لأنه من أزد شنوءة فأبدلت الزاي سينًا وغلط الداودي وتبعه الزركشي فقالا بفتح السين وغلطا البخاري فيه فلم يصيبا في ذلك أنه (قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سجد فرج بين يديه) بتشديد الراء في اليونينية وفرعها وفي الناصرية بتخفيفها (حتى نرى إبطيه) بالنون (قال: وقال ابن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير وسقط قال الأولى لأبي ذر (حدّثنا بكر) هو ابن مضر بالحديث السابق وقال (بياض إبطيه) فزاد فيه لفظ بياض. وهذا الحديث سبق في باب يبدي ضبعيه من كتاب الصلاة. 3565 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا -رضي الله عنه- حَدَّثَهُمْ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَىْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلاَّ فِي الاِسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ". وَقَالَ أَبُو مُوسَى: "دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَفَعَ يَدَيهِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) أبو يحيى النرسي بالنون المفتوحة والراء الساكنة والسين المهملة قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (أن أنسًا -رضي الله عنه- حدثهم): (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لا يرفع يديه) رفعًا بليغًا (في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء فإنه كان يرفع يديه) رفعًا بليغًا (حتى يرى) بضم التحتية مبنيًّا للمجهول (بياض إبطيه) مفعول ناب عن الفاعل، ولأبي ذر مما ليس في الفرع ولا أصله بالنون المفتوحة بياض نصب على المفعولية، واستدل به على أن إبطه أبيض غير متغير اللون، وعدّه الطبري والأسنوي في المهمات من الخصائص، وتعقبه ابن العراقي بأنه لم يثبت بوجه من الوجوه والخصائص لا تثبيت بالاحتمال، ولا يلزم من ذكر أنس وغيره بياض إبطيه أن لا يكون له شعر فإن الشعر إذا نتف بقي المكان أبيض وإن بقي فيه آثار الشعر. وفي حديث عبد الله بن أقرم الخزاعي عند الترمذي وحسنه أنه صلّى مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: كنت أنظر إلى عفرة إبطيه إذا سجد، والعفرة بياض ليس بالناصع وهذا يدل على أن آثار الشعر هو الذي يجعل المكان أعفر، وإلاّ فلو كان خاليًا عن نبات الشعر جملة لم يكن أعفر. نعم الذي يعتقد أنه لم يكن لإبطه رائحة كريهة. وهذا الحديث قد سبق في الاستسقاء وزاد أبو ذر هنا قال أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-: دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورفع يديه ورأيت بياض إبطيه بالتثنية أيضًا. 3566 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَوْنَ بْنَ أَبِي جُحَيْفَةَ ذَكَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "دُفِعْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ بِالأَبْطَحِ فِي قُبَّةٍ كَانَ بِالْهَاجِرَةِ، خَرَجَ بِلاَلٌ فَنَادَى بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْرَجَ فَضْلَ وَضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَأْخُذُونَ مِنْهُ، ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْرَجَ الْعَنَزَةَ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ سَاقَيْهِ، فَرَكَزَ الْعَنَزَةَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ, يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ". وبه قال: (حدّثنا الحسن بن الصباح) بفتح الحاء والسين ابن الصباح بالصاد المهملة والموحدة المشدّدة البزار بتقديم الزاء على الراء الواسطي البغدادي قال: (حدّثنا محمد بن سابق) هو من شيوخ المصنف روي عنه هنا بالواسطة قال: (حدّثنا مالك بن مغول) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وبعد الواو المفتوحة لام ابن عاصم البجلي الكوني (قال: سمعت عون بن أبي جحيفة ذكر عن أبيه) أبي جحيفة وهب بن عبد الله أنه (قال: دفعت) بضم الدال المهملة مبنيًّا للمفعول أي وصلت من غير قصد (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بالأبطح) خارج مكة منزل الحاج إذا رجع من منى والجملة حالية (في قبة كان بالهاجرة) عند اشتداد الحرّ والجملة استئناف أو حال (خرج) ولأبي ذر: فخرج (بلال فنادى بالصلاة ثم دخل) أي بلال (فأخرج فضل وضوء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الواو الماء الذي توضأ به (فوقع الناس عليه) أي على فضل

24 - باب كان النبي -صلى الله عليه وسلم- تنام عينه ولا ينام قلبه رواه سعيد بن ميناء عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

وضوئه عليه الصلاة والسلام (يأخذون منه) للتبرك لكونه مسّ جسده الشريف (ثم دخل) بلال (فأخرج العنزة) بفتح العين المهملة والنون والزاي عصا طويلة فيها زج (وخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من القبة (كأني أنظر إلى وبيص ساقيه) بفتح الواو وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة صاد مهملة أي بريقهما وهذا هو المراد من هذا الحديث هنا (فركز العنزة) قدامه بالأرض (ثم صلّى الظهر ركعتين والعصر ركعتين) قصرًا للسفر (يمر بين يديه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الحمار والمرأة). وسبق الحديث في باب استعمال فضل وضوء الناس من كتاب الوضوء. 3567 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأَحْصَاهُ". [الحديث 3567 - طرفه في: 3568]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر كما في اليونينية لا في فرعها حدّثنا (الحسن بن الصباح) بالتعريف في الفرع وبالتنكير في أصله وهو بالصاد المهملة والموحدة المشدّدة. قال العيني: وهو السابق أو السابق الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ونسبه إلى جده (البزار) بتقديم الزاي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يحدث حديثًا لو عدّه العادّ لأحصاه) لمبالغته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الترتيل والتفخيم بحيث لو أراد المستمع عدّ كلماته أو حروفه لأمكنه ذلك لوضوحه وبيانه لا يقال فيه اتحاد الشرط والجزاء لأنه كقوله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} [النحل: 18]. وقد فسر بلا تطيقوا عدها وبلوغ آخرها. وهذا الحديث أخرجه أبو داود. 3568 - وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "أَلاَ يُعْجِبُكَ أَبُو فُلاَنٍ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسْمِعُنِي ذَلِكَ، وَكُنْتُ أُسَبِّحُ، فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ". (وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الذهلي في الزهريات عن أبي صالح عن الليث (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (أنه قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير عن عائشة) -رضي الله عنه- (أنها قالت) لعروة (ألا) بالتخفيف وفتح الهمزة (يعجبك) بضم التحتية وإسكان العين المهملة من الإعجاب (أبو فلان) بالرفع فاعل وهو أبو هريرة كما في مسلم وغيره ولأبي ذر: أبا فلان. قال القاضي عياض: هو منادى بكنيته، ورواه الحافظ ابن حجر بأن عائشة إنما خاطبت عروة بقولها: ألا يعجبك ثم ذكرت له المتعجب منه وقالت أبا فلان، ولكنه جاء أبا بالألف على اللغة القليلة نحو: ولو ضربه بأبا قيس ثم حكت وجه التعجب فقالت: (جاء) أي أبو هريرة (فجلس إلى جانب حجرتي) حال كونه (يحدث عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يسرد حديثه حال كونه (يسمعني ذلك وكنت أسبح) أصلي نافلة أو على ظاهره أي أذكر الله والأول أوجه كما لا يخفى (فقام قبل أن أقضي سبحتي ولو أدركته لرددت عليه) أي لأنكرت عليه سرده وبينت له أن الترتيل في الحديث أولى من السرد (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن يسرد الحديث كسردكم) أي لم يكن يتابع الحديث بحديث استعجالاً بل كان يتكلم بكلام واضح مفهوم على سبيل التأني خوف التباسه على المستمع كان يعيد الكلمة ثلاثًا لتفهم عنه. 24 - باب كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا (باب) بالتنوين (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تنام عينه) بالإفراد، ولأبي ذر عن الكشميهني: عيناه بالتثنية (ولا ينام قلبه) ليعي الوحي إذا أوحي إليه في منامه. قال عبيد بن عمير رؤيا الأنبياء وحي ثم قرأ: {إني أرى في المنام أني أذبحك} [الصافات: 102]. (رواه) أي حديث تنام عينه ولا ينام قلبه (سعيد بن ميناء) بكسر الميم وسكون التحتية ممدودًا (عن جابر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله في كتاب الاعتصام مطولاً. 3569 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ؟ قَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً: يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ أَرْبَعًا فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: تَنَامُ عَيْنِي وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- كيف كانت صلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) ليالي (رمضان؟ قالت: ما كان يزيد في) ليالي (رمضان ولا في) ليالي (غيره على إحدى عشرة ركعة) أي غير ركعتي الفجر، وثبت في من قوله ولا في غيره لأبي ذر وسقطت لغيره (يصلّي أربع ركعات فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) أي هن مستغنيات لظهور حسنهن وطولهن عن السؤال عنه

25 - باب علامات النبوة في الإسلام

والوصف (ثم يصلّي أربعًا) أخرى (فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلّي ثلاثًا) قالت (فقلت يا رسول الله تنام قبل أن توتر؟) استفهام محذوف الأداة (قال): عليه الصلاة والسلام: (تنام عيني) بالإفراد (ولا ينام قلبي) وهذا من خصائصه فيقظة قلبه تمنعه من الحدث. وهذا الحديث قد سبق في التهجد. 3570 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ: "سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُنَا عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ: جَاءَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ -وَهُوَ نَائِمٌ فِي مَسْجِدِ الْحَرَامِ- فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ. وَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ فَكَانَتْ تِلْكَ. فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى جَاءُوا لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَائِمَةٌ عَيْنَاهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلاَ تَنَامُ قُلُوبُهُمْ. فَتَوَلاَّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ". [الحديث 3570 - أطرافه في: 4964، 5610، 6581، 7517]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (أخي) عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر) بفتح النون وكسر الميم أنه قال: (سمعت أنس بن مالك يحدّثنا عن ليلة أسري بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مسجد الكعبة) إلى بيت المقدس أنه (جاء) بإسقاط الضمير ولأبوي الوقت وذر: جاءه (ثلاثة نفر) من الملائكة. قال ابن حجر: لم أتحقق أسماءهم، وقال غيره هم: جبريل وميكائيل وإسرافيل ولم يذكر مستندًا يعول عليه (قبل أن يوحى إليه). استشكل بأن الإسراء كان بعد المبعث بلا ريب فكيف يقول قبل أن يوحى إليه فهو غلط من شريك لم يوافق عليه وليس هو بالحافظ لا سيما وقد انفرد بذلك عن أنس ولم يرو ذلك غيره من الحفاظ؟ وأجيب على تقدير الصحة: بأنه لم يؤت عقب تلك الليلة بل بعد بسنتين لأنه إنما أسري به قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل غير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى. (وهو) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نائم في مسجد الحرام) بتنكير الأول وتعريف الثاني بين اثنين حمزة وجعفر (فقال أولهم): أول النفر (أيهم هو؟) أي الثلاثة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال أوسطهم هو خيرهم) يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه كان نائمًا بين الاثنين (وقال آخرهم): أي آخر النفر الثلاثة (خذوا خيرهم) للعروج به إلى السماء (فكانت تلك) أي القصة أي لم يقع في تلك الليلة غير ما ذكر من الكلام (فلم يرهم) عليه الصلاة والسلام (حتى جاؤوا) إليه (ليلة أخرى فيما يرى قلبه والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نائمة عيناه ولا ينام قلبه) تمسك بهذا من قال إنه رؤيا منام ولا حجة فيه إذ قد يكون ذلك حاله أول وصول الملك إليه، وليس في الحديث ما يدل على كونه نائمًا في القصة كلها، وقد قال عبد الحق رواية شريك أنه قال كان نائمًا زيادة مجهولة (وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم فتولاه) عليه الصلاة والسلام (جبريل ثم عرج به إلى السماء). كذا ساقه هنا مختصرًا ويأتي إن شاء الله تعالى مع مباحثه في موضعه، وقد أخرجه مسلم في الإيمان. 25 - باب عَلاَمَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الإِسْلاَمِ (باب علامات النبوّة) الواقعة (في) زمن (الإسلام) من حين البعث دون ما وقع منها قبل، وعبّر بالعلامات لتشمل المعجزات التي هي خوارق عادات مع التحدي والكرامات. 3571 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ قَالَ: «حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيرٍ فَأَدْلَجُوا لَيْلَتَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ وَجْهُ الصُّبْحِ عَرَّسُوا، فَغَلَبَتْهُمْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ أَبُو بَكْرٍ -وَكَانَ لاَ يُوقَظُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَنَامِهِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ- فَاسْتَيْقَظَ عُمَرُ، فَقَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَزَلَ وَصَلَّى بِنَا الْغَدَاةَ، فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا فُلاَنُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَنَا؟ قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ ثُمَّ صَلَّى، وَجَعَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَدْ عَطِشْنَا عَطَشًا شَدِيدًا، فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ، فَقُلْنَا لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ؟ فَقَالَتْ: إِنَّهُ لاَ مَاءَ. فَقُلْنَا: كَمْ بَيْنَ أَهْلِكِ وَبَيْنَ الْمَاءِ؟ قَالَتْ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. فَقُلْنَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَتْ: وَمَا رَسُولُ اللَّهِ؟ فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا حَتَّى اسْتَقْبَلْنَا بِهَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَحَدَّثَتْهُ بِمِثْلِ الَّذِي حَدَّثَتْنَا، غَيْرَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا مُؤْتِمَةٌ، فَأَمَرَ بِمَزَادَتَيْهَا فَمَسَحَ فِي الْعَزْلاَوَيْنِ، فَشَرِبْنَا عِطَاشًا أَرْبَعِينَ رَجُلاً حَتَّى رَوِينَا، فَمَلأْنَا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا وَإِدَاوَةٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ نَسْقِ بَعِيرًا، وَهْيَ تَكَادُ تَنِضُّ مِنَ الْمِلْءِ. ثُمَّ قَالَ: هَاتُوا مَا عِنْدَكُمْ، فَجُمِعَ لَهَا مِنَ الْكِسَرِ وَالتَّمْرِ حَتَّى أَتَتْ أَهْلَهَا قَالَتْ: لَقِيتُ أَسْحَرَ النَّاسِ، أَوْ هُوَ نَبِيٌّ كَمَا زَعَمُوا. فَهَدَى اللَّهُ ذَاكَ الصِّرْمَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ، فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا سلم بن زرير) بسكون اللام بعد فتح وزرير بفتح الزاي وراءين مهملتين أولاهما مكسورة بينهما تحتية ساكنة العطاردي البصري قال: (سمعت أبا رجاء) عمران بن ملحان العطاردي المخضرم المعمر (قال: حدّثنا عمران بن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتن -رضي الله عنه- (أنهم كانوا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مسير) راجعين من خيبر كما في مسلم أو في الحديبية كما عند أبي داود (فأدلجوا) بهمزة قطع مفتوحة وسكون الدال المهملة وبالجيم (ليلتهم) أي ساروا أوّلها (حتى إذا كان وجه الصبح) ولأبي ذر: في وجه الصبح (عرسوا) بفتح العين وضم السين المهملتين بينهما راء مشددة أي نزلوا آخر الليل للاستراحة (فغلبتهم أعينهم) فناموا (حتى ارتفعت الشمس فكان أول من استيقظ من منامه أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (وكان لا يوقظ) بفتح القاف مبنيًّا للمجهول (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من منامه حتى يستيقظ) في التيمم، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا نام لم يوقظ حتى يكون هو يستيقظ لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه من الوحي، (فاستيقظ عمر) بعد أبي بكر -رضي الله عنهما- (فقعد أبو بكر عند رأسه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فجعل يكبر ويرفع صوته) بالتكبير (حتى استيقظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي التيمم: فلما استيقظ عمر رأى ما أصاب الناس أي من نومهم عن صلاة

الصبح حتى خرج وقتها وهم على غير ماء وكان رجلاً جليدًا فكبّر ورفع صوته بالتكبير فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا منافاة بينهما إذ لا يمتنع أن كلاًّ من أبي بكر وعمر فعل ذلك (فنزل) فيه حذف ذكر في التيمم بلفظ: فلما استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم فقال: لا ضير أو لا يضير، ارتحلوا فارتحلوا فسار غير بعيد ثم نزل (وصلى بنا الغداة) أي الصبح (فاعتزل رجل) لم يسم (من القوم لم يصل معنا، فلما انصرف) عليه الصلاة والسلام من الصلاة (قال): (يا فلان) للذي لم يصل (ما يمنعك أن تصلّي معنا؟ قال): يا رسول الله (أصابتني جنابة) زاد في التيمم ولا ماء (فأمر. أن يتيمم بالصعيد) فتيمم (ثم صلى). قال عمران (وجعلني) من الجعل قيل وصوابه فأعجلني أي أمرني بالعجلة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ركوب بين يديه) بفتح الراء على كشط في الفرع وهو ما يركب من الدواب فعول بمعنى مفعول وفي غيره بضمها جمع راكب كشاهد وشهود وصوّب الأخير لكن قال في المصابيح: لا وجه للتخطئة في الموضعين أي جعلني من الجعل وفتح راء ركوب. (وقد عطشنا عطشًا شديدًا) في التيمم بعد قوله: عليك بالصعيد فإنه يكفيك، ثم سار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاشتكى إليه الناس العطش فنزل فدعا فلانًا كان يسميه أبو رجاء نسبه عوف ودعا عليًا فقال لهما: اذهبا فابتغيا الماء فانطلقا وفلان المبهم هو عمران القائل هنا وجعلني (فبينما) بالميم (نحن نسير) نبتغي الماء (إذا نحن بامرأة سادلة) بالسين والدال المهملتين أي مرسلة (رجليها بين مزادتين) تنبيه مزادة راوية أو قربة زاد في التيمم من ماء (فقلنا لها: أين الماء؟ فقالت: إنه لا ماء) أي هنا (قلنا كم بين أهلك وبين الماء؟ قالت: يوم وليلة. فقلنا): لها (انطلقي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت): ولأبي ذر: فقالت (وما رسول الله؟) قال عمران (فلم نملكها) بضم النون وفتح الميم وتشديد اللام المكسورة (من أمرها) شيئًا (حتى استقبلنا بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لفظ وسلم من الفرع كأصله (فحدثته) أي المرأة (بمثل الذي حدثتنا) به (غير أنها حدثته أنه مؤتمة) بضم الميم فهمزة ساكنة ففوقية مكسورة فميم مفتوحة أي ذات أيتام (فأمر) عليه الصلاة والسلام (بمزادتيها فمسح) بالسين والحاء المهملتين (في العزلاوين) تثنية عزلاء بالعين المهملة وسكون الزاي والمد فم القربة وللحموي والمستملي بالعزلاوين بالباء الموحدة بدل في (فشربنا) منها حال كوننا (عطاشًا أربعين) بالنصب بيانًا لعطاشًا، وللحموي والمستملي: أربعون بالرفع أي ونحن أربعون (رجلاً حتى روينا) بكسر الواو من الري (فملأنا كل قربة معنا وإداوة) بكسر الهمزة وتخفيف الدال المهملة إناء صغير من جلد يتخذ للماء (غير أنه) أي الشأن أنا (لم نسقِ بعيرًا) بالنون في لم نسق لأن الإبل تصبر على الماء (وهي) أي المزادة (تكاد تنض) بفوقية مفتوحة فنون مكسورة فضاد معجمة مشدّدة، كذا في اليونينية لكن في الفرع خفضة النون على كشط لعله كشط نقطة الباء وجعلها نونًا أي تنشق (من الملء) بكسر الميم وسكون اللام آخره همزة يقال: نض الماء من العين إذا نبع. وقال ابن سيده: نضّ الماء ينض نضًّا من باب ضرب إذا سال، ونض الماء نضًّا ونضيضًا خرج رشحًا والنضض الحسي وهو ماء على رمل دونه إلى أسفل أرض صلبة فكلما نض منه شيء أي رشح واجتمع أخذ، ولأبي ذر عن الكشميهني: تنصب بفوقية مفتوحة فنون ساكنة فصاد مهملة مفتوحة فموحدة مشددة. وفي حاشية نسخة الشميساطية تبض بفوقية مفتوحة فموحدة مكسورة فمعجمة مشددة، وصدر بها الحافظ ابن حجر أي تقطر وتسيل قليلاً والثلاثة بمعنى. وفي نسخة ذكرها القاضي عياض في مشارقه تبص بالموحدة المكسورة والصاد المهملة المشددة من البصيص وهو البريق ولمعان خروج الماء القليل، لكن قال الحافظ ابن حجر: معناه مستبعد هنا فإن في نفس الحديث تكاد تنض من الملء فكونها تسيل من الملء ظاهر، وأما كونها تلمع من

الملء فبعيد انتهى. فليتأمل مع القول أنها من البصيص وهو البريق ولمعان خروج الماء القليل. وفي نسخة الشميساطية في أصل الكتاب تنضر بفوقية فنون فضاد معجمة مشدّدة فراء مفتوحات، وفي أصل ابن عساكر بفوقية مفتوحة فنون ساكنة فضاد معجمة مفتوحة فراء مشدّدة مرفوعة من الضرر. قال الكرماني: مشتق من باب الانفعال أي تنقطع يقال ضررته فانضر، وقال البرماوي: والصواب تنضرج أي تنشق من الانضراج، وكذا رواه مسلم وكأنه سقط حرف الجيم وفي أصل مسموع على الأصيلي تقطر بفوقية مفتوحة فقاف ساكنة فطاء فراء مضمومتين مهملتين وهي بمعنى التي تسيل. (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه الذين معه: (هاتوا ما عندكم) تطييبًا لخاطرها في مقابلة حبسها في ذلك الوقت عن المسير إلى قومها لا أنه عوض عن الماء (فجمع لها) بضم الجيم وكسر الميم (من الكسر) بكسر الكاف وفتح المهملة (والتمر) وجعل في ثوب ووضع بين يديها وسارت (حتى أتت أهلها قالت) ولأبي ذر: فقالت (لقيت أسحر الناس أو هو نبي كما زعموا فهدى الله ذاك) ولأبي ذر ذلك باللام بدل الألف (الصرم) بكسر الصاد المهملة وسكون الراء بعدها ميم النفر ينزلون بأهليهم على الماء (بتلك المرأة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: بتيك بتحتية ساكنة بدل اللام (فأسلمت وأسلموا). وهذا الحديث سبق في باب الصعيد الطيب وضوء المسلم من كتاب التيمم. 3572 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِنَاءٍ وَهْوَ بِالزَّوْرَاءِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ. قَالَ قَتَادَةُ قُلْتُ لأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: ثَلاَثَمِائَةٍ، أَوْ زُهَاءَ ثَلاَثِمِائَةٍ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) هو محمد بن أبي عدي واسمه إبراهيم البصري (عن سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة وكسر الفوقية مبنيًا للمفعول والنبي نائب فاعل (بإناء) فيه ماء (وهو) أي والحال أنه (بالزوراء) بفتح الزاي وسكون الواو وبعدها راء فألف ممدودة موضع بسوق المدينة (فوضع يده في) ذلك (الإناء فجعل الماء ينبع) بضم الموحدة وتفتح وتكسر (من بين أصابعه) من نفس لحمه الكائن بين أصابعه أو من بينها بالنسبة إلى رؤية الرائي وهو في نفس الأمر للبركة الحاصلة فيه يفور ويكثر والأول أوجه (فتوضأ القوم. قال قتادة: قلت لأنس كم كنتم؟ قال): كنا (ثلاثمائة) بالنصب خبر لكان المقدرة، وفي اليونينية كانت رفعة وأصلحها نصبة، وفي الفرع رفع على كشط (أو زهاء) بضم الزاي ممدودًا أي قدر (ثلاثمائة). وهذا الحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 3573 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَانَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ، فَالْتُمِسَ الْوَضُوءُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ، فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّؤُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أنه قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) الحال أنه قد (حانت) أي قربت (صلاة العصر فالتمس الوضوء) بضم التاء وكسر الميم مبنيًّا للمفعول والوضوء بفتح الواو أي طلب الماء للوضوء، ولأبي ذر كما في اليونينية فالتمس الناس الوضوء ولم يعزها في فرع التنكزي وفرع أقبغا لأبي ذر وهي حاشية اليونينية بالحمرة مرقوم عليها بالأسود علامته مصحح عليها (فلم يجدوه فأتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم همزة أتي ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نائب فاعل (بوضوء) بفتح الواو وبماء في إناء (فوضع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده في ذلك الإناء فأمر الناس) بالفاء في فأمر (أن يتوضؤوا منه فرأيت) أي أبصرت (الماء ينبع) بتثليث الموحدة أي يخرج (من تحت) وفي نسخة اليونينية وفرعها مصحح عليها من بين (أصابعه فتوضأ الناس حتى توضؤوا من عند آخرهم). قال الكرماني: كلمة "من" هنا بمعنى إلى وهي لغة، والكوفيون يجوّزون مطلقًا وضع حروف الجر بعضها مقام بعض اهـ. وقال غيره والمعنى توضأ الناس ابتداء من أولهم حتى انتهوا إلى آخرهم ولم يبق منهم أحد والشخص الذي هو آخرهم داخل في هذا الحكم لأن السياق يقتضي العموم وكذا أنس إن قلنا يدخل المخاطب بكسر

الطاء في عموم خطابه وإنما أتي بفضلة من الماء لئلا يظن أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موجد للماء والإيجاد إنما هو لله تعالى لا لغيره. وهذا الحديث قد سبق في باب التماس الناس الوضوء من كتاب الطهارة. 3574 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُبَارَكٍ حَدَّثَنَا حَزْمٌ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ مَخَارِجِهِ وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَانْطَلَقُوا يَسِيرُونَ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلَمْ يَجِدُوا مَاءً يَتَوَضَّئُونَ. فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَدَّ أَصَابِعَهُ الأَرْبَعَ عَلَى الْقَدَحِ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَتَوَضَّئُوا، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ حَتَّى بَلَغُوا فِيمَا يُرِيدُونَ مِنَ الْوَضُوءِ، وَكَانُوا سَبْعِينَ أَوْ نَحْوَهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن مبارك) العيشي بعين مهملة فتحتية ساكنة وشين معجمة نسبة إلى بني عائش بن مالك البصري قال: (حدّثنا حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة ابن مهران القطعي بضم القاف وفتح الطاء البصري (قال: سمعت الحسن) البصري (قال: حدّثنا أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض مخارجه) أي بعض أسفاره (ومعه ناس من أصحابه) الواو للحال (فانطلقوا يسيرون فحضرت الصلاة ولم يجدوا ماء يتوضؤون) به وماء بالهمزة ولم يضبطه اليونيني لوضوحه (فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح من ماء يسير) الرجل هو أنس كما في مسند الحرث بن أبي أسامة من طريق شريك بن أبي نمر عن أنس بلفظ قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "انطلق إلى بيت أم سلمة" قال فأتيته بقدح ماء إما ثلثه وإما نصفه (فأخذه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتوضأ) منه زاد في مسند الحرث وفضلت فضلة وكثر الناس فقالوا: لم نقدر على الماء (ثم مدّ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أصابعه الأربع) ولأبي الوقت الأربعة (على القدح ثم قال) لهم: (قوموا فتوضؤوا) ولأبي ذر: توضؤوا بغير فاء (فتوضأ القوم حتى بلغوا فيما يريدون من الوضوء) بضم الياء وكسر الراء (وكانوا سبعين أو نحوه). وهذا الحديث من أفراده. 3575 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ مِنَ الْمَسْجِدِ يَتَوَضَّأُ، وَبَقِيَ قَوْمٌ. فَأُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ، فَوَضَعَ كَفَّهُ فَصَغُرَ الْمِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ، فَضَمَّ أَصَابِعَهُ فَوَضَعَهَا فِي الْمِخْضَبِ، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ جَمِيعًا. قُلْتُ: كَمْ كَانُوا؟ قَالَ: ثَمَانُونَ رَجُلاً". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون وسكون التحتية بعدها راء أنه (سمع يزيد) بن هارون بن زاذان الواسطي يقول: (أخبرنا حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار من المسجد) النبوي (يتوضأ) ولأبي ذر: فتوضأ (وبقي قوم) لم يتوضؤوا (فأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمخضب) بميم مكسورة فخاء ساكنة فضاد مفتوحة معجمتين فموحدة إناء (من حجارة) تغسل فيه الثياب ويسمى الإجانة والمركن (فيه ماء فوضع) عليه الصلاة والسلام (كفه) بالإفراد (فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه فضم أصابعه فوضعها في المخضب فتوضأ القوم كلهم جميعًا) قال حميد (قلت): لأنس (كم كانوا؟ قال: ثمانون رجلاً) ولأبي ذر عن الكشميهني: ثمانين بالنصب خبر كان المقدرة. ولم يذكر في هذا الحديث نبع الماء اختصارًا للعلم به، وهذه أربع طرق لحديث أنس. الأول طريق قتادة، والثاني طريق إسحاق بن عبد الله، والثالث طريق الحسن، والرابع طريق حميد. وفي الأولى أنهم كانوا بالزوراء بالمدينة الشريفة وكذا الرابعة، وفي الثالثة في السفر، وفي الأولى أن الذين توضؤوا كانوا ثلاثمائة، وفي الثالثة كانوا سبعين، وفي الرابعة ثمانين فظهر أنهما قصتان في موطنين للتغاير في عدد من توضأ وتعيين المكان الواقع فيه ذلك وهي مغايرة واضحة يتعذر الجمع فيها. ووقع عند أبي نعيم من رواية عبد الله بن عمر عن ثابت عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج إلى قباء فأتي من بعض بيوضهم بقدح صغير. 3576 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: «عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ، فَتَوَضَّأَ فَجَهَشَ النَّاسُ نَحْوَهُ فَقَالَ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلاَ نَشْرَبُ إِلاَّ مَا بَيْنَ يَدَيْكَ. فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ. فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً». [الحديث 3576 - أطرافه في: 4152، 4153، 4154، 4840، 5639]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي البصري قال: (حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي بالقاف والسين المهملة قال: (حدّثنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي (عن سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة رافع الأشجعي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: عطش الناس) بكسر الطاء المهملة (يوم الحديبية) بتخفيف الياء (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين يديه ركوة) بتثليث الراء إناء صغير من جلد يشرب فيه (فتوضأ) منها (فجهش الناس نحوه) عليه الصلاة والسلام بفتح الجيم والهاء والشين المعجمة من باب قطع أي أسرعوا إلى الماء متهيئين لأخذه، ولأبي ذر بكسر الهاء من باب سمع، وللحموي والمستملي جهش بإسقاط الفاء وفتح الهاء (فقال): عليه الصلاة

والسلام ولأبوي ذر والوقت قال: (ما لكم؟ قالوا) يا رسول الله (ليس عندنا ماء نتوضأ) به (ولا نشرب إلا ما بين يديك) وماء مهموز في اليونينية وفرع آقبغا ولم يضبطه في فرع تنكز (فوضع) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يده في الركوة فجعل الماء يثور) بالمثلثة، ولأبي ذر عن الكشميهني يفور بالفاء (بين أصابعه) بغير من (كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا) قال سالم: (قلت) لجابر (كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة). قال في شرح المشكاة: عدل عن الظاهر لاحتمال التجوّز في الكثرة والقلة، وهذا يدل على أنه اجتهد فيه وغلب ظنه على هذا المقدار، وقول البراء في الحديث الذي يتلو هذا الحديث كنا أربع عشرة مائة كان عن تحقيق لأن أهل الحديبية كانوا ألفًا وأربعمائة تحقيقًا. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي وكذا مسلم والنسائي في الطهارة والتفسير. 3577 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ، فَنَزَحْنَاهَا حَتَّى لَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَجَلَسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَجَّ فِي الْبِئْرِ، فَمَكَثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ اسْتَقَيْنَا حَتَّى رَوِينَا وَرَوَتْ -أَوْ صَدَرَتْ- رَكَائِبُنَا". [الحديث 3577 - طرفاه في: 4150، 4151]. وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم النهدي الكوفي قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا يوم الحديبية) بتخفيف الياء ولأبي ذر: بالحديبية (أريع عشرة مائة) رجح البيهقي هذه الرواية على رواية خمس عشرة مائة، بل قال ابن المسيب فيما حكي عنه أنها وهم، وهي رواية مالك والأكثرين فيما نقله غير واحد، لكن ما وقع في رواية زهير أنهم كانوا ألفًا وأربعمائة أو أكثر يدل على عدم التحديد، وقد جمع بأنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة فمن قال ألفًا وخمسمائة جبر الكسر، ومن قال ألفًا وأربعمائة ألغاه، وأما رواية عبد الله بن أبي أوفى كانوا ألفًا وثلاثمائة فتحمل على ما اطلع هو عليه واطلع غيره على زيادة لم يطلع هو عليها والزيادة من الثقة مقبولة. وقال في العمدة: يحمل قول من يزيد على أربع عشرة مائة أو ينقص منها مائة على عدة من انضم من المهاجرين والأنصار من العرب، فمنهم من جعل المنضافين لهم مائة، ومنهم من جعل المهاجرين والأنصار ثلاث عشرة مائة ولم يعد من انضاف إليهم لكونهم أتباعًا. وأما قول ابن إسحاق كانوا سبعمائة فقاله تفقهًا من قِبل نفسه من حيث إنهم نحروا البدنة على عشرة وكانوا نحروا سبعين وليس فيه دليل على أنهم لم ينحروا غير البدن، وأيضًا كان فيهم من لم يحرم أصلاً. (والحديبية بئر) على مرحلة من مكة مما يلي المدينة، وقيل سميت بشجرة حدباء كانت هناك (فنزحناها) أي استقينا ماءها (حتى لم ترك فيها قطرة) من ماء (فجلس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على شفير البئر) بالشين المعجمة المفتوحة والفاء المكسورة أي على شفتها (فدعا بماء فمضمض) أي جعله في فيه الشريف وحرّكه (ومجّ) أي رمى بالماء الذي في فيه (في البئر فمكثنا) بفتح الكاف وضمها (غير بعيد ثم استقينا) من البئر (حتى روينا) بكسر الواو (وروت) بفتحها، ولأبي ذر: ورويت بكسرها مع زيادة تحتية بعدها (أو) قال (صدرت) بفتح الراء أي رجعت (ركائبنا) بفتح الراء وبعد الألف تحتية، ولأبوي الوقت وذر: ركابنا بكسر الراء وإسقاط التحتية إبلنا التي تحملنا. وهذا الحديث من أفراده. 3578 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: «قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَىْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي وَلاَثَتْنِي بِبَعْضِهِ ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أأرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: بِطَعَامٍ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَنْ مَعَهُ: قُومُوا. فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ. فَقَالَتِ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ، فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ. ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا. ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ حتى شَبِعُوا، وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلاً». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني (أنه سمع أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول: قال أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري المدني (لأم سليم) واسمها رميلة أو سهلة أو رمسة وهي أخت أم حرام بنت ملحان وكلتاهما خالة لرسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الرضاع زوجته والدة أنس (لقد سمعت صوت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضعيفًا أعرف فيه الجوع) وكأنه لم يسمع في صوته لما تكلم إذ ذاك الفخامة المألوفة منه، فحمل ذلك على الجوع بالقرينة التي كانوا فيها وفيه ردّ على دعوى ابن حبان أنه لم يكن يجوع محتجًا بحديث أبيت يطعمني ربي ويسقيني وهو محمول على تعدّد الحال فكان أحيانًا يجوع ليتأسى به أصحابه، ولا سيما من لا يجد مددًا فيصبر فيضاعف أجره، وفي رواية

يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عند مسلم عن أنس قال: جئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوجدته جالسًا مع أصحابه يحدثهم وقد عصب بطنه بعصابة فسألت بعض أصحابه فقالوا: من الجوع فذهبت إلى أبي طلحة فأخبرته فدخل على أم سليم قال: (فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم فأخرجت أقراصًا من شعير ثم أخرجت خمارًا) بكسر الخاء المعجمة أي نصيفًا (لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته) أي أخفته (تحت يدي) بكسر الدال أي إبطي (ولاثتني) بالمثلثة ثم الفوقية الساكنة ثم النون المكسورة لفتني (ببعضه) ببعض الخمار على رأسي، ومنه لاث العمامة على رأسه أي عصبها. (ثم أرسلتني إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال: فدهبت به) بالخبز (فوجدت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد) الذي هيأه للصلاة في غزوة الأحزاب (ومعه الناس فقمت عليهم فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أأرسلك أبو طلحة؟) استفهام استخباري (فقلت: نعم) أرسلني (قال: بطعام؟ فقلت: نعم) بطعام (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن معه): من الصحابة (قوموا). قال في الفتح: ظاهره أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهم أن أبا طلحة استدعاه إلى منزله فلذا قال لهم: قوموا، وأول الكلام يقتضي أن أم سليم وأبا طلحة أرسلا الخبز مع أنس فيجمع بأنهما أرادا بإرسال الخبز مع أنس أن يأخذه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيأكله، فلما وصل أنس ورأى كثرة الناس حوله استحيا وظهر له أن يدعو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليقوم معه وحده إلى المنزل ليحصل المقصود من إطعامه. قال: وقد وجدت في أكثر الروايات ما يقتضي أن أبا طلحة استدعى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه الواقعة. ففي رواية سعد بن سعيد عن أنس عند مسلم بعثني أبو طلحة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأدعوه وقد جعل له طعامًا، وفي رواية محمد بن كعب فقال: يا بني اذهب إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فادعه ولا تدع معه غيره ولا تفضحني. (فانطلق) وأصحابه. وفي رواية محمد بن كعب فقال للقوم: "انطلقوا" فانطلقوا وهم ثمانون رجلاً (وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته) بمجيئهم (فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالناس وليس عندنا ما نطعمهم) أي قدر ما يكفيهم (فقالت): أم سليم (الله ورسوله أعلم) بقدر الطعام فهو أعلم بالمصلحة ولو لم يكن يعلم بالمصلحة لم يفعل ذلك (فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأقبل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو طلحة معه) حتى دخل على أم سليم (فقال رسول الله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هلم يا أم سليم) بفتح ميم هلم مشددة مع الخطاب للمؤنثة وهي لغة أهل الحجاز يستوي فيها المذكر والمؤنث والمفرد وغيره تقول: هلم يا زيد ويا هند ويا زيدان ويا هندان، ولأبي ذر عن الكشميهني: هلمي بالياء التحتية أي هات (ما عندك. فأتت بذلك الخبز) الذي كانت أرسلته مع أنس (فأمر به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ففتّ) بتشديد الفوقية بعد ضم (وعصرت أم سليم عكة) من جلد فيها سمن (فأدمته) جعلته أدامًا للمفتوت. (ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه ما شاء الله أن يقول) وفي رواية مبارك بن فضالة عند أحمد فقال: "بسم الله". وفي رواية سعد بن سعيد عند مسلم فمسحها ودعا فيها بالبركة، وفى رواية النضر بن أنس عند أحمد عن أنس فجئت بها ففتح رباطها ثم قال: "بسم الله اللهم أعظم فيها البركة" (ثم قال): (ائذن) بالدخول (لعشرة) من أصحابه ليكون أرفق بهم فإن الإناء الذي فيه الطعام لا يتحلق عليه أكثر من عشرة إلا بضرر يلحقهم لبعده عنهم (فأذن لهم) أبو طلحة فدخلوا (فأكلوا) من ذلك الخبز المأدوم بالسمن (حتى شبعوا ثم خرجوا. ثم قال): عليه الصلاة والسلام لأبي طلحة (ائذن لعشرة) ثانية (فأذن لهم) فدخلوا (فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال): (ائذن لعشرة) ثالثة (فأذن لهم) فدخلوا (فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال): (ائدن لعشرة) رابعة (فأكل القوم كلهم حتى شبعوا) كذا في الفرع حتى شبعوا، كتب

حتى على كشط وفي اليونينية وفرع آقبغا والناصرية وغيرها مما رأيته كلهم وشبعوا (والقوم سبعون) زاد أبو ذر هنا رجلاً (أو) قال: (ثمانون رجلاً) بالشك من الراوي. وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عند أحمد حتى فعل ذلك بثمانين رجلاً ثم أكل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك وأهل البيت وتركوا سؤرًا أي فضلاً. وفي رواية سعد بن سعيد عند مسلم: ثم أخذ ما بقي فجمعه ثم دعا فيه بالبركة فعاد كما كان. وفي رواية عمرو بن عبد الله عند أبي يعلى عن أنس: وفضلت فضلة فأهديناها لجيراننا. وحديث الباب هذا أخرجه المصنف أيضًا في الأطعمة وكذا مسلم وأخرجه الترمذي في المناقب والنسائي في الوليمة. 3579 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كُنَّا نَعُدُّ الآيَاتِ بَرَكَةً، وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الْمَاءُ، فَقَالَ: اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ، فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ، وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهْوَ يُؤْكَلُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن المثنى) العنزي البصري قال: (حدّثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله (الزبيري) بضم الزاي وفتح الموحدة مصغرًا الكوفي قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) هو النخعي (عن علقمة) بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا نعدّ الآيات) التي هي خوارق العادات (بركة) من الله تعالى (وأنتم تعدونها) كلها (تخويفًا) مطلقًا. والتحقيق أن بعضها بركة كشبع الجيش الكثير من الطعام القليل وبعضها تخويف ككسوف الشمس وكأنهم تمسكوا بظاهر قوله: {وما نرسل الآيات إلاّ تخويفًا} [لاسراء: 59] أي من نزول العذاب العاجل كالطليعة والمقدمة له (كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) في الحديبية كما جزم به البيهقي أو خيبر كما عند أبي نعيم في الدلائل (فقلّ الماء فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (اطلبوا فضلة من ماء) لئلا يظن أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موجد للماء (فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده) المباركة (في الإناء ثم قال: حي) بفتح الياء (على الطهور) بفتح الطاء أي هلموا إلى الماء مثل حي على الصلاة ويجوز ضم الطاء والمراد الفعل أي تطهروا (المبارك) الذي أمده الله ببركة نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (والبركة) مبتدأ خبره (من الله) عز وجل. قال ابن مسعود (فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي من نفس اللحم الذي بينها (ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل) أي في حالة الأكل في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غالبًا. وعند الإسماعيلي كنا نأكل مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن نسمع تسبيح الطعام. وهذا الحديث أخرجه الترمذي في المناقب. 3580 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَامِرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ -رضي الله عنه-: «أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: إِنَّ أَبِي تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا، وَلَيْسَ عِنْدِي إِلاَّ مَا يُخْرِجُ نَخْلُهُ، وَلاَ يَبْلُغُ مَا يُخْرِجُ سِنِينَ مَا عَلَيْهِ، فَانْطَلِقْ مَعِي لِكَيْ لاَ يُفْحِشَ عَلَىَّ الْغُرَمَاءُ. فَمَشَى حَوْلَ بَيْدَرٍ مِنْ بَيَادِرِ التَّمْرِ فَدَعَا، ثَمَّ آخَرَ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ فَقَالَ: انْزِعُوهُ، فَأَوْفَاهُمُ الَّذِي لَهُمْ، وَبَقِيَ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُمْ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة (قال: حدّثني) بالإفراد (عامر) هو الشعبي (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه- أن أباه توفي) شهيدًا يوم أُحُد (وعليه دين) وفي رواية وهب بن كيسان ثلاثون وسقًا ليهودي فاستنظره جابر فأبى أن ينظره قال: (فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت) له (إن أبي ترك عليه دينًا وليس عندي إلا ما يخرج نخله) من التمر (ولا يبلغ ما يخرج) نخله في مدة (سنين) بالجمع (ما عليه) من الدين (فانطلق معي لكيلا) ولأبي ذر: لكي لا (يفحش) بضم أوّله وكسر ثالثه أو فتح أوّله وضم ثالثه والوجهان في الناصرية (علي الغرماء) بتشديد ياء علي، فقال عليه الصلاة والسلام: "نعم" فانطلق فأتى على الحائط (فمشى حول بيدر من بيادر التمر) قال في المغرب: البيدر الموضع الذي يداس فيه الطعام (فدعا) في تمره بالبركة (ثم) مشى حول بيدر (آخر) فدعا (ثم جلس عليه) على البيدر (فقال): (انزعوه) بكسر الزاي أي من البيدر وفي رواية مغيرة عن الشعبي في البيوع كل للقوم (فأوفاهم الذي لهم) وفي رواية فراس في الوصايا ثم قال لجابر: جدّ فأوف له الذي له فجدّه (وبقي مثل ما أعطاهم). وفي رواية مغيرة وبقي تمري كأنه لم ينقص منه شيء، وفي رواية وهب بن كيسان فأوفاه ثلاثين وسقًا وفضلت له سبعة عشر وسقًا ويجمع بالحمل على تعدّد الغرماء، فكأن أصل الدين كان منه ليهودي ثلاثون وسقًا من صنف واحد فأوفاه وفضل

من ذلك البيدر سبعة عشر وسقًا وكان منه لغير ذلك اليهودي أشياء أخر من أصناف أخرى فأوفاهم وفضل من المجموع قدر الذي أوفاه. قاله في فتح الباري. وهذا الحديث سبق مطوّلاً ومختصرًا في الاستقراض والجهاد والشروط والبيع والوصايا. 3581 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما-: «أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ مَرَّةً: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أَوْ سَادِسٍ. أَوْ كَمَا قَالَ. وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلاَثَةٍ، وَانْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَشَرَةٍ، وَأَبُو بَكْرٍ ثَلاَثَةً، قَالَ: فَهْوَ أَنَا وَأَبِي وَأُمِّي، وَلاَ أَدْرِي هَلْ قَالَ امْرَأَتِي وَخَادِمِي بَيْنَ بَيْتِنَا وَبَيْنَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ. قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ -أَوْ ضَيْفِكَ-؟ قَالَ: أَوَ عَشَّيْتِهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ، قَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ فَغَلَبُوهُمْ. قَالَ: فَذَهَبْتُ فَاخْتَبَأْتُ. فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ -فَجَدَّعَ وَسَبَّ- وَقَالَ: كُلُوا. وَقَالَ: لاَ أَطْعَمُهُ أَبَدًا. قَالَ: وَايْمُ اللَّهِ مَا كُنَّا نَأْخُذُ مِنَ اللُّقْمَةِ إِلاَّ رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا، حَتَّى شَبِعُوا وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلُ. فَنَظَرَ أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا شَىْءٌ أَوْ أَكْثَرُ. فقَالَ لاِمْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ. قَالَتْ: لاَ وَقُرَّةِ عَيْنِي، لَهْيَ الآنَ أَكْثَرُ مِمَّا قَبْلُ بِثَلاَثِ مرارٍ. فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ الشَّيْطَانُ -يَعْنِي يَمِينَهُ- ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ. وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ، فَمَضَى الأَجَلُ فَفَرَّقْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ اللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ، غَيْرَ أَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ، قَالَ: أَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ، أَوْ كَمَا قَالَ. وَغَيرُهُ يَقُولُ: "فَعَرَفنا" مِنَ العِرافة. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا معتمر عن أبيه) سليمان بن طرخان قال: (حدّثنا أبو عثمان) عبد الرحمن النهدي (أنه حدثه عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما- أن أصحاب الصفة) وهو مكان في مؤخر المسجد النبوي مظلل أعدّ لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل (كانوا أناسًا فقراء وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال مرة): (من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث) من أهل الصفة (ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس) منهم إن لم يكن عنده ما يقتضي أكثر من ذلك (أو سادس) مع الخامس إن كان عنده أكثر من ذلك، ولأبوي ذر والوقت: بسادس بموحدة قبل السين الأولى، وسقط لأبي ذر لفظ "أو من" قوله أو سادس (أو كما قال) عليه الصلاة والسلام (وإن أبا بكر جاء بثلاثة). من أهل الصفة إلى بيته لأنه كان عنده طعام أربعة ولعله أخذ سابعًا زائدًا على ما ذكره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قوله: ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس لإرادة أن يؤثر بنصيبه إذ ظهر أنه لم يأكل أوّلاً معهم (وانطلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعشرة) منهم، وعبر عن أبي بكر بلفظ المجيء لبعد بيته من المسجد، وعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالانطلاق لقربه (وأبو بكر) أخذ (ثلاثة) كذا بالنصب على رواية أبي ذر عن الكشميهني والمستملي كما في هامش اليونينية وفرعها على إضمار أخذ كما مرّ لا يقال هذا تكرار مع السابق لأن السابق لبيان من أحضرهم إلى منزله مع الإشارة إلى أن أبا بكر كان من المكثرين ممن عنده طعام أربعة فأكثر، وهذا الأخير بيان لابتداء ما في نصيبه، ولأبي ذر عن الكشميهني أيضًا بثلاثة بزيادة الموحدة فيكون عطفًا على قوله: وانطلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي وانطلق أبو بكر بثلاثة وهي رواية مسلم وللباقين وثلاثة بالواو والنصب. (قال) عبد الرحمن بن أبي بكر (فهو) أي الشأن (أنا) مبتدأ (وأبي) أبو بكر الصديق (وأمي) أم رومان زينب أو وعلة وخبر المبتدأ محذوف أي في الدار. قال أبو عثمان عبد الرحمن النهدي (ولا أدري هل قال) عبد الرحمن (امرأتي) أميمة بنت عدي بن قيس السهمية أم أكبر أولاده أبي عتيق محمد (وخادمي) بالإضافة ولم يسم، ولأبي ذر عن الكشميهني: وخادم خدمتها مشتركة (بين بيتنا وبين بيت أبي بكر وأن أبا بكر تعشى) أكل العشاء وهو طعام آخر النهار (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وحده (ثم لبث) بكسر الموحدة بعدها مثلثة مكث (حتى صلّى العشاء) معه عليه الصلاة والسلام (ثم رجع) إلى منزله بالثلاثة وأمر أهله أن يضيفوهم (فلبث) فيه (حتى تعشى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ثم رجع إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلبث عنده ثم رجع إلى منزله (فجاء) إليه (بعدما مضى من الليل ما شاء الله) فتعشى الأول إخبار عن تعشي الصديق وحده والثاني تعشيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو الأول من العشاء بكسر العين المهملة أي الصلاة والثاني بفتحها قاله الكرماني. وقال في فتح الباري قوله: فلبث حتى تعشى مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع قوله وأن أبا بكر تعشى عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تكرارًا وفائدته الإشارة إلى أن تأخره عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان بمقدار أن تعشى معه وصلّى معه العشاء وما رجع إلى منزله إلاّ بعد أن مضى من الليل قطعة وذلك أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يحب أن يؤخر صلاة العشاء. وعند الإسماعيلي ثم ركع بالكاف بدل قوله رجع بالجيم أي صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النافلة التي بعد صلاة العشاء، ولمسلم والإسماعيلي أيضًا بدل حتى تعشى بالمعجمة نعس بالسين المهملة من النعاس وهو أوجه. وقال القاضي عياض: إنه الصواب وبهذا ينتفي التكرار

كله إلا في قوله لبث وسببه تعلق أسباب اللبث وحينئذ فيكون المعنى وأن أبا بكر تعشى عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم لبث عنده حتى صلّى العشاء ثم ركع النافلة التي بعدها فلبث حتى أخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النعاس وقام لينام فرجع أبو بكر حينئذ إلى بيته فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء الله. (قالت له امرأته): أم رومان (ما حبسك عن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من (أضيافك) الثلاثة (أو) قالت (ضيفك) بالإفراد اسم جنس يطلق -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القليل والكثير والشك من الرواي (قال): أبو بكر لزوجته (أو عشيتهم؟) بهمزة الاستفهام وحذف الياء المتولدة من المثناة الفوقية ولأبي ذر عن الكشميهني أو ما عشيتهم بزيادة ما (قالت: أبوا) بفتح الهمزة والموحدة وسكون الواو امتنعوا من الأكل (حتى تجيء. قد عرضوا) أي الخدم (عليهم) أي العشاء فأبوا فعالجوهم (فغلبوهم) ولم يأكلوا حتى تحضر وتأكل معهم. قال عبد الرحمن (فذهبت فاختبأت) أي فاختفيت خوفًا منه (فقال) لي (يا غنثر) بضم الغين المعجمة وفتح المثلثة بينهما نون ساكنة آخره راء أي يا جاهل أو يا ثقيل أو يا لئيم (فجدع) بالجيم والدال والعين المهملتين المفتوحتين دعا عليّ بالجدع وهو قطع الأنف أو الأذن أو الشفة (وسب) شتم أي ظنًّا منه أنه فرط في حق الأضياف (وقال) للأضياف (كلوا) زاد في الصلاة لا هنيئًا قاله تأديبًا لهم لما ظهر له أن التأخير منهم أو هو خبر، والمعنى أنكم لم تتهنؤوا بالطعام في وقته (وقال) أبو بكر (لا أطعمه أبدًا) وفي رواية الحريري فقال: إنما انتظرتموني والله لا أطعمه أبدًا، فقال الآخرون: لا نطعمه أبدًا حتى تطعمه، ولأبي داود من هذا الوجه هات طعامك فوضع فقال: بسم الله. (قال) عبد الرحمن (وايم الله) بهمزة وصل ويجوز قطعها مبتدأ خبره محذوف أي قسمي (ما كنا نأخذ من اللقمة) في الصلاة لقمة بحذف ال (إلاّ ربا) زاد في الطعام (من أسفلها) من أسفل اللقمة (أكثر منها حتى شبعوا) بكسر الموحدة (وصارت) أي الأطعمة أو الجفنة (أكثر مما كانت قبل، فنظر أبو بكر) أي إليها كما في الصلاة (فإذا شيء) قدر الذي كان (أو أكثر. قال) أي أبو بكر ولأبي ذر: فقال (لامرأته) أم رومان (يا أخت بني فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف سين مهملة وهو ابن غنم بن مالك بن كنانة وأم رومان من ذرية الحرث بن غنم وهو أخو فراس بن غنم، فالظاهر أن أبا بكر نسبها إلى بني فراس لكونهم أشهر من بني الحرث، والمعنى يا أخت القوم المنتسبين إلى بني فراس، وفي الصلاة: ما هذا وهو استفهام عن الزيادة الحاصلة في ذلك الطعام (قالت: لا وقرة عيني) تعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا زائدة أو نافية على حذف تقديره لا شيء غير ما أقول. وقال الكرماني: ما هذه الحالة؟ فقالت: لا أعلم. (لهي) الأطعمة أو الجفنة (الآن أكثر مما قبل بثلاث مرات) ولأبي ذر: مرار وهذا النموّ آية من آياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظهرت على يد الصديق كرامة له، وإنما حلفت أم رومان لما وقع عندها من السرور بذلك (فأكل منها أبو بكر وقال: وإنما كان الشيطان) الحامل لي على ذلك (يعني يمينه) التي حلفها حيث قال: والله لا أطعمه. ولمسلم: إنما كان ذلك من الشيطان يعني يمينه. والحاصل كما في الفتح أن الله أكرم أبا بكر فأزال ما حصل له من الحرج فعاد مسرورًا وانقلب الشيطان مدحورًا. (ثم أكل منها لقمة) ليرغم الشيطان بالحنث الذي هو خير وإكرامًا لضيفانه وليحصل مقصوده من أكلهم ولكونه أكثر قدرة منهم على الكفارة (ثم حملها إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأصبحت عنده) عليه الصلاة والسلام (وكان بيننا وبين قوم عهد) أي عهد مهادنة (فمضى الأجل) فجاؤوا إلى المدينة (فعرفنا) بالعين المهملة وتشديد الراء وبالفاء (اثنا عشر رجلاً) بألف على لغة من يجعل المثنى كالمقصور في أحواله الثلاث أي جعلناهم عرفاء على بقية أصحابهم، وللحموي: فتفرقنا بالفوقية بعد الفاء وتشديد الراء وسكون القاف وفي نسخة ففرقنا بفتح القاف

فالضمير المرفوع فيه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونا مفعوله (مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم) رجل (مع كل رجل) جملة اعتراضية (غير أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بعث معهم) نصيب أصحابهم من تلك الجفنة والأطعمة إليهم. (قال) عبد الرحمن (أكلوا منها) أي أكل الجيش من الأطعمة أو الجفنة (أجمعون -أو كما قال-) الشك من أبي عثمان فيما قاله عبد الرحمن، وهذا هو المناسب للترجمة على ما لا يخفى إذ ظهور أوائل البركة عند الصديق وتمامها في الحضرة المحمدية (وغيرهم يقول: فتفرقنا) بالفوقية بعد الفاء وتشديد الراء، وفي نسخة قال البخاري وغيره بالإفراد مع زيادة قال البخاري يقول فعرفنا من العرافة بالعين المهملة والعريف هو الذي يعرف الإمام أحوال العسكر، وثبت في الفرع قوله وغيرهم يقول فتعرفنا وسقط من أصله، وقال في الهامش وغيره يقول فعرفنا من العرافة وعزاها لأبي ذر. وهذا الحديث قد مرّ في باب السمر مع الأهل آخر المواقيت. 3582 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ. وَعَنْ يُونُسَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, هَلَكَتِ الْكُرَاعُ، هَلَكَتِ الشَّاءُ، فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِينَا. فَمَدَّ يَدَهُ وَدَعَا. قَالَ أَنَسٌ: وَإِنَّ السَّمَاءَ كَمِثْلُ الزُّجَاجَةِ. فَهَاجَتْ رِيحٌ أَنْشَأَتْ سَحَابًا، ثُمَّ اجْتَمَعَ، ثُمَّ أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا، فَخَرَجْنَا نَخُوضُ الْمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازِلَنَا، فَلَمْ نَزَلْ نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى. فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ -أَوْ غَيْرُهُ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسْهُ. فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ: حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا. فَنَظَرْتُ إِلَى السَّحَابِ تَصَدَّعَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس) هو ابن مالك -رضي الله عنه- (و) رواه حماد (عن يونس) بن عبيد البصري (عن ثابت) البناني (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: أصاب أهل المدينة قحط) بفتح القاف وسكون الحاء المهملة أي جدب من حبس المطر (على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي زمنه (فبينا) بغير ميم (هو يخطب يوم جمعة) وجواب بينا قوله (إذ قام رجل) لم يسم هذا الرجل نعم في الدلائل للبيهقي ما يدل على أنه خارجة بن حصن الفزاري (فقال: يا رسول الله هلكت الكراع) بضم الكاف الخيل (هلكت الشاء) جمع شاة (فادع الله يسقينا فمدّ) عليه الصلاة والسلام (يديه) بالتثنية (ودعا اللهم اسقنا قال أنس: وإن السماء كمثل الزجاجة) من شدّة الصفاء إذ ليس فيها سحابة ولا كدر (فهاجت ريح أنشأت سحابًا ثم اجتمع) ذلك السحاب (ثم أرسلت السماء عزاليها) بالعين المهملة والزاي المعجمة المفتوحتين وكسر اللام وتفتح بعدها تحتية مفتوحة جمع عزلاء وهي فم المزادة الأسفل كما مرّ يعني فأمطرت (فخرجنا) من المسجد (نخوض الماء حتى أتينا منازلنا فلم نزل نمطر) بضم النون وسكون الميم وفتح الطاء من الجمعة (إلى الجمعة الأخرى فقام إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ذلك الرجل) القائل هلكت الكراع (أو غيره) شك الراوي (فقال: يا رسول الله تهدمت البيوت) أي من كثرة المطر زاد في طريق ابن أبي نمر عن أنس في باب الدعاء إذ انقطعت السبل وهلكت المواشي (فادع الله يحبسه) بالجزم جواب الطلب والضمير للمطر (فتبسم) عليه الصلاة والسلام (ثم قال): (حوالينا) وفي باب الدعاء إذا كثر المطر: اللهم حوالينا أي اللهم أمطر حوالينا (ولا) تمطر (علينا) قال: (فنظرت إلى السحاب تصدع) بصيغة الماضي أي انكشف وأصله الانشقاق، ولأبي ذر عن الكشميهني كما في اليونينية وبعض الأصول المعتمدة وفرع آقبغًا آص وذلك من الفرع التنكزي يتصدع بالتحتية قبل الفوقية بصيغة المضارع، وقول العيني وللأصيلي تتصدع وهو الأصل، ولكن حذفت منه إحدى التاءين لعله سهو. (حول المدينة كأنه إكليل) بكسر الهمزة وهو ما أحاط بالشيء. وسبق هذا الحديث في الاستسقاء من طرق. 3583 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ أَبُو غَسَّانَ حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ - وَاسْمُهُ عُمَرُ بْنُ الْعَلاَءِ أَخُو أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاَءِ - قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ، فَحَنَّ الْجِذْعُ، فَأَتَاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ". وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ الْعَلاَءِ عَنْ نَافِعٍ بِهَذَا. وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الزمن البصري قال: (حدّثنا يحيى بن كثير) بالمثلثة ابن درهم (أبو غسان) بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة العنبري بالنون الساكنة قال: (حدّثنا أبو حفص واسمه عمر) بضم العين (ابن العلاء) بفتح العين المهملة ممدودًا وسقطت الواو من قوله واسمه لأبي ذر. (أخو أبي عمرو) بفتح العين وسكون الميم (ابن العلاء) أحد القرّاء السبعة (قال: سمعت نافعًا) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-) أنه قال: (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب إلى جذع) بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة

أي كان يخطب مستندًا إلى جذع نخلة (فلما اتخذ) عليه الصلاة والسلام (المنبر تحول إليه) للخطبة (فحنّ الجذع) لمفارقته حنين المتألم المشتاق عند الفراق وإنما يشتاق إلى بركة الرسول عليه الصلاة والسلام ويتأسف على مفارقته أعقل العقلاء والعقل والحنين بهذا الاعتبار يستدعي الحياة. وهذا يدل على أن الله تعالى خلق فيه الحياة والعقل والشوق ولهذا حنّ (فأتاه) عليه الصلاة والسلام (فمسح يده عليه) فسكن. وهذا الحديث أخرجه الترمذي في الصلاة. (وقال عبد الحميد) جزم المزي بأنه عبد بن حميد الحافظ المشهور قال: وكان اسمه عبد الحميد وقيل له عبد بغير إضافة تخفيفًا (أخبرنا عثمان بن عمر) بضم العين وفتح الميم ابن فارس البصري قال: (أخبرنا معاذ بن العلاء) المازني أخو أبي عمرو بن العلاء (عن نافع) مولى ابن عمر (بهذا) الحديث السابق، وهذا التعليق وصله الدارمي في مسنده عن عثمان بن عمر بهذا الإسناد. (ورواه) أي الحديث (أبو عاصم) النبيل فيما وصله البيهقي وأبو داود (عن ابن أبي رواد) بفتح الراء والواو المشددة ميمون المروزي (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فذكره. 3584 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ -أَوْ رَجُلٌ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ: إِنْ شِئْتُمْ. فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، يَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ. قَالَ: كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عبد الواحد بن أيمن) المخزومي (قال: سمعت أبي) أيمن الحبشي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقوم يوم الجمعة) يخطب (إلى شجرة أو) قال إلى (نخلة) بالشك من الراوي (فقالت امرأة من الأنصار) لم تسم (أو رجل): في رواية ابن أبي رواد عند البيهقي في الدلائل أنه تميم الداري (يا رسول الله ألا) بالتخفيف (نجعل لك منبرًا؟ قال): (إن شئتم) (فجعلوا له منبرًا) عمله باقوم بالموحدة والقاف المضمومة آخره ميم أو لام أو هو مينا أو إبراهيم أو كلاب مولى العباس، وجزم البلاذري بأن الذي عمله أبو رافع مولى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلما كان يوم الجمعة) برفع يوم اسم كان وبالنصب على الظرفية وقت الخطبة (دفع) بضم الدال المهملة وكسر الفاء، ولأبي ذر عن الكشميهني رفع بالراء بدل الدال أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى المنبر) ليخطب عليه (فصاحت النخلة) التي كان يخطب عندها (صياح الصبي) زاد في البيع حتى كادت أن تنشق (ثم نزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فضمه) أي الجذع وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني فضمها أي النخلة (إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تئن) أي فجعلت تئن (أنين الصبي الذي يسكن) بضم التحتية آخره نون مبنيًّا للمفعول من التسكين (قال): عليه الصلاة والسلام (كانت) أي النخلة (تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها). وهذا الحديث سبق فى باب النجار من البيوع. 3585 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ فَكَانَ عَلَيْهِ فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (أخي) أبو بكر عبد الحميد (عن سليمان بن بلال) القرشي التيمي (عن يحيي بن سعيد) الأنصاري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (حفص بن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن أنس بن مالك أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- (يقول: كان المسجد) النبوي (مسقوفًا على جذوع من نخل) كانت له كالأعمدة (فكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا خطب يقوم) مستندًا (إلى جذع منها فلما صنع له المنبر) بضم الصاد مبنيًّا للمفعول (وكان) بالواو ولأبوي الوقت وذر فكان (عليه) أي على المنبر (فسمعنا لذلك الجذع صوتًا كصوت العشار) بكسر العين المهملة وبالشين المعجمة المخففة الناقة التي أتت عليها من يوم إرسال الفحل عليها عشرة أشهر (حتى جاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوضع يده عليها فسكنت) بالنون. وهذا الحديث سبق في باب الخطبة على المنبر من كتاب الجمعة، وقد قال الشافعي-رضي الله عنه- فيما نقله ابن أبي حاتم عنه في مناقبه: ما أعطى الله نبيًّا ما أعطى نبينا محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقيل: أعطى عيسى إحياء الموتى. قال: أعطى محمد حنين

الجذع حتى سمع صوته فهي أكبر من ذلك، وقد قال ابن السبكي: والصحيح عندي أن حنين الجذع متواتر، وعن ابن حجر نحوه ولفظه حنين الجذع وانشقاق القمر نقل كل منهما نقلاً مستفيضًا يفيد القطع عند من يطلع على طرق الحديث دون غيرهم ممن لا ممارسة له في ذلك انتهى. وقد ذكرت في المواهب من مباحث ذلك ما يكفي وبالله التوفيق. 3586 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ. وحَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ عَنْ حُذَيْفَةَ: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْفِتْنَةِ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا أَحْفَظُ كَمَا قَالَ. قَالَ: هَاتِ، إِنَّكَ لَجَرِيءٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ قَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ، وَلَكِنِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ بَأْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا. قَالَ: يُفْتَحُ الْبَابُ أَوْ يُكْسَرُ؟ قَالَ: لاَ، بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ: ذَاكَ أَحْرَى أَنْ لاَ يُغْلَقَ. قُلْنَا: عَلِمَ الْبَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ. إِنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ. فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ، وَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَنِ الْبَابُ؟ قَالَ: عُمَرُ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي (عن شعبة) بن الحجاج. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: وحدّثنا بواو وبالجمع (بشر بن خالد) بموحدة مكسورة فشين معجمة ساكنة العسكري الفرائضي نزيل البصرة قال: (حدّثنا محمد) هو ابن جعفر غندر (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش أنه قال: (سمعت أبا وائل) شقيق بن سلمة (يحدث عن حذيفة) بن اليمان (أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال) الصحابة (أيكم يحفظ قول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الفتنة؟) المخصوصة (فقال حذيفة: أنا أحفظ كما قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والكاف زائدة للتأكيد (قال): عمر (هات) بالبناء على الكسر (إنك لجريء) بوزن فعيل. وفي الصلاة: إنك عليه لجريء أي على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي جسور (قال رسول الله): (فتنة الرجل في أهله) قال الزين بن المنير أي بالميل إليهن أو عليهن في القسمة والإيثار حتى في أولادهن (و) فتنته في (ماله) بالاشتغال به عن العبادة أو بحبسه عن إخراج حق الله (و) فتنته في (جاره) بالحسد والمفاخرة، وزاد في الصلاة وولده وهذه كلها (تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وليس التكفير كما أشار إليه في بهجة النفوس بمختص بما ذكر بل نبه به على ما عداه فكل ما شغل صاحبه عن الله عز وجل فهو فتنة له، وكذلك المكفرات لا تختص بما ذكر بل نبه به على ما عداه فذكر من عبادة الأفعال الصلاة ومن عبادة المال الصدقة ومن عبادة الأقوال الأمر بالمعروف والمكفر إنما هو الصغائر فقط كما قررته غير مرة. (قال): أي عمر (ليست هذه) الفتنة أريد (ولكن) الذي أريده الفتنة (التي تموج كموج البحر) تضطرب كاضطرابه عند هيجانه وكنى بذلك عن شدة المخاصمة وكثرة المنازعة وما ينشأ عن ذلك (قال): حذيفة لعمر (يا أمير المؤمنين لا بأس عليك منها إن بينك وبينها بابًا مغلقًا) بفتح اللام أي لا يخرج شيء من الفتن في حياتك (قال): عمر لحذيفة مستفهمًا منه (يفتح الباب) بإسقاط أداة الاستفهام وضم أوّله مبنيًا للمفعول (أو يكسر؟ قال): حذيفة (لا) يفتح (بل يكسر. قال): عمر (ذاك) ولأبي ذر ذلك أي كسر الباب (أحرى) بفتح الهمزة وسكون المهملة وفتح الراء أي أجدر (أن لا يغلق) زاد في الصيام إلى يوم القيامة، وإنما قال ذلك لأن العادة أن الفلق إنما يفتح في الصحيح فأما ما انكسر فلا يتصور غلقه قاله ابن بطال. وقال النووي: ويحتمل أن يكون حذيفة علم أن عمر يقتل ولكنه كره أن يخاطبه بالقتل لأن عمر كان يعلم أنه الباب فأتى بعبارة يحصل بها المقصود بغير تصريح بالقتل انتهى. وكأنه مثّل الفتن بدار ومثّل حياة عمر بباب لها مغلق ومثّل موته بفتح ذلك الباب فما دامت حياة عمر موجودة وهي الباب المغلق لا يخرج مما هو داخل تلك الدار شيء فإذا مات فقد انفتح ذلك الباب وخرج ما في تلك الدار. وأخرج الخطيب في الرواة عن مالك أن عمر -رضي الله عنه- دخل على أم كلثوم بنت علي فوجدها تبكي فقال: ما يبكيك؟ قالت: هذا اليهودي لكعب الأحبار يقول: إنك باب من أبواب جهنم. فقال عمر: ما شاء الله ثم خرج فأرسل إلى كعب فجاءه فقال: يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة. فقال: ما هذا؟ مرة في الجنة ومرة في النار. فقال: إنّا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقتحموا فيها فإذا مت اقتحموا انتهى. قال أبو وائل (قلنا) لحذيفة (علم الباب؟) ولأبي ذر علم عمر الباب (قال: نعم) علمه (كما) يعلم (أن دون غد

الليلة) أي الليلة أقرب من الغد قال حذيفة: (إني حدثته) أي عمر (حديثًا ليس بالأغاليط) بفتح الهمزة جمع أغلوطة بضمها أي حدثته حديثًا صادقًا محققًا من حديث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا عن اجتهاد ورأي. قال أبو وائل: (فهبنا أن نسأله) أي حذيفة من الباب (وأمرنا) بالواو وسكون الراء (مسروقًا) هو ابن الأجدع أن يسأله (فسأله فقال: من الباب قال) أي حذيفة الباب (عمر) -رضي الله عنه-، وقول الزركشي في تفسير حذيفة بعمر إشكال فإن الواقع في الوجود يشهد أن الأولى بذلك أن يكون عثمان لأن قتله هو السبب الذي فرق كلمة الناس وأوقع بينهم تلك الحرب العظيمة والفتن الهائلة. تعقبه البدر الدماميني فقال: لا خفاء أن مبدأ الفتنة هو قتل عمر فلا معنى لمنازعة حذيفة صاحب سر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أن الباب هو عمر، ولعل ذلك هو من جملة الأسرار التي ألقاها إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي قوله: إني حدثته حديثًا ليس بالأغاليط إيماء إلى ذلك فينبغي تلقي قوله بالقبول، وإنما يحمل على الاعتراض على مثل هؤلاء السادة الجلة إعجاب المعترض برأيه ورضاء عن نفسه وظنه أنه تأهل للاعتراض حتى على الصحابة وهو دون ذلك كله انتهى. فالله تعالى يرحم البدر فلقد بالغ ولا يلزم من الاستشكال وعدم فهم المراد الاعتراض والعناد، ولقد وافق حذيفة على معنى روايته أبو ذر فروى الطبراني بإسناد رجاله ثقات أنه لقي عمر فأخذه بيده فغمزها فقال له أبو ذر: أرسل يدي يا قفل الفتة الحديث. وفيه أن أبا ذر قال: لا تصيبكم فتنة ما دام فيكم وأشار إلى عمر، وروى البزار في حديث قدامة بن مظعون عن أخيه عثمان أنه قال لعمر: يا غلق الفتنة فسأله عن ذلك فقال: مررت ونحن جلوس مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: هذا غلق الفتنة لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش. وحديث الباب سبق في الصلاة. 3587 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ صِغَارَ الأَعْيُنِ حُمْرَ الْوُجُوهِ ذُلْفَ الأُنُوفِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الأموي مولاهم واسم أبيه دينار قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-. وهذا الحديث قد اشتمل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعة أحاديث أحدها قتال الترك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا نعالهم الشعر) بفتح العين وتسكينها يعني يجعلون نعالهم من حبال ضفرت من الشعر أو المراد طول شعورهم حتى تصير أطرافها في أرجلهم موضع النعال، ولمسلم يلبسون الشعر ويمشون في الشعر وقال ابن دحية: المراد القندس الذين يلبسونه في الشرابيش قال: وهو جلد كلب الماء (وحتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حُمر الوجوه ذلف الأنوف) بضم الذال المعجمة وسكون اللام بعدها فاء جمع أذلف أي صغير الأنف مستوي الأرنبة وصغار وحمر وذلف نصب صفة للمنصوب قبلها (كأن وجوههم المجان) بفتح الميم والجيم المخففة وبعد الألف نون مشددة جمع مجن بكسر الميم أي الترس (المطرقة) بضم الميم وسكون الطاء وفتح الراء مخففة وهي التي ألبست الطراق وهي جلدة تقدر على قدر الدرقة وتلصق عليها فكأنها ترس على ترس فشبهها بالترس لبسطها وتدويرها وبالمطرقة لغلظها وكثرة لحمها. والترك قيل إنهم من ولد سام بن نوح، وقيل من ولد يافث وبلادهم ما بين مشارق خراسان إلى مغارب الصين وبين ما يلي الهند إلى أقصى المعمور. وهذا الحديث الأول سبق في باب قتال الترك من الجهاد. 3588 - «وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الأَمْرِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ. وَالنَّاسُ مَعَادِنُ: خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ». والثاني قوله عليه الصلاة والسلام: (وتجدون من خير الناس أشدهم كراهية) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني وتجدون أشد الناس كراهية (لهذا الأمر) وهي الولاية خلافة أو إمارة لما فيه من صعوبة العمل بالعدل (حتى يقع فيه) فتزول عنه الكراهية لما يرى من إعانة الله على ذلك لكونه غير سائل. وهذا قد سبق في المناقب. والثالث قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (والناس معادن) جمع معدن وهو الشيء المستقرّ في الأرض فتارة يكون نفيسًا وتارة يكون خسيسًا وكذلك الناس (خيارهم في

الجاهلية خيارهم في الإسلام) فصفة الشرف لا تتغير في ذاتها بل من كان شريفًا في الجاهلية فهو بالنسبة إلى أهل الجاهلية رأس، فإن أسلم استمر شرفه وكان أشرف ممن أسلم من المشروفين في الجاهلية. وهذا قد سبق في المناقب أيضًا. 3589 - «وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ لأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ». والرابع قوله عليه الصلاة والسلام: (وليأتين على أحدكم زمان) أي بعد موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لأن يراني) فيه (أحبّ إليه من أن يكون له مثل أهله وماله) فكل واحد من الصحابة فمن بعدهم من المؤمنين يتمنى رؤيته عليه الصلاة والسلام ولو فقد أهله وماله. 3590 - حَدَّثَنا يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزًا وَكَرْمَانَ مِنَ الأَعَاجِمِ، حُمْرَ الْوُجُوهِ فُطْسَ الأُنُوفِ صِغَارَ الأَعْيُنِ كأن وُجُوهُهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ». تَابَعَهُ غَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى) بن موسى الختن أو يحيى بن جعفر البيكندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزًا) بضم الخاء وسكون الواو وبالزاي المعجمة (وكرمان من الأعاجم) بفتح الكاف في الفرع وفي غيره بكسرها والوجهان في اليونينية وسكون الراء. قال ابن دحية: قيدنا خوزًا بالزاي وقيده الجرجاني بالراء المهملة مضافًا إلى كرمان، وصوّبه الدارقطني وحكاه عن الإمام أحمد. وقال بعضهم: إنه تصحيف، وقيل إذا أضيف فبالمهملة وإذا عطفته فبالزاي لا غير. واستشكل هذا مع ما سبق من قوله تقاتلون الترك لأن خوزًا وكرمان ليسا من بلاد الترك؛ أما خوز فمن بلاد الأهواز وهي من عراق العجم، وأما كرمان فبلدة من بلاد العجم أيضًا بين خراسان وبحر الهند، ويحتمل أن يكون هذا الحديث غير حديث قتال الترك ولا مانع من اشتراك المصنفين في الصفات المذكورة أعني قوله: (حمر الوجوه فطس الأنوف) جمع أفطس والفطوسة تطامن قصبة الأنف وانتشارها (صغار الأعين كان وجوههم المجان المطرقة) وثبت في الفرع كأن وسقط من أصله فوجوههم بالرفع. قال الكرماني فإن قلت: أهل هذين الإقليمين أي خوز وكرمان ليسوا على هذه الصفات. وأجاب: بأنه إما أن بعضهم كانوا بهذه الأوصاف في ذلك الوقت أو سيصيرون كذلك فيما بعد، وإما أنهم بالنسبة إلى العرب كالتوابع للترك، وقيل: إن بلادهم فيها موضع اسمه كرمان وقيل ذلك لأنهم يتوجهون من هاتين الجهتين، وقال في شرح المشكاة: لعل المراد بهما صنفان من الترك كان أحد أصول أحدهما من خوز وأحد أصول الآخر من كرمان فسماهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باسمه وإن لم يشتهر ذلك عندنا كما نسبهم إلى قنطوراء وهي أمة كانت لإبراهيم عليه الصلاة والسلام. (نعالهم الشعر). (تابعه غيره) أي غير يحيى شيخ المؤلّف في روايته (عن عبد الرزاق) بن همام أخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما. 3591 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنِي قَيْسٌ قَالَ: «أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- فَقَالَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَ سِنِينَ لَمْ أَكُنْ فِي سِنِيَّ أَحْرَصَ عَلَى أَنْ أَعِيَ الْحَدِيثَ مِنِّي فِيهِنَّ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ -وَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ-: بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَهُوَ هَذَا الْبَارِزُ. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: وَهُمْ أَهْلُ الْبَازَرِ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: قال إسماعيل) بن أبي خالد (أخبرني قيس) هو ابن أبي حازم (قال: أتينا أبا هريرة -رضي الله عنه- فقال: صحبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاث سنين) أي المدة التي لازمه فيها الملازمة الشديدة وإلاّ فمدة صحبته كانت أكثر من ثلاث سنين، فخرج أحمد وغيره عن حميد بن عبد الرحمن الحميري قال: صحبت رجلاً صحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربع سنين كما صحبه أبو هريرة: الحديث. وقد كان أبو هريرة قدم في خيبر سنة سبع وكانت خيبر في صفر وتوفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ربيع الأول سنة إحدى عشرة، فعلى هذا تكون المدة أربع سنين وزيادة (لم أكن في سنيّ) بكسر السين المهملة والنون وتشديد التحتية وهي مفتوحة في اليونينية وفرعها والناصرية وغيرها على الإضافة إلى ياء المتكلم أي في مدة عمري، وللكشميهني مما لم يذكره في اليونينية وفرعها في شيء بمعجمة مفتوحة بعدها همزة واحد الأشياء (أحرص على أن أعي الحديث) أحفظه (مني فيهن) في الثلاث السنين والمفضل عليه والمفضل كلاهما أبو هريرة فهو مفضل باعتبار ثلاث السنين ومفضل عليه باعتبار باقي سني عمره، و (سمعته يقول: وقال هكذا بيده). (بين يدي الساعة) أي قبلها

(تقاتلون قومًا نعالهم الشعر وهو هذا البارز) بتقديم الراء المفتوحة وتكسر على الزاي المعجمة يعني البارزين لقتال أهل الإسلام أي الظاهرين في براز من الأرض، قيل: هم أهل فارس أو الأكراد الذين يسكون في البارز أي الصحراء أو الديالمة. (وقال سفيان) بن عيينة (مرة وهم) أي الذين يقاتلون (أهل البازر) بتقديم الزاي المفتوحة وتكسر على الراء المهملة والمعروف الأول، وبه جزم الأصيلي وابن السكن. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفتن. 3592 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ، وَتُقَاتِلُونَ قَوْمًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي بالشين المعجمة والحاء المهملة المكسورتين قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي ابن زيد الأزدي البصري قال (سمعت الحسن) البصري (يقول: حدّثنا عمرو بن تغلب) بفتح العين المهملة وسكون الميم وتغلب بفتح الفوقية وسكون الغين المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (بين يدي الساعة) قبلها (تقاتلون قومًا ينتعلون الشعر وتقاتلون قومًا كان وجوههم المجان المطرقة) بفتح الراء اسم مفعول. قال الحافظ ابن حجر: وقد ظهر مصداق هذا الخبر وقد كان مشهورًا في زمن الصحابة حديث: اتركوا الترك ما تركوكم، فروى الطبراني من حديث معاوية قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول. وروى أبو يعلى من وجه آخر عن معاوية بن خديج قال: كنت عند معاوية فأتاه كتاب عامله أنه وقع بالترك وهزمهم فغضب معاوية من ذلك ثم كتب إليه لا تقاتلهم حتى يأتيك أمري فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: إن الترك تجلي العرب حتى تلحقهم بمنابت الشيخ. قال: فأنا أكره قتالهم لذلك، وقاتل المسلمون الترك في خلافة بني أمية وكان ما بينهم وبين المسلمين مسدودًا إلى أن فتح ذلك شيئًا بعد شيء وكثر السبي منهم وتنافس فيهم الملوك لما فيهم من الشدّة والبأس حتى كان أكثر عسكر المعتصم منهم، ثم غلب الأتراك على الملك فقتلوا ابنه المتوكل ثم أولاده واحدًا بعد واحد إلى أن خالط المملكة الديلم، ثم كان الملوك السامانية من الترك أيضًا فملكوا بلاد العجم، ثم غلب على تلك الممالك سبكتكين ثم آل سلجوق وامتدت مملكتهم إلى العراق والشام والروم، ثم كان بقايا أتباعهم بالشام وهم آل زنكي وأتباع هؤلاء وهم بيت أيوب، واستكثر هؤلاء أيضًا من الترك فغلبوهم على المملكة بالديار المصرية والشامية والحجازية، وخرج على آل سلجوق في المائة الخامسة الغز فخربوا البلاد وفتكوا في العباد، ثم جاءت الطامة الكبرى المعروفة بالتتر فكان خروج جنكز خان بعد الستمائة فاستعرت بهم الدنيا نارًا خصوصًا المشرق بأسره حتى لم يبق بلد منه حتى دخله شرهم، ثم كان خراب بغداد وقتل الخليفة المعتصم آخر خلفائهم على أيديهم في سنة ست وخمسين وستمائة، ثم لم تزل بقاياهم يخرجون إلى أن كان اللنك ومعناه الأعرج واسمه تمر بفتح المثناة الفوقية وضم الميم فطرق الديار الشامية وعاث فيها وخرب دمشق حتى صارت خاوية على عروشها ودخل الروم والهند وما بين ذلك وطالت مدته إلى أن أخذه الله وتفرق بنوه البلاد وظهر بذلك مصداق قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 3593 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ، فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ». وبه قال: (حدّثنا الحكم بن نافع) أبو اليمان قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أن) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (تقاتلكم اليهود) الخطاب للحاضرين والمراد من يأتي بعدهم بدهر طويل لأن هذا إنما يكون إذا نزل عيسى عليه السلام فإن المسلمين يكونون معه واليهود مع الدجال (فتسلطون عليهم) بفتح اللام المشددة (حتى يقول الحجر): ولغير أبي ذر ثم يقول الحجر حقيقة (يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله) ففيه ظهور الآيات قرب الساعة من كلام الجماد، ويحتمل المجاز بأن يكون المراد أنهم لا يفيدهم الاختباء والأول أولى. وفي حديث أبي أمامة في قصة خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام

ووراءه الدجال ومعه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلّى وساج فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هاربًا فيقول عيسى عليه السلام: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها فيدركه عيسى عليه السلام عند باب لدّ الشرقي فيقتله وتنهزم اليهود فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء، لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة فقال: يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال فاقتله إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق. رواه ابن ماجه مطولاً وأصله عند أبي داود ونحوه من حديث سمرة عند أحمد بإسناد حسن، وأخرجه ابن منده في كتاب الإيمان من حديث حذيفة بإسناد صحيح. 3594 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُونَ، فَيُقَالُ: فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُفْتَحُ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ يَغْزُونَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- (عن أبي سعيد) بكسر العين سعد بن مالك بن سنان الخدري (رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يأتي على الناس زمان يغزون) أي فئام أي جماعة (فيقال فيكم) بحذف همزة الاستفهام ولأبي ذر عن الكشميهني لهم فيكم (من صحب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فيقولون: نعم فيفتح عليهم ثم يغزون فيقال لهم): سقط (لهم) لأبي ذر (هل فيكم من صحب من صحب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي تابعي (فيقولون: نعم، فيفتح لهم) أي عليهم وحذفت لدلالة الأولى. وقال في الفتح: وفيه ردّ على من زعم وجود الصحبة في الأعصار المتأخرة لأنه يتضمن استمرار الجهاد والبعوث إلى بلاد الكفار وأنهم يسألون هل فيكم أحد من الصحابة؟ فيقولون: لا، وكذلك في التابعين وأتباعهم، وقد وقع ذلك فيما مضى وانقطعت البعوث عن بلاد الكفار في هذه الأعصار، وقد ضبط أهل الحديث آخر من مات من الصحابة وهو على الإطلاق أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي كما جزم به مسلم في صحيحه، وكان موته سنة مائة أو سبع ومائة أو ست عشرة ومائة وهو مطابق لقوله عليه الصلاة والسلام قبل وفاته بشهر على رأس مائة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد. وهذا الحديث قد سبق في الجهاد في باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب. 3595 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ أَخْبَرَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ أَخْبَرَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: يَا عَدِيُّ، هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟ قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا. قَالَ: فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ -قُلْتُ: فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلاَدَ؟ - وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى. قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟ قَالَ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ. وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلاَ يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ. وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، فَيَقُولَنَّ: أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولاً فَيُبَلِّغَكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. فَيَقُولُ: أَلَمْ أُعْطِكَ مَالاً وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ جَهَنَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ جَهَنَّمَ. قَالَ عَدِيٌّ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شقٌّ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ. قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ». حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُجَاهِدٍ حَدَّثَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ سَمِعْتُ عَدِيًّا: «كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن الحكم) بفتحتين أبو عبد الله المروزي الأحول قال: (أخبرنا النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل المازني قال: (أخبرنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قال: (أخبرنا سعد) بسكون العين أبو مجاهد (الطائي) قال: (أخبرنا محل بن خليفة) بضم الميم وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام الطائي (عن عدي بن حاتم) الطائي أنه (قال: بينا) بغير ميم (أنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ أتاه رجل) لم يسم (فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر) أيضًا (فشكا إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وثبت لفظ "إليه" لأبي ذر (قطع السبيل) أي الطريق من طائفة يترصدون في المكامن لأخذ المال أو لغير ذلك ولم يسم الرجل الآخر، لكن في دلائل النبوة لأبي نعيم ما يرشد إلى أن الرجلين صهيب وسلمان (فقال): (يا عديّ هل رأيت الحيرة؟) بكسر الحاء المهملة وسكون التحتية وفتح الراء كانت بلد ملوك العرب الذين تحت حكم آل فارس، وكان ملكهم يومئذٍ إياس بن قبيصة الطائي وليها من تحت يد كسرى بعد قتل النعمان بن المنذر (قلت: لم أرها وقد أنبئت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أي أخبرت (عنها) عن الحيرة (قال): (فإن طالت بك حياة لترين الظعينة) بالظاء المعجمة المرأة في الهودج (ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدًا إلا الله) قال عدي: (قلت فيما بيني وبين نفسي) متعجبًا (فأين دعار طيئ) بالدال والعين المهملتين لا بالذال المعجمة أي كيف تمرّ المرأة على قطاع الطريق من طيئ غير خائفة وهم يقطعون الطريق على من مرّ عليهم بغير جوار (الذين قد سعروا البلاد) بفتح السين والعين المشددة المهملتين أي ملؤوها شرًّا وفسادًا، وهو مستعار من استعار النار، وهو توقدها والتهابها والموصول صفة سابقه (ولئن طالت بك

حياة لتفتحن) بفتح اللام وضم الفوقية وسكون الفاء وفتح الفوقية والحاء المهملة وتشديد النون مبنيًّا للمفعول، ولأبي ذر: لتفتحن بفتح التاءين (كنوز كسرى) قال عدي مستفهمًا (قلت: كسرى) أي كنوز كسرى (بن هرمز؟ قال) عليه الصلاة والسلام (كسرى بن هرمز) ملك الفرس وإنما قال عدي ذلك لعظمة كسرى إذ ذاك (ولئن طالت بك حياة لترين) بفتح اللام والفوقية والراء والتحتية وتشديد النون (الرجل يخرج) بضم أوله وكسر ثالثه (ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدًا يقبله منه) لعدم الفقراء حينئذٍ قيل وذلك يكون في زمن عيسى عليه السلام. وجزم البيهقي بأن ذلك في زمن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- لحديث عمر بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال: لما ولي عمر بن عبد العزيز ثلاثين شهرًا لا والله ما مات حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء فما يبرح حتى يرجع بماله نتذاكر من نضعه فيه فلا نجده قد أغنى عمر الناس. رواه البيهقي وقال فيه تصديق ما روينا في حديث عدي بن حاتم. (وليلقين الله أحدكم) بفتح اللام والتحتية وسكون اللام وفتح القاف والتحتية ورفع أحدكم على الفاعلية (يوم يلقاه) في القيامة (وليس بينه وبينه ترجمان) بفتح الفوقية وضمها وضم الجيم (يترجم له فيقولن: ألم) ولأبي ذر فليقولن له بزيادة لام بعد الفاء ولفظة له ألم (أبعث إليك رسولاً فيبلغك) بصيغة المضارع منصوبًا (فيقول: بلى) يا رب (فيقول) جل وعلا (ألم أعطك مالاً؟) زاد الكشميهني وولدًا (وأفضل) بضم الهمزة وسكون الفاء وكسر الضاد المعجمة من الإفضال أي وألم أفضل (عليك) منه (فيقول: بلى) يا رب (فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم) (قال عدي: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول اتقوا النار ولو بشقة تمرة) بكسر الشين المعجمة ولأبي ذر عن الكشميهني والحموي: بشق تمرة بحذف تاء التأنيث بعد القاف (فمن لم يجد شق تمرة) ولأبي ذر عنهما تمرة يتصدق بها (فبكلمة طيبة) يرده بها ويطيب قلبه. (قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف الكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز) قال عدي أيضًا (ولئن طالت بكم حياة لترون) بالواو (ما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبو القاسم يخرج) أي الرجل (ملء كفه) أي من ذهب أو فضة فلا يجد من يقبله. وهذا الحديث قد مرّ في كتاب الزكاة في باب الصدقة قبل الرد. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي وثبت ابن محمد لأبي ذر قال: (حدّثنا أبو عاصم) بن مخلد أحد مشايخ المؤلّف روي عنه هنا بواسطة. قال: (أخبرنا سعدان بن بشر) بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة الجهني الكوفي قال: (حدّثنا أبو مجاهد) سعد بسكون العين الطائي قال: (حدّثنا محل بن خليفة) بضم الميم وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام الطائي قال: (سمعت عديًّا) هو ابن حاتم الطائي يقول: (كنت عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولفظ متن هذا الإسناد سبق في الزكاة وهو: فجاءه رجلان أحدهما يشكو العيلة والآخر يشكو قطع السبيل فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أما قطع السبيل فإنه لا يأتي عليك إلاّ قليل حتى تخرج العير إلى مكة بغير خفير، وأما العيلة فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه، ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله عز وجل ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له ثم ليقولن له ألم أُوتك مالاً وولدًا فليقولن: بلى، ثم ليقولن ألم أرسل إليك رسولاً؟ فليقولن: بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار، فليتقين أحدكم النار ولو بشق تمرة فإن لم يجد فبكلمة طيبة، هذا لفظه وقد يوهم إطلاق المؤلّف أنه مثل الأول سواء. 3596 - حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: إِنِّي فَرَطُكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ. إِنِّي وَاللَّهِ لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ خَزَائِنَ مَفَاتِيحِ الأَرْضِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ بَعْدِي أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (سعيد بن شرحبيل) بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة بعدها موحدة مكسورة فتحتية ساكنة فلام

منصرف في اليونينية مصحح عليه وغير منصرف في الفرع مصحح عليه أيضًا الكندي قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام (عن يزيد) بن أبي حبيب (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله (عن عقبة بن عامر أن النبي) ولأبي ذر عن عقبة عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (خرج يومًا فصل على أهل أُحُد) الشهداء (صلاته على الميت) أي دعا لهم بدعاء صلاة الميت (ثم انصرف) حتى أتى (إلى المنبر فقال): لأصحابه. (إني فرطكم) بفتح الراء أي أتقدمكم إلى الحوض كالمهيئ لكم (وأنا شهيد عليكم إني والله لأنظر إلى حوضي الآن) فيه أن الحوض على الحقيقة وأنه مخلوق موجود الآن (وإني قد أعطيت خزائن مفاتيح) وفي نسخة: مفاتيح خزائن (الأرض) فيه إشارة إلى ما ملكته أمته مما فتح عليهم من الخزائن (وإني والله ما أخاف) عليكم (بعدي أن تشركوا) أي بالله (ولكن) وفي نسخة: ولكني (أخاف) عليكم (أن تنافسوا) بحذف أحدى التاءين تخفيفًا (فيها) أي في الدنيا. وقد وقع ما قاله عليه الصلاة والسلام ففتحت على أمته بعده الفتوح الكثيرة وصبت عليهم الدنيا صبًّا وتحاسدوا وتقاتلوا، وقد مرّ هذا الحديث في باب الصلاة على الشهيد من كتاب الجنائز. 3597 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «أَشْرَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أُطُمٍ مِنَ الآطَامِ فَقَالَ: هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي أَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلاَلَ بُيُوتِكُمْ مَوَاقِعَ الْقَطْرِ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن أسامة) بن زيد (-رضي الله عنه-) أنه (أشرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي نظر من مكان عال (على أطم) بضم الهمزة والطاء المهملة (من الآطام) بفتح الهمزة الممدودة، وفي نسخة من آطام المدينة أي على حصن من حصون أهل المدينة (فقال) لأصحابه: (هل ترون ما أرى إني أرى) ببصري (الفتن تقع خلال بيوتكم) أي نواحيها (مواقع القطر) وجه التشبيه الكثرة والعموم وهو إشارة إلى الحروب الواقعة فيها كوقعة الحرة وغيرها. وهذا الحديث قد سبق في أواخر الحج. 3598 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ حَدَّثَتْهَا عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ: فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذَا. وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ وَبِالَّتِي تَلِيهَا، فَقَالَتْ زَيْنَبُ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: حدّثني) ولأبي ذر: أخبرني بالإفراد فيهما (عروة بن الزبير) بن العوام (أن زينب ابنة) ولأبي ذر: بنت (أبي سلمة) ربيبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حدّثته أن أم حبيبة) رملة (بنت أبي سفيان) أم المؤمنين -رضي الله عنها- (حدّثتها عن زينب بنت جحش) أم المؤمنين -رضي الله عنهن- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عليها) أي على زينب بنت جحش حال كونه (فزعًا) بكسر الزاي أي خائفًا مما أخبر به أنه يصيب أمته (يقول): (لا إله إلا الله ويل) كلمة تقال لمن وقع في هلكة (للعرب) لأنهم كانوا أكثر المسلمين (من شر قد اقترب) قيل: خص العرب إشارة إلى قتل عثمان أو ما يقع من الترك أو يأجوج ومأجوج (فتح اليوم) بالنصب (من ردم يأجوج ومأجوج) بكسر راء ردم في اليونينية والفرع وبفتحها في الناصرية وغيرها ويأجوج ومأجوج من غير همز فيهما أي من سدهما (مثل هذا) بالتذكير (وحلق بإصبعه) أي بالإبهام (وبالتي تليها) وسقطت الباء من بالتي بالفرع وثبتت بأصله (فقالت زينب): بنت جحش (فقلت يا رسول الله أنهلك) بكسر اللام (وفينا الصالحون؟) وهم لا يستحقون ذلك (قال) عليه الصلاة والسلام (نعم إذا كثر الخبث) أي المعاصي، وقيل: إذا عزّ الأشرار وذلّ الصالحون. وسبق هذا الحديث في باب قصة يأجوج ومأجوج من أحاديث الأنبياء. 3599 - وَعَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتِ: «اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ، وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ». (وعن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب بإسناده السابق أنه قال: (حدّثتني هند بنت الحرث) الفراسية (أن أم سلمة) هند أم المؤمنين -رضي الله عنها- (قالت: استيقظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من نومه (فقال): (سبحان الله) نصبه على المصدر وفي نسخة: لا إله إلا الله بدل قوله سبحان الله (ماذا أنزل) الليلة وما استفهامية متضمنة لمعنى التعجب والتعظيم (من الخزائن) أي الكنوز (وماذا أنزل) زاد في باب تحريض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قيام الليل الليلة فالليلة ظرف الإنزال (من الفتن) من القتال الكائن بين المسلمين هكذا

أورده هنا مختصرًا، وتمامه في الفتن بهذا الإسناد، ولفظه: من يوقظ صواحب الحجرات يريد أزواجه لكي يصلّين رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة. 3600 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ لِي: إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَتَتَّخِذُهَا، فَأَصْلِحْهَا وَأَصْلِحْ رُعَامَهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَكُونُ الْغَنَمُ فِيهِ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ -أَوْ سَعَفَ الْجِبَالِ- فِي مَوَاقِعِ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة بن الماجشون) بكسر الجيم وبالشين المعجمة المضمومة آخره نون وأبو عبد العزيز عبد الله واسم أبي سلمة دينار، وصوّب الكرماني إسقاط لفظ ابن بعد أبي سلمة، وكذا هو في التقريب ابن أبي سلمة الماجشون والنون في الفرع وأصله مكسورة فقط صفة لأبي سلمة وقد تضم صفة لعبد العزيز المدني نزيل بغداد وسمي بالماجشون لحمرة وجنتيه (عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة (عن أبيه) أي عبد الله لا عن أبي صعصعة (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال لي) أي قال أبو سعيد لعبد الله بن أبي صعصعة (إني أراك تحب الغنم وتتخذها فأصلحها وأصلح رعامها) بضم الراء وتخفيف العين المهملتين أي ما يسيل من أنوفها، وفي نسخة: رغامها بالغين المعجمة وهو التراب فكأنه قال في الأول: داوِ مرضها، وفي الثاني أصلح مرابضها (فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يأتي على الناس زمان تكون الغنم فيه خير مال المسلم يتبع بها) بإسكان المثناة الفوقية وفتح الموحدة بالغنم (شعف الجبال) بشين معجمة وعين مهملة وفاء مفتوحات منصوب على المفعولية أي رؤوس الجبال (أو) قال (سعف الجبال) بالسين المهملة جرائد النخل ولا معنى له هنا والشك من الراوي، وسقط قوله أو سعف الجبال الأخير من رواية أبي ذر في الفرع، وفي اليونينية علامة السقوط على الجبال فقط؛ وفي نسخة: أو شعف بالمعجمة وإسكان العين المهملة (في مواقع القطر) أي في مواضع نزول المطر وهي بطون الأودية والصحارى، وقال في شرح المشكاة: والقطر عبارة عن العشب والكلأ أي يتبع بها مواقع العشب والكلأ في شعاف الجبال، وفي نسخة: ومواقع القطر حال كونه (يفر بدينه) بالفاء المكسورة أي يهرب مع دينه أو بسببه (من الفتن) طلبًا لسلامته. 3601 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي؛ وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَمَنْ تَشرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ». [الحديث 3601 - طرفاه في: 7081، 7082]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن عبد الله بن يحيى (الأويسي) القرشي قال: (حدّثنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن ابن المسيب) سعيد (وأبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ستكون فتنة) بكسر الفاء وفتح الفوقية جمع فتنة والمراد الاختلاف الواقع بين أهل الإسلام بسبب افتراقهم على الإمام ولا يكون المحق فيها معلومًا بخلاف زمان علي ومعاوية (القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي) قال النووي: معناه بيان عظم خطرها والحث على تجنبها والهرب منها ومن التسبب في شيء منها لأن سببها وشرها وفتنتها تكون على حسب التعلق بها (ومن تشرف) بضم الفوقية أو التحتية وسكون المعجمة وكسر الراء وجزم الفاء مضارع من الإشراف، ولأبي ذر: تشرف بفتح الفوقية والمعجمة والراء المشددة وفتح الفاء فعل ماض من التشرف (لها) أي للفتنة (تستشرفه) بكسر الراء وجزم الفاء. قال التوربشتي: أي من تطلع لها دعته إلى الوقوع فيها. والتشرف التطلع واستعير هاهنا للإصابة لشرها، أو أريد أنها تدعوه إلى زيادة النظر إليها، وقيل: إنه من استشرفت الشيء إذا علوته يريد من انتصب لها انتصبت له وصرعته، وقيل هو من المخاطرة والأشياء على الهلاك أي من خاطر بنفسه فيها أهلكته. قال الطيبي: لعل الوجه الثالث أولى لما يظهر منه من معنى اللام في لها وعليه كلام الفائق وهو قوله أي من غالبها غلبته. (ومن وجد ملجأ) أي عاصمًا أو موضعًا يلتجئ إليه ويعتزل فيه (أو) قال: (معاذًا) بفتح الميم وبالذال المعجمة شك من الراوي وهما بمعنى (فليعد به) أي فليعتزل فيه. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في باب تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم من كتاب الفتن وأخرجه مسلم أيضًا. 3602 - حَدّثَنَا وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا، إِلاَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ يَزِيدُ: «مِنَ الصَّلاَةِ صَلاَةٌ مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ». (وعن ابن

شهاب) محمد بن مسلم الزهري بالإسناد السابق أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث) بن هشام بن المغيرة المخزومي الضرير قيل له راهب قريش لكثرة صلاته (عن عبد الرحمن بن مطيع بن الأسود) التابعي على الصحيح (عن نوفل بن معاوية) الكناني الديلمي من مسلمة الفتح وتأخرت وفاته إلى خلافة يزيد بن معاوية (مثل حديث أبي هريرة هذا) السابق (إلا أن أبا بكر) الضرير شيخ الزهري (يزيد) زيادة مرسلة أو بالسند السابق عن عبد الرحمن بن مطيع إلى آخره وهي قوله (من الصلاة صلاة) هي صلاة العصر (من فاتته فكأنما وتر) بضم الواو وكسر الفوقية (أهله وماله) نصب فيهما مفعول ثان أي نقص هو أهله وماله وسلبهما فبقي بلا أهل ومال وبرفعهما على أنه فعل ما لم يسم فاعله أي انتزع منه الأهل والمال، والجمهور على النصب، وإنما ذكر المؤلّف هذه الزيادة استطرادًا لكونها وقعت في الحديث الذي ساقه في هذا الباب وإن لم يكن لها تعلق به. وهذا الحديث أخرجه مسلم. 3603 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ». [الحديث 3603 - طرفه في: 7052]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان (عن زيد بن وهب) الجهني المخضرم (عن ابن مسعود) عبد الله -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ستكون) أي بعدي (أثرة) بفتح الهمزة والمثلثة وبضمها وسكون المثلثة، قال الأزهري: هو الاستئثار أي يستأثر عليكم بأمور الدنيا ويفضل عليكم غيركم أي في إعطاء نصيبه من الفيء (وأمور) أي وستكون أمور أخرى من أمور الدين (تنكرونها) (قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟) أن نفعل إذا وقع ذلك (قال): (تؤدون الحق الذي عليكم) من بذل المال الواجب في الزكاة والنفس في الخروج إلى الجهاد (وتسألون الله) عز وجل من فضله أن يوفي الحق (الذي لكم) من الغنيمة والفيء ونحوهما ولا تقاتلوهم لاستيفاء حقكم بل وفوا إليهم حقهم من السمع والطاعة وحقوق الدين وكلوا أمركم إلى الله. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفتن، ومسلم في المغازي، والترمذي في الفتن. 3604 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُهْلِكُ النَّاسَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ. قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ». قَالَ مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ. [الحديث 3604 - طرفاه في: 3605، 7058]. وبه قال: (حدّثنا) وفي اليونينية: حدّثني (محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة (إسماعيل بن إبراهيم) المدني الهروي البغدادي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي التياح) بفتح المثناة الفوقية والتحتية المشددة وبعد الألف حاء مهملة يزيد بن حميد الضبعي (عن أبي زرعة) بضم الزاي وسكون الراء هرم بن عمرو بن جرير البجلي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يهلك الناس هذا الحي من) بعض (قريش) وهم الأحداث منهم لا كلهم بسبب طلبهم الملك والحرب لأجله ويهلك بضم الياء وكسر اللام من الإهلاك، والناس نصب مفعوله، والحي رفع على الفاعلية (قالوا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قال: (فما تأمرنا؟) يا رسول الله (قال): (لو أن الناس اعتزلوهم) بأن لا يداخلوهم ولا يقاتلوا معهم ويفروا بدينهم من الفتن لكان خيرًا لهم. وهذا الحديث أخرجه مسلم فى الفتن. (قال) ولأبي ذر: وقال (محمود) هو ابن غيلان أحد مشايخ المؤلّف (حدّثنا أبو داود) سليمان الطيالسي ولم يخرج له المصنف إلا استشهادًا قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي التياح) يزيد الضبعي أنه قال: (سمعت أبا زرعة) هرم البجلي عن أبي هريرة الحديث وغرضه بسياق هذا تصريح أبي التياح بسماعه له من أبي زرعة بن عمرو. 3605 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَسَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ: هَلاَكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَىْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ. فَقَالَ مَرْوَانُ، غِلْمَةٌ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنْ شِئْتَ أَنْ أُسَمِّيَهُمْ، بَنِي فُلاَنٍ وَبَنِي فُلاَنٍ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) الأزرقي (المكي) قال: (حدّثنا عمرو بن يحيى) بفتح العين (ابن سعيد) بكسر العين (الأموي) بضم الهمزة (عن جده) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية أنه (قال: كنت مع مروان) بن الحكم بن أبي العاص بن أمية (وأبي هريرة) وكان ذلك في زمن معاوية (فسمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (يقول: سمعت الصادق المصدوق) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول): (هلاك أمتي) الموجودين إذ ذاك ومن قاربهم لا كل الأمة إلى يوم القيامة (على

يدي) بسكون التحتية (غلمة) بكسر الغين المعجمة وسكون اللام جمع غلام وهو الطارّ الشارب (من قريش فقال مروان: غلمة) يكونون أمراء. وزاد في الفتن من طريق موسى بن إسماعيل عن عمرو بن يحيى فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة. (قال أبو هريرة): -رضي الله عنه- لمروان (إن شئت) وللكشميهني: إن شئتم (أن أسميهم بني فلان وبني فلان). وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يعرف أسماءهم، وكان ذلك من الجراب الذي لم يحدث به، وزاد في الفتن: فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا الشام فإذا رآهم غلمانًا أحداثًا قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم؟ قلنا: أنت أعلم والقائل، فكنت أخرج مع جدي عمرو بن يحيى. وعند ابن أبي شيبة أن أبا هريرة -رضي الله عنه- كان يمشي في السوق ويقول: اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الصبيان. قال في الفتح: وفي هذا إشارة إلى أن أول الأغلمة كان في سنة ستين وهو كذلك فإن يزيد بن معاوية استخلف فيها وبقي إلى سنة أربع وستين فمات ثم ولي ولده معاوية ومات بعد أشهر. وقال الطيبي: رآهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في منامه يلعبون على منبره صلوات الله وسلامه عليه، وقد جاء في تفسير قوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} [الاسراء: 60]. أنه رأى في المنام أن وُلْدَ الحكم يتداولون منبره كما يتداول الصبيان الكرة. 3606 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: «كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ. قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا. فَقَالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا؛ وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا. قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ». [الحديث 3606 - طرفاه في: 3607، 7084]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن موسى) الختي بفتح الخاء المعجمة وتشديد الفوقية قال: (حدّثنا الوليد) بن مسلم القرشي الأموي (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن جابر) هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (بسر بن عبيد الله) بضم الموحدة وسكون السين المهملة وعبيد الله بضم العين مصغرًا (الحضرمي) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (أبو إدريس) عائذ الله بالعين المهملة والذال المعجمة ابن عبد الله (الخولاني) بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو وبالنون (أنه سمع حذيفة بن اليمان) العبسي بالموحدة حليف الأنصار (يقول: كان الناس يسألون رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني) بنصب مخافة على التعليل وأن مصدرية والشر الفتنة ووهن عرى الإسلام واستيلاء الضلال وفشوّ البدعة والخير عكسه يدل عليه قوله: (فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير) أي ببعثك وتشييد مباني الإسلام وهدم قواعد الكفر والضلال (فهل بعد هذا الخير من شر؟) في رواية نصر بن عاصم عنه عن حذيفة عند ابن أبي شيبة فتنة (قال) عليه الصلاة والسلام: (نعم) (قلت) يا رسول الله (وهل بعد هذا) ولأبي ذر ذلك (الشر من خير؟ قال: نعم وفيه) أي الخير (دخن) بفتح الدال المهملة والخاء المعجمة آخره نون كدر أي غير صاف ولا خالص. وقال النووي كالقاضي عياض قيل المراد بالخير بعد الشر أيام عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-. قال حذيفة (قلت) يا رسول الله (وما دخنه؟) أي كدره (قال): (قوم يهدون) الناس بفتح الياء (بغير هديي) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة والإضافة إلى ياء المتكلم فيصير بياءين الأولى مكسورة والثانية ساكنة أي لا يستنون بسنتي، وللأصيلي بغير هُدى بضم الهاء وتنوين الدال، ولأبي ذر عن الكشميهني: هدى بفتح فسكون فتنوين بكسر (تعرف منهم وتنكر) أي تعرف منهم الخير فتشكره والشر فتنكره وهو من المقابلة المعنوية فهو راجع إلى قوله: وفيه دخن، والخطاب في تعرف وتنكر من الخطاب العام. (قلت: فهل بعد ذلك الخير) المشوب بالكدر (من شر؟ قال): عليه الصلاة والسلام (نعم دعاة) بضم الدال المهملة جمع داع (إلى) ولأبي ذر على (أبواب جهنم) أي باعتبار ما يؤول إليه شأنهم أي يدعون الناس إلى الضلالة ويصدونهم عن الهدى بأنواع من التلبيس، فلذا كان بمنزلة أبواب جهنم (من أجابهم إليها) أي النار أي إلى الخصال التي تؤول إليها (قذفوه فيها) أعاذنا الله من ذلك ومن جميع المهالك بمنّه وكرمه. وقيل: المراد بالشر بعد الخير الأمر بعد عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-. ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله

تعالى في كتاب الفتن بعون الله وقوته. قال حذيفة (قلت: يا رسول الله صفهم) أي الدعاة (لنا. فقال): عليه الصلاة والسلام (هم من جلدتنا) بجيم مكسورة فلام ساكنة فدال مهملة مفتوحة أي من أنفسنا وعشيرتنا من العرب أو من أهل ملتنا (ويتكلمون بألسنتنا) قال القابسي: أي من أهل لساننا من العرب، وقيل: يتكلمون بما قال الله ورسوله من المواعظ والحكم وليس في قلوبهم شيء من الخير يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم. قال حذيفة: (قلت) يا رسول الله (فما تأمرني وإن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) بكسر الهمزة أي أميرهم ولو جار. وفي رواية أبي الأسود عن حذيفة عند مسلم تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأُخذ مالك (قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام) يجتمعون على طاعته (قال): عليه الصلاة والسلام إن لم يكن لهم إمام يجتمعون عليه (فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض) بفتح العين المهملة وتشديد الضاد المعجمة أي ولو كان الاعتزال بالعض (بأصل شجرة) فلا تعدل عنه (حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) العض. قال التوربشتي: أي تتمسك بما تقوي به عزيمتك على اعتزالهم ولو بما لا يكاد يصح أن يكون متمسكًا. وقال الطيبي: هذا شرط تعقب به الكلام تتميمًا ومبالغة أي اعتزل الناس اعتزالاً لا غاية بعده ولو قنعت فيه بعض أصل الشجرة الفعل فإنه خير لك. وقال البيضاوي: المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان وعضّ أصل الشجرة كناية عن مكابدة المشقّة كقولهم: فلان يعض الحجارة من شدة الألم أو المراد اللزوم كقوله في الحديث الآخر: "عضوا عليها بالنواجذ". وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفتن، ومسلم في الإمارة والجماعة، وابن ماجه في الفتن. 3607 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنْ حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "تَعَلَّمَ أَصْحَابِي الْخَيْرَ وَتَعَلَّمْتُ الشَّرَّ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا بالجمع (محمد بن المثنى) العنزي الزمن البصري قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى بن سعيد) القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد البجلي الكوفي أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (قيس) هو ابن أبي حازم (عن حذيفة) بن اليمان (رضي الله عنه) أنه (قال: تعلم أصحابي الخير) نصب على المفعولية (وتعلمت الشر) أي خوفًا على نفسي من إدراكه. وهذا الحديث كما قاله في الفتح أخرجه الإسماعيلي من هذا الوجه باللفظ الأول إلا أنه قال: كان أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدل قوله كان الناس. 3608 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بن عبد الرحمن أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ». وبه قال: (حدّثنا الحكم بن نافع) أبو اليمان الحمصي قال: (حدّثنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم الزهري بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تقوم الساعة حتى يقتتل فتيان) بفاء مكسورة ساكنة وبعد التحتية المفتوحة ألف فنون كذا في الفرع وأصله وعلى الهامش منهما صوابه فئتان بهمزة مفتوحة بعد الفاء ففوقية فألف تثنية فئة وهي الجماعة، والمراد كما في الفتح علي ومن معه ومعاوية ومن معه لما تحاربا بصفين (دعواهما واحدة) لأن كلاًّ منهما يتسمى بالإسلام أو يدعي أنه محق وقد كان علي الإمام والأفضل يومئذ بالاتفاق، وقد بايعه أهل الحل والعقد بعد عثمان ومخالفه مخطئ معذور بالاجتهاد والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه بل له أجر وللمصيب أجران. 3609 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ. وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبًا مِنْ ثَلاَثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن رشاد الأزدي مولاهم (عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا تقوم الساعه حتى يقتتل فتيان) بفاء ففوقية ساكنة فتحتية وصوابه كما مرّ فئتان بهمزة ففوقية مفتوحة (فيكون بينهما مقتلة) بفتح الميم مصدر ميمي (عظيمة) أي قتل عظيم. وعند ابن أبي خيثمة في تاريخه أنه قتل بصفين من الفئتين فئة علي وفئة معاوية نحو سبعين ألفًا، وقيل: أكثر من

ذلك وقيل: كان بينهم أكثر من سبعين زحفًا، وكان أول قتالهما في غرة صفر، فلما كاد أهل الشام أن يغلبوا رفعوا المصاحف بمشورة عمرو بن العاص ودعوا إلى ما فيها فآل الأمر إلى الحكمين فجرى ما جرى من اختلافهما واستبداد معاوية بملك الشام واشتغال علي بالخوارج. (دعواهما واحدة) ويؤخذ منه الردّ على الخوارج ومن تبعهم في تكفيرهم كلاً من الطائفتين (ولا تقوم الساعة حتى يبعث) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول يخرج ويظهر (دجالون) بفتح الدال المهملة والجيم المشددة يقال دجل فلان الحق بباطله أي غطاه ويطلق على الكذب أيضًا، وحينئذٍ فيكون قوله (كذابون) تأكيدًا (قريبًا) نصب حال من النكرة الموصوفة (من ثلاثين) نفسًا. وفي مسلم من حديث جابر بن سمرة: إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابًا فجزم بذلك (كلهم يزعم أنّه رسول الله) بتسويل الشيطان لهم ذلك مع قيام الشوكة لهم وظهور شبهة كمسيلمة باليمامة والأسود العنسي باليمن وكان ظهورهما في آخر الزمن النبوي، فقتل الثاني قبل موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ومسيلمة في خلافة أبي بكر وفيها خروج طليحة بن خويلد في بني أسد بن خزيمة وسجاح التميمية في بني تميم، ثم تاب طليحة ومات على الإسلام على الصحيح في خلافة عمر، وقيل وتابت المرأة. وفي أول خلافة ابن الزبير خرج المختار بن أبي عبيد الثقفي وتغلب على الكوفة ثم ادّعى النبوة وزعم أن جبريل يأتيه وقُتل في سنة بضع وستين، وفي خلافة عبد الملك بن مروان خرج الحرث فقتل، ثم خرج في خلافة بني العباس جماعة ادعوا ذلك بسبب ما نشأ لهم عن جنون أو سوداء وقد أهلك الله من وقع له ذلك منهم وآخرهم الدجال الأكبر. 3610 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَهْوَ يَقْسِمُ قَسْمًا- إِذْ أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ وَهْوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ. فَقَالَ: وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ: دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ: يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ -وَهْوَ قِدْحُهُ- فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي نَعَتَهُ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: بينما) بالميم (نحن مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يقسم قسمًا) بفتح القاف مصدر قسمت الشيء فانقسم سمي الشيء المقسوم بالمصدر والواو في وهو للحال، وزاد أفلح بن عبد الله في روايته عنه يوم حنين، وفي رواية عبد الرحمن بن أبي نعيم عن أبي سعيد في المغازي أن المقسوم كان تبرًا بعثه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من اليمن فقسمه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أربعة (إذ أتاه ذو الخويصرة) وثبت في الفرع إذ وسقط من اليونينية وعدة أصول والخويصرة بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وسكون التحتية وكسر الصاد المهملة بعدها راء واسمه نافع كما عند أبي داود ورجحه السهيلي، وقيل اسمه حرقوص بن زهير (وهو رجل من بني تميم) وفي باب من ترك قتال الخوارج من كتاب استتابة المرتدين جاء عبد الله بن ذي الخويصرة (فقال: يا رسول الله اعدل) في القسمة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل) وفي رواية ابن أبي نعيم فقال: يا رسول الله اتق الله. قال: "ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟ " (قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل) لم يضبط في اليونينية تاءي خبت وخسرت هنا وضبطها في غيرها بالضم والفتح على المتكلم والمخاطب والفتح أشهر وأوجه. قال التوربشتي: هو على ضمير المخاطب لا على ضمير المتكلم وإنما رد الخيبة والخسران إلى المخاطب على تقدير عدم العدل منه لأن الله تعالى بعثه رحمة للعالمين وليقوم بالعدل فيهم فإذا قدر أنه لم يعدل فقد خاب المعترف بأنه مبعوث إليهم وخسر لأن الله لا يحب الخائنين فضلاً أن يرسلهم إلى عباده. وقال الكرماني: أي خبت وخسرت لكونك تابعًا ومقتديًا بمن لا يعدل، ولأبي ذر عن الحموي: إذا لم أكن أعدل. (فقال عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه (يا رسول الله ائذن لي فيه فاضرب) نصب بفاء الجواب ولأبي ذر أضرب (عنقه) بإسقاط الفاء وبالجزم جواب الشرط (فقال: دعه) لا تضرب عنقه. فإن قلت: كيف منع من قتله مع أنه قال: لئن أدركتهم لأقتلنهم؟ أجاب في شرح السنّة: بأنه إنما أباح قتلهم إذا كثروا وامتنعوا بالسلاح واستعرضوا للناس، ولم

تكن هذه المعاني موجودة حين منع من قتلهم، وأول ما نجم ذلك في زمان علي -رضي الله عنه- فقاتلهم حتى قتل كثيرًا منهم. انتهى. ولمسلم من حديث جابر -رضي الله عنه- فقال عمر -رضي الله عنه-: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق. فقال: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي". وقال الإسماعيلي: إنما ترك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قتل المذكور لأنه لم يكن أظهر ما يستدل به على ما وراءه فلو قتل من ظاهره الصلاح عند الناس قبل استحكام أمر الإسلام ورسوخه في القلوب نفرهم عن الدخول في الإسلام، وأما بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا يجوز ترك قتالهم إذا أظهروا رأيهم وخرجوا من الجماعة وخالفوا الأئمة مع القدرة على قتالهم. وفي المغازي من رواية عبد الرحمن بن أبي نعيم عن أبي سعيد في هذا الحديث فسأله رجل أظنه خالد بن الوليد قتله، ولمسلم فقال خالد بن الوليد بالجزم وجمع بينهما بأن كلاًّ منهما سأل ذلك، ويؤيده ما في مسلم فقام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله أنا أضرب عنقه. قال: "لا". ثم أدبر، فقام إليه خالد بن الوليد سيف الله فقال: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: "لا". قال في فتح الباري: فهذا نص في أن كلاًّ منهما سأل. وقد استشكل سؤال خالد في ذلك لأن بعث علي إلى اليمن كان عقب بعث خالد بن الوليد إليها، والذهب المقسوم كان أرسله علي من اليمن كما في حديث أبي نعيم عن أبي سعيد. ويجاب: بأن عليًّا لما وصل إلى اليمن رجع خالد منها إلى المدينة فأرسل علي بالذهب فحضر خالد قسمته، ولأبي الوقت فقال له: دعه أي فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر: اتركه. (فإن له أصحابًا يحقر أحدكم) بكسر القاف يستقل (صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم). وعند الطبري من رواية عاصم بن شميخ عن أبي سعيد: تحقرون أعمالكم مع أعمالهم. ووصف عاصم أصحاب نجدة الحروري بأنهم يصومون النهار ويقومون الليل. وفي حديث ابن عباس عند الطبراني في قصة مناظرته للخوارج قال: فأتيتهم فدخلت على قوم لم أر أشد اجتهادًا منهم، والفاء في قوله فإن له أصحابًا ليست للتعليل بل لتعقيب الأخبار أي قال: دعه ثم عقب مقالته بقصتهم (يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم) بالمثناة الفوقية والقاف جمع ترقوة بفتح المثناة الفوقية وسكون الراء وضم القاف بوزن فعلوة. قال في القاموس: ولا تضم تاؤه العظم ما بين ثغرة النحر والعاتق يريد أن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها لعلمه باعتقادهم أو أنهم لا يعملون بها فلا يثابون عليها أو ليس لهم فيه حظ إلاّ مروره على لسانهم فلا يصل إلى حلوقهم فضلاً عن أن يصل إلى قلوبهم لأن المطلوب تعقله وتدبره لوقوعه في القلب (يمرقون) يخرجون سريعًا (من الدين) أي دين الإسلام من غير حظ ينالهم منه وفيه حجة لمن يكفر الخوارج، وإن كان المراد بالدين الطاعة للإمام فلا حجة فيه وإليه ذهب الخطابي، وصرح القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي بكفرهم محتجًا بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمرقون من الإسلام (كما يمرق السهم من الرمية) بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتية فعيلة بمعنى مفعولة وير الصيد المرمي، والمروق سرعة نفوذ السهم من الرمية حتى يخرج من الطرف الآخر، ومنه مرق البرق لخروجه بسرعة فشبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه ولشدة سرعة خروجه لقوة ساعد الرامي لا يعلق بالسهم من جسد الصيد شيء. (ينظر) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول (إلى نصله) وهي حديدة السهم (فلا يوجد فيه) في النصل (شيء) من دم الصيد ولا غيره (ثم ينظر إلى رصافه) بكسر الراء وبالصاد المهملة وبعد الألف فاء. قال في القاموس: الرصفة محركة واحدة الرصاف للعقب أي بفتح القاف وهو العضب يعمل منه الأوتار يلوي فوق الرعظ بضم الراء وسكون العين المهملة بعدها ظاء معجمة مدخل سنخ النصل بالنون والخاء المعجمة أي أصله كالرصافة والرصوفة بضمهما والمصدر الرصف مسكنة بالفتح رصف

السهم شدّ على رعظه عقبة. (فما) ولأبي ذر عن المستملي: فلا (يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نضيه) بنون مفتوحة فضاد معجمة مكسورة فتحتية مشددة (وهو قدحه) بكسر القاف وسكون الدال وبالحاء المهملة. قال البيضاوي: وهو تفسير من الراوي أي عود السهم قبل أن يراش وينصل أو هو ما بين الريش والنصل، وسمي بذلك لأنه بري حتى عاد نضوًا أي هزيلاً (فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قذذه) بضم القاف وفتح الذال المعجمة الأولى جمع قذة الريش الذي على السهم (فلا يوجد فيه شيء قد سبق) السهم (الفرث) بالمثلثة ما يجتمع في الكرش (والدم) فلم يظهر أثرهما فيه بل خرجا بعده وكذلك هؤلاء لم يتعلقوا بشيء من الإسلام (آيتهم) أي علامتهم (رجل أسود) اسمه نافع فيما أخرجه ابن أبي شيبة. وقال هشام: ذو الخويصرة (إحدى عضديه) وهو ما بين المرفق إلى الكتف (مثل ثدي المرأة) بفتح المثلثة وسكون الدال المهملة (أو) قال: (مثل البضعة) بفتح الموحدة وسكون المعجمة القطعة من اللحم (تدردر) بفتح الفوقية والدالين المهملتين بينهما راء ساكنة وآخره راء أخرى وأصله تتدردر حذفت إحدى التاءين تخفيفًا أي تتحرك وتذهب وتجيء وأصله حكاية صوت الماء في بطن الوادي إذا تدافع (ويخرجون على حين فرقة) بالحاء المهملة المكسورة آخره نون وفرقة بضم الفاء أي زمان افتراق، ولأبي ذر عن الكشميهني: على خير فرقة بخاء معجمة مفتوحة وآخره راء وكسر فاء فرقة أي على أفضل طائفة (من الناس) علي بن أبي طالب وأصحابه رضي الله عنهم. وفي رواية عبد الرزاق عند أحمد وغيره حين فترة من الناس بفتح الفاء وسكون الفوقية. قال في الفتح: ورواية فرقة بكسر الفاء هي المعتمدة وهي التي عند مسلم وغيره ويؤيدها ما عند مسلم أيضًا من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق. (قال أبو سعيد) الخدري -رضي الله عنه- بالسند السابق إليه (فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأشهد أن علي بن أبي طالب) -رضي الله عنه- (قاتلهم وأنا معه) بالنهروان. وفي باب قتل الخوارج: وأشهد أن عليًّا قتلهم ونسبة قتلهم لعلي لأنه كان القائم بذلك (فأمر بذلك الرجل) الذي قال فيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إحدى عضديه مثل ثدي المرأة (فالتمس) بضم الفوقية وكسر ما بعدها مبنيًّا للمفعول أي طلب في القتلى (فأتي به). ولمسلم من رواية عبيد الله بن أبي رافع فلما قتلهم علي قال: انظروا فلم ينظروا شيئًا فقال: ارجعوا فوالله ما كذبت ولا كذبت مرتين أو ثلاثًا ثم وجدوه في خربة (حتى نظرت إليه على نعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي نعته). وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأدب وفي استتابة المرتدين وفضائل القرآن، والنسائي في فضائل القرآن والتفسير، وابن ماجه في السنّة. 3611 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: «قَالَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». [الحديث 3611 - طرفاه في: 5057، 6930]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن خيثمة) بفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية وبالمثلثة المفتوحة ابن عبد الرحمن الجعفي الكوفي (عن سويد بن غفلة) بضم السين وفتح الواو وسكون التحتية وغفلة بفتح الغين المعجمة والفاء واللام أنه (قال: قل علي -رضي الله عنه-: إذا حدثتكم عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلأن أخِرّ) بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة أسقط (من السماء أحبّ إليّ من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة ويجوز ضم فسكون وضم ففتح كهمزة وفتحهما جمع خادع وكسر فسكون فهي خمسة وتكون بالتورية وبخلف الوعد، وذلك من المستثنى الجائز المخصوص من المحرم المأذون فيه رفقًا بالعباد وليس للعقل في تحريمه ولا تحليله أثر إنما هو إلى الشاعر (سمعت رسول الله) ولأبوي ذر والوقت: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان) بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وبالمثلثة ممدودًا والأسنان بفتح الهمزة

أي صغارها (سفهاء الأحلام) أي ضعفاء العقول (يقولون من خير قول البرية) وهو القرآن، كما في حديث أبي سعيد السابق يقرؤون القرآن، وكان أول كلمة خرجوا بها قولهم لا حكم إلا لله وانتزعوها من القرآن لكنهم حملوها على غير عملها (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) إذا رماه رام قوي الساعد فأصابه فنفد منه بسرعة بحيث لا يعلق بالسهم ولا بشيء منه من المرمي شيء كما قال في السابق: "سبق الفرث والدم" أي جاوزهما ولم يتعلق فيه منهما شيء بل خرجا بعده، وفي رواية أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد عند الطبراني: مثلهم كمثل رجل رمى رمية فتوخى السهم حيث وقع فأخذه فنظر إلى فوقه فلم ير به دسمًا ولا دمًا لم يتعلق به شيء من الدسم والدم كذلك هؤلاء لم يتعلقوا بشيء من الإسلام (لا يجاوز إيمانهم حناجرهم) بالحاء المهملة ثم النون وبعد الألف جيم جمع حنجرة بوزن قسورة وهي رأس الغلصمة بالغين المعجمة المفتوحة واللام الساكنة والصاد المهملة منتهى الحلقوم حيث تراه بارزًا من خارج الحلق. والحلقوم مجرى الطعام والشراب، وقيل الحلقوم مجرى النفس والمريء مجرى الطعام والشراب وهو تحت الحلقوم، والمراد أنهم مؤمنون بالنطق لا بالقلب (فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فإن في قتلهم أجر (لمن قتلهم يوم القيامة) لسعيهم في الأرض بالفساد، واحتج السبكي لتكفيرهم بأنهم كفروا أعلام الصحابة لتضمنه تكذيب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في شهادته لهم بالجنة، واحتج القرطبي في المفهم بقوله أنهم يخرجون من الإسلام ولم يتعلقوا منه بشيء كما خرج السهم من الرمية. وبقية مباحث ذلك تأتي في محالها إن شاء الله تعالى. 3612 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ- قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِيشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ. وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ». [الحديث 3612 - طرفاه في: 3852، 6943]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: (حدّثني يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد أنه قال: (حدّثنا قيس) هو ابن أبي حازم البجلي (عن خباب بن الأرتّ) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى، والأرت بهمزة وراء مفتوحتين وتشديد المثناة الفوقية أنه (قال: شكونا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر والوقت: إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو) أي والحال أنه (متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا) ولأبي ذر فقلنا (له) يا رسول الله (ألا) بالتخفيف للتحريض (تستنصر) تطلب (لنا) من الله عز وجل النصر على الكفار (ألا) بالتخفيف أيضًا (تدعو الله لنا؟ قال): عليه الصلاة والسلام. (كان الرجل فيمن قبلكم) من الأنبياء وأممهم (يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء) بضم التحتية وفتح الجيم ممدودًا (بالميشار) بكسر الميم وسكون التحتية وبالنون موضعها كلاهما في الفرع كأصله، وفي بعض النسخ بالهمزة يقال: نشرت الخشبة وأشرتها (فيوضع على رأسه فيشق) بضم التحتية وفتح المعجمة (باثنتين) بعلامة التأنيث (وما يصده ذلك) وضع المنشار على مفرق رأسه (عن دينه) وضبب في اليونينية على قوله ذلك وأسقطها في الفرع (ويمشط بأمشاط الحديد) جمع مشط بضم الميم وتكسر (ما دون لحمه) أي تحته أو عنده (من عظم أو عصب وما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ما (يصده ذلك عن دينه والله ليتمن) بضم التحتية وكسر الفوقية من الإتمام والإكمال واللام للتوكيد (هذا الأمر) بالرفع في اليونينية وفي الناصرية ليتمن بفتح التحتية هذا الأمر بالرفع وفي الفرع بضم التحتية من ليتمن ونصب الأمر على المفعولية وحذف الفاعل أي ليكملن الله أمر الإسلام (حتى يسير الراكب من صنعاء) بفتح الصاد المهملة وسكون النون وبعد العين ألف ممدودة قاعدة اليمن ومدينته العظمى (إلى حضرموت) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء والميم وسكون الواو بعدها فوقية بلدة باليمن أيضًا بينها وبين صنعاء مسافة بعيدة قيل أكثر من أربعة أيام، أو المراد صنعاء الشام فيكون أبلغ في البعد والمراد نفي الخوف من الكفار على المسلمين كما قال (لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه)

عطف على الجلالة الشريفة (ولكنكم تستعجلون). وهذا الحديث أخرجه في الإكراه، وفي باب: ما لقي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المشركين بمكة. وأبو داود في الجهاد، والنسائي في العلم والزينة. 3613 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ. فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ، كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَأَتَى الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ مُوسَى بْنُ أَنَسٍ: فَرَجَعَ الْمَرَّةَ الآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ». [الحديث 3613 - طرفه في: 4846]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا أزهر بن سعد) بفتح الهمزة وسكون الزاي بعدها راء وسعد بسكون العين الباهلي السماني قال: (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: أخبرنا (ابن عون) هو عبد الله بن عون بن أرطبان المزني البصري (قال: أنبأني) بالإفراد (موسى بن أنس) بن مالك قاضي البصرة. وعند عبد الله بن أحمد بن حنبل عن يحيى بن معين عن أزهر عن ابن عون عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بدل موسى بن أنس أخرجه أبو نعيم عن الطبراني عنه وقال: لا أدري ممن الوهم، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن ابن عون عن موسى بن أنس قال: لما نزلت: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم} [الحجرات: 2] قعد ثابت في بيته. الحديث. قال في الفتح بعد أن ذكر ذلك وهذا صورته مرسل إلا أنه يقوي أن الحديث لابن عون عن موسى لا عن ثمامة (عن) أبيه (أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- افتقد ثابت بن قيس) أي ابن شماس خطيبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخطيب الأنصار (فقال رجل): قال الحافظ ابن حجر: هو سعد بن معاذ رواه مسلم وإسماعيل القاضي في أحكام القرآن، ورواه الطبراني لعاصم بن عدي العجلاني والواقدي لأبي مسعود البدري وابن المنذر لسعد بن عبادة وهو أقوى (يا رسول الله أنا أعلم لك) أي لأجلك (علمه) أي خبره (فأتاه) الرجل (فوجده) حال كونه (جالسًا في بيته) حال كونه (منكسًا رأسه) بكسر الكاف المشددة (فقال: ما شأنك؟) أي ما حالك (فقال): ثابت حالي (شرّ كان يرفع صوته) التفات من الحاضر إلى الغائب وكان الأصل أن يقول: كنت أرفع صوتي (فوق صوت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد حبط عمله) أي بطل والأصل أن يقول عملي فهو التفات كما مرّ. (وهو من) وفي اليونينية مكتوب فوق من في بالأخضر (أهل النار فأتى الرجل) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأخبره أنه) أي ثابتًا (قال كذا وكذا) يعني أنه حبط عمله وهو من أهل النار (فقال موسى بن أنس) الراوي بالسند السابق (فرجع) الرجل إلى ثابت (المرة الآخرة) بعد الهمزة وكسر المعجمة من عنده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ببشارة عظيمة فقال): له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اذهب إليه) أي إلى ثابت (فقل له إنك لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة) وعند ابن سعد من مرسل عكرمة أنه لما كان يوم اليمامة انهزم المسلمون فقال ثابت: أف لهؤلاء ولما يعبدون ولهؤلاء ولما يصنعون قال ورجل قائم على ثلمة فقتله وقتل. وعند ابن أبي حاتم في تفسيره عن ثابت عن أنس في آخر قصة ثابت بن قيس: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة فلما كان يوم اليمامة كان في بعضنا بعض الانكشاف فأقبل وقد تكفن وتحنط فقاتل حتى قتل وظهر بذلك مصداق قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنه من أهل الجنة لكونه استشهد، وبهذا تحصل المطابقة، وليس هذا مخالفًا لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة إلى آخر العشرة لأن التخصيص بالعدد لا ينافي في الزائد. 3614 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنهما-: «قَرَأَ رَجُلٌ الْكَهْفَ وَفِي الدَّارِ الدَّابَّةُ، فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ، فَسَلَّمَ، فَإِذَا ضَبَابَةٌ غَشِيَتْهُ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: اقْرَأْ فُلاَنُ، فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ نَزَلَتْ لِلْقُرْآنِ، أَوْ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ». [الحديث 3614 - طرفاه في: 4839، 5011]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه قال: (سمعت البراء بن عازب -رضي الله عنهما- يقول: قرأ رجل) هو أسد بن حضير (الكهف وفي الدار الدابة) أي فرسه (فجعلت تنفر) بنون وفاء مكسورة (فسلم) الرجل. قال الكرماني: دعا بالسلامة كما يقال: اللهم سلم أو فوّض الأمر إلى الله تعالى ورضي بحكمه أو قال: سلام عليك (فإذا ضبابة) بضاد معجمة مفتوحة وموحدتين بينهما ألف سحابة تغشى الأرض كالدخان. وقال الداودي: الغمام الذي لا مطر فيه (أو) قال (سحابة غشيته) شك الراوي (فذكره) أي ما وقع له (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

فقال: اقرأ فلان) قال النووي: معناه كان ينبغي أن تستمر على القرآن وتغتنم ما حصل لك من نزول السكينة والملائكة وتستكثر من القراءة التي هي سبب بقائهما اهـ. فليس أمرًا له بالقراءة في حالة التحديث وكأنه استحضر صورة الحال فصار كأنه حاضر لما رأى ما رأى. وفي حديث أبي سعيد عند المؤلف في فضائل القرآن أن أسيد بن حضير كان يقرأ من الليل سورة البقرة فظاهره التعدد ويحتمل أن يكون قرأ البقرة والكهف جميعًا أو من كل منهما (فإنها) أي الضبابة المذكورة (السكينة) وهي ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان. رواه الطبري وغيره عن علي، وقيل: لها رأسان. وعن مجاهد رأس كرأس الهر، وعن الربيع بن أنس لعينها شعاع، وعن وهب هي روح من روح الله. وقيل غير ذلك مما سيأتي إن شاء الله تعالى في فضائل القرآن واللائق هنا الأول (نزلت للقرآن و) قال: (تنزلت للقرآن). ومطابقة الحديث للترجمة في إخباره عليه الصلاة والسلام عن نزول السكينة عند القراءة. وأخرجه مسلم في الصلاة والترمذي في فضائل القرآن. 3615 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَبُو الْحَسَنِ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: «جَاءَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - إِلَى أَبِي فِي مَنْزِلِهِ فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلاً، فَقَالَ لِعَازِبٍ: ابْعَثِ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِي، قَالَ: فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ، وَخَرَجَ أَبِي يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا أَبَا بَكْرٍ حَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتُمَا حِينَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ، أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا وَمِنَ الْغَدِ حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، وَخَلاَ الطَّرِيقُ لاَ يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ، فَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ لَهَا ظِلٌّ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَنَزَلْنَا عِنْدَهُ، وَسَوَّيْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَانًا بِيَدِي يَنَامُ عَلَيْهِ، وَبَسَطْتُ فِيهِ فَرْوَةً وَقُلْتُ لَهُ: نَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ. فَنَامَ. وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أَرَدْنَا. فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلاَمُ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ -أَوْ مَكَّةَ- قُلْتُ: أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ قَالَ: نَعَمُ. قُلْتُ: أَفَتَحْلُبُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَخَذَ شَاةً، فَقُلْتُ: انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ التُّرَابِ وَالشَّعَرِ وَالْقَذَى. قَالَ: فَرَأَيْتُ الْبَرَاءَ يَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى يَنْفُضُ. فَحَلَبَ فِي قَعْبٍ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ حَمَلْتُهَا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْتَوِي مِنْهَا يَشْرَبُ وَيَتَوَضَّأُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ، فَوَافَقْتُهُ حِينَ اسْتَيْقَظَ، فَصَبَبْتُ مِنَ الْمَاءِ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا مَالَتِ الشَّمْشُ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، فَقُلْتُ: أُتِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: لاَ تَحْزَنْ، إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا. فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا -أُرَى فِي جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ، شَكَّ زُهَيْرٌ- فَقَالَ: إِنِّي أُرَاكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ، فَادْعُوَا لِي، فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ، فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنَجَا. فَجَعَلَ لاَ يَلْقَى أَحَدًا إِلاَّ قَالَ: كَفَيْتُكُمْ مَا هُنَا، فَلاَ يَلْقَى أَحَدًا إِلاَّ رَدَّهُ، قَالَ: وَوَفَى لَنَا». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (أحمد بن يريد) من الزيادة (ابن إبراهيم أبو الحسن الحراني) بفتح الحاء المهملة والراء المشددة وبعد الألف نون قال: (حدّثنا زهير بن معاوية) الجعفي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي قال: (سمعت البراء بن عازب يقول: جاء أبو بكر) الصديق (-رضي الله عنه- إلى أبي) أي عازب بن الحرث الأوسي الأنصاري (في منزله فاشترى منه رحلاً) بفتح الراء وسكون الحاء المهملة وهو للناقة كالسرج للفرس (فقال لعازب: ابعث ابنك) البراء (يحمله) يعني الرحل (معي. قال): البراء (فحملته معه وخرج أبي) عازب (ينتقد ثمنه) أي يستوفيه وكان كما في باب مناقب المهاجرين ثلاثة عشر درهمًا (فقال له أبي) عازب (يا أبا بكر حدثني) بالإفراد (كيف صنعتما حين سريت) بغير ألف (مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي حين خرجتما من الغار في الهجرة (قال: نعم) أحدثك عن ذلك (قال: أسرينا) بألف لغتان جمع بينهما عازب والصديق (ليلتنا) أي بعضها (ومن الغد) أي بعضه والعطف فيه كهو في قوله: علفتها تبنًا وماء باردًا إذ الإسراء إنما يكون بالليل؛ وإنما قال: ليلتنا ليدل على أن الإسراء كان قد وقع طول الليل. (حتى قام قائم الظهيرة) شدّة حرها عند منتصف النهار وسمي قائمًا لأن الظل لا يظهر حينئذٍ فكأنه واقف (وخلا الطريق) من السالك فيه (لا يمر فيه أحد) من شدة الحر (فرفعت) بضم الراء وكسر الفاء أي ظهرت (لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأت عليه) أي على الظل. ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: عليها أي الصخرة (الشمس) بحيث تذهب بظلها بل كان ظلها ممدودًا ثابتًا (فنزلنا عنده) عند الظل (وسويت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكانًا بيدي ينام عليه وبسطت فيه) ولأبي ذر عليه (فروة) زاد في رواية يوسف بن إسحاق. وفي حديث خديج كانت معي (وقلت) له عليه الصلاة والسلام (نم يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك) أي من الغبار ونحوه حتى لا يثيره الريح أو أحرسك وأطوف هل أرى طلبًا يقال: نفضت المكان واستنفضته وتنفضته إذا نظرت جميع ما فيه (فنام) عليه الصلاة والسلام (وخرجت أنفض ما حوله) من الغبار أو أحرسه (فإذا أنا براع مقبل بغنمه إلى الصخرة يريد منها مثل الذي أردنا) من الظل (فقلت: لمن) ولأبي ذر: فقلت له لمن (أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من أهل المدينة أو مكة) بالشك. وفي رواية مسلم من طريق الحسن بن محمد بن أعين عن زهير فقال: لرجل من أهل المدينة من غير شك. وفي البخاري الجزم بأنها مكة فأطلق المدينة عليها للصفة لا للعلمية فليست المدينة النبوية مرادة هنا والراعي وصاحب الغنم لم يسميا (قلت: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم. قلت: أفتحلب؟) بضم اللام أمعك إذن من مالكها في الحلب لمن يمر بك على سبيل الضيافة (قال: نعم فأخذ) أي الراعي (شاة) قال الصديق: (فقلت)

له (انفض الضرع) أي ثدي الشاة (من التراب والشعر والقذى) بالقاف والذال المعجمة مقصور وأصله ما يقع في العين. قال الجوهري: أو في الشراب وكأنه شبه ما يعلق بالضرع من الأوساخ بالقذى الذي يسقط في العين أو الشراب. (قال) أبو إسحاق السبيعي (فرأيت البراء يضرب إحدى يديه على الأخرى ينفض فحلب) الراعي (في قعب) بقاف مفتوحة فعين مهملة ساكنة قدح من خشب مقعر (كثبة) بضم الكاف وسكون المثلثة وفتح الموحدة شيئًا قليلاً (من لبن) قدر حلبة (ومعي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ومعه (إداوة) بكسر الهمزة إناء من جلد فيها ماء (حملتها للنبي) لأجله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرتوي) يستقي (منها) حال كونه (يشرب ويتوضأ) مستأنفان لبيان الاعتمال في السقي (فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكرهت أن أوقظه) من نومه (فوافقته حين استيقظ) أي وافق إتياني وقت استيقاظه (فصببت من الماء) الذي في الإداوة (على اللبن) الذي في القعب (حتى برد) بفتح الراء (أسفله فقلت: اشرب يا رسول الله. قال: فشرب حتى رضيت) أي طابت نفسي لكثرة ما شرب (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي بكر: (ألم يأن للرحيل) أي ألم يأت وقت الارتحال. قال أبو بكر -رضي الله عنه- (قلت: بلى قال: فارتحلنا بعدما مالت الشمس) عن خط الاستواء وانكسرت سورة الحر (واتبعنا) بفتح العين (سراقة بن مالك) بضم السين ابن جعشم (فقلت أتينا) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (يا رسول الله فقال): (لا تحزن إن الله معنا) بالنصر (فدعا عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فارتطمت) بهمزة وصل وسكون الراء وفتح الفوقية والطاء المهملة والميم (به) بسراقة (فرسه) أي غاصبت به قوائمها (إلى بطنها أرى) بضم الهمزة أظن (في جلد) بفتح الجيم واللام صلب (من الأرض). (شك زهير) الراوي هل قال: هذه اللفظة أم لا. (فقال): سراقة (إني أراكما) بضم الهمزة أظنكما (قد دعوتما عليّ) حتى ارتطمت بي فرسي (فادعوا لي) بالخلاص (فالله لكما) مبتدأ أو خبر أي ناصركما وحافظكما حتى تبلغا مقصدكما (أن أردّ) أي ادعوا لأن أرد (عنكما الطلب) وفي نسخة فالله بالنصب. قال في المصابيح على إسقاط حرف القسم أي أقسم بالله لكما لأن أردّ عنكما أو على معنى فخذا عهد الله لكما فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه (فدعا له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنجا) من الارتطام (فجعل) أي فشرع فيما وعد من رد من لقي فكان (لا يلقى أحدًا) يطلبهما (إلا قال) له (كفيتكم) ولأبي ذر إلا قال: قد كفيتكم، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: كفيتم بضم الكاف وكسر الفاء وإسقاط الكاف الثانية (ما هنا) أي الطلب الذي هنا لأني كفيتكموه (فلا يلقى أحدًا إلاّ ردّه) بيان لسابقه (قال): أبو بكر -رضي الله عنه- (ووفى) بتخفيف الفاء سراقة (لنا) ما وعد به من رد الطلب. 3616 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ: لاَ بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَقَالَ لَهُ: لاَ بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: قُلْتَ: طَهُورٌ؟ كَلاَّ، بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ -أَوْ تَثُورُ- عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَنَعَمْ إِذًا». [الحديث 3616 - أطرافه في: 5656، 5662، 7470]. وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بضم الميم وفتح العين المهملة واللام المشددة العمي البصري قال: (حدّثنا عبد العزيز بن مختار) بالخاء المعجمة الدباغ الأنصاري قال: (حدّثنا خالد) هو ابن مهران الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل على أعرابي) قيل هو قيس بن أبي حازم كما في ربيع الأبرار للزمخشري (يعوده) جملة حالية (فقال) بالفاء في الفرع وفي اليونينية قال: (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا دخل على مريض يعوده) سقط قوله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الفرع وثبت في اليونينية (قال: لا بأس) عليك هو (طهور) لك من ذنوبك أي مطهرة (إن شاء الله) يدل على أن قوله طهور دعاء لا خبر (فقال): عليه الصلاة والسلام (له) أي للأعرابي. (لا بأس طهور إن شاء الله. قال) الأعرابي مخاطبًا له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قلت طهور كلا) ليس بطهور (بل هي حمى) وللكشميهني كما في الفتح: بل هو أي المرض حمى (تفور) بالفاء أي يظهر حرها ووهجها وغليانها (أو) قال (تثور) شك من الراوي هل قال بالفاء أو بالمثلثة ومعناهما واحد (على شيخ كبير تزيره

القبور) بضم الفوقية وكسر الزاي من أزاره إذا حمله على الزيارة. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (فنعم إًذا) بالتنوين. قال في شرح المشكاة: الفاء مرتبة على محذوف، ونعم تقرير لما قال يعني أرشدتك بقولي لا بأس عليك إلى أن الحمى تطهرك وتنقي ذنوبك فاصبروا شكرًا عليها فأبيت إلا اليأس والكفران فكان كما زعمت وما اكتفيت بذلك بل رددت نعمة الله قاله غضبًا عليه. انتهى. وزاد الطبراني من حديث شرحبيل والد عبد الرحمن أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال للأعرابي: "إذا أبيت فهي كما تقول وقضاء الله كائن" فما أمسى من الغد إلا ميتًا. قال في فتح الباري: وبهذه الزيادة يظهر دخول هذا الحديث في هذا الباب، وأخرجه الدولابي في الكنى بلفظ فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما قضى الله فهو كائن" فأصبح الأعرابي ميتًا. وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الطب وفي التوحيد، والنسائي في الطب وفي اليوم والليلة. 3617 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلاَّ مَا كَتَبْتُ لَهُ، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ، فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقُوهُ. فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ خَارِجَ القَبْرِ، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ قَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ". وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بميمين مفتوحين بينهما عين مهملة ساكنة عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج واسمه ميسرة المقعد المنقري مولاهم البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد البصري التنوري قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن صهيب البصري (عن أنس -رضي الله عنه- أنه قال: كان رجل نصرانيًّا) لم يسم وفي مسلم أنه من بني النجار (فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الوحي (فعاد نصرانيًّا) كما كان، ولمسلم من طريق ثابت عن أنس فانطلق هاربًا حتى لحق بأهل الكتاب فرفعوه (فكان يقول) لعنه الله (ما يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله) ولمسلم فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم (فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض) بفتح الفاء في الفرع، وقال السفاقسي وغيره بكسرها أي طرحته ورمته من داخل القبر إلى خارجه لتقوم الحجة على من رآه ويدل على صدقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالوا) أي أهل الكتاب (هذا) الرمي (فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم) وللإسماعيلي: لما لم يرض دينهم (نبشوا عن صاحبنا) قبره (فألقوه) خارجه (فحفروا له فأعمقوا) بالعين المهملة أبعدوا (فأصبح) ولأبي ذر فأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح (وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم) سقط لما هرب منهم لأبي ذر (فألقوه) خارج القبر (فحفروا له فأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح قد) ولأبي ذر: قد (لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس) بل من رب الناس (فألقوه) وفي رواية ثابت عند مسلم: فتركوه منبوذًا. 3618 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبة لجده واسم أبيه عبد الله المصري بالميم قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: وأخبرني) بالإفراد وهو عطف على محذوف أي أخبرني فلان وأخبرني (ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أنه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا هلك كسرى) بكسر الكاف والفتح أفصح وأنكر الزجاج الكسر محتجًا بأن النسبة إليه كسروي بالفتح وردّ بنحو قولهم في بني تغلب بكسر اللام تغلبي بفتحها فلا حجة والمعنى إذا مات كسرى أنو شروان بن هرمز وهو لقب لكل من ملك الفرس (فلا كسرى بعده) بالعراق (وإذا هلك) مات (قيصر) وهو هرقل ملك الروم (فلا قيصر بعده) بالشام قاله عليه الصلاة والسلام تطييبًا لقلوب أصحابه من قريش وتبشيرًا لهم بأن ملكهما يزول عن الإقليمين المذكورين لأنهم كانوا يأتون الشام والعراق تجارًا، فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليهما لدخولهم في الإسلام فقال لهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك قاله إمامنا الأعظم الشافعي، وقد عاش قيصر إلى زمن عمر سنة عشرين على الصحيح وبقي ملكه، وإنما ارتفع من الشام وما والاها لأنه لما أتاه كتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبله وكاد أن يسلم، وأما كسرى فمزق كتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدعا عليه أن يمزق ملكه فذهب ملكه أصلاً ورأسًا فقد وقع مصداق ذلك فلم تبق مملكتهما على الوجه

الذي كان في الزمن النبوي (و) الله (الذي نفس محمد بيده لتنفقن) بضم الفوقية وسكون النون وكسر الفاء وضم القاف (كنوزهما) مالهما المدفون أو الذي جمع وادّخر (في سبيل الله) عز وجل. وقد وقع ذلك وفي نسخة الناصرية: لتنفقن بفتح الفاء والقاف مصلحة كرفعة كنوزهما وكذا هو ثابت في غيرها من النسخ. 3619 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَفَعَهُ قَالَ: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ -وَذَكَرَ وَقَالَ-: لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة السوائي الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري (عن عبد الملك بن عمير) بضم العين مصغرًا الفرسي نسبة إلى فرس له سابق (عن جابر بن سمرة) بفتح السين المهملة وضم الميم السوائي بضم السين المهملة والمد الصحابي ابن الصحابي -رضي الله عنهما- (رفعه) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني برفعه أي الحديث إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال): (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده) بل يمزق ملكه أصلاً ورأسًا (وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده) يملك مثل ما يملك وذلك أنه كان بالشام وبها بيت المقدس الذي لا يتم للنصارى نسك إلا به ولا يملك على الروم أحد إلا كان دخله فانجلى عنها قيصر ولم يخلفه أحد من القياصرة في تلك البلاد بعده قاله الخطابي؛ وسقط لغير أبي ذر قوله: وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وللإسماعيلي من وجه آخر عن قبيصة المذكور مثل رواية الأكثرين وقال: كذا قال: ولم يذكر قيصر وقال: (وذكر) الحديث كالسابق على رواية الأكثرين ففيه حذف أي وذكر كلامًا أو حديثًا (وقال): (لتنفقن) بفتح الفاء والقاف مع ضم الفوقية (كنوزهما) رفع مفعول ناب عن فاعله ولم يضبط في اليونينية الفاء والقاف من ولتنفقن ولا زاي كنوزهما. نعم ضبط في الفرع الزاي بالرفع فقط (في سبيل الله) أي في أبواب البر والطاعات، والحديث قد مرّ في الخُمس. 3620 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: «قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ , وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ -وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِطْعَةُ جَرِيدٍ- حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ: لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ، وَإِنِّي لأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا رَأَيْتُ». [الحديث 3620 - أطرافه في: 4273، 4278، 7033، 7461]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدّثنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن عبد الله بن أبي حسين) مصغرًا ونسبه لجده واسم أبيه عبد الرحمن النوفلي أنه قال: (حدّثنا نافع بن جبير) أي ابن مطعم (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قدم مسيلمة الكذاب) بكسر اللام من اليمامة إلى المدينة النبوية (على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي زمنه ولأبوي ذر والوقت على عهد النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سنة تسع من الهجرة وهي سنة الوفود (فجعل يقول: وإن جعل لي محمد الأمر) أي النبوة والخلافة (من بعده تبعته وقدمها) أي المدينة (في بشر كثير من قومه) وذكر الواقدي أن عدد من كان معه من قومه سبعة عشر نفسًا فيحمل على تعدد القدوم (فأقبل إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تألفًا له ولقومه رجاء إسلامهم وليبلغه ما أنزل إليه (ومعه ثابت بن قيس بن شماس) بفتح المعجمة والميم المشددة وبعد الألف سين مهملة خطيبه (وفي يد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة) بكسر اللام (في أصحابه فقال) عليه الصلاة والسلام له: (لو سألتني هذه القطعة) من الجريدة (ما أعطيتكها ولن تعدو) بالعين المهملة أي لن تجاوز (أمر الله) حكمه (فيك ولئن أدبرت) عن طاعتي (ليعقرنك الله) بالقاف ليقتلنك (وإني لأراك) بفتح همزة لأراك وفي بعضها بضمها أي لأظنك (الذي أريت) بضم الهمزة وكسر الراء في منامي (فيك ما رأيت). 3621 - فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَىَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَىَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا، فَطَارَا. فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي، فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ صَاحِبَ الْيَمَامَةِ». [الحديث 3621 - أطرافه في: 4374، 4375، 4379، 7034، 7037]. قال ابن عباس -رضي الله عنهما- بالسند السابق (فأخبرني أبو هريرة) -رضي الله عنه- عن تفسير المنام المذكور (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بينما) بالميم (أنا نائم رأيت في يدي) بالتثنيه (سوار من ذهب) صفة لهما، ويجوز أن تكون من الداخلة على التمييز وفي التوضيح كما نقله العيني أن السوار لا يكون إلا من ذهب فذكر الذهب للتأكيد فإن كان من فضة فهو قلب كذا قال، وتبعه في المصابيح وعبارته: ومن ذهب صفة كاشفة لأن السوار لا يكون إلا من ذهب إلى آخره. وقال في الفتح: من لبيان الجنس كقوله تعالى: {وحلوا أساور من فضة} [الإنسان: 21] ووهم من قال: الأساور لا تكون إلا من ذهب إلى آخره. (فأهمني) فأحزنني (شأنهما) لكون الذهب من حلية النساء ومما حرّم على الرجال (فأوحي إليّ في المنام) على لسان الملك أو وحي إلهام

(أن أنفخهما) بهمزة وصل وكسر النون للتكيد وبالجزم على الأمر. وقال الطيبي: ويجوز أن تكون مفسرة لأن أوحي متضمن معنى القول، وأن تكون ناصبة والجار محذوف (فنفختهما فطارا) في ذلك إشارة إلى حقارة أمرهما لأن شأن الذي ينفخ فيذهب بالنفخ أن يكون في غاية الحقارة قاله بعضهم، ورده ابن العربي بأن أمرهما كان في غاية الشدة لم ينزل بالمسلمين قبله مثله. قال في الفتح: وهو كذلك لكن الإشارة إنما هي للحقارة المعنوية لا الحسية وفي طيرانهما إشارة إلى اضمحلال أمرهما (فأولتهما) أي السوارين (كذابين) لأن الكذب وضع الشيء في غير موضعه، ووضع سواري الذهب المنهي عن لبسه في يديه من وضع الشيء في غير موضعه إذ هما من حلية النساء، وأيضًا فالذهب مشتق من الذهاب فعلم أنه شيء يذهب عنه وتأكد ذلك بالأمر له بنفخهما فطارا، فدلّ ذلك على أنه لا يثبت لهما أمر، وأيضًا يتجه في تأويل نفخهما بأنه قتلهما بريحه لأنه لم يغزهما بنفسه، فأما العنسي فقتله فيروز الصحابي بصنعاء في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرض موته على الصحيح، وأما مسيلمة فقتله وحشي قاتل حمزة في خلافة الصديق -رضي الله عنه-. (يخرجان بعدي) استشكل بأنهما كانا في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وأجيب: بأن المراد بخروجهما بعده ظهور شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوة. نقله الإمام النووي عن العلماء. قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر لأن ذلك كله ظهر للأسود بصنعاء في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فادعى النبوة وعظمت شوكته وحارب المسلمين وفتك فيهم وغلب على البلدان وآل أمره إلى أن قتل في حياته عليه الصلاة والسلام كما مرّ، وأما مسيلمة فكان ادعى النبوة في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكن لم تعظم شوكته ولم تقع محاربته إلا في زمن الصديق، فأما أن يحمل ذلك على التغليب أو أن المراد بقوله بعدي أي بعد نبوتي. (فكان أحدهما العنسي) بفتح العين المهملة وسكون النون وكسر السين المهملة من بني عنس وهو الأسود واسمه عبلة بعين مهملة مفتوحة فموحدة ساكنة ابن كعب ويقال له: ذو الخمار بالخاء المعجمة لأنه كان يخمر وجهه (والآخر مسيلمة) بكسر اللام مصغرًا ابن ثمامة بضم المثلثة ابن كبير بموحدة ابن حبيب بن الحرث من بني حنيفة (الكذاب صاحب اليمامة) بتخفيف الميمين مدينة باليمن على أربع مراحل من مكة. قال في المفهم: مناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا أن أهل صنعاء وأهل اليمامة كانوا أسلموا كالساعدين للإسلام، فلما ظهر فيهما الكذابان وتبهرجا على أهلهما بزخرف أقوالهما ودعواهما الباطلة انخدع أكثرهم بذلك فكان اليدان بمنزلة البلدين والسواران بمنزلة الكذابين وكونهما من ذهب إشارة إلى ما زخرفاه؛ والزخرف من أسماء الذهب. وهذا الحديث أخرج أيضًا في المغازي ومسلم والترمذي والنسائي في الرؤيا. 3622 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أُرَاهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ بِأُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللَّهُ خَيْرٌ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرَ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَه، فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ». [الحديث 3622 - أطرافه في: 3987، 4081، 7035، 7041]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا حماد بن أسامة) أبو أسامة القرشي مولاهم الكوفي (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة مصغرًا (ابن أبي بريدة) بضم الموحدة وسكون الراء (عن جده أبي بردة) الحرث أو عامر (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (أراه) بضم الهمزة أظنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) والقائل أراه قال الحافظ ابن حجر هو البخاري كأنه شك هل سمع من شيخه صيغة الرفع أو لا، وقد ذكر مسلم وغيره عن أبي كريب محمد بن العلاء شيخ المؤلف فيه بالسند المذكور بدون هذه اللفظة بل جزموا برفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال): (رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فدهب وهلي) بفتح الواو والهاء وتسكن وبه جزم في النهاية وكسر اللام أي وهمي (إلى أنها اليمامة أو هجر) بفتح الهاء والجيم غير منصرف مدينة معروفة باليمن، ولأبي ذر أو الهجر بزيادة ال (فإذا هي) مبتدأ وإذا للمفاجأة (المدينة) خبره

(يثرب) بالمثلثة عطف بيان والنهي عن تسميتها بها للتنزيه أو قاله قبل النهي (ورأيت في رؤياي هذه أني هززت) بمعجمتين (سيفًا) هو سيفه ذو الفقار (فانقطع صدره) وعند أبي إسحاق: ورأيت في ذباب سيفي ثلمًا (فإذا هو) تأويله (ما أصيب من المؤمنين يوم أحُد) وذلك لأن سيف الرجل أنصاره الذين يصول بهم كما يصول بسيفه. وعند ابن هشام: حدّثني بعض أهل العلم أنه قال: وأما الثلم في السيف فهو رجل من أهل بيتي يقتل، وني رواية عروة كان الذي رأى بسيفه ما أصاب وجهه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم هززته بأخرى) ولأبي ذر: أخرى بإسقاط الموحدة (فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء الله به من الفتح) لمكة (واجتماع المؤمنين) وإصلاح حالهم (ورأيت فيها) في رؤياه (بقرًا) بالموحدة والقاف (والله) بالرفع في اليونينية فقط ورقم عليه علامة أبي ذر وصحح وكشط الخفضة تحت الهاء (خير) رفع مبتدأ وخبر وفيه حذف أي وصنع الله بالمقتولين خير لهم من مقامهم في الدنيا وفي نسخة والله بالجر على القسم لتحقيق الرؤيا، ومعنى خير بعد ذلك على التفاؤل في تأويل الرؤيا. كذا قاله في المصابيح (فإذا هم) أي البقر (المؤمنون) الدين قتلوا (يوم أُحُد). وفي مغازي أن الأسود عن عروة: بقرًا يذبح، وبهذه الزيادة يتم التأويل إذ ذبح البقر هو قتل الصحابة بأُحد، وفي حديث ابن عباس عند أبي يعلى: فأوّلت البقر الذي رأيت بقرًا يكون فينا. قال: فكان ذلك من أصيب من المسلمين، وقوله: بقرًا بفتح الموحدة وسكون القاف مصدر بقره يبقره بقرًا وهو شق البطن وهذا أحد وجوه التعبير، وهو أن يشتق من الأمر معنى يناسبه والأولى أن يكون قوله: والله خير من جملة الرؤيا وأنها كلمة سمعها عند رؤيا البقر بدليل تأويله لها بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وإذا الخير ما جاء الله من الخير) ولأبي ذر ما جاء الله به من الخير (وثواب الصدق الذي آتانا الله) بالمد أعطانا الله عز وجل (بعد يوم بدر) بنصب دال بعد وجر ميم يوم أي من فتح خيبر ثم مكة قاله في الفتح. ووقع في رواية بعد بالضم أي بعد أُحُد ونصب يوم أي ما جاءنا الله به بعد بدر الثانية من تثبيت قلوب المؤمنين. وهذا الحديث أخرجه مقطعًا في المغازي والتعبير، ومسلم في الرؤيا وكذا النسائي وابن ماجه. 3623 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: «أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَرْحَبًا يا ابْنَتِي، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ -أَوْ عَنْ شِمَالِهِ- ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ، فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَبْكِينَ؟ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ، فَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ. فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلْتُهَا. [الحديث 3623 - أطرافه في: 3625، 3715، 4433، 6285]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة الهمداني الكوفي (عن فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف سين مهملة ابن يحيى المكتب (عن عامر) ولأبي ذر زيادة الشعبي (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: أقبلت فاطمة) -رضي الله عنها- (تمشي كأن مشيتها) بكسر الميم لأن المراد الهيئة (مشي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكان إذا مشى كأنما ينحدر من صبب (فقال): لها (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مرحبًا يا ابنتي) بياء النداء في الفرع، وفي الناصرية يا حرف نداء بنتي بإسقاط الألف وعلى هامشها صوابه بابنتي بموحدة فألف وإسكان الموحدة وكذا هو في اليونينية وظاهر الفرع إلحاق ألف وزيادة نقطة تحت الموحدة (ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله) بالشك من الراوي (ثم أسرّ إليها حديثًا فبكت) قالت عائشة -رضي الله عنها-: (فقلت لها: لِمَ تبكين؟ ثم أسرّ إليها حديثًا فضحكت) قالت عائشة -رضي الله عنها- (فقلت: ما رأيت كاليوم) أي كفرح اليوم (فرحًا) بفتح الراء (أقرب من حزن) بضم الحاء المهملة وسكون الزاي، ولأبي ذر من حزن بفتحهما. قالت عائشة -رضي الله عنها- (فسألتها عما قال) عليه الصلاة والسلام لها حتى بكت وضحكت (فقالت: ما كنت لأفشي) بضم الهمزة (سرّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى قبض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) متعلق بمحذوف تقديره فلم تقل لي شيئًا حتى توفي (فسألتها) عن ذلك. 3624 - «فَقَالَتْ: أَسَرَّ إِلَىَّ إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي، فَبَكَيْتُ. فَقَالَ: أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ! أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ. فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ». [الحديث 3624 - أطرافه في: 3626، 3716، 4434، 6286]. (فقالت: أسرّ إليّ إن جبريل) بكسر همزة إن (كان يعارضني) يدارسني (القرآن كل سنة مرة، وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه) بضم الهمزة ولا أظنه (إلا حضر أجلي) فيه أنه استنبط ذلك

مما ذكره من معارضة القرآن مرتين وفي رواية عروة الجزم بأنه ميت من وجعه ذلك (وإنك أول أهل بيتي لحاقًا) بفتح اللام والحاء المهملة (فبكيت) لذلك الذي قاله من حضور أجلي وأنك أول أهل بيتي موتًا بعدي (فقال): عليه الصلاة والسلام: (أما) بتخفيف الميم (ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة) دخل فيه أخواتها وأمها وعائشة -رضي الله عنه-، قيل: وإنما سادتهن لأنهن متن في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكن في صحيفته، ومات أبوها وهو سيد العالمين فكان في صحيفتها وميزانها، وقد روى البزار عن عائشة -رضي الله عنها- أنه عليه الصلاة والسلام قال: "فاطمة خير بناتي إنها أصيبت بي فحق لمن كانت هذه حالتها أن تسود نساء أهل الجنة". وقد سئل أبو بكر بن داود من أفضل خديجة أم فاطمة؟ فقال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إن فاطمة بضعة مني فلا أعدل ببضعة من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحدًا. وحسن هذا القول السهيلي واستشهد لصحته بأن أبا لبابة حين ربط نفسه وحلف أن لا يحله إلا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاءت فاطمة لتحلّه فأبى من أجل قسمه فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنما فاطمة بضعة مني فحلّته" وهو تقرير حسن، لكن قوله لأنهن متن في حياته منتقض بأن عائشة لم تمت في حياته بل بعده في أيام معاوية بن أبي سفيان، وقد يقال أن قوله: (أو) سيدة (نساء المؤمنين) بالشك من الراوي يضعف الاستدلال بالسابق مع ما يتبادر إليه الذهن من أن المراد من لفظ المؤمنين غير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا يدخل أزواجه ودخول المتكلم في عموم كلامه مختلف فيه كما لا يخفى (فضحكت لذلك) الذي قاله وهو: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الاستئذان وفضائل القرآن ومسلم في الفضائل والنسائي في الوفاة والمناقب. 3625 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ فِي شَكْوَاهُ الَّتي قُبِضَ فِيها، فَسَارَّهَا بِشَىْءٍ فَبَكَتْ، ثُمَّ دَعَاهَا فَسَارَّهَا فَضَحِكَتْ، قَالَتْ فَسَأَلْتُهَا عَنْ ذَلِكَ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة الحجازي المدني المؤذن قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن عروة) بن الزبير بن العوّام بسكون العين (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاطمة ابنته في شكواه) أي مرضه (الذي قبض فيه) ولأبي ذر عن الكشميهني في شكواه التي قبض فيها (فسارّها بشيء فبكت ثم دعاها فسارّها فضحكت. قالت): عائشة -رضي الله عنها- (فسألتها عن ذلك) لم يقل عروة في روايته هذه ما سبق في رواية مسروق فقالت: ما كنت لأفشي سرّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخ. بل قال: بعد قوله فسألتها عن ذلك. 3626 - "فَقَالَتْ: سَارَّنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِهِ أَتْبَعُهُ فَضَحِكْتُ". (فقالت): أي فاطمة (سارّني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتشديد راء سارني (فأخبرني أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت) لذلك (ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه) بفتح الهمزة وسكون الفوقية وفتح الموحدة (فضحكت) لذلك، وقد اتفقت الروايتان على أن بكاءها لإعلامه إياها موته، وضم مسروق لذلك كونها أول أهله لحاقًا به، واختلف في سبب ضحكها ففي رواية مسروق إخباره إياها أنها سيدة نساء أهل الجنة، ورواية عروة كونها أول أهله لحاقًا به، ورجح في الفتح رواية مسروق لاشتمالها على زيادة ليست في رواية عروة وهو من الثقات الضابطين. ومطابقة الحديث للترجمة إخباره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما سيقع فوقع كما قال، فإنهم اتفقوا على أن فاطمة -رضي الله عنها- كانت أول من مات من أهل بيته المقدس بعده حتى من أزواجه -رضي الله عنهن-. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي ومسلم في فضائل فاطمة والنسائي في المناقب. 3627 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يُدْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ لَنَا أَبْنَاءً مِثْلَهُ؛ فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ، فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] فَقَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَعْلَمُ". [الحديث 3627 - أطرافه في 4294، 4430، 4969، 4970]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بعينين مهملتين مفتوحتين بينهما راء ساكنة وبعد الثانية أخرى مفتوحة ابن البرند بكسر الموحدة والراء وسكون النون بعدها دال مهملة ابن النعمان السامي بالسين المهملة القرشي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بشر) بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة جعفر بن أبي وحشية (عن سعيد بن جبير عن ابن

عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يدني) أي يقرب (ابن عباس) يريد نفسه ففيه التفات (فقال له عبد الرحمن بن عوف) الزهري لعمر (إن لنا أبناء) بالتنوين (مثله) في السن فلم تدنهم (فقال): عمر (إنه من حيث تعلم) من جهة علمه، ولأبي ذر فقال: إنه من كنت تعلم (فسأل عمر ابن عباس عن هذه الآية) {إذا جاء نصر الله والفتح} [النصر: 1] ليريهم علمه وذكاءه (فقال): ابن عباس هو (أجل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعلمه) الله (إياه فقال): عمر لابن عباس (ما أعلم منها إلا ما تعلم). قال العيني: ومطابقة هذا الحديث للترجمة في قوله أعلمه إياه أي أعلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابن عباس أن هذه السورة في أجله عليه الصلاة والسلام وهو إخبار قبل وقوعه فوقع كما قال كذا قال فليتأمل. وفي حديث جابر عند الطبراني لما نزلت هذه السورة قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "نعيت إليّ نفسي". فقال له جبريل: {وللآخرة خير لك من الأولى} [الضحى: 4]. وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي والتفسير والترمذي في التفسير وقال: حسن، وتأتي مباحثه في محالها إن شاء الله تعالى. 3628 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ الْغَسِيلِ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِمِلْحَفَةٍ قَدْ عَصَّبَ بِعِصَابَةٍ دَسْمَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَيَقِلُّ الأَنْصَارُ، حَتَّى يَكُونُوا فِي النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ شَيْئًا يَضُرُّ فِيهِ قَوْمًا وَيَنْفَعُ فِيهِ آخَرِينَ فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ. فَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة بن الغسيل) المعروف بغسيل الملائكة قال: (حدّثنا عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الحجرة إلى المسجد (في مرضه الذي مات فيه بملحفة) بكسر الميم وفتح الحاء المهملة مرتديًا بها على منكبيه (قد عصب) بتشديد الصاد المهملة في الفرع وأصله أي رأسه (بعصابة دسماء) سوداء (حتى جلس على المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال): (أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار) هو من الأخبار بالمغيبات فإن الناس كثروا وقلّ الأنصار كما قال عليه الصلاة والسلام (حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام) قال الكرماني: وجه التشبيه الإصلاح بالقليل دون الإفساد بالكثير أو كونه قليلاً بالنسبة إلى سائر أجزاء الطعام (فمن ولي منكم شيئًا يضر فيه) أي في الذي وليه (قومًا وينفع فيه آخرين فليقبل من محسنهم) الحسنة (ويتجاوز) بالجزم عطفًا على فليقبل أي فليعف (عن مسيئهم) السيئة أي في غير الحدود. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (فكان ذلك آخر مجلس جلس به) أي بالمنبر ولأبي ذر فيه (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وقد مرّ الحديث في باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد من كتاب الجمعة. 3629 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه-: «أَخْرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ الْحَسَنَ فَصَعِدَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا يحيى بن آدم) الكوفي صاحب الثوري قال: (حدّثنا حسين الجعفي) بضم الجيم وسكون العين المهملة وكسر الفاء (عن أبي موسى) إسرائيل بن موسى البصري (عن الحسن) البصري (عن أبي بكرة) بفتح الموحدة وسكون الكاف نفيع بن الحرث الثقفي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات يوم الحسن) بن علي -رضي الله عنهما- (فصعد به المنبر) بكسر عين صعد (فقال): والحسن إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى: (ابني هذا سيد) كفاه شرفًا وفضلاً تسمية سيد البشر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له سيدًا، وفيه أن ابن البنت يطلق عليه ابن ولا اعتبار يقول الشاعر: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد نعم هذا باعتبار الحقيقة والأول باعتبار المجاز. (ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين) أي طائفتين. طائفة معاوية بن أبي سفيان وطائفة الحسن، وكانت أربعين ألفًا بايعوه على الموت، وكان الحسن أحق الناس بهذا الأمر فدعاه ورعه إلى ترك الملك رغبة فيما عند الله ولم يكن ذلك لعلة ولا لقلة. وقوله: من المسلمين دليل على أنه لم يخرج أحد من الطائفتين في تلك الفتنة من قول أو فعل عن الإسلام إذ إحدى الطائفتين مصيبة والأخرى مخطئة مأجورة، وقد اختار السلف ترك الكلام

في الفتنة الأولى وقالوا: تلك دماء طهر الله منها أيدينا فلا نلوّث بها ألسنتنا. ومرّ هذا الحديث في الصلح. 3630 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَعَى جَعْفَرًا وَزَيْدًا قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ خَبَرُهُمْ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الجهضمي البصري (عن أيوب) السختياني (عن حميد بن هلال) البصري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نعى) بفتحتين (جعفرًا) هو ابن أبي طالب (وزيدًا) هو ابن حارثة أي أخبره بقتلهما (قبل أن يجيء خبرهم) أي خبر أهل مؤتة أو خبر قتل جعفر وزيد ومن قتل معهما (وعيناه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تذرفان) بالذال المعجمة وكسر الراء تسيلان بالدمع والواو في وعيناه للحال. وهذا الحديث يأتي في غزوة مؤتة إن شاء الله تعالى. 3631 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَلْ لَكُمْ مِنْ أَنْمَاطٍ؟ قُلْتُ: وَأَنَّى يَكُونُ لَنَا الأَنْمَاطُ؟ قَالَ: أَمَا وإِنَّها سَتَكُونُ لَكُمُ الأَنْمَاطُ. فَأَنَا أَقُولُ لَهَا -يَعْنِي امْرَأَتَهُ- أَخِّرِي عَنِّا أَنْمَاطَكِ، فَتَقُولُ: أَلَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمُ الأَنْمَاطُ، فَأَدَعُهَا». [الحديث 3631 - طرفه في: 5161]. وبه قال: (حدّثنى) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عمرو بن عباس) بفتح العين وسكون الميم وعباس بالموحدة والسين المهملة أبو عثمان البصري قال: (حدّثنا ابن مهدي) عبد الرحمن الأزدي البصري قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير التيمي المدني (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لجابر رضي الله عنه لما تزوج: (هل لكم من أنماط؟) بفتح الهمزة وسكون النون آخره طاء مهملة ضرب من البسط له خمل رقيق واحده نمط. قال جابر -رضي الله عنه- (قلت: وأنّى) أي ومن أين (يكون لنا الأنماط؟ قال): صلوات الله وسلامه عليه (أما) بالتخفيف (أنه سيكون) ولأبي ذر: أنها ستكون (لكم الأنماط) قال جابر -رضي الله عنه- (فأنا أقول لها يعني امرأته) سهلة بنت سعد بن أوس بن مالك الأنصارية الأوسية كما ذكره ابن سعد (أخري) بهمزة مفتوحة فخاء معجمة وراء مكسورتين (عنا أنماطك) كذا في الفرع عنا بفتحتين وفي اليونينية وغيرها عني بكسر النون فتحتية (فتقول) أي امرأته (ألم يقل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (إنها ستكون لكم الأنماط) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي استدلالها على اتخاذ الأنماط بإخباره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأنها ستكون نظر لأن الإخبار بأن الشيء سيكون لا يقتضي إباحته إلا إن استند المستدل به إلى التقرير فيقول: أخبر الشارع بأنه سيكون ولم ينه عنه فكأنه أقرّه، وفي مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزاته فأخذت نمطًا فنشرته على الباب فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهية في وجهه فجذبه حتى هتكه أو قطعه فقال: "إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين". قالت فقطعت منه وسادتين فلم يعب ذلك علي فيؤخذ منه أن الأنماط لا يكره اتخاذها لذاتها بل لما يصنع بها. قال جابر: (فأدعها) أي أترك الأنماط بحالها مفروشة، ويأتي في النكاح باب الأنماط ونحوه للنساء إن شاء الله تعالى. 3632 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا، قَالَ: فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ أَبِي صَفْوَانَ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّامِ فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: أَلا انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَغَفَلَ النَّاسُ انْطَلَقْتُ فَطُفْتُ؟ فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوفُ إِذَا أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ؟ فَقَالَ سَعْدٌ: أَنَا سَعْدٌ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: تَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ آمِنًا وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَتَلاَحَيَا بَيْنَهُمَا. فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي. ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ لأَقْطَعَنَّ مَتْجَرَكَ بِالشَّامِ. قَالَ: فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُولُ لِسَعْدٍ: لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ -وَجَعَلَ يُمْسِكُهُ- فَغَضِبَ سَعْدٌ فَقَالَ: دَعْنَا عَنْكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ. قَالَ: إِيَّاىَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ. فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمِينَ مَا قَالَ لِي أَخِي الْيَثْرِبِيُّ؟ قَالَتْ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلِي. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ. قَالَ: فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ الصَّرِيخُ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَمَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ؟ قَالَ: فَأَرَادَ أَنْ لاَ يَخْرُجَ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الْوَادِي، فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، فَسَارَ مَعَهُمْ يَوْمَيْنِ، فَقَتَلَهُ اللَّهُ". [الحديث 3632 - طرفه في: 3950]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أحمد بن إسحاق) بن الحصين السلمي السرماري قال: (حدّثنا عبد الله) بفتح العين في الفرع وبضمها مصغرًا في أصله وهو الصواب (ابن موسى) بن باذام العبسي الكوفي قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين الأزدي الكوفي أدرك الجاهلية (عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-) أنه (قال: انطلق سعد بن معاذ) الأنصاري الأشهلي من المدينة حال كونه (معتمرًا قال: فنزل) حين دخوله مكة للعمرة (على أمية بن خلف) بالتنوين (أبي صفوان) هي كنية أمية، وكان من كبار المشركين (وكان أمية إذا انطلق إلى الشام) للتجارة (فمرّ بالمدينة) طيبة لأنها طريقه (نزل على سعد) أي ابن معاذ المذكور (فقال أمية لسعد): لما قال له سعد: انظر لي ساعة خلوة لعلّي أن أطوف بالبيت (انتظر) ولأبي ذر عن الكشميهني: ألا انتظر بتخفيف اللام للاستفتاح (حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس) فطف به (انطلقت فطفت) بتاء المتكلم المضمومة في الفرع وغيره من الأصول المعتمدة التي وقفت عليها أي قال سعد: فلما غفل الناس

انطلقت فطفت، وقال العيني: بالتاء المفتوحة فيهما لأنه خطاب أمية لسعد (فبينا) بغير ميم (سعد يطوف إذا أبو جهل فقال: من هذا الذي يطوف بالكعبة؟ فقال سعد): له (أنا سعد، فقال أبو جهل: تطوف بالكعبة) حال كونك (آمنًا وقد آويتم محمدًا وأصحابه) بمد همزة آويتم وقصرها وفي رواية إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق السبيعي في أول المغازي وقد آويتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالمًا (فقال): سعد له (نعم) آويناهم (فتلاحيا) بالحاء المهملة أي تخاصم سعد وأبو جهل وتنازعا (بينهما فقال أمية لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم) بفتحتين يريد أبا جهل اللعين (فإنه سيد أهل الوادي) مكة (ثم قال: سعد) لأبي جهل (والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك بالشام) وفي رواية إبراهيم بن يوسف المذكور: والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك على المدينة (قال: فجعل أمية يقول لسعد: لا ترفع صوتك) أي على أبي الحكم (وجعل يمسكه فغضب سعد) من أمية (فقال): سعد لأمية (دعنا عنك) أي اترك محاماتك لأبي جهل (فإني سمعت محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يزعم أنه قاتلك) الخطاب لأمية. وقال الكرماني: وتبعه البرماوي أن الضمير لأبي جهل أي أن أبا جهل يقتل أمية، واستشكل بكون أبي جهل على دين أمية فكيف يقتله؟ وأجاب الكرماني وتبعه البرماوي: بأن أبا جهل كان السبب في خروج أمية إلى بدر حتى قتل فكأنه قتله إذ القتل كما يكون مباشرة قد يكون تسببًا. قال في الفتح: وهو فهم عجيب، وإنما أراد سعد أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقتل أمية، ويرد قول الكرماني ما في رواية إبراهيم بن يوسف المذكور في أول المغازي أن أمية لما رجع إلى امرأته قال: يا أم صفوان ألم تري ما قال لي سعد؟ قالت: وما قال؟ قال: زعم أن محمدًا أخبرهم أنه قاتلي ولم يتقدم في كلامه لأبي جهل ذكر. (قال): أمية (إياي) يقتل (قال): سعد (نعم) إياك (قال): أمية (والله ما يكذب محمد إذا حدث) قاله لأنه كان موصوفًا عندهم بالصدق (فرجع) أمية (إلى امرأته) صفية بنت معمر (فقال): لها (أما) بتخفيف الميم (تعلمين ما قال لي أخي اليثربي) بالمثلثة نسبة إلى يثرب وهو اسم طيبة قبل الإسلام، وذكره بالأخوّة باعتبار ما كان بينهما من المؤاخاة في الجاهلية (قالت): صفية امرأته (وما قال): لك (قال: زعم أنه سمع محمدًا يزعم أنه قاتلي. قالت: فوالله ما يكذب محمد) بل هو الصادق المصدوق (قال: فلما خرجوا) أي أهل مكة (إلى بدر وجاء الصريخ) بالصاد المهملة المفتوحة آخره معجمة فعيل من الصراخ وهو صوت لمستصرخ أي المستغيث. قال الزركشي كالسفاقسي فيه تقديم وتأخير لأن الصريخ جاءهم فخرجوا إلى بدر. قال الدماميني: هذا بناء على أن الواو للترتيب وهو خلاف مذهب الجمهور ولو سلم فلا نسلم أن الواو للعطف، وإنما هي للحال وقد مقدرة أي فلما خرجوا في حال مجيء الصريخ لهم فلا تقديم ولا تأخير. وعند ابن إسحاق أن الصارخ ضمضم بن عمرو الغفاري وأنه لما وصل إلى مكة جاع بعيره وحول رحله وشق قميصه وصرخ يا معشر قريش أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد الغوث الغوث. (قالت له): لأمية (امرأته أما) بالتخفيف (ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي؟) سعد (قال: فأراد) أمية (أن لا يخرج) معهم إلى بدر خوفًا مما قاله سعد (فقال له أبو جهل: إنك من أشراف الوادي) أي مكة، وفي رواية إبراهيم بن يوسف المذكورة فأتاه أبو جهل فقال: يا أبا صفوان إنك متى يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك. (فسر يومًا أو يومين) أي ثم ارجع إلى مكة (فسار معهم يومين) كذا في الفرع ونسخة البرزالي بإثبات يومين بعد فسار معهم وسقطت من اليونينية وفرعها آقبغا والناصرية وغيرها فلم يزل على ذلك حتى وصل المقصد (فقتله الله) ببدر في وقعتها كما سيأتي بيان ذلك في محله إن شاء الله تعالى. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في باب ذكر

النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من يقتل ببدر. 3633 - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ فِي صَعِيدٍ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي بَعْضِ نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ بِيَدِهِ غَرْبًا. فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا فِي النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ». وَقَالَ هَمَّامٌ: سمعتُ أَبا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَنَزَعَ أَبُو بَكْرٍ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ». [الحديث 3633 - أطرافه في: 3676، 3682، 7019، 7020]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الرحمن بن شيبة) هر عبد الرحمن بن عبد الملك بن محمد بن شيبة أبو بكر الحزامي بالحاء المهملة المكسورة والزاي القرشي مولاهم قال: (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: أخبرنا بالخاء المعجمة والجمع في الفرع، وفي اليونينية أخبرني بالإفراد (عبد الرحمن بن المغيرة) ولأبي ذر مغيرة بدون أل (عن أبيه) المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله الحزامي (عن موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (عن سالم بن عبد الله عن) أبيه (عبد الله) بن عمر بن الخطاب (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (رأيت الناس) في المنام (مجتمعين في صعيد فقام أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- وفي رواية أبي بكر بن سالم عن سالم في باب مناقب عمر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "رأيت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب فجاء أبو بكر" (فنزع) بنون فزاي فعين مهملة مفتوحات أخرج الماء من البئر للاستقاء (ذنوبًا) بفتح الذال المعجمة دلوًا مملوءًا الماء (أو ذنوبين) بالشك للأكثر وفي رواية همام في التعبير ذنوبين من غير شك (وفي بعض نزعه) أي استقائه (ضعف) بسكون العين وضم الفاء منوّنة في الفرع والذي في أصله ضعف بضم العين وفتح الفاء (والله يغفر له) أي أنه على مهل ورفق وليس فيه حط من فضيلته، بل هو إشارة إلى ما فتح في زمانه من الفتوح وكانت قليلة لاشتغاله بقتال أهل الردّة مع قصر مدّة خلافته وقول من قال: وإن المراد الإشارة إلى مدة خلافته. قال الحافظ ابن حجر: فيه نظر لأنه ولي سنتين وبعض سنة فلو كان ذلك المراد لقال ذنوبين أو ثلاثة ويؤيده ما وقع في حديث ابن مسعود في نحو هذه القصة فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فاعبرها يا أبا بكر" فقال: ألي الأمر من بعدك ثم يليه عمر قال: كذلك عبرها الملك. أخرجه الطبراني لكن في إسناده أيوب بن جابر وهو ضعيف. (ثم أخذها) أي الذنوب (عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (فاستحالت) أي انقلبت (بيده غربًا) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة دلوًا عظيمًا أكبر من الذنوب، وفيه إشارة إلى عظم الفتوح التي كانت في زمنه -رضي الله عنه- وكثرتها وكان كذلك ففتح الله تعالى عليه من البلاد والأموال والغنائم ومصّر الأمصار ودوّن الدواوين لطول مدته. (فلم أر عبقريًا) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح القاف وكسر الراء وتشديد التحتية يعمل عمله ويقوى قوته (حتى ضرب الناس بعطن) بفتح العين والطاء المهملتين آخره نون مناخ الإبل إذا صدرت عن الماء والعطن للإبل كالوطن للناس، لكن غلب على مبركها حول الحوض. وقال الأنباري: معناه حتى رووا وأرووا إبلهم وأبركوها وضروا لها عطنًا أي لتشرب عللاً بعد نهل وتستريح فيه. وقال القاضي عياض: ظاهر هذا الحديث أنه عائد إلى خلافة عمر، وقيل يعود إلى خلافتهما معًا لأن أبا بكر جمع شمل المسلمين أوّلاً بدفع أهل الردّة وابتدأ الفتوح في زمنه، ثم عهد إلى عمر فكثرت في خلافته الفتوح واتسع أمر الإسلام واستقرت قواعده. (وقال همام): هو ابن منبه مما وصله في التعبير من هذا الوجه ومن غيره (عن أبي هريرة) ولأبوى ذر والوقت: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (فنزع أبو بكر ذنوبين) ولأبي ذر: ذنوبًا أو ذنوبين، وبقية المباحث تأتي إن شاء الله تعالى في محالها. 3634 - حَدَّثَنا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَجَعَلَ يُحَدِّثُ ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأُمِّ سَلَمَةَ: مَنْ هَذَا -أَوْ كَمَا قَالَ- قَالَتْ: هَذَا دِحْيَةُ. قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: أيْمُ اللَّهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلاَّ إِيَّاهُ، حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخْبِرُ جِبْرِيلَ، أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: فَقُلْتُ لأَبِي عُثْمَانَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ». [الحديث 3634 - طرفه في: 4980]. وبه قال: (حدّثنى) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عباس بن الوليد) بالموحدة آخره سين مهملة ابن نصر (النرسي) بنون مفتوحة فراء ساكنة فسين مهملة مكسورة قال: (حدّثنا معتمر قال: سمعت أبي) سليمان بن طرخان التابعي التيمي قال: (حدّثنا أبو عثمان) عبد الرحمن النهدي بالنون المفتوحة والهاء الساكنة (قال: أُنبئت) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول أي أخبرت (أن جبريل عليه السلام) وهذا مرسل لكن في آخره أنه سمعه من أسامة فصار مسندًا

26 - باب قول الله تعالى: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} [البقرة: 146].

متصلاً (أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعنده) أم المؤمنين (أم سلمة) هند بنت أبي أمية والجملة حالية (فجعل) عليه الصلاة والسلام (يحدث) رجلاً عنده (ثم قام) الرجل (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأم سلمة) يستفهمها عن الذي كان يحدثه هل عرفت أنه ملك أم لا؟. (من هذا) يستفهم (أو كما قال): شك الراوي في اللفظ مع بقاء المعنى (قال): أبو عثمان (قالت): أم سلمة (هذا دحية) بن خليفة الكلبي وكان جبريل عليه السلام يأتي كثيرًا في صورته (قالت أم سلمة: أيم الله) بهمزة قطع من غير واو (ما حسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخبر) بضم التحتية بصيغة المضارع من أخبر أي (عن جبريل) وفي نسخة بخبر جبريل بالموحدة وفتح الخاء وفي فضائل القرآن يخبر فعلاً مضارعًا خبر جبريل (أو كما قال). قال في الفتح: ولم أقف في شيء من الروايات على بيان هذا الخبر في أي قصة، ويحتمل أن يكون في قصة بني قريظة فقد وقع في الدلائل للبيهقي عن عائشة أنها رأت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكلم رجلاً وهو راكب فلما دخل قلت: من هذا الرجل الذي كنت تكلمه؟ قال: "بمن تشبهينه"؟ قلت: بدحية بن خليفة. قال: "ذاك جبريل أمرني أن أمضي إلى بني قريظة" انتهى فليتأمل. (قال): سليمان بن طرخان (فقلت لأبي عثمان) عبد الرحمن النهدي (ممن سمعت هذا)؟ الحديث (قال): سمعته (من أسامة بن زيد) حِب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضائل القرآن ومسلم في فضائل أم سلمة -رضي الله عنها-. (بسم الله الرحمن الرحيم). سقطت البسملة لأبي ذر. 26 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146]. (باب قول الله تعالى: {يعرفونه}) خبر المبتدأ الذي هو الذين آتيناهم الكتاب والضمير يعود على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي يعرفونه معرفة جلية ({كما يعرفون أبناءهم}) أي كمعرفتهم أبناءهم لا يلتبسون عليهم بغيرهم وجاز الإضمار وإن لم يسبق له ذكر لأن الكلام يدل عليه ولا يلتبس على السامع ومثل هذا الإضمار فيه تفخيم وإشعار بأنه لشهرته معلوم بغير إعلام وكاف كما نصب لمصدر محذوف أي معرفة كائنة مثل معرفة أبنانهم ({وإن فريقًا منهم}) من أهل الكتاب ({ليكتمون الحق}) محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({وهم يعلمون}) [البقرة: 146]. جملة اسمية في موضع نصب على الحال من فاعل يكتمون، وهذا ظاهر في أن كفرهم كان عنادًا، وسقط لأبي ذر: وأن فريقًا إلى آخره. 3635 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: «أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟ فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: كَذَبْتُمْ، إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ. فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفَعَ يَدَهُ، فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ؛ فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ. فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُجِمَا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الدمشقي الأصل قال: (أخبرنا مالك بن أنس) الإمام الأعظم الأصبحي رحمه الله، وسقط لأبي ذر ابن أنس (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكروا له أن رجلاً منهم) من اليهود لم يسم (وامرأة) منهم أيضًا (زنيا) واسم المرأة بسرة بضم الموحدة وسكون السين المهملة وذكر أبو داود السبب في ذلك من طريق الزهري: سمعت رجلاً من مزينة ممن يتبع العلم. وكان عند سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة قال: زنى رجل من اليهود بامرأة فقال بعضهم لبعض: اذهبو إلى هذا النبي فإنه بعث بالتخفيف فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله عز وجل وقلنا: فتيا نبي من أنبيائك. قال: فأتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا؟ (فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): ليلزمهم ما يعتقدون في كتابهم: (ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟) في حكمه ولعله أوحي إليه أن حكم الرجم فيها ثابت على ما شرع لم يلحقه تبديل (فقالوا: نفضحهم) بفتح النون والضاد المعجمة بينهما فاء ساكنة من الفضيحة أي نكشف مساويهم للناس ونبينها (ويجلدون) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول (فقال عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام الخزرجي من بني يوسف بن يعقوب عليهما السلام وشهد له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجنة. (كذبتم إن فيها الرجم) أي على الزاني المحصن، ولأبي ذر: للرجم بلام الابتداء (فأتوا بالتوراة) بفتح الهمزة والفوقية (فنشروها

27 - باب سؤال المشركين أن يريهم النبي -صلى الله عليه وسلم- آية، فأراهم انشقاق القمر

فوضع أحدهم) هو عبد الله بن صوريا الأعور (يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم فقالوا): أي اليهود (صدق) ابن سلام (يا محمد فيها) في التوراة (آية الرجم فأمر بهما) بالزانيين (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرجما) وفي حديث جابر عند أبي داود فدعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالشهود فجاء أربعة، فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل المرود في المكحلة فأمر بهما فرجما. (قال عبد الله) بن عمر بنِ الخطاب (فرأيت الرجل يجنأ) بالجيم الساكنة والهمزة آخره أي يكب، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يحني بالحاء المهملة وكسر النون من غير همز أي يعطف (على المرأة يقيها الحجارة) ومباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في الحدود بعون الله وقوته. وقد أخرجه في المحاربين ومسلم في الحدود وكذا الترمذي وأخرجه النسائي في الرجم. 27 - باب سُؤَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُرِيَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آيَةً، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ (باب سؤال المشركين أن يريهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آية) أي معجزة خارقة للعادة (فأراهم انشقاق القمر). 3636 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شِقَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اشْهَدُوا». [الحديث 3636 - أطرافه في: 3869، 3871، 4864، 4865]. وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (ابن عيينة) سفيان (عن ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة ساكنة عبد الله بن سخبرة الكوفي (عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-) أنه (قال: انشق القمر على عهد رسول الله) ولأبوي ذر والوقت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي زمنه وفي أيامه (شقتين) بكسر الشين وتفتح أي نصفين، وزاد أبو نعيم في الدلائل من طريق عتبة بن عبد الله قال ابن مسعود: فلقد رأيت أحد شقيه على الجبل الذي بمنى ونحن بمكة (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اشهدوا) من الشهادة وإنما قال ذلك لأنها معجزة عظيمة لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير ومسلم في التوبة والترمذي في التفسير وكذا النسائي. 3637 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ح. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ: "أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ". [الحديث 3637 - أطرافه في: 3868، 4867، 4868]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا يونس) بن محمد المؤدب قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) وسقط لأبي ذر ابن مالك وسقط الترضي أيضًا في اليونينية. قال المؤلّف: (ح). (وقال لي خليفة) بن خياط (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء البصري قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) زاد في اليونينية ابن مالك -رضي الله عنه- (أنه حدثهم أن أهل مكة سألوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر) زاد في رواية له في الصحيحين شقين حتى رأوا حراء بينهما وأنس لم يحضر ذلك لأنه كان ابن أربع سنين أو خمس بالمدينة. 3638 - حَدَّثَنا خَلَفُ بْنُ خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ الْقَمَرَ انْشَقَّ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 3638 - طرفاه في: 3870، 4866]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (خلف بن خالد القرشي) مولاهم أبو المهنا أو أبو المضاء قال: (حدّثنا بكر بن مضر) بميم مضمومة فضاد معجمة مفتوحة فراء القرشي (عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل ابن حسنة القرشي (عن عراك بن مالك) بكسر العين وتخفيف الراء وبعد الألف كاف الغفاري المدني (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن عبد الله) بن عتبة (بن مسعود) أحد الفقهاء السبعة (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن القمر انشق) وفي رواية عن ابن عباس عند أبي نعيم في الدلائل والفضائل فصار قمرين (في زمان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وابن عباس أيضًا لم يحضر ذلك لأنه كان بمكة قبل الهجرة بنحو خمس سنين، وكان ابن عباس إذ ذاك لم يولد لكن في بعض الطرق أنه حمل الحديث عن ابن مسعود، وانشقاق القمر من أمهات المعجزات وأجمع عليه المفسرون وأهل السُّنّة وروي عن جماعة كثيرة من الصحابة. 28 - باب 3639 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَمَعَهُمَا مِثْلُ الْمِصْبَاحَيْنِ يُضِيئانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا وفي نسخة وهي التي في اليونينية باب التنوين من غير ترجمة حدّثنا (محمد

بن المثنى) العنزي قال: (حدّثنا معاذ قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) هشام بن عبد الله الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا أنس) ولأبي ذر: عن أنس (-رضي الله عنه- أن رجلين) أسيد بن الحضير وعباد بن بشر (من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرجا من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ليلة مظلمة) بكسر اللام (ومعهما مثل المصباحين يضيئان بين أيديهما) إكرامًا لهما وإظهارًا لسر قوله: بشر المشائين في الظلم للمساجد بالنور التام يوم القيامة فعجل لهما مما ادّخر في الآخرة (فلما افترقا صار مع كل واحد منهما) نور (واحد) يضيء له (حتى أتى أهله). وعند عبد الرزاق في مصنفه أن أسيد بن حضير ورجلاً من الأنصار تحدثا عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى ذهب من الليل ساعة في ليلة شديدة الظلمة، ثم خرجا وفي يد كل واحد منهما عصبة فأضاءت عصا أحدهما حتى مشيا في ضوئها حتى إذا افترقت بهما الطريق أضاءت عصا الآخر فمشى كل واحد منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله. وأخرج البخاري في تاريخه عن حمزة الأسلمي قال: كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر فتفرقنا في ليلة ظلماء فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم وما هلك منهم وأن أصابعي لتنير، ويأتي مزيد لما ذكرته هنا في مناقب أسيد وعباد إن شاء الله تعالى بعونه وقوته. 3640 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَزَالُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ». [الحديث 3640 - طرفاه في: 7311، 7459]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود واسم أبي الأسود حميد بن أبي الأسود البصري وهو ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد البجلي أنه قال: (حدّثنا قيس) هو ابن أبي حازم قال: (سمعت المغيرة بن شعبة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يزال) بالمثناة التحتية (ناس من أمتي ظاهرين) زاد مسلم عن ثوبان على الحق، وله أيضًا من حديث جابر: يقاتلون على الحق ظاهرين (حتى يأتيهم أمر الله) وفي حديث جابر بن سمرة عند مسلم حتى تأتيهم الساعة (وهم ظاهرون) أي غالبون من خالفهم. وقال النووي: أمر الله هو الريح الذي يأتي فيأخذ روح كل مؤمن ومؤمنة. واستدل به أكثر الحنابلة وبعض من غيرهم على أنه لا يجوز خلوّ الزمان عن المجتهد، وعورض بحديث ابن عمر المروي في البخاري وغيره مرفوعًا: إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاهموه انتزاعًا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون، إذ فيه دلالة على جواز خلوّ الزمان عن مجتهد وهو قول الجمهور لأنه صريح في رفع العلم بقبض العلماء وترئيس الجهال، وإذا انتفى العلم ومن يحكم به استلزم انتفاء الاجتهاد والمجتهد. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الاعتصام والتوحيد ومسلم في الجهاد. 3641 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ». قَالَ عُمَيْرٌ: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: قَالَ مُعَاذٌ: «وَهُمْ بِالشَّأْمِ». فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: «وَهُمْ بِالشَّامِ». وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا الوليد) بن مسلم القرشي (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن جابر) هو عبد الرحمن بن يزيد بن جار الأزدي (قال: حدّثني) بالإفراد (عمير بن هانئ) بضم العين مصغرًا وهانئ بالنون بعد الألف آخره همزة الشامي (أنه سمع معاوية) بن أبي سفيان (يقول: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله) قال التوربشتي: الأمة القائمة بأمر الله وإن اختلف فيها فإن القصد بها الفئة المرابطة في ثغور الشام نصر الله بهم وجه الإسلام لما في قوله بعد وهم بالشام (لا يضرهم) كل الضرر (من خذلهم) بالذال المعجمة (ولا من خالفهم) إذ العاقبة للمتقين (حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك). وفي حديث عقبة بن عامر: لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة. (قال عمير): أي ابن هانئ بالسند السابق (فقال مالك بن يخامر): بضم التحتية وفتح المعجمة المخففة وكسر الميم بعدها راء السكسكي الحمصي التابعي الكبير (قال معاذ): هو ابن جبل (وهم) أي الأمة القائمة

بأمر الله مقيمون (بالشام. فقال معاوية) بن أبي سفيان (هذا مالك) يعني ابن يخامر (يزعم أنه سمع معاذًا يقول: وهم بالشام) وفي حديث أبي هريرة في الأوسط للطبراني: يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله لا يضرهم من خذلهم ظاهرين إلى يوم القيامة. وحديث الباب أخرجه أيضًا في التوحيد ومسلم في الجهاد. 3642 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا شَبِيبُ بْنُ غَرْقَدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَيَّ يُحَدِّثُونَ عَنْ عُرْوَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ". قَالَ سُفْيَانُ كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ جَاءَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ قَالَ: سَمِعَهُ شَبِيبٌ مِنْ عُرْوَةَ، فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ شَبِيبٌ: إِنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ عُرْوَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَيَّ يُخْبِرُونَهُ عَنْهُ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا) والذي في اليونينية أخبرنا (سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا شبيب بن غرقدة) بفتح الشين المعجمة وكسر الموحدة الأولى وسكون التحتية وغرقدة بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وفتح القاف والدال المهملة السلمي الكوفي أحد التابعين (قال: سمعت الحي) بالحاء المهملة المفتوحة والتحتية المشددة أي القبيلة التي أنا فيها وهم البارقيون نسبوا إلى بارق جبل باليمن نزله بنو سعد بن عدي بن حارثة فنسبوا إليه ومقتضاه أنه سمعه من جماعة أقلهم ثلاثة (يحدّثون) ولأبي ذر: يتحدثون بفتح التحتية فزيادة فوقية وفتح الدال (عن عروة) بن الجعد ويقال: ابن أبي الجعد. وقيل اسم أبيه عياض البارقي بالموحدة والقاف الصحابي الكوفي وهو أول قاض بها. وقال الحافظ أبو ذر مما في هامش اليونينية عروة هو البارقي -رضي الله عنه-. (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاه دينارًا يشتري له به شاة فاشترى له به) بالدينار (شاتين) ولأحمد من رواية أبي لبيد عن عروة قال: عرض للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جلب فأعطاني دينارًا فقال: أي عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاة قال: فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت منه شاتين بدينار (فباع أحدهما) أي إحدى الشاتين (بدينار وجاءه) ولأبوي ذر والوقت فجاءه بالفاء بدل الواو (بدينار وشاة فدعا) عليه الصلاة والسلام (له بالبركة في بيعه) في رواية أحمد فقال: اللهم بارك له في صفقته (وكان لو اشترى التراب لربح فيه) ولأحمد قال: فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة فأربح أربعين ألفًا قبل أن أصل إلى أهلي. (قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (كان الحسن بن عمارة) بضم العين وتخفيف الميم البجلي مولاهم الكوفي قاضي بغداد في زمن المنصور ثاني خلفاء بني العباس وهو أحد الفقهاء المتفق على ضعف حديثهم، وفي التهذيب قال محمود بن غيلان عن أبي داود الطيالسي، قال شعبة: أتيت جرير بن حازم فقلت له: لا يحل لك أن تروي عن الحسن بن عمارة فإنه يكذب، وقال علي بن الحسن بن شقيق قلت لابن المبارك: لِمَ تركت أحاديث الحسن بن عمارة؟ قال: جرَّحه عندي سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج فبقولهما تركت حديثه. وقال أحمد بن حنبل: منكر الحديث وأحاديثه موضوعة لا يثبت حديثه. وقال ابن حبان: كان يدلس على الثقات ما سمعه من الضعفاء عنهم. وبالجملة فهو متروك لكن ليس له في البخاري إلا هذا الموضع. (جاءنا بهذا الحديث) المذكور (عنه) أي عن شبيب بن غرقدة. (قال): أي الحسن بن عمارة المذكور (سمعه) أي الحديث (شبيب من عروة) البارقي قال سفيان بن عيينة (فأتيته) أي شبيبًا (فقال شبيب: إني لم أسمعه) أي الحديث (من عروة) البارقي بل (قال) أي شبيب (سمعت الحي) البارقين (يخبرونه) أي بالحديث (عنه) أي عن عروة. وتمسك بهذا الحديث من جوّز بيع الفضولي ووجه الدلالة منه كما قال ابن الرفعة: أنه باع الشاة الثانية من غير إذن وأقره عليه الصلاة والسلام على ذلك وهو مذهب مالك في المشهور عنه وأبي حنيفة وبه قال الشافعي في القديم، فينعقد البيع وهو موقوف على إجازة المالك فإن أجازه نفذ وإن ردّه لغا. وممن حكى هذا القول من العراقيين المحاملي في اللباب وعلق الشافعي في البويطي صحته على صحة الحديث فقال في آخر باب الغصب: إن صح حديث عروة البارقي فكل من باع أو أعتق ملك غيره بغير إذنه ثم رضي فالبيع والعتق جائزان هذا لفظه. ونقل البيهقي أنه علقه أيضًا على صحته في الأم، والمذهب أنه باطل وهو الجديد الذي لا يعرف العراقيون

غيره على ما حكاه الإمام ومن تابعه لحديث حكيم بن حزام لا تبع ما ليس عندك، وحديث واثلة بن عامر لا تبع ما لا تملك، وأجابوا عن حديث الباب على تقدير صحته باحتمال أن يكون عروة وكيلاً في البيع والشراء معًا وبأن البخاري أشار بقوله قال سفيان: كان الحسن إلى آخره إلى بيان ضعف روايته أي الحسن وأن شبيبًا لم يسمع الحديث من عروة وإنما سمعه من الحي البارقيين ولم يسمهم عن عروة، فالحديث بهذا ضعيف للجهل بحالهم. وأجيب: بأن شبيبًا لا يروي إلاّ عن عدل فلا بأس به، وبأنه أراد نقله بوجه آكد إذ فيه إشعار بأنه لم يسمع من رجل قطٌّ بل من جماعة متعددة ربما يفيد خبرهم القطع به، وأما الحسن بن عمارة وإن كان متروكًا فإنه ما أثبت شيئًا بقوله من هذا الحديث، وبأن الحديث قد وجد له متابع عند الإمام أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه من طريق سعيد بن زيد عن الزبير بن الخريت بكسر المعجمة وتشديد الراء المكسورة وبعدها تحتية ساكنة ثم فوقية عن أبي لبيد واسمه لمازة بكسر اللام وتخفيف الميم وبالزاي ابن زباز بفتح الزاي وتشديد الموحدة آخره زاي الأزدي الصدوق قال: حدثني عروة البارقي فذكر الحديث بمعناه. 3643 - حَدَّثَنَا وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْخَيْلِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُ فِي دَارِهِ سَبْعِينَ فَرَسًا. قَالَ سُفْيَانُ: «يَشْتَرِي لَهُ شَاةً كَأَنَّهَا أُضْحِيَّةٌ». (ولكن) أي قال شبيب بن غرقدة: لم أسمع الحديث السابق من عروة البارقي ولكن (سمعته يقول سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (الخير معقود) أي لازم (بنواصي الخيل) المغازية في سبيل الله (إلى يوم القيامة) وفيه تفضيل الخيل على سائر الدواب (قال): أي شبيب بالسند السابق (وقد رأيت في داره) أي دار عروة (سبعين فرسًا. قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (يشتري) بفتح أوله وكسر الراء أي عروة البارقي (له) أي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (شاة كأنها أضحية) والظاهر أن قوله كأنها أضحية من قول سفيان أدرجه فيه وكذا قال في الفتح، ولم أر في شيء من طرق الحديث أنه أراد أضحية، وقد بالغ أبو الحسن بن القطان في كتاب بيان الوهم في الإنكار على من زعم أن البخاري أخرج حديث شراء الشاة محتجًا به وقال: إنما أخرج حديث الخيل وانجر به سياق القصة إلى تخريج حديث الشاة. قال في الفتح: وهو كما قال لكن ليس في ذلك ما يمنع تخريجه ولا ما يحطه عن شرطه لأن الحي يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب لا سيما وقد ورد ما يعضده ولأن الغرض منه الذي يدخل في علامات النبوة دعاؤه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعروة فاستجيب له حتى كان لو اشترى التراب لربح فيه. وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي في البيوع وابن ماجه في الأحكام. 3644 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الخيل في نواصيها) ولأبي ذر: معقود في نواصيها (الخير). قال الخطابي: كنّى بالناصية عن جميع ذات الفرس يقال فلان مبارك الناصية ومبارك الغرة أي الذات (إلى يوم القيامة). قال القاضي عياض: فيه من البلاغة والعذوبة ما لا مزيد عليه في الحسن مع الجناس بين الخيل والخير. وسبق هذا الحديث في الجهاد. 3645 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَس بن مالكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ». وبه قال: (حدّثنا قيس بن حفص) الدارمي البصري قال: (حدّثنا خالد بن الحرث) الهجيمي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي التياح) بفتح الفوقية والتحتية المشددة آخره حاء مهملة اسمه يزيد بن حميد أنه (قال: سمعت أنسًا) ولأبي ذر: أنس بن مالك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الخيل معقود في نواصيها الخير) لم يقل إلى يوم القيامة. وهذا الحديث رواه في الجهاد من طريق مسدّد عن يحيى عن شعبة عن أبي التياح بلفظ: البركة في نواصي الخيل. 3646 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ. فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ، فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا مِنَ الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ أَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهْرٍ فَشَرِبَتْ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ حَسَنَاتٍ. وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَسِتْرًا وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَظُهُورِهَا، فَهِيَ لَهُ كَذَلِكَ سِتْرٌ. وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لأَهْلِ الإِسْلاَمِ فَهْيَ وِزْرٌ. وَسُئِلَ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْحُمُرِ فَقَالَ: مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا إِلاَّ هَذِهِ الآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) العدوي (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الخيل لثلاثة لرجل أجر ولرجل

ستر وعلى رجل وزر) إثم (فأما) الرجل (الذي) هي (له أجر فرجل ربطها) للجهاد (في سبيل الله) عز وجل (فأطال لها) في الحبل الذي ربطها به حتى تسرح للرعي (في مرج) بفتح الميم وسكون الراء بعدها جيم أي موضع كلأ (أو روضة) بالشك (وما) بالواو ولأبي ذر: فما (أصابت) من أكل أو شرب أو مشي (في طيلها) بكسر الطاء المهملة وفتح التحتية أي حبلها المربوط فيه (من المرج أو الروضة كانت له) أي لصاحبها (حسنات) يوم القيامة (ولو أنها قطعت طيلها) حبلها المذكور (فاستنت) بفتح الفوقية وتشديد النون عدت بمرج ونشاط (شرفًا أو شرفين) بفتح الشين المعجمة والراء والفاء فيهما أي شوطًا أو شوطين فبعدت عن الموضع الذي ربطها صاحبها فيه ترعى ورعت في غيره (كانت أرواثها) بالمثلثة (حسنات له) أي لصاحبها في الآخرة (ولو أنها مرت بنهر فشربت) أي منه بغير قصده (ولم يرد أن يسقيها كان ذلك) الشرب وعدم الإرادة (له حسنات و) أما الذي هي له ستر فهو (رجل ربطها تغنيّا) بفتح الغين المعجمة وتشديد النون المكسورة أي استغناء عن الناس (وتسترًا) بفوقية مفتوحة قبل المهملة في الفرع وغيره وفي اليونينية وغيرها وسترًا بإسقاط الفوقية (وتعففًا) عن سؤالهم (لم) ولأبي ذر ولم (ينس حق الله في رقابها) بأن يؤدي زكاة تجارتها (وظهورها) بأن يركب عليها في سبيل الله (فهي له كذلك ستر) تقيه من الفاقة (و) أما الذي هي عليه وزر فهو (رجل ربطها فخرًا) لأجل الفخر (ورياء) أي إظهارًا للطاعة والباطن بخلافه (ونواء) بكسر النون وفتح الواو ممدودًا أي عداوة (لأهل الإسلام فهي) عليه (وزر) أي له. (وسئل النبي) ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الحمر) هل لها حكم الخيل؟ (فقال: ما أنزل) وفي اليونينية بغير عزو ما أنزل الله (عليّ فيها إلا هذه الآية الجامعة) لكل خير وشر (الفاذة) بالفاء والذال المعجمة المشددة أي القليلة المثل المنفردة في معناها. ({فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره}) [الزلزلة: 7 - 8]. وهذا الحديث قد مرّ في الجهاد. 3647 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: «صَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ بُكْرَةً وَقَدْ خَرَجُوا بِالْمَسَاحِي، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، وَأَحَالُوا إِلَى الْحِصْنِ يَسْعَوْنَ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين أنه قال: (سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: صبح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتشديد الموحدة بعد الصاد المهملة (خيبر بكرة وقد خرجوا بالمساحي فلما رأوه قالوا: محمد والخميس) أي الجيش وسمي به لأنه خمسة أقسام الميمنة والميسرة والمقدمة والساقة والقلب (وأحالوا) بالحاء المهملة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فأجالوا بالفاء بدل الواو وبالجيم بدل الحاء (إلى الحصن) أي أقبلوا إلى الحصن هاربين حال كونهم (يسعون، فرفع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديه) بالتثنية (وقال): (الله أكبر، خربت) أي ستخرب (خيبر) في توجهنا إليها (إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين). وقد مرّ هذا الحديث في الجهاد. 3648 - حَدَّثَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الْفُدَيْكِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَمِعْتُ مِنْكَ حديثًا كَثِيرًا فَأَنْسَاهُ. قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ابْسُطْ رِدَاءَكَ، فَبَسَطْتُ، فَغَرَفَ بِيَدَيهِ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: ضُمَّهُ، فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ حَدِيثًا بَعْدُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إبراهيم بن المنذر) الحزامي قال: (حدّثنا ابن أبي الفديك) بضم الفاء وفتح الدال المهملة وسكون التحتية آخره كاف محمد بن إسماعيل واسم أبي فديك دينار الديلمي (عن ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن المقبري) بضم الموحدة سعيد بن أبي سعيد كيسان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قلت يا رسول الله إني سمعت منك حديثًا كثيرًا) صفة لحديثًا لأنه اسم جنس يتناول القليل والكثير (فأنساه) صفة ثانية والنسيان زوال علم سابق عن الحافظة والمدركة (قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ابسط رداءك فبسطته) أي لما قال: ابسط امتثلت أمره فبسطته وإلاّ فيلزم منه عطف الخبر على الإنشاء وهو مختلف فيه، ولغير أبي ذر فبسطت بإسقاط الضمير المنصوب (فغرف) عليه الصلاة والسلام (بيده) بالإفراد، ولأبي ذر: بيديه (فيه) فجعل الحفظ كالشيء الذي يغرف منه ورمى به في ردائه ومثل لذلك في عالم الحس (ثم قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي هريرة (ضمه) قال: (فضممته فما

62 - كتاب فضائل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-

نسيت حديثًا بعد) بالضم قطعه عن الإضافة، وقد مرّ الحديث في كتاب العلم. بسم الله الرحمن الرحيم 62 - كتاب فضائل أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 1 - باب فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ رَآهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهْوَ مِنْ أَصْحَابِهِ (بسم الله الرحمن الرحيم). (باب فضائل أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط الباب لأبي ذر فما بعده رفع (ومن صحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في زمن نبوته ولو ساعة (أو رآه) في حال حياته ولو لحظة مع زوال المانع من الرؤية كالعمى حال كونه في وقت الصحبة أو الرؤية (من المسلمين) العقلاء ولو أنثى أو عبدًا أو غير بالغ أو جنيًا أو ملكًا على القول ببعثته إلى الملائكة (فهو من أصحابه). خبر المبتدأ الذي هو مَنْ الموصول وصحب صلته ودخول الفاء في فهو لتضمن الابتداء معنى الشرط، وأو في قوله: أو رآه للتقسيم والضمير المنصوب للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو للصاحب والاكتفاء بمجرد الرؤية من غير مجالسة ولا مماشاة ولا مكالمة مذهب الجمهور من المحدثين والأصوليين لشرف منزلته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه كما صرح به غير واحد إذا رآه مسلم أو رأى مسلمًا لحظة طبع قلبه على الاستقامة إذ انه بإسلامه متهيئ للقبول، فإذا قابل ذلك النور المحمدي أشرق عليه فظهر أثره في قلبه وعلى جوارحه. والصحبة لغة تتناول ساعة فأكثر وأهل الحديث كما قال النووي: قد نقلوا الاستعمال في الشرع والعرف على وفق اللغة، وإليه ذهب الآمدي، واختاره ابن الحاجب فلو حلف لا يصحبه حنث بلحظة، وعدّ في الإصابة من حضر معه عليه الصلاة والسلام حجة الوداع من أهل مكة والمدينة والطائف وما بينهما من الأعراب وكانوا أربعين ألفًا لحصول رؤيتهم له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن لم يرهم هو بل ومن كان مؤمنًا به زمن الإسراء إن ثبت عليه الصلاة والسلام كشف له في ليلته عن جميع من في الأرض فرآه وإن لم يلقه لحصول الرؤية من جانبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا كغيره يرد على ما قاله صاحب المصابيح ليس الضمير المستتر في قول البخاري أو رآه يعود على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه يلزم عليه أن يكون من وقع عليه بصر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صحابيًّا وإن لم يكن هو قد وقع بصره على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا قائل به انتهى. وأما ابن أم مكتوم وغيره ممن كان من الصحابة أعمى فيدخل في قوله: ومن صحب وكذا في قولهم أو رآه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ما لا يخفى، وقول الحافظ الزين العراقي في شرح ألفيته أن في دخول الأعمى الذي جاء إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يصحبه ولم يجالسه في قول البخاري في صحيحه من صحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورآه نظر ظاهره أن في نسخته التي وقف عليها ورآه بواو العطف من غير ألف فيكون التعريف مركبًا من الصحبة والرؤية معًا فلا يدخل الأعمى كما قال. لكن في جميع ما وقفت عليه من الأصول المعتمدة أو التي للتقسيم وهو الظاهر لا سيما وقد صرح غير واحد بأن البخاري تبع في هذا التعريف شيخه ابن المديني والمنقول عنه أو بالألف، وأما الصغير الذي لا يميز كعبد الله بن الحرث بن نوفل، وعبد الله بن أبي طلحة الأنصاري ممن حنكه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو دعا له، ومحمد بن أبي بكر الصديق المولود قبل وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثلاثة أشهر وأيام فهو وإن لم تصح نسبة الرؤية إليه صحابي من حيث إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رآه كما مشى عليه غير واحد ممن صنف في الصحابة. وأحاديث هؤلاء من قبيل مراسيل كبار التابعين ثم إن التقييد بالإسلام يخرج من رآه في حال الكفر فليس بصاحب على المشهور ولو أسلم كرسول قيصر وإن أخرج له الإمام أحمد في مسنده، وقد زاد الحافظ ابن حجر كشيخه الزين العراقي في التعريف ومات على الإسلام ليخرج من أرتدّ بعد أن رآه مؤمنًا ومات على الردّة كابن خطل فلا يسمى صحابيًّا بخلاف من مات بعد ردّته مسلمًا في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو بعده سواء لقيه ثانيًا أم لا. وتعقب بأنه يسمى قبل الردّة صحابيًّا ويكفي ذلك في صحة التعريف إذ لا يشترط فيه الاحتراز عن المنافي العارض ولذا لم يحترزوا في تعريف المؤمن عن الردة العارضة لبعض أفراده، فمن زاد في التعريف أراد تعريف من يسمى صحابيًّا بعد انقراض

الصحابة لا مطلقًا وإلا لزمه أن لا يسمى الشخص صحابيًّا في حال حياته ولا يقول بهذا أحد كذا قرره الجلال المحلي، لكن انتزع بعضهم من قول الأشعري أن من مات مرتدًّا تبين أنه لم يزل كافرًا لأن الاعتبار بالخاتمة صحة إخراجه فإنه يصح أن يقال: لم يره مؤمنًا لكن في هذا الانتزاع نظر لأنه حين رؤيته كان مؤمنًا في الظاهر، وعليه مدار الحكم الشرعي فيسمى صحابيًّا قاله شيخنا في فتح المغيث. 3649 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيَقُولُونَ: فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيَقُولُونَ لَهُمْ نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ. ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ. ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري الصحابي ابن الصحابي -رضي الله عنهما- (يقول: حدّثنا أبو سعيد) سعد بن مالك الأنصاري (الخدري) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يأتي على الناس زمان فيغزو فئام) بكسر الفاء بعدها همزة مفتوحة فألف فميم أي جماعة (من الناس) لا واحد له من لفظه. قال الجوهري في صحاحه والعامة تقول: قيام بلا همز. قال المحقق البدر الدماميني في مصابيحه: لا حرج عليهم في ذلك ولا يعدون به لا حنين فإن تخفيف الهمزة فى مثله بقلب حركتها حرفًا مجانسًا لحركة ما قبلها عربي فصيح وهو قياس، وغاية الأمر أنهم التزموا التخفيف فيه وهو غير ممتنع (فيقولون) أي الذين يغزونهم لهم (فيكم) بحذف أداة الاستفهام (من صاحب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح ميم من (فيقولون) لهم (نعم) فينا من صاحبه (فيفتح لهم) بضم التحتية وفتح الفوقية (ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال) لهم (هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟) وهو التابعي (فيقولون) لهم (نعم فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال): لهم (هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟) بفتح الحاء من صاحب في الموضعين كميم من، والمراد أتباع التابعين. (فيقولون): لهم (نعم فيفتح لهم). وهذا الحديث قد مرّ قريبًا في علامات النبوة وقبله في الجهاد. 3650 - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ سَمِعْتُ زَهْدَمَ بْنَ مُضَرِّبٍ قال سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ. قَالَ عِمْرَانُ: فَلاَ أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلاَ يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق) بن راهويه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي جمرة) بجيم مفتوحة وميم ساكنة فراء نصر بن عمران الضبعي أنه قال: (سمعت زهدم بن مضرب) بفتح الزاي وسكون الهاء بعدها دال مهملة مفتوحة ثم ميم ومضرب بضم الميم وفتح الضاد وكسر الراء المشددة وبعدها موحدة الجرمي بفتح الجيم (قال: سمعت عمران بن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (-رضي الله عنهما- يقول قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (خير أمتي) أهل (قرني) بفتح القاف والقرن أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة ويطلق على مدة من الزمان واختلف في تحديدها من عشرة أعوام إلى مائة وعشرين، والمراد بهم هنا الصحابة (ثم الذين يلونهم) أي يقربون منهم وهم التابعون (ثم الذين يلونهم) وهم أتباع التابعين، وهذا صريح في أن الصحابة أفضل من التابعين وأن التابعين أفضل من تابعي التابعين، وهذا مذهب الجمهور. وذهب ابن عبد البر إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة أفضل ممن كان في جملة الصحابة وأن قوله عليه الصلاة والسلام: خير الناس قرني، ليس على عمومه بدليل ما يجمع القرن بين الفاضل والمفضول. وقد جمع قرنه عليه الصلاة والسلام جماعة من المنافقين المظهرين للإيمان وأهل الكبائر الذين أقام عليهم أو على بعضهم الحدود. وقد روى أبو أمامة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى سبع مرات لمن لم يرني وآمن بي". وفي مسند أبي داود الطيالسي عن محمد بن أبي حميد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر -رضي الله عنه- قال: كنت جالسًا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "أتدرون أي الخلق أفضل إيمانًا؟ " قلنا: الملائكة قال: "وحق لهم بل غيرهم" قلنا: الأنبياء. قال: "وحق لهم بل غيرهم" ثم قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

2 - باب مناقب المهاجرين وفضلهم منهم أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة التيمي -رضي الله عنه-

وَسَلَّمَ-: "أفضل الخلق إيمانًا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني فهم أفضل الخلق إيمانًا" لكن روى أحمد والدارمي بإسناد حسن وصححه الحاكم قال أبو عبيدة: يا رسول الله هل أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: "قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني". والحق ما عليه الجمهور لأن الصحبة لا يعدلها شيء وحديث للعامل منهم أجر خمسين منكم لا دلالة فيه على أفضلية غير الصحابة على الصحابة لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة، وإسناد حديث أبي داود السابق ضعيف فلا حجة فيه، وكلام ابن عبد البر ليس على إطلاقه في حق جميع الصحابة فإنه صرح في كلامه باستثناء أهل بدر والحديبية، والذي يظهر أن محل النزاع يتمحض فيمن لم يحصل له إلا مجرد المشاهدة أما من قاتل معه أو في زمانه بأمره أو أنفق شيبًا من ماله بسببه أو سبق إليه بالهجرة والنصرة، وضبط الشرع المتلقى عنه وبلغه لمن بعده فلا يعده في الفضل أحد بعده كائنًا من كان. (وقال عمران) بن الحصين بالسند السابق (فلا أدري أذكر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بعد قرنه قرنين) ولأبي ذر: مرتين بالميم (أو ثلاثًا) وفي نسخة أو ثلاثة، وفي مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قال رجل: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: "القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث" فلم يشك كأكثر طرق الحديث. (ثم إن بعدكم) بالكاف (قومًا) بالنصب اسم إن وزاد ابن حجر هنا مما لم أره في الفرع ولا أصله ولبعضهم قوم بالرفع، وقال: يحتمل أن يكون من الناسخ على طريقة من لا يكتب الألف في المنصوب، وقال العيني: الوجه على تقدير صحة الرواية أن يكون بفعل محذوف تقديره ثم إن بعدكم يجيء قوم (يشهدون ولا يستشهدون) أي يتحملون الشهادة من غير تحميل أو يؤدونها من غير طلب الأداء (ويخونون ولا يؤتمنون) لخيانتهم الظاهرة بخلاف من خان مرة واحدة فإن ذلك قد لا يؤثر فيه (وينذرون) بفتح أوّله وضم الذال المعجمة، ولأبي ذر: وينذرون بكسرها (ولا يفون) بنذرهم، ولأبي ذر: ولا يوفون (ويظهر فيهم السمن) بكسر السين وفتح الميم أي يعظم حرصهم على الدنيا والتمتع بلذاتها حتى تسمن أجسادهم. 3651 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ».قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَكَانُوا يَضْرِبُوننَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ وَنَحْنُ صِغَارٌ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) هو النخعي (عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة ابن قيس السلماني بفتح السين وسكون اللام المرادي (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (خير الناس قرني) أي أهله (ثم) أهل القرن (الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) الأول أصحابه ثم أتباعهم ثم أتباع أتباعهم (ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته) ليس فيه دور لأن المراد من حرصهم على الشهادة وترويجها أنهم يحلفون على ما يشهدون تارة قبل وتارة بعد حتى لا يدري بأيهما البداءة فكأنهما يتسابقان لقلة المبالاة بالدين. (قال): منصور بن المعتمر (قال إبراهيم): النخعي بالسند السابق (وكانوا يضربونا) ضرب تأديب، ولأبي ذر: يضربوننا (على الشهادة والعهد) أي على قول: أشهد بالله وعلى عهد الله (ونحن صغار) لم نبلغ حدّ التفقه، وإن كانوا بلغوا الحلم حتى لا يصير لهم ذلك عادة فيحلفون في كل ما يصلح وما لا يصلح. ومرّ هذا الحديث في باب لا يشهد على شهادة جور من كتاب الشهادات كسابقه. 2 - باب مَنَاقِبِ الْمُهَاجِرِينَ وَفَضْلِهِمْ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ التَّيْمِيُّ -رضي الله عنه- وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8]. وَقَالَ: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ} -إِلَى قَوْلِهِ- {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]. قَالَتْ عَائِشَةُ وَأَبُو سَعِيدٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم-: "وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَارِ". (باب مناقب المهاجرين) الذين هاجروا من مكة إلى المدينة. والمناقب: جمع منقبة ضد المثلبة (وفضلهم) بالجر عطفًا على السابق، وسقط لأبي ذر لفظ باب فمناقب رفع وكذا فضلهم على ما لا يخفى (منهم) من المهاجرين بل هو أفضلهم وسيدهم (أبو بكر) واسمه على المشهور (عبد الله بن أبي قحافة) بضم القاف وتخفيف الحاء وبالفاء واسمه عثمان (التيمي) بفتح الفوقية وسكون التحتية ونسبه إلى جده الأعلى تيم، فهو عبد الله بن عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب يجتمع مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرة بن كعب، وكان اسمه

عتيقًا لأنه ليس في نسبه ما يعاب به أو لقدمه في الخير أو لسبقه إلى الإسلام أو لحسنه أو لأن أمه استقبلت به البيت وقالت: اللهم هذا عتيقك من الموت قالته لأنه كان لا يعيش لها ولد أو لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشّره بأن الله أعتقه من النار كما في حديث عائشة عند الترمذي وصححه ابن حبان، ولقّب بالصدّيق لتصديقه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وعند الطبراني بإسناد رجاله ثقات من حديث علي أنه كان يحلف أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق واسم أمه سلمى وتكنى أم الخير بنت صخر بن مالك بن عامر بن عمرو المذكور أسلمت وهاجرت (-رضي الله عنه-) وعن والديه وأولاده، ولأبي ذر: رضوان الله عليه. (وقول الله تعالى) جر عطفًا على سابقه أو رفع، ولأبي ذر: عز وجل: ({للفقراء المهاجرين} [الحشر: 8]) قال في الأنوار: بدل من لذي القربى وما عطف عليه لأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يسمى فقيرًا انتهى. وذلك لأن الله تعالى رفع منزلته عن أن يسميه فقيرًا وقوله: {الشيطان يعدكم الفقر} [البقرة: 268] دليل على أن الفقر مذموم والفقر أربعة أشياء فقر الحسنات في الآخرة وفقر القناعة في الدنيا، وفقر المقتنى وفقرهما والغنى بحسبه، فمن فقد القناعة والمقتنى فهو الفقير المطلق على سبيل الذم ومن فقد القناعة دون القنية فهو الغني بالمجاز الفقير بالحقيقة، ومن فقد القنية دون القناعة فإنه يقال له فقير وغني ({الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم} [الحشر: 8]) فإن كفار مكة أخرجوهم وأخذوا أموالهم ({يبتغون} [الحشر: 8]) يطلبون بهجرتهم ({فضلاً من الله ورضوانًا وينصرون الله ورسوله} [الحشر: 8]) دين الله وشرع رسوله بأنفسهم وأموالهم ({أولئك هم الصادقون}) [الحشر: 8]. الذين ظهر صدقهم في إيمانهم، وسقط قوله: {الذين أخرجوا} إلى آخره لأبي ذر وقال بعد قوله: {المهاجرين} الآية. (وقال: {إلاَّ}) ولأبي ذر: وقال الله إلا ({تنصروه فقد نصره الله}) [التوبة: 40] أي وإن لم تنصروه فسينصره الله إذ أخرجه من الغار (إلى قوله: {إن الله معنا}) [التوبة: 40]. أي بالعصمة والمعونة وسقط قوله إلى قوله: {إن الله معنا} لأبي ذر وقال بعد قوله نصره الله الآية. (قالت عائشة): مما ذكره في باب الهجرة إلى المدينة الآتي إن شاء الله تعالى (وأبو سعيد) الخدري مما وصله ابن حبان في صحيحه (وابن عباس) مما أخرجه أحمد والحاكم (-رضي الله عنهم-: وكان أبو بكر مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الغار) لما خرجا من مكة إلى المدينة. 3652 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: «اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- مِنْ عَازِبٍ رَحْلاً بِثَلاَثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْ إِلَىَّ رَحْلِي، فَقَالَ عَازِبٌ: لاَ، حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ أَنْتَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ خَرَجْتُمَا مِنْ مَكَّةَ وَالْمُشْرِكُونَ يَطْلُبُونَكُمْ. قَالَ: ارْتَحَلْنَا مِنْ مَكَّةَ فَأَحْيَيْنَا -أَوْ سَرَيْنَا- لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَرَمَيْتُ بِبَصَرِي هَلْ أَرَى مِنْ ظِلٍّ فَآوِيَ إِلَيْهِ، فَإِذَا صَخْرَةٌ أَتَيْتُهَا، فَنَظَرْتُ بَقِيَّةَ ظِلٍّ لَهَا فَسَوَّيْتُهُ، ثُمَّ فَرَشْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: اضْطَجِعْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَاضْطَجَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَنْظُرُ مَا حَوْلِي: هَلْ أَرَى مِنَ الطَّلَبِ أَحَدًا؟ فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ، يُرِيدُ مِنْهَا الَّذِي أَرَدْنَا، فَسَأَلْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ، لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلاَمُ؟ فَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ سَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَهَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لَبَنًا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرْتُهُ فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ الْغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ فَقَالَ هَكَذَا، ضَرَبَ إِحْدَى كَفَّيْهِ بِالأُخْرَى فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَقَدْ جَعَلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِدَاوَةً عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَافَقْتُهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ. ثُمَّ قُلْتُ: قَدْ آنَ الرَّحِيلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: بَلَى. فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: لاَ تَحْزَنْ، إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» {تُرِيحُونَ} [النحل: 6] بالعشيّ، {تَسْرَحُون} [النحل: 6] بالغداة. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني بضم الغين المعجمة وتخفيف الدال المهملة وبعد الألف نون مخففة البصري قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جدّه (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: اشترى أبو بكر) الصديق (-رضي الله عنه- من) أبيه (عازب رحلاً) بفتح الراء وسكون الحاء المهملة للناقة (بثلاثة عشر درهمًا فقال أبو بكر لعازب: مُر البراء) ابنك (فليحمل إليّ) بتشديد الياء التحتية (رحلي، فقال) له (عازب: لا حتى تحدّثنا كيف صنعت أنت ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين خرجتما من مكة) في الهجرة إلى المدينة (والمشركون) من أهل مكة (يطلبونكم) أي هما ومن معهما (قال): أبو بكر (ارتحلنا من مكة فأحيينا أو سرينا) بفتح السين (ليلتنا ويومنا) والشك من الراوي (حتى أظهرنا) ولأبي ذر عن الكشميهني ظهرنا بغير ألف والأول هو الصواب أي صرنا في وقت الظهيرة (وقام قائم الظهيرة) شدّة حرها عند الزوال (فرميت ببصري هل أرى من ظل فآوي إليه) بمد الهمزة وفتح التحتية في اليونينية وفرعها مصححًا عليه (فإذا صخرة) فلما رأيتها (أتيتها فنظرت بقية ظل لها فسويته) أي موضعًا. وفي علامات النبوة: فنزلنا عنده أي عند الظل وسوّيت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكانًا بيدي ينام عليه (ثم فرشت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه) في الظل (ثم قلت له: اضطجع يا نبي الله فاضطجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم انطلقت أنظر ما حولي هل أرى من الطلب أحدًا فإذا أنا براعي غنم) لم يسم الراعي ولا مالك الغنم (يسوق غنمه إلى الصخرة يريد منها الذي أردنا) من

3 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر» قاله ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

الظل (فسألته فقلت له: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من قريش سماه فعرفته فقلت): له (هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم. قلت): له (فهل أنت حالب لبنًا؟) ولأبي ذر عن الكشميهني: لنا (قال: نعم فأمرته فاعتقل شاة من غنمه ثم أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار ثم أمرته أن ينفض كفيه) بالتثنية (فقال: هكذا ضرب إحدى كفيه بالأخرى) فيها إطلاق القول على الفعل واستحباب التنظيف لما يؤكل ويشرب (فحلب لي كثبة) بضم الكاف وسكون المثلثة بعدها موحدة مفتوحة قليلاً (من لبن، و) كنت (قد جعلت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إداوة) بكسر الهمزة من جلد فيها ماء (على فمها خرقة) كذا في الفرع خرقة بالنصب وفي اليونينية وغيرها بالرفع (فصببت) منها (على اللبن حتى برد أسفله) بفتح الراء (فانطلقت به) باللبن المشوب بالماء (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوافقته قد استيقظ) من نومه (فقلت له: اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت) أي طابت نفسي لكثرة ما شرب وفيه: أنه أمعن في الشرب وقد كانت عادته المألوفة عدم الإمعان (ثم قلت: قد آن الرحيل يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي دخل وقته (قال): عليه الصلاة والسلام: (بلى) قد آن، وسقط لفظ: بلى لأبي ذر (فارتحلنا والقوم) كفار قريش (يطلبونا) ولأبي ذر: يطلبوننا (فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم) بجيم مضمومة فعين مهملة ساكنة فشين معجمة مضمومة فميم (على فرس له فقلت هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله. فقال: لا تحزن إن الله معنا). وهذا الحديث قد مرّ في علامات النبوة. ({تريحون}) في قوله تعالى: {ولكم فيها جمال حين تريحون} أي: (بالعشي {وحين تسرحون}) أي (بالغداة}) [النحل: 6]. قال في الفتح: والصواب أن يثبت هذا في حديث عائشة في الهجرة فإن فيه: ويرعى عليهما عامر بن فهيرة ويريحها عليهما، وثبت هذا في رواية أبي ذر عن الكشميهني وسقط لغيره. 3653 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «قُلْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا فِي الْغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا. فَقَالَ: مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا». [الحديث 3653 - طرفاه في: 3922، 4663]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) العوقي بفتح العين المهملة والواو وكسر القاف قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى بن دينار العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة (عن ثابت) البناني (عن أنس) بن مالك الأنصاري (عن أن بكر) الصديق (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قلت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا في الغار) زاد في رواية موسى بن إسماعيل عن همام في الهجرة فرفعت رأسي فرأيت أقدام القوم فقلت (لو أن أحدهم نظر تحت قدميه) بالتثنية (لأبصرنا. فقال): عليه الصلاة والسلام. (ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما) أي جاعلهما ثلاثة بضم نفسه تعالى إليهما في المعية المعنوية التي أشار إليها بقوله: {إن الله معنا} [التوبة: 40] وهو من قوله: {ثاني اثنين إذ هما في الغار} [التوبة: 40] الآية. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الهجرة والتفسير ومسلم في الفضائل والترمذي في التفسير. 3 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سُدُّوا الأَبْوَابَ إِلاَّ بَابَ أَبِي بَكْرٍ» قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (سدوا الأبواب) كلها (إلا باب أبي بكر) الصديق بنصب باب على الاستثناء (قاله ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله المؤلّف في باب الخوخة والممرّ من كتاب الصلاة بمعناه. 3654 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّاسَ وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ أَنْ يُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ عَبْدٍ خُيِّرَ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ الْمُخَيَّرُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً غَيْرَ رَبِّي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلاَّ سُدَّ، إِلاَّ بَابَ أَبِي بَكْرٍ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا. وفي اليونينية بالجمع فقط (أبو عامر) عبد الملك بن عمرو العقدي قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام وسكون التحتية بعدها حاء مهملة ابن سليمان الخزاعي (قال: حدّثني) بالإفراد (سالم أبو النضر) بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة القرشي المدني (عن بسر بن سعيد) بضم الموحدة وسكون المهملة وسعيد بكسر العين مولى ابن الحضرمي (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال: خطب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس) في مرضه قبل موته بثلاث ليال (وقال): بالواو. (إن الله) عز وجل (خيّر عبدًا) من التخيير (بين الدنيا وبين ما عنده) عز وجل في الآخرة (فاختار ذلك العبد ما عند الله) عز وجل. (قال): أبو سعيد (فبكى أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (فعجبنا لبكائه أن يخبر)

بالموحدة من الخبر (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عن عبد خيّر فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو المخير) بفتح التحتية المشددة (وكان أبو بكر) -رضي الله عنه- (أعلمنا) بالمراد من الكلام المذكور فبكى جزعًا على فراقه عليه الصلاة والسلام (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله) بفتح الهمزة والميم وتشديد النون فعل تفضيل من المنّ بمعنى العطاء والبذل أي أن من أبذل الناس لنفسه وماله (أبا بكر) بالنصب اسم إن والجار والمجرور خبرها وهذا واضح، ولبعضهم فيما قاله في الفتح وغيره أبو بكر بالرفع، ووجه بتقدير ضمير الشأن أي أنه والجار والمجرور بعده خبر مقدم وأبو بكر مبتدأ مؤخر، أو على أن مجموع الكنية اسم فلا يعرب ما وقع فيها من الأداة. وقال صاحب المصابيح، قال ابن بري: هو خبر إن واسمها محذوف، ومن أمن الناس صفته، والمعنى أن رجلاً أو إنسانًا من أمنّ الناس عليّ، ومن زائدة على رأي الكسائي وهو ضعيف، وحمله على حذف ضمير الشأن حمل على الشذوذ، ولو قيل بأن إنّ بمعنى نعم وأبو بكر مبتدأ وما قبله خبره لاستقام من غير شذوذ ولا ضعف انتهى. أو هو على مذهب من جوّز أن يقال عليّ بن أبو طالب. قاله الكرماني. وفي حديث ابن عباس عند الطبراني رفعه: "ما أحد أعظم عندي يدًا من أبي بكر واساني بنفسه وماله وأنكحني ابنته". وفي حديث ملاك بن دينار عند ابن عساكر عن أنس رفعه: "إن أعظم الناس علينا منًّا أبو بكر زوّجني ابنته وواساني بنفسه وأن خير المسلمين مالاً أبو بكر أعتق منه بلالاً وحملني إلى دار الهجرة". وعند ابن حبان عن عائشة قال: أنفق أبو بكر على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعين ألف درهم. (ولو كنت متخذًا خليلاً) من الناس (غير ربي لاتخذت) منهم (أبا بكر خليلاً) لأنه أهل لذلك لولا المانع فإن خلة الرحمن تعالى لا تسع مخالة شيء غيره أصلاً، وسقطت لفظة خليلاً الثانية من اليونينية وثبتت في فرعها التنكزي (ولكن أخوّة الإسلام ومودته) أي مودة الإسلام أي حاصلة. وفي حديث ابن عباس الآتي بعد باب إن شاء الله تعالى أفضل، وفيه إشكال يذكر في موضعه إن شاء الله تعالى. (لا يبقين) بنون التأكيد المشددة (في المسجد باب) رفع على الفاعلية والنهي راجع للمكلفين لا إلى الباب فكني بعدم البقاء عن عدم الإبقاء لأنه لازم له كأنه قال: لا يبقيه أحد حتى لا يبقى (إلاًّ) بابًا (سدّ) فحذف المستثنى والفعل صفته (إلاّ باب أبي بكر) بنصب باب على الاستثناء أو برفعه على البدل وهو استثناء مفرغ، والمعنى لا تبقوا بابًا غير مسدود إلا باب أبي بكر فاتركوه بغير سدّ. قيل: وفيه تعريض بالخلافة لأن ذلك إن أريد به الحقيقة فذاك لأن أصحاب المنازل الملاصقة للمسجد كان لهم الاستطراق منها إلى المسجد فأمر بسدها سوى خوخة أبي بكر تنبيهًا للناس على الخلافة لأنه يخرج منها إلى المسجد للصلاة وإن أريد به المجاز فهو كناية عن الخلافة، وسدّ أبواب المقالة دون التطرق والتطلع إليها. قال التوربشتي: وأرى المجاز أقوى إذ لم يصح عندنا أن أبا بكر كان له منزل بجنب المسجد، وإنما كان منزله بالسنح من عوالي المدينة انتهى. وتعقبه في الفتح بأنه استدلال ضعيف لأنه لا يلزم من كون منزله كان بالسنح أن لا يكون له دار مجاورة للمسجد، ومنزله الذي كان بالسنح هو منزل أصهاره من الأنصار، وقد كان له إذ ذاك زوجة أخرى وهي أسماء بنت عميس بالاتفاق، وقد ذكر عمر بن شبة في أخبار المدينة أن دار أبي بكر التي أذن له في إبقاء الخوخة منها إلى المسجد كانت ملاصقة للمسجد، ولم تزل بيد أبي بكر حتى احتاج إلى شيء يعطيه لبعض من وفد عليه فباعها فاشترتها منه أم المؤمنين حفصة بأربعة آلاف درهم، وقد وقع في حديث سعد بن أبي وقاص عند أحمد والنسائي بإسناد قوي أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسدّ الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي. وفي رواية للطبراني في الأوسط برجال ثقات من الزيادة فقالوا: يا رسول الله سددت أبوابها فقال: "ما أنا

4 - باب فضل أبي بكر بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-

سددتها ولكن الله سدها". ونحوه عند أحمد والنسائي والحاكم ورجاله ثقات عن زيد بن أرقم وابن عباس وزاد: فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره، رواه أحمد والنسائي ورجاله ثقات، ونحوه من حديث جابر بن سمرة عند الطبراني. وبالجملة فهي كما قاله الحافظ ابن حجر أحاديث يقوّي بعضها بعضًا وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلاً عن مجموعها، لكن ظاهرها يعارض حديث الباب والجمع بينهما بما دل عليه حديث أبي سعيد عند الترمذي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لعلي: "لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد غيري وغيرك". والمعنى أن باب عليّ كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره، فلذلك لم يأمر بسدّه، ومحصل الجمع أن الأمر بسدّ الأبواب وقع مرتين، ففي الأولى استثنى عليا لما ذكر، وفي الأخرى استثنى أبا بكر، ولكن لا يتم ذلك إلا بأن يحمل ما في قصة عليّ على الباب الحقيقي، وما في قصة أبي بكر على الباب المجازي، والمراد به الخوخة كما صرح به في بعض طرقه، وكأنهم لما أُمروا بسدّ الأبواب سدّوها، وقد صرح أبو بكر الكلاباذي في معاني الأخبار بأن باب بيت أبي بكر كان له باب من خارج المسجد وخوخة إلى داخل المسجد وبيت علي لم يكن له باب إلا من داخل المسجد انتهى ملخصًا من فتح الباري. 4 - باب فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب فضل أبي بكر بعد) فضل (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) والمراد بالبعدية هنا الزمانية أما البعدية في الرتبة فيقال فيها الأفضل بعد الأنبياء أبو بكر، وقد أطبق السلف على أنه أفضل الأمة. حكى الشافعي وغيره إجماع الصحابة والتابعين على ذلك. 3655 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ -رضي الله عنهم-". [الحديث: 3655 - طرفه في: 3697]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كنا نخيّر بين الناس في زمن النبي) ولأبي ذر: في زمان رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بأن نقول فلان خير من فلان (فنخير) فنفضل (أبا بكر) على جميع البشر بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (ثم) نفضل بعده (عمر بن الخطاب) بعد عمر (عثمان بن عفان -رضي الله عنهم-) وسقط لفظ ابن الخطاب وابن عفان ولأبي ذر: زاد في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع في مناقب عثمان، ثم نترك أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا نفاضل بينهم، وزاد الطبراني في رواية فيسمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك فلا ينكره ولا يلزم من سكوتهم إذ ذاك عن تفضيل عليّ عدم تفضيله. وفي بعض طرق الحديث عند ابن عساكر عن عبد الله بن يسار عن سالم عن ابن عمر قال: إنكم لتعلمون أنا كنا نقول على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ يعني في الخلافة كذا في أصل الحديث، ففيه تقييد الخيرية المذكورة والأفضلية بما يتعلق بالخلافة، فقد أطبق السلف على خيريتهم عند الله على هذا الترتيب كخلافتهم، وذهب بعض السلف إلى تقديم علّي على عثمان، وممن قال به سفيان الثوري لكن قيل: إنه رجع، وقال مالك في المدونة، وتبعه يحيى بن القطان وغيره لا يفضل أحدهما على الآخر، وقالت الشيعة وكثير من المعتزلة الأفضل بعد النبي عليّ. وهذا الحديث من أفراده ورجال إسناده مدنيون. 5 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً» قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو كنت متخذًا خليلاً) (قاله أبو سعيد) الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الباب السابق. 3656 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي». وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي الأزدي مولاهم قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد بن عجلان البصري قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال). (لو كنت متخذًا من أمتي خليلاً) أرجع إليه في الحاجات وأعتمد عليه في المهمات (لاتخذت أبا بكر) وإنما الذي ألجأ إليه وأعتمد في جملة الأمور عليه هو الله تعالى، وسقط قوله: من أمتي لأبي ذر (ولكن) بتخفيف النون أبو بكر (أخي) في الإسلام (وصاحبي) في الغار والدار، وهو استدراك على مضمون الجملة الشرطية كأنه

قال: ليس بيني وبينه خلة ولكن أخوّة في الإسلام فنفى الخلة المنبئة عن الحاجة وأثبت الإخاء المقتضي للمساواة قاله البيضاوي. 3657 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أسدٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبوذكيُّ قَالاَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُهُ خَلِيلاً، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ». حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ ... مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمي البصري وسقط ابن أسد لغير أبي ذر (وموسى) من غير نسبة ولأبي ذر موسى بن إسماعيل التنوخي كذا في الفرع وأصله عن أبي ذر التنوخي بالخاء المعجمة. قال الحافظ ابن حجر: وهو تصحيف والصواب التبوذكي (قالا: حدّثنا وهيب) هو ابن خالد (عن أيوب) هو السختياني أي عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وقال): (لو كنت متخذًا خليلاً لاتخذته) يعني أبا بكر (خليلاً ولكن أخوّة الإسلام أفضل) فزاد لفظ أفضل، وكذا عند الطبراني من طريق عبد الله بن تمام عن خالد الحذاء ولفظه: "ولكن أخوة الإيمان والإسلام أفضل" قاله في الفتح. واستشكل بأن الخلة أفضل من أخوّة الإسلام فإنها تستلزم ذلك وزيادة. وأجيب: بأن المراد أن مودة الإسلام مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفضل من مودته مع غيره. قال: ولا يعكر على هذا اشتراك جميع الصحابة في هذه الفضيلة فإن رجحان أبي بكر عرف من غير ذلك وأخوّة الإسلام ومودته متفاوتة بين المسلمين في نصر الدين وإعلاء كلمة الحق وتحصيل كثرة الثواب، ولأبي بكر من ذلك أكثره وأعظمه. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد الوهاب) الثقفي (عن أيوب) السختياني (مئله) أي مثل الحديث السابق. 3658 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَتَبَ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْجَدِّ، فَقَالَ: أَمَّا الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُهُ، أَنْزَلَهُ أَبًا، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (حماد بن زيد) بن درهم الجهضمي (عن أيوب) السختياني (عن عبد الله بن أبي مليكة) بضم الميم مصغرًا أنه (قال: كتب أهل الكوفة) أي بعضهم وهو عبد الله بن عتبة بن مسعود، وكان ابن الزبير جعله على قضاء الكوفة كما أخرجه أحمد (إلى ابن الزبير) عبد الله (في) مسألة (الجد) وميراثه (فقال): ابن الزبير مجيبًا لابن عتبة (أما الذي قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيه. (لو كنت متخذًا من هذه الأمة خليلاً لاتخذته) فإنه (أنزله أبًا) أي أنزل الجد منزلة الأب في استحقاقه الميراث، وفيه أنه أفتاهم بمثل قول أبي بكر. وسيأتي إن شاء الله تعالى مزيد لذلك في باب ميراث الجد مع الأخوة من كتاب الفرائض (يعني) ابن الزبير بالذي أنزل الجد أبًا (أبا بكر) الصديق، والغرض منه هنا قوله: لو كنت متخذًا خليلاً، وقد أشعر هذا بأن درجة الخلة أرفع من درجة المحبة، وقد ثبتت محبته لجماعة من أصحابه كأبي بكر وفاطمة، ولا يعكر عليه اتصاف إبراهيم بالخلة ومحمد بالمحبة فتكون المحبة أرفع من رتبة الخلة إذ محمد عليه الصلاة والسلام قد ثبتت له الخلة أيضًا كما في حديث ابن مسعود عند مسلم: وقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً. وأما ما ذكره القاضي عياض في الشفاء من الاستدلال لتفضيل مقام المحبة على الخلة بأن الخليل قال: لا تخزين والحبيب قيل له: يوم لا يخزي الله النبي إلى غير ذلك مما ذكره ففيه نظر، لأن مقتضى الفرق بين الشيئين أن يكونا في حدّ ذاتهما يعني باعتبار مدلول خليل وحبيب فما ذكره يقتضي تفضيل ذات محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذات إبراهيم عليه الصلاة والسلام من غير نظر إلى ما جعله علة معنوية في ذلك من وصف المحبة والخلة، فالحق أن الخلة أعلى وأكمل وأفضل من المحبة، ثمّ إن قوله عليه الصلاة والسلام: "لو كنت متخذًا خليلاً غير ربي" يشعر بأنه لم يكن له خليل من بني آدم. وأما ما أخرجه أبو الحسن الحرب في فوائده من حديث أبيّ بن كعب قال: إن أحدث عهدي بنبيكم قبل موته بخمس دخلت عليه وهو يقول: "إنه لم يكن نبي إلاّ وقد اتخذ من أمته خليلاً وإن خليلي أبو بكر فإن الله عز وجل اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً". فهو معارض بحديث جندب عند مسلم أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول قبل موته بخمس: "إني أبرأ إلى الله عز وجل أن يكون لي منكم خليل". والذي في الصحيح لا يقاومه غيره، وعلى تقدير ثبوت حديث أبيّ -رضي الله عنه- فيمكن الجمع بينهما بأنه إنما برئ من ذلك تواضعًا لربه وإعظامًا

له ثم أذن الله له فيه في ذلك اليوم لما رأى من تشوّقه إليه وإكرامًا لأن بكر -رضي الله عنه- بذلك وحينئذ فلا تنافي بين الخبرين. قاله في الفتح. وهذا الحديث من أفراده، وفي بعض النسخ هنا وهو ثابت في اليونينية مرقوم عليه علامة السقوط لأبي ذر. هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة فهو كالفصل من سابقه. 3659 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالاَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، قَالَتْ: أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ -كَأَنَّهَا تَقُولُ الْمَوْتَ- قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ». [الحديث 3659 - طرفاه في: 7220، 7360]. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي (ومحمد بن عبد الله) بفتح العين غير مصغر في الفرع ابن حوشب الطائفي وقال العيني: ابن عبيد الله أي بضم العين مصغرًا وكذا هو في اليونينية والناصرية وفرع آقبغًا وهو عبيد الله بن محمد بن زيد القرشي الأموي يعني مولى عثمان بن عفان وهو سهو (قالا: حدّثنا إبراهيم بن سعد) ثبت ابن سعد لأبي ذر (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه) جبير أنه (قال: أتت امرأة) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمها (النبي) ولأبي ذر: إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في باب الاستخلاف من كتاب الأحكام فكلمته في شيء ولم يسم ذلك الشيء (فأمرها أن ترجع إليه قالت: أرأيت) أي يخبرني وفي الاعتصام فكلمته في شيء فأمرها بأمر فقالت: أرأيت يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إن جئت ولم أجدك) قال: جبير بن مطعم أو من بعده (كأنها تقول الموت) أي إن جئت فوجدتك قد مت ماذا أفعل؟ (قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): ولغير أبي ذر كما في اليونينية قال عليه الصلاة والسلام: (إن لم تجديني فأتي أبا بكر) قال ابن بطال: استدلّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بظاهر قولها إن لم أجدك أنها أرادت الموت فأمرها بإتيان أبي بكر. قال: وكأنه اقترن بسؤالها حاله أفهمت ذلك وإن لم تنطق به. قال في الفتح: وإلى ذلك وقعت الإشارة بقوله: كأنها تقول الموت، وفي الأحكام كأنها تريد الموت، وفي الاعتصام كأنها تعني الموت، لكن قولها: فإن لم أجدك أعم في النفي من حال الحياة وحال الموت، ودلالته لها على أبي بكر مطابقة لذلك العموم، وفيه الإشارة إلى أن أبا بكر هو الخليفة بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولا يعارض هذا جزم عمر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يستخلف لأن مراده نفي النص على ذلك صريحًا. وفي الطبراني حديث قلنا يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-إلى من ندفع صدقات أموالنا بعدك؟ قال: "إلى أبي بكر الصديق" وهذا لو ثبت كان أصرح من حديث الباب في الإشارة إلى أن الخليفة بعده أبو بكر لكن إسناده ضعيف. 3660 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا مَعَهُ إِلاَّ خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ وَأَبُو بَكْرٍ". [الحديث 3660 - طرفه في: 3857]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (أحمد بن أبي الطيب) سليمان المروزي البغدادي الأصل وصفه أبو زرعة بالحفظ وضعفه أبو حاتم، لكن ليس له في البخاري إلا هذا الحديث، وقد أخرجه من رواية غيره في إسلام أبي بكر قال: (حدّثنا إسماعيل بن مجالد) بضم الميم وفتح الجيم الهمداني الكوفي قوّاه يحيى بن معين وجماعة ولينه بعضهم وليس له في البخاري غير هذا الحديث قال: (حدّثنا بيان بن بشر) بالموحدة والتحتية المفتوحتين وبعد الألف نون وبشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة الأحمسي بالمهملتين (عن وبرة بن عبد الرحمن) بفتح الواو والموحدة والراء بوزن شجرة الحرثي (عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن الحرث النخعي الكوفي أنه (قال: سمعت عمارًا) هو ابن ياسر -رضي الله عنه- (يقول: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما معه) ممن أسلم معه (إلا خمسة أعبُد) بلال وزيد بن حارثة وعامر بن فهيرة وأبو فكيهة مولى صفوان بن أمية بن خلف وعبيد بن زيد الحبشي، وذكر بعضهم عمار بن ياسر بدل أبي فكيهة (وامرأتان) خديجة أم المؤمنين وأم أيمن أو سمية (وأبو بكر) الصديق وكان أول من أسلم من الأحرار البالغين -رضي الله عنه-. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في إسلام أبي بكر وفيه ثلاثة من التابعين. 3661 - حَدَّثَنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِذِ اللَّهِ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: «كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ، فَسَلَّمَ وَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَىْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ. فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ (ثَلاَثًا). ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ فَسَأَلَ: أَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لاَ. فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَمَعَّرُ، حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ (مَرَّتَيْنِ). فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟ (مَرَّتَيْنِ). فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا». [الحديث 3661 - طرفه في: 4640]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (هشام بن عمار) أبو الوليد السلمي الدمشقي قال: (حدّثنا صدقة بن خالد) الأموي مولاهم أبو العباس الدمشقي قال: (حدّثنا زيد بن واقد) بكسر القاف الدمشقي الثقة وليس له في البخاري إلا هذا الحديث (عن بسر بن عبيد الله) بضم

الموحدة وسكون السين وعبيد الله بضم العين مصغرًا الحضرمي الشامي (عن عايذ الله) بالذال المعجمة (أبى إدريس) بن عبد الله الخولاني بالخاء المعجمة المفتوحة (عن أبي الدرداء) عويمر بضم العين مصغرًا آخره راء ابن زيد بن قيس الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت جالسًا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ أقبل أبو بكر) حال كونه (آخذًا بطرف ثوبه حتى أبدى) بألف بعد الدال من غير همز أي أظهر (عن ركبته) بالإفراد وفيه أن الركبة ليست عورة (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما رآه: (أما) بالتشديد (صاحبكم) يعني أبا بكر، ولأبي ذر عن الكشميهني: صاحبك بالإفراد يخاطب أبا الدرداء (فقد غامر) بغين معجمة مفتوحة وبعد الألف ميم مفتوحة أيضًا فراء أي خاصم ولابس الخصومة وقسيم أما صاحبكم محذوف تقديره نحو قوله: وأما غيره فلا أعلمه (فسلم) -رضي الله عنه- على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وقال: يا رسول الله انه كان بيني وبين ابن الخطاب) عمر -رضي الله عنه- (شيء) في التفسير محاورة بالحاء المهملة أي مراجعة، وعند أبي يعلى من حديث أبي أمامة معاتبة (فأسرعت إليه ثم ندمت) على ذلك (فسألته أن يغفر لي) ما وقع مني (فأبى عليّ). وعند أبي نعيم في الحلية من طريق محمد بن المبارك فتبعته إلى البقيع حتى خرج من داره (فأقبلت إليك فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثًا) أي أعاد هذه الكلمات يغفر الله لك ثلاث مرات. (ثم إن عمر) -رضي الله عنه- (ندم) على ذلك (فأتى منزل أبي بكر) ليزيل ما وقع بينه وبين الصديق (فسأل) أهله (أثمّ أبو بكر) بفتح الهمزة والمثلثة أي هنا أبو بكر (فقالوا): مجيبين له (لا، فأتى إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلّم عليه فجعل وجه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتمعر) بالعين المهملة المشددة أي تذهب نضارته من الغضب، ولأبي ذر: يتمغر بالغين المعجمة (حتى أشفق) أي خاف (أبو بكر) أن ينال عمر من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يكرهه (فجثا) بالجيم والمثلثة أي برك أبو بكر (على ركبتيه) بالتثنية (فقال: يا رسول الله والله أنا كنت أظلم) منه في ذلك (مرتين). قال الكرماني: ظرف لقال أو لكنت وإنما قال ذلك لأنه الذي بدأ. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن الله بعثني إليكم، فقلتم كذبت وقال أبو بكر: صدق) بغير تاء في الفرع كأصله وفي نسخة صدقت (وواساني) ولأبي ذر عن الكشميهني واساني، وفي نسخة آساني بهمزة بدل الواو والأول أوجه لأنه من المواساة (بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي) بإضافة تاركو إلى صاحبي، وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالجار والمجرور عناية بتقديم لفظ الإضافة، وفي ذلك جمع بين إضافتين إلى نفسه تعظيمًا للصديق، ونظيره قراءة ابن عامر: {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم} [الأنعام: 137]. بنصب أولادهم وخفض شركائهم وفصل بين المضافين بالمفعول. ومباحث ذلك ذكرتها في كتاب القراءات الأربع عشرة، وفي التفسير هل أنتم تاركون؟ بالنون. قال أبو البقاء: وهي الوجه لأن الكلمة ليست مضافة لأن حرف الجر منع الإضافة وربما يجوز حذف النون في موضع الإضافة ولا إضافة هنا. قال والأشبه أن حذفها من غلط الرواة انتهى. ولا ينبغي نسبة الرواة إلى الخطأ مع ما ذكر وورود أمثلة لذلك (مرتين) أي قال: هل أنتم تاركو لي صاحبي مرتين. (فما أوذي) أبو بكر (بعدها) أي بعد هذه القصة لما أظهره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تعظيمه. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير وهو من أفراده. 3662 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ قَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: «حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ. فَقُلْتُ مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: أَبُوهَا. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَعَدَّ رِجَالاً». [الحديث 3662 - طرفه في: 4358]. وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن المختار) الأنصاري الدباغ (قال خالد الحذاء) بالحاء المهملة والذال المعجمة ممدودًا (حدّثنا) هو من تقديم الاسم على الصفة (عن أبي عثمان) النهدي أنه (قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثه على جيش ذات السلاسل) بفتح السين المهملة الأولى وكسر الثانية سنة سبع قال عمرو: (فأتيته

فقلت) وقع عند ابن سعد أنه وقع في نفس عمرو لما أمره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الجيش في هذه الغزوة، وفيهم أبو بكر وعمر أنه مقدم عنده في المنزلة عليهم فسأله فقال: يا رسول الله (أي الناس أحب إليك؟ قال): عليه الصلاة والسلام: (عائشة). قال عمرو: (فقلت من الرجال؟ فقال): عليه الصلاة والسلام (أبوها) أبو بكر (فقلت: ثم من؟) أحب إليك بعده (قال): عليه الصلاة والسلام (ثم عمر بن الخطاب فعدّ رجالاً) زاد في المغازي من وجه آخر فسكتّ مخافة أن يجعلني في آخرهم. وفي حديث عبد الله بن شقيق عند الترمذي وصححه من حديث عائشة قلت لعائشة: أيّ أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أحبّ إليه؟ قالت: أبو بكر، وفي آخره قالت: أبو عبيدة عامر بن الجراح. قال في الفتح: فيمكن أن يفسر بعض الرجال الذين أبهموا في حديث الباب بأبي عبيدة. وحديث الباب أخرجه أيضًا في المغازي، ومسلم في الفضائل، والترمذي والنسائي في المناقب. 3663 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوف أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ فَأَخَذَ شَاةً، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي؟ وَبَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا، فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَتْ: إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، وَلَكِنِّي خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ. فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. -رضي الله عنهما-». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف) ثبت اسم الجد لأبي ذر (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (بينما) بالميم (راع) لم يسم (في غنمه عدا عليه الذئب) بالعين والدال المهملتين خبر المبتدأ الذي هو راع الموصوف بقوله في غنمه (فأخذ منها شاة فطلبه الراعي) ليأخذها منه (فالتفت إليه الذئب فقال): له (من لها) أي للغنم (يوم السبع) بضم الموحدة وقيل بسكونها (يوم ليس لها) عند الفتن حين يتركها الناس هملاً (راع) يرعاها (غيري) وقيل غير ذلك مما سبق في حديث بني إسرائيل (وبينا) بغير ميم ولأبي ذر: وبينما بالميم (رجل) لم يسم (يسوق بقرة قد حمل عليها) بتخفيف الميم وفي بني إسرائيل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها (فالتفتت إليه فكلمته فقالت إني لم أخلق لهذا) التحميل (ولكني) سقطت الواو لأبوي ذر والوقت (خلقت للحرث) وفي بني إسرائيل فقالت: إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث والحصر في ذلك غير مراد اتفاقًا (قال): ولأبي ذر: فقال (الناس): متعجبين (سبحان الله) زاد في بني إسرائيل بقرة تتكلم (فقال): كذا في الفرع وفي اليونينية قال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فإني أؤمن بذلك) النطق الصادر من البقرة والفاء فيه جوابًا لشرط محذوف تقديره فإذا كان الناس يتعجبون منه ويستغربونه فإني لا أتعجب منه ولا أستغربه وأؤمن به أنا (وأبو بكر وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-) وسقط ابن الخطاب لأبي ذر، وزاد في بني إسرائيل وما هما ثم وعند ابن حبان من طريق محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة في آخره في القصتين فقال الناس: آمنا بما آمن به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وسبق حديث الباب في المزارعة وبني إسرائيل. 3664 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفَهُ. ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ». [الحديث 3664 - أطرافه في: 7021، 7022، 7475]. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة العابد قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن المسيب) سعيد أنه (سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- قال): ولأبي ذر: يقول (سمعت رسول الله) كذا في الفرع وفي اليونينية النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (بينا) بغير ميم (أنا نائم رأيتني على قليب) بئر مقلوب ترابها قبل الطي (عليها دلو فنزعت منها) من البئر (ما شاء الله ثم أخذها) أي الدلو (ابن أبي قحافة) أبو بكر الصديق -رضي الله عنهما- (فنزع منها) أي أخرج الماء من القليب (ذنوبًا أو ذنوبين) بفتح المعجمة فيهما الدلو الممتلئ والشك من الراوي (وفي نزعه ضعف والله يغفر له ضعفه) وليس فيه حط من مرتبته، وإنما هو إخبار عن حاله في قصر مدة خلافته والاضطراب الذي وجد في زمانه من أهل الردة فزارة وغطفان وبني سلمة وبني يربوع وبعض بني تميم وكندة وبكر بن وائل وأتباع مسيلمة الكذاب وإنكار بعض الزكاة فدعا له عليه الصلاة والسلام

بالمغفرة ليتحقق السامعون أن الضعف الذي وجد في نزعه من مقتض تغيير الزمان وقلة الأعوان لا أن ذلك منه -رضي الله عنه- لكن نسبه إليه إطلاقًا لاسم المحل على الحال وهو مجاز شائع في كلام العرب (ثم استحالت) أي تحولت الدلو (غربًا) بفتح الغين المعجمة وبعد الراء الساكنة موحدة دلوا عظيمة (فأخدها ابن الخطاب) عمر -رضي الله عنه- (فلم أر عبقريًا) أي سيدًا عظيمًا قويًا يقال هذا عبقري القوم كما يقال سيدهم وكبيرهم وقويهم، وقيل الأصل أن عبقر قرية يسكنها الجن فيما يزعمون فكلما رأوا شيئًا فائقًا غريبًا مما يصعب عمله ويدق أو شيئًا عظيمًا في نفسه نسبوه إليها ثم اتسع فيه فسمي به السيد الكبير والقوي وهو المراد هنا (من الناس ينزع نزع عمر) وفي رواية أبي يونس فلم أر نزع رجل قط أقوى منه (حتى ضرب الناس بعطن) بفتح المهملتين آخره نون ما يعد للشرب حول البئر من مبارك الإبل، وعند ابن أبي شيبة في مناقب عمر: حتى روي الناس وضربوا بعطن، وفي رواية همام فلم يزل ينزع حتى تولى الناس والحوض يتفجر وفيه إشارة إلى طول مدة خلافة عمر وكثرة انتفاع الناس بها. وهذا الحديث قد سبق ويأتي إن شاء الله تعالى في كتاب التعبير. 3665 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ ثَوْبِي يَسْتَرْخِي، إِلاَّ أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّكَ لَسْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ خُيَلاَءَ» قَالَ مُوسَى: فَقُلْتُ لِسَالِمٍ أَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ: «مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ»؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ ذَكَرَ إِلاَّ «ثَوْبَهُ». [الحديث 3665 - أطرافه في: 5783، 5791، 6062]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (عن سالم بن عبد الله عن) أبيه (عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من جرّ ثوبه خيلاء) أي لأجل الخيلاء أي كبرًا (لم ينظر الله إليه) نظر رحمة (يوم القيامة. فقال أبو بكر: إن أحد شقي) بكسر المعجمة أي جانبي (ثوبي يسترخي) بالخاء المعجمة وكان سبب استرخائه نحافة جسم أبي بكر -رضي الله عنه- (إلا أن أتعاهد ذلك منه) أي إذا غفلت عنه استرخى (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنك لست تصنع ذلك خيلاء) فيه أنه لا حرج على من انجرّ إزاره بغير قصد مطلقًا وهل كراهة ذلك للتحريم أو للتنزيه فيه خلاف. (قال موسى) بن عقبة بالسند السابق (فقلت لسالم) هو ابن عبد الله بن عمر (أذكر) فعل ماض والهمزة للاستفهام (عبد الله) أي أبوه (من جرّ إزاره؟ قال): سالم (لم أسمعه ذكر إلاّ ثوبه). ومباحث هذا تأتي إن شاء الله تعالى في اللباس بعون الله وقوته. 3666 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ شَىْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ -يَعْنِي الْجَنَّةَ- يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ. فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصِّيَامِ وَبَابِ الرَّيَّانِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا عَلَى هَذَا الَّذِي يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ. وَقَالَ: هَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من أنفق زوجين) أي شيئين (من شيء من الأشياء) وفسر في بعض الأحاديث ببعيرين شاتين درهمين. قال التوربشتي: ويحتمل أن يراد به تكرار الإنفاق مرة بعد أخرى. قال الطيبي: وهذا هو الوجه إذا حملت التثنية على التكرير لأن القصد من الإنفاق التثبيت من الأنفس بإنفاق كرائم الأموال والمواظبة على ذلك كما قال تعالى: {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتًا من أنفسهم} [البقرة: 265]. أي ليثبتوا ببذل المال الذي هو شقيق الروح وبذله أشق شيء على النفس من سائر العبادات الشاقة (في سبيل الله) في طلب ثوابه وهو أعم من الجهاد وغيره من العبادات أو خاص بالجهاد (دعي من أبواب) بغير تنوين (يعني الجنة) والظاهر أن لفظ الجنة سقط عند بعض الرواة فلمراعاة المحافظة زاد يعني (يا عبد الله هذا خير) أي من الخيرات وليس المراد به أفعل التفضيل (فمن كان من أهل الصلاة) المؤدين لفرائضها المكثرين من نوافلها (دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة) المكثرين منها (دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام) المكثرين منه (دعي من باب الصيام وباب الريان) وسقطت الواو من بعض النسخ فيكون باب بدلاً أو بيانًا (فقال أبو بكر: ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة؟) قال المظهري: ما نفي

ومن في من ضرورة زائدة أي ليس ضرورة على من دعي من تلك الأبواب إذ لو دعي من باب واحد لحصل مراده وهو دخول الجنة مع أنه لا ضرورة عليه أن يدعى من جميع الأبواب. (وقال): أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- (هل يدعي منها كلها أحد يا رسول الله؟ قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي ذر: فقال (نعم) يدعى منها كلها على سبيل التخيير في الدخول من أيها شاء لاستحالة الدخول من الكل معًا (وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر). والحاصل أن كل من أكثر نوعًا من العبادة خصّ بباب يناسبه ينادى منه فمن اجتمع له العمل بجميعها دعي من جميع الأبواب على سبيل التكريم ودخوله إنما يكون من باب واحد وهو باب العمل الذي يكون أغلب عليه، وأن الصديق من أهل الأعمال كلها إذ الرجاء منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واجب وفيه أقوى دليل على فضيلة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. والحديث سبق في الصوم. 3667 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ -قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يَعْنِي بِالْعَالِيَةِ- فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَتْ وَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي إِلاَّ ذَاكَ، وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ فَلَيَقْطَعَنَّ أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَبَّلَهُ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُذِيقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا. ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ، عَلَى رِسْلِكَ. فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال: حدّثنا سليمان بن بلال) أبو أيوب القرشي التيمي (عن هشام بن عروة عن) أبيه (عروة بن الزبير) ولأبي ذر: قال (أخبرني) بالإفراد عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مات وأبو بكر) غائب عند زوجته بنت خارجة الأنصاري (بالسنح) بالسين المهملة المضمومة والنون الساكنة بعدها حاء مهملة (قال إسماعيل) بن عبد الله الأويسي المذكور (يعني) ولأبي ذر تعني بالفوقية بدل التحتية أي عائشة بالسنح (بالعالية) وهي منازل بني الحرث (فقام عمر) بن الخطاب حال كونه (يقول: والله ما مات رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعند أحمد أن عائشة قالت: جاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا فأذنت لهما وجذبت الحجاب فنظر عمر إليه فقال: واغشياه ثم قاما فلما دنوا من الباب قال المغيرة: يا عمر مات. قال: كذبت إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يموت حتى يفني الله المنافقين. الحديث، وهذا قاله عمر بناء على غلبة ظنه حيث أداه اجتهاده إليه، وفي سيرة ابن إسحاق من طريق ابن عباس أن عمر -رضي الله عنه- قال له: إن الحامل على هذه المقالة قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا} [البقرة: 143]. فظن أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبقى في أمته حتى يشهد عليها. (قالت): عائشة (وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك) أي عدم موته (وليبعثنه الله) عز وجل في الدنيا (فليقطعن) بفتح اللام والتحتية وسكون القاف وفتح الطاء، ولأبي ذر: فليقطعن بضم التحتية وفتح القاف وكسر الطاء مشددة (أيدي رجال وأرجلهم) قائلين بموته عليه الصلاة والسلام (فجاء أبو بكر) -رضي الله عنه- من السنح (فكشف عن) وجه (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقبّله) بين عينيه (فقال): وفي اليونيية والفرع قال: وكشط ما قبلها (بأبي أنت وأمي) أي مفدى بهما فالباء متعلقة بمحذوف (طبت حيًّا وميّتًا و) الله (الذي نفسي بيده لا يذيقك الله) برفع يذيق (الموتتين) في الدنيا (أبدًا) ومراده الرد على عمر حيث قال: إن الله بعثه حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم لأنه لو صح ما قاله لزم أن يموت موتة أخرى فأشار إلى أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمعهما على غيره الذي مرّ على قرية أو أنه يحيا في قبره ثم لا يموت (ثم خرج) أبو بكر من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعمر يكلم الناس (فقال): له (أيها الحالف) أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما مات (على رسلك) بكسر الراء اتئد في الحلف ولا تستعجل (فلما تكلم أبو بكر جلس عمر) وفي الجنائز خرج أبو بكر وعمر يكلم الناس فقال: اجلس فأبى. 3668 - "فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: أَلاَ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَىٌّ لاَ يَمُوتُ وَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]. وَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]. قَالَ: فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ. قَالَ: وَاجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ، فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلاَّ أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلاَمًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لاَ يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ. ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ، فَقَالَ فِي كَلاَمِهِ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ. فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: لاَ وَاللَّهِ لاَ نَفْعَلُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لاَ، وَلَكِنَّا الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ. هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ. فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ، فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ. فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقَالَ عُمَرُ قَتَلَهُ اللَّهُ". (فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا) بالتخفيف للتنبيه على ما يأتي بعد (من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات) وسقطت التصلية لأبي ذر (ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال: {إنك ميت وإنهم لميتون}) [الزمر: 30]. فإن الكل بصدد الموت في عداد الموتى (وقال: {وما محمد إلاّ رسول قد خلت

من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئًا}) بارتداده ({وسيجزي الله الشاكرين}) [آل عمران: 144]. (قال: فنشج الناس) بنون فشين معجمة فجيم مفتوحات (يبكون) قال الجوهري: نشج الباكي إذا غصّ بالبكاء في حلقه من غير انتحاب أو هو بكاء معه صوت. (قال: واجتمع الأنصار إلى سعد بن عبادة) الأنصاري الساعدي وكان نقيب بني ساعدة لأجل الخلافة (في سقيفة بني ساعده) موضع مسقف كالساباط يجتمع إليه الأنصار (فقالوا): أي الأنصار للمهاجرين (منّا أمير ومنكم أمير) قالوا ذلك على عادة العرب الجارية بينهم أن لا يسود القبيلة إلا رجل منهم (فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة) عامر (بن الجراح) -رضي الله عنهم- (فذهب عمر يتكلم فأسكته) بالفوقية (أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلامًا قد أعجبني خشيت) أي خفت (أن لا يبلغه أبو بكر ثم تكلم أبو بكر فتكلم) حال كونه (أبلغ الناس). ويجوز رفع أبلغ خبر مبتدأ محذوف أي فتكلم أبو بكر وهو أبلغ الناس. وفي باب رجم الحبلى من الزنا من حديث ابن عباس عن عمر أنه قال: قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر -رضي الله عنه-، فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم. الحديث إلى أن قال: فلما جلسنا خطب خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد؛ فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط وقد دفت دافة من قومكم فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر فلما سكت قال عمر: أردت أن أتكلم وكنت زوّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحديث، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلاّ قال في بديهته مثلها أو أفضل منها. (فقال في) جملة (كلامه: نحن) أي قريش (الأمراء وأنتم الوزراء) المستشارون في الأمور والخلافة لا تكون إلا في قريش (فقال حباب بن المنذر): بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة الأولى مخففة والمنذر بلفظ الفاعل من الإنذار الأنصاري (لا والله لا نفعل) ذلك (منا أمير ومنكم أمير) وزاد ابن سعد من رواية يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد: فإنا والله ما ننفس عليكم هذا الأمر ولكنا نخاف أن يليه أقوام قتلنا آباءهم وإخوانهم (فقال أبو بكر: لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء. هم) أي قريش (أوسط العرب دارًا) مكة أي هم أشرف قبيلة (وأعربهم أحسابًا) بالموحدة في أعربهم وأحسابًا بفتح الهمزة بالموحدة جمع حسب أي شبه شمائل وأفعالاً بالعرب والحسب الفعال الحسان مأخوذ من الحساب إذا عدّوا مناقبهم فمن كان أكثر كان أعظم حسنًا، ويقال النسب للآباء والحسب للأفعال (فبايعوا) بكسر التحتية بلفظ الأمر (عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة بن الجراح) ثبت ابن الجراح لأبي ذر (فقال عمر): -رضي الله عنه- (بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخبرنا وأحبنا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأخذ عمر بيده) أي بيد أبي بكر (فبايعه وبايعه الناس) المهاجرون وكذا الأنصار حين قامت عليهم الحجة بثبوت قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الخلافة في قريش عندهم" (فقال قائل): من الأنصار (قتلتم سعد بن عبادة) أي كدتم تقتلونه أو هو كناية عن الإعراض والخذلان (فقال عمر: قتله الله) دعاء عليه لعدم نصرته للحق وتخلفه فيما قيل عن بيعة أبي بكر وامتناعه منها، وتوجه إلى الشام فمات بها في ولاية عمر بحوران سنة أربع عشرة أو خمس عشرة، وقيل إنه وجد ميتًا في مغتسله وقد اخضرّ جسده ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلاً يقول ولا يرون شخصه: قد قتلنا سيد الخز ... رج سعد بن عباده فرميناه بسهميـ ... ـن فلم يخط فؤاده

والعذر له في تخلفه عن بيعة الصديق أنه تأول أن للأنصار استحقاقًا في الخلافة فهو معذور وإن كان ما أعتقده من ذلك خطأ. وهذا الحديث من أفراد المؤلّف. 3669 - وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: «شَخَصَ بَصَرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى (ثَلاَثًا) وَقَصَّ الْحَدِيثَ. قَالَتْ: فَمَا كَانَ مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلاَّ نَفَعَ اللَّهُ بِهَا، لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ وَإِنَّ فِيهِمْ لَنِفَاقًا فَرَدَّهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ». 3670 - «ثُمَّ لَقَدْ بَصَّرَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ الْهُدَى، وَعَرَّفَهُمُ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَخَرَجُوا بِهِ يَتْلُونَ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} -إِلَى- {الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]». (وقال عبد الله بن سالم): أبو يوسف الأشعري الحمصي مما وصله الطبراني في مسند الشاميين (عن الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة وإسكان التحتية محمد بن الوليد أنه قال: (قال عبد الرحمن بن القاسم: أخبرني) بالإفراد أبي (القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: شخص) بفتح الشين والخاء المعجمتين والصاد المهملة أي ارتفع (بصر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عند وفاته حين خير (ثم قال): (في الرفيق) أيّ أدخلني في الرفيق أي في الملأ (الأعلى) قالها (ثلاثًا. وقص) القاسم بن محمد (الحديث) فيما يتعلق بالوفاة وقول عمر أنه لم يمت وقول الصديق أنه مات وتلاوة الآيتين. (قالت عائشة: فما كانت من خطبتهما) أي العمرين (من خطبة إلا نفع الله بها) قال في الكواكب: وكلمة من الأولى تبعيضية أو بيانية والثانية زادة، ثم بينت عائشة وجه نفع الخطبتين فقالت: (لقد خوف عمر الناس) بقوله: ليقطعن أيدي رجال (وأن فيهم لنفاقًا) أي: وأن بعضهم منافق وهم الذين عرض بهم عمر -رضي الله عنه- (فردهم الله بذلك) إلى الحق (ثم لقد بصر أبو بكر الناس الهدى وعرفهم الحق الذي عليهم) ثبت الذي لأبي ذر عن الكشميهني (وخرجوا به) أي بسبب قوله وتلاوته ما ذكر (يتلون {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل}) إلى ({الشاكرين}) [آل عمران: 144]. 3671 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: "قُلْتُ لأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ. وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَنَا إِلاَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا جامع بن أبي راشد) الصيرفي الكوفي قال: (حدّثنا أبو يعلى) منذر بن يعلى الكوفي الثوري (عن محمد ابن الحنفية) واسمها خولة بنت جعفر أنه (قال: قلت لأبي) علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- (أي الناس خير بعد رسول الله) ولأبي ذر بعد النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في رواية محمد بن منده عن منذر عن محمد ابن الحنفية عند الدارقطني قال: أو ما تعلم يا بني؟ قلت: لا (قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر) سقط لأبي ذر لفظ "ثم" (وخشيت أن يقول عثمان) خير بعد عمر تواضعًا منه وهضمًا لنفسه فيضطرب عليه الحال لأنه كان يعتقد أن أباه عليًّا أفضل (قلت: ثم أنت) أفضل بعد عمر (قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين). وعند ابن عساكر في ترجمة عثمان من طريق ضعيفة في هذا الحديث أن عليًّا قال: إن الثالث عثمان، وقد سبق بيان الاختلاف في أيهما أفضل بعد العمرين وقد وقع الإجماع بآخره بين أهل السُّنّة أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة -رضي الله عنهم-. 3672 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ -أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ- انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ, وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَأَتَى النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ فَقَالُوا: أَلاَ تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِالنَّاسِ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ، فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. قَالَتْ: فَعَاتَبَنِي وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلاَ يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلاَّ مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى فَخِذِي، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ {فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني (عن مالك) الإمام (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض أسفاره) سنة ست في غزوة بني المصطلق (حتى إذا كنا بالبيداء) بفتح الموحدة ممدودًا موضع قريب من المدينة (أو بذات الجيش) بفتح الجيم وسكون التحتية بعدها معجمة موضع آخر قريب منها والشك من عائشة (انقطع عقد لي) بكسر العين وسكون القاف (فأقام الرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على التماسه) أي طلبه (وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس أبا بكر فقالوا) له: (ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت) ولأبي ذر عن الكشميهني قامت (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبالناس معه) بإثبات حرف الجر في بالناس في فرع اليونينية كأصله مصححًا عليه (وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واضع رأسه على فخدي) بالذال المعجمة (قد نام فقال) لي: (حبست رسول الله والناس) نصب عطفًا على سابقه (وليسوا على ماء وليس معهم ماء. قالت فعاتبني) أبو بكر (وقال ما شاء الله أن يقول) فقال: حبست الناس في قلادة وفي كل مرة تكونين عناء (وجعل يطعنني) بضم العين (بيده في خاصرتي) ثبت قوله بيده في اليونينية وغيرها وسقط

في الفرع (فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على فخدي فنام) بالنون من النوم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أصبح) دخل في الصباح، وفي التيمم فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالقاف من القيام حين أصبح (على غير ماء فأنزل الله) عز وجل (آية التيمم) التي في المائدة (فتيمموا) أي الناس لآية التيمم المقتضية للأمر بذلك (فقال أسيد بن الحضير): بالحاء المهملة والضاد المعجمة مصغرين الأوسي (ما هي) أي البركة التي حصلت للناس برخصة التيمم (بأول بركتكم يا آل أبي بكر) بل هي مسبوقة ببركات (فقالت عائشة: فبعثنا) أي أثرنا (البعير الذي كنت) راكبة (عليه) حالة السير (فوجدنا العقد تحته) أي تحت البعير. وهذا الحديث قد مرّ في التيمم. 3673 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ». تَابَعَهُ جَرِيرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَمُحَاضِرٌ عَنِ الأَعْمَشِ. وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) أبو الحسن العسقلاني الخراساني الأصل قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي أنه قال: (سمعت ذكوان) أبا صالح الزيات (يحدث عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تسبوا أصحابي) شامل لمن لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأوّلون فسبهم حرام من عرمات الفواحش، ومذهب الجمهور أن من سبهم يعزر ولا يقتل، وقال بعض المالكية: يقتل. ونقل عياض في الشفاء عن مالك بن أنس وغيره أن من أبغض الصحابة وسبهم فليس له في فيء المسلمين حق، ونوزع بآية الحشر {والذين جاؤوا من بعدهم} [الحشر: 10] الآية. وقال من غاظ أصحاب محمد فهو كافر. قال الله تعالى: {ليغيظ بهم الكفار} [الفتح: 27]. وروي حديث: "من يسب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً". وقال المولى سعد الدين التفتازاني: إن سبهم والطعن فيهم إن كان مما يخالف الأدلة القطعية فكفر كقذف عائشة -رضي الله عنها- وإلاّ فبدعة وفسق، وقد قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا من بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه". (فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُد ذهبًا) زاد البرقاني في المصافحة عن طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش كل يوم (ما بلغ) من الفضيلة والثواب (مدّ أحدهم) من الطعام الذي أنفقه (ولا نصيفه) بفتح النون وكسر الصاد المهملة بوزن رغيف النصف وفيه أربع لغات نصف بكسر النون وضمها وفتحها ونصيف بزيادة تحتية أي نصف المدّ وذلك لما يقارنه من مزيد الإخلاص وصدق النية وكمال النفس. وقال الطيبي: ويمكن أن يقال فضيلتهم بحسب فضيلة إنفاقهم وعظم موقعها كما قال تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح} [الحديد: 10] أي قبل فتح مكة وهذا في الإنفاق فكيف بمجاهدتهم وبذلهم أرواحهم ومهجهم وقد أورد في الكواكب سؤالاً فقال: فإن قلت: لمن الخطاب في قوله: "لا تسبوا أصحابي" والصحابة هم الحاضرون؟ وأجاب: بأنه لغيرهم من المسلمين المفروضين في العقل جعل من سيوجد كالموجود ووجودهم المترقب كالحاضر، وتعقبه في الفتح بوقوع التصريح في نفس الحديث كما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى بأن المخاطب بذلك خالد بن الوليد حيث كان بينه وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبّه خالد وهو من الصحابة الموجودين إذ ذاك باتفاق، وقرر أن قوله: فلو أنفق أحدكم الخ فيه إشعار بأن المراد بقوله أولاً أصحابي أصحاب مخصوصون، وإلاّ فالخطاب كان أولاً للصحابة وقال: لو أن أحدكم أنفق فنهى بعض من أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وخاطبه بذلك عن سب من سبقه يقتضي زجر من لم يدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يخاطبه عن سب من سبقه من باب أولى، وتعقبه في العمدة بأن الحديث الذي فيه قصة خالد لا يدل على أنه المخاطب بذلك فإن الخطاب لجماعة، ولئن سلمنا أنه المخاطب فلا نسلم إنه كان إذ ذاك صحابيًّا بالاتفاق إذ يحتاج إلى دليل ولا يظهر ذلك إلاّ بالتاريخ اهـ.

وليس في النسخة التي عندي من الانتقاض جواب عن ذلك. (تابعه) أي تابع شعبة بن الحجاج المذكور (جرير) هو ابن عبد الحميد فيما وصله مسلم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد بلفظ: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبّه خالد فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تسبوا أحدًا من أصحابي" وهذا ظاهر في أن المخاطب خالد كما قال الحافظ. أما كونه إذ ذاك مسلمًا فينظر. (و) تابع شعبة أيضًا (عبد الله بن داود) بن عامر بن الربيع الخريبي بضم المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية بعدها موحدة مكسورة فيما وصله أحمد في مسنده عنه بغير ذكر القصة. (و) تابعه أيضًا (أبو معاوية) محمد بن خازم بمعجمتين الضرير مما وصله أحمد في مسنده (و) تابعه أيضًا (محاضر) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وبعد الألف ضاد معجمة فراء ابن المورع بضم الميم وفتح الواو وتشديد الراء المكسورة بعدها عين مهملة الكوفي مما وصله أبو الفتح الحداد في فوائده فذكر ثمل رواية جرير السابقة، لكن قال: بين خالد بن الوليد وبين أبي بكر الصديق بدل عبد الرحمن بن عوف. قال الحافظ ابن حجر: وقول جرير أصح، وكل من الأربعة روى ذلك (عن الأعمش) سليمان بن مهران. وحديث الباب أخرجه مسلم في الفضائل، وأبو داود في السنة، والترمذي والنسائي في المناقب، وابن ماجه في السنة. 3674 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ أَبُو الْحَسَنِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: "أَخْبَرَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ خَرَجَ فَقُلْتُ: لأَلْزَمَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِي هَذَا. قَالَ: فَجَاءَ الْمَسْجِدَ فَسَأَلَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: خَرَجَ وَوَجَّهَ هَا هُنَا، فَخَرَجْتُ عَلَى إِثْرِهِ أَسْأَلُ عَنْهُ حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ -وَبَابُهَا مِنْ جَرِيدٍ- حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَاجَتَهُ فَتَوَضَّأَ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاَّهُمَا فِي الْبِئْرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ فَقُلْتُ: لأَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْيَوْمَ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَ الْبَابَ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ. فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ، فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ. فَأَقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: ادْخُلْ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ. فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَهُ فِي الْقُفِّ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ. ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِي يَتَوَضَّأُ وَيَلْحَقُنِي، فَقُلْتُ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلاَنٍ خَيْرًا -يُرِيدُ أَخَاهُ- يَأْتِ بِهِ. فَإِذَا إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُ. فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ. فَجِئْتُ فَقُلْتُ: ادْخُلْ وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْجَنَّةِ. فَدَخَلَ فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْقُفِّ عَنْ يَسَارِهِ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ. ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلاَنٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ، فَجَاءَ إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ. فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ، فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: ادْخُلْ، وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُكَ. فَدَخَلَ فَوَجَدَ الْقُفَّ قَدْ مُلِئَ، فَجَلَسَ وُجَاهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ. قَالَ: شَرِيكٌ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ". [الحديث 3674 - أطرافه في: 3693، 3695، 6216، 7097، 7262]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مسكين) أي ابن نميلة بالنون مصغرًا اليماني نزيل بغداد (أبو الحسن) قال: (حدّثنا يحيى بن حسان) التنيسي قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال القرشي التيمي مولى القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وكان بربريًا (عن شريك بن أبي نمر) بفتح النون وكسر الميم نسبه لجده واسم أبيه عبد الله (عن سعيد بن المسيب) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري) -رضي الله عنه- (أنه توضأ في بيته ثم خرج) منه قال أبو موسى (فقلت: لألزمن) بفتح اللام الأولى آخره نون توكيد ثقيلة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأكونن) بفتح اللام والنون الثقيلة أيضًا (معه يومي هذا. قال: فجاء) أبو موسى (المسجد فسأل عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا) له: (خرج، ووجه) بفتح الواو والجيم المشددة بصيغة الماضي أي توجه أي وجه نفسه (ههنا) وسقط لأبي ذر الواو الأولى مع تشديد الجيم، ولأبي ذر عن الكشميهني: وجه بسكون الجيم مضافًا إلى الظرف وهو هاهنا أي جهة كذا. قال أبو موسى: (فخرجت) من المسجد (على أثره) بكسر الهمزة وسكون المثلثة ولأبي ذر أثره بفتح الهمزة والمثلثة (أسأل عنه) عليه الصلاة والسلام (حتى) وجدته (دخل بئر أريس) بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون التحتية بعدها سين مهملة مصروف في الفرع وأصله ونص عليه ابن مالك بستان بالقرب من قباء قال أبو موسى: (فجلست عند الباب وبابها من جريد حتى قضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاجته فتوضأ فقمت إليه فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسط قفها) بضم القاف وتشديد الفاء حافة البئر (فسلمت عليه) سلام الله وصلاته عليه (ثم انصرفت فجلست عند الباب. فقلت: لأكونن بوّاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر: بوابًا للنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اليوم) وسقط لفظ اليوم في الفرع وثبت في اليونينية، وزاد المؤلّف في الأدب من رواية محمد بن جعفر عن شريك ولم يأمرني، وفي صحيح أبي عوانة من طريق عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب فقال لي: "يا أبا موسى أملك على الباب" فانطلق فقضى حاجته وتوضأ ثم جاء فقعد على قف البئر، وعند الترمذي من طريق عثمان عن أبي موسى فقال لي: "يا أبا موسى أملك على الباب فلا يدخل عليّ أحد" وهذا مع حديث الباب ظاهره التعارض، وجمع بينهما النووي باحتمال أنه عليه الصلاة والسلام أمره بحفظ الباب أوّلاً إلى أن يقضي حاجته ويتوضأ لأنها حالة يستتر فيها، ثم حفظ الباب أبو موسى بعد ذلك من تلقاء نفسه انتهى. وأما قوله

فقلت ولأكونن فقال في الفتح: فيحتمل أنه لما حدث نفسه بذلك صادف أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأن يحفظ عليه الباب. (فجاء أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (فدفع الباب) مستأذنًا في الدخول (فقلت من هذا؟ فقال: أبو بكر. فقلت على رسلك) بكسر الراء أي تمهل وتأن (ثم ذهبت فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن) في الدخول عليك (فقال): (ائذن له وبشره بالجنة) (فأقبلت حتى قلت لأبي بكر ادخل ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبشرك بالجنة فدخل أبو بكر) -رضي الله عنه- (فجلس عن يمين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معه في القف ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي -رضي الله عنه- وكشف عن ساقيه) موافقة له عليه الصلاة والسلام، وليكون أبلغ في بقائه عليه الصلاة والسلام على حالته وراحته بخلاف ما إذا لم يفعل ذلك فربما استحيا منه فيرفع رجليه الشريفتين قال أبو موسى: (ثم رجعت فجلست) على الباب (وقد) كنت قبل (تركت أخي) أبا بردة عامرًا أو أخي أبا رهم (يتوضأ ويلحقني فقلت: إن يرد الله بفلان خيرًا يريد أخاه) أبا بردة أو أبا رهم (يأت به فإذا إنسان يحرك الباب) مستأذنًا (فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب، فقلت) له: (على رسلك، ثم جئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلمت عليه فقلت هذا عمر بن الخطاب يستأذن. فقال): (ائذن له وبشره بالجنة) (فجئت فقلت) له (أدخل وبشرك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجنة) زاد أبو عثمان في روايته الآتية إن شاء الله تعالى في مناقب عثمان فحمد الله وكذا قال في عثمان (فدخل فجلس مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في القف عن يساره ودلى رجليه في البئر) وسقط قوله: فدخل لأبي ذر (ثم رجعت فجلست فقلت: إن يرد الله بفلان خيرًا يأت به) يريد به أخاه (فجاء إنسان يحرك الباب) مستأذنًا (فقلت) له: (من هذا؟ فقال: عثمان بن عفان فقلت) له: (على رسلك فجئت إلى رسول الله) ولأبي ذر إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته) زاد أبو عثمان فسكت هنيهة (فقال): (ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه) هي البلية التي صار بها شهيد الدار من أذى المحاصرة والقتل وغيره (فجئته فقلت له: ادخل وبشرك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجنة على بلوى تصيبك) زاد في رواية أما عثمان فحمد الله ثم قال: الله المستعان وفيه تصديق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما أخبره به (فدخل فوجد القف قد ملئ) بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والعمرين (فجلس وجاهه) عليه الصلاة والسلام بضم الواو وكسرها أي مقابله عليه الصلاة والسلام (من الشق الآخر). (قال شريك) بالسند السابق وفي نسخة اليونينية وفرعها قال شريك بن عبد الله (قال سعيد بن المسيب: فأوّلتها) أي جمعية الصاحبين معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومقابلة عثمان له (قبورهم) من جهة كون العمرين مصاحبين له عند الحضرة المقدسة لا من جهة أن أحدهما في اليمين والآخر في اليسار، وأن عثمان في البقيع مقابلاً لهم. قال: النووي: وهذا من باب الفراسة الصادقة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفتن، ومسلم في الفضائل. 3675 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُمْ: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَعِدَ أُحُدًا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَقَالَ: اثْبُتْ أُحُدُ, فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ». [الحديث 3675 - طرفاه في: 3686، 3699]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار العبدي قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (أن أنس بن مالك -رضي الله عنه- حدثهم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صعد) بكسر العين علا (أُحدًا) الجبل المعروف بالمدينة (وأبو بكر) مرفوع عطفًا على الضمير المستتر في صعد لوجود الفاصل أو بالابتداء وما بعده وهو قوله: (وعمر وعثمان) عطف عليه أي وأبو بكر وعمر وعثمان صعدوا معه قال في المصابيح: والأوّل أولى (فرجف) أي اضطرب (بهم) أحد (فقال) له عليه الصلاة والسلام: (أثبت أُحد) منادى حذفت أداته أي يا أحد ونداؤه وخطابه وهو يحتمل المجاز والحقيقة لكن الظاهر الحقيقة كقوله: "أُحد جبل يحبنا ونحبه" (فإنما عليك نبي وصديق) أبو بكر

(وشهيدان) عمر وعثمان. قال ابن المنير: قيل الحكمة في ذلك أنه لما أرجف أراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبين أن هذه الرجفة ليست من جنس رجفة الجبل بقوم موسى عليه السلام لما حرفوا الكلم، وأن تلك رجفة الغضب وهذه هزة الطرب، ولهذا نص على مقام النبوّة والصديقية والشهادة التي توجب سرور ما اتصلت به لا رجفانه فأقر الجبل بذلك فاستقر وما أحسن قول بعضهم: ومال حراء تحته فرحًا به ... فلولا مقال اسكن تضعضع وانقضا وهذا الحديث يخرجه أيضًا في فضل عمر، وأبو داود في السنة، والترمذي والنسائي في المناقب. 3676 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا صَخْرٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَمَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْهَا جَاءَنِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ. ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِي بَكْرٍ فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، فَنَزَعَ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ». قَالَ وَهْبٌ: الْعَطَنُ مَبْرَكُ الإِبِلِ، يَقُولُ: حَتَّى رَوِيَتِ الإِبِلُ فَأَنَاخَتْ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أحمد بن سعيد) بكسر العين الرباطي المروزي (أبو عبد الله) الأشقر قال: (حدّثنا وهب بن جرير) بفتح الجيم ابن حازم أبو عبد الله الأزدي البصري قال: (حدّثنا صخر) هو ابن جويرية مولى بني تميم أو بني هلال (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بينما) بالميم ولأبي ذر: بينا (أنا على بئر أنزع) أي أستقي (منها) في المنام (جاءني أبو بكر وعمر فأخذ أبو بكر الدلو فنزع) منها (ذنوبًا أو ذنوبين) بفتح الذال المعجمة دلوا أو دلوين ممتلئين ماء والشك من الراوي (وفي نزعه ضعف) إشارة إلى ما كان في زمنه من الارتداد واختلاف الكلمة ولين جانبه ومداراته مع الناس (والله يغفر له) هي كلمة كانوا يقولونها افعل كذا والله يغفر لك (ثم أخذها ابن الخطاب) عمر (من يد أبي بكر) بالإفراد، ولأبي ذر: من يدي أبي بكر (فاستحالت) أي تحوّلت (في يده غربًا) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء دلوا عظيمة (فلم أر عبقريًّا) سيدًا قويًا (من الناس يفري فريه) بفتح التحتية وسكون الفاء في الأولى وفتح الفاء وكسر الراء وتشديد التحتية المفتوحة في الثانية أي يعمل عمله البالغ (فنزع) من البئر (حتى ضرب الناس بعطن) بفتح المهملتين آخره نون. (قال وهب): هو ابن جرير المذكور بالإسناد السابق المذكور (العطن مبرك الإبل يقول حتى رويت الإبل فأناخت) قال في المصابيح، قيل حق الكلام فأنيخت أي بركت وهذا كله فيه إشارة إلى ما أكرم الله عز وجل به عمر من امتداد مدّة خلافته، ثم القيام فيها بإعزاز الإسلام وحفظ حدوده وتقوية أهله حتى ضرب الناس بعطن أي حتى رووا وأرووا إبلهم وأبركوها وضربوا لها عطنًا وهو مبرك الإبل حول الماء. يقال: أعطنت الإبل فهي عاطنة، وعواطن أي سقيت وتركت عند الحياض لتعاد مرة أخرى. 3677 - حَدَّثَنا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْمَكِّيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "إِنِّي لَوَاقِفٌ فِي قَوْمٍ فَدَعَوُا اللَّهَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -وَقَدْ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ- إِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي قَدْ وَضَعَ مِرْفَقَهُ عَلَى مَنْكِبِي يَقُولُ: رَحِمَكَ اللَّهُ، إِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، لأَنِّي كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: كُنْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَفَعَلْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَانْطَلَقْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. فَإِنْ كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا. فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ". [لحديث 3677 - طرفه في: 3685]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (الوليد بن صالح) النخاس بالخاء المعجمة الفلسطيني وثقه أبو حاتم وغيره ولم يكتب عنه أحمد لأنه كان من أصحاب الرأي، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وسيأتي إن شاء الله تعالى من وجه آخر في مناقب عمر قال: (حدّثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة أخو إسرائيل قال: (حدّثنا عمر بن سعيد بن أبي الحسين) بضم العين في الأول وكسرها في الثاني وضم الحاء في الثالث ولأبي ذرّ أبي حسين (المكي) النوفليّ (عن ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبيد الله بضم عين الثاني (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: إني لواقف) بلام التأكيد المفتوحة (في قوم فدعوا الله) ولأبي الوقت يدعوا الله بتحتية بدل الفاء وسكون الدال وضم العين (لعمر بن الخطاب وقد وضع على سريره) لما مات والجملة حالية من عمر (إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي يقول): لعمر بن الخطاب (رحمك الله) بصيغة الماضي، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: يرحمك الله (إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر -رضي الله عنه- تدفن معهما (لأني كثيرًا) اللام للتعليل أو مؤكدة وكثيرًا ظرف زمان وعامله كان تقدم عليه (مما) بزيادة من أو التقدير أجد كثيرًا مما وللأصيلي: ما (كنت أسمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (كنت وأبو بكر وعمر) عطف على المرفوع المتصل بدون تأكيد ولا فاصل وفيه

6 - باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي -رضي الله عنه-

خلاف بين البصريين والكوفيين قيل والحديث يرد على المانع ولكن في رواية الأصيلي: كنت أنا وأبو بكر وعمر بالفصل فالعطف حينئذٍ على الضمير بعد تأكيده واستغنى بهذه الرواية عن الإحالة على الرواية الآتية إن شاء الله تعالى في مناقب عمر إذ فيها العطف مع التأكيد، (وفعلت وأبو بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر، فإن كنت) كذا في اليونينية وغيرها مما وقفت عليه من النسخ المعتمدة فإن كنت بالفاء وسكون النون، وأما الفرع فالذي فيه وإني كنت بواو وبعد النون المكسورة المشدّدة تحتية (لأرجو أن يجعلك الله معهما) في الحجرة (فالتفت فإذا هو) أي القائل (علي بن أبي طالب) -رضي الله عنه-. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إنه يدل على فضيلة الصديق كما لا يخفى. 3678 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُصَلِّي، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَفَعَهُ عَنْهُ فَقَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: 28]. [الحديث 3678 - طرفاه في: 3856، 4815]. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع لأبي ذر ولغيره حدّثني (محمد بن يزيد) من الزيادة البزاز بتشديد الزاي الأولى (الكوفي) قال ابن خلفون: وليس باب هشام محمد بن يزيد بن رفاعة الرفاعي قاله الكلاباذي والحاكم. وقال ابن حجر: وفي رواية ابن السكن عن الفريري محمد بن كثير وهو وهم نبه عليه أبو علي الجياني لأنه لا يعرف له رواية عن الوليد انتهى. قال: (حدّثنا الوليد) بن مسلم (عن الأوزاعي) عبد الرحمن (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة صالح اليمامي الطائي (عن محمد بن إبراهيم) بن الحرث التيمي القرشي (عن عروة بن الزبير) بن العوّام أنه (قال: سألت عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص (عن أشد ما صنع المشركون برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (رأيت عقبة بن أبي معيط) المقتول كافرًا بعد وقعة بدر (جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يصلّي) زاد في باب ما لقي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه من المشركين بمكة في حجر الكعبة (فوضع رداءه) أي رداء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر رداء (في عنقه) الشريف (فخنقه به) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بها (خنقًا) بكسر النون وسكونها في المصدر وفتحها في الماضي وهو فخنقه (شديدًا فجاء أبو بكر) ولأبي ذر فجاءه أبو بكر (حتى دفعه) أي دفع بيده عقبة (عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وزاد ابن إسحاق وهو يبكي (فقال) لهم: ({أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم}) [غافر: 28] قال بعضهم: أبو بكر أفضل من مؤمن آل فرعون لأن ذاك اقتصر حيث انتصر على اللسان، وأما أبو بكر -رضي الله عنه- فاتبع اللسان يدًا ونصر بالقول والفعل محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا الحديث أخرجه في باب ما لقي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه من المشركين بمكة. 6 - باب مَنَاقِبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَبِي حَفْصٍ الْقُرَشِيِّ الْعَدَوِيِّ -رضي الله عنه- (باب مناقب عمر بن الخطاب) بن نفيل بضم النون وفتح الفاء آخره لام مصغرًا ابن عبد العزى بن رياح بكسر الراء وفتح التحتية وبعد الألف حاء مهملة ابن عبد الله بن قرط بضم القاف بن رزاح بفتح الراء والزاي وبعد الألف مهملة ابن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر واسمه قريش بن مالك بن النضر (أبي حفص) كناه بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما عند ابن إسحاق في السيرة، ولقبه الفاروق لقبه به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما رواه ابن أبي شيبة في تاريخه، وقيل لقبه به أهل الكتاب قاله الزهري فيما رواه ابن سعد وقيل جبريل رواه البغوي (القرشي) نسبه إلى جده الأعلى فهر (العدوي) نسبه إلى عدي المذكور (-رضي الله عنه-) استخلفه أبو بكر فأقام عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال، وقتله أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة، وسقط لفظ باب لأبي ذر فمناقب رفع. 3679 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ، وَسَمِعْتُ خَشَفَةٌ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا بِلاَلٌ. وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لِعُمَرَ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ. فَقَالَ عُمَرُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ. أَعَلَيْكَ أَغَارُ»؟. [الحديث 3679 - طرفاه في: 5226، 7024]. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون السلمي الأنماطي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن الماجشون) بكسر الجيم وضم الشين المعجمة المدني نزيل بغداد ونسبه لجده أبي سلمة الماجشون وإلاّ فاسم أبيه عبد الله وسقط لأبي ذر لفظ ابن فالماجشون حينئذٍ مرفوع لقب لعبيد العزيز قال: (حدّثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (رأيتني) بضمير المتكلم وهو من خصائص أفعال القلوب أي رأيت نفسي في

المنام (دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء) بضم الراء وبالصاد المهملة ممدودًا مصغرًا سهلة بنت ملحان الأنصارية (امرأة أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري، والرميصاء صفة لها لرمص كان بعينها (وسمعت خشفة) بخاء مفتوحة وشين ساكنة معجمتين وفاء مفتوحة، وفي اليونينية بفتح الشين أي صوتًا ليس شديدًا وهو حركة وقع القدم (فقلت: من هذا؟ فقال) جبريل أو غيره من الملائكة (هذا بلال) ويحتمل أن يكون القائل هذا بلال بلالاً نفسه (ورأيت) فيها (قصرًا) زاد الترمذي من حديث أنس من ذهب (بفنائه) بكسر الفاء والمدّ ما امتدّ خارجه من جوانبه (جارية فقلت: لمن هذا؟) القصر (فقال) أي الملك ولأبي ذر عن الكشميهني فقالوا أي الملائكة وفي نسخة بالفرع وأصله وصحح عليه فقالت أي الجارية (لعمر) بن الخطاب (فأردت أن أدخله فأنظر إليه) بنصب أنظر (فذكرت غيرتك) بفتح الغين المعجمة وفي الرواية التي في النكاح فأردت أن أدخله فلم يمنعني إلا علمي بغيرتك (فقال عمر): أفديك (بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار) الأصل أعليها أغار منك فهو من باب القلب. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل والنسائي في المناقب. 3680 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ قَالَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا. فَبَكَى عمر وَقَالَ: أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ»؟. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي مولاهم المصري قال: (أخبرنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: بينا) بغير ميم (نحن عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ قال: بينا) بغير ميم أيضًا (أنا نائم رأيتني) أي رأيت نفسي (في الجنة فإذا امرأة تنوضأ إلى جانب قصر) وضوءًا شرعيًا ولا يلزم أن يكون على جهة التكليف أو يؤول بأنها كانت محافظة في الدنيا على العبادة أو لغويًا لتزداد وضاءة وحسنًا، وهذه المرأة هي أم سليم وكانت حينئذٍ في قيد الحياة (فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا): أي الملائكة (لعمر فذكرت غيرته) بفتح الغين المعجمة مصدر قولك غار الرجل على أهله (فوليت مدبرًا فبكى عمر) لما سمع ذلك سرورًا به وتشوقًا إليه وثبت قوله عمر لأبوي ذر والوقت (وقال: أعليك أغار يا رسول الله). وهذا الحديث سبق في باب ما جاء في صفة الجنة. 3681 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أَبُو جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ شَرِبْتُ -يَعْنِي اللَّبَنَ- حَتَّى أَنْظُرُ إِلَى الرِّيِّ يَجْرِي فِي ظُفُرِي -أَوْ فِي أَظْفَارِي- ثُمَّ نَاوَلْتُ عُمَرَ. قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رسول الله، قَالَ: الْعِلْمَ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن الصلت) بفتح الصاد المهملة وبعد اللام الساكنة فوقية (أبو جعفر الكوني) الأسدي قال: (حدّثنا ابن المبارك) عبد الله (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (حمزة) بالحاء المهملة والزاي (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بينا) بغير ميم (أنا نائم شربت) وفي باب فضل العلم من كتاب العلم بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت (يعني اللبن حتى أنظر) بالرفع مصححًا عليه في الفرع وأصله لأبي ذر أنظر بالنصب "إلى الري" بكسر الراء وتشديد الياء التحتية حال كونه (يجري في ظفري) بالإفراد (أو) قال: (في أظفاري) ورؤية الري على طريق الاستعارة كأنه لما جعل الري جسمًا أضاف إليه ما هو من خواص الجسم وهو كونه مرئيًّا، قاله في الفتح (ثم ناولت عمر) وفي العلم ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب (قالوا: فما أولته) أي عبرته ولأبوي ذر والوقت فما أولت بإسقاط الضمير (يا رسول الله؟ قال): أولته (العلم) وذلك من جهة اشتراك العلم واللبن في كثرة النفع فاللبن للغذاء البدني والعلم للغذاء المعنوي، ويأتي مزيد فوائد في باب التعبير إن شاء الله تعالى بعون الله تعالى وفضله وكرمه. 3682 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ سَالِمٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أُرِيتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَنْزِعُ بِدَلْوِ بَكْرَةٍ عَلَى قَلِيبٍ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ نَزْعًا ضَعِيفًا وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ. ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيَّهُ، حَتَّى رَوِيَ النَّاسُ وَضَرَبُوا بِعَطَنٍ». قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: الْعَبْقَرِيُّ عِتَاقُ الزَّرَابِيِّ. وَقَالَ يَحْيَى: الزَّرَابِيُّ الطَّنَافِسُ لَهَا خَمْلٌ رَقِيقٌ. {مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية: 16] كَثِيرَةٌ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن نمير) بضم النون آخره راء مصغرًا الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا محمد بن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة العبدي أبو عبد الله الكوفي قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر العمري (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو بكر بن سالم) وثقه العجلي وليس له في البخاري إلا هذا الموضع (عن) أبيه (سالم عن) أبيه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (رأيت) بضم الهمزة وكسر الراء (في المنام أني أنزع بدلو بكرة) بإسكان الكاف مصححًا عليه في الفرع وحكى الفتح ودلو مضاف إلى بكرة. وقال في الفتح: بكرة بفتح الموحدة والكاف على المشهور، وحكى بعضهم تثليث الموحدة ويجوز إسكان الكاف على أن المراد نسبة الدلو الى الأنثى من الإبل وهي الشابة أي الدلو التي يستقى بها، وأما بالتحريك فالخشبة المستديرة التي يعلق فيها الدول (على قليب) بقاف مفتوحة فلام مكسورة وبعد التحتية الساكنة موحدة بئر لم تطو (فجاء أبو بكر) الصديق (فنزع) أي أخرج من ماء القليب (ذنوبًا أو ذنوبين) دلوا أو دلوين والشك من الراوي (نزعًا ضعيفًا) أوّل بقصر مدة خلافته (والله يغفر له) ضعفه (ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت) أي تحولت الدلو في يده (غربًا) دلوًا عظيمًا (فلم أر عبقريًّا) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح القاف وبعد الراء المكسورة تحتية مشددة (يفري فريه) بالفاء الساكنة بعد فتح في الأولى وبالمفتوحة في الثانية (حتى روي الناس وضريوا بعطن) فيه إشارة إلى طول مدة خلافة عمر وكثرة انتفاع الناس بها. (قال ابن جبير): بالجيم سعيد فيما وصله عبد بن حميد ولأبي ذر ونسبها في الفتح للأصيلي وكريمة وبعض النسخ عن أبي ذر قال ابن نمير: بنون وميم مصغرًا قيل هو محمد بن عبد الله بن نمير شيخ المولف. قال البرماوي كالكرماني: وهو أولى لأنه راوي الحديث (للعبقري عتاق الزرابي). بكسر العين حسانها (وقال يحيى): قال في الفتح: هو ابن زياد الفراء كما في معاني القرآن له وقال: الكرماني هو يحيى بن سعيد القطان لأنه أيضًا راوي الحديث كما سبق في مناقب أبي بكر (الزرابي) هي (الطنافس) جمع طنفسة بكسر الطاء وفتح الفاء وهي البساط (لها خمل) بفتح الخاء المعجمة والميم وفي الفرع كأصله بسكون الميم أي أهداب (رقيق مبثوثة) أي (كثيرة) وهذا الذي قاله في العبقري هو معناه في اللغة، وأما المراد هنا فسيد القوم وغير ذلك مما سبق. 3683 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: ح. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قُمْنَ فَبَادَرْنَ الْحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَدَخَلَ عُمَرُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَضْحَكُ؛ فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللاَّتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابِ، قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِي وَلاَ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِيهًا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبد الحميد) بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب (أن محمد بن سعد) بسكون العين (أخبره أن أباه) سعد بن أبي وقاص (قال): وسقط لأبي ذر من قوله حدّثنا علي بن عبد الله إلى قوله أن أباه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي المدني قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد) أي ابن الخطاب (عن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه) -رضي الله عنه- (قال: استأذن عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- وسقط لأبي ذر ابن الخطاب (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعنده نسوة من قريش يكلمنه) هن من أزواجه لقوله (ويستكثرنه) أي يطلبن منه أكثر مما يعطيهن وفي مسلم أنهن يطلبن النفقة حال كونهن (عالية أصواتهن على صوته) قبل النهي عن رفع الصوت على صوته أو كان ذلك من طبعهن قاله ابن المنير ومن قبله القاضي عياض، وفي الفرع وأصله عالية بالرفع أيضًا على الصفة (فلما استأذن عمر بن الخطاب) سقط ابن الخطاب لأبي ذر (قمن فبادرن الحجاب) أسرعن إليه (فأذن له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخل عمر ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يضحك) من فعلهن (فقال عمر: أضحك الله سنّك يا رسول الله) مراده لازم الضحك وهو السرور لا الدعاء بالضحك (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (عجبت من هؤلاء) النسوة (اللاتي كن عندي) يرفعن أصواتهن (فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب فقال ولأبي ذر: قال (عمر: فأنت أحق أن يهبن) بفتح الأول والثاني من الهيبة يوقرن (يا رسول الله

ثم قال عمر): لهن (يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقلن: نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بمعجمة فيهما من الفظاظة والغلظة بصيغة أفعل التفضيل المقتضية للشركة في أصل الفعل، لكن يعارضه قوله تعالى: {ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [آل عمران: 159] وأجيب: بأن الذي في الآية يقتضي نفي وجود ذلك له صفة لازمة له فلا يستلزم ما في الحديث بل مجرد وجود الصفة له في بعض الأحوال كإنكار المنكر مثلاً، وقد كان عليه الصلاة والسلام لا يواجه أحدًا بما يكره إلا في حق من حقوق الله عز وجل، وكان عمر مبالغًا في الزجر عن المكروهات مطلقًا وفي طلب المندوبات كلها فمن ثم قال النسوة له ذلك. (فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِيهًا يا ابن الخطاب) بكسر الهمزة وسكون التحتية منونًا منصوبًا قال في الفتح: وهي روايتنا أي لا تبتدئنا بحديث، ولأبوي الوقت وذر: إيه بالكسر والتنوين أي حدّثنا ما شئت فكأنه يقول: أقبل على حديث نعهده منك أو على أي حديث كان، وأعرض عن الإنكار عليهن. وحكى السفاقسي إيه بكسرة واحدة في الهاء وقال: معناه كلف عن لومهن. وقال في القاموس: إيه بكسر الهمزة والهاء وفتحها وتنون المكسورة كلمة استزادة واستنطاق، وإيه بإسكان الهاء جر بمعنى حسبك وإيه مبنية على الكسر فإذا وصلت نونت، وايهًا بالنصب وبالفتح أمر بالسكوت اهـ. وقال في المصابيح: فإن قلت: قد صرحوا بأن ما نون من أسماء الأفعال نكرة وما لم ينون منها معرفة، فعلى كونها معرفة فمن أي أقسام المعارف هي؟ وأجاب: بأن ابن الحاجب في إيضاحه على المفصل قال: إنه ينبغي إذا حكم بالتعريف أن تكون أعلامًا مسمياتها الفعل الذي هي بمعناه فتكون علمًا لمفعوليته وإذا حكم بالتنكير أن تكون لواحد من آحاد الفعل الذي يتعدد اللفظ به، واختلف حينئذٍ المعنى بالاعتبارين فصه بدون تنوين كأسامة وبالتنوين كأسد. وقال في شرح المشكاة: لا شك أن الأمر بتوقيره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مطلوب لذاته تجب الاستزادة منه فكان قول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إيه استزادة منه في طلب توقيره، وتعظيم جانبه، ولذلك عقبه بما يدل على استرضاء ليس بعده استرضاء إحمادًا منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لفعاله كلها لا سيما هذه الفعلة حيث قال: (والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا) بفتح الفاء والجيم المشددة أي طريقًا واسعًا (قط إلا سلك فجًّا غير فجك) أي لشدة بأسه خوفًا من أن يفعل به شيئًا فهو على ظاهره أو هو على طريق ضرب المثل، وأن عمر فارق سبيل الشيطان وسلك سبيل السداد فخالف كل ما يحبه الشيطان قاله عياض. والأول أولى، وهذا لا يقتضي عصمته لأنه ليس فيه إلا فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل قدرته إليه. وهذا الحديث سبق في باب صفة إبليس وجنوده. 3684 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ". [الحديث 3684 - طرفه في: 3863]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الزمن البصري قال (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد أنه قال: (حدّثنا قيس) هو ابن أبي حازم (قال: قال عبد الله) هو ابن مسعود -رضي الله عنه- (ما زلنا أعزة) في الدين (منذ) بالنون (أسلم عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه-، وكان إسلامه بعد حمزة بثلاثة أيام بدعوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اللهم أعز الإسلام بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب". وعند الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد صحيح وصححه ابن حبان "اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر" قال: فكان أحبهما إليه عمر، وعند ابن أبي شيبة من حديث ابن مسعود كان إسلام عمر عزًا وهجرته نصرًا وإمارته رحمة، والله ما استطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر، وعند ابن سعد من حديث صهيب قال: لما أسلم عمر قال المشركون: انتصب القوم منا. وحديث الباب أخرجه أيضًا في إسلام عمر. 3685 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: "وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ -وَأَنَا فِيهِمْ- فَلَمْ يَرُعْنِي إِلاَّ رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي، فَإِذَا عَلِيٌّ بْن أَبِي طَالِب، فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَىَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ. وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَحَسِبْتُ أَنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ". وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك

قال: (حدّثنا عمر بن سعيد) بكسر العين ابن أبي حسين النوفليّ القرشي المكيّ (عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بن أبي مليكة بضم الميم مصغرًا (أنه سمع ابن عباس يقول: وضع عمر على سريره) بعد أن مات (فتكنفه الناس) بنون مشددة ثم فاء أي أحاطوا به من جميع جوانبه حال كونهم (يدعون) له (ويصلون) عليه (قبل أن يرفع) من الأرض (وأنا فيهم فلم يرعني) أي لم يفزعني ويفجأني (إلا رجل آخذ) بمد الهمزة بوزن فاعل، ولأبي ذر عن الكشميهني: أخذ بصيغة الماضي (منكبي) بالإفراد (فإذا) هو (عليّ) ولأبي ذر: عليّ بن أبي طالب (فترحم على عمر) - رضي الله تعالى عنهما - (وقال): مخاطبًا لعمر (ما خلفت أحدًا أحب إليّ) بنصب أحب في الفزع صفة لأحد ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف (أن ألقى الله بمثل عمله منك) فيه أنه كان لا يعتقد أن لأحد عملاً في ذلك الوقت أفضل من عمل عمر (وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله) مدفونًا (مع صاحبيك) يريد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبا بكر -رضي الله عنه- في الحجرة الشريفة أو في الجنة (وحسبت أني كنت كثيرًا أسمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): بفتح همزة أني مفعول حسبت وبالكسر استئناف تعليلي أي كان على حساب أن يجعلك الله مع صاحبيك سماعي قول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر). وهذا الحديث سبق قريبًا في مناقب أبي بكر. 3686 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ بْنِ أَبِي رَوْيَةَ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ وَكَهْمَسُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالاَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «صَعِدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أُحُدٍ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ وَقَالَ: اثْبُتْ أُحُدُ، فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيد». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا قال: (حدّثنا سعيد) بكسر العين ولأبي ذر سعيد بن أبي عروبة (قال): أي البخاري (وقال لي خليفة): هو ابن خياط أحد مشايخه مذاكرة (حدّثنا محمد بن سواء) بفتح السين وتخفيف الواو ممدود الضرير السدوسي المتوفى سنة سبع وثمانين ومائة (وكهمس بن المنهال) بفتح الكاف وسكون الهاء وفتح الميم بعدها سين مهملة، والمنهال بكسر الميم وسكون النون السدوسي أيضًا (قالا: حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة المذكور وسقط قوله وقال لي خليفة الخ في رواية أبي ذر في بعض النسخ واقتصر على طريق يزيد بن زريع كما نبه عليه في الفتح (عن قتاة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: صعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أُحد) ولأبي ذر أُحدًا بإسقاط إلى (ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف) أي اضطرب (بهم) أحد (فضربه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (برجله) وفي اليونينية وفرعها علامة السقوط من غير عزو على فضربه برجله (قال) ولأبي ذر: وقال: (أثبث أحد) أي يا أحد وسقط لفظ أحد لأبي ذر (فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد) بالألف والواو فيهما فقيل أو بمعنى الواو لقوله في مناقب الصديق: فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان، فيكون لفظ أو شهيد بالألف هنا بالإفراد للجنس، ولأبي ذر: وصديق بالواو أو شهيد بالألف قبل الواو فقيل أو بمعنى الواو أيضًا، وقيل تغيير الأسلوب للإشعار بمغايرة الحال لأن النبوّة والصديقية حاصلتان بخلاف الشهادة فإنها لم تكن وقعت حينئذٍ فالأوّلان حقيقة والثالث مجاز وفي نسخة عليها علامة السقوط لأبي ذر بالفرع وأصله شهيدان بالتثنية. وهذا الحديث قد سبق في مناقب الصديق. 3687 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "سَأَلَنِي ابْنُ عُمَرَ عَنْ بَعْضِ شَأْنِهِ -يَعْنِي عُمَرَ- فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ حِينَ قُبِضَ كَانَ أَجَدَّ وَأَجْوَدَ حَتَّى انْتَهَى مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي سكن مصر (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عمر هو ابن محمد) أي ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (أن زيد بن أسلم حدثه عن أبيه) أسلم مولى عمر بن الخطاب (قال: سألني ابن عمر) بن الخطاب (عن بعض شأنه يعني) عن بعض شأن أبيه (عمر) -رضي الله عنه- (فأخبرته فقال): أي ابن عمر (ما رأيت أحدًا قط بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في هذه الخصال (من حين قبض) عليه الصلاة والسلام بفتح نون حين في الفرع مصححًا عليها على البناء لإضافته إلى مبني وليس البناء هنا متحتمًا وإنما هو أولى من الإعراب قاله في المصابيح (كان أجدّ) بفتح الجيم

وتشديد الدال المهملة أفعل تفضيل من جدّ إذا اجتهد في الأمور (وأجود) أفعل من الجود بالأموال (حتى انتهى) إلى آخر عمره (من عمر بن الخطاب) أي في مدة خلافته لا قبلها. 3688 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: «أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ السَّاعَةِ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: لاَ شَىْءَ، إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَىْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ». [الحديث 3688 - أطرافه في: 6167، 6171، 7153]. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواضحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الجهضمي (عن ثابت) البناني (عن أنس -رضي الله عنه- أن رجلاً) هو ذو الخويصرة وقيل أبو موسى الأشعري (سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الساعة فقال: متى الساعة؟) تقوم (قال) عليه الصلاة والسلام له: (وماذا أعددت لها) قال: الطيبي: سلك مع السائل أسلوب الحكيم لأنه سأل عن وقت الساعة (قال) الرجل (لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (فقال) ولأبي ذر قال عليه الصلاة والسلام له: (أنت مع من أحببت). يحسن نيتك من غير زيادة عمل في الجنة أي بحيث يتمكن كل واحد منهما من رؤية الآخر وإن بعد المكان لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضًا وإذا أرادوا الرؤية والتلاقي قدروا على ذلك هذا هو المراد من هذه المعية لا كونهما في درجة واحدة. (قال أنس: فما فرحنا بشيء) بكسر الراء بصيغة الماضي (فرحنا) بفتح الراء والحاء مصدر أي كفرحنا وانتصابه بنزع الخافض (بقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أنت مع من أحببت. قال أنس: فأنا أحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم). 3689 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ ناسٌ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ» زَادَ زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "مِن نبيٍّ وَلاَ مُحَدِّثٍ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة الحجازي المدني قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدّثون) بتشديد الدال المهملة المفتوحة أي ملهمون أو يلقى في روعهم الشيء قبل الإعلام به فيكون كالذي حدثه غيره به أو يجري الصواب على لسانهم من غير قصد، ولأبي ذر: ناس محدّثون (فإن يكن في أمتي أحد) منهم (فإنه عمر) بن الخطاب (زاد زكريا بن أبي سلمة عن أبي هريرة) أنه (قال: قال النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لقد كان فيمن كان قبلكم) ولأبي ذر: لقد كان قبلكم (من بني إسرائيل رجال يكلمون) بفتح اللام المشددة تكلمهم الملائكة (من غير أن يكونوا أنبياء) أو المعنى يكلمون في أنفسهم وإن لم يروا متكلفًا في الحقيقة وحينئذٍ فيرجع إلى الإلهام (فإن يكن من) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي في (أمتي منهم أحد فعمر) وثبت لأبي ذر عن الكشميهني لفظ منهم وليس قوله فإن يكن للترديد بل للتأكيد كقولك: إن يكن لي صديق ففلان إذ المراد اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الأصدقاء، وإذا ثبت أن هذا وجد في غير هذه الأمة المفضولة فوجوده في هذه الأمة الفاضلة أحرى. (قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: من نبي ولا محدث) بفتح الدال المشدّدة، وقد ثبت قول ابن عباس هذا لأبي ذر وسقط لغيره، ووصله سفيان بن عيينة في أواخر جامعه وعبد بن حميد بلفظ كان ابن عباس يقرأ: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث} [الحج: 52]. 3690 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالاَ: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهَا حَتَّى اسْتَنْقَذَهَا، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ لَهُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي؟ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَمَا ثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا عقيل) بضم العين مصغرًا ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد بن المسيب) المخزومي القرشي أحد العلماء الإثبات (وأبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف أنهما (قالا: سمعنا أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بينما) بالميم (راع) لم يسم (في غنمه عدا الذئب) بالعين المهملة في عدا (فأخد منها شاة فطلبها) أي الراعي (حتى استنقذها) منه (فالتفت إليه الذئب فقال له من لها) أي للغنم (يوم السبع) بضم الموحدة أو بسكونها الحيوان المعروف (ليس لها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لهذا بدل لها، وفي الرواية السابقة في فضل أبي بكر وغيرها

يوم ليس لها (راع) يرعاها (غيري) أي عند الفتن حين يتركها الناس هملا (فقال الناس) متعجبين من نطقه (سبحان الله فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فإني أومن به) بالنطق الصادر من الذئب والفاء جواب شرط محذوف أي فإذا كان الناس يستغربونه ويتعجبون منه فإني لا أستغربه وأومن به (و) كذا (أبو بكر وعمر وما ثم) بفتح المثلثة (أبو بكر وعمر) ولم يذكر هنا قصة البقرة المذكورة في رواية بني إسرائيل كفضل أبي بكر. 3691 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَلَىَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ اجْتَرَّهُ. قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الدِّينَ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي مولاهم المصري واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو أمامة) أسعد (بن سهل بن حنيف) بضم الحاء مصغرًا (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) بالدال المهملة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (بينا) بغير ميم (أنا نائم رأيت الناس) من الرؤيا الحلمية على الأظهر أو البصرية حال كونهم (عرضوا علي وعليهم قمص) بضم القاف والميم جمع قميص والواو للحال (فمنها) أي القمص (ما) أي الذي (يبلغ الثدي) بضم المثلثة وكسر الدال المهملة وتشديد التحتية جمع ثدي ولغير أبي ذر الثدي بفتح فسكون على الإفراد (ومنها ما يبلغ دون ذلك) فلم يصل إلى الثدي (وعرض علي عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (وعليه قميص اجتره) بهمزة وصل وسكون الجيم أي لطوله (قالوا) أي من حضر من الصحابة أو الصديق كما يأتي إن شاء الله تعالى في التعبير (فما أوّلته) أي عبرته (يا رسول الله؟ قال): أوّلته (الدين) لأن الدين يشمل الإنسان ويحفظه ويقيه المخالفات كوقاية الثوب وشموله ولا يلزم منه أفضلية عمر على أبي بكر، فلعل الذين عرضوا لم يكن فيهم أبو بكر، وكون عمر عليه قميص يجره لا يستلزم أن لا يكون على أبي بكر أطول منه. وهذا الحديث سبق في الإيمان في باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال. 3692 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: "لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَعَلَ يَأْلَمُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ-: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَئِنْ كَانَ ذَاكَ، لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهْوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهْوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ صَحَبَتَهُمْ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ لَتُفَارِقَنَّهُمْ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ. قَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرِضَاهُ فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَرِضَاهُ فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا تَرَى مِنْ جَزَعِي فَهْوَ مِنْ أَجْلِكَ وَأَجْلِ أَصْحَابِكَ. وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِي طِلاَعَ الأَرْضِ ذَهَبًا لاَفْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ". قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ "دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ" بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا الصلت بن محمد) بفتح الصاد المهملة وسكون اللام بعدها فوقية الخاركي بالخاء المعجمة والراء المكسورة البصري قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) هو ابن علية قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن المسور بن مخرمة) بكسر الميم وسكون السين المهملة في الأوّل وبفتح الميم وسكون الخاء المعجمة في الثاني أنه (قال: لما طعن عمر) -رضي الله عنه-، وكان الذي طعنه أبا لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة في خاصرته وهو في صلاة الصبح يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين (جعل يألم) بتحتية بعدها همزة ساكنة (فقال له ابن عباس وكأنه يجزعه) بضم التحتية وفتح الجيم وتشديد الزاي المكسورة أي يزيل جزعه (يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك) بغير لام ولأبي ذر عن الكشميهني كما في الفرع وأصله ولا كل ذلك بلا النافية وإسقاط كان وزيادة كل وذلك باللام وللكشميهني ذاك بإسقاط اللام أي لا تبالغ فيما أنت فيه من الجزع، ونسب هذه الكرماني إلى بعض روايات غير البخاري، وتبعه البرماوي فلم يقفا عليها معزوّة للكشميهني ولبعضهم كما في الفتح كالكواكب ولما كان ذلك، وكأنه دعا أن لا يكون الموت بتلك الطعنة أو لا يكون ما تخافه. (لقد صحبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأحسنت صحبته ثم فارقته) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ثم فارقت بحذف الضمير (وهو) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عنك راض، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته) ولأبي ذر فارقت (وهو) -رضي الله عنه- (عنك راض، ثم صحبت صحبتهم) بفتح الصاد والحاء والموحدة جمع صاحب ومراده أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر. قال في الفتح: وفيه نظر لأنه أتى بصيغة الجمع موضع التثنية، واعترضه العيني فقال: لا يتوجه النظر فيه أصلاً بل الموضع موضع جمع لأن المراد أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر. وأجاب في الانتقاض بأنه مسلم أن أصحاب صيغة جمع لكن لم يضف إلى هذا الجمع إلا اثنان وهو النبي -صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر فالنظر موجه انتهى. وقال عياض: أو تكون صحبت زائدة، وللمروزي والجرجاني كما في هامش الفرع واليونينية ثم صحبتهم أي المسلمين وهي التي بدأ بها في الفتح وعزا الرواية الأولى لرواية بعضهم ورجح هذه الأخيرة عياض (فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم) بالنون المشدّدة (وهم عنك راضون. قال): عمر لابن عباس ولأبي ذر فقال: (أما ما ذكرت من صحبة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لي (ورضاه) عني (فإنما ذاك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فإن ذلك بإسقاط ما وزيادة لام قبل الكاف (من) بفتح الميم وتشديد النون عطاء (من الله تعالى). وفي نسخة جل ذكره وسقط هذا ولفظ تعالى لأبي ذر (منّ به علي، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذلك منّ من الله جل ذكره منّ به علي) وسقط لفظ جل ذكره لأبي ذر (وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل) ولأبي الوقت ومن أجل (أصحابك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أصيحابك بضم الهمزة مصغرًا خاف الفتنة عليهم بعده (والله لو أن لي طلاع الأرض) بكسر الطاء وتخفيف اللام أي ملأها (ذهبًا لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه) أي العذاب والهمزة مفتوحة. وعند أبي حاتم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه دخل على عمر حين طعن فقال: أبشر يا أمير المؤمنين أسلمت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين كفر الناس، وقاتلت معه حين خذله الناس ولم يختلف في خلافتك رجلان، وقتلت شهيدًا. فقال: أعد فأعاد. فقال: المغرور من غررتموه لو أن لي ما على ظهرها من بيضاء وصفراء لافتديت به من هول المطلع، وإنما قال ذلك لغلبة الخوف الذي وقع له حينئذٍ من التقصير فيما يجب عليه من حقوق الرعية ومن الفتنة بمدحهم. (قال حماد بن زيد): مما وصله الإسماعيلي (حدّثنا أيوب) السختياني (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه قال: (دخلت على عمر بهدا) الحديث السابق ولم يذكر المسور بن مخرمة فيحتمل كما قال في الفتح أن يكون محفوظًا عن الاثنين، ويأتي مزيد لفوائد هذا الحديث إن شاء الله تعالى في آخر مناقب عثمان. 3693 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ فَفَتَحْتُ لَهُ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ فَبَشَّرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَحَمِدَ اللَّهَ. ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَمِدَ اللَّهَ. ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ، فَقَالَ لِي: افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ فَإِذَا عُثْمَانُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ». وبه قال: (حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (قال: حدّثني) بالإفراد (عثمان بن غياث) بكسر الغين المعجمة وتخفيف التحتية وبعد الألف مثلثة الباهلي فيما قيل البصري قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (أبو عثمان) عبد الرحمن (النهدي) بفتح النون (عن أبي موسى) الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حائط) بستان (من حيطان المدينة) من بساتينها (فجاء رجل فاستفتح فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بعد أن استأذنته. (افتح له وبشره بالجنة) (ففتحت له فإذا أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (فبشرته بما قال النبي) ولأبوي ذر والوقت رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وهو بشره بالجنة (فحمد الله) عز وجل على ذلك (ثم جاء رجل فاستفتح فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (افتح له وبشره بالجنة) (ففتحت له فإذا هو عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- وسقط لفظ هو لأبي ذر (فأخبرته بما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بشره بالجنة (فحمد الله) على ذلك (ثم استفتح رجل فقال لي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه) هي قتله في الدار (فإذا عثمان فأخبرته بما قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحمد الله) تعالى عليه (ثم قال: الله المستعان) اسم مفعول أي على ما أنذر به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن ما أخبر به من البلاء يصيبني لا محالة فبالله أستعين على مرارة الصبر عليه وشدة مقاساته. وهذا الحديث قد مر في مناقب أبي بكر -رضي الله عنه-. 3694 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ". [الحديث 3694 - طرفاه في: 6264، 6632]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي سكن مصر (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (حيوة) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية

7 - باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو والقرشي -رضي الله عنه- وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من يحفر بئر رومة فله الجنة. فحفرها عثمان» وقال: «من جهز جيش العسرة فله الجنة. فجهزه عثمان»

وفتح الواو ابن شريح بالمعجمة المضمومة آخره حاء مهملة الحضرمي المصري (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو عقيل) بفتح العين المهملة وكسر القاف (زهرة بن معبد) بضم الزاي وسكون الهاء ومعبد بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الموحدة البصري (أنه سمع جده عبد الله بن هشام) أي ابن زهرة بن عثمان التيمي ابن عم طلحة بن عبيد الله (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو آخد بيد عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- والأخذ باليد دليل على غاية المحبة وكمال المودة قاله الكرماني. واقتصر المؤلّف على هذا القدر من هذا الحديث هنا، وساقه تامًّا بهذا الإسناد في الأيمان والنذور وبقيته فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك" فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي. فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الآن يا عمر". ويأتي إن شاء الله تعالى الكلام عليه في محله من الأيمان والنذور بعون الله وقوّته. 7 - باب مَنَاقِبُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَبِي عَمْرٍو والْقُرَشِيِّ -رضي الله عنه- وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ. فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ» وَقَالَ: «مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ الْجَنَّةُ. فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ» (باب مناقب عثمان بن عفان) بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف أسلمت بعد ابنها (أبي عمرو) بفتح العين أي وأبي عبد الله كنيتان مشهورتان والأولى أشهر، ولقبه ذو النورين، فروى خيثمة في الفضائل والدارقطني في الإفراد من حديث علي أنه ذكر عثمان فقال: ذاك امرؤ يدعى في السماء ذا النورين، وعند ابن السماك من حديثه أيضًا نحوه. وعن ابن المهلب بن أبي صفرة قيل له ذلك لأنه لم يعلم أحد تزوج ابنتي نبي غيره، وقيل لأنه كان يختم القرآن في الوتر فالقرآن نور وقيام الليل نور، وقيل لأنه إذا دخل الجنة برقت له برقتين فلذا قيل له ذو النورين (القرشي) يجتمع مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في عبد مناف (-رضي الله عنه-) وسقط لفظ باب لأبي ذر. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما سبق موصولاً في باب إذا وقف أرضًا أو بئرًا من كتاب الوقف: (من يحفر) بكسر الفاء وبالجزم بمن ولأبي ذر يحفر بالرفع (بئر رومة فله الجنة فحفرها عثمان) -رضي الله عنه- (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من جهز جيش العسرة) غزوة تبوك (فله الجنة فجهزه عثمان) -رضي الله عنه- بألف دينار رواه أحمد والترمذي من حديث عبد الرحمن بن سمرة وبثلثمائة بعير كما روياه من حديث عبد الرحمن بن خباب السلمي. 3695 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ حَائِطًا وَأَمَرَنِي بِحِفْظِ بَابِ الْحَائِطِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ. ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَإِذَا عُمَرُ. ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ، فَسَكَتَ هُنَيْهَةً ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى سَتُصِيبُهُ، فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ". قال حماد وحدّثنا عاصم الأحولُ وعليُّ بن الحَكَم سمعا أبا عثمانَ يُحدِّثُ عن أبي موسى بنحوهِ، وزاد فيه عاصم "أن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان قاعدًا في مكان فيه ماءٌ قد كشفَ عن رُكبتَيهِ -أو ركبتِهِ- فلما دخل عثمان غطّاها". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم (عن أيوب) السختياني (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل حائطًا) بستاتًا زاد في السابقة قريبًا في الباب قبله من حيطان المدينة (وأمرني بحفظ باب الحائط فجاء رجل يستأذن) في الدخول عليه فذهبت فاستأذنته عليه الصلاة والسلام (فقال): (ائذن له وبشره بالجنة، فإذا أبو بكر ثم جاء آخر يستأذن) في الدخول فاستأذنت له (فقال): عليه السلام (ائذن له وبشره بالجنة فإذا عمر ثم جاء آخر يستأذن) في الدخول فاستأذنت له (فسكت) عليه الصلاة والسلام (هنيهة) بضم الهاء وفتح النون وسكون التحتية وفتح الهاء مصغرًا شيئًا قليلاً (ثم قال): (ائذن له وبشره بالجنة على بلوى ستصببه) بسين قبل الفوقية (فإذا عثمان بن عفان) وزاد رزين في تجريده فقال: اللهم صبرًا. (قال حماد): هو ابن زيد المذكور بالسند السابق ولأبي ذر حماد بن سلمة والأول أصوب قاله الحافظ ابن حجر وأيّده برواية الطبراني له عن يوسف القاضي عن سليمان بن حرب حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب (وحدّثنا عاصم) هو ابن سليمان (الأحول) أبو عبد الرحمن البصري (وعلي بن الحكم) بفتح الحاء المهملة والكاف البناني البصري أنهما (سمعا أبا عثمان) عبد الرحمن بن مل (يحدث عن أبي موسى) الأشعري -رضي الله عنه- (بنحوه) أي الحديث السابق. (وزاد فيه عاصم) الأحول دون علي بن الحكم (أن النبي

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان قاعدًا في مكان فيه ماء قد انكشف) وللكشميهني قد كشف (عن ركبتيه) بالتثنية (أو ركبته) بالإفراد شك الراوي واستدلّ به على أنها ليست بعورة (فلما دخل عثمان) عليه (غطاها) استحياء منه لأن عثمان كان مشهورًا بكثرة الحياء فاستعمل معه عليه الصلاة والسلام ما يقتضي الحياء. وفي حديث أنس مرفوعًا مما أخرجه في المصابيح من الحسان "أصدق أمتي حياء عثمان". وفي حديث ابن عمر عند الملا في سيرته مرفوعًا "عثمان أحيى أمتي وأكرمها" وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- عند مسلم وأحمد أنه قال في عثمان: "ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة". 3696 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يُونُسَ ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ «أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالاَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ عُثْمَانَ لأَخِيهِ الْوَلِيدِ فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ؟ فَقَصَدْتُ لِعُثْمَانَ حَتَّى خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ، قُلْتُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، وَهِيَ نَصِيحَةٌ لَكَ. قَالَ: يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ منك -قَالَ مَعْمَرٌ: أُرَاهُ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ- فَانْصَرَفْتُ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمَا، إِذْ جَاءَ رَسُولُ عُثْمَانَ؛ فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: مَا نَصِيحَتُكَ؟ فَقُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكُنْتَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَهَاجَرْتَ الْهِجْرَتَيْنِ، وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ. وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي شَأْنِ الْوَلِيدِ. قَالَ: أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قُلْتُ: لاَ، وَلَكِنْ خَلَصَ إِلَىَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا يَخْلُصُ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِي سِتْرِهَا. قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَقِّ، فَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ وَهَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ -كَمَا قُلْتَ- وَصَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَايَعْتُهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلاَ غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ. ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ مِثْلُهُ. ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُهُ. ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ، أَفَلَيْسَ لِي مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَمَا هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ؟ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَلِيدِ فَسَنَأْخُذُ فِيهِ بِالْحَقِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِدَهُ فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ». [الحديث 3696 - طرفاه في: 3872، 3927]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أحمد بن شبيب بن سعيد) بفتح الشين المعجمة وكسر الموحدة الأولى الحبطي بفتح الحاء. المهملة والموحدة البصري المدني الأصل قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي) شبيب (عن يونس) بن يزيد (قال ابن شهاب): محمد بن مسلم الزهري (أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (أن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن عدي بن الخيار) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف التحتية النوفلي (أخبره أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث) بالغين المعجمة والمثلثة القرشي المدني الزهري (قالا): لعبيد الله بن عدي بن الخيار (ما يمنعك أن تكلم عثمان لأخيه) أي لأجل أخي عثمان لأمه، ولأبي ذر عن الكشميهني: في أخيه (الوليد) بن عقبة بن أبي معيط وكان عثمان ولاه الكوفة بعد أن عزل سعد بن أبي وقاص، وكان عثمان ولاه الكوفة لما ولي الخلافة بوصية من عمر ثم عزله بالوليد سنة خمس وعشرين، وكان سبب ذلك أن سعدًا كان أميرها، وكان عبد الله بن مسعود على بيت المال فاقترض سعد منه مالاً فجاءه يتقاضاه فاختصما فبلغ عثمان فغضب عليهما فعزل سعدًا واستحضر الوليد وكان عاملاً بالجزيرة على عربها فولاه الكوفة نقله في الفتح عن تاريخ الطبري. (فقد أكثر الناس فيه) أي في الوليد القول لأنه صلّى الصبح أربع ركعات ثم التفت إليهم وقال: أزيدكم وكان سكران أو الضمير يرجع إلى عثمان أي أنكروا على عثمان كونه لم يحد الوليد بن عقبة، وعزل سعد بن أبي وقاص به مع كون سعد أحد العشرة، واجتمع له من الفضل والسن والعلم والدين والسبق إلى الإسلام ما لم يتفق منه شيء للوليد بن عقبة قال عبيد الله بن عدي (فقصدت لعثمان حتى) ولأبي ذر عن الكشميهني حين (خرج إلى الصلاة قلت) له: (إن لي إليك حاجة وهي) أي الحاجة (نصيحة لك) والواو للحال (قال): أي عثمان (يا أيها المرء منك) أي أعوذ بالله منك وثبت منك لأبي ذر (قال معمر): هو ابن راشد البصري فيما وصله في هجرة الحبشة (أراه) بضم الهمزة أي أظنه (قال: أعوذ بالله منك) فيه تصريح ما أبهم في قوله يا أيها المرء منك، وإنما استعاذ منه خشية أن يكلمه بما يقتضي الإنكار عليه فيضيق صدره بذلك قاله السفاقسي. قوله وسقط قوله أراه قال لأبي ذر: قال عبيد الله بن عدي: (فانصرفت) من عند عثمان (فرجعت إليهما) إلى المسور وعبد الرحمن بن الأسود، وزاد في رواية معمر فحدثتهما بالذي قلت لعثمان وقال لي فقالا قد قضيت الذي كان عليك فبينا أنا جالس معهما (إذ جاء رسول عثمان) ولم يسم (فهييته فقال: ما نصيحتك؟ فقلت) له (إن الله سبحانه بعث محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحق) سقطت التصلية لأبي ذر (وأنزل عليه الكتاب وكنت) بتاء الخطاب (ممن استجاب لله ولرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية لأبي ذر هنا أيضًا (فهاجرت الهجرتين) هجرة الحبشة وهجرة المدينة (وصحبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لأبي ذر لفظ رسول الله الخ (ورأيت هديه) بفتح الهاء وسكون الدال أي طريقه (وقد أكثر الناس) الكلام (في شأن الوليد) بسبب شربه الخمر وسوء سيرته وزاد معمر فحق عليك أن تقيم عليه الحد (قال): عثمان لعبيد الله (أدركت) أي سمعت (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟) وأخذت عنه قال: عبيد الله (قلت:

لا). لم أسمعه ولم يرد نفي الإدراك بالسن فإنه ولد في حياة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما سيأتي إن شاء الله تعالى في قصة مقتل حمزة (ولكن خلص) بفتح الخاء واللام بعدهما صاد مهملة أي وصل (إلى من علمه ما يخلص) بضم اللام ما يصل (إلى العذراء) بالذال المعجمة البكر (في سترها) ووجه التشبيه بيان حال وصول علمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليه كما وصل علم الشريعة إلى العذراء من وراء الحجاب لكونه كان شائعًا ذائعًا فوصوله إليه بطريق الأولى لحرصه على ذلك (قال): أي عثمان (أما بعد فإن الله بعث محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحق) سقط التصلية لأبي ذر (فكنت ممن استجاب لله ولرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وآمنت بما بعث به، وهاجرت الهجرتين كما قلت) بفتح التاء خطايا لعبيد الله (وصحبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبايعته) من المبايعة بالموحدة (فوالله ما عصيته ولا غششته) بغين وشينين معجمات مع فتح الأولين وسكون الثالث (حتى توفاه الله) زاد أبو ذر عز وجل (ثم أبو بكر مثله) بالرفع ولأبي ذر مثله بالنصب أي مثل ما فعلت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فما عصيته ولا غششته (ثم عمر مثله) ولأبي ذر مثله بالنصب أي ما عصيته ولا غششته (ثم استخلفت) بضم الفوقية الأولى والأخيرة مبنيًّا للمفعول (أفليس) بهمزة الاستفهام (لي) عليكم (من الحق مثل الذي) كان (لهم؟) علي قال: عبيد الله (قلت): له (بلى. قال: فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم؟) بسبب تأخير إقامة الحدّ على الوليد وعزل سعد (أما ما ذكرت من شأن الوليد فسنأخذ فيه بالحق إن شاء الله تعالى ثم دعا عليًّا) - رضي الله تعالى عنه - (فأمره أن يجلده) بعد أن شهد عليه رجلان أحدهما حمران مولى عثمان أنه قد شرب الخمر كما في مسلم، والرجل الآخر الصعب بن جثامة الصحابي رواه يعقوب بن سفيان في تاريخه، وإنما أخّر عثمان إقامة الحد عليه ليكشف عن حال من شهد عليه بذلك، فلما وضح له ذلك الأمر عزله وأمر عليًّا بإقامة الحد عليه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أن يجلد بإسقاط ضمير النصب (فجلده) علي (ثمانين) جلدة. وفي رواية معمر في هجرة الحبشة فجلد الوليد أربعين جلدة. قال في الفتح: وهذه الرواية أصح من رواية يونس والوهم فيه من الراوي عنه وهو شبيب بن سعيد ويرجح رواية معمر ما في مسلم أن عبد الله بن جعفر جلده وعليّ يعدّ حتى بلغ أربعين فقال: امسك ثم قال: جلد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين وكلّ سنّة، وهذا أحب إليّ. ومذهب الشافعي أن حدّ الخمر أربعون لما سبق في رواية معمر، وحديث مسلم عن أنس كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يضرب في الخمر بالجريد والنعال أربعين. نعم للإمام أن يزيد على الأربعين قدرها إن رآه لما سبق عن عمر ورآه عليّ حيث قال: وهذا أحب إليّ وقال: كما في مسلم لأنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى وحدّ الافتراء ثمانون، وهذه الزيادة على الحد تعازير لا حدٍّ وإلاَّ لما جاز تركه، واعترض بأن وضع التعزير النقص عن الحد فكيف يساويه؟ وأجيب: بأن تلك الجنايات تولدت من الشارب، لكن قال الرافعي: ليس هذا شافيًا فإن الجناية غير متحققة حتى يعزر والجنايات التي تتولد من الخمر لا تنحصر فلتجز الزيادة على الثمانين وقد منعوها. قال: وفي تبليغ الصحابة الضرب ثمانين ألفاظ مشعرة بأن الكل حد وعليه فحد الشارب مخصوص من بين سائر الحدود بأن يتحتم بعضه ويتعلق بعضه باجتهاد الإمام ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى بعون الله في الحدود. 3697 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ حَدَّثَنَا شَاذَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ، ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ". تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بن صالح عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن حاتم بن بزيع) بالحاء المهملة وكسر المثناة الفوقية وبزيع بالموحدة المفتوحة والزاي المكسورة والتحتية الساكنة بعدها عين مهملة قال: (حدّثنا شاذان) بالشين والذال المعجمتين لقب الأسود بن عامر الشامي الأصل ثم البغدادي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون) بضم النون في الفرع صفة لعبد العزيز وبكسرها صفة لأبي سلمة لأن كلا منهما تلقب به

(عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كنا في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا نعدل بأبي بكر) في الفضل (أحدًا) من الصحابة بعد الأنبياء (ثم عمر ثم عثمان) ولأبي ذر ثم عمر ثم عثمان برفع الراء والنون (ثم نترك أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا نفاضل بينهم) وفي لفظ للترمذي وقال: إنه صحيح غريب كنا نقول: ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حي أبو بكر وعمر وعثمان، وفي آخر عند الطبراني وغيره ما هو أصرح كنا نقول ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حي أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر وعثمان فيسمع ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا ينكره، ووجه الخطابي ذلك بأنه أراد به الشيوخ وذوي الأسنان منهم الذين كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا حز به أمر شاورهم فيه، وكان علي -رضي الله عنه- إذ ذاك حديث السن ولم يرد ابن عمر الازدراء بعلي ولا تأخره ورفعه عن الفضيلة بعد عثمان ففضله مشهور لا ينكره ابن عمر ولا غيره من الصحابة وإنما اختلفوا في تقديم عثمان عليه اهـ. قال في الفتح: وما اعتذر به من جهة السن بعيد لا أثر له في التفضيل المذكور، والظاهر أن ابن عمر أراد بذلك أنهم كانوا يجتهدون في التفضيل فيظهر لهم فضل الثلاثة ظهورًا بينًا فيجزمون بذلك ولم يكونوا اطلعوا على التنصيص. وقال الكرماني: يحتمل أن يكون ابن عمر أراد أن ذلك وقع لهم في بعض أزمنته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا يمنع ذلك أن يظهر لهم بعد ذلك، وإلى القول بتفضيل عثمان ذهب الشافعي وأحمد كما رواه البيهقي عنهما وحكاه الشافعي عن إجماع الصحابة والتابعين وهو المشهور عن مالك وكافة أئمة الحديث والفقه وكثير من المتكلمين، وإليه ذهب أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر الباقلاني ولكنهما اختلفا في التفضيل أهو قطعي أم ظني، فالذي مال إليه الأشعري الأول، والذي مال إليه الباقلاني واختاره إمام الحرمين في الإرشاد الثاني، وعبارته لم يقم عندنا دليل قاطع على تفضيل بعض الأئمة على بعض إذ العقل لا يدل على ذلك والأخبار الواردة في فضائلهم متعارضة ولا يمكن تلقي التفضيل ممن منع إمامة المفضول ولكن الغالب على الظن أن أبا بكر -رضي الله عنه- أفضل الخلائق بعد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم عمر أفضلهم بعده وتتعارض الظنون في عثمان وعلي. وهذا الحديث أخرجه أبو داود في السنة. (تابعه) أي تابع شاذان (عبد الله بن صالح) الجهني كاتب الليث وثبت ابن صالح لأبي ذر (عن عبد العزيز) بن أبي سلمة الماجشون بإسناده المذكور. 3698 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ هُوَ ابْنُ مَوْهَبٍ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ مِصْرَ حَجَّ الْبَيْتَ، فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمُ؟ فَقَالُوا: هَؤُلاَءِ قُرَيْشٌ. قَالَ: فَمَنِ الشَّيْخُ فِيهِمْ؟ قَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَىْءٍ فَحَدِّثْنِي عَنْهُ: هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ الرَّجُلُ: هَلْ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ. أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ. وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ. وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُثْمَانَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرُّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ الْيُمْنَى: هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ. فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ: هَذِهِ لِعُثْمَانَ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: اذْهَبْ بِهَا الآنَ مَعَكَ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذي وسقط ابن إسماعيل لأبي ذر قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري قال: (حدّثنا عثمان هو ابن موهب) بفتح الميم والهاء بينهما واو ساكنة آخره موحدة كذا في الفرع والناصرية، وفي الفتح بكسر الهاء مولى بني تميم البصري التابعيّ الوسط من طبقة الحسن البصري (قال: جاء رجل من أهل مصر) لم يعرفه الحافظ ابن حجر، نعم قال في المقدمة قيل إنه يزيد بن بشر السكسكي (حج) ولأبي ذر وحج (البيت) الحرام (فرأى قومًا جلوسًا) أي جالسين لم يسموا (فقال: من هؤلاء القوم؟ قال): ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فقال؛ وله عن الكشميهني فقالوا: (هؤلاء قريش) لم يسم المجيب أيضًا (قال: فمن الشيخ فيهم؟) الذي يرجعون إليه (قالوا): هو (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (قال: يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني عنه هل تعلم أن عثمان فرّ يوم) غزوة (أُحد؟ قال): ابن عمر (نعم فقال): أي الرجل ولأبي ذر قال: هل (تعلم أنه تغيّب) بالغين المعجمة (عن) غزوة (بدر ولم يشهد؟) وقعتها (قال): ابن عمر (نعم. قال) الرجل: (هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان) تحت الشجرة في الحديبية (فلم يشهدها؟ قال): ابن عمر (نعم. قال): الرجل (الله كبر) مستحسنًا لجواب ابن عمر لكونه مطابقًا لمعتقده (قال ابن عمر): مجيبًا له ليزيل اعتقاده (تعال أبين لك) بالجزم (أما فراره يوم

8 - باب قصة البيعة، والاتفاق على عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وفيه مقتل عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-

أُحد فأشهد أن الله) عز وجل (عفا عنه وغفر له) في قوله: {ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم} [آل عمران: 155] (وأما تغيبه عن بدر فإنه كان) كذا في الفرع كان بغير تاء تأنيث وفي اليونينية والناصرية وغيرهما كانت (تحته بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) رقية براء مضمومة وقاف مفتوحة وتحتية مشددة (وكانت مريضة) فأمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالتخلف هو وأسامة بن زيد كما في مستدرك الحاكم وأنها ماتت حين وصل زيد بن حارثة بالبشارة وكان عمرها عشرين سنة (فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه) فقد حصل له المقصود الأخروي والدنيوي (وأما تنيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه) عليه الصلاة والسلام (مكانه) أي مكان عثمان (فبعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عثمان) إلى أهل مكة ليعلم قريشًا أنه إنما جاء معتمرًا لا محاربًا (وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة) فشاع في غيبة عثمان أن المشركين تعرضوا لحرب المسلمين فاستعد المسلمون للقتال وبايعهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذٍ تحت الشجرة أن لا يفروا (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده اليمنى) أي مشيرًا بها (هذه يد عثمان) أي بدلها (فضرب بها على يده) اليسرى (فقال) أي للرجل (ابن عمر: اذهب بها) أي بالأجوبة التي أجبتك بها (الأن معك) حتى يزول عنك ما كنت تعتقده من عيب عثمان. 3699 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا -رضي الله عنه- حَدَّثَهُمْ قَالَ: «صَعِدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُحُدًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ، فَقَالَ: اسْكُنْ أُحُدُ -أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ- فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد (عن سعيد عن قتادة) بن دعامة (أن أنسًا -رضي الله عنه- حدثهم قال: صعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر العين (أُحدًا) الجبل المشهور (ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف) أي اضطرب الجبل بهم ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فرجفت أي الصخرة كما في حديث أبي هريرة عند مسلم بلفظ: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة (وقال) عليه الصلاة والسلام للجبل ولأبي ذر فقال: (أسكن أُحد) بالبناء على الضم منادى مفرد حذف منه الأداة قال أنس: (أظنه ضربه برجله) الشريفة (فليس عليك إلا نبي وصديق) أبو بكر (وشهيدان) عمر وعثمان ورواية حراء تدل على التعدد، وقع في حديث أبي ذر تقديم حديث أنس هذا على سابقه. 8 - باب قِصَّةُ الْبَيْعَةِ، وَالاِتِّفَاقُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ -رضي الله عنه- وَفِيهِ مَقْتَلُ عُمَرَ بْنِ الخَطَابِ -رضي الله عنهما- (باب) ذكر (قصة البيعة) بعد عمر بن الخطاب (و) ذكر (الاتفاق على) تقديم (عثمان بن عفان) -رضي الله عنه- في الخلافة على غيره ولفظ باب ثابت لأبي ذر ساقط لغيره فالقصة والاتفاق رفع، وسقط الباب والترجمة للكشميهني والمستملي (وفيه) أي في الباب (مقتل عمر -رضي الله عنهما-) وسقط قوله وفيه الخ للكشميهني والمستملي. 3700 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: "رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالْمَدِينَةِ وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: كَيْفَ فَعَلْتُمَا؟ أَتَخَافَانِ أَنْ تَكُونَا قَدْ حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لاَ تُطِيقُ؟ قَالاَ: حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ، مَا فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ. قَالَ: انْظُرَا أَنْ تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لاَ تُطِيقُ. قَالاَ: لاَ. فَقَالَ عُمَرُ: لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ لأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لاَ يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا. قَالَ: فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ. قَالَ: إِنِّي لَقَائِمٌ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلاَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ غَدَاةَ أُصِيبَ -وَكَانَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ قَالَ: اسْتَوُوا، حَتَّى إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِنَّ خَلَلاً تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، وَرُبَّمَا قَرَأَ سُورَةَ يُوسُفَ أَوِ النَّحْلَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَتَلَنِي -أَوْ أَكَلَنِي- الْكَلْبُ، حِينَ طَعَنَهُ، فَطَارَ الْعِلْجُ بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْنِ، لاَ يَمُرُّ عَلَى أَحَدٍ يَمِينًا وَلاَ شِمَالاً إِلاَّ طَعَنَهُ، حَتَّى طَعَنَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً مَاتَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا، فَلَمَّا ظَنَّ الْعِلْجُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ. وَتَنَاوَلَ عُمَرُ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ، فَمَنْ يَلِي عُمَرَ فَقَدْ رَأَى الَّذِي أَرَى، وَأَمَّا نَوَاحِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ لاَ يَدْرُونَ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ وَهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ. فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلاَةً خَفِيفَةً، فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، انْظُرْ مَنْ قَتَلَنِي. فَجَالَ سَاعَةً، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: غُلاَمُ الْمُغِيرَةِ. قَالَ: الصَّنَعُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ، لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ مَعْرُوفًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ مَنِيَّتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ، قَدْ كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ أَكْثَرَهُمْ رَقِيقًا. فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَعَلْتُ -أَىْ إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا. قَالَ: كَذَبْتَ، بَعْدَ مَا تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ، وَصَلَّوْا قِبْلَتَكُمْ، وَحَجُّوا حَجَّكُمْ؟ فَاحْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ، فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ: فَقَائِلٌ يَقُولُ: لاَ بَأْسَ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: أَخَافُ عَلَيْهِ. فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ. ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ, فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَجَاءَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ. وَجَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ لَكَ، مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَدَمٍ فِي الإِسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ وَلِيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ. قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ كَفَافٌ لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِي. فَلَمَّا أَدْبَرَ إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرْضَ، قَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ الْغُلاَمَ. قَالَ: يا ابْنَ أَخِي، ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَبْقَى لِثَوْبِكَ وَأَنْقَى لِرَبِّكَ. يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، انْظُرْ مَا عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ. فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوَهُ. قَالَ: إِنْ وَفَى لَهُ مَالُ آلِ عُمَرَ فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَإِلاَّ فَسَلْ فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنْ لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ فِي قُرَيْشٍ، وَلاَ تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، فَأَدِّ عَنِّي هَذَا الْمَالَ. انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلاَمَ -وَلاَ تَقُلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا- وَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ. فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي فَقَالَ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السَّلاَمَ وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ. فَقَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي، وَلأُوثِرَنَّ بِهِ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي. فَلَمَّا أَقْبَلَ قِيلَ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ جَاءَ. قَالَ: ارْفَعُونِي. فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَذِنَتْ. قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَىْءٍ أَهَمُّ إِلَىَّ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أَنَا قَضَيْتُ احْمِلُونِي، ثُمَّ سَلِّمْ فَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلُونِي، وَإِنْ رَدَّتْنِي رُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ. وَجَاءَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ وَالنِّسَاءُ تَسِيرُ مَعَهَا، فَلَمَّا رَأَيْنَاهَا قُمْنَا، فَوَلَجَتْ عَلَيْهِ فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَالُ، فَوَلَجَتْ دَاخِلاً لَهُمْ، فَسَمِعْنَا بُكَاءَهَا مِنَ الدَّاخِلِ. فَقَالُوا: أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اسْتَخْلِفْ. قَالَ: مَا أَجِدُ أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلاَءِ النَّفَرِ -أَوِ الرَّهْطِ- الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ عَنْهُمْ رَاضٍ: فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ: يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ -كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ- فَإِنْ أَصَابَتِ الإِمْرَةُ سَعْدًا فَهْوَ ذَاكَ، وَإِلاَّ فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلاَ خِيَانَةٍ وَقَالَ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ. وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ خَيْرًا، الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَأَنْ يُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ. وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الأَمْصَارِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الإِسْلاَمِ، وَجُبَاةُ الْمَالِ وَغَيْظُ الْعَدُوِّ، وَأَنْ لاَ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلاَّ فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ. وَأُوصِيهِ بِالأَعْرَابِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ، وَمَادَّةُ الإِسْلاَمِ، أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ وَيُرَدَّ عَلَ

وابن حنيف (لا) ما حملناها فوق طاقتها (فقال عمر: لئن سلمني الله تعالى لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدًا. قال: فما أتت عليه إلا رابعة) أي صبيحة رابعة (حتى أصيب) بالطعن بالسكين (قال) عمرو بن ميمون: (إني لقائم) في الصف انتظر صلاة الصبح (ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب) بنصب غداة على الظرف مضافًا إلى الجملة أي صبيحة الطعن (وكان) -رضي الله عنه- (إذا مر بين الصفين قال) للناس: (استووا حتى إذا لم ير فيهن) أي الصفوف ولأبي ذر عن الكشميهني فيهم بالميم بدل النون أي أهل الصفوف (خللاً تقدم فكبر) تكبيرة الإحرام (وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك) ولأبي ذر بسورة يوسف أو النحل بموحدة قبل السين أو نحو ذلك (في الركعة الأولى) والشك من الراوي (حتى يجتمع الناس) للصلاة (فما هو إلا أن كبّر) للإحرام (فسمعته يقول: قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه) أبو لؤلؤة فيروز العلج غلام المغيرة بن شعبة والشك من الراوي، وقيل ظن أنه كلب عضه، وكان عمر فيما رواه الزهري مما رواه ابن سعد بإسناد صحيح لا يأذن للسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة فذكر له غلامًا عنده صنعًا ويستأذنه أن يدخله المدينة ويقول: إن عنده أعمالاً تنفع الناس إنه حداد نقاش نجار فأذن له فضرب عليه كل شهر مائة فشكا إلى عمر شدة الخراج فقال له: خراجك ليس بكثير في جنب ما تعمل، فانصرف ساخطًا، فلبث عمر ليالي فمرّ به العبد فقال: ألم أحدث أنك تقول لو أشاء لصنعت رحا تطحن بالريح فالتفت إليه عابسًا فقال: لأصنعن لك رحا يتحدث الناس بها، فأقبل عمر على من معه فقال: توعدني العبد فلبث ليالي ثم اشتمل على خنجر ذي رأسين نصابه وسطه فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس حتى خرج عمر -رضي الله عنه- يوقظ الناس الصلاة الصلاة وكان عمر يفعل ذلك، فلما دنا عمر وثب عليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة قد خرقت الصفاق وهي التي قتلته. (فطار العلج) بكسر العين المهملة وبعد اللام الساكنة جيم وهو الرجل من كفار العجم الشديد والمراد أبو لؤلؤة أي أسرع في مشيه (بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يميتًا ولا شمالاً) وسقط لفظ لا من قوله ولا شمالاً من رواية أبي ذر (إلا طعنه) بها (حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم سبعة) بالموحدة بعد المهملة وفي نسخة باليونينية تسعة بالفوقية قبل المهملة منهم كليب بن البكير الليثي الصحابي وعاش الباقون (فلما رأى ذلك رجل من المسلمين) وفي ذيل الاستيعاب لابن فتحون أنه من المهاجرين يقال له خطان التميمي اليربوعي (طرح عليه برنسًا) بضم الموحدة والنون بينهما راء ساكنة قلنسوة طويلة، وقيل كساء يجعله الرجل في رأسه (فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول عمر) -رضي الله عنه- (يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه) إلى الصلاة بالناس. قال عمرو بن ميمون (فمن يلي عمر؟) أي من الناس (فقد رأى الذي أرى) من طعن العلج لعمر (وأما) الذين في (نواحي المسجد فإنهم لا يدرون غير أنهم قد فقدوا) بفتح القاف (صوت عمر) في الصلاة (وهم يقولون): متعجبين (سبحان الله سبحان الله) مرتين (فصلى بهم عبد الرحمن) بن عوف -رضي الله عنه- (صلاة خفيفة) وفي رواية أبي إسحاق السبيعيّ عند ابن أبي شيبة بأقصر سورتين في القرآن: {إنّا أعطيناك الكوثر} [الكوثر: 1]، و {إذا جاء نصر الله والفتح} [النصر: 1] (فلما انصرفوا قال: يا ابن عباس انظر من قتلني فجال) ابن عباس (ساعة) بالجيم (ثم جاء فقال): قتلك (غلام المغيرة. قال): عمر (الصنع؟) بفتح الصاد المهملة والنون الصانع الحاذق في صناعته (قال): ابن عباس (نعم. قال): عمر (قاتله الله) والله (لقد أمرت به معروفًا) بفتح همزة أمرت (الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي) بميم مكسورة فتحتية ساكنة ففوقيتين أولاهما مفتوحة أي قتلتي، ولأبي ذر عن الكشميهني منيتي بفتح الميم وكسر النون والتحتية المشددة واحد المنايا (بيد رجل يدعي

الإسلام) بل على يد رجل مجوسي وهو أبو لؤلؤة ثم قال عمر يخاطب ابن عباس: (قد كنت أنت وأبوك) العباس (تحبان أن تكثرا العلوج بالمدينة) وعند عمر بن شبة من طريق ابن سيرين قال: بلغني أن العباس قال لعمر لما قال: لا تدخلوا علينا من السبي إلا الوصفاء إن عمل المدينة شديد لا يستقيم إلا بالعلوج (وكان العباس أكثرهم رقيقًا) وثبت لفظ العباس لأبي ذر (فقال) ابن عباس -رضي الله عنهما- يخاطب عمر (إن شئت فعلت) بضم تاء فعلت وفسره بقوله (أي إن شئت قتلنا) من بالمدينة من العلوج (قال) عمر لابن عباس ولأبي ذر فقال: (كذبت) تقتلهم (بعد ما تكلموا بلسانكم وصلّوا قبلتكم) أي إلى قبلتكم (وحجوا حجّكم) أي فهم مسلمون والمسلم لا يجوز قتله وتكذيبه له هو على ما ألف من شدته في الدين. (فاحتمل) عمر -رضي الله عنه- (إلى بيته فانطلقنا معه وكأن الناس) بتشديد النون بعد الهمزة (لم تصبهم مصيبة قبل يومئذٍ فقائل يقول: لا بأس) عليه (وقائل يقول أخاف عليه فأتي بنبيذ) بالمعجمة متخذ من تمر نقع في ماء غير مسكر (فشربه) لينظر ما قدر جرحه (فخرج من جوفه) أي جرحه وهي رواية الكشميهني قال في الفتح: وهو أصوب، وفي رواية أبي رافع عند أبي يعلى وابن حبان فخرج النبيذ فلم يدر أهو نبيذ أم دم (ثم أتي بلبن فشربه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فشرب بإسقاط ضمير المفعول (فخرج من جرحه) أبيض ولأبي ذر من جوفه (فعلموا) ولأبي ذر عن الكشميهني فعرفوا (أنه ميت) من جراحته (فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون) بضم أوله ولأبي ذر عن الكشميهني وجاء الناس فجعلوا يثنون (عليه) خيرًا. (وجاء رجل شاب) زاد في رواية جرير عن حصين السابقة في الجنائز من الأنصار (فقال أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله) عز وجل (لك من صحبة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقدم) بفتح القاف والتنوين أي فضل ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وقدم بكسر القاف أي سبق (في الإسلام ما قد علمت) في موضع رفع على الابتداء خبره لك مقدما (ثم وليت) بفتح الواو وتخفيف اللام الخلافة (فعدلت) في الرعية (ثم شهادة) بالرفع والتنوين عطفًا على ما قد علمت (قال) عمر - رضي الله تعالى عنه - (وددت) بكسر الدال الأولى وبسكون الأخرى أي أحببت (أن ذلك كفاف) بفتح الكاف وللأصيلي وابن عساكر كفافا بالنصب اسم إن (لا عليّ ولا لي) أي سواء بسواء لا عقاب ولا ثواب. وعند ابن سعد أن ابن عباس أثنى على عمر نحوًا من هذا وهو محمول على التعدد، وعنده من حديث جابر -رضي الله عنه- أن ممن أثنى عليه عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-، وعند ابن أبي شيبة أن المغيرة بن شعبة أثنى عليه وقال له: هنيئًا لك الجنة (فلما أدبر) الرجل الشاب (إذا إزاره يمس الأرض) لطوله (قال): عمر -رضي الله عنه- (ردّوا عليّ الغلام) فلما جاءه (قال: ابن أخي) ولأبي ذر يا ابن أخي (ارفع ثوبك) عن الأرض (فإنه أبقى) بالموحدة، وللحموي والمستملي أنقى بالنون لثوبك (وأتقى لربك) عز وجل، ثم قال لابنه (يا عبد الله بن عمر انظر ما عليّ من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفًا أو نحوه قال: إن وفى) بتخفيف الفاء (له) للدين (مال آل عمر فأده من أموالهم) أي مال عمر ألفًا مقحمة أو المراد رهط عمر (وإلا) بإن لم يف (فسل في بني عدي بن كعب) وهم البطن الذي هو منهم (فإن لم تف أموالهم) بذلك (فسل في قريش) قبيلتهم (ولا تعدهم) بسكون العين أي لا تتجاوزهم (إلى غيرهم فأدّ عني هذا المال) وفي حديث جابر عند ابن أبي عمر أن عمر -رضي الله عنه- قال لابنه: ضعها في بيت مال المسلمين، وأن عبد الرحمن بن عوف سأله فقال: أنفقتها في حجج حججتها ونوائب كانت تنوبني ثم قال: (انطلق إلى عائشة أم المؤمنين) -رضي الله عنها- (فقل) لها (يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرًا) قال: ذلك لتيقنه بالموت حينئذ وإشارة إلى عائشة حتى لا تحابيه لكونه أمير المؤمنين قاله السفاقسي (وقل) لها

(يستأذن) أي يستأذنك (عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر -رضي الله عنه- في الحجرة فأتى إليها ابن عمر (فسلم) عليها (واستأذن) ـها في الدخول (ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي) من أجله (فقال): لها (يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت: كنت أريده ولأوثرن) ـه (به) لأخصنه بالدفن عند صاحبيه (اليوم على نفسي فلما أقبل) ابن عمر على منزل أبيه بعد أن فارق عائشة -رضي الله عنها- (قيل) لعمر (هذا عبد الله بن عمر قد جاء قال) عمر: (ارفعوني) من الأرض كأنه كان مضطجعًا فأمرهم أن يقعدوه (فأسنده رجل) لم يسم أو هو ابن عباس (إليه فقال): لابنه (ما لديك؟ قال: الذي تحب) بحذف ضمير النصب (يا أمير المؤمنين أذنت. قال: الحمد لله ما كان من شيء أهم) بالنصب خبر كان وسقط لأبي ذر لفظ من (إلي) بتشديد الياء (من ذلك) الذي أذنت فيه (فإذا أنا قضيت) وفي نسخة قبضت (فاحملوني) إلى الحجرة بعد تجهيزي (ثم سلّم) عليها فإذا أفرغت (فقل): لها (يستأذنـ) ك (عمر بن الخطاب) أن يدفن مع صاحبيه (فإن أذنت لي فادخلوني وإن ردتني ردّوني إلى مقابر المسلمين) خاف -رضي الله عنه- أن يكون الإذن الأول حياء منه لصدوره في حياته وأن ترجع بعد موته. (وجاءت أم المؤمنين بن حفصة) بنت عمر إليه (والنساء تسير معها فلما رأيناها قمنا) بألف بعد النون فيهما (فولجت عليه) أي دخلت على عمر (فبكت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فمكثت (عنده ساعة واستأذن الرجال) في الدخول على عمر (فولجت) دخلت حفصة (داخلاً لهم) مدخلاً لأهلها وسقط قوله من الفرع وثبت في اليونينية وغيرها (فسمعنا بكاءها من) المكان (الداخل فقالوا): أي الرجال لعمر (أوص) بفتح الهمزة (يا أمير المؤمنين استخلف) وقيل القائل عبد الله بن عمر (قال): عمر (ما أجد) بجيم مكسورة (أحق) وفي نسخة ما أحد أحق، وللكشميهني ما أجد بالجيم أحدًا أحق (بهذا الأمر) أي يمر المؤمنين (من هؤلاء النفر أو الرهط) بالشك من الراوي (الذين توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو عنهم راض فسمى عليًّا وعثمان والزبير) بن العوّام (وطلحة) بن عبيد الله (وسعدًا) هو ابن أبي وقاص (وعبد الرحمن) بن عوف (وقال): أي عمر (يشهدكم) بسكون الدال في الفرع وفي اليونينية بالضم أي يحضركم (عبد الله بن عمر وليس له من الأمر) أي أمر الخلافة (شيء كهيئة التعزية له فإن أصابت الإمرة) بكسر الهمزة وسكون الميم ولأبي ذر عن الكشميهني الإمارة بكسر الهمزة (سعدًا فهو ذاك) أهل لها (وإلا) بإن لم تصبه (فليستعن به) بسعد (أيكم) فاعل يستعن (ما أمر) بضم الهمزة وتشديد الميم المكسورة مبنيًّا للمفعول أي ما دام أميرًا (فإني لم أعزله) عن الكوفة (عن) ولأبي ذر من (عجز) في التصرف (ولا خيانة) في المال (وقال): أي عمر (أوصي) بضم الهمزة (الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين) الذين صلوا إلى القبلتين أو الذين أدركوا بيعة الرضوان (أن) بأن (يعرف لهم حقهم ويحفظ) نصب عطفًا على يعرف (لهم حرمتهم وأوصيه بالأنصار) الأوس والخزرج خيرًا ({الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم}) [الحشر: 9] لزموا المدينة والإيمان وتمكنوا فيهما قبل مجيء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه إليهم، أو تبوأوا دار الهجرة ودار الإيمان فحذف المضاف من الثاني والمضاف إليه وعوض عنه اللام أو تبوأوا الدار وأخلصوا الإيمان كقوله: علفتها تبنًا وماء باردًا وقيل سمى المدينة بالإيمان لأنها مظهره ومصيره (أن) أي بأن (يقبل من محسنهم) بضم التحتية (وأن يعفى عن مسيئهم وأوصيه بأهل الأمصار خيرًا) بالميم (فإنهم ردء الإسلام) بكسر الراء وسكون الدال المهملة وبالهمزة أي عونه (وجباة المال) بضم الجيم وفتح الموحدة المخففة جمع جاب أي يجمعون المال (وغيظ العدوّ) أي يغيظون العدو بكثرتهم وقوتهم (وأن لا يؤخذ) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني: ولا يؤخذ (منهم إلا فضلهم عن

رضاهم) أي إلا ما فصل عنهم. وقال، الحافظ ابن حجر وتبعه العيني وفي رواية الكشميهني: ويؤخذ منهم بحذف حرف النفي قالا: والأول يعني وأن لا هو الصواب اهـ والذي في اليونينية للكشميهني والمستملي: ولا يؤخذ بإثبات حرف النفي كما مرّ. (وأوصيه بالأعراب خيرًا فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام) بتشديد الدال (أن) أي بأن (يؤخذ من حواشي أموالهم) أي التي ليست بخيار (وترد) بالفوقية المضمومة أي الحواشي أو بالتحتية أي المأخوذ (على فقرائهم وأوصيه بذمة الله وذمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر والمراد بالذمة أهلها (أن يوفى لهم بعهدهم) بسكون الواو وفتح الفاء مخففة (وأن يقاتل) بفتح الفوقية (من ورائهم) جار ومجرور أي إذا قصدهم عدوّ لهم (ولا يكلفوا) بفتح اللام المشددة في الجزية (إلا طاقتهم، فلما قبض) - رضي الله تعالى عنه - بعد ثلاث من جراحته (خرجنا به) من منزله وصلّى عليه صهيب، وروي مما ذكره في الرياض أنه لما قتل أظلمت الأرض فجعل الصبي يقول لأمه: يا أماه أقامت القيامة؟ فتقول: لا يا بني ولكن قتل عمر - رضي الله تعالى عنه -. وفي حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - مما خرجه أبو عمر: ناحت الجن على عمر - رضي الله تعالى عنه - قبل أن يموت بثلاث فقالت: أبعد قتيل بالمدينة أظلمت ... له الأرض تهتز العضاه بأسوق جزى الله خيرًا من إمام وباركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزق فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق قضيت أمورًا ثم غادرت بعدها ... بوائق من أكمامها لم تفتق (فانطلقنا نمشي) حتى أتينا حجرة عائشة - رضي الله تعالى عنها - (فسلّم عبد الله بن عمر) فلما قضى سلامه (قال) لعائشة -رضي الله عنها-: (يستأذن عمر بن الخطاب قالت: أدخلوه) بهمزة مفتوحة وكسر الخاء المعجمة (فأدخل فوضع) بضم الهمزة من الأول والواو من الثاني مبنيين للمفعول (هنالك) في بيت عائشة - رضي الله تعالى عنها - (مع صاحبيه) وراء قبر أبي بكر أو حذاء منكبي أبي بكر عند رأس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو عند رجلي أبي بكر (فلما فرغ) بضم الفاء وكسر الراء في اليونينية والناصرية وغيرهما وفي الفرع فرغوا (من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط) المذكورون لأجل من يلي الخلافة منهم (فقال عبد الرحمن) بن عوف (اجعلوا أمركم) في الاختيار (إلى ثلاثة منكم) ليقل الاختلاف (فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، فقال طلحة) بن عبيد الله: (قد جعلت أمري إلى عثمان. وقال سعد): أي ابن أبي وقاص (وقد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف) سقط ابن عوف من الفرع وثبت في أصله وفي الناصرية وغيرهما (فقال عبد الرحمن): يخاطب عليًّا وعثمان (أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله) رقيب (عليه و) كذا (الإسلام لينظرن) بفتح اللام في اليونينية وغيرها جوابًا لقسم مقدر وفي بعضها بكسرها أمرًا للغائب (أفضلهم في نفسه) أي في معتقده (فأسكت الشيخان) عثمان وعلي بضم همزة أسكت وكسر كافها مبنيًّا للمفعول كان مسكتًا أسكتهما، وفي اليونينية قال أبو ذر فأسكت بفتح الهمزة والكاف أصوب يقال: أسكت الرجل أي صار ساكتًا (فقال: عبد الرحمن: أفتجعلونه) أي أمر الولاية (إليّ) بتشديد التحتية (والله علي) رقيب (أن) بأن (لا آلو) بمد الهمزة أي لا أقصر (عن أفضلكم. قالا): عثمان وعلي (نعم) نجعله إليك (فأخذ بيد أحدهما) وهو علي (فقال): له (لك قرابة من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والقدم) بفتح القاف ولأبي ذر بكسرها (في الإسلام ما قد علمت) صفة أو بدل من القدم (فالله) رقيب (عليك لئن أمرتك) بتشديد الميم (لتعدلن) في الرعية (ولئن أمرت عثمان لتسمعن) قوله: (ولتطيعن) أمره (ثم خلا بالآخر) وهو عثمان (فقال: له مثل ذلك) الذي قاله لعلي، وزاد

9 - باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن -رضي الله عنه-

الطبري من طريق المدائني بأسانيد أن سعدًا أشار إليه بعثمان، وأنه دار تلك الليالي كلها على أصحابه ومن وافى المدينة من أشراف الناس لا يخلو برجل منهم إلا أمره بعثمان (فلما أخذ الميثاق) من الشيخين (قال: ارفع يدك يا عثمان فبايعه وبايع) بفتح الياء فيهما (له علي وولج) أي دخل (أهل الدار) أي أهل المدينة (فبايعوه): ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في كتاب الأحكام حيث ساق المؤلّف -رحمه الله تعالى- حديث الشورى. 9 - باب مَنَاقِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْقُرَشِيِّ الْهَاشِمِيِّ أَبِي الْحَسَنِ -رضي الله عنه- وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» وَقَالَ عُمَرُ «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ عَنْهُ رَاضٍ» (باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن -رضي الله عنه-) وكناه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأبي تراب، وهو ابن عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبويه، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف وهي أول هاشمية ولدت هاشميًّا أسلمت وتوفيت بالمدينة، وسقط لفظ باب لأبي ذر فالتالي رفع. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله المؤلّف في الصلح وعمرة القضاء (لعلي): (أنت) مبتدأ خبره (مني وأنا منك) أي أنت متصل بي قربًا وعلمًا أو نسبًا (وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- في علي مما وصله قريبًا في الباب السابق: (توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو عنه راض). 3701 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ. قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا. فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ: أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ فَقَالُوا: يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ فَأْتُونِي بِهِ. فَلَمَّا جَاءَ بَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا. فَقَالَ: انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي مولاهم قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن أبي حازم (عن) أبيه (أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) بسكون العين الساعدي (-رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) في غزوة خيبر: (لأعطين الراية غدًا رجلاً يفتح الله على يديه) بالتثنية (قال: فبات الناس يدوكون) بالدال المهملة والكاف أي يخوضون (ليلتهم أيهم يعطاها) أي الراية (فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلهم يرجو أن يعطاها) ولأبي ذر عن الكشميهني يرجون (فقال أين علي بن أبي طالب فقالوا): هو (يشتكي عينيه) بالتثنية (يا رسول الله قال): (فأرسلوا إليه) بهمزة قطع وكسر السين (فأتوني به) بصيغة الأمر فأرسلوا (فلما جاء) علي (بصق) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في عينيه ودعا) بالواو ولأبي ذر فدعا (له فبرأ) بوزن ضرب أي شفي (حتى كأن لم يكن به وجع) فيهما بل لم يرمد ولم يصدع بعد (فأعطاه) عليه السلام (الراية) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فأعطي بضم الهمزة الراية (فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم) بحذف همزة الاستفهام (حتى يكونوا مثلنا) مسلمين (فقال) عليه الصلاة والسلام له: (انفذ) بضم الفاء وبالذال المعجمة أي امض (على رسلك) بكسر الراء هينتك (حتى تنزل بساحتهم) بفنائهم (ثم ادعهم) بهمزة وصل (إلى الإسلام وأخبرهم) بهمزة قطع (بما يجب عليهم من حق الله فيه) في الإسلام (فوالله لأن) بفتح اللام والهمزة وفي اليونينية بكسر اللام وفتح الهمزة (يهدي الله بك رجلاً واحدًا) وأن المصدرية رفع على الابتداء وخبره (خير لك من أن يكون لك حمر النعم) تتصدّق بها وتشبيه أمور الآخرة بأعراض الدنيا للتقريب إلى الإفهام، وإلاّ فذرة من الآخرة خير من الدنيا وما فيها بأسرها ومثلها معها قاله في الكواكب كالنووي. وقد سبق هذا الحديث في الجهاد. 3702 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: «كَانَ عَلِيٌّ قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي خَيْبَرَ وَكَانَ بِهِ رَمَدٌ فَقَالَ: أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِي فَتَحَهَا اللَّهُ فِي صَبَاحِهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ -أَوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ- غَدًا رَجُلاً يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ -أَوْ قَالَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ- يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ، فَقَالُوا: هَذَا عَلِيٌّ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة وبالمثناة الفوقية ابن إسماعيل الكوفي (عن يزيد) من الزيادة (ابن أبي عبيد) مصغرًا بغير إضافة إلى شيء مولى سلمة (عن سلمة) بن الأكوع أنه (قال: كان عليّ) -رضي الله عنه- (قد تخلف عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) غزوة (خيبر وكان به رمد فقال: أنا أتخلف عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بسبب الرمد (فخرج علي فلحق بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بخيبر أو في أثناء الطريق (فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله) أي خيبر (في صباحها قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لأعطين الراية أو ليأخذن الراية) بالشك من الراوي (غدًا رجلاً) بالنصب مفعول لأعطين ولأبي ذر عن الكشميهني رجل بالرفع على الفاعلية (يحبه الله ورسوله أو قال: يحب الله ورسوله) محبة حقيقية مستوفية لشرائطها (يفتح الله عليه) خيبر، ولأبي ذر عن الحموي، والمستملي: على يديه. وفي الإكليل للحاكم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث

أبا بكر -رضي الله عنه- إلى بعض حصون خيبر فقاتل ولم يكن فتح، فبعث عمر -رضي الله عنه- فلم يكن فتح (فإذا نحن بعلي) -رضي الله عنه- قد حضر (وما نرجوه) أي ما نرجو قدومه للرمد الذي به (فقالوا): يا رسول الله (هذا علي) قد حضر (فأعطاه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد أبو ذر عن الكشميهني الراية (ففتح الله) تعالى (عليه) خيبر. وهذا الحديث قد مرّ في الجهاد في باب ما قيل في لواء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 3703 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ: هَذَا فُلاَنٌ -لأَمِيرِ الْمَدِينَةِ- يَدْعُو عَلِيًّا عِنْدَ الْمِنْبَرِ. قَالَ فَيَقُولُ مَاذَا؟ قَالَ: "يَقُولُ لَهُ أَبُو تُرَابٍ، فَضَحِكَ. قَالَ: وَاللَّهِ مَا سَمَّاهُ إِلاَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَا كَانَ لَهُ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُ، فَاسْتَطْعَمْتُ الْحَدِيثَ سَهْلاً وَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: دَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى فَاطِمَةَ، ثُمَّ خَرَجَ فَاضْطَجَعَ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟ قَالَتْ: فِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَوَجَدَ رِدَاءَهُ قَدْ سَقَطَ عَنْ ظَهْرِهِ وَخَلَصَ التُّرَابُ إِلَى ظَهْرِهِ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ فَيَقُولُ: اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ. مَرَّتَيْنِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي المدني قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أي حازم عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار (أن رجلاً) لم يقف الحافظ ابن حجر -رحمه الله- على اسمه (جاء إلى سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين الساعدي (فقال: هذا فلان لأمير المدينة) أي عن أمير المدينة قال في المقدمة: هو مروان بن الحكم (يدعو عليًّا عند المنبر) أي يذكره بشيء غير مرضي، وفي رواية الطبراني من وجه آخر عن عبد العزيز بن أبي حازم يدعوك لتسبّ عليًّا (قال) أبو حازم: (فيقول) سهل بن سعد: (ماذا؟) قال: فلان المكنى به عن أمير المؤمنين (قال): أبو حازم (يقول): فلان الأمير (له) لعلي (أبو تراب فضحك) سهل (قال): ولأبي ذر وقال: (والله ما سماه) أبا تراب (إلاّ النبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما كان له) ولغير أبي ذر وما كان والله له (اسم أحب إليه منه) ولأبي ذر: أحب بالرفع وفيه إطلاق الاسم على الكنية. قال أبو حازم: (فاستطعمت الحديث سهلاً) أي سألت سهلاً عن الحديث، وإتمام القصة وفيه استعارة الاستطعام للتحديث بجامع ما بينهما من الذوق فللطعام الذوق الحسي وللكلام الذوق المعنوي (وقلت): ولأبي الوقت فقلت بالفاء بدل الواو (يا أبا عباس) بالموحدة المشدّدة وآخره مهملة كنية سهل بن سعد (كيف؟) زاد أبو ذر ذلك وللإسماعيلي فقلت يا أبا عباس كيف كان أمره (قال: دخل عليّ على فاطمة) -رضي الله عنهما- وفي اليونينية عليهما السلام (ثم خرج فاضطجع في المسجد فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أين ابن عمك) عليّ (قالت: في المسجد) وفي الطبراني كان بيني وبينه شيء (فخرج إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلص) أي وصل (التراب إلى ظهره فجعل) عليه الصلاة والسلام (يمسح التراب عن ظهره) وسقط لأبي ذر لفظة التراب الأخيرة (فيقول) له: (اجلس يا أبا تراب مرتين) قال في الكواكب: مرتين ظرف لقوله فيقول: اجلس. وهذا الحديث قد مرّ في باب نوم الرجل في المسجد من كتاب الصلاة. 3704 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ عُثْمَانَ، فَذَكَرَ عَنْ مَحَاسِنِ عَمَلِهِ، قَالَ: لَعَلَّ ذَاكَ يَسُوؤُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَرْغَمَ اللَّهُ بِأَنْفِكَ. ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَ مَحَاسِنَ عَمَلِهِ قَالَ: هُوَ ذَاكَ، بَيْتُهُ أَوْسَطُ بُيُوتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّ ذَاكَ يَسُوؤُكَ؟ قَالَ: أَجَلْ. قَالَ: فَأَرْغَمَ اللَّهُ بِأَنْفِكَ، انْطَلِقْ فَاجْهَدْ عَلَيَّ جَهْدَكَ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري قال: (حدّثنا حسين) هو ابن علي الجعفي الكوفي (عن زائدة) بن قدامة (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي (عن سعد بن عبيدة) بضم العين مصغرًا أبي حمزة الكوفي أنه (قال: جاء رجل) هو نافع بن الأزرق كما قال في المقدمة قال: وليس هو السكسكي (إلى ابن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما- (فسأله عن عثمان فذكر) ابن عمر (عن محاسن عمله) كإنفاقه في جيش العسرة وتسبيله بئر رومة وشبه ذلك وضمن ذكر معنى أخبر فعداها بعن (قال) ابن عمر له: (لعلّ ذاك) الذي ذكرته من محاسن عمله (يسوءك. قال): الرجل (نعم قال): ابن عمر له (فأرغم الله بأنفك) أي ألصقه بالرغام وهو التراب والباء زائدة (ثم سأله عن علي) -رضي الله عنه- (فذكر) ابن عمر (محاسن عمله) كشهود بدر وفتح خيبر (قال: هو) أي علي -رضي الله عنه- (ذاك بيته أوسط بيوت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أحسنها بناء أوانه في وسطها وعند النسائي فقال: انظر إلى منزله من نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس في المسجد غير بيته (ثم قال): له ابن عمر (لعل ذاك) الذي ذكرته (يسوءك. قال) الرجل: (أجل) بالجيم وتخفيف اللام أي نعم (قال) له: (فارغم الله بأنفك انطلق) اذهب (فاجهد عليّ) بتشديد الياء (جهدك) بفتح الجيم أي الفعل في حقي ما تقدر عليه، فإن الذي قلته لك الحق وقائل الحق لا يبالي

ما قيل فيه من الباطل. وهذا الحديث من أفراد المؤلّف. 3705 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: «حَدَّثَنَا عَلِيٌّ أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ أَثَرِ الرَّحَى، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ، فَلَمْ تَجِدْهُ، فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا. فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْنَا - وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ لأَقُومَ فَقَالَ: عَلَى مَكَانِكُمَا. فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي، وَقَالَ: أَلاَ أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَانِي؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَانِ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، وَتُسَبِّحَانِ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَتَحْمَدَانِ ثَلاَثَةً وَثَلاَثِينَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة ابن عثمان العبدي بندار البصري قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية مصغرًا أنه (قال: سمعت ابن أبي ليلى) عبد الرحمن (قال: حدّثنا علي) - رضي الله تعالى عنه - (أن فاطمة عليها السلام شكت ما تلقى) في يدها (من أثر الرحا) بغير همز مقصور وزاد بدل بن المحبر عن شعبة في النفقات مما تطحن (فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبي) ولأبي ذر عن الكشميهني: فأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول بسبي جار ومجرور (فانطلقت) إليه فاطمة -رضي الله عنها- تسأله خادمًا (فلم تجده) عليه الصلاة والسلام (فوجدت عائشة) -رضي الله عنها- (فأخبرتها) بذلك (فلما جاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته عائشة بمجيء فاطمة) إليه لتسأله خادمًا قال: علي (فجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت لأقوم فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (على مكانكما) أي الزما مكانكما (فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه) بالتثنية (على صدري وقال: ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام (أعلمكما خيرًا مما سألتماني) زاد في رواية السائب عن علي عند أحمد قالا: بلى. قال: كلمات علمنيهنّ جبريل (إذا أخذتما مضاجعكما) وزاد مسلم من الليل (تكبّرَا) بلفظ المضارع وحذف النون للتخفيف أو أنّ إذا تعمل عمل الشرط ولأبي ذر عن الحموي والمستملي تكبران بإثباتها، ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: فكبّرَا بصيغة الأمر (أربعًا) ولأبي ذر ثلاثًا (وثلاثين وتسبحا) بصيغة المضارع وحذف النون ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وتسبحان بإثباتها وله عن الكشميهني وسبحا بلفظ الأمر (ثلاثًا وثلاثين وتحمدا) بصيغة المضارع وحذف النون ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وتحمدان بإثباتها وله عن الكشميهني واحمدا بلفظ الأمر (ثلاثة) ولأبي ذر ثلاثًا (وثلاثين فهو خير لكما من خادم) قال: ابن تيمية فيه أن من واظب على هذا الذكر عند النوم لم يصبه اعياء لأن فاطمة -رضي الله عنها- شكت التعب من العمل فأحالها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك وقال: عياض معنى الخيرية أن عمل الآخرة أفضل من أمور الدنيا وقيل غير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى في باب التسبيح والتكبير عند المنام من كتاب الدعوات، وفي الحديث منقبة ظاهرة لعلي وفاطمة -رضي الله عنهما-. 3706 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَلِيٍّ: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى»؟. [الحديث 3706 - طرفه في: 4416]. وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه (قال: سمعت إبراهيم بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهما- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعلي) - رضي الله تعالى عنه - حين خرج إلى تبوك ولم يستصحبه فقال: أتخلفني مع الذرية. (أما) بتخفيف الميم (ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى) المشار إليه بقوله تعالى: {وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي} [الأعراف: 142] أي بني إسرائيل حين خرج إلى الطور، وزاد مسلم إلا أنه لا نبي بعدي، وزاد في رواية سعيد بن المسيب عن سعد فقال علي: رضيت رضيت أخرجه أحمد، واستدلّ به الشيعة على أن الخلافة لعلي -رضي الله عنه- بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورد بأن الخلافة في الأهل في الحياة لا تقتضي الخلافة في الأمة بعد الوفاة مع أن القياس ينتقض بموت هارون المقيس عليه قبل موت موسى وإنما كان خليفته في حياته في أمر خاص فكذلك هاهنا وإنما خصه بهذه الخلافة الجزئية دون غيره لمكان القرابة فكان استخلافه في الأهل أولى من غيره وقال في شرح المشكاة قولها "مني" خبر المبتدأ ومن اتصالية ومتعلق الخبر خاص والباء زائدة كما في قوله تعالى: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} [البقرة: 137] أي فإن آمنوا إيمانًا مثل إيمانكم يعني أنت متصل بي ونازل مني منزلة

10 - باب مناقب جعفر بن أبي طالب الهاشمي -رضي الله عنه- وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أشبهت خلقي وخلقي»

هارون من موسى قال: وفيه تشبيه ووجه التشبيه مبهم بينه بقوله: إلاّ أنه لا نبي بعدي، فعرف أن الاتصال المذكور بينهما ليس من جهة النبوّة بل من جهة ما دونها وهو الخلافة، ولما كان هارون المشبه به إنما كان خليفة في حياة موسى دلّ ذلك على تخصيص خلافة عليّ للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحياته. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل، والنسائي في المناقب، وابن ماجه في السنن. 3707 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: "اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ، فَإِنِّي أَكْرَهُ الاِخْتِلاَفَ، حَتَّى يَكُونَ النَّاسِ جَمَاعَةٌ؛ أَوْ أَمُوتَ كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي. فَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَرَى أَنَّ عَامَّةَ مَا يُرْوَى عَن عَلِيٍّ الْكَذِبُ". وبه قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة أبو الحسن الجوهري الهاشمي مولاهم (قال: أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن أيوب) السختياني (عن ابن سيرين) محمد (عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة السلماني (عن علي -رضي الله عنه-) أنه (قال) لأهل العراق لما قدمها وأخبرهم أن رأيه كرأي عمر في عدم بيع أمهات الأولاد، وأنه رجع عنه فرأى أن يبعن وقال له عبيدة السلماني: رأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إليّ من رأيك وحدك في الفرقة (اقضوا كما) ولأبي ذر عن الكشميهني: على ما (كنتم تقضون) قبل (فإني أكره الاختلاف) على الشيخين أو الاختلاف الذي يؤدي إلى التنازع والفتن وإلا فاختلاف الأمة رحمة ولا أزال على ذلك (حتى يكون للناس جماعة) للناس جار ومجرور وجماعة اسم كان، ولأبي ذر: حتى يكون الناس جماعة الناس بالرفع اسمها وتاليها خبرها (أو أموت) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي: أو أنا أموت والنصب عطفًا على حتى يكون (كما مات أصحابي) وقد اختلف الصدر الأول في بيع أمهات الأولاد، فعن علي وابن عباس وابن الزبير الجواز. قال في الروضة: وعن الشافعي ميل للقول ببيعها. وقال الجمهور: ليس للشافعي فيه اختلاف قول، وإنما ميل القول إشارة إلى مذهب من جوّزه، ومنهم من قال: جوّزه في القديم فعلى هذا هل تعتق بموت السيد؟ وجهان: أحدهما لا، وبه أجاب صاحب التقريب والشيخ أبو علي، والثاني نعم قاله الشيخ أبو محمد والصيدلاني كالمدبر قاله الإمام، وعلى هذا يحتمل أن يقال تعتق من رأس المال ويحتمل من الثلث، فإذا قلنا بالمذهب أنه لا يجوز بيعها فقضى قاض بجوازه، فحكى الروياني عن الأصحاب أنه ينقض قضاؤه وما كان فيه من خلاف بين القرن الأوّل فقد انقطع وصار مجمعًا على منعه ونقل الإمام فيه وجهين. (فكان ابن سيرين) محمد بالسند السابق (يرى) أي يعتقد (أن عامة ما يروى) مما يرويه الرافضة (على عليّ) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: عن عليّ من الأقوال المشتملة على مخالفة الشيخين (الكذب) بالرفع خبر المبتدأ الذي هو عامة ما يروى. ووقع في رواية أبي ذر حديث سعد بعد حديث علي. 10 - باب مَنَاقِبُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيِّ -رضي الله عنه- وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي» هذا (باب مناقب جعفر بن أبي طالب الهاشمي) أبي عبد الله أسلم قديمًا وهاجر الهجرتين وهو شقيق علي وأسنّ منه بعشر سنين (-رضي الله عنه-) وسقط لأبي ذر لفظ باب وثبت له الهاشمي. (وقال النبي) ولأبي ذر: وقال له النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله في عمرة القضاء (أشبهت خلقي) بفتح الخاء وسكون اللام (وخُلُقي) بضمهما. 3708 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَإِنِّي كُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشِبَعِ بَطْنِي حَتَّى لاَ آكُلُ الْخَمِيرَ وَلاَ أَلْبَسُ الْحَبِيرَ وَلاَ يَخْدُمُنِي فُلاَنٌ وَلاَ فُلاَنَةُ، وَكُنْتُ أُلْصِقُ بَطْنِي بِالْحَصْبَاءِ مِنَ الْجُوعِ، وَإِنْ كُنْتُ لأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الآيَةَ هِيَ مَعِي كَىْ يَنْقَلِبَ بِي فَيُطْعِمَنِي. وَكَانَ أَخْيَرَ النَّاسِ لِلْمساكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: كَانَ يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا الْعُكَّةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَىْءٌ، فَيَشُقّهَا فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا". [الحديث 3708 - طرفه في: 5432]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن أبي بكر) واسم أبي بكر القاسم بن الحرث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف أبو مصعب الزهري المدني قال: (حدّثنا محمد بن إبراهيم بن دينار أبو عبد الله الجهني عن ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- (أن الناس كانوا يقولون أكثر أبو هريرة) من رواية الحديث (وإني كنت ألزم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشبع بطني) بموحدة فشين معجمة مكسورتين فموحدة مفتوحة، ولأبي ذر عن الكشميهني: ليشبع بلام مكسورة فتحتية مفتوحة وسكون المعجمة بلفظ المضارع (حتى) وللأربعة عن الحموي والمستملي حين (لا آكل الخمير) بالميم أي الخبز الذي جعل في عجينه الخمير، وفي نسخة الخبير بالموحدة والزاي أي الخبز المأدوم قاله في المصابيح والعمدة، وزاد والخبز بضم المعجمة وبالزاي الادم وتبع في ذلك الكرماني (ولا لبس الحبير) بالحاء المهملة المفتوحة وبعد

الموحدة المكسورة تحتية ساكنة فراء من البرود ما كان موشّى مخططًا، ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: الحرير (ولا يخدمني فلان ولا فلانة، وكنت ألصق بالحصباء من الجوع) لتنكسر حرارة شدة الجوع ببرودة الحصباء (وإن كنت لأستقرئ الرجل) بالهمز أي أطلب منه أن يقرئني (الآية) من القرآن العزيز (هي) أي والحال أن تلك الآية (معي) أي أحفظها. وقال الحافظ ابن حجر والزركشي: أي أطلب منه القري أي الضيافة كما وقع مبينًا في رواية أبي نعيم في الحلية عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه وجد عمر -رضي الله عنه- فقال: أقرئني فظن أنه من القراءة وأخذ يقرئه القرآن ولم يطعمه قال: وإنما أردت منه الطعام، وهذا الذي قالاه يرده قوله الآية كما قاله العيني وصاحب المصابيح. فالحمل على أنهما قضيتان أوجه. وأجاب في انتقاض الاعتراض بأنه إذا حمل على التعدد فحيث يكون في القصة استقرئ بالهمز أو مع التصريح بالآية فهو من القراءة جزمًا وحيث لا بل يكون بتسهيل الهمزة أمكنت إرادة التورية كما في رواية أبي نعيم انتهى. قلت: وهذا الحديث رواه المؤلّف في الأطعمة من طريق عبد الرحمن بن أبي شيبة، عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن أبي سعيد كما هنا استقرئ بالهمز وذكر الآية. ورواه أيضًا الترمذي في المناقب عن أبي سعيد الأشج عن إسماعيل بن إبراهيم التيمي عن إبراهيم بن إسحاق المخزومي عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ: إن كنت لاستقرئ الرجل من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الآية من القرآن وأنا أعلم بها منه ما أسأله إلا ليطعمني شيئًا؟ فكنت إذا سألت جعفر بن أبي طالب لم يجبني حتى يذهب بي إلى منزله فيقول لامرأته: يا أسماء أطعمينا فإذا أطعمتنا أجابني، وكان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه، وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكنيه بأبي المساكين ثم قال: هذا حديث غريب وأبو إسحاق المخزومي هو إبراهيم بن الفضل المديني، وقد تكلم فيه بعض أهل الحديث من قبل حفظه فقد ثبت أن قوله: استقرئ بالهمز من القراءة مع التصريح بالآية، فتعين الحمل على التعدد جميعًا بين ما ذكر ورواية أبي نعيم المذكورة. وهذا الحديث قد رواه ابن ماجه في الزهد عن عبد الله بن سعيد الكندي، عن إسماعيل بن إبراهيم التيمي، عن أبي إسحاق المخزومي لكنه لم يقل فيه وكنت أستقرئ الرجل الآية هي معي (كي ينقلب) أي يرجع (بي) إلى منزله (فيطعمني) شيئًا (وكان أخير الناس) بإثبات الهمزة قبل الخاء بوزن أفضل ومعناه لأبي ذر عن الكشميهني خير بحذفها لغتان فصيحتان (للمسكين) بالإفراد جنس، ولأبي ذر: للمساكن (جعفر بن أبي طالب كان ينقلب بنا) إلى منزله (فيطعمنا ما كان في بيته) فما في موضع نصب مفعول ثان لقوله: فيطعمنا (حتى إن كان ليخرج) بضم الياء من الإخراج (إلينا العكة) وعاء السمن (التي ليس فيها شيء) يمكن إخراجه منها بغير شقها (فيشقها فنلعق ما فيها) أي في جوانبها بعد الشق. 3709 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ". قال أبو عبد الله: الجناحان كلٌ ناحيتين. [الحديث 3709 - طرفه في: 4264]. وبه قال: (حدّثنى) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن بحر الباهلي الصيرفي الفلاس قال: (حدّثنا يزيد بن هارون) الواسطي قال: (أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد) واسمه سعد الكوفي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا سلم على ابن جعفر) عبد الله (قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين) لقوله عليه الصلاة والسلام له "هنيئًا لك أبوك يطير مع الملائكة في السماء" أخرجه الطبراني، وكان قد أصيب بمؤتة من أرض الشام وهو أمير بيده راية الإسلام بعد زيد بن حارثة فقاتل في الله حتى قطعت يداه فأري النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما كشف به أن له جناحين مضرجين بالدم يطير بهما في الجنة مع الملائكة. وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند الترمذي والحاكم بإسناد علي شرط مسلم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: مرّ بي جعفر الليلة في ملأ من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم، وفي حديث ابن عباس مرفوعًا

11 - باب ذكر العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه-

دخلت البارحة الجنة فرأيت فيها جعفرًا يطير مع الملائكة رواه الطبراني، وفي أخرى عنه أن جعفرًا يطير مع جبريل وميكائيل له جناحان عوضه الله عز وجل من يديه. (قال أبو عبد الله) البخاري (الجناحان) في قول ابن عمر هما: (كل ناحيتين) قال في الفتح: لعله أراد بهذا حمل الجناحين على المعنوي دون الحسي، وهذا ثابت في رواية النسفيّ وحده وسقط من اليونينية. 11 - باب ذِكْرُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -رضي الله عنه- (ذكر العباس بن عبد المطلب) وكنيته أبو الفضل وكان أسن من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسنتين أو بثلاث وكان جميلاً وسيمًا أبيض له ضفيرتان معتدلاً، وقيل طوالاً وكان فيما رواه ابن أبي حاتم مرفوعًا: أجود قريش كفًا وأوصلها رحمًا، وزاد أبو عمر: وكان ذا رأي حسن ودعوة مرجوّة، وقد قيل إنه أسلم قديمًا وكان يكتم إسلامه وأظهره يوم الفتح وتوفي في خلافة عثمان قبل مقتله بسنتين بالمدينة يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من رجب أو من رمضان سنة اثنتين وثلاثين، وهو ابن ثمان وثمانين سنة وصلّى عليه عثمان ودفن بالبقيع (-رضي الله عنه-). 3710 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ". وبه قال: (حدّثنا الحسن بن محمد) أي ابن الصباح الزعفراني قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله الأنصاري) قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي عبد الله بن المثنى) برفع عبد الله عطف بيان على أبي المرفوع (عن) عمه (ثمامة بن عبد الله بن أنس) بالمثلثة المضمومة وتخفيف الميم (عن أنس -رضي الله عنه- أن عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (كان إذا قحطوا) بفتح القاف وكسر المهملة أصابهم القحط (استسقى) متوسلاً (بالعباس بن عبد المطلب) للرحم التي بينه وبين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأراد عمر أن يصلها بمراعاة حقه إلى من أمر بصلة الأرحام ليكون ذلك وسيلة إلى رحمة الله تعالى (فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حياته (فتسقينا وإنا) بعد (نتوسل إليك بعم نبينا) العباس (فاسقنا. قال فيسقون) وقال أبو عمر: كانت الأرض أجدبت على عهده إجدابًا شديدًا سنة سبع عشرة فقال كعب: يا أمير المؤمنين إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم مثل هذا استسقوا بعصبة أنبيائهم. فقال عمر: هذا عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصنوا أبيه وسيد بني هاشم فمشى إليه عمر وقال: انظر ما فيه الناس ثم صعد المنبر ومعه العباس فاستسقى فسقوا، وما أحسن قول عقيل بن أبي طالب -رضي الله عنه-: بعمي سقى الله البلاد وأهلها ... عشية يستسقي بشيبته عمر توجه بالعباس في الجدب داعيًا ... فما جاز حتى جاد بالديمة المطر وهذه الترجمة وحديثها سقطا من رواية أبي ذر والنسفيّ، وقد سبق الحديث في الاستسقاء. 12 - باب مَنَاقِبُ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْقَبَةِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ بِنْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» (باب مناقب قرابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من ينسب لعبد المطلب مؤمنًا كعليّ وبنيه (ومنقبة فاطمة عليها السلام بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بجر منقبة عطفًا على مناقب (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): مما وصله في آخر علامات النبوّة (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة) وسقط الباب لأبي ذر وكذا قول: ومنقبة فاطمة الخ. 3711 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ "أَنَّ فَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَطْلُبُ صَدَقَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِي بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكٍ، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- أن فاطمة عليها السلام أرسلت إلى أبي بكر) الصديق (تسأله ميراثها من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما) ولأبي ذر عن الكشميهني مما (أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهو ما أخذ من الكفار على سبيل الغلبة من غير قتال (تطلب صدقة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لجميع المؤمنين وهي نخل لبني النضير التي تعتقد فاطمة أنها ملكه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (التي بالمدينة و) ميراثها من (فدك) بفتح الفاء والدال المهملة مصروفًا ولأبي ذر وفدك بغير صرف بلد بينها وبين المدينة ثلاث مراحل (و) من (ما بقي من خُمس خيبر) وهو سهمه عليه الصلاة والسلام.

13 - باب مناقب الزبير بن العوام

3712 - «فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا فَهْوَ صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ -يَعْنِي مَالَ اللَّهِ- لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى الْمَأْكَلِ. وَإِنِّي وَاللَّهِ لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَاتِ رَسُولُ اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ ثُمَّ قَالَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَضِيلَتَكَ -وَذَكَرَ قَرَابَتَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَقَّهُمْ- فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي». (فقال أبو بكر): -رضي الله عنه- لها (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا نورث) أي إنا معاشر الأنبياء لا نورث (ما تركنا فهو صدقة) وسقط لأبي ذر لفظ فهو (إنما يأكل آل محمد) عليه الصلاة والسلام فاطمة وعليّ وابناهما (من هذا المال يعني مال الله ليس لهم أن يزيدوا على المأكل وإني والله لا أغير شيئًا من صدقات النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي كانت عليها في عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في الخُمس فإني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ (فتشهد عليّ) -رضي الله عنه- (ثم قال: إنا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك وذكر) أي عليّ - رضي الله تعالى عنه - (قرابتهم من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحقهم فتكلم أبو بكر فقال): معتذرًا عن منعه (والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحب إلي أن أصل من قرابتي) قال صاحب التوضيح فيما نقله عنه صاحب العمدة قوله فتشهد عليّ إلى آخره ليس من هذا الحديث وإنما كان ذلك بعد موت فاطمة -رضي الله عنها- وقد أتي به في موضع آخر اهـ. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله لقرابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 3713 - أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاقِدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ "عَنْ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهم- قَالَ: "ارْقُبُوا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَهْلِ بَيْتِهِ". [الحديث 3713 - طرفه في: 3751]. وبه قال: (أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا بالجمع من التحديث (عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري قال: (حدّثنا خالد) هو ابن الحرث بن سليم الهجيمي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن واقد) بقاف بعدها دال مهملة أنه (قال: سمعت أبي) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر (يحدث عن ابن عمر عن أبي بكر -رضي الله عنهم-) أنه (قال): يخاطب الناس (ارقبوا) أي احفظوا (محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أهل بيته) فلا تؤذوهم. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضل الحسن والحسين. 3714 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن المسور بن مخرمة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): لما خطب عليّ بنت أبي جهل واسمها جويرية أسلمت وبايعت. (فاطمة بضعة) بفتح الموحدة وسكون الضاد المعجمة أي قطعة (مني فمن أغضبها أغضبني) زاد في رواية ويؤذيني ما آذاها قالوا ففيه تحريم إيذائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكل حال، وعلى كل وجه وإن تولد الإيذاء مما أصله مباح، وهذا من خصائصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح والطلاق، ومسلم في الفضائل، وأبو داود في النكاح، والترمذي والنسائي في المناقب. 3715 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهَا، فَسَارَّهَا بِشَىْءٍ فَبَكَتْ، ثُمَّ دَعَاهَا فَسَارَّهَا فَضَحِكَتْ قَالَتْ: فَسَأَلْتُهَا عَنْ ذَلِكَ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحات القرشي المكي المؤذن قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه) سعد بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت): (دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاطمة ابنته في شكواه الذي) وفي نسخة من الفرع التي (قبض فيها فسارّها بشيء) بتشديد الراء (فبكت ثم دعاها فسارّها فضحكت) (قالت) أي عائشة -رضي الله عنها-: (فسألتها عن ذلك) الذي قاله لها فبكت وضحكت زاد في رواية مسروق عند المصنف فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 3716 - "فَقَالَتْ: سَارَّنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَبَكَيْتُ ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِهِ أَتْبَعُهُ فَضَحِكْتُ". (فقالت): أي بعد وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سارني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتشديد الراء (فأخبرني أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت) لذلك (ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه فضحكت) لذلك وأتبعه بسكون الفوقية بعد فتح الهمزة وفتح الموحدة. وهذا الحديث وسابقه سقطا لأبي ذر والنسفيّ لسبق ثانيهما بإسناده ومتنه في علامات النبوّة ومجيء أولهما في مناقب فاطمة -رضي الله عنها- مطولاً فهو أوجه من إثباتهما. 13 - باب مَنَاقِبُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (هُوَ حَوَارِيُّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وَسُمِّيَ الْحَوَارِيُّونَ لِبَيَاضِ ثِيَابِهِمْ. (باب مناقب الزبير بن العوّام -رضي الله عنه-) ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي يجتمع مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قصي وينسب إلى أسد فيقال: القرشي الأسدي، وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسلمت وهاجرت، وأسلم هو -رضي الله عنه-

وهو ابن خمس عشرة سنة. وعند الحاكم بسند صحيح وهو ابن ثمان سنين وحضر يوم اليرموك وفتح مصر مع عمرو بن العاص وشهد الجمل مع عائشة -رضي الله عنها-، وقتل بوادي السباع راجعًا عن حرب أهل الجمل سنة ست وثلاثين -رضي الله عنه-، وسقط لفظ باب لأبي ذر فمناقب مرفوع. (وقال ابن عباس): -رضي الله عنهما- مما وصله في سورة براءة (هو) أي الزبير (حواري النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الحاء المهملة والواو وبعد الألف راء فتحتية مشددة قال المؤلّف: (وسمي الحواريون) أي حواريو عيسى (لبياض ثيابهم) وهذا وصله ابن أبي حاتم وقيل لصفاء قلوبهم، وعند الترمذي عن ابن عيينة الحواري الناصر. 3717 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ قَالَ: "أَصَابَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ -رضي الله عنه- رُعَافٌ شَدِيدٌ سَنَةَ الرُّعَافِ حَتَّى حَبَسَهُ عَنِ الْحَجِّ وَأَوْصَى، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ: اسْتَخْلِفْ. قَالَ: وَقَالُوهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَمَنْ؟ فَسَكَتَ. فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ -أَحْسِبُهُ الْحَارِثَ- فَقَالَ: اسْتَخْلِفْ. فَقَالَ عُثْمَانُ: وَقَالُوا؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟ فَسَكَتَ. قَالَ: فَلَعَلَّهُمْ قَالُوا إِنَّهُ الزُّبَيْرَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لَخَيْرُهُمْ مَا عَلِمْتُ، وَإِنْ كَانَ لأَحَبَّهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 3717 - طرفه في: 3718]. وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة القطواني قال: (حدّثنا علي بن مسهر) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء القرشي الكوفي قاضي الموصل (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (مروان بن الحكم) بن أبي العاص بن أمية الأموي المدني (قال: أصاب عثمان بن عفان -رضي الله عنه- رعاف شديد) بالرفع فاعل وعثمان مفعول (سنة الرعاف) سنة إحدى وثلاثين كما عند ابن شبة في كتاب المدينة وكان للناس فيها رعاف كثير (حتى حبسه) أي حبس عثمان الرعاف (عن الحج وأوصى فدخل عليه رجل من قريش) لم يقف الحافظ ابن حجر على تسميته (قال) له: (استخلف) بالجزم خليفة بعد موتك (قال) عثمان (وقالوه) أي قال الناس هذا القول: (قال): الرجل (نعم) قالوه (قال) عثمان: (ومن؟) أستخلف (فسكت) الرجل (فدخل عليه) على عثمان (رجل آخر) قال مروان: (أحسبه الحرث) بن الحكم أخا مروان الراوي (فقال) لعثمان: (أستخلف) خليفة بعدك (فقال عثمان وقالوا): أي الناس ذلك (فقال) الحرث: (نعم) قالوا: ذلك (قال عثمان: (ومن هو؟) الذي قالوا أني أستخلفه (فسكت) الحرث (قال) عثمان: (فلعلهم قالوا) استخلف (الزبير قال): الحرث (نعم. قال): عثمان (أما) بالتخفيف (والذي نفسي بيده إنه لخيرهم ما علمت) أي هو الذي علمته أو ما مصدرية أي في علمي أي في شيء مخصوص كحسن الخلق (وإن كان) أي الزبير (لأحبهم إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي الذين أشاروا باستخلافه. وهذا الحديث قد ذكره النسائي في المناقب عن معاوية. 3718 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ أَخْبَرَنِي أَبِي سَمِعْتُ مَرْوَانَ "كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: اسْتَخْلِفْ. قَالَ: وَقِيلَ ذَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، الزُّبَيْرُ. قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَيْرُكُمْ. ثَلاَثًا". وبه قال: (حدّثنى) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا بالجمع (عبيد بن إسماعيل) الهباري القرشي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير قال: (سمعت مروان بن الحكم) يقول: (كنت عند عثمان) بن عفان -رضي الله عنه- (أتاه رجل) لم يسم (فقال: استخلف. قال) عثمان (وقيل ذاك): بحذف همزة الاستفهام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ذلك باللام (قال) الرجل: (نعم). قيل ذلك (الزبير) أي الذي قيل باستخلافه هو الزبير (قال: أما) بالتخفيف والألف ولأبي ذر عن الكشميهني أم بحذفها (والله إنكم لتعلمون أنه) أي الزبير (خيركم) قال: ذلك (ثلاثًا). 3719 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ - هُوَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ». وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم أبو غسان النهدي الكوفي قال: (حدّثنا عبد العزيز هو ابن أبي سلمة) هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون بكسر الجيم بعدها شين معجمة مضمومة المدني نزيل بغداد (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير مصغرًا التيمي المدني (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن لكل نبي حواري) كذا في فرع اليونينية بمثناة تحتية منصوبة اسم أن بدون ألف مصححًا عليها أي أنصارًا (وإن حواري) أي ناصري (الزبير بن العوّام) -رضي الله عنه-. 3720 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: «كُنْتُ يَوْمَ الأَحْزَابِ جُعِلْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي النِّسَاءِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِالزُّبَيْرِ عَلَى فَرَسِهِ يَخْتَلِفُ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. فَلَمَّا رَجَعْتُ قُلْتُ: يَا أَبَتِ رَأَيْتُكَ تَخْتَلِفُ، قَالَ: أَوَ هَلْ رَأَيْتَنِي يَا بُنَيَّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَنْ يَأْتِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَيَأْتِينِي بِخَبَرِهِمْ؟ فَانْطَلَقْتُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَوَيْهِ فَقَالَ: "فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي"». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) هو ابن شبويه فيما قاله: الدارقطني أو هو أبو العباس مردويه المروزي فيما قاله أبو عبد الله الحاكم وزاد الكلاباذي السمسار وصوب قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزى قال: (أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عبد الله بن

14 - باب ذكر طلحة بن عبيد الله. وقال عمر: توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو عنه راض

الزبير) -رضي الله عنه- أنه (قال: كنت يوم الأحزاب) لما حاصر قريش ومن معهم المسلمين بالمدينة وحفر الخندق لذلك (جعلت) بضم الجيم وكسر العين وسكون اللام (أنا وعمر بن أبي سلمة) بضم العين القرشي المخزومي المدني ربيب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمه أم سلمة (في النساء) يعني نسوة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فنظرت فإذا أنا بالزبير) أبيه (على فرسه يختلف) أي يجيء ويذهب (إلى بني قريظة) اليهود (مرتين أو ثلاثًا) بالشك كذا بإثبات مرتين أو ثلاثًا في كل ما وقفت عليه من الأصول، وعزاه الحافظ ابن حجر وتبعه العيني لرواية الإسماعيلي من طريق أبي أسامة لا يقال: إن مراد الحافظ زيادة ذلك عند الإسماعيلي على رواية البخاري بعد قوله رأيتك تختلف لأنه ذكر ذلك عقب قوله السابق يختلف إلى بني قريظة قبل لاحقه (فلما رجعت قلت: يا أبت رأيتك تختلف) أي تجيء وتذهب إلى بني قريظة (قال): مستفهمًا بالهمزة استفهام تقرير (أو هل رأيتني يا بني؟ قلت): ولأبي ذر قال: (نعم) رأيتك (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم) بتحتية ساكنة بعد الفوقية ولأبي ذر عن الكشميهني فيأتني بحذفها (فانطلقت) إليهم (فلما رجعت) بخبرهم (جمع لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أبويه) في الفداء تعظيمًا وإعلاء لقدري لأن الإنسان لا يفدي إلا من يعظمه فيبذل نفسه له (فقال): (فداك أبي وأمي) وفي الحديث صحة سماع الصغير، وأنه لا يتوقف على أربع أو خمس لأن ابن الزبير كان يومئذٍ ابن سنتين وأشهر أو ثلاث وأشهر بحسب الاختلاف في وقت مولده وفي تاريخ الخندق. تنبيه: قوله: فلما رجعت قلت يا أبت إلى آخره. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: إنه مدرج كما وقع مبينًا في رواية مسلم من طريق علي بن مسهر عن هشام حيث ساقه إلى بني قريظة ثم قال: قال هشام: وأخبرني عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبير قال: فذكرت ذلك لأبي الخ. ثم ساقه من طريق أبي أسامة عن هشام قال: لما كان يوم الخندق فساق الحديث نحوه ولم يذكر عبد الله بن عروة، ولكن أدرج القصة في حديث هشام عن أبيه عن الزبير اهـ. 3721 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ "أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالُوا لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ: أَلاَ تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ؟ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ عُرْوَةُ: فَكُنْتُ أُدْخِلُ أَصَابِعِي فِي تِلْكَ الضَّرَبَاتِ أَلْعَبُ وَأَنَا صَغِيرٌ". [الحديث 3721 - طرفاه في: 3973، 3975]. وبه قال: (حدّثنا علي بن حفص) الخراساني المروزي سكن عسقلان قال: (حدّثنا ابن المبارك) عبد الله المروزي قال: (أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (أن أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الذين شهدوا وقعة اليرموك في أول خلافة عمر، ولم يقف الحافظ ابن حجر على تسمية واحد منهم (قالوا: للزبير يوم وقعة اليرموك): بتحتية مفتوحة وراء ساكنة وميم مضمومة آخره كاف موضع بالشام كان فيه الوقعة بين المسلمين والروم (ألا) بالتخفيف (تشد) بضم الشين المعجمة أي على المشركين (فنشد معك) عليهم (فحمل) أي الزبير (عليهم فضربوه) أي الروم (ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها) بضم الضاد وكسر الراء مبنيًّا للمفعول (يوم) وقعة (بدر. قال عروة) بن الزبير بالسند السابق (فكنت أدخل أصابعي في تلك الضربات) الثلاث بسكون راء الضربات في اليونينية (ألعب وأنا صغير). وقد كان المسلمون في وقعة اليرموك خمسة وأربعين ألفًا، وقيل ستة وثلاثين ألفًا والروم سبعمائة ألف، وكان مع جبلة بن الأيهم من عرب غسان ستون ألفًا، وكانت الدولة للمسلمين فقتلوا من الروم مائة ألف وخمسة آلاف نفس وأسروا منهم أربعين ألفًا واستشهد من المسلمين أربعة آلاف. 14 - باب ذِكْرِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ. وَقَالَ عُمَرُ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ عَنْهُ رَاضٍ (باب ذكر طلحة) ولأبي ذر عن الكشميهني مناقب طلحة (بن عبيد الله) وسقط باب لأبي ذر وعبيد الله بضم العين وفتح الموحدة ابن عثمان بن عمير بن عمرو بن عامر بن عثمان بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب، يجتمع مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرة بن كعب، ومع أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- في كعب بن سعد بن تيم، وكان يقال له طلحة الخير وطلحة الجود، وأمه الصعبة بنت الحضرمي أخت العلاء أسلمت وهاجرت وعاشت بعد ابنها قليلاً، وقتل طلحة يوم الجمل سنة ست وثلاثين وذكر أن عليًّا -رضي الله عنه- لما وقف

15 - باب مناقب سعد بن أبي وقاص الزهري وبنو زهرة أخوال النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو سعد بن مالك

على مصرع طلحة بكى حتى اخضلّت لحيته بدموعه ثم قال: إني لأرجو أن أكون أنا وأنت ممن قال الله تعالى فيهم: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا على سرر متقابلين} [الحجر: 47]. (وقال عمر) -رضي الله عنه- في طلحة (توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو عنه راض) وهذا وصله المؤلّف مطوّلاً في مقتل عمر السابق. 3722 و 3723 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: "لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ تِلْكَ الأَيَّامِ الَّتِي قَاتَلَ فِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرُ طَلْحَةَ وَسَعْدٍ، عَنْ حَدِيثِهِمَا". [الحديث 3722 - طرفه في: 4060]. [الحديث 3723 - طرفه في: 4061]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن أبي بكر المقدمي) بضم الميم وفتح القاف والدال المهملة المشدّدة والميم المكسورة قال: (حدّثنا معتمر عن أبيه) سليمان التيمي (عن أبي عثمان) عبد الرحمن النهدي أنه (قال: لم يبق مع النبي) ولأبي ذر: نبي الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض تلك الأيام) أيام وقعة أُحُد (التي قاتل فيهن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المشركين (غير طلحة) برفع غير على الفاعلية (وسعد عن حديثهما) أي عن حديث طلحة وسعد. حدّث بذلك أبو عثمان. 3724 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: "رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ الَّتِي وَقَى بِهَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ شَلَّتْ". [الحديث 3724 - طرفه في: 4063]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الواسطي قال: (حدّثنا ابن أبي خالد) إسماعيل واسم أبي خالد سعد (عن قيس بن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي واسمه عوف الأحمسي البجلي قدم المدينة بعد وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال: رأيت يد طلحة التي وقى) بفتح الواو والقاف المخففة (بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما أراد بعض المشركين أن يضربه يوم أُحُد (قد شلّت) بفتح المعجمة واللام المشددة وضم الشين خطأ أو قليل أو لغة رديئة، والشلل نقص في الكف وبطلان لعملهما وليس معناه القطع كما زعم بعضهم. وفي الترمذي عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "من سرّه أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله". وكان ممن أنزل الله عز وجل فيه: {فمنهم من قضى نحبه} [الأحزاب: 23]. رواه الترمذي، وعنده أيضًا من حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: سمعت أذني من فيّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يقول: "طلحة والزبير جاراي في الجنة". 15 - باب مَنَاقِبُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيِّ وَبَنُو زُهْرَةَ أَخْوَالُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ (باب مناقب سعد بن أبي وقاص) -رضي الله عنه- بتشديد القاف (الزهري. وبنو زهرة أخوال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأن أمه آمنة منهم وأقارب الأم أخوال (وهو سعد بن مالك) يريد أن اسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة، يجتمع مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كلاب بن مرة، وأهيب جدّ سعد عمّ آمنة أم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخو أبيها وهب، وأم وهب حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بنت عم أبي سفيان بن حرب وشهد بدرًا والحديبية وسائر المشاهد، وهو أحد الستة الذين جعل عمر فيهم الشورى، وكان مجاب الدعوة مشهورًا بذلك تجاب دعوته وترجى، وتوفي سنة خمس وخمسين عن ثلاث وثمانين سنة، وسقط باب لأبي ذر فقوله مناقب مرفوع. 3725 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُ: "جَمَعَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ". [الحديث 3725 - أطرافه في: 4055، 4056، 4057]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن المثنى) العنزي قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (قال: سمعت يحيي) بن إسماعيل القطان (قال: سمعت سعيد بن المسيب قال: سمعت سعدًا) هو ابن أبي وقاص -رضي الله عنه- (يقول): (جمع لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في التفدية (أبويه) فقال: "فداك أبي وأمي" (يوم أُحُد) كما فعل ذلك للزبير. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي، ومسلم في الفضائل، والترمذي في الاستئذان والمناقب، والنسائي في السُّنّة. 3726 - حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا ثُلُثُ الإِسْلاَمِ". [الحديث 3726 - طرفاه في: 3727، 3858]. وبه قال: (حدّثنا مكي بن إبراهيم) الحنظلي، ولأبي ذر المكي بن إبراهيم بزيادة أل قال: (حدّثنا هشام بن هاشم) بكسر الهاء بعدها معجمة في الأول كذا في فرع اليونينية وفي غيره بفتح الهاء فألف فشين كالثاني المتفق عليه وهو الذي في اليونينية فالظاهر أن الذي في الفرع سهو وهو ابن عتبة بن أبي وقاص الزهري (عن عامر بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص أنه (قال): والله (لقد رأيتني وأنا ثلث الإسلام) أي أنه كان ثالث من أسلم أوّلاً أي من الرجال. 3727 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: "مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلاَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ، وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنِّي لَثُلُثُ الإِسْلاَمِ". تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هَاشِمٌ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إبراهيم بن موسى) الفرّاء الصغير الرازي قال:

16 - باب ذكر أصهار النبي -صلى الله عليه وسلم-. منهم أبو العاص بن الربيع

(أخبرنا ابن أبي زائدة) هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة واسمه ميمون الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا هاشم بن هاشم بن عتبة) بفتح الهاء بعدها ألف في الاثنين وعتبة بضم العين المهملة وسكون الفوقية بعدها موحدة (ابن أبي وقاص قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت سعد بن أبي وقاص) -رضي الله عنه- (يقول: ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه) قاله بحسب ما علمه، وإلاّ فقد أسلم قبله غيره (ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام) وهذا محمول على الأحرار البالغين لتخرج خديجة وعليّ، أو قاله بحسب ما اطلع عليه لأن من أسلم إذ ذاك كان يخفي إسلامه. وقال أبو عمر بن عبد البرّ: إنه أسلم قديمًا بعد ستة هو سابعهم وهو ابن سبع عشرة سنة قبل أن تفرض الصلاة على يد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (تابعه) أي تابع ابن أبي زائدة (أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا هاشم) هو ابن هاشم بن عتبة السابق، وهذه المتابعة وصلها المؤلّف في إسلام سعد. 3728 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: "إِنِّي لأَوَّلُ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الشَّجَرِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا يَضَعُ الْبَعِيرُ أَوِ الشَّاةُ مَا لَهُ خِلْطٌ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الإِسْلاَمِ لَقَدْ خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ عَمَلِي. وَكَانُوا وَشَوْا بِهِ إِلَى عُمَرَ قَالُوا: لاَ يُحْسِنُ يُصَلِّي". وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عون) بفتح العين فيهما وبالنون في آخره ابن أوس الواسطي البزاز قال: (حدّثنا خالد بن عبد الله) الواسطي (عن إسماعيل) بن أبي خالد البجلي (عن قيس) هو ابن أبي حازم أنه (قال: سمعت سعدًا) هو ابن أبي وقاص (-رضي الله عنه- يقول): (إني لأوّل العرب رمى بسهم في سبيل الله) عز وجل، وذلك في سرية عبيدة بضم العين ابن الحرث بن المطلب بن عبد مناف الذي بعثه فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ستين راكبًا من المهاجرين فيهم سعد بن أبي وقاص إلى رابع ليلقوا عيرًا لقريش في السنة الأولى من الهجرة فتراموا بالسهام فكان سعد أول من رمى في سبيل الله، قال: (وكنا نغزو مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما لنا طعام إلاّ ورق الشجر حتى أن أحدنا ليضع) عند قضاء الحاجة (كما يضع البعير أو الشاة) أي نحوهم يخرج منهم مثل البعر ليبسه وعدم الغذاء المألوف (ما له خلط) بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام أي لا يختلط بعضه ببعض لجفافه (ثم أصبحت بنو أسد تعزرني) بعين مهملة فزاي فراء تؤذيني من التأديب (على الإسلام) أو تعلمني الصلاة أو تعيرني بأني لا أحسنها فعبّر عن الصلاة بالإسلام كما عبّر عنها بالإيمان في قوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة: 143]. إيذانًا بأنها عماد الدين ورأس الإسلام (لقد خبت إذًا) بالتنوين (وضلّ عملي) مع سابقتي في الإسلام إن كنت لم أحسن الصلاة وأفتقر إلى تعليم بني أسد (وكانوا وشوا) بفتح الواو والشين المعجمة وسكون الواو (به) بسعد (إلى عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (قالوا: لا يحسن يصلّي) وقصته مع الذين زعموا أنه لا يحسن الصلاة مرت في صفة الصلاة. وهذا الحديث أخرجه في الأطعمة والرقاق، ومسلم في آخر الكتاب، والترمذي في الزهد، والنسائي في المناقب والرقاق، وابن ماجه في السنن. 16 - باب ذِكْرُ أَصْهَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ (باب ذكر أصهار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) جمع الصهر بالكسر. قال في القاموس: وزوج بنت الرجل وزوج أخته والأختان أصهار أيضًا وقد صاهرهم وفيهم وأصهر بهم وإليهم صار فيهم صهرًا اهـ. والأختان جمع ختن وهو كل من كان من قبل المرأة كالأب والأخ والمراد هنا الأول وسقط الباب لأبي ذر (منهم: أبو العاص) لقيط، وقيل مقسم بكسر الميم، وقيل هشيم (ابن الربيع) بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة. 3729 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ قَالَ: «إِنَّ عَلِيًّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ فَاطِمَةُ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّكَ لاَ تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ، وهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ يَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي، وَإِنَّ فَاطِمَةَ بَضْعَةٌ مِنِّي، وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَهَا، وَاللَّهِ لاَ تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ. فَتَرَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبَةَ». وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ مِسْوَرٍ «سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ فَأَحْسَنَ، قَالَ: حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عليّ بن حسين) هو ابن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- (أن المسور بن مخرمة) -رضي الله عنه- (قال: إن عليًّا خطب بنت أبي جهل) حويرية بضم الجيم وقيل العوراء (فسمعت بذلك فاطمة) -رضي الله عنها- (قالت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت): له (يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك) إذا أُوذين (وهذا عليّ ناكح) أي يريد أن ينكح (بنت أبي جهل) وأطلق عليه اسم ناكح مجازًا باعتبار قصده له

17 - باب مناقب زيد بن حارثة مولى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال البراء عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أنت أخونا ومولانا»

(فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) خطيبًا ليشيع الحكم الذي سيقرره ويأخذوا به على سبيل الوجوب أو الأولوية. قال المسور (فسمعته حين تشهد يقول): (أما بعد فإني أنكحت أبا العاص) لقيط (ابن الربيع) أي ابنته عليه الصلاة والسلام زينب أكبر بناته وكان ذلك قبل النبوة (فحدّثني وصدقني) بتخفيف الدال بعد الصاد أي في حديثه ولعله كان شرط عليه أن لا يتزوج على زينب فلم يتزوج عليها، وكذلك عليّ فإن يكن كذلك فيحتمل أن يكون نسي ذلك الشرط (وإن فاطمة بضعة) بفتح الموحدة فقط وسكون المعجمة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: مضغة بميم مضمومة بدل الموحدة وغين معجمة بدل المهملة (مني وإني أكره أن يسوءها) أحد عليّ أو غيره (والله لا تجتمع بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبنت عدوّ الله) أبي جهل أو غيره (عند رجل واحد فترك عليّ الخطبة) بكسر الخاء المعجمة. قال ابن داود فيما ذكره المحب الطبري: حرم الله عز وجل على عليّ أن ينكح على فاطمة حياتها لقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7]. وقال أبو علي السنجي في شرح التلخيص: يحرم التزوج على بنات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (وزاد محمد بن عمرو بن حلحلة) بفتح العين وسكون الميم وحلحلة بفتح الحاءين المهملتين بينهما لام ساكنة وأخرى مفتوحة بعد الحاء الثانية مما وصله في أوائل الخمس (عن ابن شهاب) الزهري (عن عليّ) ولأبي ذر عن الكشميهني زيادة ابن الحسين (عن مسور سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الحديث بطوله. (وذكر) فيه (صهرًا له من بني عبد شمس) هو أبو العاص بن الربيع (فأثنى عليه) خيرًا (في مصاهرته إياه فأحسن) الثناء (قال): (حدّثني فصدقني) بتخفيف الدال (ووعدني) أن يرسل إليّ زينب أي لما أسر ببدر مع المشركين وفدي وشرط عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرسلها له (فوفى لي) بتخفيف الفاء بذلك، وأسر أبو العاص مرة أخرى وأجارته زينب فأسلم وردها إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى نكاحه وولدت له أمامة التي كان يحملها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يصلّي. 17 - باب مَنَاقِبُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَوْلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ الْبَرَاءُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلاَنَا» (باب مناقب زيد بن حارثة مولى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكان من بني كلب أسر في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة -رضي الله عنها- فأوهبه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل منها وخيّره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما طلب أبوه وعمه أن يفدياه بين المقام عنده أو يذهب معهما فقال: يا رسول الله لا أختار عليك أحدًا أبدًا وسقط لأبي ذر باب وحينئذ فمناقب رفع (وقال البراء) بن عازب مما وصله في كتاب الصلح (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال لزيد: (أنت أخونا ومولانا). 3730 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: «بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ. وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ بَعْدَهُ». [الحديث 3730 - أطرافه في: 4250، 4468، 4469، 6627، 7187]. وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون المعجمة وفتح اللام أبو الهيثم البجلي القطواني بفتح القاف والمهملة قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبو عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثًا) إلى أطراف الروم حيث قتل زيد بن حارثة والد أسامة المذكور وهو البعث الذي أمر بتجهيزه عند موته عليه الصلاة والسلام وأنفذه أبو بكر -رضي الله عنه- بعده (وأمّر عليهم أسامة بن زيد) بتشديد الميم من أمر (فطعن بعض الناس في إمارته) بكسر الهمزة وكان ممن انتدب مع أسامة كبار المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة، وسعد، وسعيد، وقتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم فتكلم قوم في ذلك وكان أشدهم في ذلك كلامًا عياش بن أبي ربيعة المخزومي فقال: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين فكثرت المقالة في ذلك فسمع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعض ذلك فردّه على من تكلم، وجاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره بذلك فغضب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غضبًا شديدًا فخطب (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن) بكسر الهمزة في الفرع وبفتحها في اليونينية (تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه) زيد (من قبل) في غزوة

18 - باب ذكر أسامة بن زيد

مؤتة وعين تطعنوا في الموضعين بضمها في الفرع. وقال الكرماني: يقال طعن بالرمح واليد يطعن بالضم، وطعن في العرض والنسب يطعن بالفتح، وقيل ما لغتان فيهما. وقال الطيبي: هذا الجزاء إنما يترتب على الشرط بتأويل التنبيه والتوبيخ أي طعنكم الآن فيه سبب لأن أخبركم أن ذلك من عادة الجاهلية وهجيراهم ومن ذلك طعنكم في أبيه من قبل. نحو قوله تعالى: {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل} [يوسف: 77]. وقال التوربشتي: إنما طعن من طعن في إمارتهما لأنهما كانا من الموالي وكانت العرب لا ترى تأمير الموالي وتستنكف عن اتباعهم كل الاستنكاف، فلما جاء الله عز وجل بالإسلام ورفع قدر من لم يكن له عندهم قدر بالسابقة والهجرة والعلم والتقى عرف حقهم المحفوظون من أهل الدين، فأما المرتهنون بالعادة والممتحنون بحب الرئاسة من الأعراب ورؤساء القبائل فلم يزل يختلج في صدورهم شيء من ذلك لا سيما أهل النفاق فإنهم كانوا يسارعون إلى الطعن وشدة النكير عليه، وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد بعث زيدًا أميرًا على عدة سرايا وأعظمها جيش مؤتة وسار تحت رايته فيها نجباء الصحابة وكان خليقًا بذلك لسوابقه وفضله وقربه من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم أمّر أسامة في مرضه على جيش فيهم جماعة من مشيخة الصحابة وفضلائهم وكأنه رأى فى ذلك سوى ما توسم فيه من النجابة أن يمهد الأرض وتوطئه لمن يلي الأمر بعده لئلا ينزع أحد يدًا من طاعة وليعلم كل منهم أن العادات الجاهلية قد عميت مسالكها وخفيت معالمها. (وايم الله إن كان) زيد (لخليقًا) بالخاء المعجمة المفتوحة والقاف أي والله إن الشأن، وفي أصل ابن مالك: وايم الله لقد كان خليقًا (للإمارة) أي حقيقًا بها (وإن كان لمن أحب الناس إليّ) سقطت لام لمن من أصل ابن مالك، وقال: استعمل أن المخففة المتروكة العمل عاريًا بعدها من اللام الفارقة لعدم الحاجة إليها، وذلك لأنه إذا خففت أن صار لفظها كلفظ إن النافية فيخاف التباس الإثبات بالنفي عند ترك العمل فالتزموا اللام المؤكدة مميزة لها، ولا يثبت ذلك إلا في موضع صالح للإثبات والنفي نحو: إن علمتك لفاضلاً فاللام هنا لازمة إذ لو حذفت مع كون العمل متروكًا وصلاحية الموضع للنفي لم يتيقن الإثبات، فلو لم يصلح الموضع للنفي جاز وثبوت اللام وحذفها (وإن هذا) أسامة بن زيد (لمن أحب الناس إليّ بعده). أي بعد أبيه زيد. وفي الحديث جواز إمارة الموالي وتولية الصغير على الكبير والمفضول على الفاضل، والحديث من أفراده. 3731 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَىَّ قَائِفٌ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَاهِدٌ. وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مُضْطَجِعَانِ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، قَالَ فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْجَبَهُ، فَأَخْبَرَ بِهِ عَائِشَةَ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي القرشي المكي المؤذن قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير -رضي الله عنه- (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنه (قالت: دخل عليّ قائف) قبل نزول الحجاب أو بعده وهي محتجبة والقائف هو الذي يلحق الفروع بالأصول بالشبه والعلامات، والمراد به هاهنا مجزز بالجيم والزاي المشددة بعدها زاي أخرى المدلجي (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاهد وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان) تحت كساء وأقدامهما ظاهرة (فقال): القائف مجزز (إن هذه الأقدام) أقدام أسامة وأبيه (بعضها من بعض. قال: فسرّ بذلك) الذي قاله القائف (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأعجبه فأخبر به) بالفاء في فأخبر ولأبوي الوقت وذر: وأخبر به (عائشة) -رضي الله عنها-. قال في العمدة: لعله عليه الصلاة والسلام لم يعلم أنها معه، ولم يظهر وجه المطابقة بين الحديث والترجمة. قيل يستأنس له بقوله: فسرّ بذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخ .. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح. 18 - باب ذِكْرُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ (باب ذكر أسامة بن زيد) قال البرماوي كالكرماني: إنما لم يقل مناقب كما قال فيما سبق لأن المذكور في الباب أعم من المناقب كالحديث الثاني، وسقط باب لأبي ذر فاللاحق مرفوع. 3732 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ فَقَالُوا: مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي مولاهم البغلاني وسقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد

الإمام (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن قريشًا أهمهم شأن المخزومية) فاطمة بنت الأسود التي سرقت حليًّا في غزوة الفتح (فقالوا: من يجترئ) يتجاسر بطريق الادلال (عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلا أسامة بن زيد حِب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر حاء حب أي محبوبه، وقد مرّ في ذكر بني إسرائيل. 3733 - وحَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: ذَهَبْتُ أَسْأَلُ الزُّهْرِيَّ عَنْ حَدِيثِ الْمَخْزُومِيَّةِ فَصَاحَ بِي، قُلْتُ لِسُفْيَانَ: فَلَمْ تَحْتَمِلْهُ عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: وَجَدْتُهُ فِي كِتَابٍ كَانَ كَتَبَهُ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَلَمْ يَجْتَرِئْ أَحَدٌ أَنْ يُكَلِّمَهُ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَقَالَ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فيهمُ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ. لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا». وبه قال: (وحدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: ذهبت أسأل الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن حديث المخزومية) فاطمة (فصاح بي) قال عليّ (قلت: لسفيان) بن عيينة (فلم تحتمله) ولأبي ذر: فلم تحمله أي فلم ترو حديث المخزومية (عن أحد. قال): سفيان (وجدته) أي حديثها (في كتاب كان كتبه أيوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاصي الأموي (عن الزهري) محمد (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن امرأة) تسمى فاطمة (من بني مخزوم سرقت) حليًّا (فقالوا: منَ يكلم فيها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟) حتى لا يقطع يدها (فلم يجترئ) يجسر (أحد أن يكلمه) في ذلك (فكلمه أسامة بن زيد فقال): عليه الصلاة والسلام له ولغيره. (إن بني إسرائيل كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه) فلم يقطعوا يده (وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه) ثبت قوله فيهم لأبي ذر عن الكشميهني (لو كانت) أي السارقة (فاطمة) بنته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سرقت (لقطعت يدها) وخصّ المثل بفاطمة -رضي الله عنها- لأنها كانت أعز أهله وفيه منقبة عظيمة ظاهرة لأسامة. هذا (باب) بالتنوين وسقط لفظ باب لأبي ذر بغير ترجمة. 3734 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَبَّادٍ يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا الْمَاجِشُونُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: "نَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا -وَهْوَ فِي الْمَسْجِدِ- إِلَى رَجُلٍ يَسْحَبُ ثِيَابَهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: انْظُرْ مَنْ هَذَا؟ لَيْتَ هَذَا عِنْدِي. قَالَ لَهُ إِنْسَانٌ: أَمَا تَعْرِفُ هَذَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ. قَالَ: فَطَأْطَأَ ابْنُ عُمَرَ رَأْسَهُ وَنَقَرَ بِيَدَيْهِ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَحَبَّهُ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (الحسن بن محمد) بفتح الحاء ابن الصباح الزعفراني (قال: حدّثنا أبو عباد يحيي بن عباد) بفتح العين وتشديد الموحدة فيهما الضبعي البصري قال: (حدّثنا الماجشون) عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة قال: (أخبرنا عبد الله بن دينار قال: نظر ابن عمر يومًا وهو في المسجد) الواو للحال (إلى رجل يسحب ثيابه) بالمثناة التحتية وثيابه نصب على المفعولية، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: تسحب بالمثناة الفوقية ثيابه رفع على الفاعلية (في ناحية من المسجد فقال: انظر من هذا ليت هذا عندي) بالنون أي قريبًا مني حتى أنصحه رأيي. وقال في الفتح: وقد روي بالباء الموحدة من العبودية قال: وكأنه على ما قيل كان أسود اللون (قال له): أي لابن عمر (إنسان): لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه (أما) بتخفيف الميم (تعرف هذا يا أبا عبد الرحمن؟) وهي كنية عبد الله بن عمر (هذا محمد بن أسامة) بن زيد بن حارثة (قال): ابن دينار (فطأطأ ابن عمر) أي خفض (رأسه ونقر بيديه في الأرض) بالقاف المخففة ويديه بالتثنية فعل ذلك تعظيمًا له (ثم قال: لو رآه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأحبه) كحبه لأسامة وأبيه زيد. وهذا الحديث من أفراده. 3735 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنهما- حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَحِبَّهُمَا فَإِنِّي أُحِبُّهُمَا». [الحديث 3735 - طرفاه في: 3747، 6003]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا معتمر قال: سمعت أبي) سليمان قال: (حدّثنا أبو عثمان) عبد الرحمن النهدي (عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-) أنه (حدّث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان يأخذه والحسن) بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- (فيقول): (اللهم أحبهما) بفتح الهمزة وكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة المشددة (فإني أحبهما) بضم الهمزة والموحدة وهذه منقبة عظيمة لأسامة والحسن. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في فضائل الحسن والأدب والنسائي في المناقب. 3736 - وَقَالَ نُعَيْمٌ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي مَوْلًى لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ أَيْمَنَ ابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ -وَكَانَ أَيْمَنُ ابْنُ أُمِّ أَيْمَنَ أَخَا أُسَامَةَ لأُمِّهِ- وَهْوَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَرَآهُ ابْنُ عُمَرَ لَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلاَ سُجُودَهُ فَقَالَ أَعِدْ". [الحديث 3736 - طرفه في: 3737]. (وقال نعيم): بضم النون وفتح العين المهملة ابن حماد بن معاوية شيخ المؤلّف (عن ابن المبارك) عبد الله قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن رشاد (عن الزهري) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (مولى) بالتنوين (لأسامة بن زيد) هو حرملة بفتح الحاء وسكون الراء وفتح الميم (أن الحجاج) بفتح الحاء وتشديد الجيم الأولى (ابن أيمن) بن عبيد (ابن أم أيمن) حاضنة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واسمها بركة ونسب أيمن إلى أمه لأنها كانت أشهر من أبيه

19 - باب مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-

عبيد بضم العين ابن عمر وبفتحها ابن هلال الخزرجي الأنصاري ولشرفها بحضانته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وكان أيمن ابن أم أيمن) والد الحجاج (أخا أسامة بن زيد) لأمه أم أيمن لأن زيد بن حارثة كان تزوجها بعد عبيدة فولدت له أسامة (وهو) أي أيمن (رجل من الأنصار فرآه) بالفاء عطفًا على مقدر تقديره أن الحجاج بن أيمن دخل المسجد فصلّى فرآه (ابن عمر لم يتم ركوعه ولا سجوده) سقط لأبي ذر ولا سجوده (فقال): ابن عمر له (أعِد) صلاتك. 3737 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بن مسلم حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ مَوْلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إِذْ دَخَلَ الْحَجَّاجُ بْنُ أَيْمَنَ، فَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلاَ سُجُودَهُ فَقَالَ: أَعِدْ. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: الْحَجَّاجُ بْنُ أَيْمَنَ ابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ رَأَى هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَحَبَّهُ. فَذَكَرَ حُبَّهُ وَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّ أَيْمَنَ". قَالَ: وزادَني بَعْضُ أَصْحَابِي عَنْ سُلَيْمَانَ "وَكَانَتْ حَاضِنَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". (قال أبو عبد الله) أي البخاري وهذا ساقط لأبي ذر (وحدّثني) بالإفراد (سليمان بن عبد الرحمن) بالمعروف بابن ابنة شرحبيل أبو أيوب الدمشقي قال: (حدّثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي الدمشقي، وثبت ابن مسلم لأبي ذر قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن نمر) بفتح النون وكسر الميم اليحصبي الدمشقي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب قال: (حدّثني) بالإفراد (حرملة) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء وفتح الميم (مولى أسامة بن زيد أنه بينما) بالميم (هو مع عبد الله بن عمر) -رضي الله عنه- قيل فيه تجريد كان حق حرملة أن يقول: بينما أنا فجرد من نفسه شخصًا فقال: بينما هو وقيل التفات من الحاضر إلى الغائب (إذ دخل الحجاج بن أيمن) المسجد فصلّى، ولأبي ذر عن الكشميهني الحجاج بن الأيمن ابن أم أيمن (فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال): له ابن عمر: (أعِد) صلاتك (فلما ولى) الحجاج (قال لي ابن عمر): يا حرملة (من هذا؟) الذي صلّى (قلت) له هو (الحجاج بن أيمن ابن أم أيمن) بركة بنت ثعلبة أسلمت قديمًا (فقال ابن عمر: لو رأى هذا) يعني الحجاج (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأحبه) لمحبة أيمن وأمه (فذكر حبه وما ولدته أم أيمن) من ذكر وأنثى، وقوله وما بواو العطف في الفرع وعزاها في الفتح لرواية أبي ذر والضمير على هذا في قوله فذكر حبه لأسامة أي ميله، وضبب في اليونينية على واو وما ولغير أبي ذر فذكر حبه ما ولدته فحذف الواو فالضمير على هذا للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما ولدته هو المفعول. (قال): أي البخاري (وحدّثني) ولأبي ذر زادني بغير واو وهي بدل وحدّثني ولغيره وزادني (بعض أصحابي) هو يعقوب بن سفيان أو الذهلي فإن كلاًّ منهما كما قاله في الفتح أخرجه (عن سليمان) بن عبد الرحمن المذكور (وكانت) أي أم أيمن (حاضنة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال ابن حجر: وكأن هذا القدر لم يسمعه البخاري من سليمان فحمله عن بعض أصحابه فبين ما سمعه مما لم يسمعه. 19 - باب مَنَاقِبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنهما- (باب مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-) كان يكنى أبا عبد الرحمن أسلم مع إسلام أبيه بمكة صغيرًا وهاجر مع أبيه وأمه زينب ويقال: رايطة بنت مظعون أخت عثمان وقدامة ابني مظعون وهو ابن عشر وشهد المشاهد كلها بعد بدر وأُحُد، واستصغر يوم أُحُد وشهد الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة، وكان عالمًا مجتهدًا لزومًا للسنّة فرورًا من البدعة ناصحًا للأمة، وروى ابن وهب عن مالك قال: بلغ عبد الله بن عمر ستًا وثمانين سنة، وأفتى في الإسلام ستين سنة ونشر نافع عنه علمًا جمًا. وقال سفيان الثوري: كان من عادة ابن عمر -رضي الله عنه- أنه إذا أعجبه شيء من ماله تصدق به، وكان رقيقه عرفوا ذلك فربما شمّر أحدهم ولزم المسجد والإقبال على الطاعة، فإذا رآه ابن عمر على تلك الحال أعتقه فقيل له: إنهم يخدعونك. فقال: من خدعنا بالله انخدعنا له. وقال نافع: ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان أو زاد عليه. وكان مولده في السنة الثانية أو الثالثة من المبعث، وتوفي في أوائل سنة ثلاث وسبعين؛ وكان سبب موته أن الحجاج دسّ له رجلاً قد سمّ زج رمحه فزحمه في الطريق وطعنه في ظهر قدمه، وسقط لأبي ذر لفظ باب، فمناقب رفع. 3738 - حَدَّثَنَا محمدٌ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكُنْتُ غُلاَمًا أَعْزَبَ، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، وإِذَا لَهَا قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ الْبِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ. فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ. فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ". وبه قال: (حدّثنا محمد) كذا لأبي ذر وقال: إنه محمد بن إسماعيل البخاري المؤلّف وسقط ذلك لغيره قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) نسبه لجده واسم أبيه إبراهيم السعدي المروزي كان ينزل مدينة بخارى بباب بني سعد قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد

20 - باب مناقب عمار وحذيفة -رضي الله عنهما-

بن مسلم بن شهاب (عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان الرجل) من الصحابة (في حياة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا رأى رؤيا) قال الكرماني بدون تنوين تختص بالمنام كالرؤية باليقظة فرقوا بينهما بحرفي التأنيث أي الألف المقصورة والتاء اهـ. ومن ثم لحنوا المتنبي في قوله: ورؤياك أحلى في العيون من الغمض وأجيب: بأن الرؤيا والرؤية واحد كقربى وقربة، ويشهد له قول ابن عباس في قوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} [الأسراء: 60] أنها رؤية عين أريها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة أسري به، وقوله في الحديث: وليس رؤيا منام فهذا مما يدل على إطلاق لفظ الرؤيا على ما يرى بالعين يقظة. وقال النووي: مقصورة ومهموزة ويجوز ترك همزها تخفيفًا وفي الفرع إذا رأى رؤيا بالتنوين (قصّها على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكنت غلامًا) ولأبي ذر: شابًّا (أعزب) ولأبي ذر عن الكشميهني: عزبًا بغير همز وفتح العين وهي الفصحى أي لا زوجة لي (وكنت أنام في المسجد على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فرأيت في المنام كأن ملكين) قال ابن حجر رحمه الله: لم أقف على تسميتهما (أخذاني) بالنون (فذهبا بي) بالموحدة (إلى النار فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان كقرني البئر) وهما ما يبنى في جانبيها من حجارة توضع عليها الخشبة التي تعلق فيها البكرة (وإذا فيها ناس قد عرفتهم) قال ابن حجر: لم أقف في شيء من الطرق على تسمية واحد منهم (فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار) مرتين (فلقيهما) أي الملكلين (ملك آخر فقال لي: لن تراع) بضم الفوقية وبعد الألف عين منصوبة بلن كذا في فرع اليونينية وعند القابسي مما ذكره في الفتح وغيره لن ترع بالجزم، ووجهه ابن مالك بأنه سكن العين للوقف ثم شبهه بسكون الجزم فحذف الألف قبله ثم أجرى الوصل مجرى الوقف ويجوز أن يكون جزمه بلن وهي لغة قليلة. قال الفراء: ولا أحفظ لها شاهدًا أي لا روع عليك بعد ذلك، وعند ابن أبي شيبة من رواية جرير بن حازم عن نافع فلقيه ملك وهو يرعد فقال: لم ترع (فقصصتها) أي الرؤيا (على حفصة) أم المؤمنين أخته -رضي الله عنها-. 3739 - «فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ. قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً». (فقصتها حفصة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولم يقصها بنفسه عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تأدبًا ومهابة (فقال) عليه الصلاة والسلام لها: (نعم الرجل) أخوك (عبد الله لو كان يصلي بالليل) ولأبي ذر من الليل (قال سالم): بالسند السابق (فكان عبد الله) أي بعد ذلك (لا ينام من الليل إلا قليلاً). وهذا الحديث قد سبق في باب فضل من تعارّ من الليل من طريق نافع مطولاً، ويأتي إن شاء الله تعالى في التعبير بعون الله وقوّته. 3740 و 3741 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أُخْتِهِ حَفْصَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي نزيل مصر قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري بالميم (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم عن ابن عمر عن أخته حفصة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها) لما قصت رؤيا أخيها عبد الله السابقة: (إن عبد الله) أخاك (رجل صالح) وكان لعبد الله بن عمر من الولد عبد الله وأمه صفية بنت أبي عبيد وسالم أمه أم ولد وعبيد الله وعبد الرحمن وعاصم وحمزة وواقد وزيد وبلال. 20 - باب مَنَاقِبُ عَمَّارٍ وَحُذَيْفَةَ -رضي الله عنهما- (باب مناقب عمار) بفتح العين وتشديد الميم ابن ياسر أبي اليقظان العنسي بالنون الساكنة والسين المهملة، أسلم هو وأبوه قديمًا وأمه سمية وعذبوا في الله عز وجل، وقتل أبو جهل أمه، وهاجر عمار الهجرتين وصلّى إلى القبلتين وقتل بصفين سنة سبع وثلاثين (و) مناقب (حذيفة) بن اليمان بن جابر العبسي بالموحدة حليف بني عبد الأشهل من الأنصار أسلم هو وأبوه قيل: وجمع المؤلّف بين عمار وحذيفة في الترجمة لوقوع الثناء عليهما معًا من أبي الدرداء في حديث واحد (-رضي الله عنهما-) وسقط الباب لأبي ذر. 3742 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: "قَدِمْتُ الشَّامَ، فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا. فَأَتَيْتُ قَوْمًا فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا شَيْخٌ قَدْ جَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو الدَّرْدَاءِ. فَقُلْتُ: إِنِّي دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا فَيَسَّرَكَ لِي. قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ: أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ وَالْمِطْهَرَةِ؟ أَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، يعنِي عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ أَوَ لَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي لاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ غَيْرُهُ؟ ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ يَقْرَأُ عَبْدُ اللَّهِ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى} [الليل: 1 - 3] قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ". وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد أبو غسان النهدى الكوفي قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن

أبي إسحاق السبيعي (عن المغيرة) بن مقسم الضبي الكوفي (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي أنه (قال: قدمت الشام) زاد في تفسير سورة الليل في نفر من أصحاب عبد الله (فصليت ركعتين) في المسجد (ثم قلت: اللهم يسر لي جليسًا صالحًا فأتيت قومًا) لم أقف على أسمائهم (فجلست إليهم فإذا شيخ قد جاء حتى جلس) أي غاية مجيئه جلوسه (إلى جنبي) وجلس بصيغة الماضي، وعند الحافظ ابن حجر حتى يجلس بصيغة المضارع مبالغة، وزاد الإسماعيلي في روايته فقلت: الحمد لله إني لأرجو أن يكون الله عز وجل استجاب لي دعوتي (قلت): للقوم (من هذا) الشيخ؟ (قالوا): هو (أبو الدرداء) عويمر بن عامر الأنصاري الخزرجي قال علقمة (فقلت) له: (إني دعوت الله أن ييسر لي جليسًا صالحًا فيسرك) الله (لي قال): أي أبو الدرداء ولأبي ذر فقال: (ممن أنت؟ فقلت): له أنا (من أهل الكوفة. قال: أوليس عندكم) في الكوفة أو المدينة (ابن أم عبد) يعني عبد الله بن مسعود (صاحب النعلين) وكان يلي نعلي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحملهما ويتعاهدهما (والوساد) بالدال المهملة وبغير هاء المخدة (والمطهرة) بإثبات الهاء وكسر الميم ولأبي ذر عن الحموي والمطهر بغير هاء ومراده الثناء عليه بخدمة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنه لشدة ملازمته له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما ذكر يكون عنده من العلم ما يستغني به الطالب عن غيره، وكأنه فهم أن قدومه الشام لأجل العلم ويستفاد منه أن الطالب لا يرحل عن بلده للعلم إلا إذا أخذنا عند علمائها (وفيكم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أفيكم بهمزة الاستفهام (الذي أجاره الله من الشيطان) أن يغويه (على) ولأبي ذر يعني على (لسان نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية لأبي ذر زاد في رواية شعبة الآتية إن شاء الله تعالى في الحديث التالي لهذا يعني عمارًا (أوليس فيكم صاحب سر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حذيفة (الذي) أعلمه به (لا يعلم) بحذف ضمير المفعول ولأبي ذر الذي لا يعلمه (أحد غيره) من معرفة المنافقين بأسمائهم وأنسابهم، وكان عمر -رضي الله عنه- إذا مات أحد تبع حذيفة فإن صلّى عليه حذيفة صلّى عليه وغيره نصب على الاستثناء ورفع بدلاً من أحد (ثم قال) أبو الدرداء لعلقمة: (كيف يقرأ عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- ({والليل إذا يغشى}) [الليل: 1] قال علقمة: (فقرأت عليه {والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى * والذكر والأنثى}) [الليل: 1 - 3] بحذف وما خلق وبالجر وسقط لأبي ذر والنهار إذا تجلى (قال) أبو الدرداء (والله لقد أقرأنيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من فيه إلى فيّ) بتشديد التحتية، وقد قيل إنها نزلت كذلك ثم أنزل: {وما خلق الذكر والأنثى} [الليل: 3] فلم يسمعه ابن مسعود ولا أبو الدرداء وسمعه سائر الناس وأثبت في المصحف، والحديث ذكره في سورة الليل من التفسير. 3743 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: "ذَهَبَ عَلْقَمَةُ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا. فَجَلَسَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: أَبُو الدَّرْدَاءِ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ؛ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ: أَلَيْسَ فِيكُمْ -أَوْ مِنْكُمْ- صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ؟ يَعْنِي حُذَيْفَةَ. قَالَ: قُلْتُ بَلَى. قَالَ: أَلَيْسَ فِيكُمُ -أَوْ مِنْكُمُ- الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ يَعْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ، يَعْنِي عَمَّارًا، قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: أَلَيْسَ فِيكُمْ -أَوْ مِنْكُمْ- صَاحِبُ السِّوَاكِ، والوسَادِ أَوِ السِّرَارِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: كَيْفَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْرَأُ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 1]؟ قُلْتُ: {وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى} [الليل: 3]، قَالَ: مَا زَالَ بِي هَؤُلاَءِ حَتَّى كَادُوا يَسْتَنْزِلُونِي عَنْ شَىْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن مغيرة) بن مقسم الضبي (عن إبراهيم) النخعي أنه (قال: ذهب علقمة) بن قيس (إلى الشام فلما دخل المسجد قال: اللهم يسر لي جليسًا صالحًا فجلس إلى أبي الدرداء فقال أبو الدرداء) له: (ممن أنت؟ قال) علقمة: (من أهل الكوفة. قال: أليس فيكم أو منكم) بالشك من الراوي (صاحب السر الذي لا يعلمه غيره يعني حذيفة) بن اليمان وسقط الضمير من قوله لا يعلمه لأبي ذر عن الحموي والمستملي (قال) علقمة (قلت) له: (بلى. قال) أبو الدرداء (أليس فيكم أو منكم) بالشك (الذي أجاره الله على لسان نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (يعني من الشيطان يعني عمارًا) قال علقمة (قلت: بلى. قال: أليس فيكم أو منكم صاحب السواك) وللأصيلي وابن عساكر وأبوي الوقت وذر عن الحموي والمستملي: والوساد (أو السرار) بكسر السين بعدها راءان بينهما ألف من السر، ولابن عساكر وأبوي الوقت وذر عن الحموي والمستملي: والسواد بكسر السين وبالواو المفتوحة وبعد الألف دال مهملة وهو السرار يقال: ساودته سوادًا أي ساررته سرارًا وأصله أدناء

21 - باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه-

سوادك من سواده وهو الشخص، وقد كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يحجبه إذا جاء ولا يخفى عنه سره (قال) علقمة: (بلى، قال) أبو الدرداء (كيف كان عبد الله) بن مسعود (يقرأ {والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى} (الليل: 1 - 2] قال علقمة (قلت: ({والذكر والأنثى} قال) [الليل: 3] أبو الدرداء (ما زال بي هؤلاء) أي أهل الشام (حتى كادوا يستنزلوني) ولأبي ذر: يستنزلونني بنونين (عن شيء سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي من النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهو قوله: والذكر والأنثى بغير {وما خلق} [الليل: 3] والقراءة المتواترة بإثباتها لكنها لم تبلغهما فاقتصرا على ما سمعاه. 21 - باب مَنَاقِبُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ -رضي الله عنه- (باب مناقب أن عبيدة) بضم العين وفتح الموحدة عامر بن عبد الله (بن الجراح) بفتح الجيم وتشديد الراء وبعد الألف حاء مهملة ابن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحرث بن فهر بن مالك يجتمع مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في فهر، وأمه من بني الحرث بن فهر أسلمت، وقتل أبوه كافرًا يوم بدر. ويقال: إنه هو قتله وتوفي أبو عبيدة وهو أمير على الشام من قبل عمر بالطاعون سنة ثمان عشرة وكان طويلاً نحيفًا أثرم الثنيتين خفيف اللحية، والأثرم الساقط الثنية وسبب ثرمه أنه كان انتزع سهمين من جبهة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أُحد بثنيتيه فسقطتا (-رضي الله عنه-) وسقط باب لأبي ذر. 3744 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الأُمَّةُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ». [الحديث 3744 - طرفاه في: 4382، 7255]. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن بحر الباهلي البصري الفلاس الصيرفي قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى البصري السامي بالسين المهملة من بني سامة بن لؤي قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن أبي قلابة) بكسر القاف والتخفيف عبد الله الجرمي بالجيم أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- وسقط لأبي ذر ابن مالك (أن رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لكل أمة أمين) أي ثقة رضا ولأبي ذر أن لكل أمة أمينا (وإن أميننا أيتها الأمة) قال القاضي عياض هو بالرفع على النداء والأفصح أن يكون منصوبًا على الاختصاص أي أمتنا مخصوصين من بين سائر الأمم (أبو عبيدة بن الجراح) فالمراد الاختصاص وإن كانت صورته صورة النداء وهذه الصفة وإن كانت مشتركة بين أبي عبيدة وغيره من الصحابة إذ كل أمين بلا ريب لكن السياق مشعر بأن له مزيدًا في ذلك، فإذا خص -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحدًا من أجلاء الصحابة بفضيلة وصفه بها أشعر بقدر زائد في ذلك على غيره كوصفه عثمان - رضي الله تعالى عنه - بالحياء. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل والنسائي في المناقب. 3745 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَهْلِ نَجْرَانَ: لأَبْعَثَنَّ -يَعْنِي عَلَيْكُمْ،- أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ. فَأَشْرَفَ أَصْحَابُهُ، فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ -رضي الله عنه-». [الحديث 3745 - أطرافه في: 4380، 4381، 7354]. وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن صلة) بكسر الصاد وتخفيف اللام ابن زفر بضم الزاي وفتح الفاء العبسي بالموحدة الساكنة الكوفي التابعي الكبير (عن حذيفة) بن اليمان (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأهل نجران) بفتح النون وسكون الجيم بلد باليمن وهم العاقب والسيد ومن معهما لما وفدوا عليه عليه الصلاة والسلام سنة تسع. (لأبعثن يعني عليكم أمينًا حق أمين) فيه توكيد والإضافة فيه نحو قوله إن زيدًا لعالم حق عالم وجد عالم أي عالم حقًا وجدًّا يعني عالمًا يبالغ في العلم جدًّا ولا يترك من الجد المستطاع منه شيئًا، وسقط لأبي ذر قوله يعني عليكم أمينًا، ولمسلم: لأبعثن إليكم رجلاً أمينًا حق أمين (فأشرف أصحابه) ولمسلم والإسماعيلي فاستشرف لها أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والضمير في لها للإمارة أي تطلعوا لها ورغبوا فيها حرصًا على نيل الصفة المذكورة وهي الأمانة لا على الولاية من حيث هي (فبعث) عليه الصلاة والسلام (أبا عبيدة) بن الجراح (-رضي الله عنه-) أي معهم. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي، ومسلم في الفضائل، والترمذي والنسائي في المناقب، وابن ماجه في السنة. وسقط التبويب هنا لأبي ذر، ولم يذكر المؤلّف ترجمة لمناقب عبد الرحمن ولا لسعيد بن زيد اللذين هما من العشرة. نعم ذكر إسلام سعيد بن زيد في ترجمته في أوائل السيرة النبوية ولعله كما قال في الفتح: من

- باب ذكر مصعب بن عمير

تصرف الناقلين لكون المؤلّف لم يبيضه ومن ثم لم تقع المراعاة في الترتيب لا بالأفضلية ولا بالأسنية ولا بالسابقية. - باب ذِكْرِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ (باب ذكر مصعب بن عمير) بضم الميم وسكون الصاد وفتح العين في الأول وضم العين وفتح الميم مصغرًا في الثاني ابن هاشم بن عبد الدار بن عبد مناف القرشي كان من أجلة الصحابة وفضلائهم، أسلم بعد دخوله عليه الصلاة والسلام دار الأرقم وبعثه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المدينة قبل الهجرة بعد العقبة الثانية يقرئهم القرآن، وقيل إنه أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل الهجرة، قتله ابن قمئة في وقعة أُحد، ولم يذكر المؤلّف هنا حديثًا في مناقبه وكأنه بيض له. نعم سبق في الجنائز أنه لما استشهد لم يوجد له ما يكفن فيه وسقط هذا التبويب مع ترجمته لأبي ذر. 22 - باب مَنَاقِبُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ -رضي الله عنهما- قَالَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "عَانَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحَسَنَ" (باب مناقب الحسن) أبي محمد (والحسين) أبي عبد الله ابني عليّ من فاطمة الزهراء (رضي الله عنهما) وعن أبيهما وكان مولد أولهما في رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وتوفي بالمدينة مسمومًا سنة خمسين، وولد ثانيهما في شعبان سنة أربع وقتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء وسقط باب لأبي ذر (قال): ولأبي ذر وقال: (نافع بن جبير) أي ابن مطعم مما وصله في البيوع مطوّلاً (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه قال: (عانق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحسن). 3746 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى عَنِ الْحَسَنِ سَمِعَ أَبَا بَكْرَةَ «سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ، يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً وَيَقُولُ: ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ». وبه قال: (حدّثنا صدقة) بن الفضل المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (ابن عيينة) سفيان قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (أبو موسى) إسرائيل بن موسى قال: أبو ذر من أهل البصرة نزل الهند (عن الحسن) البصري لم يروه عن الحسن غير أبي موسى أنه (سمع أبا بكرة) نقيع بن الحرث الثقفي -رضي الله عنه- أنه قال: (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر والحسن) بفتح الحاء (إلى جنبه) حال كونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ينظر إلى الناس مرة وإليه) إلى الحسن (مرة ويقول) لهم: (ابني هذا سيد) كفاه هذا فضلاً وشرفًا (ولعل الله أن يصلح به بين فئتين) أي فرقتين (من المسلمين) فوقع ذلك كما قاله عليه الصلاة والسلام لما وقع بينة وبين معاوية بسبب الخلافة، وكان المسلمون يومئذٍ فرقتين فرقة مع الحسن وفرقة مع معاوية، وكان الحسن يومئذٍ أحق الناس بالخلافة فدعاه ورعه وشفقته على المسلمين إلى ترك الملك والدنيا رغبة فيما عند الله عز وجل ولم يكن ذلك لقلة ولا ذلة فقد بايعه على الموت أربعون ألفًا. وهذا الحديث قد مرّ في الصلح. 3747 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ: «سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ: "عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا. أَوْ كَمَا قَالَ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا المعتمر) ولأبي ذر معتمر (قال: سمعت أبي) سليمان (قال: حدّثنا أبو عثمان) عبد الرحمن بن مل النهدي (عن أسامة بن زيد) أي ابن الحرث (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان يأخذه) أي يأخذ أسامة (والحسن) بن علي وفيه التفات أو تجريد وعند المصنف في الأدب إن كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليأخذني فيضعني على فخذه ويضع على الفخذ الأخرى الحسن بن عليّ ثم يضمهما (ويقول): (اللهم إني أحبهما فأحبهما أو كما قال): بالشك، وفي الأدب ثم يقول: "اللهم إني أرحمهما فارحمهما". 3748 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: "أُتِيَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ بْنُ عَليٍّ فَجُعِلَ فِي طَسْتٍ فَجَعَلَ يَنْكُتُ وَقَالَ فِي حُسْنِهِ شَيْئًا، فَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ أَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ مَخْضُوبًا بِالْوَسْمَةِ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: بالجمع (محمد بن الحسين بن إبراهيم) بضم الحاء وفتح السين المهملتين أبو جعفر العامري البغدادي أخو أبي الحسن عليّ بن الحسين بن إشكاب (قال: حدّثني) بالإفراد (حسين بن محمد) بضم الحاء مصغرًا التميمي المروزي قال: (حدثنا جرير) هو ابن حازم (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه قال: (أتي) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول (عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة (ابن زياد) الذي ادعاه معاوية أخًا لأبيه أبي سفيان فألحقه بنسبه وكان يقال له زياد ابن أبيه (برأس الحسين بن عليّ) بضم الحاء وكان ابن زياد إذ ذاك أميرًا على الكوفة عن يزيد بن معاوية، وكان الحسين -رضي الله عنه- لما مات معاوية وبويع يزيد ابنه أبى أن يبايعه وكتب إلى الحسين رجال من شيعة أبيه من الكوفة هلم إلينا نبايعك فأنت أحق من يزيد، فخرج الحسين من مكة إلى العراق فأخرج إليه عبيد الله بن زياد من الكوفة جيشه فالتقيا بكربلاء على الفرات

وقتل الحسين من عسكر ابن زياد قتلى كثيرة حتى قتل، فقيل قتله شمر بن ذي الجوشن الضبابي، وقيل سنان بن أبي سنان واحتز رأسه وأتى بها ابن زياد وابن عليّ في اليونينية مكتوب على هامشها بالحمرة من غير رقم ولا تصحيح (فجعل) بضم الجيم مبنيًّا للمفعول الرأس الشريف (في طست) بفتح الطاء وسكون السين (فجعل) ابن زياد (بنكت) بالمثناة الفوقية آخره يضرب بقضيب له في أنفه وعينه فقال له زيد بن أرقم: ارفع قضيبك فقد رأيت فم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في موضعه. وعند الطبراني أنه كان يقرع ثنايا الحسين بقضيبه فقال له زيد بن أرقم: ارفع قضيبك عن هاتين الثنيتين فوالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت شفتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على هاتين الثنيتين يقبلهما ثم بكى، فقال ابن زياد: أبكى الله عينك فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك فقام وصرخ وقال: يا معاشر العرب أنتم بعد اليوم عبيد قتلتم ابن فاطمة وأمرتم ابن مرجانة وهي أم زياد فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم فبعدًا لمن رضي بالذل والعار. (وقال) ابن زياد: (في حُسنه) أي في حُسن الحسين (شيئًا) وفي رواية الترمذي أنه قال: ما رأيت مثل هذا حسنًا (فقال أنس: كان) الحسين (أشبههم) أي أشبه أهل البيت (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان) شعر رأسه ولحيته -رضي الله عنه- (مخضوبًا بالوشمة) بفتح الواو وسكون المعجمة كذا في فرع اليونينية وقف تنكز بغا وبالسين المهملة في فرعها وقف آقبغا آص وهو الذي في اليونينية وبه قيده الشارحون وغيرهم، وفي الناصرية بالمهملة أيضًا لكنه كتب فوقها معًا وهو نبت يختضب به يميل إلى السواد، ولما قتل الحسين بكى الناس فأكثروا، وقتل الله ابن زياد سنة اثنتين وستين قتله إبراهيم بن الأشتر وكان المختار بن أبي عبيد الثقفي أرسله لقتاله وجيء برأسه ورؤوس أصحابه بين يدي المختار فجاءت حيّة دقيقة تخللت الرؤوس حتى دخلت في فم ابن زياد وخرجت من منخره ودخلت من منخره وخرجت من فمه، ثم أرسل المختار رأسه وبقية الرؤوس لمحمد ابن الحنفية أو إلى عبد الله بن الزبير. 3749 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْحَسَنُ بن عليٍّ عَلَى عَاتِقِهِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ». وبه قال: (حدّثنا حجاج بن المنهال) ولأبي ذر ابن منهال السلمي البرساني قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين وتشديد التحتية ابن ثابت الأنصاري (قال: سمعت البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والحسن بن علي) بفتح الحاء (على عاتقه) بين منكبه وعنقه والواو في والحسن للحال وثبت ابن علي لأبي ذر (يقول): أي على عاتقه حال كونه يقول: (اللهم إني أحبه فأحبه) بفتح الهمزة في الأخير وضمها في الأول وباء الثانية بالرفع والنصب معًا في اليونينية وفرعها. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل والترمذي في المناقب وكذا النسائي. 3750 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: "رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- وَحَمَلَ الْحَسَنَ وَهْوَ يَقُولُ: بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ. لَيْسَ شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ. وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ". وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة العتكي مولاهم المروزي البصري الأصل قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (قال: أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر أخبرنا (عمر بن سعيد بن أبي حسين) بضم العين في الأول وكسرها في الثاني وضم الحاء في الثالث القرشي النوفلي (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن عقبة بن الحرث) القرشي المكي أنه (قال: رأيت أبا بكر) الصديق (-رضي الله عنه- وحمل الحسن) بفتح الحاء (وهو يقول): أفديه (بأبي) وهو (شيبه بالنبي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويجوز أن يكون التقدير هو مفدي بأبي شبيه فيكون خبرًا بعد خبر (ليس شبيه بعلي) أبيه (وعلي) -رضي الله عنه- (يضحك) وشبيه بالرفع. قال ابن مالك في شرح التسهيل: كذا ثبت في صحيح البخاري ورفعه إما بناء على أن ليس حرف عطف كما يقول الكوفيون، فتكون مثل لا ويجوز أن يكون شبيه اسم ليس وخبرها ضمير متصل حذف استغناء بنيته عن لفظه والتقدير ليسه شبيه ونحوه قوله عليه الصلاة والسلام في خطبة يوم النحر: أليس ذو الحجة من حذف الضمير المتصل خبرًا لكان وأخواتها، وفي رواية أن الوقت شبيهًا بالنصب خبر

ليس واسمها الضمير، وعند الإمام أحمد من وجه آخر عن ابن أبي مليكة أن فاطمة -رضي الله عنها- كانت ترقص الحسن وتقول: بأبي شبيه بالنبي لا شبيه بعلي. قال في فتح الباري: وفيه إرسال فإن كان محفوظًا فلعلها تواردت في ذلك مع أبي بكر أو تلقى ذلك أحدهما عن الآخر. فإن قلت: هذا معارض بقول عليّ في وصفه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لم أر قبله ولا بعده مثله. أجيب: بحمل النفي على العموم والإثبات على المعظم، فالمراد الشبه في بعض الأعضاء وإلا فتمام حسنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منزه عن الشريك كما قال الأبوصيري شرف الدين في قصيدته الميمية: منزه عن شريك في محاسنه ... فجوهر الحسن فيه غير منقسم وهذا الحديث من أفراد البخاري. 3751 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَصَدَقَةُ قَالاَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ وَاقِدِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ أَبُو بَكْرٍ: ارْقُبُوا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَهْلِ بَيْتِهِ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (يحيى بن معين) بفتح الميم وكسر العين المهملة ابن عوف الغطفاني مولاهم أبو زكريا البغدادي إمام الجرح والتعديل المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين بالمدينة النبوية وله بضع وسبعون سنة (وصدقة) بن الفضل المروزي (قالا: أخبرنا محمد بن جعفر) المشهور بغندر (عن شعبة) بن الحجاج (عن واقد بن محمد) بالقاف المكسورة والدال المهملة (عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه-: (ارقبوا) بضم الهمزة وفي اليونينية بالوصل وسكون الراء وبعد القاف المضمومة موحدة أي احفظوا (محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أهل بيته) وسقطت التصلية لأبي ذر، واختلف في أهل البيت فقيل نساؤه لأنهنّ في بيته قاله سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وهو قول عكرمة ومقاتل، وقيل علي وفاطمة والحسن والحسين قاله أبو سعيد الخدري وجماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة، وقيل هم من تحرم عليه الصدقة بعده آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس قاله زيد بن أرقم، وقال ابن الخطيب والفخر الرازي: والأولى أن يقال هم أولاده وأزواجه والحسن والحسين وعليّ منهم، لأنه كان من أهل بيته لمعاشرته فاطمة بيته وملازمته له. وهذا الحديث قد مرّ في باب مناقب قرابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 3752 - حَدَّثَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَني أَنَسٌ قَالَ: "لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشْبَهَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ". وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولغير أبي ذر حدّثني (إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي الفراء أبو إسحاق الرازي قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) أبو عبد الرحمن الصنعاني (عن معمر) أي ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أنس) -رضي الله عنه- (وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري، أخبرني) بالإفراد (أنس قال: لم يكن أحد أشبه بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الحسن بن علي) بفتح الحاء. وهذا الحديث أخرجه الترمذي في المناقب وسقط قوله: وقال عبد الرزاق إلى قوله أخبرني أنس من الفرع. 3753 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نُعْمٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَسَأَلَهُ عَنِ الْمُحْرِمِ -قَالَ شُعْبَةُ أَحْسِبُهُ يَقْتُلُ الذُّبَابَ- فَقَالَ: أَهْلُ الْعِرَاقِ يَسْأَلُونَ عَنِ الذُّبَابِ وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا». [الحديث 3753 - طرفه في: 5994]. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولغير أبي ذر حدّثني (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن أبي يعقوب) الضبي البصري ونسبه لجدّه واسم أبيه عبد الله أنّه قال: (سمعت ابن أبي نعم) بضم النون وسكون العين المهملة الزاهد البجلي واسمه عبد الرحمن يقول: (سمعت عبد الله بن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما- (وسأله) أي رجل من أهل العراق ما عند الترمذي (عن المحرم) بالحج أو العمرة (قال شعبة) بن الحجاج (أحسبه يقتل الذباب) ما يلزمه إذا قتلها وهو محرم (فقال) أي ابن عمر متعجبًا من كونهم يسألون عن الشيء الحقير ويفرطون في الشيء الخطير (أهل العراق يسألون عن الذباب) بضم المعجمة وبالموحدتين بينهما ألف ما يلزم المحرم إذا قتله (وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الحسين بضم الحاء (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هما) أي الحسنان (ريحانتاي) بتاء فوقية بعد النون بلفظ التثنية ولأبي ذر: ريحاني (من الدنيا) بغير تاء بلفظ الإفراد ووجه التشبيه أن الولد يشم

23 - باب مناقب بلال بن رباح مولى أبي بكر -رضي الله عنهما-. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة»

ويقبل. وعند الترمذي من حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يدعو الحسن والحسين فيشمهما ويضمهما إليه، وعند الطبراني "هما ريحانتاي من الدنيا أشمهما" وقوله "من الدنيا" كقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "حبب إليّ من دنياكم الطيب والنساء" أي نصيبي، ويحتمل أن يكون ابن عمر أجاب السائل عن خصوص ما سأل عنه لأنه لا يحل له كتمان العلم إلا إن حمل على أن السائل كان متعنتًا. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب والترمذي في المناقب. 23 - باب مَنَاقِبُ بِلاَلِ بْنِ رَبَاحٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما-. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ» (باب مناقب بلال بن رباح) بفتح الراء والموحدة وبعد الألف حاه مهملة، وأمه حمامة. وكان صادق الإسلام طاهر القلب شحيحًا على دينه، وعذب في الله عذابًا شديدًا فصبر وهان على قومه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد، وكان أمية بن خلف ممن يوالي على بلال العذاب فكان قتله على يد بلال فقال أبو بكر -رضي الله عنه- أبياتًا منها: هنيا زادك الرحمن خيرًا ... فقد أدركت ثارك يا بلال وكان شديد الأدمة نحيفًا طوالاً خفيف العارضين من مولدي مكة مولى لبعض بني جمح، وأصله من الحبشة توفي بدمشق سنة عشرين وهو ابن ثلاث وستين سنة. وكان (مولى أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما-) وعند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن قيس بن أبي حازم أن أبا بكر -رضي الله عنه- اشتراه بخمس أواق. وهو مدفون بالحجارة وسقط لفظ باب لأبي ذر (وقال) له (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سمعت دف نعليك) بفتح الدال وتشديد الفاء أي خفقهما (بين يدي) بتشديد التحتية (في الجنة) وهذا وصله في صلاة الليل. 3754 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ عُمَرُ يَقُولُ: أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا، وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا. يَعْنِي بِلاَلاً". وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة) هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون واسم أبي سلمة دينار (عن محمد بن المنكدر) أنه قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: كان عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (يقول: أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (سيدنا) لأنه أفضلهم (وأعتق سيدنا) مجازًا (يعني بلالاً) قاله تواضعًا أو أنه من سادات هذه الأمة، وليس هو أفضل من عمر بلا ريب. 3755 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ "أَنَّ بِلاَلاً قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: إِنْ كُنْتَ اشْتَرَيْتَنِي لِنَفْسِكَ فَأَمْسِكْنِي، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا اشْتَرَيْتَنِي لِلَّهِ فَدَعْنِي وَعَمَلَ اللَّهِ". وبه قال: (حدّثنا ابن نمير) بضم النون وفتح الميم مصغرًا هو محمد بن عبد الله بن نمير (عن محمد بن عبيد) بضم العين الطنافسي الكوفي أنه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم (أن بلالاً قال لأبي بكر) -رضي الله عنه- لما توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأراد بلال أن يخرج من المدينة فمنعه أبو بكر -رضي الله عنه- إرادة أن يؤذن في المسجد. فقال: لا أريد المدينة بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إن كنت إنما اشتريتني لنفسك فامسكني وإن كنت إنما اشتريتني لله فدعني وعمل الله) عز وجل، ولأبي ذر عن الكشميهني وعملي لله عز وجل. وفي طبقات ابن سعد في هذه القصة أني رأيت أفضل عمل المؤمن الجهاد فأردت أن أرابط في سبيل الله عز وجل، وأن أبا بكر -رضي الله عنه- قال له: أنشدك الله وحقي فأقام معه حتى توفي فأذن له عمر -رضي الله عنه- فتوجه إلى الشام مجاهدًا فمات بها في طاعون عمواس، وأذن مرة واحدة بالشام فبكى وأبكى. 24 - باب ذِكْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- (باب ذكر ابن عباس) عبد الله (-رضي الله عنهما-) وسقط لأبي ذر لفظ باب وولد ابن عباس قبل الهجرة بثلاث سنين بالشعب قبل خروج بني هاشم منه، وحنكه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بريقه وسماه ترجمان القرآن وكان طويلاً أبيض جسيمًا وسيمًا صبيح الوجه وكان من علماء الصحابة. قال مسروق: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت أجمل الناس، فإذا تكلم قلت أفصح الناس، وإذا تحدث قلت أعلم الناس. وقال عطاء: كان ناس يأتون ابن عباس في الشعر والأنساب وناس يأتون لأيام العرب ووقائعها وناس يأتون للعلم والفقه فما منهم صنف إلا ويقبل عليهم بما شاؤوا. وقال فيه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: عبد الله فتى الكهول له لسان سيول وقلب عقول. وقال طاوس: أدركت

25 - باب مناقب خالد بن الوليد -رضي الله عنه-

نحو خمسمائة من الصحابة إذا ذكروا ابن عباس فخالفوه لم يزل يقررهم حتى ينتهوا إلى قوله. وتوفي -رضي الله عنه- بالطائف بعد أن عمي سنة ثمان وستين وهو ابن سبعين سنة، وصلّى عليه محمد ابن الحنفية. 3756 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «ضَمَّنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى صَدْرِهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ «وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ». حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ خَالِدٍ .. مِثْلَهُ. وَالحِكْمَةَ الإِصَابَةَ فِي غَيْرِ النُّبُوَّةِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد العنبري مولاهم التنوري (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: ضمني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى صدره وقال: اللهم علمه الحكمة) وسقط لأبي ذر واو وقال. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين ساكنة عبد الله بن عمير المنقري مولاهم المقعد التميمي قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري أي الحديث بسنده إلى آخره (وقال): فيه (اللهم علمه الكتاب) بدل قوله الحكمة، وثبت لفظ اللهم لأبي ذر. وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد عجلان البصري (عن خالد) الحذاء بسنده السابق (مثله) بالنصب بفعل مقدر أي مثل رواية أبي معمر. (والحكمة) هي (الإصابة في غير النبوة) وهذا التفسير ثابت لأبي ذر عن المستملي. وقال ابن وهب: قلت لمالك ما الحكمة؟ قال: معرفة الدين والتفقه فيه والإتباع له. وقال الشافعي -رضي الله عنه-: الحكمة سنّة رسول الله، واستدلّ -رحمه الله تعالى- لذلك بأنه تعالى ذكر تلاوة الكتاب وتعليمه ثم عطف عليه الحكمة، فوجب أن يكون المراد من الحكمة شيئًا خارجًا عن الكتاب وليس ذلك إلا السنّة، وقيل هي الفصل بين الحق والباطل، والحكيم هو الذي يحكم الأشياء ويتقنها. وعند البغوي في معجمه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا لابن عباس -رضي الله عنهما- فقال: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". وعد الضحاك علمه تأويل القرآن، وعند ابن عمر -رضي الله عنهما- فيما رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه: ابن عباس أعلم الناس بما أنزل الله على محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد بسط ابن عادل الكلام على تفسير الحكمة فليراجع، وعند يعقوب بن سفيان في تاريخه بإسناد صحيح عن أبي وائل قال: قرأ ابن عباس سورة النور ثم جعل يفسرها فقال رجل: لو سمعت هذا الديلم أسلمت، وتقدم في كتاب العلم حديث الباب من رواية أبي معمر. 25 - باب مَنَاقِبُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ -رضي الله عنه- (باب مناقب خالد بن الوليد) بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بفتح التحتية والقاف والظاء المشالة ابن مرة بن كعب، يجتمع مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومع أبي بكر في مرة بن كعب، ويكنى أبا سليمان أسلم في هدنة الحديبية وعزماته يوم مؤتة وفي الردة وبدء فتوح العراق وجميع فتوح الشام أكثر من أن تحصى إذ كان له فيها العناء العظيم الحفيل والبلاء الحسن الجميل، وتوفي بحمص سنة إحدى وعشرين حتف أنفه وعمره بضع وأربعون سنة (-رضي الله عنه-) وسقط باب لأبي ذر. 3757 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ فَقَالَ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ - حَتَّى أَخَذَها سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن واقد) بالقاف المكسورة والدال المهملة أبو يحيى الأسدي مولاهم الحراني واسم أبيه عبد الملك ونسبه لجده قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الجهضمي أبو إسماعيل البصري (عن أيوب) السختياني (عن حميد بن هلال) العدوي أبي نصر البصري الثقة العالم لكن توقف فيه ابن سيرين لدخوله في عمل السلطان (عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نعى زيدًا) أي ابن حارثة (وجعفرًا) أي ابن أبي طالب (وابن رواحة) بفتح الراء والواو المخففة عبد الله (للناس) أي أخبرهم بموتهم في غزوة مؤتة (قبل أن يأتيهم خبرهم) وذلك أنه عليه الصلاة والسلام أرسل سرية إليها واستعمل عليهم زيدًا وقال: إن أصيب فجعفر فإن أصيب فابن رواحة فخرجوا وهم ثلاثة آلاف فتلاقوا مع الكفار فاقتتلوا فكان كما قال عليه الصلاة والسلام (فقال): (أخد الراية زيد فأصيب) أي قتل (ثم أخذ جعفر) بإسقاط ضمير المفعول ولأبي ذر عن الكشميهني ثم أخذها جعفر (فأصيب) بإسقاط الضمير قال ذلك (وعيناه) عليه الصلاة والسلام (تذرفان) بذال معجمة

26 - باب مناقب سالم مولى أبي حذيفة -رضي الله عنه-

وراء مكسورة وفاء تسيلان بالدموع (حتى أخذ سيف) بإسقاط المفعول ولأبي ذر عن الكشميهني حتى أخذها سيف (من سيوف الله) عز وجل. وفي الجنائز فأخذها خالد بن الوليد من غير إمرة أي من غير تأمير منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكنه رأى المصلحة في ذلك فأخذ الراية (حتى فتح الله عليهم) على يد خالد، فانحاز بالمسلمين حتى رجعوا سالمين. وفي حديث أبي قتادة ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اللهم إنه سيف من سيوفك فأنت تنصره" فمن يومئذٍ سمي سيف الله. وفي حديث عبد الله بن أبي أوفى مما أخرجه الحاكم وابن حبان قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تؤذوا خالدًا فإنه سيف من سيوف الله صبه على الكفار". وهذا الحديث قد سبق في الجنائز والجهاد وعلامات النبوة ويأتي إن شاء الله تعالى في المغازي بعون الله وقوته. 26 - باب مَنَاقِبُ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- (باب مناقب سالم) أي ابن معقل بفتح الميم وسكون العين وكسر القاف، كان من أهل فارس من فضلاء الصحابة الموالي وكبارهم معدود في المهاجرين لأنه هاجر إلى المدينة وفي الأنصار لأنه (مولى) امرأة (أبي حذيفة) بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف الأنصارية تبناه أبو حذيفة لما تزوجها فنسب إليه واستشهد سالم باليمامة (-رضي الله عنه-) وسقط لفظ باب لأبي ذر. 3758 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: «ذُكِرَ عَبْدُ اللَّهِ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَبَدَأَ بِهِ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ. قَالَ: لاَ أَدْرِي، بَدَأَ بِأُبَيٍّ أَوْ بِمُعَاذٍ». [الحديث 3758 - أطرافه في: 3760، 3806، 3808، 4999]. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) بفتح العين في الأول وضم الميم وتشديد الراء ابن طارق الجملي بفتح الجيم والميم الكوفي الأعمى (عن إبراهيم) النخعي (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: ذكر) بضم المعجمة مبنيًّا للمفعول (عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص (فقال: ذاك رجل لا أزال أحبه بعدما سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (استقرئوا القرآن) أي اطلبوه (من أربعة من عبد الله بن مسعود فبدأ به و) من (سالم مولى أبي حذيفة و) من (أبي بن كعب، و) من (معاذ بن جبل) (قال) عمرو: (لا أدري بدأ بأبي) أي بأبي بن كعب (أو بمعاذ) ولأبي ذر: أو بمعاذ بن جبل، وإنما خص هؤلاء الأربعة لأنهم أكثر ضبطًا للفظ القرآن وأتقن لأدائه، وإن كان غيرهم أفقه في معانيه منهم، أو لأنهم تفرغوا لأخذه منه مشافهة وغيرهم اقتصروا على أخذ بعضهم عن بعض، أو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد الإعلام بما يكون بعده من تقدم هؤلاء الأربعة وإنهم أقرأ من غيرهم، وليس المراد أنه لم يجمعه غيرهم. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في مناقب أبي بن كعب، وفي فضائل القرآن، وفي مناقب معاذ، وفي مناقب عبد الله بن مسعود، ومسلم في الفضائل، والترمذي في المناقب. 27 - باب مَنَاقِبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- (باب مناقب عبد الله بن مسعود) أي ابن غافل بالغين المعجمة والفاء ابن حبيب بن شمخ بفتح الشين المعجمة وسكون الميم بعدها خاء معجمة ابن فار بالفاء وبعد الألف راء ابن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحرث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة أبي عبد الرحمن حليف بني زهرة. وكان أبوه مسعود بن غافل قد حالف في الجاهلية عبد الله بن الحرث بن زهرة وأمه أم عبد بنت عبد ود هذلية من فخذ أبيه وأمها زهرية. قيل: إنها بنت الحرث بن زهرة، وكان إسلامه قديمًا في أول الإسلام، وكان سادس ستة في الإسلام، وهو من القراء المشهورين، وممن جمع القرآن على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهاجر الهجرتين، وصلّى إلى القبلتين، وشهد بدرًا والحديبية، وشهد له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجنة، وكان قصيرًا نحيفًا يكاد طوال الرجال يوازونه جلوسًا وهو قائم، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين، وقد جاوز الستين ودفن بالبقيع وصلّى عليه عثمان (-رضي الله عنه-). وكان له من الولد عبد الرحمن وبه كان يكنى وعتبة وأبو عبيدة واسمه عامر وسقط لفظ باب لأبي ذر. 3759 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ سَمِعْتُ مَسْرُوقًا قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا. وَقَالَ: إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَىَّ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا». 3760 - «وَقَالَ: اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبيىِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ». وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش أنه (قال: سمعت أبا وائل) شقيق بن سلمة (قال: سمعت مسروقًا) هو ابن الأجدع (قال: قال عبد الله بن عمرو): أي ابن العاص

-رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن فاحشًا) أي لم يكن متكلمًا بالقبيح (ولا متفحشًا) ولا متكلفًا للتكلم بالقبيح نفى عنه الفحش والتفوه به طبعًا وتكلفًا (وقال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن من أحبكم إليّ أحسنكم أخلاقًا) (وقال) عليه الصلاة والسلام: (استقرئوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود و) من (سالم مولى أبي حذيفة و) من (أبي بن كعب و) من (معاذ بن جبل) -رضي الله عنهم- كذا ساق المؤلّف هذا الحديث بزيادة صفة من صفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أوله، والظاهر أن بعض الرواة تحمله كذلك فأورده المؤلّف كذلك، ومطابقة الحديث لا تخفى. 3761 - حَدَّثَنَا مُوسَى عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ "دَخَلْتُ الشَّامَ فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا. فَرَأَيْتُ شَيْخًا مُقْبِلاً، فَلَمَّا دَنَا قُلْتُ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ اسْتَجَابَ اللهُ. قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: أَفَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ وَالْمِطْهَرَةِ؟ أَوَ لَمْ يَكُنْ فِيكُمُ الَّذِي أُجِيرَ مِنَ الشَّيْطَانِ؟ أَوَ لَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ؟ كَيْفَ قَرَأَ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ {وَاللَّيْلِ} فَقَرَأْتُ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى} [الليل: 1 - 3] قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاهُ إِلَى فِيَّ، فَمَا زَالَ هَؤُلاَءِ حَتَّى كَادُوا يَرُدُّوننِي". وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي (عن أبي عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن مغيرة) بن مقسم الكوفي (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي أنه قال: (دخلت الشام فصليت ركعتين) في المسجد (فقلت: اللهم يسّر لي جليسًا) زاد أبو ذر عن الكشميهني صالحًا (فرأيت شيخًا) حال كونه (مقبلاً فلما دنا) قرب مني (قلت): له (أرجو أن يكون استجاب الله) عز وجل دعائي (قال): لي (من أين أنت؟) وسقطت لفظة أين لأبي ذر قال علقمة (قلت) له: أنا (من أهل الكوفة. قال: أفلم) بهمزة الاستفهام ولأبي ذر فلم (يكن فيكم صاحب النعلين والوساد) أي المخدة (والمطهرة؟) أي عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- (أولم) بهمزة الاستفهام ولأبي ذر ولم (يكن فيكم الذي أجير من الشيطان؟) زاد في المناقب على لسان نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي عمار (أو لم يكن فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره؟) أي حذيفة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عرفه أسماء المنافقين (كيف قرأ ابن أم عبد) عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- ({والليل}) زاد أبو ذر إذا يغشى قال: علقمة (فقرأت: {والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى * والذكر والأنثى}) بجر الذكر وحذف وما خلق (قال): أي الشيخ وهو أبو الدرداء (أقرأنيها) أي والذكر والأنثى (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاه إلى فيّ) تشديد الياء وعند الزمخشري فاي بالألف قال: وهذا من إحدى اللغات وهي القصر كعصاي فإعرابه مقدر في آخره، وأما نصب فاه فقال في المصابيح: المنقول في مثله ثلاثة أقوال أن يكون فاه حالاً. وصرح ابن مالك في التسهيل بأنه الأولى أو منصوبًا بمحذوف هو الحال أي جاعلاً فاه إلى فيّ أو الأصل من فيه إلى فيّ فحذف الجار فانتصب ما كان مجرورًا به (فما زال هؤلاء) أهل الشام (حتى كادوا يردوني) من قراءة والذكر والأنثى إلى أن أقرأ {وما خلق الذكر والأنثى} [الليل: 3] ولأبي ذر والأصيلي: يردونني بإثبات النونين. 3762 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: "سَأَلْنَا حُذَيْفَةَ عَنْ رَجُلٍ قَرِيبِ السَّمْتِ وَالْهَدْيِ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى نَأْخُذَ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا أَعْرِفُ أَحَدًا أَقْرَبَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلاًّ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ". [الحديث 3762 - طرفه في: 6097]. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن عبد الرحمن بن يزيد) من الزيادة النخعي أخي الأسود بن يزيد أنه (قال: سألنا حذيفة) بن اليمان (عن رجل قريب السمت) الهيئة الحسنة (والهدي) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة الطريقة والمذهب (من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى نأخذ عنه) سلوك الطريقة المرضية والسكينة والوقار (فقال): وفي الفرع قال: حذيفة (ما أعرف) ولأبي ذر ما أعلم (أحدًا أقرب سمتًا وهديًا ودلاًّ) بفتح الدال المهملة وتشديد اللام سيرة وحالة وهيئة (بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ابن أم عبد) وهي كنية أم عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-. وهذا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي في المناقب. 3763 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ الْيَمَنِ، فَمَكُثْنَا حِينًا مَا نُرَى إِلاَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لِمَا نَرَى مِنْ دُخُولِهِ وَدُخُولِ أُمِّهِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 3763 - طرفه في: 4384]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: بالجمع (محمد بن العلاء) بالهمزة ممدودًا أبو كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق) السبيعي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) يوسف (عن أبي إسحاق) أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (الأسود بن يزيد) أخو عبد الرحمن بن يزيد السابق قريبًا (قال: سمعت أبا موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري) -رضي الله عنه- (يقول: قدمت أنا وأخي) أبو رهم أو أبو بردة (من اليمن فمكثنا) بضم الكاف في اليونينية (حينًا)

28 - باب ذكر معاوية -رضي الله عنه-

حالة كوننا (ما نرى) بالضم (إلا أن عبد الله بن مسعود رجل من أهل ييت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما نرى) أي لأجل ما نراه (من دخوله ودخول أمه) أم عبد بنت عبد ود (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يلج على النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويلبسه نعليه ويمشي أمامه ومعه ويستره إذا اغتسل، وقال: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذنك عليّ أن ترفع الحجاب وأن تسمع سوادي حتى أنهاك" أخرجه مسلم وقال عليه الصلاة والسلام: "من أحبّ أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن عبد". وقال فيه عمر: كنيف ملئ علمًا. وعند الحاكم عن حذيفة قال: لقد علم من أصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ابن أم عبد من أكثرهم إلى الله وسيلة يوم القيامة اهـ. وحديث الباب أخرجه مسلم في الفضائل والترمذي والنسائي في المناقب. 28 - باب ذِكْرُ مُعَاوِيَةَ -رضي الله عنه- (باب ذكر معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، يجتمع أبوه وأمه في عبد شمس، أسلم هو وأبوه وأخوه يزيد بن أبي سفيان وأمه هند في فتح مكة، وكان معاوية يقول: إنه أسلم يوم الحديبية وكتم إسلامه من أبيه وأمه وهو وأبوه من المؤلّفة قلوبهم ومن الطبقة الأولى في قسم غنائم حنين، ثم حسن إسلامهما، وكتب معاوية لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وولي الشام لعمر وعثمان عشرين سنة، وولي الخلافة سنة أربعين، ومكث خليفة عشرين سنة إلا شهرًا، وكان أبيض جميلاً وهو من الموصوفين بالحلم، وتوفي بدمشق سنة ستين وهو ابن اثنتين وثمانين سنة أو ثمان وسبعين سنة (-رضي الله عنه-) وسقط باب لأبي ذر. 3764 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا الْمُعَافَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: "أَوْتَرَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ الْعِشَاءِ بِرَكْعَةٍ وَعِنْدَهُ مَوْلًى لاِبْنِ عَبَّاسٍ، فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: دَعْهُ فَإِنَّهُ قَدْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 3764 - طرفه في: 3765]. وبه قال: (حدّثنا الحسن بن بشر) بفتح الحاء في الأول وكسر الموحدة وسكون المعجمة في الثاني أبو علي البجلي الكوفي قال: (حدّثنا المعافى) بضم الميم وفتح العين والفاء بينهما ألف ابن عمران الأزدي الموصلي الملقب بياقوتة العلماء (عن عثمان بن الأسود) بن موسى المكي (عن ابن أبي مليكة) عبد الله أنه (قال: أوتر معاوية) -رضي الله عنه- (بعد) صلاة (العشاء بركعة) واحدة (وعنده مولى لابن عباس) اسمه كريب (فأتى) كريب (ابن عباس) -رضي الله عنهما- وأخبره بذلك (فقال): ابن عباس له (دعه) أي اترك القول في معاوية والإنكار عليه (فإنه) عارف بالفقه لأنه (قد صحب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وتعلم منه، ولغير أبي ذر إسقاط لفظة "قد". 3765 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ "قِيلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ لَكَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ مَا أَوْتَرَ إِلاَّ بِوَاحِدَةٍ، قَالَ: "إِنَّهُ فَقِيهٌ". وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن أبي مريم قال: (حدّثنا نافع بن عمر) بضم العين ابن عبد الله الجمحي قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (ابن أبي مليكة) عبد الله أنه (قيل لابن عباس) والقائل كريب كما سبق (هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة) وسقط لغير أبي ذر: فإنه (قال): أي ابن عباس (إنه) ولأبي ذر قال: أصاب إنه (فقيه) فلا تنكر عليه، وزاد لفظة أصاب. 3766 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلاَةً لَقَدْ صَحِبْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا، وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا، يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عمرو بن عباس) بفتح العين، وسكون الميم، وعباس بالموحدة والمهملة أبو عثمان البصري قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر قال: (حدّثنا شعبة) هو ابن الحجاج (عن أبي التياح) بالفوقية والتحتية المشددة وبعد الألف حاء مهملة يزيد بن حميد الضبعي البصري أنه (قال: سمعت حمران بن أبان) بضم الحاء المهملة وسكون الميم وأبان بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة مولى عثمان بن عفان يحدث (عن معاوية -رضي الله عنه-) أنه (قال: إنكم لتصلون صلاة) بلام التأكيد (لقد صحبنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فما رأيناه يصلّيها) يعني الصلاة. ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يصلّيهما يعني الركعتين (ولقد نهى عنهما يعني الركعتين بعد) صلاة (العصر) وهذا النفي معارض بإثبات غيره أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّيهما لسبب سبق ذكره في الصلاة. ومناسبة هذه الأحاديث لما ترجم له ما فيها من ذكر الصحبة المقتضية للشرف العالي على أنه قد ورد في فضل السيد معاوية -رضي الله عنه- أحاديث لكنها

29 - باب مناقب فاطمة عليها السلام وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة»

ليست على شرط المولف، فمن ثم لم يقل باب مناقب معاوية أو فضائله إذ أنه لا تصريح بذلك فيما ساقه في الباب على ما لا يخفى. وهذا الحديث من أفراده، وسبق في باب: لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس من كتاب الصلاة. 29 - باب مَنَاقِبُ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» (باب مناقب فاطمة) الزهراء البتول بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من خديجة (-رضي الله عنها-) ولأبي ذر: عليها السلام. قال ابن عبد البر: إنها وأختها أم كلثوم أفضل بناته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال: وولدت فاطمة -رضي الله عنها- سنة إحدى وأربعين من مولده عليه الصلاة والسلام وتزوجها علي -رضي الله عنه- بعد بدر في السنة الثانية، وولدت له حسنًا وحسينًا ومحسنًا وزينب وأم كلثوم ورقية فماتت رقية ولم تبلغ. كذا رواه الطبري عن الليث. وقال غيره: فمات محسن صغيرًا ولم يتزوج عليها حتى ماتت، ولم يكن للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عقب إلا من ابنته فاطمة -رضي الله عنها-، وتوفيت بعد موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بستة أشهر، وقيل بثمانية أشهر، وقيل بمائة يوم، وقيل بسبعين، والأول أشهر، وكانت وفاتها ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة وهي ابنة تسع وعشرين سنة. قاله المدائني. وقيل ابنة ثلاثين وصلّى عليها عليّ، وقيل العباس، وقيل أبو بكر، وسقط لفظ باب لأبي ذر. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): فيما وصله في علامات النبوة مطوّلاً (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة) وروى النسائي من حديث داود بن أبي الفرات عن عليّ بن أحمد السكري عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد" وداود بن أبي الفرات وعليّ بن أحمد ثقتان. فالحديث صحيح وهو صريح في أن فاطمة وأمها أفضل نساء أهل الجنة، والحديث الأول المعلق يدل لتفضيلها على أمها. قال الشيخ تقي الدين السبكي: فالذي نختاره وندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة، ولم يخف عنا الخلاف في ذلك ولكن إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. 3767 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن المسور بن مخرمة) -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (فاطمة بضعة) بفتح الموحدة قطعة (مني فمن أغضبها) فقد (أغضبني) استدلّ به السهيلي على أن من سبّها فإنه يكفر، وأنها أفضل بناته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وعورض بأن أخواتها زينب ورقية وأم كلثوم يشاركنها في الصفة المذكورة لأن كلاًّ منهن بضعة منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنما يعتبر التفضيل بأمر يختص به المفضل على غيره. وأجيب: بأنها امتازت عنهن بأنهن متن في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكن في صحيفته، ومات -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حياة فاطمة فكان في صحيفتها ولا يقدر قدر ذلك إلا الله فانفردت فاطمة دون سائر بناته فامتازت بذلك، وبأن بشرها في مرض موته بأنها سيدة نساء أهل الجنة أي من أهل هذه الأمة المحمدية، وقد ثبت أفضلية هذه الأمة على غيرها فتكون فاطمة على هذا أفضل من مريم وآسية، وفي ذلك خلاف وقد بسط الكلام على ذلك في شرح النقاية. وأجيب عن حديث عائشة -رضي الله عنها- عند الطحاوي أنه قال: "زينب أفضل بناتي" على تقدير ثبوته بأن ذلك كان متقدمًا، ثم وهب الله عز وجل لفاطمة من الأحوال السنية والكمالات العلمية ما لم يشركها فيه أحد من نساء هذه الأمة مطلقًا. وهذا الحديث سبق في ذكر أصهار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأتم من هذا وسقط لفظ باب لأبي ذر. 30 - باب فَضْلِ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- (باب فضل عائشة) الصديقة بنت الصديق أبي بكر بن أبي قحافة القرشية التيمية، وأمها أم رومان ابنة عامر بن عويمر، وكنيتها أم عبد الله بعبد الله بن الزبير ابن أختها، وقول أنها أسقطت من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سقطًا لم يثبت، وولدت في الإسلام قبل الهجرة بثمان سنين أو نحوهما، ومات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولها نحو ثمانية عشر عامًا، وقد حفظت عنه شيئًا كثيرًا حتى قيل إن ربع الأحكام الشرعية منقول عنها. قال عطاء بن أبي رباح: كانت

عائشة -رضي الله عنها- أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأيًا في العامة. وقال عروة بن الزبير: ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة. وقال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعلم جميع علم النساء لكان علم عائشة أفضل، ومن خصائصها أنها كانت أحب أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليه، وبرأها الله مما رماها به أهل الإفك، وأنزل الله عز وجل في عذرها وبراءتها وحيًا يتلى في محاريب المسلمين إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين. وتوفيت سنة ثمان وخمسين من الهجرة في خلافة معاوية، وقد قاربت السبعين وذلك ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان وصلى عليها أبو هريرة (-رضي الله عنها-). 3768 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إِنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا: يَا عَائِشَ هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ. فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لاَ أَرَى. تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا اسم جده وأبو عبد الله المخزومي المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (إن عائشة -رضي الله عنها- قالت قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا): (يا عائش) بفتح الشين في الفرع مصححًا عليه ويجوز ضمها ككل مرخم (هذا جبريل يقرئك السلام) أي سلم عليك. قالت (فقلت: عليه السلام) ولغير أبي ذر وعليه السلام (ورحمة الله وبركاته ترى) بتاء الخطاب (ما لا أرى) بفتح الهمزة (تريد) عائشة بذلك (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). قال في الفتح: وهذا من قول عائشة -رضي الله عنها- اهـ. واستنبط منه استحباب بعث السلام وبعث الأجنبي السلام إلى الأجنبية الصالحة إذا لم تخف مفسدة وأنه لو بلغه سلام أحد في ورقة من غائب لزمه الرد عليه باللفظ إذا قرأه. 3769 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: (ح) وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُرَّةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ. وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (قال): المؤلّف بالسند السابق (ح). (وحدّثنا عمرو) بفتح العين بن مرزوق الباهلي المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) بالميم المضمومة والراء المشددة وعمرو بفتح العين الهمداني الكوفي (عن مرة) وسقط عن مرة في الفرع سهوًا وثبت في الأصل (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كمل) بفتح الكاف والميم ويجوز كسر الميم وضمها (من الرجال كثير ولم يكمل) بضم الميم (من النساء إلا مريم بنت عمران) أم عيسى عليه السلام (وآسية) بوزن فاعلة من الأسى وهي بنت مزاحم (امرأة فرعون) قيل: وكانت ابنة عمه، وقيل غير ذلك. استدلّ به على نبوة مريم وآسية، لأن أكمل النوع الإنساني الأنبياء ثم الصديقون ثم الأولياء والشهداء، فلو كانتا غير نبيتين للزم أن لا يكون في النساء ولية ولا صديقة ولا شهيدة. والواقع أن هذه الصفات في كثير منهن موجودة فكأنه قال: لم ينبأ من النساء إلاّ مريم وآسية ولو قال: لم تثبت صفة الصديقية أو الولاية أو الشهادة إلا لفلانة وفلانة لم يصح لوجود ذلك لغيرهن إلا أن يكون المراد من الحديث كمال غير الأنبياء فلا يتم به الدليل على ذلك لأجل ذلك قاله في الفتح. واستشهد بعضهم لنبوة مريم بذكرها في سورة مريم مع الأنبياء وهو قرينة، وقد اختلف في نبوة نسوة غير مريم وآسية كحواء وسارة. قال السبكي: ولم يصح عندنا في ذلك شيء. (وفضل عائشة) بنت أبي بكر (على النساء) أي نساء هذه الأمة (كفضل الثريد) المتخذ من الخبز واللحم (على سائر الطعام) وهذا لا يلزم منه ثبوت الأفضلية المطلقة بل يخص بنحو نساء هذه الأمة كما مرّ. وأشار ابن حبان كما أفاده في الفتح إلى أن أفضليتها التي يدل عليها هذا الحديث وغيره مقيدة بنساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى لا يدخل فيها مثل فاطمة عليها السلام جمعًا بينه وبين حديث الحاكم: أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة. وفي الصحيح لما جاءت فاطمة -رضي الله عنها- إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها: "ألست تحبين ما أحب"؟ قالت: بلى. قال: "فأحبي هذه يعني عائشة". قال الشيخ تقي الدين السبكي:

وهذا الأمر لا صارف لحمله على الوجوب، وحكمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الواحد حكمه على الجماعة، فيلزم من هذا وجوب محبتها على كل أحد. وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها ما لا يحصى من الفضل، ونطق القرآن العزيز في شأنها بما لم ينطق به في غيرها. وأما بقية أزواجه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير خديجة فلا يبلغن هذه المرتبة، لكنا نعلم لحفصة بنت عمر من الفضائل كثيرًا فما أشبه أن تكون هي بعد عائشة والكلام في التفضيل صعب، ولا ينبغي التكلم إلا بما ورد والسكوت عما سواه. وحفظ الأدب. وقال المتولي من أصحابنا: والأولى بالعاقل أن لا يشتغل بمثل ذلك. 3770 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى الطَّعَامِ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي (قال: حدّثنا) بالإفراد (محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير (عن عبد الله بن عبد الرحمن) أبي طوالة الأنصاري (أنه سمع أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام) ولأبي ذر: على سائر الطعام. 3771 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ "أَنَّ عَائِشَةَ اشْتَكَتْ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، تَقْدَمِينَ عَلَى فَرَطِ صِدْقٍ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ". [الحديث 3771 - طرفاه في: 4753، 4754]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة أبو بكر بندار العبدي قال: (حدّثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد) بن الصلت بن عبيد الله بن الحكم بن أبي العاصي بن بشر الثقفي قال: (حدّثنا ابن عون) عبد الله البصري (عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق التيمي أحد الفقهاء بالمدينة (أن عائشة) -رضي الله عنها- (اشتكت) أي مرضت (فجاء ابن عباس) إليها يعودها (فقال) لها: (يا أم المؤمنين تقدمين) بفتح الدال (على فرط صدق) بفتح الفاء والراء أي بإضافته لصدق من إضافة الموصوف لصفته والفرط السابق إلى الماء والمنزل والصدق الصادق (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بدل بتكرار العامل (وعلى أبي بكر) الصديق -رضي الله عنه-، والمعنى أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبا بكر قد سبقاك وأنت تلحقينهما وهم قد هيئا لك المنزل في الجنة فلتقرّ عينك بذلك. ومطابقته للترجمة بكونه قطع لعائشة بدخول الجنة إذ لا يقول ابن عباس ذلك إلا بتوقيف. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التعبير. 3772 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: "لَمَّا بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارًا وَالْحَسَنَ إِلَى الْكُوفَةِ لِيَسْتَنْفِرَهُمْ، خَطَبَ عَمَّارٌ فَقَالَ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلاَكُمْ لِتَتَّبِعُوهُ أَوْ إِيَّاهَا". [الحديث 3772 - طرفاه في: 7100، 7101]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بن عتيبة أنه قال: (سمعت أبا وائل) شقيق بن سلمة (قال: لما بعث عليّ عمارًا) هو ابن ياسر (والحسن) بفتح الحاء ابن علي (إلى) أهل (الكوفة ليستنفرهم) ليطاب خروجهم إلى علي وإلى نصرته في مقاتلة كانت بينه وبين عائشة بالبصرة في وقعة الجمل وجواب لما قوله (خطب عمار فقال) في خطبته: (إني لأعلم أنها) يعني عائشة (زوجته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في الدنيا والآخرة) وفي حديث ابن حبان أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها: "أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة" (ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه) سبحانه وتعالى في حكمه الشرعي في طاعة الإمام وعدم الخروج عليه (أو) لتتبعوا (إياها) أي عائشة -رضي الله عنها-. 3773 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ "عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلاَدَةً فَهَلَكَتْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا، فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلاَةُ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ. فَلَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ: أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا، فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا، وَجَعَلَ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ بَرَكَةً". وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) أبو محمد القرشي الهباري الكوفي من ولد هبار بن الأسود واسمه عبد الله وعبيد لقب غلب عليه وعرف به قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة التابعي ابن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها استعارت من) أختها (أسماء) بنت أبي بكر الصديق (قلادة) بكسر القاف قيل كان ثمنها اثني عشر درهمًا (فهلكت) أي ضاعت (فأرسل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ناسًا من أصحابه في طلبها) وفي التيمم رجلاً وفسر بأنه أسيد بن حضير (فأدركتهم الصلاة فصلّوا بغير وضوء) لم أقف على تعيين هذه الصلاة (فلما أتوا النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شكوا ذلك) الذي وقع لهم من فقد الماء وصلاتهم بغير وضوء (إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فنزلت آية التيمم) التي في سورة المائدة (فقال أسيد بن حضير): بضم الهمزة والحاء المهملة مصغرين الأنصاري الأوسي الأشهلي، وزاد في التيمم

63 - كتاب مناقب الأنصار

لعائشة -رضي الله عنها- (جزاك الله خيرًا فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجًا) من مضايقه وكربه والكاف في الثلاثة مكسورة على ما لا يخفى (وجعل للمسلمين) كلهم (فيه بركة) وسبق هذا الحديث في التيمم. 3774 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا كَانَ فِي مَرَضِهِ جَعَلَ يَدُورُ فِي نِسَائِهِ وَيَقُولُ: أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا حِرْصًا عَلَى بَيْتِ عَائِشَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي سَكَنَ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبيد بن إسماعيل) الهباري قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما كان في مرضه) الذي توفي فيه (جعل يدور في نسائه ويقول): (أين أنا غدًا أين أنا غدًا) مرتين حال كون قوله ذلك (حرصًا على) أن يكون في (بيت عائشة) -رضي الله عنها-. قال عروة (قالت عائشة: فلما كان يومي) يوم نوبتي (سكن). قال الكرماني: أي مات أو سكت عن هذا القول، وتعقبه في الفتح فقال الثاني: أي سكوته هو الصحيح والأول خطأ صريح، وتعقبه في العمدة فقال: الخطأ الصريح تخطئته لأن في رواية مسلم فلما كان يومي قبضه الله عز وجل بين سحري ونحري اهـ. وهذا لا حجة فيه لأن مرادها أنه قبض يوم نوبتها لا اليوم الذي جاء إليها فيه لأن ذلك كان قبل موته بمدة، وقوله عن هشام عن أبيه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صورته صورة المرسل لأن عروة تابعي، لكن دل قوله قالت عائشة -رضي الله عنها- أنه موصول عنها، ويأتي إن شاء الله تعالى موصولاً من وجه آخر في باب الوفاة النبوية بعون الله تعالى وقوته. 3775 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ، وَاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، وَإِنَّا نُرِيدُ الْخَيْرَ كَمَا تُرِيدُهُ عَائِشَةُ، فَمُرِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ، أَوْ حَيْثُ مَا دَارَ. قَالَتْ: فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَتْ: فَأَعْرَضَ عَنِّي. فَلَمَّا عَادَ إِلَىَّ ذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ، لاَ تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَىَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة أنه (قال: كان الناس يتحرون) بالحاء المهملة والراء المشددة المفتوحتين يقصدون (بهداياهم) للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يوم) نوبة (عائشة) -رضي الله عنها- حين يكون عليه الصلاة والسلام عندها لعلمهم بحبه لها (قالت عائشة: فاجتمع صواحبي) أمهات المؤمنين (إلى أم سلمة) هند زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقلن) لها ولأبي ذر فقالوا (يا أم سلمة والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير) بنون المتكلم ومعه غيره (كما تريده عائشة فمري) بفتح الفاء وضم الميم وكسر الراء (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيثما كان) من بيوت نسائه (أو حيثما دار) إليهن يوم نوبتهن (قالت): عائشة (فذكرت ذلك) الذي قلن لها (أم سلمة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما دار إليها يوم نوبتها (قالت) أم سلمة: (فأعرض عني) عليه الصلاة والسلام (فلما عاد إليّ) يوم نوبتي (ذكرت له ذاك) الذي قلن، ولأبي ذر ذلك باللام (فأعرض عني فلما كان في) المرة (الثالثة ذكرت له) ذلك (فقال) عليه الصلاة والسلام: (يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكنّ غيرها) وكفاها بهذا شرفًا وفخرًا. ولحاف بكسر اللام هو ما يتغطى به. وهذا الحديث قد سبق في باب قبول الهدية من كتاب الهبة. هذا آخر النصف الأول كما نقله الكرماني عن المتقنين المعتنين بالبخارى من الشيوخ، وانتهت كتابته على يد جامعه أحمد بن محمد بن أبي بكر القسطلاني يوم الخميس حادي عشري رجب الفرد الحرام سنة إحدى عشرة وتسعمائة، والله أسأل بوجهه الكريم ونبيه العظيم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم أن يعينني على إتمامه وتحريره، وينفعني به والمسلمين في الحال والمآل مع القبول والإقبال، وأن يمن عليّ بالمقام في الحضرة المحمدية مع الرضا في عافية بلا محنة استودعه ذلك فإنه لا تخيب ودائعه، والحمد لله وحده وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه. يتلوه إن شاء الله تعالى أول النصف الثاني. بسم الله الرحمن الرحيم 63 - كتاب مناقب الأنصار 1 - باب مَنَاقِبُ الأَنْصَارِ {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} [الحشر: 9]. (بسم الله الرحمن الرحيم). (باب مناقب الأنصار) جمع ناصر كالأصحاب جمع صاحب، ويقال جمع نصير كشريف وأشراف، والنسبة أنصاري وليس نسبة الأب ولا أم، بل سموا بذلك لما فازوا به دون

غيرهم من نصرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإيوائه وإيواء من معه ومؤاساتهم بأنفسهم وأموالهم، وكان القياس أن يقال: ناصري فقالوا: أنصاري كأنهم جعلوا الأنصار اسم المعنى. فإن قلت: الأنصار جمع قلة فلا يكون لما فوق العشرة وهم ألوف. أجيب: بأن جمعي القلة والكثرة إنما يعتبران في نكرات المجموع، أما في المعارف فلا فرق بينهما، والأنصار هم ولد الأوس والخزرج وحلفاؤهم أبناء حارثة بن ثعلبة وهو اسم إسلامي، واسم أمهم قيلة بالقاف المفتوحة والتحتية الساكنة وسقط باب لأبوي ذر والوقت فمناقب بالرفع على ما لا يخفى. (وقول الله عز وجل) {والذين آووا ونصروا} [الأنفال: 72] ({والذين تبوأوا الدار والإيمان}) أي لزموهما وتمكنوا فيهما أو تبوأوا دار الهجرة ودار الإيمان فحذف المضاف من الثاني والمضاف إليه من الأول، وعوض عنه اللام أو تبوأوا دار الهجرة وأخلصوا الإيمان كقوله: علفتها تبنًا وماءً باردًا أو سمى المدينة بالإيمان لأنها مظهره ({من قبلهم}) من قبل هجرة المهاجرين وهم الأنصار ({يحبون من هاجر إليهم}) ولا يثقل عليهم ({ولا يجدون في صدورهم}) من أنفسهم ({حاجة مما أوتوا}) [الحشر: 9] مما أعطي المهاجرون من الفيء وغيره وبقية الأوصاف ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. قال في فتوح الغيب: وحاصل الوجوه الأربعة يعود إلى أن عطف الإيمان على الدار إما من باب التقدير أو من باب الانسحاب، والإيمان إما مجرى على حقيقته أو استعارة، ففي الوجه الأول الإيمان حقيقة والعطف من باب التقدير لكن يقدر بحسب ما يناسبه، وكذلك في الوجه الثالث العطف فيه للتقدير لكن بحسب السابق، وفي الثاني والرابع العطف على الانسحاب والإيمان على الوجه الثاني استعارة مكنية، وعلى الثالث مجاز أضيف بأدنى ملابسة، وعلى الرابع استعارة مصرحة تحقيقية فشبه في الوجه الأول الإيمان من حيث إن المؤمنين من الأنصار تمكنوا فيه تمكن المالك المتسلط في مكانه ومستقره بمدينة من المدائن الحصينة بنوابعها ومرافقها، ثم قيل إن الإيمان مدينة بعينها تخييلاً محضًا فأطلق على المتخيل باسم الإيمان المشبه وجعلت القرينة نسبة التبوّء اللازم للمشبه به على سبيل الاستعارة التخييلية لتكون مانعة لإرادة الحقيقة، وعلى الرابع شبهت طيبة لكونها دار الهجرة ومكان ظهور الإيمان بالتصديق الصادر من المخلص المحلى بالعمل الصالح، ثم أطلق الإيمان على مدينته عليه الصلاة والسلام بوساطة نسبة التبوّء إليه وهي استعارة مصرحة تحقيقية لأن المشبه المتروك وهو المدينة حسي والجامع النجاة من مخاوف الدارين، ففي الأول المبالغة والمدح يعود إلى سكان المدينة أصالة، وفي الثاني بالعكس. والأول أدعى لاقتضاء المقام لأن الكلام وارد في مدح الأنصار الذين بذلوا مهجهم وأموالهم في نصرة الله ونصرة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهم الذين آووه ونصروه وسقط لأبي ذر قوله: (يحبون) الخ وقال بعد قوله: ({من قبلهم} [الحشر: 9] الآية. 3776 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: "قُلْتُ لأَنَسٍ: أَرَأَيْتَ اسْمَ الأَنْصَارِ كُنْتُمْ تُسَمَّوْنَ بِهِ، أَمْ سَمَّاكُمُ اللَّهُ؟ قَالَ: بَلْ سَمَّانَا اللَّهُ. كُنَّا نَدْخُلُ عَلَى أَنَسٍ فَيُحَدِّثُنَا بمَنَاقِبَ الأَنْصَارِ وَمَشَاهِدَهُمْ، وَيُقْبِلُ عَلَيَّ أَوْ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَزْدِ فَيَقُولُ: فَعَلَ قَوْمُكَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا". [الحديث 3776 - طرفه في: 3844]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا مهدي بن ميمون) المعولي بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو البصري وسقط ابن ميمون لأبي ذر قال: (حدّثنا غيلان بن جرير) بفتح الغين المعجمة في الأول والجيم في الثاني المعولي البصري (قال: قلت لأنس) هو ابن مالك -رضي الله عنه- (أرأيت) أي أخبرني، ولأبي الوقت: أرأيتم أي أخبروني (اسم الأنصار كنتم) ولأبي الوقت: أكنتم (تسمون به) بفتح السين المهملة والميم المشددة قبل القرآن (أم سماكم الله؟) عز وجل به (قال) أنس -رضي الله عنه-: (بل سمانا الله) زاد أبو ذر عز وجل أي به كما في قوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} [التوبة: 100] قال غيلان: (كنا ندخل على أنس) -رضي الله عنه- بالبصرة (فيحدّثنا مناقب الأنصار) ولأبي ذر. بمناقب الأنصار بزيادة الموحدة قبل الميم (ومشاهدهم) بالنصب أو بالخفض (ويقبل علي) بتشديد الياء (أو على رجل من الأزد) بفتح الهمزة وسكون الزاي غيري أو المراد بالأزدي غيلان والشك من الراوي هل قال عليّ أو أبهم

نفسه (فيقول) مخاطبًا لي أو للرجل: (فعل قومك) يريد الأنصار (يوم كذا وكذا كذا وكذا) يحكي ما كان من مآثرهم في المغازي ونصر الإسلام. واستشكل بأنه ليس قومه من الأنصار. وأجيب بأنه باعتبار النسبة الأعمية إلى الأزد لأن الأزد يجمعهم. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في آخر أيام الجاهلية والنسائي في التفسير. 3777 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ يَوْمُ بُعَاثَ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدِ افْتَرَقَ مَلَأُهُمْ، وَقُتِلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وَجُرِّحُوا. فَقَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي دُخُولِهِمْ فِي الإِسْلاَمِ". [الحديث 3777 - طرفاه في: 3846، 3930]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبيد بن إسماعيل) الهباري (قال: حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة، وثبت "قال" في الفرع وسقطت في اليونينية (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان يوم بعاث) بضم الموحدة وتخفيف العين المهملة وبعد الألف مثلثة أو بالغين المعجمة أو هو تصحيف أو بالوجهين عن الأصيلي كما حكاه عياض أو بالمعجمة فقط لأبي ذر غير مصروف للتأنيث والعلمية لأنه اسم بقعة. قال ابن قرقول: على ميلين من المدينة وقع فيها حرب بين الأوس والخزرج، وكان سبب ذلك أن من قاعدتهم أن الأصيل لا يقتل بالحليف فقتل رجل من الأوس حليفًا للخزرج فأرادوا أن يقيدوه فامتنعوا فوقعت الحرب بينهم، لذلك قيل بقيت الحرب بينهم مائة وعشرين سنة حتى جاء الإسلام، وكان رئيس الأوس فيه حضيرًا والد أسيد وكان أيضًا فارسهم. وقال أبو أحمد العسكري، قال بعضهم: كان يوم بعاث قبل قدومه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة بخمس سنين وقتل حضير وكثير من رؤسائهم وأشرافهم وكان ذلك اليوم (يومًا قدمه الله لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إذ لو كانوا أحياء لاستكبروا عن متابعته عليه الصلاة والسلام ولمنع حب رئاستهم عن حب دخول رئيس عليهم وسقطت التصلية لأبي ذر (فقدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المدينة (و) الحال أنه (قد افترق ملأهم) أي جماعتهم (وقتلت) بضم القاف مبنيًّا للمفعول (سرواتهم) بفتح السين المهملة والراء والواو خيارهم وإشرافهم (وجرّحوا) بضم الجيم وتشديد الراء المكسورة بعدها حاء مهملة من الجرح، ولأبي ذر عن المستملي: وخرجوا بخاء معجمة فراء مفتوحتين فجيم من الخروج أي خرجوا من أوطانهم (فقدمه الله) بتشديد الدال أي ذلك اليوم (لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (في) أي لأجل (دخولهم) أي الذين تأخروا (في الإسلام) فكان في قتل من قتل من أشرافهم ممن كان يأنف أن يدخل في الإسلام مقدمات الخير، وقد كان بقي منهم من هذا النحو عبد الله بن أبي ابن سلول، وقصته في أنفته وتكبره مشهورة لا تخفى، وفي هنا تعليلية كهي في قوله تعالى: {فذلكن الذي لمتنني فيه} [يوسف: 32] {ولمسكم فيما أفضتم فيه} [النور: 14] أي لأجله وفي الحديث دخلت امرأة النار في هرة حبستها أي لأجلها. 3778 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: «قَالَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ -وَأَعْطَى قُرَيْشًا-: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْعَجَبُ، إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ، وَغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ. فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَعَا الأَنْصَارَ، قَالَ فَقَالَ: مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ -وَكَانُوا لاَ يَكْذِبُونَ- فَقَالُوا: هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ. قَالَ: أَوَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالْغَنَائِمِ إِلَى بُيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ سَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي التياح) بالفوقية ثم التحتية المشددة وبعد الألف حاء مهملة يزيد بن حميد الضبعي البصري أنه (قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- يقول: قالت الأنصار يوم فتح مكة): يعني عام فتحها بعد قسم غنائم حنين وكان بعد فتح مكة بشهرين (و) الحال أنه (أعطى قريشًا) ممن لم يتمكن الإيمان من قلبه لما بقي فيه من الطبع البشري في محبة المال غنائم حنين يتألفهم بذلك لتطمئن قلوبهم وتجتمع على محبته، لأن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها، ولذا لم يقسم أموال مكة عند فتحها ومقول قول الأنصار: (والله إن هذا) الإعطاء (لهو العجب إن سيوفنا لتقطر من دماء قريش) حال مقررة لجهة الإشكال أي ودماؤهم تقطر من سيوفنا فهو من باب القلب نحو: عرضت الناقة على الحوض قال: لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما والمعنى أن سيوفنا من كثرة ما أصابها من دمائهم تقطر (وغنائمنا) أي التي غنمناها (تردّ عليهم) أي لم يعطنا منها شيئًا (فبلغ ذلك) الذي قالوه (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ذكر ابن إسحاق عن أبي سعيد

2 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار» قاله عبد الله بن زيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

الخدري -رضي الله عنه- أن الذي أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمقالتهم سعد بن عبادة (فدعا الأنصار) وفي غزوة الطائف من وجه آخر أنس فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم غيرهم فلما اجتمعوا (قال) أنس: (فقال) لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ما الذي بلغني عنكم وكانوا) يعني الأنصار (لا يكذبون. فقالوا: هو الذي بلغك) أي قلنا الذي بلغك وفي المغازي فقال: ما حديث بلغني عنكم فقال فقهاء الأنصار: أما رؤساؤنا يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يقولوا شيئًا، وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطي قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم (قال) عليه الصلاة والسلام (أو لا) بفتح الواو (ترضون أن يرجع الناس بالغنائم) من الشاة والبعير (إلى بيوتهم وترجعون) بإثبات النون على الاستئناف ولأبي ذر عن الكشميهني وترجعوا بحذفها عطفًا على أن يرجع (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى بيوتكم) زاد في المغازي: فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا: يا رسول الله قد رضينا. فقال عليه الصلاة والسلام: (لو سلكت الأنصار واديًا) مكانًا منخفضًا أو الذي فيه ماء (أو شعبًا) بكسر الشين المعجمة ما انفرج بين جبلين أو الطريق في الجبل (لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم) ولأبي ذر: وشعبهم بإسقاط الألف وأراد عليه الصلاة والسلام بذلك حسن موافقته إياهم وترجيحهم في ذلك على غيرهم لما شاهد منهم من حسن الجوار والوفاء بالعهد لا متابعته لهم لأنه عليه الصلاة والسلام هو المتبوع المطاع لا التابع المطيع. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي ومسلم في الزكاة والنسائي في المناقب. 2 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امرأً مِنَ الأَنْصَارِ» قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لولا الهجرة) أمر ديني وعبادة مأمور بها (لكنت من الأنصار) ولأبي ذر: لكنت امرأً من الأنصار أي لانتسبت إلى داركم المدينة أو لتسميت باسمكم وانتسبت إليكم كما كانوا يتناسبون بالحلف لكن خصوصية الهجرة سبقت فمنعت من ذلك وهي أعلى وأشرف فلا تتبدل بغيرها وقيل غير ذلك، ومراده بذلك تألفهم واستطابة نفوسهم والثناء عليهم في دينهم حتى رضي أن يكون واحدًا منهم لولا ما يمنعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها (قاله عبد الله بن زيد) أي ابن عاصم بن كعب الأنصاري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله المؤلّف في غزوة الطائف من المغازي بطوله. 3779 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ أَنَّ الأَنْصَارَ سَلَكُوا وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ فِي وَادِي الأَنْصَارِ، وَلَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا ظَلَمَ -بِأَبِي وَأُمِّي- آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ. أَوْ كَلِمَةً أُخْرَى». [الحديث 3779 - طرفه في: 7344]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار العبدى قال: (حدّثنا غندر) بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن زياد) القرشي الجمحي مولاهم (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو قال أبو القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالشك من الراوي: (لو أن الأنصار سلكوا واديًا أو شعبًا) ولأبي ذر: وشعبًا بغير ألف والشين مكسورة فيهما أي طريقًا في الجبل (لسلكت في وادي الأنصار) والمراد بلدهم (ولولا الهجرة) التي لا يجوز تبديلها (لكنت امرأً من الأنصار). ليس المراد الانتقال عن نسب آبائه لأنه ممتنع قطعًا لا سيما ونسبه عليه الصلاة والسلام أشرف الأنساب، وكذا ليس المراد النسب الاعتقادي فإنه لا معنى للانتقال إليه، فالمراد النسبة البلادية وكانت المدينة دار الأنصار والهجرة إليها أمرًا واجبًا أي لولا أن النسبة الهجرية لا يسعني هجرها لانتسبت إلى داركم، ويحتمل أنه لما كانوا أخواله لكون أم عبد المطلب منهم أراد أن ينتسب إليهم لهذه الولادة لولا مانع الهجرة قاله محيي السنة، وتلخيصه: لولا فضلي على الأنصار لكنت واحدًا منهم، وهذا تواضع منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحث للناس على إكرامهم واحترامهم، وسبق قريبًا مزيد لذلك. (فقال أبو هريرة: ما ظلم) بفتح الظاء المعجمة واللام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا القول: أفديه (بأبي وأمي) أن الأنصار (آووه) بمد الهمزة من الإيواء (ونصروه أو) قال أبو هريرة (كلمة أخرى) مع هاتين الكلمتين أي واسوه وأصحابه بمالهم. وهذا الحديث أخرجه النسائي في

3 - باب إخاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار

المناقب. 3 - باب إِخَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ (باب إخاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر الهمزة (بين المهاجرين والأنصار) وعند ابن سعد أنه آخى بين مائة: خمسين من المهاجرين وخمسين من الأنصار، وكان ذلك قبل بدر بخمسة أشهر في دار أنس يأتي ذكر من سمي منهم إن شاء الله تعالى في باب: كيف آخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أصحابه قبيل المغازي بعون الله تعالى، وسقط لفظ باب لأبي ذر فما بعده رفع. 3780 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ. قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي أَكْثَرُ الأَنْصَارِ مَالاً، فَأَقْسِمُ مَالِي نِصْفَيْنِ. وَلِي امْرَأَتَانِ، فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَسَمِّهَا لِي أُطَلِّقْهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجْهَا. قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، أَيْنَ سُوقُكُمْ؟ فَدَلُّوهُ عَلَى سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَمَا انْقَلَبَ إِلاَّ وَمَعَهُ فَضْلٌ مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ. ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ. ثُمَّ جَاءَ يَوْمًا وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَهْيَمْ؟ قَالَ: تَزَوَّجْتُ. قَالَ: كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ -أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ- شَكَّ إِبْرَاهِيمُ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال: حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد (عن جده) إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه (قال: لما قدموا المدينة) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه، وهذا صورته صورة الإرسال لأن إبراهيم بن عبد الرحمن لم يشهد ذلك لكن المؤلّف ساق الحديث في أول البيع من طريق ظاهرها الاتصال وهي طريق عبد العزيز بن عبد الله حدّثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال: قال عبد الرحمن بن عوف: لما قدّمنا المدينة (آخى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين عبد الرحمن بن عوف) أحد العشرة المبشرة بالجنة (و) بين (سعد بن الربيع) بفتح الراء ابن عمرو بن أبي زهير الأنصارى الخزرجي النقيب (قال) ولأبي ذر فقال: أي سعد (لعبد الرحمن إني أكثر الأنصار مالاً فأقسم مالي نصفين) وفي البيع فأقسم لك نصف مالي (ولي امرأتان) اسم إحداهما عمرة بنت حزم والأخرى لم تسم (فانظر) في نفسك (أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها) بالجزم جواب الأمر (فإذا انقضت عدتها فتزوجها) بالجزم على الأمر (قال) له عبد الرحمن (بارك الله لك في أهلك ومالك) وفي البيع لا حاجة لي في ذلك (أين سوقكم) بالجمع، ولأبي ذر: سوقك (فدلوه على سوق بني قينقاع) بقاف مفتوحة فتحتية ساكنة فنون مضمومة وبعد القاف ألف فعين مهملة غير مصروف على إرادة القبيلة وبالصرف على إرادة الحي بطن من اليهود أضيف إليهم السوق (فما انقلب) عبد الرحمن منه (إلا معه فضل من أقط) بفتح الهمزة وكسر القاف وقد تسكن. قال عياض: هو جبن اللبن المستخرج زبده، وخصه ابن الأعرابي بالضأن، وقيل لبن مجفف مستحجر يطبخ به (وسمن ثم تابع الغدو) أي الذهاب في صبيحة كل يوم إلى السوق للتجارة (ثم جاء يومًا وبه أثر صفرة) من الطيب الذي استعمله عند الزفاف (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له: (مهيم) بفتح الميم وسكون الهاء وفتح التحتية وسكون الميم كلمة يمانية أي: ما هذا؟ وقال بعض المتأخرين: أصلها ما هذا الأمر فاقتصر من كل كلمة على حرف لأمن اللبس (قال) عبد الرحمن (تزوّجت) زاد في الرواية اللاحقة كالتي في البيع امرأة من الأنصار ولم تسم نعم هي بنت أنس بن رافع الأنصاري الأوسي، وفي الأوسط للطبراني عن أبي هريرة -رضي الله عنه- بسند فيه ضعف أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد خضب بالصفرة فقال: ما هذا الخضاب أعرّست؟ قال: نعم (قال) عليه الصلاة والسلام: (كم سقت إليها؟) مهرًا (قال): سقت إليها (نواة من ذهب أو) قال: (وزن نواة) أي خمسة دراهم (من ذهب) وسقط من ذهب وهذه لأبي ذر (شك إبراهيم) بن سعد الراوي. ومرّ هذا الحديث في أول البيوع، ويأتي إن شاء الله تعالى زوائد فوائد قريبًا في الحديث التالي. 3781 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: «قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَآخَى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ -وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ- فَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ عَلِمَتِ الأَنْصَارُ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالاً، سَأَقْسِمُ مَالِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَطْرَيْنِ، وَلِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَأُطَلِّقُهَا حَتَّى إِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ. فَلَمْ يَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى أَفْضَلَ شَيْئًا مِنْ سَمْنٍ وَأَقِطٍ، فَلَمْ؛ يَلْبَثْ إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَهْيَمْ؟ قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: مَا سُقْتَ فِيهَا؟ قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ -أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ- فَقَالَ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري (عن حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه- أنه قال: قدم علينا عبد الرحمن بن عوف) المدينة (وآخى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينه وبين سعد بن الربيع) الخزرجي وعند عبد بن حميد من طريق ثابت عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخى بين عبد الرحمن بن عوف وبين عثمان بن عفان فقال: عثمان لعبد الرحمن أن لي حائطين الحديث قال في الفتح وهو وهم من رواية زاذان (وكان) سعد (كثير المال فقال سعد) لعبد الرحمن: (قد علمت الأنصار أني من أكثرها مالاً سأقسم مالي بيني وبينك شطرين ولي امرأتان) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم

امرأتي سعد إلا أن ابن سعد ذكر كان له من الولد أم سعد واسمها جميلة وأمها عمرة بنت حزم، وتزوج زيد بن ثابت أم سعد فولدت له ابنه خارجة فيؤخذ من هذا تسمية إحدى امرأتي سعد، وقال شيخنا الحافظ أبو الخير السخاوي: أنه وجد تسمية الزوجة الثانية في تفسير مقاتل عند قوله: {الرجال قوّامون على النساء} [النساء: 34] وأنها حبيبة بنت زيد بن أنس زهير (فانظر أعجبهما إليك فأطلقها) بالرفع لأجلك (حتى إذا حلّت) بأن انقضت عدتها (تزوجتها) بفوقية بعد الجيم الساكنة (فقال) له (عبد االرحمن: بارك الله لك في أهلك) زاد في السابقة ومالك (فلم يرجع) فيه حذف اختصره الراوي، وهو قوله في الرواية السابقة أين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع. وزاد في أخرى في الوليمة فخرج إلى السوق فباع واشترى وفي رواية حماد فاشترى وباع فربح فلم يرجع (يومئذٍ حتى أفضل) أي ربح (شيئًا من سمن وإقط) وفي رواية زهير بن معاوية أول البيوع فأتي به أهل منزله (فلم يلبث إلا يسيرًا حتى جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعليه وضر) بفتح الواو والمعجمة آخره راء أي لطخ (من صفرة) أي صفرة خلوق والخلوق طيب يصنع من زعفران وغيره (فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مهيم) كلمة استفهام مبنية على السكون وهل هي بسيطة أم مركبة؟ قولان لأهل اللغة. وقال ابن مالك: هي اسم فعل بمعنى أخبر، وفي الأوسط للطبراني فقال له: مهيم وكانت كلمته إذا أراد أن يسأل عن الشيء، وعند المصنف في رواية حماد بن زيد قال: ما هذا؟ (قال: تزوّجت امرأة من الأنصار) قال البيضاوي: يحتمل أن يكون مهيم استفهامًا إنكاريًّا لما تقدم من النهي عن التضمخ بالخلوق، فأجابه بقوله تزوجت أي فتعلق بي منها ولم أقصده، ويأتي مزيد لهذا إن شاء الله تعالى في موضعه، وقد جزم الزبير بن بكار في كتاب النسب أن التي تزوجها بنت أبي الحيسر بفتح المهملتين بينهما تحتية ساكنة آخره راء واسمه أنس بن رافع الأوسي كما مرّ قريبًا (فقال) عليه الصلاة والسلام له: (ما سقت فيها؟) ولأبي ذر عن الكشميهني: إليها بدل فيها، وفي رواية حماد بن سلمة في الوليمة كم أصدقتها (قال) عبد الرحمن: سقت إليها (وزن نواة من ذهب أو نواة من ذهب) بالشك من الراوي كما مرّ. واستنكر الداودي رواية وزن نواة ورجح الثانية وردّ عليه بأن في رواية شعبة عن عبد العزيز بن صهيب على وزن نواة وكذا لغيره بالجزم وهم أئمة حفاظ فلا وهم في الرواية لأنها وإن كانت نواة تمر أو غيره لها قدر معلوم يصلح أن يقال: وزن نواة، ولعل المراد نوى التمر كما يوزن بنوى الخروب، وقيل كان القيمة عنها يومئذٍ خمسة دراهم، وقيل ربع دينار كذا قرره بعضهم. وعورض بأن نوى التمر يختلف في الوزن فكيف يجعل معيارًا لما يوزن به. وبقية مبحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في موضعه بعون الله وقوّته. (فقال) عليه الصلاة والسلام له: (أولم ولو بشاة) استدلّ به على تأكيد أمر الوليمة إذ إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر باستدراكها بعد انقضاء الدخول وباقي إن شاء الله تعالى اختلاف الأئمة هل وقتها عند العقد أو عقبه أو عند الدخول أو عقبه وموسع من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول. 3782 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو هَمَّامٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَتِ الأَنْصَارُ: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ النَّخْلَ، قَالَ: لاَ. قَالَ: يَكْفُوننَا الْمَئُونَةَ وَيُشْرِكُونَنا فِي الثَّمْرِ، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا». وبه قال: (حدّثنا الصلت بن محمد) بفتح المهملة وسكون اللام آخره فوقية (أبو همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى الخاركي بالخاء المعجمة وخارك من ساحل البصرة (قال: سمعت المغيرة بن عبد الرحمن) الحزامي المدني قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قالت الأنصار): لما قدموا المدينة وزاد في باب إذا قال: اكفني مؤنة النخل من المزارعة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اقسم بيننا وبينهم النخل) بسكون المعجمة وفي المزارعة بيننا وإخواننا ومرادهم المهاجرون (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا) أقسم (قال) الأنصار لهم: أيها المهاجرون (تكفونا) ولأبي ذر: يكفوننا بالتحتية وبالنونين (المؤونة) في النخل بتعهده بالسقي والتربية (وتشركونا) بفتح الفوقية

4 - باب حب الأنصار من الإيمان

والراء ونون واحدة وبضم الفوقية وكسر الراء ولأبي ذر ويشركوننا بالتحتية المضمومة وكسر الراء (في التمر) بالمثناة الفوقية وسكون الميم أي يكون التمر بيننا وبينهم شركة، ولأبي ذر عن الكشميهني في الأمر بدل التمر أي الأمر الحاصل من ذلك وهو من قولهم أمر ماله بكسر الميم أي كثر (قالوا): أي المهاجرون للأنصار (سمعنا وأطعنا) وإنما أبى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقسم بينهم النخل لأنه علم أن الفتوح ستفتح عليهم فكره أن يخرج عنهم شيئًا من رقبة نخيلهم التي بها قوامهم شفقة عليهم، ولما فهم الأنصار ذلك جمعوا بين المصلحتين امتثالاً لأمره عليه الصلاة والسلام ومواساة للمهاجرين. 4 - باب حُبُّ الأَنْصَارِ من الإيمان (باب حب الأنصار من الإيمان) سقط لفظ الباب لأبي ذر فتاليه رفع. 3783 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حدَّثني عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الأَنْصَارُ لاَ يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلاَّ مُنَافِقٌ. فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ». وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم الأنماطي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج أبو بسطام العتكي أمير المؤمنين في الحديث (قال: أخبرني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثني بالإفراد أيضًا (عدي بن ثابت) الأنصاري ثقة لكنه قاضي الشيعة وإمام مسجدهم بالكوفة (قال: سمعت البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو قال قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الأنصار) الأوس والخزرج (لا يحبهم) كلهم (إلا مؤمن) كامل الإيمان (ولا يبغضهم) كلهم من جهة نصرتهم للرسول عليه الصلاة والسلام (إلا منافق) وفي مستخرج أبي نعيم من حديث البراء: "من أحب الأنصار فبحبي أحبهم ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم" وهو يؤيد ما مرّ من تقدير من جهة نصرتهم الخ. والتقييد بكلهم مخرج لمن أبغض بعضهم لمعنى يسوغ البغض له (فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله) وإنما خصوا بذلك لما فازوا به دون غيرهم من القبائل من إيوائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومواساته بأنفسهم وأموالهم، فكان صنيعهم لذلك موجبًا لمعاداتهم جميع الفرق الموجودين إذ ذاك من عرب وعجم والعداوة تجر البغض، ثم إن ما اختصوا به موجب للحسد والحسد يجر إلى البغض أيضًا، فمن ثم حذر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بغضهم ورغب في حبهم حتى جعله من الإيمان والنفاق تنويهًا بفضلهم، وهذا جار باطراد في أعيان الصحابة لتحقق الاشتراك في الإكرام لما لهم من حسن الغناء في الدين، وإن من بعضهم لبعض بغض بسبب الحروب الواقعة بينهم فذاك من غير هذه الجهة لما طرأ من المخالفة، ومن ثم لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق وإنما حالهم في ذلك حال المجتهدين في الأحكام للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الإيمان، والترمذي والنسائي في المناقب، وابن ماجه في السُّنّة. 3784 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ». وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الرحمن) كذا في الفرع وأصله لكنه ضبب عليه وقال: في الهامش عن عبد الله بدل عبد الرحمن وهو الصواب (ابن عبد الله بن جبر) بفتح الجيم وسكون الموحدة وقيل جابر بن عتيك الأنصاري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (آية الإيمان) أي علامته (حب الأنصار وآية النفاق بُغض الأنصار) وقد وقع في إعراب الحديث لأبي البقاء العكبري أنه الإيمان بهمزة مكسورة ونون مشدّدة وهاء، والإيمان مرفوع وأعربه فقال: إن للتأكيد والهاء ضمير الشأن والإيمان مبتدأ وما بعده خبر، ويكون التقدير إن الشأن الإيمان حب الأنصار وهذا تصحيف وفيه نظر من جهة المعنى لأنه يقتضي حصر الإيمان في حب الأنصار وليس كذلك. فإن قلت: واللفظ المشهور أيضًا يقتضي الحصر. أجيب: بأن العلامة كالخاصة تطرد ولا تنعكس وإن أخذ من طريق المفهوم فهو مفهوم لقب لا عبرة به. سلمنا الحصر لكنه ليس حقيقيًا بل ادّعائيًّا للمبالغة أو هو حقيقة، لكنه خاص بمن أبغضهم من حيث النصرة كما مرّ أو يقال: إن اللفظ خرج على معنى التحذير فلا يراد ظاهره، ولذا لم يقابل الإيمان بالكفر الذي هو ضده بل قابله بالنفاق إشارة إلى الترغيب والترهيب، والترهيب إنما

5 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للأنصار: أنتم أحب الناس إلى

خوطب به من يظهر الإيمان أما من يظهر الكفر فلا لأنه مرتكب ما هو أشد من ذلك. وهذا الحديث قد مرّ في كتاب الإيمان. 5 - باب قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلأَنْصَارِ: أَنْتُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ (باب قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للأنصار) (أنتم) أي مجموعكم (أحب الناس إليّ) أي من مجموعهم فلا ينافيه أحبية أحد إليه غير الأنصار لأن الحكم للكل بشيء لا ينافي الحكم به لفرد من أفراده، فلا تعارض بينه وبين قوله أبو بكر في جواب من قال: من أحب الناس إليك: قال: "أبو بكر" وسقط لفظ باب لأبي ذر. 3785 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «رَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ مُقْبِلِينَ -قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ عُرُسٍ- فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُمْثِلاً فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ. قَالَهَا ثَلاَثَ مِرَارٍ». [الحديث 3785 - طرفه في: 5180]. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المنقري المقعد البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي مولاهم التنوري الحافظ قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن صهيب البناني الأعمى (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النساء والصبيان مقبلين قال حسبت أنه قال: من عرس) بضم العين والراء والشك من الراوي، وفي باب ذهاب النساء والصبيان إلى العرس من النكاح مقبلين من عرس بالجزم من غير شك (فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممثلاً) بضم الميم الأولى وإسكان الثانية وكسر المثلثة وفتحها في الفرع وأصله أي منتصبًا قائمًا قال السفاقسي: كذا وقع رباعيًا والذي ذكره أهل اللغة مثل الرجل بفتح الميم وضم المثلثة مثولاً إذا انتصب قائمًا ثلاثيًّا اهـ. قال العيني: كان غرضه الإنكار على الذي وقع هنا وليس بموجه لأن ممُثلاً معناه مكلفًا نفسه ذلك وطالبًا ذلك فلذلك عدي فعله، وأما مثل الثلاثي فهو لازم غير متعد وفي حاشية الفرع وأصله ممثلاً بضم الميم الأولى وفتح الثانية وتشديد المثلثة مفتوحة أي مكلفًا نفسه ذلك وطالبًا ذلك منها، وفي النكاح فقام ممتنًّا بمثناة فوقية بعد الميم الثانية الساكنة ثم نون مشددة أي قام قيامًا طويلاً أو هو من الامتنان لأن من قام له عليه الصلاة والسلام فقد امتن عليه بشيء لا أعظم منه فكأنه قال: يمتن عليهم بمحبته، ويؤيده قوله بعد (قال): (اللهم أنتم من أحب الناس إليّ قالها ثلاث مرات) وتقديم لفظ اللهم للتبرك أو للاستشهاد بالله في صدقه. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح. 3786 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا، فَكَلَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ. مَرَّتينِ». [الحديث 3786 - طرفاه في: 5234، 6645]. وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير) الدورقي البغدادي الحافظ قال: (حدّثنا بهز بن أسد) بموحدة مفتوحة فهاء ساكنة فمعجمة الإمام الحجة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (هشام بن زيد) أي ابن أنس بن مالك الأنصاري -رضي الله عنه- (قال: سمعت) جدي (أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعها صبي لها) لم يسم هو ولا أمه (فكلمها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ابتدأها بالكلام تأنيسًا لها أو أجابها عما سألته عنه (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (والذي نفسي بيده إنكم) أيها الأنصار (أحب الناس إليّ) أي من فحرف التبعيض مقدركما دل عليه الحديث السابق (مرتين) أي قال: ذلك القول مرتين. وهذا الحديث أخرجه في النكاح والنذور، ومسلم في الفضائل، والنسائي في المناقب. 6 - باب أَتْبَاعُ الأَنْصَارِ (باب أتباع الأنصار) بفتح الهمزة وسكون الفوقية وهم حلفاؤهم ومواليهم وسقط لفظ باب لأبي ذر. 3787 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ "قَالَتِ الأَنْصَارُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِكُلِّ نَبِيٍّ أَتْبَاعٌ، وَإِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاكَ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ أَتْبَاعَنَا مِنَّا. فَدَعَا بِهِ. فَنَمَيْتُ ذَلِكَ إِلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى، فَقَالَ: قَدْ زَعَمَ ذَلِكَ زَيْدٌ". [الحديث 3787 - طرفه في: 3788]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) العبدي مولاهم بندار الحافظ قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين ابن مرة الجملي أحد الأعلام الثقات رمي بالإرجاء أنه قال: (سمعت أبا حمزة) بالحاء المهملة والزاي طلحة بن يزيد من الزيادة مولى قرظة بن كعب بالقاف المفتوحة والراء والظاء المعجمة (عن زيد بن أرقم) أنه قال: (قالت الأنصار: يا رسول الله لكل نبي أتباع) بفتح الهمزة وسكون الفوقية وسقط لغير أبي ذر لفظ يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وإنا قد اتبعناك) بوصل الهمزة وتشديد الفوقية (فادع الله أن يجعل أتباعنا منا) بقطع الهمزة وسكون الفوقية فيقال: لهم الأنصار ليدخلوا في الوصية لنا بالإحسان وغيره (فدعا) عليه الصلاة والسلام (به) بالذي سألوا فقال كما في الرواية اللاحقة: "اللهم اجعل أتباعهم منهم" قال عمرو بن مرة: (فنميت) بتخفيف النون

7 - باب فضل دور الأنصار

أي نقلت (ذلك إلى ابن أبي ليلى) عبد الرحمن الأنصاري عالم الكوفة (قال): ولأبي ذر فقال: (قد زعم ذلك زيد) هو ابن أرقم. 3788 - حَدَّثَنَا آدَمُ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ: «قَالَتِ الأَنْصَارُ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ أَتْبَاعًا، وَإِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاكَ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ أَتْبَاعَنَا مِنَّا. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَتْبَاعَهُمْ مِنْهُمْ. قَالَ عَمْرٌو: فَذَكَرْتُهُ لاِبْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: قَدْ زَعَمَ ذَاكَ زَيْدٌ. قَالَ شُعْبَةُ: أَظُنُّهُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عمرو بن مرة) بضم الميم وتشديد الراء الجملي قال: (سمعت أبا حمزة) بالحاء المهملة والزاي (رجلاً من الأنصار) بنصب رجلاً عطف بيان أو بدلاً من حمزة واسم أبي حمزة فيما قاله الغساني طلحة بن يزيد، وكذا قال الحافظ أبو الفضل بن طاهر والحافظ عبد الغني المقدسي قال: (قالت الأنصار): يا رسول الله (إن لكل قوم أتباعًا وإنا قد اتبعناك فادع الله أن يجعل أتباعنا) قال الطيبي: الفاء تستدعي محذوفًا أي لكل نبي أتباع ونحن أتباعك فادع الله أن يكون أتباعنا أي حلفاؤنا وموالينا (منا) أي متصلين بنا مقتفين آثارنا بإحسان ليكون لهم ما جعل لنا من العز والشرف (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اللهم اجعل أتباعهم منهم) (قال عمرو): أي ابن مرة الراوي (فذكرته لابن أبي ليلى) عبد الرحمن (قال: قد زعم) أي قال: (ذاك) بغير لام (زيد. قال شعبة) بن الحجاج: (أظنه زيد بن أرقم) وكأنه احتمل عنده أن يكون ابن أبي ليلى أراد بقوله قد زعم ذاك زيد أي زيد آخر كزيد بن ثابت وظنه صحيح، فقد رواه أبو نعيم في المستخرج من طريق علي بن الجعد جازمًا به. وفيه التنبيه على شرف صحبة الأخيار صح المرء مع من أحب وتأمل تأثير الصحبة في كل شيء حتى في البواشق بالصحبة رفعت على أيدي الملوك، وحتى في الحطب بصحبة النجار يعتق من النار فعليك بصحبة الأخيار. 7 - باب فَضْلُ دُورِ الأَنْصَارِ (باب فضل دور الأنصار) أي منازلهم وكانت كل قبيلة منهم تسكن محلة فسميت تلك المحلة دارًا وسقط باب لأبي ذر فما بعده مرفوع. 3789 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الخَزْرَجٍ، ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ. فَقَالَ سَعْدٌ: مَا أَرَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ قَدْ فَضَّلَ عَلَيْنَا، فَقِيلَ: قَدْ فَضَّلَكُمْ عَلَى كَثِيرٍ. وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا وَقَالَ: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ» [الحديث 3789 - أطرافه في: 3790، 3807، 6053]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (محمد بن بشار) بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك عن أبي أسيد) بضم الهمزة وفتح السين المهملة مالك بن ربيعة الساعدي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (خير دور الأنصار) أي قبائلهم من باب إطلاق المحل وإرادة الحال أو خيريتها بسبب خيرية أهلها (بنو النجار) بفتح النون والجيم المشددة وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج (ثم بنو عبد الأشهل) بفتح الهمزة والهاء بينهما معجمة ساكنة آخره لام بن جشم بن الحرث بن الخزرج الأصغر ابن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة (ثم بنو الحرث بن خزرج) ولأبي ذر الخزرج أي ابن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة (ثم بنو ساعدة) بن كعب بن الخزرج الأكبر وهو أخو الأوس وهما ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء لطول عنقه ابن عمرو بن مزيقيا بن عامر بن ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن وهو جماع غسان بن الأزد، واسمه دراء على وزن فعال ابن الغوث بن يشجب بن يعرب بن يقطن وهو قحطان وإلى قحطان جماع اليمن وهو أبو اليمن كلها، ومنهم من ينسبه إلى إسماعيل فيقول: قحطان بن الهميسع بن ثيمن بن نبت بن إسماعيل، وهذا قول الكلبي. ومنهم من ينسبه إلى غيره فيقول قحطان بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، فعلى الأول العرب كلها من ولد إسماعيل وعلى الثاني. وسمي تيم الله النجار لأنه اختتن بقدوم، وقيل بل نجر وجه رجل بالقدوم. (وفي كل دور الأنصار خير) وإن تفاوتت مراتبه فخير الأولى في قوله: خير دور الأنصار بمعنى أفعل التفضيل وهذه اسم (فقال سعد): هو ابن عبادة (ما أرى) بفتح الهمزة مصححًا عليها في الفرع وأصله ويجوز الضم بمعنى الظن (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا) بالتشديد (قد فضل علينا) أي بعض القبائل، وإنما قال ذلك لأنه من بني ساعدة ولم يذكرها عليه الصلاة والسلام إلا بكلمة ثم بعد ذكره القبائل الثلاث (فقيل) له (قد فضلكم) عليه الصلاة والسلام (على كثير) من قبائل الأنصار غير المذكورين، وفي هذا تفضيل القبائل والأشخاص من غير هوى ولا مجازفة ولا يكون هذا غيبة.

8 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للأنصار: «اصبروا حتى تلقوني على الحوض» قاله عبد الله بن زيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في مناقب سعد بن عبادة ومسلم في الفضائل والترمذي والنسائي في المناقب. (وقال عبد الصمد) بن عبد الوارث التنوري فيما وصله في مناقب سعد (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: (سمعت أنسًا قال أبو أسيد): بضم الهمزة الساعدي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) الحديث (وقال) فيه (سعد بن عبادة): بضم العين وتخفيف الموحدة فصرح بما أبهمه في الأولى. 3790 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى قَالَ أَبُو سَلَمَةَ أَخْبَرَنِي أَبُو أُسَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «خَيْرُ الأَنْصَارِ -أَوْ قَالَ: خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ- بَنُو النَّجَّارِ، وَبَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، وَبَنُو الْحَارِثِ، وَبَنُو سَاعِدَةَ». وبه قال: (حدّثنا سعد بن حفص) بسكون العين (الطلحي) بالطاء المفتوحة والحاء المكسورة المهملتين بينهما لام ساكنة الكوفي وثبت الطلحي لأبي ذر قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير صالح اليماني الطائي أنه قال: (قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (أخبرني) بالإفراد (أبو أسيد) بضم الهمزة وفتح المهملة الساعدي -رضي الله عنه- (أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (خير الأنصار أو قال: خير دور الأنصار بنو النجار) من الخزرج والشك من الراوي (وبنو عبد الأشهل) من الأوس (وبنو الحرث) من الخزرج (وبنو ساعدة) من الخزرج أيضًا. ووقع التعبير هنا بالواو، وفي رواية أن السابقة بثم كرواية حميد اللاحقة وفيه إشعار بأن الواو قد تفيد الترتيب. قال ابن هشام في مغنيه وقول السيرافي إن النحويين أجمعوا على أنها لا تفيد الترتيب مردود، بل قال بإفادتها إياه قطرب والربعي والفراء وثعلب وأبو عمرو والزاهد وهشام والشافعي اهـ. وتعقبه الشيخ بهاء الدين السبكي بأن الشافعي -رضي الله عنه- لم ينص على إفادتها للترتيب وإنما أخذوه من قوله بالترتيب في الوضوء وليس بأخذ صحيح قال: ونقل جماعة الترتيب عن أبي حنيفة أيضًا وإنما أخذوه من قوله إذا قال لغير المدخول بها أنت طالق وطالق وطالق تقع واحدة وليس بمأخذ صحيح لأن الواحدة إنما وقعت فقط لأنها بانت قبل نطقه بالمعطوف فلم يبق محلاً للطلاق، ونقل ابن عبد البر في التمهيد: أن بعض أصحاب الشافعي -رحمه الله- حكى في كتاب الأصول أن الكسائي والفراء يقولان بأنها للترتيب، وقال القرافي: المشهور عنه أنها للترتيب حيث يستحيل الجمع وظاهر هذا النقل أنها عنده للمعية إلا لمانع فتكون للترتيب اهـ. ويحتمل أن يفهم الترتيب هنا من التقديم لا من مجرد الواو. 3791 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ خَيْرَ دُورِ الأَنْصَارِ دَارُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ دَارُ بَنِي الْحَارِثِ، ثُمَّ بَنِي سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ،. فَلَحِقْنَا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقَالَ أَبَا أُسَيْدٍ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيَّرَ الأَنْصَارَ فَجَعَلَنَا أَخِيرًا؟ فَأَدْرَكَ سَعْدٌ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ خُيِّرَ دُورُ الأَنْصَارِ فَجُعِلْنَا آخِرًا، فَقَالَ: أَوَلَيْسَ بِحَسْبِكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِنَ الْخِيَارِ»؟. وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم البجلي قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال (قال: حدّثني) بالإفراد (عمرو بن يحيى) بن عمارة المازني المدني (عن عباس بن سهل) أي ابن سعد الساعدي (عن أبي حميد) الساعدي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن خير دور الأنصار دار بني النجار ثم بني) ولأبي ذر وبني (عبد الأشهل ثم دار بني الحرث ثم) دار (بني ساعدة وفي كل دور الأنصار خير) قال أبو حميد: (فلحقنا) بسكون القاف (سعد بن عبادة) بنصب سعد على المفعولية (فقال أبو أسيد) بضم الهمزة وأبو بالرفع على الفاعلية، ولأبي ذر فلحقنا بفتح القاف بصيغة الماضي، ونا مفعول سعد بن عبادة بالرفع فاعله فقال أبا أسيد منادى حذفت منه الأداة (ألم تر أن نبي الله) ولأبي ذر عن الكشميهني أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أن الله (خيّر الأنصار) فضل بعضهم على بعض (فجعلنا أخيرًا) في الذكر (فأدرك سعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله خير) بضم الخاء المعجمة مبنيًّا للمفعول (دور الأنصار) برفع دور نائبًا عن الفاعل أي فضل بعض قبائلهم على بعض (فجعلنا) بضم الجيم مبنيًّا للمفعول مع سكون اللام (آخرًا) في الذكر (فقال): عليه الصلاة والسلام (أوليس) بفتح الواو (بحسبكم) بموحدة قبل الحاء وسكون السين أي أوليس بكافيكم (أن تكونوا من الخيار) جمع خير الذي بمعنى أفعل التفضيل وهو تفضيلهم على سائر القبائل. وهذا الحديث قد مرّ في باب خرص التمر من كتاب الزكاة. 8 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلأَنْصَارِ: «اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ» قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مخاطبًا

9 - باب دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- "أصلح الأنصار والمهاجرة"

(للأنصار اصبروا حتى تلقوني على الحوض) (قاله عبد الله بن زيد) أي ابن عاصم المازني (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله المؤلّف تامًّا في غزوة حنين. 3792 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ -رضي الله عنهم-: «أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلاَنًا؟ قَالَ: "سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ"». [الحديث 3792 - طرفه في: 7057]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك عن أسيد بن ْحضير) بضم الهمزة وفتح السين المهملة في الأول وضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة في الثاني مصغرين (-رضي الله عنه- أن رجلاً من الأنصار) قبل هو أسيد الراوي (قال: يا رسول الله ألا تستعملني) أي ألا تجعلني عاملاً على الصدقة أو على بلد (كما استعملت فلانًا؟) قيل هو عمرو بن العاص كذا ذكره في المقدمة في السائل والمستعمل وقال في الشرح: لا أدري الآن من أين نقلته (قال) عليه الصلاة والسلام: (ستلقون بعدي أثرة) بضم الهمزة وسكون المثلثة، ولأبي ذر عن الكشميهني: أثرة بفتحهما أي من يستأثر عليكم بأمور الدنيا ويفضل عليكم غيركم (فاصبروا) على ذلك (حتى تلقوني على الحوض). وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا والترمذي في الفتن ومسلم في المغازي والنسائي في القضاء والمناقب. 3793 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: «قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلأَنْصَارِ: إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي، وَمَوْعِدُكُمُ الْحَوْضُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام) هو ابن زيد (قال: سمعت) جدي (أنس بن مالك) ولأبي ذر سمعت أنسًا (-رضي الله عنه- يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مخاطبًا (للأنصار): (إنكم ستلقون بعدي أثرة) بفتح الهمزة والمثلثة ولأبي ذر بضم فسكون (فاصبروا) على ذلك (حتى تلقوني) يوم القيامة (وموعدكم الحوض) أي الذي ترد عليه أمته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آنيته عدد النجوم كما في مسلم. 3794 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- حِينَ خَرَجَ مَعَهُ إِلَى الْوَلِيدِ قَالَ: «دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأَنْصَارَ إِلَى أَنْ يُقْطِعَ لَهُمُ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالُوا: لاَ، إِلاَّ أَنْ تُقْطِعَ لإِخْوَانِنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَهَا. قَالَ: إِمَّا لاَ فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي، فَإِنَّهُ سَيُصِيبُكُمْ بَعْدِي أَثْرَةٌ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن يحيي بن سعيد) الأنصاري أنه (سمع أنس بن مالك -رضي الله عنه- حين خرج) أي سافر يحيى (معه) أي مع أنس -رضي الله عنه- (إلى الوليد) بن عبد الملك بن مروان وكان أنس -رضي الله عنه- قد توجّه من البصرة حين آذاه الحجاج إلى دمشق يشكوه إلى الوليد بن عبد الملك فأنصفه منه (قال): أي أنس (دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأنصار إلى أن يقطع) بضم أوله وسكون ثانيه وكسر ثالثه أي يعطي (لهم البحرين) البدل المشهور بالعراق على جهة الإقطاع، وكان عليه الصلاة والسلام صالح أهله وضرب عليهم الجزية (فقالوا): أي الأنصار (لا) تقطع لنا (إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها قال) عليه الصلاة والسلام: (إما) بكسر الهمزة وتشديد الميم (لا) والأصل أن ما لا تريدوا ولا تقبلوا فأدغمت النون في الميم وحذف فعل الشرط فصار أمالاً (فاصبروا حتى تلقوني) أي يوم القيامة على الحوض (فإنه) أي أن إقطاع المال (سيصيبكم) بالتحتية بعد السين ولأبي ذر ستصيبكم بالفوقية حال كونكم (بعدي أثرة) بضم الهمزة وسكون المثلثة وبفتحهما، ولأبي ذر: أثرة بعدي بالتقديم والتأخير أي استئثارًا لغيركم عليكم. وهذا الحديث قد مرّ في باب ما أقطع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الجزية. 9 - باب دُعَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أَصْلِحِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةَ" (باب دعاء النبي) بقوله (أصلح الأنصار والمهاجرة) بكسر الجيم جماعة المهاجرين الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وسقط لفظ باب لأبي ذر. 3795 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو إِيَاسٍ مُعاويةُ بن قُرَّة عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَةِ، فَأَصْلِحِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةَ». وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ ... وَقَالَ «فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا أبو إياس) بكسر الهمزة وتخفيف التحتية (معاوية بن قرة) بضم القاف وتشديد الراء ابن إياس المدني البصري وسقط معاوية بن قرة لغير أبي ذر (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر: قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما رأى المهاجرين والأنصار يحفرون الخندق ورأى ما بهم من النصب والجوع متمثلاً يقول ابن رواحة. (لا عيش) مستمر (إلاّ عيش الآخرة فأصلح) بقطع الهمزة (الأنصار والمهاجرة) بضم الميم وكسر الجيم. وهذا أخرجه أيضًا

10 - باب قول الله عز وجل: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9]

في الرقاق، ومسلم في المغازي، والنسائي في المناقب والرقاق. (وعن قتادة) بن دعامة بالعطف على الإسناد السابق وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي (عن أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله) أي مثل الحديث الأول (و) لكنه (قال): (فاغفر للأنصار) بدل قوله في الأول "فاصلح وللأنصار"، باللام الجارة، ولأبي ذر: فاغفر الأنصار بالنصب. 3796 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ تَقُولُ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا حَيِينَا أَبَدَا فَأَجَابَهُمُ: "اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَة، فَأَكْرِمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَة". وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن حميد الطويل) أنه قال: (سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كانت الأنصار يوم الخندق تقول): وهم يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التراب (نحن الذين بايعوا محمدًا). بموحدة وبعد الألف تحتية (على الجهاد ما حيينًا أبدًا) وفي الجهاد من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس: ما بقينا أبدًا (فأجابهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللهم لا عيش) مستمر أو معتبر (إلاّ عيش الآخرة فأكرم الأنصار والمهاجرة) وهذا من قول ابن رواحة قال الداودي، وإنما قال: لا هم بلا ألف ولا لام ليتزن. وأجاب في المصابيح بأنه اللهم على جهة الخزم بالخاء والزاي المعجمتين وهو الزيادة على أول البيت حرفًا فصاعدًا إلى أربعة. 3797 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: «جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ نَحْفِرُ الْخَنْدَقَ وَنَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَادِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَة، فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن عبيد الله) مصغرًا ابن محمد أبو ثابت مولى عثمان بن عفان القرشي المدني قال: (حدّثنا ابن أبي حازم) عبد العزيز (عن أبيه) أبي حازم واسمه سلمة بن دينار (عن سهل) بفتح المهملة وسكون الهاء ابن سعد بن مالك الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: جاءنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن نحفر الخندق) بكسر الفاء حول المدينة (وننقل التراب) المتحصل منه (على أكتادنا) بالمثناة الفوقية جمع كتد وهو ما بين الكاهل إلى الظهر. قال في المصابيح: جمع كتد بفتح الكاف والتاء معًا وهو مغرز العنق في الصلب، وقيل من أصل العنق إلى أسفل الكتفين. قال في الفتح وللكشميهني وكذا هو في اليونينية معزوًّا لأبي ذر عن الكشميهني على أكبادنا بالموحدة جمع كبد ووجهه: أنا نحمل التراب على جنوبنا مما يلي الكبد (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اللهم لا عيش إلاّ عيش الآخرة فاغفر للمهاجرين والأنصار). وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي وكذا مسلم، وأخرجه النسائي في المناقب والرقاق. 10 - باب قَوْل الله عَزَّ وَجَلّ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] هذا (باب) بالتنوين وسقط لفظ باب لأبي ذر ({ويؤثرون}) أي الأنصار، وفي نسخة وعزاها في الفرع وأصله لأبي ذر باب قول الله: ويؤثرون ({على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}) [الحشر: 9] أي فاقة، والمعنى يقدّمون المحاويج على حاجة أنفسهم ويبدؤون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك. 3798 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: «أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ، فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا إِلاَّ الْمَاءُ، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ يَضُمُّ -أَوْ يُضِيفُ- هَذَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَنَا. فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلاَّ قُوتُ صِبْيَانِي. فَقَالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً. فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلاَ يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلاَنِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ. فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ -أَوْ عَجِبَ- مِنْ فَعَالِكُمَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] [الحديث 3798 - طرفه في: 4889]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الله بن داود) بن عامر الهمداني الكوفي (عن فضيل بن غزوان) بالغين والزاي المعجمتين وفضيل بالتصغير أبو الفضل الكوفي (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان الأشجعي لا سلمة بن دينار (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً) هو أبو هريرة (أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في التفسير فقال: يا رسول الله أصابني الجهد (فبعث إلى نسائه) أمهات المؤمنين يطلب منهن ما يضيفه به (فقلن: ما معنا) أي ما عندنا (إلا الماء. فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر فقال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من يضم) إليه في طعامه (أو يضيف) بكسر الضاد المعجمة وسكون التحتية (وهذا) الرجل بالشك من الراوي (فقال رجل من الأنصار): يا رسول الله (أنا) أضيفه (فانطلق به إلى امرأته فقال) لها: (أكرمي ضيف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فقالت له: (ما عندنا إلا قوت صبياني) بالياء بعد النون ولأبي ذر صبيان بتنوين النون بغير ياء. وفي مسلم فقام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة، وعلى هذا فالمرأة أم سليم والأولاد أنس وإخوته، لكن استبعد الخطيب أن يكون أبو طلحة هذا هو زيد بن سهل عم أنس بن مالك زوج أمه فقال: هو رجل من الأنصار لا يعرف اسمه، ووجهه أن هذا الرجل المضيف ظهر من حاله أنه كان قليل ذات اليد فإنه لم يجد ما يضيف

11 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم»

به إلا قوت أولاده، وأبو طلحة زيد بن سهل كان أكثر أنصاري بالمدينة مالاً. ونقل ابن بشكوال عن أبي المتوكل الناجي أنه ثابت بن قيس، وقيل عبد الله بن رواحة (فقال) لها: (هيئي طعامك وأصبحي سراجك) بهمزة قطع وموحدة بعد الصاد المهملة في اليونينية وغيرها أي أوقديه وفي الفرع واصلحي باللام بدل الموحدة ولم أرها كذلك في غيره (ونوّمي صبيانك إذا أرادوا عشاء) قال في المصابيح: ففيه نفوذ فعل الأب على الابن وإن كان منطويًا على ضرر إذا كان ذلك من طريق النظر، وأن القول فيه قول الأب والفعل فعله لأنهم نوّموا الصبيان جياعًا إيثارًا لقضاء حق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في إجابة دعوته والقيام بحق ضيفه (فهيأت) زوجة الأنصاري (طعامها وأصبحت) بالموحدة أوقدت (سراجها ونوّمت صبيانها) بغير عشاء (ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته فجعلا) الأنصاري وزوجته (يريانه) بضم أوله (أنهما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: كأنهما (يأكلان فباتا طاويين) أي بغير عشاء وأكل الضيف (فلما أصبح غدا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) جواب لما قوله غدا ضمن فيه معنى الإقبال أي لما دخل الصباح أقبل على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ضحك الله الليلة أو) قال: (عجب من فعالكما) الحسنة وفاء فعالكما مفتوحة، ونسبة الضحك والتعجب إلى الباري جل وعلا مجازية والمراد بهما الرضا بصنيعهما (فأنزل الله) عز وجل ({ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}) [الحشر: 9] قال في النهاية: الخصاصة الجوع والضعف وأصلها الفقر والحاجة إلى الشيء والجملة في موضع الحال، ولو بمعنى الفرض أي: ويؤثرون على أنفسهم مفروضة خصاصتهم ({ومن يوق شح نفسه}) [الحشر: 9] أضافه إلى النفس لأنه غريزة فيها، ولا شح اللؤم وهو غريزة. والبخل المنع نفسه فهو أعم لأنه قد يوجد البخل ولا شح ثمة ولا ينعكس، والمعنى ومن غلب ما أمرته به نفسه وخالف هواها بمعونة الله عز وجل وتوفيقه ({فأولئك هم المفلحون}) [الحشر: 9] الظافرون بما أرادوا وسقط لأبي ذر قوله: ومن يوق الخ. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا والترمذي والنسائي في التفسير ومسلم في الأطعمة. 11 - باب قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الأنصار: (أقبلوا من محسنهم وتجاوزوا) بفتح الواو (عن مسيئهم) وسقط لأبي ذر لفظ باب فما بعده مرفوع. 3799 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو عَلِيٍّ حَدَّثَنَا شَاذَانُ أَخُو عَبْدَانَ حَدَّثَنَا أَبِي أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: "مَرَّ أَبُو بَكْرٍ وَالْعَبَّاسُ -رضي الله عنهما- بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ وَهُمْ يَبْكُونَ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكُمْ؟ قَالُوا: ذَكَرْنَا مَجْلِسَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَّا. فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، قَالَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ عَصَبَ عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ، قَالَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، وَلَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أُوصِيكُمْ بِالأَنْصَارِ، فَإِنَّهُمْ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَقَدْ قَضَوُا الَّذِي عَلَيْهِمْ وَبَقِيَ الَّذِي لَهُمْ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ». [الحديث 3799 - طرفه في: 3801]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن يحيى أبو علي) المروزي الصائغ بالغين المعجمة قال: (حدّثنا شاذان) بالمعجمتين عبد العزيز (أخو عبدان) عبد الله العابد وعبدان لقبه (قال): أي شاذان (حدّثنا أبي) عثمان بن جبلة قال: (أخبرنا شعبة بن الحجاج) بفتح الحاء المهملة وتشديد الجيم الأولى الحافظ أبو بسطام العتكي أمير المؤمنين في الحديث (عن هشام بن زيد) أنه (قال: سمعت) جدي (أنس بن مالك يقول: مرّ أبو بكر) الصديق (والعباس) بن عبد المطلب (-رضي الله عنهما- بمجلس) بالتنوين (من مجالس الأنصار) والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرض موته (وهم) أي والحال أنهم (يبكون فقال) العباس أو الصديق لهم: (ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منا) أي الذي كنا نجلسه معه ونخاف أن يموت ونفقد مجلسه فبكينا لذلك (فدخل) العباس أو أبو بكر (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره بذلك) الذي وقع من الأنصار (قال) أنس: (فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) الحال أنه (قد عصب) بتخفيف الصاد المهملة (على رأسه حاشية برد) بضم الموحدة وسكون الراء نوع من الثياب معروف ولأبي ذر عن المستملي بردة وحاشية نصب مفعول عصب (قال) أنس -رضي الله عنه-: (فصعد) عليه الصلاة والسلام (المنبر) بكسر العين (ولم يصعده بعد ذلك اليوم) بفتح العين من بصعده (فحمد الله وأثنى عليه ثم قال): (أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي) بفتح الكاف وكسر الراء والشين المعجمة (وعيبتي) بعين مهملة مفتوحة وتحتية ساكنة وموحدة مفتوحة وتاء تأنيث. قال القزاز: ضرب المثل

12 - باب مناقب سعد بن معاذ -رضي الله عنه-

بالكرش لأنه مستقر غذاء الحيوان الذي يكون فيه نماؤه، والعيبة ما يحرز فيها الرجل نفيس ما عنده يعني أنهم موضع سره وأمانته. وقال ابن دريد: هذا من كلامه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الموجز الذي لم يسبق إليه (وقد قضوا الذي عليهم) من الإيواء والنصرة له عليه الصلاة والسلام كما بايعوه ليلة العقبة (وبقي الذي لهم) وهو دخول الجنة كما وعدهم به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن آووه ونصروه (فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم) في غير الحدود. وهذا الحديث أخرجه النسائي. 3800 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْغَسِيلِ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُتَعَطِّفًا بِهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَتَقِلُّ الأَنْصَارُ حَتَّى يَكُونُوا كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ أَمْرًا يَضُرُّ فِيهِ أَحَدًا أَوْ يَنْفَعُهُ فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يعقوب) أبو يعقوب المسعودي الكوفي قال: (حدّثنا ابن الغسيل) هو عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: (سمعت عكرمة) مولى ابن عباس (يقول: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعليه ملحفة) بكسر الميم وسكون اللام وفتح الحاء المهملة حال كونه (منعطفًا) بنون ساكنة مصلحة على كشط في الفرع وفي أصله وهو الذي في الناصرية وغيرها متعطفًا بالفوقية المفتوحة وتشديد الطاء أي مرتديًا (بها على منكبيه) بفتح الميم وكسر الكاف وفتح الموحدة (عليه عصابة) بكسر العين قد عصب بها رأسه من وجعها (دسماء) بالرفع صفة لعصابة أي سوداء (حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال) بعد الثناء: (أما بعد أيها الناس فإن الناس يكثرون وتقل الأنصار) قال التوربشتي: يريد أن أهل الإسلام يكثرون وتقل الأنصار لأن الأنصار هم الذين آووه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونصروه، وهذا أمر قد انقضى زمانه لا يلحقهم اللاحق ولا يدرك شأوهم السابق، وكلما مضى منهم واحد مضى من غير بدل فيكثر غيرهم ويقلون (حتى يكونوا كالملح) بكسر الميم (في الطعام) من القلة. ووجه التشبيه أن الملح بالنسبة إلى جملة الطعام جزء يسير منه بالنسبة للمهاجرين وأولادهم الذين انتشروا في البلاد وملكوا الأقاليم فمن ثم قال عليه الصلاة والسلام للمهاجرين: (فمن ولي منكم) أيها المهاجرون (أمرًا) مفعول به (يضر فيه) أي في ذلك الأمر (أحدًا أو ينفعه) صفة كاشفة لأمرًا (فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم) مخصوص بغير الحدود كما سبق. 3801 - حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَالنَّاسُ سَيَكْثُرُونَ وَيَقِلُّونَ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولغير أبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت قتادة) بن دعامة يحدث (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الأنصار كرشي) بفتح الكاف وكسر الراء أي جماعتي (وعيبتي) أي موضع سري مأخوذ من عيبة الثياب وهي ما تحفظ فيها (والناس) غير الأنصار (سيكثرون) بفتح التحتية وضم المثلثة (و) الأنصار (يقلون) وقد وقع كما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن الموجودين الآن ممن ينسب لعليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- ممن يتحقق نسبه إليه أضعاف من يوجد من قبيلتي الأوس والخزرج ممن يتحقق نسبه، وقس على ذلك ولا التفات إلى كثرة من يدعي أنه منهم من غير برهان قاله في الفتح. (فاقبلوا) بفتح الموحدة (من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم). وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل والترمذي في المناقب والنسائي. 12 - باب مَنَاقِبُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ -رضي الله عنه- (باب مناقب سعد بن معاذ) بالذال المعجمة ابن النعمان بن امرئ القيس بن عبد الأشهل الأنصاري الأوسي الأشهلي كبير الأوس، كما أن سعد بن عبادة كبير الخزرج وإياهما أراد الشاعر بقوله: فإن يسلم السعد أن يصبح محمد ... بمكة لا يخشى خلاف المخالف (-رضي الله عنه-) وسقط باب لأبي ذر. 3802 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: «أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُلَّةُ حَرِيرٍ، فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَمَسُّونَهَا وَيَعْجَبُونَ مِنْ لِينِهَا، فَقَالَ: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَيْرٌ مِنْهَا أَوْ أَلْيَنُ"». رَوَاهُ قَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ سَمِعَا أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا) وفي نسخة: أخبرنا (شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه

(قال: سمعت البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- يقول: أهديت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلة حرير) أهداها له أكيدر دومة كما في حديث أن السابق في الهبة (فجعل أصحابه يمسونها) بفتح التحتية والميم (ويعجبون) بفتح التحتية وبسكون العين (من لينها فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهم: (أتعجبون من لين هذه) الحلة (لمناديل سعد بن معاذ) زاد في الهبة في الجنة (خير منها) أي من الحلة (أو ألين) بالشك من الراوي ولأبي ذر عن الكشميهني وألين، وإنما ضرب المثل بالمناديل لأنها ليست من علية الثياب بل تبتذل في أنواع فيمسح بها الأيدي وينفض بها الغبار عن البدن ويغطى بها ما يهدى وتتخذ لفافًا للثياب فصار سبيلها سبيل الخادم، وسبيل سائر الثياب سبيل المخدوم فإذا كان أدناها هكذا فما ظنك بعليها. وهذا الحديث رواه مسلم في الفضائل و (رواه) أي حديث الباب (قتادة) بن دعامة فيما وصله المؤلّف في الهبة (والزهري) محمد بن مسلم بن شهاب مما وصله في اللباس (سمعا أنس بن مالك) -رضي الله عنه-، وفي اليونينية والناصرية سمعا أنسًا فأسقطا كغيرهما ما أثبته في الفرع وهو ابن مالك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 3803 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا فَضْلُ بْنُ مُسَاوِرٍ خَتَنُ أَبِي عَوَانَةَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ» وَعَنِ الأَعْمَشِ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ "فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ: "فَإِنَّ الْبَرَاءَ يَقُولُ اهْتَزَّ السَّرِيرُ فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ ضَغَائِنُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: (حدّثنا فضل بن مساور) بفتح الفاء وسكون الضاد المعجمة ومساور بضم الميم وفتح السين المهملة وبعد الألف واو مكسورة فراء البصري (ختن أبي عوانة) بفتح الخاء المعجمة والفوقية آخره نون أي صهر أبي عوانة بفتح العين المهملة والواو المخففة زوج ابنته والختن يطلق على كل من كان من أقارب المرأة قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم قال جماعة: ليس به بأس، وقال شعبة: حديثه عن جابر صحيفة خرج له البخاري مقرونًا بآخر (عن جابر) الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه قال: (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (اهتز العرش) أي تحرك حقيقة (لموت سعد بن معاذ) فرحًا بقدوم روحه، وخلق الله تعالى فيه تمييزًا إذ لا مانع من ذلك، أو المراد اهتزاز أهل العرش وهم حملته فحذف المضاف، ويؤيده حديث الحاكم: إن جبريل عليه السلام قال: من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واستبشرت به أهلها؟ أو المراد باهتزازه ارتياحه لروحه واستبشاره بصعودها لكرامته ومنه قولهم: فلان يهتز للمكارم ليس مرادهم اضطراب جسمه وحركته، وإنما يريدون ارتياحه إليها وإقباله عليها، وقيل جعل الله تعالى اهتزاز العرش علامة للملائكة على موته، أو المراد الكناية عن تعظيم شأن وفاته، والعرب تنسب الشيء العظيم إلى أعظم الأشياء فتقول: أظلمت الأرض لموت فلان وقامت له القيامة. وهذا الحديث أخرجه مسلم في المناقب أيضًا وابن ماجه في السنة. (وعن الأعمش) سليمان بن مهران بالإسناد السابق إليه أنه قال: (حدّثنا أبو صالح) ذكوان الزيات (عن جابر) الأنصاري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله) أي مثل حديث أبي سفيان طلحة بن نافع السابق. وفائدة سياق هذا أنه لا يخرج لأبي سفيان هذا إلا مقرونًا بغيره واستشهادًا لما مرّ مع ما زاده حيث قال، (فقال رجل): قال الحافظ ابن حجر: -رحمه الله- لم أقف على تسميته (لجابر) المذكور -رضي الله عنه- (فإن البراء) أي ابن عازب (يقول): في معنى قوله عليه الصلاة والسلام "اهتز العرش لموت سعد بن معاذ" أي (اهتز السرير) الذي حمل عليه. وسياق الحديث يأباه إذ إن المراد منه فضيلته وأي فضيلة في اهتز سريره إذ كل سرير يهتز إذا تجاذبته أيدي الرجال. نعم يحتمل أن يراد اهتزاز حملة سريره فرحًا بقدومه على ربه عز وجل، وفي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عند الحاكم اهتز العرش فرحًا بلقاء الله سعدًا حتى تفسخت أعواده على عواتقنا. قال ابن عمر: يعني عرش سعد الذي حمل عليه فأوّله كما أوّله البراء، لكن هذا الحديث يعارض حديث ابن عمر هذا من رواية عطاء بن السائب عن

13 - باب منقبة أسيد بن حضير وعباد بن بشر -رضي الله عنهما-

مجاهد عن ابن عمر، وفي حديث عطاء مقال لأنه ممن اختلط في آخر عمره ويعارضه أيضًا ما صححه الترمذي من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون: ما أخف جنازته. فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن الملائكة كانت تحمله". (فقال): أي جابر في جواب الرجل (إنه كان بين هذين الحيين) الأوس والخزرج (ضغائن) بالضاد والغين المعجمتين جمع ضغينة وهي الحقد (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ) فالتصريح بعرش الرحمن يرد ما تأوله البراء وغيره ولم يقل البراء ذلك على سبيل العداوة لسعد بل فهم شيئًا محتملاً، فحمل الحديث عليه، ولعله لم يقف على قوله اهتز عرش الرحمن، وظن جابر أن البراء قاله غضبًا من سعد فساغ له أن ينتصر له. 3804 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-: «أَنَّ أُنَاسًا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا بَلَغَ قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُومُوا إِلَى خَيْرِكُمْ -أَوْ سَيِّدِكُمْ- فَقَالَ: يَا سَعْدُ، إِنَّ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ. قَالَ: حَكَمْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ، أَوْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بن البرند بكسر الموحدة والراء وسكون النون آخره دال مهملة السامي بالمهملة قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (شعبة) بن الحجاج (عن سعد بن إبراهيم) بسكون العين ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري قاضي المدينة (عن أبي أمامة) أسعد (بن سهل بن حنيف) بضم الحاء المهملة مصغرًا الأوسي الأنصاري (عن أبي سعيد) بكسر العين سعد بن مالك (الخدري -رضي الله عنه- أن أناسًا) بهمزة مضمومة وهم بنو قريظة ولأبي ذر ناسًا (نزلوا) من قلعتهم بخيبر بعد أن حاصرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمسًا وعشرين ليلة وقذف الله تعالى في قلوبهم الرعب (على حكم سعد بن معاذ فأرسل إليه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان سعد رمي في غزوة الخندق بسهم قطع منه الأكحل (فجاء) من المسجد المدني النبوي (على حمار) قد وطئ له بوسادة ومعه قومه من الأنصار (فلما بلغ قريبًا من المسجد) الذي أعدّه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للصلاة أيام محاصرته لبني قريظة قيل والأشبه أن قوله من المسجد تصحيف وصوابه فلما دنا من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في مسلم وأبي داود، وهذا فيه تخطئة الراوي بمجرد الظن فالأولى كما في المصابيح حمله على ما مرّ من كونه اختط عليه الصلاة هناك مسجدًا. ولئن سلمنا أنه لم يكن ثم مسجد أصلاً لكنا لا نسلم أن قوله من المسجد متعلق بقوله قريبًا وإنما هو متعلق بمحذوف أي: فلما بلغ قريبًا من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حالة كونه جائيًا من المسجد (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) للحاضرين من الأنصار أو أعم: (قوموا إلى خيركم أو سيدكم) بالشك من الراوي، وعلى القول بأنه عام يحتمل أنه لم يكن في المسجد من هو خير منه، أو المراد السيادة الخاصة من جهة التحكيم في هذه القصة، ولأبي ذر قوموا خيركم أو سيدكم بإسقاط إلى والرفع بتقدير هو (فقال) عليه الصلاة والسلام له: (يا سعد إن هؤلاء) اليهود من بني قريظة (نزلوا على حكمك) فيهم (قال) سعد (فإني أحكم فيهم أن تقتل) طائفة (مقاتلتهم) وهم الرجال (وتسبى ذراريهم) النساء والصبيان (قال) عليه الصلاة والسلام له: (حكمت) أي فيهم (بحكم الله) عز وجل (أو بحكم الملك) بكسر اللام وهو الله جل وعلا، والشك من الراوي، والغرض من الحديث هنا قوله: قوموا إلى خيركم كما لا يخفى. وسبق الحديث في باب إذا نزل العدوّ على حكم رجل من باب الجهاد. 13 - باب مَنْقَبَةُ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَعَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ -رضي الله عنهما- (باب منقبة أسيد بن حضير) بضم الهمزة والحاء المهملة مصغرين ابن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل الأنصاري الأوسي الأشهلي أبي يحيى المتوفى سنة عشرين في خلافة عمر على الأصح وصلّى عليه عمر -رضي الله عنه- (و) باب منقبة (عباد بن بشر) بفتح العين والموحدة المشدّدة وبشر بموحدة مكسورة ومعجمة ساكنة ابن وقش بفتح الواو وسكون القاف وبمعجمة الأنصاري الخزرجي الأشهلي أسلم قبل الهجرة وشهد بدرًا وأبلى يوم اليمامة فاستشهد بها (-رضي الله عنهما-) وسقط لأبي ذر لفظ باب فالتالي مرفوع كما لا يخفى. 3805 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا حَبَّانُ بن همامٌ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ رَجُلَيْنِ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَإِذَا نُورٌ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا حَتَّى تَفَرَّقَا فَتَفَرَّقَ النُّورُ مَعَهُمَا". وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ "إِنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ وَرَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ". قَالَ حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ: "كَانَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا علي بن مسلم) الطوسي البغدادي قال: (حدّثنا حبان) بفتح الحاء المهملة والموحدة المشدّدة ابن هلال الباهلي

14 - باب مناقب معاذ بن جبل -رضي الله عنه-

وثبت لأبي ذر ابن هلال قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر الذال المعجمة أبو عبد الله البصري قال أحمد: هو ثبت في كل المشايخ قال: (أخبرنا قتادة) ابن دعامة (عن أنس- رضي الله عنه- أن رجلين) ذكرهما في الرواية المعلقة بعد (خرجا من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ليلة مظلمة) بكسر اللام (وإذا) بالواو، ولأبي ذر: فإذا (نور بين أيديهما) يضيء (حتى تفرقا فتفرق النور معهما) يضيء مع كل واحد منهما حتى أتى أهله إكرامًا لهما. (وقال معمر): هو ابن راشد فيما وصله عبد الرزاق في مصنفه والإسماعيلي (عن ثابت عن أنس) -رضي الله عنهما- (أن أسيد بن حضير ورجلاً من الأنصار) وتمامه: تحدثنا عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى ذهب من الليل ساعة في ليلة شديدة الظلمة ثم خرجا وبيد كل واحد منهما عصية فأضاءت عصا أحدهما حتى مشيا في ضوئها حتى إذا افترقت بهما الطريق أضاءت عصا الآخر فمشى كل واحد منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله. (وقال: حماد) هو ابن سلمة فيما وصله أحمد والحاكم (أخبرنا ثابت عن أنس) -رضي الله عنه- قال: (كان أسيد بن حضير) سقط ابن حضير لأبي ذر (وعباد بن بشر عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وتمامه: في ليلة ظلماء حندس، فلما خرجا أضاءت عصا أحدهما فمشيا في ضوئها فلما افترقت بهما الطريق أضاءت عصا الآخر، وقد وقع مثل هذا لغير المذكورين، فروى أبو نعيم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطى قتادة بن النعمان وقد صلّى معه العشاء في ليلة مظلمة مطيرة عرجونًا وقال: "انطلق به فإنه سيضيء لك من بين يديك عشرًا ومن خلفك عشرًا فإذا دخلت بيتك فسترى سوادًا فاضربه حتى يخرج فإنه الشيطان" فانطلق فأضاء له العرجون حتى دخل بيته ووجد السواد فضربه حتى خرج. 14 - باب مَنَاقِبُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رضي الله عنه- وحديث الباب أخرجه المؤلّف في أبواب المساجد من الصلاة. (باب مناقب معاذ بن جبل) بفتح الجيم والموحدة ابن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن جشم بن الخزرج من نجباء الصحابة. قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: كنا نشبهه بإبراهيم عليه الصلاة والسلام {كان أمة قانتًا لله حنيفًا} [النحل: 120] وكان شهد العقبة وبدرًا وتوفي في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة بالأردن (-رضي الله عنه-) وسقط لفظ باب لأبي ذر. 3806 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَىٍّ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين ابن مرة الجملي بفتح الجيم والميم (عن إبراهيم) النخعي (عن مسروق) هو ابن الأجدع الهمداني أحد الأعلام (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاصي (-رضي الله عنهما-) أنه قال: (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (استقرئوا القرآن) بكسر الراء أي خذوه (من أربعة ابن مسعود) عبد الله (و) من (سالم مولى أبي حذيفة و) من (أبي) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتية ابن كعب (و) من (معاذ بن جبل) قال النووي: قالوا: لأن هؤلاء الأربعة تفرغوا لأخذ القرآن عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مشافهة، وغيرهم اقتصروا على أخذ بعضهم عن بعض أو لأن هؤلاء تفرغوا لأن يؤخذ عنهم، أو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد الإعلام بما يكون بعد وفاته عليه الصلاة والسلام من تقدم هؤلاء الأربعة وأنهم أقرأ من غيرهم. 15 - باب مَنْقَبَةُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ -رضي الله عنه- وَقَالَتْ عَائِشَةُ: "وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلاً صَالِحًا" (منقبة) وفي نسخة: باب منقبة (سعد بن عبادة) بضم العين وتخفيف الموحدة ابن دليم بن حارثة بن أبي حزيمة بفتح الحاء المهملة وكسر الزاي بعدها تحتية ثم ميم ابن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة الأنصاري الساعدي نقيب بني ساعدة شهد بدرًا كما في صحيح مسلم، لكن المعروف عند أهل المغازي أنه تهيأ للخروج فنهش فأقام. نعم ذكره في البدريين الواقدي والمدائني وابن الكلبي، وكان سيدًا جوادًا ذا رياسة، ومات بحوران من أرض الشام سنة أربع عشرة أو خمس عشرة في خلافة عمر. قال ابن الأثير في أسد الغابة: ولم يختلفوا أنه

16 - باب مناقب أبى بن كعب -رضي الله عنه-

وجد ميتًا على مغتسله، وقد اخضرّ جسده ولم يشعروا بموته بالمدينة حتى سمعوا قائلاً يقول من بئر ولا يرون أحدًا: نحن قتلنا سيد الخز ... رج سعد بن عباده فرميناه بسهم ... فلم يخط فؤاده فلما سمع الغلمان ذلك ذعروا فحفظ ذلك اليوم فوجدوه اليوم الذي مات فيه سعد بالشام. قال ابن سيرين: بينا سعد يبول قائمًا إذ اتكأ فمات قتلته الجن وقبره بالمنيحة قرية من غوطة دمشق مشهور يزار إلى اليوم (-رضي الله عنه-). (وقالت عائشة): -رضي الله عنها- في سعد (وكان قبل ذلك) الذي قاله في حديث الإفك (رجلاً صالحًا) ولكن احتملته الحمية وذلك أنه لما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا معشر المسلمين من يعذرني في رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت على أهل بيتي إلا خيرًا فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا فعلنا أمرك، فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج فقال لسعد: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، وليس مراد عائشة -رضي الله عنها- الغض منه لأن سعدًا لم يكن منه إلا الرد على سعد بن معاذ، ولا يلزم منه زوال تلك الصفة عنه في وقت صدور الإفك، وقد كان في هذه المقالة متأولاً، فلذلك أورد المؤلّف ذلك في مناقبه. 3807 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ. فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ -وَكَانَ ذَا قِدَمٍ فِي الإِسْلاَمِ -: أَرَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ فَضَّلَ عَلَيْنَا. فَقِيلَ لَهُ "قَدْ فَضَّلَكُمْ عَلَى نَاسٍ كَثِيرٍ"». وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن منصور الكوسج المروزي قال: (حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث التنوري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه-) يقول (قال أبو أسيد): بضم الهمزة وفتح السين مالك بن ربيعة الساعدي (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (خير دور الأنصار) أي قبائلهم فهو من باب إطلاق المحل وإرادة الحال (بني) أي دور بني كذا في الفرع بني بالياء وفي اليونينية وغيرها بنو (النجار) بالجيم من الخزرج (ثم بنو عبد الأشهل) بالثمين المعجمة من الأوس (ثم بنو الحرث بن الخزرج ثم بنو ساعدة) من الخزرج (وفي كل دور الأنصار خير) وإن تفاوتت مراتبه فخير الأولى بمعنى أفعل التفضيل وهذه الأخيرة اسم (فقال سعد بن عبادة وكان ذا قدم في الإسلام): بكسر القاف وضبطه القابسي بفتحها ولكل وجه صحيح كما لا يخفى (أرى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد فضّل علينا) بعض القبائل (فقيل له: قد فضلكم) عليه الصلاة والسلام (على ناس كثير) من قبائل الأنصار غير المذكورين. هذا الحديث سبق قريبًا. 16 - باب مَنَاقِبُ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ -رضي الله عنه- (باب مناقب أبي بن كعب) بضم الهمزة ثم فتح فتشديد ابن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، واسمه تيم اللات بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج الأكبر الأنصاري الخزرجي النجاري شهد العقبة وبدرًا وكان عمر يقول: أبي سعيد المسلمين، وتوفي سنة ثلاثين (-رضي الله عنه-) وسقط لفظ باب لأبي ذر فقوله مناقب مرفوع. 3808 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: «ذُكِرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ، مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -فَبَدَأَ بِهِ- وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ"». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) الجملي (عن إبراهيم) النخعي (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: ذكر) بضم المعجمة مبنيًا للمفعول (عبد الله بن مسعود عند عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاصي (فقال: ذاك رجل لا أزال أحبه سمعت النبي) وفي مناقب سالم لا أزال أحبه بعدما سمعت رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (خذوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود فبدأ به و) من (سالم مولى) امرأة (أبي حذيفة) بن عتبة الأنصارية وكان أبو حذيفة تبناه لما تزوج بها فنسب إليه (و) من (معاذ بن جبل و) من (أبي بن كعب). وفي الترمذي مرفوعًا (وأقرؤهم أبي بن كعب) وقال أبو عمر: قال محمد بن سعد عن الواقدي: أول من كتب لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقدمه المدينة أبي بن كعب، وهو أول من كتب في آخر الكتاب وكتبه فلان بن فلان. 3809 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: سَمِعْتُ شُعْبَةَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- «قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأُبَىٍّ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ} [البينة: 1] قَالَ: وَسَمَّانِي؟ قَالَ: نَعَمْ. فَبَكَى». [الحديث 3809 - أطرافه في: 4959، 4960، 4961]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة ثم المعجمة المشددة بندار العبدي قال:

17 - باب مناقب زيد بن ثابت -رضي الله عنه-

(حدّثنا غندر) محمد بن جعفر (قال: سمعت شعبة) بن الحجاج يقول: (سمعت قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) يقول: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي) هو ابن كعب (إن الله) عز وجل (أمرني أن أقرأ عليك) سورة ({لم يكن الذين كفروا}) [البيّنة: 1] زاد أبو ذر {من أهل الكتاب} قراءة إبلاغ وإنذار لا قراءة تعلم واستذكار (قال) أبي: (وسماني) الله لك يا رسول الله (قال) عليه الصلاة والسلام: (نعم) سماك لي. وعند الطبراني من وجه آخر عن أبي بن كعب قال: "نعم باسمك ونسبك في الملأ الأعلى". (قال) أنس -رضي الله عنه-: (فبكى) أبي فرحًا وسرورًا أو خوفًا أن لا يقوم بشكر تلك النعمة، وإنما استفسره بقوله: وسماني لأنه جوز أن يكون أمره أن يقرأ على رجل من أمته غير معين فاخترتني أنت. وقال القرطبي: خص هذه السورة بالذكر لما احتوت عليه من التوحيد والرسالة والإخلاص والصحف والكتب المنزلة على الأنبياء وذكر الصلاة والزكاة والمعاد وبيان أهل الجنة والنار مع وجازتها. وهذا الحديث ذكره المؤلّف في الفضائل والتفسير والترمذي والنسائي في المناقب. 17 - باب مَنَاقِبُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- (باب مناقب زيد بن ثابت) بالمثلثة ابن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجاري الأنصاري الخزرجي ثم النجاري، وكان عمره لما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة إحدى عشرة سنة وكان أعلم الصحابة بالفرائض، ومن أعلم الصحابة والراسخين في العلم، ومن أفكه الناس إذا خلا مع أهله، وتوفي سنة خمس وأربعين، وصلّى عليه مروان بن الحكم وسقط لفظ باب لأبي ذر. 3810 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- "جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَىٌّ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ. قُلْتُ لأَنَسِ: مَنْ أَبُو زَيْدٍ؟ قَالَ: أَحَدُ عُمُومَتِي". [الحديث 3810 - أطرافه في: 3996، 5003، 5004]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بندار قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه قال: (جمع القرآن) أي استظهره حفظًا (على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعة كلهم من الأنصار: أبي) هو ابن كعب الخزرجي (ومعاذ) بن جبل الخزرجي (وأبو زيد) أوس أو ثابت بن زيد أو سعد بن عبيد بن النعمان (وزيد بن ثابت) قال قتادة (قلت لأنس: من أبو زيد) المذكور (قال): هو (أحد عمومتي) واسمه أوس قاله عليّ بن المدائني، أو ثابت بن زيد قاله ابن معين، أو هو سعد بن عبيد بن النعمان جزم به الدارقطني، أو قيس بن السكن بن قيس بن زعورًا بفتح الزاي وبالمهملة وبالراء ابن حرام بالحاء والراء المهملتين الأنصاري النجاري قاله الواقدي، ويرجحه قول أنس: أحد عمومتي لأنه أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بالضادين المعجمتين ابن زيد بن حرام. فإن قلت: قد جمع القرآن غيرهم أيضًا أجيب: بأن مفهوم العدد لا ينفي الزائد. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل. 18 - باب مَنَاقِبُ أَبِي طَلْحَةَ -رضي الله عنه- (باب مناقب أما طلحة) زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي النجاري عقبي بدري نقيب، وأمه عبادة بنت مالك بن عدي بن زيد مناة بن عدي يجتمعان في زيد مناة وهو مشهور بكنيته، وكان زوج أم سليم بنت ملحان أم أنس بن مالك. وروينا عن ثابت عن أنس مما ذكره في أسد الغابة: أنه لما خطب أم سليم قالت له: يا أبا طلحة ما مثلك يردّ لكنك امرؤ كافر وأنا امرأة مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك فإن تسلم فذلك مهري لا أسألك غيره فأسلم فكان ذلك مهرها. قال ثابت: فما سمعت بامرأة كانت أكرم الناس مهرًا من أم سليم، توفي سنة اثنتين وثلاثين أو أربع وثلاثين. وقال المدائني: سنة إحدى وخمسين، وقيل إنه كان لا يكاد يصوم في عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أجل الغزو فلما توفي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صام أربعين سنة لم يفطر إلا أيام العيد، وهو يؤيد قول من قال: إنه توفي سنة إحدى وخمسين (-رضي الله عنه-) وسقط لفظ باب لأبي ذر. 3811 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَىِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُجَوِّبٌ بِهِ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلاً رَامِيًا شَدِيدَ الْقِدِّ يَكْسِرُ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ الْجَعْبَةُ مِنَ النَّبْلِ، فَيَقُولُ: انْشُرْهَا لأَبِي طَلْحَةَ. فَأَشْرَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لاَ تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ. وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا تُنْقِزَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا، تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلآنِهَا، ثُمَّ تَجِيئانِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ. وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدِ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلاَثًا". وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة عبد الله بن عمرو بفتح العين ابن أبي الحجاج ميسرة المقعد التميمي المنقري مولاهم البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن

صهيب (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما كان يوم) وقعة (أُحد انهزم الناس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو طلحة بين يدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الواو في وأبو طلحة للحال وهو مبتدأ خبره (مجوب) بفتح الميم وضم الجيم وسكون الواو أو بضم الميم وفتح الجيم وكسر الواو مشدّدة آخره موحدة فيهما وكلاهما في الفرع وأصله أي مترس (به عليه) زاده الله شرفًا لديه (بحجفة) بفتح الحاء المهملة والجيم والفاء بترس (له) من جلد لا خشب فيه وقوله بحجفة متعلق بقوله مجوب كما لا يخفى. (وكان أبو طلحة رجلاً راميًا) بالقوس (شديد القد) بإضافة شديد إلى القدّ بكسر القاف وتشديد الدال وهو السير من جلد لم يدبغ أي شديد وتر القوس في النزع والمد. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وبهذا جزم الخطابي وتبعه ابن التين اهـ. وعبارة الخطابي فيما ذكره الكرماني ويحتمل أن تكون الرواية القد بالكسر ويراد به وتر القوس. قال الزركشي: ولذا أتبعه بقوله: (يكسر يومئذٍ قوسين) بتحتية مفتوحة فكاف ساكنة وقوسين نصب على المفعولية (أو ثلاثًا) بالنصب عطفًا عليه من شدته، والذي في اليونينية وعزاها في الفتح للأكثر شديدًا بالنصب لقد بلام التأكيد، وكلمة قد للتحقيق. والذي في فرع اليونينية شديد بنصبة واحدة على الدال وكشط الأخرى القد بنصبة على القاف وكشط فوق الدال واللام ولم يضبطهما، وضبب على قوله يكسر، وفي الهامش اليونينية عن الكشميهني في رواية أبي ذر عنه تكسر بفوقية مفتوحة فكاف مفتوحة وتشديد المهملة المفتوحة تفعل ليدل على كثرة الكسر يومئذٍ. قوسان رفع فاعل تكسر أو ثلاث رفع أيضًا عطفًا على سابقه. وقال في الفتح: وروي شديد المد بالميم المفتوحة بدل القاف وتشديد الدال، وقال الكرماني: وتبعه البرماوي وفي بعضها اليد أي بالتحتية بدل القاف. (وكان الرجل يمر) بأبي طلحة (ومعه الجعبة) بفتح الجيم وسكون العين المهملة الكنانة (من النبل) بفتح النون وسكون الموحدة السهام (فيقول) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (انشرها) بنون ساكنة فمعجمة مضمومة ولأبي ذر عن الكشميهني انثرها بالمثلثة بدل الشين المعجمة (لأبي طلحة) ليرمي بها (فأشرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي اطلع من فوق حال كونه (ينظر إلى القوم) وهم يرمون (فيقول) له (أبو طلحة: يا نبي الله) أفديك (بأبي أنت وأمي لا تشرف) بالشين المعجمة والجزم على النهي أي لا تطلع (يصيبك) رفع أي لا تشرف فإنه يصيبك (سهم من سهام القوم) من الأعداء. ولأبي ذر يصبك بالجزم جواب النهي، لكن قال القاضي عياض: والأول هو الصواب والثاني خطأ، وقلب للمعنى. وتعقبه في المصابيح فقال بل الثاني صواب على رأي الكسائي المشهور، وهو أنه أجاز لا تكفر تدخل النار، ولا تدن من الأسد يأكلك بالجزم إذ من الواضح البين أن معنى الأول لا تكفر فإنك إن تكفر تدخل النار، وأن معنى الثاني لا تدن من الأسد فإنك إن تدن منه يأكلك، والجماعة إنما يقدرون فعل الشرط منفيًا فلذلك لا يصح عندهم التركيب المذكور، لكن لم يصل الأمر فيه إلى حد إذا وجدنا رواية صحيحة تتخرج على رأي إمام من أئمة العربية جليل المكانة نطرح الرواية ونقطع بخطئها اعتمادًا على مذهب المخالفين هذا أمر لا يقتضيه الإنصاف (نحري دون نحرك) قال الكرماني: النحر الصدر أي صدري عند صدرك أي أقف أنا بحيث يكون صدري كالترس لصدرك اهـ. قال أنس: (ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر و) أمي (أم سليم) زوج أبي طلحة -رضي الله عنهم- (وإنهما لمشمرتان) بكسر الميم مع التثنية أثوابهما (أرى) بفتح الهمزة أبصر (خدم سوقهما) بضم السين جمع ساق مجرور بإضافة خدم إليه وهو بفتح الخاء المعجمة وبالدال المهملة جمع الخدمة وهي الخلخال أو أصل الساق، وكان قبل نزول الحجاب حال كونهما (تنقزان القرب) بفتح الفوقية وسكون النون وضم القاف وبعد الزاي ألف فنون أي تثبان وتقفزان من سرعة السير والقرب نصب، واستبعد لأن تنقز غير متعد وأوله بعضهم على نزع الخافض أي يثبان بالقرب، وضبطه

19 - باب مناقب عبد الله بن سلام -رضي الله عنه-

في الفرع وأصله تنقزان أيضًا بضم حرف المضارعة وكسر القاف من أنقز فعداه بالهمزة فيصح على هذا نصب القرب، وللكشميهني تنقلان باللام بدل الزاي، وفي المصابيح أن القرب مفعول باسم فاعل منصوب على الحال محذوف أي تنقزان جاعلتين القرب (على متونهما) ظهورهما (تفرغانه) بضم حرف المضارعة أي الماء (في أفواه القوم) من المسلمين (ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانها) كذا في الفرع بالتأنيث وفي أصله تفرغانه (في أفواه القوم، ولقد وقع السيف من يدي أبي طلحة) بتثنية يدي ولأبي ذر: من يد بالإفراد (إما مرتين وإما ثلاثًا) زاد مسلم في روايته من النعاس. وعند المؤلّف في المغازي في باب إذ تصعدون عن أبي طلحة أنه قال: كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أُحد حتى سقط سيفي من يدي مرارًا يسقط وآخذه ويسقط وآخذه. ورجال حديث الباب كلهم بصريون، وسبق في الجهاد، وذكره أيضًا في غزوة أُحد. 19 - باب مَنَاقِبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ -رضي الله عنه- (باب مناقب عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام ابن الحرث الإسرائيلي ثم الأنصاري كان حليفًا لهم من بني قينقاع، وهو من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام، وكان اسمه في الجاهلية الحصين فسماه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين أسلم عبد الله، وكان إسلامه لما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة مهاجرًا. وفي الترمذي أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إنه عاشر عشرة في الجنة" وتوفي عبد الله سنة ثلاث وأربعين (-رضي الله عنه-) وسقط لفظ باب لأبي ذر. 3812 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، إِلاَّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ. قَالَ: وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ على مثله} [الأحقاف: 10] الآيَةَ. قَالَ: لاَ أَدْرِي قَالَ مَالِكٌ الآيَةَ أَوْ فِي الْحَدِيثِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: سمعت مالكًا) إمام دار الهجرة (يحدث عن أبي النضر) بالضاد المعجمة سالم بن أبي أمية (مولى عمر بن عبيد الله) بضم العين فيهما التيمي المدني (عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه) سعد أحد العشرة المبشرة بالجنة أنه (قال): (ما سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول لأحد يمشي على الأرض) الآن بعد موت العشرة المبشرة الذين منهم سعد بن أبي وقاص (أنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام). وقوله: يمشي على الأرض صفة مؤكدة لأحد كما في قوله تعالى: {وما من دابة في الأرض} [الأنعام: 38، وهود: 6] لمزيد التعميم والإحاطة، لكن استشكل بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لجماعة: إنهم من أهل الجنة غير ابن سلام، ويبعد أن لا يطلع سعد على ذلك. وما أجيب به: بأنه كره تزكية نفسه لأنه أحد المبشرين بذلك متعقب بأنه لا يستلزم أن ينفي سماعه مثل ذلك في حق غيره، وما سبق من التقدير بالآن بعد موت العشرة إلى آخره مما أجاب به في الفتح وأيّده برواية الدارقطني من طريق إسحاق بن الطباع عن مالك: ما سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول لحي يمشي إنه من أهل الجنة. وبما عنده من طريق عاصم بن مهجع عن مالك لرجل حي ينفي الاستشكال، لكنه يعكر عليه ما عند الدارقطني من طريق سعيد بن داود عن مالك بلفظ سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "لا أقول لأحد من الأحياء أنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام" وبلغني أنه قال: "وسلمان الفارسي" لكن قال الحافظ ابن حجر: أن هذا لسياق منكر اهـ. وأجاب النووي: بأن سعدًا قال: ما سمعت ونفى سماعه ذلك لا يدل على نفي البشارة لغيره وإذا اجتمع النفي والإثبات فالإثبات مقدم عليه اهـ. وقال الكرماني: لفظ ما سمعت لم ينف أصل الأخبار بالجنة لغيره. (قال) سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: (وفيه) في عبد الله بن سلام (نزلت هذه الآية {وشهد شاهد من بني إسرائيل} [الأحقاف: 10] زاد أبو ذر على مثله (الآية) كذا قال الجمهور أن الشاهد هو عبد الله بن سلام، وعورض بأن ابن سلام إنما أسلم بالمدينة والأحقاف مكية، وأجيب: بأنها مكية إلا قوله: وشهد شاهد إلى آخر الآيتين، ومعنى الآية أخبروني ماذا تقولون إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به أيها المشركون وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله، والمثل صلة يعني عليه أي على أنه من عند الله فآمن الشاهد واستكبرتم عن الإيمان به، وقيل الشاهد التوراة ومثل القرآن هو التوراة فشهد موسى على

التوراة ومحمد على الفرقان، فكل واحد يصدق الآخر لأن التوراة مشتملة على البشارة بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والقرآن مصدق للتوراة. (قال) أي عبد الله بن يوسف التنيسي: (لا أدري. قال مالك): الإمام (الآية) أي نزولها في هذه القصة من قبل نفسه (أو في) إسناد هذا (الحديث). وعند ابن منده في الإيمان من طريق إسحاق بن يسار عن عبد الله بن يوسف الحديث والزيادة وفيه قال إسحاق: فقلت لعبد الله بن يوسف إن أبا مسهر حدّثنا بهذا عن مالك ولم يذكر هذه الزيادة فقال عبد الله بن يوسف: إن مالكًا تكلم به عقب الحديث وكانت معي ألواحي فكتبت، فلذا قال: لا أدري إلخ. وقد أخرج الإسماعيلي والدارقطني في غرائب مالك من طريق أبي مسهر وعاصم بن مهجع وعبد الله بن وهب وغيرهم كلهم عن مالك بدون هذه الزيادة، فالظاهر أنها مدرجة من هذا الوجه. وعند الدارقطني من رواية ابن وهب التصريح بأنها من قول مالك. نعم عند ابن مردويه من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، وعند الترمذي من حديث ابن سلام نفسه، وعند ابن حبان من حديث عوف أنها نزلت في عبد الله بن سلام قاله في الفتح. وحديث الباب أخرجه مسلم في الفضائل. 3813 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: «كُنْتُ جَالِسًا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى وَجْهِهِ أَثَرُ الْخُشُوعِ، فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيهِمَا، ثُمَّ خَرَجَ وَتَبِعْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّكَ حِينَ دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ قَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ: وَاللَّهِ مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لاَ يَعْلَمُ. وَسَأُحَدِّثُكَ لِمَ ذَاكَ. رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ كَأَنِّي فِي رَوْضَةٍ -ذَكَرَ مِنْ سَعَتِهَا وَخُضْرَتِهَا- وَسْطَهَا عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ وَأَعْلاَهُ فِي السَّمَاءِ، فِي أَعْلاَهُ عُرْوَةٌ، فَقِيلَ لِي: ارْقَهْ. قُلْتُ: لاَ أَسْتَطِيعُ. فَأَتَانِي مِنْصَفٌ فَرَفَعَ ثِيَابِي مِنْ خَلْفِي فَرَقِيتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلاَهَا، فَأَخَذْتُ في ِالْعُرْوَةِ، فَقِيلَ لَهُ اسْتَمْسِكْ. فَاسْتَيْقَظْتُ وَإِنَّهَا لَفِي يَدِي. فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: تِلْكَ الرَّوْضَةُ الإِسْلاَمُ، وَذَلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الإِسْلاَمِ، وَتِلْكَ الْعُرْوَةُ عُرْوَةُ الْوُثْقَى، فَأَنْتَ عَلَى الإِسْلاَمِ حَتَّى تَمُوتَ. وَذَلِكَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ». وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ عَنِ ابْنِ سَلاَمٍ قَالَ: "وَصِيفٌ" بَدَلَ "مِنْصَفٌ". [الحديث 3813 - طرفاه في: 7010، 7014]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا أزهر) بفتح الهمزة وسكون الزاي وفتح الهاء ابن سعد الباهلي مولاهم (السمان) بتشديد الميم البصري المتوفى سنة ثلاث ومائتين (عن ابن عون) عبد الله واسم جده أرطبان البصري (عن محمد) هو ابن سيرين (عن قيس بن عباد) بضم العين وتخفيف الموحدة البصري قتله الحجاج صبرًا أنه (قال: كنت جالسًا في مسجد المدينة) النبوية مع بعض الصحابة (فدخل رجل) هو ابن سلام كما يأتي قريبًا (على وجهه أثر الخشوع فقالوا): لما بلغهم من حديث سعد السابق (هذا رجل من أهل الجنة فصلّى) الرجل (ركعتين تجوز فيهما) بفتح الفوقية والجيم والواو المشددة بعدها زاي خففهما (ثم خرج) من المسجد (وتبعته فقلت) له: (إنك حين دخلت المسجد قالوا): أي الحاضرون فيك عنك (هذا رجل من أهل الجنة. قال) ابن سلام منكرًا عليهم قطعهم بالجنة له (والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم) ولعله لم يبلغه خبر سعد أو بلغه ذلك وكره الثناء عليه بذلك تواضعًا وإيثارًا للخمول وكراهة للشهرة. (وسأحدثك) بالواو ولأبي ذر فسأحدثك (لم ذاك) الإنكار الصادر مني عليهم وهو أني (رأيت رؤيا على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقصصتها عليه و) هي أني (رأيت كأني في روضة ذكر) ابن سلام الرائي (من سعتها) بفتح السين (وخضرتها وسطها) بسكون السين (عمود من حديد أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عروة) بضم العين وسكون الراء المهملتين وفتح الواو (فقيل له): ولأبي ذر لي (ارقه) بهاء السكت ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ارق بإسقاطها (قلت): ولأبي ذر فقلت (لا أستطيع) أن أرقاه (فأتاني منصف) بكسر الميم وسكون النون وفتح الصاد المهملة وبعدها فاء، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: منصف بفتح الميم وكسر الصاد، والأول أشهر أي خادم (فرفع ثيابي من خلفي فرقيت) بكسر القاف (حتى كنت في أعلاها فأخذت بالعروة فقيل لي استمسك) بها (فاستيقظت) من منامي (و) الحال (أنها) أي العروة (لفي يدي) قبل أن أتركها وليس المراد أنه استيقظ وهي في يده وإن كانت القدرة صالحة لذلك (فقصصتها على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): ولأبوي الوقت وذر فقال: (تلك الروضة الإسلام) أي جميع ما يتعلق بالدين (وذلك) وللحموي وأما (العمود) فهو (عمود الإسلام) أي أركانه الخمسة أو كلمة الشهادة وحدها (وتلك العروة الوثقى) ولغير أبي ذر وتلك العروة عروة الوثقى أي الإيمان. قال تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى} [البقرة: 256] (فأنت على الإسلام حتى تموت) (وذاك) ولأبي ذر وذلك (الرجل عبد الله بن سلام) يحتمل أن يكون هو قوله ولا مانع أن يخبر بذلك ويريد نفسه، ويحتمل أن يكون من كلام الراوي، وليس في هذا نص بقطع

20 - باب تزويج النبي -صلى الله عليه وسلم- خديجة، وفضلها -رضي الله عنها-

النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه من أهل الجنة كما نص على غيره فلذا أنكر عليهم، ويحتمل أن يكون قوله ما ينبغي إنكارًا منه على من سأله عن ذلك لكونه فهم منه التعجب من خبرهم بأن ذلك لا عجب فيه لما ذكره من قصة المنام، وأشار بذلك القول إلى أنه لا ينبغي لأحد إنكار ما لا علم له به إذا كان الذي أخبره به من أهل الصدق، ويحقق هذا قوله فاستيقظت وإنها لفي يدي أي حقيقة من غير تأويل كما هو ظاهر اللفظ وتكون رؤياه هذه كشفًا كشفه الله تعالى له كرامة له. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التعبير ومسلم في الفضائل. وبه قال: (وقال لي خليفة) بن خياط (حدّثنا معاذ) هو ابن نصر العنبري قاضي البصرة قال: (حدّثنا ابن عون) عبد الله (عن محمد) هو ابن سيرين أنه قال: (حدّثنا قيس بن عباد) بضم العين وتخفيف الموحدة (عن ابن سلام) عبد الله أنه (قال): في الحديث السابق (وصيف مكان) قوله فيه (منصف) بكسر الميم وفتح الصاد وهو الخادم الصغير ذكرًا أو أنثى. 3814 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلاَمٍ -رضي الله عنه- فَقَالَ: أَلاَ تَجِيءُ فَأُطْعِمَكَ سَوِيقًا وَتَمْرًا وَتَدْخُلَ فِي بَيْتٍ؟ ثُمَّ قَالَ: إِنَّكَ فِي أَرْضٍ الرِّبَا بِهَا فَاشٍ، إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ فَإِنَّهُ رِبًا". وَلَمْ يَذْكُرِ النَّضْرُ وَأَبُو دَاوُدَ وَوَهْبٌ عَنْ شُعْبَةَ الْبَيْتَ. [الحديث 3814 - طرفه في: 7342]. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعيد بن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء (عن أبيه) أبي بردة عامر بن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أنه (قال: أتيت المدينة) طيبة (فلقيت عبد الله بن سلام) -رضي الله عنه- (فقال: ألا تجيء فأطعمك) بالنصب (سويقًا وتمرًا وتدخل في بيت؟) بالتنوين للتعظيم لدخول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه (ثم قال: إنك بأرض) مقيم وهي أرض العراق (الربا بها فاش) ظاهر كثير والجملة الإسمية من المبتدأ والخبر في موضع جر صفة لأرض (إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن) بكسر الحاء المهملة وسكون الميم (أو حمل شعير أو حمل قت) بفتح القاف وتشديد المثناة الفوقية نوع من علف الدواب (فلا تأخذ فإنه ربا) كأنه مذهبه، وإلاّ فالذي عليه الفقهاء أنه لا يكون ربا إلا إذا اشترطه ولا يخفى الورع (ولم يذكر النضر) بالضاد المعجمة ابن شميل (وأبو داود) الطيالسي (ووهب) بسكون الهاء ابن جرير في روايتهم هذا الحديث (عن شعبة) بن الحجاج (البيت) وبثبوته مع ترك قبول هدية المستقرض تحصل المطابقة لأنه علم منه ورعه ودخول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منزله. 20 - باب تَزْوِيجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَدِيجَةَ، وَفَضْلُهَا -رضي الله عنها- (باب تزويج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خديجة) بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية أول خلق الله إسلامًا اتفاقًا، وكانت له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزير صدق عندما بعث، فكان لا يسمع من المشركين شيئًا يكره من رد عليه وتكذيب له إلا فرج الله بها عنه تثبته وتصدقه وتخفف عنه وتهوّن عليه ما يلقى من قومه، واختارها الله تعالى له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أراد بها من كرامته، وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة. تزوجها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسنّه خمس وعشرون سنة في قول الجمهور، وكانت قبله عند أبي هالة بن النباش بن زياد التميمي حليف بني عبد الدار، وتوفيت على الصحيح بعد النبوّة بعشر سنين في شهر رمضان فأقامت معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمسًا وعشرين سنة. واستشكل قوله تزويج بصيغة التفعيل إذ مقتضاه أن يكون التزويج لغيره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وأجيب بأن التفعيل قد يجيء بمعنى التفعل أو المراد تزويجه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خديجة من نفسه. (و) ذكر (فضلها - رضي الله تعالى عنها -). 3815 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا -رضي الله عنه- يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: وَحَدَّثَنِي صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ عَنْ عَلِيٍّ بن أبي طالب -رضي الله عنهم- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام البيكندي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (عبدة) بن سليمان (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير أنه (قال: سمعت عبد الله بن جعفر) أي ابن أبي طالب (قال: سمعت) عمي (عليًّا) -رضي الله عنه- يقول: (سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر وحدّثني بزيادة الواو، وفي نسخة: ح وحدّثني (صدقة) بن الفضل المروزي قال: (أخبرنا عبده) بن سليمان (عن هشام بن عروة عن أبيه) أنه (قال: سمعت عبد الله بن جعفر) المذكور (عن علي) ولأبي ذر زيادة ابن أبي طالب (-رضي الله

عنهم- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (خير نسائها) أي الدنيا أي خير نساء أهل الدنيا في زمانها (مريم) ابنة عمران (وخير نسائها) أي هذه الأمة (خديجة). وعند مسلم من رواية وكيع عن هشام في هذا الحديث وأشار وكيع إلى السماء والأرض. قال النووي رحمه الله: أراد وكيع بهذه الإشارة تفسير الضمير في نسائها وأن المراد جميع نساء الأرض أي كل من بين السماء والأرض من النساء قال: والأظهر أن معناه أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها، وأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه. وفي حديث عمار بن ياسر عند البزار والطبراني مرفوعًا: "لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين". قال في الفتح: وهو حسن الإسناد، واستدلّ به على تفضيل خديجة على عائشة، وعند النسائي بإسناد صحيح وأخرجه الحاكم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعًا "أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية". 3816 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: كَتَبَ إِلَىَّ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي، لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ. وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيُهْدِي فِي خَلاَئِلِهَا مِنْهَا مَا يَسَعُهُنَّ". [الحديث 3816 - أطرافه في: 3817، 3818، 5229، 6004، 7484]. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم المهملة وفتح الفاء أبو عثمان المصري نسبه لجدّه عفير واسم أبيه كثير بالمثلثة قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: كتب إليّ هشام) قال في فتح الباري: وقع عند الإسماعيلي من وجه آخر عن الليث حدثني هشام فلعل الليث لقي هشامًا بعد أن كتب إليه فحدثه به أو كان مذهبه إطلاق حدّثنا في الكتابة، وقد نقل ذلك عنه الخطيب في علوم الحديث (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: ما غرت على امرأة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر الغين المعجمة وسكون الراء من الغيرة وهي الحمية والأنفة يقال: رجل غيور وامرأة غيور بلا هاء لأن فعولا يشترك فيه الذكر والأنثى وما نافية وما في قوله: (ما غرت) مصدرية أو موصولة أي ما غرت مثل غيرتي أو مثل التي غرتها (على خديجة) فيه ثبوت الغيرة وأنها غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء فضلاً عمن دونهن، وأن عائشة كانت تغار من نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكن من خديجة أكثر (هلكت) ماتت (قبل أن يتزوّجني) يعني ولو كانت الآن موجودة لكانت غيرتي أقوى ثم بينت سبب غيرتها بقولها (لما كنت أسمعه يذكرها) وفي الرواية الآتية من كثرة ذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياها (وأمره الله أن يبشرها ببيت) أي في الجنة (من قصب) بفتح القاف والصاد المهملة آخره موحدة لؤلؤ مجوف، وهذا أيضًا من جملة أسباب الغيرة لأن اختصاصها بهذه البشرى يشعر بمزيد محبته عليه الصلاة والسلام لها. وعند الإسماعيلي من رواية الفضل بن موسى عن هشام بن عروة: ما حسدت امرأة قط ما حسدت خديجة حين بشرها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ببيت من قصب (وإن كان ليذبح الشاة) إن مخففة من الثقيلة ولذا أتت باللام في قولها ليذبح الشاة (فيهدي) بضم الياء وكسر الدال (في خلائلها) بالخاء المعجمة أصدقائها (منها) من الشاة (ما يسعهن) أي ما يكفيهن، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ما يتسعهن بزيادة الفوقية المشدّدة بعد التحتية أي ما يتسع لهن. قال في الفتح وفي رواية النسفيّ يشبعهن من الشبع بكسر المعجمة وفتح الموحدة وليس في روايته لفظة ما، وهذا أيضًا من أسباب الغيرة لما فيه من الإشعار باستمرار حبه لها حتى كان يتعاهد أصداءها. 3817 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِيَّاهَا. قَالَتْ: وَتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بِثَلاَثِ سِنِينَ، وَأَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ -أَوْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ- أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا حميد بن عبد الرحمن) بضم الحاء وفتح الميم في الأول مصغرًا الرؤاسي بضم الراء وفتح الهمزة وسين مهملة مكسورة، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الحدود (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: ما غرت على امرأة) أي من أزواجه عليه الصلاة والسلام (ما غرت) أي مثل غيرتي أو مثل التي غرتها (على خديجة من كثرة ذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياها) إذ كثرة ذكر الشيء تدل على محبته، وأصل غيرة المرأة من تخيل محبة غيرها أكثر منها. وعند النسائي من رواية النضر بن شميل عن هشام كالمؤلّف في النكاح من كثرة ذكره إياها

وثنائه عليها (قالت: وتروّجني بعدها) بعد موتها (بثلاث سنين). قال النووي: أرادت بذلك زمن الدخول عليها. وأما العقد فتقدم على ذلك بمدّة سنة ونصف ونحو ذلك، وعند الإسماعيلي من طريق عبد الله بن محمد بن يحيى عن هشام عن أبيه أنه كتب إلى الوليد أنك سألتني متى توفيت خديجة وأنها توفيت قبل مخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مكة بثلاث سنين أو قريب من ذلك، ونكح -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عائشة -رضي الله عنها- بعد متوفى خديجة وعائشة بنت ست سنين، ثم إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنى بها بعدما قدم المدينة وهي بنت تسع سنين اهـ. وقد توفيت خديجة قبل الهجرة اتفاقًا وماتت في رمضان سنة عشر من النبوّة وكان بناؤه عليه الصلاة والسلام على عائشة -رضي الله عنها- بعد منصرفه من وقعة بدر في شوّال سنة اثنتين. (وأمره ربه عز وجل أو جبريل عليه السلام) بالشك من الراوي (أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب). 3818 - حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَنٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ وَمَا رَأَيْتُهَا، وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلاَّ خَدِيجَةُ؟ فَيَقُولُ: إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عمر بن محمد بن حسن) بضم العين في الأول وفتح الحاء في الشاك المعروف بابن التل بفتح المثناة الفوقية وتشديد اللام الأسدي الكوفي المتوفى في شوّال سنة خمسين ومائتين قال: (حدّثنا أبي) محمد بن حسن بن الزبير الكوفي قال: (حدّثنا حفص) هو ابن غياث النخعي الكوفي قاضيها (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: ما غرت على أحد من نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما غرت على خديجة وما رأيتها) وقد كانت رؤيتها لها ممكنة لأنه كان لها عند موتها ست سنين فيحتمل النفي بقيد اجتماعهما عنده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ولكن) سبب الغيرة (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكثر ذكرها) ومن أحب شيئًا أكثر من ذكره (وربما ذبح) عليه الصلاة والسلام (الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له كأنه) بهاء بعد النون المشددة ولأبي ذر عن الكشميهني كأن (لم يكن في الدنيا إلا خديجة) وفي غير الفرع وأصله لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فذكر المستثنى منه (فيقول) عليه الصلاة والسلام: (إنها كانت وكانت) كرر مرتين ولم يرد به التثنية، ولكن ليتعلق بالتكرير كل مرة من خصائلها ما يدل على فضلها كقوله تعالى: {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحًا} [الكهف: 82] ولم يذكر هنا متعلقه للشهرة تفخيمًا وقدّر بنحو كانت فاضلة وكانت عاقلة (وكان لي منها ولد). وعند أحمد من طريق مسروق عن عائشة -رضي الله عنها- "آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء" الحديث، وقد كان جميع أولاده عليه الصلاة والسلام منها إلا إبراهيم عليه السلام فإنه من مارية القبطية. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل والترمذي في البرّ. 3819 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما- بَشَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَدِيجَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري الحافظ قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد أنه (قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة والفاء بينهما واو ساكنة واسمه علقمة الأسلمي (-رضي الله عنهما-: بشّر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خديجة؟) هو استفهام محذوف الأداة أي: أبشرها (قال) ابن أبي أوفى: (نعم) بشرها عليه الصلاة والسلام (ببيت) أي في الجنة (من قصب) لؤلؤة مجوفة كما في الكبير للطبراني، وفي الأوسط من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت الأحمر (لا صخب) بالصاد المهملة والخاء المعجمة والموحدة المفتوحات لا صياح (فيه ولا نصب) نفى عنه ما في بيوت الدنيا من آفة جلبة الأصوات وتعب تهيئتها وإصلاحها وسقط قوله قال نعم في الفرع والوجه الإثبات كما هو ثابت في اليونينية فلعل السقط من الكاتب أو غيره فالله أعلم. وهذا الحديث سبق في أبواب العمرة في باب: متى يحل المعتمر بأتم من هذا. 3820 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ". [الحديث 3820 - طرفه في: 7497]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا محمد بن فضيل) بضم الفاء وفتح المعجمة

21 - باب ذكر جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه-

ابن غزوان الضبي مولاهم الحافظ (عن عمارة) بضم العين وتخفيف الميم ابن القعقاع (عن أبي زرعة) هرم أو عبد الله بن عمرو بن جرير البجلي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: أتى جبريل) عليه السلام (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عند الطبراني في رواية سعيد بن كثير أن ذلك كان وهو بحراء (فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت) أي إليك (معها إناء فيه إدام) بكسر الهمزة (أو) قال: (طعام) في رواية الطبراني المذكورة أنه كان حيسًا (أو) قال: (شراب) والشك من الراوي (فإذا هي أتتك فاقرأ) بهمزة وصل وفتح الراء (عليها السلام من ربها) جل وعلا (ومني). وهذا لعمر الله خاصة لم تكن لسواها زاد الطبراني في روايته المذكورة فقالت: هو السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام، وزاد النسائي من حديث أنس: وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته فجعلت مكان ردّ السلام على الله الثناء عليه تعالى، ثم غايرت بين ما يليق بالله وما يليق بغيره وهذا يدل على وفور فقهها كما لا يخفى. (وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب). وقد أبدى السهيلي لنفي هاتين الصفتين حكمة لطيفة فقال: لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما دعا إلى الإيمان أجابت خديجة -رضي الله عنها- طوعًا فلم تحوجه إلى رفع الصوت من غير منازعة ولا تعب، بل أزالت عنه كل تعب وآنسته من كل وحشة وهوّنت عليه كل عسير فناسب أن يكون منزلها الذي بشرها به ربها بالصفة المقابلة لفعلها وصورة حالها -رضي الله عنها- ومن خواصها -رضي الله عنها- أنها لم تسؤه قط ولم تغاضبه. وهذا الحديث من المراسيل لأن أبا هريرة -رضي الله عنه- لم يدرك خديجة وأيامها. 3821 - وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: «اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ -أُخْتُ خَدِيجَةَ- عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاعَ لِذَلِكَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَالَةَ. قَالَتْ: فَغِرْتُ فَقُلْتُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا». (وقال إسماعيل بن خليل): الخزاز بمعجمات الكوفي مما وصله أبو عوانة عن محمد بن يحيى الذهلي عن إسماعيل بن خليل المذكور قال: (أخبرنا علي بن مسهر) أبو الحسن الكوفي الحافظ (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: استأذنت هالة بنت خويلد) زوج الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس والد أبي العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أخت خديجة) بنت خويلد (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الدخول عليه بالمدينة وكانت قد هاجرت إلى المدينة، ويحتمل أن تكون دخلت عليه بمكة حيث كانت عائشة -رضي الله عنها- معه في بعض سفراته (فعرف استئذان خديجة) أي صفة استئذان خديجة لشبه صوتها بصوت أختها فتذكر خديجة بذلك (فارتاع لذلك) بفوقية أي فزع والمراد لازمه أي تغير قال في الفتح: ووقع في بعض الروايات فارتاح بالحاء المهملة أي اهتز لذلك سرورًا (فقال): (اللهم) اجعلها (هالة) نصب على المفعولية ويجوز الرفع بتقدير هذه هالة وفي الفرع وأصله هالة بفتح ثم نصب منوّنًا (قالت) عائشة -رضي الله عنها- (فغرت فقلت: ما) أي أيّ شيء (تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين) بجر حمراء، وجوّز أبو البقاء الرفع على القطع والنصب على الحال وهو تأنيث أحمر، والشدق بكسر الشين المعجمة جانب الفم وصفتها بالدرد وهو سقوط الأسنان من الكبر فلم يبق بشدقيها بياض إلا حمرة اللثات (هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيرًا منها) في حديث عائشة -رضي الله عنها- من طريق أبي نجيح عند أحمد والطبراني قالت عائشة -رضي الله عنها-: فقلت قد أبدلك الله بكبيرة السن حديثة السن فغضب حتى قلت: والذي بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا إلا بخير، وهذا يرد قول السفاقسي أن في سكوته عليه الصلاة والسلام على ذلك دليلاً على فضل عائشة على خديجة إلا أن يكون المراد بالخيرية هنا حسن الصورة وصغر السن. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل. 21 - باب ذِكْرُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ -رضي الله عنه- (باب ذكر جرير بن عبد الله) بن جابر وهو الشليل بشين معجمة مفتوحة فلامين بينهما تحتية ساكنة ابن مالك (البجلي) بفتح الموحدة والجيم نسبة إلى بجيلة بنت مصعب بن سعد العشيرة أم ولد أنمار بن أراش أحد أجداد جرير، وأسلم جرير قبل وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأربعين

22 - باب ذكر حذيفة بن اليمان العبسي -رضي الله عنه-

يومًا قاله في أسد الغابة وفيه نظر لأنه ثبت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له في حجة الوداع: استنصت الناس وذلك قبل موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأكثر من ثمانين يومًا، وكان جرير حسن الصورة. قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: جرير يوسف هذه الأمة وهو سيد قومه، وفي الطبراني أنه لما دخل على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكرمه وبسط له رداءه وقال: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه" وتوفي سنة إحدى وخمسين أو أربع وخمسين (-رضي الله عنه-) وسقط لفظ باب لأبي ذر. 3822 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ بَيَانٍ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه-: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلاَ رَآنِي إِلاَّ ضَحِكَ". وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن شاهين أبو بشر (الواسطي) قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الواسطي الطحان (عن بيان) بفتح الموحدة وتخفيف التحتية بن بشر بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة الأحمسي (عن قيس) هو ابن أبي حازم أنه (قال: سمعته يقول قال جرير بن عبد الله) البجلي (-رضي الله عنه-: ما حجبني) ولأبي الوقت: قال: ما حجبني (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منذ أسلمت) أي ما منعني مما التمست منه أو من دخول منزله ولا يلزم منه النظر إلى أمهات المؤمنين (ولا رآني إلا ضحك) أي تبسم بشاشة وإكرامًا ولطفًا له. 3823 - وَعَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَيْتٌ يُقَالَ لَهُ ذُو الْخَلَصَةِ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَةُ أَوِ الْكَعْبَةُ الشَّأْمِيَّةُ. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَلْ أَنْتَ مُرِيحِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ؟ قَالَ: فَنَفَرْتُ إِلَيْهِ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، قَالَ: فَكَسَرْنَا، وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ، فَأَتَيْنَاهُ فَأَخْبَرْنَاهُ، فَدَعَا لَنَا وَلأَحْمَسَ». (وعن قيس) هو ابن أبي حازم بالإسناد السابق (عن جرير بن عبد الله) البجلي -رضي الله عنه- أنه (قال: كان في الجاهلية بيت) في خثعم قبيلة من اليمن (يقال له ذو الخلصة) بالخاء المعجمة واللام والصاد المهملة المفتوحات (وكان يقال له الكعبة اليمانية) بتخفيف الياء (أو الكعبة الشامية) بالشك في الفرع، وفي رواية الأربعة والشامية بغير ألف بلا شك قال عياض: ذكر الشامية غلط من الرواة والصواب حذفها اهـ. يعني أن الكعبة الشامية هي التي بمكة المشرفة ففرقوا بينهما بالوصف المميز، وأوّله النووي والتي بمكة الكعبة الشامية. وقال الكرماني: الضمير في قوله له راجع للبيت والمراد به بيت الصنم يعني كان يقال لبيت الصنم الكعبة اليمانية والكعبة الشامية فلا غلط ولا حاجة إلى التأويل بالعدول عن الظاهر. (فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هل أنت مريحي) من الإراحة (من ذي الخلصة)؟ (قال) جرير: (فنفرت إليه في خمسين ومائة فارس من) رجال (أحمس) بفتح الهمزة وبالحاء المهملة الساكنة آخره سين مهملة بعد فتحة قبيلة جرير (قال: فكسرناه وقتلنا من وجدنا عنده فأتيناه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأخبرناه) بذلك (فدعا لنا ولأحمس). وفي باب البشارة في الفتوح من الجهاد فبارك على خيل أحمس ورجالها خمس مرات. 22 - باب ذِكْرُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ الْعَبْسِيِّ -رضي الله عنه- (باب ذكر حذيفة بن اليمان العبسي) بسكون الموحدة بعدها مهملة، وحذيفة بضم الحاء المهملة وفتح المعجمة وبالفاء مصغرًا واليمان بتخفيف الميم واسمه حسيل، وإنما قيل له اليمان لأنه أصاب دمًا في قومه فهرب إلى المدينة وحالف بني عبد الأشهل من الأنصار فسماه قومه اليمان لأنه حالف الأنصار وهم من اليمن، وكان صاحب سر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، واستعمله عمر -رضي الله عنه- أميرًا على المدائن، ومات بعد قتل عثمان بأربعين يومًا سنة ست وثلاثين وسقط لفظ باب لأبي ذر (-رضي الله عنه-). 3824 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ رَجَاءٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ هَزِيمَةً بَيِّنَةً، فَصَاحَ إِبْلِيسُ: أَىْ عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ. فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ، فَاجْتَلَدَتْ مَعَ أُخْرَاهُمْ. فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ، فَنَادَى: أَىْ عِبَادَ اللَّهِ، أَبِي أَبِي. فَقَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ. قَالَ أَبِي: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهَا بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسماعيل بن خليل) الخزاز بمعجمات قال: (حدّثنا سلمة بن رجاء) التميمي الكوفي (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: لما كان يوم أُحد هزم المشركون هزيمة بيّنة) ظاهرة (فصاح إبليس) لعنه الله بالمسلمين (أي عباد الله) اقتلوا (أخراكم) أو انصروا أخراكم (فرجعت أولاهم على أخراهم فاجتلدت) فاقتتلت (أخراهم) قال في التنقيح: وجه الكلام فاجتلدت هي وأخراهم. قال في المصابيح: يريد لأن الاجتلاد كالتجالد يستدعي تشارك أمرين فصاعدًا في أصله، لكن التقدير الذي جعله وجه الكلام مشتمل على حذف المعطوف عليه وحذف العاطف وحده، والظاهر عدمه أو عزته، والأولى أن يجعل من حذف العاطف والمعطوف مثل: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81] أي والبرد ومثله كثير فيكون التقدير فاجتلدت أخراهم وأولاهم

23 - باب ذكر هند بنت عتبة بن ربيعة -رضي الله عنها-

وللكشميهني فاجتلدت مع أخراهم (فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه) اليمان (فنادى: أي عباد الله) هذا (أبي) يحذر المسلمين عن قتله ولم يسمعوا فقتلوه يظنون أنه من المشركين وتصدّق حذيفة بديته على من قتله (فقالت): أي عائشة -رضي الله عنها- (فوالله ما احتجزوا) بحاء مهملة وجيم وزاي أي ما انفصلوا من القتال (حتى قتلوه) خطأ (فقال حذيفة: غفر الله لكم). قال هشام (قال أبي) عروة (فوالله ما زالت في حذيفة منها) من هذه الكلمة (بقية خير) أي بقية دعاء واستغفار لقاتل أبيه اليمان (حتى لقي الله عز وجل) أي مات وقال التيمي: أي ما زال في حذيفة بقية حزن على أبيه من قتل المسلمين له. 23 - باب ذِكْرُ هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ -رضي الله عنها- (باب ذكر هند بنت عتبة بن ربيعة) بن عبد شمس القرشية الهاشمية والدة معاوية بن أبي سفيان أسلمت في الفتح بعد إسلام زوجها أبي سفيان وأقرها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على نكاحها، وكانت امرأة ذات أنفة ورأي وعقل وشهدت أُحدًا كافرة، فلما قتل حمزة مثلت به وشقت كبده فلاكتها فلم تطق، وتوفيت في خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في اليوم الذي مات فيه أبو قحافة والد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وهي القائلة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما شرط على النساء في المبايعة ولا يسرقن ولا يزنين وهل تزني الحرة؟ (-رضي الله عنها-) وسقط باب لأبي ذر. 3825 - وَقَالَ عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: «جَاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ مِنْ أَهْلِ خِبَاءٍ أَحَبُّ إِلَىَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثُمَّ مَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ. قَالَ: وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ عَلَىَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا؟ قَالَ: لاَ أُرَاهُ إِلاَّ بِالْمَعْرُوفِ». (وقال عبدان) عبد الله بن عثمان المروزي مما وصله البيهقي (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (إن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءت هند) بالصرف لأبي ذر ولغيره بعدمه (بنت عتبة قالت): ولأبي ذر فقالت: (يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض من أهل خباء أحب إليّ أن يذلوا) بفتح أوّله وكسر المعجمة (من أهل خبائك) بكسر الخاء المعجمة وفتح الموحدة مع المدّ خيمة من وبر أو صوف ثم أطلقت على البيت كيف كان (ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحبّ) بالنصب ولأبي ذر: أحب بالرفع (إليّ أن يعزوا) بلفظ الجمع ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أن يعز (من أهل خبائك. قالت): أي هند قال عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر قال: بدل قالت: أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وأيضًا) ستزيدين من ذلك ويتمكن الإيمان في قلبك فيزيد حبك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويقوى رجوعك عن بغضه (والذي نفسي بيده. قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسّيك) بكسر الميم والسين المهملة المشدّدة بخيل شحيح (فهل عليّ حرج) أي إثم (أن) أي بأن (أطعم) بضم الهمزة وكسر العين (من) المال (الذي له عيالنا قال) عليه الصلاة والسلام: (لا أراه) بضم الهمزة أي الإطعام (إلا بالمعروف) بقدر الحاجة دون الزيادة، ولابن عساكر في نسخة وأبي ذر عن الكشميهني قال: "إلا بالمعروف"، ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي قال: "لا إلا بالمعروف". وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النفقات والأيمان والنذور. 24 - باب حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ (باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل) بفتح العين وسكون الميم ونفيل بضم النون وفتح الفاء ابن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك القرشي العدوي والد سعيد بن زيد، أحد العشرة وابن عم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يجتمع هو وعمر في نفيل -رضي الله عنه- وسقط لفظ باب لأبي ذر. 3826 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بن عُقبةَ حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَحْيُ، فَقُدِّمَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صُفْرَةٌ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا. ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ: إِنِّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلاَ آكُلُ إِلاَّ مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَأَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ وَيَقُولُ: الشَّاةُ خَلَقَهَا اللَّهُ، وَأَنْزَلَ لَهَا مِنَ السَّمَاءِ الْمَاءَ، وَأَنْبَتَ لَهَا مِنَ الأَرْضِ، ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ، إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن أبي بكر) المقدمي قال: (حدّثنا فضيل بن سليمان) النميري قال: (حدّثنا موسى) ولأبي ذر ابن عقبة قال: (حدّثنا سالم بن عبد الله عن) أبيه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح) بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح الدال وآخره حاء مهملتين وادٍ قبل مكة من جهة المغرب مكان في طريق التنعيم وقيل واد وفيه الصرف وعدمه (قبل أن ينزل) بفتح أوله ولأبي ذر ينزل بضمه (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الوحي فقُدمت) بضم القاف (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سفرة) بضم السين

مرفوع نائب عن الفاعل. قال ابن الأثير: السفرة طعام يتخذه المسافر وأكثر ما يحمل في جلد مستدير فنقل اسم الطعام إلى الجلد وسمي به كما سميت المزادة راوية وغير ذلك من الأسماء المنقولة. قال ابن بطال وكانت هذه السفرة لقريش (فأبى) زيد بن عمرو بن نفيل (أن يأكل منها. ثم قال زيد) مخاطبًا للذين قدموا السفرة (إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم) جمع نصب بالمهملة وضمتين وهي أحجار كانت حول الكعبة يذبحون عليها للأصنام (ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه). واستشكل بأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أولى بذلك من زيد. وأجيب: بأنه ليس في الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكل منها، وعلى تقدير كونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكل منها فزيد إنما فعل ذلك برأي رآه لا بشرع بلغه، وإنما كان عند أهل الجاهلية بقايا من دين إبراهيم، وكان في شرع إبراهيم تحريم الميتة لا تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه، وتحريم ما لم يذكر اسم الله عليه وإنما نزل في الإسلام، والأصح أن الأشياء قبل الشرع لا توصف بحل ولا حرمة قاله السهيلي. وقول ابن بطال: وكانت السفرة لقريش فقدموها للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأبى أن يأكل منها فقدمها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لزيد بن عمرو فأبى أن يأكل منها تعقبه في الفتح فقال: هو محتمل لكن لا أدري من أين له هذا الجزم بذلك فإني لم أقف عليه في رواية أحد. وقال الخطابي: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يأكل مما يذبحون للأصنام ويأكل مما عدا ذلك وإن كانوا لا يذكرون اسم الله عليه، وإنما فعل ذلك زيد برأي رآه لا بشرع بلغه قاله السهيلي. واستضعف بأن الظاهر أنه كان فى شرع إبراهيم عليه الصلاة والسلام تحريم ما ذبح لغير الله لأنه كان عدو الأصنام. وهذا الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الصيد. (وأن) بفتح الهمزة ولأبي ذر فإن (زيد بن عمرو) المذكور (كان يعيب) بفتح أوله (على ٌقريش ذبائحهم) التي يذبحونها لغير الله (ويقول) لهم: (الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء) لتشربه (وأنبت لها من الأرض) الكلأ لتأكله (ثم تذبحونها على غير اسم الله إنكارًا لذلك) الفعل (وإعظامًا له) ونصب إنكارًا على التعليل وإعظامًا عطف عليه. وقوله: وأن زيدًا موصول بالإسناد المذكور. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الذبائح والنسائي في المناقب. 3827 - قَالَ مُوسَى: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ تُحُدِّثَ بِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ وَيَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ الْيَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ فَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ فَأَخْبِرْنِي. فَقَالَ: لاَ تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ. قَالَ زَيْدٌ: مَا أَفِرُّ إِلاَّ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَلاَ أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ؟ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا. قَالَ زَيْدٌ: وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ؛ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلاَ يَعْبُدُ إِلاَّ اللَّهَ. فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى، فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَقَالَ: لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ. قَالَ: مَا أَفِرُّ إِلاَّ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، وَلاَ أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ وَلاَ مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ؟ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا. قَالَ: وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلاَ يَعْبُدُ إِلاَّ اللَّهَ. فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ". (قال موسى) بن عقبة بالإسناد المذكور (حدّثني) بالإفراد (سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (ولا أعلمه إلا تحدث) بضم الفوقية والحاء وكسر الدال المهملة مبنيًّا للمفعول ويجوز الفتح فيهما مبنيًّا للفاعل وفي نسخة ألا يحدث بضم التحتية وفتح الحاء والدال وضم المثلثة (به عن ابن عمر أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج) من مكة (إلى الشام يسأل عن الدين) أي دين التوحيد (ويتبعه) بسكون الفوقية في الفرع وأصله وعليها علامة أبي ذر، وفي الفتح ويتبعه بتشديدها من الاتباع، وللكشميهني ويبتغيه بتحتية وفوقية مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة وغين معجمة بعدها تحتية ساكنة أي يطلبه (فلقي عالمًا من اليهود) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: لم أقف على اسمه (فسأله عن دينهم فقال) له: (إني لعلى) لعل واسمها وخبرها قوله: (أن أدين دينكم فأخبرني) عن شأن دينكم (فقال) له اليهودي: (لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله) أي من عذابه (قال زيد: ما أفر) بالفاء (إلا من غضب الله ولا أحمل من غضب الله شيئًا أبدًا وأنا أستطيعه) أي والحال أن لي قدرة على عدم حمل ذلك، وفي اليونينية وأنى أستطيعه بتشديد النون مفتوحة استفهامية (فهل تدلني على غيره) من الأديان (قال) له: (ما أعلمه إلا أن يكون) دينًا (حنيفًا. قال زيد: وما) الدين (الحنيف؟ قال): اليهودي هو (دين إبراهيم لم يكن يهوديًا ولا نصرانيًّا ولا يعبد إلا الله) وحده لا شريك له (فخرج زيد فلقي عالمًا من النصارى) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه أيضًا (فذكر مثله) أي مثل ما ذكر لعالم اليهود (فقال) له: (لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله)

25 - باب بنيان الكعبة

أي من إبعاده من رحمته وطرده عن بابه (قال) له زيد: (ما أفر إلا من لعنة الله ولا أحمل من لعنة الله ولا من غضبه شيئًا أبدًا وأنا أستطيع) وفي اليونينية وغيرها وأني بفتح النون مشددة استفهامية وعند الداراني وأني بكسر الهمزة والنون المشددة لا أستطيع (فهل تدلني على غيره) من الأديان (قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفًا. قال) له زيد: (وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم لم يكن يهوديًا ولا نصرانيًّا ولا يعبد إلا الله) وحده لا شريك له (فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم عليه السلام خرج فلما برز) أي ظهر خارجًا عن أرضهم (رفع يديه فقال: اللهم إني) بكسر الهمزة (أشهد أني) بفتحها (على دين إبراهيم). وروى البزار والطبراني من حديث سعيد بن زيد خرج زيد بن عمرو وورقة يطلبان الدين حتى أتيا الشام فتنصر ورقة وامتنع زيد فأتى الموصل فلقي راهبًا فعرض عليه النصرانية فامتنع؛ الحديث. وفيه قال سعيد بن زيد: فسألت أنا وعمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن زيد فقال: "غفر الله له ورحمه فإنه مات على دين إبراهيم". 3828 - وَقَالَ اللَّيْثُ: كَتَبَ إِلَىَّ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- قَالَتْ: "رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ يَقُولُ: يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ، وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي. وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ: لاَ تَقْتُلْهَا، أَنَا أَكْفِيكَ مَئُونَتَهَا. فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لأَبِيهَا. إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا". (وقال الليث) بن سعد مما وصله أبو بكر بن أبي داود عن عيسى بن حماد المعروف بزغبة عن الليث (كتب إليّ) بتشديد التحتية (هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما-) أنها (قالت: رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائمًا مسندًا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معاشر قريش) ولأبي ذر يا معشر بسكون العين وفتح المعجمة (والله ما منكم على دين إبراهيم غيري) وفي حديث أبي أسامة عند أبي نعيم في مستخرجه وكان يقول: إلهي إله إبراهيم وديني دين إبراهيم. (وكان) أي زيد (يحيي الموءودة) مفعولة من وأد الشيء إذا قتله، وأطلق عليها اسم الوأد اعتبارًا بما أريد بها وإن لم يقع وكانوا يدفنون البنات وهن بالحياة وأصله فيما قيل من الغيرة عليهن لما وقع لبعض العرب حيث سبى بنت آخر فاستفرشها فأراد أبوها أن يفتديها منه فخيّرها فاختارت الذي سباها فحلف أبوها ليقتلن كل بنت تولد له فتوبع على ذلك، وأكثر من كان يفعل ذلك منهم من الإملاق. وقوله يحيي الموءودة هو مجاز عن الإبقاء وذلك أنه (يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها أنا أكفيكها) ولأبي ذر وابن عساكر: أنا أكفيك (مؤونتها فيأخذها) من أبيها ويقوم بما تحتاج إليه (فإذا ترعرعت) براءين وعينين مهملات أي نشأت (قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤونتها). وعند الفاكهي من حديث عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب قال: قال لي زيد بن عمرو: إني خالفت قومي واتبعت ملة إبراهيم وإسماعيل وما كانا يعبدان وأنا انتظر نبيًّا من بني إسماعيل ولا أراني أدركه وأنا أؤمن به وأصدق وأشهد أنه نبي، وإن طالت بك حياة فأقرئه مني السلام قال عامر: فلما أسلمت أعلمت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبره قال: فردّ عليه السلام ترحم عليه وقال: "لقد رأيته في الجنة يسحب ذيولاً" وفي رواية أبي أسامة المذكور سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن زيد فقال: "يبعث يوم القيامة أمة وحده بيني وبين عيسى ابن مريم" وروى أبو عمر أنه كان يقول: يا معشر قريش إياكم والربا فإنه يورث الفقر، وروى الزبير بن بكار من طريق هشام بن عروة قال: بلغنا أن زيدًا كان بالشام فبلغه مخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأقبل يريده فقتل بميفعة من أرض البلقاء. وقال ابن إسحاق لما توسط بلاد لخم قتلوه، وقيل إنه مات قبل المبعث بخمس سنين عند بناء قريش الكعبة. 25 - باب بُنْيَانُ الْكَعْبَةِ (باب بنيان الكعبة) في الجاهلية على يد قريش في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل بعثته. وعند ابن إسحاق وغيره أن قريشًا لما بنت الكعبة كان عمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومئذٍ خمسًا وعشرين سنة، وسقط باب لأبي ذر فتاليه مرفوع. 3829 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: «لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَبَّاسٌ يَنْقُلاَنِ الْحِجَارَةَ، فَقَالَ عَبَّاسٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ يَقِكَ مِنَ الْحِجَارَةِ، فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: إِزَارِي إِزَارِي، فَشَدَّ عَلَيْهِ إِزَارَهُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمود) هو ابن غيلان العدوي مولاهم المروزي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز المكي (قال:

26 - باب أيام الجاهلية

أخبرني) بالإفراد أيضًا (عمرو بن دينار) بفتح العين أنه (سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: لما بنيت الكعبة) بضم الموحدة وكسر النون مبنيًّا للمفعول أي لما بنتها قريش (ذهب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) عمه (عباس ينقلان الحجارة) على أعناقهما لبنائها (فقال عباس للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): يا ابن أخي (اجعل إزارك على رقبتك يقيك) بالتحتية بعد القاف مرفوع ولأبي ذر يقك بحذفها على الجزم (من الحجارة) ففعل ذلك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فخر) أي فوقع (إلى الأرض وطمحت) بفتحات (عيناه) أي شخصتا وارتفعتا (إلى السماء ثم أفاق) وسقطت هذه من الفرع: وفي حديث أبي الطفيل فبينما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينقل معهم الحجارة إذ انكشفت عورته فنودي: يا محمد غط عورتك فذلك أوّل ما نودي فما رئيت له عورة قبل ولا بعد (فقال) لعمه: أعطني (إزاري) أعطني (إزاري) فأعطاه فأخذه (فشد عليه) زاده الله شرفًا لديه (إزاره) زاد في رواية في أوائل الصلاة فما رئي بعد ذلك عريانًا. وهذا الحديث من مراسيل الصحابة، وسبق في باب فضل مكة وبنيانها، واختلف في عدد بناء الكعبة والذي تحصل من مجموعه عشر مرات الملائكة وآدم وأولاده والخليل والعمالقة وجرهم وقصي بن كلاب وقريش وعبد الله بن الزبير والحجاج ومرت دلائل ذلك. 3830 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالاَ: لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَوْلَ الْبَيْتِ حَائِطٌ، كَانُوا يُصَلُّونَ حَوْلَ الْبَيْتِ، حَتَّى كَانَ عُمَرُ فَبَنَى حَوْلَهُ حَائِطًا. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: جَدْرُهُ قَصِيرٌ، فَبَنَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ". وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم الأزدي الجهضمي البصري (عن عمرو بن دينار وعبيد الله بن أبي يزيد) بضم عين عبيد الله ويزيد من الزيادة مولى أهل مكة (قالا: لم يكن على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حول البيت) الحرام (حائط كانوا يصلون حول البيت) وهذا مرسل، وقيل منقطع لأن عمرو بن دينار وعبيد الله بن أبي يزيد من صغار التابعين. وقوله: (حتى كان عمر) أي زمان خلافته (فبنى حوله حائطًا) وهذا منقطع لأنهما لم يدركا عمر (قال عبيد الله) بن أبي يزيد: (جدره) بفتح الجيم وسكون الدال مرفوع أي جداره مبتدأ خبره قوله: (قصير) والجملة صفة حائطًا، والذي في الفرع جدرة بفتح الجيم وسكون الدال المهملة ونصب الراء بعدها هاء تأنيث مرفوع عليها شطبة بالحمرة فصير بالرفع أيضًا وكذا هو في اليونيية لكن بغير نقط على الهاء ولا ضبط لها، فيحتمل أن يكون الرفع على الراء وفي نسخة جدارًا بفتح الجيم والدال والنصب قصيرًا نصب أيضًا. (فبناه ابن الزبير) عبد الله -رضي الله عنه- مرتفعًا طويلاً، وهذا المقدار هو الموصول أيضًا من الحديث كما نبه عليه الحافظ ابن حجر. 26 - باب أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ (باب) بيان (أيام الجاهلية) أيام الفترة وسميت بها لكثرة جهالاتهم وسقط لأبي ذر لفظ باب. 3831 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ هِشَامٌ حَدَّثَنا أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ عَاشُورَاءُ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُومُهُ. فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ لاَ يَصُومُهُ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (قال هشام: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا هشام قال: حدّثني (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان عاشوراء) ولأبي ذر كان يوم عاشوراء (يومًا تصومه قريش في الجاهلية) اقتداء بشرع سابق، لكن قال في الفتح: أن في بعض الأخبار أنه كان أصابهم قحط ثم رفع عنهم فصاموه شكرًا (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصومه) أي في الجاهلية (فلما قدم المدينة) في ربيع الأول (صامه) على عادته (وأمر) أصحابه (بصيامه) في أول السنة الثانية (فلما نزل رمضان) أي صيامه في الثانية في شهر شعبان (كان من شاء صامه) أي عاشوراء (ومن شاء لا يصومه). وهذا الحديث قد مرّ في كتاب الصيام. 3832 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: «كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنَ الْفُجُورِ فِي الأَرْضِ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَأ الدَّبَرْ، وَعَفَا الأَثَرْ، حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ. قَالَ: فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ رَابِعَةً مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، وَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ». وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم قال: (حدّثنا وهيب) مصغرًا هو ابن خالد قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كانوا) أي أهل الجاهلية (يرون) بفتح التحتية أي يعتقدون (أن العمرة) أي الإحرام بها (في أشهر الحج) شوال وذي القعدة وتسع من الحجة وليلة النحر أو عشر أو ذي الحجة بكماله على الخلاف فيه (من الفجور) أي من الذنوب (في الأرض وكانوا) أي في الجاهلية (يسمون

المحرم صفرًا) بالتنوين مصروفًا. قال النووي: بلا خلاف اهـ. وفي الفرع كأصله عن أبي ذر صفر بغير تنوين (ويقولون: إذا برأ الدبر) بالمهملة والموحدة المفتوحتين الجرح الذي يحصل في ظهر الإبل من اصطكاك الأقتاب وبرا بغير همزة في الفرع كأصله (وعفا الأثر) أي ذهب أثر الحاج من الطريق بعد رجوعهم بوقوع الأمطار وزاد في الحج وانسلخ صفر (حلت العمرة لمن اعتمر) بسكون الراء كالسابقتين للسجع. (قال) ابن عباس (فقدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) مكة (رابعة) أي صبح رابعة من ذي الحجة حال كونهم (مهلين بالحج) ولا يلزم من إهلاله عليه الصلاة والسلام بالحج أن لا يكون قارنًا (وأمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يجعلوها) أي يقبلوا الحجة (عمرة) ويتحللوا بعملها فيصيروا متمتعين وهذا الفسخ خاص بذلك الزمن خلافًا للأمام أحمد (قالوا: يا رسول الله أيّ الحل؟) هل هو حل عام لكل ما حرم بالإحرام حتى الجمع أو حل خاص (قال) عليه الصلاة والسلام: (الحل كله) فيحل فيه حتى الجماع لأن العمرة ليس لها إلا تحلل واحد. وهذا الحديث قد سبق في الحج. 3833 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: كَانَ عَمْرٌو يَقُولُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: "جَاءَ سَيْلٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكَسَا مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ. قَالَ سُفْيَانُ وَيَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَحَدِيثٌ لَهُ شَأْنٌ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: كان عمرو) بفتح العين ابن دينار (يقول: حدّثنا سعيد بن المسيب) التابعي (عن أبيه) المسيب (عن جده) جد سعيد واسمه حزن بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي بعدها نون المهاجري وإن من أشراف قريش في الجاهلية أنه (قال: جاء سيل في الجاهلية) قبل الإسلام (فكسا) أي غطى (ما بين الجبلين) المشرفين على مكة (قال سفيان) بن عيينة: (ويقول) عمرو بن دينار: (إن هذا الحديث له شأن) أي قصة طويلة. 3834 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ بَيَانٍ أَبِي بِشْرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: "دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ أَحْمَسَ يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ، فَرَآهَا لاَ تَكَلَّمُ، فَقَالَ: مَا لَهَا لاَ تَكَلَّمُ؟ قَالُوا: حَجَّتْ مُصْمِتَةً. قَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي، فَإِنَّ هَذَا لاَ يَحِلُّ، هَذَا مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ. فَتَكَلَّمَتْ فَقَالَتْ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: امْرُؤٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، قَالَتْ: أَيُّ الْمُهَاجِرِينَ؟ قَالَ: مِنْ قُرَيْشٍ. قَالَتْ: مِنْ أَىِّ قُرَيْشٍ أَنْتَ؟ قَالَ: إِنَّكِ لَسَئُولٌ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ. قَالَتْ: مَا بَقَاؤُنَا عَلَى هَذَا الأَمْرِ الصَّالِحِ الَّذِي جَاءَ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: بَقَاؤُكُمْ عَلَيْهِ مَا اسْتَقَامَتْ بِكُمْ أَئِمَّتُكُمْ. قَالَتْ: وَمَا الأَئِمَّةُ؟ قَالَ: أَمَا كَانَ لِقَوْمِكِ رُءُوسٌ وَأَشْرَافٌ يَأْمُرُونَهُمْ فَيُطِيعُونَهُمْ؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَهُمْ أُولَئِكَ عَلَى النَّاسِ". وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن بيان) بفتح الموحدة وتخفيف التحتية (أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن بشر بالموحدة ككنيته الأحمسي الكوفي (عن قيس بن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي واسمه عوف أنه (قال: دخل أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (على امرأة من أحمس) بحاء وسين مهملتين وفتح الميم قبيلة من بجيلة وليست من الحمس الذين هم من قريش (يقال لها) للمرأة (زينب) بنت المهاجر كما في طبقات ابن سعد أو بنت جابر كما ذكر أبو موسى المديني في ذيل الصحابة عن ابن منده في تاريخ النساء له أو زينب بنت عوف كما ذكر الدارقطني في العلل قال: وذكر ابن عيينة عن إسماعيل أنها جدة إبراهيم بن المهاجر. قال في الفتح: والجمع بين هذه الأقوال ممكن فمن قال: بنت المهاجر نسبها إلى أبيها أو بنت جابر نسبها إلى جدها الأدنى أو بنت عوف نسبها إلى جدها الأعلى (فرآها) أبو بكر (لا تكلم) بحذف أحد المثلين (فقال: ما لها لا تكلم؟ قالوا: حجت مصمتة) بضم الميم الأولى وكسر الثانية وسكون الصاد المهملة اسم فاعل من أصمت رباعيّا. يقال: أصمت بفتح أوله اصماتًا وصمت بفتحتين صموتًا وصمتًا وصماتًا أي ساكنة (قال لها: تكلمي فإن هذا) أي ترك الكلام (لا يحل هذا) الصمات (من عمل الجاهلية فتكلمت). وعند الإسماعيلي أن المرأة قالت له كان بيننا وبين قومك في الجاهلية شرّ فحلفت أن الله عافاني من ذلك أن لا أكلم أحدًا حتى أحج فقال: إن الإسلام يهدم ذلك فتكلمي (فقالت) له: (من أنت؟ قال) لها: (امرؤ من المهاجرين. قالت: أي المهاجرين؟ قال) لها: (من قريش. قالت) له: (من أي قريش أنت؟ قال) لها: (إنك) بكسر الكاف (لسؤول) بلام التأكيد وصيغة فعول المذكر والمؤنث فيها سواء والمعنى أنك لكثيرة السؤال (أنا أبو بكر. قالت) له: (ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح) أي دين الإسلام (الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ قال) أبو بكر -رضي الله عنه-: (بقاؤكم عليه ما استقامت بكم) بالموحدة ولأبي ذر عن الكشميهني لكم باللام (أئمتكم) لأن باستقامتهم تقام الحدود وتؤخذ الحقوق ويوضع كل شيء موضعه (قالت) له: (وما الأئمة؟ قال) لها: (أما) بالتخفيف (كان لقومك

رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت) له: (بلى. قال): لها: (فهم أولئك على الناس) بكسر الكاف. واستدلّ به على أن من نذر أن لا يتكلم لم ينعقد نذره لأن أبا بكر -رضي الله عنه- أطلق أن ذلك لا يحل وأنه من فعل الجاهلية وأن الإسلام هدم ذلك، ولا يقول أبو بكر مثل هذا إلا عن توقيف فيكون في حكم المرفوع وشرط المنذور كونه قربة لم تتعين كعتق وعيادة مريض وسلام وتشييع جنازة فلو نذر غير قربة كواجب عيني كصلاة الظهر أو معصية كشرب خمر وصلاة بحدث أو مكروه كصيام الدهر لمن خاف به ضررًا أو فوت حق أو مباح كقيام وقعود وصمت سواء نذر فعله أم تركه لم يصح نذره، أما الواجب المذكور فلأنه لزم عينًا بإلزام الشرع قبل النذر فلا معنى لالتزامه، وأما المعصية فلحديث مسلم لا نذر في معصية الله. وأما المكروه والمباح فلأنهما لا يتقرب بهما. وتأتي زيادة لهذا في النذور إن شاء الله تعالى بقوة الله ومعونته. 3835 - حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "أَسْلَمَتِ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ لِبَعْضِ الْعَرَبِ، وَكَانَ لَهَا خِفْشٌ فِي الْمَسْجِدِ، قَالَتْ فَكَانَتْ تَأْتِينَا فَتَحَدَّثُ عِنْدَنَا، فَإِذَا فَرَغَتْ مِنْ حَدِيثِهَا قَالَتْ: وَيَوْمُ الْوِشَاحِ مِنْ تَعَاجِيبِ رَبِّنَا ... أَلاَ إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ نجَانِي فَلَمَّا أَكْثَرَتْ قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: وَمَا يَوْمُ الْوِشَاحِ؟ قَالَتْ: خَرَجَتْ جُوَيْرِيَةٌ لِبَعْضِ أَهْلِي وَعَلَيْهَا وِشَاحٌ مِنْ أَدَمٍ، فَسَقَطَ مِنْهَا، فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِ الْحُدَيَّا وَهْيَ تَحْسِبُهُ لَحْمًا، فَأَخَذَتْ. فَاتَّهَمُونِي بِهِ، فَعَذَّبُونِي، حَتَّى بَلَغَ مِنْ أَمْرِي أَنَّهُمْ طَلَبُوا فِي قُبُلِي، فَبَيْنَا هُمْ حَوْلِي وَأَنَا فِي كَرْبِي إِذْ أَقْبَلَتِ الْحُدَيَّا حَتَّى وَازَتْ بِرُءُوسِنَا، ثُمَّ أَلْقَتْهُ فَأَخَذُوهُ، فَقُلْتُ لَهُمْ: هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (فروة بن أبي المغراء) بفتح الفاء وسكون الراء والمغراء بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الراء ممدود الكندي الكوفي قال: (أخبرنا علي بن مسهر) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: أسلمت امرأة سوداء لبعض العرب) لم تسم وذكر عمر بن شبة أنها كانت بمكة وأنها لما وقع لها ذلك هاجرت إلى المدينة (وكان لها حفش) بحاء مهملة مكسورة وفاء ساكنة بعدها شين معجمة بيت صغير (في المسجد قالت) عائشة -رضي الله عنها- (فكانت تأتينا فتحدّث عندنا) بحذف أحد المثلين تخفيفًا ولأبي ذر نتحدّث بحذف الفاء وإثبات التاء الأخرى (فإذا فرغت من حديثها قالت: ويوم الوشاح) بكسر الواو وضمها وقد تبدل همزة مكسورة وبالشين المعجمة وبعد الألف حاء مهملة ما يقدّ من الجلد ويرصع بالجواهر وتشده المرأة بين عاتقيها (من تعاجيب ربنا ألا) بالتخفيف (أنه) بفتح الهمزة وكسرها في اليونينية (من بلدة الكفر أنجاني، فلما أكثرت) من ذلك (قالت لها عائشة) -رضي الله عنها-: (وما يوم الوشاح؟ قالت: خرجت جويرية لبعض أهلي) وكانت عروسًا فدخلت مغتسلها (وعليها وشاح من أدم) أحمر (فسقط منها فانحطت عليه الحديا) بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وتشديد التحتية من غير همز (وهي تحسبه لحمًا فأخذت) بحذف ضمير النصب ولأبي ذر فأخذته (فاتهموني به فعذبوني حتى بلغ من أمرهم) كذا في الفرع والذي في أصله من أمري (أنهم طلبوا) ذلك الوشاح (في قبلي) وفي الصلاة فالتمسوه فلم يجدوه قالت: فاتهموني. قالت: فطفقوا يفتشون حتى فتشوا قبلها (فبينا هم) بغير ميم (حولي وأنا في كربي إذ أقبلت الحديا حتى وازت) بالزاي المعجمة أي حازت (برؤوسنا) بهمزة بعدها واو، ولأبي ذر: برؤوسنا بغير همزة (ثم ألقته فأخذوه فقلت لهم هذا الذي اتهمتموني به) أني أخذته (وأنا منه بريئة) جملة حالية. وسبق هذا الحديث في باب نوم المرأة في المسجد من كتاب الصلاة. 3836 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلاَ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلاَّ بِاللَّهِ، فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا فَقَالَ: لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد البغلاني قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) المدني (عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ألا) بالتخفيف (من كان حالفًا) أي من أراد أن يحلف (فلا يحلف) بالجزم (إلا بالله) أي كوالله وكرب العالمين والحيّ الذي لا يموت ومن نفسي بيده وبصفته الذاتية كعظمته وعزته وكبريائه وكلامه لا بغيره، لأن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به وحقيقة العظمة مختصة به تعالى فلا يضاهى به غيره (فكانت) بالفاء، ولأبي ذر: وكانت (قريش تحلف بآبائها) بأن يقول: الواحد منهم وأبي أفعل هذا أو وأبي لا أفعل هذا أو وحق أبي أو وتربة أبي (فقال) لهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا تحلفوا بآبائكم) لأنه من أيمان الجاهلية. ويأتي إن شاء الله تعالى ما فيه من المباحث في بابه بعون الله وقوته. وهذا الحديث أخرجه النسائي. 3837 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ كَانَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَىِ الْجَنَازَةِ وَلاَ يَقُومُ لَهَا، وَيُخْبِرُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُومُونَ لَهَا يَقُولُونَ إِذَا رَأَوْهَا: كُنْتِ فِي أَهْلِكِ مَا أَنْتِ مَرَّتَيْنِ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي نزيل مصر وتوفي بها فيما قاله المنذري سنة تسع

وثلاثين ومائتين (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن الحرث المصري (أن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (حدّثه أن) أباه (القاسم كان يمشي بين يدي الجنازة) وهو أفضل عند الشافعية وعند الحنفية وراءها أفضل لأنها متبوعة (ولا يقوم لها) إذا مرت عليه (ويخبر عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: كان أهل الجاهلية يقومون لها يقولون إذا رأوها كنت في أهلك ما) أي الذي (أنت) فيه كنت في الحياة مثله إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر، وذلك فيما يدّعونه من أن روح الإنسان تصير طائرًا مثله وهو المشهور عندهم بالصدى والهام وحينئذٍ فما موصول وبعض صلته محذوف يقولون ذلك (مرتين) أو المعنى كنت في أهلك شريفًا مثلاً فأي شيء أنت الآن؟ فما حينئذٍ استفهامية أو ما نافية ولفظ مرتين من تتمة المقول أي كنت مرة في القوم ولست بكائن فيهم مرة أخرى كما هو معتقد الكفار حيث قالوا: {وما هي إلا حياتنا الدنيا} [الجاثية: 24] وفي قول عائشة -رضي الله عنها-: كان أهل الجاهلية ما يدل ظاهره أنه لم يبلغها أمره عليه الصلاة والسلام بالقيام للجنازة فرأت أن ذلك من شأن الجاهلية، وقد جاء الإسلام بمخالفتهم، وقد ذهب الشافعي -رحمه الله- إلى أنه غير واجب وأن الأمر به منسوخ وهل يبقي الاستحباب؟ قال: والقعود أحب إليّ وبكراهة القيام صرح النووي -رحمه الله- ومبحث ذلك مر في الجنائز. 3838 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: "قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لاَ يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ، فَخَالَفَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عمرو بن العباس) بالموحدة والمهملة وعين عمرو مفتوحة أبو عثمان البصري قال: (حدّثنا عبد الرحمن) بن مهدي العنبري البصري قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين الكوفي أدرك الجاهلية أنه (قال: قال عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-: إن المشركين كانوا لا يفيضون) بضم التحتية أي لا يدفعون (من جمع) بفتح الجيم وسكون الميم أي من المزدلفة (حتى تشرق الشمس) بفتح الفوقية وضم الراء أي تطلع، ولأبي ذر تشرق بضم التاء وكسر الراء من الإشراق (على) جبل (ثبير) بمثلثة مفتوحة فموحدة مكسورة (فخالفهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأفاض قبل أن تطلع الشمس) وهذا مذهب الشافعية والجمهور. 3839 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَكُمْ يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عِكْرِمَةَ {وَكَأْسًا دِهَاقًا} [النبأ: 34] قَالَ: مَلأَى مُتَتَابِعَةً. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (قال: قلت لأبي أسامة) حماد بن أسامة (حدّثكم يحيى بن المهلب) بضم الميم وفتح الهاء واللام المشدّدة أبو كدينة بضم الكاف وفتح الدال وسكون التحتية بعدها نون مصغرًا الكوفي البجلي الموثق ليس له في البخاري سوى هذا الموضع قال: (حدّثنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي (عن عكرمة) مولى ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وكأسًا دهاقًا} [النبأ: 34] (قال: ملأى متتابعة) من غير انقطاع قال: أتانا عامر يبغي قرانا ... فأترعنا له كأسًا دهاقا 3840 - قَالَ: "وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: اسْقِنَا كَأْسًا دِهَاقًا". (قال) عكرمة بالسند السابق: (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: (سمعت أبي يقول في الجاهلية): قبل أن يسلم (اسقنا كأسًا دهاقًا) وعند الإسماعيلي من وجه آخر عن حصين عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- سمعت أبي يقول لغلامه: ادهن لنا أي املأ لنا أو تابع لنا، وهذا معنى السابق، وفي اللباب قال عكرمة: وربما سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: اسقنا وادهق لنا. ودعا ابن عباس -رضي الله عنهما- غلامًا له فقال: اسقنا فجاء الغلام بها ملأى فقال ابن عباس: هذا الدهاق. وعن عكرمة أيضًا وزيد بن أسلم أنها الصافية. 3841 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بن عُمير عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلاَ كُلُّ شَىْءٍ مَا خَلاَ اللَّهَ بَاطِلٌ. وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ». [الحديث 3841 - طرفاه في: 6147، 6489]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الملك بن عمير) بضم العين وفتح الميم مصغرًا الكوفي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أصدق كلمة قالها الشاعر) من إطلاق الكلمة على الكلام وهو مجاز محتمل عند النحويين مستعمل

عند المتكلمين وهو من باب تسمية الشيء باسم جزئه على سبيل التوسع، ولمسلم من طريق شعبة وزائدة عن عبد الملك: أن أصدق بيت، وله من رواية شريك عن عبد الملك أشعر كلمة تكلمت بها العرب (كلمة لبيد) بفتح اللام وكسر الموحدة ابن ربيعة بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن الجحفري العامري من فحول الشعراء مخضرم وفد على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سنة وفد قومه بنو جعفر فأسلم وحسن إسلامه (ألا) بالتخفيف استفتاحية (كل شيء) مبتدأ مضاف للنكرة وهو يفيد استغراق أفرادها نحو كل نفس ذائقة الموت (ما خلا الله) نصب بخلا وخبر المبتدأ قوله (باطل) كذا بالتنوين أي كل شيء خلا الله وخلا صفاته الذاتية من رحمة وعذاب وغير ذلك، أو المراد كل شيء سوى الله جائز عليه الفناء لذاته والنصف الأخير لهذا البيت: وكل نعيم لا محالة زائل وهو من قصيدة من البحر الطويل وجملتها عشرة أبيات وأنشدت له عائشة -رضي الله عنها- قوله: ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب فقالت: يرحم الله لبيدًا كيف لو أدرك زماننا هذا؟ وقال له عمر بن الخطاب: أنشدني شيئًا من شعرك فقال: ما كنت لأقول شعرًا بعد أن علمني الله البقرة وآل عمران، وتوفي في إمارة الوليد بن عتبة عليها في خلافة عثمان -رضي الله عنه- عن مائة وأربعين سنة، وقيل وسبع وخمسين سنة وهو القائل: ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وسؤال هذا الناس كيف لبيد (وكاد أمية بن أبي الصلت) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية والصلت بفتح الصاد المهملة وسكون اللام بعدها فوقية الثقفي أي قارب (أن يسلم) بضم التحتية وسكون السين المهملة وكسر اللام أي في شعره، ففي حديث مسلم من طريق عمرو بن الشريد عن أبيه قال: ردفت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: هل معك من شعر أمية؟ قلت: نعم فأنشدته مائة بيت. فقال: لقد كاد يسلم في شعره، وكان أمية يتعبد في الجاهلية ويؤمن بالبعث، وأدرك الإسلام ولم يسلم. وقيل إنه داخل في النصرانية وأكثر في شعره من ذكر التوحيد، وسقط لأبي ذر أن من قوله أن يسلم وحينئذٍ يسلم رفع. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأدب والرقاق، ومسلم في الشعر، والترمذي في الاستئذان، وابن ماجه في الأدب. 3842 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بن بلالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ لأَبِي بَكْرٍ غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَىْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الْغُلاَمُ: أتَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ، إِلاَّ أَنِّي خَدَعْتُهُ فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ. فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَىْءٍ فِي بَطْنِهِ". وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبى ذر: حدّثنا (أخي) عبد الحميد المدني (عن سليمان بن بلال) أبي أيوب القرشي المدني وثبت ابن بلال لأبي ذر (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري قاضي المدينة (عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان لأبي بكر) الصديق -رضي الله عنه- (غلام) لم يسم (يخرج) بضم التحتية وسكون المعجمة وكسر الراء (له الخراج) أي يعطيه كل يوم ما عينه وضربه عليه من كسبه (وكان أبو بكر يأكل من خراجه) إذ سأله عنه وعرف حله (فجاء يومًا بشيء) من كسبه (فأكل منه أبو بكر) -رضي الله عنه- ولم يسأله (فقال له الغلام: تدري) ولأبي ذر عن الكشميهني أتدري (ما هذا؟) الذي جئتك به وأكلت منه (فقال أبو بكر) -رضي الله عنه-: (وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية) لم يسم (و) الحال أني (ما أحسن الكهانة) بكسر الكاف وهي الإخبار بالغيب من غير طريق شرعي وكان كثيرًا في الجاهلية لا سيما قبل البعثة، وكان منهم من يزعم أن له رئيًا من الجن يلقي إليه الأخبار، ومنهم من يدعي أنه يستدرك ذلك بفهم أعطيه (إلا أني خدعته فلقيني فأعطاني بذلك) أي بمقابلة الذي تكهنت له (فهذا) ولأبي ذر عن الكشميهني فهو (الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر) -رضي الله عنه- (يده) في فيه (فقاء)

27 - باب القسامة في الجاهلية

استفرغ (كل شيء في بطنه) للنهي عن حلوان الكاهن ولأن ما يحصل بطريق الخديعة حرام. 3843 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَ لُحُومَ الْجَزُورِ إِلَى حَبَلِ الْحَبَلَةِ، قَالَ: وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا، ثُمَّ تَحْمِلَ الَّتِي نُتِجَتْ. فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ". وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني الفقيه الثبت (قال: أخبرني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان أهل الجاهلية يتبايعون لحوم الجزور) بفتح الجيم البعير ذكرًا كان أو أنثى (إلى حبل الحبلة) بفتح الحاء المهملة والموحدة فيهما (قال) ابن عمر (وحبل الحبلة) هو (أن تنتج الناقة) بضم الفوقية الأولى وفتح الثانية بينهما نون ساكنة آخره جيم مبنيًّا للمفعول أي تضع (ما في بطنها ثم تحمل) الناقة (التي نتجت) بضم النون وكسر الفوقي (فنهاهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك) لجهل الأجل. ومباحثه سبقت في باب بيع الغرر وحبل الحبلة من البيع. 3844 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ قَالَ: حدَّثنا غَيْلاَنُ بْنُ جَرِيرٍ "كُنَّا نَأْتِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَيُحَدِّثُنَا عَنِ الأَنْصَارِ، وَكَانَ يَقُولُ لِي: فَعَلَ قَوْمُكَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، وَفَعَلَ قَوْمُكَ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا". وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا مهدي) بفتح الميم وسكون الهاء وكسر المهملة وتشديد التحتية ابن ميمون الأزدي البصري (قال: حدّثنا غيلان بن جرير) بفتح المعجمة وسكون التحتية وجرير بفتح الجيم البصري (كنا نأتي أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (فيحدّثنا عن الأنصار وكان) ولأبي ذر فكان بالفاء بدل الواو (يقول لي: فعل قومك) في الجاهلية (كذا وكذا يوم كذا وكذا وفعل قومك كذا وكذا يوم كذا وكذا) وليس غيلان من الأنصار وإنما قال له أنس: فعل قومك نظرًا إلى النسبة الأعمية وهي الأزد. وهذا الحديث قد سبق في مناقب الأنصار. 27 - باب الْقَسَامَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (القسامة في الجاهلية) بفتح القاف وتخفيف السين المهملة مأخوذة من القسم وهي اليمين وهي في عرف الشرع حلف معين عند التهمة بالقتل على الإثبات أو النفي أو هي مأخوذة من قسمة الإيمان على الحالفين، وثبتت هذه الترجمة عند الأكثرين عن الفربري هنا وسقطت للنسفي قال ابن حجر: وهو أوجه لأن الجميع من ترجمة أيام الجاهلية. 3845 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا قَطَنٌ أَبُو الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "إِنَّ أَوَّلَ قَسَامَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَفِينَا بَنِي هَاشِمٍ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ اسْتَأْجَرَهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ فَخِذٍ أُخْرَى، فَانْطَلَقَ مَعَهُ فِي إِبِلِهِ، فَمَرَّ رَجُلٌ بِهِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قَدِ انْقَطَعَتْ عُرْوَةُ جُوَالِقِهِ فَقَالَ: أَغِثْنِي بِعِقَالٍ أَشُدُّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِي لاَ تَنْفِرُ الإِبِلُ، فَأَعْطَاهُ عِقَالاً فَشَدَّ بِهِ عُرْوَةَ جُوَالِقِهِ. فَلَمَّا نَزَلُوا عُقِلَتِ الإِبِلُ إِلاَّ بَعِيرًا وَاحِدًا، فَقَالَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ: مَا شَأْنُ هَذَا الْبَعِيرِ لَمْ يُعْقَلْ مِنْ بَيْنِ الإِبِلِ؟ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عِقَالٌ. قَالَ: فَأَيْنَ عِقَالُهُ؟ قَالَ: فَحَذَفَهُ بِعَصًا كَانَ فِيهَا أَجَلُهُ. فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَ: أَتَشْهَدُ الْمَوْسِمَ؟ قَالَ: مَا أَشْهَدُ وَرُبَّمَا شَهِدْتُهُ. قَالَ: هَلْ أَنْتَ مُبْلِغٌ عَنِّي رِسَالَةً مَرَّةً مِنَ الدَّهْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ فَكُنْتَ: إِذَا أَنْتَ شَهِدْتَ الْمَوْسِمَ فَنَادِ يَا آلَ قُرَيْشٍ، فَإِذَا أَجَابُوكَ فَنَادِ يَا آلَ بَنِي هَاشِمٍ، فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاسألْ عَنْ أَبِي طَالِبٍ فَأَخْبِرْهُ أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَنِي فِي عِقَالٍ. وَمَاتَ الْمُسْتَأْجَرُ. فَلَمَّا قَدِمَ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ أَتَاهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ: مَا فَعَلَ صَاحِبُنَا؟ قَالَ: مَرِضَ فَأَحْسَنْتُ الْقِيَامَ عَلَيْهِ، فَوَلِيتُ دَفْنَهُ. قَالَ: قَدْ كَانَ أَهْلَ ذَاكَ مِنْكَ. فَمَكُثَ حِينًا ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي أَوْصَى إِلَيْهِ أَنْ يُبْلِغَ عَنْهُ وَافَى الْمَوْسِمَ فَقَالَ: يَا آلَ قُرَيْشٍ، قَالُوا: هَذِهِ قُرَيْشٌ. قَالَ: يَا بَنِي هَاشِمٍ، قَالُوا: هَذِهِ بَنُو هَاشِمٍ. قَالَ: أَيْنَ أَبُو طَالِبٍ؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو طَالِبٍ. قَالَ: أَمَرَنِي فُلاَنٌ أَنْ أُبْلِغَكَ رِسَالَةً أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَهُ فِي عِقَالٍ. فَأَتَاهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ: اخْتَرْ مِنَّا إِحْدَى ثَلاَثٍ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤَدِّيَ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ فَإِنَّكَ قَتَلْتَ صَاحِبَنَا، وَإِنْ شِئْتَ حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْ قَوْمِكَ أَنَّكَ لَمْ تَقْتُلْهُ، وَإِنْ أَبَيْتَ قَتَلْنَاكَ بِهِ. فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالُوا نَحْلِفُ. فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْهُمْ قَدْ وَلَدَتْ لَهُ فَقَالَتْ: يَا أَبَا طَالِبٍ أُحِبُّ أَنْ تُجِيزَ ابْنِي هَذَا بِرَجُلٍ مِنَ الْخَمْسِينَ وَلاَ تَصْبُرْ يَمِينَهُ حَيْثُ تُصْبَرُ الأَيْمَانُ، فَفَعَلَ. فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَرَدْتَ خَمْسِينَ رَجُلاً أَنْ يَحْلِفُوا مَكَانَ مِائَةٍ مِنَ الإِبِلِ، يُصِيبُ كُلَّ رَجُلٍ بَعِيرَانِ، هَذَانِ بَعِيرَانِ فَاقْبَلْهُمَا مِنِّي وَلاَ تَصْبُرْ يَمِينِي حَيْثُ تُصْبِرُ الأَيْمَانُ، فَقَبِلَهُمَا. وَجَاءَ ثَمَانِيةٌ وَأَرْبَعُونَ فَحَلَفُوا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا حَالَ الْحَوْلُ وَمِنَ الثَّمَانِيَةِ وَأَرْبَعِينَ عَيْنٌ تَطْرِفُ". وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بسكون العين المهملة بين فتحتين عبد الله بن عمرو المقعد المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد أبو عبيدة البصري التنوري قال: (حدّثنا قطن) بفتح القاف والطاء المهملة بعدها نون ابن كعب البصري القطعي بضم القاف وفتح المهملة الأولى (أبو الهيثم) بالمثلثة قال: (حدّثنا أبو يزيد) من الزيادة (المدني) ولأبي ذر المديني البصري قال في الفتح: ويقال له المديني بزيادة تحتية، ولعل أصله كان من المدينة ولكن لم يرو عنه أحد من أهلها، وسئل عنه مالك فلم يعرفه ولم يعرف اسمه، وقد وثقه ابن معين وغيره وليس له ولا للراوي عنه في البخاري إلا هذا الموضع (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: إن أول قسامة كانت في الجاهلية لفينا) بلام التأكيد (بني هاشم) كان الحكم بها وبني مجرور بدل من الضمير المجرور وذلك أنه (كان رجل من بني هاشم) هو عمرو بن علقمة بن المطلب بن عبد مناف كما قال الزبير بن بكار، وكأنه نسبه إلى بني هاشم مجازًا لما كان بين بني هاشم وبني المطلب من المودة والمؤاخاة وسماه ابن الكلبي عامرًا (استأجره رجل من قريش) اسمه خداش بخاء معجمة مكسورة فدال مهملة وبعد الألف شين معجمة ابن عبد الله بن أبي قيس العامري كما عند الزبير بن بكار، وللأصيلي وأبي ذر فيما ذكره في الفتح استأجر رجلاً من قريش قال: وهو مقلوب والصواب الأول (من فخذ أخرى) بكسر الخاء المعجمة وتسكن آخره معجمة (فانطلق) الأجير (معه) مع المستأجر (في إبله) إلى الشام (فمر رجل به) أي بالأجير ولأبي ذر وابن عساكر فأمر به رجل (من بني هاشم) لم يسم (قد انقطعت عروة جوالقه) بضم الجيم وكسر اللام مصححًا عليها في الفرع كالأصل من غير همز أي وعائه ويكون من جلود وغيرها فارسي معرب (فقال) للأجير: (أغثني) بمثلثة من الإغاثة (بعقال) بكسر

العين المهملة بحبل (أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل) بكسر الفاء وضم الراء مصححًا عليها في الفرع وأصله (فأعطاه عقالا فشدّ به عروة جوالقه فلما نزلوا) منزلاً (عقلت الإبل) بضم العين مبنيًّا للمفعول (إلا بعيرًا واحدًا) لم يعقل لعدم وجدان عقاله الذي شد به الجوالق (فقال الذي استأجره: ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الإبل. قال) له الأجير: (ليس له عقال. قال) المستأجر له: (فأين عقالها؟) زاد الفاكهي من وجه آخر عن أبي معمر شيخ المؤلّف فقال: مر بي رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه واستغاث في فأعطيته (قال: فحذفه) بالمهملة والذال المعجمة أي رماه (بعصا) أصابت مقتله (كان فيها أجله) وقول العيني تبعًا للحافظ ابن حجر -رحمه الله- قوله فمات أي أشرف على الموت ظاهره أنه من الحديث عند البخاري، ولم أجده في أصل من أصوله بعد الكشف عنه فالله أعلم. نعم قوله فكان فيها أجله معناه مات لكنه لا يلزم منه الفورية بدليل قوله: (فمرّ به رجل من أهل اليمن) لم يسم أي قبل أن يقضي (فقال) له: (أتشهد الموسم) أي موسم الحج (قال) الرجل المار: (ما أشهد) بحذف ضمير المفعول (وربما شهدته قال) له: (هل أنت مبلغ) بضم الميم وسكون الموحدة وكسر اللام (عني رسالة مرة من الدهر؟) بسكون الهاء وفي اليونينية بفتحها أي وقتًا من الأوقات (قال: نعم) أفعل ذلك (قال: فكنت) بضم الكاف وسكون النون وضم الفوقية مصححًا عليها في الفرع كأصله وفي غيره بفتحها على الخطاب من الكون فيهما ولأبي ذر فكتب بالفوقية والموحدة من الكتابة قال ابن حجر رحمه الله: وهذه أوجه من الأولى. وقال عياض: إنها بالنون عند الحموي والمستملي وإنها التي في أصل سماعه (إذا أنت شهدت الموسم فناد يا آل قريش) بإثبات الهمزة في الفرع وبحذفها في غيره على الاستغاثة (فإذا أجابوك فناد يا آل بني هاشم) بالهمزة وحذفها كسابقه (فإن أجابوك فاسأل) بسكون السين بعدها همزة في الفرع وفي اليونينية فسل بفتح السين من غير همز (عن أبي طالب فأخبره أن فلانًا) الذي استأجرني (قتلني في) أي بسبب (عقال ومات المستأجر) بفتح الجيم بسبب تلك الحذفة بعد أن أوصى اليماني بما أوصاه. (فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب فقال) له: (ما فعل صاحبنا؟ قال: مرض فأحسنت القيام عليه) وتوفي (فوليت دفنه) بفتح الواو وكسر اللام (قال) أبو طالب (قد كان أهل ذاك) بغير لام ولأبي ذر ذلك (منك فمكث حينًا) بضم الكاف (ثم إن الرجل) اليماني (الذي أوصى إليه أن يبلغ) بضم التحتية وسكون الموحدة وكسر اللام (عنه) ما ذكر (وافى الموسم) أي أتاه (فقال: يا آل قريش. قالوا) له: (هذه قريش. قال: يا آل بني هاشم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يا بني هاشم (قالوا: هذه بنو هاشم قال: أين) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من (أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب. قال) له: (أمرني فلان أن أبلغك) بضم الهمزة وسكون الموحدة (رسالة أن) بفتح الهمزة (فلانًا قتله في) أي بسبب (عقال) وزاد ابن الكلبي فأخبره بالقصة وخداش يطوف بالبيت لا يعلم بما كان فقام رجال من بني هاشم إلى خداش فضربوه وقالوا: قتلت صاحبنا فجحد (فأتاه أبو طالب فقال) له: (اختر منا إحدى ثلاث) كانت معروفة عندهم (إن شئت أن تؤدي) بهمزة مفتوحة (مائة من الإبل فإنك) أي بسبب أنك (قتلت صاحبنا، وإن شئت حلف) بلفظ الماضي (خمسون من قومك أنك) بفتح الهمزة وكسرها في اليونينية (لم تقتله، فإن أبيت) أي امتنعت من ذلك (قتلناك به) والظاهر أن هذه هي الثالثة. وعند الزبير بن بكار أنهم تحاكموا في ذلك إلى الوليد بن المغيرة فقضى أن يحلف خمسون رجلاً من بني عامر عند البيت ما قتله خداش. (فأتى قومه) فذكر لهم ذلك (فقالوا: نحلف فأتته) أي أبا طالب (امرأة من بني هاشم) اسمها زينب بنت علقمة أخت المقتول (كانت تحت رجل منهم) اسمه عبد العزى بن قيس العامري (قد ولدت له) ولدا اسمه حويطب بمهملتين مصغرًا وله صحبة (فقالت:

يا أبا طالب أحب أن تجيز) بجيم وزاي تسقط (ابني) حويطبًا (هذا) من اليمين وتعفو عنه (برجل) أي بدل رجل (من الخمسين ولا تصبر يمينه) بفتح الفوقية وسكون الصاد المهملة وضم الموحدة وتكسر مجزوم على النهي، ولأبي ذر: ولا تصبر بضم أوّله وكسر ثالثه أي ولا تلزمه باليمين (حيث تصبر الإيمان) بضم الفوقية وفتح الموحدة بين الركن والمقام (ففعل) أبو طالب ما سألته (فأتاه رجل منهم) لم يسم (فقال: يا أبا طالب أردت خمسين رجلاً أن يحلفوا مكان مائة من الإبل يصيب) فعل مضارع (كل رجل) بنصب كل على المفعولية (بعيران هذان بعيران فأقبلهما عني) بفتح الموحدة (ولا تصبر) بفتح أوله وضم ثالثه وقد تكسر، ولأبي ذر: ولا تصبر بضم أوّله وكسر ثالثه (يميني حيث تصبر الأيمان) بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول وبكسر الموحدة مبنيًّا للفاعل (فقبلهما وجاء ثمانية وأربعون) رجلاً (فحلفوا) زاد ابن الكلبي عند الركن أن خداشًا بريء من دم المقتول. (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- بالسند المذكور: (فوالذي نفسي بيده ما حال) ولأبى ذر عن الكشميهني: ما جاء (الحول) من يوم حلفهم (ومن الثمانية وأربعين) الذين حلفوا وللأصيلي وابن عساكر: والأربعين (عين تطرف) بكسر الراء أي تتحرك زاد ابن الكلبي وصارت رباع الجميع لحويطب، فلذا كان أكثر من بمكة رباعًا. استشكل قول ابن عباس -رضي الله عنهما- فوالذي نفسي بيده إلى آخره مع كونه حين ذاك لم يولد. وأجيب: باحتمال أن الذي أخبره بذلك جماعة اطمأنت نفسه إلى صدقهم حتى وسعه أن يحلف على ذلك قاله السفاقسي. وقال في الفتح: ويحتمل أن يكون الذي أخبره بذلك هو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: وهو أمكن في دخول هذا الحديث في الصحيح. وقال في الكواكب: فيه ردع للظالمين وسلوة للمظلومين، ووجه الحكمة في هلاكهم كلهم أن يتمانعوا من الظلم إذ لم يكن فيهم إذ ذاك نبي ولا كتاب ولا كانوا يؤمنون بالبعث، فلو تركوا مع ذلك هملاً لأكل القوي الضعيف ولاقتضم الظالم المظلوم. وروى الفاكهي كما ذكره في الفتح من طريق ابن أبي نجيح عن أبيه قال: حلف ناس عند البيت قسامة على باطل ثم خرجوا فنزلوا تحت صخرة فانهدمت عليهم. وهذا الحديث أخرجه النسائي في القسامة، ومباحث القسامة تأتي إن شاء الله تعالى في محلها بعون الله وقوّته. 3846 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدِ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ، وَقُتِّلَتْ سَرَوَاتُهُمْ وَجُرِّحُوا، قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي دُخُولِهِمْ فِي الإِسْلاَمِ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبيد بن إسماعيل) بضم العين مصغرًا غير مضاف لشيء وكان اسمه عبد الله وكنيته أبو محمد الهباري القرشي الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان يوم بعاث) بضم الموحدة آخره مثلثة غير منصرف لأبي ذر للتأنيث والعلمية اسم بقعة ولغيره بالصرف اسم موضع وقع فيه حرب بين الأوس والخزرج (يومًا قدمه الله لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قبل قدومه المدينة بخمس سنين قتل فيه كثير من أشرافهم إذ لو كانوا أحياء لاستكبروا عن متابعته وسقطت التصلية لأبي ذر (فقدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد افترق ملؤهم) جماعتهم (وقتلت): بتشديد الفوقية الأولى في اليونينية وبتخفيفها في غيرها (سرواتهم) بفتح المهملتين أشرافهم (وجرحوا) بضم الجيم وتشديد الراء (قدمه الله لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) أي لأجل (دخولهم في) دين (الإسلام). وسبق هذا الحديث في مناقب الأنصار. 3847 - وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ أَنَّ كُرَيْبًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَيْسَ السَّعْيُ بِبَطْنِ الْوَادِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سُنَّةً، إِنَّمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَسْعَوْنَهَا وَيَقُولُونَ: لاَ نُجِيزُ الْبَطْحَاءَ إِلاَّ شَدًّا". وبه قال: (وقال ابن وهب): عبد الله فيما وصله أبو نعيم في مستخرجه (أخبرنا عمرو) بفتح العين ابن الحرث المصري (عن بكير بن الأشج) بضم الموحدة مصغرًا والأشج بهمزة وشين معجمة مفتوحتين فجيم نسبة لجدّه واسم أبيه عبد الله مولى بني مخزوم (أن كريبًا) بضم الكاف وفتح الراء وسكون التحتية بعدها موحدة (مولى ابن عباس حدثه أن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (قال: ليس السعي) المشي الشديد (ببطن الوادي بين الصفا والمروة سنّة) ولأبي ذر عن الكشميهني

بسنّة (إنما كان أهل الجاهلية يسعونها) يمشونها مشيًا شديدًا (ويقولون لا نجيز البطحاء) بضم النون وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة زاي أي لا نقطع مسيل الوادي (إلا) إجازة (شدّا) بقوّة وعدو شديد، ولم ينف ابن عباس سنية السعي المجرد بل شدة المشي إذ أصل السعي طريقة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بل واجب ركن في الحج والعمرة. نعم قال الجمهور باستحباب العدو في بطن المسيل، وخالفهم ابن عباس -رضي الله عنهما-. 3848 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ أَخْبَرَنَا مُطَرِّفٌ سَمِعْتُ أَبَا السَّفَرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا مِنِّي مَا أَقُولُ لَكُمْ، وَأَسْمِعُونِي مَا تَقُولُونَ، وَلاَ تَذْهَبُوا فَتَقُولُوا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَلْيَطُفْ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ، وَلاَ تَقُولُوا الْحَطِيمُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَحْلِفُ فَيُلْقِي سَوْطَهُ أَوْ نَعْلَهُ أَوْ قَوْسَهُ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبيد الله بن محمد) بضم العين في الفرع وفي اليونينية وغيرها بفتحها وهو المعروف (الجعفي) بضم الجيم وسكون العين المهملة المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (أخبرنا مطرف) بضم الميم وفتح المهملة وكسر الراء المشددة ابن عبد الله الحرشي بمهملتين ثم معجمة البصري (قال: سمعت أبا السفر) بفتح المهملة والفاء سعيد بن يحمد بضم التحتية وسكون الحاء المهملة وكسر الميم بعدها دال مهملة الهمداني الثوري الكوفي (يقول: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: يا أيها الناس اسمعوا مني ما أقول لكم) سماع ضبط واتقان (وأسمعوني) بهمزة قطع أي أعيدوا عليّ (ما تقولون) إنكم حفظتموه مني فكأنه خشي أن لا يفهموا مراده (ولا تذهبوا فتقولوا قال ابن عباس) كذا (قال ابن عباس) كذا من قبل أن تضبطوا ما أقول لكم (من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر) بكسر الحاء وسكون الجيم وهو المحوّط الذي تحت الميزاب وأكثر الروايات كما نبه عليه في شفاء الغرام أن فيه من البيت نحو سبعة أذرع كما في الصحيحين (ولا تقولوا الحطيم) أي لا تسموه بالحطيم (فإن الرجل في الجاهلية كان يحلف) عنده (فيلقي) فيه (سوطه أو نعله أو قوسه) بعد أن يحلف علامة لعقد حلفه فسموه بالحطيم لذلك لكونه يحطم أمتعتهم فعيل بمعنى فاعل، وقيل ما ذكره في شفاء الغرام لأنهم كانوا يطرحون فيه ما طافوا به من الثياب فيبقى حتى ينحطم من طول الزمان، وقيل لأنهم كانوا يحطمون بالإيمان فقلّ من حلف هناك آثمًا إلا عجلت له العقوبة، وقيل الحطيم ما بين الحجر الأسود والمقام وزمزم والحجر، لكن قال في الفتح: إن حديث ابن عباس المذكور حجة في ردّ هذا وشبهه. 3849 - حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: "رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ قَدْ زَنَتْ فَرَجَمُوهَا، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ". وبه قال: (حدّثنا نعيم بن حماد) بتشديد الميم ابن معاوية بن الحرث الخزاعي أبو عبد الله الرفاء بالفاء المروزي نزيل مصر صدوق يخطئ كثيرًا فقيه عارف بالفرائض وقد تتبع ابن عدي ما أخطأ فيه وقال باقي حديثه مستقيم ووثقه أحمد قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة مصغرًا ابن بشير بفتح الموحدة بوزن عظيم ابن معاوية بن خازم بمعجمتين الواسطي (عن حصين) بمهملتين مصغرًا ابن عبد الرحمن الكوفي (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين الأودي أبي عبد الله المخضرم المشهور أسلم في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يره أنه (قال: رأيت في الجاهلية قردة) بكسر القاف وسكون الراء أنثى الحيوان المعروف (اجتمع عليها قردة) بكسر القاف وفتح الراء جمع قرد ويجمع أيضًا على قرود حال كونها (قد زنت فرجموها فرجمتا معهم). وهذا الحديث ثابت في جميع أصول البخاري التي رأيتها قال في الفتح وكفى بإيراد أبي ذر الحافظ له عن شيوخه الثلاثة الأئمة المتقنين عن الفربري وأبي مسعود له في الأطراف حجة لكنه سقط من رواية النسفيّ، وكذا الحديث الذي بعده ولا يلزم من ذلك أن لا يكون في رواية الفربري فإن روايته تزيد على رواية النسفيّ عدة أحاديث. ورواه الإسماعيلي من وجه آخر من طريق عبد الملك بن مسلم عن عيسى بن حطان عن عمرو بن ميمون قال: كنت في اليمن في غنم لأهلي وأنا على شرف فجاء قرد مع قردة فتوسد يدها فجاء قرد أصغر منها فغمزها فسلت يدها من تحت رأس القرد الأوّل سلاً رفيقًا وتبعته فوقع عليها وأنا أنظر، ثم رجعت فجعلت تدخل يدها تحت خد القرد الأول برفق فاستيقظ فزعًا فشمها فصاح فاجتمعت القرود فجعل يصيح ويومئ

28 - باب مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم-

إليها بيده فذهب القرود يمنة ويسرة فجاؤوا بذلك القرد أعرفه فحفروا لهما حفرة فرجموهما فلقد رأيت الرجم في غير بني آدم. ورواه البخاري أيضًا في تاريخه الكبير فقال: قال لي نعيم بن حماد: أخبرنا هشيم عن أبي المليح وحصين عن عمرو بن ميمون قال: رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة فرجموها ورجمتها معهم وليس فيه قد زنت، وقول ابن الأثير في أسد الغابة كابن عبد البر أن القصة بطولها يعني المروية عند الإسماعيلي المذكورة تدور على عبد الملك بن مسلم عن عيسى بن حطان وليسا ممن يحتج بهما، وهذا عند جماعة من أهل العلم منكر لإضافة الزنا إلى غير مكلف وإقامة الحدود على البهائم، ولو صح ذلك لكان من الجن لأن العبادات والتكليفات في الجن والإنس دون غيرهما. أجيب عنه: بأنه لا يلزم من كون عبد الملك وابن حطان مطعونًا فيهما ضعف رواية البخاري للقصة عن غيرهما بل مقوّية وعاضدة لرواية الإسماعيلي المذكورة، وبأنه لا يلزم من كون صورة الواقعة صورة الزنا أن يكون ذلك زنا حقيقة ولا حدًّا، وإنما أطلق ذلك عليه لشبهه به فلا يستلزم ذلك إيقاع التكليف على الحيوان. 3850 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "خِلاَلٌ مِنْ خِلاَلِ الْجَاهِلِيَّةِ: الطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالنِّيَاحَةُ -وَنَسِيَ الثَّالِثَةَ- قَالَ سُفْيَانُ: وَيَقُولُونَ إِنَّهَا الاِسْتِسْقَاءُ بِالأَنْوَاءِ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن أبي يزيد. المكي مولى آل قارظ بن شيبة الكناني وثقه ابن المديني أنه (سمع ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خلال من خلال الجاهلية) بالخاء المعجمة فيهما أي خصال من خصال الجاهلية (الطعن في الأنساب) أي القدح فيها بغير علم (والنياحة) بكسر النون على الميت (ونسي) عبيد الله الراوي الخلة (الثالثة. قال سفيان) بن عيينة (ويقولون إنها) أي الثالثة (الاستسقاء بالأنواء) جمع نوء وهو منزل القمر كانوا يقولون مطرنا بنوء كذا وسقينا بنوء كذا. 28 - باب مَبْعَثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلاَبِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ. (باب مبعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مصدر ميمي من البعث وهو الإرسال هو (محمد بن عبد الله) الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة وهو اسم مفعول من الصفة على سبيل التفاؤل أنه سيكثر حمده، وسائر أسماء أوصافه عليه الصلاة والسلام راجعة إليه، وتوفي أبوه بعد شهرين من حمله أو وهو في المهد أو وهو ابن شهرين والأوّل أشهر (ابن عبد المطلب) اسمه شيبة الحمد لأنه ولد وفي رأسه شيبة، ولقب بعبد المطلب لأن عمه المطلب جاء به إلى مكة رديفه وهو بهيئة بذة فكان يسأل عنه فيقول: هو عبدي حياء من أن يقول: ابن أخي وعاش مائة وأربعين سنة (ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة) واسم هاشم عمرو، وقيل له هاشم لأنه هشم الثريد بمكة لقومه في زمن المجاعة، ومناف بفتح الميم وتخفيف النون، وقصي بضم القاف تصغير قصى أي بعد لأنه بعد عن عشيرته في بلاد قضاعة حين احتملته أمه، وصغر على فعيل لأنهم كرهوا اجتماع ياءات فحذفوا إحداهن وهي الثانية التي تكون في فعيل فبقي على وزن فعيل مثل فليس واسمه مجمع، وقال الشافعي رحمه الله: يزيد وكلاب بكسر الكاف وتخفيف اللام ولقب به لمحبته الصيد وكان أكثر صيده بالكلاب قاله المهلب وغيره واسمه حكيم أو عروة، ومرّة منقول من اسم الحنظلة قاله السهيلي (ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر) وكعب أول من جمع يوم العروبة وكان فصيحًا خطيبًا، قيل وسمي كعبًا لستره على قومه ولين جانبه لهم منقول من كعب القدم، وقيل لارتفاعه على قومه وشرفه فيهم، ولؤي بالهمزة في الأكثر تصغير اللأي وهو الثور الوحشي، وغالب بالمعجمة وكسر اللام وفهر بكسر الفاء وسكون الهاء وهو من الحجارة الطويل والأملس، قيل واسمه قريش وهو قريش فمن لم يكن من ولده فليس بقرشي، وقال آخرون: أصل قريش النضر محتجين بحديث الأشعث بن قيس الكندي قال: قدمت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في وفد كندة فقلت: ألستم منا يا رسول الله؟ قال: "لا نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا" ذكره أبو عمر، وزاد في رواية أبي نعيم في الرياضة قال أشعث: والله لا أسمع أحدًا نفى قريشًا من النضر بن

29 - باب ما لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من المشركين بمكة

كنانة إلا جلدته، وقيل فهر اسمه وقريش لقبه، ونقل الزبير عن الزهري أن أمه سمته قريشًا وسماه أبوه فهرًا، والنضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة وسمي به لوضاءته وجماله وإشراق وجهه (ابن كنانة) بلفظ وعاء السهام (ابن خزيمة) بضم الخاء وفتح الزاي المعجمتين مصغرًا (ابن مدركة) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر الراء (ابن إلياس بن مضر) بكسر الهمزة وسكون اللام أفعال من قولهم ليس للشجاع الذي لا يفر قاله ابن الأنباري. وقال غيره: هو بهمزة وصل وهو ضد الرجاء ومضر بضم الميم وفتح الضاد المعجمة قيل وسمي به لأنه كان يحب شرب اللبن الماضر وهو الحامض أو لأنه كان يمضر القلوب بحسنه وجماله (ابن نزار بن معد بن عدنان) بكسر النون وفتح الزاي وبعد الألف راء من النزر وهو القليل. وقال أبو الفرج الأصبهاني: لأنه كان فريد قومه ومعدّ بفتح الميم والعين وتشديد الدال المهملتين وعدنان بوزن فعلان من العدن. وقد روى أبو جعفر بن حبيب في تاريخه المحبر من حديث ابن عباس قال: كان عدنان ومعدّ وربيعة ومضر وخزيمة وأسد على ملة إبراهيم فلا تذكروهم إلا بخير، وروى الزبير بن بكار من وجه آخر قوي مرفوعا "لا تسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مسلمين" وله شاهد عند ابن حبيب من مرسل سعيد بن المسيب، وقد اقتصر البخاري من هذا النسب الشريف على عدنان لما وقع من الاختلاف فيمن بين عدنان وبين إبراهيم الخليل، وفيمن بين إبراهيم وآدم، وأخرج ابن سعد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا انتسب لم يجاوز في نسبه معدّ بن عدنان. وقالت عائشة -رضي الله عنها-: ما وجدنا من يعرف ما وراء عدنان إلى ما وراء قحطان. وقال ابن جريج عن القاسم بن أبي مرة عن عكرمة: أضلت نزار نسبها من عدنان. 3851 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا النَّضْرُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، فَمَكَثَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً؛ ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ، فَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَكَثَ بِهَا عَشْرَ سِنِينَ، ثُمَّ تُوُفِّيَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 3851 - أطرافه في: 3902، 3903، 4465، 4979]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن أبي رجاء) الهروي الجعفي قال: (حدّثنا النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل أبو الحسن المازني (عن هشام) هو ابن حسان البصري (عن عكرمة) مولى ابن عباس -رضي الله عنهما- (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال): (أنزل على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الوحي (وهو ابن أربعين) سنة (فمكث ثلاث) وللكشميهني فمكث بمكة ثلاث (عشرة سنة) بعد الوحي منها مدة الفترة والرؤيا الصالحة في النوم (ثم أمر) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بالهجرة فهاجر إلى المدينة فمكث عشر سنين ثم توفي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن ثلاث وستين سنة. 29 - باب مَا لَقِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ (باب ما لقي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) -رضي الله عنهم- (من المشركين) أي من أذاهم حال كونهم (بمكة). 3852 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا بَيَانٌ وَإِسْمَاعِيلُ قَالاَ: سَمِعْنَا قَيْسًا يَقُولُ: سَمِعْتُ خَبَّابًا يَقُولُ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً وَهْوَ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ -وَقَدْ لَقِينَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ شِدَّةً- فَقُلْتُ: يا رسول الله, أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ فَقَعَدَ وَهْوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ فَقَالَ: لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ الْحَدِيدِ، مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ الْمِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ. وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ مَا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ». زَادَ بَيَانٌ "وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ". وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا بيان) بفتح الموحدة وتخفيف التحتية ابن بشر الأحمسي المعلم الكوفي (وإسماعيل) بن أبي خالد (قالا: سمعنا قيسًا) هو ابن أبي حازم البجلي التابعي الكبير (يقول: سمعت خبابًا) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى ابن الأرت بفتح الهمزة والراء وتشديد الفوقية (يقول: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو) أي والحال أنه (متوسد بردة) بتاء التأنيث، ولأبي ذر عن الكشميهني: بردة بالهاء (وهو) أي والحال أنه (في ظل الكعبة و) الحال أنا (قد لقينا من المشركين شدة فقلت: ألا) ولأبي ذر عن الكشميهني يا رسول الله ألا (تدعو الله؟) تعالى (فقعد وهو) أي والحال أنه (محمرّ وجهه) من الغضب (فقال) عليه الصلاة والسلام: (لقد كان من) بفتح الميم (قبلكم) من الأنبياء (ليمشط) بضم التحتية وسكون الميم وفتح المعجمة مبنيًّا للمفعول (بمشاط الحديد) بكسر الميم جمع مشط كرماح جمع رمح قاله الصغاني في شوارد اللغات، ولأبي ذر عن الكشميهني: بأمشاط الحديد (ما دون عظامه من لحم أو عصب ما) كان (يصرفه) بالهاء، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يصرف (ذلك) المشط (عن دينه ويوضع المنشار) بكسر الميم وسكون النون بالمعجمة التي ينشر بها الخشب (على مفرق رأسه) بفتح الميم وسكون الفاء وكسر الراء

(فيشق باثنين) بضم التحتية وفتح الشين المعجمة (ما يصرفه ذلك) الوضع على مفرق رأسه (عن دينه وليتمن الله) عز وجل (هذا الأمر) بفتح اللام وضم التحتية وكسر الفوقية وتشديد الميم المفتوحة والنون من الإتمام والكمال واللام للتأكيد أي أمر الإسلام (حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت) بفتح الميم (ما يخاف) أحدًا (إلا الله) عز وجل (زاد بيان) المذكور في السند بروايته (والذئب على غنمه) بنصب الذئب عطفًا على المستثنى منه لا المستثنى قاله في الكواكب، وجوزه في الفتح وقال: إن التقدير ولا يخاف إلا الذئب على غنمه لأن سياق الحديث إنما هو للأمن من عدوان بعض الناس على بعض كما كانوا في الجاهلية لا للأمن من عدوان الذئب فإن ذلك إنما يكون عند نزول عيسى اهـ. وتعقبه في العمدة بأن سياق الحديث أعم من عدوان الناس وعدوان الذئب ونحوه لأن قوله: الراكب أعم من أن يكون معه غنم أو غيره وعدم خوفه يكون من الناس والحيوان، وبأن ذلك غير مختص بزمان عيسى عليه الصلاة والسلام، وإنما وقع هذا في زمن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- فإن الرعاة كانوا آمنين من الذئاب في أيامه ولم يعرفوا موته إلا بعدوان الذئب على الغنم. وهذا الحديث قد سبق في باب علامات النبوة. 3853 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّجْمَ فَسَجَدَ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ إِلاَّ سَجَدَ، إِلاَّ رَجُلٌ رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصىً فَرَفَعَهُ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا يَكْفِينِي. فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا بِاللَّهِ". وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قرأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النجم) في رمضان سنة خمس من البعثة كما قال الواقدي (فسجد) بعد فراغه من قراءتها (فما بقي أحد) من المسلمين والمشركين (إلا سجد) معه المسلمون لله وغيرهم لآلهتهم لأنها أول سجدة نزلت فأرادوا معارضة المسلمين بالسجود لآلهتهم (إلاّ رجل) وهو أمية بن خلف كما في سورة النجم عند المؤلّف فلم يسجد (رأيته أخذ كفًا من حصا فرفعه) إلى وجهه (فسجد عليه وقال: هذا يكفيني فلقد رأيته بعد) بالبناء على الضم أي بعد ذلك (قتل كافرًا بالله) تعالى يوم بدر. ومطابقة الحديث للترجمة في عدم سجود هذا المذكور إذ في مخالفته نوع أذى على ما لا يخفى. وهذا الحديث سبق في أبواب السجود ويأتي إن شاء الله تعالى في التفسير. 3854 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: «بَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلَى جَزُورٍ فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - فَأَخَذَتْهُ مِنْ ظَهْرِهِ وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ الْمَلأَ مِنْ قُرَيْشٍ: أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ -أَوْ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ، شُعْبَةُ الشَّاكُّ- فَرَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، فَأُلْقُوا فِي بِئْرٍ، غَيْرَ أُمَيَّةَ بن خلف أَوْ أُبَيٍّ تَقَطَّعَتْ أَوْصَالُهُ فَلَمْ يُلْقَ فِي الْبِئْرِ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين الأودي المخضرم (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: بينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بغير ميم في بينا (ساجد) عند الكعبة (وحوله ناس من قريش) وهم السبعة المدعوّ عليهم بعد (جاء عقبة بن أبي معيط) أشقاهم (بسلا جزور) بفتح السين المهملة (فقذفه على ظهر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يرفع رأسه فجاءت فاطمة) ابنته (عليها السلام فأخذته من ظهره) الشريف (ودعت على من صنع) ذلك وفي رواية إسرائيل فأقبلت تسبهم (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما رفع رأسه من السجود وفرغ من الصلاة: (اللهم عليك الملأ من قريش) أي الزم جماعتهم وأشرافهم أي أهلكهم (أبا جهل بن هشام) واسمه عمرو فرعون هذه الأمة (وعتبة بن ربيعة) بضم العين وسكون الفوقية وفي اليونينية الرفع والنصب بتقدير أعني ونحوه (وشيبة بن ربيعة) أخا عتبة (وأمية بن خلف أو أبي بن خلف شعبة) بن الحجاج هو (الشاك) في ذلك، والصحيح أنه أمية كما في كتاب الصلاة لأن أبيا قتله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أُحد قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: (فرأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا) بضم الهمزة (في بئر) هناك تحقيرًا لشأنهم ولئلا يتأذى بريحهم (غير أمية) ولأبي ذر: زيادة ابن خلف (أو أبي) بالشك (تقطعت أوصاله فلم يلق في البئر). وهذا الحديث سبق في أواخر الوضوء. 3855 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ -أَوْ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ- قَالَ: "أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى قَالَ: سَلِ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مَا أَمْرُهُمَا؟ [الأنعام: 151، الإسراء: 33] {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ}، [النساء: 93]: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: فَقَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ [68] قَالَ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ: فَقَدْ قَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَدَعَوْنَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَقَدْ أَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ} [الفرقان: 70] الآيَةَ، فَهَذِهِ لأُولَئِكَ، وَأَمَّا الَّتِي فِي النِّسَاءِ [93] الرَّجُلُ إِذَا عَرَفَ الإِسْلاَمَ وَشَرَائِعَهُ ثُمَّ قَتَلَ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ، فَذَكَرْتُهُ لِمُجَاهِدٍ فَقَالَ: إِلاَّ مَنْ نَدِمَ". [الحديث 3855 - أطرافه في: 4590، 4762، 4763، 4765، 4766]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدَّثني بالإفراد (عثمان بن أبي شيبة) أخو أبي بكر قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن

منصور) هو ابن المعتمر أنه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (سعيد بن جبير أو قال) منصور: (حدّثني) بالإفراد الحكم بن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية وسكون التحتية وفتح الموحدة الكندي الكوفي (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: أمرني عبد الرحمن بن أبزى) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح الزاي مقصور الخزاعي مولاهم صحابي صغير (قال: سل ابن عباس) -رضي الله عنهما- بفتح السين من غير همز وفي الناصرية قال: اسأل ابن عباس -رضي الله عنهما- (عن هاتين الآيتين ما أمرهما) أي ما التوفيق بينهما وهما قوله تعالى في سورة الفرقان: ({ولا تقتلوا النفس التي حرم الله}) [الأنعام: 151] كذا في الرواية. ولفظ التلاوة: {ولا يقتلون} بثبوت النون زاد أبو ذر: إلاّ بالحق ({ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا}) [النساء: 93] أي حيث دلت الأولى العفو عند التوبة، والثانية على وجوب الجزاء مطلقًا (فسألت ابن عباس) -رضي الله عنهما- عن ذلك (فقال: لما أنزلت التي في الفرقان قال مشركو أهل مكة: فقد قتلنا النفس التي حرم الله ودعونا مع الله إلها آخر وقد أتينا الفواحش) فما يغني عنا الإسلام، وقد فعلنا ذلك كله وسقط قوله وقد لأبي ذر (فأنزل الله) عز وجل ({إلا من تاب وآمن}) [الفرقان: 70] (الآية) التي في سورة الفرقان (فهذه لأولئك) الكفار (وأما التي في) سورة (النساء) ففي (الرجل) المسلم (إذا عرف الإسلام وشرائعه ثم قتل فجزاؤه جهنم خالدًا فيها) سقط قوله خالدًا فيها من اليونينية فلا تقبل توبته وقال زيد بن ثابت: لما نزلت التي في الفرقان: {والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر} [الفرقان: 68] عجبنا من لينها فمكثنا سبعة أشهر ثم نزلت الغليظة بعد اللينة فنسخت اللينة، وأراد بالغليظة آية النساء، وباللينة آية الفرقان، وقد ذهب أهل السُّنّة إلى أن توبة قاتل المسلم عمدًا مقبولة لآية {وإني لغفار لمن تاب} [طه: 82] و {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48] وما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - فهو تشديد ومبالغة في الزجر عن القتل، وليس في الآية متمسك لمن قال: بالتخليد في النار بارتكاب الكبائر لأن الآية نزلت في قاتل هو كافر وهو مقيس بن ضبابة، وقيل: إنه وعيد لمن قتل مؤمنًا مستحلاًّ لقتله بسبب إيمانه، ومن استحل قتل أهل الإيمان لإيمانهم كان كافرًا مخلدًا في النار، وذكر أن عمرو بن عبيد جاء إلى أبي عمرو بن العلاء فقال: هل يخلف الله وعده؟ فقال: لا. فقال: أليس قد قال الله تعالى: {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها} [النساء: 93] فقال أبو عمرو: من المعجمة أتيت يا أبا عثمان إن العرب تعدّ الإخلاف في الوعيد خلفًا وإنما تعدّ إخلاف الوعد خلفًا، وأنشد: وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي قال عبد الرحمن بن أبزى: (فذكرته) أي قول ابن عباس -رضي الله عنهما- (لمجاهد) هو ابن جبر (فقال: إلا من ندم) أي الآية الثانية مقيدة بقوله: {إلا من تاب} [الفرقان: 75] حملاً للمطلق على المقيد. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير وأبو داود في الفتن والنسائي في المحاربة والتفسير. 3856 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَىْءٍ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ: "بَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} الآيَةَ [غافر: 28]. تَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: وَقَالَ عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ: قِيلَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ". وبه قال: (حدّثنا عياش بن الوليد) بالتحتية وبعد الألف شين معجمة الرقام البصري قال: (حدّثنا الوليد بن مسلم) أبو العباس الدمشقي قال: (حدّثني) بالإفراد (الأوزاعي) عبد الرحمن قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الطائي مولاهم اليماني (عن محمد بن إبراهيم التيمي) أبي عبد الله المدني أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (قال: سألت) عبد الله (بن عمرو بن العاص) -رضي الله عنهما- (قلت أخبرني) بكسر الموحدة وسكون الراء وسقط لفظ قلت من اليونينية (بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بينا) بغير ميم ولأبي ذر: بينما (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجر الكعبة) بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم (إذ أقبل عقبة بن أبي معيط) المقتول كافرًا بعد بدر (فوضع ثوبه) أي ثوب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في عنقه)

30 - باب إسلام أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-

المكرم (فخنقه) به (خنقًا) بسكون النون (شديدًا فأقبل أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (حتى أخذ بمنكبه) بفتح الميم وكسر الكاف أي بمنكب عقبة (ودفعه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: {أتقتلون رجلاً} كراهية ({أن يقول ربي الله} [غافر: 28] الآية) أي لأن يقول: "وقال الزمخشري في آية المؤمن: ولك أن تقدر مضافًا محذوفًا أي وقت أن يقول، والمعنى أتقتلونه ساعة سمعتم منه هذا القول من غير روية ولا فكر، وهذا رده أبو حيان بأن تقدير هذا الوقت لا يجوز إلا مع المصدر المصرح به. تقول: جئتك صياح الديك أي وقت صياحه، ولو قلت أجيئك إن صاح الديك أو أن يصيح لم يصح نص عليه النحويون. وهذا الاستفهام على سبيل الإنكار وفي هذا الكلام ما يدل على حسن هذا الإنكار لأنه ما زاد على أن قال: {ربي الله وقد جاءكم بالبينات} [غافر: 28] وذلك لا يوجب القتل البتة. (تابعه) أي تابع عياش بن الوليد (ابن إسحاق) محمد فقال: (حدّثني) بالإفراد (يحيى بن عروة عن) أبيه (عروة) بن الزبير أنه قال: (قلت لعبد الله بن عمرو) بفتح العين وهذه المتابعة وصلها أحمد والبزار. (وقال عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان فيما وصله النسائي (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (قيل لعمرو بن العاص) فخالف هشام أخاه يحيى بن عروة في اسم الصحابي فقال يحيى: عبد الله بن عمرو، وقال هشام: عمرو بن العاص فيرجح رواية يحيى موافقة محمد بن إبراهيم التيمي. (وقال محمد بن عمرو) بفتح العين ابن علقمة الليثي المدني فيما وصله المؤلّف في خلق أفعال العباد (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عمرو بن العاص) وهذا كله مع ما سبق من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها: وكان أشد ما لقيت من قومك فذكر قصته بالطائف مع ثقيف يدل على تعدد ذلك فلا تعارض على ما لا يخفى. وحديث الباب سبق في مناقب أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-. 30 - باب إِسْلاَمُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي الله عنه- (باب إسلام أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-) سقط لفظ باب لأبي ذر فتاليه رفع والصديق فعيل مبالغة في الصدق وهو الكثير الصدق، وقيل الذي لم يكذب قط، وقد قال أبو الحسن الأشعري -رحمه الله تعالى-: لم يزل أبو بكر -رضي الله عنه- بعين الرضا منه فاختلف الناس في مراده بهذا الكلام فقيل: لم يزل مؤمنًا قبل البعثة وبعدها وهو الصحيح المرتضى، وقيل بل أراد أنه لم يزل بحالة غير مغضوب فيها عليه لعلم الله تعالى بأنه سيؤمن ويصير من خلاصة الأبرار. قال الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله: لو كان هذا مراده لاستوى الصديق وسائر الصحابة في ذلك، وهذه العبارة التي قالها الأشعري في حق الصديق -رضي الله عنه- لم تحفظ عنه في حق غيره، فالصواب أن يقال إن الصديق -رضي الله عنه- لم يثبت عنه حالة كفر بالله كما ثبتت عن غيره ممن آمن وهو الذي سمعناه من أشياخنا ومن يقتدى به وهو الصواب إن شاء الله تعالى. ونقل ابن ظفر في أنباء نجباء الأبناء أن القاضي أبا الحسين أحمد بن محمد الزبيدي روى بإسناده في كتابه المسمى معالي الفرش إلى عوالي العرش أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: اجتمع المهاجرون والأنصار عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: وعيشك يا رسول الله إني لم أسجد لصنم قط، فغضب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقال: تقول وعيشك يا رسول الله إني لم أسجد لصنم قط وقد كنت في الجاهلية كذا وكذا سنة. فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: إن أبا قحافة أخذ بيدي فانطلق بي إلى مخدع فيه الأصنام فقال لي: هذه آلهتك الشم العلا فاسجد لها وخلاني ومضى فدنوت من الصنم وقلت: إني جائع فأطعمني، فلم يجبني فقلت: إني عار فاكسني فلم يجبني، فأخذت صخرة فقلت إني ملق عليك هذه الصخرة فإن كنت إلهًا فامنع نفسك فلم يجبني، فألقيت عليه الصخرة فخر لوجهه وأقبل أبي فقال: ما هذا يا بني؟ فقلت هو الذي ترى فانطلق بي إلى أمي فأخبرها فقالت: دعه فهو الذي ناجاني الله تعالى به. فقلت: يا أماه ما الذي ناجاك به؟ قالت:

31 - باب إسلام سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-

ليلة أصابني المخاض لم يكن عندي أحد فسمعت هاتفًا يقول: يا أمة الله على التحقيق أبشري بالولد العتيق اسمه في السماء الصديق لمحمد صاحب رفيق. قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: فلما انقضى كلام أبي بكر -رضي الله عنه- نزل جبريل على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال: صدق أبو بكر وصدقه ثلاث مرات اهـ. 3857 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ عَنْ بَيَانٍ عَنْ وَبَرَةَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: "قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا مَعَهُ إِلاَّ خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ وَأَبُو بَكْرٍ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، (عبد الله بن محمد الآملي) بمدّ الهمزة وضم الميم المخففة وسقط لأبي ذر: الآملي، وثبت في الفرع ابن محمد وكذا في رواية أبي عليّ بن السكن عن الفربري ووقع في اليونينية وغيرها ابن حماد بدل قوله ابن محمد وبذلك نسبه أبو زيد المروزي وجزم به أبو نصر الكلاباذي وغيره، وفي كثير من الأصول حدّثني عبد الله غير منسوب وهو تلميذ البخاري وورّاقه فهو من رواية الأكابر عن الأصاغر (قال: حدّثني) بالإفراد (يحيى بن معين) بفتح الميم وكسر العين المهملة البغدادي قال: (حدّثنا إسماعيل بن مجالد) بضم الميم وفتح الجيم الهمداني أبو عمر الكوفي نزيل بغداد (عن بيان) الأحمسي (عن وبرة) بالموحدة وفتحات ابن عبد الرحمن (عن همام بن الحرث) النخعي الكوفي أنه (قال: قال عمار بن ياسر) العنسي أحد السابقين البدريين. (رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما معه إلا خمسة أعبد) بلال وزيد بن حارثة وعامر بن فهيرة وأبو فكيهة وعبيد بن زيد الحبشي (وامرأتان) خديجة أم المؤمنين وأم أيمن أو سمية (وأبو بكر) الصديق -رضي الله عنه-، وهو أول من أسلم من الأحرار البالغين. وسبق هذا الحديث في مناقب أبي بكر -رضي الله عنه-. 31 - باب إِسْلاَمُ سَعْدٍ بْنِ أَبِي وَقَاص -رضي الله عنه- (باب إسلام سعد) ولأبي ذر زيادة ابن أبي وقاص واسمه مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب الزهري فارس الإسلام واحد العشرة (-رضي الله عنه-) وسقط لأبي ذر باب فالتالي رفع. 3858 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هَاشِمٌ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: "مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلاَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ، وَلَقَدْ مَكَثْتُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنِّي لَثُلُثُ الإِسْلاَمِ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق) بن إبراهيم بن نصر أبو إبراهيم السعدي المروزي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا هاشم) هو ابن هاشم بن عتبة بالعين المضمومة وسكون الفوقية ابن أبي وقاص (قال: سمعت سعيد بن المسيب) بفتح التحتية وكسرها (قال: سمعت أبا إسحاق سعد بن أبي وقاص) -رضي الله عنه- وهو آخر العشرة وفاة سنة خمس وخمسين -رضي الله عنه- (يقول: ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه) قاله بحسب ما علمه وإلاّ فقد أسلم قبله خديجة وعلي وأبو بكر وزيد ونحوهم. وقال الكرماني: لعلهم أسلموا أول النهار وهو آخره (ولقد مكثت) بفتح الكاف وضمها (سبعة أيام وإني لثلث الإسلام) أي بالنسبة للرجال البالغين أو بحسب ما اطلع عليه لأن من أسلم إذ ذاك كان يخفي إسلامه. وهذا الحديث سبق في مناقبه. 32 - باب ذِكْرُ الْجِنِّ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَىَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} [الجن: 1] (باب ذكر الجن وقول الله تعالى: {قل أوحي إليّ}) أي قل يا محمد لأمتك أوحي إليّ على لسان جبريل ({إنه استمع نفر}) جماعة من الثلاثة إلى العشرة ({من الجن}) [الجن: 1] والقائم مقام الفاعل أنه استمع لأنه المفعول الصريح، وجوز الكوفيون والأخفش أن يكون القائم مقام الفاعل الجار والمجرور فيكون هذا باقيًا على نصبه، والتقدير أوحى إلي استماع نفر، و: من الجن صفة لنفر وهل رآهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وظاهر القرآن أنه لم يرهم واختلف فيهم من هم قال ابن الخطيب: فروى عاصم عن زر قدم رهط زوبعة وأصحابه على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقيل كانوا الشيصبان وهم أكثر الجن عددًا وعامة جنود إبليس منهم وقيل كانوا سبعة ثلاثة من أرض حران وأربعة من أرض نصيبين قرية باليمن غير التي بالعراق، وقيل إن الذين أتوه بمكة جن نصيبين والذين أتوه بنخلة جن نينوى. وقال عكرمة: كانوا اثني عشر ألفًا من جزيرة الموصل وسقط الباب لأبي ذر. 3859 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ بن أُسَامَةَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ مَعْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: "سَأَلْتُ مَسْرُوقًا: مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوكَ -يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ- أَنَّهُ آذَنَتْ بِهِمْ شَجَرَةٌ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن سعيد) بكسر العين أبو قدامة السرخسي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين ابن كدام الهلالي الكوفي أحد الأعلام (عن معن بن عبد الرحمن) أنه (قال: سمعت أبي)

33 - باب إسلام أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه-

عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- (قال: سألت مسروقًا) أي ابن الأجدع (من آذن) أي من أعلم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ فقال): مسروق (حدّثني) بالإفراد بذلك (أبوك يعني عبد الله) بن مسعود (إنه) بفتح الهمزة (آذنت) بالمد أعلمت (بهم شجرة) وفي مسند إسحاق بن راهويه سمرة بدل قوله شجرة. 3860 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: «أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِدَاوَةً لِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ. فَبَيْنَمَا هُوَ يَتْبَعُهُ بِهَا فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ. فَقَالَ: ابْغِنِي أَحْجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِهَا، وَلاَ تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلاَ بِرَوْثَةٍ. فَأَتَيْتُهُ بِأَحْجَارٍ أَحْمِلُهَا فِي طَرَفِ ثَوْبِي حَتَّى وَضَعْتُ إِلَى جَنْبِهِ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مَشَيْتُ مَعَهُ فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْعَظْمِ وَالرَّوْثَةِ؟ قَالَ: هُمَا مِنْ طَعَامِ الْجِنِّ، وَإِنَّهُ أَتَانِي وَفْدُ جِنِّ نَصِيبِينَ -وَنِعْمَ الْجِنُّ- فَسَأَلُونِي الزَّادَ، فَدَعَوْتُ اللَّهَ لَهُمْ أَنْ لاَ يَمُرُّوا بِعَظْمٍ وَلاَ بِرَوْثَةٍ إِلاَّ وَجَدُوا عَلَيْهَا طَعَامًا». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي قال: (حدّثنا عمرو بن يحيى بن سعيد) بفتح العين في الأول وكسرها في الثالث (قال: أخبرني) بالتوحيد (جدي) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه كان يحمل مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إداوة) بكسر الهمزة إناء صغير من جلد يتخذ للماء ولأبي ذر الأداوة (لوضوئه وحاجته فبينما) بالميم (هو يتبعه بها فقال) عليه الصلاة والسلام: (من هذا؟ فقال أنا أبو هريرة. فقال ابغني) بهمزة وصل من الثلاثي ولأبي ذر بقطع أي اطلب لي (أحجارًا أستنفض) بكسر الفاء والجزم جوابًا للأمر أستنج (بها ولا تأتني بعظم ولا بروثة فأتيته بأحجار أحملها في طرف ثوبي حتى وضعت) بحذف المفعول ولأبي ذر عن الكشميهني وضعتها (إلى جنبه ثم انصرفت حتى إذا فرغ) من حاجته (مشيت معه) (فقلت) له يا رسول الله (ما بال العظم والروثة قال) عليه الصلاة والسلام: (هما من طعام الجن وأنه أتاني وفد جن نصيبين) بفتح النون وكسر الصاد المهملة بعدها تحتيتان ساكنتان بينهما موحدة مكسورة آخره نون بلدة مشهورة بالجزيرة. وقال السفاقسي: بالشام قال في الفتح: وفيه تجوّز فإن الجزيرة بين الشام والعراق (ونعم الجن فسألوني الزاد) يحتمل أن يكون وقع في هذه الليلة أو فيما مضى (فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعامًا) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني طعمًا بضم الطاء وسكون العين من غير ألف، والذي تحصل من الأخبار أن وفادة الجن عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرات ببطن نخلة وهو يقرأ القرآن، فلما حضروه قالوا أنصتوا وكانوا سبعة: أحدهم زوبعة وبالحجون وأخرى ببقيع الغرقد، وفي هذه الليالي حضر ابن مسعود وخطّ عليه وخارج المدينة وحضرها الزبير بن العوّام وفي بعض أسفاره حضرها بلال بن الحرث. 33 - باب إِسْلاَمُ أَبِي ذَرٍّ الغِفارِيُّ -رضي الله عنه- (باب إسلام أبي ذر) جندب بن جنادة (الغفاري -رضي الله عنه-) وسقط الباب لأبي ذر. 3861 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: «لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأَخِيهِ: ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِي فَاعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ، وَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ ائْتِنِي. فَانْطَلَقَ الأَخُ حَتَّى قَدِمَهُ وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ لَهُ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ، وَكَلاَمًا مَا هُوَ بِالشِّعْرِ. فَقَالَ: مَا شَفَيْتَنِي مِمَّا أَرَدْتُ. فَتَزَوَّدَ وَحَمَلَ شَنَّةً لَهُ فِيهَا مَاءٌ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ، فَالْتَمَسَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ، حَتَّى أَدْرَكَهُ بَعْضُ اللَّيْلِ، فَرَآهُ عَلِيٌّ فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ، فَلَمَّا رَآهُ تَبِعَهُ، فَلَمْ يَسْأَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَىْءٍ حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ احْتَمَلَ قِرْبَتَهُ وَزَادَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَظَلَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلاَ يَرَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَمْسَى فَعَادَ إِلَى مَضْجَعِهِ، فَمَرَّ بِهِ عَلِيٌّ فَقَالَ: أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ مَنْزِلَهُ؟ فَأَقَامَهُ، فَذَهَبَ بِهِ مَعَهُ، لاَ يَسْأَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَىْءٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمَ الثَّالِثِ فَعَادَ عَلِيٌّ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَقَامَ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ: أَلاَ تُحَدِّثُنِي مَا الَّذِي أَقْدَمَكَ؟ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي عَهْدًا وَمِيثَاقًا لَتُرْشِدَنَّنِي فَعَلْتُ. فَفَعَلَ، فَأَخْبَرَهُ، قَالَ: فَإِنَّهُ حَقٌّ، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَاتْبَعْنِي، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ شَيْئًا أَخَافُ عَلَيْكَ قُمْتُ كَأَنِّي أُرِيقُ الْمَاءَ، فَإِنْ مَضَيْتُ فَاتْبَعْنِي حَتَّى تَدْخُلَ مَدْخَلِي، فَفَعَلَ، فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَدَخَلَ مَعَهُ فَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي. قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ. فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ قَامَ الْقَوْمُ فَضَرَبُوهُ حَتَّى أَوْجَعُوهُ. وَأَتَى الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ قَالَ: وَيْلَكُمْ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ غِفَارٍ، وَأَنَّ طَرِيقَ تِجَارِكُمْ إِلَى الشَّامِ؟ فَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ. ثُمَّ عَادَ مِنَ الْغَدِ لِمِثْلِهَا فَضَرَبُوهُ وَثَارُوا إِلَيْهِ، فَأَكَبَّ الْعَبَّاسُ عَلَيْهِ». وبه قال: (حدّثني) بالتوحيد (عمرو بن عباس) بفتح العين أبو عثمان البصري قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي) الحافظ أبو سعيد البصري اللؤلؤي قال: (حدّثنا المثنى) بضم الميم وفتح المثلثة والنون المشدّدة ابن عمران الضبعي (عن أبي جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال): (لما بلغ أبا ذر مبعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأخيه) أنيس بضم الهمزة مصغرًا (اركب) وسر (إلى هذا الوادي) وادي مكة (فاعلم) بهمزة وصل (لي علم) بكسر العين وسكون اللام (هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء واسمع من قوله ثم ائتني فانطلق الأخ) أنيس المذكور ولأبي ذر عن الكشميهني فانطلق الآخر بفتح الخاء المعجمة بدل قوله الأخ (حتى قدمه) أي وادي مكة (وسمع من قوله) الذي يسلب الأرواح -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم رجع إلى) أخيه (أبي ذر فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلامًا) نصب بتقدير وسمعته يقول: كلامًا أو عطفًا على ضمير رأيته من باب قوله. علفتها تبنًا وماءً باردًا أو ضمن الرؤية معنى الأخذ أي أخذت منه كلامًا (ما هو بالشعر) زاد مسلم ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم عليها والله أنه لصادق (فقال) له أبو ذر: (ما شفيتني) بالشين المعجمة والفاء (مما أردت فتزوّد وحمل شنة) بفتح المعجمة والنون المشددة قربة خلقة (له فيها ماء) وسار (حتى قدم مكة فأتى المسجد فالتمس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي طلبه (ولا يعرفه وكره أن يسأل عنه) قريشًا فيؤذونه (حتى أدركه بعض الليل فرآه) ولأبي ذر اضطجع وللأصيلي وابن

34 - باب إسلام سعيد بن زيد -رضي الله عنه-

عساكر وأبي الوقت فاضطجع فرآه (علي) -رضي الله عنه- (فعرف أنه غريب) وفي رواية أبي قتيبة السابقة في قصة زمزم فقال: كأن الرجل غريب قلت نعم (فلما رآه تبعه) ولأبي قتيبة قال علي له: انطلق إلى المنزل قال: فانطلقت معه (فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح ثم احتمل) أبو ذر (قربته وزاده إلى المسجد وظل ذلك اليوم) فيه (ولا يراه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أمسى فعاد إلى مضجعه) بكسر الجيم ولأبي ذر مضجعه بفتحها (فمر به علي فقال: أما نال) بالنون أي ما آن (للرجل أن يعلم منزله) أي أن يكون له منزل معين يسكنه أو أراد دعوته إلى منزله وأضاف المنزل إليه بملابسة إضافته له فيه (فأقامه) من مضجعه (فذهب به معه لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى إذا كان يوم الثالث فعاد) ولأبي ذر عن الكشميهني: فغدا، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: قعد (عليّ على مثل ذلك) الفعل من أخذه إلى منزله (فأقام معه) وسقط من اليونينية وغيرها قوله على التي بعد عليّ (ثم قال) له عليّ (ألا تحدثني) بالرفع (ما الذي أقدمك) هنا (قال) أبو ذر: (إن أعطيتني عهدًا وميثاقًا لترشدنني) إلى مقصودي ولأبي ذر عن الكشميهني لترشدني بنون واحدة مشددة (فعلت ففعل) عليّ ما ذكره له من العهد والميثاق (فأخبره) أبو ذر عن مقصده ولأبي ذر فأخبرته بتاء المتكلم قبل الضمير وفيه التفات (قال) له عليّ (فإنه حق وهو رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (فإذا أصبحت فاتبعني) بتشديد الفوقية لأبي ذر وبتخفيفها ساكنة لغيره (فإني إن رأيت شيئًا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء) ولأبي قتيبة: قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي ولعله قالهما جميعًا (فإن مضيت فاتبعني) بتشديد الفوقية لأبي ذر وبتخفيفها لغيره (حتى تدخل مدخلي ففعل) أبو ذر ذلك (فانطلق يقفوه) أي يتبعه (حتى دخل على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودخل) أبو ذر (معه فسمع من قوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وأسلم مكانه فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ارجع إلى قومك) غفار (فأخبرهم) بشأني لعل الله أن ينفعهم بك (حتى يأتيك أمري) ولأبي قتيبة قال لي: يا أبا ذر اكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك فإذا بلغك ظهورنا فأقبل وإنما أمره بالكتمان خوفًا عليه من قريش (قال) أبو ذر (والذي نفسي بيده لأصرخن بها) لأرفعن بكلمة التوحيد صوتي (بين ظهرانيهم) بفتح النون أي في جمعهم (فخرج حتى أتى المسجد) الحرام (فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ثم قام القوم) قريش (فضربوه حتى أضجعوه) على الأرض (وأتى العباس) بن عبد المطلب -رضي الله عنه- (فأكب عليه قال) ولأبي ذر: ثم قال: (ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار وأن طريق تجاركم إلى الشام) عليهم (فأنقذه منهم) بالقاف والذال المعجمة أي خلصه من المشركين (ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا إليه) بالمثلثة (فأكبّ العباس عليه) فأنقذه منهم ورجع إلى قومه فأسلم أخوه أنيس وأمه وكثير من قومه. وهذا الحديث قد مرّ في قصة زمزم في مناقب قريش. 34 - باب إِسْلاَمُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنه- هذا (باب إسلام سعيد بن زيد) بكسر العين ابن عمرو بفتح العين ابن نفيل بضم النون وفتح الفاء أحد العشرة المبشرة بالجنة وهو ابن عم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وزوج أخته أم جميل فاطمة بنت الخطاب، وكان أبوه زيد يطلب دين الحنيفية دين إبراهيم قبل المبعث فكان يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا ويصلّي إلى الكعبة حتى مات على ذلك (-رضي الله عنه-). 3862 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: "وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنَّ عُمَرَ لَمُوثِقِي عَلَى الإِسْلاَمِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عُمَرُ، وَلَوْ أَنَّ أُحُدًا ارْفَضَّ لِلَّذِي صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ لَكَانَ مَحْقُوقًا أَنْ يَرْفَضَّ". [الحديث 3862 - طرفاه في: 3867، 6942]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم (قال: سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل في مسجد الكوفة يقول: والله لقد رأيتني) بضم التاء الفوقية أي لقد رأيت نفسي (و) الحال (أن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (لموثقي على الإسلام) بالمثلثة بحبل أوقد كالأسير تضييقًا وإهانة. وفي حديث أنس -رضي الله عنه-

35 - باب إسلام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-

عند صاحب الصفوة أن عمر -رضي الله عنه- لما بلغه إسلام أخته وزوجها سعيد بن زيد وثب عليه فوطئه وطأً شديدًا فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها بيده فدمى وجهها وهذا يرد ما قاله البرماوي كالكرماني حيث فسر قوله لموثقي أي على الثبات على الإسلام ويشددني ويثبتني عليه (قبل أن يسلم عمر) -رضي الله عنه-، وكان سبب إسلامه إسلامهما وما سمعه في بيتهما من القرآن كما سيأتي إن شاء الله تعالى، ولذا أخر المؤلّف ذكر إسلام عمر -رضي الله عنه- عن إسلام سعيد (ولو أن أُحدًا) الجبل المعروف (ارفض) بهمزة وصل وسكون الراء وفتح الفاء وتشديد الضاد المعجمة أي زال من مكانه (للذي) أي لأجل الذي (صنعتم بعثمان) بن عفان -رضي الله عنه- من القتل (لكان محقوقًا أن يرفض) أي حقيقًا بالإرفضاض، وهذا منه على سبيل التمثيل وكان سعيد بن زيد من المهاجرين الأولين، وشهد المشاهد كلها إلا بدرًا وضرب له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها بسهمه وأجره وكان مجاب الدعوة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في اسلام عمرو في الإكراه أيضًا. 35 - باب إِسْلاَمِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- (باب إسلام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-) سقط لفظ باب لأبي ذر فالتالي رفع. 3863 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن كثير) بالمثلثة أبو عبد الله العبدي البصري قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن إسماعيل بن أبي خالد) الكوفي الحافظ (عن قيس بن أبي حازم) التابعي الكبير البجلي (عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-) أنه (قال: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر). 3864 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: فَأَخْبَرَنِي جَدِّي زَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "بَيْنَمَا هُوَ فِي الدَّارِ خَائِفًا إِذْ جَاءَهُ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ أَبُو عَمْرٍو عَلَيْهِ حُلَّةُ حِبَرٍ وَقَمِيصٌ مَكْفُوفٌ بِحَرِيرٍ -وَهُوَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ وَهُمْ حُلَفَاؤُنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ- فَقَالَ: مَا بَالُكَ؟ قَالَ: زَعَمَ قَوْمُكَ أَنَّهُمْ سَيَقْتُلُونِي إِنْ أَسْلَمْتُ. قَالَ: لاَ سَبِيلَ إِلَيْكَ. بَعْدَ أَنْ قَالَهَا أَمِنْتُ. فَخَرَجَ الْعَاصِ فَلَقِيَ النَّاسَ قَدْ سَالَ بِهِمُ الْوَادِي، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ فَقَالُوا: نُرِيدُ هَذَا ابْنَ الْخَطَّابِ الَّذِي صَبَا. قَالَ لاَ سَبِيلَ إِلَيْهِ. فَكَرَّ النَّاسُ". [الحديث 3864 - طرفه في: 3865]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي سكن مصر (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري أيضًا (قال: حدّثني) بالتوحيد (عمر بن محمد) بضم العين (قال: فأخبرني) بالإفراد (جدي زيد بن عبد الله بن عمر) بفاء العطف على شيء مقدر كأنه قال: قال: كذا فأخبرني بكذا (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه (قال: بينما) بالميم (هو) أي عمر بن الخطاب (في الدار) حال كونه (خائفًا) من قريش لما أسلم (إذ جاءه العاص) بكسر الصاد مصححًا عليها في الفرع كأصله لأنها من الناقص لأن أصله العاصي بالياء كالقاضي فخفف بترك الياء وبضم الصاد إذا قلنا أنه من الأجوف أي ألفه مبدلة عن واو وأصله العوص (ابن وائل) بالمد (السهمي) بفتح السين المهملة وسكون الهاء (أبو عمرو) والعاص جاهلي أدرك الإسلام ولم يسلم وهو ابن هاشم بن سعيد بن سهم (عليه حلة حبرة) بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة جر بإضافة حلة إليها برد مخطط، ولأبي ذر: حبر إسقاط الهاء (وقميص مكفوف) مخيط (بحرير وهو) أي العاص (من بني سهم وهم حلفاؤنا في الجاهلية) بالحاء المهملة جمع حليف من الحلف وهو المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد (فقال له) العاص (ما بالك؟) بضم اللام ما شأنك (قال: زعم قومك) بنو سهم (أنهم سيقتلونني) ولأبي ذر: سيقتلوني بنون واحدة (أن أسلمت) أي لأجل إسلامي بفتح همزة أن وفي الناصرية بكسرها كالفرع ولم يضبطها في اليونينية (قال) له العاص (لا سبيل) لهم (إليك) فقال: عمر -رضي الله عنه- (بعد أن قالها) أي كلمة لا سبيل إليك (أمنت) بهمزة مفتوحة وميم مكسورة ونون ساكنة وفوقية مضمومة من الأمان أي زال خوفي لقول: العاص لأنه كان مطاعًا في قومه (فخرج العاص فلقي الناس قد سال) بغير همز أي امتلأ (بهم الوادي) وادي مكة (فقال) العاص: (أين تريدون؟ فقالوا: نريد هذا ابن الخطاب) عمر -رضي الله عنه- (الذي صبا) أي خرج عن دين آبائه (قال) العاص: (لا سبيل) لكم (إليه فكرّ الناس) بتشديد الراء أي رجعوا. 3865 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُهُ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ، اجْتَمَعَ النَّاسُ عِنْدَ دَارِهِ وَقَالُوا: صَبَأ عُمَرُ -وَأَنَا غُلاَمٌ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِي- فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ فَقَالَ: قَدْ صَبَأ عُمَرُ، فَمَا ذَاكَ؟ فَأَنَا لَهُ جَارٌ. قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّاسَ تَصَدَّعُوا عَنْهُ. فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال عمرو بن دينار): قال سفيان (سمعته) أي عمرو بن دينار (قال: قال عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- لما أسلم عمر اجتمع الناس عند داره) ولأبي ذر عن الكشميهني إليه عند داره (وقالوا:

صبأ عمر) بغير همز خرج عن دينه إلى دين آخر قال ابنه (وأنا غلام فوق ظهر بيتي فجاء رجل عليه قباء من ديباج) من إبريسم وقد تفتح داله (فقال: قد صبا عمر) سقط لفظ قد من اليونينية (فما ذاك) الاجتماع فلا يعرض له أحد (فأنا) أي والحال أنا (له جار) بالجيم وتخفيف الراء أي أجرته من أن يظلمه أحد (قال) ابن عمر -رضي الله عنه- (فرأيت الناس تصدعوا) بالصاد والدال المشدّدة المفتوحتين المهملتين أي تفرقوا (عنه فقلت) لأبي (من هذا الرجل؟) الذي تفرق الناس بسببه (قال): بالإفراد وفي اليونينية قالوا: هو (العاص بن وائل). 3866 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ أَنَّ سَالِمًا حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: "مَا سَمِعْتُ عُمَرَ لِشَىْءٍ قَطُّ يَقُولُ إِنِّي لأَظُنُّهُ كَذَا إِلاَّ كَانَ كَمَا يَظُنُّ. بَيْنَمَا عُمَرُ جَالِسٌ إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ جَمِيلٌ فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ أَخْطَأَ ظَنِّي، أَوْ إِنَّ هَذَا عَلَى دِينِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَوْ لَقَدْ كَانَ كَاهِنَهُمْ، عَلَىَّ الرَّجُلَ. فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ اسْتُقْبِلَ بِهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ. قَالَ: فَإِنِّي أَعْزِمُ عَلَيْكَ إِلاَّ مَا أَخْبَرْتَنِي. قَالَ: كُنْتُ كَاهِنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا جَاءَتْكَ بِهِ جِنِّيَّتُكَ؟ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا فِي السُّوقِ، جَاءَتْنِي أَعْرِفُ فِيهَا الْفَزَعَ فَقَالَت: أَلَمْ تَرَ الْجِنَّ وَإِبْلاَسَهَا، وَيَأْسَهَا مِنْ بَعْدِ إِنْكَاسِهَا، وَلُحُوقَهَا بِالْقِلاَصِ وَأَحْلاَسِهَا. قَالَ عُمَرُ: صَدَقَ، بَيْنَمَا أَنَا نائمٌ عِنْدَ آلِهَتِهِمْ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ بِعِجْلٍ فَذَبَحَهُ، فَصَرَخَ بِهِ صَارِخٌ لَمْ أَسْمَعْ صَارِخًا قَطُّ أَشَدَّ صَوْتًا مِنْهُ يَقُولُ: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ. فَوَثَبَ الْقَوْمُ. قُلْتُ: لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَعْلَمَ مَا وَرَاءَ هَذَا. ثُمَّ نَادَى: يَا جَلِيحْ، أَمْرٌ نَجِيحْ، رَجُلٌ فَصِيحْ، يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. فَقُمْتُ، فَمَا نَشِبْنَا أَنْ قِيلَ: هَذَا نَبِيٌّ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي (قال: حدّثني) بالتوحيد (ابن وهب) عبد الله قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (عمر) بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (أن سالمًا حدّثه عن) أبيه (عبد الله بن عمر) أنه (قال: ما سمعت عمر لشيء قط) بفتح القاف وتشديد الطاء لأجل شيء أو عن شيء قط (يقول: أني أظنه كذا إلاّ كان كما يظن) لأنه كان من المحدثين بفتح الدال (بينما) بالميم (عمر) -رضي الله عنه- (جالس) وجواب بينما قوله (إذ مرّ به رجل جميل) قال البيهقي: يشبه أن يكون هو سواد بن قارب بفتح السين وتخفيف الواو وقارب بالقاف والراء المكسورة بعدها موحدة (فقال عمر: لقد أخطأ ظني) في كونه في الجاهلية بأن صار مسلمًا (أو) قال: (إن هذا) سواد بن قارب مستمر (على دينه في الجاهلية) على عبادة الأوثان (أو لقد) بالهمزة والواو الساكنة في اليونينية وغيرها وفي الفرع ولقد (كان كاهنهم) بكسر الهاء أي كاهن قومه (عليّ) بتشديد الياء أي أحضروا (الرجل) أو قربوه مني (فدعي) بضم الدال مبنيًّا للمفعول (له) أي لأجل عمر (فقال): ولأبي ذر قال: (له) عمر (ذلك) الذي قاله في غيبته من التردّد وقال أبو عمر كان يتكهن في الجاهلية فأسلم وداعبه عمر يومًا وقال: ما فعلت كهانتك يا سواد؟ فغضب وقال: ما كنا عليه نحن وأنت يا عمر من جاهليتنا وكفرنا من الكهانة فما لك تعيرني بشيء تبت منه وأرجو من الله العفو عنه (فقال) سواد (ما رأيت) شيئًا (كاليوم) أي مثل ما رأيت اليوم أي حيث (استقبل) بضم الفوقية مبنيًا للمفعول (به) أي فيه (رجل) نائب عن الفاعل (مسلم) صفة له، وللأربعة استقبل بفتح الفوقية مبنيًّا للفاعل به أي بالكلام رجلاً مفعول لرأيت ومسلمًا صفته كذا أعرّبه الكرماني وتبعه البرماوي. وقال: العيني: فيه شيء إن كان مراده رأيت المصرح به في الحديث، فإن قدر لفظ رأيت آخر يكون موجهًا تقديره ما رأيت يومًا مثل هذا اليوم رأيت استقبل به أي بالكلام المذكور رجلاً مسلمًا، فقوله: استقبل به جملة معترضة بين الفاعل والمفعول وحاصل المعنى ما رأيت كاليوم رأيت فيه رجلاً استقبل فيه أي في اليوم اهـ. وعند البيهقي في رواية مرسلة: قد جاء الله بالإسلام فما لنا وذكر الجاهلية. (قال) عمر -رضي الله عنه- له: (فإني أعزم عليك) أي ألزمك (إلا ما أخبرتني) أي ما أطلب منك إلا الإخبار (قال) سواد: (كنت كاهنهم) أي أخبرهم بالمغيبات في الجاهلية (قال) له عمر: (فما أعجب) بالضم وما استفهامية (ما جاءتك به جنيتك) من أخبار الغيب (قال: بينما) بالميم (أنا يومًا في السوق جاءتني) الجنية (أعرف فيها الفزع) بفتح الفاء والزاي والمهملة أي الخوف (فقالت) لي ولأبي ذر وقالت: (ألم تر الجن وإبلاسها) بكسر الهمزة وسكون الموحدة والنصب عطفًا على سابقه أي وخوفها (وبأسها) من اليأس ضد الرجاء (من بعد إنكاسها) بكسر الهمزة وسكون النون أي من بعد انقلابها على رأسها. قال ابن فارس: معناه يئست من استراق السمع بعد أن كانت ألفته فانقلبت عن الاستراق وقد أيست من السمع (ولحوقها) بالنصب عطفًا على إبلاسها أو بالجر عطفًا على إنكاسها أي ولحوق الجن (بالقلاص) بالقاف المكسورة آخره صاد مهملة جمع قلوص الناقة الشابة (وأحلاسها) بفتح الهمزة وسكون الحاء

المهملة بعدها لام ألف فسين مهملة جمع حلس بكسر أوّله، وهو كساء يجعل تحت رحل الإبل على ظهورها تلازمه، ومنه قيل فلان حلس بيته أي ملازمه. قال في الكواكب: والمراد بيان ظهور النبي العربي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومتابعة الجن للعرب ولحوقهم بهم في الدين إذ هو رسول الثقلين، وهذا الشعر من الرجز، لكن وقع الأخير غير موزون. نعم روي ورحلها العيس بأحلاسها وهذا موزون والعيس بكسر العين الإبل، وعند البيهقي موصولاً من حديث البراء بن عازب في دلائل النبوة له بعد قوله وأحلاسها: تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ما مؤمنوها مثل أرجاسها فانهض إلى الصفوة من هاشم ... واسم بعينيك إلى راسها قال: ثم نبهني فأفزعني وقال: يا سواد إن الله عز وجل بعث نبيًّا فانهض إليه تسعد وترشد، فلما كان في الليلة الثانية أتاني فنبهني ثم قال: عجبت للجن وتطلابها ... وشدّها العيس بأقتابها تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... وليس قدماها كأذنابها فانهض إلى الصفوة من هاشم ... واسم بعينيك إلى قابها فلما كان في الليلة الثالثة أتاني فنبهني فقال: عجبت للجن وتنفارها ... وشدّها العيس بأكوارها تهوي إلى مكة تبغي الهدى ... ليس ذوو الشر كأخيارها فانهض إلى الصفوة من هاشم ... ما مؤمنو الجن ككفارها قال: فوقع في قلبي الإسلام وأتيت المدينة، فلما رآني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "مرحبًا بك يا سواد بن قارب قد علمنا ما جاء بك" قال: قد قلت شعرًا فاسمعه مني فقلت: أتاني رئيي بعد ليل وهجعة ... ولم أك فيما قد بليت بكاذب ثلاث ليال قوله كل ليلة ... أتاك نبيّ من لؤي بن غالب فشمرت عن ساقي الإزار ووسطت ... بي الذعلب الوجناء عند السباسب فأشهد أن الله لا رب غيره ... وأنك مأمون على كل غائب وأنك أدنى المرسلين شفاعة ... إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل ... وإن كان فيما جاء شيب الذوائب فكن لي شفيعًا يوم لا ذو شفاعة ... سواك بمغن عن سواد بن قارب قال: فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدت نواجذه (قال عمر) -رضي الله عنه-: (صدق) سواد (بينما) بالميم (أنا عند آلهتهم) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: بينما أنا نائم عند آلهتهم أي أصنامهم (إذ جاء رجل) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمه وعند أحمد من وجه آخر أنه ابن عبس شيخ أدرك الجاهلية (بعجل فذبحه فصرخ به صارخ لم أسمع صارخًا قط أشد صوتًا منه يقول: يا جليح) بفتح الجيم وبعد اللام المكسورة تحتية ساكنة فحاء مهملة أي يا وقح ومعناه المكافح والمكاشف بالعداوة، ويحتمل أن يكون نادى رجلاً بعينه أو من كان متصفًا بذلك (أمر نجيح) بنون مفتوحة فجيم مكسورة آخره حاء مهملة من النجاح وهو الظفر بالبغية (رجل فصيح) بالفاء من الفصاحة ولأبي ذر عن الكشميهني يصيح بتحتية مفتوحة بدل الفاء من الصياح (يقول: لا إله إلا أنت) ولأبي ذر عن الكشميهني: لا إله إلا الله (فوثب القوم) بالثاء المثلثة أي قاموا قال عمر: فلما رأيت ذلك (قلت لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا، ثم نادى يا جليح أمر نجيح رجل فصيح) ولأبي ذر عن الكشميهني يصيح (يقول:

لا إله إلا الله لإقمت فما نشبنا) بفتح النون وكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة أي ما مكثنا وتعلقنا بشيء (أن قيل هذا نبي) قد ظهر. وعند أبي نعيم في دلائله أن أبا جهل جعل لمن يقتل محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مائة ناقة. قال عمر -رضي الله عنه-: فقلت له يا أبا الحكم الضمان صحيح؟ قال: نعم. قال: فتقلدت سيفي أريده فمررت على عجل وعم يريدون أن يذبحوه فقمت أنظر إليهم فإذا صائح يصيح من جوف العجل يا آل ذريح أمر بجيح رجل يصيح بلسان فصيح. قال عمر -رضي الله عنه-: فقلت في نفسي إن هذا الأمر ما يراد به إلا أنا. قال: فدخلت على أختي فإذا عندها سعيد بن زيد فذكر القصة في سبب إسلامه بطولها. وفي حديث أسامة بن زيد عن أبيه عن جده أسلم قال: قال لنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: تحبون أن أعلمكم كيف كان بدء إسلامي؟ قلنا: نعم. قال: كنت من أشد الناس على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبينا أنا في: يوم حار بالهاجرة لقيني رجل من قريش اسمه نعيم بن عبد الله النحام وكان مخفيًّا إسلامه -رضي الله عنه- فقال: أين تذهب يا ابن الخطاب إنك تزعم أنك هكذا وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك أختك قد صبت فرجعت مغضبًا فدخلت عليها فقلت: يا عدوة نفسها بلغني أنك قد صبأت وأرفع شيئًا في يدي فأضربها به فسال الدم فبكت ثم قالت: يا ابن الخطاب ما كنت فاعلاً فافعل فقد أسلمت، فنظرت فإذا بكتاب في ناحية البيت فقلت لها أعطينه فقالت: لا أعطيكه لست من أهله إنك لا تغتسل من الجنابة ولا تتطهر، وهذا لا يمسه إلا المطهرون فلم أزل بها حتى أعطتنيه فإذا فيه: {بسم الله الرحمن الرحيم} فلما مررت بالرحمن الرحيم ذعرت ورميت بالكتاب من يدي ثم رجعت إلى نفسي فأخذته فإذا فيه: {سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم} [الحديد: 1] فكلما مررت بالاسم من أسماء الله تعالى ذعرت ثم رجعت إلى نفسي حتى بلغت: (آمنوا بالله ورسوله} [الحديد: 7] إلى قوله: {إن كنتم مؤمنين} [الحديد: 8] فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، فخرج القوم يتبادرون بالتكبير استبشارًا بما سمعوه مني، فلما دخلت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذ بمجامع قميصي فجذبني إليه ثم قال: أسلم يا ابن الخطاب اللهم اهده. فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فكبّر المسلمون تكبيرة سمعت بطرفي مكة ثم قال: ثم خرجت فقرعت باب خالي فقلت له: أشعرت أني صبوت فأجاف الباب دوني وتركني، فلما اجتمع الناس جئت إلى رجل لا يكتم السر فذكرت له فيما بيني وبينه أني قد صبوت ليشيع ذلك ليصيبني ما أصاب المسلمين من أذى قريش قال: فرفع الرجل صوته بأعلاه ألا أن ابن الخطاب قد صبأ. قال: فما زال الناس يضربوني وأضربهم قال فقال خالي: ما هذا؟ فقيل له ابن الخطاب فقام على الحجر فأشار بكمه فقال: ألا أني قد أجرت ابن أختي. قال: فانكشف الناس عني قال: وكنت لا أشأ أن أرى أحدًا من المسلمين يضرب إلا رأيته وأنا لا أضرب فقلت: ما هذا بشيء حتى يصيبني ما يصيب المسلمين. قال: فأمهلت حتى إذا جلس الناس في الحجر وصلت إلى خالي فقلت له جوارك رد عليك فما زلت أضرب وأضرب حتى أعز الله الإسلام. وهذا الخبر رواه ابن إسحاق وأن الذي كان في الصحيفة سورة طه. 3867 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ: "سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ لِلْقَوْمِ: لَوْ رَأَيْتُنِي مُوثِقِي عُمَرُ عَلَى الإِسْلاَمِ أَنَا وَأُخْتُهُ، وَمَا أَسْلَمَ، وَلَوْ أَنَّ أُحُدًا انْقَضَّ لِمَا صَنَعْتُمْ بِعُثْمَانَ لَكَانَ مَحْقُوقًا أَنْ يَنْقَضَّ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد قال: (حدّثنا قيس) هو ابن أبي حازم قال: (سمعت سعيد بن زيد) أي ابن عمرو بن نفيل -رضي الله عنه- (يقول للقوم): في مسجد الكوفة (لو رأيتني) بضم التاء وسقط لو لأبي ذر أي لو رأيت نفسي (موثقي عمر على الإسلام) بضم الميم وسكون الواو وكسر المثلثة إهانة لي وتضييقًا عليّ لكوني أسلمت (أنا وأخته) زوجتي فاطمة بنت الخطاب (وما) كان عمر (أسلم ولو أن أُحدًا) الجبل المعروف بالمدينة (انقض) بالنون والقاف والضاد المعجمة المشددة انكسر وانهدم ولأبي ذر عن الكشميهني انفض بالفاء أي تفرق (لما صنعتم بعثمان) بن عفان -رضي الله عنه- يوم الدار (لكان محقوقًا) بفتح الميم وسكون

36 - باب انشقاق القمر

المهملة وقافين بينهما واو ساكنة أي واجبًا (أن ينقض) أي أن ينهدم، وللكشميهني: أن ينفض بالفاء أي أن يتفرق والمعنى لو تحركت القبائل لطلب ثأر عثمان لفعلوا واجبًا. وهذا الحديث سبق في الباب الذي قبل هذا والله الموفق. 36 - باب انْشِقَاقِ الْقَمَرِ (باب انشقاق القمر) في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معجزة له وسقط لفظ باب لأبي ذر فالتالي رفع على ما لا يخفى. 3868 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ، حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذرة حدّثنا (عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري قال: (حدّثنا بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة والمفضل بضم الميم وفتح الفاء والضاد المعجمة المشدّدة ابن لاحق الرقاشي بقاف ومعجمة أبو إسماعيل البصري قال: (حدّثنا سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري مولاهم أحد الأعلام (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-): (أن أهل مكة) كفار قريش وفي دلائل النبوّة لأبي نعيم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل والعاص بن وائل والعاص بن هشام والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب وابنه زمعة والنضر بن الحرث (سألوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يريهم آية) أي معجزة تشهد لما ادّعاه من نبوّته (فأراهم القمر شقتين) بفتح الشين في الفرع مصححًا عليه وضبطها في الفتح والمصابيح واليونينية والناصرية بكسرها أي نصفين (حتى رأوا حرًّا) بالتنوين الجبل المعروف (بينهما) بين الشقتين. وهذا من مراسيل الصحابة لأن أنسًا لم يشاهد هذه القصة، وفي حديث مسلم فأراهم القمر مرتين، وكذا هو بلفظ مرتين في مصنف عبد الرزاق عن معمر، وكذا أخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما، ولعل المراد فرقتين جمعًا بين الروايات كما نبه عليه في الفتح. 3869 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: «انْشَقَّ الْقَمَرُ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِنًى فَقَالَ: اشْهَدُوا، وَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ نَحْوَ الْجَبَلِ». وَقَالَ أَبُو الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: "انْشَقَّ بِمَكَّةَ". وَتَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) اسمه عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري (عن الأعمش) سليمان (عن إبراهيم) النخعي (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال): (انشق القمر ونحن مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمنى فقال): يخاطب أبا سلمة بن عبد الأسد والأرقم بن أبي الأرقم وابن مسعود (اشهدوا) ولأبي ذر فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اشهدوا أي اضبطوا ذلك بالمشاهدة (وذهبت فرقة) من القمر (نحو الجبل) المعروف بحرًا وبقيت الأخرى مكانه حتى صار حرًّا بينهما، وقوله: ونحن مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرد على من قال: إن قوله في الآية {وانشق القمر} [القمر: 1] بمعنى انشق يوم القيامة فأوقع الماضي موقع المستقبل لتحققه وهو خلاف الإجماع، وكذا قول الآخر انشق بمعنى انفلق عنه الظلام عند طلوع الشمس كما يسمى الصبح فلقًا. (وقال أبو الضحى): مسلم بن صبيح الكوفي (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (انشق بمكة) وهذا وصله أبو داود الطيالسي (وتابعه) أي وتابع إبراهيم النخعي في روايته عن أبي معمر (محمد بن مسلم) الطائفي (عن ابن أبي نجيح) يسار (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- وهذه المتابعة وصلها عبد الرزاق في مصنفه ولا معارضة بين قوله بمكة. وقوله بمنى إذ المراد أن ذلك وقع قبل الهجرة ومنى من جملة مكة. 3870 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ الْقَمَرَ انْشَقَّ عَلَى زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدَّثنا عثمان بن صالح) السهمي المصري قال: (حدّثنا بكر بن مضر) بفتح الموحدة وسكون الكاف ومضر بضم الميم وفتح الضاد المعجمة ابن محمد بن حكيم المصري قال: (حدّثني) بالإفراد (جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل المصري (عن عراك بن مالك) بكسر العين المهملة وتخفيف الراء الغفاري المدني (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-) (إن القمر انشق على) ولأبي ذر عن الكشميهني في (زمان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بمكة قبل الهجرة. وهذا مرسل لأن ابن عباس -رضي الله عنهما- لم يدرك ذلك لأنه كان ابن سنتين أو ثلاث. 3871 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "انْشَقَّ الْقَمَرُ". وبه قال: (حدّثنا

37 - باب هجرة الحبشة

عمر بن حفص) بضم العين النخعي الكوفي قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال: (حدّثنا إبراهيم) النخعي (عن أبي معمر) عبد الله (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: انشق القمر) كذا أورده مختصرًا وهو ثابت في رواية الحموي والكشميهني، وقول بعضهم: لو انشق لما خفي على أهل الأقطار ولو ظهر عندهم لنقلوه متواترًا لأن الطباع مجبولة على نشر العجائب مردود بأنه يجوز أن يحجبه الله عز وجل عنهم بغيم، لا سيما وأكثر الناس نيام والأبواب مغلقة وقل من يترصد السماء، ولعله كان في قدر اللحظة التي هي مدرك البصر. وقد روى أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله أنهم سألوا السفار هل انشق قالوا: قد رأيناه. 37 - باب هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ». فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ. فِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى وَأَسْمَاءَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب هجرة) المسلمين من مكة إلى أرض (الحبشة) بإشارته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أقبل كفار قريش على من آمن يعذبونهم ويؤذونهم ليردوهم عن دينهم وكانت الهجرة مرتين الأولى في رجب سنة خمس من المبعث وكان عدد من هاجر اثني عشر رجلاً وأربع نسوة خرجوا مشاة إلى البحر فاستأجروا سفينة بنصف دينار. وذكر ابن إسحاق أن السبب في ذلك أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأصحابه لما رأى المشركين يؤذونهم ولا يستطيع أن يكفهم أن بالحبشة ملكًا لا يظلم عنده أحد فلو خرجتم إليه حتى يجعل الله لكم فرجًا. قال: فكان أوّل من خرج منهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول الله. وأخرج يعقوب بن سفيان بسند موصول إلى أنس قال: أبطأ على رسول الله خبرهما فقدمت امرأة فقالت له: قد رأيتهما وقد حمل عثمان امرأته على حمار فقال: صحبهم الله إن عثمان لأوّل من هاجر بأهله بعد لوط. قلت: وبهذا تظهر النكتة في تصدير البخاري الباب بحديث عثمان، وقد سرد ابن إسحاق أسماءهم. فأما الرجال فهم: عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوّام، وأبو حذيفة بن عتبة، ومصعب بن عمير، وأبو سلمة بن عبد الأسد، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة، وسهيل ابن بيضاء، وأبو سبرة، وأبو رهم العامري. قال: ويقال بدله حاطب بن عمرو العامري. وأما النسوة فهي: رقية بنت النبي، وسهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة، وأم سلمة بنت أبي أمية امرأة أبي سلمة، وليلة بنت أبي حثمة امرأة عامر بن ربيعة. ووافقه الواقدي في سردهم وزاد اثنين: عبد الله بن مسعود، وحاطب بن عمرو مع أنه ذكر في أول كلامه أنهم كانوا أحد عشر رجلاً، فالصواب ما قال ابن إسحاق بأنه إنما كان في الهجرة الثانية. ويؤيده ما روى أحمد بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: بعثنا النبي عليه السلام إلى النجاشي ونحن نحو من ثمانين رجلاً فيهم: عبد الله بن مسعود، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن عرفطة، وعثمان بن مظعون، وأبو موسى فذكر الحديث انظر الفتح. ثم رجعوا عندما بلغهم عن المشركين سجودهم معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند قراءة سورة النجم فلقوا من المشركين أشد مما عهدوا فهاجروا ثانية، وكانوا ثلاثة وثمانين رجلاً إن كان فيهم عمار وثماني عشره امرأة وسقط باب لأبي ذر. (وقالت عائشة) -رضي الله عنها- مما وصله المؤلّف مطوّلاً في باب الهجرة إلى المدينة (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أريت) بضم الهمزة (دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين) تثنية لابة وهي الحرة ذات الحجارة السود وهذه طابة (فهاجر من هاجر) من المسلمين (قبل المدينة) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها (ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة) وهذا وقع بعد الهجرة الثانية إلى الحبشة (فيه) أي في هذا الباب (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري مما يأتي آخر الباب إن شاء الله تعالى موصولاً (و) عن (أسماء) بنت عميس الخثعمية وهي أخت أم المؤمنين ميمونة لأمها كما سيأتي في غزوة حنين إن شاء الله تعالى (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 3872 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ "أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ قَالاَ لَهُ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ خَالَكَ عُثْمَانَ فِي أَخِيهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيمَا فَعَلَ بِهِ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَانْتَصَبْتُ لِعُثْمَانَ حِينَ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، وَهْيَ نَصِيحَةٌ. فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَرْءُ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ. فَانْصَرَفْتُ. فَلَمَّا قَضَيْتُ الصَّلاَةَ جَلَسْتُ إِلَى الْمِسْوَرِ وَإِلَى ابْنِ عَبْدِ يَغُوثَ فَحَدَّثْتُهُمَا بِالَّذِي قُلْتُ لِعُثْمَانَ وَقَالَ لِي. فَقَالاَ: قَدْ قَضَيْتَ الَّذِي كَانَ عَلَيْكَ. فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ مَعَهُمَا إِذْ جَاءَنِي رَسُولُ عُثْمَانَ، فَقَالاَ لِي: قَدِ ابْتَلاَكَ اللَّهُ. فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا نَصِيحَتُكَ الَّتِي ذَكَرْتَ آنِفًا؟ قَالَ: فَتَشَهَّدْتُ ثُمَّ قُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكُنْتَ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَآمَنْتَ بِهِ، وَهَاجَرْتَ الْهِجْرَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ، وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ. وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي شَأْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ. فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ أَخِي، أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ، وَلَكِنْ قَدْ خَلَصَ إِلَىَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا خَلَصَ إِلَى الْعَذْرَاءِ فِي سِتْرِهَا. قَالَ: فَتَشَهَّدَ عُثْمَانُ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ -كَمَا قُلْتَ- وَصَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَايَعْتُهُ. وَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ، وَلاَ غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ. ثُمَّ اسْتَخْلَفَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلاَ غَشَشْتُهُ. ثُمَّ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ، فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلاَ غَشَشْتُهُ. ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ، أَفَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ مِثْلُ الَّذِي كَانَ لَهُمْ عَلَيَّ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَمَا هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ؟ فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فَسَنَأْخُذُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ. قَالَ: فَجَلَدَ الْوَلِيدَ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً، وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَجْلِدَهُ، وَكَانَ هُوَ يَجْلِدُهُ". وَقَالَ يُونُسُ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ: "أَفَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي كَانَ لَهُمْ". قَالَ أَبُو عَبد الله: {بَلاءٌ من رَبِّكُمْ} [البقرة: 49] مَا ابتُلِيتُم به من شدَّة. وفي موضع: البلاءُ الابتلاء والتمحيص، من بَلَوتهُ ومحَّصتهُ أي استخرجتُ ما عندَه. يبلو: يختبر، مُبتليكم: مُختبِرُكم. وأما قوله: "بلاء عظيم" النعم، وهي مِن أبلَيْتُه، وتلك من ابتليته. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد الجعفي) المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد عالم اليمن (عن

الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (حدّثنا) وفي نسخة أخبرني بالإفراد (عروة بن الزبير أن عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة (ابن عدي بن الخيار) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف التحتية (أخبره أن المسور بن مخرمة) بن نوفل الزهري الصحابي الصغير (وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث) بالغين المعجمة المضمومة والمثلثة الزهري من صلحاء التابعين وأشرافهم (قالا له): أي لعبيد الله بن عدي بن الخيار (ما يمنعك أن تكلم خالك عثمان) بن عفان ليست أمه أختًا له بل من رهطه (في أخيه) لأمه (الوليد بن عقبة) بضم العين وسكون القاف ابن أبي معيط وكان عثمان ولاه الكوفة بعد عزل سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- (كان أكثر) ولأبي ذر عن الكشميهني أكبر بالموحدة بدل المثلثة (الناس فيما فعل) عثمان (به) بالوليد من تقويته في الأمور وإهماله حدّ شربه المسكر (قال عبيد الله) بن عدي (فانتصبت لعثمان حين خرج إلى الصلاة فقلت له: إن لي إليك حاجة وهي نصيحة) لك (فقال: أيها المرء أعوذ بالله منك) قال ذلك لأنه فهم أنه يكلمه بما فيه إنكار عليه فيضيق صدره لذلك. قال عبيد الله (فانصرفت فلما قضيت الصلاة) نصب مفعول (جلست إلى المسور وإلى ابن عبد يغوث فحدّثتهما بالذي قلت لعثمان و) الذي (قال لي) عثمان (فقالا: قد قضيت الذي كان عليك، فبينما) بالميم (أنا جالس معهما إذ جاءني رسول عثمان) لم يسم (فقالا): المسور وابن عبد يغوث (لي قد ابتلاك الله) يأتي تفسيره بعد إن شاء الله تعالى من قول المصنف (فانطلقت حتى دخلت عليه فقال: ما نصيحتك التي ذكرت آنفًا؟) بمدّ الهمزة (قال: فتشهدت) وسقط لفظ قال: في الفرع وثبت في الأصل (ثم قلت إن الله بعث محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (وأنزل عليه الكتاب وكنت ممن استجاب لله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية في رواية أبي ذر ولأبي ذر عن الكشميهني ممن استجاب لله ورسوله وآمن (وآمنت به وهاجرت الهجرتين الأوليين) بضم الهمزة وسكون الواو وفتح اللام والتحتية الأولى وتسكين الثانية تثنية أولى على التغليب بالنسبة إلى هجرة الحبشة فإنها كانت أولى وثانية أما إلى المدينة فلم تكن إلا واحدة، وهذا هو المراد من هذا الحديث في هذا الباب كما لا يخفى. (وصحبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورأيت هديه) طريقه (وقد أكثر الناس) الكلام (في شأن الوليد بن عقبة) بسبب شربه الخمر وسوء سيرته (فحق عليك أن تقيم عليه الحدّ فقال لى): أي على عادة العرب (يا ابن أخي) ولأبي ذر أختي قال الكرماني: هي الصواب لأنه كان خاله (أدركت) بتاء الخطأ (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: قلت لا). أي لم أدركه من يعي عنه وليس مراده نفي الإدراك بالسن لأنه ولد في حياته عليه الصلاة والسلام (ولكن قد خلص) أي وصل (إليّ من علمه ما خلص) ما وصل (إلى العذراء) بالذال المعجمة والمد البكر (في سترها) بكسر السين أي من شرعه الشائع الذائع الذي ليس يخفى على أحد (قال: فتشهد عثمان فقال: إن الله قد بعث محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحق) سقط لفظ قد والتصلية لأبي ذر (وأنزل عليه الكتاب وكنت ممن استجاب لله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (وآمنت) ولأبي ذر عن الكشميهني ممن استجاب الله ورسوله وآمن (بما بعث به محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (وهاجرت الهجرتين الأوليين) الحبشة والمدينة (كما قلت) بتاء الخطاب لعبيد الله (وصحبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبايعته) من المبايعة ولأبي ذر وتابعته بالفوقية بدل الموحدة من المتابعة (والله) بالواو ولأبي ذر عن الكشميهني فوالله بالفاء (ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله، ثم استخلف الله أبا بكر فوالله ما عصيته ولا غششته، ثم استخلف) بضم الفوقية مبنيًا للمفعول (عمر) -رضي الله عنه- (فوالله ما عصيته ولا غششته) زاد أبو ذر حتى توفاه الله (ثم استخلفت) بضم الفوقية مبنيًا للمفعول (أفليس لي عليكم) بهمزة

الاستفهام (مثل) ولأبي ذر من الحق مثل (الذي كان لهم عليّ) بتشديد الياء وسقطت من الفرع وثبتت في أصله (قال) عبيد الله: (بلى. قال) عثمان: (فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم) بسبب تأخير الحد عن الوليد (فأما ما ذكرت من شأن الوليد بن عقبة) سقط ابن عقبة لأبي ذر (فسنأخذ فيه إن شاء الله بالحق. قال) عبيد الله (فجلد الوليد أربعين جلدة) بعد أن شهد عليه حمران والصعب بن جثامة أنه قد شرب الخمر (وأمر عليًّا أن يجلده وكان هو) أي عليّ (يجلده) ولا تنافي بين قوله هنا أربعين، وقوله في مناقب عثمان ثمانين لأن التخصيص بالعدد لا ينفي الزائد أو كان الجلد بسوط له طرفان. (وقال يونس) بن يزيد الأيلي مما وصله في مناقب عثمان (وابن أخي الزهري) محمد بن عبد الله بن مسلم مما وصله ابن عبد البر في تمهيده (عن الزهري) محمد بن مسلم (أفليس لي عليكم من الحق مثل الذي كان لهم؟) وهذا التعليق عن يونس وابن أخي الزهري ثابت في رواية المستملي فقط. (قال أبو عبد الله) البخاري في قوله ابتلاك الله ({بلاء من ربكم}) [البقرة: 49] أي (ما ابتليتم به من شدّة. وفي موضع) آخر (البلاء) هو (الابتلاء والتمحيص) بالحاء والصاد المهملتين (من بلوته) بالواو (ومحصته أي استخرجت ما عنده) ويشهد له قوله (يبلو) أي (يختبر) و (مبتليكم) أي (مختبركم) ثم استطرد فقال: (وأما قوله بلاء) من ربكم (عظيم) فالمراد به (النعم) بكسر النون (وهي من أبليته) إذا أنعمت عليه (وتلك) أي الأولى (من ابتليته) وهذا كله ثابت في رواية المستملي وحده. 3873 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها--: «أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِيكَ الصُّوَرَ، أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وبه قال: (حدّثني) بالتوحيد (محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام) أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان (وأم سلمة) هند ولأبي ذر تقديم أم سلمة على أم حبيبة (ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة) بنون الجمع على أن أقل الجمع اثنان أو معهما غيرهما من النسوة. وكانت أم سلمة هاجرت الأولى مع زوجها أبي سلمة بن عبد الأسد، وأم حبيبة الثانية مع زوجها عبيد الله بن جحش فمات هناك (فيها تصاوير فذكرتا) ذلك (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (إن أولئك) بكسر الكاف (إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فبنوا (على قبره مسجدًا وصوّروا فيه تيك) بفوقية مكسورة فتحتية ساكنة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي تلك (الصور) باللام بدل التحتية (أولئك) بكسر الكاف (شرار الخلق عند الله يوم القيامة). وهذا الحديث سبق في الجنائز في باب بناء المساجد على القبر. 3874 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ السَّعِيدِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ قَالَتْ: «قَدِمْتُ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَأَنَا جُوَيْرِيَةٌ، فَكَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمِيصَةً لَهَا أَعْلاَمٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْسَحُ الأَعْلاَمَ بِيَدِهِ وَيَقُولُ: سَنَاهْ سَنَاهْ. قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: يَعْنِي حَسَنٌ حَسَنٌ». وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا إسحاق بن سعيد السعيدي) بكسر العين (عن أبيه) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص (عن أم خالد) اسمها أمة بفتح الهمزة والميم المخففة وبالهاء وخالد هو ابن الزبير بن العوّام (بنت خالد) أي ابن سعيد بن العاص أنها (قالت: قدمت من أرض الحبشة وأنا جويرية فكساني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خميصة) بفتح الخاء المعجمة وبالصاد المهملة كساء من خز (لها أعلام فجعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمسح الأعلام بيده) الكريمة (ويقول): (سناه سناه) مرتين بفتح السين والنون وبعد الألف هاء ساكنة فيهما (قال: الحميدي) عبد الله الراوي (يعني) هو أي الثوب (حسن حسن). 3875 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: «كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يُصَلِّي فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَتَرُدُّ عَلَيْنَا، قَالَ: إِنَّ فِي الصَّلاَةِ شُغْلاً. فَقُلْتُ لإِبْرَاهِيمَ: كَيْفَ تَصْنَعُ أَنْتَ؟ قَالَ: أَرُدُّ فِي نَفْسِي». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن حماد) الشيباني مولاهم البصري ختن أبي عوانة قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا نسلم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يصلّي فيرد علينا) السلام (فلما رجعنا من عند النجاشي) ملك الحبشة من الهجرة الثانية إلى المدينة والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتجهز إلى بدر (سلمنا عليه) وهو في الصلاة (فلم يردّ علينا) السلام (فقلنا: يا رسول الله إنا كنا نسلم

38 - باب موت النجاشي

عليك) وأنت في الصلاة (فترد علينا) السلام (قال): (إن في الصلاة شغلاً) بالله عز وجل لا يمكن معه غيره. قال سليمان الأعمش (فقلت لإبراهيم) النخعي (كيف تصنع أنت) إذا سلم عليك إنسان وأنت في الصلاة (قال: أردّ) عليه (في نفسي). وهذا الحديث قد سبق في أواخر الصلاة في باب لا يرد السلام في الصلاة. 3876 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-: «بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ، فَرَكِبْنَا سَفِينَةً، فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَكُمْ أَنْتُمْ يَا أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بفتح العين المهملة والمدّ أبو كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء مصغرًا (عن) جدّه (أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: بلغنا مخرج النبي) مصدر ميمي أي خروج النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي مبعثه أو خروجه إلى المدينة (ونحن باليمن فركبنا سفينة) لنصل إلى مكة (فألقتنا سفينتنا) بسبب هيجان البحر والريح (إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب) -رضي الله عنه- (فأقمنا معه) بالحبشة (حتى قدمنا) المدينة (فوافقنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين افتتح خيبر) سنة ست أو سبع (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لكم أنتم يا أهل السفينة هجرتان) هجرة من مكة إلى الحبشة، وهجرة من الحبشة إلى المدينة. وفي رواية مسلم فأسهم لنا وما قسم لأحد غاب عن خيبر منها شيئًا إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، وسقطت أداة النداء من قوله يا أهل السفينة. وحديث الباب أخرجه المؤلّف مقطعًا في الخمس والمغازي ومسلم في الفضائل. 38 - باب مَوْتُ النَّجَاشِيِّ (باب موت النجاشي) بفتح النون وحكى ابن دحية كسرها وهو لقب كل من ملك الحبشة ولقبه الآن الحطي بفتح الحاء وكسر الطاء الخفيفة المهملتين آخره تحتية خفيفة وسقط لفظ باب لأبي ذر. 3877 - حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-: «قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ مَاتَ النَّجَاشِيُّ: مَاتَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِي كُمْ أَصْحَمَةَ». وبه قال: (حدّثنا أبو الربيع) سليمان بن داود العتكي الزهراني المقري البصري قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه-) عن أبيه أنه قال: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين مات النجاشي) سنة تسع أو ثمان قبل فتح مكة: (مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلوا) أي صلاة الغيبة (على أخيكم) في الإسلام (أصحمة) بهمزة وصاد وحاء مهملتين وميم مفتوحات آخره هاء تأنيث قيل: هو لقبه واسمه عطية. 3878 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ عَطَاءً حَدَّثَهُمْ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنهما- "أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَصَفَّنَا وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ". وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) الباهلي مولاهم البصري النرسي بفتح النون وسكون الراء وبالسين المهملة قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بتقديم الزاي على الراء مصغرًا أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة السدوسي (أن عطاء حدثهم عن جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما-) (أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى على النجاشي) بتشديد التحتية وتخفيفها ولأبي ذر عن الكشميهني صلّى على أصحمة النجاشي (فصفنا) بتشديد الفاء (وراءه فكنت في الصف الثاني أو الثالث). ومطابقته للترجمة من جهة صلاته عليه بعد إعلامه بموته. 3879 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ عَنْ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا". تَابَعَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي شيبة) قال: (حدّثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي، وسقط ابن هارون لغير أبي ذر (عن سليم بن حيان) بفتح السين مصححًا عليها في الفرع أصله وكسر اللام وحيان بفتح الحاء المهملة والتحتية المشددة الهذلي البصري قال: (حدّثنا سعيد بن ميناء) بكسر الميم ممدودًا (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى على أصحمة النجاشي) صلاة الغيبة (فكبّر عليه أربعًا) واستنبط منه الصلاة على الغائب لكنها لا تسقط الفرض. (تابعه) أي تابع يزيد بن هارون (عبد الصمد) بن عبد الوارث في روايته إياه عن سليم بن حيان. 3880 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَخْبَرَهُمَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَعَى لَهُمُ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الْحَبَشَةِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ». وبه قال: (حدّثنا زهير بن حرب) بضم الزاي مصغرًا أبو خيثمة الحافظ قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن

39 - باب تقاسم المشركين على النبي -صلى الله عليه وسلم-

عبد الرحمن بن عوف الزهري (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (وابن المسيب) سعيد (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- أخبرهما أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نعى لهم النجاشي صاحب الحبشة) أي أخبر أصحابه بموته (في اليوم الذي مات فيه) وهو علم من أعلام نبوّته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وقال) لهم: (استغفروا لأخيكم) في الإسلام النجاشي. 3881 - وَعَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَخْبَرَهُمْ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَفَّ بِهِمْ فِي الْمُصَلَّى فَصَلَّى عَلَيْهِ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا". (وعن صالح) أي ابن كيسان بالسند السابق (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (سعيد بن المسيب) وسقط لأبي ذر ابن المسيب وثبت له عن الكشميهني حدّثني بالإفراد أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد (إن أبا هريرة -رضي الله عنه- أخبرهم أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صف بهم في المصلى) خارج المدينة (فصلى عليه) على النجاشي (وكبر أربعًا) ولأبي ذر وكبر عليه أربعًا وهذا النجاشي هو الذي هاجر إليه المسلمون، وكتب له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتابًا يدعوه فيه إلى الإسلام مع عمرو بن أمية سنة ست من الهجرة وأسلم على يد جعفر بن أبي طالب، وأما النجاشي الذي ولي بعده الحبشة فكان كافرًا لم يعرف له إسلام ولا اسم. 39 - باب تَقَاسُمُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب تقاسم المشركين) أي تحالفهم (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لفظ باب لأبي ذر. 3882 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَرَادَ حُنَيْنًا: مَنْزِلُنَا غَدًا -إِنْ شَاءَ اللَّهُ- بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي (قال: حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن سعد) بسكون العين القرشي (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين أراد حنينًا) أي غزوتها: (منزلنا غدًا إن شاء الله) اعتراض بين المبتدأ وهو قوله منزلنا وخبره وهو قوله: (بخيف بني كنانة) بفتح الخاء المعجمة ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء وهو المحصب (حيث تقاسموا) تحالفوا (على الكفر). زاد في الحج من طريق الأوزاعي عن الزهري، وذلك أن قريشًا وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب أو بني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وفي السيرة: وكتبوا بذلك كتابًا بخط بغيض بن عامر بن هاشم وعلقوه في جوف الكعبة وتمادوا على العمل بما فيه من ذلك ثلاث سنين، فاشتد البلاء على بني هاشم في شعبهم وعلى كل من معهم، فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم قوم من قصي ممن ولدتهم بنو هاشم ومن سواهم فأجمعوا أمرهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة، وبعث الله على صحيفتهم الأرضة فأكلت ولحست ما فيها من ميثاق وعهد وبقي ما كان فيها من ذكر الله عز وجل، وأطلع الله تعالى نبيه على ذلك فأخبر عمه أبا طالب بذلك فقال: أريك أخبرك بذلك؟ قال: نعم. فقال أبو طالب: لا والثواقب ما كذبتني، ثم خرج أبو طالب فقال: يا معشر قريش إن ابن أخي أخبرني أن الله عز وجل قد سلّط على صحيفتكم الأرضة فإن كان كما يقول: فوالله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا، وإن كان الذي يقول باطلاً دفعنا إليكم صاحبنا قتلتم أو استحييتم فقالوا: قد رضينا بالذي تقول، ففتحوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر فقالوا: هذا سحر ابن أخيك وزادهم ذلك بغيًا وعدوانًا. ويأتي إن شاء الله تعالى ما في حديث الباب من المباحث في الفتح بعون الله وقوته. 40 - باب قِصَّةُ أَبِي طَالِبٍ (باب قصة أبي طالب) عبد مناف عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شقيق عبد الله وكافله بعد موت عبد المطلب، وتوفي أبو طالب بعد خروجهم من الشعب سنة عشر من المبعث وسقط لفظ باب لأبي ذر. 3883 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -رضي الله عنه-: «قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ، قَالَ: هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ». [الحديث 3883 - طرفاه في: 6208، 6572]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدّثنا عبد الملك بن عمير) بضم العين مصغرًا قال: (حدّثنا عبد الله بن الحرث) بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب قال: (حدّثنا العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه-) أنه (قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما أغنيت عن عمك) أبي طالب أي أيّ شيء دفعته عنه (فوالله) كذا في الفرع وغيره، والذي في اليونينية والناصرية (فإنه كان يحوطك) يصونك

ويحفظك ويذب عنك (ويغضب لك قال) عليه الصلاة والسلام: (هو في ضحضاح) بفتح الضادين المعجمتين وحاءين مهملتين أولاهما ساكنة يبلغ كعبه (من نار) وأصله مارق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين فاستعير للنار (ولولا أنا) شفعت فيه (لكان في الدرك الأسفل من النار) أي أقصى قعرها. وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: الدرك الأسفل توابيت من حديد مقفلة في النار. وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: بيت يقفل عليهم تتوقد فيه النار من فوقهم ومن تحتهم. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب ومسلم في الإيمان. 3884 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ- فَقَالَ: أَيْ عَمِّ، قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، تَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَالاَ يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ آخِرَ شَىْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ، فَنَزَلَتْ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113]، وَنَزَلَتْ: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56]». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمود) هو ابن غيلان العدوي مولاهم المروزي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني (قال: أخبرنا معمر) هو ابن راشد الأزدي الأسدي مولاهم البصري (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن ابن المسيب) سعيد (عن أبيه) المسيب بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي ابن أبي وهب المخزومي له ولأبيه صحبة (أن أبا طالب لما حضرته الوفاة) قبل أن يدخل في الغرغرة (دخل عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعنده أبو جهل) عمرو بن هشام بن المغيرة عدوّ الله فرعون هذه الأمة (فقال) عليه الصلاة والسلام له: (أي عم قل لا إله إلا الله كلمة) نصب بدلاً من مقول القول وهو لا إله إلا الله (أحاج) بضم الهمزة بعدها حاء مهملة وبعد الألف جيم مشددة وفي الجنائز أشهد (لك بها عند الله) (فقال: أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية) بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وقد أسلم عبد الله هذا يوم الفتح واستشهد في غزوة حنين (يا أبا طالب ترغب) ولأبي ذر أترغب بهمزة الاستفهام (عن ملة عبد المطلب فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به): أنا (على ملة عبد المطلب فقال) له (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لأستغفرن لك) كما استغفر إبراهيم لأبيه، ولأبي ذر عن الكشميهني: لأستغفرن له بالهاء بدل الكاف (ما لم أنه) بضم الهمزة وسكون النون مبنيًا للمفعول (عنه) أي ما لم ينهني الله عن الاستغفار له (فنزلت {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى}) [التوبة: 113] أي ما صح الاستغفار في حكم الله وحكمته ({من بعدما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}) [التوبة: 113] من بعد ما ظهر لهم أنهم ماتوا على الشرك فهو كالعلة للمنع من الاستغفار لهم وسقط لأبي ذر من قوله: {ولو كانوا أولي قربى} الخ وقال: قوله: {للمشركين} إلى {أصحاب الجحيم} (ونزلت): في أبي طالب وفي نسخة ونزل: ({إنك لا تهدي من أحببت}) [القصص: 56] أي أحببت هدايته أو أحببته لقرابته أي ليس ذلك إليك إنما عليك البلاغ والله يهدي من يشاء وله الحكمة المبالغة والحجة الدامغة، وقد كان أبو طالب يحوطه عليه الصلاة والسلام وينصره ويحبه حبًّا طبيعيًا لا شرعيًّا فسبق القدر فيه واستمر على كفره ولله الحجة السامية، ولا ننافي بين هذه الآية وبين قوله: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} [الشورى: 52] لأن الذي أثبته وأضافه إليه الدعوة والذي نفى عنه هداية التوفيق وشرح الصدر، ويأتي مزيد لما ذكر هنا في تفسير سورة براءة بعون الله. 3885 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَني ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-: «أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ- فَقَالَ: لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ، يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ». [الحديث 3885 - طرفه في: 6564]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (الليث) بن سعد قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (ابن الهاد) هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي (عن عبد الله بن خباب) بفتح المعجمة والموحدة المشددة الأولى الأنصاري التابعي (عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان (الخدري) بالدال المهملة -رضي الله عنه- (أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر) بضم الذال المعجمة وكسر الكاف (عنده عمه) أبو طالب (فقال): (لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار) بضادين معجمتين مفتوحتين بينهما حاء مهملة وهو ما رق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين ثم استعير للنار (يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه) بفتح التحتية وسكون الغين المعجمة وكسر اللام. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي الزبيري الأسدي المدني قال: (حدّثنا ابن

41 - باب حديث الإسراء، وقول الله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} [الإسراء: 1]

أبي حازم) سلمة بن دينار (والدراوردي) بفتح الدال المهملة الأولى والراء وبعد الألف واو مفتوحة وسكون الراء بعدها دال مهملة فتحتية عبد العزيز بن محمد (عن يزيد) بن الهاد (بهذا) الحديث المذكور (وقال): (تغلي منه أم دماغه) أي أصله، وفي رواية يونس عن ابن إسحاق فقال: يغلي منها دماغه حتى يسيل على قدميه. قال السهيلي: من باب النظر في حكمة الله ومشاكلة الجزاء للعمل أن أبا طالب كان معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بجملته متحزبًا له إلا أنه كان مثبتًا لقدمه على ملة عبد المطلب حتى قال عند الموت: أنا على ملة عبد المطلب فسلط العذاب على قدميه خاصة لتثبيته إياهما على ملة آبائه. 41 - باب حَدِيثِ الإِسْرَاءِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: 1] (باب حديث الإسراء) سقط التبويب لأبي ذر (وقول الله تعالى: {سبحان}) تنزيه لله تعالى عن السوء وهو علم للتسبيح كعثمان للرجل. قال الراغب: السبح المرّ السريع في الماء أو في الهواء. يقال: سبح سبحًا وسباحة وأستعير لمرّ النجوم في الفلك كقوله تعالى: {كل في فلك يسبحون} [الأنبياء: 33] ولجري الفرس: {والسابحات سبحًا} [النازعات: 3] ولسرعة الذهاب في العمل {إن لك في النهار سبحًا طويلاً} [المزمل: 7] والتسبيح أصله التنزيه للباري جل وعلا، والمرّ السريع في عبادته عز وجل، وجعل ذلك في فعل الخير كما جعل الإبعاد في الشر، وقيل أبعده الله ثم جعل التسبيح عامًا في العبادات قولاً كانت أو فعلاً أو نيّة قال تعالى: {فلولا أنه كان من المسبحين} [الصافات: 143] وقال عز وجل: {ونحن نسبح بحمدك} [البقرة: 30] وسبحان أصله مصدر كغفران. قال أبو البقاء: سبحان اسم واقع موقع المصدر، وقد اشتق منه سبحت والتسبيح ولا يكاد يستعمل إلا مضافًا لأن الإضافة تبين من المعظم، فإذا أفرد عن الإضافة كان اسمًا علمًا للتسبيح لا ينصرف للتعريف والألف والنون في آخره مثل عثمان. وقال ابن الحاجب: والدليل على أن سبحان علم التسبيح قول الشاعر: قد قلت لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر ولولا أنه علم لوجب صرفه لأن الألف والنون في غير الصفات إنما تمنع مع العلمية ولا يستعمل علمًا إلا شاذًا وأكثر استعماله مضافًا وليس بعلم لأن الأعلام لا تضاف ({الذي أسرى بعبده}) [الإسراء: 1] سيدنا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأسرى وسرى واحد، لكن قال السهيلي: تسامح اللغويون في سرى وأسرى وجعلوهما بمعنى واحد، واتفقت الرواة على تسمية الإسراء به عليه السلام إسراء ولم يسمه أحد منهم سرى، فدلّ على أنهم لم يحققوا فيه العبارة ولذلك لم يختلف في تلاوة أسرى دون سرى. وقال: {والليل إذا يسر} [الفجر: 4] فدلّ على أن السرى من سريت إذا سرت ليلاً وهي مؤنثة تقول طالت سراك الليلة والإسراء متعد في المعنى لكن حذف مفعوله كثيرًا حتى ظن أنهما بمعنى لما رأوهما غير متعديين في اللفظ إلى مفعول، وإنما أسرى بعبده أي جعل البراق يسري به وحذف المفعول للدلالة عليه إذ المقصود بالخبر ذكره لما ذكر الدابة التي سرت به اهـ. ({ليلاً}) [الإسراء: 1] نصب على الظرفية وقيده بالليل والإسراء لا يكون إلا بالليل للتأكيد أو ليدل بلفظ التنكير على تقليل مدة الإسراء أو أنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشام مدة أربعين ليلة ({من المسجد الحرام}) [الإسراء: 1] روي أنه من بيت أم هانئ، فالمراد بالمسجد الحرام المحرم كله لإحاطته بالمسجد والتباسه به، وكان الإسراء به يقظة إذ لا فضيلة للحالم ولا مزية للنائم ({إلى المسجد الأقصى}) [الإسراء: 1] هو بيت المقدس لأنه لم يكن حينئذٍ وراءه مسجد وهو معدن الأنبياء من لدن الخليل، ولذا جمعوا له هنالك كلهم فأمهم في محلتهم ودارهم ليدل ذلك على أنه الرئيس المقدم، والإمام الأعظم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشرف وكرم وسقط قوله من المسجد الحرام إلخ لأبي ذر. 3886 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: «سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: لَمَّا كَذَّبَنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ». [الحديث 3886 - طرفه في: 4710]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف قال:

42 - باب المعراج

(سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لما كذبني) بتشديد الذال المعجمة، ولأبي ذر عن الكشميهني: كذبتني بتاء التأنيث. بعد الموحدة (قريش) أي إذ أخبرهم أنه جاء بيت المقدس في ليلة واحدة رجع (قمت في الحجر) بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم (فجلا الله) بالجيم وتخفيف اللام، ولأبي ذر عن الكشميهني: فجلى الله بتشديدها كشف (لي بيت المقدس) بأن أزال الحجاب بيني وبينه (فطلّقت) بكسر الفاء وسكون القاف (أخبرهم عن آياته) علاماته (وأنا أنظر إليه). وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع عند دار عقيل فنعته وأنا أنظر إليه" رواه البزار. وفي الدلائل للبيهقي من طريق صالح بن كيسان عن الزهري عن أبي سلمة قال: افتتن ناس يعني عقب الإسراء فجاء ناس إلى أبي بكر -رضي الله عنه- فذكروا له فقال: أشهد أنه صادق. فقالوا: أوتصدقه أنه أتى الشام في ليلة واحدة ثم رجع إلى مكة؟ قال: نعم أصدقه بأبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء قال: فسمي بذلك الصديق. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير، ومسلم في الإيمان، والترمذي والنسائي في التفسير. 42 - باب الْمِعْرَاجِ (باب المعراج) بكسر الميم. قال في النهاية: مفعال من العروج وهو الصعود كأنه آلة له. وقال في الصحاح: عرج في الدرجة والسلم يعرج عروجًا أي ارتقى والمعراج السلم ومنه ليلة المعراج والجمع معارج ومعاريج مثل مفاتح ومفاتيح. قال الأخفش: إن شئت جعلت الواحد معرج ومعرج مثل مرقاة ومرقاة والمعارج والمصاعد اهـ. وسميت بليلة المعراج لصعود النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها. وظاهر صنيع البخاري هنا أن ليلة الإسراء كانت غير ليلة المعراج حيث أفرد كل واحدة منهما بترجمة، لكن قوله في أول الصلاة باب كيف فرضت الصلاة ليلة الإسراء يدل على اتحادهما فإن الصلاة إنما فرضت في المعراج، وإنما أفرد كلاً منهما بترجمة لأن كلاًّ منهما يشتمل على قصة منفردة وإن كانا وقعا معًا، والجمهور على أن وقوعهما معًا، في ليلة واحدة في اليقظة. بجسده المكرّم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقيل وقع ذلك مرتين مرة في المنام توطئة وتمهيدًا ومرة في اليقظة. وذهب الأكثرون إلى أنه كان في ربيع الأول قبل الهجرة بسنة وقيل كان في رجب، وعن الزهري أنه كان بعد المبعث بخمس سنين، ورجحه القرطبي والنووي. وعند ابن أبي شيبة من حديث جابر وابن عباس -رضي الله عنهما- قالا: ولد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الاثنين وفيه بعث وفيه عرج به إلى السماء وفيه مات. 3887 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ -رضي الله عنه-: «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ -وَرُبَّمَا قَالَ فِي الْحِجْرِ- مُضْطَجِعًا، إِذْ أَتَانِي آتٍ فَقَدَّ - قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: فَشَقَّ -مَا بَيْنَ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ. فَقُلْتُ لِلْجَارُودِ وَهْوَ إِلَى جَنْبِي: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: مِنْ ثُغْرَةِ نَحْرِهِ إِلَى شِعْرَتِهِ -وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ مِنْ قَصِّهِ إِلَى شِعْرَتِهِ- فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي، ثُمَّ أُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ إِيمَانًا، فَغُسِلَ قَلْبِي، ثُمَّ حُشِيَ، ثُمَّ أُعِيدَ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ دُونَ الْبَغْلِ وَفَوْقَ الْحِمَارِ أَبْيَضَ. -فَقَالَ لَهُ الْجَارُودُ: هُوَ الْبُرَاقُ يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ أَنَسٌ: نَعَمْ- يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيلُ حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفَتَحَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا فِيهَا آدَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلاَمَ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ فَاسْتَفْتَحَ. فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفَتَحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يَحْيَى وَعِيسَى وَهُمَا ابْنَا خَالَةِ. قَالَ: هَذَا يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا، فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّا، ثُمَّ قَالاَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِذَا يُوسُفُ. قَالَ: هَذَا يُوسُفُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: أوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَفُتِحَ، فَلَمَّا خَلَصْتُ إِلَى إِدْرِيسَ، قَالَ: هَذَا إِدْرِيسُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا هَارُونُ. قَالَ: هَذَا هَارُونُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ صَعِدَ بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاءَ السَّادِسَةَ فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، فَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا مُوسَى قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. فَلَمَّا تَجَاوَزْتُ بَكَى، قِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي لأَنَّ غُلاَمًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ ممَنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أُمَّتِي. ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَرْحَبًا بِهِ، ونِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ. فَلَمَّا خَلَصْتُ فَإِذَا إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ. قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ السَّلاَمَ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِالاِبْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ. ثُمَّ رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا نَبِقُهَا مِثْلُ قِلاَلِ هَجَرَ، وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ. قَالَ: هَذِهِ سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ. فَقُلْتُ: مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ. ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ. ثُمَّ أُتِيتُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ، فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: هِيَ الْفِطْرَةُ أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ. ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ. فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ؟ قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ. فَرَجَعْتُ، فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ. فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ. فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ. فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ. فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَا أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ. قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ. قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّمُ. قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي» وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون الدال المهملة بعدها موحدة القيسي قال: (حدّثنا همام بن يحيى) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن دينار العوذي بفتح العين المهملة وبعد الواو الساكنة ذال معجمة مكسورة قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة) بفتح الصادين المهملتين وسكون العين المهملة الأنصاري (-رضي الله عنهما- أن نبي الله) ولأبي ذر: أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حدثهم عن ليلة أسري به) فيها بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أنه (قال): (بينما) بالميم (أنا) كائن (في الحطيم) أي في الحجر بكسر الحاء وسكون الجيم وسقط قوله قال: في اليونينية (وربما قال): (في الحجر) بدل الحطيم والشك من قتادة، وفي بدء الخلق: بينا أنا عند البيت وهو أعم (مضطجعًا) نصب

المعجمة وسكون العين المهملة عانته أو منبت شعرها. قال قتادة: (وسمعته) أي سمعت أنسًا -رضي الله عنه- (يقول) أيضًا شق (من قصته) بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة رأس صدره (إلى شعرته فاستخرج قلبي ثم أتيت) بضم الهمزة (بطست) بفتح الطاء وسكون السين المهملتين (من ذهب) قبل تحريم استعماله (مملوءة) بالتأنيث على لفظ الطست لأنها مؤنثة وبالجر على الصفة (إيمانًا) نصب على التمييز ملأ حقيقة وتجسيد المعاني جائز كتمثيل الموت كبشًا أو مجازًا من باب التمثيل كما مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط. وفائدته كشف المعنوي بالحسي (فغسل) بضم الغين أي غسل جبريل (قلبي) وفي مسلم كالمؤلّف في كتاب الصلاة: بماء زمزم لأنه أفضل المياه وفيه تقوية القلب (ثم حشي) بضم المهملة وكسر المعجمة إيمانًا وحكمة وفي الصلاة ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانًا فأفرغه في صدري ثم أطبقه (ثم أعيد) موضعه من الصدر المقدس وإنما أتي بالطست لأنه أشهر آلات الغسل عرفًا وبالذهب لكونه أعلى الأواني الحسية وأصفاها، وحكمة الغسل ليتقوى على استجلاء الأسماء الحسنى والثبوت في المقام الأسنى، وقد أنكر القاضي عياض -رحمه الله- شق الصدر المقدس ليلة الإسراء وقال: إنما كان ذلك وهو صغير في بني سعد عند مرضعته حليمة وتعقبوه بأن ذلك وقع مرتين. الأولى: عند حليمة لنزع العلقة التي قيل له عندها هذا حظ الشيطان منك، ولذا أنشأ على أكمل الأحوال من العصمة، والثانية: عند الإسراء. وقد روى الطيالسي والحرث في مسنديهما من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن الشق وقع مرة أخرى عند مجيء جبريل عليه السلام له بالوحي في غار حراء لزيادة الكرامة وليتلقى الوحي بقلب قوي على أكمل الأحوال من التقديس، وقد وقع في ذلك من الخوارق ما يدهش السامع فسبيلنا الإيمان به والتسليم من غير أن نتكلف إلى التوفيق بين المنقول والمعقول للتبرئ مما يتوهم أنه محال من شق البطن وإخراج القلب المؤدّيين إلى الموت لا محالة، ونحن بحمد الله لا نرى العدول عن الحقيقة إلى المجاز في خبر الصادق إلا في الأمر المحال على القدرة وسقط قوله ثم أعيد لغير أبي ذر. (ثم أتيت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض) اللون والتذكير باعتبار المركوب، وعند الثعلبي بسند ضعيف من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- لها خدّ كخدّ الإنسان وعرف كالفرس وقوائم كالإبل وأظلاف وذنب كالبقر وكان صدره ياقوتة حمراء (فقال له): أي لأنس -رضي الله عنه- (الجارود) بن أبي سبرة (هو البراق يا أبا حمزة) استفهام حذفت منه الأداة وأبو حمزة بالحاء المهملة والزاي كنية أنس -رضي الله عنه- (قال أنس: نعم) هو البراق (يضع خطوه) بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة (عند أقصى طرفه) بفتح المهملة وسكون الراء بعدها فاء أي يضع رجله عند منتهى ما يرى بصره، وهو يدل على أنه كان يمشي على وجه الأرض. وروى ابن سعد عن الواقدي بأسانيده: له جناحان ولعله يشعر بأنه يطير بين السماء والأرض (فحملت عليه) بضم الحاء مبنيًّا للمفعول (فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا) فيه حذف صرح به البيهقي في دلائله من حديث أبي سعيد ولفظه: فإذا أنا بدابة كالبغل يقال له البراق، وكانت الأنبياء تركبه قبلي فركبته. الحديث. قال: ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس فصليت ثم أتيت بالمعراج، وعند ابن إسحاق: ولم أر قط شيئًا أحسن منه، وهو الذي يمدّ إليه الميت عينيه إذا احتضر، وفي رواية كعب: فوضعت له مرقاة من فضة ومرقاة من ذهب حتى عرج هو وجبريل، وفي شرف المصطفى لابن سعد: أنه منضد باللؤلؤ عن يمينه ملائكة وعن يساره ملائكة، وعند ابن أبي حاتم من رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس -رضي الله عنه-: فلم ألبث إلاّ يسيرًا حتى اجتمع ناس كثير ثم أذن مؤذن فأقيمت الصلاة فأخذ بيدي جبريل فقدمني فصليت بهم، وعند أحمد من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- فلما أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسجد الأقصى فإذا النبيون أجمعون يصلون معه والأظهر أن صلاته بهم ببيت المقدس كانت قبل العروج ثم عرج به إلى السماء الدنيا. (فاستفتح) جبريل (فقيل) ولأبي ذر قيل (من هذا؟) الذي يقرع الباب (قال جبريل: قيل) ولأبي ذر قال: أي خازن السماء (ومن معك؟ قال): جبريل معي (محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟) للعروج به (قال): جبريل (نعم). أرسل إليه (قيل: مرحبًا به فنعم المجيء جاء) قال ابن مالك: في شواهده في هذا الكلام شاهد على الاستغناء بالصلة عن الموصول أو الصفة عن الموصوف في باب: نعم لأنها تحتاج إلى فاعل هو المجيء وإلى مخصوص بمعناها وهو مبتدأ مخبر عنه بنعم وفاعلها فهو في هذا الكلام وشبهه موصول أو موصوف بجاء، والتقدير ونعم المجيء الذي جاء أو نعم المجيء مجيء جاء وكونه موصولاً أجود لأنه مخبر عنه والمخبر عنه إذا كان معرف أولى من كونه نكرة (ففتح) خازنها الباب (فلما خلصت) بفتح اللام أي وصلت (فإذا فيها آدم فقال) له جبريل: (هذا أبوك آدم فسلم عليه) لأن المار يسلم على القاعد وإن كان المار أفضل من القاعد (فسلمت عليه فردّ) علي (السلام ثم قال) له آدم: (مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم صعد) جبريل (حتى) ولأبي ذر ثم صعد بي حتى (أتى السماء الثانية فاستفتح) جبريل بابها (قيل) ولأبي ذر فقيل (من هذا؟) الذي يقرع الباب (قال جبريل. قيل: ومن معك؟ قال): معي (محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال) جبريل: (نعم) أرسل إليه (قيل مرحبًا به فنعم المجيء) الذي (جاء) أو نعم المجيء مجيء جاء (ففتح) الخازن الباب (فلما خلصت إذا يحيى) بن زكريا (وعيسى) ابن مريم (وهما ابنا الخالة) لأن أم يحيى إيشاع بنت فاقوذ أخت حنة بالحاء المهملة والنون المشدّدة بنت فاقوذ أم مريم، وذلك أن عمران بن ماثان تزوج حنة وزكريا تزوج إيشاع فولدت يحيى وولدت حنة مريم فتكون إيشاع خالة مريم وحنة خالة يحيى فهما ابنا خالة بهذا الاعتبار وليس عمران هذا أبا موسى إذ بينهما فيما قيل ألف وثمانمائة سنة ولأبي ذر: ابنا خالة. (قال) جبريل له عليه الصلاة والسلام: (هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلمت عليهما فردّا) علي السلام (ثم قالا): لي: (مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد) جبريل (إلى السماء الثالثة فاستفتح) جبريل الباب (قيل) له، ولأبي ذر: فقيل (من هذا؟) الذي يستفتح (قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال) جبريل: معي (محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟) للعروج به (قال: نعم. قيل مرحبًا به فنعم المجيء) مجيء (جاء ففتح) بضم الفاء الثانية مبنيًّا للمفعول (فلما خلصت إذا يوسف قال) لي جبريل: (هذا يوسف فسلّم عليه فسلمت عليه فردّ) عليّ السلام (ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي) جبريل (حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح) جبريل (قيل) له: (من هذا؟ قال جبريل: قيل) ولأبي ذر: قال: (ومن معك؟ قال: محمد. قيل: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم) أرسل إليه (قيل مرحبًا به فنعم المجيء) الذي (جاء ففتح) بضم الفاء مبنيًّا للمفعول لنا (فلما خلصت إلى إدريس) وللأربعة: فإذا إدريس (قال) جبريل: (هذا إدريس فسلم عليه فسلمت عليه) ولغير الكشميهني سقوط لفظ عليه (فرد) عليّ السلام (ثم قال) لي: (مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح) فيه رد على النسابة في قولهم إن إدريس جد نوح وإلاّ لقال والابن الصالح كما قال: آدم (ثم صعد) جبريل (بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح) جبريل (قيل) له: (من هذا؟) الذي يستفتح (قال: جبريل. قيل) ولأبي ذر: (ومن معك؟ قال) جبريل: (محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل مرحبًا به فنعم المجيء جاء) قيل المخصوص بالمدح محذوف وفيه تقديم وتأخير والتقدير جاء فنعم المجيء مجيئه (فلما خلصت فإذا هارون قال: هذا هارون فسلّم عليه فسلمت عليه فرد) السلام علي (ثم قال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي) جبريل (حتى أتى السماء السادسة فاستفتح) جبريل (قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: من) ولأبي ذر

قال: ومن (معك؟ قال): معي (محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟) سقطت واو وقد لأبي ذر (قال: نعم قال: مرحبًا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا موسى) قال في المصابيح: إن الفاء فيه وفي فإذا إبراهيم زائدة (قال) جبريل: (هذا موسى فسلّم عليه فسلّمت عليه فرد) عليّ السلام (ثم قال) له: (مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح فلما تجاوزت) بالجيم والزاي أي موسى (بكى. قيل) ولأبي ذر فقيل وفي نسخة قال: (له ما يبكيك؟) يا موسى (قال: أبكي لأن غلامًا بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن) ولأبي ذر عن الكشميهني أكثر ممن (يدخلها من أمتي) ليس بكاؤه حسدًا حاشاه الله بل أسفًا على ما فاته من الأجر المترتب عليه رفع درجته بسبب ما حصل من أمته من كثرة المخالفة المقتضية لتنقيص أجورهم المستلزم ذلك لنقص أجره لأن لكل نبي مثل أجر جميع من اتبعه، وقوله غلام مراده به أنه صغير السن بالنسبة إليه، وقد أنعم الله عليه بما لم ينعم به عليه مع طول عمره (ثم صعد بي) جبريل (إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل. قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم قال: مرحبًا به فنعم المجيء جاء، فلما خلصت فإذا إبراهيم) الخليل (قال) جبريل (هذا أبوك) إبراهيم (فسلّم عليه قال: فسلمت عليه فرد السلام قال): وفي نسخة فقال: ولأبي ذر ثم قال: (مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح). وقد استشكل رؤية الأنبياء في السماوات مع أن أجسادهم مستقرة في قبورهم بالأرض. وأجيب: بأن أرواحهم تشكلت بصور أجسادهم أو أحضرت أجسادهم لملاقاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تلك الليلة تشريفًا له وتكريمًا (ثم رفعت لي) أي لأجلي بضم الراء وكسر الفاء وفتح العين المهملة وتسكين الفوقية (سدرة المنتهى) التي ينتهي إليها ما يعرج من الأرض فيقبض منها، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ثم رفعت بسكون العين وضم الفوقية وإلى الجارة وسدرة جرّ بها وجمع بين الروايتين بأنه رفع إليها وظهرت له كل الظهور حتى اطلع عليها كل الاطّلاع (فإذا نبقها) بكسر الموحدة ثمر السدرة (مثل قلال هجر) بكسر القاف وهجر بفتح الهاء والجيم اسم بلد لا ينصرف للعلمية والتأنيث ومراده أن ثمرها في الكبر كالجرار التي تصنع بها وكانت معروفة عند المخاطبين، فلذا وقع التمثيل بها، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: مثل قلال الهجر بالتعريف (وإذا ورقها مثل آذان الفيلة) بكسر الفاء وفتح التحتية جمع فيل وقول الزركشي بفتح الفاء والياء تعقبه في المصابيح بأنه سهو (قال) لي جبريل: (هذه سدرة المنتهى وإذا أربعة أنهار) تخرج من أصلها (نهران باطنان ونهران ظاهران، فقلت: ما هذان يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران) يجريان (في الجنة) ويجريان من أصل سدرة المنتهى ثم يسيران حيث يشاء الله ثم ينزلان إلى الأرض ثم يسيران فيها وقال مقاتل: الباطنان السلسبيل والكوثر (وأما الظاهران فالنيل) نهر مصر (والفرات) بالمثناة الفوقية خطأ وصلاً ووقفًا لا بالهاء نهر بغداد (ثم رفع لي البيت المعمور) زاد الكشميهني يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، وزاد في بدء الخلق: إذا خرجوا لم يعودوا (ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فأخذت اللبن) فشربت منه (فقال) جبريل: (هي الفطرة) الإسلامية (أنت) ولأبي ذر التي أنت (عليها وأمتك) وفي الأشربة من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: ولو أخذت الخمر لغوت أمتك. وعند البيهقي عن أنس: ولو شربت الماء غرقت وغرقت أمتك. وفي مسلم أن إتيانه بالآنية كان ببيت المقدس قبل المعراج، ويحتمل أن الآنية عرضت عليه مرتين مرة عند فراغه من الصلاة ببيت المقدس ومرة عند وصوله إلى سدرة المنتهى. (ثم فرضت) بالبناء للمفعول (عليّ الصلوات) بالجمع ولأبي ذر الصلاة (خمسون صلاة كل يوم) وزاد في الصلاة ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام قال ابن حزم وفي رواية أنس بن مالك قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ففرض الله

43 - باب وفود الأنصار إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة وبيعة العقبة

عز وجل على أمتي خمسين صلاة (فرجعت فمررت على موسى فقال: بما) ولأبي ذر بم (أمرت؟) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (قال) نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قلت له: (أمرت بخمسين صلاة كل يوم) وليلة (قال) موسى عليه السلام: (إن أمتك لا تستطيع) أن تصلي (خمسين صلاة كل يوم) وليلة (وإني والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك) قال عليه الصلاة والسلام: (فرجعت) إلى ربي (فوضع عني عشرًا) من الخمسين (فرجعت إلى موسى) فأخبرته (فقال: مثله) إن أمتك لا تستطيع الخ (فرجعت فوضع عني عشرًا) من الأربعين (فرجعت إلى موسى) (فقال: مثله) (فرجعت فوضع عني عشرًا) من الثلاثين (فرجعت إلى موسى) (فقال: مثله) (فرجعت فأمرت بعشر صلوات) بالإضافة وفي اليونينية بعشر بالتنوين (كل يوم) وليلة (فرجعت) إلى موسى سقط لفظ فرجعت لأبي ذر وإلى موسى للكل (فقال) موسى: (مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم) وليلة (فرجعت إلى موسى فقال: بما) بألف بعد الميم ولأبي ذر بم (أمرت؟ قلت) (أمرت بخمس صلوات كل يوم) (قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال): عليه الصلاة والسلام فقلت له: (سألت ربي حتى استحييت) فلا أرجع فإني إن رجعت صرت غير راض ولا مسلم (ولكن) ولأبي ذر عن الكشميهني: ولكني (أرضى وأسلم) (قال) عليه الصلاة والسلام: (فلما جاوزت ناداني مناد) والذي في اليونينية نادى مناد (أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي) وهذا من أقوى ما يستدل به على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلمه ربه ليلة الإسراء بغير واسطة كما قاله في الفتح. 3888 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ. قَالَ: وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ قَالَ هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ". [الحديث 3888 - طرفاه في: 4716، 6613]. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن عكرمة) مولى ابن عباس -رضي الله عنهما- (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في) تفسير (قوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} [الإسراء: 60] قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة أسري به إلى بيت المقدس) وبذلك تمسك من قال: كان الإسراء في المنام، ومن قال: كان في اليقظة فسر الرؤيا بالرؤية من قوله أريها ليلة أسري به، والإسراء إنما كان في اليقظة لأنه لو كان منامًا ما كذبته قريش فيه وإذا كان ذلك في اليقظة، وكان المعراج في تلك الليلة لزم أن يكون في اليقظة أيضًا إذ لم يقل أحد أنه نام لما وصل إلى بيت المقدس ثم عرج به وهو نائم وإنما كان في اليقظة فإضافة الرؤيا إلى العين للاحتراز عن رؤيا القلب (قال) ابن عباس -رضي الله عنهما-: (والشجرة الملعونة في القرآن قال: هي شجرة الزقوم) واختاره ابن جرير قال: لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك أي في الرؤيا والشجرة. فإن قلت: ليس في القرآن ذكر لعن شجرة الزقوم. أجيب: بأن المعنى والشجرة الملعون آكلوها وهم الكفار لأنه قال: {فإنهم لآكلون منها فمالؤون منها البطون} [الصافات: 66] فوصفت بلعن أهلها على المجاز ولأن العرب تقول: لكل طعام مكروه وضار ملعون ولأن اللعن هو الإبعاد من الرحمة وهي في أصل الجحيم في أبعد مكان من الرحمة. 43 - باب وُفُودُ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ وَبَيْعَةُ الْعَقَبَةِ (باب وفود الأنصار) الأوس والخزرج (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة وبيعة العقبة) بمنى في الموسم، وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعرض نفسه على القبائل كل موسم فلقي عند العقبة ستة نفر من الخزرج وهم: أبو أمامة أسعد بن زرارة، وعوف بن الحرث بن رفاعة وهو ابن عفراء، ورافع بن مالك العجلاني، وقطبة بن عامر بن حديدة، وعقبة بن عامر بن نابي، وجابر بن عبد الله بن رباب. ومن أهل العلم بالسير من يجعل فيهم عبادة بن الصامت بدل جابر بن رباب، فدعاهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الإسلام فآمنوا وقالوا: إنّا تركنا قومنا وبينهم حروب فننصرف فندعوهم إلى ما دعوتنا إليه فلعل الله أن يجمعهم بك فإن اجتمعت كلمتهم عليك واتبعوك فلا أحد أعز منك وانصرفوا إلى المدينة

فدعوا قومهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم، ولم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما كان العام المقبل قدم مكة من الأنصار اثنا عشر رجلاً منهم خمسة من الستة الذين ذكرناهم وهم: أبو أمامة، وعوف ابن عفراء، ورافع بن مالك، وقطبة، وعقبة. وبقيتهم معاذ بن الحرث بن رفاعة وهو ابن عفراء أخو عوف المذكور، وذكوان بن عبد قيس بن خلدة الزرقي، وعبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم، وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة البلوي حليف بني عصية من بلى، والعباس بن عبادة بن نضلة. وهؤلاء من الخزرج. ومن الأوس رجلان أبو الهيثم بن التيهان من بني عبد الأشهل وعويم بن ساعدة من بني عمرو بن عوف حليف لهم فبايعوه عند العقبة على بيعة النساء وبعث معهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابن أم مكتوم ومصعب بن عمير يعلمان من أسلم منهم القرآن وشرائع الإسلام ويدعوان من لم يسلم إلى الإسلام فأسلم على يد مصعب خلق كثير من الأنصار ولم يبق في بني عبد الأشهل أحد من الرجال والنساء إلا أسلم حاشا الأصرم عمرو بن ثابت بن وقش فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أُحد فأسلم واستشهد ولم يسجد لله سجدة واحدة، وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه من أهل الجنة، ثم خرج جماعة كثيرة ممن أسلم من الأنصار يريدون لقاءه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جملة قوم كفار منهم فوافوا مكة فواعدوه العقبة من أوسط أيام التشريق فبايعوه عند العقبة على أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم ونساءهم وأبناءهم وأن يرحل إليهم هو وأصحابه، وحضر العباس تلك الليلة موثقًا لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومؤكدًا على أهل يثرب وكان يومئذٍ على دين قومه، وكان للبراء بن معرور في تلك الليلة المقام المحمود في التوثق، وكان المبايعون تلك الليلة سبعين رجلاً وامرأتين وسقط لفظ باب لأبي ذر. 3889 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ح. وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ -وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ حِينَ عَمِيَ- قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بِطُولِهِ، قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ فِي حَدِيثِهِ "وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلاَمِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا اسم جده واسم أبيه عبد الله المخزومي المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد إمام المصريين (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري قال المؤلّف: (ح). (وحدّثنا) بالواو الثابتة في رواية أبي ذر (أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري قال: (حدّثنا عنبسة) بفتح العين والسين المهملتين بينهما نون ساكنة فموحدة مفتوحة ابن خالد بن يزيد الأيلي قال: (حدّثنا) عمي (يونس) بن يزيد الأيلي واللفظ لعقيل لا ليونس (عن ابن شهاب) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن) أباه (عبد الله بن كعب وكان قائد كعب) أبيه (حين عمي قال: سمعت) أبي (كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن النبي) ولأبي ذر عن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة تبوك) الحديث (بطوله. قال ابن بكير في حديثه): أي حديث عقيل (ولقد شهدت مع النبي) وفي نسخة مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وضبب في الفرع على لفظ النبي (ليلة العقبة) الثالثة (حين تواثقنا) بالمثلثة والقاف (على الإسلام وما أحب أن لي بها) أي بدلها (مشهد بدر) فالباء باء البدلية (وإن كانت بدر أذكر) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح الكاف أي أكثر شهرة (في الناس منها) لأن ليلة العقبة المذكورة كانت أول الإسلام ومنها فشا وتأكد أساسه. وهذا الحديث مر في الوصايا والجهاد، وأخرجه أيضًا في المغازي والتفسير والاستئذان والأحكام مطوّلاً ومختصرًا. 3890 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: كَانَ عَمْرٌو يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "شَهِدَ بِي خَالاَيَ الْعَقَبَةَ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: "أَحَدُهُمَا الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ". [الحديث 3890 - طرفه في: 3891]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: كان عمرو) بفتح العين ابن دينار (يقول: سمعت جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام بالمهملتين ابن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري (-رضي الله عنهما- يقول: شهد بي) بالموحدة قبل التحتية الساكنة (خالاي) تثنية خال مضاف لياء المتكلم المخففة (العقبة) الثالثة. (قال أبو عبد الله) البخاري المؤلّف ولأبي ذر قال: عبد الله بن محمد أي الجعفي المسندي (قال ابن عيينة): سفيان (أحدهما)

أي خالي جابر (البراء بن معرور) بمهملات وأم جابر اسمها نسيبة بضم النون بنت عقبة بضم العين وسكون القاف ابن عدي وأخواها ثعلبة وعمرو وهما خالا جابر وقد شهد العقبة الأخيرة، وأما البراء بن معرور فليس من أخوال جابر لكنه كما قال في الفتح كالكرماني من أقارب أمه وأقارب الأم يسمون أخوالاً مجازًا. 3891 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ جَابِرٌ: "أَنَا وَأَبِي وَخَالايَ مِنْ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال عطاء): هو ابن أبي رباح (قال جابر) الأنصاري (أنا وأبي) عبد الله (وخالي) بكسر اللام بالإفراد ولأبي ذر وخالاي بالتثنية (من أصحاب العقبة) الثالثة وكان جابر أصغر من شهدها. 3892 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ بن عبد الله «أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ -مِنَ الَّذِينَ شَهِدُوا بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْ أَصْحَابِهِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ- أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: تَعَالَوْا بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُونِي فِي مَعْرُوفٍ. فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهْوَ لَهُ كَفَّارَةٌ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ: إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، قَالَ فَبَايَعْناهُ عَلَى ذَلِكَ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق بن منصور) أبو يعقوب الكوسج المروزي قال: (أخبرنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (حدّثنا ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله (عن عمه) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو إدريس عائذ الله) بالعين المهملة والذال المعجمة ممدودًا (ابن عبد الله) الخولاني أحد الأعلام سقط ابن عبد الله من اليونينية (أن عباة بن الصامت) -رضي الله عنه- ابن قيس (من الذين شهدوا بدرًا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن أصحابه ليلة العقبة) وهو أحد النقباء واحد الستة أهل العقبة الأولى في قول بعضهم واحد الاثني عشر أهل الثانية وأحد السبعين في الثالثة (أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال وحوله عصابة) بكسر العين المهملة (من أصحابه): (تعالوا) بفتح اللام (بايعوني) عاقدوني (على) التوحيد (أن لا تشركوا بالله شيئًا و) على أن (لا تسرقوا) شيئًا (و) على أن (لا تزنوا و) على أن (لا تقتلوا أولادكم ولا تأتون) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: ولا تأتوا بحذف النون عطفًا على المنصوب السابق (ببهتان) بكذب يبهت سامعه (تفترونه) تختلقونه (بين أيديكم وأرجلكم) أي من قبل أنفسكم فكني باليد والرجل عن الذات لأن معظم الأفعال بها (ولا تعصوني في معروف) قاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تطييبًا لقلوبهم وإلا فهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يأمر إلا بالمعروف (فمن وفى منكم) بتخفيف الفاء بالعهد (فأجره على الله) فضلاً (ومن أصاب) منكم أيها المؤمنون (من ذلك شيئًا) غير الشرك (فعوقب به) بسببه (في الدنيا) بإقامة الحد عليه (فهو) أي العقاب (له كفارة) فلا يعاقب عليه في الآخرة (ومن أصاب من ذلك) المذكور (شيئًا فستره الله فأمره) مفوّض (إلى الله) تعالى (إن شاء عاقبه) بعدله (وإن شاء عفا عنه) بفضله (قال): عبادة (فبايعته) وفي نسخة فبايعناه (على ذلك). وهذا الحديث سبق في كتاب الإيمان. 3893 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنِ النَّابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: "إِنِّي مِنَ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ: بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لاَ نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ نَسْرِقَ، وَلاَ نَزْنِيَ، وَلاَ نَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بالحقّ، وَلاَ نَنْتَهِبَ، وَلاَ نَقْضِيَ بِالْجَنَّةِ إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ، فَإِنْ غَشِينَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَانَ قَضَاءُ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يزيد بن أبي حبيب) من الزيادة وحبيب بالحاء المهملة المفتوحة والموحدتين بينهما تحتية ساكنة الأزدي أبي رجاء عالم مصر (عن أبي الخير) مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة وآخره دال مهملة ابن عبد الله المصري (عن الصنابحي) بضم الصاد المهملة وفتح النون المخففة وبعد الألف موحدة مكسورة فحاء مهملة عبد الرحمن بن عسيلة بضم العين وفتح السين المهملتين مصغرًا التابعي (عن عبادة بن الصامت) بن قيس أبي الوليد الخزرجي (-رضي الله عنه- أنه قال إني من النقباء) الاثني عشر (الذين بايعوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليلة العقبة الثالثة على الإيواء والنصرة وغيرهما (وقال: بايعناه) أي في وقت آخر (على أن لا نشرك بالله شيئًا) على ترك الإشراك (و) أن (لا نسرق) بحذف المفعول ليدل على العموم (و) أن (لا نزني) بنونين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة ففوقية مفتوحة فهاء مكسورة فموحدة ولأبي ذر عن الكشميهني ولا ننهب بحذف الفوقية وفتح الهاء أي لا نأخذ مال

44 - باب تزويج النبي -صلى الله عليه وسلم- عائشة، وقدومها المدينة، وبناؤه بها

أحد بغير حق (و) أن (لا نعصي) بالعين والصاد المهملتين أي لا نعصي الله في معروف (بالجنة وإن فعلنا ذلك) متعلق بقوله بايعناه أي بايعناه على أن لا نفعل شيئًا مما ذكر بمقابلة الجنة، وللكشميهني ولا نقضي بالقاف والضاد المعجمة وهو تصحيف وتكلف بعضهم في تأويله فقال نهاهم عن ولاية القضاء قال في الفتح: وهذا يبطله أن عباده ولي قضاء فلسطين في زمن عمر -رضي الله عنه-، وقيل إن قوله بالجنة متعلق بنقضي أي لا نقضي بالجنة لأحد معين بل الأمر موكول إلى الله تعالى لا حكم لنا فيه لكن يبقى قوله: إن فعلنا ذلك لا جواب له (فإن غشينا) بالغين المفتوحة والشين المكسورة المعجمتين والتحتية الساكنة أي إن أصبنا (من ذلك) المنهي عنه (شيئًا كان قضاء ذلك) مفوّضًا (إلى الله) عز وجل إن شاء عفا عنه إن شاء عاقبه. وظاهر صنيع المؤلّف أن هذه المبايعة وقعت ليلة العقبة وبه جزم القاضي عياض وآخرون. وقال ابن حجر: إنما هي مبايعة أخرى غير ليلة العقبة وإنما الذي في العقبة أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم إلى آخره ثم صدرت بعد مبايعات أخرى منها هذه التي ذكر فيها هذه المنهيات. ويقوي ذلك نزول آية الممتحنة فإنها بعد فتح مكة، ولقوله في رواية مسلم والنسائي كما أخذ على النساء بل عند الطبراني من وجه آخر عن الزهري: ثم بايعنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ما بايع عليه النساء يوم فتح مكة، فظهر أن هذه البيعة إنما صدرت بعد نزول الآية بل بعد صدور بيعة العقبة فصح تغاير البيعتين بيعة الأنصار قبل الهجرة وبيعة أخرى بعد فتح مكة، وإنما وقع الالتباس من جهة أن عبادة بن الصامت حضر البيعتين ولما كانت بيعة العقبة من أجل ما يتمدّح به فكان يذكرها إذا حدث تنويهًا بسابقته، ويؤيده أيضًا قوله في هذا الحديث الأخير: ولا ننتهب لأن الجهاد لم يكن فرض والمراد بالانتهاب كما قاله في الفتح ما يقع بعد القتال، لكن تفسير الانتهاب بذلك على الخصوص غير ظاهر على ما لا يخفى، لكن روى ابن إسحاق بسنده عن عبادة قال: كنت فيمن حضر العقبة الأولى وكنا اثني عشر رجلاً فبايعنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بيعة النساء أي على وفق بيعة النساء التي نزلت بعد ذلك عند فتح مكة ففيه الجزم بأنها ليلة العقبة. وأجيب: بأنه اتفق وقوع ذلك قبل نزول الآية، وأضيفت النساء لضبطها بالقرآن والراجح أن التصريح بذلك وهم من بعض الرواة، والذي دل عليه الأحاديث أن البيعات ثلاثة: العقبة وكانت قبل فرض الحرب، والثانية بعد الحرب على عدم الفرار، والثالثة على نظير بيعة النساء. وهذا الحديث قد مرّ في كتاب الإيمان. 44 - باب تَزْوِيجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَائِشَةَ، وَقُدُومِهَا الْمَدِينَةَ، وَبِنَاؤُهُ بِهَا (باب تزويج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عائشة) -رضي الله عنها- (وقدومها المدينة) بعد الهجرة (وبنائه) عليه الصلاة والسلام (بها) وسقط لفظ باب لأبي ذر فتزويج وبناء رفع على ما لا يخفى. 3894 - حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الخَزْرَجٍ، فَوُعِكْتُ فَتَمَرَّقَ شَعَرِي، فَوَفَى جُمَيْمَةً، فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ -وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي- فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا، لاَ أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي، فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ، وَإِنِّي لأَنْهَجُ حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي. ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ. فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ، فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضُحًى، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ". [الحديث 3894 - أطرافه في: 3896، 5133، 5134، 5156، 5158، 5160]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (فروة بن أبي المغراء) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة ممدودًا الكندي قال: (حدّثنا علي بن مسهر) بضم الميم وسكون المهملة قاضي الموصل القرشي الكوفي (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: تزوجني) أي عقد عليّ (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا بنت ست سنين فقدمنا المدينة) أنا وأمي أم رومان وأختي أسماء بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر -رضي الله عنه- (فنزلنا في بني الحرث بن خزرج) ولأبي ذر: ابن الخزرج (فوعكت) بضم النواو وسكون الكاف أي حممت (فتمزّق) بالراء المشددة للكشميهني أي انتتف (شعري) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فتمزق بالزاي أي انقطع، لكن قال القاضي عياض أنه بالزاي عند الكشميهني عكس ما هنا (فوفى) بتخفيف الفاء أي أكثر وفيه حذف تقديره ثم نصلت من الوعك فتربى شعري فكثر (جميمة) بضم الجيم وفتح الميمين بينهما تحتية ساكنة مصغر جمة بضم الجيم من شعر الرأس ما سقط عن المنكبين فإذا كان إلى شحمة

الأذنين سمي وفرة وجميمة بالرفع على الفاعلية وفي الفرع بالنصب (فأتتني أمي أم رومان) زينب الفراسية (وإني لفي أرجوحة) بضم الهمزة وسكون الراء وضم الجيم وبعد الواو حاء مهملة حبل يشد في كل من طرفيه خشبة فيجلس واحد على طرف وآخر على الآخر ويحركان فيميل أحدهما بالآخر نوع من لعب الصغار (ومعي صواحب لي) بغير تنوين (فصرخت بيدي فأتيتها لا) ولأبي ذر عن الكشميهني: ما (أدري ما تريد بي) وللكشميهني: مني (فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار وأني لأنهج) بالنون والجيم مع فتح الهمزة والهاء وبضم الهمزة وكسر الهاء أي أتنفس نفسًا عاليًا من الإعياء (حتى سكن بعض نفسي) بفتح الفاء (ثم أخت شيئًا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ثم أدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار) لم أعرف أسماءهن (في البيت فقلن: على الخير والبركة وعلى خير طائر) أي على خير حظ ونصيب (فأشلمتني إليهن فأصلحن من شأني فلم يرعني) بفتح التحتية وضم الراء وسكون العين المهملة فلم يفجأني (إلا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قد دخل عليّ (ضحى) على غير علم (فأسلمنني) النسوة الأنصاريات (إليه). وعند أحمد من وجه آخر فوقفت بي عند الباب حتى سكنت نفسي الحديث. وفيه: فإذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس على سرير وعنده رجال ونساء من الأنصار فأجلستني في حجره ثم قالت: هؤلاء أهلك يا رسول الله بارك الله لك فيهم، فوثب الرجال والنساء وبنى بي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيتنا (وأنا يومئذ بنت تسع سنين) وكان ذلك في شوال من السنة الأولى من الهجرة أو الثانية. وقولها في حديث أحمد -رضي الله عنه- وبنى بي يردّ قول الجوهري في الصحاح العامة تقول: بنى بأهله وهو خطأ، وإنما يقال: بنى على أهله والأصل فيه أن الداخل على أهله يضرب عليه قبة ليلة الدخول ثم قيل لكل داخل بأهله بان اهـ. وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه في النكاح. 3895 - حَدَّثَنَا مُعَلًّى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ: أَرَى أَنَّكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ وَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَاكْشِفْ، فَإِذَا هِيَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ». [الحديث 3895 - أطرافه في: 5078، 5125، 7011، 7012]. وبه قال: (حدّثنا معلى) بضم الميم وفتح العين واللام مشددة منونة ابن أسد أبو الهيثم البصري قال: (حدّثنا وهيب) مصغرًا ابن خالد البصري (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها): (أريتك) بضم الهمزة (في المنام مرتين) وفي رواية ثلاث مرات (أرى) بفتح الهمزة والراء (أنك) بكسر الكاف (في سرقة) بفتح السين المهملة والراء والقاف في قطعة (من حرير) والمراد أنه يريه صورتها (ويقول): أي جبريل ولأبي ذر عن الكشميهني ويقال: (هذه امرأتك فأكشف) عن وجهك بهمزة قطع وضم الفاء في الفرع والناصرية والذي في اليونينية بهمزة وصل والجزم فعل أمر وزاد في اليونينية عنها (فإذا هي أنت) وفي رواية: فإذا أنت هي أي مثل الصورة التي رأيتها في المنام وهو تشبيه بليغ حيث حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه كقوله: كنت أظن أن العقرب أشدّ لسعة من الزنبور فإذا هو هي أي فإذا الزنبور مثل العقرب فحذف الأداة مبالغة فحصل التشابه (فأقول إن يك هذا من عند الله يمضه) بضم أوله. قال في شرح المشكاة: هذا الشرط مما يقوله المتحقق لثبوت الأمر المدل بصحته تقريرًا لوقوع الجزاء وتحققه ونحوه قول السلطان لمن تحت قهره إن كنت سلطانًا انتقمت منك أي السلطنة مقتضية للانتقام. وقال القاضي عياض: يحتمل أن يكون ذلك قبل البعثة فلا إشكال فيه وإن كان بعدها ففيه ثلاث احتمالات التردد هل هي زوجته في الدنيا والآخرة أو في الآخرة فقط أو أنه لفظ شك لا يراد به ظاهره وهو نوع من البديع عند أهل البلاغة يسمونه تجاهل العارف وسماه بعضهم مزج الشك باليقين أو وجه التردد هل هي رؤيا وحي على ظاهرها وحقيقتها أو رؤيا وحي لها تعبير وكلا الأمرين جائز في حق الأنبياء اهـ. قال في الفتح: الأخير هو المعتمد، وبه جزم السهيلي عن ابن العربي ثم قال: وتعبيره باحتمال غيرها لا أرضاه والأول يردّه أن

45 - باب هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة

السياق يقتضي أنها كانت قد وجدت فإن ظاهر قوله فإذا هي أنت يشعر بأنه كان قد رآها وعرفها قبل ذلك، والواقع أنها ولدت بعد البعثة ويرد أول الاحتمالات الثلاثة رواية ابن حبان في آخر حديث الباب هي زوجتك في الدنيا والآخرة والثاني بعيد. 3896 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلاَثِ سِنِينَ، فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَنَكَحَ عَائِشَةَ وَهْيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ بَنَى بِهَا وَهْيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ". وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولغير أبي ذر: حدّثني (عبيد بن إسماعيل) بضم العين مصغرًا من غير إضافة الهباري القرشي الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير أنه (قال: توفيت خديجة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- (قبل مخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من مكة (إلى المدينة بثلاث سنين) وقيل بأربع وقيل بخمس (فلبث سنتين أو قريبًا من ذلك) لم يدخل على أحد من النساء ثم دخل على سودة بنت زمعة قبل أن يهاجر وقبل أن يعقد على عائشة -رضي الله عنها- كما قاله قتادة وغيره ولم يذكر ابن قتيبة غيره وقيل بعد عائشة (ونكح عائشة) أي عقد عليها في شوّال (وهي بنت ست سنين ثم بنى بها) في شوال بعد أن هاجر (وهي بنت تسع سنين) ومكثت عنده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تسعًا، وتوفي وهي بنت ثمان عشرة، وثبت قوله سنين بعد ست لأبي ذر عن الكشميهني وسقطت بعد تسع لأبي ذر. وهذا الحديث مرسل لأن عروة لم يحضر القصة لكن الأقرب أنه تحمله عن عائشة -رضي الله عنها- لكثرة علمه بأحوالها. 45 - باب هِجْرَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ». وَقَالَ أَبُو مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ». (باب هجرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بإذن الله عز وجل له في ذلك بقوله تعالى: {وقل رب أدخلني مدخل صدق} [الإسراء: 80] بعد بيعة العقبة بشهرين وبضعة عشر يومًا (وأصحابه) أبي بكر وعامر بن فهيرة وصاحبين له من مكة (إلى المدينة) وكان قد هاجر بين العقبتين جماعة ابن أم مكتوم وغيره وسقط باب لأبي ذر. (وقال عبد الله بن زيد) مما وصله في غزوة حنين (وأبو هريرة) مما سبق موصولاً فى مناقب الأنصار (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار) قاله جوابًا لقولهم أنه أحب الإقامة بموطنه بمكة أي لولا الهجرة لكنت أنصاريًا صرفًا، فلم يمنعني مانع من المقام بمكة لكنني اتصفت بصفة الهجرة والمهاجر لا يقيم بالبلد التي هاجر منها مستوطنًا فلتطمئن قلوبكم بعدم التحول عنكم. (وقال أبو موسى) عبد الله بن قيس (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي) بفتح الواو والهاء ظني (إلى أنها اليمامة) مدينة من اليمن على مرحلتين من الطائف (أو هجر) بفتح الهاء والجيم بلد معروف من البحرين وهي مساكن عبد القيس أو هي قرية بقرب المدينة وصوب في الفتح الأول ولأبي ذر أو الهجر بأداة التعريف (فإذا هي المدينة يثرب) بالمثلثة وهذا وصله في الصلاة. 3897 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ: "عُدْنَا خَبَّابًا فَقَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ نَمِرَةً، فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئًا مِنْ إِذْخِرٍ. وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدِبُهَا". وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: سمعت أبا وائل) بالهمز شقيق بن سلمة حال كونه (يقول: عدنا خبابًا) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى ابن الأرتّ بالفوقية المشددة في مرض (فقال: هاجرنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي إلى المدينة بإذنه وإلاّ فلم يصحبه عليه الصلاة والسلام غير أبي بكر وعامر بن فهيرة حال كوننا (نريد وجه الله) لا الدنيا (فوقع أجرنا على الله) فضلاً منه تعالى (فمنا من مضى) مات (لم يأخذ من أجره) من الغنائم التي أخذها من أدرك زمن الفتوح (شيئًا) بل ادخر الله تعالى له أجره موفرًا في الآخرة (منهم مصعب بن عمير) بضم العين مصغرًا ابن هاشم بن عبد مناف (قتل يوم أُحُد) قتله ابن قميئة (وترك نمرة) كساء مخططًا (فكنا) لما كفناه (إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطينا) بها (رجليه بدا) بغير همزة (رأسه فأمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نغطي رأسه) بطرفها (ونجعل على رجليه شيئًا من إذخر) بذال وخاء معجمتين حشيش مكة ذي الريح الطيب (ومنا من أينعت له ثمرته) نضجت وطابت (فهو يهدبها) بكسر الدال المهملة مصححًا عليها في الفرع وأصله ويجوز الضم والفتح أي يجتنيها.

وهذا الحديث مرّ في باب إذا لم يجد كفنًا إلا ما يواري به رأسه من كتاب الجنائز. 3898 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - هُوَ ابْنُ زَيْدٍ - عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد هو ابن زيد) أي ابن درهم وسقط لفظ هو لأبي ذر (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن محمد بن إبراهيم) بن الحرث التيمي (عن علقمة بن وقاص) الليثي أنه (قال: سمعت عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراه) بضم الهمزة أي أظنه كذا في هامش اليونينية مخرجًا له بعد قوله -رضي الله عنه- بعطفة بالحمرة خفية وزاد في الفرع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول): (الأعمال بالنية) بالإفراد على الأصل لاتحاد محلها الذي هو القلب وحذف وإنما والجمع المحلى بأل يفيد الاستغراق وهو مستلزم للحصر المثبت للحكم المذكور ونفيه عن غيره فلا عمل إلاّ بنية (فمن كانت هجرته إلى دنيا) بغير تنوين (يصيبها أو) إلى (امرأة يتزوجها) نيّة وقصدًا (فهجرته إلى ما هاجر إليه) من الدنيا والمرأة حكمًا وشرعًا أو هجرته إليهما قبيحة غير صحيحة أو غير مقبولة فلا نصيب له في الآخرة، والذي دعاهم لهذا التقدير اتحاد الشرط والجزاء ولا بد من تغايرهما. وأجاب بعضهم: بأنه إذا اتحد مثل ذلك يكون المراد به المبالغة في التحقير كهذه أو التعظيم كقوله: (ومن كانت هجرته إلى) طاعة (الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية لأبي ذر وأعاد المجرور ظاهرًا لا مضمرًا إذ لم يقل فهجرته إليهما لقصد الاستلذاذ بذكر الله ورسوله بخلاف الدنيا والمرأة فإن إبهامهما أولى. وقد اشتهر أن سبب هذا الحديث قصة مهاجر أم قيس وأنه خطبها فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر فهاجر فتزوجها فكان يسمى مهاجر أم قيس. رواه الطبراني في معجمه الكبير بإسناد رجاله ثقات. ومباحث الحديث سبقت أول الكتاب والله المستعان. 3899 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ الْمَكِّيِّ "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانَ يَقُولُ: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ". [الحديث 3899 - أطرافه في: 4309، 4310، 4311]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق بن يزيد) من الزيادة هو إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الأموي مولاهم الفراديسي (الدمشقي) قال: (حدّثنا يحيى بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي أبو عبد الرحمن قاضي دمشق (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو عمرو) عبد الرحمن (الأوزاعي عن عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة (ابن أبي لبابة) بضم اللام وفتح الموحدتين بينهما ألف مخففًا الأسدي الكوفي سكن الشام (عن مجاهد بن جبر المكي أن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- كان يقول: لا هجرة بعد الفتح). 3900 - قَالَ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ: وَحَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: زُرْتُ عَائِشَةَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ، فَسَأَلْنَاهَا عَنِ الْهِجْرَةِ فَقَالَتْ: لاَ هِجْرَةَ الْيَوْمَ، كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَفِرُّ أَحَدُهُمْ بِدِينِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ الإِسْلاَمَ، وَالْيَوْمَ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شَاءَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ". (وحدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: قال يحيى بن حمزة وحدّثني (الأوزاعي) عبد الرحمن (عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة أنه (قال: زرت عائشة) -رضي الله عنها- وكانت مجاورة في جبل ثبير إذ ذاك (مع عبيد بن عمير الليثي) بالمثلثة (فسألناها) ولأبي ذر: وسألتها (عن الهجرة فقالت: لا هجرة اليوم) أي بعد الفتح (كان المؤمنون) قبل الفتح (يفر أحدهم) من مكة (بدينه إلى الله تعالى وإلى رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى المدينة وسقطت التصلية لأبي ذر (مخافة أن يفتن عليه) أي على دينه فكانت واجبة لذلك ولتعلم الشرائع والأحكام وقتال الكفار (فأما اليوم) بعد الفتح (فقد أظهر الله الإسلام) وفشت الشرائع والأحكام (واليوم) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني والمؤمن بدل قوله واليوم (يعبد ربه حيث شاء) فالحكم يدور مع علته. قال الماوردي: إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام فالإقامة فيها أفضل من الرحلة لما يترجى من دخول غيره في الإسلام (ولكن جهاد) في الكفار (ونية) أي وثواب نيّة في الجهاد أو الهجرة نعم ما دام في الدنيا دار كفر فالهجرة منها واجبة على من أسلم وخاف أن يفتن فى دينه. 3901 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ هِشَامٌ: فَأَخْبَرَنِي أَبِي "عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ سَعْدًا قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَىَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ". وَقَالَ أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ: "مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا نَبِيَّكَ وَأَخْرَجُوهُ مِنْ قُرَيْشٍ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (زكريا بن يحيى) البلخي قال: (حدّثنا ابن نمير) عبد الله الهمداني (قال هشام: فأخبرني) بالإفراد (أبي) عروة (عن عائشة -رضي الله عنها- أن سعدًا) بسكون العين ابن معاذ الأنصاري (قال): في قريش يوم بني قريظة وكان قد أصيب يوم الخندق في الأكحل (اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك -صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (وأخرجوه) من مكة (اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم). (وقال أبان بن يزيد) العطار (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة أنه قال: (أخبرتني) بالإفراد (عائشة) -رضي الله عنها- بالحديث المذكور وقال فيه: (من قوم كذبوا نبيك وأخرجوه) كابن نمير. وزاد (من قريش) فأفصح بتعيين القوم وقريش هم المخرجون له عليه الصلاة والسلام لا بنو قريظة. وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في المقدمة: رواية أبان بن يزيد عن هشام لم أقف على من وصلها. 3902 - حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا رَوْحٌ بن عُبادةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَمَكُثَ بِمَكَّةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً يُوحَى إِلَيْهِ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عَشْرَ سِنِينَ، وَمَاتَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولغير أبي ذر حدّثنا بالجمع (مطر بن الفضل) المروزي قال: (حدّثنا روح بن عبادة) بضم العين وتخفيف الموحدة وثبت ابن عبادة لأبي ذر قال: (حدّثنا هشام) أي ابن حسان القهدوسي بضم القاف وسكون الهاء آخره سين مهملة قال: (حدّثنا عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الموحدة وكسر العين (لأربعين سنة فمكث) بضم الكاف (بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه) فيها منها مدة فترة الوحي ومدة الرؤيا الصالحة (ثم أمر بالهجرة) من مكة إلى المدينة (فهاجر عشر سنين ومات) بها (وهو ابن ثلاث وستين) سنة. وثبت قوله سنة بعد قوله ثلاث عشرة للحموي والكشميهني. 3903 - حَدَّثَنِي مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ؛ وَتُوُفِّيَ وَهْوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (مطر بن الفضل) سقط ابن الفضل لأبي ذر قال: (حدّثنا روح بن عبادة) وسقط لأبي ذر أيضًا ابن عبادة قال: (حدّثنا زكريا بن إسحاق) المكي ثقة لكنه رمي بالقدر قال: (حدّثنا عمرو بن دينار عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال مكث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة ثلاث عشرة) سنة من مجيء جبريل له بالوحي (وتوفي) بالمدينة (وهو ابن ثلاث وستين) سنة. 3904 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عبد اللَّهِ عَنْ عُبَيْدٍ -يَعْنِي ابْنَ حُنَيْنٍ- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: إِنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ. فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. فَعَجِبْنَا لَهُ. وَقَالَ النَّاسُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ، يُخْبِرُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ عَبْدٍ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، وَهْوَ يَقُولُ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ الْمُخَيَّرَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمَنَا بِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَىَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، إِلاَّ خُلَّةَ الإِسْلاَمِ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلاَّ خَوْخَةُ أَبِي بَكْرٍ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي النضر) بالضاد المعجمة اسلم بن أبي أمية (مولى عمر بن عبيد الله) بضم العين التيمي المدني (عن عبيد) بالتصغير من غير إضافة (يعني ابن حنين) بضم الحاء المهملة وفتح النون مولى زيد بن الخطاب وسقط لفظ يعني لأبي ذر (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جلس على المنبر فقال): (إن عبدًا خيَّره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده) في الآخرة (فاختار ما عنده) (فبكى أبو بكر وقال: فديناك) يا رسول الله (بآبائنا وأمهاتنا) قال أبو سعيد: (فعجبنا له وقال الناس): متعجبين من تفديته لأنهم لم يفهموا المناسبة بين الكلامين (انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو المخير) بفتح التحتية المشدّدة والنصب خبر كان ولفظ هو ضمير فصل، ولأبي ذر هو المخير بالرفع على أنه خبر المبتدأ الذي هو هو والجملة في موضع نصب خبر كان (وكان أبو بكر هو أعلمنا به). (وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن من أمن الناس عليّ) بتشديد الياء (في صحبته وماله أبا بكر) بفتح الهمزة والميم وتشديد النون أي من أبذلهم وأسمحهم من منّ عليه منا لا من منّ منة إذ ليس لأحد أن يمتن على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو وارد مورد الإحماد، وإذا حمل على معنى الامتنان عاد ذمًا على صاحبه، لأن المنة تهدم الصنيعة، وأبا بكر بالنصب على ما لا يخفى (ولو كنت متخذًا خليلاً من أمتي) أرجع إليه في المهمات وأعتمد عليه في الحاجات (لاتخذت أبا بكر) خليلاً ولكن ملجئي واعتمادي في جميع الأحوال إلى الله تعالى (إلا) بالتشديد (خلة الإسلام) استدراك عن مضمون الجملة الشرطية وفحواها كأنه قال: ليس بيني وبينه خلة ولكن أخوة الإسلام نفى الخلة المنبئة عن الحاجة وأثبت الإخاء المقتضي للمساواة (لا يبقين) بفتح التحتية وسكون الموحدة وفتح القاف والتحتية وتشديد النون (في المسجد خوخة) بمعجمتين

مفتوحتين بينهما واو ساكنة باب صغير وكانوا قد فتحوا أبوابًا في ديارهم إلى المسجد فأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسدها كلها (إلا خوخة أبي بكر) تكريمًا له وتنبيهًا على أنه الخليفة بعده، أو المراد المجاز فهو كناية عن الخلافة وسد أبواب المقالة دون التطرق، ورجحه الطيبي محتجًّا بأنه لم يصح عنده أن أبا بكر -رضي الله عنه- كان له بيت بجنب المسجد وإنما كان منزله بالسنح من عوالي المدينة. وهذا الحديث مرّ في كتاب الصلاة وغيره. 3905 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: "لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَرَفَىِ النَّهَارِ: بُكْرَةً وَعَشِيَّةً. فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونُ، خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَتَّى بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ -وَهْوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ- فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي. قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ وَلاَ يُخْرَجُ، إِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. فَأَنَا لَكَ جَارٌ. ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ. فَرَجَعَ، وَارْتَحَلَ مَعَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلاَ يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلاً يَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ؟ فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَقَالُوا لاِبْنِ الدَّغِنَةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ؛ وَلاَ يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلاَ يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا. فَقَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلاَ يَسْتَعْلِنُ بِصَلاَتِهِ وَلاَ يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ. ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَتْقَذَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً لاَ يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ؛ فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ فَأَعْلَنَ بِالصَّلاَةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا، فَانْهَهُ؛ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلاَّ أَنْ يُعْلِنَ بِذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ، وَلَسْنَا بمُقِرِّينَ لأَبِي بَكْرٍ الاِسْتِعْلاَنَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَىَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لاَ أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْمُسْلِمِينَ: إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ، وَهُمَا الْحَرَّتَانِ. فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، وَرَجَعَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَلَى رِسْلِكَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ -وَهْوَ الْخَبَطُ- أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَقَنِّعًا -فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَمْرٌ. قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي بَكْرٍ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نَعَمْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَىَّ هَاتَيْنِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بِالثَّمَنِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجَهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مَنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقِ. قَالَتْ: ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهْوَ غُلاَمٌ شَابٌّ ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيُدْلِجُ مِنْ عِنْدِهِمَا بِسَحَرٍ، فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا يُكْتَادَانِ بِهِ إِلاَّ وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ يَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ -وَهْوَ لَبَنُ مِنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا- حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاَثِ. وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ، وَهْوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا -وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ- قَدْ غَمَسَ حِلْفًا فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، وَهْوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي ونسبه لجده (قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد أنه قال: (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (فأخبرني) بالتوحيد (عروة بن الزبير -رضي الله عنه- أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنها (قالت: لم أعقل أبوي) بكسر القاف وتشديد ياء أبوي أي أبا بكر وأم رومان (قط إلاّ وهما يدينان الدين) بكسر الدال أي دين الإسلام (ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون) بأذى الكفار من قريش بحصرهم بني هاشم والمطلب في شعب أبي طالب وأذن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة (خرج أبو بكر) -رضي الله عنه- حال كونه (مهاجرًا نحو أرض الحبشة) ليلحق من سبقه من المسلمين ممن هاجر إليها (حتى بلغ) ولأبي ذر: حتى إذا بلغ (برك الغماد) بفتح الموحدة وسكون الراء بعدها كاف. والغماد بكسر الغين المعجمة وتخفيف الميم وبعد الألف دال مهملة موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن، ولأبي ذر برك بكسر الموحدة (لقيه ابن الدغنة) بفتح الدال المهملة وكسر الغين المعجمة وتخفيف النون. وقال الأصيلي: قرأه لنا المروزي بفتح الغين ولأبي ذر في اليونينية بضم الدال، وله أيضًا فيها ابن الدغنة بضم الدال والغين وتشديد النون ونسبت هذه لكن بزيادة أداة التعريف لأهل اللغة والأولى للرواة وهو اسم أمه، واسمه الحرث بن يزيد كما عند البلاذري من طريق الواقدي عن معمر عن الزهري وليس هو ربيعة بن رفيع، ووهم الكرماني قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله. (وهو سيد القارة) بالقاف وتخفيف الراء قبيلة مشهورة من بني الهون بالضم والتخفيف ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر (فقال) له: (أين تريد يا أبا بكر؟ فقال) له (أبو بكر أخرجني قومي) أي تسببوا في إخراجي قريش (فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي) بهمزة مفتوحة فسين مكسورة وحاء مهملتين بينهما تحتية ساكنة ولم يذكر له وجه مقصده لأنه كان كافرًا (فقال) له: (ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج) بفتح أوله وضم ثالثه من الخزرج (ولا يخرج) بضم ثم فتح من ا

أي لم ترد عليه قوله في جوار أبي بكر -رضي الله عنه- فأطلق التكذيب وأراد لازمه لأن كل من كذبك فقد ردّ قولك (وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد) عطف على محذوف تقديره: مر أبا بكر لا يتعرض إلى شيء وليعبد من جاء له فليعبد (ربه في داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك) الذي يقرأه ويتعبد به (ولا يستعلن به) بل يخفيه (فإنا نخشى أن يفتن) بكسر التاء بذلك (نساءنا وأبناءنا فقال ذلك) القول الذي قالوه (ابن الدغنة لأبي بكر فلبث أبو بكر بذلك) أي مكث على ما شرطوا عليه (يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ولم يقع لي قدر زمان المدة التي أقام فيها أبو بكر -رضي الله عنه- على ذلك (ثم بدا لأبي بكر) -رضي الله عنه- أي ظهر له رأي غير الرأي الأول (فابتنى مسجدًا بفناء داره) بكسر الفاء والمد أي أمامها (وكان يصل فيه ويقرأ القرآن) كله أو بعضه (فيتقذف) بتحتية مفتوحة فنون ساكنة فقاف مفتوحة فذال معجمة مكسورة بعدها فاء كذا للمروزي والمستملي وعند غيرهما من شيوخ أبي ذر فيتقذف بالتاء الفوقية بدل النون وتشديد المعجمة المفتوحة بوزن يتفعل أي يتدافعون على أبي بكر -رضي الله عنه- فيقذف بعضهم بعضًا فيتساقطون عليه، ويروى فيتقصف بالصاد المهملة أي يزدحمون عليه حتى يسقط بعضهم على بعض فيكاد ينكسر. قال الخطابي: وهو المحفوظ، وللكشميهني كما في الفتح وعزاها في اليونينية للجرجاني فيتقصف بنون ساكنة بدل الفوقية وكسر الصاد أي يسقط (عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رجلاً بكاء) بتشديد الكاف كثير البكاء - رضي الله تعالى عنه - (لا يملك عينيه) من رقة قلبه (إذا قرأ القرآن) إذا ظرفية والعامل فيه لا يملك أو شرطية والجزاء مقدر أي إذا قرأ القرآن لا يملك عينيه (فأفزع ذلك) أي أخاف ما فعله أبو بكر من صلاته وقراءته (أشراف قريش من المشركين) على نسائهم وأبنائهم أن يميلوا إلى الإسلام لما يعلمون من رقة قلوبهم (فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم) أي على أشراف قريش من المشركين، ولأبي ذر عن الكشميهني: فقدم عليه أي على أبي بكر -رضي الله عنه- (فقالوا): أي كفار قريش (إنا كنا أجرنا) بهمزة مقصورة فجيم فراء مهملة (أبا بكر بجوارك) أي بسبب جوارك، وللقابسي أجزنا بالزاي أي أبحنا. قال في الفتح: والأول أوجه (على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدًا بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا) بفتح التحتية وكسر الفوقية ونصب التالي على المفعولية ولغير أبي ذر: يفتن بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول فالتالي رفع (فاتهمه) بهمزة وصل عن ذلك (فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى) امتنع (إلا أن يعلن بذلك فسله) بفتح السين وسكون اللام من غير همز (أن يرد إليك ذمتك) أي أمانك له (فإنا قد كرهنا أن نخفرك) بضم النون وسكون الخاء المعجمة وكسر الفاء رباعي من الإخفار أي ننقض عهدك (ولسنا مقرين) ولأبي ذر بمقرين (لأبي بكر الاستعلان) خوفًا على نسائنا وأبنائنا. (قالت عائشة): -رضي الله عنها- بالسند السابق (فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر) -رضي الله عنه- (فقال) له: (قد علمت الذي عاقدت لك عليه) بتاء المتكلم (فإما أن تقتصر على ذلك) الذي عاقدت لك عليه (وإما أن ترجع إليّ) بتشديد الياء (ذمتي) عهدي (فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت) بضم أوله وكسر ثالثه (في رجل عقدت له فقال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله عز وجل) أي بحمايته (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومئذ بمكة) جملة حالية (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمسلمين): (إني أريت) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول (دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين) تثنية لابة بتخفيف الموحدة قال الزهري: (وهما الحرتان) بالحاء المهملة وتشديد الراء حجارة سود (فهاجر من هاجر قبل المدينة)

بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها (ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها (ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة) لما سمعوا استيطان المسلمين بها (وتجهز أبو بكر) -رضي الله عنه- (قبل المدينة) أي يريد جهة المدينة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على رسلك) بكسر الراء وسكون السين المهملة على مهلك ولابن حبان فقال: اصبر (فإني أرجو أن يؤذن لي) في الهجرة (فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك؟) أي الإذن (بأبي أنت) زاد الكشميهني وأمي (قال) عليه الصلاة والسلام (نعم) أرجوه (فحبس) أي منع (أبو بكر نفسه) من الهجرة (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لأجله (ليصحبه) في الهجرة (وعلف) أبو بكر -رضي الله عنه- (راحلتين) تثنية راحلة من الإبل القوي على السير وحمل الأثقال (كانتا عنده ورق السمر) بفتح السين المهملة وضم الميم. قال الزهري (وهو الخبط) بفتح الخاء المعجمة والموحدة ما يخبط بالعصا فيسقط من ورق الشجر (أربعة أشهر). (قال ابن شهاب) الزهرى بالسند السابق (قال عروة) بن الزبير (قالت عائشة) -رضي الله عنها- (فبينما) بالميم (نحن يومًا جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة) أول الزوال عند شدة الحر (قال قائل): قال في المقدمة: يحتمل أن يفسر بعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وفي الطبراني أن قائل ذلك أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- (لأبي بكر هذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (متقنعًا) أي مغطيًا رأسه (في ساعة لم يكن يأتينا فيها. فقال أبو بكر: فداء) بكسر الفاء وبالهمزة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فدى بالقصر من غير همز (له أبي وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر) حدث (قالت) عائشة -رضي الله عنها-: (فجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستأذن) في الدخول (فأذن له) أبو بكر -رضي الله عنه- (فدخل فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي بكر): (أخرج من عندك) بهمزة قطع مفتوحة وكسر الراء (فقال أبو بكر: إنما هم أهلك) يريد عائشة وأمها (بأبي أنت يا رسول الله. قال) عليه الصلاة والسلام (فإني) ولأبي ذر عن الكشميهني: فإنه (قد أذن لي في الخروج) بضم الهمزة وكسر الذال المعجمة أي إلى المدينة (فقال أبو بكر): أريد (الصحابة) وبالرفع خبر مبتدأ محذوف (بأبي أنت يا رسول الله. قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نعم) الصحبة التي تطلبها (قال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين. قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بالثمن) أي لا آخذ إلا بالثمن، وعند الواقدي أن الثمن كان ثمانمائة وأن الراحلة هي القصواء وأنها كانت من بني قشير، وعند ابن إسحاق أنها الجدعاء (قالت عائشة) -رضي الله عنها- (فجهزناهما أحث الجهاز) بالحاء المهملة والمثلثة أفعل تفضيل من الحث أي أسرعه، ولأبي ذر عن الكشميهني والحموي أحب بالموحدة والجهاز بفتح الجيم وكسرها ما يحتاج إليه في السفر ونحوه (وصنعنا لهما سفرة) أي زادًا (في جراب) بكسر الجيم، وعن الواقدي أنه كان في السفر شاة مطبوخة (فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها) بكسر النون ما يشد به الوسط (فربطت به على فم الجراب فبذلك سميت ذات النطاق) بالإفراد، ولأبي ذر عن الكشميهني النطاقين بالتثنية والمحفوظ أنها شقت نطاقها نصفين فشدت بأحدهما الزاد وشدت فم القربة بالآخر فسميت ذات النطاقين. (قالت) عائشة -رضي الله عنها-: (ثم لحق) بكسر الحاء (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر بغار) بالتنوين (في جبل ثور) بالمثلثة المفتوحة وكان خروجهما من مكة يوم الخميس (فكمنا) بفتحات (فيه ثلاث ليال) وخرجا منه يوم الاثنين (يبيت) في الغار (عندهما عبد الله بن أبي بكر) الصديق -رضي الله عنهما- (وهو غلام شاب ثقف) بفتح المثلثة وكسر القاف وتسكن وتفتح بعدها فاء حاذق (لقن) بلام مفتوحة وبقاف مكسورة فنون سريع الفهم (فيدلج) بضم الياء وسكون الدال؛ ولأبي ذر فيدلج بتشديد الدال يخرج (من عندهما بسحر فيصبح مع قريش

بمكة كبائت) بها لشدة رجوعه بغلس (فلا يسمع أمرًا يكتادان به) بضم التحتية وفوقية بعد الكاف يفتعلان من الكيد مبني للمفعول أي يطلب لهما ما فيه المكروه، ولأبي ذر عن الكشميهني يكادان بحذف الفوقية (إلا وعاه) حفظه (حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى) أي يحفظ (عليهما عامر بن فهيرة) بضم الفاء مصغرًا (مولى أبي بكر) الصديق -رضي الله عنه- (منحة) بكسر الميم وسكون النون وفتح المهملة شاة تحلب إناء بالغداة وإناء بالعشي (من غنم) كانت لأبي بكر -رضي الله عنه- (فيريحها) أي الشاة أو الغنم (عليهما حين تذهب ساعة من العشاء) كل ليلة فيحلبان ويشربان (فيبيتان في رسل) بكسر الراء وسكون المهملة (وهو لبن منحتهما) الطري (ورضيفهما) بفتح الراء وكسر الضاد المعجمة بعدها تحتية ساكنة ففاء مكسورة مجرور عطفًا على المضاف إليه ومرفوع عطفًا على قوله: وهو لبن وهو الموضوع فيه الحجارة المحماة لتذهب وخامته وثقله (حتى ينعق بها) بفتح أوله وكسر ثالثه المهمل أي يصيح بالغنم ويزجرها، ولأبي ذر: بهما بالتثنية أي يسمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والصدّيق -رضي الله عنه- صوته إذا زجر غنمه (عامر بن فهيرة بغلس) هو ظلام آخر الليل وسقط ابن فهيرة لأبي ذر. (يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث) التي أقامها فيها بالغار، وعند ابن عائذ من حديث ابن عباس فيصبح في رعيان الناس كبائت فلا يفطن له. (واستأجر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر رجلاً) هو عبد الله بن أريقط بالقاف والطاء مصغرًا (من بني الديل) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية بعدها لام (وهو) أي الرجل الذي استؤجر (من بني عبد بن عدي) أي ابن الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وقيل من بني عدي بن عمرو (هاديًا) يهديهما إلى الطريق (خريتًا) بكسر الخاء المعجمة والراء المشددة بعدها تحتية ساكنة ففوقية ونصبهما صفة لرجلاً. قال الزهري: (والخريت) هو (الماهر بالهداية) حال كونه أي الرجل الذي استؤجر (قد غمس) بغين معجمة فميم فسين مهملة مفتوحات (حلفًا) بكسر الحاء المهملة وبعد اللام الساكنة فاء (في آل العاص بن وائل السهمي) بفتح السين المهملة وسكون الهاء يعني أنه حليف لهم وآخذ بنصيب من عقدهم، وكانوا إذا تحالفوا غمسوا أيديهم في دم أو خلوق أو شيء يكون فيه تلوين فيكون ذلك تأكيدًا للحلف (وهو) أي الرجل الذي استأجراه (على دين كفار قريش فأمناه) بفتح الهمزة المقصورة وكسر الميم أي ائتمناه (فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال) فأتاهما (براحلتيهما صبح ثلاث وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل) عبد الله بن أريقط (فأخد بهم طريق السواحل) بالسين والحاء المهملتين بينهما واو فألف أسفل من عسفان. 3906 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ -وَهْوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ- أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ: "جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لمنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ، إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ. قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلاَنًا وَفُلاَنًا انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا. ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي -وَهْيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ- فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ، حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تُقَرَّبُ بِي، حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلاَمَ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا: أَضُرُّهُمْ أَمْ لاَ؟ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي -وَعَصَيْتُ الأَزْلاَمَ- تُقَرِّبُ بِي، حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ لاَ يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الاِلْتِفَاتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ. فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا، فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلاَمِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ. فَنَادَيْتُهُمْ بِالأَمَانِ، فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتُهُمْ. وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ. وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمِ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي، وَلَمْ يَسْأَلاَنِي إِلاَّ أَنْ قَالَ: أَخْفِ عَنَّا. فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ آدمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَ الزُّبَيْرَ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تِجَارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّأْمِ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ. وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَكَّةَ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ، حَتَّى يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ، فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ، فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِهِمْ لأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ، فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعَاشِرَ الْعَرَبِ هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ. فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلاَحِ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الأَنْصَارِ -مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ، حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ ذَلِكَ؛ فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَأُسِّسَ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَسَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ، حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ، وَهْوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ غُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حَجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ: هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ. ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْغُلاَمَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا، فَقَالاَ: لاَ، بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُمَا هِبةً حتى ابتاعَهُ منهما، ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ وَيَقُولُ -وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ: هَذَا الْحِمَالُ لاَ حِمَالَ خَيْبَرْ ... هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَهْ ... فَارْحَمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا -فِي الأَحَادِيثِ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرِ هَذِهِ الأَبْيَاتِ. (وقال ابن شهاب) الزهري بالسند المذكور (وأخبرني) بالإفراد (عبد الرحمن بن مالك المدلجي) بضم الميم وسكون الدال وكسر اللام والجيم وتشديد التحتية (وهو ابن أخي سراقة بن مالك بن جعشم) بضم الجيم والشين المعجمة بينهما عين مهملة ساكنة، وسقط لأبي ذر ابن مالك كذا في الفرع كأصله، وقال في فتح الباري: وتبعه العيني قوله ابن أخي سراقة بن جعشم في رواية أبي ذر ابن أخي سراقة بن مالك بن جعشم (أن أباه) مالكًا (أخبره أنه سمع سراقة بن جعشم) نسبه لجده (يقول: جاءنا رسول) بالإفراد في رسول فى الفرع وفي اليونينية رسل بضم الراء والسين بلفظ الجمع (كفار قريش يجعلون في رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) في (أبي بكر دية) أي مائة ناقة (كل واحد منهما من قتله) ولأبي ذر: لمن قتله (أو أسره فبينما) بالميم (أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: إذ أقبل (رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال: يا سراقة إني قد رأيت آنفًا) بمدّ الهمزة وكسر النون

إنهم ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانًا وفلانًا) لم أعرف اسمهما (انطلقوا) بفتح اللام (بأعيننا) أي في نظرنا معاينة يبتغون ضالة لهم (ثم لبثت في المجلس ساعة ثم قمت فدخلت) منزلي (فأمرت جاريتي) لم يعرف ابن حجر اسمها (أن تخرج بفرسي) وزاد موسى بن عقبة ثم أخذت قداحي بكسر القاف أي الأزلام فاستقسمت بها فخرج الذي أكره لا تضره وكنت أرجو أن أرده وآخذ المائة ناقة (وهي من وراء أكمة) رابية مرتفعة (فتحبسها عليّ) بتشديد التحتية (وأخدت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت) بالمهملات (بزجه الأرض) بضم الزاي والجيم المشددة المكسورة الحديد الذي في أسفل الرمح أي أمكنت أسفله، ولأبي ذر عن الكشميهني: فخططت بالخاء المعجمة أي خفضت أعلاه وجررت بزجه على الأرض فخطها به من غير قصد لخطها لكي لا يظهر الرمح وإن أمسك زجه ونصبه (وخفضت عاليه) لئلا يظهر بريقه لمن بعد منه فينذر به وينكشف أمره لأنه كره أن يتبعه أحد فيشركه في الجعالة (حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها) بالراه ولأبي ذر فرفعتها بتشديد الفاء أسرعت بها السير (تقرب) بتشديد الراء مفتوحة أو مكسورة (بي) فرسي ضرب من الإسراع. قال الأصمعي: والتقريب أن ترفع يديها معًا وتضعهما معًا (حتى دنوت منهم فعثرت) بالفاء والمثلثة، ولأبي ذر: وعثرت (بي فرسي فخررت) بالخاء المعجمة سقطت (عنها) عن فرسي (فقمت فأهويت يدي) أي بسطتها (إلى كنانتي) كيس السهام (فاستخرجت منها الأزلام) جمع زلم بفتح الزاي واللام أقلام كانوا يكتبون على بعضها نعم وعلى بعضها لا، وكانوا إذا أرادوا أمرًا استقسموا بها فإذا خرج السهم الذي عليه نعم خرجوا، وإذا خرج الآخر لم يخرجوا ومعنى الاستقسام معرفة قسم الخير والشر (فاستقسمت) بالفاء، ولأبي ذر: واستقسمت بالواو (بها أضرهم أم لا) طلبت معرفة النفع والضرّ بالأزلام أي التفاؤل (فخرج الذي أكره) لا تضرهم (فركبت فرسي وعصيت الأزلام) الواو للحال أي فلم ألتفت إلى ما خرج من الذي أكره (تقرب بي) فرسي (حتى إذا سمعت قراءة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو لا يلتفت وأبو بكر) -رضي الله عنه- (يكثر الالتفات ساخت) بالسين المهملة والخاء المعجمة أي غاصت (يدا فرسي في الأرض). زاد الطبراني عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- لمنخريها (حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها) على القيام (فنهضت فلم تكد تخرج يديها) بضم أوله من أخرج من الأرض (فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان) بالعين المهملة المضمومة فمثلثة مفتوحة وبعد الألف نون دخان من غير نار وهو مبتدأ خبره قوله لأثر يديها مقدمًا، ولأبي ذر عن الكشميهني: غبار بالمعجمة والموحدة آخره راء (ساطع) منتشر (في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره) لا تضرهم (فناديتهم بالأمان) وعند ابن إسحاق: فناديت القوم أنا سراقة بن مالك بن جعشم انظروني أكلمكم فوالله لا يأتيكم مني شيء تكرهونه (فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت له إن قومك) قريشًا (قد جعلوا فيك الدّية) يدفعونها لمن يقتلك أو يأسرك (وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس) قريش (بهم) من الحرص على الظفر بهم وغير ذلك (وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني) لم ينقصاني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر شيئًا (ولم يسألاني) شيئًا مما معي (إلا أن قال): لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أخف عنا) بفتح الهمزة وسكون المعجمة بعدها فاء أمر من الإخفاء. قال سراقة: (فسألته) عليه الصلاة والسلام (أن يكتب لي كتاب أمن) بسكون الميم (فأمر) عليه الصلاة والسلام (عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم) بكسر الدال المهملة بعدها تحتية وفي نسخة من أدم بفتح الدال وحذف التحتية جلد مدبوغ زاد ابن إسحاق فأخذته فجعلته في كنانتي ثم رجعت (ثم مضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ومن معه إلى

جهة مقصده. (قال ابن شهاب) الزهري بالسند السابق (فأخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقي الزبير في ركب المسلمين كانوا تجارًا) بكسر التاء وتخفيف الجيم حال كونهم (قافلين) راجعين (من الشام فكسا الزبير رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبا بكر ثياب بياض) وقول الدمياطي: إن الذي كسا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبا بكر إنما هو طلحة بن عبيد الله وكان جائيًا من الشام في عير متمسكًا في ذلك بأن أهل السير لم يذكروا أن الزبير لقي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في طريق الهجرة وإنما هو طلحة بن عبيد الله ليس فيه دلالة على ذلك فالأولى الجمع بينهما وإلا فما في الصحيح أصح لا سيما والرواية التي فيها طلحة من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة والتي في الصحيح من طريق عقيل عن الزهري عن عروة، وعند ابن أبي شيبة من طريق هشام بن عروة عن أبيه نحو رواية أبي الأسود فتعين تصحيح القولين وحينئذٍ فيكون كل من الزبير وطلحة كساهما. (وسمع المسلمون بالمدينة مخرج) ولأبي ذر بمخرج (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مكة فكانوا يغدون) بسكون الغين المعجمة يخرجون (كل غداة إلى الحرة) بالحاء المهملة المفتوحة وتشديد الراء (فينتظرونه حتى يردهم حرّ الظهيرة فانقلبوا) رجعوا (يومًا بعد ما أطالوا انتظارهم) له عليه الصلاة والسلام (فلما أووا إلى بيوتهم أوفى) بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح الفاء أي طلع (رجل من يهود) لم يسم (على أطم) بضم الهمزة والطاء المهملة حصن (من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر) بفتح الموحدة وضم المهملة (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) حال كونهم (مبيضين) بفتح الموحدة والتحتية المشددة بعدها ضاد معجمة عليهم الثياب البيض. قال السفاقسي: ويحتمل أن يريد متعجلين قال ابن فارس: يقال بائض أي متعجل ويدل عليه قوله (يزول بهم السراب) المرئي في شدة الحر كأنه ماء حتى إذا جئته لم تجده شيئًا كما قال الله تعالى (فلم يملك اليهودي) نفسه (أن قال بأعلى صوته: يا معاشر العرب) بألف بعد العين، ولأبي ذر: يا معشر بحذف الألف وسكون العين (هذا جدّكم) بفتح الجيم وتشديد الدال المهملة أي حظكم وصاحب دولتكم (الذي تنتظرون) السعادة بمجيئه (فثار المسلمون) بالمثلثة (إلى السلاح فتلقوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بظهر الحرة) الأرض التي عليها الحجارة السود (فعدل بهم) بتخفيف الدال (ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف) بفتح العين وسكون الميم أي ابن مالك بن الأوس ومنازلهم بقباء (وذلك) وفي رواية وكان (يوم الاثنين من شهر ربيع الأول) أوّله أو لليلتين خلتا منه أو لاثنتي عشرة ليلة خلت منه أو لثلاث عشرة خلت منه (فقام أبو بكر للناس) يتلقاهم (وجلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صامتًا) ساكتًا (فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحيي أبا بكر) أي يسلم عليه يظنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى أصابت الشمس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأقبل أبو بكر) - رضي الله تعالى عنه - (حتى ظلل عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بردائه فعرف الناس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند ذلك) وعند موسى بن عقبة فطفق من جاء من الأنصار ممن لم يكن رآه يحسبه أبا بكر -رضي الله عنه- حتى إذا أصابته الشمس أقبل أبو بكر -رضي الله عنه- بشيء يظله (فلبث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجد الذي أسس على التقوى) وهو مسجد قباء (وصلّى فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أيام مقامه بقباء (ثم ركب راحلته) من قباء يوم الجمعة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف (فسار يمشي معه الناس) ولأبي ذر عن الكشميهني: مع الناس (حتى بركت) راحلته (عند مسجد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة) وعند سعيد بن منصور حتى استناخت عند موضع المنبر من المسجد (وهو يصلّي فيه يومئذٍ رجال من المسلمين وكان) موضع المسجد (مربدًا) بكسر الميم وفتح

الموحدة بينهما واء ساكنة (للتمر) يجفف فيه (لسهيل) بالتصغير (وسهل) ابني رافع بن عمرو (غلامين يتيمين في حجر أسعد) بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم ولأبي ذر سعد (بن زرارة) وكان أسعد -رضي الله عنه- من السابقين إلى الإسلام من الأنصار وأما أخوه سعد فتأخر إسلامه (فقال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين بركت به راحلته): (هذا إن شاء الله المنزل) (ثم دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الغلامين فسامهما بالمربد ليتخذه مسجدًا فقالا: لا بل نهبه لك يا رسول الله فأبى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما) أي اشتراه، وثبت قوله فأبى إلى آخره في رواية أبي ذر (ثم بناه مسجدًا وطفق) بكسر الفاء (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينقل معهم اللبن) بفتح اللام وكسر الموحدة الطوب النيء (في بنيانه ويقول): وهو ينقل اللبن (هذا الحمال) بكسر الحاء المهملة وفتح الميم مخففة ولأبي ذر هذا الحمال بفتح الحاء المهملة أي هذا المحمول من اللبن أبر عند الله وأطهر عند الله (لا حمال) بكسر الحاء المهملة ولأبي ذر: لا حمال بفتحها (خيبر) الذي يحمل منها من التمر والزبيب ونحوهما الذي يغتبط به حاملوه. قال القاضي عياض -رحمه الله تعالى-: وقد رواه المستملي جمال بالجيم المفتوحة قال: وله وجه والأول أظهر (هذا أبر) أي أبقى ذخزًا عند الله عز وجل وأكثر ثوابًا وأدوم نفعًا يا (ربنا وأطهر) بالطاء المهملة أي أشد طهارة من حمال خيبر (ويقول): (اللهم إن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة) بكسر الجيم (فتمثل) عليه الصلاة والسلام (بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي) هو عبد الله بن رواحة. (قال: ابن شهاب) الزهري (ولم يبلغنا في الأحاديث أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تمثل ببيت شعر تام غير هذا البيت) ولأبي ذر غير هذه الأبيات أي السابقة قال في التنقيح: قد أنكر على الزهري ذلك من وجهين. أحدهما: أنه رجز وليس بشعر ولذا يقال لصاحبه راجز لا شاعر، وثانيهما: أنه ليس بموزون اهـ. وتعقبه في المصابيح بأن بين الوجهين تنافيًا لأن الأول يقتضي تسليم كون الكل موزونًا ضرورة أنه جعله رجزًا ولا بدّ فيه من وزن خاص سواء قلنا هو شعر أم لا والثاني مصرح بنفي الوزن ولقائل أن يمنع كون الرجز غير شعر وكون قائله غير شاعر وهو الصحيح عند العروضيين. سلمنا أن الرجز ليس شعرًا لكنا لا نسلم أن قوله: هذا الحمال لا حمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر من شعر الرجز، وإنما هو من مشطور السريع دخله الكسف والخبن، وأما قوله ليس بموزون فإنما يتم في قوله أن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة اهـ. والممنوع عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنشاء الشعر لا إنشاده. وهذا الحديث أخرجه في مواضع مختصرًا وبتمامه هنا فقط. 3907 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ وَفَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ -رضي الله عنها- "صَنَعْتُ سُفْرَةً لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ حِينَ أَرَادَا الْمَدِينَةَ، فَقُلْتُ لأَبِي: مَا أَجِدُ شَيْئًا أَرْبُطُهُ إِلاَّ نِطَاقِي، قَالَ: فَشُقِّيهِ. فَفَعَلْتُ، فَسُمِّيتُ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاس: "أسماءُ ذَاتَ النِّطَاق". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (عبد الله بن أبي شيبة) نسبه لجده واسم أبيه محمد قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (وفاطمة) بنت المنذر بن الزبير (عن أسماء) بنت أبي بكر (-رضي الله عنهما-) وعنه أنها (صنعت سفرة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر) أبيها (حين أراد المدينة) في الهجرة (فقلت لأبي) أبي بكر -رضي الله عنه- (ما أجد شيئًا أربطه) به بكسر الموحدة أي الظرف أو رأس السفرة نهو على تقدير حذف مضاف (إلاّ نطاقي) بكسر القاف وتخفيف التحتية (قال) أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - (فشقيه) باثنتين (ففعلت) ما أمرني به أبي من الشق (فسميت) بضم السين المهملة وكسر الميم المشددة (ذات النطاقين) وقد مرّ هذا الحديث في باب حمل الزاد في الغزو من كتاب الجهاد. (وقال: ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أسماء ذات النطاق) بالإفراد وهذا وصله في سورة براءة وهو ثابت هنا لأبي ذر. 3908 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا أَقْبَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَدِينَةِ تَبِعَهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَاخَتْ بِهِ فَرَسُهُ قَالَ: ادْعُ اللَّهَ لِي وَلاَ أَضُرُّكَ، فَدَعَا لَهُ، قَالَ فَعَطِشَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَرَّ بِرَاعٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَخَذْتُ قَدَحًا فَحَلَبْتُ فِيهِ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، فَأَتَيْتُهُ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة أبو بكر بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي أنه (قال: سمعت البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لما أقبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من

الغار (إلى المدينة تبعه سراقة بن مالك بن جعشم) بضم الجيم والمعجمة بينهما مهملة ساكنة الكناني أسلم بعد الطائف (فدعا عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فساخت) بالخاء المعجمة غاصت (به فرسه قال) للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ادع الله لي ولا أضرك) ولأبي ذر ولا أضرّ بك بزيادة حرف الجر قبل الكاف (فدعا له) عليه الصلاة والسلام (قال: فعطش رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمر براع قال): ولأبي ذر فقال: (أبو بكر) -رضي الله عنه- زاد في اللقطة فانطلقت فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه فقلت: لمن أنت؟ قال: لرجل من قريش فسماه فعرفته فقلت: هل في غنمك من لبن. فقال: نعم فأمرته فاعتقل شاة من غنمه ثم أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار (فأخدت قدحًا فحلبت فيه كثبة) بضم الكاف وسكون المثلثة قليلاً (من لبن فأتيته) عليه الصلاة والسلام (فشرب) منه (حتى رضيت). 3909 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَىْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ". تَابَعَهُ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ -رضي الله عنها- "أَنَّهَا هَاجَرَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْيَ حُبْلَى". [الحديث 3909 - طرفه في: 5469]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (زكريا بن يحيى) بن صالح اللؤلؤي البلخي الحافظ (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء) بنت أبي بكر الصديق (-رضي الله عنها-) وعن أبيها (أنها حملت بعبد الله بن الزبير) بن العوّام -رضي الله عنه- بمكة (قالت: فخرجت) من مكة مهاجرة إلى المدينة (وأنا متم) بضم الميم الأولى وكسر الفوقية وتشديد الميم أي والحال أني قد أتممت مدة الحمل الغالبة وهي تسعة أشهر (فأتيت المدينة فنزلت بقباء) بالصرف (فولدته بقباء ثم أتيت به) بعبد الله (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالمدينة (فوضعته) بسكون العين ولأبي ذر فوضعه عليه الصلاة والسلام (في حجره) بفتح الحاء المهملة (ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل) بالفوقية والفاء رمى من ريقه (في فيه) في فَي عبد الله (فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم حنكه) بحاء مهملة ونون مشدّدة وكاف مفتوحات (بتمرة) بالفوقية وسكون الميم كالسابقة بأن مضغها ودَلَّكَ بها حنكه (ثم دعا له وبرك عليه) بفتح الموحدة والراء المشددة بأن قال: بارك الله فيك أو اللهم بارك فيه (وكان) عبد الله (أول مولود ولد في الإسلام) من المهاجرين، وفي بعض النسخ يعني بالمدينة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في العقيقة ومسلم في الاستئذان. (تابعه) أي تابع زكريا بن يحيى (خالد بن مخلد) بفتح الميم واللام بينهما خاء معجمة ساكنة القطواني (عن علي بن مسهر) قاضي الموصل (عن هشام عن أبيه) عروة -رضي الله عنه- (عن أسماء -رضي الله عنها- هاجرت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي حبلى) وعند الإسماعيلي مما وصله وهي حبل بعبد الله فوضعته بقباء فلم ترضعه حتى أتت به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه وفي آخره وسماه عبد الله. 3910 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَمْرَةً فَلاَكَهَا، ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي فِيهِ، فَأَوَّلُ مَا دَخَلَ بَطْنَهُ رِيقُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (عن أبي أسامة) حماد (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: أوّل مولود ولد في الإسلام) من المهاجرين بالمدينة (عبد الله بن الزبير أتوا) أمه ومن معها (به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تمرة فلاكها) مضغها عليه الصلاة والسلام (ثم أدخلها في فيه) في فم عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- (فأوّل ما دخل بطنه ريق النبي) ولأبي ذر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 3911 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَدِينَةِ وَهْوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ وَنَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَابٌّ لاَ يُعْرَفُ. قَالَ: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي السَّبِيلَ، قَالَ: فَيَحْسِبُ الْحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الْخَيْرِ. فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا، فَالْتَفَتَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ؛ فَصَرَعَهُ الْفَرَسُ، ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مُرْنِي بِمَا شِئْتَ. قَالَ: فَقِفْ مَكَانَكَ، لاَ تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا. قَالَ: فَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ آخِرَ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ. فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَانِبَ الْحَرَّةِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الأَنْصَارِ فَجَاءُوا إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا وَقَالُوا: ارْكَبَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ. فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ وَحَفُّوا دُونَهُمَا بِالسِّلاَحِ، فَقِيلَ فِي الْمَدِينَةِ: جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَشْرَفُوا يَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ. فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ جَانِبَ دَارِ أَبِي أَيُّوبَ، فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ وَهْوَ فِي نَخْلٍ لأَهْلِهِ يَخْتَرِفُ لَهُمْ، فَعَجِلَ أَنْ يَضَعَ الَّذِي يَخْتَرِفُ لَهُمْ فِيهَا، فَجَاءَ وَهْيَ مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَذِهِ دَارِي وَهَذَا بَابِي. قَالَ فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلاً. قَالَ: قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ. فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ. فَأَرْسَلَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقْبَلُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَيْلَكُمُ اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ، فَأَسْلِمُوا. قَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ -قَالُوا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَهَا ثَلاَثَ مِرَارٍ- قَالَ: فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ؟ قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا، وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا. قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟ قَالُوا: حَاشَا لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ. قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟ قَالُوا: حَاشَا لِلَّهِ مَا كَانَ لِيُسْلِمَ. قَالَ: يَا ابْنَ سَلاَمٍ اخْرُجْ عَلَيْهِمْ. فَخَرَجَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، اتَّقُوا اللَّهَ، فَوَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ. فَقَالُوا: كَذَبْتَ. فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام أو ابن المثنى قال: (حدّثنا عبد الصمد) قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (أبي) عبد الوارث بن سعيد البصري قال: (حدّثنا عبد العزيز بن صهيب) مصغرًا قال: (حدّثنا أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: أقبل نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من مكة (إلى المدينة وهو مردف أبا بكر) -رضي الله عنه- خلفه على الراحلة التي هو عليها (وأبو بكر شيخ) قد أسرع إليه الشيب في لحيته الكريمة (يعرف) لتردّده إليهم للتجارة (ونبي الله) ولأبي ذر والنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاب) ليس في لحيته الشريفة شيب، وكان أسن من الصديق -رضي الله عنه- (لا يعرف) لعدم تردّده إليهم (قال: فيلقى الرجل أبا بكر) -رضي الله عنه- في الانتقال من بني عمرو (فيقول)

له: (يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول) له: (هذا الرجل يهديني) ولأبي ذر الذي يهديني (السبيل قال: فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق وإنما يعني) أبو بكر -رضي الله عنه- (سبيل الخير فالتفت أبو بكر) -رضي الله عنه- (فإذا هو بفارس) هو سراقة (قد لحقهم فقال: يا رسول الله هذا فارس قد لحق بنا فالتفت نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (اللهم اصرعه) (فصرعه الفرس) ولأبي ذر فصرعه فرسه (ثم قامت تحمحم) بحائين مهملتين وميمين أي تصوّت وذكر في قوله فصرعه باعتبار لفظ الفرس وأنث في قوله قامت باعتبار ما في نفس الأمر من أنها كانت أنثى قاله ابن حجر، وقال العيني، قال أهل اللغة: ومنهم الجوهري الفرس يقع على الذكر والأنثى ولم يقل أحد أنه يذكر باعتبار لفظه ويؤنث باعتبار أنها كانت في نفس الأمر أنثى (فقال) سراقة: (يا نبي الله مرني بم) بغير ألف ولأبي ذر بما (شئت. فقال) عليه الصلاة والسلام له: (فقف مكانك لا تتركن أحدًا يلحق بنا) قال في الكواكب: هو كقوله لا تدن من الأسد تهلك وهو ظاهر على مذهب الكسائي قال في العمدة: هذا المثال غير صحيح عند غير الكسائي لأن فيه فساد المعنى لأن انتفاء الدنوّ ليس سببًا للهلاك والكسائي يجوز هذا لأنه يقدر الشرط إيجابيًّا في قوّة إن دنوت من الأسد تهلك (قال: فكان) سراقة (أوّل النهار جاهدًا على نبيّ الله وكان آخر النهار مسلحة له) بفتح الميم وسكون المهملة وفتح اللام والحاء المهملة أي يدفع عنه الأذى بمثابة السلاح (فنزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جانب الحرة) بفتح الحاء المهملة والراء المشدّدة فأقام بقباء المدة التي أقامها وبنى بها المسجد (ثم بعث) عليه الصلاة والسلام (إلى الأنصار) فطوي في هذا الحديث قامته عليه الصلاة والسلام بقباء (فجاؤوا إلى نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) إلى (أبي بكر) - رضي الله تعالى عنه - وثبت قوله وأبي بكر لأبي ذر وحده (فسلموا عليهما وقالوا: اركبا) حال كونكما آمنين) حال كونكما (مطاعين) بفتح النون والعين بلفظ التثنية فيهما وفي الفرع بكسرهما بلفظ الجمع وكشط فوقهما والأول أوجه على ما لا يخفى (فركب نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر) -رضي الله عنه- (وحفوا) بالحاء المهملة المفتوحة والفاء المشدّدة أحدقوا أي الأنصار (دونهما بالسلاح فقيل في المدينة: جاء نبي الله جاء نبي الله) مرتين (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأشرفوا ينظرون) إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ويقولون جاء نبي الله) مرة واحدة كما في الفرع والذي في اليونينية والناصرية جاء نبي الله مرتين (فأقبل) عليه الصلاة والسلام (يسير حتى نزل جانب دار أبي أيوب) الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - (فإنه) عليه الصلاة والسلام (ليحدث أهله إذ سمع به عبد الله بن سلام) بتخفيف لام ابن سلام الإسرائيلي من حلفاء بني عوف بن الخزرج (وهو) أي والحال أنه (في نخل لأهله يخترف) بالخاء المعجمة والفاء يجتني (لهم) من الثمار (فعجل) بكسر الجيم مخففة استعجل (أن يضع) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني أن يضم (الذي يخترف لهم) لأهله (فيها) أي في النخل (فجاء) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وهي) أي والحال أن الثمرة التي اجتناها (معه فسمع من نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الترمذي أنه أول ما سمع من كلامه أن قال: أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام (ثم رجع إلى أهله. فقال نبي الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أي بيوت أهلنا) أقارب والدة عبد المطلب سلمى بنت عمرو من بني مالك بن النجار (أقرب فقال أبو أيوب) الأنصاري -رضي الله عنه- (أنا يا نبي الله هذه داري وهذا بابي قال) عليه الصلاة والسلام: (فانطلق) فهيئ لنا دارك (فهيئ) بسكون الهاء في الفرع والذي في اليونينية بفتحها وتشديد التحتية بعدها همزة ساكنة (لنا مقيلاً) بفتح الميم وكسر القاف أي مكانًا نقيل فيه

والمقيل النوم نصف النهار وقال الأزهري: القيلولة والمقيل الاستراحة نصف النهار معها نوم أو لا قال بدليل قوله تعالى: {وأحسن مقيلاً} [الفرقان: 24] والجنة لا نوم فيها (قال) أبو أيوب -رضي الله عنه-: (قومًا على بركة الله تعالى فلما جاء نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى منزل أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- تعالى عنه (جاء عبد الله بن سلام) إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زاد في رواية حميد الآتية إن شاء الله قبل المغازي فقال: إني أسألك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أوّل أشراط الساعة، وما أوّل طعام يأكله أهل الجنة، وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ فذكر له جواب مسائله. (فقال: أشهد أنك رسول الله وأنك جئت بحق، وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا فيّ ما ليس فيّ) بتشديد التحتية فيهما (فأرسل نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى اليهود (فأقبلوا فدخلوا عليه) عليه الصلاة والسلام بعد أن خبأ لهم عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- (فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقًّا وأني جئتكم بحق فأسلموا) بهمزة قطع وكسر اللام (قالوا): منكرين ذلك (ما نعلمه قالوا للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالها ثلاث مرار قال) عليه الصلاة والسلام (فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام) (قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا قال) عليه الصلاة والسلام لهم (أفرأيتم) أي أخبروني (إن أسلم) عبد الله (قالوا: حاشى لله ما كان ليسلم) بضم التحتية وكسر اللام (قال) عليه السلام (أفرأيتم إن أسلم قالوا: حاشى لله) ولأبي ذر حاش لله (ما كان ليسلم. قال: أفرأيتم إن أسلم قالوا: حاشى لله) ولأبي ذر حاشى لله (ما كان ليسلم) كررت ثلاثًا (قال) عليه الصلاة والسلام: (يا ابن سلام اخرج عليهم فخرج فقال: يا معشر اليهود اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنه جاء بحق) ولأبي ذر عن الكشميهني بالحق (فقالوا له: كذبت فأخرجهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من عنده. 3912 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ -يَعْنِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ- عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ فِي أَرْبَعَةٍ، وَفَرَضَ لاِبْنِ عُمَرَ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ وَخَمْسَمِائَةٍ. فَقِيلَ لَهُ: هُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَلِمَ نَقَصْتَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلاَفٍ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أَبَوَاهُ. يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إيراهيم بن موسى) الفراء الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن ابن جريج) عبد الملك أنه (قال: أخبرني) بالتوحيد (عبيد الله) مصغرًا (ابن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (عن نافع) مولى ابن عمر -رضي الله عنهما- (يعني عن ابن عمر عن) أبيه (عمر بن الخطاب) ولأبي ذر عن نافع عن عمر بن الخطاب فأسقط يعني عن ابن عمر وفيها انقطاع لأن نافعًا لم يدرك عمر (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كان) عمر -رضي الله عنه- (فرض) عين (للمهاجرين الأولين) في بيت المال (أربعة آلاف في أربعة) أي أربعة آلاف في أربعة آلاف في أربعة أعوام (وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة فقيل له) لعمر -رضي الله عنه- (هو) أي ابن عمر (من المهاجرين فلم نقصته من أربعة آلاف) خمسمائة (قال) عمر -رضي الله عنه-: (إنما هاجر به أبواه) وكان عمره حينئذٍ إحدى عشرة سنة وأشهرًا (يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه). 3913 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ خَبَّابٍ قَالَ::"هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... " ح. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة قال: (أخبرنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن خباب) بالخاء المعجمة والموحدة الأولى المشدّدة ابن الأرت التميمي من السابقين إلى الإسلام أنه (قال: هاجرنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 3914 - وَحَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ شَقِيقَ بْنَ سَلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا خَبَّابٌ قَالَ: "هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ وَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ: قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ نَجِدْ شَيْئًا نُكَفِّنُهُ فِيهِ إِلاَّ نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ، فَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ؛ فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نُغْطِيَ رَأْسَهُ بِهَا، وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ إِذْخِرٍ. وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدِبُهَا". وبه قال: (ح حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن الأعمش) سليمان أنه (قال: سمعت) أبا وائل (شقيق بن سلمة. قال: حدّثنا خباب) -رضي الله عنه- (قال: هاجرنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بإذنه لأنه لم يهاجر معه إلا أبو بكر -رضي الله عنه- وعامر بن فهيرة (نبتغي) نطلب (وجه الله) تعالى (ووجب) أي ثبت (أجرنا على الله فمنا من مضى) مات (لم يأكل من أجره) من الغنائم (شيئًا منهم مصعب بن عمير) بضم العين مصغرًا (قتل يوم) وقعة (أحد

فلم نجد شيئًا نكفنه فيه إلا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه) لقصرها (فإذا) بالفاء، ولأبي ذر: وإذا (غطينا رجليه خرج رأسه فأمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نغطي) بفتح الغين المعجمة وتشديد الطاء مكسورة في الفرع وفي أصله بسكون الغين وكسر الطاء مخففة (رأسه بها ونجعل على رجليه من اذخر) الذال والخاء المعجمتين نبت حجازي طيب الرائحة (ومنا من أينعت) بالتحتية والنون أدركت ونضجت (له تمرته فهو يهدبها) بكسر الدال مصححًا عليه في الفرع ويجوز الضم والفتح أي يجتنيها. وهذا الحديث سبق في الجنائز وعن قريب. 3915 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيُّ قَالَ: "قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: هَلْ تَدْرِي مَا قَالَ أَبِي لأَبِيكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَإِنَّ أَبِي قَالَ لأَبِيكَ: يَا أَبَا مُوسَى، هَلْ يَسُرُّكَ إِسْلاَمُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهِجْرَتُنَا مَعَهُ وَجِهَادُنَا مَعَهُ وَعَمَلُنَا كُلُّهُ مَعَهُ بَرَدَ لَنَا، وَأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدَهُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ؟ فَقَالَ أَبِي: لاَ وَاللَّهِ، قَدْ جَاهَدْنَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَلَّيْنَا وَصُمْنَا وَعَمِلْنَا خَيْرًا كَثِيرًا وَأَسْلَمَ عَلَى أَيْدِينَا بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَإِنَّا لَنَرْجُو ذَلِكَ. فَقَالَ أَبِي: لَكِنِّي أَنَا وَالَّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ بَرَدَ لَنَا وَأَنَّ كُلَّ شَىْءٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا رَأْسًا بِرَأْسٍ. فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَاكَ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَبِي". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة أبو زكريا البلخي قال: (حدّثنا روح) بفتح الراء ابن عبادة بضم العين قال: (حدّثنا عوف) بفتح العين الإعرابي (عن معاوية بن قرّة) بضم القاف وفتح الراء المشددة أنه (قال: حدّثنا) بالإفراد (أبو بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر (بن أبي موسى) عبد الله (الأشعري قال: قال لي عبد الله بن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما- (هل تدري ما قال أبي) عمر (لأبيك؟) أبي موسى (قال: قلت لا). أدري (قال: فإن أبي قال لأبيك: يا أبا موسى هل يسرك إسلامنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهجرتنا معه وجهادنا معه وعملنا كله معه برد) بفتح الموحدة والراء والدال المهملة ثبت وسلم (لنا وإن كل عمل عملناه) بفتع الميم في الأول وكسرها في الثاني (بعده نجونا منه) بالجيم وسكون الواو (كفافًا رأسًا برأس) قاله عمر -رضي الله عنه- هضمًا لنفسه أو لما رأى أن الإنسان لا يخلو عن تقصير في كل خير يعمله (فقال): ولأبي ذر قال (أبي) الصواب ما في رواية النسفيّ فقال أبوك لأن ابن عمر يخاطب أبا بردة ويعلمه أن أباه موسى قال: (لا والله قد جاهدنا بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصلينا وصمنا وعملنا خيرًا كثيرًا وأسلم على أيدينا بشر كثير) بالمثلثة (وإنا لنرجو ذلك، فقال أبي) عمر (لكني أنا والذي نفس عمر بيده لولدت أن ذلك برد) بفتحات سلم (لنا وأن كل شيء عملناه) سقط ضمير النصب لأبي ذر (بعد نجونا منه كفافًا رأسًا برأس) قال أبو بردة (فقلت) لابن عمر (إن أباك) عمر (والله خير من أبي) أبي موسى لأن مقام الخوف أفضل من مقام الرجاء. 3916 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ -أَوْ بَلَغَنِي عَنْهُ- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: "سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- إِذَا قِيلَ لَهُ هَاجَرَ قَبْلَ أَبِيهِ يَغْضَبُ. قَالَ: وَقَدِمْتُ أَنَا وَعُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدْنَاهُ قَائِلاً فَرَجَعْنَا إِلَى الْمَنْزِلِ، فَأَرْسَلَنِي عُمَرُ وَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ هَلِ اسْتَيْقَظَ؟ فَأَتَيْتُهُ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ، فَانْطَلَقْنَا إِلَيْهِ نُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ فَبَايَعَهُ، ثُمَّ بَايَعْتُهُ". [الحديث 3916 - طرفاه في: 4186، 4187]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن صباح) بتشديد الموحدة البزاز بمعجمتين قال: المؤلّف (أو بلغني عنه) عن محمد بن صابح عباد بن الوليد الغبري بضم الغين المعجمة وفتح الموحدة وقد روى المؤلّف عن محمد بن صباح في الصلاة والبيوع جازمًا بغير واسطة قال: (حدّثنا إسماعيل) ابن علية (عن عاصم) هو ابن سليمان الأحول (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ النهدي أنه (قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا قبل له) أنه (هاجر قبل أبيه يغضب) لما فيه من رفعته على أبيه وتنافسه (قال) ابن عمر: (وقدمت أنا و) أبي (عمر على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عند البيعة قال في الفتح: ولعلها بيعة الرضوان (فوجدناه قائلاً) نائمًا في القائلة (فرجعنا إلى المنزل فأرسلني عمر) -رضي الله عنه- إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وقال): ولأبي ذر فقال (اذهب فانظر هل استيقظ) عليه الصلاة والسلام من نومه (فأتيته) عليه الصلاة والسلام (فدخلت عليه فبايعته ثم انطلقت إلى عمر فأخبرنه أنه قد استيقظ فانطلقنا إليه) زاده الله شرفًا لديه حال كوننا (تهرول هرولة حتى دخل) عمر (عليه فبايعه ثم بايعته) ثانيًا وزعم الداودي أن هذه البيعة كانت عند قدومه عليه الصلاة والسلام المدينة في الهجرة. واستبعد لأن ابن عمر لم يكن إذ ذاك في سن من يبايع وقد عرض على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك بثلاث سنين يوم أُحُد فلم يجزه، فيحتمل أن تكون البيعة هذه على غير قتال، وإنما ذكرها ابن عمر ليبين سبب وهم من قال: إنه ممن هاجر قبل أبيه وإنما الذي وقع له أنه بايع قبل أبيه فتوهم بعضهم أن هجرته كانت قبل هجرة أبيه وليس كذلك حكاه في الفتح عن الداودي. 3917 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: "سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يُحَدِّثُ قَالَ: ابْتَاعَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ رَحْلاً" فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ. قَالَ: فَسَأَلَهُ عَازِبٌ عَنْ مَسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: أُخِذَ عَلَيْنَا بِالرَّصَدِ، فَخَرَجْنَا لَيْلاً، فَأَحْثَثْنَا لَيْلَتَنَا وَيَوْمَنَا حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، ثُمَّ رُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ، فَأَتَيْنَاهَا وَلَهَا شَىْءٌ مِنْ ظِلٍّ. قَالَ: فَفَرَشْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرْوَةً مَعِي، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَانْطَلَقْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ قَدْ أَقْبَلَ فِي غُنَيْمَةٍ يُرِيدُ مِنَ الصَّخْرَةِ مِثْلَ الَّذِي أَرَدْنَا، فَسَأَلْتُهُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلاَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا لِفُلاَنٍ. فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَخَذَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: انْفُضِ الضَّرْعَ. قَالَ: فَحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ عَلَيْهَا خِرْقَةٌ قَدْ رَوَّأْتُهَا لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى رَضِيتُ. ثُمَّ ارْتَحَلْنَا وَالطَّلَبُ فِي إِثْرِنَا". وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (أحمد بن عثمان) الأزدي الكوفي قال: (حدّثنا

شريح بن مسلمة) بضم الشين المعجمة وفتح الراء آخره مهملة ومسلمة بميم مفتوحة ومهملة ساكنة وفتح اللام الكوفي قال: (حدّثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يوسف بن إسحاق (عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي أنه (قال: سمعت البراء) بن عازب -رضي الله عنه- (يحدث قال: ابتاع أبو بكر) -رضي الله عنه- (من عازب) هو أبو البراء المذكور (رحلاً) بسكون الحاء المهملة. قال البراء (فحملته معه) أي فحملت الرحل مع أبي بكر -رضي الله عنه- (قال: فسأله عازب عن مسير رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: أخذ) بضم الهمزة وكسر المعجمة (عينا بالرصد) بالارتقاب (فخرجنا ليلاً) من الغار بعد ثلاث ليال (فأحثثنا) بحاء مهملة فمثلثتين فنون أي أسرعنا السير وفي نسخة فاحثثنا بزيادة فوقية بعد الحاء افتعلنا من الحث وفي أخرى فأحيينا بتحتيين بدل المثلثين بلا فوقية من الإحياء ضد النوم (ليلتنا ويومنا حتى قام قائم الظهيرة) نصف النهار حيث لا يظهر ظل (ثم رفعت لنا صخرة) أي ظهرت لأبصارنا (فأتيناها ولها شيء من ظل. قال) أبو بكر -رضي الله عنه-: (ففرشت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فروة) من جلد (معي ثم اضطجع عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فانطلقت أنفض ما حوله) من الغبار (فإذا أنا براع قد أقبل في غنيمة) بضم الغين المعجمة وفتح النون ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في غنيمته بفوقية بعد الميم (يريد من الصخرة مثل الذي أردنا) منها من الظل (فسألته لمن أنت يا غلام؟ فقال: أنا لفلان فقلت له: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم. قلت له: هل أنت حالب؟) أي أذن لك أن تحلب لمن يمر بك على سبيل الضيافة (قال: نعم فأخذ شاة من غنمه فقلت له؟ انفض الضرع) من الأوساخ (قال: فحلب كثبة) بكاف مضمومة فمثلثة ساكنة فموحدة قطعة (من لبن) قدر ملء القدح (ومعي إداوة) بكسر الهمزة وعاء من جلد (من ماء عليها) ولأبي ذر: وعليها (خرقة قد روّأتها لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) براء مفتوحة فواو مشدّدة مفتوحة فهمزة ساكنة ففوقية فهاء أي تأنيت بها حتى صلحت. تقول: روّأت الأمر إذا نظرت فيه ولم تعجل وقال في النهاية: الصواب ترك الهمزة أي شددتها بالخرقة وربطتها عليها يقال: رويت البعير مخفف الواو إذا شددت عليه بالرواء بكسر الراء وقال الأزهري: الرواء الحبل الذي يروى به على البعير أي يشد به المتاع عليه وقال الكرماني: روّأتها جعلت فيها الماء لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فصببت على اللبن) من الإدواة (حتى برد أسفله) بفتح الموحدة والراء (ثم أتيت به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت) له (اشرب يا رسول الله فشرب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى رضيت) أي طابت نفسي بكثرة شربه (ثم ارتحلنا والطلب) بفتح الطاء واللام بعدها موحدة (في إثرنا) بكسر الهمزة وسكون المثلثة ولأبي ذر في أثرنا بفتحهما. 3918 - قَالَ الْبَرَاءُ: فَدَخَلْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَهْلِهِ، فَإِذَا عَائِشَةُ ابْنَتُهُ مُضْطَجِعَةٌ قَدْ أَصَابَتْهَا حُمَّى، فَرَأَيْتُ أَبَاهَا فَقَبَّلَ خَدَّهَا وَقَالَ: كَيْفَ أَنْتِ يَا بُنَيَّةُ". (قال البراء: فدخلت مع أبي بكر) - رضي الله تعالى عنه - (على أهله فإذا عائشة ابنته) -رضي الله عنها- (مضطجعة) بالرفع، ولأبي ذر: مضطجعة بالنصب (قد أصابتها حمى فرأيت أباها) أتاها (فقبّل) ولأبي ذر: يقبل (خدها) بلفظ المضارع (وقال): لها (كيف أنت يا بنية؟). وهذا الحديث قد مرّ في باب علامات النبوة بأتم لكن بدون هذه الزيادة إذ لم يذكرها البخاري إلا هنا وكان دخول البراء على عائشة -رضي الله عنها- قبل الحجاب اتفاقًا وسنه دون البلوغ. 3919 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَبْلَةَ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ وَسَّاجٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَنَسٍ خَادِمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَيْسَ فِي أَصْحَابِهِ أَشْمَطُ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ، فَغَلَفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ". [الحديث 3919 - طرفه في: 3920]. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن عبد الرحمن) الدمشقي قال: (حدّثنا محمد بن حمير) بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وبعد التحتية المفتوحة راء الحمصي قال: (حدّثنا إبراهيم بن أبي عبلة) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح اللام شمر بن يقظان العقيلي الشامي (أن عقبة بن وساج) بفتح الواو والسين المهملة المشددة آخره جيم البصري سكن الشام (حدثه عن أنس خادم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال: قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المدينة لما هاجر إليها (وليس في أصحابه) المهاجرين (أشمط) بهمزة مفتوحة فمعجمة ساكنة فميم مفتوحة فطاء مهملة قد خالط شعره الأسود بياض (غير) بفتح الراء ولأبي ذر غير

(أبي بكر) بضمها (فغلفها) بفتح الغين المعجمة واللام والفاء وعلى اللام في الفرع وأصله خف وصرح به البرماوي فقال: بتخفيف اللام وسبقه إليه الزركشي في التنقيح وتعقبه في المصابيح بأن القاضي عياضًا -رحمه الله- قال: إن الرواية بتشديدها، ثم حكي عن ابن قتيبة أنه قال: غلف لحيته بالتخفيف ولا يقال بالتشديد قال: فأعرض الزركشي عن الرواية واعتمد قول ابن قتيبة وضمير النصب من قوله فغلفها عائد إلى لحيته لتقدم الدال عليها وهو قوله ليس في أصحابه أشمط غير أبي بكر والمعنى لطخها وسترها (بالحناء) بكسر الحاء المهملة وتشديد النون ممدودًا (والكتم) بفتح الكاف والفوقية المخففة، وحكي عن أبي عبيد تشديدها ورق يخصف به كالآس من نبات ينبت في أصعب الصخور فيتدلى خيطانًا لطافًا ومجتناه صعب ولذلك هو قليل. 3920 - وَقَالَ دُحَيْمٌ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ وَسَّاجٍ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ فَكَانَ أَسَنَّ أَصْحَابِهِ أَبُو بَكْرٍ فَغَلَفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ حَتَّى قَنَأَ لَوْنُهَا". (وقال دحيم): بضم الدال وفتح الحاء المهملتين عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي الحافظ فيما وصله الإسماعيلي قال: (حدّثنا الوليد) بن مسلم الحافظ عالم الشام قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو عبيد) بضم العين مصغرًا واسمه حييّ بضم المهملة وتخفيف التحتية الأولى وتشديد الثانية مولى سليمان بن عبد الملك (عن عقبة بن وساج) بالسين المهملة والجيم قال: (حدّثني) بالتوحيد (أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) مهاجرًا (فكان أسنّ أصحابه) الذين قدموا معه (أبو بكر) -رضي الله عنه- وقد خالط سواد شعر لحيته بياض (فغلفها بالحناء والكتم حتى قنأ لونها) بقاف فنون فهمزة مفتوحات اشتدت حمرتها حتى ضربت إلى السواد. 3921 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ كَلْبٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ بَكْرٍ، فَلَمَّا هَاجَرَ أَبُو بَكْرٍ طَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَهَا ابْنُ عَمِّهَا"، هَذَا الشَّاعِرُ الَّذِي قَالَ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ رَثَى كُفَّارَ قُرَيْشٍ: وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنَ الشِّيزَى تُزَيَّنُ بِالسَّنَامِ وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ، قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنَ الْقَيْنَاتِ وَالشَّرْبِ الْكِرَامِ تُحَيِّينَا بِالسَّلاَمَةِ أُمُّ بَكْرٍ ... وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلاَمِ يُحَدِّثُنَا الرَّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا ... وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ وبه قال: (حدّثنا أصبغ) بن الفرج القرشي مولاهم المصري كاتب عبد الله بن وهب المصري قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن) أباها (أبا بكر -رضي الله عنه- تزوج امرأة من) بني (كلب) أي ابن عوف بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة (يقال لها): للتي تزوجها (أم بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف ولم يقف الحافظ ابن حجر رحمه الله على اسمها (فلما هاجر أبو بكر) -رضي الله عنه- إلى المدينة (طلقها فتزوجها ابن عمها) أبو بكر شداد بن الأسود بن عبد شمس بن مالك بن جعونة ويقال له: ابن شعوب بفتح المعجمة وضم المهملة وبعد الواو الساكنة موحدة وهو (هذا الشاعر الذي قال: هذه القصيدة) التي كان (رثى) بها (كفار قريش) الذين قتلوا يوم بدر وألقاهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالقليب (وماذا بالقليب) البئر التي لم تطو (قليب بدر) بدل من قليب الأول (من الشيزى) بكسر الشين المعجمة وسكون التحتية وفتح الزاي مقصورًا شجر تعمل منه الجفان. أي: وماذا بقليب بدر من أصحاب الجفان والقصاع المعمولة من الشيزى للثريد حال كونها (تزين) بضم الفوقية وفتح الزاي وتشديد التحتية بعدها نون (بالسنام) بفتح السين المهملة والنون أي بلحوم سنام الإبل فهو على حذف مضاف، وقيل كانوا يسمون الرجل المطعام جفنة لأنه يطعم الناس (وماذا بالقليب قليب بدر من القينات) بفتح القاف أي: وماذا به من أصحاب المغنيات (والشرب الكرام) بفتح الشين المعجمة وسكون الراء الندامى، والواحد شارب كصحب وصاحب (تحيي بالسلامة) بالتحتية أو دعاء بالسلامة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي تحيينا السلامة (أم بكر، وهل) بالواو ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فهل (لي بعد) هلاك (قومي من سلام) من تحية أو من سلامة وهو يقوي أن المراد من السلام الدعاء بالسلامة أو الإخبار بها (يحدّثنا الرسول) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بأن سنحيا) بعد الموت (وكيف حياة أصداء) بفتح الهمزة وسكون الصاد وفتح الدال المهملتين ممدودًا جمع صدى ذكر اليوم (وهام) بفتح الواو والهاء وألف فميم جمع هامة بتخفيف الميم على المشهور. وكانت

46 - باب مقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه المدينة

العرب تعتقد أن روح القتيل الذي لم يؤخذ بثأره تصير هامة فتزقو عند قبره وتقول: اسقوني اسقوني من دم قاتلي فإذا أخذ بثأره طارت، وقيل كانوا يزعمون أن عظام الميت، وقيل روحه تصير هامة ويسمونها الصدى، وهذا تفسير أكثر العلماء فهو هنا عطف تفسيري، وقيل الصدى الطائر الذي يطير بالليل والهامة جمجمة الرأس وهي التي يخرج منها الصدى بزعمهم وأراد الشاعر إنكار البعث بهذا الكلام فإنه يقول: إذا صار الإنسان كهذا الطائر كيف يصير مرة أخرى إنسانًا؟. 3922 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَارِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِأَقْدَامِ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْ أَنَّ بَعْضَهُمْ طَأْطَأَ بَصَرَهُ رَآنَا. قَالَ: اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ، اثْنَانِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى الشيباني البصري (عن ثابت) البناني (عن أنس عن أبي بكر -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الغار) بجبل ثور (فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم) كفار قريش (فقلت: يا نبي الله لو أن بعضهم طأطأ بصره) أي أماله إلى تحت (رآنا قال): عليه الصلاة والسلام: (اسكت يا أبا بكر) نحن (اثنان الله ثالثهما) في معاونتهما وتحصيل مرادهما. وهذا الحديث سبق في مناقب أبي بكر -رضي الله عنه-. 3923 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ ح. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُ عَنِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ إِنَّ الْهِجْرَةَ شَأْنُهَا شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتُعْطِي صَدَقَتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَهَلْ تَمْنَحُ مِنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتَحْلُبُهَا يَوْمَ وُرُودِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا الوليد بن مسلم) الدمشقي قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن (وقال: محمد بن يوسف حدّثنا الأوزاعي) قال: (حدّثنا) وفي نسخة: حدّثني (الزهري) محمد بن مسلم (قال: حدّثني) بالإفراد (عطاء بن يزيد الليثي قال: حدّثني) بالتوحيد أيضًا (أبو سعيد) بكسر العين الخدري (-رضي الله عنه- قال: جاء أعرابي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسأله عن الهجرة) أي أن يبايعه على أن يقيم بالمدينة ولم يكن من أهل مكة الذين وجبت عليهم الهجرة قبل فتح مكة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ويحك إن الهجرة شأنها) أي القيام بحقها (شديد) لا تستطيع القيام بحقها (فهل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: فتعطي صدقتها؟) الواجبة (قال: نعم. قال: فهل تمنح منها؟) أي تعطيها لغيرك بحلب منها (قال: نعم. قال: فتحلبها؟) للمساكين (يوم ورودها) بضم الواو والراء على الماء لأنه أرفق لها. ولأبي ذر: وردها بكسر الواو وسكون الراء بغير واو بعدها. (قال: نعم. قال: فاعمل من وراء البحار) بكسر الموحدة وبالمهملة أي من وراء القرى والمدن فلا تبال أن تقيم في بلدك ولو كنت في أقصى بلاد الإسلام (فإن الله لن يترك) بفتح التحتية وكسر الفوقية أي لم ينقصك (من) ثواب (عملك شيئًا) إذا أدّيت الحقوق التي عليك. وهذا الحديث قد سبق في باب الزكاة الإبل من الزكاة. 46 - باب مَقْدَمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ الْمَدِينَةَ (باب مقدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى قباء يوم الاثنين ربيع أول وقيل في ثامنه (و) مقدم أكثر (أصحابه المدينة) قبله. 3924 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ سَمِعَ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ. ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَبِلاَلٌ -رضي الله عنهم-". وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أنبأنا) أي أخبرنا (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه (سمع البراء -رضي الله عنه- قال: أول من قدم علينا) بالمدينة من المهاجرين (مصعب بن عمير) بضم الميم وسكون الصاد وفتح العين المهملتين آخره موحدة وعمير بضم العين مصغرًا ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري، ونزل على خبيب بن عديّ كما قاله موسى بن عقبة، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أمره بالهجرة والإقامة وتعليم من أسلم من أهل المدينة (وابن أم مكتوم) عمرو الأعمى بعد مصعب (ثم قدم علينا عمار بن ياسر) بالتحتية والسين المهملة بينهما ألف، وقد اختلف في عمار هل هاجر الحبشة أم لا فإن يكن فهو ممن هاجر الهجرتين (وبلال) المؤذن (-رضي الله عنهم-). وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضائل القرآن. 3925 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانوا يُقْرِئونَ النَّاسَ، فَقَدِمَ بِلاَلٌ وَسَعْدٌ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَىْءٍ فَرَحَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَتَّى جَعَلَ الإِمَاءُ يَقُلْنَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمَا قَدِمَ حَتَّى قَرَأْتُ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} فِي سُوَرٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي أنه (قال: سمعت البراء بن عازب -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أول من قدم علينا) من المهاجرين المدينة (مصعب بن عمير و) بعده (ابن أم مكتوم) عمرو المؤذن واسم أمه عاتكة (وكانا

يقرئان الناس) القرآن بالتثنية فيهما، ولأبي ذر كانوا يقرؤون الناس بلفظ الجمع فيهما بعد ذكر اثنين (فقدم بلال) ْالمؤذن ابن رباح وأمه حمامة مولى أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (وسعد) بسكون العين ابن أبي وقاص -رضي الله عنه- أحد العشرة (وعمار بن ياسر، وقدم عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (في عشرين من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسمى منهم ابن إسحاق فيما قرأته في عيون الأثر: زيد بن الخطاب، وعمرًا وعبد الله ابني سراقة بن المعتمر بن أنس بن أداة بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، وخنيس بن حذاقة السهمي، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وواقد بن عبد الله التميمي حليف لهم، وخولي بن أبي خولي، ومالك بن أبي خولي، واسم أبي خولي عمرو بن زهير وبني البكير أربعتهم اياسًا وعاقلاً وعامرًا وخالدًا حلفاؤهم من بني سعد بن ليث، وعياش بن أبي ربيعة، ونزل هؤلاء الثلاثة عشر على رفاعة بن عبد المنذر بن زهير في بني عمرو بن عوف بقباء قال في الفتح: فلعل بقية العشرين كانوا من أتباعهم، وزاد ابن عائذ في مغازيه الزبير. (ثم قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وأبو بكر وعامر بن فهيرة ونزلوا على كلثوم بن الهدم فيما قاله ابن شهاب فيما حكاه الحاكم ورجحه. (فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم) أي كفرحهم فالنصب على نزع الخافض (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى جعل الإماء) جمع أمة (يقلن: قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وعند الحاكم عن أنس -رضي الله عنه-: فخرجت جوار من بني النجار يضربن بالدف وهن يقلن: نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من جار (فما قدم) عليه الصلاة والسلام (حتى قرأت) سورة (سبح اسم ربك الأعلى في سور) أخرى معها (من المفصل) وأوله: الحجرات كما صححه النووي في دقائق منهاجه وغيرها، وجزم ابن كثير أن سورة {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] مكية كلها لحديث الباب. 3926 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: "لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ. قَالَتْ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ وَيَا بِلاَلُ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَتْ: فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أَقْلَعَ عَنْهُ الْحُمَّى يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ وَيَقُولُ: أَلاَ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: لما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) في الهجرة (وعك) بضم الواو وكسر العين أي حمّ (أبو بكر وبلال) -رضي الله عنهما- (قالت) عائشة: (فدخلت عليهما فقلت: يا أبت كيف تجدك؟) أي تجد نفسك (ويا بلال كيف تجدك؟ قالت): عائشة -رضي الله عنها- (فكان أبو بكر) -رضي الله عنه- (إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مصبح) بفتح الموحدة المشددة (في أهله والموت أدنى) أقرب إليه (من شراك نعله) بكسر الشين المعجمة سيورها التي على وجهها، والمعنى أن المرء يصاب بالموت صباحًا أو يقال له: صبحك الله بالخير وقد يفجؤه الموت بقية نهاره (وكان بلال إذا أقلع) بفتح الهمزة واللام ولأبي ذر أقلع بضم ثم كسر (عنه الحمى) وسقط لفظ الحمى لأبي ذر (يرفع عقيرته) بفتح العين المهملة وكسر القاف وسكون التحتية وفتح الراء بعدها فوقية أي صوته بالبكاء (ويقول: ألا) بتخفيف اللام (ليت شعري هل أبيتنّ ليلة بواد) هو وادي مكة (وحولي إذخر) بكسر الهمزة وسكون الذال وكسر الخاء المعجمتين حشيش مكة ذو الرائحة الطيبة (وجليل) بالجيم نبت ضعيف يحشى به خصاص البيوت وهو الثمام (وهل أردن) بنون التأكيد الخفيفة (يومًا مياه) بالهاء (مجنة) بفتح الجيم والنون المشددة وتكسر الجيم اسم موضع على أميال من مكة كان به سوق فى الجاهلية (هل يبدون) بنوق التأكيد الخفيفة يظهرن (لي شامة) بالشين المعجمة والميم المخففة (وطفيل) بطاء مهملة مفتوحة وفاء مكسورة بعدها تحتية ساكنة جبلان بقرب مكة أو عينان. (قالت عائشة): -رضي الله عنها- (فجئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته) بشأنهما (فقال): عليه الصلاة والسلام (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها وبارك لنا في صاعها ومدّها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، وكانت إذ ذاك مسكن اليهود، وهي الآن ميقات مصر وفيه جواز الدعاء على الكفار

بالأمراض والهلاك والدعاء للمسلمين بالصحة وإظهار معجزته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فإن الجحفة من يومئذ لا يشرب أحد من مائها إلاّ حمّ، وقد مضى الحديث في الحج. 3927 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيٍّ أَخْبَرَهُ "دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ" ح. وَقَالَ بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الخِيَارٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: "دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ، فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَقِّ، وَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَآمَنَ بِمَا بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ هَاجَرْتُ هِجْرَتَيْنِ، وَكنتُ صِهْرَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَبَايَعْتُهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلاَ غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ". تَابَعَهُ إِسْحَاقُ الْكَلْبِيُّ: "حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ" مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسند قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن رشاد (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (حدّثني) بالتوحيد (عروة بن الزبير) ثبت ابن الزبير لأبي ذر (أن عبيد الله) بالتصغير (ابن عدي) بتشديد التحتية ولأبي ذر زيادة ابن الخيار (أخبره) فقال: (دخلت) ولأبي ذر: دخل أي أخبرنه أنه دخل (على عثمان ح). (وقال بشر بن شعيب): بكسر الموحدة وسكون المعجمة وشعيب مصغر مما وصله أحمد في مسنده (حدّثني) بالإفراد (أبي) شعيب (عن الزهري) أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عروة بن الزبير أن عبيد الله بن عدي بن خيار) ولأبي ذر: ابن الخيار (أخبره قال: دخلت) ولأبي ذر: دخل (على عثمان) أي بسبب أخيه لأمه الوليد لما أكثر الناس فيه لشربه الخمر ولم يقم عليه الحدّ فذكرت له ذلك (فتشهد ثم قال: أما بعد فإن الله بعث محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحق وكنت ممن استجاب لله ولرسوله وآمن بما بعث به محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (ثم هاجرت هجرتين) هجرة الحبشة وهجرة المدينة وكان ممن رجع من الحبشة فهاجر من مكة إلى المدينة ومعه زوجتة رقية بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ونلت) بنون مكسورة فلام ساكنة ففوقية، ولأبي ذر عن الكشميهني وكنت (صهر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبايعته فوالله ما عصيته ولا غششته) بفتح الشين الأولى وسكون الثانية (حتى توفاه الله تعالى). (تابعه) أي تابع شعيبًا (إسحاق) بن يحيى (الكلبي) الحمصي فيما وصله أبو بكر بن شاذان فقال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذرّ: حدّثنا (الزهري مثله) وساقه ابن شاذان بتمامه وفيه أنه جلد الوليد أربعين. وقد سبق ما في ذلك من المبحث في مناقب عثمان والغرض منه هنا قوله ثم هاجرت الهجرتين. 3928 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ ح. وَأَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ "أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَهْوَ بِمِنًى فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ، فَوَجَدَنِي فَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ. فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغاءهم، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تُمْهِلَ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ، فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ وَالسَّلاَمَةِ، وَتَخْلُصَ لأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ وَذَوِي رَأْيِهِمْ. قَالَ عُمَرُ: لأَقُومَنَّ فِي أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ". وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي سكن مصر قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله قال: (حدّثنا مالك) إمام دار الهجرة قال ابن وهب: (ح). (وأخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) مصغرًا (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (أن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ولأبي ذر أن عبد الله بن عباس (أخبره أن عبد الرحمن بن عوف رجع إلى أهله وهو) أي والحال أنه نازل (بمنى في آخر حجة حجها عمر فوجدني) في كتاب المحاربين عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كنت أقرئ رجالاً منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في آخر حجة حجها إذ رجع إليّ فقال: لو رأيت رجلاً أتى أمير المؤمنين اليوم فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان؟ يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانًا فوالله ما كانت بيعة أبي بكر -رضي الله عنه- هلا فلتة فتمت فغضب عمر -رضي الله عنه- ثم قال: إني لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم (فقال عبد الرحمن فقلت: يا أمير المؤمنين إن الموسم) أي موسم الحج (يجمع رعاع الناس) بفتح الراء والعين المهملة المخففة وبعد الألف عين أخرى إسقاط الناس وسفلتهم زاد أبو ذر وغوغاءهم بمعجمتين واختلاط أصواتهم باللغط (وإني أرى) بفتح الهمزة في أرى (أن تمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة) وهذا هو مقصود الترجمة من الحديث (و) دار (السنة) ولأبي ذر عن الكشميهني والسلامة بدل قوله والسنة (وتخلص) بضم اللام والنصب عطفًا على تقدم أي تصل (لأهل الفقه وأشراف الناس وذوي رأيهم قال): ولأبي ذر وقال: (عمر لأقومن في أول مقام) بفتح الميم أي في أول قيام (أقومه بالمدينة) أذكر فيه الأحكام والحكم. وهذا الحديث أخرجه في المغازي والاعتصام وأخرجه في المحاربين مطوّلاً. 3929 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ -امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِمْ بَايَعَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُمْ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتِ الأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ. قَالَتْ أُمُّ الْعَلاَءِ: فَاشْتَكَى عُثْمَانُ عِنْدَنَا، فَمَرَّضْتُهُ حَتَّى تُوُفِّيَ، وَجَعَلْنَاهُ فِي أَثْوَابِهِ. فَدَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، شَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: لاَ أَدْرِي، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ؟ قَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ الْيَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَمَا أَدْرِي وَاللَّهِ -وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ- مَا يُفْعَلُ بِي. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ. قَالَتْ: فَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ، فَنِمْتُ، فَأُرِيتُ لِعُثْمَانَ عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ذَلِكَ عَمَلُهُ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري

قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (أخبرنا ابن شهاب) الزهري (عن خارجة بن زيد بن ثابت) بالخاء المعجمة والجيم -رضي الله عنه- وثابت بالمثلثة الأنصاري المدني -رضي الله عنه- (أن) أمه (أم العلاء) بفتح العين المهملة ممدودًا بنت الحرث بن ثابت بن خارجة الأنصارية (امرأة من نسائهم) أي نساء الأنصار (بايعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته أن عثمان بن مظعون) بالظاء المعجمة الجمحي (طار لهم) أي وقع في سهمهم (في السكنى حين اقترعت الأنصار) بألف الوصل ولأبي ذر بهامش الفرع وأصله مصححًا عليه قرعت بلا ألف. وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- وغيره: كذا وقع ثلاثيًّا والمعروف أقرعت من الرباعي ولعله لم يقف إلا على رواية أبي ذر فقد ثبت بالألف في أصل الفرع والمعنى خرج لهم في القرعة (على سكنى المهاجرين) لما دخلوا عليهم المدينة مهاجرين (قالت أم العلاء: فاشتكى عثمان) أي مرض (عندنا فمرضته حتى توفي) زاد في الجنائز وغسل (وجعلناه في أثوابه) أي كفّناه فيها (فدخل علينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب) منادى حذفت أداته وبالسين المهملة وهي كنية عثمان بن مظعون (شهادتي عليك) أي لك (لقد أكرمك الله) عز وجل أي أقسم بالله لقد أكرمك الله عز وجل (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (وما يدريك) بكسر الكاف أي من أين علمت (أن الله) عز وجل (أكرمه) (قالت: قلت لا أدري) أفديك (بأبي أنت وأمي يا رسول الله فمن؟) يكرمه الله إذا لم يكن هو من المكرمين مع إيمانه وطاعته (قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أما هو فقد جاءه والله اليقين) أي الموت (والله إني لأرجو الخير وما أدري والله وأنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يفعل بي) بضم أوله وفتح ثالثه، وكان هذا قبل نزول: {ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر} [الفتح: 2] والدليل القطعي أنه خير البرية وأكرمهم ولأبي ذر: ما يفعل به أي بعثمان، وبهذه الرواية يرتفع الأشكال المجاب عنه لكن المحفوظ الرواية الأولى (قالت): أم العلاء (فوالله لا أزكي بعده) أي بعد ابن مظعون (أحدًا) كذا في الفرع والذي في اليونيية أصله أحدًا بعده بالتقديم والتأخير وزاد في الجنائز أبدًا (قالت: فأحزنني ذلك) الذي وقع في شأن ابن مظعون من عدم الجزم له بالخير (فنمت فأريت) بتقديم الهمزة المضمومة على الراء (لعثمان بن مظعون) سقط ابن مظعون لأبي ذر (عينًا) من ماء (تجري فجئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته) بما رأيته (فقال): (ذلك) بكسر الكاف (عمله) الصالح الذي كان يعمله. وسبق هذا الحديث في باب الدخول على الميت من كتاب الجنائز. 3930 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَقَدِ افْتَرَقَ مَلَؤُهُمْ، وَقُتِلَتْ سَرَاتُهُمْ فِي دُخُولِهِمْ فِي الإِسْلاَمِ". وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالتوحيد (عبيد الله) بالتصغير (ابن سعيد) بكسر العين ابن يحيى أبو قدامة اليشكري السرخسي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام -رضي الله عنه- (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان يوم بعاث) بضم الموحدة وبالمثلثة مصروف على أنه اسم قوم ولأبي ذر غير مصروف على أنه اسم بقعة للتأنيث والعلمية (يومًا قدمه الله عز وجل لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لأجله تمهيدًا له لأنه كان به وقعة بين الأوس والخزرج وقتل فيه خلق كثير من رؤسائهم (فقدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة وقد افترق ملؤهم) أي جماعتهم ولأبي ذر: ملوهم صورة الهمز واو (وقتلت سراتهم) بسين مهملة مفتوحة بغير واو بعد الراء أي أشرافهم (في) أي لأجل (دخولهم) أي دخول من بقي من الأنصار (في الإسلام) فلو كان رؤساؤهم أحياء انقادوا للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيًّا للرئاسة والجار والمجرور يتعلق بقوله قدمه الله عز وجل. وهذا الحديث قد سبق في مناقب الأنصار -رضي الله عنهم-. 3931 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَهَا يَوْمَ فِطْرٍ -أَوْ أَضْحًى- وَعِنْدَهَا قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَعَازَفَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ -مَرَّتَيْنِ- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد وصحح عليه في الفرع وأصله (محمد بن المثنى) بالمثلثة والنون المشددة العنزي الزمن قال:

(حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام عن أبيه) عروة (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن أبا بكر) الصديق - رضي الله تعالى عنه - (دخل عليها والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندها يوم فطر أو أضحى) بفتح الهمزة وتنوين الحاء الشك من الراوي والواو في قوله والنبي للحال (و) الحال أن (عندها قينتان) بفتح القاف تثنية قينة أي جارية وضبب على النون الأخيرة من قينتان في اليونينية وفرعها، ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي: قينتا (تغنيان) أي تنشدان. زاد في الصلاة وليستا بمغنيتين والمراد تنزيه منزله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أن يكون فيه غناء من مغنيتين مشهورتين (بما تقاذفت) بالقاف والذال المعجمة أي بما ترامت به (الأنصار) ولأبي ذر تعازفت بالعين المهملة والزاي بدل تقاذفت من عزف اللهو أي بما ضربوا عليه من المعازف من الأشعار التي قالها الأنصار (يوم بعاث) في هجاء بعضهم بعضًا (فقال: أبو بكر) - رضي الله تعالى عنه - (مزمار الشيطان) استفهام محذوف الأداة في بيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ذلك (مرتين فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (دعهما) اتركهما (يا أبا بكر إن لكل قوم عيدًا وإن عيدنا هذا اليوم). ومطابقة هذا الحديث للترجمة، قال العيني -رحمه الله تعالى-: من حيث إنه مطابق للحديث السابق في ذكر يوم بعاث والمطابق للمطابق مطابق. قال: ولم أر أحدًا ذكر له مطابقة كذا قال فليتأمل. 3932 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ح. وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ الضُّبَعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ نَزَلَ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ، فِي حَىٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى مَلإِ بَنِي النَّجَّارِ، قَالَ: فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي سُيُوفِهِمْ. قَالَ: وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفَهُ وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: فَكَانَ يُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلإِ بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاءُوا. فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي حَائِطَكُمْ هَذَا، فَقَالُوا: لاَ وَاللَّهِ لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ. قَالَ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ: كَانَتْ فِيهِ قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَتْ فِيهِ خِرَبٌ، وَكَانَ فِيهِ نَخْلٌ. فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، وَبِالْخِرَبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، قَالَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ، قَالَ وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ حِجَارَةً. قَالَ: جَعَلُوا يَنْقُلُونَ ذَاكَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَهُمْ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الآخِرَة ... فَانْصُرِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَة" وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (ح). (وحدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثني بالإفراد (إسحاق بن منصور) الكوسج المروزي قال: (أخبرنا عبد الصمد) بن الوارث العنبري مولاهم التنوري بفتح المثناة الفوقية وتشديد النون المضمومة البصري (قال: سمعت أبي) عبد الوارث (يحدث فقال: حدّثنا أبو التياح) بفتح الفوقية والتحتية المشددة وبعد الألف حاء مهملة (يزيد بن حميد) بضم الحاء مصغرًا (الضبعي) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة (قال: حدّثني) بالإفراد (أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: لما) بتشديد الميم (قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) مهاجرًا (نزل في علو المدينة) بضم العين المهملة وسكون اللام في قباء وكان ذلك إشارة إلى علوّه وعلوّ دينه (في حيّ يقال لهم بنو عمرو بن عوف) بفتح العين المهملة فيهما ابن مالك الأوسي ابن حارثة (قال): أنس (فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم أرسل إلى ملأ بني النجار) أي جماعتهم (قال: فجاؤوا) حال كونهم (متقلدي سيوفهم) بالجر لإضافة متقلدي إليه (قال: وكأني أنظر إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على راحلته) أي ناقته القصواء (وأبو بكر) الصديق - رضي الله تعالى عنه - (ردفه) بكسر الراء وسكون الدال المهملة والجملة اسمية حالية ولأبي ذر ردفه بالرفع ولغيره بالنصب (وملأ بني النجار) يمشون (حوله حتى) نزل و (ألقى) رحله (بفناء) بكسر الفاء دار (أبي أيوب) خالد بن زيد الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - وهو ما امتدّ من جوانبها (قال) أنس - رضي الله تعالى عنه -: (فكان) عليه الصلاة والسلام (يصلّي حيث أدركته الصلاة ويصلّي في مرابض الغنم) أي مأواها (قال: ثم إنه أمر ببناء المسجد فأرسل إلى ملأ بني النجار فجاؤوا فقال) لهم: (يا بني النجار ثامنوني) بالمثلثة أي ساوموني (حائطكم هذا) أي بستانكم وفي الصلاة بحائطكم بحرف الجر (فقالوا): ولأبي ذر: قالو (لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله تعالى) أي منه (قال): أنس - رضي الله تعالى عنه - (فكان فيه) أي في البستان (ما أقول لكم كانت فيه قبور المشركين وكانت فيه خرب) بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء مصححًا عليها في الفرع كأصله (وكان فيه نخل فأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقبور المشركين فنبشت وبالخرب) بكسر ثم فتح مصححًا عليه أيضًا (فسوّيت وبالنخل فقطع) وهو محمول على أنه غير مثمر وجاز قطعه للحاجة (قال): أنس - رضي الله تعالى عنه - (فصفوا النخل قبلة المسجد) أي في جهتها (قال: وجعلوا عضادتيه) بكسر العين

47 - باب إقامة المهاجر بمكة، بعد قضاء نسكه

المهملة وفتح الضاد المعجمة أي عضادتي الباب وهما خشبتان من جانبيه (حجارة قال: جعلوا) بغير واو وسقط لأبي ذر لفظ قال. كذا في الفرع والذي في اليونينية قال قال مرتين والثانية ساقطة لأبي ذر أي قال أنس -رضي الله عنه-: جعلوا (ينقلون ذاك) بغير لام ولأبي ذر ذلك (الصخر وهم يرتجزون) تنشيطًا لنفوسهم ليسهل عليهم العمل (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يرتجز (معهم) وهم (يقولون): (اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة) وسقطت لفظة أنه لأبي ذر (فانصر الأنصار) الأوس والخزرج (والمهاجرة) بكسر الجيم الذين هاجروا إلى المدينة. وهذا الحديث قد سبق في باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية من كتاب الصلاة. 47 - باب إِقَامَةِ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ، بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ (باب) حكم (إقامة المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه) من حج أو عمرة. 3933 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُ السَّائِبَ ابْنَ أُخْتِ النَّمِرِ: مَا سَمِعْتَ فِي سُكْنَى مَكَّةَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثَلاَثٌ لِلْمُهَاجِرِ بَعْدَ الصَّدَرِ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي ابن محمد بن حمزة بن مصعب بن عبد الله بن الزبير بن العوّام المدني قال: (حدّثنا حاتم) هو ابن إسماعيل الكوفي (عن عبد الرحمن بن حميد) بضم الحاء المهملة مصغرًا ابن عبد الرحمن بن عوف (الزهري) أنه (قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يسأل السائب) بن يزيد (ابن أخت النمر) بفتح النون وكسر الميم بعدها راء الكندي (ما سمعت في) حكم (سكنى مكة) للمهاجر (قال: سمعت العلاء بن الحضرمي) الصحابي الجليل -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ثلاث) أي ثلاث ليال ترخص الإقامة فيها (للمهاجر بعد) طواف (الصدر) بفتح الصاد المهملة والدال وهو بعد الرجوع من منى من غير زيادة وجوّز بعضهم الإقامة بعد الفتح. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الحج. 48 - باب التَّارِيخِ. مِنْ أَيْنَ أَرَّخُوا التَّارِيخَ؟ هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة، ولأبي ذر عن الكشميهني: باب التاريخ وهو تعريف الوقت من حيث هو وقت والإرخ بكسر الهمزة الوقت وفي الاصطلاح قيل هو توقيت الفعل بالزمان ليعلم مقدار ما بين ابتدائه وبين أيّ غاية فرضت له. فإذا قلت: كتبته في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا وقرئ بعدما كتبته بعد ذلك بسنة مثلاً علم أن ما بين الكتابة وبين قراءتها سنة، وقيل هو أول مدة الشهر ليعلم به مقدار ما مضى، وأما اشتقاقه ففيه خلاف قيل إنه أعجمي فلا اشتقاق فيه، وقيل عربي، واختصت العرب بأنها تؤرخ بالسنة القمرية دون الشمسية فلهذا تقدم الليالي في التاريخ على الأيام لأن الهلال إنما يظهر في الليل (من أين أرخوا التاريخ) أي من أي وقت كان ابتداؤه؟ وعند ابن الجوزي أنه لما كثر بنو آدم أرخوا بهبوط آدم عليه السلام فكان التاريخ به إلى الطوفان، ثم إلى نار الخليل، ثم إلى زمان يوسف، ثم إلى خروج موسى من مصر ببني إسرائيل، ثم إلى زمن داود، ثم إلى زمن سليمان، ثم إلى زمان عيسى عليه السلام، ورواه ابن إسحاق عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، وقيل: أرخت اليهود بخراب بيت المقدس والنصارى برفع المسيح، وأما ابتداء تاريخ الإسلام فروي عن ابن شهاب الزهري -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما قدم المدينة أمر بالتاريخ فكتب في ربيع الأول. رواه الحاكم في الإكليل لكن قال في الفتح: إنه معضل والمشهور خلافه. 3934 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: "مَا عَدُّوا مِنْ مَبْعَثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ مِنْ وَفَاتِهِ، مَا عَدُّوا إِلاَّ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ". وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا عبد العزيز عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين الساعدي أنه (قال: ما عدوا) التاريخ (من) وقت (مبعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قيل لأن وقته كان مختلفًا فيه بحسب دعوته للحق ودخول الرؤيا الصالحة فيه فلا يخلو من نزاع في تعيين سنته (ولا من) وقت (وفاته) لما يقع في تذكره من الأسف والتألم على فراقه (ما عدوا) ذلك (إلا من) وقت (مقدمه المدينة) مهاجرًا، وإنما جعلوه من أوّل المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في أول المحرم إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال محرم، فناسب أن يجعل مبتدأ وكان ذلك في خلافة عمر -رضي الله عنه- سنة سبع عشرة فجمع

49 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم أمض لأصحابي هجرتهم» ومرثيته لمن مات بمكة

الناس فقال بعضهم: أرخ بالمبعث وقال بعضهم: بالهجرة فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها، وبالمحرم لأنه منصرف الناس من حجهم فاتفقوا عليه. رواه الحاكم وغيره، والذي تحصل من مجموع الآثار أن الذي أشار بالمحرم عمر وعثمان وعلي. وذكر السهيلي أن الصحابة -رضي الله عنهم- أخذوا التاريخ بالهجرة من قوله تعالى: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم} [التوبة: 108] لأنه من المعلوم أنه ليس أول الأيام مطلقًا، فتعين أنه أضيف إلى شيء مضمر وهو أول الزمن الذي عز فيه الإسلام وعبد فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ربه آمنًا وابتدئ فيه ببناء المساجد، فوافق رأي الصحابة -رضي الله عنهم- ابتداء التاريخ من ذلك اليوم وفهمنا من فعلهم أن قوله تعالى: {من أول يوم} أنه أول التاريخ الإسلامي. 3935 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "فُرِضَتِ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا وَتُرِكَتْ صَلاَةُ السَّفَرِ عَلَى الأُولَى". تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي مصغرًا أبو معاوية البصري قال: (حدثنا معمر) هو ابن راشد الأزدي (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) وأنها (قالت: فرضت الصلاة) بمكة (ركعتين) في كتاب الصلاة ركعتين ركعتين بالتكرير لإفادة عموم التثنية لكل صلاة في الحضر والسفر (ثم هاجر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى المدينة (ففرضت أربعًا) أربعًا (وتركت صلاة السفر) ركعتين ركعتين (على) الفريضة (الأولى) بضم الهمزة ولأبي ذر على الأول من عدم وجوب الزائد بخلاف صلاة الحضر فإنه زيد في ثلاث منها ركعتان (تابعه) أي تابع يزيد بن زريع (عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد السابق وهذه المتابعة وصلها الإسماعيلي. 49 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ» وَمَرْثِيَتِهِ لِمَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اللهم أمض) بهمزة قطع (لأصحابي هجرتهم) أي تممها لهم ولا تنقصها عليهم (ومرثيته) بفتح الميم وسكون الراء وكسر المثلثة وفتح التحتية المخففة بعدها فوقية وبالجر عطفًا على المجرور السابق أي وتوجعه عليه الصلاة والسلام (لمن مات بمكة) من المهاجرين. 3936 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «عَادَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ مَرَضٍ أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ يَا سَعْدُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ ورثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ -قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنْ تَذَرَ ذُرِّيَّتَكَ- وَلَسْتَ بِنَافِقٍ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ آجَرَكَ اللَّهُ بِهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ. قُلْتَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ. اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَلاَ تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ. لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ. يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ». وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَمُوسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ «أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحات وقد تسكن الزاي الحجازي قال: (حدّثنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عامر بن سعد بن مالك عن أبيه) سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه (قال: عادني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام حجة الوداع) سنة عشر (من مرض) ولأبي ذر: يعني من وجع بي بدل قوله من مرض وزيادة يعني (أشفيت) بالفاء المفتوحة بعدها تحتية ساكنة أي أشرفت (منه على الموت فقلت: يا رسول الله بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني) من الولد إلا إناث (إلا ابنة لي واحدة) اسمها عائشة (أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (لا. قال): قلت (فأتصدق) بحذف أداة الاستفهام (بشطره؟ قال: لا) سقط قوله قال: لا لغير أبي ذر (قال: الثلث) يكفيك يا سعد (والثلث كثير) بالمثلثة مبتدأ أو خبر (إنك أن تذر) بالمعجمة وفتح الهمزة تترك (ذريتك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ورثتك (أغنياء خير من أن تذرهم عالة) بفتح اللام مخففة فقراء (يتكففون الناس) يطلبون الصدقة من أكف الناس أو يسألونهم بأكفهم. (قال أحمد بن يونس): هو أحمد بن عبد الله بن يونس شيخ المؤلّف (عن إبراهيم) بن سعد السابق مما وصله في حجة الوداع (إن) بفتح الهمزة (تذر ورثتك) وسقط من قوله: قال أحمد إلخ هنا لأبي ذر (ولست بنافق) كذا وقع هنا وصحح عليه في الفرع أصله والقياس بمنفق لأنه من أنفق وقال في الفتح: إن في رواية الكشميهني تنفق وهو الصواب (نفقة تبتغي بها وجه الله إلا آجرك الله بها) بمدّ همزة آجرك (حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك قلت: يا رسول الله أُخلَّف) بضم الهمزة وفتح اللام المشددة وحذف همزة الاستفهام أي أأخلف (بعد أصحابي) بمكة أو في الدنيا (قال) عليه الصلاة والسلام: (إنك لن تخلف) بضم أوله وفتح ثانيه وثالثه المشدّد وروي

50 - باب كيف آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه؟

أنك أن تخلف وفي كلام الباجي وتفسيره ما يقتضي أن لمن بمعنى أن الشرطية لأنه فسرها بأنك أن ينسأ في أجلك أو أن تخلف بمكة وإنما أراد أن يخرج الكلام على الخبر بالتأويل لأن لن لنفي المستقبل محققًا والمراد هنا احتماله وتوقعه (فتعمل عملاً) صالحًا (تبتغي) تطلب (به وجه الله) عز وجل (إلا ازددت به) بالعمل الصالح ولأبي ذر بها (درجة ورفعة ولعلك تخلف) بأن يطول عمرك (حتى ينتفع بك أقوام) من المسلمين بما يفتحه الله عز وجل على يديك من بلاد الشرك ويأخذه المسلمون من الغنائم (ويضرّ بك آخرون) من المشركين الهالكين على يديك وجنودك وكذا كان فإنه شفي من مرضه ولم يقم بمكة وعاش بعد نيفا وأربعين سنة وولي العراق وفتحها الله عز وجل على يديه فأسلم على يديه خلق كثير فنفعهم الله عز وجل به وقتل وأسر من الكفار كثيرًا فاستضروا به وذلك من جملة أعلام نبوّته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اللهم أمض) بهمزة قطع أي تمم (لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم) بترك هجرتهم ورجوعهم عن استقامتهم قال الزهري عن إبراهيم بن سعد: (لكن البائس) بالموحدة والهمزة بعدها سين مهملة ولم يهمزه في اليونينية بل بخفض الياء فقط الذي عليه أثر البؤس وهو شدّة الفقر والحاجة (سعد بن خولة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو (يرثي) بفتح التحتية وسكون الراء وكسر المثلثة أي يتحزن ويتوجه (له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن توفي) أي لأجل وفاته ولأبي ذر: أن يتوفى (بمكة) التي هاجر منها وقوله: لكن البائس إلخ ليس بمرفوع بل مدرج من قول الزهري كما أفادته رواية أبي داود الطيالسي لهذا الحديث. (وقال أحمد بن يونس): المذكور أعلاه فيما وصله المؤلّف في حجة الوداع كما بيناه قريبًا (وموسى) بن إسماعيل المنقري شيخ المؤلّف أيضًا فيما وصله في الدعوات (عن إبراهيم) بن سعد (أن تذر ورثتك) وهذا التعليق ثابت هنا في أكثر الأصول، ولغير أبي ذر بعد قوله يتكففون الناس لكن تعليق أحمد بن يونس فقط كما مرّ. وأخرج الحديث المؤلّف في الجنائز. 50 - باب كَيْفَ آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَصْحَابِهِ؟ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: "آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ". وَقَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ: "آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ". هذا (باب) بالتنوين (كيف آخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أصحابه) المهاجرين والأنصار. (وقال عبد الرحمن بن عوف) -رضي الله عنه- مما وصله أوّل البيوع (آخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيني وبين سعد بن الربيع) الأنصاري -رضي الله عنه- (لا قدمنا المدينة) من مكة مهاجرين. (وقال أبو جحيفة) بجيم مضمومة فحاء مهملة مفتوحة فتحتية ساكنة ففاء مفتوحة وهب بن عبد الله السوائي من صغار الصحابة -رضي الله عنه- (آخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين سلمان) الفارسي -رضي الله عنه- (و) بين (أبي الدرداء) وهذا وصله في باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوّع من كتاب الصيام. 3937 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَآخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ. فَرَبِحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ، فَرَآهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَهْيَمْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ: فَمَا سُقْتَ فِيهَا؟ فَقَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قدم عبد الرحمن بن عوف) -رضي الله عنه- زاد أبو ذر المدينة (فآخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري) -رضي الله عنه- زاد في البيع وكان سعد ذا غنى (فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله) وكان له زوجتان عمرة بنت حرام والأخرى لم تسم (فقال) له (عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك دلني) بضم الدال المهملة وتشديد اللام المفتوحة (على السوق) فدله عليه وذهب إليه (فربح) بفتح الراء وكسر الموحدة (شيئًا من إقط) لبن جامد معروف (وسمن) فأتى به (فرآه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أيام وعليه وضر) بفتح الواو والضاد المعجمة لطخ (من صفرة) من طيب أو خلوق يسير (فقال) له (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مهيم) بفتح الميم الأولى وسكون الهاء وفتح التحتية وسكون الميم بعدها أي ما شأنك (يا عبد الرحمن قال: يا رسول الله تزوجت امرأة من الأنصار) بنت أبي الحيسر أنس بن رافع الأويسي ولم تسم (قال): (فما سقت فيها) أي فما أعطيت في مهرها (فقال): أعطيت (وزن نواة) بفتح النون من غير همز أي خمسة دراهم (من ذهب فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

51 - باب

وَسَلَّمَ-) (أولم) ندبا (ولو بشاة) أي مع القدرة. ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، وقد كانت المؤاخاة مرتين الأولى بين المهاجرين بعضهم وبعض بمكة قبل الهجرة على الحق والمواساة فآخى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، وبين حمزة وزيد بن حارثة -رضي الله عنهما-، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهما-، وبين الزبير وابن مسعود -رضي الله عنهما-، وبين عليّ ونفسه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ولما نزل المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار على المواساة والحق في دار أنس بن مالك -رضي الله عنه- فكانوا يتوارثون بذلك دون القرابات حتى نزلت وقت وقعة بدر: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} [الأحزاب: 6] فنسخ ذلك وكانت المؤاخات بعد بناء المسجد وقيل والمسجد يبنى وقال ابن عبد البر: بعد قدومه عليه الصلاة والسلام المدينة بخمسة أشهر، وقال ابن سعد: آخى بين مائة منهم خمسون من المهاجرين وخمسون من الأنصار، وعند ابن إسحاق أنه قال لهم: تآخوا في الله عز وجل أخوين أخوين. وفي مشروعية التواخي في الله عز وجل بصحبة الصلحاء وأخوّتهم كما قال في قوت الأحياء: عون كبير، وتأمل تأثير الصحبة في كل شيء حتى الحطب بصحبة النجار يعتق من النار فعليك بصحبة الأخيار بشروطها التي منها دوام صفائهم ووفائهم وعقد الأخوّة وأخيتك في الله عز وجل وأسقطنا الحقوق والكلفة ويقول الآخر: مثله ويدعوه بأحب أسمائه ويثني عليه ويذب عنه ويدعو له أبدًا في غيبته ولا يسمع فيه ولا في مسلم سوءًا ولا يصادق عدوّه وتفرّق كل على ودّ صاحبه ورعايته شرط لحديث "ورجلان تحابا في الله عز وجل اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه" وبسط ذلك في موضعه ويكفي ما نقلته إذ هو جامع لأصوله. وحديث الباب سبق في أوّل البيع. 51 - باب هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة. 3938 - حَدَّثَنِي حَامِدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا أَنَسٌ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلاَمٍ بَلَغَهُ مَقْدَمُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، فَأَتَاهُ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ نَبِيٌّ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَمَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا. قَالَ ابْنُ سَلاَمٍ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ. قَالَ: أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ. وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ. وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتِ الْوَلَدَ. قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلاَمِي، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَأَفْضَلُنَا وَابْنُ أَفْضَلِنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ؟ قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ. فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. قَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا، وَتَنَقَّصُوهُ. قَالَ: هَذَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (حامد بن عمر) بن حفص البكراوي (عن بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون المعجمة والمفضل بضم الميم وتشديد الضاد المعجمة ابن لاحق الرقاشي قال: (حدّثنا حميد) الطويل قال: (حدّثنا أنس) - رضي الله تعالى عنه - (أن عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام الإسرائيلي (بلغه مقدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة فأتاه يسأله عن أشياء فقال: إني سائلك عن ثلاث) من المسائل (لا يعلمهن إلا نبيّ: ما أول أشراط الساعة) أي علاماتها (وما أول طعام يأكله أهل الجنة) فيها (وما بال الولد ينزع) بكسر الزاي (إلى أبيه أو إلى أمه؟) أي يشبههما (قال) عليه الصلاة والسلام: (أخبرني) بالإفراد (به) بالذي سألت عنه (جبريل آنفًا) بمد الهمزة هذه الساعدة (قال ابن سلام: ذاك) أي جبريل، ولأبي ذر: ذلك باللام (عدوّ اليهود من الملائكة. قال) عليه الصلاة والسلام: (أما أول أشراط) قيام (الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة) فيها (فزيادة كبد الحوت) وهي القطعة المنفردة المتعلقة بالكبد وهي أهنأ طعام وأمرؤه (وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد) بالنصب أي جذبه إليه (وإذا) ولأبي ذر فإذا (سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد) جذبته إليها (قال) ابن سلام: (أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ثم إنه (قال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت) بضم الموحدة والهاء مصححًا عليها في الفرع كأصله جمع بهيت كقضيب وقضب الذي يبهت القول فيما يفتريه عليه ويختلقه (فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي) ولأبي ذر إسلامي بإسقاط الجار (فجاءت اليهود، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط لفظ النبي إلخ لأبي ذر (أي رجل عبد الله بن سلام فيكم) وسقط ابن سلام لأبي ذر (قالوا: خيرنا وابن خيرنا وأفضلنا وابن أفضلنا. فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أرأيتم) أي أخبروني (إن أسلم عبد الله بن

52 - باب إتيان اليهود النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قدم المدينة هادوا: صاروا يهودا. وأما قوله هدنا: تبنا. هائد: تائب

سلام) تسلموا (قالوا: أعاذه الله) تعالى (من ذلك فأعاد عليهم. فقالوا: مثل ذلك فخرج إليهم عبد الله) من البيت (فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. قالوا: شرنا وابن شرنا وتنقصوه قال) عبد الله: (هذا) الذي قالوه (كنت أخاف يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 3939 - 3940 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ أَبَا الْمِنْهَالِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُطْعِمٍ قَالَ: "بَاعَ شَرِيكٌ لِي دَرَاهِمَ فِي السُّوقِ نَسِيئَةً، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَيَصْلُحُ هَذَا؟ فَقُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ بِعْتُهَا فِي السُّوقِ فَمَا عَابَهُ أَحَدٌ. فَسَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ فَقَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ نَتَبَايَعُ هَذَا الْبَيْعَ فَقَالَ: مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَلاَ يَصْلُحُ، وَالْقَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَاسْأَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ أَعْظَمَنَا تِجَارَةً. فَسَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَقَالَ مِثْلَهُ". وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: "فَقَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نَتَبَايَعُ، وَقَالَ: نَسِيئَةً إِلَى الْمَوْسِمِ أَوِ الْحَجِّ". وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار أنه (سمع أبا المنهال) بكسر الميم وسكون النون (عبد الرحمن بن مطعم) بكسر العين البناني (قال: باع شريك لي) لم يسم (دراهم في السوق نسيئة) أي متأخرًا من غير تقابض (فقلت) متعجبًا (سبحان الله أيصلح هذا؟ فقال) شريكي: (سبحان الله والله لقد بعتها في السوق فما عابه) وفي نسخة صحح عليها في الفرع كأصله فما عابها وزاد أبو ذر عن الكشميهني عليّ (أحد فسألت البراء بن عازب) - رضي الله تعالى عنه - عن ذلك (فقال: قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد أبو ذر عن الكشميهني المدينة (ونحن نتبايع هذا البيع) وفي الشركة فجاءنا البراء بن عازب فسألناه فقال: فعلت أنا وشريكي زيد بن أرقم، وسألنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك (فقال): (ما كان يدًا بيد فليس به بأس وما كان نسيئة فلا يصلح والق) بهمزة وصل أمر من لقي يلقى (زيد بن أرقم) بفتح الهمزة والقاف (فاسأله فإنه كان أعظمنا تجارة، فسألت زيد بن أرقم فقال: مثله) أي مثل قول البراء في أنه لا بدّ في بيع الدراهم بالدراهم من التقابض في المجلس والحلول. (وقال سفيان) بن عيينة - رضي الله تعالى عنه -: (مرة فقدم) كذا في الفرع والذي رأيته في أصله وكذا الناصرية، وقال سفيان مرة فقال قدم (علينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة ونحن نتبايع) وقال: (نسيئة إلى الموسم أو الحج) بالشك من الراوي فزاد في هذه تعيين مدة النسيئة. وهذا الحديث قد سبق في الشركة والمقصود منه هنا قوله قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة ونحن نتبايع. 52 - باب إِتْيَانِ الْيَهُودِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ هَادُوا: صَارُوا يَهُودًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ هُدْنَا: تُبْنَا. هَائِدٌ: تَائِبٌ (باب إتيان اليهود النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قدم المدينة هادوا) في قوله تعالى: {ومن الذين هادوا} [المائدة: 41] أي (صاروا يهود) ولأبي ذر يهودا بالصرف (وأما قوله هدنا) فمعناه (تبنا) وسقط قوله من رواية أبي ذر (هايد) أي (تايب) كذا في اليونينية وفي غيرها بالهمز فيهما. 3941 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْ آمَنَ بِي عَشَرَةٌ مِنَ الْيَهُودِ لآمَنَ بِي الْيَهُودُ». وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا قرة) بضم القاف وتشديد الراء المفتوحة ابن خالد السدوسي وفي الناصرية حدّثنا فروة بالفاء والراء والواو وفي هامشها في النسخ المعتمدة قرة يعني بالقاف (عن محمد) هو ابن سيرين -رضي الله عنه- (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لو آمن بي عشرة من اليهود) معينين (لآمن بي اليهود) كلهم وعند الإسماعيلي لم يبق يهودي إلا أسلم، وزاد أبو سعد في شرف المصطفى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال كعب -رضي الله عنه-: هم الذين سماهم في سورة المائدة. وقال الكرماني فإن قلت: ما وجه صحة هذه الملازمة وقد آمن به من اليهود عشرة وأكثر منها أضعافًا مضاعفة ولم يؤمن الجميع؟ وأجاب: بأن لو للمضيّ فمعناه لو آمن في الزمان الماضي كقبل قدومه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة أو عقب قدومه مثلاً عشرة لتابعهم الكل لكن لم يؤمنوا حينئذٍ فلم يتابعهم الكل. وقال في فتح الباري: والذي يظهر أنهم الذين كانوا حينئذٍ رؤساء ومن عداهم تبعًا لهم فلم يسلم منهم إلا القليل كعبد الله بن سلام -رضي الله عنه-، وكان من المشهورين بالرئاسة في اليهود عند قدوم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بني النضير أبو ياسر بن أخطب وأخوه حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف، ورافع بن أبي الحقيق. ومن بني قينقاع عبد الله بن حنيف، وفنحاص، ورفاعة بن زيد. ومن قريظة: الزبير بن باطيا، وكعب بن أسد، وشمويل بن زيد فهؤلاء لم يثبت إسلام واحد منهم، وإن كل واحد منهم رئيسًا في اليهود لو أسلم تبعه جماعة منهم. 3942 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ -أَوْ مُحَمَّدُ- بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغُدَانِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَيْسٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: «دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَإِذَا أُنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ يُعَظِّمُونَ عَاشُورَاءَ وَيَصُومُونَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نَحْنُ أَحَقُّ بِصَوْمِهِ. فَأَمَرَ بِصَوْمِهِ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر قال: حدّثنا (أحمد أو محمد بن عبيد الله) بالشك في اسمه وذكره في التاريخ فقال أحمد: من غير شك وعبيد بضم العين مصغرًا، وفي أصل ابن الحطية عبد الله بفتح العين مكبرًا وقال في الهامش: من

اليونينية الصواب عبيد الله مصغرًا. قال الحافظ أبو ذر: وهي رواية أبي الهيثم، وفي باب أحمد ذكره الحفاظ أبو نصر وابن طاهر وابن عبد الواحد، وفي باب عبيد الله ذكره جميعهم (الغداليّ) بضم الغين المعجمة وتخفيف الدال المهملة المفتوحة، واسم جده سهيل بضم السين مصغرًا ابن صخر البصريّ، وقيل النيسابوري المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين قال: (حدّثنا حماد بن أسامة) أبو أسامة القرشي مولاهم الكوفي قال: (أخبرنا أبو عميس) بضم العين المهملة وبعد التحتية الساكنة سين مهملة عتبة بضم العين وسكون الفوقية وفتح الموحدة ابن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي الكوفيّ (عن قيس بن مسلم) الجدلي بفتح الجيم الكوفي العابد (عن طارق بن شهاب) الأحمسي (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: دخل) ولأبي ذر عن الكشميهني قدم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) في الهجرة (وإذا أناس من اليهود يعظمون) يوم (عاشوراء ويصومونه) لشرع سابق (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (نحن أحق بصومه) من اليهود (فأمر) الناس (بصومه). 3943 - حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ. ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبى ذر حدّثني بالإفراد (زياد بن أيوب) أبو هاشم الطوسي دلوية بفتح الدال المهملة وضم اللام وتخفيف التحتية قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء مصغرًا ابن بشر الواسطي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (أبو بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية إياس البصري (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) وأقام بها إلى يوم عاشوراء من السنة الثانية (وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسئلوا) بضم السين وكسر الهمزة (عن ذلك) الصوم (فقالوا: هذا هو اليوم) هذا ظاهر ما في الفرع فإنه خرج بعد قوله هذا وكتب بالهامش هو مرقومًا عليه علامة أبي ذر والذي في اليونينية ظاهره أن هو بدل من قوله هذا لأنه جعل التخريجة فوق هذا (الذي أظهر الله فيه موسى) عليه الصلاة والسلام بالهاء بعد الظاء في الفرع والذي في أصله أظفر الله بالفاء بدل الهاء (وبني إسرائيل على فرعون) في كتاب الصوم هذا يوم نجى الله عز وجل بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى عليه الصلاة والسلام وزاد مسلم شكرًا لله عز وجل (ونحن نصومه تعظيمًا له) أي لموسى عليه الصلاة والسلام (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (نحن أولى بموسى منكم ثم أمر) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وأمر وفي كتاب الصيام فصامه وأمر (بصومه). ومباحث هذا سبقت في كتاب الصوم. 3944 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَسْدِلُ شَعْرَهُ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَىْءٍ، ثُمَّ فَرَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأْسَهُ". وبه قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي رواد ميمون المروزي البصري الأصل قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (عبد الله) بن المبارك المروزي (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) مصغرًا (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - (عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-) سقط لأبي ذر لفظ عبد الله (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يسدل شعره) بفتح التحتية وسكون السين وكسر الدال المهملتين أي يترك شعر ناصيته على جبينه الشريف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وكان المشركون يفرقون رؤوسهم) بفتح التحتية وسكون الفاء وضم الراء وقد تكسر أي يلقون شعر رأسهم إلى جانبيه ولا يتركون منه شيئًا على جبهتهم (وكان أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم) بكسر الدال مع فتح أوله (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء) لأن ذلك أقرب إلى الحق من المشركين عبدة الأوثان (ثم فرق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأسه) أي ألقى شعره إلى جانبي رأسه ولم يترك منه شيئًا على جبهته. وسبق هذا الحديث في صفته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 3945 - حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ جَزَّءُوهُ أَجْزَاءً، فَآمَنُوا بِبَعْضِهِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ". [الحديث 3945 - طرفاه في: 4705، 4706]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (زياد بن أيوب) دلوية

53 - باب إسلام سلمان الفارسي -رضي الله عنه-

الطوسي قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (هشيم) هو ابن بشر قال: (أخبرنا أبو بشر) جعفر بن أبي وحشية (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -) أنه (قال: هم أهل الكتاب) قال: العيني لما ذكر في الحديث السابق أهل الكتاب قال: قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: هم أهل الكتاب الذين (جزؤوه) أي القرآن (أجزاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه) زاد أبو ذر عن الكشميهني يعني قول الله تعالى: {الذين جعلوا القرآن عضين} [الحجر: 91] أي أجزاء جمع عضة وأصلها عضوة فعلة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء حيث قالوا: بعنادهم بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل وبعضه باطل مخالف لهما فاقتسموه إلى حق وباطل وعضوه. 53 - باب إِسْلاَمُ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ -رضي الله عنه- (باب إسلام سلمان الفارسي - رضي الله تعالى عنه -) سقط لفظ باب لأبي ذر حينئذٍ فإسلام رفع. 3946 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ أَبِي ح. وَحَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ: "عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ تَدَاوَلَهُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ رَبٍّ إِلَى رَبٍّ". وبه قال: (حدّثنا الحسن بن عمر بن شقيق) بفتح الحاء وضم العين الجرمي قال: (حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان التيمي (قال أبي) سليمان بن طرخان (ح). (وحدّثنا) بواو العطف (أبو عثمان) عبد الرحمن بن مل بكسر الميم وضمها النهدي بفتح النون التابعي وعطفه بالواو ويشعر بأنه حدثه غير ذلك أيضًا (عن سلمان الفارسي) - رضي الله تعالى عنه - وسقط لفظ الفارسي لأبي ذر (أنه تداوله) تناوله (بضعة عشر) من ثلاث إلى عشرة (من رب إلى رب) أي أخذه سيد من سيد وكان حرًّا فظلموه وباعوه، وذلك أنه هرب من أبيه لطلب الحق وكان مجوسيًّا فلحق براهب ثم براهب ثم بآخر، وكان يصحب كلٍّ إلى وفاته حتى دله الأخير على ظهور النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقصده مع بعض الأعراب فغدروا به فباعوه في وادي القرى ليهودي ثم اشتراه منه يهودي آخر من بني قريظة، فقدم به المدينة، فلما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة ورأى علامات النبوّة أسلم فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كاتب عن نفسك" فكاتب على أن يغرس ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية من ذهب فغرس له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده المباركة الكل وقال: "أعينوا أخاكم" فأعانوه حتى أدى ذلك كله وعاش مائتين وخمسين سنة بلا خلاف، وقيل ثلاثمائة وخمسين، وقيل أدرك وصيّ عيسى عليه الصلاة والسلام ومات بالمدينة سنة ست وثلاثين. 3947 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَوْفٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ سَلْمَانَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "أَنَا مِنْ رَامَ هُرْمُزَ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عوف) بالفاء الأعرابي (عن أبي عثمان) النهدي أنه (قال: سمعت سلمان) الفارسي (-رضي الله عنه- يقول: أنا من رام هرمز) بفتح ميم رام من غير همز قبلها وضم هاء هرمز وسكون رائها وضم ميمها وبعدها زاي مدينة مشهورة بأرض فارس مركبة تركيب مزج كمعد يكرب فينبغي كتابة رام منفصلة عن لاحقتها. وفي حديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - عند أحمد أنه من أهل أصبهان، وكان أبوه دهقانًا، وذكر عنه أنه لما سئل عن نسبه قال: أنا ابن الإسلام. 3948 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: "فَتْرَةٌ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتُّمِائَةِ سَنَةٍ". وبه قال: (حدّثنا الحسن بن مدرك) بضم الميم وكسر الراء قال: (حدّثنا يحيى بن حماد) الشيباني البصري قال: (أخبرنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن عصام الأحول عن أبي عثمان) النهدي (عن سلمان) الفارسي - رضي الله تعالى عنه - أنه (قال: فترة) بالفاء والفوقية الساكنة والتنوين (بين) بفتح النون ولأبي ذر فترة بين بكسر النون لإضافة فترة إليه (عيسى ومحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ستمائة سنة) أي المدة التي لم يبعث فيها رسول من الله عز وجل قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: ولا يمتنع أن يكون فيها نبي يدعو إلى شريعة الرسول الأخير اهـ. وقيل إنه نبئ فيها حنظلة بن صفوان نبي أصحاب الرس وخالد بن سنان العبسي وعند الطبراني من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما ظهر بمكة وفدت عليه ابنة خالد بن سنان وهي عجوز كبيرة فرحب بها وقال: "مرحبًا بابنة أخي" كان أبوها نبيًّا وإنما ضيعه قومه وذكروا غير ذلك، لكن هذا يعارضه حديث الصحيح أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه ليس بيني وبينه نبي" وقد يجاب باحتمال أن يكون مراده نبي مرسل. ولا

64 - كتاب المغازي

دلالة في الحديث الأوّل على الترجمة إلا أن يقال إن تداوله من يد إلى يد إنما كان لطلب الإسلام، وأما الثاني والثالث فلم يظهر لي وجه المطابقة فيهما فللَّه در المؤلّف ما أدق نظره رحمه الله تعالى وأجزل ثوابه والله تعالى أعلم. بسم الله الرحمن الرحيم 64 - كتاب المغازي قال في القاموس: غزاه غزوًا أراده وطلبه وقصده كاغتزاه والعدوّ سار إلى قتالهم وانتهابهم غزوًا وغزوانًا وغزاوة وهو غاز الجمع غزى وغزى كدلى والغزيّ كغنيّ اسم جمع وأغزاه حمله عليه كغزاه ومغزى الكلام مقصده، والمغازي مناقب الغزاة وغزوي كذا قصدي، وقال غيره: المغازي جمع مغزى والمغزى يصلح أن يكون مصدرًا تقول: غزا يغزو غزوًا ومغزى ومغزاة، ويصلح أن يكون موضع الغزو لكن كونه مصدرًا متعين هنا والمراد هنا ما وقع من قصد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكفار بنفسه أو بجيش من قبله. 1 - باب غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ أَوِ الْعُسَيْرَةِ وقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَوَّلُ مَا غَزَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأَبْوَاءَ ثُمَّ بُوَاطَ ثُمَّ الْعُشَيْرَةَ. (باب غزوة العشيرة) بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة (أو العسيرة) بالشك هل هي بالمعجمة أو بالمهملة كذا بتقديم البسملة على لفظ كتاب لأبوي الوقت وذر والأصيلي ولغيرهم بتأخيرها وسقط لأبي ذر لفظ باب، وقوله أو العسيرة ولفظه بعد البسملة كتاب المغازي غزوة العشيرة حسب، ولابن عساكر باب بالتنوين في المغازي غزوة العشيرة أو العسيرة. (وقال ابن إسحاق): هو محمد بن إسحاق بن يسار أبو بكر المطلبي مولاهم المدني نزيل العراق إمام المغازي صدوق لكنه يدلس توفي سنة خمسين ومائة (أوّل ما غزا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأبواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة ممدودًا منصوب على المفعولية قربة من عمل الفرع بينها وبين الجحفة من جهة المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً وهي ودّان بفتح الواو وتشديد الدال وكانت في صفر على رأس اثني عشر شهرًا من مقدمه المدينة (ثم بواط) بضم الموحدة وفتحها وتخفيف الواو آخرها طاء مهملة جبل من جبال جهينة بقرب ينبع، وكانت في ربيع الأول سنة اثنتين (ثم العشيرة) بالشين المعجمة والتصغير آخرها هاء تأنيث ببطن ينبع، وكانت في جمادى الأولى سنة اثنتين أيضًا، وذكر الواقدي أن هذه السفرات الثلاث كان عليه الصلاة والسلام يخرج فيها ليلقى تجار قريش حين يمرون إلى الشام ذهابًا وإيابًا وبسبب ذلك كانت وقعة بدر ولم يقع في الغزوات الثلاث المذكورة حرب وسقط قوله. وقال ابن إسحاق الخ لأبي ذر نعم هو في روايته عن المستملي في آخر الباب، وفي رواية أبي ذر الإبواء وبواط العشيرة بالرفع في الثلاثة. 3949 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، كُنْتُ إِلَى جَنْبِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَقِيلَ لَهُ: كَمْ غَزَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوَةٍ؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ قِيلَ: كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ قُلْتُ: فَأَيُّهُمْ كَانَتْ أَوَّلَ؟ قَالَ: الْعُسَيْرَةُ أَوِ الْعُشَيْرُ فَذَكَرْتُ لِقَتَادَةَ فَقَالَ: الْعُشَيْرُ. [الحديث 3949 - طرفاه في: 4404، 4471]. وبه قال: (حدثني) بالإِفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا وهب) بسكون الهاء ابن جرير البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه قال: (كنت إلى جنب زيد بن أرقم) بن زيد الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - (فقيل له) القائل هو أبو إسحاق السبيعي كما بينه إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق كما في آخر المغازي (كم غزا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غزوة؟ قال: تسع عشرة) غزوة خرج فيها بنفسه، لكن روى أبو يعلى بإسناد صحيح من طريق أبي الزبير عن جابر -رضي الله عنه- أن عدد غزواته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إحدى وعشرون غزاة ففات زيد بن أرقم ذكر غزوتين منها، ويحتمل أن تكونا الأبواء وبواط ولعلهما خفيتا عليه لصغره، ويؤيده ما في مسلم بلفظ قلت: ما أول غزاة غزاها؟ قال: ذات العشيرة أو العسيرة. وعند ابن سعد المغازي سبعًا وعشرين غزوة، قيل وقاتل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنفسه منها في ثمان: بدر ثم أُحد ثم الأحزاب ثم بني المصطلق ثم خيبر ثم مكة ثم حنين ثم الطائف كما قاله موسى بن عقبة، وأهمل عدّ قريظة لأنه ضمها إلى الأحزاب لكونها كانت في أثرها وأفردها غيره لكونها وقعت منفردة بعد هزيمة الأحزاب. (قيل) أي قال: أبو إسحاق السبيعي لزيد بن أرقم (كم غزوت أنت معه؟ قال: سبع عشرة). غزوة (قلت: فأيهم

2 - باب ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- من يقتل ببدر

كانت أوّل)؟ كان حق العبارة أن يقول: فأيهن أو فأيها بتأنيث الضمير ْعلى الصواب كما لا يخفى وأوّله بعضهم على حذف مضاف أي فأي غزوتهم، وفي الترمذي عن محمود بن غيلان عن وهب بن جرير بالإسناد الذي ذكره المؤلّف بلفظ قلت فأيتهن؟ قال في الفتح: فدلّ على أن التغيير من البخاري أوَ من شيخه (قال: العسيرة أو العشير) بالتصغير فيهما وبالمهملة مع الهاء في الأولى وبالمعجمة بلا هاء في الثانية ولأبي ذر العسير بالمهملة بلا هاء أو العشيرة بالمعجمة والهاء وللأصيلي العشير أو العسير بالمعجمة في الأولى والمهملة في الثانية مع حذف الهاء والتصغير في الكل وفي نسخة عن الأصيلي العشير بفتح العين وكسر الشين المعجمة بغير هاء كذا رأيته في الفرع كأصله. وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: العشير أو العسيرة الأوّل بالمعجمة بلا هاء والثاني بالمهملة والهاء. قال شعبة بن الحجاج: (فذكرت لقتادة فقال: العشير) يعني بالمعجمة وحذف الهاء كما في الفرع وفي نسخة العشيرة بإثباتها، ولم يختلف أهل المغازي في ذلك وأنها منسوبة إلى المكان الذي وصلوا إليه واسمه العشير والعشير يذكر ويؤنث، وكان قد خرج إليها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريد عير قريش التي صدرت من مكة إلى الشام بالتجارة ليغنمها فوجدها قد مضت فبسبب ذلك كانت وقعة بدر، وزاد أبو ذر هنا عن المستملي قال ابن إسحاق: أوّل ما غزا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأبواء ثم بواط ثم العشيرة، وهذا ثابت في أوّل الباب لغير أبي ذر وسبق التنبيه عليه. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا، ومسلم في المغازي والمناسك، والترمذي في الجهاد والله تعالى أعلم. 2 - باب ذِكْرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ يُقْتَلُ بِبَدْرٍ (باب ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من يقتل ببدر) قبل وقوع غزوتها وسقط لفظ باب لأبي ذر فذكر رفع على ما لا يخفى، وفي نسخة باب ذكر من قتل ببدر. 3950 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- حَدَّثَ عَنْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ صَدِيقًا لأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا مَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، وَكَانَ سَعْدٌ إِذَا مَرَّ بِمَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ انْطَلَقَ سَعْدٌ مُعْتَمِرًا، فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ فَقَالَ لأُمَيَّةَ انْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ، فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ فَلَقِيَهُمَا أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ فَقَالَ هَذَا سَعْدٌ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: أَلاَ أَرَاكَ تَطُوفُ بِمَكَّةَ آمِنًا وَقَدْ أَوَيْتُمُ الصُّبَاةَ وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَنْصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونَهُمْ! أَمَا وَاللَّهِ لَوْلاَ أَنَّكَ مَعَ أَبِي صَفْوَانَ مَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ سَالِمًا فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ: أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي هَذَا لأَمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ، طَرِيقَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ: لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ يَا سَعْدُ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ سَيِّدِ أَهْلِ الْوَادِي فَقَالَ سَعْدٌ: دَعْنَا عَنْكَ يَا أُمَيَّةُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ". قَالَ: بِمَكَّةَ قَالَ: لاَ أَدْرِي، فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا فَلَمَّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إِلَى أَهْلِهِ قَالَ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ أَلَمْ تَرَيْ مَا قَالَ لِي سَعْدٌ؟ قَالَتْ وَمَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: بِمَكَّةَ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي فَقَالَ أُمَيَّةُ: وَاللَّهِ لاَ أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ اسْتَنْفَرَ أَبُو جَهْلٍ النَّاسَ قَالَ: أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ يَا أَبَا صَفْوَانَ إِنَّكَ مَتَى يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ أَبُو جَهْلٍ حَتَّى قَالَ: أَمَّا إِذْ غَلَبْتَنِي فَوَاللَّهِ لأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ، ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ جَهِّزِينِي فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا صَفْوَانَ وَقَدْ نَسِيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ! قَالَ: لاَ مَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلاَّ قَرِيبًا، فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ أَخَذَ لاَ يَنْزِلُ مَنْزِلاً إِلاَّ عَقَلَ بَعِيرَهُ فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ حَتَّى قَتَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِبَدْرٍ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (أحمد بن عثمان) بن حكيم الأودي قال: (حدّثنا شريح بن مسلمة) بضم الشين المعجمة آخره حاء مهملة ومسلمة بفتح الميم واللام الكوفي قال: (حدّثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يوسف بن إسحاق (عن أبي إسحاق) السبيعي أنه (قال: حدثني) بالإفراد (عمرو بن ميمون) الأزدي الكوفي أدرك الجاهلية (أنه سمع عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- حدث عن سعد بن معاذ) الأنصاري الأشهلي (أنه قال: كان صديقًا لأمية بن خلف) أبي صفوان وكان من كبار المشركين (وكان أمية إذا مرّ بالمدينة) يثرب عند سفره إلى الشام للتجارة (نزل على سعد) أي ابن معاذ (وكان سعد إذا مرّ بمكة) لأجل العمرة (نزل على أمية) بن خلف (فلما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المدينة انطلق سعد) حال كونه (معتمرًا) وكانوا يعتمرون من المدينة قبل أن يعتمر عليه الصلاة والسلام (فنزل على أمية بمكة فقال لأمية: انظر لي ساعدة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت فخرج به) أمية (قريبًا من نصف النهار) لأنه وقت غفلة وقائلة (فلقيهما أبو جهل) عمرو المخزومي عدو الله (فقال) لأمية: (يا أبا صفوان من هذا معك؟ فقال) ولأبي ذر قال: (هذا سعد فقال له) أي لسعد (أبو جهل: ألا) بتخفيف اللام للاستفهام ولأبي ذر عن الكشميهني لا بحذف همزة الاستفهام وهي مرادة (أراك) بفتح الهمزة (تطوف بمكة) حال كونك (آمنًا وقد آويتم الصباة) بمد همزة آويتم وقصرها وضم صاد الصباة وتخفيف الموحدة جمع الصابي كقضاة جمع قاض وكانوا يسمون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه المهاجرين الذين هاجروا إلى المدينة صباة من صبا إذا مال عن دينه (وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم أما) بتخفيف الميم وألف بعدها حرف استفتاح وفي اليونينية كفرعها أما بتشديدها وفي غيرهما بالتخفيف وكذا حكى الزركشي فيها تشديد الميم قيل وهو خطأ ولأبي ذر أم (والله لولا أنك مع أبي صفوان) أمية بن خلف (ما رجعت إلى أهلك سالمًا فقال له سعد ورفع صوته عليه: أما) بالتشديد في اليونينية وفرعها وفي غيرهما بالتخفيف ولأبي ذر أم (والله لئن منعتني هذا) أي الطواف بالبيت (لأمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك) بالنصب بدلاً من قوله ما هو أشد عليك منه ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف أي

هو طريقك (على المدينة فقال له) أي لسعد (أمية: لا ترفع صوتك يا سعد على أبي الحكم) بفتحتين هو عدوّ الله أبو جهل (سيد) صفة لسابقه وللأصيلي وابن عساكر فإنه سيد (أهل الوادي) أي أهل مكة (فقال سعد: دعنا عنك يا أمية) أي اترك محاماتك لأبي جهل (فوالله لقد سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إنهم) يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه (قاتلوك) وللأصيلي إنه أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاتلك، ووهم الكرماني حيث جعل الضمير لأبي جهل واستشكله فقال: إن أبا جهل لم يقتل أمية ثم تأوّل ذلك بأن أبا جهل كان السبب في خروجه إلى القتال والقتل كما يكون مباشرة يكون تسببًا (قال): أي أمية قاتلي (بمكة. قال: لا أدري ففزع) بكسر الزاي أي خاف (لذلك) الذي قاله سعد (أمية فزعًا شديدًا) بفتح الزاي وفي علامات النبوّة من طريق إسرائيل فقال: والله ما يكذب محمد إذا حدّث فبين في رواية إسرائيل سبب فزعه كما قاله في الفتح (فلما رجع أمية إلى أهله) زوجته (قال) لها: (يا أم صفوان) اسمها صفية أو كريمة بنت معمر بن حبيب بن وهب (ألم تري ما قال لي سعد؟ قالت وما قال لك؟ قال: زعم أن محمدًا) زاد في نسخة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أخبرهم أنهم قاتليّ) بتشديد الياء ولأبي ذر أنه قاتلي بإفراد الضمير وتخفيف الياء وفي هذا رد لما قاله الكرماني وتصريح بما مرّ على ما لا يخفى (فقلت له بمكة؟ قال: لا أدري فقال) ولأبي ذر قال: (أمية: والله لا أخرج من مكة فلما كان يوم بدر) زاد إسرائيل وجاء الصريخ، وعند ابن إسحاق أن اسم الصارخ ضمضم بن عمرو الغفاري وكان أبو سفيان جاء من الشام في قافلة عظيمة فيها أموال قريش فندب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس إليهم، فلما بلغ أبا سفيان ذلك أرسل ضمضمًا إلى قريش يحرّضهم على المجيء لحفظ أموالهم فلما وصل لمكة جدع بعيره وشق قميصه وصرخ يا معشر قريش أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد الغوث الغوث فلما فرغ من ذلك (استنفر أبو جهل الناس) أي طلب خروجهم (قال): ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر فقال: (أدركوا عيركم) بكسر العين أي القافلة التي كانت مع قريش ولأبي ذر عيرهم بالهاء بدل الكاف (فكره أمية أن يخرج) من مكة إلى بدر (فأتاه أبو جهل فقال) له: (يا أبا صفوان إنك متى يراك الناس قد تخلفت) كذا لابن عساكر ولأبي ذر عن الكشميهني بزيادة ما وهي الزائدة الكافة عن العمل وإثبات الألف بعد الراء من يراك ومن حقها أن تحذف لأن متى للشرط وهي تجزم الفعل المضارع وخرجه ابن مالك على أنه مضارع راء بتقديم الألف على الهمزة وهي لغة في رأى ومضارعه يراء بمدّ فهمزة فلما جزمت حذفت الألف ثم أبدلت الهمزة ألفًا فصار يرا أو على إجراء المعتل مجرى الصحيح وللأصيلي يرك بحذف الألف وهو الوجه كما لا يخفى (وأنت سيد أهل الوادي) وادي مكة (تخلفوا معك) وقد كان كل منهما سيد قومه (فلم يزل به أبو جهل حتى قال: أما) بالتشديد (إذ غلبتني) على الخروج (فوالله لأشترين أجود بعير بمكة) أي ليستعد عليه للهرب إذا خاف شيئًا وعند ابن إسحاق أن أبا جهل سلط عقبة ابن أبي معيط على أمية ليخرج فأتى عقبة بمجمرة حتى وضعها بين يديه وقال: إنما أنت من النساء وكان عقبة سفيهًا (ثم قال أمية): بعد أن اشترى البعير لزوجته (يا أم صفوان جهزيني فقالت له: يا أبا صفوان وقد نسيت ما قال لك أخوك) بالعهد سعد (اليثربي)؟ بالمثلة نسبة إلى يثرب مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام من القتل (قال: لا) أي ما نسيت ولكني (ما أريد أن أجوز) أي أنفذ أو أسلك (معهم إلا قريبًا، فلما خرج أمية أخذ لا ينزل منزلاً) بنون وزاي في رواية الكشميهني من النزول وللحموي والمستملي لا يترك بمثناة فوقية وراء وكاف من الترك والأولى أولى (إلا عقل بعيره فلم يزل بذلك) أي على ذلك (حتى قتله الله عز وجل ببدر) بيد بلال المؤذن أو غيره، ويأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه في غزوة بدر وهذا موضع الترجمة. والحديث قد سبق

3 - باب قصة غزوة بدر وقول الله تعالى:

في علامات النبوّة. 3 - باب قِصَّةُ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوَّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ} [آل عمران: 123 - 127]. وَقَالَ وَحْشِيٌّ: قَتَلَ حَمْزَةُ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيرَ ذاتِ الشوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} الشوْكَةِ: الحَدُّ. (باب قصة غزوة بدر) وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر قصة بدر وسقط لفظ باب لأبي ذر فقصة رفع، وقال في الفتح: ثبت باب في رواية كريمة. وقال العيني: ما ثبت إلا في رواية كريمة، وبدر قرية مشهورة نسبت إلى بدر بن مخلد بن النضر بن كنانة كان نزلها أو بدر اسم بئر بها سميت بذلك لاستدارتها أو لصفاء مائها فكان البدر يرى فيها. (وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على المضاف وبالرفع عطفًا على المرفوع في رواية من أسقط لفظ باب ({ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة}) حال من الضمير، وإنما قال: أذلة ولم يقل ذلائل ليدل على قلتهم مع ذلتهم لضعف الحال وقلة المراكب والسلاح لأنهم لم يأخذوا أهبة الاستعداد للقتال كما ينبغي إنما خرجوا لتلقي أبي سفيان لأخذ ما معه من أموال قريش بخلاف المشركين ({فاتقوا الله لعلكم تشكرون}) أي فاتقوا الله في الثبات معه ولا تضعفوا فإن نعمته وهي نعمة الإسلام لا يقابل شكرها إلا ببذل المهج وبفداء الأنفس والنصرة والشهادة في سبيله فاثبتوا معه لعلكم تدركون شكر هذه النعمة، أو فاتقوا الله في الثبات معه والنصرة له لتحصل لكم نعمة الظفر فتشكروها فوضع الشكر موضع النعمة إيذانًا بكونها حاصلة قاله الطيبي: ({إذ تقول للمؤمنين}) متعلق بقوله: ({ولقد نصركم الله ببدر}) أو بقوله: ({وإذ غدوت من أهلك}) فيكون المراد غزوة أحد وعمل المصنف يدل على اختياره الأول وهو قول الأكثر، وروى ابن أبي حاتم بسند صحيح إلى الشعبي أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يمدّ المشركين فشق عليهم، فأنزل الله تعالى: ({ألن يكفيكم}) قال الكواشي: أدخل همزة الاستفهام على النفي توبيخًا لهم على اعتقادهم أنهم لا ينصرون بهذا العدد فنقلته إلى إثبات الفعل على ما كان عليه مستقبلاً فقال أن يكفيكم ({أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين}) من السماء إيجاب لما بعد لن أي بلى يكفيكم ثم وعدهم الزيادة على الصبر والتقوى فقال: ({إن تصبروا وتتقوا}) أي عليكم بالصبر مع نبيكم والتقوى وتذكروا ما جرى عليكم يوم أُحد حين عدمتم الصبر والتقوى وما منحتم يوم بدر حين صبرتم واتقيتم الله من الظفر والنصر ({ويأتوكم}) أي المشركون ({من فورهم هذا}) من ساعتهم هذه ({يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة}) في حال إتيانهم من غير تأخير ({مسوّمين}) أي معلمين بالصوف الأبيض أو بالعهن الأحمر أو بالعمائم. وعند ابن مردويه مرفوعًا كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم سوداء ويوم أُحد عمائم حمرًا، وعند ابن أبي حاتم إن الزبير كانت عليه يوم بدر عمامة صفراء معترًا بها فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر ({وما جعله الله}) أي وما جعل إمدادكم ({إلاّ بشرى لكم}) بالنصر ({ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله}) لا بكثرة العدد والعدد فلا حاجة في النصر إلى المدد وإنما أمدهم ووعدهم به بشارة لهم ({العزيز}) الذي لا يغالب ({الحكيم}) الذي تجري أفعاله على ما يريد وهو أعلم بمصالح العبيد ({ليقطع}) أي أرسل الملائكة لكي تستأصل ({طرفا}) جماعة ({من الذين كفروا}) بالقتل والأسر ({أو يكبتهم}) أي يهزمهم أو يصرعهم ({فينقلبوا خائبين}) [آل عمران: 123 - 124 - 125 - 126 - 127] لم يحصلوا على ما أملوا ووقع في رواية الأصيلي بعد {وأنتم أذلة} إلى قوله: {فينقلبوا خائبين} وولأبي ذر وابن عساكر بعد قوله تعالى: {لعلكم تشكرون} إلى قوله: {فينقلبوا خائبين}. (وقال وحشي) بفتح الواو وسكون الحاء وكسر الشين المعجمة وتشديد التحتية ابن حرب الحبشي مما وصله المؤلّف في غزوة أُحد في باب قتل حمزة (قتل حمزة) بن عبد المطلب (طعيمة بن عدي) بضم الطاء وفتح العين المهملتين مصغرًا (ابن الخيار يوم بدر) بكسر الخاء المعجمة وهو وهم والصواب ابن نوفل، ويأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في غزوة أُحد، وزاد أبو ذر عن الكشميهني هنا قال أبو عبد الله البخاري: فورهم هو غضبهم وهذا تفسير عكرمة ومجاهد، وقال الراغب: الفور شدة الغليان ويقال ذلك في النار نفسها إذا هاجت في القدر والغضب قال الله تعالى:

4 - باب قول الله تعالى:

{وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ} [الملك: 7، 8]. (وقوله تعالى: {إذ}) أي اذكر إذ ({يعدكم الله إحدى الطائفتين}) عير قريش التي أقبلت مع أبي سفيان من الشام أو النفير وهو من خرج من قريش مع عتبة بن ربيعة لاستنقاذها من أيدي المسلمين ({أنها لكم}) بدل اشتمال ({وتودون}) أي تتمنون ({أن غير ذات الشوكة تكون لكم}) [الأنفال: 7] يعني العير فإنه لم يكن فيه إلا أربعون فارسًا. (الشوكة) هي (الحدّ) وهذا تفسير أبي عبيدة في المجاز مستعار من واحد الشوك وسقط قوله: {وتودون} الخ لغير أبي ذر وابن عساكر ولفظهما {أنها لكم} الآية. 3951 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله تعالى عنه - يَقُولُ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ غَيْرَ أَنِّي تَخَلَّفْتُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتَبْ أَحَدٌ عَنْهَا إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ. وبه قال: (حدثني) بالإِفراد، ولأبي ذر حدّثنا (يحيى بن بكير) وهو يحيى بن عبد الله بن بكير مصغرًا المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أن) أباه (عبد الله بن كعب) الأنصاري المدني قيل إن له رؤية (قال: سمعت) أبي (كعب بن مالك - رضي الله تعالى عنه - يقول: لم أتخلف عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك) فإني تخلفت (غير أني تخلفت عن) ولأبي ذر والوقت في (غزوة بدر ولم يعاتب) بفتح التاء مبنيًّا للمفعول (أحد) رفع نائبًا عن الفاعل ولأبي ذر عن الكشميهني ولم يعاتب الله عز وجل أحدًا (تخلف عنها) أي عن غزوة بدر بخلاف غزوة تبوك وغير كما قال الكرماني صفة والمعنى أنه ما تخلف إلا في تبوك حال مغايرة تخلف بدر لتخلف تبوك لأن التوجه لبدر لم يكن بقصد الغزو بل بقصد أخذ العير (إنما خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يريد عير قريش) ليغنمها لا القتال (حتى جمع الله بينهم) أي بين المسلمين (وبين عدوّهم) قريش (على غير ميعاد) ولا إرادة قتال، وهذا كله بخلاف غزوة تبوك ولذا لم يستثنهما بلفظ واحد بل غاير بين التخلفين كما ترى. ويأتي هذا الحديث إن شاء الله تعالى بتمامه في غزوة تبوك بعون الله تعالى وقوته. 4 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 9 - 12]. (باب قول الله) ولأبي ذر قوله (تعالى: {إذ تستغيثون ربكم}) أي اذكروا إذ تستغيثون ربكم أو بدل من إذ يعدكم أي تسألون ربكم وتدعونه يوم بدر بالنصر على عدوّكم ({فاستجاب لكم أني}) أي بأني ({ممدكم بألف من الملائكة مردفين}) متتابعين بعضهم في أثر بعض ({وما جعله الله}) أي الإمداد بالألف ({إلا بشرى}) إلا بشارة لكم بالنصر ({ولتطمئن به قلوبكم}) أي لتسكن إليه قلوبكم فيزول ما بها من الوجل لقلتكم وذلتكم ({وما النصر إلا من عند الله}) فليس بكثرة العدد والعدد ({إن الله عزيز}) يعز من يشاء بنصره ({حكيم}) فيما شرعه من قتال الكفار مع القدرة على هلاكهم ودمارهم بحوله وقوّته ({إذ يغشاكم}) أي اذكروا إذ أو بدل ثان لإظهار نعمة ثالثة من إذ يعدكم أي يغطيكم ({النعاس أمنة}) نصب مفعولاً له ({منه}) يعني أمنًا من عند الله عز وجل قال ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه -: والنعاس في القتال أمنة من الله تعالى وفي الصلاة من الشيطان لعنه الله تعالى، وقال قتادة: النعاس في الرأس والنوم في القلب، وقال ابن كثير: أما النعاس نقد أصابهم يوم أُحد وأما يوم بدر فتدل له هذه الآية أيضًا ({وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به}) من الحدث والجنابة وهو طهارة الظاهر ({ويذهب عنكم رجز الشيطان}) وسوسته وكيده وهو تطهير الباطن ({وليربط على قلوبكم}) بالصبر والإقدام على مجالدة العدوّ وهو شجاعة الباطن ({ويثبت به الأقدام}) أي بالمطر حتى لا تسوخ في الرمل وهو شجاعة الظاهر أو بالربط على القلوب حتى تثبت في المعركة. وعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: نزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني حين سار إلى بدر والمشركون بينهم وبين الماء رملة دعصة فأصاب المسلمين ضعف شديد وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ يوسوس بينهم تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلون مجنبين فأمطر الله عز

وجل عليهم مطرًا شديدًا فشرب المسلمون وتطهروا وأذهب الله عز وجل عنهم رجز الشيطان وأنشف الرمل حين أصابه المطر ومشى الناس عليه والدواب فساروا إلى القوم وأمد الله عز وجل نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمؤمنين بألف من الملائكة فكان جبريل عليه السلام في خسمائة مجنبة وميكائيل في خمسمائة مجنبة. ({إذ يوحي ربك}) متعلق بقوله: و {يثبت} أو بدل ثالث من قوله: وإذ ({إلى الملائكة أني معكم}) مفعول يوحي أي أني ناصركم ومعينكم ({فثبتوا الذين آمنوا) بشروهم بالنصر فكان الملك يمشي أمام الصف ويقول: أبشروا فإنكم كثير وعدوّكم قليل والله تعالى ناصركم ({سألقي}) سأقذف ({في قلوب الذين كفروا الرعب}) يعني الخوف من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمؤمنين ثم علم كيف يضربون ويقتلون فقال: ({فاضربوا فوق الأعناق}) أي على الأعناق التي في المذابح أو الرؤوس ({واضربوا منهم كل بنان}) أي أصابع أي حزوا رقابهم واقطعوا أطرافهم ({ذلك}) يعني الضرب والقتل ({بأنهم شاقوا الله ورسوله}) أي بسبب مشاققتهم أي مخالفتهم لهما إذ كانوا في شق وتركوا الشرع والإيمان وأتباعه في شق ({ومن يشاقق الله ورسوله}) يخالفهما ({فإن الله شديد العقاب}) [الأنفال: 9 - 13] كذا ساق الآيات كلها في رواية كريمة، ولأبي ذر وابن عساكر: {إذ تستغيثون ربكم} إلى قوله: {العقاب} وللأصيلي إلى قوله: {فإن الله شديد العقاب} وسقط لهم ما بعد ذلك. 3952 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مُخَارِقٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ مَشْهَدًا لأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهْوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: لاَ نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ} [المائدة: 24] وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ يَعْنِي قَوْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن مخارق) بضم الميم وتخفيف الخاء المعجمة وبعد الراء المكسررة قاف ابن عبد الله بن جابر البجلي الأحمسي (عن طارق بن شهاب) البجلي الأحمسي الكوفي أنه (قال: سمعت ابن مسعود) - رضي الله تعالى عنه - (يقول: شهدت من المقداد بن الأسود) -رضي الله عنه- (مشهدًا) نسب إلى الأسود لأنه كان تبناه في الجاهلية وإلاّ فاسم أبيه عمرو بفتح العين ابن ثعلبة الكندي، وقول الزركشي في التنقيح: إن ابن يكتب هنا بالألف لأنه ليس واقعًا بين علمين. تعقبه في المصابيح بأنه إذا وصف العلم بابن متصل مضاف إلى علم كفى ذلك في إيجاب حذف الألف من ابن خطأ سواء كان العلم الذي أضيف إليه ابن علمًا لأبي الأول حقيقة أو لا. وهذا ظاهر كلامهم وكون الأبوة حقيقة لم أرهم تعرضوا لاشتراطه فما أدري من أين أخذ الزركشي هذا الكلام، وقد يقال: الأب حقيقة في أبي الولادة فيحمل إطلاقهم عليه لأنه الأصل ثم لأعجب من ترتيبه نفي وقوع ابن هنا بين علمين على كون الأسود كان تبناه في الجاهلية فإن تبنيه لا يدفع صورة الواقع من كون الابن قد وقع بين علمين فتأمله. اهـ. (لأن أكون صاحبه) بفتح اللام ونصب صاحبه خبر أكون، ولأبي ذر عن الكشميهني أنا صاحبه بزيادة أنا مع الرفع والنصب أوجه قاله ابن مالك أبي صاحب المشهد أي قائل تلك المقالة التي قالها (أحب إليّ مما عدل) بضم العين وكسر الدال أي وزن (به) من شيء يقابله من الدنيويات أو الثواب أو أعم من ذلك (أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يدعو على المشركين) الواو في وهو للحال (فقال): يا رسول الله (لا نقول) بنون الجمع (كما قال قوم موسى) له: ({اذهب أنت وربك فقاتلا}) [المائدة: 24] قالوا ذلك استهانة بالله ورسوله وعدم مبالاة بهما أو تقديره: اذهب أنت وربك يعينك فإنا لا نستطيع قتال الجبابرة، وقال السمرقندي: أنت وسيدك هارون لأن هارون كان أكبر منه بسنتين أو ثلاث سنين (ولكنا نقاتل) عدوّك (عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك، فرأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشرق وجهه) أي استنار (وسرّه) عليه الصلاة والسلام (يعني قوله) أي قول المقداد - رضي الله تعالى عنه -. وعند ابن إسحاق أن هذا الكلام قاله المقداد لما وصل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الصفراء، وبلغه أن قريشًا قصدت بدرًا وأن أبا سفيان نجا بمن معه فاستشار الناس، فقام أبو بكر - رضي الله

تنبيه:

تعالى عنه - فقال فأحسن، ثم عمر -رضي الله عنه- كذلك، ثم المقداد فذكر نحو ما في حديث الباب، وزاد: والذي بعثك بالحق نبيًّا لو سلكت برك الغماد لجاهدنا معك من دونه. قال فقال أشيروا عليّ. قال: فعرفوا أنه يريد الأنصار وكان يتخوف أن لا يوافقوه لأنهم لم يبايعوه إلاّ على نصرته ممن يقصده لا أن يسير بهم إلى العدو فقال له سعد بن معاذ -رضي الله عنه-: امض يا رسول الله لما أمرت به فنحن معك. قال: فسرّه قوله ونشطه، وسقط للأصيلي وأبي ذر عن المستملي قوله يعني قوله. 3953 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ بَدْرٍ: «اللَّهُمَّ أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ». فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ. فَخَرَجَ وَهْوَ يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن عبد الله بن حوشب) بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة بينهما واو ساكنة آخره موحدة الطائفي قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا خالد) هو الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر): لما نظر إلى أصحابه وهم ثلاثماثة ونيف ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة فاستقبل عليه الصلاة والسلام القبلة فقال: (اللهم أنشدك) بضم الشين والدال مع فتح الهمزة، ولأبي ذر: إني أنشدك (عهدك ووعدك) أي أطلب منك الوفاء بما عهدت ووعدت من الغلبة على الكفار والنصر للرسول وإظهار الدين قال تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 171 - 173]: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين} [الأنفال: 7]. وعند سعيد بن منصور أنه ركع ركعتين، وعند ابن إسحاق أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: اللهم هذه قريش أتت بخيلائها وفخرها تجادل وتكذب رسولك اللهم نصرك الذي وعدتني. (اللهم إن شئت لم تعبد) أي إن شئت أن لا تعبد بعد هذا يسلطون على المؤمنين، وفي حديث عمر -رضي الله عنه- عند مسلم: اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض، وإنما قال ذلك لأنه علم أنه خاتم النبيين فلو هلك ومن معه حينئذ لم يبعث الله عز وجل أحدًا ممن يدعو إلى الإِيمان (فأخد أبو بكر) - رضي الله تعالى عنه - (بيده) عليه الصلاة والسلام (فقال: حسبك) أي يكفيك. زاد في رواية وهيب عن خالد في التفسير قد ألححت على ربك، وفي مسلم: فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه فقال: يا نبي الله كفاك بالفاء والأكثر كذاك بالذال المعجمة مناشدتك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم} [الأنفال: 9] الآية. فأمده الله عز وجل بالملائكة. قال في فتح الباري: وعرف بهذه الزيادة مناسبة الحديث للترجمة، وقال بعضهم: لما رأى عليه الصلاة والسلام الملائكة وأصحابه في الجهاد والجهاد على ضربين: بالسيف وبالدعاء، ومن سنّة الإمام أن يكون من وراء الجيش لا يقاتل معهم فلم يكن عليه الصلاة والسلام ليريح نفسه من أحد الجهادين. وقال النووي رحمه الله، قال العلماء: وهذه المناشدة إنما فعلها عليه الصلاة والسلام وأصحابه بتلك الحال لتقوى قلوبهم بدعائه وتضرعه مع أن الدعاء عبادة وقد كانوا يعلمون أن وسيلته مستجابة. (فخرج) عليه الصلاة والسلام من القبة (وهو يقول: {سيهزم الجمع ويولون الدبر}) [القمر: 45] قال الزجاج: يعني الأدبار لأن اسم الواحد يدل على الجمع أي سيفرق شملهم ويغلبون يعني يوم بدر، وفي هذا علم من أعلام النبوة لأن هذه الآية نزلت بمكة وأخبرهم أنهم سيهزمون في الحرب فكان كما قال. وعند ابن أبي حاتم عن عكرمة -رضي الله عنه- لما نزلت: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} [القمر: 45] قال عمر -رضي الله عنه-: أيّ جمع يهزم أي جمع يغلب؟ قال عمر: فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يثب في الدرع وهو يقول: " {سيهزم الجمع ويولون الدبر} "، فعرفت تأويلها يومئذ. ورواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: فذكره. تنبيه: لم يحضر ابن عباس -رضي الله عنهما- هذه القصة فحديثه هذا مرسل. قال في الفتح: ولعله أخذه عن عمر أو عن أبي بكر - رضي الله تعالى عنهما -. وفي مسلم من طريق أبي زميل بالزاي مصفرًا واسمه سماك بن الوليد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:

5 - باب

حدثني عمر -رضي الله عنه- فذكره بنحوه. وقد أخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير وكذا النسائي. 5 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة. 3954 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ؛ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّهُ سَمِعَ مِقْسَمًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] عَنْ بَدْرٍ وَالْخَارِجُونَ إِلَى بَدْرٍ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الكريم) بن مالك أبو أمية الجزري (أنه سمع مقسمًا) بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين المهملة أبا القاسم (مولى عبد الله بن الحارث) بن نوفل الهاشمي، ويقال له مولى ابن عباس -رضي الله عنهما- لشدة ملازمته (يحدث عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أنه سمعه يقول: {لا يستوي القاعدون}) عن الجهاد ({من المؤمنين} عن) غزوة (بدر والخارجون إلى بدر) في الثواب والأجر. كذا أورده المؤلّف مختصرًا وانفرد بإخراجه دون مسلم وقد رواه الترمذي من طريق حجاج عن ابن جريج عن عبد الكريم عن مقسم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} عن بدر، والحاضرون إلى بدر لما نزلت غزوة بدر قال عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم الأعميان: يا رسول الله هل لنا رخصة فنزلت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى} [النساء: 95] قال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه فقوله تعالى: {ولا يستوي القاعدون من المؤمنين} كان مطلقًا فلما نزل بوحي: {غير أولي الضرر} [النساء: 95] صار ذلك مخرجًا لذوي الأعذار المبيحة لترك الجهاد من العمى والعرج والمرض عن مساواتهم المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير وكذا الترمذي كما ترى. 6 - باب عِدَّةِ أَصْحَابِ بَدْرٍ (باب عدة أصحاب) غزوة (بدر) الذين شهدوا الوقعة ومن ألحق بهم. 3955 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ. وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو الفراهيدي الأزدي مولاهم البصري ولأبوي ذر والوقت: مسلم بن إبراهيم قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب الأنصاري (قال: استصغرت) بضم التاء مبنيًّا للمفعول (أنا وابن عمر). 3956 - وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا وَهْبٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ نَيِّفًا عَلَى سِتِّينَ وَالأَنْصَارُ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ. قال المؤلّف (وحدثني) بالإفراد، وسقطت الواو لغير أبي ذر (محمود) هو ابن غيلان قال: (حدّثنا وهب) بفتح الواو ابن جرير (عن شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء) بن عازب -رضي الله عنه- أنه (قال: استصغرت أنا وابن عمر) عند حصول القتال وعرض من يقاتل ورد من لم يبلغ على عادته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المواطن (يوم) غزوة (بدر) ولا تنافي بين قول ابن عمر -رضي الله عنهما- استصغرت يوم أُحُد وبين قول البراء هنا لأنه عرض فيهما واستصغر، وقد جاء عن ابن عمر نفسه -رضي الله عنهما- أنه عرض يوم بدر وهو ابن ثلاث عشرة سنة فاستصغر وعرض يوم أُحُد وهو ابن أربع عشرة سنة فاستصغر (وكان المهاجرون) الحاضرون (يوم بدر نيفًا على ستين) بفتح النون وتشديد التحتية وتخفف والنصب خبر كان وهو ما بين العقدين (و) كان (الأنصار نيفًا وأربعين ومائتين) نصب عطفًا على نيفًا، وفي رواية أبي ذر: نيف وأربعون ومائتان برفع نيف خبر المبتدأ الذي هو الأنصار ومائتان عطف عليه. ولمسلم: لما كان يوم بدر نظر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر. وعند ابن سعد خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى بدر في ثلاثمائة رجل وخمسة نفر كان المهاجرون منهم أربعة وسبعين وسائرهم من الأنصار وتخلف ثمانية لعلة. ضرب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسهامهم وأخرهم وهم: عثمان بن عفان -رضي الله عنه- تخلف على امرأته رقية، وطلحة بن عبيد الله، وسعيد بن زيد -رضي الله عنهما- بعثهما -رضي الله عنهما- رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتجسسان خبر العير، وأبو لبابة خلّفه على المدينة، وعاصم بن عديّ خلّفه على أهل العالية، والحرث بن حاطب ردّه من الوحاء إلى بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنه

7 - باب دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- على كفار قريش شيبة وعتبة والوليد وأبي جهل بن هشام وهلاكهم

والحرث بن الصمة وقع فكسر بالروحاء فردّه إلى المدينة وخوات بن جبير كذلك. 3957 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا أَنَّهُمْ كَانُوا عِدَّةَ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَازُوا مَعَهُ النَّهَرَ بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلاَثَمِائَةٍ قَالَ الْبَرَاءُ: لاَ وَاللَّهِ مَا جَاوَزَ مَعَهُ النَّهَرَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين الحراني قال: (حدّثنا زهير) مصغرًا ابن معاوية قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سمعت البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- يقول: حدثني) بالإفراد (أصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن شهد بدرًا) أي وقتها (أنهم كانوا عدة أصحاب طالوت) بعدم الصرف للعجمة والعلمية (الذين جازوا) بزاي مضمومة بعد الألف من غير واو وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن المستملي والحموي أجازوا (معه النهر) وهو نهر فلسطين (بضعة عشر وثلاثماثة قال البراء: لا والله ما جاوز معه النهر إلا مؤمن) وقوله: لا والله جواب كلام محذوف أي هل كان بعضهم غير مؤمن أو لا زائدة وإنما حلف تأكيدًا للخبر وكان طالوت من ذرية بنيامين شقيق يوسف بن يعقوب عليهما الصلاة والسلام وقصته مذكورة في القرآن. 3958 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ أَصْحَابِ بَدْرٍ عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهَرَ وَلَمْ يُجَاوِزْ مَعَهُ إِلاَّ مُؤْمِنٌ بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلاَثَمِائَةٍ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) بتخفيف الجيم ممدودًا ضد الخوف البصري قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء) أنه (قال: كنا أصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بنصب أصحاب (نتحدث أن عدة أصحاب) غزوة (بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا) بالواو قبل الزاي (معه النهر ولم يجاوز) بإسقاط ضمير المفعول (معه إلا مؤمن بضعة عشر وثلاثمائة). 3959 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أَصْحَابَ بَدْرٍ ثَلاَثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ بِعِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ النَّهَرَ وَمَا جَاوَزَ مَعَهُ إِلاَّ مُؤْمِنٌ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي شيبة) هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء) قال المؤلّف: (ح). (وحدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة البصري قال: (حدّثنا) وفي اليونينية أخبرنا (سفيان) الثوري (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا نتحدث أن أصحاب) غزوة (بدر ثلاثمائة وبضعة عشر بعدّة أصحاب طالوت الذين جاوزوا) بالواو وقبل الزاي (معه النهر) بفتح الهاء وقد تسكّن (وما جاوز معه إلا مؤمن) وفسر البضع بثلاثة. 7 - باب دُعَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ شَيْبَةَ وَعُتْبَةَ وَالْوَلِيدِ وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَهَلاَكُهُمْ (باب دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على كفار قريش شيبة) مجرور بالفتحة بدلاً من سابقه لا ينصرف للعلمية والتأنيث ابن ربيعة (وعتبة) بضم العين وسكون الفوقية مجرور بالفتحة كالسابق ابن ربيعة المذكور (والوليد) بن عتبة المذكور (وأبي جهل بن هشام) أي ابن المغيرة (و) بيان (هلاكهم) وسقط التبويب وما بعده إلى هنا لأبي ذر عن المستملي، وللأصيلي عن الكشميهني وثبت ذلك كله للحموي وهو أوجه لأنه لا تعلق لحديثها المسوق فيها بباب عدة أهل بدر. 3960 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْكَعْبَةَ فَدَعَا عَلَى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى قَدْ غَيَّرَتْهُمُ الشَّمْسُ وَكَانَ يَوْمًا حَارًّا. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عمرو بن خالد) الحراني قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية قال: (حدّثنا أبو إسحاق) السبيعي (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين (عن عبد الله بن مسعود) -رضي الله عنه-، ولابن عساكر: عن ابن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: استقبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكعبة) لما وضع كفار قريش على ظهره المقدس سلا الجزور وهو ساجد (فدعا على نفر من) كفار (قريش على شيبة بن ربيعة) بن عبد شمس بن عبد مناف (وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة) بضم العين وسكون الفوقية، وفي مسلم بالقاف ثم نبه على صوابه هو أو راويه لأن الوليد بن عقبة بن أبي معيط إذ ذاك كان طفلاً أو لم يكن ولد (وأبي جهل بن هشام) قال ابن مسعود -رضي الله عنه- (فأشهد بالله لقد رأيتهم) أي الأربعة (صرعى) بالقطر مطروحين بين القتلى في المصارع التي عينها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل القتال (قد غيّرتهم الشمس) أي غيرت ألوانهم إلى السواد وأجسادهم بالانتفاخ وقد بيّن سبب ذلك بقوله: (وكان يومًا حارًّا). وهذا الحديث قد سبق في الوضوء والصلاة والجهاد. 8 - باب قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ (باب قتل أبي جهل) سقطت هذه الترجمة وتبويبها لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر. 3961 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنَا قَيْسٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- أَنَّهُ أَتَى أَبَا جَهْلٍ وَبِهِ رَمَقٌ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ. وبه قال: (حدّثنا ابن نمير) محمد بن عبد الله قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي البجلي قال:

(أخبرنا قيس) هو ابن أبي حازم الأحمسي البجلي (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه- أنه أتى أبا جهل) في قتلى قريش (وبه رمق) بقية روح (يوم بدر) زاد ابن إسحاق فعرفه فوضع رجله على عنقه ثم قال له: لقد أخزاك الله يا عدوّ الله (فقال أبو جهل): وبماذا أخزاني؟ (هل أعمد) بهمزة مفتوحة فعين مهملة ساكنة فميم مفتوحة فدال مهملة أي أشرف (من رجل قتلتموه) أي ليس بعار وأعمد القوم سيدهم وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني: هل أعذر بذال معجمة فراء يبسط بذلك عذر نفسه فيما اتفق من قتله بيد قومه. 3962 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ؟» فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ قَالَ: آأَنْتَ أَبُو جَهْلٍ قَالَ: فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ قَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ أَوْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ؟ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ: أَنْتَ أَبُو جَهْلٍ. [الحديث 3962 - طرفاه في: 3963، 4020]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية الجعفي قال: (حدّثنا سليمان) بن طرخان (التيمي) وسقط التيمي لأبي ذر (أن أنسًا) -رضي الله عنه- (حدثهم قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال المؤلّف: (ح). (وحدثني) بالإفراد (عمرو بن خالد) بفح العين الحرّاني قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية (عن سليمان التيمي) ثبت التيمي في اليونينية وسقط من فرعها (عن أنس -رضي الله عنه-) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر أن أنسًا حدثهم (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من ينظر ما صنع أبو جهل؟ فانطلق ابن مسعود -رضي الله عنه- فوجده قد ضربه ابنا عفراء) بفتح العين المهملة وسكون الفاء وفتح الراء بعدها همزة ممدودًا معاذ ومعوّذ وفي مسلم أن اللذين قتلاه معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ ابن عفراء وهو ابن الحرث وعفراء أمه وهي ابنة عبيد بن ثعلبة النارية (حتى برد) بفتح الموحدة والراء أي مات أو صار في حال من مات ولم يبق فيه سوى حركة المذبوح ويؤيد هذا التفسير الأخير قوله: (قال: أأنت) بهمزة الاستفهام (أبو جهل) بواو الرفع ولابن عساكر والأصيلي وأبي ذر عن الحموي والكشميهني أبا جهل بالألف بدل الواو على لغة من يثبت الألف في الأسماء الستة في كل حال كقوله: إن أباها وأبا أباها أو النصب على النداء أي أنت مصروع يا أبا جهل وهذا هو المعتمد من جهة الرواية، فقد صرح إسماعيل ابن علية عن سليمان التيمي بأنه هكذا نطق بها فكان الرفع من إصلاح بعض الرواة. (قال) أنس -رضي الله عنه-: (فأخذ) ابن مسعود -رضي الله عنه- (بلحيته) متشفيًا منه بالقول والفعل لأنه كان يؤذيه بمكة أشد الأذى (قال): أي أبو جهل ولابن عساكر فقال: (وهل فوق رجل قتلتموه) أي لا عار عليّ في قتلكم إياي قاله النووي. (أو) قال: هل فوق (رجل قتله قومه) شك سليمان. (قال أحمد بن يونس) شيخ المؤلّف قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: (أنت أبو جهل) بالواو على الأصل فخالف عامة الرواة وسقط قال أحمد لأبي ذر، والحديث أخرجه مسلم في المغازي. 3963 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ بَدْرٍ: «مَنْ يَنْظُرُ مَا فَعَلَ أَبُو جَهْلٍ؟» فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ: أَنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ أَوْ قَالَ قَتَلْتُمُوهُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) الزمن العنزي قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد بن إبراهيم البصري وأبو عدي كنية إبراهيم (عن سليمان) بن طرخان (التيمي عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر): (من ينظر ما فعل أبو جهل) (فانطلق ابن مسعود) -رضي الله عنه- (فوجده قد ضربه ابنا عفراء) وللإسماعيلي من طريق يحيى القطان عن سليمان التيمي أن أنسًا -رضي الله عنه- سمعه من ابن مسعود -رضي الله عنه- ولفظه: عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر: "من يأتينا بخبر" أبي جهل قال يعني ابن مسعود -رضي الله عنه-: فانطلقت فإذا ابنا عفراء وقد اكتنفاه فضرباه (حتى برد) وفي مسلم حتى برك بالكاف بدل الدال أي سقط وكذا هو عند أحمد. قال عياض: وهذه أولى لأنه قد كلم ابن مسعود -رضي الله عنه- فلو كان مات لم يكلم ابن مسعود (فأخذ بلحيته فقال): أي ابن مسعود -رضي الله عنه- له (أنت أبا جهل) بالألف كما مرّ وقيل بإضمار أعني، وتعقبه السفاقسي بأن شرط هذا الإضمار أن تكثر النعوت (قال): أبو جهل (وهل فوق رجل قتله قومه أو قال قتلتموه) بالشك كالسابق، وعند ابن إسحاق وزعم رجال من بني مخزوم أن ابن مسعود

-رضي الله عنه- كان يقول: قال لي أبو جهل لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبًا. قال: ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: يا رسول الله هذا رأس عدو الله أبي جهل، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الله الذي لا إله غيره قال: قلت نعم والله الذي لا إله غيره ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحمد الله تعالى. 0000 - حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ نَحْوَهُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (ابن المثنى) محمد العنزي قال: (أخبرنا) ولأبي الوقت: حدّثنا (معاذ بن معاذ) بضم الميم آخره معجمة فيهما ابن نصر أبو المثنى البصري القاضي قال: (حدّثنا سليمان) التيمي قال (أخبرنا أنس بن مالك نحوه) نحو الحديث السابق. 3964 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَتَبْتُ عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي بَدْرٍ يَعْنِي حَدِيثَ ابْنَيْ عَفْرَاءَ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: كتبت عن يوسف بن الماجشون) قال الكرماني: وتبعه العيني: هو كناية عن سمعت لأن الكتابة لازم السماع عادة وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ظاهره أنه كتبه ولم يسمعه منه وقد تقدم في الخُمس مطولاً عن مسدد عن يوسف موصولاً (عن صالح بن إبراهيم عن أبيه) إبراهيم (عن جده) عبد الرحمن بن عوف والضمير لصالح (في) قصة (بدر يعني حديث ابني عفراء) معاذ ومعوذ السابق في الخُمس. 3965 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَالَ: قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] قَالَ: هُمُ الَّذِينَ تَبَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ. [الحديث 3965 - أطرافه في: 3967، 4744]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن عبد الله الرقاشي) بفتح الراء والقاف المخففة وبعد الألف شين معجمة البصري قال: (حدّثنا معتمر قال: سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي (يقول: حدّثنا أبو مجلز) بكسر الميم وسكون الجيم وبعد اللام المفتوحة زاي لاحق بن حميد السدوسي التابعي -رضي الله عنه- (عن قيس بن عباد) بضم العين وتخفيف الموحدة الضبعي البصري (عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: أنا أول من يجثو) بالجيم والمثلثة أي يبرك على ركبتيه (بين يدي الرحمن) من مجاهدي هذه الأمة (للخصومة يوم القيامة. وقال قيس بن عباد) بالسند السابق (وفيهم) أي في علي وحمزة وعبيدة بن الحارث (أنزلت: {هذان خصمان}) فريقان مختصمان فالخصم صفة وصف بها الفريق ({اختصموا في ربهم}) [الحج: 19] بالجمع حملاً على المعنى لأن كل خصم تحته أشخاص (قال: هم الذين تبارزوا) من البروز وهو الخروج من بين الصفين على الانفراد للقتال (يوم) وقعة (بدر) أحدهم (حمزة) بن عبد المطلب (و) الثاني (علي) هو ابن أبي طالب (و) الثالث (عبيدة) وأبو عبيدة بضم العين مصغرًا (ابن الحارث) -رضي الله عنهم- (و) الرابع (شيبة بن ربيعة و) الخامس أخوه (عتبة بن ربيعة و) السادس ولده (الوليد بن عتبة) فبارز حمزة شيبة وعلي الوليد بن عتبة وعبيدة عتبة واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربين فأثخن كل واحد منهما صاحبه وكرّ حمزة وعلي بسيفيهما على عتبة فذففا عليه واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابه، وكانت الضربة وقعت في ركبته فمات منها لما رجعوا بالصفراء، ويقال: إن عبيدة للوليد وعليًّا لشيبة، والسند بذلك أصح إلا أن الأول أنسب لأن عبيدة وشيبة كانا شيخين كعتبة وحمزة بخلاف علي والوليد فكانا شابين. 3966 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: نَزَلَتْ {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] فِي سِتَّةٍ مِنْ قُرَيْشٍ: عَلِيٍّ وَحَمْزَةَ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ. [الحديث 3966 - أطرافه في: 3968، 3969، 4743]. وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف ابن عقبة السوائي الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري (عن أبي هاشم) يحيى بن دينار الرماني لنزوله قصر الرمان الواسطي (عن أبي مجلز) لاحق السدوسي (عن قيس بن عباد) بتخفيف الموحدة (عن أبي ذر) جندب الغفاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: نزلت: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} في ستة من قريش علي وحمزة وعبيدة بن الحارث) -رضي الله عنهم- (وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة) وهؤلاء الستة بعضهم أقارب بعض إذ الكل من عبد مناف، فالثلاثة الأول المسلمون من بني عبد مناف اثنان من بني هاشم وعبيدة من بني المطلب، وباقيهم مشركون من بني عبد شمس بن عبد مناف. وهذا الحديث أخرجه في التفسير، ومسلم في آخر صحيحه، والنسائي في السير والمناقب والتفسير، وابن ماجه في الجهاد. 3967 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّوَّافُ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ كَانَ يَنْزِلُ فِي بَنِي ضُبَيْعَةَ وَهْوَ مَوْلًى لِبَنِي سَدُوسَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ - رضي الله تعالى عنه -: فِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن

إبراهيم الصوّاف) قال: (حدّثنا يوسف بن يعقوب) السدوسي مولاهم (كان ينزل في بني ضبيعة) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة (وهو مولى لبني سدوس) بفتح السين وضم الدال قال: (حدّثنا سليمان) بن طرخان (التيمي عن أبي مجلز) لاحق (عن قيس بن عباد) بضم العين وتخفيف الموحدة أنه (قال: قال علي - رضي الله تعالى عنه -: فينا نزلت هذه الآية {هذان خصمان اختصموا في ربهم}) [الحج: 19] أي في دينه تعالى. 3968 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ -رضي الله عنه- يُقْسِمُ لَنَزَلَتْ هَؤُلاَءِ الآيَاتُ فِي هَؤُلاَءِ الرَّهْطِ السِّتَّةِ يَوْمَ بَدْرٍ نَحْوَهُ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني (يحيى بن جعفر) البخاري البيكندي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر وابن عساكر حدّثنا (وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح الرؤاسي بضم الراء ثم همزة فمهملة الكوفي الثقة الحافظ العاب (عن سفيان) الثوري -رضي الله عنه- (عن أبي هاشم) يحيى الرماني (عن أبي مجلز) لاحق (عن قيس بن عباد) أنه (قال: سمعت أبا ذر) الغفاري (-رضي الله عنه- يقسم) بضم التحتية أي يحلف بالله (لنزلت) بلام التأكيد وتاء التأنيث، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: لنزل (هؤلاء الآيات) {هذان خصمان} [الحج: 19] إلى تمام ثلاث آيات (في هؤلاء الرهط الستة يوم بدر نحوه) أي سياق حديث قبيصة عن سفيان السابق. 3969 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو هَاشِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسٍ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَرَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ. وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي) ثبت الدورقي لأبي ذر قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء مصغرًا ابن بشر الواسطي قال: (أخبرنا أبو هاشم) الرماني، ولأبي ذر: عن أبي هاشم (عن أبي مجلز) لاحق (عن قيس) وللأصيلي وابن عساكر عن قيس بن عباد أنه قال: (سمعت أبا ذر) الغفاري -رضي الله عنه- (يقسم قسمًا) بالنصب مفعولاً مطلقًا (أن هذه الآية {هذان خصمان اختصموا في ربهم} نزلت في الذين برزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث) -رضي الله عنهم- (وعتبة وشيبة ابني ربيعة) بن عبد شمس (والوليد بن عتبة) وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال: اختصم المسلمون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولى بالله تعالى منكم. وقال المسلمون: كتابنا يقضي على الكتب كلها ونبينا خاتم الأنبياء فنحن أولى بالله تعالى منكم، فأنزل الله عز وجل الآية. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية مثل الكافر والمؤمن اختصما في البعث، وهذا يشمل الأقوال كلها وينتظم فيه قصة بدر وغيرها فإن المؤمنين يريدون نصرة دين الله والكافرين يريدون إطفاء نور الإيمان وخذلان الحق وظهور الباطل، وهذا اختيار ابن جرير وهو حسن، ولذا قال: فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار. 3970 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُولِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَأَلَ رَجُلٌ الْبَرَاءَ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ: أَشَهِدَ عَلِيٌّ بَدْرًا قَالَ: بَارَزَ وَظَاهَرَ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (أحمد بن سعيد) بكسر العين ابن إبراهيم الرباطي المروزي (أبو عبد الله) الأشقر قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور السلولي) الكوفي وثبت السلولي لابن عساكر قال: (حدّثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه قال: (سأل رجل) قال ابن حجر رحمه الله: لم أقف على اسمه، ويحتمل أن يكون هو الراوي فأبهم اسمه (البراء) بن عازب (وأنا أسمع) الواو للحال (قال: أشهد) بهمزة الاستفهام الاستخباري أي أحضر (عليّ) هو ابن أبي طالب -رضي الله عنه- (بدرًا؟ قال): البراء نعم شهد وقعة بدر و (بارز) من المبارزة (وظاهر) أي لبس درعًا على درع. 3971 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ فَذَكَرَ قَتْلَهُ وَقَتْلَ ابْنِهِ فَقَالَ بِلاَلٌ: لاَ نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أُمَيَّةُ. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن عبد الله الأويسي (قال: حدثني) بالإفراد (يوسف بن الماجشون) بكسر الجيم والنون (عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه) عن إبراهيم (عن جده عبد الرحمن) بن عوف -رضي الله عنه- أحد العشرة أنه (قال: كاتبت أمية بن خلف) أي كتبت له. زاد في الوكالة: كتابًا بأن يحفظني في صياغتي بصاد مهملة وغين معجمة أي مالي أو حاشيتي أو أهلي ومن يصغي إلي أي يميل وأحفظه في صياغته بالمدينة، فلما ذكرت له الرحمن قال: لا أعرف الرحمن كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية فكاتبته عبد عمرو (فلما كان يوم بدر فذكر قتله) أي قتل أمية (وقتل ابنه) عليّ

(فقال بلال): المؤذن لما رآه (لا نجوت إن نجا أمية) زاد في الوكالة فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه اسمه عليّ لأشغلهم فقتلوه ثم أبوا حتى يتبعونا، وكان رجلاً ثقيلاً فلما أدركونا قلت له: ابرك فبرك فألقيت عليه نفسي لأمنعه فتخللوه بالسيوف حتى قتلوه، وكان أمية قد عذب بلالاً في المستضعفين بمكة ويرحم الله القائل: هنيئًا زادك الرحمن فضلاً ... فقد أدركت ثارك يا بلال 3972 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَرَأَ {وَالنَّجْمِ} [النجم: 1] فَسَجَدَ بِهَا وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ غَيْرَ أَنَّ شَيْخًا أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ فَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو ابن عبد الله بن عثمان (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عثمان بن جبلة المروزي (عن شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله) تعالى (عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قرأ والنجم فسجد بها) عند فراغه منها (وسجد من معه غير أن شيخًا) هو أمية بن خلف (أخذ كفًّا من تراب فرفعه إلى جبهته فقال: يكفيني هذا. قال عبد الله) بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - (فلقد رأيته) أي الرجل (بعد قتل كافرًا). وسبق هذا الحديث في باب سجدة النجم من سجود القرآن. 3973 - حدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ فِي الزُّبَيْرِ ثَلاَثُ ضَرَبَاتٍ بِالسَّيْفِ، إِحْدَاهُنَّ فِي عَاتِقِهِ، قَالَ: إِنْ كُنْتُ لأُدْخِلُ أَصَابِعِي فِيهَا، قَالَ: ضُرِبَ ثِنْتَيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ وَوَاحِدَةً يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، قَالَ عُرْوَةُ وَقَالَ لِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ حِينَ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: يَا عُرْوَةُ هَلْ تَعْرِفُ سَيْفَ الزُّبَيْرِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا فِيهِ؟ قُلْتُ: فِيهِ فَلَّةٌ فُلَّهَا يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ: صَدَقْتَ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ، ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى عُرْوَةَ. قَالَ هِشَامٌ: فَأَقَمْنَاهُ بَيْنَنَا ثَلاَثَةَ آلاَفٍ، وَأَخَذَهُ بَعْضُنَا وَلَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ أَخَذْتُهُ. وبه قال: (أخبرني) بالإفراد ولابن عساكر وأبي ذر: حدثني بالإفراد أيضًا وللأصيلي حدّثنا (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (هشام بن يوسف) قاضي صنعاء (عن معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد عالم اليمن (عن هشام) ولأبي ذر: أخبرنا هشام (عن) أبيه (عروة) بن الزبير -رضي الله عنه- أنه (قال: كان في الزبير) بن العوام (ثلاث ضربات) بفتح الراء كالضاد (بالسيف إحداهن في عاتقه) ما بين عنقه ومنكبه، وقد سبق في مناقب الزبير من طريق ابن المبارك عن هشام بن عروة أن الضربات الثلاثة كن في عاتقه، وكذا في الرواية اللاحقة (قال) عروة: (إن كنت لأدخل أصابعي فيها) ولأبي ذر عن الكشميهني: فيهن، واللام في لأدخل للتأكيد (قال) عروة: (ضرب) بضم أوله مبنيًّا للمفعول (ثنتين يوم بدر وواحدة يوم اليرموك) بفتح التحتية وقد تضم وسكون الراء وضم الميم وبعد الواو الساكنة كاف موضع بين أذرعات ودمشق كانت به وقعة عظيمة في خلافة عمر - رضي الله تعالى عنه - بين المسلمين والروم، وكان أمير المسلمين أبو عبيدة بن الجراح وأمير الروم من قبل هرقل باهان بالموحدة أو الميم الأرمني سنة خمس عشرة بعد فتح دمشق وقيل قبله سنة ثلاث عشرة، واستشهد فيها من المسلمين أربعة آلاف وقتل من الروم زهاء مائة ألف وخمسة آلاف وأسر أربعون ألفًا، وكان في المسلمين من البدريين مائة رجل. (قال عروة): بالسند السابق (وقال لي عبد الملك بن مروان حين قتل) أخي (عبد الله بن الزبير) أي وأخذ الحجاج ما وجد له فأرسله إلى عبد الملك وكان من جملته سيفه، وخرج عروة إلى عبد الملك بالشام (يا عروة هل تعرف سيف الزبير؟ قلت: نعم قال: فما فيه؟ قلت: فيه فلة) بفتح الفاء واللام المشددة (فلها) بضم الفاء وفتح اللام مشددة مبنيًّا للمفعول والضمير للفلة أي كسرت قطعة من حدّه (يوم) وقعة (بدر قال) عبد الملك: (صدقت) ثم قال: ما هو مشهور للنابغة الذبياني (بهن فلول) بضم الفاء واللام مخففة كسور في حدّها (من قراع الكتائب) بكسر القاف والكتائب بالمثناة الفوقية جمع كتيبة وهي الجيش أي ضرب الجيوش بعضهم بعضًا وهذا مصراع بيت أوله: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم وهو من المدح في معرض الذم لأن الفل في السيف نقص حسي لكنه لما كان دليلاً على قوة ساعد صاحبه كان من جملة كماله (ثم ردّه) أي ردّ عبد الملك السيف (على عروة). (قال هشام): هو ابن عروة بالسند السابق (فأقمناه) أي قومنا السيف (بيننا) بأن نظرنا ما تساوي قيمته فإذا هو يساوي (ثلاثة آلاف وأخذه بعضنا) من الوارثين وهو عثمان بن عروة أخو هشام. قال هشام: (ولوددت) بفتح اللام والواو وكسر الدال الأولى وسكون الثانية (أني كنت أخذته). ومطابقة

الحديث للترجمة في قوله فيه فلة فلها يوم بدر إذ فيه التصريح بحضور الزبير وقعة بدر فدخل في عدّة أصحاب بدر. 3974 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ سَيْفُ الزُّبَيْرِ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ. قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ سَيْفُ عُرْوَةَ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (فروة) بفتح الفاء وسكون الراء ابن أبي المغراء بفتح الميم وسكون الغين المعجمة ممدودًا الكنديّ الكوفي واسم أبي المغراء معد يكرب (عن علي) هو ابن مسهر ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: حدّثنا علي (عن هشام عن أبيه) عروة أنه (قال كان سيف) أبي (الزبير) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر الزبير بن العوّام (محلّى) بالحاء المهملة واللام المشددة المفتوحتين من الحلية (بفضة. قال هشام): بالسند السابق (وكان سيف) أبي (عروة) بن الزبير (على بفضة) أيضًا. 3975 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالُوا لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ: أَلاَ تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي إِنْ شَدَدْتُ كَذَبْتُمْ. فَقَالُوا: لاَ نَفْعَلُ فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ حَتَّى شَقَّ صُفُوفَهُمْ فَجَاوَزَهُمْ وَمَا مَعَهُ أَحَدٌ ثُمَّ رَجَعَ مُقْبِلاً فَأَخَذُوا بِلِجَامِهِ فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ عُرْوَةُ: كُنْتُ أُدْخِلُ أَصَابِعِي فِي تِلْكَ الضَّرَبَاتِ أَلْعَبُ وَأَنَا صَغِيرٌ، قَالَ عُرْوَةُ: وَكَانَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمَئِذٍ وَهْوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ فَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ وَكَّلَ بِهِ رَجُلاً. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) قال الدارقطني: هو أحمد بن محمد بن ثابت يعرف بابن شبويه وقال الحاكم أبو عبد الله وأبو نصر الكلاباذي: هو أحمد بن محمد بن موسى المروزي يعرف بمردويه وزاد الكلاباذي السمسار، ورجح المزي وغيره هذا الثاني وهو المراد هنا قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا هشام بن عروة) ثبت ابن عروة في اليونينية (عن أبيه) عروة (أن أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالوا للزبير يوم) وقعة (اليرموك: ألا) للتخصيص (تشد فنشدّ معك) بضم الشين المعجمة فيهما أي ألا تحمل على المشركين فنحمل معك عليهم (فقال): ولأبي ذر: وقال (إني إن شددت) عليهم (كذبتم) أي أخلفتم (فقالوا): ولابن عساكر قالوا (لا نفعل) ما ذكرت من الكذب. وقال الكرماني: يحتمل أن يكون قولهم لا ردًا لكلامه أي لا نخلف ولا نكذب ثم قالوا: نفعل أي الشد (فحمل) الزبير (عليهم) أي على الروم (حتى شق صفوفهم فجاوزهم وما معه أحد) ممن قال له ألا تشد فنشد معك (ثم رجع) الزبير حال كونه (مقبلاً) إلى أصحابه (فأخذوا) أي الروم (بلجامه) أي بلجام فرسه (فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها) بضم الضاد وكسر الراء (يوم بدر) وهذا مخالف للسابق إذ قال: ضرب اثنتين يوم بدر وواحدة يوم اليرموك. قال صاحب فتح الباري: فإن كان اختلافًا على هشام فرواية ابن المبارك أثبت لأن في حديث معمر عن هشام مقالا وإلا فيحتمل أن يكون كان فيه في غير عاتقه ضربتان أيضًا فيجمع بذلك بين الروايتين. (قال عروة): بالسند المتقدم (كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير) وقوله ألعب وأنا صغير زيادة على الرواية السابقة هنا وبالزيادة أيضًا في المناقب (قال عروة): أيضًا (وكان معه) أي مع الزبير (عبد الله بن الزبير يومئذ) أي يوم وقعة اليرموك (وهو ابن عشر سنين) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: هو بحسب إلغاء الكسر وإلاّ فسنّه حينئذ كان على الصحيح تقديرًا ثنتي عشرة سنة (فحمله على فرس) لأنه أنس منه الفروسية (ثم وكل) ولأبي ذر وابن عساكر: ووكل (به رجلاً) لم أعرف اسمه ليحفظه لئلا يهجم على العدو بما عنده من الفروسية على ما لا طاقة له به لا سيما عند اشتغال الزبير بالقتال. 3976 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا ثُمَّ مَشَى وَتَبَعَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا: مَا نُرَى يَنْطَلِقُ إِلاَّ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ، فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ يَا فُلاَنُ بْنَ فُلاَنٍ وَيَا فُلاَنُ بْنَ فُلاَنٍ أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لاَ أَرْوَاحَ لَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ". قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنَقمَةً وَحَسْرَةً وَنَدَمًا. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي أنه (سمع روح بن عبادة) بفتح الراء وعبادة بضم العين وتخفيف الموحدة ابن العلاء القيسي البصري قال: (حدّثنا سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري مولاهم البصري (عن قتادة) بن دعامة (قال: ذكر لنا أنس بن مالك) - رضي الله تعالى عنه - (عن أبي طلحة) زيد بن طلحة الأنصاري (أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمر يوم بدر) بعد الفراغ من القتال (بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد) كفار (قريش) بفتح الصاد المهملة من ساداتهم وشجعانهم ممن قتله الله عز وجل من السبعين (فقذفوا) بضم القاف وكسر المعجمة مبنيًا للمفعول فطرحوا (في طويّ) بفتح الطاء المهملة وكسر الواو وتشديد التحتية بئر مطوية أي مبنية بالحجارة (من أطواء بدر خبيث) غير طيب (مخبث) بضم الميم وكسر الموحدة من أخبث إذا اتخذ أصحابًا خبثًا وطرح باقي السبعين في مواضع أخرى. وعند الواقدي كما نبه عليه في الفتح أن

القليب المذكور كان قد حفره رجل من بني النار فناسب أن يلقى فيه هؤلاء الكفار (وكان) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إذا ظهر) أي غلب (على قوم أقام بالعرصة) بفتح العين وسكون الراء كل موضع واسع لا بناء فيه (ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر) عليه الصلاة والسلام (براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى وتبعه أصحابه) بفتح الفوقية وكسر الموحدة في الفرع والذي في أصله والناصرية واتبعه بألف وصل وسديد الفوقية وفتح الموحدة (وقالوا: ما نرى) بضم النون ما نظن (ينطلق) عليه الصلاة والسلام (إلا لبعض حاجته حتى قام على شفة الركيّ) أي طرف البئر ولأبي ذر: شفير بدل شفة الركي بفتح الراء وكسر الكاف التحتية البئر قبل أن تطوى ويجمع بينه وبين السابق بأنها كانت مطوية فاستهدمت فصارت كالركي (فجعل) عليه الصلاة والسلام (يناديهم) أي قتلى كفار قريش (بأسمائهم وأسماء آبائهم) توبيخًا لهم (يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان). وفي رواية حميد عن أنس -رضي الله عنه- عند أحمد وابن إسحاق فنادى: يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف ويا أبا جهل بن هشام، ولم يكن أمية بن خلف في القليب لأنه كان ضخمًا فانتفخ فألقوا عليه من الحجارة والتراب ما غيّبه، فالظاهر أنه كان قريبًا من القليب فناداه مع من نادى من رؤسائهم (أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا) من الثواب (حقًّا) قال: (فهل وجدتم ما وعد ربكم)؟ من العذاب (حقًّا) وتقديره وعدكم ربكم فحذف كم لدلالة ما وعدنا ربنا عليه (قال) أبو طلحة: (فقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- مستفهمًا (يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها) ولأبي ذر عن الكشميهني فيها (فقال رسول الله) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) من القتلى الذين ألقوا في القليب. (قال قتاة): بالإسناد السابق (أحياهم الله حتى أسمعهم قوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (توبيخًا وتصغيرًا ونقمة) كذا بفتح النون وكسر القاف مصححًا عليهما في حاشية اليونينية في أصلهما نقيمة بزيادة تحتية ساكنة بعد القاف لكنه ضبب عليها وفي الناصرية نقمة بكسر النون وسكون القاف (وحسرة وندمًا) أي لأجل التوبيخ فالمنصوبات للتعليل ومراد قتادة بهذا التأويل الردّ على من أنكر أنهم لا يسمعون. 3977 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبرهيم: 28] قَالَ: هُمْ وَاللَّهِ كُفَّارُ قُرَيْشٍ. قَالَ عَمْرٌو: هُمْ قُرَيْشٌ، وَمُحَمَّدٌ نِعْمَةُ اللَّهِ {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبرهيم: 28] قَالَ: النَّارَ يَوْمَ بَدْرٍ. [الحديث 3977 - طرفه في: 4700]. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عن عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن عطاء) هو ابن أنس رباح (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه قال في تفسير قوله تعالى: ({والذين بدلوا نعمة الله كفرًا}) [إبراهيم: 28] (قال: هم والله كفار قريش) بدلوا أي غيروا نعمة الله عليهم في محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث ابتعثه منهم كفروا به (قال عمرو): هو ابن دينار (هم قريش ومحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نعمة الله) أنعم به عليهم فكفروا نعمة الله عز وجل ({وأحلوا قومهم}) الذين تابعوهم على الكفر ({دار البوار}) [إبراهيم: 28] (قال) عمرو مما هو موقوف عليه كالسابق: (النار) نصب على المفعولية (يوم بدر) ظرف لأحلوا. 3978 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ». فَقَالَتْ إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ، وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الآنَ». 3979 - قَالَتْ: وَذَاكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ عَلَى الْقَلِيبِ وَفِيهِ قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ: «إِنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ إِنَّمَا قَالَ: إِنَّهُمُ الآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ». ثُمَّ قَرَأَتْ {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] وَ {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 35]. تَقُولُ حِينَ تَبَوَّءُوا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النَّارِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبيد بن إسماعيل) الهباري القرشي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة أنه (قال: ذكر) بضم الذال المعجمة وكسر الكاف (عند عائشة -رضي الله عنها- أن ابن عمر رفع إلى النبي) أي قال قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الميت يعذب) بفتح الذال المعجمة ولأبي ذر ليعذب (في قبره ببكاء أهله) عليه. ولمسلم عن عمرة عن عائشة -رضي الله عنها- أنها ذكر عندها أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يقول: إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه أي سواء كان الباكي من أهل الميت أم لا. فليس الحكم مختصًّا بأهله فقوله هنا ببكاء أهله خرج مخرج الغالب (فقالت: إنما) ولأبي ذر عن الكشميهني فقالت: وهل بكسر الهاء أي غلط وبفتحها نسي ابن عمر -رحمه الله- إنما (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنه ليعذب بخطيئته وذنبه وإن أهله) أي والحال

9 - باب فضل من شهد بدرا

أن أهله (ليبكون عليه الأن قالت: وذاك) بغير لام ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر وذلك (مثل) بكسر الميم وسكون المثلثة (قوله) أي قول ابن عمر (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قام على القليب وفيه قتلى بدر من المشركين فقال لهم ما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: مثل ما (قال) أي ابن عمر -رضي الله عنهما- في تعذيب الميت. (إنهم ليسمعون ما أقول) بيان لقوله مثل ما قال (إنما قال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق) ولأبي ذر عن الكشميهني: لحق أي ووهم ابن عمر فقال: ليسمعون بدل ليعلمون والعلم كما قال البيهقي وغيره: لا يمنع السماع فلا تنافي بين ما أنكرته وأثبته ابن عمر وغيره (ثم قرأت) عائشة -رضي الله عنها- مستدلة لما ذهبت إليه: ({إنك لا تسمع الموتى}) [النمل: 80] (و) قوله تعالى: ({ما أنت بمسمع من في القبور}) [فاطر: 35] فحملت ذلك على الحقيقة ومن ثم احتاجت إلى التأويل في قوله: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم والذي عليه جماعة من المفسرين وغيرهم أنه مجاز وأن المراد بالموتى ومن في القبور الكفار شبهوا بالموتى وهم أحياء حيث لا ينتفعون بمسموعهم كما لا تنتفع الأموات بعد موتهم وصيرورتهم إلى قبورهم وهم كفار بالهداية والدعوة، وحينئذ فلا دليل في هذا على ما نفته عائشة -رضي الله عنها-. قال عروة: (تقول) بالفوقية أي عائشة -رضي الله عنها-، ولغير أبي ذر يقول بالتحتية أي عروة مبينًا لمراد عائشة -رضي الله عنها- من قوله: إنك لا تسمع الموتى (حتى تبوؤوا) أي اتخذوا (مقاعدهم من النار) فأشار إلى أن إطلاق النفي في الآية مقيد بحالة استقرارهم في النار. 3980 - 3981 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: وَقَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ فَقَالَ: «هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا»؟ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّهُمُ الآنَ يَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ» فَذُكِرَ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ: إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّهُمُ الآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ هُوَ الْحَقُّ». ثُمَّ قَرَأَتْ {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] حَتَّى قَرَأَتِ الآيَةَ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عثمان) بن أبي شيبة إبراهيم الكوفي أنه قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سلمان (عن هشام عن أبيه) عروة (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه قال: (وقف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قليب بدر فقال): يخاطب من ألقي فيه من كفار قريش. (هل وجدتم ما وعد ربكم) من العقاب (حقًّا؟ ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (إنهم الآن يسمعون) ولابن عساكر: ليسمعون (ما أقول فذكر) بضم الذال المعجمة وكسر الكاف قول ابن عمر العائشة) -رضي الله عنها- (فقالت: إنما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم) من التوحيد والإيمان وغيرهما (هو الحق ثم قرأت) قوله: {إنك لا تسمع الموتى} [النمل: 80] [حتى قرأت الآية]. وأجيب: بأنه لا يسمعهم وهم موتى، ولكن الله عز وجل أحياهم حتى سمعوا كما قال قتادة، وفي مغازي ابن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد، وأخرجه أحمد بإسناد حسن عن عائشة -رضي الله عنها- مثل حديث أبي طلحة وفيه: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" فإن كان محفوظًا فلعلها رجعت عن الإنكار لما ثبت عندها من رواية الصحابة لكونها لم تشهد القصة، وقد قال السهيلي: إذا جاز أن يكونوا في هذه الحالة عالمين جاز أن يكونوا سامعين وذلك إما بآذان رؤوسهم على قول الأكثر أو بآذان قلوبهم، وقد تمسك به من يقول: إن السؤال يتوجه على الروح والجسد ورده من قال: إنما يتوجه على الروح فقط بأن الإسماع يحتمل أن يكون لأذن الرأس وأذن القلب فلم يبق فيه حجة اهـ. وقد أنكر عذاب القبر بعض المعتزلة والروافض محتجين بأن الميت جماد لا حياة له ولا إدراك فتعذيبه محال. وأجيب: بأنه يجوز أن يخلق الله تعالى في جميع الأجزاء أو في بعضها نوعًا من الحياة قدر ما يدرك ألم العذاب، وهذا لا يلزم منه إعادة الروح إلى الجسد ولا أن يتحرك ويضطرب أو يرى العذاب عليه حتى أن الغريق في الماء والمأكول في بطون الحيوانات والمصلوب في الهواء يعذب وإن لم نطلع نحن عليه. 9 - باب فَضْلُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا (باب فضل من شهد) من المسلمين (بدرًا) مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقاتلاً للمشركين، وسقط الباب لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر. 3982 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: أُصِيبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَهْوَ غُلاَمٌ فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّي فَإِنْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ وَإِنْ تَكُ الأُخْرَى تَرَى مَا أَصْنَعُ؟ فَقَالَ: «وَيْحَكِ أَوَ هَبِلْتِ؟ أَوَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ؟ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّهُ فِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين وإسكان الميم

الأزدي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري أحد الأعلام (عن حميد) الطويل أنه (قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- يقول: أصيب حارثة) بن سراقة الأنصاري (يوم) وقعة (بدر) رماه ابن العرقة بسهم وهو يشرب من الحوض فقتله (وهو غلام فجاءت أمه) الربيع بنت النضر عمة أنس -رضي الله عنه- (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني فإن يكن) بالتحتية وثبوت النون أي حارثة، وللأربعة: فإن يك بحذفها، ولأبي ذر والأصيلي أيضًا فإن تكن بالفوقية والنون أي منزلته (في الجنة أصبر وأحتسب وإن تك الأخرى) بفوقية بغير نون ولأبي ذر والأصيلي تكن بالفوقية والنون (ترى) بمدة وبعد الراء ياء في الكتابة من غير همزة وللأصيلي ولأبي ذر عن الكشميهني: تر بغير ياء مع العصر مجزومًا (ما أصنع) بسكون العين في اليونينية وفرعها (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ويحك) بكسر الكاف كلمة ترحم وإشفاق (أَوَ هبلت) بفتح الواو للعطف على مقدر والهاء وكسر الموحدة وسكون اللام والهمزة للاستفهام أبك جنون أما لك عقل أو فقدت عقلك مما أصابك من الثكل بابنك حتى جهلت صفة الجنة (أوَ جنة واحدة هي) بفتح الهمزة للاستفهام والواو للعطف (إنها جنان كثيرة) في الجنة (وإنه) أي ابنك حارثة (في جنة الفردوس) وهي أفضلها. 3983 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: سَمِعْتُ حُصَيْنَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَا مَرْثَدٍ وَالزُّبَيْرَ وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْنَا الْكِتَابُ فَقَالَتْ: مَا مَعَنَا كِتَابٌ فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا فَقُلْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ فَلَمَّا رَأَتِ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهْيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي فَلأَضْرِبْ عُنُقَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ»؟ قَالَ حَاطِبٌ: وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لاَ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَقَالَ: «صَدَقَ وَلاَ تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقَالَ: «أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ»؟ فَقَالَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ «اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ، أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي قال: (أخبرنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي (قال: سمعت حصين بن عبد الرحمن) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين السلمي الكوفي (عن سعد بن عبيدة) بإسكان العين في الأول وضمها في الثاني مصغرًا السلمي (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن خبيب بن ربيعة بفتح الموحدة وتشديد التحتية (السلمي) الكوفي المقرئ مشهور بكنيته ولأبي صحبة (عن علي -رضي الله عنه-) أنه (قال: بعثني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبا مرثد) بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة. زاد الغنوي بفتح الغين المعجمة والنون (والزبير) زاد الأربعة ابن العوّام (وكلنا فارس) وهذا لا ينافي ما وقع في باب الجاسوس من الجهاد أنه بعث مع علي الزبير والمقداد إذ رواية الجهاد لا تنفي الزائد هنا (قال: انطلقوا) بكسر اللام (حتى تأتوا روضة خاخ) بمعجمتين موضع بين مكة والمدينة (فإن بها امرأة من المشركين) اسمها سارة على المشهور (معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة) سقط لابن عساكر ابن أبي بلتعة (إلى المشركين) من أهل مكة صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل يخبرهم ببعض أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأدركناها) حال كونها (تسير على بعير لها حيث قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فقلنا) لها أخرجي (الكتاب. فقالت: ما معنا كتاب) ولأبي ذر الكتاب (فأنخناها) أي أنخنا البعير الذي هي عليه (فالتمسنا) الكتاب (فلم نر كتابًا فقلنا) ولأبوي ذر والوقت قلنا (ما كذب) بفتحتين، وللأصيلي: ما كذب بضم الكاف وكسر المعجمة مخففة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لتخرجن الكتاب) بضم الفوقية وسكون المعجمة وكسر الراء والجيم والنون الثقيلة (أو لنجردنك) الثياب (فلما رأت الجد) بكسر الجيم (أهوت) بيدها (إلى حجزتها) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم بعدها زاي معقد الإِزار (وهي محتجزة بكساء فأخرجته) أي الكتاب من حجزتها (فانطلقنا بها) بالصحيفة المكتوب فيها (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فلما قرئت (فقال عمر: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه) بالجزم وفتح اللام ولأبي ذر فلأضرب بكسر اللام وفتح الباء الموحدة وللأصيلي لأضرب كذلك لكن بإسقاط الفاء (فقال) له (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): وسقط لفظ النبي والتصلية لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر. (ما حملك على ما صنعت)؟ يا حاطب (قال حاطب: والله) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر قال: والله (ما بي أن لا) بفتح الهمزة (أكون) ولأبي ذر عن الحموي

10 - باب

إلا أن أكون بكسر الهمزة، ولأبي ذر عن الكشميهني: ما بي أن أكون بفتح همزة أن وحذف لا (مؤمنًا بالله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية لأبي ذر (أردت أن تكون لي عند القوم) مشركي قريش (يد) نعمة ومنّة عليهم (يدفع الله بها عن أهلي ومالي وليس أحد من أصحابك إلا له هناك) بمكة (من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله. فقال): النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (صدق ولا تقولوا له إلا خيرًا فقال عمر: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني أضرب عنقه). قال في المصابيح: هذا مما استشكله جدًّا وذلك لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد شهد له بالصدق ونهى أن يقال له إلا الخير، فكيف ينسب بعد ذلك إلى خيانة الله ورسوله والمؤمنين وهو مناف للأخبار بصدقه والنهي عن إذايته، ولعل الله عز وجل يوفق للجواب عن ذلك اهـ. وقد أجيب: بأن هذا على عادة عمر في القوّة في الدين وبغضه للمنافقين فظن أن فعله هذا موجب لقتله، لكن لم يجزم بذلك، ولذا استأذن في قتله، وأطلق عليه النفاق لكونه أبطن خلاف ما أظهر والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عذره لأنه كان متأولاً إذ لا ضرر في فعله. (فقال) عليه الصلاة والسلام (أليس) أي حاطب (من أهل بدر) وكأن عمر -رضي الله عنه- قال: وهل كونه من أهل بدر يسقط هذا الذنب؟ فأجاب بقوله (فقال): عليه الصلاة والسلام (لعل الله اطلع على أهل بدر فقال) تعالى مخاطبًا لهم خطاب تشريف وخصوصية (اعملوا ما شئتم) في المستقبل (فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم) بالشك من الراوي والمراد غفرت لكم في الآخرة (فدمعت عينا عمر) - رضي الله تعالى عنه - (وقال: الله ورسوله أعلم). والتعبير بالخبر بلفظ الماضي في قوله: غفرت مبالغة في تحقيقه وكلمة لعل في كلام الله ورسوله للوقوع. وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند أحمد وأبي داود: إن الله تعالى اطّلع فأسقط لفظ لعل وليس المراد من قوله: اعملوا ما شئتم الإباحة إذ هو خلاف عقد الشرع، فيحتمل أن يكون المراد أنه لو قدر صدور ذنب من أحد منهم لبادر بالتوبة ولازم الطريقة المثلى، وقيل غير ذلك مما سبق في باب الجاسوس من كتاب الجهاد والله تعالى الموفق والمعين على الإكمال والمتفضل بالقبول. 10 - باب هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة. 3984 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ بَدْرٍ: «إِذَا أَكْثَبُوكُمْ فَارْمُوهُمْ وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد الجعفي) المسندي وسقط الجعفي لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر قال: (حدّثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله (الزبيري) بضم الزاي وليس من نسل الزبير بن العوّام، وسقط الزبيري لأبي ذر وابن عساكر قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن الغسيل) اسمه حنظلة (عن حمزة بن أبي أسيد) بالحاء المهملة والزاي وأسيد بضم الهمزة وفتح المهملة مصغرًا اسمه مالك بن ربيعة الأنصاري الساعدي المدني المتوفى في خلافة الوليد بن عبد الملك (والزبير بن المندر بن أبي أسيد عن أبي أسيد) مالك بن ربيعة المذكور (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال لنا رسول الله) ولأبي ذر وابن عساكر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر): (إذا أكثبوكم) بالمثلثة المفتوحة أي قربوا منكم، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أكتبوكم بالمثناة الفوقية (فارموهم) بالنبل (واستبقوا) بالفوقية والموحدة الساكنة والقاف المضمومة (نبلكم) أي إذا كانوا على بُعد فلا ترموهم فإنه إذا رمي عن البعد سقط في الأرض فلا يحصل الغرض من نكاية العدوّ وإذا صانها عن هذا استبقاها لوقت حاجته إليه عند القرب. 3985 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ وَالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ بَدْرٍ «إِذَا أَكْثَبُوكُمْ: يَعْنِي كَثَرُوكُمْ فَارْمُوهُمْ وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم) المعروف بصاعقة قال: (حدّثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله (الزبيري) قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن الغسيل) حنظلة (عن حمزة بن أبي أسيد) مالك (والمنذر بن أبي أسيد) مالك ولد في عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسماه فعدّ في الصحابة لذلك وهذا كما تراه في الفرع كأصله وغيرهما من الأصول المعتمدة والمنذر بإسقاط الزبير الثابت في الرواية الأولى. قال الكرماني: والمفهوم من بعض الكتب أن الزبير هو المنذر نفسه سماه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمنذر لكن

قال في الفتح، وأبعد من قال: إن الزبير هو المنذر نفسه وفي نسخة نبه عليها في الكواكب، ولم يذكر الحافظ ابن حجر -رحمه الله- غيرها، والزبير بن أبي أسيد بدل قوله والمنذر بن أبي أسيد فأسقط لفظ المنذر الثابت بعد الزبير في الرواية الأولى، فقيل إنه هو المذكور في الأولى ونسبه في الثانية إلى جده، وصوب في الفتح أن الزبير الثاني عم الأول (عن أبي أسيد -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال لنا رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر): (إذا أكثبوكم) بالمثلثة (يعني كثروكم) بالمثلثة أيضًا مخففة، ولأبي ذر وابن عساكر: أكثروكم. قيل: وهذا التفسير غير معروف في اللغة والكثب والقرب كما مرّ فمعنى أكثبوكم قاربوكم والهمزة للتعدية. وقال ابن فارس: أكثب الصيد إذا أمكن من نفسه فالمعنى إذا قربوا منكم فأمكنوكم من أنفسهم (فارموهم) بالنبل (واستبقوا) بسكون الموحدة (نبلكم) في الحالية التي إذا رميتم بها لا تصيب غالبًا فأما إذا صاروا إلى الحالة التي يمكن فيها الإصابة غالبًا فارموا. 3986 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ أَصَابُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً سَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلاً. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عمرو بن خالد) بفتح العين ابن فروخ الجزري الحراني قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سمعت البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: جعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الرماة يوم أُحُد عبد الله بن جبير) بضم الجيم مصغرًا الأنصاري أميرًا (فأصابوا منا) أي أصاب المشركون من المسلمين (سبعين) بالموحدة بعد السين (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه أصابوا) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: أصاب (من المشركين يوم بدر أربعين ومائة وسبعين) بالموحدة بعد السين (أسيرًا وسبعين) بالموحدة أيضًا (قتيلاً قال أبو سفيان): صخر بن حرب (يوم بدر والحرب سجال) بكسر السين المهملة أي نوب نوبة لنا ونوبة له كما قال في الحديث السابق ينال منا وننال منه أي يصيب منا ونصيب منه. 3987 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أُرَاهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ بَعْدُ وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن العلاء) أبو كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة مصغرًا ابن عبد الله (عن جده أبي بردة) عامر بن أبي موسى (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (أراه) بضم الهمزة أظنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (وإذا الخير) قطعة من حديث مرّ في علامات النبوة بهذا الإسناد أوله عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفًا فانقطع صدره فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أُحُد، ثم هززته بأخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء الله عز وجل به من الخير وثواب الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها بقرًا والله خير فإذا هم المؤمنون يوم أُحُد وإذا الخير (ما جاء الله به من الخير بعد) بضم الدال أي بعد يوم أُحُد (وثواب الصدق) برفع ثواب مصححًا عليه في الفرع كأصله وبالجر عطفًا على الخير (الذي أتانا بعد يوم) غزوة (بدر) الثانية من تثبت قلوب المؤمنين لأن الناس قد جمعوا لهم وخوفوهم فزادهم ذلك إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل. 3988 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إبْراهِيمَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إِنِّي لَفِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ إِذِ الْتَفَتُّ فَإِذَا عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَتَيَانِ حَدِيثَا السِّنِّ فَكَأَنِّي لَمْ آمَنْ بِمَكَانِهِمَا إِذْ قَالَ لِي أَحَدُهُمَا سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ يَا عَمِّ أَرِنِي أَبَا جَهْلٍ فَقُلْتُ: يَا ابْنَ أَخِي وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: عَاهَدْتُ اللَّهَ إِنْ رَأَيْتُهُ أَنْ أَقْتُلَهُ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ، فَقَالَ لِي الآخَرُ سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلَهُ، قَالَ: فَمَا سَرَّنِي أَنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَكَانَهُمَا فَأَشَرْتُ لَهُمَا إِلَيْهِ فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى ضَرَبَاهُ وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (يعقوب بن إبراهيم) كذا لأبي ذر بإثبات ابن إبراهيم وكذا للأصيلي فيما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله، وقال المزي: إنه الدورقي وقد سقط ما ثبت في روايتهما لغيرهما فجزم الكلاباذي بأنه حميد بن كاسب، وجوّز الحاكم أن يكون يعقوب بن محمد الزهري. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: إما أن يكون الدورقي أو ابن محمد الزهري. قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن إبراهيم (عن جده) عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- أنه (قال: قال عبد الرحمن بن عوف: إني لفي الصف يوم) وقعة (بدر إذا التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان) زاد في باب من لم يخمس الأسلاب من الخُمس من الأنصار (حديثا السن فكأني لم آمن) بمد الهمزة وفتح الميم من العدوّ (بمكانهما) أي بجهة

مكانهما وهو كناية عنهما، كأنه لم يثق بهما لأنه لم يعرفهما فلم يأمن أن يكونا من العدوّ، وفي مغازي ابن عائذ بإسناد منقطع فأشفقت أن يؤتى الناس من قبلي لكوني بين غلامين حديثين (إذ قال لي أحدهما سرًّا من صاحبه: يا عمّ أرني أبا جهل فقلت) له (يا ابن أخي وما) بالواو ولابن عساكر ما (تصنع به؟ قال: عاهدت الله) عز وجل (إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه) قال العيني: الأولى أن "أو" بمعنى "إلى" أي إلى أن أموت دونه (فقال لي الآخر سرًّا من صاحبه مثله. قال) عبد الرحمن (فما سرني أني بين رجلين مكانهما فأشرت لهما إليه) أي إلى أبي جهل (فشدّا عليه مثل الصقرين) اللذين يصاد بهما (حتى ضرباه) بسيفهما حتى قتلاه (وهما) أي الفتيان معاذ ومعوّذ (ابنا عفراء) بفتح العين وسكون الفاء ممدودًا اسم أمهما وأبوهما الحارث بن رفاعة. 3989 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشَرَةً عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَةِ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ فَنَفَرُوا لَهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمُ التَّمْرَ فِي مَنْزِلٍ نَزَلُوهُ فَقَالُوا: تَمْرُ يَثْرِبَ فَاتَّبَعُوا آثَارَهُمْ فَلَمَّا حَسَّ بِهِمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى مَوْضِعٍ فَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ فَقَالُوا لَهُمْ انْزِلُوا فَأَعْطُوا بِأَيْدِيكُمْ وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ أَنْ لاَ نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ: أَيُّهَا الْقَوْمُ أَمَّا أَنَا فَلاَ أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عَاصِمًا وَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ عَلَى الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ مِنْهُمْ خُبَيْبٌ وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ وَرَجُلٌ آخَرُ فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا قَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ وَاللَّهِ لاَ أَصْحَبُكُمْ إِنَّ لِي بِهَؤُلاَءِ أُسْوَةً يُرِيدُ الْقَتْلَى فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَانْطُلِقَ بِخُبَيْبٍ وَزَيْدِ بْنِ الدَّثِنَةِ حَتَّى بَاعُوهُمَا بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَابْتَاعَ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ خُبَيْبًا وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى أَجْمَعُوا قَتْلَهُ فَاسْتَعَارَ مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ فَدَرَجَ بُنَىٌّ لَهَا وَهْيَ غَافِلَةٌ حَتَّى أَتَاهُ فَوَجَدَتْهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ، قَالَتْ: فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فَقَالَ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ فِي يَدِهِ وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرَةٍ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّهُ لَرِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ خُبَيْبًا فَلَمَّا خَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَتَرَكُوهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْلاَ أَنْ تَحْسِبُوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَزِدْتُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا وَلاَ تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ أَبُو سِرْوَعَةَ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا الصَّلاَةَ وَأَخْبَرَ يَعْنِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُصِيبُوا خَبَرَهُمْ، وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ أَنْ يُؤْتَوْا بِشَىْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ وَكَانَ قَتَلَ رَجُلاً عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ فَبَعَثَ اللَّهُ لِعَاصِمٍ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْطَعُوا مِنْهُ شَيْئًا. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: ذَكَرُوا مُرَارَةَ بْنَ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيَّ وَهِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيَّ رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال: (أخبرنا ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عمر بن أسيد بن جارية) بضم العين في الأول. وعن ابن السكن عمير بالتصغير والأول أصح وبفتح الهمزة وكسر المهملة بعدها تحتية ساكنة في الثاني وبالجيم في الثالث، وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن المستملي والكشميهني: عمرو بفتح العين، وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن المستملي: ابن أسيد، ولأبي ذر عن الحموي: ابن أبي أسيد بزيادة أبي، وفي الفتح عن الكشميهني: عمرو بن جارية فنسبه إلى جده، وسبق في باب: هل يستأسر الرجل من كتاب الجهاد عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية (الثقفي) بالمثلثة (حليف بني زهرة) بضم الزاي وسكون الهاء (وكان) عمر (من أصحاب أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشرة) من الرجال (عينًا) نصب بدلاً من عشرة أي جاسوسًا سبق تسمية بعضهم في الجهاد وهو: مرثد الغنوي، وخالد بن البكير الليثي، وعاصم بن ثابت أميرهم، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وعبد الله بن طارق، ومعتب بن عبيد البلوي (وأمّر) بتشديد الميم (عليهم عاصم بن ثابت) بالمثلثة ابن أبي الأقلح (الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب) لأمه واسمها جميلة بفتح الجيم (حتى إذا كانوا بالهدة) بفتح الهاء والدال المهملة المشددة بلا همز ولأبي ذر والأصيلي بالهدأة بفتح الدال مخففة بعدها همزة مفتوحة وفي نسخة صحيحة كما قال في اليونينية بالهدأة بتسكين الدال مع الهمزة موضع (بين عسفان ومكة ذكروا) بضم المعجمة (لحيّ من هذيل) بضم الهاء وفتح المعجمة (يقال لهم: بنو لحيان) بكسر اللام مصححًا عليها في الفرع كأصله وحكى فتحها ابن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر (فنفروا لهم) بتخفيف الفاء وتشدد أي استنجدوا لهم (بقريب من مائة رجل رام) بالنبل (فاقتصوا) بالقاف والصاد المهملة أي اتبعوا (آثارهم حتى وجدوا مأكلهم) في مكان أكلهم (التمر في منزل نزلوه فقالوا): بالفاء ولأبي ذر عن الكشميهني قالوا وللحموي والمستملي فقال أي القوم هذا (ثمر يثرب) بالمثلثة (فاتبعوا آثارهم فلما حس) صوابه كما قال السفاقسي: أحس رباعيًا أي علم (بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى موضع فأحاط بهم القوم فقالوا): أي بنو لحيان (لهم) لعاصم وأصحابه (أنزلوا) وسقط لأبي ذر لفظ لهم (فأعطوا بأيديكم) بقطع همزة فاعطوا وحذف المفعول الأول أي انقادوا وسلموا ولأبي ذر عن الكشميهني فاعطونا (ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدًا، فقال عاصم بن ثابت) لأصحابه (أيها القوم أما) بتشديد الميم (أنا فلا أنزل في ذمة كافر) أي في عهده (اللهم) ولغير أبي ذر ثم قال: اللهم (أخبر) بقطع الهمزة وكسر الموحدة (عنا نبيك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (فرموهم) بضم الميم في اليونينية وفرعها أي رمى الكفار المسلمين (بالنبل) بفتح النون وسكون الموحدة بالسهام العريية (فقتلوا) أمير القوم (عاصمًا) زاد في الجهاد في سبعة أي من

العشرة (ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق منهم: خبيب) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأولى مصغرًا ابن عدي الأنصاري (وزيد بن الدثنة) بفتح الدال المهملة وكسر المثلثة وفتح النون (ورجل آخر) هو عبد الله بن طارق البلوي (فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم) بالمثناة الفوقية (فربطوهم بها. قال الرجل الثالث): عبد الله بن طارق (هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة) بضم الهمزة ولأبي ذر إسوة بكسرها أي افتداء (يريد القتلى فجرروه) بالجيم وتشديد الراء الأولى المفتوحتين (وعالجوه) زاد في الجهاد على أن يصحبهم أي إلى مكة (فأبى أن يصحبهم) وفي غزوة الرجيع: أنهم قتلوه. (فانطلق) بضم الطاء مبنيًّا للمفعول (بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما) زاد في الجهاد بمكة (بعد وقعة بدر فابتاع) اشترى (بنو الحارث بن عامر بن نوفل) وهم عقبة وأبو سروعة وأخوهما لأمهما حجير بن أبي أهيب (خبيبًا) واشترى ابن الدثنة صفوان بن أمية (وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر) انتقده الحافظ الشرف الدمياطي بأن خبيبًا هذا هو ابن عدي لم يشهد بدرًا، وإنما الذي شهدها وقتل الحارث هو خبيب بن يساف انتهى. والذي في الاستيعاب لابن عبد البر وأُسد الغابة لابن الأثير أن خبيب بن عدي شهد بدرًا وزاد الأول أن عقبة بن الحارث اشترى خبيب بن عدي وكان قد قتل أباه وذكر الأبيات في ترجمة خبيب بن يساف وشهد بدرًا وقتل أمية بن خلف. (فلبث خبيب) يعني ابن عديّ (عندهم) عند بني الحارث (أسيرًا) لأنهم كانوا أخروه حتى تنقضي الأشهر الحرم (حتى أجمعوا قتله فاستعار من بعض بنات الحارث موسى) بعدم الصرف لأنه على وزن فعلى أو بالصرف على أنه على وزن مفعل (يستحد) أي يحلق (بها) شعر عانته لئلا يظهر عند فتله (فأعارته) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: فأعارت بحذف ضمير النصب (فدرج) بجيم وفتحات أي ذهب (بنيّ لها) بضم الموحدة مصغرًا (وهي غافلة عنه حتى أتاه) أي أتى البنيّ إلى خبيب (فوجدته مجلسه) بضم الميم اسم فاعل من الإِجلاس مضاف إلى المفعول (على فخذه والموسى بيده) ولابن عساكر في يده (قالت: ففزعت) بكسر الزاي لما رأت الصبي على فخذه والموسى بيده خوفًا أن يقتله (فزعة عرفها خبيب فقال: أتخشين) بهمزة الاستفهام (أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك) بكسر الكاف (قالت: والله ما رأيت أسيرًا) زاد أبو ذر عن الكشميهني قط (خيرًا من خبيب، والله لقد وجدته يومًا يأكل قطفًا) بكسر القاف عنقودًا (من عنب في يده وأنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة) بالمثلثة (وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبًا) كرامة له والكرامة ثابتة للأولياء كالمعزة للأنبياء (فلما خرجوا به) بخبيب (من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب: دعوني أصلّي ركعتين فتركوه فركع ركعتين) في موضع مسجد التنعيم (فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع) من القتل (لزدت) في الصلاة (ثم قال: اللهم أحصهم عددًا) بهمزة قطع وبالحاء الساكنة والصاد المكسورة المهملتين أهلكهم واستأصلهم بحيث لا تبقي أحدًا منهم (واقتلهم بددًا) بفتح الموحدة والدال المهملة الأولى مصدر بمعنى المتبدد أي ذوي بدد قاله السهيلي. ويروى بكسر الموحدة جمع بدة وهي القطعة من الشيء المتبدد وهو نصب على الحال من المدعو عليهم، أما على الثاني فواضح أي متفرقين، وأما على الأول فعلى أن يكون التقدير ذوي بدد. قال في المصابيح: ويجري فيه وجهان آخران أن يكون بددًا نفسه حالاً على جهة المبالغة أو على تأويله باسم الفاعل، وعند السهيلي في روضه أن الدعوة أجيبت فيمن مات كافرًا ومن قتل منهم بعد هذه الدعوة فإنما قتلوا بددًا غير معسكرين ولا مجتمعين. (ولا تبق منهم أحدًا ثم أنشأ يقول): ولأبي ذر وابن عساكر: وقال بدل قول ثم أنشأ يقول. (فلست أبالي حين أقتل) بضم الهمزة وفتح الفوقية حال كوني (مسلمًا ... على أي جنب كان لله مصرعي.

وذلك) أي القتل (في ذات الإله) أي في وجهه تعالى وطلب رضاه وثوابه (وإن يشأ ... يبارك على) وفي نسخة في (أوصال شلو) بكسر المعجمة وسكون اللام أي جسد (ممزع) بالزاي مقطع. والبيتان من قصيدة ذكرها ابن إسحاق أوّلها: لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا ... قبائلهم واستجمعوا كل مجمع وقد قربوا أبناءهم ونساءهم ... وقربت من جذع طويل ممنع وكلهم يبدي العداوة جاهدًا ... عليّ لأني في وثاق بمضيع إلى الله أشكو غربتي بعد كربتي ... وما جمع الأحزاب لي عند مصرعي فذا العرش صبرني على ما أصابني ... فقد بضعوا لحمي وقد ضلّ مطمعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع وقد عرّضوا بالكفر والموت دونه ... وقد ذرفت عيناي من غير مدمع وما بي حذار الموت إني لميت ... ولكن حذاري حرّ نار تلفع فلست بمبد للعدو تخشعًا ... ولا جزعًا إني إلى الله مرجعي فلست أبالي حين أقتل الخ. (ثم قام إليه) إلى خبيب (أبو سروعة) بكسر السين المهملة وسكون الراء وفتح الواو والعين لمهملة وبفتح السين لأبي ذر والأصيلي عن الحموي والمستملي (عقبة بن الحارث فقتله، وكان خبيب هو سنّ لكل مسلم قُتل صبرًا) أي مصبورًا يعني محبوسًا للقتل (الصلاة) وإنما صار ذلك سنّة لأنه فعل في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستحسنه وأقرّه (وأخبر يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) وفي نسخة وأخبر بضم الهمزة وكسر الموحدة أصحابه (يوم أصيبوا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أصيب أي كل واحد منهم (خبرهم) وسقط قوله يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لغير ابن عساكر، وعند البيهقي في دلائله أن خبيبًا لما قال: اللهم إني لا أجد رسولاً إلى رسولك يبلغه عني السلام جاء جبريل عليه السلام فأخبره بذلك (وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت) أمير السرية (حين حدثوا) بضم الحاء وكسر الدال المهملتين (أنه قتل أن يؤتوا) بضم التحتية وفتح الفوقية (بشيء منه يعرف) به كرأسه (وكان) عاصم (قتل رجلاً عظيمًا من عظمائهم) يوم بدر هو عقبة بن أبي معيط وسقط لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر قوله عظيمًا (فبعث الله لعاصم مثل الظلة) بضم الظاء المعجمة وتشديد اللام السحابة المظلة (من الدبر) بفتح المهملة وإسكان الموحدة ذكور النحل أو الزنابير (فحمته) حفظته (من رسلهم فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئًا) لأنه كان حلف أن لا يمس مشركًا ولا يمسه مشرك فبرّ الله قسمه. وسبق هذا الحديث في الجهاد. (وقال كعب بن مالك): في حديثه الطويل الآتي إن شاء الله تعالى في غزوة تبوك (ذكروا) بفتح العين المهملة وسكون الميم (وهلال بن أمية الواقفي) بقديم القاف على الفاء (رجلين صالحين قد شهدا بدرًا) وهذا يرد على الدمياطي وغيره حيث قالوا: لم يذكر أحد مرارة وهلالاً في البدريين وما في الصحيح أصح والمثبت مقدم على النافي. 3990 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدَ حَدَّثَنَا اللَيْثٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- ذُكِرَ لَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَكَانَ بَدْرِيًّا مَرِضَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ فَرَكِبَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ تَعَالَى النَّهَارُ وَاقْتَرَبَتِ الْجُمُعَةُ وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط ابن سعيد لغير أبي ذر قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام -رضي الله عنه- كذا في الفرع بالتعريف وفي أصله ليث (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر -رضي الله عنهما- ذكر له) بضم الذال المعجمة (أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) أحد العشرة المبشرة (وكان بدريًّا) لم يشهد بدرًا لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثه هو وطلحة يتجسسان الأخبار فوقع القتال قبل أن يرجعا فألحقهما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمن شهدها وضرب لهما بسهميهما وأجرهما فكانا كمن شهدها (مرض) أي سعيد (في يوم جمعة

فركب إليه) ابن عمر ليعوده (بعد أن تعالى النهار واقتربت الجمعة وترك الجمعة) لعذر إشراف قريبه سعيد على الهلاك إذ كان ابن عم عمر وزوج أخته. 3991 - وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَرْقَمِ الزُّهْرِيِّ يَأْمُرُهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الأَسْلَمِيَّةِ فَيَسْأَلَهَا عَنْ حَدِيثِهَا وَعَنْ مَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حِينَ اسْتَفْتَتْهُ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَرْقَمِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ يُخْبِرُهُ أَنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ ابْنِ خَوْلَةَ وَهْوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهْيَ حَامِلٌ فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَقَالَ لَهَا مَا لِي أَرَاكِ تَجَمَّلْتِ لِلْخُطَّابِ تُرَجِّينَ النِّكَاحَ فَإِنَّكِ وَاللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ قَالَتْ سُبَيْعَةُ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَىَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي وَأَمَرَنِي بِالتَّزَوُّجِ إِنْ بَدَا لِي. تَابَعَهُ أَصْبَغُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ مَوْلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ وَكَانَ أَبُوهُ شَهِدَ بَدْرًا أَخْبَرَهُ. [الحديث 3991 - طرفه في 5319]. (وقال الليث) بن سعد الإِمام -رضي الله عنه- مما وصله قاسم بن أصبغ في مصنفه: (حدثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: حدثني) بالتوحيد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن أباه) عبد الله (كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم) بن عبد يغوث (الزهري يأمره أن يدخل على سبيعة) بضم السين المهملة وفتح الموحدة (بنت الحارث الأسلمية فيسألها عن حديثها وعن ما) بفصل عن من لاحقتها ولأبي ذر: وعما (قال لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين استفتته) عن ذلك (فكتب عمر بن عبد الله بن الأرقم إلى عبد الله بن عتبة) بن مسعود (يخبره أن سبيعة بنت الحارث) الأسلمية (أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة) بسكون العين وفتح الخاء المعجمة وسكون الواو (وهو من بني عامر بن لؤي) من أنفسهم أو حليف لهم (وكان ممن شهد بدرًا فتوفي عنها في حجة الوداع) اتفاقًا خلافًا لابن جرير حيث قال: توفي سنة سبع (وهي حامل فلم تنشب) بالفوقية المفتوحة والنون الساكنة والمعجمة المفتوحة بعدها موحدة أي فلم تلبث (أن وضعت حملها بعد وفاته) بليال أو بخمسة وعشرين أو أقل (فلما تعلت) بفتح العين المهملة وتشيد اللام أي خرجت من نفاسها وطهرت (من نفاسها تجملت) بالجيم تزينت (للخطاب) بضم الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة (فدخل عليها أبو السنابل) بفتح السين المهملة والنون وبعد الألف موحدة فلام حبة بالحاء المهملة المفتوحة والموحدة المشدّدة كما قال ابن ماكولا، أو بالنون بدل الموحدة (ابن بعكك رجل من بني عبد الدار) بفتح الموحدة وسكون العين المهملة وفتح الكاف الأولى منصرفًا القرشي العامري قاله أبو عمر. قال أبو موسى: ابن بعكك بن الحارث بن السباق بن عبد الدار بن قصي. قال ابن الأثير، وقول أبي موسى أنه من عبد الدار أصح وهو من مسلمة الفتح (فقال لها): أي قال أبو السنابل لسبيعة (ما لي أراك تجملت للخطّاب ترجين النكاح) بضم الفوقية وفتح الراء وتشديد الجيم المكسورة ولأبي ذر ترجين بفتح الفوقية وسكون الراء وكسر الجيم وفتحها مخففة (فإنك) ولأبوي ذر والوقت وإنك بالواو بدل الفاء (والله ما أنت بناكح) أي لست من أهل النكاح (حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشرًا) من الأيام بعدها، ولأبي الوقت: وعشرًا (قالت سبيعة: فلما قال لي) أبو السنابل (ذلك جمعت عليّ ثيابي حين أمسيت وأتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسألته عن ذلك) الذي قاله أبو السنابل (فأفتاني بأني قد حللت) بلامين مفتوحة ثم ساكنة (حين وضعت حملي وأمرني بالتزوّج وإن بدا لي) فقوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} [البقرة: 234] مؤوّل بغير الحوامل، وأبو السنابل هو الذي تزوج سبيعة بعد. والحديث أخرجه أيضًا في الطلاق مختصرًا، وأخرجه أيضًا مسلم فيه وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجة. (تابعه) أي تابع الليث (أصبغ) بن الفرج المصري شيخ المؤلّف في روايته (عن ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي فيما رواه الإسماعيلي. (وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله المؤلّف في تاريخه الكبير (حدثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (وسألناه) هو قول ابن شهاب (فقال: أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر عن الكشميهني: حدثني وله عن الحموي والمستملي: حدثه (محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مولى بني عامر بن لؤي أن محمدًا بن إياس بن البكير) بضم الموحدة وفتح الكاف مصغرًا، ولأبي ذر: البكير بكسر الموحدة وتشديد الكاف مكسورة وبضم الموحدة وفتح الكاف مخففة (وكان أبوه) إياس (شهد بدرًا) وأحدًا والخندق والمشاهد كلها معه عليه الصلاة والسلام (أخبره) بهذا الحديث أو بغيره وغرضه بيان من شهد بدرًا

11 - باب شهود الملائكة بدرا

لا بيان أنه أخبره قاله الكرماني، وقال في الفتح: وزاد المؤلّف -رحمه الله- في تاريخه المذكور أنه سأل أبا هريرة -رضي الله عنه- وابن عباس وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم- مثله يعني مثل حديث قبله إذا طلق ثلاثًا لم تصلح له أي المرأة، فاقتصر المؤلّف -رحمه الله- من الحديث على موضع حاجته منه وهي قوله: وكان أبوه شهد بدرًا. 11 - باب شُهُودِ الْمَلاَئِكَةِ بَدْرًا (باب شهود الملائكة بدرًا) مع المسلمين نصرة لهم وعونًا على المشركين. 3992 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ - قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ قَالَ: مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ». [الحديث 3992 - طرفه في: 3994]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي) الأنصاري (عن أبيه) رفاعة بكسر الراء وتخفيف الفاء (وكان أبوه من أهل بدر) اتفاقًا أنه (قال: جاء جبريل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من أفضل المسلمين أو) قال (كلمة نحوها) بالشك نحو من خيارنا (قال) جبريل عليه الصلاة والسلام: (وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة) من أفضل الملائكة. 3993 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ وَكَانَ رِفَاعَةُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَكَانَ رَافِعٌ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ يَقُولُ لاِبْنِهِ مَا يَسُرُّنِي أَنِّي شَهِدْتُ بَدْرًا بِالْعَقَبَةِ قَالَ: سَأَلَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن معاذ بن رفاعة بن رافع) الزرقي (وكان رفاعة من أهل بدر وكان رافع) أبو رفاعة (من أهل العقبة) التي بمنى أحد الستة والاثني عشر والسبعين الذين بايعوه عليه الصلاة والسلام قبل الهجرة (فكان) بالفاء ولأبي الوقت وكان (يقول لابنه) رفاعة: (ما يسرني) استفهامية أو نافية (أني شهدت بدرًا بالعقبة) أي بدل العقبة ومراده تعظيم العقبة على بدر قاله بحسب اجتهاده لأنها كانت منشأ قوة الإسلام ونصرته وسبب هجرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المدينة (قال: سأل جبريل) عليه الصلاة والسلام (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) أي بما تقدم في رواية جرير. 3994 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا يَحْيَى سَمِعَ مُعَاذَ بْنَ رِفَاعَةَ أَنَّ مَلَكًا سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَنْ يَحْيَى أَنَّ يَزِيدَ بْنَ الْهَادِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ يَوْمَ حَدَّثَهُ مُعَاذٌ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ يَزِيدُ فَقَالَ مُعَاذٌ: إِنَّ السَّائِلَ هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدثني (إسحاق بن منصور) أبو يعقوب المروزي قال: (أخبرنا يزيد) بن هارون قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى) بن سعيد الأنصاري -رضي الله عنه- (سمع معاذ بن رفاعة أن ملكًا) جبريل عليه الصلاة والسلام (سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد أبو ذر نحوه أي نحو ما سبق. (وعن يحيى) بن سعيد الأنصاري بالإسناد السابق (أن يزيد بن الهاد) هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي (أخبره) أي أخبر يحيى (أنه كان معه) أي مع يزيد بن الهاد (يوم حدثه معاذ هذا الحديث فقال يزيد) بن الهاد: (فقال) ولأبي ذر: قال (معاذ: إن السائل) المبهم أولاً (هو جبريل عليه السلام) والذي يظهر أن رافع بن مالك لم يسمع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التصريح بتفضيل أهل بدر على غيرهم فقال: ما قال باجتهاد منه. 3995 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ «هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ». [الحديث 3995 - طرفه في: 4041]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الرازي الفراء قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس -رضي الله عنهما- (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (هذا جبريل أخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب) وعند ابن إسحاق أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خفق خفقة ثم انتبه فقال: "أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه الغبار". وعند سعيد بن منصور من مرسل عطية بن قيس أن جبريل عليه السلام أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعدما فرغ من بدر على فرس حمراء معقود الناصية قد عصب الغبار ثنيته عليه درعه وقال: يا محمد إن الله عز وجل بعثني إليك وأمرني أن لا أفارقك حتى ترضى أفرضيت؟ قال: "نعم". 12 - باب هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة فهو كالفصل من سابقه. 3996 - حَدَّثَنِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: مَاتَ أَبُو زَيْدٍ وَلَمْ يَتْرُكْ عَقِبًا وَكَانَ بَدْرِيًّا. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (خليفة) بن خياط الحافظ العصفري قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله الأنصاري) وهو أيضًا شيخ البخاري قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: مات أبو زيد) قيس بن السكن بن قيس بن زعورا بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن

عدي بن النجار الأنصاري غلبت عليه كنيته، أحد الذين جمعوا القرآن في العهد النبوي واختلف في اسمه فقيل سعد بن عمير وقيل ثابت وقيل قيس بن السكن (ولم يترك عقبًا) ولدًا ولا ولد ولد (وكان بدريًّا). 3997 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ خَبَّابٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدِ بْنِ مَالِكٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ لَحْمًا مِنْ لُحُومِ الأَضْحَى فَقَالَ: مَا أَنَا بِآكِلِهِ حَتَّى أَسْأَلَ، فَانْطَلَقَ إِلَى أَخِيهِ لأُمِّهِ وَكَانَ بَدْرِيًّا قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: إِنَّهُ حَدَثَ بَعْدَكَ أَمْرٌ نَقْضٌ لِمَا كَانُوا يُنْهَوْنَ عَنْهُ مِنْ أَكْلِ لُحُومِ الأَضْحَى بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. [الحديث 3997 - طرفه في: 5568]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدثني) بالإفراد (يحيي بن سعيد) الأنصاري -رضي الله عنه- (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - (عن ابن خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى عبد الله مولى بني عدي بن النجار الأنصاري -رضي الله عنه- (أن) سعدًا (أبا سعيد بن مالك الخدري -رضي الله عنه- قدم من سفر فقدم إليه أهله لحمًا من لحوم الأضحى) ولأبي ذر: الأضاحي بلفظ الجمع (فقال: ما أنا بآكله حتى أسأل) عن حكمه إذ كانوا نهوا عن أكلها بعد ثلاثة أيام (فانطلق إلى أخيه لأمه وكان) أخوه لأمه (بدريًّا) ممن شهد غزوة بدر (قتادة بن النعمان) الأنصاري بالنصب بفعل محذوف أي أعني قتادة، ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف أي هو قتادة والجرّ بدلاً من أخيه وهو الذي أصيبت عينه يوم أُحُد على الأصح فأخذها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فردّها إلى مكانها فكانت أحسن عينيه (فسأله) عن ذلك (فقال) قتادة: (إنه حدث بعدك أمر نقض) بفتح النون وسكون القاف بعدها ضاد معجمة أي ناقض (لما كانوا ينهون عنه) بضم التحتية مبنيًا للمفعول (من أكل لحوم الأضحى) بالإفراد، ولأبي ذر عن الكشميهني: الأضاحي (بعد ثلاثة أيام) فالنهي منسوخ بقوله عليه الصلاة والسلام بعد: "كلوا وادخروا وتزودوا" كما سيأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وفضله في بابه والغرض منه هاهنا وصف قتادة بأنه كان بدريًّا. 3998 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ لَقِيتُ يَوْمَ بَدْرٍ عُبَيْدَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهْوَ مُدَجَّجٌ لاَ يُرَى مِنْهُ إِلاَّ عَيْنَاهُ وَهْوَ يُكْنَى أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ فَقَالَ: أَنَا أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ بِالْعَنَزَةِ فَطَعَنْتُهُ فِي عَيْنِهِ فَمَاتَ قَالَ هِشَامٌ: فَأُخْبِرْتُ أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ: لَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلِي عَلَيْهِ، ثُمَّ تَمَطَّأْتُ فَكَانَ الْجَهْدَ أَنْ نَزَعْتُهَا وَقَدِ انْثَنَى طَرَفَاهَا قَالَ عُرْوَةُ: فَسَأَلَهُ إِيَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْطَاهُ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَهَا ثُمَّ طَلَبَهَا أَبُو بَكْرٍ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ سَأَلَهَا إِيَّاهُ عُمَرُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قُبِضَ عُمَرُ أَخَذَهَا ثُمَّ طَلَبَهَا عُثْمَانُ مِنْهُ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَقَعَتْ عِنْدَ آلِ عَلِيٍّ فَطَلَبَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتَّى قُتِلَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبيد بن إسماعيل) مصغر من غير إضافة واسمه في الأصل عبد الله الهباري القرشي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام -رضي الله عنه- أنه (قال: قال الزبير): أي أبوه (لقيت يوم) وقعة (بدر عبيدة بن سعيد بن العاص) بضم العين في الأول مصغرًا وكسرها في الثاني (وهو مدجج) بضم الميم وفتح الدال المهملة وفتح الجيم الأولى وكسرها مشددة فيهما أي مغطى بالسلاح بحيث (لا يرى منه إلا عيناه) وفي القاموس المدجج والمدجج الشاكي السلاح (وهو يكنى) بضم التحتية وسكون الكاف وفتح النون (أبو) ولأبي ذر: أبا (ذات الكرش) بفتح الكاف وكسر الراء وهو لذات الظلف والخف وكل مجترّ كالمعدة للإنسان ويطلق على العيال والجماعة (فقال: أنا أبو ذات الكرش فحملت عليه بالعنزة) بفتح العين المهملة والنون والزاي كالحربة (فطعنته في عينه فمات). (قال هشام): هو ابن عروة بالإسناد السابق (فأخبرت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (أن الزبير قال: لقد وضعت رجلي) بالإفراد (عليه ثم تمطأت) بالهمزة والمعروف تمطيت بالياء التحتية (فكان الجهد) بفتح الجيم، ولأبي ذر بضمها (أن نزعتها) أي العنزة (وقد انثنى طرفاها) أي انعطفا. (قال عروة) بن الزبير بالإسناد المذكور (فسأله إياها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي فسأل عليه الصلاة والسلام الزبير أن يعطيه العنزة عارية، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إياه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأعطاه) الزبير العنزة عارية (فلما قبض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذها) الزبير لأنها كانت عارية (ثم طلبها) منه (أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- عارية (فأعطاه) إياها (فلما قبض أبو بكر سألها إياها عمر) -رضي الله عنه- عارية (فأعطاه إياها فلما قبض عمر أخذها) الزبير (ثم طلبها عثمان منه) عارية (فأعطاه إياها فلما قتل عثمان وقعت عند آل علي) أي عند عليّ نفسه فآل مقحمة ثم كانت بعد علّي عند أولاده. (فطلبها عبد الله بن الزبير) من أولاد علي (فكانت عنده حتى قتل) والغرض منه قوله يوم بدر. 3999 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَايِعُونِي». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي (عن الزهري) محمد بن

مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو إدريس عائذ الله) بالذال المعجمة (ابن عبد الله) الخولاني (أن عبادة بن الصامت) الأنصاري -رضي الله عنه- (وكان شهد بدرًا) يوم وقعتها (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بايعوني) بكسر التحتية أي عاقدوني. كذا اقتصر هنا منه على هذا. وسبق تامًّا في كتاب الإيمان والغرض منه هنا قوله: وكان شهد بدرًا. 4000 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ بِنْتَ أَخِيهِ هِنْدَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَهْوَ مَوْلًى لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْدًا وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلاً فِي الْجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَوَرِثَ مِنْ مِيرَاثِهِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} فَجَاءَتْ سَهْلَةُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. [سورة الأحزاب: 50]. [الحديث 4000 - طرفه في: 5088]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين بن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط لأبي ذر زوج النبي إلى آخره (أن أبا حذيفة) مهشم أو هشيم أو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي وكان من السابقين وممن هاجر الهجرتين (وكان ممن شهد بدرًا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تبنى سالمًا) ادعى أنه ابنه قبل نزول: {ادعوهم لآبائهم} [الأحزاب: 50] وكان أبو سالم معقلاً بسكون العين المهملة وكسر القاف، وكان من أهل فارس من اصطخر من فضلاء الصحابة والموالي، وهو معدود في المهاجرين لأنه لما أعتقته مولاته ثبيتة بضم المثلثة وفتح الموحدة وإسكان التحتية وفتح الفوقية الأنصاري زوج أبي حذيفة تولى أبا حذيفة وتبناه أبو حذيفة (وأنكحه بنت أخيه هند) ولأبي ذر في نسخة هندًا (بنت الوليد بن عتبة) وهو أحد من قتل ببدر كافرًا (وهو مولى لامرأة من الأنصار) هي ثبيتة امرأة أبي حذيفة المذكورة (كما تبنى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زيدًا) أي ابن حارثة (وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث ميراثه) وفي اليونينية من ميراثه (حتى أنزل الله تعالى: {ادعوهم لآبائهم}) زاد في باب الإكفاء في الدين من كتاب النكاح إلى قوله عز وجل ومواليكم فردوا إلى آبائهم فمن لم يعلم له أب كان مولى وأخًا في الدين (فجاءت سهلة) بفتح السين المهملة وسكون الهاء. زاد في النكاح بنت سهيل بضم السين المهملة ابن عمرو القرشي ثم العامري وهي امرأة أبي حذيفة وليست هي التي أعتقت سالمًا لأن تلك أنصارية وهذه قرشية (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في النكاح فقالت: يا رسول الله إنّا كنا نرى سالمًا ولدًا وقد أنزل الله عز وجل فيه ما قد علمت. (فذكر الحديث) لم يذكر بقيته وذكرها البرقاني وأبو داود بلفظ: فكيف ترى فيه؟ فقال لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أرضعيه" فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة، فبذلك كانت تأمر عائشة -رضي الله عنها- بنات إخوتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها أو يدخل عليها وإن كان كبيرًا خمس رضعات ثم يدخل عليها، وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس حتى يرضع في المهد، وقلن لعائشة -رضي الله عنها-؟ والله ما ندري لعلها رخصة من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لسالم دون الناس. ومباحث هذا تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في محلها. 4001 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى قَالَتْ جَارِيَةٌ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقُولِي هَكَذَا وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ». [الحديث 4001 - طرفه في: 5147]. وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا بشر بن المفضل) بتشديد الضاد المعجمة المفتوحة ابن لاحق أبو إسحاق البصري قال: (حدّثنا خالد بن ذكوان) أبو الحسن المدني (عن الربيع) بضم الراء وفتح الباء الموحدة وتشديد التحتية المكسورة (بنت معوّذ) بكسر الواو المشددة بعدها معجمة ابن عفراء الأنصارية أنها (قالت: دخل علي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غداة) نصب على الظرفية مضاف لقوله (بني) بضم الموحدة وكسر النون مبنيًّا للمفعول (علّي) بالتشديد أي غداة دخل عليها زوجها إياس بن بكير (فجلس على فراشي كمجلسك مني) بكسر اللام بالفرع كأصله. وقال الكرماني وتبعه البرماوي والعيني بفتحها بمعنى الجلوس (وجويريات) بضم الجيم (يضربن بالدف) بضم الدال وتفتح وتشديد الفاء والجملة حالية حال كونهن (يندبن) يذكرن (من قتل من آبائهن) ولأبي ذر من آبائي (يوم بدر)

كذا للحموي والمستملي، ولأبي ذر عن الكشميهني ببدر بأحسن أوصافهم بما يهيج البكاء والشوق، وكان قتل أبوها معوّذ وعمها عوف أو معاذ قتلهما عكرمة بن أبي جهل وأطلقت على عمها الأبوة تغليبًا (حتى قالت جارية): منهن (وفينا نبي يعلم ما) يكون (في غد. فقال) لها (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تقولي هكذا) فيه كراهية نسبة الغيب للخلق (وقولي ما كنت تقولين). وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح وأبو داود في الأدب والترمذي وابن ماجة في النكاح. 4002 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ ح. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (ح) للتحويل. 0000 - وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو طَلْحَةَ -رضي الله عنه- صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ» يُرِيدُ التَّمَاثِيلَ الَّتِي فِيهَا الأَرْوَاحُ. (وحدّثنا) بالواو (إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (أخي) عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن محمد بن أبي عتيق) بفتح العين (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: أخبرني) بالإفراد (أبو طلحة -رضي الله عنه- صاحب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان قد شهد بدرًا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: (لا تدخل الملائكة) غير الحفظة (بيتًا فيه كلب) لا يحل اقتناؤه أو أعم قيل وامتناعهم من الدخول لأكله النجاسة وقبح رائحته (ولا صورة) قال ابن عباس -رضي الله عنهما- (يريد التماثيل). ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: صورة التماثيل بالإفراد، وله عن الكشميهني: صور التماثيل بالجمع (التي فيها الأرواح) لما فيها من مضاهاة الخالق جل وعلا والجمهور على التحريم، أما صورة الشجر ورحال الإبل فليس بحرام لكن يمنع دخول ملائكة الرحمة ذلك البيت. وسبق هذا الحديث في باب بدء الخلق. 4003 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَانِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ مِنَ الْخُمُسِ يَوْمَئِذٍ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - بِنْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاعَدْتُ رَجُلاً صَوَّاغًا فِي بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِي فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ فَأَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنَ الصَّوَّاغِينَ فَنَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مِنَ الأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ وَشَارِفَايَ مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ حَتَّى جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُهُ فَإِذَا أَنَا بِشَارِفَيَّ قَدْ أُجِبَّتْ أَسْنِمَتُهَا وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَىَّ حِينَ رَأَيْتُ الْمَنْظَرَ قُلْتُ مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ قَالُوا: فَعَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهْوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ عِنْدَهُ قَيْنَةٌ وَأَصْحَابُهُ فَقَالَتْ فِي غِنَائِهَا: (أَلاَ يَا حَمْزَ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ) فَوَثَبَ حَمْزَةُ إِلَى السَّيْفِ فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَأَخَذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا قَالَ عَلِيٌّ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَعَرَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي لَقِيتُ فَقَالَ: «مَا لَكَ»؟ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ فَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرِدَائِهِ فَارْتَدَى ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأُذِنَ لَهُ فَطَفِقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ فَإِذَا حَمْزَةُ ثَمِلٌ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: وَهَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأَبِي؟ فَعَرَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ ثَمِلٌ فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (ح) لتحويل السند. (وحدّثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري يعرف بابن الطبراني قال: (حدّثنا عنبسة) بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الموحدة بعدها سين مهملة ابن خالد بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي قال: (حدّثنا) عمي (يونس) بن يزيد (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرنا علي بن حسين) ولأبي ذر ابن الحسين (أن) أباه (حسين بن علي أخبره أن) أباه (عليًّا) هو ابن أبي طالب -رضي الله عنه- (قال: كانت لي شارف) بالشين المعجمة آخره فاء ناقة مسنة (من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاني مما أفاء الله من الخُمس يومئذٍ). ولأبي ذر: عليه من الخمس، وفي باب فرض الخمس أعطاني شارفًا من الخمس أي مما حصل من سرية عبد الله بن جحش وكانت في رجب من السنة الثانية قبل بدر بشهرين وسبق البحث في ذلك في الخمس. (فلما أردت أن أبتني بفاطمة عليها السلام بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أدخل بها (واعدت رجلاً صواغًا) لم يسم (في) ولأبي ذر عن الكشميهني: من (بني قينقاع) بقافين وضم النون وتفتح وتكسر قبيلة من اليهود (أن يرتحل معي فنأتي بإذخر) الحشيش المعروف (فأردت أن أبيعه من الصواغين فنستعين به) بثمنه (في وليمة عرسي) قال في القاموس: عرس بالضم وبضمتين طعام الوليمة (فبينا) بغير ميم ولأبي ذر بينما (أنا أجمع لشارفيّ) بفتح الفاه وتشديد الياء على التثنية (من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي) مبتدأ خبره (مناخان) ولأبي ذر مناختان بزيادة فوقية بعد الخاء فالتذكير باعتبار لفظ شارف والتأنيث باعتبار معناه أي باركان (إلى جنب حجرة رجل من الأنصار) لم أقف على اسمه (حتى) وفي الخمس فرجعت حين (بعت ما جمعته) من الأقتاب والغرائر والحبال (فإذا أنا بشارفيّ) بالتشديد (قد أُجِبّت) بضم الهمزة وكسر الجيم وتشديد الموحدة قطعت (أسنمتهما) بالرفع مفعولاً نائبًا عن الفاعل (وبقرت) بضم الموحدة وكسر القاف شقت (خواصرهما وأخذ) بضم الهمزة (من أكبادهما فلم أملك

عينيّ) من البكاء (حين رأيت المنظر) بفتح الميم والمعجمة بينهما نون ساكنة وفي الخمس حين رأيت ذلك المنظر منهما (قلت: من فعل هذا)؟ بهما (قالوا: فعله حمزة بن عبد المطلب وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار) بفتح الشين المعجمة قال في القاموس: القوم يشربون أي الخمر (عنده قينة) أمة مغنية لم تسم (وأصحابه فقالت) أي القينة (في غنائها): ولأبي ذر فقالوا: أي القينة وأصحابه (ألا) بالتخفيف (يا حمز) مرخم بحذف آخره (للشرف) بضم الشين المعجمة والراء جمع شارف وتسكن راؤه تخفيفًا قال ابن الأثير: ويروى ذا الشرف بفتح الشين والراء أي ذا العلاء والرفعة (النواء) بكسر النون والمد جمع ناوية أي سمينة، وتمامه: وهن معقلات بالفناء ضع السكين في اللبات منها ... وضرجهن حمزة بالدماء قال في مقدمة الفتح: وذكر المرزباني في معجم الشعراء أن قائل هذا الشعر عبد الله بن السائب المخزومي. (فوثب) بالمثلثة، وفي القاموس الوثب الطفر ثم قال: والطفرة الوثب في ارتفاع (حمزة إلى السيف فأجبّ أسنمتهما وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما قال علي) - رضي الله تعالى عنه -: (فانطلقت حتى أدخل) بلفظ المضارع مبالغة في استحضار صورة الحال وإلاّ فكان الأصل أن يقول: حتى دخلت (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعنده زيد بن حارثة وعرف) بالواو ولأبي ذر فعرف (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي لقيت) بكسر القاف من فعل حمزة (فقال): (ما لك قلت يا رسول الله ما رأيت كاليوم) أفظع (عدا حمزة على ناقتي) بفتح الفوقية وتشديد التحتية (فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما وها هو ذا في بيت معه شرب) جماعة يشربون الخمر (فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بردائه فارتدى) به (ثم انطلق يمشي واتبعته) بتشديد الفوقية (أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فاستأذن عليه فأذن) بضم الهمزة ولأبي ذر فأذن بفتحها (له فطفق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلوم حمزة فيما فعل) بشارفي عليّ (فإذا حمزة ثمل) بفتح المثلثة وبعد الميم المكسورة لام أي سكران (محمرة عيناه) بسبب السكر (فنظر حمزة) -رضي الله عنه- (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صعد النظر) رفعه (فنظر إلى ركبتيه) بالتثنية والذي في اليونينية بالإفراد (ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه) الشريف (ثم قال حمزة: وهل أنتم إلا عبيد لأبي)؟ عبد المطلب أي في الخضوع لحرمته (فعرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ثمل) سكران (فنكص) رجع (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عقبيه) بالتثنية رجع (القهقرى) بأن مشى إلى خلف ووجهه لحمزة خوفًا أن يحدث منه شيء فيكون منه بمرأى فيرده إن وقع منه شيء (فخرج وخرجنا معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 4004 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: أَنْفَذَهُ لَنَا ابْنُ الأَصْبَهَانِيِّ سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ مَعْقِلٍ أَنَّ عَلِيًّا -رضي الله عنه- كَبَّرَ عَلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فَقَالَ: إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن عباد) بفتح العين وتشديد الموحدة أبو عبد الله المكي سكن بغداد قال: (أخبرنا ابن عيينة) سفيان - رضي الله تعالى عنه - (قال: انفذه) بالفاء والذال المعجمة أي بلغ به منتهاه من الرواية (لنا ابن الأصبهاني) بفتح الهمزة عبد الرحمن بن عبد الله الكوفي أو المراد بقوله أنفذه أرسله فكأنه حمله عنه مكاتبة (سمعه من ابن معقل) بفتح الميم وكسر القاف عبد الله المزني (أن عليًّا) هو ابن أبي طالب (-رضي الله عنه- كبّر على سهل بن حنيف) بضم الحاء المهملة وفتح النون مصغرًا لما مات بالكوفة سنة ثمان وثلاثين ولم يذكر عدد التكبير، وفي اليونينية عن الحافظ أبي ذر أنه قال: يعني أنه كبّر عليه خمسًا، وكذا في مستخرجه من طريق البخاري بهذا الإسناد خمسًا كذلك، وفي معجم الصحابة للبغوي عن محمد بن عباد بهذا الإسناد ستًا وكذا رواه البخاري في تاريخه الكبير أي فقيل لعلي في ذلك (فقال: إنه شهد بدرًا) ولمن شهدها فضل على غيره حتى في تكبيرات الجنازة والإجماع أنه لا يكبر إلا أربع تكبيرات لكن لو كبّر الإمام خمسًا لم تبطل ولا يتابعه المأموم. 4005 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ شَهِدَ بَدْرًا تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ قَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لاَ أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ؟ فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَىَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ إِلاَّ أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا. [الحديث 4005 - أطرافه في: 5122، 5129، 5145] ْوبه قال. (حدثنا (أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أنه

سمع) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يحدث أن) أباه (عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين تأيمت حفصة بنت عمر) بفتح الهمزة وتشديد التحتية المفتوحة (من) زوجها (خنيس بن حذافة) بضم الخاء المعجمة وفتح النون وبعد التحتية الساكنة سين مهملة وحذافة بالحاء المهملة المضمومة والذال المعجمة والفاء ابن قيس بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو القرشي (السهمي) بالسين المهملة أى صارت لا زوج لها بموته (وكان) خنيس (من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد شهد بدرًا توفي بالمدينة) من جراحة أصابته في وقعة أُحد قاله في الإصابة، وقيل بل بعد بدر. قال في الفتح: ولعله أولى فإنهم قالوا: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوجها بعد خمسة وعشرين شهرًا من الهجرة، وفي رواية بعد ثلاثين شهرًا، وفي أخرى بعد عشرين شهرًا، وكانت أُحد بعد بدر بأكثر من ثلاثين شهرًا. وجزم ابن سعد بأنه مات بعد قومه عليه الصلاة والسلام من بدر وبه جزم ابن سيد الناس (قال عمر: فلقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقلت) له: (إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر؟ قال) عثمان: (سأنظر) أي أتفكّر (في أمري فلبثت ليالي) أي ثم لقيت عثمان (فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر فقلت) له: (إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر فصمت أبو بكر) أي سكت (فلم يرجع إليّ شيئًا) بفتح التحتية وكسر الجيم وهو تأكيد لرفع المجاز لاحتمال أن يظن أنه صمت زمانًا ثم تكلم (فكنت عليه) على أبي بكر (أوجد) بالجيم أي أشد موجدة أي غضبًا (مني على عثمان) أي لكونه أجابه أولاً ثم اعتذر له ثانيًا بخلاف أما بكر فإنه لم يجبه بشيء (فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت) أي غضبت (عليّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع) فلم أعد (إليك)؟ جوابًا (قلت: نعم قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك) جوابًا (فيما عرضت) عليّ (إلا أني قد علمت أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد ذكرها فلم أكن لأفشي سرّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد ابن عساكر أبدًا (ولو تركها) عليه الصلاة والسلام (لقبلتها) وفيه فضل كتمان السرّ فإذا أظهره صاحبه ارتفع الحرج. ومباحثه تأتي إن شاء الله تعالى في النكاح والغرض من ذكره هنا قوله قد شهد بدرًا وقد أخرجه في النكاح وكذا النسائي. 4006 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ سَمِعَ أَبَا مَسْعُودٍ الْبَدْرِيَّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ «نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ صَدَقَةٌ». وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم القصاب قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين وتشديد التحتية ابن أبان بن ثابت الأنصاري (عن) جده لأمه (عبد الله بن يزيد) من الزيادة الأنصاري الخطمي الصحابي أنه (سمع أبا مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري الخزرجي (البدري) لأنه شهد وقعتها كما ذهب إليه المؤلّف ومسلم في الكنى والطبراني والحاكم أبو أحمد وقال الأكثرون: لم يشهدها إنما نزل فيها فنسب إليها. قال الإسماعيلي: لم يصح شهوده بدرًا وإنما كانت مسكنه فقيل له البدري والمثبت مقدم على النافي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (نفقة الرجل على أهله) من زوجة وولد حال كون الرجل يحتسبها أي يريد بها وجه الله تعالى فهي له (صدقة) في الثواب. وهذا الحديث سبق في آخر كتاب الإِيمان. 4007 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي إِمَارَتِهِ أَخَّرَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الْعَصْرَ وَهْوَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ فَدَخَلَ أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ جَدُّ زَيْدِ بْنِ حَسَنٍ شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمْتَ نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَصَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْسَ صَلَوَاتٍ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا أُمِرْتَ. كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (سمعت عروة بن الزبير) بن العوّام (يحدث عمر بن عبد العزيز) ذا المناقب الشهيرة (في إمارته) بكسر الهمزة فقال: (أخّر المغيرة بن شعبة العصر) أي صلاتها، ولأبي ذر: الصلاة بدل قوله العصر (وهو أمير الكوفة) من قبل معاوية بن أبي سفيان (فدخل أبو مسعود) ولأبي ذر فدخل عليه أبو مسعود (عقبة بن عمرو الأنصاري) الخزرجي (جد زيد بن حسن) أي ابن علي بن أبي طالب لأمه وهي أم بشير بنت أبي مسعود عقبة المذكور، وكان تزوّجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فولدت له ثم خلف عليها الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فولدت له زيدًا وكان أبو مسعود

(شهد بدرًا) والظاهر أن هذا من كلام عروة وهو حجة في ذلك لأنه أدرك أبا مسعود وإن كان روي عنه هذا الحديث بواسطة فإنه وإنما يخبر عن مشاهدته له فلذا جزم المؤلّف به، حيث قال في السابق البدري (فقال) له: (لقد علمت) بتاء الخطاب أنه (نزل جبريل عليه السلام) صبيحة ليلة الإسراء (فصلّى) برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمس صلوات ثم قال) جبريل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هكذا أُمرت) بضم الهمزة وفتح التاء على الخطاب أي الذي أمرت به من الصلاة ليلة الإسراء مجملاً هكذا تفسيره مفصلاً، ولأبي ذر: أمرت بضم التاء أي أمرت أن أصلي بك قال عروة: (كذلك كان بشير بن أبي مسعود) بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة التابعي (يحدث عن أبيه) أبي مسعود عقبة وهذا مرسل صحابي لأنه لم يدرك القصة فيحتمل أن يكون سمع ذلك من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو من صحابي آخر. 4008 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ» قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَلَقِيتُ أَبَا مَسْعُودٍ وَهْوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَسَأَلْتُهُ فَحَدَّثَنِيهِ. وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن الأعمش) سليمان (عن إبراهيم) النخعي (عن عبد الرحمن بن يزيد) النخعي (عن) عمه (علقمة) بن قيس أبي شبل الفقيه (عن أبي مسعود) عقبة (البدري -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الآيتان من آخر سورة البقرة) هما قوله تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه} [البقرة: 285، 286] إلى آخر السورة (من قرأهما في ليلة كفتاه) من شر الإنس والجن أو أغنتاه عن قيام الليل بالقرآن (قال عبد الرحمن) بن يزيد بالسند المذكور (فلقيت أبا مسعود) البدري (وهو) أي والحال أنه (يطوف بالبيت فسألته) عن ذلك (فحدثنيه) أي الحديث المذكور كما حدث به علقمة عنه. وهذا الحديث فيه أربعة من التابعين، وأخرجه المؤلّف أيضًا في فضائل القرآن، ومسلم وأبو داود في الصلاة، والترمذي والنسائي في فضائل القرآن، وابن ماجه في الصلاة. 4009 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا وسقط ابن بكير لأبي ذر قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (محمود بن الربيع) الأنصاري (أن عتبان بن مالك) بكسر العين وسكون الفوقية وبالموحدة ابن عمرو بن العجلان الخزرجي (وكان من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن شهد بدرًا من الأنصار أنه أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وتمامه كما في الصلاة في باب المساجد في البيوت فقال: يا رسول الله إني أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم ولم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم، ووددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلّى الحديث بطوله، وغرضه منه هنا قوله أن عتبان بن مالك ممن شهد بدرًا من الأنصار. 4010 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ هُوَ ابْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَهْوَ أَحَدُ بَنِي سَالِمٍ وَهْوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ فَصَدَّقَةُ. وبه قال: (حدّثنا أحمد هو ابن صالح) المصري وسقط هو ابن صالح لأبي ذر قال: (حدّثنا عنبسة) بن خالد بن يزيد الأيلي قال: (حدّثنا يونس) بن يزيد الأيلي (قال: ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (ثم سألت الحصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (ابن محمد) الأنصاري (وهو أحد بني سالم وهو من سراتهم) بفتح السين المهملة من خيارهم (عن حديث محمود بن الربيع) بفتح الراء (عن عتبان بن مالك فصدقه) بذلك. 4011 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ بَنِي عَدِيٍّ وَكَانَ أَبُوهُ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ عُمَرَ اسْتَعْمَلَ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ خَالُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ -رضي الله عنهم-. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن عامر بن ربيعة) العنزي حليف بني عدي أبو محمد المدني ولد على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبيه صحبة مشهورة وثقه العجلي (وكان من أكبر بني عدي) أي ابن كعب بن لؤي ووصفه بأنه أكبر منهم بالنسبة إلى من لقيه الزهري منهم، ولأبي ذر عن الكشميهني بني عامر بدل بني عدي (وكان أبوه) عامر (شهد بدرًا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (استعمل قدامة بن مظعون) وهو أخو عثمان بن مظعون (على البحرين) ثم عزله وولى عثمان بن أبي العاص وكان

سبب عزله ما ذكره عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري بمعناه أنه شرب مسكرًا فلما ثبت عنه حده وغضب على قدامة ثم حجا جميعًا فاستيقظ عمر من نومه فزعًا فقال: عجلوا بقدامة أتاني آت فقال: صالح قدامة فإنك أخوه فاصطلحا، ولم يذكر المصنف -رحمه الله- قصته لكونها ليست على شرطه وإنما غرضه منها قوله (وكان شهد بدرًا وهو) أي قدامة (خال عبد الله بن عمر و) أخته (حفصة -رضي الله عنهم-). 4012 و 4013 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّ عَمَّيْهِ وَكَانَا شَهِدَا بَدْرًا أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ، قُلْتُ لِسَالِمٍ: فَتُكْرِيهَا أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. إِنَّ رَافِعًا أَكْثَرَ عَلَى نَفْسِهِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) الضبعي البصري قال (حدّثنا جويرية) بن أسماء الضبعي ابن أخي عبد الله الراوي عنه (عن مالك) الإمام (عن الزهري) محمد بن مسلم (أن سالم بن عبد الله أخبره قال: أخبر) فعل ماض من الإخبار (رافع بن خديج) بالرفع فاعله وخديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة آخره جيم الأنصاري الخزرجي (عبد الله بن عمر) بالنصب مفعوله، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أخبرني بزيادة النون والتحتية. قال في الفتح: وهو خطأ (أن عميه) ظهيرًا مصغر ومظهرًا بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد الهاء المكسورة كما ضبطه ابن ماكولا ابني رافع بن عدي بن زيد الأنصاري (وكانا شهدا بدرًا) أنكر الدمياطي شهودهما بدرًا وقال: إنما شهدا أُحدًا والمثبت مقدم على النافي (أخبراه). (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن كراء المزارع) وكانوا يكرون الأرض بما ينبت فيها على الأربعاء وهو النهر الصغير أو شيء يستثنيه صاحب الأرض من المزروع لأجله، فنهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك لما فيه من الجهل قال الزهري (قلت لسالم فتكريها) أي أفتكري المزارع (أنت؟ قال: نعم) أكريها ثم قال سالم منكرًا على رافع (إن رافعًا أكثر على نفسه) فلم يفرق في النهي بين الكراء ببعض ما يخرج من الأرض وبين الكراء بالنقد فالنهي إنما هو عن الأوّل. وقد سبق أصل الحديث في كتاب المزارعة مع مباحثه. 4014 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيَّ قَالَ: رَأَيْتُ رِفَاعَةَ بْنَ رَافِعٍ الأَنْصَارِيَّ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن حصين بن عبد الرحمن) بضم الحاء وفتح الصاد السلمي أبي الهذيل الكوفي الثقة تغير حفظه في الآخر أنه (قال: سمعت عبد الله بن شدّاد بن الهاد الليثي) أبا الوليد المدني ولد على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكره العجلي من كبار التابعين الثقات وكان معدودًا في الفقهاء (قال: رأيت رفاعة بن رافع) بكسر الراء في الأول ابن مالك بن العجلان أبا معاذ (الأنصاري) المتوفى في أوّل خلافة معاوية (وكان شهد بدرًا). قال في الفتح: وبقية هذا الحديث أخرجها الإسماعيلي من طريق معاذ بن معاذ -رضي الله عنه- عن شعبة بلفظ: سمع رجلاً من أهل بدر يقال له رفاعة بن رافع كبّر في صلاته حين دخلها. ومن طريق ابن أبي عدي عن شعبة ولفظه عن رفاعة رجل من أهل بدر أنه دخل في الصلاة فقال: الله أكبر كبيرًا ولم يذكر البخاري ذلك لأنه موقوف ليس من غرضه. 4015 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمِ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ فَوَافَوْا صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ رَآهُمْ ثُمَّ قَالَ: «أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَىْءٍ»؟ قَالُوا أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد الأزدي (ويونس) بن يزيد الأيلي كلاهما (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة بن الزبير) بن العوّام -رضي الله عنه- (أنه أخبره أن المسور بن مخرمة) الصحابي الصغير (أخبره أن عمرو بن عوف) -رضي الله عنه- بالفاء والعين المفتوحة فيهما الأنصاري (وهو حليف لبني عامر بن لؤي وكان شهد بدرًا مع النبي) ولأبي ذر مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن رسول الله) ولأبي ذر أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث أبا عبيدة) عامر (بن الجراح) -رضي الله عنه- (إلى البحرين) موضع بين البصرة وعمان (يأتي بجزيتها) أي جزية أهلها (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو صالح أهل البحرين) في سنة تسع من الهجرة (وأمَّر) بتشديد الميم (عليهم العلاء بن الحضرمي) الصحابي (فقدم أبو عبيدة) بن الجراح -رضي الله عنه- (بمال من البحرين) وكان مائة ألف (فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا) من الموافاة (صلاة الفجر مع النبي) ولأبي ذر مع

رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما انصرف) بعد الصلاة (تعرضوا له فتبسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين رآهم ثم قال) لهم: (أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء قالوا: أجل) أي نعم (يا رسول الله قال: (فأبشروا وأملوا) بقطع الهمزة فيهما وكسر الميم في الثاني مشدّدة من غير مدّ من التأميل (ما يسركم فوالله ما الفقر) نصب بقوله (أخشى عليكم ولكني) بالتحتية بعد النون ولأبي ذر ولكن بحذفها (أخشى) عليكم (أن تبسط عليكم) أي بسط (الدنيا كما بسطت على من قبلكم) وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني من كان قبلكم (فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم). وفي إسناد هذا الحديث تابعيان وصحابيان. وسبق في باب الجزية والموادعة. 4016 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانَ يَقْتُلُ الْحَيَّاتِ كُلَّهَا. حَتَّى حَدَّثَهُ أَبُو لُبَابَةَ الْبَدْرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ قَتْلِ جِنَّانِ الْبُيُوتِ فَأَمْسَكَ عَنْهَا. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي عارم قال: (حدّثنا جرير بن حازم) أي ابن زيد بن عبد الله الأزدي (عن نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان يقتل الحيات كلها حتى حدثه أبو لبابة) بضم اللام وتخفيف الموحدة الأولى بشير بن عبد المنذر وقيل رفاعة بن عبد المنذر الأنصاري (البدري) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن قتل جنان البيوت) بكسر الجيم وتشديد النون جمع جان وهي الحية البيضاء أو الرقيقة أو الصغيرة (فأمسك عنها). وسبق الحديث في كتاب بدء الخلق. 4018 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رِجَالاً مِنَ الأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُو: اائْذَنْ لَنَا فَلْنَتْرُكْ لاِبْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ قَالَ: «وَاللَّهِ لاَ تَذَرُونَ مِنْهُ دِرْهَمًا». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) بن عبد الله بن المنذر الحزامي بالزاي قال: (حدّثنا محمد بن فليح) بضم الفاء مصغرًا ابن سليمان الأسلمي أو الخزاعي المدني (عن موسى بن عقبة) الأسدي مولى آل الزبير الإمام في المغازي (قال ابن شهاب): محمد بن مسلم الزهري (حدّثنا أنس بن مالك أن رجالاً من الأنصار) ممن شهدوا وقعة بدر ولم يسموا (استأذنوا رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما أسر العباس وكان الذي أسره أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري ولما شد وثاقه أنَّ فسمعه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يأخذه النوم فأطلقوه ثم طلبوا تمام رضاه عليه الصلاة والسلام (فقالوا: ائدن لنا فلنترك) بنون الجمع والجزم ولام التأكيد أي أن تأذن فلنترك (لابن أختنا عباس فداءه) بكسر الفاء ممدودًا وأم العباس ليست من الأنصار بل جدته أم عبد المطلب منهم فأطلقوا عليها لفظ الأخوة (قال) عليه الصلاة والسلام: (والله لا تذرون) بالذال المعجمة المفتوحة أي لا تتركون (منه) من الفداء ولأبي ذر عن الكشميهني لا تذرون له (درهمًا) وعند ابن إسحاق أنه قال له: يا عباس افد نفسك وابني أخويك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث وحليفك عتبة بن عمرو فإنك ذو مال. قال: إني كنت مسلمًا ولكن القوم استكرهوني. قال: الله أعلم بما تقول: إن يك ما تقول حقًّا فإن الله يجزيك، ولكن ظاهر الأمر أنك كنت علينا وإنما لم يترك له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لئلا يكون في الدين نوع محاباة. وسبق الحديث في العتق والجهاد. 4019 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ ح وحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ ثُمَّ الْجُنْدَعِيُّ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو الْكِنْدِيَّ وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: لِرَسُولِ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلاً مِنَ الْكُفَّارِ فَاقْتَتَلْنَا فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لاَذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ. فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ آقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقْتُلْهُ» فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّهُ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيَّ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ:». [الحديث 4019 - طرفه في: 6865]. وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عطاء بن يزيد) الليثي (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عدي) بفتحها ابن الخيار القرشي النوفلي (عن المقداد بن الأسود) تبناه الأسود بن عبد يغوث فنسب إليه واسم أبيه عمرو قال المؤلّف -رحمه الله- بالسند المذكور (ح). (وحدثني) بالإفراد وبإثبات الواو ولأبي ذر (إسحاق) بن منصور الكوسج المروزي قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني نزيل بغداد قال: (حدّثنا ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله (عن عمه) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء بن يزيد الليثي) بالمثلثة (ثم الجندعي) بضم الجيم وسكون النون وبعد الدال المهملة المفتوحة عين مهملة مكسورة (أن عبيد الله) بضم العين (ابن عدي بن الخيار) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف التحتية (أخبره أن المقداد بن عمرو) بفتح العين

ابن ثعلبة بن مالك بن ربيعة (الكندي) بكسر الكاف (وكان حليفًا لبني زهرة) بضم الزاي وسكون الهاء ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر (وكان ممن شهد بدرًا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبره أنه قال: يا رسول الله) كذا في الفرع والذي في أصله أنه قال لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أرأيت) أي أخبرني (إن لقيت رجلاً من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يديّ بالسيف فقطعها ثم لاذ) بالذال المعجمة أي التجأ واحتضن (مني بشجرة فقال: أسلمت لله) أي دخلت في الإسلام، وفي رواية معمر عن الزهري في هذا الحديث عند مسلم أنه قال: لا إله إلا الله (آقتله يا رسول الله) بهمزة الاستفهام والمد (بعد أن قالها)؟ أي كلمة أسلمت لله (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تقتله فقال: يا رسول الله إنه قطع إحدى يديّ ثم قال ذلك بعدما قطعها. فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله) لأنه صار مسلمًا معصوم الدم قد جب الإسلام ما كان منه من قطع يدك (وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته) أسلمت لله (التي قالـ) ـها: أي إن دمك صار مباحًا بالقصاص كما أن دم الكافر مباح بحق الدين، فوجه الشبه إباحة الدم وإن كان الموجب مختلفًا، أو أنك تكون آثمًا كما كان هو آثمًا في حال كفره فيجمعكما اسم الإِثم، وإن كان سبب الإثم مختلفًا. أو المعنى إن قتلته مستحلاًّ. وتعقب بأن استحلاله للقتل إنما هو بتأويل كونه أسلم خوفًا من القتل، ومن ثم لم يوجب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قودًا ولا دية وإنما ذلك والله أعلم حيث كان عن اجتهاد ساعده المعنى وبين -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن من قالها فقد عصم دمه وماله وقال: هلا شققت عن قلبه إشارة إلى نكتة الجواب، والمعنى والله أعلم أن هذا الظاهر مضمحل بالنسبة إلى القلب لأنه لا يطلع على ما فيه إلا الله، ولعل هذا أسلم حقيقة وإن كان تحت السيف ولا يمكن دفع هذا الاحتمال فحيث وجدت الشهادتان حكم بمضمونهما بالنسبة إلى الظاهر وأمر الباطن إلى الله تعالى، فالإقدام على قتل المتلفظ بهما مع احتمال أنه صادق فيما أخبر به عن ضميره فيه ارتكاب ما لعله يكون ظلمًا له، فالكف عن القتل أولى، والشارع عليه الصلاة والسلام ليس له غرض في إزهاق الروح بل في الهداية والإرشاد، فإن تعذرت بكل سبيل تعين إرهاق الروح لزوال مفسدة الكفر من الوجود ومع التلفظ بكلمة الحق لم تتعذر الهداية حصلت أو تحصل في المستقبل فمادة الفساد الناشئ عن كلمة الكفر قد زالت بانقياده ظاهرًا ولم يبق إلا الباطن وهو مشكوك ومرجو مآلا، وإن لم يكن حالاً فقد لاح من حيث المعنى وجه قبول الإسلام اهـ. ملخصًا من المصابيح فيما نقله عن التاج ابن السبكي. وبقية مباحثه تأتي إن شاء الله تعالى في أوّل كتاب الدّيات بعون الله تعالى وقوّته. 4020 - حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنَا أَنَسٌ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ بَدْرٍ «مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ» فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ فَقَالَ آنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ سُلَيْمَانُ: هَكَذَا قَالَهَا أَنَسٌ، قَالَ: آنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: أَوْ قَالَ قَتَلَهُ قَوْمُهُ. قَالَ وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: فَلَوْ غَيْرُ أَكَّارٍ قَتَلَنِي. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (يعقوب بن إبراهيم) بن كثير الدورقي قال: (حدّثنا ابن علية) إسماعيل بن إبراهيم وعلية أمه قال: (حدّثنا سليمان) بن طرخان أبو المعتمر (التيمي) قال: (حدّثنا أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) وقعة (بدر من ينظر ما صنع أبو جهل) (فانطلق ابن مسعود) -رضي الله عنه- (فوجده قد ضربه ابنا عفراء) معاذ ومعوّذ الأنصاريان (حتى برد) بفتحات أي مات (فقال) له ابن مسعود -رضي الله عنه-: (آنت) بالمد على الاستفهام (أبا جهل)؟ بالألف بعد الموحدة (قال ابن علية: قال سليمان) بن طرخان (هكذا قالها أنس) -رضي الله عنه- (قال: آنت أبا جهل)؟ بالألف بعد الموحدة. وخرجها القاضي عياض على أنه منادى أي أنت المقتول الذليل يا أبا جهل على جهة التوبيخ والتقريع. وقال الداودي: يحتمل معنيين أن يكون استعمل اللحن ليغيظ أبا جهل كالمصغر له أو يريد أعني أبا جهل، ورده السفاقسي بأن تغييظه في مثل هذه الحالة لا معنى له ثم النصب بإضمار أعني إنما يكون إذا تكررت النعوت، وتعقبه في التنقيح في الأول بأنه أبلغ في التهكم وفي الثاني بأن

التكرار ليس شرطًا في القطع عند الجمهور وإن أوهمته عبارة ابن مالك في كتبه. وقال في المصابيح: كلاهما معًا في الوجه الثاني غلظ فإن ما نحن فيه ليس من قطع النعت في شيء لا مع التكرار ولا مع حذفه ضرورة أنه ليس عندنا غير ضمير الخطاب وهو لا ينعت إجماعًا. وقال القاضي عياض رواه الحميدي آنت أبو جهل، وكذا البخاري من طريق يونس وعلى هذا فيخرج على أنه استعمل على لغة القصر في الأب ويكون خبر المبتدأ. (قال): أي أبو جهل لابن مسعود -رضي الله عنه- (وهل فوق رجل قتلتموه. قال سليمان) بن طرخان بالسند السابق (أو قال: قتله قومه قال وقال أبو مجلز) بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي معجمة لاحق بن حميد (قال أبو جهل) لابن مسعود -رضي الله عنه- (فلو) قتلني (غير أكار) بفتح الهمزة وتشديد الكاف آخره راء أي زراع (قتلني) هو مثل لو ذات سوار لطمتني فيكون المرفوع بعد لو فاعلاً بمحذوف يفسره الظاهر، ثم يحتمل أن تكون شرطية فالجواب محذوف أي لتسليت، ويحتمل أن تكون للتمني فلا جواب ومراده احتقار قاتله وانتقاصه عن أن يقتل مثله أكار لأن قاتليه وهما ابنا عفراء من الأنصار وهم عمال أنفسهم في أرضهم ونخلهم. فإن قلت: أين هذا من قوله وهل أعمد من رجل قتله قومه؟ أجيب: بأنه أراد هنا انتقاص المباشر لقتله وأراد هناك تسلية نفسه بأن الشريف إذا قتله قومه لم يكن ذلك عارًا عليه فجعل قومه قاتلين له مجازًا باعتبار تسببهم في قتله وسعيهم فيه وإن لم يباشروه فمحل الانتقاص غير محل التعظيم فلا تناقض. قاله في المصابيح. 4021 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنهم- لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الأَنْصَارِ فَلَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلاَنِ صَالِحَانِ شَهِدَا بَدْرًا فَحَدَّثْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: هُمَا عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَمَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ. وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري قال (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي قال: (حدّثنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: (حدثني) بالإفراد (ابن عباس عن عمر -رضي الله عنهم-) أنه قال: (لما توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار فلقينا) بفتح التحتية فعل ومفعول (منهم) من الأنصار (رجلان) فاعل (صالحان شهدا بدرًا فحدثت عروة) ولأبي ذر عن الكشميهني: فحدثت به عروة (بن الزبير فقال: هما) أي الرجلان (عويم بن ساعدة) بضم العين المهملة وفتح الواو وآخره ميم مصغرًا ابن عائش بتحتية ومعجمة ابن قيس بن النعمان (ومعن بن عدي) بفتح الميم وسكون العين المهملة وهو أخو عاصم بن عدي. وهذا قطعة من حديث سبق في المناقب ومراده منه هنا قوله شهدا بدرًا. 4022 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ كَانَ عَطَاءُ الْبَدْرِيِّينَ خَمْسَةَ آلاَفٍ خَمْسَةَ آلاَفٍ وَقَالَ عُمَرُ: لأُفَضِّلَنَّهُمْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه أنه (سمع محمد بن فضيل) بالضاد المعجمة مصغرًا ابن غزوان الكوفي يحدث (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم أنه قال: (كان عطاء البدريين) أي المال الذي يعطاه كل واحد منهم في كل سنة (خمسة آلاف خمسة آلاف) مرتين (وقال عمر) -رضي الله عنه- في خلافته: (لأفضلنهم على من بعدهم) في العطاء لزيادة فضلهم على من سواهم. 4023 - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ وَذَلِكَ أَوَّلَ مَا وَقَرَ الإِيمَانُ فِي قَلْبِي. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق بن منصور) المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحافظ أبو بكر الصنعاني (قال: أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن محمد بن جبير بن مطعم) أي ابن عدي وسقط ابن مطعم في اليونينية وثبت في الفرع وغيره (عن أبيه) -رضي الله عنه- أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في) صلاة (المغرب بالطور وذلك أوّل ما وقر) أي سكن وثبت (الإيمان في قلبي) كذا في اليونينية وغيرها من الأصول المعتمدة الإيمان. وفي الفرع الإسلام وقد كان حينئذٍ كافرًا ولم ينطق بالإسلام والتزم أحكامه إلا عند فتح مكة. (وعن الزهري) محمد بالإسناد السابق (عن محمد بن جبير بن مطعم) أي ابن عدي (عن أبيه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال في أسارى بدر): (لو كان المطعم) بضم الميم وكسر العين المهملة (ابن عدي حيًّا

ثم كلمني في هؤلاء النتنى) بنونين مفتوحتين بينهما فوقية ساكنة جمع نتن كزمن بجمع على زمنى والمراد قتلى بدر الدين صاروا جيفًا (لتركتهم) أحياء ولم أقتلهم من غير فداء إكرامًا (له) واحترامًا وقبولاً لشفاعته لما كانت له عنده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من اليد حين رجع من الطائف في جواره. وعند الفاكهي بإسناد حسن مرسل: أن المطعم بن عدي أمر أربعة من أولاده فلبسوا السلاح وقام كل واحد منهم عند ركن من الكعبة فبلغ ذلك قريشًا فقالوا له: أنت الرجل الذي لا تخفر له ذمة، ولما حصر قريش بني هاشم ومن معهم من المسلمين في الشعب كان المطعم من أشد من قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم ومات المطعم قبل وقعة بدر. 4024 - وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ الأُولَى يَعْنِي مَقْتَلَ عُثْمَانَ فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ أَحَدًا ثُمَّ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ الثَّانِيَةُ يَعْنِي الْحَرَّةَ فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ أَحَدًا ثُمَّ وَقَعَتِ الثَّالِثَةُ، فَلَمْ تَرْتَفِعْ وَلِلنَّاسِ طَبَاخٌ. (وقال الليث) بن سعد إمام المصريين مما وصله أبو نعيم في مستخرجه (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري وسقط لغير أبي ذر: ابن سعيد (عن سعيد بن المسيب) أنه قال: (وقعت الفتنة الأولى يعني مقتل عثمان) بن عفان -رضي الله عنه- يوم الجمعة لثمان ليال خلت من ذي الحجة بعد أن حوصر تسعة وأربعين يومًا أو شهرين وعشرين يومًا (فلم تبق) بضم الفوقية وسكون الموحدة الفتنة الأولى (من أصحاب بدر) الذين شهدوا وقعتها (أحدًا، ثم وقعت الفتنة الثانية يعني الحرة) بفتح الحاء المهملة والراء المشددة أرض ذات حجارة سود موضع بالمدينة كانت به الوقعة بين أهلها وعسكر يزيد بن معاوية سنة ثلاث وستين بسبب خلع أهل المدينة يزيد وولوا على قريش عبد الله بن مطيع وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة وأخرجوا عامل يزيد عثمان بن محمد بن أبي سفيان ابن عم يزيد من بين أظهرهم وكان عسكر يزيد سبعة وعشرين ألف فارس وخمسة عشر ألف راجل (فلم تبق) هذه الفتنة الثانية (من أصحاب الحديبية أحدًا، ثم وقعت) الفتنة (الثالثة) قيل هي فتنة الأزارقة بالعراق وقيل فتنة أبي حمزة الخارجي بالمدينة في خلافة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم سنة ثلاثين ومائة وقيل فتنة قتل الحجاج لعبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- وتخريبه الكعبة سنة أربع وسبعين (فلم ترتفع) هذه الفتنة الثالثة (وللناس طباخ) بفتح الطاء المهملة والموحدة المخففة وبعد الألف خاء معجمة أي عقل وقيل قوّة وقيل بقية خير في الدين. واستشكل قوله: فلم تبق من أصحاب بدر أحدًا بأن عليًّا والزبير وطلحة وسعدًا وسعيدًا وغيرهم عاشوا بعد ذلك زمانًا. فقال الداودي: إنه وهم بلا شك ولعله عنى بالفتنة الأولى مقتل الحسين، وبالثانية الحرّة، وبالثالثة ما كان بالعراق مع الأزارقة. وأجيب: بأنه ليس المراد أنهم قتلوا عند مقتل عثمان بل أنهم ماتوا منذ قامت الفتنة بمقتل عثمان إلى أن قامت الفتنة الأخرى بوقعة الحرة، وكان آخر من مات من البدريين سعد بن أبي وقاص ومات قبل وقعة الحرة، وقول الداودي أن المراد بالفتنة الأولى مقتل الحسين خطأ فإن في زمن مقتل الحسين، لم يكن أحد من البدرين موجودًا. وقول بعضهم أن أحدًا نكرة في سياق النفي فيفيد العموم. أجيب عنه: بأنه ما من عام إلا وقد خص إلا قوله تعالى: {والله بكل شيء عليم} [البقرة: 282] وتعقب قول من قال: إن المراد بالفتنة الثالثة التي لم تبين في الحديث فتنة الأزارقة بأن الذي ظهر أن يحيى بن سعيد أراد بالفتن التي وقعت بالمدينة دون غيرها. 4025 - حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ: قَالَتْ: فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ: بِئْسَ مَا قُلْتِ تَسُبِّينَ رَجُلاً شَهِدَ بَدْرًا فَذَكَرَ حَدِيثَ الإِفْكِ. وبه قال: (حدّثنا الحجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون الأنماطي البصري قال: (حدّثنا عبد الله بن عمر) بن غانم (النميري) بضم النون وفتح الميم مصغرًا قاضي إفريقية قال: (حدّثنا يونس بن يزيد) الأيلي (قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: سمعت عروة بن الزيير) بن العوّام -رضي الله عنه- (وسعيد بن المسيب) بن حزن سيد التابعين (وعلقمة بن وقاص) الليثي (وعبيد الله) بضم العين في اليونينية وفي الفرع بفتح العين وهو سبق قلم والصواب بضمها مصغرًا (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود -رضي الله عنه- (عن حديث عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في قصة الإفك، وسقط لأبي ذر: زوج النبي إلى آخره

13 - باب تسمية من سمي من أهل بدر في الجامع الذي وضعه أبو عبد الله على حروف المعجم

(كل) من عروة وسعيد وعلقمة وعبيد الله (حدثني) بالإفراد (طائفة) قطعة (من الحديث قالت) عائشة -رضي الله عنها-: (فأقبلت أنا وأم مسطح) بكسر الميم سلمى بنت أبي رهم للتبرز قبل المناصع قبل أن تتخذ الكنف قريبًا من البيوت والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك (فعثرت) بالفاء في اليونينية وغيرها وفي الفرع بالواو وبالعين المهملة والمثلثة والراء المفتوحات آخره فوقية (أم مسطح في مرطها) بكسر الميم وسكون الراء كسائها (فقالت: تعس مسطح) بفتح الفوقية وكسر العين المهملة وتفتح بعدها سين مهملة أي كب لوجهه (فقلت) لها: (بئسما قلت تسبين) بإسقاط همزة الاستفهام (رجلاً شهد بدرًا فذكر حديث الإفك) السابق في كتاب الشهادات في باب تعديل النساء بعضهن بعضًا بتمامه والمراد منه هنا قوله شهد بدرًا. 4026 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: هَذِهِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يُلْقِيهِمْ «هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا»؟. قَالَ مُوسَى قَالَ نَافِعٌ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُنَادِي نَاسًا أَمْوَاتًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا قُلْتُ مِنْهُمْ» فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ قُرَيْشٍ مِمَّنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ رَجُلاً. وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: قَالَ الزُّبَيْرُ: قُسِمَتْ سُهْمَانُهُمْ فَكَانُوا مِائَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) الحزامي القرشي المدني قال: (حدّثنا محمد بن فليح بن سليمان) بضم الفاء مصغرًا وسقط ابن سليمان في الفرع وثبت في أصله (عن موسى بن عقبة) مولى آل زبير الإمام في المغازي (عن ابن شهاب) محمد الزهري أنه (قال): بعد أن ذكر غزوات رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هذه) المذكورات هي (مغازي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر الحديث) عن أهل بدر (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يلقيهم) في القليب من الإلقاء وللأصيلي وأبي الوقت عن الحموي يلقبهم بفتح اللام وكسر القاف مشدّدة بعدها موحدة بدل التحتية وللكشميهني يلعنهم بسكون اللام وبالعين المهملة والنون بدل القاف أو الموحدة أو التحتية: (هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا)؟ وسقط (كم) من قوله وعدكم في الفرع وثبت في أصله. (قال موسى) بن عقبة بالسند المذكور (قال نافع) مولى ابن عمر (قال عبد الله) بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- (قال ناس من أصحابه) منهم عمر (يا رسول الله تنادي ناسًا أمواتا؟ قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما أنتم بأسمع لما قلت منهم). فيه شاهد على جواز الفصل بين أفعل التفضيل وكلمة "من" (فجميع من شهد بدرًا من قريش) قال في الفتح: هو من بقية كلام موسى بن عقبة عن ابن شهاب، وبه قال الكرماني. لكن في الفرع وأصله قال أبو عبد الله: وعليه علامة السقوط لأبي ذر وحده وهو يدل على أن قوله فجميع إلى آخره من كلام البخاري (ممن ضرب له بسهمه) بضم الضاد وكسر الراء من الغنيمة وإن لم يشهدها لعذر كعثمان بن عفان -رضي الله عنه- (أحد وثمانون رجلاً، وكان عروة بن الزبير يقول: قال الزبير قسمت) بضم القاف وكسر السين (سهمانهم) بضم السين وسكون الهاء (فكانوا مائة) من قريش ممن شهدها حال وحكمًا أو بانضمام مواليهم وأتباعهم وسرد ابن سيد الناس أسماءهم فبلغ بهم أربعة وتسعين (والله أعلم) يحتمل أن يكون من كلام الزبير فلعله دخله بعض الشك لطول الزمان أو من الراوي عنه. 4027 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ قَالَ ضُرِبَتْ يَوْمَ بَدْرٍ لِلْمُهَاجِرِينَ بِمِائَةِ سَهْمٍ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن معمر) بفتح الميمين بينهما مهملة ساكنة ابن راشد الأزدي مولاهم (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة (عن الزبير) بن العوّام أنه (قال: ضربت) بضم الضاد مبنيًّا للمفعول (يوم بدر للمهاجرين) هم قريش (بمائة سهم). وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عند الطبراني والبزار: أن المهاجرين ببدر كانوا سبعة وسبعين رجلاً. قال في الفتح: فلعله لم يذكر من ضرب لهم بسهم ممن لم يشهدها حسًا. وقال الداودي: إنما كانوا على التحرير أربعة وثمانين وكانت معهم ثلاثة أفراس فأسهم لهم بسهمين سهمين وضرب لرجال كان أرسلهم في بعض أمره بسهامهم فيصح أنها كانت مائة بهذا الاعتبار. 13 - باب تَسْمِيةُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فِي الْجَامِعِ الَّذِي وَضَعَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ النَّبِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ، ثُمَّ إِيَاسُ بْنُ الْبُكَيْرِ، بِلاَلُ بْنُ رَبَاحٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الْقُرَشِيِّ، حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ، حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ حَلِيفٌ لِقُرَيْشٍ، أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ الْقُرَشِيُّ، حَارِثَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ، قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَهْوَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ كَانَ فِي النَّظَّارَةِ، خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيُّ. خُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ الأَنْصَارِيُّ، رِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، أَبُو لُبَابَةَ الأَنْصَارِيُّ، الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ الْقُرَشِيُّ، زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ، أَبُو طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ، أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ الزُّهْرِيُّ، سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ الْقُرَشِيُّ، سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْقُرَشِيُّ، سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِيُّ، ظُهَيْرُ بْنُ رَافِعٍ الأَنْصَارِيُّ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ، عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ، عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ الْقُرَشِيُّ، عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ الأَنْصَارِيُّ، عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ حَلِيفُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ، عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَنَزِيُّ، عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ، عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ الأَنْصَارِيُّ، عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ، قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ، قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيُّ، مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، مُعَوِّذُ ابْنُ عَفْرَاءَ وَأَخُوهُ، مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ أَبُو أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ، مَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيُّ، مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، مِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الْكِنْدِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، هِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ الأَنْصَارِيُّ -رضي الله عنهم-. (باب تسمية من سمي من أهل بدر) الذين حضروا وقعتها (في) هذا (الجامع الذي وضعه) الإمام (أبو عبد الله) محمد بن إسماعيل البخاري. قال في الكواكب: والمقصود منه تسمية من علم في هذا الكتاب أنه من أهل بدر على الخصوص فكأنه

فذلكة وإجمال لما تقدم مفصلاً لا تسمية المذكورين منهم فيه مطلقًا إذ كثير ممن لم يختلف في شهوده بدرًا كأبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- لم يذكره هاهنا، ولا تسمية من روى حديثًا منهم فإن كثيرًا من المذكورين هنا لم يرو حديثًا فيه نحو حارثة وغيره. وقد رتب من ذكره هنا (على حروف المعجم) إلا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والخلفاء الأربعة فقدمهم لشرفهم، وفي بعضها تقديمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقط كما سنذكره إن شاء الله تعالى، وسقط لأبي ذر لفظ باب وقوله الذي وضعه إلى آخره. (النبي محمد بن عبد الله) بن عبد المطلب بن هاشم (الهاشمي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وذكره تبركًا وإلاّ فكونه حضر بدرًا من المقطوع به. (أبو بكر الصديق) - رضي الله تعالى عنه -، وفي نسخة عبد الله بن عثمان بن أبي قحافة، ولأبي ذر: القرشي. وتقدم في أول المغازي حيث قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر: "اللهم إني أنشدك" فأخذ أبو بكر -رضي الله عنه- بيده وقال: حسبك. (ثم عمر) - رضي الله تعالى عنه -، ولأبي ذر عمر بن الخطاب العدوي نسبه إلى جده الأعلى عدي بن كعب، وسبق ذكره حيث قال: يا رسول الله تكلم أجسادًا لا أرواح لها. (ثم عثمان) -رضي الله عنه-، ولأبي ذر: عثمان بن عفان خلفه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ابنته أي رقية وكانت مريضة وضرب له بسهمه أي وأجره فكان كمن شهدها كما سبق في مناقبه. (ثم علي) -رضي الله عنه-، ولأبي ذر: علي بن أبي طالب الهاشمي، وسبق ذكره في الواقعة السابقة حيث قال: كان لي شارف من المغنم يوم بدر. (ثم إياس بن البكير) بكسر الهمزة وفتحها وتخفيف التحتية والبكير بضم الموحدة وفتح الكاف مصغرًا، ولأبي ذر عن الكشميهني البكير بكسر الموحدة والكاف المشددة الليثي، وسبق في باب شهود الملائكة بدرًا وسقط لفظ، ثم في الأربعة لأبي ذر واتفق على إسقاطها في كل ما يأتي بعد هؤلاء وهو: (بلال بن رباح) بفتح الراء والموحدة المخففة المؤذن الحبشي (مولى أبي بكر الصديق) -رضي الله عنه-، ولغير أبي ذر القرشي ذكر في كتاب الوكالة حيث قال يوم بدر: لا نجوت إن نجا أمية بن خلف. (حمزة بن عبد المطلب الهاشمي) -رضي الله عنه- هو الذي قتل شيبة بن ربيعة يوم بدر كما سبق. (حاطب بن أبي بلتعة) عمرو -رضي الله عنه- (حليف لقريش) سبق أن عمر أراد قتله فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنه شهد بدرًا. (أبو حذيفة) هشام على الأكثر (ابن عتبة بن ربيعة) بن عبد شمس (القرشي) ذكر في باب شهود الملائكة بدرًا (حارثة بن الربيع) -رضي الله عنه- بفتح الراء والتخفيف كذا في اليونينية وفرعها. قال في أسد الغابة: كذا ذكره عبدان وابن أبي علي، وفي بعض الأصول الربيع بضم الراء والتشديد مصغرًا وهو الصواب، وبه جزم في أُسد الغابة وفتح الباري والعمدة والكواكب وغيرها وهو اسم أمه عمة أنس بن مالك -رضي الله عنه- (الأنصاري، قتل يوم بدر وهو حارثة بن سراقة بضم) السين وتخفيف الراء ابن الحارث بن عدي (كان في النظارة) بتشديد الظاء المعجمة الذين لم يخرجوا لقتال وكان غلامًا فجاءه سهم غرب فوقع في ثغرة نحره فقتله فجاءت أمه الربيع فقالت: يا رسول الله قد علمت مكان حارثة مني فإن يكن في الجنة فأصبر وإلاّ فسيرى الله عز وجل ما أصنع. فقال لها: "يا أم حارثة إنها ليست بجنة واحدة ولكنها جنان كثيرة وهو في الفردوس الأعلى". قالت: سأصبر. (خبيب بن عدي) -رضي الله عنه- بالخاء المعجمة المضمومة والموحدة المفتوحة (الأنصاري) الأوسي في باب فضل من شهد بدرًا أن خبيبًا قتل الحارث بن عامر يوم بدر، وقال الدمياطي: إنما هو خبيب بن يساف. (خنيس بن حذافة) بضم الخاء المعجمة وفتح النون آخره سين مهملة مصغرًا، وحذافة بضم المهملة وفتح المعجمة وبالفاء ابن قيس بن عدي بن سعد بن سهم (السهمي) القرشي ذكره في باب من غير ترجمة، يلي باب شهود الملائكة بدرًا بلفظ وقال ابن عمر حين تأيمت حفصة من خنيس بن حذافة وكان من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد شهد بدرًا توفي بالمدينة. (رفاعة بن رافع) أي ابن مالك

بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق الزرقي (الأنصاري) ذكره في باب فضل من شهد بدرًا قال: وكان من أهل بدر. (رفاعة بن عبد المنذر) بضم الميم وكسر الذال المعجمة (أبو لبابة) بضم اللام وتخفيف الموحدتين بينهما ألف (الأنصاري) ذكره في الباب المذكور آنفًا بلفظ حدثه أبو لبابة البدري، لكن قال الأكثرون: إنما هو أخو أبي لبابة واسمه بشير وليس بأبي لبابة رفاعة. وقال الزركشي: خرج بشير بن عبد المنذر مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى بدر ثم رده وضرب له بسهمه مع أصحاب بدر وشهد أخواه رفاعة ومبشر بدرًا وقتل يومئذ مبشر. (الزبير) بضم الزاي المعجمة وفتح الموحدة (ابن العوّام) بتشديد الواو (القرشي) تقدم ذكره في كثير من الأحاديث. (زيد بن سهل) بفتح السين المهملة وسكون الهاء (أبو طلحة الأنصاري) زوج أم أنس بن مالك ذكره في باب الدعاء على المشركين (أبو زيد الأنصاري) هذا ساقط من فرع المزي، وثبت في غيره. وقال في الفتح: وتقدم في حديث أنس، وقال الكرماني: اسمه قيس. (سعد بن مالك) بفتح السين المهملة وسكون العين هو سعد بن أبي وقاص واسم أبي وقاص مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة (الزهري) القرشي. قال في الفتح: لم يتقدم له في هذه القصة ذكر لكن هو منهم بالاتفاق وسقط ذكره هنا من بعض الأصول. (سعد بن خولة) بسكون العين وخولة بفتح المعجمة وسكون الواو زوج سبيعة الأسلمية (القرشي) وذكره ابن إسحاق وموسى بن عقبة وسليمان التيمي في أهل بدر، وذكره البخاري في باب الفضل بلفظ: وكان بدريًّا. (سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) بكسر العين، وعمرو بفتحها ونفيل بضم النون وفتح الفاء مصغرًا (القرشي) ذكره في باب الفضل فقال: وكان بدريًّا. قال في عيون الأثر: قدم من الشام سعيد لما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بدر فكلمه فضرب له بسهمه وأجره. (سهل بن حنيف) بفتح السين المهملة في الأول وضم الحاء المهملة في الثاني مصغرًا (الأنصاري) الأوسي شهد بدرًا والمشاهد كلها ومات بالكوفة سنة ثمان وثلاثين وصلّى عليه علي بن أبي طالب وكبّر عليه خمسًا وقال: إنه بدري كما سبق قريبًا. (ظهير بن رافع) بضم الظاء المعجمة وفتح الهاء مصغرًا ابن عدي (الأنصاري) الأوسي وهو عم رافع بن خديج (وأخوه) اسمه مظهر بضم الميم وفتح المعجمة وكسر الهاء مشدّدة ولم يسمه البخاري، وذكر أنهما شهدا بدرًا لكن قال أبو عمر: إن ظهيرًا لم يشهدها وشهد أُحُدًا وما بعدها، وكذا قيل لم يشهدها مظهر، وسقطت الواو من قوله وأخوه لأبي ذر وزاد في نسخة هنا عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق القرشي وعبد الله هو اسم أبي بكر وعثمان اسم أبيه أبي قحافة، وسقط لأبي ذر وثبت له أولاً. (عبد الله بن مسعود الهذلي) بضم الهاء وفتح المعجمة ذكره في أول المغازي بلفظ قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر: من ينظر ما فعل أبو جهل؟ فانطلق ابن مسعود، وسقط لأبي ذر عبد الله بن مسعود الهذلي، وفي بعض النسخ هنا علي بن أبي طالب الهاشمي، وقد سبق ذكره وهو ساقط هنا ثابت فيما سبق لأبي ذر. (عتبة بن مسعود الهذلي) بضم العين وسكون الفوقية أخو عبد الله بن مسعود ولم يتقدم له ذكر في البخاري ولا ذكره أحد ممن صنف في المغازي في البدريين وقد رقم عليه في الفرع علامة السقوط. قال في الفتح: وهو ساقط عند النسفيّ ولم يذكره الإسماعيلي ولا أبو نعيم في مستخرجيهما وهو المعتمد. (عبد الرحمن بن عوف الزهري) ذكره في باب الفضل قال: إني لفي الصف يوم بدر. (عبيدة بن الحارث) بضم العين مصغرًا ابن عبد المطلب (القرشي) ذكره في أول المغازي بلفظ برز عبيده يوم بدر. (عبادة بن الصامت) بضم العين وتخفيف الموحدة (الأنصاري) ذكره في باب بعد باب شهود الملائكة بدرًا بلفظ وكان شهد بدرًا وثبت في نسخة هنا عمر بن الخطاب العدوي عثمان بن عفان القرشي خلفه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

14 - باب حديث بني النضير ومخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليهم في دية الرجلين وما أرادوا من الغدر برسول الله -صلى الله عليه وسلم-

وَسَلَّمَ- على ابنته وضرب له بسهمه وسقط هذا كله لأبي ذر وثبت في السابق كما مرّ. (عمرو بن عوف) بفتح العين فيهما وبالثاء في الثاني (حليف بني عامر بن لؤي) بضم اللام وفتح الهمزة وتشديد التحتية ذكره فيه بلفظ وكان شهد بدرًا. (عقبة بن عمرو) بسكون القاف والميم (الأنصاري) ذكره فيه فقال: شهد بدرًا لكن قال ابن الأثير: أبو الحسن علي لا يصح شهوده بدرًا وإنما سكنها. (عامر بن ربيعة العنزي) بالنون والزاي ولأبي ذر عن الكشميهني العدوي بالدال المهملة بعد العين من غير نون ولا زاي. قال في الفتح: وكلاهما صواب لأنه عنزي الأصل عدوي الحلف ذكره في الباب فقال: كان شهد بدرًا. (عاصم بن ثابت) بالمثلثة والفوقية (الأنصاري) ذكره في باب قتل الأسير من الجهاد بلفظ: كان قتل رجلاً من عظمائهم يوم بدر. (عويم بن ساعدة) بضم العين آخره ميم مصغرًا (الأنصاري) ذكره قريبًا بلفظ فلقينا رجلان صالحان شهدا بدرًا عويم ومعن. (عتبان بن مالك) بكسر العين وسكون الفوقية وفتح الموحدة (الأنصاري) ذكره بعد باب شهود الملائكة بدرًا بلفظ: وكان ممن شهد بدرًا. (قدامة بن مظعون) بضم القاف وتخفيف الدال المهملة وسكون الظاء المعجمة ذكره قريبًا فقال: وكان ممن شهد بدرًا. (قتادة بن النعمان الأنصاري) ذكره قريبًا بقوله: وكان بدريًّا. (معاذ بن عمرو بن الجموح) بضم الميم وبالذال المعجمة وعمرو بفتح العين والجموح بفتح الجيم وضم الميم آخره حاء مهملة ذكره في باب من لم يخمس الأسلاب من الجهاد بلفظ قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سلبه أي سلب أبي جهل لمعاذ بن عمرو. (معوّذ ابن عفراء) بضم الميم وفتح العين وتشديد الواو وكسرها وعفراء بفتح العين وسكون الفاء ممدودًا اسم أمه. (وأخوه) عوف ذكرهما قريبًا (مالك بن ربيعة أبو أسيد) بضم الهمزة وفتح السن المهملة (الأنصاري) ذكره في باب الفضل حيث قال: قال لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر. (مرارة بن الربيع) بضم الميم وتخفيف الراء والربيع بفتح الراء وكسر الموحدة (الأنصاري) ذكره في باب الفضل في حديث كعب بلفظ: ذكروا مرارة وهلالاً رجلين صالحين شهدا بدرًا. (معن بن عدي الأنصاري) ذكره مع عويم ونوزع في كونه أنصاريًّا وإنما هو بلوي نعم هو حليف للأنصار. (مسطح بن أثاثة) بكسر الميم وسكون السين وفتح الطاء بعدها حاء مهملات وأثاثة بضم الهمزة ومثلثتين بينهما ألف آخره هاء تأنيث (ابن عباد بن عبد المطلب بن عبد مناف) ذكره قريبًا في حديث الإفك بلفظ: أتسبين رجلاً شهد بدرًا؟ وثبت قوله ابن عبد المطلب في الفرع، وسقط من اليونينية وغيرها. (مقداد بن عمرو) بكسر الميم وبدالين مهملتين بينهما ألف وعمرو بفتح العين وللكشميهني مقدام بميم في آخره بدل الدال وهو غلط. (الكندي حليف بني زهرة) بضم الزاي وسكون الهاء ذكره قريبًا قال: وكان ممن شهد بدرًا. (هلال بن أمية الأنصاري) ذكره في قصة كعب مع مرارة، فجملة ما ذكره هنا من البدريين أربعة وثلاثون غير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وسرد الحافظ أبو الفتح اليعمري ما وقع له من المهاجرين أربعة وتسعين، ومن الخزرج مائة وخمسة وتسعين، ومن الأوس أربعة وسبعين فذلك ثلاثمائة وثلاثة وستون. قال: وهذا العدد أكثر من عدد أهل بدر، وإنما جاء من جهة الخلاف في بعضهم اهـ. وقال في الكواكب: وفائدة ذكرهم معرفة فضيلة السبق وترجيحهم على غيرهم والدعاء لهم بالرضوان على التعيين (-رضي الله عنهم-) أجمعين. 14 - باب حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ وَمَخْرَجِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِمْ فِي دِيَةِ الرَّجُلَيْنِ وَمَا أَرَادُوا مِنَ الْغَدْرِ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ كَانَتْ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ قَبْلَ أُحُدٍ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ} [الحشر: 2]. وَجَعَلَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ بَعْدَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَأُحُدٍ. (باب حديث بني النضير) بفتح النون وكسر الضاد المعجمة قبيلة كبيرة من اليهود كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وادعهم على أن لا يحاربهم (ومخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بجر مخرج عطفًا على المجرور السابق بالإضافة، وسقط لأبي ذر لفظ باب فتاليه مرفوع ومخرج معطوف عليه وهو مصدر ميمي أي وخروجه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إليهم) أي إلى بني النضير ليستعينهم (في ديّة الرجلين) العامريين اللذين كانا قد خرجا من المدينة معهما عقد وعهد

من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فصادفهما عمرو بن أمية الضمري وكان عامر بن الطفيل أعتقه لما قتل أهل بئر معونة عن رقبة كانت عن أمه ولم يشعر عمرو أن مع العامريين العقد المذكور فقال لهما: ممن أنتما؟ فذكرا له أنهما من بني عامر فتركهما حتى ناما فقتلهما، وظن أنه ظفر ببعض ثأر أصحابه فأخبر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك فقال: لقد قتلت قتيلين لأودينهما وكان بين بني النضير وبني عامر عقد وحلف (وما أرادوا) أي بنو النضير (من الغدر برسول الله) ولأبي ذر بالنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وذلك أنه لما أتاهم عليه الصلاة والسلام قالوا: نعم يا أبا القاسم نعينك ثم خلا بعضهم ببعض وأجمعوا على اغتياله عليه الصلاة والسلام بأن يلقوا عليه رحى فأخبره جبريل بذلك فرجع إلى المدينة وأمر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالتهيؤ لحربهم والسير إليهم. (قال): ولأبي ذر وقال (الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب مما وصله عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري (عن عروة بن الزبير) أنه قال: (كانت) غزوة بني النضير (على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل وقعة أُحُد وقول الله تعالى) بالجر أو بالرفع عطفًا على مخرج ({هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب}) يعني يهود بني النضير ({من ديارهم}) بالمدينة ({لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا}) [الحشر: 2] اللام تتعلق بأخرج وهي كاللام في قوله تعالى: {يا ليتني قدمت لحياتي} [الفجر: 24] وقوله: جئت لوقت كذا أي أخرج الذين كفروا عند أول الحشر، ومعنى أول الحشر أن هذا أول حشرهم إلى الشأم، وهم أول من أخرج من أهل الكتاب من جزيرة العرب إلى الشام وهذا أول حشرهم وآخر حشرهم إجلاء عمر إياهم من خيبر إلى الشام، أو آخر حشرهم يوم القيامة. وسقط قوله: لأول الحشر من الفرع بإصلاح على كشط، وثبت في أصله وغيره كقوله: ما ظننتم أن يخرجوا. (وجعله) أي قتال بني النضير (ابن إسحاق) محمد (بعد بئر معونة) في صفر سنة أربع من الهجرة (و) غزوة (أُحُد). 4028 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَضْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: حَارَبَتِ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ فَأَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ فَقَتَلَ رِجَالَهُمْ وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلاَدَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ بَعْضَهُمْ لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا وَأَجْلَى يَهُودَ الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَهُمْ رَهْطُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ وَكُلَّ يَهُودِ الْمَدِينَةِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (إسحاق بن نصر) هو ابن إبراهيم ونسبه إلى جده المروزي نزيل بخارى قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني قال: (أخبرني ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز المكي (عن موسى بن عقبة) الأسدي صاحب المغازي (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنّه (قال: حاربت النضير وقريظة) بالظاء المعجمة المشالة أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فالمفعول محذوف، ولأبي ذر: قريظة والنضير بالتقديم والتأخير (فأجلى) بهمزة مفتوحة وجيم ساكنة فلام مفتوحة أي فأخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بني النضير) من أوطانهم مع أهلهم وأولادهم (وأقرّ قريظة) في منازلهم (ومنّ عليهم) ولم يأخذ منهم شيئًا (حتى حاربت) أي إلى أن حاربته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قريظة) فحاصرهم خمسًا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب فنزلوا على حكمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقتل رجالهم وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين) بعد أن أخرج الخُمس فأعطى الفارس ثلاثة أسهم وكانت الخيل سنة وثلاثين (إلا بعضهم) أي بعض قريظة (لحقوا بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فآمنهم) بمدّ الهمزة وتخفيف الميم أي جعلهم آمنين، ولأبي ذر: فأمنهم بتشديد الميم والقصر (وأسلموا وأجلى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يهود المدينة كلهم بني قينقاع) بقافين مفتوحتين بينهما تحتية ساكنة فنون مضمومة وتكسر وتفتح وبعد الألف عين مهملة (وهم رهط عبد الله بن سلام) بالتخفيف (ويهود بني حارثة) بنصب يهود عطفًا على السابق (و) أجلى (كل يهود المدينة) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر وكل يهودي بالمدينة بتحتية بعد الدال ثم موحدة ولأبي ذر وكل يهود بتنوين الدال. 4029 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ سُورَةُ الْحَشْرِ قَالَ: قُلْ سُورَةُ النَّضِيرِ تَابَعَهُ هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ. [الحديث 4029 - أطرافه في 4645، 4882، 4883]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (الحسن بن مدرك) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر الراء البصري الطحان قال: (حدّثنا يحيى بن حماد) بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم الشيباني البصري قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (أبو

عوانة) الوضاح اليشكري (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية إياش اليشكري الواسطي (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: قلت لابن عباس) -رضي الله عنهما- (سورة الحشر؟ قال: قل سورة النضير) لأنها أنزلت فيهم وذكر الله فيها الذي أصابهم من النقمة، كذا رواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس (تابعه) أي تابع أبا عوانة (هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير الواسطي (عن أبي بشر) وهذه المتابعة وصلها المؤلّف في التفسير. 4030 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّخَلاَتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود واسم أبي الأسود حميد بن الأسود أبو بكر البصري الحافظ ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي قال: (حدّثنا معتمر) بضم الميم وسكون العين المهملة وفتح الفوقية وكسر الميم بعدها راء (عن أبيه) سليمان بن طرخان البصري أنه قال: (سمعت أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رجل) من الأنصار (يجعل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النخلات) من نخله هدية ليصرفها في نوائبه (حتى افتتح قريظة و) أجلى (النضير فكان بعد ذلك يردّ عليهم) نخلاتهم. وسبق هذا الحديث في باب كيف قسّم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قريظة والنضير من الخُمس بغير هذا الإسناد ويأتي إن شاء الله تعالى بأتم من هذا السياق في أول غزوة بني قريظة بعون الله تعالى. 4031 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَهْيَ الْبُوَيْرَةُ فَنَزَلَتْ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر: 5]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: حرق) بتشديد الراء (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نخل بني النضير) ولغير أبي ذر عن الكشميهني كما في الفتح واليونينية نخل النضير بإسقاط بني (وقطع) الأشجار وفيه جواز قطع شجر الكفار وإحراقه، وبه قال عبد الرحمن بن القاسم ونافع مولى ابن عمر ومالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق والجمهور قاله النووي في شرح مسلم. (وهو البويرة) بضم الموحدة وفتح الواو وسكون التحتية وفتح الراء بعدها هاء تأنيث موضع نخل بني النضير بقرب المدينة الشريفة (فنزل: {ما قطعتم من لينة}) هو بيان لما قطعتم ومحل ما نصب بقطعتم كأنه قيل أي شيء قطعتم وأنت الضمير العائد إلى ما في قوله: ({أو تركتموها}) لأنه في معنى اللينة واللينة هي أنواع التمر كلها إلا العجوة وقيل كرام النخل وقيل كل الأشجار للينها وأنواع نخل المدينة مائة وعشرون نوعًا وياء اللينة عن واو قلبت لكسر ما قبلها ({قائمة على أصولها فبإذن الله}) [الحشر: 5]. قطعها وتركها بمشيئته. 4032 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا حَبَّانُ أَخْبَرَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ قَالَ: وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ: وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ قَالَ: فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ: أَدَامَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ ... وَحَرَّقَ فِي نَوَاحِيهَا السَّعِيرُ سَتَعْلَمُ أَيُّنَا مِنْهَا بِنُزْهٍ ... وَتَعْلَمُ أَيَّ أَرْضَيْنَا تَضِيرُ وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق) هو ابن منصور المروزي أو هو ابن راهويه قال: (أخبرنا حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن هلال الباهلي قال: (أخبرنا جويرية بن أسماء) بالجيم مصغر جارية ابن عبيد الضبعي البصري (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حرّق نخل بني النضير قال) ابن عمر -رضي الله عنهما-: (ولها) أي البويرة (يقول حسان بن ثابث): شاعر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وهان) ولأبي ذر عن الكشميهني: لهان باللام بدل الواو (على سراة بني لؤيّ) بفتح السين المهملة ولؤيّ بضم اللام وفتح الهمزة وتشديد التحتية أي هان على ساداتهم قريش وأكابرهم (حريق بالبويرة مستطير) أي منتشر. قال في التوضيح: هو من بحر الوافر دخل الجزء الأول منه العضب فهو على زنة مفتعلن (قال: فأجابه أبو سفيان بن الحارث) ابن عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله: (أدام الله ذلك) التحريق (من صنيع .. وحرق في نواحيها) المدينة وغيرها من مواضع أهل الإسلام (السعير) فهو دعاء على المسلمين لا لهم لأنه كان كافرًا إذ ذاك (ستعلم أيّنا منها) من البويرة (بنزه) بضم النون وسكون الزاي أي ببعد من الشيء وزنًا ومعنى وقد تفتح النون (وتعلم أيّ) بالنصب (أرضينا) بلفظ الجمع في اليونينية وغيرها وفي الفرع بفتح الضاد على التثنية أي المدينة التي هي دار الإيمان أو مكة التي كانت بها الكفار (تضير) بفتح الفوقية وكسر الضاد المعجمة من الضير أي تتضرر بذلك. 4033 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- دَعَاهُ إِذْ جَاءَهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأ فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَأَدْخِلْهُمْ فَلَبِثَ قَلِيلاً ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ يَسْتَأْذِنَانِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا دَخَلاَ قَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِي الَّذِي أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مالِ بَنِي النَّضِيرِ فَاسْتَبَّ عَلِيٌّ وَعَبَّاسٌ فَقَالَ الرَّهْطُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ فَقَالَ عُمَرُ: اتَّئِدُوا أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» يُرِيدُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ قَالُوا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ. قَالَ فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْفَىْءِ بِشَىْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {قَدِيرٌ} [الحشر: 6] فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ وَلاَ اسْتَأْثَرَهَا عَلَيْكُمْ لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَقَسَمَهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ هَذَا الْمَالُ مِنْهَا فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ فَعَمِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيَاتَهُ ثُمَّ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَبَضَهُ أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهِ بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ وَقَالَ: تَذْكُرَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ عَمِلَ فِيهِ كَمَا تَقُولاَنِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فِيهِ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَبِي بَكْرٍ فَقَبَضْتُهُ سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي أَعْمَلُ فِيهِ بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي فِيهِ صَادِقٌ، بَارٌّ، رَاشِدٌ، تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي كِلاَكُمَا وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ فَجِئْتَنِي يَعْنِي عَبَّاسًا فَقُلْتُ لَكُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا قُلْتُ إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهُ إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلاَنِ فِيهِ بِمَا عَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ وَمَا عَمِلْتُ فِيهِ مُذْ وَلِيتُ وَإِلاَّ فَلاَ تُكَلِّمَانِي فَقُلْتُمَا ادْفَعْهُ إِلَيْنَا بِذَلِكَ فَدَفَعْتُهُ إِلَيْكُمَا أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ أَقْضِي فِيهِ بِقَضَاءٍ غَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهُ فَادْفَعَا إِلَيَّ فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهُ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم

بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالتوحيد ولأبي ذر: أخبرنا (مالك بن أوس بن الحدثان) بالمثلثة والحركات (النصري) بالنون والصاد المهملة (أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- دعاه) في قصة فدك في أول كتاب الخُمس قال مالك: بينما أنا جالس في أهلي حين منع النهار إذا رسول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يأتيني فقال: أجِب أمير المؤمنين فانطلقت معه حتى أدخل على عمر فإذا هو جالس على رمال سرير ليس بينه وبينه فراش متكئ على وسادة من أدم حشوها ليف فسلمت عليه ثم جلست فقال: يا رمال إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات وقد أمرت فيهم برضخ فاقبضه فاقسمه بينهم. فقلت: يا أمير المؤمنين لو أمرت له غيري قال: فاقبضه أيها المرء فبينما أنا جالس عنده (إذ جاءه حاجبه يرفأ) بفتح التحتية والفاء بينهما راء ساكنة مقصورًا (فقال له: هل لك) رغبة (في) دخول (عثمان) بن عفان (وعبد الرحمن) بن عوف (والزبير) بن العوام (وسعد) بسكون العين ابن أبي وقاص فإنهم (يستأذنون) في الدخول عليك (فقال) عمر، ولأبوي ذر والوقت: قال (نعم فأدخلهم) بكسر الخاء بلفظ الأمر (فلبث قليلاً) زاد في الخُمس فدخلوا فسلموا وجلسوا ثم جلس يرفأ يسيرًا (ثم جاء فقال: هل لك) رغبة (في) دخول (عباس وعلي) فإنهما (يستأذنان) في الدخول عليك (قال: نعم فلما دخلا) وسلّما (قال عباس: يا أمير المؤمنين اقضِ بيني وبين هذا) علي بن أبي طالب (وما يختصمان) يتنازعان ويتجادلان (في الذي) ولأبي ذر عن الكشميهني: التي (أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مال بني النضير) أي جعله له فيئًا خاصة مما لم يوجف على تحصيله منهم بخيل ولا ركاب وسقطت التصلية لأبي ذر (فاستب) بتشديد الموحدة (عليّ وعباس) في غير محرم بل من قبيل العتب ونحوه (فقال الرهط): زاد في الخُمس عثمان وأصحابه (يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح) بهمزة مفتوحة وراء مكسورة فحاء مهملة من الإراحة (أحدهما من الآخر فقال عمر: اتئدوا) بتشديد الفوقية المفتوحة وهمزة مكسورة لا تعجلوا (أنشدكم) بفتح الهمزة وبالمعجمة أسألكم (بالله الذي بإذنه تقوم السماء) بغير عمد (والأرض) على الماء (هل تعلمون أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا نورث ما تركنا صدقة) بالرفع خبر المبتدأ الذي هو ما والعائد محذوف أي الذي تركناه صدقة (يريد) عليه الصلاة والسلام (بذلك نفسه) الكريمة، وكذا غيره من الأنبياء بدليل آخر وهو قوله في حديث آخر: نحن معاشر الأنبياء لا نورث (قالوا): أي الرهط (قد قال) عليه الصلاة والسلام (ذلك. فأقبل عمر على عليّ وعباس) -رضي الله عنهم- (فقال) لهما: (أنشدكما الله هل تعلمان أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد قال ذلك؟ قالا: نعم. قال) لهما: (فإني أحدثكم عن هذا الأمر إن الله سبحانه كان خص رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (في) وفي نسخة: من (هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدًا غيره فقال جل ذكره: {وما أفاء الله على رسوله منهم}) من بني النضير ({فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب}) ولا إبل (إلى قوله: {قدير} [الحشر: 6]. فكانت هذه) بنو النضير (خالصة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لا حق لأحد غيره فيها كما هو مذهب الجمهور، وعند الشافعية يخمس خمسة أخماس لآية الأنفال {واعلموا أنما غنمتم من شيء} [الأنفال: 41]. فحمل المطلق على المقيد وقد كان عليه الصلاة والسلام يقسم له أربعة أخماسه وخُمس خمسه، ولكل من الأربعة المذكورين معه في الآية خمس خمس، وأما بعده فيصرف ما كان له من خُمس الخُمس لمصالحنا ومن الأخماس الأربعة للمرتزقة (ثم والله ما احتازها) بهمزة وصل وحاء مهملة وفوقية مفتوحة وزاي مفتوحة ما جمعها (دونكم ولا استأثرها) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: ولا استأثر بها أي ولا أستقل بها (عليكم لقد أعطاكموها) أي الأموال الفيء (وقسمها فيكم حتى بقي هذا المال منها، فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينفق على أهله نفقة سنتهم)

ولأبي ذر: سنته (من هذا المال ثم يأخذ ما بقي) منه (فيجعله مجعل مال الله) بفتح الميم وسكون الجيم في السلاح والكراع ومصالح المسلمين (فعمل) بكسر الميم (ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حياته ثم توفي فقال أبو بكر) -رضي الله عنه-: (فأنا ولي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقبضه) أي المال (أبو بكر فعمل فيه بما عمل به) وفي نسخة فيه (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنتم حينئذ فأقبل) عمر، ولأبوي ذر والوقت وأقبل (على عليّ وعباس وقال) لهما: (تذكران) بالتثنية. واستشكل مع قوله: وأنتم حينئذ بالجمع لعدم المطابقة بين المبتدأ والخبر، وأجاب في الكواكب الدراري بأنه على مذهب من قال: إن أقل الجمع اثنان أو إن لفظ حينئذ خبره وتذكران ابتداء كلام قال: وفي بعضها أنتما تذكران (أن أبا بكر عمل فيه كما تقولان والله) عز وجل (يعلم أنه فيه لصادق بارّ) بتشديد الراء (راشد تابع للحق ثم توفى الله عز وجل أبا بكر) -رضي الله عنه- (فقلت: أنا ولي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر فقبضته سنتين من إمارتي) بكسر الهمزة (أعمل) بفتح الميم (فيه بما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ما (عمل رسول الله) ولأبوي ذر والوقت فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر والله يعلم أني) بفتح الهمزة ولأبي ذر: إني بكسر الهمزة (فيه صادق) ولأبي ذر لصادق باللام في خبر إن (بار) عطوف ببره ولطفه (راشد) اسم فاعل من رشد يرشد رشدًا ورشد يرشد رشدًا والرشد خلاف الغيّ (تابع للحق ثم جئتماني كلاكما وكلمتكما واحدة وأمركما جميع فجئتني يعني عباسًا) ولا ينافي هذا قوله أولاً جئتماني بالتثنية لجواز أنهما جاءا معًا أولاً ثم جاء العباس وحده. قاله الكرماني. (فقلت لكما): وفي الخمس جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك وجاءني هذا يريد عليا نصيب امرأته من أبيها فقلت لكما: (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لا نورث ما تركنا صدقة فلما بدا) ظهر (لي أن أدفعه إليكما) وجواب لما قوله (قلت) لكما: (إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان) بفتح الميم وتشديد النون في الفرع وأصله وفي غيرهما بالتخفيف (فيه بما عمل فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر) منذ وليه (وما عملت فيه مذ) بغير نون، ولأبي ذر: منذ (وليت) بفتح الواو وكسر اللام الخلافة (وإلاّ فلا تكلماني) في ذلك (فقلتما ادفعه إلينا بذلك) الذي كان يعمل به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فدفعته إليكما) على ذلك (أفتلتمسان) أي أفتطلبان (مني قضاء غير ذلك فوالله الذي بإذنه تقوم السماء) بغير عمد (والأرض) على الماء (لا أقضي فيه بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنه فادفعا إليّ) بحذف ضمير المفعول ولأبي ذر عن الكشميهني: فادفعاه إليّ (فأنا) بالفاء هو الذي في اليونينية وفي بعض الأصول وأنا (أكفيكماه) بفتح الهمزة وضم الكاف الثانية. 4034 - قَالَ: فَحَدَّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ صَدَقَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ أَنَا سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَقُولُ: أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُثْمَانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ ثُمُنَهُنَّ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكُنْتُ أَنَا أَرُدُّهُنَّ فَقُلْتُ لَهُنَّ: أَلاَ تَتَّقِينَ اللَّهَ أَلَمْ تَعْلَمْنَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» يُرِيدُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْمَالِ فَانْتَهَى أَزْوَاجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى مَا أَخْبَرَتْهُنَّ قَالَ: فَكَانَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ بِيَدِ عَلِيٍّ مَنَعَهَا عَلِيٌّ عَبَّاسًا فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا ثُمَّ كَانَ بِيَدِ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ثُمَّ بِيَدِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ثُمَّ بِيَدِ حُسَيْنٍ بْنِ عَلِيِّ ثُمَّ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَحَسَنِ بْنِ حَسَنٍ كِلاَهُمَا كَانَا يَتَدَاوَلاَنِهَا ثُمَّ بِيَدِ زَيْدِ بْنِ حَسَنٍ وَهْيَ صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَقًّا. (قال): أي الزهري (فحدثت هذا الحديث عروة بن الزبير فقال: صدق مالك بن أوس) فيما حدث به (أنا سمعت عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تقول: أرسل أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عثمان) بن عفان (إلى أبي بكر) -رضي الله عنهما- (يسألنه ثمنهن مما أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (فكنت أنا أردهن فقلت لهن: ألا) بالتخفيف (تتقين الله ألم تعلمن أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول: لا نورث ما تركنا صدقة يريد بذلك نفسه إنما يأكل آل محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا المال) من جملة من يأكل منه لا أنه لهم بخصوصهم (فانتهى أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ما أخبرتهن) بسكون الفوقية. (قال) عروة: (فكانت هذه الصدقة بيد عليّ) -رضي الله عنه- (منعها عليّ عباسًا) -رضي الله عنهما- (فغلبه عليها) بالتصرف فيها وتحصيل غلاتها لا بتخصيص الحاصل بنفسه (ثم كان) ذلك المال (بيد حسن بن علي ثم بيد حسين بن علي ثم بيد علي

15 - باب قتل كعب بن الأشرف

بن حسين) مصغر، ولأبي ذر زيادة أل في حسن وحسين في المواضع الثلاثة (و) بيد (حسن بن حسن) بفتح الحاء فيهما (كلاهما) أي علي بن حسين بن علي وحسن بن حسن بن علي وكل منهما ابن عم الآخر (كانا يتداولانها) أي يتناوبان في التصرف في الصدقة المذكورة (ثم) كانت (بيد زيد بن حسن) بفتح الحاء أي ابن أخي الحسن المذكور (وهي صدقة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حقًّا). وهذا الحديث مرّ في باب فرض الخُمس. 4035 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ فَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - وَالْعَبَّاسَ أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا أَرْضَهُ مِنْ فَدَكٍ وَسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرَ. 4036 - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْمَالِ وَاللَّهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَبُّ إِلَىَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني (إبراهيم بن موسى) الرازي الفراء الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن فاطمة عليها السلام والعباس أتيا أبا بكر) -رضي الله عنهم- (يلتمسان) أي يطلبان (ميراثهما أرضه) عليه الصلاة والسلام (من فدك) بالصرف، ولأبي ذر: من فدك بعدمه وكانت له عليه الصلاة والسلام خاصة (وسهمه من خيبر) وهو الخُمس (فقال) لهما (أبو بكر) -رضي الله عنه-: (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا نورث ما تركنا صدقة) بالرفع خبر المبتدأ وهو ما تركنا، وسبق في الخُمس أن الإمامية حرّفوه فقالوا: لا يورث بالتحتية بدل النون وصدقة نصب على الحال وما تركنا مفعول لما لم يسم فاعله، فجعلوا المعنى أن ما يترك صدقة لا يورث فحرّفوا الكلام وأخرجوه عن نمط الاختصاص إذ آحاد الأمة إذ أوقفوا أموالهم وجعلوها صدقة انقطع حق الورثة عنها مع مزيد بحث لذلك فراجعه. (إنما يأكل آل محمد في هذا المال) من جملة من يأكل منه أي يعطون منه ما يكفيهم لا على وجه الميراث، ثم اعتذر أبو بكر عن منعه القسمة بقوله: {والله لقرابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي) ولا يلزم منه أن لا يصلهم ببره من جهة أخرى. وتقدم هذا الحديث في أول الخُمس بدون قوله: والله لقرابة الخ ... قال في الفتح: وظاهره الإدراج، وقد بينه الإسماعيلي بلفظ: فتشهد أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فوالله لقرابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحب إليّ أن أصل من قرابتي. 15 - باب قَتْلُ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ (باب قتل كعب بن الأشرف) اليهودي، وكان في ربيع الأول من السنة الثالثة كما عند ابن سعد وسقط لفظ باب لأبي ذر فتاليه رفع كما لا يخفى. 4037 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: فَائْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا قَالَ: قُلْ. فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا وَإِنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ قَالَ: وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمِلُّنَّهُ قَالَ: إِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ فَلاَ نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ، وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَذْكُرْ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ فَقَالَ: أُرَى فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ فَقَالَ: نَعَمِ. ارْهَنُونِي قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ قَالَ: ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ؟ قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ؟ قَالَ: فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ؟ قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ؟ فَيُقَالُ: رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللأْمَةَ قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي السِّلاَحَ فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَجَاءَهُ لَيْلاً وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ وَهْوَ أَخُو كَعْبٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحِصْنِ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: قَالَتْ أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لأَجَابَ قَالَ: وَيُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ قِيلَ لِسُفْيَانَ: سَمَّاهُمْ عَمْرٌو قَالَ: سَمَّى بَعْضَهُمْ قَالَ عَمْرٌو: جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ عَمْرٌو: جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ فَقَالَ: إِذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ فَدُونَكُمْ فَأضْرِبُوهُ وَقَالَ مَرَّةً، ثُمَّ أُشِمُّكُمْ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا وَهْوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رِيحًا أَيْ أَطْيَبَ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: قَالَ عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَأَكْمَلُ الْعَرَبِ، قَالَ عَمْرٌو: فَقَالَ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشَمَّ رَأْسَكَ؟ قَالَ نَعَمْ. فَشَمَّهُ ثُمَّ أَشَمَّ أَصْحَابَهُ ثُمَّ قَالَ: أَتَأْذَنُ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ. فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ. قَالَ: دُونَكُمْ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَتَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرُوهُ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال عمرو) بفتح العين ابن دينار وفي نسخة قال: سمعت عمرًا يقول: (سمعت جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مَن لكعب بن الأشرف) من يستعدّ وينتدب لقتله (فإنه قد آذى الله ورسوله) بهجائه له وللمسلمين ويحرض قريشًا عليهم كما عند ابن عائذ من طريق أبي الأسود عن عروة، وفي الإكليل للحاكم من طريق محمد بن محمود بن محمد بن مسلمة عن جابر فقد آذانا بشعره وقوى المشركين (فقام محمد بن مسلمة) بفتح الميم واللام ابن سلمة الأنصاري أخو بني عبد الأشهل (فقال: يا رسول الله أتحب أن أقتله)؟ استفهام استخباري (قال) عليه الصلاة والسلام: (نعم) أحب ذلك (قال): يا رسول الله (فأذن لي أن أقول شيئًا) مما يسير كعبًا (قال) عليه الصلاة والسلام: (قل). وعند ابن عبد البر فرجع محمد بن مسلمة فمكث أيامًا مشغول النفس بما وعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قتل ابن الأشرف فأتى أبا نائلة سلكان بن سلامة بن وقش، وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة وعباد بن بشر بن وقش والحارث بن أوس بن معاذ وأبا عبس بن جبر فأخبرهم بما وعد به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قتل ابن الأشرف فأجابوه إلى ذلك فقالوا: كلنا قتله، ثم أتوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: يا رسول الله إنه لا بدّ لنا أن نقول. قال: "قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل". (فأتاه) أي أتى كعبًا (محمد بن مسلمة فقال) له: يا كعب (إن هذا الرجل) يعني

النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قد سألناه صدقة) مفعول ثان لسأل زاد الواقدي ونحن لا نجد ما نأكل (وإنه قد عنّانا) بفتح العين وتشديد النون الأولى أتعبنا وكلفنا المشقّة (وإني قد أتيتك أستسلفك قال) كعب: (وأيضًا) أي زيادة على ما ذكرت (والله لتملنه) بفتح الفوقية والميم وضم اللام وفتح النون المشددتين أي لتزيدن ملالتكم وضجركم (قال) محمد بن مسلمة: (إنا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه) أي نتركه (حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه) أي حاله (وقد أردنا أن تسلفنا وسقًا أو وسقين) بفتح الواو وكسرها والوسق كما في القاموس وغيره حمل بعير وهو ستون صاعًا والصاع أربعة أمداد كل مد رطل وثلث، والشك من الراوي عليّ بن المديني كما قاله ابن حجر أو سفيان كما قاله الكرماني. (وحدّثنا عمرو) هو ابن دينار (غير مرة فلم يذكر وسقًا أو وسقين فقلت له فيه) في الحديث (وسقًا أو وسقين) بنصبهما على الحكاية ولأبوي ذر والوقت وسق أو وسقان (فقال): أي عمرو (أرى) بضم الهمزة أي أظن (فيه) في الحديث (وسقًا أو وسقين فقال) كعب: (نعم ارهنوني) بهمزة وصل وفتح الهاء كاللاحقين وفي الفرع الأولى بهمزة قطع وكسر الهاء أي أعطوني رهنًا على التمر الذي تريدونه (فقالوا أي شيء تريد) أن نرهنك (قال: ارهنوني) بألف الوصل وفتح الهاء في الفرع كأصله (نساءكم. قالوا: كيف نرهنك نساءنا) بفتح حرف المضارعة لأن ماضيه رهن ثلاثي قيل وفيه لغة أرهن (وأنت أجمل العرب) والنساء يملن إلى الصور الجميلة. زاد ابن سعد من مرسل عكرمة ولا نأمنك وأي امرأة تمتنع منك لجمالك (قال: فارهنوني أبناءكم. قالوا: كيف نرهنك أبناءنا فيسب) بضم التحتية وفتح المهملة (أحدهم) بالرفع مفعولاً نائبًا عن فاعله (فيقال رهن) بضم الراء وكسر الهاء (بوسق أو وسقين هذا عار علينا ولكنا نرهنك اللأمة) بالهمزة وإبدالها ألفًا. (قال سفيان) بن عيينة: (يعني) باللأمة (السلاح) والذي قاله أهل اللغة أنها الدرع فيكون إطلاق السلاح عليها من إطلاق اسم الكل على البعض ومراده أن لا ينكر كعب السلاح عليهم إذا أتوه وهو معهم كما في رواية الواقدي (فواعده أن يأتيه فجاءه) محمد بن مسلمة (ليلاً ومعه أبو نائلة) بنون وبعد الألف همزة سلكان بن سلامة (وهو أخو كعب من الرضاعة) ونديمه في الجاهلية (فدعاهم إلى الحصن فنزل إليهم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فنزل إلينا. وعند ابن إسحاق وأبي عمر أن محمد بن مسلمة والأربعة المذكورين قدموا إلى كعب قبل أن يأتوا أبا نائلة سلكان فلما أتاه قال له: ويحك يا ابن الأشرف إنني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك فاكتم عني. قال: افعل. قال: كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة وقطعت عنا السبل حتى جاع العيال وجهدت الأنفس وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا، فقال كعب: أنا ابن الأشرف أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن أم سلامة أن الأمر سيصير إلى ما أقول. فقال سلكان: إني قد أردت أن تبيعنا طعامًا ونرهنك ونوثق لك. قال: أترهنوني أبناءكم ونساءكم؟ قال: لقد أردت أن تفضحنا أنت أجمل العرب وكيف نرهنك نساءنا أم كيف نرهنك أبناءنا فيعير أحدهم فيقال: رهن بوسق أو وسقين إن معي أصحابًا على مثل رأيي وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم وتحسن في ذلك ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء. فقال: إن في الحلقة لوفاء فرجع أبو نائلة إلى أصحابه وأخبرهم الخبر وأمرهم أن يأخذوا السلاح ويأتوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ففعلوا واجتمعوا عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمشى معهم إلى بقيع الفرقد ثم وجههم وقال: انطلقوا على اسم الله. وقال: اللهم أعِنهم ورجع عنهم وكانت ليلة مقمرة حتى انتهوا إلى حصنه فهتف به أبو نائلة اهـ. ففيه أن الذي خاطب كعبًا بذلك أولاً هو أبو نائلة وهو الذي هتف به وهو مخالف لرواية الصحيح من أنه محمد بن مسلمة فيحتمل كما في الفتح أن يكون كل منهما كلّمه في ذلك. وقال في المصابيح: إنه محمد بن مسلمة وكلامه مع كعب كان أولاً عند المفاوضة في حديث الاستسلاف وركونه

16 - باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق

لرضيعه أبي نائلة إنما هو ثاني الحال عند نزوله إليهم من الحصن. (فقالت امرأته): لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمها (أين تخرج هذه الساعة؟ فقال: إنما هو محمد بن مسلمة وأخي أبو نائلة و) قال سفيان (قال: غير عمرو) بفتح العين ابن دينار وبين الحميدي في روايته عن سفيان أن الغير الذي أبهمه هنا هو العبسي (قالت): أي امرأة كعب له (أسمع صوتًا كأنه يقطر منه الدم) كناية عن طالب شر، وعند ابن إسحاق فقالت: والله إني لأعرف في صوته الشر. (قال) كعب: (إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة إن الكريم لو) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: إذا (دعي إلى طعنة بليل لأجاب. قال: ويدخل) بضم التحتية وكسر المعجمة (محمد بن مسلمة معه رجلين) ولأبي ذر: ويدخل بفتح التحتية وضم المعجمة معه محمد بن مسلمة برجلين بزيادة الموحدة (قيل لسفيان سماهم عمرو) أي ابن دينار (قال: سمى بعضهم قال عمرو: جاء معه برجلين، وقال غير عمرو: أبو عبس بن جبر) بفتح العين المهملة وبعد الموحدة الساكنة مهملة واسمه عبد الرحمن وجبر بفتح الجيم وسكون الموحدة ضد الكسر الأنصاري الأشهلي (والحارث بن أوس) واسم جده معاذ (وعباد بن بشر) بفتح العين وتشديد الموحدة وبشر بموحدة مكسورة ومعجمة ساكنة ابن وقش السابق ذكرهم (قال عمرو: جاء معه برجلين فقال) لهم (إذا ما جاء) كعب (فإني قائل بشعره) أي آخذ به والعرب تطلق القول على غير الكلام مجازًا ولأبي ذر عن الكشميهني فإني مائل بشعره (فأشمه) بفتح الشين المعجمة (فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم) فخذوه بأسيافكم (فاضربوه، وقال) عمرو (مرة ثم أشمكم) بضم الهمزة وكسر الشين أي أمكنكم من الشم (فنزل إليهم) كعب من حصنه (حال كونه متوشحًا) بثوبه (وهو ينفح) بفتح الفاء في اليونينية وغيرها وبالحاء المهملة آخره يفوح (منه ريح الطيب، فقال) محمد بن مسلمة لكعب: (ما رأيت كاليوم ريحًا أي أطيب) وكان حديث عهد بعرس (وقال غير عمرو، قال) كعب: (عندي أعطر نساء العرب) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أعطر سيد العرب. قال في الفتح: فكأن سيد تصحيف من نساء فإن كانت محفوظة فالمعنى أعطر نساء سيد العرب على الحذف. وعند الواقدي أن كعبًا كان يدهن بالمسك الفتيت والعنبر حتى يتلبد في صدغيه (وأكمل العرب) وعند الأصيلي كما في الفتح وأجمل بالجيم بدل الكاف قال: وهي أشبه (قال عمرو): في روايته (فقال) محمد بن مسلمة لكعب: (أتأذن لي أن أشم رأسك)؟ بفتح الهمزة والشين المعجمة (قال: نعم فشمه ثم أشمّ أصحابه ثم قال): له مرة ثانية (أتأذن لي) أن أشم رأسك (قال: نعم فلما استمكن منه) محمد بن مسلمة (قال): لأصحابه (دونكم) خذوه بأسيافكم (فقتلوه ثم أتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه) بقتله. وهذا الحديث سبق مختصرًا بهذا الإسناد في باب رهن السلاح. 16 - باب قَتْلُ أَبِي رَافِعٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَيُقَالُ سَلاَّمُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ كَانَ بِخَيْبَرَ وَيُقَالُ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: هُوَ بَعْدَ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ. (باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق) بضم الحاء المهملة وفتح القاف الأولى مصغرًا اليهودي (ويقال) اسمه (سلام بن أبي الحقيق) بتشديد اللام (كان بخيبر، ويقال): كان (في حصن له بأرض الحجاز، وقال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب مما وصله يعقوب بن سفيان في تاريخه عن حجاج بن أبي منيع عن جده عنه (هو) أي قتل أبي رافع (بعد) قتل (كعب بن الأشرف) قال ابن سعد: في رمضان سنة ست وقيل غير ذلك. 4038 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَهْطًا إِلَى أَبِي رَافِعٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلاً وَهْوَ نَائِمٌ فَقَتَلَهُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن نصر) نسبه لجده واسم أبيه إبراهيم السعدي المروزي قال: (حدّثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الكوفي قال: (حدّثنا ابن أبي زائدة) يحيى (عن أبيه) زكريا بن أبي زائدة ميمون أو خالد الكوفي القاضي (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-) وسقط لأبي ذر ابن عازب أنه (قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رهطًا) ما دون العشرة من الرجال، وعند الحاكم أنهم كانوا أربعة منهم عبد الله بن عتيك (إلى أبي رافع) ليقتلوه بسبب أنه كان

حزّب الأحزاب عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فدخل عليه عبد الله بن عتيك) بفتح الحين المهملة وكسر الفوقية وسكون التحتية بعدها كاف الأنصاري (بيته) بفتح الموحدة وسكون التحتية، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: بيته بفتح التحتية مشددة بلفظ الماضي من التبييت والجملة حالية بتقدير قد أي دخل على أبي رافع عبد الله بن عتيك والحال أنه قد بيت الدخول (ليلاً) أي في الليل (وهو) أي والحال أن أبا رافع (نائم فقتله) كذا أورده مختصرًا. وسبق في الجهاد في باب قتل النائم المشرك عن علي بن مسلم عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة مطولاً نحو رواية إبراهيم بن يوسف الآتية قريبًا إن شاء الله تعالى. 4039 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ رِجَالاً مِنَ الأَنْصَارِ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُعِينُ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ وَقَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَرَاحَ النَّاسُ بِسَرْحِهِمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لأَصْحَابِهِ: اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ، فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ وَمُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ، لَعَلِّي أَنْ أَدْخُلَ فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنَ الْبَابِ، ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً، وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ فَادْخُلْ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ، فَدَخَلْتُ فَكَمَنْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ أَغْلَقَ الْبَابَ، ثُمَّ عَلَّقَ الأَغَالِيقَ عَلَى وَتَدٍ قَالَ: فَقُمْتُ إِلَى الأَقَالِيدِ فَأَخَذْتُهَا فَفَتَحْتُ الْبَابَ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ، وَكَانَ فِي عَلاَلِيَّ لَهُ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ أَهْلُ سَمَرِهِ صَعِدْتُ إِلَيْهِ فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا أَغْلَقْتُ عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ قُلْتُ إِنِ الْقَوْمُ نَذِرُوا بِي لَمْ يَخْلُصُوا إِلَىَّ حَتَّى أَقْتُلَهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ عِيَالِهِ، لاَ أَدْرِي أَيْنَ هُوَ مِنَ الْبَيْتِ؟ فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ وَأَنَا دَهِشٌ فَمَا أَغْنَيْتُ شَيْئًا، وَصَاحَ فَخَرَجْتُ مِنَ الْبَيْتِ فَأَمْكُثُ غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ؟ فَقَالَ: لأُمِّكَ الْوَيْلُ إِنَّ رَجُلاً فِي الْبَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ بِالسَّيْفِ، قَالَ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ وَلَمْ أَقْتُلْهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ ظُبَةَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ فَعَرَفْتُ أَنِّي قَتَلْتُهُ فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الأَبْوَابَ بَابًا بَابًا حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ فَوَضَعْتُ رِجْلِي وَأَنَا أُرَى أَنِّي قَدِ انْتَهَيْتُ إِلَى الأَرْضِ فَوَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فَانْكَسَرَتْ سَاقِي فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى الْبَابِ، فَقُلْتُ: لاَ أَخْرُجُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ أَقَتَلْتُهُ فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ قَامَ النَّاعِي عَلَى السُّورِ، فَقَالَ: أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الْحِجَازِ فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقُلْتُ النَّجَاءَ فَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ أَبَا رَافِعٍ فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ لِي: «ابْسُطْ رِجْلَكَ» فَبَسَطْتُ رِجْلِي فَمَسَحَهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ أَشْتَكِهَا قَطُّ. وبه قال: (حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي قال: (حدّثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن موسى) بن باذام العبسي الكوفي وهو أيضًا شيخ المؤلّف روي عنه هنا بالواسطة (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء بن عازب) -رضي الله عنه- وثبت ابن عازب لأبي ذر أن (قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أبي رافع) عبد الله أو سلام (اليهودي رجالاً من الأنصار) سمي منهم في هذا الباب اثنين (فأمّر) بالفاء وتشديد الميم ولأبي ذر: وأمر (عليهم عبد الله بن عتيك) بفتح العين المهملة وكسر الفوقية ابن قيس بن الأسود بن سلمة بكسر اللام (وكان أبو رافع) اليهودي (يؤذي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويعين عليه) وهو الذي حزّب الأحزاب يوم الخندق وعند ابن عائذ من طريق أبي الأسود عن عروة أنه كان ممن أعان غطفان وغيرهم من بطون العرب بالمال الكثير على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وكان) أبو رافع (في حصن له بأرض الحجاز فلما دنوا) بفتح الدال والنون قربوا (منه وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم) بفتح السين وكسر الحاء المهملتين بينهما راء ساكنة أي رجعوا بمواشيهم التي ترعى وتسرح وهي السائمة من الإبل والبقر والغنم (فقال): ولأبي ذر: وقال (عبد الله) بن عتيك (لأصحابه) الآتي إن شاء الله تعالى تعيينهم في هذا الباب (اجلسوا مكانكم فإني منطلق) إلى حصن أبي رافع (ومتلطف للبواب لعليّ أن أدخل) إلى الحصن (فأقبل) ابن عتيك (حتى دنا من الباب ثم تقنّع) تغطى (بثوبه) ليخفي شخصه كي لا يعرف (كأنه يقضي حاجة وقد دخل الناس فهتف به) أي ناداه (البواب: يا عبد الله) ولم يرد به العلم بل المعنى الحقيقي لأن الناس كلهم عبيد الله (إن كنت تريد أن تدخل فادخل فإني أريد أن أغلق الباب فدخلت فكمنت) بفتح الكاف والميم أي اختبأت (فلما دخل الناس أغلق الباب ثم علق) بالعين المهملة واللام المشددة (الأغاليق) بالهمزة المفتوحة والغين المعجمة أي المفاتيح التي يغلق بها ويفتح (على وتد) بفتح الواو وكسر الفوقية ولأبي ذر: ودّ بتشديد الدال أي الوتد فأدغم الفوقية بعد قلبها دالاً في تاليها (قال) ابن عتيك: (فقمت إلى الأقاليد) بالقاف أي المفاتيح (فأخدتها ففتحت الباب وكان أبو رافع يسمر) بضم أوله وسكون ثانيه مبنيًّا للمفعول أي يتحدث (عنده) بعد العشاء (وكان في علاليّ له) بفتح العين وتخفيف اللام وبعد الألف لام أخرى مكسورة فتحتية مفتوحة مشددة جمع عليه بضم العين وكسر اللام مشددة وهي الغرفة (فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه فجعلت كلما فتحت بابًا أغلقت عليّ) بتشديد التحتية (من داخل قلت إن القوم) بكسر النون مخففة وهي الشرطية دخلت على فعل محذوف يفسره ما بعد مثل: {وإن أحد من المشركين استجارك} [التوبة: 9] (انذروا) بكسر الذال المعجمة أي علموا (بي لم يخلصوا) بضم اللام (إليّ) بتشديد التحتية (حتى أقتله فانتهيت إليه فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله) بسكون السين (لا أدري أين هو من البيت. فقلت): بالفاء قبل القاف ولأبوي ذر والوقت: قلت بإسقاطها (أبا رافع) لأعرف موضعه ولأبي ذر: يا أبا رافع (فقال: من هذا؟ فأهويت) أي قصدت (نحو) صاحب (الصوت فأضربه) لما وصلت إليه (ضربة بالسيف)

بلفظ المضارع وكان الأصل أن يقول: ضربته مبالغة لاستحضار صورة الحال (وأنا) أي والحال (دهش) بفتح الدال المهملة وكسر الهاء بعدها شين معجمة ولأبي ذر: داهش بألف بعد الدال (فما أغنيت شيئًا) أي فلم أقتله (وصاح) أبو رافع (فخرجت من البيت فأمكث) بهمزة قبل الميم آخره مثلثة (غير بعيد ثم دخلت إليه فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأمك الويل) مبتدأ مؤخر خبره لأمك أي الويل لأمك وهو دعاء عليه (إن رجلاً في البيت ضربني قبل بالسيف قال) ابن عتيك: (فاضربه ضربة أثخنته) بفتح الهمزة وسكون المثلثة وفتح الخاء المعجمة والنون بعدها فوقية أي الضربة وفي نسخة بسكون النون وضم الفوقية أي بالغت في جراحته (ولم أقتله ثم وضعت ظبّة السيف) بضم الظاء المشالة المعجمة وفتح الموحدة المخففة بعدها هاء تأنيث في الفرع وأصله أي حدّ السيف. (في بطنه). قال في المحكم: الظبة حدّ السيف والسنان والنصل والخنجر وما أشبه ذلك، والجمع ظبات وظبون ظبًّا، ولأبي ذر ضبيب بالمعجمة غير المشالة وموحدتين بينهما تحتية ساكنة بوزن رغيف. قال الخطابي: هكذا يروى وما أراه محفوظًا وإنما هو ظبة السيف. قال: والضبيب لا معنى له هنا لأنه سيلان الدم من الفم، وفي رواية له أيضًا بضم الضاد كما في الفرع وأصله، ولأبي ذر أيضًا كما في المشارق: صبيب بالصاد المهملة المفتوحة وكذا ذكره الحربي وأظنه طرفه. (حتى أخذ في ظهره فعرفت) حينئذ (أني قتلته فجعلت أفتح الأبواب بابًا بابًا حتى انتهيت إلى درجة له فوضعت رجلي) بالإفراد (وأنا أرى) بضم الهمزة أي أظن (أني قد انتهيت إلى الأرض) وكان ضعيف البصر (فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامة) بتخفيف الصاد (ثم انطلقت حتى جلست على الباب فقلت: لا أخرج) وفي نسخة في اليونينية لا أبرح (الليلة حتى أعلم أقتلته) أم لا. (فلما صاح الديك قام الناعي) بالنون والعين المهملة خبر موته (على السور فقال: أنعي) بفتح الهمزة (أبا رافع تاجر أهل الحجاز) بفتح عين أنعي قال السفاقسي: هي لغة والمعروف أنعو (فانطلقت إلى أصحابي فقلت) لهم (النجاء) مهموز ممدود منصوب مفعول مطلق والمد أشهر إذا أفرد فإن كرر قصر أي أسرعوا (فقد قتل الله أبا رافع فانتهيت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحدثته) بما وقع (فقال لي): (أبسط رجلك) التي انكسر ساقها (فبسطت رجلي فمسحها) بيده المباركلة (فكأنها) أي فكأن رجلي ولأبوي ذر والوقت فكأنما بالميم بدل الهاء (لم أشتكها قط). 4040 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحٌ هُوَ ابْنُ مَسْلَمَةَ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَبِي رَافِعٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ فِي نَاسٍ مَعَهُمْ فَانْطَلَقُوا حَتَّى دَنَوْا مِنَ الْحِصْنِ فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ: امْكُثُوا أَنْتُمْ حَتَّى أَنْطَلِقَ أَنَا فَأَنْظُرَ قَالَ: فَتَلَطَّفْتُ أَنْ أَدْخُلَ الْحِصْنَ فَفَقَدُوا حِمَارًا لَهُمْ، قَالَ: فَخَرَجُوا بِقَبَسٍ يَطْلُبُونَهُ قَالَ: فَخَشِيتُ أَنْ أُعْرَفَ قَالَ: فَغَطَّيْتُ رَأْسِي كَأَنِّي أَقْضِي حَاجَةً ثُمَّ نَادَى صَاحِبُ الْبَابِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ فَلْيَدْخُلْ قَبْلَ أَنْ أُغْلِقَهُ، فَدَخَلْتُ ثُمَّ اخْتَبَأْتُ فِي مَرْبِطِ حِمَارٍ عِنْدَ بَابِ الْحِصْنِ فَتَعَشَّوْا عِنْدَ أَبِي رَافِعٍ وَتَحَدَّثُوا حَتَّى ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ فَلَمَّا هَدَأَتِ الأَصْوَاتُ وَلاَ أَسْمَعُ حَرَكَةً خَرَجْتُ قَالَ: وَرَأَيْتُ صَاحِبَ الْبَابِ حَيْثُ وَضَعَ مِفْتَاحَ الْحِصْنِ فِي كَوَّةٍ فَأَخَذْتُهُ فَفَتَحْتُ بِهِ بَابَ الْحِصْنِ، قَالَ: قُلْتُ إِنْ نَذِرَ بِي الْقَوْمُ انْطَلَقْتُ عَلَى مَهَلٍ، ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ فَغَلَّقْتُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ ظَاهِرٍ، ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى أَبِي رَافِعٍ فِي سُلَّمٍ فَإِذَا الْبَيْتُ مُظْلِمٌ قَدْ طَفِئَ سِرَاجُهُ فَلَمْ أَدْرِ أَيْنَ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: فَعَمَدْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ وَصَاحَ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا؟ قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ كَأَنِّي أُغِيثُهُ فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا أَبَا رَافِعٍ؟ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي، فَقَالَ: أَلاَ أُعْجِبُكَ لأُمِّكَ الْوَيْلُ؟ دَخَلَ عَلَىَّ رَجُلٌ فَضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ، قَالَ: فَعَمَدْتُ لَهُ أَيْضًا فَأَضْرِبُهُ أُخْرَى فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا فَصَاحَ وَقَامَ أَهْلُهُ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي كَهَيْئَةِ الْمُغِيثِ، فَإِذَا هُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَأَضَعُ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ أَنْكَفِئُ عَلَيْهِ حَتَّى سَمِعْتُ صَوْتَ الْعَظْمِ، ثُمَّ خَرَجْتُ دَهِشًا حَتَّى أَتَيْتُ السُّلَّمَ أُرِيدُ أَنْ أَنْزِلَ فَأَسْقُطُ مِنْهُ فَانْخَلَعَتْ رِجْلِي فَعَصَبْتُهَا ثُمَّ أَتَيْتُ أَصْحَابِي أَحْجُلُ فَقُلْتُ لَهُمْ: انْطَلِقُوا فَبَشِّرُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنِّي لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ، فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ صَعِدَ النَّاعِيَةُ فَقَالَ أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ، قَالَ: فَقُمْتُ أَمْشِي مَا بِي قَلَبَةٌ، فَأَدْرَكْتُ أَصْحَابِي قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَشَّرْتُهُ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن عثمان) بن حكيم الأودي الكوفي قال: (حدّثنا شريح) بضم الشين المعجمة آخره مهملة (هو ابن مسلمة) بالميم واللام المفتوحتين الكوفي وسقط هو لأبي ذر قال: (حدّثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يوسف بن إسحاق (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو السبيعي أنه قال: (سمعت البراء) زاد أبو ذر وابن عساكر ابن عازب (-رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أبي رافع) عبد الله بن أبي الحقيق (عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة) بضم العين المهملة وسكون الفوقية ولم يذكر إلا في هذا الطريق، وفي مبهمات الجلال البلقيني أن في الصحابة عبد الله بن عتبة اثنان أحدهما مهاجري وهو عبد الله بن عتبة بن مسعود، والآخر عبد الله بن عتبة أبو قيس الذكواني، والأول غير مراد قطعًا لأن من أثبت صحبته ذكر أنه خماسي السن أو سداسيه فتعين الثاني. وهذه القصة من مفردات الخزرج، وزاد الذهبي ثالثًا وهو عبد الله بن عتبة أحد بني نوفل له ذكر في زمن الردة نقله وتتمته عند ابن إسحاق وقال: في الذكواني قيل له صحبة (في ناسٍ معهم) هو مسعود بن سنان الأسلمي حليف بني سلمة وعبد الله بن أنيس بضم الهمزة مصغرًا الجهني، وأبو قتادة الأنصاري فارس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخزاعي بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي وبالعين المهملة ابن الأسود بن خزاعي الأسلمي حليف الأنصار، وقيل هو أسود بن خزاعي

وقيل أسود بن حزام (فانطلقوا حتى دنوا) قربوا (من الحصن) الذي فيه أبو رافع (فقال لهم عبد الله بن عتيك: امكثوا أنتم) بالمثلثة (حتى أنطلق أنا فأنظر) بالنصب عطفًا على أنطلق (قال): ابن عتيك فجئت (فتلطفت أن أدخل الحصن ففقدوا) بفتح القاف (حمارًا لهم قال: فخرجوا بقبس) بشلة نار (يطلبونه قال: فخشيت أن أعرف) بضم الهمزة وفتح الراء (فغطيت رأسي) بثوب (ورجلي) بالإفراد كذا في الفرع وأصله لكنهما ضببا عليها وللأربعة وجلست (كأني أقضي حاجة ثم نادى صاحب الباب) الذي يفتحه ويغلقه (من أراد أن يدخل) ممن يسمر عند أبي رافع (فليدخل قبل أن أغلقه) بضم الهمزة قال ابن عتيك (فدخلت ثم اختبأت في مربط حمار) كائن (عند باب الحصن) وباء مربط مكسورة (فتعشوا عند أبي رافع وتحدثوا) عنده (حتى ذهبت) بتاء التأنيث، ولأبي ذر وابن عساكر: ذهب (ساعدة من الليل ثم رجعوا إلى بيوتهم) بالحصن (فلما هدأت الأصوات) بالهمزة المفتوحة في هدأت أي سكنت. وقال السفاقسي: هدت بغير همز ولا ألف ووجهه في المصابيح بأنه خفف الهمزة المفتوحة بإبدالها ألفًا مثل منسأة فالتقت هي والتاء الساكنة فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، قال: وهذا وإن كان على غير قياس لكنه يستأنس به لئلا يحمل اللفظ على الخطأ المحض. اهـ. وصوّب السفاقسي الهمز ولم أتركه في أصل من الأصول التي رأيتها فالله أعلم. (ولا أسمع حركة خرجت) من مربط الحمار الذي اختبأت فيه (قال: ورأيت صاحب الباب) الموكل به (حيث وضع مفتاح الحصن في كوّة) بفتح الكاف وتضم وتشديد الواو وهاء التأنيث والكوّة الخرق في الحائط والتأنيث للتصغير والتذكير للتكبير (فأخذته ففتحت به باب الحصن قال: قلت إن نذر بي القوم) بكسر الذال المعجمة أي علموا بي (انطلقت على مهل) بفتح الميم والهاء (ثم عمدت) بفتح الميم (إلى أبواب بيوتهم) بالحصن (فغلقتها عليهم من ظاهر) بالغين المعجمة المفتوحة وتشديد اللام، ولأبي ذر: فغلقتها بتخفيفها ولأبي ذر عن الكشميهني فأغلقتها بالألف قال ابن سيده: غلق الباب وأغلقه هي لغة التنزيل وغلقت الأبواب، وقال سيبويه: غلقت الأبواب أي بالتشديد للتكثير وقد يقال: أغلقت أي بالألف يريد بها التكثير قال: وهو عربي جيد وقال ابن مالك: غلقت وأغلقت بمعنى، وقال في القاموس: غلق الباب يغلقه لغية أو لغة رديئة في أغلقه. (ثم صعدت) بكسر العين (إلى أبي رافع في سلّم) بضم السين وتشديد اللام مفتوحة بوزن سكر في مرقاة (فإذا البيت) الذي هو فيه (مظلم قد طفئ سراجه) بفتح الطاء وفي نسخة بضمها (فلم أدر أين الرجل) أبو رافع (فقلت: يا أبا رافع. قال: من هذا؟ قال): ابن عتيك وسقط لفظ قال، ولأبي ذر (فعمدت) بفتح الميم (نحو) صاحب (الصوت فأضربه) بهمزة مقطوعة بلفظ المضارع مبالغة لاستحضار صورة الحال (وصاح) أبو رافع (فلم تغن) فلم تنفع الضربة (شيئًا قال) ابن عتيك: (ثم جئت كأني أغيثه) بهمزة مضمومة فغين معجمة مكسورة ومثلثة من الإغاثة (فقلت: ما لك)؟ بفتح اللام أي ما شأنك (يا أبا رافع وغيّرت صوتي؟ فقال: ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام (أعجبك لأمك الويل) الجار والمجرور خبر تاليه (دخل عليّ) بتشديد الياء (رجل فضربني بالسيف قال: فعمدت له أيضًا فأضربه) ضربة (أخرى فلم تغن شيئًا فصاح وقام أهله). وعند ابن إسحاق فصاحت امرأته فنوّهت بنا فجعلنا نرفع السيف عليها ثم نذكر نهي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن قتل النساء فنكفّ عنها (قال: ثم جئت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فجئت (وغيّرت صوتي كهيئة المغيث) له (فإذا) بالفاء، ولابن عساكر: وإذا (هو مستلق على ظهره فأضع السيف في بطنه ثم أنكفئ) بفتح الهمزة وسكون النون أي أنقلب (عليه حتى سمعت صوت العظم ثم خرجت) حال كوني (دهشًا) بكسر الهاء (حتى أتيت السلم أريد أن أنزل فأسقط منه فانخلعت رجلي فعصبتها). استشكل مع قوله في السابقة

17 - باب غزوة أحد

فانكسرت. وأجيب: بأنها انخلعت من المفصل وانكسرت من الساق أو المراد من كل منهما مجرد اختلال الرجل (ثم أتيت أصحابي أحجل) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وضم الجيم بعدها لام أمشي مشي المقيد فحجل البعير على ثلاثة والغلام على واحدة (فقلت) لهم: (انطلقوا فبشروا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بقتله (فإني لا أبرح حتى) إلى أن (أسمع الناعية) تخبر بموته (فلما كان في وجه الصبح) مستقبله (صعد الناعية فقال: أنعي) بفتح العين (أبا رافع) وقال الأصمعي: إن العرب إذا مات فيهم الكبير ركب راكب فرسًا وسار فقال: نعي فلان (قال: فقمت أمشي ما بي قلبة) بفتح القاف واللام أي تقلب واضطراب من جهة علة الرجل (فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبشرته) بقتل أبي رافع. واستشكل قوله فقمت أمشي ما بي قلبة مع قوله السابق فمسحها فكأنها لم أشكها. وأجيب: بأنه لا يلزم من عدم التقلب عوده إلى حالته الأولى وعدم بقاء الأثر فيها، ولعله اشتغل عن شدة الألم والاهتمام به وبما وقع له من الفرح فأعين على المشي ثم لما أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومسح عليه زال عنه جميع الآلام. 17 - باب غَزْوَةِ أُحُدٍ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 121] وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ * وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [آل عمران: 139 - 143] وَقَوْلِهِ {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ} [آل عمران: 152] تَسْتَأْصِلُونَهُمْ قَتْلاَ {بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 152] وقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَحْسِبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران: 169] الآيَةَ. (باب غزوة أُحُد) بضم أوله وثانيه معًا وكانت عنده الوقعة العظيمة في شوال سنة ثلاث، وسقط لأبي ذر لفظ باب فالتالي مرفوع (وقول الله تعالى) جر أو رفع ({وإذ غدوت من أهلك}) واذكر يا محمد إذ خرجت غدوة من أهلك بالمدينة والمراد غدوّة من حجرة عائشة -رضي الله عنها- إلى أحد ({تُبوِّئ المؤمنين}) تنزلهم وهو حال ({مقاعد للقتال}) مواطن ومواقف من الميمنة والميسرة والقلب والجناحين للقتال يتعلق بتبؤئ ({والله سميع}) لأقوالكم ({عليم}) [آل عمران: 121]. بنياتكم وضمائركم (وقوله جل ذكره: ({ولا تهنوا}) ولا تضعفوا عن الجهاد لما أصابكم من الهزيمة ({ولا تحزنوا}) على ما فاتكم من الغنيمة أو على من قتل منكم أو جرح وهو تسلية من الله تعالى لرسوله وللمؤمنين عما أصابهم يوم أُحُد وتقوية لقلوبهم ({وأنتم الأعلون}) وحالكم أنكم أعلى منهم وأغلب لأنكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم يوم أُحُد وأنتم الأعلون بالنصر والظفر في العاقبة وهي بشارة بالعلو والغلبة وأن جندنا لهم الغالبون ({إن كنتم مؤمنين}) جوابه محذوف فقيل تقديره: فلا تهنوا ولا تحزنوا، وقيل تقديره: إن كنتم مؤمنين علمتم أن هذه الوقعة لا تبقى على حالها وأن الدولة تصير للمؤمنين ({إن يمسسكم قرح}) بفتح القاف، والأخوان وأبو بكر بضمها بمعنى فقيل الجرح نفسه، وقيل المصدر أو المفتوح الجرح والمضموم ألمه ({فقد مسّ القوم قرح مثله}) للنحويين في مثل هذا تأويل وهو أن يقدروا شيئًا، مستقبلاً لأنه لا يكون التعليق إلا في المستقبل وقوله: فقد مس القوم قرح مثله ماض محقق وذلك التأويل هو التبيين أي: فقد تبين مس القرح للقوم، وهذا خطاب للمسلمين حين انصرفوا من أُحُد مع الكآبة يقول: إن يمسسكم ما نالوا منكم يوم أُحُد فقد نلتم منهم قبله يوم بدر ثم لم يضعف ذلك قلوبهم ولم يمنعهم عن معاودتكم إلى القتال فأنتم أولى أن لا تضعفوا ({وتلك}) مبتدأ ({الأيام}) صفته والخبر ({نداولها}) نصرفها أو الأيام خبر لتلك ونداولها جملة حالية العامل فيها معنى اسم الإشارة أي أشير حال كونها مداولة ({بين الناس}) أي أن مسارّ الأيام لا تدوم وكذلك مضارّها فيوم يكون السرور لإنسان والغم لعدوّه ويوم آخر بالعكس، وليس المراد من هذه المداولة أن الله سبحانه وتعالى تارة ينصر المؤمنين وآخر ينصر الكافرين لأن نصر الله تعالى منصب شريف لا يليق بالكافر، بل المراد أنه تارة يشدد المحنة على الكافر وتارة على المؤمن فعلى المؤمن أدبًا في الدنيا وعلى الكافر غضبًا عليه ({وليعلم الله الذين آمنوا}) أي نداولها لضروب من التدبير وليعلم الله المؤمنين مميزين بالصبر والإيمان من غيرهم كما علمهم قبل الوجود ({ويتخذ منكم شهداء}) وليكرم ناسًا منكم بالشهادة يريد المستشهدين يوم أُحُد وسموا به لأنهم أحياء وحضرت أرواحهم

دار السلام وأرواح غيرهم لا تشهدها أو لأن الله وملائكته شهدوا لهم بالجنة ({والله لا يحب الظالمين}) اعتراض بين بعض التعليل وبعض ومعناه: والله لا يحب من ليس من هؤلاء الثابتين على الإيمان المجاهدين في سبيله وهم المنافقون والكافرون ({وليمحص الله الذين آمنوا}) التمحيص التخليص من الشيء المعيب وقيل هو الابتلاء والاختبار قال: رأيت فضيلاً كان شيئًا ملففًا ... فكشفه التمحيص حتى بدا ليا ({ويمحق الكافرين}) ويهلك الكافرين الذين حاربوه عليه الصلاة والسلام يوم أُحُد لأنه تعالى لم يمحق كل الكفار بل بقي منهم كثير على كفرهم والمعنى إن كانت الدولة على المؤمنين فللتمييز والاستشهاد والتمحيص وإن كانت على الكافرين فلمحقهم ومحو آثارهم ({أم حسبتم أن تدخلوا الجنة}) أم منقطعة والهمزة فيها للإنكار أي لا تحسبوا ({ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم}) أي ولما تجاهدوا لأن العلم متعلق بالمعلوم فنزل نفي العلم منزلة نفي متعلقه لأنه منتف بانتفائه تقول ما علم الله في فلان خيرًا أي ما فيه خير حتى يعلمه ولما بمعنى لم إلا أن فيه ضربًا من التوقيع فدلّ على نفي الجهاد فيما مضى وعلى توقعه فيما يستقبل. كذا قرره الزمخشري، وتعقبه أبو حيان فقال: هذا الذي قاله في لما أنها تدل على توقع الفعل المنفي بها فيما يستقبل لا أعلم أحدًا من النحويين ذكره، بل ذكروا أنك إذا قلت لما يخرج زيد دل ذلك على انتفاء الخروج فيما مضى متصلاً نفيه إلى وقت الإخبار أما أنها تدل على توقعه في المستقبل فلا، اهـ. قال في الدر: النحاة إنما فرقوا بينهما من جهة أن المنفي بلم هو فعل غير مقرون بقد ولما نفي له مقرونًا بها وقد تدل على التوقع فيكون كلام الزمخشري صحيحًا من هذه الجهة. ({ويعلم الصابرين}) نصب بإضمار أن والواو بمعنى الجمع نحو: لا تأكل السمك وتشرب اللبن يعني أن دخول الجنة وترك المصابرة على الجهاد لا يجتمعان ({ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون}) [آل عمران: 139 - 143]. سقط لأبي ذر وابن عساكر من قوله: {وأنتم الأعلون} الخ .. وقالا إلى قوله: {وأنتم تنظرون}. (وقوله) تعالى: ({ولقد صدقكم الله وعده}) حقق ({إذ تحسونهم}) أي تستأصلونهم قتلاً ({بإذنه}) بأمره وعلمه ({حتى إذ فشلتم}) ضعفتم وجبنتم ({وتنازعتم في الأمر}) أي اختلفتم حين انهزم المشركون فقال بعضهم: انهزم القوم فما مقامنا فأقبلتم على الغنيمة. وقال آخرون: ما نتجاوز أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({وعصيتم}) أمر نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بترككم المركز واشتغالكم بالغنيمة ({من بعد ما أراكم ما تحبون}) من الظفر وقهر الكفار {منكم من يريد الدنيا} الغنيمة وهم الذين تركوا المركز لطلب الغنيمة ({ومنكم من يريد الآخرة}) وهم الذين ثبتوا مع عبد الله بن جبير حتى قتلوا ({ثم صرفكم عنهم}) أي كف معونته عنكم فغلبوكم ({ليبتليكم}) ليمتحن صبركم على المصائب وثباتكم على الإيمان عندها ({ولقد عفا عنكم}) حيث ندمتم على ما فرط منكم من عصيان أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({والله ذو فضل على المؤمنين}) [آل عمران: 152]. بالعفو عنهم وقبول توبتهم وسقط لابن عساكر من قوله: {بإذنه} الخ .. وقال: في رواية أبي ذر قتلاً {بإذنه} إلى قوله: {والله ذو فضل على المؤمنين}. (وقوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا}) الآية [آل عمران: 169]. الذين مفعول أول وأمواتًا مفعول ثان والفاعل إما ضمير كل مخاطب أو ضمير الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسقط قوله الآية لأبي ذر وابن عساكر. 4041 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ: «هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ». وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) الفراء الصغير قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال، قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أُحد): (هذا جبريل) عليه السلام (آخد برأس فرسه عليه أداة الحرب) هذا الحديث من مراسيل الصحابة -رضي الله عنهم-، ولعل ابن عباس -رضي الله عنهما- حمله عن أبي بكر

-رضي الله عنه-، فقد ذكر ابن إسحاق أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في يوم بدر خفق خفقة ثم انتبه فقال: "أبشر يا أبا بكر هذا جبريل عليه السلام آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه الغبار". وقد سبق الحديث في باب شهود الملائكة بدرًا بسنده ومتنه لكن بلفظ قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر بدل قوله هنا يوم أُحُد وهو الصواب المعروف لا يوم أُحُد، ولذا سقط من رواية أبي ذر وغيره من المتقنين ولم يثبت إلا في رواية أبي الوقت والأصيلي ولعله وهم من راو أو ناسخ والله أعلم. 4042 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ ثُمَّ طَلَعَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: «إِنِّي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ، وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْحَوْضُ وَإِنِّي لأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هَذَا وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوهَا». قَالَ: فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال: (أخبرنا زكريا بن عدي) أبو يحيى الكوفي قال: (أخبرنا ابن المبارك) عبد الله (عن حيوة) بن شريح الحضرمي الكندي (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد المصري (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله (عن عقبة بن عامر) الجهني -رضي الله عنه- أنه (قال: صلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قتلى أُحُد بعد ثماني) بالياء بعد النون ولابن عساكر: ثمان (سنين) فيه تجوّز لأن وقعة أُحُد كانت في شوال سنة ثلاث ووفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ربيع الأول سنة إحدى عشرة وحينئذ فتكون بعد سبع سنين ودون النصف فهو من باب جبر الكسر. زاد في الجنائز كغزوة أُحُد صلاته على الميت، والمراد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا لهم بدعاء صلاة الميت والإجماع يدل له لأنه لا يصلّي عليه عند الشافعية، وعند أبي حنيفة المخالف لا يصلّي على القبر بعد ثلاثة أيام (كالمودّع للأحياء والأموات ثم طلع) بفتح اللام في الفرع (المنبر فقال): (إني بين أيديكم فرط) بفتح الفاء والراء، وزاد في الجنائز لكم كغزوة أُحُد أي أنا سابقكم إلى الحوض كالمهيئ له لأجلكم وفيه إشارة إلى قرب وفاته (وأنا عليكم شهيد) بأعمالكم (وأن موعدكم) يوم القيامة (الحوض وإني لأنظر إليه) نظرًا حقيقيًا بطريق الكشف (من مقامي هذا) بفتح ميم مقامي الأولى (وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا) بالله. زاد في الجنائز كالآتي آخر غزوة أُحُد بعدي أي لست أخشى على جميعكم الإشراك بل على مجموعكم لأن ذلك قد وقع من بعضهم (ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها) بإسقاط إحدى التاءين أي ترغبوا فيها (قال) عقبة: (فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وقد سبق هذا الحديث في الجنائز في باب الصلاة على الشهيد. 4043 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: لَقِينَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَيْشًا مِنَ الرُّمَاةِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ وَقَالَ: «لاَ تَبْرَحُوا إِنْ رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلاَ تَبْرَحُوا وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلاَ تُعِينُونَا» فَلَمَّا لَقِينَا هَرَبُوا حَتَّى رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ رَفَعْنَ عَنْ سُوقِهِنَّ قَدْ بَدَتْ خَلاَخِلُهُنَّ فَأَخَذُوا يَقُولُونَ: الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيرٍ: عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ لاَ تَبْرَحُوا فَأَبَوْا فَلَمَّا أَبَوْا صُرِفَ وُجُوهُهُمْ فَأُصِيبَ سَبْعُونَ قَتِيلاً وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ: «لاَ تُجِيبُوهُ»، فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ قَالَ: «لاَ تُجِيبُوهُ»، فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ قُتِلُوا فَلَوْ كَانُوا أَحْيَاءً لأَجَابُوا فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَبْقَى اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُحْزِنُكَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أُعْلُ هُبَلْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَجِيبُوهُ» قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ» قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَجِيبُوهُ» قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ» قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ وَتَجِدُونَ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي. وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن موسى) بن باذام الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبيد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لقينا المشركين يومئذ) أي يوم أُحُد وكانوا ثلاثة آلاف رجل ومعهم مائتا فارس، وجعلوا على الميمنة خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، وعلى الخيل صفوان بن أمية أو عمرو بن العاص، وعلى الرماة عبد الله بن ربيعة، وكان فيهم مائة رام وكان المسلمون مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبعمائة وفرسه عليه الصلاة والسلام وفرس أبي بردة بن نيار (وأجلس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الهمزة واللام (جيشًا من الرماة) بضم الراء بالنبل وكانوا خمسين رجلاً (وأمّر) بتشديد الميم (عليهم عبد الله) بن جبير بن النعمان أخا بني عمرو بن عوف (وقال): (لا تبرحوا) من مكانكم، وفي رواية زهير في الجهاد حتى أرسل إليكم. وعند ابن إسحاق فقال: انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتوننا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك (إن رأيتمونا ظهرنا عليهم) غلبناهم (فلا تبرحوا) من مكانكم (وإن رأيتموهم) يعني المشركين (ظهروا علينا فلا تعينونا). وعن ابن سعد في الطبقات: وكان أول من أنشب الحرب بينهم أبو عامر الفاسق طلع في خمسين من فومه فنادى: أنا أبو عامر، فقال المسلمون: لا مرحبًا بك ولا أهلاً يا فاسق، فقال: لقد أصاب قومي بعدي شر، ومعه عبيد قريش فتراموا بالحجارة هم والمسلمون حتي ولى أبو عامر وأصحابه، وجعل نساء المشركين يضربن بالدفوف والغرابيل ويحرضن ويذكرنهم قتلى بدر ويقلن:

نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق فراق غير وامق (فلما لقينا) بحذف المفعول ولابن عساكر: لقيناهم وجعل الرماة يرشقون خيلهم بالنبل فتولوا هوارب، فصاح طلحة بن أبي طلحة صاحب اللواء: من يبارز فبرز له علي بن أبي طالب فالتقيا بين الصفين فبدره علي فضربه على رأسه حتى فلق هامته فوقع وهو كبش الكتيبة، فسرّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك وأظهر؛ وكبّر المسلمون وشدوا على كتائب المشركين يضربونهم حتى نقضت صفوفهم، ثم حمل لواءهم عثمان بن أبي طلحة أبو شيبة وهو أمام النسوة يرتجز ويقول: إن على أهل اللواء حقًّا ... أن تخضب الصعدة أوتندقا وحمل عليه حمزة بن عبد المطلب فضربه بالسيف على كاهله فقطع يده وكتفه حتى انتهى إلى مؤتزره وبدا سحره، ثم حمله أبو سعيد بن أبي طلحة فرماه سعد بن أبي وقاص فأصاب حنجرته فأدلع لسانه إدلاع الكلب فقتله، ثم حمله مسافع بن طلحة بن أبي طلحة فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فقتله، ثم حمله الحارث بن طلحة بن أبي طلحة فرماه عاصم بن ثابت فقتله، ثم حمله كلاب بن أبي طلحة بن عبيد الله فقتله الزبير بن العوّام، ثم حمله الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة بن عبيد الله، ثم حمله أرطأة بن شرحبيل فقتله عليّ بن أبي طالب، ثم حمله شريح بن قارظ فلسنا ندري من قتله، ثم حمله صوّاب غلامهم فقال قائل: قتله سعد بن أبي وقاص، وقال قائل: قتله علي بن أبي طالب، وقال قائل: قتله قزمان وهو أثبت الأقوال، فلما قتل أصحاب اللواء (هربوا) أي المشركون منهزمين لا يلوون (حتى رأيت النساء) المشركات (يشتددن) بفتح التحتية وسكون الشين المعجمة وفتح الفوقية وكسر المهملة الأولى وسكون الثانية بعدها نون أي يسرعن المشي (في الجبل) ولابن عساكر: يتشددن بتحتية ففوقية فمعجمة فمهملة مشددة مفتوحات، ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: يسندن بتحتية مضمومة فسين مهملة ساكنة فنون مكسورة فدال مهملة ساكنة فنون أي يصعدن في الجبل (رفعن) ولأبي ذر: يرفعن (عن سوقهن) جمع ساق ليعينهن ذلك على سرعة الهرب (قد بدت) ظهرت (خلاخلهن) وسمى ابن إسحاق النساء المذكورات: هند بنت عتبة خرجت مع أبي سفيان، وأم حكيم بنت الحارث بن هشام مع زوجها عكرمة بن أبي جهل، وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة مع زوجها الحارث بن هشام، وبرزة بنت مسعود الثقفية مع صفوان بن أمية وهي والدة ابن صفوان، وريطة بنت شيبة السهمية مع زوجها عمرو بن العاص وهي والدة ابنة عبد الله، وسلامة بنت سعد عن زوجها طلحة بن أبي طلحة الحجبي، وخناس بنت مالك والدة مصعب بن عمير وعمرة بنت علقمة بن كنانة. (فأخذوا) أي المسلمون (يقولون) خذوا (الغنيمة) خذوا (الغنيمة. فقال عبد الله بن جبير: عهد إليّ) بتشديد التحتية (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا تبرحوا) من مكانكم (فأبوا) وقالوا: لم يرد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا قد انهزم المشركون فما مقامنا هاهنا ووقعوا ينتهبون العسكر ويأخذون ما فيه من الغنائم، وثبت أميرهم عبد الله في نفر يسير دون العشرة مكانه وقال: لا أجاوز أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلما أبَوْا صرف وجوههم) أي تحيروا فلم يدروا أين يذهبون. ونظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل وقلة أهله فكرّ بالخيل وتبعه عكرمة بن أبي جهل وحملوا على من بقي من الرماة فقتلوهم وقتل أميرهم عبد الله بن جبير، وانتقضت صفوف المسلمين واستدارت رحاهم وحالت الريح فصارت دبورًا وكانت قبل ذلك صبا، ونادى إبليس لعنه الله: إن محمدًا قد قتل، واختلط المسلمون فصاروا يقتلون على غير شعار ويضرب بعضهم بعضًا ما يشعرون به من العجلة والدهش. (فأصيب سبعون قتيلاً) من المسلمين وذكرهم ابن سيد الناس فزادوا على المائة، وقيل: إن السبعين من الأنصار خاصة، وثبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما زال يرمي عن قوسه حتى

صارت شظايا ويرمي بالحجر، وثبت معه عصابة من أصحابه أربعة عشر رجلاً سبعة من المهاجرين منهم: أبو بكر الصديق، وسبعة من الأنصار وكان يوم بلاء وتمحيص أكرم الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة حتى خلص العدوّ إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقذف بالحجارة حتى وقع لشقه وأصيبت رباعيته وشجّ في وجهه وكلمت شفته، وكان الذي أصابه من ضربة وجعل الدم يسيل على وجهه. (وأشرف) اطلع (أبو سفيان) صخر بن حرب (فقال: أفي القوم محمد)؟ بهمزة الاستفهام. زاد ابن سعد ثلاثًا (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا تجيبوه. فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة)؟ أبو بكر الصديق (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا تجيبوه. فقال: أفي القوم ابن الخطاب)؟ عمر ثم أقبل أبو سفيان على أصحابه (فقال: إن هؤلاء قتلوا) وقد كفيتموهم (فلو كانوا أحياء لأجابوا فلم يملك عمر نفسه فقال) له: (كذبت يا عدوّ الله) إن الذين عددت لأحياء كلهم وقد (أبقى الله عليك) ولأبي ذر وابن عساكر: لك (ما يحزنك) بالتحتية المضمومة وسكون الحاء المهملة بعدها نون مضمومة أو بالمعجمة وبعدها تحتية ساكنة ثم (قال أبو سفيان: أعل) بضم الهمزة وسكون العين المهملة وضم اللام يا (هبل) بضم الهاء وفتح الموحدة بعدها لام اسم صنم كان في الكعبة أي أظهر دينك أو زد علوًّا أو ليرتفع أمرك ويعز دينك فقد غلبت (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أجيبوه. قالوا: ما نقول؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (قولوا الله أعلى وأجل. قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم) تأنيث الأعز بالزاي اسم صنم لقريش (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أجيبوه. قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا الله مولانا) ولينا وناصرنا (ولا مولى لكم) أي لا ناصر لكم فالله تعالى مولى العباد جميعًا من جهة الاختراع ومالك التصرف ومولى المؤمنين خاصة من جهة النصرة (قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر) أي هذا يوم بمقابلة يوم بدر، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه يوم بدر أصابوا من المشركين أربعين ومائة سبعين أسيرًا وسبعين قتيلاً، وفي أُحُد استشهد من الصحابة سبعون كما مرّ (والحرب سجال) أي نوب نوبة لك ونوبة لنا (وتجدون) ولأبي ذر عن الكشميهني: وستجدون (مثلة) بضم الميم وسكون المثلثة أي بمن استشهد من المسلمين كجدع الآذان والأنوف (لم آمر بها) أن تفعل بهم، وسقط لابن عساكر والكشميهني لفظ بها (و) الحال أنها (لم تسؤني) وإن كنت ما أمرت بها. وعند ابن إسحاق عن صالح بن كيسان قال: خرجت هند والنسوة معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجدعن الآذان والأنوف حتى اتخذت هند من ذلك خدمًا وقلائد وأعطت خدمها وقلائدها وقرطها اللاتي كنّ عليها لوحشي جزاء له على قتله حمزة، وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تسغها فلفظتها ثم علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها فقالت: نحن جزيناكم بيوم بدر ... والحرب بعد الحرب ذات سعر ما كان عن عتبة لي من صبر ... ولا أخي وعمه وبكر شفيت نفسي وقضيت نذري ... شفيت وحشيّ غليل صدري فشكر وحشي عليّ عمري ... حتى ترمّ أعظمي في قبري وحديث الباب من أفراد المؤلّف. 4044 - أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ قَالَ اصْطَبَحَ الْخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ نَاسٌ ثُمَّ قُتِلُوا شُهَدَاءَ. وبه قال: (أخبرني) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: حدثني بالإفراد فيهما (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- أنه (قال: اصطبح الخمر) أي شربه صبوحًا (يوم أُحُد) قبل تحريمه (ناس) منهم عبد الله والد جابر (ثم قتلوا شهداء) والخمر في بطونهم فلم يمنعهم ما كان في علم الله من تحريمها ولا كونها في بطونهم من حكم الشهادة وفضلها لأن التحريم إنما

يلزم بالنهي وما كان قبل النهي فغير مخاطب به. وهذا الحديث قد مرّ في باب فضل قول الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا} [آل عمران: 169]. من كتاب الجهاد. 4045 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهْوَ خَيْرٌ مِنِّي كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلاَهُ بَدَا رَأْسُهُ وَأُرَاهُ قَالَ: وَقُتِلَ حَمْزَةُ، وَهْوَ خَيْرٌ مِنِّي، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ، أَوْ قَالَ أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (عبد الله بن المبارك) المروزي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد بن إبراهيم) بسكون العين (عن أبيه إبراهيم أن) أباه (عبد الرحمن بن عوف) بالفاء (أتي بطعام) في الشمائل للترمذي أنه كان خبزًا ولحمًا (وكان صائمًا) وعند أبي عمر وكان في مرض موته (فقال: قتل مصعب بن عمير) مصغرًا يوم وقعة أُحُد قتله ابن قميئة بفتح القاف وكسر الميم وسكون الياء بعدها همزة بوزن سفينة قيل اسمه عبد الله وقيل عمرو حكاهما في النبراس ظانًّا أنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن قاتل دون رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دفع إليه اللواء كما قيل. وقال ابن سعد: إنه لما قتل أخذ اللواء ملك على صورته (وهو خير مني) قاله تواضعًا أو قبل العلم بكونه من العشرة المبشرة بالجنة (كفن في بردة إن غطي) بها (رأسه) بضم الغين مبنيًّا للمفعول ككفن (بدت) ظهرت (رجلاه وإن غطي رجلاه بدا) ظهر (رأسه) لقصرها (وأراه) بضم الهمزة أي أظنه (قال: وقتل حمزة) بن عبد المطلب (وهو خير مني) قتله وحشي وشق بطنه وأخذ كبده فجاء بها إلى هند بنت عتبة بن ربيعة فمضعتها ثم لفظتها ثم جاءت فمثلت بحمزة وجعلت من ذلك مسكتين ومعضدتين حتى قدمت بذلك بكبده مكة. قال ابن سعد: وعند الحاكم من حديث أن أنس أن حمزة كفن أيضًا كذلك (ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط) بضم الموحدة مبنيًّا للمفعول فيهما بسبب الفتوحات والغنائم (أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا) بضم الهمزة بدل بسط فيهما (وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت) ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني قد عجلت (لنا ثم جعل يبكي) خوفًا على أن لا يلحق بمن تقدمه وحزنًا على تأخره عنهم. (حتى ترك الطعام). ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته في الرقاق. 4046 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ» فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدثني (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار أنه (سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال قال رجل) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) غزوة (أُحُد: أرأيت) أي أخبرني (إن قتلت فأين أنا؟ قال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (في الجنة فألقى) الرجل (تمرات) كانت (في يده ثم قاتل حتى قتل) وقد زعم ابن بشكوال أن اسم هذا الرجل عمير بن الحمام بضم المهملة وتخفيف الميم الأولى ابن الجموح الأنصاري السلمي محتجًا بحديث أنس عند مسلم: أن عمير بن الحمام أخرج تمرات فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، ثم قاتل حتى قتل، وانتقد بما في أُسد الغابة أن عميرًا هذا قتل ببدر وهو أول قتيل قتل من الأنصار في الإسلام في حرب، وعند ابن إسحاق أنه لاقى القوم يوم بدر وهو يقول: ركضًا إلى الله بغير زاد ... إلا التقى وعمل المعاد والصبر في الله على الجهاد ... إن التقى من أعظم السداد وأما قصة الباب فوقع التصريح فيها بأنها يوم أُحُد فالظاهر كما في الفتح أنهما قضيتان وقعتا لرجلين. 4047 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ خَبَّابٍ بْنِ الأَرَتِّ -رضي الله عنه- قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ وَمِنَّا مَنْ مَضَى أَوْ ذَهَبَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ يَتْرُكْ إِلاَّ نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْلاَهُ خَرَجَ رَأْسُهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلِهِ الإِذْخِرَ -أَوْ قَالَ- أَلْقُوا عَلَى رِجْلِهِ مِنَ الإِذْخِرِ» وَمِنَّا مَنْ قَدْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدُبُهَا. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس بن عبد الله التميمي اليربوعي الكوني ونسبه لجده لشهرته به قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (عن شقيق) هو ابن سلمة (عن خباب بن الأرتّ) بالمثناة الفوقية المشددة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: هاجرنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى المدينة حال كوننا (نبتغي) نطلب (وجه الله) لا الدنيا (فوجب أجرنا على الله) فضلاً منه تعالى (ومنا) بالواو وفي اليونينية وغيرها وفي الفرع فما بالفاء

(من مضى) مات (أو) قال: (ذهب) بالشك من الراوي (لم يأكل من أجره) من الغنائم (شيئًا) بل قصر نفسه عن شهواتها لينالها موفرة في الآخرة (كان منهم مصعب بن عمير قتل يوم أُحُد لم يترك إلا نمرة) بفتح النون وكسر الميم شملة مخططة من صوف (كنا إذا غطينا) بفتح الغين (بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطي) بضم الغين (بها رجلاه خرج رأسه، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (غطوا بها رأسه واجعلوا على رجله) بالإفراد (الإذخر) بالذال المعجمة وسقط لأبي ذر وابن عساكر على رجله الإذخر (أو قال) عليه الصلاة والسلام (ألقوا) بفتح الهمزة وضم القاف (على رجله) بالإفراد، ولأبي ذر وابن عساكر في نسخة: رجليه (من الإذخر ومنا من أينعت) بفتح الهمزة وسكون التحتية وفتح النون بعدها عين مهملة أدركت ونضجت، ولغير أبي ذر وابن عساكر: قد أينعت (له ثمرته فهو يهدبها) بفتح أوله وضم الدال المهملة وكسرها بعدها موحدة يجتنيها. وهذا الحديث قد سبق في الجنائز. 4048 - أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ عَمَّهُ غَابَ عَنْ بَدْرٍ فَقَالَ: غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أُجِدُّ فَلَقِيَ يَوْمَ أُحُدٍ فَهُزِمَ النَّاسُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ -يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ- وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فَتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ فَلَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ: أَيْنَ يَا سَعْدُ إِنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ فَمَضَى فَقُتِلَ فَمَا عُرِفَ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِشَامَةٍ أَوْ بِبَنَانِهِ وَبِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ. وبه قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (حسان بن حسان) أبو علي بن أبي عباد المصري نزيل مكة المشرفة قال: (حدّثنا محمد بن طلحة) بن مصرف الهمداني قال: (حدّثنا حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه- أن عمه) أنس بن النضر بسكون الضاد المعجمة (غاب عن) غزوة (بدر فقال: غبت عن أول قتال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأن غزوة بدر كانت أول غزوة غزاها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لئن أشهدني الله مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بحذف المفعول وزاد في الجهاد قتال المشركي (ليرين الله) بنون التوكيد الثقيلة (ما أجد) بضم الهمزة وكسر الجيم وتشديد الدال المهملة في الفرع كأصله، وعزاه في الفتح للأكثرين قال العيني: من مضاعف الثلاثي المزيد فيه يقال: أجدّ في الشيء يجد إذا بالغ فيه، وقال السفاقسي: صوابه بفتح الهمزة وضم الجيم يقال: جدّ يجد إذا اجتهد في الأمر وبالغ فيه، وأما أجد فإنما يقال لمن سار في أرض مستوية ولا معنى له هاهنا وقال في المصابيح: إنه صواب وله وجه ظاهر تقول: أجد فلان هذا الشيء إذا جعله جديدًا، فالمعنى ليرين الله ما أجدد في الإسلام من شدة القتل بالكفار واقتحام الأهوال في قتالهم قال: وضبطه بعضهم بفتح الهمزة وكسر الجيم وتخفيف الدال مضارع وجد أي: ليرين الله ما أجده أنا في نفسي من المشقّة وارتكاب الخطر. (فلقي يوم أُحُد فهزم الناس) بضم الهاء مبنيًّا للمفعول (فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين) من الانهزام (وأبرأ إليك مما جاء به المشركون) من القتال (فتقدم بسيفه) نحو المشركين (فلقي سعد بن معاذ) منهزمًا (فقال) له: (أين يا سعد) ولأبي ذر عن الكشميهني: فقال أي سعد (إني أجد ريح الجنة) حقيقة (دون أُحُد) أي عند أُحُد وهو كناية عن شدة اجتهاده المؤدي إلى الجنة (فمضى) إلى القتال وقاتل قتالاً شديدًا (فقتل) شهيدًا (فما عرف) بضم العين (حتى عرفته أخته) الربيع بنت النضر (بشامة) وهي الخال (أو ببنانه) بموحدتين ونونين بينهما ألف أي بأصابعه وقيل بأطرافها (وبه بضع) بكسر الموحدة (وثمانون من طعنة) برمح (وضربة) بسيف (ورمية بسهم) زاد في الجهاد وقد مثل به المشركون. 4049 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: فَقَدْتُ آيَةً مِنَ الأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَؤُهَا فَالْتَمَسْنَاهَا، فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} [الأحزاب: 23] فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم قال: (أخبرني) بالإفراد (خارجة بن زيد بن ثابت) الأنصاري (أنه سمع زيد بن ثابت) الأنصاري (-رضي الله عنه- يقول: فقدت) بفتح القاف (آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف) بأمر عثمان بن عفان -رضي الله عنه- (كنت أسمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرؤها فالتمسناها) أي طلبناها (فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري) زاد في الجهاد والتفسير الذي جعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهادته بشهادة رجلين وهي قوله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23]

18 - باب

أي فيما عاهدوه عليه فحذف الجار كما في المثل: صدقني سن بكره بطرح الجار وإيصال الفعل أي في سن بكره، وكان قد نذر رجال من الصحابة أنهم إذا لقوا حربًا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا وهم: عثمان بن عفان، وطلحة، وسعيد بن زيد، وحمزة، ومصعب وغيرهم ({فمنهم من قضى نحبه}) [الأحزاب: 23] أي مات شهيدًا كحمزة ومصعب وقضاء النحب صار عبارة عن الموت لأن كل حيّ من المحدثات لا بدّ له من أن يموت فكأنه نذر لازم في كل رقبة فإذا مات فقد قضى نحبه أي نذره ({ومنهم من ينتظر}) [الأحزاب: 23]. الشهادة كعثمان وطلحة وسقط قوله: ومنهم من ينتظر لابن عساكر (فألحقناها) أي الآية (في سورتها في المصحف) عملاً بثبوت تواترها عندهم قيل مع شهادة عمر وغيره. 4050 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أُحُدٍ رَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةً تَقُولُ: نُقَاتِلُهُمْ، وَفِرْقَةً تَقُولُ: لاَ نُقَاتِلُهُمْ فَنَزَلَتْ {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} [النساء: 88] وَقَالَ: «إِنَّهَا طَيْبَةُ تَنْفِي الذُّنُوبَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) الأنصاري أنه (قال: سمعت عبد الله بن يزيد) من الزيادة الخطمي حال كونه (يحدث عن زيد بن ثابت) الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لما خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى) غزوة (أُحد) سنة ثلاث من الهجرة (رجع ناس) من الشوط بين المدينة وأُحد وهم عبد الله بن أبي ومن تبعه من المنافقين وكانوا ثلث الناس (ممن خرج معه، وكان أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرقتين فرقة تقول: نقاتلهم) أي المنافقين الراجعين (وفرقة) بالنصب فيهما بدلاً من فرقتين ولأبي ذر فرقة بالرفع فيهما على القطع (تقول: لا نقاتلهم) لأنهم مسلمون (فنزلت) لما اختلفوا ({فما لكم في المنافقين فئتين}) أي تفرقتم في أمرهم فرفتين ({والله أركسهم}) ردهم إلى حكم الكفار ({بما كسبوا}) [النساء: 88] بسبب عصيانهم ومخالفتهم (وقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنها طيبة تنفي الذنوب) أي تميز وتظهر بالظاء المعجمة أصحاب الذنوب (كما تنفي النار خبث الفضة) وهو ما تلقيه النار من وسخها إذا أذيبت وقوله وقال: إنها الخ هو حديث آخر سبق في آخر الحج كما نبه عليه في الفتح. 18 - باب 18 - باب {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 122]. هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({إذ}) أي: واذكر إذ ({همت}) أي عزمت ({طائفتان منكم}) حيان من الأنصار بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس ({أن تفشلا}) أي بأن تجبنا وتصعفا، وكان عليه الصلاة والسلام خرج إلى أُحد في ألف والمشركون في ثلاثة آلاف، ووعدهم بالفتح إن صبروا فانخزل ابن أبي بثلث الناس وقال: علام نقتل أنفسنا وأولادنا؟ فهمّ الحيان باتباعه فعصمهم الله تعالى فمضوا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أضمروا أن يرجعوا فعزم الله تعالى لهم على الرشد فثبتوا، والظاهر أنها ما كانت إلا همة وحديث نفس وما لا تخلو النفس عند الشدة من بعض الهلع ثم يردها صاحبها إلى الثبات والصبر ويوطنها على احتمال المكروه ولو كانت عزيمة لما ثبتت معها الولاية والله تعالى يقول: ({والله وليهما}) ويجوز أن يراد والله ناصرهما ومتولي أمرهما فما لهما يفشلان ولا يتركان على الله تعالى ({وعلى الله فليتوكل المؤمنون}) [آل عمران: 122] أمرهم بأن لا يتوكلوا إلا عليه ولا يفوضوا أمرهم إلا إليه، وسقط لأبي ذر وابن عساكر: وعلى الله فليتوكل المؤمنون وقالا: الآية. 4051 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ} [آل عمران: 122] بَنِي سَلِمَةَ وَبَنِي حَارِثَةَ وَمَا أُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ وَاللَّهُ يَقُولُ: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}. [الحديث 4051 - طرفه في: 4558]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان كذا في الفرع والذي في اليونينية عن ابن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن جابر) أي ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: نزلت هله الآية فينا {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا} بني سلمة) بكسر اللام من الخزرج (وبني حارثة) بالمثلثة من الأوس (وما أحب أنها لم تنزل) بفتح أوله وكسر ثالثه (والله) أي والحال أن الله تعالى (يقول): ولابن عساكر لقول الله تعالى: ({والله وليهما}) أي لما حصل لهم من الشرف بثناء الله تعالى وإنزاله فيهم آية ناطقة بصحة الولاية وأن تلك غير المأخوذ بها لأنها لم تكن عن عزيمة وتصميم كانت سببًا لنزولها. 4052 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو هُوَ ابْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلْ نَكَحْتَ يَا جَابِرُ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: «مَاذَا أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا»؟ قُلْتُ: لاَ بَلْ ثَيِّبًا قَالَ: «فَهَلاَّ جَارِيَةً تُلاَعِبُكَ» قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ كُنَّ لِي تِسْعَ أَخَوَاتٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ إِلَيْهِنَّ جَارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ وَلَكِنِ امْرَأَةً تَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ قَالَ: «أَصَبْتَ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (أخبرنا عمرو) هو ابن دينار ولأبي ذر عن عمرو (عن جابر) بن

عبد الله الأنصاري أنه (قال: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هل نكحت يا جابر)؟ أي هل تزوجت (قلت: نعم) يا رسول الله (قال: ماذا)؟ نكحت (أبكرًا) نكحت (أم ثيبًا)؟ بالمثلثة (قلت: لا) أي لم أنكح بكرًا (بل) نكحت (ثيبًا. قال) عليه الصلاة والسلام: (فهلا) نكحت (جارية) بكرًا (تلاعبك قلت: يا رسول الله إن أبي) عبد الله بن عمرو بن حرام (قتل يوم أُحد) قتله أسامة الأعور بن عبيد أو سفيان بن عبد شمس بن أبي الأعور السلمي (وترك تسع بنات) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على أسمائهن (كنّ لي تسع أخوات فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء) بخاء معجمة فراء ساكنة فقاف مفتوحة ممدودًا حمقاء جاهلة لا تحسن العمل ولا تجربة لها (مثلهن ولكن امرأة تمشطهن) بضم الشين المعجمة أي تسرح شعرهن بالمشط (وتقوم عليهن. قال) عليه الصلاة والسلام: (أصبت). 4053 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ فِرَاسٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ، فَلَمَّا حَضَرَ جِذَاذُ النَّخْلِ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي قَدِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ دَيْنًا كَثِيرًا وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الْغُرَمَاءُ فَقَالَ: «اذْهَبْ فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرٍ عَلَى نَاحِيَةٍ» فَفَعَلْتُ، ثُمَّ دَعَوْتُهُ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ كَأَنَّهُمْ أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ أَطَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لَكَ أَصْحَابَكَ فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللَّهُ عَنْ وَالِدِي أَمَانَتَهُ وَأَنَا أَرْضَى أَنْ يُؤَدِّيَ اللَّهُ أَمَانَةَ وَالِدِي وَلاَ أَرْجِعَ إِلَى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ فَسَلَّمَ اللَّهُ الْبَيَادِرَ كُلَّهَا حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَأَنَّهَا لَمْ تَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (أحمد بن أبي سريج) بضم السين المهملة آخره جيم واسمه الصباح النهشلي قال: (أخبرنا عبيد الله) بضم العين (ابن موسى) بن باذام الكوفي قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن (عن فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء وسين مهملة ابن يحيى (عن الشعبي) هو عامر بن شراحيل أنه (قال: حدثني) بالإفراد (جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أن أباه استشهد يوم أُحد وترك عليه دينًا) ثلاثين وسقًا لرجل من اليهود (وترك ست بنات) لا ينافي الرواية السابقة تسع لأن التخصيص بالعدد لا ينافي الزائد أو أن ثلاثًا منهن كن متزوجات أو بالعكس (فلما حضر جذاذ النخل) بفتح الجيم وكسرها وبالذالين المعجمتين بينهما ألف ولأبي ذر عن الكشميهني وابن عساكر في نسخة جداد بكسر الجيم وبدالين مهملتين أي قطعه (قال: أتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت) له: يا رسول الله (قد علمت أن والدي قد استشهد يوم أُحد وترك) عليه (دينًا كثيرًا وإني أحب أن يراك الغرماء فقال): (اذهب) إلى حائطك (فبيدر) بكسر الدال المهملة وجزم الراء أي اجمع (كل تمر) أي نوع من التمر في موضع ولأبي ذر عن الكشميهني تمرة (على ناحية) (ففعلت) ذلك (ثم دعوته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلما نظروا) أي الغرماء (إليه) عليه الصلاة والسلام (كأنهم) ولأبي ذر كأنما (أغرّوا بي) بضم الهمزة وسكون الغين المعجمة أي لحوا في مطالبتي وألحوا عليّ وكأنهم أمروا بذلك (تلك الساعة فلما رأى) عليه الصلاة والسلام (ما يصنعون أطاف حول أعظمها بيدرًا) أي ألم به وقاربه (ثلاث مرّات ثم جلس) عليه الصلاة والسلام (عليه ثم قال: ادع لك) بالكاف ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ادع لي (أصحابك) يعني الغرماء (فما زال يكيل لهم حتى أدى الله عن والدي أمانته وأنا أرضى أن يؤدي الله أمانة والدي ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة فسلم الله البيادر كلها حتى أني أنظر إلى البيدر الذي كان عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كأنها لم تنقص) منه (تمرة واحدة) وهذا من أعلام نبوّته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقد سبق هذا الحديث في مواضع كالبيع والقرض والمراد من سياقه هنا أن عبد الله والد جابر كان ممن استشهد بأُحد. 4054 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه- قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ وَمَعَهُ رَجُلاَنِ يُقَاتِلاَنِ عَنْهُ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ كَأَشَدِّ الْقِتَالِ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ. [الحديث 4054 - طرفه في: 5826]. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن جده عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-) أنه (قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) وقعة (أُحد ومعه رجلان) هما جبريل وميكائيل عليهما الصلاة والسلام كما في مسلم (يقاتلان) الكفار (عنه) عليه الصلاة والسلام (عليهما ثياب بيض كأشد القتال) الكاف زائدة أو للتشبيه أي كأشد قتال بني آدم (ما رأيتهما قبل ولا بعد) وهذا يرد قول من قال: إن الملائكة لم تقاتل معه إلا يوم بدر وكانوا يكونون فيما سواه عددًا ومددًا. 4055 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ السَّعْدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: نَثَلَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كِنَانَتَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: «ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا مروان بن معاوية) بن الحارث أبو عبد الله الكوفي قال: (حدّثنا هاشم بن هاشم) بفتح الهاء بعدها ألف فمعجمة فيهما ابن عبيد بن

أبي وقاص الزهري المدني ويقال هاشم بن هاشم بن هاشم (السعدي) ابن أخي سعد بن أبي وقاص (قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: نثل) بالنون والمثلثة واللام المفتوحات استخرج (لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كنانته يوم أُحد) بكسر القاف وتخفيف النون جعبة النبل (فقال) عليه الصلاة والسلام لي: (ارم فداك أبي وأمي) بكسر الفاء وتفتح أي لو كان لي إلى الفداء سبيل لفديتك بأبوي اللذين هما عزيزان عندي، والمراد من التفدية لازمها وهو الرضا أي ارم مرضيًا. 4056 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُ: جَمَعَ لِي رَسُولُ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري أنه (قال: سمعت سعيد بن المسيب قال): ولأبي ذر وابن عساكر يقول: (سمعت سعدًا) هو ابن أبي وقاص (يقول: جمع لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبويه) فقال: كما في السابقة "ارم فداك أبي وأمي" (يوم أُحد). 4057 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَحْيَى عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه-، لَقَدْ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ أَبَوَيْهِ كِلَيْهِمَا يُرِيدُ حِينَ قَالَ: «فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» وَهُوَ يُقَاتِلُ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) باللام والذي في اليونينية ليث بن سعد الإمام (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن ابن المسيب) سعيد (أنه قال: قال سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: لقد جمع لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) وقعة (أُحد) في التفدية (أبويه كليهما) نصب بالياء ولأبوي ذر والوقت كلاهما بالألف بدل الياء (يريد) ابن أبي وقاص (حين قال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فداك أبي وأمي وهو يقاتل). 4058 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْمَعُ أَبَوَيْهِ لأَحَدٍ غَيْرَ سَعْدٍ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين آخره راء ابن كدام الكوفي (عن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن ابن شداد) هو عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي الكوفي أنه (قال: سمعت عليًّا) هو ابن أبي طالب -رضي الله عنه- (يقول: ما سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجمع أبويه لأحد غير سعد) أي ابن أبي وقاص ولأبي الوقت إلا لسعد وهذا ينافي سماع في غيره. 4059 - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَمَعَ أَبَوَيْهِ لأَحَدٍ إِلاَّ لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: «يَا سَعْدُ ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي». وبه قال: (حدثنا يسرة بن صفوان) بفتح التحتية والسين المهملة والراء اللخمي الدمشقي قال: (حدّثنا إبراهيم عن أبيه) سعد بن عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الله بن شداد) الليثي السابق (عن علي -رضي الله عنه-) أنه (قال: ما سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع أبويه لأحد إلا لسعد بن مالك) هو اسم أبي وقاص ولأبي ذر عن الكشميهني غير سعد بن مالك (فإني سمعته يقول يوم أُحد يا سعد ارم فداك أبي وأمي). وعند الحاكم في مستدركه من طريق يونس بن بكير وهو في المغازي روايته من طريق عائشة بنت سعد عن أبيها قال: لما جال الناس يوم أُحد تلك الجولة تنحيت فقلت: أذود عن نفسي فإما أن أنجو وإما أن أستشهد فإذا رجل مخمر وجهه، وقد كاد المشركون أن يركبوه فملأ يده من الحصى فرماهم وإذا بيني وبينه المقداد فأردت أن أسأله عن الرجل فقال لي: يا سعد هذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعوك فقمت وإنه لم يصبني شيء من الأذى وأجلسني أمامه فجعلت أرمي فذكر الحديث. 4060 - 4061 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُعْتَمِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: زَعَمَ أَبُو عُثْمَانَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ تِلْكَ الأَيَّامِ الَّتِي يُقَاتِلُ فِيهِنَّ غَيْرُ طَلْحَةَ وَسَعْدٍ عَنْ حَدِيثِهِمَا. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (عن معتمر عن أبيه) سليمان بن طرخان التيمي أنه (قال: زعم) أي قال: (أبو عثمان) عبد الرحمن النهدي (أنه لم يبق مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض تلك الأيام) أي أيام أُحد وسقط بعض لأبي ذر (التي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي الذي (يقاتل فيهن) فالتأنيث بالنظر لقوله تلك الأيام والتذكير للفظ بعض من المهاجرين (غير طلحة) بن عبيد الله أحد العشرة وغير بالرفع (وسعد) بالجر والرفع معًا وهو ابن أبي وقاص كذا رواه أبو عثمان (عن حديثهما) أي عن حديث طلحة وسعد. 4062 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: صَحِبْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَالْمِقْدَادَ، وَسَعْدًا -رضي الله عنهم-، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ أَنِّي سَمِعْتُ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود واسمه حميد بن الأسود البصري الحافظ قال: (حدّثنا حاتم بن إسماعيل) الكوفي سكن المدينة (عن محمد بن يوسف) بن عبد الله الكندي الأعرج أنه (قال: سمعت السائب بن يزيد) من صغار الصحابة (قال: صحبت عبد الرحمن بن عوف

وطلحة بن عبيد الله) بضم العين (والمقداد) بن الأسود (وسعدًا) أي ابن أبي وقاص (-رضي الله عنهم- فما سمعت أحدًا منهم يحدث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) خشية أن يقعوا في قوله عليه الصلاة والسلام: "من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" (إلا أني سمعت طلحة يحدث عن يوم أُحد) بما وقع له من الثبات أو نحو ذلك ولم يبين في هذا الحديث ما حدث به طلحة نعم أخرجه أبو يعلى وقال فيه أنه ظاهر بين درعين يوم أُحد. 4063 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ شَلاَّءَ وَقَى بِهَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي شيبة) هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي الحافظ المشهور صاحب المسند الكبير والمصنف قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح الحافظ المشهور العابد (عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي البجلي (عن قيس) هو ابن أبي حازم البجلي أنه (قال: رأيت يد طلحة) بن عبيد الله (شلاء) بفتح الشين المعجمة وتشديد اللام ممدودًا أصابها الشلل (وقى) بفتح الواو والقاف المخففة (بها النبي) وفي نسخة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أحد) فقطعت أصابعه. 4064 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلاً رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ، كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ بِجَعْبَةٍ مِنَ النَّبْلِ فَيَقُولُ: "انْثُرْهَا لأَبِي طَلْحَةَ" قَالَ: وَيُشْرِفُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لاَ تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا تَنْقُزَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلآنِهَا ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلاَثًا. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بسكون العين عبد الله بن عمرو العقدي قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما كان يوم أُحد انهزم الناس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري زوج والدة أنس (بين يدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجوّب) بضم الميم وفتح الجيم وكسر الواو المشددة بعدها موحدة مترس (عليه) عليه الصلاة والسلام يستره (بحجفة) بحاء مهملة فجيم ففاء مفتوحات بترس من جلد (له، وكان أبو طلحة رجلاً راميًا شديد النزع) بفتح النون وسكون الزاي بعدها عين مهملة الجذب في القوس (كسر يومئذٍ) يوم أحد (قوسين أو ثلاثًا) من كثرة رميه وشدته ولابن عساكر ثلاثة (وكان الرجل) من المسلمين (يمرّ معه بجعبة من النبل) بفتح النون وسكون الموحدة والجعبة بفتح الجيم وسكون العين المهملة الكنانة التي فيها السهام (فيقول) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (انثرها) أي الجعبة التي فيها النبل (لأبي طلحة) (قال) أنس: (ويشرف) بضم التحتية وسكون الشين المعجمة وكسر الراء بعدها فاء أي ويطلع ولأبي الوقت وتشرف بفتح الفوقية والمعجمة والراء المشدّدة أي تطلع (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (ينظر إلى القوم) المشركين (فيقول أبو طلحة) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بأبي أنت وأمي لا تشرف) بضم الفوقية وسكون المعجمة والجزم على الطلب (يصيبك سهم من سهام القوم) برفع يصيبك أي فهو يصيبك. قال في التنقيح: وهو الصواب، ولأبي ذر في الفرع كأصله يصبك بالجزم. قال العيني: جواب للنهي على الأصل. قال الزركشي: هو خطأ وقلب للمعنى إذ لا يستقيم أن يقول إن لا تشرف يصبك اهـ. ووجهه في المصابيح على رأي الكسائي والتقدير فإن تشرف يصبك سهم قال: وهذا صواب لا خطأ فيه ولا قلب للمعنى. نعم غير الكسائي إنما يقدر فعل الشرط منفيًّا، فمن ثم يجيء انقلاب المعنى في هذا التركيب (نحري) يصيبه السهم (دون نحرك) أي أفديك بنفسي. قال أنس: (ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم) هي والدة أنس (وأنهما لمشمرتان) ذيلهما (أرى) أي أنظر (خدم سوقهما) بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة أي خلا خيلهما وهو محمول على نظر الفجأة أو كان إذ ذاك صغيرًا حال كونهما (تنقزان) بفوقية مفتوحة فنون ساكنة فقاف مضمومة فزاي مفتوحة وبعد الألف نون أي تثبان وتقفزان (القرب) أي بالقرب فالنصب بنزع الخافض ولابن عساكر وأبي الوقت وقال غيره: أي غير أبي معمر وهو جعفر بن مهران عن عبد الوارث تنقلان القرب ولأبي ذر وحده تنقزان بالزاي أي (على متونهما) على ظهورهما (تفرغانه) أي الماء (في أفواه القوم ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم، ولقد وقع السيف من يدي) بفتح الدال

19 - باب قول الله تعالى: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم} [آل عمران: 155]

وسكون التحتية بالتثنية لكنه مضبب على الياء في الفرع كأصله ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر من يد (أبي طلحة) بالإفراد (اما مرّتين وإما ثلاثًا) زاد مسلم عن الدارمي عن أبي معمر شيخ المؤلّف فيه بهذا الإسناد من النعاس أي الذي ألقاه الله تعالى عليهم أمنة منه. 4065 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ فَصَرَخَ إِبْلِيسُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ. فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ فَبَصُرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ، فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أَبِي أَبِي قَالَ: قَالَتْ فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، قَالَ عُرْوَةُ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بَصُرْتُ: عَلِمْتُ مِنَ الْبَصِيرَةِ فِي الأَمْرِ، وَأَبْصَرْتُ مِنْ بَصَرِ الْعَيْنِ، وَيُقَالُ بَصُرْتُ وَأَبْصَرْتُ وَاحِدٌ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن سعيد) بكسر العين ابن يحيى أبو قدامة اليشكري قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: لما كان يوم) وقعة (أحد هزم المشركون فصرخ إبليس لعنة الله عليه) وسقط قوله لعنة الله عليه لأبي ذر (أي عباد الله) يعني المسلمين (أخراكم) أي احترزوا من الذين وراءكم متأخرين كم وهي كلمة تقال لمن يخشى أن يؤتى عند القتال من ورائه، وغرض إبليس اللعين أن يغلطهم ليقتل المسلمون بعضهم بعضًا (فرجعت أولاهم) لقتال أخراهم ظانين أنهم من المشركين (فاجتلدت) بالجيم فاقتتلت (هي وأخراهم فبصر) بضم الصاد أي نظر (حذيفة) بن اليمان (فإذا هو بأبيه اليمان) يقتله المسلمون يظنونه من المشركين (فقال) حذيفة: (أي عباد الله) هذا (أبي) هذا (أبي) لا تقتلوه (قال) عروة: (قالت) عائشة: (فوالله ما احتجزوا) بالحاء المهملة الساكنة والفوقية والجيم المفتوحتين والزاي المضمومة ما انفصلوا عنه (حتى قتلوه) وعند ابن سعد أن الذي قتله خطأ عتبة بن مسعود أخو عبد الله بن مسعود، والظاهر مما تكرّر في البخاري أن الذي قتله جماعة من المسلمين. وعند ابن إسحاق: وأما اليمان فاختلفت أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه فقال حذيفة: قتلتم أبي؟ قالوا: والله ما عرفناه (فقال حذيفة): معتذرًا عنهم لكونهم قتلوه ظنًا منهم أنه من الكافرين (يغفر الله لكم. قال عروة) بن الزبير: (فوالله ما زالت في حذيفة بقية خير) من دعاء واستغفار لقاتل أبيه (حتى لحق بالله عز وجل) وقال في المصابيح كالتنقيح: وقيل بقية حزن على أبيه من قتل المسلمين إياه. (بصرت) بضم الصاد وسكون الراء (علمت من البصيرة في الأمر) فهو من المعاني القلبية (وأبصرت) بزيادة الهمزة (من بصر العين) المحسوس (ويقال: بصرت وأبصرت واحد) كسرعت وأسرعت، وهذا ذكره تفسيرًا لقوله فبصر حذيفة وهو ساقط في رواية أبي ذر وابن عساكر. 19 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155] (باب قول الله تعالى): وسقط ذلك كله لأبي ذر ({إن الذين تولوا منكم}) انهزموا ({يوم التقى الجمعان}) جمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجمع أبي سفيان للقتال يوم أُحد ({إنما استزلهم الشيطان}) دعاهم إلى الزلة وحملهم عليها ({ببعض ما كسبوا}) بتركهم المركز الذي أمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالثبات فيه ({ولقد عفا الله عنهم}) تجاوز عنهم ({إن الله غفور}) للذنوب ({حليم}) [آل عمران: 155] لا يعاجل بالعقوبة. 4066 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ حَجَّ الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاَءِ الْقُعُودُ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ قُرَيْشٌ، قَالَ: مَنِ الشَّيْخُ؟ قَالُوا: ابْنُ عُمَرَ فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَىْءٍ أَتُحَدِّثُنِي قَالَ: أَنْشُدُكَ بِحُرْمَةِ هَذَا الْبَيْتِ أَتَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَتَعْلَمُهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتَعْلَمُ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ فَكَبَّرَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ لأُخْبِرَكَ وَلأُبَيِّنَ لَكَ عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ، وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ». وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ، فَبَعَثَ عُثْمَانَ وَكَانَ بَيْعَةُ الرُّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ الْيُمْنَى: «هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ» فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ: «هَذِهِ لِعُثْمَانَ» اذْهَبْ بِهَذَا الآنَ مَعَكَ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان المروزي قال: (أخبرنا أبو حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري (عن عثمان بن موهب) بفتح الميم والهاء بينهما واو ساكنة الأعرج الطلحي التيمي القرشي أنه (قال: جاء رجل) قال: في المقدمة قيل إنه يزيد بن بشر السكسكي (حج البيت فرأى قومًا جلوسًا) لم يسموا (فقال: من هؤلاء القعود؟ قال: هؤلاء قريش) لم يسم المجيب أيضًا (قال: من الشيخ؟ قالوا): ولأبي ذر قال: (ابن عمر فأتاه فقال) له: (إني سائلك عن شيء أتحدثني)؟ عنه (قال: أنشدك بحرمة هذا البيت أتعلم أن عثمان بن عفان) سقط ابن عفان لأبي ذر (فرّ يوم) وقعة (أُحُد؟ قال) ابن عمر (نعم. قال) الرجل (فتعلمه تغيب) بالغين المعجمة (عن بدر فلم يشهدها؟ قال: نعم) وقول الداودي أن قوله تغيب خطأ في اللفظ إنما يقال لمن تعمد التخلف فأما من تخلف لعذر فلا. تعقبه في المصابيح بأنه يحتاج إلى نقل عن أئمة اللغة ويعز وجوده (قال) الرجل: (فتعلم أنه تخلف) ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني تغيب (عن بيعة الرضوان)؟ الواقعة تحت الشجرة في الحديبية

20 - باب {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون} [آل عمران: 153] تصعدون: تذهبون، أصعد وصعد فوق البيت

(فلم يشهدها؟ قال) ابن عمر: (نعم قال: فكبّر) الرجل مستحسنًا لما أجابه به ابن عمر لكونه مطابقًا لما يعتقده (قال) ولأبي ذر فقال (ابن عمر) له: (تعال لأخبرك ولأبين لك عما سألتني عنه) ليزول اعتقادك (أما فراره يوم أُحد فأشهد أن الله عفا) ولابن عساكر قد عفا (عنه، وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله) ولأبي ذر وابن عساكر بنت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) رقية -رضي الله عنها- (وكانت مريضة) فأمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالتخلف هو وأسامة بن زيد (فقال له النبي): (إن لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه وأما تغيبه عن) وفي نسخة: من (بيعة الرضوان فإنه لو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان بن عفان لبعثه) عليه الصلاة والسلام أي (مكانه) وسقط ابن عفان لأبي ذر (فبعث عثمان) إلى أهل مكة ليعلم قريشًا أنه إنما جاء معتمرًا لا محاربًا (وكان) ولأبي ذر عن الكشميهني وكانت (بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة) فتحدث أن المشركين يقصدون حرب المسلمين فاستعد المسلمون للقتال وبايعهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذٍ أن لا يفروا (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مشيرًا (بيده اليمنى: هذه يد عثمان) أي بدلها (فضرب بها على يده) اليسرى (فقال: هذه) البيعة (لعثمان) أي عنه (اذهب بهذا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بها أي الأجوبة التي أجبتك بها (الآن معك) حتى يزول عنك ما كنت تعتقده من عيب عثمان. وسبق هذا الحديث في مناقب عثمان. 20 - باب {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلاَ تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 153] تُصْعِدُونَ: تَذْهَبُونَ، أَصْعَدَ وَصَعِدَ فَوْقَ الْبَيْتِ هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({إذ تصعدون}) أي تبالغون في الذهاب في صعيد الأرض ({ولا تلوون على أحد}) أي ولا تلتفتون وهو عبارة عن غاية انهزامهم وخوف عدوّهم ({والرسول يدعوكم}) يقول: إليّ عباد الله من يكر فله الجنة والجملة في موضع الحال ({في أخراكم}) في ساقتكم وجماعتكم الأخرى هي المتأخرة ({فأثابكم}) عطف على صرفكم أي فجازاكم الله ({غمًا}) حين صرفكم عنهم وابتلاكم ({بغم}) بسبب غم أدخلتموه على الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعصيانكم أمره والمؤمنين بفشلكم، أو فأثابكم الرسول أي أثابكم غمًا بسبب غم اغتممتموه لأجله والمعنى أن الصحابة لما رأوه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شج وجهه وكسرت رباعيته وقتل عمه اغتموا لأجله والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما رآهم عصوا ربهم بطلب الغنيمة ثم حرموا منها وقتل أقاربهم اغتم لأجلهم، وقال القفال: وعندي أن الله تعالى ما أراد بقوله: غمًا بغم اثنين اثنين وإنما أراد مواصلة الغموم وطولها أي أن الله عاقبكم بغموم كثيرة مثل قتل إخوانكم وأقاربكم ونزول المشركين عليكم بحيث لم تأمنوا أن يهلك أكثركم ({لكيلا تحزنوا على ما فاتكم}) لتتمرنوا على تجرع الغموم فلا تحزنوا فيما بعد على ما فائت من المنافع لأن العادة طبيعة خامسة ({ولا ما أصابكم}) ولا على مصيب من المضار ({والله خبير بما تعملون}) [آل عمران: 153] لا يخفى عليه شيء من أعمالكم وسقط لأبي ذر قوله والرسول يدعوكم الخ وقال إلى {بما تعملون}. ({تصعدون}) أي (تذهبون أصعد) بالهمزة (وصعد) بحذفها وكسر العين (فوق البيت) وكأنه أراد التفرقة بين الثلاثي والرباعي وأن الثلاثي بمعنى ارتفع والرباعي بمعنى ذهب، وسقط من قوله تصعدون الخ للمستملي وأبي الهيثم. 4067 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عمرو بن خالد) الحراني الخزاعي سكن مصر قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سمعت البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: جعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الرجالة) بتشديد الجيم جمع راجل خلاف الفارس وكانوا خمسين رجلاً رماة (يوم) وقعة (أُحد عبد الله بن جبير) الأنصاري (وأقبلوا) حال كونهم (منهزمين) أي بعضهم اد فرقة استمروا في الهزيمة حتى فرغ القتال وهم قليل وفيهم نزل {إن الذين تولوا} وفرقة تحيرت لما سمعت أنه عليه الصلاة والسلام قتل فكانت غاية أحدهم الذب عن نفسه أو يستمر على

باب

بصيرته في القتال حتى يقتل وهم الأكثر والثالثة ثبتت معه عليه الصلاة والسلام ثم تراجعت الثانية لما عرفوا أنه عليه الصلاة والسلام حي (فذاك إذ يدعوهم الرسول) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله إليّ عباد الله إليّ عباد الله (في أخراهم) في آخرهم ومن ورائهم. وتقدّم هذا الحديث قريبًا وأخرجه أيضًا في التفسير. باب 21 - {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَىْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 154]. هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسًا}) ثم أنزل الله الأمن على المؤمنين وأزال عنهم الخوف الذي كان بهم حتى نعسوا وغلبهم النوم. قال أبو البقاء: والأصل أنزل عليكم نعاسًا ذا أمنة لأن النعاس ليس هو الأمن بل هو الذي حصل به الأمن ({يغشى}) النعاس ({طائفة منكم}) هم أهل الصدق واليقين ({وطائفة}) هم المنافقون لم يغشهم النعاس ({قد أهمتهم أنفسهم}) ما يهمهم إلا هم أنفسهم وخلاصها لا هم الدين ولا هم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما هم مستغرقون في همّ أنفسهم فلذا لم تنزل عليهم السكينة لأنها وارد روحاني لا يتلوث بهم ({يظنون بالله غير}) الظن ({الحق}) الذي يجب أن يظن به وهو أن لا ينصر محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه ({ظن الجاهلية}) أي الظن المختص بالملة الجاهلية أو ظن أهل الجاهلية ({يقولون هل لنا من الأمر}) الذي يعدنا به محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من النصر والظفر ({من شيء}) إنما هو للمشركين استفهام على سبيل الإنكار ({قل}) يا محمد لهؤلاء المنافقين ({إن الأمر}) النصر والظفر ({كله لله}) يصرفه حيث يشاء ({يخفون في أنفسهم}) من الكفر والشرك أو يخفون الندم على خروجهم مع المسلمين ({ما لا يبدون لك}) خوفًا من السيف ({يقولون}) في أنفسهم أو بعضهم لبعض منكرين لقولك لهم إن الأمر كله لله ({لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا}) أي لو كان الأمر كما قال محمد: إن الأمر كله لله ولأوليائه وإنهم لغالبون لما غلبنا قط ولما قتل من المسلمين من قتل في هذه المعركة ({قل لو كنتم في بيوتكم}) أي من علم الله منه أن يقتل في هذه المعركة وكتب في اللوح المحفوظ لم يكن بد من وجوه فلو قعدتم في بيوتكم ({لبرز}) من بينكم ({الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم}) مصارعهم بأحد ليكون ما علم الله تعالى أنه يكون والحذر لا يمنع القدر والتدبير لا يقاوم التقدير وقد كتب الله في اللوح قتل من يقتل من المؤمنين وكتب مع ذلك أن العاقبة في الغلبة لهم وأن دين الإسلام يظهر على الدين كله وأن ما ينكبون في بعض الأوقات تمحيص لهم ({وليبتلي الله ما في صدوركم}) أي وليختبر ما في صدوركم من الإخلاص ({وليمحص ما في قلوبكم}) من وساوس الشيطان ({والله عليم بذات الصدور}) [آل عمران: 154] وهي الإسرار والضمائر لأنها حالة فيها مصاحبة لها وذكر ذلك ليدل به على أن ابتلاءه لم يكن لأنه يخفى عليه ما في الصدور وغيره لأنه عالم بجميع المعلومات وإنما ابتلاهم لمحض الإلهية أي للاستصلاح وسقط لفظ باب لأبي ذر وابن عساكر وكذا قوله: {يغشى طائفة} الخ وقالا بعد قوله: {نعاسًا} إلى قوله: {بذات الصدور}. 4068 - وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ -رضي الله عنهما- قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ تَغَشَّاهُ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى سَقَطَ سَيْفِي مِنْ يَدِي مِرَارًا يَسْقُطُ وَآخُذُهُ وَيَسْقُطُ فَآخُذُهُ. [الحديث 4068 - طرفه في: 4562]. وبه قال: (وقال لي خليفة) بن خياط أبو عمرو العصفري البصري في المذاكرة (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا قال: (حدّثنا سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: كنت فيمن تغشاه) بفتح الغين والشين المشددة المعجمتين (النعاس يوم أُحد) أي وهم في مصافهم (حتى سقط سيفي من يدي مرارًا يسقط) من يدي (وآخذه ويسقط) من يدي (فآخذه) بالفاء ولأبي ذر وآخذه. قال ابن مسعود فيما رواه ابن أبي حاتم: النعاس في القتال أمنة، والنعاس في الصلاة من الشيطان وذلك لأنه في القتال لا يكون إلا من الوثوق بالله تعالى والفراغ عن الدنيا، ولا يكون في الصلاة إلا من غاية البعد عن الله، ثم ذلك النعاس كان فيه فوائد لأن السهر يوجب الضعف والكلال والنوم يفيد عود القوّة والنشاط، ولأن المشركين كانوا في غاية الحرص على قتلهم

21 - باب {ليس لك من الأمر شىء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون} [آل عمران: 128]

فبقاؤهم في النوم مع السلامة في تلك المعركة من أدل الدلائل على حفظ الله تعالى لهم، وذلك مما يزيل الخوف من قلوبهم ويورثهم الأمن، ولأنهم لو شاهدوا قتل إخوانهم الذين أراد الله تعالى إكرامهم بالشهادة لاشتد خوفهم. 21 - باب {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128] قَالَ: حُمَيْدٌ وَثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ شُجَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ» فَنَزَلَتْ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ}. هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ليس لك من الأمر شيء}) اسم ليس قوله شيء وخبرها لك ومن الأمر حال من شيء لأنها صفة مقدمة ({أو يتوب عليهم}) عطف على ليقطع طرفًا من الذين كفروا أو يكبتهم وليس لك من الأمر شيء اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه، والمعنى أن الله تعالى مالك أمرهم فإما أن يهلكهم أو يهزمهم أو يتوب عليهم إن أسلموا ({أو يعذبهم}) إن أصروا على الكفر ليس لك من أمرهم شيء إنما أنت عبد مبعوث لإنذارهم ومجاهد ({فإنهم ظالمون}) [آل عمران: 128] مستحقون للتعذيب وسقط لفظ باب لأبي ذر. (قال حميد) الطويل: مما وصله أحمد والترمذي والنسائي ذكره المؤلّف كلاحقه في بيان سبب نزول الآية السابقة (وثابت) البناني مما وصله مسلم (عن أنس) أنه قال: (شج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أُحد) في رأسه (فقال: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم) وهو يدعوهم إلى الله تعالى (فنزلت) {ليس لك من الأمر شيء}. 4069 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الْفَجْرِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا» بَعْدَمَا يَقُولُ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}. [الحديث 4069 - أطرافه في: 4070، 4559، 7346]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن عبدان) بن زياد (السلمي) بضم السين المهملة البلخي سكن مرو قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (حدثني) بالإفراد (سالم عن أبيه) عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة) ولأبي ذر في الركعة (الآخرة من الفجر) بعد أن شج وكسرت رباعيته يوم أحد (يقول): (اللهم العن فلانًا وفلانًا وفلانًا) صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام يقول ذلك (بعدما يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) ولأبي ذر وابن عساكر لك بإسقاط الواو (فأنزل الله) عز وجل: {ليس لك من الأمر شي} له إلى قوله: {فإنهم ظالمون} سقط لأبي ذر فإنهم وزاد أحمد والترمذي فتيب عليهم كلهم. وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير والاعتصام والنسائي في الصلاة والتفسير. 4070 - وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو عَلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَزَلَتْ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}. (وعن حنظلة بن أبي سفيان) هو معطوف على قوله أخبرنا معمر الخ والراوي له عن حنظلة هو عبد الله بن المبارك أنه (قال: سمعت سالم بن عبد الله يقول: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما جرح يوم أحد (يدعو على صفوان بن أمية) بن خلف الجمحي (وسهيل بن عمرو) القرشي العامري (والحارث بن هشام) أي ابن المغيرة القرشي المخزومي (فنزلت {ليس لك من الأمر شيء} إلى قوله: ({فإنهم ظالمون}) أي فيسلموا أو يعذبهم إن ماتوا كفارًا والثلاثة المسمون أسلموا يوم الفتح وحسن إسلامهم ولعل هذا هو السر في نزول قوله تعالى {ليس لك من الأمر شيء}. وقد ذكر المؤلّف في هذا الباب سببين لنزول الآية والثاني مرسل، ويحتمل أن الآية نزلت في الأمرين جميعًا فإنهما كانا في قصة واحدة. وقد اختلف في سبب نزولها على قولين: أحدهما: نزلت في قصة أحد واختلف القائلون بذلك فقيل السبب ما وقع من شجه عليه الصلاة والسلام يوم أحد كما مرّ، وقيل إنه عليه الصلاة والسلام لما رأى ما فعلوا بحمزة من المثلة قال: "لأمثلن بسبعين منهم" فنزلت. وقيل: أراد أن يدعو عليهم بالاستئصال فنزلت لعلمه أن أكثرهم يسلمون. قال القفال: وكل هذه الأشياء حصلت يوم أُحد فنزلت الآية عند الكل فلا يمتنع حملها على الكل، وقيل إنه عليه الصلاة والسلام أراد أن يلعن المسلمين الذين خالفوا أمره والذين انهزموا فمنعه الله من ذلك بنزولها، وقيل إنه عليه الصلاة والسلام. القول الثاني: أنها نزلت في قصة القرّاء الذين بعثهم عليه الصلاة والسلام إلى بئر معونة في صفر سنة أربع من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد ليعلموا الناس القرآن فقتلهم عامر بن الطفيل وقنت عليه الصلاة والسلام شهرًا يدعو على جماعة من تلك القبائل باللعن، لكن قال في اللباب: أكثر العلماء متفقون

22 - باب ذكر أم سليط

على أنها في قصة أحد. 22 - باب ذِكْرِ أُمِّ سَلِيطٍ (باب ذكر أم سليط) بفتح السين المهملة وكسر اللام وبعد التحتية الساكنة طاء مهملة لا يعرف اسمها وعند ابن سعد أنها أم قيس بنت عبيد زياد من بني مازن وكان يقال لها أم سليط لأن اسم ابنها سليط. 4071 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَبَقِيَ مِنْهَا مِرْطٌ جَيِّدٌ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطِ هَذَا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِي عِنْدَكَ، يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عَلِيٍّ فَقَالَ عُمَرُ: أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ بِهِ وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ عُمَرُ: فَإِنَّهَا كَانَتْ تُزْفِرُ لَنَا الْقِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (وقال ثعلبة بن أبي مالك): بالمثلثة وسكون العين المهملة أبو يحيى القرظي المولود في الزمن النبوي وله رؤية وسقطت واو وقال ثعلبة في رواية باب حمل النساء القرب من كتاب الجهاد (إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قسم مروطًا) أكسية من صوف أو خز (بين نساء من نساء أهل المدينة فبقي منها مرط) بكسر الميم (جيد، فقال له بعض من عنده): لم يسم هذا القائل (يا أمير المؤمنين أعط) بهمزة قطع مفتوحة (هذا) المرط الذي بقي (بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي عندك يريدون) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يريد (أم كلثوم) بضم الكاف وسكون اللام وبالمثلثة (بنت علي) أمها فاطمة بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأولاد بناته عليه الصلاة والسلام ينسبون إليه (فقال عمر) بن الخطاب على عادته الكريمة في تقديم الأجانب على من عنده في الإعطاء (أم سليط أحق به) منها (وأم سليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال عمر) -رضي الله عنه- (فإنها كانت تزفر) بفتح الفوقية وسكون الزاي وبعد الفاء المكسورة راء أي تحمل (لنا القرب يوم أُحد) وفسر البخاري في الجهاد تزفر بتخيط وهو غير معروف في اللغة كما قاله عياض وغيره. 23 - باب قَتْلُ حَمْزَةَ (باب قتل حمزة) ولأبي ذر زيادة ابن عبد المطلب -رضي الله عنه- وللنسفي قتل حمزة سيد الشهداء، وسقط لأبي ذر لفظ باب. 4072 - حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ فَلَمَّا قَدِمْنَا حِمْصَ قَالَ لِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ: هَلْ لَكَ فِي وَحْشِيٍّ نَسْأَلُهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. وَكَانَ وَحْشِيٌّ يَسْكُنُ حِمْصَ فَسَأَلْنَا عَنْهُ فَقِيلَ لَنَا هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ قَصْرِهِ، كَأَنَّهُ حَمِيتٌ قَالَ: فَجِئْنَا حَتَّى وَقَفْنَا عَلَيْهِ بِيَسِيرٍ، فَسَلَّمْنَا فَرَدَّ السَّلاَمَ قَالَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَتِهِ. مَا يَرَى وَحْشِيٌّ إِلاَّ عَيْنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ يَا وَحْشِيُّ أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: لاَ وَاللَّهِ إِلاَّ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ الْخِيَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قِتَالٍ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ، فَوَلَدَتْ لَهُ غُلاَمًا بِمَكَّةَ فَكُنْتُ أَسْتَرْضِعُ لَهُ فَحَمَلْتُ ذَلِكَ الْغُلاَمَ مَعَ أُمِّهِ فَنَاوَلْتُهَا إِيَّاهُ فَلَكَأَنِّي نَظَرْتُ إِلَى قَدَمَيْكَ، قَالَ: فَكَشَفَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ تُخْبِرُنَا بِقَتْلِ حَمْزَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. إِنَّ حَمْزَةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ بِبَدْرٍ، فَقَالَ لِي مَوْلاَيَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّي فَأَنْتَ حُرٌّ. قَالَ فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ النَّاسُ عَامَ عَيْنَيْنِ وَعَيْنَيْنِ جَبَلٌ بِحِيَالِ أُحُدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَادٍ خَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ إِلَى الْقِتَالِ فَلَمَّا أنِ اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ خَرَجَ سِبَاعٌ، فَقَالَ هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ؟ قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: يَا سِبَاعُ يَا ابْنَ أُمِّ أَنْمَارٍ مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ أَتُحَادُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ، قَالَ: وَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فَأَضَعُهَا فِي ثُنَّتِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ وَرِكَيْهِ قَالَ: فَكَانَ ذَا؛ الْعَهْدَ بِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ رَجَعْتُ مَعَهُمْ فَأَقَمْتُ بِمَكَّةَ حَتَّى فَشَا فِيهَا الإِسْلاَمُ ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الطَّائِفِ فَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَسُولاً فَقِيلَ لِي إِنَّهُ لاَ يَهِيجُ الرُّسُلَ قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: «آنْتَ وَحْشِيٌّ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ»؟ قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنَ الأَمْرِ مَا بَلَغَكَ. قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي»؟ قَالَ: فَخَرَجْتُ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ قُلْتُ لأَخْرُجَنَّ إِلَى مُسَيْلِمَةَ لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئَ بِهِ حَمْزَةَ قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثَلْمَةِ جِدَارٍ كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ ثَائِرُ الرَّأْسِ قَالَ: فَرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فَأَضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ. قَالَ: وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ فَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: فَقَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ وَاأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَتَلَهُ الْعَبْدُ الأَسْوَدُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (أبو جعفر محمد بن عبد الله) بن المبارك المخزومي بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء البغدادي قال: (حدّثنا حجين بن المثنى) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وبعد التحتية الساكنة نون اليمامي بالميم سكن بغداد وولي قضاء خراسان قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة) الماجشون (عن عبد الله بن الفضل) بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المدني من صغار التابعين (عن سليمان بن يسار) بفتح بالتحتية والسين المهملة المخففة أخي عطاء التابعي (عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم -رضي الله عنه- أنه (قال: خرجت مع عبيد الله) بضم العين (ابن عدي بن الخيار) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف التحتية ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي (فلما قدمنا حمص) بكسر الحاء وسكون الميم المدينة المشهورة (قال لي عبيد الله بن عدي): ثبت ابن عدي لأبي ذر (هل لك في وحشي)؟ بفتح الواو وسكون الحاء المهملة وكسر الشين المعجمة وتشديد التحتية ابن حرب الحبشي مولى جبير بن مطعم (نسأله عن قتل حمزة)؟ بحذف الضمير ولأبي ذر عن الكشميهني عن قتله حمزة في وقعة أحد (قلت) له: (نعم، وكان وحشي يسكن حمص فسألنا عنه فقيل لنا هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت) بحاء مهملة مفتوحة فميم مكسورة فتحتية ساكنة ففوقية على وزن رغيف زق كبير للسمن يشبه به الرجل السمين، وفي رواية لابن عائد فوجدناه رجلاً سمينًا محمرة عيناه (قال) جعفر: (فجئنا حتى وقفنا عليه بيسير) وفي نسخة يسيرًا (فسلمنا) عليه (فرد) علينا (السلام قال: وعبيد الله) بن عدي (معتجر) بضم الميم وسكون العين المهملة وفتح الفوقية وبعد الجيم المكسورة راء (بعمامته) لفها على رأسه من غير أن يديرها تحت حنكه (ما يرى وحشي) منه (إلا عينيه ورجليه) بالتثنية فيهما (فقال) له (عبيد الله: يا وحشي أتعرفني؟ قال) جعفر: (فنظر إليه) وحشي (ثم قال: لا والله إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها أم قتال) بكسر القاف وفتح الفوقية المخففة وبعد الألف لام قاله الإمام ابن ماكولا قال في الفتح وللكشميهني أم قبال بالموحدة بدل الفوقية والأول أصح قاله

الكرماني وتبعه البرماوي وفي بعضها قتال بضم القاف (بنت أبي العيص) بكسر العين المهملة وسكون التحتية بعدها صاد مهملة ونسبها لجدها واسم أبيها أسيد أخت عتاب بن أسيد كذا في أسد الغابة، وقال في الفتح: إنها عمة عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية فلينظر (فولدت) أم قتال (له) لعدي (غلامًا بمكة) وسقط لفظ له لأبي ذر (فكنت أسترضع) أي أطلب (له) من يرضعه (فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه) وزاد ابن إسحاق: والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى فإني ناولتكها وهي على بعيرها فأخذتك فلمعت لي قدمك حين رفعتك فما هو إلا أن وقفت علي فعرفتهما (فلكأني نظرت إلى قدميك) يعني أنه شبه قدميه بقدمي الغلام الذي حمله فكان هو هو وكان بين الرؤيتين نحو من خمسين سنة (قال) جعفر: (فكشف عبيد الله عن وجهه ثم قال) له: (ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال): وحشي (نعم إن حمزة قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر) في وقعتها وطعيمة بضم الطاء وفتح العين مصغرًا قال الدمياطي: وتبعه في التنقيح إنما هو طعيمة بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وأما عدي بن الخيار فهو ابن أخي طعيمة لأنه عدي بن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف (فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي) أي طعيمة بن عدي وفيه تجوز لأنه طعيمة بن عدي كما مر (فأنت حر. قال: فلما أن خرج الناس) يعني قريشًا (عام عينين) تثنية عين أي عام وقعة أحد (وعينين جبل بحيال) جبل (أُحد) بكسر الحاء المهملة بعدها تحتية أي من ناحيته (بينه وبينه واد) وهذا تفسير من بعض الرواة (خرجت مع الناس) قريش (إلى القتال، فلما أن اصطفوا للقتال) وثبت لفظ أن قبل اصطفوا لأبى ذر وجواب لما قوله (خرج سباع) بكسر السين المهملة وتخفيف الموحدة ابن عبد العزى الخزاعي (فقال: هل من مبارز؟ قال: فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال) له: (يا سباع يا ابن أم أنمار) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الميم وبعد الألف راء هي أمه وكانت مولاة لشريق بن عمرو الثقفي والد الأخنس (مقطعة البظور) بضم الموحدة والظاء المعجمة جمع بظر وهو اللحمة التي تقطع من فرج المرأة الكائنة بين اسكتيها عند ختانها، وكانت أمه ختانة تختن النساء بمكة فعيّره بذلك ومقطعة بكسر الطاء المهملة وفتحها خطأ (أتحادّ الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الهمزة وضم الفوقية وفتح الحاء المهملة وبعد الألف دال مهملة مشددة أي أتعاندهما وتعاديهما. وفي القاموس وحاده غاضبه وعاداه وخالفه وسقطت التصلية لأبي ذر. (قال) وحشي: (ثم شدّ) حمزة (عليه) أي على سباع فقتله (فكان كأمس الذاهب) في العدم (قال) وحشي: (وكمنت) بفتح الميم اختبأت (لحمزة) أي لأجل أن أقتله (تحت صخرة) وفي مرسل عمير بن إسحاق أنه انكشف الدرع عن بطنه (فلما دنا) أي قرب (مني رميته بحربتي فأضعها في ثنته) بضم المثلثة وتشديد النون بعدها فوقية في عانته. وقال في القاموس: أو مريطاء ما بينها وبين السرة، وقال في مرط المريطاء كالغبيراء: ما بين السرة أو الصدر إلى العانة (حتى خرجت من بين وركيه) بالتثنية (قال) وحشي: (فكان ذاك) الرمي بالحربة (العهد به) كناية عن موت حمزة (فلما رجع الناس) قريش من أحد (رجعت معهم فأقمت بمكة حتى فشا) أي إلى أن ظهر (فيها الإسلام ثم خرجت) منها (إلى الطائف) هاربًا لما افتتح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة (فأرسلوا) أي أهل الطائف (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عام ثمان (رسولاً) بالإفراد ولأبي ذر رسلاً بالجمع (فقيل) بالفاء ولأبوي ذر والوقت وقيل (لي: إنه لا يهيج الرسل) بفتح حرف المضارعة لا ينالهم منه مكروه، وعند ابن إسحاق فلما خرج وفد أهل الطائف إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليسلموا ضاقت عليّ الأرض وقلت ألحق بالشام أو باليمن أو ببعض البلاد فإني لفي ذلك إذ قال رجل: ويحك إنه والله ما يقتل أحدًا من الناس دخل في دينه (قال

24 - باب ما أصاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من الجراح يوم أحد

فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما رآني قال) لي: (آنت وحشي) بمد الهمزة (قلت نعم قال: أنت قتلت حمزة) مرتين (قلت: قد كان من الأمر) في شأن قتله (ما قد بلغك) كذا في الفرع بإثبات قد وفي أصله وغيره بحذفها (قال) عليه الصلاة والسلام: (فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني) بضم الفوقية وفتح المعجمة وتشديد التحتية المكسورة (قال: فخرجت) من عنده (فلما قبض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخرج مسيلمة الكذاب) بكسر اللام صاحب اليمامة على أثر وفاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وادعى النبوّة وجمع جموعًا كثيرة لقتال الصحابة، وجهز له أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- جيشًا وأمّر عليهم خالد بن الوليد (قلت: لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ فيه حمزة) بالهمزة أي أواسيه به وهو تأكيد وخوف، وإلا فلا ريب أن الإسلام يجب ما قبله (قال) وحشي: (فخرجت مع الناس) الذين جهزهم أبو بكر لقتال مسيلمة (فكان من أمره) أي مسيلمة (ما كان) من المقاتلة وقتل جمع من الصحابة ثم كان الفتح للمسلمين (قال: فإذا رجل) أي مسيلمة (قائم في ثلمة جدار) بفتح المثلثة مصحح عليه في اليونينية وفرعها وسكون اللام أي خلل جدار (كأنه جمل أورق) أسمر لونه كالرماد (ثائر الرأس) منتشر شعره (قال: فرميته بحربتي) التي قتلت بها حمزة (فأضعها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فوضعتها (بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه قال: ووثب إليه رجل من الأنصار) جزم الحاكم والواقدي لإسحاق بن راهويه أنه عبد الله بن زيد بن عاصم المازني وجزم سيف في كتاب الردة أنه عدي بن سهل وقيل أبو دجانة والأول أشهر (فضربه بالسيف على هامته) أي رأسه (قال) عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة بالإسناد السابق (قال عبد الله بن الفضل: فأخبرني) بالإفراد (سليمان بن يسار أنه سمع عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- (يقول: فقالت جارية) لما قتل مسيلمة (على ظهر بيت) تندبه (واأمير المؤمنين قتله العبد الأسود) وحشي وذكرته بلفظ الإمرة وإن كان يدّعي الرسالة لما رأته من أمور أصحابه الذين آمنوا به كلها كانت إليه، وأطلقت على أصحابه المؤمنين باعتبار إيمانهم به ولم تقصد إلى تلقيبه بذلك والله أعلم. 24 - باب مَا أَصَابَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْجِرَاحِ يَوْمَ أُحُدٍ (باب) ذكر (ما أصاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الجراح يوم أُحد) سقط لفظ باب لأبي ذر. 4073 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِنَبِيِّهِ - يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ - اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَبِيلِ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر وابن عساكر حدثني (إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي المروزي نزيل بخارى قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام) بتشديد الميم ابن منبه أنه (سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبوي ذر والوقت: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اشتد غضب الله على قوم فعلوا بنبيه يشير إلى) كسر (رباعيته) أي اليمنى السفلى والرباعية بفتح الراء وتخفيف الموحدة السن التي تلي الثنية من كل جانب وللإنسان أربع رباعيات، وكان الذي كسر رباعيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عتبة بن أبي وقاص وجرح شفته السفلى (اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (في سبيل الله) كما قتل في غزوة أُحد أبي بن خلف الجمحي وخرج بقوله في سبيل الله من قتله في حدّ أو قصاص. 4074 - حَدَّثَنِي مَخْلَدُ بْنُ مَالِكٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَبِيلِ اللَّهِ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 4074 - أطرافه في: 4076]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (مخلد بن مالك) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة أبو جعفر النيسابوري الرازي الأصل من إفراده قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد الأموي) بضم الهمزة وفتح الميم قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال): (اشتد) كذا في اليونينية وغيرها من الأصول المعتمدة عن ابن عباس قال: اشتد وفي الفرع عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشتد (غضب الله على من قتله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بيده (في سبيل الله، اشتد غضب الله على قوم دموا) بفتح الدال المهملة

باب

والميم المشددة أي جرحوا (وجه نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حتى خرج منه الدم، وكان الذي جرح وجهه الشريف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابن قميئة فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته فانتزعهما أبو عبيدة عامر بن الجراح وعض عليهما حتى سقطت ثنيتاه من شدة غوصهما، وامتص مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري الدم من وجنته ثم ازدرده، فقال عليه الصلاة والسلام: "من مس دمي دمه لم تصبه النار". وحديث الباب من مراسيل الصحابة لأن أبا هريرة وابن عباس لم يشهدا وقعة أُحد، ويحتمل أن يكونا تحملاه ممن حضرها أو سمعاه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعده. باب هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة فهو كالمفصل من سابقه وسقط لأبي ذر. 4075 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ وَهْوَ يُسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ، وَبِمَا دُووِيَ. قَالَ: كَانَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَغْسِلُهُ وَعَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَسْكُبُ الْمَاءَ بِالْمِجَنِّ فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ لاَ يَزِيدُ الدَّمَ إِلاَّ كَثْرَةً أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَئِذٍ وَجُرِحَ وَجْهُهُ وَكُسِرَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ. وبه قال (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي واسمه يحيى وقتيبة لقب غلب عليه قال: (حدّثنا يعقوب) بن عبد الرحمن الإسكندراني (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (أنه سمع سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين فيهما الساعدي -رضي الله عنهما- (وهو يسأل) بضم أوله مبنيًّا للمفعول وفي الفرع بالفتح ولعله سبق قلم (عن جرح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الذي جرحه في وقعة أُحد (فقال: أما) بتخفيف الميم حرف استفتاح وتكثر قبل القسم كقوله: أما والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيى والذي أمره وقوله هنا (والله إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن كان يسكب الماء وبما دووي) بضم الدال المهملة وسكون الواو الأولى وكسر الثانية بعدها تحتية مبنيًّا للمفعول (قال: كانت فاطمة عليها السلام بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تغسله، وعلي بن أبي طالب) ثبت أن ابن أبي طالب لابن عساكر (يسكب الماء بالمجن) بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون بالترس على الجرح (فلما رأت فاطمة) -رضي الله عنها- (أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخدت قطعة من حصير فأحرقتها) حتى صارت رمادًا (وألصقتها) بالواو بالجرح ولأبوي ذر والوقت فألصقتها (فاستمسك الدم وكسرت رباعيته) اليمنى السفلى (يومئذٍ) كسرها عتبة بن أبي وقاص أخو سعد ومن ثم لم يولد من نسله ولد فيبلغ الحنث إلا وهو أبخر أو أهتم أي مكسور الثنايا يعرف ذلك في عقبه (وجرح وجهه) جرحه عبد الله بن قميئة أقمأه الله (وكسرت البيضة) أي الخوذة (على رأسه) وسلط الله على ابن قميئة تيس جبل فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة. 4076 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ واشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ دَمَّى وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عمرو بن علي) أبو حفص الباهلي الصيرفي الفلاس البصري قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال): (اشتد غضب الله على من قتله نبي) بييده في غير قصاص أو حدّ (واشتد غضب الله على من دمّى) بتشديد الميم (وجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كذا أورده هنا عن ابن عباس لم يذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورفعه في السابق. 25 - باب {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({الذين استجابوا لله والرسول}) [آل عمران: 172]. 4077 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها--: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172] قَالَتْ لِعُرْوَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ أَبُوكَ مِنْهُمُ الزُّبَيْرُ وَأَبُو بَكْرٍ لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا. قَالَ: «مَنْ يَذْهَبُ فِي أثْرِهِمْ» فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً قَالَ: كَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (محمد) هو ابن سلام قال: (حدّثنا أبو معاوية) محمد بن خازم السعدي (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) في سبب قوله تعالى: ({الذين استجابوا لله والرسول}) مبتدأ خبره للذين أحسنوا أو صفة للمؤمنين أو نصب على المدح ({من بعد ما أصابهم القرح}) الجرح ({للذين أحسنوا منهم واتقوا}) من للتبيين كهي في قوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة} [الفتح: 172] لأن الذين استجابوا لله والرسول قد أحسنوا كلهم واتقوا بعضهم ({أجر عظيم}) [آل عمران: 172] في الآخرة. (وقالت) أي عائشة -رضي الله عنها- (لعروة: يا ابن أختي) هي أسماء بنت أبي بكر (كان أبوك منهم الزبير و) أبي (أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- ولابن عساكر أبواك بالتثنية وعلى هذا ففيه إطلاق الأب على الجد (لما أصاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نصب على المفعولية ولأبي ذر نبي الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما أصاب يوم أُحد

26 - باب من قتل من المسلمين يوم أحد منهم حمزة بن عبد المطلب واليمان وأنس بن النضر ومصعب بن عمير

وانصرف) بالواو ولأبي ذر فانصرف (المشركون) ولأبي ذر عن الكشميهني: عنه المشركون (خاف أن يرجعوا) إليهم لما بلغه أن أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا من أحد فبلغوا الروحاء ندموا وهموا بالرجوع (قال): ولأبوي ذر والوقت فقال: (من يذهب في أثرهم)؟ بكسر الهمزة وسكون المثلثة، وعند ابن إسحاق أنه إنما خرج مرهبًا للعدو وليظنوا أن الذي أصابهم لم يوهنهم عن طلب عدوهم (فانتدب) فأجاب (منهم سبعون رجلاً) ممن حضر وقعة أُحُد (قال: كان فيهم أبو بكر والزبير) وسمى منهم ابن عباس عند الطبراني: أبا بكر، وعمر وعثمان، وعليًا، وعمار بن ياسر، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وأبا حذيفة، وابن مسعود -رضي الله عنهم-، وعند ابن إسحاق وغيره أنهم لما بلغوا حمراء الأسد وهي من المدينة على ثلاثة أميال فألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا فنزلت هذه الآية. 26 - باب مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْهُمْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالْيَمَانُ وَأَنَسُ بْنُ النَّضْرِ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ (باب من قتل من المسلمين يوم) وقعة (أُحد منهم حمزة بن عبد المطلب) أسد الله وأسد رسوله قتله وحشي بن حرب. وفي طبقات ابن سعد عن عمير بن إسحاق قال: كان حمزة بن عبد المطلب يقاتل بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أُحد بسيفين ويقول: أنا أسد الله وجعل يقبل ويدبر فبينما هو كذلك إذ عثر عثرة فوقع على ظهره وبصر به الأسود فزرقه بحربة فقتله وفيها أيضًا: أن هندًا لما لاكت كبده ولم تستطع أكلها قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أأكلت منها شيئًا" قالوا: لا. قال: "ما كان الله ليدخل شيئًا من حمزة النار". وسبق ذكره في باب مفرد وسقط ابن عبد المطلب لأبي ذر. (و) منهم (اليمان) أبو حذيفة قتله المسلمون خطأ كما مرّ في آخر باب إذ همت طائفتان (و) منهم (أنس بن النضر) بضاد معجمة ابن ضمضم بن زيد بن حرام وهو عم أنس بن مالك كما ذكره أبو نعيم وابن عبد البر وغيرهما، ولأبي ذر: النضر بن أنس وهو خطأ، والصواب الأوّل كما ذكره الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله وابن عبد البر وأبو إسحاق الصريفيني (و) منهم (مصعب بن عمير) بضم الميم وفتح العين وعمير مصغر ابن هاشم بن عبد مناف وكان حامل اللواء. 4078 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مَا نَعْلَمُ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَكْثَرَ شَهِيدًا أَعَزَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ قَالَ: وَكَانَ بِئْرُ مَعُونَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَوْمُ الْيَمَامَةِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ. وبه (وقال: حدثني) بالإفراد (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن بحر بن كنيز بالنون والزاي الصيرفي الفلاس قال: (حدّثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (قال: حدثني) بالإفراد (أبي) هشام (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: ما نعلم حيًّا من أحياء العرب أكثر شهيدًا أعز) بعين مهملة فزاي من العزة ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني أغر بغين معجمة فراء وانتصابهما صفة أو عطف بحذف حرف العطف كالتحيات المباركات (يوم القيامة من الأنصار). (قال قتادة): بالإسناد السابق مستدلاً على صحة قوله الأوّل (وحدّثنا أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أنه قتل منهم) من الأنصار (يوم أُحد سبعون) وكذا قال: إن السبعين من الأنصار خاصة ابن سعد في طبقاته لكنهم في تراجمهم زادوا على ذلك، وقد سرد الحافظ أبو الفتح أسماء المستشهدين من المهاجرين والأنصار ستة وتسعين منهم من المهاجرين ومن ذكره معهم أحد عشر، ومن الأنصار خمسة وثمانين من الأوس ثمانية وثلاثين ومن الخزرج سبعة وأربعين. منهم عند ابن إسحاق من المهاجرين أربعة ومن الأنصار أحدًا وستين من الأوس أربعة وعشرين ومن الخزرج سبعة وثلاثين والباقين عن موسى بن عقبة أو عن ابن سعد أو عن ابن هشام والزيادة ناشئة عن الاختلاف في بعضهم. (و) قتل منهم (يوم بئر معونة سبعون) كان يقال لهم القراء (ويوم اليمامة) مدينة من اليمن على مرحلتين من الطائف (سبعون. قال): قتادة كما في مستخرج أبي نعيم (وكان بئر معونة على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حيث بعثهم لحاجة فعرض لهم حيان من بني سليم رعل وذكوان فقتلوهم فدعا عليهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهرًا في صلاة الغداة وذلك في بدء القنوت (ويوم اليمامة على عهد أبي بكر) الصديق في خلافته (يوم) قتال (مسيلمة) بكسر اللام (الكذاب) الذي ادّعى

النبوّة. 4079 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ»؟ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدٍ قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا الليث) بن سعد إمام المصريين (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يجمع بين الرجلين من قتلى) وقعة (أُحد في ثوب واحد ثم يقول: أيهم) أي القتلى (أكثر أخذًا للقرآن) بسكون الخاء المعجمة (فإذا أشير له) عليه الصلاة والسلام (إلى أحد) من القتلى بالأكثرية (قدمه في اللحد) مما يلي القبلة (وقال) عليه الصلاة والسلام: (أنا شهيد على هؤلاء) أراقب أحوالهم وشفيع لهم (يوم القيامة وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا) فيحرم غسل الشهيد ولو جنبًا والصلاة عليه، والحكمة فيهما كدفنهم بدمائهم إبقاء أثر الشهادة عليهم وأما حديث صلاته عليه الصلاة والسلام على قتلى أحد صلاته على الميت فالمراد دعا لهم كدعائه للميت جمعًا بين الأدلة. وسبق هذا الحديث في باب من يقدم في اللحد من الجنائز. 4080 - وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: عَنْ شُعْبَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَبْكِي وَأَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ فَجَعَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَوْنِي وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَنْهَ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَبْكِيهِ -أَوْ مَا تَبْكِيهِ- مَا زَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا» حَتَّى رُفِعَ. (وقال أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ المؤلّف فيما وصله الإسماعيلي (عن شعبة) بن الحجاج (عن ابن المنكدر) محمد القرشي التيمي أنه (قال: سمعت جابرًا) ولأبي الوقت جابر بن عبد الله (قال: لما قتل أبي) عبد الله يوم أُحد (جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه، فجعل أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينهوني) عن البكاء، ولأبي ذر: ينهونني (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينه) عنه (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تبكيه) ولأبي ذر وابن عساكر لا تبكه بإسقاط التحتية (أو ما تبكيه) وعند مسلم وجعلت فاطمة بنت عمرو عمتي تبكيه فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تبكيه" كذا قرره في فتح الباري. قال: وكذا تقدم عند المصنف في الجنائز، وتعقبه العيني بأن الذي في الجنائز ليس كذلك بل لفظه: فذهبت أريد أن أكشف عنه فنهاني قومي، ثم ذهبت أكشف عنه فنهاني قومي فأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرفع فسمع صوت صائحة فقال: "من هذه" فقالوا: ابنة عمرو أو أخت عمرو قال: "فلم تبكي أو لا تبكي" وكيف ترك صريح النهي لجابر، ويقال: النهي هنا لفاطمة بنت عمرو وليس لها ذكر، وهذا تصرف عجيب وإن كان أصل الحديث واحدًا فلا يمنع أن يكون النهي هنا لجابر وهناك لفاطمة بنت عمرو انتهى. (ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها) متزاحمين على المبادرة ليصعدوا بروحه وتبشره بما أعد الله له من الكرامة وأو ليست للشك بل للتسوية بين البكاء وعدمه أي أن الملائكة تظله سواء تبكيه أم لا (حتى رفع) من محله. وسبق هذا الحديث في باب الدخول على الميت بعد الموت من الجنائز. 4081 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- أُرَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ بِهِ اللَّهُ مِنَ الْفَتْحِ، وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللَّهُ خَيْرٌ فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر حدثني بالإفراد (محمد بن العلاء) بفتح العين ممدودًا أبو كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء (ابن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء (عن جده أبي بردة) عامر (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) قال البخاري أو شيخه محمد بن العلاء: (أرى) بضم الهمزة وفتح الراء أظن أنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) شك هل تحمله مرفوعًا أم لا أنه (قال): (رأيت في رؤياي) ولأبي ذر عن الكشميهني أريت بهمزة مضمومة وكسر الراء (أني هززت سيفًا) بفتح الهاء والزاي الأولى وسكون الثانية وهو ذو الفقار، ولأبي ذر عن الكشميهني سيفي (فانقطع صدره) وعند ابن إسحاق ورأيت في ذباب سيفي ثلمًا (فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أُحد) قال المهلب: لما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصول بأصحابه عبر عن السيف بهم وبهزه عن أمره لهم الحرب وعن القطع فيه بالقتل فيهم وفي رواية عروة كان الذي رأى بسيفه ما أصاب وجهه عند ابن هشام، وأما الثلم في السيف فهو رجل من أهل بيتي يقتل (ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء به الله) ولأبي ذر ما جاء الله به (من الفتح واجتماع المؤمنين ورأيت فيها)

27 - باب أحد يحبنا ونحبه قاله عباس بن سهل: عن أبي حميد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

أي في رؤياي (بقرًا) بالموحدة والقاف المفتوحتين زاد أبو يعلى وأبو الأسود في مغازيه تذبح (والله خير) رفع مبتدأ وخبر وفيه حذف تقديره وصنع الله خير (فإذا هم) أي البقر (المؤمنون) الذين قتلوا (يوم أحد). وفي حديث جابر عند أحمد والنسائي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "رأيت كأني في درع حصينة ورأيت بقرًا تنحر فأوّلت الدرع الحصينة المدينة وأن البقر بقر والله خير"، وقوله بقر الأخير بسكون القاف مصدر بقرة يبقره بقرًا أي شق بطنه، وهذا أحد وجوه التعبير وهو أن يشتق من الأمر معنى يناسب. وبهذا الحديث سبب بينه في حديث ابن عباس المروي عند أحمد أيضًا والنسائي في قصة أُحد، وإشارة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا يبرحوا من المدينة وإيثارهم الخروج لطلب الشهادة ولبسه اللأمة وندامتهم على ذلك، وقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل" وفيها "إني رأيت أني في درع حصينة" الحديث. 4082 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ خَبَّابٍ -رضي الله عنه- قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَنَحْنُ نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ مَضَى أَوْ ذَهَبَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ يَتْرُكْ إِلاَّ نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْليْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ الإِذْخِرَ -أَوْ قَالَ- أَلْقُوا عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ» وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدِبُهَا. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان الكوفي (عن شقيق) هو ابن اسلمة (عن خباب) بالخاء المعجمة والموحدة المشدّدة المفتوحتين وبعد الألف موحدة أيضًا ابن الأرت بالفوقية المشددة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: هاجرنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي إلى المدينة (ونحن نبتغي) أي نطلب (وجه الله) لا الدنيا (فوجب أجرنا على الله) فضلاً (فمنا من مضى) أي مات (أو ذهب) شك الراوي (لم يأكل من أجره) من الغنائم (شيئًا كان منهم مصعب بن عمير) بضم العين مصغرًا (قتل يوم أُحد ولم) بالواو والذي في اليونينية فلم (يترك إلا نمرة) أي شملة مخططة من صوف (كنا إذا غطينا) بفتح الغين (بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطي) بضم الغين وكسر الطاء (بها رجليه) ولأبي ذر رجلاه بالألف بدل الياء وهو أوجه (خرج رأسه فقال لنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه الإذخر) بالذال المعجمة ولأبي ذر من الإذخر (أو قال) عليه الصلاة والسلام: (ألقوا) بفتح الهمزة وضم القاف بدل اجعلوا (على رجليه من الإذخر ومنا من أينعت) أي أدركت ونضجت (لله ثمرته فهو يهدبها) بكسر الدال المهملة وتضم أي يجتنيها. وسبق هذا الحديث أول الغزوة. 27 - باب أُحُدٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ قَالَهُ عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ: عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا (باب) بالتنوين (أُحد) الجبل الذي كان به الوقعة (يحبنا ونحبه) (قاله عباس بن سهل) الساعدي الأنصاري مما وصله المؤلّف في باب خرص التمر من كتاب الزكاة (عن أبي حميد) عبد الرحمن (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وأُحد كما قال ياقوت في معجم البلدان له بضم أوله وثانيه معًا وهو اسم مرتجل لهذا الجبل، وقال السهيلي: سمي به لتوحده وانقطاعه عن جبال أخرى هناك قال أيضًا: وهو مشتق من الأحدية وحركات حروفه الرفع وذلك يشعر بارتفاع دين الأحد وعلوّه. وقال ياقوت: هو جبل أسمر ليس بذي شناخيب بينه وبين المدين قرابة ميل في شماليها ولما ورد محمد بن عبد الملك الفقعسي بغداد حنّ إلى وطنه وذكر أُحدًا وغيره من نواحي المدينة قال: نفى النوم عني والفؤاد كئيب ... نوائب همّ ما تزال تنوبُ وأحراض أمراض ببغداد جمعت ... عليّ وأنهار لهن قشيبُ وظلت دموع العين تمري غروبها ... من الماء درّات لهن شعوبُ وما جزعة من خشية الموت أخضلت ... دموعي ولكن الغريب غريبُ ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بسلع ولم تغلق علي دروبُ وهل أحد باد لنا وكأنه ... حصان أمام المقربات جنيبُ يخب السراب الضحل بيني وبينه ... فيبدو لعيني تارة ويغيبُ فإنّ شفائي نظرة إن نظرتها ... إلى أُحد والحرَّتان قريبُ

وإني لأرعى النجم حتى كأنني ... على كل نجم في السماء رقيبُ وأشتاق للبرق اليمانيّ إن بدا ... وأزداد شوقًا أن تهب جنوبُ 4083 - حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (نصر بن علي) الجهضمي البصري (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) علي بن نصر (عن قرة بن خالد) بضم القاف وتشديد الراء (عن قتالة) بن دعامة أنه قال: (سمعت أنسًا -رضي الله عنه-) يقول (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية حميد المعلقة السابقة هنا الموصولة في الزكاة لما رجع من تبوك ورأى أُحُدًا (قال): (هذا جبل يحبنا ونحبه) حقيقة وضع الله تعالى فيه الحب كما وضع التسبيح في الجبال المسبحة مع داود عليه الصلاة والسلام وكما وضع الخشية في الحجارة التي قال فيها: {وإن منها لما يهبط من خشية الله} [البقرة: 74]. ولا ينكر وصف الجمادات بحب الأنبياء والأولياء كما حنت الأسطوانة على مفارقته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى سمع الناس حنينها، أو المراد الأنصار سكان المدينة فيكون من باب حذف المضاف كقوله تعالى: {واسأل القرية} [يوسف: 82]. قيل: أراد أنه كان يبشره إذ رآه عند القدوم من أسفاره بالقرب من أهله ولقائهم وذلك فعل المحب. وهذا الحديث أخرجه مسلم في المناسك. 4084 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن أبي عمرو بفتح العين أيضًا (مولى المطلب) بن حنطب (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طلع على أُحُد) بفتح الطاء واللام مخففًا. وفي باب فضل الخدمة في الغزو من كتاب الجهاد من طريق عبد العزيز بن عبد الله الأويسي عن محمد بن جعفر عن عمر أن أنسًا قال: خرجت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خيبر أخدمه فلما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- راجعًا بدا له أُحُد (فقال): (هذا) مشيرًا إلى أُحُد (جبل يحبنا ونحبه) إذ جزاء من يحب أن يحب. قال في الروض وفي الآثار المسندة: إن أُحُدًا يكون يوم القيامة عند باب الجنة من داخلها. وفي المسند عن أبي عثمان بن جبير عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أُحُد يحبنا ونحبه وهو على باب الجنة وعير يبغضنا ونبغضه وهو على باب من أبواب النار" ويقويه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "المرء مع من أحب" فيناسب هذه الآثار ويشدّ بعضها بعضًا، وقد كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب الاسم الحسن ولا أحسن من اسم مشتق من الأحدية، وقد سمى الله تعالى هذا الجبل بهذا الاسم مقدمة لما أراده الله تعالى من مشاكلة اسمه لمعناه إذ أهله وهم الأنصار نصروا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والتوحيد والمبعوث بدين التوحيد استقر عنده حيًّا وميتًا، وكان من عادته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يستعمل الوتر ويحبه في شأنه كله استشعارًا للأحدية فقد وافق اسم هذا الجبل أغراضه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومقاصده في الأسماء فتعلق الحب من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- به اسمًا ومسمى، فخص من بين الجبال بأن يكون معه في الجنة {إذا بُسَّتِ الجبال بسًّا * فكانت هباء مبنثًّا} [الواقعة: 5، 6] قال: وفي أُحُد قبر هارون أخي موسى عليهما الصلاة والسلام وكانا قد مرّا بأُحُد حاجين أو معتمرين. روي هذا المعنى في حديث أسنده الزبير عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كتاب فضائل المدينة انتهى. (اللهم إن إبراهيم) الخليل عليه الصلاة والسلام (حرم مكة) بتحريمك لها على لسانه (وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها) بتخفيف الموحدة تثنية لابة وهي الحرة والمدينة بين حرتين وفي الجهاد كتحريم إبراهيم مكة ومراده في الحرمة فقط لا في وجوب الجزاء. 4085 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ -أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ- وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عمرو بن خالد) بفتح العين ابن فروخ الحراني قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد المصري (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني (عن عقبة) بن عامر الجهني - رضي الله تعالى عنه - (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج يومًا فصلى على) قتلى (أهل أُحُد) زاد في أول غزوة أحُد بعد ثمان سنين وسبق فيه ما فيه من البحث (صلاته على الميت) أي دعا لهم كدعائه

28 - باب غزوة الرجيع، ورعل، وذكوان، وبئر معونة، وحديث عضل، والقارة، وعاصم بن ثابت وخبيب وأصحابه

للميت إذا صلّى عليه جميعًا بين الأدلة (ثم انصرف إلى المنبر فقال): (إني فرط لكم) بفتح الفاء والراء أي سابقكم إلى الحوض أهيئه لكم وهذا كناية عن اقتراب أجله صلوات الله عليه (وأنا شهيد عليكم) بأعمالكم (وإني لأنظر إلى حوضي الآن) نظرًا حقيقيًا بطريق الكشف (وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض) بالشك من الراوي (وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا) بالله (بعدي) أي لست أخشى على جميعكم الإشراك بل على مجموعكم إذ قد وقع ذلك من بعضهم (ولكني) بالياء التحتية بعد النون المشددة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولكن (أخاف عليكم أن تنافسوا) بإسقاط إحدى التاءين أي ترغبوا (فيها) أي في الدنيا. وهذا الحديث قد سبق في أول غزوة أُحُد. 28 - باب غَزْوَةُ الرَّجِيعِ، وَرِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَبِئْرِ مَعُونَةَ، وَحَدِيثِ عَضَلٍ، وَالْقَارَةِ، وَعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ وَخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ أَنَّهَا بَعْدَ أُحُدٍ. (باب غزوة الرجيع) بفتح الراء وكسر الجيم وبعد التحتية عين مهملة اسم موضع من بلاد هذيل كانت الوقعة بالقرب منه في صفر من سنة أربع، وسقط باب لأبي ذر وابن عساكر (و) غزوة (رعل) بكسر الراء وسكون العين المهملة بعدها لام بطن من بني سليم ينسبون إلى رعل بن عوف بن مالك بن امرئ القيس بن ثعلبة بن بهثة بن سليم. (وذكوان) بالذال المعجمة من بني سليم أيضًا ينسبون إلى ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم فنسبت الغزوة إليهما. (وبئر معونة) موضع من بلاد هذيل مكة وعسفان وتعرف الوقعة بسرية القراء السبعين وكانت مع بني رعل وذكوان المذكورين كما سيأتي في حديث أنس إن شاء الله تعالى. (وحديث عضل) بفتح العين المهملة والضاد المعجمة بعدها لام بطن من بني الهون ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ينسبون إلى عضل بن الديش (و) حديث (القارة) بالقاف وتخفيف الراء بطن من الهون ينسبون إلى الديش المذكور أو القارة أكمة سوداء كأنهم نزلوا عندها فسموا بها (و) حديث (عاصم بن ثابت) أي ابن أبي الأقلح بالقاف والحاء المهملة بينهما لام مفتوحة الأنصاري وهي غزوة الرجيع (و) حديث (خبيب) بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الأولى مصغرًا (وأصحابه) وكانوا عشرة أنفس وهي مع عضل والقارة، وقول الدمياطي: إن الوجه تقديم عضل وما بعدها على الرجيع وتأخير رعل وذكوان مع بئر معونة تعقبه في المصابيح بأنه ليس في البخاري ما يقتضي الترتيب بين الغزوات حتى يكون ذكره لها على هذا النمط ليس الوجه. (قال ابن إسحاق): محمد صاحب المغازي (حدّثنا عاصم بن عمر) بن قتادة الظفري الأنصاري العلامة في المغازي (أنها) أي غزوة الرجيع كانت (بعد) غزوة (أُحُد). 4086 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ وَهْوَ جَدُّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لَحِيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لَحْيَانَ فَتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَامٍ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ، حَتَّى أَتَوْا مَنْزِلاً نَزَلُوهُ فَوَجَدُوا فِيهِ نَوَى تَمْرٍ تَزَوَّدُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ فَتَبِعُوا آثَارَهُمْ حَتَّى لَحِقُوهُمْ فَلَمَّا انْتَهَى عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ، وَجَاءَ الْقَوْمُ فَأَحَاطُوا بِهِمْ، فَقَالُوا: لَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ، إِنْ نَزَلْتُمْ إِلَيْنَا أَنْ لاَ نَقْتُلَ مِنْكُمْ رَجُلاً، فَقَالَ عَاصِمٌ: أَمَّا أَنَا فَلاَ أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى قَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ بِالنَّبْلِ، وَبَقِيَ خُبَيْبٌ وَزَيْدٌ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَأَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، فَلَمَّا أَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، نَزَلُوا إِلَيْهِمْ فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِي مَعَهُمَا: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَتَلُوهُ وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَزَيْدٍ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ فَاشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى إِذَا أَجْمَعُوا قَتْلَهُ اسْتَعَارَ مُوسَى مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ أَسْتَحِدَّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ قَالَتْ: فَغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي فَدَرَجَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ فَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَ ذَاكَ مِنِّي وَفِي يَدِهِ الْمُوسَى، فَقَالَ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَاكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعالَى، وَكَانَتْ تَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ وَمَا كَانَ إِلاَّ رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ، فَخَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ تَرَوْا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنَ الْمَوْتِ لَزِدْتُ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ هُوَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا ثُمَّ قَالَ: مَا أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إِلَى عَاصِمٍ لِيُؤْتَوْا بِشَىْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ وَكَانَ عَاصِمٌ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَىْءٍ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عمرو بن أبي سفيان) بفتح العين وسكون الميم (الثقفي) بالمثلثة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال): (بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سرية) ولأبي ذر عن الكشميهني بسرية بزيادة موحدة أوله (عينًا) وسبق في بدر بعث عشرة عينًا يتجسسون له ولأبي الأسود عن عروة بعثهم عيونًا إلى مكة ليأتوه بخبر قريش وسمى منهم ابن سعد عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، ومرثد بن أبي مرثد، وعبد الله بن طارق، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وخالد بن أبي البكير، ومعتب بن عبيد وهو أخو عبد الله بن طارق لأمه وهما من بني بليّ حليفان لبني ظفر (وأمّر عليهم عاصم بن ثابت) الأنصاري وقيل مرثد بن أبي مرثد (وهو جدّ عاصم بن عمر بن الخطاب) قال الحافظ عبد العظيم: غلط عبد الرزاق وابن عبد البر فقالا في عاصم هذا: هو جد عاصم بن عمر بن الخطاب وذلك وهم، وإنما هو خال عاصم لأن أم عاصم بن عمر جميلة بنت ثابت وعاصم هو أخو جميلة ذكر ذلك الزبير القاضي وعمه مصعب الإمامان في علم النسب. (فانطلقوا حتى إذا كان) عاصم ومن معه ولأبي ذر عن الكشميهني كانوا (بين عسفان ومكة) وبينهما مرحلتان (ذكروا) بضم المعجمة مبنيًا للمفعول (لحي من هذيل)

بالذال المعجمة (يقال لهم بنو لحيان) بكسر اللام وفتحها (فتبعوهم بقريب من مائة رام) بالنبل (فاقتصوا آثارهم) أي تبعوهم شيئًا فشيئًا (حتى أتوا منزلاً نزلوه فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة فقالوا: هذا تمر يثرب فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما انتهى عاصم وأصحابه لجأوا إلى فدفد) بفتح الفاءين بينهما دال مهملة ساكنة آخره دال أخرى أي رابية مشرفة (وجاء القوم) بنو لحيان (فأحاطوا بهم) بعاصم وأصحابه (فقالوا) أي بنو لحيان لهم (لكم العهد والميثاق وإن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلاً، فقال عاصم: أما) بتشديد الميم (أنا فلا أنزل في ذمة كافر) وعند ابن سعد فأما عاصم بن ثابت ومرثد بن أبي مرثد وخالد بن أبي البكير ومعتب بن عبيد فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهدًا ولا عقدًا أبدًا اهـ. وقال عاصم: (اللهم أخبر عنا نبيك) ولأبي ذر وابن عساكر: رسولك. زاد الطيالسي عن إبراهيم بن سعد فاستجاب الله تعالى لعاصم فأخبر رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبره فأخبر أصحابه بذلك يوم أصيبوا (فقاتلوهم) بفتح التاء وللأربعة فرموهم (حتى قتلوا عاصمًا في) جملة (سبعة نفر بالنبل) بفتح النون وسكون الموحدة (وبقي خبيب وزيد) أي ابن الدثنة بفتح الدال المهملة وكسر المثلثة (ورجل آخر) هو عبد الله بن طارق (فأعطوهم العهد والميثاق فلما أعطوهم العهد والميثاق نزلوا) من الفدفد (إليهم فلما استمكنوا منهم حلّوا أوتار قسيهم فربطوهم بها فقال الرجل الثالث الذي معهما): وهو عبد الله بن طارق (هذا أول الغدر فأبى) أي امتنع (أن يصحبهم فجرروه) بفتح الجيم وتشديد الراء الأولى وضم الثانية (وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه) وفي طبقات ابن سعد وخرجوا بالنفر الثلاثة حتى إذا كانو بمرّ الظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القران وأخذ سيفه واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه بمرّ الظهران. (وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة، فاشترى خبيبًا بنو الحارث بن عامر بن نوفل) وعند ابن إسحاق كابن سعد أن الذي اشتراه حجير بن أبي إهاب التيمي حليف بني نوفل وكان أخا الحارث بن عامر لأمه ليقتله بأبيه (وكان خبيب هو قتل الحارث) بن عامر المذكور (يوم بدر) قال الشرف الدمياطي: لم يذكر أحد من أهل المغازي أن خبيب بن عدي شهد بدرًا ولا قتل الحارث بن عامر، وإنما ذكروا أن الذي قتل الحارث بن عامر ببدر خبيب بن يساف وهو غير خبيب بن عدي وهو خزرجي وخبيب بن عدي أوسي اهـ. وزاد ابن سعد: وأما زيد فابتاعه صفوان بن أمية وقتله بأبيه. (فمكث) خبيب (عندهم) أي عند بني الحارث (أسيرًا حتى إذا) خرجت الأشهر الحرم و (أجمعوا قتله استعار موسى) بالتنوين وتركه (من بعض بنات) بني (الحارث) اسمها زينب بنت الحارث أخت عقبة بن الحارث الذي قتل خبيبًا (استحدّ بها) بهمزة وصل وسكون السين المهملة وفتح التاء والحاء والدال المشددة المهملتين أي حلق بها عانته، والذي في اليونينية استحدّ بقطع الهمزة وكسر الحاء وكشط فوق الشدة، وتبعه في الفرع لكنه كشط خفضة الحاء ولم يضبطها ولأبوي ذر والوقت ليستحد بها (فأعارته) موسى (قالت) زينب: (فغفلت) بفتح الفاء (عن صبي لي) هو أبو حسين بن الحارث بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وهو جد عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين المكي المخزومي المحدث (فدرج) أي فمشى (إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه فلما رأيته فزعت) بكسر الزاي (فزعة عرف ذاك) الفزع (مني) ولأبي ذر ذلك باللام (وفي يده الموسى فقال: أتخشين) أي أتخافين ولأبي ذر عن الكشميهني أتحسبين بحاء وسين مهملتين بعدهما موحدة مكسورتين أتظنين (أن أقتله ما كنت لأفعل ذاك) بكسر الكاف (إن شاء الله تعالى، وكانت) زينب (تقول: ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خبيب لقد رأيته يأكل من قطف عنب) بكسر القاف أي عنقود (وما بمكة يومئذ ثمرة) بالمثلثة وفتح الميم وفي الفرع بالمثناة الفوقية وسكون الميم (وإنه لموثق) بالمثلثة مقيد (في الحديد وما كان) ذلك

القطف (إلاّ رزق رزقه الله) خبيبًا (فخرجوا به من الحرم) إلى التنعيم (ليقتلوه فقال: دعوني) اتركوني (أصلي) بالتحتية بعد اللام ولأبي ذر عن الكشميهني أصل (ركعتين) فصلاهما بالتنعيم ثم انصرف إليهم فقال: (لولا أن تروا أن ما بي جزع) وللكشميهني مما في الفرع فقط من جزع (من الموت لزدت) على الركعتين (فكان) خبيب (أول من سنّ الركعتين عند القتل هو) واستشكل قوله أول من سن إذ السنّة إنما هي أقوال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأفعاله وأحواله. وأجيب: بأنه فعلهما في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستحسنهما. (ثم قال): خبيب يدعو عليهم (اللهم أحصهم عددًا) بقطع الهمزة والحاء والصاد المهملتين أي أهلكهم بحيث لا يبقى من عددهم أحد (ثم قال: ما أبالي) بضم الهمزة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: وما أن أبالي "ما" نافية، وإن بكسر الهمزة نافية للتأكيد، وله عن الكشميهني فلست أبالي، وفي نسخة من اليونينية ولست أبالي (حين أقتل مسلمًا. على أي شق) بكسر الشين المعجمة أي جنب (كان لله مصرعي). (وذلك في ذات الإله) أي طاعته، ولهذه اللفظة مباحث طويلة تأتي إن شاء الله تعالى بفضل الله تعالى ومعونته في باب ما يذكر في الذات والنعوت من كتاب التوحيد (وإن يشأ .. ) عز وجل (يبارك على أوصال شلو) جمع وصل أي عضو، والشلو بكسر الشين المعجمة وسكون اللام الجسد أي على أعضاء جسد (ممزع) بزاي مشددة مفتوحة فعين مهملة مقطع. (ثم قام إليه عقبة بن الحارث) أخو زينب وكنيته أبو سروعة كما يأتي (فقتله. وبعثت قريش إلى عاصم) أي ابن ثابت المقتول في جملة النفر السبعة (ليؤتوا) بضم التحتية وفتح الفوقية (بشيء من جسده يعرفونه) به (وكان عاصم قتل عظيمًا من عظمائهم يوم بدر) قيل هو عقبة بن أبي معيط فإن عاصمًا قتله صبرًا بأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن انصرفوا من بدر (فبعث الله عليه) بالإفراد، ولأبي ذر عليهم أي على المبعوثين من قبل قريش لما أرادوا أن يقطعوا شيئًا من لحمه (مثل الظلة) بضم الظاء المعجمة وفتح اللام المشددة السحابة (من الدبر) بفتح الدال المهملة وسكون الموحدة أي الزنابير أو ذكور النحل. وفي رواية أبي الأسود فبعث الله عليهم الدبر يطير في وجوههم ويلدغهم (فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء) وعند ابن إسحاق أن عاصمًا كان أعطى الله تعالى عهدًا أن لا يمس مشركًا ولا يمسه مشرك أبدًا فكان عمر يقول لما بلغه يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته كما يحفظه في حياته. وهذا الحديث قد سبق في باب هل يستأسر الرجل من كتاب الجهاد. 4087 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: الَّذِي قَتَلَ خُبَيْبًا هُوَ أَبُو سِرْوَعَةَ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر: حدثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار أنه (سمع جابرًا) هو ابن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- (يقول: الذي قتل خبيبًا هو أبو سروعة) بكسر السين المهملة وفتحها وهي كنية عقبة بن الحارث. 4088 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْعِينَ رَجُلاً لِحَاجَةٍ يُقَالُ لَهُمُ: الْقُرَّاءُ، فَعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ عِنْدَ بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا: بِئْرُ مَعُونَةَ فَقَالَ الْقَوْمُ: وَاللَّهِ مَا إِيَّاكُمْ أَرَدْنَا إِنَّمَا نَحْنُ مُجْتَازُونَ فِي حَاجَةٍ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَتَلُوهُمْ فَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِمْ شَهْرًا فِي صَلاَةِ الْغَدَاةِ وَذَلِكَ بَدْءُ الْقُنُوتِ، وَمَا كُنَّا نَقْنُتُ. قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَسَأَلَ رَجُلٌ أَنَسًا عَنِ الْقُنُوتِ أَبَعْدَ الرُّكُوعِ أَوْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ الْقِرَاءَةِ؟ قَالَ: لاَ بَلْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ الْقِرَاءَةِ. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المنقري المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس - رضي الله تعالى عنه -) أنه (قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبعين رجلاً لحاجة) هي أن رعلاً وغيرهم استمدوه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمدهم بالسبعن، وكان (يقال لهم القراء) أو بعثهم عليه الصلاة والسلام للدعاء إلى الإسلام، فعند ابن إسحاق أن أبا براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة قدم على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعرض عليه الإسلام ودعاه إليه فلم يسلم ولم يبعد عن الإسلام وقال: يا محمد لو بعثت رجالاً من أصحابك إلى أهل نجد فدعوتهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك. فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إني أخشى أهل نجد عليهم" قال أبو براء: أنا لهم جار فابعثهم فبعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فعرض لهم) للسبعين (حيان) بالحاء المهملة وتشديد التحتية تثنية حيّ أي جماعة

(من بني سليم) بضم السين أحدهما (رعل و) الآخر (ذكوان عند بئر يقال لها بئر معونة) وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم (فقال القوم): السبعون للحيين (والله ما إياكم أردنا إنما نحن مجتازون) بالجيم والزاي (في حاجة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقتلوهم) إلا كعب بن زيد بن قيس بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار فإنهم تركوه وبه رمق فارتث من بين القتلى فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدًا. (فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليهم شهرًا في صلاة الغداة) أي الصبح (وذلك بدء القنوت وما كنا نقنت) أي قبل ذلك. (قال عبد العزيز) بن صهيب بالسند السابق (وسأل رجل) هو عاصم الأحول (أنسًا عن القنوت (بعد الركوع أو عند فراغ) بالتنوين (من القراءة) قبل الركوع (قال: لا بل عند فراغ) بالتنوين (من القراءة) قبل الركوع. وفي الحديث الذي بعد أنه بعد الركوع فينظر الراجح منهما. 4089 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ. وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: قنت رسول الله) ولأبوي ذر والوقت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهرًا بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب). 4090 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رِعْلاً، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيَانَ، اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عَدُوٍّ فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ، وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيَانَ، قَالَ أَنَسٌ: فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمِّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَنَتَ شَهْرًا فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيَانَ. زادَ خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ زُرَيْعٍ سَعِيدٌ عَنَ قَتادَة, حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّ أُولئِكَ السَّبْعِينَ مِنَ الأَنْصارِ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنًا كِتابًا نَحْوَهُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الأعلى بن حماد) النرسي قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رعلاً) بكسر الراء وسكون العين المهملة (وذكوان) بن ثعلبة (وعصية) بضم العين مصغرًا ابن خناف (وبني لحيان) بكسر اللام وفتحها حيّ من هذيل (استمدوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي طلبوا منه المدد (على عدوّ) ولأبي ذر عن الكشميهني: على عدوهم وهذا وهم ما قاله الدمياطي، لأن بني لحيان ليسوا أصحاب بئر معونة، وإنما هم أصحاب الرجيع الذين قتلوا عاصمًا وأصحابه وأسروا خبيبًا وكذا قوله رعلاً وذكوان وعصية وهم أيضًا، وإنما أثاره أبو براء كما مرّ، لكن قال الحافظ ابن حجر: إن ما في هذه الرواية هنا وما في الجهاد من وجه آخر عن سعيد عن قتادة يرد على من قال: إن رواية قتادة وهم، وقال في المصابيح: وهذا في الحقيقة انتقاد على أنس بن مالك -رضي الله عنه- فإن طريق الرواية إليه بذلك صحيحة لا مقالة فيها (فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء) لكثرة قراءتهم (في زمانهم كانوا يحتطبون) يجمعون الحطب، ولأبي ذر عن الكشميهني يحطبون (بالنهار ويصلون بالليل) وكان أميرهم المنذر بن عمرو الساعدي فانطلقوا (حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك فقنت شهرًا يدعو في) صلاة (الصبح على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان) فشرك بين القاتلين هنا وبين غيرهم في الدعاء لأن خبر بئر معونة وخبر أصحاب الرجيع جاءا إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ليلة واحدة. وعند ابن سعد: ودعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قتلتهم بعد الركعة في الصبح: "اللهم أشدد وطأتك على مضر، اللهم سنين كسني يوسف، اللهم عليك ببني لحيان وعضل والقارة ورعل وذكوان وعصية فإنهم عصوا الله ورسوله" ولم يجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قتلى ما وجد على قتلى بئر معونة. (قال أنس فقرأنا فيهم قرآنًا ثم وإن ذلك) القرآن (رفع) أي نسخت تلاوته (بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا) وعند ابن سعد أنه لما أحيط بهم قالوا: اللهم إنّا لا نجد من يبلغ رسولك عنا السلام غيرك فاقرئه منا السلام فأخبره جبريل عليه السلام بذلك فقال: وعليهم السلام. (وعن قتادة) بالسند السابق (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (حدّثه أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قنت شهرًا في صلاة الصبح يدعو على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان). (زاد خليفة) بن خياط العصفري شيخ المؤلّف فقال: (حدّثنا ابن زريع) ولأبي ذر يزيد بن زريع قال: (حدّثنا سعيد)

بكسر العين ابن أبي عروبة (عن قتاة) ابن دعامة أنه قال: (حدّثنا أنس) -رضي الله عنه- (أن أولئك السبعين) القراء (من الأنصار قتلوا ببئر معونة). وقوله (قرآنًا) بضم القاف وسكون الراء أي (كتابًا نحوه) أي نحو رواية عبد الأعلى بن حماد عن يزيد بن زريع. 4091 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ خَالَهُ أَخٌ لأُمِّ سُلَيْمٍ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا، وَكَانَ رَئِيسَ الْمُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ خَيَّرَ بَيْنَ ثَلاَثِ خِصَالٍ، فَقَالَ: يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ وَلِي أَهْلُ الْمَدَرِ، أَوْ أَكُونُ خَلِيفَتَكَ أَوْ أَغْزُوكَ بِأَهْلِ غَطَفَانَ بِأَلْفٍ وَأَلْفٍ فَطُعِنَ عَامِرٌ فِي بَيْتِ أُمِّ فُلاَنٍ فَقَالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَكْرِ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ آلِ فُلاَنٍ، ائْتُونِي بِفَرَسِي فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ فَانْطَلَقَ حَرَامٌ أَخُو أُمِّ سُلَيْمٍ وَهُوَ رَجُلٌ أَعْرَجُ، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلاَنٍ قَالَ: كُونَا قَرِيبًا حَتَّى آتِيَهُمْ فَإِنْ آمَنُونِي كُنْتُمْ قَرِيبًا، وَإِنْ قَتَلُونِي أَتَيْتُمْ أَصْحَابَكُمْ، فَقَالَ: أَتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ وَأَوْمَؤوا إِلَى رَجُلٍ فَأَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ، قَالَ هَمَّامٌ: أَحْسِبُهُ حَتَّى أَنْفَذَهُ بِالرُّمْحِ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَلُحِقَ الرَّجُلُ فَقُتِلُوا كُلُّهُمْ غَيْرَ الأَعْرَجِ، كَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى عَلَيْنَا ثُمَّ كَانَ مِنَ الْمَنْسُوخِ إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا فَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِمْ ثَلاَثِينَ صَبَاحًا عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَبَنِي لَحْيَانَ، وَعُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ابن يحيى بن دينار البصري (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) أنه (قال: حدثني) بالإفراد (أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث خاله) أي خال أنس حرام بن ملحان (أخ) أي وهو أخ، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أخا بالنصب بدلاً من قوله خاله (لأم سليم) أم أنس (في سبعين راكبًا) إلى بني عامر (وكان) سبب البعث أنه كان (رئيس المشركين عامر بن الطفيل) بضم الطاء المهملة وفتح الفاء ابن مالك بن جعفر بن كلاب وهو ابن أخي أبي براء عامر بن مالك وكان (خير) هو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أتاه (بين ثلاث خصال فقال: يكون لك أهل السهل) بفتح المهملة وسكون الهاء سكان البوادي (ولي أهل المدر) بفتح المعجم والدال المهملة بعدها راء أهل البلاد (أو أكون خليفتك أو أغزوك بأهل غطفان) بالغين المعجمة والطاء المهملة والفاء المفتوحات قبيلة (بألف) أي أشقر (وألف) أي أحمر فقال عليه الصلاة والسلام: "اللهم اكفني عامرًا" (فطعن عامر) أي ابن الطفيل المذكور أي أصابه الطاعون (في بيت أم فلان فقال: غدة) بضم الغين المعجمة وتشديد الدال المهملة (كغدة البكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف الفتي من الإبل (في بيت امرأة من آل فلان) أي آل السلول كما عند الطبراني وهي سلول بنت شيبان وزوجها مرّة بن صعصعة أخو عامر بن صعصعة ينسب بنوه إليها، ولأبي ذر: من آل بني فلان (ائتوني بفرسي فمات على ظهر فرسه) قال الداودي: وكانت هذه من حماقات عامر فأماته الله بذلك ليصغر إليه نفسه. (فانطلق حرام أخو أم سليم) الذي بعثه عليه الصلاة والسلام (وهو رجل أعرج ورجل) آخر (من بني فلان) في الفرع هو على كشط بإسقاط الواو، وثبت في غيره وهي واو الحال والأعرج صفة لحرام وليس كذلك بل الأعرج غيره فالصواب وهو رجل أعرج. قال في المصابيح: وكذا ثبت في بعض النسخ فلعل الواو قدمت سهوا في الرواية الأولى، وعند البيهقي من رواية عثمان بن سعيد عن موسى بن إسماعيل شيخ المؤلّف فيه فانطلق حرام ورجلان معه رجل أعرج ورجل من بني فلان، وعند ابن هشام في زيادات السير: أن الأعرج اسمه كعب بن زيد وهو من بني دينار بن النجار واسم الآخر المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح الخزرجي (قال): حرام للرجل الأعرج وللآخر الذي من بني فلان (كونا قريبًا حتى آتيهم) أي بني عامر (فإن آمنوني) بفتح الهمزة الممدودة والميم المخففة (كنتم قريبًا) مني (وإن قتلوني أتيتم أصحابكم) فخرج إليهم (فقال) لهم: (أتؤمنوني) ولأبي ذر: أتؤمنونني أي أتعطونني الأمان (أبلغ) بالجزم جواب الاستفهام (رسالة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجعل) حرام (يحدثهم وأومؤوا) بالواو ولأبي ذر: فأومؤوا أي أشاروا (إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه. قال همام): أي ابن يحيى بن دينار (أحسبه) أي أظنه (حتى أنفذه) بالذال المعجمة أي أنفذه من الجانب الآخر (بالرمح). قال في الفتح: لم أعرف اسم الرجل الذي طعنه ووقع في السيرة لابن إسحاق ما ظاهره أنه عامر بن الطفيل لأنه قال: فلما نزلوا أي الصحابة بئر معونة بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى عامر بن الطفيل فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا عليه فقتله اهـ. (قال): حرام لما طعن (الله أكبر فزت) بالشهادة (ورب الكعبة فلحق الرجل) الذي هو رفيق حرام فلم يمكنوه أن يرجع إلى المسلمين بل لحقه المشركون فقتلوه وقتلوا أصحابه كما قال. (فقتلوا كلهم غير) الرجل (الأعرج كان في رأس جبل فأنزل الله تعالى علينا ثم كان من المنسوخ) تلاوة والجملة معترضة بين قوله فأنزل الله علينا وبين قوله (إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا فدعا

النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليهم) لما بلغه خبرهم (ثلاثين صباحًا) في القنوت (على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية الذين عصوا الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وإنما شرك بين القاتلين هنا وبين غيرهم في الدعاء لورود خبر بئر معونة وأصحاب الرجيع في ليلة واحدة كما مرّ قريبًا. ونقل العيني عن كتاب شرف المصطفى أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أصيب أهل بئر معونة جاءت الحمى إليه فقال لها: "اذهبي إلى رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله" فأتتهم فقتلت منهم سبعمائة رجل بكل رجل من المسلمين عشرة. وحديث الباب قد مرّ في باب من ينكب في سبيل الله من كتاب الجهاد. 4092 - حَدَّثَنِي حِبَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: لَمَّا طُعِنَ حَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ وَكَانَ خَالَهُ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ قَالَ: بِالدَّمِ هَكَذَا، فَنَضَحَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (حبان) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن موسى المروزي السلمي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) بسكون العين ابن راشد (قال: حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: وحدثني (ثمامة بن عبد الله) بضم المثلثة وتخفيف الميم الأولى (ابن أنس) قاضي البصرة (أنه سمع) جده (أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: لما طعن) بضم الطاء (حرام بن ملحان وكان) أي حرام (خاله) خال أنس (يوم بئر معونة) ظرف لقوله طعن (قال: بالدم هكذا) من إطلاق القول على الفعل أي أخذ الدم من موضع الطعن (فنضحه) رشه (على وجهه ورأسه ثم قال: فزت) بالشهادة (وربّ الكعبة). وهذا الحديث أخرجه النسائي أيضًا في المناقب. 4093 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو بَكْرٍ فِي الْخُرُوجِ حِينَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الأَذَى فَقَالَ لَهُ: أَقِمْ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَطْمَعُ أَنْ يُؤْذَنَ لَكَ؟ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنِّي لأَرْجُو ذَلِكَ» قَالَتْ: فَانْتَظَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ ظُهْرًا فَنَادَاهُ فَقَالَ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَاىَ فَقَالَ: «أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ»؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الصُّحْبَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الصُّحْبَةُ» قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي نَاقَتَانِ قَدْ كُنْتُ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ فَأَعْطَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِحْدَاهُمَا وَهْيَ الْجَدْعَاءُ فَرَكِبَا فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا الْغَارَ وَهْوَ بِثَوْرٍ فَتَوَارَيَا فِيهِ فَكَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ غُلاَمًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ أَخُو عَائِشَةَ لأُمِّهَا وَكَانَتْ لأَبِي مِنْحَةٌ، فَكَانَ يَرُوحُ بِهَا وَيَغْدُو عَلَيْهِمْ وَيُصْبِحُ فَيَدَّلِجُ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ يَسْرَحُ فَلاَ يَفْطُنُ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّعَاءِ، فَلَمَّا خَرَجَ خَرَجَ مَعَهُمَا يُعْقِبَانِهِ حَتَّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ فَقُتِلَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ. وَعَنْ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: قَالَ لِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ فَأَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الَّذِينَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ قَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: مَنْ هَذَا؟ فَأَشَارَ إِلَى قَتِيلٍ، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ: هَذَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَ مَا قُتِلَ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ، ثُمَّ وُضِعَ فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَبَرُهُمْ فَنَعَاهُمْ فَقَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَكُمْ قَدْ أُصِيبُوا وَإِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا رَبَّهُمْ، فَقَالُوا: رَبَّنَا أَخْبِرْ عَنَّا إِخْوَانَنَا بِمَا رَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهُمْ». وَأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ فِيهِمْ عُرْوَةُ بْنُ أَسْمَاءَ بْنِ الصَّلْتِ، فَسُمِّيَ عُرْوَةُ بِهِ وَمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو سُمِّيَ بِهِ مُنْذِرًا. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (عبيد بن إسماعيل) البهاري الكوفي من ولد هبار بن الأسود وعبيد لقب غلب عليه واسمه عبد الله قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: استأذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (في الخروج) من مكة إلى المدينة (حين اشتد عليه الأذى) من قريش (فقال له) عليه الصلاة والسلام: (أقم فقال: يا رسول الله أتطمع أن يؤذن لك) في الهجرة إلى المدينة (فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) له (إني لأرجو ذلك قالت) عائشة: (فانتظره أبو بكر فأتاه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات يوم ظهرًا) أي في وقت الظهر (فناداه فقال) له: يا أبا بكر (أخرج) بفتح الهمزة وكسر الراء من الإخراج (من عندك) في موضع نصب على المفعولية وللأربعة أخرج بضمهما (فقال أبو بكر: إنما هما ابنتاي) عائشة وأسماء (فقال: أشعرت أنه) الهمزة في أشعرت خرجت عن الاستفهام الحقيقي وأفادت الثبوت فكأنه قال: أعلم أنه (قد أُذن لي في الخروج) إلى المدينة (فقال) أبو بكر: (يا رسول الله) أتريد (الصحبة) أي المرافقة ويجوز الرفع (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): نعم أريد (الصحبهّ قال: يا رسول الله عندي ناقتان قد كنت أعددتهما للخروج فأعطى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إحداها وهي الجدعاء) بالدال المهملة وهي المقطوعة الأذن لكنه تسمية لها ولم تكن مقطوعتها (فركبا) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر -رضي الله عنه- (فانطلقا حتى أتيا الغار وهو) ثقب (بثور) الجبل المعروف (فتواريا) من قريش (فيه فكان عامر بن فهيرة) بضم الفاء وفتح الهاء مصغرًا (غلامًا لعبد الله بن الطفيل) بضم الطاء المهملة وفتح الفاء مصغرًا. قال الدمياطي: الصواب الطفيل بن عبد الله (بن سخبرة) بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة بعدها موحدة فراء تأنيث وهو أزدي من بني زهران (أخو عائشة لأمها) ولأبي ذر عن الكشميهني أخي بدل من عبد الله والرفع خبر مبتدأ محذوف أي هو أخو عائشة، وذلك أن أبا الطفيل زوج أم رومان والدة عائشة قدم في الجاهلية مكة فحالف أبا بكر قبل الإسلام ومات وخلف الطفيل فتزوج أبو بكر امرأته أم رومان فولدت له عبد الرحمن وعائشة واشترى أبو بكر عامر بن فهيرة من الطفيل فأعتقه. (وكانت لأبي بكر منحة) بكسر الميم وسكون النون بعدها حاء مهملة ناقة تدر اللبن (فكان) عامر بن فهيرة (يروح) يذهب بعد الزوال (بها) بالمنحة (ويغدو)

قبله (عليهم ويصبح) بضم التحتية وكسر الموحدة (فيدلج) بفتح التحتية وتشديد الدال المهملة المفتوحة وكسر اللام بعدها جيم أي يسير من آخر الليل (إليهما) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر -رضي الله عنه- (ثم يسرح) أي يذهب بالمنحة إلى المرعى (فلا يفطن) بفتح التحتية وضم الطاء المهملة فلا يدري (به أحد من الرعاء) بكسر الراء والمد (فلما خرج) أي النبي عليه الصلاة والسلام كذا في اليونينية وغيرها وفي الفرع وغيره فلما خرجا أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر (خرج معهما) عامر إلى المدينة (يعقبانه) بضم أوله وكسر القاف يردفانه بالنوبة (حتى قدما) بالنية ولأبي ذر: قدم (المدينة فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة) وهو ابن أربعين سنة وكان قديم الإسلام قبل أن يدخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دار الأرقم. (وعن أبي أسامة) حماد بن أسامة عطف على قوله حدّثنا عبيد بن إسماعيل (قال: قال) لي (هشام بن عروة) بن الزبير (فأخبرني) بالإفراد (أبي قال: لما قتل الذين ببئر معونة) وهم القراء (وأسر عمرو بن أمية) بفتح العين (الضمري قال له عامر بن الطفيل): هل تعرف أصحابك؟ قال: نعم فطاف في القتلى فجعل يسأل عن أنسابهم ثم قال له: (من هذا؟ فأشار إلى قتيل) منهم (فقال له عمرو بن أمية: ها عامر بن فهيرة. فقال) عامر بن الطفيل (لقد رأيته بعدما قتل رفع إلى السماء حتى أني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض ثم وضع) بضم الواو وكسر الضاد المعجمة أي إلى الأرض، وفي رواية الواقدي أن الملائكة وارته فلم يره المشركون (فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبرهم) من الله تعالى على لسان جبريل عليه السلام (فنعاهم) أي أخبر بموتهم (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه: (إن أصحابكم) القراء (قد أصيبوا وإنهم قد سألوا ربهم فقالوا: ربنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا عنك ورضيت عنا فأخبرهم عنهم وأصيب يومئذٍ فيهم عروة بن أسماء بن الصلت فسمي عروة) بن الزبير بن العوّام لما ولد (به) أي باسم عروة بن أسماء المذكور وكان بين قتل عروة بن أسماء ومولد عروة بن الزبير بضع عشرة سنة (و) أصيب فيهم أيضًا (منذر بن عمرو) بفتح العين (سمي به منذرّا) بالنصب على مذهب الكوفيين في إقامة الجار والمجرور في قوله به مقام الفاعل كقراءة أبي جعفر: ليجزي قومًا ابن الزبير بن العوّام وهو أخو عروة. وهذا الحديث مرسل ولذا فصله المؤلّف عن سابقه مع عطفه عليه ليميز الموصول من المرسل. 4094 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَنَتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا، يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَيَقُولُ «عُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر: حدثني بالإفراد (محمد) هو ابن مقاتل المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا سليمان) بن طرخان (التيمي عن أبي مجلز) بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام وبعدها زاي لاحق بن حميد (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد الركوع شهرًا) متتابعًا إذا قال: سمع الله لمن حمده (يدعو على رعل وذكوان ويقول: عصية عصت الله ورسوله). 4095 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا يَعْنِي أَصْحَابَهُ بِبِئْرِ مَعُونَةَ ثَلاَثِينَ صَبَاحًا حِينَ يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَلِحْيَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ أَنَسٌ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الَّذِينَ قُتِلُوا أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنًا قَرَأْنَاهُ حَتَّى نُسِخَ بَعْدُ بَلِّغُوا قَوْمَنَا فَقَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن) عمه (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الذين قتلوا يعني أصحابه) القراء السبعين (ببئر معونة) وسقط لفظ يعني أصحابه لأبي ذر (ثلاثين صباحًا حين) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر حتى (يدعو على رعل ولحيان وعصية عصت الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (قال أنس: فأنزل الله تعالى لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الذين قتلوا) بضم القاف وكسر التاء (أصحاب بئر معونة) بجر أصحاب بدلاً من المجرور السابق (قرآنًا قرآناه حتى نسخ) لفظه (بعد) بالبناء على الضم (بلغوا قومنا) المسلمين (فقد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه) ووقع في بعض النسخ: فأنزل الله تعالى لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذين قتلوا بفتح القاف والتاء ولا يخفى ما فيه. 4096 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ الْقُنُوتِ فِي الصَّلاَةِ، فَقَالَ: نَعَمْ. فَقُلْتُ كَانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ، قُلْتُ: فَإِنَّ فُلاَنًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَهُ. قَالَ: كَذَبَ إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا، أَنَّهُ كَانَ بَعَثَ نَاسًا يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ، وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَهْدٌ قِبَلَهُمْ فَظَهَرَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَهْدٌ فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي

29 - باب غزوة الخندق وهي الأحزاب

الحافظ قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدثنا عاصم) هو ابن سليمان (الأحول قال: سألت أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن القنوت في الصلاة) هل هو مشروع فيها؟ (فقال) له: (نعم) كان مشروعًا فيها. قال الأحول: (فقلت كان) محله (قبل الركوع أو بعده قال) أنس: (قبله) أي لأجل إدراك المسبوق (قلت: فإن فلانًا) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه أو هو محمد بن سيرين (أخبرني) بالإفراد (عنك أنك قلت) أنه (بعده. قال) أنس: (كذب) أي أخطأ (إنما قنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبوي ذر والوقت: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد الركوع شهرًا أنه) أي لأنه (كان بعث ناسًا) من أهل الصفة (يقال لهم القراء، وهم سبعون رجلاً إلى ناس من المشركين) من بني عامر (و) الحال أنه (بينهم وبين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عهد) أي أمان (قبلهم) بكسر القاف وفتح الموحدة. وفتح اللام أي في جهتهم فلما أتى القراء إلى بئر معونة أراد عامر بن الطفيل ابن أخي أبي براء عامر المعروف بملاعب الأسنّة الغدر بهم فدعا بني عامر المبعوث إليهم ليقتلوهم فأبوا فاستصرخ عليهم رعلاً وعصية وذكوان من بني سليم (فظهر) علا (هؤلاء الذين كان بينهم وبين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عهد) أي بنو سليم أي غلبوهم وقتلوا القراء (فقنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد الركوع شهرًا يدعو عليهم) وبهذا التقرير يندفع ما في هذا السياق من الإشكال. 29 - باب غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ وَهْيَ الأَحْزَابُ قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ. (باب غزوة الخندق) سقط باب لأبي ذر وسميت بالخندق والذي حفر حول المدينة بأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإشارة سليمان الفارسي وعمل فيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنفسه ترغيبًا للمسلمين (وهي) غزوة (الأحزاب) كذا في الفرع واليونينية جمع حزب وهم طوائف المشركين من قريش وغطفان واليهود ومن معهم الذين اجتمعوا على حرب المسلمين وكانوا فيما قال ابن إسحاق: عشرة آلاف والمسلمون ثلاثة آلاف. (قال موسى بن عقبة): صاحب المغازي (كانت) غزوة الخندق وتسمى أيضًا غزوة الأحزاب لما ذكر (في شوال سنة أربع) من الهجرة وقال ابن إسحاق: سنة خمس. والذي جنح إليه البخاري هو قول موسى بن عقبة واستدلّ له بقوله: 4097 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ يُجِزْهُ وَعَرَضَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَهْوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَهُ. (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) العبدي مولاهم الدورقي قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عرضه يوم) غزوة (أُحُد) لما عرض الجيش ليختبر أحوالهم قبل مباشرة القتال للنظر في هيئتهم وترتيب منازلهم (وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه) بضم أوله وكسر الجيم بعدها زاي أي لم يمضه ولم يأذن له في الجهاد لعدم أهليته للقتال (وعرضه يوم) غزوة (الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه) لكونه تأهل فيكون بين الخندق وأُحُد سنة واحدة وأُحُد كانت سنة ثلاث فيكون الخندق سنة أربع وثبت قوله سنة في الموضعين لأبي ذر عن الكشميهني. 4098 - حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْخَنْدَقِ وَهُمْ يَحْفِرُونَ وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَادِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَةِ ... فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد العزيز عن) أبيه (أي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الخندق وهم) أي المسلمون (يحفرون) بكسر الفاء (ونحن ننقل التراب على أكتادنا) بالمثناة الفوقية جمع كتد وهو ما بين الكاهل إلى الظهر (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اللهم لا عيش) أي دائم (إلا عيش الآخرة فاغفر للمهاجرين والأنصار) وهذا غير موزون، ولعل أصله: فاغفر للأنصار وللمهاجرة بنقل الهمزة وباللام في المهاجرة. 4099 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْخَنْدَقِ فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ فَقَالُوا: مُجِيبِينَ لَهُ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن المهلب البغدادي الكوفي الأصل قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري (عن حميد) الطويل أنه قال: (سمعت أنسًا -رضي الله عنه- يقول: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى)

غزوة (الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون) بكسر الفاء حال كونهم (في غداة باردة فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك) الحفر (لهم فلما رأى ما بهم من النصب) بفتح النون والصاد المهملة أي التعب (والجوع قال): ولأبي ذر والوقت فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- محثًا لهم على العمل: (اللهم إن العيش) المعتبر الدائم (عيش الآخرة) لا عيش الدنيا (فاغفر للأنصار) بهمزة قطع (والمهاجرة) بكسر الجيم وسكون الهاء فيهما (فقالوا): أي الأنصار والمهاجرة حال كونهم (مجيبين له: نحن الذين بايعوا محمدا .. على الجهاد ما بقينا أبدا). 4100 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: جَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الإِسْلاَمِ مَا بَقِينَا أَبَدَا قَالَ: يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَهْوَ يُجِيبُهُمُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الآخِرَهْ ... فَبَارِكْ فِي الأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ قَالَ: يُؤْتَوْنَ بِمِلْءِ كَفَّي مِنَ الشَّعِيرِ فَيُصْنَعُ لَهُمْ بِإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ الْقَوْمِ وَالْقَوْمُ جِيَاعٌ، وَهْيَ بَشِعَةٌ فِي الْحَلْقِ وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمر المقعدي قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (عن عبد العزيز عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التراب على متونهم) جمع متن قال في القاموس: متنا الظهر مكتنفا الصلب ويؤنث. (وهم يقولون: نحن الذين بايعوا محمدا .. على الإسلام ما بقينا أبدا. قال) أنس: (يقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يجيبهم): (اللهم إنه لا خير إلا خير الآخره ... فبارك في الأنصار والمهاجره) وظاهره أنهم كانوا يجيبونه تارة ويجيبهم أخرى. (قال): أنس بالإسناد السابق (يؤتون) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول (بملء كفي من الشعير) ولأبي ذر: من شعير وكفي بكسر الفاء على الإفراد وبفتحها على التثنية مضافًا فيهما إلى ياء المتكلم (فيصنع) أي فيطبخ (لهم بإهالة) بكسر الهمزة ودكة (سنخة) بفتح السين المهملة وكسر النون وفتح الخاء المعجمة بعدها هاء تأنيث متغيرة الريح فاسدة الطعم (توضع بين يدي القوم والقوم) أي والحال أن القوم (جياع وهي) أي الإهالة (بشعة) بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة بالعين المهملة (في الحلق) بالحاء المهملة أي كريهة الطعم تأخذ الحلق (ولها ريح منتن) بضم الميم وسكون النون وكسر الفوقية. وقول صاحب التوضيح والتنقيح قيل صوابه منتنة إلا أنه يجوز في المؤنث غير الحقيقي أن يعبر عنه بالمذكر تعقبه في المصابيح بأنه ليس بمستقيم من وجهين: أحدهما: أنه جزم بأن الصواب منتنة ومقتضاه أن التعبير بمنتن خطأ ثم قطع بأن المؤنث غير الحقيقي يجوز التعبير عنه بالمذكر فيكون التعبير بمنتن صوابًا لا خطأ ولا يكون صواب الكلمة منحصرًا في التعبير عنها بالتأنيث، والحاصل أن آخر كلامه ينقض أوله. ثانيهما: إن جعل التعبير عن المؤنث غير الحقيقي بالمذكر على جهة الجواز ضابطًا كليًّا مقطوع ببطلانه. فإن قلت: فما وجه ما في المتن؟ قلت: حمل الريح على العرف فعاملها معاملته اهـ. 4101 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ جَابِرًا -رضي الله عنه-، فَقَالَ: إِنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ فَجَاءُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ، فَقَالَ: «أَنَا نَازِلٌ» ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ نَذُوقُ ذَوَاقًا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمِعْوَلَ، فَضَرَبَ فَعَادَ كَثِيبًا أَهْيَلَ أَوْ أَهْيَمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي إِلَى الْبَيْتِ؟ فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِي رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا، مَا كَانَ فِي ذَلِكَ صَبْرٌ فَعِنْدَكِ شَىْءٌ؟ قَالَتْ: عِنْدِي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ فَذَبَحْتُ الْعَنَاقَ وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ فِي الْبُرْمَةِ ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ وَالْبُرْمَةُ بَيْنَ الأَثَافِيِّ قَدْ كَادَتْ أَنْ تَنْضَجَ فَقُلْتُ: طُعَيِّمٌ لِي فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلاَنِ قَالَ: «كَمْ هُوَ»؟ فَذَكَرْتُ لَهُ قَالَ: «كَثِيرٌ طَيِّبٌ» قَالَ: «قُلْ لَهَا لاَ تَنْزِعُ الْبُرْمَةَ وَلاَ الْخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى آتِيَ، فَقَالَ: «قُومُوا» فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ: وَيْحَكِ جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَمَنْ مَعَهُمْ، قَالَتْ: هَلْ سَأَلَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: «ادْخُلُوا وَلاَ تَضَاغَطُوا» فَجَعَلَ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ وَيُخَمِّرُ الْبُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ، قَالَ: «كُلِي هَذَا وَأَهْدِي فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ». وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان أو محمد السلمي الكوفي قال: (حدّثنا عبد الواحد بن أيمن) بفتح الهمزة والميم بينهما تحتية ساكنة (عن أبيه) أيمن الحبشي مولى ابن عمر المخزومي القرشي المكي أنه (قال: أتيت جابرًا) الأنصاري (-رضي الله عنه- فقال: إنا يوم الخندق نحفر) بتشديد نون إنا (فعرضت كدية شديدة) بكاف مضمومة فدال مهملة ساكنة فتحتية قطعة صلبة من الأرض يعمل فيها المعول، ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي: كتدة بفتح الكاف وسكون التحتية وفتح الدال المهملة القطعة الشديدة الصلبة من الأرض أيضًا، ولابن عساكر أيضًا كبدة بكاف فموحدة مكسورة أي قطعة من الأرض صلبة أيضًا ووقع في رواية الأصيلي عن الجرجاني فيما ذكره في فتح الباري كندة بنون بعد الكاف، وعند ابن السكن كتدة بمثناة فوقية لكن القاضي قال: عياض لا أعرف لها معنى (فجاؤوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: هذه كدية) ولابن عساكر: كبدة بكسر الموحدة كما مرّ (عرضت في الخندق فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أنا نازل) في الموضع الذي في الكدية (ثم قام) عليه الصلاة والسلام (وبطنه معصوب) من الجوع (بحجر) مشدود عليه بعصابة خشية انحناء صلبه الكريم بواسطة خلاء الجوف إذ وضع الحجر فوق البطن مع شد العصابة عليه يقيمه أو هو لتسكين حرارة الجوع ببرد الحجر (ولبثنا) بالمثلثة مكثنا

(ثلاثة أيام لا نذوق ذواقًا) شيئًا مأكول ولا مشروب والجملة اعتراضية أوردت لبيان السبب في ربطه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحجر على بطنه (فأخد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المعول) بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو وبعدها لام المسحاة (فضرب) في الكدية (فعاد) المضروب (كثيبًا) بالمثلثة رملاً (أهيل) بهمزة مفتوحة فهاء ساكنة فتحتية مفتوحة فلام (أو) قال (أهيم) بالميم بدل اللام أي سائلاً. والشك من الراوي، وعند الإسماعيلي أهيم بالميم من غير شك. قال جابر (فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت) أي حتى آتي بيتي، زاد أبو نعيم في مستخرجه فأذن لي (فقلت): أي لما أتيت البيت (لاِمرأتي) سهيلة بنت مسعود الأنصارية (رأيت بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا) من الجوع (ما كان في ذلك صبر) بكسر الكاف وسقط لفظ كان لأبي ذر وابن عساكر (فعندك شيء؟ قالت: عندي شعير) وعند يونس بن بكير: أنه صاع (وعناق) بفتح العين الأنثى من أولاد المعز (فذبحت العناق) بإسكان الحاء أي أنه ذبح العناق بنفسه (وطحنت الشعير) امرأته سهيلة (حتى جعلنا) ولأبي ذر عن الكشميهني: جعلت المرأة (اللحم في البرمة) بضم الموحدة القدر (ثم جئت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والعجين قد انكسر) اختمر (والبرمة بين الأثافي) بالهمزة والمثلثة المفتوحتين وبعد الألف فاء مكسورة فتحتية مشددة حجارة ثلاثة توضع عليها القدر (قد كادت) قاربت (أن تنضج) بفتح الضاد المعجمة تطيب، وسقط لأبي ذر وابن عساكر لفظة أن (فقلت) له عليه الصلاة والسلام، ولأبي ذر فقال له عليه الصلاة والسلام (طعيم) بضم الطاء وتشديد التحتية مصغرًا مبالغة في تحقيره، قيل من تمام المعروف تعجيله وتحقيره (لي) صنعته أو مصنوع (فقم أنت يا رسول الله ورجل) معكم (أو رجلان) بالشك (قال) عليه الصلاة والسلام: (كم هو)؟ طعامك (فذكرت له) كميته (قال) عليه الصلاة والسلام: (كثير طيب) ثم (قال) عليه الصلاة والسلام: (قل لها): أي لسهيلة (لا تنزع البرمة) من فوق الأثافي (ولا) تنزع (الخبز من التنور حتى آتي) أي أجيء إلى بيتكم (فقال) عليه الصلاة والسلام لمن حضر من أصحابه، ولأبي ذر قال: (قوموا) أي إلى أكل جابر (فقام المهاجرون والأنصار) وسقط قوله والأنصار لأبي ذر وابن عساكر وإثباته أوجه وليونس بن بكير في زيادة المغازي فقال للمسلمين جميعًا: قوموا (فلما دخل) جابر (على امرأته) سهيلة (قال) لها: (ويحك) كلمة رحمة تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها نصب بإضمار فعل (جاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمهاجرين والأنصار ومن معهم. قالت) له: (هل سألك) عن شأن الطعام؟ قال جابر: (قلت) لها: (نعم) سألني. وفي رواية يونس قال: فلقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا الله عز وجل. قلت: جاء الخلق على صاع من شعير وعناق، فدخلت على امرأتي أقول: افتضحت جاءك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجند أجمعين فقالت: هل كان سألك كم طعامك؟ فقلت: نعم. فقالت: الله ورسوله أعلم نحن قد أخبرناه بما عندنا فكشفت عني غمًا شديدًا (فقال) عليه الصلاة والسلام لمن معه: (ادخلوا) البيت (ولا تضاغطوا) بضاد وغين معجمتين وطاء مهملة مشالة لا تزدحموا (فجعل) عليه الصلاة والسلام (يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر البرمة والتنور) يغطيهما (إذا أخذ منه ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع) بالتحتية المفتوحة والنون الساكنة والزاي المكسورة والعين المهملة أي يأخذ اللحم من البرمة ويقرب إلى أصحابه (فلم يزل يكسر الخبز ويغرف) من البرمة (حتى شبعوا وبقي بقية قال) عليه الصلاة والسلام لامرأة جابر: (كلي هذا) الذي بقي (وأهدي) بهمزة قطع مفتوحة وكسر الدال المهملة أي ابعثي منه ثم بين سبب ذلك بقوله: (فإن الناس أصابتهم مجاعة) بفتح الميم وفي رواية يونس: فلم نزل نأكل ونهدي يومنا أجمع. وهذا الحديث من أفراده. 4102 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمَصًا شَدِيدًا فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي فَقُلْتُ: هَلْ عِنْدَكِ شَىْءٌ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمَصًا شَدِيدًا، فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي وَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: لاَ تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِمَنْ مَعَهُ، فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنَّا صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ فَصَاحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُؤْرًا فَحَيَّ هَلاً بِكُمْ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ وَلاَ تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ» فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْدُمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي فَقَالَتْ: بِكَ وَبِكَ فَقُلْتُ قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينًا فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ ثُمَّ قَالَ: «ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ مَعِي وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلاَ تُنْزِلُوهَا» وَهُمْ أَلْفٌ فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ أَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عمرو بن علي) بفتح

العين وسكون الميم ابن بحر الصيرفي البصري قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد شيخ المؤلّف أيضًا قال: (أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان) بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية الجمحي المكي قال: (أخبرنا سعيد بن مينا) بكسر العين ومينا بكسر الميم وسكون التحتية وبعد النون ألف ممدود ومقصور (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: لما حفر الخندق) بضم الحاء مبنيًا للمفعول وتاليه نائب الفاعل (رأيت بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمصًا شديدًا) بفتح الخاء المعجمة والميم وبالصاد المهملة ضمور البطن من الجوع (فانكفأت) بالهمزة وقد تبدل ياء لكن قال الحافظ أبو ذر: صوابه فانكفأت بالهمزة، وقال في التنقيح: أصله الهمزة من كفأت الإناء ويسهل. قال في المصابيح: لكن ليس القياس في تسهيل مثله إبدال الهمزة ياء أي انقلبت (إلى امرأتي) سهيلة (فقلت) لها (هل عندك شيء فإني رأيت برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمصًا شديدًا فأخرجت إليّ) بتشديد التحتية (جرابًا) بكسر الجيم (فيه صاع من شعير ولنا بهيمة) بضم الموحدة وفتح الهاء مصغر بهمة وهي الصغير من أولاد الغنم (داجن) بكسر الجيم من الغنم ما يربى في البيوت ولا يخرج إلى المرعى من الدجن وهو الإقامة بالمكان ولا تدخله التاء لأنه صار اسمًا للشاة وخرج عن الوصفية (فذبحتها) أنا بسكون الحاء وضم التاء (وطحنت) امرأتي (الشعير) وسقط الشعير لأبي ذر وابن عساكر (ففرغت) من طحن الشعير (إلى) أي مع (فراغي) من ذبح البهيمة (وقطعتها في برمتها ثم وليت) أي رجعت (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت) سهيلة عقب رجوعي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا تفضحني) بفتح الفوقية والضاد المعجمة بينهما فاء ساكنة (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبمن معه فجئته) ولأبي ذر عن الكشميهني: ومن معه فجئت بحذف الموحدة من قوله: وبمن والضمير من فجئته (فساررته فقلت) له سرًا (يا رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنا) ولأبي ذر وابن عساكر: وطحنت أي امرأته (صاعًا من شعير كان عندنا فتعال أنت ونفر معك) دون العشرة من الرجال (فصاح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (يا أهل الخندق إن جابرًا قد صنع سؤرًا) بضم السين المهملة وبعد الهمزة الساكنة راء كذا في الفرع بالهمزة وفي اليونينية وغيرها بتركها الطعام الذي يدعى إليه أو الطعام مطلقًا وهي لفظة فارسية. قال الطيبي: وقد تظاهرت أحاديث صحيحة بأن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تكلم بالألفاظ الفارسية أي كقوله للحسن - رضي الله تعالى عنه - "كخ" ولعبد الرحمن "مهيم" أي ما هذا؟ ولأم خالد "سنا سنا" يعني حسنة وهو يدل على جوازه، وأما سؤر بالهمزة فهو البقية (فحيّ هلا بكم) بالحاء المهملة وتشديد التحتية وهلا بفتح الها واللام المنونة مخففة كلمة استدعاء فيها حث أي: هلموا مسرعين (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لجابر: (لا تنزلن) بضم الفوقية وكسر الزاي وضم اللام (برمتكم) نصب على المفعولية ولأبي ذر: لا تنزلن بفتح الزاي واللام مبنيًا للمفعول برمتكم رفع مفعول ناب عن فاعله (ولا تخبزن) بفتح الفوقية وكسر الموحدة وضم الزاي وتشديد النون (عجينكم) نصب، ولأبي ذر: ولا يخبزن بضم التحتية وفتح الموحدة والزاي عجينكم رفع (حتى أجيء) إلى منزلكم. قال جابر: (فجئت وجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقدم الناس) بضم الدال (حتى جئت امرأتي فقالت) لما رأت كثرة الناس وقلة الطعام: (بك وبك) أي فعل الله بك كذا وفعل بك كذا فالباء تتعلق بمحذوف (فقلت) لها: (قد فعلت الذي قلت) من إخباره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقلة الطعام وقولك لا تفضحني (فأخرجت) أي المرأة (له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عجينًا فبصق فيه) بالصاد ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: فبسق بالسين ويقال بالزاي أيضًا، لكن قال النووي بالصاد في أكثر الأصول وفي بعضها بالسين المهملة وهي لغة قليلة، وفي القاموس البصاق كغراب والبساق والبزاق ماء الفم إذا خرج

منه وما دام فيه فريق (وبارك) في العجين أي دعا فيه بالبركة (ثم عمد) بفتح الميم قصد (إلى برمتنا فبصق) بالصاد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيه أي في الطعام، ولأبي ذر عن الكشميهني فيها أي في البرمة (وبارك) في الطعام (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (ادع خابزة) كذا في اليونينية وغيرها وفي الفرع: ادع لي خابزة (فلتخبز معي) بسكون اللام (واقدحي) بسكون القاف وفتح الدال وكسر الحاء المهملتين أي اغرفي (من برمتكم) والمغرفة تسمى المقدحة وقدح من المرق غرف منه (ولا تنزلوها) بضم الفوقية وكسر الزاي أي البرمة من فوق الأثافي (وهم) أي والحال أن القوم الذين كانوا (ألف) والحكم للزائد لمزيد علمه فلا يقدح ما روي أنهم كانوا تسعمائة أو ثلاثمائة. قال جابر: (فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا) أي مالوا عن الطعام (وإن برمتنا لتغط) بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي ممتلئة تفور بحيث يسمع لها غطيط (كما هي وإنّ عجيننا ليخبز كما هو) أي لم ينقص من ذلك شيء وما في "كما" كافة وهي مصححة لدخول الكاف على الجملة وهي مبتدأ والخبر محذوف أي كما هي قبل ذلك وهذا علم من أعلام نبوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. والحديث قد سبق مختصرًا في الجهاد. 4103 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ} [الأحزاب: 10] قَالَتْ: كَانَ ذَاكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ. وبه قال: (حدثني) بالتوحيد (عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي أخو أبي بكر والهيثم قال: (حدّثنا عبدة) بن سليمان (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) في قوله تعالى: ({إذ جاؤوكم}) بنو غطفان ({من فوقكم}) من أعلى الوادي من قبل المشرق ({ومن أسفل منكم}) من أسفل الوادي من قبل المغرب قريش، وفي حديث ابن عباس عند ابن مردويه: {إذ جاؤوكم من فوقكم} قال: عيينة بن حصن، ومن أسفل منكم أبو سفيان بن حرب ({وإذ زاغت الأبصار}) مالت عن سننها ومستوى نظرها حيرة أو عدلت عن كل شيء فلم تلتفت إلى عدوّها لشدة الروع ({وبلغت القلوب الحناجر}) [الأحزاب: 10]. الحنجرة رأس الغلصمة وهي منتهى الحلقوم، والحلقوم مدخل الطعام والشراب قالوا: إذا انتفخت الرئة من شدة الفزع أو الغضب ربت وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة وقيل هو مثل في اضطراب القلوب وإن لم تبلغ الحناجر حقيقة. (قالت، عائشة -رضي الله عنها-: (كان ذلك) إشارة إلى ما ذكر من مجيء الكفار من فوق وأسفل وغير ذلك، ولأبي ذر وابن عساكر: ذلك باللام (يوم الخندق). 4104 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى أَغْمَرَ بَطْنَهُ أَوِ اغْبَرَّ بَطْنُهُ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ: "أَبَيْنَا أَبَيْنَا". وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينقل التراب يوم) حفر (الخندق حتى أغمر) بفتح الهمزة وسكون الغين المعجمة وفتح الميم أي: وارى التراب (بطنه أو) قال (اغبر) بالغين المعجمة أيضًا والموحدة بدل الميم وتشديد الراء من الغبار وهو واضح (بطنه) مرفوع على الفاعلية، وفي الأولى منصوب على المفعولية (يقول): رجزًا من كلام عبد الله بن رواحة: (والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينا) كذا بإثبات قد في الفرع كأصله وغيرهما وقال الحافظ ابن حجر: ليس بموزون وتحريره: إن الذين قد بغوا علينا فذكر الراوي الأولى بمعنى الذين وحذف قد اهـ. والظاهر أن "قد" محذوفة من نسخته (إذا أرادوا فتنة أبينا) بالموحدة الفرار (ورفع بها) أي بالكلمة الأخيرة (صوته) وهي (أبينا أبينا) مرتين. وهذا الحديث سبق في باب حفر الخندق من كتاب الجهاد. 4105 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن شعبة) بن الحجاج أنه (قال: حدثني) بالإفراد (الحكم)

بفتحتين ابن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية مصغر عتبة الباب (عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (نصرت) بالنون المضمومة وكسر الصاد يوم الأحزاب (بالصبا) بفتح الصاد المهملة وتخفيف الموحدة والقصر الريح الشرقية (وأهلكت) بضم الهمزة وكسر اللام (عاد بالدبور) بفتح الدال المهملة الريح الغريبة، وعن ابن عباس فيما رواه ابن مردويه قال: قالت الصبا للدبور: اذهبي بنا ننصر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: إن الحرائر لا تهب بالليل فغضب الله عليها فجعلها عقيمًا. وقال مجاهد: سلّط الله على الأحزاب الريح فكفأت قدورهم ونزعت خيامهم حتى أضعفتهم. 4106 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يُحَدِّثُ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ، وَخَنْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَيْتُهُ يَنْقُلُ مِنْ تُرَابِ الْخَنْدَقِ حَتَّى وَارَى عَنِّي الْغُبَارُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعَرِ، فَسَمِعْتُهُ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَاتِ ابْنِ رَوَاحَةَ وَهْوَ يَنْقُلُ مِنَ التُّرَابِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا قَالَ: ثُمَّ يَمُدُّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (أحمد بن عثمان) أبو عبد الله الأزدي الكوفي قال: (حدّثنا شريح بن مسلمة) بالشين المعجمة المضمومة آخره حاء مهملة مصغر ومسلمة بميم فلام مفتوحتين بينهما مهملة ساكنة الكوفي (قال: حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن يوسف قال: حدثني) بالإفراد أيضًا (أبي) يوسف بن إسحاق (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه (قال: سمعت البراء) زاد أبو ذر وابن عساكر: ابن عازب حال كونه (يحدث قال: لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى) ستر (عني التراب) كذا في الفرع، والذي في اليونينية الغبار (جلدة بطنه وكان كثير الشعر) أي شعر صدره وهو معارض بما روي في صفته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان دقيق المسربة أي الشعر الذي في الصدر إلى البطن وجمع بينهما بأنه كان مع دقته كثيرًا أي لم يكن منتشرًا بل كان مستطيلاً (فسمعته) عليه الصلاة والسلام (يرتجز بكلمات ابن رواحة) عبد الله الأنصاري (وهو ينقل من التراب يقول): (اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام وإن لاقينا ... إن الألى قد بغوا) ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والكشميهني: رغبوا (علينا وإن أرادوا فتنة أبينا قال: ثم يمد) عليه الصلاة والسلام (صوته بآخرها) وهي أبينا. 4107 - حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَوَّلُ يَوْمٍ شَهِدْتُهُ يَوْمُ الْخَنْدَقِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة (ابن عبد الله) أبو سهل الصفار الخزاعي البصري قال: (حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد (عن عبد الرحمن هو ابن عبد الله بن دينار عن أبيه أن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: أول يوم شهدته) أي باشرت فيه القتال (يوم) غزوة (الخندق). وقد سبق أنه عرض في يوم أُحُد وهو ابن أربع عشرة سنة ولم يجزه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويوم بالرفع ولأبي ذر بالفتح. 4108 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ وَنَسْوَاتُهَا تَنْطُفُ قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ مَا تَرَيْنَ فَلَمْ يُجْعَلْ لِي مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ فَقَالَتِ: الْحَقْ فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ فِي احْتِبَاسِكَ عَنْهُمْ فُرْقَةٌ، فَلَمْ تَدَعْهُ حَتَّى ذَهَبَ فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ خَطَبَ مُعَاوِيَةُ قَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الأَمْرِ فَلْيُطْلِعْ لَنَا قَرْنَهُ فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ، وَمِنْ أَبِيهِ قَالَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَهَلاَّ أَجَبْتَهُ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَلَلْتُ حُبْوَتِي وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْكَ مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ عَلَى الإِسْلاَمِ فَخَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجَمْعِ وَتَسْفِكُ الدَّمَ وَيُحْمَلُ عَنِّي غَيْرُ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِي الْجِنَانِ قَالَ حَبِيبٌ: حُفِظْتَ وَعُصِمْتَ. قَالَ مَحْمُودٌ: عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَنَوْسَاتُهَا. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الرازي الفراء الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سالم عن ابن عمر قال) معمر بن راشد: (وأخبرني) بالإفراد (ابن طاوس) عبد الله (عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه (قال: دخلت على حفصة) أختي (ونسواتها) بفتح النون وسكون السين المهملة وبعد الواو المفتوحة ألف ففوقية فهاء كذا في الفرع وأصله بسكون السين، ونسب للمحكم بكسر النون وضبطه غير واحد من الشراح بفتحها أي ضفائر شعرها، وعند ابن السكن نوساتها بتقديم الواو على السين. قال القاضي عياض: وهو أشبه بالصحة. وقال أبو الوليد الوقشي: إنه الصواب من ناس ينوس إذا تحرك وتسمى الذوائب نوسات لأنها تتحرك كثيرًا، وفي القاموس النوس والنوسان التذبذب وذو نواس بالضم زرعة بن حسان من أذواء اليمن لذؤابة كانت تنوس على ظهره وقال الماوردي: نوساتها بفتح الواو وسكونها أي ضفائر شعرها (تنطف) بكسر الطاء المهملة وتضم لغير أبي ذر أي تقطر ولعلها اغتسلت (قلت) لها (قد كان من أمر الناس ما ترين) أي مما وقع بين علي ومعاوية من القتال في صفين يوم اجتماعهم على الحكومة فيما اختلفوا فيه فراسلوا بقايا الصحابة

من الحرمين وغيرهما وتواعدوا على الاجتماع لينظروا في ذلك (فلم يجعل لي) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول (من الأمر) أي من الإمارة والملك (شيء فقالت) له حفصة: (الحق) بهم بكسر الهمزة وفتح الحاء (فإنهم ينتظرونك وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة) بينهم ومخالفة (فلم تدعه) أي لم تدع حفصة أخاها عبد الله (حتى ذهب) إلى القوم في المكان الذي كان فيه الحكمان وحضر ما وقع بينهم (فلما تفرق الناس) بعد قضية التحكيم وحاصلها: أنهم اتفقوا على تحكيم أبي موسى الأشعري من جهة علي وعمرو بن العاص من جهة معاوية، فقال عمرو لأبي موسى: قم فأعلم الناس بما اتفقنا عليه فخطب أبو موسى فقال في خطبته: أيها الناس إنا قد نظرنا في هذا فلم نر أمرًا أصلح لها ولا ألّم لشعثها من رأي اتفقت أنا وعمرو عليه وهو أنا نخلع عليًّا ومعاوية ونترك الأمر شورى ونستقبل للأمة هذا الأمر فيولوا عليهم من أحبوه، وإني قد خلعت عليًّا ومعاوية ثم تنحى وجاء عمر فقام مقامه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن هذا قد قال ما سمعتم وأنه قد خلع صاحبه وإني قد خلعته كما خلعه وأثبّت صاحبي معاوية فإنه ولي عثمان والمطالب بدمه وهو أحق الناس فلما انفصل الأمر على هذا (خطب معاوية قال): معرّضًا بابن عمر وأبيه (من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر) أمر الخلافة (فليطلع) بسكون اللام الأولى وكسر الثانية وضم التحتية (لنا قرنه) بفتح القاف وسكون الراء وفتح النون أي فليبد لنا رأسه أو صفحة وجهه والقرنان في الوجه أي فليظهر لنا نفسه ولا يخفها (فلنحن أحق به) بأمر الخلافة (منه) من عبد الله بن عمر (ومن أبيه) عمر، ولعل معاوية كان رأيه في الخلافة تقديم الفاضل في القوة والمعرفة والرأي على الفاضل في السبق إلى الإسلام والدين، فلذا أطلق أنه أحق، ورأى ابن عمر خلاف ذلك أنه لا يبالغ المفضول إلا إذا خشي الفتنة، ولذا بايع بعد ذلك معاوية ثم ابنه يزيد ونهى بنيه عن نقض بيعته كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الفتن بعون الله تعالى وفضله ولذا (قال حبيب بن مسلمة) بميمين مفتوحتين وسكون السين المهملة ابن مالك بن وهب الفهري الصحابي الصغير لابن عمر (فهلا أجبته)؟ أبي معاوية عما قاله (قال عبد الله) بن عمر (فحللت حبوتي) بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة ثوب يلقى على الظهر ويربط طرفاه على الساقين بعد ضمهما (وهممت أن أقول) له (أحق بهذا الأمر) أمر الخلافة (منك من قاتلك وأباك) أبا سفيان يوم أُحُد يوم الخندق (على الإسلام) وأنتما حينئذ كافران وهو علي بن أبي طالب (فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع) بسكون الميم ولأبي ذر بين الجمع بكسرها وزيادة تحتية (وتسفك الدم) بفتح الفوقية وكسر الفاء (ويحمل) بضم التحتية وفتح الميم (عني غير ذلك) ما لم أرده (فذكرت ما أعد الله) عز وجل لمن صبر (في الجنان) من الخيرات والحور الحسان (قال حبيب) هو ابن مسلمة لابن عمر مصوّبًا رأيه (حفظت وعصمت) بضم أولهما وفتح الفوقيتين. (قال محمود): هو ابن غيلان المروزي شيخ المؤلّف مما وصله محمد بن قدامة الجوهري في كتاب أخبار الخوارج له (عن عبد الرزاق) أي عن معمر شيخ هشام بن يوسف بسنده إلى ابن عمر وقال: (ونوساتها) بتقديم الواو على السين كما سبق معزوًّا لرواية ابن السكن، وفي المحكم لابن سيده بسكون الواو وفتحها. وقال العيني: لا وجه لذكر هذا الحديث هنا إلا أن يقال ذكره استطرادًا لما قبله لأن كلاًّ منهما يتعلق بابن عمر انتهى. ويحتمل أن يكون في قوله من قاتلك وأباك على الاسم المفسر بيوم أُحُد والأحزاب إذ إن أبا سفيان كان قائدًا للأحزاب يومئذ. وهذا الحديث من أفراده. 4109 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الأَحْزَابِ: «نَغْزُوهُمْ وَلاَ يَغْزُونَنَا». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن سليمان بن صرد) بضم الصاد وفتح الراء بعدها دال مهملات ابن الجون بفتح الجيم الخزاعي الصحابي المشهور أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) غزوة (الأحزاب) لما انصرفت قريش. (نغزوهم ولا

يغزوننا) ولابن عساكر: ولا يغزونا بإسقاط نون الجمع من غير ناصب ولا جازم وهي لغة فاشية. 4110 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُولُ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ حِينَ أَجْلَى الأَحْزَابُ عَنْهُ: «الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلاَ يَغْزُونَنَا نَحْنُ نَسِيرُ إِلَيْهِمْ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا يحيى بن آدم) بن سليمان صاحب الثوري قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس قال: (سمعت) جدي (أبا إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (يقول: سمعت سليمان بن صرد يقول: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول حين أجلى) بفتح الهمزة وسكون الجيم وفتح اللام (الأحزاب عنه). كذا في فرع اليونينية كأصلها. وقال الحافظ ابن حجر: أجلى ضبط بضم الهمزة وسكون الجيم وكسر اللام أي ارجعوا عنه وفيه إشارة إلى أنهم رجعوا بغير اختيارهم بل بصنع الله تعالى لرسوله. (الآن نغزوهم ولا يغزوننا) بنونين ولابن عساكر: ولا يغزونا (نحن نسير إليهم). وقد وقع ذلك كما قال عليه الصلاة والسلام فإنه اعتمر في السنة المقبلة فصدّته قريش ووقعت الهدنة بينهم إلى أن نقضوها فكان ذلك سبب فتح مكة. 4111 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: «مَلأَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنْ الصَلاَةِ الْوُسْطَى» حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ. وبه قال: (حدثنا) ولأبي ذر وابن عساكر: حدثني بالإفراد (إسحاق) هو ابن منصور المروزي قال: (حدّثنا روح) هو ابن عبادة قال: (حدّثنا هشام) قال في الفتح: هو ابن حسان أي القردوسي قال: وكنت ذكرت في الجهاد أنه الدستوائي، ثم رأيت المزي جزم في الأطراف بأنه ابن حسان ثم وجدته مصرحًا به في عدة طرق فهو المعتمد (عن محمد) هو ابن سيرين (عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة ابن عمرو السلماني الكوفي (عن علي) بن أبي طالب -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال يوم) وقعة (الخندق): (ملأ الله عليهم) أي على الكفار (بيوتهم) أحياء (وقبورهم) أمواتًا (نارًا كما شغلونا) بقتالهم، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: كلما بزيادة اللام. قال ابن حجر: وهو خطأ (عن الصلاة الوسطى) زاد مسلم: صلاة العصر (حتى غابت الشمس) وأكثر علماء الصحابة وغيرهم أنها العصر كما سيأتي إن شاء الله تعالى في تفسير سورة البقرة. 4112 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ جَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ قَالَ النَّبِيُّ: «وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا» فَنَزَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ. وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد أبو السكن الحنظلي التميمي قال: (حدّثنا هشام) أي ابن حسان القردوسي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- (أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس) ولأبي ذر عن الكشميهني: غابت الشمس (جعل) بإسقاط الفاء من فجعل الثابتة عنده في آخر المواقيت (يسب كفار قريش وقال: يا رسول الله ما كدت) بكسر الكاف (أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب) وسقط لابن عساكر لفظة "أن" من قوله: أن تغرب أي ما صليت حتى غربت لأن كاد إذا تجرّدت من النفي كان معناها الإثبات فإن دخل عليها النفي كان نفيًا لأن قولك ما كاد زيد يقوم معناه نفي قرب الفعل وهاهنا نفي قرب الصلاة فانتفت الصلاة بطريق الأولى (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (والله ما صليتها فنزلنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بطحان) بضم الموحدة وسكون الطاء المهملة واد بالمدينة (فتوضأ) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (للصلاة وتوضأنا لها فصلّى العصر) بنا جماعة (بعدما غربت الشمس ثم صلى) بنا (بعدها المغرب). 4113 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الأَحْزَابِ: «مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ»؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا ثُمَّ قَالَ: «مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ»؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا ثُمَّ قَالَ: «مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ»؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي البصري قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن ابن المنكدر) محمد أنه (قال: سمعت جابرًا) هو ابن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- (يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الأحزاب): (من يأتينا بخبر القوم) يعني بني قريظة كما قال الواقدي: هل نقضوا العهد بينهم وبين المسلمين؟ ووافقوا قريشًا على محاربة المسلمين. (فقال الزبير) بن العوّام (أنا) آتيك بخبرهم يا رسول الله (ثم قال: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا) آتيك بالتكرار ثلاث مرات (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (إن لكل نبي حواريًّا) كذا بفتح الحاء المهملة والواو آخره تحتية مشددة خاصة من أصحابه أو ناصرًا أو وزيرًا

30 - باب مرجع النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم

(وإن حواري الزبير) بتشديد التحتية كالسابقة. والحديث سبق في باب فضل الطليعة من كتاب الجهاد. 4114 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ أَعَزَّ جُنْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَغَلَبَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ، فَلاَ شَىْءَ بَعْدَهُ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه) أبي سعيد كيسان المقبري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول): (لا إله إلا الله وحده أعزّ جنده ونصر عبده) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وغلب الأحزاب) الذين جاؤوا من مكة وغيرها يوم الخندق (وحده فلا شيء بعده) أي جميع الأشياء بالنسبة إلى وجوده تعالى كالعدم إذ كل شيء يفنى وهو الباقي فهو بعد كل شيء فلا شيء بعده. 4115 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ وَعَبْدَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما- يَقُولُ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الأَحْزَابِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر: حدثني بالإفراد (محمد) غير منسوب وهو ابن سلام البيكندي قال: (أخبرنا الفزاري) بفتح الفاء والزاي مروان بن معاوية بن الحارث الكوفي سكن مكة (وعبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان كلاهما (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعد البجلي أنه (قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى) علقمة الأسلمي (-رضي الله عنهما- يقول: دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الأحزاب) يوم الخندق (فقال): (اللهم) أي يا الله يا (منزّل الكتاب) القرآن. قال الطيبي: لعل تخصيص هذا الوصف بهذا المقام تلويح إلى معنى الاستنصار في قوله تعالى: {ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} [التوبة: 33]. و {الله متم نوره} [الصف: 8]. وأمثال ذلك يا (سريع الحساب) أي فيه (اهزم الأحزاب) بالزاي المعجمة اكسرهم وبدّد شملهم (اللهم اهزمهم وزلزلهم) فلا يثبتوا عند اللقاء بل تطيش عقولهم، وقد فعل الله تعالى ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأرسل عليهم ريحًا وجنودًا فهزمهم. وقد سبق هذا الحديث في باب الدعاء على المشركين بالهزيمة من الجهاد. 4116 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنَ الْغَزْوِ أَوِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ يَبْدَأُ فَيُكَبِّرُ ثَلاَثَ مِرَارٍ ثُمَّ يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونُ سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر (ونافع) مولى ابن عمر كلاهما (عن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (-رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا قفل) بفتح القاف والفاء أي رجع (من الغزو أو الحج أو العمرة) كلمة "أو" للتنويع لا للشك (يبدأ فيكبر ثلاث مرار) ولأبي ذر: مرات (ثم يقول): (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون) بمدّ الهمزة أي نحن راجعون إلى الله تعالى نحن (تائبون) إليه تعالى قاله عليه الصلاة والسلام تعليمًا لأمته أو تواضعًا. نحن (عابدون) نحن (ساجدون لربنا) نحن (حامدون) له تعالى. قال في شرح المشكاة: لربنا يجوز أن يتعلق بقوله عابدون لأن عمل اسم الفاعل ضعيف فيتقوى به أو بحامدون ليفيد التخصيص أي نحمد ربنا لا نحمد غيره وهذا أولى لأنه كالخاتمة للدعاء، ومثله في التعليق قوله تعالى: {لا ريب فيه هدى للمتقين} [البقرة: 2] يجوز أن يقف على لا ريب فيكون فيه هدى مبتدأ وخبرًا فيقدر خبر لا ريب مثله، ويجوز أن يتعلق بلا ريب ويقدر مبتدأ لهدى اهـ. وفي مجموعي في فنون القرآن مزيد على ما ذكر في الآية. (صدق الله وعده) فيما وعد به من إظهار دينه (ونصر عبده) محمدًا القائم بحقوق العبودية -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشرف وكرم (وهزم الأحزاب) الذي تجمعوا يوم الخندق له (وحده) نفي السبب فناء في المسبب {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [الانفال: 17]. 30 - باب مَرْجَعِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الأَحْزَابِ وَمَخْرَجِهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَمُحَاصَرَتِهِ إِيَّاهُمْ (باب مرجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الميم وسكون الراء وكسر الجيم في الفرع، وقال الكرماني، وتبعه البرماوي: بفتحها هو المناسب للمحاصرة والفتح هو الذي في اليونينية (من) المكان الذي وقع فيه قتال (الأحزاب) إلى منزله بالمدينة (ومخرجه) منها (إلى بني قريظة) بضم القاف وفتح الظاء المعجمة المشالة بوزن جهينة قبيلة من يهود خيبر لسبع بقين من ذي القعدة سنة خمس في ثلاثة آلاف رجل وستة وثلاثين فرسًا (ومحاصرته إياهم) بضعًا وعشرين ليلة. 4117 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله تعالى عنها - قَالَتْ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْخَنْدَقِ وَوَضَعَ السِّلاَحَ وَاغْتَسَلَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلاَحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَاهُ فَاخْرُجْ إِلَيْهِمْ. قَالَ: «فَإِلَى أَيْنَ»؟ قَالَ: هَا هُنَا وَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِمْ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي قال: (حدّثنا) كذا

فى اليونينية وغيرها وفي الفرع بدلها قال: (ابن نمير) بضم النون مصغرًا عبد الله (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة - رضي الله تعالى عنها -) أنها (قالت): (لما رجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الخندق) إلى المدينة (ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل عليه السلام فقال): مخاطبًا له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قد وضعت السلاح والله) نحن معاشر الملائكة (ما وضعناه فاخرج) بالفاء وبالجزم على الطلب، ولأبي ذر وابن عساكر أخرج (إليهم قال) له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإلى أين)؟ أذهب (قال) جبريل: (هاهنا وأشار إلى) ولأبي ذر عن الكشميهني: وأشار بيده إلى (بني قريظة فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم) وذلك لأنهم كانوا نقضوا العهد وتمالؤوا مع قريش وغطفان على حربه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا الحديث قد سبق في باب الغسل بعد الحرب من الجهاد. 4118 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْغُبَارِ سَاطِعًا فِي زُقَاقِ بَنِي غَنْمٍ مَوْكِبِ جِبْرِيلَ حِينَ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا جرير بن حازم) الأزدي البصري (عن حميد بن هلال) العدوي البصري (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: كأني أنظر إلى الغبار ساطعًا) أي مرتفعًا (في زقاق بني غنم) بضم الزاي وتخفيف القاف وبعد الألف قاف أخرى، وغنم بفتح الغين المعجمة وسكون النون بطن من الخزرج من وُلد غنم بن مالك بن النجار، وأشار بهذا إلى أنه يستحضر القصة حتى كأنه ينظر إليها مشخصة له بعد تلك المدة الطويلة (موكب جبريل) بنصب موكب بتقدير أنظر موكب، ولأبي ذر: موكب بالجبر بدلاً من الغبار، وضبطه ابن إسحاق موكب بالضم كما ذكره في هامش اليونينية خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا موكب جبريل، والموكب نوع من السير وجماعة الفرسان أو جماعة ركاب يسيرون برفق، وزاد أبو ذر صلوات الله عليه (حين سار رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى بني قريظة). وهذا الحديث سبق في باب ذكر الملائكة من بدء الخلق. 4119 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الأَحْزَابِ: «لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) بن عبيد بن مخارق أبو عبد الرحمن الضبعي ويقال الهلالي البصري قال: (حدّثنا جويرية بن أسماء) بن عبيد الضبعي البصري وهو عم السابق (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الأحزاب): (لا يصلّين) بنون التأكيد الثقيلة (أحد) منكم (العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر) نصب على المفعولية، ولأبي ذر: بعضهم نصب مفعول مقدم العصر رفع على الفاعلية (في الطريق فقال بعضهم): الضمير لنفس بعض الأول (لا نصلي حتى نأتيها) أي بني قريظة عملاً بظاهر قوله لا يصلّين أحد لأن في النزول مخالفة للأمر الخاص فخصوا عموم الأمر بالصلاة أول وقتها بما إذا لم يكن عذر بدليل أمرهم بذلك (وقال بعضهم: بل نصلي) نظرًا إلى المعنى لا إلى ظاهر اللفظ (لم يرد) بضم الأول وفتح الثاني، وفي اليونينية بكسر الراء (منا ذلك) الظاهر بل المراد لازمه وهو الاستعجال في الذهاب لبني قريظة فصلوا ركبانًا لأنهم لو لم يصلوا ركبانًا لكان فيه مضادة للأمر بالإسراع (فذكر) بضم الذال المعجمة (ذلك) المذكور من فعل الطائفتين (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يعنف واحدًا منهم) لا التاركين ولا الذين فهموا أنه كناية عن العجلة. وقد سبق هذا الحديث في باب صلاة الطالب والمطلوب من صلاة الخوف. تنبيه: وقع في البخاري: لا يصلّين أحد العصر، وفي مسلم: الظهر مع اتفاقهما على روايتهما عن شيخ واحد بإسناد واحد، ووافق البخاري أبو نعيم وأصحاب المغازي، والطبراني والبيهقي في دلائله، ووافق مسلمًا أبو يعلى وابن سعد وابن حبان فجمع بينهما باحتمال أن يكون بعضهم قبل الأمر كان صلّى الظهر وبعضهم لم يصلها فقيل لمن لم يصلها: لا يصلّين أحد الظهر ولمن صلاها لا يصلّين أحد العصر، أو إن طائفة منهم راحت بعد طائفة فقيل للطائفة الأولى الظهر وللتي بعدها العصر. قال ابن حجر: وكلاهما جمع لا بأس به لكن يبعده اتحاد المخرج لأنه عند الشيخين بإسناد من مبدئه إلى منتهاه فيبعد أن يكون كل من رجال إسناده

قد حدّث به على الوجهين إذ لو كان كذلك لحمله واحد منهم عن بعض رواته على الوجهين ولم يوجد ذلك اهـ. وقيل في وجه الجمع أيضًا أن يكون عليه الصلاة والسلام قال لأهل القوة أو لمن كان منزله قريبًا: لا يصلّين أحد الظهر، وقال لغيرهم: لا يصلّين أحد العصر. 4120 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ وَحَدَّثَنِي خَلِيفَةُ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّخَلاَتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ وَإِنَّ أَهْلِي أَمَرُونِي أَنْ آتِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْأَلَهُ الَّذِينَ كَانُوا أَعْطَوْهُ أَوْ بَعْضَهُ وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَعْطَاهُ أُمَّ أَيْمَنَ فَجَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَجَعَلَتِ الثَّوْبَ فِي عُنُقِي تَقُولُ: كَلاَّ وَالَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لاَ يُعْطِيكَهُمْ وَقَدْ أَعْطَانِيهَا أَوْ كَمَا قَالَتْ: وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَكِ كَذَا» وَتَقُولُ: كَلاَّ وَاللَّهِ حَتَّى أَعْطَاهَا حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: عَشَرَةَ أَمْثَالِهِ أَوْ كَمَا قَالَ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر: حدثني بالإفراد (ابن أبي الأسود) هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود واسم أبي الأسود حميد بن الأسود البصري الحافظ قال: (حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان بن طرخان التيمي (ح). قال البخاري: (وحدثني) بالواو والإفراد (خليفة) بن خياط قال: (حدّثنا معتمر قال: سمعت أبي) سليمان (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان الرجل) من الأنصار (يجعل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ثمر (النخلات) من عقاره هدية أو هبة ليصرفها في نوائبه (حتى) أي إلى أن (افتتح قريظة والنضير) ردّها إليهم لاستغنائهم عن تلك ولأنهم لم يملكوا أصل الرقبة، ولأبي ذر عن الكشميهني حين بدل حتى والأولى أوجه (وإن أهلي أمروني أن آتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسأله) بهمزة قطع مفتوحة منصوب عطفًا على المنصوب السابق أن يرد إليهم النخل (الذين) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر في نسخة الذي (كانوا أعطوه) ثمرها (أو بعضه، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أعطاه أم أيمن) بركة حاضنته (فجاءت أم أيمن) أي فأعطانيه فجاءت أم أيمن كما في مسلم (فجعلت الثوب في عنقي) حال كونها (تقول كلا) أي ارتاع عن هذا (والذي لا إله إلا هو لا يعطيكم) عليه الصلاة والسلام، ولابن عساكر: لا يعطيكم بإسقاط الهاء، ولأبي ذر: لا نعطيكم بالنون بدل التحتية (وقد أعطانيها) ملكًا لرقبتها قالته على سبيل الظن (أو كما قالت) أم أيمن شك الراوي في اللفظ مع حصول المعنى (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) لها ملاطفة لها لما لها عليه من حق الحضانة: (لك كذا) أي من عندي بدل ذلك (و) هي (تقول) لأنس -رضي الله عنه- (كلا والله) لا نعطيكم (حتى أعطاها) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال سليمان بن طرخان: (حسبت أنه) أي أنسًا (قال: عشرة أمثاله أو كما قال) أنس: فرضيت وطاب قلبها وهذا من كثرة حلمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبرّه وفرط جوده. وقد مرّ هذا الحديث في الخُمس مختصرًا وفي غيره. 4121 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- يَقُولُ: نَزَلَ أَهْلُ قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى سَعْدٍ، فَأَتَى عَلَى حِمَارٍ فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْمَسْجِدِ، قَالَ لِلأَنْصَارِ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ أَوْ خَيْرِكُمْ» فَقَالَ: «هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ» فَقَالَ: «تَقْتُلُ مُقَاتِلَتَهُمْ وَتَسْبِي ذَرَارِيَّهُمْ» قَالَ: «قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ وَرُبَّمَا قَالَ: بِحُكْمِ الْمَلِكِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه (قال: سمعت أبا أمامة) أسعد أو سعد بن سهل بن حنيف الأنصاري (قال: سمعت أبا سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي الله عنه- يقول: نزل أهل قريظة) من حصنهم (على حكم سعد بن معاذ) بعد أن حاصرهم خمسة عشر يومًا أشد الحصار ورموا بالنبل وكان سعد ضعيفًا وكان قد دعا الله أن لا يميته حتى يشفي صدره من بني قريظة (فأرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى سعد فأتى على حمار فلما دنا) قرب (من المسجد) الذي كان أعدّه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بني قريظة أيام حصارهم. وقال في المصابيح: إن قوله من المسجد متعلق بمحذوف أي فلما دنا آتيًا من المسجد فإن مجيئه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان من مسجد المدينة (قال) عليه الصلاة والسلام (للأنصار): (قوموا إلى سيدكم) سعد بن معاذ (أو) قال (خيركم) بالشك من الراوي، ولأبي ذر: أو أخيركم. زاد في مسند أحمد عن عائشة -رضي الله عنها- فأنزلوه (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (هؤلاء) بنو قريظة (نزلوا) من حصونهم (على حكمك) فيهم (فقال) سعد: يا رسول الله (تقتل) منهم بفتح الفوقية الأولى وضم الثانية (مقاتلتهم) وهم الرجال (وتسبي) بفتح الفوقية وكسر الموحدة (ذراريهم) تشديد التحتية وهم النساء والصبيان (قال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قضيت) فيهم (بحكم الله وربما قال) عليه الصلاة والسلام (بحكم الملك) بكسر اللام شك الراوي في أي اللفظين قال عليه الصلاة

والسلام وهما بمعنى، والحديث مرّ في باب إذا نزل العدوّ على حكم رجل. 4122 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ حِبَّانُ ابْنُ الْعَرِقَةِ: رَمَاهُ فِي الأَكْحَلِ فَضَرَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْخَنْدَقِ، وَضَعَ السِّلاَحَ وَاغْتَسَلَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَهْوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ السِّلاَحَ، وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ اخْرُجْ إِلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَأَيْنَ»؟ فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَرَدَّ الْحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ. قَالَ هِشَامٌ فَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ سَعْدًا قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَىَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ، مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَخْرَجُوهُ اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَىْءٌ فَأَبْقِنِي لَهُ، حَتَّى أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ مَوْتَتِي فِيهَا فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ فَلَمْ يَرُعْهُمْ وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ إِلاَّ الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا فَمَاتَ مِنْهَا -رضي الله عنه-. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (زكريا بن يحيى) بن صالح أبو يحيى البلخي الحافظ قال: (حدّثنا عبد الله بن نمير) بالنون مصغرًا الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: أصيب سعد) هو ابن معاذ الأنصاري (يوم الخندق رماه رجل من) كفار (قريش يقال له: حبان) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة (ابن العرقة) بفتح العين المهملة وكسر الراء بعدها قاف فهاء تأنيث اسم أمه لطيب ريحها. قال في المصابيح: وذكر الزبير بن بكار في الأنساب أن اسمها قلابة بنت أسعد، فعلى هذا تكون العرقة وصفًا لها أو لقبًا، ولأبي ذر وهو حبان بن قيس من بني معيص بن عامر بن لؤي بفتح ميم معيص وكسر العين المهملة بعدها تحتية ساكنة فمهملة ابن علقمة بن عبد مناف (رماه في الأكحل) بفتح الهمزة وسكون الكاف بعدها مهملة فلام عرق في وسط الذراع في كل عضو منه شعبة إذا قطع لم يرقأ الدم (فضرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيمة) كذا في اليونينية وغيرها وفي الفرع خيمته (في المسجد) النبوي بالمدينة، وعند ابن إسحاق في خيمة رفيدة عند مسجده وكانت تداوي الجرحى (ليعوده من قريب، فلما رجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الخندق) إلى بيته بالمدينة وجواب لما قوله (وضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل عليه السلام) زاد ابن سعد على فرس عليه عمامة سوداء قد أرخاها بين كتفيه على ثناياه الغبار وتحته قطيفة حمراء (وهو) أي والحال أنه ينفض رأسه من الغبار (فقال) للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قد وضعت السلاح والله ما وضعته، أخرج إليهم. قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (فأين) أذهب؟ (فأشار) جبريل عليه السلام (إلى بني قريظة فأتاهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فحاصرهم بضع عشرة ليلة كما عند موسى بن عقبة، وفي حديث علقمة بن وقاص عن عائشة عند الطبراني وأحمد خمسًا وعشرين، وكذا عند ابن إسحاق، وزاد: حتى أجهدهم الحصار وقذف في قلوبهم الرعب، فعرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد أن يؤمنوا أو يقتلوا نساءهم وأبناءهم ويخرجوا مستقتلين أو يبيتوا المسلمين ليلة السبت فقالوا: لا نؤمن ولا نستحل السبت وأي عيش لنا بعد أبنائنا ونسائنا فأرسلوا إلى أبي لبابة بن عبد المنذر وكانوا حلفاءه فاستشاروه في النزول على حكم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأشار إلى حلقه يعني الذبح ثم ندم فتوجه إلى المسجد النبوي فارتبط به حتى تاب الله عليه. (فنزلوا على حكمه) عليه الصلاة والسلام (فردّ) عليه الصلاة والسلام (الحكم) فيهم (إلى سعد) أي ابن معاذ فأرسل إليه فلما حضر (قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل) الطائفة (المقاتلة) منهم وهم الرجال (وأن تسبى النساء والذرية) أي الصبيان (وأن تقسم أموالهم) وعند ابن إسحاق فخندقوا لهم خنادق فضربت أعناقهم فجرى الدم في الخندق وقسم أموالهم ونساءهم وأبناءهم وكانوا ستمائة. وعند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح أنهم كانوا أربعمائة مقاتل فيجمع بينهما بأن الباقين كانوا أتباعًا. (قال هشام) بالإسناد السابق: (فأخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن سعدًا قال: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحبّ إليّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخرجوه) من وطنه مكة (اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فإن كان بقي من حرب) كفار (قريش شيء فأبقني) بهمزة قطع (له) أي للحرب. ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: لهم أي لقريش (حتى أجاهدهم فيك وإن كنت وضعت الحرب) بيننا وبينهم (فافجرها) بهمزة وصل وضم الجيم أي جراحته وقد كادت أن تبرأ، وفي مسلم من رواية عبد الله بن نمير عن هشام قال سعد: وتحجر كلمة للبرء: اللهم إنك تعلم الخ .. ومعنى تحجر يبس (واجعل موتي فيها) لأفوز بمرتبة الشهادة (فانفجرت من لبته) بفتح اللام والموحدة

31 - باب غزوة ذات الرقاع، وهي غزوة محارب خصفة من بني ثعلبة من غطفان.

المشددة وكسر المثناة من موضع القلادة من صدره، وكان موضع الجرح ورم حتى وصل الورم إلى صدره فانفجر منه. وعند ابن سعد من مرسل حميد بن هلال أنه مرت به عنز وهو مضطجع فأصاب ظلفها موضع الجرح فانفجر، ولأبي ذر عن الكشميهني: من ليلته. قال في الفتح: وهو تصحيف. (فلم يرعهم) بفتح أوله وضم ثانيه وتسكين العين المهملة أي لم يفزع أهل المسجد (وفي المسجد خيمة) والجملة حالية (من بني غفار) أي لرجل أو من خيام بني غفار بكسر المعجمة وتخفيف الفاء. وعند ابن إسحاق إنها لرفيدة فلعل زوجها كان من بني غفار، ورجع الكرماني وتبعه البرماوي الضمير في قوله: فلم يرعهم لبني غفار قال: والسياق يدل عليه أي لم يفزع بني غفار (إلا الدم) الخارج من جرح سعد (يسيل إليهم) إلى أهل المسجد (فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم)؟ بكسر القاف وفتح الموحدة من جهتكم وهذا يضعف قول الكرماني أن الضمير راجع لبني غفار على ما لا يخفى. نعم إن كان ثمّ خيمة غير التي فيها سعد فلا إشكال. (فإذا سعد يغذو) بالغين والذال المعجمتين يسيل (جرحه دمًا فمات منها) أي من تلك الجراحة واهتز لموته عرش الرحمن وشيّعه سبعون ألف ملك (-رضي الله عنه-). وهذا الحديث سبق في باب الخيمة في المسجد من كتاب الصلاة. 4123 - حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِحَسَّانَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ: «اهْجُهُمْ - أَوْ هَاجِهِمْ - وَجِبْرِيلُ مَعَكَ». وبه قال: (حدّثنا الحجاج) ولأبي ذر حجاج (بن منهال) بكسر الميم وسكون النون السلمي الأنماطي البصري قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (عدي) هو ابن ثابت الأنصاري الكوفي (أنه سمع البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحسان) بن ثابت (يوم قريظة) سقط لأبي ذر يوم قريظة: (اهجهم) بضم الجيم أمر من الهجو ضدّ المدح أي المشركين (أو هاجهم) بكسر الجيم من المهاجاة من باب المفاعلة الدالة على الاشتراك في الهجو والشك من الراوي (وجبريل معك) بالتأكيد والمعونة والواو للحال. 4124 - وَزَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ قُرَيْظَةَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ «اهْجُ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ مَعَكَ». (وزاد إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء مما وصله النسائي بإسناده على شرط البخاري (عن الشيباني) أبي إسحاق سليمان (عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم قريظة لحسان بن ثابت اهج المشركين فإن جبريل معك) وعند ابن مردويه من حديث جابر مما ذكره في الفتح لما كان يوم الأحزاب وردهم الله بغيظهم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من يحمي أعراض المسلمين" فقام كعب وابن رواحة وحسان فقال لحسان: "اهجهم أنت فإنه سيعينك عليهم روح القدس" وزيادة ابن طهمان عن الشيباني تعين أن الأمر كان يوم قريظة. تمت غزوة بني قريظة والله أعلم. {بسم الله الرحمن الرحيم ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا} [الكهف: 10]. 31 - باب غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَهْيَ غَزْوَةُ مُحَارِبِ خَصَفَةَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ. (باب غزوة ذات الرقاع) بكسر الراء بعدها قاف فألف فعين مهملة وسقط باب لأبي ذر فما بعده رفع (وهي غزوة محارب خصفة) بالخاء المعجمة والصاد المهملة والفاء المفتوحات وبإضافة محارب لتاليه للتمييز عن غيرهم من المحاربين لأن محارب في العرب جماعة كأنه قال: محارب الذين ينسبون إلى خصفة بن قيس عيلان بن إلياس بن مضر لا الذين ينسبون إلى فهر وإلى غيرهم ثم إن خصفة المذكور (من بني ثعلبة من غطفان) بمثلثة وعين مهملة في الأول وفتح الغين المعجمة والمهملة والفاء كذا في البخاري، وهو يقتضي أن ثعلبة جد محارب. قال ابن حجر: وليس كذلك فإن غطفان هو ابن سعد بن قيس بن عيلان فمحارب وغطفان ابنا عم فكيف يكون الأعلى منسوبًا إلى الأدنى والصواب ما في الباب اللاحق وهو عند ابن إسحاق وغيره وبني ثعلبة بواو العطف هكذا نبه على ذلك أبو علي الغساني في أوهام الصحيحين (فنزل) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نخلاً) بالنون والخاء المعجمة مكانًا من المدينة على يومين بواد يقال له شدخ بمعجمتين بينهما مهملة وبذلك الوادي طوائف من قيس من بني فزارة وأشجع وأنمار (وهي) أي هذه الغزوة (بعد خيبر لأن أبا موسى) الأشعري (جاء) من

الحبشة سنة سبع (بعد خيبر) وقد ثبت أنه شهد ذات الرقاع فمقتضاه وقوع ذات الرقاع بعد غزوة خيبر، لكن قال الدمياطي: حديث أبي موسى مشكل مع صحته وما ذهب أحد من أهل السير إلى أنها بعد خيبر. نعم وقع في شرح الحافظ مغلطاي أن أبا معشر قال: إنها كانت بعد الخندق وقريظة قال: وهو من المعتمدين في السير وقوله موافق لما ذكره أبو موسى اهـ فما في الصحيحين أصح. 4125 - فَنَزَلَ نَخْلاً وَهْيَ بَعْدَ خَيْبَرَ لأَنَّ أَبَا مُوسَى جَاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ. 4125 - وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ: أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ الْعَطَّارُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ فِي غَزْوَةِ السَّابِعَةِ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ. وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي صَلاَةَ الْخَوْفَ بِذِي قَرَدٍ. [الحديث 4125 - أطرافه في: 4126، 4127، 4130، 4137]. (وقال عبد الله بن رجاء) الغداني البصري ممن سمع منه البخاري فيما وصله السراج أبو العباس في مسنده المبوّب ولأبي ذر قال: أبو عبد الله البخاري وقال لي عبد الله بن رجاء: (أخبرنا عمران العطار) ولأبي ذر وابن عساكر القطان بالقاف والنون كما في الفرع وأصله وهو ابن داور بفتح الواو بعدها راء البصري صدوق يهم ورمي برأي الخوارج ولم يخرج له البخاري إلا استشهادًا (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلى بأصحابه في) حالة (الخوف) زاد السراج أربع ركعات صلّى بهم ركعتين ثم ذهبوا ثم جاء أولئك فصلّى بهم ركعتين (في غزوة) السفرة (السابعة) من غزواته عليه الصلاة والسلام التي وقع فيها القتال (غزوة ذات الرقاع) بجرّ غزوة بدلاً من سابقه الأولى بدر والثانية أُحد والثالثة الخندق والرابعة قويظة والخامسة المريسيع والسادسة خيبر، فيلزم أن تكون ذات الرقاع بعد خيبر للتنصيص على أنها السابعة. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله النسائي والطبراني: (صلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني صلاة الخوف بذي قرد) بفتح القاف والراء موضع على نحو يوم من المدينة مما يلي غطفان. 4126 - وَقَالَ بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ: حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ جَابِرًا حَدَّثَهُمْ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِمْ يَوْمَ مُحَارِبٍ وَثَعْلَبَةَ. (وقال بكر بن سوادة): بسكون الكاف وسوادة بفتح السين والواو المخففة الجذامي بالجيم المضمومة والذال المعجمة المفتوحة أحد فقهاء مصر وليس له في البخاري سوى هذا الحديث المعلق وقد وصله سعيد بن منصور (حدثني) بالإفراد (زياد بن نافع) التجيبي المصري التابعي الصغير وليس له في البخاري إلا هذا (عن أبي موسى) علي بن رباح اللخمي التابعي أو هو مالك بن عبادة الغافقي الصحابي المعروف أو هو مصري لا يعرف اسمه وليس له إلا هذا الموضع (أن جابرًا) هو ابن عبد الله الأنصاري (حدثهم قال: صلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهم) أي بأصحابه (يوم محارب وثعلبة) بواو العطف وهو الصواب كما مرّ وهي غزوة ذات الرقاع. 4127 - وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ، سَمِعْتُ جَابِرًا خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ فَلَقِيَ جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ فَلَمْ يَكُنْ قِتَالٌ وَأَخَافَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَصَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيِ الْخَوْفِ. وَقَالَ يَزِيدُ عَنْ سَلَمَةَ غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْقَرَدِ. (وقال ابن إسحاق) محمد صاحب المغازي: (سمعت وهب بن كيسان) بفتح الكاف يقول: (سمعت جابرًا) يقول: (خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ذات الرقاع من نخل) بالنون والخاء المعجمة موضع من نخل أراضي غطفان قال الزركشي: اشتهر على الألسنة صرفه قال البكري: لا ينصرف. قال في المصابيح: فإن أراد تحتم منع الصرف فيه فليس كذلك ضرورة أنه ثلاثي ساكن الوسط وإن أراد أنه لا ينصرف جوازًا فمسلم وعلى كل تقدير فلا يرد على ما اشتهر على الألسنة من صرفه وغفل من قال إن المراد نخل المدينة (فلقي جمعًا من غطفان فلم يكن قتال وأخاف الناس بعضهم بعضًا، فصلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركعتي الخوف) بالناس. قال في فتح الباري: هذا الذي ساقه عن ابن إسحاق لم أره في شيء من كتب المغازي ولا غيرها، والذي في السير تهذيب ابن هشام، وقال ابن إسحاق: حدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله قال: خرجت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى غزوة ذات الرقاع من نخل على جمل لي صعب فساق قصة الجمل، وكذا أخرجه أحمد من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق. وقال ابن إسحاق قيل ذلك وغزا نجدًا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان حتى نزل نخلاً وهي غزوة ذات الرقاع فلقي به جميعًا من غطفان فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب، وقد أخاف الناس بعضهم بعضًا حتى صلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالناس صلاة الخوف، وانصرف الناس. وهذا القدر هو الذي ذكره البخاري تعليقًا مدرجًا بطريق وهب بن كيسان عن

جابر وليس هو عند ابن إسحاق عن وهب كما أوضحته إلا أن يكون البخاري اطلع على ذلك من وجه آخر لم نقف عليه أو وقع في النسخة تقديم وتأخير فظنه موصولاً بالخبر المسند والله أعلم اهـ. (وقال يزيد) بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع (عن سلمة) بن الأكوع: (غزوت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم القرد) وهذا وصله المؤلّف قبل غزوة خيبر وترجم له بقوله غزوة ذي قرد وهي الغزوة التي أغاروا فيها على لقاح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنما ذكره من أجل حديث ابن عباس السابق، وأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى صلاة الخوف بذي قرد ولا يلزم من ذي قرد في الحديثين أن تتحد القصة كما لا يلزم من كونه عليه الصلاة والسلام صلّى صلاة الخوف في مكان أن لا يكون صلاها في مكان آخر. قال البيهقي: الذي لا نشك فيه أن غزوة ذي قرد كانت بعد الحديبية وخيبر، وحديث سلمة بن الأكوع مصرح بذلك، وأما غزوة ذات الرقاع فمختلف فيها فظهر تغاير بين القصتين كما جزم به قبل قاله في فتح الباري، فالذي جنح إليه البخاري أنها كانت بعد خيبر مستدلاً بما ذكره لكنه ذكرها قبل خيبر فإما أن يكون ذلك من الرواة عنه أو إشارة إلى احتمال أن تكون ذات الرقاع اسمًا لغزوتين مختلفتين كما أشار إليه البيهقي. 4128 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزَاةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي فَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الْخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا. وَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى بِهَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ كَرِهَ ذَلِكَ قَالَ: مَا كُنْتُ أَصْنَعُ بِأَنْ أَذْكُرَهُ كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَىْءٌ مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (محمد بن العلاء) أبو كريب الهمداني قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء وسكون التحتية (ابن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء (عن) جده (أبي بردة عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: خرجنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزاة) ولابن عساكر في غزوة (ونحن في ستة نفر) قال ابن حجر: لم أقف على أسمائهم وأظنهم من الأشعريين (بيننا بعير) واحد (نعتقبه) أي نركبه عقبة بأن يركب هذا قليلاً ثم ينزل فيركب الآخر بالنوبة حتى يأتي على آخرهم (فنقبت) بفاء ونون مفتوحتين فقاف مكسورة فموحدة مفتوحة بعدها فوقية أي رقت وتقرّضت وقطعت الأرض جلود (أقدامنا) من الحفاء (ونقبت قدماي وسقطت أظفاري) لذلك (فكنا نلف على أرجلنا الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع لما) أي لأجل ما (كنا نعصب) بفتح النون وسكون العين وكسر الصاد المهملتين، ولأبي ذر نعصب بضم النون وفتح العين وتشديد الصاد (من الخرق على أرجلنا). (وحدث أبو موسى) الأشعري بالسند السابق (بهذا الحديث ثم كره ذلك) لما فيه من تزكية نفسه (قال: ما كنت أصنع بأن أذكره كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه) لأن كتمان العمل أفضل من إظهاره إلا مصلحة راجحة كأن يكون ممن يقتدى به وقد قيل في سبب التسمية أيضًا أنهم رقعوا راياتهم بها، وقيل اسم شجرة بذلك الموضع وقيل جبل نزلوا عليه أرضه ذات ألوان من حمرة وصفرة وسواد فسميت به والله أعلم. وهذا الحديث أخرجه مسلم في المغازي. 4129 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَمَّنْ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَّى صَلاَةَ الْخَوْفِ، أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ وُجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وُجَاهَ الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمِ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلاَتِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي مولاهم وسقط ابن سعيد لابن عساكر (عن مالك) هو ابن أنس الإمام (عن يزيد بن رومان) مولى الزبير بن العوّام (عن صالح بن خوات) بفتح الخاء المعجمة والواو المشددة وبعد الألف فوقية ابن جبير بضم الجيم وفتح الموحدة ابن النعمان الأنصاري التابعي، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث (عمن شهد مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) غزوة (ذات الرقاع صلّى صلاة الخوف) قيل واسم المبهم سهل بن أبي حثمة ورجح في الفتح أنه خوّات بن جبير أبو صالح المذكور قال: ويحتمل أن يكون صالح سمعه من أبيه ومن سهل بن أبي حثمة والصحابة عدول فلا يضر جهالة أحدهم وسقط لأبي ذر وابن عساكر لفظ صلّى (أن طائفة صفت معه) عليه الصلاة والسلام (و) صفت (طائفة وجاه العدوّ) بكسر الواو وضمها أي جعلوا وجوههم تلقاءه (فصلّى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بهم) الطائفة (التي معه ركعة ثم ثبت) عليه السلام حال كونه (قائمًا وأتموا) أي الذين صلّى بهم

الركعة (لأنفسهم) ركعة أخرى (ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدوّ وجاءت الطائفة الأخرى) التي كانت وجاه العدوّ (فصلى بهم) عليه الصلاة والسلام (الركعة التي بقيت من صلاته) عليه السلام (ثم ثبت) عليه السلام (جالسًا) لم يخرج من صلاته (وأتموا لأنفسهم) الركعة الأخرى (ثم سلّم بهم) عليه السلام. وهذا الحديث أخرجه بقية الستة في الصلاة. 4130 - وَقَالَ مُعَاذٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَخْلٍ فَذَكَرَ صَلاَةَ الْخَوْفِ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ. تَابَعَهُ اللَّيْثُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُ: صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ. (وقال معاذ: حدّثنا هشام) هو ابن أبي عبد الله الدستوائي البصري (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس المكي (عن جابر) -رضي الله عنه- أنه قال: (كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنخل) موضع من أراضي غطفان كما مرّ (فذكر) أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (صلاة الخوف) كما مر وغرض المؤلّف منه الإشارة إلى اتفاق روايات جابر على أن الغزوة التي وقع فيها صلاة الخوف هي غزوة ذات الرقاع. (قال مالك): الإمام الأعظم يسند حديث صالح بن خوات السابق (وذلك) المروي في حديث صالح (أحسن ما سمعت في صلاة الخوف) ووافق مالكًا على ترجيحها الشافعي وأحمد لسلامتها من كثرة المخالفة وكونها أحوط لأمر الحرب. (تابعه) أي تابع معاذًا (الليث) بن سعد الإمام مما وصله المؤلّف في تاريخه (عن هشام) هو ابن سعد المدني أبي سعيد القرشي مولاهم يعرف بيتيم زيد بن أسلم وليس هو هشامًا الدستوائي إذ لا رواية لليث بن سعد عنه (عن زيد بن أسلم أن القاسم بن محمد) هو ابن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- (حدّثه) فقال: (صلى النبيّ) ولأبي ذر عن الكشميهني: حدثه صلاة النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) صلاة الخوف (في غزوة بني أنمار) بفتح الهمزة وسكون النون آخره راء قبيلة من بجيلة بفتح الموحدة وكسر الجيم، وهذه الرواية مرسلة ورجالها غير رجال الأولى، فوجه هذه المتابعة من جهة أن حديث سهل بن أبي حثمة في غزوة ذات الرقاع فتتحد مع حديث جابر. وهذه المتابعة وصلها المؤلّف -رحمه الله- في تاريخه بلفظ قال لي يحيى بن عبد الله بن بكير: حدّثنا الليث عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم سمع القاسم بن محمد أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى في غزوة أنمار نحوه يعني نحو حديث صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة في صلاة الخوف. 4131 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ: يَقُومُ الإِمَامُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ مِنْ قِبَلِ الْعَدُوِّ وُجُوهُهُمْ إِلَى الْعَدُوِّ، فَيُصَلِّي بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَقُومُونَ فَيَرْكَعُونَ لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ فِي مَكَانِهِمْ ثُمَّ يَذْهَبُ هَؤُلاَءِ إِلَى مَقَامِ أُولَئِكَ، فَيَجِيءُ أُوْلَئِكَ فَيَرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً، فَلَهُ ثِنْتَانِ ثُمَّ يَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الأنصاري) وسقط ابن سعيد في الأولى وابن سعيد الأنصاري لأبي ذر وابن عساكر (عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق (عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة عبد الله أو عامر بن ساعدة أنه (قال: يقوم الإمام) في صلاة الخوف (مستقبل القبلة وطائفة منهم معه) مع الإمام (وطائفة من قبل العدو) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهته (وجوههم إلى العدو فيصلّي) الإمام (بالذين معه ركعة ثم يقومون فيركعون لأنفسهم ركعة ويسجدون سجدتين في مكانهم ثم يذهب هؤلاء) الذين صلوا (إلى مقام أولئك) الذين كانوا قبل العدوّ (فيجيء أولئك) الذين كانوا قبل العدوّ إليه عليه الصلاة والسلام (فيركع بهم) عليه السلام (ركعة فله) عليه الصلاة والسلام (اثنتان ثم يركعون ويسجدون سجدتين) زاد في الرواية السابقة أنه يسلم بهم. وهذا الحديث مرسل لأن أهل العلم بالأخبار اتفقوا على أن سهل بن أبي حثمة كان صغيرًا في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفيه ثلاثة من التابعين المدنيين في نسق واحد يحيى بن سعيد الأنصاري فمن فوقه. 0000 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - (عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله) وهذا مرفوع. 0000 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ يَحْيَى سَمِعَ الْقَاسِمَ أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ خَوَّاتٍ عَنْ سَهْلٍ حَدَّثَهُ قَوْلَهُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن عبيد الله) بضم العين ابن محمد مولى عثمان بن عفان القرشي الأموي الفقيه قال: (حدثني) بالإفراد (ابن أبي حازم)

عبد العزيز (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري أنه (سمع القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق يقول: (أخبرني) بالإفراد (صالح بن خوات عن سهل) أي ابن أبي حثمة أنه (حدثه قوله) السابق في صلاة الخوف. 4132 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِبَلَ نَجْدٍ فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ فَصَافَفْنَا لَهُمْ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم أن) أباه (ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: غزوت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل نجد) أي جهتها بأرض غطفان (فوازينا) بالزاي المعجمة أي قابلنا (العدوّ فصاففنا لهم). وهذا الحديث مر بهذا الإسناد في أول أبواب صلاة الخوف بأتم مما هنا وبقيته فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي لنا فقامت طائفة معه، وأقبلت طائفة على العدوّ وركع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمن معه وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل فجاؤوا فركع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم فقام كل منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين. 4133 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَالطَّائِفَةُ الأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ فَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَامَ هَؤُلاَءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ، وَقَامَ هَؤُلاَءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي مصغرًا قال: (حدّثنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله) ولابن عساكر أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلى) صلاة الخوف (بإحدى الطائفتين والطائفة الأخرى) مبتدأ خبره قوله (مواجهة العدو ثم انصرفوا) الذي صلّى بهم (فقاموا في مقام أصحابهم) ولابن عساكر أولئك (فجاء أولئك) الذين كانوا مواجهة العدوّ (فصلّى بهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ركعة ثم سلم عليهم ثم قام هؤلاء فقضوا) أي أدّوا (ركعتهم وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم). 4134 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سِنَانٌ وَأَبُو سَلَمَةَ أَنَّ جَابِرًا أَخْبَرَ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِبَلَ نَجْدٍ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت أخبرنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) أنه (قال: حدثني) بالإفراد (سنان) هو ابن أبي سنان الدؤلي كما في الرواية الأخرى (وأبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (أن جابرًا) الأنصاري -رضي الله عنه- (أخبر أنه غزا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل نجد) أي جهتها. 4135 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِبَلَ نَجْدٍ فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَفَلَ مَعَهُ فَأَدْرَكَتْهُمُ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحْتَ سَمُرَةٍ، فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ قَالَ جَابِرٌ: فَنِمْنَا نَوْمَةً فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُونَا فَجِئْنَاهُ، فَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ جَالِسٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهْوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ لَهُ: اللَّهُ» فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالتوحيد (أخي) عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن محمد بن أبي عتيق) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر ونسبه لجده (عن ابن شهاب) الزهري (عن سنان بن أبي سنان) يزيد بن أمية (الدؤلي) بضم الدال المهملة بعدها همزة مفتوحة فلام وثقه العجلي وغيره وليس له في البخاري إلا حديث في الطب وهذا الذي هنا (عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أخبره أنه غزا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل نجد فلما قفل) رجع (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قفل) رجع (معه فأدركتهم القائلة) شدة الحر في وسط النهار (في واد كثير العضاه) بكسر العين المهملة وفتح الضاد المعجمة المخففة وبعد الألف هاء شجر عظيم له شوك كالطلح والعوسج (فنزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحت سمرة) بسين مهملة وراء مفتوحتين بينهما ميم مضمومة شجرة كثيرة الورق يستظل بها (فعلق بها سيفه. قال جابر) بالسند السابق (فنمنا نومة فإذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعونا فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس) بين يديه يأتي ذكره قريبًا إن شاء الله تعالى وقوله فإذا في الموضعين للمفاجأة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن هذا) الأعرابي (اخترط سيفي) أي سله (وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده) حال كونه (صلتا) بفتح الصاد المهملة وسكون اللام بعدها فوقية مجرد من غمده بمعنى مصلوت (فقال لي: من يمنعك مني) إن قتلتك به (قلت له الله) يمنعني منك (فها هو ذا جالس) وعند ابن إسحاق بعد قوله "الله" فدفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده فأخذه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال: "من يمنعك مني"؟ قال: لا أحد (ثم لم يعاقبه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) استئلافًا للكفار ليدخلوا في الإسلام. وعند الواقدي أنه أسلم ورجع إلى قومه فاهتدى

32 - باب غزوة بني المصطلق من خزاعة وهي غزوة المريسيع

به خلق كثير. 4136 - وَقَالَ أَبَانُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَاتِ الرِّقَاعِ فَإِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَسَيْفُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُعَلَّقٌ بِالشَّجَرَةِ فَاخْتَرَطَهُ فَقَالَ لَهُ: تَخَافُنِي. قَالَ: «لاَ» قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: «اللَّهُ» فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعٌ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ مُسَدَّدٌ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ اسْمُ الرَّجُلِ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ، وَقَاتَلَ فِيهَا مُحَارِبَ خَصَفَةَ. 4137 - وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَخْلٍ فَصَلَّى الْخَوْفَ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَزْوَةَ نَجْدٍ صَلاَةَ الْخَوْفِ وَإِنَّمَا جَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيَّامَ خَيْبَرَ. (وقال أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة وبعد الألف نون بن يزيد العطار البصري فيما وصله مسلم (حدّثنا يحيى بن أبي كثير) الإمام أبو نصر اليماني الطائي مولاهم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن جابر) أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة) ذات ظل (تركناها للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لينزل تحتها ويستظل بها فنزل تحت شجرة (فجاء رجل من المشركين وسيف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليه معلق بالشجرة) وهو نائم (فاخترطه) أي سله (فقال له: تخافني؟ فقال) له عليه السلام: (لا) (قال: فمن يمنعك مني؟ قال) عليه السلام (الله) يمنعني منك (فتهدده أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأقيمت الصلاة فصلّى بطائفة ركعتين ثم) سلم وسلموا ثم (تأخروا) إلى جهة العدوّ (وصلّى) عليه الصلاة والسلام متنقلاً (بالطائفة الأخرى) التي كانت في جهة العدوّ (ركعتين) ثم سلم وسلموا (وكانت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربع) فرضًا ونفلاً (وللقوم ركعتين) فرضًا واستدلّ به على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل كذا قرره النووي في شرح مسلم جمعًا بين الدليلين ولأبي ذر ركعتان رفع. (وقال مسدد عن أبي عوانة) الوضاح اليشكري مما وصله سعيد بن منصور (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية (اسم الرجل) الذي اخترط سيف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (غورث بن الحارث) بفتح الغين المعجمة وسكون الواو وفتح الراء بعدها مثلثة (وقاتل) عليه الصلاة والسلام (فيها) في تلك الغزوة (محارب خصفة) مفعول مضاف لتاليه. (وقال أبو الزبير): محمد بن مسلم بن تدرس (عن جابر كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنخل فصلّى) صلاة (الخوف) وهذا قد سبق قريبًا. (وقال أبو هريرة) مما وصله أبو داود والطحاوي وابن حبان (صليت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزوة نجد) ولأبي ذر عن الكشميهني في غزوة نجد (صلاة الخوف، وإنما جاء أبو هريرة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيام خيبر) فدلّ على أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر، وتعقب بأنه لا يلزم من كون الغزوة من جهة نجد أن لا تتعدد فإن نجدًا وقع القصد إلى جهتها في عدة غزوات، فيحتمل أن يكون أبو هريرة حضر التي بعد خيبر لا التي قبلها قاله في الفتح. 32 - باب غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ وَهْيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَذَلِكَ سَنَةَ سِتٍّ، وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: كَانَ حَدِيثُ الإِفْكِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ. (باب غزوة بني المصطلق) بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء المشالة المهملتين وكسر اللام بعدها قاف لقب جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بطن (من) بني (خزاعة) بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي المخففة. قال في القاموس: حي من الأزد وسموا بذلك لأنهم تخزعوا أي تخلفوا عن قومهم وأقاموا بمكة، وسمي جذيمة بالمصطلق لحسن صوته وهو أوّل من غنى من خزاعة، والأصل في مصطلق مصتلق بالتاء الفوقية فأبدلت طاء لأجل الصاد (وهي غزوة المريسيع) بضم الميم وفتح الراء وسكون التحتية وكسر السين المهملة بعدها تحتية ساكنة فعين مهملة. قال في القاموس: مصغر مرسوع بئر أو ماء الخزاعة بينه وبين الفرع مسيرة يوم وإليه تضاف غزوة بني المصطلق وفيه سقط عقد عائشة ونزلت آية التيمم. (قال ابن إسحاق) محمد مما في مغازيه من رواية يونس بن بكير عنه (وذلك) الغزو في شعبان (سنة ست) من الهجرة وفي رواية قتادة وعقبة وغيرهما عند البيهقي في شعبان سنة خمس، ورجحه الحاكم وغيره وجزم بالأوّل الطبري وغيره. (وقال موسى بن عقبة: سنة أربع) الذي في مغازي ابن عقبة من طرق أخرجها الحاكم والبيهقي في دلائله وأبو سعيد النيسابوري وغيرهم أنه سنة خمس فلعله سبق قلم. قال أهل المغازي: وخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعه بشر كثير وثلاثون فرسًا فحملوا على القوم حملة واحدة فما نفلت منهم إنسان بل قتل عشرة وأسر سائرهم وغاب ثمانية وعشرين يومًا. (وقال النعمان بن راشد) الجزري مما وصله الجوزقي والبيهقي (عن الزهري) محمد بن مسلم أي عن عروة عن عائشة: (كان حديث الإفك في غزوة المريسيع) وبه قال ابن إسحاق وغيره من أهل

33 - باب غزوة أنمار

المغازي. 4138 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْعَزْلِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ، وَقُلْنَا نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلاَّ وَهْيَ كَائِنَةٌ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي البغلاني قال: (أخبرنا إسماعيل بن جعفر) أي ابن أبي كثير الأنصاري المدني سكن بغداد (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) المشهور بربيعة الرأي (عن محمد بن حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن سعيد الأنصاري المدني (عن ابن محيريز) بضم الميم وفتح المهملة وسكون التحتيتين بينهما راء مكسورة آخره زاي عبد الله القرشي التابعي (أنه قال: دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست إليه فسألته عن العزل) وهو نزع الذكر من الفرج قبل الإنزال دفعًا لحصول الولد أهو جائز أم لا (قال) ولأبي ذر فقال (أبو سعيد: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيًا من سبي العرب فاشتهينا النساء واشتدت) ولأبي ذر عن الكشميهني واشتد (علينا العزبة) بضم المهملة والزاي الساكنة فقد الأزواج والنكاح. قال في القاموس: العزب محركة من لا أهل له ولا تقل أعزب أو قليل والاسم العزبة والعزوبة مضمومتين والفعل كنصر وتعزب ترك النكاح (وأحببنا العزل) خوفًا من الاستيلاد المانع من البيع ونحن نحب الأثمان (فأردنا أن نعزل وقلنا نعزل ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أظهرنا قبل أن نسأله) عن الحكم (فسألناه عن ذلك فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما عليكم) بأس (أن لا تفعلوا) أي ليس عدم الفعل واجبًا عليكم أولا زائدة أي لا بأس عليكم في فعله (ما من نسمة) نفس (كائنة) في علم الله (إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة) في الخارج فما قدره الله لا بدّ منه. وهذا الحديث سبق في باب الرقيق من كتاب البيع. 4139 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَزْوَةَ نَجْدٍ فَلَمَّا أَدْرَكَتْهُ الْقَائِلَةُ وَهْوَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَاسْتَظَلَّ بِهَا وَعَلَّقَ سَيْفَهُ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الشَّجَرِ يَسْتَظِلُّونَ وَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجِئْنَا فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ قَاعِدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «إِنَّ هَذَا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ فَاخْتَرَطَ سَيْفِي فَاسْتَيْقَظْتُ وَهْوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي مُخْتَرِطٌ سَيْفِي صَلْتًا قَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ اللَّهُ، فَشَامَهُ ثُمَّ قَعَدَ فَهْوَ هَذَا». قَالَ: وَلَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر حدثني بالإفراد (محمود) هو ابن غيلان المروزي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- أنه (قال: غزونا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزوة نجد فلما أدركته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (القائلة) شدة الحر (وهو في وادٍ كثير العضاه) بكسر العين المهملة وبالهاء آخره شجر عظيم له شوك (فنزل) عليه الصلاة والسلام (تحت شجرة واستظل بها وعلق سيفه) بالشجرة (فتفرق الناس في الشجر يستظلون) به (وبينا) بغير ميم (نحن كذلك إذ دعانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجئنا فإذا أعرابي قاعد بين يديه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال): (إن هذا أتاني وأنا نائم فاخترط سيفي) أي سله (فاستيقظت وهو قائم على رأسي مخترط سيفي) حال كونه (صلتًا) مجردًا من غمده (قال: من يمنعك مني؟ قلت: الله) يمنعني منك (فشامه) بشين معجمة مخففة أي غمده (ثم قعد فهو هذا قال) جابر: (ولم يعاقبه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) استئلافًا. وهذا الحديث ثابت هنا في الفرع وسقط في بعض النسخ هنا وثبت في السابق، ويحتمل أن يكون كتب في الأصل على الحاشية واشتبه على الناسخ فنقله هنا كذا قيل والله أعلم. 33 - باب غَزْوَةُ أَنْمَارٍ (باب غزوة أنمار) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الميم بعدها ألف فراء وقد يقال غزوة بني أنمار وهي قبيلة. 4140 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ أَنْمَارٍ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ مُتَوَجِّهًا قِبَلَ الْمَشْرِقِ مُتَطَوِّعًا. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن قال: (حدّثنا عثمان بن عبد الله بن سراقة) بضم السين المهملة وتخفيف الراء والقاف العدوي (عن جابر بن عبد الله الأنصاري) -رضي الله عنه- أنه (قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة أنمار يصلّي على راحلته) حال كونه عليه الصلاة والسلام (متوجهًا قبل المشرق) بكسر القاف وفتح الموحدة جهة الشرق حال كونه (متطوعًا). وهذا الحديث قد مرّ في باب صلاة التطوّع على الدواب، وفي باب ينزل للمكتوبة وليس فيه ذكر قصة أنمار فلا معنى لذكره هنا على ما لا يخفى وسقط لفظ باب لأبي ذر وابن عساكر. 34 - باب حَدِيثُ الإِفْكِ وَالإِفْكُ بِمَنْزِلَةِ النَّجْسِ، وَالنَّجَسِ. يُقَالُ: إِفْكُهُمْ وَأَفْكُهُمْ وَأَفَكُهُمْ فَمَنْ قَالَ: أفَكَهُم، يَقُولُ: صَرَفَهُمْ عَنِ الإِيمَانِ وَكَذَبَهُمْ، كَما قَالَ {يُؤفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} [الذاريات: 9] يُصْرَفُ عَنْهُ مَنْ صُرِفَ. (باب حديث الإفك والإفك) بكسر الهمزة وفتحها مع سكون الفاء فيهما (بمنزلة النجس) بكسر النون وسكون الجيم (والنجس)

بفتحهما (يقال): بضم التحتية وألف بعد القاف ولأبي ذر تقول بالفوقية والواو بدل الألف ولأبي ذر أيضًا وابن عساكر يقول: بالتحتية (إفكهم) بكسر الهمزة الواقع في غزوة المريسيع، والإفك بكسر الهمزة مصدر أفك يأفك إفكًا (وأفكهم) بفتح الهمزة وسكون الفاء فيهما وسقطت الأخيرة لأبي ذر (وأفكهم) بفتحهما مصدران له أيضًا ومراده الإشارة إلى قوله تعالى: {وذلك أفكهم} [الأحقاف: 28] وعن عكرمة وغيره بثلاث فتحات فعلاً ماضيًا (فمن قال: أفكهم) بالفتحات (يقول): معناه (صرفهم عن الإيمان وكذبهم كما قال: {يؤفك عنه من أفك}) [الذاريات: 9] أي (يصرف عنه من صرف) الصرف الذي لا أشد منه وأعظم أو يصرف عنه من صرف في سابق علم الله تعالى أي علم فيما نزل أنه مأفوك عن الحق لا يرعوي، والضمير في عنه للقرآن، وهذه الجملة من قوله فمن قال: أفكهم الخ ثابتة لأبي ذر وابن عساكر. 4141 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتَ لَهُ اقْتِصَاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ قَالُوا: قَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فَأَيُّهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ فَكُنْتُ أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ دَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ قَالَتْ: وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ عَلَيْهِ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَهْبُلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَحَمَلُوهُ وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الْجَمَلَ فَسَارُوا وَوَجَدْتُ عِقْدِي، بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ وَلاَ مُجِيبٌ فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَىَّ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ، ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي وَكَانَ رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَاللَّهِ مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ وَلاَ سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ وَهَوَى حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، وَهُمْ نُزُولٌ قَالَتْ: فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ الإِفْكِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ قَالَ عُرْوَةُ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ كَانَ يُشَاعُ وَيُتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ فَيُقِرُّهُ وَيَسْتَمِعُهُ وَيَسْتَوْشِيهِ وَقَالَ عُرْوَةُ أَيْضًا: لَمْ يُسَمَّ مِنْ أَهْلِ الإِفْكِ أَيْضًا إِلاَّ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ، فِي نَاسٍ آخَرِينَ لاَ عِلْمَ لِي بِهِمْ غَيْرَ أَنَّهُمْ عُصْبَةٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّ كِبْرَ ذَلِكَ يُقَالُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ قَالَ عُرْوَةُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ وَتَقُولُ إِنَّهُ الَّذِي قَالَ: فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، لاَ أَشْعُرُ بِشَىْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهْوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَذَلِكَ يُرِيبُنِي وَلاَ أَشْعُرُ بِالشَّرِ حَتَّى خَرَجْتُ حِينَ نَقَهْتُ فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ المَناصِعِ، وَكَانَ مُتَبَرَّزَنَا وَكُنَّا لاَ نَخْرُجُ إِلاَّ لَيْلاً إِلَى لَيْلٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا قَالَتْ: وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِي الْبَرِّيَّةِ قِبَلَ الْغَائِطِ وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهْيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلاً شَهِدَ بَدْرًا، فَقَالَتْ أَىْ هَنْتَاهْ وَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قَالَتْ: وَقُلْتُ مَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ قَالَتْ: فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ فَقُلْتُ لَهُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قَالَتْ: وَأُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْتُ لأُمِّي يَا أُمَّتَاهُ مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ يَا بُنَيَّةُ: هَوِّنِي عَلَيْكِ فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلاَّ كَثَّرْنَ عَلَيْهَا، قَالَتْ: فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوَ لَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا، قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي، قَالَتْ: وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْأَلُهُمَا وَيَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ أُسَامَةُ: أَهْلَكَ وَلاَ نَعْلَمُ إِلاَّ خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَرِيرَةَ فَقَالَ: «أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَىْءٍ يَرِيبُكِ»؟ قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ غَيْرَ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، قَالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا وَمَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ مَعِي» فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْذِرُكَ فَإِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ قَالَتْ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ فَخِذِهِ، وَهْوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهْوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، قَالَتْ: وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلاً صَالِحًا وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ، فَقَالَ لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لاَ تَقْتُلُهُ، وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ رَهْطِكَ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ، فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهْوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ، فَقَالَ لِسَعْدِ ب

بعيري الذي كنت أركب عليه وهم يحسبون أني فيه) أي فى الهودج (وكان النساء إذ ذاك خفافًا لم يهبلن) بسكون الهاء وضم الموحدة وسكون اللام بعدها نون (ولم يغشهن اللحم) أي لم يكثر يقال: هبله اللحم أي كثر عليه وركب بعضه بعضًا (إنما يأكلن العلقة) بضم العين وسكون اللام وفتح القاف القليل (من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه وكنت جارية حديثة السن) لم تبلغ حينئذٍ خمس عشرة سنة (فبعثوا الجمل) أثاروه (فساروا ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش) أي ذهب ماضيًا واستمر استفعل من مر (فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب فتيممت) قصدت (منزلي الذي كنت به) ولابن عساكر فيه (وظننت) أي علمت (أنهم سيفقدوني) ولأبي ذر سيفقدونني (فيرجعون إليّ فبينا) بغير ميم (أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني) بالإفراد (فنمت) أي من شدّة ما اعتراها من الغم أو أن الله تعالى ألقى عليها النوم لطفًا منه بها لتستريح من وحشة الانفراد في البرية بالليل (وكان صفوان بن المعطل) بضم الميم وتشديد الطاء المفتوحة (السلمي ثم الدكواني) يتخلف (من وراء الجيش) فمن سقط له شيء من متاعه كالقدح والأداوة أتاه به (فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان) أي شخص إنسان (نائم فعرفني حين رآني وكان رآني قبل) نزول (الحجاب فاستيقظت) من نومي (باسترجاعه) أي بقوله: إنا لله وإنا إليه راجعون (حين عرفني فخمرت) بالخاء المعجمة والميم المشددة المفتوحتين والراء الساكنة أي غطيت (وجهي بجلبابي) بكسر الجيم وسكون اللام وموحدتين بينهما ألف (ووالله ما تكلمنا بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه) يقول: إنّا لله وإنا إليه راجعون لما شق عليه من ذلك (وهوى) بفتح الهاء والواو (حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها) ليسهل الركوب عليها فلا يحتاج إلى مساعد (فقمت إليها فركبتها فانطلق) صفوان حال كونه (يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش) حال كوننا (موغرين) بضم الميم وسكون الواو وكسر الغين المعجمة بعدها راء أي داخلين في الوغرة وهي شدة الحرّ وعبر بلفظ الجمع موضع التثنية (في نحر الظهيرة) بالحاء المهملة الساكنة حين بلغت الشمس منتهاها من الارتفاع كأنها وصلت إلى النحر وهو أعلى المصدر (وهم) أي والحال أن الجيش (نزول قالت) عائشة -رضي الله عنها-: (فهلك من) بفتح الميم ولابن عساكر فهلك فيّ من (هلك) من أمر الإفك (وكان الذي تولى كبر الإِفك) بكسر الكاف وسكون الباء الموحدة الذي باشر معظمه (عبد الله بن أبيٍ) بالتنوين (ابن سلول) بالرفع علم لام عبد الله فيكتب بالألف وشاع ذلك في الجيش. (قال عروة) بن الزبير بالسند السابق (أخبرت) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول (أنه) أي حديث الإفك (كان يشاع ويتحدث به عنده) عند عبد الله بن أبي (فيقره ويستمعه) فلا ينكره ولا ينهى عنه من يقوله: (ويستوشيه) يستخرجه بالبحث عنه حتى يفشيه. (وقال عروة) بن الزبير: (أيضًا) بالسند السابق (لم يسم) بفتح السين والميم المشددة (من أهل الإفك أيضًا إلا حسان بن ثابت) الشاعر (ومسطح بن أثاثة) بكسر الميم وسكون السين وفتح الطاء بعدها حاء مهملات وأثاثة بضم الهمزة ومثلثتين بينهما ألف مخففًا القرشي المطلبي (وحمنة بنت جحش) بفتح الحاء المهملة والنون بينهما ميم ساكنة أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش (في ناس آخرين لا علم لي بهم) أي بأسمائهم (غير أنهم عصبة) عشرة أو ما فوقها إلى الأربعين (كما قال الله تعالى) في سورة النور: {إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم} [النور: 11] (وإن كبر ذلك) بضم الكاف وكسرها أي وأن متولي معظمه (يقال: عبد الله) ولأبي ذر يقال له عبد الله (بن أبيٍ) بالتنوين (ابن سلول). (قال عروة) بالسند السابق (كانت عائشة) -رضي الله عنها- (تكره أن يسب) بضم التحتية وفتح السين المهملة وتشديد الموحدة (عندها حسان) بن ثابت -رضي الله عنه- (وتقول: إنه الذي قال: فإن أبي) ثابتًا (ووالده) منذرًا (وعرضي) بكسر العين

المهملة موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو سلفه أو من ينسب إليه (لعرض محمد منكم وقاء). (قالت عائشة) -رضي الله عنها-: (قدمنا المدينة فاشتكيت) فمرضت (حين قدمت) المدينة (شهرًا والناس يفيضون) بضم التحتية يخوضون (في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني) بفتح التحتية الأولى وسكون الثانية بينهما راء مكسورة يوهمني (في وجعي أني لا أعرف) وفي كتاب الشهادات أني لا أرى (من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللطف) بضم اللام وسكون الطاء ولأبي ذر في الأصل المروي عنه من رواية أبي الحطيئة اللطف بفتح اللام والطاء أي الرفق (الذي كنت أرى منه حين اشتكي إنما يدخل عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيسلم ثم يقول: كيف تيكم ثم ينصرف فذلك يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت حين نقهت) بفتح النون والقاف وسكون الهاء أفقت من المرض (فخرجت مع) بسكون الجيم ولأبي ذر فخرجت معي (أم مسطح) بفتح الجيم ومسطح بكسر الميم وسكون المهملة (قبل المناصع) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة المناصع بالصاد والعين المهملتين موضع خارج المدينة (وكان) المناصع (متبرزنا) موضع قضاء حاجتنا (وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف) الأمكنة المتخذة لقضاء الحاجة (قريبًا من بيوتنا. قال: وأمرنا) في التبرز (أمر العرب الأول في البرية) خارج المدينة (قبل الغائط، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا. قالت: فانطلقت أنا وأم مسطح وهي) سلمى (ابنة أبي رهم بن المطلب) بضم الراء وسكون الهاء واسمه أنيس (بن عبد مناف وأمّها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق) - رضي الله تعالى عنه - وسقط قوله الصديق لأبي ذر (وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب) بفتح العين وتشديد الموحدة (فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي) أي جهته (حين فرغنا من شأننا فعثرت) بمثلثة وفتحات (أم مسطح في مرطها) بكسر الميم في كسائها (فقالت: تعس) بفتح العين ولأبي ذر تعس بكسرها (مسطح) كب لوجهه أو هلك (فقلت لها: بئس ما قلت أتسبين رجلاً شهد بدرًا؟ فقالت: أي هنتاه) بسكون الهاء ولأبي ذر بضمها يا هذه (ولم تسمعي ما قال) مسطح؟ (قالت) عائشة -رضي الله عنها- (وقلت) لها: (ما) ولأبي ذر وما (قال: فأخبرتني بقول أهل الإفك. قالت: فازددت مرضًا على مرضي فلما رجعت إلى بيتي دخل عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلم ثم قال: كيف تيكم فقلت له أتأذن لي أن آتي أبوي) بتشديد الياء (قالت: وأريد أن أستيقن الخبر) الذي سمعته (من قبلهما) أي من جهتهما (قالت: فأذن لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في ذلك فأتيتهما (فقلت لأمي: يا أمّتاه) بفوقية بعد الميم (ماذا يتحدّث الناس) به؟ (قالت: يا بنية) ولأبي ذر بالكسر (هوّني عليك) الشأن (فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة) أي حسنة جميلة (عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن) بتشديد المثلثة ولأبي ذر عن الكشميهني إلا أكثرن (عليها) القول في عيبها ونقصها، والمراد بعض أتباع ضرائرها كحمنة بنت جحش أخت زينب أو نساء ذلك الزمان فالاستثناء منقطع لأن أمهات المؤمنين لم يعبنها. (قالت) عائشة -رضي الله عنها-: (فقلت) متعجبة من ذلك: (سبحان الله أو لقد) بهمزة الاستفهام (تحدّث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ) بالقاف والهمزة لا ينقطع (لي دمع ولا أكتحل بنوم) لأن الهموم موجبة للسهر وسيلان الدموع (ثم أصبحت أبكي: قالت: ودعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي) بالرفع أي حين طال لبث نزوله حال كونه (يسألهما) عن ذلك (ويستشيرها في فراق أهله) لم تقل في فراقي لكراهتها التصريح بإضافة الفراق إليها (قالت: فأما أسامة فأشار على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه) أي من الود (فقال أسامة): هم (أهلك) العفائف

كذا أهلك بالرفع لأبي ذر ولغيره أهلك بالنصب أي أمسك أهلك (ولا نعلم) عليهم (إلا خيرًا، وأما عليّ فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير) بالتذكير على إرادة الجنس (وسل الجارية) بريرة ولعلها كانت تخدم عائشة -رضي الله عنها- حينئذٍ قبل شرائها أو كانت اشترتها وأخرت عتقها إلى بعد الفتح (تصدقك) بالجزم على الجزاء وهي لم تعلم منها إلا البراءة فتخبرك (قالت: فدعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بريرة فقال): (أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك) أي من جنس ما قيل فيها (قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرًا قط أغمصه) بغين معجمة وصاد مهملة أي أعيبه عليها (غير أنها) ولأبي ذر وابن عساكر من أنها (جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن) بكسر الجيم الشاة وقيل كل ما يألف البيوت شاة أو غيرها (فتأكله قالت: فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي وهو على المنبر فقال: يا معشر المسلمين من يعدزني) أي من يقوم بعذري إن كافأته على قبيح فعله ولا يلمني أو من ينصرني (من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي والله ما علمت على أهلي إلا خيرًا ولقد ذكروا رجلاً) هو صفوان بن المعطل (ما علمت عليه إلا خيرًا وما يدخل على أهلي إلا معي قالت: فقام سعد بن معاذ) سقط لأبي ذر وابن عساكر ابن معاذ (أخو بني عبد الأشهل فقال: أنا يا رسول الله أعذرك) بفتح الهمزة وكسر الذال المعجمة منه (فإن كان من الأوس) قبيلتنا (ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك) فيه (قالت) عائشة -رضي الله عنها- (فقام رجل من الخزرج وكانت أمّ حسان) بن ثابت (بنت عمه من فخذه) بالذال المعجمة (وهو سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج. قالت: وكان) ولأبي ذر فكان (قبل ذلك رجلاً صالحًا) كاملاً في الصلاح لم يتقدم منه ما يتعلق بالوقوف مع أنفة الحمية ولم تغمصه في دينه، ولكن كان بين الحيين مشاحة قبل الإسلام ثم زالت وبقي بعضها بحكم الأنفة كما قالت (ولكن احتملته) من مقالة سعد بن معاذ (الحمية) أغضبته (فقال لسعد: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله) لأنا نمنعه منه (ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة كذبت لعمر الله لنقتلنه) ولو كان من الخزرج إذا أمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك وليست لكم قدرة على منعنا، وقابل قوله لابن معاذ كذبت لا تقتله بقوله كذبت لنقتلنه (فإنك منافق) في الود (تجادل عن المنافقين) ولم يرد نفاق الكفر بل إظهاره الود للأوس ثم ظهر منه في هذه القصة خلاف ذلك. (قالت: فثار الحيان الأوس والخزرج) بالمثلثة أي نهض بعضهم إلى بعض من الغضب (حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم على المنبر قالت: فلم يزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخفضهم حتى سكتوا وسكت) عليه الصلاة والسلام (قالت: فبكيت يومي ذلك كله لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم قالت: وأصبح أبواي) أبو بكر وأم رومان (عندي وقد بكيت ليلتين ويومًا لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى أني لأظن أن البكاء فالق كبدي فبينا) بغير ميم (أبواي جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت عليّ امرأة من الأنصار) لم تسم (فأذنت لها فجلست تبكي معي) أي تفجعًا لما نزل بها (قالت: فبينا) بغير ميم (نحن على ذلك دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علينا فسلم ثم جلس قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها) بفتح القاف وسكون الموحدة (وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني) هذا (بشيء) ليعلم المتكلم من غيره (قالت: فتشهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين جلس ثم قال): (أما بعد يا عائشة بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة) مما نسبوه إليك (فسيبرئك الله) عز وجل منه بوحي ينزله (وإن كنت ألممت بذنب) أي وقع منك على خلاف العادة (فاستغفري الله وتوبي إليه) منه (فإن العبد إذا اعترف) بذنبه (ثم تاب) منه (تاب الله عليه قالت فلما قضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقالته قلص دمعي) بالقاف واللام

المفتوحتين والصاد المهملة انقطع لأن الحزن والغضب إذا أخذا حدّهما فقد الدمع لفرط حرارة المصيبة (حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي: أجب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عني) وسقط لفظ عني لأبي ذر وابن عساكر (فيما قال فقال أبي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فقلت لأمي: أجيبي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما قال قالت أمي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ من القرآن كثيرًا: إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقرّ في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني) ولأبي ذر: لا تصدقونني (ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني) بضم القاف وتشديد النون (فوالله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف) يعقوب عليهما السلام (حين قال): في تلك المحنة ({فصبر جميل}) [يوسف: 18] لا جزع فيه ({والله المستعان على ما تصفون} [يوسف: 18]، ثم تحولت فاضطجعت على فراشي والله يعلم أني حينئذٍ بريئة وأن الله مبرئي) اسم فاعل من التبرئة (ببراءتي) أي تحوّلت مقدرة أن الله تعالى يبرئني عند الناس بسبب براءتي في نفس الأمر فالباء سببية والجملة حالية مقدرة (ولكن والله ما كنت أظن أن الله تعالى منزل في شأني وحيًا يتلى، لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بأمر، ولكن) بتخفيف النون ساكنة ولأبي ذر ولكني بتشديدها مكسورة بعدها تحتية (كنت أرجو أن يرى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في النوم رؤيا يبرئني الله بها فوالله ما رام) بالراء وألف بعدها ثم ميم ما فارق (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه) الوحي (فأخذه) عليه الصلاة والسلام (ما كان يأخذه من البرحاء) بضم الموحدة وفتح الراء والحاء المهملة ممدودًا من الشدة من ثقل الوحي (حتى أنه ليتحدر) بالمثناة الفوقية ولابن عساكر لينحدر بنون ساكنة بدل الفوقية أي لينصب (منه العرق مثل الجمان) بضم الجيم وتخفيف الميم مفتوحة اللؤلؤ (وهو في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل عليه) صلوات الله وسلامه عليه (قالت: فسري) بضم السين وتشديد الراء مكسورة أي أزيل وكشف (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يضحك فكانت أوّل كلمة تكلم بها أن قال): (يا عائشة أما الله) بفتح الهمزة وتشديد الميم (فقد برأك) مما نسب إليك بما أوحاه الله إليّ من القرآن (قالت: فقالت لي أمي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أمي لي بالتقديم والتأخير (قومي إليه) زاده الله شرفًا لديه (فقلت: لا والله لا أقوم إليه فإني) بالفاء ولابن عساكر وأني (لا أحمد إلاّ الله عز وجل) الذي أنزل براءتي (قالت: وأنزل الله تعالى: {إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم}) [النور: 11] [العشر الآيات]، ثبت قوله عصبة منكم لأبي ذر وابن عساكر (ثم أنزل الله تعالى هذا في براءتي) وتاب إلى الله من كان تكلم فيّ من المؤمنين وأقيم الحدّ على من أقيم عليه. (قال أبو بكر الصديق): وسقط لفظ الصديق لأبي ذر (وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه) إذ كان ابن خالة الصديق (وفقره والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة ما قال، فأنزل الله تعالى: {ولا يأتل}) ولا يحلف ({أولو الفضل منكم}) أي الطول والإحسان والصدقة (إلى قوله: ({غفور رحيم}) [النور: 22] فكما تغفر لك (قال أبو بكر الصديق) سقط لفظ الصديق لأبي ذر (بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع) بتخفيف الجيم (إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا. قالت عائشة: وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سأل زينب بنت جحش) أم المؤمنين (عن أمري فقال لزينب: ماذا علمت) على عائشة (أو رأيت)؟ منها (فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي) عن أن أقول سمعت ولم أسمع (وبصري) من أن أقول نظرت ولم أنظر (والله ما علمت) عليها (إلاّ خيرًا. قالت عائشة: وهي) أي زينب (التي كانت تساميني) تضاهيني وتفاخرني بجمالها ومكانتها عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من أزواج النبي

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعصمها الله) أي حفظها (بالورع. قالت) عائشة: (وطفقت) بكسر الفاء وجعلت (أختها حمنة تحارب لها) لأجلها فتذكر ما يقول: أهل الإفك (فهلكت فيمن هلك). (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم بالسند السابق (فهذا الذي) يعني (بلغني من حديث هؤلاء الرهط، ثم قال عروة): أي ابن الزبير (قالت عائشة: والله إن الرجل) صفوان بن المعطل (الذي قيل له ما قيل) من الإفك (ليقول): متعجبًا مما نسبوه إليه (سبحان الله فوالذي نفسي بيده ما كشفت من كنف أنثى قط) أي سترها وهو كناية عن عدم الجماع وقد روي أنه كان حصورًا وأن معه مثل الهدبة (قالت) عائشة: (ثم قتل) أي صفوان (بعد ذلك في سبيل الله) شهيدًا. 4142 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ مِنْ حِفْظِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبَلَغَكَ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ فِيمَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ، قُلْتُ: لاَ وَلَكِنْ قَدْ أَخْبَرَنِي رَجُلاَنِ مِنْ قَوْمِكِ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ لَهُمَا: كَانَ عَلِيٌّ مُسَلِّمًا فِي شَأْنِهَا فَرَاجَعُوهُ فَلَمْ يَرْجِعْ، وَقَالَ مُسْلِمًا: بِلاَ شَكَّ فِيهِ وَعَلَيْهِ وَكَانَ فِي أَصْلِ العَتِيقِ كَذَلِكَ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي (قال: أملى عليّ هشام بن يوسف) الصنعاني (من حفظه قال: أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: قال لي الوليد بن عبد الملك) بن مروان الأموي: (أبلغك) بهمزة الاستفهام الاستخباري (أن عليًّا كان فيمن قذف عائشة؟ قلت: لا) لأن عليًّا منزه عن أن يقول مثل قول أهل الإفك (ولكن قد أخبرني) بالإفراد (رجلان من قومك) قريش (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري (وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث) المخزومي (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت لهما): لأبي بكر وأبي سلمة (كان عليّ مسلمًا) بكسر اللام المشدّدة من التسليم أي ساكتًا (في شأنها) أي في شأن عائشة وللحموي مسلمًا بفتح اللام من السلامة من الخوض فيه ولابن السكن والنسفيّ مسيئًا ضد محسنًا أي في ترك التحزن لها، فالمراد من الإساءة هنا مثل قوله: والنساء سواها كثير، وهو -رضي الله عنه- منزه عن أن يقول بمقالة أهل الإفك (فراجعوه) قال في الفتح أي هشام بن يوسف فيما أحسب، وزعم الكرماني أن المراجعة وقعت في ذلك عند الزهري (فلم يرجع) هشام، وقال الكرماني: فلم يرجع الزهري إلى الوليد أي لم يجب بغير ذلك (وقال مسلمًا) بكسر اللام المشددة ولأبي ذر مسلمًا بفتحها (بلا شك فيه) لا بلفظ مسيئًا (و) زاد لفظ (عليه) أي قال: فلم يرجع الزهري على الوليد (وكان في أصل العتيق) مسلمًا (كذلك) لا مسيئًا لكن رواه عبد الرزاق بلفظ مسيئًا. وقال الأصيلي بعد أن رواه بلفظ مسلمًا كذا قرأناه ولا أعرف غيره، ورواه ابن مردويه بلفظ أن عليًّا ساء في شأني والله يغفر له. 4143 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ حَدَّثَنِي مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَعِ قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ رُومَانَ وَهْيَ أُمُّ عَائِشَةَ -رضي الله عنهما- قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا قَاعِدَةٌ أَنَا وَعَائِشَةُ إِذْ وَلَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَتْ: فَعَلَ اللَّهُ بِفُلاَنٍ وَفَعَلَ بِفُلاَنٍ فَقَالَتْ: أُمُّ رُومَانَ وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: ابْنِي فِيمَنْ حَدَّثَ الْحَدِيثَ؟ قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: كَذَا وَكَذَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَتْ: وَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَخَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا فَمَا أَفَاقَتْ إِلاَّ وَعَلَيْهَا حُمَّى بِنَافِضٍ فَطَرَحْتُ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا فَغَطَّيْتُهَا فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَا شَأْنُ هَذِهِ»؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَتْهَا الْحُمَّى بِنَافِضٍ، قَالَ: «فَلَعَلَّ فِي حَدِيثٍ تُحُدِّثَ» قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَعَدَتْ عَائِشَةُ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَئِنْ حَلَفْتُ لاَ تُصَدِّقُونِي وَلَئِنْ قُلْتُ لاَ تَعْذِرُونِي مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَيَعْقُوبَ وَبَنِيهِ {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] قَالَتْ: وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَهَا قَالَتْ: بِحَمْدِ اللَّهِ لاَ بِحَمْدِ أَحَدٍ وَلاَ بِحَمْدِكَ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن الواسطي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة قال: (حدثني) بالإفراد (مسروق بن الأجدع) بسكون الجيم وفتح الدال المهملة (قال: حدثني أم رومان) قيل إن أم رومان توفيت في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سنة أربع أو خمس أو ست ومسروق لم يدركها لأنه لم يقدم من اليمن إلا بعد وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في خلافة أبي بكر أو عمر، وهذا ما ذكره الواقدي وما في الصحيح أصح قد جزم إبراهيم الحربي بأن مسروقًا سمع من أم رومان وله خمس عشرة سنة فيكون سماعه في خلافة عمر لأن مولد مسروق كان في سنة الهجرة وكذا قال: أبو نعيم الأصبهاني عاشت أم رومان بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وهم أم عائشة -رضي الله عنها- قالت: بينا) بغير ميم (أنا قاعدة أنا وعائشة إذ ولجت امرأة من الأنصار) أي دخلت ولم تسم هذه المرأة قال: في المقدمة وهي غير المرأة الأولى التي دخلت وبكت مع عائشة (فقالت: فعل الله بفلان وفعل) بفلان تعني ممن خاض في الإفك (فقالت أم رومان: وما ذاك؟ قالت: ابني فيمن حدث الحديث). قال الحافظ ابن حجر: والذين تكلموا في الإفك من الأنصار ممن عرفت أسماءهم: عبد الله بن أبي، وحسان بن ثابت ولم تكن أم واحد منهما موجودة إلا أن يكون لأحدهما أم من رضاع أو غيره (قالت) أم رومان للمرأة الأنصارية: (وما ذاك؟ قالت: كذا وكذا) تذكر مقالة أهل الإفك

(قالت عائشة: سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): ذلك (قالت: نعم. قالت: وأبو بكر؟ قالت: نعم فخرّت) عائشة (مغشيًا عليها فما أفاقت) من غشيتها (إلا وعليها حمى بنافض) أي برعدة (فطرحت) بسكون الحاء (عليها ثيابها فغطيتها) بها (فجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (ما شأن هذه؟ فقلت: يا رسول الله أخذتها الحمى بنافض قال: فلعل) ذلك (في حديث تحدث) بضم التاء الفوقية والحاء وكسر الدال المهملتين المشددة مبنيًا للمفعول زاد في رواية غير أبي ذر به (قالت) أم رومان: (نعم فقعدت عائشة فقالت: والله لئن حلفت) أني بريئة (لا تصدقوني) ولأبي ذر لا تصدقونني بإثبات نون الوقاية (ولئن قلت لا تعذروني) بفتح الفوقية وكسر المعجمة أي لا تقبلوا مني العذر ولأبي ذر لا تعذرونني بنونين (مثلي ومثلكم كيعقوب) أبي يوسف الصديق (وبنيه) إذ قال: في محنته (والله المستعان) أي أستعينه (على) احتمال (ما تصفون) من الصبر على الرزء فيه (قالت) أم رومان: (وانصرف) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر فانصرف (ولم يقل) لي (شيئًا. فأنزل الله) تعالى (عذرها) بعد ذلك بما أنزله في سورة النور (قالت) عائشة له عليه الصلاة والسلام: (بحمد الله لا بحمد أحد ولا بحمدك) قالت: ذلك إدلالاً وعتبًا لكونهم شكوا في حالها مع علمهم بحسن طرائقها وجميل أحوالها. وهذا الحديث قد سبق في باب {لقد كان في يوسف وإخوته} [يوسف: 7] من أحاديث الأنبياء. 4144 - حَدَّثَنِي يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- كَانَتْ تَقْرَأُ {إِذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} [النور: 15] وَتَقُولُ الْوَلْقُ: الْكَذِبُ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَكَانَتْ أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهَا بِذَلِكَ لأَنَّهُ نَزَلَ فِيهَا. [الحديث 4144 - طرفه في: 4752]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (يحيى) بن جعفر بن أعين البيكندي قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجرّاح (عن نافع بن عمر) بن عبد الله الجمحي القرشي (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (كانت تقرأ) قوله تعالى في سورة النور إذ تلقونه {إذ تلقونه} بكسر اللام وضم القاف المشددة {بألسنتكم} [النور: 15] (وتقول) مفسرة له: (الولق) بفتح الواو وسكون اللام ولأبي ذر بفتحها هو (الكذب قال ابن أبي مليكة) عبد الله بالسند السابق (وكانت) عائشة (أعلم من غيرها بذلك) الذي قرأته بكسر اللام (لأنه نزل فيها). 4145 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: لاَ تَسُبَّهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ: كَيْفَ بِنَسَبِي؟ قَالَ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ فَرْقَدٍ سَمِعْتُ هِشَامًا عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَبَّيْتُ حَسَّانَ وَكَانَ مِمَّنْ كَثَّرَ عَلَيْهَا. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني (عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي قال: (حدّثنا عبدة) هو عبد الرحمن بن سليمان الكلابي (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير أنه (قال: ذهبت أسبّ حسان) بن ثابت (عند عائشة فقالت: لا تسبه فإنه كان ينافح) بالفاء المكسورة بعدها حاء مهملة أي يخاصم (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقالت عائشة: استأذن) حسان (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هجاء المشركين) من قريش (قال) عليه الصلاة والسلام: (كيف) تعمل (بنسبي) إذا هجوت قريشًا (قال) حسان: (لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين). (وقال محمد): ولأبو ذر والوقت وابن عساكر محمد بن عقبة أبو جعفر الطحان الكوفي أحد مشايخ المؤلّف وللأصيلي وكريمة حدّثنا محمد بغير نسبة قال: (حدّثنا عثمان بن فرقد) البصري قال: (سمعت هشامًا عن أبيه) عروة بن الزبير (قال: سبيت) بتشديد الموحدة (حسان) بن ثابت عند عائشة -رضي الله عنها- (وكان ممن كثر) بتشديد المثلثة (عليها) في ذكر قصة الإفك الحديث. 4146 - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- وَعِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُنْشِدُهَا شِعْرًا يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ وَقَالَ: فَحَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ قَالَ مَسْرُوقٌ: فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَأْذَنِي لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْكِ؟ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11] فَقَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى؟ قَالَتْ لَهُ: إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ أَوْ يُهَاجِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 4146 - طرفاه في: 4755، 4756]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (بشر بن خالد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة العسكري الفرائضي قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) الملقب بغندر (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح الكوفي (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: دخلنا) وللأصيلي دخلت (على عائشة -رضي الله عنها- وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعرًا يشبب بأبيات له) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة المكسورة الأولى من التشبيب وهو ذكر الشاعر وما يتعلق بالغزل ونحوه (وقال) ولابن عساكر فقال: (حصان) بفتح المهملتين وبعد الألف نون عفيفة تمتنع من الرجال (رزان) براء مهملة فزاي معجمة مخففة صاحبة وقار وعقل ثابت (ما تزن) بضم الفوقية وفتح الزاي المعجمة وتشديد النون المضمومة أي ماتتهم (بريبة)

35 - باب غزوة الحديبية وقول الله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} [الفتح: 18] الآية

بكسر الراء بتهمة (وتصبح غرثى) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وفتح المثلثة أي جائعة لا تغتاب الناس إذ لو كانت مغتابة لكانت آكلة من لحم أخيها فتكون شبعانة أو تصبح خميصة البطن (من لحوم الغوافل) عما يرمين به من الشر لأنهن لم يتهمن قط ولا خطر على قلوبهن فهن في غفلة عنه، وهذا أبلغ ما يكون من الوصف بالعفاف (فقالت له عائشة: لكنك لست كذلك) أي بل اغتبت وخضت في قول أهل الإفك. (قال مسروق: فقلت لها لم تأذني له) بحذف نون الرفع لمجرد التخفيف. قال ابن مالك: وهو ثابت في الكلام الفصيح نثره ونظمه ولأبي ذر لم تأذنين له (أن يدخل عليك) أي في الدخول عليك (وقد قال الله) عز وجل: ({والذي تولى كبره}) عظمه ({منهم}) من العصبة ({له عذاب عظيم}) [النور: 11] وقوله في التنقيح: أنكر ذلك عليه، وإنما الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول، وإنما كان حسان من الجملة تعقبه في المصابيح بأن هذا في الحقيقة إنكار على عائشة فإنها سلمت لمسروق ما قال: بقولها وأي عذاب أشد من العمى (فقالت) عائشة: (وأي عذاب أشد من العمى) وكان قد عمي (قالت): ولأبي ذر فقالت (له: إنه) أي حسان (كان ينافح) يذب (أو يهاجي) بشعره (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ويخاصم عنه وسقط لفظ له لأبي ذر. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير ومسلم في الفضائل. 35 - باب غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18] الآية (باب غزوة الحديبية) بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وسكون التحتية وكسر الموحدة وتخفيف التحتية. قال ابن الأثير: وكثير من المحدثين يشددونها. وقال أبو عبيد البكري: وأهل العراق يثقلون، وأهل الحجاز يخففون. وقال في الفتح: وأنكر كثير من أهل اللغة التخفيف. وقال في القاموس: والحديبية كدويهية وقد تشدد بئر قرب مكة حرسها الله تعالى ولأبي ذر عن الكشميهني عمرة الحديبية بدل غزوة (وقول الله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة}) [الفتح: 18] (الآية) وسقط لأبي ذر تحت الشجرة. 4147 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَصَابَنَا مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ»؟ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَقَالَ: «قَالَ اللَّهُ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِرِزْقِ اللَّهِ وَبِفَضْلِ اللَّهِ فَهْوَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا فَهْوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ كَافِرٌ بِي». وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) البجلي قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) أبو محمد مولى الصديق (قال: حدثني) بالإفراد (صالح بن كيسان عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (عن زيد بن خالد) الجهني (-رضي الله عنه-) أنه (قال: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الحديبية) من المدينة يوم الاثنين مستهل ذي القعدة سنة ست قاصدين العمرة (فأصابنا مطر ذات ليلة فصلّى لنا) أي لأجلنا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصبح) ولأبي ذر عن الكشميهني صلاة الصبح (ثم أقبل علينا بوجهه) الكريم (فقال): (أتدرون ماذا قال ربكم)؟ عز وجل استفهام على سبيل التنبيه (قلنا: الله ورسوله أعلم) بذلك (فقال) عليه الصلاة والسلام: (قال): (الله) تعالى (أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي) الكفر الحقيقي وسقط قوله بي لأبي ذر (فأما من قال: مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله فهو مؤمن بي كافر بالكوكب) ولأبي ذر وابن عساكر: بالكواكب بالجمع (وأما من قال: مطرنا بنجم كذا) زاد الكشميهني وكذا (فهو مؤمن بالكوكب) ولأبي ذر وابن عساكر بالكواكب بالجمع (كافر بي) الكفر الحقيقي لأنه قابله بالإيمان حقيقة لأنه أعتقد ما يفضي إلى الكفر وهو اعتقاد أن الفعل للكواكب. وسبق هذا الحديث في باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم من كتاب الصلاة. 4148 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا -رضي الله عنه- أَخْبَرَهُ قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلاَّ الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ، عُمْرَةً مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ. وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون الدال المهملة بعدها موحدة ابن الأسود القيسي البصري قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء والميم المشددة ابن يحيى بن دينار العوذي البصري (عن قتادة) بن دعامة (أن أنسًا -رضي الله عنه- أخبره قال): (اعتمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبوي ذر والوقت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا) العمرة (التي كانت مع حجته) في ذي الحجة ثم بين الأربعة بقوله: (عمرة) نصب بدل من السابق (من الحديبية في ذي القعدة وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة) وهي عمرة القضية (وعمرة من الجعرانة) بسكون

العين (حيث قسم غنائم حنين) بالصرف (في ذي القعدة) أيضًا (وعمرة مع حجته) في ذي الحجة. وسبق هذا الحديث في أبواب العمرة من كتاب الحج. 4149 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، قَالَ: انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن الربيع) بفتح الراء العامري قال: (حدّثنا علي بن المبارك) الهنائي البصري (عن يحيى) بن أبي كثير (عن عبد الله بن أبي قتادة أن أباه) أبا قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري الخزرجي (حدثه قال: انطلقنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم) أنا. كذا ساقه هنا مختصرًا وبتمامه في الحج. 4150 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا فَلَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَاهَا فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِهَا ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ مَضْمَضَ وَدَعَا ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا فَتَرَكْنَاهَا غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ إِنَّهَا أَصْدَرَتْنَا مَا شِئْنَا نَحْنُ وَرِكَابَنَا. وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين العبسي (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: تعدون أنتم الفتح) في قوله تعالى: {إنّا فتحنا لك فتحًا مبينًا} [الفتح: 1] (فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحًا ونحن نعد الفتح) العظيم (بيعة الرضوان يوم الحديبية) لأنها كانت مبدأ الفتح العظيم المبين لما ترتب على الصلح الذي وقع من الأمن ورفع الحرب وتمكن من كان يخشى الدخول في الإسلام والوصول إلى المدينة كما وقع لخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما، وتتابعت الأسباب إلى أن كمل الفتح (كنا مع النبي) ولأبي ذر مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أربع عشرة مائة) بسكون الشين المعجمة لم يقل ألفًا وأربعمائة إشعارًا بأنهم كانوا منقسمين إلى المائة وكانت كل مائة ممتازة عن الأخرى (والحديبية بئر) على مرحلة من مكة (فنزحناها فلم نترك فيها قطرة) من ماء (فبلغ ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأتاها فجلس على شفيرها) أي حرفها (ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم مضمض ودعا) الله تعالى سرًّا (ثم صبه فيها) أي صب الماء الذي توضأ ومضمض به في البئر (فتركناها غير بعيد) في رواية زهير فدعا ثم قال دعوها غير ساعة (ثم إنها أصدرتنا) أي أرجعتنا وقد روينا (ما شئنا) أي القدر الذي أردنا شربه (نحن وركابنا) إبلنا التي نسير عليها. 4151 - حَدَّثَنِي فَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: أَنْبَأَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَنَزَلُوا عَلَى بِئْرٍ فَنَزَحُوهَا فَأَتَوْا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَى الْبِئْرَ وَقَعَدَ عَلَى شَفِيرِهَا ثُمَّ قَالَ: «ائْتُونِي بِدَلْوٍ مِنْ مَائِهَا» فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ فَدَعَا ثُمَّ قَالَ: «دَعُوهَا سَاعَةً» فَأَرْوَوْا أَنْفُسَهُمْ وَرِكَابَهُمْ حَتَّى ارْتَحَلُوا. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (فضل بن يعقوب) بالضاد المعجمة الرخامي بضم الراء وفتح الخاء المعجمة البغدادي قال: (حدّثنا الحسن بن محمد بن أعين) بفتح الهمزة والتحتية بينهما عين مهملة ساكنة آخره نون (أبو علي الحراني) بفتح الحاء والراء المشددة المهملتين وبعد الألف نون فياء نسبة قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: أنبأنا البراء بن عازب -رضي الله عنهما- أنهم كانوا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الحديبية ألفًا) ولابن عساكر ألف (وأربعمائة أو أكثر). وعند ابن أبي شيبة من حديث مجمع ابن حارثة كانوا ألفًا وخمسمائة وجمع بينهما بأنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة فمن قال: ألفًا وخمسمائة جبر الكسر، ومن قال: ألفًا وأربعمائة ألغاه، وأما قول عبد الله بن أبي أوفى ألفًا وثلاثماثة فيحمل على ما اطلع هو عليه واطلع غيره على زيادة لم يطلع هو عليها والزيادة من الثقة مقبولة أو العدد الذي ذكره جملة من ابتدأ الخروج من المدينة والزائد تلاحقوا بهم بعد ذلك (فنزلوا على بئر فنزحوها فأتوا النبي) كذا في الفرع وفي اليونينية رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فأخبروه بذلك (فأتى البئر وقعد على شفيرها) على حرفها (ثم قال): (ائتوني بدلو) فيه ماء (من مائها فأتي به فبصق) بالصاد ولأبي ذر فبسق بالسين فيه (فدعا ثم قال) عليه الصلاة والسلام لهم: (دعوها ساعة فأرووا أنفسهم وركابهم) أي إبلهم التي يسيرون عليها (حتى ارتحلوا). 4152 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا ثُمَّ أَقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا لَكُمْ»؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ عِنْدَنَا مَا نَتَوَضَّأُ بِهِ وَلاَ نَشْرَبُ إِلاَّ مَا فِي رَكْوَتِكَ فَوَضَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ قَالَ: فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا فَقُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. وبه قال: (حدّثنا يوسف بن عيسى) أبو يعقوب المروزي قال: (حدّثنا ابن فضيل) بضم الفاء مصغرًا محمد قال: (حدّثنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن (عن سالم) هو ابن أبي الجعد (عن جابر -رضي الله عنه-) أنه (قال: عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين يديه ركوة فتوضأ منها ثم أقبل الناس نحوه فقال) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر قال: (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما لكم؟ قالوا: يا رسول الله ليس عندنا ما نتوضأ به ولا نشرب إلا ما في ركوتك، فوضع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

يده في الركوة فجعل الماء يفور) ولأبي ذر عن الكشميهني يثور بالمثلثة بدل الفاء (من بين أصابعه) أي من اللحم الكائن بين أصابعه (كأمثال العيون قال) جابر: (فشربنا وتوضأنا) قال سالم بن أبي الجعد: (قلت لجابر كم كنتم يومئذٍ؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة). 4153 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: بَلَغَنِي أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يَقُولُ: كَانُوا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً فَقَالَ لِي سَعِيدٌ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ كَانُوا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً الَّذِينَ بَايَعُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ قَتَادَةَ. تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (الصلت بن محمد) الخاركي قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي مصغرًا (عن سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة أنه قال: (قلت لسعيد بن المسيب: بلغني أن جابر بن عبد الله) الأنصاري (كان يقول: كانوا أربع عشرة مائة. فقال لي سعيد: حدثني جابر كانوا خمس عشرة مائة الذين بايعوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الحديبية) وسقط قوله مائة لأبوي ذر والوقت وابن عساكر. (قال): ولأبوي الوقت وذر وابن عساكر تابعه أي تابع الصلت بن محمد (أبو داود) سليمان الطيالسي فيما وصله الإسماعيلي (حدّثنا قرّة) بن خالد (عن قتادة. تابعه محمد بن بشار، حدّثنا أبو داود، حدّثنا شعبة). 4154 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ: «أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ» وَكُنَّا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَلَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ الْيَوْمَ لأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجَرَةِ. تَابَعَهُ الأَعْمَشُ سَمِعَ سَالِمًا سَمِعَ جَابِرًا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ. (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: عمرو) بفتح العين ابن دينار (سمعت) ولأبي ذر حدّثنا عمرو قال: سمعت (جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الحديبية): (أنتم خير أهل الأرض) فيه أفضلية أصحاب الشجرة على غيرهم من الصحابة وعثمان -رضي الله عنه- منهم وإن كان حينئذٍ غائبًا بمكة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بايع عنه فاستوى معهم فلا حجة في الحديث للشيعة في تفضيل عليّ على عثمان. قال جابر: (وكنا ألفًا وأربعمائة ولو كنت أبصر اليوم) يعني لأنه كان عمي في آخر عمره (لأريتكم مكان الشجرة) التي وقعت بيعة الرضوان تحتها (تابعه) أي تابع سفيان بن عيينة (الأعمش) سليمان (سمع سالمًا سمع جابرًا ألفًا وأربعمائة) وهذه المتابعة وصلها المؤلّف في آخر كتاب الأشربة بأطول مما هنا. 4155 - وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما- كَانَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ أَلْفًا وَثَلاَثَمِائَةٍ وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمْنَ الْمُهَاجِرِينَ. تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. (وقال عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن معاذ حدّثنا أبي) معاذ بن معاذ بن نصر التميمي العنبري قاضي البصرة فيما وصله أبو نعيم في مستخرجه على مسلم قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرّة) بضم الميم وتشديد الراء أنه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي أوفى) علقمة الأسلمي (-رضي الله عنهما-) زاد الأصيلي قال: (كان أصحاب الشجرة ألفًا وثلاثمائة) هذا ما اطلع عليه ابن أبي أوفى فلا تنافي بينه وبين ما رواه غيره فكل أخبر بما رأى والعدد لا ينفي الزائد، وقول ابن دحية الاختلاف في عددهم دال على أنه قيل بالتخمين متعقب بإمكان الجمع كما مرّ، وقال البيهقي: إن رواية من قال: ألفًا وأربعمائة أصح وأغرب ابن إسحاق فقال: إنهم كانوا سبعمائة وقاله استنباطًا من قول جابر نحرنا البدنة عن عشرة وكانوا نحروا سبعين بدنة، ولا دلالة فيه لما قاله فإنه لا يدل على أنهم لم ينحروا غير البدن مع أن بعضهم لم يكن أحرم أصلاً (وكانت أسلم) القبيلة المشهورة (ثمن المهاجرين) وجزم الواقدي بأن أسلم كانت في غزوة الحديبية مائة وحينئذٍ فالمهاجرون كانوا ثمانمائة (تابعه) أي تابع عبيد الله بن معاذ (محمد بن بشار) الملقب ببندار فيما وصله الإسماعيلي عن أبي عبد الكريم عن بندار قال: (حدّثنا أبو داود) سليمان الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج. 4156 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مِرْدَاسًا الأَسْلَمِيَّ يَقُولُ: وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ يُقْبَضُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ وَتَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ لاَ يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِمْ شَيْئًا. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفرّاء الصغير قال: (أخبرنا عيسى) بن يونس (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم (أنه سمع مرداسًا) بكسر الميم ابن مالك (الأسلمي) الكوفي (يقول: وكان) مرداس (من أصحاب الشجرة) الذين بايعوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيعة الرضوان تحتها (يقبض الصالحون الأوّل فالأول) قال في الكواكب: أي الأصلح فالأصلح، وقال في العمدة: الأوّل رفع محذوف أي يذهب الأول وقوله فالأوّل عطف عليه اهـ. وقول البرماوي كالزركشي: يجوز رفعه على الصفة، تعقبه في المصابيح بأن عطف الصفات المفرّقة مع اجتماع منعوتها من خصائص الواو والعاطف هنا الفاء لا الواو

ثم قال الزركشي أيضًا: ويجوز نصبه على الحال أي مترتبين وجاز وإن كان فيه الألف واللام لأن الحال ما يتخلص من المكرر فإن التقدير ذهبوا مترتبين قاله أبو البقاء، وهل الحال الأول أو الثاني أو المعنى المجموع منهما. خلاف كالخلاف في هذا حلو حامض لأن الحال أصلها الخبر. قال البدر الدماميني: نقل قول بأن الخبر في نحو هذا حلو حامض هو الثاني الأول غريب ولم أقف عليه فحرره. (وتبقى) بعد ذهاب الصالحين (حفالة كحفالة التمر والشعير) بضم الحاء المهملة وفتح الفاء فيهما أي رذالة من الناس كرديء التمر والشعير وهو مثل الحثالة بالمثلثة والفاء قد تقع موقع الثاء نحو فوم وثوم (لا يعبأ الله بهم شيء) أي ليست لهم عنده تعالى منزلة. وهذا الحديث من أفراده عن الأئمة الخمسة وليس للأسلمي في البخاري غيره وقد أورده أيضًا في الرقاق مرفوعًا. 4157 و 4158 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالاَ: خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا لاَ أُحْصِي كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ سُفْيَانَ، حَتَّى سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لاَ أَحْفَظُ مِنَ الزُّهْرِيِّ الإِشْعَارَ وَالتَّقْلِيدَ، فَلاَ أَدْرِي يَعْنِي مَوْضِعَ الإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ أَوِ الْحَدِيثَ كُلَّهُ. وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن مروان) بن الحكم (والمسور بن مخرمة) أنهما (قالا: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الحديببة في بضع عشرة مائة من أصحابه) والبضع بكسر الموحدة وسكون المعجمة ما بين ثلاث إلى تسع على المشهور وقيل إلى عشر وقيل من اثنين إلى عشرة وقيل من واحد إلى أربعة (فلما كان بذي الحليفة) ميقات أهل المدينة (قلد الهدي) بأن علق في عنقه شيئًا ليعلم أنه هدي (وأشعره) بأن ضرب صفحة السنام اليمنى بحديدة فلطخها بدمها إشعارًا بأنها هدي أيضًا (وأحرم منها) بالعمرة قال علي بن المديني (لا أحصي كم سمعته) أي الحديث (من سفيان) بن عيينة (حتى سمعته يقول: لا أحفظ من الزهري) محمد بن مسلم (الأشعار والتقليد فلا أدري يعني موضع الأشعار والتقليد أو الحديث كله). 4159 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ خَلَفٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ»؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَحْلِقَ وَهْوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ ولَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْفِدْيَةَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ أَوْ يُهْدِيَ شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني (الحسن بن خلف) أبو علي الواسطي قال: (حدّثنا إسحاق بن يوسف) الأزرق الواسطي (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (وزقاء) بفتح الواو وسكون الراء وفتح القاف ممدودًا ابن عمر بن كليب اليشكري (عن ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبعد الياء الساكنة مهملة يسار ضد اليمين (عن مجاهد) هو ابن جبر أنه (قال: حدثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة) بضم العين المهملة وسكون الجيم بعدها راء -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رآه وقمله يسقط على وجهه فقال): (أيؤذيك هوامك) بتشديد الميم جمع هامة بتشديدها وهي الدابة والمراد بها القمل والهمزة للاستفهام (قال: نعم) يؤذيني (فأمره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يحلق) رأسه (وهو بالحديبية ولم يبين) بكسر التحتية المشدّدة ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر لم يتبين (لهم) لم يظهر لهم في ذلك الوقت (أنهم يحلون) من عمرتهم (بها) بالحديبية (وهم) أي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه (على طمع أن يدخلوا مكة) للعمرة (فأنزل الله) تعالى (الفدية) المتعلقة بالحلق للأذى في قوله: {فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه} [البقرة: 196] الآية (فأمره) أي كعبًا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يطعم فرقًا) بفتح الفاء والراء وتسكن ستة عشر رطلاً (بين ستة مساكين أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام) بنصب يهدي ويصوم عطفًا على أن يطعم. وهذا الحديث قد سبق في باب النسك بشاة. 4160 و 4161 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- إِلَى السُّوقِ فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا، وَلاَ لَهُمْ زَرْعٌ وَلاَ ضَرْعٌ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمُ الضَّبُعُ، وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءَ الْغِفَارِيِّ وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلأَهُمَا طَعَامًا وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ. ثُمَّ قَالَ: اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللَّهُ بِخَيْرٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَكْثَرْتَ لَهَا، قَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم مولى عمر بن الخطاب أنه (قال: خرجت مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى السوق فلحقت) بكسر الحاء وسكون التاء (عمر امرأة شابة) لم تسم (فقالت) له: (يا أمير المؤمنين هلك زوجي) مات (وترك صبية صغارًا) بكسر الصاد وسكون الموحدة ولم تسم الصبية ولا أبوهم (والله ما ينضجون) بضم التحتية وكسر الضاد المعجمة وضم الجيم (كراعًا) بضم الكاف أي لا كراع لهم حتى ينضجوه وهو ما دون الكعب من الشاة (ولا لهم زرع) أي نبات (ولا ضرع)

يحلبونه (وخشيت أن تأكلهم الضبع) بضم الموحدة أي تهلكهم السنة المجدبة الشديدة (وأنا بنت خفاف بن إيماء) بضم الخاء المعجمة وفاءين مخففتين بينهما ألف وإيماء بكسر الهمزة وفتحها وسكون التحتية ممدودًا (الغفاري) بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء له ولأبيه وجده صحبة كما حكاه ابن عبد البر (وقد شهد أبي الحديبية مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر مع النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوقف معها عمر ولم يمض ثم قال) لها: (مرحبًا بنسب قريب) من قريش لأن كنانة تجمعهم وغفار (ثم انصرف) عمر -رضي الله عنه- (إلى بعير ظهير) بفتح الظاء قوي الظهر معدّ للحاجة وفي رواية ظهري بكسر الظاء وسكون الهاء آخره ياء (كان مربوطًا في الدار فحمل عليه غرارتين ملأهما طعامًا وحمل بينهما نفقة وثيابًا ثم ناولها بخطامه) أي ناول المرأة الذي يقاد به البعير (ثم قال) لها: (اقتاديه) بالقاف أي قوديه (فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل): لم يعرف ابن حجر اسمه (يا أمير المؤمنين أكثرت لها) من العطاء (قال) ولأبي ذر فقال: (عمر: ثكلتك) بالمثلثة المفتوحة والكاف المكسورة أي فقدتك (أمك) وهي كلمة تقولها العرب ولا يريدون حقيقتها (والله إني لأرى) بفتح همز لأرى (أبا هذه وأخاها) لم يسم (قد حاصرًا حصنًا) من الحصون (زمانًا فافتتحاه) يحتمل أن يكون بخيبر لأنها كانت بعد الحديبية وحوصرت حصونها (ثم أصبحنا نستفيء) بفتح النون وسكون المهملة وفتح الفوتية وكسر الفاء بعدها همزة أي نطلب (سهمانهما فيه) بضم السين أي أنصباءنا من الغنيمة، ولأبي ذر عن الحموي نستقي بالقاف بغير همز. 4162 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ أَبُو عَمْرٍو الْفَزَارِيُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ الشَّجَرَةَ ثُمَّ أَتَيْتُهَا بَعْدُ فَلَمْ أَعْرِفْهَا قَالَ مَحْمُودٌ: ثُمَّ أُنْسِيتُهَا بَعْدُ. وبه قال: (حدّثنا) بالإفراد (محمد بن رافع) النيسابوري القشيري (حدّثنا) كذا في اليونينية وغيرها والذي في الفرع قال: (شبابة) بشين معجمة وموحدة مخففة مفتوحتين وبعد الألف موحدة أخرى مفتوحة (ابن سوّار) بفتح السين المهملة والواو المشددة (أبو عمرو) بفتح العين (الفزاري) بفتح الفاء والزاي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السدوسي الأعمى الحافظ المفسر (عن سعيد بن المسيب عن أبيه) المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي أنه (قال: لقد رأيت الشجرة) التي كانت بيعة الرضوان تحتها (ثم أتيتها بعد) بضم الدال أي بعد ذلك (فلم أعرفها) ولأبي ذر عن الكشميهني أنسيتها (قال محمود): أي ابن غيلان وللأصيلي قال أبو عبد الله أي البخاري قال محمود (ثم أنسيتها بعد) وهذا ساقط لأبي ذر. 4163 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: انْطَلَقْتُ حَاجًّا فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ يُصَلُّونَ، قُلْتُ: مَا هَذَا الْمَسْجِدُ؟ قَالُوا: هَذِهِ الشَّجَرَةُ حَيْثُ بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ، فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ نَسِينَاهَا فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهَا فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَعْلَمُوهَا وَعَلِمْتُمُوهَا أَنْتُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ. وبه قال: (حدّثنا محمود) أي ابن غيلان أبو أحمد المروزي قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين ابن موسى العبسي وهو أيضًا شيخ المؤلّف (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن طارق بن عبد الرحمن) البجلي الكوفي أنه (قال: انطلقت حاجًا فمررت بقوم يصلون) قال ابن حجر: لم أقف على اسم أحد منهم وزاد الإسماعيلي في مسجد الشجرة (قلت) لهم: (ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة حيث بايع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيعة الرضوان) وقد كانوا جعلوا تحتها مسجدًا يصلون فيه (فأتين سعيد بن المسيب فأخبرته) بذلك (فقال سعيد: حدثني) بالإفراد (أبي) المسيب (أنه كان فيمن بايع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحت الشجرة قال): أي المسيب (فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها) أي نسينا موضعها ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني أنسيناها (فلم نقدر عليها فقال سعيد) أي ابن المسيب منكرًا (إن أصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم) منهم قاله متهكمًا. 4164 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا طَارِقٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَرَجَعْنَا إِلَيْهَا الْعَامَ الْمُقْبِلَ فَعَمِيَتْ عَلَيْنَا. وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري قال: (حدّثنا طارق) هو ابن عبد الرحمن البجلي (عن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه كان فيمن بايع) من الصحابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تحت الشجرة) قال: (فرجعنا إليها العام المقبل فعميت) بفتح العين المهملة وكسر الميم أي اشتبهت (علينا) قيل لئلا يفتتن الناس بها لما وقع تحتها من الخير ونزول الرضوان فلو بقيت

ظاهرة لخيف تعظيم الجهال لها وعبادتهم لها قال النووي: وفي رواية سعيد عن أبيه هذا الحديث رد على الحاكم حيث قال: إن شرط البخاري أن يروي عن راو له راويان فإنه لم يرو عن المسيب إلا ابنه سعيد ولعله أراد من غير الصحابة. 4165 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ طَارِقٍ قَالَ: ذُكِرَتْ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ الشَّجَرَةُ فَضَحِكَ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي وَكَانَ شَهِدَهَا. وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة ابن عقبة قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن طارق) هو ابن عبد الرحمن أنه (قال: ذكرت) بضم المعجمة وسكون الفوقية مبنيًّا للمفعول (عند سعيد بن المسيب الشجرة) التي بويع تحتها (فضحك فقال: أخبرني) بالإفراد (أبي) المسيب بن حزن (وكان شهدها) زاد الإسماعيلي من طريق أبي زرعة عن قبيصة أنهم أتوها من العام المقبل فأنسوها اهـ. قال في الفتح: وإنكار سعيد بن المسيب على من زعم أنه عرفها معتمدًا على قول أبيه أنهم لم يعرفوها في العام المقبل لا يدل على نفي معرفتها أصلاً، فقد وقع عند المصنف في حديث جابر السابق قريبًا قوله: لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة فهذا يدل على أنه كان يضبط مكانها بعينه، وإذا كان في آخر عمره بعد الزمان الطويل يضبط موضعها ففيه دلالة على أنه كان يعرفها بعينها. قال: ثم وجدت عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قومًا يأتون الشجرة فيصلون عندها فتوعدهم ثم أمر بقطعها فقطعت اهـ. وقال في شفاء الغرام: ويقال: إن موضع الحديبية هو الذي فيه البئر المعروفة ببئر شمس بطريق حدة، والشجرة والحديبية لا يعرفان الآن وليست بالموضع الذي يقال له الحدية في طريقة حدة لقرب هذا الموضع من جدّة وبعده من مكة والحديبية دونه بكثير إلى مكة وهل الحديبية في الحرم كما قال مالك، أو في طرف الحل كما قال الماوردي، أو بعضها في الحل وبعضها في الحرم كما قال الشافعي. 4166 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَةٍ، قَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ، فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى». وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة وتخفيف الياء قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) بفتح العين أنه (قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى) علقمة بن خالد الأسلمي (وكان من أصحاب الشجرة) الذين بايعوه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحتها (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أتاه قوم بصدقة قال): (اللهم صل عليهم) ترحم عليهم واغفر لهم وكان يفعله امتثالاً لقوله تعالى: {وصل عليهم} [التوبة: 103] ولا يحسن هذا لغيره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأتاه أبي) علقمة (بصدقته) أي بزكاته (فقال) عليه السلام: (اللهم صل على آل أبي أوفى). وهذا الحديث قد مرّ في الزكاة والغرض منه هنا قوله وكان من أصحاب الشجرة. 4167 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحَرَّةِ وَالنَّاسُ يُبَايِعُونَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ فَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: عَلَى مَا يُبَايِعُ ابْنُ حَنْظَلَةَ النَّاسَ؟ قِيلَ لَهُ: عَلَى الْمَوْتِ، قَالَ: لاَ أُبَايِعُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ شَهِدَ مَعَهُ الْحُدَيْبِيَةَ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (عن أخيه) عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن عمرو بن يحيى) المازني (عن عباد بن تميم) بفتح العين والموحدة المشددة ابن زيد بن عاصم المازني أنه (قال: ما كان يوم) وقعة (الحرة) بفتح الحاء المهملة والراء المشددة خارج المدينة التي وقعت بين عسكر يزيد وأهل المدينة في سنة ثلاث وستين بسبب خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية، وأباح مسلم بن عقبة أمير جيش يزيد المدينة ثلاثة أيام يقتلون ويأخذون الناس، ووقعوا على النساء حتى قيل إنه حملت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج (والناس يبايعون لعبد الله بن حنظلة) بفتح الحاء المهملة والظاء المعجمة بينهما نون ساكنة ابن الغسيل على الطاعة له وخلع يزيد بن معاوية (فقال ابن زيد): هو عبد الله بن زيد بن عاصم عم عباد بن تميم الأنصاري المازني (على ما يبايع ابن حنظلة الناس؟ قيل له): يبايع الناس (على الموت. قال: لا أبايع على ذلك أحدًا بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيه إشعار بأنه بايع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الموت (وكان) ابن زيد (شهد معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الحديبية) وقتل عبد الله بن حنظلة وأولاده وزيد يوم الحرة في سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار وغيرهم. وهذا الحديث قد سبق في الجهاد في باب البيعة في الحرب. 4168 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْمُحَارِبِيُّ حَدَّثَنا أَبِي حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ فِيهِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن يعلى المحاربي قال: (حدثني) بالإفراد (أبي) يعلى قال: (حدّثنا إياس بن سلمة) بكسر الهمزة وتخفيف التحتية وسلمة بفتح

اللام (ابن الأكوع) قال: (حدثني) بالإفراد (أبي) سلمة (قال: وكان من أصحاب الشجرة قال: كنا نصلي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل فيه) ولأبي ذر عن الكشميهني: به، وهذا يتمسك به من ذهب إلى أن صلاة الجمعة تجزئ قبل الزوال لأن الشمس إذا زالت ظهرت الظلال، ومبحث ذلك سبق في كتاب الجمعة من الصلاة، والغرض هنا قوله وكان من أصحاب الشجرة. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصلاة وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجه. 4169 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَلَى أَيِّ شَىْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي مولاهم البلخي قال: (حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة ابن إسماعيل الكوفي (عن يزيد بن أبي عبيد) مولى سلمة بن الأكوع أنه (قال: قلت لسلمة بن الأكوع على أي شيء بايعتم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الحديبية؟ قال): بايعناه (على الموت) أي لازم الموت هو عدم الفرار. 4170 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَقِيتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- فَقُلْتُ، طُوبَى لَكَ صَحِبْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَايَعْتَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثْنَا بَعْدَهُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (أحمد بن إشكاب) بكسر الهمزة منصرفًا الحضرمي أبو عبد الصفار قال: (حدّثنا محمد بن فضيل) بضم الفاء ابن غزوان الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي (عن العلاء بن المسيب عن أبيه) المسيب بن رافع التغلبي بفتح الفوقية وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة أنه (قال: لقيت البراء بن عازب -رضي الله عنهما- فقلت) له: (طوبى لك) أي طيب العيش لك (صحبت النبي) وللأربعة رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبايعته تحت الشجرة فقال: يا ابن أخي) ولأبي ذر عن الكشميهني ابن أخ بغير إضافة وهو على عادة العرب في المخاطبة أو المراد أخوة الإسلام (إنك لا تدري ما أحدثنا بعده) عليه الصلاة والسلام من الفتن الواقعة أو قاله تواضعًا وهضمًا لنفسه -رضي الله عنه-. 4171 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ هُوَ ابْنُ سَلاَّمٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَايَعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحْتَ الشَّجَرَةِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (إسحاق) بن منصور بن بهرام الكوسج المروزي قال: (حدّثنا يحيى بن صالح) الوخاطي الحمصي وهو شيخ البخاري أيضًا قال: (حدّثنا معاوية وهو ابن سلام) بتشديد اللام (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (أن ثابت بن الضحاك) بن خليفة بن ثعلبة الأشهلي (أخبره أنه بايع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحت الشجرة) وزاد مسلم فيه بهذا الإسناد أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: من حلف على ملة غير الإسلام كاذبًا فهو كما قال الحديث. 4172 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] قَالَ الْحُدَيْبِيَةُ: قَالَ أَصْحَابُهُ: هَنِيئًا مَرِيئًا فَمَا لَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [الفتح: 5] قَالَ شُعْبَةُ: فَقَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَحَدَّثْتُ بِهَذَا كُلِّهِ عَنْ قَتَادَةَ ثُمَّ رَجَعْتُ فَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: أَمَّا {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} فَعَنْ أَنَسٍ: وَأَمَّا هَنِيئًا مَرِيئًا فَعَنْ عِكْرِمَةَ. [الحديث 4172 - طرفه في: 4834]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (أحمد بن إسحاق) بن الحصين السرماري (قال: حدّثنا عثمان بن عمر) بضم العين ابن فارس البصري قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه قال في قوله تعالى: ({إن فتحنا لك فتحًا مبينًا}) [الفتح: 1]. (قال): هو (الحديبية) أي الصلح الواقع فيها لما آل فيه من المصلحة التامة العامة (قال أصحابه): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هنيئًا) لا إثم فيه (مريئًا) لا داء فيه ونصبًا على المفعول أو الحال أو صفة لمصدر محذوف أي صادفت أو عش عيشًا هنيئًا مريئًا يا رسول الله غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر (فما لنا) أي فأي شيء لنا وما حكمنا فيه؟ (فأنزل الله) تعالى ({ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار}) [الفتح: 5]. وثبت تجري من تحتها الأنهار في رواية أبي ذر والأصيلي. (قال شعبة) بن الحجاج: (فقدمت الكوفة فحدثت بهذا) الحديث (كله عن قتادة) بن دعامة (ثم رجعت) إلى قتادة (فذكرت) ذلك (له فقال: أما) تفسير ({إنّا فتحنا لك}) بالحديبية (فعن أنس) رويته (وأما هنيئًا مريئًا فعن عكرمة) رويته وحاصله أنه روي بعضه عن هذا وبعضه عن الآخر. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير وكذا النسائي. 4173 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ الأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الشَّجَرَةَ - قَالَ: إِنِّي لأُوقِدُ تَحْتَ الْقِدْرِ بِلُحُومِ الْحُمُرِ إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو العقدي قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن مجزأة) بفتح الميم وكسرها بعضهم وسكون الجيم وفتح الزاي والهمزة بعدها هاء وقيل لا همزة، وقال الحافظ أبو علي والمحدثون يسهلون الهمزة ولا يلفظون بها (ابن زاهر الأسلمي عن أبيه) زاهر بن الأسود وليس له في البخاري إلا هذا

الحديث. (وكان ممن شهد الشجرة) أي بايع تحتها (قال: إني لأوقد تحت القدر) بكسر القاف بالإفراد، ولأبي ذر: القدور بضمها على الجمع أي في غزوة خيبر (بلحوم الحمر) أي الأهلية (إذ نادى منادي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هو أبو طلحة (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينهاكم عن) أكل (لحوم الحمر) أي الأنسية والغرض من سياقه هنا قوله: وكان شهد الشجرة كما لا يخفى. 4174 - وَعَنْ مَجْزَأَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ اسْمُهُ أُهْبَانُ بْنُ أَوْسٍ، وَكَانَ اشْتَكَى رُكْبَتَهُ وَكَانَ إِذَا سَجَدَ جَعَلَ تَحْتَ رُكْبَتِهِ وِسَادَةً. (وعن مجزأة) بالإسناد السابق (عن رجل منهم) من أسلم أو من الصحابة (من أصحاب الشجرة اسمه أهبان بن أوس) بضم الهمزة وسكون الهاء بعدها موحدة الأسلمي يعرف بمكلم الذئب (وكان اشتكى ركبته) بالإفراد (وكان) ولأبي ذر وابن عساكر فكان (إذا سجد جعل تحت ركبته) بالإفراد أيضًا (وسادة) لينة ليتمكن من السجود من غير ضرر يخل بالخشوع من يبس الأرض. 4175 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ أُتُوا بِسَوِيقٍ فَلاَكُوهُ. تَابَعَهُ مُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة أبو بكر بندار العبدي قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد (عن شعبة) بن الحجاج (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح المعجمة ويسار ضد اليمين الأنصاري (عن سويد بن النعمان) بن مالك الأنصاري (وكان من أصحاب الشجرة) أنه (قال كان رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه أتوا بسويق فلاكوه) أي مضغوه وأداروه في أفواههم (تابعه) أي تابع ابن أبي عدي بالإسناد السابق (معاذ) هو ابن معاذ قاضي البصرة (عن شعبة) بن الحجاج وهذا وصله الإسماعيلي. والحديث سبق في الطهارة ويأتي قريبًا إن شاء الله تعالى في غزوة خيبر والغرض منه قوله: وكان من أصحاب الشجرة. 4176 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ حَدَّثَنَا شَاذَانُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ هَلْ يُنْقَضُ الْوِتْرُ؟ قَالَ: إِذَا أَوْتَرْتَ مِنْ أَوَّلِهِ فَلاَ تُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (محمد بن حاتم بن بزيع) بالحاء المهملة وبعد الألف فوقية وبزيع بموحدة مفتوحة فزاي مكسورة فتحتية ساكنة فعين مهملة بوزن عظيم أبو عبد الله وقيل أبو سعيد البغدادي قال: (حدّثنا شاذان) بالشين والذال المعجمتين الأسود بن عامر الشامي ثم البغدادي (عن شعبة) بن الحجاج (عن أبي جمرة) بالجيم والراء للحموي والمستملي واسمه نصر بن عمران الضبعي وللكشميهني أبي حمزة بالحاء والزاي وهو تصحيف أنه (قال: سألت عائذ بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم وعائذ بالذال المعجمة واسم جده هلال المزني وسقط ابن عمرو ولغير الكشميهني (وكان من) صالحي (أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أصحاب الشجرة هل ينقض الوتر)؟ إذا صلّى واستيقظ الذي صلاّه من نومه مريدًا للتطوع بأن يصلّي ركعة يشفعه بها ثم يتطوع ثم يوتر محافظة على قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا" أو يصلّي ما شاء ولا ينقض وتره اكتفاء بما سبق (قال): عائذ (إذا أوترت من أوله فلا توتر من آخره). وزاد الإسماعيلي إذا أوترت من آخره فلا توتر من أوله يعني لا تنقضه وهذا هو الصحيح عند الشافعية وهو قول المالكية وعليه جمهور الحنفية. 4177 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَكانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلاً فَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ شَىْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا عُمَرُ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ لاَ يُجِيبُكَ قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي قَالَ: فَقُلْتُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ وَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَىَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» ثُمَّ قَرَأَ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1]». وبه قال: (حدّثنا) بالإفراد (عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر (عن أبيه) أسلم (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يسير في بعض أسفاره) في حديث ابن مسعود عند الطبراني أنه سفر الحديبية (وكان عمر بن الخطاب يسير معه ليلاً فسأله عمر بن الخطاب عن شيء فلم يجبه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لاشتغاله بالوحي (ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه) ولعله ظن أنه عليه الصلاة والسلام لم يسمعه فلذا كرر السؤال (وقال): وللأصيلي فقال بالفاء بدل الواو (عمر بن الخطاب): يخاطب نفسه، وسقط ابن الخطاب لأبوي الوقت وذر وابن عساكر (ثكلتك) بفتح المثلثة وكسر الكاف أي فقدتك (أمك يا عمر) سقط لفظ يا عمر للأربعة (نزرت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاث مرات) تخفيف الزاي أي ألححت عليه أو راجعته وأتيته بما يكره من سؤالك، وفي رواية نزرت بتشديد الزاي وهو الذي ضبطه الأصيلي وهو على المبالغة، ومن الشيوخ من

رواه بالتشديد والتخفيف هو الوجه قال الحافظ أبو ذر: سألت عنه من لقيت أربعين سنة فما قرأته قط إلا بالتخفيف وكذا قال ثعلب (كل ذلك لا يجيبك. قال عمر: فحركت بعيري ثم تقدمت أمام المسلمين وخشيت أن ينزل فيّ قرآن فما نشبت) بكسر الشين المعجمة فما لبثت (أن سمعت صارخًا) لم يسم (يصرخ بي قال: فقلت لقد خشيت أن يكون نزل) ولأبي الوقت: قد نزل (فيّ) بتشديد الياء ولأبي ذر عن الكشميهني بي أي نزل بسببي (قرآن، وجئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلمت) زاد الكشميهني عليه (فقال) عليه الصلاة والسلام: (لقد أنزلت عليّ الليلة سورة لهي أحب إليّ مما طلعت الشمس) لما فيها من البشارة بالمغفرة وأفعل قد لا يراد بها المفاضلة (ثم قرأ: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا}) [الفتح: 1] الفتح الظفر بالبلدة عنوة أو صلحًا بحرب أو بغيره لأنه مغلق ما لم يظفر به فإذا ظفر به فقد فتح ثم قيل هو فتح مكة وقد نزلت مرجعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الحديبية كما مرّ عدة له بالفتح وجيء به على لفظ الماضي لأنها في تحققها بمنزلة الكائنة وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علوّ شأن المخبر به ما لا يخفى، وقيل هو صلح الحديبية فإنه حصل بسببه الخير الجزيل الذي لا مزيد عليه، وقيل المعنى قضينا لك قضاء بينًا على أهل مكة أن تدخلها أنت وأصحابك من قابل لتطوفوا بالبيت من الفتاحة وهي الحكومة. وظاهر هذا الحديث الإرسال لأن أسلم لم يدرك هذه القصة، لكن ظاهره يقتضي أن أسلم تحمله عن عمر كما وقع التصريح بذلك عند البزار بلفظ: سمعت عمر والله الموفق والمعين. 4178 و 4179 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ حِينَ حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ حَفِظْتُ بَعْضَهُ وَثَبَّتَنِي مَعْمَرٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالاَ: خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ وَسَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى كَانَ بِغَدِيرِ الأَشْطَاطِ أَتَاهُ عَيْنُهُ قَالَ: إِنَّ قُرَيْشًا جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ الأَحَابِيشَ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ وَمَانِعُوكَ، فَقَالَ: «أَشِيرُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيَّ أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ إِلَى عِيَالِهِمْ وَذَرَارِيِّ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنِ الْبَيْتِ؟ فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَطَعَ عَيْنًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَإِلاَّ تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا الْبَيْتِ لاَ تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ وَلاَ حَرْبَ أَحَدٍ فَتَوَجَّهْ لَهُ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ قَالَ: «امْضُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (حين حدث هذا الحديث) الذي هذا سنده (حفظت بعضه) من الزهري (وثبتني) فيما سمعته من الزهري (معمر) أي ابن راشد (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن المسور بن مخرمة) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة بعدها راء (ومروان بن الحكم يزيد أحدهما على صاحبه قالا: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه) وللأربعة: من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلما أتى ذا الحليفة) الميقات المعروف (قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة) وهذا القدر مما ثبته فيه معمر كما بينه أبو نعيم في مستخرجه، وقد سبق في هذا الباب من رواية ابن المديني عن سفيان قوله: لا أحفظ الأشعار والتقليد فيه. (وبعث) عليه الصلاة والسلام (عينًا) أي جاسوسًا (له من خزاعة) اسمه بشر بن سفيان بضم الموحدة وسكون المهملة كما ذكره ابن عبد البر (وسار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى كان بغدير الأشطاط) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة بعدها مهملتان بينهما ألف موضع تلقاء الحديبية وفي نسخة أبي ذر بالإعجام والإهمال (أتاه عينه) بشر (قال): وفي نسخة فقال (إن قريشًا جمعوا لك) بتخفيف الميم (جموعًا وقد جمعوا لك الأحابيش) بالحاء المهملة وبعد الألف موحدة آخره شين معجمة جماعات من قبائل شتى، وقال الخليل: أحياء من القارة انضموا إلى بني ليث في محاربتهم قريشًا قبل الإسلام، وقال ابن دريد: حلفاء قريش تحالفوا تحت جبل يسمى حبيشًا فسموا بذلك (وهم مقاتلوك وصادّوك) بتشديد الدال (عن البيت) الحرام (ومانعوك) من الدخول إلى مكة (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أشيروا أيها الناس عليّ أترون) بفتح التاء (أن أميل إلى عيالهم وذراريّ هؤلاء) الكفار (الذين يريدون أن يصدونا عن البيت فإن يأتونا كان الله عز وجل قد قطع عينًا) جاسوسًا (من المشركين) يعني الذي بعثه عليه الصلاة والسلام أي غايته أنا كنا كمن لمن يبعث الجاسوس ولم يعبر الطريق وواجههم بالقتال (وإلاّ) بأن لم يأتونا (تركناهم محروبين) بالراء المهملة والموحدة مسلوبين منهوبين الأموال والعيال (قال أبو بكر: يا رسول الله) إنك (خرجت عامدًا لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حرب أحد فتوجه له) للبيت (فمن صدنا عنه

قاتلناه قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (امضوا على اسم الله). 4180 و 4181 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ يُخْبِرَانِ خَبَرًا مِنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ فَكَانَ فِيمَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَمَّا كَاتَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى قَضِيَّةِ الْمُدَّةِ وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: لاَ يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلاَّ رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وَأَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ عَلَى ذَلِكَ فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامَّعَضُوا فَتَكَلَّمُوا فِيهِ فَلَمَّا أَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ عَلَى ذَلِكَ كَاتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلٍ يَوْمَئِذٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلاَّ رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَجَاءَتِ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْيَ عَاتِقٌ فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُؤْمِنَاتِ مَا أَنْزَلَ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق) بن راهويه (قال: أخبرنا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (حدثني) بالتوحيد (ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله بن مسلم (عن عمه) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالتوحيد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أنه سمع مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة يخبران خبرًا من خبر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في عمرة الحديبية فكان فيما أخبرني عروة عنهما أنه لما كاتب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سهيل بن عمرو) بضم السين وفتح عين عمرو (يوم الحديبية على قضية) الصلح في (المدة) المعينة (وكان فيما اشترط سهيل بن عمرو أنه قال: لا يأتيك منا أحد) رجل أو أنثى (وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه وأبى) أي: امتنع (سهيل أن يقاضي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا على ذلك فكره المؤمنون ذلك وامعضوا) بتشديد الميم مفتوحة وفتح العين وضم الضاد المعجمة وأصله انمعضوا فقلبت النون ميمًا وأدغمت في الميم، ولأبي ذر عن الكشميهني: وامتعضوا بسكون الميم مخففة وبعدها فوقية مفتوحة أي شق عليهم، وللأصيلي وابن عساكر: وامتعظوا كذلك لكن بالظاء المعجمة المشالة ولهما أيضًا اتعظوا كذلك لكن بالفوقية المشددة بدل الميم ولا وجه لهذه والأولى هي الأوجه (فتكلموا فيه) فقالوا: سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلمًا (فلما أبى سهيل أن يقاضي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا على ذلك كاتبه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عليه (فردّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبا جندل بن سهيل يومئذ إلى أبيه سهيل بن عمرو) وكان قد جاء يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين (ولم يأت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلمًا وجاءت المؤمنات) حال كونهن (مهاجرات) في أثناء الصلح (فكانت) ولأبي ذر: وكانت (أم كلثوم) بضم الكاف والمثلثة بينهما لام ساكنة (بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي عاتق) بالمثناة الفوقية أي شابة أو أشرفت على البلوغ (فجاء أهلها يسألون رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرجعها) بفتح التحتية (إليهم حتى أنزل الله تعالى في المؤمنات ما أنزل) من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] أي لا تردّوهن إلى أزواجهن المشركين فنقض العهد بينه وبين المشركين في النساء خاصة. 4182 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الآيَةِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة: 12] وَعَنْ عَمِّهِ قَالَ: بَلَغَنَا حِينَ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَرُدَّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مَا أَنْفَقُوا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَصِيرٍ فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ. (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم بالإسناد السابق: (وأخبرني عروة بن الزبير أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط قوله زوج النبي إلى آخره لأبي ذر (قالت): ولأبي ذر: أخبرته (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يمتحن من هاجر من المؤمنات بهذه الآية: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك}) [الممتحنة: 12]. وسقط لفظ يبايعنك في نسخة ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ} [الممتحنة: 10] بدل {يا أيها النبي} الآية السابقة. (وعن عمه) عطف على قوله حدثني ابن أخي شهاب عن عمه وهو موصول بالإسناد السابق (قال: بلغنا حين أمر الله رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرد إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهم) وثبت لفظ على لأبي ذر (وبلغنا أن أبا بصير فذكره) أي الحديث (بطوله) كما هو مذكور آخر كتاب الصلح. 4183 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- خَرَجَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ فَقَالَ: إِنْ صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (عن مالك) الإمام (عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- خرج) ولأبوي ذر والوقت عن الكشميهني حين خرج (معتمرًا في) أيام (الفتنة) حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير (فقال: إن صددت) منعت (عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الحديبية من التحلل بالنحر ثم بالحلق (فأهلّ) ابن عمر (بعمرة من أجل

أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أهل بعمرة عام الحديبية). وهذا الحديث سبق في باب إذا أحصر المعتمر من كتاب الحج. 4184 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَهَلَّ وَقَالَ: إِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ حَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَتَلاَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أنه أهلّ) أحرم بعمرة زمن الفتنة (وقال: إن حيل بيني وبينه) أي البيت الحرام (لفعلت) باللام ولأبي ذر عن الكشميهني: فعلت (كما فعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين حالت كفار قريش بينه) وبين البيت في الحديبية من النحر ثم الحلق بنية التحلل. (وتلا) ابن عمر ({لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}) [الأحزاب: 21]. وهذا الحديث قد مرّ مطولاً في الباب المذكور. 4185 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ح. وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَهُ: لَوْ أَقَمْتَ الْعَامَ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ لاَ تَصِلَ إِلَى الْبَيْتِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَدَايَاهُ وَحَلَقَ وَقَصَّرَ أَصْحَابُهُ وَقَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَوْجَبْتُ عُمْرَةً، فَإِنْ خُلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ طُفْتُ وَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ صَنَعْتُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: مَا أُرَى شَأْنَهُمَا إِلاَّ وَاحِدًا أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي فَطَافَ طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعْيًا وَاحِدًا حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) الضبعي وقيل الهلالي البصري قال: (حدّثنا) عمي (جويرية) بن أسماء بن عبيد البصري (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله و) شقيقه (سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (أخبراه أنهما كلما) أباهما (عبد الله بن عمر) قال المؤلّف: (ح). (وحدّثنا) وسقطت الواو لأبي ذر (موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا جويرية) بن أسماء (عن نافع أن بعض بني عبد الله) أما عبد الله أو عبيد الله أو سالم (قال له): لما أراد أن يعتمر حين نزول الحجاج على ابن الزبير (لو أقمت العام) لكان خيرًا (فإني أخاف أن لا تصلا إلى البيت قال: خرجنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحال كفار قريش دون البيت فنحر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هداياه وحلق وقصر أصحابه) فحلوا من عمرتهم (وقال): بالواو ولأبي ذر وابن عساكر قال (أشهدكم أني أوجبت عمرة) على نفسي (فإن خلي بيني وبين البيت طفت) به (وإن حيل بيني وبين البيت صنعت) ولأبي ذر: صنعنا (كما صنع رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالتحلل من العمرة بالنحر والحلق (فسار ساعة ثم قال: ما أرى شأنهما) أي الحج والعمرة (إلا واحدًا) في جواز التحلل منهما بالإحصار (أشهدكم أني قد أوجبت حجة مع عمرتي فطاف طوافًا واحدًا و) سعى (سعيًا واحدًا) يوم دخل مكة ومكث (حتى حلّ منهما جميعًا) يوم النحر والهدي. وهذا الحديث قد سبق في باب إذا أحصر المعتمر. 4186 - حَدَّثَنِي شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ سَمِعَ النَّضْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا صَخْرٌ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ عُمَرُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْسَلَ عَبْدَ اللَّهِ إِلَى فَرَسٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَأْتِي بِهِ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهِ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُبَايِعُ عِنْدَ الشَّجَرَةِ، وَعُمَرُ لاَ يَدْرِي بِذَلِكَ فَبَايَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الْفَرَسِ فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُمَرَ، وَعُمَرُ يَسْتَلْئِمُ لِلْقِتَالِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُبَايِعُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَانْطَلَقَ فَذَهَبَ مَعَهُ حَتَّى بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهِيَ الَّتِي يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (شجاع بن الوليد) بالشين المعجمة أبو الليث البخاري مؤدب الحسن بن العلاء السعدي الأمير أنه (سمع النضر بن محمد) بالضاد المعجمة الساكنة الجرشي بضم الجيم وفتح الراء وبعدها شين معجمة اليماني قال: (حدّثنا صخر) بفتح الصاد المهملة وسكون الخاء المعجمة ابن جويرية النميري (عن نافع) أنه (قال: إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل) أبيه (عمر وليس كذلك، ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله) ابنه (إلى فرس له عند رجل من الأنصار) قال ابن حجر: لم أقف على اسمه، ويحتمل أنه الذي آخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينه وبينه (يأتي به ليقاتل عليه ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبايع) الناس (عند الشجرة وعمر لا يدري بذلك فبايعه) عليه الصلاة والسلام (عبد الله ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى عمر وعمر يستلئم) بسكون اللام وكسر الهمزة أي يلبس لأمته بالهمزة أي درعه (للقتال فأخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبايع تحت الشجرة قال: فانطلق) عمر (فذهب معه) ابنه (حتى يبايع) عمر (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهي التي يتحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر) وظاهر هذا الطريق الإرسال، لكن ظهر في الطريق التالية أن نافعًا حمله عن ابن عمر. 4187 - وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَنَّ النَّاسَ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، تَفَرَّقُوا فِي ظِلاَلِ الشَّجَرِ فَإِذَا النَّاسُ مُحْدِقُونَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ انْظُرْ مَا شَأْنُ النَّاسِ قَدْ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَوَجَدَهُمْ يُبَايِعُونَ فَبَايَعَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عُمَرَ فَخَرَجَ فَبَايَعَ. (وقال هشام بن عمار: حدّثنا الوليد بن مسلم) فيما وصله الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن دحيم عن الوليد بن مسلم، وفي بعض النسخ وقال هشام بن عمار: حدّثنا الوليد بن مسلم قال: (حدّثنا عمر بن محمد العمري) قال: (أخبرني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن الناس كانوا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الحديبية تفرقوا في ظلال الشجر فإذا الناس محدقون بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي محيطون به ناظرون إليه بأحداقهم (فقال) عمر بن

الخطاب لابنه: (يا عبد الله أنظر ما شأن الناس قد أحدقوا برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قال بدل قد قال في الفتح وهو تحريف (فوجدهم) عبد الله بن عمر (يبايعون) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فبايع ثم رجع إلى) أبيه (عمر) فأخبره بذلك (فخرج فبايع) عمر وبايع معه ابنه مرة أخرى. واستشكل بأن سبب مبايعة ابن عمر هنا غير سبب مبايعته قبل. وأجيب: باحتمال أن عمر بعثه ليحضر له الفرس فرأى الناس مجتمعين فقال له: انظر ما شأنهم فذهب يكشف حالهم فوجدهم يبايعون فبايع وتوجه إلى الفرس فأحضرها ثم ذكر حينئذ الجواب لأبيه. 4188 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْلَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما- قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ اعْتَمَرَ فَطَافَ فَطُفْنَا مَعَهُ وَصَلَّى وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لاَ يُصِيبُهُ أَحَدٌ بِشَىْءٍ. وبه قال: (حدّثنا ابن نمير) هو محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني قال: (حدّثنا يعلى) بن عبيد الطنافسي قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي الكوفي (قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى) علقمة (-رضي الله عنهما- قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين اعتمر) عمرة القضاء (فطاف) بالكعبة (فطفنا معه وصلّى وصلينا) ولأبي ذر: فصلينا (معه) بالفاء بدل الواو (وسعى بين الصفا والمروة فكنا نستره من) مشركي (أهل مكة لا يصيبه) أي لئلا يصيبه (أحد بشيء) يؤذيه. وهذا الحديث قد مرّ في باب متى يحل المعتمر من أبواب العمرة في كتاب الحج. 4189 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَصِينٍ قَالَ: قَالَ أَبُو وَائِلٍ لَمَّا قَدِمَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ مِنْ صِفِّينَ أَتَيْنَاهُ نَسْتَخْبِرُهُ فَقَالَ: اتَّهِمُوا الرَّأْيَ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، وَمَا وَضَعْنَا أَسْيَافَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا لأَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلاَّ أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ قَبْلَ هَذَا الأَمْرِ مَا نَسُدُّ مِنْهَا خُصْمًا إِلاَّ انْفَجَرَ عَلَيْنَا خُصْمٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَأْتِي لَهُ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (الحسن) بفتح الحاء والسين المهملتين (ابن إسحاق) ابن أبي زياد الليثي مولاهم المروزي المعروف بحسنويه الموثق من النسائي قال: (حدّثنا محمد بن سابق) التميمي البغدادي قال: (حدّثنا مالك بن مغول) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وبعد الواو المفتوحة لام البجلي (قال: سمعت أبا حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي (قال: قال أبو وائل): شقيق ابن سلمة (لما قدم سهل بن حنيف) الأنصاري الصحابي (من) وقعة (صفين) التي كانت بين علي ومعاوية (أتيناه نستخبره فقال): وقد كان يتهم بالتقصير في القتال يوم صفين (اتهموا الرأي) في الجهاد أي اتهموا رأيكم في هذا القتال فإنما تقاتلون في الإسلام إخوانكم باجتهاد اجتهدتموه (فلقد رأيتني) أي رأيت نفسي (يوم أبي جندل) العاصي بن سهيل لما جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الحديبية من مكة مسلمًا وهو يجر قيوده وكان قد عذب في الله فقال أبوه: يا محمد أول ما أقاضيك عليه فرد عليه أبا جندل وكان رده أشق على المسلمين من سائر ما جرى عليهم (ولو أستطيع أن أردّ على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره لرددت) وقاتلت قتالاً شديدًا لا مزيد عليه (والله ورسوله أعلم) بما فيه المصلحة فترك عليه السلام القتال إبقاء على المسلمين وصونًا للدماء (وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا) في الله (لأمر يفظعنا) يشق علينا (إلا أسهلن بنا) أي أدنتنا الأسياف (إلى أمر) سهل (نعرفه) فأدخلناها فيه (قبل هذا الأمر) يعني أمر الفتنة الواقعة بين المسلمين فإنها مشكلة لما فيها من قتل المسلمين (ما نسد) بضم السين المهملة (منها) من الفتنة (خصمًا) بضم الخاء المعجمة وسكون الصاد المهملة (إلا انفجر علينا خصم ما ندري كيف نأتي له) بضم الخاء المعجمة أيضًا الناحية والطرف وقيل جانب كل شيء خصمه، ومنه يقال للخصمين خصمان لأن كل واحد منهما يأخذ بناحية من الدعوى غير ناحية صاحبه، وأصله خصم القربة وهو طرفها، واستعمله هنا على جهة الاستعارة وحسنه ترشيح ذلك بالانفجار أي كما ينفجر الماء من نواحي القربة، وكان قول سهل هذا يوم صفين لما حكم الحكمان وأرادا الإخبار عن انتشار الأمر وشدته وأنه لا يتهيأ إصلاحه وتلافيه. وهذا الحديث قد مرّ في أواخر باب الجهاد. 4190 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: أَتَى عَلَىَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «فَاحْلِقْ وَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً». قَالَ: أَيُّوبُ لاَ أَدْرِي بِأَيِّ هَذَا بَدَأَ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن (عن كعب بن عجرة) بضم العين وسكون الجيم (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أتى على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زمن) عمرة (الحديبية والقمل يتناثر على وجهي فقال): (أيؤذيك

36 - باب قصة عكل وعرينة

هوام رأسك) بفتح الهاء والواو وبعد الألف ميم مشددة أي قمل رأسك (قلت: نعم) يؤذيني (قال: فاحلق) رأسك (وصم ثلاثة أيام وأطعم ستة مساكين أو انسك نسيكة) بضم السين ووصل الهمزة كما قاله الحفاظ أي اذبح ذبيحة (قال أيوب) السختياني: (لا أدري بأي هذا) المذكور من الصيام والإطعام والنسك (بدأ). 4191 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحُدَيْبِيَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ، وَقَدْ حَصَرَنَا الْمُشْرِكُونَ، قَالَ: وَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ فَجَعَلَتِ الْهَوَامُّ تَسَّاقَطُ عَلَى وَجْهِي فَمَرَّ بِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن هشام أبو عبد الله) المروزي سكن بغداد قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير بفتح الموحدة بوزن عظيم ابن القاسم بن دينار السلمي الواسطي ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس الواسطي ويقال: البصري (عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحديبية ونحن) أي والحال أنا (محرمون) بالعمرة (وقد حصرنا المشركون) بفتح الحاء والصاد والراء المهملات حبسونا عن الوصول للكعبة (قال: وكانت لي وفرة) بفتح الواو وسكون الفاء شعر إلى شحمة أذني (فجعلت الهوام) القمل (تساقط) بتشديد السين (على وجهي فمرّ بي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (أيؤذيك هوام رأسك؟ قلت: نعم) يا رسول الله (قال: وأنزلت هذه الآية: {فمن كان منكم مريضًا}) فمن كان به مرض يحوجه إلى الحلق ({أو به أذى من رأسه}) وهو القمل أو الجراحة ({ففدية}) فعليه إذا حلق فدية ({من صيام}) ثلاثة أيام ({أو صدقة}) على ستة مساكين نصف صاع من بر ({أو نسك}) [البقرة: 196]. شاة وهو مصدر أو جمع نسيكة. 36 - باب قِصَّةِ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ (باب قصة عكل) بضم العين وسكون الكاف بعدها لام (وعرينة) بضم العين المهملة وفتح الراء وسكون التحتية وفتح النون وسقط لفظ باب لأبي ذر. 4192 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا -رضي الله عنه- حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَكَلَّمُوا بِالإِسْلاَمِ فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَوْدٍ وَرَاعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا نَاحِيَةَ الْحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي آثَارِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَتُرِكُوا فِي نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ. قَالَ: قَتَادَةُ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُثْلَةِ. وَقَالَ شُعْبَةُ وَأَبَانُ وَحَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ مِنْ عُرَيْنَةَ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَأَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ: قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الأعلى بن حماد) النرسي الباهلي مولاهم البصري قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بتقديم الزاي المضمومة على الراء المفتوحة الخياط أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا سعيد عن قتاة) بن دعامة (أن أنسًا -رضي الله عنه- حدثهم أن ناسًا من عكل) قبيلة من تيم الرباب (و) من (عرينة) حيّ من بجيلة (قدموا المدينة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتكلموا بالإسلام) أي تلفظوا بكلمة التوحيد وأظهروا الإسلام (فقالوا: يا نبي الله إنا كنا أهل ضرع) بفتح الضاد المعجمة وسكون الراء ماشية وإبل (ولم نكن أهل ريف) بكسر الراء أرض زرع وخصب (واستوخموا المدينة فأمرهم) ولأبي ذر: فأمر لهم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذود) بفتح الذال المعجمة آخره مهملة من الإبل ما بين الثلاثة إلى العشرة (وراع) كقاض ولأبي ذر وراعي اسمه يسار النوبي (وأمرهم أن يخرجوا فيه) في الذود (فيشربوا من ألبانها وأبوالها) أي الإبل (فانطلقوا) فشربوا منهما (حتى إذا كانوا ناحية الحرة) وصحوا وسمنوا ورجعت إليهم ألوانهم (كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يسارًا (و) ذلك لما (استاقوا الذود) أدركهم فقاتلهم فقطعوا يده ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينه حتى قتل (فبلغ) ذلك (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نبعث) عليه السلام (الطلب في آثارهم) أي وراءهم فأخذوا (فأمر بهم فسمّروا) بتخفيف الميم ولأبي ذر بشديدها (أعينهم) أي كحلت بالمسامير المحمية (وقطعوا أيديهم وأرجلهم) بتخفيف الطاء (وتركوا) بضم التاء (في ناحية الحرة) ظاهر المدينة (حتى ماتوا على حالهم). (قال قتادة): بالإسناد السابق (بلغنا) ولأبي ذر: وبلغنا (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك كان يحثّ على الصدقة وينهى عن المثلة) بضم الميم وسكون المثلثة يقال مثلث بالحيوان إذا قطعت أطرافه وشوّهت به ومثلت بالقتيل إذا جدعت أنفه وأذنه ومذاكيره وشيئًا من أطرافه وسقط لفظ كان للأربعة. (وقال شعبة) بن الحجاج مما وصله المؤلّف في الزكاة وللأصيلي قال أبو عبد الله أي البخاري وقال شعبة: (وأبان) بن يزيد العطار مما وصله ابن أبي

37 - باب غزوة ذات قرد وهي الغزوة التي أغاروا على لقاح النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل خيبر بثلاث

شيبة (وحماد) هو ابن سلمة مما وصله أبو داود والنسائي (عن قتادة) بن دعامة (من عرينة) ولم يقل من عكل. (قال يحيى بن أبي كثير) مما وصله المؤلّف في المحاربين (وأيوب) السختياني فيما وصله أيضًا في الطهارة (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد (عن أنس قدم نفر من عكل) ولم يقولوا من عرينة. 4193 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، وَالْحَجَّاجُ الصَّوَّافُ، قَالاَ حَدَّثَنِي أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلاَبَةَ وَكَانَ مَعَهُ بِالشَّأْمِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ اسْتَشَارَ النَّاسَ يَوْمًا قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي هَذِهِ الْقَسَامَةِ؟ فَقَالُوا حَقٌّ قَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَضَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ قَبْلَكَ، قَالَ وَأَبُو قِلاَبَةَ خَلْفَ سَرِيرِهِ، فَقَالَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ: فَأَيْنَ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الْعُرَنِيِّينَ؟ قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: إِيَّايَ حَدَّثَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ مِنْ عُرَيْنَةَ، وَقَالَ أَبُو قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ مِنْ عُكْلٍ: ذَكَرَ الْقِصَّةَ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال: (حدّثنا حفص بن عمر أبو عمر) بضم العين فيهما (الحوضي) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو بعدها ضاد معجمة من شيوخ المؤلّف روى عنه بالواسطة قال: (حدّثنا حماد بن زيد) قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (والحجاج) بن أبي عثمان ميسرة البصري (الصوّاف قال: حدثني) بالإفراد (أبو رجاء) سليمان (مولى أبي قلابة) عبد الله بن زيد وكان الأصل حدثاني بالتثنية، لكن قال الحافظ ابن حجر: المراد حجاج لأن أيوب لا يظهر من هذه الرواية كيفية سياقه وقد اختلف عليه هل هو عنده عن أبي قلابة بغير واسطة أو بواسطة (وكان) أبو رجاء (معه) مع أبي قلابة (بالشام أن عمر بن عبد العزيز استشار الناس يومًا قال): لهم ولأبي ذر فقال (ما تقولون في هذه القسامة)؟ أي قسمة الأيمان على الأولياء في الدم عند اللوث أي القرائن المغلبة على الظن (فقالوا) هي (حق قضى بها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقضت بها الخلفاء قبلك. قال) أبو رجاء (وأبو قلابة خلف سريره) أي سرير عمر (فقال عنبسة بن سعيد): بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الموحدة والمهملة وسعيد بكسر العين القرشي الأموي (فأين حديث أنس في العرنيين) فإنهم قتلوا الراعي وكان ثمة لوث ولم يحكم فيهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحكم القسامة بل اقتص منهم (قال أبو قلابة: إياي حدثه أنس بن مالك) بحديثهم (قال عبد العزيز بن صهيب عن أنس من عرينة) فلم يقل من عكل (وقال أبو قلابة عن أنس من عكل) فلم يقل من عرينة (ذكر القصة) وسقط من قوله قال شعبة إلى هنا عند أبوي ذر والوقت وابن عساكر وهو ثابت عندهم في آخر غزوة ذي قرد. 37 - باب غَزْوَةُ ذَاتِ قَرَدٍ وَهْيَ الْغَزْوَةُ الَّتِي أَغَارُوا عَلَى لِقَاحِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ خَيْبَرَ بِثَلاَثٍ (باب غزوة ذات قرد) بفتح القاف والراء، وحكي ضم القاف، ونسب للغويين والأول للمحدثين ماء على نحو بريد مما يلي غطفان، ولأبي ذر: ذي قرد مع سقوط الباب له (وهي الغزوة التي أغاروا) فيها (على لقاح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر اللام جمع لقحة وهي الناقة ذات اللبن كانت عشرين لقحة (قبل خيبر بثلاث) من الليالي وعند ابن سعد كانت في ربيع الأول سنة ست قبل الحديبية فيحتمل أن يكون ما وقع في حديث سلمة بن الأكوع المروي عند مسلم بلفظ فرجعنا أي من الغزوة إلى المدينة فوالله ما لبثنا بالمدينة إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر من وهم بعض الرواة كما قاله القرطبي شارح مسلم. 4194 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ يَقُولُ: خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ بِالأُولَى وَكَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ قَالَ: فَلَقِيَنِي غُلاَمٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟ قَالَ: غَطَفَانُ. قَالَ: فَصَرَخْتُ ثَلاَثَ صَرَخَاتٍ يَا صَبَاحَاهْ. قَالَ: فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُمْ وَقَدْ أَخَذُوا يَسْتَقُونَ مِنَ الْمَاءِ فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِي وَكُنْتُ رَامِيًا وَأَقُولُ: أَنَا ابْنُ الأَكْوَعْ ... الْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ وَأَرْتَجِزُ حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلاَثِينَ بُرْدَةً قَالَ: وَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ حَمَيْتُ الْقَوْمَ الْمَاءَ وَهُمْ عِطَاشٌ فَابْعَثْ إِلَيْهِمُ السَّاعَةَ، فَقَالَ: «يَا ابْنَ الأَكْوَعِ مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ» قَالَ: ثُمَّ رَجَعْنَا وَيُرْدِفُنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة ابن إسماعيل (عن يزيد بن أبي عبيد) مولى سلمة بن الأكوع أنه (قال: سمعت سلمة بن الأكوع يقول: خرجت) من المدينة نحو الغابة (قبل أن يؤذن) بفتح الذال المعجمة المشددة (بالأولى) وهي صلاة الصبح (وكانت) بالتاء في اليونينية وغيرها وفي الفرع وكان (لقاح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترعى بذي قرد قال: فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف) لم يسم أو هو رباح الذي كان يخدمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) لي: (أخذت لقاح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قلت: من أخذها؟ قال): أخذها (غطفان) زاد في الجهاد وفزارة وهو من عطف الخاص على العام لأن فزارة من غطفان (قال: فصرخت ثلاث صرخات) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بثلاث صرخات بزيادة موحدة (يا صباحاه) مرة واحدة في الجهاد مرتين منادى مستغاث يقال عند الغارة وهاء صباحاه ساكنة (قال: فأسمعت ما بين لابتي المدينة) حرتيها. وفي الطبراني فصعدت في سلع ثم صحت: يا صباحاه فأنتهى صياحي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنودي في الناس الفزع الفزع (ثم اندفعت) أي أسرعت في السير (على

38 - باب غزوة خيبر

وجهي) فلم ألتفت يمينًا ولا شمالاً (حتى أركتهم وقد أخذوا يستقون من الماء فجعلت أرميهم بنبلي) بفتح النون (وكنت راميًا وأقول: أنا ابن الأكوع ... اليوم) ولأبي ذر وابن عساكر: واليوم (يوم الرضع) أي يوم هلاك اللئام (وأرتجز) بذلك أو بغيره (حتى استنقذت اللقاح) كلها (منهم واستلبت منهم ثلاثين بردة. قال: وجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والناس) وكان قد خرج عليه السلام إليهم غداة الأربعاء في خمسمائة أو سبعمائة (ففلت) له: (يا نبي الله قد حميت القوم الماء) بفتح ميم حميت أي منعتهم من شربه (وهم عطاش فابعث إليهم الساعة) وعند ابن سعد فلو بعثني في مائة رجل استنقذت ما بأيديهم من السرح وأخذت بأعناق القوم (فقال) عليه الصلاة والسلام: (يا ابن الأكوع ملكت) أي قدرت عليهم (فاسجح) بهمزة قطع مفتوحة وسكون السين المهملة وبعد الجيم المكسورة حاء مهملة أي فارفق ولا تأخذ بالشدة (قال: ثم رجعنا) إلى المدينة (ويردفني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ناقته) العضباء (حتى دخلنا المدينة) زاد هنا أبوا ذر والوقت وابن عساكر قال شعبة إلى قوله باب قصة عكل المذكور قبل آخر الباب. 38 - باب غَزْوَةُ خَيْبَرَ (باب غزوة خيبر) وهي مدينة ذات حصون ومزارع على ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام وسقط لفظ باب لأبي ذر. 4195 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ وَهْيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلاَّ بِالسَّوِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) إمام دار الهجرة (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح المعجمة مصغرًا ويسار بالتحتية والمهملة المخففة (أن سويد بن النعمان أخبره أنه خرج مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام خيبر) سنة سبع (حتى إذا كنا بالصهباء) بالصاد المهملة والمد (وهي من أدنى) أي من أسفل (خيبر صلّى العصر ثم دعا بالأزواد) جمع زاد وهو ما يؤكل في السفر (فلم يؤت إلا بالسويق فأمر) عليه الصلاة والسلام (به فثري) بضم المثلثة وتشديد الراء وتخفف أي بلّ بالماء لما حصل له من اليبس (فأكل) عليه الصلاة والسلام (وأكلنا) منه وزاد في الجهاد وشربنا (ثم قام الى) صلاة (المغرب فمضمض) قبل أن يدخل في الصلاة (ومضمضنا) كذلك (ثم صلّى ولم يتوضأ) بسبب أكل السويق. وهذا الحديث سبق في الوضوء ويأتي إن شاء الله تعالى في الطعام. 4196 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه- قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ فَسِرْنَا لَيْلاً فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرٍ: يَا عَامِرُ أَلاَ تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ؟ وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلاً شَاعِرًا فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا أَبْقَيْنَا ... وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا ... إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَبَيْنَا وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ هَذَا السَّائِقُ»؟ قَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ قَالَ: «يَرْحَمُهُ اللَّهُ» قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْلاَ أَمْتَعْتَنَا بِهِ فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا هَذِهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَيِّ شَىْءٍ تُوقِدُونَ»؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ. قَالَ: «عَلَى أَيِّ لَحْمٍ»؟ قَالُوا: لَحْمِ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا قَالَ: «أَوْ ذَاكَ» فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ قَصِيرًا فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ قَالَ: فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِي قَالَ: «مَا لَكَ»؟ قُلْتُ لَهُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَذَبَ مَنْ قَالَهُ إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ -وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ- إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ». حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ قَالَ: نَشَأَ بِهَا. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا حاتم بن إسماعيل) المدني الحارثي مولاهم (عن يزيد بن أبي عبيد) الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع (عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-) أنه (قال: خرجنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خيبر فسرنا ليلاً فقال رجل من القوم): هو أسيد بن حضير (لعامر) عم سلمة بن الأكوع (يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك) بهاءين أولاهما مضمومة بعدها نون مفتوحة فتحتية ساكنة مصغر هنة، ولأبي ذر عن الكشميهني: هنياتك بهاء واحدة مضمومة وتشديد التحتية أي من أراجيزك. وعند ابن إسحاق من حديث نصر بن دهر الأسلمي أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع وهو عم سلمة بن الأكوع واسم الأكوع سنان: "أنزل يا ابن الأكوع فاحد لنا من هنياتك" ففيه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الذي أمره بذلك (وكان عامر رجلاً شاعرًا) ولأبي ذر عن الكشميهني حدّاء (فنزل يحدو بالقوم يقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا) قال في الفتح: في هذا القسم زحاف الخزم بمعجمتين وهو زيادة سبب خفيف في أوله، وأكثر هذا الرجز قد تقدم في الجهاد من حديث البراء بن عازب وأنه من شعر عبد الله بن رواحة، فيحتمل أن يكون هو وعامر تواردا على ما تواردا منه بدليل ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر أو استعان عامر ببعض ما سبقه إليه ابن رواحة. (فاغفر فداء لك) بكسر الفاء والمد والمخاطب بذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي اغفر لنا تقصيرنا في حقك ونصرك إذ لا يتصور أن يقال: مثل هذا الكلام للباري تعالى، وقوله: اللهم لم يقصد

بها الدعاء وإنما افتتح بها الكلام (ما أبقينا ... ) من الإبقاء بالموحدة أي ما خلفنا وراءنا مما اكتسبناه من الآثام، ولأبي ذر: ما اتقينا بالفوقية المشدّدة أي ما تركناه من الأوامر (وألقين) أي وسل ربك أن يلقين (سكينة علينا ... وثبث الأقدام) أي وأن تثبت الأقدام (إن لاقينا ... ) العدو (إنا إذا صيح) بكسر الصاد المهملة وتسكين التحتية (بنا) أي إذا دعينا إلى غير الحق (أبينا ... ) أي امتنعنا ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني أتينا بالفوقية بدل الموحدة أي إذا دعينا إلى القتال أو إلى الحق جئنا (وبالصياح عوّلوا علينا ... ) أي وبالصوت العالي قصدونا واستغاثوا علينا، وفي نسخة بالفرع كأصله أعولوا علينا (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من هذا السائق)؟ للإبل (قالوا): يا رسول الله (عامر بن الأكوع قال) عليه الصلاة والسلام: (يرحمه الله) وعند أحمد من رواية إياس بن سلمة فقال: غفر لك ربك قال: وما استغفر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لإنسان يخصه إلا استشهد (قال رجل من القوم): هو عمر بن الخطاب كما في مسلم (وجبت) له الشهادة بدعائك له (يا نبي الله لولا) أي هلا (أمتعتنا به) أبقيته لنا لنتمتع به (فأتينا خيبر) أي أهل خيبر (فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة) مجاعة (شديدة ثم إن الله تعالى فتحها عليهم) حصنًا حصنًا وكان أولها فتحًا حصن ناعم (فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانًا كثيرة فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما هذه النيران على أي شيء توقدونـ) ـها (قالوا): نوقدها (على لحم قال: على أيّ لحم)؟ أي نوع اللحوم توقدونها (قالوا: لحم الحمر الإنسية) بكسر الهمزة وسكون النون أو بفتح الهمزة والنون صفة حمر ولحم جر في الفرع كأصله ولأبي ذر بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هو لحم حمر ويجوز النصب بنزع الخافض أي على لحم حمر وهو بضمتين جمع حمار (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أهريقوها) بهمزة مفتوحة وسكون الهاء ولأبي ذر وابن عساكر هريقوها أي أريقوها والهاء زائدة (واكسروها فقال رجل): لم يسم أو هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (يا رسول الله أو) بسكون الواو (نهريقها) بضم النون (ونغسلها قال) عليه الصلاة والسلام: (أو) بسكون الواو (ذاك) أي الغسل (فلما تصافّ القوم) بتشديد الفاء أي للقتال (كان سيف عامر) أي ابن الأكوع (قصيرًا فتناول به ساق يهودي ليضربه) به (ويرجع ذباب سيفه) أي طرفه الأعلى أو حدّه (فأصاب عين ركبة عامر) أي طرف ركبته الأعلى، وعند أحمد فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه فبرز له عامر فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر فذهب عامر يسفل له أي يضربه من أسفل فرجع سيف عامر على نفسه (فمات منه قال: فلما قفلوا) رجعوا من خيبر (قال سلمة) بن الأكوع: (رآني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو آخذ بيدي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يدي بإسقاط الجار (قال: ما لك)؟ وعند قتيبة رآني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاحبًا بمعجمة ثم مهملة وموحدة أي متغير اللون، ولإياس: فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا أبكي (قلت له: فداك أبي وأمي زعموا أن عامرًا حبط عمله) لأنه قتل نفسه وفي رواية إياس بطل عمل عامر قتل نفسه وسمى من القائلين أسيد بن حضير في رواية قتيبة الآتية في الأدب (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كذب من قاله إن) ولأبي ذر: إن (له لأجرين) أجر الجهد في الطاعة وأجر الجهاد في سبيل الله واللام للتأكيد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أجرين بإسقاطها (وجمع) عليه الصلاة والسلام (بين إصبعيه إنه لجاهد) مرتكب للمشقة واللام للتأكيد (مجاهد) في سبيل الله بكسر الهاء والتنوين فيهما بلفظ اسم الفاعل والأول مرفوع على الخبر والثاني اتباع للتأكيد كقولهم جادّ مجدّ، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي مما ليس في اليونينية جاهد بفتح الهاء والدال بلفظ الماضي. قال عياض: والأول الوجه. قال في التنقيح، وتبعه في المصابيح بفتح الهاء في الأول ماضيًا وكسرها في الثاني اسمًا منصوبًا بذلك الفعل

جميعًا لمجهد (قلّ عربي مشى) بالميم والقصر (بها) بالأرض أو المدينة أو الحرب أو الخصلة (مثله) أي مثل عامر. قال القاضي عياض: وأثر رواة البخاري عليه، وقال المؤلّف أيضًا. (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة ابن إسماعيل المذكور في السند السابق و (قال): في حديثه (نشأ) بالنون بدل الميم وبالهمزة آخره نعل ماض أي شب (بها) وكبر فخالف في هذه اللفظة، وهذه الرواية موصولة عند المؤلّف في الأدب. 4197 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَى خَيْبَرَ لَيْلاً وَكَانَ إِذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ بِهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتِ الْيَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن حميد الطويل عن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتى خيبر) أي قريبًا منها (ليلاً وكان إذا أتى قومًا بليل) ليغزوهم (لم يُغِز بهم) بكسر الغين المعجمة من الإغارة وللأربعة لم يقربهم بالقاف من القرب (حتى يصبح فلما أصبح خرجت اليهود بمساحيهم) بسكون الياء (ومكاتلهم) قففهم يطلبون زرعهم (فلما رأوه) عليه الصلاة والسلام (قالوا): جاء (محمد والله محمد والخميس) الجيش (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بما علمه من الوحي: (خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين). وهذا الحديث سبق في الجهاد في باب دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الإسلام. 4198 - أَخْبَرَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: صَبَّحْنَا خَيْبَرَ بُكْرَةً فَخَرَجَ أَهْلُهَا بِالْمَسَاحِي فَلَمَّا بَصُرُوا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» فَأَصَبْنَا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ». وبه قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (صدقة بن الفضل) المروزي قال: (أخبرنا ابن عيينة) سفيان قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: صبحنا خيبر) بتشديد الموحدة وسكون المهملة (بكرة) استشكل مع الرواية السابقة أنهم قدموها ليلاً. وأجيب: بالحمل على أنهم لما قدموها وباتوا دونها ركبوا إليها بكرة فصبحوها بالقتال والإغارة (فخرج أهلها) لزروعهم وضروعهم (بالمساحي) التي هي آلات الحرث (فلما بصروا بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالوا): هذا (محمد والله) هذا (محمد والخميس) رفع عطفًا على المرفوع أو نصب مفعولاً معه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الله أكبر خربت خيبر) تفاؤلاً بآلة الهدم مع لفظ المسحاة المأخوذ من سحوت المأخوذ منه أن مدينتهم ستخرب قاله السهيلي (إنا إذا نزلنا بساحة قوم) بقربهم وحضرتهم (فساء صباح المنذرين) أي بئس الصباح صباح من أنذر بالعذاب (فأصبنا من لحوم الحمر فنادى منادي النبي) وفي نسخة رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن الله ورسوله ينهياكم) استدلّ به على جواز جمع اسم الله مع غيره في ضمير واحد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ينهاكم بالإفراد (عن) أكل (لحوم الحمر) الأهلية (فإنها رجس) قذر ونتن. 4199 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ: أُكِلَتِ الْحُمُرُ؟ فَسَكَتَ. ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: أُكِلَتِ الْحُمُرُ؟ فَسَكَتَ. ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ أُفْنِيَتِ الْحُمُرُ؟ فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي النَّاسِ: "إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ" فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن محمد) أي ابن سيرين (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاءه جاء) بالهزة منوّنًا لم يسم، ولأبي ذر: جاي بالتحتية منوّنًا بدلاً من الهمز والذي في اليونينية جاءي بهمزة ثم تحتية منوّنة (فقال): يا رسول الله (أكلت الحمر) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول (فسكت) عليه الصلاة والسلام (ثم أتاه) ولأبي ذر ثم أتى (الثانية فقال): يا رسول الله (أكلت الحمر فسكت) عليه الصلاة والسلام (ثم أتاه) ولأبي ذر ثم أتى (الثالثة فقال: أفنيت الحمر فأمر مناديًا) هو أبو طلحة (فنادى في الناس: إن الله ورسوله ينهيانكم) بتثنية الضمير نهي تحريم (عن لحوم الحمر الأهلية) فإنها رجس (فأكفئت القدور) بضم الهمزة وسكون الكاف وكسر الفاء وهمزة مفتوحة قيل الصواب فكفئت بإسقاط الهمزة الأولى (وإنها لتفور باللحم) أي قد اشتد غليانها به. 4200 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصُّبْحَ قَرِيبًا مِنْ خَيْبَرَ بِغَلَسٍ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ فَقَتَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُقَاتِلَةَ، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ. وَكَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ فَصَارَتْ إِلَى دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ لِثَابِتٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ آنْتَ قُلْتَ لأَنَسٍ مَا أَصْدَقَهَا؟ فَحَرَّكَ ثَابِتٌ رَأْسَهُ تَصْدِيقًا لَهُ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم (عن ثابت) البناني (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: صلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصبح قريبًا من خيبر بغلس) في أول وقتها ذكر ابن إسحاق أنه نزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان لئلا يمدوهم وكانوا حلفاءهم

(ثم قال) عليه الصلاة والسلام لما أشرف على خيبر: (الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين) المخصوص بالذم محذوف أي فساء صباح المنذرين صباحهم (فخرجوا) أي يهود خيبر حال كونهم (يسعون في السكك) أي في أزقة خيبر ويقولون: محمد والخميس فقاتلهم عليه الصلاة والسلام حتى ألجأهم إلى قصرهم فصالحوه على أن له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصفراء والبيضاء والحلقة ولهم ما حملت ركابهم، وعلى أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئًا فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد فغيبوا مسكًا لحيي بن أخطب فيه حليهم فقال عليه الصلاة والسلام: "أين مسك حيي بن أخطب" قالوا: أذهبته الحروب والنفقات فوجدوا المسك (فقتل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المقاتلة) بكسر التاء الأولى أي الرجال (وسبى الذرية وكان في السبي صفية) بنت حيي (فصارت إلى دحية الكلبي ثم صارت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فتزوجها (فجعل عتقها صداقها) خصوصية له عليه الصلاة والسلام (فقال عبد العزيز بن هيب لثابت: يا أبا محمد آنت) بمد الهمزة (قلت لأنس ما أصدقها) عليه الصلاة والسلام (فحرّك ثابت رأسه تصديقًا له). وهذا الحديث سبق في صلاة الخوف في باب التكبير والغلس. 4201 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: سَبَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَفِيَّةَ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَقَالَ ثَابِتٌ لأَنَسٍ: مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا فَأَعْتَقَهَا. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد العزيز بن صهيب) أنه (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: سبى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صفية) سيدة قريظة والنضير وعند ابن إسحاق أنها سبيت من حصن القموص (فأعتقها وتزوجها) بغير مهر قال ابن الصلاح: معناه أن العتق حل محل الصداق وإن لم يكن صداقًا (فقال): ولأبي ذر قال: (ثابث) البناني (لأنس: ما أصدقها؟ قال: أصدقها نفسها فأعتقها). وهذا ظاهر جدًّا في أن المجعول مهرًا هو نفس العتق وهو من خصائصه وممن جزم بذلك الماوردي. 4202 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَسْكَرِهِ، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ، فَقِيلَ مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا صَاحِبُهُ، قَالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ سَيْفَهُ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ»؟ قَالَ: الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ فَقُلْتُ أَنَا لَكُمْ بِهِ، فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ ذَلِكَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنَ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا يعقوب) بن عبد الرحمن الإسكندراني (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التقى هو والمشركون) أي في خيبر كما في حديث أبي هريرة اللاحق لهذا الحديث (فاقتتلوا فلما مال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى عسكره) أي رجع بعد فراغ القتال في ذلك اليوم (ومال الآخرون) أهل خيبر (إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل) قيل هو قزمان بضم القاف وسكون الزاي الظفري بفتح المعجمة والفاء نسبة لبني ظفر بطن من الأنصار، وكنيته أبو الغيداق بغين معجمة مفتوحة فتحتية ساكنة آخره قاف (لا يدع لهم) أي لا يترك لليهود نسمة (شاذة) بثين وذال مشددة معجمتين التي تكون مع الجماعة ثم تفارقهم (ولا فاذة) بالفاء والمعجمة المشددة أيضًا التي لم تكن اختلطت بهم أصلاً والمعنى أنه لا يرى نفسه نسمة منهم (إلا اتبعها) بتشديد الفوقية (يضربها بسيفه) يقتلها (فقيل) وللأصيلي فقالوا ولابن عساكر وأبي الوقت وأبي ذر عن الحموي والمستملي فقال: ولأبي ذر عن الكشميهني فقلت: قال في الفتح: فإن كانت هذه محفوظة فالقائل سهل بن سعد الساعدي (ما أجزأ) بجيم وزاي أي ما أغنى (منا اليوم أحد كما أجزأ فلان) هو على سبيل المبالغة فقد كان في القوم من كان فوقه في ذلك (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أما) بالتخفيف استفتاحية فتكسر الهمزة من قوله (أنه من أهل النار) لنفاقه باطنًا. وعند الطبراني من حديث أكتم الخزاعي قلنا: يا رسول الله إذا كان فلان في عبادته واجتهاده ولين جانبه في النار فأين نحن؟ قال: "ذلك اخبأت النفاق" (فقال رجل من القوم): هو أكتم بن أبي الجون الخزاعي (أنا صاحبه) أي لأتبعه كما في الرواية الأخرى (قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه قال: فجرح الرجل) قزمان (جرحًا شديدًا فاستعجل الموت فوضع سيفه بالأرض وذبابه) بمعجمة مضمومة أي طرفه (بين ثدييه ثم تحامل) مال (على سيفه) زاد أكتم حتى خرج من ظهره (فقتل نفسه

فخرج الرجل) الذي اتبعه (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في فقال: أشهد أنك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وما ذاك) (قال الرجل الذي ذكرت أنفًا) بمد الهمزة وكسر النون أي الآن: (أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك) الذي قلته (فقلت: أنا لكم به) أتبعه حتى أرى ما له (فخرجت في طلبه ثم جرح جرحًا شديدًا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند ذلك: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو) يظهر (للناس وهو من أهل النار وأن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة) فيه التحذير من الاغترار بالأعمال. تنبيه: قال المهلب: هذا الرجل ممن أعلمنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه نفذ عليه الوعيد من النفاق، ولا يلزم منه أنه كل من قتل نفسه يقضى عليه بالنار. وقال السفاقسي: يحتمل أن يكون قوله هو من أهل النار إن لم يغفر الله له. 4203 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: شَهِدْنَا خَيْبَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِرَجُلٍ مِمَّنْ مَعَهُ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ: «هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ» فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ أَشَدَّ الْقِتَالِ حَتَّى كَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحَةُ فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ يَرْتَابُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ أَلَمَ الْجِرَاحَةِ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانَتِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا أَسْهُمًا فَنَحَرَ بِهَا نَفْسَهُ فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ انْتَحَرَ فُلاَنٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ: «قُمْ يَا فُلاَنُ فَأَذِّنْ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ». تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. 4204 - وَقَالَ شَبِيبٌ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَابَعَهُ صَالِحٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعِيدٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: شهدنا خيبر) مجاز عن جنسه من المسلمين لأن أبا هريرة -رضي الله عنه- إنما جاء بعد فتح خيبر، لكن عند الواقدي أنه حضر بعد فتح معظم خيبر فحضر فتح آخرها (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لرجل) أي عن رجل منافق (ممن معه يدعي الإسلام): (هذا من أهل النار) لأنه منافق غير مؤمن أو أنه سيرتد أو يستحل قتل نفسه (فلما حضر القتال) بالرفع مصححًا عليه في الفرع على الفاعلية ويجوز النصب (أي فلما حضر الرجل) القتال (قاتل الرجل أشدّ القتال حتى كثرت به الجراحة فكاد) أي قارب (بعض الناس يرتاب) أي يشك في صدقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده إلى كنانته فاستخرج منها أسهمًا) بالهمز أوله وضم الهاء بلفعل الجمع، ولأبي ذر عن الكشميهني: سهمًا بالإفراد (فنحر بها نفسه فاشتد) أي أسرع (رجال من المسلمين) في المشي (فقالوا: يا رسول الله صدق الله حديثك انتحر فلان فقتل نفسه فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قم يا فلان) هو بلال كما في القدر، أو عمر بن الخطاب كما في مسلم، أو عبد الرحمن بن عوف كما عند البيهقي، ويحتمل أنهم نادوا جميعًا في جهات مختلفة كما قاله في الفتح (فأذّن) بتشديد الذال المعجمة المكسورة (أنه) ولأبي ذر أن (لا يدخل الجنة إلا مؤمن) فيه إشعار بسلب الإيمان عن هذا الرجل (إن الله يؤيد) ولأبي ذر عن الكشميهني ليؤيد (الدين بالرجل الفاجر). الذي قتل نفسه أو آل للجنس لا للعهد فيعم كل فاجر أيد الدين وساعده بوجه من الوجوه. وقد صرح في حديث أبي هريرة هذا بما أبهمه في حديث سهل من أن هذه القصة كانت بخيبر وهو ظاهر سياق المؤلّف وأنهما متحدتان عنده، لكن بين السياقين اختلاف كما لا يخفى فلذا جنح السفاقسي إلى التعدد. نعم يمكن الجمع باحتمال أن يكون نحر نفسه بأسهمه فلم تزهق روحه وإن كان قد أشرف على القتل فاتكأ حينئذ على سيفه استعجالاً للموت وحينئذٍ فلا تعدد (تابعه) أي تابع شعيبًا (معمر) هو ابن راشد كما هو موصول في القدر والجهاد عند المؤلّف (عن الزهري) محمد بن مسلم في هذا الأسناد. (وقال شبيب) بفتح الشين المعجمة وكسر الموحدة الأولى ابن سعيد فيما وصله النسائي (عن يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (ابن المسيب) سعيد (وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: شهدنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر) وللأصيلي وابن عساكر وأبوي الوقت وذر عن الحموي والمستملي حنينًا بالحاء المهملة والنون بدل خيبر يعني فخالف يونس معمرًا وشعيبًا. وقال عياض في شرحه لمسلم في حديث أبي هريرة: شهدنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حنينًا كذا وقعت الرواية فيها عند عبد الرزاق في الأم، ورواه الذهلي خيبر أي

بالخاء المعجمة وهو الصواب. وقال في المشارق: رواه جميع رواة مسلم حنينًا، وكذا بعض رواة البخاري من طريق يونس عن الزهري، وكذا المنذري وصوابه خيبر كما رواه ابن السكن وإحدى الروايتين عن الأصيلي عن المروزي في حديث يونس هذا، وكذا في البخاري في حديث شعيب والزبيدي عن الزهري وكذا قال غندر عن معمر قاله الذهلي قال: وحنين وهم، لكن رواية من رواه عن البخاري في حديث يونس صحيحة الرواية خطأ في نفس الحديث كما عند مسلم لأنه روى الرواية على وجهها وإن كان خطأ في الأصل. ألا ترى قصد البخاري إلى التنبيه عليه بقوله، وقال شبيب عن يونس إلى قوله خيبر فالوهم من يونس لا ممن دون البخاري ومسلم. (وقال ابن المبارك) عبد الله المروزي (عن يونس) بن يزيد (عن الزهري) ابن شهاب (عن سعيد) أي ابن المسيب (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يريد بهذا التعليق أن سعيدًا وافق شبيبًا في لفظ حنين بالحاء المهملة وخالفه في الإسناد فأرسل الحديث وهذا وصله المؤلّف في الجهاد وليس فيه تعيين الغزوة (تابعه) أي تابع ابن المبارك (صالح) هو ابن كيسان (عن الزهري) محمد بن مسلم فيما وصله المؤلّف في تاريخه. قال في الفتح: أي في ترك ذكر اسم الغزوة لا في بقية المتن والإسناد كما هو ظاهر سياقه في تاريخه. (وقال الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة محمد بن الوليد أبو الهذيل الشامي الحمصي (أخبرني) بالإفراد (الزهري) محمد (أن عبد الرحمن بن كعب) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله بن كعب (أخبره أن عبيد الله) بضم العين في اليونينية (ابن كعب قال: أخبرني) بالإفراد، ولأبوي ذر والوقت حدثني (من شهد مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر) ولأبي ذر بخيبر بزيادة الجار وهذا وصله المؤلّف في التاريخ. وقال الزبيدي: (قال) ولأبي ذر وقال (الزهري: وأخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عمر بن الخطاب، لكن قال الغساني عبيد الله بالتصغير لا أدري من هو ولعله وهم، والصحيح عبد الرحمن بن عبيد الله بن كعب وكذا عند الذهلي. قال الزهري: وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله. قال ابن حجر: وهو أصوب من عبيد الله أي بالتصغير (وسعيد) أي ابن المسيب (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا التعليق مرسل وصله الذهلي في الزهريات. قال في الفتح: وقد اقتضى صنيع المؤلّف ترجيح رواية شعيب ومعمر وأن بقية الروايات محتملة وأن ذلك لا يستلزم القدح في الرواية الراجحة لأن شرط الاضطراب أن تتساوى وجوه الاختلاف فلا يرجح شيء منها. 4205 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ أَوْ قَالَ لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا، وَهْوَ مَعَكُمْ». وَأَنَا خَلْفَ دَابَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُولُ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ فَقَالَ لِي: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ» قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ»؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي قَالَ: «لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد (عن عاصم) هو ابن سليمان الأحول (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري) -رضي الله عنه- أنه (قال: لما غزا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبرَ أو قال: لما توجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى خيبر والشك من الراوي ورجع منها (أشرف) بالشين المعجمة والفاء (الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير الله أكبر الله أكبر) مرتين ولأبي ذر مرة واحدة (إلا إله إلا الله فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أربعوا) بكسر الهمزة وفتح الموحدة أي ارفقوا أو أمسكوا عن الجهر أو اعطفوا (على أنفسكم) بالرفق وكفوا عن الشدة (إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا إنكم تدعون سميعًا) يسمع السر وأخفى (قريبًا) ليس غائبًا وهذا كالتعليل لقوله لا تدعون أصم (وهو معكم) بالعلم والقدرة عمومًا وبالفضل والرحمة خصوصًا (وأنا خلف) أي وراء (دابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسمعني) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وأنا أقول لا حول ولا قوة إلا بالله) قيل الحيلة هي الحول قلبت واوه ياء لانكسار ما قبلها والمعنى لا يوصل إلى تدبير أمر وتغيير حال إلا بمشيئتك ومعونتك (فقال لي) عليه الصلاة والسلام: (يا عبد الله بن قيس قلت: لبيك رسول الله) بحذف أداة النداء ولأبي ذر يا رسول الله (قال: ألا أدلك على كلمة من كنز من كنوز الجنة) (قلت: بلى يا رسول الله)

دلني (فداك أبي وأمي) قال الطيبي: هذا التركيب باستعارة لذكر المشبه وهو الحوقلة والمشبه به وهو الكنز ولا التشبيه الصرف لبيان الكنز بقوله: "من كنوز الجنة" بل هو من إدخال الشيء في جنس وجعله أحد أنواعه على التغليب فالكنز إذًا نوعان المتعارف وهو المال الكثير يجعل بعضه فوق بعض ويحفظ، وغير المتعارف وهو هذه الكلمة الجامعة المكتنزة بالمعاني الإلهية لما أنها محتوية على التوحيد الخفي لأنه إذا نفيت الحيلة والحركة والاستطاعة عما من شأنه ذلك وأثبتت لله على سبيل الحصر وبإيجاده واستعانته وتوفيقه لم يخرج شيء من ملكه وملكوته قال: ومن الدلالة على أنها دالة على التوحيد الخفي قوله عليه الصلاة والسلام لأبي موسى ألا أدلك على كنز مع أنه كان يذكرها في نفسه فالدلالة إنما تستقيم على ما لم يكن عليه وهو أنه لم يعلم أنه توحيد خفي وكنز من الكنوز ولأنه لم يقل ما ذكرته كنز من الكنوز بل صرح بها حيث (قال: لا حول ولا قوة إلا بالله) تنبيهًا له على هذا السر والله أعلم، وسقط لأبي ذر لفظ من كنوز. 4206 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدةٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَثَرَ ضَرْبَةٍ فِي سَاقِ سَلَمَةَ فَقُلْتُ يَا أَبَا مُسْلِمٍ مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ؟ قَالَ: هَذِهِ ضَرْبَةٌ أَصَابَتْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّاسُ: أُصِيبَ سَلَمَةُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَفَثَ فِيهِ ثَلاَثَ نَفَثَاتٍ فَمَا اشْتَكَيْتُهَا حَتَّى السَّاعَةِ. وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) علم لا نسبة لمكة ووهم صاحب الكواكب قال: (حدّثنا يزيد بن أبي عبيد) بضم العين (قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة) بن الأكوع (فقلت) له: (يا أبا مسلم) وهي كنية سلمة (ما هذه الضربة)؟ التي بساقك (قال: هذه ضربة أصابتني) ولابن عساكر أصابتنا وللأصيلي وأبوي الوقت وذر أصابتها أي رجله (يوم خيبر. فقال الناس: أصيب سلمة فأتيت النبي) ولأبي ذر عن الكشميهني إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنفث فيه) أي في موضع الضربة (ثلاث نفثات) بالمثلثة بعد الفاء فيهما جمع نفثة وهي فوق النفخ ودون التفل بريق خفيف وغيره (فما اشتكيتها حتى الساعة) بالجر في اليونينية على أن حتى جارة وفي غيرها بالنصب بتقدير زمان أي فما اشتكيتها زمانًا حتى الساعة. وهذا الحديث من الثلاثيات. 4207 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: الْتَقَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَاقْتَتَلُوا فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ لاَ يَدَعُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا فَضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجْزَأَ أَحَدُهُمْ مَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ فَقَالَ: «إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ» فَقَالُوا: أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: لأَتَّبِعَنَّهُ فَإِذَا أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ كُنْتُ مَعَهُ حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ»؟ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا ابن أبي حازم) عبد العزيز (عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار (عن سهل) أي ابن سعد الساعدي الأنصاري أنه (قال: التقى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمشركون) من يهود خيبر (في بعض مغازيه) يعني خيبر (فاقتتلوا فمال كل قوم) من المسلمين واليهود (إلى عسكرهم) أي رجعوا بعد فراغ القتال في ذلك اليوم (وفي المسلمين رجل) اسمه قزمان (لا يدع من المشركين) نسمة (شاذة) انفردت عنهم بعد أن كانت معهم (ولا فاذة) منفردة لم تكن معهم قبل (إلا اتبعها) بتشديد الفوقية (فضربها بسيفه) فقتلها (فقيل: بل رسول الله ما أجزأ) منا (أحد) ولأبي الوقت أحدهم (ما أجزأ فلان) بالجيم والزاي فيهما (فقال) عليه الصلاة والسلام: (إنه من أهل النار) (فقالوا: أينا من أهل الجنة وإن كان هذا) مع جده وجهاده (من أهل النار؟ فقال رجل من القوم) اسمه أكتم بن أبي الجون: (لأتبعنه فإذا أسرع) المشي (وأبطأ) فيه (كنت معه حتى جرح) جرحًا شديدًا فوجد ألم الجراحة (فاستعجل الموت فوضع نصاب سيفه) أي مقبضه ملتصقًا (بالأرض وذبابه) طرفه (بين ثدييه ثم تحامل) اتكأ (عليه فقتل نفسه). وعند الواقدي أن قزمان كان تخلف عن المسلمين يوم أحد فعيره النساء فخرج حتى صار في الصف الأوّل فكان أوّل من رمى بسهم، ثم صار إلى السيف ففعل العجائب، فلما انكشف المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار فأمر به قتادة بن النعمان فقال له: هنيئًا لك الشهادة. قال: إني والله ما قاتلت على دين إنما قاتلت على حسب قومي ثم أقلقته الجراحة فقتل نفسه، لكن قوله يوم أُحد خالف فيه وهو لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف؟ نعم في حديث أبي يعلى الموصلي تعيين يوم أُحد لكنه مما وقع الاختلاف فيه على الراوي كما مرّ. (فجاء الرجل) أي الذي اتبعه (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: اشهد أنك رسول الله. فقال: وما ذاك؟ فأخبره) بقتل قزمان نفسه (فقال) عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل

الجنة فيما يبدو للناس وإنه من) ولأبي ذر لمن (أهل النار ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وإنه (من أهل الجنة). 4208 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْخُزَاعِيُّ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: نَظَرَ أَنَسٌ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَرَأَى طَيَالِسَةً فَقَالَ: كَأَنَّهُمُ السَّاعَةَ يَهُودُ خَيْبَرَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سعيد الخزاعي) البصري قال: (حدّثنا زياد بن الربيع) أبو خداش بكسر الخاء المعجمة وبالدال المهملة المخففة آخره سين معجمة اليحمدي البصري (عن أبي عمران) عبد الملك بن حبيب الجوني بجيم مفتوحة وواو ساكنة بالنون نسبة إلى الجون بطن من الأزد أنه (قال: نظر أنس) -رضي الله عنه- (إلى الناس يوم الجمعة) بمسجد البصرة (فرأى طيالسة) بكسر اللام على رؤوسهم وهو جمع طيلسان بفتح اللام فارسي معرب (فقال: كأنهم) أي الذين رأى عليهم الطيالسة (الساعة يهود خيبر). قال في الفتح: الذي يظهر أن يهود خيبر كانوا يكثرون من لبس الطيالسة وكان غيرهم من الناس الذين شاهدهم أنس لا يكثرون منها فلما قدم البصرة رآهم يكثرون منها فشبههم بيهود خيبر ولا يلزم منه كراهية لبس الطيالسة، وقيل: إنما أنكر ألوانها لأنها كانت صفراء اهـ. وتعقبه العيني فقال: إذا لم يفهم منه الكراهة فما فائدة تشبيهه إياهم باليهود في استعمالهم الطيالسة. ومن قال من العلماء: إنه كره ألوانها حتى يعتمد عليه. ومن قال إن اليهود في ذلك الزمان كانوا يستعملون الصفر من الطيالسة، ولئن سلمنا ذلك فلم يكن تشبيه أنس -رضي الله عنه- لأجل اللون، وقد روى الطبراني من حديث أم سلمة -رضي الله عنها- أنها قالت: ربما صبغ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رداءه أو إزاره بزعفران أو ورس ثم يخرج فيهما. 4209 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي خَيْبَرَ وَكَانَ رَمِدًا فَقَالَ: أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَحِقَ فَلَمَّا بِتْنَا اللَّيْلَةَ الَّتِي فُتِحَتْ قَالَ: «لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا -أَوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ غَدًا- رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، يُفْتَحُ عَلَيْهِ» فَنَحْنُ نَرْجُوهَا فَقِيلَ: هَذَا عَلِيٌّ فَأَعْطَاهُ فَفُتِحَ عَلَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة ابن إسماعيل الكوفي سكن المدينة (عن يزيد بن أبي عبيد) بضم العين وفتح الموحدة مولى سلمة (عن سلمة -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان عليّ) ولأبي ذر؛ علي بن أبي طالب (-رضي الله عنه- تخلف عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في خيبر وكان رمدًا) بكسر الميم وزاد أبو نعيم لا يبصر (فقال: أنا أتخلف عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأجل الرمد كأنه أنكر على نفسه تخلفه (فلحق) زاد أبو ذر عن الكشميهني به أي بخيبر أو قبل وصوله إليه (فلما بتنا الليلة التي فتحت) خيبر صبيحتها (قال) عليه الصلاة والسلام: (لأعطين) بفتح الهمزة في اليونينية والذي في الفرع بضمها (الراية فإذا أو) قال: (ليأخذن الراية غدًا رجل يحبه الله ورسوله) وعند أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث بريدة بن الحصيب لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء فرجع ولم يفتح له، فلما كان الغد أخذه عمر فرجع ولم يفتح له، وقتل محمود بن مسلمة فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لأدفعن لوائي غدًا إلى رجل" (يفتح عليه) بضم الياء مبنيًا للمفعول، ولأبي ذر يفتح الله عليه (فنحن نرجوها. فقيل: هذا عليّ فأعطاه) عليه الصلاة والسلام الراية وقاتل (ففتح عليه) بضم الفاه وكسر الفوقية مبنيًّا للمفعول. 4210 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا فَقَالَ: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ»؟ فَقِيلَ: هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ قَالَ: «فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ» فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا. فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي وسقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري بغير همز (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سهل بن سعد) الساعدي (-رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال يوم خيبر): (لأعطين هذه الراية غدًا رجلاً يفتح الله) خيبر (على يديه) وبالتثنية والراية قيل بمعنى اللواء وهو العلم الذي يحمل في الحرب يعرف به موضع صاحب الجيش وقد يحمله أمير الجيش. وفي حديث ابن عباس المروي عند الترمذي كانت راية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سوداء ولواؤه أبيض، ومثله عند الطبراني عن بريدة، وزاد ابن عدي عن أبي هريرة مكتوب فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو ظاهر في التغاير. (يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) زاد ابن إسحاق ليس بفرّار، وفي حديث بريدة لا يرجع حتى يفتح الله له (قال: فبات الناس يدوكون) بدال مهملة مضمومة وبعد الواو كاف في اختلاط واختلاف (ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس

غدوا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلهم يرجوا) وحذف النون بغير جازم ولا ناصب لغة ولأبي ذر: يرجون (أن يعطاها) وفي حديث بريدة فما منا أحد له منزلة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرجل حتى تطاولت أنا (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أين علي بن أبي طالب)؟ أي ما لي لا أراه حاضرًا، وكأنه استبعد غيبته عن حضرته في مثل ذلك الموطن لا سيما وقد قال: لأعطين الراية غدًا الخ ... وقد حضر الناس كلهم طمعًا أن يكون كل منهم هو الذي يفوز بذلك الوعد (فقيل) ولأبي ذر فقالوا: (هو يا رسول الله يشتكي عينيه) بتقديم الضمير وبناء يشتكي عليه اعتذارًا عنه على سبيل التأكيد قاله الطيبي (قال) عليه الصلاة والسلام: (فأرسلوا) بكسر السين أمر من الإرسال وبفتحها أي قال سهل بن سعد: فأرسلوا أي الصحابة (إليه) أي إلى علي وهو بخيبر لم يقدر على مباشرة القتال لرمد (فأتي به) ولمسلم من طريق إياس بن سلمة عن أبيه قال: فأرسلني إلى علي قال: فجئت به أقوله أرمد (فبصق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في عينيه ودعا له فبرأ) بفتح الراء وكسرها (حتى كأن لم يكن به وجع) وعند الحاكم من حديث عليّ نفسه قال: فوضع رأسي في حجره ثم بزق في ألية راحته فدلك بها عيني، وعند الطبراني من حديثه أيضًا فما رمدت ولا صدعت مدّ دفع إليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الراية يوم خيبر، وعنده أيضًا قال: ودعا لي فقال: "اللهم أذهب عنه الحر والقر" قال: فما اشتكيتهما حتى يومي هذا (فأعطاه الراية فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا) مسلمين (فقال) عليه الصلاة والسلام: (انفذ) بضم الفاء آخره ذال معجمة أي امض (على رسلك) بكسر الراء أي هينتك (حتى تنزل بساحتهم) أي بفنائهم (ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه) أي في الإسلام فإن لم يطيعوا لك بذلك فقاتلهم (فوالله لأن) بفتح اللام والهمزة وفي اليونينية وغيرها بكسرها وفتح الهمزة (يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم) تملكها وتقتنيها وكانت مما يتفاخر العرب بها أو تتصدق بها. وحمر بسكون الميم في اليونينية، وعند ابن إسحاق من حديث أبي رافع أنه قال: خرجنا مع عليّ حين بعثه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برايته فضربه رجل من يهود فطرح ترسه فتناول عليّ بابًا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه حتى فتح الله عليه فلقد رأيتني في سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه. 4211 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ح وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بن عِيسى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَدِمْنَا خَيْبَرَ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَىِّ بْنِ أَخْطَبَ وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا فَاصْطَفَاهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِنَفْسِهِ فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغَ بِها سَدَّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ ثُمَّ قَالَ لِي: «آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ» فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَتَهُ عَلَى صَفِيَّةَ ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ وَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الغفار بن داود) أبو صالح الحراني قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) الإسكندراني وسقط لأبي ذر ابن عبد الرحمن (ح) لتحويل السند. قال المؤلّف: (وحدثني) بالإفراد (أحمد بن عيسى) الهمداني التستري المصري الأصل كذا لكريمة ابن عيسى ولأبي عليّ بن شبويه عن الفربري، وجزم به أبو نعيم في مستخرجه أحمد بن صالح وهو أبو جعفر الطبري المصري الحافظ قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله قال: (أخبرني) بالإفراد (يعقوب بن عبد الرحمن) الإسكندراني القاري (الزهري) حليف بني زهرة كذا في النسخ المعتمدة ابن عبد الرحمن الزهري، وفي اليونينية وفرعها عن الزهري لكنه شطب بالحمرة على عن وكتب فوقها علامة السقوط، ولأبي ذر وصحح عليها وضبط الزهري بالرفع وصحح عليها. وفي بعض الأصول المعتمدة عن الزهري بإثبات "عن" وجر الزهري بها (عن عمرو) بفتح العين ابن أبي عمرو ميسرة أبي عثمان المدني (مولى المطلب) هو ابن عبد الله بن حنطب المخزومي (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: قدمنا خيبر فلما فتح الله عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الحصن) المسمى بالقموص على يد علي -رضي الله عنه- (ذكر) بضم الذال المعجمة (له) عليه الصلاة والسلام (جمال صفية بنت حيي بن أخطب) الإسرائيلية (وقد قتل زوجها) كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق (وكانت عروسًا فاصطفاها) أي اختارها (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنفسه) من الصفي

الذي كان يؤخذ له عليه الصلاة والسلام من رأس الخُمس قبل كل شيء، قيل وكان اسمها زينب قبل أن تسبى فلما صارت من الصفي سميت صفية (فخرج بها) عليه الصلاة والسلام (حتى بلغ بها) ولأبي ذر: حتى بلغنا (سدّ الصهباء) بضم السين المهملة ولأبي ذر بفتحها موضعًا أسفل خيبر (حلت) أي صارت بالطهارة من الحيض حلالاً له عليه الصلاة والسلام (فبنى بها) أي دخل عليها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صنع حيسًا) بحاء مهملة مفتوحة فتحتية ساكنة فسين مهملة تمرًا يخلط بسمن وأقط (في نطع) بكسر النون وفتح الطاء المهملة (صغير ثم قال لي): (آذن) بفتح الهمزة ممدودة وكسر المعجمة ولأبي ذر ثم قال: آذن (من حولك فكانت تلك) الحيسة (وليمته) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: وليمة (على صفية، ثم خرجنا إلى المدينة فرأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحوي لها وراءه بعباءة) بضم الياء وفتح الحاء المهملة وتشديد الواو المكسورة أي يجعل لها حوية وهي كساء محشو يدار حول الراكب (ثم يجلس) عليه الصلاة والسلام (عند بعيره فيضع ركبته) الشريفة (وتضع صفية) -رضي الله عنها- (رجلها على ركبته) عليه الصلاة والسلام (حتى تركب) وفي مغازي أبي الأسود عن عروة فوضع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها فخذه الشريف لتركب فأجلّت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تضع رجلها على فخذه فوضعت ركبتها على فخذه وركبت. وهذا الحديث قد مرّ في باب هل يسافر بالجارية قبل أن يستبرئها من كتاب البيع. 4212 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقَامَ عَلَى صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ بِطَرِيقِ خَيْبَرَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى أَعْرَسَ بِهَا وَكَانَتْ فِيمَنْ ضُرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَابُ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثنا أخي) أبو بكر عبيد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن حميد الطويل) أنه (سمع أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقام على صفية بنت حيي بطريق خيبر) في المنزلة التي كان نزلها وهي سدّ الصهباء (ثلاثة أيام حتى أعرس) أي دخل (بها) وليس المراد أنه سار ثلاثة أيام ثم أعرس (وكانت) صفية ولأبي ذر وكان (فيمن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيما بألف بدل النون (ضرب) بضم الضاد المعجمة ولأبي ذر ضرب بفتحات (عليها الحجاب) أي كانت من أمهات المؤمنين لأن ضرب الحجاب إنما هو على الحرائر لا على ملك اليمين. وهذا الحديث أخرجه النسائي في النكاح. 4213 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: أَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلاَ لَحْمٍ وَمَا كَانَ فِيهَا إِلاَّ أَنْ أَمَرَ بِلاَلاً بِالأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ فَأَلْقَى عَلَيْهَا التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ قَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهْيَ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهْيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّأَ لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم أبو محمد الجمحي مولاهم البصري قال: (أخبرنا) بالخاء المعجمة (محمد بن جعفر بن أبي كثير) الهمداني قال: (أخبرني) بالتوحيد (حميد) الطويل (أنه سمع أنسًا -رضي الله عنه- يقول: أقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر عن الحموي قام. قال ابن حجر: والأول أوجه. (بين خيبر والمدينة ثلاث ليال) بأيامها (يبنى عليه بصفية فدعوت المسلمين إلى وليمته) عليه الصلاة والسلام (وما كان فيها من خبز ولا لحم وما كان فيها إلا أن أمر) عليه الصلاة والسلام (بلالاً بالانطاع) أي بأن تبسط الانطاع أي السفر (فبسطت فألقى عليها التمر والاقط والسمن فقال المسلمون): هل هي (إحدى أمهات المؤمنين) الحرائر (أو ما ملكت يمينه؟ قالوا): ولأبي ذر: فقالوا: (إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه فلما ارتحل) عليه الصلاة والسلام (وطأ) أي أصلح (لها) ما تحتها للركوب (خلفه ومدّ الحجاب). 4214 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مُحَاصِرِي خَيْبَرَ فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ فَنَزَوْتُ لآخُذَهُ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَحْيَيْتُ. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج الحافظ أبو بسطام العتكي أمير المؤمنين في الحديث. قال المؤلّف (ح. وحدثني) بالتوحيد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا وهب) بفتح الواو وسكون الهاء ابن جرير بن حازم قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن حميد بن هلال) العدوي البصري (عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء المشددة المزني (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا محاصري خيبر) في الفرع محاصرين بإثبات النون وفي أصله حذفها وفي الخمس

من هذا الوجه قصر خيبر (فرمى إنسان) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه (بجراب) بكسر الجيم وعاء من جلد (فيه شحم) بشين معجمة فحاء مهملة ساكنة (فنزوت) بنون فزاي مفتوحتين أي وثبت مسرعًا (لآخذه فالتفت فإذا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستحييت) منه لكونه اطلع على حرصي عليه. 4215 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ وَسَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَكْلِ الثَّوْمِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. نَهَى عَنْ أَكْلِ الثَّوْمِ هُوَ عَنْ نَافِعٍ وَحْدَهُ وَلُحُومُ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ عَنْ سَالِمٍ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبيد بن إسماعيل) بضم العين وفتح الموحدة الهباري الكوفي وكان اسمه عبد الله وعبيد لقب غلب عليه وعرف به (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (عن عبيد الله) بضم العين العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (وسالم) ابنه (عن ابن عمر) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى يوم خيبر عن أكل الثوم) بفتح المثلثة في اليونينية وكذا في الفرع لنتن ريحه فالنهي فيه للتنزيه وكان عليه الصلاة والسلام لا يأكله لأجل لقاء الملك (و) نهى (عن) أكل (لحوم الحمر) ولأبي ذر حمر (الأهلية) نهي تحريم وفيه استعمال اللفظ في حقيقته وهو التحريم وفي مجازه وهو الكراهة. وقوله (نهى عن أكل الثوم هو) ولأبي ذر وهو مروي (عن نافع وحده) لا عن سالم (ولحوم الحمر الأهلية) مروي (عن سالم) وحده لا عن نافع. 4216 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ أَكْلِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. [الحديث 4216 - أطرافه في: 5115، 5523، 6961]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي المكي المؤذن قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبد الله) أبي هاشم (و) أخيه (الحسن) بفتح الحاء (ابني محمد بن علي) وكان الحسن ثقة فقيهًا لكن قيل إنه أول من تكلم في الإرجاء (عن أبيهما) محمد ابن الحنفية (عن) أبيه (علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-) وسقط لأبي ذر ابن أبي طالب (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى) نهي تحريم (عن متعة النساء) وهو النكاح إلى أجل سمي بذلك لأن الغرض منه مجرد التمتع دون التوالد وغيره من أغراض النكاح، وكان جائزًا في أول الإسلام لمن اضطر إليه كأكل الميتة ثم حرم (يوم خيبر) ثم خص فيه عام الفتح أو عام حجة الوداع ثم حرم إلى يوم القيامة، وقد قيل إن في هذا الحديث تقديمًا وتأخيرًا وأن الصواب نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الإنسية وعن متعة النساء وليس يوم خيبر ظرفًا لمتعة النساء لأنه لم يقع في غزوة خيبر تمتع بالنساء، وعند الترمذي بدل قوله هنا يوم خيبر زمن خيبر، وقال ابن عبد البر: إن ذكر النهي يوم خيبر غلط. وقال السهيلي: لا يعرفه أحد من أهل السير وسيكون لنا عودة إلى ذكر ما في هذا محررًا متقنًا إن شاء الله تعالى بعونه وقوته. (و) نهى عليه الصلاة والسلام يوم خيبر (عن أكل الحمر الإنسية) بكسر الهمزة وسكون النون ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: حمر الانسية بإسقاط الألف واللام وفتح الهمزة والنون، ولأبي ذر والكشميهني: عن أكل لحوم الحمر الإنسية بفتح الهمزة والنون أيضًا. 4217 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (عبيد الله) بضم العين (ابن عمر) العمري (عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى يوم خيبر عن) أكل (لحوم الحمر الأهلية) اقتصر في هذه على ذكر نافع وحده وفي المتن على الحمر فقط. 4218 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ وَسَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق بن نصر) المروزي، وقيل البخاري السعدي لنزوله في بخارى بباب بني سعد ونسبه لجده واسم أبيه إبراهيم قال: (حدّثنا محمد بن عبيد) الحنفي الطنافسي قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن نافع وسالم عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أكل لحوم الحمر الأهلية) اقتصر على ذكر الحمر لكنه زاد سالمًا مع نافع. 4219 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَرَخَّصَ فِي الْخَيْلِ. [الحديث 4219 - طرفاه في: 5520، 5524]. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قاضي مكة قال: (حدّثنا حماد بن زيد) اسم جده درهم أحد الأئمة الأعلام (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن محمد بن علي) أبي جعفر الباقر جده الحسين بن علي بن أبي طالب (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: نهى رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم خيبر عن) أكل (لحوم الحمر الأهلية) سقط الأهلية لغير الكشميهني (ورخص في) أكل لحوم (الخيل) واستدلّ به على جواز أكلها وهو قول إمامنا الشافعي ومحمد وأبي يوسف. ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في الذبائح. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الذبائح وأبو داود في الأطعمة والنسائي في الصيد والوليمة. 4220 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّادٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما-، أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ يَوْمَ خَيْبَرَ فَإِنَّ الْقُدُورَ لَتَغْلِي، قَالَ: وَبَعْضُهَا نَضِجَتْ فَجَاءَ مُنَادِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لاَ تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا وَأَهْرِيقُوهَا". قَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى فَتَحَدَّثْنَا أَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا لأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَهَى عَنْهَا الْبَتَّةَ لأَنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن سليمان) سعدويه الواسطي سكن بغداد قال: (حدّثنا عباد) بفتح العين وتشديد الموحدة ابن العوّام بن عمر الواسطي (عن الشيباني) بالشين المعجمة المفتوحة بعدها تحتية ساكنة فموحدة أبي إسحاق سليمان بن فيروز الكوفي (قال: سمعت ابن أبي أوفى) عبد الله (-رضي الله عنهما-) زاد الأصيلي يقول: (أصابتنا مجاعة يوم خيبر فإن القدور لتغلي) بلام التأكيد على لحوم الحمر الأهلية (قال: وبعضها نضجت) بالضاد المعجمة المكسورة والجيم المفتوحة (فجاء منادي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أبو طلحة ينادي (لا تأكلوا من لحوم الحمر شيئًا وأهريقوها) بهمزة قطع مفتوحة أي صبوها ولأبي ذر: وهريقوها بإسقاط الهمزة وفتح الهاء (قال ابن أبي أوفى) عبد الله (فتحدّثنا) معشر الصحابة (أنه) عليه الصلاة والسلام (إنما نهى عنها لأنها لم تخمس) أي لم يؤخذ منها الخمس (وقال بعضهم: نهى عنها البتة) أي قطعًا (لأنها كانت تأكل العذرة) بالذال المعجمة أي النجاسة وفي التعليلين شيء لأن التبسط قبل القسمة في المأكولات قدر الكفاية حلال وأكل العذرة يوجب الكراهة لا التحريم، وقد قالوا: إن السبب في الإراقة النجاسة، وقيل إنما نهى عنها للحاجة إليها. وبقية المبحث تأتي في موضعه إن شاء الله تعالى بعون الله وفضله. 4221 و 4222 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَصَابُوا حُمُرًا فَطَبَخُوهَا فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَكْفِئُوا الْقُدُورَ" [الحديث 4221 - أطرافه في: 4223، 4225، 4226، 5525]. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) أبو محمد السلمي الأنماطي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرني) بالإفراد (عدي بن ثابت) الأنصاري (عن البراء) بن عازب (وعبد الله بن أبي أوفى) -رضي الله عنهما- (أنهم كانوا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بخيبر (فأصابوا حمرًا) أهلية (فطبخوها) ولأبي ذر: فاطبخوها بقلب تاء الافتعال طاء وإدغامها في تاليتها أي عالجوا طبخها (فنادى منادي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أبو طلحة (أكفئوا القدور) بقطع الهمزة مفتوحة وكسر الفاء ولأبي ذر إكفوا بكسر الهمزة وفتح الفاء وضم الواو، وقال عياض: أكفئوا بقطع الهمزة وكسر الفاه واكفوا بوصلها وفتح الفاء لغتان أي اقلبوها، وقال بعضهم: كفأت قلبت وأكفأت أملت، وهو مذهب الكسائي أي أميلوها ليراق ما فيها. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الذبائح. 4223 و 4224 - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَابْنَ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهم- يُحَدِّثَانِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَقَدْ نَصَبُوا الْقُدُورَ "أَكْفِئُوا الْقُدُورَ". وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق) بن منصور الكوسج المروزي قال: (حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عدي بن ثابت) الأنصاري أنه (قال: سمعت البراء) بن عازب (وابن أبي أوفى) عبد الله (-رضي الله عنهم-) صرح بالتحديث هنا بخلاف الأولى فإنها بالعنعنة (يحدّثان عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال) لهم (يوم خيبر وقد نصبوا القدور) يطبخون لحم حمر الأهلية (أكفئوا القدور) اقلبوها أو أميلوها ليراق ما فيها. 4225 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ. وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) الأنصاري (عن البراء) أنه (قال: غزونا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه). أي نحو السابق. 4226 - حَدَّثَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ عَنْ عَامِرٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ أَنْ نُلْقِيَ الْحُمُرَ الأَهْلِيَّةَ نِيئَةً وَنَضِيجَةً، ثُمَّ لَمْ يَأْمُرْنَا بِأَكْلِهِ بَعْدُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا ابن أبي زائدة) يحيى بن زكريا قال: (أخبرنا عاصم) الأحول (عن عامر) الشعبي (عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-) سقط ابن عازب لأبي ذر أنه (قال: أمرنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة خيبر أن) أي بأن (نلقي الحمر الأهلية) بضم النون وسكون اللام وكسر القاف وأن مصدرية أي بإلقاء الحمر الأهلية (نيئة) بكسر النون بعدها تحتية ساكنة فهمزة مفتوحة آخره منوّن لم تطبخ (ونضيجة) بالتنوين أيضًا (ثم لم يأمرنا بأكله بعد) فاستمر تحريمه. 4227 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عَامِرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لاَ أَدْرِي أَنَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ حَمُولَةَ النَّاسِ فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ، أَوْ حَرَّمَهُ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ لَحْمَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. وبه

قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن أبي الحسين) بضم الحاء أبو جعفر السمناني بكسر المهملة وسكون الميم وبنونين بينهما ألف الحافظ من أقران المؤلّف عاش بعده خمس سنين قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث الكوفي أحد مشايخ المؤلّف روى عنه بالواسطة (عن عاصم) هو ابن سليمان الأحول (عن عامر) هو ابن شراحيل الشعبي (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: لا أري أنهى عنه) أي عن أكل لحم حمر الأهلية (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أجل أنه كان حمولة الناس) بفتح الحاء المهملة وضم الميم يحملون عليها (فكره) عليه الصلاة والسلام (أن تذهب حمولتهم) بسبب الأكل (أو حرّمه في يوم خيبر) تحريمًا مطلقًا أبديًّا يعني بقوله نهى عنه (لحم الحمر) ولأبي ذر حمر (الأهلية) فهو بيان للضمير ويجوز رفع لحم خبر مبتدأ محذوف. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الذبائح. 4228 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا. فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقَالَ: إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ فَلَهُ سَهْمٌ. وبه قال: (حدّثنا الحسن بن إسحاق) الملقب بحسنويه الشاعر المروزي قال: (حدّثنا محمد بن سابق) الكوفي البزار نزيل بغداد قال: (حدّثنا زائدة) بن قدامة أبو الصلت الكوفي (عن عبيد الله بن عمر) بضم العين فيهما العمري (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال قسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهمًا) قال: عبيد الله بن عمر بالإسناد السابق (فسره نافع فقال: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم) ولا يزاد الفارس على ثلاثة وإن حضر بأكثر من فرس كما لا ينقص عنها (فإن لم يكن له فرس فله سهم) واحد. وقال أبو حنيفة: لا يسهم للفارس إلا سهم واحد ولفرسه سهم. وهذا الحديث قد مرّ في باب سهام الفرس من كتاب الجهاد. 4229 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْنَا أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ خُمْسِ خَيْبَرَ، وَتَرَكْتَنَا وَنَحْنُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْكَ، فَقَالَ «إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَىْءٌ وَاحِدٌ» قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يَقْسِمِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي مولاهم المصري اسم أبيه عبد الله ونسبه إلى جده قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب أن جبير بن مطعم أخبره قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلنا) يا رسول الله (أعطيت بني المطلب) بن عبد مناف بن قصي بن كلاب (من خمس خيبر) بسكون الميم في اليونينية وبضمها في الفرع (وتركتنا) فلم تعطنا منه (ونحن) وهم (بمنزلة واحدة منك) في الانتساب إلى عبد مناف لأن عثمان كان عبشميًا وجبير بن مطعم نوفليًا نسبة إلى عبد شمس ونوفل وهما وهاشم والمطلب بنو عبد مناف (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد) ولأبي ذر عن المستملي هنا سيّ بسين مهملة مكسورة بدل المعجمة المفتوحة وتشديد التحتية من غير همز أي سواء (قال جبير): هو ابن مطعم (ولم يقسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لبني عبد شمس وبني نوفل شيئًا) وتمسك به إمامنا الشافعي -رحمه الله- أن سهم ذوي القربى خاص ببني هاشم وبني المطلب دون غيرهم. وقد مرّ الحديث في باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام. 4230 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالآخَرُ أَبُو رُهْمٍ إِمَّا قَالَ: بِضْعٌ، وَإِمَّا قَالَ: فِي ثَلاَثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِي فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ وَكَانَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا يَعْنِي لأَهْلِ السَّفِينَةِ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ، وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَهْيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، زَائِرَةً وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فِيمَنْ هَاجَرَ فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَسْمَاءَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، قَالَ عُمَرُ: الْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ، الْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ، قَالَتْ أَسْمَاءُ: نَعَمْ. قَالَ: سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْكُمْ، فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ: كَلاَّ وَاللَّهِ كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا فِي دَارِ أَوْ فِي أَرْضِ الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ بِالْحَبَشَةِ وَذَلِكَ فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَايْمُ اللَّهِ لاَ أَطْعَمُ طَعَامًا وَلاَ أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَافُ، وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَسْأَلُهُ وَاللَّهِ لاَ أَكْذِبُ وَلاَ أَزِيغُ وَلاَ أَزِيدُ عَلَيْهِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن العلاء) أبو كريب الهمداني قال: (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء (عن) جده (أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: بلغنا مخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة مصدر ميمي بمعنى خروجه أو اسم زمان بمعنى وقت خروجه أي بعثته أو هجرته وعلى الثاني يحتمل أنه بلغتهم الدعوة فأسلموا وتأخروا في بلادهم حتى وقعت الهدنة والأمان من خوف القتال والواو فى قوله (ونحن باليمن) للحال (فخرجنا) حال كوننا (مهاجرين إليه). ثبت إليه في اليونينية وسقط في الفرع (أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدها أبو بردة) عامر بن قيس (والآخر أبو رهم) بضم الراء وسكون الهاء ابن قيس الأشعريان (إما) بكسر الهمزة وتشديد الميم (قال) أبو موسى: (بضع) بكسر الموحدة وسكون المعجمة ما بين الثلاثة إلى التسع أو ما بين الواحد إلى العشرة، ولأبي ذر: بضعًا

بالنصب وللأصيلي في بضع بزيادة الجار والبضع متعلق بخرجنا وموضعه نصب على الحال (وإما قال: في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلاً من قومي) الأشعريين ولأبي ذر عن المستملي من قوله بالهاء بدل التحتية (فركبنا سفينة فألقتنا سفيتنا إلى النجاشي) ملك الحبشة والسفينة رفع على الفاعلية (بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب) بها (فأقمنا معه) ثم (حتى قدمنا جميعًا) وسمى ابن إسحاق من قدم مع جعفر فسرد أسماءهم وهم ستة عشر رجلاً فمنهم امرأته أسماء بنت عميس وخالد بن سعيد بن العاص وامرأته وأخوه عمرو بن سعيد ومعيقيب بن أبي فاطمة (فوافقنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين افتتح خيبر) زاد في فرض الخمس فأسهم لنا ولم يسهم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئًا إلا لمن شهدها معه إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه فإنه قسم لهم معهم، وعند البيهقي أنه عليه الصلاة والسلام كلم المسلمين قبل أن يقسم لهم فأشركوهم (وكان أناس من الناس) سمي منهم عمر (يقولون لنا يعني لأهل السفينة سبقناكم بالهجرة ودخلت أسماء بنت عميس) مع زوجها جعفر (وهي ممن قدم معنا) من أصحاب السفينة (على حفصة) بنت عمر -رضي الله عنه- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونها (زائرة وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر فدخل عمر على) ابنته (حفصة وأسماء عندها. فقال عمر حين رأى أسماء): لابنته حفصة (من هذه قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: آلحبشية هذه)؟ بمد همزة الاستفهام وليس في اليونينية وفرعها مد على الهمزة وقال: آلحبشية لسكناها فيهم (آلبحرية هذه) لركوبها البحر ولأبي ذر مما في الفتح البحيرية بالتصغير أي أهي التي كانت في الحبشة أهي التي جاءت في البحر (قالت أسماء: نعم قال) عمر لها: (سبقناكم بالهجرة) إلى المدينة (فنحن أحق برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منكم فغضبت) أسماء (وقالت: كلا والله كنتم مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنا في دار أو في أرض البعداء) بضم الموحدة وفتح العين والدال المهملتين ممدودًا ودار وأرض بغير تنوين لإضافتهما إلى البعداء (البغضاء) بضم الموحدة وفتح العين والضاد المعجمتين ممدودًا جمع بعيد وبغيض (بالحبشة وذلك في الله وفي رسوله) ولأبي ذر وفي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لأجلهما وطلب رضاهما (وايم الله) بهمزة وصل في الفرع وأصله (لا أطعم طعامًا ولا أشرب شرابًا حتى أذكر ما قلت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر للنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن كنا نؤذى ونخاف) بضم النون فيهما مبنيين للمفعول والذال المعجمة (وسأذكر ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأسأله والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه). 4231 - فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ عُمَرَ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «فَمَا قُلْتِ لَهُ»؟ قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: «لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ» قَالَتْ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالاً يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ مَا مِنَ الدُّنْيَا شَىْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلاَ أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ، مِمَّا قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ أَبُو بُرْدَةَ قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّهُ لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِّي. (فلما جاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت) له: (يا نبي الله إن عمر قال: كذا وكذا. قال: فما قلت له؟ قالت: قلت له كذا وكذا. قال) عليه الصلاة والسلام (ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحده ولكم أنتم) تأكيد لضمير الخفض (أهل السفينة) نصب على الاختصاص أو النداء بحذف أداته ويجوز الخفض على البدل من الضمير (هجرتان) إلى النجاشي، وإليه عليه الصلاة والسلام. وعند ابن سعد بإسناد صحيح عن الشعبي قال: قالت أسماء: يا رسول الله إن رجالاً يفتخرون علينا ويزعمون أنا لسنا من المهاجرين الأوّلين فقال: "بل لكم هجرتان هاجرتم إلى أرض الحبشة ثم هاجرتم بعد ذلك". (قالت) أسماء: (فلقد رأيت أبا موسى) الأشعري (وأصحاب السفينة يأتوني) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يأتونني بنونين وله عن الكشميهني يأتون أسماء (أرسالاً) بفتح الهمزة أفواجًا أي ناسًا بعد ناس (يسألوني) ولأبي ذر يسألونني بنونين (عن هذا الحديث ما من الدنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): وقوله قالت أسماء: يحتمل أن يكون من رواية أبي موسى عنها فيكون من رواية صحابي عن مثله، ويحتمل أن يكون من رواية أبي بردة عنها. ويؤيده قوله (قال أبو بردة): ليس

هو أخا أبي موسى (قالت أسماء: فلقد) ولأبي ذر: ولقد بالواو بدل الفاء (رأيت أبا موسى) الأشعري (وإنه ليستعيد هذا الحديث مني). 4232 - قَالَ أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّي لأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ، وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ، وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ، وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ إِذَا لَقِيَ الْخَيْلَ -أَوْ قَالَ: الْعَدُوَّ- قَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَصْحَابِي يَأْمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظُرُوهُمْ». (قال): ولأبي ذر وقال: (أبو بردة) بالإسناد السابق (عن أبي موسى قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن) بتثليث راء رفقة وضمها أشهر (حين يدخلون) منازلهم (بالليل) إذا خرجوا إلى المسجد أو لشغل ما ثم رجعوا. وقال الدمياطي: الصواب حين يرحلون بالراء والحاء المهملة بدل الدال والخاء المعجمة. وقال النووي: الأولى صحيحة أو أصح. وقال صاحب المصابيح: ولم أعرف ما الموجب لطرح هذه الرواية مع استقامتها هذا شيء عجيب (واعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار ومنهم حكيم) صفة لرجل منهم كما قاله أبو علي الصدفي أو علم على رجل من الأشعريين كما قاله أبو علي الجياني (إذا لقي الخيل أو قال: العدوّ) بالشك (قال لهم: إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم) بفتح الفوقية وضم الظاء المعجمة ولأبي ذر أن تنظرونهم بضم التاء وكسر الظاء أي تنظروهم أي من الانتظار أنه لفرط شجاعته كان لا يفر من العدوّ بل يواجههم، ويقول لهم، إذا أرادوا الانصراف مثلاً: انتظروا الفرسان حتى يأتوكم ليبعثهم على القتال، وهذا بالنسبة إلى قوله العدوّ، وأما بالنسبة إلى الخيل فيحتمل أن يريد بها خيل المسلمين، ويثير بذلك إلى أن أصحابه كانوا رجالة فكان يأمر الفرسان أن ينتظروهم ليسيروا إلى العدو جميعًا قاله في الفتح. 4233 - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ حَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ أَنِ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَقَسَمَ لَنَا وَلَمْ يَقْسِمْ لأَحَدٍ لَمْ يَشْهَدِ الْفَتْحَ غَيْرَنَا. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه أنه (سمع حفص بن غياث) يقول: (حدّثنا يزيد بن عبد الله عن) جده (أبي بردة عن أبي موسى) الأشعري -رضي الله عنه- أنه (قال: قدمنا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مع جعفر وأصحابه من الحبشة (بعد أن افتتح خيبر فقسم لنا) عليه الصلاة والسلام (ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا) الأشعريين ومن معهم وجعفر ومن معه. 4234 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ثَوْرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً إِنَّمَا غَنِمْنَا الْبَقَرَ وَالإِبِلَ، وَالْمَتَاعَ، وَالْحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى وَادِي الْقُرَى، وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ الْعَبْدَ. فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا» فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ فَقَالَ: هَذَا شَىْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ». [الحديث 4234 - طرفه في: 6707]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين ابن المهلب البغدادي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد الفزاري (عن مالك بن أنس) الإمام أنه (قال: حدثني) بالإفراد (ثور) بفتح المثلثة وبعد الواو الساكنة راء ابن زيد الديلي المدني (قال: حدثني) بالإفراد (سالم) أبو الغيث (مولى ابن مطيع) عبد الله ولا يعرف اسم أبي سالم (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: افتتحنا خيبر) أي افتتح المسلمون خيبر وإلا فأبو هريرة لم يحضر فتح خيبر نعم حضرها بعد الفتح (ولم) ولأبوي ذر والوقت فلم (نغنم ذهبًا ولا فضة إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط) أي البساتين (ثم انصرفنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى وادي القرى) بضم القاف وفتح الراء مقصورًا موضع بقرب المدينة (ومعه) عليه الصلاة والسلام (عبد له) أسود (يقال له: مدعم) بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملتين آخره ميم وقيل كركرة بفتح الكافين أو كسرهما (أهداه له أحد بني الضباب) بكسر الضاد المعجمة وبباءين موحدتين بينهما ألف وهو رفاعة بن زيد بن وهب الجذامي كما في مسلم ولمسلم الضبيب مصغرًا واختلف هل أعتقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو مات رقيقًا (فبينما) بالميم (هو يحط رحل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ جاءه سهم عائر) بعين مهملة فألف فهمزة فراء بوزن فاعل لا يدري من رمى به وقيل هو الحائد عن قصده (حتى أصاب ذلك العبد فقال الناس: هنيئًا له الشهادة فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بلى) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بل بسكون اللام وهي الصواب والأولى تصحيف (والذي نفسي بيده وإن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل) بنفسها (عليه نارًا) تعذيبًا له أو أنها سبب لعذابه في النار (فجاء رجل) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه (حين سمع ذلك من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشراك أو بشراكين) بكسر الشين المعجمة سير النعل على ظهر

القدم (فقال: هذا شيء كنت أصبته فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: شراك أو شراكان من نار) والشك من الراوي. 4235 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يَقُولُ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلاَ أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَيَّانًا لَيْسَ لَهُمْ شَىْءٌ مَا فُتِحَتْ عَلَىَّ قَرْيَةٌ إِلاَّ قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) الجمحي مولاهم البصري ونسبه لجده الأعلى واسم أبيه الحكم بن محمد بن أبي مريم قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) هو ابن أبي كثير المدني (قال: أخبرني) بالإفراد (زيد عن أبيه) أسلم مولى عمر بن الخطاب (أنه سمع عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (يقول: أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم (والذي نفسي بيده لولا أن أترك آخر الناس بيانًا) بفتح الموحدتين وتشديد الثانية وبعد الألف نون قال أبو عبيد: لا أحسبه عربيًّا. وقال الأزهري: هو لغة يمانية لم تفش في كلام معدّ وهو والباج بمعنى واحد. وقال في القاموس: وهم ببان واحد وعلى ببان ويخفف أي طريقة واحدة. وقال في النهاية: أي أتركهم شيئًا واحدًا لأنه إذا قسم البلاد المفتوحة على الغانمين بقي من لم يحضر الغنيمة ومن يجيء بعد من المسلمين بغير شيء منها فلذلك تركها لتكون بينهم جميعهم انتهى. وقيل معناه لولا أن أتركهم فقراء معدمين (ليس لهم شيء ما فتحت) بضم الفاء وكسر الفوقية (علي) بتشديد التحتية (قرية إلا قسمتها) بينهم (كما قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر ولكني أتركها خزانة لهم يقتسمونها) بكسر الخاء المعجمة أي يقتسمون خراجها. 4236 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: لَوْلاَ آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ قَرْيَةٌ إِلاَّ قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: (حدّثنا ابن مهدي) عبد الرحمن (عن مالك بن أنس) الإمام (عن زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم (عن) مولاه (عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لولا آخر المسلمين ما فتحت) بضم الفاء مبنيًّا للمفعول (عليهم قرية إلا قسمتها كما قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر) نظرًا إلى المصلحة العامة للمسلمين وذلك بعد استرضائه لهم وكان عمر -رضي الله عنه- يفضل المهاجرين وأهل بدر في العطاء. 4237 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ وَسَأَلَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُ، قَالَ لَهُ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: لاَ تُعْطِهِ يا رَسُولَ الله فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ، فَقَالَ: وَاعَجَبَاهْ لِوَبْرٍ تَدَلَّى مِنْ قَدُومِ الضَّأْنِ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (وسأله إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي والجملة حالية (قال: أخبرني) بالإفراد (عنبسة بن سعيد) بفتح العين المهملة والموحدة بينهما نون ساكنة والسين مهملة عم والد إسماعيل (إن أبا هريرة -رضي الله عنه- أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسأله) وهو بخيبر أن يعطيه من غنائم خيبر (قال له بعض بني سعيد بن العاص): هو أبان بن سعيد (لا تعطه يا رسول الله فقال أبو هريرة: هذا) يعنى أبان بن سعيد (قاتل ابن قوقل) بقافين مفتوحتين بينهما واو ساكنة آخره لام بوزن جعفر اسمه النعمان بن مالك بن ثعلبة بن أصرم بصاد مهملة بوزن أحمر الأنصاري الأوسي وقوقل لقب ثعلبة أو لقب أصرم (فقال) أبان بن سعيد: (واعجباه) بهاء ساكنة آخره اسم فعل بمعنى أعجب (لوبر) بلام مكسورة فواو مفتوحة فموحدة ساكنة فراء دويبة تشبه السنور تسمى غنم بني إسرائيل (تدلى) بمعنى انحدر علينا (من قدوم الضأن) بفتح القاف وضم الدال المخففة والضأن بالضاد المعجمة بعدها همزة اسم جبل بأرض دوس قوم أبي هريرة، وأراد أبان بذلك تحقير أبي هريرة وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا منع. 4238 - وَيُذْكَرُ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُخْبِرُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَانَ عَلَى سَرِيَّةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ قِبَلَ نَجْدٍ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَدِمَ أَبَانُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَيْبَرَ بَعْدَ مَا افْتَتَحَهَا وَإِنَّ حُزْمَ خَيْلِهِمْ لَلِيفٌ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَقْسِمْ لَهُمْ قَالَ أَبَانُ: وَأَنْتَ بِهَذَا يَا وَبْرُ تَحَدَّرَ مِنْ رَأْسِ ضَأْنٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أَبَانُ اجْلِسْ» فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ. قَالَ أَبُو عَبْدُ الله: الضَّالُّ السِّدرُ. (ويذكر) مبني للمفعول بصيغة التمريض (عن الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة محمد بن الوليد مما وصله أبو داود وغيره (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عنبسة بن سعيد أنه سمع أبا هريرة) -رضي الله عنه- حال كونه (يخبر سعيد بن العاص قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبان) بن سعيد (على سرية من المدينة قبل نجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي ناحية نجد. قال ابن حجر: لم أعرف حال هذه السرية (قال أبو هريرة: فقدم أبان وأصحابه على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (بخيبر بعدما افتتحها وإن حزم خيلهم) بضم الحاء والزاي وبسكونها في اليونينية جمع حزام (لليف) بلام التأكيد والرفع خبر إن. ولأبي ذر عن الكشميهني الليف بتشديد اللام بدون لام التأكيد (قال أبو

هريرة: قلت يا رسول الله لا تقسم لهم) لأبان ومن معه (قال أبان: وأنت بهذا) المكان والمنزلة من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أنك لست من أهله ولا من قومه ولا من بلاده (يا وبر تحدر من رأس ضأن) جبل وتحدر بلفظ الماضي على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر ضال بلام مخففة بدل النون من غير همز. قال في فتح الباري: قيل وقع في إحدى الطريقين ما يدخل في قسم المقلوب فإن في رواية ابن عيينة أن أبا هريرة السائل أن يقسم له وأن أبان هو الذي أشار بمنعه وقد رجح الذهلي رواية الزبيدي ويؤيد ذلك قوله (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا أبان أجلس فلم) ولأبي ذر ولم (يقسم لهم) قال: ويحتمل أن يجمع بينهما بأن يكون كل من أبان وأبي هريرة أشار أن لا يقسم للآخر، ويدل عليه أن أبا هريرة احتج على أبان بأنه قاتل ابن قوقل، وأبان احتج على أبي هريرة بأنه ليس ممن له في الحرب يد يستحق بها النفل فلا قلب. (قال أبو عبد الله) المؤلّف (الضال) باللام هو (السدر) زاد أهل اللغة البري وهذا ثابت لأبي ذر عن المستملي ساقط لغيره. 4239 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِي جَدِّي أَنَّ أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ أَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ وَقَالَ أَبَانُ لأَبِي هُرَيْرَةَ: وَاعَجَبًا لَكَ. وَبْرٌ تَدَأْدَأَ مِنْ قَدُومِ ضَأْنٍ يَنْعَى عَلَيَّ امْرَأً أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِيَدِي وَمَنَعَهُ أَنْ يُهِينَنِي بِيَدِهِ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا عمرو بن يحيى بن سعيد) بفتح العين الأموي وسقط لأبي ذر ابن سعيد قال: (أخبرني) بالإفراد (جدي) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص (أن أبان بن سعيد أقبل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بخيبر بعدما افتتحها (فسلم عليه فقال أبو هريرة: يا رسول الله هذا) أبان بن سعيد (قاتل ابن قوقل) يوم أحد وكان كافرًا ثم أسلم وقيل إن الذي قتل ابن قوقل في أحد إنما هو صفوان بن أمية الجمحي (وقال) ولأبي ذر فقال: (أبان لأبي هريرة: واعجبًا لك وبر تدأدأ) بمهملتين بينهما همزة ساكنة وآخره أخرى مفتوحة هجم ولأبي ذر عن المستملي تدارأ براء بدل الدال الثانية بغير همز (من قدوم ضأن) بفتح القاف كما مر (ينعي) بفتح الياء وسكون النون وفتح العين المهملة أي يعيب (عليّ) بتشديد الياء (امرًأ) بفتح الراء تبعًا للهمزة يعني ابن قوقل (أكرمه الله) بأن صيره شهيدًا (بيدي) بالإفراد (ومنعه) أي ابن قوقل (أن يهينني) يقتلني (بيده) لأن أبان كان حينئذٍ كافرًا فلو قتله ابن قوقل قبل أن يسلم كان ذلك إهانة له وخزيًا ففاز ذاك بالشهادة وذا بالإسلام وفي رواية بالفرع وأصله يهني بنون مشدّدة بإدغام الأولى في الأخرى. 4240 و 4241 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - بِنْتَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكَ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْمَالِ وَإِنِّي وَاللَّهِ لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ وَعَاشَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيٌّ لَيْلاً وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وَجْهٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ فَالْتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُبَايِعُ تِلْكَ الأَشْهُرَ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنِ ائْتِنَا وَلاَ يَأْتِنَا أَحَدٌ مَعَكَ كَرَاهِيَةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ: لاَ وَاللَّهِ لاَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا عَسَيْتَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي وَاللَّهِ لآتِيَنَّهُمْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَقَالَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ وَلَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالأَمْرِ وَكُنَّا نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَصِيبًا، حَتَّى فَاضَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَبُّ إِلَىَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَمْوَالِ فَلَمْ آلُ فِيهَا عَنِ الْخَيْرِ وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلاَّ صَنَعْتُهُ فَقَالَ عَلِيٌّ لأَبِي بَكْرٍ: مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةُ لِلْبَيْعَةِ فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقِيَ الْمِنْبَرِ فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَنِ الْبَيْعَةِ وَعُذْرَهُ بِالَّذِي اعْتَذَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَلاَ إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الأَمْرِ نَصِيبًا فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا فَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا: أَصَبْتَ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الأَمْرَ الْمَعْرُوفَ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي الحافظ المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) هو ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- (أن فاطمة) الزهراء (عليها السلام بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسلت إلى أبي بكر) الصديق -رضي الله عنه- (تسأله ميراثها من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مما أفاء الله عليه) أي مما أعطاه الله من مال الكفار من غير حرب ولا جهاد (بالمدينة) نحو أرض بني النضير حين أجلاهم (وفدك) مما صالح أهلها على نصف أرضها (وما بقي من خُمس خيبر فقال أبو بكر) -رضي الله عنه-: (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): إنا معاشر الأنبياء (لا نورث ما تركنا صدقة) بالرفع خبر سابقه (إنما يأكل آل محمد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في هذا المال) ما يكفيهم (وإني والله لا أغير شيئًا من صدقة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن حالها التي كان) ولأبي ذر عن الكشميهني: كانت (عليها في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط لفظ وسلم من اليونينية (ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأبى) أي امتنع (أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئًا فوجدت) بالجيم أي غضبت (فاطمة على أبي بكر في ذلك) لما فيها من مقتضى البشرية ثم سكن بعد (فهجرته) هجران انقباض عن لقائه لا الهجران المحرّم ولعلها تمادت في اشتغالها بشؤونها ثم بمرضها (فلم تكلمه حتى توفيت. وعاشت بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ستة أشهر) على الصحيح المشهور.

(فلما توفيت دفنها زوجها علي) -رضي الله عنه- (ليلاً) بوصية منها كما عند ابن سعد إرادة لزيادة التستر (ولم يؤذن) بغير همزة في اليونينية وبه في الناصرية ولم يعلم (بها أبا بكر) لأنه ظن أن ذلك لا يخفى عنه وليس فيه ما يدل على أنه لم يعلم بموتها ولا صلّى عليها (وصلّي عليها) أي علي، وعند ابن سعد أن العباس صلّى عليها (وكان لعلي من الناس وجه) أي يحترمونه (حياة فاطمة) إكرامًا لها (فلما توفيت استنكر عليّ وجوه الناس) لأنهم قصروا عن ذلك الاحترام لاستمراره على عدم مبايعته أبي بكر وكانوا يعذرونه أيام حياتها عن تأخره عن ذلك باشتغاله بها وتسلية خاطرها (فالتمس) علي (مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع) أبا بكر (تلك الأشهر) الستة إما لاشتغاله بفاطمة كما مرّ أو اكتفاء بمن بايعه إذ لا يشترط استيعاب كل أحد بل يكفي الطاعة والانقياد (فأرسل) علي (إلى أبي بكر) الصديق -رضي الله عنه- (أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك كراهية) منه (لمحضر عمر) مصدر ميمي بمعنى الحضور، ولأبي ذر ليحضر عمر وذلك لما عرفوه من قوة عمر وصلابته في القول والفعل فربما تصدر منه معاتبة تفضي إلى خلاف ما قصدوه من المصافاة (فقال عمر): لما بلغه ذلك لأبي بكر (لا والله لا تدخل عليهم وحدك) فربما تركوا من تعظيمك ما يجب لك (فقال أبو بكر) -رضي الله عنه-: (وما عسيتهم) بكسر السين وفتحها (أن يفعلوا) ولأبي ذر: أن يفعلوه (بي) أي علي ومن معه. قال ابن مالك: فيه شاهد على صحة تضمين بعض الأفعال معنى فعل آخر وإجرائه مجراه في التعدية فإن عسى في هذا الكلام قد تضمنت معنى حسب وأجريت مجراها فنصبت ضمير الغائبين على أنه مفعول أول ونصبت أن يفعلوا تقديرًا على أنه مفعول ثان وكان حقه أن يكون عاريًا من أن كما لو كان بعد حسب، ولكن جيء بأن لئلا تخرج عسى بالكلية عن مقتضاها، ولأن أن قد تسد بصلتها مسد مفعولي حسب فلا يستبعد مجيئها بعد المفعول الأول بدلاً منه وسادة مسد ثاني مفعوليها. قال: ويجوز جعل تاء عسيتم حرف خطاب، والهاء والميم اسم عسى والتقدير ما عساهم أن يفعلوا بي وهو وجه حسن. (والله لآتينهم فدخل عليهم أبو بكر فتشهد عليّ فقال: إنّا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله ولم ننفس عليك خيرًا ساقه الله إليك) بفتح فاء ننفس أي لم نحسدك على الخلافة (ولكنك استبددت) بدالين إحداهما مفتوحة والأخرى ساكنة (علينا بالأمر) أي لم تشاورنا في أمر الخلافة (وكنا نرى) بفتح النون في الفرع كأصله وبالضم (لقرابتنا من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نصيبًا) من المشاورة ولم يزل علي -رضي الله عنه- يذكر له ذلك (حتى فاضت عينا أبي بكر) من الرقة (فلما تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم) أي وقع فيه التنازع والاختلاف (من هذه الأموال) التي تركها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من فدك وغيرها (فلم) ولأبوي ذر والوقت فإني لم (آل) بمد الهمزة وضم اللام لم أقصر (فيها) في الأموال (عن الخير ولم أترك أمرًا رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصنعه فيها إلا صنعته. فقال عليّ لأبي بكر: موعدك العشية) بالفتح على الظرفية أو الرفع خبر المبتدأ أي بعد الزوال (للبيعة، فلما صلّى أبو بكر الظهر رقي) بكسر القاف أي علا (المنبر فتشهد وذكر شأن عليّ وتخلفه عن البيعة وعذره) بفتحات بصيغة الماضي بوزن نهره أي قبل عذره ولغير أبي ذر عذره بضم العين وسكون المعجمة (بالذي اعتذر إليه ثم استغفر وتشهد عليّ) -رضي الله عنه- (فعظم) ولأبي ذر عن الكشميهني وعظم (حق أبي بكر) زاد مسلم وذكر فضله وسابقته في الإسلام ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه (وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع) من التأخر (نفاسة على أبي بكر) أي حسدًا (ولا إنكارًا للذي فضله الله به ولكنا كنا نرى) بفتح النون فقط في اليونينية وفي غيرها بضمها (لنا في هذا الأمر) أي أمر الخلافة

39 - باب استعمال النبي -صلى الله عليه وسلم- على أهل خيبر

(نصيبًا فاستبد) ولأبي ذر واستبد (علينا فوجدنا في أنفسنا فسرّ بذلك المسلمون وقالوا: أصبت. وكان المسلمون إلى عليّ قريبًا) أي كان ودهم له قريبًا (حين راجع الأمر بالمعروف) وهو الدخول فيما دخل الناس فيه من المبايعة. وقد صحح ابن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن عليًّا بايع أبا بكر في أول الأمر، وأما ما في مسلم عن الزهري أن رجلاً قال له: لم يبايع عليّ أبا بكر حتى ماتت فاطمة -رضي الله عنها-. قال: ولا أحد من بني هاشم فقد ضعفه البيهقي بأن الزهري لم يسنده، وأن الرواية الموصولة عن أبي سعيد أصح وجمع غيره بأنه مبايعة بيعة ثانية مؤكدة للأولى لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث، وحينئذ فيحمل قول الزهري لم يبايعه في في تلك الأيام على إرادة الملازمة له والحضور عنده، فإن ذلك يوهم من لا يعرف باطن الأمر أنه بسبب عدم الرضا بخلافته فأطلق من أطلق ذلك وبسبب ذلك يظهر عليّ المبايعة بعد موت فاطمة لإزالة هذه الشبهة قاله في الفتح. 4242 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا الآنَ نَشْبَعُ مِنَ التَّمْرِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة العبدي قال: (حدثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (حرميّ) بفتح الحاء والراء وتشديد التحتية ابن عمارة بن أبي حفصة العتكي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرني) بالإفراد (عمارة) بن أبي حفصة العتكي وشعبة واسطة بينهما (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: لما فتحت خيبر قلنا الآن نشبع من التمر) لكثرة ما فيها من النخيل؛ وليس لعكرمة في البخاري عن عائشة غير هذا الحديث. 4243 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: مَا شَبِعْنَا حَتَّى فَتَحْنَا خَيْبَرَ. وبه قال: (حدّثنا الحسن) بن محمد بن الصباح الزعفراني قال: (حدّثنا قرة بن حبيب) يعني ابن يزيد القنوي بالقاف والنون المخففة المفتوحتين نسبة إلى بيع القنا وهي الرماح قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه) عبد الله (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: ما شبعنا حتى فتحنا خيبر) فيه إشارة كالسابق إلى أنهم كانوا في قلة من العيش قبل فتح خيبر. 39 - باب اسْتِعْمَالُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ (باب استعمال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) رجلاً (على أهل خيبر) بعد فتحها لتنمية الثمار وسقط الباب لأبي ذر فقوله استعمال رفع. 4244 و 4245 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَعْمَلَ رَجُلاً عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا»؟ فَقَالَ لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ فَقَالَ: «لاَ تَفْعَلْ بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن عبد المجيد بن سهيل) بضم السين وفتح الهاء ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة) -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استعمل رجلاً) هو سواد بن غزية من بني عدي بن النجار (على خيبر فجاءه بتمر جنيب) بفتح الجيم وكسر النون وهو أجود تمورهم (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كل) ولأبي ذر عن الكشميهني أكل (تمر خيبر هكذا فقال) ولأبي ذر قال: (لا والله يا رسول الله إنا لنأخد الصاع من هذا بالصاعين بالثلاثة) بدل من الصاعين وفي نسخة والصاعين بالثلاثة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (لا تفعل) ذلك (بع الجمع) وهو نوع رديء (بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا). وهذا الحديث مرّ في البيوع في باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه. 4246 و 4247 - وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى خَيْبَرَ فَأَمَّرَهُ عَلَيْهَا وَعَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ مِثْلَهُ. (وقال عبد العزيز بن محمد) الدراوردي مما وصله أبو عوانة والدارقطني (عن عبد المجيد) بن سهيل (عن سعيد) أي ابن المسيب (أن أبا سعيد) الخدري (وأبا هريرة) -رضي الله عنهما- (حدثاه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث أخا بني عدي من الأنصار) وهو سواد بن غزية (إلى خيبر فأمّره) بتشديد الميم أي جعله أميرًا (عليها). (وعن عبد المجيد) المذكور بالسند المذكور (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة وأبي سعيد) الخدري -رضي الله عنهما- (مثله) أي مثل الحديث السابق. 40 - باب مُعَامَلَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهْلَ خَيْبَرَ (باب معاملة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهل خيبر). 4248 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ أَعْطَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا جويرية) بن أسماء الضبعي (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) بن عمر (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أعطى

41 - باب الشاة التي سمت للنبي -صلى الله عليه وسلم- بخيبر رواه عروة عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر اليهود أن يعملوها) أي يتعاهدوا أشجارها بالسقي وغير ذلك (ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها). أي نصفه. وسبق هذا الحديث في المزارعة. 41 - باب الشَّاةِ الَّتِي سُمَّتْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَيْبَرَ رَوَاهُ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب الشاة التي سمت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (بخيبر. رواه) أي حديث السمّ (عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله في الوفاة النبوية. 4249 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدثني) بالإفراد (سعيد) هو ابن أبي سعيد المقبري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاة فيها سم) بتثليث السين أهدتها له زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلام بن مشكم وكانت سألت أيّ عضو من الشاة أحب إليه؟ فقيل: الذراع فأكثرت فيها من السم، فلما تناول الذراع لاك منها مضغة ولم يسغها، وأكل منها معه بشر بن البراء فأساغ لقمته ومات منها. وعند البيهقي أنه عليه الصلاة والسلام أكل وقال لأصحابه: "أمسكوا فإنها مسمومة" (وقال لها: "ما حملك على ذلك"؟ قالت: أردت إن كنت نبيًّا فيطلعك الله وإن كنت كاذبًا فأريح الناس منك. قال: فما عرض لها. وزاد عبد الرزاق واحتجم على الكاهل. قال: قال الزهري: وأسلمت فتركها. وعند ابن سعد أنه دفعها إلى أولياء بشر فقتلوها. 42 - باب غَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ (باب غزوة زيد بن حارثة) والد أسامة مولى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسقط لفظ باب لأبي ذر. 4250 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسَامَةَ عَلَى قَوْمٍ فَطَعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَالَ: «إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ خَلِيقًا لِلإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) بن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان قال: (حدّثنا سفيان بن سعيد) الثوري الكوفي قال: (حدّثنا عبد الله بن دينار) المدني مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: أمّر) بتشديد الميم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسامة) بن زيد (على قوم) من كبار المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وسعد وسعيد وقتادة بن النعمان وغيرهم (فطعنوا) أي بعضهم (في إمارته) بكسر الهمزة وكان أشدهم في ذلك عياش بن أبي ربيعة فقال: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين، فكثرت المقالة في ذلك فسمع عمر بن الخطاب بعض ذلك فردّه على من تكلم، وأخبر بذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فغضب غضبًا شديدًا فخطب (فقال): (إن تطعنوا) بضم العين وفتحها (في إمارته) أي أسامة (فقد طعنتم في إمارة أبيه) زيد (من قبله) في غزوة مؤتة، وقد بعث -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زيد بن حارثة في عدة سرايا. قال سلمة بن الأكوع فيما رواه أبو مسلم الكجي: غزوت مع زيد بن حارثة سبع غزوات يؤمره علينا الحديث. فأولها قبل نجد في مائة راكب في جمادى الآخرة سنة خمس، ثم إلى بني سليم في ربيع الآخر سنة ست، ثم في جمادى الأولى منها في مائة وسبعين نتلقى عير قريش، وأسروا أبا العاص بن الربيع ثم في جمادى الآخرة منها إلى بني ثعلبة، ثم إلى حسمى بضم الحاء وسكون السين المهملتين مقصورًا في خمسمائة إلى ناس من جذام بطريق الشام كانوا قطعوا الطريق على دحية وهو راجع من عند هرقل، ثم إلى وادي القرى، ثم إلى ناس من بني فزارة، وكان قد خرج قبلها في تجارة فخرج عليه ناس من بني فزارة فأخذوا ما معه وضربوه فجهزه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم فأوقع بهم وقتل أم قرفة بكسر القاف وسكون الراء بعدها فاء فاطمة بنت ربيعة بن بدر زوج مالك بن حذيفة بن بدر عم عيينة بن حصن بن حذيفة وكانت معظمة فيهم فيقال: إنه ربطها في ذنب فرسين وأجراهما فتقطعت وأسر بنتها وكانت جميلة، ولم يقع في حديث الباب تعيين الغزوة التي أمّر عليها، لكن قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: ولعل هذه الأخيرة مراد المصنف، وقد ذكر مسلم طرفًا منها في حديث سلمة بن الأكوع. (وايم الله لقد كان) زيد (خليقًا) بالخاء المعجمة والقاف أي حقيقًا (للإمارة) لسوابقه وفضله وقربه من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وإن كان) زيد (من أحب الناس إليّ) بإسقاط لام لمن الثانية في باب مناقب زيد عند المؤلّف (وإن هذا) أسامة (لمن أحب الناس إليّ بعده) أي بعد

43 - باب عمرة القضاء ذكره أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

أبيه. 43 - باب عُمْرَةُ الْقَضَاءِ ذَكَرَهُ أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب عمرة القضاء). قال السهيلي: سميت عمرة القضاء لأنه قاضى فيها قريشًا لا أنها قضاء عن عمرة الحديبية التي صدّ عنها لأنها لم تكن فسدت حتى يجب قضاؤها بل كانت عمرة تامة، ولذا عدّت في عمره عليه الصلاة والسلام، وقيل بل هي قضاء عنها، وإنما عدوها في عمره لثبوت الأجر فيها لا لأنها كملت وهو مبني على الاختلاف في وجوب القضاء على من اعتمر فصدَّ عن البيت، والجمهور على وجوب الهدي من غير قضاء، وعن أبي حنيفة عكسه، ولأبي ذر عن المستملي: غزوة القضاء وتوجيه كونها غزوة أنه عليه الصلاة والسلام خرج مستعدًّا بالسلاح والمقاتلة خشية أن يقع من قريش غدر، ولا يلزم من إطلاق الغزوة وقوع المقاتلة، وسقط لفظ باب لأبي ذر فالتالي مرفوع. (ذكره) أي حديث عمرة القضاء (أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه لما دخل مكة في عمرة القضاء مشى عبد الله بن رواحة بين يديه وهو يقول: خلوا بني الكفار عن سبيله ... قد أنزل الرحمن في تنزيله بأن خير القتل في سبيله ... نحن قتلناكم على تأويله كما قتلناكم على تنزيله رواه عبد الرزاق، ورواه ابن حبان في صحيحه بزيادة وهي: ويذهل الخليل عن خليله ... يا رب إني مؤمن بقيله فقال عمر -رضي الله عنه-: يا ابن رواحة أتقول الشعر بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "دعه يا عمر فهذا أشد عليهم من وقع النبل". 4251 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَأَبَى أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ كَتَبُوا هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالُوا: لاَ نُقِرُّ بِهَذَا لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا مَنَعْنَاكَ شَيْئًا وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: «أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ»، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ «امْحُ رَسُولَ اللَّهِ» قَالَ عَلِيٌّ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أَمْحُوكَ أَبَدًا فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْكِتَابَ وَلَيْسَ يُحْسِنُ يَكْتُبُ فَكَتَبَ «هَذَا مَا قَاضَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لاَ يُدْخِلُ مَكَّةَ السِّلاَحَ إِلاَّ السَّيْفَ فِي الْقِرَابِ، وَأَنْ لاَ يَخْرُجَ مِنْ أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ وَأَنْ لاَ يَمْنَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بِهَا»، فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الأَجَلُ أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ اخْرُجْ عَنَّا فَقَدْ مَضَى الأَجَلُ فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَبِعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِي يَا عَمِّ يَا عَمِّ فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ لِفَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ -: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ، حَمَلَتْهَا فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ قَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَخَذْتُهَا وَهْيَ بِنْتُ عَمِّي وَقَالَ جَعْفَرٌ: هِيَ ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِخَالَتِهَا وَقَالَ: «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ» وَقَالَ لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: «أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي» وَقَالَ لِزَيْدٍ: «أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلاَنَا» وَقَالَ عَلِيٌّ أَلاَ تَتَزَوَّجُ بِنْتَ حَمْزَةَ قَالَ: «إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر عن المستملي: حدّثنا (عبيد الله بن موسى) بضم العين ابن باذام الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لما) بتشديد الميم وسقطت لما لابن عساكر (اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أحرم بالعمرة (في ذي القعدة) سنة ست من الهجرة وبلغ الحديبية (فأبى) أي امتنع (أهل مكة أن يدعوه) بفتح الدال أن يتركوه (يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام) من العام المقبل (فلما كتبوا) أي المسلمون (الكتاب) ولأبي ذر عن الكشميهني: فلما كتب الكتاب بضم الكاف مبنيًّا للمفعول والكاتب علي بن أبي طالب (كتبوا: هذا ما قاضى) ولأبي ذر عن الكشميهني: ما قاضانا (عليه محمد رسول الله) قال ابن حجر: ورواية الكشميهني غلط وكأنه لما رأى قوله كتبوا ظن أن المراد قريش وليس كذلك بل المراد المسلمون ونسبة ذلك إليهم وإن كان الكاتب واحدًا مجازية (قالوا: لا نقرّ بهذا) ولأبي ذر عن الكشميهني: لا نقر لك بهذا (لو نعلم أنك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما منعناك شيئًا) وعند النسائي: ما منعناك بيته (ولكن أنت محمد بن عبد الله فقال): (أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله ثم قال لعلي: امح) ولأبي ذر وابن عساكر: لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- امح (رسول الله) أي الكلمة المكتوبة من الكتاب (قال عليّ) سقط لفظ عليّ لأبي ذر وابن عساكر (لا والله لا أمحوك أبدًا، فأخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكتاب وليس يحسن يكتب) فقال لعلي: أرني مكانها فمحاها فأعادها لعلي (فكتب هذا ما قاضى محمد بن عبد الله). وبهذا التقرير يزول استشكال ظاهره المقتضي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب المستلزم لكونه غير أمي وهو يناقض الآية التي قامت بها الحجة وأفحمت الجاحد، وقيل المراد بقوله كتب أمر بالكتابة فإسناد الكتابة إليه مجاز وهو كثير كقولهم: كتب إلى كسرى، وكتب إلى قيصر فقوله: كتب أي أمر عليًّا أن يكتب، وأما إنكار بعض المتأخرين على أبي مسعود نسبتها إلى تخريج البخاري فليس بشيء فقد علم ثبوتها فيه، وكذا أخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله بن موسى، وكذا أحمد عن يحيى بن المثنى عن إسرائيل ولفظه: فأخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب فكتب مكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، نعم لم يذكر البخاري هذه الزيادة في الصلح حيث ذكر الحديث عن عبيد الله بن موسى بهذا الإسناد. وقول الباجي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب بعد أن لم يكتب وأن ذلك معجزة أخرى رده عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بسبب ذلك بالزندقة والله أعلم. قال السهيلي: والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضًا، ولأبي ذر وابن عساكر: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله (لا يدخل) بضم أوله وكسر ثالثه (مكة السلاح إلا السيف في القراب وأن لا يخرج) بفتح أوله وضم ثالثه (من أهلها بأحد وإن أراد أن يتبعه وأن لا يمنع من أصحابه أحدًا إن أراد) وسقط لأبي ذر لفظ إن من إن أراد الثانية (أن يقيم بها، فلما دخلها) عليه الصلاة والسلام في العام المقبل (ومضى الأجل) أي قرب مضي الثلاثة الأيام (أتوا) كفار قريش (عليًّا فقالوا) له: (قل لصاحبك) يعنون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أخرج عنا فقد مضى الأجل). وفي مغازي أبي الأسود عن عروة: فلما كان اليوم الرابع جاءه سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى فقالا: ننشدك الله والعهد إلا ما خرجت من أرضنا فردّ عليهما سعد بن عبادة فأسكته النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وآذن بالرحيل وكأنه قد دخل في أثناء النهار فلم يكمل الثلاث إلا في مثل ذلك الوقت من النهار الرابع الذي دخل فيه بالتلفيق، وكان مجيئهم في أثناء النهار قرب مجيء ذلك الوقت. (فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتبعته ابنة حمزة) اسمها عمارة أو فاطمة أو أمامة أو أمة الله أو سلمى والأول أشهر ولابن عساكر بنت حمزة (تنادي) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إجلالاً له (يا عم يا عم) مرتين وإلا فهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابن عمها أو لكون حمزة كان أخاه من الرضاعة (فتناولها عليّ) -رضي الله عنه- (فأخذ بيدها وقال لفاطمة) زوجته (عليها السلام: دونك) أي خذي (ابنة) ولأبي ذر وابن عساكر بنت (عمك حملتها) بتخفيف الميم بلفظ الماضي وكان الفاء سقطت وهي ثابتة عند النسائي من الوجه الذي أخرجه منه البخاري، ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني: حمليها بتشديد الميم المكسورة وبعد اللام تحتية ساكنة بصيغة الأمر، وللأصيلي هنا مصحّحًا عليه في الفرع كأصله احمليها بألف بدل التشديد. فإن قلت: كيف أخرجها عليه الصلاة والسلام من مكة ولم يردها إليهم مع اشتراط المشركين أن لا يخرج بأحد من أهلها إن أراد الخروج؟ جيب: بأن النساء المؤمنات لم يدخلن في ذلك وبأنه عليه الصلاة والسلام لم يخرجها ولم يأمر بإخراجها وبأن المشركين لم يطلبوها. (فاختصم فيها) في بنت حمزة بعد أن قدموا المدينة كما عند أحمد والحاكم (علي) هو ابن أبي طالب (وزيد) هو ابن حارثة (وجعفر) هو ابن أبي طالب أي في أيهم تكون عنده (قال) ولابن عساكر فقال (عليّ أنا أخذتها وهي بنت عمي) زاد أبو داود في حديث علي وعندي بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي أحق بها (وقال جعفر: هي ابنة) ولأبي ذر: بنت (عمي وخالتها) أسماء بنت عميس (تحتي) أي زوجتي (وقال) بالواو ولأبي ذر فقال (زيد: ابنة) ولأبي ذر وابن عساكر بنت (أخي) وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخى بينه وبين حمزة كما ذكره الحاكم في الإكليل وأبو سعد في شرف المصطفى، وزاد في حديث عليّ إنما خرجت إليها، وعنده أيضًا أن زيدًا هو الذي أخرجها من مكة (فقضى بها النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لخالتها) أسماء فرجح جانب جعفر لقرابته وقرابة امرأته منها دون الآخرين وفي رواية أبي سعيد السكري ادفعاها إلى جعفر فإنه أوسعكم (وقال) عليه الصلاة والسلام: (الخالة بمنزلة الأم) أي في الشفقة والحنوّ والاهتداء إلى ما يصلح الولد (وقال لعلي: أنت مني وأنا منك) أي في النسب والصهر والسابقة والمحبة (وقال لجعفر: أشبهت خَلقي وخُلقي) بفتح الخاء في الأولى أي صورتي وبضمها في الثانية أما الأولى فقد شارك جعفرًا فيها جماعة عدها بعضهم سبعًا وعشرين، وأما الثانية فخصوصية لجعفر نعم في حديث عائشة ما يقتضي حصول مثل

ذلك لفاطمة لكنه ليس بصريح كما في قصة جعفر وهي منقبة عظيمة لجعفر على ما لا يخفى (وقال) عليه الصلاة والسلام: (لزيد: أنت أخونا) في الإيمان (ومولانا) أي عتيقنا. (وقال): ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر قال بإسقاط الواو (عليّ) بالإسناد السابق له عليه الصلاة والسلام (ألا تتزوّج بنت حمزة؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (إنها ابنة) ولأبي ذر وابن عساكر بنت (أخي من الرضاعة) فلا تحل لي. وهذا الحديث سبق في باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان ابن فلان من كتاب الصلح. 4252 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ مُعْتَمِرًا فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَلاَ يَحْمِلَ سِلاَحًا عَلَيْهِمْ إِلاَّ سُيُوفًا وَلاَ يُقِيمَ بِهَا إِلاَّ مَا أَحَبُّوا فَاعْتَمَرَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَنْ أَقَامَ بِهَا ثَلاَثًا أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ فَخَرَجَ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن رافع) النيسابوري ولأبي ذر محمد هو ابن رافع قال: (حدّثنا سريح) بالسين والحاء المهملتين في الفرع والصواب بالجيم بعد المهملة ابن النعمان البغدادي الجوهري وهو شيخ المؤلّف روى عنه بالواسطة قالَ: (حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام وبعد الياء الساكنة حاء مهملة لقب عبد الملك بن سليمان (قال) المؤلّف (ح). (وحدثني) بالإفراد (محمد بن الحسين بن إبراهيم) المعروف بابن اشكاب الحافظ البغدادي قال: (حدثني) بالإفراد (أبي) الحسين اشكاب بن إبراهيم بن الحر العامري أبو علي الخراساني ثم البغدادي قال: (حدّثنا فليح بن سليمان عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج) إلى مكة في ذي القعدة حال كونه (معتمرًا فحال كفار قريش بينه وبين البيت) لما بلغ الحديبية (فنحر هديه وحلق رأسه) للتحلل من العمرة (بالحديبية وقاضاهم) أي صالحهم (على أن يعتمر العام المقبل ولا يحمل سلاحًا عليهم إلا سيوفًا) يعني في قرابها كما في الحديث السابق (ولا يقيم) بمكة (إلا ما أحبوا) وهو ثلاثة أيام ما دل عليه قوله الآتي قريبًا (فاعتمر) عليه الصلاة والسلام (من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم فلما أن أقام بها ثلاثًا أمروه أن يخرج) منها (فخرج) كما مرّ. وهذا المتن لفظ رواية محمد بن الحسين، وأما لفظ محمد بن رافع ففي باب الصلح مع المشركين من كتاب الصلح. 4253 - حَدَّثَنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ ثُمَّ قَالَ: كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَرْبَعًا إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر وابن عساكر حدّثنا (عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد الرازي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن مجاهد) هو ابن جبر أنه (قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد) النبوي (فإذا عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- جالس) خبر عبد الله (إلى حجرة عائشة ثم قال): أي عروة بن الزبير كما وقع التصريح به في مسلم لابن عمر (كم اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال) ابن عمر: اعتمر (أربعًا إحداهن في رجب). 4254 - ثُمَّ سَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ قَالَ عُرْوَةُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَلاَ تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ؟ فَقَالَتْ: مَا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمْرَةً إِلاَّ وَهْوَ شَاهِدٌ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ. (ثم سمعنا استنان عائشة) أي حس مرور السواك على أسنانها (قال عروة: يا أم المؤمنين ألا تسمعين) ولأبي ذر عن الكشميهني: ألم تسمعي (ما يقول أبو عبد الرحمن)؟ هي كنية ابن عمر (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتمر أربع عُمر: إحداهن في رجب: فقالت: ما اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمرة إلا وهو) أي ابن عمر (شاهد) أي حاضر معه (وما اعتمر في رجب قط) وثبت قوله عمرة لأبي ذر عن الكشميهني ولم تنكر عائشة على ابن عمر إلا قوله في رجب، وسكوته يدل على عدم تثبته في ذلك وحينئذٍ فلا يقال هنا قول ابن عمر المثبت مقدم على نفي عائشة كما لا يخفى. وهذا الحديث مرّ في باب كم اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من كتاب الحج. 4255 - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ: لَمَّا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَتَرْنَاهُ مِنْ غِلْمَانِ الْمُشْرِكِينَ وَمِنْهُمْ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن إسماعيل بن أبي خالد) الكوفي الحافظ أنه (سمع ابن أبي أوفى) عبد الله (يقول: لما اعتمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عمرة القضية (سترناه من غلمان المشركين ومنهم) أي ومن المشركين (أن يؤذوا رسول الله) ولابن عساكر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعند الحميدي وكنا نستره من أهل مكة أن يرميه أحد. وهذا الحديث قد سبق في غزوة الحديبية. 4256 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَفْدٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ، وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ كُلَّهَا، إِلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ. وَزَادَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَامِهِ الَّذِي اسْتَأْمَنَ قَالَ: "ارْمُلُوا" لِيُرَي الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُمْ، وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد هو ابن زيد عن أيوب) السختياني (عن سعيد

44 - باب غزوة موتة من أرض الشأم

بن جبير) الكوفي (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) مكة في عمرة القضية (فقال المشركون: إنه) أي الشأن (يقدم عليكم وفد) بالفاء الساكنة والرفع فاعل يقدم أي جماعة ولأبي الوقت وقد بالقاف المفتوحة فالضمير في أنه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي أنه يقدم عليكم عليه السلام والحال أنه قد (وهنتهم) أي الصحابة، ولابن عساكر: وهنهم بحذف الفوقية يعد النون أي أضعفهم (حمى يثرب) فأطلع الله نبيه عليه الصلاة والسلام على ما قالوه (فأمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرملوا) بضم الميم (الأشواط الثلاثة) الأول ليرى المشركين قوّتهم بذلك (وأن يمشوا ما بين الركنين) اليمانيين حيث لا يراهم قريش إذ كانوا من قبل قعيقعان وهو لا يشرف عليهما (ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط) السبعة (كلها إلا الإبقاء عليهم) بكسر الهمزة والرفع فاعل لم يمنعه أي إلا إرادة الرفق. (وزاد) وللأصيلي قال أبو عبد الله: وزاد (ابن سلمة) حماد فيما وصله الإسماعيلي (عن أيوب) السختياني (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) أنه (قال: لما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مكة (لعامه الذي استأمن) أي دخل في الأمان (قال) لأصحابه: (ارملوا ليري) عليه الصلاة والسلام (المشركين) بضم الياء وكسر الراء وفي اليونينية ليرى المشركون (قومهم والمشركون من قبل) أي من جهة جبل (قعيقعان) بضم القاف الأولى وكسر الثانية. وهذا الحديث سبق في باب كيف كان بدء الرمل من الحج. 4257 - حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: إِنَّمَا سَعَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام (عن سفيان) وللأصيلي وابن عساكر أخبرنا سفيان (بن عيينة) الهلالي مولاهم الكوفي الأعور أحد الأعلام (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن عطاء) هو ابن رباح (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: إنما سعى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي رمل أي هرول (بالبيت) عند الطواف به (وبين الصفا والمروة ليري) عليه الصلاة والسلام (المشركين قوته). 4258 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَيْمُونَةَ وَهْوَ مُحْرِمٌ وَبَنَى بِهَا وَهْوَ حَلاَلٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفَ. قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد (قال: حدّثنا أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: تزوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ميمونة) بنت الحارث الهلالية وسقط لفظ ميمونة لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر (وهو محرم) بعمرة القضية (وبنى بها وهو حلال وماتت) بعد ذلك (بسرف) في الموضع الذي بني بها فيه وهو على عشرة أميال من مكة سنة إحدى وخمسين. (قال أبو عبد الله): أي البخاري وسقط هذا لغير الأصيلي. 4259 - وَزَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، وَأَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَيْمُونَةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ. (وزاد) ولأبي ذر: زاد بإسقاط الواو (ابن إسحاق) محمد فقال: (حدثني) بالإفراد (ابن أبي نجيح) عبد الله (وأبان بن صالح عن عطاء ومجاهد عن ابن عباس قال: تزوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ميمونة في عمرة القضاء) وهذا وصله ابن إسحاق في سيرته وكان الذي زوجها منه العباس بن عبد المطلب وكانت أختها أم الفضل تحته. 44 - باب غَزْوَةُ مُوتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّأْمِ (باب غزوة موتة) بضم الميم وسكون الواو من غير همز للأكثر (من أرض الشام) بالقرب من البلقاء في جمادى الأولى سنة ثمان وسقط باب لأبي ذر وابن عساكر فغزوة رفع. 4260 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلاَلٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى جَعْفَرٍ يَوْمَئِذٍ، وَهْوَ قَتِيلٌ فَعَدَدْتُ بِهِ خَمْسِينَ بَيْنَ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ لَيْسَ مِنْهَا شَىْءٌ فِي دُبُرِهِ يَعْنِي فِي ظَهْرِهِ. [الحديث 4260 - أطرافه في: 4261]. وبه قال: (حدّثنا أحمد) هو ابن صالح أبو جعفر المصري كما بينه أبو علي بن شبويه عن الفربري وبه جزم أبو نعيم وقال الكلاباذي: هو أحمد بن عيسى التستري المصري الأصل، وقيل أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري (عن عمرو) بفتح العين ابن الحارث الأنصاري المصري (عن ابن أبي هلال) سعيد الليثي المدني (قال: وأخبرني) بالإفراد قال في الفتح: وهذا عطف على محذوف وقع مبنيًّا في باب جامع الشهادات من السنن لسعيد بن منصور حيث قال: حدّثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن ابن رواحة فذكر شعرًا له قال: فلما التقوا أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل ثم أخذها

جعفر فقاتل حتى قتل، ثم أخذها ابن رواحة فحاد حيدة ثم نزل فقاتل حتى قتل، فأخذ خالد بن الوليد الراية فرجع بالمسلمين على حمية ورمى واقد بن عبد الله التميمي المشركين حتى ردهم الله. قال ابن أبي هلال: وأخبرني (نافع أن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أخبره أنه وقف على جعفر يومئذٍ وهو قتيل فعددت به خمسين بين طعنة) برمح (وضربة) بسيف (ليس منها) ولأبي ذر عن الكشميهني فيها (شيء في دبره) بضم الموحدة (يعني في ظهره) أي لم يكن منها شيء في حال الإدبار بل كلها في حال الإقبال لمزيد شجاعته، وسقط لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر قوله يعني في ظهره. 4261 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ مُوتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنْتُ فِيهِمْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَوَجَدْنَاهُ فِي الْقَتْلَى وَوَجَدْنَا مَا فِي جَسَدِهِ بِضْعًا وَتِسْعِينَ مِنْ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ. وبه قال: (أخبرنا) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: حدّثنا (أحمد بن أبي بكر) واسم أبي بكر القاسم بن الحسين بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف أبو مصعب القرشي الزهري المدني صاحب مالك بن أنس قال: (حدّثنا مغيرة بن عبد الرحمن) الحزامي كذا قال ابن خلفون أن أحمد روى عن الحزامي. وقال العيني كابن حجر: إنه المخزومي قال: وفي طبقته الحزامي وهو أوثق من المخزومي، وليس للمخزومي في البخاري سوى هذا الحديث وهو بطريق المتابعة عنده، وكان المخزومي فقيه أهل المدينة بعد مالك وهو صدوق (عن عبد الله بن سعد) بسكون العين وللأصيلي وابن عساكر سعيد بكسرها ابن أبي هند الفزاري ثقة صدوق (عن نافع عن) مولاه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) وسقط عبد الله ولأبي ذر وابن عساكر أنه (قال: أمر) بتشديد الميم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة مؤتة زيد بن حارثة فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن قتل زيد فجعفر) أي ابن أبي طالب أميرهم (وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة) الأمير. (قال عبد الله) بن عمر بالإسناد السابق: (كنت فيهم في تلك الغزوة فالتمسنا) طلبنا (جعفر بن أبي طالب) بعد أن قتل (فوجدناه في القتلى ووجدنا ما في جسده) سقط للأصيلي وابن عساكر لفظ ما (بضعة وتسعين من طعنة) برمح (ورمية) بسهم، ولا تنافي بين هذه والسابقة المقتصرة على خمسين لأن تخصيص العدد لا ينفي الزائد أو أن الخمسين كانت بصدره والأخرى بجسده كله، أو أن الزيادة باعتبار ما وجد فيه من رمي السهام، فإن ذلك لم يذكر في الرواية الأولى. 4262 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ فَقَالَ: «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ، فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن واقد) بالقاف هو أحمد بن عبد الملك أبو يحيى الحراني قال: (حدّثنا حماد بن زيد) بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم ابن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي (عن أيوب) السختياني (عن حميد بن هلال) العدوي البصري (عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نعى زيدًا) أي ابن حارثة (وجعفرًا) أي ابن أبي طالب (وابن رواحة) عبد الله (للناس) أي أخبرهم بموتهم (قبل أن يأتيهم خبرهم فقال) عليه الصلاة والسلام: (أخذ الراية زيد فأصيب) أي استشهد (ثم أخذ) ها (جعفر فأصيب) بحذف المفعول والمراد الراية (ثم أخذ) ها (ابن رواحة فأصيب) بحذف المفعول أيضًا (وعيناه تذرفان) بذال معجمة وراء مكسورة أي تدفعان الدموع والواو للحال (حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله) خالد بن الوليد باتفاق أصحابه على تأميره (حتى فتح الله عليهم). وذكر موسى بن عقبة في المغازي أن يعلى بن أمية قدم بخبر أهل مؤتة فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن شئت فأخبرني وإن شئت فأخبرتك" قال: فأخبرني فأخبره خبرهم فقال: والذي بعثك بالحق نبيًا ما تركت من حديثهم حرفًا لم تذكره. وهذا الحديث قد سبق ذكره في الجنائز والجهاد وعلامات النبوّة وفضل خالد. 4263 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تَقُولُ: لَمَّا جَاءَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ -رضي الله عنهم- جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ تَعْنِي مِنْ شَقِّ الْبَابِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ قَالَ: وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ قَالَ: فَذَهَبَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُهُنَّ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُطِعْنَهُ قَالَ: فَأَمَرَ أَيْضًا فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَى فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا فَزَعَمَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ مِنَ التُّرَابِ» قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ فَوَاللَّهِ مَا أَنْتَ تَفْعَلُ وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْعَنَاءِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (قال: سمعت يحيى بن سعيد) الأنصاري (قال: أخبرتني عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعيد (قالت: سمعت عائشة -رضي الله عنها- تقول: لما جاء قتل ابن حارثة) زيد أي خبر قتله على لسان جبريل أو رجل من الجيش (و) خبر قتل (جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة -رضي الله عنهم-) ولأبي ذر وابن عساكر قتل ابن رواحة وابن حارثة

وجعفر بن أبي طالب - رضوان الله عليهم - (جلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في المسجد حال كونه (يعرف فيه الحزن) بضم الحاء وسكون الزاي وضبطه أبو ذر بفتحهما للرحمة التي في قلبه ولا ينافي ذلك الرضا بالقضاء (قالت عائشة: وأنا أطلع من صائر الباب تعني من شق الباب) بفتح الشين المعجمة في اليونينية (فأتاه) عليه الصلاة والسلام (رجل) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه (فقال: أي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن نساء جعفر) زوجاته لكن لا نعرف له غير أسماء فالحمل على من ينسب إليه من النساء في الجملة أولى (قال: وذكر) ولأبي ذر وابن عساكر قالت: أي عائشة فذكر (بكاءهن فأمره) عليه الصلاة والسلام (أن ينهاهن) عن ذلك (قال: فذهب الرجل ثم أتى) إليه عليه الصلاة والسلام (فقال: قد نهيتهن وذكر أنه) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني أنهن قال: في الفتح وهو أوجه (لم يطعنه) بضم أوله (قال: فأمر أيضًا) بحذف المفعول أي فأمره (فذهب) إليهن (ثم أتى فقال: والله لقد غلبننا) بسكون الموحدة في عدم الامتثال لقوله لكونه لم يصرح لهن بنهي الشارع أو حملن الأمر على التنزيه أو لشدة الحزن لم يستطعن ترك ذلك وليس النهي عن البكاء فقط، بل الظاهر أنه على نحو النوح أو كن تركن النوح ولم يتركن البكاء وكان غرض الرجل حسم المادة فلم يطعنه لكن قوله (فزعمت) عائشة (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (فاحث) بالحاء المهملة والمثلثة المضمومة وتكسر لأنه يقال حثا يحثو ويحثي (في أفواههن من التراب) يدل على أنهن تمادين على الأمر الممنوع منه شرعًا (قالت عائشة: فقلت) للرجل (أرغم الله أنفك) أي ألصقه بالتراب ولم ترد حقيقة الدعاء (فوالله ما أنت تفعل) ما أمرك به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقصورك عن القيام بذلك. وعند ابن إسحاق من وجه صحيح أنها قالت: وعرفت أنه لا يقدر أن يحثي في أفواههن التراب (وما تركت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من العناء) بفتح العين والنون والمدّ من التعب. وهذا الحديث مضى في الجنائز. 4264 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَيَّا ابْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن أبي بكر) المقدّمي قال: (حدّثنا عمر بن علي) المقدمي عم الراوي عنه (عن إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي مولاهم البجلي (عن عامر) الشعبي أنه (قال: كان ابن عمر إذا حيا ابن جعفر) عبد الله أي سلم عليه (قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين) لأنه لما قطعت يداه يوم مؤتة جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة. وفي مرسل عاصم بن عمر بن قتادة أن جناحي جعفر من ياقوت رواه البيهقي في الدلائل. 4265 - حَدَّثَنَا إبْراهِيمُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ: لَقَدِ انْقَطَعَتْ فِي يَدِي يَوْمَ مُوتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ فَمَا بَقِيَ فِي يَدِي إِلاَّ صَفِيحَةٌ يَمَانِيَةٌ. [الحديث 4265 - طرفه في: 4266]. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم) كذا في الفرع إبراهيم غير منسوب قال: (حدّثنا سفيان) فيحتمل أن يكون إبراهيم هذا هو ابن المنذر الحزامي المدني أحد الأعلام وسفيان هو ابن عيينة، لكن في جميع الأصول التي وقعت عليها حدّثنا أبو نعيم أي الفضل بن دكين الحافظ، وهو الذي شرح عليه الحافظ أبو الفضل بن حجر، وتبعه العيني وكذا قال الكرماني وغيره وسفيان هو ابن سعيد الثوري (عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي البجلي (من قيس بن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي أبي عبد الله البجلي التابعي الكبير فاتته الصحبة بليال أنه (قال: سمعت خالد بن الوليد) بن المغيرة المخزومي أسلم قبل غزوة مؤتة بشهرين وكان النصر على يده يومئذٍ -رضي الله عنه- (يقول: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقي في يدي) بكسر الدال (إلا صفيحة يمانية) بتخفيف التحتية وحكي تشديدها والصحيفة بصاد مهملة ففاء فتحتية ساكنة فحاء مهملة السيف العريض. 4266 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ: لَقَدْ دُقَّ فِي يَدِي يَوْمَ مُوتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ وَصَبَرَتْ فِي يَدِي صَفِيحَةٌ لِي يَمَانِيَةٌ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد أنه (قال: حدثني) بالإفراد (قيس) هو ابن أبي حازم (قال: سمعت خالد بن الوليد يقول: لقد دق) بضم الدال وتشديد القاف فسره في الأولى بقوله انقطعت (في يدي يوم) غزوة (مؤتة تسعة أسياف وصبرت) بفتح الموحدة (في يد صفيحة لي يمانية) فلم تنقطع وهذا يدل على أنهم قتلوا من الكفار

45 - باب بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد إلى الحرقات من جهينة

كثيرًا وسقط لأبي ذر لفظة لي. 4267 - حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَامِرٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي وَاجَبَلاَهْ وَاكَذَا وَاكَذَا، تُعَدِّدُ عَلَيْهِ فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ: مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلاَّ قِيلَ لِي آنْتَ كَذَلِكَ. [الحديث 4267 - طرفه في: 4268]. وبه قال: (حدثني) بالتوحيد (عمران بن ميسرة) البصري يقال له صاحب الأديم قال: (حدّثنا محمد بن فضيل) أي ابن غزوان الضبي مولاهم الحافظ (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن (عن عامر) الشعبي بن شراحيل (عن النعمان بن بشير) الخزرجي ولد قبل وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثمان سنين وسبعة أشهر وقتل بحمص سنة خمس وستين (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: أغمي على عبد الله بن رواحة) الأنصاري الخزرجي الشاعر أحد السابقين -رضي الله عنه- بسبب مرض حصل له (فجعلت أخته عمرة) والدة النعمان بن بشير راوي هذا الحديث (تبكي) عليه وتقول: (واجبلاه) بالجيم والموحدة واللام والواو فيه للندبة والهاء للسكت وزاد ابن سعد من مرسل الحسن واعزاه وفي مستخرج أبي نعيم واعضداه (واكذا واكذا) مرتين (تعدد عليه) أي تذكر محاسنه وذلك غير جائز (فقال) عبد الله (حين أفاق) من الإغماء لأخته عمرة: (ما قلت شيئًا) مما سبق (إلا قيل لي آنت كذلك) استفهام على سبيل الإنكار، ولأبي ذر وابن عساكر آنت كذاك بإسقاط اللام. وفي مرسل أبي عمران الجوني عند ابن سعد أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عاده فأُغمي عليه فقال "اللهم إن كان أجله قد حضر فيسر عليه وإلاّ فاشفه" قال: فوجد خفة فقال: كان ملك قد رفع مرزبة من حديد يقول: آنت كذا؟ فلو قلت نعم لقمعني بها. وعند أبي نعيم فنهاها عن البكاء عليه. 4268 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْثَرُ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِهَذَا فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبثر) بفتح العين وسكون الموحدة وفتح المثلثة بعدها راء ابن القاسم الكوفي (عن حصين) بضم الحاء ابن عبد الرحمن (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن النعمان بن بشير) -رضي الله عنه- أنه (قال: أغمي على عبد الله بن رواحة بهذا) أي بما ذكر في الحديث السابق من قوله فجعلت أخته عمرة تبكي الخ وسقط لأبي ذر وابن عساكر لفظ ابن رواحة (فلما مات) في غزوة مؤتة وبلغها خبره (لم تبك عليه) لنهيه إياها عن ذلك في مرضه الذي أغمي عليه فيه ولم يمت منه، وبهذا يتضح وجه إدخال الحديث الذي قبل هذا في الباب كما لا يخفى. 45 - باب بَعْثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ إِلَى الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ (باب بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسامة بن زيد إلى الحرقات) بضم الحاء والراء المهملتين وفتح القاف وبعد الألف فوقية نسبة إلى الحرقة واسمه جهيش بن عامر بن ثعلبة بن مودعة بن جهينة وسمي الحرقة لأنه حرّق قومًا بالقتل فبالغ في ذلك والجمع فيه باعتبار بطون تلك القبيلة (من جهينة) بضم الجيم مصغرًا نسبة إلى جده المذكور، وسقط لفظ باب لأبي ذر. 4269 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ أَخْبَرَنَا أَبُو ظَبْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْحُرَقَةِ فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَكَفَّ الأَنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ»؟ قُلْتُ كَانَ مُتَعَوِّذًا فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. [الحديث 4269 - طرفه في: 6872]. وبه قال: (حدثني) بالتوحيد (عمرو بن محمد) بفتح العين الناقد البغدادي قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء مصغرًا ابن بشير الواسطي قال: (أخبرنا حصين) بضم الحاء ابن عبد الرحمن الكوفي قال: (أخبرنا أبو ظبيان) بفتح الظاء المعجمة في اليونينية أو بكسرها وسكون الموحدة وبعد التحتية ألف فنون حصين بن جندب الكوفي (قال: سمعت أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- يقول: بعثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الحرقة) بالإفراد (فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت) بالواو ولأبي ذر فلحقت (أنا ورجل من الأنصار) قال في المقدمة: لم أعرف اسم الأنصاري، ويحتمل أن يكون أبا الدرداء ففي تفسير عبد الرحمن بن زيد ما يرشد إليه (رجلاً منهم) هو مرداس بن عمرو ويقال: ابن نهيك الفدكي (فلما غشيناه) بكسر الشين المعجمة (قال: لا إله إلا الله فكفّ الأنصاري) زاد أبو ذر والأصيلي عنه (فطعنته) بالفاء ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر وطعنته (برمحي حتى قتلته فلما قدمنا) المدينة (بلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قتلي له بعد قوله كلمة التوحيد (فقال): (يا أسامة أقتلته) بهمزة الاستفهام الإنكاري (بعدما قال: لا إله إلا الله قلت): يا رسول الله (كان متعوّذًا) من القتل (فما زال) عليه الصلاة والسلام (يكرّرها) أي كلمة أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله (حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم) إنما قال أسامة ذلك على سبيل المبالغة لا الحقيقة. قال الكرماني:

أو تمنى إسلامًا لا ذنب فيه. وقال الخطابي: ويشبه أن يكون أسامة تأول قوله: {فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا} [غافر: 85]. ولم ينقل أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألزم أسامة بن زيد دية ولا غيرها. نعم نقل أبو عبد الله القرطبي في تفسيره أنه أمره بالدية فلينظر، وهذه الغزوة تعرف عند أهل المغازي بسرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة في رمضان سنة سبع فقالوا: إن أسامة قتل الرجل في هذه السرية وهو مخالف لظاهر ترجمة البخاري أن أميرها أسامة، ولعل المصير إلى ما في البخاري هو الراجح، بل الصواب لأن أسامة ما أمّر إلا بعد قتل أبيه بغزوة مؤتة في رجب سنة ثمان، والله أعلم. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الدّيات، ومسلم في الإيمان، وأبو داود في الجهاد، والنسائي في السير. 4270 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ يَقُولُ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْعَ غَزَوَاتٍ وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنَ الْبُعُوثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ مَرَّةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ وَمَرَّةً عَلَيْنَا أُسَامَةُ. [الحديث 4270 - أطرافه في: 4271، 4272، 4273]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة ابن إسماعيل المدني الحارثي مولاهم (عن يزيد بن أبي عبيد) بضم العين وفتح الموحدة مولى سلمة أنه (قال: سمعت سلمة بن الأكوع يقول: غزوت مع النبي) وفي نسخة رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبع غزوات) بالموحدة بعد السين عمرة الحديبية وخيبر ويوم القرد وغزوة الفتح والطائف وتبوك وهي آخرهن. (وخرجت فيما يبعث من البعوث) جمع بعث وهو الجيش (تسع غزوات) بفوقية قبل السين (مرة علينا أبو بكر) الصديق أميرًا إلى بني فزارة وأخرى إلى بني كلاب وثالثة إلى الحج (ومرّة علينا أسامة) أميرًا إلى الحرقات، وإلى أبنى بضم الهمزة وسكون الموحدة ثم نون مفتوحة مقصورة من نواحي البلقاء، وهذه الخمسة ذكرها أهل السير وبقيت أربع لم يذكروها، فيحتمل أن يكون في هذا الحديث حذف أي: ومرة علينا غيرهما، وسقط للأصيلي لفظة علينا الأخيرة. وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا في المغازي. 4271 - وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ يَقُولُ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنَ الْبَعْثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ عَلَيْنَا مَرَّةً أَبُو بَكْرٍ وَمَرَّةً أُسَامَةُ. (وقال عمر بن حفص بن غياث) شيخ المؤلّف فيما وصله أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبي بشر إسماعيل بن عبد الله بن عمر بن حفص وسقط ابن غياث لأبي ذر قال: (حدّثنا) بالجمع ولابن عساكر حدثني بالتوحيد وفي نسخة أخبرنا (أبي عن يزيد بن أبي عبيد) مولى سلمة أنه (قال: سمعت سلمة يقول: غزوت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبع غزوات) بالموحدة بعد السين المهملة أيضًا (وخرجت فيما يبعث من البعث) بفتح الموحدة وسكون العين ولأبي ذر والأصيلي من البعوث (تسع غزوات مرة) أميرًا (علينا أبو بكر) الصديق (ومرة) علينا أميرًا (أسامة). وسبق قريبًا بيان ما في ذلك. 4272 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه- قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِسْعَ غَزَوَاتٍ، وَغَزَوْتُ مَعَ ابْنِ حَارِثَةَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْنَا. وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) النبيل (الضحاك بن مخلد) بفتح الميم وسكون المعجمة وسقط الضحاك بن مخلد لأبي ذر قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر والأصيلي أخبرنا (يزيد بن أبي عبيد) مولى سلمة وثبت ابن أبي عبيد لأبي ذر (عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-) أنه (قال: غزوت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تسع غزوات) بفوقية قبل السين كذا في الفرع هنا وفي رواية أبي عاصم الضحاك، فإن كانت محفوظة فلعله عدّ غزوة وادي القرى التي وقعت بعد خيبر وعمرة القضاء، وبهما تكمل التسعة، لكن رأيت في غير الفرع من الأصول المعتمدة سبع بالموحدة في هذه الرواية، وفي الفتح أنه روي بلفظ التسع بالفوقية في رواية حاتم بن إسماعيل. (وغزوت مع ابن حارثة) أي أسامة بن زيد بن حارثة فنسبه إلى جده (استعمله) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر فاستعمله (علينا) أميرًا. وهذا الحديث هو الخامس عشر من ثلاثياته. 4273 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْعَ غَزَوَاتٍ، فَذَكَرَ خَيْبَرَ وَالْحُدَيْبِيَةَ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وَيَوْمَ الْقَرَدِ، قَالَ يَزِيدُ: وَنَسِيتُ بَقِيَّتَهُمْ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله) هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي أو هو محمد بن عبد الله المخزومي البغدادي الحافظ قال: (حدّثنا حماد بن مسعدة) بفتح الميم وسكون السين وفتح العين والدال المهملات (عن يزيد بن أبي عبيد) سقط ابن أبي عبيد لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر (عن سلمة بن الأكوع) سقط للثلاثة أيضًا ابن الأكوع أنه (قال: غزوت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبع غزوات فذكر) منها (خيبر والحديببة ويوم حنين ويوم القرد قال) ولأبي ذر وقال (يزيد) بن أبي عبيد

46 - باب غزوة الفتح وما بعث به حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة يخبرهم بغزو النبي -صلى الله عليه وسلم-

(ونسيت بقيتهم) بالميم في جمع الغزوات والمعروف في ذلك بقيتهن بنون التأنيث. 46 - باب غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَمَا بَعَثَ بهِ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِغَزْوِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب غزوة الفتح) أي فتح مكة لنقض أهلها العهد الذي وقع بالحديبية وسقط لفظ باب لأبي ذر وابن عساكر (و) ذكر (ما بعث به حاطب بن أبي بلتعة) بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها فوقية فعين مهملة مفتوحتين وحاطب مهملتين (إلى أهل مكة يخبرهم بغزو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إياهم. 4274 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا -رضي الله عنه- يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوا مِنْهَا، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ قُلْنَا لَهَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا حَاطِبُ مَا هَذَا»؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ يَقُولُ: كُنْتُ حَلِيفًا وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَنْ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ» فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا؟ قَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ السُّورَةَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِنَ الحَقِّ} -إِلَى قَوْلِهِ- {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني وسقط لأبي ذر وابن عساكر ابن سعيد قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو بن دينار) أنه (قال: أخبرني) بالتوحيد (الحسن بن محمد) بن علي بن أبي طالب المعروف أبوه بابن الحنفية (أنه سمع عبيد الله) بضم العين (ابن أبي رافع) مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واسمه أسلم (يقول: سمعت عليًّا -رضي الله عنه- يقول: بعثني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنا والزبير) بن العوّام (والمقداد) بن الأسود (فقال) لنا: (انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ) بخاءين معجمتين بينهما ألف موضع بين مكة والمدينة (فإن بها ظعينة) امرأة في هودج اسمها سارة كما عند ابن إسحاق أو كنود كما عند الواقدي، وعنده أن حاطبًا جعل لها عشرة دنانير على ذلك (معها كتاب فخذوا) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني فخذوه بضمير النصب (منها قال): ثبت قال في اليونينية (فانطلقنا تعادى) بحذف إحدى التاءين أي تجري (بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة) المذكورة (قلنا لها: أخرجي الكتاب) الذي معك بقطع همزة أخرجي مفتوحة وكسر الراء وسقط لفظ لها لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر (قالت: ما معي كتاب. فقلنا) لها (لتخرجن الكتاب) بضم الفوقية وكسر الراء والجيم (أو لنلقين) نحن (الثياب) عنك (قال): بالتذكير في اليونينية ليس إلا وفي الفرع قالت بالتأنيث فلينظر (فأخرجته) أي الكتاب (من عقاصها) بكسر العين وبالقاف الخيط الذي يعتقص به أطراف الذوائب أو الشعر المضفور (فأتينا به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقرئ (فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس) صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل ولأبي ذر عن الكشميهني إلى أناس (بمكة من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسبق لفظ الكتاب في الجهاد (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا حاطب ما هذا)؟ سقط قوله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر وأبي الوقت وابن عساكر (قال: يا رسول الله لا تعجل عليّ إني كنت امرأً ملصقًا) بفتح الصاد (في قريش يقول: كنت حليفًا) بالحاء المهملة والفاء (ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات) بالجمع (يحمون) بها (أهليهم وأموالهم فأحببت إذ) أي حين (فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا) أي منّة عليهم (يحمون) بها (قرابتي) وعند ابن إسحاق وكان لي عندهم ولد وأهل فصانعتهم عليه. وعند الواقدي بسند له مرسل أن حاطبًا كتب إلى سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آذن في الناس بالغزو ولا أراه يريد غيركم، وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد (ولم أفعله ارتدادًا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما) بالتخفيف (أنه قد صدقكم) بتخفيف الدال، قال الصدق (فقال عمر) بن الخطاب على عادة شدته في دين الله (يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعني أضرب عنق هذا المنافق) أطلق عليه ذلك لأنه أبطن خلاف ما أظهر لكن عذره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه كان متأوّلاً أن لا ضرر فيما فعله (فقال) عليه الصلاة والسلام مرشدًا إلى علة عدم قتله (إنه قد شهد بدرًا) وكأنه قال: وهل شهود بدر يسقط عنه هذا الذنب الكبير؟ فأجابه بقوله: (وما يدريك لعلّ الله اطّلع على من شهد بدرًا؟ قال): ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر فقال أي مخاطبًا لهم خطاب إكرام (اعملوا ما شئتم) في المستقبل (فقد غفرت لكم) والمراد المغفرة في الآخرة فلو صدر من أحد منهم ما يوجب الحد مثلاً اقتص منه. ومباحث

47 - باب غزوة الفتح في رمضان

هذا سبقت في الجهاد (فأنزل الله) تعالى: (السورة {يا أيها الذين آمنوا لا تتخدوا عدوي وعدوّكم أولياء}) فيه دليل على أن الكبيرة لا تسلب اسم الإيمان ({تلقون}) حال من الضمير في لا تتخذوا أي لا تتخذوهم أولياء ملقين ({إليهم بالمودة}) والإلقاء عبارة عن إيصال المودة والإفضاء بها إليهم، والباء في بالمودة زائدة مؤكدة للتعدي كقوله: {ولا تلقوا بأيديكم} أو أصلية على أن مفعول تلقون محذوف معناه تلقون إليهم أخبار رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسبب المودة التي بينكم وبينهم ({وقد كفروا}) حال من لا تتخذوا أو من تلقون أي لا تتولاهم ولا توادوهم وهذه حالهم ({بما جاءكم من الحق}) دين الإسلام أو القرآن (إلى قوله: ({فقد ضلّ سواء السبيل}) [الممتحنة: 1]. أي فقد أخطأ طريق الحق والصواب، وثبت قوله: {وقد كفروا بما جاءكم من الحق} وللأصيلي وسقط قوله: {أولياء تلقون إليهم بالمودة} لابن عساكر. 47 - باب غَزْوَةِ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ (باب غزوة الفتح في رمضان) سنة ثمان. 4275 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَزَا غَزْوَةَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ. قَالَ: وَسَمِعْتُ ابْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: مِثْلَ ذَلِكَ. وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسِ -رضي الله عنهما- قَالَ: صَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْكَدِيدَ الْمَاءَ الَّذِي بَيْنَ قُدَيْدٍ وَعُسْفَانَ أَفْطَرَ فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْرُ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدثني) بالتوحيد (عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن ابن عباس أخبره: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزا غزوة الفتح في) شهر (رمضان) وكان عليه الصلاة والسلام قد خرج من المدينة لعشر مضين من رمضان. قال الزهري بالإسناد السابق (وسمعت ابن المسيب) ولابن عساكر سعيد بن المسيب (يقول مثل ذلك). أي غزوة الفتح كانت في رمضان، وزاد البيهقي من طريق عاصم بن علي عن الليث لا أدري أخرج في شعبان فاستقبل رمضان، أو خرج في رمضان بعدما دخل. غير أن عبيد الله بن عبد الله أخبرني فذكر ما ذكر البخاري في قوله. (وعن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود بالإسناد السابق أنه (أخبره) وثبت ابن عبد الله أخبره لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر (أن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: صام رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما خرج إلى مكة في غزوة الفتح (حتى بلغ الكديد) بفتح الكاف وكسر الدال الأولى (الماء الذي بين قديد) بضم القاف وفتح الدال (وعسفان أفطر) وأفطر الناس معه وكان بعد العصر كما في مسلم وكان قد شق على الناس الصوم (فلم يزل مفطرًا حتى انسلخ الشهر). وهذا قد سبق في كتاب الصوم في باب إذا صام أيامًا من رمضان ثم سافر، وعند البيهقي من طريق ابن أبي حفصة عن الزهري قال: صبح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة لثلاث عشرة خلت من رمضان، وهو مدرج من قول ابن أبي حفصة أدرجه. وعند أحمد بإسناد صحيح من طريق قزعة بن يحيى عن أبي سعيد قال: خرجنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الفتح لليلتين من شهر رمضان وهذا كما في الفتح يدفع التردد الماضي ويعين يوم الخروج، وقول الزهري يعين يوم الدخول ويعطي أنه أقام في الطريق اثني عشر يومًا. 4276 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خَرَجَ فِي رَمَضَانَ مِنَ الْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلاَفٍ وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ فَسَارَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ، يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ وَهْوَ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ أَفْطَرَ وَأَفْطَرُوا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الآخِرُ فَالآخِرُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، وللأصيلي وابن عساكر حدّثنا (محمود) هو ابن غيلان قال: (أخبرنا) ولابن عساكر: حدّثنا (عبد الرزاق) بن همام الصنعاني أحد الأعلام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد عالم اليمن قال: (أخبرني) بالإفراد (الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف) وعند ابن إسحاق في اثني عشر ألفًا من المهاجرين والأنصار وأسلم وغفار ومزينة وجهينة وسليم وجمع بين الروايتين بأن عشرة آلاف من نفس المدينة ثم تلاحق به الألفان (وذلك على رأس ثمان سنين) وفي نسخة ثماني بالياء (ونصف من مقدمه) عليه الصلاة والسلام (المدينة) أي بناء على التاريخ بأول السنة من المحرم إذا دخل من السنة الثامنة شهران أو ثلاثة أطلق عليها سنة مجازًا من تسمية البعض باسم الكل، ويقع ذلك

في آخر ربيع الأول ومن ثم إلى رمضان نصف سنة، أو يقال كان آخر شعبان تلك السنة آخر سبع سنين ونصف من أول ربيع الأول، فلما دخل رمضان دخلت سنة أخرى وأول السنة يصدق عليه أنه رأسها فصح أنه رأس ثمان سنين ونصف أو أن رأس الثمان كان أول ربيع الأول وما بعد نصف سنة كذا قرره في الفتح موهّما ما في رواية معمر هذه قال: والصواب على رأس سبع سنين ونصف وإنما وقع الوهم من كون غزوة الفتح كانت في سنة ثمان، ومن أثناء ربيع الأول إلى أثناء رمضان نصف سنة سواء فالتحرير أنها سبع سنين ونصف اهـ. (فسار) عليه الصلاة والسلام (هو ومن معه) وللأصيلي فسار بمن معه، ولأبي ذر وابن عساكر فسار معه (من المسلمين إلى مكة) حال كونه عليه الصلاة والسلام (يصوم ويصومون حتى بلغ الكديد) بفتح الكاف وكسر الدال المهملة الأولى (وهو ماء ما بين عسفان وقديد) بضم القاف مصغرًا (أفطر) عليه الصلاة والسلام (وأفطروا) أي أصحابه الذين كانوا معه. (قال الزهري): بالسند السابق (وإنما يؤخذ من أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الآخر فالأخر) أي يجعل الآخر اللاحق ناسخًا للأول السابق، وفيه إشارة إلى الرد على القائل ليس له الفطر إذا شهد أول رمضان في الحضر مستدلاً بآية {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185]. 4277 - حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ إِلَى حُنَيْنٍ وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فَصَائِمٌ وَمُفْطِرٌ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ فَوَضَعَهُ عَلَى رَاحَتِهِ أَوْ عَلَى رَاحِلَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ الْمُفْطِرُونَ لِلصُّوَّامِ: أَفْطِرُوا. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: حدّثنا (عياش بن الوليد) بتحتية وشين معجمة الرقام البصري قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى الشامي البصري قال: (حدّثنا خالد الحذاء) البصري (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: خرج النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رمضان إلى حنين) بالحاء المهملة المضمومة والنون المفتوحة بعدها تحتية ساكنة فنون أخرى وادٍ بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً، والمحفوظ المشهور أن خروجه عليه الصلاة والسلام لحنين إنما كان في شوّال سنة ثمان إذ مكة فتحت في سابع عشر رمضان، وأقام عليه السلام بها تسعة عشر يومًا يصلّي ركعتين فيكون خروجه إلى حنين في شوال بلا ريب، وقول بعضهم: إن المراد أن ذلك كان في غير زمن الفتح وكان في حجة الوداع أو غيرها مردود بأن حنينًا لم تكن إلا في شوال عقب الفتح اتفاقًا. وأجيب عن الاستشكال بأجوبة؛ أولاها: ما قاله الطبري أن المراد من قوله خرج عليه الصلاة والسلام في رمضان إلى حنين أنه قصد الخروج إليها وهو في رمضان فذكر الخروج، وأراد القصد بالخروج وهذا شائع ذائع في الكلام. (والناس مختلفون فصائم) أي فبعضهم صائم (و) بعضهم (مفطر) لاختلافهم في كونه عليه الصلاة والسلام كان صائمًا أو مفطرًا (فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء) بالشك من الراوي (فوضعه على راحته) كفه (أو على راحلته) التي هو راكب عليها، وسقط لأبوي ذر والوقت لفظ على الثانية وللأصيلي على راحلته أو راحته بالتقديم والتأخير (ثم نظر إلى الناس) ليروه، وسقط لفظ إلى لأبي ذر فالناس رفع على الفاعلية (فقال المفطرون للصوّام): بضم الصاد وتشديد الواو بعدها ألف وللأربعة للصوّم بإسقاط الألف جمع صائم (أفطروا) بهمزة قطع مفتوحة وكسر الطاء. زاد الطبري في تهذيبه يا عصاة. وهذا الحديث انفرد به البخاري. 4278 - وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (وقال) بالواو وللأصيلي وابن عساكر قال (عبد الرزاق) بن همام الصنعاني فيما وصله أحمد (أخبرنا معمر) هو ابن راشد عالم اليمن (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الفتح) أي في رمضان فصام حتى مرّ بغدير في الطريق. الحديث. (وقال حماد بن زيد: عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الأكثر بإسقاط ابن عباس، وكذا وصله البيهقي من طريق سليمان بن حرب شيخ المؤلّف عن حماد، وبذلك جزم الدارقطني وأبو نعيم في مستخرجه فيكون مرسلاً. 4279 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَافَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَ نَهَارًا لِيُرِيَهُ النَّاسَ فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: صَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي السَّفَرِ، وَأَفْطَرَ فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. وبه قال: (حدّثنا علي بن

48 - باب أين ركز النبي -صلى الله عليه وسلم- الراية يوم الفتح؟

عبد الله) المديني قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد الضبي (عن منصور) هو ابن المعتمر السلمي (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن طاوس) اليماني (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: سافر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رمضان) لغزوة الفتح (فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بإناء من ماء فشرب نهارًا) لما قيل له عليه الصلاة والسلام إن الصوم شق على الناس وهم ينظرون فعلك فشرب (ليريه الناس) نصب مفعول ثان ليري وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني ليراه الناس بالرفع على الفاعلية أي فيقتدوا به في الإفطار (فأفطر) عليه الصلاة والسلام (حتى قدم مكة قال) عكرمة: (وكان ابن عباس يقول: صام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في السفر وأفطر) فيه (فمن شاء صام ومن شاء أفطر) لكن ابن عباس لم يشاهد هذه القصة لأنه حينئذ كان بمكة فرواها عن غيره. وهذا الحديث قد سبق في باب من أفطر في السفر ليراه الناس. 48 - باب أَيْنَ رَكَزَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّايَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ؟ هذا (باب) بالتنوين (أين ركز النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الراية يوم الفتح) سقط لفظ باب لأبي ذر. 4280 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ، يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوْا مَرَّ الظَّهْرَانِ فَإِذَا هُمْ بِنِيرَانٍ كَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا هَذِهِ لَكَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ: نِيرَانُ بَنِي عَمْرٍو، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: عَمْرٌو أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، فَرَآهُمْ نَاسٌ مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَدْرَكُوهُمْ فَأَخَذُوهُمْ فَأَتَوْا بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ، فَلَمَّا سَارَ قَالَ لِلْعَبَّاسِ: «احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ حَطْمِ الْخَيْلِ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ» فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ فَجَعَلَتِ الْقَبَائِلُ تَمُرُّ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَتِيبَةً كَتِيبَةً، عَلَى أَبِي سُفْيَانَ فَمَرَّتْ كَتِيبَةٌ قَالَ يَا عَبَّاسُ مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَذِهِ غِفَارُ قَالَ: مَا لِي وَلِغِفَارَ؟ ثُمَّ مَرَّتْ جُهَيْنَةُ، قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَرَّتْ سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمَرَّتْ سُلَيْمُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَالَ مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ الأَنْصَارُ عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَهُ الرَّايَةُ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ الْيَوْمَ تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا عَبَّاسُ حَبَّذَا يَوْمُ الذِّمَارِ ثُمَّ جَاءَتْ كَتِيبَةٌ وَهْيَ أَقَلُّ الْكَتَائِبِ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ وَرَايَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟ قَالَ: «مَا قَالَ»؟ قَالَ: قَالَ: كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: «كَذَبَ سَعْدٌ وَلَكِنْ هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ» قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالْحَجُونِ. قَالَ عُرْوَةُ: وَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ: لِلزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَا هُنَا أَمَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ، قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَئِذٍ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ وَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ كُدًى فَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدٍ يَوْمَئِذٍ رَجُلاَنِ حُبَيْشُ بْنُ الأَشْهَرِ وَكُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (عبيد بن إسماعيل) أبو محمد القرشي الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير أنه (قال: لما سار رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الفتح) وهذا مرسل لأن عروة تابعي (فبلغ ذلك) المسير (قريشًا) بمكة (خرج أبو سفيان) صخر (بن حرب وحكيم بن حزام) بكسر الحاء المهملة وبالزاي (وبديل بن ورقاء) بضم الموحدة وفتح الدال المهملة وورقاء براء ساكنة مفتوحة الخزاعي من مكة (يلتمسون الخبر عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مرّ الظهران) بفتح الظاء المعجمة وسكون الهاء بلفظ التثنية ومر بفتح الميم وتشديد الراء موضع قرب مكة (فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة) التي كانوا يوقدونها فيها ويكثرون منها وعند ابن سعد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار (فقال أبو سفيان: ما هذه) النار والله (لكأنها نيران) ليلة يوم (عرفة) في كثرتها (فقال بديل بن ورقاء: نيران بني عمرو) بفتح العين يعني خزاعة وعمرو وهو ابن لحي (فقال أبو سفيان عمرو أقل من ذلك فرآهم ناس من حرس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأدركوهم فأخذوهم) وقد سمي منهم في السير عمر بن الخطاب. وعند ابن عائذ وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث بين يديه خيلاً تقبض العيون وخزاعة على الطريق لا يتركون أحدًا يمضي فلما دخل أبو سفيان وأصحابه عسكر المسلمين أخذتهم الخيل تحت الليل (فأتوا بهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسلم أبو سفيان) -رضي الله عنه- (فلما سار) عليه الصلاة والسلام (قال للعباس): (احبس أبا سفيان عند حطم الخيل) بالحاء والطاء الساكنة المهملتين والخيل بالخاء المعجمة بعدها تحتية أي ازدحامها، وللأصيلي وأبي ذر عن المستملي خطم بالخاء المعجمة الجبل بالجيم والموحدة أي أنف الجبل لأنه ضيق فيرى الجيش كله ولا يفوته رؤية أحد منه (حتى ينظر المسلمين) (فحبسه العباس فجعلت القبائل تمر مع النبي) وللأصيلي مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتيبة كتيبة على أبي سفيان) بمثناة فوقية بعد الكاف القطعة من العسكر فعلية من الكتب وهو الجمع (فمرت كتيبة قال): ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر فقال (يا عباس من هذه)؟ الكتيبة (قال): ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر فقال: (هذه غفار قال) أبو سفيان: (ما لي ولغفار) بغير صرف ولأبي ذر بالتنوين مصروفًا أي ما كان بيني وبينهم حرب (ثم مرت جهينة) بضم الجيم وفتح الهاء (قال): أبو سفيان وللأصيلي فقال (مثل ذلك. ثم مرت سعد بن هذيم) بضم الهاء وفتح الذال المعجمة والمعروف سعد هذيم بالإضافة. قال في الفتح: ويصح الآخر على المجاز (فقال) أبو سفيان: (مثل ذلك) القول الأول (ومرت) ولأبي ذر ثم مرت (سليم) بضم السين وفتح اللام (فقال) أبو سفيان: (مثل ذلك حتى أقبلت كتيبة لم ير) أبو سفيان (مثلها قال: من هذه)؟ القبيلة

(قال) العباس (هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية) التي للأنصار (فقال سعد بن عبادة) حامل راية الأنصار (يا أبا سفيان اليوم) بالرفع ولأبوي ذر والوقت اليوم بالنصب (يوم الملحمة) بفتح الميم وسكون اللام وبالحاء المهملة أي يوم حرب لا يوجد فيه مخلص أو يوم القتل، والمراد المقتلة العظمى (اليوم) نصب على الظرفية (تستحل) بضم الفوقية الأولى وفتح الثانية والحاء المهملة مبنيًّا للمفعول (الكعبة. فقال أبو سفيان: يا عباس حبذا يوم الذمار) بالذال المعجمة المكسورة وتخفيف الميم آخره راء الهلاك أو حين الغضب للحرم والأهل يعني الانتصار لمن بمكة قاله غلبة وعجزًا. وقيل: أراد حبذا يوم يلزمك فيه حفظي وحمايتي عن المكروه، وفي مغازي الأموي أن أبا سفيان قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما حاذاه: أمرت بقتل قومك. قال: لا، فذكر له ما قال سعد بن عبادة ثم ناشده الله والرحم فقال: "يا أبا سفيان اليوم يوم المرحمة اليوم يعز الله قريشًا" وأرسل إلى سعد فأخذ الراية منه ودفعها إلى ابنه قيس. (ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب) عددًا (فيهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) من المهاجرين وكان الأنصار أكثر عددًا منهم. وعند الحميدي في مختصره وهي أجل الكتائب بالجيم بدل القاف من الجلالة. قال القاضي عياض في المشارق: وهي أظهر اهـ. وكل منهما ظاهر لا خفاء فيه ولا ريب كما في المصابيح أن المراد قلة العدد لا الاحتقار هذا ما لا يظن بمسلم اعتقاده ولا توهمه، فهو وجه لا محيد عنه ولا ضير فيه بهذا الاعتبار والتصريح بأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في هذه الكتيبة التي هي أقل عددًا مما سواها من الكتائب قاض بجلالة قدرها وعظم شأنها ورجحانها على كل شيء سواها، ولو كان ملء الأرض بل وأضعاف ذلك فما هذا الذي يشم من نفس القاضي في هذا المحل اهـ. (وراية النبي) وللأصيلي وراية رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع الزبير بن العوّام) -رضي الله عنه- (فلما مرّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأبي سفيان قال) لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (ما قال)؟ سعد (قال) أبو سفيان (قال): وسقط من اليونينية إحدى قال: (كذا وكذا) أي اليوم يوم الملحمة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (كذب سعد) في إطلاق الكذب على الأخبار بغير ما سيقع ولو بناه قائله على غلبة الظن وقوّة القرينة (ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة) أي بإظهار الإسلام وأذان بلال على ظهرها وإزالة ما كان فيها من الأصنام ومحو الصور التي كانت فيها وغير ذلك (ويوم تكسى فيه الكعبة) لأنهم كانوا يكسونها في مثل ذلك اليوم (قال) عروة: (وأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تركز رايته بالحجون) بالحاء المهملة المفتوحة والجيم المخففة المضمومة موضع قريب من مقبرة مكة. (قال) ولأبي ذر وقال: (عروة) بن الزبير بالسند السابق (وأخبرني) بالإفراد والواو في اليونينية وفي غيرها بالفاء (نافع بن جبير بن مطعم قال: سمعت العباس) أي بعد فتح مكة (يقول للزبير بن العوّام: يا أبا عبد الله هاهنا أمرك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تركز) بفتح الفوقية وضم الكاف (الراية قال: وأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومئذٍ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء) بفتح الكاف والمد (ودخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من كدى) بضم الكاف والقصر وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة الآتية إن شاء الله تعالى أن خالدًا دخل من أسفل مكة والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أعلاها (فقتل) بضم القاف وكسر التاء (من خيل خالد يومئذٍ) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر خالد بن الوليد -رضي الله عنه- يومئذٍ (رجلان حبيش بن الأشعر) بحاء مهملة مضمومة فموحدة مفتوحة فتحتية ساكنة فشين معجمة وهو لقبه واسمه خالد بن سعد والأشعر بشين معجمة وعين مهملة الخزاعي وهو أخو أم معبد التي مر بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مهاجرًا (وكرز بن جابر) بضم الكاف بعدها راء ساكنة فزاي

(الفهري) بكسر الفاء وسكون الهاء وكان من رؤساء المشركين وهو الذي أغار على سرح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزوة بدر الأولى ثم أسلم قديمًا، وبعثه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في طلب العرنيين. وذكر ابن إسحاق أن أصحاب خالد بن الوليد لقوا ناسًا من قريش منهم سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية كانوا تجمعوا بالخندمة بالخاء المعجمة والنون مكان أسفل من مكة ليقاتلوا المسلمين فتناوشوهم شيئًا من القتال فقتل من خيل خالد مسلمة بن الميلا الجهني وقتل من المشركين اثنا عشر رجلاً أو ثلاثة عشر وانهزموا. 4281 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ عَلَى نَاقَتِهِ وَهْوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ يُرَجِّعُ، وَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ حَوْلِي لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ. [الحديث 4281 - أطرافه في: 4835، 5034، 5047، 7540]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن معاوية بن قرة) بضم القاف وتشديد الراء (قال: سمعت عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء المفتوحة المزني (يقول: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح) حال كونه (يرجع) صوته بالقراءة (وقال) معاوية بن قرة (لولا أن يجتمع الناس حولي لرجعت كما رجع) عبد الله بن مغفل يحكي قراءة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وفي الإكليل للحاكم من رواية وهب بن جرير عن شعبة لقرأت بذلك اللحن الذي قرأ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وحديث الباب أخرجه المؤلّف في التفسير وفضائل القرآن والتوحيد ومسلم في الصلاة والنسائي في فضائل القرآن. 4282 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ زَمَنَ الْفَتْحِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ نَنْزِلُ غَدًا؟ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ»؟ وبه قال: (حدّثنا سليمان بن عبد الرحمن) ابن بنت شرحبيل التميمي الدمشقي قال: (حدّثنا سعدان بن يحيى) بسكون العين اسمه سعيد وسعدان لقبه كوفي نزل دمشق وليس له في البخاري إلا هذا الحديث قال: (حدّثنا) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر حدثني بالإفراد (محمد بن أبي حفصة) ميسرة البصري (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن علي بن حسين) بضم الحاء ابن علي بن أبي طالب (عن عمرو بن عثمان) بفتح العين وسكون الميم ابن عفان القرشي الأموي (عن أسامة بن زيد) مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أنه قال زمن الفتح): قبل أن يدخل مكة بيوم (يا رسول الله أين ننزل غدًا؟ قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (وهل ترك لنا عقيل) بفتح العين وكسر القاف (من منزل). 4283 - ثُمَّ قَالَ: «لاَ يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ، وَلاَ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ». قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ وَمَنْ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ؟ قَالَ: وَرِثَهُ عَقِيلٌ، وَطَالِبٌ. قَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَيْنَ نَنْزِلُ غَدًا فِي حَجَّتِهِ؟ وَلَمْ يَقُلْ يُونُسُ حَجَّتِهِ وَلاَ زَمَنَ الْفَتْحِ. (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا يرث المؤمن الكافر ولا) يرث (الكافر المؤمن) (قيل للزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (ومن) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر من (ورث أبا طالب؟ قال: ورثه عقيل و) أخوه (طالب) ولم يرث جعفر ولا علي شيئًا لأنهما كانا مسلمين، ولو كانا وارثين لنزل عليه الصلاة والسلام في دورهما وكانت كأنها ملكه لعلمه بإيثارهما إياه على أنفسهما. (قال معمر): هو ابن راشد مما وصله في الجهاد (عن الزهري) محمد بن مسلم (أين ننزل غدًا في حجته ولم يقل يونس حجته ولا زمن الفتح) أي سكت عن ذلك قال: في الفتح: وبقي الاختلاف بين ابن أبي حفصة ومعمر ومعمر أوثق وأتقن من محمد بن أبي حفصة. وسبق الحديث في باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها من كتاب الحج. 4284 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْزِلُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِذَا فَتَحَ اللَّهُ الْخَيْفُ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدّثنا) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر أخبرنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن عبد الرحمن) بن هرمز الأعرج (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (منزلنا) غدًا (إن شاء الله إذا فتح الله) مكة (الخيف) بفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية رفع خبر المبتدأ الذي هو منزلنا أو الخيف مبتدأ ومنزلنا خبره والخيف ما انحدر عن علظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء (حيث تقاسموا) تحالفوا (على الكفر) من إخراج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبني هاشم وبني المطلب من مكة إلى الخيف وكتبوا بينهم الصحيفة المشهورة. 4285 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَرَادَ حُنَيْنًا: «مَنْزِلُنَا غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (أخبرنا ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال

رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين أراد) أن يغزو (حنينًا) يعني في غزوة الفتح لأن غزوة حنين كانت عقب غزوة الفتح. (منزلنا غدًا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر) قيل: إنما اختار النزول في الخيف ليتذكر الحالة السابقة فيشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه من الفتح العظيم وتمكنهم من دخول مكة ظاهرًا، ومبالغة في الصفح عن الذين أساؤوا معاملتهم بالإحسان والمن. 4286 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: «اقْتُلْهُ» قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي المكي المؤذن قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وبعد الفاء المفتوحة راء زرد ينسج من الدرع على قدر رأس يلبس تحت القلنسوة (فلما نزعه جاء رجل) لم يسم، ولأبي ذر جاءه رجل بإثبات الضمير المنصوب (فقال): يا رسول الله (ابن خطل) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة بعدها لام عبد الله (متعلق بأستار الكعبة) وكان أسلم ثم ارتد وقتل قتلى بغير حق وكان له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) عليه الصلاة والسلام: (اقتله). وعند ابن شبة في كتاب مكة من حديث السائب بن يزيد قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استخرج من تحت أستار الكعبة عبد الله بن خطل فضربت عنقه صبرًا بين زمزم ومقام إبراهيم وقال: "لا يقتلن قرشي بعد هذا صبرًا" قال في الفتح: ورجاله ثقات إلا أن في أبي معشر مقالاً، واختلف في قاتله، وجزم ابن إسحاق بأن سعيد بن حريث وأبا برزة الأسلمي اشتركا في قتله ورجح الواقدي أنه أبو برزة. (قال مالك): الإمام الأعظم بالسند السابق (ولم يكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما نرى) بضم النون وفتح الواء أي فيما نظن (والله أعلم يومئذٍ محرمًا) إذ لم يرو أحد أنه تحلل يومئذٍ من إحرامه. 4287 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلاَثُمِائَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ، جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ». وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر والأصيلي حدّثنا (ابن عيينة) سفيان (عن ابن أبي نجيح) وهو بفتح النون عبد الله واسم أبي نجيح يسار (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة يوم الفتح وحول البيت) الحرام (ستون وثلاثمائة نصب) بضم النون والصاد المهملة ما ينصب للعباد من دون الله جل وعلاً (فجعل) عليه الصلاة والسلام (يطعنها) بضم العين على الأرجح (بعود في يده ويقول): (جاء الحق) الإسلام أو القرآن (وزهق الباطل) اضمحل وتلاشى (جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد) أي زال الباطل وهلك لأن الإبداء والإعادة من صفة الحي فعدمهما عبارة عن الهلاك، والمعنى جاء الحق وهلك الباطل، وقيل: الباطل الأصنام، وقيل إبليس لأنه صاحب الباطل أو لأنه هالك كما قيل له الشيطان من شاط إذ هلك أي لا يخلق الشيطان ولا الصنم أحدًا ولا يبعثه فالمنشئ والباعث هو الله تعالى لا شريك له. وفي مسلم من حديث أبي هريرة يطعن في عينيه بسية القوس، وعند الفاكهي من حديث ابن عمرو صححه ابن حبان فيسقط الصنم ولا يسمه. وعند الفاكهي والطبراني من حديث ابن عباس فلم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه مع أنها كانت ثابتة بالأرض وقد شدّ لهم إبليس لعنه الله أقدامها بالرصاص وفعل ذلك لإذلال الأصنام وعابديها ولإظهار أنها لا تنفع ولا تضر ولا تدفع عن نفسها شيئًا. وحديث الباب سبق في باب هل تكسر الدنان من كتاب المظالم. 4288 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ، وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ فَأُخْرِجَ صُورَةُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا مِنَ الأَزْلاَمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، لَقَدْ عَلِمُوا مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ» ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِي الْبَيْتِ وَخَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ. تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ وَقَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدثني) بالإفراد وللأصيلي وابن عساكر حدّثنا بالجمع (إسحاق) بن منصور الكوسج المروزي قال: (حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري مولاهم التنوري بفتح المثناة وتشديد النون المضمومة قال: (حدثني) بالإفراد (أبي) عبد الوارث قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله

49 - باب دخول النبي -صلى الله عليه وسلم- من أعلى مكة

عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما قدم مكة) للفتح (أبي) امتنع (أن يدخل البيت) الحرام (وفيه الآلهة) أي الأصنام (فأمر بها فأخرجت) منه (فأخرج) بفتح الهمزة والراء في الفرع وفي أصله بضم الهمزة وكسر الراء (صورة إبراهيم) الخليل (و) صورة ولده (إسماعيل) عليهما الصلاة والسلام اللتين صوّرهما المشركون (في أيديهما من الأزلام) بالزاي المعجمة جمع زلم وهي التي كانوا يستقسمون بها الخير والشر وتسمى القداح مكتوب عليها الفعل لا تفعل فإذا أراد أحدهم فعل شيء أدخل يده فأخرج منها واحدًا فإن خرج الأمر مضى لشأنه وإن خرج النهي كف (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قاتلهم الله) أي لعنهم الله (لقد علموا) أنهما (ما استقسما بها قط) لأنهما كانا معصومين (ثم دخل البيت فكبر في نواحي البيت وخرج) منه (ولم يصل فيه) نفى ابن عباس -رضي الله عنهما- صلاته عليه الصلاة والسلام في البيت الحرام وأثبتها بلال والمثبت مقدم على النافي. وهذا الحديث قد سبق في الحج وغيره. (تابعه) أي تابع عبد الصمد عن أبيه (معمر) هو ابن راشد فيما وصله أحمد (عن أيوب) السختياني (وقال وهيب): بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد العجلاني وسقط واو وقال: لأبي ذر (حدّثنا أيوب عن عكرمة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أسقط ابن عباس فهو مرسل والموصول أرجح لاتفاق عبد الوارث ومعمر على ذلك عن أيوب قاله في الفتح. 49 - باب دُخُولُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ (باب دخول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أعلى مكة) لما قدمها يوم الفتح وسقط لفظ باب لأبي ذر فقوله دخول رفع. 4289 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَمَعَهُ بِلاَلٌ وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ مِنَ الْحَجَبَةِ حَتَّى أَنَاخَ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِفْتَاحِ الْبَيْتِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَمَكَثَ فِيهِ نَهَارًا طَوِيلاً ثُمَّ خَرَجَ فَاسْتَبَقَ النَّاسُ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ، فَوَجَدَ بِلاَلاً وَرَاءَ الْبَابِ قَائِمًا، فَسَأَلَهُ أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَأَشَارَ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ؟ (وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله المؤلّف في باب الردف على الراحلة من الجهاد (حدثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي قال: (أخبرني) بالإفراد (نافع عن) مولاه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقبل يوم الفتح من أعلى مكة) من كداء بالفتح والمد (على راحلته) حال كونه (مردفًا أسامة بن زيد) خادمه (ومعه بلال) مؤذنه (ومعه عثمان بن طلحة) لكونه (من الحجبة) أي سدنة الكعبة الذين معهم مفتاحها (حتى أناخ) عليه الصلاة والسلام راحلته (في المسجد فأمره) أي أمر عليه الصلاة والسلام عثمان الحجبي (أن يأتي بمفتاح البيت) الحرام زاد عبد الرزاق من مرسل الزهري فأبطأ عليه ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينتظره حتى إنه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق ويقول: ما يحبسه فسعى رجل إليه وجعلت أم عثمان سلافة تقول: إن أخذه منكم لا يعطيكموه أبدًا فلم يزل بها حتى أعطته المفتاح فجاء به ففتح (فدخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الكعبة (ومعه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة فمكث فيه) أي في البيت ولأبي ذر عن الكشميهني فيها أي في الكعبة (نهارًا طويلاً) يكبر ويصلّي ويدعو (ثم خرج) منه (فاستبق الناس) للولوج إلى الكعبة (فكان عبد الله بن عمر) بن الخطاب (أوّل من دخل) الكعبة (فوجد بلالاً وراء الباب قائمًا فسأله أين صلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)؟ في الكعبة (فأشار له) بلال (إلى المكان الذي صلّى فيه) عليه الصلاة والسلام منها (قال عبد الله) بن عمر: (فنسيت أن أسأله كم صلى) عليه الصلاة والسلام (من سجدة) أي من ركعة وعند ابن إسحاق أنه وقف على باب الكعبة ثم قال: "يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم"؟ قالوا: خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" وعند ابن عائذ من مرسل عبد الرحمن بن سابط أنه دفع مفتاح الكعبة إلى عثمان فقال: "خذها خالدة مخلدة إني لم أدفعها إليكم ولكن الله دفعها إليكم ولا ينزعها منكم إلا ظالم". وحديث الباب قد مر في باب الردف على الحمار من الجهاد. 4290 - حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ. تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَوُهَيْبٌ فِي كَدَاءٍ. وبه قال: (حدّثنا الهيثم) بالمثلثة (ابن خارجة) الخراساني المروزي قال: (حدثنا حفص بن ميسرة) الصنعاني وليس له حديث موصول في البخاري إلا هذا (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (أن عائشة) ولأبي ذر عن الكشميهني عن عائشة (-رضي الله عنها- أخبرته أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عام الفتح من كداء) بفتح الكاف وتخفيف الدال

50 - باب منزل النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح

المهملة ممدودًا (التي بأعلى مكة. تابعه) أي تابع حفص بن ميسرة (أبو أسامة) حماد بن أسامة (ووهيب) بضم الواو ابن خالد في روايتهما عن هشام بن عروة بهذا الإسناد (في كداء) بفتح الكاف والمد. 4291 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ. وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين وفتح الموحدة الهباري الكوفي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير أنه قال: (دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الفتح من أعلى مكة من كداء) بفتح ومد وهذا مرسل تابعي. 50 - باب مَنْزِلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْفَتْحِ (باب منزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الفتح). 4292 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: مَا أَخْبَرَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الضُّحَى غَيْرَ أُمِّ هَانِئٍ فَإِنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ فِي بَيْتِهَا، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، قَالَتْ: لَمْ أَرَهُ صَلَّى صَلاَةً أَخَفَّ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين ابن مرة (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن أنه (قال: ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي) صلاة (الضحى غير أم هانئ) فاختة بنت أبي طالب. قال الكرماني: ولا يلزم من عدم وصول الخبر إليه عدمه (فإنها ذكرت أنه يوم فتح مكة اغتسل في بيتها ثم صلّى ثماني ركعات) لا ينافي قوله منزلنا غدًا إن شاء الله خيف بني كنانة لأنه عليه الصلاة والسلام لم يقم في بيتها إنما نزل فاغتسل وصلّى ثم رجع إلى الخيف (قالت) أم هانئ (لم أره) عليه الصلاة والسلام (صلى صلاة أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود). وهذا الحديث مضى في صلاة الضحى من كتاب الصلاة. 51 - باب هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة فهو كالفصل من الذي قبله. 4293 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح الكوفي (عن مسروق) هو ابن الأجدع بن مالك الهمداني (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): ولأبى ذر عن الكشميهني يقرأ (في ركوعه وسجوده): (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك) أي نسبحك والحال أننا نتلبس بحمدك فيه. وقال في شرح المشكاة أي وبحمدك سبحانك ومعناه بتوفيقك لي وهدايتك وفضلك عليّ سبحتك لا بحولي وقوتي ففيه شكر الله تعالى على هذه النعمة والاعتراف بها والتفويض إلى الله تعالى وإن كل الأفعال له (اللهم اغفر لي) زاد في الصلاة يتأوّل القرآن أي يفعل ما أمر به فيه أي في قوله {فسبح بحمد ربك واستغفره} [النصر: 3]. قال في فتح الباري: ووجه دخول هذا الحديث هنا ما سيأتي في التفسير بلفظ ما صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة بعد أن أنزلت عليه {إذا جاء نصر الله والفتح} [النصر: 1] إلا يقول فيها فذكر الحديث. 4294 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الْفَتَى مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ، قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَعَانِي مَعَهُمْ قَالَ: وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلاَّ لِيُرِيَهُمْ مِنِّي، فَقَالَ مَا تَقُولُونَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 1 و2] حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ، إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نَدْرِي وَلَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَكَذَاكَ تَقُولُ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فَتْحُ مَكَّةَ فَذَاكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3] قَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَعْلَمُ. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية إياس (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (يدخلني) عليه في مجلسه (مع أشياخ بدر) الذين حضروا غزوتها (فقال بعضهم): هو عبد الرحمن بن عوف (لم تدخل هذا الفتى) ابن عباس (معنا ولنا أبناء مثله)؟ في السن فلم تدخلهم (فقال) عمر: (إنه) أي ابن عباس (ممن قد علمتم) ولعبد الرزاق أن له لسانًا سؤلاً وقلبًا عقولا (قال: فدعاهم) أي الأشياخ (ذات يوم ودعاني معهم قال) ابن عباس: (وما رئيته) بضم الراء فهمزة مكسورة فتحتية ساكنة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أريته بهمزة مضمومة فراء مكسورة فتحتية ساكنة أي ظننته (دعاني يومئذٍ إلا ليريهم مني) مثل ما رأى هو مني من العلم (فقال) لهم: (ما تقولون {إذا}) ولأبي ذر في إذا ({جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا} [النصر: 1 و2] حتى ختم السورة) ثبت في دين الله أفواجًا لأبي ذر (فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا) بضم النون على عدوّنا (وفتح علينا) المدائن والقصور (وقال بعضهم: لا ندري ولم يقل بعضهم شيئًا فقال لي) عمر: (يا ابن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ابن (عباس) بحذف

أداة النداء (أكذاك تقول؟ قلت: لا. قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعلمه الله له {إذا جاء نصر الله والفتح}) [النصر: 1] أي (فتح مكة فذاك علامة أجلك) أي موتك ({فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توّابًا}) (النصر: 3] أمره تعالى بعد أن بذل المجهود فيما كلف به من تبليغ الرسالة ومجاهدة أعداء الدين بالإقبال على التسبيح والاستغفار والتأهب للمسير إلى المقامات العليا واللحوق بالرفيق الأعلى، وهذا المعنى هو الذي فهمه منها ابن عباس حتى ردّ به على أولئك المشايخ وقال: أجل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصدقه عمر كما قال: (قال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم) وروي أن عمر لما سمعها بكى وقال: الكمال دليل الزوال. 4295 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهْوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلاً قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْغَدَ مِنْ يَوْمَ الْفَتْحِ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، إِنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، لاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلاَ يَعْضِدَ بِهَا شَجَرًا، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا، فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ مَاذَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو؟ قَالَ: قَالَ أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ إِنَّ الْحَرَمَ لاَ يُعِيذُ عَاصِيًا وَلاَ فَارًّا بِدَمٍ وَلاَ فَارًّا بِخَرْبَةٍ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الخَرْبَةُ: الْبَلِيَّةُ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن شرحبيل) بالشين المعجمة المضمومة والراء المفتوحة بعدها حاء مهملة ساكنة فموحدة مكسورة الكندي الكوفي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ولأبي ذر: ليث (عن المقبري) بفتح الميم وسكون القاف وضم الموحدة سعيد بن كيسان وكان يسكن عند المقبرة فنسب إليها (عن أبي شريح) بالشين المعجمة المضمومة أوله والحاء المهملة آخره خويلد بضم الخاء مصغرًا (العدوي) بفتح المهملتين وكسر الواو (إنه قال لعمرو بن سعيد) بفتح العين وسكون الميم ابن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأشدق وكان أمير المدينة (وهو يبعث البعوث إلى مكة): لغزو عبد الله بن الزبير لامتناعه من مبايعة يزيد بن معاوية (ائذن لي أيها الأمير أحدثك) بالجزم جواب الأمر (قولاً قام به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الغد) ظرف وهو اليوم الثاني (من يوم الفتح) ولغير أبي ذر يوم الفتح بإسقاط الجار (سمعته أذناي ووعاه) أي حفظه (قلبي) وتحقق فهمه (وأبصرته عيناي) بتاء التأنيث كسمعته أي فلم يسمعه من وراء حجاب بل مع الرؤية والمشاهدة (حين تكلم به) عليه الصلاة والسلام (إنه) بكسر الهمزة وسقطت الكلمة لغير أبي ذر (حمد الله وأثنى عليه) من عطف العام على الخاص (ثم قال): (إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس) من قبل أنفسهم بل بتحريم الله بوحي (لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا) بغير حق (ولا يعضد) بفتح الياء وكسر الضاد أي لا يقطع (بها شجرًا فإن أحد ترخص لقتال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لأجل قتاله (فيها) مستدلاً بذلك (فقولوا له) ليس الأمر كذلك (إن الله أذن لرسوله) خموصية له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ولم يأذن لكم وإنما أذن لي) تعالى في القتال (فيها) ولأبي ذر له فيه أي في القتال (ساعة من نهار) وهي من طلوع الشمس إلى العصر فكانت مكة في حقه عليه الصلاة والسلام في تلك الساعة بمنزلة الحل (وقد عادت حرمتها اليوم) يوم الفتح لا في غيره (كحرمتها بالأمس) الذي قبل يوم الفتح (وليبلغ الشاهد) أي الحاضر (الغائب) (فقيل لأبي شريح) المذكور (ماذا قال لك عمرو)؟ أي ابن سعيد المذكور (قال) أبو شريح: (قال) عمرو: (أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح إن الحرم لا يعيذ) بالذال المعجمة أي لا يعصم (عاصيًا) من إقامة الحد عليه (ولا فارًا) بفاء وراء مشددة (بدم) أي مصاحبًا لدم ملتجئًا إلى المحرم بسبب خوفه من إقامة الحد عليه (ولا فارًا بخربة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة أي بسبب خربة وللأصيلي بخربة بضم الخاء ولغيره بفتحها وصوبه بعضهم كما قاله القاضي عياض. (قال أبو عبد الله) البخاري (الخربة) أي (البلية) وهذا ثابت لأبي ذر وحده. وهذا الحديث سبق في باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب من كتاب العلم. 4296 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهْوَ بِمَكَّةَ: (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ). وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد، ولأبي ذر ليث (عن يزيد بن أبي حبيب) الأزدي أبي رجاء عالم مصر (عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة المخففة (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول عام الفتح وهو بمكة): (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر) بإفراد الفعل والأصل أن يقول: حرما لأنهما في التحريم واحد.

52 - باب مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة زمن الفتح

وسبق هذا الحديث بأطول من هذا في باب بيع الميتة من كتاب البيع. 52 - باب مَقَامُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ زَمَنَ الْفَتْحِ (باب مقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة زمن الفتح) بفتح ميم مقام الأولى في الفرع وفي غيره بضمها أي الإقامة والمراد وصفه بأنه أقام. 4297 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أَقَمْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرًا نَقْصُرُ الصَّلاَةَ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (ح). (وحدّثنا) بالواو ولأبي ذر (قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة ابن عقبة بن عامر السوائي الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن يحيى بن أبي إسحاق) مولى الحضارمة البصري (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: أقمنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشرًا) ولأبي ذر: عشرة أي عشرة أيام بمكة وضواحيها (نقصر الصلاة) قال الحافظ ابن حجر: وظاهر هذا الحديث والذي قبله التعارض، والذي أعتقده أن حديث أنس إنما هو في حجة الوداع فإنها السفرة التي أقام فيها بمكة عشرًا لأنه دخل يوم الرابع وخرج يوم الرابع عشر، وأما حديث ابن عباس فهو في الفتح. وهذا الحديث سبق في باب ما جاء في التقصير أواخر كتاب الصلاة. 4298 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا عاصم) الأحول (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة) زمن الفتح (تسعة عشر يومًا) بلياليها حال كونه (يصلّي) الرباعية (ركعتين) ولأبي ذر سبعة عشر بتقديم السين على الموحدة وله من حديث ابن حصين ثماني عشرة. ومباحث ذلك سبقت في أبواب التقصير. 4299 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَقَمْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ تِسْعَ عَشْرَةَ، نَقْصُرُ الصَّلاَةَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَنَحْنُ نَقْصُرُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ تِسْعَ عَشْرَةَ فَإِذَا زِدْنَا أَتْمَمْنَا. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي قال: (حدّثنا أبو شهاب) عبد ربه بن نافع الحناط بالحاء المهملة والنون (عن عاصم) الأحول (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أقمنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) زمن الفتح بمكة (تسع عشرة) بتقديم الفوقية على السين كالسابقة (نقصر الصلاة) لأنهم كانوا يتوقعون حاجتهم يومًا فيومًا. (وقال ابن عباس) بالسند السابق (ونحن نقصر) إذا سافرنا فأقمنا (ما بيننا وبين تسع عشرة) يومًا (فإذا زدنا) في الإقامة على تسعة عشر يومًا (أتممنا) الصلاة أربعًا. ومناسبة هذه الأحاديث للترجمة واضحة لا خفاء بها والله الموفق والمعين. 53 - باب هذ (باب) بالتنوين. 4300 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ مَسَحَ وَجْهَهُ عَامَ الْفَتْحِ. [الحديث 4300 - أطرافه في: 6356]. (وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله المؤلّف في تاريخه الصغير والأدب المفرد عن عبد الله بن صالح عن الليث (حدثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن ثعلبة بن صعير) بضم الصاد وفتح العين المهملتين فياء تصغير فراء ويقال له أيضًا: ابن أبي صعير العذري بضم العين المهملة وسكون الذال وبالراء (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد مسح وجهه عام الفتح) وكان ولد قبل الهجرة وقيل بعدها ولأبيه ثعلبة صحبة وأطلق الدارقطني وغيره أن لعبد الله صحبة واقتصر المؤلّف على ذكر المناسبة من الحديث ولم يذكر مقول قول عبد الله بن ثعلبة اختصارًا. 4301 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُنَيْنٍ أَبِي جَمِيلَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا وَنَحْنُ مَعَ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: وَزَعَمَ أَبُو جَمِيلَةَ أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَرَجَ مَعَهُ عَامَ الْفَتْحِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) أبو عبد الرحمن بن يوسف الصنعاني اليماني (عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سنين) بضم السين المهملة وفتح النون بعدها تحتية ساكنة فنون أخرى (أبي جميلة) بفتح الجيم وكسر الميم الضمري ويقال السلمي (قال) الزهري (أخبرنا) أي أبو جميلة (و) الحال أنا (نحن مع ابن المسيب) سعيد أراد تقوية روايته عنه بكونها بحضرة ابن المسيب ولم يذكر المخبر به (قال) أي الزهري (وزعم) أي قال (أبو جميلة أنه أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخرج معه) إلى مكة (عام الفتح) كذا ذكره في الصحابة ابن منده وأبو نعيم وابن عبد البر وقال غيرهم: وحج معه عليه الصلاة والسلام حجة الوداع. 4302 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو قِلاَبَةَ أَلاَ تَلْقَاهُ فَتَسْأَلَهُ، قَالَ: فَلَقِيتُهُ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كُنَّا بِمَاءٍ مَمَرَّ النَّاسِ وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ مَا لِلنَّاسِ، مَا لِلنَّاسِ مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ أَوْ أَوْحَى اللَّهُ بِكَذَا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الْكَلاَمَ، وَكَأَنَّمَا يُغْرَى فِي صَدْرِي وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلاَمِهِمِ الْفَتْحَ، فَيَقُولُونَ: اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهْوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلاَمِهِمْ وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلاَمِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَقًّا فَقَالَ: «صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا، فِي حِينِ كَذَا وَصَلُّوا كَذَا فِي حِينِ كَذَا فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا» فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْحَىِّ: أَلاَ تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ؟ فَاشْتَرَوْا فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا فَمَا فَرِحْتُ بِشَىْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ الْقَمِيصِ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (عن عمرو بن سلمة) بفتح العين وكسر

اللام ابن قيس وقيل ابن نفيع الجرمي اختلف في صحبته (قال) أيوب: (قال لي أبو قلابة ألا) بالتخفيف (تلقاه) أي ألا تلقى عمرو بن سلمة (فتسأله قال) أبو قلابة: (فلقيته) أي عمرو بن سلمة (فسألته فقال) عمرو بن سلمة: (كنا بماء) أي بموضع ننزل به (ممر الناس) بتشديد الراء مجرورة صفة لماء وفي اليونينية بفتح الراء أي موضع مرورهم (وكان يمر بنا الركبان فنسألهم ما للناس ما للناس) بالتكرار مرتين (ما هذا الرجل) أي يسألون عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعن حال العرب معه (فيقولون يزعم أن الله أرسله أوحى إليه أو أوحى الله) وسقط لفظ أو لأبي ذر (بكذا) في اليونينية وفرعها مشطوب على الباء بالحمرة شطبتين وفوقها علامة أبي ذر أي أن الباء ساقطة في روايته والشك من الراوي يريد حكاية ما كانوا يخبرونهم به مما سمعوه من القرآن وفي مستخرج أبي نعيم فيقولون نبي يزعم أن الله أرسله وأن الله أوحى إليه كذا وكذا (فكنت أحفظ ذلك) ولأبي ذر: ذاك (الكلام) ولأبي داود وكنت غلامًا فحفظت من ذلك قرآنًا كثيرًا (وكأنما) بالواو ولأبي ذر: فكأنما (يغرى) بضم التحتية وسكون الغين المعجمة وفتح الراء كذا في الفرع مصححًا عليه من التغرية أي كأنما يلصق (في صدري) ونسبها في فتح الباري للإسماعيلي لكنه قال: بتشديد الراء قال: ورجحها عياض، ولأبي ذر عن الكشميهني: يقر بقاف مفتوحة وراء مشددة من القرار. قال في الفتح: وفي رواية عن الكشميهني يقرأ بزيادة ألف مقصورًا من التقرية أي يجمع ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ونسبها في الفتح للأكثر يقرأ بسكون القاف آخره همزة مضمومة من القراءة (وكانت العرب تلوم) بفتح اللام والواو المشددة وأصله بتاءين فحذفت إحداهما تخفيفًا أي تنتظر وتتربص (بإسلامهم الفتح) أي فتح مكة (فيقولون: اتركوه وقومه) قريشًا (فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر) أي أسرع (كل قوم بإسلامهم وبدر) أي أسرع (أبي قومي بإسلامهم فلما قدم) أبي (قال: جئتكم والله من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حقًا) فقال عليه الصلاة والسلام لهم: (صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلوا كذا) ولأبي ذر: وصلوا صلاة كذا (في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنًا) ولأبي داود أنهم قالوا: يا رسول الله من يؤمنا؟ قال: أكثركم جمعًا للقرآن (فنظروا) في الحي (فلم يكن أحد أكثر قرآنًا مني لما كنت أتلقى) من القرآن (من الركبان فقدموني بين أيديهم) أصلي بهم (وأنا ابن ست أو سبع سنين وكانت عليّ بردة) شملة مخططة أو كساء أسود مربع (كنت إذا سجدت تقلصت) بقاف ولام مشددة وصاد مهملة أي انجمعت وتكشفت (عني فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا) بحذف النون في الفرع كأصله في حالة الرفع. قال ابن مالك: إنه ثابت في الكلام الفصيح نثره ونظمه ولأبي ذر: ألا تغطون (عنا است قارئكم) أي عجزه (فاشتروا) زاد أبو داود لي قميصًا عمانيًا بضم العين مخففًا نسبة إلى عُمان من البحرين (فقطعوا لي قميصًا فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص) وبهذا تمسك الشافعية في إمامة الصبي المميز في الفريضة، ولا يستدل به على عدم شرط ستر العورة في الصلاة لأنها واقعة حال فيحتمل أن يكون ذلك قبل علمهم بالحكم. 4303 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنْ يَقْبِضَ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، وَقَالَ عُتْبَةُ: إِنَّهُ ابْنِي، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ فِي الْفَتْحِ أَخَذَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَقْبَلَ مَعَهُ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدُ: هَذَا ابْنُ أَخِي عَهِدَ إِلَىَّ أَنَّهُ ابْنُهُ. قَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَخِي هَذَا ابْنُ زَمْعَةَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَإِذَا أَشْبَهُ النَّاسِ بِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هُوَ لَكَ هُوَ أَخُوكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ» مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ» لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ». وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَصِيحُ بِذَلِكَ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي (عن مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة بن الزبير عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الذهلي في الزهريات (حدثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (حدثني) بالإفراد (عروة بن الزبير) قال ابن حجر واللفظ لرواية يونس (أن عائشة) -رضي الله عنها- (قالت: كان عتبة بن أبي وقاص) مالك قيل إنه صحابي وقال أبو نعيم: لا بل مات كافرًا وهو الذي كسر رباعية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عهد إلى أخيه سعد) أحد العشرة المبشرة

بالجنة (أن يقبض) عبد الرحمن (ابن وليدة زمعة) فعلية من الولادة بمعنى مفعولة قال الجوهري: الصبية والأمة والجمع ولائد وزمعة بفتح الزاي وسكون الميم وهو ابن قيس بن عبد شمس القرشي العامري والد سودة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولم يقف الحافظ ابن حجر على اسم هذه الوليدة، وقال: لكن ذكر مصعب بن الزبير وابن أخيه الزبير في نسب قريش أنه كانت أمة يمانية وكانت مستفرشة لزمعة فزنى بها عتبة وكانت طريقة الجاهلية في مثل ذلك أن السيد إن استحلقه لحقه وإن نفاه انتفى عنه وإن ادّعاه كان مردّ ذلك إلى السيد أو القائف. (وقال عتبة: إنه ابني فلما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة في) زمن (الفتح أخذ سعد بن أبي وقاص ابن وليدة زمعة) وفي رواية معمر عن الزهري فلما كان يوم الفتح رأى سعد الغلام فعرفه بالشبه فاحتضنه إليه وقال: ابن أخي ورب الكعبة (فأقبل به إلى رسول الله) ولأبوي ذر والوقت إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأقبل معه عبد بن زمعة فقال سعد) بن أبي وقاص (هذا ابن أخي عهد إليّ أنه ابنه قال): ولأبي ذر فقال (عبد بن زمعة: يا رسول الله هذا أخي هذا ابن وليدة زمعة ولد على فراشه فنظر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ابن وليدة زمعة فإذا) هو (أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هو) أي الولد (لك هو أخوك) بالاستلحاق أو بحكمه عليه الصلاة والسلام بعلمه في ذلك (يا عبد بن زمعة) بضم دال عبد وفتحها وابن نصب على الحالين (من أجل أنه ولد على فراشه) (وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: احتجبي منه) أي من ابن وليدة زمعة المتنازع فيه (يا سودة) ندبًا واحتياطًا وإلاّ فقد ثبت نسبه وأخوّته لها في ظاهر الشرع (لما رأى) عليه الصلاة والسلام (من شبه عتبة بن أبي وقاص) بالولد المتنازع فيه، وأشار الخطاب إلى أن ذلك مزية لأمهات المؤمنين لأن لهن في ذلك ما ليس لغيرهن. (قال ابن شهاب) الزهري فيما وصله المؤلّف في القدر (وقالت عائشة: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الولد للفراش) أي لصاحب الفراش زوجًا أو سيدًا (وللعاهر) أي الزاني (الحجر) الخيبة ولا حق في الولد أو المراد الرجم وضعف بأنه ليس كل من يزني يرجم بل المحصن. وأيضًا فلا يلزم من رجمه نفي الولد والحديث إنما هو في نفيه عنه. (وقال ابن شهاب) أيضًا: (وكان أبو هريرة يصيح) بفتح أوله أي يعلن (بذلك) أي بقوله: الولد للفراش وللعاهر الحجر. وهذا الحديث موصول إلى الزهري منقطع بينه وبين أبي هريرة رواه مسلم وغيره من طريق سفيان بن عيينة، ومسلم أيضًا من طريق معمر كلاهما عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب. 4304 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ امْرَأَةً سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَفَزِعَ قَوْمُهَا إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسَامَةُ فِيهَا تَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَتُكَلِّمُنِي فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ»؟ قَالَ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطِيبًا فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ فَقُطِعَتْ يَدُهَا فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَزَوَّجَتْ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَتْ تَأْتِينِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) أبو الحسن المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن امرأة) اسمها فاطمة المخزومية (سرقت) حليًّا أو غيره (في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة الفتح) ظاهره الإرسال لكن ظاهر قوله في آخره قالت عائشة أنه عن عائشة. وموضع الترجمة منه قوله في غزوة الفتح (ففزع قومها) أي التجؤوا (إلى أسامة بن زيد) مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يستشفعونه) أي يستشفعون به عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا يقطع يدها إما عفوًّا وإما فداء وكأن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقبل شفاعته (قال عروة: فلما كلمه) عليه الصلاة والسلام (أسامة فيها تلوّن وجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (أتكلمني) بهمزة الاستفهام الإنكاري وفي الحدود: أتشفع (في حدّ من حدود الله؟ قال أسامة: استغفر لي يا رسول الله فلما كان العشي قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطيبًا فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم) وللنسائي من رواية سفيان إنما هلك بنو إسرائيل (إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه) ولم يقيموا عليه الحد (وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد) وفي رواية إسماعيل بن أمية

وإذا سرق فيهم الوضيع قطعوه (والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) وهذا من الأمثلة التي صح فيها أن لو حرف امتناع لامتناع، وقد ذكر ابن ماجه عن محمد بن رمح سمعت الليث يقول عقب هذا الحديث: قد أعاذها الله من أن تسرق، وكل مسلم ينبغي له أن يقول: هذا. وخص -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابنته بالذكر لأنها أعز أهله عنده فأراد المبالغة في تثبيت إقامة الحد على كل مكلف وترك المحاباة. (ثم أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتلك المرأة) التي سرقت (فقطعت يدها) وللنسائي: قم يا بلال فخذ بيدها فاقطعها (فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت) وعند أبي عوانة من رواية ابن أخي الزهري فنكحت رجلاً من بني سليم وتابت (قالت عائشة: فكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعند أحمد أنها قالت: هل من توبة يا رسول الله؟ فقال: "أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك". وبقية فوائد الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الحدود والله الموفق والمعين. 4305 و 4306 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ حَدَّثَنِي مُجَاشِعٌ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَخِي بَعْدَ الْفَتْحِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُكَ بِأَخِي لِتُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ قَالَ: «ذَهَبَ أَهْلُ الْهِجْرَةِ بِمَا فِيهَا» فَقُلْتُ عَلَى أَيِّ شَىْءٍ تُبَايِعُهُ؟ قَالَ: «أُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلاَمِ، وَالإِيمَانِ وَالْجِهَادِ» فَلَقِيتُ أَبَا مَعْبَدٍ بَعْدُ وَكَانَ أَكْبَرَهُمَا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: صَدَقَ مُجَاشِعٌ. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) الحراني الجزري سكن مصر قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية قال: (حدّثنا عاصم) هو ابن سليمان (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل النهدي أنه (قال: حدثني) بالإفراد (مجاشع) بميم مضمومة فجيم فألف فشين معجمة مكسورة فعين مهملة ابن مسعود بن ثعلبة بن وهب السلمي بضم السين أنه (قال: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأخي) مجالد (بعد الفتح قلت: يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأخي لتبايعه على الهجرة) إلى المدينة (قال) عليه الصلاة والسلام: (ذهب أهل الهجرة) الذين هاجروا قبل الفتح (بما فيها) من الفضل فلا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية (فقلت: على أي شيء تبايعه؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد) عند الحاجة إليه. قال أبو عثمان النهدي (فلقيت أبا معبد) يريد مجالدًا (بعد) أي بعد سماعي الحديث من مجاشع وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي فلقيت معبدًا والصواب الأول (وكان) أي أبو معبد (أكبرهما) أي أكبر الأخوين (فسألته) عن حديث مجاشع الذي سمعته منه (فقال: صدق مجاشع). وهذا الحديث قد مرّ في أوائل الجهاد في باب البيعة في الحرب أن لا يفروا مختصرًا. 4307 و 4308 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ مُجَاشِعِ بْنِ مَسْعُودٍ انْطَلَقْتُ بِأَبِي مَعْبَدٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ قَالَ: «مَضَتِ الْهِجْرَةُ لأَهْلِهَا أُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلاَمِ، وَالْجِهَادِ» فَلَقِيتُ أَبَا مَعْبَدٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: صَدَقَ مُجَاشِعٌ. وَقَالَ خَالِدٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ مُجَاشِعٍ: أَنَّهُ جَاءَ بِأَخِيهِ مُجَالِدٍ. وبه قال: (حدثنا محمد بن أبي بكر) المقدمي قال: (حدّثنا الفضيل) ولأبي ذر: فضيل (بن سليمان) النميري البصري قال: (حدّثنا عاصم) هو ابن سليمان (عن أبي عثمان النهدي عن مجاشع بن مسعود) أنه قال: (انطلقت بأبي معبد) مجالد (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليبايعه على الهجرة) إلى المدينة (قال) عليه الصلاة والسلام: (مضت الهجرة لأهلها) فلا هجرة بعد الفتح (أبايعه على الإسلام والجهاد) ولم يذكر في هذه "الإيمان" الثابت في الأولى. قال أبو عثمان (فلقيت أبا معبد) أخا مجاشع (فسألته) عما حدثني به أخوه مجاشع (فقال: صدق مجاشع، وقال خالد) الحذاء فيما وصله الإسماعيلي (عن أبي عثمان) النهدي (عن مجاشع أنه جاء بأخيه مجالد) إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: هذا مجالد يا رسول الله فبايعه على الهجرة .. الحديث. 4309 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُهَاجِرَ إِلَى الشَّأْمِ، قَالَ: لاَ هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ، فَانْطَلِقْ فَاعْرِضْ نَفْسَكَ فَإِنْ وَجَدْتَ شَيْئًا وَإِلاَّ رَجَعْتَ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) أبو بكر العبدي البصري بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس (عن مجاهد) هو ابن جبر أنه قال: (قلت لابن عمر -رضي الله عنهما- إني أريد أن أهاجر إلى الشام قال): أي ابن عمر (لا هجرة) أي بعد الفتح (ولكن جهاد فانطلق) بكسر اللام والجزم على الأمر (فأعرض) بهمزة قطع مجزومًا على الأمر أيضًا مصححًا عليها في الفرع وبهمزة وصل مصححًا عليها في أصله (نفسك فإن وجدت شيئًا) من الجهاد والقدرة عليه فهو المراد (وإلاّ) بأن لم تجد شيئًا من ذلك (رجعت). 4310 - وَقَالَ النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: فَقَالَ: لاَ هِجْرَةَ الْيَوْمَ أَوْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ. (وقال النضر) بن شميل فيما وصله الإسماعيلي (أخبرنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرنا أبو بشر) جعفر (قال: سمعت مجاهدًا

54 - باب قول الله تعالى:

يقول: قلت لابن عمر): أي أني أريد الشأم الخ .. (فقال: لا هجرة اليوم أو) قال: (بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله). أي مثل الحديث السابق. 4311 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانَ يَقُولُ: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن يزيد) نسبه لجدّه واسم أبيه إبراهيم الفراديسي قال: (حدّثنا يحيى بن حمزة) الحضرمي قاضي دمشق (قال: حدثني) بالإفراد (أبو عمرو) بفتح العين عبد الرحمن (الأوزاعي عن عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة (ابن أبي لبابة) الأسدي الكوفي (عن مجاهد بن جبر) المكي (أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: لا هجرة بعد الفتح). 4312 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: زُرْتُ عَائِشَةَ مَعَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ فَسَأَلَهَا عَنِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَتْ: لاَ هِجْرَةَ الْيَوْمَ، كَانَ الْمُؤْمِنُ يَفِرُّ أَحَدُهُمْ بِدِينِهِ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ الإِسْلاَمَ فَالْمُؤْمِنُ يَعْبُدُ رَبَّهُ حَيْثُ شَاءَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن يزيد) الفراديسي قال: (حدّثنا يحيى بن حمزة) الحضرمي قال: (حدثني) بالإفراد (الأوزاعي) أبو عمرو (عن عطاه بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة أنه (قال: زرت عائشة مع عبيد بن عمير) بضم العين فيهما الليثي (فسألها عن الهجرة فقالت: لا هجرة اليوم كان المؤمن) بالإفراد مصححًا عليه في الفرع كأصله أي قبل الفتح وفي الهجرة المؤمنون (يفرّ أحدهم بدينه) أي بسبب حفظ دينه (إلى الله) عز وجل (وإلى رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى المدينة (مخافة أن يفتن عليه) بنصب مخافة على التعليل (فأما اليوم) بعد الفتح (فقد أظهر الله الإسلام) وفشت الشرائع والأحكام (فالمؤمن يعبد ربه حيث شاء ولكن جهاد) في الكفار (ونية) أي وثواب نيّة الجهاد أو في الهجرة. وسبق الحديث في الهجرة. 4313 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي حَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَهْيَ حَرَامٌ بِحَرَامِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَلَمْ تَحْلِلْ لِي إِلاَّ سَاعَةً مِنَ الدَّهْرِ، لاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَوْكُهَا، وَلاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا، وَلاَ تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ» فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: إِلاَّ الإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهُ لِلْقَيْنِ وَالْبُيُوتِ، فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ: «إِلاَّ الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ حَلاَلٌ». وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِمِثْلِ هَذَا أَوْ نَحْوِ هَذَا. رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن منصور وبه جزم أبو علي الجياني أو هو ابن نصر قاله الحاكم قال: (حدّثنا أبو عاصم) هو النبيل (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (حسن بن مسلم) أي ابن يناق المكي (عن مجاهد) هو ابن جبر (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هذا مرسل وقد وصله في الحج والجهاد من رواية منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس (قام يوم الفتح فقال): (إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام الله) بفتح الحاء والراء بعدها ألف في اللفظين (إلى يوم القيامة) والخليل مبلغ التحريم عن الله إلى الناس (لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ولم تحلل) بفتح الفوقية وكسر اللام الأولى ولأبي الوقت والأصيلي ولم تحلل بضم الفوقية وفتح اللام (لي) وزاد أبوا ذر والوقت: قط (إلاّ ساعة من الدهر) ما بين أول النهار ودخول العصر (لا ينفر صيدها) أي لا يزعج عن مكانه (ولا يعضد) لا يقطع (شوكها) ولأبي ذر عن الكشميهني: شجرها (ولا يختلى) بضم التحتية وسكون المعجمة مقصورًا لا يقلع (خلاها) بفتح المعجمة مقصورًا أيضًا كلؤها الرطب (ولا تحل لقطتها إلا لمنشد) يعرّفها ثم يحفظها لمالكها ولا يتملكها كسائر لقطة غيرها من البلاد (فقال العباس بن عبد المطلب: إلاّ الإذخر) بالمعجمتين (يا رسول الله إنه لا بدّ منه للقين) بفتح القاف الحداد للوقود (والبيوت) في سقفها بأن يجعل فوق الخشب أو للوقود الحلفاء (فسكت) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم قال): بوحي أو نفث في روعه (إلاّ الإذخر فإنه حلال) والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا ينطق عن الهوى فالتحريم إلى الله حكمًا وإلى رسول الله بلاغًا. (وعن ابن جريج) عبد الملك بالإسناد السابق أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبد الكريم) بن مالك الجزري الخضري بالخاء والضاد المعجمتين نسبة إلى قرية من اليمامة (عن عكرمة عن ابن عباس بمثل هذا). الحديث السابق (أو نحو هذا) شك من الراوي وهل المثل والنحو مترادفان أو المثل هو المتحد في الحقيقة والنحو أعم. (رواه) أي الحديث المذكور (أبو هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما سبق موصولاً في كتاب العلم. 54 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ} إِلَى قَوْلِهِ {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 25] (باب قول الله تعالى: {ويوم}) أي واذكر يوم ({حنين}) واد بين مكة والطائف إلى جنب ذي المجاز بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً من جهة عرفات سمي باسم حنين بن قابثة بن مهلائيل خرج إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لست خلون من شوّال لما بلغه أن مالك بن عوف النصري جمع القبائل من هوازن، ووافقه على ذلك الثقفيون وقصدوا محاربة المسلمين، وإن المسلمون اثني عشر

ألفًا وهوازن وثقيف أربعة آلاف، وقد روى يونس بن بكير في زيادات المغازي عن الربيع بن أنس قال: قال رجل يوم حنين: لن نغلب اليوم من قلّة فشق ذلك على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكانت الهزيمة. قال في فتوح الغيب: وهذا مثل قوله تعالى: {لم يخرّوا عليها صمًّا وعميانًا} [الفرقان: 73]. قوله: لم يخروا ليس نفيًا للخرور وإنما هو إثبات له ونفي للصمم والعمى، كذلك لن نغلب ليس نفيًا للمغلوبية، وإنما هو إثبات لها ونفي للقلة يعني متى غلبنا كان سببه عن القلة. هذا من حيث الظاهر ليس كلمة إعجاب لكنها كناية عنها فكأنه قال: ما أكثر عددنا فذلك قوله تعالى: ({إذ}) بدل من يوم ({أعجبتكم كثرتكم}) حصل لهم الإعجاب بالكثرة وزال عنهم أن الله هو الناصر لا كثرة العدد والعُدد ({فلم تغن عنكم شيئًا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت}) ما مصدرية والباء بمعنى مع أي مع رحبها أي لم تجدوا موضعًا لفراركم من أعدائكم فكأنها ضاقت عليكم ({ثم وليتم مدبرين}) ثم انهزمتم ({ثم أنزل الله سكينته}) رحمته التي سكنوا بها وأمنوا (إلى قوله: {غفور رحيم}) [التوبة: 25]. يستر كفر العدوّ بالإسلام وينصر المولى بعد الانهزام، فالكلام وارد مورد الامتنان على الصحابة بنصرته إياهم في المواطن الكثيرة، وكانت النصرة في هذا اليوم المخصوص أجلّ امتنانًا لما شوهد منهم ما ينافي النصرة من الإعجاب بالكثرة، ولولا فضل الله وكرامته لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وللمؤمنين لتمت الدبرة عليهم والنصر للأعداء. ألا ترى كيف أقيم المظهر مقام المضمر في قوله تعالى: {ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} [التوبة: 25] ليؤذن بأن وصف الرسالة والإيمان أهل للانتصار بعد الفرار والعفو عن الاغترار، وحذف في رواية أبي ذر قوله: {فلم تغن} الخ. وقال: إلى {غفور رحيم}. 4314 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: رَأَيْتُ بِيَدِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى ضَرْبَةً قَالَ: ضُرِبْتُهَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْنٍ، قُلْتُ: شَهِدْتَ حُنَيْنًا؟ قَالَ: قَبْلَ ذَلِكَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن نمير) أبو عبد الرحمن الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا يزيد بن هارون) الواسطي قال: (أخبرنا إسماعيل) بن أبي خالد (قال: رأيت بيد ابن أبي أوفى) بفتح الهمزة والفاء عبد الله الأسلمي (ضربة) وعند الإسماعيلي ضربة على ساعده وزاد أحمد فقلت: ما هذه؟ (قال: ضربتها) بضم الضاد مبنيًا للمفعول (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم حنين) قال إسماعيل (قلت) له (شهدت حنينًا؟ قال: قبل ذلك) من المشاهد وأول مشاهده الحديبية. 4315 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عُمَارَةَ أَتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ وَلَكِنْ عَجِلَ سَرَعَانُ الْقَوْمِ فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ. وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) أبو عبد الله العبدي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (سفيان) الثوري (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه (قال: سمعت البراء) بن عازب (وجاءه رجل) قال ابن حجر: لم أقف على اسمه (فقال) له (يا أبا عمارة) بضم العين وتخفيف الميم كنية البراء (أتوليت) أي انهزمت (يوم حنين)؟ والهمزة للاستفهام (فقال): ولأبي ذر قال (أما أنا فأشهد على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لم يول) لم ينهزم (ولكن عجل) بكسر الجيم مخففًا (سرعان القوم) بفتح السين المهملة والراء وقد تسكن أوائلهم الذين يسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسرعة (فرشقتهم) بالشين المعجمة والقاف أي رمتهم (هوازن) القبيلة المعروفة وكانوا رماة وإن المسلمون قد حملوا على العدوّ فانكشفوا فأقبل المسلمون على الغنائم فاستقبلهم هوازن ما يكاد يسقط لهم سهم فرشقوهم رشقًا ما يكاد يخطؤون (وأبو سفيان بن الحارث) بن عبد المطلب ابن عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (آخذ برأس بغلته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (البيضاء) التي أهداها له فروة بن نفاثة على الصحيح حال كونه (يقول): (أنا النبي لا كذب) فلا أنهرم لأن الله قد وعدني بالنصر (أنا ابن عبد المطلب) فيه دليل جواز قول الإنسان في الحرب أنا فلان وأنا ابن فلان أو مثل ذلك. وهذا الحديث قد سبق في باب بغلة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البيضاء من الجهاد. 4316 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قِيلَ لِلْبَرَاءِ وَأَنَا أَسْمَعُ أَوَلَّيْتُمْ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ: أَمَّا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ؛ كَانُوا رُمَاةً فَقَالَ: أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) السبيعي أنه قال: (قيل للبراء) بن عازب -رضي الله عنه- (وأنا أسمع أوليتم مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم حنين)؟ بصيغة الجمع في أوليتم الشاملة لكلهم (فقال): البراء

مجيبًا للسائل بجواب بديع متضمن لإثبات الفرار لهم لكن لا على جهة التعميم (أما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا) أي لم يفرّ (كانوا) أي هوازن (رماة) فرشقوا بالنبل رشقًا فولينا (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو ثابت لم يبرح: (أنا النبي لا كذب) أي لست بكاذب فيما أقول حتى انهزم بل أنا متيقن بنصر الله عز وجل (أنا ابن عبد المطلب) فانتسب إلى جده دون أبيه عبد الله لشهرته لما رزقه من نباهة الذكر والسيادة وطول العمر ولذا كان كثير من العرب يدعونه ابن عبد المطلب كما في قصة ضمام بن ثعلبة، وقد قيل: إنه اشتهر عندهم أن عبد المطلب يخرج من ظهره رجل يدعو إلى الله تعالى فأراد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يذكر أصحابه بذلك، وأنه لا بد من ظهوره على أعدائه وأن العاقبة له لتقوى بهم نفوسهم. 4317 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعَ الْبَرَاءَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ: لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَفِرَّ، كَانَتْ هَوَازِنُ رُمَاةً وَإِنَّا لَمَّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمِ انْكَشَفُوا، فَأَكْبَبْنَا عَلَى الْغَنَائِمِ فَاسْتُقْبِلْنَا بِالسِّهَامِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ آخِذٌ بِزِمَامِهَا وَهْوَ يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ قَالَ إِسْرَائِيلُ وَزُهَيْرٌ: نَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَغْلَتِهِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي أنه (سمع البراء) بن عازب (وسأله رجل من قيس) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمه (أفررتم عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم حنين؟ فقال) البراء: فررنا (لكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي اليونينية وفرعها: لكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالرفع والنصب (لم يفرّ) بل ثبت وثبت معه أربعة نفر، ثلاثة من بني هاشم ورجل من غيرهم علي والعباس بين يديه وأبو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان وابن مسعود من الجانب. رواه ابن أبي شيبة من مرسل الحكم بن عتيبة، وعند الترمذي بإسناد حسن من حديث ابن عمر: لقد رأيتنا يوم حنين وأن الناس لمولون وما مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مائة رجل. وعند أحمد والحاكم عن ابن مسعود فولى الناس عنه ومعه ثمانون رجلاً من المهاجرين والأنصار، ولعل الإمام النووي لم يقف على هذه الروايات حيث قال: إن تقدير الكلام أفررتم كلكم؟ فيدخل فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال البراء: لا والله لم يفرّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولكن (كانت هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا) أي انهزموا (فأكببنا) بموحدتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة بعدها نون أي وقعنا (على الغنائم) وفي الجهاد فأقبل الناس على الغنائم (فاستقبلنا) بضم التاء وكسر الموحدة أي استقبلهم هوازن (بالسهام) أي فولينا قال الطبري: الانهزام المنهي عنه هو ما يقع عن غير نيّة العود وأما الاستطراد للكرة فهو كالمتحيز إلى فئة (ولقد رأيت رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بغلته البيضاء) وعند مسلم من حديث سلمة على بغلته الشهباء. وعند ابن سعد ومن تبعه على بغلته دلدل. وقال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر لأن دلدل أهداها له المقوقس يعني لأنه ثبت في صحيح مسلم من حديث العباس وكان على بغلة بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي. قال القطب الحلبي: فيحتمل أن يكون يومئذ ركب كلاًّ من البغلتين إن ثبت أنها كانت صحبته وإلاّ فما في الصحيح أصح اهـ. وفي ركوبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البغلة يومئذ دلالة على فرط شجاعته وثباته. (وأن أبا سفيان) زاد أبو ذر ابن الحارث (آخذ) كذا في اليونينية وغيرها وفي الفرع لآخذ (بزمامها) وفي مسلم عن العباس: ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يركض بغلته قبل الكفار. قال العباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركابه فلعلهما تناوبا ذلك (وهو) عليه الصلاة والسلام (يقول): (أنا النبي لا كذب) لم يذكر الشطر الثاني في هذه الرواية، وقد كان بعض أهل العلم فيما حكاه السفاقسي يفتح الباء من قوله لا كذب ليخرجه عن الوزن، وقد أجيب عن هذا: بأنه خرج منه عليه الصلاة والسلام هكذا موزونًا ولم يقصد به الشعر أو أنه لغيره وتمثل هو عليه الصلاة والسلام به وأنه كان: أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب فذكره بلفظ: أنا في الموضعين. (قال إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي فيما وصله

المؤلّف في الجهاد (وزهير) هو ابن معاوية الجعفي مما وصله في باب من صف أصحابه عند الهزيمة فقالا في آخره: (نزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بغلته) أي واستنصر أي قال: "اللهم أنزل نصرك" ولمسلم من حديث سلمة بن الأكوع فلما غشوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب ثم استقبل به وجوههم فقال: "شاهت الوجوه" فما خلق الله منهم إنسانًا إلا ملأ عينيه ترابًا بتلك القبضة فولوا منهزمين. وقوله: "شاهت الوجوه" أي قبحت وفيه علم من أعلام نبوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو إيصال تراب القبضة اليسيرة إليهم وهم أربعة آلاف. 4318 و 4319 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنِي لَيْثٌ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ: وَزَعَمَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَعِي مَنْ تَرَوْنَ وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَىَّ أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا السَّبْيَ وَإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِكُمْ»، وَكَانَ أَنْظَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلاَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ». فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ، مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ» فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا. هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير بضم العين وفتح الفاء ابن مسلم الأنصاري مولاهم البصري قال: (حدثني) بالإفراد (ليث) ولأبي ذر: الليث بن سعد الإمام قال: (حدثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري قال المؤلّف: (ح). (وحدثني) بواو العطف والإفراد (إسحاق) بن منصور المروزي قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (قال: حدّثنا ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله (قال محمد بن شهاب) الزهري (وزعم عروة بن الزبير) بن العوّام (أن مروان) بن الحكم الأموي ولد سنة اثنتين من الهجرة ولم ير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (والمسور بن مخرمة) بن نوفل الزهري له صحبة (أخبراه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهو مرسل لأن المسور يصغر عن إدراك هذه القصة ومروان أصغر منه (قام حين جاءه وفد هوزان) حال كونهم (مسلمين) لما انصرف عليه الصلاة والسلام من الطائف في شوال إلى الجعرانة وبها سبي هوازن (فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم) وذكر الواقدي أن وفد هوازن كانوا أربعة وعشرين بيتًا فيهم أبو برقان السعدي فقال: يا رسول الله إن في هذه الحظائر لأمهاتك وخالاتك وحواضنك ومرضعاتك فامنن علينا منّ الله عليك (فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (معي من ترون) بفتح الفوقية من الصحابة (وأحب الحديث إليّ أصدقه فاختاروا) أن أرد إليكم (إحدى الطائفتين) أي الأمرين (إما السبي وإما المال وقد كنت استأنيت) بسكون المهملة وفتح الفوقية بعدها همزة ساكنة فنون مفتوحة فتحتية ساكنة (بكم) أي أخرت قسم السبي بسببكم لتحضروا، ولأبي ذر عن الكشميهني لكم أي لأجلكم فأبطأتم حتى ظننت أنكم لا تقدمون وقد قسمت السبي (وكان أنظرهم) كذا في الفرع وفي نسخة انتظرهم بزيادة فوقية بعد النون (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بضع عشرة ليلة) لم يقسم السبي وتركه بالجعرانة (حين قفل) أي رجع (من الطائف) إلى الجعرانة (فلما تبين لهم أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير رادّ إليهم إلا إحدى الطائفتين) المال أو السبي (قالوا: فإنا نختار سبينا فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإن إخوانكم) وفد هوازن (قد جاؤونا) حال كونهم (تائبين وإني قد رأيت أن أردّ إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك) نفسه بدفع السبي مجانًا من غير عوض (فليفعل) جواب الشرط (ومن أحب منكم أن يكون على حظه) من السبي (حتى نعطيه إياه) أي عوضه (من أول ما يفيء الله علينا فليفعل فقال الناس: قد طيبنا ذلك) لهم أي حملنا أنفسنا على ترك السبايا حتى طابت بذلك (يا رسول الله) يقال: طابت نفسي بكذا إذا حملتها على السماح من غيره إكراه فطابت بذلك (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفائكم) أي نقباؤكم (أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤكم ثم رجعوا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه أنهم قد طيبوا) ذلك (وأذنوا) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرد السبي إليهم. قال ابن شهاب (هذا الذي بلغني عن سبي هوازن). وهذا الحديث قد سبق في باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب

المسلمين. 4320 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ, أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ح حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا قَفَلْنَا مِنْ حُنَيْنٍ سَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ نَذْرٍ كَانَ نَذَرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ اعْتِكَافٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوَفَائِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الجهضمي (عن أيوب) السختياني (عن نافع أن عمر) وفي نسخة: أن ابن عمر وكذا هو في الفرع كأصله لكن فيهما شطب بالحمرة على أبي (قال: يا رسول الله) أورده كذا مختصرًا مرسلاً وسبق في الخُمس تمامه بلفظ إن عمر قال لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنه كان عليّ اعتكاف يوم في الجاهلية فأمره أن يفي به قال: وأصاب عمر جاريتين من سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة. الحديث. قال البخاري (ح). (وحدثني) بالواو وبالإفراد وسقطت الواو لغير أبي ذر (محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما قفلنا) رجعنا (من حنين سأل عمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن نذر كان نذره في) زمن (الجاهلية اعتكاف) بجرّ اعتكاف بدلاً من نذر، وفي نسخة بالفرع مصححًا عليها كأصله اعتكافًا، ولأبي ذر اعتكاف بالرفع (فأمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بوفائه، وقال بعضهم): هو أحمد بن عبدة الضبي كما أخرجه الإسماعيلي من طريقه (حماد) هو ابن زيد بن درهم (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) ولفظ الإسماعيلي كان عمر نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية فسأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمره أن يفي به. (ورواه جرير بن حازم وحماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فأما رواية جرير فوصلها مسلم بلفظ: أن عمر سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف فقال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يومًا في المسجد الحرام فكيف ترى؟ قال: "اذهب فاعتكف يومًا" وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أعطاه جارية من الخُمس فلما أعتق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبايا الناس قال عمر: يا عبد الله اذهب إلى تلك الجارية فخلّ سبيلها، وأما رواية حماد فوصلها مسلم أيضًا. 4321 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلاَ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَضَرَبْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ بِالسَّيْفِ فَقَطَعْتُ الدِّرْعَ وَأَقْبَلَ عَلَىَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْتُ عُمَرَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ رَجَعُوا وَجَلَسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ»، فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ - فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مِثْلَهُ قَالَ: ثم قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مِثْلَهُ، فَقُمْتُ فَقَالَ: «مَالَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ»؟ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ رَجُلٌ: صَدَقَ وَسَلَبُهُ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنِّي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لاَهَا اللَّهِ إِذًا لاَ يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ، يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُعْطِيَكَ سَلَبَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «صَدَقَ فَأَعْطِهِ» فَأَعْطَانِيهِ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمر بن كثير بن أفلح) بضم العين المدني مولى أبي أيوب الأنصاري تابعي صغير وثقه النسائي (عن أبي محمد) نافع بن عباس بموحدة ومهملة أو بتحتية ومعجمة الأقرع المدني (مولى أبي قتادة) قيل له ذلك للزومه وكان مولى عقيلة الغفارية (عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي وقيل اسمه النعمان فارس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال: خرجنا مع النبي) ولأبي ذر مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام حنين فلما التقينا) مع المشركين (كانت للمسلمين) أي لبعضهم غير رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه (جولة) بالجيم أي تقدم وتأخر وعبّر بذلك احترازًا عن لفظ الهزيمة (فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين) أي أشرف على قتله ولم يسم الرجلان (فضربته) أي المشرك (من ورائه على حبل عاتقه) أي عصب عاتقه عند موضع الرداء من العنق (بالسيف) ولأبي ذر بسيف (فقطعت الدرع) الذي هو لابسه (وأقبل عليّ فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت) أي شدّة كشدة الموت (ثم أدركه الموت فأرسلني) أي أطلقني (فلحقت عمر) زاد أبو ذر ابن الخطاب (فقلت) له: (ما بال الناس) منهزمن (قال: أمر الله عز وجل) أي هذا الذي أصابهم حكم الله وقضاؤه (ثم رجعوا) أي المسلمون بعد الانهزام (وجلس) بالواو ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فجلس (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (من قتل قتيلاً) أوقع القتل على المقتول باعتبار مآله كقوله: أعصر خمرًا (له عليه بيّنة فله سلبه) قال أبو قتادة (فقلت: من يشهد لي) بقتل ذلك الرجل (ثم جلست فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله من قتل قتيلاً له عليه بيّنة فله سلبه) وقوله فقال الخ ثابت لأبي ذر (قال: ثم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله فقمت) وسقط لأبي ذر قال.

ثم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى آخر فقمت (فقلت: مَن يشهد لي؟ ثم جلست. قال: ثم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مثله فقمت فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما لك يا أبا قتادة)؟ فأخبرته بذلك (فقال رجل): هو أسود بن خزاعي الأسلمي كما قاله الواقدي (صدق) يا رسول الله (وسلبه عندي فأرضه) بقطع الهمزة (مني) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي منه. (فقال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه-: (لاها الله) بقطع الهمزة ووصلها وكلاهما مع إثبات ألف ها وحذفها فهي أربعة: النطق بلام بعدها التنبيه من غير ألف ولا همز، وبألف من غير همز، وبالألف وقطع الجلالة، وبحذف الألف وثبوت همزة. القطع، والمشهور في الرواية الأول والثالث أي لا والله (إذًا) بالتنوين وكسر الهمزة. ومباحث هذا بتمامها سبقت في باب من لم يخمس الأسلاب. وقال في شرح المشكاة: هو كقولك لمن قال لك: الفعل كذا. فقلت: لا والله إذًا لا أفعل فالتقدير إذا (لا يعمد) كسر الميم أي لا يقصد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى أسد من أُسد الله) بضم الهمزة وسكون السين في الثاني أي إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة (يقاتل عن الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بسببهما (فيعطيك سلبه) أي سلب الذي قتله بغير طيب نفسه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صدق) أبو بكر (فأعطه) بهمزة قطع. قال الحافظ أبو عبد الله الحميدي الأندلسي: سمعت بعض أهل العلم يقول عند ذكر هذا الحديث: لو لم يكن من فضيلة الصديق -رضي الله عنه- إلا هذا فإنه يثاقب علمه وشدة صرامته وقوّة إنصافه وصحة توفيقه وصدق تحقيقه بادر إلى القول الحق فزجر وأفتى وحكم وأمضى، وأخبر في الشريعة عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحضرته وبين يديه بما صدّقه فيه وأجراه على قوله، وهذا من خصائصه الكبرى إلى ما لا يحصى من فضائله الأخرى. قال أبو قتادة: (فأعطانيه) أي السلب (فابتعت) أي اشتريت (به مخرفًا) بفتح الميم والراء بينهما خاء معجمة ساكنة وبعد الراء فاء أي بستانًا (في بني سلمة) بكسر اللام بطن من الأنصار (فإنه) بالفاء ولأبي ذر وأنه (لأوّل مال تأثلته) اقتنيته (في الإسلام). وعند أحمد عن أنس أن هوازن جاءت يوم حنين فذكر القصة قال: فهزم الله المشركين فلم يضرب بسيف ولم يطعن برمح، وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومئذٍ "من قتل كافرًا فله سلبه" فقتل أبو طلحة يومئذٍ عشرين راجلاً وأخذ أسلابهم. وقال أبو قتادة: إني قتلت رجلاً على حبل العاتق وعليه درع فأعجلت عنه فقام رجل فقال: أخذتها فأرضه منها. وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يسأل شيئًا إلا أعطاه أو سكت فسكت. فقال عمر: لا يفيئها الله على أسد من أسده ويعطيكها فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "صدق عمر" وإسناد هذا الحديث أخرج به مسلم بعض هذا الحديث، وكذلك أبو داود، ولكن الراجح أن الذي قال ذلك أبو بكر كما رواه أبو قتادة وهو صاحب القصة، فهو أتقن بما وقع فيها من غيره، ويمكن أن يجمع بأن يكون عمر أيضًا قال ذلك تقوية لقول أبي بكر قاله في فتح الباري. وحديث الباب مر في باب من لم يخمس الأسلاب من الخمس. 4322 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ نَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُ رَجُلاً مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَآخَرُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، يَخْتِلُهُ مِنْ وَرَائِهِ لِيَقْتُلَهُ فَأَسْرَعْتُ إِلَى الَّذِي يَخْتِلُهُ فَرَفَعَ يَدَهُ لِيَضْرِبَنِي وَأَضْرِبُ يَدَهُ فَقَطَعْتُهَا، ثُمَّ أَخَذَنِي فَضَمَّنِي ضَمًّا شَدِيدًا حَتَّى تَخَوَّفْتُ ثُمَّ تَرَكَ فَتَحَلَّلَ وَدَفَعْتُهُ، ثُمَّ قَتَلْتُهُ، وَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَانْهَزَمْتُ مَعَهُمْ، فَإِذَا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللَّهِ ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ، فَلَهُ سَلَبُهُ»، فَقُمْتُ لأَلْتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَشْهَدُ لِي، فَجَلَسْتُ ثُمَّ بَدَا لِي فَذَكَرْتُ أَمْرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: سِلاَحُ هَذَا الْقَتِيلِ الَّذِي يَذْكُرُ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ مِنْهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَلاَّ، لاَ يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَدَعَ أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَدَّاهُ إِلَيَّ فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافًا، فَكَانَ أَوَّلَ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ. (وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله المؤلّف في الأحكام عن قتيبة عن الليث: (حدثني) بالإفراد (يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمر بن كثير بن أفلح) بضم العين مولى أبي أيوب (عن أبي محمد) نافع (مولى أبي قتادة أن أبا قتادة) -رضي الله عنه- (قال: لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلاً من المشركين وآخر من المشركين يختله) بخاء معجمة ساكنة وفوقية مكسورة أي يخدعه (من ورائه ليقتله فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني وأضرب) بواو فهمزة قطع ولأبي ذر فأضرب (يده فقطعتها ثم أخذني فضمني ضمًّا شديدًا حتى تخوّفت) الموت فحذف المفعول (ثم تركـ) ـني من الترك كذا في الفرع كأصله مصححًا عليه مع حذف المفعول. وقال في فتح الباري وغيره: برك كذا بالموحدة للأكثر ولبعضهم بالمثناة (فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم) أي غير

55 - باب غزاة أوطاس

النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه (فإذا بعمر بن الخطاب في الناس) الذين لم ينهزموا (فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله) أي هذا حكمه (ثم تراجع الناس) الذين انهزموا (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من أقام بيّنة على قتيل قتله فله سلبه) قال أبو قتادة: (فقمت لألتمس بيّنة على قتيلى فلم أر أحدًا يشهد لي فجلست ثم بدا) أي ظهر (لي فذكرت أمره لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فقال رجل من جلسائه: سلاح هذا القتيل الذي يذكر) أبو قتادة ولأبي ذر عن الكشميهني الذي ذكره (عندي فأرضه منه، فقال أبو بكر) -رضي الله عنه- (كلا) بكاف ولام مشددة حرف ردع (لا يعطه) أي السلب (أصيبغ من قريش) بضم الهمزة وفتح الصاد المهملة وسكون التحتية وكسر الموحدة بعدها غين معجمة وصفه بالعجز والهوان تشبيهًا بالأصيبغ وهو نوع من الطيور، وقيل شبهه بالصبغاء وهو نبت ضعيف كالثمام، ولأبي ذر كما ذكره في الفتح أضيبع كذا في اليونينية بمعجمة ثم مهملة وفوق العين نصبتين تصغير ضبع قيل وهو مناسب للسياق حيث قال: (ويدع) أي يترك (أسدًا من أسد الله) فشبهه به لضعف افتراسه وما يوصف به من العجز، واعترض بأن تصغير ضبع ضبيع لا أضيبع. وقال ابن مالك: أضيبع تصغير أضبع وهو القصير الضبع أي العضد ويكنى به عن الضعيف. وقال الحافظ أبو ذر الهروي: يقال أصيبع بالصاد والعين المهملتين وأصيبغ بالصاد المهملة والغين المعجمة (يقاتل عن الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأداه) أي السلاح (إليّ) بتشديد التحتية (فاشتريت منه) بثمنه (خرافًا) بكسر الخاء المعجمة قال: السفاقسي هو اسم ما يخترف من الثمر أقام الثمرة مقام الأصل وقيل الخراف والمخرف لا يكون جنى النخل وإنما هو النخل نفسها والثمر يسمى مخروفًا والمراد هنا البستان (فكان أول مال تأثلته) اقتنيته (في الإسلام)، وعند ابن إسحاق أوّل مال اعتقدته أي جعلته عقدة والأصل فيه من العقد لأن من ملك شيئًا عقد عليه، وذكر الواقدي أن البستان المذكور كان يقال له الوديين. 55 - باب غَزَاةِ أَوْطَاسٍ (باب غزاة أوطاس) ولأبي ذر: غزوة بالواو بدل الألف، وأوطاس بفتح الهمزة وسكون الواو بعدها طاء وسين مهملتان بينهما ألف واد في ديار هوازن وفيه عسكروا هم وثقيف ثم التقوا بحنين. وسقط لفظ باب لأبي ذر. 4323 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ الصِّمَّةِ فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ، قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي عَامِرٍ فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا عَمِّ مَنْ رَمَاكَ؟ فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي الَّذِي رَمَانِي، فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا رَآنِي وَلَّى فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ أَلاَ تَسْتَحِي أَلاَ تَثْبُتُ فَكَفَّ فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ لأَبِي عَامِرٍ: قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ، قَالَ فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ، فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَقْرِئِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السَّلاَمَ وَقُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي، وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ عَلَى النَّاسِ فَمَكَثَ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ في ظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ وَقَالَ: قُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ» وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ» فَقُلْتُ وَلِي فَاسْتَغْفِرْ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلاً كَرِيمًا». قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: إِحْدَاهُمَا لأَبِي عَامِرٍ وَالأُخْرَى لأَبِي مُوسَى. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء (عن) جده (أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لما فرغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من) وقعة (حنين بعث أبا عامر) عبيد بن سليم بن حضار الأشعري وهو عم أبي موسى الأشعري على المشهور أميرًا (على جيش إلى أوطاس) في طلب الفارّين من هوازن يوم حنين إلى أوطاس فانتهى إليهم (فلقي دريد بن الصمة) بضم الدال مصغر الدرد بالمهملتين والراء والصمة بكسر الصاد المهملة وتشديد الميم الجشمي بالجيم المضمومة والشين المعجمة المفتوحة (فقتل) بضم القاف مبنيًا للمفعول (دريد) قتله ربيعة بن رفيع بن وهبان بن ثعلبة السلمي فيما جزم به ابن إسحاق أو هو الزبير بن العوّام كما يشعر به حديث عند البزار عن أنس بإسناد حسن (وهزم الله أصحابه) أي أصحاب دريد. (قال أبو موسى) الأشعري: (وبعثني) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مع أبي عامر) عبيد أي عمه إلى من التجأ إلى أوطاس (فرمي أبو عامر في ركبته رماه جشمي) أي رماه رجل جشمي بجيم مضمومة فشين معجمة مفتوحة وميم مكسورة فياء نسبة لبني جشم وهم أوفى والعلاء ابنا الحارث كما عند ابن هشام (بسهم فأثبته) بقطع الهمزة أي السهم (في ركبته) قال أبو موسى: (فانتهيت إليه فقلت) له: (يا عم من رماك)؟ بهذا السهم (فأشار إلى أبي موسى) هو التفات وكان الأصل أن يقول: فأشار إليّ

56 - باب غزوة الطائف في شوال سنة ثمان

(فقال: ذاك قاتلي الذي رماني) قال أبو موسى: (فقصدت له فلحقته فلما رآني ولّى) بفتح الواو واللام المشددة أي أدبر (فتبعته) بتشديد الفوقية وهمزة الوصل سرت في أثره (وجعلت أقول له: ألا) بالتخفيف (تستحي) بكسر الحاء المهملة ولأبي ذر تستحيي بسكونها وزيادة تحتية مكسورة أي من فرارك (ألا تثبت) عند اللقاء (فكفّ) عن التولي (فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته ثم قلت لأبي عامر: قتل الله صاحبك. قال: فانزع هذا السهم) بوصل الهمزة وكسر الزاي (فنزعته فنزا) بالنون والزاي من غير همز أي انصب (منه) من موضع السهم (الماء. قال: يا ابن أخي اقرئ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السلام) عني (وقل له استغفر لي) كذا بالياء مصححًا عليه بالفرع كأصله واستغفر بلفظ الطلب، والمعنى أن أبا عامر سأل أبا موسى أن يسأل له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يستغفر له. قال أبو موسى: (واستخلفني أبو عامر على الناس) أميرًا (فمكث يسيرًا ثم مات) -رضي الله عنه- ثم قاتلهم أبو موسى حتى فتح الله عليه قال: (فرجعت فدخلت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيته) حال كونه (على سرير مرمل) بضم الميم الأولى وفتح الثانية بينهما راء ساكنة ولأبي ذر مرمل بفتح الراء والميم الثانية مشددة منسوج بحبل ونحوه (وعليه فراش) نقل السفاقسي عن الشيخ أبي الحسن أنه قال: الذي أحفظه في هذا ما عليه فراش قال: وأرى أن ما سقطت هنا (قد أثر رمال السرير في ظهره وجنبيه) بفتح الموحدة على التثنية (فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر و) أنه (قال: قل له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (استغفر لي فدعا) عليه الصلاة والسلام (بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال): (اللهم اغفر لعبيد أبي عامر ورأيت بياض إبطيه) فيه رفع اليدين في الدعاء خلافًا لمن خصه بالاستسقاء (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللهم اجعله) في المرتبة (يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس) بيان لسابقه لأن الخلق أعم، ولأبي ذر ومن الناس قال أبو موسى (فقلت: ولي فاستغفر) يا رسول الله (فقال: اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريمًا) ويجوز فتح ميم مدخلاً وكلاهما بمعنى المكان والمصدر وكريمًا حسنًا. (قال أبو بردة): عامر بالسند السابق (إحداهما) أي الدعوتان (لأبي عامر والأخرى لأبي موسى). 56 - باب غَزْوَةُ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقَبْةَ: (باب غزوة الطائف). قال في القاموس: هي بلاد ثقيف في واد أوّل قراها لقيم وآخرها الوهط سميت بذلك لأنها طافت على الماء في الطوفان، أو لأن جبريل طاف بها على البيت أو لأنها كانت بالشام فنقلها الله تعالى إلى الحجاز بدعوة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، أو لأن رجلاً من الصدف أصاب دمًا بحضرموت ففرّ إلى وج وحالف مسعود بن معتب وكان له مال عظيم، فقال: هل لكم أن أبني لكم طوفًا عليكم ردأ من العرب؟ فقالوا: نعم فبناه وهو الحائط المطيف به، وسقط لفظ باب لأبي ذر (في شوّال سنة ثمان) من الهجرة (قاله موسى بن عقبة) في مغازيه كجمهور أهل المغازي. 4324 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ سَمِعَ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ، دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدِي مُخَنَّثٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا، فَعَلَيْكَ بِابْنَةِ غَيْلاَنَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَدْخُلَنَّ هَؤُلاَءِ عَلَيْكُنَّ» قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ الْمُخَنَّثُ هِيتٌ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير أنه (سمع سفيان) بن عيينة يقول: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومي (عن أمها أم سلمة) هند بنت أمية المخزومية أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: (دخل علي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعندي مخنث) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة والنون بعدها مثلثة وبكسر النون أفصح والفتح أشهر وهو من فيه انخناث أي تكسر وتثن كالنساء (فسمعته) وللأصيلي فسمعه (يقول: لعبد الله بن أمية) ولأبي ذر عن الكشميهني ابن أبي أمية (يا عبد الله أرأيت) أي أخبرني (إن فتح الله عليكم الطائف غدًا فعليك بابنة غيلان) ابن سلمة بادية بتحتية مفتوحة بعد الدال المهملة وقيل بالنون بدل التحتية أسلمت وسألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الاستحاضة وتزوّجها عبد الرحمن بن عوف وأسلم أبوها أيضًا بعد فتح الطائف (فإنها تقبل بأربع) من العكن (وتدبر بثمان) منها والعكنة

بضم العين ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمنا والمراد أن أطراف العكن الأربع التي في بطنها تظهر ثمانية في جنبيها. قال الزركشي وغيره: وقال ثمان ولم يقل ثمانية والأطراف مذكرة لأنه لم يذكرها كما يقال: هذا الثوب سبع في ثمان أي سبعة أذرع في ثمانية أشبار فلما لم يذكر الأشبار أنث لتأنيث الأذرع التي قبلها اهـ. قال في المصابيح: أحسن من هذا أنه جعل كلاًّ من الأطرف عنكة تسمية للجزء باسم الكل فأنث بهذا الاعتبار. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يدخلن) بسكون اللام وفتحها (هؤلاء) المخنثون (عليكن) ولأبي ذر عن الكشميهني عليكم بالميم بدل النون ثم أجلاه من المدينة إلى الحمى فلما ولي عمر بن الخطاب الخلافة قيل له: إنه قد ضعف وكبر فاحتاج فأذن له أن يدخل في كل جمعة فيسأل الناس ويرد إلى مكانه. (قال) ولأبي ذر وقال: (ابن عيينة) سفيان (وقال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (المخنث) اسمه (هيت) بكسر الهاء وسكون التحتية بعدها فوقية وهذا وصله ابن حبان في صحيحه من حديث عائشة، وضبطه ابن درستويه بهاء مكسورة فنون ساكنة فموحدة، وزعم أن ما سواه تصحيف، وقيل: هيت لقب له واسمه ماتع بفوقية وعين مهملة وهو مولى عبد الله بن أبي أمية المذكور. وهذا الحديث أخرجه في النكاح أيضًا واللباس، ومسلم في الاستئذان، والنسائي في عشرة النساء، وابن ماجه في النكاح. 0000 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا وَزَادَ وَهْوَ مُحَاصِرٌ الطَّائِفَ يَوْمَئِذٍ. [الحديث 4324 - طرفاه في: 5235، 5887]. وبه قال: (حدّثنا محمود) هو ابن غيلان قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) بالسند المذكور (بهذا) الحديث السابق (وزاد وهو محاصر الطائف يومئذٍ). 4325 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الشَّاعِرِ الأَعْمَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الطَّائِفَ، فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا قَالَ: «إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»، فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: نَذْهَبُ وَلاَ نَفْتَحُهُ، وَقَالَ مَرَّةً نَقْفُلُ فَقَالَ: «اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ» فَغَدَوْا فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ فَقَالَ: «إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَأَعْجَبَهُمْ فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: فَتَبَسَّمَ قَالَ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الْخَبَرَ كُلَّهُ. [الحديث 4325 - طرفاه في: 6086، 7480]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن أبي العباس) السائب بن فروخ (الشاعر الأعمى) المكي (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن العاص، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ابن عمر بضم العين وفتح الميم ابن الخطاب، وصوّبه الدارقطني وغيره والاختلاف في ذلك غير قادح في الحديث كما لا يخفى (قال: لما حاصر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الطائف) وكانت ثقيف قد رموا حصنهم وأدخلوا فيه ما يصلحهم لسنة فلما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم وأغلقوه عليهم. قال ابن سعد: وكانت مدة حصارهم ثمانية عشر يومًا، وقيل خمسة عشر يومًا. وقال ابن هشام: سبعة عشر، وقيل أربعين يومًا وقيل غير ذلك. (فلم ينل منهم شيئًا). وذكر أهل المغازي أنهم رموا على المسلمين سكك الحديد المحماة ورموهم بالنبل فأصابوا قومًا فاستشار -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نوفل بن معاوية الديلي فقال: هم ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته لم يضرك (قال) عليه الصلاة والسلام: (إنا قافلون) أي راجعون إلى المدينة (إن شاء الله فثقل) ذلك (عليهم) أي على الصحابة (وقالوا: نذهب ولا نفتحه، وقال مرة: نقفل) بضم الفاء أي نرجع (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اغدوا على القتال) أي سيروا أوّل النهار لأجل القتال (فغدوا) فلم يفتح عليهم (فأصابهم جراح) لأنهم رموا عليهم من أعلى السور فكانوا ينالون منهم بسهامهم ولا تصل السهام إليهم لكونهم أعلى السور فلما رأوا ذلك تبين لهم تصويب الرجوع (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنّا قافلون غدًا إن شاء الله) عز وجل (فأعجبهم) ذلك حينئذٍ (فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال سفيان) بن عيينة: (مرة فتبسم) عليه الصلاة والسلام وهذا ترديد من الراوي. (قال) أي المؤلّف: (قال الحميدي) عبد الله بن الزبير شيخ البخاري: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (الخبر كله) بالنصب أي بجميع الحديث بالخبر من غير عنعنة ولأبي ذر عن الكشميهني بالخبر كله. وقد أخرج الحديث أيضًا في الأدب ومسلم في المغازي والنسائي في السير. 4326 و 4327 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا وَهْوَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَبَا بَكْرَةَ، وَكَانَ تَسَوَّرَ حِصْنَ الطَّائِفِ فِي أُنَاسٍ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالاَ: سَمِعْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهْوَ يَعْلَمُ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ». وَقَالَ هِشَامٌ: وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَوْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا وَأَبَا بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ عَاصِمٌ: قُلْتُ لَقَدْ شَهِدَ عِنْدَكَ رَجُلاَنِ حَسْبُكَ بِهِمَا قَالَ: أَجَلْ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمَّا الآخَرُ فَنَزَلَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَالِثَ ثَلاَثَةٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الطَّائِفِ. [الحديث 4326 - طرفه في: 6766]. [الحديث 4327 - طرفه في: 6767]. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (محمد بن بشار) بالشين المعجمة المشددة بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عاصم) هو ابن سليمان أنه (قال: سمعت أبا عثمان) عبد الرحمن النهدي (قال: سمعت

سعدًا) هو ابن أبي وقاص أحد العشرة (وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله وأبا بكرة) نفيعًا (وكان تسوّر حصن الطائف) أي صعد إلى أعلاه ثم تدلى منه (في أناس) من عبيد أهل الطائف أسلموا (فجاء) أي أبو بكرة (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالا: سمعنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من ادعى) أي من انتسب (إلى غير أبيه وهو يعلم) أنه غير أبيه (فالجنة عليه حرام) إذا استحل ذلك أو خرج مخرج التغليظ. (وقال هشام): هو ابن يوسف الصنعاني (وأخبرنا) وسقطت الواو ولأبي ذر (معمر) هو ابن راشد الأزدي مولاهم (عن عاصم) هو ابن سليمان (عن أبي العالية) رفيع بضم الراء وفتح الفاء ابن مهران الرياحي (أو أبي عثمان) عبد الرحمن (النهدي) بفتح النون وسكون الهاء بالشك من الراوي أنه (قال: سمعت سعدًا) هو ابن أبي وقاص (وأبا بكرة) نفيعًا (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال عاصم: قلت) لأبي العالية أو لأبي عثمان: (لقد شهد عندك رجلان) سعد وأبو بكرة (حسبك بهما. قال: أجل) أي نعم (أما أحدهما) وهو سعد (فأوّل من رمى بسهم في سبيل الله، وأما الآخر) وهو أبو بكرة (فنزل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف) أي من أهله. وعند الطبراني أن أبا بكرة تدلى ببكرة فكني أبا بكرة لذلك، وسمي في السير ممن نزل من حصن الطائف من عبيدهم فأسلم مع أبي بكرة المنبعث عبد عثمان بن عامر بن معتب ومرزوق والأزرق زوج سمية والدة زياد بن عبيد، والأزرق أبو عتبة وكان لكلدة الثقفي، ووردان وكان لعبد الله بن ربيعة، ويحنس النبال وكان لابن مالك الثقفي، وإبراهيم بن جابر وكان لخرشة الثقفي، وبشار وكان لعثمان بن عبد الله، ونافع مولى الحارث بن كلدة ونافع مولى غيلان بن سلمة الثقفي. قال في الفتح: ولم أعرف اسم الباقين. قال ولم يقع لي هذا التعليق موصولاً إلى هشام بن يوسف ومراد المؤلّف منه ما فيه من بيان عدد من أبهم في الرواية السابقة. 4328 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-. قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ بِلاَلٌ فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَلاَ تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي فَقَالَ لَهُ: «أَبْشِرْ» فَقَالَ: قَدْ أَكْثَرْتَ عَلَىَّ مِنْ أَبْشِرْ، فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلاَلٍ كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ فَقَالَ: «رَدَّ الْبُشْرَى فَاقْبَلاَ أَنْتُمَا». قَالاَ: قَبِلْنَا ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: «اشْرَبَا مِنْهُ وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا وَأَبْشِرَا» فَأَخَذَا الْقَدَحَ فَفَعَلاَ فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ أَنْ أَفْضِلاَ لأُمِّكُمَا فَأَفْضَلاَ لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة (عن) جده (أبي بردة) بضم الموحدة عامر (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو نازل بالجعرانة) بكسر الجيم وسكون العين وقد تكسر العين وتشدد الراء (بين مكة والمدينة) كذا وقع هنا قال الداودي: وهو وهم، والصواب بين مكة والطائف وبه جزم النووي وغيره (ومعه بلال) المؤذن (فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعرابي) قال ابن حجر: لم أقف على اسمه (فقال: ألا تنجز) أي ألا توفي (لي ما وعدتني)؟ من غنيمة حنين أو كان ذلك وعدًا خاصًّا به (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (له): (أبشر) بقطع الهمزة بقرب القسمة أو بالثواب الجزيل على الصبر (فقال) الأعرابي: (قد كثرت عليّ من أبشر فأقبل) عليه الصلاة والسلام (على أبي موسى) الأشعري (وبلال) المؤذن (كهيئة الغضبان فقال) لهما: (رد) الأعرابي (البشرى فاقبلا) بفتح الموحدة (أنتما) البشرى (قالا: قبلنا) ها يا رسول الله (ثم دعا) عليه الصلاة والسلام (بقدح فيه ماء فغسل يديه) بالتثنية (ووجهه فيه ومج فيه ثم قال: اشربا منه وأفرغا) بقطع الهمزة وكسر الراء أي صبا (على وجوهكما ونحوركما وأبشرا) بقطع الهمزة (فأخذ القدح ففعلا) ما أمرهما به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فنادت أم سلمة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- (من وراء الستر: أن أفضلا) بقطع الهمزة وكسر الضاد المعجمة (لأمكما) تعني نفسها (فأفضلا) بقطع الهمزة وفتح الضاد (لها منه طائفة) أي بقية. وهذا الحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 4329 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَخْبَرَ أَنَّ يَعْلَى كَانَ يَقُولُ: لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ قَالَ: فَبَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ مَعَهُ فِيهِ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعْدَ مَا تَضَمَّخَ بِالطِّيبِ؟ فَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى يَعْلَى بِيَدِهِ أَنْ تَعَالَ فَجَاءَ يَعْلَى فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فَإِذَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحْمَرُّ الْوَجْهِ يَغِطُّ كَذَلِكَ سَاعَةً، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: «أَيْنَ الَّذِي يَسْأَلُنِي عَنِ الْعُمْرَةِ آنَفًا»؟ فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ فَأُتِيَ بِهِ، فَقَالَ: «أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ». وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي قال: (حدّثنا إسماعيل) بن إبراهيم ابن علية قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال: (أخبرني)

بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (أن صفوان بن يعلى بن أمية) التميمي (أخبره) ولغير أبي ذر بإسقاط الضمير (أن) أباه (يعلى كان يقول: ليتني أرى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين ينزل) بضم الياء وفتح الزاي (عليه) الوحي (قال: فبينا) بغير ميم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجعرانة) بالتخفيف والتشديد (وعليه ثوب قد أظل به) بضم الهمزة وكسر الظاء المعجمة (معه فيه ناس من أصحابه إذ جاءه أعرابي عليه جبة متضمخ) أي متلطخ وهو صفة أعرابي المرفوع أو خبر مبتدأ محذوف أي هو متضمخ (بطيب فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ) تلطخ (بالطيب) ولأبي ذر: بطيب (فأشار عمر) -رضي الله عنه- (إلى يعلى بيده أن تعال، فجاءه يعلى فأدخل رأسه) ليرى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حال نزول الوحي لتقوية الإيمان بمشاهدته (فإذا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- محمر الوجه يغط) بكسر المعجمة وتشديد المهملة يتردد صوت نفسه كالنائم من شدة ثقل الوحي (كذلك ساعة ثم سري عنه) أي كشف عنه ما يتغشاه من ثقل الوحي (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أين الذي يسألني عن العمرة آنفًا فالتمس) بضم التاء وكسر الميم طلب (الرجل فأتي به) بضم الهمزة وكسر التاء (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات) نص في تكرار الغسل ثلاثًا فالعامل في قوله ثلاث مرات أقرب الفعلين إليه وهو: فاغسله أو العامل فيه فقال: أي قاله له ثلاث مرات غسل الثوب، فلا يكون تنصيصًا على تثليث الغسل، وكانت القصة بالجعرانة سنة ثمان، وقد قالت عائشة -رضي الله عنها-: طيبته في حجة الوداع أي سنة عشر فهو ناسخ للأول (وأما الجبة فانزعها) عنك (ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك) فيه دلالة على أنه يعرف أعمال الحج. وقد سبق هذا الحديث في كتاب الحج في باب غسل الخلوق. 4330 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي» كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ قَالَ: «مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»؟ قَالَ: كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ قَالَ: «لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى رِحَالِكُمْ؟ لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ». [الحديث 4330 - طرفه في: 7245]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد البصري (قال: حدّثنا عمرو بن يحيى) بفتح العين ابن عمارة الأنصاري المازني (عن عباد بن تميم) الأنصاري المدني (عن عبد الله بن زيد بن عاصم) أي ابن كعب الأنصاري المازني صحابي مشهور قيل: إنه هو الذي قتل مسيلمة الكذاب واستشهد بالحرة سنة ثلاث وستين أنه (قال: أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لما أعطاه الله غنائم الذين قاتلهم (يوم حنين) وسقطت التصلية لأبي ذر (قسم) عليه الصلاة والسلام الغنائم (في الناس في المؤلّفة قلوبهم) بدل بعض من وكل والمؤلّفة هم أناس أسلموا يوم الفتح إسلامًا ضعيفًا. وقد سرد ابن طاهر في المبهمات له أسماؤهم وهم: أبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، وحكيم بن حزام، وأبو السنابل بن بعكك، وصفوان بن أمية، وعبد الرحمن بن يربوع، وهؤلاء من قريش. وعيينة بن حصين الفزاري، والأقرع بن حابس التميمي، وعمرو بن الأيهم التميمي، والعباس بن مرداس السلمي، ومالك بن عوف النضري، والعلاء بن حارثة الثقفي. قال ابن حجر: وفي ذكر الأخيرين نظر فقيل: إنما جاءا طائعين من الطائف إلى الجعرانة. وذكر الواقدي في المؤلّفة: معاوية ويزيد ابني أبي سفيان، وأسيد بن حارثة، ومخرمة بن نوفل، وسعيد بن يربوع، وتيس بن عدي، وعمرو بن وهب، وهشام بن عمرو. وزاد ابن إسحاق: النضر بن الحارث، والحارث بن هشام، وجبير بن مطعم، وممن ذكره فيهم أبو عمر سفيان بن عبد الأسد، والسائب بن أبي السائب، ومطيع بن الأسود، وأبو جهم بن حذيفة. وذكر ابن الجوزي فيهم: زيد الخيل، وعلقمة بن علاثة، وحكيم بن طلق بن سفيان بن أمية، وخالد بن قيس السهمي، وعمير بن مرداس، وذكر غيرهم فيهم: قيس بن مخرمة، وأحيحة بن أمية بن خلف، وابن أبي شريق، وحرملة بن هوذة، وخالد بن هوذة، وعكرمة بن عامر العبدي، وشيبة بن عمارة، وعمرو بن ورقة، ولبيد بن ربيعة، والمغيرة بن الحارث، وهشام بن الوليد المخزومي، فهؤلاء زيادة على الأربعين نفسًا قاله في الفتح. (ولم يعط الأنصار شيئًا) من جميع الغنيمة،

فهو مخصوص بهذه الواقعة ليتألف مسلمة الفتح، في المفهم أن العطاء كان من الخمس ومنه كان أكثر عطاياه، وقيل: إنما كان تصرف في الغنيمة لأن الأنصار كانوا انهزموا فلم يرجعوا حتى وقعت الهزيمة على الكفار فردّ الله أمر الغنيمة لنبيه عليه الصلاة والسلام (فكأنهم وجدوا) بفتح الواو والجيم حزنوا ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وجد بضمتين جمع واحد (إذ لم يصبهم ما أصاب الناس) من القسمة. وزاد في رواية أبي ذر عن الحموي: وكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس بالشك هل قال وجد بضمتين أو وجدوا فعل ماض، وأما على رواية الكشميهني وجدوا في الموضعين فتكرار بغير فائدة كما لا يخفى، وجوّز الكرماني وتبعه بعضهم أن يكون الأول من الغضب، والثاني من الحزن (فخطبهم) عليه الصلاة والسلام زاد مسلم فحمد الله وأثنى عليه (فقال): (يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضُلاّلاً) بضم الضاد المعجمة وتشديد اللام الأولى بالشرك (فهداكم الله بي) إلى الإيمان (وكنتم متفرقين) بسبب حرب بعاث وغيره الواقع بينهم (فألفكم الله بي وعالة) ولأبي ذر: وكنتم عالة بالعين المهملة وتخفيف اللام أي فقراء لا مال لكم (فأغناكم الله بي كلما قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (شيئًا قالوا: الله ورسوله أمن) بفتح الهمزة وتشديد النون أفعل تفضيل من المن (قال) عليه الصلاة والسلام: (ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قال): وسقطت التصلية ولفظ قال لأبي ذر (كلما قال شيئًا قالوا: الله ورسوله أمنّ. قال: لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا). وفي حديث أبي سعيد فقال: "أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم أتيتنا مكذبًا فصدّقناك ومخذلاً فنصرناك وطريدًا فآويناك وعائلاً فواسيناك" زاد أحمد من حديث أنس قالوا: بل المنة لله ولرسوله وإنما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك تواضعًا منه، وإلاّ ففي الحقيقة الحجة المبالغة والمنة له عليهم كما قالوا. (ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاه والبعير) اسما جنس يقع كل منهما على الذكر والأنثى (وتذهبون بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى رحالكم) ذكرهم ما غفلوا عنه من عظيم ما اختصوا به منه بالنسبة إلى ما اختص به غيرهم من عرض الدنيا الفانية وسقطت التصلية لأبي ذر (لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار) قاله استطابة لنفوسهم وثناء عليهم، وليس المراد منه الانتقال عن النسب الولادي لأنه حرام مع أن نسبه عليه الصلاة والسلام أفضل الأنساب وأكرمها وهو تواضع منه عليه الصلاة والسلام، وحثّ على إكرامهم واحترامهم، لكن لا يبلغون درجة المهاجرين السابقين الذين خرجوا من ديارهم وقطعوا عن أقاربهم وأحيائهم وحرموا أوطانهم وأموالهم، والأنصار وإن اتصفوا بصفة النصرة والإيثار والمحبة والإيواء لكنهم مقيمون في مواطنهم، وحسبك شاهدًا في فضل المهاجرين قوله هذا لأن فيه إشارة إلى جلالة رتبة الهجرة فلا يتركها فهو نبي مهاجري لا أنصاري، وقد سبق مزيد لذلك في فضل الأنصار. (ولو سلك الناس واديًا وشعبًا) بكسر الشين المعجمة وسكون المهملة طريقًا في الجبل (لسلكت وادي الأنصار وشعبها) والمراد بلدهم (الأنصار شعار) الثوب الذي يلي الجلد (والناس دثار) بكسر الدال وبالمثلثة المفتوحة ما يجعل فوق الشعار أي أنهم بطانته وخاصته وأنهم ألصق به وأقرب إليه من غيرهم وهو تشبيه بليغ (إنكم ستلقون بعدي أثرة) بفتح الهمزة والمثلثة وبضم الهمزة وسكون المثلثة أي يستأثر عليكم بما لكم فيه اشتراك من الاستحقاق (فاصبروا) على ذلك (حتى تلقوني على الحوض) يوم القيامة فيحصل لكم الانتصاف ممن ظلمكم مع الثواب الجزيل على الصبر. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الزكاة. 4331 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِي رِجَالاً الْمِائَةَ مِنَ الإِبِلِ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَحُدِّثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَقَالَتِهِمْ فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ»؟ فَقَالَ فُقَهَاءُ الأَنْصَارِ: أَمَّا رُؤَسَاؤُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا نَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالاً حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ، أَتَأَلَّفُهُمْ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى رِحَالِكُمْ؟ فَوَاللَّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَضِينَا، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَتَجِدُونَ أُثْرَةً شَدِيدَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ». قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ يَصْبِرُوا. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد ولأبى ذر: حدثني بالإفراد أيضًا (أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال ناس من الأنصار حين أفاء الله

على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (ما أفاء به أموال هوازن فطفق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطي رجالاً المائة من الإبل فقالوا): أي الأنصار (يغفر الله لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قالوه توطئة وتمهيدًا لما يرد بعده من العتاب كقوله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} [التوبة: 43] وسقطت التصلية لأبي ذر (يعطي قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم) جملة وسيوفنا حال مقرّرة لجهة الإشكال وهي من باب قولهم عرضت الناقة على الحوض (قال أنس: فحدث) بضم الحاء كسر الدال مبنيًّا للمفعول أي أخبر (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمقالتهم) وعند ابن إسحاق من حديث أبي سعيد أن الذي أخبره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سعد بن معاذ (فأرسل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى الأنصار فجمعهم في قبة من آدم) بفتح الهمزة المقصورة والدال جلد مدبوغ (ولم يدع) بسكون الدال أي لم يناد (معهم غيرهم فلما اجتمعوا قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) خطيبًا (فقال): (ما حديث) بالتنوين (بلغني عنكم) (فقال فقهاء الأنصار: أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئًا وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (يعطي قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لهم: (فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم أما) بتخفيف الميم (ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى رحالكم) بيوتكم (فوالله لما) بفتح اللام للتأكيد أي الذي (تنقلبون به خير مما ينقلبون به) وفي مناقب الأنصار من طريق أبي التياح عن أنس: "أو لا ترضون أن يرجع الناس بالغنائم إلى بيوتهم وترجعون برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى بيوتكم" (قالوا: يا رسول الله قد رضينا. فقال لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ستجدون) ولأبي ذر عن الكشميهني فتجدون بالفاء بدل السين (أثرة شديدة) بضم الهمزة وسكون المثلثة وبفتحهما ويقال أيضًا أثرة بكسر الهمزة وسكون المثلثة من تفرد عليكم بما لكم فيه اشتراك في الاستحقاق أو يفضل نفسه عليكم في الفيء، وقيل: المراد بالأثرة نفس الشدة. قال في الفتح: ويرده سياق الحديث وسببه (فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله) يوم القيامة (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية لأبي ذر (فإني على الحوض) (قال أنس: فلم يصبروا) وفي قوله: ستلقون علم من أعلام النبوة لأنه كان كما قال صلوات الله وسلامه عليه. 4332 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَنَائِمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ فَغَضِبَتِ الأَنْصَارُ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: «لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قاضي مكة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي التياح) بالمثناة الفوقية ثم التحتية المشددة وبعد الألف حاء مهملة يزيد بن حميد (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: لما كان يوم فتح مكة) أي زمان فتحها الشامل الجميع السنة (قسّم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غنائم) هوازن (بين قريش) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: في قريش (فغضبت الأنصار قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لهم لما بلغه ذلك: (أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (قالوا: بلى) قد رضينا، وذكر الواقدي أنه حينئذ دعاهم ليكتب لهم بالبحرين وتكون لهم خاصة بعده دون الناس وهي يومئذ أفضل ما فتح عليه من الأرض فأبوا وقالوا: لا حاجة لنا بالدنيا (قال) عليه الصلاة والسلام: (لو سلك الناس واديًا أو شعبًا لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم) وأشار عليه الصلاة والسلام بذلك إلى ترجيحهم بحسن الجوار والوفاء بالعهد لا وجوب متابعته إياهم إذ هو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المتبوع المطاع لا التابع المطيع، فما أكثر تواضعه صلوات الله وسلامه عليه. 4333 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَزْهَرُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ الْتَقَى هَوَازِنُ وَمَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشَرَةُ آلاَفٍ وَالطُّلَقَاءُ فَأَدْبَرُوا قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ»؟ قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ لَبَّيْكَ نَحْنُ بَيْنَ يَدَيْكَ فَنَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ فَأَعْطَى الطُّلَقَاءَ وَالْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا فَقَالُوا: فَدَعَاهُمْ فَأَدْخَلَهُمْ فِي قُبَّةٍ فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لاَخْتَرْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا أزهر) بن سعد السمان أبو بكر الباهلي البصري (عن ابن عون) عبد الله أنه قال: (أنبأنا هشام بن زيد بن أنس عن) جده (أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: لما كان يوم حنين التقى) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و (هوازن ومع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشرة

آلاف) من المهاجرين (والطلقاء) بضم الطاء وفتح اللام والقاف ممدودًا جمع طليق فعيل بمعنى مفعول وهم الذين منّ عليهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم فتح مكة فلم يأسرهم ولم يقتلهم منهم: أبو سفيان بن حرب وابنه معاوية وحكيم بن حزام (فأدبروا قال) عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الأنصار قالوا: لبيك يا رسول الله وسعديك) هو من الألفاظ المقرونة بلبيك ومعناه إسعادًا بعد إسعاد أي ساعدتك على طاعتك مساعدة وهما منصوبان على المصدر (لبيك نحن بين يديك) وسقطت لبيك هذه لأبي ذر (فنزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن بغلته (فقال: أنا عبد الله ورسوله) وزاد أحمد في غير هذا الحديث في قصة حنين فأخذ كفًّا من تراب وقال: شاهت الوجوه (فانهزم المشركون) وأعطى الله تعالى رسوله غنائمهم، وأمر عليه الصلاة والسلام بحبسها بالجعرانة، فلما رجع من الطائف وصل إلى الجعرانة في خامس ذي القعدة، وإنا أخر القسمة رجاء أن تسلم هوازن وكانوا ستة آلاف نفس من النساء والأطفال، وكانت الإبل أربعة وعشرين ألفًا والغنم أربعين ألفًا شاة (فأعطى الطلقاء) الذين منّ رسول الله عليهم عليه السلام بإعتاقهم لما بقي فيهم من الطمع البشري في محبة المال فأعطاهم لتطمئن قلوبهم وتجتمع على محبته لأن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها (والمهاجرين ولم يعط الأنصار شيئًا) منه قيل لأنهم كانوا انهزموا فلم يرجعوا حتى وقعت الهزيمة على الكفار فردّ الله أمر الغنيمة لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالوا): أي الأنصار ولم يذكر مقلوهم اختصارًا أي تكلموا في منع العطاء عنهم وفي رواية الزهري عن أنس السابقة فقالوا: يغفر الله لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطي قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم (فدعاهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأدخلهم في قبة فقال: أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون) إلى المدينة (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقالوا: رضينا يا رسول الله (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لو سلك الناس واديًا وسلكت الأنصار شعبًا لاخترت شعب الأنصار) لحسن جوارهم ووفائهم بالعهد. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الزكاة. 4334 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: جَمَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: «إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى بُيُوتِكُمْ»؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ -أَوْ شِعْبَ الأَنْصَارِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) سقط ابن مالك لأبي ذر (-رضي الله عنه-) أنه (قال: جمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ناسًا من الأنصار) لما قسم غنائم حنين على قريش ولم يقسم للأنصار شيئًا منها وقالوا ما قالوا. (فقال) لهم: (إن قريشًا حديث عهد بجاهلية) بإفراد حديث والمعروف حديثو بالواو (ومصيبة) من نحو قتل أقاربهم وفتح بلادهم (وإني أردت أن أجبرهم) بفتح الهمزة وسكون الجيم وضم الموحدة من الجبر ضد الكسر، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أن أجيزهم بضم الهمزة وكسر الجيم بعدها تحتية فزاي من الجائزة (وأتألفهم) للإسلام (أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى بيوتكم) سقطت التصلية لأبي ذر (قالوا: بلى) رضينا (قال) عليه الصلاة والسلام: (لو سلك الناس واديًا وسلكت الأنصار شعبًا لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار) بالشك من الراوي. وهذا الحديث أخرجه الترمذي في المناقب والنسائي في الزكاة. 4335 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِسْمَةَ حُنَيْنٍ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: مَا أَرَادَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ؟ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ: «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ». وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قسمة) غنيمة (حنين) فآثر ناسًا في القسمة (قال رجل من الأنصار): قال الواقدي: هو معتب بن قشير المنافق (ما أراد بها) أي بهذه القسمة (وجه الله) قال ابن مسعود (فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته) بقوله (فتغير وجهه) المقدس من الغضب (ثم قال): (رحمة الله على موسى) الكليم (لقد أوذي بأكثر من

هذا) الذي أوذيت به (فصبر) وذلك أن موسى صلوات الله عليه وسلامه كان حينًا ستيرًا لا يرى من جلده شيء استحياء فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما آفة فبرأه الله مما قالوا كما في الحديث السابق في أحاديث الأنبياء. وحديث الباب أخرجه مسلم في الزكاة. 4336 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَاسًا أَعْطَى الأَقْرَعَ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى نَاسًا فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُرِيدَ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ وَجْهُ اللَّهِ. فَقُلْتُ لأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لما كان يوم حنين آثر) بالمد أي خص (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ناسًا) بالزيادة في القسمة (أعطى الأقرع) بن حابس المجاشعي أحد المؤلّفة قلوبهم (مائة من الإبل وأعطى عيينة) بن حصن الفزاري (مثل ذلك وأعطى ناسًا) آخرين من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة على غيرهم (فقال رجل): هو معتب (ما أريد) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بهذه القسمة وجه الله) قال ابن مسعود (فقلت: لأخبرن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بقوله فأتيته فأخبرته (قال): (رحم الله موسى) عليه الصلاة والسلام (قد أوذي بأكثر من هذا فصبر) لم ينقل أنه عاقبه على ذلك فيحتمل أنه لم يثبت عليه ذلك وإنما نقله عنه واحد وشهادة واحد لا يراق بها الدم أو أنه لم يفهم منه الطعن في النبوة وإنما نسبه لترك العدل في القسمة. وهذا الحديث سبق في الخُمس. 4337 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ وَغَيْرُهُمْ بِنَعَمِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَمَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشَرَةُ آلاَفٍ وَمِنَ الطُّلَقَاءِ فَأَدْبَرُوا عَنْهُ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ فَنَادَى يَوْمَئِذٍ نِدَاءَيْنِ لَمْ يَخْلِطْ بَيْنَهُمَا الْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ» قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ». قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ وَهْوَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ فَنَزَلَ فَقَالَ: «أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» فَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ فَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالطُّلَقَاءِ وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: إِذَا كَانَتْ شَدِيدَةٌ فَنَحْنُ نُدْعَى وَيُعْطَى الْغَنِيمَةَ غَيْرُنَا فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ»؟ فَسَكَتُوا فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحُوزُونَهُ إِلَى بُيُوتِكُمْ»؟ قَالُوا: بَلَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا لأَخَذْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ» فَقَالَ هِشَامٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ وَأَنْتَ شَاهِدٌ ذَاكَ قَالَ: وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْهُ؟. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار قال: (حدّثنا معاذ بن معاذ) التميمي قاضي البصرة قال: (حدّثنا ابن عون) عبد الله (عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك) وسقط ابن مالك لأبي ذر (عن) جده (أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان) بالغين المعجمة المفتوحة (وغيرهم بنعمهم وذراريهم) بالذال المعجمة وتشديد التحتية وكانت عادتهم إذا أرادوا التثبت في القتال استصحاب الأهالي ونقلهم معهم إلى موضع القتال (ومع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشرة آلاف من الطلقاء) وسقطت الواو لأبي ذر ولأبي ذر عن الكشميهني والطلقاء بحرف العطف وإسقاط حرف الجر وهي الصواب لأن الطلقاء لم يبلغوا ذلك ولا عُشر عشره. وقال الحافظ ابن حجر كالكرماني والبرماوي، وقيل: إن الواو مقدرة عند من جوّز تقدير حرف العطف. قال العيني: وفيه نظر لا يخفى. (فأدبروا عنه حتى بقي وحده) أي متقدمًا مقبلاً على العدوّ وحده وبهذا التقدير يجمع بين قوله هنا حتى بقي وحده وبين قوله في الروايات الدالة على أنه بقي معه جماعة فالوحدة بالنسبة لمباشرة القتال والذين ثبتوا معه كانوا وراءه وأبو سفيان بن الحارث وغيره كانوا يخدمونه في إمساك البغلة ونحو ذلك. (فنادى) عليه الصلاة والسلام (يومئذ نداءين) بكسر النون الأولى تثنية نداء بالمد (لم يخلط بينهما التفت عن يمينه فقال): (يا معشر الأنصار قالوا: لبيك يا رسول الله ابشر نحن معك، ثم التفت عن يساره فقال: يا معشر الأنصار قالوا: لبيك يا رسول الله ابشر نحن معك وهو) عليه الصلاة والسلام (على بغلة بيضاء) وفي رواية لمسلم من حديث العباس أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أي عباس ناد أصحاب الشجرة" وكان العباس صيّتًا قال: فناديت بأعلى صوتي أين أصحاب الشجرة؟ قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها فقالوا: يا لبيك يا لبيك. قال: فاقتتلوا والكفار فنظر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو على بغلته كالمتطاول إلى قتالهم فقال: هذا حين حمي الوطيس (فنزل) عن بغلته ثم قبض قبضة من تراب، ولأحمد والحاكم من حديث ابن مسعود: ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بغلته قدمًا فحادت به بغلته فقال عن السرج فقلت ارتفع رفعك الله. قال: "ناولني كفًا من تراب" فضربه في وجوههم فامتلأت أعينهم ترابًا وجاء المهاجرون والأنصار سيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب، ويجمع بين الروايتين بأنه أولاً قال لصاحبه: ناولني فناوله فرماهم ثم نزل عن بغلته فأخذ بيده فرماهم أيضًا (فقال) عليه الصلاة والسلام:

57 - باب السرية التي قبل نجد

(أنا عبد الله ورسوله) (فانهزم المشركون فأصاب) ولأبوي ذر والوقت وأصاب (يومئذ غنائم كثيرة فقسّم في المهاجرين والطلقاء ولم يعط الأنصار شيئًا) من ذلك (فقالت الأنصار: إذا كانت) قضية (شديدة) كالحرب برفع شديدة ولأبي ذر بنصبها (فنحن ندعى) بضم النون مبنيًا للمفعول نطلب (ويعطى الغنيمة غيرنا فبلغه) عليه الصلاة والسلام (ذلك فجمعهم في قبة فقال: يا معشر الأنصار ما حديث بلغني عنكم فسكتوا) وسقط لأبي ذر عنكم، وفي طريق الزهري عن أنس السابقة قريبًا فقال فقهاء الأنصار: أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئًا ويجمع بينهما بأن بعضهم سكت وبعضهم أجاب (فقال: يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط لأبي ذر التصلية (تحوزونه) بالحاء المهملة (إلى بيوتكم قالوا: بلى). رضينا يا رسول الله (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لو سلك الناس واديًا وسلكت الأنصار شعبًا لأخذت شعب الأنصار). (فقال هشام) بالسند السابق (يا أبا حمزة) وهي كنية أنس ولأبي ذر وقال هشام قلت يا أبا حمزة (وأنت شاهد ذاك)؟ ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ذلك باللام (قال) أنس: (وأين أغيب عنه)؟ استفهام إنكاري. (تنبيه): كان الوجه أن يقدم حديث أنس هذا على حديث ابن مسعود الذي سبق لتوالي طرق حديث أنس، قال الحافظ ابن حجر: وأظنه من تغيير الرواة عن الفربري فإن طريق أنس الأخيرة سقطت من رواية النسفيّ فلعل البخاري ألحقها فكتبت متأخرة عن مكانها. 57 - باب السَّرِيَّةِ الَّتِي قِبَلَ نَجْدٍ (باب السرية التي قبل نجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي في جهة نجد. 4338 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ فَكُنْتُ فِيهَا فَبَلَغَتْ سِهَامُنَا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِّلْنَا بَعِيرًا بَعِيرًا فَرَجَعْنَا بِثَلاَثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سرية) طائفة من الجيش قال ابن حجر: وهي من مائة إلى خمسمائة. وقال في القاموس: من خمسة أنفس إلى ثلاثمائة أو أربعمائة وكان أبو قتادة أميرها وعند أهل المغازي أنها كانت قبل التوجه للفتح وقال ابن سعد في شعبان سنة ثمان (قبل نجد) جهتها (فكنت فيها) زاد في الخُمس في باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين فغنموا إبلاً كثيرة (فبلغت سهامنا) ولأبي ذر سهماننا بضم السين وسكون الهاء (اثني عشر بعيرًا) وفي باب الخمس أو أحد عشر بعيرًا بالشك (ونفلنا) بضم النون مبنيًّا للمفعول أي أعطي كل واحد منا زيادة على المستحق له (بعيرًا بعيرًا) بالتكرار مرتين (فرجعنا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فرجعت (بثلاثة عشر بعيرًا). وهذا الحديث قد سبق في الخمس كما مرّ. 58 - باب بَعْثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ (باب بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خالد بن الوليد) عقب فتح مكة في شوّال قبل الخروج إلى حنين عند جميع أهل المغازي في ثلاثمائة وخمسين من المهاجرين والأنصار (إلى بني جذيمة) بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة بعدها تحتية ساكنة قال ابن حجر: أي ابن عامر بن عبد مناة بن كنانة. 4339 - حَدَّثَنا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ح. 000 - وَحَدَّثَنِي نُعَيْمٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: صَبَأْنَا صَبَأْنَا، فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ أَمَرَ خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلاَ يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرْنَاهُ لَهُ فَرَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ» مَرَّتَيْنِ. [الحديث 4339 - طرفه في: 7189]. وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر حدثني (محمود) هو ابن غيلان قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد. قال البخاري: (ح). (وحدثني) بالإفراد (نعيم) بضم النون ابن حماد قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا معمر) أي ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه (قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خالد بن الوليد إلى بني جذيمة) داعيًا إلى الإسلام لا مقاتلاً (فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا) بالهمز الساكن فيهما أي خرجنا من الشرك إلى دين الإسلام فلم يكتف خالد بالتصريح بذكر الإسلام أو فهم أنهم عدلوا عن التصريح أنفة منهم ولم ينقادوا (فجعل خالد يقتل منهم ويأسر) بكسر السين وسقط في بعض النسخ لفظ منهم (ودفع إلى كل رجل منا) أي من الصحابة الذين كانوا معه في السرية (أسيره

59 - باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز المدلجي ويقال: إنها سرية الأنصار

حتى إذا كان يوم) بالتنوين أي من الأيام قاله ابن حجر وقال العيني: ليس بصحيح بل يوم اسم كان التامة مضافًا إلى قوله (أمر خالد أن يقتل) أي بأن يقتل (كل رجل منا أسيره) كما في قوله: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} [المائدة: 119]. اهـ. والذي في الفرع كأصله التنوين وعند ابن سعد: فلما كان السحر نادى خالد من كان معه أسير فليضرب عنقه، ولأبي ذر عن الكشميهني كل إنسان بدل قوله رجل. قال ابن عمر: (فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي) المهاجرين والأنصار (أسيره) وعند ابن سعد أن بني سليم قتلوا من في أيديهم (حتى قدمنا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدكرناه له فرفع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده) ولأبي ذر يديه بالتثنية وسقطت التصلية لأبي ذر (فقال): (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) قال ذلك (مرتين) وإنما نقم عليه الصلاة والسلام على خالد استعجاله في شأنهم وترك التثبت في أمرهم إلى أن سيرى المراد من قولهم صبأنا ولم ير عليه قودًا لأنه تأول أنه كان مأمورًا بقتالهم إلى أن يسلموا. 59 - باب سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وَعَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ وَيُقَالُ: إِنَّهَا سَرِيَّةُ الأَنْصَارِ (باب سرية عبد الله بن حذافة) بضم الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة بعدها ألف ففاء ابن قيس بن عدي بن سعد (السهمي) وسقط لفظ باب من الفرع كأصله (وعلقمة بن مجزز) بضم الميم وفتح الجيم وكسر الزاي الأولى المشددة وصحح عليه في الفرع كأصله أو بفتح الزاي. وقال عبد الغني الكسر الصواب لأنه جزّ نواصي أسارى من العرب، وكذا ضبطه ابن ماكولا وابن السكن والحموي والمستملي والأصيلي والنسفيّ، ولأبي ذر: ابن محرز بالحاء المهملة الساكنة والراء المكسورة بعدها زاي ابن الأعور (المدلجي) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر اللام والجيم (ويقال: إنها) أي هذه السرية (سرية الأنصار) ولأبي ذر: الأنصاري. قال في الفتح: أشار إلى احتمال تعدد القصة أو يكون على المعنى الأعم أي أن عبد الله بن حذافة نصره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الجملة. 4340 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ فَغَضِبَ فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا بَلَى قَالَ: فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا فَجَمَعُوا فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا فَأَوْقَدُوهَا فَقَالَ: ادْخُلُوهَا فَهَمُّوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا وَيَقُولُونَ فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ النَّارِ، فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ فَسَكَنَ غَضَبُهُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» [الحديث 4340 - أطرافه في: 7145، 7257]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدثني) بالإفراد (سعد بن عبيدة) بسكون العين في الأول وضمها في الثاني مصغرًا الكوفي (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن حبيب السلمي (عن علي -رضي الله عنه-) أنه (قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سرية فاستعمل) ولأبي ذر واستعمل بالواو بدل الفاء (عليها رجلاً من الأنصار) هو عبد الله بن حذافة السهمي فيما قاله ابن سعد (وأمرهم أن يطيعوه فغضب) أي عليهم، ولمسلم فأغضبوه في شيء (فقال): ولأبي ذر قال (أليس أمركم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تطيعوني؟ قالوا: بلى قال: فأجمعوا لي حطبًا فجمعوا) أي الحطب (فقال: أوقدوا) بفتح الهمزة وكسر القاف (نارًا فأوقدوها فقال: ادخلوها) وفي رواية حفص بن غياث في الأحكام فقال: عزمت عليكم لما جمعتم حطبًا وأوقدتم نارًا ثم دخلتم فيها (فهمّوا) بفتح الهاء وضم الميم المشددة فسّره البرماوي كالكرماني بقوله حزنوا. قال العيني: وليس كذلك، بل المعنى فقصدوا، ويؤيده رواية حفص فلما همّوا بالدخول فيها فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض (وجعل بعضهم يمسك بعضًا ويقولون: فررنا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من النار فما زالوا حتى خمدت النار) بفتح الميم وتكسر انطفأ لهبها. (فسكن غضبه، فبلغ) ذلك (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (لو دخلوها) أي لو دخلوا النار التي أوقدوها ظانين أنهم بسبب طاعتهم أميرهم لا تضرهم (ما خرجوا منها) لأنهم كانوا يموتون فلم يخرجوا منها (إلى يوم القيامة) أو الضمير في قوله دخولها للنار التي أوقدوها. وفي قوله: ما خرجوا منها لنار الآخرة لأنهم ارتكبوا ما نهوا عنه من قتل أنفسهم مستحلين له على هذا ففيه نوع من أنواع البديع وهو الاستخدام قاله ابن حجر، وقال الكرماني وغيره: والمراد بقوله إلى يوم القيامة التأييد يعني لو دخلوها مستحلين. وقال الداودي: فيه أن التأويل الفاسد لا يعذر به صاحبه. (الطاعة) للمخلوق (في) الأمر بـ (ـالمعروف) شرعًا. وفي الحديث

60 - باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع

أن الأمر المطلق لا يعم جميع الأحوال لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرهم أن يطيعوا الأمير فحملوا ذلك على عموم الأحوال حتى في حال الغضب، وفي حال الأمر بالمعصية فبين لهم عليه الصلاة والسلام أن الأمر بطاعته مقصور على ما كان منه في غير معصية، وقد ذكر ابن سعد في طبقاته أن سبب هذه السرية أنه بلغه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ناسًا من الحبشة تراءاهم أهل جدة فبعث إليهم علقمة بن مجزز في ربيع الآخر سنة تسع في ثلاثمائة فانتهى بهم إلى جزيرة في البحر، فلما خاض البحر إليهم هربوا فلما رجع تعجل بعض القوم إلى أهليهم فأمر عبد الله بن حذافة على من تعجل. قال البرماوي: ولعل هذا عذر البخاري حيث جمع بينهما مع أنه في الحديث لم يسم واحدًا منهما وترجمة البخاري لعلها تفسير للمبهم الذي في الحديث. والحديث أخرجه أيضًا في الأحكام وفي خبر الواحد، ومسلم في المغازي وأبو داود في الجهاد، والنسائي في البيعة والسير. 60 - باب بَعْثُ أَبِي مُوسَى وَمُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ (بعث أبي موسى) الأشعري (ومعاذ) ولأبي ذر: ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- (إلى اليمن قبل حجة الوداع). 4341 و 4342 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا مُوسَى وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مِخْلاَفٍ، قَالَ: وَالْيَمَنُ مِخْلاَفَانِ ثُمَّ قَالَ: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا»، فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى عَمَلِهِ، قال: وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا سَارَ فِي أَرْضِهِ وكَانَ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَسَارَ مُعَاذٌ فِي أَرْضِهِ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَبِي مُوسَى، فَجَاءَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ أَيَّمَ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلاَمِهِ؟ قَالَ: لاَ أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَالَ: إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِذَلِكَ، فَانْزِلْ، قَالَ: مَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَالَ: أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا، قَالَ: فَكَيْفَ تَقْرَأُ أَنْتَ يَا مُعَاذُ قَالَ: أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنَ النَّوْمِ فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي فَأَحْسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْسِبُ قَوْمَتِي. [الحديث 4342 - طرفه في: 4345]. وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري قال: (حدّثنا عبد الملك) بن عمير (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى (قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبا موسى) عبد الله بن قيس وهذا مرسل لكنه سيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى متصلاً به (ومعاذ بن جبل إلى اليمن قال: وبعث كل واحد منهما على مخلاف) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة آخره فاء الكورة والإقليم والرستاق بضم الراء وسكون السين المهملة وفتح الفوقية آخره قاف بلغة أهل اليمن (قال: واليمن مخلافان) وكانت جهة معاذ العليا إلى صوب عدن وجهة أبي موسى السفلى (ثم قال) عليه الصلاة والسلام لهما: (يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا) الأصل أن يقال بشرا ولا تنذرا وآنسا ولا تنفرا، فجمع بينهما ليعم البشارة والنذارة والتأنيس والتنفير فهو من باب المقابلة المعنوية قاله الطيبي، وقال الحافظ ابن حجر: ويظهر لي أن النكتة في الإتيان بلفظ البشارة وهو الأصل وبلفظ التنفير وهو اللازم وأتي بالذي بعده على العكس للإشارة إلى أن الإنذار لا ينفى مطلقًا بخلاف التنفير فاكتفى بما يلزم عنه الإنذار وهو التنفير فكأنه قال: إن أنذرتم فليكن بغير تنفير كقوله تعالى: {فقولا قولاً لينًا} [طه: 44]. (فانطلق كل واحد منهما) من أبي موسى ومعاذ (إلى عمله قال: وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه وكان قريبًا من صاحبه أحدث به عهدًا) في الزيارة (فسلم عليه، فسار معاذ في أرضه قريبًا من صاحبه أبي موسى فجاء) معاذ (يسير على بغلته حتى انتهى إليه) إلى أبي موسى (وإذا) بالواو ولأبي ذر فإذا (هو جالس وقد اجتمع إليه الناس وإذا رجل عنده) قال ابن حجر: لم أقف على اسمه لكن في رواية سعيد بن أبي بردة الآتية قريبًا أنه يهودي (قد جمعت يداه إلى عنقه) جملة حالية صفة لرجل (فقال له معاذ): لأبي موسى (يا عبد الله بن قيس أيم هذا) بفتح الياء والميم بغير إشباع أي: أي شيء هذا، وأصله أي ما، وأي استفهامية وما بمعنى شيء فحذفت الألف تخفيفًا ولأبي ذر أي بضم الياء (قال) أبو موسى: (هذا رجل كفر بعد إسلامه قال) معاذ: (لا أنزل) أي عن بغلتي (حتى يقتل قال) أبو موسى: (إنما جيء به لذلك فأنزل) بهمزة وصل مجزوم على الأمر (قال: ما أنزل حتى يقتل فأمر به) أبو موسى (فقتل ثم نزل، فقال): لأبي موسى (يا عبد الله كيف تقرأ القرأن؟ قال) أبو موسى: (أتفوّقه تفوّقًا) بالفاء ثم القاف أي أقرؤه شيئًا بعد شيء في آناء الليل والنهار يعني لا أقرؤه مرة واحدة بل أفرق قراءته على أوقات مأخوذ من فواق الناقة وهو أن تحلب ثم تترك ساعة حتى تدر ثم تحلب (قال) أبو موسى: (فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل فأقوم) بالفاء (وقد قضيت جزئي من النوم) بضم الجيم وسكون الزاي بعدها همزة مكسورة فياء أي جزّأ الليل أجزاء جزءًا للنوم وجزءًا للقراءة والقيام، وقال الزركشي تبعًا للدمياطي قيل: الوجه قضيت أربي. قال في المصابيح: وهذا من التحكمات العارية

من الدليل اهـ. فالذي جاء في الرواية صحيح فلا يلتفت لتخطئته بمجرد التخيل. (فأقرأ ما كتب الله لي فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي) بهمزة قطع وكسر السين من غير فوقية في أحتسب في الموضعين بصيغة الفعل المضارع أي أطلب الثواب في الراحة كما أطلبه في التعب لأن الراحة إذا قصد بها الإعانة على العبادة حصلت الثواب ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فأحتسب نومتي كما أحتسبت قومتي بهمزة وصل وفتح السين وسكون الموحدة بعدها فوقية بصيغة الماضي فيها. 4343 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا فَقَالَ: «وَمَا هِيَ»؟ قَالَ: الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ فَقُلْتُ لأَبِي بُرْدَةَ: مَا الْبِتْعُ؟ قَالَ: نَبِيذُ الْعَسَلِ، وَالْمِزْرُ نَبِيذُ الشَّعِيرِ، فَقَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» رَوَاهُ جَرِيرٌ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق) قال الحافظ ابن حجر: هو ابن منصور أي أبو يعقوب الكوسج، وقال العيني: قال المزي: هو ابن شاهين أي أبو بشر الواسطي قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الواسطي الطحان (عن الشيباني) بالشين المعجمة والموحدة سليمان بن فيروز (عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه) أبي بردة (عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثه إلى اليمن فسأله) أي سأل أبو موسى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن أشربة تصنع بها) أي باليمن (فقال) عليه الصلاة والسلام له: (وما هي قال: البتع) بكسر الموحدة وسكون الفوقية بعدها عين مهملة (والمزر) بكسر الميم وسكون الزاي بعدها راء. قال سعيد: (فقلت لأبي بردة: ما البتع؟ قال): هو (نبيذ العسل) بالذال المعجمة (والمزر نبيذ الشهير. فقال) عليه الصلاة والسلام: (كل مسكر حرام) اتفاقًا (رواه) أي الحديث (جرير) هو ابن عبد الحميد فيما وصله الإسماعيلي (وعبد الواحد) بن زياد كلاهما (عن الشيباني) سليمان بن فيروز (عن أبي بردة) قال في المقدمة: ورواية عبد الواحد لم أرها موصولة. 4344 و 4345 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَدَّهُ أَبَا مُوسَى وَمُعَاذًا، إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا» فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ أَرْضَنَا بِهَا شَرَابٌ مِنَ الشَّعِيرِ الْمِزْرُ وَشَرَابٌ مِنَ الْعَسَلِ الْبِتْعُ فَقَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» فَانْطَلَقنا فَقَالَ مُعَاذٌ لأَبِي مُوسَى: كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: قَائِمًا وَقَاعِدًا، وَعَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا، قَالَ أَمَّا أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي، وَضَرَبَ فُسْطَاطًا فَجَعَلاَ يَتَزَاوَرَانِ فَزَارَ مُعَاذٌ أَبَا مُوسَى فَإِذَا رَجُلٌ مُوثَقٌ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو مُوسَى: يَهُودِيٌّ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ، فَقَالَ مُعَاذٌ: لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ. تَابَعَهُ الْعَقَدِيُّ وَوَهْبٌ عَنْ شُعْبَةَ وَقَالَ: وَكِيعٌ وَالنَّضْرُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ. وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا سعيد بن أبي بردة) بن أبي موسى (عن أبيه) أنه (قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جده) أي جد أبي سعيد (أبا موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (ومعاذًا) هو ابن جبل (إلى اليمن فقال) عليه الصلاة والسلام لهما: (يسرا) بالتحتية والسين المهملة من اليسر (ولا تعسرا وبشرا) بالموحدة والمعجمة (ولا تنفرا) بالفاء (وتطاوعا) أي كونا متفقين في الحكم ولا تختلفا فإن اختلافكما يؤدي إلى اختلاف أتباعكما وحينئذ تقع العداوة والمحاربة بينهم وفيه إشارة إلى عدم الحرج والتضييق في أمور الملة الحنيفية السمحاء كما قال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: 78]. أي وقد وسع عليكم يا أمة نبي الرحمة خاصة ورفع عنكم الحرج أيا كان (فقال أبو موسى: يا نبي الله إن أرضنا بها شراب) يتخذ (من الشعير المزر وشراب) يتخذ (من العسل البتع فقال: كل مسكر حرام) (فانطلقنا) أي كل واحد إلى عمله (فقال معاذ لأبي موسى: كيف تقرأ القرآن؟ قال): أقرؤه حال كوني (قائمًا وقاعدًا وعلى راحلته) ولأبي ذر: راحلتي مصححًا عليها في اليونينية (وأتفوقه تفوقًا) أي لا أقرؤه دفعة واحدة بل كما يحلب اللبن ساعة بعد ساعة والفواق ما بين الحلبتين (قال) معاذ: (أما أنا فأنام وأقوم وأنام) ولأبي ذر عن الكشميهني والحموي: فأقوم وأنام (فاحتسب نومتي) لأنها معينة على طاعتي (كما احتسب قومتي وضرب فسطاطًا) بيتًا من الشعر (فجعلا يتزاوران) يزور أحدهما صاحبه (فزار معاذ أبا موسى فإذا رجل موثق) لم يعرف ابن حجر اسمه (فقال) معاذ: (ما هذا؟ فقال أبو موسى: يهودي أسلم ثم ارتد، فقال معاذ: لأضربن عنقه). (تابعه) أي تابع مسلمًا (العقدي) عبد الملك بن عمرو، مما وصله البخاري في الأحكام (ووهب) ولأبي ذر: ووهيب بضم الواو وفتح الهاء مصغرًا ابن جرير مما وصله إسحاق بن راهويه في مسنده (عن شعبة) بن الحجاج. (وقال وكيع): هو ابن الجراح مما وصله في الجهاد (والنضر) بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة ابن شميل مما وصله البخاري في الأدب (وأبو داود) هشام بن عبد الملك مما وصله النسائي (عن شعبة) بن الحجاج (عن سعيد عن أبيه) أبي بردة

(عن جده) أبي موسى الأشعري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وثبت قوله: وقال وكيع الخ ... للمستملي وحده (رواه جرير بن عبد الحميد) مما وصله (عن الشيباني) سليمان بن فيروز (عن أبي بردة) وسقط رواه جرير الخ ... لأبي ذر. 4346 - حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ هُوَ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَائِذٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ طَارِقَ بْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَرْضِ قَوْمِي فَجِئْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنِيخٌ بِالأَبْطَحِ فَقَالَ: «أَحَجَجْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ» قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «كَيْفَ قُلْتَ»؟ قَالَ: قُلْتُ لَبَّيْكَ إِهْلاَلاً كَإِهْلاَلِكَ، قَالَ: «فَهَلْ سُقْتَ مَعَكَ هَدْيًا»؟ قُلْتُ: لَمْ أَسُقْ، قَالَ: «فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَاسْعَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حِلَّ» فَفَعَلْتُ حَتَّى مَشَطَتْ لِي امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ وَمَكُثْنَا بِذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عباس بن الوليد) بالموحدة والسين المهملة (هو النرسي) بفتح النون وسكون الراء وكسر السين المهملة وثبت هو النرسي لأبي ذر في نسخة قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد (عن أيوب بن عائذ) البلخي البصري أنه قال: (حدّثنا قيس بن مسلم) الجدلي أبو عمرو الكوفي العابد (قال: سمعت طارق بن شهاب) الأحمسي (يقول: حدثني) بالإفراد (أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-) وسقط الأشعري لأبي ذر أنه (قال: بعثني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أرض قومي) أي اليمن (فجئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منيخ) أي نازل (بالأبطح) من مكة مسيل واديها (فقال): (أحججت) وفي الحج فقال: بما أهللت (يا عبد الله بن قيس؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: كيف قلت؟ قال: قلت لبيك إهلالاً) ولأبوي ذر والوقت إهلال (كإهلالك) وفي الحج قلت أهللت كإهلال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: فهل سقت معك هديًا؟ قلت: لم أسق) هديًا (قال: فطف بالبيت واْسع بين الصفا والمروة ثم حل) بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام أي من إحرامك (ففعلت) ما أمرني به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الطواف والسعي والإحلال (حتى مشطت لي امرأة من نساء بني قيس) لم تسم أي سرحت بالمشط رأسي (ومكثنا) نعمل (بذلك حتى استخلف عمر) بضم المثناة الفوقية وسكون المعجمة مبنيًّا للمفعول زاد في الحج فقال: أي عمر أن نأخذ بكتاب الله فإنه يأمرنا بالتمام قال الله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196]. وأن نأخذ بسنة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه لم يحل من إحرامه حتى نحر الهدي. ومباحث ذلك مرت في باب الحج. 4347 - حَدَّثَنِي حِبَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: طَوَّعَتْ طَاعَتْ وَأَطَاعَتْ لُغَةٌ، طِعْتُ وَطُعْتُ وَأَطَعْتُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (حبّان) بكسر المهملة وتشديد الموحدة ابن موسى المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (عن زكريا بن إسحاق) المكي رمي بالإرجاء لكنه ثقة (عن يحيى بن عبد الله بن صيفي) المكي (عن أبي معبد) بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الموحدة نافذ بالفاء والذال المعجمة (مولى ابن عباس عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن) سنة عشر قبل حجة الوداع يعلمهم القرآن والشرائع يقضي بينهم ويأخذ الصدقات من العمال: (إنك ستأتي قومًا من أهل الكتاب) التوراة والإنجيل ولأبي ذر قومًا من أهل كتاب وسقطت لفظة فأهل بفتح اللام وكتاب بالتنكير (فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فإن هم طاعوا) ولأبي ذر: أطاعوا (لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم طاعوا) ولأبي ذر: أطاعوا (لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليكم) بالكاف ولأبي ذر: عليهم (صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم فإن طاعوا) ولأبي ذر: أطاعوا (لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم) أي احذر أخذ نفائس أموالهم (واتق دعوة المظلوم فإنه) أي فإن الشأن (ليس بينه) أي الدعاء (وبين الله حجاب). (قال أبو عبد الله): البخاري على عادته في تفسير ألفاظ غريبة تقع له من القرآن إذا وافقت لفظ الحديث (طوعت) له نفسه معناها (طاعت) له نفسه (وأطاعت) بالهمزة (لغة) في طاعت بغير همز ويقال إذا أخبر عن نفسه (طعت) بكسر الطاء (وطعت) بضمها (وأطعت) بزيادة الهمزة قال في القاموس: طاع له يطوع ويطاع انقاد كانطاع، وقال الزهري: الطوع نقيض الكره وطاع له انقاد فإذا مضى لأمره فقد أطاعه وقوله قال عبد الله: الخ ساقط في رواية أبي ذر. 4348 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ أَنَّ مُعَاذًا -رضي الله عنه- لَمَّا قَدِمَ الْيَمَنَ صَلَّى بِهِمِ الصُّبْحَ فَقَرَأَ: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [النساء: 125] فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: لَقَدْ قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ، زَادَ مُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَرَأَ مُعَاذٌ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ سُورَةَ النِّسَاءِ، فَلَمَّا قَالَ: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [النساء: 125] قَالَ رَجُلٌ خَلْفَهُ قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي

61 - باب بعث علي بن أبي طالب، وخالد بن الوليد -رضي الله عنه- إلى اليمن قبل حجة الوداع

قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن حبيب بن أبي ثابت) الأسدي الفقيه المجتهد (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفي (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين الأودي المخضرم (أن معاذًا -رضي الله عنه- لما قدم اليمن صلّى بهم الصبح فقرأ) فيها بقوله تعالى: ({واتخذ الله إبراهيم خليلاً}) [النساء: 125]. (فقال رجل من القوم): المصلين جاهلاً ببطلان الصلاة بالكلام الأجنبي أو كان خلفهم لم يدخل في الصلاة، ولم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه كما قاله في المقدمة (لقد قرت عين أم إبراهيم) لما حصل لها من السرور. (زاد معاذ) هو ابن معاذ البصري (عن شعبة) بن الحجاج (عن حبيب) بن أبي ثابت (عن سعيد) أي ابن جبير (عن عمرو) أي ابن ميمون الأودي (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث معاذًا إلى اليمن فقرأ معاذ في صلاة الصبح سورة النساء فلما قال: {واتخذ الله إبراهيم خليلاً} قال رجل خلفه): مصل أو غير مصل (قرّت عين أم إبراهيم) أي بردت دمعتها لأن دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة ومراده من إعادته بيان بعثه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمعاذ، وفهم من حديث ابن عباس السابق. وهذا الحديث أنه بعثه أميرًا على المال وعلى الصلاة أيضًا. 61 - باب بَعْثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ -رضي الله عنه- إِلَى الْيَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ (بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد -رضي الله عنهما- إلى اليمن قبل حجة الوداع). 4349 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه-، بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى الْيَمَنِ، قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ مَكَانَهُ فَقَالَ: مُرْ أَصْحَابَ خَالِدٍ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يُعَقِّبَ مَعَكَ فَلْيُعَقِّبْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُقْبِلْ، فَكُنْتُ فِيمَنْ عَقَّبَ مَعَهُ، قَالَ: فَغَنِمْتُ أَوَاقٍ ذَوَاتِ عَدَدٍ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (أحمد بن عثمان) بن حكيم أبو عبد الله الكوفي قال: (حدّثنا شريح بن مسلمة) بضم الشين المعجمة آخره حاء مهملة ومسلمة بفتح الميمين واللام الكوفي قال: (حدّثنا إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق) عمرو قال: (حدثني) بالإفراد (أبي) يوسف (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه قال: (سمعت البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) يقول: (بعثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع خالد بن الوليد إلى اليمن) أي بعد رجوعهم من الطائف وقسمة الغنائم بالجعرانة (قال: ثم بعث عليًّا بعد ذلك مكانه) أي مكان خالد (فقال) له عليه الصلاة والسلام: (مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب) بضم الياء وتشديد القاف المكسورة أي يرجع (معك) إلى اليمن بعد أن رجع منه (فليعقب) فليرجع (ومن شاء فليقبل) بضم التحتية وكسر الموحدة (فكنت فيمن عقب) بتشديد القاف (معه. قال) البراء: (فغنمت أواق) مثل جوار حذفت الياء استثقالا ولأبي ذر والأصيلي أواقي بياء مشددة ويجوز تخفيفها (ذوات عدد) أي كثيرة قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تحريرها. وهذا الحديث من إفراده. 4350 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مَنْجُوفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيًّا إِلَى خَالِدٍ لِيَقْبِضَ الْخُمُسَ، وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا وَقَدِ اغْتَسَلَ، فَقُلْتُ لِخَالِدٍ: أَلاَ تَرَى إِلَى هَذَا؟ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «يَا بُرَيْدَةُ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا»؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «لاَ تُبْغِضْهُ فَإِنَّ لَهُ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ». وبه قال: (حدثني محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا روح بن عبادة) بضم العين وتخفيف الموحدة القيسي أبو محمد البصري قال: (حدّثنا علي بن سويد بن منجوف) بفتح الميم وسكون النون وضم الجيم وبعد الواو الساكنة فاء السدوسي البصري (عن عبد الله بن بريدة عن أبيه) بريدة بن الحصيب بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة آخره موحدة مصغرًا الأسلمي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليًّا إلى خالد ليقبض الخمس) أي خمس الغنيمة قال بريدة: (وكنت أبغض عليًّا) -رضي الله عنه- لأنه رآه أخذ من المغنم جارية (وقد اغتسل) فظن أنه غلها ووطئها، وللإسماعيلي من طرق إلى روح بن عبادة بعث عليًّا إلى خالد ليقسم الخمس وفي رواية له ليقسم الفيء فاصطفى علي منه لنفسه سبية أي جارية ثم أصبح ورأسه يقطر (فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا) يعني عليًّا (فلما قدمنا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكرت ذلك) الذي رأيت من علي -رضي الله عنه- (له) عليه الصلاة والسلام (فقال): (يا بريدة أتبغض عليًّا؟ فقلت: نعم. قال: لا تبغضه) زاد أحمد من طريق عبد الجليل عن عبد الله بن بريدة عن أبيه وإن كنت تحبه فازدد له حبًا، وله أيضًا من طريق أجلح الكندي عن عبد الله بن يزيد: لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي (فإن له في الخمس أكثر من ذلك) قال الحافظ أبو ذر: إنما أبغض عليًّا لأنه رآه أخذ من المغنم فظن أنه غل فلما أعلمه -صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه أخذ أقل من حقه أحبه اهـ. وفي طريق عبد الجليل قال: فما كان في الناس أحد أحب إليّ من علي، ولعل الجارية كانت بكرًا غير بالغ فأدّى اجتهاده -رضي الله عنه- إلى عدم الاستبراء وفيه جواز التسري على بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بخلاف التزويج عليها. 4351 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا، قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ وَأَقْرَعَ بْنِ حَابِسٍ وَزَيْدِ الْخَيْلِ، وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلاَءِ قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَلاَ تَأْمَنُونِي، وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً» قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ نَاشِزُ الْجَبْهَةِ كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ مُشَمَّرُ الإِزَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ قَالَ: «وَيْلَكَ أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ» قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ: «لاَ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي» فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّي لَمْ أُؤْمَرْ أَنْ أَنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ، وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ» قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهْوَ مُقَفٍّ فَقَالَ: «إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ -وَأَظُنُّهُ قَالَ- لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد (عن عمارة بن القعقاع) بن شبرمة الكوفي قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن أبي نعم) بضم النون وسكون العين المهملة (قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: بعث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-) وسقط لأبي ذر ابن أبي طالب (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من اليمن بذهبية) بضم الذال المعجمة مصغر ذهبة وهي القطعة من الذهب قاله الخطابي، وتعقب بأنها كانت تبرًا فالتأنيث باعتبار معنى الطائفة أو أنه قد يؤنث الذهب في بعض اللغات (في أديم مقروظ) بالقاف والظاء المعجمة أي مدبوغ بالقرظ (لم تحصل) أي لم تخلص الذهبية (من ترابها) المعدني بالسبك (قال: فقسمها بين أربعة نفر) يتألفهم بذلك (بين عيينة بن بدر) نسبه إلى جده الأعلى لأنه عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري (وأقرع بن حابس) الحنظلي ثم المجاشعي فيه شاهد على أن ذا الألف واللام من الأعلام الغالبة قد ينزعان عنه في غير نداء ولا إضافهّ ولا ضرورة وقد حكى سيبويه عن العرب هذا يوم اثنين مباركًا قاله ابن مالك (وزيد الخيل) باللام ابن مهلهل الطائي ثم أحد بني نبهان، وقيل له زيد الخيل لكرائم الخيل التي كانت عنده، وسماه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زيد الخير بالراء بدل اللام وأثنى عليه وأسلم وحسن إسلامه ومات في حياة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (والرابع إما علقمة) بن علاثة بضم العين المهملة وتخفيف اللام والمثلثة العامري (وإما عامر بن الطفيل) العامري والشك في عامر وهم من عبد الواحد فقد جزم في رواية سعيد بن مسروق بأنه علقمة بن علاثة وقد مات عامر بن الطفيل قبل ذلك بخراج طلع له في أصل اذنه كافرًا (فقال رجل من أصحابه): لم يسم وكأنه أبهمه سترًا عليه (كنا نحن أحق بهذا) القسم (من هؤلاء) الأربعة (قال: فبلغ ذلك) القول (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحًا ومساءً قال: فقام رجل غائر العينين) بغين معجمة وتحتية بوزن فاعل أي عيناه داخلتان في محاجرهما لاصقتان بقعر الحدقة (مشرف الوجنتين) بضم الميم وسكون الشين المعجمة وبعد الراء فاء أي بارزهما (ناشز الجبهة) بشين وزاي معجمتين مرتفعها (كث اللحية) كثير شعرها (محلوق الرأس) موافق لسيماء الخوارج في التحليق مخالف للعرب في توفيرهم شعورهم (مشمر الإزار) بفتح الميم واسمه فيما قيل ذو الخويصرة التيمي ورجح السهيلي أن اسمه نافع كما في أبي داود وقيل حرقوص بن زهير كما جزم به ابن سعد (فقال: يا رسول الله اتق الله. قال) عليه الصلاة والسلام: (ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله قال: ثم ولى الرجل. قال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه)؟ وفي علامات النبوّة فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه، ولا منافاة بينهما لاحتمال أن يكون كل منهما قال ذلك. (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا) تفعل (لعله أن يكون يصلّي فقال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني لم أؤمر أن أنقب قلوب الناس) بفتح الهمزة وسكون النون وضم القاف بعدها موحدة كذا ضبطه ابن ماهان ولغيره بضم الهمزة وفتح النون وتشديد القاف مع كسرها أي ابحث وأفتش ولأبي ذر عن قلوب الناس (ولا أشق بطونهم قال: ثم نظر) عليه الصلاة والسلام (إليه) أي إلى الرجل (وهو مقف) أي مول قفاه، ولأبي ذر: مقفي بإثبات الياء بعد الفاء المشددة بناء على الوقف في مثله بالياء وهو وجه صحيح قرأ به ابن كثير وال وواق لكن الوقف بحذفها أقيس وأكثر، ولا يجوز في الوصل إلا الحذف ومن أثبتها وقفًا أثبتها

62 - باب غزوة ذي الخلصة

خطأ رعاية للوقف وعليه تتخرج رواية أبي ذر والجملة حالية (فقال) عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر: وقال بالواو (إنه يخرج من ضئضئ) بضادين معجمتين مكسورتين الثانية مكتنفة بهمزتين أولاهما ساكنة وللكشميهني صئصئ بصادين مهملتين وهما بمعنى أي من نسل (هذا قوم يتلون كتاب الله رطبًا) لمواظبتهم على تلاوته فلا يزال لسانهم رطبًا بها أو هو من تحسين الصوت بها (لا يجاوز حناجرهم) أي لا يرفع في الأعمال الصالحة فليس لهم فيه حظ إلا مروره على لسانهم فلا يصل إلى حلوقهم فضلاً عن أن يصل قلوبهم حتى يتدبروه بها (يمرقون من الدين) الإسلام (كما يمرق السهم) أي خروجه إذا نفذ من الجهة الأخرى (من الرمية) بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتية الصيد المرمي (وأظنه) عليه الصلاة والسلام (قال) (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود) أي لأستأصلنهم كاستئصال ثمود. وهذا الحديث سبق في باب قول الله تعالى: {وأما عاد فأهلكوا بريح} [الحادثة: 6] من كتاب أحاديث الأنبياء. 4352 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ: جَابِرٌ أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيًّا أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ، زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ فَقَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- بِسِعَايَتِهِ، قَالَ: لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «بِمَ أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ»؟ قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا كَمَا أَنْتَ». قَالَ: وَأَهْدَى لَهُ عَلِيٌّ هَدْيًا. وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد الحنظلي (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه قال: (قال عطاء): هو ابن رباح (قال جابر) -رضي الله عنه-: (أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليًّا) حين قدم مكة من اليمن ومعه هدي (أن يقيم على إحرامه) الذي كان أحرم به كإحرامه عليه الصلاة والسلام ولا يحل لأن معه الهدي (زاد محمد بن بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف البرساني في روايته (عن ابن جريج قال عطاء: قال: جابر: فقدم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-) من اليمن (بسعايته) بكسر السين المهملة أي ولايته على اليمن (قال) ولأبي ذر فقال (له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بم) بحذف ألف ما الاستفهامية على الكثير الشائع (أهللت) أحرمت (يا علي؟ قال: بما) أي بالذي (أهل) أحرم (به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) عليه الصلاة والسلام: (فأهد) بهمزة قطع مفتوحة (وامكث) بهمزة وصل أي البث حال كونك (حرامًا) أي محرمًا (كما أنت) من الإحرام إلى الفراغ من الحج (قال: وأهدى له) عليه الصلاة والسلام (علي هديًا). 4353 و 4354 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ البَصْرِيٌ أَنَّهُ ذَكَرَ لاِبْنِ عُمَرَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ، أَنَّ رَسُولَ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، فَقَالَ: أَهَلَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَجِّ، وَأَهْلَلْنَا بِهِ مَعَهُ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً» وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَدْيٌ فَقَدِمَ عَلَيْنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْيَمَنِ حَاجًّا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بِمَ أَهْلَلْتَ فَإِنَّ مَعَنَا أَهْلَكَ»؟ قَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَأَمْسِكْ فَإِنَّ مَعَنَا هَدْيًا». وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالسين المهملة ابن مسرهد (قال: حدّثنا بشر بن المفضل) ابن لاحق الرقاشي بقاف ومعجمة البصري (عن حميد) أي عبيدة (الطويل) أنه قال: (حدّثنا بكر) هو عبد الله المزني (البصري أنه ذكر لابن عمر أن أنسًا حدثهم أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهل بعمرة وحجة فقال: أهلّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحج وأهللنا به معه) وسقطت معه لأبي ذر (فلما قدمنا مكة قال) عليه الصلاة والسلام: (من لم يكن معه هدي فليجعلها عمرة وكان مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هدي فقدم علينا علي بن أبي طالب من اليمن حاجًا فقال) له (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بم أهللت) بغير ألف بعد الميم (فإن معنا أهلك) زوجته فاطمة (قال) علي -رضي الله عنه-: (أهللت بما أهلّ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) عليه الصلاة والسلام له (فأمسك) على إحرامك (فإن معنا هديًا). 62 - باب غَزْوَةُ ذِي الْخَلَصَةِ (غزوة ذي الخلصة) بفتح الخاء المعجمة واللام والصاد المهملة. 4355 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا بَيَانٌ عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كَانَ بَيْتٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ لَهُ ذُو الْخَلَصَةِ، وَالْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَةُ، وَالْكَعْبَةُ الشَّأْمِيَّةُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ»؟ فَنَفَرْتُ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَاكِبًا فَكَسَرْنَاهُ وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ، فَدَعَا لَنَا وَلأَحْمَسَ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان قال: (حدّثنا بيان) بفتح الموحدة والتحتية المخففة ابن بشر (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن جرير) هو ابن عبد الله البجلي أنه (قال: كان بيت في الجاهلية يقال له ذو الخلصة) الذي كان فيه الصنم وقيل: اسم البيت الخلصة واسم الصنم ذو الخلصة. وحكى المبرد كما في الفتح أن موضع ذي الخلصة صار مسجدًا جامعًا لبلدة يقال لها العبلات من أرض خثعم (و) يقال له (الكعبة اليمانية) بتخفيف الياء لكونها من اليمن (والكعبة الشامية) هي التي بمكة وحذف خبر المبتدأ الذي هو الكعبة كما قرره غير واحد منهم النووي. قالوا: وبه يزول الإشكال ويحصل التمييز بين كعبة البيت الحرام وبين التي اتخذوها مضاهاة لها باليمن. وقال في الفتح: الذي يظهر لي أن الذي في الرواية صواب وأنها

كانت يقال لها: اليمانية باعتبار كونها باليمن والشامية باعتبار أنهم جعلوا بابها مقابل الشام ويؤيد ما ذكره عياض أن في بعض الروايات اليمانية الكعبة الشامية بغير واو. قال والمعنى كان يقال لها تارة كذا وتارة كذا. وقال السهيلي: فاللام من قوله يقال له لام العلة يعني أن وجود هذا البيت كان يقال لأجله الكعبة الشامية يريد أن السبب الحامل على وصف الكعبة الحرام بالشامية قصد تمييزها من هذا البيت الحادث الذي سموه بالكعبة اليمانية، وأما قبل وجوده فكانت الكعبة لا تحتاج إلى وصف وإذا أطلقت فلا يراد بها إلا البيت الحرام لعدم المزاحم فقد زال الإشكال. قال: جرير (فقال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ألا) بتخفيف اللام (تريحني) أي تريح قلبي (من ذي الخلصة) طلب بتضمن الأمر وخص جريرًا بذلك لأنها كانت في بلاد قومه (فنفرت) بالفاء المخففة بعد النون أي خرجت له مسرعًا (في مائة وخمسين راكبًا فكسرناه) أي البيت (وقتلنا من وجدنا عنده فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته) بذلك (فدعا لنا ولأحمس) بالحاء والسين المهملتين بوزن أحمر وهم إخوة بجيلة رهط جرير ينتسبون إلى أحمس بن الغوث بن أنمار وبجيلة اسم امرأة نسبت إليها القبيلة المشهورة. 4356 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، قَالَ: قَالَ لِي جَرِيرٌ -رضي الله عنه- قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ»؟ وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى الْكَعْبَةَ الْيَمَانِيَةَ، فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ، وَكُنْتُ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا» فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ قَالَ: فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا» خَمْسَ مَرَّاتٍ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد البجلي الكوفي ولأبي ذر عن إسماعيل أنه قال: (حدّثنا قيس) هو ابن أبي حازم (قال: قال لي جرير -رضي الله عنه-: قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ألا تريحني من ذي الخلصة) والمراد بالراحة راحلة القلب لأنه ما كان شيء أتعب لقلبه عليه الصلاة والسلام من بقاء ما يشرك به من دون الله (وكان بيتًا في خثعم) بفتح الخاء المعجمة وسكون المثلثة بوزن جعفر قبيلة من اليمن ينسبون إلى خثعم بن أنمار بفتح الهمزة وسكون النون ابن إراش بكسر الهمزة وتخفيف الراء وبعد الألف شين معجمة ابن عنز بفتح العين المهملة وسكون النون آخره زاي (يسمى الكعبة) ولأبي ذر كعبة (اليمانية فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس) سقط من أحمس لأبي ذر (وكانوا) أي أحمس (أصحاب خيل) أي لهم ثبات عليها (وكنت لا أثبت على الخيل فضرب) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في) ولأبي ذر على (صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري) وعند الحاكم من حديث البراء فشكا جرير إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القلع أي بالقاف واللام المفتوحتين عدم الثبات على السرج فقال: "ادن مني" فدنا منه فوضع يده على رأسه ثم أرسلها على وجهه وصدره حتى بلغ عانته ثم وضع يده على رأسه وأرسلها على ظهره حتى انتهيت إلى أليته (وقال: اللهم ثبته واجعله هاديًا مهديًا) قيل فيه تقديم وتأخير لأنه لا يكون هاديًا حتى يكون مهديًا وقيل معناه كاملاً مكملاً (فانطلق) جرير ومن معه (إليها) إلى ذي الخلصة (فكسرها وحرقها) بتشديد الراء أي هدم بناءها ورمى النار في أخشابها (ثم بعث إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يخبره بذلك وفي السابقة أن جريرًا هو الذي أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك وهو محمول على المجاز (فقال رسول جرير: والذي بعثك بالحق ما جئتك حتى تركتها) أي ذا الخلصة (كأنها جمل أجرب) بالجيم والراء والموحدة أي سوداء من التحريق كالجمل الأجرب إذا طلي بالقطران أو هو كناية عن إذهاب بهجتها (قال: فبارك) عليه الصلاة والسلام (في خيل أحمس ورجالها خمس مرات). وهذا الحديث سبق في باب البشارة بالفتوح من الجهاد. 4357 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ»؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ، وَكُنْتُ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ يَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا» قَالَ: فَمَا وَقَعْتُ عَنْ فَرَسٍ بَعْدُ، قَالَ: وَكَانَ ذُو الْخَلَصَةِ بَيْتًا بِالْيَمَنِ لِخَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ، فِيهِ نُصُبٌ يُعْبَدُ يُقَالُ لَهُ: الْكَعْبَةُ، قَالَ: فَأَتَاهَا فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ وَكَسَرَهَا، قَالَ: وَلَمَّا قَدِمَ جَرِيرٌ الْيَمَنَ كَانَ بِهَا رَجُلٌ يَسْتَقْسِمُ بِالأَزْلاَمِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَا هُنَا فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يَضْرِبُ بِهَا إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ، فَقَالَ: لَتَكْسِرَنَّهَا وَلَتَشْهَدًا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَوْ لأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، قَالَ: فَكَسَرَهَا وَشَهِدَ ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رَجُلاً مِنْ أَحْمَسَ يُكْنَى أَبَا أَرْطَاةَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ قَالَ: فَبَرَّكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ. وبه قال: (حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن إسماعيل بن أبي خالد) البجلي (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن جرير) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ألا تريحني من ذي الخلصة فقلت: بلى) يا رسول الله (فانطلقت) إليها (في خمسين ومائة فارس من أحمس وكانوا أصحاب خيل وكنت لا أثبت على الخيل

63 - باب غزوة ذات السلاسل وهي غزوة لخم وجذام قاله: إسماعيل بن أبي خالد، وقال ابن إسحاق، عن يزيد عن عروة هي بلاد بلي، وعذرة وبني القين

فذكرت ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فضرب يده على صدري حتى رأيت أثر يده في صدري فقال: اللهم ثبته) على الخيل (واجعله هاديًا) لغيره حال كونه (مهديًا) بفتح الميم في نفسه وحينئذٍ فلا يقال فيه تقديم وتأخير كما مر (قال: فما وقعت عن فرس) وفي نسخة فرسي (بعد. قال: وكان ذو الخلصة بيتًا باليمن لخثعم وبجيلة فيه) أي في البيت (نصب) بضمتين حجر ينصب يذبحون عليه (يعبد يقال له الكعبة. قال فأتاها) جرير (فحرقها بالنار وكسرها) أي هدم بناءها (قال: ولما قدم جرير اليمن كان بها رجل يستقسم بالأزلام) أي يطلب قسمه من الشر والخير بالقدح (فقيل له: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هاهنا فإن قدر عليك ضرب عنقك. قال فبينما) بالميم (هو يضرب بها) بالأزلام (إذ وقف عليه جرير فقال) له جرير: (لتكسرنها ولتشهدًا) بتنوين الدال، ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني: ولتشهدن بسكون اللام وبعد الدال نون توكيد ثقيلة (أن لا إله إلا الله أو لأضربن عنقك. قال: فكسرها وشهد) أي أن لا إله إلا الله (ثم بعث جرير رجلاً من أحمس يكنى) بضم الياء وسكون الكاف (أبا أرطاة) بهمزة مفتوحة وراء ساكنة وطاء مهملة مفتوحة وبعد الألف تاء واسمه حصين بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين ابن ربيعة كما في مسلم (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبشره بذلك فلما أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب) من سواد الإحراق (قال: فبرك) بتشديد الراء، ولأبي ذر عن الكشميهني: فبارك (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على خيل أحمس ورجالها) أي دعا له بالبركة (خمس مرات) مبالغة واقتصر على الوتر لأنه مطلوب. 63 - باب غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلاَسِلِ وَهْيَ غَزْوَةُ لَخْمٍ وَجُذَامَ قَالَهُ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ عَنْ عُرْوَةَ هِيَ بِلاَدُ بَلِيٍّ، وَعُذْرَةَ وَبَنِي الْقَيْنِ (غزوة ذات السلاسل). قال ابن سعد في طبقاته فيما قرأته فيها: هي وراء ذات القرى وبينها وبين المدينة عشرة أيام، وكانت في جمادى الآخرة سنة ثمان من مهاجره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انتهى. وجزم ابن أبي خالد في كتاب صحيح التاريخ أنها كانت سنة سبع وسميت بذلك لأن المشركين فيما قيل ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يفرّوا أو لأن بها ماء يقال له السلسل. (وهي غزوة لخم) بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة قبيلة كبيرة ينسبون إلى لخم واسمه مالك بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد (وجذام) بضم الجيم وفتح الذال المعجمة الخفيفة قبيلة كبيرة ينسبون إلى عمرو بن عدي إخوة لخم على المشهور (قاله إسماعيل بن أبي خالد). (وقال ابن إسحاق) محمد صاحب المغازي (عن يزيد) بن رومان المدني (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (هي) أي ذات السلاسل (بلاد بليّ) بفتح الموحدة وكسر اللام المخففة بعدها تحتية للنسبة قبيلة كبيرة ينسبون إلى بليّ بن عمرو بن الحاف بن قضاعة (وعذرة) بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة ينسبون إلى عذرة بن سعد هذيم بن زيد بن ليث بن سويد بن أسلم بضم اللام ابن الحاف بن قضاعة (وبني القين) بفتح القاف وسكون التحتية ابن شيع الله بكسر الشين المعجمة وسكون التحتية آخره عين مهملة ابن أسد بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. 4358 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ» قُلْتُ مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: «أَبُوهَا» قُلْتُ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «عُمَرُ»، فَعَدَّ رِجَالاً فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن شاهين أبو بشر الواسطي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (خالد بن عبد الله) الطحان وسقط لأبي ذر ابن عبد الله (عن خالد الحذاء) بالحاء المهملة والذال المعجمة ابن مهران (عن أبي عثمان) عبد الرحمن النهدي (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث عمرو بن العاص) كذا بغير ياء في الفرع كأصله بعد أن عقد له لواء أبيض (على جيش ذات السلاسل) وكانوا ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار ومعهم ثلاثون فرسًا لما ذكر من أن جمعًا من قضاعة تجمعوا وأرادوا أن يدنوا من أطراف المدينة وأمره أن يستعين بمن يمرّ به من بليّ وعذرة وبلقين فسار الليل وكمن النهار، فلما قرب من القوم بلغه أن لهم جميعًا كثيرًا فبعث رافع بن مكيث الجهني إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستمده فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في مائتين وعقد له لواء وبعث معه سراة المهاجرين

64 - باب ذهاب جرير إلى اليمن

والأنصار، وفيهم أبو بكر وعمر وأمره أن يلحق بعمرو وأن يكونا جميعًا ولا يختلفا فلحق بعمرو فأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس فقال عمرو: إنما قدمت عليّ مددًا وأنا الأمير فأطاع له بذلك أبو عبيدة فكان عمرو يصلّي بالناس وسار حتى وطئ بلاد بليّ ودوّخها حتى أتى إلى أقصى بلادهم وبلاد عذرة وبلقين، ولقي في آخر ذلك جمعًا فحمل عليهم المسلمون فهربوا في البلاد وتفرقوا كذا ذكره ابن سعد. وعند الحاكم من حديث بريدة أن عمرو بن العاص أمرهم في تلك الغزوة أن لا يوقدوا نارًا فأنكر ذلك عمر فقال أبو بكر -رضي الله عنهما-: دعه فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يبعثه علينا إلا لعلمه بالحرب فسكت عنه. وعند ابن حبان أنه منعهم أن يوقدوا نارًا وأنهم لما هزموا العدوّ أرادوا أن يتبعوهم فمنعهم، فلما انصرفوا ذكروا ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسأله فقال: كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا نارًا فيرى العدوّ قلتهم وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فحمد أمره. (قال) عمرو: (فأتيته) لما قدمنا من جيش ذات السلاسل فقعدت بين يديه (فقلت): يا رسول الله (أي الناس أحب إليك؟ قال): (عائشة قلت: من الرجال؟ قال: أبوها. قلت: ثم من؟ قال: عمر) بن الخطاب قال عمرو بن العاص (فعدّ رجالاً فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم) أي في الفضل. وعند البيهقي قال عمرو: فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على قوم فيهم أبو بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ الحديث. 64 - باب ذَهَابُ جَرِيرٍ إِلَى الْيَمَنِ (ذهاب جرير) أي ابن عبد الله البجلي (إلى) أهل (اليمن) ليقاتلهم ويدعوهم إلى أن يقولوا لا إله إلا الله والظاهر كما في الفتح أن هذا البعث غير بعثه إلى هدم ذي الخلصة. 4359 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْعَبْسِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كُنْتُ بِالْبَحْرِ فَلَقِيتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ذَا كَلاَعٍ، وَذَا عَمْرٍو، فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ ذُو عَمْرٍو: لَئِنْ كَانَ الَّذِي تَذْكُرُ مِنْ أَمْرِ صَاحِبِكَ لَقَدْ مَرَّ عَلَى أَجَلِهِ مُنْذُ ثَلاَثٍ، وَأَقْبَلاَ مَعِي حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ رُفِعَ لَنَا رَكْبٌ مِنْ قِبَلِ الْمَدِينَةِ فَسَأَلْنَاهُمْ، فَقَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ وَالنَّاسُ صَالِحُونَ، فَقَالاَ: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ أَنَّا قَدْ جِئْنَا وَلَعَلَّنَا سَنَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَرَجَعَا إِلَى الْيَمَنِ فَأَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ بِحَدِيثِهِمْ قَالَ: أَفَلاَ جِئْتَ بِهِمْ؟ فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالَ لِي ذُو عَمْرٍو: يَا جَرِيرُ إِنَّ بِكَ عَلَيَّ كَرَامَةً وَإِنِّي مُخْبِرُكَ خَبَرًا إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا كُنْتُمْ إِذَا هَلَكَ أَمِيرٌ تَأَمَّرْتُمْ فِي آخَرَ فَإِذَا كَانَتْ بِالسَّيْفِ كَانُوا مُلُوكًا يَغْضَبُونَ غَضَبَ الْمُلُوكِ وَيَرْضَوْنَ رِضَا الْمُلُوكِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي شيبة) هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان أبو بكر الكوفي الحافظ (للعبسي) بفتح العين وكسر السين المهملتين بينهما موحدة ساكنة قال: (حدّثنا ابن إدريس) عبد الله الأودي بسكون الواو أبو محمد الكوفي الثقة العابد (عن إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي مولاهم العجلي (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن جرير) البجلي -رضي الله عنه- أنه (قال: كنت بالبحر) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر باليمن (فلقيت رجلين من أهل اليمن ذا الكلاع) بفتح الكاف واللام المخففة وبعد الألف عين مهملة اسمه أسميفع بسكون السين المهملة وفتح الميم وسكون التحتية وفتح الفاء بعدها عين مهملة، ويقال أيفع بن باكوراء، ويقال ابن حوشب بن عمرو (وذا عمرو) بفتح العين وكانا من ملوك اليمن وكان جرير قضى حاجته وأقبل راجعًا يريد المدينة وكانا أيضًا قد عزما على التوجه إلى المدينة. قال جرير: (فجعلت أحدثهم) أي ذا كلاع وذا عمرو ومن معهما (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال له): لجرير (ذو عمرو: لئن كان الذي تذكر من أمر صاحبك) يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لقد مرّ على أجله منذ ثلاث) جواب الشرط مقدر أي إن أخبرتني بهذا أخبرتك بهذا فالإخبار سبب للإخبار ومعرفة ذي عمرو بوفاته عليه الصلاة والسلام إما بطريق الكهانة أو أنه كان من المحدثين أو بسماع من بعض القادمين سرًّا قاله الكرماني، وتعقبه في الفتح بأنه لو كان مستفادًا من غيره لما احتاج إلى بناء ذلك على ما ذكره جرير، فالظاهر أنه قاله عن اطّلاع من الكتب القديمة (وأقبلا معي) متوجهين إلى المدينة (حتى إذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من قبل المدينة) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهتها (فسألناهم فقالوا: قبض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستخلف أبو بكر والناس صالحون فقالا): أي ذو الكلاع وذو عمرو (أخبر صاحبك) أبا بكر -رضي الله عنه- (أنا قد جئنا ولعلنا سنعود) إليه (إن شاء الله) تعالى (ورجعا إلى اليمن). قال جرير: (فأخبرت أبا بكر بحديثهم) جمع باعتبار من معهم أو أن أقل الجمع اثنان (قال: أفلا جئت بهم) وروى سيف في الفتوح أن أبا بكر بعث أنس بن مالك يستنفر أهل اليمن إلى

65 - باب غزوة سيف البحر وهم يتلقون عيرا لقريش وأميرهم أبو عبيدة - رضي الله عنه -

الجهاد فرحل ذو الكلاع ومن معه (فلما كان بعد) بالبناء على الضم أي بعد هذا الأمر في خلافة عمر بن الخطاب وهاجر ذو عمرو (قال لي ذو عمرو: يا جرير وإن بك عليّ كرامة وإني مخبرك خبرًا إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمرتم) بقصر الهمزة وتشديد الميم في الفرع، وفي غيره بمد الهمزة وتخفيف الميم أي تشاورتم (في) أمير (آخر) ومعنى المشدد أقمتم أميرًا منكم عن رضًا منكم أو عهد من الأول (فإذا كانت) أي الإمارة (بالسيف) أي بالقهر والغلبة (كانوا) أي الخلفاء (ملوكًا يغضبون غضب الملوك وبرضون رضًا الملوك). 65 - باب غَزْوَةُ سِيفِ الْبَحْرِ وَهُمْ يَتَلَقَّوْنَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ وَأَمِيرُهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (غزوة سيف البحر) بكسر السين المهملة وسكون التحتية بعدها فاء أي ساحله (وهم يتلقون) أي يرصدون (عيرًا) بكسر العين المهملة إبلاً تحمل ميرة (لقريش وأميرهم أبو عبيدة) عامر وقيل عبد الله بن عامر (بن الجراح) الفهري القرشي وسقط ابن الجراح لغير أبي ذر (-رضي الله عنه-). 4360 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلاَثُمِائَةٍ فَخَرَجْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ الْجَيْشِ فَجُمِعَ فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ فَكَانَ يَقُوتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلٌ قَلِيلٌ، حَتَّى فَنِيَ فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلاَّ تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ، فَقُلْتُ مَا تُغْنِي عَنْكُمْ تَمْرَةٌ، فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ فَأَكَلَ مِنْهَا الْقَوْمُ ثَمَانَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلاَعِهِ فَنُصِبَا ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ، ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (مالك) الإمام (عن وهب بن كيسان) بفتح الكاف (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أنه قال: بعث) ولأبي ذر: لما بعث (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثًا) سنة ثمان (قبل الساحل) أي جهته (وأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وهم) أي الجيش (ثلاثمائة فخرجنا) التفات من الغيبة للتكلم (وكنا) بالواو ولأبوي ذر والوقت فكنا (ببعض الطريق فني الزاد فأمر أبو عبيدة بأزواد الجيش فجمع) بفتحات وفي اليونينية بضم الجيم وكسر الميم (فكان) الذي جمعه (مزودي تمر) بكسر الميم وفتح الواو والدال بكسر الميم ما يجعل فيه الزاد (فكان يقوتنا) بضم القاف وسكون الواو (كل يوم قليل قليل) ولأبي ذر يقوتنا بفتح القاف وكسر الواو المشدّدة كل يوم قليلاً قليلاً بالنصب على المفعولية (حتى فني) ما في المزودين من الزاد العام (فلم يكن يصيبنا) مما جمع ثانيًا من الأزواد الخاصة (إلا تمرة تمرة) قال وهب: (فقلت) لجابر (ما تغني عنكم تمرة؟ فقال: لقد وجدنا فقدها) مؤثرًا (حين فنيت) بفتح الفاء (ثم انتهينا إلى) ساحل (البحر فإذا حوت مثل الظرب) بفتح الظاء المعجمة المشالة وكسر الراء الجبل الصغير (فأكل منها) وللأربعة منه أي من الحوت (القوم ثمان) ولأبي ذر: ثماني (عشرة ليلة ثم أمر أبو عبيد بضلعين) بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام (من أضلاعه) أن ينصبا (فنصبا) كان الأصل أن يقول: فنصبتا بالتاء لكنه غير حقيقي التأنيث (ثم أمر براحلته) أن ترحل (فرحلت) بتخفيف الحاء ولأبي ذر بتشديدها (ثم مرت) بضم الميم وتشديد الراء مبنيًا للمفعول وفي اليونينية بفتح الميم (تحتهما) تحت الضلعين (فلم تصبهما) الراحلة لعظمهما. 4361 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: الَّذِي حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَمِائَةِ رَاكِبٍ، أَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ نَرْصُدُ عِيرَ قُرَيْشٍ فَأَقَمْنَا بِالسَّاحِلِ نِصْفَ شَهْرٍ فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْجَيْشُ جَيْشَ الْخَبَطِ فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا: الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، وَادَّهَنَّا مِنْ وَدَكِهِ حَتَّى ثَابَتْ إِلَيْنَا أَجْسَامُنَا فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلاَعِهِ، فَنَصَبَهُ فَعَمَدَ إِلَى أَطْوَلِ رَجُلٍ مَعَهُ قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: ضِلَعًا مِنْ أَضْلاعِهِ فَنَصَبَهُ وَأَخَذَ رَجُلاً وَبَعِيرًا فَمَرَّ تَحْتَهُ، قَالَ جَابِرٌ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ نَهَاهُ. وَكَانَ عَمْرٌو يَقُولُ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ لأَبِيهِ: كُنْتُ فِي الْجَيْشِ فَجَاعُوا، قَالَ انْحَرْ قَالَ: نَحَرْتُ قَالَ: ثُمَّ جَاعُوا قَالَ: انْحَرْ قَالَ: نَحَرْتُ، قَالَ: ثُمَّ جَاعُوا، قَالَ: انْحَرْ، قَالَ: نَحَرْتُ ثُمَّ جَاعُوا قَالَ: انْحَرْ، قَالَ: نُهِيتُ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: الذي حفظناه من عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- (يقول: بعثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاثمائة راكب أميرنا) جملة حالية بدون الواو ولأبي ذر وأميرنا (أبو عبيدة بن الجراح نرصد عير قريش فأقمنا بالساحل نصف شهر) ففنيت أزوادنا (فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط) بفتح الخاء المعجمة والموحدة بعدها طاء مهملة ورق السلم (فسمي ذلك الجيش جيش الخبط فألقى لنا البحر دابة) من السمك (يقال لها العنبر) يتخذ من جلدها الأتراس (فأكلنا منه) من الحوت (نصف شهر) في الرواية السابقة ثمان عشرة ليلة قيل القائل بالزيادة ضبط ما لم يضبطه الآخر القائل بهذا الثاني ولعله ألغى الزائد وهو الثلاثة (وادّهنا) بهمزة وصل وتشديد الدال المهملة (من ودكه) بفتح الواو والدال المهملة من شحمه (حتى ثابت) بالمثلثة وبعد الألف موحدة ففوقية أي رجعت (إلينا أجسامنا) إلى ما كانت عليه من القوّة والسمن بعدما هزلت من الجوع (فأخذ أبو عبيدة ضلعًا من أضلاعه) ولأبي ذر عن المستملي من أعضائه (فنصبه فعمد) بفتح الميم (إلى أطول رجل معه) هو قيس بن سعد بن عبادة

66 - باب حج أبي بكر بالناس في سنة تسع

(قال سفيان) بن عيينة (مرة ضلعًا من أضلاعه) وللمستملي من أعضائه (فنصبه) سقط فنصبه لأبي ذر (وأخذ رجلاً وبعيرًا فأمر تحته) راكبًا عليه (قال): ولأبي ذر فقال (جابر كان رجل من القوم نحر ثلاث جزائر) عندما جاعوا (ثم نحر ثلاث جزائر ثم نحر ثلاث جزائر) بالتكرار ثلاث مرات والجزائر جمع جزور وهو البعير ذكرًا كان أو أنثى (ثم إن أبا عبيدة نهاه) عن ذلك لأجل قلة الظهر. (وكان عمرو) بن دينار (يقول: أخبرنا أبو صالح) ذكوان السمان (أن قيس بن سعد) الصحابي (قال لأبيه): سعد بن عبادة لما رجعوا (كنت في الجيش فجاعوا قال: انحر. قال): قلت له (نحرت. قال: ثم جاعوا قال) لي: (انحر قال) قلت له (نحرت قال: ثم جاعوا قال: انحر قال) قلت له (نحرت ثم جاعوا قال: انحر قال): قلت له (قد نهيت) بضم النون وكسر الهاء مبنيًّا للمفعول أي نهاني أبو عبيدة وتكرر قوله انحر أربع مرات وهذا صورته صورة المرسل لأن عمرو بن دينار لم يدرك زمان تحديث قيس لأبيه بذلك. نعم رواه الحميدي في مسنده فيما أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريقه بلفظ عن أبي صالح عن قيس بن سعد بن عبادة قال: قلت لأبي وكنت في ذلك الجيش جيش الخبط فأصاب الفاس جوع قال لي انحر فذكره. 4362 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: غَزَوْنَا جَيْشَ الْخَبَطِ، وَأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ نَرَ مِثْلَهُ، يُقَالُ لَهُ: الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ، فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ فَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ كُلُوا فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «كُلُوا رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ» فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ فَأَكَلَهُ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) القطان (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن دينار (أنه سمع جابرًا -رضي الله عنه- يقول: غزونا جيش الخيط وأمر أبو عبيدة) بن الجراح بضم الهمزة مبنيًا للمفعول أمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علينا (فجعنا جوعًا شديدًا فألقى البحر) ولأبي ذر لنا البحر (حوتًا ميتًا لم نر مثله) في العظم (يقال له العنبر) ويقال إن العنبر الذي يشم رجيع هذه الدالة، وقيل إنه يخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابه لدسومته فيقذفه رجيعًا فيوجد كالحجارة الكبار يطفو على الماء فتلقيه الريح إلى الساحل وهو يقوي القلب والدماغ نافع من الفالج واللوقة والبلغم الغليظ، وقال الشافعي -رحمه الله-: سمعت من قال رأيت العنبر نابتًا في البحر ملتويًا مثل عنق الشاة وله رائحة ذكية، وفي البحر دويبة تقصد لذكاء ريحه وهو سمها فتأكله فيقتلها ويلفظها البحر فيخرج العنبر من بطنها (فأكلنا منه نصف شهر فأخذ أبو عبيدة عظمًا من عظامه فمر الراكب تحته). قال ابن جريج (فأخبرني) بالفاء والإفراد ولأبوي ذر والوقت وأخبرني (أبو الزبير) محمد بن مسلم المكي بالسند السابق (أنه سمع جابرًا يقول: قال) ولأبي الوقت فقال (أبو عبيدة: كلوا) أي من الحوت فأكلنا (فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (كلوا رزقًا أخرجه الله) لكم (أطعمونا إن كان معكم) منه شيء (فآتاه) بالمد أي أعطاه (بعضهم) وللأصيلي ونسبها في الفتح لابن السكن فأتاه بعضهم بعضو منه (فأكله) وفيه حل ميتة السمك وغير ذلك مما لا يخفى. وفي هذه السرية كان عمر بن الخطاب وقد روينا حديثها في الغيلانيات، وفيه أنه لما أصابهم الجوع قال قيس بن سعد: من يشتري مني تمرًا بجزر يوفني الجزر هاهنا وأوفيه التمر بالمدينة، فجعل عمر يقول: واعجباه لهذا الغلام لا مال له يدين فيما لغيره وأنه ابتاع خمس جزائر كل جزور بوسق من تمر فنحرها لهم في مواطن ثلاثة كل يوم جزورًا، فلما كان اليوم الرابع نهاه أميره فقال: أتريد أن تخفر ذمتك ولا مال لك؟ فلما قدم قيس لقيه سعد فقال: ما صنعت في مجاعة القوم؟ قال: نحرت، قال: أصبت. قال: ثم ماذا؟ قال: نحرت. قال: أصبت. قال: ثم ماذا؟ قال: نحرت. قال: أصبت. قال: ثم ماذا؟ قال: نهيت. قال: ومن نهاك؟ قال: أبو عبيدة أميري. قال: ولم؟ قال: زعم أن لا مال لي وإنما المال لأبيك. قال فلك أربع حوائط أدناها حائط تجد منه خمسين وسقًا. الحديث بطوله اقتصرت منه على المراد. 66 - باب حَجُّ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ (حج أبي بكر) الصديق -رضي الله عنه- (بالناس في سنة تسع) من الهجرة. 4363 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ -رضي الله عنه- بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ لاَ يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ". [الحديث 4363 - أطرافه في: 4605، 4654، 6744]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (سليمان بن داود

67 - باب وفد بني تميم

أبو الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة العتكي البصري قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة ابن سليمان (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه-) سقط الصديق لأبي ذر (بعثه في الحجة التي أمره) بتشديد الميم أي جعله (عليها) أميرًا (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل حجة الوداع يوم النحر) زاد في الحج بمنى (في) جملة (رهط) وهو ما دون العشرة من الرجال (يؤذن) بفتح الهمزة وتشديد المعجمة المكسورة يعلم الرهط أو أبو هريرة على الالتفات (في الناس لا يحج) ولأبي ذر أن لا يحج (بعد) هذا (العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان) برفع يطوف أو نصبه عطفًا على لا يحج وأن لا يحج ولأبوي الوقت وذر: ولا يطوفن بنون التوكيد الثقيلة. 4364 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ كَامِلَةً بَرَاءَةٌ وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ خَاتِمَةُ سُورَةِ النِّسَاءِ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} [النساء: 176]. وبه قال: (حدثني عبد الله بن رجاء) بالراء والجيم الغداني البصري قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: آخر سورة نزلت) حال كونها (كاملة براءة وآخر سورة نزلت خاتمة سورة النساء) {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} [النساء: 176]. استشكل قوله هنا كاملة الساقط من روايته في تفسير براءة من حيث إنها نزلت شيئًا فشيئًا فالمراد بعضها أو معظمها وإلاّ ففيها آيات كثيرة نزلت قبل سنة الوفاة النبوية، فلعل المراد بقوله سورة في الموضعين القطعة من القرآن أو الإضافة بمعنى من البيانية أي في آخر سورة، وإزالة الإشكال بالتعبير آخر آية نزلت، ويأتي إن شاء الله في التفسير مزيد لذلك والله الموفق والمعين لا إله غيره. 67 - باب وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ (وفد بني تميم) أي ابن مر بضم الميم وتشديد الراء ابن أد بضم الهمزة وتشديد الدال المهملة ابن طابخة بموحدة مكسورة وخاء معجمة مفتوحة ابن الياس بن مضر وقد كانت الوفود بعد رجوعه عليه الصلاة والسلام من الجعرانة في أواخر سنة ثمان وما بعدها وعند ابن هشام أن سنة تسع كانت تسمى سنة الوفود. 4365 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي صَخْرَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَتَى نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا فَرِيءَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ فَجَاءَ نَفَرٌ مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ» قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أبي صخرة) بالصاد المهملة المفتوحة والخاء المعجمة الساكنة جامع بن شداد المحاربي الكوفي (عن صفوان بن محرز) بضم الميم وسكون الحاء وكسر الراء بعدها زاي (المازني عن عمران بن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: أتى نفر) عدّة رجال من ثلاثة إلى عشرة في سنة تسع (من بني تميم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لهم عليه الصلاة والسلام: (اقبلوا البشرى) بدخول الجنة (يا بني تميم) وذلك أنه عليه الصلاة والسلام عرفهم أصول العقائد التي هي المبدأ والمعاد (قالوا: يا رسول الله قد بشرتنا) وإنما جئنا للاستعطاء (فأعطنا) بهمزة قطع من المال (فريء) بكسر الراء وسكون التحتية بعدها همزة ولأبي ذر فرئي بضم الراء بعدها همزة فتحتية (ذلك في وجهه) وفي بدء الخلق فتغير وجهه أي أسفًا عليهم لإيثارهم الدنيا (فجاء نفر من اليمن) من الأشعريين (فقال) عليه الصلاة والسلام لهم: (أقبلوا البشرى) بالجنة (إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا: قد قبلنا) ذلك (يا رسول الله). وقد مرّ هذا الحديث في أوائل بدء الخلق. 68 - باب قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ غَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ بَعَثَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِمْ فَأَغَارَ وَأَصَابَ مِنْهُمْ نَاسًا وَسَبَى مِنْهُمْ نِسَاءً. هذا (باب) بالتنوين (قال ابن إسحاق) محمد صاحب المغازي (غزوة عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر) غزوة مصدر مضاف لفاعله ومفعوله (بني العنبر من بني تميم بعثه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم) لما قيل فيما ذكره الواقدي أنهم أغاروا على ناس من خزاعة (فأغار) عليهم عيينة ومن معه وكانوا خمسين ليس فيهم أنصاري ولا مهاجري (وأصاب منهم ناسًا وسبى منهم نساء) ولأبي ذر عن الكشميهني: سباء بسين مكسورة بعدها موحدة، وعند الواقدي أنه أسر منهم أحد عشر رجلاً وإحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيًا فقدم رؤساؤهم بسبب ذلك. 4366 - حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: لاَ أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَ ثَلاَثٍ، سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُهَا فِيهِمْ «هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ» وَكَانَتْ فِيهِمْ سَبِيَّةٌ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَ: «أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ» وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ: «هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمٍ أَوْ قَوْمِي». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (زهير بن حرب) أبو خيثمة النسائي والد أبي بكر بن أبي خيثمة قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد الرازي (عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة) هرم البجلي الكوفي

69 - باب وفد عبد القيس

(عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه قال: (لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث) من الخصال (سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقولها) أنّث ضمير يقولها باعتبار الثلاث وذكره في سمعته باعتبار اللفظ وللأصيلي سمعتهن باعتبار المعنى (فيهم): (هم أشداء أمتي على الدجال) أي إذا خرج (وكانت فيهم) ولأبي ذر عن الكشميهني منهم (سبية) بفتح السين المهملة وكسر الموحدة وتشديد التحتية أي جارية مسبية (عند عائشة) وكان على عائشة نذر عتق من ولد إسماعيل (فقال: أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل) وتعيين اسم المعتقة هذه سبق في باب من ملك من العرب في العتق (وجاءت صدقاتهم) أي صدفات بني تميم (فقال) عليه الصلاة والسلام: (هذه صدقات قوم أو قومي) بياء النسب لاجتماع نسبة الشريف بنسبهم في إلياس بن مضر. 4367 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرِ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَرَدْتَ إِلاَّ خِلاَفِي قَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1]. حَتَّى انْقَضَتْ. [الحديث 4367 - أطرافه في: 4845، 4847، 7302]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم عن ابن أبي مليكة) عبد الله (أن عبد الله بن الزبير أخبرهم أنه قدم ركب من بني تميم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسألوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن يؤمر عليهم أحدًا (فقال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه-: يا رسول الله (أمّر القعقاع) بضم القافين (ابن معبد بن زرارة) عليهم (فقال عمر) بن الخطاب (بل أمّر الأقرع بن حابس) عليهم يا رسول الله (قال أبو بكر) لعمر -رضي الله عنهما-: (ما أردت إلا خلافي) أي ليس مقصودك إلا مخالفة قولي (قال عمر: ما أردت خلافك فتماريا) أي تجادلا وتخاصما (حتى ارتفعت أصواتهما) بحضرته عليه الصلاة والسلام (فنزل في ذلك: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا} [الحجرات: 1] حتى انقضت) أي الآية، ويأتي إن شاء الله تعالى في تفسير سورة الحجرات مزيد لذلك. 69 - باب وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ (باب وفد عبد القيس) بن أفصى بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح الصاد المهملة ابن دعميّ بضم الدال وسكون العين المهملتين وكسر الميم بعدها تحتية ثقيلة ابن جديلة بالجيم بوزن كبيرة ابن أسد بن ربيعة بن نزار، وهي قبيلة كبيرة يسكنون البحرين وهي أول قرية أقيمت فيها الجمعة بعد المدينة وسقط الباب لأبي ذر فوفد رفع. 4368 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ لِي جَرَّةً يُنْتَبَذُ لِي نَبِيذٌ فَأَشْرَبُهُ حُلْوًا فِي جَرٍّ إِنْ أَكْثَرْتُ مِنْهُ فَجَالَسْتُ الْقَوْمَ فَأَطَلْتُ الْجُلُوسَ خَشِيتُ أَنْ أَفْتَضِحَ فَقَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ النَّدَامَى» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ مُضَرَ وَإِنَّا لاَ نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ، حَدِّثْنَا بِجُمَلٍ مِنَ الأَمْرِ إِنْ عَمِلْنَا بِهِ دَخَلْنَا الْجَنَّةَ وَنَدْعُو بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، قَالَ: «آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللَّهِ هَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ؟ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغَانِمِ الْخُمُسَ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: مَا انْتُبِذَ فِي الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق) بن إبراهيم بن راهويه قال: (أخبرنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو (العقدي) بفتح العين والقاف قال: (حدّثنا قرة) بضم القاف وتشديد الراء ابن خالد السدوسي (عن أبي جمرة) بالراء والجيم نصر بن عمران الضبعي أنه قال: (قلت لابن عباس) -رضي الله عنهما- (إن لي جرة ينتبذ) بضم التحتية وفتح الموحدة مبنيًا للمفعول (لي فيها نبيذ) كذا في الفرع وأصله وفي غيره تنتبذ بفوقية بدل التحتية لي نبيذ بالنصب، ولم يضبط ذلك الحافظ ابن حجر وقال: إسناد الفعل إلى الجرة مجاز انتهى. وقال بعضهم: لعله جارية تنتبذ (فأشربه حلوًا) كائنة تلك الجرة التي ينتبذ لي فيها (في) جملة (جرّ) بفتح الجيم وتشديد الراء جمع جرّة كجرار (إن كثرت منه) شربًا (فجالست القوم فأطلت الجلوس) معهم (خشيت أن أفتضح) لأني أصير في حال مثل حال السكارى (فقال): أي ابن عباس (قدم وفد عبد القيس) القدمة الثانية (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكانوا ثلاثة عشر راكبًا كبيرهم الأشج. وسمي منهم في التحرير: منقذ بن حبان، ومزيدة بن مالك، وعمرو بن مرجوم، والحارث ابن شعيب، وعبيدة بن همام، والحارث بن جندب، وصحار بن العباس بصاد مضمومة وحاء مهملتين. وعند ابن سعد منهم: عتبة بن جروة. وفي سنن أبي داود: قيس بن النعمان العبدي، وفي مسند البزار: الجهم بن قثم، وعند أحمد: الرسيم العبدي، وفي المعرفة لأبي نعيم: جويرية العبدي، وفي الأدب للبخاري: الزراع بن عامر العبدي، وأما ما عند الدولابي من أنهم كانوا أربعين، فيحتمل أن يكون الثلاثة عشر رؤوسهم، ولذا كانوا ركبانًا والباقون أتباعًا. (فقال: مرحبًا بالقوم) حال كونهم (غير خزايا ولا الندامى) بالألف واللام (فقالوا: يا رسول الله إن بيننا وبينك المشركين من مضر) فيه الدلالة على تقدم إسلامهم على مضر (وإنا

لا نصل إليك إلا في أشهر الحرم) لحرمة القتال فيها عندهم (حدّثنا) بكسر الدال المشدّدة بصيغة الطلب (بجمل من الأمر إن عملنا به) أي بالأمر (دخلنا الجنة) برحمة الله (وندعو به من وراءنا) من قومنا الذين خلفناهم في بلادنا (قال: آمركم بأربع) أي بأربع جُمل (وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله) بالجرّ بدلاً من أربع الأولى (هل تدرون ما الإيمان بالله) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هو (شهادة أن لا إله إلا الله) زاد في الإيمان وأن محمدًا رسول الله (وإقام الصلاة) إنما ذكر الشهادة تبركًا بها لأنهم كانوا مسلمين مقرين بكلمتي الشهادة لكن ربما كانوا يظنون أن الإيمان مقصور عليهما كما كان ذلك في ابتداء الإسلام فالمراد إقام الصلاة وما يليها وهو قوله: (وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغانم الخمس) ولم يذكر الحج لكونه على التراخي أو لعدم استطاعتهم له من أجل كفار مضر أو لم يكن فرض أو لم يقصد إعلامهم بجميع الأحكام التي يجب عليهم فعلاً أو تركًا، ولذلك اقتصر في المناهي على الانتباذ، وأما في الصيام من سنن البيهقي الكبرى من زيادة ذكر الحج فهي رواية شاذة، وأبو قلابة الرقاشي المذكور في سنده تغير حفظه في آخر أمره، فلعل هذا مما حدث به في التغير والله أعلم. (وأنهاكم عن أربع ما انتبذ) وفي الإيمان من الانتباذ وهي من إطلاق المحل وإرادة الحال كما صرح به في رواية هذا الباب كرواية النساني ما ينتبذ (في الدباء) اليقطين (والنقير) وهو أصل النخلة ينقر فيتخذ منه وعاء (والحمم) بالحاء المهملة والنون والفوقية الجرة الخضراء (والمزفت) المطلي بالزفت واقتصر من المناهي على هذه الأربعة لكثرة تعاطيهم لها. 4369 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَقَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ فَلَسْنَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، فَمُرْنَا بِأَشْيَاءَ نَأْخُذُ بِهَا وَنَدْعُو إِلَيْهَا مَنْ وَرَاءَنَا قَالَ: «آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللَّهِ، شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَعَقَدَ وَاحِدَةً، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا لِلَّهِ خُمْسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد بن أبي جمرة) بالجيم الضبعي أنه قال: (سمعت ابن عباس) -رضي الله عنهما- (يقول: قدم وفد عبد القيس على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: يا رسول الله إنّا هذا الحي من ربيعة) والحي اسم لمنزلة القبيلة ثم سميت القبيلة به لأن بعضهم يحيا ببعض (وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر فلسنا نخلص) بضم اللام (إليك إلا في شهر حرام فمرنا) بضم الميم أصله أؤمرنا بهمزتين فحذفت الهمزة الأصلية للاستثقال فصار أمرنا فاستغنى عن همزة الوصل فحذفت فبقي مر على وزن عل لأن المحذوف فاء الفعل (بأشياء نأخذ بها وندعو إليها من وراءنا) أي خلفنا من قولنا (قال) عليه الصلاة والسلام: (آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله) أي وأن محمدًا رسول الله كما صرح به في رواية أخرى والاقتصار على الأولى لكونها صارت علمًا عليهما. وفي الزكاة وشهادة بزيادة واو وهي زيادة شاذة لم يتابع عليها حجاج بن منهال أحد (وعقد) بيده (واحدة) وهذا يدل على أن الشهادة إحدى الأربع (وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا لله خمس ما غنمتم) ولم يذكر الصوم وسقط لفظ لله في الفرع وثبت في الأصل وفي نسخة إلى الله (وأنهاكم عن) الانتباذ أو المنبوذ في (الدباء والنقير والحنتم والمزفت). وفي مسند أبي داود الطيالسي بإسناد حسن عن أبي بكرة قال: أما الدباء فإن أهل الطائف كانوا يأخذون القرع فيخرطون فيه العنب ثم يدفنونه حتى يهدر ثم يموت، وأما النقير فإن أهل اليمامة كانوا ينقرون أصل النخلة ثم ينبذون الرطب والبسر ثم يدعونه حتى يهدر ثم يموت، وأما الحنتم فجرار يحمل إلينا فيها الخمر، وأما المزفت فهذه الأوعية التي فيها الزفت. وتفسير الصحابي أولى أن يعتمد عليه من غيره لأنه أعلم بالمراد ومعنى النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية بخصوصها أنه يسرع إليها الإسكار، فربما شرب منها من لم يشعر بذلك ثم ثبتت الرخصة في الانتباذ في كل وعاء مع النهي عن شرب كل مسكر، كما سيأتي البحث فيه في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى. 4370 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، وَقَالَ بَكْرُ بْنُ مُضَرَ: عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ أَنَّ كُرَيْبًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَزْهَرَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَرْسَلُوا إِلَى عَائِشَةَ فَقَالُوا: اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنَّا جَمِيعًا وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَإِنَّا أُخْبِرْنَا أَنَّكِ تُصَلِّيهَا وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْهَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكُنْتُ أَضْرِبُ مَعَ عُمَرَ النَّاسَ عَنْهُمَا، قَالَ كُرَيْبٌ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا وَبَلَّغْتُهَا مَا أَرْسَلُونِي فَقَالَتْ: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ، فَأَخْبَرْتُهُمْ فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِي إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عَنْهُمَا وَإِنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَصَلاَّهُمَا فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْخَادِمَ فَقُلْتُ قُومِي إِلَى جَنْبِهِ فَقُولِي تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ أَسْمَعْكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا فَإِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ؟ إِنَّهُ أَتَانِي أُنَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالإِسْلاَمِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي سكن مصر قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن

70 - باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن أثال

الحارث (وقال بكر بن مضر): بفتح الموحدة في الأوّل وضم الميم في الثاني القرشي المصري مما وصله الطحاوي (عن عمرو بن الحارث عن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف ابن عبد الله -رضي الله عنه- ابن الأشج المخزومي (أن كريبًا) بضم الكاف وفتح الراء وسكون التحتية بعدها موحدة (مولى ابن عباس حدثه أن ابن عباس وعبد الرحمن بن أزهر) القرشي الزهري الصحابي عم عبد الرحمن بن عوف (والمسور بن مخرمة) الزهري الصحابي الثلاثة (أرسلوا إلى عائشة) -رضي الله عنها- (فقالوا) له: (اقرأ عليها السلام منا جميعًا وسلها عن الركعتين) أي عن صلاتهما (بعد العصر وإنا) بالواو ولأبي ذر فإنا (أخبرنا) بضم الهمز وكسر الموحدة قال: في الفتح لم أقف على تسمية المخبر ولعله عبد الله بن الزبير (أنك تصليها) بكسر الكاف والضمير للصلاة ولأبي ذر عن الكشميهني تصلينها بنون بعد التحتية وله عن الحموي والمستملي تصليهما بالتثنية بلا نون أي الركعتين (وقد بلغنا أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عنها) أي عن الصلاة بعد العصر وللكشميهني عنهما. (قال ابن عباس): بالسند السابق (وكنت أضرب مع عمر) بن الخطاب (الناس عنهما) بالتثنية عن الركعتين. (قال كريب) بالإسناد السابق: (فدخلت عليها) على عائشة (وبلغتها ما أرسلوني) به (فقالت: سل أم سلمة) -رضي الله عنها- وعند الطحاوي فقالت عائشة: ليس عندي ولكن حدثتني أم سلمة وزاد المؤلّف في باب إذا كلم وهو يصلّي في أواخر الصلاة فخرجت إليهم (فأخبرتهم) بقولها (فردّوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني إلى عائشة فقالت أم سلمة: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينهى عنهما وأنه صلّى العصر ثم دخل علّي وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما فأرسلت إليه الخادم) قال في الفتح: لم أقف على اسمها (فقلت) لها: (قومي إلى جنبه) عليه الصلاة والسلام (فقولي) له: (تقول) لك (أم سلمة يا رسول الله ألم أسمعك تنهى عن) صلاة (هاتين الركعتين) بعد العصر (فأراك) بفتح الهمزة (تصليهما فإن أشار بيده فاستأخري) عنه (ففعلت الجارية) ذلك (فأشار بيده فاستأخرت عنه فلما انصرف) أي فرغ من الصلاة (قال): (يا بنت أبي أمية) هو والد أم سلمة (سألت عن الركعتين اللتين صليتهما بعد العصر أنه أتاني أناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان). وعند الطحاوي من وجه آخر قدم عليّ قلائص الصدقة فنسيتهما ثم ذكرتهما فكرهت أن أصليهما في المسجد والناس يروني فصليتهما عندك. وهذا الحديث مرّ في باب إذا كلم في الصلاة وساقه هنا من طريقين بلفظ بكر بن مضر، وفي الباب السابق في الصلاة بلفظ ابن وهب والغرض منه هنا ذكر وفد عبد القيس على ما لا يخفى. 4371 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ هُوَ ابْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى يَعْنِي قَرْيَةً مِنَ الْبَحْرَيْنِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد الجعفي) المسندي قال: (حدّثنا أبو عامر عبد الملك) بن عمرو العقدي قال: (حدّثنا إبراهيم هو ابن طهمان) الخراساني (عن أبي جمرة) بالجيم نصر بن عبد الرحمن الضبعي (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أوّل جمعة جمعت) في الإسلام (بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالمدينة (في مسجد عبد القيس) وكانوا ينزلون البحرين قرب عمان (بجواثى) بضم الجيم وتخفيف الواو وقد تهمز وفتح المثلثة الخفيفة (يعني قرية من البحرين) وسقط لأبي ذر يعني قرية وحكى الجوهري وابن الأثير والزمخشري أن جواثى اسم حصن بالبحرين وهو لا ينافي كونها قرية. وسبق هذا الحديث في باب الجمعة. 70 - باب وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ وَحَدِيثِ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ (باب وفد بني حنيفة) بن لجيم بالجيم ابن صعب بن علي بن بكر بن وائل قبيلة مشهورة ينزلون اليمامة بين مكة والمدينة (وحديث ثمامة بن أثال) بمثلثة فميم مخففة بعدها ألف فميم وأثال بضم الهمزة فمثلثة خفيفة ابن النعمان بن مسلمة الحنفي. 4372 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ»؟ فَقَالَ عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ»؟ فَقَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ فَتَرَكَهُ، حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ»؟ قَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ: فَقَالَ: «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ» فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلاَدِ إِلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ قَالَ: لاَ وَاللهِ وَلَكِنْ، أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ وَاللَّهِ لاَ يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) أبو محمد التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدثني) بالإفراد (سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري (أنه سمع أبا

هريرة -رضي الله عنه- قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيلاً) أي فرسان خيل وهو من ألطف المجازات وأبدعها فهو على حذف مضاف، وفي الحديث يا خيل الله اركبي أي فرسان خيل الله (قبل نجد) أي جهتها (فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (ما عندك يا ثمامة)؟ كذا في الفرع كأصله وغيرهما مما وقفت عليه من الأصول المعتمدة، والذي في الفتح وعمدة القاري ماذا بزيادة ذا وأعربه كالطيبي في شرح مشكاته أن تكون ما استفهامية وذا موصولاً وعندك صلته أي: ما الذي استقر عندك من الظن فيما أفعل بك أو ماذا بمعنى أي شيء مبتدأ وعندك خبره فظن خيرًا (فقال عندي خير يا محمد) لأنك لست ممن يظلم بل يحسن وينعم (إن تقتلني تقتل ذا دم) بالمهملة وتخفيف الميم أي أن تقتل من عليه دم مطلوب به وهو مستحق عليه فلا عيب عليك في قتله. وفعل الشرط إذا كرر في الجزاء دل على فخامة الأمر، وللكشميهني كما في الفتح ذم بالمعجمة وتشديد الميم أي ذا ذمة وضعفت لأن فيها قلبًا للمعنى لأنه إذا كان ذا ذمة يمتنع قتله. وأجيب: بالحمل على أن معناه الحرمة في قوله (وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت فترك) بضم الفوقية أي فتركه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى كان الغد) وسقط لغير أبي ذر لفظ فترك (ثم قال عليه الصلاة والسلام) له: (ما عندك يا ثمامة فقال: ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر فتركه) عليه الصلاة والسلام (حتى كان بعد الغد فقال) له: (ما عندك يا ثمامة فقال: عندي ما قلت لك). اقتصر في اليوم الثاني على أحد الأمرين وحذفهما في اليوم الثالث، وفيه دليل على حذقه لأنه قدم أوّل يوم أشق الأمرين عليه وهو القتل لما رأى من غضبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في اليوم الأوّل، فلما رأى أنه لم يقتله رجا أن ينعم عليه فاقتصر على قوله: إن تنعم، وفي اليوم الثالث اقتصر على الإجمال تفويضًا إلى جميل خلقه ولطفه صلوات الله وسلامه عليه وهذا أدعى للاستعطاف والعفو. (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أطلقوا ثمامة) فأطلقوه (فانطلق إلى نجل) بالجيم في الفرع أي ماء مستنقع وفي نسخة بالخاء المعجمة (قريب من المسجد فاغتسل) منه (ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليّ والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دبنك أحب الدين إليّ والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إليّ وإن خيلك) أي فرسانك (أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بما حصل له من الخير العظيم بالإسلام ومحو ما كان قبله من الذنوب العظام (وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل): لم أعرف اسمه (صبوت) أي خرجت من دين إلى دين (قال: لا والله) ما صبوت وسقط لفظ الجلالة من اليونينية (ولكن أسلمت مع محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وهذا من أسلوب الحكيم كأنه قال: ما خرجت من الدين لأنكم لستم على دين فأخرج منه بل استحدثت دين الله وأسلمت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رب العالمين. فإن قلت: مع تقتضي استحداث المصاحبة لأن معنى المعية المصاحبة وهي مفاعلة وقد قيل الفعل بها فيجب الاشتراك فيه كذا نص عليه صاحب الكشاف في الصافات؟ أجيب: بأنه لا يبعد ذلك فلعله وافقه فيكون منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استدامة ومنه واستحداثًا. (ولا والله) فيه حذف أي والله لا أرجع إلى دينكم و (لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد ابن هشام ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئًا فكتبوا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنك تأمر بصلة الرحم فكتب إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين الحمل إليهم. وهذا الحديث قد مرّ في باب ربط الأسير في المسجد مختصرًا. 4373 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِطْعَةُ جَرِيدٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ: لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ، وَإِنِّي لأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ، وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ. 4374 - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّكَ أُرَى الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أُرِيتُ» فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا فَأُوحِيَ إِلَىَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ». وبه

قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن عبد الله بن أبي حسين) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين بضم الحاء ابن الحارث النوفلي التابعي الصغير قال: (حدّثنا نافع بن جبير) بضم الجيم ابن مطعم القرشي المدني (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قدم مسيلمة الكذاب) بكسر اللام ابن ثمامة بن كبير بالموحدة ابن حبيب بن الحارث من بني حنيفة وكان فيما قاله ابن إسحاق ادّعى النبوّة سنة عشر وقدم مع قومه (على عهد رسول الله) ولأبوي ذر والوقت على عهد النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المدينة (فجعل يقول: إن جعل لي محمد) الخلافة (من بعده) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني أن جعل لي محمد الأمر من بعده (تبعته وقدمها في بشر كثير من قومه) بني حنيفة (فأقبل إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليتألفه وقومه رجاء إسلامهم وليبلغه ما أنزل إليه (ومعه) عليه الصلاة والسلام (ثابت بن قيس بن شماس) خطيب الأنصار (وفي يد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطعة جريد) من النخل (حتى وقف على مسيلمة في أصحابه) فكلمه في الإسلام فطلب مسيلمة أن يكون له شيء من أمر النبوّة (فقال) عليه الصلاة والسلام له: (لو سألتني هذه القطعة) من الجريد (ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك) لمن تجاوز حكمه (ولئن أدبرت) عن طاعتي (ليعقرنك الله) ليهلكنك (وإني لأراك) بفتح الهمزة ولأبي ذر بضمها (الذي رأيت) بضم الهمزة وكسر الراء في منامي (فيه ما رأيت وهذا ثابت يجيبك عني) لأنه الخطيب فاكتفى عليه الصلاة والسلام بما قاله له وإن كان يريد الإسهاب في الخطاب فهذا الخطيب يقوم بذلك (ثم انصرف عنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (قال ابن عباس: فسألت عن قول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنك أرى) بفتح الهمزة والراء وفي اليونينية بضم الهمزة (الذي أريت) بضم الهمزة وكسر الراء (فيه ما رأيت فأخبرني أبو هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بينا) بغير ميم (أنا نائم) وجواب بينا قوله (رأيت في يدي) بتشديد الياء بالتثنية (سوارين من ذهب) صفة لهما (فأهمني شأنهما) فأحزنني لأن الذهب من حلية النساء (فأوحي إليّ في المنام) وحي إلهام أو بواسطة الملك (أن انفخهما) بهمزة وصل (فنفختهما فطارا) لحقارة أمرهما ففيه إشارة إلى اضمحلال أمرهما (فأوّلتهما كذابين) لأن الكذب وضع الشيء في غير موضعه (يخرجان) أي تظهر شوكتهما ودعواهما النبوّة (بعدي أحدهما العنسي) بفتح العين المهملة وسكون النون وكسر السين المهملة من بني عنس وهو الأسود واسمه عبهلة بن كعب (والآخر مسيلمة) الكذاب. وهذا الحديث مرّ في علامات النبوّة. 4375 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِخَزَائِنِ الأَرْضِ فَوُضِعَ فِي كَفِّي سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَا عَلَيَّ فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَذَهَبَا فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي المروزي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بينا) بغير ميم (أنا نائم أتيت) بضم الهمزة وكسر الفوقية ولأبي ذر فأتيت بالفاء (بخزائن الأرض) ما فتح على أمته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الغنائم من ذخائر كسرى وقيصر وغيرهما أو المراد معادن الأرض التي فيها الذهب والفضة (فوضع) بضم الواو وكسر الضاد (في كفي) بالإفراد (سواران من ذهب فكبرا) بضم الموحدة عظمًا وثقلاً (عليّ فأوحي إليّ) وللكشميهني فأوحى الله إليّ (أن انفخهما) بهمزة وصل (فنفختهما فذهبًا فأوّلتهما الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء) الأسود العنسي (وصاحب اليمامة) مسيلمة الكذاب وصاحب بالنصب في الموضعين في اليونينية وفي فرعها بالرفع فيهما. وهذا الحديث يأتي وإن شاء الله تعالى في كتاب التعبير بعون الله وقوّته. 4376 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَهْدِيَّ بْنَ مَيْمُونٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ، يَقُولُ: كُنَّا نَعْبُدُ الْحَجَرَ فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ أَخْيَرُ مِنْهُ أَلْقَيْنَاهُ وَأَخَذْنَا الآخَرَ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ جِئْنَا بِالشَّاةِ، فَحَلَبْنَاهُ عَلَيْهِ ثُمَّ طُفْنَا بِهِ فَإِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ، قُلْنَا مُنَصِّلُ الأَسِنَّةِ فَلاَ نَدَعُ رُمْحًا فِيهِ حَدِيدَةٌ وَلاَ سَهْمًا فِيهِ حَدِيدَةٌ إِلاَّ نَزَعْنَاهُ وَأَلْقَيْنَاهُ شَهْرَ رَجَبٍ. وبه قال: (حدّثنا الصلت بن محمد) بالصاد المهملة بعدها لام ساكنة ففوقية الخاركي بالخاء المعجمة (قال:

71 - باب قصة الأسود العنسي

سمعت مهدي بن ميمون) الأزدي المعولي بكسر الميم وسكون العين وفتح الواو بعدها لام مكسورة البصري (قال: سمعت أبا رجاء) عمران بن ملحان (العطاردي) أسلم زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يره (يقول: كنا نعبد الحجر) من دون الله (فإذا وجدنا حجرًا هو أخير) بهمزة وللأصيلي وابن عساكر خير بإسقاطها، ولأبي ذر عن الكشميهني أحسن (منه ألقيناه) أي رميناه (وأخذنا الأخر) والمراد بالخيرية الأحسنية كالبياض والنعومة ونحو ذلك من صفات الأحجار المستحسنة (فإذا لم نجد حجرًا جمعنا جثوة) بضم الجيم وسكون المثلثة قطعة (من تراب) تجمع فتصير كومًا (ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه) حقيقة أو مجازًا عن التقرّب إليه بالتصديق عنه بذلك اللبن قاله البرماوي كالكرماني واستبعده في الفتح وقال: المعنى نحلبه عليه ليصير نظير الحجر (ثم طفنا به فإذا دخل شهر رجب قلنا منصل الأسنة) بفتح النون وتشديد الصاد للكشميهني كما في الفتح ولغيره بسكون النون وقد فسره في قوله (فلا ندع رمحًا فيه حديدة ولا سهمًا فيه حديدة إلا نزعناه وألقيناه شهر رجب) أي في شهر رجب قال مهدي بالسند السابق. 4377 - وَسَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ يَقُولُ: كُنْتُ يَوْمَ بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، غُلاَمًا أَرْعَى الإِبِلَ عَلَى أَهْلِي فَلَمَّا سَمِعْنَا بِخُرُوجِهِ فَرَرْنَا إِلَى النَّارِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ. (وسمعت أبا رجاء يقول: كنت يوم بعث النبي) بضم الموحدة وكسر العين ولأبي ذر: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بفتح الموحدة وسكون العين أي اشتهر أمره (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غلامًا أرعى الإبل على أهلي فلما سمعنا بخروجه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي ظهوره على قومه من قريش بفتح مكة (فررنا إلى النار إلى مسيلمة الكذاب) بدل من النار بتكرار العامل وفيه إشارة إلى أن أبا رجاء كان ممن تابع مسيلمة من قومه بني عطارد. 71 - باب قِصَّةُ الأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ (قصة الأسود). عبهلة بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح الهاء ابن كعب وكان يقال له ذو الخمار بالخاء المعجمة لأنه كان يخمر وجهه وقيل هو اسم شيطانه (العنسي) بسكون النون. 4378 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ نَشِيطٍ، وَكَانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ وَكَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ كُرَيْزٍ، وَهْيَ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَهْوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ خَطِيبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضِيبٌ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ: إِنْ شِئْتَ خَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الأَمْرِ ثُمَّ جَعَلْتَهُ لَنَا بَعْدَكَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ سَأَلْتَنِي هَذَا الْقَضِيبَ مَا أَعْطَيْتُكَهُ وَإِنِّي لأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أُرِيتُ وَهَذَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ وَسَيُجِيبُكَ عَنِّي» فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا ولأبي ذر حدثني بالإفراد سعيد بن محمد الجرمي) بفتح الجيم وسكون الراء الكوفي الثقة قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن عبيدة) بالتصغير (ابن نشيط) بفتح النون وكسر الشين المعجمة بعدها تحتية ساكنة فطاء مهملة الربذي بفتح الراء والموحدة بعدها معجمة (وكان في موضع آخر اسمه عبد الله) قال في الفتح: أراد بهذا أن ينبه على أن المبهم هو عبد الله بن عبيدة لا أخوه موسى وموسى ضعيف جدًّا وأخوه عبد الله ثقة وكان عبد الله أكبر من موسى بثمانين سنة (أن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود أحد الفقهاء السبعة (قال: بلغنا أن مسيلمة الكذاب) لعنه الله (قدم المدينة فنزل) مسيلمة (في دار بنت الحارث وكان) وللأصيلي وكانت (تحته) أي تحت مسيلمة (بنت الحارث) كيسة بالكاف وتشديد التحتية المكسورة بعدها سين مهملة ولأبي ذر ابنة الحارث (ابن كريز) بضم الكاف آخره زاي مصغرًا ابن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس فنزل عليها مسيلمة لكونها كانت امرأته (وهي) أي كيسة صاحبة الدار (أم) أولاد (عبد الله بن عامر) بن كريز عبد الرحمن وعبد الملك وعبد الله وسقط عند الراوي لفظ أولاد، أو كانت أم عبد الله بن عبد الله بن عامر فسقط عبد الله الثاني عند الراوي إذ إنها زوجة عبد الله بن عامر وابنة عمه لأمه، وهذا معارض بأن كيسة هذه لم تكن إذ ذاك بالمدينة وإنما كانت عند مسيلمة باليمامة فلما قتل تزوّجها ابن عمها عبد الله بن عامر بن كريز كما ذكره الدارقطني في المؤتلف والمختلف، وتبعه ابن ماكولا بل التي نزل عليها هي رملة بنت الحدث. قال في المقدمة: بدال مهملة بعد الحاء المهملة لا براء قبلها ألف كذا هو عند ابن سعد وغيره، والحدث هو ابن ثعلبة بن الحارث بن زيد من الأنصار وكانت دارها دار الوفود، ولعل الحدث صحف بالحارث إذ الحارث يكتب بلا ألف انتهى وكانت رملة زوج معاذ ابن عفراء الصحابي ولها صحبة ومبايهة -رضي الله عنها-.

72 - باب قصة أهل نجران

(فأتاه) أي مسيلمة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) استئلافًا له ولتبليغ الوحي (ومعه ثابت بن قيس بن شماس وهو) أي ثابت (الذي يقال له خطيب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي يد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضيب) من جريد النخل (فوقف) عليه الصلاة والسلام (عليه) أي على مسيلمة اللعين (فكلمه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الإسلام (فقال له): أي للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مسيلمة: إن شئت خليت بيننا) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني خلينا بينك وله عن المستملي خليت بينك (وبين الأمر) أي أمر النبوّة (ثم جعلته لنا بعدك فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له: (لو سألتني هذا القضيب ما أعطيتكه وإني لأراك) بضم الهمزة أظنك (الذي أريت) بضم الهمزة (فيه ما أريت) بضمها أيضًا ولأبي ذر ما رأيت (وهذا ثابت بن قيس) الخطيب (وسيجيبك عني) على سبيل التفصيل (فانصرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 4379 - قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِي ذَكَرَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُرِيتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَفُظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا، فَأُذِنَ لِي فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ» فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزُ بِالْيَمَنِ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ. (قال عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بالسند المذكور: (سألت عبد الله بن عباس عن رؤيا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي ذكر) ها في شأن مسيلمة (فقال ابن عباس: ذكر لي) بضم الذال مبنيًّا للمفعول وسبق أن الذاكر له أبو هريرة (أن رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: بينا) بلا ميم (أنا نائم أريت أنه وضع) بضم الواو وكسر الضاد المعجمة (في يديّ) بتشديد الياء (سواران) ولأبي ذر إسواران (من ذهب) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وضع بفتحتين في يدي بلفظ التثنية أيضًا سوارين بهمزة مكسورة وسكون السين لغة في السابق منصوب بالياء على المفعولية (ففظعتهما) بفاء مضمومة وظاء معجمة مشالة بعدها عين مهملة يقال فظع الأمر فهو فظيع إذا جاوز المقدار قال: في النهاية كذا جاء متعدّيًا والمعروف فظعت به أو منه والتعدية تكون حملاً على المعنى لأنه بمعنى أكبرتهما وخفتهما (وكرهتهما) لكونهما من حلية النساء (فأذن لي) بضم الهمزة وكسر الذال المعجمة (فنفختهما فطارا فأوّلتهما كذابين يخرجان). (فقال عُبيد الله) بن عبد الله بن عتبة (أحدهما العنسي) الأسود (الذي قتله فيروز باليمن) وذلك أنه كان قد خرج بصنعاء وادّعى النبوّة وغلب على عامل صنعاء المهاجر بن أبي أمية، وقيل إنه مرّ به فلما حاذاه عثر الحمار فادّعى أنه سجد له ولم يقم الحمار حتى قال له شيئًا وكان معه فيما رواه البيهقي في دلائله شيطانان يقال لأحدهما سحيق بمهملتين وقاف مصغرًا، والآخر شقيق بمعجمة وقافين مصغرًا أيضًا وكانا يخبرانه بكل شيء يحدث في أمور الناس، وكان باذان عامل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بصنعاء فمات فجاء شيطان الأسود فأخبره فخرج في قومه حتى ملك صنعاء وتزوّج المرزبانة زوجة باذان فذكر القصة في مواعدتها دارويه وفيروز وغيرهما حتى دخلوا على الأسود ليلاً، وقد سقته المرزبانة الخمر صرفًا حتى سكر وكان على بابه ألف حارس فنقب فيروز ومن معه الجدار حتى دخلوا فقتله فيروز واحترز رأسه وأخرجوا المرأة وما أحبوا من المتاع وأرسلوا الخبر إلى المدينة فوافى بذلك عند وفاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال أبو الأسود عن عروة: أصيب الأسود قبل وفاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيوم وليلة فأتاه الوحي فأخبر أصحابه ثم جاء الخبر إلى أبي بكر (والآخر مسيلمة الكذاب). وقد ساق المؤلّف حديث الباب مرسلاً وقد ذكره في الباب السابق موصولاً، لكن من رواية نافع بن جبير عن ابن عباس، وفي سنده في هذا الباب ثلاثة من التابعين في نسق صالح بن كيسان وعبد الله بن عبيدة وعبيد الله بن عبد الله. 72 - باب قِصَّةُ أَهْلِ نَجْرَانَ (باب قصة أهل نجران) بفتح النون وسكون الجيم بلد كبير على سبع مراحل من مكة، وسقط الباب لأبي ذر فالتالي رفع. 4380 - حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: جَاءَ الْعَاقِبُ وَالسَّيِّدُ صَاحِبَا نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدَانِ أَنْ يُلاَعِنَاهُ قَالَ: فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ لاَ تَفْعَلْ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلاَعَنَّا لاَ نُفْلِحُ نَحْنُ وَلاَ عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا، قَالاَ: إِنَّا نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنَا وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلاً أَمِينًا، وَلاَ تَبْعَثْ مَعَنَا إِلاَّ أَمِينًا، فَقَالَ: «لأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ» فَاسْتَشْرَفَ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ» فَلَمَّا قَامَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عباس بن الحسين) بالموحدة والسين المهملة وضم الحاء من الحسين البغدادي القنطري نسب إلى قنطرة بردان بشرقي بغداد الثقة، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر سبق في التهجد مقرونًا قال: (حدّثنا يحيى بن آدم) بن سليمان القرشي الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي

73 - باب قصة عمان والبحرين

إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن صلة بن زفر) بضم الزاي وفتح الفاء بعدها راء العبسي الكوفي (عن حذيفة) بن اليمان أنه (قال: جاء العاقب) بالعين المهملة والقاف والموحدة واسمه عبد المسيح (والسيد) بفتح السين وكسر التحتية المشددة واسمه الأيهم بفتح الهمزة وسكون التحتية وفتح الهاء بعدها ميم أو شرحبيل (صاحبا نجران) أي من أكابر نصارى نجران وحكامهم، وكان السيد رئيسهم، والعاقب صاحب مشورتهم (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريدان أن يلاعناه) أي يباهلاه، وكان معهم أيضًا أبو الحارث بن علقمة وكان أسقفهم وحبرهم وصاحب مدارسهم، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما ذكره ابن سعد دعاهم إلى الإسلام وتلا عليهم القرآن فامتنعوا فقال: إن أنكرتم ما أقول فهلم أباهلكم (قال: فقال أحدهما) قيل هو السيد (لصاحبه): العاقب وقيل العاقب الذي. قال للسيد (لا تفعل) ذلك (فوالله لئن كان نبيًّا فلاعنّا) بتشديد النون وللكشميهني فلاعننا بإظهار النون (لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا) ثم (قالا): بعد أن انصرفا ولم يسلما ورجعا وقالا: إنا لا نباهلك فاحكم علينا بما أحببت ونصالحك فصالحهم على ألف حلة في رجب وألف حلة في صفر ومع كل حلة أوقية (إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلاً أمينًا ولا تبعث معنا إلا أمينًا فقال) عليه الصلاة والسلام: (لأبعثن معكم رجلاً أمينًا حق أمين فاستشرف له) أي لقوله عليه الصلاة والسلام (أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) عليه الصلاة والسلام: (قم يا أبا عبيدة بن الجراح فلما قام قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا أمين هذه الأمة). 4381 - حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: ابْعَثْ لَنَا رَجُلاً أَمِينًا فَقَالَ: «لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ» فَاسْتَشْرَفَ لَهُ النَّاسُ فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد لأبي ذر ولغيره بالجمع (محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت أبا إسحاق) السبيعي (عن صلة بن زفر) بضم الزاي وفتح الفاء بعدها راء (عن حذيفة) بن اليمان (-رضي الله عنه-) أنه (قال: جاء أهل نجران) العاقب والسيد ومن معهما (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: ابعث لنا رجلاً أمينًا فقال): (لأبعثن إليكم رجلاً أمينًا حق أمين) فيه توكيد والإضافة فيه نحو أن زيد العالم حق عالم أي عالم حقًا (فاستشرف له الناس) وللأربعة: لها أي للإمارة ورغبوا فيها حرصًا على نيل الصفة المذكورة وهي الأمانة (فبعث أبا عبيدة بن الجراح) إليهم. 4382 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ، أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن خالد) الحذاء البصري (عن أبي قلابة) بكسر القاف وتخفيف اللام عبد الله بن زيد الجرمي (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لكل أمة أمين) ثقة رضي (وأمين هذه الأمة) المحمدية (أبو عبيدة بن الجراح). وأشار المؤلّف بسياق هذا الحديث هنا إلى أن سبب قوله عليه الصلاة والسلام ذلك في أبي عبيدة الحديث السابق. وقد مرّ هذا الحديث في المناقب. 73 - باب قِصَّةُ عُمَانَ وَالْبَحْرَيْنِ (قصة عمان) بضم العين وتخفيف الميم باليمن سميت بعمان بن سبأ (والبحرين) بلد عبد القيس. 4383 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ سَمِعَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: قَالَ: لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا، وَهَكَذَا ثَلاَثًا». فَلَمْ يَقْدَمْ مَالُ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنِي قَالَ جَابِرٌ: فَجِئْتُ أَبَا بَكْرٍ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا ثَلاَثًا» قَالَ: فَأَعْطَانِي قَالَ جَابِرٌ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَأَلْتُهُ، فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ، فَلَمْ يُعْطِنِي فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي، فَقَالَ: أَقُلْتَ تَبْخَلُ عَنِّي وَأَىُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ قَالَهَا ثَلاَثًا، مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ. وَعَنْ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جِئْتُهُ فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ عُدَّهَا فَعَدَدْتُهَا فَوَجَدْتُهَا خَمْسَمِائَةٍ فَقَالَ: خُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (سمع ابن المنكدر) محمد (جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-) بنصب جابر على المفعولية ورفع ابن المنكدر على الفاعلية (يقول: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو جاء مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثًا فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما قدم) مال البحرين من عند العلاء بن الحضرمي (على أبي بكر أمر مناديًا) قيل هو بلال (فنادى: من كان له عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دين) كقرض (أو عدة) بكسر العين وتخفيف الدال وعده بها (فليأتني) أوفه (قال جابر: فجئت أبا بكر فأخبرته أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لو قد جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثًا فقال: فأعطاني. قال جابر: فلقيت أبا بكر بعد ذلك) وفي الخمس في باب ومن

74 - باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن

الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من طريق علي عن سفيان بن عيينة فأتيته يعني أبا بكر فقلت: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لي كذا وكذا فحثا لي ثلاثًا، وجعل سفيان يحثو بكفيه جميعًا ثم قال لنا أي سفيان: هكذا قال لنا ابن المنكدر، وقال مرة: فأتيت أبا بكر (فسألته فلم يعطني، ثم أتيته) فسألته (فلم يعطني، ثم أتيته الثالثة فلم يعطني فقلت له: قد أتيتك) وسألتك (فلم تعطني، ثم أتيتك فلم تعطني، ثم أتيتك فلم تعطني فإما أن تعطيني وإما أن تبخل عني) أي من جهتي (فقال) أبو بكر -رضي الله عنه- يخاطب جابرًا (أقلت) بهمزة الاستفهام الإنكاري (تبخل عني وأي داء أدوأ) بالهمزة في الفرع كأصله (من البخل؟ قالها) أبو بكر (ثلاثًا) لكن في الخمس قال: يعني ابن المنكدر: وأي داء أدوأ من البخل؟ نعم في الحديث في مسند الحميدي. وقال ابن المنكدر في حديثه، قال في الفتح: فظهر بذلك اتصاله إلى أبي بكر (ما منعتك) من العطاء (من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك). (وعن عمرو) هو ابن دينار بالسند السابق مما وصله المؤلّف في باب من تكفل عن ميت دينًا بلفظ: حدّثنا عليّ بن عبد الله، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو (عن محمد بن علي) قال الحافظ ابن حجر: هو المعروف بالباقر بن زين العابدين بن علي بن الحسين بن علي، ووهم من زعم أن محمد بن علي هو ابن الحنفية أنه قال: (سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- (يقول: جئته) يعني أبا بكر -رضي الله عنه- فقلت له: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لي كذا وكذا فحثا لي حثية. (فقال لي أبو بكر: عدّها) أي الحثية (فعددتها فوجدتها خمسمائة. فقال: خذ مثلها مرتين). وهذا الحديث قد سبق في باب الكفالة. 74 - باب قُدُومُ الأَشْعَرِيِّينَ وَأَهْلِ الْيَمَنِ وَقَالَ أَبُو مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ». (باب قدوم الأشعريين) سنة سبع عند فتح خيبر مع أبي موسى (و) بعض (أهل اليمن) وهم رفد حمير سنة الوفود سنة تسع، وليس المراد اجتماعهما في الوفادة، وسقط لفظ باب لأبي ذر فالتالي رفع (وقال أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هم) أي الأشعريون (مني وأنا منهم) هي من الاتصالية ومعنى ذلك المبالغة في اتحاد طريقهما واتفاقهما على طاعة الله تعالى. والحديث موصول عند المؤلّف في الشركة. 4384 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالاَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ الْيَمَنِ فَمَكَثْنَا حِينًا مَا نُرَى ابْنَ مَسْعُودٍ وَأُمَّهُ إِلاَّ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِهِمْ وَلُزُومِهِمْ لَهُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي (وإسحاق بن نصر) أبو إبراهيم السعدي (قالا: حدّثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الكوفي قال: (حدّثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الكوفي قال: (حدّثنا ابن أبي زائدة) هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة واسمه ميمون أو خالد الهمداني الكوفي (عن أبيه) زكريا الأعمى الكوفي (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن الأسود بن يزيد) النخعي الكوفي (عن أبي موسى) الأشعري -رضي الله عنه- أنه (قال: قدمت أنا وأخي) أبو رهم أو أبو بردة (من اليمن) على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند فتح خيبر صحبة جعفر بن أبي طالب (فمكثنا حينًا) حال كوننا (ما نرى) بضم النون أي ما نظن (ابن مسعود) عبد الله (وأمه) أم عبد الهذلية (إلا من أهل البيت) النبوي (من كثرة دخولهم) على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ولزومهم له). وقد سبق في مناقب ابن مسعود. 4385 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوسَى أَكْرَمَ هَذَا الْحَيَّ مِنْ جَرْمٍ وَإِنَّا لَجُلُوسٌ عِنْدَهُ، وَهْوَ يَتَغَدَّى دَجَاجًا وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ جَالِسٌ فَدَعَاهُ إِلَى الْغَدَاءِ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ، فَقَالَ: هَلُمَّ فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُهُ فَقَالَ: إِنِّي حَلَفْتُ لاَ آكُلُهُ، فَقَالَ: هَلُمَّ أُخْبِرْكَ عَنْ يَمِينِكَ، إِنَّا أَتَيْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفَرٌ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَأَبَى أَنْ يَحْمِلَنَا فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا ثُمَّ لَمْ يَلْبَثِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أُتِيَ بِنَهْبِ إِبِلٍ فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ فَلَمَّا قَبَضْنَاهَا قُلْنَا تَغَفَّلْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمِينَهُ لاَ نُفْلِحُ بَعْدَهَا أَبَدًا فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ لاَ تَحْمِلَنَا وَقَدْ حَمَلْتَنَا قَالَ: «أَجَلْ وَلَكِنْ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عبد السلام) بن حرب بن سلمة النهدي بالنون الملاي بضم الميم وتخفيف اللام الثقة الحافظ له مناكير (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (عن زهدم) بفتح الزاي وسكون الهاء بوزن جعفر بن مضرب بالضاد المعجمة وكسر الراء الجرمي بفتح الجيم كالسابق أبي مسلم البصري أنه (قال: لما قدم أبو موسى) قال ابن حجر: أي إلى الكوفة أميرًا عليها في زمن عثمان، ووهم من قال: أراد اليمن لأن زهدمًا لم يكن من أهل اليمن انتهى. والظاهر أنه أراد بالواهم الكرماني ومن تبعه (أكرم هذا الحي من جرم) بفتح الجيم وسكون الراء قبيلة مشهورة ينسبون إلى جرم بن ربان براء مفتوحة فموحدة مشددة ابن ثعلبة بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة (وإنا لجلوس عنده وهو يتغدى) بالغين المعجمة والدال المهملة (دجاجًا

وفي القوم رجل جالس) لم يسم نعم في رواية عبد الله بن عبد الوهاب عن حماد عن أيوب في الخمس أنه من بني تيم الله أحمر كأنه من الموالي (فدعاه) أبو موسى (إلى الغداء) معه (فقال) الرجل: (إني رأيته) أي الدجاج (يأكل شيئًا) من النجاسة (فقذرته) بفتح القاف وكسر الذال المعجمة أي كرهته واستقذرته (فقال) له أبو موسى: (هلم) أي تعال (فإني رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكله. فقال) الرجل (إني حلفت لا آكله) كذا في اليونينية وفي الفرع وغيره أن لا آكله (فقال) له أبو موسى (هلم أخبرك) بالجزم (عن يمينك) الذي حلفته (إنّا أتينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفر من الأشعريين) ما بين الثلاثة إلى العشرة من الرجال (فاستحملناه) طلبنا منه أن يحملنا وأثقالنا على إبل في غزوة تبوك (فأبى أن يحملنا فاستحملناه فحلف أن لا يحملنا، ثم لم يلبث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أُتي) بضم الهمزة (بنهب إبل) من غنيمة (فأمر لنا بخمس ذود) بالإضافة وفتح الذال المعجمة ما بين الثنتين إلى التسعة من الإبل (فلما قبضناها قلنا: تغفلنا) بالغين المعجمة وتشديد الفاء وسكون اللام (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه لا نفلح بعدها فأتيته فقلت: يا رسول الله إنك حلفت أن لا تحملنا) بفتح اللام (وقد حملتنا. قال): (أجل) أي نعم حلفت وحملتكم، وزاد في رواية عبد الله بن عبد الوهاب المذكورة: أفنسيت (ولكن لا أحلف على يمين) أي محلوف يمين، ولمسلم أمر بدل يمين (فأرى) بفتح الهمزة (غيرها خيرًا منها) أي من الخصلة المحلوف عليها (إلا أتيت الذي هو خير منها) زاد في الرواية المذكورة وتحللتها. والمطابقة بين الترجمة والحديث ظاهرة. 4386 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَخْرَةَ جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيُّ قال: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ قَالَ: جَاءَتْ بَنُو تَمِيمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَبْشِرُوا يَا بَنِي تَمِيمٍ» فَقَالُوا: أَمَّا إِذْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ» قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن بحر أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي قال: (حدّثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد قال: (حدّثنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا أبو صخرة جامع بن شداد) بالمعجمة وتشديد الدال المهملة الأولى المحاربي (قال: حدّثنا صفوان بن محرز) بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء بعدها زاي (المازني قال: حدّثنا عمران بن حصين قال: جاءت بنو تميم إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (أبشروا) بهمزة قطع بالجنة (يا بني تميم فقالوا: أما إذ بشرتنا فأعطنا) من المال (فتغير وجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجاء ناس من أهل اليمن) وهم الأشعريون (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لهم: (أقبلوا البشرى) يا أهل اليمن (إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا: قد قبلنا) ها (يا رسول الله). كذا أورد هذا الحديث هنا مختصرًا. وسبق تامًّا في بدء الخلق ومراده منه هنا قوله: فجاءنا ناس من أهل اليمن. قال في الفتح: واستشكل بأن قدوم وفد بني تميم كان سنة تسع وقدوم الأشعريين كان قبل ذلك عقب فتح خيبر سنة سبع. وأجيب: باحتمال أن يكون طائفة من الأشعريين قدموا بعد ذلك. 4387 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الإِيمَانُ هَا هُنَا -وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْيَمَنِ- وَالْجَفَاءُ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ، رَبِيعَةَ، وَمُضَرَ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسند (الجعفي) قال: (حدّثنا وهب بن جرير) بفتح الجيم ابن حازم قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي مولاهم البجلي (عن قيس بن أبي حازم) البجلي (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو البدري الأنصاري -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الإيمان هاهنا وأشار) بالواو ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فأشار (بيده إلى) جهة (اليمن) أي أهلها لا من ينسب إليها، ولو كان من غير أهلها، وفيه ردّ على من زعم أن المراد بقوله: الإيمان يمان الأنصار لأنهم يمانيو الأصل، لأن في إشارته إلى اليمن ما يدل على أن المراد به أهلها حينئذٍ لا الذين كان أصلهم منها، وسبب الثناء عليهم بذلك إسراعهم إلى الإيمان وحسن قبولهم له: ولا يلزم من ذلك نفيه عن غيرهم كما لا يخفى (والجفاء) بفتح الجيم والفاء ممدود التباعد وعدم الرقة والرحمة (وغلظ القلوب) بكسر الغين المعجمة وفتح اللام بعدها معجمة (في الفدادين) بالفاء والدالين المهملتين الأولى مشددة جمع فدّاد وهو الشديد الصوت (عند أول أذناب الإبل) عند سوقهم لها ذمهم لاشتغالهم بمعالجة ذلك عن

أمور دينهم وذلك مقتض لقساوة القلب على ما لا يخفى (من حيث يطلع قرنا الشيطان) اللعين بالتثنية جانبا رأسه لأنه ينتصب في محاذاة مطلع الشمس، فإذا طلعت كانت بين قرنيه (ربيعة ومضر) بالجر بدلاً من الفدّادين غير منصرفين، هما قبيلتان مشهورتان. ومرّ الحديث بأواخر بدء الخلق في باب خير مال المسلم غنم. 4388 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا، الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي أَصْحَابِ الإِبِلِ، وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ». وَقَالَ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد واسم أبي عدي إبراهيم (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) الأعمش (عن ذكوان) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) يخاطب أصحابه وفيهم الأنصار: (أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبًا). قال الخطابي: وصف الأفئدة بالرقة، والقلوب باللين، لأن الفؤاد غشاء القلب، فإذا رق نفذ القول منه وخلص إلى ما وراءه، وإذا غلظ بعد وصوله إلى داخل فإذا صادف القلب لينًا علق به وتجمع فيه. وقال القاضي البيضاوي: الرقة ضدّ الغلظ، والصفاقة واللين مقابل القسوة فاستعيرت في أحوال القلب، فإذا نبا عن الحق وأعرض عن قبوله ولم يتأثر بالآيات والنذر يوصف بالغلظ، فكأن شغافه صفيق لا ينفذ فيه الحق وجرمه صلب لا يؤثر فيه الوعظ، وإذا كان بعكس ذلك يوصف بالرقة واللين، فكأن حجابه رقيق لا يأبى نفوذ الحق وجوهره لين يتأثر بالنصح، وللطيبي فيه قول آخر يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى، ولما وصفهم بذلك أتبعه بما هو كالنتيجة والغاية فقال عليه الصلاة والسلام: (الإيمان يمان) مبتدأ وخبر وأصله يمني بياء النسبة فحذفت الياء تخفيًا وعوّض عنها الألف أي الإيمان منسوب إلى أهل اليمن، لأن صفاء القلب ورقته ولين جوهره يؤدّي به إلى عرفان الحق والتصديق به وهو الإيمان والانقياد (والحكمة يمانية) بتخفيف الياء فقلوبهم معادن الإيمان وينابيع الحكمة (والفخر) كالإعجاب بالنفس (والخيلاء) الكبر واحتقار الغير (في أصحاب الإبل والسكينة) المسكنة (والوقار) الخضوع (في أهل الغنم). قال البيضاوي في تخصيص الخيلاء بالصحابي الإبل، والوقار بأهل الغنم ما يدل على أن مخالطة الحيوان ربما تؤثر في النفس وتعدي إليها هيئات وأخلاقًا تناسب طباعها وتلائم أحوالها. (وقال غندر) محمد بن جعفر فيما وصله أحمد (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) الأعمش أنه قال: (سمعت ذكوان) الزيات (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فذكر الحديث السابق وأعاده لتصريح الأعمش بسماعه من ذكوان. 4389 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْفِتْنَةُ هَا هُنَا هَا هُنَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (أخي) أبو بكر عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن ثور بن زيد) المدني لا الشامي (عن أبي الغيث) بالمعجمة المفتوحة والمثلثة بينهما ياء ساكنة سالم مولى عبد الله بن مطيع (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الإيمان يمان والفتنة هاهنا) يعني نحو المشرق (هاهنا يطلع قرن الشيطان) بالإفراد ومرّ ما فيه قريبًا. 4390 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ أَضْعَفُ قُلُوبًا، وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً، الْفِقْهُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) لأصحابه: (أتاكم أهل اليمن أضعف قلوبًا وأرق أفئدة) قال في شرح المشكاة: يمكن أن يراد بالفؤاد والقلب ما عليه أهل اللغة من كونهما مترادفين فكرّر ليناط به معنى غير المعنى السابق، فإن الرقة مقابلة للغلظ واللين مقابل للشدة والقسوة، فوصف أوّلاً بالرقة ليشير إلى التخلق مع الناس وحسن العشرة مع الأهل والإخوان. قال تعالى: {ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك} [آل عمران: 159] وثانيًا باللين ليؤذن بأن الآيات النازلة والدلائل المنصوبة ناجعة فيها وصاحبها مقيم على التعظيم لأمر الله. (الفقه) وهو إدراك الأحكام الشرعية العملية بالاستدلال على أعيانها (يمان والحكمة يمانية) ولأبوي

75 - باب قصة دوس والطفيل بن عمرو الدوسي

ذر والوقت يمان بلا هاء التأنيث. قال في الفتح: الأظهر أن المراد من ينسب له بالسكنى بل هو المشاهد في كل عصر من أحوال سكان جهة اليمن إذ غالبهم رقاق القلوب والأبدان، وغالب من يوجد من جهة الشمال غلاظ القلوب والأبدان. وعند البزار من حديث ابن عباس بينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة إذ قال: "الله أكبر {إذا جاء نصر الله والفتح} [النصر: 1] وجاء أهل اليمن نقية قلوبهم حسنة طاعتهم الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية". وعن جبير بن مطعم عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "يطلع عليكم أهل اليمن كأنهم السحاب هم خير أهل الأرض" رواه أحمد والبزار وأبو يعلى. 4391 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَجَاءَ خَبَّابٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَيَسْتَطِيعُ هَؤُلاَءِ الشَّبَابُ أَنْ يَقْرَءُوا كَمَا تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ شِئْتَ أَمَرْتُ بَعْضَهُمْ يَقْرَأُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: أَجَلْ. قَالَ: اقْرَأْ يَا عَلْقَمَةُ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ حُدَيْرٍ أَخُو زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ: أَتَأْمُرُ عَلْقَمَةَ أَنْ يَقْرَأَ وَلَيْسَ بِأَقْرَئِنَا؟ قَالَ: أَمَا إِنَّكَ إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فِي قَوْمِكَ وَقَوْمِهِ فَقَرَأْتُ خَمْسِينَ آيَةً مِنْ سُورَةِ مَرْيَمَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كَيْفَ تَرَى؟ قَالَ: قَدْ أَحْسَنَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ مَا أَقْرَأُ شَيْئًا إِلاَّ وَهُوَ يَقْرَؤُهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى خَبَّابٍ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: أَلَمْ يَأْنِ لِهَذَا الْخَاتَمِ أَنْ يُلْقَى؟ قَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَنْ تَرَاهُ عَلَىَّ بَعْدَ الْيَوْمِ فَأَلْقَاهُ، رَوَاهُ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة العابد المروزي البصري الأصل (عن أبي حمزة) بالزاي محمد بن ميمون السكري (عن الأعمش) سليمان (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس أنه (قال: كنا جلوسًا مع ابن مسعود فجاء خبّاب) بفتح الخاء المعجمة والموحدة المشددة وبعد الألف موحدة أخرى ابن الأرثّ الصحابي -رضي الله عنه- (فقال): لابن مسعود مستفهمًا منه (يا أبا عبد الرحمن أيستطيع هؤلاء الشباب أن يقرؤوا كما تقرأ)؟ أنت (قال: أما) بالتخفيف (إنك لو) ولأبي ذر: إن (شئت أمرت) بتاء الخطاب أو التكلم (بعضهم يقرأ عليك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فيقرأ بزيادة فاء قبل الياء، وله عن الكشميهني: فقرأ بصيغة الماضي (قال: أجل) أي نعم (قال) ابن مسعود: (اقرأ يا علقمة. فقال زيد بن حدير) بالحاء المضمومة والدال المفتوحة المهملتين مصغرًا (أخو زياد بن حدير) الأسدي التابعي الكبير له رواية في سنن أبي داود (أتأمر علقمة أن يقرأ وليس بأقرئنا؟ قال) ابن مسعود (أما) بالتخفيف (إنك إن شئت أخبرتك بما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قومك) بني أسد من الذم حيث قال عليه الصلاة والسلام فيما سبق في المناقب: إن جهينة وغيرها خير من بني أسد وغطفان (وقومه) النخع من الثناء فيما رواه أحمد والبزار بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: شهدت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في يدعو لهذا الحي من النخع ويثني عليهم حتى تمنيت أني رجل منهم. قال علقمة: (فقرأت خمسين أية من سورة مريم، فقال عبد الله) بن مسعود لخباب (كيف ترى؟ قال) خباب (قد أحسن) ولأحمد فقال خباب لعلقمة: أحسنت (قال عبد الله) بن مسعود (ما أقرأ شيئًا إلا هو) أي علقمة (يقرؤه، ثم التفت) عبد الله بن مسعود (إلى خباب وعليه خاتم من ذهب فقال) له: (ألم يأن لها الخاتم أن يلقى) بضم أوله وفتح ثالثه أي يرمى به (قال) خباب: (أما) بالتخفيف (إنك لمن تراه عليّ بعد اليوم فألقاه. رواه غندر) محمد بن جعفر فيما وصله أبو نعيم في مستخرجه (عن شعبة) بن الحجاج أي عن الأعمش بالإسناد السابق، والظاهر أن خبابًا كان يعتقد أن النهي عن خاتم الذهب للتنزيه، فنبهه ابن مسعود على أنه للتحريم. 75 - باب قِصَّةُ دَوْسٍ وَالطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ (قصة دوس) بفتح الدال وسكون الواو وبالسين المهملة، (والطفيل بن عمرو) بضم الطاء وفتح الفاء وعمرو بفتح العين (الدوسي) بفتح الدال. 4392 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّ دَوْسًا قَدْ هَلَكَتْ عَصَتْ، وَأَبَتْ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْئتِ بِهِمْ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن ابن ذكوان) عبد الله أبي عبد الرحمن الإمام المدني المعروف بأبي الزناد (عن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: جاء الطفيل بن عمرو) الدوسي وكان يقال له ذو النون لأنه كما ذكر هشام بن الكلبي لما أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثه إلى قومه فقال: اجعل لي آية. فقال: "اللهم نوّر له" فسطع نور بين عينيه فقال: يا رب إني أخاف أن يقولوا إنه مثلة فتحول إلى طرف سوطه فكان يضيء في الليلة المظلمة (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) يا رسول الله: (إن دوسًا) القبيلة (قد هلكت عصت وأبت فادع الله عليهم، فقال) عليه الصلاة والسلام: (اللهم اهدِ دوسًا) للإسلام (وائت بهم) فرجع الطفيل إلى قومه فدعاهم إلى الله، ثم قدم بعد ذلك على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بخيبر، فنزل المدينة بسبعين أو ثمانين بيتًا من دوس قد أسلموا. 4393 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ فِي الطَّرِيقِ: يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ وَأَبَقَ غُلاَمٌ لِي فِي الطَّرِيقِ فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَايَعْتُهُ فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الْغُلاَمُ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا غُلاَمُكَ»؟ فَقُلْتُ: هُوَ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَعْتَقْتُهُ. وبه قال:

76 - باب قصة وفد طيئ وحديث عدي بن حاتم

(حدثني) بالإفراد (محمد بن العلاء) بن كريب أبو كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: لما قدمت) أي لما أردت القدوم (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أريد الإسلام عام خيبر سنة سبع (قلت في الطريق): (يا ليلة) كذا في جميع الروايات، وقول الكرماني أنه لا بّد من إثبات فاء أو واو في أوله ليصير موزونًا، وتعقب بأن هذا في العروض يسمى الخرم بالخاء المعجمة المفتوحة والراء الساكنة، وهو أن يحذف من أول الجزء حرف من حروف المعاني وما جاز حذفه لا يقال لا بدّ من إثباته قاله في الفتح (من طولها وعنائها) بفتح العين والنون والمدّ تعبها (على أنها من دارة الكفر نجت) والدارة أخص من الدار وقد أكثر استعمالها في أشعار العرب كقول امرئ القيس: ولا سيما يوم بدارة جلجل قال أبو هريرة (وأبق غلام لي في الطريق) قال في الفتح: لم أقف على اسمه، وفي رواية محمد بن عبد الله بن نمير عن محمد بن بشر عن إسماعيل بن أبي خالد في العتق: ومعه غلام ضلّ كل واحد منهما عن صاحبه أي: تاه فذهب كل واحد إلى ناحية (فلما قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبايعته) على الإسلام (فبينا) بغير ميم (أنا عنده إذ طلع الغلام فقال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا أبا هريرة هذا غلامك) لعله علمه بإخبار الملك له أو بوصف أبي هريرة له والحمل على الأول أولى. قال أبو هريرة: (فقلت) ولأبي ذر فقال أي أبو هريرة (هو لوجه الله فأعتقته) أي بهذا اللفظ، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فأعتقه بلفظ الماضي بفتح القاف بغير تاء بعدها. 76 - باب قِصَّةِ وَفْدِ طَيِّئٍ وَحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ (باب قصة وفد طيئ) بفتح الطاء المهملة وتشديد التحتية المكسورة بعدها همزة ابن أدد بن زيد بن يشجب. قيل: وسمي طيئًا لأنه أول من طوى بئرًا أو طوى المناهل وكان اسمه جلهمة (وحديث عدي بن حاتم) أي ابن عبد الله بن سعد بن الحشرج بمهملة ثم معجمة ثم راء ثم جيم بوزن جعفر، ابن امرئ القيس بن عدي الطائي، وسقط لفظ باب ولفظ قصة لأبي ذر. 4394 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: أَتَيْنَا عُمَرَ فِي وَفْدٍ فَجَعَلَ يَدْعُو رَجُلاً رَجُلاً وَيُسَمِّيهِمْ فَقُلْتُ: أَمَا تَعْرِفُنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بَلَى، أَسْلَمْتَ إِذْ كَفَرُوا وَأَقْبَلْتَ إِذْ أَدْبَرُوا، وَوَفَيْتَ إِذْ غَدَرُوا، وَعَرَفْتَ إِذْ أَنْكَرُوا، فَقَالَ عَدِيٌّ: فَلاَ أُبَالِي إِذًا. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري قال: (حدّثنا عبد الملك) بن عمير (عن عمرو بن حريث) بفتح العين في الأول وضم الحاء المهملة آخره مثلثة في الثاني المخزومي الصحابي الصغير (عن عدي بن حاتم) بالحاء المهملة ابن عبد الله الطائي وأبوه حاتم الموصوف بالجود أنه (قال: أتينا عمر) بن الخطاب في خلافته (في وفد) بفتح الواو وسكون الفاء بعدها دال مهملة من طيئ (فجعل يدعو رجلاً رجلاً) من طيئ (ويسميهم) بأسمائهم قبل أن يدعوه بل قدمهم عليه، وفي رواية أحمد: أتيت عمر في أناس من قومي فجعل يعرض عني فاستقبلته (فقلت: أما) بتخفيف الميم (تعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال: بلى) أعرفك (أسلمت) يا عدي (إذ كفروا، وأقبلت إذ) أي حين (أدبروا، ووفيت) بالتخفيف العهد بالإسلام والصدقة بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إذ) أي حين (غدروا، وعرفت) الحق (إذ) أي حين (أنكروا. فقال عدي: فلا أبال إذًا) أي إذا كنت تعرف قدري فلا أبالي إذا قدمت عليّ غيري. وقد كان عدي نصرانيًّا وكان سبب إسلامه كما ذكره ابن إسحاق أن خيل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصابت أخت عدي، وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منّ عليها فأطلقها بعد أن استعطفته فقالت له: هلك الوالد وغاب الوافد فامنن عليّ منّ الله عليك. قال: ومن وافدك؟ قالت: عدي بن حاتم، قال: الفارّ من الله ورسوله؟ قال: فلما قدمت على عديّ أشارت عليه بالقدوم على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقدم وأسلم. وفي الترمذي: أنه لما قدم قالوا: هذا عدي بن حاتم، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال قبل ذلك: "إني لأرجو الله أن يجعل يده في يدي". 77 - باب حَجَّةُ الْوَدَاعِ (باب حجة الوداع) سميت بذلك لأنه ودع الناس فيها وبعدها، وسميت أيضًا بحجة الإسلام لأنه لم يحج من المدينة بعد فرض الحج غيرها، وحجة البلاغ لأنه بلّغ

الناس فيها الشرع في الحج قولاً وفعلاً، وحجة التمام والكمال. وسقط لفظ باب لأبي ذر. 4395 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ لَنا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لاَ يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» فَقَدِمْتُ مَعَهُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلاَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ» فَفَعَلْتُ فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَالَ: «هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ» قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا مالك) هو ابن أنس إمام الأئمة (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: خرجنا) من المدينة (مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع) لخمس بقين من ذي القعدة (فأهللنا) أي أحرمنا من ذي الحليفة (بعمرة، ثم قال لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بسرف: (من كان عنده هدي فليهلّ) بلام مشددة، ولغير أبي ذر: فليهلل بلامين (بالحج مع العمرة ثم لا يحل) بالرفع في الفرع والنصب في غيره (حتى يحل منهما) من الحج والعمرة (جميعًا) قالت عائشة (فقدمت) بسكون الميم (معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مكة وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة) عطف على المنفي السابق على تقدير ولم أسع أو هو على طريق المجاز (فشكوت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ترك الطواف والسعي بسبب الحيض (فقال: انقضي رأسك) أي حليّ ضفر شعر رأسك (وامتشطي) سرحيه بالمشط (وأهلي) أحرمي (بالحج ودعي العمرة) أي عملها من الطواف والسعي والتقصير لا أنها تدع العمرة نفسها فتكون قارنة كما تأوله الشافعي -رحمه الله تعالى- عليه قالت (ففعلت) بسكون اللام ما ذكر من النقض إلى آخره (فلما قضينا الحج) أي وطهرت يوم النحر (أرسلني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع) أخي (عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق) -رضي الله عنهما- (إلى التنعيم فاعتمرت فقال) عليه الصلاة والسلام: (هذه) العمرة (مكان عمرتك) برفع مكان خبر هذه أي عوضها أو بالنصب على الظرفية، والأول في الفرع، والثاني في أصله، وفيه بحث تقدم في باب: كيف تهل الحائض؟ (قالت: فطاف الذين أهلّوا بالعمرة بالبيت و) سعوا (بين الصفا والمروة) لأجل العمرة (ثم حلّوا) منها بالحلق أو التقصير (ثم طافوا طوافًا آخر) للحج (بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافًا واحدًا) لاندراج أفعال العمرة في أفعال الحج خلافًا للحنفية. وهذا الحديث قد مرّ في باب كيف تهلّ الحائض، والغرض منه هنا قوله في حجة الوداع. 4396 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ فَقُلْتُ مِنْ أَيْنَ؟ قَالَ: هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وَمِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ أَنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقُلْتُ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَاهُ قَبْلُ وَبَعْدُ. ويه قال: (حدثني) بالإفراد (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن بحر الباهلي الصيرفي قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال: (حدثني) بالإفراد (عطاء) أي ابن أبي رباح (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه قال: (اذا طاف) المعتمر مطلقًا قارنًا كان أو ممتعًا (بالبيت) ولم يسع بين الصفا والمروة ولم يحلق ولم يقصر (فقد حلّ) من إحرامه، وهذا مذهب مشهور لابن عباس. قال ابن جريج (فقلت) لعطاء: (من أين قال هذا ابن عباس؟ قال: من قول الله تعالى: {ثم محلها إلى البيت العتيق} [الحج: 33]. ومن أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه أن يحلّوا في حجة الوداع) قال ابن جريج: (فقلت) لعطاء: (إنما كان ذلك بعد المعرّف) بتشديد الراء المفتوحة أي الوقوف بعرفة (قال) عطاء: (كان ابن عباس يراه) أي الإحلال (قبل وبعد) بالبناء على الضم فيهما أي قبل الوقوف وبعده. وهذا الحديث أخرجه مسلم في المناسك. 4397 - حَدَّثَنِي بَيَانٌ حَدَّثَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ طَارِقًا عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ: «أَحَجَجْتَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «كَيْفَ أَهْلَلْتَ»؟ قُلْتُ: لَبَّيْكَ بِإِهْلاَلٍ كَإِهْلاَلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حِلَّ» فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَيْسٍ فَفَلَتْ رَأْسِي. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (بيان) بفتح الموحدة والتحتية المخففة آخره نون ابن عمرو وأبو محمد البخاري بالموحدة والخاء المعجمة قال: (حدّثنا النضر) بالنون والضاد المعجمة ابن شميل بالشين المعجمة مصغرًا قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن قيس) هو ابن مسلم أنه (قال: سمعت طارقًا) بالقاف ابن شهاب الأحمسي البجلي الكوفي (عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-) أنه (قال: قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه نازلاً (بالبطحاء) مسيل وادي مكة (فقال): (أحججت)؟ بهمزة الاستفهام الإخباري أي أحرمت بالحج الشامل للأكبر والأصغر (قلت: نعم قال: كيف أهللت)؟ (قلت: لبيك بإهلال كإهلال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حلّ) بكسر الحاء من عمرتك بالحلق أو بالتقصير.

قال أبو موسى (فطفت بالبيت وبالصفا والمروة) وفي رواية وبالمروة أي وحلقت أو قصرت (وأتيت امرأة من قيس) لم تسم (ففلّت رأسي) بتخفيف اللام أخرجت القمل منه. والحديث مضى في باب: من أهلّ في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كإهلاله. 4398 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَتْ حَفْصَةُ: فَمَا يَمْنَعُكَ؟ فَقَالَ: «لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَسْتُ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ هَدْيِي». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن المندر) القرشي الحزامي قال: (حدّثنا أنس بن عياض) المدني قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (عن نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أخبره أن حفصة) -رضي الله عنها- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر أزواجه أن يحللن) بالطواف والسعي والتقصير من العمرة (عام حجة الوداع فقالت حفصة): يا رسول الله (فما يمنعك)؟ أن تحل من عمرتك المضمومة إلى الحج إذ إن أكثر الأحاديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان قارنًا (فقال): إني (لبدت رأسي) أي بنحو الصمغ فلا يدخل فيه قمل (وقلدت هديي) بالتعليق للنعل في عنقه ليعلم (فلست أحل) بفتح الهمزة وكسر المهملة من إحرامي (حتى أنحر هديي) ليس علة في بقائه على إحرامه بل إدخاله العمرة على الحج، ويؤيده قوله في رواية أخرى: حتى أحل من الحج خلافًا للحنفية والحنابلة القائلين بأنه جعل العلة ما ذكر في هذا الحديث، وسبق مزيد لذلك في باب التمتع والإقران. 4399 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنِي شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: أخبرنا بالخاء المعجمة والجمع (شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم قال البخاري (وقال محمد بن يوسف) الفريابي (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن سليمان بن يسار) بالتحتية والسين المهملة المخففة (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن امرأة من خثعم) بالخاء المعجمة والمثلثة ولم تسم المرأة (استفتت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع) يوم النحر (والفضل بن عباس رديف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) راكب خلفه (فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده) أي في الحج كما في الأخرى (أدركت أبي شيخًا كبيرًا) لم يسم ونصبهما على الحال (لا يستطيع أن يستوي على الراحلة) حال أو صفة (فهل يقضي) بفتح الياء أي يجزي أو يكفي عنه (أن أحج عنه؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (نعم) يقضي عنه. وهذا الحديث مرّ في باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة. 4400 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَقْبَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ وَهْوَ مُرْدِفٌ أُسَامَةَ عَلَى الْقَصْوَاءِ وَمَعَهُ بِلاَلٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، حَتَّى أَنَاخَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ لِعُثْمَانَ: «ائْتِنَا بِالْمِفْتَاحِ» فَجَاءَهُ بِالْمِفْتَاحِ فَفَتَحَ لَهُ الْبَابَ فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُسَامَةُ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ ثُمَّ أَغْلَقُوا عَلَيْهِمِ الْبَابَ فَمَكَثَ نَهَارًا طَوِيلاً ثُمَّ خَرَجَ وَابْتَدَرَ النَّاسُ الدُّخُولَ فَسَبَقْتُهُمْ فَوَجَدْتُ بِلاَلاً قَائِمًا مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: صَلَّى بَيْنَ ذَيْنِكَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ، وَكَانَ الْبَيْتُ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ سَطْرَيْنِ صَلَّى بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ مِنَ السَّطْرِ الْمُقَدَّمِ، وَجَعَلَ بَابَ الْبَيْتِ خَلْفَ ظَهْرِهِ، وَاسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الَّذِي يَسْتَقْبِلُكَ حِينَ تَلِجُ الْبَيْتَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ، قَالَ: وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى؟ وَعِنْدَ الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَرْمَرَةٌ حَمْرَاءُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد) هو ابن رافع بن أبي زيد القشيري النيسابوري فيما قاله الغساني أو هو ابن يحيى الذهلي قال: (حدّثنا سريج بن النعمان) بالسين المهملة والجيم أبو الحسن البغدادي شيخ المؤلّف يروى عنه بالواسطة وبغيرها قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام ابن سليمان (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أقبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الفتح وهو) أي والحال أنه (مردف أسامة) وراءه (على القصواء) بفتح القاف وسكون المهملة ممدودًا ناقته عليه الصلاة والسلام (ومعه بلال) المؤذن (وعثمان بن طلحة) الحجبي (حتى أناخ) راحلته (عند البيت) الحرام (ثم قال لعثمان): (ائتنا بالمفتاح) أي بمفتاح الكعبة (فجاءه بالمفتاح) ولأبي ذر عن المستملي: بالمفتح بلا ألف فيهما، وفي الفرع شطب بالحمرة على الألف في الموضعين (ففتح له الباب، فدخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأسامة) بن زيد (وبلال) المؤذن (وعثمان) بن طلحة الكعبة (ثم أغلقوا عليهم الباب فمكث) بضم الكاف فيها (نهارًا طويلاً ثم خرج) عليه الصلاة والسلام منها (وابتدر الناس) بالواو ولأبوي ذر والوقت فابتدر الناس بالفاء بدل الواو (الدخول فسبقتهم) بسكون القاف (فوجدت بلالاً قائمًا من وراء الباب) وسقط لأبي ذر لفظ من (فقلت له): أي لبلال (أين صلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال: صلى بين ذينك العمودين المقدمين، وكان البيت) قبل أن يهدم ويبنى في زمن ابن الزبير (على ستة أعمدة سطرين)

بالسين المهملة، ولأبي ذر عن المستملي: شطرين بالشين المعجمة (صلى بين العمودين من السطر المقدم) بالسين المهملة (وجعل باب البيت خلف ظهره واستقبل بوجهه) الشريف (الذي يستقبلك) من الجدار (حين تلج) أي تدخل ولأبي ذر عن الحموي والمستملي حتى تلج (البيت) وفي الفرع شطب على حاء حين (بينه وبين الجدار) الذي قبل وجهه قريبًا من ثلاثة أذرع (قال) ابن عمر: (ونسيت أن أسأله) أي بلالاً (كم صلى)؟ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم (وعند المكان الذي صلى فيه مرمرة حمراء) بسكون الراء بين الميمين المفتوحتين واحدة المرمر جنس من الرخام نفيس معروف. وقد استشكل دخول هذا الحديث في باب حجة الوداع للتصريح فيه بأنه كان في الفتح. 4401 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَخْبَرَتْهُمَا أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَاضَتْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ»؟ فَقُلْتُ: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَلْتَنْفِرْ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (حدثني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (وأبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرتهما أن صفية بنت حيي زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاضت في حجة الوداع) ليلة النفر بعدما أفاضت (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مستفهمًا من عائشة: (أحابستنا هي)؟ عن الرجوع إلى المدينة لأنه ظن أنها لم تطف طواف الإفاضة. قالت عائشة (فقلت: إنها قد أفاضت) إلى مكة (يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وطافت بالبيت فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فلتنفر) بكسر الفاء معنا إلى المدينة. والحديث سبق في باب: إذا حاضت بعدما أفاضت من الحج. 4402 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَلاَ نَدْرِي مَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ وَقَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ أَنْذَرَهُ نُوحٌ، وَالنَّبِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِيكُمْ فَمَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ، فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ ثَلاَثًا، إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي (قال: أخبرني) بالخاء المعجمة والإفراد ولأبي ذر حدثني بالإفراد أيضًا (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: حدثني) بالإفراد (عمر بن محمد) بضم العين (أن أباه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر (حدثه عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كنا نتحدث بحجة الوداع والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الواو للحال (بين أظهرنا ولا) ولأبوي ذر والوقت فلا (ندري ما حجة الوداع) أي هل وداع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم غيره حتى توفي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعلموا أنه ودّع الناس بوصايا قرب موته (فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر المسيح الدجال فأطنب) أي أتى بالبلاغة (في ذكره) بالذم (وقال): (ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته) وللأصيلي: أنذره أمته (أنذره نوح) قومه (والنبيون من بعده) أي أنذروه أممهم وعين نوحًا لأنه آدم الثاني (وإنه يخرج فيكم) أيها الأمة المحمدية عند قرب الساعة ويدعي الربوبية (فما) شرطية أي إن (خفي عليكم من شأنه) أي بعض شأنه (فليس يخفى عليكم أن ربكم ليس) بفتح همزة أن (على ما ما يخفى عليكم ثلاثًا) وما بدل من ما السابقة أي لا يخفى أنه ليس مما يخفى عليكم (إن ربكم ليس بأعور وإنه) بالواو أي الدجال وللأصيلي وأبي الوقت أنه (أعور عين اليمنى) بإضافة أعور إلى ما بعده من إضافة الموصوف إلى صفته وهذا ظاهر عند الكوفيين وقدره البصريون عين صفحة وجهه اليمنى، ولأبوي ذر والوقت العين اليمنى (كأن عينه عنبة طافية) بالتحتية أي بارزة. 4403 - «أَلاَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ»؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلاَثًا، وَيْلَكُمْ أَوْ وَيْحَكُمُ انْظُرُوا، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». (ألا) بالتخفيف (إن الله حرم عليكم دماءكم) أي أنفسكم (وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا) بالتخفيف (هل بلغت) ما أرسلت به (قالوا: نعم قال: اللهم اشهد) قال ذلك القول (ثلاثًا. ويلكم أو ويحكم) بالشك من الراوي والأولى كلمة توجع (انظروا لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض) أي لا تكن أفعالكم تشبه أفعال الكفار في ضرب رقاب المسلمين. وقال في شرح المشكاة: وقوله يضرب بعضكم رقاب بعض جملة مستأنفة مبنية لقوله: فلا ترجعوا بعدي كفارًا فينبغي أن يحمل على العموم، وأن يقال: فلا يظلم بعضكم بعضًا فلا تسفكوا دماءكم ولا تهتكوا أعراضكم ولا تستبيحوا أموالكم، ونحوه في الإطلاق وإرادة العموم قوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا} [النساء: 10]. وهذا الحديث أخرجه في الدّيات والأدب والحدود، ومسلم

في الإيمان؟ وأبو داود في السنة والنسائي في المحاربة، وابن ماجه في الفتن. 4404 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَأَنَّهُ حَجَّ بَعْدَ مَا هَاجَرَ حَجَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَحُجَّ بَعْدَهَا حَجَّةَ الْوَدَاعِ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَبِمَكَّةَ أُخْرَى. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين الحراني قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي ابن معاوية قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: حدثني) بالإفراد (زيد بن أرقم) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزا تسع عشرة غزوة وأنه حج بعدما هاجر) إلى المدينة (حجة واحدة لم يحج بعدها) لأنه توفي في أوائل العام التالي (حجة الوداع) بنصب حجة بدلاً من الأولى ويجوز الرفع بتقدير هي. قال أبو إسحاق) السبيعي بالسند المذكور (و) حج (بمكة) حجة (أخرى) قبل أن يهاجر، وهذا يوهم أنه لم يحج قبل الهجرة إلا واحدة وليس كذلك، فالمروي أنه لم يترك وهو بمكة الحج قط. وهذا الحديث مر في أوّل المغازي. 4405 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِجَرِيرٍ: «اسْتَنْصِتِ النَّاسَ» فَقَالَ: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن علي بن مدرك) بضم الميم وكسر الراء النخعي الكوفي من ثقات التابعين (عن أبي زرعة) هرم (بن عمرو بن جرير) البجلي (عن) جده (جرير) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال في حجة الوداع لجرير): (استنصت الناس) أي أسكتهم (فقال: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض). قال المظهري: يعني إذا فارقت الدنيا فاثبتوا بعدي على ما أنتم عليه من الإيمان والتقوى، ولا تظلموا أحدًا، ولا تحاربوا المسلمين، ولا تأخذوا أموالهم بالباطل. 4406 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ، ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ هَذَا»؟ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: «أَلَيْسَ ذُو الْحِجَّةِ»؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا»؟ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: «أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ»؟ قُلْنَا: بَلَى قَالَ: «فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا»؟ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ»؟ قُلْنَا بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ» قَالَ: مُحَمَّدٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ: «وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ أَلاَ فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلاَّلاً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ» فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ يَقُولُ: صَدَقَ مُحَمَّدٌ ثُمَّ قَالَ: - «أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ»؟ مَرَّتَيْنِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن محمد) أي ابن سيرين (عن ابن أبي بكرة) هو عبد الرحمن (عن) أبيه (أبي بكرة) نفيع بن الحارث -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) يوم النحر في حجة الوداع: (الزمان) هو اسم لقليل الوقت وكثيره وأراد هاهنا السنة (قد استدار) استدارة (كهيئته) كذا في اليونينية وغيرها وفي الفرع كهيئة بهاء بعد فوقية أي مثل حالته (يوم خلق الله السماوات والأرض) وسقطت الجلالة من اليونينية وثبتت في فرعها، فالكاف صفة مصدر محذوف، ودار واستدار بمعنى طاف حول الشيء وإذا عاد إلى الموضع الذي ابتدأ منه، والمعنى أن العرب كانوا يؤخرون المحرم إلى صفر وهو النسيء المذكور في قوله تعالى: {إنما النسيء زيادة في الكفر} [التوبة: 37] ليقاتلوا فيه ويفعلون ذلك كل سنة بعد سنة فينتقل المحرم من شهر إلى شهر حتى جعلوه في جميع شهور السنة، فلما كانت تلك السنة عاد إلى زمنه المخصوص به قبل ودارت السنة كهيئتها الأولى. (السنة اثنا عشر شهرًا) جملة مبنية للجملة الأولى، والمعنى أن الزمان في انقسامه إلى الأعوام والأعوام إلى الأشهر عاد إلى أصل الحساب، والوضع الذي اختاره الله ووضعه يوم خلق السموات والأرض (منها أربعة حرم ثلاثة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ثلاث (متواليات ذو القعدة) للقعود عن القتال (وذو الحجة) للحج (والمحرم) لتحريم القتال فيه (و) واحد فرد وهو (رجب مضر) عطف على قوله ثلاثة وأضافه إلى مضر لأنها كانت تحافظ على تحريمه أشد من محافظة سائر العرب ولم يكن يستحله أحد من العرب (الذي بين جمادى) بضم الجيم وفتح الدال (وشعبان) قاله تأكيدًا وإزاحة للريب الحادث فيه من النسيء (أي شهر هذا) قال القاضي البيضاوي: يريد به تذكارهم حرمة الشهر وتقريرها في نفوسهم ليبني عليه ما أراد تقريره (قلنا: الله ورسوله أعلم). مراعاة للأدب وتحرزًا عن التقدم بين يدي الله ورسوله وتوقفًا فيما لا يعلم الغرض من السؤال عنه (فسكت) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال) عليه الصلاة والسلام: (أليس ذو الحجة) ولأبوي ذر والوقت ذا الحجة بالنصب خبر ليس (قلنا. بلى). يا رسول الله (قال) (فأي بلد هذا) (قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: أليس) هو (البلدة) نصب خبر ليس وبالتأنيث يريد مكة والألف واللام للعهد (قلنا: بلى، قال: فأي يوم هذا)؟ (قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال:

أليس يوم النحر) (قلنا: بلى. قال: فإن دماءكم وأموالكم) قال التوربشتي: أراد أموال بعضكم على بعض. (قال محمد): هو ابن سيرين (وأحسبه) أي أبا بكرة (قال) في روايته: (وأعراضكم عليكم حرام) أي أنفسكم وأحسابكم فإن العرض يقال للنفس والحسب قاله التوربشتي، وتعقب: بأنه لو كان المراد من الأعراض النفوس لكان تكرارًا لأن ذكر الدماء كاف، إذ المراد بها النفوس. وقال الطيبي: الظاهر أن يراد بالأعراض الأخلاق النفسانية والكلام فيها يحتاج إلى فضل تأمل، فالمراد بالعرض هنا الخلق، والتحقيق ما ذكره ابن الأثير أن العرض موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه، ولما كان موضع العرض النفس قال من قال: العرض النفس إطلاقًا للمحل على الحال، وحين كان المدح نسبة الشخص إلى الأخلاق الحميدة والذم نسبته إلى الذميمة سواء كانت فيه أو لا قال من قال: العرض الخلق إطلاقًا لاسم اللازم على الملزوم، وشبه ذلك في التحريم بيوم النحر وبمكة وبذي الحجة. فقال: (كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) لأنهم كانوا يعتقدون أنها محرمة أشد التحريم لا يستباح منها شيء، وفي تشبيه هذا مع بيان حرمة الدماء والأموال تأكيد لحرمة تلك الأشياء التي شبه بتحريمها الدماء والأموال. وقال الطيبي: وهذا من تشبيه ما لم تجر به العادة بما جرت به العادة كما في قوله تعالى: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة} [الأعراف: 171] إذ كانوا يستبيحون دماءهم وأموالهم في الجاهلية في غير الأشهر المحرم ويحرمونها فيها كأنه قال: إن دماءكم وأموالكم محرمة عليكم أبدًا كحرمة يومكم وشهركم وبلدكم. (وستلقون ربكم) يوم القيامة (فسيسألكم) ولأبي ذر: فيسألكم (عن أعمالكم ألا) بالتخفيف (فلا ترجعوا بعدي ضلالاً) بضم الضاد المعجمة وتشديد اللام الأولى (يضرب بعضكم رقاب بعض ألا) بالتخفيف (ليبلغ الشاهد الغائب) القول المذكور أو جميع الأحكام (فلعل بعض من يبلغه) بفتح الموحدة واللام المشددة (أن يكون أوعى له من بعض من سمعه، فكان محمد) هو ابن سيرين (إذا ذكره يقول: صدق محمد) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ألا هل بلغت) قالها (مرتين). وسبق هذا الحديث في غير ما موضع. 4407 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الْيَهُودِ قَالُوا: لَوْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا فَقَالَ عُمَرُ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ فَقَالُوا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 3]. فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَيَّ مَكَانٍ أُنْزِلَتْ، أُنْزِلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) بن سعيد الثوري أحد الأعلام علمًا وزهدًا (عن قيس بن مسلم) الجدلي أبي عمرو الكوفي العابد (عن طارق بن شهاب) البجلي الأحمسي الكوفي قال أبو داود: رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يسمع منه أنه حدث (أن أناسًا من اليهود). وفي باب زيادة الإيمان ونقصانه: أن رجلاً من اليهود، ووقع في تفسير الطبري، ومسند مسدد، والمعجم الأوسط للطبراني أن الرجل هو كعب الأحبار. واستشكل من جهة كون كعب كان أسلم في حياة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على يد علي، فيحتمل إن ثبت أن يكون الذين سألوا جماعة من اليهود اجتمعوا مع كعب على السؤال وتولى هو السؤال عنهم عن ذلك، ويجوز أن يكون السؤال صدر قبل إسلامه، وقد قال الذهبي في الكاشف: إنه أسلم زمن أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه-. (قالوا) لعمر: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها (لو نزلت هده الآية فينا) معشر اليهود (لاتخذنا ذلك اليوم عيدا) لنا في كل سنة نعظمه لما حصل فيه من إكمال الدين. (فقال عمر: أية آية؟ فقالوا: ({اليوم أكملت لكم دينكم}) أي بأن كفيتكم عدوّكم وأظهرتكم عليه كما تقول الملوك: اليوم كمل لنا الملك أي كفينا من كنا نخافه، أو أكملت لكم ما تحتاجون إليه في تكليفكم من تعليم الحلال والحرام والتوقيف على شرائع الإسلام وقوانين القياس ({وأتممت عليكم نعمتي}) بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين وهدم منار الجاهلية ({ورضيت لكم الإسلام دينًا}) [المائدة: 3] حال اخترته لكم من بين الأديان وآذنتكم بأنه الدين المرضي وحده، وثبت قوله: ورضيت الخ لأبي ذر. (فقال عمر) -رضي الله عنه-: (إني لأعلم أي مكان أنزلت) فيه (أنزلت ورسول الله

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واقف بعرفة) أي في أخريات النهار، وفي الترمذي من حديث ابن عباس أن يهوديًا سأله عن ذلك فقال: إنها نزلت في يومي عيد يوم جمعة ويوم عرفة. وحديث الباب قد سبق في الإيمان في باب زيادة الإيمان. 4408 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى يَوْمَ النَّحْرِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي أحد الأعلام (عن مالك) الإمام (عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل) يتيم عروة الأسدي (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من المدينة في حجة الوداع (فمنا من أهلّ) أحرم (بعمرة، ومنا من أهل بحجة، ومنا من أهلّ بحج وعمرة) قرن بينهما (وأهلّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحج) مفردًا ثم أدخل عليه العمرة لحديث ابن عمر وقال عمرة في حجة، وحديث أنس: ثم أهل بحج وعمرة، ولمسلم من حديث عمران بن حصين جمع بين حجة وعمرة، والمشهور عن المالكية والشافعية أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان مفردًا، وقد بسط أمامنا الشافعي القول فيه في اختلاف الحديث، ورجح أنه كان أحرم إحرامًا مطلقًا ينتظر ما يؤمر به فنزل عليه الحكم بذلك وهو على الصفا، وصوّب النووي أنه كان قارنًا، ويؤيده أنه لم يعتمر تلك السنة بعد الحج، ولا شك أن القران أفضل من الإفراد الذي لا يعتمر في سنته عندنا، وقد سبق في الحج مزيد لذلك. (فأما من أهلّ بالحج) وحده (أو جمع الحج والعمرة) ابتداء أو أدخل العمرة على الحج كما فعل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلم يحلوا) من إحرامهم (حتى يوم النحر) فنحر هديه. 0000 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ. وَقَالَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس إمام الأئمة عن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة بن الزبير عن عائشة الحديث كما سبق (وقال: مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع). حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثنا) وفي نسخة: حدثني بالإفراد (مالك مثله) أي مثل الحديث المذكور. 4409 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: عَادَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ، أَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: «لاَ» قُلْتُ أَفَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ قَالَ: «لاَ» قُلْتُ فَالثُّلُثُ قَالَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِيّ امْرَأَتِكَ» قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آأُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي قَالَ: «إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى تَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلاَ تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ» لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ رَثَى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي قال: (حدّثنا إبراهيم هو ابن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عامر بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص مالك -رضي الله عنه- أنه (قال: عادني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع من وجع أشفيت) بالشين المعجمة والفاء أشرفت (منه على الموت فقلت: يا رسول الله بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة) هي أم الحكم، ووهم من قال: إنها عائشة لأن عائشة أصغر أولاده، وعاشت إلى أن أدركها مالك بن أنس قاله ابن حجر في المقدمة (فأتصدق بثلثي مالي) استفهام استخباري محذوف الأداة (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا) (قلت أفأتصدق بشطره) بإثبات همزة الاستفهام (قال لا قلت فالثلث؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (الثلث والثلث كثير) بالمثلثة أي بالنسبة إلى ما دونه أو التصدق به كثير أجره (إنك) بكسر الهمزة وبفتحها على التعليل (أن تذر) بفتح الهمزة وبالذال المعجمة أي أن تترك (ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة) بتخفيف اللام أي فقراء (يتكففون) يسألون (الناس) بأكفهم بأن يبسطوها للسؤال (ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في فيّ امرأتك) فمها (قلت يا رسول الله آاخلف) بهمزة مفتوحة ممدودة ملحقة في اليونينية ساقطة من فرعها أي أأترك بمكة (بعد أصحابي) المسافرين معه إلى المدينة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنك لن تخلف) بأن يطول عمرك (فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ولعلك تخلف حتى تنتفع بك أقوام) من المسلمين بما يفتحه الله على يديك من بلاد الكفر ويأخذه المسلمون من الغنائم (ويضرّ بك آخرون) من المشركين (اللهم أمض) بهمزة قطع أي أتمم (لأصحاب هجرتهم) التي هاجروها من مكة إلى المدينة (ولا تردهم على أعقابهم) بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالهم فيخيب قصدهم قال الزهري:

78 - باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة

(لكن البائس) الذي عليه أثر البؤس من شدة الفقر والحاجة (سعد بن خولة) العامري المهاجري البدري (رثى له) بصيغة الماضي أي حزن لأجله (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن توفي بمكة) بفتح الهمزة أي لموته بالأرض التي هاجر منها ولا يصح كسرها لأنها تكون شرطية والشرط لما يستقبل وهو كان قد مات. وسبق الحديث في الجنائز والوصايا. 4410 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) الحزامي المدني أحد الأعلام قال: (حدّثنا أبو ضمرة) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم أنس بن عياض قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) بسكون القاف الإمام في المغازي (عن نافع أن ابن عمر -رضي الله عنهما- أخبرهم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلق رأسه في حجة الوداع) والحلاق معمر بن عبد الله بن نضلة بن عوف وعند أحمد أنه استدعى الحلاق فقال له وهو قائم على رأسه بالموسى ونظر إلى وجهه: يا معمر أمكنك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من شحمة أذنه وفي يدك الموسى قال: فقلت أما والله يا رسول الله إن ذلك لمن نعم الله عليّ ومنه. قال: أجل. وفي الصحيحين أنه حلق الشق الأيمن فقسمه بين من يليه ثم قال: احلق الشق الآخر فقال: أين أبو طلحة فأعطاه إياه ولأحمد وقلم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أظفاره وقسمها بين الناس. 4411 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ أَخْبَرَهُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ. وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن سعيد) السرخسي نزيل نيسابور قال: (حدّثنا محمد بن بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف البرساني قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال: (أخبرني) بالإفراد (موسى بن عقبة عن نافع) أنه (أخبره) مولاه (ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلق رأسه في حجة الوداع) بعد الفراغ من النسك (و) حلق (أناس من أصحابه) أيضًا (وقصر بعضهم). 4412 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَقْبَلَ يَسِيرُ عَلَى حِمَارٍ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمٌ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَسَارَ الْحِمَارُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ ثُمَّ نَزَلَ عَنْهُ فَصَفَّ مَعَ النَّاسِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي المكي المؤذن قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (وقال الليث) بن سعد الإمام: (حدثني يونس) بن يزيد مما وصله في الزهريات (عن ابن شهاب) أنه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة (أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-) سقط لأبي ذر لفظ عبد الله (أخبره أنه أقبل يسير على حمار ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم بمنى في حجة الوداع) سقط قوله بمنى لأبي ذر (يصلي بالناس) زاد في الصلاة إلى غير جدار قال: الشافعي أي إلى غير سترة (فسار الحمار بين يدي بعض الصف ثم نزل عنه) أي عن الحمار (فصف مع الناس) زاد في باب سترة الإمام من كتاب الصلاة فلم ينكر ذلك عليّ أحد. 4413 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ وَأَنَا شَاهِدٌ عَنْ سَيْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّتِهِ فَقَالَ: الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ. وبه قال: (حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد البصري الحافظ قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام) أنه (قال: حدثني) بالإفراد (أي) عروة بن الزبير (قال: سئل) بضم السين مبنيًّا للمفعول (أسامة) بن زيد (وأنا شاهد عن سير النبي) بسكون ياء سير ولأبوي ذر والوقت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في حجته) أي في حجة الوداع (فقال: العنق) بفتح العين والنون والقاف ضرب من السير متوسط (فإذا وجد فجوة) بفتح الفاء والواو بينهما جيم ساكنة فرجة (نص) بنون وصاد مهملة مشددة مفتوحتين سار سيرًا شديدًا. 4414 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ، أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عدي بن ثابت) الأنصاري (عن عبد الله بن يزيد الخطمي) بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة (أن أبا أيوب) خالد بن زيد الأنصاري -رضي الله عنه- (أخبره أنه صلّى مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع المغرب والعشاء جميعًا) في وقت واحد. 78 - باب غَزْوَةُ تَبُوكَ وَهْيَ غَزْوَةُ الْعُسْرَةِ (باب غزوة تبوك) بفتح الفوقية وتخفيف الموحدة المضمومة موضع بينه وبين الشام إحدى عشرة مرحلة لا ينصرف للتأنيث والعلمية أو بالصرف على إرادة الموضع (وهي غزوة العسرة) بضم العين وسكون السين المهملة لما وقع فيها من العسرة في الماء والظهر والنفقة، وكانت آخر غزواته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكانت في شهر رجب من سنة تسع قبل حجة الوداع، اتفاقًا فذكرها قبلها خطأ من النساخ

وسقط لفظ باب لأبي ذر فما بعده رفع. 4415 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: أَرْسَلَنِي أَصْحَابِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَسْأَلُهُ الْحُمْلاَنَ لَهُمْ إِذْ هُمْ مَعَهُ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ، وَهْيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ أَصْحَابِي أَرْسَلُونِي إِلَيْكَ لِتَحْمِلَهُمْ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَىْءٍ» وَوَافَقْتُهُ وَهْوَ غَضْبَانُ وَلاَ أَشْعُرُ وَرَجَعْتُ حَزِينًا مِنْ مَنْعِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْ مَخَافَةِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَدَ فِي نَفْسِهِ عَلَيَّ فَرَجَعْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَأَخْبَرْتُهُمُ الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ أَلْبَثْ إِلاَّ سُوَيْعَةً إِذْ سَمِعْتُ بِلاَلاً يُنَادِي أَيْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ فَأَجَبْتُهُ فَقَالَ: أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُوكَ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ قَالَ: «خُذْ هَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ وَهَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ لِسِتَّةِ أَبْعِرَةٍ ابْتَاعَهُنَّ حِينَئِذٍ مِنْ سَعْدٍ فَانْطَلِقْ بِهِنَّ إِلَى أَصْحَابِكَ فَقُلْ: إِنَّ اللَّهَ -أَوْ قَالَ- إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلاَءِ فَارْكَبُوهُنَّ» فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِمْ بِهِنَّ فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلاَءِ، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لاَ أَدَعُكُمْ حَتَّى يَنْطَلِقَ مَعِي بَعْضُكُمْ إِلَى مَنْ سَمِعَ مَقَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لاَ تَظُنُّوا أَنِّي حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا لِي: إِنَّكَ عِنْدَنَا لَمُصَدَّقٌ، وَلَنَفْعَلَنَّ مَا أَحْبَبْتَ فَانْطَلَقَ أَبُو مُوسَى بِنَفَرٍ مِنْهُمْ حَتَّى أَتَوُا الَّذِينَ سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْعَهُ إِيَّاهُمْ ثُمَّ إِعْطَاءَهُمْ بَعْدُ فَحَدَّثُوهُمْ بِمِثْلِ مَا حَدَّثَهُمْ بِهِ أَبُو مُوسَى. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي: حدّثنا (محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء (ابن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء (عن) جده (أبي بردة) عامر بن أبي موسى (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أرسلني أصحابي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسأله الحملان لهم) بضم الحاء المهملة وسكون الميم أي ما يركبون عليه ويحملهم (إذ هم معه في جيش العسرة وهي غزوة تبوك فقلت: يا نبي الله إن أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم فقال: والله لا أحملكم على شيء ووافقته) أي صادفته (وهو غضبان ولا أشعر) أي والحال أني لم أكن أعلم غضبه (ورجعت) إلى أصحابي حال كوني (حزينًا من منع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أن يحملنا (ومن مخافة أن يكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجد في نفسه) أي غضب (عليّ فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم الذي قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم ألبث) بفتح الهمزة والموحدة بينهما لام ساكنة آخره مثلثة (إلا سويعة) بضم السين المهملة وفتح الواو مصغرًا ساعة وهي جزء من الزمان أو من أربعة وعشرين جزءًا من اليوم والليلة (إذ سمعت بلالاً ينادي أي عبد الله بن قيس) يعني يا عبد الله، ولأبي ذر: أين عبد الله بن قيس (فأجبته، فقال: أجب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعوك فلما أتيته قال): (خذ هذين القرينين) تثنية قرين وهو البعير المقرون بآخر (وهذين القرينين) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي هاتين القرينتين وهاتين القرينتين أي الناقتين (لستة أبعرة) لعله قال: هذين القرينين ثلاثًا فذكر الراوي مرتين اختصارًا، لكن قوله في الرواية الأخرى فأمر لنا بخمس ذود مخالف لما هنا فيحمل على التعدد أو يكون زادهم واحدًا على الخمس والعدد لا ينفي الزائد (ابتاعهن حينئذٍ من سعد) قيل هو ابن عبادة (فانطلِق) بكسر اللام والجزم على الأمر (بهن إلى أصحابك فقل) لهم (إن الله أو قال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحملكم على هؤلاء) الأبعرة (فاركبوهن) (فانطلقت إليهم بهن) أي إلى أصحابي بالأبعرة (فقلت: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحملكم على هؤلاء ولكني والله لا أدعكم حتى ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تظنوا أني حدثتكم شيئًا لم يقله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا لي: إنك عندنا) ولأبي ذر والله إنك عندنا (لمصدق) بفتح الدال المشددة (ولنفعلن ما أحببت) أي الذي أحببته من إرسال أحدنا إلى من سمع (فانطلق أبو موسى بنفر منهم حتى أتوا الذين سمعوا قول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منعه إياهم ثم إعطاءهم بعد فحدثوهم بمثل ما حدثهم به أبو موسى). وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النذور وكذا مسلم. 4416 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا فَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟ قَالَ: «أَلاَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي». وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ سَمِعْتُ مُصْعَبًا. وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالسين المهملة ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتح الحاء المهملة والكاف ابن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية مصغرًا (عن مصعب بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج إلى تبوك) وكان السبب في ذلك ما ذكره ابن سعد في طبقاته وغيره أن المسلمين بلغهم من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة أن الروم جمعت جموعًا، وأجلبت معهم لخم وجذام وغيرهم من متنصرة العرب، فندب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس إلى الخروج وأعلمهم بجهة غزوهم. وعند الطبراني أن عثمان -رضي الله عنه- كان قد جهز عيرًا إلى الشام فقال: يا رسول الله هذه مائتا بعير بأقتابها وأحلاسها ومائتا أوقية فقال عليه الصلاة والسلام: "لا يضر عثمان ما عمل بعدها" (واستخلف) على المدينة (عليًّا) ابن عمه -رضي الله عنه- (فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من)

79 - باب حديث كعب بن مالك وقول الله عز وجل: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} [التوبة: 118]

أخيه (موسى) حين خلفه في قومه بني إسرائيل لما خرج إلى الطور، وقد تمسكت الروافض وسائر فرق الشيعة في أن الخلافة كانت لعلي وأنه وصى له بها، وكفرت الروافض سائر الصحابة بتقديمهم غيره وزاد بعضهم فكفر عليًّا لأنه لم يقم في طلب حقه ولا حجة لهم في الحديث ولا متمسك لهم به لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما قال هذا حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك، ويؤيده أن هارون المشبه به لم يكن خليفة بعد موسى لأنه توفي قبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة وبين قوله (إلا أنه ليس نبي) وفي نسخة: لا نبي (بعدي) إذ اتصاله به ليس من جهة النبوّة الاتصال من جهة الخلافة لأنها تلي النبوّة في الرتبة، ثم إنها إما أن تكون في حياته أو بعد مماته فخرج بعد مماته لأن هارون مات قبل موسى، فتعين أن تكون في حياته عند مسيره إلى غزوة تبوك كمسير موسى إلى مناجاة ربه، ولما سار عليه الصلاة والسلام إلى تبوك تخلف ابن أبي ومن كان معه وقدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولحقه بها أبو ذر وأبو خيثمة ولحقه بها وفد أذرح ووفد أيلة فصالحهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الجزية، ثم قفل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تبوك ولم يلق كيدًا وقدم المدينة في شهر رمضان. وحديث الباب أخرجه مسلم في الفضائل والنسائي في المناقب. (وقال أبو داود): سليمان بن داود الطيالسي فيما وصله البيهقي في دلائله وأبو نعيم في مستخرجه (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بن عتيبة أنه قال: (سمعت مصعبًا) فصرح بالسماع بخلاف الأولى فبالعنعنة ولذا أوردها. 4417 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يُخْبِرُ قَالَ: أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعُسْرَةَ قَالَ: كَانَ يَعْلَى يَقُولُ: تِلْكَ الْغَزْوَةُ أَوْثَقُ أَعْمَالِي عِنْدِي قَالَ عَطَاءٌ: فَقَالَ صَفْوَانُ: قَالَ يَعْلَى: فَكَانَ لِي أَجِيرٌ فَقَاتَلَ إِنْسَانًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا يَدَ الآخَرِ قَالَ عَطَاءٌ: فَلَقَدْ أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ أَيُّهُمَا عَضَّ الآخَرَ، فَنَسِيتُهُ قَالَ: فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ مِنْ فِي الْعَاضِّ فَانْتَزَعَ إِحْدَى ثَنِيَّتَيْهِ، فَأَتَيَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ قَالَ عَطَاءٌ: وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَفَيَدَعُ يَدَهُ فِي فِيكَ تَقْضَمُهَا كَأَنَّهَا فِي فِي فَحْلٍ يَقْضَمُهَا». وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن سعيد) بكسر العين اليشكري قال: (حدّثنا محمد بن بكر) بسكون الكاف بعد فتح الموحدة البرساني قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: سمعت عطاء) أي ابن أبي رباح (يخبر قال: أخبرني) بالإفراد (صفوان بن يعلى بن أمية عن أبية) يعلى بن أمية أنه (قال: غزوت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العسرة) بسكون السين ولأبي ذر عن الحموي العسيرة بفتحها بعدها تحتية ساكنة (قال: كان يعلى يقول: تلك الغزوة) العسرة (أوثق أعمالي) بالعين المهملة (عندي. قال عطاء) المذكور: (فقال صفوان: قال) أبي (يعلى) بن أمية: (فكان لي أجير) يخدمني بالأجرة لم يسم (فقاتل) الأجير (إنسانًا فعض أحدهما يد الآخر. قال عطاء: فلقد أخبرني صفوان أيهما عضّ الآخر فنسيته) في مسلم أن العاض هو يعلى (قال: فانتزع المعضوض يده من فيّ العاضّ) من فمه (فانتزع إحدى ثنيته) بالتثنية (فأتيا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأهدر) عليه الصلاة والسلام (ثنيته) بالإفراد لم يوجب له دية ولا قصاصًا (قال) ولأبي ذر فقال: (عطاء وحسبت أنه) أي صفوان (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أفيدع) أفيترك (يده في فيك تقضمها) بفتح الضاد المعجمة على اللغة الفصيحة أي تأكلها بأطراف أسنانك والاستفهام للإنكار (كأنها في فيّ فحل) في فم ذكر إبل (يقضمها) بفتح الضاد كما سبق. وهذا الحديث سبق في الإجارة ويأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الدّيات بمباحثه بعون الله. 79 - باب حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118] (باب حديث كعب بن مالك) سقط لفظ باب في بعض النسخ (وقول الله عز وجل: {وعلى الثلاثة}) كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية ({الذين خلفوا}) [التوبة: 118] عن غزوة تبوك. 4418 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ - قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ، قَالَ: كَعْبٌ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلاَمِ وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا، كَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدُ غَزْوَةً إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَثِيرٌ، وَلاَ يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ يُرِيدُ الدِّيوَانَ قَالَ كَعْبٌ: فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلاَّ ظَنَّ أَنْ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ اللَّهِ، وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِلْكَ الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلاَلُ وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَىْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا فَأَقُولُ فِي نَفْسِي أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا فَقُلْتُ: أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ؟ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ فَغَدَوْتُ بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا لأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ، وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَطُفْتُ فِيهِمْ أَحْزَنَنِي أَنِّي لاَ أَرَى إِلاَّ رَجُلاً مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ -أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ- وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ فَقَالَ وَهْوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ: «مَا فَعَلَ كَعْبٌ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ فِي عِطْفَيْهِِ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلاَّ خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ قَافِلاً حَضَرَنِي هَمِّي، فَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدًا، وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَىْءٍ فِيهِ كَذِبٌ فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَادِمًا وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلاً فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلاَنِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَجِئْتُهُ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ثُمَّ قَالَ: «تَعَالَ» فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي: «مَا خَلَّفَكَ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ»؟ فَقُلْتُ: بَلَى، إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَىَّ وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَىَّ فِيهِ، إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ لاَ وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، فَقَا

تبوك) متعلق بقوله يحدث (قال كعب لم أتخلف عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في غزوة بدر ولم يعاتب) بكسر التاء مصححًا عليها في اليونينية مرقومًا عليها علامة أبي ذر في الفرع وأصله أي لم يعاتب الله (أحدًا) ولأبي الوقت وأبي ذر: ولم يعاتب بفتح التاء مبنيًّا للمفعول أحد بالرفع (تخلف عنها) عن غزوة بدر (إنما خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى بدر (يريد عير قريش) بكسر العين الإبل التي تحمل الميرة (حتى جمع الله بينهم) أي بين المسلمين (وبين عدوّهم) كفار قريش (على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة العقبة) مع الأنصار (حين تواثقنا) بالمثناة ثم المثلثة تعاهدنا وتعاقدنا (على الإسلام) والإيواء والنصرة قبل الهجرة (وما أحب أن لي بها) أي بدلها (مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر) أي أعظم ذكرًا (في الناس منها. كان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر) أي مني كما في مسلم (حين تخلفت عنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في تلك الغزاة) أي في غزوة تبوك (والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريد غزوة إلا ورّى بغيرها) بفتح الواو والراء المشددة أي أوهم غيرها والتورية أن تذكر لفظًا يحتمل معنيين أحدهما أقرب من الآخر فيوهم إرادة القريب وهو يريد البعيد (حتى كانت تلك الغزوة) أي غزوة تبوك (غزاها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حر شديد واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا) بفتح الميم والفاء آخره زاي فلاة لا ماء فيها (وعدوًّا كثيرًا) وذلك أن الروم قد جمعت جموعًا كثيرة وهرقل رزق أصحابه لسنة وأجلبت معه لخم وجذام وغسان وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء (فجلّى) بالجيم واللام المشددة ويجوز تخفيفها أوضح (للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم) بضم الهمزة وسكون الهاء أي ما يحتاجون إليه في السفر والحرب ولأبي ذر عن الكشميهني أهبة عدوّهم بدل غزوهم (فأخبرهم) صلوات الله وسلامه عليه (بوجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثير ولا يجمعهم كتاب) بالتنوين (حافظ) كذلك بالتنوين وفي مسلم بالإضافة قال: الزهري (يريد الديوان). وزاد في رواية معقل يزيدون على عشرة آلاف ولا يجمعهم ديوان حافظ. وفي الإكليل للحاكم من حديث معاذ: أنهم كانوا زيادة على ثلاثين ألفًا، وبهذه العدة جزم ابن إسحاق، وأورده الواقدي بإسناد آخر موصول وزاد: أنه كانت معهم عشرة آلاف فرس، فتحمل رواية معاذ على إرادة عدد الفرسان، ولابن مردويه لا يجمعهم ديوان حافظ وقد نقل عن أبي زرعة الرازي أنهم كانوا في غزوة تبوك أربعين ألفًا ولا تخالف الرواية التي في الإكليل أكثر من ثلاثين ألفًا لاحتمال أن يكون من قال: أربعين ألفًا جبرًا لكسر قاله في الفتح، وتعقبه شيخنا فقال: بل المروي عن أبي زرعة أنهم كانوا سبعين ألفًا. نعم الحصر بالأربعين في حجة الوداع فكأنه سبق قلم أو انتقال نظر. (قال كعب) بن مالك بالإسناد السابق (فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أنه (سيخفى له) لكثرة الجيش (ما لم ينزل) بفتح أوله وكسر ثالثه (فيه وحي الله، وغزا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال) وفي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب في قيظ شديد في ليالي الخريف والناس خارفون في نخيلهم (وتجهز رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلمون معه فطفقت) فأخذت (أغدو) بالغين المعجمة (لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئًا) من جهازي (فأقول في نفسي أنا قادر عليه) متى شئت (فلم يزل يتمادى بي) الحال (حتى اشتد بالناس الجد) بكسر الجيم والرفع فاعلاً وهو الجهد في الشيء والمبالغة فيه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: حتى اشتد الناس بالرفع على الفاعلية الجد بالنصب على نزع الخافض أو نعت لمصدر محذوف أي اشتد الناس الاشتداد الجدّ (فأصبح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلمون معه ولم أقض من جهازي

شيئًا) بفتح الجيم (فقلت: أتجهز بعده) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت) بالغين المعجمة (بعد أن فصلوا) بالصاد المهملة (لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئًا ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئًا فلم يزل بي حتى أسرعوا) ولأبي ذر عن الكشميهني شرعوا بالشين المعجمة. قال الحافظ ابن حجر: وهو تصحيف (وتفارط الغزو) بالفاء والراء والطاء المهملتين أي فات وسبق (وهممت أن أرتحل فأدركهم) بالنصب عطفًا على أتحل (وليتني فعلت) ذلك (فلم يقدر لي ذلك) فيه أن المرء إذا لاحت له فرصة في الطاعة فحقه أن يبادر إليها ولا يسوّف بها لئلا يحرمها. قال كعب: (فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموصًا) بفتح الميم وسكون العين المعجمة بعدها ميم أخرى مضمومة فواو فصاد مهملة (عليه النفاق) أي يظن به النفاق ويتهم به وإني بفتح الهمزة. قال الزركشي: على التعليل. قال في المصابيح: ليس بصحيح إنما هي وصلتها فاعل أحزنني (أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء ولم يذكرني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك): (ما فعل كعب فقال رجل من بني سلمة): بكسر اللام وهو عبد الله بن أنيس السلمي بفتح السين واللام كما قال الواقدي قال في الفتح: وهو غير الجهني الصحابيّ المشهور (يا رسول الله حبسه برداه) تثنية برد (ونظره في عطفيه) بكسر العين المهملة والتثنية أي جانبيه كناية عن كونه معجبًا بنفسه ذا زهو وتكبر أو لباسه، أو كنى به عن حسنه وبهجته والعرب تصف الرداء بصفة الحسن وتسميه عطفًا لوقوعه في عطفي الرجل وفي نسخة باليونينية في عطفه بالإفراد. (فقال معاذ بن جبل) -رضي الله عنه- له (بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلاّ خيرًا فسكت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فبينما هو كذلك رأى رجلاً منتصبًا يزول به السراب فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "كن أبا خيثمة" فإذا هو أبو خيثمة سعد بن أبي خيثمة الأنصاري، وعند الطبراني أنه قال: تخلفت عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخلت حائطًا فرأيت عريشًا قد رش بالماء، ورأيت زوجتي فقلت: ما هذا بإنصاف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في السموم والحرّ وأنا في الظل والنعيم فقمت إلى ناضح لي وتمرات وخرجت فلما طلعت على العسكر فرآني الناس فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "كن أبا خيثمة" فجئت فدعا لي. (قال كعب بن مالك: فلما بلغني أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (توجه قافلاً) أي راجعًا إلى المدينة (حضرني همي فطفقت) أي أخذت (أتذكر الكذب) وعند ابن أبي شيبة وطفقت أعدّ العذر لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا جاء وأهيئ الكلام (وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدًا واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أظل قادمًا) أي دنا قدومه (زاح) بالزاي المعجمة وبالحاء المهملة أي زال (عني الباطل وعرفت أني لن أخرج منه أبدًا بشيء فيه كذب فأجمعت صدقه) أي جزمت به وعقدت عليه قصدي ولابن أبي شيبة عرفت أنه لا ينجيني منه إلا الصدق (وأصبح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قادمًا) في رمضان كما قاله ابن سعد (وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين) فركعهما (ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون) الذين خلفهم كسلهم ونفاقهم عن غزوة تبوك (فطفقوا يعتذرون) أي يظهرون العذر (إليه) صلوات الله وسلامه عليه (ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلاً) من منافقي الأنصار قاله الواقدي، وأن المعذرين من الأعراب كانوا أيضًا اثنين وثمانين رجلاً من غفار وغيرهم، وأن عبد الله بن أبي ومن أطاعه من قومه من غير هؤلاء وكانوا عددًا كثيرًا، والبضع بكسر الموحدة وسكون الضاد المعجمة ما بين ثلاث إلى تسع على المشهور، وقيل إلى الخمس، وقيل ما بين الواحد إلى الأربعة، أو من أربع إلى تسع أو سبع وإذا

جاوزت لفظ العشر ذهب البضع لا يقال بضع وعشرون أو يقال ذلك وهو مع المذكر بهاء ومع المؤنث بغير هاء بضعة وعشرون رجلاً وبضع وعشرون امرأة ولا يعكس قاله في القاموس. (فقبل منهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علانيتهم) أي ظواهرهم (وبايعهم واستغفر لهم ووكل) بفتحات مع التخفيف (سرائرهم إلى الله). قال كعب: (فجئته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب) بفتح الضاد المعجمة (ثم قال: تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه) وعند ابن عائذ في مغازيه فأعرض عنه فقال: يا نبي الله لم تعرض عني فوالله ما نافقت ولا ارتبت ولا بدلت (فقال لي: ما خلفك) عن الغزو (ألم تكن قد ابتعت) أي اشتريت (ظهرك) قال: (فقلت: بلى إني والله لو) ولأبي ذر عن الكشميهني والله يا رسول الله لو (جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلاً) بفتح الجيم والدال المهملة فصاحة وقوة كلام بحيث أخرج من عهدة ما ينسب إليّ مما يقبل ولا يرد (ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك) اليوم (حديث صدق تجد) بكسر الجيم أي تغضب (عليّ فيه إنه لأرجو فيه عفو الله) عني (لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما) بتشديد الميم (هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك) ما يشاء (فقمت) فمضيت (وثار رجال) بالمثلثة أي وثبوا (من بني سلمة) بكسر اللام (فاتبعوني) بوصل الهمزة وتشديد الفوقية (فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبًا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما اعتذر إليه المتخلفون) بالفوقية وكسر اللام المشددة ولأبي ذر المخلفون بإسقاط الفوقية وفتح اللام (قد كان كافيك) بفتح التحتية (ذنبك) أي من ذنبك (استغفار رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لك) برفع استغفار بقوله كافيك لأن اسم الفاعل يعمل عمل فعله (فوالله ما زالوا يؤنبونني) بالهمزة المفتوحة فنون مشددة فموحدة مضمومة ونونين أي يلومونني لومًا عنيفًا ولغير أبي ذر يؤنبوني (حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع) بضم الميم وتخفيف الراءين (العمري) بفتح العين المهملة وسكون الميم نسبة إلى بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس (وهلال بن أمية الواقفي) بتقديم القاف على الفاء نسبة إلى بني واقف بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس. وعند ابن أبي حاتم من مرسل الحسن أن سبب تخلف الأول أنه كان له حائط حين زها فقال في نفسه: قد غزوت قبلها فلو أقمت عامي هذا فلما تذكر ذنبه قال: اللهم إني أشهدك أني قد تصدقت به في سبيلك. وأن الثاني كان له أهل تفرقوا ثم اجتمعوا فقال: لو أقمت هذا العام عندهم فلما تذكر ذنبه قال: اللهم لك عليّ أن لا أرجع إلى أهلي ولا مالي (فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا فيهما إسوة) بضم الهمزة وكسرها. وقد استشكل بأن أهل السير لم يذكروا واحدًا منهما فيمن شهد بدرًا ولا يعرف ذلك في غير هذا الحديث، وممن جزم بأنهما شهدا بدرًا الأثرم وهو ظاهر صنيع البخاري، وتعقب الأثرم ابن الجوزي ونسبه إلى الغلط لكن قال الحافظ ابن حجر: إنه لم يصب. قال: واستدلّ بعض المتأخرين لكونهما لم يشهدا بدرًا بما وقع في قصة حاطب وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يهجره ولا عاقبه مع كونه جسّ عليه بل قال لعمر لما هم بقتله: "وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر" فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. قال: وأين ذنب التخلف من ذنب الجس؟ قال في الفتح: وليس ما استدلّ به بواضح لأنه يقتضي أن البدري عنده إذا جنى جناية ولو كبرت لا يعاقب عليها وليس كذلك، فهذا عمر مع كونه المخاطب بقصة حاطب قد جلد قدامة بن مظعون

الحد لما شرب الخمر وهو بدري وإنما لم يعاقب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاطبًا ولا هجره لأنه قبل عذره في أنه إنما كاتب قريشًا خشية على أهله وولده بخلاف تخلف كعب وصاحبيه فإنهم لم يكن لهم عذر أصلاً. قال كعب: (فمضيت حين ذكروهما لي) أي الرجلين (ونهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه) بالرفع أي خصوصًا الثلاثة كقولهم: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة قال أبو سعيد السيرافي: إنه مفعول فعل محذوف أي أريد الثلاثة أي أخص الثلاثة، وخالفه الجمهور وقالوا: أي منادى والثلاثة صفة له وإنما أوجبوا ذلك لأنه في الأصل كان كذلك فنقل إلى الاختصاص وكل ما نقل من باب إلى باب فإعرابه بحسب أصله كأفعال التعجب (فاجتتبنا الناس) بفتح الموحدة (وتغيروا لنا حتى تنكرت) أي تغيرت (في نفسي الأرض فما هي) الأرض (التي أعرف) لتوحشها عليّ، وهذا يجده الحزين والمهموم في كل شيء حتى يجده في نفسه. قال السهيلي: وإنما اشتدّ الغضب على من تخلف وإن كان الجهاد فرض كفاية لكنه في حق الأنصار خاصة فرض عين لأنهم بايعوا على ذلك ومصداق ذلك قولهم وهم يحفرون الخندق: نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا فكان تخلفهم في هذه الغزوة كبيرة لأنه كالنكث لبيعتهم انتهى. وعند الشافعية وجه أن الجهاد كان فرض عين في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلبثنا على ذلك خمسين ليلة) استنبط منه جواز الهجران أكثر من ثلاث، وأما النهي عن الهجر فوق ثلاث فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيًا (فأما صاحباي) مرارة وهلال (فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان وأما أنا فكنت أشب القوم) أي أقواهم (وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف) أي أدور (في الأسواق، ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه بردّ السلام عليّ أم لا) إنما لم يجزم بتحريك شفتيه عليه الصلاة والسلام بالسلام لأنه لم يكن يديم النظر إليه من الخجل (ثم أصلي قريبًا منه فأسارقه النظر) بالسين المهملة والقاف أي أنظر إليه في خفية (فإذا أقبلت على صلاتي أقبل) عليه الصلاة والسلام (إليّ وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال عليّ ذلك من جفوة الناس) بفتح الجيم وسكون الفاء أي من إعراضهم (مشيت حتى تسوّرت) أي علوت (جدار حائط أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه- أي بستانه (وهو ابن عمي) لأنه من بني سلمة وليس هو ابن عمه أخي أبيه الأقرب (وأحب الناس إليّ فسلمت عليه فوالله ما ردّ عليّ السلام) لعموم النهي عن كلامهم (فقلت: يا أبا قتادة أنشدك) بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة أسألك (بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله فسكت فعدت له فنشدته) بفتح المعجمة فسألته بالله كذلك (فسكت فعدت له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم) وليس ذلك تكليمًا لكعب لأنه لم ينو به ذلك لأنه منهي عنه بل أظهر اعتقاده فلو حلف لا يكلم زيدًا فسأله عن شيء فقال: الله أعلم ولم يرد جوابه ولا إسماعه لا يحنث (ففاضت عيناي وتوليت حتى تسوّرت الجدار) للخروج من الحائط. (قال: فبينا) بغير ميم (أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي) بفتح النون والموحدة وكسر الطاء المهملة (من أنباط أهل الشام) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الموحدة فلاح وكان نصرانيًا ولم يسم (ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له) إليّ يعني ولا يتكلمون بقولهم مثلاً هذا كعب مبالغة في هجره والإعراض عنه (حتى إذا جاءني دفع إليّ كتابًا من ملك غسان) بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة جبلة بن الأيهم أو هو الحارث بن أبي شمر وعند ابن مردويه فكتب إليّ كتابًا في سرقة من حرير (فإذا فيه: أمّا بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك

ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة) بسكون الضاد المعجمة أي حيث يضيع حقك (فالحق بنا) بفتح الحاء المهملة (نواسك) بضم النون وكسر السين المهملة من المواساة (فقلت لما قرأتها) أي الصحيفة المكتوب فيها (وهذا أيضًا من البلاء) وعند ابن أبي شيبة قد طمع فيّ أهل الكفر (فتيممت) أي قصدت (بها التنور) بفتح الفوقية الذي يخبز فيه (فسجرته) بالسين المهملة المفتوحة والجيم أي أوقدته (بها). وهذا يدل على قوّة إيمانه وشدّة محبته لله ورسوله على ما لا يخفى. وعند ابن عائذ: أنه شكا حاله إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال: ما زال إعراضك عني حتى رغب فيّ أهل الشرك (حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال الواقدي: هو خزيمة بن ثابت. قال: وهو الرسول إلى مرارة وهلال بذلك، ولأبي ذر: إذا رسول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يأتيني فقال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمرك أن تعتزل امرأتك) عميرة بنت جبير بن صخر بن أمية الأنصارية أم أولاده الثلاثة أو هي زوجته الأخرى خيرة بفتح الخاء المعجمة بعدها تحتية ساكنة (فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا بل اعتزلها) بكسر الزاي مجزوم بالأمر (ولا تقربها) معطوف عليه (وأرسل إلى صاحبيّ) بتشديد الياء (مئل ذلك فقلت لامرأتي: الحقي) بفتح الحاء (بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله فيّ هذا الأمر) فلحقت بهم. (قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية) خولة بنت عاصم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه؟ قال: لا ولكن لا يقربك) بالجزم على النهي (قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا) قال كعب: (فقال لي بعض أهلي): قال في الفتح: لم أقف على اسمه. واستشكل هذا مع نهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس عن كلام الثلاثة. وأجيب: بأنه عبّر عن الإشارة بالقول يعني فلم يقع الكلام اللساني وهو المنهي عنه قاله ابن الملقن. قال في المصابيح: وهذا بناء منه على الوقوف عند اللفظ واطراح جانب المعنى، وإلاّ فليس المقصود بعدم المكالمة عدم النطق باللسان فقط، بل المراد هو وما كان بمثابته من الإشارة المفهمة لما يفهمه القول باللسان، وقد يجاب بأن النهي كان خاصًّا بمن عدا زوجة هلال وغشيانه إياها، وقد أذن لها في خدمته، ومعلوم أنه لا بدّ في ذلك من مخالطة وكلام، فلم يكن النهي شاملاً لكل أحد، وإنما هو شامل لمن لا تدعو حاجة هؤلاء إلى مخالطته وكلامه من زوجة وخادم ونحو ذلك، فلعل الذي قال لكعب من أهله: (لو استأذنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في امرأتك) لتخدمك (كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه) كان ممن لم يشمله النهي. قال كعب (فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما يدريني ما يقول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب) قوي على خدمة نفسي (فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت) بفتح الميم (لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن كلامنا) أيها الثلاثة (فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا فبينا) بغير ميم (أنا جالس على الحال التي) قد (ذكر الله قد ضاقت عليّ نفسي) أي قلبي لا يسعه أنس ولا سرور من فرط الوحشة والغم (وضاقت عليّ الأرض بما رحبت) برحبها أي مع سعتها وهو مثل للحيرة في أمره كأنه لا يجد فيها مكانًا يقرّ فيه قلقًا وجزعًا، وإذا كان هؤلاء لم يأكلوا مالاّ حرامًا ولا سفكوا دمًا حرامًا ولا أفسدوا في الأرض وأصابهم ما أصابهم فكيف بمن واقع الفواحش والكبائر وجواب بينا قوله: (سمعت صوت صارخ أوفى) بالفاء مقصورًا أي أشرف (على جبل سلع) بفتح السين المهملة وسكون اللام (بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر) بهمزة قطع. وعند الواقدي وكان الذي أوفى على سلع أبا بكر الصديق فصاح: قد

تاب الله على كعب (قال) كعب: (فخررت ساجدًا) شكرًا لله (وعرفت أن قد جاء فرج وآذن) بالمد أي أعلم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا)، أيها الثلاثة بتوبة الله علينا (وذهب قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة (صاحبيّ) مرارة وهلال (مبشرون) يبشرونهما (وركض إليّ) بتشديد الياء أي استحث (رجل فرسًا) للعدو وعند الواقدي أنه الزبير بن العوّام (وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل)، هو حمزة بن عمرو الأسلمي رواه الوقدي. وعند ابن عائذ أن اللذين سعيا أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- لكنه صدره بقوله زعموا (وكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت صوته) هو حمزة الأسلمي (يبشرني نزعت له ثوبي) بتشديد الياء بالتثنية (فكسوته إياهما ببشراه) لي بتوبة الله عليّ (والله ما أملك) من الثياب (غيرهما يومئذ) وقد كان له مال غيرهما كما صرح به فيما يأتي (واستعرت ثوبين) أي من أبي قتادة كما عند الواقدي (فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيتلقاني الناس فوجًا فوجًا) جماعة جماعة (يهنوني) ولأبي ذر: يهنونني (بالتوبة يقولون: لتهنك) بكسر النون (توبة الله عليك. قال كعب: حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس حوله الناس فقام إليّ) بتشديد الياء (طلحة بن عبيد الله) بضم العين أحد العشرة المبشرة بالجنة (يهرول) أي يسير بين المشي والعدو (حتى صافحني وهناني والله ما قام إليّ رجل من المهاجرين غيره) وكانا أخوين آخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينهما كذا قاله البرماوي كغيره، وتعقب بأن الذي ذكره أهل المغازي أنه كان أخا الزبير، لكن كان الزبير أخًا في أخوة المهاجري فهو أخو أخيه (ولا أنساها لطلحة) أي هذه الخصلة وهي بشارته إياي بالتوبة أي لا أزال أذكر إحسانه إليّ بذلك وكنت رهين مسرته (قال كعب: فلما سلّمت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يبرق وجهه من السرور): (أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك) أي سوى يوم إسلامه وهو مستثنى تقديرًا، وإن لم ينطق به أوان يوم توبته مكمل ليوم إسلامه، فيوم إسلامه بداية سعادته، ويوم توبته مكمل لها فهو خير من جميع أيامه وإن كان يوم إسلامه خيرها فيوم توبته المضاف إلى إسلامه خير من يوم إسلامه المجرد عنها (قال) كعب: (قلت أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: لا بل من عند الله) زاد ابن أبي شيبة أنتم صدقتم الله فصدقكم. (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سرّ) بضم السين وتشديد الراء مبنيًّا للمفعول (استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر) قيل: قال قطعة قمر احترازًا من السواد الذي في القمر أو إشارة إلى موضع الاستنارة وهو الجبين الذي فيه يظهر السرور. قالت عائشة: مسرورًا تبرق أسارير وجهه فكان التشبيه وقع على بعض الوجه فناسب أن يشبه ببعض القمر (وكنا نعرف ذلك منه) أي الذي يحصل له من استنارة وجهه عند السرور (فلما جلست بين يديه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع) أخرج (من) جميع (مالي صدقة) قال الزركشي وتبعه البرماوي وابن حجر وغيرهما: هي مصدر فيجوز انتصابه بانخلع لأن معنى انخلع أتصدق، ويجوز أن يكون مصدرًا في موضع الحال أي متصدقًا، وتعقبه في المصابيح فقال: لا نسلم أن الصدقة مصدر، وإنما هي اسم لما يتصدق به ومنه قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: 103] وفي الصحاح: الصدقة ما تصدق به على الفقراء فعلى هذا يكون نصبها على الحال من مالي (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي صدقة خالصة لله ولرسول الله، فإلى بمعنى اللام، ولأبي ذر إلى رسوله (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): له خوفًا عليه من تضرره بالفقر وعدم صبره على الإضافة: (أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت: أمسك سهمي الذي بخيبر فقلت: يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق وإن من توبتي

80 - باب نزول النبي -صلى الله عليه وسلم- الحجر

أن لا أحدث إلا صدقًا ما بقيت) بكسر القاف (فوالله ما أعلم أحدًا من المسلمين أبلاه الله) بالموحدة الساكنة أي أنعم عليه (في صدق الحديث منه ذكرت ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحسن مما أبلاني) أي مما أنعم عليّ، وفيه الأفضلية لا نفي المساواة لأنه شاركه في ذلك هلال ومرارة. (ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى يومي هذا كذبًا وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت، وأنزل الله تعالى على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {لقد تاب الله على النبي}) [التوبة: 43] أي تجاوز عنه إذنه للمنافقين في التخلف كقوله: {عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم} [التوبة: 43] ({والمهاجرين والأنصار}) ثبت لأبي ذر والأنصار وفيه حث للمؤمنين على التوبة وأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار حتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمهاجرين والأنصار (إلى قوله: {وكونوا مع الصادقين} [التوية: 117]) في إيمانهم دون المنافقين أو مع الذين لم يتخلفوا (فوالله ما أنعم الله عليّ من نعمة قط بعد أن) ولأبي ذر عن الكشميهني: بعد إذ (هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا كون) أي أن أكون (كذبته) فلا زائدة كقوله تعالى: {ما منعك ألا تسجد} [الأعراف: 12] (فأهلك) بكسر اللام والنصب أي فإن أهلك (كما هلك الذين كذبوا فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد) أي قال: قولا شرّ ما قال بالإضافة. أي شر القول الكائن لأحد من الناس (فقال تبارك وتعالى: {سيحلفون بالله لك إذا انقلبتم}) إذا رجعتم إليهم من الغزو (إلى قوله: {فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين}) [التوبة: 95، 96] أي فإن رضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كان الله ساخطًا عليهم وكانوا عرضة لعاجل عقوبته وأجلها. (قال كعب: وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين حلفوا له) أن تخلفهم كان لعذر (فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ) بالجيم والهمزة آخره أي أخّر (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرنا) أيها الثلاثة (حتى قضى الله فيه) بالتوبة (فبذلك قال الله) تعالى: ({وعلى الثلاثة الذين خلفوا} [التوبة: 118]) بضم الخاء وكسر اللام المشددة وسكون الفاء (عن الغزو وإنما) بالواو ولأبي الوقت ولغيره إنما (هو تخليفه) بالخاء المعجمة (إيانا وإرجاؤه) أي تأخيره (أمرنا عمن حلف له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (واعتذر إليه فقبل منه) عليه الصلاة والسلام اعتذاره، والمراد على قوله: أنهم حلفوا عن التوبة لا عن الغزو. وقد أخرج المؤلّف -رحمه الله تعالى- حديث غزوة تبوك وتوبة الله على كعب في عشرة مواضع مطوّلاً ومختصرًا، وسبق بعضها، ويأتي منها إن شاء الله تعالى في الاستئذان والأحكام، وأخرجه مسلم في التوبة، وأبو داود في الطلاق وكذا النسائي. 80 - باب نُزُولُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحِجْرَ (نزول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحجر) بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم وهي منازل ثمود قوم صالح عليه السلام بين المدينة والشام. 4419 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحِجْرِ قَالَ: «لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ» ثُمَّ قَنَّعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ الْوَادِيَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد الجعفي) بضم الجيم وسكون المهملة المسندي بفتح النون قال: (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحافظ أبو بكر الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر أحد فقهاء التابعين (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما مرّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحجر) ديار ثمود بين المدينة والشام في غزوة تبوك (قال) لأصحابه الذين معه: (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم) بالكفر (أن يصيبكم) بفتح الهمزة مفعولاً له أي مخافة الإصابة أو لئلا يصيبكم (ما أصابهم) من العذاب (إلا أن تكونوا باكين، ثم قنع) بفتح القاف والنون المشدّدة أي ستر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رأسه) بردائه (وأسرع السير حتى أجاز الوادي) بالجيم والزاي أي قطعه. وهذا الحديث سبق في باب قول الله تعالى: {وإلى ثمود أخاهم صالحًا} [الأعراف: 73] من أحاديث الأنبياء. 4420 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَصْحَابِ الْحِجْرِ: «لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاَءِ الْمُعَذَّبِينَ، إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

81 - باب

لأصحاب الحجر): أي عن أصحاب الحجر فاللام بمعنى عن، أو قال عند أصحاب الحجر المعذبين هناك. (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين) بفتح الذال المعجمة ثمود (إلا أن تكونوا باكين) مخافة (أن يصيبكم مثل ما أصابهم) من العقاب ومثل بالرفع وسقط لأبي ذر. 81 - باب هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة. 4421 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: ذَهَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَقُمْتُ أَسْكُبُ عَلَيْهِ الْمَاءَ لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ، وَذَهَبَ يَغْسِلُ ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَ عَلَيْهِ كُمُّ الْجُبَّةِ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ جُبَّتِهِ فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير عن الليث) بن سعد الإمام (عن عبد العزيز بن أبي سلمة) هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة بفتح اللام الماجشون التيمي مولاهم المدني (عن سعد بن إبراهيم) بسكون العين ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري قاضي المدينة (عن نافع بن جبير) أي ابن مطعم (عن عروة بن المغيرة عن أبيه المغيرة) ولأبي ذر مغيرة (ابن شعبة) أنه (قال: ذهب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لبعض حاجت فقمت أسكب عليه الماء) حين فرغ من حاجته (لا أعلمه إلاّ قال في غزوة تبوك فغسل وجهه وذهب يغسل ذراعيه فضاق عليه كُم الجبة) ولأبي ذر عن الكشميهني: كمّا الجبة بالتثنية (فأخرجهما من تحت جبته فغسلهما ثم مسح على خفيه). وسبق الحديث في باب المسح على الخفين من كتاب الوضوء. 4422 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: «هَذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ». وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة القطواني بفتح القاف والطاء البجلي مولاهم الكوفي قال (حدّثنا سليمان) بن بلال قال: (حدّثني) بالإفراد (عمرو بن يحيى) بفتح العين المازني، ولأبي ذر عن عمرو بن يحيى (عن عباس بن سهل بن سعد) بالموحدة والمهملة في عباس الساعدي (عن أبي حميد) بضم الحاء وفتح الميم عبد الرحمن أو المنذر أو غيرهما الساعدي الصحابي المشهور -رضي الله عنه- أنه (قال: أقبلنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غزوة تبوك حتى إذا أشرفنا على المدينة قال) عليه الصلاة والسلام: (هذه طابة) بألف بعد الطاء وفتح الموحدة من أسماء المدينة (وهذا أُحُد جبل يحبنا) حقيقة (ونحبه). وسبق الحديث في الحج وفضل الأنصار والمغازي وغيرهما. 4423 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ»، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: «وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) السمسار المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجع من غزوة تبوك فدنا) أي قرب (من المدينة فقال): (إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلاّ كانوا معكم) بالقلوب والنيّات (قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر) عن الغزو معكم، فالمعية والصحبة الحقيقة وإنما هي بالسير بالروح لا بمجرد البدن ونية المؤمن خير من عمله، فتأمل هؤلاء كيف بلغت بهم نيتهم مبلغ أولئك العاملين بأبدانهم وهم على فرشهم في بيوتهم، فالمسابقة إلى الله تعالى وإلى الدرجات العوالي بالنيات والهِمم لا بمجرد الأعمال. وهذا الحديث سبق في باب: من حبسه العذر عن الغزو من الجهاد. 82 - باب كِتَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ (كتاب النبي) وفي نسخة باليونينية باب كتاب النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى كسرى) إبرويز بن هرمز بن أنو شروان وهو كسرى الكبير المشهور لا أنوشروان لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبر بأن ابنه يقتله، والذي قتله ابنه هو إبرويز وكسرى الكبير بكسر القاف لقب كل من يملك الفرس (و) إلى (قيصر) وهو هرقل. 4424 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن راهويه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (أن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث بكتابه إلى كسرى) إبرويز (مع عبد الله بن حذافة السهمي) القرشي أسلم قديمًا وكان من المهاجرين الأولين وكان مكتوبًا فيه على ما ذكره الواقدي فيما نقله صاحب عيون الأثر: (بسم الله الرحمن الرحيم؛ من رسول الله محمد إلى كسرى عظيم فارس، سلام على مَن اتّبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله أدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لينذر

من كان حيًّا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس". (فأمره) أي أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عبد الله بن حذافة (أن يدفعه) أي الكتاب (إلى عظيم البحرين) المنذر بن ساوى نائب كسرى على البحرين، فتوجه عبد الله بن حذافة إليه فأعطاه إياه (فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى فلما قرأه) بنفسه أو قرأه غيره عليه (مزّقه) بالزاي والقاف أي قطّعه. قال ابن شهاب الزهري: (فحسبت أن المسيب) سعيدًا (قال): بالسند السابق (فدعا عليهم) على كسرى وجنوده، ولأبي ذر عن المستملي فدعا عليه أي على كسرى (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يمزقوا كل ممزق) بفتح الزاي فيهما أي يتفرقوا ويتقطعوا فاستجاب الله عز وجل دعاءه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فسلّط الله تعالى على كسرى ابنه شيرويه فمزق بطنه فقتله ولم يقم لهم بعد ذلك أمر نافذ، وأدبر عنهم الإقبال حتى انقرضوا بالكلية في خلافة عمر -رضي الله عنه-. وهذا الحديث سبق في كتاب العلم في باب ما يذكر في المناولة. 4425 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً». [الحديث 4425 - أطرافه في: 7099]. وبه قال: (حدّثنا عثمان بن الهيثم) بالمثلثة المؤذن البصري قال: (حدّثنا عوف) بفتح العين المهملة بعدها واو ساكنة ففاء الأعرابي (عن الحسن) البصري (عن أبي بكرة) نفيع بن الحارث أنه (قال: لقد نفعني الله) عز وجل (بكلمة سمعتها من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيام الجمل) أي نفعني الله أيام وقعة الجمل بكلمة سمعتها فأيام متعلق بنفعني لا بسمعتها لأنه سمعها قبل ذلك ففيه تقديم وتأخير (بعدما كدت أن ألحق) ولأبي ذر: كدت ألحق (بأصحاب) وقعة (الجمل) عائشة -رضي الله عنها- ومن معها (فأقاتل معهم) وكان سببها أن عثمان -رضي الله عنه- لما قتل وبويع عليّ بالخلافة خرج طلحة والزبير إلى مكة فوجدا عائشة وكانت قد حجت فأجمع رأيهم على التوجه إلى البصرة يستنفرون الناس للطلب بدم عثمان، فبلغ عليًّا فخرج إليهم فكانت الوقعة ونسبت إلى الجمل التي كانت عائشة قد ركبته وهي في هودجها تدعو الناس إلى الإصلاح. (قال) أبو بكرة مفسرًا لقوله: نفعني الله بكلمة (لما بلغ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أهل فارس قد ملكوا) بتشديد اللام (عليهم بنت كسرى) بوران بضم الموحدة بنت شيرويه بن كسرى إبرويز، وذلك أن شيرويه لما قتل أباه كان أبوه علم أن ابنه عمل على قتله احتال على قتل ابنه بعد موته، فعمل في بعض خزائنه المختصة به حُقًّا مسمومًا كتب عليه حُق الجماع من تناول منه كذا جامع كذا فقرأه شيرويه فتناول منه فكان فيه هلاكه فلم يعش بعد أبيه سوى ستة أشهر، فلما مات لم يخلف أخًا لأنه كان قتل إخوته حرصًا على الملك ولم يخلف ذكرًا وكرهوا إخراج الملك عن ذلك البيت فملكوا أخته. (قال) عليه الصلاة والسلام (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) ومذهب الجمهور أن المرأة لا تلي الإمارة ولا القضاء، وأجازه الطبري في رواية عن مالك وعن أبي حنيفة تلي الحكم فيما تجوز فيه شهادة النساء، والغرض من ذكر هذا الحديث هنا بيان أن كسرى لما مزّق كتابه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودعا عليه سقط الله عليه ابنه فمزقه وقتله ثم قتل إخوته حتى أفضى الأمر بهم إلى تأمير المرأة فجرّ ذلك إلى ذهاب ملكهم ومزقوا واستجاب الله دعاءه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 4426 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ يَقُولُ: أَذْكُرُ أَنِّي خَرَجْتُ مَعَ الْغِلْمَانِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ نَتَلَقَّى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: مَعَ الصِّبْيَانِ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن السائب بن يزيد) ولأبي ذر: سمع الزهري يقول: سمعت السائب بن يزيد -رضي الله عنه- (يقول: أذكر أني خرجت مع الغلمان إلى ثنية الوداع نتلقى) بفتح القاف المشددة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وثنية الوداع بفتح الواو: هي ما ارتفع من الأرض أو هي الطريق في الجبل، وسميت بذلك لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودّعه بها بعض المقيمين بالمدينة في بعض أسفاره، وقيل لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيّع إليها بعض سراياه فودّعه عندها، وقيل لأن المسافر من المدينة كان يشيع إليها ويودّع عندها قديمًا وما قيل من أنهم كانوا يشيعون الحاج ويودّعونهم عندها، ردّه الحافظ

83 - باب مرض النبي -صلى الله عليه وسلم- ووفاته وقول الله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون * ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} [الزمر: 30 - 31]

أو الفضل العراقي وابن القيم بأن ثنية الوداع إنما هي من ناحية الشام لا يراها القادم من مكة ولا يمر بها إلا إذا توجه من الشام، وإنما وقع ذلك عند قدومه من تبوك، ويحتمل أن تكون في جهة الحجاز ثنية إخرى. (وقال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (مرة) أخرى (مع الصبيان) بدل قوله الأوّل مع الغلمان وهما بمعنى. 4427 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ أَذْكُرُ أَنِّي خَرَجْتُ مَعَ الصِّبْيَانِ نَتَلَقَّى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ مَقْدَمَهُ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن السائب) بن يزيد بن سعيد بن ثمامة -رضي الله عنه- أنه قال: (أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ثنية الوداع مقدمه) بفتح الميم وسكون القاف وفتح الدال أي وقت قدومه (من غزوة تبوك). قال في الفتح: وفي إيراد هذا الحديث هنا إشارة إلى أن إرسال الكتب إلى الملوك كان في سنة غزوة تبوك وهي سنة تسع. وتقدم هذا الحديث في باب استقبال الغزاة من الجهاد. 83 - باب مَرَضِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَفَاتِه وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 30 - 31] (باب) ذكر (مرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-و) وقت (وفاته وقول الله تعالى) يخاطب نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({إنك ميت}) أي ستموت ({وإنهم ميتون}) [الزمر: 30] أي سيموتون وبالتخفيف من حلّ به الموت. قال الخليل أنشد أبو عمرو: أيا سائلي تفسير ميت وميت ... فدونك قد فسرت إن كنت تعقل فمن كان ذا روح فذلك ميت ... وما الميت إلا من إلى القبر يحمل وكانوا يتربصون برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موته، فأخبر أن الموت يعمهم فلا معنى للتربص وشماتة الباقي بالفاني. وعن قتادة: نعى إلى نبيه نفسه ونعى إليكم أنفسكم أي إنك إياهم في عداد الموتى لأن ما هو كائن فكأن قد كان ({ثم إنكم}) أي إنك وإياهم فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغائب ({يوم القيامة عند ربكم تختصمون}) [الزمر: 30 - 31] فتحتج أنت عليهم بأنك بلغت فكذبوا، واجتهدت في الدعوة فلجوا في العناد ويعتذرون بما لا طائل تحته. قالت الصحابة -رضي الله عنهم-: ما خصومتنا ونحن إخوان فلما قتل عثمان قالوا: هذه خصومتنا. وعن أبي العالية نزلت في أهل القبلة وذلك في الدماء والمظالم التي بينهم والوجه هو الأوّل وسقط قوله ثم إنكم الخ لأبي ذر. 4428 - وَقَالَ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «يَا عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السَّمِّ». (وقال): ولأبي ذر فقال: (يونس) بن يزيد الأيلي فيما وصله البزار والحاكم (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (قال عروة) بن الزبير: (قالت عائشة -رضي الله عنها-: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في مرضه الذي مات فيه): (يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام) أي أحس الألم في جوفي بسبب الطعام المسموم (الذي أكلت بخيبر). وعند الواقدي مما رواه ابن سعد عنه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عاش بعد أكله ثلاث سنين (فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري) بفتح الهاء عرق مستبطن بالصلب متصل بالقلب ثم تتشعب منه سائر الشرايين إذا انقطع مات صاحبه (من ذلك السم) بفتح السين وضمها وأوان رفع على الخبرية وهو الذي في الفرع، وبالفتح لإضافته إلى مبني وهو الماضي لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الوحيد وهو في موضع رفع خبر المبتدأ. 4429 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْمُرْسَلاَتِ عُرْفًا ثُمَّ مَا صَلَّى لَنَا بَعْدَهَا حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة الحافظ المخزومي مولاهم المصري ونسب لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله) بضم العين في الأوّل ابن عتبة بن مسعود (عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-) وسقط عبد الله لأبي ذر (عن) أمه (أم الفضل) لبابة (بنت الحارث) الهلالية أنها (قالت: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقرأ في) صلاة (المغرب بالمرسلات عرفًا ثم ما صلّى لنا بعدها حتى قبضه الله). وفي رواية عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك عن ابن شهاب في الصلاة: إنها لآخر ما سمعت من رسول الله يقرأ بها في المغرب. 4430 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يُدْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ لَنَا أَبْنَاءً مِثْلَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ. فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] قَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَعْلَمُ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بعينين مفتوحتين بينهما راء ساكنة وبعد العين الثانية راء أخرى ابن البرند بكسر الموحدة والراء وسكون النون السامي

بالسين المهملة البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة حفص بن أبي وحشية إياس الواسطي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) أنه (قال: كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يدني) أي يقرّب (ابن عباس) من نفسه وكان الأصل أن يقول: يدنيه لكنه أقام الظاهر مقام المضمر (فقال له عبد الرحمن بن عوف: إن لنا أبناء مثله) في السن فلم تدنهم (فقال) عمر: (إنه من حيث تعلم) من جهة قرابته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو من جهة زيادة معرفته (فسأل عمر ابن عباس عن هذه الآية {إذا جاء نصر الله والفتح}) [النصر: 1] بعد أن سألهم فمنهم من قال: فتح المدائن، ومنهم من سكت (فقال) ابن عباس مجيبًا هو (أجل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياه فقال) له عمر: (ما أعلم منها إلا ما تعلم). وعند الطبراني عن ابن عباس من وجه آخر لما نزلت أخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشد ما كان اجتهادًا في أمر الآخرة، وقوله وقال يونس المعلق السابق بعد قوله تختصمون مؤخر هنا في رواية أبي ذر. 4431 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ اشْتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَعُهُ، فَقَالَ: «ائْتُونِي أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا» فَتَنَازَعُوا وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ أَهَجَرَ اسْتَفْهِمُوهُ؟ فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ فَقَالَ: «دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ» وَأَوْصَاهُمْ بِثَلاَثٍ قَالَ: «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ» وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ، أَوْ قَالَ فَنَسِيتُهَا. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا سفيان) ولأبي ذر ابن عيينة بدل سفيان (عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير) أنه (قال: قال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: (يوم الخميس وما يوم الخميس)؟ برفع يوم خبر مبتدأ محذوف ومراده التعجب من شدة الأمر وتفخيمه، ولمسلم ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيتها على خذيه كأنها نظام اللؤلؤ (اشتدّ برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجعه فقال): (ائتوني) زاد في العلم بكتاب أي بأدوات الكتاب كالدواة والقلم، أو ما يكتب فيه كالكاغد (أكتب لكم) بالجزم جواب الأمر والرفع على الاستئناف أي آمر من يكتب لكم (كتابًا لن تضلوا) منصوب بحذف النون، ولأبي ذر عن الكشميهني: لا تضلون (بعده أبدًا فتنازعوا) فقال بعضهم: نكتب لما فيه من امتثال الأمر وزيادة الإيضاح. وقال عمر -رضي الله عنه-: حسبنا كتاب الله فالأمر ليس للوجوب بل للإرشاد إلى الأصلح (ولا ينبغي عند نبي تنازع) قيل: هذا مدرج من قول ابن عباس ويردّه قوله عليه الصلاة والسلام في كتاب العلم في باب كتابة العلم (ولا ينبغي عندي التنازع فقالوا: ما شأنه أهجر)؟ بإثبات همزة الاستفهام وفتح الهاء والجيم والراء، ولبعضهم أهجرًا بضم الهاء وسكون الجيم والتنوين مفعولاً بضم مضمر أي قال: هجرًا بضم الهاء وسكون الجيم وهو الهذيان الذي يقع من كلام المريض الذي لا ينتظم، وهذا مستحيل وقوعه من المعصوم صحة ومرضًا، وإنما قال ذلك من قاله منكرًا على من توقف في امتثال أمره بإحضار الكتف والدواة فكأنه قال: تتوقف أتظن أنه كغيره يقول الهذيان في مرضه، امتثل أمره وأحضر ما طلب، فإنه لا يقول إلا الحق، أو المراد أهجر بلفظ الماضي من الهجر بفتح الهاء وسكون الجيم والمفعول محذوف أي أهجر الحياة وعبّر بالماضي مبالغة لما رأى من علامات الموت (استفهموه) بكسر الهاء بصيغة الأمر أي عن هذا الأمر الذي أراده هل هو الأولى أم لا (فذهبوا يردّون عليه) أي يعيدون عليه مقالته ويستثبتونه فيها، وقد كانوا يراجعونه في بعض الأمور قبل تحتم الإيجاب كما راجعوه يوم الحديببة في الحلاق وكتابة الصلح بينه وبين قريش، فأما إذا أمر بالشيء أمر عزيمة فلا يراجعه أحد منهم، ولأبي ذر: يردّون عنه القول المذكور على من قاله. (فقال) عليه الصلاة والسلام: (دعوني) اتركوني (فالذي أنا فيه) من المشاهدة والتأهب للقاء الله عز وجل (خير مما تدعوني) ولأبي ذر مما تدعونني (إليه) من شأن كتابة الكتاب (وأوصاهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تلك الحالة (بثلاث) من الخصال (قال) لهم: (أخرجوا المشركين) بفتح الهمزة وكسر الراء (من جزيرة العرب) هي من عدن إلى العراق طولاً، ومن جدّة إلى الشام عرضًا (وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم) أي أعطوهم، وكانت جائزة الواحد على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من فضة وهي أربعون درهمًا فأمر بإكرامهم

تطييبًا لقلوبهم وترغيبًا لغيرهم من المؤلّفة (وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها) قيل: الساكت هو ابن عباس، والناسي سعيد بن جبير، لكن في مستخرج أبي نعيم قال سفيان قال سليمان أي ابن أبي مسلم: لا أدري أذكر سعيد بن جبير الثالثة فنسيتها أو سكت عنها فهو الراجح، وقد قيل: إن الثالثة هي الوصية بالقرآن أو هي تجهيز جيش أسامة لقول أبي بكر لما اختلفوا عليه في تنفيذ جيش أسامة: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عهد إليّ بذلك عند موته أو قوله "لا تتخذوا قبري وثنًا" فإنها ثبتت في الموطأ مقرونة بالأمر بإخراج اليهود، أو هي ما وقع في حديث أنس من قوله "الصلاة وما ملكت أيمانكم". وهذا الحديث قد سبق في العلم والجهاد. 4432 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ» فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: غَيْرَ ذَلِكَ فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالاِخْتِلاَفَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قُومُوا». قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَكَانَ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ لاِخْتِلاَفِهِمْ وَلَغَطِهِمْ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما حضر) بضم المهملة وكسر المعجمة مبنيًّا للمفعول (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي دنا موته (وفي البيت رجال) من الصحابة (فقال النبي) وفي نسخة: فقال رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هلموا أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده) بحذف النون على أن لا ناهية ولأبي ذر عن الكشميهني: لا تضلون بإثبات النون على أنها نافية (فقال بعضهم): هو عمر بن الخطاب (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا) أي يكفينا (كتاب الله). قال أبو سليمان: خشي عمر -رضي الله عنه- أن يجد المنافقون سبيلاً إلى الطعن فيما يكتبه إلى حمله إلى تلك الحالة التي جرت العادة فيها بوقوع بعض ما يخالف الإتقان، فكان ذلك سبب توقف عمر لا أنه تعمد مخالفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا جوّز وقوع الغلط عليه حاشا وكلا. (فاختلف أهل البيت) الذي كانوا فيه من الصحابة لا أهل بيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (واختصموا فمنهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم كتابًا لا تضلوا) ولأبي ذر عن الكشميهني: لا تضلون (بعده، ومنهم من يقول: غير ذلك، فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قوموا) عني واستنبط منه أن الكتابة ليست بواجبة وإلاّ لم يتركها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأجل اختلافهم لقوله تعالى: {بلّغ ما أنزل إليك} [المائدة: 67] كما لم يترك التبليغ لمخالفة من خالفه ومعاداة، من عاداه، وكما أمر في تلك الحالة بإخراج اليهود من جزيرة العرب وغير ذلك ولا يعارض هذا قوله. (قال عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله: (فكان يقول ابن عباس: إن الرزية كل الرزية) بالراء ثم الزاي فالتحتية المشددة أي المصيبة كل المصيبة (ما حال بين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم) لأن عمر كان أفقه من ابن عباس قطعًا، وذلك أنه إن كان من الكتاب بيان أحكام الدين ورفع الخلاف فيها فقد علم عمر حصول ذلك من قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] وعلم أنه لا تقع واقعة إلى يوم القيامة إلا وفي الكتاب والسنة بيانها نصًّا أو دلالة، وفي تكلف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرضه مع شدة وجعه كتابة ذلك مشقة، فرأى الاقتصار على ما سبق بيانه تخفيفًا عليه، ولئلا ينسدّ باب الاجتهاد على أهل العلم والاستنباط وإلحاق الأصول بالفروع، فرأى عمر -رضي الله عنه- أن الصواب ترك الكتابة تخفيفًا عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفضيلة للمجتهدين، وفي تركه الإنكار عليه دليل على استصواب رأيه. 4433 و 4434 - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ فَسَارَّهَا بِشَىْءٍ فَبَكَتْ ثُمَّ دَعَاهَا فَسَارَّهَا بِشَىْءٍ فَضَحِكَتْ، فَسَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: سَارَّنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِهِ يَتْبَعُهُ فَضَحِكْتُ. وبه قال: (حدّثنا يسرة) بفتح التحتية والمهملة والراء (ابن صفوان بن جميل) بفتح الجيم وكسر الميم (اللخمي) بالخاء المعجمة الساكنة قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قاضي المدينة (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أنها قالت: دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاطمة) بنته (عليها السلام في شكواه) في مرضه (الذي قبض فيه) ولأبي ذر عن الكشميهني التي قبض فيها بالتأنيث على لفظ شكواه

(فسارّها بشيء فبكت ثم دعاها فسارّها بشيء فضحكت) سقط لأبي ذر بشيء الثانية (فسألنا عن) ولأبي ذر عن الكشميهني فسألناها عن سبب (ذلك) البكاء والضحك (فقالت): بعد وفاته (سارّني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت ثم سارّني فأخبرني أني أوّل أهله) ولأبي ذر عن الكشميهني أول أهل بيته (يتبعه) بسكون الفوقية (فضحكت). وفي رواية مسروق في علامات النبوّة أن الذي سارّها به فضحكت هو إخباره إياها بأنها سيدة نساء أهل الجنة. وروى النسائي من طريق أي سلمة عن عائشة في سبب البكاء أنه ميت، وفي سبب الضحك الأمرين الآخرين، وقد اتفق على أن فاطمة -رضي الله عنها- كانت أول من مات من أهل بيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعده حتى من أزواجه. وهذا الحديث مرّ في علامات النبوّة. 4435 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لاَ يَمُوتُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ يَقُولُ: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء: 69] الآيَةَ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ. [الحديث 4435 - أطرافه في: 4436، 4437، 4463، 4586، 6348، 6509]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة العبدي المشهور ببندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد) بسكون العين هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: كنت أسمع) أي من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في الحديث الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى (أنه لا يموت نبي) من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (حتى يخير) بضم أوله مبنيًّا للمفعول (بين) المقام في (الدنيا و) الارتحال منها إلى (الآخرة، فسمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في مرضه الذي مات فيه وأخذته بحّة) بضم الموحدة وتشديد الحاء المهملة غلظ وخشونة يعرض في مجاري النفس فيغلظ الصوت (يقول: {مع الذين أنعم الله عليهم}) [النساء: 69] (الآية فظننت أنه) عليه الصلاة والسلام (خير). وهذا الحديث أخرجه في التفسير. 4436 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدٍ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَرَضَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَعَلَ يَقُولُ: «فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى». وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم القصاب البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد) هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: لما مرض النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المرض) ولأبي ذر مرضه (الذي مات فيه جعل يقول): (في الرفيق الأعلى) أي الجماعة من الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين، وهو اسم جاء على فعيل ومعناه الجماعة كالصديق والخليل، وقيل: المعنى ألحقني بالرفيق الأعلى أي بالله تعالى، يقال الله رفيق بعباده من الرفق والرأفة فهو فعيل بمعنى فاعل، وفي حديث عائشة رفعته "إن الله رفيق يحب الرفق" رواه مسلم، وأبو داود من حديث عبد الله بن مغفل ويحتمل أن يراد به حظيرة القدس. 4437 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: إِنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ صَحِيحٌ يَقُولُ: «إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُحَيَّا أَوْ يُخَيَّرَ» فَلَمَّا اشْتَكَى وَحَضَرَهُ الْقَبْضُ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِ عَائِشَةَ غُشِيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ شَخَصَ بَصَرُهُ نَحْوَ سَقْفِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى» فَقُلْتُ: إِذًا لاَ يُجَاوِرُنَا فَعَرَفْتُ أَنَّهُ حَدِيثُهُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهْوَ صَحِيحٌ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (قال) ولأبي ذر أخبرني (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو صحيح يقول): (أنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيا) بضم التحتية الأولى وتشديد الثانية مفتوحة بينهما حاء مهملة مفتوحة أي يسلم إليه الأمر أو يملك في أمره أو يسلم عليه تسليم الوداع (أو يخير) بين الدنيا والآخرة والشك من الراوي (فلما اشتكى) أي مرض (وحضره القبض ورأسه على فخذ عائشة غشي عليه فلما أفاق شخص) بفتح الشين والخاء المعجمتين أي ارتفع (بصره نحو سقف البيت ثم قال: اللهم في الرفيق الأعلى). وفي رواية أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه عند النسائي وصححه ابن حبان فقال: "أسأل الله الرفيق الأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل" وظاهره أن الرفيق المكان الذي يحصل فيه المرافقة مع المذكورين. قالت عائشة: (فقلت: إذا لا يجاورنا) في الدنيا، ولأبي ذر عن الكشميهني: لا يختارنا (فعرفت أنه حديثه الذي كان يحدّثنا) به (وهو صحيح). وفي مغازي أبي الأسود عن عروة أن جبريل نزل إليه في تلك الحالة فخيّره. 4438 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَفَّانُ عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَصَرَهُ فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ فَقَصَمْتُهُ وَنَفَضْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَنَّ بِهِ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَفَعَ يَدَهُ أَوْ إِصْبَعَهُ ثُمَّ قَالَ: «فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى» ثَلاَثًا ثُمَّ قَضَى وَكَانَتْ تَقُولُ: مَاتَ وَرَأْسُهُ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني (محمد) هو ابن يحيى الذهلي قال: (حدّثنا عفان) بالفاء المشدّدة

ابن مسلم الصفار (عن صخر بن جويرية) بالصاد المهملة المفتوحة والخاء المعجمة الساكنة وجويرية بضم الجيم مصغرًا النميري (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت (دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا مسندته) عليه الصلاة والسلام (إلى صدري ومع عبد الرحمن سواك) من جريد (رطب يستن) بتشديد النون يستاك (به فأبده) بالموحدة المخففة والدال المهملة المشددة، ولأبي ذر عن الكشميهني فأمده بالميم بدل الموحدة وهما بمعنى أي مد (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بصره) الشريف إليه (فأخذت السواك) من عبد الرحمن (فقصمته) بالصاد المهملة المفتوحة أي كسرته أو قطعته، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فقضمته بكسر الضاد المعجمة أي مضعته. وحكى السفاقسي: ففصمته بالفاء والصاد المهملة بدل القاف والمعجمة (ونفضته) بالفاء والضاد المعجمة الساكنة (وطيبته) بالواو في اليونينية وغيرها وفي الفرع بالفاء أي طيبته بالماء أو باليد أي لينته. وقال المحب الطبري فيما قاله في الفتح: إن كان فقضمته بالضاد المعجمة فيكون قولها فطيبته تكرارًا، وإن كان بالمهملة فلا لأنه يصير المعنى كسرته لطوله أو لإزالة المكان الذي تسوّك به عبد الرحمن. (ثم دفعته إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستن) أي استاك (به فما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استن استنانًا قط أحسن منه فما عدا) بالعين والدال المهملتين (أن فرغ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من السواك (رفع يده وإصبعه) بالشك من الراوي (ثم قال: في الرفيق الأعلى) قالها (ثلاثًا. ثم قضى) عليه الصلاة والسلام نحبه. (وكانت) عائشة (تقول: مات) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ورأسه بين حاقنتي) بالحاء المهملة والقاف المكسورة والنون المفتوحة النقرة بين الترقوة وحل العاتق (وذاقنتي) بالذال المعجمة والقاف المكسورة طرف الحلقوم، وهذا لا يعارضه حديثها السابق إن رأسه كان على فخذها لاحتمال أنها رفعته من فخذها إلى صدرها. وأما ما رواه الحاكم وابن سعد من طرق أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مات ورأسه في حجر عليّ ففي كل طريق من طرقه شيعي فلا يحتج به. 4439 - حَدَّثَنِي حِبَّانُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَمَسَحَ عَنْهُ بِيَدِهِ فَلَمَّا اشْتَكَى وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ طَفِقْتُ أَنْفِثُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ الَّتِي كَانَ يَنْفِثُ وَأَمْسَحُ بِيَدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُ. [الحديث 4439 - أطرافه في: 5016، 5735، 5751]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (حبان) بكسر الحاء المهملة ابن موسى المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالتوحيد (عروة) بن الزبير (أن عائشة -رضي الله عنها- أخبرته أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا اشتكى) أي مرض (نفث) بالمثلثة أي أخرج الريح من فمه مع شيء من ريقه (على نفسه بالمعوّذات) بكسر الواو والمشددة الإخلاص واللتين بعدها فهو من باب التغليب، أو المراد الفلق والناس وجمع باعتبار أن أقل الجمع اثنان أو المراد الكلمات المعوّذات بالله من الشياطين والأمراض (ومسح عنه بيده) لتصل بركة القرآن واسم الله تعالى إلى بشرته المقدسة (فلما اشتكى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وجعه الذي توفي فيه طفقت) ولأبي ذر عن الكشميهني: فطفقت أي أخذت حال كوني (أنفث على نفسه) ولأبي ذر: أنفث عنه (بالمعوّذات التي كان ينفث) بكسر الفاء فيهما (وأمسح بيد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنه) لبركتها. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الطب وكذا مسلم. 4440 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَهْوَ مُسْنِدٌ إِلَىَّ ظَهْرَهُ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ». [الحديث 4440 - أطرافه في: 5647]. وبه قال: (حدّثنا يعلى بن أسد) العمي أبو الهيثم أخو بهز بن أسد البصري قال: (حدّثنا عبد العزيز بن مختار) البصري الدباغ قال: (حدّثنا هشام بن عروة) بن الزبير (عن عباد بن عبد الله) بتشديد الباء (ابن الزبير) بن العوّام (أن عائشة) -رضي الله عنها- (أخبرته أنها سمعت النبي) ولأبي ذر ورسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصغت) بالصاد المهملة الساكنة والغين المعجمة المفتوحة أي أمالت سمعها (إليه قبل أن يموت وهو مسند إلي ظهره) فسمعته (يقول): (اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق) أي الأعلى وهي ملحقة في هامش

الفرع وأصله بالحمرة من غير تصحيح ولا رقم وهمزة وألحقني قطع. 4441 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ هِلاَلٍ الْوَزَّانِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» قَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْلاَ ذَلِكَ لأُبْرِزَ قَبْرُهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا. وبه قال: (حدّثنا الصلت بن محمد) بالصاد المهملة المفتوحة ابن همام الخاركي البصري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن هلال الوزان) هو ابن أبي حميد على المشهور (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرضه الذي لم يقم منه): (لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) بالجمع (قالت عائشة: لولا ذلك) باللام، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ذاك (لأبرز) بضم الهمزة وسكون الموحدة وكسر الراء بعدها زاي أي لكشف (قبره) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يتخذ عليه الحائل غير أنه (خشي) بفتح الخاء المعجمة (أن يتخذ) بضم الياء مبنيًا للمفعول (مسجدًا). وهذا الحديث سبق في الجنائز. 4442 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ وَهْوَ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ فِي الأَرْضِ بَيْنَ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَبَيْنَ رَجُلٍ آخَرَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ اللَّهِ بِالَّذِي قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قَالَ: قُلْتُ لاَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَكَانَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا دَخَلَ بَيْتِي وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ قَالَ: «هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ» فَأَجْلَسْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِرَبِ، حَتَّى طَفِقَ يُشِيرُ إِلَيْنَا بِيَدِهِ أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ، قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى لَهُمْ وَخَطَبَهُمْ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين وفتح الفاء هو سعيد بن كثير بن عفير الأنصاري مولاهم البصري (قال: حدثني) بالتوحيد (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط قوله زوج النبي إلى آخره لأبي ذر (قالت: لما ثقل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واشتد به وجعه) وكان في بيت ميمونة (استأذن أزواجه أن يمرّض) أي يتعهد ويخدم (في بيتي) وكانت فاطمة -رضي الله عنها- هي التي خاطبت أمهات المؤمنين في ذلك فقالت لهن: إنه يشق عليه الاختلاف. ذكره ابن سعد بإسناد صحيح عن الزهري (فأذن له) بتشديد النون (فخرج) عليه الصلاة والسلام (وهو بين الرجلين تخط رجلاه في الأرض بين عباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر قال عبيد الله) بن عبد الله بن عتبة بن مسعود (فأخبرت عبد الله) بن عباس (بالذي قالت عائشة. فقال لي عبد الله بن عباس: هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة؟ قال) عبيد الله (قلت) له: (لا) أدري (قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب) وثبت قوله ابن أبي طالب لأبي ذر (وكانت) ولأبي ذر فكانت بالفاء بدل الواو (عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط قوله زوج النبي إلى آخره لأبي ذر (تحدث أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما دخل بيتي) وكان يوم الاثنين السابق ليوم الاثنين الذي توفي فيه (واشتد به وجعه قال): (هريقوا) أي صبوا (عليّ) الماء (من سبع قرب لم تحلل) بضم الفوقية وسكون الحاء وفتح اللام الأولى مخففة (أوكيتهن) جمع وكاء وهو رباط القربة (لعلي أعهد إلى الناس) أي أوصي (فأجلسناه في مخضب) بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الضاد المعجمتين في إجانة (لحفصة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم طفقنا) بكسر الفاء جعلنا (نصبّ عليه من تلك القرب) السبع (حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن) والحكمة في عدد السبع كما قيل إن له خاصية في دفع ضرر السم والسحر (قالت) عائشة: (ثم خرج إلى الناس فصلّى لهم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بهم بالموحدة بدل اللام (وخطبهم). روى الدارمي من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرضه الذي مات فيه ونحن في المسجد عاصبًا رأسه بخرقة حتى أهوى نحو المنبر فاستوى عليه فاتبعناه. قال: "والذي نفسي بيده لأنظر إلى الحوض من مقامي هذا" ثم قال: "إن عبدًا عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة" قال: فلم يفطن بها غير أبي بكر فذرفت عيناه فبكى ثم قال: بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأموالنا وأنفسنا يا رسول الله. ثم هبط فما قام عليه حتى الساعة، والمراد بالساعة القيامة أي فما قام عليه بعد في حياته ولمسلم من حديث جندب أن ذلك كان قبل موته بخمس، ولعله كان بعد حصول اختلافهم ولغطهم. وقوله لهم "قوموا عني" فوجد بعد ذلك خفة فخرج. 4443 و 4444 - وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- قَالاَ: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهْوَ كَذَلِكَ: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. قال الزهري: بالإسناد السابق (وأخبرني) بالإفراد ولأبي ذر وأخبرنا (عبيد الله بن عبد الله

بن عتبة أن عائشة وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهم-) سقط لأبي ذر لفظ عبد الله الأخير (قالا: لما نزل) بفتح النون والزاي (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المرض (طفق يطرح خميصة) بفتح الخاء المعجمة ثوب خزأ وصوف (له على وجهه فإذا اغتم) بالغين المعجمة الساكنة أخذه نفسه من شدة الحر (كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك): (لعنة الله) ولغير أبي ذر عن وجهه وهو يقول: لعنة الله (على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) حال كونه عليه الصلاة والسلام (يحذر ما صنعوا) من اتخاذ المساجد على القبور. قال البيضاوي: لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيمًا لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها واتخذوها أوثانًا لعنهم ومنعهم عن مثل ذلك، وأما من اتخذ مسجدًا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا التعظيم له ولا التوجه نحوه فلا يدخل ذلك الوعيد. 4445 - أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَقَدْ رَاجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذَلِكَ، وَمَا حَمَلَنِي عَلَى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِهِ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِي أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلاً، قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا وَلاَ كُنْتُ أُرَى أَنَّهُ لَنْ يَقُومَ أَحَدٌ مَقَامَهُ إِلاَّ تَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ، فَأَرَدْتُ أَنْ يَعْدِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَبِي بَكْرٍ. رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو مُوسَى وَابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقال الزهري بالسند السابق: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود (أن عائشة) -رضي الله عنها- (قالت: لقد راجعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك) أي في أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبا بكر بإمامة الصلاة (وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رجلاً قام مقامه) عليه السلام في الصلاة بهم (أبدًا ولا) ولأبي ذر عن الكشميهني وأن لا (كنت أرى) أظن (أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به) بالشين المعجمة أي وما حملني عليه إلا ظني بعدم محبة الناس للقائم مقامه وظني لتشاؤمهم به (فأردت أن يعدل ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أبي بكر). قال في المصابيح: وهذا ظاهر في كونه باعثًا لها على إرادة العدول بذلك عن أبي بكر -رضي الله عنه- لمكان أبوّته منها وشرف منزلته عندها وفي بعض الطرق السابقة أنها أرادت أن يكون عمر هو الذي يصلّي فانظر هذا مع علمها بما يلحقه من تشاؤم الناس والله أعلم بحقيقة الحال. (رواه) أي الأمر بصلاة أبي بكر بالناس (ابن عمر) فيما وصله المؤلّف في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة (وأبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري فيما وصله في هذا الباب (وابن عباس) فيما وصله في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به (-رضي الله عنهم- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 4446 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَاتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنَّهُ لَبَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي فَلاَ أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لأَحَدٍ أَبَدًا بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدثني) بالإفراد (ابن الهاد) هو يزيد بن عبد الله بن الهاد (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: مات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنه) أي والحال أنه عليه الصلاة والسلام (لبين حاقنتي وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لأحد أبدًا بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) والحاقنة: الوهدة المنخفضة بين الترقوتين من الحلق. 4447 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ، وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَحَدَ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا، فَأَخَذَ بِيَدِهِ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ وَاللَّهِ بَعْدَ ثَلاَثٍ، عَبْدُ الْعَصَا وَإِنِّي وَاللَّهِ لأُرَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ وَجَعِهِ هَذَا، إِنِّي لأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، اذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الأَمْرُ إِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا عَلِمْنَاهُ، فَأَوْصَى بِنَا فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّا وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَنَعَنَاهَا لاَ يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لاَ أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق) بن راهويه قال: (أخبرنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة وحمزة بالحاء المهملة والزاي الحمصي قال: (حدثني) بالإفراد (أبي) شعيب (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري) قال الحافظ الشرف الدمياطي: انفرد البخاري عن الأئمة بهذا الإسناد، وعندي في سماع الزهري من عبد الله بن كعب بن مالك انظر اهـ. وقد سبق في غزوة تبوك أن الزهري سمع من عبد الله وأخويه عبد الرحمن وعبيد الله ومن عبد الرحمن بن عبد الله. قال في الفتح: فلا معنى لتوقف الدمياطي فيه فإن الإسناد صحيح، وسماع الزهري من عبد الله بن كعب ثابت ولم ينفرد به شعيب. (وكان كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تيب عليهم) لما تخلفوا عن غزوة تبوك (أن عبد الله بن عباس) سقط لفظ عبد الله لأبي ذر (أخبره أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- خرج من عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في وجعه الذي توفي فيه) ولأبي ذر: منه (فقال الناس) له: (يا أبا الحسن

كيف أصبح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال: أصبح بحمد الله باريًا) بغير همز في الفرع. وقال في المصابيح كالتنقيح: بالهمز اسم فاعل من برأ المريض إذا أفاق من المرض (فأخذ بيده) بيد علي (عباس بن عبد المطلب فقال له: أنت والله بعد ثلاث) أي بعد ثلاثة أيام (عبد العصا) أي تصير مأمورًا بموته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وولاية غيره (وإني والله لأرى) بضم الهمزة أي لأظن (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سوف يتوفى من وجعه هذا إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت) وذكر ابن إسحاق عن الزهري أن هذا كان يوم قبض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم قال العباس لعلي: (اذهب بنا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلنسأله) بسكون اللامين (فيمن هذا الأمر) أي الخلافة (إن كان فينا علمنا ذلك وإن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا) الخليفة بعده، وعند ابن سعد من مرسل الشعبي فقال علي: وهل يطمع في هذا الأمر غيرنا (فقال علي: إنّا والله لئن سألناها) أي الخلافة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمنعناها) بفتح العين (لا يعطيناها الناس بعده) أي وإن لم يمنعناها بأن يسكت فيحتمل أن تصل إلينا في الجملة (وإني والله لا أسألها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لا أطلبها منه، وفي مرسل الشعبي فلما قبض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال العباس لعلي: ابسط يدك أبايعك يبايعك الناس فلم يفعل. وفي فوائد أبي الطاهر الذهلي بإسناد جيد قال عليّ: يا ليتني أطعت عباسًا يا ليتني أطعت عباسًا. وفي حديث الباب رواية تابعي عن تابعي الزهري وعبد الله بن كعب وصحابي عن صحابي كعب وابن عباس، وأخرجه البخاري أيضًا في الاستئذان. 4448 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَا هُمْ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي لَهُمْ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي صُفُوفِ الصَّلاَةِ ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ وَظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلاَةِ فَقَالَ أَنَسٌ: وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلاَتِهِمْ فَرَحًا بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين ونسبه لجدّه واسم أبيه كثير (قال: حدثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الفهمي الإمام (قال: حدثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن المسلمين بينا) بغير ميم، ولأبي ذر: بينما (هم في صلاة الفجر من يوم الاثنين وأبو بكر يصلي لهم) وجواب بينا قوله: (لم يفجأهم إلا رسول الله) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إلا ورسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة) ولأبي ذر وهم صفوف في الصلاة (ثم تبسم يضحك) حال مؤكدة لأن تبسم بمعنى يضحك وأكثر ضحك الأنبياء التبسم، وكان ضحكه عليه الصلاة والسلام فرحًا باجتماعهم على الصلاة وإقامة الشريعة (فنكص) بالصاد المهملة أي تأخر (أبو بكر على عقبيه) بفتح الموحدة بالتثنية وراءه (ليصل الصف، وظن أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريد أن يخرج إلى الصلاة فقال أنس: وهم المسلمون) بفتح الهاء والميم المشدّدة أي قصدوا (أن يفتتنوا في صلاتهم) بأن يخرجوا منها (فرحًا برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بإظهار السرور قولا وفعلاً (فأشار إليهم بيده رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة وأرخى الستر) زاد في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة فتوفي من يومه. 4449 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ، وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟ فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ. فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ أُلَيِّنُهُ لَكَ، فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ فَلَيَّنْتُهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ يَشُكُّ عُمَرُ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ» ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: «فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى» حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن عبيد) بضم العين مصغرًا من غير إضافة لشيء واسم جده ميمون القرشي التيمي مولاهم المدني وقيل الكوفي قال: (حدّثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق الهمداني الكوفي (عن عمر بن سعيد) بضم العين ابن أبي حسين النوفلي القرشي المكي أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن أبي مليكة) عبد الله (أن أبا عمرو) بفتح العين (ذكوان) بالذال المعجمة المفتوحة (مولى عائشة) -رضي الله عنهما- (أخبره أن عائشة كانت تقول: إن من نعم الله عليّ أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توفي في بيتي وفي يومي و) رأسه (بين سحري) بفتح السين وسكون الحاء المهملتين وتضم السين كما في القاموس وغيره الرئة (ونحري) بالحاء المهملة موضع القلادة من الصدر (وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته). (دخل) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ودخل (علي) بتشديد الياء (عبد الرحمن) ابن أبي بكر

(وبيده السواك وأنا مسندة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرأيته ينظر إليه وعرفت أنه يحب السواك فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه "أن نعم" فتناولته) أي السواك (فاشتد عليه) الوجع (وقلت ألينه لك؟ فأشار برأسه "أن نعم" فلينته) ولأبي ذر عن الكشميهني زيادة بأمره بالموحدة والميم الساكنة ولأبي ذر أيضًا عن الحموي والمستملي: فأمرّه بالفاء بعدها همزة فميم وتشديد الراء أي على أسنانه فاستاك به. قال عياض: والأوّل أولى (وبين يديه ركوة) بفتح الراء من أدم (أو علبة) بضم العين وسكون اللام بعدها موحدة مفتوحة قدح ضخم من خشب (يشك عمر) بن سعيد الراوي (فيها ماء فجعل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه) حال كونه (يقول: لا إله إلا الله إن للموت سكرات) جمع سكرة وهي الشدة (ثم نصب) بفتح النون والصاد المهملة والموحدة (يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى حتى قبض) بضم القاف وكسر الموحدة (ومالت يده). 4450 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ يَقُولَ: «أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا»؟ يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي فَقَبَضَهُ اللَّهُ، وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي، ثُمَّ قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَأَعْطَانِيهِ، فَقَضِمْتُهُ ثُمَّ مَضَغْتُهُ فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَنَّ بِهِ وَهْوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِي. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (سليمان بن بلال) التيمي مولاهم المدني قال: (حدّثنا هشام بن عروة) قال (أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول): (أين أنا غدًا أين أنا غدًا) مرّتين (يريد يوم عائشة فأذن) بتخفيف النون في الفرع كأصله وفي نسخة فأذن (له أزواجه) بتشديد النون على لغة أكلوني البراغيث (يكون حيث شاء). وفي مرسل أبي جعفر عند ابن أبي شيبة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أين أكون غدًا" كررها فعرفن أزواجه وإنما يريد عائشة فقلن: يا رسول الله قد وهبنا أيامنا لأختنا عائشة (فكان في بيت عائشة حتى مات عندها) ولأبي ذر عن المستملي: فيها أي في حجرتها أو في نوبتها. (قالت عائشة: فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي فقبضه الله وأن رأسه لبين نحري وسحري) وزاد أحمد في رواية همام عن هشام: فلما خرجت نفسه لم يجد ريحًا قط أطيب منها (وخالط ريقه ريقي) بسبب السواك (ثم قالت: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به) يدلك به أسنانه يستاك وسقط لفظ ثم في اليونينية (فنظر إليه) ولأبي ذر عن الكشميهني: إليّ (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت له: أعطني) بهمزة قطع (هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه فقضمته) بكسر الضاد المعجمة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فقصمته بالصاد المهملة المفتوحة (ثم مضعته) بفتح الضاد المعجمة (فأعطيته رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستن به وهو مستند) ولأبي ذر مستند (إلى صدري) وأما ما روي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: توفي وهو إلى صدر علي بن أبي طالب فضعيف لا يحتج به. 4451 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَكَانَتْ إِحْدَانَا تُعَوِّذُهُ بِدُعَاءٍ إِذَا مَرِضَ، فَذَهَبْتُ أُعَوِّذُهُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: «فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى، فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى» وَمَرَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَفِي يَدِهِ جَرِيدَةٌ رَطْبَةٌ فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ بِهَا حَاجَةً، فَأَخَذْتُهَا فَمَضَغْتُ رَأْسَهَا وَنَفَضْتُهَا، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ فَاسْتَنَّ بِهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ مُسْتَنًّا، ثُمَّ نَاوَلَنِيهَا فَسَقَطَتْ يَدُهُ أَوْ سَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ فَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ، فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الآخِرَةِ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي بمعجمة ثم مهملة قال: (حدّثنا حماد بن زيد) الجهضمي البصري (عن أيوب) السختياني (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: توفي النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيتي وفي يومي) أي يوم نوبتي بحسب الدور المعهود (وبين سحري ونحري وكانت) بتاء التأنيث ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وكان (إحدانا تعوذّه) بضم الفوقية وفتح العين المهملة وتشديد الواو المكسورة بعدها ذال معجمة (بدعاء إذا مرض فذهبت) بسكون الموحدة (أعوّذه فرفع رأسه إلى السماء وقال: في الرفيق الأعلى في الرفيق الأعلى) مرتين. (ومرّ عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده جريدة رطبة فنظر إليه) ولأبي ذر عن الكشميهني إليّ (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فظننت أن له بها) أي بالجريدة (حاجة فأخذتها فمضعت رأسها ونفضتها فدفعتها) ولأبي ذر عن الكشميهني فدفعت (إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فاستن بها كأحسن ما كان مستنًا ثم ناولنيها) أي الجريدة (فسقطت) بالفاء ولأبي ذر عن الكشميهني وسقطت (يده أو سقطت) أي الجريدة (من يده فجمع الله بين ريقي وريقه) بسبب السواك (في آخر يوم) من أيامه -صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من الدنيا وأول يوم) من أيامه (من الآخرة). وفي حديث خرّجه العقيلي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها في مرض موته "ائتيني بسواك رطب فامضغيه ثم ائتيني به أمضعه لكي يختلط ريقي بريقك لكي يهوّن علي عند الموت". 4452 و 4453 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه-: أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ مَسْكَنِهِ بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَتَيَمَّمَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُغَشًّى بِثَوْبِ حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، وَاللَّهِ لاَ يَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ، أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (أن عائشة) -رضي الله عنها- (أخبرته أن أبا بكر -رضي الله عنه-) لما توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أقبل) حال كونه راكبًا (على فرس من مسكنه) أي مسكن زوجته بنت خارجة وكان عليه الصلاة والسلام أذن له في الذهاب إليها (بالسنح) بضم السين المهملة بعدها نون ساكنة وبضمها فحاء مهملة من عوالي المدينة من منازل بني الحارث بن الخزرج (حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم) أي قصد (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو مغشّى) بضم الميم وفتح الغين والشين المشددة المعجمتين أي مغطى (بثوب حبرة) بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة وإضافة ثوب إليه وبتنوين ثوب فحبرة صفة وهو من ثياب اليمن (فكشف) الثوب (عن وجهه) الشريف (ثم أكب عليه فقبّله وبكى ثم قال): أفديك (بأبي أنت وأمي والله لا يجمع الله عليك موتتين) قيل: هو على حقيقته وأشار بذلك إلى الرد على من زعم أنه سيحيا فيقطع أيدي رجال لأنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى، فأخبر أنه أكرم على الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمعهما على غيره {كالذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} [البقرة: 243]، و {كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها} [البقرة: 259] وهذا أوضح الأجوبة وأسلمها. وقيل: أراد أن لا يموت موتة أخرى في القبر كغيره إذ يحيا ليسأل ثم يموت وهذا جواب الداودي. وقيل: كنى بالموت الثاني عن الكرب إذ لا يلقى بعد كرب هذا الموت كربًا آخر وأغرب من قال: المراد بالموتة الأخرى موت الشريعة أي لا يجمع الله عليك موتك وموت شريعتك، ويؤيد هذا القول قول أبي بكر بعد ذلك في خطبته: من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت (أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها). 4454 - قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَحَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ بُنُ الْخَطَّابِ يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا بَعْدُ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} -إِلَى قَوْلِهِ- {الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] وَقَالَ وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ حَتَّى تَلاَهَا أَبُو بَكْرٍ فَتَلَقَّاهَا النَّاسُ مِنْهُ كُلُّهُمْ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا مِنَ النَّاسِ إِلاَّ يَتْلُوهَا، فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلاَهَا، فَعَقِرْتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلاَيَ وَحَتَّى أَهْوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلاَهَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ مَاتَ. (قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب بالسند المذكور (وحدثني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن (عن عبد الله بن عباس) سقط قوله قال: الزهري وقوله عبد الله لأبي ذر (أن أبا بكر) الصديق (خرج) أي من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وعمر بن الخطاب يكلم الناس) يقول لهم: ما مات رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وعند ابن أبي شيبة أن أبا بكر مرّ بعمر وهو يقول: ما مات رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا يموت حتى يقتل الله المنافقين. قال: وكانوا أظهروا الاستبشار ورفعوا رؤوسهم (فقال) أبو بكر له: (أجلس يا عمر، فأبى عمر أن يجلس فأقبل الناس إليه) ولأبي ذر عن الكشميهني: عليه (وتركوا عمر فقال أبو بكر: أما بعد من) ولأبي ذر والأصيلي فمن (كان منكم يعبد محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (فإن محمدًا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت. قال الله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت} مضت {من قبله الرسل} إلى قوله: ({الشاكرين}) [آل عمران: 144] (وقال) ابن عباس: (والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها الناس منه كلهم فما أسمع بشرًّا من الناس إلا يتلوها). وعند أحمد من رواية يزيد بن بابنوس بالموحدتين بينهما ألف ثم نون مضمومة فواو ساكنة فمهملة عن عائشة: أن أبا بكر حمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله يقول {إنك ميت وإنهم ميتون} [الزمر: 3] حتى فرغ من الآية ثم تلا: {وما محمد إلا رسول} [آل عمران: 144] الآية. وقال فيه قال عمر: أو إنها في كتاب الله ما شعرت أنها في كتاب الله. وزاد ابن عمر عند ابن أبي شيبة: فاستبشر المسلمون وأخذت المنافقين الكآبة قال ابن عمر: فكأنما كانت على وجوهنا أغطية فكشفت. قال الزهري:

بالسند السابق (فأخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن عمر) -رضي الله عنه- (قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها) أي آية آل عمران (فعقرت) بفتح العين المهملة وكسر القاف وسكون الراء أي دهشت وتحيرت، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فعقرت بضم العين أي هلكت، ولأبي ذر عن الكشميهني: فقعرت بتقديم القاف المضمومة على العين. قال ابن حجر: وهي خطأ (حتى ما تقلني) بضم الفوقية وكسر القاف وتشديد اللام المضمومة أي ما تحملني (رجلاي وحتى أهويت) سقطت (إلى الأرض حين سمعته تلاها أن النبي) ولأبي ذر: علمت أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد مات) وفيه دلالة على شجاعة الصديق فإن الشجاعة حذها ثبوت القلب عند حلول المصائب، ولا مصيبة أعظم من موت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فظهرت عنده شجاعته وعلمه. 4455 و 4456 و 4457 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- قَبَّلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ مَوْتِهِ. [الحديث 4456 - أطرافه في: 5709]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي شيبة) قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) الثوري (عن موسى بن أبي عائشة) الهمداني الكوفي (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن عائشة وابن عباس) -رضي الله عنهم- (أن أبا بكر -رضي الله عنه- قبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد موته) ولأبوي الوقت وذر بعدما مات، وعند أحمد في رواية يزيد بن بابنوس عنها أتاه من قبل رأسه فحدر فاه فقبل جبهته ثم قال: وانبياه، ثم رفع رأسه فحدر فاه وقبّل جبهته ثم قال: واصفياه ثم رفع رأسه وحدر فاه وقبّل جبهته وقال: واخليلاه. 4458 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا يَحْيَى، وَزَادَ قَالَتْ عَائِشَةُ: لَدَدْنَاهُ فِي مَرَضِهِ، فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ "لاَ تَلُدُّونِي" فَقُلْنَا كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: «أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي» قُلْنَا كَرَاهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ فَقَالَ: «لاَ يَبْقَى أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ إِلاَّ لُدَّ» وَأَنَا أَنْظُرُ إِلاَّ الْعَبَّاسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 4458 - أطرافه في: 5712، 6866، 6897]. وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن المديني قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان بحديث عبد الله بن أبي شيبة الخ (وزاد قالت عائشة: لددناه) بدالين مهملتين أي جعلنا الدواء في أحد جانبي فمه بغير اختياره وكان الذي لدوه به العود الهندي والزيت (في مرضه فجعل) عليه الصلاة والسلام (يشير إلينا أن لا تلدوني فقلنا) هذا الامتناع (كراهية المريض للدواء) برفع كراهية خبر مبتدأ محذوف، وبالنصب لأبي ذر مفعولاً له أي نهانا لكراهية الدواء (فلما أفاق قال: ألم أنهكم أن تلدوني) ولأبي ذر: أن تلدّني (قلنا كراهية المريض للدواء. فقال) عليه الصلاة والسلام: (لا يبقى أحد في البيت. إلا لدّ وأنا أنظر) جملة حالية أي لا يبقى أحد إلا لدّ في حضوري وحال نظري إليهم قصاصًا لفعلهم وعقوبة لهم بتركهم امتثال نهيه عن ذلك أما من باشر فظاهر وأما من لم يباشر فلكونهم تركوا نهيه عما نهاهم عنه (إلا العباس فإنه لم يشهدكم) أي لم يحضركم حال اللد. (رواه) أي الحديث المذكور (ابن أبي الزناد) عبد الرحمن مما وصله محمد بن سعد (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولفظ ابن سعد كانت تأخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخاصرة فاشتدت به فأغمي عليه فلددناه فلما أفاق قال: "كنتم ترون أن الله يسلط عليّ ذات الجنب ما كان الله ليجعل لها عليّ سلطانًا والله لا يبقى أحد في البيت إلا لدّ فما بقي أحد في البيت إلا لدّ" ولددنا ميمونة وهي صائمة وإنما أنكر التداوي لأنه كان غير ملائم لذاته لأنهم ظنوا أن به ذات الجنب فداووه بما يلائمها ولم يكن به ذلك. 4459 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَتْ: مَنْ قَالَهُ؟ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنِّي لَمُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي فَدَعَا بِالطَّسْتِ فَانْخَنَثَ فَمَاتَ فَمَا شَعَرْتُ فَكَيْفَ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) الجعفي المسندي (قال: أخبرنا أزهر) بن سعد السمان أبو بكر البصري (قال: أخبرنا ابن عون) عبد الله الهلالي الخراز بمعجمة ثم مهملة وآخره زاي البغدادي (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) هو ابن يزيد النخعي أنه (قال: ذكر) بضم المعجمة (عند عائشة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوصى إلى عليّ) أي بالخلافة كما زعمت الشيعة (فقالت: من قاله لقد رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإني لمسندته إلى صدري فدعا بالطست) ليبزق فيه (فانخنث) بالخاء المعجمة والمثلثة آخره أي استرخى ومال إلى أحد شقيه (فمات فما شعرت فكيف أوصى إلى علي) -رضي الله عنه-. وهذا الحديث سبق في أوّل الوصايا. 4460 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما- أَوْصَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لاَ، فَقُلْتُ كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةُ أَوْ أُمِرُوا بِهَا قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا مالك بن مغول) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الواو آخره لام (عن طلحة)

بن مصرف أنه (قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنهما- أوصى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال: لا). لم يوص بثلث ماله ولا غيره ولا أوصى إلى علي ولا إلى غيره خلاف ما تزعمه الشيعة (فقلت: كيف كتب) بضم الكاف وكسر التاء (على الناس الوصية أو أمروا بها) بضم الهمزة (قال: أوصى بكتاب الله) أي بما أمر فيه ومنه الأمر بالوصية. والحديث مر في الوصايا. 4461 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، وَلاَ عَبْدًا وَلاَ أَمَةً إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ الَّتِي كَانَ يَرْكَبُهَا وَسِلاَحَهُ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا لاِبْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا أبو الأحوص) سلام بتشديد اللام ابن سليم الحنفي (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن عمرو بن الحارث) بفتح العين أخي جويرية أم المؤمنين أنه (قال: ما ترك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا ولا أمة) في الرق وفيه دلالة على أن من ذكر من رقيق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جميع الأخبار كان إما مات وإما أعتقه (إلا بغلته البيضاء النبي كان يركبها وسلاحه) وقد أخبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لا يورث وأن ما يخلفه صدقة (وأرضًا) بخيبر وفدك (جعلها) في حياته (لابن السبيل صدقة). 4462 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ -: وَاكَرْبَ أَبَاهُ فَقَالَ لَهَا: «لَيْسَ عَلَى أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ». فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهْ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ يَا أَبَتَاهْ مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ يَا أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ -: يَا أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التُّرَابَ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن ثابت) البناني (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما ثقل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي اشتدّ به المرض (جعل يتغشاه) الكرب (فقالت فاطمة) ابنته (عليها السلام: واكرب أباه) بألف الندبة والهاء الساكنة للوقف والمراد بالكرب ما كان عليه الصلاة والسلام يجده من شدة الموت، فقد كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما يصيب جسده الشريف من الآلام كالبشر ليتضاعف أجره، وقول الزركشي: إن في قولها هذا نظرًا، وقد رواه مبارك بن فضالة واكرباه تعقب بأنه لا يدفع رواية البخاري مع صحتها بمثل هذا لا سيما مع قوله (فقال) عليه الصلاة والسلام (لها): (ليس على أبيك كرب بعد) هذا (اليوم) إذ هو ذاهب إلى حضرة الكرامة وهو يدل على أنها قالت: واكرب أباه كما لا يخفى (فلما مات) صلوات الله وسلامه عليه (قالت: يا أبتاه) أصله يا أبي والفوقية بدل من التحتية والألف للندبة والهاء للسكت (أجاب ربا دعاه) إلى حضرته القدسية (يا أبتاه من جنة الفردوس) بفتح ميم من مبتدأ والخبر قوله (مأواه) منزله (يا أبتاه إلى جبريل ننعاه) بإلى الجارة وننعاه بنونين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة، وزاد الطبراني في معجمه الكبير والدارمي في مسنده يا أبتاه من ربه ما أدناه (فلما دفن) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قالت فاطمة عليها السلام: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا) بالمثناة الفوقية المفتوحة والحاء المهملة الساكنة والمثلثة المضمومة (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التراب) سكت أنس عن جوابها رعاية لها ولسان حال يقول: لم تطب أنفسنا بذلك إلا أنا قهرنا على فعل ذلك امتثالاً لأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليس قولها: واكرب أباه من النياحة لأنه عليه الصلاة والسلام أقرها عليه. وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه في الجنائز وقد عاشت فاطمة بعده عليه الصلاة والسلام ستة أشهر فما ضحكت تلك المدة وحق لها ذلك، وروي أنها قالت: اغبر آفاق السماء وكوّرت ... شمس النهار وأظلم العصران والأرض من بعد النبي كئيبة ... أسفا عليه كثيرة الرجفان فليبكه شرق البلاد وغربها ... ولتبكه مضر وكل يماني قال السهيلي: وقد كان موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطبًا كالحًا ورزءًا لأهل الإسلام فادحًا كادت تهدّ له الجبال وترجف الأرض وتكسف النيرات لانقطاع خبر السماء مع ما آذن به موته عليه الصلاة من إقبال الفتن السحم والحوادث الدهم والكرب المدلهمة، فلولا ما أنزل الله من السكينة على المؤمنين، وأسرج في قلوبهم من نور اليقين وشرح صدورهم من فهم كتابه المبين لانقصمت الظهور وضاقت عن الكرب الصدور ولعاقهم الجزع عن تدبير الأمور، ولقد كان

84 - باب آخر ما تكلم النبي -صلى الله عليه وسلم-

من قدم المدينة يومئذٍ من الناس إذا أشرفوا عليها سمعوا لأهلها ضجيجًا، وللبكاء في أرجائها عجيجًا، وحق ذلك لهم ولمن بعدهم، كما روي عن أبي ذؤيب الهذلي قال: بلغنا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليل فاستشعرنا حزنًا وبت بأطول ليلة لا ينجاب ديجورها ولا يطلع نورها، فظللت أقاسي طولها حتى إذا كان قرب السحر أغفيت فهتف بي هاتف وهو يقول: خطب أجل أناخ بالإسلام ... بين النخيل ومعقد الآطام قبض النبي محمد فعيوننا ... تهمى الدموع عليه بالتسجام قال: فوثبت من نومي فزعًا فنظرت إلى السماء فلم أر إلا سعدًا الذابح فتفاءلت به ذبحًا يقع في العرب، وعلمت أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد قبض فركبت ناقتي وسرت فقدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج فقلت: مه؟ فقالوا: قبض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فجئت المسجد فوجدته خاليًا فأتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوجدت بابه مرتجًا، وقيل: هو مسجى قد خلا به أهله فقلت: أين الناس؟ فقيل: في سقيفة بني ساعدة فجئتهم فتكلم أبو بكر -رضي الله عنه- فلله ذره من رجل لا يطيل الكلام، ومدّ يده فبايعوه ورجع فرجعت معه فشهدت الصلاة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودفنه. 84 - باب آخِرِ مَا تَكَلَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب أخر ما تكلم به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 4463 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ يُونُسُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ وَهْوَ صَحِيحٌ: «إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرَ» فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى» فَقُلْتُ: إِذًا لاَ يَخْتَارُنَا وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا بِهِ وَهْوَ صَحِيحٌ، قَالَتْ: فَكَانَتْ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى». وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (عبد الله) بن المبارك المروزي (قال يونس) بن يزيد الأيلي: (قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب: (أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب في رجال من أهل العلم) منهم عروة بن الزبير كما في كتاب الرقاق (أن عائشة) -رضي الله عنها- (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول وهو صحيح): جملة حالية. (إنه لم يقبض نبيّ حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير) بين الدنيا والآخرة (فلما نزل به) المرض (ورأسه على فخذي) ولأبي ذر عن الكشميهني: في فخذي (غشي عليه ثم أفاق فأشخص) رفع (بصره إلى سقف البيت ثم قال: اللهم) أسألك (الرفيق الأعلى فقلت: إذًا لا يختارنا وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدّثنا به وهو صحيح) وما فهمته عائشة -رضي الله عنها- من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "اللهم الرفيق الأعلى" إنه خير نظير فهم أبيها -رضي الله عنهما- من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إن عبدًا خيّره الله" إن العبد المراد هو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بكى (قالت: فكان) ولغير أبي ذر فكانت (آخر كلمة تكلم بها اللهم الرفيق الأعلى). وعند الحاكم من حديث أنس أن آخر كلمة تكلم بها "جلال ربي الرفيع". 85 - باب وَفَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب) وقت (وفاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 4464 و 4465 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا. [الحديث 4464 - طرفه في: 4978]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا شيبان) بالشين المعجمة المفتوحة بعدها تحتية ساكنة فموحدة مفتوحة ابن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن عائشة وابن عباس -رضي الله عنهم- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لبث) بالموحدة المكسورة والمثلثة أي مكث (بمكة عشر سنين) بعد أن فتر الوحي ثلاث سنين كما قاله الشعبي (ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشرًا). وبهذا يزول الإشكال، فإن ظاهره يقتضي أنه عليه الصلاة والسلام عاش ستين سنة وهو يغاير المروي عن عائشة أنه عاش ثلاثًا وستين، فإذا فرض ما بعد فترة الوحي ومجيء الملك بيا أيها المدثر وضح وزال الإشكال، وهو مبنيّ على ما وقع في تاريخ الإمام أحمد عن الشعبي أن مدة فترة الوحي كانت ثلاث سنين، وبه جزم ابن إسحاق. وقال السهيلي: جاء في بعض الروايات المسندة أن مدة الفترة سنتان ونصف، وفي رواية أخرى أن مدة الرؤيا ستة أشهر، فمن قال: مكث عشر سنين حذف مدة الرؤيا والفترة ومن قال: ثلاث عشرة سنة أضافها اهـ. وهذا معارض بما روي عن ابن عباس أن مدة الفترة المذكورة كانت أيامًا، وحينئذٍ فلا يحتج بمرسل الشعبي لا سيما ما عارضه. قال في الفتح: وقد

86 - باب

راجعت المنقول عن الشعبي في تاريخ الإمام أحمد ولفظه من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي: أنزلت عليه النبوّة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوّته إسرافيل ثلاث سنين فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل عليه القرآن على لسانه، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوّته جبريل فنزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة، وأخرجه ابن أبي خيثمة من وجه آخر مختصرًا عن داود بلفظ: بعث لأربعين، ووكل به إسرافيل ثلاث سنين، ثم وكل به جبريل فعلى هذا يحسن بهذا المرسل إن ثبت الجمع بين القولين في قدر إقامته بمكة بعد البعثة فقد قيل ثلاث عشرة، وقيل عشرة ولا يتعلق ذلك بقدر مدة الفترة، وأما ما رواه عمر بن شيبة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عاش إحدى أو اثنتين وستين ولم يبلغ ثلاثًا وستين فشاذ. 4466 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُوُفِّيَ وَهْوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة بن الزبير) سقط ابن الزبير لأبي ذر (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توفي وهو ابن ثلاث وستين) سنة. وهذا موافق لقول الجمهور وجزم به سعيد بن المسيب ومجاهد والشعبي. وقال أحمد: هو الثبت عندنا، وأكثر ما قيل في عمره أنه خمس وستون أخرجه مسلم من طريق عمار بن أبي عمار عن ابن عباس، ومثله لأحمد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس وجمع بعضهم بين الروايات المشهورة بأن من قال: خمس وستون جبرًا لكسر ولا يخفى ما فيه. (قال ابن شهاب) الزهري بالإسناد السابق (وأخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب مثله) أي مثل المتن فقط أنه ثلاث وستون. 86 - باب هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة. 4467 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلاَثِينَ يَعْنِي صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف ابن عقبة قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودرعه) بكسر الدال وسكون الراء (مرهونة) بالتأنيث لأن الدرع يذكر ويؤنث (عند يهودي) يسمى أبا الشحم كما عند البيهقي وهو بفتح الشين المعجمة وسكون الحاء المهملة (بثلاثين يعني صاعًا من شعير) وعند النسائي والبيهقي أنه عشرون. قال في الفتح: ولعله كان دون الثلاثين فجبر الكسر تارة وألغاه أخرى. قال: ووقع لابن حبان من طريق شيبان عن قتادة عن أنس أن قيمة الطعام كانت دينارًا، وزاد المؤلّف في البيع إلى أجل، وفي صحيح ابن حبان أنه سنة، وفي حديث أنس عند أحمد فما وجد ما يفتكها به، وذكر ابن الطلاع في الأقضية النبوية أن أبا بكر أفتك الدرع بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، واستدلّ به على أن المراد بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث أبي هريرة مما صححه ابن حبان وغيره "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه من لم يترك عند صاحب الدين ما يحصل له به الوفاء وإليه جنح الماوردي، وسقط لأبي ذر قوله يعني صاعًا من شعير. قال في الفتح: وجه إيراد هذا الحديث هنا الإشارة إلى أن ذلك من آخر أحواله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 87 - باب بَعْثُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ -رضي الله عنهما- فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ (باب بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- في مرضه الذي توفي فيه). 4468 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسَامَةَ - فَقَالُوا فِيهِ: - فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ قُلْتُمْ فِي أُسَامَةَ وَإِنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ». وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة (عن الفضيل بن سليمان) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم- أنه قال: (استعمل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أسامة) بن زيد أميرًا (فقالوا: فيه) أي طعنوا في إمارته وقالوا: يستعمل هذا الغلام أميرًا على المهاجرين (فقال النبي عبه) بعد أن صعد المنبر خطيبًا: (قد بلغني أنكم قلتم في أسامة) ما تطعنون به فيه (وإنه أحب الناس) الذين طعنوا فيه (إليّ). 4469 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إِمَارَتِهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث بعثًا) إلى أبنى لغزو الروم

88 - باب

مكان قتل زيد بن حارثة، فيه وجوه المهاجرين والأنصار منهم أبو بكر وعمر (وأمر عليهم أسامة بن زيد) فلما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجعه فحمّ وصدع، فلما أصبح يوم الخميس عقد له لواء بيده الشريفة فخرج فدفعه إلى بريدة الأسلمي وعسكر بالجرف (فطعن الناس في إمارته فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما بلغه وخرج وقد عصب رأسه وعليه قطيفة على المنبر خطيبًا (فقال) بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه) زيد (من قبل وايم الله) بهمزة وصل (إن كان) زيد (لخليقًا) بالخاء المعجمة والقاف أي لجديرا (للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إليّ وإن) ابنه (هذا لمن أحب الناس إليّ بعده). زاد أهل السير مما ذكره في عيون الأثر وغيره "فاستوصوا به خيرًا فإنه من خياركم" ثم نزل عن المنبر فدخل بيته يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول سنة إحدى عشرة، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويخرجون إلى العسكر بالجرف، فاشتدّ برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجعه يوم الأحد، ودخل عليه أسامة وهو مغمور فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على أسامة. قال أسامة: فعرفت أنه يدعو لي، ثم يصبح عليه الصلاة والسلام مفيقًا يوم الاثنين فودعه أسامة، وخرج إلى معسكره وأمر الناس بالرحيل، فبينا هو يريد الركوب إذا رسول أم أيمن قد جاءه يقول: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يموت، فلما توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة ودخل بريدة بلواء أسامة حتى أتى به باب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فغرزه عند بابه، وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما اشتد وجعه قال: "أنفذوا بعث أسامة" فلما بويع أبو بكر -رضي الله عنه- أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة ليمضي لوجهه فمضى به إلى معسكرهم الأوّل، وخرج أسامة هلال ربيع الآخر سنة إحدى عشرة إلى أهل أبنى فشن عليهم الغارة فقتل من أشرف له، وسبى من قدر عليه، وحرق منازلهم ونخلهم، وقتل قاتل أبيه في الغارة، ثم رجع إلى المدينة ولم يصب أحد من المسلمين، وخرج أبو بكر في المهاجرين وأهل المدينة يتلقونه سرورًا، وكانت هذه السرية آخر سرية جهزها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأول شيء جهزه أبو بكر -رضي الله عنه-، وعند الواقدي أن عدة ذلك الجيش كانت ثلاثة آلاف منهم سبعمائة من قريش، وعند ابن إسحاق أن أبا بكر لما جهز أسامة سأله أن يأذن لعمر في الإقامة فأذن له. 88 - باب هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة. 4470 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لَهُ: مَتَى هَاجَرْتَ؟ قَالَ: خَرَجْنَا مِنَ الْيَمَنِ مُهَاجِرِينَ فَقَدِمْنَا الْجُحْفَةَ فَأَقْبَلَ رَاكِبٌ فَقُلْتُ لَهُ: الْخَبَرَ؟ فَقَالَ: دَفَنَّا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْذُ خَمْسٍ، قُلْتُ: هَلْ سَمِعْتَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، أَخْبَرَنِي بِلاَلٌ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ فِي السَّبْعِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. وبه قال: (حدّثنا أصبغ) بن الفرج أبو عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله (قال: أخبرني) بالإفراد أيضًا (عمرو) بفتح العين، ولأبي ذر زيادة ابن الحارث (عن ابن أبي حبيب) يزيد أبي رجاء المصري واسم أبي حبيب سويد (عن أبي الخير) مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة آخره دال مهملة ابن عبد الله اليزني المصري (عن الصنابحي) بالصاد المهملة المفتوحة والنون الخفيفة وبعد الألف موحدة مكسورة بعدها حاء مهملة عبد الرحمن بن عسيلة بضم العين وفتح السين المهملتين (أنه) أي أبا الخير (قال له) للصنابحي (متى هاجرت) إلى المدينة؟ (قال: خرجنا من اليمن مهاجرين) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقدمنا الجحفة) أحد مواقيت الإحرام (فأقبل راكب) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمه (فقلت له الخبر) بالنصب بفعل مقدر أي هات الخبر (فقال: دفنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منذ خمس) قال أبو الخير: (قلت): للصنابحي (هل سمعت في) تعيين (ليلة القدر شيئًا؟ قال: نعم أخبرني) بالإفراد (بلال مؤذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه) أي تعيينها (في السبع) الكائن (في العشر الأواخر) أي من رمضان ومبحث ليلة القدر مرّ في الصيام فليراجع. 89 - باب كَمْ غَزَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا (باب) بالتنوين (كم غزا

النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لفظ باب لأبي ذر. 4471 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ -رضي الله عنه- كَمْ غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ، قُلْتُ كَمْ غَزَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني بالغين المعجمة المضمومة وتخفيف الدال قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي أنه (قال: سألت زيد بن أرقم -رضي الله عنه-: كم غزوت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)؟ غزوة (قال: سبع عشرة) غزوة بالموحدة بعد السين (قلت: كم غزا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: تسع عشرة) غزوة بالفوقية قبل السين ومراده الغزوات التي خرج فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنفسه سواء قاتل أو لم يقاتل، لكن في رواية أبي يعلى وإسناد صحيح إنها إحدى وعشرون ففات زيد بن أرقم اثنتان، ولعلهما الأبواء وبواط، وكانت أوّل مغازيه العسير. وفي طبقات ابن سعد بإسناده عن جماعة دخل حديث بعضهم في بعض قالوا: كان عدد مغازي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي غزاها بنفسه سبعًا وعشرين غزوة، وكانت سراياه التي بعث فيها سبعًا وأربعين سرية، وكان ما قاتل فيه من المغازي تسع غزوات بدر وأُحد والمريسيع والخندق وقريظة وخيبر وفتح مكة وحنين والطائف. قال: فهذا ما أجمع لنا عليه، وفي بعض رواياتهم أنه قاتل في بني النضير ولكن الله جعلها له نفلاً خاصة، وقاتل في غزاة وادي القرى منصرفه من خيبر وقتل بعض أصحابه وقاتل في الغابة. وقال الحافظ ابن حجر: وقرأت بخط مغلطاي أن مجموع الغزوات والسرايا مائة قال: وهو كما قال. 4472 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ -رضي الله عنه- قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْسَ عَشْرَةَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) السبيعي أنه قال: (حدّثنا البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- قال: غزوت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمس عشرة) غزوة. 4473 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتَّ عَشْرَةَ غَزْوَةً. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (أحمد بن الحسن) بفتح الحاء والسين الترمذي أحد حفاظ خراسان قال: (حدّثنا أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال) المروزي الشيباني قال: (حدّثنا معتمر بن سليمان عن كهمس) بفتح الكاف وسكون الهاء وفتح الميم بعدها سين مهملة ابن الحسن النمري البصري (عن ابن بريدة) عبد الله (عن أبيه) بريدة بن حصيب بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين أنه (قال: غزا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ست عشرة غزوة) والله سبحانه وتعالى أعلم.

65 - كتاب تفسير القرآن

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 65 - كتاب تفسير القرآن الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ آسْمانِ مِنَ الرَّحْمَةِ، الرَّحِيمُ وَالرَّاحِمُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ كَالعَلِيمِ وَالْعَالِمِ. كذا لأبي ذر ولغيره، ولأبي الوقت: كتاب تفسير القرآن بسم الله الرحمن الرحيم، ولغيرهما كتاب التفسير بسم الله الرحمن الرحيم فأخّر البسملة وعرّف التفسير وحذف المضاف إليه. والتفسير: هو البيان، وهل التفسير والتأويل بمعنى؟ فقيل: التفسير بيان المراد باللفظ، والتأويل بيان المراد بالمعنى. وقال قوم منهم أبو عبيد: هما بمعنى، وقال أبو العباس الأزدي: النظر في القرآن من وجهين. الأوّل من حيث هو منقول وهي جملة التفسير وطريقه الرواية والنقل. والثاني من حيث هو معقول وهي جملة التأويل وطريقه الدراية والعقل. قال الله تعالى: {إنا جعلناه قرآنًا عربيًّا لعلكم تعقلون} [الزخرف: 3] فلا بدّ من معرفة اللسان العربي في فهم القرآن العربي، فيعرف الطالب الكلمة وشرح لغتها وإعرابها، ثم يتغلغل في معرفة المعاني ظاهرًا وباطنًا فيوفي لكل منها حقه. وقال غيره: التفسير علم يعرف به فهم كتاب الله تعالى المنزل وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه، واستمداد ذلك من علم النحو واللغة والتصريف وعلم البيان وأصول الفقه والقراآت، ويحتاج إلى معرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وذكر القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب قانون التأويل: أن علوم القرآن خمسون علمًا وأربعمائة وسبعة آلاف علم وسبعون ألف علم على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة. قال بعض السلف: إن لكل كلمة باطنًا وظاهرًا وحدًّا ومقطعًا، وهذا مطلق دون اعتبار تراكيبه وما بينها من روابط، وهذا مما لا يحصى ولا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى انتهى وحذفت الألف من بسم الله بعد الباء تنبيهًا على شدة المصاحبة والاتصال بذكر الله. (الرحمن الرحيم: اسمان) مشتقان (من الرحمة). وزعم بعضهم أنه غير مشتق لقولهم: وما الرحمن؟ وأجيب بأنهم جهلوا الصفة لا الموصوف، ولذا لم يقولوا ومن الرحمن؟ وقول المبرد فيما حكاه ابن الأنباري في الزاهر الرحمن اسم عبراني ليس بعرني قول مرغوب عنه، والدليل على اشتقاقه ما صححه الترمذي من حديث

[1] سورة الفاتحة

عبد الرحمن بن عوف أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "قال الله تعالى: أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسمًا من اسمي" الحديث. قال القرطبي: وهذا نص في الاشتقاق فلا معنى للمخالفة والشقاق. اهـ. والرحمن: فعلان من رحم كغضبان من غضب، والرحيم: فعيل منه كمريض من مرض، والرحمة في اللغة رقة في القلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان، ومنه الرحم لانعطافها على ما فيها وهو تجوّز باسم السبب عن المسبب، ويستعمل في حقه تعالى تجوّزًا عن إنعامه أو عن إرادة الخير لخلقه، إذ المعنى الحقيقي يستحيل في حقه تعالى، واختلف في اللفظين فقيل هما مترادفان كندمان ونديم، وردّ بأن إمكان المخالفة يمنع الترادف ثم على الاختلاف قيل: الرحمن أبلغ لأن زيادة البناء وهو الزيادة على الحروف الأصول تفيد الزيادة في المعنى كما في قطع وقطع وكبار وكبار، وبالاستعمال حيث يقال رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الآخرة. وأسند ابن جرير عن العرزمي أنه قال: الرحمن لجميع الخلق والرحيم بالمؤمنين. وقال تعالى: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] وقال تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيمًا} [الأحزاب: 43] فخصهم باسمه الرحيم، فدلّ على أن الرحمن أشد مبالغة في الرحمة لعمومها في الدارين لجميع خلقه والرحيم خاص بالمؤمنين. وأجيب: بأنه ورد في الدعاء المأثور رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، وأورد على ما ذكر من زيادة البناء حذر وحاذر ذكره ابن أبي الربيع وغيره، لكن قال البدر بن الدماميني: والنقض بحذر وحاذر يندفع بأن هذا الحكم أكثري لا كلي وبأن ما ذكر لا ينافي أن يقع في البناء إلا نقص زيادة معنى بسبب آخر كالإلحاق بالأمور الجبلية مثل شره ونهم، وبأن ذلك فيما إذا كان اللفظان المتلاقيان في الاشتقاق متحدي النوع في المعنى كغوث وغوثان لا كحذر وحاذر للاختلاف في المعنى. قال: وهنا فائدة حسنة وهي أن بعض المتأخرين كان يقول: إن صفات الله تعالى التي هي على صيغة المبالغة كغفار ورحيم وغفور كلها مجاز إذ هي موضوعة للمبالغة ولا مبالغة فيها لأن المبالغة هي أن ينسب للشيء أكثر مما له، وصفات الله تعالى متناهية في الكمال لا يمكن المبالغة فيها، وأيضًا فالمبالغة إنما تكون في صفات تقبل الزيادة والنقص وصفات الله تعالى منزهة عن ذلك انتهى. وقول بعضهم: إن الرحيم أشد مبالغة لأنه أكد به والمؤكد يكون أقوى من المؤكد. أجيب عنه: بأنه ليس من باب التأكيد بل من باب النعت بعد النعت، وقول إن الرحمن علم بالغلبة لأنه جاء غير تابع لموصوف كقوله: {الرحمن علم القرآن} [الرحمن: 1] وشبهه. تعقب بأنه لا يلزم من مجيئه غير تابع أن لا يكون نعتًا لأن المنعوت إذا علم جاز حذفه وإبقاء نعته. وقال بعضهم: إن أراد القائل أنه علم اختصاصه تعالى به فصحيح ولا يمنع هذا وقوعه نعتًا، وإن أراد أنه جار كالعلم لا ينظر فيه إلى معنى المشتق فممنوع لظهور معنى الوصفية وعلمية الغلبة يردّهما أن لفظ الرحمن لم يستعمل إلا له تعالى فلا تتحقق فيه الغلبة، وأما قول بني حنيفة في مسيلمة رحمن اليمامة فمن تعنتهم في كفرهم ولما تسمى بذلك كساه الله جلباب الكذب وشهر به، فلا يقال إلا مسيلمة الكذاب، والأظهر أن رحمن غير مصروف كعطشان. وقال البيضاوي: وتخصيص التسمية بهذه الأسماء ليعلم العارف أن المستحق لأن يستعان به في مجامع الأمور هو المعبود الحقيقي الذي هو مولى النعم كلها عاجلها وآجلها جليلها وحقيرها، فيتوجه بشراشره إلى جناب القدس ويتمسك بحبل التوفيق ويشغل سره بذكره والاستلذاذ به عن غيره. (الرحيم الراحم: بمعنى واحد كالعليم والعالم) وهذا بالنظر إلى أصل المعنى وإلا فصيغة فعيل من صيغ المبالغة فمعناها زائد على معنى الفاعل وقد ترد صيغة فعيل بمعنى الصفة المشبهة، وفيها أيضًا زيادة لدلالتها على الثبوت بخلاف مجرد الفاعل فإنه يدل على الحدوث، ويحتمل أن يكون المراد أن فعيلًا بمعنى فاعل لا بمعنى مفعول لأنه قد يرد بمعنى مفعول فاحترز عنه. [1] سورة الفاتحة 1 - باب مَا جَاءَ فِى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُمِّيَتْ أُمَّ الْكِتَابِ أَنَّهُ يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِى الْمَصَاحِفِ وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا فِى الصَّلاَةِ، وَالدِّينُ الْجَزَاءُ فِى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَمَا تَدِينُ تُدَانُن وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بِالدِّينِ بِالْحِسَابِ {مَدِينِينَ} مُحَاسَبِينَ. (باب ما جاء في فاتحة الكتاب) أي من الفضل

أو من التفسير أو أعم من ذلك والفاتحة في الأصل أما مصدر كالعافية سمي بها أول ما يفتتح به الشيء من باب إطلاق المصدر على المفعول، والتاء للنقل إلى الاسمية وإضافتها إلى الكتاب بمعنى "من" لأن أوّل الشيء بعضه، ثم جعلت علمًا للسورة المعينة لأنها أوّل الكتاب المعجز قاله بعضهم، وسقط لفظ باب لأبي ذر. (وسميت أم الكتاب أنه) بفتح الهمزة أي لأنه (يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة) هذا كلام أبي عبيدة في المجاز وكره أنس والحسن وابن سيرين تسميتها بذلك قال الأوّلان: إنما ذلك اللوح المحفوظ. وأجيب: بأن في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب" صححه الترمذي، لكن قال السفاقسي: هذا التعليل منايسب لتسميتها بفاتحة الكتاب لا بأم الكتاب، وقد ذكر بعض المحققين أن السبب في تسميتها أم الكتاب اشتمالها على كليات المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى وهو ظاهر، ومن التعبد بالأمر والنهي وهو في إياك نعبد، لأن معنى العبادة قيام العبد بما تعبّد به وكلفه من امتثال الأوامر والنواهي، وفي {الصراط المستقيم} أيضًا ومن الوعد والوعيد وهو في {الذين أنعمت عليهم} وفي {المغضوب عليهم} وفي {يوم الدين} أي الجزاء أيضًا، وإنما كانت الثلاثة أصول مقاصد القرآن، لأن الغرض الأصلي الإرشاد إلى المعارف الإلهية وما به نظام المعاش ونجاة المعاد. والاعتراض بأن كثيرًا من السور كذلك يندفع بعدم المساواة لأنها فاتحة الكتاب وسابقة السور، وقد اقتصر مضمونها على كليات المعاني الثلاثة بالترتيب على وجه إجمالي لأن أوّلها ثناء وأوسطها تعبد وآخرها وعد ووعيد، ثم يصير ذلك مفصلًا في سائر السور فكانت منها بمنزلة مكة من سائر القرى على ما روي من أنها مهدت أرضها ثم دحيت الأرض من تحتها فتتأهل أن تسمى أم القرآن كما سميت مكة أم القرى اهـ. وما قاله المؤلف هو معنى قول البيضاوي: وتسمى أم القرآن لأنها مفتتحه ومبدؤه أي يفتتح بها كتابة المصاحف ويبدأ بقراءتها في الصلاة، وقيل لأنها تفتح أبواب الجنة ولها أسماء أخر لا نطيل بها. (والدين: الجزاء في الخير والشر) وسقطت الواو لأبي ذر، وهذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو مرسل رجاله ثقات. ورواه عبد الرزاق بهذا الإسناد أيضًا عن أبي قلابة عن أبي الدرداء موقوفًا، وأبو قلابة لم يدرك أبا الدرداء، لكن له شاهد موصول من حديث ابن عمر أخرجه ابن عدي وضعفه. وفي المثل: (كما تدين تدان) الكاف في موضع نصب نعتًا لمصدر محذوف أي: تدين دينًا مثل دينك. وهذا من كلام أبي عبيدة أيضًا كسابقه وهو حديث مرفوع أخرجه ابن عدي في الكامل بسند ضعيف من حديث ابن عمر مرفوعًا، وله شاهد من مرسل أبي قلابة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "البر لا يبلى والإثم لا ينسى والديان لا يموت فكن كما شئت كما تدين تدان". رواه عبد الرزاق في مصنفه. وأخرجه البيهقي في كتاب الأسماء والصفات من طريقه، ومعناه: كما تعمل تجازى، وفي الزهد للإمام أحمد عن مالك بن دينار موقوفًا مكتوب في التوراة: كما تدين تدان وكما تزرع تحصد. (وقال مجاهد): فيما وصله عبد بن حميد من طريق منصور عنه في قوله كلا بل تكذبون (بالدين) أي (بالحساب) ومن طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أيضًا في قوله تعالى: {فلولا إن كنتم غير} ({مدينين}) [الواقعة: 86] بفتح الميم أي (محاسبين). 4474 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ أُجِبْهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي فَقَالَ: «أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ}؟» ثُمَّ قَالَ لِي: «لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ»، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ: أَلَمْ تَقُلْ لأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: «{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ». [الحديث 4474 - أطرافه في: 4647، 4703، 5006]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (خبيب بن عبد الرحمن) بالخاء المعجمة مصغرًا الأنصاري (عن حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه (عن أبي سعيد بن المعلى) واسمه رافع، وقيل: الحرث، وقوّاه ابن عبد البر وهي الذي قبله أنه (قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم أجبه) زاد في تفسير الأنفال من وجه آخر عن

شعبة فلم آته حتى صليت ثم أتيته (فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي فقال): (ألم يقل الله: {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم}) [الأنفال: 24] زاد أبو ذر {لما يحييكم} واستدل به على أن إجابته واجبة يعصي المرء بتركها. وهل تبطل الصلاة أم لا؟ صرح جماعة من أصحابنا الشافعية وغيرهم بعدم البطلان، وأنه حكم مختص به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو مثل خطاب المصلي له بقوله: السلام عليك أيها النبي، ومثله لا يبطل الصلاة. وفيه بحث لاحتمال أن تكون إجابته واجبة سواء كان المخاطب في الصلاة أم لا. أما كونه يخرج بالإجابة من الصلاة أو لا يخرج، فليس في الحديث ما يستلزمه فيحتمل أن تجب الإجابة، ولو خرج المجيب من الصلاة وإلى ذلك جنح بعض الشافعية. (ثم قال لي) عليه الصلاة والسلام: (لأعلمنك سورة هي أعظم السور) وفي نسخة: هي أعظم سورة (في القرآن) لعظم قدرها بالخاصية التي لم يشاركها فيها غيرها من السور لاشتمالها على فوائد ومعان كثيرة مع وجازة ألفاظها، واستدلّ به على جواز تفضيل بعض القرآن على بعض، وهو محكي عن أكثر العلماء كابن راهويه وابن العربي، ومنع من ذلك الأشعري والباقلاني وجماعة لأن المفضول ناقص عن درجة الأفضل وأسماء الله تعالى وصفاته وكلامه لا نقص فيها. وأجيب: بأن التفضيل إنما هو بمعنى أن ثواب بعضه أعظم من بعض، فالتفضيل إنما هو من حيث المعاني لا من حيث الصفة. وفي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عند الحاكم. "أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها" (قبل أن تخرج) بالفوقية في اليونينية (من المسجد ثم أخذ بيدي) بالإفراد (فلما أراد أن يخرج) من المسجد (قلت له): زاد أبو هريرة يا رسول الله (ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قال: {الحمد لله رب العالمين}) [الفاتحة: 1] خبر مبتدأ محذوف أي هي كما صرح بها في رواية معاذ في تفسير الأنفال (هي السبع) لأنها سبع آيات كسورة الماعون لا ثالث لهما وقيل للفاتحة (المثاني) لأنهما تثنى على مرور الأوقات أي تكرر فلا تنقطع وتدرس فلا تندرس، وقيل لأنها تثنى في كل ركعة أي تعاد أو أنها يثنى بها على الله، أو استثنيت لهذه الأمة لم تنزل على من قبلها. فإن قيل: في الحديث السبع المثاني، وفي القرآن سبعًا من المثاني أجيب: بأنه لا اختلاف بين الصيغتين إذا جعلنا من للبيان (والقرآن العظيم الذي أوتيته). قال التوربشتي: إن قيل كيف صح عطف القرآن على السبع المثاني وعطف الشيء على نفسه مما لا يجوز؟ قلنا: ليس كذلك، وإنما هو من باب ذكر الشيء بوصفين. أحدهما: معطوف على الآخر والتقدير آتيناك ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم أي الجامع لهذين النعتين. وقال الطيبي: عطف القرآن على السبع المثاني المراد منه الفاتحة وهو من باب عطف العام على الخاص تنزيلًا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات، وإليه أومأ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله: "ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن" حيث نكر السورة وأفردها ليدل على أنك إذا تقصيت سورة سورة في القرآن وجدتها أعظم منها، ونظيره في النسق لكن من عطف الخاص على العام {من كان عدوًّا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال} [البقرة: 98]. اهـ. وهو معنى قول الخطابي قال في الفتح: وفيه بحث لاحتمال أن يكون قوله: والقرآن العظيم محذوف الخبر والتقدير ما بعد الفاتحة مثلًا فيكون وصف الفاتحة انتهى بقوله هي السبع المثاني، ثم عطف قوله: والقرآن العظيم أي ما زاد على الفاتحة، وذكر ذلك رعاية لنظم الآية. ويكون التقدير والقرآن العظيم هو الذي أوتيته زيادة على الفاتحة، وفيه دليل على أن الفاتحة سبع آيات، لكن منهم من عدّ البسملة دون {صراط الذين أنعمت عليهم} [الفاتحة: 7] ومنهم من عكس. قال الطيبي: وعدّ التسمية أولى لأن أنعمت لا يناسب وزانه وزان فواصل السور ولحديث ابن عباس: بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة، ونقل عن حسين بن علي الجعفي أنها ست آيات

2 - باب {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}

لأنه لم يعد البسملة. وعن عمرو بن عبيد أنها ثمان لأنه عدها وعدّ أنعمت عليهم. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضائل القرآن والتفسير، وأبو داود في الصلاة، وكذا النسائي وفي التفسير أيضًا وفضائل القرآن، وابن ماجه في ثواب التسبيح. 2 - باب {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} (باب {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}) [الفاتحة: 7] الجمهور على جر "غير" بدلًا من الذين على المعنى أو من ضمير عليهم، ورد بأن أصل غير الوصفية والإبدال بالأوصاف ضعيف، وقد يقال استعمل غير استعمال الأسماء نحو غيرك يفعل كذا فجاز وقوعه بدلًا لذلك. وعن سيبويه هو صفة للذين، ورد بأن غيرًا لا تتعرف. وأجيب: بأن سيبويه نقل أن ما أضافته غير محضة قد يتمحض فيتعرف إلا الصفة المشبهة وغير داخل في هذا العموم وقرئ شاذًّا بالنصب، فقيل حال من ضمير عليهم وناصبها أنعمت، وقيل من الذين وعاملها معنى الإضافة. قال ابن كثير: والمعنى {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم} [الفاتحة: 6 - 7] ممن تقدم وصفهم بالهداية والاستقامة غير صراط المغضوب عليهم، وهم الذين فسدت إرادتهم فعلموا الحق وعدلوا عنه ولا صراط الضالين، وهم الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لا يهتدون إلى الحق، وأكد الكلام بلا ليدل على أن ثم مسلكين فاسدين وهما طريقتا اليهود والنصارى، ومن أهل العربية من زعم أن "لا" في قوله: {ولا الضالين} زائدة. والصحيح ما سبق من أنها لتأكيد النفي لئلا يتوهم عطف الضالين على {الذين أنعمت عليهم} وللفرق بين الطريقين ليتجنب كل منهما، فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل واليهود فقدوا العمل والنصارى فقدوا العلم، ولذا كان الغضب لليهود والضلال للنصارى، لأن من علم وترك استحق الغضب بخلاف من لم يعلم، والنصارى لما كانوا قاصدين شيئًا لكنهم لم يهتدوا إلى طريقه لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه وهو اتباع الرسول الحق ضلوا، وكل من اليهود والنصارى ضال مغضوب عليه، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب، وأخص أوصاف النصارى الضلال، وقد روى أحمد وابن حبان من حديث عدي بن حاتم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: {المغضوب عليهم} اليهود و {الضالين} النصارى، والمراد بالغضب هنا الانتقام وليس المراد به تغيرًا يحصل عند غليان دم القلب لإرادة الانتقام إذ هو محال على الله تعالى فالمراد الغاية لا الابتداء. 4475 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قَالَ الإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ، فَمَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن سمي) بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية مصغرًا مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام (عن أبي صالح) ذكوان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا قال الإمام) في الصلاة: ({غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقولوا: آمين) بالمد والقصر لغتان، ومعناها استجب فهي اسم فعل بني على الفتح، وقيل اسم من أسماء الله تعالى التقدير: يا أمين، وضعف بأنه لو كان كذلك لكان مبنيًا على الضم لأنه منادى مفرد معرفة، ولأن أسماء الله تعالى توقيفية، ووجه الفارسي قول من جعله اسمًا له تعالى على معنى أن فيه ضميرًا يعود عليه تعالى لأنه اسم فعل (فمن وافق قوله) بآمين (قول الملائكة) بها (غفر له) أي للقائل منكم (ما تقدم من ذنبه) المتقدم كله فمن بيانية لا تبعيضية، وظاهره يشمل الصغائر والكبائر، والحق أنه عام خص منه ما يتعلق بحقوق الناس فلا يغفر بالتأمن للأدلة فيه، لكنه شامل للكبائر إلا أن يدعي خروجها بدليل آخر، وزاد الجرجاني في أماليه في آخر هذا الحديث "وما تأخر". وعن عكرمة مما رواه عبد الرزاق قال: "صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء فإن وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد". وقد سبق مزيد لهذا في باب جهر الإمام بالتأمين من كتاب الصلاة. [2] سورة البقرة 1 - باب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [الآية: 31]. (بسم الله الرحمن الرحيم سورة البقرة) كذا لأبي ذر وسقطت البسملة لغيره. وفي نسخة باب تفسير سورة البقرة ({وعلّم}) ولأبي ذر مما وجد مكتوبًا بين أسطر اليونينية، باب قول الله تعالى: {وعلّم آدم الأسماء كلها}) إما بخلق علم ضروري بها فيه أو إلقاء في روعه

ولا يفتقر إلى سابقه اصطلاح للتسلسل والتعليم فعل يترتب عليه العلم غالبًا، ولذلك يقال علمته فلم يتعلم قاله البيضاوي. وظاهر الآية يقتضي أن التعليم للأسماء ويؤيده بأسماء هؤلاء. وقال الزمخشري: أي أسماء المسميات فحذف المضاف إليه لكونه معلومًا مدلولًا عليه بذكر الأسماء لأن الاسم لا بد له من مسمى وعوّض عنه اللام كقوله: {واشتعل الرأس شيبًا} [مريم: 4] واعترض بأن كون اللام عوضًا عن الإضافة ليس مذهب البصريين إنما قال به الكوفيون وبعض البصريين، والبصريون إنما قالوا ذلك في المظهر لا في المضمر، وبأنه لم يجعل المحذوف مضافًا إلى الأسماء أي مسميات الأسماء لينتظم تعليق الأنباء بالأسماء فيما ذكر بعد التعليم، وهو وإن قدر المضاف إليه وجعل الأسماء غير المسميات لا يقول إن ما علمه آدم وعلمه وعجز عنه الملائكة هو مجرد الألفاظ واللغات من غير علم بحقائق المسميات وأحوالها ومنافعها لظهور أن لفضيلة والكمال إنما هي في ذلك، وإلى هذا ذهب من جعل الاسم نفس المسمى، أو حمل الكلام على حذف المضاف أي مسميات الأسماء، لكن يرد عليه أنه لا دلالة في الكلام على هذا التقدير، وجوابه: أن الأحوال والمنافع أيضًا المسميات التي علم أسماءها ولا يتم ذلك بدون معرفتها على وجه تمتاز به عما عداها وهذا كاف قاله في المصابيح، واختلف في المراد بالأسماء فقيل: أسماء الأجناس دون أنواعها، وقيل أسماء كل شيء حتى القصعة. 4476 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَجْتَمِعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَبُو النَّاسِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ ذَنْبَهُ فَيَسْتَحِي، ائْتُوا نُوحًا فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ سُؤَالَهُ رَبَّهُ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ، فَيَسْتَحِي فَيَقُولُ: ائْتُوا خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا كَلَّمَهُ اللَّهُ وَأَعْطَاهُ التَّوْرَاةَ، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ نَفْسٍ، فَيَسْتَحِي مِنْ رَبِّهِ فَيَقُولُ: ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ، وَكَلِمَةَ اللَّهِ وَرُوحَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، ائْتُوا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَأْتُونِي فَأَنْطَلِقُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَحْمَدُهُ بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَعُودُ إِلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي مِثْلَهُ ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ الثَّالِثَةَ، ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ، فَأَقُولُ: مَا بَقِىَ فِي النَّارِ إِلاَّ مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ يَعْنِى قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا} [آل عمران: 15 وغيرها]. وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي بالفاء البصري، وسقط لأبي ذر: ابن إبراهيم قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). قال البخاري: (وقال لي خليفة) بن خياط العصفري بضم العين وسكون الصاد المهملتين وضم الفاء البصري على سبيل المذاكرة أو التحديث (حدّثنا يزيد بن زريع) بتقديم الزاي مصغرًا أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يجتمع المؤمنون يوم القيامة) ولأبي ذر: ويجتمع بواو العطف على محذوف بينه في رواية له (فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا) لو هي المتضمنة للتمني والطلب أي لو استشفعنا أحد إلى ربنا فيشفع لنا فيخلصنا مما نحن فيه من الكرب (فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء)، وضع شيئًا موضع أشياء أي المسميات إرادة للتقصي واحدًا فواحدًا حتى يستغرق المسميات كلها (فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا) بالراء من الإراحة (من مكاننا هذا فيقول) لهم: (لست هناكم) أي لست في المكانة والمنزلة التي تحسبونني يريد مقام الشفاعة (ويذكر ذنبه) وهو قربان الشجرة وأكل منها (فيستحي)، بكسر الحاء، ولأبي ذر: فيستحيي بسكونها وزيادة تحتية (ائتوا نوحًا فإنه أوّل رسول بعثه الله إلى أهل الأرض)، بالإنذار وإهلاك قومه، لأن آدم كانت رسالته بمنزلة التربية والإرشاد للأولاد، وليس المراد بقوله بعثه الله إلى أهل الأرض عموم بعثته، فإن هذا من خصوصيات نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن هذا إنما حصل له بالحادث الذي وقع وهو انحصار الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس بالطوفان فلم يكن ذلك في أصل بعثته، وأما الاستدلال على عموم رسالته بدعائه على جميع من في الأرض فأهلكوا بالغرق إلا أهل السفينة لأنه لو لم يكن مبعوثًا إليهم لما أهلكوا لقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا} [الإسراء: 15] وقد ثبت أنه أوّل الرسل فأجيب: بجواز أن يكون غيره أرسل إليهم في أثناء مدة نوح وبأنهم لم يؤمنوا فدعا على من لم يؤمن من قومه وغيرهم. فأجيب: لكن لم ينقل أنه نبئ في زمن نوح عليه الصلاة والسلام غيره، فالله أعلم. (فيأتونه فيقول) لهم: (لست هناكم) قال عياض: كناية عن أن منزلته دون هذه المنزلة تواضعًا أو أن كلاًّ منهم يشير إلى أنها ليست له بل لغيره (ويذكر سؤاله

ربه) المحكي عنه في القرآن بقوله تعالى: {رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق} [هود: 45] أي وعدتني أن تنجي أهلي من الغرق، وسأل أن ينجيه من الغرق وفي نسخة لربه (ما ليس له به علم) حال من الضمير المضاف إليه في سؤاله أي صادرًا عنه بغير علم أو من المضاف أي متلبسًا لغير علم، وربه مفعول سؤاله، وكان يجب عليه أن لا يسأل كما قال تعالى: {فلا تسألني ما ليس لك به علم} [هود: 46] أي ما شعرت من المراد بالأهل وهو: من آمن وعمل صالحًا وأن ابنك عمل غير صالح (فيستحيي) ولغير أبي ذر بياء واحدة وكسر الحاء (فيقول: ائتوا خليل الرحمن) إبراهيم عليه الصلاة والسلام (فيأتونه فيقول: لست هناكم ائتوا موسى عبدًا كلمه الله وأعطاه التوراة فيأتونه فيقول: لست هناكم ويذكر قتل النفس بغير نفس فيستحيي من ربه) ولغير أبي ذر: فيستحي بياء واحدة وكسر الحاء ولا يقدح ذلك في عصمته لكونه خطأ، وإنما عدّه من عمل الشيطان وسماه ظلمًا واستغفر منه كما في الآية على عادتهم في استعظام محقرات فرطت منهم (فيقول: ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله) لأنه وجد بأمره تعالى دون أبي (وروحه) أي ذا روح صدر منه لا بتوسط ما يجري مجرى الأصل والمادة له، وقيل لأنه كان يحيي الأموات والقلوب (فيقول): أي بعد ما يأتونه (لست هناكم ائتوا محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لغير أبي ذر (عبدًا)، بالنصب ولأبي ذر عبد (غفر الله له ما تقدم من ذنبه) عن سهو وتأويل (وما تأخر) بالعصمة أو إنه مغفور له غير مؤاخذ بذنب لو وقع (فيأتوني) ولأبي ذر: فيأتونني بنونين وفيه إظهار شرف نبينا عليه الصلاة والسلام كما لا يخفى (فأنطلق حتى أستأذن على ربي فيؤذن) بالرفع عطفًا على أنطلق، ولأبي ذر: فيؤذن بالنصب عطفًا على المنصوب في قوله حتى استأذن (فإذا رأيت ربي وقعت ساجدًا فيدعني ما شاء) ولغير أبي ذر ما شاء الله (ثم يقال: ارفع رأسك) وسقط لأبي ذر لفظة رأسك (وسل) بفتح السين من غير ألف وصل (تعطه) بهاء بعد الطاء (وقل يسمع) أي قوله (واشفع تشفع) أي تقبل شفاعتك (فأرفع رأسي) من السجود (فأحمده) تعالى (تحميد يعلمنيه) بضم الميم (ثم أشفع فيحدّ لي) بفتح الياء تعالى (حدًّا) أي يبين لي قومًا أشفع فيهم كان يقول: "شفعتك فيمن أخلّ بالصلاة" (فأدخلهم الجنة ثم أعود إليه) تعالى (فإذا رأيت ربي مثله) أي أفعل مثل ما سبق من السجود ورفع الرأس وغيره (ثم أشفع، فيحدّ لي حدًّا) كأن يقول: شفعتك فيمن زنى أو فيمن شرب الخمر مثلًا (فأدخلهم الجنّة، ثم أعود الثالثة، ثم أعود الرابعة فأقول، ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن) أي حكم بحبسه أبدًا (ووجب عليه الخلود) وهم الكفار (قال أبو عبد الله) البخاري: (إلا من حبسه القرآن يعني قول الله تعالى) أي في الكفار: ({خالدين فيها}) [آل عمران: 15 وغيرها] وسقط لأبي ذر لفظ (إلا من). واستشكل سياق هذا الحديث من جهة كون المطلوب الشفاعة للإراحة من موقف العرصات لما يحصل لهم من ذلك الكرب الشديد لا للإخراج من النار. وأجيب: بأنه قد انتهت حكاية الإراحة عند لفظ فيؤذن لي وما بعده هو زيادة على ذلك قاله الكرماني. وقال الطيبي: لعل المؤمنين صاروا فرقتين فرقة سيق بهم إلى النار من غير توقف، وفرقة حبسوا في المحشر واستشفعوا به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخلصهم مما هم فيه وأدخلهم الجنة، ثم شرع في شفاعة الداخلين النار زمرًا بعد زمر كما دل عليه قوله: فيحدّ لي حدًّا الخ فاختصر الكلام. وقال في فتوح الغيب: إيراد قصة واحدة في مقامات متعددة بعبارات مختلفة وأنحاء شتى بحيث لا تغيير ولا تناقض البتة من فصيح الكلام وبليغه، وهو باب من الإيجاز المختص بالإعجاز، ويحتاج في التوفيق إلى قانون يرجع إليه، وهو أن يعمد إلى الاقتصاصات المتفرقة ويجعل لها أصل بأن يؤخذ من المباني ما هو أجمع للمعاني، فما نقص من تلك المعاني شيء يلحق به انتهى. وقال في شرح المشكاة: أو يراد بالنار الحبس والكربة وما يكونون فيه من الشّدة ودنو الشمس إلى رؤوسهم

2 - باب

وحرها وإلجامهم بالعرق وبالخروج إلى الخلاص منها. وهذا الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في التوحيد، وأخرجه مسلم في الإيمان، والنسائي في التفسير، وابن ماجه في الزهد. 2 - باب قَالَ: مُجَاهِدٌ: {إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} أَصْحَابِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُشْرِكِينَ {مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} اللَّهُ جَامِعُهُمْ {صِبْغَة} دِينُ {عَلَى الْخَاشِعِينَ} عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا، قَالَ مُجَاهِدٌ: {بِقُوَّةٍ} يَعْمَلُ بِمَا فِيهِ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: {مَرَضٌ} شَكٌّ {وَمَا خَلْفَهَا} عِبْرَةٌ لِمَنْ بَقِيَ {لاَ شِيَةَ} لاَ بَيَاضَ وَقَالَ غَيْرُهُ: {يَسُومُونَكُمْ} يُولُونَكُمْ {الْوَلاَيَةُ} مَفْتُوحَةٌ مَصْدَرُ الْوَلاَءِ وَهِيَ الرُّبُوبِيَّةُ، إِذَا كُسِرَتِ الْوَاوُ فَهِيَ الإِمَارَةُ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْحُبُوبُ الَّتِي تُؤْكَلُ كُلُّهَا {فُومٌ} وَقَالَ قَتَادَةُ: {فَبَاءُوا} فَانْقَلَبُوا، وَقَالَ غَيْرُهُ: {يَسْتَفْتِحُونَ} يَسْتَنْصِرُونَ {شَرَوْا} بَاعُوا {رَاعِنَا} مِنَ الرُّعُونَةِ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُحَمِّقُوا إِنْسَانًا، قَالُوا: رَاعِنَا {لاَ تَجْزِي} لاَ تُغْنِي {خُطُوَاتِ} مِنَ الْخَطْوِ، وَالْمَعْنَى آثَارَهُ. (باب) بالتنوين بغير ترجمة. (قال مجاهد) فيما وصله عبد بن حميد عن ورقاء عن أبي نجيح عنه في قوله تعالى: {وإذا خلوا} ({إلى شياطينهم}) [البقرة: 14] أي (أصحابهم من المنافقين والمشركين). وسموا شياطين لأنهم ماثلوا الشياطين في تمرّدهم وهم المظهرون كفرهم إضافتهم إليهم للمشاركة في الكفر. قال القطب: فهو استعارة وإضافة الشياطين إليهم قرينة الاستعارة. وقال مجاهد أيضًا فيما وصله عبد بن حميد بالإسناد المذكور في قوله تعالى: {والله} ({محيط بالكافرين}) [البقرة: 19] أي (الله جامعهم). زاد الطبري في جهنم قال البيضاوي كالزمخشري: أي لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط، وجملة والله محيط اعتراض لا محل لها. وقال القطب: فهو استعارة تمثيلية شبه حال تقريع الكفار في أنهم لا يفوتونه ولا محيص لهم عن عذابه بحال المحيط بالشيء في أنه لا يفوته المحاط به، واستعير لجانب المشبه الإحاطة. وقوله: والجملة اعتراض لا على لها قال أبو حيان: لأنها دخلت بين هاتين الجملتين وهما: يجعلون أصابعهم ويكاد البرق وهما من قصة واحدة. ({صبغة}) أي (دين) يريد قوله تعالى: {صبغة الله} وهذا وصله أيضًا عبد بن حميد عن مجاهد أيضًا. وقال البيضاوي: أي صبغنا الله صبغته وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها فإنها حلية الإنسان كما أن الصبغة تحلية المصبوغ. وقال مجاهد أيضًا في قوله تعالى: {إلا} ({على الخاشعين}) أي (على المؤمنين حقًّا). وصله عنه عبد بن حميد. (قال مجاهد) أيضًا: ({بقوّة}) [البقرة: 63] أي (يعمل بما فيه)، وصله عنه عبد بن حميد أيضًا وسقط لأبي ذر قوله قال مجاهد: (وقال أبو العالية): فيما وصله ابن أبي حاتم عنه في قوله تعالى: {في قلوبهم} ({مرض}) [البقرة: 10] أي (شك). وقال: أيضًا فيما وصله ابن أبي حاتم عنه في قوله تعالى: {نكالًا لما بين يديها} ({وما خلفها}) أي (عبرة لمن بقي) أي من بعدهم من الناس، وقوله تعالى: ({لا شية}) [البقرة: 71] فيها بالياء من غير همز أي (لا بياض) فيها. (وقال غيره): هو أبو عبيد القاسم بن سلام في قوله تعالى: (يسومونكم) أي (يولونكم) بضم أوّله وسكون الواو وقال في قوله تعالى: {هنالك} ({الولاية} مفتوحة) واوها (مصدر الولاء) بفتح الواو والمد (وهي الربوبية، وإذا كسرت الواو فهي الإمارة) بكسر الهمزة وإنما ذكر هذه ليؤيد بها تفسير يسومونكم: يولونكم. (وقال بعضهم الحبوب التي تؤكل كلها {فوم}) ذكره الفراء في معاني القرآن عن عطاء وقتادة. (وقال قتادة): فيما وصله عبد بن حميد في قوله: ({فباؤوا}) أي (فانقلبوا. وقال غيره): في قوله تعالى: ({يستفتحون}) أي (يستنصرون) كذا قاله أبو عبيدة أي على المشركين ويقولون: اللهم أنصرنا بنبي آخر الزمان المنعوت في التوراة. وقال في قوله تعالى: {ولبئس ما} ({شروا}) [البقرة: 102] {به أنفسهم} أي (باعوا) وقوله تعالى: ({راعنا}) (من الرعونة، إذا أرادوا أن يحمقوا إنسانًا قالوا راعنا). بالتنوين صفة لمصدر محذوف أي قولًا ذا رعن عن نسبة إلى الرعن والرعونة الحمق، والجملة في محل نصب بالقول. وفي قوله تعالى: ({لا تجزي}) [البقرة: 48] أي (لا تغني). وفي قوله تعالى: {لا تتبعوا} ({خطوات}) {الشيطان} [البقرة: 168] (من الخطو، والمعنى آثاره). أي آثار الشيطان، وجميع ما ذكر من قوله قال مجاهد التالي الباب إلى هنا ثابت للمستملي والكشميهني، ساقط للحموي. 3 - باب قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (قوله تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادًا}) جمع ند وهو المثل والنظير ({وأنتم تعلمون}) [البقرة: 22] حال من ضمير فلا تجعلوا ومفعول تعلمون متروك أي وحالكم أنكم من ذوي العلم والنظر وإصابة الرأي فلو تأملتم أدنى تأمل اضطر عقلكم إلى إثبات موجد للممكنات، منفرد بوجود الذات، متعال عن مشابهة المخلوقات، أوله مفعول أي: وأنتم تعلمون أنه الذي خلق ما ذكر أو أنتم تعلمون أن لا ندّ له، وعلى كل التقديرين متعلق العلم محذوف إما حوالة على العقل أو للعلم به، وسقط لأبي ذر قوله تعالى فقط. 4477 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ» قُلْتُ إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ». [الحديث 4477 - أطرافه في: 4761، 6001، 6811، 6861، 7520، 7532]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد

4 - باب وقوله تعالى: {وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} وقال مجاهد: المن صمغة، والسلوى الطير

ولأبي ذر حدّثنا (عثمان بن أبي شيبة) الحافظ الكوفي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد الرازي (عن منصور عن أبي وائل) بالهمز شقيق بن سلمة (عن عمرو بن شرحبيل) بالصرف وعدمه الهمداني (عن عبد الله) بن مسعود أنه (قال: سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي الذنب أعظم عند الله قال): (أن تجعل لله ندًّا) أي مثلًا ونظيرًا (وهو خلقك) وغيره لا يستطيع خلق شيء موجود الخلق يدل على الخالق، واستقامة الخلق تدل على توحيده ولو كان المدبر اثنين لم يكن على الاستقامة، ولذا قال موحد الجاهلية زيد بن عمرو بن نفيل: أربًا واحدًا أم ألف رب ... أدين إذا تقسمت الأمور تركت اللات والعزى جميعًا ... كذلك يفعل الرجل البصير (قلت: إن ذلك لعظيم، قلت: ثم أي؟) بالتشديد من غير تنوين. قال الفاكهاني: لأنه موقوف عليه في كلام السائل ينتظر الجواب منه عليه الصلاة والسلام والتنوين لا يوقف عليه إجماعًا وتنوينه مع وصله بما بعده خطأ، بل ينبغي أن يوقف عليه وقفة لطيفة ثم يؤتى بما بعده. اهـ. قال في المصابيح: هذا عجيب لأن الحاكي لا يجب عليه في حالة وصل الكلام بما قبله أو بما بعده أن يراعي حال المحكي عنه في الابتداء والوقف، بل يفعل هو ما تقتضيه حالته التي هو فيها، وقد قيده ابن الجوزي في مشكل الصحيحين بالتشديد والتنوين كما في الفرع وقال: هكذا سمعته من ابن الخشاب، وقال: لا يجوز إلا تنوينه لأنه اسم معرب غير مضاف. (قال: وأن تقتل) في الفرع بإسقاط الواو وثبتت في أصله (ولدك) حال كونك (تخاف أن يطعم معك قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك) بفتح الهاء المهملة وكسر اللام الأولى أي زوجته فإنه زنا وإبطال لما أوصى الله تعالى به من حفظ حقوق الجيران. وهذا الحديث أورد هنا أيضًا وفي التوحيد والأدب والمحاربين ومسلم في الإيمان والنسائي فيه والرجم والمحاربة. 4 - باب وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَنُّ صَمْغَةٌ، وَالسَّلْوَى الطَّيْرُ (وقوله تعالى: {وظللنا عليكم الغمام}) سخر الله تعالى لهم السحاب يظلهم من الشمس حين كانوا في التيه، وسقط لأبي ذر قوله تعالى: ({وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}) [البقرة: 57] بالكفر، وسقط لأبي ذر قوله تعالى: ({من طيبات}) إلى آخر ({أنفسهم}) وقال بعد: ({كلوا}) إلى ({يظلمون}). (وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي عنه (المن: صمغة، والسلوى: الطير) وعن ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم قال: كان المن ينزل على الشجرة فيأكلون منه ما شاؤوا. 4478 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ» [الحديث 4478 - أطرافه في: 4639، 5708]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الملك) بن عمير القرشي (عن عمرو بن حريث) بضم الحاء مصغرًا وعمرو بفتح العين وسكون الميم (عن سعيد بن زيد) أحد العشرة (رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبوي ذر والوقت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الكمأة) بفتح الكاف وسكون الميم والهمزة المفتوحة شيء ينبت بفسه من غير استنبات وتكلف مؤونة (من المن) لأنها تسقط بلا كلفة (وماؤها شفاء للعين) إذا ربى بها الكحل والتوتيا وغيرهما مما يكتحل به، وأما إذا اكتحل بها مفردة فلا لأنها تؤذي العين. وقال النووي: الصواب أن مجرد مائها شفاء مطلقًا، وإنما وصفت الكمأة بذلك لأنها من الحلال الذي ليس في اكتسابه شبهة. واعترض الخطابي وغيره بإدخال هذا هنا فإنه ليس المراد إنها نوع من المن المنزل على بني إسرائيل، فإن ذلك شيء كالترنجبين، وإنما معناه أنها تنبت بنفسها من غير استنبات ولا مؤونة. وأجيب: بأنه وقع في رواية ابن عيينة عن عبد الملك بن عمير في حديث الباب من المن الذي أنزل على بني إسرائيل فظهرت المناسبة على ما لا يخفى. 5 - باب {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} رَغَدًا: وَاسِعٌ كَثِيرٌ (باب) بالتنوين ({وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية}) أي بيت المقدس ({فكلوا منها حيث شئتم رغدًا}) نصب على المصدر أو الحال من الواو أي واسعًا ({وادخلوا الباب}) أي باب القرية ({سجدًا}) حال من فاعل أدخلوا وهو جمع ساجد أي متطامنين

6 - باب قوله: {من كان عدوا لجبريل} [البقرة: 97] وقال عكرمة: جبر وميك وسراف عبد إيل: الله

مخبتين أو ساجدين لله شكرًا على إخراجكم من التيه ({وقولوا حطة}) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي مسألتنا حطة. قال الزمخشري: والأصل النصب بمعنى حط عنا ذنوبنا حطة ورفعت لتعطي معنى الثبات وتكون الجملة في محل نصب بالقول ({نغفر لكم خطاياكم}) مجزوم في جواب الأمر أي بسجودكم ودعائكم ({وسنزيد المحسنين}) [البقرة: 58] ثوابًا. ولأبي ذر {حيث شئتم} الآية. وسقط ما بعد. ({رغدًا}) يريد قوله تعالى: {وكُلا منها رغدًا} [البقرة: 35] قال أبو عبيدة (واسعٌ كثير) وفي نسخة واسعًا كثيرًا بالنصب، وهذا ثابت في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني ساقط لغيرهما. 4479 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ، فَبَدَّلُوا وَقَالُوا: حِطَّةٌ حَبَّةٌ فِي شَعَرَةٍ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) غير منسوب ونسبه ابن السكن عن الفربري كما في الفتح فقال: محمد بن سلام. قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل عندي أن يكون محمد بن يحيى الذهلي فإنه يروي عن عبد الرحمن بن مهدي أيضًا. وقال الجياني: الأشبه أنه محمد بن بشار بتشديد المعجمة، وزاد الكرماني أو ابن المثنى قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي) أبو سعيد البصري قال ابن المديني: ما رأيت أعلم منه (عن ابن المبارك) عبد الله (عن معمر) بفتح الميمين هو ابن راشد الأزدي (عن همام بن منبه) بتشديد الميم الأولى ومنبه بتشديد الموحدة المكسورة ابن كامل الصنعاني أخي وهب (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (قيل لبني إسرائيل) لما خرجوا من التيه بعد أربعين سنة مع يوشع بن نون عليه الصلاة والسلام وفتح الله تعالى عليهم بيت المقدس عشية جمعة وقد حبست لهم الشمس قليلًا حتى أمكن الفتح ({ادخلوا الباب}) باب البلد ({سجدًا}) شكرًا لله تعالى على ما أنعم به عليهم من الفتح والنصر وردّ بلدهم إليهم وإنقاذهم من التيه، وعن ابن عباس فيما رواه ابن جرير سجدًا قال ركعًا، وعن بعضهم المراد به الخضوع لتعذر حمله على حقيقته ({وقولوا حطة}) قيل: أمروا أن يقولوها على هذه الكيفية بالرفع على الحكاية وهي في على نصب بالقول، وإنما منع النصب حركة الحكاية، وتقدم قريبًا أنها أعربت خبر مبتدأ محذوف ومعناها اسم للهيئة من الحط كالجلسة، وعن ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم قال قيل لهم قولوا مغفرة (فدخلوا يزحفون) بفتح الحاء المهملة (على أستاههم) بفتح الهمزة وسكون المهملة أي أوراكهم (فبدلوا) أي غيروا السجود بالزحف (وقالوا حطة) كما قيل وزادوا على ذلك مستهزئين (حبة في شعرة) بفتح العين والراء، وفي رواية حنطة بالنون بدل حطة. وللكشميهني في الأعراف: في شعيرة بزيادة تحتية بعد كسر العين المهملة، وحاصل الأمر أنهم أمروا أن يخضعوا لله تعالى عند الفتح بالفعل والقول وأن يعترفوا بذنوبهم فخالفوا غاية المخالفة، ولذا قال الله تعالى في حقهم: {فأنزلنا على الذين ظلموا رجزًا من السماء بما كانوا يفسقون} [البقرة: 59] والمراد بالرجز الطاعون، قيل: إنه مات به في ساعة أربعة وعشرون ألفًا. 6 - باب قَوْلُهُ: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} [البقرة: 97] وَقَالَ عِكْرِمَةُ: جَبْرَ وَمِيكَ وَسَرَافِ عَبْدٌ إِيلْ: اللَّهُ (قوله) تعالى: ({من كان}) ولأبي ذر باب التنوين. ({من كان عدوًّا لجبريل}) [البقرة: 97] قال ابن جرير: أجمع أهل العلم بالتأويل أن هذه الآية نزلت جوابًا لليهود من بني إسرائيل إذ زعموا أن جبريل عدوّ لهم وأن ميكائيل وليّ لهم. (وقال عكرمة) مولى ابن عباس فيما وصله الطبري (جبر)؛ بفتح الجيم وسكون الموحدة (وميك)، بكسر الميم (وسراف): بفتح السين المهملة وتخفيف الراء وبالفاء المكسورة الأوّل من جبريل، والثاني من ميكائيل، والثالث من إسرافيل معنى الثلاثة (عبد إيل): بكسر الهمزة وسكون التحتية معناها في الثلاثة (الله) أي: جبريل عبد الله، وميكائيل عبد الله، وإسرافيل عبد الله. وقال بعضهم: جبريل اسم ملك أعجمي فلذلك لم ينصرف للعجمة والعلمية، ومن قال هو مشتق أو مركب تركيب إضافة ردّ قوله لأن الأعجمي لا يدخله الاشتقاق العربي، ولأنه لو كان مركبًا تركيب الإضافة لكان منصرفًا. 4480 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ بِقُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِي أَرْضٍ يَخْتَرِفُ فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ نَبِيٌّ فَمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟ قَالَ: «أَخْبَرَنِى بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا» قَالَ: جِبْرِيلُ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ، فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} [البقرة: 97] أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَتْ». قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلاَمِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ يَبْهَتُونِي، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ فِيكُمْ» قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ» فَقَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا، وَانْتَقَصُوهُ قَالَ: فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون وسكون التحتية آخره راء أبو عبد الرحمن المروزي الزاهد أنه (سمع عبد الله بن بكر) بفتح الموحدة

7 - باب قوله: {ما ننسخ من آية أو ننسأها} [البقرة: 106]

وسكون الكاف ابن حبيب السهمي قال: (حدّثنا حميد) الطويل (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: سمع عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام (بقدوم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر عن الكشميهني: بمقدم مصدر ميمي بمعنى القدوم، وله عن الحموي والمستملي مقدم رسول الله بحذف الجار زاد في باب: وإذ قال ربك للملائكة من كتاب بدء الخلق المدينة (وهو في أرض يخترف)، بالخاء المعجمة الساكنة والفاء أي يجتني من ثمارها (فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إني سائلك عن ثلاث) أي عن ثلاث مسائل (لا يعلمهن إلاّ نبي فما أوّل أشراط الساعة) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة أي علاماتها (وما أوّل طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه) بالزاي المكسورة وآخره عين مهملة أي يشبه أباه ويذهب إليه (أو إلى أمه؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (أخبرني بهن جبريل آنفًا) بمد الهمزة وكسر النون (قال) ابن سلام: (جبريل؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (نعم قال) ابن سلام: (ذاك) كذا في اليونينية وفي الفرع ذلك باللام (عدوّ اليهود من الملائكة). وفي حديث ابن عباس عند أحمد أنهم قالوا: إنه ليس من نبيّ إلاّ له ملك يأتيه بالخبر فأخبرنا من صاحبك؟ قال: جبريل. قالوا: جبريل ذاك ينزل بالحرب والقتال عدوّنا. لو قلت ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان. (فقرأ) عليه الصلاة والسلام (هذه الآية) ردًّا على قولهم أو قرأها الراوي استشهادًا بها ({من كان عدوًّا لجبريل فإنه}) أي جبريل ({نزله}) أي القرآن ({على قلبك}) لأنه القابل للوحي ومحل الفهم والحفظ، وإن حقه أن يقول على قلبي لكنه جاء على حكاية كلام الله تعالى كأنه قال: قل ما تكلمت به، وزاد في رواية أبي ذر بإذن الله أي بأمره تعالى (أما أوّل أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب. وأما أول طعام أهل الجنة) ولأبي الوقت: أول طعام يأكله أهل الجنة (فزيادة كبد حوت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: الحوت وهي القطعة المنفردة المتعلقة بالكبد وهي أطيبها وأهنأ الأطعمة (وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد) بالنصب على المفعولية أي جذبه إليه (وإذا سبق ماء المرأة) أي ماء الرجل (نزعت) أي جذبته إليها (قال) ابن سلام: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله. يا رسول الله إن اليهود قوم بهت)، بضم الموحدة والهاء في اليونينية وفرعها، وفي نسخة بسكون الهاء. قال الكرماني: جمع بهوت الكثير البهتان، وقيل بهت أي كذابون ممارون لا يرجعون إلى الحق (وإنهم وإن يعلموا بإسلامي وقبل أن تسألهم يبهتوني، فجاءت اليهود فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أيّ رجل عبد الله) أي ابن سلام (فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا)، أفعل تفضيل (وسيدنا وابن سيدنا. قال) عليه الصلاة والسلام: (أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام)؟ سقط ابن سلام لأبي ذر (فقالوا: أعاذه الله من ذلك فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله. فقالوا: شرنا وابن شرنا وانتقصوه). ولأبي ذر: فانتقصوه بالفاء بدل الواو (قال) ابن سلام: (فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله). وهذا الحديث ذكره المؤلّف قبيل المغازي، وفي أحاديث الأنبياء. 7 - باب قَوْلِهِ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نَنْسَأْهَا} [البقرة: 106] (باب قوله) تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسأها}) [البقرة: 106] بفتح نون ننسخ الأولى وسينها مضارع نسخ وضم ابن عامر النون وكسر السين مضارع أنسخ، ولأبي ذر {ننسها} بضم النون الأولى وسكون الثانية من غير همز وهي قراءة نافع وابن عامر والكوفيين من الترك والأولى من التأخير، وزاد أبو ذر {نأت بخير منها} وما مفعول مقدم لننسخ وهي شرطية جازمة له، والتقدير: أي شيء ننسخ، وقيل: شرطية جازمة لننسخ واقعة موقع المصدر، ومن آية هو المفعول به والتقدير أي نسخ ننسخ آية ورد بأنه يلزم من هذا خلوّ جملة الجزاء من ضمير يعود على اسم الشرط وهو لا يجوز ومن آية للتبعيض فهي متعلقة بمحذوف لأنها صفة لاسم الشرط، والنسخ لغة الإزالة أو النقل من غير إزالة، ونسخ الآية بيان انتهاء التعبد بتلاوتها أو الحكم المستفاد منها أو بهما جميعًا فمثال: نسخ قراءتها

8 - باب {قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه} [البقرة: 116]

وإبقاء حكمها نحو: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما، والحكم فقط نحو: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة: 184] والحكم والتلاوة نحو: عشر رضعات يحرمن. روى مسلم عن عائشة كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات فنسخت بخمس ويكون بلا بدل كالصدقة أمام نجواه عليه الصلاة والسلام ببدل مماثل كالقبلة، وأخف كعدّة الوفاة، وأثقل كنسخ التخيير بين صوم رمضان والفدية قال الله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية}. 4481 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه- أَقْرَؤُنَا أُبَيٌّ، وَأَقْضَانَا عَلِيٌّ، وَإِنَّا لَنَدَعُ مِنْ قَوْلِ أُبَيٍّ وَذَاكَ أَنَّ أُبَيًّا يَقُولُ: لاَ أَدَعُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نَنْسَأْهَا} [البقرة: 106]. [الحديث 4481 - طرفه في: 5005]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم البصري الصيرفي قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن حبيب) هو ابن أبي ثابت واسمه قيس بن دينار الكوفي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) أنه (قال: قال عمر -رضي الله عنه-: أقرؤنا) أي لكتاب الله تعالى (أبيّ) هو ابن كعب (وأقضانا) أي أعلمنا بالقضاء (علي) هو ابن أبي طالب (وإنّا لندع) أي نترك (من قول أبي وذاك) بألف من غير لام (أن أبيًّا يقول لا أدع شيئًا سمعته) ولأبي ذر سمعت (من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كان لا يقول بنسخ تلاوة شيء من القرآن لكونه لم يبلغه النسخ فردّ عليه عمر بقوله: (وقد قال الله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننأسها}) فإنه يدل على ثبوت النسخ في البعض ولأبي ذر: أو ننسها بضم أوّله وكسر ثالثه. وهذا الحديث موقوف، وأخرجه الترمذي عن أنس مرفوعًا، وعند البغوي مرفوعًا أيضًا: أقضى أمتي علي بن أبي طالب. 8 - باب {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ} [البقرة: 116] هذا (باب) بالتنوين ({وقالوا اتخذ الله ولدًا سبحانه}) [البقرة: 116] نزلت ردًّا على النصارى لما قالوا: المسيح ابن الله، واليهود لما قالوا: عزير ابن الله، ومشركو العرب: الملائكة بنات الله. 4482 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ: اللَّهُ كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لاَ أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ لِي وَلَدٌ فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن عبد الله بن أبي حسين) بضم الحاء وفتح السين القرشي النوفلي الكوفي أنه قال: (حدّثنا نافع بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة ابن مطعم القرشي (عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (قال الله) تعالى: (كذبني ابن آدم) بتشديد الذال المعجمة من التكذيب وهو نسبة المتكلم إلى أن خبره خلاف الواقع والمراد البعض من بني آدم (ولم يكن له ذلك) ولأبي ذر: ولم يكن ذلك له بالتقديم والتأخير (وشتمني) من الشتم وهو توصيف الشخص بما فيه إزراء ونقص تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا (ولم يكن له ذلك) التكذيب والشتم (فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان) ووقع في رواية الأعرج في سورة الإخلاص وليس أوّل الخلق بأهون عليّ من إعادته (وأما شتمه إياي فقوله لي ولد) وإنما كان شتمًا لما فيه من التنقيص لأن الولد إنما يكون عن والدة تحمله ثم تضعه ويستلزم ذلك سبق النكاح والنكاح يستدعي باعثًا له على ذلك والله تعالى منزه عن ذلك (فسبحاني) أي تنزهت (أن أتخذ صاحبة أو ولدًا) أن مصدرية أي من اتخاذي الزوجة والولد لما كان البارئ سبحانه وتعالى واجب الوجود لذاته قديمًا موجودًا قبل وجود الأشياء، وكان كل مولود محدثًا انتفت عنه الوالدية، ولما كان لا يشبهه أحد من خلقه ولا يجانسه. حتى يكون له من جنسه صاحبة فيتوالد انتفت عنه الوالدية ومن هذا قوله تعالى: {أنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة} [الأنعام: 101]. 9 - باب {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] مَثَابَةً يَثُوبُونَ: يَرْجِعُونَ هذا (باب) بالتنوين ({واتخذوا}) وسقط لغير أبي ذر باب وقال بدله قوله واتخذوا ({من مقام إبراهيم مصلّى}). [البقرة: 125] بكسر خاء اتخذوا بلفظ الأمر فقيل عطف على اذكروا إذا قيل إن الخطاب هنا لبني إسرائيل أي: اذكروا نعمتي واتخذوا من مقام إبراهيم، وقرأ نافع وابن عامر: واتخذوا ماضيًا بلفظ الخبر قبل عطفًا على جعلنا أي: واتخذ الناس مقامه الموسوم به يعني الكعبة قبلة يصلون إليها ({مثابة}) [البقرة: 125] قال أبو عبيدة في تفسيره: (يثوبون. يرجعون) وعن ابن عباس مما رواه الطبري قال: يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه لا يقضون منه وطرًا. 4483 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه- وَافَقْتُ اللَّهَ فِي ثَلاَثٍ أَوْ وَافَقَنِى رَبِّي فِي ثَلاَثٍ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ، قَالَ: وَبَلَغَنِي مُعَاتَبَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْضَ نِسَائِهِ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِنَّ قُلْتُ: إِنِ انْتَهَيْتُنَّ أَوْ لَيُبَدِّلَنَّ اللَّهُ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْرًا مِنْكُنَّ، حَتَّى أَتَيْتُ إِحْدَى نِسَائِهِ قَالَتْ: يَا عُمَرُ أَمَا فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ حَتَّى تَعِظَهُنَّ أَنْتَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ} [التحريم: 5] الآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ سَمِعْتُ أَنَسًا عَنْ عُمَرَ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالمهملات ابن مسرهد (عن يحيى

10 - باب قوله تعالى: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} [البقرة: 127] القواعد: أساسه واحدتها قاعدة والقواعد من النساء واحدها قاعد

بن سعيد) القطان (عن حميد) الطويل (عن أنس) أنه (قال: قال عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه: وافقت الله) ولأبي الوقت: وافقت ربي (في ثلاث) أي قضايا (أو وافقني ربي في ثلاث) بالشك وذكر الثلاث لا يقتضي نفي غيرها، فقد روي عنه موافقات بلغت خمسة عشرًا كقصة الأساري (قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلّى) بين يدي القبلة يقوم الإمام عنده وسقط من في الفرع كأصله، وزاد في باب ما جاء في القبلة من كتاب الصلاة فنزلت: ({واتخذوا من مقام إبراهيم مصلّى} وقلت: يا رسول الله يدخل عليك) أي في حجر أمهات المؤمنين (البر والفاجر) أي الفاسق وهو مقابل البر (فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب) وجواب لو محذوف في الموضعن أو هي للتمني فلا تفتقر لجواب، وعند ابن مالك هي لو المصدرية أغنت عن فعل التمني (فأنزل الله آية الحجاب) وثبت قوله فأنزل الله آية الحجاب في اليونينية وسقط من فرعها (قال) أي عمر: (وبلغني معاتبة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعض نسائه) حفصة وعائشة (فدخلت عليهن قلت): ولأبي ذر فقلت بزيادة الفاء (إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لغير أبي ذر (خيرًا منكنّ حتى أتيت إحدى نسائه قالت: يا عمر أما) بالتخفيف (في رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية أيضًا لغير أبي ذر (ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت) والقائلة هذا هي أم سلمة كما في سورة التحريم بلفظ فقالت أم سلمة: عجبًا لك يا ابن الخطاب دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأزواجه. وقال الخطيب: هي زينب بنت جحش وتبعه النووي (فأنزل الله: {عسى ربه إن طلقكنّ أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن مسلمات} [التحريم: 5] الآية). وهذا الحديث سبق في باب: ما جاء في القبلة من الصلاة. (وقال ابن أبي مريم): هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم المصري مما رواه المؤلّف في الصلاة مذاكرة (أخبرنا يحيى بن أيوب) الغافقي قال: (حدّثني) بالإفراد (حميد) الطويل قال: (سمعت أنسًا عن عمر) رضي الله تعالى عنهما. 10 - باب قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] الْقَوَاعِدُ: أَسَاسُهُ وَاحِدَتُهَا قَاعِدَةٌ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ وَاحِدُهَا قَاعِدٌ (قوله تعالى: {وإذ}) ولأبي ذر باب بالتنوين وإذ ({يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل}) كان يناوله الحجارة وإنما عطفه عليه لأنه كان له مدخل في البناء ({ربنا تقبل منا}) أي يقولان ربنا والجملة حال منهما ({إنك أنت السميع}) لدعائنا ({العليم}) [البقرة: 127] بنياتنا. قال المؤلّف: (القواعد أساسه واحدتها قاعدة والقواعد من النساء واحدها) ولأبي ذر واحدتها بزيادة تاء التأنيث وفي نسخة واحدتهن بنون النسوة (قاعد) بغير تاء تأنيث، ففيه إشارة إلى الفرق بينهما في مفرديهما. 4484 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلَمْ تَرَىْ أَنَّ قَوْمَكِ بَنَوُا الْكَعْبَةَ وَاقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: «لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ» فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا أُرَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرَكَ اسْتِلاَمَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ، إِلاَّ أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر) الصديق -رضي الله عنه- (أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) لها: (ألم تري) بحذف النون للجزم أي ألم تعرفي (أن قومك) قريشًا (بنوا الكعبة واقتصروا عن قواعد إبراهيم) قالت عائشة (فقلت: يا رسول الله ألا تردها) بضم الدال ولأبي ذر بفتحها (على قواعد إبراهيم قال: لولا حدثان قومك) أي قريش بكسر الحاء وسكون الدال المهملتين وفتح المثلثة مبتدأ خبره محذوف وجوبًا أي موجود يعني قرب عهدهم (بالكفر) أي لرددتها على قواعد إبراهيم، وفي باب: فضل مكة وبنيانها من الحج لفعلت (فقال عبد الله بن عمر) رضي الله تعالى عنهما: (لئن كانت عائشة) رضي الله تعالى عنها (سمعت هذا من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما أرى) بضم الهمزة أي ما أظن (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر) بكسر الحاء وسكون الجيم أي يقربان منه (إلا أن البيت لم يتمم) بتشديد الميم الأولى مفتوحة أي ما نقص منه وهو الذي كان في الأصل (على قواعد إبراهيم)

11 - باب {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} [البقرة: 136]

عليه الصلاة والسلام. وهذا الحديث سبق في الحج ومطابقته للترجمة في قوله: واقتصروا عن قواعد إبراهيم. 11 - باب {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] هذا (باب) بالتنوين ({قولوا آمنًا بالله وما أنزل إلينا}) [البقرة: 136] القرآن والخطاب للمؤمنين وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4485 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ، وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136]. [الحديث 4485 طرفاه في: 7262، 7542]. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة العبدي البصري يقال له بندار قال: (حدّثنا عثمان بن عمر) بضم العين ابن فارس البصري قال: (أخبرنا علي بن المبارك) الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون ممدودة (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الطائي مولاهم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان أهل الكتاب) اليهود (يقرؤون التوراة بالعبرانية) بكسر العين المهملة وسكون الموحدة (ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم) يعني إذا كان ما يخبرونكم به محتملًا لئلا يكون في نفس الأمر صدقًا فتكذبوه أو كذبًا فتصدقوه فتقعوا في الحرج (وقولوا: {آمنا بالله وما أنزل إلينا}) [البقرة: 136] ولغير أبي ذر: الآية بدل قوله إلينا. 12 - باب {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} {سيقول السفهاء} وفي بعض النسخ وعزاه في الفتح لأبي ذر (باب) قوله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس}) المنكرين لتغيير القبلة من مشركي العرب أو أحبار يهود أو المنافقين والجار والمجرور في محل نصب على الحال من السفهاء والعامل فيها سيقول وهي حال مبينة ({ما ولاهم}) أي ما صرفهم ({عن قبلتهم التي كانوا عليها}) يعني بيت المقدس، ولا بد من حذف مضاف في عليها أي على توجيهها وجملة الاستفهام في محل نصب بالقول ({قل لله المشرق والمغرب})، حيثما وجهنا توجهنا فالطاعة في امتثال أمره ولو وجهنا كل يوم مرات إلى جهات متعددة فنحن عبيده وفي تصريفه وخدامه ({يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}) وسقط من قوله: (التي كانوا عليها) إلى آخره لأبي ذر، وقال بعد قوله: (عن قبلتهم) الآية. 4486 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ سَمِعَ زُهَيْرًا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا -أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا- وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَإِنَّهُ صَلَّى أَوْ صَلاَّهَا صَلاَةَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ، وَهُمْ رَاكِعُونَ قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ الْبَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين أنه (سمع زهيرًا) بضم الزاي مصغرًا ابن معاوية (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- أن النبي) وفي نسخة أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى إلى بيت المقدس) بالمدينة (ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا) بالشك من الراوي، وسقط شهرًا الأول لأبي ذر (وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة البيت العتيق (وأنه صلى أو صلاها صلاة العصر) بالشك من الراوي ونصب صلاة بدلًا من الضمير المنصوب في صلاها (وصلى معه) عليه الصلاة والسلام (قوم) لم أعرف أسماءهم (فخرج رجل) هو عباد بن بشر أو عباد بن نهيك (ممن كان صلى معه) عليه الصلاة والسلام (فمرّ على أهل المسجد) من بني حارثة والمسجد بالمدينة أو مسجد قباء (وهم راكعون) حقيقة أو من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل (قال: أشهد) أي أحلف (بالله لقد صليت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل مكة) أي حال كونه متوجهًا إليها (فداروا كما هم) عليه (قبل البيت) جهة البيت العتيق (وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحوّل قبل البيت) الحرام (رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم) ذكر الواحدي في أسباب النزول منهم: أسعد بن زرارة، وأبا أمامة أحد بني النجار، والبراء بن معرور أحد بني سلمة، لكن ذكر أن أسعد بن زرارة مات في السنة الأولى من الهجرة، والبراء بن معرور في صفر قبل قدومه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة بشهر (فأنزل الله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم})، صلاتكم إلى بيت المقدس ({إن الله بالناس لرؤوف رحيم}) [البقرة: 143] فلا يضيع أجورهم، وفي رواية أبي ذر بعد قوله: (وإيمانكم) الآية وسقط ما بعدها. وهذا الحديث سبق في كتاب الإيمان في باب الصلاة من الإيمان. 13 - باب {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] ({وكذلك}) ولأبي ذر: باب قوله تعالى: {وكذلك} أي وكما جعلناكم مهديين إلى الصراط المستقيم وجعلنا قبلتكم أفضل القبل ({جعلناكم أمة وسطًا) أي خيارًا أو عدولًا وجعل بمعنى صير

14 - باب {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم} [البقرة: 143]

فيتعدى لاثنين فالضمير مفعول أوّل وأمة ثان ووسطًا نعت وهو بالتحريك اسم لما بين الطرفين، ويطلق على خيار الشيء، وقيل: كل ما صلح فيه لفظ بين يقال بالسكون وإلا فبالتحريك تقول: جلست وسط القوم بالتحريك، وقيل المفتوح في الأصل مصدر والساكن ظرف ({لتكونوا شهداء على الناس}) يوم القيامة ({ويكون الرسول عليكم شهيدًا}) [البقرة: 143] علة للجعل. 4487 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ وَأَبُو أُسَامَةَ وَاللَّفْظُ لِجَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَقَالَ أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُقَالُ لأُمَّتِهِ هَلْ بَلَّغَكُمْ: فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيَقُولُ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، وَالْوَسَطُ: الْعَدْلُ. [البقرة: 143]. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (يوسف بن راشد) هو يوسف بن موسى بن راشد بن بلال القطان الكوفي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (وأبو أسامة) حماد بن أسامة (واللفظ) أي لفظ المتن (لجرير عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (وقال أبو أسامة): حماد يعني عن الأعمش (حدّثنا أبو صالح) ذكوان ففيه تصريح الأعمش بالتحديث (عن أبي سعيد) سعد بن مالك بن سنان (الخدري رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يدعى نوح يوم القيامة فيقول: لبيك وسعديك يا رب. فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير. فيقول: من يشهد لك؟ فيقول): يشهد لي (محمد وأمته فيشهدون) له (أنه قد بلغ) زاد أبو معاوية عن الأعمش عند النسائي فقال: وما علمكم؟ فيقولون: أخبرنا نبينا أن الرسل قد بلغوا فصدقنا. ({ويكون الرسول عليكم شهيدًا}) فذلك قوله جل ذكره: ({وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا] والوسط: العدل) هو مرفوع من نفس الخبر لا مدرج كما قاله في الفتح، وسقط لأبي ذر لفظ جل ذكره. وقد سبق الحديث في كتاب الأنبياء. 14 - باب {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143] ({وما}) ولأبي ذر باب قوله: وما ({جعلنا القبلة التي كنت عليها}) قيل: القبلة مفعول أول والتي كنت عليها ثان، فإن الجعل بمعنى التصيير أي الجهة التي كنت عليها وهي الكعبة، فإنه عليه الصلاة والسلام كان يصلّي إليها بمكة ثم لما هاجر أمر بالصلاة إلى بيت المقدس تألفًا لليهود أي أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة وما جعلنا قبلتك بيت المقدس ({إلا لنعلم}) لنختبر ونتبين ({من يتبع الرسول}) في الصلاة إلى الكعبة ({ممن ينقلب على عقبيه}) من يرتد عن دينه بعد. ومن: موصول، ويتبع صلته، والموصول وصلته في محل المفعول بنعلم، وعلى عقبيه في محل نصب على الحال. قال البيضاوي: فإن قلت: كيف يكون علمه تعالى غاية الجعل وهو لم يزل عالمًا؟ وأجاب: بأن هذا وأشباهه باعتبار التعلق الحالي الذي هو مناط الجزاء والمعنى ليتعلق علمنا به موجودًا، وقيل ليعلم رسوله والمؤمنون، لكنه أسند إلى نفسه لأنهم خواصه أو ليتميز الثابت عن المتزلزل كقوله تعالى: {ليميز الله الخبيث من الطيب} [الأنفال: 37] فوضع العلم موضع التميز المسبب عنه. ({وإن كانت}) أي التحويلة أو القبلة ({لكبيرة}) لثقيلة شاقة وإن مخففة من الثقيلة دخلت على ناسخ الابتداء والخبر واللام للفرق بينها وبين النافية ({إلاّ على الّذين هدى الله}) وهم التائبون الصادقون في اتّباع الرسول والاستثناء مفرغ وجاز ذلك وإن لم يتقدمه نفي ولا شبهه لأنه في معنى النفي ({وما كان الله ليضيع إيمانكم}) أي بالقبلة المنسوخة أو صلاتكم إليها ({إن الله بالناس لرؤوف رحيم}) [البقرة: 143]. ولأبي ذر بعد قوله: {من يتبع الرسول} الآية وسقط ما بعدها عنده. 4488 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: بَيْنَا النَّاسُ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ إِذْ جَاءَ جَاءٍ فَقَالَ: أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُرْآنًا أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا فَتَوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبَةِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري (عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله تعالى عنهما) أنه قال: (بينا الناس) بغير ميم (يصلون الصبح في مسجد قباء) بالصرف على الأشهر (إذ جاء جاء) هو عباد بن بشر (فقال) لهم: (أنزل الله على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرآنًا) هو قوله تعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السماء} [البقرة: 144] الآيات. (أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها) بكسر الموحدة على الأمر في اليونينية وفرعها وبفتحها على الخبر (فتوجهوا إلى الكعبة) من غير أن تتوالى خطاهم عند التوجه بل كانت مفرقة. وهذا الحديث سبق في باب ما جاء في القبلة في أوائل كتاب

15 - باب قوله {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام} [البقرة: 144]

الصلاة. 15 - باب قَوْلِهِ {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ} [البقرة: 144] (باب) ({قد نرى}) ولأبي ذر باب قوله: قد نرى ({تقلب وجهك في السماء}) أي تردد وجهك في جهة السماء تطلعًا للوحي قبل، وقد يصرف المضارع إلى معنى المضي كهذه الآية وأشبهها، وقول الزمخشري {قد نرى} ربما نرى ومعناه كثرة الرؤية كقوله: قد أترك القرن مصفرًا أنامله تعقبه أبو حيان بأنه شرح قوله: {قد نرى} بربما نرى، ورب عند المحققين لتقليل الشيء في نفسه أو لتقليل نظيره، ثم قال: ومعناه كثرة الرؤية فهو مضاد لمدلول رب على مذهب الجمهور ثم ما ادّعاه من كثرة الرؤية لا يدل عليه اللفظ لأنه لم يوضع للكثرة قد مع المضارع سواء أريد المضي أم لا، وإنما فهمت من التقلب. ({فلنولينك قبلة ترضاها}) تحبها وتتشوق إليها لمقاصد دينية وافقت مشيئة الله تعالى وحكمه والجملة في على نصب صفة لقبلة ({فولّ وجهك شطر المسجد الحرام}) [البقرة: 144] نحوه وجهته، ولغير أبي ذر بعد قوله: {في السماء} إلى {عما يعملون} وسقط ما بعدها. 4489 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمْ يَبْقَ مِمَّنْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ غَيْرِي. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا معتمر) بضم الميم الأولى وسكون العين وفتح الفوقية وكسر الميم آخره راء (عن أبيه) سليمان بن طرخان (عن أنس رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: لم يبق ممن صلّى القبلتين) أي الصلاة إلى بيت المقدس وإلى الكعبة من المهاجرين والأنصار (غيري) وهذا قاله أنس في آخر عمره. 16 - باب {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 145] ({ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب}) اليهود ({بكل آية}) بكل برهان وحجة على أن الكعبة قبلة ({ما تبعوا قبلتك}) أي لم يؤمنوا بها ولا صلّوا إليها، ولام لئن أتت موطئة للقسم المحذوف وإن شرطية فاجتمع شرط وقسم فالجواب له (إلى قوله: {إنك إذًا لمن الظالمين}) [البقرة: 145]. والمعنى: ولئن اتبعت أهواءهم على سبيل الفرض، والتقدير وحاشاه الله من ذلك، ولأبي ذر بعد قوله: ({ما تبعوا قبلتك}) الآية وأسقط ما بعده. 4490 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- بَيْنَمَا النَّاسُ فِي الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ جَاءَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وقد أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ أَلاَ فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكَانَ وَجْهُ النَّاسِ إِلَى الشَّاْمِ فَاسْتَدَارُوا بِوُجُوهِهِمْ إِلَى الْكَعْبَةِ. وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة البجلي الكوفي قال: (حدّثنا سليمان) هو ابن بلال (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن دينار عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: بينما الناس) بالميم (في) صلاة (الصبح بقباء جاءهم رجل) اسمه عباد بن بشر (فقال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أنزل عليه الليلة قرآن) بالتنكير لأن المراد البعض أي قوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} [البقرة: 144] الآيات. وأطلق الليلة على بعض اليوم الماضي وما يليه مجازًا (وقد أمر) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أي أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام (أن يستقبل الكعبة ألا) بتخفيف اللام (فاستقبلوها) بكسر الموحدة لا بفتحها كما لا يخفى (وكان وجه الناس إلى الشام) تفسير من الراوي (فاستداروا بوجوههم إلى الكعبة) ولم يؤمروا بإعادة ما صلوه إلى جهة بيت المقدس لأن النسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه. 17 - باب {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ} -إِلَى قَوْلِهِ- {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [البقرة: 146، 147] ({الذين آتيناهم الكتاب}) هم علماؤهم ({يعرفونه}) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنعته وصفته ({كما يعرفون أبناءهم}) روي أن عمر سأل عبد الله بن سلام عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أنا أعلم به مني بابني. قال: ولم؟ قال: لأني لم أشك في محمد أنه نبي، فأما ولدي فلعلّ والدته خانت. زاد السمرقندي في روايته أقر الله عينك يا عبد الله، وقيل الضمير في يعرفونه للقرآن، وقيل لتحويل القبلة وظاهر سياق الآية ثم يقتضي اختياره ({وإن فريقًا منهم}) طائفة من اليهود ({ليكتمون الحق}) محمدًا وما جاء به (إلى قوله: {فلا تكونن من الممترين}) [البقرة: 146، 147]. الشاكين في أنه من ربك أو في كتمانهم الحق عالمين به، والمراد الأمة لأن الرسول لا يشك، وسقط لأبي ذر ({وإن فريقًا}) إلى ({الحق}) قال إلى قوله: ({فلا تكونن من الممترين}) فزاد فلا تكوننّ. 4491 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّاْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ. وبه قال: (حدّثنا يحيي بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة المفتوحات قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما أنه (قال: بينا الناس) بغير ميم (بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت) هو عباد بن بشر (فقال: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أنزل عليه الليلة قرآن) أي قوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك

18 - باب {ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير} [البقرة: 148]

في السماء} [البقرة: 144] الآيات (وقد أمر) بضم الهمزة (أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها) بكسر الموحدة (وكانت وجوههم إلى الشام) من كلام الراوي (فاستداروا إلى الكعبة) وهذه طريقة أخرى للحديث السابق. 18 - باب {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 148] ({ولكل}) وفي نسخة باب ولكل من أهل الملل ({وجهة}) قبلة ({هو موليها}) وجهه ({فاستبقوا الخيرات}) من أمر القبلة وغيرها ({أينما تكونوا يأت بكم الله جميعًا إن الله على كل شيء قدير}) [البقرة: 148]. أي هو قادر على جمعكم من الأرض وإن تفرقت أجسادكم وأبدانكم، ووقع في رواية أبي ذر بعد قوله هو موليها الآية وسقط ما بعدها. 4492 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ -أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا- ثُمَّ صَرَفَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن المثنى) العنزي الزمن البصري (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سمعت البراء) بن عازب (رضي الله تعالى عنه قال: صلينا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحو بيت المقدس) أي ونحن بالمدينة (ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا) بالشك من الراوي (ثم صرفه) أي صرف الله عز وجل نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي ذر عن الكشميهني ثم صرفوا بضم أوله مبنيًّا للمفعول أي صرف الله تعالى نبيه وأصحابه (نحو القبلة) أي الكعبة الحرام. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصلاة والنسائي فيها وفي التفسير. 19 - باب {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 149] شَطْرُهُ: تِلْقَاءَهُ ({ومن حيث خرجت}) أي ومن أي مكان خرجت للسفر ({فولّ وجهك شطر المسجد الحرام}) إذا صليت ({وإنه}) أي المأمور به وهو التوجه للكعبة ({للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون}) [البقرة: 149]. فيجازيكم بأعمالكم، وفي رواية أبي ذر بعد قوله شطر المسجد الحرام الآية وحذف ما بعدها (شطره) مبتدأ أي شطر المسجد الحرام وخبره (تلقاؤه). 4493 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: بَيْنَا النَّاسُ فِي الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ: أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، فَأُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا وَاسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ فَتَوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبَةِ، وَكَانَ وَجْهُ النَّاسِ إِلَى الشَّاْمِ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي قال: (حدّثنا عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبو عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر (قال: سمعت ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يقول: بينما الناس) بالميم وفي نسخة بإسقاطها (في) صلاة (الصبح بقباء) في مسجده (إذ جاءهم رجل) هو عباد بن بشر (فقال) لهم: (أنزل الليلة) بضم الهمزة (قرآن فأمر) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر: وأمر بالواو بدل الفاء (أن يستقبل الكعبة) إذا صلّى (فاستقبلوها) بكسر الموحدة (فاستداروا) بالفاء ولغير أبي ذر: واستداروا (كهيئتهم) من غير تغير (فتوجهوا إلى الكعبة) من غير أن تتوالى خطاهم عند التوجه (وكان وجه الناس إلى الشام) تفسير من الراوي كما سبق. 20 - باب {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 150] ({ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره}) [البقرة: 150]. هذا أمر ثالث منه تعالى باستقبال الكعبة. واختلف في حكمة التكرار فقيل: تأكيد لأنه أول ناسخ وقع في الإسلام على ما نص عليه ابن عباس وغيره والنسخ من مظان الفتنة والشبهة، فبالحري أن يؤكد أمرها ويعاد ذكرها مرة بعد أخرى، وقيل إنه منزل على أحوال. فالأول لمن هو مشاهد للكعبة، والثاني: لمن هو في مكة غائبًا عن مشاهدة الكعبة، والثالث: لمن هو في غيرها من البلدان، أو الأول لمن بمكة، والثاني لمن هو بغيرها من البلدان، والثالث لمن خرج في الأسفار، ولأبي ذر عن الكشميهني: شطره بالنصب تلقاءه، وزاد في رواية غير أبي ذر قوله: {وحيث ما كنتم} إلى قوله: {ولعلكم تهتدون} أي إلى ما ضلت عنه الأمم، ولذا كانت هذه الأمة أفضل الأمم وأشرفها. 4494 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّاْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْقِبْلَةِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي أبو رجاء البغلاني وسقط لأبي ذر ابن سعيد (عن مالك) الإمام الأعظم (عن عبد الله بن دينار) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما أنه (قال: بينما) بالميم (الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت) عباد (فقال) لهم: (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أنزل عليه الليلة) نصب على الظرفية وفي نسخة قرآن كالرواية السابقة، والمراد {قد نرى تقلب وجهك في السماء} الآيات. (وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها)

21 - باب {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم}. شعائر: علامات واحدتها شعيرة. وقال ابن عباس: الصفوان: الحجر ويقال الحجارة الملس التي لا تنبت شيئا والواحدة صفوانة بمعنى الصفا، والصفا للجميع

بكسر الموحدة قال الراوي: (وكانت وجوههم) أي أهل قباء (إلى الشام فاستداروا إلى القبلة). ولأبي ذر، في نسخة أيضًا إلى الكعبة. 21 - باب {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}. شَعَائِرُ: عَلاَمَاتٌ وَاحِدَتُهَا شَعِيرَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّفْوَانُ: الْحَجَرُ وَيُقَالُ الْحِجَارَةُ الْمُلْسُ الَّتِي لاَ تُنْبِتُ شَيْئًا وَالْوَاحِدَةُ صَفْوَانَةٌ بِمَعْنَى الصَّفَا، وَالصَّفَا لِلْجَمِيعِ ({إن الصفا}) ولأبي ذر قوله إن الصفا ({والمروة}) إن واسمها وثم محذوف أي أن طواف الصفا أو سعي الصفا أي الصفا والمروة علمين لجبلين معروفين واللام فيهما للغلبة والمروة الحجارة الصغار والخبر قوله: ({من شعائر الله}) أي من مناسك الحج ({فمن حج البيت أو اعتمر}) شرط في محل رفع الابتداء وحج في موضع جزم والبيت نصب على المفعول به لا على الظرف والجواب قوله: ({فلا جناح عليه أن يطوف بهما}) الإجماع على مشروعية الطواف بهما في الحج والعمرة، واختلف في وجوبه فعن مالك والشافعي أنه ركن لقوله عليه الصلاة والسلام: اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي. رواه أحمد، وعن الإمام أحمد أنه سنّة لقوله تعالى: ({فلا جناح عليه}) فإنه يفهم منه التخيير وهو ضعيف لأن نفي الجناح يدل على الجواز الداخل في معنى الوجوب فلا يدفعه، وعن أبي حنيفة أنه واجب يجبر الدم ({ومن تطوع خيرًا}) فعل طاعة وخيرًا نصب على أنه صفة مصدر محذوف أي تطوع خيرًا ({فإن الله شاكر}) يقبل اليسير ويعطي الجزيل أو شاكر بقبول أعمالكم ({عليم}) [البقرة: 158] بالثواب لا يخفى عليه طاعتكم. (شعائر): ولأبي ذر الشعار (علامات، واحدتها شعيرة) وهي العلامة، والأجود في شعائر الهمزة عكس معايش. (وقال ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما فيما وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه (الصفوان: الحجر، ويقال الحجارة الملس) بضم الميم وسكون اللام جمع أملس (التي لا تنبت شيئًا) أبدًا كذا قاله أهل اللغة (والواحدة) أي واحدة الصفوان (صفوانة بمعنى الصفا، والصفا) بالقصر (للجميع) وهي الصخرة الصماء وألف الصفا عن واو لقولهم صفوان والاشتقاق يدل عليه لأنه من الصفو، وسقط للحموي من قوله وقال ابن عباس الخ. 4495 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فَمَا أُرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا؟ فَقَالَتْ: عَائِشَةُ كَلاَّ. لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ: كَانَتْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الأَنْصَارِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ، وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (أنه قال: قلت لعائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا يومئذ حديث السن أرأيت قول الله تبارك وتعالى: ({إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما} فما أرى) بضم الهمزة أي فما أظن ولأبي ذر فما أرى بفتحها (على أحد شيئًا) من الإثم (أن لا يطوف بهما) لأن مفهوم الآية أن السعي ليس بواجب لأنها دلت على رفع الجناح وهو الإثم وذلك يدل على الإباحة لأنه لو كان واجبًا لما قيل فيه مثل هذا (فقالت عائشة)، رادّة عليه قوله: (كلاّ لو كانت كما تقول كانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) بزيادة "لا" بعد "أن" فإنها كانت حينئذ تدل على رفع الإثم عن تاركه وذلك حقيقة المباح فلم يكن في الآية نص على الوجوب ولا عدمه ثم بينت أن الاقتصار فى الآية على نفي الإثم له سبب خاص فقالت: (إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار كانوا) زاد في الحج قبل أن يسلموا (يهلون لمناة) بفتح الميم والنون المخففة مجرور بالفتحة للعلمية والتأنيث وسميت بذلك لأن النسائك كانت تمنى أي تراق عندها (وكانت مناة حذو قديد) بفتح الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة آخره واو أي مقابل قديد بضم القاف وفتح الدال موضع من منازل طريق مكة إلى المدينة (وكانوا يتحرجون) أي يحترزون من الإثم (أن يطوفوا) بالتشديد وفي اليونينية بالتخفيف (بين الصفا والمروة) كراهية لصنمي غيرهم أساف الذي كان على الصفا ونائلة الذي كان بالمروة وحبهم صنمهم الذي بقديد، وكان ذلك سنّة في آبائهم من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة (فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك) الطواف بينهما (فأنزل الله) تعالى: ({إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما}). وهذا الحديث سقط للحموي وقد سبق في باب وجوب الصفا والمروة من كتاب الحج مطولًا. 4496 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَالَ: كُنَّا نَرَى أَنَّهُمَا مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِسْلاَمُ أَمْسَكْنَا عَنْهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ}. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف)

22 - باب قوله: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا} [البقرة: 165] أضدادا: واحدها ند

بن واقد الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) هو الثوري (عن عاصم بن سليمان) الأحول البصري أبي عبد الرحمن أنه (قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن الصفا والمروة) في باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة؟ قال: قلت لأنس أكنتم تكرهون السعي بين الصفا والمروة؟ (فقال: كنا نرى) بفتح النون، ولأبي ذر: نري بضمها (أنهما من أمر الجاهلية) الذي كانوا يتعبدون به (فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما) فأنزل الله تعالى: ({إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه}) كذا لأبي ذر ولغيره بعد {إن الصفا والمروة} إلى قوله: {أن يطوّف بهما}. وهذا الحديث قد مرّ في الحج. 22 - باب قَوْلِهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة: 165] أَضْدَادًا: وَاحِدُهَا نِدٌّ (باب قوله) تعالى: ({ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا}) [البقرة: 165]. من الأصنام (أضدادًا) كذا فسره أبو عبيدة وهو تفسير باللازم، لأن الندّ في اللغة المثل، وزاد أبو ذر في روايته بعد قوله: {أندادًا يحبونهم كحب الله} يعني أضدادًا (واحدها ندّ) بكسر النون وتشديد الدال المهملة، والكاف في {كحب الله} في محل نصب نعت لمصدر محذوف. وقال ابن عطية: حب مصدر مضاف للمفعول في اللفظ، وهو في التقدير مضاف للفاعل المضمر التقدير: كحبكم الله أو كحبهم الله، ومراده بالمضمر أن ذلك الفاعل من جنس الضمائر، ولا يريد أن الفاعل مضمر في المصدر كما يضمر في الأفعال لأن هذا قول مردود، لأن المصدر اسم جنس لا يضمر فيه لجموده، والمعنى أنهم يعظمونهم كتعظيم الله ويسوون بينه وبينهم في المحبة وسقط باب قوله لأبي ذر. 4497 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَلِمَةً وَقُلْتُ أُخْرَى قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ» وَقُلْتُ: أَنَا مَنْ مَاتَ وَهْوَ لاَ يَدْعُو لِلَّهِ نِدًّا دَخَلَ الْجَنَّةَ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان المروزي (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن شقيق) أبي وائل بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلمة وقلت أخرى قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من مات وهو يدعو من دون الله ندًّا) مثلًا (دخل النار) والندّ المثل من ندّ ندودًا إذا نفر، وناددت الرجل خالفته خص بالمخالف المماثل في الذات كما خص المساوي للمماثل في القدر، وتسمية ما يعبده المشركون من دون الله أنداد لأنهم لما تركوا عبادته إلى عبادتها شابهت حالهم حال من يعتقد أنها ذوات واجبة بالذات قادرة على أن تدفع عنهم بأس الله، وتمنحهم ما لم يرد الله تعالى بهم من خير فتهكم بهم وشنع عليهم بأن جعلوا أندادًا لمن يمتنع أن يكون له ند. (وقلت أنا: من مات وهو لا يدعوا لله ندًا دخل الجنة) لأن انتفاء السبب يقتضي انتفاء المسبب، فإذا انتفى دعوى الندّ انتفى دخول النار، وإذا انتفى دخولها لزم دخول الجنة إذ لا دار بينهما، وأما أصحاب الأعراف فقد عرف استثناؤهم من العموم. 23 - باب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} -إِلَى قَوْلِهِ- {عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178] {عُفِىَ}: تُرِكَ ({يا أيها الذين آمنوا}) ولأبي ذر: باب بالتنوين ({يا أيها الذين آمنوا}) {كتب عليكم القصاص في القتلى}) أي بسبب القتلى كقوله: "دخلت امرأة النار في هرة" والقصاص مأخوذ من قصّ الأثر فكأن القاتل سلك طريقًا من القتل يقص أثره فيها ويمشي على سبيله في ذلك، والقتلى جمع قتيل لفظ مؤنث تأنيث الجماعة أي فرض عليكم على التخيير إذا كان القتل عمدًا ظلمًا أن يقتل ({الحر بالحر} -إلى قوله- {عذاب أليم}) [البقرة: 178]. وسقط لأبي ذر {الحر بالحر} وقال إلى {أليم}. وقد روى ابن أبي حاتم في سبب نزول هذه الآية أن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل، وكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا، وكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال، فحلفوا أن لا يرضوا حتى يقتل الحر منكم بالعبد والذكر بالأنثى فنزلت. واستدلّ بها المالكية والشافعية على أنه لا يقتل الحر بالعبد، لكن قال البيضاوي: لا دلالة فيها على أنه لا يقتل الحر بالعبد والذكر بالأنثى كما لم يدل على عكسه فإن المفهوم إنما يعتبر حيث لم يظهر للتخصيص غرض سوى اختصاص الحكم، وقد بيّنا ما كان الغرض وإنما منع مالك والشافعي قتل الحر بالعبد سواء كان عبده أو عبد غيره لحديث: "لا يقتل حر بعبد" رواه الدارقطني.

وقال الحنفية: آية البقرة منسوخة بآية المائدة. {النفس بالنفس} فالقصاص ثابت بين العبد والحر والذكر والأنثى، ويستدلون بقوله عليه الصلاة والسلام: "المسلمون تتكافأ دماؤهم" وبأن التفاضل غير معتبر في الأنفس بدليل أن جماعة لو قتلوا واحدًا قتلوا به. وأجيب: بأن دعوى النسخ بآية المائدة غير سائغة لأنه حكاية ما في التوراة فلا ينسخ ما في القرآن. وعن الحسن وغيره لا يقتل الرجل بالمرأة لهذه الآية، وخالفهم الجمهور وهو مذهب الأئمة الأربعة فقالوا: يقتل الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر بالإجماع، وحينئذ فما نقله في الكشاف عن الشافعي ومالك أنه لا يقتل الذكر بالأنثى لا عمل عليه ({عفي}) [البقرة: 178] أي (ترك) وسقط ذلك في نسخ. 4498 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ، وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِهَذِهِ الأُمَّةِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] فَالْعَفْوُ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ. {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} يَتَّبِعُ بِالْمَعْرُوفِ وَيُؤَدِّي بِإِحْسَانٍ {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} مِمَّا كُتِبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ {فَمَنِ اعْتَدَي بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قَتَلَ بَعْدَ قَبُولِ الدِّيَةِ. [الحديث 4498 - طرفه في: 6881]. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير بن عيسى المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) هو ابن دينار (قال: سمعت مجاهدًا) هو ابن جبر المفسر (قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول): كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدّية فقال الله تعالى لهذه الأمة: ({كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عُفي له من أخيه شيء}) أي شيء من العفو لأن عمّا لازم وفائدته الإشعار بأن بعض العفو كالعفو التام في إسقاط القصاص، وقيل عُفي بمعنى ترك وشيء مفعول به وهو ضعيف إذ لم يثبت عمّا الشيء بمعنى تركه بل أعفاه وعفا يعدى بعن إلى الجاني وإلى الذنب. قال الله تعالى: {عفا الله عنك} [التوبة: 43] وقال: {عفا الله عنها} [المائدة: 101] فإذا عدى به إلى الذنب عدى إلى الجاني باللام كأنه قيل: فمن عفى له عن جنايته من جهة أخيه يعني وليّ الدم، وذكره بلفظ الأخوة الثابتة بينهما من الجنسية والإسلام ليرق له بعطف عليه قاله القاضي في تفسيره (فالعفو أن يقبل) الولي (الدية) من المعفو عنه (في) القتل (العمد {فاتباع بالمعروف وأداء بإحسان} يتبع) بتشديد الفوقية وكسر الموحدة ولأبي ذر يتبع بفتح التحتية وسكون الفوقية وفتح الموحدة أي يطلب ولي المقتول الدّية (بالمعروف) من غير عنف (ويؤدي) المعفو عنه الدّية (بإحسان) من غير مطل ولا بخس. ({ذلك}) الحكم المذكور من العفو والدية ({تخفيف من ربكم} مما كتب على من كان قبلكم}) [البقرة: 178] لأن أهل التوراة كتب عليهم القصاص فقط وحرم عليهم العفو وأخذ الدّية وأهل الإنجيل العفو، وحرم عليهم القصاص والدية، وخيرت هذه الأمة المحمدية بين الثلاثة: القصاص والدّية والعفو تيسيرًا عليهم وتوسعة ({فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}) [البقرة: 178] أي (قتل) بفتحات (بعد قبول الدية) فله عذاب موجع في الآخرة أو في الدنيا بأن يقتل لا محالة. قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا أعافي رجلًا" وفي رواية "أحدًا قتل بعد أخذه الدّية" يعني لا أقبل منه الدّية بل أقتله. 4499 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله) بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك بن النضر (الأنصاري) وسقط ابن عبد الله لأبي ذر قال: (حدّثنا حميد) الطويل (أن أنسًا حدثهم عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (كتاب الله القصاص) برفعهما على أن كتاب الله مبتدأ والقصاص خبره ونصبهما على أن الأول إغراء، والثاني بدل منه، ونصب الأول ورفع الثاني على أنه مبتدأ محذوف الخبر أي اتبعوا كتاب الله ففيه القصاص، والمعنى حكم كتاب الله القصاص ففيه حذف مضاف وهو يشير إلى قوله تعالى: {والجروح قصاص} وقوله: {والسن بالسن} [المائدة: 45] وهو ثلاثي الإسناد مختصر هنا ساقه مطوّلًا في الصلح، وفي هذا الباب بنحوه رباعيًا فقال بالسند إليه: 4500 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَكْرٍ السَّهْمِيَّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الرُّبَيِّعَ عَمَّتَهُ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ فَطَلَبُوا إِلَيْهَا الْعَفْوَ، فَأَبَوْا فَعَرَضُوا الأَرْشَ فَأَبَوْا فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَوْا إِلاَّ الْقِصَاصَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْقِصَاصِ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ، لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» فَرَضِيَ الْقَوْمُ فَعَفَوْا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ». (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون وبعد التحتية الساكنة راء أبو عبد الرحمن الزاهد المروزي أنه (سمع عبد الله بن بكر) بسكون الكاف (السهمي) قال: (حدّثنا حميد) الطويل (عن أنس) -رضي الله عنه- (أن الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد التحتية المكسورة بنت النضر (عمته) أي عمة أنس (كسرت ثنية جارية) أي امرأة شابة لا أمة إذ لا قصاص

24 - باب {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}

بين الأمة والحرّة (فطلبوا) أي قوم الربيع (إليها العفو) عن الربيع (فأبوا) أي قوم الجارية (فعرضوا) يعني قوم الربيع (الأرش فأبوا) إلا القصاص (فأتوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليقضي بينهم بحكم الله (وأبوا) أي امتنعوا من أخذ الأرش والعفو (إلا القصاص فأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالقصاص) يحتمل أن يكون المراد بالكسر القلع أو كسرًا يمكن المماثلة فيه ليتصور القصاص المأمور به، وإلاّ فلا قصاص في كسر عظم غير منضبط (فقال أنس بن النضر): بفتح النون وسكون الضاد المعجمة عم أنس بن مالك (يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها) ردًّا لحكم الشرع بل نفي لوقوعه توقعًا ورجاء من فضل الله تعالى أن يرضي خصمها ويلقي في قلبه العفو عنها (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا أنس كتاب الله) أي حكم كتاب الله (القصاص) وسقط قوله فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى آخره من الفرع (فرضي القوم فعفوا) عن الربيع (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه) أي جعله بارًّا في قسمه وفعل ما أراده. 24 - باب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (باب) ذكر قوله تعالى: ({يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام}) مصدر صام يصوم صيامًا الأصل صوامًا فأبدلت الواو ياء، والصوم لغة الإمساك وشرعًا الإمساك عن المفطرات الثلاث الأكل والشرب والجماع نهارًا مع النية ({كما كتب على الذين عن قبلكم}) قيل موضعه نصب نعت مصدر محذوف أي كتب كتبًا وقيل كاف كما في موضع نصب على النعت تقديره كتابًا كما أو صومًا كما أو علي الحال كان الكلام كتب عليكم الصيام مشبهًا ما كتب على الذين من قبلكم، والمعنى كما قيل صومكم كصومهم في عدد الأيام كما روي أن رمضان كتب على النصارى فوقع في برد أو حر شديد فحوّلوه إلى الربيع وزادوا عليه عشرين يومًا كفارة لتحويله فالتشبيه حقيقة. وروى ابن أبي حاتم من حديث ابن عمر مرفوعًا بإسناد فيه مجهول صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم، أو المراد مطلق الصيام دون وقته وقدره، فالتشبيه واقع على نفس الصوم فقط وكان الصوم على آدم عليه الصلاة والسلام أيام البيض وعلى قوم موسى عاشوراء فالتشبيه لا يقتضي التسوية من كل وجه ({لعلكم تتقون}) [البقرة: 183] لأن الصوم فيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان. 4501 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ عَاشُورَاءُ يَصُومُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان عاشوراء يصومه أهل الجاهلية) قريش ولعلهم اقتدوا في ذلك بشرع سبق (فلما نزل رمضان) أي صوم رمضان في شعبان في السنة الثانية من الهجرة (قال) عليه الصلاة والسلام: (من شاء صامه ومن شاء لم يصمه). 4502 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ عَاشُورَاءُ يُصَامُ قَبْلَ رَمَضَانَ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) أنها (قالت: كان عاشوراء يصام قبل رمضان فلما نزل رمضان) أي فرض صومه زاد هنا لغير أبي ذر لفظة قال: (من شاء صام) أي عاشوراء (ومن شاء أفطر). 4503 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلَ عَلَيْهِ الأَشْعَثُ وَهْوَ يَطْعَمُ فَقَالَ: الْيَوْمُ عَاشُورَاءُ فَقَالَ: كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تُرِكَ فَادْنُ فَكُلْ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمود) هو ابن غيلان قال: (أخبرنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن موسى بن باذام الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه (قال: دخل عليه الأشعث) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وبعد العين المهملة المفتحة مثلثة ابن قيس الكندي، وكان ممن أسلم ثم ارتدّ بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم رجع إلى الإسلام في خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه (وهو يطعم) بفتح أوّله وثالثه أي والحال أن عبد الله كان يأكل

25 - باب قوله: {أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} وقال عطاء: يفطر من المرض كله كما قال الله تعالى وقال الحسن وإبراهيم في المرضع والحامل إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما تفطران ثم تقضيان وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام فقد أطعم أنس بعد ما كبر عاما أو عامين كل يوم مسكينا خبزا ولحما وأفطر. قراءة العامة يطيقونه وهو أكثر

(فقال) أي الأشعث: (اليوم عاشوراء) وعند مسلم من رواية عبد الرحمن بن يزيد فقال أي ابن مسعود يا أبا محمد وهي كنية الأشعث ادن إلى الغداء قال أوليس اليوم يوم عاشوراء (فقال) أي ابن مسعود: (كان يصام) يعني عاشوراء (قبل أن ينزل) بضم أوّله وفتح ثالثه لأبي ذر ولغيره بفتح ثم كسر (رمضان فلما نزل رمضان ترك) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول أي ترك صومه (فادن) بهمزة الوصل أي فاقرب (فكل). وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصوم. 4504 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ رَمَضَانُ الْفَرِيضَةَ وَتُرِكَ عَاشُورَاءُ، فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَصُمْهُ. وبه قال: (حدّثنا) وفي الفرع كأصله حدّثني بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي الزمن البصري قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا هشام) هو ابن عروة (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) أنها (قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصومه) زاد في كتاب الصوم في رواية أبوي الوقت وذر وابن عساكر في الجاهلية (فلما قدم المدينة صامه) على عادته (وأمر) الناس (بصيامه، فلما نزل رمضان كان رمضان الفريضة وترك عاشوراء فكان من شاء صامه ومن شاء لم يصمه). واستدل بهذا على أن صيام عاشوراء كان فريضة قبل نزول رمضان ثم نسخ، لكن في حديث معاوية السابق في الصيام سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه" وهو دليل مشهور ومذهب الشافعية والحنابلة أنه لم يكن فرضًا قط ولا نسخ برمضان وبقية مبحث ذلك سبقت في الصوم. 25 - باب قَوْلِهِ: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وَقَالَ عَطَاءٌ: يُفْطِرُ مِنَ الْمَرَضِ كُلِّهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ فِي الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ إِذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِمَا تُفْطِرَانِ ثُمَّ تَقْضِيَانِ وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ إِذَا لَمْ يُطِقِ الصِّيَامَ فَقَدْ أَطْعَمَ أَنَسٌ بَعْدَ مَا كَبِرَ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا خُبْزًا وَلَحْمًا وَأَفْطَرَ. قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ يُطِيقُونَهُ وَهْوَ أَكْثَرُ (باب قوله) عز وجل وسقط ذلك لغير أبي ذر ({أيامًا معدودات}) أي مؤقتات بعدد معلوم ونصب أيامًا بعامل مقدر أي صوموا أيامًا، وهذا النصب إما على الظرفية أو المفعول به اتساعًا وقيل نصب بكتب إما على الظرف أو المفعول به، وردّه أبو حيان فقال: أما النصب على الظرفية فإنه محل للفعل والكتابة ليست واقعة في الأيام لكن متعلقها هو الواقع في الأيام وأما على المفعول اتساعًا فإن ذلك مبني على كونه ظرفًا لكتب وتقدم أنه خطأ ومعدودات صفة والمراد به رمضان أو ما وجب صومه قبل وجوبه ونسخ به وهو عاشوراء كما مر ({فمن كان منكم مريضًا}) مرضًا يضره الصوم ويشق عليه معه ({أو على سفر}) في موضع نصب عطفًا على خبر كان وأو للتنويع ({فعدّة}) أي فعليه صوم عدّة أيام المرض أو السفر ({من أيام أخر}) إن أفطر فحذف الشرط والمضاف والمضاف إليه للعلم به ({وعلى الذين يطيقونه}) إن أفطروا ({فدية طعام مسكين}) نصف صاع من بر أو صاع من غيره ثم نسخ ذلك ({فمن تطوّع خيرًا}) فزاد في الفدية ({فهو}) أي فالتطوّع ({خير له}) وله في محل رفع صفة لخير فيتعلق بمحذوف أي خير كائن له ({وأن تصوموا}) أيها المطيقون وأن مصدرية أي صومكم وهو مرفوع بالابتداء خبره ({خير لكم}) من الفدية وتطوّع الخير ({وإن كنتم تعلمون}) (البقرة: 184] شرط حذف جوابه تقديره اخترتموه أو معناه إن كنتم من أهل العلم أو التدبر علمتم أن الصوم خير لكم. (وقال عطاء): هو ابن أبي رباح فيما وصله عبد الرزاق (يفطر من المرض كله كما قال الله تعالى) والذي عليه الجمهور أنه يباح الفطر لمرض يضر معه الصوم ضررًا يبيح التيمم وإن طرأ على الصوم ويقض. (وقال الحسن) البصري فيما وصله عبد بن حميد (وإبراهيم) النخعي فيما وصله عبد بن حميد أيضًا (في المرضع والحامل) بالواو ولأبي ذر: أو الحامل (إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما تفطران) ولو كان في المرضع من غيرها (ثم تقضيان). ويجب مع ذلك الفدية في الخوف على الولد أخذًا من آية (وعلى الذين يطيقونه فدية) قال ابن عباس: إنها نسخت إلا في حق الحامل والمرضع. رواه البيهقي عنه لا في الخوف على المس كالمريض فلا فدية عليه. (وأما الشيخ الكبير إذا لم يطق الصيام) فإنه يفطر وتجب عليه الفدية دون القضاء (فقد أطعم أنس بعد ما كبر) بكسر الموحدة وشق عليه الصوم وكان حينئذٍ في عشرة المائة (عامًا أو عامين) بالشك من الراوي (كل يوم مسكينًا خبرًا ولحمًا وأفطر) وهذا رواه

26 - باب {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}

عبد بن حميد من طريق النضر بن أنس عن أنس لكن الواجب لكل يوم فات صومه مد وهو رطل وثلث، وبالكيل المصري نصف قدح من جنس الفطرة فلا يجزئ نحو دقيق وسويق ومثل الكبير المريض الذي لا يطيق الصوم ولا يرجى برؤه للآية السابقة على القول بأنها لم تنسخ أصلًا (قراءة العامة يطيقونه) بكسر الطاء وسكون التحتية من أطاق يطيق كأقام يقيم (وهو أكثر). 4505 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقْرَأُ وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ، لاَ يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَلْيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق) هو ابن راهويه قال: (أخبرنا روح) بفتح الراء وبعد الواو الساكنة حاء مهملة ابن عبادة قال: (حدّثنا زكريا بن إسحاق) المكي قال: (حدّثنا عمرو بن دينار عن عطاء) هو ابن أبي رباح المكي (سمع) ولأبي الوقت أنه سمع (ابن عباس) -رضي الله عنهما- (يقرأ) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يقول: (وعلى الذين يطوّقونه) بفتح الطاء مخففة وواو مشددة مبنيًا للمفعول من طوّق بفتح أوّله بوزن قطع. قال مجاهد: يتحملونه. وعن عمرو بن دينار فيما رواه النسائي من طريق ابن أبي نجيح يكلفونه أي يكلفون إطاقته، وفي نسخة يطوقونه فلا يطيقونه ({فدية طعام مسكين} قال ابن عباس: ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعمان) كذا في اليونينية باللام وسقطت من الفرع كغيره (مكان كل يوم) أفطراه (مسكينًا) وفيه دليل للشافعي ومن وافقه أن الشيخ الكبير ومن ذكر معه إذا شق عليه الصوم فأفطر فعليه الفدية خلافًا لمالك ومن وافقه، ومن أفطر لكبر ثم قوي على القضاء بعد يقضي ويطعم عند الشافعي وأحمد، وقال الكوفيون: لا إطعام. 26 - باب {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} ({فمن شهد منكم الشهر فليصمه}) [البقرة: 185] "من" يجوز أن تكون شرطية وموصولة، ومنكم في موضع نصب على الحال من المستكنّ في شهد فيتعلق بمحذوف أي كائنًا منكم والشهر نصب على الظرفية، والمراد بشهد وحضر ومفعوله محذوف أي فمن حضر منكم المصر في الشهر ولم يكن مسافرًا فليصم فيه، والفاء جواب الشرط أو زائدة في الخبر والهاء نصب على الظرفية كما في الكشاف، وتعقب بأن الفعل لا يتعدى لضمير الظرف إلا بفي إلا أن يتوسع فيه فينصب نصب المفعول به. 4506 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَرَأَ {فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} [البقرة: 184] قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ. وبه قال: (حدّثنا عياش بن الوليد) بالمثناة التحتية والشين المعجمة الرقام البصري قال: (حدّثنا عبد الأعلى) السامي البصري قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قرأ فدية طعام) بغير تنوين وجر طعام على الإضافة (مساكين) بالجمع وهي رواية أبي ذر، وقراءة نافع وابن ذكوان مقابلة الجمع بالجمع، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكوفيون بالتنوين والرفع على أن فدية مبتدأ خبره في الجار قبله، وطعام بدل من فدية أو عطف بيان وتخصيص فدية بتقديم الجار وإضافتها سوغ الابتداء مسكين بالتوحيد مراعاة لأفراد العموم أي على كل واحد ممن يطيق الصوم. فإن قلت: أفردوا المسكين والمعنى على الكثرة لأن الذين يطيقوله جمع وكل واحد منهم يلزمه مسكين فكان الوجه أن يجمعوا كما جمع المطيقون. أجيب: بأن الإفراد أحسن لأنه يفهم بالمعنى أن لكل واحد مسكينًا، وقرأ هشام بالتنوين والرفع والجمع. (قال: هي منسوخة) أي بقوله: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة 185] فأثبت الله تعالى صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر، وكذا الشيخ الفاني الذي لا يستطيع. 4507 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِىَ حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا فَنَسَخَتْهَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مَاتَ بُكَيْرٌ قَبْلَ يَزِيدَ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد الثقفي أبو رجاء البغلاني قال: (حدّثنا بكر بن مضر) بفتح الموحدة وسكون الكاف ومضر بميم مضمومة فضاد معجمة مفتوحة فراء ابن محمد بن حكيم المصري (عن عمرو بن الحرث) بفتح العين ابن يعقوب بن عبد الله مولى قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري المصري أحد الأئمة الأعلام (عن بكير بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الكاف مصغرًا ابن الأشج مولى بني مخزوم المدني نزيل مصر (عن يزيد) بن أبي عبيد الأسلمي (مولى سلمة بن الأكوع عن سلمة) بن الأكوع أنه (قال: لما نزلت {وعلى

27 - باب {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم}

الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} كان من أراد أن يفطر ويفتدي) فعل (حتى نزلت الآية التي بعدها) {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} (فنسختها) كلها أو بعضها فيكون حكم الإطعام باقيًا على من لم يطق الصوم لكبر، وقال مالك: جميع الإطعام منسوخ لكنه مستحب. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصوم وكذا أبو داود والترمذي، وأخرجه النسائي في التفسير. (قال أبو عبد الله) البخاري: (مات بكير) هو ابن عبد الله بن الأشج (قبل) شيخه (يزيد) بن أبي عبيد الأسلمي، وكانت وفاته في سنة عشرين ومائة أو قبلها أو بعدها، وتوفي يزيد سنة ست أو سبع وأربعين ومائة وسقط قوله قال أبو عبد الله الخ في رواية غير المستملي. 27 - باب {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} ({أحلّ}) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول أي أحل الله ({لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}) عدى الرفث الذي هو كناية عن الجماع بإلى، والأصل أن يتعدى بالباء يقال: أرفث فلان بامرأته لتضمنه معنى الإفضاء. قال تعالى: {وقد أفض بعضكم إلى بعض} [النساء: 21] كأنه قال أحل لكم الإفضاء إلى نسائكم بالرفث ({هن}) أي نساؤكم ({لباس لكم وأنتم لباس لهن}). قال الزمخشري: لما كان الرجل والمرأة يعتنقان ويشتمل كل واحد منهما على صاحبه في عناقه شبه باللباس المشتمل عليه قال الجعدي: إذا ما الضجيع ثنى عطفها ... تثنت فكانت عليه لباسا وزاد القاضي لأن كل واحد منهما يستر حال صاحبه ويمنعه من الفجور ونحوه. قال السمرقندي: والجملة استئناف تبين سبب الإحلال وهو قلة الصبر عنهن وصعوبة اجتنابهن لكثرة المخالطة وشدة الملابسة فلذلك رخص في المباشرة ({علم الله أنكم كنتم}) في موضع رفع خبر لأن ({تختانون أنفسكم}) تظلمونها بتعريضها للعقاب وتنقيص حظها من الثواب ({فتاب عليكم}) حين تبتم مما ارتكبتم من المحظور ({وعفا عنكم}) يحتمل أن يريد عن المعصبة بعينها فيكون تأكيدًا وتأنيسًا زيادة على التوبة، ويحتمل أن يريد عفا عما كان يلزمكم من اجتناب النساء بمعنى تركه لكم كما تقول شيء معفو عنه أي متروك ({فالآن}) أي: فالوقت الذي كان يحرم عليكم فيه الجماع من الليل ({باشروهن}) أي جامعوهن ({وابتغوا ما كتب الله لكما}) [البقرة: 187] أي اطلبوا ما قدره لكم وأثبته في اللوح المحفوظ من الولد، والمعنى أن المباشر ينبغي أن يكون غرضه الولد فإنه الحكمة من خلق الشهوة وشرع النكاح لإقضاء الوطر قاله في أسرار التنزيل كالكشاف. وقال السمرقندي: ابتغوا بالقرآن ما أبيح لكم فيه وأمرتم به وسقط من قوله: {هن لباس لكم} الخ في رواية أبي ذر وقال بعد قوله: {إلى نسائكم} إلى قوله: {وابتغوا ما كتب الله لكم}. 4508 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ - رضي الله تعالى عنه - لَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ كَانُوا لاَ يَقْرَبُونَ النِّسَاءَ رَمَضَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ رِجَالٌ يَخُونُونَ أَنْفُسَهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} [البقرة: 187]. وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن موسى العبسي مولاهم الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب. قال المؤلّف: (وحدّثنا) ولأبي ذر وحدّثني بالإفراد (أحمد بن عثمان) بن حكيم الأودي الكوفي قال: (حدّثنا شريح بن مسلمة) بشين معجمة مضمومة وراء مفتوحة آخره حاء مهملة ومسلمة بفتح الميم واللام الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يوسف (عن) جده (أبي إسحاق) أنه (قال: سمعت البراء رضي الله تعالى عنه) قال: (لما نزل صوم رمضان كانوا) أي الصحابة (لا يقربون النساء) أي لا يجامعونهن (رمضان كله) ليلًا ونهارًا. زاد في الصيام عن البراء أيضًا من طريق إسرائيل أنهم كانوا لا يأكلون ولا يشربون إذا ناموا، ومفهوم ذلك أن الأكل والشرب كان مأذونًا فيه ليلًا ما لم يحصل النوم، لكن بقية الأحاديث الواردة في هذا تدل على عدم الفرق فيحمل قوله كانوا لا يقربون النساء على الغالب جمعًا بين الأحاديث (وكان رجال يخونون أنفسهم) فيجامعون ويأكلون ويشربون منهم عمر بن الخطاب وكعب بن مالك وقيس بن صرمة الأنصاري (فأنزل الله تعالى: {علم الله أنّكم كنتم تختانون

28 - باب قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} -إلى قوله- {تتقون}. العاكف: المقيم

أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم}) وسقط قوله: {وعفا عنكم} لأبي ذر وقال بدل ذلك الآية. 28 - باب قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} -إِلَى قَوْلِهِ- {تَتَّقُونَ}. الْعَاكِفُ: الْمُقِيمُ (باب قوله تعالى) وسقط التبويب وتاليه لغير أبي ذر ({وكلوا واشربوا}) جميع الليل بعد أن كنتم ممنوعين منهما بعد النوم في رمضان ({حتى}) أي إلى أن ({يتبين لكم الخيط الأبيض}) وهو أوّل ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط المدود ({من الخيط الأسود}) وهو ما يمتد معه من غسق الليل شبههما بخيطين أبيض وأسود ({من الفجر}) [البقرة: 187] بيان للخيط الأبيض واكتفى به عن بيان الخيط الأسود لدلالته عليه، وبذلك خرجا من الاستعارة إلى التمثيل كما قاله القاضي كالزمخشري. قال الطيبي: لأن الاستعارة أن يذكر أحد طرفي التشبيه ويراد به الطرف الآخر وهنا الفجر هو المشبه، والخيط الأبيض هو المشبه به ولا يقال بقي الأسود على الاستعارة لترك المشبه لأنه لما كان في الكلام ما يدل عليه فكأنه ملفوظ. وقال المحقق الكافيحي: تحقيق الكلام في هذا يحتاج إلى تحقيق الفرق بين الكلام التشبيهي والكلام المشتمل على الاستعارة، فالتشبيهي هو الذي يذكر فيه المشبه لفظًا نحو: زيد أسد، أو تقديرًا نحو أسد في مقام الإخبار عن زيد، وأما الكلام الذي يتضمن الاستعارة: فهو الذي يجعل خلوًّا عن ذكر المشبه صالحًا لأن يراد به المشبه به لولا القرينة المانعة عن إرادته، وإذا علم هذا فقوله: {حتى يتبين لكم} إلى آخره فيه مقصدان. أحدهما: بيان أنه من قبيل التشبيه عند أهل البيان لا من قبيل الاستعارة لما فيه من ذكر المشبه والمشبه به وهما الفجر والخيط الأبيض وغبش الليل، والخيط الأسود على ما مرّ. الثاني: تحقيق أنه من قبيل الاستعارة لا من باب التشبيه استدلالًا عليه بنص الكتاب وتمسكًا بالسنة وبشهادة فحوى الخطاب. أما النص؛ فقوله تعالى: {من الفجر} بيان للخيط الأبيض ومعلوم عندك بالضرورة أن البيان مع المبين متحد بالذات مختلف بالاعتبار وإنما يتصور هذا المعنى المجازي على سبيل الاستعارة وإلا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وليس بمشترك بينهما. وأما السنة، فقد علم منها أن المراد بياض النهار لا الخيط الأبيض حيث قال عليه الصلاة والسلام فيما يأتي: "إنك لعريض القفا بل هو سواد الليل وبياض النهار". وأما قولهم الاستعارة يجب فيها أن يترك ذكر المشبه احترازًا عن فوات المقصود وتبرّيًا عن عود الأمر على موضوعه بالنقص والإبطال، ولئلا يكون الأمر كلا أمر فهو مؤوّل بما لا يذكر المشبه بحيث ينبئ عن التشبيه، فيكون المراد رفع الإيجاب الكلي فيكون أعم من عموم السلب. وأما فحوى الخطاب فلأن المقام مقام المبالغة والاتحاد حتى اشتبه المراد على بعض الأذهان لا مقام التغاير والتفاوت ومدار الاستعارة حيثما كانت إنما هو على قصد المبالغة ودعوى الاتحاد كما أن مدار التشبيه إنما هو على قصد التغاير والتفاوت والعمدة في الفرق بينهما كمال التمييز بين المقامين بإعطاء كل مقام حقه، ثم إن المختار في نحو زيد أسد هو التفصيل فتارة يكون استعارة بحسب مقتضى المقام، وأخرى يكون تشبيعًا بحسبه أيضًا فيكون هذا جميعًا بين القولين المختلفين. قال: فعلم من هذا ضعف قول من قال إنه من باب الاستعارة على الإطلاق كما علم منه عدم متانة قول من قال: إنه من باب التشبيه على الإطلاق انتهى. "ومن" في (من الخيط) لابتداء الغاية وهي ومجرورها في محل نصب بيتبين وفي (من الفجر) يجوز كونها تبعيضية فتتعلق بـ (يتبين) لأن الخيط الأبيض هو بعض الفجر وأن تتعلق بمحذوف على أنها حال من الضمير في الأبيض أي الخيط الذي هو أبيض كائنًا من الفجر، وعلى هذا يجوز كون من لبيان الجنس كأنه قيل الخيط الأبيض الذي هو الفجر. قال التفتازاني: المعنى على التبعيض حال كون الخيط الأبيض بعضًا من الفجر وعلى البيان حال كونه هو الفجر فأعربه حالًا. ({ثم أتموا الصيام إلى الليل}) إلى غروب الشمس والجار والمجرور يتعلق بالإتمام أو في محل نصب على الحال من الصيام فيتعلق بمحذوف أي كائنًا إلى الليل ({ولا تباشروهن}) ولا

29 - باب قوله {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون} [البقرة: 189]

تجامعوهن ({وأنتم عاكفون في المساجد}) بنية القربة والجملة حالية من فاعل تباشروهن قال الضحاك: كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع إن شاء حتى نزلت هذه الآية (إلى قوله: ({يتقون}) [البقرة: 187] أي يتقون مخالفة الأوامر والنواهي وسقط ثم أتموا الصيام الخ في رواية أبي ذر وقال: الآية. (العاكف: المقيم) كذا فسره أبو عبيدة وسقط ذلك لغير المستملي. 4509 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيٍّ قَالَ: أَخَذَ عَدِيٌّ عِقَالًا أَبْيَضَ، وَعِقَالًا أَسْوَدَ حَتَّى كَانَ بَعْضُ اللَّيْلِ نَظَرَ فَلَمْ يَسْتَبِينَا فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلْتُ تَحْتَ وِسَادَتِي قَالَ: «إِنَّ وِسَادَكَ إِذًا لَعَرِيضٌ إنْ كَانَ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ تَحْتَ وِسَادَتِكَ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن عدي) هو ابن حاتم الصحابي رضي الله تعالى عنه أنه (قال: أخذ عدي) بعد نزول آية {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض} (عقالًا) بكسر العين أي خيطًا (أبيض وعقالًا أسود) أي وجعلهما تحت وسادته كما في رواية هشيم عن حصين في الصيام (حتى كان بعض الليل نظر) إليهما (فلم يستبينا) فلم يظهرًا له (فلما أصبح) جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: يا رسول الله جعلت تحت وسادتي) زاد الأصيلي عقالين أي لأستبين بهما الفجر من الليل، ولأبي ذر عن الكشميهني وسادي بإسقاط تاء التأنيث (قال) عليه الصلاة والسلام: (إن وسادك) بغير تاء تأنيث (إذًا لعريض إن) بفتح الهمزة (كان الخيط الأبيض والأسود) المذكوران في الآية (تحت وسادتك) بزيادة فوقية بعد الدال، وقول الخطابي كنى بالوسادة عن النوم أي نومك إذا لطويل، ومعنى العريض هنا الواسع الكبير لا خلاف الطويل يدفعه ما في هذا الحديث لأن المشرق والمغرب إذا كانا تحت الوساد لزم عرضه قطعًا. 4510 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ أَهُمَا الْخَيْطَانِ؟ قَالَ: «إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا إِنْ أَبْصَرْتَ الْخَيْطَيْنِ»، ثُمَّ قَالَ: «لاَ بَلْ هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي وسقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وبعد الراء المهملة المشددة المكسورة وفاء ابن طريف الكوفي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: قلت يا رسول الله ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود) وكان قد وضع عقالين تحت وسادته كما سبق (أما الخيطان؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين) فسّر الخطابي عرض القفا بالبله والغفلة والبلادة وحيئنذ فهو كناية لإمكان إرادة الحقيقة بل هي أولى لأنه إذا كان وساده عريضًا فقفاه عريض (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (لا بل هو سواد الليل وبياض النهار). 4511 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: وَأُنْزِلَتْ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ} وَلَمْ يُنْزَلْ {مِنَ الْفَجْرِ} وَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلَيْهِ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الأَسْوَدَ وَلاَ يَزَالُ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَهُ {مِنَ الْفَجْرِ} فَعَلِمُوا أَنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ. وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) سعيد بن محمد بن الحكم المصري قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح الغين وتشديد السين المهملة وبعد الألف نون (محمد بن مطرف) بكسر الراء المشددة بلفظ اسم الفاعل المدني قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدثنا (أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين الساعدي رضي الله تعالى عنه أنه (قال: وأنزلت) بالواو، ولأبي ذر أنزلت بإسقاطها ({وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم ينزل) بضم أوله وفتح ثالثه ولأبي ذر ينزل بفتح ثم كسر ({من الفجر} وكان رجال) بالواو (إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله بعده) ولأبي ذر بعد بحذف الضمير ({من الفجر فعلموا أنما يعني الليل من النهار) للتصريح بذلك. وسقط لفظ من في الفرع كغيره. وهذا الحديث صريح في نزول {من الفجر} بعد سابقه وحديث عدي مقتضاه اتصاله به. وأجيب: بالتعدد، وقد مرّ الحديث وسابقه في كتاب الصوم والله تعالى الموفق. 29 - باب قَوْلِهِ {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: 189] ({وليس البر}) ولأبي ذر باب قوله وليس البر ({بأن تأتوا البيوت من ظهورها}) إذا أحرمتم ({ولكن البر من اتقى}) ذلك أو اتقى المحارم والشهوات ({وأتوا البيوت من أبوابها}) محلّين ومحرمين ({واتقوا الله}) في تغيير أحكامه والاعتراض على أفعاله ({لعلكم تفلحون}) [البقرة: 189]. لكي تظفروا بالهدى والبر ووقع

30 - باب قوله {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} [البقرة: 139]

في رواية أبي ذر بعد قوله: ({من اتقى}) الآية وحذف ما بعدها. 4512 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَتَوُا الْبَيْتَ مِنْ ظَهْرِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}. وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين مصغرًا أبو محمد العبسي مولاهم الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب رضي الله تعالى عنهما أنه (قال: كانوا) أي الأنصار وسائر العرب غير الحمس وهم قريش (إذا أحرموا) بالحج والعمرة (في الجاهلية أتوا البيت من ظهره) من نقب أو فرجة من ورائه لا من بابه (فأنزل الله تعالى: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها}) وسقطت واو ليس لأبي ذر ({ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها}) ونقل ابن كثير عن محمد بن كعب قال: كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت فأنزل الله تعالى الآية. 30 - باب قَوْلِهِ {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 139] ({وقاتلوهم}) ولأبي ذر باب قوله: {وقاتلوهم} يعني أهل مكة ({حتى لا تكون فتنة}) شرك ({ويكون الدين لله}) خالصًا ليس للشيطان فيه نصيب أو يكون دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان لحديث الصحيحين "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" ({فإن انتهوا}) عن الشرك وقتال المؤمنين فكفوا عنهم ({فلا عدوان}) أي فمن قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم ولا عدوان ({إلا على الظالمين}) [البقرة: 193]. أو المراد فإن تخلصوا من الظلم وهو الشرك فلا عدوان عليهم بعد ذلك. 4513 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَتَاهُ رَجُلاَنِ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالاَ: إِنَّ النَّاسَ صنعُوا وَأَنْتَ ابْنُ عُمَرَ وَصَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ؟ فَقَالَ: يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي فَقَالاَ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} فَقَالَ: قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ، وَكَانَ الدِّينُ لِلَّهِ وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة العبدي البصبري قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا عبيد الله) بن عمر العمري (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (أتاه رجلان) قيل: هما العلاء بن عرار بمهملات الأولى مكسورة، وحباب بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة صاحب الدثنية بفتح المهملة والمثلثة وكسر النون وتشديد التحتية أو نافع بن الأزرق (في فتنة ابن الزبير) عبد الله حين حاصره الحجّاج في آخر سنة ثلاث وسبعين بمكة (فقالا: إن الناس صنعوا) بصاد مهملة ونون مفتوحتين أي صنعوا ما ترى من الاختلاف، ولغير الكشميهني ضيعوا بمعجمة مضمومة فتحتية مشددة مكسورة (وأنت ابن عمر صاحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعني أن الله حرم دم أخي) المسلم (فقالا): أي الرجلان ولأبي ذر قالا: (ألم يقل الله: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} فقال) ابن عمر: (قاتلنا) أي على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى لم تكن فتنة) أي شرك (وكان الذين لله وأنتم تريدون أن تقاتلوا) أي على الملك (حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله). وحاصل هذا أن الرجلين كانا يريان قتال من خالف الإمام وابن عمر لا يرى القتال على الملك. 4514 - وَزَادَ عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي فُلاَنٌ وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَحُجَّ عَامًا وَتَعْتَمِرَ عَامًا وَتَتْرُكَ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ عَلِمْتَ مَا رَغَّبَ اللَّهُ فِيهِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: إِيمَانٍ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالصَّلاَةِ الْخَمْسِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلاَ تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا التِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ} [الحجرات: 90] {قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] قَالَ: فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ الإِسْلاَمُ قَلِيلًا فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ إِمَّا قَتَلُوهُ، وَإِمَّا يُعَذِّبُوهُ حَتَّى كَثُرَ الإِسْلاَمُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ. (وزاد عثمان بن صالح) السهمي المصري أحد شيوخ المؤلّف على رواية محمد بن بشار (عن ابن وهب) عبد الله المصري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (فلان) قيل هو عبد الله بن لهيعة بفتح اللام وكسر الهاء وبعد التحتية الساكنة عين مهملة قاضي مصر وعالمها ضعفه غير واحد (وحيوة بن شريح) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية وفتح الواو وشريح بالشين المعجمة وفتح الراء المصري وهو الأكبر وليس هو الحضرمي (عن بكر بن عمرو المعافري) بفتح الميم وتخفيف العين المهملة وكسر الفاء (أن بكير بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الكاف مصغرًا ابن الأشج (حدثه عن نافع) مولى ابن عمر (أن رجلًا أتى ابن عمر فقال) له: (يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عامًا وتعتمر عامًا وتترك الجهاد) أي القتال الذي هو كالجهاد (في سبيل الله عز وجل) في الثواب (وقد علمت ما رغب الله فيه؟) ثبتت واو وقد لأبي ذر (قال): أي ابن عمر للرجل (يا ابن أخي بني الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله والصلوات الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت. قال): أي الرجل (يا أبا عبد الرحمن ألا) بالتخفيف (تسمع ما ذكر الله في كتابه {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}) باغين بعضهم على بعض والجمع باعتبار المعنى لأن كل طائفة جمع ({فأصلحوا بينهما) بالصح والدعاء إلى حكم الله ({فإن بغت

31 - باب قوله: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} [البقرة: 195] التهلكة والهلاك واحد

إحداهما}) أي تعدت ({على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء}) أي ترجع ({إلى أمر الله}) [الحجرات: 95]. وتسمع للحق وتطيعه، وسقط لغير أبي ذر قوله: {فإن بغت إحداهما} إلى آخر قوله: {حتى تفيء}. ({قاتلوهم حتى لا تكون فتنة}) شرك (قال) ابن عمر: (فعلنا) ذلك (على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكان الإسلام قليلًا فكان الرجل يفتن في دينه) مبني للمفعول (إما قتلوه وإما يعذبوه) بلفظ الماضي في الأول والمضارع في الثاني إشارة إلى استمرار التعذيب بخلاف القتل، وفي الفرع أو يعذبوه، ولأبي ذر: وإما يعذبونه بإثبات النون وهو الصواب لأن إما التي تجزم هي الشرطية وليست هنا شرطية ووجهت الأولى بأن النون قد تحذف لغير ناصب ولا جازم في لغة شهيرة (حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة). 4515 - قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ قَالَ: أَمَّا عُثْمَانُ فَكَاَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَكَرِهْتُمْ أَنْ تَعْفُوا عَنْهُ وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَتَنُهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَقَالَ: هَذَا بَيْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ. (قال) الرجل: (فما قولك في علي وعثمان؟) وهذا يشير إلى أن السائل كان في الخوارج فإنهم يوالون الشيخين ويخطئون عثمان وعليًّا، فردّ عليه ابن عمر بذكر مناقبهما ومنزلتهما من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث (قال: أما عثمان) رضي الله تعالى عنه (فكان الله عفا عنه) لما فرّ يوم أحد في كتابه العزيز حيث قال في آل عمران {ولقد عفا عنكم} [آل عمران: 152] والجلالة رفع اسم كان وخبرها عفا ويجوز نصبها اسم كان التشبيه أخت أن (وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه) بمثناة فوقية مع سكون الواو خطابًا للجماعة ولأبي ذر يعفو بالتحتية وفتح الواو أي فكرهتم أن يعفو الله تعالى عنه. (أما عليّ فابن عم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وختنه) بفتح الخاء المعجمة والمثناة الفوقية أي زوج ابنته (وأشار بيده فقال: هذا بيته حيث ترون) أي بين أبيات رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريد بيان قربه وقرابته منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منزلًا ومنزلة. 31 - باب قَوْلِهِ: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195] التَّهْلُكَةُ وَالْهَلاَكُ وَاحِدٌ (باب قوله) تعالى، وسقط ذلك لغير أبي ذر ({وأنفقوا في سبيل الله}) في سائر وجوه القربات وخاصة الصرف في قتال الكفار والبذل فيما يقوى به المسلمون على عدوّهم ({ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}) بالكف عن الغزو والإنفاق فيه فإنه يقوي العدوّ ويسلطهم على إهلاككم أو المراد الإمساك وحب المال فإنه يؤدي إلى الهلاك المؤبد والباء في بأيديكم زائدة في المفعول به لأن ألقى يتعدى بنفسه قال الله تعالى: {فألقى موسى عصاه} وقيل متعلقة بالفعل غير زائدة والمفعول محذوف أي "ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم" يقال أهلك فلان نفسه بيده إذا تسبب لهلاكها ({وأحسنوا}) أعمالكم وأخلاقكم أو تفضلوا على المحاويج ({إن الله يحب المحسنين}) [البقرة: 195]. (التهلكة والهلاك واحد) مصدران. 4516 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي النَّفَقَةِ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (إسحاق) بن راهويه قال: (حدّثنا النضر) بالضاد المعجمة ابن شميل قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش أنه (قال: سمعت أبا وائل) شقيق بن سلمة (عن حذيفة {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: نزلت في النفقة) قال أبو أيوب الأنصاري: نزلت يعني هذه الآية فينا معشر الأنصار. إنّا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه قلنا فيما بيننا لو أقبلنا على أموالنا فأصلحناها، فأنزل الله هذه الآية الحديث. رواه أبو داود وهذا لفظه والترمذي والنسائي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه والحافظ أبو يعلى في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وهو مفسر لقول حذيفة هذا. 32 - باب قَوْلِهِ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} [البقرة: 196] ({فمن كان منكم}) ولأبي ذر باب قوله فمن كان منكم ({مريضًا أو به أذى من رأسه}) [البقرة: 196] كجراحة وقمل. 4517 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْقِلٍ قَالَ: قَعَدْتُ إِلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْكُوفَةِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ {فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ}، فَقَالَ: حُمِلْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ: «مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ الْجَهْدَ قَدْ بَلَغَ بِكَ هَذَا أَمَا تَجِدُ شَاةً»؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: «صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ وَاحْلِقْ رَأْسَكَ» فَنَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً وَهْيَ لَكُمْ عَامَّةً». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي أياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الرحمن بن الأصبهاني) أنه (قال: سمعت عبد الله بن معقل) بفتح الميم وسكون العين المهملة وبعد القاف المكسورة لام ابن مقرن المزني الكوفي التابعي (قال: قعدت إلى كعب بن عجرة) بضم العين المهملة وبعد الجيم الساكنة راء مفتوحة أي انتهى قعودي إليه (في هذا المسجد يعني مسجد الكوفة

33 - باب {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} [البقرة: 196]

فسألته عن) قوله تعالى: ({فدية من صيام} فقال: حملت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والقمل يتناثر على وجهي) جملة حالية (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما كنت أرى) بضم الهمزة أظن (أن الجهد) بفتح الجيم (قد بلغ بك هذا) الذي رأيت (أما تجد شاة قلت: لا) أجدها (قال: صم ثلاثة أيام) بيان لقوله تعالى: {أو صيام} (أو أطعم) بكسر العين (ستة مساكين) بيان لقوله تعالى: {أو صدقة} (لكل مسكين نصف صاع من طعام) بنصب نصف على المفعولية أو رفع مبتدأ مؤخر (وأحلق رأسك) قال ابن عجرة (فنزلت) أي الآية (فيّ) بكسر الفاء وتشديد التحتية (خاصة وهي لكم عامة) بالنصب ولأبي ذر عامة بالرفع. وهذا الحديث سبق في باب الإطعام من الحج. 33 - باب {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] ({فمن تمتع}) ولأبي ذر باب بالتنوين فمن تمتع ({بالعمرة إلى الحج}) [البقرة: 196] شامل لمن أحرم بهما أو أحرم بالعمرة أوّلًا فلما فرغ من العمرة أحرم بالحج وهذا هو التمتع الخاص وهو المعروف في كلام الفقهاء والتمتع العام يشمل القسمين. 4518 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عِمْرَانَ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: أُنْزِلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَفَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَمْ يُنْزَلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ قَالَ: رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ إِنَّهُ عُمَرُ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عمران) بن مسلم (أبي بكر) البصري قال: (حدّثنا أبو رجاء) بالجيم ممدودًا عمران بن ملحان العطاردي البصري (عن عمران بن حصين) بضم الحاء المهملة (رضي الله عنه) أنه (قال: أنزلت آية المتعة في كناب الله ففعلناها) أي المتعة (مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم ينزل) بضم أوله وفتح ثالثه (قرآن يحرمه) أي التمتع (ولم ينه) بفتح أوّله ولأبي ذر ولم ينه بضمه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فلم ينه الفاء بدل الواو (عنها) أي المتعة فذكر الضمير باعتبار التمتع وأنثه باعتبار المتعة (حتى مات) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال رجل): قيل هو عثمان لأنه كان يمنع التمتع (برأيه ما شاء) زاد في نسخة. قال محمد أي البخاري (يقال أنه) أي الرجل (عمر) لأنه كان ينهى عنها ويقول: إن نأخذ بكتاب الله فإنه يأمرنا بالتمام يعني قوله: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196] وفي نفس الأمر لم يكن عمر رضي الله تعالى عنه ينهى عنها محرّمًا لها إنما كان ينهى عنها ليكثر قصد الناس البيت حاجين ومعتمرين. قاله الحافظ عماد الدين بن كثير في تفسيره. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الحج والنسائي في التفسير. 34 - باب {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] (ليس عليكم جناح) ولأبي ذر باب ({ليس عليكم جناح أن تبتغوا}) في أن تطلبوا ({فضلًا من ربكم}) [البقرة: 198] أي ربحًا في تجارتكم. 4519 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَتْ عُكَاظٌ، وَمَجَنَّةُ، وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَأَثَّمُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي الْمَوَاسِمِ فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام البيكندي (قال: أخبرني) بالإفراد أيضًا ولأبي ذر أخبرنا (ابن عيينة) سفيان (عن عمرو) هو ابن دينار (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) أنه (قال: كانت عكاظ) بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وبالظاء المعجمة (ومجنة) بفتح الميم والجيم (وذو المجاز) بفتح الميم والجيم وبعد الألف زاي (أسواقًا في الجاهلية) بنصب أسواقًا خبر كان وكانت معايشهم منها ولأبي ذر عن الكشميهني أسواق الجاهلية بحذف الجار وإضافة أسواق للاحقه (فتأثموا) أي تحرج المسلمون (أن يتجروا) بتشديد الفوقية بعد التحتية وبالجيم المكسورة بعدها راء مضمومة من التجارة (في المواسم فنزلت {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا} من ربكم) قال ابن عباس: أي (في مواسم الحج). وهذا الحديث سبق في باب التجارة أيام المواسم من كتاب الحج. 35 - باب {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199] (باب) ({ثم أفيضوا}) ارجعوا ({من حيث أفاض الناس}) [البقرة: 199] من عرفة لا من المزدلفة. 4520 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله تعالى عنها - قَالَتْ: كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ، وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ ثُمَّ يَقِفَ بِهَا ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا محمد بن خازم) بالخاء والزاي المعجمتين أبو معاوية الضرير قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) أنها قالت: (كانت قريش ومن دان دينها) وهو بنو عامر بن صعصعة وثقيف وخزاعة فيما قاله الخطاب (يقفون بالمزدلفة) ولا يخرجون من المحرم إذا وقفوا ويقولون: نحن أهل الله فلا نخرج من حرم الله (وكانوا يسمون الحمس) بضم الحاء المهملة وبعد الميم الساكنة سين مهملة جمع أحمس وهو الشديد الصلب وسموا بذلك لتصلبهم فيما كانوا عليه (وكان سائر العرب) أي باقيهم

36 - باب {ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} [البقرة: 201]

(يقفون بعرفات لما جاء الإسلام أمر الله) عز وجل (نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها) بنصب الفعلين عطفًا على السابق (فذلك قوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}) سائر العرب غير قريش ومن دان دينهم، وقيل: المراد بالناس إبراهيم وقيل آدم عليهما الصلاة والسلام وقرئ الناس بالكسر أي الناس يريد آدم عليه السلام من قوله تعالى: {فنسي} والمعنى أن الإفاضة من عرفة شرع قديم فلا تغيّروه. وهذا الحديث قد مرّ في الحج. 4521 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَطَوَّفُ الرَّجُلُ بِالْبَيْتِ مَا كَانَ حَلاَلًا حَتَّى يُهِلَّ بِالْحَجِّ فَإِذَا رَكِبَ إِلَى عَرَفَةَ فَمَنْ تَيَسَّرَ لَهُ هَدِيَّةٌ مِنَ الإِبِلِ أَوِ الْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ غَيْرَ إِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ فَعَلَيْهِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَإِنْ كَانَ آخِرُ يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ الثَّلاَثَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيَنْطَلِقْ حَتَّى يَقِفَ بِعَرَفَاتٍ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ يَكُونَ الظَّلاَمُ، ثُمَّ لِيَدْفَعُوا مِنْ عَرَفَاتٍ إِذَا أَفَاضُوا مِنْهَا حَتَّى يَبْلُغُوا جَمْعًا الَّذِي يُتَبَرَّرُ فِيهِ ثُمَّ لِيَذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا، أَوْ أَكْثِرُوا التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا، ثُمَّ أَفِيضُوا فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا يُفِيضُونَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199] حَتَّى تَرْمُوا الْجَمْرَةَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن أبي بكر) المقدمي البصري قال: (حدّثنا فضيل بن سليمان) بضم الفاء وفتح الضاد في الأوّل وضم السين وفتح اللام من الثاني النمير بالنون مصغرًا البصري قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) الإمام في المغازي قال: (أخبرني) بالإفراد (كريب) هو ابن أبي مسلم الهاشمي مولاهم المدني مولى ابن عباس (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما أنه (قال: تطوف الرجل بالبيت) بفتح المثناة الفوقية والطاء المخففة وضم الواو المشددة مضافًا لتاليه وفي نسخة يطوف بالمثناة التحتية وضم الطاء مخففة الرجل بالرفع على الفاعلية (ما كان حلالًا) أي مقيمًا بمكة أو دخل بعمرة وتحلل منها (حتى يهلّ بالحج، فإذا ركب إلى عرفة فمن تيسر له هدية) بكسر الدال وتشديد التحتية، والذي في اليونينية هدية بكسر الدال من غير تشديد على التحتية، وفي نسخة هديه بسكون الدال وتخفيف التحتية آخره هاء (من الإبل أو البقر أو الغنم) وجزاء الشرط قوله: (ما تيسر له من ذلك) أي ففديته ما تيسر أو فعليه ما تيسر أو بدل من الهدي والجزاء بأسره محذوف أي ففديته ذلك أو فليفتد بذلك قاله الكرماني (أيّ ذلك شاء غير إن لم) وللأصيلي غير أنه إن لم (يتيسر له) أي الهدي (فعليه) وجوبًا (ثلاثة أيام) يصومهن (في الحج وذلك قبل يوم عرفة) لأنه يسن للحاج فطره وهذا تقييد من ابن عباس لإطلاق الآية (فإن كان آخر يوم) برفع آخر ولأبي ذر بالنصب (من الأيام الثلاثة يوم عرفة فلا جناح عليه) ولا يجوز صوم شيء منها يوم النحر ولا في أيام التشريق كما سبق في الحج، ولا يجوز تقديمها على الإحرام بالحج لأنها عبادة بدنية فلا تقدم على وقتها (ثم لينطلق) بالجزم بلام الأمر ولأبي ذر عن المستملي ينطلق بحذف اللام (حتى يقف بعرفات من صلاة العصر) عند صيرورة ظل كل شيء مثله أو بعد صلاتها مع الظهر جمع تقديم للسفر (إلى أن يكون الظلام) بغروب الشمس (ثم ليدفعوا من عرفات إذا أفاضوا منها حتى يبلغوا جمعًا) بفتح الجيم وسكون الميم وهو المزدلفة (الذي يبيتون به) صفة لجمعًا وهو من البيات، وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي يتبرر بفوقية بعد التحتية المضمومة فموحدة فراءين مهملتين أوّلهما مفتوح مشدّد أي يطلب فيه البر وهو الصواب وعليه اقتصر في الفتح، وفي نسخة يتبرز بزاي معجمة آخره بدل الراء من التبرز وهو الخروج للبراز وهو الفضاء الواسع لأجل قضاء الحاجة (ثم ليذكر الله كثيرًا) بكسر الراء مع الأفراد وفي نسخة ثم ليذكروا الله بضمها مع الجمع (وأكثروا التكبير والتهليل) بالواو المفتوحة من غير همزة قبلها في الفرع وأصله وغيرهما من النسخ المعتمدة التي وقفت عليها. وقال الحافظ ابن حجر: وتبعه العيني أو أكثروا بالشك من الراوي أي: هل قال ثم ليذكر الله وأكثروا التكبير والتهليل (قبل أن تصبحوا ثم أفيضوا فإن الناس كانوا يفيضون)، وقال الله تعالى: ({ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله}) من تغيير المناسك ونحوه ({إن الله غفور رحيم}) يغفر ذنب المستغفر وكثيرًا ما يأمر الله بذكره بعد قضاء العبادات (حتى ترموا الجمرة) التي عند العقبة وهو غاية لقوله: ثم أفيضوا، أو لقوله: أكثروا التكبير، 36 - باب {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201] ({ومنهم}) وفي نسخة باب بالتنوين ومنهم ({من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار}) [البقرة: 201] وفي رواية أبي ذر بعد قوله في الدنيا حسنة الآية وسقط ما بعده. 4522 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ». 37 - باب {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة: 204] وَقَالَ عَطَاءٌ: النَّسْلُ: الْحَيَوَانُ [الحديث 4522 - أطرافه في: 6385]. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بميمين مفتوحتين

38 - باب {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء} -إلى- {قريب} [البقرة: 214]

بينهما عين ساكنة عبد الله بن عمرو المنقري المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العنبري مولاهم التنوري بفتح المثناة وتشديد النون البصري (عن عبد العزيز) بن صهيب البناني بموحدة مضمومة ونونين البصري (عن أنس) رضي الله تعالى عنه أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (اللهم ربنا) سقط لفظ ربنا لأبي ذر ({آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار}) قال ابن كثير: جمعت هذه الدعوة كل خير في الدنيا وصرفت كل شر فإن الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي من عافية ورزق واسع وعلم نافع وعمل صالح إلى غير ذلك. وأما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع أكبر في العرصات وتيسير الحساب وغير ذلك، وأما النجاة من النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم والآثام وترك الشبهات. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الدعوات وأبو داود في الصلاة. ({وهو ألد الخصام}) [البقرة: 204] أي شديد العداوة والجدال للمسلمين وفي نسخة باب وهو ألد الخصام. (وقال عطاء): هو ابن أبي رباح مما وصله الطبري (النسل) في قوله تعالى: {ويهلك الحرث والنسل} [البقرة: 205] (الحيوان). 4523 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ تَرْفَعُهُ أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة السوائي العامري الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (ترفعه) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: (أبغض الرجال إلى الله الألد) بفتح الهمزة واللام وتشديد الدال المهملة (الخصم) بفتح الخاء المعجمة وكسر الصاد المهملة: قال الجوهري: رجل ألد بين اللدد وهو الشديد الخصومة والخصم بكسر الصاد الشديد الخصومة. وقال ابن الأثير: اللدد الخصومة الشديدة. وقال التوربشتي: الأوّل ينبئ عن الشدة والثاني عن الكثرة. وقال شارح المشكاة: المعنى أنه شديد في نفسه بليغ في خصومته فلا يلزم منه التكرار قال الزمخشري في قوله تعالى: {وهو ألد الخصام} [البقرة: 204] أي شديد الجدال والعداوة للمسلمين والخصام المخاصمة وإضافة الألدّ بمعنى في أو يجعل الخصام ألد على المبالغة أو الخصام جمع خصم كصعب وصعاب بمعنى وهو أشد الخصوم خصومة. (وقال عبد الله) هو ابن الوليد العدني (حدّثنا سفيان) هو الثوري كما جزم به المزي فيهما قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن جريج) عبد الملك ولأبي ذر: عن ابن جريج (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا وصله سفيان الثوري في جامعه، وذكره المؤلّف لتصريحه برفعه إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 38 - باب {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ} -إِلَى- {قَرِيبٌ} [البقرة: 214] ({أم حسبتم}) وفي نسخة: باب أم حسبتم ({أن تدخلوا الجنة}) قبل أن تبتلوا قيل أم هي المنقطعة فتقدر ببل والهمزة قيل لإضراب انتقال من أخبار إلى أخبار والهمزة للتقرير والتقدير بل أحسبتم وقيل لمجرد الإضراب من غير تقدير والمعنى: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة قبل أن تبتلوا وتختبروا وتمتحنوا كما فعل بالذين من قبلكم من الأمم ولذا قال: ({ولما يأتكم مثل الذين خَلَوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء}) وهي الأمراض والأسقام والآلام والمصائب والنوائب. وقال ابن عباس وابن مسعود وغيرهما البأساء: الفقر، وقال ابن عباس: والضراء السقم والواو في ولما للحال والجملة بعدها نصب عليها ولما حرف جزم معناها النفي كلم وفيها توقع ولذا جعل مقابل قد (إلى {قريب}) [البقرة: 214] وفي رواية أبي ذر بعد قوله: {من قبلكم} الآية وحذف ما عدا ذلك. وعند ابن أبي حاتم في تفسيره أنها نزلت يوم الأحزاب حين أصاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلاء وحصر، وقيل في يوم أُحد، وقيل: نزلت تسلية للمهاجرين حين تركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين. 4524 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف: 110] خَفِيفَةً ذَهَبَ بِهَا هُنَاكَ وَتَلاَ: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]. فَلَقِيتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكُ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (إبراهيم بن موسى) بن يزيد الرازي الفراء الصغير قال: ({أخبرنا هشام}) هو ابن حسان (عن ابن جريج) عبد الملك أنه (قال: سمعت ابن أبي مليكة) عبد الله (يقول: قال ابن عباس -رضي الله عنهما-)

39 - باب {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم} [البقرة: 223] الآية

في قوله تعالى: ({حتى إذا استيأس الرسل}) ليس في الكلام شيء حتى يكون غاية له فقدروه {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا} [النحل: 43] فتراخى نصرهم حتى وقيل غير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام ({وظنوا أنهم قد كذبوا}) [يوسف: 110] (خفيفة) ذالها المعجمة وهي قراءة الكوفيين على معنى أنه أعاد الضمير من ظنوا وكذبوا على الرسل أي هم ظنوا أن أنفسهم كذبتم ما حدثتهم به من النصرة كما يقال: صدق رجاؤه وكذب رجاؤه أو أعاد الضميرين على الكفار أي: وظن الكفار أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا به من النصر أو غير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام. قال ابن أبي مليكة: (ذهب بها) أي بهذه الآية ابن عباس (هناك) بغير لام في اليونينية أي فهم منها ما فهمه من آية البقرة من الاستبعاد والاستبطاء (وتلا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه) لتناهي الشدة واستطالة المدة بحيث تقطعت حبال الصبر ({متى نصر الله}) استبطاء لتأخره فقيل لهم: ({ألا إن نصر الله قريب}) [البقرة: 214] إسعافًا لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر، وهذه الآية كآية سورة يوسف في مجيء النصر بعد اليأس والاستبعاد وفي ذلك إشارة إلى أن الوصول إلى الله تعالى والفوز بالكرامة عنده برفض اللذات ومكابدة الشدائد والرياضات. قال ابن أبي مليكة: (فلقيت عروة بن الزبير فذكرت له ذلك) المذكور من تخفيف ذال كذبوا. 4525 - فَقَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: مَعَاذَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا وَعَدَ اللَّهُ رَسُولَهُ مِنْ شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَائِنٌ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، وَلَكِنْ لَمْ يَزَلِ الْبَلاَءُ بِالرُّسُلِ حَتَّى خَافُوا أَنْ يَكُونَ مَنْ مَعَهُمْ يُكَذِّبُونَهُمْ، فَكَانَتْ تَقْرَؤُهَا {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا} مُثَقَّلَةً. (فقال: قالت عائشة): منكرة على ابن عباس (معاذ الله والله ما وعد الله رسوله من شيء قط إلا علم أنه كائن قبل أن يموت) ظرف للعلم لا للكون (ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى خافوا أن يكون من معهم) من المؤمنين (يكذبونهم) وإنكار عائشة على ابن عباس رضي الله تعالى عنهم إنما هو من جهة أن مراده أن الرسل ظنوا أنهم مكذبون من عند الله لا من عند أنفسهم بقرينة الاستشهاد بآية البقرة، ولا يقال لو كان كما قالت عائشة لقيل وتيقنوا أنهم قد كذبوا لأن تكذيب القوم لهم كان متحققًا لأن تكذيب أتباعهم من المؤمنين كان مظنونًا والمتيقن هو تكذيب من لم يؤمن أصلًا. قاله الكرماني، ويأتي زيادة لذلك في آخر سورة يوسف عليه الصلاة والسلام إن شاء الله تعالى (فكانت تقرؤها {وظنوا أنهم قد كذبوا}، مثقلة) وهي قراءة الباقين غير الكوفيين على معنى: وظن الرسل أن قومهم قد كذبوهم فيما وعدوهم به من العذاب والنصرة عليهم فأعاد الضميرين على الرسل. 39 - باب {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 223] الآيَةَ (باب) قوله تعالى: ({نساؤكم حرث لكم}) مبتدأ وخبر وجاز الإخبار عن الحرث بالمصدر إما للمبالغة أو على حذف مضاف من الأوّل أي وطء نسائكم حرث أي كحرث أو الثاني أي نساؤكم ذوات حرث ولكم في موضع رفع صفة لحرث متعلق بمحذوف، وأفرد الخبر والمبتدأ جمع لأنه مصدر والأفصح فيه الإفراد والتذكير حينئذٍ. وقال في الكشاف: حرث لكم مواضع حرث لكم، وهذا مجاز شبهن بالمحارث تشبيهًا لما يلقي في أرحامهن من النطف التي منها الغسل بالبذور. قال في المصابيح: قوله؛ وهذا مجاز قيل باعتبار إطلاق الحرث على مواضع الحرث، وقيل باعتبار تغير حكم الكلمة في الإعراب من جهة حذف المضاف كما في: {واسأل القرية} [يوسف: 82] وقيل باعتبار حمل المشبه به على المشبه بعد حذف الأداة كما في زيد أسد فكثيرًا ما يقال له المجاز وإن لم يكن له استعارة وكأن التجوّز في ظاهر الحكم بأنه هو، ثم أشار إلى أن هذا التشبيه متفرع على تشبيه النطف الملقاة في أرحامهن بالبذور إذ لولا اعتبار ذلك لم يكن بهذا الحسن، وقيل المراد بالمجاز الاستعارة بالكناية لأن في جعل النساء محارث دلالة على أن النطف بذور على ما أشار إليه بقوله تشبيهًا لما يلقى الخ كما تقول: إن هذا الموضع لمفترس الشجعان. قال المولى سعد الدين التفتازاني: ولا أرى ذلك جاريًا على القانون إلا أن يقال: التقدير نساؤكم حرث لنطفكم ليكون المشبه مصرحًا والمشبه به مكنيًا انتهى. وقد روي عن مقاتل فروج نسائكم مزرعة للولد. ({فأتوا حرثكم}) أي فأتوهن كما تأتون المحارث ({أنّى شئتم}) أي

كيف شئتم مستقبلين ومستدبرين إذا كان في صمام واحد، وقيل: أنى بمعنى حيث، وقيل: متى ({وقدّموا لأنفسكم}) [البقرة: 223] (الآية) أي ما يدخر لكم من الثواب وقيل هو طلب الولد وعند ابن جرير عن عطاء. قال: أراه عن ابن عباس {وقدّموا لأنفسكم} قال: يقول بسم الله التسمية عند الجماع، وسقط لأبي ذر قوله: {وقدموا لأنفسكم}. 4526 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ فَأَخَذْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا، فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَكَانٍ قَالَ: تَدْرِى فِيمَا أُنْزِلَتْ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: أُنْزِلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا ثُمَّ مَضَى. [الحديث 4526 - أطرافه في: 4527]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إسحاق) هو ابن راهويه قال: (أخبرنا النضر بن شميل) بالضاد المعجمة وشميل بضم الشين المعجمة وفتح الميم قال: (أخبرنا ابن عون) بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالنون عبد الله الفقيه المشهور (عن نافع) مولى ابن عمر أنه (قال: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا قرأ القرآن لم يتكلم) بغير القرآن (حتى يفرغ منه فأخدت عليه يومًا) أي أمسكت المصحف وهو يقرأ عن ظهر قلب، وعند الدارقطني في غرائب مالك من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع قال: قال لي ابن عمر: أمسك علي المصحف يا نافع (فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان) هو قوله: {نساؤكم حرث لكم} (قال: تدري فيما) بألف بعد الميم، ولأبي ذر: فيم (أنزلت) قال نافع: (قلت: لا. قال: أنزلت في كذا وكذا) أي في إتيان النساء في أدبارهن (ثم مضى) أي في قراءته، وقد ساق المؤلّف هذا الحديث مبهمًا لمكان الآية والتفسير. وقد أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده وتفسيره بالإسناد المذكور هنا هذا الحديث بلفظ: حتى انتهى إلى {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فقال: تدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا. قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن فبين فيه ما أبهم هنا، ثم عطف المؤلّف على قوله أخبرنا النضر بن شميل قوله: 4527 - وَعَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قَالَ: يَأْتِيهَا فِي. رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. (وعن عبد الصمد) هو ابن عبد الوارث التنوري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي) عبد الوارث بن سعيد قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه قال: في قوله تعالى: ({فأتوا حرثكم أنى شئتم}) قال: (يأتيها) زوجها (في) بحذف المجرور وهو الظرف أي في الدبر كما وقع التصريح به عند ابن جرير في هذا الحديث من طريق عبد الصمد عن أبيه، قيل: وأسقط المؤلّف ذلك لاستنكاره، وقول الكرماني فيه دليل على جواز حذف المجرور والاكتفاء بالجار، عورض بأن هذا لا يجوز إلا عند بعض النحويين في ضرورة الشعر، وقول الحافظ ابن حجر أنه نوع من أنواع البديع يسمى الاكتفاء ولا بد من نكتة يحسن بسببها استعماله. تعقبه العيني فقال: ليت شعري من قال من أهل صناعة البديع أن حذف المجرور وذكر الجار وحده من أنواع البديع، والاكتفاء إنما يكون في شيئين متضادين يذكر أحدهما ويكتفى به عن الآخر كما في قوله تعالى: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81] أي والبرد. وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن ما ذكره العيني هو أحد أنواع الاكتفاء والنوع الثاني: الاكتفاء ببعض الكلام وحذف باقيه، والثالث: أشذ منه وهو حذف بعض الكلمة. قال: وهذا المعترض لا يدري وينكر على من يدري انتهى. وفي سراج المريدين أن المؤلّف ترك بياضًا بعد في فقال بعضهم: لأنه لما رأى أحاديث تدل للإباحة كحديث ابن عمر وأخرى تدل للمنع ولم يترجح عنده في ذلك شيء بيض له حتى يثبت عنده الترجيح فاخترمته المنية. (رواه) أي الحديث (محمد بن يحيى بن سعيد) القطان البصري فيما رواه الطبراني في الأوسط (عن أبيه) يحيى بن سعيد بن فروخ بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وسكون الواو ثم معجمة (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر (عن نافع عن ابن عمر) ولفظ الطبراني قال: إنما نزلت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {نساؤكم حرث لكم} [البقرة: 223] رخصة في إتيان الدبر. قال الطبراني: لم يروه عن عبيد الله بن عمر إلاَّ يحيى بن سعيد تفرد به ابنه. قال في الفتح لم يتفرد به يحيى بن سعيد فقد رواه عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع أيضًا كما عند الدارقطني في غرائب مالك. ورواه الدارقطني أيضًا في الغرائب من طريق الدراوردي عن مالك عن نافع عن ابن عمر بلفظ: نزلت في رجل من

الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك، فنزلت قال فقلت له من دبرها في قبلها. قال: لا إلا في دبرها، لكن قال الحافظ ابن كثير: لا يصح، وقال في الفتح: وتابع نافعًا على روايته زيد بن أسلم عن ابن عمر عند النسائي بإسناد صحيح، وتكلم الأزدي في بعض رواته وردّ عليه ابن عبد البر وأصاب. قال: ورواية ابن عمر لهذا المعنى صحيحة مشهورة من رواية نافع عنه فغير نكير أن يرويها عنه زيد بن أسلم. قال ابن أبي حاتم الرازي: لو كان هذا عند زيد بن أسلم عن ابن عمر لما أولع الناس بنافع، قال ابن كثير: وهذا تعليل منه لهذا الحديث، وقد رواه عن ابن عمر أيضًا ابنه عبد الله كما عند النسائي، وسالم ابنه وسعيد بن يسار كما عند النسائي وابن جرير، ولم يتفرد ابن عمر بذلك بل رواه أيضًا أبو سعيد الخدري كما عند ابن جرير والطحاوي في مشكله بلفظ: إن رجلًا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس عليه فأنزل الله الآية. وقد نقل إباحة ذلك عن جماعة من السلف لهذه الأحاديث وظاهر الآية ونسبه ابن شعبان لكثير من الصحابة والتابعين ولإمام الأئمة مالك في روايات كثيرة قال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن له المشهور عن مالك إباحته وأصحابه ينفون هذه المقالة عنه لقبحها وشناعتها وهي عنه أشهر من أن تندفع بنفيهم عنه انتهى. لكن روى الخطيب عن مالك من طريق إسرائيل بن روح وقال: سألت مالكًا عن ذلك فقال: ما أنتم قوم عرب هل يكون الحرث إلا موضع الزرع لا تعدوا الفرج. قلت: يا أبا عبد الله إنهم يقولون إنك تقول ذلك. قال: يكذبون عليّ يكذبون عليّ، فالظاهر أن أصحابه المتأخرين اعتمدوا على هذه القصة، ولعل مالكًا رجع عن قوله الأول أو كان يرى العمل على خلاف حديث ابن عمر فلم يعمل به، وإن كانت الرواية فيه صحيحة على قاعدته، ولذا قال بعض المالكية: إن ناقل إباحته عن مالك كاذب مفتر، ونقل عن ابن وهب أنه قال: سألت مالكًا فقلت حكوا عنك أنك تراه. قال: معاذ الله وتلا: {نساؤكم حرث لكم} قال: ولا يكون الحرث إلا موضع الزرع وإنما نسب هذا الكتاب السر هو كتاب مجهول لا يعتمد عليه. قال القرطبي ومالك أجلّ من أن يكون له كتاب سر، ومذهب الشافعي وأبي حنيفة وصاحبيه وأحمد والجمهور التحريم لورود النهي عن فعله وتعاطيه، ففي حديث خزيمة بن ثابت عند أحمد نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يأتي الرجل امرأته في دبرها. وحديث ابن عباس عند الترمذي مرفوعًا: لا ينظر الله إلى رجل أتى امرأته في دبرها في أحاديث كثيرة يطول ذكرها وحملوا ما ورد عن ابن عمر على أنه يأتيها في قبلها من دبرها. وقد روى النسائي بإسناد صحيح عن أبي النضر أنه قال لنافع: إنه قد أكثر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن. قال: كذبوا عليّ، ولكن سأحدثك كيف كان الأمر إن ابن عمر عرض المصحف يومًا وأنا عنده حتى بلغ: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} [البقرة: 223] فقال: يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت: لا. قال: إنّا كنا معشر قريش نحني النساء فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل ما كنا نريد، فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم}. وقد روى أبو جعفر الفريابي عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن ابن عمر مرفوعًا: "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ويقول ادخلوا النار مع الداخلين. الفاعل والمفعول به وناكح يده وناكح البهيمة وناكح المرأة في دبرها والجامع بين المرأة وابنتها والزاني بحليلة جاره والمؤذي جاره حتى يلعنه". وأما ما حكاه الطحاوي عن محمد بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول: ما صح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تحليله ولا تحريمه شيء، والقياس أنه حلال فقال أبو نصر بن الصباغ: كان يحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد كذب يعني ابن عبد الحكم على الشافعي في ذلك، فإن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه انتهى.

40 - باب {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} [البقرة: 232]

وأما ما ذكره الحاكم في مناقب الشافعي من طريق ابن عبد الحكم أيضًا أنه حكى عن الشافعي مناظرة جرت بينه وبين محمد بن الحسن في ذلك، وأن ابن الحسن احتج عليه بأن الحرث إنما يكون في الفرج فقال له: فيكون ما سوى الفرج محرمًا فالتزمه فقال: أرأيت لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أي ذلك حرث؟ قال: لا. قال: أفيحرم؟ قال: لا. قال: فكيف تحتج بما لا تقول به فيحتمل كما قال الحاكم أن يكون ألزم محمدًا بطريق المناظرة وأن كان لا يقول بذلك والحجة عنده التحريم غير المسلك الذي سلكه محمد كما يشير إليه كلامه في الأم. 4528 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعْتُ جَابِرًا -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ إِذَا جَامَعَهَا مِنْ وَرَائِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ، فَنَزَلَتْ: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) هو الثوري كما جزم به في الفتح ونقل في العمدة عن المزي أنه ابن عيينة (عن ابن المنكدر) محمد أنه قال: "سمعت جابرًا -رضي الله عنه- قال: كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها) لفظ رواية الإسماعيلي من طريق يحيى بن أبي زائدة عن سفيان الثوري باركة مدبرة في فرجها من ورائها. وعند مسلم من طريق سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قُبلها. ومن طريق أبي حازم عن ابن المنكدر فحملت (جاء الولد أحول فنزلت) تكذيبًا لليهود في زعمهم ({نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}) فأباح للرجال أن يتمتعوا بنسائهم كيف شاؤوا أي فأتوهن كما تأتون أرضكم التي تريدون أن تحرثوها من أي جهة شئتم لا يحظر عليكم جهة دون جهة، والمعنى جامعوهن من أي شق أردتم بعد أن يكون المأتي واحدًا وهو موضع الحرث، وهذا من الكنايات اللطيفة والتعريضات المستحسنة قاله الزمخشري. قال الطيبي: لأنه أبيح لهم أن يأتوها من أي جهة شاؤوا كالأراضي المملوكة، وقيد بالحرث ليشير أن لا يتجاوز البتة موضع البذر، وأن يتجاوز عن مجرد الشهوة فالغرض الأصلي طلب النسل لا قضاء الشهوة. وهذا الحديث أخرجه مسلم في النكاح وغيره، والترمذي في التفسير، والنسائي في عشرة النساء، وابن ماجه في النكاح. 40 - باب {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] (باب {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن}) أي انقضت عدتهن ({فلا تعضلوهن}) لا تمنعوهن ({أن ينكحن أزواجهن}) [البقرة: 232]. والمخاطب بذلك الأولياء لما يأتي إن شاء الله تعالى قريبًا في الباب. 4529 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ: كَانَتْ لِي أُخْتٌ تُخْطَبُ إِلَيَّ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ أُخْتَ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فَتَرَكَهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَخَطَبَهَا فَأَبَى مَعْقِلٌ فَنَزَلَتْ: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}. [الحديث 4529 - أطرافه في: 5130، 5330، 5331]. وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن سعيد) أي ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (حدّثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو (العقدي) بفتح العين المهملة والقاف قال: (حدّثنا عباد بن راشد) بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة التميمي البصري قال: (حدّثنا الحسن) البصري (قال: حدّثني) بالإفراد (معقل بن يسار) بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف ويسار بالسين المهملة مخففة المزني (قال: كانت لي أخت) اسمها جميل بضم الجيم مصغرًا كما عند ابن الكلبي أو ليلى كما عند السهيلي (تخطب إليّ) بضم أوله وفتح ثالثه. (وقال إبراهيم) هو ابن طهمان مما وصله المؤلّف في النكاح (عن يونس) هو ابن عبيد بن دينار العبدي (عن الحسن) البصري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (معقل بن يسار) فيه تصريح الحسن بالتحديث عن معقل كالسابق. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بسكون العين وفتح الميمين عبد الله المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا يونس) بن عبيد (عن الحسن) البصري (أن أخت معقل بن يسار) قيل في اسمها غير ما سبق في هذا الباب فاطمة كما عند ابن إسحاق ويحتمل التعدد بأن يكون لها اسمان ولقب، أو لقبان واسم (طلّقها زوجها) هو ما في أحكام القرآن لإسماعيل القاضي أبو البدّاح بن عاصم، وتعقبه الذهبي بأن أبا البداح تابعي على الصواب والصحبة لأبيه، فيحتمل أن يكون هو الزوج. وجزم بعض المتأخرين فيما قاله الحافظ ابن حجر بأنه البداح بن عاصم وكنيته أبو عمرو قال فإن كان محفوظًا فهو أخو أبي البداح بن عاصم التابعي، وفي كتاب المجاز للشيخ عز الدّين بن عبد السلام أنه عبد الله بن رواحة. (فتركها حتى انقضت عدّتها فخطبها) من وليها أخيها معقل (فأبى) فامتنع

41 - باب {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير} [البقرة 234] يعفون: يهبن

(معقل) أن يراجعها له (فنزلت: {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن}) وهذا صريح في نزول هذه الآية في هذه القصة، ولا يمنع ذلك ظاهر الخطاب في السياق للأزواج حيث وقع فيها {وإذا طلقتم النساء} لكن قوله في بقيتها {أن ينكحن أزواجهن} ظاهر في أن العضل يتعلق بالأولياء، وفيه أن المرأة لا تملك أن تزوج نفسها وأنه لا بد في النكاح من ولي إذ لو تمكنت من ذلك لم يكن لعضل الولي معنى، ولا يعارض بإسناد النكاح إليهن لأنه بسبب توقفه على إذنهن. وفي هذه المسألة خلاف يأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته محررًا في موضعه من كتاب النكاح. 41 - باب {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالمَعْرُوفِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرةْ 234] يَعْفُونَ: يَهَبْنَ ({والذين يتوفون}) وفي نسخة باب والذين يتوفون أي يموتون ({منكم ويذرون}) يتركون ({أزواجًا يتربصن}) بعدهم ({بأنفسهن}) فلا يتزوجن ولا يخرجن ولا يتزين ({أربعة أشهر وعشرًا}) من الليالي، ويحتمل أن تكون الحكمة في هذا المقدار أن الجنين في غالب الأمر يتحرك لثلاثة أشهر إن كان ذكرًا ولأربعة إن كان أنثى واعتبر أقصر الأجلين وزيد عليه العشر استظهارًا إذ ربما تضعف حركته في المبادئ فلا يحس بها ولا يخرج عن ذلك إلا المتوفى عنها زوجها وهي حامل فإن عدتها بوضع الحمل ولو لم تمكث بعده سوى لحظة لعموم قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق: 4] والأمة فإن عدتها على النصف من عدة الحرة شهران وخمس ليال لأنها لما كانت على النصف من الحرة في الحدّ فكذلك في العدة. وكان ابن عباس يرى أن تتربص بأبعد الأجلين من الوضع وأربعة أشهر وعشر للجمع بين الآيتين، وهو مأخذ جيد ومسلك قوي لولا ما ثبتت به السنّة في حديث سبيعة الأسلمية الآتي إن شاء الله تعالى قريبًا بحول الله وقوّته، وتأنيث العشر باعتبار الليالي لأنها غرر المشهور والأيام تبع، ولذلك لا يستعملون التذكير في مثله قط ذهابًا إلى الأيام حتى أنهم يقولون: صمت عشرًا ويشهد له قوله: {إن لبثتم إلا عشرًا} [طه: 103] و {إن لبثتم إلا يومًا} [طه: 154] ({فإذا بلغن أجلهن}) انقضت عدتهن ({فلا جناح عليكم}) أي فلا إثم عليكم أيها الأولياء أو المسلمون ({فيما فعلن في أنفسهن}) من التعرض للخطاب والتزين وسائر ما حرم للعدة ({بالمعروف}) بالوجه الذي لا ينكره الشرع ({والله بما تعملون خبير}) [البقرة: 234] فيجازيكم عليه وسقط قوله: {فإذا بلغن} الخ لغير أبي ذر وقال إلى {بما تعملون خبير}. (يعفون) أي من قوله تعالى: {فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون} [البقرة: 234] قال ابن عباس وغيره: (يهبن) من الهبة أي المطلقات فلا يأخذن شيئًا، والصيغة تحتمل التذكير والتأنيث يقال: الرجال يعفون والنساء يعفون. قالوا: وفي الأوّل ضمير والنون علامة الرفع، وفي الثاني لام الفعل والنون ضمير النساء، ولذلك لم يؤثر فيه أن هاهنا ونصب المعطوف وسقط قوله يعفون يهبن لأبي ذر. 4530 - حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ حَبِيبٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} قَالَ: قَدْ نَسَخَتْهَا الآيَةُ الأُخْرَى، فَلِمَ تَكْتُبُهَا أَوْ تَدَعُهَا قَالَ يَا ابْنَ أَخِي: لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ. [الحديث 4530 - طرفه في: 4536]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (أمية بن بسطام) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية وبسطام بكسر الموحدة وسكون المهملة ابن المنتشر العيشي البصري قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا (عن حببب) هو في اليونينية بالحاء المهملة هو ابن الشهيد كما صرح به المؤلّف قريبًا، ووقع في الفرع هنا خبيب بالخاء المعجمة المضمومة فالله أعلم أو هو سهو الأزدي الأموي البصري (عن ابن أبي مليكة) عبد الله أنه قال: (قال ابن الزبير) عبد الله: (قلت لعثمان بن عفان {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا}) الآية الثانية الصريحة الدلالة على أنه يجب على الذين يتوفون أن يوصوا قبل أن يحتضروا لأزواجهم بأن يمتعن بعدهم حولًا بالسكنى (قال) أي ابن الزبير: (قد نسختها الآية الأخرى) السابقة وهي ({يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} فلم) بكسر اللام وفتح الميم (تكتبها) وقد نسخ حكمها بالأربعة أشهر فما الحكمة في إبقاء رسمها مع زوال حكمها وبقاء رسمها بعد التي نسختها يوهم بقاء حكمها (أو) لم (تدعها) أي تتركها في المصحف والشك من الراوي أي اللفظ قال: وقال في المصابيح: المعنى فلم تكتبها أو فلم لا تدعها فحذف حرف النفي اعتمادًا على فهم المعنى

قال: وقد جاء بعد هذا وقال: ندعها يا ابن أخي لا أغير شيئًا منه من مكانه انتهى. والاستفهام إنكاري وكأن ابن الزبير ظن أن الذي ينسخ حكمه لا يكتب. (قال) عثمان رضي الله تعالى عنه مجيبًا له عن استشكاله (يا ابن أخي) قاله على عادة العرب أو نظرًا إلى أخوة الإيمان (لا أغير شيئًا منه من مكانه) إذ هو توقيفي أي فكما وجدتها مثبتة في المصحف بعدها أثبتها حيث وجدتها، وفيه أن ترتيب الآي توقيفي. 4531 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ الْعِدَّةُ تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا وَاجِبٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} قَالَ: جَعَلَ اللَّهُ لَهَا تَمَامَ السَّنَةِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَصِيَّةً إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ وَهْوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فَالْعِدَّةُ كَمَا هِيَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا زَعَمَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَالَ عَطَاءٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَهْوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} قَالَ عَطَاءٌ: إِنْ شَاءَتِ اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهِ وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ} قَالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ جَاءَ الْمِيرَاثُ فَنَسَخَ السُّكْنَى فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَلاَ سُكْنَى لَهَا، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهَذَا. وَعَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ عِدَّتَهَا فِي أَهْلِهَا فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} نَحْوَهُ. [الحديث 4531 - أطرافه في: 5344]. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (إسحاق) هو ابن راهويه قال: (حدّثنا روح) بفتح الراء ابن عبادة بضم العين وتخفيف الموحدة قال: (حدّثنا شبل) بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة آخره لام ابن عباد بفتح العين وتشديد الموحدة (عن ابن أبي نجيح) عبد الله المكي (عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا} قال: كانت هذه العدة) أي المذكورة في قوله تعالى: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} (تعتد عند أهل زوجها واجب فأنزل الله) تعالى: ({والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا وصية لأزواجهم}) بنصب وصية في قراءة أبي عمرو وابن عامر وحفص وحمزة أي والذين يتوفون منكم يوصون وصية أو ليوصوا وصية أو كتب الله عليهم وصية، أو ألزم الذين يتوفون وصية وبالرفع قرأ الباقون على تقدير ووصية الذين يتوفون أو حكمهم وصية ({متاعًا إلى الحول}) نصب بلفظ وصية لأنها مصدر منوّن ولا يضرّ تأنيثها بالتاء لبنائها عليه والأصل وصية بمتاع ثم حذف الجر اتساعًا فنصب ما بعده وهذا إذا لم تجعل الوصية منصوبة على المصدر لأن المصدر المؤكد لا يعمل وإنما يجيء ذلك حال رفعها أو نصبها على المفعول ({غير إخراج}) نعت لمتاعًا أو بدل منه أو حال من الزوجات أي غير مخرجات أو حال من الموصين أي غير مخرجين ({فإن خرجن}) من منزل الأزواج ({فلا جناح عليكم}) [البقرة: 240] أيها الأولياء ({فيما فعلن في أنفسهن من معروف}) [البقرة: 240] مما لم ينكره الشرع، وهذا يدل على أنه لم يكن يجب عليها ملازمة مسكن الزوج والإحداد عليه وإنما كانت مخيرة بين الملازمة وأخذ النفقة وبين الخروج وتركها (قال: جعل الله لها) أي للمعتدة المذكورة في الآية الأولى (تمام السنة سبعة أشهر) ولأبي ذر: بسبعة أشهر (وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت وهو قول الله تعالى: {غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم} فالعدة) وهي أربعة الأشهر والعشرة (كما هي واجب عليها) قال شبل بن عباد (زعم) ابن أبي نجيح (ذلك) المتقدم (عن مجاهد) وهذا يدل على أن مجاهدًا لا يرى نسخ هذه الآية ثم عطف المؤلّف على قوله عن مجاهد قوله. (وقال: عطاء) هو ابن أبي رباح. قال في الفتح: وهو من رواية ابن أبي نجيح عن عطاء، ووهم من زعم أنه معلق، وتعقبه العيني بأنه لو كان عطفًا لقال وعن عطاء فظاهره التعليق (قال ابن عباس: نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت وهو) أي الناسخ (قول الله تعالى {غير إخراج} قال عطاء) مفسرًا لما رواه عن ابن عباس (إن شاءت اعتدت عند أهله) ولأبي ذر عن الكشميهني عند أهلها (وسكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت لقول الله تعالى: {فلا جناح عليكم فيما فعلن}) لدلالته على التخيير. (قال عطاء: ثم جاء الميراث) في قوله تعالى: {ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن} [النساء: 12] (فنسخ السكنى) وتركت الوصية (فتعتدّ حيث شاءت ولا سكنى لها). قال ابن كثير: فهذا القول الذي عوّل عليه مجاهد وعطاء من أن هذه الآية لم تدل على وجوب الاعتداد سنة كما زعمه الجمهور حتى يكون ذلك منسوخًا بأربعة الأشهر والعشر، وإنما دلت على أن ذلك كان من باب الوصية بالزوجات أن يمكّن من السكنى في بيوت أزواجهن بعد وفاتهم حولًا كاملًا إن اخترن ذلك ولهذا قال: {وصية لأزواجهم} أي يوصيكم الله بهن وصية كقوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11] الآية. (وعن محمد بن يوسف) الفريابي شيخ المؤلّف وهو معطوف على

42 - باب {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238]

قوله حدّثنا روح أو علقه المؤلّف عنه وقد وصله أبو نعيم في مستخرجه من طريق محمد بن عبد الملك بن زنجويه عن محمد بن يوسف وهو الفريابي أنه قال: (حدّثنا ورقاء) بن عمرو الخوارزمي (عن ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة عبد الله واسم أبي نجيح يسار (عن مجاهد بهذا. وعن ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: نسخت هذه الآية عدتها في أهلها فتعتد حيث شاءت لقول الله تعالى: {غير إخراج} نحوه) أي نحو ما روي عن مجاهد فيما سبق. 4532 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى مَجْلِسٍ فِيهِ عُظْمٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَفِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى فَذَكَرْتُ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ فِي شَأْنِ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَلَكِنَّ عَمَّهُ كَانَ لاَ يَقُولُ ذَلِكَ فَقُلْتُ إِنِّي لَجَرِيءٌ إِنْ كَذَبْتُ عَلَى رَجُلٍ فِي جَانِبِ الْكُوفَةِ وَرَفَعَ صَوْتَهُ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ فَلَقِيتُ مَالِكَ بْنَ عَامِرٍ أَوْ مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهْيَ حَامِلٌ؟ فَقَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ وَلاَ تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ؟ فَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى وَقَالَ أَيُّوبُ: عَنْ مُحَمَّدٍ لَقِيتُ أَبَا عَطِيَّةَ مَالِكَ بْنَ عَامِرٍ. [الحديث 4532 - طرفه في: 4910]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (حبان) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن موسى المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا عبد الله بن عون) بالنون واسم جده ارطبان البصري (عن محمد بن سيرين) أنه (قال: جلست إلى مجلس فيه عظم) بضم العين المهملة وسكون الظاء المعجمة جمع عظيم أي عظماء (من الأنصار وفيهم عبد الرحمن بن أبي ليلى) اسمه يسار الكوفي زاد في سورة الطلاق فذكروا آخر الأجلين (فذكرت حديث عبد الله بن عتبة) بضم العين وسكون الفوقية ابن مسعود الهزلي التابعي ابن أخي عبد الله بن مسعود (في شأن سبيعة بنت الحرث) بضم السين المهملة وفتح الموحدة وفتح العين المهملة مصغر سبعة الأسلمية، وكانت زوج سعد بن خولة فتوفي عنها بمكة فقال لها أبو السنابل بن بعكك: إن أجلك أربعة أشهر وعشر وكانت قد وضعت بعد وفاة زوجها بليال. قيل خمس وعشرون ليلة، وقيل أقل من ذلك فلما قال لها أبو السنابل ذلك أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل فأخبرته فقال لها "قد حللت فانكحي من شئت". (فقال عبد الرحمن) بن أبي ليلى: (ولكن عمه) نصب بلكن المشددة ولأبي ذر ولكن عمه بتخفيف النون ورفع عمه أي عم عبد الله بن عتبة وهو عبد الله بن مسعود (كان لا يقول ذلك) بل يقول تعتدّ بآخر الأجلين قال محمد بن سيرين (فقلت: إني لجريء) أي ذو جراءة (أن كذبت على رجل في جانب الكوفة) يريد عبد الله بن عتبة وكان سكن الكوفة وتوفي بها زمن عبد الملك بن مروان، ومفهومه وقوع ذلك وعبد الله بن عتبة حيّ (ورفع) ابن سيرين (صوته. قال): أي ابن سيرين (ثم خرجت فلقيت مالك بن عامر) أبا عطية الهمداني (أو مالك بن عوف) بن أبي نضلة صاحب ابن مسعود والشك من الراوي (قلت) له: (كيف كان قول ابن مسعود في) عدّة (المتوفى عنها زوجها وهي حامل)؟ الواو في وهي للحال (فقال) مالك بن عامر أو مالك بن عوف: (قال ابن مسعود: أتجعلون عليها التغليظ) وهو طول زمن عدة الحمل إذا زادت على أربعة أشهر وعشر (ولا تجعلون لها الرخصة) وهي خروجها من العدة إذا وضعت لأقل من أربعة أشهر وعشر (فنزلت) بلام التأكيد لقسم محذوف أي والله لنزلت ولأبي ذر عن المستملي أنزلت (سورة النساء القصرى) التي هي سورة الطلاق ومراده منها وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن (بعد الطولى) التي هي سورة البقرة ومراده منها {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} ومفهوم كلام ابن مسعود أن المتأخر هو الناسخ لكن الجمهور أن لا نسخ بل عموم آية البقرة مخصوص بآية الطلاق، وقد روى أبو داود وابن أبي حاتم من طريق مسروق قال: بلغ ابن مسعود أن عليًّا يقول تعتد آخر الأجلين فقال: من شاء لاعنته أن التي في النساء القصرى أنزلت بعد سورة البقرة ثم قرأ {وأولات الأحمال أجهلن أن يضعن حملهن}. (وقال أيوب) السختياني مما وصله في سورة الطلاق (عن محمد) هو ابن سيرين (لقيت أبا عطية مالك بن عامر) من غير شك. 42 - باب {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] (باب) قوله تعالى: ({حافظوا على الصلوات}) بالأداء لوقتها والمداومة عليها وفي فاعل هنا قولان. أحدهما: أنه بمعنى فعل كطارقت النعل وعاقبت اللص ولما ضمن المحافظة معنى المواظبة عدّاها بعلى، والثاني أن

فاعل على بابها من كونها بين اثنين فقيل بين العبد وربه كأنه قال: احفظ هذه الصلاة يحفظك الله، وقيل بين العبد والصلاة أي احفظها تحفظك ({والصلاة الوسطى}) [البقرة: 238] ذكر للخاص بعد العام أي الوسطى بينها أو الفضلى منها من قولهم للأفضل الأوسط قاله الزمحشري، وتعقب بأن الذي يقتضيه الظاهر أن تكون الوسطى فعلى مؤنث الأوسط كالفضلى مؤنث الأفضل. قال إعرابي يمدح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا أوسط الناس طرًّا في مفاخرهم ... وأكرم الناس أُمّا برّة وأبا وقال تعالى: {قال أوسطهم} أي أفضلهم، ومنه يقال فلان واسطة قومه أي أفضلهم وعينهم، وليست من الوسط الذي معناه متوسط بين شيئين لأن فعلى معناها أفعل التفضيل ولا يبنى للتفضيل إلا ما يقبل الزيادة والنقص، والوسط بمعنى العدل والخيار يقبلهما بخلاف المتوسط بين الشيئين فإنه لا يقبلهما فلا يبنى منه أفعل التفضيل. 4533 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ح: 0000 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: هِشَامٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رضي الله تعالى عنه - أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: «حَبَسُونَا عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ مَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ أَوْ أَجْوَافَهُمْ - شَكَّ يَحْيَى - نَارًا». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا يزيد) من الزيادة ابن هارون الواسطي قال: (أخبرنا هشام) هو ابن حسان القردوسي (عن محمد) هو ابن سيرين (عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة السلماني (عن علي رضي الله تعالى عنه) أنه قال: (قال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح): وبه قال: (حدّثني) ولأبي ذر: وحدّثني (عبد الرحمن) بن بشر بن الحكم قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (قال هشام): هو ابن حسان القردوسي (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثنا هشام قال: حدّثنا (محمد) هو ابن سيرين (عن عبيدة) السلماني (عن علي رضي الله تعالى عنه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال يوم الخندق): (حبسونا) أي منعونا (عن) إيقاع (صلاة الوسطى) زاد مسلم: صلاة العصر وإضافة الصلاة إلى الوسطى من إضافة الصفة إلى الموصوف وأجازه الكوفيون (حتى غابت الشمس) زاد مسلم: ثم صلاها بين المغرب والعشاء، ويحتمل أن يكون أخّرها نسيانًا لاشتغاله بأمر العدوّ وكان هذا قبل نزول صلاة الخوف (ملأ الله قبورهم وبيوتهم) أي مكان بيوتهم (أو أجوافهم شك يحيى) بن سعيد القطان (نارًا). وقد اختلف السلف والخلف في تعيين الصلاة الوسطى. قال الترمذي والبغوي: أكثر علماء الصحابة وغيرهم أنها العصر، وقال الماوردي: إنه قول جمهور التابعين، وحكاه الدمياطي عن عمر وعلي وابن مسعود وأبي أيوب وابن عمرو وسمرة بن جندب وأبي هريرة وأبي سعيد وحفصة وأم حبيبة وأم سلمة وهو مذهب أحمد. وقال ابن المنذر: إنه الصحيح عن أبي حنيفة وصاحبيه، واختاره ابن حبيب من المالكية لحديث عليّ مرفوعًا عند أحمد "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر" وكذا عند مسلم والنسائي وأبي داود كل بلفظ صلاة العصر، وكذا هو في حديث ابن مسعود والبراء بن عازب عند مسلم، وسمرة عند أحمد، وأبي هريرة عند ابن جرير، وأبي مالك الأشعري عند ابن جرير أيضًا، وابن مسعود عند ابن أبي حاتم، وابن حبان في صحيحه، ويؤكد ذلك الأمر بالمحافظة عليها كحديث "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله" واجتماع الملائكة في وقتها. وروى ابن جرير من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال: كان في مصحف عائشة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر، وفي مصحف حفصة حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر رواه ابن جرير وغيره. وعورض بأن العطف بالواو في قوله وصلاة العصر يقتضي المغايرة. وأجيب: بأن الواو زائدة أو هو من عطف الصفات لا من عطف الذوات كقوله تعالى: {ولكن رسول الله وخاتم النبيين} [الأحزاب: 40] لكن هي منسوخة التلاوة كما في حديث البراء بن عازب عند مسلم بلفظ: نزلت حافظوا على الصلوات وصلاة العصر فقرأناها على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما شاء الله ثم نسخها الله عز وجل وأنزل {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} وقيل: إنها الصبح

43 - باب {وقوموا لله قانتين} أي مطيعين

رواه مالك في موطئه بلاغًا عن علي وابن عباس وهو مذهب مالك ونص عليه الشافعي محتجًا بقوله تعالى: {وقوموا لله قانتين} [البقرة: 238] والقنوت عنده في صلاة الصبح، وقيل هي الظهر لحديث زيد بن ثابت عند أحمد كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلّي صلاة أشد على أصحابه منها فنزلت {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} وقال: إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين. ورواه أبو داود في سننه من حديث شعبة وقيل: هي المغرب ففي حديث ابن عباس عند ابن أبي حاتم بإسناد حسن قال، الصلاة الوسطى: هي المغرب واحتج لذلك بأنها معتدلة في عدد الركعات ولا تقصر في السفر، وبأن قبلها صلاتي سر وبعدها صلاتي جهر، وقيل: هي العشاء واختاره الواحدي ونقله القرطبي والسفاقسي واحتج له بأنها بين صلاتين لا تقصران. وقيل: هي واحدة من الخمس لا بعينها وأبهمت فيهن كليلة القدر في الحول أو الشهر أو العشر، واختاره إمام الحرمين وقيل: مجموع الصلوات الخمس رواه ابن أبي حاتم عن ابن عمر. قال الحافظ ابن كثير: وفي صحته نظر والعجب من اختيار ابن عبد البر له مع اطلاعه وحفظه وأنها لإحدى الكبر إذا اختار مع اطلاعه وحفظه ما لم يقم عليه دليل. وقيل: الصبح والعشاء لما في الصحيح أنهما أثقل الصلاة على المنافقين، وقيل الصبح والعصر لقوّة الأدلة في إن كلاًّ منهما قيل إنه الوسطى فظاهر القرآن الصبح ونص الحديث العصر وقيل غير ذلك. قال ابن كثير: والمدار ومعترك النزاع في الصبح والعصر، وقد بينت السنّة أنها العصر فتعين المصير إليها، وقد جزم الماوردي بأن مذهب الشافعي أنها العصر وإن كان قد نص في الجديد أنها الصبح لصحة الأحاديث أنها العصر لقوله إذا صح الحديث وقلت قولاً فأنا راجع عن قولي وقائل بذلك، لكن قد صمم جماعة من الشافعية أنها الصبح قولا واحدًا. 43 - باب {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} أيْ مُطِيعِينَ (باب) قوله تعالى: ({وقوموا لله}) في الصلاة حال كونكم ({قانتين} أي مطيعين) كذا فسره ابن مسعود وابن عباس وجماعة من التابعين فيما ذكره ابن أبي حاتم وقيل خاشعين ذليلين مستكنين بين يديه ساكتين. وقال ابن المسيب: المراد به القنوت في الصبح وسقط أي لغير أبي ذر. 4534 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلاَةِ يُكَلِّمُ أَحَدُنَا أَخَاهُ فِي حَاجَتِهِ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي مولاهم البجلي (عن الحرث بن شبيل) بضم المعجمة وفتح الموحدة آخره لام مصغرًا (عن أبي عمرو) بفتح العين سعد بن إياس (الشيباني) بفتح الشين المخضرم عاش مائة وعشرين سنة (عن زيد بن أرقم) -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا نتكلم في الصلاة) زاد في باب ما ينهى من الكلام في الصلاة في أواخر كتاب الصلاة من طريق عيسى بن يونس عن إسماعيل بن أبي خالد على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يكلم أحدنا أخاه) وفي طريق عيسى بن يونس صاحبه بدل أخاه (في حاجته حتى) أي إلى أن (نزلت هده الآية {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} فأمرنا بالسكوت) عن الكلام الذي لا يتعلق بالصلاة وليس في الصلاة حالة سكوت. وقد أشكل هذا الحديث من جهة أنه ثبت أن تحريم الكلام في الصلاة كان بمكة قبل الهجرة إلى أرض الحبشة لحديث ابن مسعود: كنا نسلم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن نهاجر إلى الحبشة وهو في الصلاة فيردّ علينا، فلما قدمنا سلمت عليه فلم يردّ في الحديث. وهذه الآية مدنية باتفاق فقيل: وإنما أراد زيد بن أرقم الإخبار عن جنس كلام الناس، واستدلّ على تحريم ذلك بهذه الآية بحسب ما فهمه منها، وقيل أراد أن ذلك وقع بالمدينة بعد الهجرة إليها ويكون ذلك قد أبيح مرتين وحرم مرتين. قال ابن كثير: والأوّل أظهر. 44 - باب {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ كُرْسِيُّهُ: عِلْمُهُ، يُقَالُ: بَسْطَةً: زِيَادَةً وَفَضْلًا. أَفْرِغْ: أَنْزِلْ، وَلاَ يَئُودُهُ: لاَ يُثْقِلُهُ، آدَنِي: أَثْقَلَنِي وَالآدُ وَالأَيْدُ: الْقُوَّةُ، السِّنَةُ: نُعَاسٌ، يَتَسَنَّهْ: يَتَغَيَّرْ، فَبُهِتَ: ذَهَبَتْ حُجَّتُهُ، خَاوِيَةٌ: لاَ أَنِيسَ فِيهَا: عُرُوشُهَا: أَبْنِيَتُهَا، نُنْشِرُهَا: نُخْرِجُهَا، إِعْصَارٌ: رِيحٌ عَاصِفٌ تَهُبُّ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ كَعَمُودٍ، فِيهِ نَارٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَلْدًا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَابِلٌ: مَطَرٌ شَدِيدٌ، الطَّلُّ: النَّدَى وَهَذَا مَثَلُ عَمَلِ الْمُؤْمِنِ. يَتَسَنَّهْ: يَتَغَيَّرْ. ({فإن خفتم}) ولأبي ذر باب قوله عز وجل: ({فإن خفتم}) أي من عدوّ أو غيره ({فرجالًا أو ركبانًا})، نصب على الحال والعامل محذوف تقديره فصلوا رجالًا ورجالًا جمع راجل كقائم وقيام وأو للتقسيم أو الإباحة أو التخيير ({فإذا أمِنتم}) من العدوّ وزال خوفكم ({فاذكروا الله}) أي أقيموا

صلاتكم كما أمرتكم تامة الركوع والسجود والقيام والقعود ({كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون}) [البقرة: 239] الكاف في كما في موضع نصب نعتًا لمصدر محذوف أو حالًا من ضمير المصدر المحذوف، وما مصدرية أو بمعنى الذي وما لم تكونوا تعلمون مفعول علمكم، والمعنى فصلّوا الصلاة كالصلاة التي علمكم وعبّر الذكر عن الصلاة والتشبيه بين هيئتي الصلاتين الواقعة قبل الخوف وبعده في حالة الأمن، وفي رواية أبي ذر بعد قوله: {فإذا أمنتم} الآية وحذف ما بعد ذلك. (وقال ابن جبير): سعيد مما وصله ابن أبي حاتم في تفسير قوله تعالى: {وسع} ({كرسيه} [البقرة: 255] أي علمه) تسمية للصفة باسم مكان صاحبها ومنه قيل للعلماء الكراسي وقيل يعبر به عن السر قال: ما لي بأمرك كرسيّ أكاتمه ... ولا بكرسيّ علم الله محلوت وقد يعبر به عن الملك لجلوسه عليه تسمية للحال باسم المحل وهو في الأصل لما يقعد عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد، وتفسير ابن جبير هذا فيه إشارة إلى أنه لا كرسي في الحقيقة ولا قاعد، وإنما هو مجاز عن علمه كما في غيره مما سبق. وقال قوم: هو جسم بين يدي العرش ولذلك سمي كرسيًا محيط بالسماوات السبع لحديث أبي ذر الغفاري عند ابن مردويه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "والذي نفسي بيده ما السماوات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وأن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة". وزعم بعض أهل الهيئة من الإسلاميين أن الكرسي هو الفلك الثامن وهو فلك الثوابت الذي فوقه الفلك التاسع وهو الأطلس وسمي الأطلس لكونه غير مكوكب وردّ ذلك عليهم آخرون. (يقال) في تفسير قوله تعالى: {وزاده} أي طالوت ({بسطة}) أي (زياة وفضلًا) في العلم والجسم تأهل بهما أن يؤتى الملك وكان رجلًا جسيمًا إذا مدّ الرجل القائم يده ينال رأسه وافر العلم قويًّا على مقاومة العدوّ ومكابدة الحرب. ({أفرغ}) يريد قوله تعالى: {ربنا أفرغ} أي (أنزل) {علينا صبرًا} [البقرة: 250] على القتال، وسقط لأبي ذر من قوله يقال إلى هنا. ({ولا يؤده}) أي (لا يثقله) {حفظهما} يقال (آدني) هذا الأمر أي (أثقلني والآد) بالمد مخففًا كالآل (والأيد) كأنه يشير إلى قول داود: ذا الأيد أي (القوة) وشطب في اليونينية على الألف واللام من قوله القوة. (السنة) من قوله تعالى: {لا تأخذه سنة} (نعاس) ولأبي ذر النعاس كذا فسره ابن عباس فيما أخرجه ابن أبي حاتم. وقوله تعالى: {وانظر إلى طعامك وشرابك لم} ({يتسنه}) [البقرة: 259] أي (يتغير) بمرور الزمان وعبر بالإفراد لأن الطعام والشراب كالجنس الواحد أو أعاد الضمير إلى الشراب لأنه أقرب مذكور وثم جملة أخرى حذفت لدلالة هذه عليها أي أنظر إلى طعامك لم يتسنه أو سكت عن تغير الطعام تنبيهًا بالأدنى على الأعلى لأنه إذا لم يتغير الشراب مع سرعة التغير إليه فعدم تغير الطعام أولى. وقوله تعالى: ({فبهت}) {الذي كفر} [البقرة: 259] وهو نمروذ أي (ذهبت حجته) وقرئ فبهت مبنيًا للفاعل أي فغلب إبراهيم الكافر. وقوله تعالى: {أو كالذي مرّ على قرية وهي} ({خاوية}) أي (لا أنيس فيها) والمارّ عزير كما عند ابن أبي حاتم والقرية القدس وقوله: ({عروشها}) أي (أبنيتها) ساقطة. (السنة) هي (نعاس) وقد مرّ، وسقطت هذه لأبي ذر. وقوله تعالى: {وانظر إلى العظام كيف} ({ننشرها}) [البقرة: 259]. بالراء أي (نخرجها). قال السدي وغيره: تفرقت عظام حماره حوله يمينًا وشمالًا فنظر إليها وهي تلوح من بياضها فبعث الله ريحًا فجمعتها من كل موضع من تلك المحلة ثم ركبت كل عظم في موضعه حتى صار حمارًا قائمًا من عظام لا لحم عليها ثم كساه الله تعالى لحمًا وعصبًا وعروقًا وجلدًا وبعث ملكًا فنفخ في منخري الحمار فنهق بإذن الله تعالى وذلك كله بمرأى من العزير، وسقط لأبي ذر من قوله عروشها الخ. وقوله تعالى: {فأصابها} ({إعصار}) [البقرة: 266] أي (ريح عاصف تهب من الأرض إلى السماء كعمود فيه نار) أي فتحرق ما في جنته من نخيل وأعناب والمعنى تمثيل حال من يفعل

45 - باب {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا} [البقرة: 234]

الأفعال الحسنة ويضم إليها ما يحبطها مثل الرياء والإيذاء في الحسرة والأسف إذا كان يوم القيامة واشتدت حاجته إليها وجدها محبطة بحال من هذا شأنه. (وقال ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما مما وصله ابن جرير في قوله تعالى: {فتركه} ({صلدًا}) [البقرة: 264] أي (ليس عليه شيء) من تراب فكذلك نفقة المرائي والمشرك لا يبقى له ثواب. (وقال عكرمة): مما وصله عبد بن حميد في قوله تعالى: {أصابها} ({وابل}) [البقرة: 265]. أي (مطر شديد) قطره، و (الطل) في قوله تعالى: {فطل} أي (الندى) وهذا تجوّز منه. والمعروف أن الطل هو المطر الصغير القطر والفاء في {فطل} جواب الشرط ولا بدّ من حذف بعدها لتكمل جملة الجواب أي: فطل يصيبها فالمحذوف الخبر وجاز الابتداء بالنكرة لأنها في جواب الشرط (وهذا مثل عمل المؤمن). ({يتسنه}) أي (يتغير) وقد مرّ وسقط لأبي ذر من قوله: وقال ابن عباس إلى آخر قوله يتغير. 4535 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضي الله تعالى عنهما - كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلاَةِ الْخَوْفِ قَالَ: يَتَقَدَّمُ الإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ فَيُصَلِّي بِهِمِ الإِمَامُ رَكْعَةً، وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ لَمْ يُصَلُّوا فَإِذَا صَلَّوُا الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا، وَلاَ يُسَلِّمُونَ وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَنْصَرِفُ الإِمَامُ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَيَقُومُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، فَيُصَلُّونَ لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الإِمَامُ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ، أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا. قَالَ مَالِكٌ: قَالَ نَافِعٌ: لاَ أُرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إِلاَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (مالك) الإمام (عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما كان إذا سئل عن) كيفية (صلاة الخوف. قال: يتقدم الإمام وطائفة من الناس) حيث لا تبلغهم سهام العدوّ (فيصلّي بهم الإمام ركعة وتكون طائفة منهم بينهم وبين العدوّ) تحرسهم منه (لم يصلوا فإذا صلوا الذين) ولأبي ذر: فإذا صلّى الذين (معه) أي مع الإمام (ركعة استأخروا مكان) الطائفة (الذين لم يصلوا) فيكونون في وجه العدوّ (ولا يسلمون) بل يستمرون في الصلاة (ويتقدم الذين لم يصلوا) والإمام قارئ منتظر لهم (فيصلون معه ركعة ثم ينصرف الإمام) من صلاته بالتسليم (وقد صلّى ركعتين فيقوم كل واحد) ولأبي ذر: فتقوم كل واحدة (من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة بعد أن ينصرف الإمام فيكون كل واحد) ولأبي الوقت كل واحدة (من الطائفتين قد صلّى ركعتين) وهذه الكيفية اختارها الحنفية كما نبهت عليه في صلاة الخوف (فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا) حينئذ حال كونهم (رجالًا قيامًا على أقدامهم أو ركبانًا) على دوابهم وزاد مسلم يومئ إيماء (مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها. قال مالك) الإمام الأعظم: (قال نافع: لا أرى) بضم الهمزة أي أظن (عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكذا وقع في كتاب صلاة الخوف من حديثه التصريح برفعه، وفي بعض النسخ تقديم هذا الحديث على قوله قال ابن جبير. 45 - باب {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} [البقرة: 234] ({والذين}) وفي بعض النسخ باب والذين ({يتوفون منكم ويذرون أزواجًا}) سقطت الآية لغير أبي ذر فصار الحديث الآتي من الباب السابق. 4536 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قُلْتُ لِعُثْمَانَ هَذِهِ الآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} إِلَى قَوْلِهِ: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} قَدْ نَسَخَتْهَا الآية الأُخْرَى فَلِمَ تَكْتُبُهَا قَالَ: تَدَعُهَا يَا ابْنَ أَخِي لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ قَالَ حُمَيْدٌ: أَوْ نَحْوَ هَذَا. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن أبي الأسود) هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود واسمه حميد ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي الحافظ البصري قال: (حدّثنا حميد بن الأسود) هو جدّ عبد الله (ويزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا (قالا: حدّثنا حبيب بن الشهيد) بفتح الشين المعجمة وكسر الهاء الأزدي مولاهم البصري (عن ابن أبي مليكة) مصغرًا عبد الله أنه (قال: قال ابن الزبير) عبد الله (قلت لعثمان) بن عفان رضي الله تعالى عنه (هذه الآية التي في البقرة {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا} إلى قوله: {غير إخراج} قد نسختها الآية الأخرى) وسقطت الآية من اليونينية {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} (فلم تكتبها) بكسر اللام استفهام إنكاري (قال): أي عثمان (تدعها) بالفوقية في اليونينية أي تتركها مثبتة في المصحف (يا ابن أخي لا أغير شيئًا منه) أي من المصحف (من مكانه. قال حميد) أي ابن الأسود (أو نحو هذا) المذكور من المتن فتردد فيه بخلاف يزيد بن زريع فجزم به. 46 - باب {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة: 260] فَصُرْهُنَّ: قَطِّعْهُنَّ ({وإذ قال}) وفي نسخة باب وإذ قال: ({إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى}) ({فصرهن}) [البقرة: 265] بكسر الصاد لحمزة وللباقين بضمها قال ابن عباس وغيره أي (قطعهن) وأملهن. فاللغتان لفظ مشترك بين هذين المعنيين، وقيل الكسر بمعنى القطع والضم بمعنى الإمالة

وسقط قوله: {فصرهن} قطعهن لغير أبي ذر. 4537 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله تعالى عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (وسعيد) هو ابن المسيب كلاهما (عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (نحن أحق بالشك من إبراهيم) ولأبي ذر تقديم لفظ إبراهيم على الشك لو كان الشك في القدرة متطرقًا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به، وقد علمتم أني لم أشك فإبراهيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يشك (إذ قال: {رب أرني كيف تحي الموتى}، واختلف في عامل (إذ) فقيل يجوز كونه قال أولم تؤمن أي قال له ذلك ربه وقت قوله ذلك، وكونه قوله ألم تر أي ألم تر إذ قال إبراهيم وكونه مضمرًا تقديره واذكر فإذ على هذين القولين مفعول لا ظرف، ورب مضاف لياء المتكلم حذفت استغناء عنها بالكسرة والرؤية بصرية فتتعدى لواحد ولما دخلت همزة النقل نصب مفعولًا ثانيًا، فالأول ياء المتكلم والثاني الجملة الاستفهامية وهي معلقة للرؤية، وكيف في موضع نصب على التشبيه بالظرف أو بالحال والعامل فيها تحي، وقد ذكروا في سبب سؤال الخليل لذلك وجوهًا، فقيل إنه لما احتج على نمروذ بقوله ربي الذي يحيي ويميت قال نمروذ: أنا أحيي وأميت أطلق محبوسًا وأقتل آخر. قال إبراهيم: إن الله يحيي بأن يقصد إلى جسد ميت فيحييه ويجعل فيه الروح، فقال نمروذ: أنت عاينت ذلك فلم يقدر أن يقول له: نعم عاينته فقال: {رب أرني كيف تحي الموتى}؟ حتى يخبر به معاينة إن سئل عن ذلك مرة أخرى، وقيل إنه سأل زيادة يقين وقوة طمأنينة إذ العلوم الضرورية والنظرية قد تتفاضل في قوتها وطريان الشكوك على الضروريات ممتنع ومجوز في النظريات، فأراد الانتقال من النظر أو الخبر إلى المشاهدة والترقي من علم اليقين إلى عين اليقين. فليس الخبر كالمعاينة. ({قال أوَلم تؤمن}) بأني قادر على الإحياء بإعادة التركيب والحياة؟ قال له ذلك وقد علم أنه أثبت الناس إيمانًا ليجيب بما أجاب فيعلم السامعون غرضه ({قال: بلى}) آمنت ({ولكن ليطمئن قلبي}) اللام لام كي فالفعل منصوب بإضمار أن وهو مبني لاتصاله بنون التوكيد واللام متعلقة بمحذوف بعد لكن تقديره، ولكن سألتك كيفية الإحياء للإطمئنان ولا بدّ من تقدير حذف آخر قبل لكن ليصح معه الاستدراك والتقدير بلى آمنت وما سألت غير مؤمن ولكن سألت ليطمئن قلبي أي لأزيد بصيرة وسكون قلب بمضامة العيان إلى الوحي والاستدلال، وقال الطيبي: سؤال الخليل عليه الصلاة والسلام لم يكن عن شك في القدرة على الإحياء ولكن عن كيفيتها ومعرفة كيفيتها لا تشترط في الإيمان والسؤال بصيغة كيف الدالة على الحال هو كما لو علمت أن زيدًا يحكم في الناس فسألت عن تفاصيل حكمه فقلت: كيف يحكم فسؤالك لم يقع عن كونه حاكمًا ولكن عن أحوال حكمه وهو مشعر بالتصديق بالحكم ولذلك قطع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يقع في الأوهام من نسبة الشك إليه بقوله: نحن أحق بالشك أي نحن لم نشك فإبراهيم أولى. فإن قيل: فعلى هذا كيف قال: أولم تؤمن؟ قلنا: هذه الصيغة في الاستفهام قد تستعمل أيضًا عند الشك في القدرة كما تقول لمن يدعي أمرًا تستعجزه عنه أرني كيف تصنعه فجاء قوله: أولم تؤمن والردّ ببلى ليزول الاحتمال اللفظي في العبارة ويحصل النص الذي لا ارتياب فيه. فإن قلت: قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليطمئن قلبي يشعر ظاهره بفقد الطمأنينة عند السؤال. قلت: معناه ليزول عن قلبي الفكر في كيفية الإحياء بتصويرها مشاهدة فنزول الكيفيات المحتملة اهـ. وقيل: إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام إنما أراد اختيار منزلته عند ربه وعلم إجابة دعوته بسؤال ذلك من ربه تعالى ويكون قوله تعالى: ({أولم تؤمن}) أي ألم تصدق بمنزلتك مني وخلتك واصطفائك، ولا يفهم الشك من قوله: {أرني كيف تحي الموتى} لأن

47 - باب قوله {أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات} [البقرة: 266]

الموقن بإتقان إنسان صنعة علمًا قطعيًا لا يلزم من قوله أرني كيفية فعلها أن يكون شاكًّا في كونه يصنع ذلك إذ هو مقام آخر وإنما فهم الشك من قوله له: أولم تؤمن ففهم ذلك من مجموع الكلام، فجرّت المسألة في هذا المقام الجواب عن قوله أولم تؤمن وقوله بلى ولكن ليطمئن قلبي، ولا شك في إيمانه بذلك وطمأنينة قلبه كما وقع ذلك سؤالًا وجوابًا واستدراكًا، وزاد في نسخة هنا فصرهن قطعهن وقد سبق. وهذا الحديث قد ذكره المؤلّف في كتاب الأنبياء. 47 - باب قَوْلِهِ {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [البقرة: 266] (باب قوله) عز وجل: ({أيودّ أحدكم}) قال البيضاوي كالزمخشري الهمزة في أيودّ للإنكار ({أن تكون له جنة من نخيل}) في موضع رفع صفة لجنة أي كائنة من نخيل ({وأعناب تجري من تحتها الأنهار}) جملة تجري صفة لجنة أو حال منها لأنها قد وصفت ({له فيها من كل الثمرات}) [البقرة: 266] جملة من مبتدأ وخبر مقدم لكن المبتدأ لا يكون جارًا ولا مجرورًا، فأول على حذف المبتدأ أو الجار والمجرور صفة قائمة مقامه أي له فيها رزق أو فاكهة من كل الثمرات فحذف الموصوف نفسه، أو من زائدة أي له فيها كل الثمرات على رأي الأخفش وجعل الجنة منهما مع ما فيها من سائر الأشجار تغليبًا لهما لشرفهما وكثرة منافعهما، ثم ذكر أن فيها من كل الثمرات ليدل على احتوائها على سائر أنواع الأشجار، وليس في الفرع وأصله ذكر قوله له فيها من كل الثمرات بل قال بعد قوله: {جنة} إلى قوله: {تتفكّرون} أي تتفكّرون في الآيات فتعتبرون بها، ولأبي ذر {من نخيل وأعناب} إلى قوله: {تتفكّرون}. 4538 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَسَمِعْتُ أَخَاهُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه- يَوْمًا لأَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ}؟ قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ: قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لاَ نَعْلَمُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ أَخِي قُلْ وَلاَ تَحْقِرْ نَفْسَكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ قَالَ عُمَرُ: أَيُّ عَمَلٍ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلٍ قَالَ عُمَرُ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ فَصُرْهُنَّ: قَطِّعْهُنَّ. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم) بن موسى الفراء قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن ابن جريج) بجيمين بينهما راء مفتوحة فتحتية ساكنة عبد العزيز بن عبد الملك أنه قال: (سمعت عبد الله بن أبي مليكة يحدث عن ابن عباس قال) ابن جريج: (وسمعت أخاه أبا بكر بن أبي مليكة يحدث عن عبيد بن عمير) بضم العين فيهما الليثي المكي أنه (قال: قال عمر) بن الخطاب (رضي الله تعالى عنه يومًا لأصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فيم) أي في أي شيء (ترون) بفتح الفوقية أي تعلمون ولأبي ذر ترون بضمها أي تظنون (هذه الآية نزلت {أيودّ أحدكم أن تكون له جنة} قالوا: الله أعلم، فغضب عمر). فإن قلت: ما وجه غضبه مع كونهم وكلوا العلم إلى الله تعالى؟ أجيب: بأنه سألهم عن تعيين ما عندهم في نزول الآية ظنًّا أو علمًا على اختلاف الروايتين فأجابوا بجواب يصلح صدوره من العالم بالشيء والجاهل به فلم يحصل المقصود. (فقال) عمر: (قولوا نعلم أو لا نعلم) لنعرف ما عندكم (فقال ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (في نفسي منها شيء) من العلم (يا أمير المؤمنين. قال) وفي غير الفرع كأصله فقال (عمر) له: (يا ابن أخي قل ولا تحقّر نفسك) بفتح الفوقية وسكون الحاء المهملة وكسر القاف (قال ابن عباس: ضربت مثلًا لعمل. قال عمر: أيّ عمل) برفع أيّ وجرها (قال ابن عباس: لعمل) وفي الفرع فقط ضربت لعمل (قال عمر: لرجل غني) ضد فقير (يعمل بطاعة الله عز وجل، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق) بفتح الهمزة وسكون الغين المعجمة أي أضاع (أعماله) الصالحة بما ارتكب من المعاصي واحتاج إلى شيء من الطاعات في أهمّ أحواله فلم يحصل له منه شيء وخانه أحوج ما كان إليه، ولذا قال: {وأصابه الكبر} أي كبر السن فإن الفاقة في الشيخوخة أصعب {وله ذرية ضعفاء} صغار لا قدرة لهم على الكسب، {فأصابها إعصار} وهو الريح الشديد {فيه نار فاحترقت} ثماره وأبادت أشجاره. وأخرج ابن المنذر الحديث من وجه آخر عن ابن أبي مليكة فقال بعد قوله أي عمل؟ قال ابن عباس: شيء ألقي في روعي، فقال: صدقت يا ابن عباس يا ابن أخي عني بها العمل ابن آدم أفقر ما يكون إلى جنته إذا كبر سنه وكثر عياله وابن آدم أفقر ما يكون إلى عمله يوم يبعث الحديث. وضرب المثل بما ذكر لكشف المعنى الممثل له ورفع الحجاب عنه وأبرزه في صورة المشاهد المحسوس ليساعد فيه الوهم العقل ويصالحه عليه، فإن المعنى الصرف وإنما يدركه العقل مع منازعة من الوهم لأن من طبعه ميل

48 - باب {لا يسألون الناس إلحافا} [البقرة: 273] يقال: ألحف علي، وألح علي وأحفاني بالمسألة. فيحفكم: يجهدكم

الحس وحب المحاكاة، ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهية وفشت في عبارات البلغاء وإشارات الحكماء قاله البيضاوي ({فصرهن}) بضم الصاد (قطعهن) كذا في الفرع كأصله وسقط ذلك لأبي ذر. 48 - باب {لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] يُقَالُ: أَلْحَفَ عَلَيَّ، وَأَلَحَّ عَلَيَّ وَأَحْفَانِي بِالْمَسْأَلَةِ. فَيُحْفِكُمْ: يُجْهِدْكُمْ ({لا يسألون}) ولأبي ذر باب بالتنوين لا يسألون ({الناس إلحافًا}) [البقرة: 273] نصب على المصدر بفعل مقدر أي يلحفون إلحافًا والجملة المقدرة حال من فاعل يسألون أو مفعولًا من أجله أي لا يسألون لأجل الإلحاف أو مصدرًا في موضع الحال أي لا يسألون ملحفين (يقال: ألحف عليّ وألحّ عليّ) سقطت عليّ هذه الأخيرة لأبي ذر (وأحفاني بالمسألة) أي بالغ فيها كل بمعنى واحد، والعرب إذا نفت الحكم عن محكوم عليه فالأكثر في لسانهم نفي ذلك القيد، فإذا قلت: ما رأيت رجلًا صالحًا فالأكثر على أنك رأيت رجلًا لكن ليس بصالح، ويجوز أنك لم تر رجلًا أصلًا فقوله: {لا يسألون الناس إلحافًا} مفهومه أنهم يسألون لكن لا بالحاف، ويجوز أن يراد أنهم لا يسألون ولا يلحفون فهو كقوله: فلان لا يرجى خيره أي لا خير عنده البتة فيرجى (فيحفكم) تبخلوا أي (يجهدكم) في السؤال بالإلحاح. 4539 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيَّ قَالاَ: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلاَ اللُّقْمَةُ وَلاَ اللُّقْمَتَانِ، إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الَّذِي يَتَعَفَّفُ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ" يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: " {لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] ". وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم المصري قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) المدني (قال: حدّثني) بالإفراد (شريك بن أبي نمر) بفتح النون وكسر الميم (أن عطاء بن يسار) بالسين المهملة المخففة (وعبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري قالا: سمعنا أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ليس المسكين) الكامل في المسكنة (الذي تردّه التمرة والتمرتان ولا اللقمة ولا اللقمتان) عند دوراته على الناس للسؤال لأنه قادر على تحصيل قوته وقد تأتيه الزيادة عليه فتزول حاجته ويسقط اسم المسكنة (إنما المسكين) الكامل (الذي يتعفف) عن المسألة فيحسبه الجاهل غنيًّا (واقرؤوا) ولأبي ذر اقرؤوا بحذف الواو (إن شئتم) (يعني قوله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافًا}) وقائل يعني شيخ المؤلّف سعيد بن أبي مريم كما وقع مبنيًّا عند الإسماعيلي. والحديث مرّ في باب لا يسألون الناس إلحافًا من كتاب الزكاة. 49 - باب {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] الْمَسُّ: الْجُنُونُ ({وأحل الله البيع}) وفي نسخة باب وأحل الله البيع ({وحرم الربا}) [البقرة: 275] جملة مستأنفة من كلام الله ردًّا لما قالوه بحكم العقل من التسويق في البيع والربا وحينئذ فلا محل لها من الإعراب، وقيل هي من تتمة قولهم اعتراضًا على الشرع حيث قالوا: {إنما البيع مثل الربا} فهي في موضع نصب بالقول عطفًا على المقول واستبعد من جهة أن جوابهم بقوله فمن جاءه موعظة من ربه إلى آخره يحتاج إلى تقدير والأصل عدمه (المس) قال الفراء هو (الجنون) وعن ابن عباس مما رواه ابن أبي حاتم قال: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونًا. 4540 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتِ الآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرِّبَا قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى النَّاسِ ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) أبو حفص النخعي الكوفي قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن صبيح الكوفي (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا) {والذين يأكلون الربا} إلى {ولا يظلمون} [البقرة: 275] (قرأها) ولأبي ذر: فقرأها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل على الناس) زاد في البيع في المسجد (ثم حرم التجارة في الخمر) بيعًا وشراءً وبعد وقوع تحريمه بمدة. 50 - باب {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: 276] يُذْهِبُهُ ({يمحق الله الربا}) [البقرة: 276] قال أبو عبيدة (يذهبه) بالكلية من يد صاحبه أو يحرمه بركته فلا ينتفع به بل يعذبه في الدنيا ويعاقبه عليه في الأخرى وفي نسخة باب يمحق الله الربا. 4541 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ: أَبَا الضُّحَى يُحَدِّثُ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الآيَاتُ الأَوَاخِرُ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَلاَهُنَّ فِي الْمَسْجِدِ فَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ. وبه قال: (حدّثنا بشر بن خالد) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة الفرائضي العسكري قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) غندر (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران ولأبي ذر زيادة الأعمش أنه قال: (سمعت أبا الضحى) مسلم بن صبيح (يحدث عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أنها قالت: لما أنزلت الآيات الأواخر من سورة البقرة خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من بيته (فتلاهن في المسجد فحرم

51 - باب {فأذنوا بحرب من الله ورسوله} [البقرة: 279] فاعلموا

التجارة في الخمر). 51 - باب {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] فَاعْلَمُوا ({فأذنوا}) بإسكان الهمزة وفي نسخة باب فأذنوا بسكون الهمزة وفتح المعجمة أمر من أذن يأذن ({بحرب من الله ورسوله}) [البقرة: 279]. الباء للإلصاق أي (فاعلموا) وتنكير حرب للتعظيم، وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن استمر على تعاطي الربا بعد هذا الإنذار وعن ابن عباس يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب ثم قرأ الآية. وسقط قوله: {من الله ورسوله} لغير أبي ذر. 4542 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ قَرَأَهُنَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ وَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالشين المعجمة العبدي بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: لما أنزلت الآيات من آخر سورة البقرة) سقط سورة لأبي ذر (قرأهن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد أبو ذر عليهم (في المسجد وحرّم التجارة في الخمر). وهذه طريق أخرى للحديث. 52 - باب {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280] ({وإن كان}) ولأبي ذر باب بالتنوين وإن كان أي وإن حدث غريم ({ذو عسرة}) فكان تامة تكتفي بفاعلها ({فنظرة}) الفاء جواب الشرط ونظرة خبر مبتدأ محذوف أي فالحكم نظرة أو مبتدأ حذف خبره أي فعليكم نظرة ({إلى ميسرة}) أي إلى يسار لا كما كان أهل الجاهلية يقول أحدهم لمدينه إذا حلّ عليه الدين إما تقضي وإما أن تربي ثم ندب إلى الوضع عنه ووعد عليه الثواب الجزيل بقوله: ({وأن تصدقوا}) بالإبراء ({خير لكم}) أكثر ثوابًا من الإنظار ({إن كنتم تعلمون}) [البقرة: 280]. ما في ذلك من الثواب وسقط لأبي ذر {وأن تصدقوا} إلى آخره وقال بعد {ميسرة} الآية. 4543 - وَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَهُنَّ عَلَيْنَا ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ. (وقال لنا) سقط لنا لأبي ذر (محمد بن يوسف) الفريابي مذاكرة مما هو موصول في تفسيره (عن سفيان) هو الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (والأعمش) سليمان كلاهما (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: لما أنزلت الآيات من آخر سورة البقرة قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في المسجد (فقرأهن علينا ثم حرّم التجارة في الخمر). واقتضى صنيع المؤلّف في هذه التراجم أن المراد بالآيات آيات الربا كلها إلى آية الدين. 53 - باب {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] هذا (باب) بالتنوين ({واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله}) [البقرة: 281] هو يوم القيامة أو يوم الموت وثبت الباب لأبي ذر. 4544 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آيَةُ الرِّبَا. وبه قال: (حدّثنا قبيصة بن عقبة) السوائي الكوني قال: (حدّثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن عاصم) هو ابن سليمان الأحول (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: آخر آية نزلت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله}) قيل: فلعل المؤلّف أراد أن يجمع بين قولي ابن عباس. قال العيني يعني بالإشارة، وعن ابن جبير أنه عاش بعدها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تسع ليال، وقيل غير ذلك، ونبه في الفتح على أن الآخرية في الربا تأخر نزول الآيات المتعلقة به من سورة البقرة، وأما حكم تحريمه فسابق على ذلك بمدة طويلة على ما يدل عليه قوله عز وجل في سورة آل عمران في قصة أُحُد {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا} [آل عمران: 130] ويأتي إن شاء الله تعالى أن آخر آية نزلت {يستفتونك} [النساء: 176] في آخر سورة النساء وما في ذلك من المباحث بعون الله وقوته. 54 - باب {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284] هذا (باب) بالتنوين ({وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه}) من السوء فيها ({يحاسبكم به الله}) يوم القيامة ({فيغفر لمن يشاء}) مغفرته ({ويعذب من يشاء}) تعذيبه ويغفر ويعذب مجزومان عطفًا على الجزاء المجزوم ورفعهما ابن عامر وعاصم خبر مبتدأ محذوف أي فهو يغفر ({والله على كل شيء قدير}) [البقرة: 284] فيقدر على الإحياء والمحاسبة. وسقط قوله: {يحاسبكم} إلى آخر الآية لأبي ذر وقال بعد {أو تخفوه} الآية، ولما نزلت هذه الآية اشتدّ ذلك على الصحابة رضي الله تعالى عنهم وخافوا منها ومن محاسبة الله لهم على جليل الأعمال وحقيرها. 4545 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا مِسْكِينٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهَا قَدْ نُسِخَتْ {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} الآيَةَ. [الحديث 4545 - طرفه في: 4546]. وبه قال: (حدّثنا محمد) غير منسوب فقيل هو ابن يحيى الذهلي قاله الكلاباذي، وقيل

55 - باب {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه}

ابن إبراهيم البوشنجي قاله الحاكم وقيل ابن إدريس الرازي قال: (حدّثنا النفيلي) بضم النون وفتح الفاء وسكون التحتية عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل قال: (حدّثنا مسكين) بكسر الميم وسكون السين المهملة ابن بكير الحراني وليس له ولا للنفيلي في البخاري إلا هذا الحديث (عن شعبة) بن الحجاج العتكي مولاهم (عن خالد الحذاء) بالحاء المهملة والذال المعجمة المشدّدة ممدودًا ابن مهران أبي المنازل بفتح الميم وكسر الزاي البصري (عن مروان الأصفر) أبي خليفة البصري قيل اسم أبيه خاقان وقيل سالم (عن رجل من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو ابن عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما (أنها قد نسخت) بضم النون مبنيًا للمفعول وسقط لفظ أنها لأبي ذر ({وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} الآية) نسختها الآية التي بعدها كما قال في التي بعد. وعند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة: لما نزلت {وإن تبدوا ما في أنفسكم} الآية اشتد ذلك على الصحابة فأتوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم جثوا على المركب وقالوا: يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد، وقد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" فلما قرأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون} إلى {وإليك المصير} [البقرة: 285] فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} [البقرة: 286] إلى آخرها. ورواه مسلم منفردًا به ولفظه: فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى فأنزل الله: {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال: نعم {ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا} قال: نعم {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} قال: نعم {واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} [البقرة: 286] قال: نعم. 55 - باب {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِصْرًا: عَهْدًا، وَيُقَالُ غُفْرَانَكَ مَغْفِرَتَكَ فَاغْفِرْ لَنَا. هذا (باب) بالتنوين ({آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه}) [البقرة: 285] عن أنس بن مالك فيما رواه الحاكم في مستدركه وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه لما نزلت هذه الآية على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه} قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "حق له أن يؤمن". (وقال ابن عباس): فيما وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله تعالى: {ولا تحمل علينا إصرًا} أي (عهدًا) [البقرة: 286]. وهو تفسير باللازم لأن الوفاء بالعهد شديد وأصل الإصر الشيء الثقيل، ويطلق على الشديد وقال النابغة: يا مانع الضيم أن يغشى سراتهم ... والحامل الاصر عنهم بعد ما عرفوا وفسره بعضهم هنا بشماتة الأعداء، (ويقال: غفرانك) أي (مغفرتك فاغفر لنا) وهذا تفسير أبي عبيدة، وقال الزمخشري: منصوب بإضمار فعله يقال: غفرانك لا كفرانك أي نستغفرك ولا نكفرك فقدّره جملة خبرية. قال في الدر: وهذا ليس مذهب سيبويه إنما مذهبه أن يقدر بجملة طلبية كأنه قيل اغفر غفرانك والظاهر أن هذا من المصادر اللازم إضمار عاملها لنيابتها عنه. 4546 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنِ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا رَوْحٌ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَحْسِبُهُ ابْنَ عُمَرَ {إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} [البقرة: 284] قَالَ: نَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا. [الحديث 4545 - أطرافه في: 4546]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق بن منصور) الكوسج التميمي المروزي وسقط ابن منصور لغير أبي ذر قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (روح) هو ابن عبادة قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن خالد الحذاء) البصري (عن مروان الأصفر) البصري أيضًا (عن رجل من أصحاب رسول الله) ولأبي ذر من أصحاب النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): أي الأصفر (أحسبه) أي الرجل المبهم (ابن عمر) جزم في السابقة به فلعل قوله هنا أحسبه كان قبل جزمه وكان قد نسي ثم تذكر ({وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} قال): أي ابن عمر (نسختها الآية التي بعدها) {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} [البقرة: 286] أي لا يكلف الله تعالى أحدًا فوق طاقته لطفًا منه تعالى بخلقه ورأفة بهم وإحسانًا إليهم، فأزالت ما كان أشفق

3 - سورة آل عمران

منه الصحابة في قوله: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} أي هو وإن حاسب وسأل لكنه لا يعذب إلا على ما يملك الشخص دفعه فأما ما لا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها فهذا لا يكلف به الإنسان. فإن قلت: إن النسخ لا يدخل الخبر لأنه يوهم الكذب أي يوقعه في الوهم أي الذهن حيث يخبر بالشيء ثم بنقيضه وهذا محال على الله تعالى. أجيب: بأن المذكور هنا وإن كان خبرًا لكنه يتضمن حكمًا وما كان كذلك أمكن دخول النسخ فيه سائر الأحكام، وإنما الذي لا يدخله النسخ من الأخبار ما كان خبرًا محضًا لا يتضمن حكمًا كالإخبار عما مضى من أحاديث الأمم ونحو ذلك على أنه قد جوز جماعة النسخ في الخبر المستقبل لجواز المحو فيما يقدره قال الله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت} [الرعد: 39] والأخبار تتبعه وعلى هذا القول البيضاوي، وقيل يجوز على الماضي أيضًا لجواز أن يقول الله لبث نوح في قومه ألف سنة ثم يقول لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا وعلى هذا القول الإمام الرازي والآمدي، وقال البيهقي النسخ هنا بمعنى التخصيص أو التبيين، فإن الآية الأولى وردت مورد العموم فبينت التي بعدها أن مما يخفى شيئًا لا يؤاخذ به وهو حديث النفس الذي لا يستطاع دفعه. 3 - سورة آلِ عِمْرَانَ تُقَاةٌ وَتَقِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، صِرٌّ: بَرْدٌ شَفَا حُفْرَةٍ مِثْلُ شَفَا الرَّكِيَّةِ وَهْوَ حَرْفُهَا: تُبَوِّئُ: تَتَّخِذُ مُعَسْكَرًا. الْمُسَوَّمُ الَّذِي لَهُ سِيمَاءٌ بِعَلاَمَةٍ، أَوْ بِصُوفَةٍ، أَوْ بِمَا كَانَ رِبِّيُّونَ الْجَمِيعُ، وَالْوَاحِدُ رِبِّيٌّ. تَحُسُّونَهُمْ: تَسْتَأْصِلُونَهُمْ قَتْلًا. غُزًّا: وَاحِدُهَا غَازٍ. سَنَكْتُبُ: سَنَحْفَظُ نُزُلًا: ثَوَابًا وَيَجُوزُ وَمُنْزَلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَقَوْلِكَ أَنْزَلْتُهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَالْخَيْلُ الْمُسَوَّمَةُ: الْمُطَهَّمَةُ الْحِسَانُ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: وَحَصُورًا لاَ يَأْتِي النِّسَاءَ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مِنْ فَوْرِهِمْ مِنْ غَضَبِهِمْ، يَوْمَ بَدْرٍ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُخْرِجُ الْحَيَّ: النُّطْفَةُ تَخْرُجُ مَيِّتَةً وَيُخْرِجُ مِنْهَا الْحَيَّ الإِبْكَارُ أَوَّلُ الْفَجْرِ وَالْعَشِيُّ: مَيْلُ الشَّمْسِ، أُرَاهُ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ. ([3] سورة آل عمران) زاد أبو ذر: بسم الله الرحمن الرحيم. (تقاة وتقبة) بوزن مطية (واحدة) وفي نسخة واحد أي كلاهما مصدر بمعنى واحد وبالثانية قرأ يعقوب والتاء فيهما بدل من الواو لأن أصل تقاة وقية مصدر على فعلة من الوقاية، وأراد المؤلّف قوله تعالى: {إلا أن تتقوا منهم تقاة} المسبوق بقوله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك} أي اتخاذهم أولياء {فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة} [آل عمران: 28] أي إلا أن تخافوا من جهتهم ما يجب اتقاؤه والاستثناء مفرغ من المفعول من أجله، والعامل فيه لا يتخذ أي لا يتخذ المؤمن الكافر وليًّا لشيء من الأشياء إلا للتقية ظاهرًا فيكون مواليه في الظاهر ومعاديه في الباطن. قال ابن عباس: ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان، ونصب تقاة في الآية على المصدر أي تتقوا منهم اتقاء فتقاة واقعة موقع الإتقاء أو النصب على الحال من فاعل تتقوا فتكون حالًا مؤكدة. ({صر}) أي (برد) يريد قوله تعالى: {مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا مثل ريح فيها صر} [آل عمران: 117] وسقط لأبي ذر قوله: {تقاة} إلى هنا. وقوله تعالى: {وكنتم على} ({شفا حفرة}) {من النار} [آل عمران: 103] هو (مثل شفا الركية) بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتية آخره هاء أي البئر (وهو حرفها) وشفا بفتح الشين مقصورًا وهو من ذوات الواو يثنى بالواو نحو شفوان ويكتب بالألف ويجمع على إشفاء، والمعنى كنتم مشفين على الوقوع في نار جهنم لكفركم فأنقذكم الله تعالى منها بالإسلام. وقوله تعالى: {وإذ غدوت من أهلك} ({تبوّئ}) {المؤمنين} [آل عمران: 121] قال أبو عبيدة أي (تتخذ معسكرًا) بفتح الكاف وقال غيره أي تنزل فيتعدى لاثنين أحدهما بنفسه والآخر بحرف الجر وقد يحذف كهذه الآية (المسوّم) بفتح الواو اسم مفعول وبكسرها اسم فاعل، ولأبي ذر والمسوم (الذي له سيماء) بالمد والصرف (بعلامة أو بصوفة أو بما كان) من العلامات، وفي نسخة قبل المسوم والخيل المسوّمة وروى ابن أبي حاتم عن علي -رضي الله عنه- قال: كان سيما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض وكان سيماهم أيضًا في نواصي خيولهم. قوله تعالى: {وكأين من نبي قاتل معه} ({ربيّون}) [آل عمران: 146] قال أبو عبيدة (الجميع والواحد) ولأبي ذر المجموع بالواو بدل الياء واحدها (ربي) وهو العالم منسوب إلى الرب وكسرت راؤه تغييرًا في النسب وقيل لا تغيير وهو نسبة إلى الربة وهي الجماعة وفيها لغتان الكسر والضم. قوله تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده إذ} ({تحسونهم}) [آل عمران: 152] أي (تستأصلونهم قتلًا) بإذنه بتسليطه إياكم عليهم. وقوله تعالى: {أو كانوا} ({غزا}) قال أبو عبيدة

1 - باب

(واحدها غاز) ومعنى الآية أنه تعالى نهى عباده المؤمنين عن مشابهة الكفار في اعتقادهم الفاسد الدال عليه قولهم عن إخوانهم الذين ماتوا في الأسفار والجهاد لو كانوا تركوا ذلك لما أصابهم ما أصابهم، فإن ذلك جعله الله تعالى حسرة في قلوبهم، وسقط لأبي ذر من تستأصلونهم إلى هنا. قوله تعالى: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء} ({سنكتب}) [آل عمران: 181] أي (سنحفظ) ما قالوا في علمنا ولا نهمله لأنه كلمة عظيمة إذ هو كفر بالله. قوله تعالى: {خالدين فيها} ({نزلًا}) {من عند الله} [آل عمران: 198] أي (ثوابًا) قال أبو حيان النزل ما يهيأ للنزيل وهو الضيف ثم اتسع فيه فأطلق على الرزق وهل هو مصدر أو جمع قولان (ويجوز ومنزل من عند الله) بضم الميم وفتح الزاي (كقولك أنزلته). قال في العمدة يعني أن نزلًا الذي هو المصدر يكون بمعنى منزلًا على صيغة اسم المفعول من قولك أنزلته اهـ. (وقال مجاهد): مما رواه الثوري في تفسيره، وأخرجه عبد الرزاق عن الثوري (والخيل المسوّمة) هي (المطهمة) بضم الميم وفتح الطاء وتشديد الهاء (الحسان) قال الأصمعي المطهم التام كل شيء منه على حدته فهو بارع الجمال زاد أبو ذر عن الكشميهني والمستملي، وقال سعيد بن جبير مما وصله الثوري وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى بفتح الهمزة والزاي بينهما موحدة ساكنة مما وصله الطبري الراعية هي المسوّمة بفتح الواو. (وقال ابن جبير) سعيد مما وصله عنه في قوله تعالى: {وسيدًا} ({وحصورًا}) [آل عمران: 39] أي (لا يأتي النساء) منعًا لنفسه مع ميلها إلى الشهوات وكماله ومن لم يكن له ميل لها لا يسمى حصورًا ولا بد فيه من المنع لأن السجن إنما سمي منعًا لما أنه يمنع من الخروج. (وقال عكرمة) مولى ابن عباس مما وصله الطبري في قوله تعالى: {ويأتوكم} ({من فورهم}) [آل عمران: 125] أي (من غضبهم يوم بدر) وقال غيره من ساعتهم هذه، وسقط لأبي ذر من قوله وقال ابن جبير إلى هنا. (وقال مجاهد): مما وصله عبد بن حميد (يخرج الحي) هو (النطفة) ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي من الميت من النطفة (تخرج ميتة ويخرج) بفتح الأول وضم الثالث (منها الحي) بالرفع ولغير أبي ذر ويخرج بضم ثم كسر منها الحي نصب. (الإبكار) هو (أول الفجر و) أما (العشي) فهو (ميل الشمس أراه) بضم الهمزة أي أظنه (إلى أن تغرب) وهذا ساقط لأبي ذر. 1 - باب {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْحَلاَلُ، وَالْحَرَامُ {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ} وَكَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} {زَيْغٌ} شَكٌّ. {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} الْمُشْتَبِهَاتِ {وَالرَّاسِخُونَ} يَعْلَمُونَ. {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}. هذا (باب) بالتنوين ثبت باب لأبي ذر عن الكشميهني والمستملي في قوله تعالى: ({منه آيات محكمات} وقال مجاهد): مما أخرجه عبد بن حميد هي (الحلال والحرام: {وأخر متشابهات}) [آل عمران: 7] أي (يصدّق بعضه بعضًا كقوله تعالى: {وما يضل به إلا الفاسقين}) [البقرة: 26] و (كقوله جل ذكره: {ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون}) [يونس: 100] وكقوله تعالى: ({والذين اهتدوا زادهم هدى}) [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 17] زاد أبو ذر عن الكشميهني والمستملي وآتاهم تقواهم هذا تفسير للمتشابه وذلك أن المفهوم من الآية الأولى أن الفاسق وهو الضال تزيد ضلالته وتصدقه الآية الأخرى حيث يجعل الرجس للذي لا يعقل وذلك حيث تزيد للمهتدي الهداية قاله الكرماني. وقال بعضهم: المحكم ما وضح معناه فيدخل فيه النص والظاهر، والمتشابه ما ترددت فيه الاحتمالات فيدخل فيه المجمل والمؤول. وقال الزمخشري: محكمات أحكمت عباراتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه. قال الزجاج فيما حكاه الطيبي: المعنى أحكمت في الإبانة فإذا سمعها السامع لم يحتج إلى التأويل وقسم الراغب المتشابه إلى قسمين. أحدهما ما يرجع إلى ذاته، والثاني إلى أمر ما يعرض له. والأول على ضروب ما يرجع إلى جهة اللفظ مفردًا ما لغرابته نحو وفاكهة وأبا أو لمشاركته الغير نحو اليد والعين أو مركبًا أما للاختصار نحو: {واسأل القرية} أو للإطناب نحو {ليس كمثله شيء} أو لإغلاق اللفظ نحو فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا فآخران يقومان مقامهما الآية. وثانيها ما يرجع إلى المعنى أما من جهة دقته كأوصاف الباري عز وجل وأوصاف القيامة أو من جهة ترك الترتيب ظاهرًا نحو:

{ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} إلى قوله: {لعذبنا الذين كفروا} [الفتح: 25] وثالثها: ما يرجع إلى اللفظ والمعنى معًا وأقسامه بحسب تركيب بعض وجوه اللفظ مع بعض وجوه المعنى نحو غرابة اللفظ مع دقة المعنى ستة أنواع، لأن وجوه اللفظ ثلاثة، ووجوه المعنى اثنان ومضروب الثلاثة في اثنين ستة. والقسم الثاني من المتشابه وهو ما يرجع إلى ما يعرض في اللفظ وهو خمسة أنواع. الأول من جهة الكمية كالعموم والخصوص. الثاني من طريق الكيفية كالوجوب والندب. الثالث من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ. الرابع من جهة المكان كالمواضع والأمور التي نزلت فيها نحو: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها} [البقرة: 189] وقوله تعالى: {إنما النسيء زيادة في الكفر} [التوبة: 37] فإنه يحتاج في معرفة ذلك إلى معرفة عاداتهم في الجاهلية. الخامس من جهة الإضافة وهي الشروط التي بها يصح الفعل أو يفسد كشروط العبادات والأنكحة والبيوع. وقد يقسم المتشابه والمحكم بحسب ذاتهما إلى أربعة أقسام. المحكم من جهة اللفظ والمعنى كقوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} [الأنعام: 151] إلى آخر الآيات. الثاني متشابه من جهتهما معًا قوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه} [الأنعام: 125] الآية. الثالث متشابه في اللفظ محكم في المعنى قوله تعالى: {وجاء ربك} الآية. الرابع متشابه في المعنى محكم في اللفظ نحو: الساعة والملائكة. وإنما كان فيه المتشابه لأنه باعث على تعلم علم الاستدلال لأن معرفة المتشابه متوقفة على معرفة علم الاستدلال فتكون حاملة على تعلمه فتتوجه الرغبات إليه ويتنافس فيه المحصلون فكان كالشيء النافق بخلافه إذا لم يوجد فيه المتشابه فلم يحتج إليه كل الاحتياج فيتعطل ويضيع ويكون كالشيء الكاسد قاله الطيبي. وقوله تعالى: {فأما الذين في قلوبهم} ({زيغ}) أي (شك). وضلال وخروج عن الحق إلى الباطل: {فيتبعون ما تشابه منه} ({ابتغاء الفتنة}) مصدر مضاف لمفعوله منصوب له أي لأجل طلب (المشتبهات) بضم الميم وسكون المعجمة وفتح الفوقية وكسر الموحدة ليفتنوا الناس عن دينهم لتمكنهم من تحريفها إلى مقاصدهم الفاسدة كاحتجاج النصارى بأن القرآن نطق بأن عيسى روح الله وكلمته وتركوا الاحتجاج بقوله: إن هو إلا عبد أنعمنا عليه، وأن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب، وهذا بخلاف المحكم فلا نصيب لهم فيه وحجة عليهم، وتفسير الفتنة بالمشتبهات لمجاهد وصله عبد بن حميد ({والراسخون}) يعلمون) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني {والراسخون في العلم} يعلمون ({يقولون}) خبر المبتدأ الذي هو والراسخون أو حال أي والراسخون يعلمون تأويله حال كونهم قائلين ذلك أو خبر مبتدأ مضمر أي هم يقولون ({آمنا به}) [آل عمران: 7] زاد في نسخة عن المستملي والكشميهني كل من عند ربنا أي كل من المتشابه والمحكم من عنده وما يذكر إلا أولو الألباب وسقط جميع هذه الآثار من أول السورة لي هنا عن الحموي. 4547 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذِهِ الآيَةَ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7]. قَالَتْ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا يزيد بن إبراهيم) أبو سعيد (التستري) بالسين المهملة (عن ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبد الرحمن (عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق (عن عائشة -رضي الله عنها-) إنها (قالت: تلا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه الآية {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب}) قال الزمخشري أي أصل الكتاب تحمل المشتبهات عليها. قال الطيبي: وذلك أن العرب تسمي كل جامع يكون مرجعًا لشيء أما قال القاضي البيضاوي والقياس أمهات الكتاب وأفرد على أن الكل بمنزلة آية واحدة أو على تأويل كل واحدة ({وأُخر مشابهات}) عطف على آيات ومتشابهات نعت لآخر وفي الحقيقة أخر نعت لمحذوف تقديره وآيات أخر متشابهات ({فأما الذين في قلوبهم زيغ}) قال الراغب: الزيغ الميل عن الاستقامة إلى أحد الجانبين ومنه زاغت الشمس عن كبد السماء وزاغ البصر والقلب، وقال بعضهم: الزيغ أخص من مطلق الميل، فإن الزيغ لا يقال إلا لما كان من حق إلى باطل والمراد

2 - باب {وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}

أهل البدع ({فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}) على ما يشتهونه ({وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم}). قال في الكشاف: أي لا يهتدي إلى تأويله الحق الذي يجب أن يحمل عليه إلا الله، وتعقبه في الانتصاف بأنه لا يجوز إطلاق الاهتداء على الله تعالى لما فيه من إيهام سبق جهل وضلال تعالى الله وتقدس عن ذلك لأن اهتدى مطاوع هدى ويسمى من تجدد إسلامه مهتديًا وانعقد الإجماع على امتناع إطلاق الألفاظ الموهمة عليه تعالى قال: وأظنه سها فنسب الاهتداء إلى الراسخين في العلم وغفل عن شمول ذلك الحق جل جلاله. ({يقولون آمنا به}) وفي مصحف ابن مسعود: ويقول الراسخون في العلم آمنا به بواو قبل يقول وثبت ذلك من قراءة ابن عباس كما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح وهو يدل على أن الواو للاستئناف. قال صاحب المرشد: لا إنكار لبقاء معنى في القرآن استأثر الله تعالى بعلمه دون خلقه فالوقف على إلا الله على هذا تام ولا يكاد يوجد في التنزيل أما وما بعدها رفع إلا ويثنى ويثلث كقوله تعالى: {أما السفينة} {وأما الغلام} {وأما الجدار} الآيات، فالمعنى وأما الراسخون فحذف لدلالة الكلام عليه. فإن قيل: فيلزم على هذا أن يجاء في الجواب بالفاء وليس بعد والراسخون الفاء، فجوابه: أن أما لما حذفت ذهب حكمها الذي يختص بها فجرى مجرى الابتداء والخبر ({كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب}) وسقط قوله: {وما يعلم تأويله} إلا الله الخ لغير أبي ذر وقالوا بعد قوله وابتغاء تأويله إلى قوله وما يذكر إلا أولو الباب. (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) بكسر تاء رأيت وكاف أولئك على خطاب عائشة وفتحهما لأبي ذر على أنه لكل أحد ولأبي ذر عن الكشميهني فاحذرهم بالإفراد أي احذر أيها المخاطب الإصغاء إليهم وأول ما ظهر ذلك من اليهود كما عند ابن إسحاق في تأويلهم الحروف المقطعة وإن عددها بالجمل بقدر مدة هذه الأمة ثم أول ما ظهر في الإسلام من الخوارج. وحديث الباب أخرجه مسلم في القدر وأبو داود في السنة والترمذي في التفسير. 2 - باب {وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وإني أعيذها}) أي أجيرها ({بك وذريتها من الشيطان الرجيم}). [آل عمران: 36]. 4548 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ وَالشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ حِينَ يُولَدُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ إِلاَّ مَرْيَمَ وَابْنَهَا» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) بميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد الأزدي مولاهم البصري (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه) ابتداء للتسليط عليه وفي صفة إبليس وجنوده من بدء الخلق كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه (حين يولد فيستهل صارخًا من مس الشيطان إياه) صارخًا نصب على المصدر كقوله قم قائمًا (إلا مريم وابنها) عيسى فحفظهما الله تعالى ببركة دعوة أمها حيث قالت: إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم، ولم يكن لمريم ذري غير عيسى عليه الصلاة والسلام، وزاد في باب صفة إبليس ذهب يطعن فطعن في الحجاب، والمراد به الجلدة التي يكون فيها الجنين وهي المشيمة. ونقل العيني أن القاضي عياضًا أشار إلى أن جميع الأنبياء يشاركون عيسى عليه الصلاة والسلام في ذلك. قال القرطبي: وهو قول مجاهد وقد طعن الزمخشري في معنى هذا الحديث وتوقف في صحته فقال: إن صح فمعناه إن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما معصومان وكذلك كل من كان في صفتهما لقوله تعالى {إلا عبادك منهم المخلصين} [الحجر: 40] واستهلاله صارخًا من مسه تخييل وتصوير لطمعه فيه كأنه يمسه ويضرب بيده عليه، ويقول هذا ممن أغويه ونحوه من التخييل قول ابن الرومي: لما تؤذن الدنيا به من صروفها ... يكون بكاء الطفل ساعة يولد

3 - باب {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم} لا خير {لهم في الآخرة ولهم عذاب أليم} مؤلم موجع من الألم وهو في موضع مفعل

وأما حقيقة المس والنخس كما يتوهم أهل الحشو فكلا ولو سلط إبليس على الناس ينخسهم لامتلأت الدنيا صراخًا وعياطًا اهـ. قال المولى سعد الدين: طعن أوّلًا في الحديث بمجرّد أنه لم يوافق هواه وإلاّ فأي امتناع من أن يمس الشيطان المولود حين يولد بحيث يصرخ كما ترى وتسمع ولا يكون ذلك في جميع الأوقات حتى يلزم امتلاء الدنيا بالصراخ ولا تلك المسة للإغواء، وكفى بصحة هذا الحديث رواية التفات وتصحيح الشيخين له من غير قدح من غيرهما، وقال غيره: الحمل على طمع الشيطان في الإغواء صرف للكلام عن ظاهره وتكذيب لظاهر الخبر مع أنه لا مانع في العقل منه، وكيف تكون المحافظة عنده على قول ابن الرومي أولى من رعاية ظاهر كتاب الله تعالى وسنّة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو هذيان ما أنزل الله به من سلطان. وقال في الانتصاف: الحديث مدوّن في الصحاح فلا يعطله الميل إلى ترهات الفلاسفة والانتصار بقول ابن الرومي سوء أدب يجب أن يجتنب عنه. وقال الطيبي قوله: ما من مولود إلا والشيطان يمسه كقوله تعالى: {وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم} [الحج: 4] في أن الواو داخلة بين الصفة والموصوف لتأكد اللصوق فتفيد الحصر مع التأكيد فإذن لا معنى لقوله كل من كان في صفتهما ولا يبعد اختصاصهما بهذه الفضيلة من دون الأنبياء. وأما قوله تعالى: {إلا عبادك منهم المخلصين} [الحجر: 40] فجوابه أي بعد أن يمكنه الله تعالى من المس مع أن الله تعالى يعصمهم من الإغواء، وأما الشعر فهو من باب حسن التعليل فلا يصلح للاستشهاد. (ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا) بالواو ولأبي ذر اقرؤوا (إن شئتم {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}) وهذا فيه شيء من حيث إن سياق الآية يدل على أن دعاء حنة أم مريم بإعاذتها وذريتها من الشيطان المفسر في الحديث بأن يعصما من مس الشيطان عند ولادتهما متأخر عن وضعها مريم، ولم أر من نبه على هذا والذي يظهر لي أن تكون حنة علمت أنوثة مريم قبل تمام وضعها عند بروزها إلى ما يعلم منه ذلك فقالت حينئذٍ إني وضعتها أنثى وإني أعيذها فاستجيب لها، ثم تكامل وضعها فأراد الشيطان التمكن من مريم فمنعه الله تعالى منها ببركة دعاء أمها والتعبير بالبعض عن الكل سائغ شائع وليس في الآية دليل على أنه تعالى استجاب دعاءها بل الضمير في قوله تعالى: {فتقبلها ربها} [آل عمران: 37] لمريم أي فرَضي بها ربها في النذر مكان الذكر نعم الحديث يدل على الإجابة فتأمل. وهذا الحديث قد سبق في أحاديث الأنبياء في باب: {واذكر في الكتاب مريم} [مريم: 16]. 3 - باب {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ} لاَ خَيْرَ {لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} مُؤْلِمٌ مُوجِعٌ مِنَ الأَلَمِ وَهْوَ فِي مَوْضِعِ مُفْعِلٍ هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({إن الذين يشترون}) أي يستبدلون ({بعهد الله}) بما عاهدوا عليه من الإيمان بالرسول وذكر صفته للناس وبيان أمره ({وأيمانهم}) أي وبما حلفوا به من قولهم والله لنؤمنن به ({ثمنًا قليلًا}) متاع الدنيا ({أولئك لا خلاق}) أي (لا خير {لهم في الآخرة ولهم عذاب أليم}) [آل عمران: 77] أي (موّلم) أي (موجع) بكسر الجيم (من الألم وهو في موضع مفعل) بضم الميم وكسر العين وسقط لأبي ذر أولئك ولهم. 4549 - 4550 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَلَفَ يَمِينَ صَبْرٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ. قَالَ: فَدَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قُلْنَا: كَذَا وَكَذَا قَالَ فِيَّ أُنْزِلَتْ كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِي قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ» فَقُلْتُ إِذًا يَحْلِفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ». وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم السلمي البرساني البصري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من حلف يمين صبر) بإضافة يمين إلى صبر لما بينهما من الملابسة. قال عياض: أي أكره حتى حلف أو حلف جراءة وإقدامًا لقوله تعالى: {فما أصبرهم على النار} [البقرة: 175] (ليقتطع) وللكشميهني ليقطع بحذف الفوقية التي بعد القاف (بها مال امرئ مسلم) أو ذمي أو معاهد أو حقًا من حقوقهم (لقي الله وهو عليه غضبان) اسم فاعل من الغضب والمراد لازمه كالعذاب والانتقام (فأنزل الله تصديق ذلك {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة}) إلى آخر الآية. (قال: فدخل الأشعث بن قيس) الكندي (وقال: ما يحدثكم) أي أي شيء يحدثكم

(أبو عبد الرحمن) عبد الله بن مسعود (قلنا: كذا وكذا قال فيّ) بكسر الفاء وتشديد التحتية (أنزلت) هذه الآية (كانت لي بئر في أرض ابن عم لي) اسمه معذان ولقبه الجفشيش زاد أحمد من طريق عاصم بن أبي النجود عن شقيق في بئر كانت لي في يده فجحدني (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بينتك) أي الواجب بينتك أنها بئرك (أو يمينه فقلت: إذا يحلف) نصب بإذا (يا رسول الله فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من حلف على) محلوف (يمين صبر) خفض بالإضافة كالأولى وسماه يمينًا مجازًا للملابسة بينهما والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه وإلا فهو قبل اليمين ليس محلوفًا عليه فيكون من مجاز الاستعارة (يقتطع) في موضع الحال وللكشميهني ليقتطع أي لأجل أن يقتطع (بها مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر) غير جاهل ولا ناس ولا مكره (لقي الله وهو عليه غضبان) فينتقم منه. وهذا الحديث قد سبق في كتاب الشهادات. 4551 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ هُوَ ابْنُ أَبِي هَاشِمٍ سَمِعَ هُشَيْمًا أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما-، أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ سِلْعَةً فِي السُّوقِ فَحَلَفَ فِيهَا لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطَهُ لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77] إلَى آخِرِ الآيَةِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (عليّ هو ابن أبي هاشم) البغدادي وسقط لأبي ذر لفظة هو (سمع هشيمًا) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير بضم الموحدة وفتح المعجمة مصغرين الواسطي يقول (أخبرنا العوّام) بتشديد الواو (ابن حوشب) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وبعد المعجمة المفتوحة موحدة (عن إبراهيم بن عبد الرحمن) السكسكي (عن عبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة والفاء (رضي الله تعالى عنهما أن رجلًا) لم يسم (أقام سلعة في السوق) أي روجها فيه (فحلف فيها) بالله (لقد أعطى) بفتح الهمزة والطاء (بها) أي بدلها وللكشميهني فيها (ما لم يعطه) بكسر الطاء ويجوز ضم الهمزة وكسر الطاء من قوله لقد أعطي أي دفع له فيها من المستامين ما لم يعط بفتح الطاء. وفي الفرع ويصله أعطى بفتح الهمزة والطاء مصححًا عليها ويعطه بفتح الطاء وضم الهاء وفي الهامش يتجه فتح الهمزة وضمها وفتح الطاء مع ضم الهمزة وكسرها مع فتح الهمزة قاله بعض الحفاظ اهـ. (ليوقع فيها رجلًا من المسلمين) ممن يريد الشراء (فنزلت) هذه الآية: ({إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا} إلى آخر الآية). وقد مرّ هذا الحديث في باب ما يكره من الحلف في البيع في كتاب البيع. 4552 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا تَخْرِزَانِ فِي بَيْتٍ أَوْ فِي الْحُجْرَةِ، فَخَرَجَتْ إِحْدَاهُمَا وَقَدْ أُنْفِذَ بِإِشْفى فِي كَفِّهَا فَادَّعَتْ عَلَى الأُخْرَى فَرُفِعَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَذَهَبَ دِمَاءُ قَوْمٍ وَأَمْوَالُهُمْ» ذَكِّرُوهَا بِاللَّهِ وَاقْرَءُوا عَلَيْهَا {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} فَذَكَّرُوهَا فَاعْتَرَفَتْ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ». وبه قال: (حدّثنا نصر بن علي بن نصر) الجهضمي قال: (حدّثنا عبد الله بن داود) بن عامر الخريبي نسبة إلى خريبة بالخاء المعجمة والموحدة مصغرًا محلة بالبصرة كان سكنها وهو كوفي الأصل (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (أن امرأتين) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمهما (كانتا تخرزان) بفتح الفوقية وسكون المعجمة وبعد الراء المكسورة زاي معجمة من خرز الخف ونحوه يخرزه بضم الراء وكسرها (في بيت أو في الحجرة) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم وبالراء الموضع المنفرد من الدار وفي الفرع فقط أو في الحجر بكسر الحاء وسكون الجيم وإسقاط الهاء والشك من الراوي، وأفاد الحافظ ابن حجر أن هذه رواية الأصيلي وحده، وأن رواية الأكثرين في بيت وفي الحجرة بواو العطف وصوبها. وقال: إن سبب الخطأ في رواية الأصيلي أن في السياق حذفًا بينه ابن السكن في روايته حيث جاء فيها في بيت وفي الحجرة حدّاث بضم الحاء المهملة وتشديد الدال وآخره مثلثة أي ناس يتحدّثون قال فالواو عاطفة لكن المبتدأ محذوف، ثم قال: وحاصله أن المرأتين كانتا في البيت وكان في الحجرة المجاورة للبيت ناس يتحدّثون فسقط المبتدأ من الرواية فصار مشكلًا فعدل الراوي عن الواو إلى أو التي للترديد فرارًا من استحالة كون المرأتين في البيت وفي الحجرة معًا اهـ. وتعقبه العيني بأن كون أو للشك مشهور في كلام العرب وليس فيه مانع هنا وبأن كون الواو للعطف غير مسلم لفساد المعنى وبأنه لا دلالة هنا على حذف المبتدأ وكون الحجرة كانت مجاورة للبيت فيه نظر إذ يجوز أن تكون داخلة فيه وحينئذٍ فلا استحالة في أن تكون المرأتان فيهما معًا اهـ فليتأمل ما في الكلامين مع ما في رواية ابن السكن من الزيادة المشار إليها. (فخرجت إحداهما)

4 - باب {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله} سواء: قصد

أي إحدى المرأتين من البيت أو الحجرة، وفي المصابيح وللأصيلي فجرحت بجيم مضمومة فراء مكسورة فحاء مهملة مبنيًّا للمفعول (وقد أنفذ) بضم الهمزة وسكون النون وبعد الفاء المكسورة ذال معجمة والواو للحال وقد للتحقيق (بإشفى) بكسر الهمزة وسكون الشين المعجمة وبالفاء المنوّنة ولأبي ذر: باشفى بترك التنوين مقصورًا آلة الخرز للإسكاف (في كفها فادّعت على الأخرى) أنها أنفذت الإشفي في كفها (فرفع) بضم الراء مبنيًا للمفعول أمرها (إلى ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (فقال ابن عباس: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو يعطى الناس بدعواهم) أي بمجرد إخبارهم عن لزوم حق لهم على آخرين عند حاكم (لذهب دماء قوم وأموالهم) ولا يتمكن المدعى عليه من صون دمه وماله، ووجه الملازمة في هذا القياس الشرطي أن الدعوى بمجردها إذا قبلت فلا فرق فيها بين الدماء والأموال وغيرهما وبطلان اللازم ظاهر لأنه ظلم، ثم قال ابن عباس: (ذكروها بالله) أي خوّفوا المرأة الأخرى المدعى عليها من اليمين الفاجرة وما فيها من الاستخفاف (واقرؤوا عليها) قوله تعالى: ({إن الذين يشترون بعهد الله}) الآية. والموعود عليه حرمان الثواب ووقوع العقاب من خمسة أوجه وعدم الخلاق في الآخرة وهو النصيب في الخير مشروط بعدم التوبة بالإجماع وعندنا بعدم العفو أيضًا لقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك} [النساء: 48] وعدم الكلام عبارة عن شدّة السخط نعوذ بالله منه فلا يشكل بقوله: {ولنسألنهم أجمعين} [الحجر: 92] وقيل: لا يكلمهم كلامًا يسرهم، ولعله أولى لأنه تخصيص وهو خير من المجاز وعدم النظر مجاز عن عدم المبالاة والإهانة للغضب يقال: فلان غير منظور لفلان أي غير ملتفت إليه ومعنى عدم التزكية عدم التطهير من دنس المعاصي والآثام أو عدم الثناء عليهم والعذاب الأليم الموّلم ومن الجملة الاسمية يستفاد دوامه قاله بعض المحققين من المفسرين. (فذكروها) بفتح الكاف جملة ماضية ولأبي ذر: فذكرها بالإفراد (فاعترفت) بأنها أنفذت الإشفى في كف صاحبتها (فقال ابن عباس: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اليمين على المدعى عليه) أي إذا لم تكن بيّنة لدفع ما ادعى به عليه، وعند البيهقي بإسناد جيد لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر نعم قد تجعل اليمين في جانب المدعي في مواضع تستثنى لدليل كالقسامة كما وقع التصريح باستثنائها في حديث عمرو بن سعيد عن أبيه عن جده عند الدارقطني والبيهقي. وهذا الحديث قد مضى في الرهن والشركة مختصرًا وقد أخرجه بقية الجماعة. 4 - باب {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ} سَوَاءٌ: قَصْدٌ هذا (باب) بالتنوين وسقط لغير أبي ذر ({قُل يا أهل الكتاب}) هم نصارى نجران أو يهود المدينة أو الفريقان لعموم اللفظ ({تعالوا}) أي هلموا ({إلى كلمة}) من إطلاقها على الجمل المفيدة ثم وصفها بقوله تعالى: ({سواء بيننا وبينكم}) أي عدل ونصف نستوي نحن وأنتم فيها ثم فسرها بقوله: ({أن لا نعبد إلا الله}) [آل عمران: 64] الآية ({سواء}) بالجر على الحكاية ولأبي ذر: سواء بالنصب أي استوت استواء ويجوز الرفع قال أبو عبيدة أي (قصد) بالجر أو قصد بالنصب كما لأبي ذر وبالرفع كما مر في سواء. 4553 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ عَنْ مَعْمَرٍ ح وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّاْمِ إِذْ جِيءَ بِكِتَابٍ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى هِرَقْلَ قَالَ: وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ جَاءَ بِهِ فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ قَالَ: فَقَالَ هِرَقْلُ هَلْ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ فَأُجْلِسْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا. فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي ثُمَّ دَعَا بِتُرْجُمَانِهِ فَقَالَ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَايْمُ اللَّهِ لَوْلاَ أَنْ يُؤْثِرُوا عَلَيَّ الْكَذِبَ لَكَذَبْتُ ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: سَلْهُ كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ، قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ؟ قَالَ: قُلْتُ. لاَ، قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: أَيَتَّبِعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، قَالَ: يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ قَالَ: قُلْتُ لاَ، بَلْ يَزِيدُونَ قَالَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قَالَ: قُلْتُ نَعَمْ، قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قَالَ: قُلْتُ تَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالًا يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ، قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، لاَ نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَمْكَنَنِي، مِنْ كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ، قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لاَ، ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ فِيكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو حَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ فَزَعَمْتَ، أَنْ لاَ، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ: رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ، وَسَأَلْتُكَ عَنْ أَتْبَاعِهِ أَضُعَفَاؤُهُمْ أَمْ أَشْرَافُهُمْ؟ فَقُلْتَ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ؟ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ يَذْهَبَ فَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ. وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّكُمْ قَاتَلْتُمُوهُ فَتَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجَالًا يَنَالُ مِنْكُمْ وَتَنَالُونَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لاَ يَغْدِرُ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدِرُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ قَالَ: هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ، قُلْتُ رَجُلٌ ائْتَمَّ بِقَوْلٍ، قِيلَ قَبْلَهُ قَالَ: ثُمَّ قَالَ: بِمَ يَأْمُرُكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ يَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّلَةِ، وَالْعَفَافِ. قَالَ: إِنْ يَكُ مَا تَقُولُ فِيهِ حَقًّا فَإِنَّهُ نَبِيٌّ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَمْ أَكُ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ، وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ، قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ} -إِلَى قَوْلِهِ- {اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ ارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ عِنْدَهُ وَكَثُرَ اللَّغَطُ وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا قَالَ: فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ خَرَجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ أَنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ، فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَدَعَا هِرَقْلُ عُظَمَاءَ الرُّومِ فَجَمَعَهُمْ فِي دَارٍ لَهُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلاَحِ وَالرَّشَدِ آخِرَ الأَبَدِ وَأَنْ يَثْبُتَ لَكُمْ مُلْكُكُمْ قَالَ: فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِقَتْ فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِمْ فَدَعَا بِهِمْ فَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا اخْتَبَرْتُ شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمُ الَّذِي أَحْبَبْتُ فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) أبو إسحاق الفراء الرازي الصغير (عن هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد. قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد المذكور (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن عباس

رسول الله) ولأبي ذر وبين النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مدة الصلح بالحديبية على وضع الحرب عشر سنين (قال: فبينا) بغير ميم (أنا بالشام إذ جيء بكتاب من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى هرقل) الملقب قيصر عظيم الروم (قال) أبو سفيان: (وكان دحية) بن خليفة (الكلبي جاء به) من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في آخر سنة ست (فدفعه) دحية (إلى عظيم) أهل (بصرى) الحرث بن أبي شمر الغساني (فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل) فيه مجاز لأنه أرسل به إليه صحبة عدي بن حاتم كما عند ابن السكن في الصحابة. (قال) أبو سفيان: (فقال هرقل: هل هاهنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فقالوا: نعم. قال) أبو سفيان: (فدعيت) بضم الدال مبنيًا للمفعول (في) أي مع (نفر) ما بين الثلاثة إلى العشرة (من قريش فدخلنا على هرقل) الفاء فصيحة أفصحت عن محذوف أي فجاءنا رسول هرقل فطلبنا فتوجهنا معه حتى وصلنا إليه فاستأذن لنا فأذن لنا فدخلنا عليه (فأجلسنا بين يديه) بضم الهمزة وسكون الجيم وكسر اللام وسكون السين (فقال: أيكم أقرب نسبًا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا) أي أقربهم نسبًا واختار هرقل ذلك لأن الأقرب أحرى بالإطلاع على قريبه من غيره (فأجلسوني بين يديه) أي يدي هرقل (وأجلسوا أصحابي) القرشيين (خلفي). وعند الواقدي فقال لترجمانه قل لأصحابه إنما جعلتكم عند كتفيه لتردوا عليه كذبًا إن قاله (ثم دعا بترجمانه) الذي يفسر لغة بلغة (فقال) له: (قل لهم إني سائل) بالتنوين (هذا) أي أبا سفيان (عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي) أشار إليه إشارة القريب لقرب العهد بذكره (فإن كذبني) بتخفيف المعجمة أي نقل إليّ الكذب (فكذبوه) بتشديدها مكسورة يتعدى إلى مفعول واحد والمخفف إلى مفعولين تقول كذبني الحديث وهذا من الغرائب. (قال أبو سفيان: وأيم الله) بالهمزة وبغيره (لولا أن يؤثروا) بضم التحتية وكسر المثلثة بصيغة الجمع (علي الكذب) نصب على المفعولية ولأبي ذر: أن يؤثر بفتح المثلثة مع الإفراد مبنيًّا للمفعول عليّ الكذب رفع مفعول ناب عن الفاعل أي لولا أن يرووا ويحكوا عني الكذب وهو قبيح (لكذبت) أي عليه (ثم قال لترجمانه: سله كيف حسبه فيكم)؟ وفي كتاب الوحي: كيف نسبه فيكم؟ والحسب ما بعده الإنسان من مفاخر آبائه قاله الجوهري، والنسب: الذي يحصل به الإدلاء من جهة الآباء (قال) أبو سفيان: (قلت هو فينا ذو حسب) رفيع، وعند البزار من حديث دحية قال: كيف حسبه فيكم؟ قال: هو في حسب ما لا يفضل عليه أحد. (قال: فهل) ولأبي ذر: هل (كان من) وللمستملي في (آبائه ملك؟) بفتح الميم وكسر اللام (قال) أبو سفيان: (قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب) على الناس (قبل أن يقول ما قال؟) قال أبو سفيان (قلت: لا. قال: أيتبعه) بتشديد المثناة الفوقية وهمزة الاستفهام (أشراف الناس أم ضعفاؤهم. قال) أبو سفيان: (قلت: بل ضعفاؤهم. قال) هرقل: (يزيدون أو ينقصون) بحذف همزة الاستفهام وجوزه ابن مالك مطلقًا خلافًا لمن خصه بالشعر (قال) أبو سفيان: (قلت: لا) ينقصون (بل يزيدون. قال) هرقل: (هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟) بضم السين وفتحها والنصب مفعولًا لأجله أو حالًا وقال العيني: السخطة بالتاء إنما هي بفتح السين فقط أي هل يرتد أحد منهم كراهة لدينه وعدم رضا (قال) أبو سفيان (قلت: لا. قال: فهل قاتلتموه؟ قال) أبو سفيان (قلت: نعم) قاتلناه (قال) هرقل: (فكيف كان قتالكم إياه؟) بفصل ثاني الضميرين (قال) أبو سفيان (قلت: تكون) بالفوقية (الحرب بيننا وبينه سجالًا) بكسر السين وفتح الجيم أي نوبًا أي نوبة له ونوبة لنا كما قال (يصيب منا ونصيب منه) وقد كانت المقاتلة وقعت بينه عليه الصلاة والسلام وبينهم في بدر فأصاب المسلمون منهم وفي أحد فأصاب المشركون من المسلمين وفي الخندق فأصيب من الطائفتين ناس قليل (قال) هرقل: (فهل يغدر؟) بكسر الدال أي ينقض

العهد (قال) أبو سفيان: (قلت: لا) يغدر (ونحن منه في هذه المدة) مدة صلح الحديبية أو غيبته وانقطاع أخباره عنا (لا ندري ما هو صانع فيها) لم يجزم بغدره (قال) أبو سفيان: (والله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئًا) أنتقصه به (غير هذه) الكلمة (قال) هرقل: (فهل قال هذا القول أحد) من قريش (قبله؟ قال) أبو سفيان (قلت: لا ثم قال) هرقل: (لترجمانه: قل له) أي لأبي سفيان (إني سألتك) أي قل له حاكيًا عن هرقل إني سألتك أو المراد إني سألتك على لسان هرقل لأن الترجمان يعيد كلام هرقل ويعيد لهرقل كلام أبي سفيان (عن) رتبة (حسبه فيكم فزعمت أنه فيكم ذو حسب) رفيع (وكذلك الرسل تبعث في) أرفع (أحساب قومها، وسألتك هل كان في آبائه ملك) بفتح الميم وكسر اللام وإسقاط من الجارة (فزعمت أن لا، فقلت) أي في نفسي وأطلق على حديث النفس قولاً (لو كان من آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه) بالجمع وفي كتاب الوحي ملك أبيه بالإفراد (وسألتك عن أتباعه) بفتح الهمزة وسكون الفوقية (أضعفاؤهم أم أشرافهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم) اتبعوه (وهم أتباع الرسل) عليهم الصلاة والسلام غالبًا بخلاف أهل الإستكبار المصرين على الشقاق بغضًا وحسدًّا كأبي جهل (وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا، فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس) قبل أن يظهر رسالته (ثم يذهب فيكذب على الله) بعد إظهارها ويذهب ويكذب نصب عند أبي ذر عطفًا على المنصوب السابق (وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه) الإسلام (بعد أن يدخل فيه سخطة له) بفتح السين (فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب) التي يدخل فيها والقلوب بالجر على الإضافة (وسألتك هل يزيدون أم ينقصون فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان) لا يزال في زيادة (حتى يتم) بالأمور المعتبرة فيه من الصلاة وغيرها (وسألتك هل قاتلتموه فزعمت أنكم قاتلتموه فتكون الحرب بينكم وبينه سجالًا ينال منكم وتنالون منه) هو معنى قوله في الأول يصيب منا ونصيب منه (وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة) وهذه الجملة من قوله وسألتك هل قاتلتموه إلى هنا حذفها الراوي في كتاب الوحي (وسألتك هل يغدر) بكسر الدال (فزعمت أنه لا يغدر وكذلك الرسل لا تغدر) لأنها لا تطلب حظ الدنيا الذي لا يبالي طالبه بالغدر. (وسألتك هل قال أحد هذا القول قبله؟ فزعمت أن لا فقلت: لو كان قال هذا القول أحد قبله قلت رجل ائتم) وفي كتاب الوحي لقلت رجل يأتسي (بقول قيل قبله) ذكر الأجوبة على ترتيب الأسئلة. وأجاب عن كل بما يقتضيه الحال مما دل على ثبوت النبوّة مما رآه في كتبهم أو استقرأه من العادة ولم يقع في بدء الوحي مرتبًا وأخر هنا بقية الأسئلة وهو العاشر إلى بعد الأجوبة كما أشار إليه بقوله: (قال) أي أبو سفيان: (ثم قال) أي هرقل: (بم) بغير ألف بعد الميم (يأمركم؟ قال) أبو سفيان: (قلت: يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة) للأرحام (والعفاف) بفتح العين المهملة أي الكف عن المحارم وخوارم المروءة وزاد في الوحي الجواب عن هذه (قال) أي هرقل: (إن يك ما) ولأبي ذر كما (تقول فيه حقًّا فإنه نبي) وفي دلائل النبوة لأبي نعيم بسند ضعيف أن هرقل أخرج لهم سفطًا من ذهب عليه قفل من ذهب فأخرج منه حريرة مطوية فيها صور فعرضها عليهم إلى أن كان آخرها صورة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: فقلنا جميعًا هذه صورة محمد فذكر لهم أنها صور الأنبياء وأنه خاتمهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وقد كنت أعلم أنه خارج) أي أنه سيبعث في هذا الزمان (ولم أك) بحذف النون ولأبي ذر ولم أكن (أظنه منكم) معشر قريش (ولو أني أعلم أني أخلص) بضم اللام أي أصل (إليه لأحببت لقاءه) وفي بدء الوحي لتجشمت بجيم وشين معجمة أي لتكلفت الوصول إليه (ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه) ما لعله يكون عليهما قاله مبالغة في خدمته (وليبلغن ملكه ما تحت قدميّ) بالتثنية وزاد في بدء الوحي هاتين أي أرض بيت المقدس

أو أرض ملكه. (قال) أبو سفيان: (ثم دعا) هرقل (بكتاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرأه) بنفسه أو الترجمان بأمره (فإذا فيه) (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى هرقل عظيم) طائفة (الروم سلام على من اتبع الهدى) هو كقول موسى وهارون لفرعون والسلام على من اتبع الهدى (أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام) بكسر الدال المهملة أي بالكلمة الداعية إلى الإسلام وهي شهادة التوحيد (أسلم) بكسر اللام (تسلم) بفتحها (وأسلم) بكسرها توكيد (يؤتك الله أجرك مرتين) لكونه مؤمنًا بنبيه ثم آمن بمحمد عليه الصلاة والسلام أو أن إسلامه سبب لإسلام أتباعه والجزم في أسلم على الأمر والثالث تأكيد له والثاني جواب للأوّل ويؤتك بحذف حرف العلة جواب آخر، ويحتمل أن يكون أسلم أوّلًا أي لا تعتقد في المسيح ما يعتقده النصارى وأسلم ثانيًا أي دخل في دين الإسلام ولذا قال: يؤتك الله أجرك مرتين (فإن توليت فإن عليك) مع إثمك (إثم الأريسيين) بهمزة وتشديد التحتية بعد السين أي الزراعين نبه بهم على جميع الرعايا وقيل: الأريسيين ينسبون إلى عبد الله بن أريس رجل كان تعظمه النصارى ابتدع في دينه أشياء مخالفة لدين عيسى عليه السلام و ({يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله}) بدل من كلمة بدل كل من كل إلى قوله: ({اشهدوا بأنا مسلمون}) والخطاب في اشهدوا للمسلمين أي فإن تولوا عن هذه الدعوة فأشهدوهم أنتم على استمراركم على الإسلام الذي شرعه الله لكم. فإن قلت: إن هذه القصة كانت بعد الحديبية وقبل الفتح كما صرح به في الحديث، وقد ذكر ابن إسحاق وغيره أن صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها نزلت في وفد نجران. وقال الزهري: هم أول من بذل الجزية ولا خلاف أن آية الجزية نزلت بعد الفتح فما الجمع بين كتابة هذه الآية قبل الفتح إلى هرقل في جملة الكتاب، وبين ما ذكره ابن إسحاق والزهري؟ أجيب: باحتمال نزول الآية مرة قبل الفتح، وأخرى بعده وبأن قدوم وفد نجران كان قبل الحديبية وما بذلوه كان مصالحة عن المباهلة لا عن الجزية، ووافق نزول الجزية بعد ذلك على وفق ذلك كما جاء وفق الخمس والأربعة الأخماس وفق ما فعله عبد الله بن جحش في تلك السرية قبل بدر، ثم نزلت فريضة القسم على وفق ذلك، وباحتمال أن يكون -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بكتابتها قبل نزولها ثم نزل القرآن موافقة له كما نزل بموافقة عمر في الحجاب وفي الأسارى وعدم الصلاة على المنافقين قاله ابن كثير. (فلما فرغ) هرقل (من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط) من عظماء الروم ولعله بسبب ما فهموه من ميل هرقل إلى التصديق (وأمر بنا فأخرجنا) بضم الهمزة وكسر الراء في الثاني والميم في الأول (قال) أبو سفيان: (فقلت لأصحابي) القرشيين (حين خرجنا) والله (لقد أمر) بفتح الهمزة مع القصر وكسر الميم أي عظم (أمر ابن أبي كبشة) بسكون الميم أي شأن ابن أبي كبشة بفتح الكاف وسكون الموحدة كنية أبي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الرضاع الحرث بن عبد العزى كما عند ابن ماكولا وقيل غير ذلك مما سبق في بدء الوحي (إنه) بكسر الهمزة على الاستئناف (ليخافه ملك بني الأصفر) وهم الروم قال أبو سفيان (فما زلت موقنًا بأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه سيظهر حتى أدخل الله عليّ الإسلام) فأظهرت ذلك اليقين. (قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (فدعا هرقل) الفاء فصيحة أي فسار هرقل إلى حمص فكتب إلى صاحبه ضغاطر الأسقف برومية فجاء جوابه فدعا (عظماء الروم فجمعهم في دار له) وفي بدء الوحي أنه جمعهم في دسكرة أي قصر حوله بيوت وأغلقه ثم اطلع عليهم من مكان فيه عال خوفًا على نفسه أن ينكروا مقالته فيبادروا إلى قتله ثم خاطبهم (فقال: يا معشر الروم هل لكم) رغبة (في الفلاح والرشد) بفتح الراء والمعجمة ولأبي ذر والرشد بضم الراء وسكون المعجمة (آخر الأبد)

5 - باب {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} -إلى- {به عليم}

أي الزمان (وأن يثبت لكم ملككم) لأنه علم من الكتب أن لا أمة بعد هذه الأمة (قال: فحاصوا حيصة حمر الوحش) بحاء وصاد مهملتين أي نفروا نفرتها (إلى الأبواب) التي للبيوت الكائنة في الدار الجامعة ليخرجوا منها (فوجدوها قد غلقت) بضم الغين وكسر اللام مشددة (فقال) هرقل: (عليّ بهم) أي أحضروهم لي (فدعا بهم) فردهم (فقال) لهم (إني إنما اختبرت شدتكم على دينكم) بمقالتي هذه (فقد رأيت منكم الذي أحببت فسجدوا له) حقيقة إذ كانت عادتهم ذلك لملوكهم أو كناية عن تقبيلهم الأرض بين يديه لأن فاعل ذلك يصير غالبًا كهيئة الساجد (ورضوا عنه) أي رجعوا عما كانوا هموا به عند نفرتهم من الخروج عليه. 5 - باب {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} -إِلَى- {بِهِ عَلِيمٌ} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}) أي لمن تدركوا كمال البر أو ثواب الله أو الجنة أو لم تكونوا أبرارًا حتى يكون الإنفاق من محبوب أموالكم أو ما يعمه وغيره كبذل الجاه في معاونة الناس والبدن في طاعة الله والمهجة في سبيل الله ومن في مما تحبون تبعيضية يدل عليه قراءة عبد الله بعض ما تحبون ويحتمل أن يكون تفسير معنى لا قراءة (إلى {به عليم}) [آل عمران: 92] ولأبي ذر الآية بدل قوله إلى {به عليم} وسقط لغيره لفظ باب. 4554 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ نَخْلًا، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءٍ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قَامَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَىَّ بَيْرُحَاءٍ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَخْ ذَلِكَ مَالٌ رَايِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَايِحٌ» وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ: وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ: ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالتوحيد (مالك) الإمام عن إسحاق ابن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني أبي يحيى (أنه سمع أنس بن مالك) الأنصاري (-رضي الله عنه- يقول: كان أبو طلحة) زيد بن سهل زوج أم أنس بن مالك -رضي الله عنه- (أكثر أنصاري بالمدينة نخلًا) تمييز (وكان أحب أمواله إليه بيرحا) بنصب أحب خبر كان ورفع بيرحا اسمها وقد اختلف في ضبط هذه اللفظة، وسبق في كتاب الزكاة ما يكفي ويشفي والذي لخصته فيها من كلامهم كسر الموحدة وضم الراء اسم كان بفتحها خبرها مع الهمزة الساكنة بعد الموحدة وإبدالها ياء ومدّ حاء مصروفًا وغير مصروف لأن تأنيثه معنوي كهند ومقصور فهي اثنا عشر، وبفتح الموحدة وسكون التحتية من غير همز وفتح الراء وضمها خبر كان أو اسمها ومدّ حاء مصروفًا ومقصورًا فهي ستة: اثنان منها مع القصر على أنه اسم مقصور لا تركيب فيه فيعرب كسائر المقصور، وصوّب الصغاني والزمخشري والمجد الشيرازي منها فتح الموحدة والراء على سائرها من الممدود والمقصور، بل قال الباجي: إنها المصححة على أبي ذر وغيره (وكانت) أي بيرحا (مستقبلة المسجد) النبوي (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب) صفة المجرور (فلما أنزلت: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قام أبو طلحة) -رضي الله عنه- (فقال: يا رسول الله إن الله) تعالى (يقول: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن أحب أموالي إليّ بيرحا) بالرفع خبر إن (وإنها صدقة لله أرجو برّها) أي خيرها (وذخرها) بضم الذال المعجمة أي أقدمها فأدّخرها لأجدها (عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال) ولأبي ذر فقال: (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (بخ) بفتح الموحدة وسكون المعجمة كهل وبل غير مكررة هنا (ذلك مال رايح ذلك مال رايح) بالمثناة التحتية من الرواح أي من شأنه الذهاب والفوات فإذا ذهب في الخير فهو أولى وكررها اثنتين للمبالغة (وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلهما في الأقربين قال أبو طلحة: أفعل) ما قلت (يا رسول الله فقسمها) أي بيرحا (أبو طلحة في أقاربه وبني عمه) من عطف الخاص على العام ولأبي ذر وفي بني عمه. (قال عبد الله بن يوسف) التنيسي مما وصله المؤلّف في الوقف (وروح بن عبادة) بن العلاء القيسي أبو محمد البصري مما وصله أحمد في روايتهما عن مالك (ذلك مال رابح) بالموحدة أي يربح صاحبه في الآخرة. 0000 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ مَالٌ رَايِحٌ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى بن يحيى) النيسابوري (قال: قرأت على مالك) الإمام (مال رايح) بالمثناة التحتية بدل الموحدة اسم فاعل من الرواح نقيض الغدوّ. 4555 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ وَأُبِيٍّ وَأَنَا أَقْرَبُ إِلَيْهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لِي مِنْهَا شَيْئًا. وبه قال: (حدّثنا محمد

6 - باب {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}

بن عبد الله الأنصاري) قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي) هو عبد الله بن المثنى (عن ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم ابن عبد الله بن أنس قاضي البصرة (عن) جدّه (أنس) هو ابن مالك (-رضي الله عنه- قال: فجعلها) أي بيرحا أبو طلحة (لحسان) بن ثابت (وأبيّ) هو ابن كعب (وأنا أقرب إليه) منهما (ولم يجعل لي منها شيئًا). وهذا طرف من حديث ساقه بتمامه من هذا الوجه في الوقف وسقط هنا في رواية أبي ذر وثبت لغيره. 6 - باب {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}) [آل عمران: 93] لما قال عليه الصلاة والسلام: "أنا على ملة إبراهيم" قالت اليهود: كيف وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "كان حلالًا لإبراهيم فنحن نحله" فقالت اليهود: كل شيء أصبحنا اليوم نحرمه كان محرمًا على نوح وإبراهيم حتى انتهى إلينا فأنزل الله تعالى تكذيبًا لهم وردًّا عليهم حيث أرادوا براءة ساحتهم مما نعى عليهم من البغي والظلم والصد عن سبيل الله وما عدد من مساويهم التي كلما ارتكبوا منها كبيرة حرم الله عليهم نوعًا من الطيبات عقوبة لهم في قوله تعالى: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم} إلى قوله: {عذابًا أليمًا} [النساء: 160] وفي قوله تعالى: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} إلى قوله: {ذلك جزيناهم ببغيهم} [الأنعام: 147]. كل الطعام أي المطعومات كان حلاًّ أي حلالًا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام على نفسه من قبل أن تنزل التوراة وهو لحوم الإبل وألبانها وكان ذلك سائغًا في شرعهم، قيل كان به عرق النسا فندر إن شفي لم يأكل أحب الطعام إليه وكان ذلك أحب إليه، وقيل فعل ذلك للتداوي بإشارة الأطباء، واحتج به من جوّز للنبي أن يجتهد وللمانع أن يقول ذلك بإذن من الله فهو كتحريمه ابتداء، ثم أمر الله تعالى نبيه محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يحاج اليهود بكتابهم فقال: {قل} أي لليهود {فأتوا بالتوراة فاتلوها} أي فاقرؤوها فإنها ناطقة بما قلناه إذ فيها أن يعقوب حرم ذلك على نفسه قبل أن تنزل وأن تحريم ما حرم عليهم حادث بظلمهم فلم يحضروها فثبت صدق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه وجواز النسخ الذي ينكرونه هذا ما يقتضيه سياق هذه الآية التي أوردها البخاري في هذا الباب وعليه المفسرون. 4556 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ قَدْ زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ: «كَيْفَ تَفْعَلُونَ بِمَنْ زَنَى مِنْكُمْ» قَالُوا: نُحَمِّمُهُمَا وَنَضْرِبُهُمَا فَقَالَ: «لاَ تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ» فَقَالُوا: لاَ نَجِدُ فِيهَا شَيْئًا فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: كَذَبْتُمْ {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فَوَضَعَ مِدْرَاسُهَا الَّذِي يُدَرِّسُهَا مِنْهُمْ كَفَّهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَطَفِقَ يَقْرَأُ مَا دُونَ يَدِهِ وَمَا وَرَاءَهَا وَلاَ يَقْرَأُ آيَةَ الرَّجْمِ فَنَزَعَ يَدَهُ عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ فَقَالَ: "مَا هَذِهِ؟ " فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا: هِيَ آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ حَيْثُ مَوْضِعُ الْجَنَائِزِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ قَالَ: فَرَأَيْتُ صَاحِبَهَا يَجْنَأُ عَلَيْهَا يَقِيهَا الْحِجَارَةَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) أبو إسحاق الحزامي قال: (حدّثنا أبو ضمرة) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم أنس بن عياض الليثي قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) سقط لأبي ذر لفظ عبد الله (أن اليهود) يهود خيبر (جاؤوا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في ذي القعدة من السنة الرابعة (برجل منهم) لم يسم (وامرأة) اسمها بسرة (قد زنيا) قال النووي: وكانا من أهل العهد (فقال لهم) عليه الصلاة والسلام: (كيف تفعلون) ولأبي ذر عن الكشميهني كيف تعملون (بمن زنى منكم؟ قالوا: نحممهما) بضم النون وفتح الحاء المهملة وكسر الميم الأولى مشددة من التحميم يعني نسوّد وجوههما بالحمم وهو الفحم (ونضربهما فقال) عليه الصلاة والسلام لهم: (لا تجدون في التوراة الرجم؟) على من زنى إذا أحصن (فقالوا: لا نجد فيها شيئًا) وإنما سألهم عليه الصلاة والسلام ليلزمهم بما يعتقدونه في كتابهم الموافق لحكم الإسلام إقامة للحجة عليهم لا لتقليدهم ومعرفة الحكم منهم. (فقال لهم عبد الله بن سلام) -رضي الله عنه- (كذبتم فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كتم صادقين) فإن ذلك موجود فيها لم يغير، واستدلّ به ابن عبد البر على أن التوراة صحيحة بأيديهم ولولا ذلك ما سألهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنها ولا دعا بها. وأجيب: بأن سؤاله عنها يدل على صحة جميع ما فيها وإنما يدل على صحة المسؤول عنه منها، وقد علم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك بوحي أو إخبار من أسلم منهم فأراد بذلك تبكيتهم وإقامة الحجة عليهم في مخالفتهم كتابهم وكذبهم عليه وإخبارهم بما ليس فيه وإنكارهم ما هو فيه فأتوا بالتوراة فنشروها (فوضع) عبد الله بن صوريا (مدراسها) بكسر الميم

7 - باب {كنتم خير أمة أخرجت للناس}

مفعال من أبنية المبالغة أي صاحب دراسة كتبهم وكان أعلم من بقي من الأحبار بالتوراة وزعم السهيلي أنه أسلم، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: مدارسها بضم الميم على وزن المفاعلة من المدارسة. قال في الفتح: والأول أوجه وهو (الذي يدرسها منهم) بضم التحتية وفتح الدال المهملة وتشديد الراء مكسورة وفي نسخة يدرسها بفتح أوله وسكون الدال وضم الراء مخففة (كفه على آية الرجم فطفق) بكسر الفاء أي فجعل (يقرأ) من التوراة (ما دون يده) أي قبلها (وما وراءها ولا يقرأ آية الرجم فنزع) عبد الله بن سلام (يده عن آية الرجم فقال: ما هذه؟ فلما رأوا ذلك) أي اليهود (قالوا): ولأبي ذر عن الكشميهني فلما رأى ذلك أي المدراس قال: (هي آية الرجم فأمر بهما) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فرجما) بحكم شرعه (قريبًا من حيث موضع الجنائز) برفع موضع في الفرع كأصله وغيرهما لأن حيث لا تضاف إلى ما بعدها إلا أن يكون جملة (عند المسجد). وفي هذه القصة من حديث جابر عند أبي داود في سننه: أنه شهد عنده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة. قال النووي: فإن صح هذا فإن كان الشهود مسلمين فظاهر، وإن كانوا كفارًا فلا اعتبار بشهادتهم ويتعين أنهما أقرّا بالزنا، فلذا حكم عليه الصلاة والسلام برجمهما. (قال) أي ابن عمر (فرأيت صاحبها) أي صاحب المرأة الذي زنى بها (يجنأ) بفتح أوله وسكون الجيم وبعد النون المفتوحة همزة مضمومة أي أكب، ولأبي ذر عن الكشميهني يحني بفتح حرف المضارعة وسكون الحاء المهملة وكسر النون بعدها تحتية أي يميل وينعطف (عليها) حال كونه (يقيها الحجارة). وفي هذا الحديث من الفوائد وجوب حدّ الزنا على الكافر، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة والجمهور خلافًا لمالك حيث قال: لا حدّ عليه وأنه ليس من شرط الإحصان المقتضي للرجم الإسلام وهو مذهب الشافعي وأحمد خلافًا لمالك وأبي حنيفة حيث قالا: لا يرجم الذمي لأن من شرط الإحصان الإسلام وأن أنكحة الكفار صحيحة وإلاّ لما ثبت إحصانهم وأنهم مخاطبون بالفروع خلافًا للحنفية. وهذا الحديث قد سبق مختصرًا في الجنائز ويأتي إن شاء الله في الحدود. 7 - باب {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({كنتم خير أمة أُخرجت للناس}) [آل عمران: 110]. قيل كان ناقصة على بابها فتصلح للانقطاع نحو: كان زيد قائمًا، وللدوام نحو: {وكان الله غفورًا رحيمًا} فهي بمنزلة لم يزل وهذا بحسب القرائن فقوله: {كنتم خير أمة} لا يدل على أنهم لم يكونوا خيرًا فصاروا خيرًا أو انقطع ذلك عنهم، وقال في الكشاف: كان عبارة عن وجود الشيء في زمان ماض على سبيل الإِبهام وليس فيه دليل على عدم سابق ولا على انقطاع طارئ ومنه قوله تعالى: {وكان الله غفورًا رحيمًا} و {كنتم خير أمة} كأنه قيل وجدتم خير أمة. قال أبو حبان: قوله لم يدل على عدم سابق هذا إذا لم تكن بمعنى صار فإذا كانت بمعنى صار دلت على عدم سابق. فإذا قلت: كان زيد عالمًا بمعنى صار زيد عالمًا دلت على أنه انتقل من حالة الجهل إلى حالة العلم؛ وقوله ولا على انقطاع طارئ قد سبق أن الصحيح أنها كسائر الأفعال يدل لفظ المضي منها على الانقطاع، ثم قد يستعمل حيث لا انقطاع، وفرق بين الدلالة والاستعمال ألا ترى أنك تقول هذا اللفظ يدل على العموم ثم قد يستعمل حيث لا يراد العموم بل يزاد الخصوص، وقوله: كأنه قيل وجدتم خير أمة بدل على أنها التامة وأن خبر أمة حال، وقوله: وكان الله غفورًا رحيمًا، لا شك أنها الناقصة فتعارضا. وأجاب أبو العباس الحلبي: بأنه لا تعارض لأن هذا تفسير معنى لا تفسير إعراب، وقيل إن كان هنا تامة بمعنى وجدتم وحينئذ فخير أمة نصب على الحال، وقيل زائدة أي أنتم خير أمة، والخطاب للصحابة وهذا مرجوح أو غلط لأنها لا تزاد أولًا، وقد نقل ابن مالك الاتفاق عليه، وقيل الخطاب لجميع الأمة أي كنتم في علم الله، وقيل في اللوح المحفوظ. وعن ابن عباس فيما رواه أحمد في مسنده

8 - باب {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا}

والنسائي في سننه والحاكم في مستدركه قال: هم الذين هاجروا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المدينة، والصحيح كما قاله ابن كثير العموم في جميع الأمة كل قرن بحسبه وخير قرونهم الذين بعث فيهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، وفي سنن ابن ماجه ومستدرك الحاكم وحسنه الترمذي عن معاوية بن حيدة مرفوعًا: أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل. 4557 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] قَالَ: خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلاَسِلِ، فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الإِسْلاَمِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي (عن سفيان) الثوري (عن ميسرة) ضد الميمنة ابن عمار الأشجعي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) في قوله تعالى: ({كنتم خير أمة أُخرجت للناس} قال: خير الناس للناس) أي خير بعض الناس لبعضهم أي أنفعهم لهم، وإنما كان كذلك لأنكم (تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام) فهم سبب في إسلامهم وقول الزركشي وغيره قيل ليس هذا التفسير بصحيح ولا معنى لإدخاله في المسند لأنه لم يرفعه ليس بصحيح بل إساءة أدب لا ينبغي ارتكاب مثلها، وقد تقدم من وجه آخر في أواخر الجهاد مرفوعًا بلفظ: عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل يعني الأسارى الذين يقدم بهم أهل الإسلام في الوثاق والأغلال والقيود ثم بعد ذلك يسلمون وتصلح سرائرهم وأعمالهم فيكونون من أهل الجنة. وهذا الحديث أخرجه النسائي في التفسير. 8 - باب {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ} هذا (باب) بالتنوين وهو ساقط كلفظ باب قبله لغير أبي ذر في قوله تعالى: ({إذ همّت طائفتان منكم أن تفشلا}) [آل عمران: 22] عامل الظرف اذكر أو هو بدل من إذ غدوت فالعامل فيه العامل في المبدل منه أو الناصب له عليم، والهم: العزم أو هو دونه وذلك أن أول ما يمر بقلب الإنسان يسمى خاطرًا فإذا قوي سمي حديث نفس فإذا قوي سمي همًّا فإذا قوي سمي عزمًا ثم بعده، إما قول أو فعل. 4558 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: فِينَا نَزَلَتْ: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} قَالَ: نَحْنُ الطَّائِفَتَانِ بَنُو حَارِثَةَ، وَبَنُو سَلِمَةَ، وَمَا نُحِبُّ وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: وَمَا يَسُرُّنِي أَنَّهَا لَمْ تُنْزَلْ لِقَوْلِ اللَّهِ: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: قال عمرو) هو ابن دينار (سمعت جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يقول: فينا نزلت: {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا} أي تجبنا وتتخلفا عن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتذهبا مع عبد الله بن أبي وكان ذلك في غزوة أُحُد ({والله وليهما}) أي عاصمهما عن اتباع تلك الخطوة التي ليست عزيمة بل حديث نفس وكيف تكون عزيمة والله تعالى يقول: {والله وليهما} والله تعالى لا يكون ولي من عزم على خذلان رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومتابعة عدوّه عبد الله بن أبيّ، ويجوز أن تكون عزيمة كما قال ابن عباس ويكون قوله: {والله وليهما} جملة حالية مقررة للتوبيخ والاستبعاد أي لم وجد منهما الفشل والجبن وتلك العزيمة والحال أن الله سبحانه وتعالى بجلاله وعظمته هو الناصر لهما فما لهما يفشلان. (قال): أي جابر (نحن الطائفتان بنو حارثة) وهم من الأوس (وبنو سلمة) بكسر اللام وهم من الخزرج (وما نحب. وقال سفيان) بن عيينة في روايته: (مرة وما يسرني) بدل وما نحب (أنها) أي الآية (لم تنزل لقول الله) تعالى ({والله وليهما}) ومفهومه أن نزولها سره لما حصل لهم من الشرف وتثبيت الولاية ودلّ ذلك على أنه سرتهم تلك الهمة العارية عن العزم، نعم كلام ابن عباس السابق مبني على التوبيخ وينصره قوله: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} فإنه يأبى إلا أن يكون تعريضًا وتغليطًا في هذا المقام وكذا قوله تعالى: {فاتقوا الله لعلكم تشكرون} [آل عمران: 123] مشتمل على تشديد عظيم يعني: فاتقوا الله في الثبات معه ولا تضعفوا فإن نعمته وهي نعمة الإسلام لا يقابل شكرها إلا ببذل المهج وبفداء الأنفس فاثبتوا معه لعلكم تدركون شكر هذه النعمة، وكل هذه التشديدات لا ترد على حديث النفس، وأما قول جابر نحن بنو سلمة وبنو حارثة وامتيازه إياهما عن الغير فلا يستقيم إلا على العزيمة وقوله: وما يسرني أنها لم تنزل إنما يحسن إذا حملته على العزيمة ليفيد المبالغة فهو على أسلوب قوله تعالى: {عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم} [التوبة: 43] قاله في فتوح الغيب.

9 - باب {ليس لك من الأمر شيء}

وهذا الحديث سبق في المغازي. 9 - باب {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ليس لك من الأمر شيء}) [آل عمران: 128]. 4559 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الْفَجْرِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا» بَعْدَ مَا يَقُولُ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} إِلَى قَوْلِهِ {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}. رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وبه قال: (حدّثنا حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة السلمي المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- (أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر) من صلاة الصبح أي بعد أن كسرت رباعيته يوم أُحُد (يقول): (اللهم العن فلانًا وفلانًا وفلانًا) هم صفوان بن أمية، وسهيل بن عمير، والحرث بن هشام كما في حديث مرسل أورده المؤلّف في غزوة أُحُد ووصله أحمد والترمذي وزاد في آخره: فتيب عليهم كلهم وسمى الترمذي في روايته أبا سفيان بن حرب، وفي كتاب ابن أبي شيبة منهم العاصي بن هشام. قال في المقدمة: وهو وهم فإن العاصي قتل قبل ذلك ببدر قال: ونقل السهيلي عن رواية الترمذي فيهم عمرو بن العاص فوهم في نقله (بعد ما يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) بإثبات الواو (فأنزل الله: {ليس لك من الأمر شيء} إلى قوله: {فإنهم ظالمون}) قال في فتوح الغيب: وقوله أي بعد {والله غفور رحيم} تتميم مناد على أن جانب الرحمة راجح على جانب العذاب وفي قوله: {فإنهم ظالمون} تتميم لأمر التعذيب وإدماج لرجحان المغفرة يعني سبب التعذيب كونهم ظالمين إلا فالرحمة مقتضية للغفران. وقال صاحب الأنوار قوله: {يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} [المائدة: 18] صريح في نفي وجوب التعذيب والتقييد بالتوبة وعدمها كالمنافي له {والله غفور رحيم} لعباده فلا تبادر إلى الدعاء عليهم. (رواه) أي الحديث المذكور بالإسناد السابق (إسحاق بن راشد) الحراني (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب وهذا وصله الطبراني في معجمه الكبير. 4560 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لأَحَدٍ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَرُبَّمَا قَالَ إِذَا قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ اللَّهُمَّ، أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» يَجْهَرُ بِذَلِكَ وَكَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلاَتِهِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا» لأَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] الآيَةَ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري البصري قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف كلاهما (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد) أي في الصلاة (قنت بعد الركوع فربما قال: إذا قال سمع الله لمن حمده): (اللهم ربنا لك الحمد اللهم أنج الوليد بن الوليد) أخا خالد بن الوليد أسلم وتوفي في حياته عليه السلام وهمزة أنج قطع (وسلمة بن هشام) هو ابن عم الذي قبله وأخو أبي جهل وكان من السابقين إلى الإسلام (وعياش بن أبي ربيعة) ابن عم الذي قبله وهو من السابقين أيضًا. وفي الزيادات من حديث الحافظ أبي بكر بن زياد النيسابوري عن جابر رفع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأسه من الركعة الأخيرة من صلاة الصبح صبيحة خمس عشرة من رمضان فقال: "اللهم انج" الحديث وفيه فدعا بذلك خمسة عشر يومًا حتى إذا كان صبيحة يوم الفطر ترك الدعاء. (اللهم اشدد وطأتك) بفتح الواو وسكون الطاء المهملة وهمزة مفتوحة أي بأسك (على مضر واجعلها سنين كسني يوسف) بنون واحدة على المشهور حال كونه (يجهر بذلك وكان) عليه الصلاة والسلام (يقول: في بعض صلاته في صلاة الفجر) فيه إشارة إلى أنه كان لا يداوم على ذلك (اللهم العن فلانًا وفلانًا لأحياء) قبائل (من العرب) وسماهم في رواية يونس عن الزهري عند مسلم رعلًا وذكوان وعصية (حتى أنزل الله: {ليس لك من الأمر شيء} الآية) بالنصب أي اقرأ الآية. واستشكل بأن قصة رعل وذكوان كانت بعد أُحُد ونزول {ليس لك من الأمر شيء} في قصة أُحُد فكيف يتأخر السبب عن النزول؟ وأجاب في الفتح: بأن قوله حتى أنزل الله منقطع من رواية الزهري عمن بلغه كما بين ذلك مسلم في رواية يونس المذكورة فقال هنا قال يعني الزهري، ثم قال بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت قال وهذا البلاغ

10 - باب قوله {والرسول يدعوكم في أخراكم} وهو تأنيث آخركم وقال ابن عباس: {إحدى الحسنيين} فتحا أو شهادة

لا يصح وقصة رعل وذكوان أجنبية عن قصة أُحُد فيحتمل أن قصتهم كانت عقب ذلك وتأخر نزور الآية عن سببها قليلًا، ثم نزلت في جميع ذلك. وقد ورد في سبب نزول الآية شيء آخر غير مناف لما سبق في قصة أُحُد فعند مسلم من حديث أن أنس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كسرت رباعيته يوم أُحُد وشجّ وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال: "كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم" وهو يدعوهم إلى ربهم فأنزل الله: {ليس لك من الأمر شيء} [آل عمران: 128] وأورده المؤلّف في المغازي معلمًا بنحوه وطريق الجمع بينه وبين حديث ابن عمر المسوق أول هذا الباب أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا على المذكورين بعد ذلك في صلاته فأنزل الله الآية في الأمرين جميعًا فيما وقع له من كسر الرباعية وشج الوجه وفيما نشأ عن ذلك من الدعاء عليهم وذلك كله في أُحُد فعاتبه الله تعالى على تعجيله في القول برفع الفلاح عنهم حيث قال: كيف يفلح قوم أي لن يفلحوا أبدًا فقال الله له: {ليس لك من الأمر شيء} أي كيف تستبعد الفلاح وبيد الله أزمة الأمور التي في السماوات والأرض {يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} [المائدة: 18] وليس لك من الأمر إلا التفويض والرضا بما قضى، وسقط لأبي ذر قوله الآية. والحديث رواه النسائي. 10 - باب قَوْلِهِ {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} وَهْوَ تَأْنِيثُ آخِرِكُمْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} فَتْحًا أَوْ شَهَادَةً (باب قوله) تعالي: ({والرسول يدعوكم}) مبتدأ وخبر في موضع نصب على الحال ودعوة الرسول إلى عباد الله إلي عباد الله يدعوهم إلى ترك الفرار من العدوّ وإلى الرجعة والكرة ({في أخراكم}) قال البخاري تبعًا لأبي عبيدة: (وهو) أي أخراكم (تأنيث آخركم) بكسر الخاء المعجمة. قال في الفتح والعمدة والتنقيح: فيه نظر لأن أخرى تأنيث آخر بفتح الخاء لا كسرها وزاد في التنقيح أفعل تفضيل كفضلى وأفضل، وتعقبه في المصابيح فقال نظر البخاري أدق من هذا وذلك أنه لو جعل أخرى هنا تأنيثًا لآخر بفتح الخاء لم يكن فيه دلالة على التأخر الوجودي، وذلك لأنه أميتت دلالته على هذا المعنى بحسب العرف وصار إنما يدل على الوجهين بالمغايرة فقط تقول: مررت برجل حسن ورجل آخر أي مغاير للأول وليس المراد تأخره في الوجود عن السابق وكذا مررت بامرأة جميلة وامرأة أخرى والمراد في الآية الدلالة على التأخر فلذلك قال تأنيث آخركم كسر الخاء لتصير أخرى دالة على التأخر كما في قالت أولاهم لأخراهم أي المتقدمة للمتأخرة واستعماله في هذا المعنى موجود في كلامهم بل هو الأصل اهـ. (وقال ابن عباس): مما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ({إحدى الحسنيين}) [التوبة: 52] أي (فتحًا أو شهادة) ومحل ذكر هذا في سورة براءة على ما لا يخفى واحتمال وقوع إحدى الحسنيين وهي الشهادة وقعت في أُحُد استبعده في العمدة. 4561 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ {إِذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ} وَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين وجدّه فرّوخ الحراني الجزري سكن مصر قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سمعت البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: جعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أميرًا (على الرجالة) بتشديد الجيم خلاف الفارس وكانوا خمسين رجلًا رماة (يوم أُحُد عبد الله بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة الأنصاري (وأقبلوا) بالواو وفي اليونينية فأقبلوا أي المسلمون حال كونهم (منهزمين) أي بعضهم، وذلك أنهم صاروا ثلاث فرق. فرقة استمروا في الهزيمة إلى قرب المدينة فلم يرجعوا حتى مضى القتال وهم قليل ونزل فيهم: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان} [آل عمران: 155]. وفرقة صاروا حيارى لما سمعوا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قتل فصارت غاية الواحد منهم أن يذبّ عن نفسه أو يستمر على بصيرته في القتال إلى أن يقتل وهم أكثر الصحابة. وفرقة ثبتت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم تراجع القسم الثاني شيئًا فشيئًا لما عرفوا أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حي (فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم) أي في ساقتهم وجماعتهم الأخرى (ولم يبق مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من أصحابه (غير اثني عشر

11 - باب قوله: {أمنة نعاسا}

رجلًا) بسكون الياء، فمن المهاجرين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير وأبو عبيدة وعبد الرحمن بن عوف، ومن الأنصار أسيد بن حضير والحباب بن المنذر والحرث بن الصمة وسعد بن معاذ وأبو دجانة وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح وسهل بن حنيف ذكره الواقدي والبلاذري فهم ستة عشر رجلًا. 11 - باب قَوْلِهِ: {أَمَنَةً نُعَاسًا} (باب) بالتنوين (قوله) تعالى، وسقط لفظ قوله للكشميهني والحموي ({أمنة نعاسًا}) [آل عمران: 154] أي أنزل الله عليكم بسبب ما أصابكم من الغم الأمن حتى أخذ بكم النعاس. 4562 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: غَشِيَنَا النُّعَاسُ وَنَحْنُ فِي مَصَافِّنَا يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ: فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُطُ مِنْ يَدِي وَآخُذُهُ وَيَسْقُطُ وَآخُذُهُ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثن بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن أبو يعقوب) البغدادي الملقب بلؤلؤ ابن عم أحمد بن منيع قال: (حدّثنا حسين بن محمد) بضم الحاء ْوفتح السين المروذي المعلم نزل بغداد قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي النحوي (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: حدّثنا أنس) هو ابن مالك -رضي الله عنه- (أن أبا طلحة) بن سهل الأنصاري (قال: غشينا النعاس ونحن في مصافنا) بفتح الميم وتشديد الفاء جمع مصف أي في موقفنا (يوم أُحُد) أمنة لأهل اليقين فينا فينامون من غير خوف جازمين بأن الله سينصر رسوله وينجز له مأموله. وعند ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود أنه قال: النعاس في القتال من الله وفي الصلاة من الشيطان (قال: فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ويسقط وآخذه) زاد البيهقي من طريق يونس بن محمد عن شيبان قال: والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم همّ إلا أنفسهم أجبن قوم وأرعبه وأخذله للحق يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية كذبة إنما هم أهل شك وريب في الله عز وجل رواه بهذه الزيادة قال ابن كثير: وكأنها من كلام قتادة وإنما لم يغش الطائفة الأخرى لأنهم مستغرقون في هم أنفسهم فلا تنزل عليهم السكينة لأنها وارد روحاني لا يتلوّث بهم. 12 - باب قَوْلِهِ: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} الْقَرْحُ: الْجِرَاحُ. اسْتَجَابُوا: أَجَابُوا يَسْتَجِيبُ: يُجِيبُُ (باب قوله) تعالى: ({الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح}) يوم أُحُد ولموصول مجرور صفة للمؤمنين في قوله تعالى: و ({إن الله لا يضيع أجر المؤمنين}) أو منصوب بأعني أو مبتدأ خبره ({للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم}) [آل عمران: 172] من في قوله منهم للتبيين مثل: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة} [الفتح: 29] لأنه لو حمل على التبعيض لزم أن لا يكون كلهم محسنين. قال في فتوح الغيب: فالكلام فيه تجريد جرد من الذين استجابوا لله والرسول المحسن المتقي، وسبب نزول هذه الآية أن المشركين لما أصابوا ما أصابوا من المسلمين كروا راجعين إلى بلادهم، فلما بلغوا الروحاء ندموا لم لا تمموا على أهل المدينة وجعلوها الفيصلة وهموا بالرجوع، فبلغ ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فندب أصحابه إلى الخروج في طلبهم ليرعبهم ويريهم أن فيهم قوة وجلدًا، وقال: لا يخرجن معنا إلا من حضر الوقعة يوم أُحُد سوى جابر بن عبد الله فإنه أذن له فخرج -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع جماعة حتى بلغوا حمراء الأسد وهي على ثمانية أميال من المدينة وكان بأصحابه القرح فتحاملوا على أنفسهم حتى لا يفوتهم الأجر وألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا فنزلت. وقال البخاري كأبي عبيدة: (القرح) بفتح القاف أي (الجراح) جمع جراحة بالكسر فيهما. (استجابوا) أي (أجابوا) تقول العرب: استجيبك أي أجبتك و (يستجيب) أي (يجيب) وهذا وإن كان في سورة الشورى فأورده هنا استشهادًا لسابقه، ولم يذكر المؤلّف هنا حديثًا ولعله بيّض له، واللائق بالسياق هنا حديث عائشة عند المؤلّف في المغازي الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح إلى آخر الآية. قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر -رضي الله عنهما-، فلما أصاب نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما أصاب يوم أُحُد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا فقال: من يرجع في أثرهم فانتدب منهم سبعون رجلًا فيهم أبو بكر والزبير -رضي الله عنهما-. وأما حديث ابن مردويه عن عائشة قالت: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن كان أبواك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح أبو

13 - باب {إن الناس قد جمعوا لكم} الآية

بكر والزبير -رضي الله عنهما- فرفعه خطأ محض لمخالفته رواية الثقات من وقفه على عائشة كما سبق، ولأن الزبير ليس هو من آباء عائشة، وإنما قالت لعروة بن الزبير ذلك لأنه ابن أختها أسماء بنت أبي بكر. 13 - باب {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} الآيَةَ هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({إن الناس قد جمعوا لكم}) [آل عمران: 173] (الآية). بالنصب بتقدير فعل وسقط لفظ الآية لأبي ذر، وزاد: {فاخشوهم} وزاد أيضًا كما في الفتح: {الذين قال لهم الناس}. 4563 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ أُرَاهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قَالَهَا: إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]. [الحديث 4563 - طرفه في: 4564]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله التميمي اليربوعي الكوفي قال البخاري: (أراه) بضم الهمزة أي أظنه (قال: حدّثنا أبو بكر) هو شعبة بن عياش بالشين المعجمة القاري. فكأن البخاري شك في شيخ شيخه، وقد رواه الحاكم في مستدركه من طريق أحمد بن يونس عن أبي بكر بن عياش بالجزم من غير تردد (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح مصغرًا (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه قال: في قوله تعالى: ({حسبنا الله ونعم الوكيل} قالها إبراهيم) الخليل (عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قالوا) له عليه الصلاة والسلام {إن الناس} أبا سفيان وأصحابه وقال الحافظ أبو ذر كما في هامش اليونينية هو عروة بن مسعود الثقفي {قد جمعوا لكم} يقصدون غزوكم. وكان أبو سفيان نادى عند انصرافه من أُحُد يا محمد موعدنا موسم بدر لقابل إن شئت فقال عليه الصلاة والسلام: إن شاء الله فلما كان القابل خرج في أهل مكة حتى نزل مرّ الظهران فأنزل الله الرعب في قلبه، وبدا له أن يرجع فمرّ به ركب من عبد قيس ويريدون المدينة للميرة فشرط لهم حمل بعير من زبيب إن ثبطوا المسلمين وقيل لقي نعيم بن مسعود وقد قدم معتمرًا فسأله عن ذلك والتزم له عشرًا من الإِبل فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم: إن أتوكم في دياركم فلم يفلت أحد منكم إلا شريد أفترون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم {فاخشوهم} ولا تخرجوا إليهم {فزادهم} أي المقول {إيمانًا} فلم يلتفتوا إليه ولم يضعفوا بل ثبت به يقينهم بالله وأخلصوا النية في الجهاد وفي ذلك دليل على أن الإيمان يزيد وينقص {وقالوا حسبنا الله} عطف على فزادهم والجملة بعد هذا القول نصب به وحسب بمعنى اسم الفاعل أي محسبنا بمعنى كافينا {ونعم الوكيل} ونعم الموكول إليه والمخصوص بالمدح محذوف أي الله. وهذا الحديث أخرجه النسائي في التفسير. 4564 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ {حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}. وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) أبو غسان النهدي الكوفي قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني الكوفي (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح بضم الصاد وفتح الموحدة (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: كان آخر قول إبراهيم) الخليل (حين ألقي في النار {حسبي الله ونعم الوكيل}) فلما أخلص قلبه لله قال الله تعالى: {يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم} [الأنبياء: 62] وفي حديث أبي هريرة عند ابن مردويه مرفوعًا: إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا: {حسبنا الله ونعم الوكيل}. 14 - باب {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} {سَيُطَوَّقُونَ} كَقَوْلِكَ طَوَّقْتُهُ بِطَوْقٍ هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ}) قرئ يحسبن بالياء والتاء وعلى التقديرين المضاف محذوف أي بخل الذين إذا كان الحسبان للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو لكل أحد تقديره بخل الذين يبخلون وإذا كان الفاعل الذين فالتقدير بخلهم هو خيرًا لهم ({بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به}) بيان الشرية أي سيصير عذاب بخلهم لازمًا كالطوق في أعناقهم ({يوم القيامة}) روي أن حيّة تنهشه من فرقه إلى قدمه وتبقر رأسه ({ولله ميراث السماوات والأرض}) ما فيهما مما يتوارث ملك له تعالى فما لهؤلاء لا يبخلون بملكه ولا ينفقونه في سبيله والتعبير بالميراث خطاب بما نعلم ({والله بما تعملون خبير}) [آل عمران: 180] وسقط لغير أبي ذر من قوله: {هو خيرًا لهم} إلى آخره وقال الآية بالنصب. وقال العوفي عن ابن عباس فيما رواه ابن جرير: نزلت في أهل

15 - باب {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا}

الكتاب الذين بخلوا بما في أيديهم من الكتب المنزلة أن يبينوها، وقيل في اليهود الذين سئلوا أن يخبروا بصفة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندهم فبخلوا بذلك وكتموه فيكون البخل بكتمان العلم، والطوق أن يجعل في رقابهم أطواق النار وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا: "من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وحسنه الترمذي وصححه الحاكم. ({سيطوقون}) قال البخاري كأبي عبيدة هو (كقولك طوّقته بطوق) وعند عبد الرزاق وسعيد بن منصور من طريق إبرهيم النخعي بإسناد جيد قال بطوق من النار. 4565 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ- يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ» ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: «{وَلاَ يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 180])» إلى آخِرِ الآيَةِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن منير) بضم الميم وبعد النون المكسورة تحتية ساكنة فراء المروزي أنه (سمع أبا النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هاشم بن القاسم الملقب بقيصر التميمي يقول: (حدّثنا عبد الرحمن هو ابن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من آتاه الله) بمدّ الهمزة أي أعطاه الله (مالًا فلم يؤدّ زكاته مثل له) بضم الميم مبنيًّا للمفعول أي صوّر له (ماله) الذي لم يؤدّ زكاته (شجاعًا) قال في المصابيح نصب على الحال أي حية (أقرع) لا شعر على رأسه لكثرة سمّه وطول عمره (له زبيبتان) بزاي فموحدتين بينهما تحتية ساكنة نقطتان سوداوان فوق عينيه وهو أخبث ما يكون منها (يطوّقه) بفتح الواو المشدّدة أي يجعل طوقًا في عنقه (يوم القيامة يأخذ بلهزمته)، بكسر اللام والزاي بينهما هاء ساكنة ولأبي ذر والأصيلي بلهزمتيه بالتثنية (يعني بشدقيه) بكسر المعجمة أي فمه (يقول) أي الشجاع له (أنا مالك أنا كنزك) يقول له ذلك تهكمًا ويزيده حسرة (ثم تلا) أي قرأ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هذه الآية: {ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله} إلى آخر الآية) سقط لأبي ذر لفظ إلى آخر وقال: الآية. وهذا الحديث سبق في باب إثم مانع الزكاة في كتابه. 15 - باب {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} هذا (باب) بالتنوين في قوله: ({ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}) يعني اليهود ({ومن الذين أشركوا أذى كثيرًا}) [آل عمران: 186] باللسان والفعل من هجاء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والطعن في الدين وإغراء الكفرة على المسلمين أخبره تعالى بذلك عند مقدمة المدينة قبل وقعة بدر مسليًا له عما يناله من الأذى. 4566 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى قَطِيفَةٍ فَدَكِيَّةٍ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَرَاءَهُ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، قَالَ: حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَإِذَا فِي الْمَجْلِسِ أَخْلاَطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ وَالْمُسْلِمِينَ وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ، خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قَالَ: لاَ تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِمْ ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أَيُّهَا الْمَرْءُ إِنَّهُ لاَ أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ إِنْ كَانَ حَقًّا فَلاَ تُؤْذِينَا بِهِ فِي مَجْلِسِنَا ارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ، حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَنُوا ثُمَّ رَكِبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَابَّتَهُ فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ -يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ- قَالَ: كَذَا وَكَذَا» قَالَ: سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ عَنْهُ فَوَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ لَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُونَهُ بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ شَرِقَ بِذَلِكَ فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ ما رَأَيْتَ فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الأَذَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} [آل عمران: 186] الآيَةَ وَقَالَ اللَّهُ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: 109] إِلَى آخِرِ الآيَةِ وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَأَوَّلُ الْعَفْوَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ حَتَّى أَذِنَ اللَّهُ فِيهِمْ، فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَدْرًا فَقَتَلَ اللَّهُ بِهِ صَنَادِيدَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الأَوْثَانِ هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ فَبَايَعُوا الرَّسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الإِسْلاَمِ فَأَسْلَمُوا. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد ولأبي ذر: أخبرنا (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن أسامة بن زيد) اسم جده حارثة الكلبي (-رضي الله عنهما- أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركب على حمار على قطيفة) بفتح القاف وكسر الطاء المهملة كساء غليظ (فدكية) بفاء فدال مهملة مفتوحتين صفتها منسوبة إلى فدك بلد مشهور على مرحلتين من المدينة (وأردف) بالواو في اليونينية وفي الفرع فأردف (أسامة بن زيد وراءه) حال كونه (يعود سعد بن عبادة) بضم العين وتخفيف الموحدة الأنصاري أحد النقباء (في) منازل (بني الحرث بن الخزرج) وهم قوم سعد (قبل وقعة بدر) ولأبي ذر عن الكشميهني وقيعة بكسر القاف بعدها تحتية ساكنة (قال: حتى مر بمجلس فيه عبد الله أُبَيٍّ) بالتنوين (ابن سلول) بألف ورفع ابن صفة لعبد الله لا صفة لأُبي لأن سلول أم عبد الله غير منصرف (وذلك قبل أن يسلم) أي يظهر الإسلام (عبد الله بن أبيّ) ولم يسلم قط (فإذا في المجلس أخلاط) بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة أنواع (من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان) بالجر بدلًا من سابقه (واليهود والمسلمين) بذكر المسلمين أولًا وآخرًا وسقطت الأخيرة من رواية مسلم (وفي المجلس عبد الله بن رواحة) بفتح الراء والواو المخففة والحاء المهملة ابن ثعلبة بن امرئ القيس الخزرجي الأنصاري الشاعر أحد السابقين شهد بدرًا استشهد بمؤتة وكان ثالث الأمراء بها في جمادى الأولى سنة ثمان (فلما غشيت المجلس عجاجة

الدابة) بفتح العين وجيمين خفيفتين أي غبارها وعجاجة رفع فاعل (خمّر) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الميم أي غطى (عبد الله بن أبي أنفه) ولأبي ذر عن الكشميهني وجهه (بردائه ثم قال: لا تغبروا علينا) بالموحدة (فسلم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليهم) ناويًا المسلمين أو قال السلام على من اتبع الهدى (ثم وقف فنزل) عن الدابة (فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فقال): بالفاء في اليونينية وفي الفرع وقال بالواو (عبد الله أبي) بالتنوين (ابن سلول) للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أيها المرء إنه لا) شيء (أحسن مما تقول) بفتح الهمزة وفتح السين والنون أفعل تفضيل وهو اسم لا وخبرها شيء المقدر ولأبي ذر عن الكشميهني لا أحسن ما تقول بضم الهمزة وكسر السين وضم النون وما بميم واحدة (إن كان حقًّا) شرط قدم جزاؤه (فلا تؤذينا به) بالياء قبل النون ولأبي ذر فلا تؤذنا بحذفها على الأصل في الجزم (في مجلسنا) بالإفراد، ولأبي ذر: في مجالسنا بالجمع (ارجع إلى رحلك) أي إلى منزلك (فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبد الله بن رواحة بلى يا رسول الله فاغشنا به) بهمزة وصل وفتح الشين المعجمة (في مجالسنا فإنا نحب ذلك فاستبّ) بالفاء، ولأبي ذر واستبّ (المسلمون والمشركون واليهود) عطف على المشركين وإن كانوا داخلين فيهم تنبيهًا على زيادة شرهم (حتى كادوا يتثاورون) بالمثلثة أي قاربوا أن يثب بعضهم على بعض فيقتتلوا (فلم يزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بخفضهم) بالخاء والضاد المعجمتين يسكنهم (حتى سكنوا) بالنون من السكون، ولأبي ذر عن المستملي، وقال في الفتح عن الكشميهني: حتى سكتوا بالمثناة الفوقية من السكوت (ثم ركب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب) بضم الحاء المهملة وتخفيف الموحدة الأولى (يريد عبد الله بن أُبي قال كذا وكذا. قال سعد بن عبادة: يا رسول الله اعف عنه واصفح عنه فو) الله (الذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الدي أنزل عليك) ولأبي ذر: نزل بإسقاط الهمزة وتشديد الزاي (لقد اصطلح) بدل أو عطف بيان وفي نسخة ولقد اصطلح (أهل هذه البحيرة) بضم الموحدة مصغرًا أي البليدة والمراد المدينة النبوية، ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني البحرة بفتح الموحدة وسكون المهملة (على أن يتوّجوه) بتاج الملك (فيعصبونه بالعصابة) أي فيعممونه بعمامة الملوك. وقال في الكواكب: أي يجعلونه رئيسًا لهم ويسوّدونه عليهم، وكان الرئيس معصبًا لما يعصب برأيه من الأمر، وقيل كان الرؤساء يعصبون رؤوسهم بعصابة يعرفون بها، وفي بعض النسخ يعصبونه بغير فاء فيكون بدلًا من قوله على أن يتوّجوه والنون ثابتة في فيعصبونه ساقطة من يتوّجوه. قال في المصابيح: ففيه الجمع بين أعمال إن وإهمالها في كلام واحد كما في قوله: أن تقرآن على أسماء ويحكما ... مني السلام وأن لا تشعرا أحدا ولأبي ذر وحده: فيعصبوه بالفاء وحذف النون كذا في غير ما نسخة من المقابل على اليونينية المصححة بحضرة إمام النحاة في عصره ابن مالك مع جمع من الحفاظ والأصول المعتمدة. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: ووقع في غير البخاري فيعصبونه أي بالنون والتقدير فهم يعصبونه أو فإذا هم يعصبونه ولعله لم يقف على رواية الأكثرين بالنون. (فلما أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك الله شرق) ولأبي ذر أعطاك شرق بفتح الشين المعجمة وبعد الراء المكسورة قاف أي غص ابن أبي (بذلك) الحق الذي أعطاك الله وسقط لفظ الجلالة بعد أعطاك لدلالة الأولى (فذلك) الحق الذي أتيت به (فعل به ما رأيت) من فعله وقوله القبيح (فعفا عنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب ما أمرهم الله ويصبرون على الأذى. قال الله تعالى: ({ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين

16 - باب {لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا}

أشركوا أذىً كثيرًا} [آل عمران: 186] الآية). هذا حديث آخر أفرده ابن أبي حاتم في تفسيره عن السابق بسند البخاري، وقال في آخره: وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتأوّل في العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم فكل من قام بحق أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر فلا بدّ أن يؤذى فما له دواء إلا الصبر في الله والاستعانة به والرجوع إليه (وقال الله: {ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردّونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم} [البقرة: 109] إلى آخر الآية) زاد أبو نعيم في مستخرجه من وجه آخر ما تظهر به المناسبة وهو قوله: {فاعفوا واصفحوا} [البقرة: 109] (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتأوّل العفو) ولأبي ذر في العفو (ما أمره الله به حتى أذن الله) له (فيهم) بالقتال فترك العفو عنهم أي بالنسبة للقتال وإلا فكم عفا عن كثير من اليهود والمشركين بالمنّ والفداء وغير ذلك. (فلما غزا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدرًا فقتل الله به صناديد كفار قريش) بالصاد المهملة أي ساداتهم (قال ابن أُبي) بالتنوين (ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان) عطفهم على المشركين من عطف الخاص على العام لأن إيمانهم كان أبعد وضلالهم أشدّ (هذا أمر قد توجه) أي ظهر وجهه (فبايعوا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الإسلام فأسلموا) فبايعوا بفتح التحتية بلفظ الماضي والرسول نصب على المفعولية، ولأبي ذر والأصيلي: فبايعوا بكسرها بلفظ الأمر لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولما لم يقف العيني كابن حجر على هذه الرواية قال ويحتمل أن يكون بلفظ الأمر. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في الجهاد مختصرًا وفي اللباس والأدب والطبّ والاستئذان ومسلم في المغازي والنسائي في الطب. 16 - باب {لاَ يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({لاَ يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا}) سقط باب لغير أبي ذر والخطاب للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمفعول الأوّل الذين يفرحون والثاني بمفازة. 4567 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَحَلَفُوا وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَنَزَلَتْ: {لاَ يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران:188]. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير المدني (قال: حدّثني) بالإفراد (زيد بن أسلم) العدوي (عن عطاء بن يسار) بتخفيف السين المهملة (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رجالًا من المنافقين على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الغزو. وتخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم) مصدر ميميّ أي بقعودهم (خلاف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإذا قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من غزوه إلى المدينة (اعتذوا إليه) عن تخلفهم (وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت) آية ({لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا}) بما فعلوا من التدليس ({ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا}) وسقط من قوله: (بما أتوا) إلى آخره في رواية غير أبي ذر وقالوا بعد (يفرحون) الآية. وهذا الحديث أخرجه مسلم في التوبة. 4568 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ لِبَوَّابِهِ: اذْهَبْ يَا رَافِعُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْ: لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحَ بِمَا أُوتِيَ وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَمَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ؟ إِنَّمَا دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَهُودَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ فَأَرَوْهُ أَنْ قَدِ اسْتَحْمَدُوا إِلَيْهِ بِمَا أَخْبَرُوهُ عَنْهُ فِيمَا سَأَلَهُمْ وَفَرِحُوا بِمَا أُوتُوا مِنْ كِتْمَانِهِمْ ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [آل عمران: 187] كَذَلِكَ حَتَّى قَوْلِهِ: {يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا}. تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. 0000 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بِهَذَا. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) أبو إسحاق الرازي الفراء قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم عن ابن أبي مليكة) عبد الله وفي الفرع قال أخبرني بالإفراد ابن أبي مليكة (إن علقمة بن وقاص) الليثي من أجل التابعين بل قيل إن له صحبة (أخبره أن مروان) بن الحكم بن أبي العاص وكان يومئذٍ أميرًا على المدينة من قبل معاوية ثم ولي الخلافة (قال لبوّابه) لما كان عنده أبو سعيد وزيد بن ثابت ورافع بن خديج وقال: يا أبا سعيد أرأيت قول الله تعالى: {لا تحسبن الذين يفرحون} الآية. فقال إن هذا ليس من ذلك إنما ذاك أن ناسًا من المنافقين وفيه فإن كان لهم نصر وفتح حلفوا لهم على سرورهم بذلك ليحمدوهم على فرحهم وسرورهم رواه ابن مردويه فكأن مروان توقف في ذلك وأراد زيادة الاستظهار فقال لبوّابه (اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل) له (لئن كان كل امرئ بما أوتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية أي أعطى (وأحب أن يحمد) بضم أوّله مبنيًا

17 - باب قوله: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب}

للمفعول (بما لم يفعل معذبًا) نصب خبر كان (لنعذبن) بفتح الذال المعجمة المشدّدة (أجمعون) بالواو لأن كلنا يفرح بما أوتي ويحب أن يحمد بما لم يفعل، وفي رواية حجاج بن محمد: أجمعين على الأصل. (فقال ابن عباس) منكرًا عليهم السؤال عن ذلك (وما لكم) ولأبي ذر: ما لكم بإسقاط الواو، ولأبي الوقت: ما لهم بالهاء بدل الكاف (ولهذه) أي وللسؤال عن هذه المسألة (إنما دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يهود) ولأبي ذر يهود بالتنوين (فسألهم عن شيء) قيل عن صفته عندهم بإيضاح (فكتموه إياه وأخبروه) وفي الفرع فأخبروه (بغيره) أي بصفته عليه الصلاة والسلام في الجملة (فأروه) بفتح الهمزة والراء (أن قد استحمدوا إليه) بفتح الفوقية مبنيًا للفاعل أي طلبوا أن يحمدهم قال في الأساس استحمد الله إلى خلقه بإحسانه إليهم وإنعامه عليهم (بما أخبروه عنه) على الإجمال (فبما سألهم وفرحوا بما أوتوا) بضم الهمزة وسكون الواو وضم التاء الفوقية أي أعطوا، ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني: بما أتوا بفتح الهمزة والفوقية من غير واو أي بما جاؤوا به (من كتمانهم) بكسر الكاف للعلم (ثم قرأ ابن عباس) -رضي الله عنهما- ({وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب}) أي العلماء (كذلك حتى قوله {يفرحون بما أوتوا}) بضم الهمزة ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني بما أتوا بلفظ القرآن أي جاؤوا ({ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا}) من الوفاء بالميثاق وإظهار الحق والإخبار بالصدق. (تابعه) أي تابع هشام بن يوسف (عبد الرزاق) على روايته إياه (عن ابن جريج) عبد الملك فيما وصله الإسماعيلي قال: (حدّثنا ابن مقاتل) محمد المروزي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (الحجاج) بن محمد المصيصي الأعور (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (ابن أبي مليكة) عبد الله (عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه أخبره أن مروان) بن الحكم (بهذا) الحديث ولم يورد متنه ولفظ مسلم أن مروان قال لبوّابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل له، فذكر نحو حديث هشام عن ابن جريج السابق. 17 - باب قَوْلِهِ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيلِ والنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُِولِي الأَلْبَابِ} (باب قوله) تعالى: ({إن في خلق السماوات}) من الارتفاع والاتساع وما فيها من الكواكب السيارات والثوابت وغيرها ({والأرض}) من الانخفاض والكثافة والاتضاع وما فيها من البحار والجبال والقفار والأشجار والنبات والحيوان والمعادن وغيرها ({واختلاف الليل والنهار}) في الطول والقصر وتعاقبهما (الآيات) لدلالات واضحات على وجود الصانع ووحدته وكمال قدرته، واقتصر على هذه الثلاثة في هذه الآية لأن الاستدلال هو التغير وهذه معرّضة لجملة أنواعه فإنه إنما يكون في ذات الشيء كتغير الليل والنهار أو جزئه كتغير العناصر بتبدل صورتها أو الخارج عنه كتغير الأفلاك بتبدل أوضاعها قاله في الأنوار. وقال في المفاتح ما حاصله: إن السالك إلى الله لا بد له في أوّل الأمر من تكثير الدلائل وبعد كمال العرفان يميل إلى تقليل الدلائل ومن اشتغاله بها كالحجاب له عن استغراق القلب في معرفة الله تعالى، ثم إنه سبحانه حذف هنا الدلائل الأرضية واستبقى الدلائل السماوية لأنها أقهر وأبهر والعجائب فيها أكثر وانتقال القلب منها إلى عظمة الله وكبريائه أشدّ ({لأولي الألباب}) [آل عمران: 190] لذوي العقول الصافية الذين يفتحون بصائرهم للنظر والاستدلال والاعتبار لا ينظرون إليها نظر البهائم غافلين عما فيها من عجائب مخلوقاته وغرائب مبتدعاته وسقط لغير أبي ذر قوله واختلاف الليل والنهار إلى آخره وقالوا الآية بعد قوله والأرض. 4569 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَقَدَ فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: " {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} " ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ فَصَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ أَذَّنَ بِلاَلٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن جعفر) هو ابن أبي كثير (قال: أخبرني) بالإفراد (شريك بن عبد الله بن أبي نمر) بفتح النون وكسر الميم (عن كريب) بضم الكاف وفتح الراء (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: بت عند خالتي ميمونة) ولأبي ذر بت في بيت ميمونة (فتحدّث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أهله ساعة ثم رقد فلما كان ثلث الليل الآخر) رفع صفة للثلث

18 - باب {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض}

وفي كتاب الوتر من طريق مخرمة بن سليمان عن كريب فنام حتى انتصف الليل أو قريبًا منه فلعله قام مرتين (قعد فنظر إلى السماء فقال {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب}) العشر الآيات إلى آخرها (ثم قام) عليه الصلاة والسلام (فتوضأ) زاد في الوتر فأحسن الوضوء (واستنّ) أي استاك (فصلى إحدى عشرة ركعة) وهي أكثر الوتر عند الشافعية كما مرّ في موضعه بمباحثه (ثم أذن بلال) للصبح (فصلّى) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ركعتين) سنة الصبح في بيته (ثم خرج) إلى المسجد (فصلّى الصبح) زاد في نسخة بالناس. 18 - باب {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({الذين يذكرون الله}) في موضع جر نعت لأولي أو خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين يذكرون الله حال كونهم ({قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم}) أي يداومون على الذكر بألسنتهم وقلوبهم لأن الشخص لا يخلو عن هذه الأحوال، وقيل: يصلون على الهيئات الثلاث حسب طاقتهم لحديث عمران بن حصين المروي في البخاري والترمذي وغيرهما: صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب. قال في الأنوار وهو حجة للشافعي -رضي الله عنه- في أن المريض يصلّي مضطجعًا على جنبه الأيمن مستقبلًا بمقاديم بدنه، وقيل الأوّلان في الصلاة والثالثة عند النوم، وقيل إنه القيام بأوامره، والقعود عن زواجره، والاجتناب عن مخالفته ({ويتفكّرون في خلق السماوات والأرض}) [آل عمران: 191] الفكر هو أعمال الخاطر في الشيء وتردّد القلب فيه وهو قوّة مطرقة للعلم إلى المعلوم والتفكّر جريان تلك القوة بحسب نظر العقل ولا يمكن التفكّر إلا فيما له صورة في القلب ولذا قيل تفكّروا في آلاء الله ولا تتفكّروا في الله إذ كان الله منزها عن أن يوصف بصورة ولذا أخبر تعالى عن هؤلاء بأنهم تفكّروا في خلق السماوات والأرض وما أبدع فيهما من عجائب المصنوعات وغرائب المبدعات ليدلهم ذلك على كمال قدرته ودلائل التوحيد منحصرة في الآفاق والأنفس ودلائل الآفاق أعظم قال الله تعالى: {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس} [غافر: 57] فلذا أمر بالفكر في خلق السماوات والأرض لأن دلائلهما أعظم فإنه إذا فكر الإنسان في أصغر ورقة من الشجر رأى عرفًا واحدًا ممتدًّا في وسطها تتشعب منه عروق كثيرة إلى الجانبين ثم يتشعب من كل عرق عروق دقيقة ولا يزال كذلك حتى لا يراه الحس فيعلم أن الخالق خلق فيها قوى جاذبة لغذائها من قعر الأرض يتوزع في كل جزء من أجزائها بتقدير العزيز العليم، فإذا تأمل ذلك علم عجزه عن الوقوف على كيفية خلقها وما فيها من العجائب فالفكرة تذهب الغفلة وتحدث للقلب الخشية كما يحدث الماء للزرع النماء وما جليت القلوب بمثل الأحزان ولا استنارت بمثل الفكرة. وقال بعضهم قوله: ({ويتفكّرون في خلق السماوات والأرض}) هو من جعل الجرم محلاًّ لتعلق المعنى جعل الأجرام محلًا لتعلق الفكر لا لنفس الفكر لأن الفكر قائم بالمتفكر ومنه أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض جعل السماوات والأرض والمخلوقات كلها محلًا لتعلق النظر لا لنفس النظر فإن النظر قائم بالناظر حال فيه ومنه {أولم يتفكّروا في أنفسهم} [الروم: 8] أي في خلق أنفسهم وهذا كله من مجاز التشبيه وسقط لأبي ذر لفظ باب وقوله ويتفكرون الخ وقال: بعد جنوبهم الآية. 4570 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقُلْتُ لأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطُرِحَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وِسَادَةٌ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طُولِهَا فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَرَأَ الآيَاتِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ حَتَّى خَتَمَ ثُمَّ أَتَى شَنًّا مُعَلَّقًا فَأَخَذَهُ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِي فَجَعَلَ يَفْتِلُهَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي) بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الدال وتشديد التحتية ابن حسان العنبري مولاهم أبو سعيد البصري (عن مالك بن أنس) الإمام الأعظم (عن مخرمة بن سليمان) الأسدي الوالبي بكسر اللام والموحدة المدني (عن كريب) مولى ابن عباس (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) أنه (قال: بت عند خالتي ميمونة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- (فقلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فطرحت) بضم الطاء وكسر الراء مبنيًا للمفعول (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ

19 - باب {ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار} [آل عمران: 192]

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسادة) رفع مفعول نائب عن الفاعل (فنام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في طولها) أي وابن عباس في عرضها. قال ابن عبد البر: فكان ابن عباس مضطجعًا عند رجل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو عند رأسه (فجعل يمسح النوم) فيه حذف ذكره في الرواية الأخرى من الوتر فنام حتى انتصف الليل أو قريبًا منه فاستيقظ يمسح النوم أي أثره (عن وجهه ثم قرأ) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فقرأ (الآيات العشر الأواخر من) سورة (آل عمران) التي أولها {إن في خلق السماوات والأرض}. (حتى ختم) العشر (ثم أُتي شنّا) بفتح الشين المعجمة وتشديد النون قربة عتقت من الاستعمال ولأبي ذر عن الكشميهني سقاء (معلقًا فأخذه فتوضأ) منه لتجديد الطهارة لا للنوم (ثم قام يصلي). قال ابن عباس: (فقمت فصنعت مثل ما صنع) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الوضوء وغيره (ثم جئت فقمت إلى جنبه فوضع يده) زاد في باب الوتر كالرواية الآتية اليمنى (على رأسي ثم أخذ بأذني فجعل يفتلها) بكسر المثناة الفوقية أي يدلكها لينتبه (ثم صلّى ركعتين ثم صلّى ركعتين ثم صلّى ركعتين ثم صلّى ركعتين ثم صلّى ركعتين ثم صلّى ركعتين) ست مرات باثنتي عشرة ركعة (ثم أوتر) بواحد فهي ثلاثة عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين. 19 - باب {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [آل عمران: 192] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ربنا}) يعني يتفكّرون في خلق السماوات والأرض حال كونهم قائلين ربنا ({إنك من تدخل النار فقد أخزيته}) أي أهنته وأذللته أو أهلكته أو فضحته وأبلغت في أخزائه والخزى ضرب من الاستخفاف أو انكسار يلحق الإنسان وهو الحياء المفرط، وقد تسمك المعتزلة بهذا على أن صاحب الكبيرة غير مؤمن لأنه إذا دخل النار فقد أخزاه الله والمؤمن لا يخزى لقوله تعالى: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} [التحريم: 8] فوجب أن من يدخل النار لا يكون مؤمنًا. وأجيب: بأن الخزي فسر بوجوه من المعاني فلم لا يجوز أن يراد في كل صورة معنى مثلًا في قوله تعالى: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا} أي لا يهلكهم، وفي الأوّل يريد الإهانة. والحاصل أن لفظ الإخزاء مشترك بين الإهلاك والتخجيل واللفظ المشترك لا يمكن حمله في طريق النفي والإثبات على معنييه جميعًا وحينئذٍ يسقط الاستدلال به. ({وما للظالمين من أنصار}) [آل عمران: 192] ينصرونهم يوم القيامة ووضع المظهر موضع المضمر للدلالة على أن ظلمهم سبب لإدخالهم النار وانقطاع النصرة عنهم في الخلاص منها، وقول الزمخشري أنه إعلام بأن من يدخل النار فلانًا بشفاعة ولا غيرها بناء على مذهب المعتزلة في نفي الشفاعة أجاب عنه القاضي بأنه لا يلزم من نفي النصرة نفي الشفاعة لأن النصرة دفع بقهر، وسقط لأبي ذر قوله: {وما للظالمين من أنصار}. 4571 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْيَ خَالَتُهُ قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي بِيَدِهِ الْيُمْنَي يَفْتِلُهَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا معن بن عيسى) بفتح الميم وسكون العين المهملة ابن يحيى القزاز المدني قال: (حدّثنا مالك) إمام دار الهجرة ولأبي ذر عن مالك (عن مخرمة بن سليمان) الوالبي (عن كريب مولى عبد الله بن عباس أن عبد الله بن عباس) ولأبي ذر مولى ابن عباس أن ابن عباس (أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي خالته) أخت أمه لبابة (قال: فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأهله في طولها فنام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ثم استيقظ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجعل يمسح النوم) أي أثره (عن وجهه بيديه) بالتثنية (ثم قرأ العشر الآيات الخواتم) جمع خاتمة (من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة) أنث باعتبار القربة (فتوضأ منها) تجديدًا للوضوء لا أن وضوءه بطل بالنوم أو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحس بحدوث الحدث فتوضأ له كما أنه أحس ببقاء الطهارة حيث استيقظ وصلّى ولم يتوضأ كما روي (فأحسن وضوءه) بأن أتى به تامًّا بمندوباته ولا ينافي التخفيف (ثم قام يصلّي) قال ابن عباس: (فصنعت مثل ما صنع) أجمع أو غالبه (ثم ذهبت فقمت إلى جنبه فوضع رسول الله -صَلَّى

20 - باب {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادى للإيمان} الآية

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني اليمنى) ولغير أبي ذر والأصيلي: وأخذ بأذني بيده اليمنى قال في الفتح: وهو وهم والصواب الأولى (يفتلها) يدلكها أي لينتبه من بقية نومه، ويستحضر أفعال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والجملة حالية من الأحوال المقدرة، وفيه أن الفعل القليل غير مبطل للصلاة (فصلّى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين) ست مرات (ثم أوتر) فتتامت صلاته ثلاث عشرة ركعة (ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن) بلال (فقام فصلّى ركعتين خفيفتين) سنة الصبح (ثم خرج) إلى المسجد (فصلّى الصبح) بالناس. وهذه طريق أخرى لحديث ابن عباس وليس فيها إلا تغيير شيخ شيخ البخاري والسياق هنا أتم. 20 - باب {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى لِلإِيمَانِ} الآيَةَ هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: {{ربنا إننا سمعنا مناديًا}) هو محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الله تعالى: {وداعيًا إلى الله} [الأحزاب: 46] وقيل: القرآن لقوله تعالى: {يهدي إلى الرشد} [الجن: 2] فكأنه يدعو إلى نفسه وسمع إن دخلت على ما يصح أن يسمع نحو سمعت كلامك وقراءتك تعدت لواحد وإن دخلت على ما لا يصح سماعه بأن كان ذاتًا فلا يصح الاقتصار عليه وحده بل لا بد من الدلالة على شيء يسمع نحو سمعت رجلًا يقول كذا، وللنحاة في هذه المسألة قولان. أحدهما: أن تتعدى فيه أيضًا إلى مفعول واحد والجملة الواقعة بعد المنصوب صفة إن كان قبلها نكرة وحال إن كان معرفة. والثاني: قول الفارسي وجماعة تتعدى لاثنين الجملة في محل الثاني منهما، فعلى قول الجمهور يكون منادى في على نصب لأنه صفة لمنصوب قبله وعلى قول الفارسي يكون في محل نصب مفعول ثان. وقال الزمخشري تقول: سمعت رجلًا يقول كذا وسمعت زيدًا يتكلم فتوقع الفعل على الرجل وتحذف المسموع لأنك وصفته بما يسمع أو جعلته حالًا منه فأغناك عن ذكره، ولولا الوصف أو الحال لم يكن منه بد وأن يقال سمعت كلام فلان أو قوله وذكر المنادى مع قوله ({ينادي}) تفخيم لشأن المنادى ولأنه إذا أطلق ذهب الوهم إلى مناد للحرب أو لإغاثة المكروب وغيرهما واللام في ({للإيمان}) بمعنى إلى أو بمعنى الباء ومفعول ينادي محذوف أي الناس ويجوز أن لا يزاد مفعول نحو أمات وأحيا (الآية) [آل عمران: 193] نصب بفعل مقدر مناسب. 4572 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْيَ خَالَتُهُ قَالَ: فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ فَصَنَعْتُ مِثْلَ مَا صَنَعَ ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الصُّبْحَ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني بفتح الموحدة وسكون المعجمة وسقط لأبي ذر ابن سعيد (عن مالك) الإمام (عن مخرمة بن سليمان) الوالبي (عن كريب مولى ابن عباس أن ابن عباس -رضي الله عنهما- أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي خالته قال: فاضطجعت في عرض الوسادة واضطجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأهله في طولها فنام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ) ولأبي ذر ثم استيقظ (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجعل) ولأبي ذر عن الكشميهني فجلس (يمسح النوم) أي أثره (عن وجهه بيده) بالإفراد (ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران) زاد في بعض طرق الصحيح وهو عند ابن مردويه ولفظ مسلم وكان في دعائه يقول "اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي بصري نورًا وفي سمعي نورًا وعن يميني نورًا وعن يساري نورًا وفوقي نورًا وأمامي وخلفي نورًا واجعل لي نورًا". قال كريب وسبع في التابوت: فلقيت بعض ولد العباس فحدثني بهن فذكر عصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري، وزاد في أخرى وفي لساني نورًا وفي أخرى واجعلني نورًا وفي أخرى واجعل في نفسي نورًا وكان باعثه على هذا وعلى الصلاة قوله: {إن في خلق السماوات والأرض} إلى قوله: {فقنا عذاب النار} [آل عمران: 191] لأن الفاء الفصيحة تقتضي مقدرًا يرتبط معها تقديره {ربنا ما خلقت هذا باطلًا} [آل عمران: 191] بل خلقته للدلالة على معرفتك ومن عرفك يجب عليه أداء طاعتك واجتناب معصيتك ليفوز بدخول جنتك ويتوقى به من عذاب نارك ونحن قد عرفناك وأدّينا طاعتك واجتنبنا معصيتك فقنًا عذاب النار برحمتك، وتحريره أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما تفكّر في عجائب الملك والملكوت وعرج

[4] سورة النساء

إلى عالم الجبروت حتى انتهى إلى سرادقات الجلال فتح لسانه بالذكر ثم اتبع بدنه وروحه بالتأهب والوقوف في مقام التناجي والدعاء ومعنى طلب النور للأعضاء عضوًا عضوًا أن يتجلى بأنوار المعرفة والطاعة ويتعرى عن ظلمة الجهالة والمعصية لأن الإنسان ذو سهو وطغيان أي أنه قد أحاطت به ظلمات الجبلة معتورة عليه من فرقه إلى قدمه والأدخنة الثائرة من نيران الشهوات من جوانبه، ورأى الشيطان يأتيه من الجهات الست بوساوسه وشبهاته ظلمات بعضها فوق بعض فلم ير للتخلص منها مساغًا إلا بأنوار سادة لتلك الجهات فسأل الله أن يمده بها ليستأصل شأفة تلك الظلمات إرشادًا للأمة وتعليمًا لهم قاله في شرح المشكاة. (ثم قام) عليه الصلاة والسلام (إلى شن معلقة) وفي رواية لمسلم ثم عدل إلى شجب من ماء وهو السقاء الذي اخلق (فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلّي. قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع ثم ذهبت فقمت إلى جنبه) وفي رواية: فقمت عن يساره فأخذني فجعلني عن يمينه (فوضع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده اليمنى على رأسي وأخذ بأذني يفتلها فصلّى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين) فهي اثنتا عشرة ركعة (ثم أوتر) بواحدة (ثمَّ اضطجع) زاد في مسلم فنام حتى نفخ وكان إذا نام نفخ (حتى جاءه المؤذن فقام فصلّى ركعتين خفيفتين) سنة الفجر من غير أن يتوضأ (ثم خرج فصلّى) بأصحابه (الصبح). [4] سورة النِّسَاءِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَسْتَنْكِفُ: يَسْتَكْبِرُ، قِوَامًا: قِوَامُكُمْ مِنْ مَعَايِشِكُمْ لَهُنَّ سَبِيلًا يَعْنِي الرَّجْمَ لِلثَّيِّبِ، وَالْجَلْدَ لِلْبِكْرِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَثْنَى وَثُلاَثَ يَعْنِي اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثًا وَأَرْبَعًا وَلاَ تُجَاوِزُ الْعَرَبُ رُبَاعَ. [4] سورة النِّسَاءِ مدنية. زاد أبو ذر: بسم الله الرحمن الرحيم والمستملي والكشميهني. (قال ابن عباس): فيما وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح من طريق ابن جريج عن عطاء عنه (يستنكف) يريد تفسير قوله تعالى: {ومن يستنكف عن عبادته} [النساء: 172] معناه (يستكبر) فالعطف للتفسير أي يأنف. وقال ابن عباس أيضًا فيما وصله ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طلحة عنه (قوامًا قوامكم من معايشكم) بكسر القاف وبعدها واو والتلاوة بالياء التحتية إذ مراده {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا} [النساء: 5] قيل لم يقصد المؤلّف بها التلاوة بل حذف الكلمة القرآنية وأشار إلى تفسيرها، وقد قال أبو عبيدة قيامًا وقوامًا بمنزلة واحدة تقول هذا قوام أمرك وقيامه أي ما يقوم به أمرك، والأصل بالواو فأبدلوها بكسرة القاف ونقل أنها بالواو وقراءة ابن عمر -رضي الله عنهما- وقوله: {أو يجعل الله} ({لهن سبيلا}) (يعني الرجم للثيب والجلد للبكر) قاله ابن عباس فيما وصله عبد بن حميد بإسناد صحيح وكان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا زنت وثبت زناها حبست في بيت حتى تموت. (وقال غيره): أي غير ابن عباس -رضي الله عنهما- وسقط قوله وقال غيره لأبي ذر وسقطت الجملة كلها من قوله قال ابن عباس إلى هنا من رواية الحموي ({مثنى وثلاث ورباع}) [النساء: 3] قال أبو عبيدة: (يعني اثنتين وثلاثًا وأربعًا ولا تجاوز العرب رباع) اختلف في هذه الألفاظ هل يجوز فيها القياس أو يقتصر فيها على السماع، فذهب البصريون إلى الثاني والكوفيون إلى الأول، والمسموع من ذلك أحد عشر لفظًا أحاد وموحد وثناء ومثنى وثلاث ومثلث ورباع ومربع ومخمس وعشار ومعشر، لكن قال ابن الحاجب: هل يقال خماس ومخمس إلى عشار ومعشر؟ فيه خلاف. والأصح أنه لم يثبت وهذا هو الذي اختاره المؤلّف، وجمهور النحاة على منع صرفها، وأجاز الفراء صرفها وإن كان المنع عنده أولى، ومنع الصرف للعدل والوصف لأنها معدولة عن صيغة إلى صيغة وذلك أنها معدولة عن عدد مكرر فإذا قلت: جاء القوم أحاد أو موحد أو ثلاث أو مثلث كان بمنزلة قولك جاؤوا واحدًا واحدًا وثلاثة ثلاثة، ولا يراد بالمعدول عنه التوكيد إنما يراد به تكرير العدد كقوله: علمته الحساب بابًا بابًا أو للعدل والتعريف أو لعدلها عن عدد مكرر وعدلها

1 - باب {وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى}

عن التأنيث أو لتكرار العدل أقوال وقول البخاري يعني اثنتين وثلاثًا وأربعًا ليس معناه ذلك بل معناه المكرر نحو اثنتين اثنتين وإنما تركه اعتمادًا على الشهرة أو أنه عنده ليس بمعنى التكرار. 1 - باب {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وإن خفتم ألاّ تقسطوا}) أن لا تعدلوا من أقسط ولا نافية أي وإن حذرتم عدم الأقساط أي العدل ({في اليتامى}) [النساء: 3] وقرئ تقسطوا بفتح التاء من قسط وهو بمعنى جار على المشهور في أن الرباعي بمعنى عدل والثلاثي بمعنى جار وكأن الهمزة فيه للسلب فمعنى أقسط أزال القسط وهو الجور ولا على هذا زائدة ليس إلا وإلا يفسد المعنى كهي في لئلا يعلم وحكى الزجاج أن قسط الثلاثي يستعمل استعمال الرباعي وعلى هذا فتكون لا غير زائدة كهي في الأولى وجواب الشرط في وإن خفتم فانكحوا أو فواحدة وثبت الباب وتاليه لأبي ذر. 4573 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ يَتِيمَةٌ فَنَكَحَهَا وَكَانَ لَهَا عَذْقٌ وَكَانَ يُمْسِكُهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ فَنَزَلَتْ فِيهِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} أَحْسِبُهُ قَالَ: كَانَتْ شَرِيكَتَهُ فِي ذَلِكَ الْعَذْقِ وَفِي مَالِهِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (هشام بن عروة عن أبيه) عن عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رجلًا كانت له) أي عنده (يتيمة) مات أبوها (فنكحها) أي تزوجها (وكان لها عذق) بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة آخره قاف أي نخلة (وكان) الرجل (يمسكها) أي اليتيمة (عليه) أي لأجله فعلى هنا تعليلية ولأبي ذر عن الكشميهني فيمسكها عليه (ولم يكن لها) لليتيمة (من نفسه شيء فنزلت فيه {وإن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى}) قال هشام بن يوسف (أحسبه) أي عروة (قال: كانت) أي اليتيمة (شريكته) أي الرجل (في ذلك العذق وفي ماله). وقوله: إن رجلًا كانت له يتيمة يوهم أنها نزلت في شخص معين والمعروف عن هشام بن عروة التعميم، ووقع عند الإسماعيلي كذلك ولفظه أنزلت في الرجل تكون عنده اليتيمة وكذا في الرواية اللاحقة من طريق ابن شهاب عن عروة، وقضية العذق في التي يرغب عن نكاحها وأما التي يرغب في نكاحها فهي التي يعجبه مالها وجمالها فلا يزوّجها لغيره ويريد أن يتزوجها بدون صداق مثلها. 4574 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: 3] فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا تَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ وَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا، فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ فَنُهُوا عَنْ أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ وَيَبْلُغُوا لَهُنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ فِي الصَّدَاقِ فَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ، قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَإِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} قَالَتْ عَائِشَةُ: وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127] رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ قَالَتْ: فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا عَنْ مَنْ رَغِبُوا فِي مَالِهِ وَجَمَالِهِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ، إِلاَّ بِالْقِسْطِ مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ إِذَا كُنَّ قَلِيلاَتِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير أنه سأل عائشة) رضي الله تعالى عنها (عن) معنى (قول الله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} فقالت) عائشة له: (يا ابن أختي) أسماء ولأبي الوقت يا ابن أخي (هذه اليتيمة) التي مات أبوها (تكون في حجر وليها) القائم بأمورها (تشركه) بفتح التاء والراء وفي نسخة تشركه بضم ثم كسر (في ماله ويعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط) أن يعدل (في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره) هو معطوف على معمول بغير يعني يريد أن يتزوّجها بغير أن يعطيها مثل ما يعطيها غيره أي ممن يرغب في نكاحها ويدل على ذلك قوله: (فنهوا) بضم النون والهاء (عن أن ينكحوهن) ولأبي ذر عن ذلك أي عن ترك الأقساط (إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا لهن) باللام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بهن (أعلى سنتهن) أي طريقتهن (في الصداق) وعادتهن في ذلك (فأمروا) بالفاء (أن ينكحوا ما طاب) ما حل (لهم من النساء سواهن) أي سوى اليتامى من النساء، وقد تقرر أن ما لا تستعمل في ذوي العقول واستعملها هنا لهن ذهابًا إلى الصفة كأنه قيل النوع الطيب من النساء أي الحلال أو المشتهى والثاني أرجح لاقتضاء المقام ولأن الأمر بالنكاح لا يكون إلا في الحلال فوجب الحمل على شيء آخر أو إجراء لهن مجرى غير العقلاء لنقصان عقلهن كقوله: {أو ما ملكت أيمانهن} [النور: 31]. (قال عروة) بن الزبير بالسند السابق: (قالت عائشة: إن الناس استفتوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) طلبوا منه الفتيا في أمر النساء (بعد) نزول (هذه الآية)

2 - باب {ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا} وبدارا: مبادرة. أعتدنا: أعددنا أفعلنا من العتاد

وهي وإن خفتم إلى ورباع (فأنزل الله) تعالى ({ويستفتونك في النساء}) [النساء: 127] الآية (قالت عائشة: وقول الله تعالى في آية أخرى: ({وترغبون أن تنكحوهن}) [النساء: 127] كذا في رواية صالح وليس ذلك في آية أخرى بل هو في نفس الآية. وعند مسلم والنسائي واللفظ له من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه بهذا الإسناد في هذا الموضع فأنزل الله تعالى: {ويستفتونك في النساء} قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن ({وترغبون أن تنكحوهن}) فذكر الله أنه يتلى عليكم في الكتاب الآية الأولى وهي قوله: {وإن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء: 3] قالت عائشة: وقول الله في الآية الأخرى: {وترغبون أن تنكحوهن} قال في الفتح فظهر أنه سقط من رواية البخاري شيء (رغبة أحدكم عن يتيمته) بأن لم يردها (حين تكون) أي اليتيمة (قليلة المال والجمال قالت) عائشة (فنهوا أن ينكحوا عمن رغبوا في ماله وجماله) بفتح التحتية وللأصيلي بضمها وإسقاط عن (في يتامى النساء إلا بالقسط) بالعدل (من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال) فينبغي أن يكون نكاح الغنية الجميلة ونكاح الفقيرة الذميمة على السواء في العدل. وسبق هذا الحديث في الشركة في باب شركة اليتيم. 2 - باب {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا} وَبِدَارًا: مُبَادَرَةً. أَعْتَدْنَا: أَعْدَدْنَا أَفْعَلْنَا مِنَ الْعَتَادِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله تعالى: ({ومن كان فقيرًا فليأكل}) من مال اليتامى ({بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم}) بعد بلوغهم وإيناس رشدهم ({فأشهدوا عليهم}) ندبًا بأنهم قبضوها لئلا يقدموا على الدعوى الكاذبة ولأنه أنفى للتهمة ({وكفى بالله}) حال كونه ({حسيبًا}) [النساء: 6] أي محاسبًا فلا تخالفوا ما أمرتم ولا تتجاوزوا ما حدّ لكم وسقط لفظ الآية لأبي ذر ولغيره {وكفى بالله حسيبًا} وقالوا بعد: {فأشهدوا عليهم} الآية {وبدارًا} ولأبي ذر: بدارًا يريد {ولا تأكلوها إسرافًا وبدارًا} أي (مبادرة) قبل بلوغهم من غير حاجة. ({أعتدنا}) يريد {أعتدنا لهم عذابًا} [النساء: 18] قال أبو عبيدة: أي (أعددنا أفعلنا) ولأبي ذر عن الكشميهني اعتددنا افتعلنا (من العتاد) بفتح العين. 4575 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَالِ الْيَتِيمِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهُ مَكَانَ قِيَامِهِ عَلَيْهِ بِمَعْرُوفٍ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق) هو ابن منصور كما جزم به المزي كخلف وقيل هو ابن راهويه قال: (أخبرنا عبد الله بن نمير) بضم النون وفتح الميم قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله تعالى عنها في قوله تعالى: {ومن كان}) من الأولياء ({غنيًّا}) عن مال اليتيم ({فليستعفف}) عنه ولا يأكل منه شيئًا ({ومن كان}) منهم ({فقيرًا فليأكل بالمعروف}) [النساء: 6] أنها نزلت في (مال اليتيم) ولأبي ذر عن الكشميهني: في والي اليتيم (إذا كان فقيرًا أنه يأكل منه مكان قيامه عليه بمعروف) بقدر حاجته بحيث لا يتجاوز أجرة المثل ولا يردّ إذا أيسر على الصحيح عند الشافعية؛ وقيل يأخذ بالفرض لما روي عن ابن عباس وغيره نظيره، وعن ابن عباس يأكل من ماله بالمعروف حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم، وقيل لا يأكل وإن كان فقيرًا لقوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا} [النساء: 10]. وأجيب: بأنه عام والخاص مقدم عليه لا سيما وفي قيد الظلم إشعار به، ولفظ الاستعفاف والأكل بالمعروف مشعر أيضًا به، وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلًا سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: ليس لي مال وليس يتيم فقال: "كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر ولا متأثل مالًا" رواه أحمد وغيره وقوله غير متأثل أي غير جامع يقال مال مؤثل أي مجموع ذو أصل وأثلة الشيء أصله. 3 - باب (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله تعالى: ({وإذا حضر القسمة}) للتركات ({أولو القربى واليتامى والمساكين}) ممن لا يرث ({فارزقوهم منه}) [النساء: 8] من متروك الوالدين والأقربين تطييبًا لقلوبهم وتصدقًا عليهم، وقيل يعود الضمير إلى الميراث، وفي أكثر النسخ وهو في الفرع كأصله والمساكين الآية، وحذف فارزقوهم منه وهو أمر ندب للبلغ من الورثة، وقيل أمر وجوب وكان في ابتداء الإسلام، ثم اختلف في نسخه فقيل بآية المواريث

4 - باب {يوصيكم الله في أولادكم}

فألحق الله لكل ذي حق حقه وصارت الوصية من ماله يوصي بها لذوي قرابته حيث يشاء. وهذا مذهب جمهور الفقهاء الأئمة الأربعة وأصحابهم وعن ابن عباس أن الآية محكمة غير منسوخة. 4576 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ الأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ} قَالَ: هِيَ مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ. تَابَعَهُ سَعِيدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن حميد) بضم الحاء مصغرًا القرشي الكوفي الطريثيثي بضم الطاء المهملة وراء ومثلثتين مصغرًا صهر عبيد الله بن موسى يلقب بدار أم سلمة لجمعه حديثها وتتبعه له وفي كامل ابن عدي أنه كان له اتصال بأم سلمة زوج السفاح الخليفة فلقب بذلك، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث قال: (أخبرنا عبيد الله) بن عبد الرحمن (الأشجعي) الكوفي (عن سفيان) الثوري (عن الشيباني) بفتح الشين المعجمة أبي إسحاق سليمان بن أبي سليمان فيروز الكوفي (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) في قوله تعالى: ({وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين}) قال: (هي محكمة وليست منسوخة) تفسير للمحكمة (تابعه) أي تابع عكرمة (سعيد) هو ابن جبير (عن ابن عباس) مما وصله في الوصايا بلفظ: إن ناسًا يزعمون أن هذه الآية نسخت ولا والله ما نسخت ولكنها مما تهاون الناس بها هما واليان وال يرث وذلك الذي يرزق ووال لا يرث وذلك الذي يقال له بالمعروف يقول لا أملك لك أن أعطيك، وجاء عن ابن عباس روايات أُخر ضعيفة عند ابن أبي حاتم وابن مردويه أنها منسوخة. 4 - باب {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ} هذا (باب) بالتنوين كذا لأبي ذر وله عن المستملي باب قوله بالإضافة ({يوصيكم الله}) يأمركم ويفرض لكم ({في}) شأن ميراث ({أولادكم}) [النساء: 11] العدل فإن أهل الجاهلية كانوا يجعلون جميع الميراث للذكور دون الإناث، فأمر الله تعالى بالتسوية بينهم في أصل الميراث وفاوت بين المصنفين فجعل {للذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء: 11] وذلك لاحتياج الرجل إلى مؤونة النفقة والكلفة واستنبط بعضهم من الآية أن الله تعالى أرحم بخلقه من الوالد بولده حيث وصى الوالدين بأولادهم، وثبت في أولادكم لأبي ذر. 4577 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ مُنْكَدِرٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: عَادَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ فِي بَنِي سَلِمَةَ مَاشِيَيْنِ فَوَجَدَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ أَعْقِلُ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ ثُمَّ رَشَّ عَلَيَّ فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ: مَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي مَالِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَنَزَلَتْ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ}. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) التميمي الفراء الرازي الصغير قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (أن ابن جريج) عبد الملك (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (ابن منكدر) محمد ولأبي ذر: ابن المنكدر بالتعريف (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (رضي الله تعالى عنه) وعن أبيه أنه (قال: عادني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر) الصديق رضي الله تعالى عنه من مرض (في بني سلمة) بكسر اللام قوم جابر بطن من الخزرج حال كونهما (ماشيين فوجدني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا أعقل) أي لا أفهم، وزاد أبو ذر عن الكشميهني شيئًا وفي الاعتصام فأتاني وقد أغمي عليّ (فدعا بماء فتوضأ منه ثم رش عليّ) أي نفس الماء الذي توضأ به (فأفقت) من الإغماء (فقلت: ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله؟) وفي رواية شعبة عن محمد بن المنكدر عند المؤلّف في الطهارة فقلت: يا رسول الله لمن الميراث إنما يرثني كلالة (فنزلت: ({يوصيكم الله في أولادكم}) كذا لابن جريج قال الدمياطي وهو وهم والذي نزل في جابر: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} [النساء: 176] كذا رواه شعبة والثوري عن ابن المنكدر ويؤيده ما في بعض طرقه من قول جابر إنما يرثني كلالة والكلالة من لا والد له ولا ولد ولم يكن لجابر حينئذ ولد ولا والد اهـ. وفي مسلم عن عمرو الناقد والنسائي عن محمد بن منصور كلاهما عن ابن عيينة عن ابن المنكدر حتى نزلت عليه آية الميراث {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} وقد ساق البخاري حديث جابر عن قتيبة عن ابن عيينة في أول كتاب الفرائض، وفي آخره حتى نزلت آية الميراث ولم يذكر ما زاده الناقد. قال في الفتح: فأشعر بأن الزيادة عنده مدرجة من كلام ابن عيينة ولم ينفرد ابن جريج بتعيين الآية المذكورة فقد ذكرها ابن عيينة على الاختلاف عنه، والحاصل أن المحفوظ عن ابن المنكدر أنه قال: آية الميراث أو آية الفرائض، فالظاهر أنها يوصيكم الله كما صرح به في رواية ابن جريج ومن

5 - باب {ولكم نصف ما ترك أزواجكم}

تابعه، وأما من قال إنها يستفتونك فعمدته أن جابرًا لم يكن له حينئذ ولد وإنما كان يورث كلالة فكان المناسب لقصته نزول يستفتونك، لكن ليس ذلك بلازم لأن الكلالة اختلف في تفسيرها. فقيل: هي اسم المال الموروث، وقيل اسم الميت، وقيل اسم الإرث فلما لم يتعين تفسيرها بمن لا ولد له ولا والد لم يصح الاستدلال لأن يستفتونك نزلت في آخر الأمر وآية المواريث نزلت قبل ذلك بمدة في ورثة سعد بن الربيع، وكان قتل يوم أُحُد وخلف ابنتين وأمهما وأخاه فأخذ الأخ المال فنزلت. وبه احتج من قال إنها لم تنزل في قصة جابر وإنما نزلت في قصة ابنتي سعد بن الربيع وليس ذلك بلازم إذ لا مانع أن تنزل في الأمرين معًا فقد ظهر أن ابن جريج لم يهم والله أعلم. وهذا الحديث قد سبق في الطهارة. 5 - باب {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} هذا (باب) بالتنوين كذا لأبي ذر وله عن المستملي باب قوله الإضافة ({ولكم نصف ما ترك أزواجكم}) [النساء: 12] إن لم يكن لهن ولد وارث من بطنها أو من صلب بنيها أو بني بنيها وإن سفل ذكرًا كان أو أنثى منكم أو من غيركم. 4578 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلَ لِلأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ وَالثُّلُثَ وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي (عن ورقاء) بن عمر اليشكري وقيل الشيباني (عن ابن أبي نجيح) اسمه عبد الله وأبو نجيح بفتح النون وكسر الجيم آخره مهملة اسمه يسار ضد اليمين (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان المال للولد) أي مال الشخص إذا مات لولده (وكانت الوصية للوالدين) واجبة على ما يراه الموصي من المساواة والتفضيل (فنسخ الله من ذلك ما أحب) بآية المواريث (فجعل للذكر) من الأولاد (مثل حظ الأنثيين وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس) إن كان للميت ولد ذكر أو أنثى (والثلث) إن لم يكن له ولد (وجعل للمرأة) أي الزوجة (الثمن) مع الولد (والربع) مع عدمه (وللزوج الشطر) مع عدم الولد (والربع) عند وجوده. وهذا الحديث قد مرّ في الوصايا. 6 - باب {لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} الآيَةَ، وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ تَعْضُلُوهُنَّ: لاَ تَقْهَرُوهُنَّ. حُوبًا: إِثْمًا. تَعُولُوا: تَمِيلُوا. نِحْلَةً: النِّحْلَةُ الْمَهْرُ. هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا}) أن ترثوا في موضع رفع على الفاعلية بيحل أي لا يحل لكم إرث النساء والنساء مفعول به إما على حذف مضاف أي أن ترثوا أموال النساء والخطاب للأزواج لأنه روي أن الرجل كان إذا لم يكن له في المرأة غرض أمسكها حتى تموت فيرثها أو تفتدي بمالها إن لم تمت، وإما من غير حذف على معنى أن يكن بمعنى الشيء الموروث إن كان الخطاب للأولياء أو لأقرباء الميت كما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى، وكرها في موضع نصب على الحال من النساء أي ترثوهن كارهات أو مكرهات ({ولا تعضلوهن}) جزم بلا الناهية أو نصب عطف على أن ترثوا ولا لتأكيد النفي وفي الكلام حذف أي لا تعضلوهن من النكاح إن كان الخطاب للأولياء أو لا تعضلوهن من الطلاق إن كان للأزواج ({لتذهبوا ببعض}) اللام متعلقة بتعضلوهن والباء للتعدية المرادفة لهمزتها أو للمصاحبة فالجار في محل نصب على الحال ويتعلق بمحذوف أي لتذهبوا مصحوبين ببعض ({ما آتيتموهن}) [النساء: 19] (الآية) وما: موصولة بمعنى الذي أو نكرة موصوفة وعلى التقديرين فالعائد محذوف وسقط ولا تعضلوهن إلى آتيتموهن لغير أبي ذر وقالوا الآية. (ويذكر عن ابن عباس) مما وصله الطبري وابن أبي حاتم {لا تعضلوهن} أي (لا تقهروهن) بالقاف، ولأبي ذر عن الكشميهني: لا تنتهروهن بالنون وقوله تعالى: {إنه كان} ({حوبًا}) [النساء: 2] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح أي (إثمًا) وقوله تعالى: {ذلك أدنى ألاَّ} ({تعولوا}) [النساء: 3] قال ابن عباس فيما وصله ابن المنذر أي (تميلوا) من عال يعول إذا مال وجار وفسره الإمام الشافعي بأن لا تكثر عيالكم وردّه جماعة كأبي بكر بن داود الرازي والزجاج فقال الزجاج: هذا غلط من جهة المعنى واللفظ، أما الأول فلأن إباحة السراري مع أنها مظنة كثرة العيال كالتزوج وأما اللفظ فلأن مادة عال بمعنى أكثر عياله من ذوات الياء لأنه من العيلة، وأما عال بمعنى حار فمن ذوات الواو فاختلفت المادتان. وقال صاحب النظم قال أوّلًا ألاّ تعدلوا فوجب أن يكون ضده

الجور، وأيضًا فقد خالف المفسرين وقد ردّ الناس على هؤلاء، فأمّا قولهم: إن التسري أيضًا تكثر معه العيال مع أنه مباح فممنوع لأن الأمة ليست كالمنكوحة ولذا يعزل عنها بغير إذنها ويؤجرها ويأخذ أجرتها ينفقها عليه وعليها وعلى أولادها ويقال عال الرجل عياله يعولهم أي مانهم بمونهم أي أنفق عليهم، ومنه: ابدأ بنفسك ثم بمن تعول، وحكى ابن الأعرابي عال الرجل يعول أكثر عياله وعال يعيل افتقر وصار له عائلة. والحاصل: أن عال يكون لازمًا ومتعديًا فاللازم يكون بمعنى مال وجار، ومنه عال الميزان وبمعنى كثر عياله وبمعنى تفاقم الأمر، والمضارع من كله يعول وعال الرجل افتقر وعال في الأرض ذهب فيها، والمضارع من هذين يعيل والمتعدي يكون بمعنى أثقل وبمعنى مان من المؤونة وبمعنى غلب ومنه عيل صبري ومضارع هذا كله يعول وبمعنى أعجز يقال عالني الأمر أي أعجزني، ومضارع هذا يعيل والمصدر عيل ومعيل فقد تلخص من هذا أن عال اللازم يكون تارة من ذوات الواو وتارة من ذوات الياء باختلاف المعنى، وكذلك عال المتعدي أيضًا فقد روى الأزهري عن الكسائي قال: عال الرجل إذا افتقر وأعال إذا أكثر عياله. قال: ومن العرب الفصحاء من يقول عال يعول إذا كثر عياله. قال الأزهري: وهذا يقوي قول الشافعي لأن الكسائي لا يحكي عن العرب إلا ما حفظه وضبطه وقول الشافعي نفسه حجة. وحكى البغوي عن أبي حاتم قال: كان الشافعي أعلم بلسان العرب منا ولعله لغة، وعن أبي عمرو الدوري القارئ وكان من أئمة اللغة قال هي لغة حمير. وأما قولهم: إنه خالف المفسرين فليس كذلك فقد روي عن زيد بن أسلم نحو قوله أسنده الدارقطني وذكره الأزهري في كتابه تهذيب اللغة، وأما قولهم: اختلفت المادّتان فليس بصحيح فقد تقدم حكاية ابن الأعرابي عن العرب عال الرجل يعول كثر عياله وحكاية الكسائي والدوري وقرأ طلحة بن مصرف: أن لا تعيلوا بضم تاء المضارعة من أعال أكثر عياله وهي تعضد تفسير الشافعي من حيث المعنى، وقد بسط الإمام فخر الدين العبارة في الرد على أبي بكر الرازي وقال: الطعن لا يصدر إلا عن كثرة الغباوة وقلة المعرفة. وقال الزمخشري بعد أن وجه قول الشافعي بنحو ما سبق وكلام مثله من أعلام العلم وأئمة الشرع ورؤوس المجتهدين حقيق بالجمل على الصحة والسداد وكفى بكتابنا المترجم بكتاب شافي العين من كلام الشافعي شاهدًا بأنه أعلى كعبًا وأطول باعًا في علم كلام العرب من أن يخفى عليه مثل هذا ولكن للعلماء طرقًا وأساليب فمسلك في تفسير هذه الكلمة طريقة الكنايات اهـ. وقوله أعلى كعبًا مثل لاطلاعه على علوم العربية وكونه ذا حظ وافر فيها. وقوله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن} ({نحلة}) [النساء: 4] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم والطبري (النحلة) ولأبي ذر فالنحلة (المهر) وقيل فريضة مسماة وقيل عطية وهبة وسمي الصداق نحلة من حيث إنه لا يجب في مقابلته غير التمتع دون عوض مالي. 4579 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الشَّيْبَانِيُّ، وَذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ السُّوَائِيُّ وَلاَ أَظُنُّهُ ذَكَرَهُ إِلاَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} قَالَ: كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجُوهَا وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجُوهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي ذَلِكَ. [الحديث 4579 - طرفه في: 6948]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (أسباط بن محمد) بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وبالموحدة القرشي الكوفي قال: (حدّثنا الشيباني) أبو إسحاق سليمان بن فيروز (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (قال الشيباني): سليمان (وذكره) أي الحديث (أبو الحسن) اسمه عطاء (السوائي) بضم السين وتخفيف الواو ممدودًا وليس هو مهاجرًا المذكور في باب الإبراد بالظهر لأن ذاك تيمي لا سوائي (ولا أظنه ذكره إلا عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما فيه أن الشيباني له فيه طريقان إحداهما موصولة وهي عكرمة عن ابن عباس، والثانية مشكوك في وصلها وهي أبو الحسن السوائي عن ابن عباس في قوله تعالى: ({يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن}) قال: (كانوا) أي أهل الجاهلية كما قاله السدي أو أهل المدينة كما قاله الضحاك وقال الواحدي في الجاهلية وأول الإسلام (إذا مات الرجل كان

7 - باب {ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون} الآية. وقال معمر: موالى أولياء ورثة. {عاقدت أيمانكم} هو مولى اليمين وهو الحليف، والمولى أيضا ابن العم، والمولى المنعم المعتق، والمولى المعتق، والمولى المليك، والمولى مولى في الدين.

أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوّجها) إن كانت جميلة بصداقها الأول (وإن شاؤوا زوّجوها) لمن أرادوا وأخذوا صداقها (وإن شاؤوا لم يزوّجوها) بل يحبسونها حتى تموت فيرثونها أو تفتدي نفسها (فهم) بالفاء، ولأبي ذر: وهم (أحق بها من أهلها فنزلت هذه الآية في ذلك). وفي رواية أبي معاوية عن الشيباني عن عكرمة وحده عن ابن عباس في هذا الحديث تخصيص ذلك بمن مات زوجها قبل أن يدخل بها. وعند الطبراني من طريق ابن جريج عن عكرمة أنها نزلت في قضية خاصة قال: نزلت في كبيشة بنت معن بن عاصم بن الأوس وكانت تحت أبي قيس بن الأسلت فتوفي عنها فجنح عليها ابنه فجاءت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا نبي الله لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تركت فأنكح فنزلت الآية. وبإسناد حسن عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال: لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوّج امرأته وكان ذلك لهم في الجاهلية فنزلت هذه الآية. وقال زيد بن أسلم: كان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية ورث امرأته من يرث ماله وإن يعضلها حتى يرثها أو يزوّجها من أراد، وكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة المرأة حتى يطلقها ويشترط عليها أن لا تنكح إلا من أراد حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاها فنهى الله تعالى المؤمنين عن ذلك. رواه ابن أبي حاتم. وعن ابن عباس: كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها لجاء رجل فألقى عليها ثوبه كان أحق بها، وعنه من طريق السدّي: إن سبق الوارث فألقى عليها ثوبه كان أحق بها وإن سبقت هي إلى أهلها فهي أحق بنفسها. وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الإكراه وأبو داود في النكاح والنسائي في التفسير. 7 - باب {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} الآيَةَ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: مَوَالِىَ أَوْلِيَاءَ وَرَثَةً. {عَاقَدَتْ أَيْمَانِكُمْ} هُوَ مَوْلَى الْيَمِينِ وَهْوَ الْحَلِيفُ، وَالْمَوْلَى أَيْضًا ابْنُ الْعَمِّ، وَالْمَوْلَى الْمُنْعِمُ الْمُعْتِقُ، وَالْمَوْلَى الْمُعْتَقُ، وَالْمَوْلَى الْمَلِيكُ، وَالْمَوْلَى مَوْلًى فِي الدِّينِ. هذا (باب) بالتنوين كذا بإثبات الباب لأبي ذر وله عن المستملي باب قوله بالإضافة ({ولكل جعلنا موال مما ترك الوالدان والأقربون} الآية) [النساء: 33] زاد أبو ذر والوقت ({والذين عاقدت أيمانكم}) أي: والذين تحالفتم بالأيمان المؤكدة أنتم وهم فآتوهم نصيبهم من الميراث إن الله كان على كل شيء شهيدًا أي ولكل شيء تركه الوالدان والأقربون عينًا ورّاثًا يأخذونه ومما ترك بيان لكل وفيه أنه فصل بينهما بعامل الموصوف، وإن جعلنا موالي صفة لكل فالتقدير لكل طائفة جعلناهم موالي نصيب مما ترك هؤلاء أو لكل ميت جعلنا ورثة من هذا المتروك، وفيه أيضًا ضعف لخروج الأولاد عنه، وإن جعل التقدير لكل أحد جعلنا موالي فتكون من صلة موالي لأنهم في معنى الورّاث. وفاعل ترك ضمير يعود على كل الوالدان والأقربون بيان الموالي كأنه جواب من سأل عنهم، وسقط لأبي ذر لفظ الآية. (وقال معمر) هو ابن راشد الصنعاني كما قاله الكرماني أو معمر بن المثنى كما قاله ابن حجر (موالي) أي (أولياء ورثة) بنصب الكلمتين تفسيرًا للموالي وثبت لأبي ذر وقال معمر ولأبي ذر والوقت: وقال معمر أولياء موالي بالإضافة نحو شجر الأراك والإضافة للبيان وأولياء ورثة بالإضافة أيضًا ({عاقدت أيمانكم} هو مولى اليمين وهو الحلف) يعني أولياء الميت الذين يلون ميراثه يحوزونه على نوعين: ولي بالإرث وهو الوالدان والأقربون، وولى بالموالاة وعقد الولاة وهم الذين عاقدت أيمانكم وثبت أيمانكم لأبي ذر (والمولى أيضًا ابن العم) قاله ابن جرير نقلًا عن العرب، وأنشد عليه قول الفضل بن العباس: مهلًا بني عمنا مهلًا موالينا ... لا تظهرن لنا ما كان مدفونا (والمولى المنعم المعتق) بكسر التاء الذي أنعم على مرقوقه بالعتق (والمولى المعتق) بفتح التاء الذي كان رقيقًا فمنّ عليه بالعتق (والمولى المليك) لأنه يلي أمور الناس (والمولى مولى في الدين) وقيل غير ذلك مما يطول استقصاؤه. 4580 - حَدَّثَنِي الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ إِدْرِيسَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} قَالَ: وَرَثَةً {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الْمُهَاجِرُ الأَنْصَارِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نُسِخَتْ ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} مِنَ النَّصْرِ وَالرِّفَادَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ وَيُوصِي لَهُ سَمِعَ أَبُو أُسَامَةَ إِدْرِيسَ وَسَمِعَ إِدْرِيسُ طَلْحَةَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (الصلت بن محمد) بفتح الصاد المهملة وسكون اللام آخره مثناة فوقية الخاركي بخاء معجمة البصري قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن إدريس) بن يزيد الأودي (عن طلحة بن مصرف) بفتح الصاد المهملة وكسر

8 - باب {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} يعني زنة ذرة

الراء اليامي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) في قوله تعالى: ({ولكل جعلنا موالي}) (قال: ورثة) وبه قال قتادة ومجاهد وغيرهما ({والذين عاقدت أيمانكم}) أي عاقدت ذوو أيمانكم ذوي أيمانهم قال ابن عباس: (كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجر) ولأبوي ذر والوقت: المهاجري بزيادة مثناة تحتية مشددة (الأنصاري دون ذوي رحمه) أي أقربائه (للأخوّة التي آخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينهم) بين المهاجرين والأنصار وهذا كان في ابتداء الإسلام (فلما نزلت {ولكل جعلنا موالي} نسخت) بضم النون مبنيًا للمفعول أي وراثة الحليف بآية {ولكل جعلنا موالي} وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان الرجل يعاقد الرجل فإذا مات أحدهما ورثه الآخر فأنزل الله عز وجل: ({وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين} [الأحزاب: 6]. ومن طريق قتادة كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول: دمي دمك وترثني وأرثك، فلما جاء الإسلام أمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهو السدس ثم نسخ ذلك بالميراث فقال: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} وهذا هو المعتمد، ويحتمل أن يكون النسخ وقع مرتين. الأولى حيث كان المعاقد يرث وحده دون العصبة فنزلت (ولكل جعلنا) فصاروا جميعًا يرثون وعلى هذا يتنزل حديث ابن عباس ثم نسخ ذلك بآية الأحزاب وخص الميراث بالعصبة قاله في الفتح. (ثم قال) أي ابن عباس في قوله تعالى: ({والذين عاقدت أيمانكم} من النصر والرفادة) بكسر الراء أي المعاونة (والنصيحة) والجار والمجرور متعلق بمحذوف أي والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم كما صرح به الطبري في روايته عن كريب عن أبي أسامة بهذا الإسناد (وقد ذهب الميراث) بين المتعاقدين (ويوصي له) بكسر الصاد أي للحليف. وهذا الحديث سبق في باب: والذين عاقدت أيمانكم في الكفالة. (سمع أبو أسامة) حماد بن أسامة (إدريس) بن يزيد الأودي (وسمع إدريس طلحة) بن مصرف وفيه التصريح بالتحديث، ولم يثبت هذا إلا في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني ما في الفرع كأصله، وقال ابن حجر في رواية المستملي وحده وتبعه العيني. 8 - باب {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} يَعْنِي زِنَةَ ذَرَّةٍ هذا (باب) بالتنوين كذا لأبي ذر وله عن المستملي باب قوله بزيادة قوله مع الإضافة ({إن الله لا يظلم مثقال ذرة}) [النساء: 40] أي لا ينقص من ثواب أعمالهم ذرة (يعني زنة ذرة) والذرة في الأصل أصغر النمل التي لا وزن لها وقيل ما يرفعه الريح من التراب وقيل كل جزء من أجزاء الهباء في الكوة ذر، ويقال زنتها ربع ورقة نخالة وورقة النخالة وزن ربع خردلة ووزن الخردلة ربع سمسمة، ويقال لا وزن لها. 4581 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ أُنَاسًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نَعَمْ هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟» قَالُوا: لاَ. قَالَ: «وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ضَوْءٌ لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ؟» قَالُوا: لاَ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلاَ يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَنْصَابِ إِلاَّ يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلاَّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ بَرٌّ أَوْ فَاجِرٌ وَغُبَّرَاتُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَيُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَنْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلاَ وَلَدٍ فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ فَقَالُوا: عَطِشْنَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا فَيُشَارُ أَلاَ تَرِدُونَ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ، يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى فَيُقَالُ لَهُمْ: مَنْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلاَ وَلَدٍ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَكَذَلِكَ مِثْلَ الأَوَّلِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلاَّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا، فَيُقَالُ: مَاذَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قَالُوا: فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا عَلَى أَفْقَرِ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ وَنَحْنُ نَنْتَظِرُ رَبَّنَا الَّذِي كُنَّا نَعْبُدُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: لاَ نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن عبد العزيز) الرملي يعرف بابن الواسطي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (أبو عمر) بضم العين (حفص بن ميسرة) ضدّ الميمنة العقيلي بالضم الصنعاني نزيل عسقلان (عن زيد بن أسلم) العدوي المدني (عن عطاء بن يسار) بالسين المهملة المخففة الهلالي المدني مولى ميمونة (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري رضي الله تعالى عنه أن أناسًا) بضم الهمزة ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر ناسًا بحذفها (في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (نعم) ترونه وهذه رؤية الامتحان المميزة بين من عبد الله وبين من عبد غيره لا رؤية الكرامة التي هي ثواب أوليائه في الجنة (هل تضارّون) بضم أوله ورائه مشددة بصيغة المفاعلة أي تضرون أحدًا ولا يضركم لمنازعة ولا مجادلة ولا مضايقة (في رؤية الشمس) ثم أكده بقوله: (بالظهيرة) وهي اشتداد حر الشمس بالنهار في الصيف (ضوء) بالرفع وأعربه في الكواكب بالحر بدلًا مما قبله ولمسلم صحوًا ثم زاده تأكيدًا بقوله: {ليس فيها سحاب قالوا: لا. قال: وهل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر) هي كالظهيرة في الشمس (ضوء) بالرفع أو بالجر كما مر (ليس فيها سحاب قالوا: لا. قال: وهل تضارون

9 - باب {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} المختال: والختال واحد. نطمس وجوها: نسويها حتى تعود كأقفائهم. طمس الكتاب: محاه. سعيرا: وقودا.

في رؤية القمر ليلة البدر ضوء ليس فيها سحاب قالوا: لا). كذا في حاشية الفرع بالتكرار مصححًا عليه وليس ذلك في اليونينية وهو تكرار لا فائدة فيه ولعله سهو فيما يظهر (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما تضارون في رؤية الله عز وجل يوم القيامة إلاّ كما تضارّون في رؤية أحدهما). والتشبيه الواقع هنا إنما هو في الوضوح وزوال الشك لا في المقابلة والجهة وسائر الأمور العادية عند رؤية المحدثات فالرؤية له تعالى حقيقة لكنا لا نكيفها بل نكل كنه معرفتها إلى علمه تعالى (إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن) أي نادى مناد (تتبع) بسكون المثناة الفوقية ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني تتبع بتشديدها وله عن المستملي فتتبع بزيادة فاء مع سكون الفوقية والرفع في كلها ويجوز الجزم بتقدير اللام (كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام) جمع صنم ما عبد من دون الله (والأنصاب) جمع نصب حجارة كانت تعبد من دون الله (إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله بر) هو مطيع لربه (أو فاجر) منهمك في المعاصي والفجور (وغبرات أهل الكتاب) بضم الغين المعجمة وتشديد الموحدة المفتوحة بعدها راء بالرفع والجر مع الإضافة فيهما لأبي ذر وبالجر منونًا للأصيلي أي بقايا أهل الكتاب (فيدعى اليهود فيقال لهم: من) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ما (كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله. فيقال لهم: كذبتم) في كونه ابن الله ويلزم منه نفي عبادة ابن الله (ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فماذا تبغون؟) أي تطلبون (فقالوا: عطشنا ربنا) بإسقاط أداة النداء (فاسقنا فيشار) أي إليهم (ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب) بالسين المهملة هو الذي تراه نصف النهار في الأرض القفر والقنع المستوي في الحر التشديد لامعًا مثل الماء يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا (يحطم) بكسر الطاء المهملة أي يكسر (بعضها بعضًا) لشدة اتقادها وتلاطم أمواج لهبها (فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله. فيقال لهم: كذبتم. ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد. فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فكذلك مثل الأوّل) أي فقالوا عطشنا ربنا الخ (حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر أو فاجر أتاهم رب العالمين) أي ظهر لهم وأشهدهم رؤيته من غير تكييف ولا حركة ولا انتقال (في أدنى صورة) أي أقرب صفة (من التي رأوه) أي عرفره (فيها) بأنه لا يشبه شيئًا من المحدثات زاد في نسخة أوّل مرة (فيقال): ولأبي ذر فقال: (ماذا تنتظرون تتبع كل أمة ما كانت تعبد. قالوا: فارقنا الناس) الذين زاغوا في الدنيا عن الطاعة (في الدنيا على أفقر) أي أحوج (ما كنا إليهم) في معايشنا ومصالح دنيانا (ولم نصاحبهم) بل قاطعناهم (ونحن ننتظر ربنا الذي كنا نعبد) في الدنيا (فيقول: أنا ربكم فيقولون) زاد مسلم في روايته نعوذ بالله منك (لا نشرك بالله شيئًا مرتين أو ثلاثًا) وإنما قالوا ذلك لأنه سبحانه وتعالى تجلى لهم بصفة لم يعرفوها. وقال الخطابي: قيل إنما حجبهم عن تحقيق الرؤية في هذه الكرة من أجل من معهم من المنافقين الذين لا يستحقون الرؤية وهم عن ربهم محجوبون فإذا تميزوا عنهم رفعت الحجب فيقولون عندما يرونه: أنت ربنا. وبقية مباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في محلها. 9 - باب {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} الْمُخْتَالُ: وَالْخَتَّالُ وَاحِدٌ. نَطْمِسَ وُجُوهًا: نُسَوِّيَهَا حَتَّى تَعُودَ كَأَقْفَائِهِمْ. طَمَسَ الْكِتَابَ: مَحَاهُ. سَعِيرًا: وُقُودًا. هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد}) استفهام توبيخ أي فكيف حال هؤلاء الكفار أو صنيعهم إذا جئنا من كل أمة بنبيهم يشهد على كفرهم كقوله تعالى: {وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم} [المائدة: 117] فكيف في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف والعامل في إذًا هو هذا المقدّر أو في محل نصب بفعل محذوف أي فكيف يكونون أو يصنعون، ويجري فيها الوجهان النصب على التشبيه بالحال كما هو مذهب سيبويه أو على التشبيه بالظرفية كما هو مذهب الأخفش وهو العامل في إذا أيضًا ومن كل أمة متعلق بجئنا والمعنى أنه يؤتى بنبي كل أمة يشهد عليها ولها ({وجئنا

10 - باب قوله {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط} صعيدا: وجه الأرض. وقال جابر كانت الطواغيت التي يتحاكمون إليها في جهينة واحد وفي أسلم واحد وفي كل حي واحد كهان، ينزل عليهم الشيطان. وقال عمر: الجبت: السحر. والطاغوت: الشيطان. وقال عكرمة: الجبت بلسان الحبشة شيطان. والطاغوت: الكاهن.

بك}) يا محمد ({على هؤلاء شهيدًا}) [النساء: 41] أي تشهد على صدق هؤلاء الشهداء لحصول علمك بعقائدهم لدلالة كتابك وشرعك على قواعدهم. وقال أبو حيان: الأظهر أنّ هذه الجملة في موضع جر عطفًا على جئنا الأوّل أي فكيف يصنعون في وقت المجيئين. (المختال والختال) بفتح الخاء المعجمة والمثناة الفوقية المشددة معناهما (واحد) كذا في رواية الأكثر ولا ينتظم هذا مع المختال لأن المختال هو صاحب الخيلاء والكبر فهو مفتعل من الخيلاء وأما ختال فهو فعال من الختل وهو الخديعة، فلا يمكن أن يكون بمعنى المختال المراد به المتكبر، وللأصيلي والخال بدون الفوقية بدل المختال وصوّبه غير واحد لأنه يطلق على معان فيكون بمعنى الخائل وهو المتكبر. وقال اليونيني: وعند أبي ذر والختال بالخاء والتاء ثالث الحروف في الأصل الذي قابلت به، وأنكر ذلك شيخنا الإمام أبو عبد الله بن مالك قال: والصواب والخال بغير تاء اهـ. ومراده قوله تعالى: {إن الله لا يحب من كان مختالًا فخورًا} [النساء: 36]. ({نطمس وجوهًا}) [النساء: 47] أي (نسوّيها حتى تعود كأقفائهم) حقيقة أو هو تمثيل وليس المراد حقيقته حسًّا، وأسند الطبري عن قتادة المراد أن تعود الأوجه في الأقفية يقال (طمس الكتاب) إذا (محاه) ومراده قوله تعالى: {من قبل أن نطمس وجوهًا} فنطمس هنا نصب على الحكاية كما لا يخفى. وقوله تعالى: {وكفى بجهنم} ({سعيرًا}) [النساء: 55] أي (وقودًا) ولأبي ذر جهنم سعيرًا وقودًا ولا محل لسياق هذه الآيات هنا فيحتمل أن يكون من النساخ. 4582 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ يَحْيَى: بَعْضُ الْحَدِيثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْرَأْ عَلَيَّ» قُلْتُ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ: «فَإِنِّى أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي» فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغْتُ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} قَالَ: «أَمْسِكْ» فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. [الحديث 4582 - أطرافه في: 5049 - 5050 - 5055 - 5056]. وبه قال: (حدّثنا صدقة) بن الفضل المروزي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر أخبرني بالإفراد (يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن إبراهيم) النخعي (عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة ابن عمرو السلماني (عن عبد الله) هو ابن مسعود (قال يحيى) بن سعيد القطان بالإسناد السابق (بعض الحديث عن عمرو بن مرة) بفتح العين ومرة بضم الميم وتشديد الراء الجملي بفتح الجيم والميم أبي عبد الله الكوفي الأعمى أي من رواية الأعمش عن عمرو بن مرة عن إبراهيم كما صرح بذلك في باب البكاء عند قراءة القرآن حيث أخرجه عن مسدد عن يحيى القطان بالإسناد المذكور، وقال بعده قال الأعمش: وبعض الحديث حدّثني عمرو بن مرة عن إبراهيم، والحاصل أن الأعمش سمع الحديث من إبراهيم النخعي وسمع بعضه من عمرو بن مرة عن إبراهيم يعني عن عبيدة عن ابن مسعود أنه (قال: قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اقرأ عليّ) زاد في باب: من أحب أن يسمع القرآن من غيره من طريق عمر بن حفص عن أبيه عن الأعمش القرآن وهو يصدق بالبعض (قلت: آقرأ) بمدّ الهمزة (عليك وعليك أنزل؟ قال): (فإني أحب أن أسمعه من غيري). قال ابن بطال: يحتمل أن يكون أحب أن يسمعه من غيره ليكون عرض القرآن سنة أو ليتدبره ويتفهمه، وذلك أن المستمع أقوى على التدبر ونفسه أخلى وأنشط لذلك من القارئ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها وهذا بخلاف قراءته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أبي بن كعب فإنه أراد أن يعلمه كيف أداء القراءة ومخارج الحروف. (فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} قال) عليه الصلاة والسلام: (أمسك) وفي باب: البكاء عند قراءة القرآن قال لي: كف أو أمسك على الشك (فإذا عيناه تذوفان) بالذال المعجمة وكسر الراء خبر المبتدأ وهو عيناه وإذا للمفاجأة أي تطلقان دمعهما وبكاؤه عليه الصلاة والسلام على المفرطين أو لعظم ما تضمنته الآية من هول المطلع وشدة الأمر أو هو بكاء فرح لا بكاء جزع لأنه تعالى جعل أمته شهداء على سائر الأمم كما قال الشاعر: طفح السرور عليّ حتى أنه ... من عظم ما قد سرّني أبكاني وهذا الأخير نقله صاحب فتوح الغيب عن الزمخشري. وفي هذا الحديث ثلاثة من التابعين على نسق واحد، وأخرجه أيضًا في فضائل القرآن وكذلك النسائي. 10 - باب قَوْلِهِ {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} صَعِيدًا: وَجْهَ الأَرْضِ. وَقَالَ جَابِرٌ كَانَتِ الطَّوَاغِيتُ الَّتِي يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهَا فِي جُهَيْنَةَ وَاحِدٌ وَفِي أَسْلَمَ وَاحِدٌ وَفِي كُلِّ حَيٍّ وَاحِدٌ كُهَّانٌ، يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ. وَقَالَ عُمَرُ: الْجِبْتُ: السِّحْرُ. وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْجِبْتُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ شَيْطَانٌ. وَالطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ. (باب قوله) تعالى، وسقط الباب

وتاليه لغير أبي ذر ({وإن كنتم مرضى}) مرضًا يخاف معه من استعمال الماء أو مرضًا يمنع من الوصول إليه والمرض انحراف مزاج تصدر معه الأفعال غير مستقيمة، والمراد هنا كل ما يخاف منه محذور ولو شيئًا فاحشًا في عضو ظاهر. وعن مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم أن قوله: {وإن كنتم مرضى} نزلت في رجل من الأنصار كان مريضًا فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ ولم يكن له خادم يناوله فأتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر ذلك له فأنزل الله تعالى هذه الآية وهذا مرسل. ({أو على سفر}) طويل أو قصير لا تجدون فيه الماء والسفر هو الخروج عن الوطن، وينبغي أن يكون مباحًا ({أو جاء أحد منكم من الغائط}) [النساء: 43] فأحدث بخروج الخارج من أحد السبيلين وأصل الغائط المطمئن من الأرض وكانت عادة العرب إتيانه للحدث ليسترهم عن أعين الناس فكنوا به عن الخارج تسمية للشيء باسم مكانه. (صعيدًا) يريد تفسير قوله تعالى: {فتيمموا صعيدًا طيبًا} قال: (وجه الأرض) بالنصب ولأبي ذر وجه الأرض بالرفع بتقدير هو والمراد بوجه الأرض ظاهرها سواء كان عليها تراب أم لا. ولذا قالت الحنفية لو ضرب المتيمم يده على حجر صلد ومسح أجزاءه. وقالت الشافعية لا بدّ أن يعلق باليد شيء من التراب لقوله تعالى في سورة المائدة: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} [المائدة: 6] أي من بعضه وجعل من لابتداء الغاية تعسف إذ لا يفهم من نحو ذلك إلا التبعيض والمسح ببعض الخشب والحجر غير مقصود هذا وأنه وصف بالطيب والأرض الطيبة هي المنبتة وغير الطيبة لا تنبت وغير التراب لا ينبت، والذي لا ينبت لا يكون طيبًا فهو أمر بالتراب فقط. وقال الشافعي وهو القدوة في اللغة وقوله فيها الحجة لا يقع اسم الصعيد إلا على تراب ذي غبار، فأما البطحاء الغليظة والرقيقة فلا يقع عليها اسم الصعيد فإن خالطه تراب أو مدر يكون له غبار كان الذي خالطه هو الصعيد، وقد وافق الشافعي الفراء وأبو عبيد وفي حديث حذيفة عند الدارقطني في سننه وأبي عوانة في صحيحه مرفوعًا "جعلت لي الأرض مسجدًا وترابها لنا طهورًا". وعند مسلم تربتها وهذا مفسر للآية والمفسر يقضي على المجمل. (وقال جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت} [النساء: 60] (كانت الطواغيت) بالمثناة جمع طاغوت (التي يتحاكمون إليها) في الجاهلية (في) قبيلة (جهينة) طاغوت (واحد وفي) قبيلة (أسلم) طاغوت (واحد وفي كل حي) من أحياء العرب (واحد) وهي (كهان) بضم الكاف وتشديد الهاء جمع كاهن (ينزل عليهم الشيطان) بالإخبار عن الكائنات في المستقبل (وقال عمر) بن الخطاب مما هو موصول عند عبد بن حميد في قوله تعالى: {يؤمنون بالجبت والطاغوت} [النساء: 51] (الجبت) هو (السحر والطاغوت) هو (الشيطان وقال عكرمة) مولى ابن عباس فيما وصله عد بن حميد أيضًا (الجبت بلسان الحبشة) هو (شيطان والطاغوت) هو (الكاهن) وفيه جواز وقوع المعرّب في القرآن وحمله الشافعي على توارد اللغتين. 4583 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: هَلَكَتْ قِلاَدَةٌ لأَسْمَاءَ فَبَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طَلَبِهَا رِجَالًا فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ، وَلَيْسُوا عَلَى وُضُوءٍ وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً فَصَلَّوْا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ يَعْنِي آيَةَ التَّيَمُّمِ {أُولِى الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] ذَوِي الأَمْرِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (محمد) هو ابن سلام البيكندي كما في رواية أبي ذر في الجهاد وبه جزم الكلاباذي وابن عساكر وغيرهما قال: (أخبرنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان الكوفي يقال اسمه عبد الرحمن (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: هلكت) أي ضاعت (قلادة) بكسر القاف كان ثمنها اثني عشر درهمًا (لأسماء) بنت أبي بكر كانت عائشة استعارتها منها وقولها في كتاب التيمم انقطع عقد لي فإضافتها لها إنما ذلك باعتبار حيازتها لذلك واستيلائها لمنفعته (فبعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في طلبها رجالًا) هم أسيد بن حضير ومن تبعه (فحضرت الصلاة وليسوا على وضوء ولم يجدوا ماء فصلوا وهم على غير وضوء فأنزل الله تعالى يعني آية التيمم) وسقط لأبي ذر قوله يعني آية، وحينئذٍ على المفعولية.

11 - باب {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}

وهذا الحديث سبق تامًّا في كتاب التيمم. (أولي الأمر) ولغير أبي ذر باب قوله تعالى: ({أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر} {منكم}) [النساء: 59] أي (ذوي الأمر) وهم الخلفاء الراشدون ومن سلك طريقهم في رعاية العدل ويدرج فيهم القضاة وأمراء السرية أمر الله تعالى الناس بطاعتهم بعد ما أمرهم بالعدل تنبيهًا على أن وجوب طاعتهم ما داموا على الحق وقيل علماء الشرع لقوله تعالى: {ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذي يستنبطونه منهم} [النساء: 83]. 4584 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأَمْرِ مِنْكُمْ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ إِذْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَرِيَّةٍ. وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي ولابن السكن فيما ذكره في الفتح حدّثنا سنيد بضم المهملة وفتح النون وبعد التحتية الساكنة دال مهملة بدل صدقة واسم والد سنيد داود المصيصي ضعف أبو حاتم سنيدًا قال: (أخبرنا حجاج بن محمد) المصيصي الأعور (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن يعلى بن مسلم) بفتح التحتية وسكون العين وفتح اللام ومسلم بضم الميم وسكون السين المهملة ابن هرمز (عن سعيد بن جبير) الأسدي مولاهم الكوفي (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) في قوله تعالى: ({أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} قال: نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي) القرشي السهمي من قدماء المهاجرين توفي بمصر في خلافة عثمان رضي الله تعالى عنهما (إذ بعثه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سرية) وكانت فيه دعابة أي لعب فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا نارًا يصطلون عليها فقال: عزمت عليكم إلا تواثبتم في هذه النار فلما همَّ بعضهم بذلك قال: أجلسوا إنما كنت أمزح فذكروا ذلك للنبي فقال: "من أمركم بمعصية فلا تطيعوه" رواه ابن سعد. وبوّب عليه البخاري فقال: سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز المدلجي ويقال إنها سرية الأنصاري ثم روي عن عليّ قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سرية واستعمل رجلًا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب فقال: أليس قد أمركم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تطيعوني؟ قالوا: بلى قال: فاجمعوا لي حطبًا فجمعوا فقال: أوقدوا نارًا فأوقدوها، فقال ادخلوا فهمّوا، وجعل بعضهم يمسك بعضًا ويقولون: فررنا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من النار فما زالوا حتى خمدت النار فسكن غضبه، فبلغ ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة الطاعة في المعروف واختلاف السياقين يدل على التعدد، لا سيما وعبد الله بن حذافة مهاجري قرشي والذي في حديث عليّ أنصاري، وقد اعترض الداودي على القول بأن الآية نزلت في عبد الله بن حذافة بأنه وهم من غير ابن عباس لأن الآية إن كانت نزلت قبل هذه القصة فكيف يخص عبد الله بن حذافة بالطاعة دون غيره، وإن كانت بعد فإنما قيل لهم إنما الطاعة في المعروف وما قيل لهم لم لم تطيعوه؟. وأجاب في الفتح بأن المراد من قصة ابن حذافة قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء: 59] لأن أهل السرية تنازعوا في امتثال ما أمرهم به فالذين هموا أن يطيعوه وقفوا عند امتثال الأمر بالطاعة والذين امتنعوا عارض عندهم الفرار من النار، فناسب أن ينزل في ذلك ما يرشدهم إلى ما يفعلونه عند التنازع وهو الرد إلى الله إلى رسوله. 11 - باب {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({فلا وربك}) أي فوربك ولا مزيدة لتأكيد القسم لا لتظاهر لا في قوله: ({لا يؤمنون}) لأنها تزاد أيضًا في الإثبات كقوله تعالى: {لا أقسم بهذا البلد} [البلد: 1] قاله في الأنوار كالكشاف وعبارته بعد ذكره نحو ما سبق. فإن قلت: هلا زعمت أنها زيدت لتظاهر لا في لا يؤمنون قلت: يأبى ذلك استواء النفي والإثبات فيه وذلك قوله تعالى: {فلا أقسم بما تبصرون قومًا لا تبصرون إنه لقول رسول كريم} [الحاقة: 38 - 40] انتهى. قال في الانتصاف: أراد الزمخشري أنها لما زيدت حيث لا يكون القسم نفيًا دلت على أنها إنما تزاد لتأكيد القسم فجعلت كذلك في النفي والظاهر عندي أنها هنا لتوطئة القسم وهو لم يذكر مانعًا منه إنما ذكر محملًا لغير هذا وذلك لا يأبى مجيئها في النفي على الوجه الآخر

من التوطئة على أن دخولها على المثبت فيه نظر فلم تأت في الكتاب العزيز إلا مع القسم بالفعل {لا أقسم بهذا البلد} [البلد: 1] {لا أقسم بيوم القيامة} [القيامة: 1] {فلا أقسم بمواقع النجوم} [الواقعة: 75] {فلا أقسم بما تبصرون} [الحاقة: 38] ولم يأت إلا في القسم بغير الله وله سرّ يأبى أن يكون هاهنا لتأكيد القسم، وذلك أن المراد بها تعظيم المقسم به في الآيات المذكورة فكأنه بدخولها يقول إعظامي لهذه الأشياء المقسم بها كلا إعظام إذ هي تستوجب فوق ذلك وإنما يذكر هذا لتوهم وقوع عدم تعظيمها فيؤكد بذلك وبفعل القسم ظاهرًا، وفي القسم بالله الوهم زائل فلا يحتاج إلى تأكيد فتعين حملها على التوطئة ولا تكاد تجدها في غير الكتاب العزيز داخلة على قسم مثبت أما في النفي فكثير اهـ. وقيل: إن لا الثانية زائدة والقسم معترض بين حرف النفي والمنفي، وكان التقدير فلا يؤمنون وربك ({حتى يحكموك فيما شجر بينهم}) [النساء: 65] أي فيما اختلف بينهم واختلط وحتى غاية متعلقة بقوله لا يؤمنون أي ينتفي عنهم الإيمان إلى هذه الغاية وهي تحكيمك وعدم وجدانهم الحرج وتسليمهم لأمرك. 4585 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ فِي شَرِيجٍ مِنَ الْحَرَّةِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ» فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ، ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ» وَاسْتَوْعَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ حِينَ أَحْفَظَهُ الأَنْصَارِيُّ كَانَ أَشَارَ عَلَيْهِمَا بِأَمْرٍ لَهُمَا فِيهِ سَعَةٌ قَالَ الزُّبَيْرُ: فَمَا أَحْسِبُ هَذِهِ الآيَاتِ إِلاَّ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) هو غندر قال: (أخبرنا معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير أنه (قال: خاصم الزبير) بن العوّام (رجلًا من الأنصار) هو ثابت بن قيس بن شماس وقيل حميد وقيل حاطب بن أبي بلتعة (في شريج) بفتح الشين المعجمة وكسر الراء آخره جيم مسيل الماء يكون فى الجبل وينزل إلى السهل (من الحرة) بفتح الحاء وتشديد الراء المهملتين خارج المدينة زاد في باب سكر الأنهار من الشرب، فقال الأنصاري سرّح الماء فأبى عليه فاختصما عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اسق يا زبير ثم أرسل الماء) بهمزة قطع مفتوحة في أرسل (إلى جارك) الأنصاري (فقال الأنصاري: يا رسول الله أن كان) بفتح الهمزة أي حكمت له بالتقديم والترجيح لأن كان (ابن عمتك) صفية بنت عبد المطلب، ولأبي ذر عن الكشميهني: آن كان بهمزة مفتوحة ممدودة استفهام إنكاري وله عن الحموي والمستملي وأن كان بواو وفتح الهمزة، ووقع عند الطبري فقال: اعدل يا رسول الله وأن كان ابن عمتك أي من أجل هذا حكمت له عليّ (فتلون وجهه) عليه الصلاة والسلام أي تغيّر من الغضب لانتهاك حرمة النبوّة، ولأبوي ذر والوقت: فتلون وجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم قال: اسق يا زيير ثم احبس الماء) بهمزة وصل فيهما (حتى يرجع) يصير الماء (إلى الجدر) بفتح الجيم وسكون المهملة ما وضع بين شربات النخل كالجدار والمراد به جدران الشربات وهي الحفر التي تحفر في أصول النخل (ثم أرسل الماء إلى جارك) بهمزة قطع في أرسل (واستوعى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للزبير حقه) أي استوفاه كله كاملًا حتى كأنه جمعه في وعاء بحيث لم يترك منه شيئًا (في صريح الحكم حين أحفظه) بالحاء المهملة والفاء والظاء المعجمة أي أغضبه (الأنصاري وكان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أشار عليهما) في أوّل الأمر (بأمر لهما) ولأبي ذر عن الكشميهني له أي للأنصاري (فيه سعة) وهو الصلح على ترك بعض حق الزبير، فلما لم يرض الأنصاري استقصى عليه الصلاة والسلام للزبير حقه وحكم له به على الأنصاري. (قال الزبير: فما أحسب هله الآيات إلا نزلت) وفي باب شرب الأعلى من الأسفل من كتاب الشرب فقال الزبير: والله إن هذه الآية أنزلت (في ذلك {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}) قيل: وكان هذا الرجل يهوديًّا. وعورض بأنه وصف بكونه أنصاريًّا ولو كان يهوديًا لم يوصف بذلك إذ هو وصف مدح ولا يبعد أن يبتلي غير المعصوم بمثل ذلك عند الغضب مما هو من الصفات البشرية. وفي المفاتح كالبغوي في معالم التنزيل، وروي أنه لما خرجا مرّا على المقداد فقال: لمن كان القضاء؟ قال الأنصاري لابن عمته ولوى شدقيه ففطن له

12 - باب {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين}

يهودي كان مع المقداد فقال: قاتل الله هؤلاء يشهدون أنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم يتهمونه في قضاء يقضي بينهم، وايم الله لقد أذنبنا ذنبًا مرة في حياة موسى عليه الصلاة والسلام فدعانا إلى التوبة فقال: اقتلوا أنفسكم فبلغ قتلانا سبعين ألفًا في طاعة ربنا حتى رضي عنا، فقال ثابت بن قيس بن شماس: إن الله ليعلم مني الصدق ولو أمرني محمد أن أقتل نفسي لفعل. 12 - باب {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({فأولئك}) أي من أطاع الله والرسول ({مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين}) [النساء: 69] في الجنة بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضًا، وليس المراد كون الكل في درجة واحدة لأن ذلك يقتضي التسوية في الدرجة بين الفاضل والمفضول وهو غير جائز، والأظهر أن قوله: من النبيين بيان للذين أنعم الله عليهم، وجوّز تعلق من النبيين بيطع أي: {ومن يطع الله والرسول} من النبيين ومن بعدهم ويكون قوله: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم} إشارة إلى الملأ الأعلى ثم قال: {وحسن أولئك رفيقًا}. ويبين ذلك قوله عليه الصلاة والسلام عند الموت "اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى" قاله الراغب، وتعقبه أبو حيان فأفسده معنى وصناعة، أما المعنى فلأن الرسول هنا هو محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد أخبر تعالى أنه من يطع الله ورسوله فهو مع من ذكر ولو جعل من النبيين متعلقًا بيطع لكان من النبيين تفسيرًا لمن الشرطية، فيلزم أن يكون في زمانه عليه الصلاة والسلام أو بعده أنبياء يطيعونه وهذا غير ممكن لقوله تعالى: {وخاتم النبيين} ولقوله عليه الصلاة والسلام "لا نبي بعدي". وأما الصناعة؛ فلأن ما قبل الفاء الواقعة جوابًا للشرط لا يعمل فيما بعدها. لو قلت إن تضرب يقم عمرو زيدًا لم يجز، وسقط قوله باب لغير أبي ذر. 4586 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ يَمْرَضُ إِلاَّ خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ»، وَكَانَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69] " فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن حوشب) بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة بينهما واو ساكنة الطائفي نزيل الكوفة قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ولأبي ذر عن إبراهيم بن سعد (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي الله تعالى عنها) أنها (قالت: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبوي ذر والوقت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (ما من نبي يمرض) بفتح التحتية والراء بينهما ميم ساكنة (إلا خير بين) المقام في (الدنيا و) الرحلة إلى (الآخرة) (وكان في شكواه الذي قبض فيه) ولأبي ذر عن الكشميهني. التي قبض فيها (أخذته بحة شديدة) بضم الموحدة وتشديد الحاء المهملة غلظ صوت وخشونة حلق فسمعته يقول: ({مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} فعلمت أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (خُير) بضم الخاء المعجمة أي بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، وهذا معنى قوله في الحديث الآخر: (اللهم الرفيق الأعلى) ثلاثًا. وقد ذكروا في سبب نزول هذه الآية أن رجلًا من الأنصار جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو محزون فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا فلان ما لي أراك محزونًا"؟ فقال: يا نبي الله شيء فكرت فيه. قال: "وما هو"؟ قال: نحن نغدو عليك ونروح وننظر إلى وجهك ونجالسك غدًا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك فلم يرد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا فأتاه جبريل بهذه الآية {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا} قال: فبعث إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبشره. رواه ابن جرير من حديث سعيد بن جبريل مرسلًا. ورواه الطبراني عن عائشة مرفوعًا بلفظ فقال: يا رسول الله إنك لأحب إليّ من نفسي وأهلي ومالي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فانظر إليك وإذا ذكرت موتك عرفت أنك ترفع مع النبيين وإني إن دخلت الجنة خشيت أني لا أراك، فلم يرد عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى نزل عليه جبريل عليه السلام بهذه الآية. وقد سمى الواحدي وغيره الرجل ثوبان. وقد ثبت في غير ما حديث من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

13 - باب قوله: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء) الآية

قال: "المرء مع من أحب". 13 - باب قَوْلُهُ: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِيَن مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) الآيَةَ (قوله) تعالى: ({وما لكم}) ولأبي ذر باب بالتنوين في قوله تعالى: {وما لكم} وما مبتدأ ولكم خبره وجملة ({لا تقاتلون في سبيل الله}) الأظهر أنها في موضع نصب على الحال أي ما لكم غير مقاتلين والعامل في هذه الحال الاستقرار القدر ({والمستضعفين}) جر على الأظهر بالعطف على سبيل الله أي في سبيل الله وفي خلاص المستضعفين وهم الذين أسلموا بمكة ومنعهم المشركون من الهجرة ({من الرجال والنساء}) فبقوا بين أظهرهم مستذلين يلقون منهم الأذى الشديد (الآية) كذا لأبي ذر ولغيره بعد قوله: {من الرجال والنساء} إلى {الظالم أهلها} الظالم: صفة للقرية وهي مكة، وأهلها رفع به على الفاعلية وهم كفرة قريش وأل في الظالم موصولة بمعنى التي أي التي ظلم أهلها بالكفر، فالظالم جار علي القرية لفظًا وهو لما بعدها معنى. 4587 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن أبي يزيد المكي أنه (قال: سمعت ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (قال: كنت أنا وأمي) أم الفضل لبابة بنت الحرث الهلالية، (من المستضعفين) في مكة، وزاد أبو ذر من الرجال والنساء والولدان، ومراده حكاية الآية، وإلا فهو من الولدان جمع وليد وهو الصغير وأمه من المستضعفين. 4588 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تَلاَ {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ. وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَصِرَتْ: ضَاقَتْ. تَلْوُوا أَلْسِنَتَكُمْ بِالشَّهَادَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُرَاغَمُ: الْمُهَاجَرُ. رَاغَمْتُ: هَاجَرْتُ قَوْمِي. مَوْقُوتًا: مُوَقَّتًا وَقْتَهُ عَلَيْهِمْ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي بشين معجمة وحاء مهملة قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الجهضمي الأزدي (عن أيوب) السختياني (عن ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبد الرحمن (أن ابن عباس) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- (تلا) قرأ قوله تعالى: ({إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان} قال: كنت أنا وأمي ممن عذر الله) بالذال المعجمة أي ممن جعلهم الله تعالى من المعذورين المستضعفين. (ويذكر عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما مما وصله ابن أبي حاتم في تفسيره في قوله تعالى: {حصرت} [النساء: 90] أي (ضاقت) صدورهم وعنه أيضًا مما وصله الطبري في قوله تعالى: ({وإن} {تلووا}) [النساء: 135] أي (ألسنتكم بالشهادة) أو تعرضوا عنها وسقط قوله تلووا الخ لأبي ذر (وقال غيره) أي غير ابن عباس في قوله تعالى: {مراغمًا كثيرًا} [النساء: 100] وسعة (المراغم) بفتح الغين المعجمة هو (المهاجر) بفتح الجيم. قال أبو عبيدة: المراغم والمهاجر واحد تقول: (راغمت) أي (هاجرت قومي). وقال أبو عبيدة في قوله تعالى: {كتابًا} ({موقوتًا}) [النساء: 103] أي (موقتًا وقته عليهم) تبارك وتعالى وسقط قوله موقوتًا الخ لأبي ذر. 14 - باب {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَدَّدَهُمْ. فِئَةٌ: جَمَاعَةٌ ({فما لكم}) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله تعالى: {فما لكم} مبتدأ وخبر ({في المنافقين}) يجوز تعلقه بما تعلق به الخبر وهو لكم ويجوز تعلقه بمحذوف على أنه حال من ({فئتين}) والمعنى ما لكم لا تتفقون في شأنهم بل افترقتم في شأنهم بالخلاف في نفاقهم مع ظهوره ({والله أركسهم}) ردهم في حكم المشركين كما كانوا ({بما كسبوا}) الباء سببية وما مصدرية أو بمعنى الذي والعائد محذوف على الثاني لا الأوّل وسقط لغير أبوي ذر والوقت بما كسبوا. (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله الطبري في قوله: ({أركسهم}) أي (بددهم) يعني فرقهم ومزق شملهم وقوله: (فئة) واحد فئتين ومعناه (جماعة) كقوله تعالى: {كم من فئة قليلة} [البقرة: 249] {وفئة تقاتل في سبيل الله} [آل عمران: 13]. 4589 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالاَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} رَجَعَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أُحُدٍ وَكَانَ النَّاسُ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ، فَرِيقٌ يَقُولُ: اقْتُلْهُمْ، وَفَرِيقٌ يَقُولُ: لاَ. فَنَزَلَتْ: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} وَقَالَ: إِنَّهَا طَيْبَةُ، تَنْفِي الْخَبَثَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) هو بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر (وعبد الرحمن) بن مهدي (قالا: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين ابن ثابت التابعي (عن عبد الله بن يزيد) الخطمي الصحابي (عن زيد بن ثابت) الأنصاري (رضي الله تعالى عنه) أنه قال في قوله تعالى: ({فما لكم في المنافقين فئتين} رجع ناس من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أحد) وهم عبد الله بن أبيّ المنافق وأتباعه وكانوا ثلاثمائة وبقي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سبعمائة (وكان الناس فيهم فرقتين فريق يقول اقتلهم) يا رسول الله فإنهم منافقون (وفريق يقول لا) تقتلهم فإنهم تكلموا بكلمة الإسلام (فنزلت: {فما لكم في المنافقين

0000 - باب {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به} أي أفشوه. يستنبطونه: يستخرجونه. حسيبا: كافيا. إلا إناثا: يعني الموات حجرا أو مدرا وما أشبهه. مريدا: متمردا. فليبتكن: بتكه قطعه. قيلا وقولا: واحد. طبع: ختم.

فئتين} وقال): أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي ذر: فقال: (إنها) أي المدينة (طيبة تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة) ولأبي ذر عن الحموي خبث الحديد بدل الفضة، وقيل نزلت في قوم رجعوا إلى مكة وارتدوا وقيل في عبد الله بن أبي المنافق لما تكلم في حديث الإفك وتقاولت الأوس والخزرج بسببه. قال ابن كثير: وهذا غريب وقيل غير ذلك. 0000 - باب {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} أَيْ أَفْشَوْهُ. يَسْتَنْبِطُونَهُ: يَسْتَخْرِجُونَهُ. حَسِيبًا: كَافِيًا. إِلاَّ إِنَاثًا: يَعْنِي الْمَوَاتَ حَجَرًا أَوْ مَدَرًا وَمَا أَشْبَهَهُ. مَرِيدًا: مُتَمَرِّدًا. فَلَيُبَتِّكُنَّ: بَتَّكَهُ قَطَّعَهُ. قِيلًا وَقَوْلًا: وَاحِدٌ. طُبِعَ: خُتِمَ. هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وإذا جاءهم}) أي ضعفاء المؤمنين أو المنافقين ({أمر من الأمن}) كفتح أو غنيمة ({أو الخوف}) كقتل وهزيمة عن سرايا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبعوثه ({أذاعوا به} أي أفشوه) بين الناس قبل أن يخبر به الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيضعف بذلك قلوب المؤمنين؛ ولو ردّوا ذلك الأمر إلى الرسول وإلى كبار الصحابة العارفين بمصالح الأمور ومفاسدها لعلم تدبير ما أخبروا به الذين ({يستنبطونه}) [النساء: 83] أي (يستخرجونه) وفيه إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها ويفشيها وينشرها وقد لا يكون لها صحة. وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا (كفى بالمرء إثمًا أن يحدّث بكل ما سمع) رواه مسلم وسقط التبويب، وقوله: ({وإذا جاءهم أمر من الأمن}) لغير أبوي ذر والوقت ولغير أبي ذر لفظة أي من قوله أي أفشوه. ({حسيبًا}) يريد قوله تعالى: {إن الله كان على كل شيء حسيبًا} [النساء: 86] أي (كافيًا) وسقط هذا لأبي ذر ({إلا إناثًا}) يريد قوله تعالى: {إن يدعون من دونه إلا إناثًا} [النساء: 117] أي ما يعبدون من دون الله إلا إناثًا لأن كل من عبد شيئًا فقد دعاه لحاجته وإناثًا (يعني الموات حجرًا أو مدرًا وما أشبهه) قال الحسن: كل شيء لا روح فيه كالحجر والخشبة في إناث، وقد كانوا يسمون أصنامهم بأسماء الإناث فيقولون: اللات والعزى ومناة، وعن الحسن أن لكل قبيلة صنمًا يدعى أنثى بني فلان وذلك لقولهم: هنهن بنات الله أو قولهم الملائكة بنات الله، وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى اتخذوا أربابًا وصوروهن صور الجواري وقالوا هؤلاء يشبهن بنات الله الذي نعبده يعنون الملائكة. وعن كعب في الآية قال: مع كل صنم جنية. رواه ابن أبي حاتم وسقط لفظ يعني لغير أبي ذر. ({مريدًا}) يريد قوله تعالى: {وإن يدعون} أي ما يدعون بعبادة الأصنام {إلا شيطانًا مريدًا} [النساء: 117] أي (متمردًا) قال قتادة فيما رواه ابن أبي حاتم متمردًا على معصية الله تعالى. قال تعالى: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان} [يس: 60] وسقط قوله: {مريدًا} متمردًا للكشميهني والحموي. ({فليبتكن}) هو من حكاية قول الشيطان في قوله تعالى: {وقال لأتخذنّ من عبادك نصيبًا مفروضًا} [النساء: 118] أي حظًّا مقدرًا معلومًا {ولأضلّنهم} أي عن طريق الحق {ولأمنينّهم} من طول العمر وبلوغ الأمل وتوقع الرحمة للمذنب بغير توبة أو الخروج من النار بالشفاعة {ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام} [النساء: 118، 119] (بتكه) أي (قطعه) وقد كانوا يشقون أذني الناقة إذا ولدت خمسة أبطن وجاء الخامس ذكرًا وحرموا على أنفسهم الانتفاع بها ولا يردونها عن ماء ولا مرعى. ({قيلًا}) يريد قوله تعالى: {ومن أصدق من الله قيلًا} [النساء: 122] والنصب على التمييز وقيلًا (وقولًا واحد) وقالًا الثلاثة مصادر بمعنى (طبع) بضم الطاء وكسر الموحدة أي (ختم) يريد تفسير قوله تعالى: {طبع الله على قلوبهم} [النحل: 158] ولم يذكر المؤلّف حديثًا في هذا الباب. قال الحافظ ابن كثير: فنذكر هنا عند تفسير آية الباب حديث عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- المتفق عليه حين بلغه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طلّق نساءه فجاء من منزله حتى دخل المسجد فوجد الناس يقولون ذلك فلم يصبر حتى استأذن على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستفهمه أطلقت نساءك؟ قال "لا" فقلت الله أكبر وذكر الحديث بطوله: وعند مسلم فقلت: أطلقتهن؟ فقال: "لا" فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي لم يطلق نساءه ونزلت هذه الآية {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} فكنت أنا أستنبط ذلك الأمر. قال الحافظ ابن حجر: وهذه القصة عند

15 - باب {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم}

البخاري لكن بدون هذه الزيادة فليست على شرطه فكأنه أشار إليها بهذه الترجمة اهـ. وظاهر قول المفسرين السابق أن سبب نزول هذه الآية الإخبار عن السرايا والبعوث بالأمن أو الخوف وهو خلاف ما في حديث مسلم. 15 - باب {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ومن يقتل مؤمنًا}) حال كونه ({متعمدًا فجزاؤه جهنم}) [النساء: 93] خبر ومن يقتل ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط وتمام الآية {خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا} [النساء: 93] وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد. اشتمل على أنواع من العذاب لم تجتمع في غير هذا الذنب العظيم المقرون بالشرك في غير ما آية، ومن ثم قال ابن عباس: إن قاتل المؤمن عمدًا لا تقبل توبته. 4590 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: آيَةٌ اخْتَلَفَ فِيهَا أَهْلُ الْكُوفَةِ، فَرَحَلْتُ فِيهَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] هِيَ آخِرُ مَا نَزَلَ وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ. وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) العسقلاني الخراساني الأصل قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا مغيرة بن النعمان) النخعي الكوفي (قال: سمعت سعيد بن جبير) الأسدي مولاهم الكوفي (قال: آية اختلف فيها) أي في حكمها (أهل الكوفة) وسقط قوله آية لغير أبوي ذر والوقت (فرحلت فيها) بالراء والحاء المهملة ولأبي ذر فدخلت بالدال والخاء المعجمة أي بعد رحلتي (إلى ابن عباس فسألته عنها؟ فقال: نزلت هده الآية: {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم} هي آخر ما نزل) في هذا الباب (وما نسخها شيء). وروى أحمد والطبري من طريق يحيى الجابر والنسائي وابن ماجة من طريق عمار الذهبي كلاهما عن سالم بن أبي الجعد قال: كنا عند ابن عباس بعد ما كف بصره فأتاه رجل فناداه: يا عبد الله بن عباس ما ترى في رجل قتل مؤمنًا متعمدًا؟ فقال: {جزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابًا عظيمًا}. قال: أفرأيت إن تاب وعمل صالحًا ثم اهتدى؟ قال ابن عباس: ثكلته أمه وأنى له التوبة والهدى والذي نفسي بيده لقد سمعت نبيكم يقول: ثكلته أمه قاتل مؤمن متعمدًا جاء يوم القيامة آخذ بيمينه تشخب أوداجه، ثم قال: وايم الذي نفسي بيده لقد أنزلت هذه الآية وما نسختها من آية حتى قبض نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقد روي هذا عن ابن عباس من طرق كثيرة وقال به جماعة من السلف وهو محمول عند الجمهور على الزجر والتغليظ للدلائل الدالة على خلافه، وإلاّ فكل ذنب ممحوّ بالتوبة وناهيك بمحو الشرك دليلًا فهو في التغليظ كحديث "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم" وحديث "من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبًا بين عينيه آيسًا من رحمة الله" وكقوله تعالى: ({ومن كفر فإن الله غني عن العالمين}) [آل عمران: 97] أي لم يحج تغليظًا وتشديدًا، وكل ذلك لا يعارض نصوص الكتاب الدالة على عموم العفو فلا بد من التخصيص بمن لم يتب أو فعله مستحلًا أو الخلود المكث الطويل، فإن الدلائل متظاهرة على أن عصاة المسلمين لا يدوم عذابهم والحق أنه متى صدر عن المؤمن مثل هذا الذنب فمات ولم يتب فحكمه إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه بقدر ما يشاء ثم يخرجه إلى الجنة وفي سنن أبي داود عن أبي مجلز هي جزاؤه فإن شاء الله أن يتجاوز عن جزائه فعل قال الواحدي والأصل أن الله تعالى يجوز أن يخلف الوعيد وإن كان لا يجوز أن يخلف الوعد وبهذا وردت السنة فإذن لا مدخل لذكر التوبة وتركها في الآية ولا يفتقر إخراج المؤمن من النار إلى دليل ولا إلى تخصيص عام ولا إلى تفسير الخلود بالمكث الطويل قاله في فتوح الغيب، وسيكون لنا إن شاء الله عودة إلى البحث في ذلك في سورة الفرقان بعون الله وقوته. 16 - باب {وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94] السِّلْمُ وَالسَّلَمُ وَالسَّلاَمُ: وَاحِدٌ هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}) [النساء: 94] اللام في لمن للتبليغ، ومن موصولة أو موصوفة وألقى ماضي اللفظ لكنه بمعنى المستقبل أي لمن يلقي لأن النهي لا يكون عما انقضى أي لا تقولوا لمن حياكم بتحية السلام أنه وإنما قالها تعوذًا فتقدموا عليه بالسيف لتأخذوا ماله ولكن كفوا واقبلوا منه ما أظهر لكم (السلم) بكسر السين وسكون اللام وهي قراءة رويس عن عاصم بن أبي النجود (والسلم)

17 - باب {لا يستوى القاعدون من المؤمنين} {والمجاهدون في سبيل الله} [النساء: 95]

بفتحهما من غير ألف وهي قراءة نافع وابن عامر وحمزة وفي الفرع والسلم بسكون اللام بعد فتح وروي عن عاصم الجحدري (والسلام) بفتحهما ثم ألف وهي قراءة الباقين (واحد) أي في المعنى وهو الاستسلام والانقياد واستعمال ذي الألف في التحتية أكثر. 4591 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرو، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- {وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ فَلَحِقَهُ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ فَقَتَلُوهُ، وَأَخَذُوا غُنَيْمَتَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ: {عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} تِلْكَ الْغُنَيْمَةُ قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ السَّلاَمَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) في قوله تعالى: ({ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنًا} قال) عطاء: (قال ابن عباس: كان رجل) هو عامر بن الأضبط (في غنيمة له) بضم الغين وفتح النون تصغير غنم (فلحقه المسلمون) وكانوا في سرية (فقال) أي الرجل لهم (السلام عليكم) وعند أحمد والترمذي من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس قالوا: ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا (فقتلوه) وكان الذي قتله محلم بن جثامة كما ذكره البغوي في معجم الصحابة وكان أمير السرية أبو قتادة كذا نقله في المقدمة، وكذا رواه ابن إسحاق في المغازي وأحمد من طريقه عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي بلفظ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة ومحلم بن جثامة فأمر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم علينا فحمل عليه محلم فقتله (وأخذوا غنيمته) وفي رواية سماك وأتوا بغنمه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأنزل الله في ذلك) يعني قوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله} ولأبي ذر وذلك (إلى قوله: {عرض الحياة}) ولأبي ذر إلى قوله تبتغون عرض الحياة ({الدنيا}) أي حطامها وهو (تلك الغنيمة). وروى الثعلبي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن اسم المقتول مرداس بكسر الميم وسكون الراء وبالمهملتين ابن نهيك بفتح النون وكسر الهاء آخره كاف قبلها تحتية ساكنة من أهل فدك، وأن اسم القاتل أسامة بن زيد وأن اسم أمير السرية غالب بن فضالة الكعبي، وأن قوم مرداس لما انهزموا بقي وحده وكان ألجأ غنمه إلى جبل فلما لحقوه قال لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليكم فقتله أسامة بن زيد فلما رجعوا نزلت الآية. وأخرج عبد بن حميد من طريق قتادة نحوه وكذا الطبري من طريق السدي ولا مانع من التعدد ونزول الآية مرتين. (قال) عطاء بن أبي رباح: (قرأ ابن عباس) -رضي الله عنهما- (السلام) بألف بعد اللام المفتوحة وهو موصول بالإسناد السابق. وحديث الباب أخرجه مسلم في آخر كتابه وأبو داود في الحروب والنسائي في السير والتفسير. 17 - باب {لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} {وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({لا يستوي القاعدون من المؤمنين} {والمجاهدون في سبيل الله}) [النساء: 95] كذا في الفرع وأصله وغيرهما بإسقاط {غير أولي الضرر} وثبت ذلك في بعضها، ولأبي ذر {من المؤمنين} الآية وسقط ما بعد ذلك. 4592 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُ رَأَى مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْلَى عَلَيْهِ {لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} {وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهْوَ يُمِلُّهَا عَلَىَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ وَكَانَ أَعْمَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تُرَضَّ فَخِذِي ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {غَيْرَ أُولِى الضَّرَرِ}. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي المدني (قال: حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف التابعي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (سهل بن سعد الساعدي) الصحابي (أنه رأى مروان بن الحكم) بن أبي العاص التابعي (في المسجد) قال: (فأقبلت حتى جلست إلى جنبه فأخبرنا) بفتح الراء (أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أملى عليه {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} {والمجاهدون في سبيل الله}) بدون {غير أولي الضرر} (فجاءه) عليه الصلاة والسلام (ابن أم مكتوم) عبد الله أو عمرو واسم أبيه زائدة (وهو) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يملها) بضم التحتية وكسر الميم وتشديد اللام أي يلقي الآية (عليّ قال): ولأبي ذر فقال: (يا رسول الله والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى، فأنزل الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفخذه على فخذي فثقلت عليّ) فخذه من ثقل الوحي (حتى خفت أن ترضّ) بضم الفوقية وفتح الراء وتشديد الضاد المعجمة في الفرع كأصله بفتح التاء وضم الراء أي تدق (فخذي

ثم سري) بضم المهملة وتشديد الراء المكسورة انكشف (عنه) وأزيل يقال سروت الثوب وسريته إذا خلعته والتشديد فيه للمبالغة أي أزيل عنه ما نزل به من برحاء الوحي (فأنزل الله {غير أولي الضرر}) بالحركات الثلاث في غير بالنصب نافع وابن عامر والكسائي على الاستثناء أو على الحال، وبالرفع ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وعاصم على الصفة للقاعدون لأن القاعدون غير معين فهو مثل قوله: ولقد أمرّ على اللئيم يسبني. قال الزجاج: غير صفة للقاعدين وإن كان أصلها أن تكون صفة للنكرة. المعنى: لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولي الضرر أي الأصحاء والمجاهدون وإن كانوا كلهم مؤمنين، وبالجر في الشاذ على الصفة للمؤمنين أو البدل منه. وهذا الحديث سبق في الجهاد. 4593 - حَدَّثَنَي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْدًا فَكَتَبَهَا فَجَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَشَكَا ضَرَارَتَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ}. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازم (رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: لما نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زيدًا) هو ابن ثابت كاتب الوحي فأمره بكتابتها (فكتبها فجاء ابن أم مكتوم) الأعمى (فشكا) إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ضرارته) بفتح الضاد المعجمة أي عماه. قال الراغب: الضرر اسم عام لكل ما يضر بالإنسان في بدنه ونفسه وعلى سبيل الكناية عبر عن الأعمى بالضرير (فأنزل الله {غير أولي الضرر}). وسبق هذا الحديث في الجهاد. 4594 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ادْعُوا فُلاَنًا» فَجَاءَهُ وَمَعَهُ الدَّوَاةُ وَاللَّوْحُ أَوِ الْكَتِفُ فَقَالَ: «اكْتُبْ: {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} {وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وَخَلْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا ضَرِيرٌ فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا {لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِى الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب -رضي الله عنه- أنه (قال: لما نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ادعوا فلانًا) أي زيد بن ثابت فدعوه (فجاءه ومعه الدواة واللوح أو الكتف) شك من الراوي (فقال: اكتب ولا يستوي القاعدون من المؤمنين} {والمجاهدون في سبيل الله} وخلف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابن أم مكتوم) ويجمع بين قوله هنا أن ابن أم مكتوم كان خلف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين قوله في رواية شعبة السابقة دعا زيدًا فكتبها فجاء ابن أم مكتوم بأنه قام من مقامه خلف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى جاء مواجهه فخاطبه (فقال: يا رسول الله أنا ضرير) أي لا أستطيع الجهاد (فنزلت مكانها) أي في مكان الكتابة في الحال قيل قبل أن يجف القلم ({لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله}) لم يقتصر الراوي هنا على ذكر الكلمة الزائدة وهي غير أولي الضرر كما في السابقة، فيحتمل أن يكون الوحي نزل بإعادة الآية بالزيادة بعد أن نزل بدونها، فحكى الراوي صورة الحال أو نزل بقوله (غير أولي الضرر) فقط وأعاد الراوي الآية من أوّلها حتى يتصل المستثنى بالمستثنى منه قاله ابن التين، وأيد الأخير الحافظ ابن حجر برواية خارجة بن زيد عن أبيه عند أحمد فإن فيها: ثم سري عنه فقال: اقرأ فقرأت عليه ({لا يستوي القاعدون من المؤمنين}) فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ({غير أولي الضرر}) قال زيد فألحقتها فوالله لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع كان في الكتف، وعند الطبراني والبزار وصححه ابن حبان من حديث الفلتان بالفاء واللام والفوقية المفتوحات ابن عاصم فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للكاتب: اكتب غير أولي الضرر. 4595 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَهُمْ ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ، أَنَّ مِقْسَمًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} عَنْ بَدْرٍ وَالْخَارِجُونَ إِلَى بَدْرٍ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم ح) لتحويل السند قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد (إسحاق) هو ابن منصور لا ابن راهويه قال: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك قال: (أخبرني) بالإفراد (عبد الكريم) الجزري بالجيم والزاي والراء (أن مقسمًا) بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين المهملة ابن بجرة بضم الموحدة وسكون الجيم ويقال نجدة بفتح النون وبدال (مولى عبد الله بن الحارث) بن نوفل بن عبد المطلب

18 - باب {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} [النساء: 97] الآية

(أخبره أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخبره) عن قوله تعالى: ({لا يستوي القاعدون من المؤمنين}) أي (عن) غزوة (بدر والخارجون إلى بدر) انفرد بإخراجه المؤلّف دون مسلم. وأخرجه الترمذي من طريق حجاج عن ابن جريج عن عبد الكريم وزاد لما نزلت غزوة بدر قال عبد الله بن جحش وابن أم مكتوم إنا أعميان يا رسول الله فهل لنا رخصة؟ فنزلت: ({لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر}) و {فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة} فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرًا عظيمًا درجات منه على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر، وقال: حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن عباس، ومن قوله: {درجة} الخ مدرج من قول ابن جريج كما بيّنه الطبري، وقال بدل قوله في رواية الترمذي عبد الله بن جحش أبو أحمد بن جحش وهو الصواب واسم أبي أحمد هذا عبد بغير إضافة وهو مشهور بكنيته، والمعنى لا مساواة بين القاعدين من غير عذر وبين المجاهدين وإن كان هذا معلومًا، لكن فائدته كما في الكشاف التذكير بما بينهما من التفاوت العظيم والبون البعيد والتحريك إلى الجهاد، وقوله: إن جملة فضل الله المجاهدين موضحة لما نفى من استواء القاعدين والمجاهدين، والمعنى على القاعدين غير أولي الضرر مع قوله بعد والمفضلون درجة واحدة هم الذين فضلوا على القاعدين الأضراء والمفضلون درجات الذين فضلوا على القاعدين الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم لأن الغزو فرض كفاية. تعقبه في التقريب فقال: فيه نظر لأنه فسر القاعدين بغير أولي الضرر وإنما يستقيم على تفسيره بالأضراء كما في المعالم وقال غيره: ولقائل أن يقول فعلى هذا لم يبق للاستثناء معنى، لأن التقدير وفضل الله المجاهدين على القاعدين إلا أولي الضرر فإنهم ليسوا بمفضلين. لكن قال في فتوح الغيب: إن قوله فضل الله المجاهدين جملة موضحة الخ المراد منه وما عطف عليه من قوله وفضل الله الثاني كلاهما بيان للجملة الأولى ولا بد من التطابق بين البيان والمبين والمذكور في البيان شيئان وليس في المبين سوى ذكر غير أولي الضرر فالواجب أن يقدر ما يوافقه في قوله: لا يستوي القاعدين أي أولو الضرر غير أولي الضرر وهو من أسلوب الجمع التقديري لدلالة التفضيل على المفضل. وقال الراغب: إن قيل لِمَ كرر الفضل وأوجب في الأول درجة وفي الثاني درجات وقيدها بقوله منه وأردفها بالمغفرة والرحمة؟ قيل: عنى بالدرجة ما يؤتيه في الدنيا مرة من الغنيمة ومن السرور بالظفر وجميل الذكر وبالدرجات ما يتخوّلهم في الآخرة ونبه بالإفراد في الأول وبالجمع في الثاني على أن ثواب الدنيا في جنب ثواب الآخرة يسير، وقيدها بقوله منه لتعظيمها، وأردفها بالمغفرة والرحمة إيذانًا بالوصول إلى الدرجات بعد الخلاص من التبعات. قال في فتوح الغيب: والذي تقتضيه البلاغة هذا وبيانه أن قوله فضل الله المجاهدين جملة موضحة لما نفى الاستواء فيه والقاعدون على التقييد السابق من أن المراد به غير الأضراء فحسب، وإنما كرر فضل الله المجاهدين ليناط به من الزيادة ما لم ينط به أولًا فالفضل الأول الظفر والغنيمة والذكر الجميل في الدنيا والثاني المقامات السنية والدرجات العالية والفوز بالرضوان في العقبى، ثم قال: هذا تفسير متين موافق للنظم لا تعقيد فيه غير محتاج إلى جعل المجاهدين صنفين كما ينبئ عنه ظاهر الكشاف، ويطابقه سبب النزول ويلائم حديث أنس مرفوعًا: "لقد خلفتم في المدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم" قاله حين رجع من غزوة تبوك ودنا من المدينة، والحديثان يؤذنان بالمساواة بين المجاهدين والأضراء وعليه دلالة مفهوم الصفة والاستثناء في غير أولي الضرر، وكلام الزجاج إلا أولو الضرر فإنهم يساوون المجاهدين يعني في أصل الثواب لا في المضاعفة لأنها تتعلق بالفعل. 18 - باب {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97] الآيَةَ هذا (باب)

بالتنوين في قوله تعالى: ({إن الذين توفاهم الملائكة}) ملك الموت وأعوانه وهم ستة ثلاثة لقبض أرواح المؤمنين وثلاثة للكفار أو المراد ملك الموت وحده وذكر بلفظ الجمع للتعظيم أي توفاهم الملائكة بقبض أرواحهم حال كونهم ({ظالمي أنفسهم}) ويصلح توفاهم أن يكون للماضي وذكر الفعل لأنه فعل جمع وللاستقبال أي الذين تتوفاهم حذفت التاء الثانية لاجتماع المثلين. قال في فتوح الغيب: إذا حمل على الاستقبال يكون من باب حكاية الحال الماضية ({قالوا}) أي الملائكة لهم ({فيم كنتم}) من أمر الدين في فريق المسلمين أو المشركين؟ والسؤال للتوبيخ يعني لِمَ تركتم الجهاد والهجرة والنصرة؟ ({قالوا كنا مستضعفين}) أي عاجزين ({في الأرض}) لا نقدر على الخروج من مكة ({قالوا}) أي الملائكة ({ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها} [النساء: 97] الآية). أي إلى المدينة وتخرجوا من بين أظهر المشركين وسقط لأبي ذر قوله: كنا الخ وسقط الباب من أكثر النسخ وثبت في بعضها. 4596 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ وَغَيْرُهُ قَالاَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو الأَسْوَدِ، قَالَ: قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرْتُهُ فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْتِي السَّهْمُ فَيُرْمَي بِهِ فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يُضْرَبُ فَيُقْتَلُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الآيَةَ. رَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ. [الحديث 4596 - طرفه في: 7085]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد المقرئ) بالهمزة أبو عبد الرحمن المكي أصله من البصرة أو الأهواز أقرأ القرآن نيفًا وسبعين سنة وهو من كبار شيوخ البخاري قال: (حدّثنا حيوة) بفتح المهملة وسكون التحتية وفتح الواو ابن شريح بالشين المعجمة المضمومة والراء المفتوحة وبعد التحتية الساكنة مهملة أبو زرعة التجيبي بضم الفوقية وكسر الجيم المصري (وغيره) هو ابن لهيعة المصري كما أخرجه الطبراني في الصغير (قالا: حدّثنا محمد بن عبد الرحمن) بن نوفل الأسدي (أبو الأسود) يتيم عروة بن الزبير (قال: قطع على أهل المدينة بعث) بضم القاف وكسر الطاء مبنيًّا للمفعول أي الزموا بإخراج جيش لقتال أهل الشام في خلافة عبد الله بن الزبير على مكة (فاكتتبت فيه) بضم المثناة الفوقية الأولى وكسر الثانية وسكون الموحدة مبنيًّا للمفعول (فلقيت عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته) بأني اكتتبت في ذلك البعث (فنهاني عن ذلك أشد النهي ثم قال: أخبرني ابن عباس أن ناسًا من المسلمين) سمى ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق ابن جريج عن عكرمة. ومن طريق ابن عيينة عن ابن إسحاق عمرو بن أمية بن خلف والعاص بن منبه بن الحجاج والحارث بن زمعة وأبا قيس بن الفاكه، وعند ابن جريج أبا قيس بن الوليد بن المغيرة، وعند ابن مردويه من طريق أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس الوليد بن عتبة بن ربيعة والعلاء بن أمية بن خلف (كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبى ذر عن الكشميهني على عهد رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية أشعث المذكورة أنهم خرجوا إلى بدر فلما رأوا قلة المسلمين دخلهم شك وقالوا غرّ هؤلاء دينهم فقتلوا ببدر (يأتي السهم فيرمى به) بضم التحتية وفتح الميم مبنيًّا للمفعول وفي نسخة يرمى بإسقاط الفاء ولأبي ذر: يدمى بالدال بدل الراء (فيصيب أحدهم) نصب على المفعولية (فيقتله أو يضرب فيقتل) بضم حرف المضارعة من الفعلين وفتح ثالثهما. قال في الكواكب الدراري: وغرض عكرمة أن الله ذم من كثر سواد المشركين مع أنهم كانوا لا يريدون بقلوبهم موافقتهم فكذلك أنت لا تكثر سواد هذا الجيش وإن كنت لا تريد موافقتهم لأنهم لا يقاتلون في سبيل الله (فأنزل الله تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} الآية) أي بخروجهم مع المشركين وتكثير سوادهم حتى قتلوا معهم. (رواه) أي الحديث المذكور (الليث) بن سعد مما وصله الإسماعيلي والطبراني في الأوسط من طريق أبي صالح كاتب الليث عن الليث (عن أبي الأسود) عن عكرمة لكن بدون قصة أبي الأسود، وعند الطبراني وابن أبي حاتم من طريق عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يخفون بالإسلام فأخرجهم المشركون معهم يوم بدر فأصيب بعضهم فقال المسلمون: هؤلاء كانوا مسلمين فأكرهوا فاستغفروا لهم فنزلت فكتبوا بها إلى من بقي من المسلمين وأنه لا عذر لهم فخرجوا

19 - باب {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا} [النساء: 98]

فلحقهم المشركون ففتنوهم فرجعوا فنزلت: {ومن الناس من يقول آمنا بالله} [البقرة: 8] الآية فكتب إليهم بذلك فخرجوا فلحقوهم فنجا من نجا وقتل من قتل وعن سمرة قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله" رواه أبو داود. 19 - باب {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} [النساء: 98] ({إلا المستضعفين}) وفي بعض النسخ باب بالتنوين أي في قوله تعالى: {إلا المستضعفين} استثناء من قوله: {فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرًا} فيكون الاستثناء متصلًا كأنه قيل فأولئك في جهنم إلا المستضعفين، والصحيح أنه منقطع لأن الضمير في مأواهم عائد على أن الذين توفاهم وهؤلاء المتوفون إما كفارًا أو عصاة بالتخلف وهم قادرون على الهجرة فلم يندرج فيهم المستضعفون فكان منقطعًا ({من الرجال والنساء والولدان}) الذين ({لا يستطيعون حيلة}) في الخروج من مكة لعجزهم وفقرهم ({ولا يهتدون سبيلا}) [النساء: 98]. ولا معرفة لهم بالمسالك من مكة إلى المدينة. واستشكل إدخال الولدان في جملة المستثنين من أهل الوعيد لأنه يوهم دخول الولدان فيه إذا استطاعوا واهتدوا، وأجيب: بأن العجز متمكن من الولدان لا ينفك عنهم فكانوا خارجين من جملتهم في الوعيد ضرورة فإذا لم يدخلوا فيه لم يخرجوا بالاستثناء. فإن قلت: فإذا لم يخرجوا بالاستثناء كيف قرنهم في جملة المستثنين؟ أجيب: ليبين أن الرجال والنساء الذين لا يستطيعون صاروا في انتفاء الذنب كالولدان مبالغة لأن المعطوف عليه يكتسب من معنى المعطوف لمشاركتهما في الحكم أو المراد بالولدان العبيد أو البالغون وهو أولى من إرادة المراهقين لعدم توبيخ نحوهم، وكذا هو أولى من حمل البيضاوي ذلك على المبالغة في الأمر باعتبار أنهم على صدد وجوب الهجرة فإنهم إذا بلغوا وقدروا على الهجرة فلا محيص لهم عنها فإن قوّامهم يجب عليهم أن يهاجروا بهم متى أمكنت. قال الطيبي: وعلى هذا المبالغة راجعة إلى وجوب الهجرة وأنها خارجة عن حكم سائر التكاليف حيث أوجبت على من لم يجب عليه شيء. 4597 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ} قَالَ: كَانَتْ أُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن أيوب) السختياني (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) في قوله تعالى: ({إلا المستضعفين} قال: كانت أمي) أي أم الفضل لبابة بنت الحارث (ممن عذر الله) أي ممن جعله الله من المعذورين. وسبق هذا الحديث في هذه السورة. 20 - باب قَوْلِهِ: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} [النساء: 99] الآيَةَ (باب قوله) تعالى: ({فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم}) أي يتجاوز عنهم بتركهم الهجرة وعسى من الله واجب لأنه إطماع والله تعالى إذا أطمع عبدًا في شيء أوصله إليه، (الآية) كذا في رواية أبي ذر، ولغيره فعسى الله أن يعفو عنهم وليس هو لفظ القرآن وكان الله عفوًّا غفورًا. 4598 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الْعِشَاءَ إِذْ قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» ثُمَّ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ: «اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ نَجِّ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، اللَّهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي التميمي مولاهم البصري (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: بينا) بغير ميم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي العشاء إذ قال): (سمع الله لمن حمده)، ثم قال قبل أن يسجد (اللهم نج عياش بن أبي ربيعة) أخا أبي جهل لأمه (اللهم نج سلمة بن هشام) أخا أبي جهل (اللهم نج الوليد بن الوليد) بن المغيرة المخزومي أخا خالد بن الوليد وهؤلاء قوم من أهل مكة أسلموا ففتنتهم قريش وعذبوهم ثم نجوا منهم ببركته عليه الصلاة والسلام ثم هاجروا إليه (اللهم نج المستضعفين من المؤمنين) عام بعد خاص ونج بفتح النون وتشديد الجيم ثم دعا على من عوّقهم عن الهجرة فقال: (اللهم اشدد وطأتك) بفتح الواو وسكون الطاء أي عقوبتك (على) كفار قريش أولاد (مضر اللهم اجعلها) أي وطأتك (سنين) أعوامًا مجدبة (كسني يوسف) عليه الصلاة والسلام المذكورة في قوله تعالى: {ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد} [يوسف: 48] وأصل السنة سنهة على وزن جبهة فحذفت لامها ونقلت حركتها إلى النون فإذا أضفتها حذفت نون الجمع للإضافة جريًا على اللغة العالية فيه

21 - باب قوله: {ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم} [النساء: 102]

وهو إجراؤه مجرى جمع المذكر السالم لكنه شاذ لأنه غير عاقل ولتغييره مفرده بكسر أوله. وقد سبق هذا الحديث في باب يهوي بالتكبير حين يسجد وفي أوائل الاستسقاء. 21 - باب قوله: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} [النساء: 102] (باب قوله) تعالى: كذا للمستملي بالإضافة ولأبي ذر تنوين باب وحذف تاليه ({ولا جناح عليكم}) أي لا إثم عليكم ({إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم}) [النساء: 102] فيه بيان الرخصة في وضع الأسلحة إن ثقل عليهم حملها بسبب ما يبلهم من مطر أو يضعفهم من مرض وأمرهم مع ذلك بأخذ الحذر لئلا يغفلوا فيهجم عليهم العدوّ، ودلّ ذلك على وجوب الحذر عن جميع المضار المظنونة، ومن ثم علم أن العلاج بالدواء والاحتراز عن الوباء والتحرز عن الجلوس تحت الجدار المائل واجب، وسقط لأبي ذر من قوله: {أو كنتم مرضى} الخ وقال بعد قوله: {من مطر} الآية. 4599 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: {إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى} قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ: كَانَ جَرِيحًا. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) الكسائي نزيل بغداد ثم مكة قال: (أخبرنا حجاج) هو ابن محمد الأعور (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (يعلى) بن مسلم بن هرمز (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) في قوله تعالى: ({إن كان بكم أذي من مطر أو كنتم مرضى} قال) أي ابن عباس (عبد الرحمن بن عوف كان جريحًا) ولأبي ذر: وكان جريحًا أي فنزلت الآية فيه، وعبد الرحمن مبتدأ خبره كان جريحًا والجملة من قول ابن عباس. وهذا الحديث أخرجه النسائي -رحمه الله تعالى-. 22 - باب قَوْلِهِ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ} [النساء: 127] (باب قوله) كذا للمستملي وسقط ذلك لغيره ({ويستفتونك}) بالواو ولأبوي الوقت وذر بإسقاطها أي يسألونك الفتوى ({في النساء}) أي في ميراثهن ({قل الله يفتيكم فيهن}) وكانت العرب لا تورثهن شيئًا ({وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء} [النساء: 127] موضع ما إما رفع عطفًا على المستكن في يفتيكم العائد عليه تعالى، وجاز ذلك للفصل بالمفعول والجار والمجرور والمتلوّ في الكتاب في معنى اليتامى قوله تعالى: {وإن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى} [النساء: 3] باعتبارين مختلفين نحو أغناني زيد وعطاؤه وأعجبني زيد وكرمه، وذلك أن قوله: {الله يفتيكم فيهن} بمنزلة أعجبني زيد جيء به للتوطئة والتمهيد، وقوله: {وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء} بمنزلة وكرمه لأنه المقصود بالذكر أو مبتدأ وفي الكتاب خبره، والمراد به اللوح المحفوظ تعليمًا للمتلوّ عليهم وإن العدل والنصفة في حقوق اليتامى من عظائم الأمور والمخل بها ظالم متهاون بما عظمه الله تعالى أو نصب على تقدير ويبين لكم ما يتلى أو جر بالقسم أي وأقسم بما يتلى عليكم ولا يصح العطف على الضمير المجرور في فيهن من حيث اللفظ والمعنى أما اللفظ فلأنه لا يجوز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار وأما المعنى فلأنه يلزم أن يكون الإفتاء في شأن المتلوّ مع أنه ليس السؤال عنه. 4600 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} قَالَتْ عَائِشَةُ: هُوَ الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْيَتِيمَةُ هُوَ وَلِيُّهَا وَوَارِثُهَا فَأَشْرَكَتْهُ فِي مَالِهِ حَتَّى فِي الْعِذْقِ فَيَرْغَبُ أَنْ يَنْكِحَهَا وَيَكْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا رَجُلًا فَيَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ بِمَا شَرِكَتْهُ، فَيَعْضُلَهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ شِقَاقٌ: تَفَاسُدٌ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبيد بن إسماعيل) بضم العين مصغرًا أبو محمد القرشي الهباري الكوفي واسمه عبد الله وعبيد لقبه قال: (حدّثنا أبو أسامة) بن حماد وأسامة (قال: حدّثنا هشام بن عروة) وسقط قال لغير أبي ذر (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام، ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد أبي (عن عائشة -رضي الله عنها-) في قوله تعالى: ({ويستفتونك في النساء}) سقطت الواو لغير أبي ذر. ({قل الله يفتيكم فيهن}) إلى قوله: ({وترغبون أن تنكحوهن}) أي في نكاحهن (قالت عائشة): وسقط لغير أبي ذر عائشة (هو الرجل تكون عنده اليتبمة هو وليها) القائم بأمورها (ووارثها فأشركته) بفتح الهمزة والراء ولأبي ذر فتشركه بفتح التاء والراء (في ماله حتى في العذق) بفتح العين وسكون المعجمة أي في النخلة والأصيلي في العذق بكسر العين أي في الكباسة وهي عنقود التمر (فيرغب أن ينكحها) أي عن نكاحها (ويكره أن يزوّجها رجلًا) غيره (فيشركه) أي الرجل الذي يتزوجها (في ماله بما شركته) أي بالذي شركته فيه (فيعضلها) بضم الضاد المعجمة نصب عطفًا على المنصوب السابق، وكذا فيشركها، ويجوز رفعها عطفًا على يرغب ويكره أي يمنعها من التزوّج، وروى ابن

23 - باب {وأحضرت الأنفس الشح} [النساء: 128]

أبي حاتم من طريق السدي قال: كان لجابر بنت عم دميمة ولها مال ورثته عن أبيها، وكان جابر يرغب عن نكاحها ولا يُنكحها خشية أن يذهب الزوج بمالها فسأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك (فنزلت هذه الآية). وهذا الحديث سبق في باب {وإن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى} أول هذه السورة. ({وإن امرأة خافت من بعلها}) أي زوجها ({نشوزًا}) بأن يتجافى عنها ويمنعها نفقته ونفسه أو يؤذيها بشتم أو ضرب ({أو إعراضًا}) [النساء: 128] بتقليل المحادثة والمؤانسة بسبب طعن في سن أو دمامة أو غيرهما أو امرأة فاعل بفعل مضمر واجب الإضمار وهو من باب الاشتغال والتقدير وإن خافت امرأة خافت ولا يجوز رفعه بالابتداء لأن أداة الشرط لا يليها إلا الفعل عند جمهور البصريين. (وقال ابن عباس): فيما وصله ابن أبي حاتم {شقاق} يريد قوله تعالى: {إن خفتم شقاق بينهما} [النساء: 35] أي (تفاسد) وأصل الشقاق المخالفة وكون كل واحد من المتخالفين في شق غير صاحبه ومحل ذكر هذه الآية قبل على ما لا يخفى. 23 - باب {وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ} [النساء: 128] هَوَاهُ فِي الشَّيْءِ يَحْرِصُ عَلَيْهِ. {كَالْمُعَلَّقَةِ} لاَ هِيَ أَيِّمٌ وَلاَ ذَاتُ زَوْجٍ {نُشُوزًا}: بُغْضًا. ({وأحضرت الأنفس الشح}) قال الإمام: المعنى أن الشح جعل كالأمر المجاور للنفوس اللازم لها يعني أن النفوس مطبوعة على الشح، وهذا معنى قول الكشاف: إن الشح قد جعل حاضرًا لها لا يغيب عنها أبدًا ولا تنفك عنه يعني أنها مطبوعة عليه، فالمرأة لا تكاد تسمح بقسمتها وبغير قسمتها والرجل لا تكاد نفسه تسمح بأن يقسم لها وأن يمسكها إذا رغب عنها وأحب غيرها، وجملة وأحضرت كقوله: {والصلح خير} اعتراض. قال أبو حيان: كأنه يريد أن قوله: {وإن يتفرقا} معطوف على قوله: {فلا جناح عليهما} فجاءت الجملتان بينهما اعتراضًا، وتعقبه بعضهم فقال فيه نظر فإن بعدهما جملًا أُخر ينبغي أن يقول الزمحشري في الجميع إنها اعتراض ولا يخص {والصلح خير وأحضرت الأنفس} بذلك، وإنما أراد الزمخشري بذلك الاعتراض بين قوله: {وإن امرأة خافت} وقوله: ({وأن تحسنوا} [النساء: 128] فإنهما شرطان متعاطفان ويدل عليه تفسيره بما يفيد هذا المعنى فلينظر من موضعه، وقد فسر المؤلّف الشح بما فسره به ابن عباس مما وصله ابن أبي حاتم حيث قال: (هواه في الشيء يحرص عليه) وقيل: الشح البخل مع الحرص، وقيل الإفراط في الحرص. ({كالمعلقة}) يريد: {فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة} [النساء: 129] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم: (لا هي أيم) بهمزة مفتوحة وتحتية مشددة مكسورة أي لا زوج لها (ولا ذات زوج) وقال ابن عباس أيضًا مما وصله ابن أبي حاتم أيضًا من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله: ({نشوزًا}) أي (بغضًا). 4601 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} قَالَتِ: الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ لَيْسَ بِمُسْتَكْثِرٍ مِنْهَا يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا فَتَقُولُ: أَجْعَلُكَ مِنْ شَأْنِي فِي حِلٍّ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي ذَلِكَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) أبو الحسن المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) في قوله تعالى: ({وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا} قالت: الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها) أي في المحبة والمعاشرة والملازمة (يريد أن يفارقها فتقول أجعلك من شأني) من نفقة أو كسوة أو مبيت أو غير ذلك من حقوقي (في حل) أي وتتركني بغير طلاق (فنزلت هذه الآية) زاد أبوا الوقت وذر عن الحموي: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا} الآية. (في ذلك) فإذا تصالح الزوجان على أن تطيب له نفسًا في القسمة أو عن بعضها فلا جناح عليهما كما فعلت سودة بنت زمعة فيما رواه الترمذي عن ابن عباس بلفظ: خشيت سودة أن يطلقها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله لا تطلقني واجعل يومي لعائشة ففعل ونزلت هذه الآية وقال: حسن غريب. وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة وترك سودة في جملة نسائه وفعل ذلك لتتأسى به أمته في مشروعية ذلك وجوازه. 24 - باب {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ} [النساء: 145] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَسْفَلَ: النَّارِ. نَفَقًا: سَرَبًا ({إن المنافقين}) وفي نسخة باب بالتنوين أي في قوله تعالى: ({إن المنافقين في الدرك الأسفل}) [النساء: 145]. زاد أبوا ذر والوقت ({من النار} وقال): بالواو ولأبي ذر: قال (ابن عباس): مما وصله ابن أبي حاتم أي (أسفل النار)، وللنار سبع دركات

25 - باب قوله: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح} -إلى قوله- {ويونس وهارون وسليمان} [النساء: 163]

والمنافق في أسفلها. وقال أبو هريرة فيما رواه ابن أبي حاتم: الدرك الأسفل بيوت لها أبواب تطبق عليها فتوقد من فوقهم ومن تحتهم، ولعل ذلك لأجل أنه في أسفل السافلين من درجات الإنسانية، وكيف لا وقد ضم إلى الكفر السخرية بالإسلام وأهله والمنافق هو المظهر للإسلام المبطن للكفر فلذا كان عذابه أشد من الكفار وتسمية غيره بالمنافق كما في الحديث الصحيح (ثلاث من كن فيه كان منافقًا خالصًا) فللتغليظ. ({نفقًا}) يريد قوله تعالى في سورة الأنعام: ({إن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض} [الأنعام: 35] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم أيضًا أي: (سربًا). 4602 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: كُنَّا فِي حَلْقَةِ عَبْدِ اللَّهِ، فَجَاءَ حُذَيْفَةُ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ أُنْزِلَ النِّفَاقُ عَلَى قَوْمٍ خَيْرٍ مِنْكُمْ، قَالَ الأَسْوَدُ: سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145] فَتَبَسَّمَ عَبْدُ اللَّهِ وَجَلَسَ حُذَيْفَةُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ فَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ فَرَمَانِي بِالْحَصَا فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: عَجِبْتُ مِنْ ضَحِكِهِ، وَقَدْ عَرَفَ مَا قُلْتُ لَقَدْ أُنْزِلَ النِّفَاقُ عَلَى قَوْمٍ كَانُوا خَيْرًا مِنْكُمْ ثُمَّ تَابُوا فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث الكوفي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني) بالإفراد (إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي وهو خال إبراهيم أنه (قال: كنا في حلقة عبد الله) أي ابن مسعود وحلقة بسكون اللام (فجاء حذيفة) بن اليمان (حتى قام علينا فسلم ثم قال: لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم). أي ابتلوا به والخيرية باعتبار أنهم كانوا من طبقة الصحابة فهم خير من طبقة التابعين لكن الله تعالى ابتلاهم فارتدوا أو نافقوا فذهبت الخيرية منهم (قال الأسود) بن يزيد متعجبًا من كلام حذيفة: (سبحان الله إن الله) تعالى (يقول: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} فتبسم عبد الله) بن مسعود متعجبًا من كلام حذيفة وبما قام به من قول الحق وما حذر منه (وجلس حذيفة) بن اليمان (في ناحية المسجد فقام عبد الله) بن مسعود (فتفرق أصحابه) قال الأسود: (فرماني) أي حذيفة بن اليمان (بالحصى) أي ليستدعيني (فأتيته فقال حذيفة: عجبت من ضحكة) أي ضحك عبد الله بن مسعود مقتصرًا عليه أي على الضحك (وقد عرف ما قلت لقد أنزل النفاق على قوم كانوا خيرًا منكم ثم تابوا)، أي رجعوا عن النفاق (فتاب الله عليهم) واستدلّ به كقوله: {إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين} [النساء:146] على صحة توبة الزنديق وقبولها كما عليه الجمهور. وهذا الحديث أخرجه النسائي في التفسير. 25 - باب قَوْلِهِ: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} -إِلَى قَوْلِهِ- {وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ} [النساء: 163] هذا (باب) بالتنوين (قوله) عز وجل ({إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح}) إلى قوله: ({ويونس وهارون وسليمان}) [النساء: 163] وسقط لفظ باب لغير أبي ذر وقوله كما أوحينا إلى نوح لغير أبوي ذر والوقت والكاف في كما أوحينا نصب بمصدر محذوف أي إيحاء مثل إيحائنا أو على أنه حال من ذلك المصدر المحذوف وما تحتمل المصدرية فلا تفتقر إلى عائد على الصحيح والموصولية فيكون العائد محذوفًا. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيما رواه ابن إسحاق أن سكينًا وعدي بن زيد قالا: يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء من بعد موسى فأنزل الله تعالى في ذلك {إنا أوحينا إليك}. وعن محمد بن كعب القرظي أنزل الله {يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابًا من السماء} إلى قوله: {بهتانًا عظيمًا} [النساء: 153 - 156] فلما تلاها عليهم يعني اليهود وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة جحدوا كل ما أنزل الله تعالى وقالوا: {ما أنزل الله على بشر من شيء} فقال: ولا على أحد فأنزل الله {وما قدروا الله حق قدره} [الأنعام: 91] إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء. قال ابن كثير وفي هذا الذي قاله محمد بن كعب نظر فإن هذه الآية مكية في سورة الأنعام وهذه الآية التي في النساء مدنية وهي ردّ عليهم لما سألوه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ينزل عليهم كتابًا من السماء قال الله تعالى فقد سألوا موسى أكبر من ذلك ثم ذكر فضائحهم ومعايبهم ثم ذكر أنه أوحى إلى عبده كما أوحى إلى غيره من النبيين فقال مخاطبًا حبيبه وآثر صيغة التعظيم تعظيمًا للموحي والموحى إليه {إنّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح} أي لك أسوة بالأنبياء السالفة فتأس بهم {وكلاًّ نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك} لأن شأن وحيك كشأن وحيهم، وبدأ بنوح لأنه أوّل نبي قاسى الشدة من الأمة وعطف عليه النبين من بعده وخص منهم إبراهيم إلى داود عليه السلام تشريفًا لهم وترك ذكر موسى ليبرزه مع ذكرهم بقوله: {وكلم الله موسى تكليمًا} على نمط

26 - باب {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد} [النساء: 176]. والكلالة: من لم يرثه أب أو ابن وهو مصدر من تكلله النسب

أعم من الأوّل لأن قوله: {ورسلًا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلًا لم نقصصهم} من التقسيم الخاص مزيدًا لشرفه واختصاصه بوصف التكليم دونهم أي رسلًا فضلهم واختارهم وآتاهم الآيات البينات والمعجزات القاهرات الباهرات إلى ما لا يحصى، وخص موسى بالتكليم وثلث ذكرهم على أسلوب يجمعهم في وصف عام على جهة المدح والتعظيم سار في غيرهم وهو كونهم مبشرين ومنذرين وجعلهم حجة الله على الخلق طرًا لقطع معاذيرهم فيدخل في هذا القسم كل من دعا إلى هدى وبشر وأنذر كالعلماء وظهر من هذا التقرير طبقات الداعين إلى الله بأسرهم قاله في فتوح الغيب. 4603 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا يَنْبَغِى لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (الأعمش) سليمان (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله تعالى عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما ينبغي لأحد) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لعبد بدل قوله لأحد، وسقط لأبي ذر قال: (أن يقول أنا خير من يونس بن متى) بفتح الميم والمثناة الفوقية المشددة مقصورًا اسم أبيه وقيل اسم أمه أي ليس لأحد أن يفضل نفسه على يونس أو ليس لأحد أن يفضلني عليه وهذا منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على طريق التواضع فلا يعارض بحديث "أنا سيد ولد آدم" الصادر منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على طريق التحدث بالنعمة والإعلام للأمة برفيع منزلته ليعتقدوه أو قال الأوّل قبل أن يعلم الثاني. 4604 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلاَلٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين وتخفيف النون العوقي بفتح العين المهملة والواو بعدها قاف الباهلي قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام آخره حاء مهملة مصغرًا ابن سليمان قال: (حدّثنا هلال) هو ابن علي (عن عطاء بن يسار) ضد اليمين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من قال أنا خير) يعني نفسه أو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من يونس بن متى فقد كذب) لعله قال ذكر زجرًا عن توهم حط مرتبة يونس لما في قوله تعالى: {ولا تكن كصاحب الحوت} [القلم: 48] فقاله سدًّا للذريعة، وهذا هو السبب في تخصيص يونس بالذكر من بين سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وهذا الحديث قد ذكره في أحاديث الأنبياء. 26 - باب {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176]. وَالْكَلاَلَةُ: مَنْ لَمْ يَرِثْهُ أَبٌ أَوِ ابْنٌ وَهْوَ مَصْدَرٌ مِنْ تَكَلَّلَهُ النَّسَبُ هذا (باب) بالتنوين وسقط لغير أبي ذر لفظ باب في قوله تعالى: ({يستفتونك}) أي في الكلالة حذف لدلالة الثاني عليه في قوله: ({قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك}) أي مات وارتفع امرؤ بالمضمر المفسر بالمذكور ({ليس له ولد}) أي ابن صفة لامرؤ واستدلّ به من قال ليس من شرط الكلالة انتفاء الوالد بل يكفي انتفاء الولد وهو رواية عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رواها ابن جرير عنه بإسناد صحيح إليه لكن الذي عليه الجمهور من الصحابة والتابعين أنه من لا ولد له ولا والد وهو قول أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أخرجه ابن أبي شيبة ويدل على ذلك قوله تعالى: ({وله أخت فلها نصف ما ترك}) ولو كان معها أب لم ترث شيئًا لأنه يحجبها بالإجماع فدلّ على أنه من لا ولد له بنص القرآن ولا والد بالنص عند التأمل أيضًا لأن الأخت لا يفرض لها النصف مع الوالد بل ليس لها ميراث بالكلية والمراد الأخت من الأبوين أو الأب لأنه جعل أخوها عصبة وابن الأم لا يكون عصبة ({وهو}) أي والمرء ({يرثها}) أي جميع مال الأخت إن كان الأمر بالعكس ({إن لم يكن لها ولد}) [النساء: 176] ذكرًا كان أو أنثى أي ولا والد لأنه لو كان لها والد لم يرث الأخ شيئًا (والكلالة: من لم يرثه أبّ أو ابن) كما مر (وهو) كما قال أبو عبيدة (مصدر من تكلله النسب) أي تعطف النسب عليه وقال في الصحاح ويقال هو مصدر من تكلله النسب أي تطرفه كأنه أخذ طرفيه من جهة الولد والوالد وليس له منهما أحد فسمى بالمصدر اهـ. وقال غيره، والكلالة في الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوة من الإعياء، وعلى هذا فقول العيني متعقبًا على الحافظ ابن حجر عزوه ما ذكره البخاري من كونه مصدرًا لأبي عبيدة فيه نظر لأن

([5] سورة المائدة)

تكلل على وزن تفعل ومصدره تفعل وليس بمصدر بل هو اسم لا يخفى ما فيه وقيل كل ما احتف بالشيء من جوانبه فهو إكليل وبه سميت لأن الوراث يحيطون به من جوانبه وقيل الأب والابن طرفان للرجل فإذا مات ولم يخلفهما فقد مات عن ذهاب طرفيه فسمي ذهاب الطرفين كلالة. 4605 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- قَالَ: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةَ وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {يَسْتَفْتُونَكَ}. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قاضي مكة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه قال: (سمعت البراء) بن عازب (رضي الله تعالى عنه قال: آخر سورة نزلت) على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (براءة) بالتنوين (وآخر آية نزلت {يستفتونك}) زاد أبو ذر {قل الله يفتيكم في الكلالة} وقد سبق في البقرة من حديث ابن عباس آخر آية نزلت آية الربا فيحتمل أن يقال آخرية الأولى باعتبار نزول أحكام الميراث والأخرى باعتبار أحكام الربا. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفرائض وكذا أبو داود والنسائي. (بسم الله الرحمن الرحيم) ([5] سورة الْمَائِدَةِ) وهي مدنية إلا {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] فبعرفة عشيتها. قال في الينبوع: ومن نسب هذه السورة إلى عرفة فقدسها بل نزلت بالمدينة سوى الآيات من أوّلها فإنهن نزلن في حجة الوداع وهو على راحلته بعرفة بعد العصر انتهى. وقد روى الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد قالت: إني لآخذة بزمام العضباء ناقة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ نزلت عليه المائدة كلها وكادت من ثقلها تدق عضد الناقة. وعن ابن عمر آخر سورة أنزلت المائدة والفتح، قال الترمذي حسن غريب، وثبتت البسملة بعد قوله المائدة لأبي ذر. 1 - باب {حُرُمٌ} وَاحِدُهَا حَرَامٌ {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقِهِمْ} بِنَقْضِهِمْ {الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ} جَعَلَ اللَّهُ {تَبُوءَ} تَحْمِلُ {دَائِرَةٌ} دَوْلَةٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الإِغْرَاءُ: التَّسْلِيطُ. {أُجُورَهُنَّ}: مُهُورَهُنَّ الْمُهَيْمِنُ: الأَمِينُ، الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ، قَالَ سُفْيَانُ: مَا فِي القُرْآنِ آيَةٌ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ {لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أَنزَلَ إِلَيْكُم مِن رَبِّكُمْ}. مَخْمَصَةٌ: مَجَاعَةٌ، مَنْ أَحْيَاهَا: يَعْنِي مَنْ حَرَّمَ قَتْلَهَا إِلاَّ بِحَقٍّ حَيِيِّ النَّاسُ مِنْهُ جَمِيعًا. شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا سَبِيلًا وَسُنَّةً، فَإِنْ عُثِرَ ظَهَرَ، الأَوْلَيَانِ: وَاحِدُهُمَا أَوْلَى. ({حرم}) يريد قولها {غير محليّ الصيد وأنتم حرم} [المائدة: 1] قال أبو عبيدة (واحدهما حرام) والمعنى وأنتم محرمون وهذه الجملة ساقطة لغير أبوي الوقت وذر. ({فبما نقضهم ميثاقهم}) [المائدة: 13] قال قتادة وغيره أي (بنقضهم) فما صلة نحو فبما رحمة من الله وهو القول المشهور، وقيل ما اسم نكرة أبدل منها نقضهم على إبدال المعرفة من النكرة أي بسبب نقضهم ميثاق الله وعهده بأن كذبوا الرسل الذين جاؤوا من بعد موسى وكتموا نعت محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعدناهم من الرحمة أو مسخناهم أو ضربنا عليهم الجزية. ({التي كتب الله}) يريد قوله تعالى: {ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم} [المائدة: 21] أي التي (جعل الله) لكم وثبت هنا قوله حرم واحدها حرام لأبوي الوقت وذر. ({تبوء}) يريد قوله تعالى: {إني أريد أن تبوء بإثمي} [المائدة: 29] معناه (تحمل) كذا فسره مجاهد. ({دائرة}) يريد قوله تعالى: {يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة} [المائدة: 52] أي: (دولة) كذا فسره السدي (وقال غيره): قيل هو غير السدي أو غير من فسر السابق وسقط للنسفي وقال غيره فلا إشكال (الإغراء) المذكور في قوله تعالى: {فأغرينا بينهم العداوة} [المائدة: 14] هو (التسليط) وقيل أغرينا ألقينا. (أجورهن) يريد {إذا آتيتموهن أجورهن} [المائدة: 5] (مهورهن) وهذا تفسير أبي عبيدة. (المهيمن) يريد قوله تعالى: {ومهيمنًا عليه} [المائدة: 48] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طلحة عنه ومهيمنًا عليه قال المهيمن (الأمين القرآن أمين على كل كتاب قبله) وقال ابن جريج: القرآن أمين على الكتب المتقدمة فما وافقه منها فحق وما خالفه منها فهو باطل وقال العوفي عن ابن عباس ومهيمنًا أي حاكمًا على ما قبله من الكتب. (قال) وفي الفرع وقال: (سفيان) هو الثوري (ما في القرآن آية أشد عليّ من) قوله تعالى: ({لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم}) [المائدة: 68] لما فيها من التكليف من العمل بأحكامها. ({مخمصة}) قال ابن عباس (مجاعة). وقال أيضًا فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ({من أحياها} يعني من حرّم قتلها إلا بحق حيي الناس منه جميعًا). وقال أيضًا في قوله تعالى: {لكل جعلنا منكم} ({شرعة ومنهاجًا}) [المائدة: 48] يعني (سبيلًا وسنة) وسقط قوله قال سفيان إلى هنا لغير أبوي ذر والوقت. ({فإن عثر}) {على أنهم استحقا إثمًا} [المائدة: 107] أي (ظهر) وقوله تعالى: {من الذين استحق عليهم الأوليان} [المائدة: 107] (واحدهما

2 - باب {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] وقال ابن عباس مخمصة: مجاعة

أولى) وهذا ثابت في بعض النسخ ساقط من الفرع وأصله. 2 - باب {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَخْمَصَةٌ: مَجَاعَةٌ (باب قوله) تعالى: ({اليوم أكملت لكم دينكم}) [المائدة: 3] وزاد غير أبي ذر هنا (وقال ابن عباس مخمصة مجاعة) وقد سبق فلا فائدة في ذكره وسقط باب قوله لغير أبي ذر. 4606 - حَدَّثَنَي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَتِ الْيَهُودُ: لِعُمَرَ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ آيَةً لَوْ نَزَلَتْ فِينَا لاَتَّخَذْنَاهَا عِيدًا فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي لأَعْلَمُ حَيْثُ أُنْزِلَتْ وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ وَأَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أُنْزِلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ وَإِنَّا وَاللَّهِ بِعَرَفَةَ، قَالَ سُفْيَانُ: وَأَشُكُّ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَمْ لاَ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة العبدي البصري أبو بكر بندار قال: (حدّثنا عبد الرحمن) هو ابن مهدي قال: (حدّثنا سفيان) هو الثوري (عن قيس) هو ابن مسلم (عن طارق بن شهاب) البجلي الأحمسي الكوفي له رؤية أنه قال: (قالت اليهود) كعب الأحبار قبل أن يسلم ومن معه من اليهود وكان إسلام كعب في خلافة عمر على المشهور (لعمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: (إنكم) معشر المسلمين (تقرؤون آية لو نزلت فينا) معشر اليهود (لاتخذناها عيدًا) نسر فيه لكمال الدين وزاد في الإيمان. قال: أيّ؟ قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا} [المائدة: 3] (فقال عمر: إني لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت) قال في المغني وحيث للمكان اتفاقًا، وقال الأخفش قد ترد للزمان وأين قال في الصحاح هذا قلت أين يزيد فإنما تسأل عن مكانه فتكون حيث هنا للزمان وأين للمكان فلا تكرار، وعند أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي حيث أنزلت وأيّ يوم أنزلت (وأين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين) ولأبي ذر حيث (أنزلت) زاد أحمد أنزلت (يوم عرفة وإنا) بكسر الهمزة وتشديد النون (والله بعرفة) إشارة إلى المكان، ولمسلم: ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واقف بعرفة. (قال سفيان) الثوري بالسند السابق: (وأشك كان يوم الجمعة أم لا) سبق في الإيمان من وجه آخر عن قيس بن مسلم الجزم بأنه كان يوم الجمعة ({اليوم أكملت لكم دينكم}). وهذا الحديث قد مرّ في كتاب الإيمان. 3 - باب قَوْلِهِ: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} تَيَمَّمُوا: تَعَمَّدُوا، آمِّينَ: عَامِدِينَ، أَمَّمْتُ وَتَيَمَّمْتُ وَاحِدٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَسْتُمْ وَتَمَسُّوهُنَّ وَاللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ. وَالإِفْضَاءُ: النِّكَاحُ (باب قوله) تعالى: وثبت باب قوله لأبي ذر عن المستملي ({فلم تجدوا ماء}) معطوف على ما قبله والمعنى أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فطلبتم الماء لتتطهروا به فلم تجدوه بثمن ولا بغيره ({فتيمموا صعيدًا}) ترابًا ({طيبًا}) ولعل ذكر الكلام في التيمم ثانيًا لتحقيق شموله للجنب والمحدث حيث ذكر عقيب {وإن كنتم جنبًا فاطهروا} [المائدة: 7] فإنه نقل عن عمر وابن مسعود عند ذكر الأولى التخصيص بالمحدث (تيمموا) أي (تعمدوا) وسقط تيمموا تعمدوا لغير المستملي، وقوله تعالى: {ولا آمين البيت الحرام} [المائدة: 2] أي (عامدين أممت وتيممت واحد) قاله أبو عبيدة (وقال ابن عباس: لمستم وتمسوهن) وفي الفرع ولمستموهن والأوّل هو الذي في أصله (واللاتي دخلتم بهن والإفضاء) الأربعة معناها (النكاح) فالأول وصله إسماعيل القاضي في أحكام القرآن من طريق مجاهد عنه، والثاني وصله ابن المنذر، والثالث ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه، والرابع ابن أبي حاتم من طريق بكر بن عبد الله المزني عن ابن عباس. 4607 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ -أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ- انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا: أَلاَ تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ: وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي وَلاَ يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلاَّ مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى فَخِذِي فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا الْعِقْدُ تَحْتَهُ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنها (قالت: خرجنا مع رسول الله) ولأبي ذر عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض أسفاره) هو غزوة بني المصطلق وكانت سنة ست أو خمس (حتى إذا كنا بالبيداء) بفتح الموحدة والمد (أو بذات الجيش) بفتح الجيم وبعد الياء الساكنة شين معجمة موضعين بين مكة والمدينة والشك من عائشة (انقطع عقد لي) بكسر العين وسكون القاف أي قلادة وإضافته دها باعتبار استيلائها لمنفعته وإلا فهو لأسماء استعارته منها (فأقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق) -رضي الله عنه- وسقط لفظ الصديق لأبي ذر (فقالوا) له: (ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبالناس) بحرف الجر (وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واضع رأسه على فخذي) بالذال

4 - باب قوله: {فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون} [المائدة: 24]

المعجمة (قد نام. فقال): ولأبي ذر وقال: (حبست رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) حبست (الناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء. قالت) ولأبوي ذر والوقت فقالت (عائشة: فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول) قال حبست الناس في قلادة وفي كل مرة تكونين عناء (وجعل يطعنني بيده في خاصرتي) بضم عين يطعنني وقد تفتح (ولا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على فخذي فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين أصبح) ولغير أبوي ذر والوقت فنام حتى أصبح (على غير ماء فأنزل الله آية التيمم) التي بالمائدة. زاد أبو ذر فتيمموا بلفظ الماضي أي تيمم الناس لأجل الآية أو هو أمر على ما هو لفظ القرآن ذكره بيانًا أو بدلًا من آية التيمم أي أنزل الله فتيمموا وفي نسخة فتيممنا (فقال أسيد بن حضير): بضم الحاء وفتح الضاد المعجمة مصغرًا كسابقه الأنصاري الأشهلي (ما هي) أي البركة التي حصلت للمسلمين برخصة التيمم (بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر) بل هي مسبوقة بغيرها (قالت) عائشة: (فبعثنا) أي أثرنا (البعير الذي كنت) راكبة (عليه) حالة السير (فإذا العقد تحته). وهذا الحديث قد سبق في التيمم. 4608 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- سَقَطَتْ قِلاَدَةٌ لِي بِالْبَيْدَاءِ، وَنَحْنُ دَاخِلُونَ الْمَدِينَةَ، فَأَنَاخَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَزَلَ فَثَنَى رَأْسَهُ فِي حَجْرِي رَاقِدًا أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَكَزَنِي لَكْزَةً شَدِيدَةً وَقَالَ: حَبَسْتِ النَّاسَ فِي قِلاَدَةٍ فَبِي الْمَوْتُ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ أَوْجَعَنِي ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَيْقَظَ وَحَضَرَتِ الصُّبْحُ فَالْتُمِسَ الْمَاءُ فَلَمْ يُوجَدْ فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ} [المائدة: 6] الآيَةَ. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ لِلنَّاسِ فِيكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَرَكَةٌ لَهُمْ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي نزيل مصر (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله (قال أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن الحارث المصري (أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت: (سقطت قلادة) بكسر القاف (لي بالبيداء) ليس في هذه الرواية أو بذات الجيش (ونحن داخلون المدينة) الواو للحال (فأناخ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) راحلته (ونزل) عنها (فثنى رأسه) أي وضعها (في حجري) حال كونه عليه الصلاة والسلام (راقدًا. أقبل أبو بكر فلكزني لكزة) بالزاي أي دفعني في صدري بيده دفعة (شديدة وقال: حبست الناس في قلادة فبي الموت لمكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد أوجعني، ثم إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استيقظ وحضرت الصبح) أي صلاة الصبح (فالتمس الماء) بالرفع مفعولًا ناب عن الفاعل أي التمس الناس الماء (فلم يوجد فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} الآية. فقال أسيد بن حضير: لقد بارك الله للناس فيكم) أي بسببكم (يا أبي بكر ما أنتم إلا بركة لهم). 4 - باب قَوْلِهِ: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] (باب قوله) عز وجل، وسقط لفظ باب لغير أبي ذر وقوله للكشميهني والحموي ({فاذهب أنت وربك}) رفع عطفًا على الفاعل المستتر في اذهب وجاز ذلك للتأكيد بالضمير ويحتمل أنهم أرادوا حقيقة الذهاب على الله لأن مذهب اليهود التجسيم، ويؤيده مقابلة الذهاب بالقعود في قولهم ({فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}) [المائدة: 24] وظاهر الكلام إنهم قالوا ذلك استهانة بالله ورسوله وعدم مبالاة بهما. وأصل هذا أن موسى عليه السلام أمر أن يدخلوا مدينة الجبارين وهي أريحاء فبعث إليهم اثني عشر عينًا من كل سبط منهم عين ليأتوه بخبر القوم فلما دخلوها رأوا أمرًا عظيمًا من هيئتهم وعظمتهم فدخلوا حائطًا لبعضهم، فجاء صاحب الحائط ليجتني الثمار من حائطه فنظر إلى آثارهم فتتبعهم فكلما أصاب واحدًا منهم أخذه فجعله في كمه مع الفاكهة حتى التقطهم كلهم فجعلهم في كمه مع الفاكهة، وذهب إلى ملكهم فنثرهم بين يديه فقال الملك: قد رأيتم شأننا فاذهبوا وأخبروا صاحبكم رواه ابن جرير عن عبد الكريم بن الهيثم، حدّثنا إبراهيم بن بشار، حدّثنا سفيان عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس. قال ابن كثير: وفي هذا الإسناد نظر وقد ذكر كثير من المفسرين أخبارًا من وضع بني إسرائيل في عظمة خلق هؤلاء الجبارين وأنه كان فيهم عوج بن عنق بنت آدم عليه الصلاة والسلام، وأنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعًا وثلث ذراع تحرير الحساب وهذا شيء يستحيى منه، ثم هو مخالف لما في الصحيح أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال "إن الله خلق آدم طوله

5 - باب {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا} -إلى قوله- {أو ينفوا من الأرض} [المائدة: 33] المحاربة لله: الكفر به

ستون ذراعًاً ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن" ثم ذكروا أن عوجًا كان كافرًا وأنه امتنع من ركوب السفينة وأن الطوفان لم يصل إلى ركبته وهذا كذب وافتراء فإن الله تعالى ذكر أن نوحًا دعا على أهل الأرض من الكافرين فقال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارًا} [نوح: 26] وقال تعالى: {فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين} [الشعراء: 119] وقال تعالى {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} [هود: 43] وإذا كان ابن نوح غرق فكيف يبقى عوج بن عنق وهو كافر هذا لا يسوغ في عقل ولا في شرع ثم في وجود رجل يقال له عوج بن عنق نظر، والله أعلم اهـ. 4609 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ ح وَحَدَّثَنِي حَمْدَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا الأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ الْمِقْدَادُ يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لاَ نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ وَلَكِنِ امْضِ وَنَحْنُ مَعَكَ فَكَأَنَّهُ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقٍ، أَنَّ الْمِقْدَادَ قَالَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس السبيعي (عن مخارق) بضم الميم وتخفيف الخاء المعجمة آخره قاف ابن عبد الله الأحمسي الكوفي (عن طارق بن شهاب) الأحمسي البجلي الكوفي أنه قال: (سمعت ابن مسعود) عبد الله (-رضي الله عنه- قال: شهدت من المقداد) هو ابن الأسود وكان قد تباه فنسب إليه واسم أبيه عمرو (ح) لتحويل السند. قال المؤلّف بالسند السابق. (وحدّثني) بالإفراد (حمدان) هو أحمد (بن عمر) بضم العين البغدادي ليس له في البخاري إلا هذا الموضع قال: (حدّثنا أبو النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هاشم بن القاسم التميمي الخراساني نزيل بغداد قال: (حدّثنا الأشجع) بالشين المعجمة والجيم والعين المهملة عبيد الله بن عبد الرحمن الكوفي (عن سفيان) الثوري (عن مخارق) هو ابن عبد الله (عن طارق) هو ابن شهاب (عن عبد الله) هو ابن مسعود أنه (قال: قال المقداد) هو المعروف بابن الأسود (يوم بدر): ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يومئذٍ (يا رسول الله إنّا لا نقول لك) سقط لفظ لك لأبي ذر (كما قالت بنو إسرائيل لموسى فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن امض ونحن معك). وعند أحمد: ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون (فكأنه سرّي عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أزيل عنه المكروهات كلها. (ورواه) أي الحديث المذكور (وكيع) هو ابن الجراح الرؤاسي فيما وصله أحمد وإسحاق في مسنديهما عنه (عن سفيان) هو الثوري (عن مخارق عن طارق أن المقداد قال ذلك) القول وهو يا رسول الله إنا لا نقول لك إلخ (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ومراد البخاري أن صورة سياق هذا أنه مرسل بخلاف سياق الأشجع واستظهر لرواية الأشجع الموصلة برواية إسرائيل، وقد وقع قوله ورواه وكيع الخ مقدمًا على قوله حدّثنا أبو نعيم عند أبي ذر مؤخرًا عند غيره. قال في الفتح: وهو أشبه بالصواب، وعند ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأصحابه يوم الحديبية حين صدّ المشركون الهدي وحيل بينهم وبين مناسكهم "إني ذاهب بالهدي فناحره عند البيت" فقال المقداد: إنا والله لا نكون كالملأ من بني إسرائيل إذ قالوا لنبيهم: اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا معكم مقاتلون، فلما سمعها أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تتابعوا على ذلك. قال الحافظ ابن كثير: وهذا إن كان محفوظًا يوم الحديبية فيحتمل أنه كرر هذه المقالة يومئذٍ كما قالها يوم بدر وسقط قوله ذلك لأبي ذر. 5 - باب {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} -إِلَى قَوْلِهِ- {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] الْمُحَارَبَةُ لِلَّهِ: الْكُفْرُ بِهِ هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا}) مفعول من أجله أي: يحاربون لأجل الفساد أو حال أي مفسدين ({أن يقتلوا}) خبر المبتدأ وهو جزاء الذين ({أو يصلبوا} -إلى قوله- {أو ينفوا من الأرض}) [المائدة: 33] أي من أرض الجناية إلى غيرها. وقال أبو حنيفة بالحبس لأن المحبوس لا يرى أحدًا من أحبابه ولا ينتفع بلذات الدنيا وأو قيل للتخيير أي للإمام أن يفعل بهم أيّ خصلة شاء وهو مروي عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة فيما رواه ابن جرير. قال شارح البزدوي فيما حكاه الطيبي نظر هذا القائل أن كلمة أو للتخيير حقيقة فيجب العمل بها إلى أن يقوم دليل المجاز ولأن قطع الطريق في ذاته جناية واحدة

وهذه الأجزية ذكرت بمقابلتها فيصلح كل واحد جزاء له فيثبت التخيير كما في كفارة اليمين اهـ. والجمهور أنها للتنويع. قال إمامنا الشافعي أخبرنا إبراهيم هو ابن أبي يحيى عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس في قطاع الطريق: إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالًا نفوا من الأرض، ورواه ابن أبي شيبة عن عطية عن ابن عباس بنحوه. وأجاب في فتوح الغيب عما سبق من القول بالتخيير بأنه غير ممكن لأن الجزاء على حسب الجناية ويزداد بزيادتها وينقص بنقصانها قال تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى: 40] فيبعد أن يقال عند غلظ الجناية يعاقب بأخف الأنواع وعند خفتها بأغلظها وذلك أن المحاربة تتفاوت أنواعها في صفة الجناية من تخويف أو أخذ مال أو قتل نفس أو جمع بين القتل وأخذ المال، والمذكور في الآية أجزية متفاوتة في معنى التشديد والغلظة فوقع الاستغناء بتلك المقدّمة عن بيان تقسيم الأجزية على أنواع الجناية نصًّا وهذا التقسيم يرجع إلى أصل لهم وهو أن الجملة إذا قوبلت بالجملة ينقسم البعض على البعض اهـ. واختلف في كيفية الصلب فقيل يصلب حيًّا ثم يطعن في بطنه برمح حتى يموت، وعن الشافعي يقتل أوّلًا ثم يصلّى عليه ثم يصلب وهل يصلب ثلاثة أيام ثم ينزل أو يترك حتى يتهرى ويسيل صديده، وسقط قولها {أن يقتلوا} إلى آخره لأبي ذر وقال بعد قوله تعالى: {فسادًا} الآية. (المحاربة لله) قال سعيد بن جبير فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن لهيعة عن عطاء بن يسار عنه في (الكفر به) تعالى. وقال غيره: هو من باب حذف المضاف أي يحاربون أولياء الله وأولياء رسوله وهم المسلمون ففيه تعظيم لهم، ومنه قوله تعالى: من عادى لي وليًّا فقد بارزني بالحرب، وأصل الحرب السلب والمحارب يسلب الروح والمال والمراد هنا قطع الطريق وهو أخذ المال مكابرة اعتمادًا على الشوكة وإن كان في مصر. 4610 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلْمَانُ أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا خَلْفَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَذَكَرُوا وَذَكَرُوا فَقَالُوا: وَقَالُوا قَدْ أَقَادَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ، فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي قِلاَبَةَ وَهْوَ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ -أَوْ قَالَ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا قِلاَبَةَ-؟ قُلْتُ: مَا عَلِمْتُ نَفْسًا حَلَّ قَتْلُهَا فِي الإِسْلاَمِ إِلاَّ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ، أَوْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ عَنْبَسَةُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ بِكَذَا وَكَذَا، قُلْتُ إِيَّايَ حَدَّثَ أَنَسٌ قَالَ: قَدِمَ قَوْمٌ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَلَّمُوهُ فَقَالُوا: قَدِ اسْتَوْخَمْنَا هَذِهِ الأَرْضَ فَقَالَ: «هَذِهِ نَعَمٌ، لَنَا تَخْرُجُ فَاخْرُجُوا فِيهَا فَاشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا» فَخَرَجُوا فِيهَا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا وَاسْتَصَحُّوا وَمَالُوا عَلَى الرَّاعِي فَقَتَلُوهُ، وَاطَّرَدُوا النَّعَمَ فَمَا يُسْتَبْطَأُ مِنْ هَؤُلاَءِ قَتَلُوا النَّفْسَ وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَخَوَّفُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "سُبْحَانَ اللَّهِ" فَقُلْتُ: تَتَّهِمُنِي قَالَ: حَدَّثَنَا بِهَذَا أَنَسٌ قَالَ: وَقَالَ يَا أَهْلَ كَذَا إِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا أُبْقِىَ هَذَا فِيكُمْ أَوْ مِثْلُ هَذَا. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله الأنصاري) أحد شيوخ المؤلّف روى عنه هنا بواسطة قال: (حدّثنا ابن عون) هو عبد الله بن عون بن أرطبان المزني البصري (قال: حدّثني) بالإفراد (سلمان) بفتح السين وسكون اللام مكبرًا ولأبي ذر عن الكشميهني سليمان بضم السين وفتح اللام مصغرًا والصواب الأول كما ذكره ابن طاهر وعبد الغني المقدسي وغيرهما (أبو رجاء مولى أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد (عن أبي قلابة أنه كان جالسًا خلف عمر بن عبد العزيز) وكان قد أبرز سريره للناس ثم أذن لهم فدخلوا (فذكروا) القسامة لما استشارهم عمر فيها (وذكروا) له شأنها (فقالوا) نقول فيها القود (وقالوا قد أقادت بها الخلفاء) قبلك. وفي المغازي من طريق أيوب والحجاج الصواف عن أبي رجاء فقالوا حق قضى بها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقضت بها الخلفاء قبلك (فالتفت) عمر رحمة الله عليه (إلى أبي قلابة وهو خلف ظهر. فقال: ما تقول يا عبد الله بن زيد، أو قال ما تقول يا أبا قلابة؟) شك الراوي. زاد في الدّيات من طريق الحجاج عن أبي عثمان عن أبي رجاء فقلت: يا أمير المؤمنين عندك رؤوس الأجناد وأشراف العرب أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن بدمشق أنه قد زنى ولم يروه أكنت ترجمه؟ قال: لا. قلت: أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه سرق كنت تقطعه ولم يروه؟ قال: لا. (قلت) زاد في الدّيات أيضًا والله (ما علمت نفسًا حلّ قتلها في الإسلام إلا رجل زنى بعد إحصان، أو قتل نفسًا بغير نفس، أو حارب الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر وزاد في الدّيات وارتد عن الإسلام. (فقال عنبسة) بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الموحدة والسين المهملة ابن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي (حدّثنا أنس) هو ابن مالك (بكذا وكذا) يعني بحديث العرنيين قال أبو قلابة (قلت): ولأبي ذر فقلت: (إياي حدث

6 - باب قوله {والجروح قصاص} [المائدة: 45]

أنس قال: قدم قوم}) من عكل أو عرينة ثمانية سنة ست (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكلموه) بعد أن بايعوه على الإسلام (فقالوا: قد استوخمنا هذه الأرض) أي استثقلنا المدينة فلم يوافق هواؤها أبداننا وكانوا قد سقموا (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هذه نعم) أي إبل (لنا تخرج) لترعى مع إبل الصدقة (فأخرجوا فيها فاشربوا من ألبانها وأبوالها) للتداوي فليس فيه دليل على الإباحة في غير حال الضرورة. وعن ابن عباس مرفوعًا فيما رواه ابن المنذر أن "في أبوال الإبل شفاء للذربة بطونهم" والذرب فساد المعدة فلا دلالة فيه على الطهارة (فخرجوا فيها فشربوا من أبوالها وألبانها واستصحوا) أي حصلت لهم الصحة من ذلك الداء (ومالوا على الراعي) يسار النوبي (فقتلوه واطردوا النعم) بتشديد الطاء أي ساقوها سوقًا شديدًا (فما يستبطأ) بضم أوّله وسكون المهملة وبعد الفوقية موحدة ساكنة فطاء مهملة فهمزة مبنيًا للمفعول استفعال من البطء الذي هو نقيض السرعة أي شيء يستبطأ به (من هؤلاء) العكليين. وفي نسخة أخرى فما يستبقي بالقاف بدل الطاء من غير همز أي ما يترك من هؤلاء استفهام فيه معنى التعجب كالسابق (قتلوا النفس وحاربوا الله ورسوله) في رواية حميد عن أنس عند الإمام أحمد وهربوا محاربين (وخوّفوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): أي عنبسة متعجبًا من أبي قلابة (سبحان الله) قال أبو قلابة (فقلت) لعنبسة (تتهمني) فيما رويته من حديث أنس، وفي الدّيات فقال عنبسة بن سعيد والله أن سمعت كاليوم قط فقلت: أتردّ عليّ حديثي يا عنبسة؟ (قال): لا ولكن جئت بالحديث على وجهه (حدّثنا بهذا أنس قال) أبو قلابة: (وقال) عنبسة: (يا أهل كذا) أي يا أهل الشام لأن وقوع ذلك كان بها وقول الحافظ ابن حجر أنه وقع التصريح به في رواية الدّيات لم أره فلعله سهو (إنكم لن تزالوا بخير ما أبقى الله) بفتح الهمزة والقاف مبنيًّا للفاعل (هذا) أبا قلابة (فيكم ومثل هذا) ولأبي ذر أو وهو شك من الراوي، ولأبي ذر أيضًا عن الحموي والمستملي: ما أبقى مثل هذا فيكم برفع مثل وضم همزة أبقى وكسر قافه وللكشميهني ما أبقى الله مثل هذا فيكم بإظهار الفاعل، وفي نسخة ما بقي بإسقاط الألف، وفي الدّيات والله لا يزال هذا الجند بخير ما عاش هذا الشيخ بين أظهرهم. وهذا الحديث مرّ في الطهارة في أبوال الإبل والمغازي، ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في الدّيات مع بقية مباحثه. 6 - باب قَوْلِهِ {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] (باب قوله) تعالى: ({والجروح قصاص}) [المائدة: 45] أي ذات قصاص فيما يمكن أن يقتص منه، وهذا تعميم بعد التخصيص لأن الله تعالى ذكر النفس والعين والأنف والأذن فخص الأربعة بالذكر، ثم قال والجروح قصاص على سبيل العموم فيما يمكن أن يقتص منه كاليد والرجل، وأما ما لا يمكن ككسر في عظم أو جراحة في بطن يخاف منها التلف فلا قصاص فيه بل فيه الأرش والحكومة وسقط لفظ باب لغير أبي ذر وقوله للكشميهني والحموي. 4611 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَسَرَتِ الرُّبَيِّعُ وَهْيَ عَمَّةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَطَلَبَ الْقَوْمُ الْقِصَاصَ فَأَتَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْقِصَاصِ. فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: لاَ وَاللَّهِ لاَ تُكْسَرْ سِنُّهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَقَبِلُوا الأَرْشَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن سلام) السلمي مولاهم البخاري البيكندي قال: (أخبرنا الفزاري) بفتح الفاء والزاي وبعد الألف راء مروان بن معاوية بن الحارث (عن حميد) الطويل (عن أنس) هو ابن مالك الأنصاري (رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: كسرت الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وبعد التحتية المكسورة المشدّدة عين مهملة (وهي عمة أنس بن مالك ثنية جارية من الأنصار) أي شابة غير رقيقة ولم تسم (فطلب القوم) أي قوم الجارية (القصاص) من الربيع (فأتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليحكم بينهم (فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالقصاص) من الربيع (فقال أنس بن النضر) بالضاد الساكنة (عم أنس بن مالك: لا والله لا تكسر سنها) ولأبي ذر: ثنيتها (يا رسول الله) ليس ردًّا للحكم بل نفي لوقوعه لما كان له عند الله من القرب والثقة بفضل الله تعالى ولطفه أنه لا يخيبه بل يلهمهم العفو (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):

7 - باب {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} [المائدة: 67]

(يا أنس كتاب الله القصاص) بالرفع مبتدأ وخبر قال تعالى: {والسن بالسن} إن قلنا شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ (فرضي القوم) فتركوا القصاص عن الربيع (وقبلوا الأرش فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره) في قسمه. وهذا الحديث قد سبق في باب الصلح في الدّية من كتاب الصلح. 7 - باب {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({يا أيها الرسول بلغ}) جميع ({ما أنزل إليك من ربك}) [المائدة: 67] إلى كافة الناس مجاهرًا به غير مراقب أحدًا ولا خائف مكروهًا قال مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم: لما نزلت يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك قال: يا رب كيف أصنع وأنا وحدي يجتمعون عليّ؟ فنزلت {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} أي فإن أهملت شيئًا من ذلك فما بلغت رسالته لأن ترك إبلاغ البعض محبط للباقي لأنه ليس بعضه أولى من بعض وبهذا تظهر المغايرة بين الشرط والجزاء. قال ابن الحاجب: الشرط والجزاء إذا اتحدا كان المراد بالجزاء المبالغة فوضع قوله فما بلغت رسالته موضع أمر عظيم أي: فإن لم تفعل فقد ارتكبت أمرًا عظيمًا. وقال في الانتصاف قال: وإن لم تفعل ولم يقل وإن لم تبلغ ليتغايرًا لفظًا وإن اتحدا معنى وهي أحسن بهجة من تكرار اللفظ الواحد في الشرط والجزاء، وهذا من محاسن علم البيان وقدّر المضاف وهو قوله جميع ما أنزل لأنه صلوات الله وسلامه عليه كان مبلغًا، فعلى هذا فائدة الأمر المبالغة والكمال يعني ربما أتاك الوحي بما تكره أن تبلغه خوفًا من قومك فبلغ الكل ولا تخف. وقال الراغب فيما حكاه الطيبي فإن قيل: كيف قال وإن لم تفعل فما بلغت رسالته وذلك كقولك إن لم تبلغ فما بلغت قيل: معناه وإن لم تبلغ كل ما أنزل إليك تكون في حكم من لم يبلغ شيئًا مما أنزل الله بخلاف ما قالت الشيعة، إنه قد كتم أشياء على سبيل التقية. وعن بعض الصوفية ما يتعلق به مصالح العباد وأمر بإطلاعهم عليه فهو منزه عن كتمانه، وأما ما خص به من الغيب ولم يتعلق به مصالح أمته فله بل عليه كتمانه. 4612 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَقَدْ كَذَبَ وَاللَّهُ يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} الآيَةَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن إسماعيل) هو ابن أبي خالد البجلي الكوفي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: من حدثك أن محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتم شيئًا مما أنزل عليه) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر عن الكشميهني مما أنزل الله عليه (فقد كذب والله يقول {يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك} الآية) وسقط لفظ من ربك لغير أبي ذر. وفي الصحيحين عنها: لو كان محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كاتمًا شيئًا لكتم هذه الآية {وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} [الأحزاب: 37] وقد شهدت له أمته بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خطبته يوم حجة الوداع، وقد كان هناك من أصحابه نحو من أربعين ألفًا كما ثبت في صحيح مسلم. وحديث الباب أخرجه المؤلّف هنا مختصرًا وفي مواضع أخر مطولًا، ومسلم في كتاب الإيمان، والترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننهما من طريق عن الشعبي. 8 - باب قَوْلِهِ: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] (باب قوله) عز وجل ({لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}) [المائدة: 89] هو قول المرء بلا قصد لا والله وبلى والله، وهذا مذهب الشافعي، وقيل الحلف على غلبة الظن وهو مذهب أبي حنيفة، وقيل اليمين في الغضب، وقيل في النسيان، وقيل الحلف على ترك المأكل والمشرب والملبس، والصحيح أنه اليمين من غير قصد. 4613 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ سُعَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنِ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: لاَ وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ. [الحديث 4613 - طرفه في: 6663]. وبه قال: (حدّثنا علي بن سلمة) بفتح اللام اللبقي بفتح اللام والموحدة المخففة وبعد القاف تحتية وللحموي والكشميهني علي بن عبد الله قيل وهو خطأ قال: (حدّثنا مالك بن سعير) بسين مضمومة فعين مفتوحة مهملتين مصغرًا ابن الخمس بكسر الخاء المعجمة وسكون الميم بعدها سين مهملة الكوفي صدوق وضعفه أبو داود، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الدعوات وكلاهما قد توبع عليه عنده، وروى له أصحاب السنن قال

9 - باب قوله: {لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم} [المائدة: 87]

(حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت: (أنزلت هذه الآية {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} في قول الرجل لا والله وبلى والله) أي كل واحدة منهما إذا قالها مفردة لغو فلو قالهما معًا فالأولى لغو والثانية منعقدة لأنها استدراك مقصود قاله الماوردي فيما نقله عنه في الفتح ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في الإيمان. 4614 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ أَبَاهَا كَانَ لاَ يَحْنَثُ فِي يَمِينٍ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لاَ أَرَى يَمِينًا أُرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ قَبِلْتُ رُخْصَةَ اللَّهِ وَفَعَلْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ. [الحديث 4614 - أطرافه في: 6621]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (أحمد بن أبي رجاء) ضد الخوف واسمه عبد الله بن أيوب الحنفي الهروي قال: (حدّثنا النضر) بالضاد المعجمة ابن شميل المازني (عن هشام) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن أباها) أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه (كان لا يحنث في يمين). وعند ابن حبان كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا حلف على يمين لم يحنث وما في البخاري هو الصحيح كما في الفتح (حتى أنزل الله كفارة اليمين) في القرآن فكفارته إطعام عشرة مساكين الخ (قال أبو بكر: لا أرى) بفتح الهمزة أي لا أعلم (يمينًا أرى) بضم الهمزة أي أظن (غيرها) ولأبي ذر عن الكشميهني أن غيرها (خيرًا منها إلا قبلت رخصة الله وفعلت الذي هو خير) أي وكفرت عن يميني، وعن ابن جريج مما نقله الثعلبي في تفسيره أنها نزلت في أبي بكر حلف أن لا ينفق على مسطح لخوضه في الإفك فعاد إلى مسطح بما كان ينفقه وسقط لغير أبي ذر باب قوله وثبت له والله أعلم. 9 - باب قوله: {لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] (باب قوله) عز وجل: ({يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحل الله لكم}) [المائدة: 87] أي ما طاب ولذ منه، وقد كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يأكل الدجاج ويحب الحلو أو العسل، وحكي عن الحسن أنه قال لبعض الأولياء لما منع نفسه أكل الدجاج والفالوذج: أترى لعاب النحل بلباب البر بخالص السمن يعيبه مسلم ولما نقل له عن بعضهم أنه لا يأكل الفالوذج ويقول لا أؤدّي شكره قال: أيشرب الماء البارد؟ قيل: نعم. قال: إنه جاهل أن نعمة الله تعالى فيه أكثر من الفالوذخ اهـ. نعم من ترك لذات الدنيا وشهواتها وانقطع إلى الله تعالى متفرغًا لعبادته من غير ضرر نفس ولا تفويت حق ففضيلة لا منع منها بل هو مأمور بها وقد سقط ({يا أيها الذين آمنوا}) لأبي ذر وثبت لفظ باب له. 4615 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَيْسَ مَعَنَا نِسَاءٌ فَقُلْنَا: أَلاَ نَخْتَصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ فَرَخَّصَ لَنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ نَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ، ثُمَّ قَرَأَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [الحديث 4615 - طرفاه في: 5071 - 5075]. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عون) بفتح العين فيهما السلمي الواسطي نزيل البصرة قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان (عن إسماعيل) هو ابن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن عبد الله) هو ابن مسعود (رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: كنا نغزو مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليس معنا نساء فقلنا: ألا نختصي) بالخاء المعجمة والصاد المهملة أي ألا نستدعي من يفعل بنا الخصاء أو نعالج ذلك بأنفسنا والخصاء الشق على الأنثيين وانتزاعهما (فنهانا عن ذلك) نهي تحريم لما فيه من تغيير خلق الله وقطع النسل وكفر النعمة لأن خلق الشخص رجلًا من النعم العظيمة وقد يفضي ذلك بفاعله إلى الهلاك، (فرخص لنا بعد ذلك أن نتزوّج المرأة بالثوب) أي إلى أجل وهو نكاح المتعة وليس قوله بالثوب قيدًا فيجوز بغيره مما يتراضيان عليه (ثم قرأ) ابن مسعود ({يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}) قال النووي: في استشهاد ابن مسعود بالآية أنه كان يعتقد إباحة المتعة كابن عباس، ولعله لم يكن حينئذٍ بلغه الناسخ ثم بلغه فرجع بعد. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح وكذا مسلم وأخرجه النسائي في التفسير. 10 - باب قَوْلِهِ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة: 90] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الأَزْلاَمُ: الْقِدَاحُ يَقْتَسِمُونَ بِهَا فِي الأُمُورِ، وَالنُّصُبُ: أَنْصَابٌ يَذْبَحُونَ عَلَيْهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: الزُّلَمُ الْقِدْحُ لاَ رِيشَ لَهُ وَهُوَ وَاحِدُ الأَزْلاَمِ، وَالإِسْتِقْسَامُ: أَنْ يُجِيلَ الْقِدَاحَ فَإِنْ نَهَتْهُ انْتَهَى وَإِنْ أَمَرَتْهُ فَعَلَ مَا تَأْمُرُهُ. وَيُجِيلُ يُدِيرُ وَقَدْ أَعْلَمُوا الْقِدَاحَ أَعْلاَمًا بِضُرُوبٍ يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا، وَفَعَلْتُ مِنْهُ قَسَمْتُ وَالْقُسُومُ الْمَصْدَر (باب قوله) جل وعلا ({إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس}) خبر عن الأشياء المتقدمة وإنما أخبر عن جمع بمفرد لأنه على حذف مضاف أي إنما تعاطي الخمر الخ ({من عمل الشيطان}) [المائدة: 90] لأنه مسبب من تسويله وتزيينه والظرف في موضع رفع صفة لرجس. (وقال) بالواو ولأبي ذر قال: (ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما مما وصله ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عنه (الأزلام) هي (القداح) أي السهام التي (يقتسمون بها في الأمور) في الجاهلية (والنُّصب) ولأبي ذر بإسقاط الواو. والنصب بضم النون والصاد قال ابن عباس مما وصله ابن أبي حاتم هي

(أنصاب) كانوا ينصبونها (يذبحون عليها) وقال ابن قتيبة حجارة ينصبونها ويذبحون عندها فتنصب عليها دماء الذبائح. (وقال غيره) أي غير ابن عباس (الزلم) بفتحتين هو (القدح) بكسر القاف وسكون الدال وهو السهم الذي (لا ريش له وهو واحد الأزلام) ويقال للسهم أوّل ما يقطع قطع ثم ينحت ويبرى فيسمى بريًا ثم يقوّم فيسمى قدحًا، ثم يراش ويركب نصله فيسمى سهمًا (والاستقسام) هو (أن يجيل) بالجيم (القداح) قيمها (فإن نهته) بأن خرج نهاني ربي (انتهى) وترك (وإن أمرته) بأن خرج أمرني ربي (فعل ما تأمره) زاد أبو ذر به وأن معنى قوله (يجيل) بضم التحتية وكسر الجيم أي (يدير) من الإدارة وكانوا يعطون القيم على إجالتها مائة درهم (وقد أعلموا القداح) وكانت سبعة مستوية موضوعة في جوف الكعبة عند هبل أعظم أصنامهم (أعلامًا) يكتبونها عليها (بضروب) أي بأنواع من الأمور، فعلى واحد أمرني ربي، وعلى الآخر نهاني ربي، وعلى آخر واحد منكم، وعلى آخر من غيركم، وعلى آخر ملصق، وعلى آخر العقل والسابع غفل أي ليس عليه شيء. وكانوا (يستقسمون) أي يطلبون (بها) بيان قسمهم من الأمر الذي يريدونه كسفر أو نكاح أو تجارة أو اختلفوا فيه من نسب أو أمر قتيل أو حمل عقل وهو الدّية أو غير ذلك من الأمور العظيمة، فإن أجالوه على نسب وخرج منكم كان وسطًا فيهم وإن خرج من غيركم كان حلفًا فيهم وإن خرج ملصقًا كان على حاله، وإن اختلفوا في العقل فمن خرج عليه قدحه يحمله وإن خرج الغفل الذي لا علامة عليه أجالوا ثانيًا حتى يخرج المكتوب عليه وقد نهاهم الله عن ذلك وحرمه وسماه فسقًا. ووقع في رواية يستقسمون به بتذكير الضمير أي يستقسمون بذلك الفعل (وفعلت منه قسمت) قال في العمدة: أشار به إلى أن من أراد أن يخبر عن نفسه من لفظ الاستقسام يقول قسمت بضم التاء (والقسوم) بضم القاف على وزن فعول (المصدر). 4616 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَإِنَّ فِي الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ لَخَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ مَا فِيهَا شَرَابُ الْعِنَبِ. [الحديث 4616 - أطرافه في: 5579]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم) المعروف بابن راهويه قال: (أخبرنا محمد بن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن الفرافصة أبو عبد الله العبدي الكوفي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز) بن مروان بن الحكم القرشي الأموي المدني (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما) أنه (قال: نزل تحريم الخمر وإن في المدينة) ولأبي ذر لأن بالمدينة بالموحدة بدل في (يومئذٍ) قبل تحريمها (لخمسة أشربة) شراب العسل والتمر والحنطة والشعير والذرة (ما فيها شراب العنب). وهذا الحديث من أفراده. 4617 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: مَا كَانَ لَنَا خَمْرٌ غَيْرُ فَضِيخِكُمْ هَذَا الَّذِي تُسَمُّونَهُ الْفَضِيخَ، فَإِنِّى لَقَائِمٌ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: وَهَلْ بَلَغَكُمُ الْخَبَرُ؟ فَقَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، قَالُوا اهْرِقْ هَذِهِ الْقِلاَلَ يَا أَنَسُ، قَالَ: فَمَا سَأَلُوا عَنْهَا وَلاَ رَاجَعُوهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ. وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي قال: (حدّثنا ابن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد التحتية إسماعيل بن إبراهيم وعلية أمه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن صهيب) بضم المهملة وفتح الهاء آخره موحدة مصغرًا البناني البصري (قال: قال أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه ما كان خمر غير فضيخكم) بفتح الفاء وكسر الضاد وبالخاء المعجمتين شراب يتخذ من البسر وحده من غير أن تمسه النار والفضخ الكسر لأن البسر يشدخ ويترك في وعاء حتى يغلي (هذا الذي تسمونه الفضيخ فإني لقائم أسقي أبا طلحة) زيد بن سهل الأنصاري زوج أم أنس (وفلانًا وفلانًا) وقع من تسمية من كان مع أبي طلحة عند مسلم أبو دجانة وسهيل ابن بيضاء وأبو عبيدة وأُبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبو أيوب (إذ جاء رجل) لم يسم (فقال): وفي الفرع قال: (وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: حرمت الخمر) أي حرمها الله تعالى على لسان رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالوا: (أهرق) بهمزة مفتوحة فهاء ساكنة فراء مكسورة أمر من أهراق، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: هرق بفتح الهاء وكسر الراء من غير همز وله أيضًا عن الكشميهني أرق بهمزة مفتوحة فراء مكسورة من غير هاء. قال السفاقسي: الجمع بين الهاء والهمزة ليس بجيد لأن الهاء بدل من الهمزة فلا يجمع بينهما. وأجيب: بأنهم قد جمعوا بينهما كما في الصحاح وغيره، وصرح به سيبويه أي

11 - باب {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} -إلى قوله- {والله يحب المحسنين}

صب (هله القلاب يا أنس) بكسر القاف أي الجرار التي لا يقل أحدها إلا القوي من الرجال (قال) أي أنس: (فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل). ففيه قبول خبر الواحد. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأشربة. 4618 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: صَبَّحَ أُنَاسٌ غَدَاةَ أُحُدٍ الْخَمْرَ فَقُتِلُوا مِنْ يَوْمِهِمْ جَمِيعًا شُهَدَاءَ وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا. وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي قال: (أخبرنا ابن عيينة) سفيان (عن عمرو) هو ابن دينار (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما أنه (قال: صبح أناس) بفتح الصاد وتشديد الموحدة (غداة أُحد) سنة ثلاث (الخمر) وفي الجهاد من طريق علي بن عبد الله المديني اصطبح ناس الخمر يوم أُحد أي شربوه صبوحًا أي بالغداة (فقتلوا من يومهم جميعًا شهداء) وعند الإسماعيلي من طريق القواريري عن سفيان اصطبح قوم الخمر أول النهار وقتلوا آخر النهار شهداء (وذلك قبل تحريمها) وزاد البزار في مسنده فقالت اليهود: قد مات بعض الدين قتلوا وهي في بطونهم فأنزل الله تعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} [المائدة: 93] وفي سياق هذا الحديث غرابة وفي مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص قال: صنع رجل من الأنصار طعامًا فدعانا فشربنا الخمر قبل أن تحرّم حتى سكرنا فتفاخرنا الحديث، وفيه فنزلت {إنما الخمر والميسر} إلى قوله: {فهل أنتم منتهون}. وحديث الباب أخرجه البخاري أيضًا في الجهاد والمغازي. 4619 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَخْبَرَنَا عِيسَى وَابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ -رضي الله عنه- عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهْيَ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنَ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ. [الحديث 4619 - أطرافه في: 5581، 5588، 5589، 7337]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (الحنظلي) قال: (أخبرنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (وابن إدريس) عبد الله الأودي الكوفي كلاهما (عن أبي حيان) بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية يحيى بن يزيد التيمي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه (قال: سمعت عمر -رضي الله عنه- على منبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير) وفي هذا بيان حصول الخمر مما ذكر وليس للحصر لخلوّ التركيب عن أداته، ولتعقيبه بقوله (والخمر ما خامر العقل) أي ستره وغطاه كالخمار سواء كان مما ذكر أو من غيره كأنواع الحبوب والنبات كالأفيون والحشيش، ولا تعارض بين قول ابن عمر أوّلًا نزل تحريم الخمر وأن بالمدينة يومئذٍ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب، وبين قول عمر نزل تحريم الخمر وهي من خمسة الخ لأن الأوّل أفاد أن التحريم نزل في حالة لم يكن شراب العنب فيها بالمدينة، والقول الثاني وهو قول عمر لا يقتضي أن شراب العنب كان بالمدينة إذ ذاك بوجه وحيئنذٍ فلا تعارض كما لا يخفى. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الاعتصام والأشربة، ومسلم في آخر الكتاب، وأبو داود في الأشربة وكذا الترمذي والنسائي فيه وفي الوليمة. 11 - باب {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} -إِلَى قَوْلِهِ- {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} هذا (باب) بالتنوين في قوله عز وجل: ({ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح}) إثم ({فيما طعموا}) تقول طعمت الطعام والشراب ومن الشراب والمراد ما لم يحرم عليهم لقوله إذا ما اتقوا أي اتقوا المحرم (إلى قوله: {والله يحب المحسنين}) وسقط لأبي ذر قوله إلى قوله الخ وقال بعد طعموا الآية وسقط لغيره لفظ باب. 4620 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: أَنَّ الْخَمْرَ الَّتِي أُهْرِيقَتِ الْفَضِيخُ. وَزَادَنِي مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي النُّعْمَانِ قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ قَالَ: فَخَرَجْتُ فَقُلْتُ: هَذَا مُنَادٍ يُنَادِي أَلاَ إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَأَهْرِقْهَا، قَالَ: فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: وَكَانَتْ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: قُتِلَ قَوْمٌ وَهْيَ فِي بُطُونِهِمْ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93]. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي عارم قال: (حدّثنا حماد بن زيد) اسم جدّه درهم الجهضمي قال: (حدّثنا ثابت) هو ابن أسلم البناني (عن أنس -رضي الله عنه- أن الخمر التي أهريقت) بضم الهمزة وسكون الهاء آخره تاء تأنيث ولأبي ذر هريقت بضم الهاء من غير همزة (الفضيخ) بالضاد والخاء المعجمتين مرفوع خبر أن وهو المتخذ من البسر كما مرّ قريبًا. قال البخاري: (وزادني محمد) هو ابن سلام لا ابن يحيى الذهلي ووهم من قال إنه هو ويؤيده ما في رواية أبي ذر حيث قال، محمد البيكندي: وقد تبين بهذا أن قول صاحب المصابيح تبعًا لما في التنقيح أن القائل زادني هو الفربري ومحمد هو البخاري سهو وظهر أن البخاري سمع هذا الحديث من أبي النعمان مختصرًا ومن محمد بن سلام البيكندي مطوّلًا (عن أبي النعمان قال): أي أنس

12 - باب قوله: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101]

(كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة) الأنصاري (فنزل تحريم الخمر فأمر) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مناديًا) قال الحافظ ابن حجر لم أر التصريح باسمه (فنادى) بتحريمها وكان ذلك عام الفتح سنة ثمان لحديث ابن عباس عند أحمد ولفظه: قال سألت ابن عباس عن بيع الخمر فقال: كان لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صديق من ثقيف أو دوس فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه فقال: يا فلان أما علمت أن الله حرمها؟ فأقبل الرجل على غلامه فقال: بعها. فقال: إن الذي حرم شربها حرم بيعها (فقال أبو طلحة): أي لأنس (أخرج فانظر ما هذا الصوت. قال) أنس: (فخرجت) أي فسمعت ثم عدت إلى أبي طلحة (فقلت) له: (هذا مناد ينادي ألا إن الخمر قد حرمت) حرمها الله على لسان رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال لي: اذهب فأهرقها) بهمزة مفتوحة فهاء ساكنة مجزوم على الأمر، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فهرقها بفتح الهاء من غير همز وله أيضًا عن الكشميهني فأرقها بهمزة مفتوحة فراء مكسورة (قال): فأرقتها (فجرت) أي سالت (يفي سكك المدينة) أي طرقها (قال) أنس (وكانت خمرهم يومئذٍ الفضيخ فقال بعض القوم: قتل قوم وهي في بطونهم). وعند النسائي والبيهقي من طريق ابن عباس قال نزل تحريم الخمر في ناس شربوا فلما ثملوا عبثوا فلما صحوا جعل بعضهم يرى الأثر بوجه الآخر فنزلت فقال ناس من المتكلفين، وعند البزار أن الذين قالوا ذلك كانوا من اليهود، وأفاد في الفتح أن في رواية الإسماعيلي عن ابن ناجية عن أحمد بن عبدة ومحمد بن موسى عن حماد في آخر هذا الحديث قال حماد: فلا أدري هذا يعني قوله فقال بعض القوم الخ في الحديث أي عن أنس أو قاله ثابت أي مرسلًا (قال: فأنزل الله تعالى: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا}) والمعنى بيان أنه لا جناح عليهم فيما طعموه إذا ما اتقوا المحارم، والحكم عام وإن اختص السبب فالجناح مرتفع عن كل من يطعم شيئًا من المستلذات إذا اتقى الله فيما حرم عليه منها ودام على الإيمان أو ازداد إيمانًا عند من يقول به. وقال في فتوح الغيب: والمعنى ليس المطلوب من المؤمنين الزهادة عن المستلذات وتحريم الطيبات وإنما المطلوب منهم الترقي في مدارج التقوى والإيمان إلى مراتب الإخلاص ومعارج القدس والكمال وذلك بأن يثبتوا على الاتقاء عن الشرك وعلى الإيمان بما يجب الإيمان به، وعلى الأعمال الصالحة لتحصل الاستقامة التامة فيتمكن بالاستقامة من الترقي إلى مرتبة المشاهدة ومعارج أن تعبد الله كأنك تراه وهو المعنى بقوله وأحسنوا وبها يمنح الزلفى عند الله ويحقه أن الله يحب المحسنين اهـ. وقال غيره: والتفسير باتقاء الشرك لا يلائم صفة الكمال وأن قوله وعملوا الصالحات أي باشروا الأعمال الصالحة واتقوا الخمر والميسر بعد تحريمهما أو داوموا على التقوى والإيمان ثم اتقوا سائر المحرمات أو ثبتوا على التقوى وأحسنوا أعمالهم وأحسنوا إلى الناس بالمواساة معهم في الإنفاق عليهم من الطيبات، وقيل: التقوى عن الكفر والكبائر والصغائر وأضعف ما قيل فيه أنه للتكرار والتأكيد. قال القاضي: ويحتمل أن يكون هذا التكرار باعتبار الأوقات الثلاثة أو باعتبار الحالات الثلاثة استعمال الإنسان التقوى والإيمان بينه وبين نفسه وبينه وبين الناس وبينه وبين الله، ولذلك بدل الإيمان بالإحسان في الكرة الثالثة إشارة إلى ما قاله عليه الصلاة والسلام في تفسيره أو باعتبار المراتب الثلاث المبدأ والوسط والمنتهى، أو باعتبار ما يتقى فإنه ينبغي أن يترك المحرمات توقيًا من العذاب والشبهات تحرزًا عن الوقوع في الحرام وبعض المباحات تحفظًا للنفس عن الخسة وتهذيبًا لها عن دنس الطبيعة اهـ. وختم الكلام يشعر بأن من فعل ذلك من المحسنين وأنه يستجلب المحبة الإلهية وسيأتي مزيد لشرح حديث الباب إن شاء الله تعالى في الأشربة. 12 - باب قَوْلِهِ: {لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] (باب قوله) عز وجل ({لا تسألوا}) الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({عن أشياء أن تبد لكم}) أي تظهر لكم ({تسؤكم}) [المائدة: 101] والجملة الشرطية وما عطف

13 - باب {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} [المائدة: 103] {وإذ قال الله} يقول: قال الله {وإذ} ها هنا صلة (المائدة) أصلها مفعولة: كعيشة راضية وتطليقة بائنة والمعنى ميد بها صاحبها من خير يقال: مادني يميدني، وقال ابن عباس: متوفيك مميتك.

عليها وهو أن تسألوا عنها صفة لأشياء، ومعنى حين ينزل القرآن أي ما دام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحياة فإنه قد يؤمر بسبب سؤالكم بتكاليف تسوءكم وتتعرضون لشدائد العقاب بالتقصير في أدائها وسقط لفظ باب قوله لغير أبي ذر. 4621 - حَدَّثَنَا مُنْذِرُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَارُودِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ قَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» قَالَ: فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ فَقَالَ رَجُلٌ مَنْ أَبِي؟ قَالَ: فُلاَنٌ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}. رَوَاهُ النَّضْرُ وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ شُعْبَةَ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (منذر بن الوليد بن عبد الرحمن الجارودي) بالجيم العبدي البصري قال: (حدّثنا أبي) الوليد قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن موسى بن أنس عن) أبيه (أنس) هو ابن مالك (-رضي الله عنه-) أنه (قال: خطب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطبة ما سمعت مثلها قط) وكان فيما رواه النضر بن شميل عن شعبة عند مسلم قد بلغه عن أصحابه شيء فخطب بسبب ذلك (قال): (لو تعلمون) من عظمة الله وشدّة عقابه بأهل الجرائم وأهوال القيامة (ما أعلم لضحكتم كثيرًا) (قال) أنس (فغطى أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجوههم لهم خنين) بالخاء المعجمة للكشميهني أي صوت مرتفع من الأنف بالبكاء مع غنة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: حنين بالحاء المهملة أي صوت مرتفع بالبكاء من الصدر وهو دون الانتحاب (فقال رجل) هو عبد الله بن حذافة أو قيس بن حذافة أو خارجة بن حذافة وكان يطعن فيه (من أبي؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبوك (فلان) أي حذافة (فنزلت هذه الآية {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}). وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الرقاق والاعتصام ومسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والترمذي في التفسير والنسائي في الرقائق. (رواه) أي حديث الباب (النضر) بن شميل فيما وصله مسلم (وروح بن عبادة) مما وصله البخاري في الاعتصام كلاهما (عن شعبة) بن الحجاج بإسناده وعند ابن جرير عن قتادة عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سألوه حتى أحفوه بالمسألة فصعد المنبر فقال: لا تسألوني اليوم عن شيء إلاّ بينته لكم فأشفق الصحابة أن يكون بين يدي أمر قد حضر قال: فجعلت لا ألتفت يمينًا وشمالًا إلاّ وجدت كلاًّ لافًّا رأسه في ثوبه يبكي فأنشأ رجل كان يلاحي فيدعى لغير أبيه فقال: يا نبي الله من أبي؟ قال: "أبوك حذافة" ثم قام عمر فقال: رضينا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا عائذًا بالله من شر الفتن الحديث. 4622 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ حَدَّثَنَا أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتِهْزَاءً فَيَقُولُ الرَّجُلُ مَنْ أَبِي؟ وَيَقُولُ الرَّجُلُ تَضِلُّ نَاقَتُهُ أَيْنَ نَاقَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ هَذِهِ الآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} حَتَّى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ كُلِّهَا. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (الفضل بن سهل) البغدادي (قال: حدّثنا أبو النضر) بإسكان الضاد المعجمة هاشم بن القاسم الخراساني قال: (حدّثنا أبو خيثمة) بفتح الخاء المعجمة والمثلثة بينهما تحتية ساكنة زهير بن معاوية الجعفي الكوفي قال: (حدّثنا أبو الجويرية) بضم الجيم مصغرًا حطان بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين ابن خفاف بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاء الجرمي بفتح الجيم (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان قوم يسألون رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استهزاء فيقول الرجل) له عليه الصلاة والسلام: (من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} حتى فرغ من الآية كلها) سقط إن تبد لكم تسؤكم في رواية أبي ذر. وهذا الحديث من أفراد البخاري، وقيل نزلت في شأن الحج فعن علي لما نزلت {ولله على الناس حج البيت} [آل عمران: 97] قالوا: يا رسول الله أي كل عام؟ فسكت فقالوا: يا رسول الله أفي كل عام؟ قال "لا، ولو قلت نعم لوجبت" لا فأنزل الله عز وجل {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} رواه الترمذي وقال حديث غريب. 13 - باب {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} [المائدة: 103] {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ} يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ {وَإِذْ} هَا هُنَا صِلَةٌ (الْمَائِدَةُ) أَصْلُهَا مَفْعُولَةٌ: كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَتَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ وَالْمَعْنَى مِيدَ بِهَا صَاحِبُهَا مِنْ خَيْرٍ يُقَالُ: مَادَنِي يَمِيدُنِي، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مُتَوَفِّيكَ مُمِيتُكَ. هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام}) [المائدة: 103] ويجوز كون جعل بمعنى سمى فيتعدى لاثنين أحدهما محذوف أي ما سمى الله حيوانًا بحيرة، ومنع أبو حيان كون جعل هنا بمعنى شرع أو وضع أو أمر، وخرج الآية على التصيير وجعل المفعول الثاني محذوفًا أي ما صير الله بحيرة مشروعة. ({وإذ قال الله}) {يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس} [المائدة: 116] معناه (يقول قال الله) غرضه أن لفظ قال الذي هو ماض بمعنى يقول المضارع لأن الله تعالى إنما يقول هذا القول يوم

القيامة توبيخًا للنصارى وتقريعًا، ويؤيده قوله: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} وذلك في القيامة ({وإذ} هاهنا صلة) أي زادة لأن إذ للماضي والقول في المستقبل، وقال غيره إذ قد تجيء بمعنى إذا كقوله: {ولو ترى إذ فزعوا} [سبأ: 51] وقوله: ثم جزاك الله عني إذ جزى ... جنات عدن في السماوات العلا وصوّب ابن جرير قول السدي أن هذا كان في الدنيا حين رفع إلى السماء الدنيا. (المائدة) في قوله: {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} [المائدة: 112] (أصلها مفعولة)، مراده أن لفظ المائدة وإن كان على لفظ فاعلة فهو بمعنى مفعولة يعني ميمودة لأن ماد أصله ميد قلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها والمفعول منها للمؤنث مميودة (كعيشة راضية) وإن كانت على وزن فاعلة فهي بمعنى مرضية لامتناع وصف المعيشة بكونها راضية وإنما الرضا وصف صاحبها (وتطليقة بائنة) التمثيل بهذه غير واضح لأن لفظ بائنة هنا على أصله بمعنى قاطعة لأن التطليقة البائنة تقطع حكم العقد (والمعنى) من حيث اللغة (ميد بها صاحبها من خير)، يعني امتير بها لأن ماده يميده لغة في ماره يميره من الميرة ومن حيث الاشتقاق (يقال مادني يميدني). من باب فعل يفعل بفتح العين في الماضي وكسرها في المستقبل وقال أبو حاتم المائدة الطعام نفسه والناس يظنونها الخوان. اهـ. لكن قال في الصحاح: المائدة خوان عليه طعام فإذا لم يكن عليه طعام فليس بمائدة وإنما هو خوان. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله تعالى: {يا عيسى إني} ({متوفيك}) [آل عمران: 55] معناه (مميتك) وهذه الآية من سورة آل عمران. قيل: وذكرها هنا لمناسبة {فلما توفيتني} وكلاهما في قصة عيسى. 4623 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: الْبَحِيرَةُ الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ فَلاَ يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَالسَّائِبَةُ كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لآلِهَتِهِمْ لاَ يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ» وَالْوَصِيلَةُ: النَّاقَةُ الْبِكْرُ تُبَكِّرُ فِي أَوَّلِ نِتَاجِ الإِبِلِ ثُمَّ تُثَنِّى بَعْدُ بِأُنْثَى وَكَانُوا يُسَيِّبُونَهُمْ لِطَوَاغِيتِهِمْ إِنْ وَصَلَتْ إِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى لَيْسَ بَيْنَهُمَا ذَكَرٌ وَالْحَامِ فَحْلُ الإِبِلِ يَضْرِبُ الضِّرَابَ الْمَعْدُودَ فَإِذَا قَضَى ضِرَابَهُ وَدَعُوهُ لِلطَّوَاغِيتِ وَأَعْفَوْهُ مِنَ الْحَمْلِ فَلَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَسَمَّوْهُ الْحَامِيَ. وَقَالَ أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، سَمِعْتُ سَعِيدًا قَالَ: يُخْبِرُهُ بِهَذَا قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ الْهَادِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي البصري قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني نزيل بغداد (عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف المدني مؤدّب ولد عمر بن عبد العزيز (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب) بن حزن القرشي المخزومي قال ابن المديني لا أعلم في التابعين أوسع علمًا منه أنه (قال: البحيرة التي يمنع درها للطواغيت) أي لبنها لأجل الأصنام (فلا يحلبها أحد من الناس) ذكر أو أنثى، وخص أبو عبيدة المنع بالنساء دون الرجال، وقال غيره: البحيرة فعيلة بمعنى مفعولة واشتقاقها من البحر وهو الشق يقال بحر ناقته إذا شق أذنها، واختلف فيها فقيل: هي الناقة تنتج خمسة أبطن آخرها ذكر فتشق أذنها وتترك فلا تركب ولا تحلب ولا تطرد عن مرعى ولا ماء. (والسائبة) بوزن فاعلة بمعنى مسيبة (كانوا يسيبونها لآلهتهم) لأجلها تذهب حيث شاءت (لا يحمل عليها شيء) ولا تحبس عن مرعى ولا ماء، وذلك أن الرجل كان إذا مرض أو غاب له قريب نذر إن شفاه الله أو مريضه أو قدم غائبه فناقته سائبة فهي بمنزلة البحيرة، وقيل: هي من جميع الأنعام. (قال) أي سعيد بن المسيب بالسند المذكور (وقال أبو هريرة) رضي الله تعالى عنه (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (رأيت عمرو بن عامر الخزاعي) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزاي، وسبق في باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة ورأيت فيها عمرو بن لحيّ بضم اللام وفتح الحاء المهملة. قال الكرماني: عامر اسم ولحيّ لقب أو بالعكس أو أحدهما اسم الجدّ، وقال البرماوي: إنما هو عمرو بن لحيّ اسمه ربيعة بن حارثة بن عمرو اهـ. وعند أحمد من حديث ابن مسعود مرفوعًا: إن أول من سيب السوائب وعبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر، وعند عبد الرزاق من حديث زيد بن أسلم مرفوعًا: عمرو بن لحي أخو بني كعب. قال ابن كثير: فعمرو هذا ابن لحي بن قمعة أحد رؤساء خزاعة الذين ولوا البيت بعد جرهم. وعند ابن جرير عن أبي هريرة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لأكتم بن الجون "يا أكتم رأيت عمرو بن لحيّ بن قمعة

14 - باب {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد} [المائدة: 117]

بن خندف" (يجر قصبه) بضم القاف وسكون الصاد المهملة وبعدها موحدة يعني أمعاءه (في النار كان أوّل من سيب السوائب). قال سعيد بن المسيب: مما هو موقوف مدرج لا مرفوع (والوصيلة) فعيلة بمعنى فاعلة هي (الناقة البكر تبكر) أي تبادر (في أوّل نتاج الإبل) بأنثى (ثم تثنى) بفتح المثلثة وتشديد النون المكسورة (بعد بأنثى) ليس بينهما ذكر (وكانوا يسيبونهم) ولأبي ذر يسيبونها أي الوصيلة (لطواغيتهم) بالمثناة الفوقية من أجل (أن وصلت) بفتح الواو في الفرع كأصله وفي نسخة بضمها (إحداهما) أي إحدى الأنثيين (بـ) الأنثى (الأخرى ليس بينهما ذكر) ويجوز كسر الهمز من أن وصلت وهو الذي في الفرع ولم يضبطها في الأصل، وقيل الوصيلة من جنس الغنم فقيل هي الشاة تنتج سبعة أبطن عناقين عناقين فإذا ولدت في آخرها عناقًا وجديًا قيل وصلت أخاها فجرت مجرى السائبة وقيل غير ذلك. (والحام) هو (فحل الإبل يضرب الضراب المعدود) فينتج من صلبه بطن بعد بطن إلى عشرة أبطن (فإذا قضى ضرابه ودعوه) بتخفيف الدال ولأبي ذر ودّعوه بتشديدها (للطواغيت) أي تركوه لأجل الطواغيت (وأعفوه من الحمل فلم يحمل عليه شيء وسموه الحامي) لأنه حمى ظهره وقيل الحام الفحل يولد لولده، وقيل الذي يضرب في إبل الرجل عشر سنين. (وقال أبو اليمان) الحكم بن نافع ولأبي ذر وقال لي أبو اليمان (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (سمعت سعيدًا) يعني ابن المسيب (قال يخبره بهذا) بتحتية مضمومة فحاء معجمة ساكنة فموحدة من الإخبار أي سعيد بن المسيب يخبر الزهري، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قال: بحيرة بهذا بموحدة مفتوحة فحاء مهملة فتحتية ساكنة إشارة إلى تفسير البحيرة وغيرها كما في رواية إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري. (قال): أي سعيد بن المسيب (وقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه) أي المذكور في الرواية السابقة وهو قوله البحيرة التي يمنع درها للطواغيت. (ورواه) أي الحديث المذكور (ابن الهاد) يزيد بن عبد الله بن أسامة الليثي (عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد) هو ابن المسيب (عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه) أنه قال: (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا رواه ابن مردويه من طريق حميد بن خالد المهري عن ابن الهاد ولفظه: رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب، والسائبة التي كانت تسيب فلا يحمل عليها شيء إلى آخر التفسير المذكور، وقال الحافظ ابن كثير فيما رأيته في تفسيره قال الحاكم: أراد البخاري أن يزيد بن عبد الله بن الهاد رواه عن عبد الوهاب بن بخت عن الزهري كذا حكاه شيخنا أبو الحجاج المزي في الأطراف وسكت ولم ينبه عليه، وفيما قاله الحاكم نظر فإن الإمام أحمد وأبا جعفر بن جرير روياه من حديث الليث بن سعد عن ابن الهاد عن الزهري نفسه والله أعلم. 4624 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكَرْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَرَأَيْتُ عَمْرًا يَجُرُّ قُصْبَهُ وَهْوَ أَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن أبي يعقوب) إسحاق (أبو عبد الله الكرماني) بكسر الكاف وضبطه النووي بفتحها والأول هو المشهور قال: (حدّثنا حسان بن إبراهيم) بن عبد الله الكرماني أبو هشام العنزي بنون مفتوحة بعدها زاي مكسورة قال: (حدّثنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (رأيت جهنم) حقيقة أو عرض عليه مثالها وكان ذلك في كسوف الشمس (يحطم) بكسر الطاء أي يأكل (بعضها بعضًا ورأيت عمرًا) هو ابن عامر الخزاعي (يجر قصبه) بضم القاف وسكون المهملة أمعاءه أي في النار وسقط للعلم به (وهو أول من سيّب السوائب). وقد سبق هذا الحديث مطوّلًا في أبواب العمل في الصلاة من وجه آخر عن يونس بن يزيد. 14 - باب {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وكنت عليهم شهيدًا}) رقيبًا كالشاهد لم أمكنهم من هذا القول الشنيع

وهو المذكور في قوله تعالى: {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} فضلًا عن أن يعتقدوه ({ما دمت فيهم فلما توفيتني}) أي بالرفع إلى السماء لقوله تعالى: {إني متوفيك ورافعك} [آل عمران: 55] والمتوفى أخذ الشيء وافيًا والموت نوع منه ({كنت أنت الرقيب عليهم}) المراقب لأحوالهم فتمنع من أردت عصمته بأدلة العقل والآيات التي أنزلت إليهم ({وأنت على كل شيء شهيد}) [المائدة: 117] مطلع عليه مراقب له. قال في فتوح الغيب: فإن قلت: إذا كان الشهيد بمعنى الرقيب فلمَ عدل عنه إلى الرقيب في قوله تعالى: {كنت أنت الرقيب عليهم} مع أنه ذيل الكلام بقوله: {وأنت على كل شيء شهيد}؟ وأجاب: بأنه خولف بين العبارتين ليميز بين الشهيدين والرقيبين فيكون عيسى عليه السلام رقيبًا ليس كالرقيب الذي يمنع ويلزم بل هو كالشاهد على المشهود عليه ومنعه بمجرد القول، وأنه تعالى هو الذي يمنع منع إلزام بنصب الأدلة وإنزال البينات وإرسال الرسل، وسقط لأبي ذر قوله: {فلما توفيتني} الخ ... وقال بعد قوله: {ما دمت فيهم} الآية. 4625 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» ثُمَّ قَالَ: «{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}» إِلَى آخِرِ الآيَةِ. ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلاَئِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، أَلاَ وَإِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُصَيْحَابِي فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِى مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: كَمَا قَالَ: الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} فَيُقَالُ: إِنَّ هَؤُلاَءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرنا المغيرة بن النعمان) النخعي الكوفي (قال: سمعت سعيد بن جبير) الأسدي مولاهم الكوفي (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) أنه (قال: خطب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (يا أيها الناس إنكم محشورون) أي مجموعون يوم القيامة (إلى الله) تعالى حال كونكم (حفاة عراة غرلًا) بضم الغين وسكون الراء جمع أغرل وهو الأقلف، والغرلة القلفة التي تقطع من ذكر الصبي. قال ابن عبد البر: يحشر الآدمي عاريًا ولكل من الأعضاء ما كان له يوم ولد فمن قطع له شيء يرد حتى الأقلف. وقال أبو الوفاء بن عقيل: حشفة الأقلف موقاة بالقلفة فلما أزالوها في الدنيا أعادها الله في الآخرة ليذيقها من حلاوة فضله، وسقط لأبي ذر: عراة (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: ولأبي ذر عن الكشميهني ثم قرأ: ({كما بدأنا أول خلق نعيده وعدًا علينا إنا كنا فاعلين}) [الأنبياء: 104] (إلى آخر الآية). قال في شرح المشكاة: إن قيل سياق الآية في إثبات الحشر والنشر لأن المعنى نوجدكم عن العدم كما أوجدناكم أولًا عن العدم فكيف يستشهد بها للمعنى المذكور؟ وأجاب: بأن سياق الآية دل على إثبات الحشر وأشارتها على المعنى المراد من الحديث فهو من باب الإدماج. (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (ألا) بالتخفيف للاستفتاح (وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم) الخليل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه أول من عري في ذات الله حين أرادوا إلقاءه في النار ولا يلزم من أوليته لذلك تفضيله على نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنا نقول إذا استأثر الله عبدًا بفضيلة على آخر واستأثر المستأثر عليه على المستأثر بتلك الواحدة بغيرها أفضل منها كانت الفضيلة له، فحلة نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي يكساها بعد الخليل حلة خضراء وهي حلة الكرامة بقرينة إجلاسه عند ساق العرش فهي أعلى وأكمل فتجبر بنفاستها ما فات من الأولية ولا خفاء بأن منصب الشفاعة حيث لا يؤذن لأحد غير نبينا فيه لم يبق سابقة لأولي السابقة ولا فضيلة لذوي الفضائل إلا أتت عليها وكم له من فضائل مختصة به لم يسبق إليها ولم يشارك فيها (ألا) بالتخفيف أيضًا (وإنه يجاء) بضم الياء وفتح الجيم (برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال) جهة النار (فأقول: يا رب أصيحابي) بضم الهمزة وفتح المهملة مصغرًا والتصغير يدل على التقليل والمراد أنهم تأخروا عن بعض الحقوق وقصروا فيها أو من ارتد من جفاة الأعراب ولأبي ذر عن الكشميهني أصحابي بالتكبير (فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: كما قال العبد الصالح) عيسى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ({وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم) وزاد أبو ذر {وأنت على كل شيء شهيد}. وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى. (فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ) بالنون لأبي ذر عن الكشميهني مذ (فارقتهم) لم يرد به خواص الصحابة الذين لزموه

15 - باب قوله: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة: 118]

وعرفوا بصحبته فقد صانهم الله تعالى وعصمهم من ذلك وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب من المؤلّفة قلوبهم ممن لا بصيرة له في الدين. وهذا الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في الرقاق بعون الله تعالى وقوته. 15 - باب قَوْلِهِ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] (باب قوله) عز وجل: ({وإن تعذبهم فإنهم عبادك}) أي إن عذبتهم فلا تعذب إلا عبادك ولا اعتراض على المالك فيما يتصرف فيه من ملكه وهم يستحقون ذلك حيث عبدوا غيرك ({وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}) [المائدة: 118]. إن قيل: كيف جاز أن يقول وأن تغفر لهم فتعرّض بسؤاله العفو عنهم مع علمه أنه تعالى قد حكم بأنه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة؟ أجيب: بأن هذا ليس بسؤال وإنما هو كلام على طريق إظهار قدرته تعالى على ما يريد وعلى مقتضى حكمه وحكمته، ولذا قال: فإنك أنت العزيز الحكيم تنبيهًا على أنه لا امتناع لأحد من عزته ولا اعتراض في حكمه وحكمته فإن عذبت فعدل وإن غفرت ففضل. قال: أذنبت ذنبًا عظيمًا ... وأنت للعفو أهل فإن عفوت ففضل ... وإن جزيت فعدل وعدم غفران الشرك مقتضى الوعيد فلا امتناع فيه لذاته وسط قوله: {وإن تغفر لهم} الخ لأبي ذر وقال بعد قوله: {فإنهم عبادك} الآية. 4626 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ، وَإِنَّ نَاسًا يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ: كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي البصري قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (سفيان) الثوري قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (المغيرة بن النعمان) النخعي (قال: حدّثني) بالإفراد (سعيد بن جبير) الأسدي مولاهم (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إنكم محشورون) أي يوم القيامة وزاد في الرواية السابقة إلى الله (وإن ناسًا) ولأبي ذر عن الكشميهني وأن رجالًا (يؤخذ بهم ذات الشمال) جهة النار (فأقول كما قال العبد الصالح) عيسى ابن مريم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ({وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم} -إلى قوله- {العزيز الحكيم}). فإن قلت: ما وجه مناسبة العزيز الحكيم بعد التعذيب والمغفرة وبالنظر إلى القسم الآخر الغفور أنسب ظاهرًا؟ أجيب: بأن مجموع الوصفين لمجموع الحكمين كأنه قال: إن تعذبهم فإنهم عبادك ولا يفوتك ولا يؤدك تعذيبهم وأن تغفر لهم فإنك أنت الحكيم الذي لا يفعل إلا بمقتضى الحكمة لا بالنظر إلى أنهم يستحقون المغفرة بل باعتبار أن فعلك لا يكون إلا على وجه الصواب. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الرقاق وأحاديث الأنبياء، ومسلم في صفة القيامة، والترمذي في الزهد، والنسائي في الجنائز والتفسير. ([6] سورة الأنعام) عن ابن عباس فيما رواه الطبراني نزلت سورة الأنعام بمكة ليلًا جملة حرلها سبعون ألف ملك يجأرون حولها بالتسبيح. وروى الحاكم في مستدركه عن جعفر بن عون، حدّثنا إسماعيل بن عبد الرحمن، حدّثنا محمد بن المنكدر عن جابر لما نزلت سورة الأنعام سبح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قال: (لقد شيع هذه السورة ما سدّ الأفق) ثم قال: صحيح على شرط مسلم فإن إسماعيل هو السدي. قال الذهبي: لا والله لم يدرك جعفر السدي وأظن هذا موضوعًا، وعند ابن مردويه عن أنس بن مالك مرفوعًا: نزلت سورة الأنعام معها موكب من الملائكة سدّ ما بين الخافقين لهم زجل بالتسبيح والأرض بهم ترتج ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: سبحان الله الملك العظيم. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [6]- سورة الأَنْعَامِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِتْنَتَهُمْ مَعْذِرَتَهُمْ مَعْرُوشَاتٍ: مَا يُعْرَشُ مِنَ الْكَرْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، حَمُولَةً: مَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا، وَلَلَبَسْنَا: لَشَبَّهْنَا، يَنْأَوْنَ، يَتَبَاعَدُونَ، تُبْسَلُ: تُفْضَحُ، أُبْسِلُوا: أُفْضِحُوا، بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ: الْبَسْطُ الضَّرْبُ، اسْتَكْثَرْتُمْ: أَضْلَلْتُمْ كَثِيرًا. ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ: جَعَلُوا لِلَّهِ مِنْ ثَمَرَاتِهِمْ وَمَالِهِمْ نَصِيبًا وَلِلشَّيْطَانِ وَالأَوْثَانِ نَصِيبًا. أَكِنَّةً وَاحِدُهَا: كِنَانٌ، أَمَّا اشْتَمَلَتْ يَعْنِي هَلْ تَشْتَمِلُ إِلاَّ عَلَى ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى؟ فَلِمَ تُحَرِّمُونَ بَعْضًا وَتُحِلُّونَ بَعْضًا. مَسْفُوحًا: مُهْرَاقًا، صَدَفَ: أَعْرَضَ. أُبْلِسُوا: أُويِسُوا. وَأُبْسِلُوا: أُسْلِمُوا. سَرْمَدًا: دَائِمًا. اسْتَهْوَتْهُ: أَضَلَّتْهُ. تَمْتَرُونَ: تَشُكُّونَ، وَقْرًا: صَمَمٌ، وَأَمَّا الْوِقْرُ الْحِمْلُ. أَسَاطِيرُ: وَاحِدُهَا أُسْطُورَةٌ وَإِسْطَارَةٌ وَهِيَ التُّرَّهَاتُ، الْبَأْسَاءُ: مِنَ الْبَأْسِ وَيَكُونُ مِنَ الْبُؤْسِ. جَهْرَةً: مُعَايَنَةً، الصُّوَرُ: جَمَاعَةُ صُورَةٍ كَقَوْلِهِ: سُورَةٌ وَسُوَرٌ، مَلَكُوتٌ: مُلْكٌ مِثْلُ رَهَبُوتٍ خَيْرٌ مِنْ رَحَمُوتٍ وَيَقُولُ تُرْهَبُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُرْحَمَ، جَنَّ: أَظْلَمَ، تَعَالَى: عَلاَ، وَإِن تَعْدِلْ: تُقْسِطْ، لاَ يُقْبَلْ مِنْهَا فِي ذَلِكَ اليَوْمِ، يُقَالُ: عَلَى اللَّهِ حُسْبَانُهُ أَيْ حِسَابُهُ، وَيُقَالُ حُسْبَانًا: مَرَامِيَ وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ. مُسْتَقَرٌّ: فِي الصُّلْبِ، وَمُسْتَوْدَعٌ: فِي الرَّحِمِ، الْقِنْوُ الْعِذْقُ وَالاِثْنَانِ قِنْوَانِ وَالْجَمَاعَةُ أَيْضًا قِنْوَانٌ مِثْلُ صِنْوٍ وَصِنْوَانٍ. (بسم الله الرحْمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر. (قال ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عنه: ({ثم لم تكن فتنتهم}) [الأنعام: 23] أي (معذرتهم) أي التي يتوهمون أنهم يتخلصون بها، وسقط {ثم لم تكن} لغير أبي ذر، وقال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم أيضًا في قوله تعالى: {وهو الذي أنشأ جنات} ({معروشات}) [الأنعام: 141] أي (ما يعرش من الكرم وغير ذلك) وسقط هذا لأبي ذر. وقال ابن عباس أيضًا فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ({حمولة}) (وفرشًا} [الأنعام: 142] هي (ما يحمل

عليها) كذا في اليونينية يحمل بالتحتية وسقطت في فرعها أي الأثقال وفي قوله: ({وللبسنا}) {عليهم} [الأنعام: 9] (لشبهنا) عليهم فيقولون: ما هذا إلا بشر مثلكم، وفي قوله تعالى: ({وينأون}) [الأنعام: 26] عنه (يتباعدون) عنه أي عن أن يؤمنوا به عليه الصلاة والسلام وفي ({تبسل}) من قوله: {أن تبسل نفس} [الأنعام: 7] (تفضح) وفي قوله: ({أبسلوا}) أي (أفضحوا) همزة مضمومة وكسر الضاد المعجمة ولأبي ذر فضحوا بغير همزة وفي قوله تعالى: {والملائكة} ({باسطو أيديهم}) [الأنعام: 93] (البسط: الضرب) من قوله تعالى: {لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني} [المائدة: 28] وليس البسط الضرب نفسه وفي قوله: {قد} ({استكثرتم}) أي (أضللتم كثيرًا) منهم وكذلك قال مجاهد والحسن وقتادة: ولأبي ذر وقوله: استكثرتم من الإِنس وسقط لغيره وفي قوله: ({ذرأ}) ولأبي ذر: {مما ذرأ} ({من الحرث}) [الأنعام: 136] قال: (جعلوا لله من ثمراتهم وما لهم نصيبًا وللشيطان والأوثان نصيبًا). وروي أنهم كانوا يصرفون ما عينوه لله إلى الضيفان والمساكين والذي لأوثانهم ينفقونه على سدنتها ثم إن رأوا ما عينوه لله أزكى بذلوه لآلهتهم وإن رأوا ما آلهتهم أزكى تركوه لها حبًّا لها وفي قوله: {مما ذرأ} تنبيه على فرط جهالتهم فإنهم أشركوا الخالق في خلقه جمادًا لا يقدر على شيء ثم رجحوه عليه بأن جعلوا الزاكي له، وسقط لغير أبي ذر لفظ مما من قوله: {مما ذرأ}. وقال ابن عباس أيضًا في قوله تعالى: {على قلوبهم} ({أكنة}) [الأنعام: 25] أن يفقهوه (واحدها كنان) وهو ما يستر الشيء وهذا ثابت لأبي ذر عن المستملي ساقط لغيره وفي قوله: ({أما}) بإدغام الميم في الأخرى وحذفها من الكتابة ولأبي ذر: أم ما ({اشتملت}) [الأنعام: 143] عليه أرحام الأنثيين (يعني هل تشتمل إلا على ذكر أو أنثى فلم تحرمون بعضًا وتحلّون بعضًا) وهو رد عليهم في قولهم: ({ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا} ومحرم على أزواجنا. وفي قوله: {أو دمًا} ({مسفوحًا}) أي (مهراقًا) يعني مصبوبًا كالدم في العروق لا كالكبد والطحال وهذا ثابت للكشميهني ساقط لغيره، وفي قوله: ({صدف}) أي (أعرض) عن آيات الله، وفي قوله تعالى: ({أبلسوا}) من قوله تعالى: {فإذا هم مبلسون} أي (أويسوا) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أيسوا بفتح الهمزة وإسقاط الواو مبنيًّا للفاعل من أيس إذا انقطع رجاؤه، وفي قوله: {أبلسوا} بما كسبوا أي (أسلموا) أي إلى الهلاك بسبب أعمالهم القبيحة وعقائدهم الزائغة وقد ذكر هذا قريبًا بغير هذا التفسير وفي قوله في سورة القصص (سرمدًا) إلى يوم القيامة أي (دائمًا) قيل وذكره هنا لمناسبة قوله في هذه السورة وجاعل الليل سكنًا. وفي قوله: ({استهوته}) أي (أضلته) الشياطين، وفي قوله: {ثم أنتم} ({تمترون}) أي (تشكون) وفي قوله: {وفي آذانهم} ({وقر}) أي (صم وأما الوقر) بكسر الواو (فإنه الحمل) بكسر الحاء المهملة وسقط لغير أبي ذر فإنه وقوله: ({أساطير}) الأولين (واحدها أسطورة) بضم الهمزة وسكون السين وضم الطاء (وإسطارة) بكسر الهمزة وفتح الطاء ويعدها ألف (وهي الترهات) بضم الفوقية وتشديد الراء أي الأباطيل وقوله: ({البأساء}) في قوله: {فأخذناهم بالبأساء} (من البأس) وهو الشدّة (ويكون من البؤس) بالضم وهو ضدّ النعيم وقوله: {أو} ({جهرة}) أي (معاينة) وقوله: ({الصور}) بضم الصاد وفتح الواو في قوله: {يوم ينفخ في الصور} أي (جماعة صورة) أي يوم ينفخ فيها فتحيا (كقوله: سورة وسور) بالسين المهملة فيهما. قال ابن كثير: والصحيح أن المراد بالصور القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام للأحاديث الواردة فيه، وقوله: ({ملكوت}) بفتح التاء في اليونينية في قوله تعالى: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض} [الأنعام: 75] أي (ملك) وقيل الواو والتاء زائدتان (مثل رهبوت) كذا في نسخة آل ملك بكسر ميم مثل والإضافة لتاليه والذي في اليونينية مثل بفتح الميم والمثلثة وتنوين اللام ورهبوت رفع (خبر من رحموت) أي في الوزن (وتقول: ترهب خير من أن ترحم) ولأبي ذر ملكوت وملك رهبوت رحموت والصواب الأول فإنه فسر ملكوت بملك وأشار إلى أن وزن ملكوت مثل رهبوت ورحموت، ويؤيده قول أبي عبيدة

1 - باب {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} [الأنعام: 59]

في تفسيره الآية حيث قال أي ملك السماوّات والأرض خرجت مخرج قولهم في المثل رهبوت خير من رحموت أي رهبة خير من رحمة وقوله: {فلما} ({جن}) {عليه الليل} أي (أظلم) وقوله: ({تعالى}) {ما يصفون} أي (علا) وهذا ثابت لأبي ذر ساقط لغيره كقوله: ({وأن تعدل}) كل عدل لا يؤخذ منها أي (تقسط) بضم الفوقية من الأقساط وهو العدل والضمير في أن تعدل يرجع إلى النفس الكافرة المذكورة قبل ({لا يقبل منها} في ذلك اليوم) هو يوم القيامة لأن التوبة إنما تنفع في حال الحياة قبل الموت وقوله: وإن تعدل الخ ... ثابت لأبي ذر، وفي قوله: {والشمس والقمر حسبانًا} (يقال على الله حسبانه أي حسابه) كشهبان وشهاب أي يجريان بحساب متقن مقدر لا يتغير ولا يضطرب بل كل منهما له منازل يسكنها في الصيف والشتاء فيترتب على ذلك اختلاف الليل والنهار طولًا وقصرًا (ويقال حسبانًا) أي (مرامي) أي سهامًا (ورجومًا للشياطين) وسقط قوله ويقال لأبي ذر. وقوله: ({مستقر}) في قوله تعالى: {أنشأكم من نفس واحدة فمستقر} [الأنعام: 98] أي (في الصلب ومستودع في الرحم) كذا وقع هنا ومثله قول أي عبيدة مستقر في صلب الأب ومستوع في رحم الأم، وكذا أخرجه عبد بن حميد من حديث محمد ابن الحنفية، وقال معمر عن قتادة عن عبد الرزاق مستقر في الرحم ومستوع في الصلب، وأخرج سعيد بن منصور مثله من حديث ابن عباس بإسناد صحيح، وأخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود قال مستقرها في الدنيا ومستودعها في الآخرة، وعند الطبراني من حديثه المستقر الرحم والمستودع الأرض وقوله: القنو في قوله: {ومن النخل من طلعها قنوان} [الأنعام: 99] أي (العذق) بكسر العين المهملة وسكون الذال المعجمة آخره قاف وهو العرجون بما فيه من الشماريخ (والاثنان قنوان) بكسر القاف (والجماعة أيضًا قنوان) فيستوي فيه التثنية والجمع. نعم يظهر الفرق بينهما في رواية أبي ذر حيث تكرر عنده صنوان مع كسر نون الأولى ورفع الثانية التي هي نون الجمع الجاري عليها الإعراب تقول في التثنية هذان قنوان بالكسر، وأخذت قنوين في النصب، وضربت بقنوين في الجر فنقلب ألف التثنية فيهما وتقول في الجمع هذه قنوان بالرفع لأنه في حالة الرفع وأخذت قنوانًا بالنصب وضربت بقنوان بالجرّ ولا تتغير فيه الألف والإعراب يجري على النون ويحصل الفرق أيضًا بالإضافة فإن نون التثنية تحذف دون نون الجمع وسقطت قنوان الثانية لغير أبي ذر (مثل صنو وصنوان) في التثنية والجمع والكسر في التثنية والحركات الثلاث في الجمع وهو بكسر الصاد المهملة وسكون النون وأصله أن تطلع نخلتان من عرق واحد، ولأبي ذر: وصنوان بالرفع والتنوين، وهذه التفاسير المذكورة مقدم بعضها على بعض في بعض النسخ ومؤخر في أخرى وساقط في بعضها من بعض. 1 - باب {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: 59] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو}) [الأنعام: 59] المفاتح: جمع مفتح بفتح الميم وهو الخزانة أو جمع مفتح بكسر الميم وهو المفتاح بإثبات الألف وجمعه مفاتيح بياء بعد الألف وقرأ بها ابن السميقع وهو الآلة التي يفتح بها، فعلى الأول يكون المعنى وعنده خزائن الغيب وهذا منقول عن السدي فيما رواه الطبري، وعلى الثاني يكون قد جعل للغيب مفاتيح على طريق الاستعارة لأن المفاتيح هي التي يتوصل بها إلى ما في الخزائن المستوثق منها بالإغلاق فمن علم كيف يفتح بها ويتوصل إلى ما فيها فهو عالم وكذلك هاهنا إن الله تعالى لما كان عالمًا بجميع المعلومات ما غاب منها وما لم يغب عبّر عنه بهذه العبارة إشارة إلى أنه هو المتوصل إلى المغيبات وحده لا يتوصل إليها غيره وهذا هو الفائدة في التعبير بعند، وفيه ردّ على المنجم المخذول الذي يدعي علم الغيب والفلسفي المطرود الذي يزعم أن الله تعالى لا يعلم الجزئيات، وجوّز الواحدي أنه جمع مفتح بفتح الميم على أنه مصدر بمعنى الفتح أي وعنده فتوح الغيب أي يفتح الغيب على من يشاء من عباده ويطلق المفتاح على المحسوس والمعنوي، وفي حديث أنس

2 - باب قوله: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم} [الأنعام: 65] يلبسكم: يخلطكم من الالتباس. يلبسوا: يخلطوا. شيعا: فرقا

مما صححه ابن حبان "أن من الناس مفاتح للخير". 4627 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34]». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى القرشي العامري الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (مفاتح الغيب) بوزن مساجد أي خزائن الغيب (خمس) لا يعلمها إلا الله فمن ادّعى علم شيء منها فقد كفر بالقرآن العظيم وذكر خمسًا، وإن كان الغيب لا يتناهى لأن العدد لا ينفي زائدًا عليه أو لأن هذه الخمس هي التي كانوا يدّعون علمها ({إن الله عنده علم الساعة}) أي علم قيامها فلا يعلم ذلك نبي مرسل ولا ملك مقرب لا يجلبها لوقتها إلا هو ومن ثمّ أنكر الداودي على الطبري دعواه أنه بقي من الدنيا من هجرة المصطفى نصف يوم وهو خمسمائة عام قال: وتقوم الساعة لأن دعواه مخالفة لصريح القرآن والسنّة ويكفي في الردّ عليه أن الأمر وقع بخلاف ما قال فقد مضت خمسمائة سنة ثم ثلاثمائة وزيادة لكن الطبري تمسك بحديث أبي ثعلبة رفعه: "لن تعجز هذه الأمة أن يؤخرها الله نصف يوم". الحديث ... أخرجه أبو داود وغيره لكنه ليس صريحًا في أنها لا تؤخر أكثر من ذلك ({وينزل الغيث}) فلا يعلم وقت إنزاله من غير تقديم ولا تأخير وفي بلد لا يجاوز به إلا هو لكن إذا أمر به علمته ملائكته الموكلون به ومن شاء الله من خلقه ({ويعلم ما في الأرحام}) مما يريد أن يخلقه أذكر أم أنثى أتام أم ناقص لا أحد سواه لكن إذا أمر بكونه ذكرًا أو أنثى أو شقيًّا أو سعيدًا علمه الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء من خلقه ({وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا) في دنياها أو أخراها من خير أو شر ({وما تدري نفس بأي أرض تموت}) أفي بلدها أم في غيرها فليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض أفي بحر أو بر سهل أو جبل ({إن الله عليم خبير}) [لقمان: 34]. والاستدراك من نفي علم غير البارئ تعالى بوقت إنزال المطر قوّلنا لكن إذا أمر به علمته ملائكته الموكلون به الخ ... مستفاد من قوله: علم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول الآية. ومقتضاه إطلاع الرسول على بعض المغيب والولي تابع للرسول يأخذ عنه، وسقط قوله: {ويعلم ما في الأرحام} الخ لأبي ذر وقال إلى آخر السورة. وهذا الحديث قد سبق في الاستسقاء ويأتي إن شاء الله تعالى في سورة الرعد ولقمان والله المستعان. 2 - باب قَوْلِهِ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] يَلْبِسَكُمْ: يَخْلِطَكُمْ مِنَ الاِلْتِبَاسِ. يَلْبِسُوا: يَخْلِطُوا. شِيَعًا: فِرَقًا (باب قوله) تعالى: ({قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم}) كما فعل بقوم نوح ولوط وأصحاب الفيل ({أو من تحت أرجلكم}) [الأنعام: 65] كما أغرق فرعون وخسف بقارون، وعند ابن مردويه من حديث أبي بن كعب ({عذابًا من فوقكم}) قال: الرجم ({أو من تحت أرجلكم}) الخسف. وقيل من فوقكم أكابركم وحكّامكم أو من تحت أرجلكم سفلتكم وعبيدكم، وقيل المراد بالفوق حبس المطر وبالتحت منع الثمرات وسقط لغير أبي ذر: أو من تحت أرجلكم، وقالوا: الآية، وثبت قوله: باب قوله لأبي ذر، وسقط للباقين. ({يلبسكم}) [الأنعام: 65] في قوله: {أو يلبسكم} أي (يخلطكم من الالتباس يلبسوا يخلطوا) وهذا كاللاحق من قول أبي عبيدة، وقوله: ({شيعا}) [الأنعام: 65] أي (فرقًا) أي لا تكونوا شيعة واحدة يعني يخلط أمركم خلط اضطراب لا خلط اتفاق يقاتل بعضكم بعضًا. 4628 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» قَالَ: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قَالَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَذَا أَهْوَنُ أَوْ هَذَا أَيْسَرُ». [الحديث 4628 - طرفاه في: 7313، 7406]. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل عارم قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الجهضمي (عن عمرو بن دينار عن جابر) الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لما نزلت هذه الآية {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أعوذ بوجهك) بذاتك. وزاد الإسماعيلي من طريق حماد بن زيد عن عمرو الكريم (قال: {أو من تحت أرجلكم}) وسقطت قال لأبي ذر (قال) عليه الصلاة والسلام: (أعوذ بوجهك) زاد الإسماعيلي الكريم أيضًا ({أو يلبسكم}) يخلطكم في ملاحم القتال ({شيعًا ويذيق بعضكم بأس بعض}) أي يقاتل بعضكم بعضًا. وقال مجاهد: يعني أهواء

3 - باب {ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} [الأنعام: 82]

متفرقة وهو ما كان فيهم من الفتن والاختلاف. وقال بعضهم: هو ما فيه الناس الآن من الاختلاف والأهواء وسفك الدماء (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هذا أهون) لأن الفتن بين المخلوقين وعذابهم أهون من عذاب الله فابتليت هذه الأمة بالفتن ليكفر بها عنهم (أو) قال: (هذا أيسر) شك الراوي. وعند ابن مردويه من حديث ابن عباس قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "دعوت الله أن يرفع عن أمتي أربعًا فرفع عنهم اثنتين وأبى أن يرفع عنهم اثنتين دعوت الله أن يرفع عنهم الرجم من السماء والخسف من الأرض وأن لا يلبسهم شيعًا ولا يذيق بعضهم بأس بعض، فرفع الله عنهم الخسف والرجم، وأبى أن يرفع عنهم الأخريين" فيستفاد منه أن الخسف والرجم لا يقعان في هذه الأمة، لكن روى أحمد من حديث أبيّ بن كعب في هذه الآية قال: هن أربع وكلهن واقع لا محالة فمضت اثنتان بعد وفاة نبيهم بخمس وعشرين سنة ألبسوا شيعًا وذاق بعضهم بأس بعض، وبقيت اثنتان واقعتان. لا محالة الخسف والرجم، لكنه أعلّ بأنه مخالف لحديث جابر وغيره، وبأن أبيّ بن كعب لم يدرك سنة خمس وعشرين من الوفاة النبوية فكأن حديثه انتهى عند قوله: لا محالة، والباقي كلام بعض الرواة، وجمع بينهما بأن حديث جابر مقيد بزمان وجود الصحابة وبعد ذلك يجوز وقوعهما، وعند أحمد بإسناد صحيح من حديث صحار بضم الصاد وبالحاء المخففة المهملتين العبدي رفعه: "لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل" الحديث ... ذكره في فتح الباري، وفي حديث ربيعة الجرشي عند ابن أبي خيثمة رفعه: "يكون في أمتي الخسف والقذف والمسخ". وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد والنسائي في التفسير. 3 - باب {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] أي بشرك، وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4629 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار العبدي قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) هو محمد واسم أبي عدي إبراهيم البصري (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لما نزلت {ولم يلبسوا إيمانهم بظلم}) أي عظيم أي لم يخلطوه بشرك كما سيأتي، واستشكل تصوير خلط الإيمان بالشرك وحمله بعضهم على خلطهما ظاهرًا وباطنًا أي لم ينافقوا؛ أو المراد بالإيمان مجرد التصديق بالصانع وحده فيكون لغويًّا وحينئذ فلا إشكال. (قال أصحابه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورضي الله عنهم: (وأينا لم يظلم) وفي نسخة لأبي ذر عن الحموي: لا يظلم (فنزلت) عقب ذلك ({إِن الشرك لظلم عظيم}) [لقمان: 13] فبيّن أن عموم الظلم المفهوم من الإتيان به نكرة في سياق النفي غير مراد بل هو من العام الذي أريد به الخاص وهو الشرك الذي هو أعلى أنواع الظلم. وهذا الحديث قد سبق في باب الإيمان. 4 - باب قَوْلِهِ: {وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 86] (باب قوله) جل وعلا: ({ويونس ولوطًا}) هو ابن هاران ابن أخي إبراهيم الخليل عليه السلام ({وكلاًّ فضلنا على العالمين}) [الأنعام: 86] أي عالمي زمانهم، وتمسك به من قال: إن الأنبياء أفضل من الملائكة لدخولهم في عموم الجمع المحلى. 4630 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا يَنْبَغِى لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا ابن مهدي) عبد الرحمن قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي العالية) رفيع بضم الراء وفتح الفاء وبعد التحتية الساكنة عين مهملة ابن مهران الرياحي أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن عم نبيكم يعني ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى) بفتح الميم والفوقية المشددة وضمير المتكلم يحتمل أن يعود إلى كل قائل، أي: لا يقول بعض الجاهلين من المجتهدين في العبادة أو العلم أو غير ذلك من الفضائل فإنه ولو بلغ لم يبلغ درجة النبوة، ويؤيده ما في بعض الروايات ما ينبغي لعبد أن يقول: وقيل يعود إلى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي لا ينبغي لأحد أن يفضلني عليه قاله

5 - باب قوله {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} [الأنعام: 90]

على سبيل التواضع أو قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم وفيه نظر من جهة معرفة المتقدم تاريخيًّا. 4631 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى». وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة وتخفيف التحتية قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرنا سعد بن إبراهيم) بسكون العين (قال: سمعت حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى) فيه الكف عن الخوض في التفضيل بين الأنبياء بالرأي فيوقف عند المروي من ذلك والدلائل متظافرة على تفضيل نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على جميع الأنبياء، وخص يونس بالذكر خوفًا من توهم حط مرتبته العلية بقصة الحوت. وهذا الحديث قد سبق مرارًا وقد ثبت باب قوله لأبي ذر عن المستملي وسقط لغيره. 5 - باب قَوْلِهِ {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] (باب قوله) سبحانه وتعالى: ({أولئك الذين هدى الله}) قال الزجاج الأنبياء الذين ذكرهم ({فبهداهم اقتده}) [الأنعام: 90] الهاء من اقتده للوقف ومن أثبتها في الوصل ساكنة. كالحرمين، والبصري وعاصم أجرى الوصل مجرى الوقف وأشبعها ابن عامر على أنها كناية المصدر أي اقتد اقتداء وحذفها الأخوان على أنها هاء السكت وقياسها في الوصل الحذف. وفي هذه الآية دلالة على فضل نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على سائر الأنبياء لأنه سبحانه أمره بالاقتداء بهداهم، ولا بد من امتثاله لذلك الأمر فوجب أن يجتمع فيه جميع فضائلهم وأخلاقهم المتفرقة، فثبت بهذا أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفضل الأنبياء وتقديم قوله: {فبهداهم اقتده} يفيد حصر الأمر في هذا الاقتداء وأنه لا هدى غيره، والمراد أصول الدين وهو الذي يستحق أن يسمى الهدى المطلق فإنه لا يقبل النسخ، وكذا في مكارم الأخلاق والصفات الحميدة المشهورة عن كل واحد من هؤلاء الأنبياء ولو أمر بالاقتداء في مشروع تلك الأديان لم يكن دينًا ناسخًا وكان يجب محافظة كتبهم ومراجعتها عند الحاجة وبطلان اللازم بالاتفاق يدل على بطلان الملزوم، وسقط لغير أبي ذر قوله: باب قوله. 4632 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ أَنَّ مُجَاهِدًا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَفِي (ص) سَجْدَةٌ فَقَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ تَلاَ: {وَوَهَبْنَا} -إِلَى قَوْلِهِ- {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} ثُمَّ قَالَ: هُوَ مِنْهُمْ. زَادَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ الْعَوَّامِ عَنْ مُجَاهِدٍ، قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: فَقَالَ نَبِيُّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ أُمِرَ أَنْ يَقْتَدِىَ بِهِمْ. وبه قال: (حدّثني) بالتوحيد (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (سليمان) بن أبي مسلم (الأحول) المكي قيل اسم أبيه عبد الله (أن مجاهدًا) هو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة المخزومي مولاهم المكي الإمام في التفسير (أخبره أنه سأل ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أفي) سورة (ص سجدة؟ فقال: نعم، ثم تلا {ووهبنا}) زاد أبو ذر: {له إسحاق ويعقوب} (- إلى قوله- {فبهداهم اقتده} ثم قال: هو منهم). أبي داود من الأنبياء المذكورين في هذه الآية. (زاد) على الرواية الماضية (يزيد بن هارون) الواسطي فيما وصله الإسماعيلي (ومحمد بن عبيد) مصغرًا من غير إضافة الطيالسي الكوفي فيما وصله البخاري في سورة ص (وسهل بن يوسف) بسكون الهاء الأنماطي فيما وصله المؤلّف في أحاديث الأنبياء ثلاثتهم (عن العوام) بتشديد الواو ابن حوشب بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح المعجمة آخره موحدة (عن مجاهد) المذكور آنفًا أنه قال: (قلت لابن عباس: فقال: نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن أمر أن يقتدي بهم) أي وقد سجدها داود فسجدها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اقتداء به، واستدلّ بهذا على أن شرع من قبلنا شرع لنا وهي مسألة مشهورة في الأصول. ويأتي هذا الحديث إن شاء الله تعالى في سورة ص بعون الله تعالى وقوته. 6 - باب قَوْلِهِ: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام: 146] الآيَةَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلَّ ذِى ظُفُرٍ: الْبَعِيرُ وَالنَّعَامَةُ. الْحَوَايَا: الْمَبْعَرُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هَادُوا: صَارُوا يَهُودًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ هُدْنَا: تُبْنَا. هَائِدٌ: تَائِبٌ (باب قوله) عز وجل ({وعلى الذين هادوا}) أي وعلى اليهود ({حرمنا كل ذي ظفر}) أي لم يكن منفرج الأصابع مشقوقها. رواه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس بإسناد حسن وذلك لشؤم ظلمهم لقوله تعالى: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم} [النساء: 160] ({ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما} [الأنعام: 146] (الآية). أي الثروب بالثاء المثلثة المضمومة والراء آخره موحدة وهو شحم قد غشي الكرش والأمعاء رقيق وشحم الكلى وترك البقر والغنم على

7 - باب قوله: {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن} [الأنعام: 151]

التحليل لم يحرم منها إلا الشحوم الخاصة، واستثنى من الشحم ما علق بظهورهما أو ما اشتمل على الأمعاء فإنه غير محرم، وهو المراد بقوله: {أو الحوايا} جمع حاوية أو حاوياء كقاصعاء وقواصع أو حوية كسفينة وسفائن. ومن عطف على شحومهما جعل أو بمعنى الواو فهي بمنزلة قولك: لا تطع زيدًا أو عمرًا أو خالدًا أي هؤلاء كلهم أهل أن لا يطاع فلا تطع واحدًا منهم ولا تطع الجماعة، ومثله الحسن أو ابن سيرين أو الشعبي فليس المعنى أني أمرتك بمجالسة واحد منهم بل المعنى كلهم أهل أن يجالس فإن جالست واحدًا منهم فأنت مصيب وإن جالست الجماعة فأنت مصيب. وقال ابن الحاجب: أو في قوله: {ولا تطع منه آثمًا وكفورًا} [الإنسان: 24] بمعناها وهو أحد الأمرين وإنما جاء التعميم من النهي الذي فيه معنى النفي، لأن المعنى قبل وجود النهي فيهما تطيع آثمًا أو كفورًا أي واحدًا منهما فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتًا في المعنى، فيصير المعنى ولا تطع أحدًا منهما فيجيء العموم فيهما من جهة النهي الداخل بخلاف الإثبات فإنه قد يفعل أحدهما دون الآخر وهو معنى دقيق، والحاصل أنك إذا عطفت أو الحوايا أو ما اختلط بعظم على شحومهما دخلت الثلاث تحت حكم النفي فيحرم الكل سوى ما استثني منها وإذا عطفت على المستثنى لم يحرم سوى الشحوم وأو على الأول للإباحة وعلى الثاني للتنويع قاله في فتوح الغيب، وسقط في رواية أبي ذر قوله: {ومن البقر} إلى آخره، وقال بعد قوله: {ظفر} إلى قوله: {وإنا لصادقون}. (وقال ابن عباس): فيما وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه في تفسير قوله: ({كل ذي ظفر} البعير والنعامة}) ونحوهما (الحوايا المبعر) بفتح الميم وصله ابن جرير عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة وعبد الرزاق عن معمر عن قتادة، وفي رواية أبي الوقت المباعر بالجمع، وكذا قاله سعيد بن جبير فيما أخرجه ابن جرير. وقال: الحوايا جمع حوية وهي ما تحوّى واجتمع واستدار من البطن وهو بنات اللبن وهي المباعر وفيها الأمعاء. (وقال غيره): غير ابن عباس في قوله تعالى: {وعلى الذين هادوا} [الأنعام: 146] (صاروا يهودًا. وأما قوله) تعالى: إنّا ({هدنا}) إليك بالأعراف فمعناه (تبنا هائد تائب) كذا نقل ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير، وغيره الخ لأبي ذر. 4633 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ عَطَاءٌ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ لَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوهَا» وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ كَتَبَ إِلَىَّ عَطَاءٌ سَمِعْتُ جَابِرًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين ابن فروخ بن سعيد الحراني التميمي نزيل مصر قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام المصري (عن يزيد بن أبي حبيب) أبي رجاء البصري واسم أبيه سويد أنه قال: (قال عطاء): هو ابن أبي رباح (سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) يقول: (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في باب بيع الميتة من كتاب البيع عام الفتح وهو بمكة (قال): (قاتل الله اليهود) أي لعنهم (لما حرم الله عليهم شحومها) أي أكل شحوم الميتة (جملوه) أي أذابوا المذكور واستخرجوا دهنه (ثم باعوه) ولأبي الوقت وأبي ذر عن الكشميهني: جملوها على الأصل (فأكلوها) أي أثمانها. (وقال أبو عاصم) الضحاك النبيل شيخ البخاري مما وصله أحمد (حدّثنا عبد الحميد) بن جعفر الأنصاري قال: (حدّثنا يزيد) بن أبي حبيب قال: (كتب إليّ) بتشديد الياء (عطاء) هو ابن أبي رباح قال: (سمعت جابرًا) هو ابن عبد الله رضي الله تعالى عنهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). زاد أبو ذر مثله أي مثل المذكور من الحديث. 7 - باب قَوْلِهِ: {وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151] (باب قوله) تعالى: ({ولا تقربوا الفواحش}) الكبائر أو الزنا ({ما ظهر منها وما بطن}) [الأنعام: 151] في محل نصب بدل اشتمال من الفواحش أي لا تقربوا ظاهرها وباطنها وهو الزنا سرًا أو جهرًا أو عمل الجوارح والنية أو عموم الآثام ولفظ الباب ثابت لأبي ذر. 4634 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: «لاَ أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ وَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ لِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ». قُلْتُ سَمِعْتَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: وَرَفَعَهُ قَالَ: نَعَمْ. [الحديث 4634 - أطرافه في: 4637، 5220، 7403]. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين بن مرة المرادي الكوفي الأعمى (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: لا أحد أغير من الله) أفعل التفضيل من الغيرة بفتح الغين وهي الأنفة والحمية في حق المخلوق

8 - باب وكيل: حفيظ ومحيط به. قبلا: جمع قبيل، والمعنى أنه ضروب للعذاب، كل ضرب منها قبيل. زخرف القول: كل شيء حسنته ووشيته، وهو باطل فهو زخرف. وحرث حجر: حرام وكل ممنوع فهو حجر محجور والحجر كل بناء بنيته ويقال للأنثى من الخيل حجر ويقال للعقل: حجر وحجى وأما الحجر فموضع ثمود، وما حجرت عليه من الأرض فهو حجر ومنه سمى حطيم البيت حجرا، كأنه مشتق من محطور مثل قتيل من مقتول وأما حجر اليمامة فهو منزل.

وفي حق الخالق تحريمه ومنعه أن يأتي المؤمن ما حرمه عليه. قال ابن جني: تقول لا أحد أفضل منك برفع أفضل لأنه خبر لا كما يرفع خبر إن وتقول لا غلام لك فإن فصلت بينهما بطل عملها تقول لا لك غلام، فإن وصفت اسم لا كان لك ثلاثة أوجه النصب بغير تنوين وبتنوين والرفع بتنوين، (ولذلك) أي ولأجل غيرته (حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا شيء أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه) بالرفع والنصب في أحب وهو أفعل تفضيل بمعنى المفعول والمدح فاعله نحو: ما رأيت رجلًا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد، ونقل البرماوي كالزركشي أن عبد اللطيف البغدادي استنبط من هذا جواز قول مدحت الله. قال: وليس صريحًا لاحتمال أن يكون المراد أن الله يحب أن يمدح غيره ترغيبًا للعبد في الازدياد مما يقتضي المدح، ولذلك مدح نفسه لا أن المراد يحب أن يمدحه غيره. قال في المصابيح: وما اعترض به الزركشي على عدم الصراحة بإبداء الاحتمال المذكور ليس من قبل نفسه بل ذكره الشيخ بهاء الدين السبكي في أوّل شرح التلخيص اهـ. وهذا الذي قاله عبد اللطيف هو في شرحه على الخطب النباتية وعبارة شرح التلخيص المذكور ومراد عبد اللطيف بقوله قد يطلق المدح على الله تعالى إنك تقول: مدحت الله وما ذكره هو ما فهمه النووي وليس صريحًا لاحتمال أن يكون المراد الخ. قال في المصابح: الظاهر الجواز ولذلك مدح نفسه شاهد صدق على صحته وحبه تعالى المدح ليثيب عليه فينتفع المكلف لا لينتفع هو بالمدح تعالى الله علوًّا كبيرًا. قال عمرو بن مرة (قلت): لأبي وائل هل (سمعته) أي هذا الحديث (من عبد الله) بن مسعود (قال) أبو وائل (نعم). سمعته من عبد الله (قلت ورفعه) عبد الله إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: نعم) رفعه إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا الحديث أخرجه مسلم في التوبة والنسائي في التفسير والترمذي في الدعوات. 8 - باب وَكِيلٌ: حَفِيظٌ وَمُحِيطٌ بِهِ. قُبُلًا: جَمْعُ قَبِيلٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ ضُرُوبٌ لِلْعَذَابِ، كُلُّ ضَرْبٍ مِنْهَا قَبِيلٌ. زُخْرُفَ القَوْلِ: كُلُّ شَيْءٍ حَسَّنْتَهُ وَوَشَّيْتَهُ، وَهُوَ بَاطِلٌ فَهْوَ زُخْرُفٌ. وَحَرْثٌ حِجْرٌ: حَرَامٌ وَكُلُّ مَمْنُوعٍ فَهْوَ حِجْرٌ مَحْجُورٌ وَالْحِجْرُ كُلُّ بِنَاءٍ بَنَيْتَهُ وَيُقَالُ لِلأُنْثَى مِنَ الْخَيْلِ حِجْرٌ وَيُقَالُ لِلْعَقْلِ: حِجْرٌ وَحِجًى وَأَمَّا الْحِجْرُ فَمَوْضِعُ ثَمُودَ، وَمَا حَجَّرْتَ عَلَيْهِ مِنَ الأَرْضِ فَهُوَ حِجْرٌ وَمِنْهُ سُمِّىَ حَطِيمُ الْبَيْتِ حِجْرًا، كَأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ مَحْطُور مِثْلُ قَتِيلٍ مِنْ مَقْتُولٍ وَأَمَّا حَجْرُ الْيَمَامَةِ فَهْوَ مَنْزِلٌ. ({وكيل}) ولأبي ذر: ووكيل بزيادة واو ومراده تفسير {وهو على كل شيء وكيل} أي (حفيظ ومحيط به). كذا فسره أبو عبيدة. وقوله: {وحشرنا عليهم كل شيء} ({قبلًا}) [الأنعام: 111]. هو (جمع قبيل، والمعنى أنه ضروب للعذاب كل ضرب منها قبيل). قال أبو عبيدة: وحشرنا جمعنا. وقبلًا جمع قبيل أي صنف. وقال مجاهد: قبلًا أفواجًا قبيلًا قبيلًا أي تعرض عليهم كل أمة من الأمم فتخبرهم بصدق الرسل فيما جاؤوهم به ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله. وقال ابن جرير ويحتمل أن يكون القبل جمع قبيل وهو الضمين والكفيل أي وحشرنا عليهم كل شيء كفلاء يكفلون لهم أن الذي نعدهم حق وهو معنى قوله في الآية الأخرى: أو تأتي بالله والملائكة قبيلًا. اهـ. وبالكفيل فسره البيضاوي كالزمخشري والسمرقندي وابن عادل وغيرهم. قال في الفتح: ولم أر من فسره بأصناف العذاب فليحرر. ({زخرف القول}) [الأنعام: 112] (كل شيء حسنته ووشيته) بتشديد السين المهملة في الأولى والشين المعجمة في الثانية من التوشية أي زينته وكل شيء مبتدأ وتاليه عطف عليه (وهو باطل) جملة حالية (فهو زخرف) خبر المبتدأ ودخلت الفاء فيه لتضمن المبتدأ معنى الشرط وسقط قوله وكيل حفيظ إلى هنا للحموي، وثبت للمستملي والكشميهني. ({وحرث حِجْرٌ}) [الأنعام: 138] أي (حرام) والإشارة إلى ما عينوا من الحرث والأنعام للأصنام أو البحيرة ونحوها (وكل ممنوع فهو حجر محجور)، بمعنى مفعول ويطلق على المذكر والمؤنث والواحد والجمع (والحجر: كل بناء بنينه، ويقال للأنثى من الخيل حجر) بغير هاء تأنيث (ويقال: للعقل حجر وحجى) بالحاء المكسورة والجيم (وأما الحجر فموضع ثمود وما حجرت عليه من الأرض فهو حجر، ومنه سمي حطيم البيت) الحرام (حجرًا كأنه مشتق من محطوم مثل قتيل من مقتول، وأما حجر اليمامة) بفتح الحاء (فهو منزل) وسقط قوله وحرث حجر إلى هنا لأبي ذر والنسفيّ. قال في الفتح: وهو أولى. 9 - باب قَوْلِهِ: {هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} [الأنعام: 150] لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ هَلُمَّ لِلْوَاحِدِ وَالاِثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ (باب قوله) تعالى ({هلم شهداءكم}) [الأنعام: 150] (لغة أهل الحجاز هلم للواحد والاثنين والجمع) وأهل نجد

10 - باب {لا ينفع نفسا إيمانها} [الأنعام: 158]

يقولون للاثنين هلما، وللجمع هلموا، وللمرأة هلمي، وللنساء هلممن، والمعنى هاتوا شهداءكم وأحضروهم وسقط قوله: باب قوله لغير أبي ذر. 10 - باب {لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [الأنعام: 158] (باب قوله) تعالى ({لا ينفع نفسًا إيمانها}) [الأنعام: 158] أي: يوم يأتي بعض آيات ربك كالدخان ودابة الأرض والدجال ويأجوج ومأجوج وحضور الموت {لا ينفع نفسًا إيمانها} إذا صار الأمر عيانًا والإيمان برهانيًا. وقول الزمخشري فلم يفرق كما ترى بين النفس الكافرة إذا آمنت في غير وقت الإيمان وبين النفس التي آمنت في وقته ولم تكسب خيرًا، ومراده بذلك كما في الانتصاف الاستدلال على أن الكافر والعاصي في الخلود سواء حيث سوّى في الآية بينهما في عدم الانتفاع بما يستدر كأنه بعد ظهور الآيات مدفوع بما قاله المحققون أن التقدير: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها} أو كسبها في إيمانها حينئذٍ لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا من قبل، فيوافق الآيات والأحاديث المشاهدة بأن مجرد الإيمان ينفع ويورث النجاة ولو بعد حين، وفي الآية لف وأصله: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا لم تكن مؤمنة قبل إيمانها بعد ولا نفسًا لم تكسب في إيمانها خيرًا قبل ما تكسبه من الخير بعد، لكن حذف إحدى القرينتين. وحاصله أن الإيمان المجرد قبل كشف قوارع الساعة نافع وأن الإيمان المقارن بالعمل الصالح أنفع وأما بعدها فلا ينفع شيء أصلًا ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في كتاب الفتن بعون الله وقوته. 4635 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا فَذَاكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا عمارة) بضم العين وتخفيف الميم ابن القعقاع الضبي الكوفي قال: (حدّثنا أبو زرعة) هرم بن عمرو البجلي الكوفي قال: (حدّثنا أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها) غاية لعدم قيام الساعة، ويؤيده ما رواه البيهقي في كتاب البعث والنشور عن الحاكم أبي عبد الله: أن أوّل الآيات ظهور الدجال ثم نزول عيسى، ثم خروج يأجوج ومأجوج، ثم خروج الدابة، ثم طلوع الشمس من مغربها وهو أوّل الآيات العظام المؤذنة بتغيير أحوال العالم العلوي، وذلك أن الكفار يسلمون في زمن عيسى، ولو لم ينفع الكفار هيمانهم أيام عيسى لما صار الذين واحدًا فإذا قبض عيسى عليه السلام ومن معه من المسلمين رجع أكثرهم إلى الكفر فعند ذلك تطلع الشمس من مغربها (فإذا رآها الناس آمن من عليها) أي من على الأرض (فذاك حين {لا ينفع نفسًا إيمانها} لم تكن آمنت من قبل) أي لا ينفع كافرًا لم يكن آمن قبل طلوعها إيمان بعد الطلوع ولا ينفع مؤمنًا لم يكن عمل صالحًا قبل الطلوع عمل صالح بعد الطلوع، لأن حكم الإيمان والعمل الصالح حينئذٍ حكم من آمن أو عمل عند الغرغرة وذلك لا يفيد شيئًا ما قال تعالى: {فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا} [غافر: 85]. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الإيمان وأبو داود في الملاحم والنسائي في الوصايا وابن ماجه في الفتن. 4636 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ وَذَلِكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا» ثُمَّ قَرَأَ الآيَةَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق) هو ابن نصر أبو إبراهيم السعدي كما جزم به خلف أو هو ابن منصور أبو يعقوب المروزي الكوسج كما جزم به أبو مسعود الدمشقي، لكن قال الحافظ ابن حجر: إن الأوّل أقوى قال: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه الصنعاني (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها) وآية ذلك أن تطول الليلة حتى تكون قدر ليلتين. رواه ابن مردويه من حديث حذيفة مرفوعًا (فإذا طلعت) من مغربها (ورآها الناس آمنوا أجمعون وذلك حين {لا ينفع نفسًا إيمانها} ثم قرأ الآية) ولمسلم عن ابن عمر مرفوعًا: "إن أوّل الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها" الحديث. واستشكل بأن طلوع الشمس ليس بأوّل الآيات لأن الدخان والدجال قبله

7 - سورة الأعراف

وأجيب: بأن الآيات إما أمارات دالة على قرب قيام الساعة، وإما أمارات دالة على وجود قيام الساعة وحصولها، ومن الأوّل الدخان وخروج الدجال ونحوهما، ومن الثاني طلوع الشمس من مغربها وسمي أوّلًا لأنه مبدأ القسم الثاني. ويأتي إن شاء الله تعالى نبذة من فرائد الفوائد المتعلقة بهذه المباحث في محالها من هذا الكتاب وبالله المستعان وعليه التكلان. 7 - سورة الأَعْرَافِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَرِيَاشًا: الْمَالُ {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} فِي الدُّعَاءِ وَفِي غَيْرِهِ: عَفَوْا كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ. الْفَتَّاحُ: الْقَاضِي. افْتَحْ بَيْنَنَا: اقْضِ بَيْنَنَا. نَتَقْنَا الجَبَلَ: رَفَعْنَا. انْبَجَسَتْ: انْفَجَرَتْ. مُتَبَّرٌ: خُسْرَانٌ. آسَى: أَحْزَنُ: تَأْسَ: تَحْزَنْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ لاَ تَسْجُدَ يُقَالُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ؟ يَخْصِفَانِ: أَخَذَا الْخِصَافَ مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ. يُؤَلِّفَانِ الْوَرَقَ: يَخْصِفَانِ الْوَرَقَ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ. سَوْآتِهِمَا: كِنَايَةٌ عَنْ فَرْجَيْهِمَا. وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ: هُوَ هَا هُنَا إِلَى الْقِيَامَةِ وَالْحِينُ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنْ سَاعَةٍ إِلَى مَا لاَ يُحْصَى عَدَدُهَا. الرِّيَاشُ وَالرِّيشُ: وَاحِدٌ وَهْوَ مَا ظَهَرَ مِنَ اللِّبَاسِ. قَبِيلُهُ: جِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ. إِدَّارَكُوا: اجْتَمَعُوا. وَمَشَاقُّ الإِنْسَانِ وَالدَّابَّةِ كُلُّهُمْ يُسَمَّى سُمُومًا وَاحِدُهَا سَمٌّ وَهْيَ عَيْنَاهُ وَمَنْخِرَاهُ وَفَمُهُ وَأُذُنَاهُ وَدُبُرُهُ وَإِحْلِيلُهُ. غَوَاشٍ: مَا غُشُّوا بِهِ. نُشُرًا: مُتَفَرِّقَةً. نَكِدًا: قَلِيلًا. يَغْنَوْا: يَعِيشُوا. حَقِيقٌ: حَقٌّ. اسْتَرْهَبُوهُمْ: مِنَ الرَّهْبَةِ. تَلَقَّفُ: تَلْقَمُ. طَائِرُهُمْ: حَظُّهُمْ. طُوفَانٌ مِنَ السَّيْلِ وَيُقَالُ لِلْمَوْتِ الْكَثِيرِ الطُّوفَانُ. الْقُمَّلُ: الْحُمْنَانُ يُشْبِهُ صِغَارَ الْحَلَمِ. عُرُوشٌ وَعَرِيشٌ: بِنَاءٌ. سُقِطَ كُلُّ مَنْ نَدِمَ: فَقَدْ سُقِطَ فِي يَدِهِ. الأَسْبَاطُ: قَبَائِلُ بَنِي إِسْرَائِيلَ. يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ: يَتَعَدَّوْنَ لَهُ يُجَاوِزُونَ. تَعْدُ: تُجَاوِزْ. شُرَّعًا: شَوَارِعَ. بَئِيسٍ: شَدِيدٍ. أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ: قَعَدَ وَتَقَاعَسَ. سَنَسْتَدْرِجُهُمْ: أَيْ نَأْتِيهِمْ مِنْ مَأْمَنِهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}. مِنْ جِنَّةٍ: مِنْ جُنُونٍ. أَيَّانَ مُرْسَاهَا: مَتَى خُرُوجُهَا. فَمَرَّتْ بِهِ: اسْتَمَرَّ بِهَا الْحَمْلُ فَأَتَمَّتْهُ. يَنْزَغَنَّكَ: يَسْتَخِفَّنَّكَ. طَيْفٌ: مُلِمٌ بِهِ لَمَمٌ. وَيُقَالُ طَائِفٌ: وَهْوَ وَاحِدٌ. يَمُدُّونَهُمْ: يُزَيِّنُونَ. وَخِيفَةً: خَوْفًا. وَخُفْيَةً: مِنَ الإِخْفَاءِ. وَالآصَالُ: وَاحِدُهَا أَصِيلٌ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ كَقَوْلِكَ: بُكْرَةً، وَأَصِيلًا. ([7]] سورة الأعراف) مكية إلا ثمان آيات من قوله تعالى: {واسألهم} -إلى قوله- {وإذ نتقنا الجبل} [الأعراف: 163 - 171] وزاد أبو ذر هنا بسم الله الرحمن الرحيم. (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله ابن جرير من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه (ورياشًا) بالجمع وهي قراءة الحسن جمع ريش كشعب وشعاب وقراءة الباقين وريشًا بالإفراد (المال) يقال: قريش أي تموّل. وعند ابن جرير من وجه آخر عن ابن عباس: الرياش اللباس والعيش والنعيم، وقيل: الريش لباس الزينة استعير من ريش الطير بعلاقة الزينة. وعن ابن عباس أيضًا من طريق ابن جريج عن عطاء عنه مما وصله ابن جرير أيضًا في قوله تعالى: ({إنه لا يحب المعتدين}) [الأعراف: 55] أي (في الدعاء) كالذي يسأل درجة الأنبياء أو على من لا يستحقه أو الذي يرفع صوته عند الدعاء. وفي حديث سعد بن أبي وقاص عند أبي داود أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "سيكون قوم يعتدون في الدعاء" وقرأ هذه الآية. وعند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن مغفل أنه سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: يا بني سل الله الجنة وَعِذْ به من النار فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "يكون قوم يعتدون في الدعاء والطهور". وهكذا أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان به. (وفي غيره) أي غير الدعاء. وسقط: إنه لا يحب لغير أبوي ذر والوقت، وقوله وفي غيره للمستملي. وقوله تعالى: {ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى} ({عفوا}) [الأعراف: 95] أي (كثروا وكثرت أموالهم) يقال: عفا الشعر إذا كثر. وقوله تعالى في سورة سبأ: ({الفتاح}) أي (القاضي) قيل وذكره هنا توطئة لقوله في هذه السورة ({افتح بيننا}) أي (اقض بيننا) وسقط قوله بيننا لأبي ذر. وقوله: ({نتقنا الجبل}) أي (رفعنا) الجبل وسقط قوله الجبل لغير أبوي ذر والوقت. وقوله: ({انبجست}) أي (انفجرت). وقوله: ({متبر}) أي (خسران). وقوله: ({آسى}) أي فكيف (أحزن) على قوم كافرين. وقوله في سورة المائدة: ({تأس}) أي (تحزن) ذكره استطرادًا هذا كله تفسير ابن عباس. (وقال غيره): أي غير ابن عباس في قوله تعالى: ({ما منعك ألاّ تسجد}) [الأعراف: 12] (يقال: ما منعك أن تسجد) فلا صلة مثلها في لئلا يعلم مؤكدة معنى الفعل الذي دخلت عليه ومنبهة على أن الموبخ عليه ترك السجود. وقوله: وطفقا ({يخصفان}: أخذا}) أي آدم وحوّاء (الخصاف) بكسر الخاء ({من ورق الجنة}) [الأعراف: 22] (يؤلفان الورق يخصفان الورق بعضه إلى بعض) لما ذاقا طعم الشجرة آخذين في الأكل نالهما شؤم المخالفة، وسقطت عنهما ثيابهما وظهرت لهما سوآتهما، وقيل كانت من نور، وكان أحدهما لا يرى سوأة الآخرة فأخذا يجعلان ورقة على ورقة لستر السوأة كما تخصف النعل بأن تجعل طرقة على طرقة وتوثق بالسيور حتى صارت الأوراق كالثوب وهو ورق التين، وقيل اللوز. والخصفة بالتحريك الجلة أي القفة الكبيرة التي تعمل من الخوص للتمر وجمعها خصف وخصاف. قال أبو البقاء: يخصفان ماضيه خصف وهو متعد إلى مفحول واحد والمفعول شيئًا من ورق الجنة. وقال أبو عبيدة في قوله: ({سوآتهما} كناية عن فرجيهما) وسقط هذا لأبي ذر. ({ومتاع إلى حين}) [الأعراف: 24] (هو هاهنا إلى يوم القيامة) وثبت للأبوين هو وسقط لأبي ذر يوم (والحين عند العرب من ساعة إلى ما لا يحصى عددها) ولأبوي ذر والوقت عدده وأقله ساعة (الرياش والريش واحد وهو ما ظهر من اللباس) وذكره قريبًا مفسرًا بالمال

وغيره. وقوله تعالى عن إبليس: {إنه يراكم هو و} ({قبيله}) [الأعراف: 27] أي (جيله) بالجيم المكسورة وهم الجن والشياطين (الذي هو منهم) وثبت للأبوين هو وهو من كلام أبي عبيدة، وعند المعتزلة أن سبب عدم رؤيتنا إياهم لطافتهم ورؤيتهم إيانا لكثافتنا، واستدلوا بالآية على امتناع رؤيتهم، ولا يخفى أن ما قالوه مجرد دعوى من غير دليل وأن الخبر عن عدم الرؤية من حيث لا ترونهم لا يدل على استحالته، ويمكن أن يستدل على فساد مذهبهم بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تفلت عليّ البارحة عفريت فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد لتنظروا إليه فذكرت دعوة أخي سليمان فرددته خاسئًا". وقوله تعالى: حتى إذا ({إدّاركوا}) [الأعراف: 38] أي (اجتمعوا) فيها جميعًا. (ومشاق الإنسان) بتشديد القاف، وفي نسخة ومسام الإنسان بالسين المهملة والميم المشددة بدل المعجمة والقاف وهما بمعنى واحد (و) مسام (الدابة كلهم) وللأبوين كلها (يسمى سمومًا) بضم السين المهملة (واحدها سم وهي) تسعة (عيناه ومنخراه وفمه وأذناه ودبره وإحليله) قاله أبو عبيدة. وقال الراغب: السم والسم كل ثقب ضيق كخرم الإبرة وثقب الأنف وجمعه سموم وقد سمه أدخله فيه، وفي السم ثلاث لغات فتح سينه وضمها وكسرها، ومراد المؤلّف بذلك تفسير قوله تعالى: {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} [الأعراف: 40] ودخل تحت عموم قوله تعالى: {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء} [الأعراف: 40] الدهرية منكرو دلائل الذات والصفات ومنكرو دلائل التوحيد وهم المشركون والبراهمة منكرو صحة النبوّات ومنكرو صحة المعاد الذين استكبروا عن الإيمان بها لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم ولا لأدعيتهم كما تفتح لأرواح المؤمنين وأعمالهم، والولوج الدخول وسم الخياط ثقب الإبرة، فإذا علق على محال كان محالًا لأن الجمل أعظم الحيوانات عند العرب وثقب الإبرة أضيق الثقب، وقوله تعالى: ومن فوقهم ({غواش}) [الأعراف: 41] أي (ما غشوا) أي غطوا (به). قال محمد بن كعب القرظي: {لهم من جهنم مهاد} الفرش {ومن فوقهم غواش} اللحف. وقوله: {الرياح} ({نشرًا}) [الأعراف: 57] بالنون المضمومة أي (متفرقة) قيل لا تقع قطرة من الغيث إلا بعد عمل أربع رياح: الصباح تهيج السحاب، والشمال تجمعه، والجنوب تدره، والدبور تفرّقه. وقوله: {والذي خبث لا يخرج إلا} ({نكدًا}) [الأعراف: 58] أي (قليلًا) عديم النفع ونصبه على الحال وتقدير الكلام والبلد الذي خبث لا يخرج نباته إلا نكدًا فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فصار مرفوعًا مستترًا وهذا مثل من يسمع الآيات وينتفع بها ومن لا يرفع رأسه ولم يتأثر بالمواعظ. وقوله تعالى: كأن لم ({يغنوا}) أي (يعيشوا) فيها والغناء بالفتح النفع. وقوله تعالى: {إني رسول من رب العالمين} ({حقيق}) أي (حق) واجب عليّ. وقوله: ({استرهبوهم} من الرهبة) وهي الخوف. وقوله: {فإذا هي} ({تلقف}) أي (تلقم) تأكل ما يلقوله ويوهمون أنه حق. وقوله: {ألا إنما} ({طائرهم}) أي (حظهم) ونصيبهم عند الله. ({طوفان}) يشير إلى قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم الطوفان} أي (من السيل) المتلف للزرع والثمار (ويقال) أيضًا (للموت الكثير الطوفان) وهو مروي عن ابن عباس ورواه ابن مردويه بإسنادين ضعيفين عن عائشة مرفوعًا. ({القمل}) هو (الحمنان) بفتح الحاء المهملة ضبطه البرماوي والدماميني كالكرماني وضبطه ابن حجر بضمها كالفرع وأصله وسكون الميم (يشبه) ولأبي ذر شبه (صغار الحلم) بفتح الحاء واللام قال الأصمعي فيما ذكره الجوهري أوّله قمقامة ثم حمنانة ثم قرادة ثم حلمة وهي القراد العظيم. (عروش وعريش) يريد تفسير قوله تعالى: {وما كانوا يعرشون} أي (بناء، سقط من كل من ندم. فقد سقط في يده). قال ابن عباس فيما رواه الطبري وما كانوا يعرشون أي يبنون ولا مطابقة بين قوله يعرشون وقول البخاري عروش وعريش لأن العروش جمع عرش وهو سرير الملك ولو قال يعرشون يبنون لكان أنسب.

1 - باب قول الله عز وجل {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن} [الأعراف: 33]

(الأسباط) يريد قوله تعالى: {وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطًا} [الأعراف: 160] قال أبو عبيدة: هم (قبائل بني إسرائيل) والسبط من السبط بالتحريك وهو شجر تعتلفه الإبل وكذلك القبيلة جعل الأب كالشجرة والأولاد كالأغصان. وقوله تعالى: ({يعدون في السبت}) [الأعراف: 163] قال أبو عبيدة أي (يتعدون له) وسقط لأبي ذر لفظ له وفي نسخة به بالموحدة بدل اللام (يجاوزون). وفي نسخة يتجاوزون أي حدود الله بالصيد فيه وقد نهوا عنه، ولأبي ذر: تجاوز بفتح الفوقية وضم الواو بعد تجاوز بموحدة وسكون العين ({تعد}) بفتح الفوقية وسكون العين المهملة (تجاوز) بضم أوّله وكسر الواو وفي نسخة تعدّ تجاوز بتشديد الدال وتجاوز بفتح الواو والزاي. وقوله: ({شرعًا}) أي (شوارع) ظاهرة على وجه الماء من شرع علينا إذا دنا وأشرف. وقوله: {بعذاب} ({بئيس}) أي (شديد) فعيل من بؤس يبؤس بأسًا إذا اشتد. وقوله: ({أخلد إلى الأرض} قعد وتقاعس}) أي تأخر وأبطأ وهو عبارة عن شدة ميله إلى زهرة الدنيا وزينتها وإقباله على لذاتها ونعيمها وقوله: (إلى الأرض) ثابت لأبوي ذر والوقت. وقوله: ({سنستدرجهم} أي نأتيهم من مأمنهم) أي من موضع أمنهم وثبت قوله أي للأبوين (كقوله تعالى: {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا}) [الحشر: 2] وجه التشبيه أخذ الله إياهم بغتة، وأصل الاستدراج الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة أي نأخذهم قليلًا إلى أن تدركهم العقوبة وذلك أنهم كلما جدّدوا خطيئة لهم نعمة فظنوا ذلك تقريبًا من الله تعالى وأنساهم الاستغفار. وقوله: {أو لم يتفكّروا ما بصاحبهم} ({من جنة}) [الأعراف: 184] أي (من جنون) والاستفهام بمعنى التقريع أو التحريض أي أولم ينظروا بعقولهم لأن الفكر طلب المعنى بالقلب، وذلك أنه كما يتقدم رؤية البصر بقلب الحدقة نحو المرئي تتقدم رؤية البصيرة بقلب حدقة العقل إلى الجوانب أي أنه كيف يتصور منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجنون وهو يدعوهم إلى الله تعالى، ويقيم على ذلك الدلائل القاطعة بألفاظ بلغت في الفصاحة إلى حقيقة يعجز عنها الأوّلون والآخرون. وقوله: ({أيان مرساها}) [الأعراف: 187] أي (متى خروجها) واشتقاق أيان من أي لأن معناه أي وقت وسقط لغير أبوي ذر والوقت: أيان مرساها الخ. وقوله: {حملًا خفيفًا} ({فمرت به}) [الأعراف: 189] أي (استمر بها) أي بحواء (الحمل فأتمته) وعن ابن عباس استمرت به فشكت أحبلت أم لا وسقط قوله فمرت الخ من رواية أبي ذر. قوله: ({وإما}) ({ينزغنك}) قال أبو عبيدة: أي (يستخفنك) وقال غيره: وإما ينخسنك من الشيطان نخس أي وسوسة تحملك على خلاف ما أرمت به فاستعذ بالله من نزغه. وقوله: {إن الذين اتقوا إذا مسهم} ({طيف}) [الأعراف: 201] من الشيطان قال أبو عبيدة (ملم) يقال (به لمم) صرع منه أو إصابة ذنب أوهم به (ويقال طائف) بالألف اسم فاعل من طاف يطوف كأنها طافت بهم ودارت حولهم وهي قراءة نافع وابن عامر وعاصم وحمزة (وهو) كالسابق (واحد) في المعنى. وقوله: {وإخوانهم} ({يمدونهم}) قال أبو عبيدة أي وإخوان الشياطين الذين لم يتقوا (يزينون) لهم الغيّ والكفر. وقوله: {واذكر ربك في نفسك تضرعًا} ({وخيفة}) [الأعراف: 205] أي خوفًا. قال أبو عبيدة وقال ابن جريج في قوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعًا} ({وخفية}) أي سرًّا (من الإخفاء) المشهور أن المزيد فيه مأخوذ من الثلاثي وهو الخفاء دون العكس وإنما قال من الإخفاء نظرًا إلى أن الاشتقاق أن تنتظم الصيغتان معنًى واحدًا. وقوله: ({والآصال}) في قوله تعالى: {بالغدو والآصال} [الأعراف: 205] قال أبو عبيدة: (واحدها أصيل وهو ما بين العصر إلى المغرب كقولك) وفي نسخة وهي التي في اليونينية كقوله: (بكرة وأصيلا) والتقييد بالوقتين لأن بالغداة ينقلب من الموت إلى الحياة ومن الظلمة التي تشاء كل العدم إلى النور المناسب للوجود وفي الآخر بالعكس وثبت قوله وهو للأبوين. 1 - باب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33] ({إنما}) وفي نسخة قل إنما، ولأبي ذر باب قول الله عز وجل: قل إنما ({حرم

2 - باب {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين} [الأعراف: 143] قال ابن عباس {أرني} أعطني.

ربي الفواحش}) ما تزايد قبحه وقيل ما يتعلق بالفروج وقيل الكبائر وقيل الطواف بالبيت عراة وهو قول ابن عباس ويؤيده السياق فإن قوله: {ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما} يدل على وجه التشبيه في قوله: {لا يفتننكم الشيطان} أي لا تتصفوا بصفة يوقعكم الشيطان بسببها في الفتنة وهي العري في الطواف فتحرموا دخول الجنة كما حرمها على أبويكم حين أخرجهما من الجنة وقد يقال الحمل على الأعم من جميعها أولى محافظة على الحصر المستفاد من إنما لكن إن فسر الإثم بكل الذنوب كما قيل لم يحتج إليه وقيل الخمر وعورض بأن تحريمها بالمدينة وهذه مكية ({ما ظهر منها وما بطن}) [الأعراف: 33] جهرها وسرها وعن ابن عباس فيما رواه ابن جرير قال: كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنا بأسًا في السر ويستقبحونه في العلانية فحرم الله الزنا في السر والعلانية. 4637 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَعَمْ، وَرَفَعَهُ قَالَ: لاَ أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ فَلِذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ فَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) بفتح العين الأعمى الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه- قال) عمرو بن مرة: (قلت) لأبي وائل (أنت سمعت هذا) الحديث (من عبد الله) يعني ابن مسعود (قال) أبو وائل (نعم) سمعته منه (ورفعه) إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: لا أحد) بالنصب من غير تنوين على أن لا نافية للجنس و (أغير من الله) خبرها ولأبي ذر لا أحد بالرفع منوّنًا (فلذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن)، قال قتادة فيما ذكره ابن جرير المراد سر الفواحش وقال سعيد بن جبير ومجاهد: ما ظهر نكاح الأمهات وما بطن الزنا والحمل على العموم أولى كما مرّ آنفًا (ولا أحد) ولأبي ذر أحد بالرفع (أحب إليه المدحة) بكسر الميم آخره تاء تأنيث (من الله فلذلك) أي فلأجل حبه المدحة من خلقه ليثيبهم عليها (مدح نفسه) المقدسة. 2 - باب {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 143] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {أَرِنِي} أَعْطِنِي. ({ولما جاء موسى}) ولأبي ذر باب بالتنوين في قوله جل ذكره: ولما جاء موسى أي حضر ({لميقاتنا}) للوقت الذي عيناه له واللام للاختصاص كهي في قوله أتيته لعشر خلون من رمضان وليست بمعنى عند قيل لا بدّ هنا من تقدير مضاف أي لآخر ميقاتنا ولا لانقضاء ميقاتنا ({وكلمه ربه}) من غير واسطة على جبل الطور كلامًا مغايرًا لهذه الحروف والأصوات قديمًا قائمًا بذاته تعالى وخلق فيه إدراكًا سمعه به، وكما ثبتت رؤية ذاته جل وعلا مع أنه ليس بجسم ولا عرض فكذلك كلامه وإن لم يكن صوتًا ولا حرفًا صح أن يسمع. وروي أن موسى عليه السلام كان يسمع كلام الله من كل جهة وفيه إشارة إلى أن سماع كلامه القديم ليس من جنس كلام المحدثين وجواب لما قوله ({قال}) أي لما كلمه وخصه بهذه المرتبة طمحت همته إلى رقبة الرؤية وتشوّق إلى ذلك فسأل ربه أن يريه ذاته المقدسة فقال ({رب أرني أنظر إليك}) أي أرني نفسك أنظر إليك فثاني مفعولي أرى محذوف والرؤية عين النظر، لكن المعنى اجعلني متمكنًا من رؤيتك بأن تتجلى لي فانظر إليك وأراك، والآية تدل على جواز رؤية الله تعالى لأن موسى عليه الصلاة والسلام سألها وكان عارفًا بالجائز والممتنع، فلو كانت محالًا لما طلبها. ولذلك ({قال}) الله تعالى جوابًا له ({لن تراني}) ولم يقل لن أرى ولن أريك ولن تنظر إليّ كأنه قال: إن المانع ليس إلا من جانبك وإني غير محجوب بل محتجب بحجاب منك وهو كونك فان في فان وأنا باق ووصفي باق فإذا جاوزت قنطرة الفناء ووصلت إلى دار البقاء فزت بمطلوبك ولا يلزم من نفي لمن التأبيد، إذ لو قلنا به لقضينا أن موسى لا يراه أبدًا ولا في الآخرة، وكيف وقد ثبت في الحديث المتواتر أن المؤمنين يرون الله تعالى في القيامة فموسى عليه السلام أحرى بذلك، وما قيل إنه سأل عن لسان قوم فمردود بأن القوم إن كانوا كفاهم منع موسى وإلاّ لم يفدهم ذلك كإنكارهم أنه قول الله. وروى محيي السنة عن الحسن قال: هاج بموسى الشوق فسأل الرؤية فقال: إلهي قد سمعت كلامك فاشتقت إلى النظر إليك فأرني أنظر إليك فلأن أنظر إليك ثم أموت

أحبّ إليّ من أن أعيش ولا أراك ({ولكن انظر إلى الجبل}) زبير الذي هو أشد منك خلقًا ({فإن استقر}) ثبت ({مكانه فسوف تراني}) إشارة إلى عدم قدرته على الرؤية على وجه الاستدراك، وفي تعليق الرؤية على استقرار الجبل دليل للجواز ضرورة أن المعلق على الممكن ممكن ({فلما تجلّى ربه للجبل}) أي ظهرت عظمته له وقدرته وأمره، وحمل اللفظ على المعهود والأكمل أولى فيجوز أن يخلق الله له حياة وسمعًا وبصرًا كما جعله محلاًّ لخطابه بقوله: {يا جبالُ أوّبي معه} [سبأ: 10] وكما جعل الشجرة محلًا لكلامه وكل هذا لا يحيله من يؤمن بأن الله على كل شيء قدير ({جعله دكًّا}) مدكوكًا مفتتًا. وعن ابن عباس صار ترابًا. وعند ابن مردويه أنه ساخ في الأرض فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة، وعند ابن أبي حاتم من حديث أنس بن مالك مرفوعًا: لما تجلى ربه للجبل طارت لعظمته ستة أجبل فوقعت ثلاثة بالمدينة وثلاثة بمكة. بالمدينة أُحد وورقان ورضوى، وبمكة حراء وثبير وثور. قال ابن كثير: وهو حديث غريب بل منكر ({وخرّ موسى صعقًا}) مغشيًا عليه من شدة هول ما رأى ({فلما أفاق}) أي من الغشي ({قال: سبحانك تبت إليك}) أي أنزهك وأتوب إليك عن أن أطلب الرؤية في الدنيا أو بغير إذنك وحسنات الأبرار سيئات المقربين فكانت التوبة لذلك فإن التوبة في حق الأنبياء لا تكون عن ذنب لأن منزلتهم العلية تصان عن كل ما يحط عن مرتبة الكمال ({وأنا أوّل المؤمنين}) [الأعراف: 143] بأنها لا تطلب في الدنيا أو بغير الإذن، وسقط لأبي ذر: قال لن تراني الخ، وقال بعد قوله: {أرني أنظر إليك} الآية. (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: فيما وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه في تفسير قوله: (أرني) أنظر إليك أي (أعطني). 4638 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ لُطِمَ وَجْهُهُ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ مِنَ الأَنْصَارِ لَطَمَ وَجْهِي قَالَ: «ادْعُوهُ» فَدَعَوْهُ قَالَ: «لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي مَرَرْتُ بِالْيَهُودِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ. فَقُلْتُ: وَعَلَى مُحَمَّدٍ؟! وَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ فَلَطَمْتُهُ قَالَ: «لاَ تُخَيِّرُونِي مِنْ بَيْنِ الأَنْبِيَاءِ فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَلاَ أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي أَمْ جُزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ». المَنَّ والسَّلْوَى. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) هو ابن عيينة (عن عمرو بن يحيى) بفتح العين (المازني) بالزاي والنون الأنصاري المدني (عن أبيه) يحيى بن عمارة (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال: جاء رجل من اليهود) قيل اسمه فنحاص بكسر الفاء وسكون النون وبعد الحاء المهملة ألف فصاد مهملة، وعزاه ابن بشكوال لابن إسحاق وفيه نظر سبق في الأشخاص (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد لطم وجهه) بضم اللام وكسر الطاء المهملة مبنيًّا للمفعول ووجهه رفع مفعول نائب عن الفاعل (وقال: يا محمد إن رجلًا من أصحابك من الأنصار لطم في وجهي) وهذا يضعف قول الحافظ أبي بكر بن أبي الدنيا أن الذي لطم اليهودي في هذه القصة هو أبو بكر الصديق لأن ما في الصحيح أصح وأصرح (قال) عليه الصلاة والسلام: (ادعوه فدعوه) فلما حضر (قال) عليه الصلاة والسلام مستفهمًا منه (لم لطمت وجهه؟ قال) الأنصاري: (يا رسول الله إني مررت باليهود) الذي هذا كان فيهم (فسمعته يقول): أي في حلفه (والذي اصطفى موسى على البشر فقلت): ولأبي ذر عن الكشميهني قلت (وعلى محمد) زاد أبو ذر عن الحموي والمستملي قال: فقلت وعلى محمد (وأخذتني غضبة) من ذلك (فلطمته قال) عليه الصلاة والسلام، ولأبي ذر فقال على طريق التواضع أو قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم (لا تخيروني من بين الأنبياء) أو تخييرًا يؤدّي إلى تنقيص أو لا تقدموا على ذلك بأهوائكم وآرائكم بل بما آتاكم الله من البيان أو بالنظر إلى النبوّة والرسالة فإن شأنهما لا يختلف باختلاف الأشخاص بل كلهم في ذلك سواء وإن اختلفت مراتبهم (فإن الناس يصعقون يوم القيامة). قال الحافظ ابن كثير: الظاهر أن هذا الصعق يكون في عرصات القامة يحصل أمر يصعقون منه الله أعلم به وقد يكون ذلك إذا جاء الرب لفصل القضاء وتجلى للخلائق الملك الديان كما صعق موسى من تجلي الرب عز وجل، ولذا قال نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور" اهـ. لكن في رواية عبد الله بن الفضل ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أوّل من بعث

3 - باب {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون} [الأعراف: 158]

وهو معنى قوله هنا (فأكون أوّل من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي) فيكون له فضيلة ظاهرة (أم جزي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: جوزي بإثبات الواو (بصعقة الطور) فلم يصعق لكن لفظ يفيق وأفاق إنما يستعمل في الغشي، وأما الموت فيقال فيه بعث منه وصعقة الطور لم تكن موتًا ويحتمل أن يكون اللفظ على ظاهره ويكون قاله قبل أن يعلم أنه أوّل من تنشق عنه الأرض. قال الداودي وقوله: أوّل من يفيق ليس بمحفوظ والصحيح أوّل من تنشق عنه الأرض. ({المن والسلوى}) [الأعراف: 160] وفي نسخة باب: المن والسلوى. 4639 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءُ الْعَيْنِ». وبه قال: (حدّثنا مسلم) بن إبراهيم الفراهيدي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك) بن عمير بضم العين وفتح الميم القرشي الكوفي (عن عمرو بن حريث) بضم الحاء آخره مثلثة مصغرًا (عن سعيد بن زيد) أحد العشرة -رضي الله عنهم- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الكمأة) بفتح الكاف وسكون الميم نوع (من المن) لأنه ينبت بنفسه من غير علاج ولا مؤونة كما كان ينزل على بني إسرائيل (وماؤها شفاء العين) إما بخلطه بدواء آخر وإما بمجرده وصوّبه النووي، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من العين، وله عن الكشميهني شفاء للعين. وهذا الحديث أخرجه في الأدب ومسلم في الأطعمة والترمذي والنسائي وابن ماجة في الطب. 3 - باب {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِى وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158] (باب) بالتنوين وهو ثابت لأبي ذر ({قل يا أيها الناس}) شامل للعرب وغيرهم كأهل الكتاب ({إني رسول الله إليكم جميعًا}) حال من المجرور بلى وفيه ردّ على العيسوية من اليهود أتباع عيسى الأصبهاني الزاعمين تخصيص إرساله عليه السلام بالعرب، وقيل المراد بالناس العقلاء ومن تبلغه الدعوة ({الذي له ملك السماوات والأرض}) نصب بأعني أو جر نعت للجلالة وإن حيل بين النعت والمنعوت بما هو متعلق المضاف إليه ومناسبة ذكر السماوات والأرض هنا الإشعار بأن له تخصيص من شاء بما شاء من تخصيص الرسالة وتعميمها ({لا إله إلا هو}) جملة لا محل لها من الإعراب أو بدل من الصلة التي هي له ملك السماوات والأرض ولقائل أن يقول الأولى الاستئناف ويكون كالجواب لمن سأل لماذا اختص بذلك فأجيب بأنه المتوحد بالألوهية وقوله: ({يحيي ويميت}) يجري مجرى الدليل على ذلك ({فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي}) الذي لا يخط كتابًا بيده ولا يقرؤه وقد ولد في قوم أميين ونشأ بين أظهرهم في بلد ليس به عالم يعرف أخبار الماضين ولم يخرج في سفر ضاربًا إلى عالم فيعكف عليه فجاءهم بأخبار التوراة والإنجيل والأمم الماضية إلى غير ذلك من العلوم التي تعجز عن بلوغها القوى البشرية مما لا يرتاب أنه أمر إلهي ووحي سماوي ({الذي يؤمن بالله وكلماته}) المنزلة عليه وعلى سائر الرسل من كتب ووحي وقراءة وكلمته بالإفراد يراد بها الجن أو القرآن أو عيسى. وفي حديث عبادة بن الصامت عند البخاري مرفوعًا "من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته" الحديث. قال في الأنوار: أريد بالكلمة في الآية عيسى تعريضًا باليهود وتنبيهًا على أن من لم يؤمن به لم يعتبر إيمانه وقال غيره لعله أراد كلمة كن، وخصّ بها عيسى لأنه لم يوجد بغيرها لأن كان غيره كذلك لكنه ينسب إلى نطفة الأب في الجملة ({واتبعوه}) اسلكوا طريقه واقتفوا أثره ({لعلكم تهتدون}) [الأعراف: 158] إلى الصراط المستقيم وسقط لغير أبي ذر لفظ باب وله من قوله: {لا إله الا هو} إلى آخرها. وقال بعد قوله: {والأرض} الآية. وثبت ذلك للباقين. 4640 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاَءِ بْنِ زَبْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: كَانَتْ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ مُحَاوَرَةٌ فَأَغْضَبَ أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ فَانْصَرَفَ عَنْهُ عُمَرُ مُغْضَبًا فَاتَّبَعَهُ أَبُو بَكْرٍ يَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى أَغْلَقَ بَابَهُ فِي وَجْهِهِ فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَبُو الدَّرْدَاءِ وَنَحْنُ عِنْدَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَّا صَاحِبُكُمْ هَذَا فَقَدْ غَامَرَ» قَالَ وَنَدِمَ عُمَرُ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ فَأَقْبَلَ حَتَّى سَلَّمَ وَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَصَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْخَبَرَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي إِنِّي قُلْتُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ» وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: غَامَرَ سَبَقَ بِالْخَيْرِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله) غير منسوب عند الأكثرين وعند ابن السكن عن الفربري عن البخاري عبد الله بن حماد وبذلك جزم أبو نصر الكلاباذي وغيره وعبد الله هذا هو الآملي بمد الهمزة وضم الميم المخففة وهو من تلامذة البخاري وكان يورق بين يديه وكان حافظًا وشارك البخاري في كثير من شيوخه وروايته عنه هنا من رواية الأكابر عن الأصاغر قال: (حدّثنا سليمان

بن عبد الرحمن) الدمشقي من شيوخ المؤلّف (وموسى بن هارون) البني بضم الموحدة وتشديد النون المكسورة والبردي بضم الموحدة وسكون الراء الكوفي قدم مصر وسكن الفيوم وليس له في البخاري غير هذا الحديث (قالا: حدّثنا الوليد بن مسلم) أبو العباس الدمشقي قال: (حدّثنا عبد الله بن العلاء) بفتح العين والمد (ابن زبر) بفتح الزاي وسكون الموحدة الربعي بفتح الراء والموحدة وبالعين المهملة (قال: حدّثني) بالإفراد (بسر بن عبيد الله) بضم الموحدة وسكون المهملة وعبيد الله بضم العين مصغرًا الحضرمي الشامي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو إدريس) عائذ الله (الخولاني) بالخاء المعجمة المفتوحة والنون (قال: سمعت أبا الدرداء) عويمرًا الأنصاري -رضي الله عنه- (يقول: كانت بين أبي بكر وعمر) -رضي الله عنهما- (محاورة) بالحاء والراء المهملتين (فأغضب أبو بكر عمر) -رضي الله عنهما- (فانصرف عنه عمر) حال كونه (مغضبًا فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه) غاية لسؤال أبي بكر عمر (فأقبل أبو بكر إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال أبو الدرداء ونحن عنده) عليه الصلاة والسلام (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أما صاحبكم هذا) يعني أبا بكر (فقد غامر) بالغين المعجمة وبعدها ألف فميم ثم راء أي خاصم وغاضب وحاقد. وفي مناقب أبي بكر أقبل أبو بكر آخذًا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أما صاحبكم هذا فقد غامر فسلم". وقال: إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ فأقبلت إليك فقال: "يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثًا". (قال) أبو الدرداء (وندم عمر على ما كان منه) من عدم استغفاره لأن بكر -رضي الله عنهما- (فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقص على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخبر) الذي وإن بينه وبين الصديق (قال أبو الدرداء: وغضب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وفي المناقب فجعل وجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتمعر أي يتغير من شدة الغضب (وجعل أبو بكر يقول): وهو جاث على ركبتيه مشفقًا أن ينال عمر من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يكره (والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم) من عمر في ذلك (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هل أنتم تاركو لي صاحبي هل أنتم تاركو لي صاحبي) مرتين وتاركو بغير نون مضافًا لصاحبي مع الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالجار والمجرور كقراءة ابن عامر {زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم} [الأنعام: 137] ببناء زين للمفعول ورفع قتل ونصب أولادهم وجر شركائهم وهي قراءة متواترة وتضعيف أهل العربية لها للفصل إنما هو لاعتقادهم أن القراءات بحسب وجوه العربية وهو خطأ فالعربية تصحح بالقراءة لا القراءة بالعربية وقد أشبعت الكلام في مبحث ذلك في كتابي في القراءات الأربعة عشر، وتقديم الجار يفيد الاختصاص، وفي رواية أبي ذر تاركون لي بالنون على الأصل (إني قلت: {يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا} فقلتم: كذبت. وقال أبو بكر: صدقت). وهذا كما مرّ قريبًا خطاب عام يردّ على العيسوية من اليهود المصدقين ببعثته إلى العرب لا إلى بني إسرائيل لأنا نقول إنهم أقرّوا بأنه رسول وإذا كان كذلك كان صادقًا في كل ما يدعيه وقد ثبت بالتواتر وبظاهر هذه الآية أنه كان يدعي عموم رسالته فوجب تصديقه وبطل قولهم إنه كان مبعوثًا للعرب لا لبني إسرائيل. وهذا الحديث من أفراد المؤلّف. (قال أبو عبد الله): هو البخاري في تفسير (فأمر) أي (سبق بالخير) بالتحتية الساكنة كذا فسره والذي في الصحاح والنهاية أي خاصم أي دخل في غمرة الخصومة وهي معظمها، والمغامر الذي يرمي بنفسه في الأمور المهلكة، وقيل هو من الغمر بالكسر وهي الحقد أي حاقد غيره وقد مر نحوه، وهذا ثابت في رواية أبوي الوقت وذر ساقط لغيرهما. قال في المشارق: كذا فسره المستملي عن البخاري وهو يدل على أنه ساقط للحموي

4 - باب قوله: {حطة}

والكشميهني على ما لا يخفى. 4 - باب قَوْلِهِ: {حِطَّةٌ} باب قوله: ({حطة}) كذا لأبي ذر ولغيره {وقولوا حطة} بغير ذكر باب وبزيادة وقولوا وحطة رفع خبر مبتدأ محذوف أي مسألتنا حطة، والأصل حط عنا ذنوبنا. 4641 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} فَبَدَّلُوا فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ وَقَالُوا: حَبَّةٌ فِي شَعَرَةٍ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إسحاق) الحنظلي بن راهويه قال: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام بن منبه) بتشديد الميم الأولى ومنبه بتشديد الموحدة المكسورة أخي وهب (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قيل لبني إسرائيل) لما خرجوا من التيه ({ادخلوا الباب}) باب بيت المقدس (سجدًا) شكرًا لله على نعمة الفتح وإنقاذهم من التيه. وفسر ابن عباس السجود هنا بالركوع ({وقولوا حطة}) بالرفع ({نغفر لكم خطاياكم}) [الأعراف: 161] وسقط قوله: {نغفر لكم خطاياكم} في رواية سورة البقرة (فبدلوا) أي غيروا (فدخلوا يزحفون على أستاههم) بفتح الهمزة وسكون المهملة أوراكهم (وقالوا حبة في شعرة) بفتح العين وللكشميهني في شعيرة بكسر العين وزيادة تحتية فبدّلوا السجود بالزحف وبدّلوا قول حطة يقول حبة بحاء مهملة مفتوحة فموحدة وزادوا في شعيرة أو شعرة. وهذا الحديث قد سبق في البقرة. 5 - باب {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} الْعُرْفُ: الْمَعْرُوفُ (باب) قوله تعالى لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ({خذ العفو}) أي الفضل وما أتى من غير كلفة ({وأمر بالعرف}) المعروف كما يأتي إن شاء الله تعالى ({وأعرض عن الجاهلين}) كأبي جهل وأصحابه وكان هذا قبل الأمر بالقتال (العرف) هو (المعروف) المستحسن من الأفعال. 4642 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حدثنا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا فَقَالَ عُيَيْنَةُ لاِبْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَلاَ تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِهِ فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ. [الحديث 4642 - طرفاه في: 7286]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدّثنا) في الفرع كأصله أخبرنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة) بضم الحاء مصغرًا الفزاري (فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس) أي ابن حصن (وكان من النفر الذين يدنيهم) أي يقربهم (عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولًا) جمع كهل وهو الذي وخطه الشيب (كانوا أو شبانًا) بضم الشين المعجمة وتشديد الموحدة وللكشميهني أو شبابًا بفتح الشين المعجمة بموحدتين الأولى مخففة (فقال عيينة لابن أخيه) الحر بن قيس: (يا ابن أخي لك وجه) وجيه ولأبي ذر: هل لك وجه (عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه. قال) الحر (سأستأذن لك عليه. قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال: هي) بكسر الهاء وسكون الياء كلمة تهديد وقيل هي ضمير وهناك محذوف أي هي داهية (يا ابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزل) بفتح الجيم وسكون الزاي أي ما تعطينا العطاء الكثير (ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر) -رضي الله عنه- (حتى همّ به) وكان شديدًا في الله ولأبي الوقت حتى هم أن يوقع به (فقال له الحر: يا أمير المؤمنين وإن الله تعالى قال لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}) وإن هذا من الجاهلين (والله ما جاوزها) أي ما جاوز الآية المتلوّة أي لم يتعدّ العمل بها (عمر حين تلاها عليه) الحر (وكان وقافًا عند كتاب الله) لا يتجاوز حكمه. وهذا الحديث من أفراده، وأخرجه أيضًا في الاعتصام. 4643 - حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199] قَالَ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ فِي أَخْلاَقِ النَّاسِ. [الحديث 4643 - طرفه في: 4644]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (يحيى) غير منسوب فقال ابن السكن يحيى بن موسى يعني المعروف بخت، وقال المستملي يحيى بن جعفر يعني البيكندي ورجحه ابن حجر قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح الرؤاسي براء مضمومة فهمزة فسين مهملة الكوفي الحافظ العابد (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن) أخيه (عبد الله بن الزبير) بن العوام وسقط لأبي ذر عبد الله أنه قال في قوله تعالى: ({خذ العفو وأمر بالعرف} قال ما أنزل الله) أي هذه الآية (إلا في أخلاق الناس). 4644 - حَدَّثَنَا وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلاَقِ النَّاسِ أَوْ كَمَا قَالَ. (وقال عبد الله بن براد) بفتح الموحدة وتشديد الراء وبعد الألف

([8] سورة الأنفال)

مهملة وهو عبد الله بن عامر بن براد بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ونسبه إلى جده لشهرته به (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا هشام أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا أبو أسامة قال هشام: (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن) أخيه (عبد الله بن الزبير) أنه (قال: أمر الله) تعالى (نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يأخذ العفو من أخلاق الناس أو كما قال). وقد اختلف على هشام في هذا الحديث فوصله بعضهم كالإسماعيلي، وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة {خذ العفو} الخ هذه أخلاق أمر الله تعالى بها نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودله عليها فأمره أن يأخذ الفضل من أخلاقهم بسهولة من غير تشديد ويدخل فيه ترك التشديد بما يتعلق بالحقوق المالية، وكان هذا قبل الزكاة. وروى ابن جرير وابن أبي حاتم جميعًا عن أمي قال: لما أنزل الله على نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {خذ العفو} الآية قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما هذا يا جبريل" قال: إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك. وهو مرسل له شواهد من وجوه أخر كما قاله الحافظ ابن كثير وهو مطابق للفظ لأن وصل القاطع عفو عنه وإعطاء من حرم أمر بالمعروف والعفو عن الظالم إعراض عن الجاهل، فالآية مشتملة على مكارم الأخلاق فيما يتعلق بمعاملة الناس، ولذا قال جعفر الصادق: ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها. قال بعض الكبراء: الناس رجلان محسن فخذ ما عفا لك من إحسانه ولا تكلفه فوق طاقته، ومسيء فمره بالمعروف فإن تمادى على ضلاله واستعصى عليك واستمر في جهله فأعرض عنه فلعل ذلك يردّه كما قال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن} [المؤمنون: 96]. ([8] سورة الأنفال) مدنية وآيها ست وسبعون، وثبت لفظ سورة لأبي ذر. {بسم الله الرحمن الرحيم} سقط لفظ البسملة لغير أبي ذر. 1 - باب قَوْلُهُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الأَنْفَالُ: الْمَغَانِمُ، قَالَ قَتَادَةُ: رِيحُكُمْ: الْحَرْبُ. يُقَالُ: نَافِلَةٌ: عَطِيَّةٌ (قوله) تعالى: ({يسألونك}) من حضر بدرًا ({عن الأنفال}) أي عن حكمها لاختلاف وقع بينهم فيها يأتي ذكره إن شاء الله تعالى ({قل الأنفال لله والرسول}) يقسمها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ما يأمره الله تعالى ({فاتقوا الله}) في الاختلاف ({وأصلحوا ذات بينكم}) [الأنفال: 1] أي الحال التي بينكم إصلاحًا يحصل به الألفة والاتفاق وذلك بالمواساة والمساعدة في الغنائم، وسقط قوله {يسألونك} الخ لأبي ذر. (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله من طريق علي بن أبي طلحة عنه: (الأنفال) هي (المغانم) كانت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خالصة ليس لأحد فيها شيء، وقيل سميت الغنائم أنفالًا لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم الذين لم تحل لهم وسمي التطوع نافلة لزيادته على الفرض، ويعقوب لكونه زيادة على ما سأل، وفي الاصطلاح ما شرطه الإمام لمن يباشر خطر التقدم طليعة وكشرط السلب للقاتل. (قال قتاة) فيما رواه عبد الرزاق في قوله تعالى: وتذهب ({ريحكم}) [الأنفال: 46] أي (الحرب) وقيل: المراد الحقيقة فإن النصر لا يكون إلا بريح يبعثها الله تعالى وفي الحديث نصرت بالصبا (يقال نافلة) أي (عطية). 4645 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- سُورَةُ الأَنْفَالِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ، الشَّوْكَةُ: الْحَدُّ، مُرْدَفِينَ: فَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ، رَدِفَنِي وَأَرْدَفَنِي جَاءَ بَعْدِي، ذُوقُوا: بَاشِرُوا وَجَرِّبُوا وَلَيْسَ هَذَا مِنْ ذَوْقِ الْفَمِ، فَيَرْكُمَهُ: يَجْمَعُهُ. شَرِّدْ: فَرِّقْ، وَإِنْ جَنَحُوا: طَلَبُوا، يُثْخِنَ: يَغْلِبَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مُكَاءً: إِدْخَالُ أَصَابِعِهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَتَصْدِيَةً: الصَّفِيرُ، لِيُثْبِتُوكَ: لِيَحْبِسُوكَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال: (حدثنا سعيد بن سليمان) سعدويه البغدادي قال: (أخبرنا هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة مصغرًا ابن بشير الواسطي قال: (أخبرنا أبو بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية إياس الواسطي (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: قلت لابن عباس -رضي الله عنهما- سورة الأنفال) ما سبب نزولها؟ (قال: نزلت في) غزوة (بدر). وروى أبو داود والنسائي وابن جرير وابن مردويه واللفظ له وابن حيان والحاكم من طرق عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا" فتسارع في ذلك شبان الرجال وبقي الشيوخ تحت الرايات، فلما كانت الغنائم جاؤوا يطلبون الذي جعل لهم

2 - باب {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} [الأنفال: 22]

فقال الشيوخ لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءًا لو انكشفتم فئتم فتنازعوا فأنزل الله {يسألونك عن الأنفال} إلى قوله: {إن كنتم مؤمنين}. ({الشوكة}) في قوله تعالى: {وتودّون أن غير ذات الشوكة} [الأنفال: 7] (الحد) بالحاء المهملة أي تحبون أن الطائفة التي لا حدّ لها ولا منعة ولا قتال وهي العير تكون لكم وتكرهون ملاقاة النفير لكثرة عددهم وهذا ساقط لأبي ذر. وقوله: ({مردفين}) بكسر الدال أي متبعين من أردفته إذا اتبعته أو جئت بعده (فوجًا بعد فوج). يقال: (ردفني) بكسر الدال (وأردفني) أي (جاء بعدي) وعن ابن عباس وراء كل ملك ملك وعنه مما روي من طريق علي بن أبي طلحة قال: وأمدّ الله تعالى نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمؤمنين بألف من الملائكة وكان جبريل في خمسمائة من الملائكة مجنبة وميكائيل في خمسمائة مجنبة. (ذوقوا) يريد قوله تعالى: {ذلكم فذوقوه} [الأنعام: 14] أي (باشروا وجربوا) أي العذاب العاجل من ضرب الأعناق وقطع الأطراف (وليس هذا من ذوق الفم). وقوله: ({فيركمه}) قال أبو عبيدة أي (يجمعه) ويضم بعضه على بعض أو يجعل الكافر مع ما أنفق للصد عن سبيل الله إلى جهنم ليكون المال عذابًا عليه كقوله تعالى: {فتكوي بها جباهم} [التوبة: 35]. (شرّد) يريد قوله تعالى: {فإما تثقفنهم في الحرب فشرِّد بهم من خلفهم} [الأنفال: 57] قال أبو عبيدة أي (فرق). وقال عطاء: غلظ عقوبتهم وأثخنهم قتلًا ليخاف من سواهم العدو ({وإن جنحوا}) أي (طلبوا السلم والسلم والسلام واحد) وهذا ثابت للأبوين للسلم للصلح. ({يثخن}) في الأرض قال أبو عبيدة: أي (يغلب) بكثرة القتل في العدوّ والمبالغة فيه حتى يذل الكفر ويعز الإسلام. (وقال مجاهد): في قوله تعالى: {وما كان صلاتهم عند البيت إلاّ} ({مكاء}) [الأنفال: 35] هو (إدخال أصابعهم في أفواههم، وتصدية الصفير}) كذا رواه عبد بن حميد عن مجاهد، وعن ابن عمر مما رواه ابن جرير المكاء الصفير والتصدية التصفيق، وعن ابن عباس مما رواه ابن أبي حاتم كانت قريش تطوف بالبيت عراة تصفر وتصفق. ({ليثبتوك}) أي (ليحبسوك) وما روي عن عبيد بن عمير أن قريشًا لما ائتمروا بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه قال له عمه أبو طالب: هل تدري ما ائتمروا بك؟ قال: (يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني) فقال: من أخبرك بهذا؟ قال: "رب الخير" الخ ... تعقبه ابن كثير بأن ذكر أبي طالب فيه غريب جدًا بل منكر لأن هذه الآية مدنية، وهذه القصة إنما كانت ليلة الهجرة بعد موت أبي طالب بنحو ثلاث سنين. وذكر ابن إسحاق عن ابن عباس أنهم اجتمعوا في دار الندوة فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ نجدي فقال بعضهم: تحبسونه في بيت وتسدّون منافذه غير كوّة تلقون إليه طعامه وشرابه منها حتى يموت فقال إبليس: بئس الرأي يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من أيديكم، وقال هشام بن عمرو: رأيي أن تحملوه على جمل فتخرجوه من أرضكم فلا يضرّكم ما صنع فقال بئس الرأي يفسد قومًا غيركم ويقاتلكم بهم، فقال أبو جهل: أنا أرى أن تأخذوا من كل بطن غلامًا وتعطوه سيفًا فيضربه ضربة واحدة فيتفرق دمه في القبائل، فقال إبليس: صدق هذا الفتى فتفرقوا على رأيه، فأتى جبريل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخبره بالخبر وأمره بالهجرة، وأنزل الله عليه بعد قدومه المدينة الأنفال يذره نعمته عليه {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك} [الأنفال: 30]. وقد منع بعضهم حديث إبليس وتغيير صورته لأن فيه إعانة للكفار ولا يليق بحكمة الله تعالى أن يجعل إبليس قادرًا عليه، وأجيب: بأنه إذا لم يبعد أن يسلطه الله على قريش بالوسوسة فيما صدر منهم فكيف يبعد ذلك. 2 - باب {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22] ({إن شرّ الدواب عند الله}) ما يدب على أرض أو شرّ البهائم ({الصمّ}) عن سماع الحق ({البكم}) عن فهمه ولذا قال ({الذين لا يعقلون}) [الأنفال: 22] أجعلهم من البهائم ثم جعلهم شرّها وزاد أبو ذر قال قال هم نفر من بني عبد الدار. 4646 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ} قَالَ: هُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا ورقاء) بفتح الواو وبعد الراء الساكنة قاف.

2 - باب {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون} [الأنفال: 24] استجيبوا: أجيبوا. لما يحييكم: يصلحكم

ممدود ابن عمر بن كليب (عن ابن أبي نجيح) عبد الله وأبو نجيح بفتح النون وكسر الجيم آخره حاء مهملة اسمه يسار الثقفي المكي (عن مجاهد) المفسر (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: ({إن شرّ الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} قال: هم نفر من بني عبد الدار) من قريش وكانوا يحملون اللواء يوم أُحُد حتى قتلوا وأسماؤهم في السير قاله في المقدمة، وهؤلاء شر البرية لأن كل دابة مما سواهم مطيعة لله فيما خلقت له، وهؤلاء خلقوا للعبادة فكفروا وهذا يعم كل مشرك من حيث الظاهر وإن كان السبب خاصًا كما لا يخفى. 2 - باب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24] اسْتَجِيبُوا: أَجِيبُوا. لِمَا يُحْيِيكُمْ: يُصْلِحُكُمْ ({يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم}) الاستجابة هي الطاعة والامتثال والدعوة البعث والتحريض ووحد الضمير ولم يثنه لأن استجابة الرسول كاستجابة الباري جل وعلا وإنما يذكر أحدهما مع الآخر للتوكيد ({لما يحييكم}) من علوم الديانات والشرائع لأن العلم حياة كما أن الجهل موت ({واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه}) أي يحول بينه وبين الكفران أراد سعادته وبينه وبين الإيمان إن قدّر شقاوته والمراد الحث على المبادرة على إخلاص القلب وتصفيته قبل أن يحول الله بينه وبينه بالموت وفيه تنبيه على اطّلاعه تعالى على مكنوناته ({وأنه إليه تحشرون}) [الأنفال: 24] فيجازيكم على ما اطلع عليه في قلوبكم وسقط قوله: {واعلموا} الخ لأبي ذر وقال بعد قوله: {لما يحييكم} الآية. ({استجيبوا}) قال أبو عبيدة أي (أجيبوا) وقوله: ({لما يحييكم}) أي (يصلحكم). 4647 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَ؟ أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ}» ثُمَّ قَالَ: «لأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ» فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَخْرُجَ فَذَكَرْتُ لَهُ وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبٍ سَمِعَ حَفْصًا سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا وَقَالَ: «هِيَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ السَّبْعُ الْمَثَانِي». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق) بن إبراهيم بن راهويه أو ابن منصور قال: (أخبرنا روح) بفتح الراء بن عبادة بتخفيف الموحدة القيسي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وبعد الموحدة الأولى المفتوحة تحتية ساكنة الخزرجي المدني أنه قال: (سمعت حفص بن عاصم) العمري (يحدث عن أبي سعيد بن المعلى) بضم الميم وفتح اللام المشددة الأنصاري واسمه حارث أو رافع أو أوس (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت أصلي) زاد في الفاتحة في المسجد (فمرّ بي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدعاني فلم آته) بمدّ الهمزة (حتى صليت ثم أتيته فقال): (ما منعك أن تأتي؟) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر تأتيني. زاد في الفاتحة فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي فقال: (ألم يقل الله {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم}) رجح بعضهم أن إجابته لا تبطل الصلاة لأن الصلاة إجابة قال: وظاهر الحديث يدل عليه ولذا رجح تفسير الاستجابة بالطاعة والدعوة بالبعث والتحريض وقيل كان دعاه لأمر لا يحتمل التأخير فجاز قطع الصلاة (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (لأعلمنك أعظم سورة في القرآن) من جهة الثواب على قراءتها لما اشتملت عليه من الثناء والدعاء والسؤال (قبل أن أخرج) زاد في الفاتحة: من المسجد (فذهب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليخرج) من المسجد (فذكرت له) وفي الفاتحة قلت له: ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟. (وقال معاذ): هو ابن أبي معاذ العنبري (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن خبيب بن عبد الرحمن) وسقط ابن عبد الرحمن لغير أبي ذر أنه (سمع حفصًا) العمري (سمع أبا سعيد) هو ابن المعلى (رجلًا من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) الحديث المذكور (وقال: هي الحمد لله رب العالمين السبع المثاني) بالرفع بدلًا من الحمد لله أو عطف بيان، وهذا وصله الحسن بن أبي سفيان وفائدة إيراده هنا ما فيه من تصريح سماع حفص من أبي سعيد. 3 - باب قَوْلِهِ: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَطَرًا فِي الْقُرْآنِ إِلاَّ عَذَابًا، وَتُسَمِّيهِ الْعَرَبُ الْغَيْثَ وَهْوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي يُنْزِلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى: 28] (باب قوله) عز وجل: ({وإذ قالوا اللهم إن كان هذا}) أي القرآن ({هو الحق من عندك}) منزلًا ({فأمطر علينا حجارة من السماء}) عقوبة لنا على إنكاره وفائدة قوله من السماء والأمطار لا تكون إلا منها المبالغة في العذاب فإنها محل الرحمة كأنهم قالوا بدّل رحمتك النازلة من السماء بنزول العذاب منها أو أنها أشد تأثيرًا إذا سقطت من أعلى الأماكن ({أو ائتنا بعذاب أليم}) [الأنفال: 32]. بنوع آخر والمراد نفي كونه حقًا وإذا انتفى كونه

4 - باب قوله: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال: 33]

حقًا لم يستوجب منكره عذابًا فكان تعليق العذاب بكونه حقًا مع اعتقاده أنه ليس بحق كتعليقه بالمحال في قولك إن كان الباطل حقًا فأمطر علينا حجارة وهذا من عنادهم وتمرّدهم. روي أن معاوية قال لرجل من سبأ: ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة؟ فقال: أجهل من قومي قومك حين قالوا: إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ولم يقولوا فاهدنا له. وروي أن النضر بن الحارث لعنه الله لما قال: إن هذا إلا أساطير الأولين، قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ويلك إنه كلام الله" فقال هو وأبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، وإسناده إلى الجمع إسناد ما فعله رئيس القوم إليهم، وثبت باب قوله لأبي ذر وسقط له من قوله علينا حجارة الخ. وقال بعد قوله: {فأمطر} الآية. (قال ابن عيينة) سفيان في تفسيره رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي: (ما سمى الله تعالى مطرًا في القرآن إلاّ عذابًا) أو ردّ عليه قوله تعالى: {إن كان بكم أذى من مطر} فإن المراد به المطر قطعًا ونسبة الأذى إليه بالبلل والوحل الحاصل منه لا يخرجه عن كونه مطرًا (وتسمية العرب الغيث وهو قوله تعالى: {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا}) [الشورى: 28] وثبت قوله: وهو الذي في الفرع وسقط من أصله. 4648 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ - هُوَ ابْنُ كُرْدِيدٍ صَاحِبُ الزِّيَادِيِّ - سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ أَبُو جَهْلٍ: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فَنَزَلَتْ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَمَا لَهُمْ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآيَةَ. [الحديث 4648 - أطرافه في: 4649]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (أحمد) غير منسوب وقد جزم الحاكمان أبو أحمد وأبو عبد الله أنه ابن النضر بن عبد الوهاب النيسابوري قال: (حدّثنا عبيد الله بن معاذ) بضم العين وفتح الموحدة مصغرًا قال: (حدّثنا أبي) معاذ بن معاذ بن حسان العنبري التميمي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الحميد) بن دينار تابعي صغير زاد غير أبي ذر هو ابن كرديد بكاف مضمومة فراء ساكنة فدالين الأولى مكسورة بينهما تحتية ساكنة (صاحب الزيادي) بكسر الزاي وتخفيف التحتية أنه (سمع أنس بن مالك -رضي الله عنه-) يقول (قال أبو جهل): لعنه الله ({اللهم إن كان هذا هو الحق}) نصب خبرًا عن الكون وهو فصل وقرئ بالرفع على أن هو مبتدأ غير فصل والحق خبره ({من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم}) قال أبو عبيدة: كل شيء أمطرت فهو من العذاب وما كان من الرحمة فهو مطرف (فنزلت: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام} [الأنفال: 33، 34] الآية). وسقط لأبي ذر {وما كان الله معذبهم}) إلى {يصدّون} ويقول إلى عن المسجد الحرام، وقد أورد ابن المنير في تفسيره هنا سؤالًا كما نقله عنه في المصابيح فقال قد حكى الله عنهم هذا الكلام في هذه الآية أي قوله: اللهم إن كان هذا هو الحق الآية. وهو من جنس نظم القرآن فقد وجد فيه بعض التكلم ببعض القرآن فكيف يتم نفي المعراضة بالكلية وقد وجد بعضها ومنها حكاية الله عنهم في الإسراء وقالوا: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا. وأجاب: بأن الإتيان بمثل هذا القدر من الكلام لا يكفي في حصول المعارضة لأن هذا المقدار قليل لا يظهر فيه وجوه الفصاحة والبلاغة. قال العلامة البدر الدماميني: وهذا الجواب إنما يتمشى على القول بأن التحدي إنما وقع بالسورة الطويلة التي يظهر منها قوة الكلام. وهذا الحديث أخرجه مسلم في ذكر المنافقين والكفار. 4 - باب قَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] (باب قوله) تعالى: ({وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}) اللام لتأكيد النفي والدلالة على أن تعذيبهم عذاب استئصال، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أظهرهم غير مستقيم في الحكمة خارج عن عادته تعالى في قضائه. قال ابن عباس فيما رواه عنه علي بن أبي طلحة: ما كان الله ليعذب قومًا وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم ({وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}) في موضع الحال ومعناه نفي الاستغفار عنهم أي ولو كانوا ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذبهم ولكنهم لا يؤمنون ولا يستغفرون، أو ما كان الله معذبهم وفيهم من يستغفر وهم المسلمون بين أظهرهم ممن تخلف من المستضعفين أو من أولادهم من يستغفر أو يريد إسلام بعضهم أو استغفار الكفار إذ

5 - باب {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} [الأنفال: 39]

كانوا يقولون بعد التلبية غفرانك وفيه أن الاستغفار أمان من العذاب. وفي حديث فضالة بن عبيد الله عند الإمام أحمد مرفوعًا: العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله عز وجل. وتأملوا علوّ مرتبة الاستغفار وعظم موقعه كيف قرن حصوله مع وجود سيد العالمين في استدفاع البلاء. وعن ابن عباس ما رواه ابن أبي حاتم أن الله جعل في هذه الأمة أمانين لا يزالون معصومين من قوارع العذاب ما داما بين أظهرهم، فأمان قبضه الله إليه، وأمان بقي فيكم ثم تلا الآية. وروى ابن جرير أنهم لما قالوا ما قالوا ثم أمسوا ندموا فقالوا: غفرانك اللهم فأنزل الله: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} وسقط لغير أبي ذر قوله: باب قوله وثبت له. 4649 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ صَاحِبِ الزِّيَادِيِّ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} فَنَزَلَتْ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَمَا لَهُمْ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآيَةَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن النضر) بن عبد الوهاب أخو أحمد السابق قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (عبيد الله بن معاذ) بتصغير عبد قال: (حدّثنا أبي) معاذ العنبري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الحميد) بن دينار (صاحب الزيادي) أنه (سمع أنس بن مالك قال: قال أبو جهل): لما قال النضر بن الحارث إن هذا إلا أساطير الأولين ({اللهم إن كان هذا}) يريد القرآن ({هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم}) فنزلت: ({وما كان ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}) وليس المراد نفي مطلق العذاب عنهم بل هم بصدده إذا هاجر عليه الصلاة والسلام عنهم كما يدل له قوله: ({وما لهم}) استفهام بمعنى التقرير ({أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام} الآية) "ما" في وما لهم استفهام بمعنى التقرير و"أن" في أن لا يعذبهم الظاهر أنها مصدرية وموضعها نصب أو جر لأنها على حذف حرف الجر والتقدير في أن لا يعذبهم وهذا الجار يتعلق بما تعلق به لهم من الاستقرار والمعنى، وأي مانع فيهم من العذاب وسببه واقع وهو صدهم المسلمين عن المسجد الحرام عام الحديبية وإخراجهم الرسول والمؤمنين إلى الهجرة فالعذاب واقع لا محالة بهم، فلما خرج الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بين أظهرهم أوقع الله بهم بأسه يوم بدر فقتل صناديدهم وأسر سراتهم. 5 - باب {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ} [الأنفال: 39] ({وقاتلوهم}) حث للمؤمنين على قتال الكفار وفي بعض النسخ باب قوله: {وقاتلوهم} ونسب لأبي ذر ({حتى لا تكون فتنة}) أي إلى أن لا يوجد فيهم شرك قط ({ويكون الدين كله لله}) [الأنفال: 39]. ويضمحل عنهم كل دين باطل وسقط ويكون الدين الخ لغير أبي ذر. 4650 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلاَ تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ لاَ تُقَاتِلَ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ؟ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَغْتَرُّ بِهَذِهِ الآيَةِ وَلاَ أُقَاتِلُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْتَرَّ بِهَذِهِ الآيَةِ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} إِلَى آخِرِهَا قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ كَانَ الإِسْلاَمُ قَلِيلًا، فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ إِمَّا يَقْتُلُوهُ، وَإِمَّا يُوثِقُوهُ، حَتَّى كَثُرَ الإِسْلاَمُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يُوَافِقُهُ فِيمَا يُرِيدُ قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا قَوْلِي فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ أَمَّا عُثْمَانُ فَكَانَ اللَّهُ قَدْ عَفَا عَنْهُ فَكَرِهْتُمْ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَخَتَنُهُ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَهَذِهِ ابْنَتُهُ أَوْ بِنْتُهُ حَيْثُ تَرَوْنَ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (الحسن بن عبد العزيز) الجروي بالجيم والراء المفتوحتين المصري نزيل بغداد قال: (حدّثنا عبد الله بن يحيى) المعافري بفتح الميم والعين المهملة وكسر الفاء وبعدها راء البرلسي قال: (حدّثنا حيوة) بفتح الحاء المهملة والواو بينهما تحتية ساكنة ابن شريح بالمعجمة أوله والمهملة آخره (عن بكر بن عمرو) بفتح الموحدة والعين المعافري (عن بكير) بضم الموحدة مصغرًا ابن عبد الله الأشج (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلًا) هو حبان بالموحدة صاحب الدثنية أو العلاء بن عرار بمهملات الأولى مكسورة أو نافع بن الأزرق أو الهيثم بن حنش (جاءه) زاد في البقرة في فتنة ابن الزبير (فقال) له: (يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: ({وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}) [الحجرات: 9] باغين بعضهم على بعض (إلى آخر الآية فما يمنعك أن لا تقاتل كما ذكر الله في كتابه؟) كلمة "لا" زائدة كهي في قوله: ما منعك أن لا تسجد وكان لم يقاتل في حرب من الحروب الواقعة بين المسلمين كصفين والجمل ومحاصرة ابن الزبير (فقال: يا ابن أخي أغتر بهذه الآية ولا أقاتل أحب إليّ من أن اغتر بهذه الآية التي يقول الله تعالى) فيها: ({ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا}) [النساء: 93] (إلى آخرها) اغتر في هذين الموضعين بالغين المعجمة والفوقية من الاغترار أي تأويل هذه الآية {وإن طائفتان} أحب من تأويل الأخرى {ومن يقتل مؤمنًا} التي فيها تغليظ شديد وتهديد عظيم، ولأبي ذر عن الكشميهني أعير بضم الهمزة وفتح العين المهملة وتشديد

6 - باب {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون} [الأنفال: 65]

التحتية في الموضعين (قال) الرجل (فإن الله) تعالى (يقول: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}) هذا موضع الترجمة (قال ابن عمر: قد فعلنا) ذلك (على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ) أي حين (كان الإسلام قليلًا فكان الرجل يفتن في دينه) بضم الياء مبنيًّا للمفعول (إما يقتلوه وإما يوثقوه) بحذف نون الرفع وهو موجود في الكلام الفصيح نثره ونظمه كما قاله ابن مالك، ولأبي ذر: إما يقتلونه وإما يوثقونه بإثبات النون فيهما (حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة، فلما رأى) أي الرجل (أنه) أي ابن عمر (لا يوافقه فيما يريد) من القتال (قال: فما قولك في عليّ وعثمان) وكان السائل كان من الخوارج (قال ابن عمر: ما قولي في عليّ وعثمان أما عثمان فكان الله قد عفا عنه) لما فرّ يوم أُحُد في قوله: {لقد عفا الله عنكم} [آل عمران: 155] (فكرهتم أن تعفوا عنه) بالفوقية وسكون الواو خطابًا للجماعة (وأما عليّ فابن عم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وختنه) بفتح الخاء المعجمة والمثناة الفوقية أي زوج ابنته (وأشار بيده وهذه ابنته) بهمزة وصل (أو بنته) بتركها، والمراد بها فاطمة. والشك من الراوي محافظة على نقل اللفظ على وجهه كما سمع أي هذه ابنة أو بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حيث ترون) منزلها بين منازل أبيها، والذي في اليونينية وفرعها: وهذه ابنته بالنون أو بيته بالموحدة المكسورة بدلها واحد البيوت، وشك الراوي فأتى باللفظين مع حرف الشك تحرّجًا من أن يجزم بلفظ هو فيه شاك، وللكشميهني أو أبيته بهمزة مفتوحة فموحدة ساكنة فتحتية مضمومة ففوقية بلفظ جمع القلة في البيت وهو شاذ. قال في المصابيح ويروى هذه أبنيته أو بيته بفتح الموحدة الأول جمع بناء والثاني واحد البيوت. وقال الحافظ ابن حجر في مناقب عليّ من وجه آخر: هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية النسائي ولكن انظر إلى منزلته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس في المسجد غير بيته قال: وهذا يدل على أنه تصحف على بعض الرواة فقرأها بنته بموحدة ثم نون ثم طرأ له الشك فقال بنته أو بيته والمعتمد أنه البيت فقط لما ذكرنا من الروايات المصرحة بذلك وتأنيث اسم الإشارة باعتبار البقعة، وفيه بيان قربه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكانه ومكانًا. 4651 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا بَيَانٌ أَنَّ وَبَرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا أَوْ إِلَيْنَا ابْنُ عُمَرَ فَقَالَ رَجُلٌ: كَيْفَ تَرَى فِي قِتَالِ الْفِتْنَةِ؟ فَقَالَ: وَهَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ؟ كَانَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ الدُّخُولُ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً، وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو ابن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية الجعفي قال: (حدّثنا بيان) بفتح الموحدة والتحتية المخففة وبعد الألف نون ابن بشر بموحدة مكسورة فمعجمة ساكنة (أن وبرة) بفتح الواو والموحدة والراء وقد تسكن الموحدة ابن عبد الرحمن المسلمي بضم الميم وسكون المهملة وباللام الحارثي (حدّثه قال: حدّثني) بالإفراد (سعيد بن جبير قال: خرج علينا أو إلينا) بالشك (ابن عمر فقال) له (رجل) سبق الخلف في اسمه قريبًا (كيف ترى في قتال الفتنة؟ فقال) ابن عمر ولأبي ذر قال (وهل تدري ما الفتنة؟ كان محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقاتل المشركين وكان الدخول عليهم فتنة وليس) القتال معه (كقتالهم) ولأبي ذر: وليس بقتالكم (على الملك) بضم الميم بل كان قتالًا على الدين لأن المشركين كانوا يفتنون المسلمين إما بالقتل واما بالحبس. 6 - باب {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ} [الأنفال: 65] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({يا أيها النبي حرّض المؤمنين}) بالغ في حثّهم ({على القتال}) ولذا قال عليه الصلاة والسلام لأصحابه يوم بدر لما أقبل المشركون في عددهم وعُددهم: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض" ({إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة}) أي صابرة ({يغلبوا ألفًا من الذين كفروا}) شرط في معنى الأمر يعني ليصبر عشرون في مقابلة مائتين ومائة في مقابلة ألف كل واحد لعشرة ({بأنهم قوم لا يفقهون}) [الأنفال: 65]. أي بسبب أنهم جهلة بالله واليوم الآخر يقاتلون لغير طلب ثواب واعتقاد أجر في الآخرة لتكذيبهم لها، وسقط: {إن يكن منك عشرون} الخ .. ولأبي ذر وقال بعد قوله: {القتال} الآية. وسقط لفظ باب لغيره. 4652 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} فَكُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لاَ يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ فَقَالَ سُفْيَانُ: غَيْرَ مَرَّةٍ أَنْ لاَ يَفِرَّ عِشْرُونَ مِنْ مِائَتَيْنِ ثُمَّ نَزَلَتِ: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمُ} الآيَةَ، فَكَتَبَ أَنْ لاَ يَفِرَّ مِائَةٌ مِنْ مِائَتَيْنِ، زَادَ سُفْيَانُ مَرَّةً نَزَلَتْ {حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} قَالَ سُفْيَانُ: وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَأُرَى الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ مِثْلَ هَذَا. [الحديث 4652 - طرفه في: 4653]. وبه قال: (حدّثنا علي

7 - باب {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا} [الأنفال: 66] الآية

بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه قال: (لما نزلت: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين}) زاد أبو ذر: وإن يكن منكم مائة (فكتب) بضم الكاف أي فرض (عليهم أن لا يفرّ واحد من عشرة) هو معنى الآية. (فقال سفيان) بن عيينة (غير مرة أن لا يفر عشرون من مائتين) وهذا يوافق لفظ القرآن، فالظاهر أن سفيان كان يرويه تارة بالمعنى وتارة باللفظ (ثم نزلت: {الآن خفف الله عنكم}) [الأنفال: 66] (الآية فكتب) بفتح الكاف أي فرض الله تعالى (أن لا يفر مائة من مائتين، زاد) ولأبي ذر: وزاد (سفيان مرة نزلت): ({حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون}) يريد أنه حدث بالزيادة مرة ومرة بدونها (قال سفيان: وقال ابن شبرمة) بضم الشين المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة عبد الله قاضي الكوفة التابعي (وأرى) بضم الهمزة أي أظن (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثل هذا) الحكم المذكور في الجهاد بجامع إعلاء كلمة الحق وإدحاض كلمة الباطل، وقول صاحب التلويح هذا التعليق رواه ابن أبي حاتم تعقبه في الفتح بأنه وهم لأن في رواية ابن أبي عمر عن سفيان عند أبي نعيم في مستخرجه قال سفيان فذكرته لابن شبرمة فذكر مثله. 7 - باب {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضُعْفًا} [الأنفال: 66] الآيَةَ ({الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا}) في القوة والجلد (الآية) زاد غير أبي ذر إلى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}. 4653 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ خِرِّيتٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لاَ يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، فَجَاءَ التَّخْفِيفُ فَقَالَ: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضُعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} قَالَ: فَلَمَّا خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ الْعِدَّةِ نَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بِقَدْرِ مَا خُفِّفَ عَنْهُمْ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن عبد الله السلمي) بضم السين وفتح اللام خاقان البلخي قال: (أخبرنا عبد الله بن المبارك) المروزي قال: (أخبرنا جرير بن حازم) بفتح جيم جرير وحازم بالحاء المهملة والزاي (قال: أخبرني) بالإفراد (الزبير) بضم الزاي (ابن خريت) بكسر الخاء المعجمة والراء المشددة وبعد التحتية الساكنة فوقية بصري من صغار التابعين (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال لما نزلت {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} شق ذلك على المسلمين حين فرض عليهم أن لا يفر واحد من عشرة فجاء التخفيف) عنهم وعند ابن إسحاق من طريق عطاء عن ابن عباس فخفف الله عنهم فنسخها بالآية الأخرى (فقال: {الآن خفف الله عنكم}) وسقط قوله فقال لأبي ذر ({وعلم أن فيكم ضعفًا}) في البدن أو في البصيرة ({فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين}) أمر بلفظ الخبر إذ لو كان خبرًا لم يقع بخلاف المخبر عنه، والمعنى في وجوب المصابرة لمثلينا أن المسلم على إحدى الحسنيين إما أن يقتل فيدخل الجنة أو يسلم فيفوز بالأجر والغنيمة والكافر يقاتل على الفوز بالدنيا وقد زاد الإسماعيلي في الحديث ففرض عليهم أن لا يفر رجل من رجلين ولا قوم من مثليهم، والحاصل أنه يحرم على المقاتل الانصراف عن الصف إذا لم يزد عدد الكفار على مثلينا فلو لقي مسلم كافرين فله الانصراف وإن كان هو الذي طلبهما لأن فرض الجهاد والثبات إنما هو في الجماعة، لكن قال البلقيني الأظهر بمقتضى نص الشافعي في المختصر أنه ليس له الانصراف. (قال) ابن عباس (فلما خفف الله عنهم من العدة نقص) بالتخفيف (من الصبر بقدر ما خفف عنهم). وهذا الحديث أخرجه أبو داود في الجهاد. [9]- سورة بَرَاءَةَ {وَلِيجَةً} كُلُّ شَيْءٍ أَدْخَلْتَهُ فِي شَيْءٍ، {الشُّقَّةُ}: السَّفَرُ، الْخَبَالُ: الْفَسَادُ، وَالْخَبَالُ: الْمَوْتُ، وَلاَ تَفْتِنِّي: لاَ تُوَبِّخْنِي، كَرْهًا وَكُرْهًا وَاحِدٌ، مُدَّخَلًا: يُدْخَلُونَ فِيهِ يَجْمَحُونَ: يُسْرِعُونَ، وَالْمُؤْتَفِكَاتِ ائْتَفَكَتْ: انْقَلَبَتْ بِهَا الأَرْضُ، أَهْوَى: أَلْقَاهُ فِي هُوَّةٍ، عَدْنٍ خُلْدٍ عَدَنْتُ بِأَرْضٍ أَيْ أَقَمْتُ، وَمِنْهُ مَعْدِنٌ وَيُقَالُ فِي مَعْدِنِ صِدْقٍ فِي مَنْبِتِ صِدْقٍ، {الْخَوَالِفُ}: الْخَالِفُ الَّذِي خَلَفَنِي فَقَعَدَ بَعْدِي، وَمِنْهُ يَخْلُفُهُ فِي الْغَابِرِينَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النِّسَاءُ مِنَ الْخَالِفَةِ، وَإِنْ كَانَ جَمْعَ الذُّكُورِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ عَلَى تَقْدِيرِ جَمْعِهِ إِلاَّ حَرْفَانِ، فَارِسٌ، وَفَوَارِسُ وَهَالِكٌ: وَهَوَالِكُ: الْخَيْرَاتُ وَاحِدُهَا خَيْرَةٌ، وَهْيَ الْفَوَاضِلُ. مُرْجَئُونَ: مُؤَخَّرُونَ، الشَّفَاشَفِيرٌ وَهْوَ حَدُّهُ، وَالْجُرُفُ: مَا تَجَرَّفَ مِنَ السُّيُولِ وَالأَوْدِيَةِ. هَارٍ: هَائِرٍ، لأَوَّاهٌ شَفَقًا وَفَرَقًا وَقَالَ الشَّاعِرُ: إِذَا مَا قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ ... تَأَوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الْحَزِينِ يقال: تهورت البئر: إذا وانهدمت وانهار مثله. ([9] سورة براءة) مدنية ولها أسماء أخر تزيد على العشرة منها: التوبة والفاضحة والمقشقشة لأنها تدعو إلى التوبة وتفضح المنافقين وتقشقشهم أي تبرئ منهم وهي من آخر ما نزل ولم يكتبوا بسملة أو لها أمان وبراءة نزلت لرفعه أو توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يبين موضعها، وكانت قصتها تشابه قصة الأنفال لأن فيها ذكر العهود وفي براءة نبذها فضمت إليها. ({وليجة}) يريد قوله تعالى: {ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة} [التوبة: 16] (كل شيء أدخلته في شيء) وهي فعيلة من الولوج

كالدخيلة وهي نظير البطانة والداخلة والمعنى لا ينبغي أن يوالوهم ويفشوا إليهم أسرارهم وسقط قوله وليجة الخ لأبي ذر وثبت لغيره. ({الشُّقَّةُ}) في قوله: {بعدت عليهم الشقة} [التوبة: 42] هي (السفر) وقيل هي المسافة التي تقطع بمشقة يقال شقة شاقة أي بعدت عليهم الشاقة البعيدة أي يشق على الإنسان سلوكها. (الخبال) في قوله: {ما زادوكم إلا خبالًا} [التوبة: 47] (الفساد) والاستثناء يجوز أن يكون منقطعًا أي أنه لم يكن في عسكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبال فيزيد المنافقون فيه، وكأن المعنى ما زادوكم قوّة ولا شدة لكن خبالًا وأن يكون متصلًا وذلك أن عسكر الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة تبوك كان فيهم منافقون كثير ولهم لا محالة خبال فلو خرج هؤلاء لالتأموا مع الخارجين فزاد الخبال. (والخبال: الموت) كذا في جميع الروايات والصواب الموتة بضم الميم وزيادة هاء آخره وهو ضرب من الجنون. وقوله تعالى: ({ولا تفتني}) أي (لا توبخني) من التوبيخ ولأبي ذر عن المستملي لا توهني بالهاء وتشديد النون من الوهن وهو الضعف ولابن السكن ولا تؤثمني بمثلثة مشددة وميم ساكنة من الإثم وصوبه القاضي عياض. ({كرهًا}) بفتح الكاف (وكرهًا) بضمها (واحد) في المعنى ومراده قوله تعالى: {قل أنفقوا طوعًا أو كرهًا} وسقط كرهًا الخ لأبي ذر. ({مدخلًا}) بتشديد الدال يريد لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلًا أي: (يدخلون فيه) والمدخل السرب في الأرض وقوله تعالى: {لولوا إليه وهم} ({يجمحون}) [التوبة: 57] أي (يسرعون) إسراعًا لا يردّهم شيء كالفرس الجموح. وقوله: {وأصحاب مدين} ({والمؤتفكات}) [التوبة:70] وهي قريات قوم لوط (ائتفكت) أي (انقلبت بها) أي القريات (الأرض) فصار عاليها سافلها وأمطروا حجارة من سجيل. ({أهوى}) يريد: {والمؤتفكة أهوى} بسورة النجم يقال: (ألقاه في هوّة) بضم الهاء وتشديد الواو أي مكان عميق وذكرها استطرادًا. وقوله تعالى: {في جنات} ({عدن}) [التوبة: 72] أي (خلد) بضم الخاء المعجمة وسكون اللام يقال (عدنت بأرض أي أقمت) بها (ومنه معدن) وهو الموضع الذي يستخرج منه الذهب والفضة ونحوهما (ويقال) فلان (في معدن صدق) أي (في منبت صدق) كأنه صار معدنًا له للزومه له وسقط لأبي ذر من عدنت الخ. ({الخوالف}) يريد قوله: {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} [التوبة: 87] وفسره بقوله (الخالف الذي خلفني فقعد بعدى ومنه) أي من هذا اللفظ (يخلفه في الغابرين). قال عليه الصلاة والسلام في حديث أم سلمة "اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين" رواه مسلم. قال النووي أي الباقين (ويجوز أن يكون النساء من الخالفة) وهي المرأة (وإن) بالواو ولأبي ذر: فإن (كان) خوالف (جمع الذكور فإنه لم يوجد على تقدير جمعه) على فواعل (الآخر فإن فارس وفوارس وهالك وهوالك) قاله أبو عبيدة. وزاد ابن مالك شاهق وشواهق وناكس ونواكس وداجن ودواجن وهذه الخمسة جمع فاعل وهو شاذ ولأبي ذر: وهالك في الهوالك. والمفهوم من أوّل كلام البخاري أن خوالف جمع خالف وحينئذٍ إنما يجوز أن يكون النساء إذا كان يجمع الخالفة على خوالف وإنما الخالف يجمع على الخالفين بالياء والنون والمشهور في فواعل أنه جمع فاعلة فإن كان من صفة النساء فواضح وقد تحذف الهاء في صفة المفرد من النساء، وإن كان من صفة الرجال فالهاء للمبالغة يقال رجل خالفة لا خبر فيه والأصل في جمعه بالنون كما مرّ، والمراد بالخوالف في الآية النساء والرجال العاجزون والصبيان فجمع بجمع المؤنث تغليبًا لكونهن أكثر في ذلك من غيرهن. قوله: {وأولئك لهم} ({الخيرات}) [التوبة: 88] (واحدها خيرة) بفتح الخاء وسكون التحتية آخرها هاء تأنيث (وهي الفواضل) بالضاد المعجمة قاله أبو عبيدة. قوله: {وآخرون} ({مرجون}) [التوبة: 106] أي (مؤخرون) لأمر الله ليقضي فيهم ما هو قاض وهذه ساقطة لأبي ذر. (الشفا) بفتح الشين المعجمة والفاء مقصورًا يريد قوله تعالى: {على شفا جرف هار} [التوبة: 109] وفسر الشفا بقوله: (شفير)

1 - باب قوله: {براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين} [التوبة: 1] أذن: إعلام. وقال ابن عباس: أذن يصدق، تطهرهم وتزكيهم بها ونحوها كثير، والزكاة: الطاعة والإخلاص. لا يؤتون الزكاة: لا يشهدون أن لا إله إلا الله. يضاهون: يشبهون

ولأبي ذر الشفير ثم قال: (وهو) أي الشفير (حده) بالدال بعد الحاء المهملتين وللكشميهني وهو حرفه أي جانبه. (والجرف ما تجرف من السيول والأودية) أي يحفر بالماء فصار واهيًا. ({هار}) أي (هائر) يقال انهارت البئر إذا تهدمت. قال القاضي: وإنما وضع شفا الجرف وهو ما جرفه الوادي الهائر في مقابلة التقوى تمثيلاً لما بنوا عليه أمر دينهم في البطلان وسرعة الانطماس ثم رشحه بانهياره به في النار ووضعه في مقابلة الرضوان تنبيهًا على أن تأسيس ذلك على أمر يحفظه عن النار ويوصله إلى رضوان الله تعالى ومقتضياته التي الجنة أدناها وتأسيس هذا على ما هم بسببه على صدد الوقوع في النار ساعة فساعدة ثم إن مصيرهم إلى النار لا محالة اهـ. وقوله: {إن إبراهيم} ({لأوّاه}) [التوبة: 114] أي (شفقًا وفرقًا) كناية عن فرط ترحمه ورقة قلبه وفيه بيان الحامل له على الاستغفار لأبيه مع شكاسته عليه. (وقال الشاعر:) وهو المثقب بتشديد القاف المفتوحة العبدي واسمه جحاش بن عائذ بن محصن، وسقط لفظ الشاعر لغير أبي ذر. (إذا ما قمت أرحلها بليل). بفتح الهمزة والحاء المهملة من رحلت الناقة أرحلها إذا شددت الرحل على ظهرها والرحل أصغر من القتب. (تأوّه آهة) بمدّ الهمزة وللأصيلي أهة (الرجل الحزين). بتشديد الهاء وقصر الهمزة قال الحريري في درة الغوّاص يقولون في التأوّه أوّه والأفصح أن يقال أوه بكسر الهاء وضمها وفتحها والكسر أغلب وعليه قول الشاعر: وقد شدّد بعضهم الواو فقال: أوّه، ومنهم من حذف الهاء وكسر الواو فقال أوّ، وتصريف الفعل منها أوّه وتأوّه والمصدر والآهة ومنه قول مثقب العبدي: إذا ما قمت أرحلها بليل. البيت. وهذا البيت من جملة قصيدة أوّلها: أفاطم قبل بينك متعيني ... ومنعك ما سألت كأن تبيني ولا تعدي مواعد كاذبات ... تمرّ بها رياح الصيف دوني فإني لو تخالفني شمالي ... لما أتبعتها أبدًا يميني (يقال: تهوّرت البئر إذا انهدمت وإنها مثله) كذا لأبوي ذر والوقت وسقط لغيرهما. 1 - باب قَوْلِهِ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1] أُذُنٌ: إِعْلاَمٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُذُنٌ يُصَدِّقُ، تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَنَحْوُهَا كَثِيرٌ، وَالزَّكَاةُ: الطَّاعَةُ وَالإِخْلاَصُ. لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ: لاَ يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. يُضَاهُونَ: يُشَبِّهُونَ (باب قوله) عز وجل: ({براءة من الله ورسوله}) أي هذه براءة مبتدأ صدورها من الله تعالى وغاية انتهائها ({إلى الذين عاهدتم من المشركين}) [التوبة: 1] فبراءة خبر مبتدأ محذوف وقيل مبتدأ خبره إلى الذين وجاز الابتداء بالنكرة لأنها تخصصت بالجار بعدها، والمعنى أن الله ورسوله برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين وذلك أنهم عاهدوا مشركي العرب فنكثوا ولم يف به إلا بنو ضمرة وبنو كنانة فأمرهم بنبذ العهد إلى من نقضه وأمروا أن يسيحوا الأربعة الأشهر المحرم صيانة لها من القتال. وقوله: ({أذان}) أي (إعلام) يقال آذنته إيذانًا وأذانًا وهو اسم قام مقام المصدر، وسقط هذا لغير أبي ذر. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله ويقولون هو (أذن يصدق) كل ما سمع وسمي بالجارحة للمبالغة كأنه من فرط سمعه صار جملة آلة السماع ما سمي الجاسوس عينًا لذلك. وقوله: {خذ من أموالهم صدقة} ({تطهرهم وتزكيهم بها}) [التوبة: 103] بمعنى واحد لأن الزكاة والتزكية في اللغة الطهارة (ونحوها) وفي نسخة ونحو هذا (كثير) في القرآن أو في لغات العرب (والزكاة الطاعة والإخلاص) أي تأتي بمعناهما رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: ({تطهرهم وتزكيهم بها}) قال الزكاة طاعة الله والإخلاص. وقوله تعالى في سورة فصلت: {وويل للمشركين الذين} ({لا يؤتون الزكاة}) [فصلت: 6] قال ابن عباس فيما رواه عليّ بن أبي طلحة عنه (لا يشهدون أن لا إله إلا الله) وهذا ذكره استطرادًا. وقوله تعالى: (يضاهون) قال ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طلحة عنه (يشبهون) وقال:

2 - باب قوله: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين} سيحوا: سيروا

أبو عبيدة هي التشبيه وقال القاضي أي يضاهي قولهم قول الذين كفروا فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه والمضاهاة المشابهة وهذا أخبار من الله تعالى عن قول اليهود: عزير ابن الله، والنصارى المسيح ابن الله فأكذبهم الله تعالى بقوله: {وذلك قولهم بأفواههم} [التوبة: 30] والتقييد بكونه بأفواههم مع أن القول لا يكون إلا بل بالفم للإشعار بأنه لا دليل عليه فهو كالمهملات لم يقصد بها الدلالة على المعاني، وقول اليهود هذا كان مذهبًا مشهورًا عندهم أو قاله بعض من متقدميهم أو من كان بالمدينة، وإنما ذلك لأنه لم يبق فيهم بعد وقعة بختنصر من يحفظ التوراة فلما أحياه الله بعد مائة عام وأملى عليهم التوراة حفظًا فتعجبوا من ذلك، وقالوا ما هذا إلا لأنه ابن الله والدليل على أن هذا القول كان فيهم أن الآية قرئت عليهم فلم يكذبوا مع تهالكهم على التكذيب. 4654 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه (قال: سمعت البراء) بن عازب (رضي الله عنه يقول: آخر آية نزلت) عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة}) في آخر سورة النساء (وآخر سورة نزلت) عليه عليه الصلاة والسلام (براءة). فإن قلت: سبق في آخر سورة البقرة من حديث ابن عباس أن آخر آية الربا وعند النسائي من حديث ابن عباس أن سورة النصر آخر سورة نزلت. أجيب: بأن المراد آخرية مخصوصة لأن الأولية والآخرية من الأمور النسبية، وأما السورة فإن آخرية النصر باعتبار نزولها كاملة بخلاف براءة فالمراد أوّلها أو معظمها، وإلاّ ففيها آيات كثيرة نزلت قبل سنة الوفاة النبوية وسيكون لنا عودة إلى الإلمام بشيء من مبحث ذلك بسورة النصر إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته. 2 - باب قَوْلِهِ: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} سِيحُوا: سِيرُوا (باب قوله) تعالى: ({فسيحوا في الأرض أربعة أشهر}) أوّلها شوّال وآخرها سلخ المحرم قاله الزهري أو من يوم النحر إلى عشرين من ربيع الآخر. واستشكل ابن كثير الأوّل بأنهم كيف يحاسبون بمدّة لم يبلغهم حكمها وإنما ظهر لهم أمرها يوم النحر كما يأتي إن شاء الله تعالى. واستشكل غيره القولين بأنه لم يكن ذلك كله الأشهر الحرم المشار إليها في قوله: فإذا انسلخ الأشهر الحرم. وأجيب: باحتمال أن يكون من قبيل التغليب وهذا أمر من الله لناقضي العهد كما مرّ. روى سعيد بن منصور والنسائي عن زيد بن يثيع بتحتية مضمومة وقد تبدل همزة بعدها مثلثة مفتوحة فتحتية ساكنة فعين مهملة الهمداني الكوفي المخضرم قال: سألت عليًّا بأي شيء بعثت؟ قال: بأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يطوف بالبيت عريان ولا يجتمع مسلم ومشرك في الحج بعد عامهم هذا، ومن كان له عهد فعهده إلى مدته ومن لم يكن له عهد فأربعة أشهر، واستدلّ بهذا الأخير كما قاله ابن حجر وغيره على أن قوله تعالى: {فسيحوا في الأرض أربعة أشهر} مختص بمن لم يكن له عهد مؤقت أو من لم يكن له عهد أصلاً، وأما من له عهد مؤقت فهو إلى مدته وروى الطبري من طريق ابن إسحاق قال: هم صنفان. صنف كان له عهد دون أربعة أشهر فأمهل تمام أربعة أشهر وصنف كانت مدة عهده بغير أجل فقصرت على أربعة أشهر وعن ابن عباس أن الأربعة الأشهر أجل من كان له عهد مؤقت بقدرها أو يزيد عليها وأن من ليس له عهد فانقضاؤه إلى سلخ المحرم لقوله: {فإذا انسلخ الأشهر المحرم فاقتلوا المشركين} [التوبة: 5] وعن الزهري قال: كان أول أربعة الأشهر عند نزول براءة في شوال، وكان آخرها آخر المحرم وبذلك يجمع بين الأربعة الأشهر وبين قوله: {فإذا انسلخ الأشهر المحرم}. ({واعلموا أنكم غير معجزي الله}) أي لا تفوتونه وإن أمهلكم ({وإن الله مخزي الكافرين}) (التوبة: 2] مذلهم بالقتل والأسر في الدنيا والعذاب في الآخرة. (سيحوا) قال أبو عبيدة: أي (سيروا) وقال غيره: اتسعوا في السير وابعدوا عن العمارات وسقط باب قوله لغير أبي ذر. 4655 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى أَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ قَالَ: حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ يَوْمَ النَّحْرِ فِي أَهْلِ مِنًى بِبَرَاءَةَ، وَأَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد

3 - باب قوله: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم} آذنهم: أعلمهم

(سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء المصري (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام المصري (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين المهملة وفتح القاف ابن خالد الأيلي ولأبي ذر عن عقيل (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (وأخبرني) بالإفراد وواو العطف. قال في الكواكب: إشعارًا بأنه أخبره أيضًا بغير ذلك فهو عطف على مقدر قال في الفتح: ولم أر في طرق حديث أبي هريرة عن أبي بكر زيادة إلا ما وقع في رواية شعيب عن الزهري فإن فيها: كان المشركون يوافون بالتجارة فينتفع بها المسلمون فلما حرم الله على المشركين أن يقربوا المسجد الحرام وجد المسلمون في أنفسهم مما قطع عليهم من التجارة فنزلت {وإن خفتم عيلة} [التوبة: 28] الآية ثم أحل في الآية الأخرى الجزية الحديث. وأخرجه الطبراني وابن مردويه مطولاً. وقال في العمدة: ولم يعين الكرماني المقدر، والظاهر أن المقدر هكذا عن ابن شهاب حدثني وأخبرني (حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني قال: وتظهر الفائدة فيه على قول من يقول بالفرق بين حدّثنا وأخبرنا كذا قال فليتأمل. (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: بعثني أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (في تلك الحجة) زاد في الحج من طريق يحيى بن بكير التي أمره عليها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل حجة الوداع (في مؤذنين) جمع مؤذن من الإيذان وهو الإعلام (بعثهم يوم النحر) سنة تسع من الهجرة (يؤذنون) أي يعلمون الناس (بمنى أن لا يحج) بفتح الهمزة وتشديد اللام ونصب يحج بأن ولا نافية (بعد العام) المذكور (مشرك) هو منتزع من قوله تعالى: {فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: 28] والمراد المحرم كله (ولا يطوف بالبيت عريان) بنصب يطوف عطفًا على يحج واحتج به الأئمة الثلاثة على وجوب ستر العورة في الطواف خلافًا لأبي حنيفة حيث جوّز طواف العريان ولأبي ذر لا يحج بالرفع ولا نافية مخففة ويطوف رفع عطفًا على يحج. (قال حميد بن عبد الرحمن) بالسند السابق (ثم أردف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أبا بكر (بعلي بن أبي طالب). وعند الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك وقال الترمذي حسن غريب أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث ببراءة مع أبي بكر، فلما بلغ ذا الحليفة قال: "لا يبلّغها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي" فبعث بها مع علي -رضي الله عنه- (وأمره) ولأبي ذر: فأمره (أن يؤذن ببراءة) أي ببعضها وقد نبه في الفتح على أن هذا المقدار من الحديث مرسل لأن حميد لم يدرك ذلك ولا صرح بسماعه له من أبي هريرة. (قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- بالإسناد المذكور قال في الفتح: وكأن حميدًا حمل قصة توجه علي من المدينة إلى أن لحق أبا بكر عن غير أبي هريرة وحمل بقية القصة كلها عن أبي هريرة (فأذن معنا علي) رضي الله عنه (يوم النحر في أهل منى ببراءة) ولأبي ذر عن الكشميهني. قال أبو بكر بدل قال أبو هريرة. قال الحافظ ابن حجر: وهو غلط فاحش مخالف لرواية الجميع، وإنما هو كلام أبي هريرة قطعًا فهو الذي كان يؤذن بذلك (وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان) وزاد أحمد من رواية محرز بن أبي هريرة عن أبيه: ولا يدخل الجنة إلا مؤمن. فإن قلت: فما فائدة قوله ولا يدخل الجنة إلا مؤمن؟ أجيب: الإعلام بأن المشرك بعدها لا يقبل منه بعد هذا غير الإيمان لقوله تعالى: {فإذا انسلخ الأشهر المحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5]. وقد سبق حديث الباب في الصلاة والحج. 3 - باب قَوْلِهِ: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} آذَنَهُمْ: أَعْلَمَهُمْ (باب قوله) عز وجل ({وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج أكبر}) يوم عرفة كذا روي عن علي وعمر فيما رواه ابن جرير وعن ابن عباس ومجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم، وروي مرسلاً عن مخرمة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطب يوم عرفة فقال: هذا يوم الحج الأكبر، وقيل إنه يوم النحر وإليه ذهب حميد بن عبد الرحمن ما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا في باب {إلا الذين عاهدتم من المشركين} [التوية: 4]. وروي عن ابن عمر وقف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع فقال:

4 - باب {إلا الذين عاهدتم من المشركين}

"هذا يوم الحج الأكبر" وبه قال كثيرون لأن أعمال المناسك تتم فيه والجمهور أن الحج الأصغر العمرة وقيل الأصغر يوم عرفة والأكبر يوم النحر، وقيل حجة الوداع هي الأكبر لما وقع فيها من إعزاز الإسلام وإذلال الكفر ({أن الله بريء من المشركين ورسوله}) رفع مبتدأ والخبر محذوف أي ورسوله بريء منهم أو معطوف على الضمير المستكن في بريء وجاز ذلك للفصل المسوّغ للعطف فرفعه على هذا بالفاعلية ({فإن تبتم فهو خير لكم}) أي فالتوب عن الشرك أو المتاب عن المعصية خير من البقاء عليها وأفعل التفضيل لمطلق الخيرية ({وإن توليتم}) أعرضتم ({فاعلموا أنكم غير معجزى الله}) بل هو قادر عليكم وأنتم تحت قهره ({وبشر الذين كفروا بعذاب أليم}) [التوبة: 3] في الدنيا بالخزى والنكال وفي الآخرة بالمقامع والأغلال والبشارة تهكم، وسقط لأبي ذر فإن تبتم الخ وقال بعد قوله ورسوله إلى المتقين وساق في نسخة الآية كلها إلى آخر المتقين (آذنهم) بمدّ الهمزة أي (أعلمهم) وسقط ذلك لأبي ذر. 4656 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي الْمُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى أَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ قَالَ حُمَيْدٌ: ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَلِىِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ بِبَرَاءَةَ وَأَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين المهملة ابن خالد (قال ابن شهاب) الزهري (فأخبرني) بالإفراد (حميد بن عبد الرحمن) بن عوف حميد بالحاء المهملة وفي آل ملك عبيد وهي في اليونينية مصلحة حميد بالحاء المهملة (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: بعثني أبو بكر رضي الله عنه في تلك الحجة) التي كان أبو بكر فيها أميرًا على الحاج (في المؤذنين) الذين (بعثهم يوم النحر) سمى الحافظ ابن حجر ممن كان مع الصديق في تلك الحجة سعد بن أبي وقاص وجابرًا فيما أخرجه الطبري (يؤذنون بمنى أن لا يحج) بتشديد اللام (بعد العام) الذي وقع فيه الإعلام (مشرك ولا يطوف بالبيت عريان). بنصب يطوف وإنما كانت مباشرة أبي هريرة لذلك بأمر الصديق، لأن الصدّيق كان هو الأمير على الناس في تلك الحجة، وكان عليًّا لم يطق التأذين وحده فاحتاج لمعين على ذلك، فكان أبو هريرة ينادي بما يلقيه إليه عليّ مما أمر بتبليغه، ويدل لذلك حديث محرز بن أبي هريرة عن أبيه قال: كنت مع علي حين بعثه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ببراءة إلى أهل مكة فكنت أنادي معه بذلك حتى يصحل صوتي وكان ينادي قبلي حتى يعني. (قال حميد): هو ابن عبد الرحمن المذكور بالسند المذكور (ثم أردف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الصديق (بعليّ بن أبي طالب) وسقط ابن أبي طالب لأبي ذر، وفي نسخة: ثم أردف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علي بن أبي طالب بإسقاط حرف الجر (فأمره أن يؤذن ببراءة) أي ببضع وثلاثين آية منها منتهاها عند قوله: ولو كره المشركون ففيه تجوز. (قال أبو هريرة) بالإسناد السابق: (فأذن معنا عليّ في أهل منى يوم النحر ببراءة) من أولها إلى (ولو كره المشركون) (و) ببعض ما اشتملت عليه (أن لا يحج بعد العام مشرك) وهو قوله تعالى: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: 28] وبهذا يندفع استشكال أن عليًّا كان مأمورًا بأن يؤذن ببراءة فكيف أذن بأن لا يحج بعد العام مشرك كما قاله الكرماني: (ولا يطوف بالبيت عريان) وبراءة مجرور وعلامة الجر فتحة وهو الثابت في الروايات ويجوز رفعه منوّنًا على الحكاية. 4 - باب {إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ({إلا الذين عاهدتم من المشركين}) [التوبة: 1] استثناء من المشركين والتقدير براءة من الله إلى المشركين إلا من الذين لم ينقضوا وسقط هذا لأبي ذر. 4657 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهَا قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ أَنْ لاَ يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، فَكَانَ حُمَيْدٌ يَقُولُ يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ مِنْ أَجْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إسحاق) هو ابن منصور أبو يعقوب الكوسج المروزي قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) الزهري (أن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف (أخبره أن أبا هريرة أخبره أن أبا بكر -رضي الله عنه- بعثه) أي بعث أبا هريرة (في الحجة التي أمره) بتشديد الميم أي جعله (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أميرًا (قبل حجة الوداع في رهط)

5 - باب {فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم}

هو ما دون العشرة من الرجال (يؤذن) ولأبي ذر عن الكشميهني: يؤذنون (في الناس) بمنى (أن لا يحجن) بنون التوكيد الثقيلة (بعد العام مشرك ولا يطوف) بالنصب (بالبيت عريان فكان حميد يقول: يوم النحر يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبي هريرة) وهذه الزيادة أدرجها شعيب عن أبي هريرة كما في الجزية، ولفظه عن أبي هريرة: بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى: لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج أكبر يوم النحر، وإنما قيل أكبر من أجل قول الناس الحج الأصغر، فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام فلم يحج عام حجة الوداع التي حج فيها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مشرك، وقول حميد هذا استنبطه من قوله تعالى: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر} [التوبة: 3] ومن مناداة أبي هريرة بذلك بأمر أبي بكر يوم النحر، فدلّ على أن المراد بيوم الحج الأكبر يوم النحر وسياق رواية شعيب يوهم أن ذلك مما نادى به أبو هريرة وليس كذلك فقد تظافرت الروايات عن أبي هريرة بأن الذي كان ينادي به أبو هريرة هو ومن معه من قبل أبي بكر شيئان منع حج المشركين ومنع طواف العريان، وأن عليًّا أيضًا كان ينادي بهما وكان يزيد من كان له عهد فعهده إلى مدته وأن لا يدخل الجنة إلا مسلم وكأن هذه الأخيرة كالتوطئة لأن لا يحج بعد العام مشرك، وأما التي قبلها فهي التي اختص في بتبليغها قاله في الفتح. 5 - باب {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ} هذا (باب) بالتنوين في قوله سبحانه وتعالى: {فقاتلوا أئمة الكفر}) أي فقاتلوا المشركين الذين نقضوا العهد وطعنوا في دينكم بصريح التكذيب وتقبيح أحكام الله فوضع أئمة الكفر موضع المضمر إذ التقدير فقاتلوهم للإشارة إلى أنهم بذلك صاروا رؤساء الكفرة وقادتهم أو المراد رؤساؤهم وخصوا بذلك لأن قتلهم أهم ({إنهم لا أيمان لهم}) [التوبة: 12] بفتح الهمزة جمع يمين وهو المناسب للنكث ومعنى نفيها عنهم أنهم لا يوفون بها وإن صدرت منهم واستشهد به الحنفية على أن يمين الكافر لا تكون شرعية، وعند الشافعية يمين شرعية بدليل وصفها بالنكث وقرأ ابن عامر بكسرها مصدر آمن يؤمن إيمانًا أي لا تصدق لهم أو لا أمان لهم وسقط باب لغير أبي ذر. 4658 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الآيَةِ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ وَلاَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: إِنَّكُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُخْبِرُونَا فَلاَ نَدْرِي فَمَا بَالُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَبْقُرُونَ بُيُوتَنَا وَيَسْرِقُونَ أَعْلاَقَنَا؟ قَالَ: أُولَئِكَ الْفُسَّاقُ أَجَلْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهُمْ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَوْ شَرِبَ الْمَاءَ الْبَارِدَ لَمَا وَجَدَ بَرْدَهُ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد قال: (حدّثنا زيد بن وهب) الجهني أبو سليمان الكوفي المخضرم (قال: كنا عند حذيفة) بن اليمان (فقال: ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة)، كذا وقع مبهمًا عند البخاري، ووافقه النسائي وابن مردويه كلاهما على الإبهام وإيراد ذلك هنا وهو يومئ إلى أن المراد الآية المسوقة هنا. وروى الطبري من طريق حبيب بن حسان عن زيد بن وهب قال كنا عند حذيفة فقرأ هذه الآية: {فقاتلوا أئمة الكفر} قال: ما قوتل أهل هذه الآية بعد، لكن وقع عند الإسماعيلي من رواية ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد بلفظ ما بقي من المنافقين من أهل هذه الآية {لا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} [الممتحنة: 1] الآية إلا أربعة نفر، إن أحدهم لشيخ كبير. قال الإسماعيلي: إن كانت الآية ما ذكر في خبر ابن عيينة فحق هذا الحديث أن يخرج في سورة الممتحنة، والمراد بكونهم لم يقاتلوا أن قتالهم لم يقع لعدم وقوع الشرط لأن لفظ الآية وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا فلما لم يقع منهم نكث ولا طعن لم يقاتلوا. وقوله: إلا ثلاثة سمي منهم في رواية أبي بشر عن مجاهد أبو سفيان بن حرب وفي رواية معمر عن قتادة أبو جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وأبو سفيان وسهيل بن عمرو، وتعقب بأن أبا جهل وعتبة قتلا ببدر وإنما ينطبق التفسير على من نزلت الآية المذكورة وهو حي فيصح في أبي سفيان وسهيل بن عمرو وقد أسلما قاله في الفتح. وقال البرماوي كالكرماني: أي ثلاثة آمنوا ثم ارتدوا وطعنوا في الإسلام من ذوي الرئاسة والتقدم فيه أي في الكفر. (ولا من المنافقين) الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر (إلا أربعة) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تسميتهم انتهى، وقد كان حذيفة

6 - باب قوله: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم}

صاحب سر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في شأن المنافقين يعرفهم دون غيره. (فقال أعرابي): لم يعرف اسمه (إنكم أصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بنصب أصحاب بدلاً من الضمير في إنكم أو منادى مضاف منه الأداة (تخبرونا) بسكون الخاء وبفتحها مع تشديد الموحدة وفي نسخة تخبروننا بنونين على الأصل لأن النون لا تحذف إلا لناصب أو جازم والأولى لغة فصيحة لبعض العرب وزاد الإسماعيلي عن أشياء (فلا ندري فما بال هؤلاء الذين يبقرون) بمثناة تحتية مفتوحة فموحدة ساكنة فقاف مضمومة وفي رواية غير أبي ذر يبقرون بضم التحتية وفتح الموحدة وتشديد القاف مكسورة أي يفتحون أو ينقبون (بيوتنا) وفي نسخة: ينقرون بالنون الساكنة بدل الموحدة وضم القاف (ويسرقون أعلاقنا)؟ بالعين المهملة والقاف أي نفائس أموالنا، وفي بعض النسخ أغلاقنا بالمعجمة وكذا وجد مضبوطًا بخط الحافظ الشرف الدمياطي، لكن قال السفاقسي: لا أعلم له وجهًا. قال في فتح الباري: ويمكن توجيهه بأن الإغلاق جمع غلق بفتحتين وهو ما يغلق ويفتح بالمفتاح، والغلق أيضًا الباب فالمعنى يسرقون مفاتيح الإغلاق ويفتحون الأبواب ويأخذون ما فيها، أو المعنى يسرقون الأبواب وتكون السرقة كناية عن قلعها وأخذها ليتمكنوا من الدخول فيها. (قال) حذيفة (أولئك) أي الذين يبقرون ويسرقون (الفساق) أي لا الكفار ولا المنافقون (أجل) أي نعم (لم يبق منهم إلا أربعة أحدهم شيخ كبير) لم يعرف اسمه (لو شرب الماء البارد لما وجد برده) لذهاب شهوته وفساد معدته بسبب عقوبة الله له في الدنيا فلا يفرق بين الأشياء. 6 - باب قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (باب قوله) عز وجل ({والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقولها في سبيل الله}) والذين بالواو استئنافية مبتدأ ضمن معنى الشرط ودخلت الفاء في خبره وهو قوله: ({فبشرهم بعذاب أليم}) [التوبة: 34] لذلك ووحد الضمير والسابق شيئان الذهب والفضة لأنه يعود على المكنوزات وهي أعم من النقدين أو عودًا إلى الفضة لأنها أقرب مذكور، واكتفى ببيان حال صاحبها عن بيان حال صاحب الذهب، أو لأن الفضة أكثر انتفاعًا في المعاملات من الذهب وتخصيصهما بالذكر مع أن غيرهما إن لم تؤد زكاته كأموال التجارة يعذب صاحبه لكونهما ثمنًا له في الغالب، وأصل الكنز الجمع وكل شيء جمع بعضه إلى بعض فهو مكنوز، وأكثر علماء الصحابة على أن الكنز المذموم هو المال الذي لا تؤدى زكاته. وروي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أيما مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونًا في الأرض وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه وإن كان على وجه الأرض، وقيل: المال الكثير إذا جمع فهو الكنز المذموم وإن أديت زكاته، واستدلّ له بعموم اللفظ، وقوله عليه الصلاة والسلام المروي في حديث علي عند عبد الرزاق ولفظه عن عليّ في قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة} الآية قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تبًّا للذهب تبًّا للفضة" يقولها ثلاثًا. قال: فشق ذلك على أصحابه وقالوا: فأي مال نتخذ؟ فقال عمر -رضي الله عنه-: أنا أعلم لكم ذلك فقال: يا رسول الله إن أصحابك قد شق عليهم ذلك وقالوا: فأي المال نتخذ؟ قال: "لسانًا ذاكرًا وقلبًا شاكرًا وزوجة تعين أحدكم على دينه" ويمكن أن يجاب بحمل ذلك على ترك الأولى لا أنه يعذب الإنسان على مال جمعه من حل وأخرج عنه حق الله تعالى، وقد قال عليه الصلاة والسلام "نعم المال الصالح للرجل الصالح" وسقط باب قوله لغير أبي ذر. 4659 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ». وبه قال: (حدّثنا الحكم بن نافع) أبو اليمان الحمصي قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (أن عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج حدثه أنه قال: حدّثني) بالإفراد (أبو هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يكون كنز أحدكم) بالكاف كذا في الفرع كأصله وغيرهما وفي نسخة مكنز أحدهم (يوم القيامة شجاعًا أقرع) أي حيّة تمعط جلد رأسها لكثرة السم

7 - باب قوله عز وجل: {يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}

وطول العمر وزاد أبو نعيم في مستخرجه يفر منه صاحبه ويطلبه أنا كنزك فلا يزال به حتى يلقمه أصبعه. وقد سبق الحديث في الزكاة بتمامه من وجه آخر وقد أورده هنا مختصرًا. 4660 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ فَقُلْتُ: مَا أَنْزَلَكَ بِهَذِهِ الأَرْضِ قَالَ: كُنَّا بِالشَّأْمِ فَقَرَأْتُ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا هَذِهِ فِينَا مَا هَذِهِ إِلاَّ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، قَالَ: قُلْتُ إِنَّهَا لَفِينَا وَفِيهِمْ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي (عن زيد بن وهب) الجهني الهمداني الكوفي أنه (قال: مررت على أبي ذر) جندب بن جنادة على الأصح (بالربذة) بالراء والموحدة والمعجمة المفتوحات موضع قريب من المدينة (فقلت) له: (ما أنزلك بهذه الأرض؟ قال: كنا بالشام فقرأت) قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقولها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} قال معاوية) بن أبي سفيان حين كان أميرًا على الشام: (ما هذه) الآية (فينا) نزلت (ما هذه إلا في أهل الكتاب). نظرًا إلى سياق الآية لأنها نزلت في الأحبار والرهبان الذين لا يؤتون الزكاة (قال) أبو ذر: (قلت) لمعاوية: (إنها لفينا وفيهم) نزلت نظرًا إلى عموم الآية، وزاد في الزكاة فكان بيني وبينه في ذلك، وكتب إلى عثمان -رضي الله عنه- يشكوني فكتب إليّ عثمان أن أقدم المدينة فقدمتها فكثر عليّ الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك فذكرت ذلك لعثمان فقال: إن شئت تنحيت فكنت قريبًا فذاك الذي أنزلني هذا المنزل. 7 - باب قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (باب قوله عز وجل {يوم يحمى عليها}) أي المكنوزات أو الدراهم ({في نار جهنم}) يجوز كون يحمي من حميته أو أحميته ثلاثيًا أو رباعيًا يقال: حميت الحديدة وأحميتها أي أوقدت عليها لتحمي والفاعل المحذوف هو النار تقديره يوم تحمى النار عليها فلما حذف الفاعل ذهبت علامة التأنيث لذهابه كقولك: رفعت القصة إلى الأمير ثم تقول رفع إلى الأمير ({فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم}) تخصيص هذه الأعضاء لأن جمع المال والبخل به كان لطلب الوجاهة فوقع العذاب بنقيض المطلوب والظهر لأن البخيل يولي ظهره عن السائل أو لأنها أشرف الأعضاء لاشتمالها على الدماغ والقلب والكبد ({هذا ما كنزتم لأنفسكم}) معمول لقول محذوف أي يقال لهم هذا ما كنزتم لمنفعة أنفسكم فصار مضرة لها وسبب تعذيبها ({فذوفوا ما كنتم تكنزون}) [التوبة: 35] أي: جزاء الذين كنتم تكنزونه لأن المكنوز لا يذاق. وثبت باب قوله عز وجل لأبي ذر وسقط له جباههم الخ وقال بعد قوله فتكوى بها الآية. 4661 - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ: هَذَا قَبْلَ أَنْ تُنْزَلَ الزَّكَاةُ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ طُهْرًا لِلأَمْوَالِ. وبه قال: (وقال أحمد بن شبيب بن سعيد) بفتح المعجمة وكسر الموحدة الأولى فيما وصله أبو داود في الناسخ والمنسوخ ووقع في رواية الكشميهني في باب ما أدى زكاته فليس بكنز حدّثنا أحمد بن شبيب قال: (حدّثنا أبي) شبيب بن سعيد البصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن خالد بن أسلم) أخي زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب أنه (قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- زاد في الزكاة فقال أعرابي أخبرني قول الله {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقولها في سبيل الله} (فقال هذا قبل أن تنزل الزكاة) إذ كانت الصدقة فرضًا بما فضل عن الكفاية لقوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [البقرة: 219] قاله ابن بطال: (فلما أنزلت) آية الزكاة (جعلها الله) أي الزكاة (طُهرًا للأموال) ولمخرجها عن رذائل الأخلاق. 8 - باب قَوْلِهِ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} الْقَيِّمُ: هُوَ الْقَائِمُ (باب قوله) جل وعلا ({إن عدة الشهور عند الله}) العدة مصدر بمعنى العدد وعند الله نصب به أي أن مبلغ عددها عنده تعالى: ({اثنا عشر شهرًا}) نصب على التمييز (واثنا عشر) خبر إن ({في كتاب الله}) في اللوح المحفوظ لأنه أصل الكتب أو القرآن أو فيما حكم به وهو صفة لاثنا عشر ({يوم خلق السماوات والأرض}) متعلق بكتاب على جعله مصدرًا ({منها أربعة حرم}) [التوبة: 36] وإنما قيل لهذا المقدار من الزمان شهر لأنه يشهر بالقمر ومنه ابتداؤه وانتهاؤه والقمر هو الشهر قال: فأصبح أجلى الطرف ما يستزيده ... يرى الشهر قبل الناس وهو كحيل

({القيم}) قال أبو عبيدة في مجازه (هو القائم) أي المستقيم وزاد أبو ذر ذلك الدين أي تحريم الأشهر المحرم هو الدين المستقيم دين إبراهيم وتخصيص بعض الزمان بالحرمة كليلة القدر والجمعة والعيد بالفضل دون بعض أن النفوس مجبولة على الشر يشق عليها الامتناع عن الشر بالكلية فمنعت عنه في بعض الأوقات لحرمته وقد كانوا يعظمون هذه الأشهر حتى لو لقي الرجل قاتل أبيه لم يقتله فأكد الله تعالى ذلك بأن منع الظلم فيها بقوله {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} أي لا تحلوا حرامها ولذا قيل لا يحل القتال فيها ولا في الحرم، والجمهور على أن حرمة المقاتلة فيها منسوخة، ويؤيده ما روي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاصر الطائف في شهر حرام وهو ذو القعدة كما ثبت في الصحيحين أنه حاصرها أربعين يومًا وسقط باب قوله لغير أبي ذر. 4662 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري قال: (حدّثنا حماد بن زيد) بتشديد الميم ابن درهم الأزدي الجهضمي البصري (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن ابن أبي بكرة) عبد الرحمن (عن) أبيه (أبي بكرة) نفيع بن الحارث ولأبي ذر عن أبيه بدل عن أبي بكرة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) في خطبته في حجة الوداع بمنى في أوسط أيام التشريق: أيها الناس (إن الزمان قد استدار) استدارة (كهيئته) أي مثل حالته (يوم خلق الله السماوات والأرض) أي عالج الحج إلى ذي الحجة وبطل النسيء وهو تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر وذلك أنهم كانوا إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهرًا آخر ورفضوا خصوص الأشهر، واعتبروا مجرد العدد، وقيل: كانوا يستحلون القتال في المحرم لطول مدة التحريم بتوالي ثلاثة أشهر محرمة ثم يحرمون صفر مكانه فكأنهم يقترضونه ثم يوفونه، وقيل كانوا يحلون المحرم مع صفر من عام ويسمونهما صفرين ثم يحرمونها من عام قابل ويسمونها محرمين، وقيل بل كانوا ربما احتاجوا إلى صفر إيضافًا حلوه وجعلوا مكانه ربيعًا ثم يدور كذلك التحريم والتحليل بالتأخير على السنة كلها إلى أن جاء الإسلام فوافق حجة الوداع رجوع التحريم إلى المحرم الحقيقي وصار الحج مختصًّا بوقت معين، واستقام حساب السنة ورجع إلى الأصل الموضوع يوم خلق السموات والأرض. (السنة) العربية الهلالية (اثنا عشر شهرًا) على ما توارثوه من إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام وذلك بعدد البروج التي تدور الشمس فيها السنة الشمسية. فإذا دار القمر فيها كلها كملت دورته السنوية وإنما جعل الله تعالى الاعتبار بدور القمر لأن ظهوره في السماء لا يحتاج إلى حساب ولا كتاب بل هو أمر ظاهر مشاهد بالبصر بخلاف سير الشمس فإنه تحتاج معرفته إلى حساب فلم يحوجنا إلى ذلك كما قال عليه الصلاة والسلام "إنّا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا" الحديث. واعلم أن السنة والحول والعام مترادفة فمعناها واحد كما هو ظاهر كلام كثير من اللغويين وهي مشتملة على ثلاثمائة وأربعة وخمسين يومًا وخمس وسدس يوم كذا ذره صاحب المهذّب من الشافعية في الطلاق قالوا: لأن شهرًا منها ثلاثون وشهرًا تسع وعشرون إلا ذا الحجة فإنه تسع وعشرون وخمس يوم وسدس يوم، واستشكله بعضهم وقال: لا أدري ما وجه زيادة الخمس والسدس: وصحح بعضهم أن السنة الهلالية ثلاثمائة وخمسة وخمسون يومًا، وبه جزم ابن دحية في كتاب التنوير وذلك مقدار قطع البروج الاثني عشر التي ذكرها الله تعالى في كتابه، وفرق بعضهم بين السنة والعام فيكونان متباينين فقال: إن العام من أول المحرم إلى آخر ذي الحجة والسنة من كل يوم إلى مثله من القابل نقله ابن الخباز في شرح اللمع له، وسمي العام عامًّا لأن الشمس عامت فيه حتى قطعت جملة الفلك لأنها تقطع الفلك كله في السنة مرة وتقطع في كل شهر برجًا من البروج الاثني عشر وإنما علق الله تعالى على الشمس أحكام اليوم من الصلاة والصيام حيث كان ذلك

9 - باب قوله: {ثانى اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} ناصرنا السكينة: فعيلة من السكون

مشاهدًا بالبصر لا يحتاج إلى حساب ولا كتاب فالصلاة تتعلق بطلوع الفجر وطلوع الشمس وزوالها ومصير ظل كل شيء مثله بعد الذي زالت عليه الشمس وبغروب الشمس، والسنة القمرية أقل من الشمسية بمقدار معلوم وبسبب ذلك النقصان تنتقل المشهور القمرية من فصل إلى آخر فيقع الحج في الشتاء تارة وفي الصيف أخرى، وذكر الطبري أنهم كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشر شهرًا ومن وجه آخر يجعلونها اثني عشر شهرًا وخمسة وعشرين يومًا فتدور الأيام والشهور كذلك، وقول أن حجة الصديق رضي الله تعالى عنه سنة تسع كانت في ذي القعدة فيه نظر لأن الله تعالى قال: {وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر} الآية وإنما نودي بذلك في حجة أبي بكر فلو لم تكن في ذي الحجة لما قال تعالى: {يوم الحج أكبر}. (منها أربعة حُرُم) لعظم حرمتها وعظم الذنب فيها أو لتحريم القتال فيها (ثلاث متواليات) أي متتابعات وهو تفسير للأربعة الحرم. قال ابن التين فيما نقله في الفتح: الصواب ثلاثة متوالية يعني لأن المميز الشهر قال ولعله أعاد على المعنى أي ثلاث مدد متواليات لكن إذا لم يذكر التمييز جاز التذكير والتأنيث، ولأبي ذر: ثلاثة متواليات (ذو القعدة وذو الحجة) بفتح القاف والحاء (والمحرم ورجب مضر) وهي القبيلة المشهورة وأضافه إليها لأنهم كانوا متمسكين بتعظيمه (الذي بين جمادى) الآخرة (وشعبان) وهذا تأكيد وتصحيح لقول مضر نافيًا به قول ربيعة أن رجبًا المحرم هو الشهر الذي بين شعبان وشوّال وهو رمضان اليوم، وإنما كانت الأشهر الأربعة ثلاثة سرد وواحد فرد لأجل أداء مناسك الحج والعمرة، فحرم قبل شهر الحج شهر ليسار فيه إلى الحج وهو ذو القعدة لأنهم يقعدون فيه عن القتال، وحرم شهر ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج ويشتغلون بأداء المناسك، وحرم بعده شهر آخر وهو المحرم ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين وحرم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب فيزوره ثم يعود إلى وطنه آمنًا، وقد تمسك من قال بأنها من سنتين بقوله ثلاث متواليات من حيث كونها ثلاثًا تواليات وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد فرد وهو رجب، وقد روي من حديث ابن عمر مرفوعًا أوّلهن رجب لكن في إسناده ضعف، وعن أهل المدينة أنها من سنتين وأولها ذو القعدة ثم ذو الحجة ثم المحرم ثم رجب آخرها، وعن بعض أهل المدينة أيضًا أن أولها رجب ثم ذو القعدة ثم ذو الحجة ثم المحرم، وعن أهل الكوفة أنها من سنة واحدة أوّلها المحرم ثم رجب ثم ذو القعدة ثم ذو الحجة. واختلف أيها أفضل؟ فقال بعض الشافعية: رجب، وضعفه النووي وغيره وقيل: المحرم قاله الحسن، ورجحه النووي وقيل ذو الحجة. وروي عن سعيد بن جبير وغيره قال بعضهم: إذا رأيت العرب السادات قد تركوا العادات وحرموا الغارات قالوا محرم، وإذا ضعفت أبدانهم واصفرت ألوانهم قالوا اصفر، إذا زهت البساتين وظهرت الرياحين قالوا ربيعان، وإذا قلت الثمار وجمد الماء قالوا جماديان، وإذا هاجت الرياح وجرت الأنهار وترجبت الأشجار قالوا رجب، وإذا بانت الفصائل وتشعبت القبائل قالوا شعبان، وإذا حمي الفضا وطغى جمر الغض قالوا رمضان، إذا قلّ السحاب وكثر الذباب وشالت الأذناب قالوا شوّال، وإذا تعد التجار عن الأسعار قالوا ذو القعدة، وإذا قصدوا الحج من كل فج وأظهروا العج والثج قالوا ذو الحجة. وهذا الحديث ذكره في بدء الخلق. 9 - باب قَوْلِهِ: {ثَانِىَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} نَاصِرُنَا السَّكِينَةُ: فَعِيلَةٌ مِنَ السُّكُونِ (باب قوله) تعالى وسقط من اليونينية لغير أبي ذر ({ثاني اثنين}) نصب على الحال من مفعول أخرجه وهو مثل خامس خمسة أي أحد اثنين ({إذ هما في الغار}). أي حصلا فيه والغار ثقب في الجبل يجمع على غيران ({إذ يقول}) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({لصاحبه}) وهو أبو بكر الصديق فيه دليل على أن من أنكر كون أبي بكر من الصحابة كفر لتكذيبه القرآن. فإن قلت: لا دلالة في اللفظ على خصوصه. أجيب: بأن الإجماع على أنه لم يكن غيره ({لا تحزن إن الله

معنا}) [التوبة: 40] أي (ناصرنا) وسقط لغير أبي ذر {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} وقال معنا ناصرنا. (السكينة: فعيلة من السكون) يريد تفسير قوله تعالى: {فأنزل الله سكينته عليه} أي على الصديق أي ما ألقى في قلبه من الأمنة التي سكن عندها وعلم أنهم لا يصلون إليه وقيل الضمير عائد على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قال بعضهم وهذا أقوى والسكينة هي ما ينزله الله على أنبيائه من الحياطة والخصائص التي لا تصلح إلا لهم كقوله تعالى: {فيه سكينة من ربكم} [البقرة: 248]. 4663 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَارِ فَرَأَيْتُ آثَارَ الْمُشْرِكِينَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا قَالَ: «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) الجعفي المسندي قال: (حدّثنا حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن هلال الباهلي قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ابن يحيى بن دينار العوذي بفتح المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة البصري قال: (حدّثنا ثابت) هو ابن أسلم البناني قال: (حدّثنا أنس) هو ابن مالك (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو بكر) الصديق (-رضي الله عنه- قال: كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الغار) بثور أطحل خلف مكة من طريق اليمن (فرأيت آثار المشركين) لما طلعوا فوق الغار وفي رواية: فرفعت رأسي فإذا أنا بأقدام القوم (قلت: يا رسول الله لو أن أحدهم رفع قدمه) بالإفراد (رآنا: قال) عليه الصلاة والسلام: يا أبا بكر (ما ظنك باثنين) يريد نفسه الشريفة وأبا بكر (الله ثالثهما) بالنصر والمعونة. 4664 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ قُلْتُ: أَبُوهُ الزُّبَيْرُ، وَأُمُّهُ أَسْمَاءُ، وَخَالَتُهُ عَائِشَةُ، وَجَدُّهُ أَبُو بَكْرٍ وَجَدَّتُهُ صَفِيَّةُ فَقُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِسْنَادُهُ فَقَالَ: حَدَّثَنَا فَشَغَلَهُ إِنْسَانٌ وَلَمْ يَقُلِ ابْنُ جُرَيْجٍ. [الحديث 4664 - طرفاه في: 4665، 4666]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) الجعفي المسندي قال: (حدثنا ابن عيينة) سفيان (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبد الرحمن (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال حين وقع بينه) أي بين ابن عباس (وبين ابن الزبير) عبد الله بسبب البيعة، وذلك أن ابن الزبير امتنع من مبايعة يزيد بن معاوية لما مات أبوه وأصر على ذلك حتى مات يزيد ثم دعا ابن الزبير إلى نفسه بالخلافة فبويع بها وأطاعه أهل الحجاز ومصر والعراق وخراسان وكثير من أهل الشام ثم غلب مروان على الشام وقتل الضحاك بن قيس الأمير من قبل ابن الزبير، ثم توفي مروان سنة خمس وستين وقام عبد الملك ابنه مقامه وغلب المختار بن أبي عبيد على الكوفة ففر منه من كان من قبل ابن الزبير، وكان محمد بن الحنفية وعبد الله بن عباس مقيمين بمكة مدة قتل الحسين فدعاهما ابن الزبير إلى البيعة له فامتنعا وقالا: لا نبايع حتى يجتمع الناس على خليفة وتبعهما على ذلك جماعة فشدد ابن الزبير عليهم وحصرهم فبلغ ذلك المختار فجهز إليهم جيشًا فأخرجوهما واستأذنوهما في قتال ابن الزبير فامتنعا وخرجا إلى الطائف قال ابن أبي مليكة: (قلت) أي لابن عباس كالمنكر عليه امتناعه من مبايعة ابن الزبير معددًا شرفه واستحقاقه للخلافة: (أبوه الزبير) بن العوّام أحد العشرة المبشرة بالجنة (وأمه أسماء) بنت أبي بكر الصديق (وخالته عائشة) أم المؤمنين (وجدّه أبو بكر) صاحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الغار (وجدته) أم أبيه الزبير (صفية) بنت عبد المطلب عمة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: عبد الله بن محمد المسندي شيخ المؤلّف (فقلت لسفيان) بن عيينة: (إسناده). أي هذا الحديث ما هو إسناده؟ ويجوز النصب على تقدير: اذكر إسناده أي هل العنعنة بواسطة أو بدونها (فقال) أي سفيان: (حدّثنا فشغله إنسان) بكلام أو نحوه (ولم يقل ابن جريج) بالرفع أي لم يقل حدّثنا ابن جريج فاحتمل أن يكون أراد أن يدخل بينهما واسطة، واحتمل أن لا يدخلها، ولذلك استظهر البخاري فأخرج الحديث من وجه آخر عن ابن جريج ثم من وجه آخر عن شيخه. 4665 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَكَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ فَغَدَوْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ: أَتُرِيدُ أَنْ تُقَاتِلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ فَتُحِلُّ حَرَمَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَبَنِي أُمَيَّةَ مُحِلِّينَ وَإِنِّي وَاللَّهِ لاَ أُحِلُّهُ أَبَدًا قَالَ: قَالَ النَّاسُ بَايِعْ لاِبْنِ الزُّبَيْرِ فَقُلْتُ: وَأَيْنَ بِهَذَا الأَمْرِ عَنْهُ أَمَّا أَبُوهُ فَحَوَارِيُّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يُرِيدُ الزُّبَيْرَ. وَأَمَّا جَدُّهُ فَصَاحِبُ الْغَارِ، يُرِيدُ أَبَا بَكْرٍ. وَأُمُّهُ فَذَاتُ النِّطَاقِ يُرِيدُ أَسْمَاءَ وَأَمَّا خَالَتُهُ فَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ يُرِيدُ عَائِشَةَ، وَأَمَّا عَمَّتُهُ فَزَوْجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدُ خَدِيجَةَ، وَأَمَّا عَمَّةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَدَّتُهُ، يُرِيدُ صَفِيَّةَ، ثُمَّ عَفِيفٌ فِي الإِسْلاَمِ قَارِئٌ لِلْقُرْآنِ وَاللَّهِ إِنْ وَصَلُونِي وَصَلُونِي مِنْ قَرِيبٍ وَإِنْ رَبُّونِي رَبَّنِي أَكْفَاءٌ كِرَامٌ فَآثَرَ التُّوَيْتَاتِ وَالأُسَامَاتِ وَالْحُمَيْدَاتِ يُرِيدُ أَبْطُنًا مِنْ بَنِي أَسَدٍ بَنِي تُوَيْتٍ وَبَنِي أُسَامَةَ وَبَنِي أَسَدٍ إِنَّ ابْنَ أَبِي الْعَاصِ بَرَزَ يَمْشِى الْقُدَمِيَّةَ يَعْنِي عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ وَإِنَّهُ لَوَّى ذَنَبَهُ يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) هو المسندي السابق (قال: حدثني) بالإفراد (يحيى بن معين) بفتح الميم البغدادي الحافظ المشهور إمام الجرح والتعديل المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين بالمدينة النبوية وله بضع وسبعون سنة قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن محمد المصيصي (قال ابن جريج) عبد الملك (قال ابن أبي مليكة) عبد الله (وكان بينهما) أي بين ابن الزبير وابن عباس (شيء) مما

يصدر بين المتخاصمين وقيل كان اختلافًا في بعض قراءات القرآن (فغدوت على ابن عباس فقلت) له: (أتريد أن تقاتل ابن الزبير) بهمزة الاستفهام الإنكاري (فتحل) بالنصب وفي اليونينية فتحل بالرفع (حرم الله)؟ وفي نسخة ما حرم الله أي من القتال في الحرم (فقال) أي ابن عباس (معاذ الله) أي أتعوّذ بالله عن إحلال ما حرم الله (إن الله كتب) أي قدر (ابن الزبير وبني أمية محلين) مبيحين القتال في الحرم. قال في فتح الباري: وإنما نسب ابن الزبير لذلك وإن كان بنو أمية هم الذين ابتدؤوه بالقتال وحصروه، وإنما بدا منه أولاً دفعهم عن نفسه لأنه بعد أن ردهم الله عنه حصر بني هاشم ليبايعوه فشرع فيما يؤذن بإباحة القتال في المحرم (إني) أي قال ابن عباس وإني (والله لا أحله) أي القتال فيه (أبدًا) وإن قوتلت فيه. قال ابن أبي مليكة بالإسناد السابق: (قال) ابن عباس (قال الناس) الذين من جهة ابن الزبير (بايع) بكسر التحتية والجزم على الأمر (لابن الزبير) بالخلافة. قال ابن عباس (فقلت) لهم: (وأين بهذا الأمر عنه؟) أي الخلافة يريد أنها ليست بعيدة عنه لما له من الشرف بأسلافه الذين ذكرهم بقوله (أما أبوه فحواري النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالحاء المهملة أي ناصره (يريد) بذلك ابن عباس (الزبير وأما جده فصاحب الغار يريد) بذلك ابن عباس (أبا بكر) الصديق -رضي الله عنه- (وأما أمه فذات النطاق) بالإفراد لأنها شقت نطاقها لسفرة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسقائه عند الهجرة (يريد) ابن عباس بذلك (أسماء) بنت أبي بكر (وأما خالته فأم المؤمنين يريد) ابن عباس (عائشة) -رضي الله عنها- (وأما عمته فزوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بريد) ابن عباس (خديجة) وأطلق عليها عمته تجوّزًا وإنما هي عمة أبيه لأنها خديجة بنت خويلد بن أسد والزبير هو ابن العوّام بن خويلد بن أسد (وأما عمة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجدته) أم أبيه (يريد) ابن عباس (صفية) بنت عبد المطلب ثم ذكر شرفه بصفته الذاتية الحميدة بقوله: (ثم عفيف في الإسلام) نزيه عما يشين من الرذائل (قارئ للقرآن) زاد ابن أبي خيثمة في تاريخه هنا وتركت بني عمي أي أذعنت لابن الزبير وتركت بني عمي بني أمية (والله إن وصلوني) أي بنو أمية (وصلوني من قريب) أي بسبب القرابة، وذلك لأن عباسًا هو ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وأمية بن عبد شمس بن عبد مناف، فعبد المطلب ابن عم أمية جد مروان بن الحكم بن أبي العاص، وهذا شكر من ابن عباس لبني أمية وعتب على ابن الزبير (وإن ربوني) أي كانوا عليّ أمراء (ربوني) بفتح الراء وضم الموحدة المشددة فيهما وهو في الثاني من باب أكلوني البراغيث، وللكشميهني ربوني ربني (أكفاء) بالإفراد على الأصل ورفع أكفاء بسابقه أي أمثال واحدها كفء (كرام) في أحسابهم. وعند أبي مخنف الأخباري من طريق أخرى أن ابن عباس لما حضرته الوفاة بالطائف جمع بنيه فقال: يا بني إن ابن الزبير لما خرج بمكة شددت أزره ودعوت الناس إلى بيعته وتركت بني عمنا من بني أمية الذين إن قتلونا أكفاء وإن ربونا ربونا كرامًا، فلما أصاب ما أصاب جفاني فهذا صريح أن مراد ابن عباس بنو أمية لا بنو أسد رهط ابن الزبير، وقال الأزرقي: كان ابن الزبير إذا دعا الناس في الإذن بدأ ببني أسد على بني هاشم وبني عبد المطلب وغيرهم، فلذا قال ابن عباس: (فآثر) بالمد والمثلثة أي اختار ابن الزبير بعد أن أذعنت له وتركت بني عمي على (التويتات) جمع تويت مصغر توت بمثناتين وواو (والأسامات) بضم الهمزة جمع أسامة (والحميدات) بضم الحاء المهملة مصغر حمد (يريد) ابن عباس (أبطنًا) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وضم الطاء المهملة جمع بطن وهو ما دون القبيلة وفوق الفخذ وقال: أبطنًا ولم يقل بطونًا لأن الأول جمع قلة فعبّر به تحقيرًا لهم (من بني أسد بني تويت) كذا في غير ما فرع من الفروع المقابلة على أصل اليونيني وكذا رأيتها فيه بني تويت. وقال الحافظ ابن حجر:

قوله ابن تويت كذا وقع أي في روايات البخاري وصوابه بني تويت فبه عليه عياض وهو في مستخرج أبي نعيم بني على الصواب اهـ. وهذا عجيب فإن خط الحافظ ابن حجر على كثير من الفروع المقابلة على اليونينية بالقراءة والسماع، وتويت هو ابن الحارث بن عبد العزى بن قصي (و) من (بني أسامة) بن أسد بن عبد العزى (وبني أسد) ولأبي ذر من أسد. وأما الحميدات: فنسبه إلى بني حميد بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى وتجتمع هذه الابطن مع خويلد بن أسد جد الزبير (أن ابن أبي العاص) بكسر الهمزة (برز) أي ظهر (يمشي القدمية) بضم القاف وفتح الدال المهملة وكسر الميم وتشديد التحتية مشية التبختر وهو مثل يريد أنه ركب معالي الأمور وتقدم في الشرف والفضل على أصحابه (يعني) ابن عباس (عبد الملك بن مروان) بن الحكم بن أبي العاص (وإنه) بكسر الهمزة (لوى ذنبه) بتشديد الواو وتخفف (يعني ابن الزبير) يعني تخلف عن معالي الأمور أو كناية عن الجبن كما تفعل السباع إذا أراد النوم أو وقف فلم يتقدم ولم يتأخر ولا وضع الأشياء مواضعها فأدنى الناصح وأقصى الكاشح وهذا قاله الداودي. وفي رواية أبي مخنف وأن ابن الزبير يمشي القهقرى. قال في فتح الباري: وهو المناسب لقوله في عبد الملك يمشي القدمية، وكان الأمر كما قال ابن عباس فإن عبد الملك لم يزل في تقدم من أمره حتى استنقذ العراق من ابن الزبير وقتل أخاه مصعبًا ثم جهز العساكر إلى ابن الزبير بمكة فكان من الأمر ما كان، ولم يزل أمر ابن الزبير في تأخير إلى أن قتل -رحمه الله- ورضي عنه. 4666 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ دَخَلْنَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَلاَ تَعْجَبُونَ لاِبْنِ الزُّبَيْرِ قَامَ فِي أَمْرِهِ هَذَا؟ فَقُلْتُ: لأُحَاسِبَنَّ نَفْسِي لَهُ مَا حَاسَبْتُهَا لأَبِي بَكْرٍ وَلاَ لِعُمَرَ وَلَهُمَا كَانَا أَوْلَى بِكُلِّ خَيْرٍ مِنْهُ وَقُلْتُ ابْنُ عَمَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنُ أَخِي خَدِيجَةَ، وَابْنُ أُخْتِ عَائِشَةَ فَإِذَا هُوَ يَتَعَلَّى عَنِّي وَلاَ يُرِيدُ ذَلِكَ فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي أَعْرِضُ هَذَا مِنْ نَفْسِى فَيَدَعُهُ وَمَا أُرَاهُ يُرِيدُ خَيْرًا وَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ لأَنْ يَرُبَّنِي بَنُو عَمِّي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي غَيْرُهُمْ. وبه قال: (حدثنا محمد بن عبيد بن ميمون) بضم العين مصغرًا من غير إضافة لابن ميمون المدني قال: (حدّثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق الهمداني الكوفي (عن عمر بن سعيد) بضم العين في الأول وكسرها في الثاني ابن أبي حسين النوفلي القرشي المكي أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن أبي مليكة) عبد الله قال: (دخلنا على ابن عباس) -رضي الله عنهما- (فقال: ألا) بالتخفيف (تعجبون لابن الزبير قام في أمره هذا؟) يعني الخلافة (فقلت: لأحاسبن نفسي له ما حاسبتها لأبي بكر ولا لعمر) أي لأناقش نفسي لابن الزبير في معونته ولأستقصين عليها في النصح له والذب عنه ما ناقشتها للعمرين، وما نافية، وقال الداودي أي لأذكرن في مناقبه ما لم أذكر في مناقبهما، وإنما صنع ابن عباس ذلك لاشتراك الناس في معرفة مناقب أبي بكر وعمر بخلاف ابن الزبير، فما كانت مناقبه في الشهرة كمناقبهما، فأظهر ذلك ابن عباس وبينه للناس إنصافًا منه له (ولهما) بلام الابتداء والضمير للعمرين وفي نسخة، فإنهما (كانا أولى بكل خير منه) أي من ابن الزبير (وقلت) وفي نسخة: فقلت هو (ابن عمة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) صفية بنت عبد المطلب (وابن الزبير) حواري رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وابن أبي بكر) الصديق -رضي الله عنه- (وابن أبي خديجة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- (وابن أخت عائشة) أسماء وإنما هو ابن ابن أخي خديجة العوام وابن ابنة أبي بكر أسماء وابن ابن صفية فهي جدته لأبيه وعبر بذلك على سبيل المجاز (فإذا هو) أي ابن الزبير (يتعلّى) بتشديد اللام يترفع معرضًا أو متنحيًا (عني ولا يريد ذلك) قال العيني كابن حجر أي لا يريد أن أكون من خاصته. وقال البرماوي كالكرماني: ولا يريد ذلك القول إذا عاتبته. قال ابن عباس (فقلت: ما كنت أظن أني أعرض) أي أظهر (هذا) الخضوع (من نفسي) له (فيدعيه) أي يتركه ولا يرضى به مني (وما أراه) بضم الهمزة أي وما أظنه (يريد) بي (خيرًا) في الرغبة عني، وللكشميهني وإنما أراه بدل ما وهو تصحيف كما لا يخفى (وإن كان لا بد) أي الذي صدر منه لا فراق له منه (لأن) كذا في اليونينية والذي في الفرع التنكزي أن (يريني) بفتح الموحدة (بنو عمي) بنو أمية أي يكونوا عليّ أمراء (أحبّ إلىّ من أن يربني غيرهم) إذ هم أقرب إليّ من بني أسد كما مرّ، ومن زائدة

10 - باب قوله: {والمؤلفة قلوبهم} [التوبة: 60] قال مجاهد: يتألفهم بالعطية

عند أبي ذر. 10 - باب قَوْلِهِ: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التوبة: 60] قَالَ مُجَاهِدٌ: يَتَأَلَّفُهُمْ بِالْعَطِيَّةِ (باب قوله) عز وجل وسقط لغير أبي ذر ({والمؤلّفة قلوبهم}) [التوبة: 60] بالجر كلفظ التنزيل والرفع على الاستثناف وحذف باب وتاليه وهم قوم أسلموا ونيتهم ضعيفة فيه فيستألف قلوبهم أو أشراف يترقب بإعطائهم ومراعاتهم إسلام نظائرهم (قال مجاهد) المفسر فيما وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه (يتألفهم بالعطية). 4667 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: بُعِثَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَيْءٍ، فَقَسَمَهُ بَيْنَ أَرْبَعَةٍ وَقَالَ: أَتَأَلَّفُهُمْ فَقَالَ رَجُلٌ: مَا عَدَلْتَ فَقَالَ: «يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن أبيه) سعيد بن مسروق (عن ابن أبي نعم) بضم النون وسكون العين المهملة عبد الرحمن (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: بعث إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشيء) الباعث عليّ بن أبي طالب كما في البخاري في باب قوله تعالى: {وأما عاد} من كتاب الأنبياء، وعند مسلم وهو باليمن والشيء ذهيبة (فقسمه) عليه الصلاة والسلام أي ذلك الشيء (بين أربعة) سماهم في رواية الباب المذكور الأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي وعيينة بن زيد الفزاري وزيد الطائي ثم أحد بني نبهان وعلقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب (وقال) عليه الصلاة والسلام: (أتألفهم) ليثبتوا على الإسلام رغبة فيما يصل إليهم من المال (فقال رجل) من بني تميم يقال له ذو الخويصرة واسمه حرقوص بن زهير (ما عدلت) في العطية (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يخرج من ضئضئ) بكسر الضادين المعجمتين وسكون الهمزة الأولى أي من نسل (هذا) الرجل المسمى بحرقوص (قوم يمرقون من الدين) يخرجون منه زاد في كتاب الأنبياء "مروق السهم من الرمية". وقول صاحب التنقيح إن المؤلّف كان ينبغي أن يترجم لهذا الحديث بقوله تعالى: {ومنهم من يلمزك في الصدقات} [التوبة: 58]. أجاب في المصابيح بأن ما صنعه ظاهر لأن الحديث اشتمل على إعطاء المؤلّفة قلوبهم صريحًا واشتمل على لمزه في الصدقات فإن ترجم له على الأول صح، وعلى الثاني صح ولا نسلم أولوية أحدهما بالنسبة إلى الآخر فلا وجه للاعتراض. 11 - باب قَوْلِهِ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 79] يَلْمِزُونَ: يَعِيبُونَ وَجُهْدَهُمْ وَجَهْدَهُمْ: طَاقَتَهُمْ (باب قوله) عز وجل وسقط لغير أبي ذر ({الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين}) [التوبة: 79]. زاد أبو ذر في الصدقات وهذا من صفات المنافقين والذين في موضع رفع بالابتداء ومن المؤمنين حال من المطوّعين (يلمزون) أي (يعيبون) وسقط هذا لأبي ذر (وجهدهم) بضم الجيم (وجهدهم) بفتحها أي (طاقتهم) مصدر جهد في الأمر إذا بالغ فيه. 4668 - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أَبُو مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ، كُنَّا نَتَحَامَلُ فَجَاءَ أَبُو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا وَمَا فَعَلَ هَذَا الآخَرُ إِلاَّ رِيَاءً فَنَزَلَتْ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ}. الآيَةَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (بشر بن خالد) بسكون الموحدة وسكون المعجمة العسكري (أبو محمد) الفرائضي نزيل البصرة قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) الملقب بغندر الهذلي مولاهم البصري (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن ابن مسعود) عقبة بن عمرو البدري الأنصاري أنه (قال: لما أمرنا) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول ولأبي ذر أمر (بالصدقة) بحذف الضمير المنصوب وفي الزكاة في باب اتقوا النار ولو بشق تمرة لما نزلت آية الصدقة (كنا نتحامل) أي يحمل بعضنا لبعض بالأجرة. وقال البرماوي الكرماني أي نتكلف في الحمل من حطب وغيره زاد البرماوي وصوابه كنا نحامل كما سبق في بقية الروايات انتهى. ومعناه نؤاجر أنفسنا في الحمل. (فجاء أبو عقيل) بفتح العين المهملة وكسر القاف حبحاب بحاءين مهملتين مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة وبعد الألف موحدة أخرى (بنصف صاع) من تمر وفي الزكاة بصاع، فيحتمل أنه غير أبي عقيل أو هو هو ويكون أتى بنصف ثم بنصف (وجاء إنسان) قيل هو عبد الرحمن بن عوف (بأكثر منه) قيل بألفين رواه البزار من حديث أبي هريرة، وعند ابن إسحاق عن قتادة بأربعة آلاف، وعند الطبري عن ابن عباس بأربعمائة أوقية من ذهب وعند عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ثمانية آلاف دينار قال في الفتح: وأصح الطرق ثمانية آلاف درهم (فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا) الأول (وما فعل هذا الآخر) عبد الرحمن بن عوف ما فعله من العطية (إلاّ رياء) وقد كذبوا والله بل كان

12 - باب قوله: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} [التوية: 80]

متطوعًا (فنزلت: {الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلاّ جهدهم} الآية). فيهما أي ما يعيبون المياسير والفقراء. 4669 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ أَحَدَّثَكُمْ زَائِدَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ فَيَحْتَالُ أَحَدُنَا حَتَّى يَجِيءَ بِالْمُدِّ وَإِنَّ لأَحَدِهِمِ الْيَوْمَ مِائَةَ أَلْفٍ كَأَنَّهُ يُعَرِّضُ بِنَفْسِهِ. وبه قال: (حدّثني) ولغير أبي ذر: حدّثنا بالجمع (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (قال: قلت لأبي أسامة) حماد بن أسامة (أحدثكم) بهمزة الاستفهام (زائدة) بن قدامة أبو الصلت الكوفي (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن شقيق) هو أبو وائل بن سلمة (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو (الأنصاري) البدري أنه (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمر بالصدقة فيحتال) يجتهد ويسعى (أحدنا حتى يجيء بالمد) من التمر أو القمح أو نحوهما فيتصدق به (وإن لأحدهم اليوم مائة ألف) من الدراهم أو الدنانير لكثرة الفتوح والأموال، ومراده كما قال الزين بن المنير أنهم كانوا يتصدقون مع قلة الشيء ويتكلفون ذلك ثم وسع الله عليهم فصاروا يتصدقون من يسر مع عدم خشية عسر واليوم نصب على الظرفية. قال شقيق (كأنه) أي أبا مسعود (يعرض بنفسه) لكونه من ذوي الأموال الكثيرة. وهذا الحديث قد سبق في أوائل الزكاة. 12 - باب قَوْلِهِ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} [التوية: 80] (باب قوله) عز وجل، وسقط لغير أبي ذر ({استغفر لهم أو لا تستغفر لهم}) اللفظ لفظ الأمر ومعناه الخبر أي: إن شئت استغفر لهم وإن شئت فلا تستغفر لهم، ثم أعلمه الله تعالى أنه لا يغفر لهم وإن استغفر لهم سبعين مرة فقال: ({إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم}) [التوبة: 80] والسبعون للتكثير وسقط {فلن يغفر الله لهم} لغير أبي ذر. 4670 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ فَأَعْطَاهُ ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُصَلِّيَ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ» قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ. قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبيد بن إسماعيل) بضم العين من غير إضافة واسمه عبد الله أبو محمد القرشي الهباري من ولد هبار بن الأسود (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (عن عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عمر العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما) أنه (قال: لما توفي عبد الله بن أبيّ) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتية ابن سلول المنافق في ذي القعدة سنة تسع بعد منصرفهم من تبوك وكان قد تخلّف عنها كذا نقله في الفتح عن الواقدي وإكليل الحاكم وسقط لغير أبي ذر ابن أبيّ (جاء ابنه عبد الله بن عبد الله) وكان من المخلصين وفضلاء الصحابة (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه) قميصه ليكفن فيه أباه فالإعطاء إنما وقع لابنه العبد الصالح، وقيل إن عبد الله المنافق كان أعطى العباس يوم بدر قميصًا لما أسر العباس فكافأه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك لئلا يكون لمنافق منّة عليهم (ثم سأله أن يصلّي عليه فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليصل) زاد أبوا الوقت وذر وابن عساكر والأصيلي عليه (فقام عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (فأخد بثوب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله تصلي عليه) وفي نسخة: أتصلي عليه بإثبات همزة الاستفهام الإنكاري (و) الحال أن (قد نهاك ربك أن تصلّي عليه) قيل لعله قال ذلك بطريق الإلهام وإلاّ فلم يتقدم نهي عن الصلاة على المنافقين كما يرشد إليه قوله في آخر هذا الحديث فأنزل الله: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا} [التوبة: 84]. وزعم بعضهم أن عمر اطّلع على نهي خاص في ذلك وأحسن ما قيل إنه فهم النهي من قوله تعالى: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} من حيث إنه سوّى بين الاستغفار وعدمه في عدم النفع وعلل ذلك بكفرهم، وقد ثبت في الشرع امتناع المغفرة لمن مات كافرًا والدعاء بوقوع ما علم انتفاء وقوعه شرعًا أو عقلاً ممتنع ولا ريب أن الصلاة على الميت المشرك استغفار له ودعاء وقد نهي عنه فتكون الصلاة عليه منهيًا عنها هذا مع ما عرف من صلابة عمر -رضي الله عنه- في الدين وكثرة بغضه للمنافقين. وقال الزين بن المنير فيما حكاه عنه في الفتح: وإنما قال عمر ذلك عرضًا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومشورة لا إلزامًا وله عوائد بذلك، ولا يبعد أن يكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أذن له في مثل ذلك فلا يستلزم ما وقع من عمر أنه اجتهد مع وجود النص كما تمسك به قوم في جواز ذلك وإنما أشار بالذي ظهر فقط، ولهذا احتمل منه -صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذه بثوبه ومخاطبته له في مثل ذلك المقام حتى التفت إليه متبسمًا كما في حديث ابن عباس في هذا الباب (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنما خيّرني الله) بين الاستغفار وعدمه (فقال {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة} وسأزيده على السبعين) وعند عبد بن حميد من طريق قتادة فوالله لأزيدن على السبعين، وسأل الزمخشري فقال فإن قلت: كيف خفي على رسول الله يعني أن السبعين مثل في التكثير وهو أفصح العرب وأخبرهم بأساليب الكلام وتمثيلاته. والذي يفهم من ذكر هذا العدد كثرة الاستغفار كيف وقد تلاه بقوله: {ذلك بأنهم كفروا} الآية، فبين الصارف عن المغفرة لهم حتى قال: خيرني وسأزيد على السبعين. وأجاب: بأنه لم يخف عليه ذلك ولكنه خيل بما قال إظهارًا لغاية رحمته ورأفته على من بعث إليه كقول إبراهيم: {ومن عصاني فإنك غفور رحيم} [إبراهيم: 36] وفي إظهار النبي الرحمة والرأفة لطف لأمته ودعاء لهم إلى ترحم بعضهم على بعض اهـ. قال في فتوح الغيب: قوله خيل أي صوّر في خياله أو في خيال السامع ظاهر اللفظ وهو العدد المخصوص دون المعنى الخفي المراد وهو التكثير كما أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما عدّ عصيانه في قوله: {ومن عصاني} عصيان الله المراد منه عبادة الأصنام قال: وهو من أسلوب التورية وهو أن يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد فيراد البعيد منهما اهـ. وتعقب بعضهم ذلك بأنه يجب عليه الصلاة والسلام إظهار ما علم من الله في أمر الكفر وما يترتب عليه من العقاب للزجر وبأنه يستلزم جواز الاستغفار للكفار مع العلم بأنه لا يجوز، ولذلك قيل ما كان يعرف كفره وعند عبد الرزاق عن معمر والطبري من طريق سعيد كلاهما عن قتادة قال: أرسل عبد الله بن أبيّ إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما دخل عليه قال: أهلكك حب يهود، فقال: يا رسول الله إنما أرسلت إليك لتستغفر لي ولم أرسل إليك لتوبخني ثم سأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه، فأجابه. قال الحافظ ابن حجر: وهذا مرسل مع ثقة رجاله ويعضده ما أخرجه الطبراني من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما مرض عبد الله بن أنس جاءه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكلمه فقال: قد فهمت ما تقول فامتن عليّ فكفّني في قميصك وصلّ عليّ ففعل قال: وكان عبد الله بن أبيّ أراد بذلك دفع العار عن ولده وعشيرته بعد موته فأظهر الرغبة في صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليه ووقعت إجابته إلى سؤاله على حسب ما أظهر من حاله فالنهي عن الاستغفار لمن مات مشركًا لا يستلزم النهي عن الاستغفار لمن مات مظهرًا للإسلام. (قال) أي عمر جريًا على ما يعلمه من أحواله (إنه منافق قال: فصلى عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إجراء له على ظاهر حكم الإسلام واستئلافًا لقومه لا سيما ولم يقع نهي صريح عن الصلاة على المنافقين فاستعمل أحسن الأمرين في السياسة حتى كشف الله تعالى عنه الغطاء ونهي فانتهى (فأنزل الله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره}) زاد مسدد من حديث ابن عمر فترك الصلاة عليهم وابن أبي حاتم ولا قام على قبره وعند الطبري من حديث قتادة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: وما يغني عنه قميصي من الله وإني لأرجو أن يسلم بذلك ألف من قومه، وقد روي أن ألفًا من الخزرج أسلموا لما رأوه يستشفي بثوبه ويتوقع اندفاع العذاب عنه به. 4671 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ وَقَالَ غَيْرُهُ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ دُعِيَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَثَبْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّى عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ وَقَدْ قَالَ يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: «أُعَدِّدُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ» فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: «أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ» فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ: «إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرْ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا» قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَمْكُثْ إِلاَّ يَسِيرًا، حَتَّى نَزَلَتِ الآيَتَانِ مِنْ بَرَاءَةَ {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} إِلَى قَوْلِهِ: {وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة: 84] قَالَ: فَعَجِبْتُ بَعْدُ مِنْ جُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو ابن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي (وقال غيره): هو أبو صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله) بضم العين في الأول ابن عمر بن الخطاب

13 - باب قوله: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} [التوبة: 84]

(عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: لما مات عبد الله بن أبيّ ابن سلول) بفتح السين المهملة وضم اللام وسكون الواو بعدها لام اسم أم عبد الله المذكور وابن بالرفع صفة عبد الله لا صفة أبيه (دعي له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الدال مبنيًّا للمفعول (ليصلّي عليه فلما قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) للصلاة عليه (وثبت إليه فقلت يا رسول الله أتصلي على ابن أبيّ؟) بهمزة الاستفهام (وقد قال يوم كذا كذا وكذا؟ قال: أعدد عليه قوله) بفتح العين وكسر الدال الأولى، ولأبي ذر: أعدّ بضم العين والدال وإسقاط الثانية يشير بذلك إلى مثل قوله: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، وقوله: ليخرجن الأعز منها الأذل. (فتبسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تعجبًا من صلابة عمر وبغضه للمنافقين وتأنيسًا له وتطييبًا لقلبه كالمعتذر له عن ترك قبول كلامه (وقال): (أخّر) أي تأخر (عني يا عمر) وقيل معناه أخّر عني رأيك فاختصر إيجازًا وبلاغة (فلما أكثرت عليه قال: إني خيرت) بين الاستغفار وعدمه (فاخترت) الاستغفار، وقد أشكل فهم التخيير من الآية على كثير، وقد سبق جواب الزمخشري عن ذلك. وقال صاحب الانتصاف: مفهوم الآية قد زلت فيه الأقدام حتى أنكر القاضي أبو بكر الباقلاني صحة الحديث وقال: لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصح أن الرسول قاله وقال إمام الحرمين في مختصره هذا الحديث غير مخرّج في الصحيح، وقال في البرهان: لا يصححه أهل الحديث، وقال الغزالي في المستصفى: الأظهر أن هذا الخير غير صحيح، وقال الداودي الشارح: هذا الحديث غير محفوظ وهذا عجيب من هؤلاء الأئمة كيف باحوا بذلك وطعنوا فيه مع كثرة طرقه واتفاق الصحيحين على تصحيحه بل وسائر الدين خرجوا في الصحيح وأخرجه النسائي وابن ماجه. (لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له) بجزم يغفر جوابًا للشرط ولأبي ذر عن الكشميهني فغفر له بفاء وضم العين وفتح الراء بلفظ الماضي قال في الفتح: والأول أوجه (لزدت عليها) تردّد هنا وفي الرواية السابقة قال: سأزيده ووعده صادق ولا سيما وقد ثبت قوله: لأزيدن بصيغة المبالغة في التأكيد وروى الطبري من طريق مغيرة عن الشعبي قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الله: {إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} [التوبة: 80] فأنا أستغفر سبعين وسبعين وسبعين. وأجيب: باحتمال أن يكون فعل ذلك استصحابًا للحال لأن جواز المغفرة بالزيادة كان ثابتاً قبل نزول الآية فجاز أن يكون باقيًا على أصله في الجواز. قال الحافظ أبو الفضل: وحاصله أن العمل بالبقاء على حكم الأصل مع المبالغة لا يتنافيان فكأنه جوّز أن المغفرة تحصل بالزيادة على السبعين لا أنه جازم بذلك ولا يخفى ما فيه أو يكون طلب المغفر لتعظيم المدعو، فإذا تعذرت المغفرة عوّض الداعي عنها ما يليق به من الثواب أو دفع السوء كما ثبت في الخبر وقد يحصل بذلك تخفيف عن المدعو له كما في قصة أبي طالب قاله ابن المنير وفيه نظر لاستلزامه مشروعية طلب المغفرة لمن تستحيل المغفرة له شرعًا. (قال: فصلّى عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وذكر الواقدي أن مجمع بن حارثة قال: ما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أطال على جنازة قط ما أطال على جنازة عبد الله بن أبيّ من الوقوف (ثم انصرف) من صلاته (فلم يمكث إلاّ يسيرًا حتى نزلت الآيتان من براءة: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا} إلى قوله: {وهم فاسقون} قال) عمر رضي الله تعالى عنه (فعجبت بعد) بالبناء على الضم لقطعه عن الإضافة (من جرأتي) بضم الجيم وسكون الراء ثم همزة أي من إقدامي (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والله ورسوله أعلم). 13 - باب قَوْلِهِ: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] (باب قوله) عز وجل وسقط لغير أبي ذر ({ولا تصل على أحد منهم}) أي من المنافقين صلاة الجنازة ({مات أبدًا}) ظرف منصوب بالنهي، ومنهم صفة لأحد أو حال من الضمير في مات أي مات حال كونه منهم أي متصفًا بصفة النفاق كقولهم: أنت مني أي على طريقتي، وهذا النهي عام في كل من عرف نفاقه وإن كان سبب

14 - باب قوله: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون} [التوبة: 95]

النزول خاصًا بابن أبيّ رأس المنافقين وقد ورد ما يدل لنزولها في عدد معين منهم: ابن أبي وغيره لعلمه تعالى بموتهم على الكفر بخلاف غيرهم فإنهم تابوا، فعند الواقدي عن معمر عن الزهري عن حذيفة قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني مسرّ إليك سرًا فلا تذكره لأحد إني نهيت أن أصلي على فلان وفلان رهط ذوي عدد من المنافقين قال: فلذلك كان عمرًا إذا أراد أن يصلّي على أحد استتبع حذيفة فإن مشى معه وإلا لم يصل عليه، ومن طريق أخرى عن جبير بن مطعم أنهم اثنا عشر رجلاً ({ولا تقم على قبره}) [التوبة: 84]. 4672 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يُكَفِّنَهُ فِيهِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي عَلَيْهِ فَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِثَوْبِهِ فَقَالَ: تُصَلِّى عَلَيْهِ وَهْوَ مُنَافِقٌ وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُمْ؟ قَالَ: «إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ -أَوْ أَخْبَرَنِي اللهُ- فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} فَقَالَ: سَأَزِيدُهُ عَلَى سَبْعِينَ» قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَلَّيْنَا مَعَهُ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ}. [التوبة: 84] وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) القرشي الحزامي المدني قال: (حدّثنا أنس بن عياض) الليثي أبو ضمرة المدني (عن عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب شقيق سالم (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال): وسقط لأبي ذر لفظ أنه (لما توفي عبد الله بن أبيّ) المنافق (جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في الرواية السابقة من طريق أبي أسامة عن عبيد الله فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه (فأعطاه قميصه وأمره) ولأبي ذر فأمره بالفاء بدل الواو (أن يكفنه فيه ثم قام) عليه الصلاة والسلام (يصلي عليه فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه فقال: تصلي عليه؟) استفهام حذفت منه الأداة (وهو) أي والحال أنه (منافق وقد نهاك الله أن تستغفر لهم) أي للمنافقين ومن لازم النهي عن الاستغفار عدم الصلاة وظهر بهذه الرواية أن في قوله في طريق أبي أسامة عن عبيد الله وقد نهاك ربك أن تصلي عليه تجوّز أو حينئذ فلا منافاة بين قوله وقد نهاك ربك أن تصلي عليه وبين إخباره بأن آية النهي عن الصلاة على كل مشرك والقيام على قبره نزلت بعد ذلك (قال) عليه الصلاة والسلام: (إنما خيرني الله) بين الاستغفار وعدمه (أو أخبرني الله) بالموحدة بدل التحتية وزيادة همزة أوله من الإخبار على الشك وفي أكثر الروايات بلفظ التخيير بين الاستغفار وعدمه من غير شك وسقط لفظ الجلالة في قوله: أو أخبرني الله لأبي ذر (فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) سقط لأبي ذر قوله: {فلن} الخ. (فقال) عليه الصلاة والسلام: (سأزيده) بضمير المفعول (على سبعين). استشكل أخذه بمفهوم العدد حتى قال: سأزيد على السبعين مع أنه قد سبق قبل ذلك بمدة طويلة قوله تعالى في حق أبي طالب: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} [التوبة: 113] وأجيب: بأن الاستغفار لابن أبيّ إنما هو لقصد تطييب من بقي منهم وفي ذلك نظر فليتأمل. (قال: فصلّى عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصلينا معه) فيه أن عمر ترك رأي نفسه وتابع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم أنزل الله عليه) ولأبي ذر: أنزل عليه بضم الهمزة مبنيًا للمفعول ({ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا ولا تقم على قبره}) للدفن أو الزيارة ({إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون}) [التوبة: 84] تعليل للنهي والتعليل بالفسق مع أن الكفر أعظم قيل للإشعار بأنه كان عندهم موصوفًا بالفسق أيضًا فإن الكافر قد يكون عدلاً عند أهله، وإنما نهي عن الصلاة دون التكفين لأن البخل به مخلّ بكرمه عليه الصلاة والسلام أو لإلباسه العباس قميصه حين أُسر ببدر كما مرّ أو لأنه ما كان يردّ سائلاً وتكفينه فيه وإن علم عليه الصلاة والسلام أنه لا يردّ عنه العذاب فلأن ابنه قال: لا تشمت به الأعداء، ولأحمد من حديث قتادة قال ابنه: يا رسول الله إن لم تأته لم يزل يعير بهذا أو رجا إسلام غيره كما مرّ، وسقط لأبي ذر قوله: {ولا تقم على قبره} الخ ... 14 - باب قَوْلِهِ: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة: 95] (باب قوله) تعالى، التبويب وتاليه ثابت لأبي ذر ساقط لغيره ({سيحلفون بالله لكم}) أيمانًا كاذبة والمحلوف عليه أنهم ما قدروا على الخروج في غزوة تبوك ({إذا انقلبتم}) رجعتم من الغزو ({إليهم لتعرضوا عنهم}) فلا تعاتبوهم ({فأعرضوا عنهم}) احتقارًا لهم ولا توبخوهم ({إنهم رجس}) قدّر نجس بواطنهم واعتقاداتهم وهو علة للإعراض وترك المعاتبة ({ومأواهم جهنم})

00 - باب قوله: {يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم} -إلى قوله- {الفاسقين} [التوبة: 96]

مصيرهم في الآخرة إليها وهو من تمام التعليل ({جزاء بما كانوا يكسبون}) [التوبة: 95]. من النفاق ونصب جزاء على المصدر بفعل من لفظه مقدر أي يجزون جزاء وسقط قوله فأعرضوا عنهم الخ لأبي ذر وقال ابن حجر: سقط لكلام أي قوله: {سيحلفون بالله لكم} من رواية الأصيلي والصواب إثباتها. 4673 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ وَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ بَعْدَ إِذْ هَدَانِي أَعْظَمَ مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ لاَ أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أُنْزِلَ الْوَحْيُ {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- {الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 95 - 96]. وبه قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن عبد الله بن بكير المخزومي المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبد الرحمن بن عبد الله أن) أباه (عبد الله بن كعب) ولغير أبي ذر زيادة ابن مالك (قال: سمعت) أبي (كعب بن مالك حين تخلف عن) غزوة (تبوك) غير منصرف يقول: (والله ما أنعم الله علي من نعمة بعد إذ هداني) وزاد في المغازي للإسلام، ولأبي ذر عن المستملي على عبد قال الحافظ ابن حجر: والأول هو الصواب (أعظم من صدقي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا أكون كذبته) لا زائدة والمعنى أن أكون كذبته. واستشكل كون أكون مستقبلاً وكذبت ماضيًا وأجيب بأن المستقبل في معنى الاستمرار المتناول للماضي فلا منافاة بينهما (فأهلك) بكسر اللام وتفتح والنصب أي فإن أهلك (كما هلك) أي كهلاك (الذين كذبوا حين أنزل الوحي) بقوله تعالى: ({سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم} -إلى قوله- {الفاسقين}) [التوبة: 95 - 96] الخارجين عن طاعته وطاعة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا الحديث قد ذكره المؤلّف في غزوة تبوك مطولاً. 00 - باب قوله: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- {الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 96] (باب قوله) جل وعلا: ({يحلفون لكم لترضوا عنهم}) بحلفهم ({فإن ترضوا عنهم} -الى قوله- {الفاسقين}) [التوبة: 96]. والمراد النهي عن الرضا عنهم. قال في المفاتح: لا تكرار في هذه المعاني لأن الأول يعني قوله: سيحلفون خطاب منافقي المدينة وهذه مع المنافقين من الأعراب. وهذا الباب وتاليه ثابت لأبي ذر وحده من غير ذكر حديث ساقط لغيره. 15 - باب {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 102] ({وآخرون}) نسق على قوله منافقون أي وممن حولكم قوم آخرون غير المذكورين ولأبي ذر قوله: {وآخرون} ({اعترفوا}) أقروا ({بذنوبهم}) ولم يعتذروا من تخلفهم بالمعاذير الكاذبة ({خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا}) الجهاد والتخلف عنه أو إظهار الندم والاعتراف بآخر سيء وهو التخلف وموافقة أهل النفاق ومجرد الاعتراف ليس بتوبة لكن روي أنهم تابوا وكان الاعتراف مقدمة التوبة وكل منهما مخلوط بالآخر كقولك: خلطت الماء واللبن فكل مخلوط ومخلوط به الآخر، ولو قلت خلطت الماء باللبن كان الماء مخلوطًا واللبن مخلوطًا به وهو استعارة عن الجمع بينهما ({عسى الله أن يتوب عليهم}) جملة مستأنفة وعسى من الله واجب وإنما عبّر بها للإشعار بأن ما يفعله تعالى ليس إلا على سبيل التفضل منه سبحانه حتى لا يتكل المرء بل يكون على خوف وحذر والمعنى: عسى الله أن يقبل توبتهم. فإن قلت: كيف قال أن يتوب عليهم ولم يسبق للتوبة ذكر؟ أجيب: بأنه مدلول عليها بقوله اعترفوا بذنوبهم قاله في الأنوار كالكشاف. ({إن الله غفور رحيم}) [التوبة: 102] وسقط قوله خلطوا الخ لأبي ذر وقال بعد قوله بذنوبهم الآية. قال ابن كثير: وهذه الآية وإن كانت في أناس معينين إلا أنها عامة في كل المذنبين الخطّائين، وقد قال مجاهد نزلت في أبي لبابة لما قال لبني قريظة أنه الذبح وأشار بيده إلى حلقه. قال ابن عباس في أبي لبابة وجماعة من أصحابه تخلفوا عن غزوة تبوك وقال بعضهم: أبو لبابة وخمسة معه، وقيل وسبعة، وقيل وتسعة، فلما رجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غزوته ربطوا أنفسهم بسواري المسجد وحلفوا لا يحلهم إلا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما أنزل الله الآية أطلقهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعفا عنهم. 4674 - حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَدَّثَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَنَا: -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ فَابْتَعَثَانِي فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَتَلَقَّانَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، قَالاَ لَهُمُ: اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهْرِ فَوَقَعُوا فِيهِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ قَالاَ لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ قَالاَ: أَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ فَإِنَّهُمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (مؤمل) بضم الميم الأولى وفتح الثانية مشددة وقد تكسر بينهما همزة مفتوحة آخره لام زاد في غير رواية أبي ذر هو ابن هشام وهو اليشكري بتحتية ومعجمة أبو هشام البصري قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) المعروف بابن علية اسم أمه الأسدي مولاهم البصري قال: (حدّثنا عوف) بفتح العين المهملة وسكون الواو آخره فاء

16 - باب قوله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} [التوبة: 112]

ابن أبي جميلة بفتح الجيم الأعرابي العبدي المصري قال: (حدّثنا أبو رجاء) عمران العطاردي قال: (حدّثنا سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنا) في حكاية منامه الطويل: (أتاني الليلة آتيان) بهمزة ممدودة ففوقية مكسورة فتحتية أي ملكان (فابتعثاني) من النوم (فانتهيا) وأنا معهما ولغير أبي ذر: فانتهينا (إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة) بكسر الموحدتين من لبن (فتلقانا رجال شطر) نصف (من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر) أي نصف (كأقبح ما أنت راء قالا) الملكان (لهم) للرجال (اذهبوا فقعوا في ذلك النهر) بفتح الهاء (فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة قالا) الملكان (لي: هذه جنة عدن وهذاك منزلك قالا: أما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح) قيل الصواب حسنًا وقبيحًا لكن كان تامة وشطر مبتدأ وحسن خبره والجملة حال بدون الواو وهو فصيح كقوله اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ قاله الكرماني وغيره (فإنهم خلطوا عملاً صالحًا وآخر سيئًا تجاوز الله عنهم) كذا أورده مختصرًا هنا، ويأتي بتمامه إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته في التعبير. 16 - باب قَوْلِهِ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 112] (باب قوله) تعالى ({ما كان}) أي ما ينبغي ({للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}) [التوبة: 112] لأن النبوّة والإيمان يمنعان من ذلك وسقط باب وتاليه لغير أبي ذر. 4675 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَيْ عَمِّ قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ» فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» فَنَزَلَتْ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (إسحاق بن إبراهيم) بن نصر أبو إبراهيم السعدي المروزي وقيل البخاري قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (عبد الرزاق) بن همام الصنعاني قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (معمر) بسكون العين ابن رشاد البصري (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب) بفتح التحتية وقد تكسر (عن أبيه) المسيب بن خزن أنه (قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة) أي علاماتها (دخل النبي) ولغير أبي ذر دخل عليه النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعنده أبو جهل) عمرو بن هشام (وعبد الله بن أبي أمية) المخزومي أسلم عام الفتح (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أي عم) أي يا عمي وحذفت ياء الإضافة للتخفيف (قل لا إله إلا الله) وجواب الأمر قوله (أحاج) بضم الهمزة وتشديد الجيم آخره (لك بها عند الله فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب) بهمزة الاستفهام الإنكاري أي أتعرض (عن ملة عبد المطلب؟) أبيك (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما أبى أن يقول كلمة الإخلاص (لأستغفرن لك) كما استغفر إبراهيم لأبيه (ما لم أُنه عنك) بضم الهمزة وسكون النون مبنيًا للمفعول (فنزلت) في أبي طالب آية: ({ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}) لموتهم على الشرك. وقيل: إن سبب نزولها ما في مسلم ومسند أحمد وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الآخرة" قال في الكشاف: وهذا أصح لأن موت أبي طالب وإن قبل الهجرة وهذا آخر ما نزل بالمدينة وتعقبه صاحب التقريب فيما حكاه الطيبي بأنه يجوز أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يستغفر لأبي طالب إلى حين نزولها والتشديد مع الكفار إنما ظهر في هذه السورة. قال في فتوح الغيب: وهذا هو الحق ورواية نزولها في أبي طالب هي الصحيحة وسقط قوله: ولو كانوا أولي قربى الخ لأبي ذر وقال بعد قوله للمشركين الآية. 17 - باب قَوْلِهِ: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117] (باب قوله) سبحانه وتعالى: ({لقد تاب الله على النبي}) من إذنه للمنافقين في التخلف في غزوة تبوك والأحسن أن يكون من قبيلاً {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} وقيل هو بعث على التوبة على سبيل التعريض لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن يستغني عن التوبة فوصف بها ليكون بعثًا للمؤمنين على التوبة على

سبيل التعريض وإبانة لفضلها ({والمهاجرين والأنصار}) أي وتاب عليهم حقيقة لأنه لا ينفك الإنسان عن الزلات أو كانوا يتوبون على وساوس تقع في قلوبهم ({الذين اتبعوه}) حقيقة بأن خرج أوّلاً وتبعوه أو مجازًا عن اتباعهم أمره ونهيه ({في ساعة العسرة}) في وقت الشدة الحاصلة لهم في غزوة تبوك أي من عسرة الزاد والماء والظهر والقيظ وبعد الشقة إذ السفرة كلها تبع لتلك الساعة وبها يقع الأجر على الله تعالى وإن كان عرف الساعة لما قل من الزمن كالقطعة من النهار كساعات الرواح إلى الجمعة، فالمراد بها هنا من وقت الخروج إلى العود روي أنه لما نفد زادهم كان النفر منهم يمصون التمرة تداولاً بينهم وإنهم عطشوا حتى نحروا بعض إبلهم فشربوا عصارة ما في كروشها حتى استسقى لهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمطرت عليهم سحابة لم تتجاوزهم وكان الرجلان والثلاثة يتعقبون البعير الواحد ({من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم}) عن الثبات على الإيمان أو اتباع الرسول ما نالهم من المشقة والشدة ({ثم تاب عليهم}) تكرير للتوكيد من حيث المعنى فيكون الضمير للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمهاجرين والأنصار ويجوز أن يكون الضمير للفريق المذكور في قوله كاد تزيغ قلوب فريق منهم لصدور الكيدودة منهم ({إنه بهم رؤوف رحيم}) [التوبة: 117] حتى تاب عليهم وسقط قوله في ساعة العسرة الخ لأبي ذر وقال: بعد قوله {اتبعوه} الآية. 4676 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ. قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ، وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فِي حَدِيثِهِ وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا قَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِكَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر بن الطبري المصري (قال: حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (قال أحمد): هو ابن صالح شيخ المؤلّف المذكور (وحدّثنا) أيضًا (عنبسة) بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الموحدة والسين المهملة ابن خالد بن يزيد الأيلي ابن أخي يونس قال: (حدّثنا) عمي (يونس) الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الرحمن بن كعب) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله ولأبي ذر زيادة ابن مالك (قال: أخبرني) بالإفراد أيضًا أبي (عبد الله بن كعب) الأنصاري المدني الشاعر. قال في فتح الباري: والحاصل أن أحمد بن صالح روى هذا الحديث عن شيخين عن يونس لكن فرقهما لاختلاف الصيغة، ثم ظاهره أن السند بينهما متحد وليس كذلك لأن في رواية ابن وهب أن شيخ ابن شهاب هنا هو عبد الرحمن بن كعب كما في رواية عنبسة وليس كذلك بل هو في رواية عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب كذلك أخرجه النسائي عن سليمان بن مهران عن ابن وهب، ولعل البخاري بناه على أن عبد الرحمن نسب لجده فتتحد الروايتان على ذلك الحافظ أبو علي الصدفي فيما قرأته بخطه بهامش نسخته وقد أفرد البخاري رواية ابن وهب بهذا الإسناد في النذر فوقع في رواية أبي ذر عبد الرحمن بن كعب، وإنما أخرج النسائي بعض الحديث وقد وجدت بعض الحديث أيضًا في سنن أبي داود عن سليمان بن داود شيخ البخاري فيه كما في النسائي، وعن أبي الطاهر بن السراج عن ابن وهب كذلك. وقد تعقبه تلميذه شيخنا الحافظ أبو الخير السخاوي -رحمه الله تعالى- فيما وجد بخطه في حاشية نسخته من فتح الباري بأن البخاري قد أخرج حديث عنبسة في وفود الأنصار فيما مضى ووقع هناك عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، وأخرج حديث ابن وهب في النذر فيما سيأتي، ووقع أيضًا فيه كذلك وحينئذٍ فسندهما متحد وكذا رأيت الدمياطي ألحق هنا في نسخته مما صحح عليه عبد الله في نسب عبد الرحمن وكذا ثبت عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب في سنن أبي داود حسبما ثبت في رواية اللؤلؤي وابن داسة عنه عن شيخه ابن السراج وسليمان بن داود المهري كلاهما عن ابن وهب. نعم قيل إن الذي في رواية ابن داسة عبد الله بن عبد الله بن كعب وهو وهم لأن عبد الله الأول إنما هو عبد الرحمن وأما روايته فهي كما مر في روايتي ابن السني وابن الأحمر عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك

18 - باب {وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم} [التوبة: 118]

بدونها وحينئذٍ فهذا خلاف ما اقتضاه كلام شيخنا من اتحاد سند أبي داود والنسائي، ثم إن قوله سليمان بن مهران سهو إما من الكاتب أو من غيره فإنما هو ابن داود اهـ. (وكان) أي عبد الله (قائد كعب) أبيه (من) بين (بنيه) بني بفتح الموحدة وكسر النون وسكون التحتية (حين عمي) وكان أبناؤه أربعة عبد الله وعبد الرحمن ومحمد وعبيد الله (قال: سمعت) أبي (كعب بن مالك في حديثه) الطويل في قصة توبته المسوق هنا مختصرًا مقتصرًا على المحتاج منه كالوصايا المنزل فيه قوله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} زاد في نسخة حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت (قال في آخر حديثه) يا رسول الله (إن من توبتي أن أنخلع) أن أخرج (من) جميع (مالي صدقة إلى الله ورسوله) بنصب صدقة أي لأجل التصدق أو حالاً بمعنى متصدقًا وإلى بمعنى اللام أي صدقة خالصة لله ولرسوله، ولأبي ذر: وإلى رسوله (فقال) له (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (امسك) عليك (بعض مالك فهو خير لك) من أن تضرر بالفقر وتجرع الصبر على الإضاقة. 18 - باب {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 118] ({وعلى الثلاثة}) أي وتاب على الثلاثة فهو نسق على النبي أو على الضمير في عليهم: أي ثم تاب عليهم وعلى الثلاثة ولذا كرر حرف الجر والثلاثة هم كعب بن مالك الأسلمي وهلال بن أمية الواقفي ومرارة بن الربيع العمري ({الذين خلفوا}) تخلفوا عن غزوة تبوك أو خلف أمرهم فإنهم المرجون ({حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت}) برحبها أي مع سعتها لشدة حيرتهم وقلقهم ({وضاقت عليهم أنفسهم}) فلم تتسع لصبر ما نزل بها من الهم والإشفاق ({وظنوا}) علموا ({أن لا ملجأ من الله}) أن لا مفر من عذاب الله ({إلا إليه}) بالتوبة والاستغفار والاستثناء من العام المحذوف أي لا ملجأ لأحد إلا إليه ({ثم تاب عليهم}) رجع عليهم بالقبول والرحمة كرة بعد أخرى ({ليتوبوا}) ليستقيموا على توبتهم ويثبتوا أو ليتوبوا أيضًا فيما يستقبل كلما فرطت منهم زلة لأنهم علموا بالنصوص الصحيحة أن طريان الخطيئة يستدعي تجدد التوبة ({إن الله هو التوّاب}) على من تاب ولو عاد في اليوم مائة مرة كما روي ما أصرّ من استغفر ولو عاد في اليوم مائة مرة ({الرحيم}) [التوبة: 118] به بعد التوبة وسقط قوله وضاقت عليهم أنفسهم الخ ولأبي ذر وقال بعد قوله رحبت الآية. 4677 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ، أَنَّ الزُّهْرِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَهْوَ أَحَدُ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَطُّ غَيْرَ غَزْوَتَيْنِ: غَزْوَةِ الْعُسْرَةِ، وَغَزْوَةِ بَدْرٍ، قَالَ: فَأَجْمَعْتُ صِدْقَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضُحًى وَكَانَ قَلَّمَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ سَافَرَهُ إِلاَّ ضُحًى، وَكَانَ يَبْدَأُ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ وَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ كَلاَمِي وَكَلاَمِ صَاحِبَيَّ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ كَلاَمِ أَحَدٍ مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ غَيْرِنَا فَاجْتَنَبَ النَّاسُ كَلاَمَنَا فَلَبِثْتُ كَذَلِكَ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ الأَمْرُ وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوتَ فَلاَ يُصَلِّي عَلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ يَمُوتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَكُونَ مِنَ النَّاسِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ فَلاَ يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلاَ يُصَلِّي عَلَيَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَتَنَا عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ بَقِيَ الثُّلُثُ الآخِرُ مِنَ اللَّيْلِ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مُحْسِنَةً فِي شَأْنِي مَعْنِيَّةً فِي أَمْرِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أُمَّ سَلَمَةَ تِيبَ عَلَى كَعْبٍ» قَالَتْ: أَفَلاَ أُرْسِلُ إِلَيْهِ فَأُبَشِّرَهُ؟ قَالَ: «إِذًا يَحْطِمَكُمُ النَّاسُ فَيَمْنَعُونَكُمُ النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلَةِ» حَتَّى إِذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الْفَجْرِ آذَنَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَكَانَ إِذَا اسْتَبْشَرَ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةٌ مِنَ الْقَمَرِ وَكُنَّا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا عَنِ الأَمْرِ الَّذِي قُبِلَ مِنْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ اعْتَذَرُوا حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ لَنَا التَّوْبَةَ، فَلَمَّا ذُكِرَ الَّذِينَ كَذَبُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ فَاعْتَذَرُوا بِالْبَاطِلِ ذُكِرُوا بِشَرِّ مَا ذُكِرَ بِهِ أَحَدٌ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لاَ تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 94] الآيَةَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن النضر النيسابوري أو ابن إبراهيم البوشنجي أو ابن يحيى الذهلي وبالأوّلين قال الحاكم وبالأخير أبو علي الغساني قال: (حدّثنا أحمد بن أبي شعيب) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله بن أبي شعيب مسلم. قال الحافظ ابن حجر: وقع في رواية ابن السكن حدّثني أحمد بن أبي شعيب من غير ذكر محمد المختلف فيه والأوّل هو المشهور وإن كان أحمد بن أبي شعيب من مشايخ المؤلّف قال: (حدّثنا موسى بن أعين) بفتح الهمزة والتحتية بينهما عين ساكنة وآخره نون الجزري بالجيم والزاي والراء قال: (حدّثنا إسحاق بن راشد) الجزري أيضًا (إن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (حدّثه قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه) عبد الله (قال: سمعت أبي كعب بن مالك وهو) أي كعب (أحد الثلاثة) هو وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع (الذين تيب عليهم) بكسر الفوقية وسكون التحتية مجهول تاب يتوب توبة (أنه لم يتخلف عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة غزاها قط غير غزوتين غزوة العسرة) بضم العين وسكون السين المهملتين وهي غزوة تبوك (وغزوة بدر قال: فأجمعت صدق رسول الله) ولأبي ذر عن الكشميهني صدقي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بعد أن بلغه أنه عليه الصلاة والسلام توجه قافلاً من الغزو واهتم لتخلفه من غير عذر وتفكّر فيما يخرج به من سخط الرسول وطفق يتذكر الكذب لذلك فأزاح الله عنه الباطل فأجمع على الصدق. أي جزم به وعقد عليه قصده وأصبح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قادمًا في رمضان (ضحى) وسقطت هذه اللفظة من كثير من الأصول. (وكان) عليه الصلاة والسلام (قلما يقدم من سفر

سافره إلا ضحى وكان يبدأ بالمسجد فيركع) فيه (ركعتين) قبل أن يدخل منزله (ونهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بعد أن اعترف بين يديه أنه تخلف من غير عذر وقوله عليه الصلاة والسلام له قم حتى يقضي الله فيك (عن كلامي وكلام صاحبي) هلال ومرارة لكونهما تخلفا من غير عذر واعترفا كذلك (ولم ينه عن كلام أحد من المتخلفين غيرنا) وهم الذين اعتذروا إليه وقبل منهم علانيتهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى وكانوا بضعة وثمانين رجلاً (فاجتنب الناس كلامنا) أيها الثلاثة قال كعب (فلبثت كذلك حتى طال عليّ الأمر وما من شيء أهم إليّ من أن أموت فلا يصلّي عليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو يموت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد منهم ولا يصلي عليّ) بكسر لام يصلي، وفي نسخة يصلى بفتحها ولأبي ذر عن الكشميهني ولا يسلم عليّ بدل يصلي، وفي نسخة حكاها القاضي عياض عن بعض الرواة ولا يسلمني والمعروف أن فعل السلام إنما يتعدى بعلى وقد يكون اتباعًا ليكلمني. قال القاضي: أو يرجع إلى قول من فسر السلام بأن معناه إنك مسلم مني. قال في المصابيح: وسقطت ولا يسلمني للأصيلي كذا قال فليحرر (فأنزل الله) عز وجل (توبتنا على نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين بقي الثلث الآخر من الليل) بعد مضي خمسين ليلة من النهي عن كلامهم (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند أم سلمة) رضي الله تعالى عنها والواو للحال، (وكانت أم سلمة محسنة في شأني معنية) بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر النون وتشديد التحتية أي ذات اعتناء ولأبي ذر عن الكشميهني معينة بضم الميم وكسر العين فتحتية ساكنة فنون مفتوحة أي ذات إعانة (في أمري) قال العيني: وليست بمشتقة من العون كما قاله بعضهم يريد الحافظ ابن حجر، وقد رأيت في هامش الفرع مما عزاه لليونينية ورأيته فيها عن عياض معنية يعني بفتح الميم وسكون العين كذا عند الأصيلي ولغيره معينة بضم الميم أي وكسر العين من العون قال والأوّل أليق بالحديث. (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا أم سلمة تيب على كعب، قالت: أفلا) بهمزة الاستفهام (أرسل إليه فأبشره قال: إذًا يحطمكم الناس) بفتح أوّله وكسر ثالثه منصوب بإذا من الحطم بالحاء والطاء المهملتين وهو الدرس وللمستملي والكشميهني يخطفكم بفتح ثالثه والنصب من الخطف بالخاء المعجمة والفاء وهو مجاز عن الازدحام (فيمنعونكم النوم) بإثبات النون بعد الواو وللأصيلي فيمنعوكم بحذفها (سائر الليلة) أي باقيها (حتى إذا صلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة الفجر آذن) بمد الهمزة أي أعلم (بتوبة الله علينا وكان) عليه الصلاة والسلام (إذا استبشر استنار وجهه حتى كأنه قطعة من القمر) شبه به دون الشمس لأنه يملأ الأرض بنوره ويؤنس كل من شاهده ومجمع النور من غير أذى ويتمكن من النظر إليه بخلاف الشمس فإنها تكل البصر فلا يتمكن البصر من رؤيتها بالقطعة مع كثرة ما ورد في كثير من كلام البلغاء من التشبيه بالقمر من غير تقييد، وقد كان كعب قائل هذا من شعراء الصحابة فلا بد في التقييد بذلك من حكمة وما قيل في ذلك من أنه احتراز من السواد الذي في القمر ليس بقوي لأن المراد بتشبيهه ما في القمر من الضياء والاستنارة وهو في تمامه لا يكون فيها أقل مما في القطعة المجردة فكأن التشبيه وقع على بعض الوجه فناسب أن يشبه ببعض القمر. (وكنا أيها الثلاثة) بلفظ النداء ومعناه الاختصاص (الذين خلفوا) ولأبي ذر خلفنا (عن الأمر الذي قبل) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول كالسابق (من هؤلاء الذين اعتذروا) ووكّل سرائرهم إلى الله عز وجل وليس المراد التخلف عن الغزو بل التخلف عن حكم أمثالهم من المتخلفين عن الغزو الذين اعتذروا وقبلوا (حين أنزل الله) عز وجل (لنا التوبة، فلما ذكر) بالضم (الذين كذبوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المتخلفين)

19 - باب {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 119]

كذب يتعدى بدون الصلة (فاعتذروا بالباطل ذكروا بشر ما ذكر به أحد قال الله سبحانه وتعالى: {يعتذرون إليكم}) أي في التخلف ({إذا رجعتم إليهم}) من الغزو ({قل لا تعتذروا}) بالمعاذير الكاذبة ({لن نؤمن لكم}) لن نصدقكم أن لكم عذرًا ({قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله}) [التوبة: 94] (الآية) يعني إن تبتم وأصلحتم رأى الله عملكم وجازاكم عليه وذكر الرسول لأنه شهيد عليهم ولهم سقط قوله الآية لأبي ذر. وهذا الحديث قطعة من حديث كعب وقد ذكره المؤلّف تامًّا في المغازي. 19 - باب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}) الذين صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وأعمالهم وخرجوا إلى الغزو لإخلاص أو الخطاب للمنافقين أي: {يا أيها الذين آمنوا} في العلانية اتقوا الله وكونوا مع الذين صدقوا وأخلصوا النية. عن ابن عمر فيما ذكره ابن كثير {وكونوا مع الصادقين} مع محمد وأصحابه وسقط التبويب لغير أبي ذر. 4678 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَائِدَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَبْلاَهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلاَنِي مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ} -إِلَى قَوْلِهِ- {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير ونسبه لجده قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام المجتهد (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن) أباه (عبد الله بن كعب بن مالك) ولأبي ذر عن عبد الله بن كعب بن مالك (وكان) عبد الله (قائد كعب بن مالك) زاد في السابقة من بنيه حين عمي (قال: سمعت كعب بن مالك يحدث) عن خبره (حين تخلف عن قصة تبوك) وإخباره الرسول عليه الصلاة والسلام بالصدق من شأنه بأنه لم يكن له عذر عن التخلف (فوالله ما أعلم أحدًا أبلاه الله) بالموحدة الساكنة أي أنعم الله عليه (في صدق الحديث أحسن مما أبلاني ما تعمدت منذ) بالنون ولأبي ذر مذ (ذكرت ذلك) القول الصدق (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى يومي هذا كذبًا وأنزل الله عز وجل على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين}) ولأبي ذر زيادة {والأنصار} (إلى قوله {وكونوا مع الصادقين}). 20 - باب قَوْلِهِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] مِنَ الرَّأْفَةِ (باب قوله) عز وجل ({لقد جاءكم رسول}) يعني محمدًا ({من أنفسكم}) من جنسكم صفة لرسول أي من صميم العرب وقرأ ابن عباس وأبو العالية وابن محيصن ومحبوب عن أبي عمرو ويعقوب من بعض طرقه وهي قراءته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفاطمة وعائشة بفتح الفاء أي من أشرفكم، وقال الزجاج هي مخاطبة لجميع العالم والمعنى: لقد جاءكم رسول من البشر وإنما كان من الجنس لأن الجنس إلى الجنس أميل ثم رتب عليه صفات أخرى لتعداد المنن على المرسل إليهم فقال ({عزيز عليه}) أي شديد شاق ({ما عنتم}) عنتكم أي إثمكم وعصيانكم فما مصدرية وهي مبتدأ وعزيز خبر مقدم ويجوز أن يكون ما عنتم فاعلاً بعزيز وعزيز صفة لرسول ويجوز أن تكون ما موصولة أي يعز عليه الذي عنتموه أي عنتم بسببه فحذف العائد على التدريج كقوله: يسر المرء ما ذهب الليالي ... وكان ذهابهن له ذهابا أي يسره ذهاب الليالي ({حريص عليكم}) أن تدخلوا الجنة ({بالمؤمنين رؤوف رحيم}) [التوبة: 128] وهي أشد الرحمة ولم يجمع الله اسمين من أسمائه لأحد غير نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاله الحسين بن الفضل وسقط لأبي ذر قوله: {حريص} الخ وقال بعد قوله: {عنتم} الآية. 4679 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ -رضي الله عنه-، وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الْوَحْيَ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ فِي الْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ إِلاَّ أَنْ تَجْمَعُوهُ، وَإِنِّي لأَرَى أَنْ تَجْمَعَ الْقُرْآنَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ لِذَلِكَ صَدْرِي وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لاَ يَتَكَلَّمُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ، وَلاَ نَتَّهِمُكَ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} [التوبة: 128] إِلَى آخِرِهَِا. وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ. تَابَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، وَاللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَقَالَ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ. وَقَالَ مُوسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ، وَتَابَعَهُ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ. وَقَالَ أَبُو ثَابِتٍ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ مَعَ خُزَيْمَةَ أَوْ أَبِي خُزَيْمَةَ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن السباق) بالسين المهملة والموحدة المشدّدة المفتوحتين وبعد الألف قاف عبيد المدني الثقفي أبو سعيد (أن زيد بن ثابت الأنصاري -رضي الله عنه- وكان ممن يكتب الوحي) لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: أرسل إليّ أبو بكر) الصديق في خلافته. قال الحافظ أبو الفضل: ولم أقف على اسم الرسول إليه بذلك (مقتل أهل اليمامة) ظرف زمان أي أيام، والمراد

عقب مقاتلة الصحابة رضي الله تعالى عنهم مسيلمة الكذاب سنة إحدى عشرة بسبب ادعائه النبوّة وارتداد كثير من العرب وقتل كثير من الصحابة (وعنده عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه (فقال) لي (أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرّ) بسين مهملة ساكنة ففوقية ثم مهملة فراء مشددة مفتوحات أي اشتدّ وكثر (يوم) القتال الواقع في (اليمامة بالناس) قيل قتل بها من المسلمين ألف ومائة وقيل ألف وأربعمائة منهم سبعون جمعوا القرآن أي مجموعهم لا إن كل فرد جمعه (وإني أخشى أن يستحر القتل) أي يكثر (بالقراء في المواطن) التي يقع فيها القتال مع الكفار (فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه وإني لأرى أن تجمع) أنت (القرآن) ولأبي ذر: أن يجمع القرآن بضم أوّل يجمع مبنيًا للمفعول (قال أبو بكر: قلت): ولأبي ذر فقلت (لعمر: كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال) لي (عمر: هو) أي جمع القرآن (والله خير) من تركه وهو ردّ لقوله كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما لم يجمعه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما كان يترقبه من النسخ (فلم يزل عمر يراجعني فيه) في جمع القرآن (حتى شرح الله لذلك صدري ورأيت الذي رأى عمر) إذ هو من النصح لله ولرسوله ولكتابه وأذن فيه عليه الصلاة والسلام بقوله في حديث أبي سعيد عند مسلم: (لا تكتبوا عني شيئًا غير القرآن) وغايته جمع ما كان مكتوبًا قبل فلا يتوجه اعتراض الرافضة على الصديق. (قال زيد بن ثابت): قال أبو بكر ذلك (وعمر عنده جالس لا يتكلم) ولأبي ذر جالس عنده (فقال) ليس (أبو بكر: إنك) يا زيد (رجل شاب) أشار إلى نشاطه وقوّته فيما يطلب منه وبعده عن النسيان (عاقل) تعي المراد (ولا نتهمك) بكذب ولا نسيان والذي لا يتهم تركن النفس إليه وسقطت الواو لأبي ذر (كنت تكتب الوحي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي فهو أكثر ممارسة له من غيره فجمع هذه الخصوصيات الأربعة فيه يدل على أنه أولى بذلك ممن لم تجتمع فيه (فتتبع القرآن فاجمعه) وقد كان القرآن كله كتب في العهد النبوي لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور قال زيد: (فوالله لو كلفني) أي أبو بكر (نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن) قال ذلك خوفًا من التقصير في إحصاء ما أمر بجمعه (قلت) للعمرين (كيف تفعلان شيئًا لم يفعله النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال) لي (أبو بكر: هو والله خير فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر) لما في ذلك من المصلحة العامة (فقمت فتتبعت القرآن) حال كوني (أجمعه) مما عندي وعند غيري (من الرقاع) بكسر الراء جمع رقعة من أديم أو ورق أو نحوهما (والأكتاف) بالمثناة الفوقية جمع كتف عظم عريض في أصل كتف الحيوان ينشف ويكتب فيه (والعسب) بضم العين والسين المهملتين آخره موحدة جمع عسيب وهو جريد النخل يكشطون خوصه ويكتبون في طرفه العريض (وصدور الرجال) الذين جمعوا القرآن وحفظوه كاملاً في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كأبيِّ بن كعب ومعاذ بن جبل فيكون ما في الرقاع والأكتاف وغيرهما تقريرًا على تقرير (حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري) هو ابن ثابت بن الفاكه الخطمي ذو الشهادتين (لم أجدهما) أي الآيتين (مع أحد غيره) كذا بالنصب على كشط في الفرع كأصله وفي فرع آخر غيره بالجر أي لم أجدهما مع غير خزيمة مكتوبتين فالمراد بالنفي نفي وجودهما مكتوبتين لا نفي كونهما محفوظتين. وعند ابن أبي داود من رواية يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما قالوا: وما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({لقد جاءكم رسول من أنفسكم}) إلى آخر السورة. فقال عثمان:

[10] سورة يونس

وأنا أشهد فأين ترى أن نجعلهما. قال: اختم بهما آخر ما نزل من القرآن. وعن أبي العالية عن أبي بن كعب عند عبد الله ابن الإمام أنهم جمعوا القرآن في المصاحف في خلافة أبي بكر، وكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب، فلما انتهوا إلى هذه الآية ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون فظنوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن فقال لهم أبي بن كعب: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقرأني بعدها آيتين {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى {وهو رب العرش العظيم} [التوبة: 128 - 129]. وعند أحمد قال: أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين {لقد جاءكم رسول} إلى عمر بن الخطاب فقال: من معك على هذا؟ قال: لا أدري والله إني أشهد لسمعتهما من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووعيتهما وحفظتهما فقال عمر: وأنا أشهد لسمعتهما من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم} (إلى آخرها) وسقط لأبي ذر: حريص عليكم (وكانت الصحف التي جمُع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر) رضي الله تعالى عنهما. (تابعه) أي تابع شعيبًا في روايته عن الزهري (عثمان بن عمر) بضم العين وفتح الميم ابن فارس البصري العبدي فيما وصله أحمد وإسحاق في مسنديهما عنه (و) تابعه أيضاً (الليث) بن سعد الإمام فيما وصله المؤلّف في فضائل القرآن وفي التوحيد كلاهما (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري. (وقال الليث) بن سعد فيما وصله أبو القاسم البغوي في فضائل القرآن (حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن خالد) الفهمي أمير مصر (عن ابن شهاب) الزهري فزاد الليث فيه شيخًا آخر عن الزهري (وقال مع أبي خزيمة الأنصاري) وهو ابن أوس بن أصرم بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار بلفظ الكنية فخالف السابق. (وقال موسى) بن إسماعيل فيما وصله المؤلّف في فضائل القرآن (عن إبراهيم) بن سعد أنه قال: (حدّثنا ابن شهاب) الزهري وقال: (مع أبي خزيمة) بلفظ الكنية. (وتابعه) أي وتابع موسى بن إسماعيل في روايته عن إبراهيم (يعقوب بن إبراهيم عن أبيه) إبراهيم بن سعد المذكور على قوله أبي خزيمة بالكنية وهذه وصلها أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف وغيره. (وقال أبو ثابت) محمد بن عبيد الله المدني فيما وصله المؤلّف في الأحكام (حدّثنا إبراهيم) بن سعد المذكور (وقال مع خزيمة أو أبي خزيمة) بالشك والتحقيق كما قال في فتح الباري أن آية التوبة مع أبي خزيمة بالكنية، وآية الأحزاب مع خزيمة. وهذا الحديث أخرجه الترمذي في التفسير والنسائي في فضائل القرآن. بسم الله الرحمن الرحيم [10] سُورَةُ يُونُسَ 1 - باب وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فَاخْتَلَطَ} [يونس: 24] فَنَبَتَ بِالْمَاءِ مِنْ كُلِّ لَوْنٍ وَ {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِىُّ} [يونس: 68] وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ} [يونس: 2] مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ مُجَاهِدٌ: خَيْرٌ. يُقَالُ: {تِلْكَ آيَاتُ} يَعْنِي هَذِهِ أَعْلاَمُ الْقُرْآنِ، وَمِثْلُهُ {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22] الْمَعْنَى بِكُمْ {دَعْوَاهُمْ} دُعَاؤُهُمْ {أُحِيطَ بِهِمْ} دَنَوْا مِنَ الْهَلَكَةِ {أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} [البقرة: 81] فَاتَّبَعَهُمْ وَأَتْبَعَهُمْ وَاحِدٌ. {عَدْوًا} مِنَ الْعُدْوَانِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ} [يونس: 11] قَوْلُ الإِنْسَانِ لِوَلَدِهِ وَمَالِهِ إِذَا غَضِبَ اللَّهُمَّ لاَ تُبَارِكْ فِيهِ وَالْعَنْهُ {لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11] لأُهْلِكُ مَنْ دُعِيَ عَلَيْهِ وَلأَمَاتَهُ. {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} [يونس: 26] مِثْلُهَا حُسْنَى {وَزِيَادَةٌ} مَغْفِرَةٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهِ. {الْكِبْرِيَاءُ} الْمُلْكُ. ([10] سورة يونس) مكية وهي مائة وتسع آيات وقدم أبو ذر السورة على البسملة. (وقال ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما، وفي نسخة باب وقال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عنه ({فاختلط}) [يونس: 24] زاد أبو ذر والوقت {به نبات الأرض} أي (فنبت بالماء من كل لون) مما يأكل الناس من الحنطة والشعير وسائر حبوب الأرض. ({وقالوا اتخذ الله ولدًا}) حين قالوا الملائكة بنات الله وقالت اليهود عزير ابن الله، وقالت النصارى عيسى ابن الله، وسقطت الواو في بعض النسخ موافقة للفظ التنزيل ({سبحانه}) تنزيهًا له عن اتخاذ الولد ({هو الغني}) [يونس: 68] عن كل شيء فهو علة للتنزيه عن اتخاذ الولد وسقط وقالوا الخ لأبي ذر وليس فيه حديث مسوق فيحتمل إرادته لتخريج ما يناسب ذلك فبيض له ولم يتيسر له إيراده هنا. (وقال زيد بن أسلم) أبو أسامة مولى عمر بن الخطاب مما وصله ابن جرير ({أن لهم قدم صدق}) [يونس: 2] هو (محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وأخرج الطبري من طريق الحسن أو قتادة قال محمد شفيع لهم ووصله ابن مردويه من حديث علي ومن حديث أبي سعيد لإسنادين ضعيفين. (وقال مجاهد): هو ابن جبر فيما وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه قدم صدق

2 - باب {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} [يونس: 90] {ننجيك} [يونس: 92]: نلقيك على نجوة من الأرض وهو النشز المكان المرتفع

قال: (خير) ورجحه ابن جرير لقول العرب لفلان قدم صدق في كذا أي قدّم فيه خير أو قدم سوء في كذا إذا قدم فيه شرًا (يقال {تلك آيات}) قال أبو عبيدة (يعني هذه أعلام القرآن) وأراد أن معنى تلك هذه (ومثله) من حيث صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة كما أن في الأوّل صرف اسم الإشارة عن الغائب إلى الحاضر ({حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم}) [يونس: 22] (المعنى بكم) قال في الكشاف: وتبعه البيضاوي واللفظ للأوّل وفائدة صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة المبالغ كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها ويستدعي منهم الإنكار والتقبيح، وسقط قوله يقال الخ لأبي ذر. ({دعواهم}) ولأبي ذر يقال دعواهم قال أبو عبيدة: (دعاؤهم) في الجنة اللهم إنّا نسبحك تسبيحًا. ({أحيط بهم}) [يونس: 22] قال أبو عبيدة (دنوا من الهلكة) زاد غيره وسدت عليهم مسالك الخلاص كمن أحاط به العدوّ ({أحاطت به خطيئته}) [البقرة: 81] أي من جميع جوانبه. ({فأتبعهم}) بتشديد المثناة الفوقية (وأتبعهم) بفتح الهمزة وسكون الفوقية (واحد) في المعنى والوصل والقطع والتخفيف والتشديد وبه قرأ الحسن يريد قوله تعالى: {فأتبعهم فرعون وجنوده} [يونس: 90]. ({عدوًّا}) [يونس: 90] يريد قوله تعالى: بغيًا وعدوًّا (من العدوان) أي لأجل البغي والعدوان. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي وعبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه في قوله تعالى: ({ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير}) [يونس: 11] هو (قول الإنسان لولده وماله إذا غضب اللهم لا تبارك فيه) وفي الفرع له فيه وليس له في أصله (والعنه {لقضي إليهم أجلهم} [يونس: 11] (لأهلك من دعي عليه) بضم همزة أهلك ودال دعي مبنيين للمفعول ولأبي ذر لأهلك من دعا عليه بفتحهما (ولأماته) قال في فتوح الغيب ({ولو يعجل الله}) متضمن معنى نفي التعجيل لأن لو لتعليق ما امتنع بامتناع غيره يعني لم يكن التعجيل ولا قضاء العذاب فيلزم من ذلك حصول المهلة وهذا لطف من الله تعالى بعباده ورحمة. وفي حديث مسلم عن جابر مرفوعًا لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم ففيه النهي عن ذلك. ({للذين أحسنوا الحسنى}) [يونس: 26] قال مجاهد فيما وصله الفريابي وعد أي (مثلها حسنى {وزيادة}) أي (مغفرة) ولأبوي الوقت وذر ورضوان (وقال غيره): قيل هو أبو قتادة (النظر إلى وجهه) تعالى. وقد رواه مسلم والترمذي وغيرهما من حديث صهيب مرفوعًا وروي عن الصديق وحذيفة وابن عباس وغيرهم من السلف والخلف. ({الكبرياء}) قال مجاهد في قوله تعالى: {وتكون لكما الكبرياء} [يونس: 78] هو (الملك) بضم الميم لأن النبي إذا صدق صارت مقاليد أمته وملكهم إليه. 2 - باب {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 90] {نُنَجِّيكَ} [يونس: 92]: نُلْقِيكَ عَلَى نَجْوَةٍ مِنَ الأَرْضِ وَهْوَ النَّشَزُ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِع ({وجاوزنا}) وفي نسخة: باب وجاوزنا ({ببني إسرائيل البحر}) بحر القلزم حافظين لهم وكانوا فيما قيل ستمائة ألف وعشرين ألف مقاتل لا يعدون فيهم ابن عشر سنين لصغره ولا ابن ستين لكبره ({فأتبعهم}) أي أدركهم ({فرعون وجنوده بغيًا وعدوًّا}) عند شروق الشمس وكانوا فيما قيل ألف ألف وستمائة ألف وفيهم مائة ألف حصان أدهم ليس فيها أنثى. وعن ابن عباس فيما رواه ابن مردويه بسنده كان مع فرعون سبعون قائدًا مع كل قائد سبعون ألفًا وكان فرعون في الدهم وهارون على مقدمة بني إسرائيل وموسى في الساقة فلما قربت مقدمة فرعون منهم قال بنو إسرائيل لموسى: هذا البحر أمامنا إن دخلناه غرقنا وفرعون خلفنا إن أدركنا قتلنا قال: {كلا إن معي ربي سيهدين} فأوحى الله إليه {أن اضرب بعصاك البحر} فضربه {فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم} وصار اثني عشر طريقًا لكل سبط واحد، وأمر الله الريح فنشفت أرضه وتخرق الماء بين الطرق كهيئة الشبابيك ليرى كل قوم الآخرين لئلا يظنوا أنهم هلكوا وجاوزت بنو إسرائيل البحر، فلما خرج آخرهم منه انتهى فرعون وجنوده إلى حافته من الناحية الأخرى فلما رأى ذلك هاله وأحجم وهاب وهمّ بالرجوع وهيهات ولات

حين مناص نفذ القدر واستجيبت الدعوة وجاء جبريل على فرس أنثى وخاض البحر فلما شم أدهم فرعون ريح فرس جبريل اقتحم وراءه ولم يملك فرعون من أمره شيئًا واقتحمت الخيول خلفه في البحر وميكائيل في ساقتهم يسوقهم ولا يترك أحدًا منهم إلا ألحقه بهم فلما تكاملوا وهمّ أوّلهم بالخروج منه أمر الله القادر القاهر البحر فانطبق عليهم فلم ينج منهم أحد وجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم وتراكمت الأمواج فوق فرعون ({حتى إذا أدركه الغرق}) وغشيته سكرات الموت ({قال}) وهو كذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها ({آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين}) [يونس: 90] وما علم اللعين أن التوبة عند المعاينة غير نافعة فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ولذا قال الله تعالى في جواب فرعون {الآن} أي أتؤمن وقت الاضطرار {وقد عصيت قبل} [يونس: 90]. وفي حديث ابن عباس عند أحمد وغيره مرفوعًا: لما قال فرعون {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} قال لي جبريل: لو رأيتني وقد أخذت من حال البحر فدسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة. ورواه الترمذي وقال حسن وحال البحر هو طينه الأسود، والمعنى لو رأيتني لرأيت أمرًا عجيبًا يبهت الواصف عن كنهه، فإني لما شاهدت تلك الحالة بهت غضبًا على عدوًا الله لادعائه تلك العظمة فعمدت إلى حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة لسعتها، والحاصل أنه إنما فعل ذلك غضبًا لله وعلمًا منه أنه لا ينفعه الإيمان لا أنه كره إيمانه لأن كراهة الإيمان من الكافر كفر، لكن قال أبو منصور الماتريدي في التأويلات: الرضا بالكفر ليس بكفر مطلقًا إنما يكون كذلك إذا رضي بكفر نفسه لا بكفر غيره، ويؤيده قصة ابن أبي سرح المروية في سنن أبي داود والنسائي لما جاء يوم الفتح بين يدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وطلب المبايعة ثلاث مرات وكل ذلك يأبى ثم بايعه ثم أقبل على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني كففت عن بيعته فيقتله الحديث. وقيل إنما قصد فرعون بقوله الخلاص أو لأنه كان لمجرد التعليق كما قال: آمنت به بنو إسرائيل فكأنه قال لا أعرفه فكيف يزول كفره بهذا التقليد، وقد روي أن جبريل استفتاه ما قولك في عبد لرجل نشأ في ماله ونعمته وجحد حقه وادعى السيادة دونه، فكتب يقول الوليد بن مصعب جزاء العبد الخارج على سيده الكافر نعماه أن يغرق في البحر فلما ألجمه الغرق ناوله جبريل خطه فعرفه، وسقط لأبي ذر {فأتبعهم} الخ وقال إلى قوله: {وأنا من المسلمين}. ({ننجيك}) [يونس: 92] بسكون النون وتخفيف الجيم من أنجى وهي قراءة يعقوب وفي نسخة ننجيك بتخفيف الجيم أي (نلقيك على نجوة من الأرض وهو) أي النجوة (النشز) بفتح النون والمعجمة آخره زاي وهو (المكان المرتفع). وقرأ ابن السميقع ننحيك بالحاء المهملة المشدّدة أي نلقيك بناحية مما يلي البحر ليراك بنو إسرائيل. قال كعب: رماه إلى الساحل كأنه ثور. وروى ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال: لما خرج موسى عليه الصلاة والسلام وأصحابه قال: من تخلف من قوم فرعون ما غرق فرعون وقومه، ولكنهم في خزائن البحر يتصيدون فأوحى الله تعالى إلى البحر أن الفظ فرعون عريانًا فلفظه عريانًا أصلع أخينس قصيرًا. ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد {ببدنك} قال بجسدك. ومن طريق أبي صخر المدني قال: البدن الدرع الذي كان عليه قيل، وكانت له درع من ذهب يعرف بها وكان في أنفسهم أن فرعون أعظم شأنًا من أن يغرق. 4680 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَالْيَهُودُ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ ظَهَرَ فِيهِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَصْحَابِهِ: «أَنْتُمْ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصُومُوا». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس اليشكري البصري (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) أنه (قال: قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) فأقام بها إلى عاشوراء من السنة

[11]- سورة هود عليه الصلاة والسلام

الثانية (و) إذا (اليهود تصوم عاشوراء) فسألهم (فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون) وفي رواية فقال لهم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وأغرق فيه فرعون وقومه فصامه موسى شكرًا فنحن نصومه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه: أنتم أحق بموسى منهم فصوموا). ومطابقته للترجمة في رواية أنجى الله فيه موسى وأغرق فيه فرعون وقومه كما لا يخفى، وسبق حديث الباب في الصيام بنحوه. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم [11]- سورة هُودٍ عليه الصلاة والسلام وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَصِيبٌ: شَدِيدٌ، لاَ جَرَمَ: بَلَى. (وَقَالَ غَيْرُهُ: وَحَاقَ: نَزَلَ، يَحِيقُ: يَنْزِلُ، يَؤُوسٌ، فَعُولٌ مِنْ يَئِسْتُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَبْتَئِسْ: تَحْزَنْ، يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ شَكٌّ وَافْتِرَاءٌ فِي الحَقِّ، لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ مِنَ اللهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا) (وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ الأَوَّاهُ الرَّحِيمُ بِالْحَبَشِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَادِئَ الرَّأْيِ مَا ظَهَرَ لَنَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْجُودِيُّ: جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَقْلِعِي: أَمْسِكِي، عَصِيبٌ: شَدِيدٌ، لاَ جَرَمَ: بَلَى، وَفَارَ التَّنُّورُ: نَبَعَ الْمَاءُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَجْهُ الأَرْضِ). [11]- سورة هُودٍ عليه الصلاة والسلام (بسم الله الرحمن الرحيم) مائة وثلاث وعشرون آية [بسم الله الرحمن الرحيم] سقطت البسملة لغير أبي ذر. (قال ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله تعالى حكاية عن لوط عليه الصلاة والسلام حين جاءته الملائكة في صورة غلمان وظن أنهم أناس فخاف عليهم أن يقصدهم قومه فيعجز عن مدافعتهم هذا يوم ({عصيب}) أي (شديد) وفي قوله: ({لا جرم}) أي (بلى) أي حقًّا أنهم في الآخرة هم الأخسرون (وقال غيره) في قوله تعالى: ({وحاق}) أي (نزل) بهم وأصابهم (يحيق) أي (ينزل) وفي قوله تعالى: ({إنه ليؤوس} يؤوس فعول من يئست) والمعنى ولئن أذقنا الإنسان حلاوة نعمة يجد لذتها ثم سلبناها منه أنه لقطوع رجاءه من فضل الله لقلة صبره وعدم ثقته به كفور لأن الوصف باليؤوس لا يليق إلا بالكافر فإنه يقع في الياس إذا سلبت نعمته والمسلم يثق بالله أن يعيدها أحسن ما كانت. (وقال مجاهد) في قوله تعالى: فلا ({تبتئس}) أي لا (تحزن) وهذا وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد كقوله في قوله تعالى: {ألا أنهم} ({يثنون صدروهم} شك وافتراء) بالفاء والذي في أكثر الفروع المقابلة على اليونينية وامتراء (في الحق) بالميم ({ليستخفوا منه}) [هود: 5] أي (من الله إن استطاعوا) وهذه الألفاظ المفسرة كلها من البسملة إلى هنا ثابتة في رواية الأبوين ومقدمة عندهما ومؤخرة في رواية غيرهما عن تاليها. (وقال أبو ميسرة) ضد الميمنة عمرو بن شرحبيل الهمداني التابعي في قوله عز وجل {إن إبراهيم لأوّاه} (الأوّاه: الرحيم بالحبشية) بالتحتية المشددة والذي في اليونينية بإسقاطها وهذا ذكره المؤلّف في ترجمة إبراهيم من أحاديث الأنبياء. (وقال ابن عباس) في قوله تعالى: ({بادئ الرأي}) أي (ما ظهر لنا) من غير تعمق. (وقال مجاهد) في قوله جل وعز: {واستوت على ({الجوديّ}) [هود: 44] (الجوديّ جبل بالجزيرة) التي بين دجلة والفرات قرب الموصل تشامخت الجبال يومئذٍ من الغرق وتطاولت وتواضع هو لله عز وجل فلم يغرق. وقال قتادة: استوت عليه شهرًا يعني حتى نزلوا منها (وقال الحسن) البصري ({إنك لأنت الحليم}) باللام (يستهزئون به. وقال ابن عباس {أقلعي} أمسكي) عن المطر ({عصيب}) أي (شديد) ولأبي ذر وقال ابن عباس عصيب شديد ({لا جرم}) أي (بلى) ({وفار التنور} نبع الماء) فيه وارتفع كالقدر يفور والتنور تنور الخبز وابتداء النبوع منه خارق للعادة وكان في الكوفة في موضع مسجدها أو في الهند وقيل في غيرهما. (وقال عكرمة): التنور (وجه الأرض) وقيل: هو أشرف موضع فيها. 1 - باب {أَلاَ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [هود: 5] وَقَالَ غَيْرُهُ: وَحَاقَ: نَزَلَ، يَحِيقُ: يَنْزِلُ. يَؤُوسٌ: فَعُولٌ مِنْ يَئِسْتُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَبْتَئِسْ: تَحْزَنْ، يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ: شَكٌّ وَامْتِرَاءٌ فِي الْحَقِّ، لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ، مِنَ اللَّهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا. ({ألا إنهم يثنون صدورهم}) مضارع ثنى يثني ثنيًا أي طوى وانحرف وصدورهم مفعول، والمعنى يحرفون صدورهم ووجوههم عن الحق وقبوله ({ليستخفوا منه}) اللام متعلقة بيثنون كما قاله الحوفي وغيره والمعنى إنهم يفعلون ثني الصدور لهذه العلة. وقال الزمخشري ومن تبعه: متعلقة بمحذوف تقديره ويريدون ليستخفوا من الله فلا يطلع رسوله والمؤمنين على ازورارهم ونظير اضمار يريدون لعود المعنى إلى إضماره الإضمار في قوله: {أن اضرب بعصاك البحر فانفلق} معناه فضرب فانفلق، لكن قال في الدر ليس المعنى الذي يقودنا إلى إضمار الفعل هناك كالمعنى هنا لأن ثم لا بدّ من حذف معطوف عليه يضطر العقل إلى تقديره لأنه ليس من لازم الأمر بالضرب انفلاق البحر

فلا بدّ أن يتعقل فضرب فانفلق، وأما في هذه فالاستخفاء علة صالحة لثنيهم صدورهم فلا اضطرار بنا إلى إضمار الإرادة. قال في فتوح الغيب: شبهه بقوله (اضرب بعصاك) في مجرد إرادة التقدير ليستقيم المعنى وروي عنه في الحاشية ثني الصدر بمعنى الإعراض إظهار للنفاق فلم يصح أن يتعلق به لام التعليل، فوجب إضمار ما يصح تعلقها به من شيء يستوي معه المعنى فلذلك قدر ويريدون ليستخفوا من الله أي يظهرون النفاق ويريدون مع ذلك أن يستخفوا منه ({ألا حين يستغشون ثيابهم}) يجعلونها أغشية وأغطية والناصب للظرف مضمر قدره في الكشاف بيريدون أي يريدون الاستخفاء حين يستغشون ثيابهم كراهة أن يسمعوا القرآن أو الناصب له قوله ({يعلم}) أي ألا يعلم ({ما يسرون}) في قلوبهم ({وما يعلنون}) بأفواههم فلا تفاوت في علمه بين سرهم وعلنهم ({إنه عليم بذات الصدور}) [هود: 5] بأسرار ذوات الصدور. (وقال غيره): أي غير عكرمة ({وحاق}) أي (نزل يحيق ينزل بؤوس فعول من يئست) بسكون السين (وقال مجاهد: تبتئس) بفوقيتين مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة أي (تحزن {يثنون صدورهم} شك وامتراء في الحق {ليستخفوا منه}) أي (من الله إن استطاعوا). 4681 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: {أَلاَ إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ} [هود: 5] قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْهَا فَقَالَ: أُنَاسٌ كَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ وَأَنْ يُجَامِعُوا نِسَاءَهُمْ فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَ ذَلِكَ فِيهِمْ. [الحديث 4681 - أطرافه في: 4682 - 4683]. وبه قال: (حدّثنا الحسن بن محمد بن صباح) بالصاد المهملة والموحدة المشددة وبعد الألف حاء مهملة الزعفراني قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن محمد الأعور (قال قال ابن جريج) عبد الملك (أخبرني) بالإفراد (محمد بن عباد بن جعفر) المخزومي (أنه سمع ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (يقرأ: ({ألا أنهم تثنوني}) بفتح الفوقية والنون الأولى بينهما مثلثة ساكنة وبعد الواو الساكنة نون أخرى مكسورة ثم ياء تحتية مضارع اثنوني على وزن افعوعل يفعوعل كاعشوشب يعشوشب من الثني وهو بناء مبالغة لتكرير العين ({صدورهم}) بالرفع على الفاعلية ولأبي ذر يثنوني بالتحتية بدل الفوقية صدورهم بالنصب (قال) أبي محمد بن عباد (سألته عنها فقال: أناس كانوا يستحيون) من الحياء ولأبي ذر يستخفون من الاستخفاء (أن يتخلوا) أي أن يدخلوا في الخلاء (فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء) بعوراتهم مكشوفات فيميلون صدورهم ويغطون رؤوسهم استخفاء (فنزل ذلك فيهم) {ألا إنهم يثنون صدورهم} [هود: 5] الآية. إلى آخرها. 4682 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ {أَلاَ إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ} قُلْتُ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ مَا تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ فَيَسْتَحِي أَوْ يَتَخَلَّى فَيَسْتَحِي، فَنَزَلَتْ {أَلاَ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ}. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن ابن جريج) عبد الملك (وأخبرني محمد بن عباد بن جعفر) بالواو عطفًا على مقدر أي أخبرني غير محمد بن عباد ومحمد بن عباد (أن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما قرأ: ({ألا أنهم تثنوني}) بفتح الفوقية والنون الأولى وكسر الثانية كذا في الفرع وأصله وبعدها تحتية ({صدورهم}) بالرفع ولأبي ذر: يثنون بضم النون الأولى وفتح الثانية وإسقاط التحتية بعدها صدورهم نصب على المفعولية قال محمد بن عباد (قلت: يا أبا العباس) هي كنية عبد الله بن عباس (ما تثنوني) بفتح النون الأولى وبعد الثانية تحتية (صدورهم) بالرفع (قال: كان الرجل يجامع امرأته فيستحي) وفي نسخة فيستحيي بمثناتين تحتيتين (أو يتخلى فيستحي) من كشف عورته (فنزلت): ({ألا إنهم يثنون صدورهم}) ولأبي ذر: تثنوني بفتح الفوقية والنون صدورهم رفع. 4683 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أَلاَ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} [هود: 5] وَقَالَ غَيْرُهُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْتَغْشُونَ: يُغَطُّونَ رُءُوسَهُمْ، سِيءَ بِهِمْ: سَاءَ ظَنُّهُ بِقَوْمِهِ، وَضَاقَ بِهِمْ: بِأَضْيَافِهِ. بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ: بِسَوَادٍ. إِلَيْهِ أُنِيبُ: أَرْجِعُ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) هو ابن دينار (قال: قرأ ابن عباس {إلا أنهم يثنون}) بالتحتية المفتوحة وضم النون الأولى وفتح الأخرى من غير تحتية ({صدورهم}) نصب على المفعولية ولأبي ذر يثنوني بإثبات التحتية بعد النون وضم النون الأولى صدورهم بالنصب والتأنيث مجازي فجاز تذكير الفعل باعتبار تأويل فاعله بالجمع وتأنيثه باعتبار تأويله بالجماعة، وفي بعض الحواشي الموثوق بها وهو في اليونينية قال الحموي يروى عن ابن عباس ثلاثة أوجه. تثنون أي بالفوقية وضم النون الأولى وفتح الثانية وهي قراءة

2 - باب قوله: {وكان عرشه على الماء} [هود: 7]

الجمهور، ويثنوني أي بالتحتية وضم النون الأولى وبعد الثانية تحتية، وتثنوني أي بالفوقية وفتح النون الأولى وتحتية بعد الثانية ({ليستخفوا منه إلا حين يستغشون ثيابهم}) [هود: 5]. (وقال غيره): أي غير عمرو بن دينار فيما وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: يستغشون أي (يغطون رؤوسهم) قال الحافظ ابن حجر: وتفسير التغشي بالتغطية متفق عليه وتخصيص ذلك بالرأس يحتاج إلى توقيف وهو مقبول من ابن عباس. وقوله في قصة لوط: ({سيء بهم}) أي (ساء ظنه بقومه {وضاق بهم}) [هود: 77]. أي (بأضيافه) فالضمير الأول للقوم والثاني للأضياف فاختلف الضميران وأكثرون على اتحادهما كما مرّ قريبًا. وقوله تعالى للوط: {فأسر بأهلك} ({بقطع من الليل}) [هود: 81] أي (بسواد) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقال قتادة فيما وصله عبد الرزاق بطائفة من الليل. ({إليه أنيب}) ولغير أبي ذر: وقال مجاهد أنيب (أرجع) زاد في نسخة إليه وسقط لغير أبوي ذر والوقت إليه الأولى. 2 - باب قَوْلِهِ: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] (باب قوله) جل وعلا: ({وكان عرشه على الماء}) [هود: 7] قبل خلق السماوات والأرض. وعن ابن عباس وكان الماء على متن الريح. 4684 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ» وَقَالَ: «يَدُ اللَّهِ مَلأَى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ». وَقَالَ: «أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ». اعْتَرَاكَ: افْتَعَلْتَ مِنْ عَرَوْتُهُ أَيْ أَصَبْتُهُ. وَمِنْهُ يَعْرُوهُ، وَاعْتَرَانِي. آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا: أَيْ فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ. عَنِيدٌ وَعَنُودٌ وَعَانِدٌ وَاحِدٌ. هُوَ تَأْكِيدُ التَّجَبُّرِ. وَيَقُولُ الأَشْهَادُ وَاحِدُهُ شَاهِدٌ مِثْلُ: صَاحِبٍ وَأَصْحَابٍ. اسْتَعْمَرَكُمْ: جَعَلَكُمْ عُمَّارًا أَعْمَرْتُهُ الدَّارَ فَهْيَ عُمْرَى جَعَلْتُهَا لَهُ، نَكِرَهُمْ وَأَنْكَرَهُمْ وَاسْتَنْكَرَهُمْ وَاحِدٌ. حَمِيدٌ مَجِيدٌ كَأَنَّهُ فَعِيلٌ مِنْ مَاجِدٍ. مَحْمُودٌ: مِنْ حَمِدَ. سِجِّيلٌ: الشَّدِيدُ الْكَبِيرُ، سِجِّيلٌ وَسِجِّينٌ وَاللاَّمُ وَالنُّونُ أُخْتَانِ وَقَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبِلٍ: وَرَجْلَةٍ يَضْرِبُونَ الْبَيْضَ ضَاحِيَةً ... ضَرْبًا تَوَاصَى بِهِ الأَبْطَالُ سِجِّينَا وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر عن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (قال الله عز وجل أََنفق أُنفق عليك) بفتح الهمزة في الأولى وضمها في الثانية وجزم الأول بالأمر والثاني بالجواب. (وقال يد الله ملأى) كناية عن خزائنه التي لا تنفذ بالعطاء أي (لا يغيضها) بفتح التحتية وكسر الغين وبالضاد المعجمتين بينهما تحتية ساكنة أي لا ينقصها (نفقة سحاء الليل والنهار) بنصبهما على الظرفية وسحاء بسين وحاء مشددة مهملتين ممدودًا يقال سح يسح فهو ساح وهي سحاء وهي فعلاء لا أفعل لها كهطلاء، ويروى سحاب بالتنوين على المصدر أي دائمة الصب والهطل بالعطاء ووصفها بالامتلاء لكثرة منافعها فجعلها كالعين التي لا يغيضها الاستقاء ولا ينقصها الامتياح قاله ابن الأثير. ولفظ بيده حكمه حكم سائر المتشابهات تأويلاً وتفويضاً (وقال أرأيتم) أي أخبروني (ما أنفق) أي الذي أنفاقه (منذ) بالنون ولأبي ذر مذ (خلق السماء والأرض فإنه لم يغض) بفتح التحتية وكسر الغين وبالضاد المعجمتين لم ينقص (ما في يده وكان عرشه على الماء وبيده الميزان) كناية عن العدل بين الخلق (يخفض ويرفع) من باب مراعاة النظير أي يخفض من يشاء ويرفع من يشاء ويسمع الرزق على من يشاء ويقتره على من يشاء. وهذا الحديث أخرجه في التوحيد والنسائي في التفسير ببعضه. ({اعتراك}) [هود: 54] من باب (افتعلت) وفي رواية عن الكشميهني أيضًا افتعلك بكاف الخطاب من باب الافتعال. قال العيني: والصواب أن يقال اعترى افتعل فلا يحتاج لكاف الخطاب في الوزن (من عروته أي أصبته). قال الجوهري: عروت الرجل أعروه عروًا إذا ألممت به وأتيته طالبًا فهو معروّ وفلان تعروه الأضياف وتعتر به أي تغشاه (ومنه) أي ومن هذا الأصل قولهم فلان (يعروه) أي يصيبه (واعتراني) أي تغشاني. ({آخذ بناصيتها}) [هود: 56] (أي في ملكه) بضم الميم في الفرع وفي اليونينية بكسرها (وسلطانه) فهو مالك لها قادر عليها يصرفها على ما يريد بها وهذا كله من قوله اعتراك إلى هنا ثابت في رواية الكشميهني فقط. ({عنيد}) بالياء في قوله: {واتبعوا أمر كل جبار عنيد} [هود: 59]. (وعنود) بالواو (وعاند) بالألف (واحد) قال أبو عبيدة (هو تأكيد التجبر) وقال غيره هو من عند عندًا وعندًا وعنودًا إذا طغى، والمعنى عصوا من دعاهم إلى الإيمان، وأطاعوا من دعاهم إلى الكفران. ({ويقول الأشهاد}) [هود: 18] قال أبو عبيدة (واحده شاهد مثل صاحب وأصحاب) وهذا ثابت هنا لأبي ذر فقط وسيأتي بعد إن شاء الله تعالى، والمراد بالأشهاد هنا الملائكة والنبيون والمؤمنون وعن قتادة

3 - باب

الخلائق وهو أعم وقيل الجوارح. ({استعمركم}) [هود: 61] (جعلكم عمارًا) يقال (يعمرته الدار فهي عمرى) أي (جعلتها له) ملكًا مدة عمره وهذا تفسير أبي عبيدة وقيل استعمركم فيها أقدركم على عمارتها وأمركم بها. وقوله: ({فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم}) [هود: 70] قال أبو عبيدة {نكرهم} أي الثلاثي المجرد (وأنكرهم) الثلاثي المزيد فيه (واستنكرهم) الذي هو من باب الاستفعال كلها (واحد) في المعنى وهو الإنكار، وذلك أن الخليل عليه الصلاة والسلام لما جاءه الرسل كلها جبريل ومن معه من الملائكة وجاء بعجل مشوي ورأى أيديهم لا ئصل إليه أنكر ذلك، وخاف أن يريدوا به مكروهًا فقالوا له: لا تخف إنّا ملائكة مرسلة بالعذاب إلى قوم لوط عليه الصلاة والسلام وإنما لم نمد أيدينا إليه لأنا لا نأكل. ({حميد مجيد}) [هود: 73] (كأنه) أي مجيد على وزن (فعيل من) صيغة (ماجد) والتعبير بكأن فيه شيء فإنه بوزن فعيل من غير شك، وقال القشيري قيل هو بمعنى العظيم الرفيع القدر فهو فعيل بمعنى مفعول وقيل معناه الجزيل العطاء فهو فعيل بمعنى فاعل وحميد أي (محمود) لفعل ما يستحق به الحمد يوصل العبد إلى مراده فلا يبعد أن يرزق الولد في ابان الكبر وهو مأخوذ (من حمد) بفتح الحاء وفي نسخة حمد بضمها مبنيًا للمجهول فهو حامد. ({سجيل}) يريد قوله تعالى: {وأمطرنا عليها حجارة من سجيل} [هود: 82] قال أبو عبيدة هو (الشديد الكبير) بالموحدة من الحجارة الصلبة. واستشكله السفاقسي كابن قتيبة بأنه لو كان معنى السجيل الشديد لما دخلت عليه من وكان يقال حجارة سجيلاً لأنه لا يقال حجارة من شديد. وأجيب: باحتمال حذف الموصوف أي وأرسلنا عليهم حجارة كائنة من شديد كبير أي من حجر قوي شديد صلب (سجيل) باللام (وسجين) بالنون بمعنى واحد (واللام والنون أختان) من حيث إنهما من حروف الزوائد وكل منهما يقلب عن الآخر. (وقال تميم بن مقبل): العامري العجلاني الشاعر المخضرم مما يشهد لذلك: (ورجلة) بفتح الراء وسكون الجيم والجر أي ورب رجلة جمع راجل خلاف الفارس (يضربون البيض) بفتح الموحدة في الفرع جمع بيضة وهي الخوذة أي يضربون مواضع البيض وهي الرؤوس، وفي نسخة البيض بكسر الموحدة جمع أبيض وهو السيف أي يضربون بالبيض على نزع الخافض (ضاحية) بالضاد المعجمة أي في وقت الضحوة أو ظاهرة (ضربًا تواصى) بحذف إحدى التاءين إذ أصله تتواصى (به الأبطال) أي الشجعان (سجينًا) بكسر السين وتشديد الجيم وبالنون أي شديدًا. 3 - باب {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيبًا} [هود: 84] أي إلى أَهْلِ مَدْيَنَ لأَنَّ مَدْيَنَ بَلَدٌ وَمِثْلُهُ {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] {وَاسْأَلِ الْعِيرَ} يَعْنِي أَهْلَ الْقَرْيَةِ والعير {وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا} [هود: 92] يَقُولُ: لَمْ تَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ. وَيُقَالُ إِذَا لَمْ يَقْضِ الرَّجُلُ حَاجَتَهُ ظَهَرْتَ بِحَاجَتِي وَجَعَلْتَنِي ظِهْرِيًّا وَالظِّهْرِيُّ هَا هُنَا أَنْ تَأْخُذَ مَعَكَ دَابَّةً أَوْ وِعَاءً تَسْتَظْهِرُ بِهِ، أَرَاذِلُنَا: سُقَاطُنَا، إِجْرَامِي: هُوَ مَصْدَرٌ مِنْ أَجْرَمْتُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: جَرَمْتُ. الْفُلْكُ وَالْفَلَكُ: وَاحِدٌ وَهْيَ السَّفِينَةُ، وَالسُّفُنُ. مُجْرَاهَا: مَدْفَعُهَا وَهْوَ مَصْدَرُ أَجْرَيْتُ، وَأَرْسَيْتُ حَبَسْتُ وَيُقْرَأُ مَرْسَاهَا مِنْ رَسَتْ هِيَ وَمَجْرَاهَا مِنْ جَرَتْ هِيَ وَمُجْرِيهَا وَمُرْسِيهَا مِنْ فُعِلَ بِهَا الرَّاسِيَاتُ ثَابِتَاتٌ. [الحديث 4684 - أطرافه في: 5352، 7411، 7419، 7496]. ((وإلى مدين أخاهم شعيبًا}) [هود: 84] أي وأرسلنا (إلى أهل مدين) أخاهم شعيبًا (لأن مدين بلد) بناه مدين فسمى باسمه فهو على حذف مضاف (ومثله) في ذلك ({واسأل القرية}) [يوسف: 82] أي واسأل العير يعني أهل (القرية والعير) ولأبي ذر وأصحاب العير وكان أهل قرية شعيب مطففين فأمرهم بالتوحيد أولاً لأنه للأصل ثم إن يوفوا حقوق الناس ولا ينقصوهم. ((وراءكم ظهريًا}) [هود: 92] يريد قول شعيب لما قال له قومه: {ولولا رهطك لرجمناك} [هود: 91] {يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريًا} [هود: 92] (يقول لم تلتفتوا إليه) أي جعلتم أمر الله خلف ظهوركم تعظمون أمر رهطي وتتركون تعظيم الله تعالى ولا تخافونه (ويقال: إذا لم يقض الرجل حاجته) أي حاجة زيد مثلاً (ظهرت بحاجتى) ولأبي ذر لحاجتي باللام بدل الموحدة كأنه استخف بها (وجعلتني) ولأبي ذر عن الكشميهني وجعلني بإسقاط الفوقية (ظهريًا) أي خلف ظهرك (والظهري: ها هنا أن تأخذ معك دابة أو وعاء تستظهر به) عند الحاجة إن احتجت لكن هذا لا يصح أن يفسر به ما في القرآن فحذف ها هنا كما لأبي ذر أوجه. ({أراذلنا}) يريد قول قوم نوح عليه السلام: {وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا} [هود: 27] أي (سقاطنا) بضم السين وتخفيف القاف وهو الذي في اليونينية وفي بعضها سقاطنا بتشديدها وفي نسخة أسقاطنا أي أخساؤنا وهذا كله من قوله: {وإلى مدين} إلى هنا ثابت للكشميهني فقط وسقط لأبي ذر وقوله أخاهم شعيبًا.

4 - باب قوله: {ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين} [هود: 18] واحد الأشهاد شاهد مثل صاحب وأصحاب

({إجرامي}) يريد قوله: {قل إن افتريته فعليّ إجرامي} (هو مصدر من أجرمت) بالهمزة (وبعضهم يقول): من (جرمت) ثلاثي مجرد والمعنى إني صح أني افتريته فعليّ وبال إجرامي وحيث لم يصح فأنا بريء من نسبة الافتراء إليّ وأم في قوله أم يقولون منقطعة تفيد الإضراب عن النصح فيكون نسبة الافتراء إلى نوح، وذهب بعضهم إلى أنه اعتراض خوطب به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسقط لفظ هو الذي بعد إجرامي لأبي ذر. ({الفلك}) بضم الفاء وسكون اللام (والفلك واحد) بفتحتين كذا في الفرع وأصله وفي نسخة الفلك والفلك بضم الفاء فيهما وإسكان اللام وفتحها في الثاني، وفي نسخة الفلك والفلك بفتحتين في الأول وبضم ثم سكون في الثاني ورجحه السفاقسي وقال الأول واحد، والثاني جمع مثل أسد وأسد، وفي أخرى الفلك والفلك بضم ثم سكون فيهما جمعًا، وصوبه القاضي عياض والمراد أن الجمع والواحد بلفظ واحد في التنزيل في المفرد {في الفلك المشحون} وفي الجمع {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} (وهي السفينة) في الواحد (والسفن) في الجمع واللفظ وإن كان واحدًا لكنه مختلف بحسب التقدير فضمة فلك للواحد كضمة قفل وضمة فلك للجمع كضمة أُسد. ({مجراها}) بضم الميم يريد قوله تعالى: {وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها} [هود: 41]. أي (مدفعها) بفتح الميم وفي بعض الأصول موقفها بالواو والقاف والفاء وعزي لرواية القابسي قال الحافظ ابن حجر: وهو تصحيف لم أره في شيء من النسخ وهو فاسد المعنى (وهو) أي مجراها (مصدر أجريت وأرسيت) أي (حبست ويقرأ) بالتحتية، ولأبي ذر: وتقرأ بالفوقية ({مرساها}) بفتح الميم (من رست هي) أي السفينة أي ركدت واستقرت (ومجراها) بفتح الميم (من جرت هي) وفتح الميمين وهي قراءة المطوّعي عن الأعمش (و) يقرأ أيضًا (مجريها ومرسيها) بضم الميم وياء ساكنة فيهما بدل الألف مع كسر الراء والسين وهي قراءة الحسن، والمعنى الله مجريها ومرسيها وهي مأخوذة (من فعل بها) بكسر ميم من وضم فاء فعل مبنيًا للمفعول ولأبي ذر ومجراها ومرسيها بضم الميمين وهي قراءة الحرمين والبصري والشامي وأبي بكر وقرأ حفص والأخوان بفتح الميم في الأول وضمها في الثاني فالفتح من الثلاثي والضم من الرباعي. (الراسيات) ولأبي ذر: راسيات (ثابتات) يريد قوله تعالى في سورة سبأ: {قدور راسيات} [سبأ: 13]. وذكره استطرادًا لذكر مرساها. 4 - باب قَوْلِهِ: {وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] وَاحِدُ الأَشْهَادِ شَاهِدٌ مِثْلُ صَاحِبٍ وَأَصْحَابٍ (باب قوله) عز وجل: ({ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين}) [هود: 18]. وسقط لأبي ذر ({على ربهم}) الخ وقال الآية. (واحد الأشهاد) ولأبي ذر: واحدة الأشهاد (شاهد) بتاء التأنيث في الفرع والذي في اليونينية واحده بضم الدال والهاء شاهد (مثل صاحب وأصحاب) وقد ثبت ذكر هذا بلفظ: ويقول الأشهاد واحدها شاهد مثل صاحب وأصحاب في رواية أبي ذر في غير هذا الموضع قريبًا. 4685 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، وَهِشَامٌ قَالاَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ قَالَ: بَيْنَا ابْنُ عُمَرَ يَطُوفُ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، - أَوْ قَالَ يَا ابْنَ عُمَرَ - سَمِعْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّجْوَى؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يُدْنَى الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ وَقَالَ هِشَامٌ: «يَدْنُو الْمُؤْمِنُ - حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا يَقُولُ أَعْرِفُ رَبِّ يَقُولُ: أَعْرِفُ مَرَّتَيْنِ، فَيَقُولُ: سَتَرْتُهَا فِي الدُّنْيَا وَأَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ تُطْوَى صَحِيفَةُ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الآخَرُونَ أَوِ الْكُفَّارُ فَيُنَادَى عَلَى رُءُوسِ الأَشْهَادِ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ». وَقَالَ شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي مصغرًا قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (وهشام) هو ابن أبي عبد الله الدستوائي (قالا: حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن صفوان بن محرز) بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء آخره زاي أنه (قال: بينا) بغير ميم (ابن عمر) عبد الله (يطوف) بالكعبة (إذ عرض) له (رجل) لم يسم (فقال) له (يا أبا عبد الرحمن أو قال يا ابن عمر) وسقط لأبي ذر لفظ قال (هل سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في النجوى؟) التي تكون في القيامة بين الله تعالى وبين المؤمنين (فقال): ولأبي ذر قال: (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يدنى المؤمن من ربه) بضم الياء وفتح النون من يدني مبنيًا للمفعول أي يقرب منه. (وقال هشام) الدستوائي: (يدنو المؤمن) بفتح الياء وضم النون أي يقرب من ربه (حتى يضع عليه) ربه (كنفه) بنون مفتوحة أي جانبه والدنو والكنف مجازان والمراد الستر والرحمة (فيقرره بذنوبه) ولأبي ذر فيقرره بنصب الراء يقول له (تعرف ذنب كذا؟ يقول) العبد (أعرف رب يقول

5 - باب قوله: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} [هود: 102] الرفد: المرفود: العون المعين: رفدته: أعنته، تركنوا: تميلوا، فلولا كان: فهلا كان، أترفوا: أهلكوا، وقال ابن عباس: زفير وشهيق شديد وصوت ضعيف

أعرف مرتين) بحذف أداة النداء من الأولى وهي المنادى في الثانية (فيقول) الله جل وعلا (سترتها) أي عليك (في الدنيا وأغفرها لك اليوم ثم تطوى صحيفة حسناته) بضم التاء الفوقية وفتح الواو مبنيًا للمفعول من الطيّ ولأبي ذر عن الكشميهني ثم يعطى من الإعطاء مبنيًا للمفعول صحيفة نصب على المفعولية أي يعطى هو صحيفة حسناته (وأما الآخرون) بالمد وفتح الخاء المعجمة (والكفار) بالشك من الراوي (فينادى) بالتحتية وفتح الدال (على رؤوس الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا ربهم) زاد أبو ذر: ألا لعنة الله على الظالمين، وهذا وعيد شديد. (وقال شيبان) بن عبد الرحمن النحوي مما وصله ابن مردويه (عن قتادة حدّثنا صفوان) أي عن ابن عمر. وهذا الحديث سبق في المظالم. 5 - باب قَوْلِهِ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] الرِّفْدُ: الْمَرْفُودُ: الْعَوْنُ الْمُعِينُ: رَفَدْتُهُ: أَعَنْتُهُ، تَرْكَنُوا: تَمِيلُوا، فَلَوْلاَ كَانَ: فَهَلاَّ كَانَ، أُتْرِفُوا: أُهْلِكُوا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ شَدِيدٌ وَصَوْتٌ ضَعِيفٌ (باب قوله) سبحانه وتعالى: ({وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى}) وكذلك خبر مقدم وأخذ مبتدأ مؤخر والتقدير ومثل ذلك الأخذ أي أخذ الله الأمم السالفة أخذ ربك وإذا ظرف ناصبة المصدر قبله والمسألة من باب التنازع فإن الأخذ بطلب القرى وأخذ الفعل أيضًا يطلبها فالمسألة من أعمال الثاني للحذف من الأول ({وهي ظالمة}) جملة حالية ({إنّ أخذه أليم شديد}) [هود: 102] وجيع صعب على المأخوذ وفيه تحذير عظيم عن الظلم كفرًا كان أو غيره لغيره أو لنفسه ولكل أهل قرية ظالمة. ({الرفد المرفود}) [هود: 99] قال أبو عبيدة (العون المعين) بضم الميم وكسر العين فسر المرفود بالمعين. قال في المصابيح وفيه نظر، وقال البرماوي: والوجه المعان، ثم وجهه كالكرماني بأن يكون الفاعل فيه بمعنى المفعول أو يكون من باب ذي كذا أي عون ذي إعانة وفي نسخة المعان بالألف بدل المعين (رفدته) أي (أعنته). وقوله تعالى: ({ولا} {تركنوا}) {إلى الذين ظلموا} [هود: 113] أي لا (تميلوا) إليهم أدنى ميل فإن الركون هو الميل اليسير كالتزيي بزيهم وتعظيم ذكرهم أو لا ترضوا أعمالهم. روى عبد بن حميد من طريق الربيع بن أنس: لا تركنوا إلى الذين ظلموا لا ترضوا أعمالهم فمن استعان بظالم فكأنه قد رضي بفعله وإذا كان في الركون إلى من وجد منه ما يسمى ظلمًا هذا الوعيد الشديد فما ظنك بالركون إلى الموسومين بالظلم ثم بالميل إليهم كل الميل ثم بالظلم نفسه والانهماك فيه أعاذنا الله من كل مكروه بمنّه وكرمه. ({فلولا كان}) [هود: 116] أي (فلا كان) وهي في حرف ابن مسعود رواه عبد الرزاق وسقط من تركنوا إلى هنا لأبي ذر. ({أترفوا}) أي (أهلكوا) قال في الفتح: هو تفسير باللازم أي كان الترف سببًا لإهلاكهم. (وقال ابن عباس: زفير وشهيق) الزفير صوت (شديد و) الشهيق (صوت ضعيف) وقال في الأنوار الزفير إخراج النفس والشهيق ردّه وسقط لأبي ذر قول ابن عباس هذا الخ. 4686 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» قَالَ ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهْيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}. وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي قال: (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين بينهما ألف وآخره ميم الضرير قال: (حدّثنا بريد بن أبي بردة) بضم الموحدة وفتح الراء في الأول وضم الموحدة وسكون الراء في الثاني وهو جد بريد واسم أبيه عبد الله بن أبي بردة (عن) جده (أبي بردة) عامر (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الله ليملي) اللام للتأكيد ويملي أي يمهل (للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) بضم أوله أي لم يخلصه أبدًا لكثرة ظلمه بالشرك فإن كان مؤمنًا لم يخلصه مدة طويلة بقدر جنايته. (قال) أي أبو موسى (ثم قرأ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد}). وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب والترمذي والنسائي في التفسير وابن ماجه في الفتن. 6 - باب قَوْلِهِ: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114] وَزُلَفًا سَاعَاتٍ: بَعْدَ سَاعَاتٍ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْمُزْدَلِفَةُ. الزُّلَفُ مَنْزِلَةٌ: بَعْدَ مَنْزِلَةٍ، وَأَمَّا زُلْفَى فَمَصْدَرٌ مِنَ الْقُرْبَى، ازْدَلَفُوا: اجْتَمَعُوا، أَزْلَفْنَا: جَمَعْنَا (باب قوله) تعالى: ({وأقم الصلاة}) المفروضة ({طرفي النهار}) ظرف لأقم قال في الدر: ويضعف أن يكون ظرفًا للصلاة كأنه قيل أقم الصلاة الواقعة في هذين الوقتين والطرف وإن لم يكن ظرفًا لكنه لما أضيف إلى الظرف أعرب بإعرابه كقوله: أتيت أول النهار وآخره ونصف الليل بنصب هذه كلها على الظرف لما أضيفت إليه وإن كانت ليست

12 - سورة يوسف عليه الصلاة والسلام

موضوعة للظرفية ({وزلفًا من الليل}) نصب على طرفي فينتصب على الظرف إذ المراد به ساعات الليل القريبة أو على المفعول به نسقًا على الصلاة واختلف في طرفي النهار وزلف الليل فقيل الطرف الأول الصبح والثاني الظهر والعصر والزلف المغرب والعشاء وقيل الطرف الأول الصبح والثاني العصر والزلف المغرب والعشاء وليست الظهر في هذه الآية على هذا القول بل على غيرها وقيل الطرفان الصبح والمغرب وقيل غير ذلك وأحسنها الأول ({إنّ الحسنات يذهبن السيئات}) أي تكفرها ({ذلك ذكرى للذاكرين}) [هود: 114] عظة لمن يتعظ إذا وعظ. ({وزلفًا}): بفتح اللام أي (ساعات بعد ساعات) واحدتها زلفة أي ساعدة ومنزلة (ومنه سميت المزدلفة) أي لمجيء الناس إليها في ساعات من الليل أو لازدلافهم يعني لاقترابهم إلى الله وحصول المنزلة لهم عنده فيها (الزلف منزلة بعد منزلة) فتكون بمعنى المنازل (وأما زلفى فمصدر من القربى) قال الله تعالى: {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} [ص: 25] (ازدلفوا) بالدال بعد الزاي أي (اجتمعوا أزلفنا) أي (جمعنا) قال تعالى: {وأزلفنا ثمّ الآخرين} [الشعراء: 64]. أي جمعنا. 4687 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ هُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلاً أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} قَالَ الرَّجُلُ: أَلِىَ هَذِهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) مصغرًا ولغير أبي ذر هو ابن زريع قال: (حدّثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان) عبد الرحمن النهدي (عن ابن مسعود) عبد الله (رضي الله تعالى عنه أن رجلاً) هو أبو اليسر كعب بن عمرو وقيل نبهان التمار وقيل عمرو بن غزية (أصاب من امرأة) من الأنصار كما عند ابن مردويه (قبلة فأتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر ذلك له). وعند مسلم وأصحاب السنن من طريق سماك بن حرب عن إبراهيم النخعي عن علقمة والأسود عن ابن مسعود: جاء رجل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إني وجدت امرأة في بستان ففعلت بها كل شيء غير أني لم أجامعها قبلتها ولزمتها فافعل بي ما شئت. (فأنزلت عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والفاء عاطفة على مقدر أي فذكر له فسكت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصلى الرجل مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في حديث أنس فأنزل الله: ({وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} قال الرجل: ألي هذه؟) بفتح الهمزة للاستفهام أي أهذه الآية بأن صلاتي مذهبة لمعصيتي مختصة بي أو عامة للناس كلهم (قال) عليه الصلاة والسلام: (لمن عمل بها من أمتي). واستنبط ابن المنذر منه أنه لا حدّ على من وجد مع أجنبية في لحاف واحد وفيه عدم الحدّ في القبلة ونحوها وسقوط التعزير عمن أتى شيئًا منها وجاء تائبًا نادمًا. وهذا الحديث قد سبق في باب الصلاة كفارة من المواقيت من كتاب الصلاة. 12 - سورة يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلاَمُ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَقَالَ فُضَيْلٌ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مُتْكًا الأُتْرُجُّ، قَالَ فُضَيْلٌ: الأُتْرُجُّ بِالْحَبَشِيَّةِ: مُتْكًا، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مُتْكًا الأُتْرُجُّ، بِالْحَبَشِيَّةِ: مُتْكًا، كُلُّ شَيْءٍ قُطِعَ بِالسِّكِّينِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: لَذُو عِلْمٍ عَامِلٌ بِمَا عَلِمَ، وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: صُوَاعٌ مَكُّوكُ الْفَارِسِيِّ الَّذِي يَلْتَقِي طَرَفَاهُ، كَانَتْ تَشْرَبُ بِهِ الأَعَاجِمُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تُفَنِّدُونِ تُجَهِّلُونِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: غَيَابَةٌ كُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَ عَنْكَ شَيْئًا فَهْوَ غَيَابَةٌ، وَالْجُبُّ الرَّكِيَّةُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ، بِمُؤْمِنٍ لَنَا: بِمُصَدِّقٍ، أَشُدَّهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي النُّقْصَانِ يُقَالُ: بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغُوا أَشُدَّهُمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَاحِدُهَا شَدٌّ. وَالْمُتَّكَأُ مَا اتَّكَأْتَ عَلَيْهِ لِشَرَابٍ أَوْ لِحَدِيثٍ أَوْ لِطَعَامٍ وَأَبْطَلَ الَّذِي قَالَ الأُتْرُجُّ: وَلَيْسَ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ الأُتْرُجُّ فَلَمَّا احْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ الْمُتَّكَأُ مِنْ نَمَارِقَ فَرُّوا إِلَى شَرٍّ مِنْهُ فَقَالُوا: إِنَّمَا هُوَ الْمُتْكُ سَاكِنَةَ التَّاءِ وَإِنَّمَا الْمُتْكُ طَرَفُ الْبَظْرِ وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لَهَا: مَتْكَاءُ وَابْنُ الْمَتْكَاءِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ أُتْرُجٌّ فَإِنَّهُ بَعْدَ الْمُتَّكَإِ، شَغَفَهَا يُقَالُ: بَلَغَ إِلَى شِغَافِهَا وَهْوَ غِلاَفُ قَلْبِهَا وَأَمَّا شَعَفَهَا: فَمِنَ الْمَشْعُوفِ، أَصْبُ: أَمِيلُ، أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ: مَا لاَ تَأْوِيلَ لَهُ، وَالضِّغْثُ: مِلْءُ الْيَدِ مِنْ حَشِيشٍ وَمَا أَشْبَهَهُ وَمِنْهُ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا لاَ مِنْ قَوْلِهِ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَاحِدُهَا: ضِغْثٌ، نَمِيرُ: مِنَ الْمِيرَةِ. وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ: مَا يَحْمِلُ بَعِيرٌ، آوَى إِلَيْهِ: ضَمَّ إِلَيْهِ، السِّقَايَةُ: مِكْيَالٌ. اسْتَيْأَسُوا: يَئِسُوا. وَلاَ تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ: مَعْنَاهُ الرَّجَاءُ، خَلَصُوا نَجِيًّا: اعْتَرَفُوا نَجِيًّا وَالجَمْعُ أَنْجِيَةٌ يَتَنَاجُونَ الوَاحِدُ نَجِيٌّ وَالاثْنَانِ وَالجَمْعُ نَجِيٌّ وَأَنْجِيَةٌ: تَفْتَأُ لاَ تَزَالُ {حَرَضًا} مُحْرَضًا يُذِيبُكَ الْهَمُّ {تَحَسَّسُوا} تَخَبَّرُوا {مُزْجَاةٍ} قَلِيلَةٍ {غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ} عَامَّةٌ مُجَلِّلَةٌ. ([12] سورة يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةِ وَالسَّلاَمُ) مكية وهي مائة إحدى عشرة آية. (بسم الله الرحمن الرحيم) كذا لأبي ذر وسقطت لغيره. (وقال فضيل): بضم الفاء وفتح المعجمة ابن عياض بن موسى الزاهد المتوفى بمكة سنة سبع وثمانين ومائة مما وصله ابن المنذر ومسدد في مسنده (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي (عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر (متكأ) بضم الميم وسكون الفوقية وتنوين الكاف من غير همز وهي قراءة ابن عباس وابن عمر ومجاهد وقتادة والجحدري (الأترج) بضم الهمزة وسكون الفوقية وضم الراء وتشديد الجيم، ولأبي ذر الأترنج بزيادة نون بعد الراء وتخفيف الجيم لغتان وأنشدوا: فأهدت متكة لبني أبيها ... تخب بها العثمثمة الوقاح والعثمثمة من النوق الشديدة والذكر عثمثم الأسد والوقاح بالواو المفتوحة والقاف الناقة الصلبة (قال فضيل): هو ابن عياض فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق يحيى بن يمان عنه

(الأترج) أي بتشديد الجيم وسقط لأبي ذر قال فضيل: الأترج (بـ) ـاللغة (الحبشية متكًا) بضم الميم وسكون التاء وتنوين الكاف من غير همز. (وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله في مسنده (عن رجل) لم يسم (عن مجاهد متكًا) بسكون التاء من غير همز كالسابق (كل شيء) ولأبي ذر قال كل شيء (قطع بالسكين) كالأترج وغيره من الفواكه وأنشدوا: نشرب الإثم بالصواع جهارًا ... ونرى المتك بيننا مستعارا قيل: وهو من متك بمعنى بتك الشيء أي قطعه، فعلى هذا يحتمل أن تكون الميم بدلاً من الباء وهو بدل مطرد في لغة قوم، ويحتمل أن تكون مادة أخرى وافقت هذه. (وقال قتادة) في قوله تعالى: {وإنه} ({لذو علم}) [يوسف: 68] وزاد أبو ذر: لما علمناه أي (عامل بما علم) وصله ابن أبي حاتم والضمير في وأنه ليعقوب كما يرشد إليه قوله: {إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها}. (وقال ابن جبير): فيما رواه ابن منده وابن مردويه ولأبي ذر سعيد بن جبير ({صواع}) ولأبي ذر: صواع الملك (مكوك الفارسي) بفتح الميم وتشديد الكاف الأولى مضمومة مكيال معروف لأهل العراق وهو (الذي يلتقي طرفاه كانت تشرب به الأعاجم) وكان من فضة وزاد ابن إسحاق مرصعًا بالجواهر كان يسقى به الملك ثم جعل صاعًا يكال به. (وقال ابن عباس): في قوله: {لولا أن} ({تفندون}) أي (تجهلون) وقال الضحاك: تهرمون فتقولون شيخ كبير قد ذهب عقله. وعند ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {ولما فصلت العير} [يوسف: 94] لما خرجت العير هاجت ريح فأتت يعقوب بريح يوسف فقال: {إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون} قال لولا أن تسفهون قال: فوجد ريحه من مسيرة ثلاثة أيام. (وقال غيره): أي غير ابن عباس في قوله تعالى: {وألقوه في غيابة الجب} [يوسف: 10] (غيابة) بالرفع (كل شيء) مبتدأ وفي نسخة غيابة بالجر والذي في اليونينية غيابة بالرفع وبالفتح (غيب عنك شيئًا) في محل جر صفة لشيء وشيئًا مفعول غيب (فهو غيابة) خبر المبتدأ أو المبتدأ إذا تضمن معنى الشرط تدخل الفاء في خبره (والجب) بالجيم (الركية التي لم تطو) قاله أبو عبيدة وسمي به لكونه محفورًا في جبوب الأرض أي ما غلظ منها والغيابة قال الهروي شبه طاق في البئر فويق الماء يغيب ما فيه من العيون. وقال الكلبي: تكون في قعر الجب لأن أسفله واسع ورأسه ضيق فلا يكاد الناظر يرى ما في جوانبه، والألف واللام في الجب للعهد فقيل: هو جب بيت المقدس، وقيل بأرض الأردن، وقيل على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب. وقوله: {وما أنت} ({بمؤمن لنا}) أي (بمصدق) لسوء ظنك بنا. وقوله تعالى: {ولما بلغ} ({أشدّه}) [يوسف: 22] أي (قبل أن يأخذ في النقصان) وهو ما بين الثلاثين والأربعين وقيل في سن الشباب ومبدؤه قبل بلوغ الحلم (يقال: بلغ أشدّه وبلغوا أشدّهم) أي فيكون أشد في المفرد والجمع بلفظ واحد (وقال بعضهم: واحدها) أي الأشد (شد) بفتح الشين من غير همزة وهو قول سيبويه والكسائي. (والمتكأ) بتشديد الفوقية وبعد الكاف همزة على قراءة الجمهور اسم مفعول (ما اتكأت عليه لشراب أو لحديث أو لطعام) أي لأجل شراب الخ. (وأبطل) قول (الذي قال): إن المتكأ هو (الأترج) بتشديد الجيم للإدغام، ولأبي ذر الأترنج بالنون للفك. (وليس في كلام العرب الأترج) أي ليس مفسرًا في كلامهم به وهذا أخذه من كلام أبي عبيدة ولفظه وزعم قوم أنه الترنج وهذا أبطل باطل في الأرض اهـ. وتعقب بما في المحكم حيث قال: المتكأ الأترنج، ونقله الجوهري في صحاحه عن الأخفش، وقال أبو حنيفة الدينوري: بالضم الأترنج وبالفتح السوسن، وعن أبي علي القالي وابن فارس في مجمله نحوه، وعند عبد بن حميد أن ابن عباس كان يقرأ متكأ مخففة ويقول هو الأترج. (فلما احتج عليهم) بضم التاء أي على القائلين بأنه الأترج، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيما احتج بالمثناة التحتية بدل اللام (بأنه) ولأبي ذر: بأن (المتكأ) بالتشديد والهمزة (من نمارق) يعني وسائد (فرّوا إلى شرّ منه فقالوا) بالفاء

ولأبي ذر وقالوا (إنما هو المتك ساكنة التاء) مخففة وساكنة نصب (وإنما المتك) المخفف (طرف البظر) بفتح الموحدة وسكون المعجمة وهو موضع الختان من المرأة (ومن ذلك) اللفظ (قيل لها) أي للمرأة (متكاء وابن المتكاء) بفتح الميم والتخفيف والمد فيهما وهي التي لم تختن ويقال البظراء أيضًا (فإن كان ثمّ) بفتح المثلثة أي هناك (أترج) بتشديد الجيم (فإنه) كان (بعد المتكأ) وقيل المتكأ طعام يحز حزًّا، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد: متكأ طعامًا سماه متكأ لأن أهل الطعام إذا جلسوا يتكئون على الوسائد فسمي الطعام متكأ على الاستعارة، وقيل المتكأ طعام يحتاج إلى أن يقطع بالسكين لأنه متى كان كذلك احتاج الإنسان إلى أن يتكئ عليه عند القطع وقد علم مما مرّ أن المتك المخفف يكون بمعنى الأترج وطرف البظر وأن المشدد ما يتكأ عليه من وسادة وحينئذ فلا تعارض بين النقلين كما لا يخفى وكان الأولى سياق قوله والمتكأ ما اتكأت عليه عقب قوله متكا كل شيء قطع بالسكين ويشبه أن يكون من ناسخ كغيره مما يقع غير مرتب. وقوله: ({قد} {شغفها}) [يوسف: 35] (يقال بلغ إلى شغافها) قال السفاقسي بكسر الشين المعجمة ضبطه المحدثون في كتب اللغة بفتحها، وسقط لفظ (إلى) لأبي ذر وثبت له بلغ (وهو غلاف قلبها) وهو جلدة رقيقة، وزاد القاضي كغيره حتى وصل إلى فؤادها حبًا وقال غيره: أحاط بقلبها مثل إحاطة الشغاف بالقلب يعني أن اشتغالها بحبه صار حجابًا بينها وبين كل ما سوى هذه المحبة فلا يخطر ببالها سواه. (وأما شعفها) بالعين المهملة وهي قراءة الحسن وابن محيصن (فمن المشعوف) وهو الذي أحرق قلبه الحب وهو من شعف البعير إذا هنأه أي طلاه بالقطران فأحرقه، وقد كشف أبو عبيد عن هذا المعنى فقال: الشعف بالمهملة إحراق الحب القلب مع لذة يجدها كما أن البعير إذا طلي بالقطران بلغ منه مثل ذلك ثم يسترجع إليه. وقوله: ({أصب} {إليهن}) أي (أميل) إلى إجابتهن زاد أبو ذر صبا مال. وقوله: ({أضغاث أحلام}) هي (ما لا تأويل له) وقال قتادة فيما رواه عبد الرزاق هي الأحلام الكاذبة وسقط لأبي ذر أحلام (والضغث) بكسر الضاد وسكون الغين المعجمتين وسقط الواو من قوله والضعث لأبي ذر (ملء اليد من حشيش وما أشبهه) جنسًا واحدًا أو أجناسًا مختلطة وخصه في الكشاف بما جمع من أخلاط النبات فقال وأصل الأضغاث ما جمع من أخلاط النبات، وحزم فاستعيرت لذلك أي استعيرت الأضغاث للتخاليط والأباطيل والجامع الاختلاط من غير تمييز بين جيد ورديء والإضافة في أضغاث أحلام بمعنى من التقدير أضغاث من أحلام (ومنه): {وخذ بيدك ضغثًا} [ص: 44] مما هو ملء الكف من الحشيش وهو من جنس واحد روي أنه أخذ عثكالاً من نخلة (لا من قوله) {أضغاث أحلام} [يوسف: 44] الذي هو بمعنى لا تأويل له (واحدها) أي الأضغاث (ضغث). وقوله: ({نمير}) يريد قوله: {هذه بضاعتنا ردّت إلينا ونمير أهلنا} [يوسف: 65] (من الميرة) بكسر الميم وهي الطعام أي نجلب إلى أهلينا الطعام ({ونزداد كيل بعير}) أي (ما يحمل بعير) بسبب حضور أخينا لأنه كان يكيل لكل رجل حمل بعير وقال مجاهد فيما رواه الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه كيل بعير أي كيل حمار وأيّده ابن خالويه بأن إخوة يوسف كانوا بأرض كنعان ولم يكن بها إبل. قال ابن عادل: وكونه البعير المعروف أصح. وقوله: ({آوى إليه}) أي (ضم إليه) أخاه بنيامين على الطعام أو إلى المنزل روي أنه أجلس كل اثنين على مائدة فبقي بنيامين وحده فقال لو كان أخي يوسف حيًّا لأجلست معه؟ فقال يوسف: بقي أخوكم وحيدًا فأجلسه معه على مائدته وجعل يؤاكله فلما كان الليل أمر أن ينزل كل اثنين منهم بيتًا وقال هذا لا ثاني له آخذه معي فآواه إليه. (السقاية) يريد قوله: {فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية} [يوسف: 70] (مكيال) إناء كان يوسف عليه الصلاة والسلام يشرب به فجعله مكيالاً لئلا يكتالوا بغيره فيظلموا. قوله: فلما ({استيأسوا}) [يوسف: 80] أي (يئسوا) من يوسف وإجابته إياهم وزيادة السين

1 - باب قوله: {ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق} [يوسف: 6]

والتاء للمبالغة. قوله: {ولا تيأسوا من روح الله} [يوسف: 87] (معناه الرجاء) وروح الله تعالى بفتح الراء رحمته وتنفيسه وعن قتادة من فضل الله وقيل من فرج الله. وقوله: ({خلصوا نجيًّا}) أي (اعترفوا) وللكشميهني اعتزلوا (نجيا) وهو الصواب أي انفردوا وليس معهم أخوهم أو خلا بعضهم إلى بعض يتشاورون ولا يخالطهم غيرهم ونجيًا حال من فاعل خلصوا والنجي يستوي فيه المذكر والمؤنث (والجمع أنجية) بالهمز (يتناجون الواحد نَجيّ والاثنان والجمع نجيّ) إما لأن النجي فعيل بمعنى مفاعل كالعشير والخليط بمعنى المخال والمعاشر كقوله تعالى: {وقربناه نجيًا} [مريم: 52] أي مناجيًا وهذا في الاستعمال يفرد مطلقًا يقال هم خليطك وعشيرك أي مخالطوك ومعاشروك، وإما لأنه صفة على فعيل بمنزلة صديق وبابه يوحد لأنه بمنزلة المصادر كالصهيل والوخيد، وإما لأنه مصدر بمعنى التناجي كما قيل النجوى بمعناه قال تعالى: {وإذ هم نجوى} [الإسراء: 47] وحينئذٍ فيكون فيه التأويلات المذكورة في عدل وبابه (و) قد يجمع فيقال: (أنجية) بالهمزة كما مرّ قال: إني إذا ما القوم كانوا أنجية وقال لبيد: وشهدت أنجية الافاقة عاليًا ... كعبي وأرداف الملوك شهود وكان من حقه إذا جعل وصفًا أن يجمع على أفعلاء كغني وأغنياء وشقي وأشقياء. وقال البغوي النجي يصلح للجماعة كما قال وقربناه نجيًا، وإنما جاز للواحد والجمع لأنه مصدر جعل نعتًا كالعدل ومثله النجوى يكون اسمًا ومصدرًا قال تعالى: {وإذ هم نجوى} أي متناجون وقال: ما يكون من نجوى ثلاثة. وقال في المصدر إنما النجوى من الشيطان. قال في المفاتيح: وأحسن الوجوه أن يقال: إنهم تمحضوا تناجيًا لأن من كمل حصول أمر من الأمور فيه وصف بأنه صار عين ذلك الشيء، فلما أخذوا في التناجي إلى غاية الجد صاروا كأنهم في أنفسهم نفس التناجي وحقيقته وسقط من قوله: استيأسوا يئسوا الخ في رواية أبي ذر عن الحموي وثبت له عن الكشميهني والمستملي. وقوله تعالى: {تالله} ({تفتأ}) بالألف صورة الهمزة ولأبي ذر: تفتئوا بالواو وهو جواب القسم على حذف لا وهي ناقصة بمعنى (تزال) ومنه قول الشاعر: تالله يبقى على الأيام ذو حيد ... بمشمخر به الظيان والآس أي لا يبقى. وقوله: فقلت يمين الله أبرح قاعدًا ويدل على حذفها أنه لو كان مثبتًا لاقترن بلام الابتداء ونون التوكيد عند البصريين أو بأحدهما عند الكوفيين وتقول: والله أحبك تريد لا أحبك وهو من التورية فإن كثيرًا من الناس يتبادر ذهنه إلى إثبات المحبة. وقوله: {حتى تكون} ({حرضًا}) أي (محرضًا) بضم الميم وفتح الراء (يذيبك الهم) والمعنى لا تزال تذكر يوسف بالحزن والبكاء عليه حتى تموت من الهم والحرض في الأصل مصدر ولذلك لا يثنى ولا يجمع تقول هو حرض وهم حرض وهي حرض وهن حرض. ({تحسسوا}) يريد قوله تعالى: {يا بني اذهبوا فتحسسوا} [يوسف: 87] أي (تخبروا) خبرًا من أخبار يوسف وأخيه والتحسس طلب الشيء بالحاسة. ({مزجاة}) بالرفع لأبي ذر ولغيره مزجاة بالجر حكاية قوله: {وجئنا ببضاعة مزجاة} [يوسف: 88] أي (قليلة) بالرفع لأبي ذر ولغيره قليلة بالجر وقيل رديئة وقوله تعالى: {أفأمنوا أن تأتيهم} ({غاشية}) (من عذاب الله) أي عقوبة (عامة مجللة) بفتح الجيم وكسر اللام الأولى مشددة من جلل الشيء إذا عمه صفة لغاشية. 1 - باب قَوْلِهِ: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} [يوسف: 6] (باب قوله) جل وعلا خطابًا ليوسف عليه الصلاة والسلام ({ويتم نعمته عليك}) بالنبوّة أو بسعادة الدارين ({وعلى آل يعقوب}) سائر بنيه بالنبوّة وكرر على ليمكن العطف على الضمير المجرور ({كما أتمها على أبويك}) جدك وجد أبيك بالرسالة ({من قبل}) أي من قبلك ({إبراهيم وإسحاق}) [يوسف: 6] بدل من أبويك أو عطف بيان وقيل إتمام النعمة على إبراهيم بالخلة وعلى إسحاق لإخراج يعقوب والأسباط من صلبه وسقط لأبي ذر

2 - باب قوله: {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين} [يوسف: 7]

إبراهيم إسحاق وقال بعد قوله من قبل الآية. 4688 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْكَرِيمُ بْنُ الْكَرِيمِ بْنِ الْكَرِيمِ بْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ». وبه قال: (قال: حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (عبد الله بن محمد) المسندي وفي الفرع كأصله، وقال حدّثنا عبد الله بن محمد بواو العطف قبل قال وعند خلف في الأطراف كما نبه عليه في الفتح، وقال عبد الله قال الحافظ ابن حجر: والأوّل أولى أي لأن الثاني يقتضي المذاكرة لا التحديث قال: (حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث التنوري (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه) عبد الله (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف) رفع خبر المبتدأ وهو قوله الكريم (ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم). وقد جمع يوسف عليه الصلاة والسلام مكارم الأخلاق مع شرف النبوّة وكونه ابنًا لثلاثة أنبياء، وقد وقع قوله الكريم ابن الكريم الخ موزونًا مقفى وهو لا ينافي قوله تعالى: {وما علمناه الشعر} [يس: 69] إذ لم يقع هذا منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قصدًا وسقط باب قوله لغير أبي ذر وسقط له إبراهيم إسحاق وقال بعد قوله من قبل الآية. وسبق الحديث عند المؤلّف في باب الأنبياء. 2 - باب قَوْلِهِ: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} [يوسف: 7] (باب قوله) جل وعز ({لقد كان في يوسف وإخوته}) قيل: هم يهوذا وروبيل وشمعون ولاوى وربالون ويشجر ودنية ودان ونفتالي وجاد وآشر والسبعة الأوّلون كانوا من ليا بنت خالة يعقوب والأربعة الآخرون من سريتين زلفة وبلهة، فلما توفيت ليا تزوّج أختها راحيل فولدت له بنيامين ويوسف ولم يقم دليل على نبوّة أخوة يوسف، وذكر بعضهم أنه أوحي إليهم بعد ذلك ولم يذكر مستندًا سوى قوله تعالى: {قولوا آمنًا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط} [البقرة: 136] وهذا لا ينهض أن يكون دليلاً لأن بطون بني إسرائيل يقال لهم الأسباط كما يقال للعرب قبائل وللعجم شعوب ففيه أنه تعالى أوحى إلى الأنبياء من أسباط بني إسرائيل فذكرهم إجمالاً لأنهم كثيرون، ولكن لم يقم دليل على أعيان هؤلاء أنهم أوحي إليهم بل ظاهر ما في هذه السورة من أحوالهم وأفعالهم يدل على أنهم لم يكونوا أنبياء على ما لا يخفى أي في قصصهم وحديثهم ({وآيات}) علامات ودلائل على قدرة الله وحكمته في كل شيء ولأبي ذر آية بالتوحيد على إرادة الجنس وهي قراءة ابن كثير ({للسائلين}) [يوسف: 7] عن قصتهم أو على نبوّة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وثبت لفظ باب قوله لأبي ذر عن المستملي وسقط لغيره. 4689 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا، عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ؟ قَالَ: «أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ» قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ؟ قَالَ: «فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ» قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ؟ قَالَ: «فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي؟» قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا». تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة وبعد الدال المفتوحة هاء تأنيث ابن سليمان (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا وهو العمري ولغير أبي ذر عبد الله بفتح العين (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري (عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه) أنه (قال: سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي الناس أكرم؟ قال): (أكرمهم عند الله أتقاهم) قال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13] (قالوا ليس عن هذا نسألك؟ قال: فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله) فضيلة خاصة بيوسف عليه الصلاة والسلام لم يشركه فيها أحد ولا يلزم من ذلك أن يكون أفضل من غيره مطلقًا (قالوا: ليس عن هذا نسألك قال: فعن معادن العرب) أي عن أصول العرب التي ينسبون إليها ويتفاخرون بها (تسألوني) ولأبي ذر: تسألونني بنونين (قالوا: نعم) وإنما جعل الأنساب معادن لما فيها من الاستعدادات المتفاوتة فمنها قابلة لفيض الله تعالى على مراتب المعدنيات ومنها غير قابلة له وشبههم بالمعادن لأنها أوعية للعلوم كما أن المعادن أوعية للجواهر (قال: فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا) بضم القاف ولأبي ذر فقهوا بكسرها فالوضيع العالم خير من الشريف الجاهل، ولذا قيد بقوله إذا فقهوا (تابعه) أي تابع عبدة (أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن عبيد الله) بضم العين العمري وهذه المتابعة وصلها المؤلّف في أحاديث الأنبياء. 3 - باب قَوْلِهِ: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: 18] سَوَّلَتْ: زَيَّنَتْ (باب قوله) تعالى: ({قال}) أي يعقوب لبنيه ({بل سوّلت})

قبل هذه الجملة جملة محذوفة تقديرها لم يأكله الذئب بل سوّلت ({لكم أنفسكم أمرًا}) في شأنه ({فصبر جميل}) [يوسف: 18] مبتدأ حذف خبره أي صبر جميل أمثل بي أو خبر حذف مبتدؤه أي أمري صبر جميل وروي مرفوعًا الصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه فمن بث لم يصبر ويدل له {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} [يوسف: 86] ودل قوله جميل على أن الصبر قسمان. جميل وهو أن يعرف أن منزل ذلك البلاء هو الله تعالى المالك الذي لا اعتراض عليه في تصرفه فيستغرق قلبه في هذا المقام ويكون مانعًا له من الشكاية. وغير الجميل هو الصبر لسائر الأغراض لا لأجل الرضا بقضاء الله سبحانه وثبت قوله فصبر جميل لأبي ذر وقوله باب ولفظ قوله له عن المستملي وسقط لغيره {سوّلت} (زينت) وسهلت قاله ابن عباس. 4690 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الأَيْلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللَّهُ كُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ» قُلْتُ: إِنِّي وَاللَّهِ لاَ أَجِدُ مَثَلاً إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنكُمْ} [النور: 11] الْعَشْرَ الآيَاتِ. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري وسقط ابن سعد لأبي ذر (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) الزهري (قال) المؤلّف: (وحدّثنا الحجاج) بن منهال السلمي الأنماطي البصري قال: (حدّثنا عبد الله بن عمر النميري) بضم النون مصغرًا لنمر الحيوان المشهور قال (حدّثنا يونس بن يزيد الأيلي) بفتح الهمزة وسكون التحتية (قال سمعت الزهري) بن شهاب يقول (سمعت عروة بن الزبير) بن العوّام (وسعيد بن المسيب) بفتح التحتية وقد تكسر (وعلقمة بن وقاص) الليثي (وعبيد الله بن عبد الله) بضم العين في الأول ابن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة (عن حديث عائشة) -رضي الله عنها- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قال لها أهل الإفك) مسطح وحمنة وحسان وعبد الله بن أبي وزيد بن رفاعة وغيرهم (ما قالوا) من أبلغ ما يكون من الافتراء والكذب وسقط لأبي ذر ما قالوا (فبرأها الله) تعالى من ذلك بما أنزله في سورة النور قال الزهري (كل حدثني طائفة من الحديث) أي بعضًا منه ولا يضر عدم التعيين إذ كل ثقة حافظ (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لعائشة بعد أن أفاض الناس في قول أصحاب الإفك كما بسط في غير ما موضع كباب تعديل النساء بعضهن بعضًا وعقب غروة أنمار. (إن كنت بريئة) مما نسب إليك (فسيبرئك الله) تعالى منه (وإن كنت ألممت بذنب) أي أتيته من غير عادة (فاستغفري الله وتوبي إليه) منه. قالت عائشة: (قلت إني والله لا أجد مثلاً) وفي الشهادات: لا أجد لي ولكم مثلاً (إلا أبا يوسف) يعقوب عليهما الصلاة والسلام إذ قال: ({فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}) وكأنها من شدة كربها لم تتذكر اسم يعقوب (وأنزل الله) عز وجل: ({إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم} العشر الآيات) من سورة النور وسقط لغير أبي ذر: {عصبة منكم}. 4691 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَعِ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ رُومَانَ وَهْيَ أُمُّ عَائِشَةَ قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا وَعَائِشَةُ أَخَذَتْهَا الْحُمَّى فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَعَلَّ فِي حَدِيثٍ تُحُدِّثَ» قَالَتْ: نَعَمْ، وَقَعَدَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَيَعْقُوبَ وَبَنِيهِ {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]. وبه قال: (حدّثنا موسى) هو ابن إسماعيل المنقري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (مسروق بن الأجدع) بالجيم والدال والعين المهملتين (قال: حدّثتني) بالإفراد أيضًا (أم رومان) بضم الراء وتفتح بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس. قال الحافظ أبو نعيم: بقيت بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دهرًا طويلاً وفيه تأييد لتصريحه بسماع مسروق منها فيكون الحديث متصلاً، وأما قول ابن سعد أنها توفيت سنة ست ونزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبرها، وقول الخطيب أن مسروقًا لم يسمع منها فقال الحافظ ابن حجر: الراجح أن مستند قائل ذلك إنما هو ما روي عن علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف أن أم رومان ماتت سنة ست، وقد نبه البخاري في تاريخيه الأوسط والصغير على أنها رواية ضعيفة فقال في فضل من مات في خلافة عثمان. قال علي بن زيد عن القاسم: ماتت أم رومان في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سنة ست. قال البخاري: وفيه نظر وحديث مسروق أسند أي أصح إسنادًا، وقد جزم إبراهيم الحربي

4 - باب قوله: {وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك} [يوسف: 23] وقال عكرمة هيت لك بالحورانية: هلم. وقال ابن جبير: تعاله

الحافظ بأن مسروقًا إنما سمع من أم رومان في خلافة عمر فقد ظهر أن الذي وقع في الصحيح هو الصواب. (وهي أم عائشة) رضي الله تعالى عنهما (قالت: بينا) بغير ميم (أنا وعائشة أخذتها الحمى) في أحاديث الأنبياء بينا أنا مع عائشة جالسة إذ ولجت علينا امرأة من الأنصار وهي تقول فعل الله بفلان وفعل بفلان قالت فقلت لم؟ قالت: إنه نمي ذكر الحديث، فقالت عائشة: أي حديث فأخبرتها قالت: فسمعه أبو بكر -رضي الله عنه- ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: نعم فخرت مغشيًا عليها فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لعل) الذي حصل لها (في حديث) أي من أجل حديث (تحدث) به في حقها وهو حديث الإفك وتحدث بضم أوّله مبنيًّا للمفعول (قالت) أم رومان (نعم وقعدت عائشة قالت: مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه {بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}) أي صفتي كصفة يعقوب عليه الصلاة والسلام حيث صبر صبرًا جميلاً وقال: والله المستعان، وسقط قوله: {بل سوّلت لكم أنفسكم إلى جميل} لغير أبي ذر. 4 - باب قَوْلِهِ: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23] وَقَالَ عِكْرِمَةُ هَيْتَ لَكَ بِالْحَوْرَانِيَّةِ: هَلُمَّ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: تَعَالَهْ (باب قوله) عز وجل: ({وراودته}) امرأة العزيز ({التي هو في بيتها}) بمصر ({عن نفسه}) وذلك أنه كان في غاية الجمال والبهاء والكمال فدعاها ذلك إلى أن طلبت منه برفق ولين قول أن يواقعها والمراودة المصدر والريادة طلب النكاح يقال: راود فلان جاريته على نفسها وراودته هي عن نفسه إذا حاول كل واحد منهما الوطء، وتعد هنا بعن لأنه ضمن معنى خادعته أي خادعته عن نفسه، والمفاعلة هنا من واحد نحو داويت المريض، ويحتمل أن تكون على بابها فإن كلًا منهما كان يطلب من صاحبه شيئًا برفق هي تطلب منه الفعل وهو يطلب منها الترك ({وغلقت الأبواب}) قيل كانت سبعة والتشديد للتكثير ({وقالت هيت لك}) [يوسف: 23] ولأبي ذر: هيت بكسر الهاء وهما لغتان. (وقال عكرمة) مولى ابن عباس: (هيت لك بـ) اللغة (الحورانية) بالحاء المهملة (هلم) وهذا وصله ابن جرير عن عكرمة عن ابن عباس وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: وكان الكسائي يقول هي لغة لأهل حوران وقعت إلى أهل الحجاز وسقط لك لابن عساكر. (وقال ابن جبير): سعيد أي (تعاله) بهاء السكت وهذا وصله الطبري وأبو الشيخ من طريقه. وقال السدي: معرّبة من القبطية بمعنى هلم لك، وقال ابن عباس والحسن من السريانية، وقيل من العبرانية والجمهور على أنها عربية، وقال مجاهد هي كلمة حث وإقبال أي أقبل وبادر، ثم هي في بعض اللغات تتعين فعليتها وفي بعضها اسميتها وفي بعضها يجوز الأمران كما ستعرفه من القراءات إن شاء الله تعالى. 4692 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: قَالَتْ: هَيْتَ لَكَ، قَالَ: وَإِنَّمَا نَقْرَؤُهَا كَمَا عُلِّمْنَاهَا، مَثْوَاهُ: مُقَامُهُ، وَأَلْفَيَا: وَجَدَا. أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ: أَلْفَيْنَا، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (أحمد بن سعيد) بكسر العين أبو جعفر الدارمي المروزي قال: (حدّثنا بشر بن عمر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة وعمر بضم العين الأزدي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله بن مسعود) رضي الله تعالى عنه وسقط لفظ عبد الله لأبي ذر (قالت: هيت لك) بفتح الهاء والفوقية، ولأبي ذر: هيت بكسر الهاء وضم الفوقية من غير همز فيهما (قال: وإنما نقرؤها) بالنون لأبي ذر ولغيره يقرؤها بالياء (كما علمناها) بضم العين مبنيًّا للمفعول وهذا قد أورده المؤلّف مختصرًا. وقد أخرجه عبد الرزاق كما قاله الحافظان ابن كثير وابن حجر عن الثوري عن الأعمش بلفظ: إني سمعت القراءة فسمعتهم متقاربين فاقرؤوا كما علمتم وإياكم والتنطع والاختلاف فإنما هو كقول الرجل هلم وتعال ثم قرأ ({وقالت هيت لك}) فقلت إن ناسًا يقرؤنها هيت لك قال لأن أقرأها كما علمت أحب إليّ، وكذا أخرجه ابن مردويه من طريق طلحة بن مصرف عن أبي وائل أن ابن مسعود قرأها هيت لك بالفتح ومن طريق سليمان التيمي عن الأعمش بإسناده لكن قال: بالضم، وروى عبد بن حميد من طريق أبي وائل قال: قرأها عبد الله بالفتح فقلت له: إن الناس يقرؤونها بالضم

5 - باب قوله: {فلما جاءه الرسول قال: ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتى قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم * قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله} [يوسف: 50، 51] وحاش وحاشا: تنزيه واستثناء: حصحص: وضح

فذكره قال في الفتح وهذا أقوى وقراءة ابن مسعود بكسر الهاء وبالضم أو بالفتح بغير همز وروى عبد بن حميد عن أبي وائل أنه كان يقرؤها كذلك لكن بالهمز اهـ. وفي هذه اللفظة خمس قراءات فنافع وابن ذكوان وأبو جعفر بكسر الهاء وياء ساكنة وتاء مفتوحة، وابن كثير بفتح الهاء وياء ساكنة وتاء مضمومة، وهشام بهاء مكسورة وهمزة ساكنة وتاء مفتوحة أو مضمومة، والباقون بفتح الهاء وياء ساكنة وتاء مفتوحة. وعن ابن محيصن فتح الهاء وسكون الياء وكسر التاء وكسر الهاء والتاء بينهما ياء ساكنة وكسر الهاء وسكون الياء وضم التاء وعن ابن عباس هييت بضم الهاء وكسر الياء بعدها ياء ساكنة ثم تاء مضمومة بوزن حييت فهي أربعة في الشاذ فصارت تسعة فيتعين كونها اسم فعل في غير قراءة ابن عباس بزنة حييت، وفي غير قراءة كسر الهاء سواء كان ذلك بالياء أو بالهمز فمن فتح التاء بناها على الفتح تخفيفًا نحو أين وكيف، ومن ضمها فتشبيهًا بحيث، ومن كسر فعلى أصل التقاء الساكنين وتتعين فعليتها في قراءة ابن عباس فإنها فيها فعل ماضٍ مبني للمفعول مسند لضمير المتكلم من هيأت الشيء وتحتمل الأمرين في قراءة من كسر الهاء وضم التاء فيحتمل أن تكون فيه اسم فعل بنيت على الضم كحيث وأن تكون فعلاً مسند الضمير المتكلم من هاء الرجل يَهيءُ كجاء يجيء. وقوله تعالى: أكرمي ({مثواه}) أي (مقامه) بضم الميم قاله أبو عبيدة. ({وألفيا}) أي (وجدا ألفوا آباءهم ألفينا. وعن ابن مسعود) عبد الله مما وصله الحاكم في مستدركه من طريق جرير عن الأعمش في قوله تعالى في سورة الصافات ({بل عجبت ويسخرون}) [الصافات: 12] بضم التاء كما يقرأ هيت بالضم. وعند ابن أبي حاتم من طريق الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود أنه قرأ بل عجبتُ بالرفع وعن سعيد بن جبير بل عجبت الله عجب، وإذا ثبت الرفع فليس لإنكاره معنى بل يحمل على ما يليق به تعالى. 4693 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا أَبْطَئُوا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالإِسْلاَمِ قَالَ: «اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ» فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِثْلَ الدُّخَانِ قَالَ اللَّهُ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 15] قَالَ اللَّهُ: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ أَفَيُكْشَفُ عَنْهُمُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ} [الدخان: 15] وَقَدْ مَضَى الدُّخَانُ وَمَضَتِ الْبَطْشَةُ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان (عن مسلم) هو ابن صبيح بضم الصاد المهملة وفتح الموحدة آخره حاء مهملة مصغرًا (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عبد الله) هو ابن مسعود (رضي الله تعالى عنه) ذكر (أن قريشًا لما أبطؤوا عن النبي) ولأبي ذر على النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالإسلام) زاد في الاستسقاء دعا عليهم (قال): (اللهم اكفنيهم بسبع كسبع يوسف فأصابتهم سنة) بفتح السين أي جدب وقحط (حصّت) بالحاء والصاد المشدّدة المهملتين أي أذهبت (كل شيء حتى أكلوا العظام) زاد في الاستسقاء والميتة (حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها مثل الدخان) من ضعف بصره بسبب الجوع (قال الله) عز وجل، وفي الاستسقاء فجاء أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم وإن قومك هلكوا فادع الله تعالى فقرأ: ({فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} [الدخان: 15] (قال الله) عز وجل: ({إنا كاشفو العذاب قليلاً إنكم عائدون}) [الدخان: 15] أي إلى الكفر وفي الاستسقاء في باب دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اجعلها سنين كسني يوسف يوم تأتي السماء بدخان مبين إلى قوله عائدون وفي سورة الدخان فاستسقى فسقوا فنزلت {إنكم عائدون} فلما أصابتهم الرفاهية، فأنزل الله عز وجل: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} [الدخان: 16] قال عبد الله ({أفيكشف}) بضم الياء وفتح الشين مبنيًّا ({عنهم العذاب يوم القيامة} وقد مضى الدخان) الحاصل بسبب الجوع (ومضت البطشة) الكبرى يوم بدر وعن الحسن البطشة الكبرى يوم القيامة. ووجه المناسبة بين الحديث والترجمة في قوله: فجاء أبو سفيان، فقال: يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله فدعا ففيه أنه عفا عن قومه كما عفا يوسف عليه الصلاة والسلام عن امرأة العزيز. 5 - باب قَوْلِهِ: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ * قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} [يوسف: 50، 51] وَحَاشَ وَحَاشَا: تَنْزِيهٌ وَاسْتِثْنَاءٌ: حَصْحَصَ: وَضَحَ (باب قوله) جل وعلا ({فلما جاءه الرسول}) رسول الملك ليخرجه من السجن ({قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن}) أي سله

عن حقيقة شأنهن ليعلم براءتي عن تلك التهمة وأراد بذلك حسم مادّة الفساد عنه لئلا ينحط قدره عند الملك ولعل معظم غرضه عليه الصلاة والسلام أن لا يقع خلل في الدعوة وإظهار النبوّة وقال فاسأله ما بال النسوة ولم يقل فاسأله أن يفتش عن حالهن تهييجًا له على البحث وتحقيق الحال ولم يتعرض لامرأة العزيز مع ما صنعت به كرمًا ومراعاة للأدب وعبر بما التي يسأل بها عن حقيقة الشيء ظاهرًا ({إن ربي}) العالم بخفيات الأمور ({بكيدهن عليم}) حين قلن أطع مولاتك أو أن كل واحدة منهن طمعت فيه فلما لم تجد مطلوبها منه طعنت فيه ونسبته إلى القبيح، فرجع الرسول من عند يوسف إلى الملك فدعا النسوة وامرأة العزيز فلما حضرن ({قال}) لهن ({ما خطبكن}) أي ما شأنكن ({إذ روادتن يوسف عن نفسه}) هل وجدتن منه ميلاً إليكن فنزّهنه، متعجبات من كمال عفته حيث ({قلن حاش لله}) [يوسف: 50، 51] (وحاش) بغير ألف بعد الشين (وحاشا) بها لفظًا (تنزيه) فتكون اسمًا ويدل له قراءة بعضهم حاشا لله بالتنوين (واستثناء) وذهب سيبويه وأكثر البصريين إلى أنها حرف بمنزلة إلا لكنها تجر المستثنى. وقوله: ({حصحص}): أي (وضح) الحق بانكشاف ما يغمره وهو معنى قول بعض المفسرين، وقيل ظهر من حص شعره أي استأصل قطعه بحيث ظهرت بشرته وهذا إنما قالته امرأة العزيز لما علمت أن هذه المناظرات والتفحصات إنما وقعت بسببها، وقيل: إن النسوة أقبلن عليها يقررنها وقيل خافت أن يشهدن عليها فاعترفت وهذه شهادة جازمة لما راعى جانبها ولم يذكرها البتة فعرفت أنه ترك ذكرها تعظيمًا لها فكافأته على ذلك فكشفت الغطاء واعترفت أن الذنب كله من جانبها وأنه كان مبرأ عن الكل وسقط باب قوله لغير أبي ذر. 4694 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ وَنَحْنُ أَحَقُّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لَهُ: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (سعيد بن تليد) بفتح الفوقية وكسر اللام وبعد التحتية الساكنة دال مهملة هو سعيد بكسر العين ابن عيسى بن تليد المصري قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن القاسم) المصري العتقي صاحب الإمام مالك (عن بكر بن مضر) بفتح الموحدة وسكون الكاف ومضر بضم الميم وفتح المعجمة ابن محمد المصري (عن عمرو بن الحارث) بفتح العين ابن يعقوب بن عبد الله مولى قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري المصري الفقيه المقري أحد الأئمة الأعلام (عن يونس بن يزيد) الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد بن المسيب) المخزومي أحد الأعلام (وأبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يرحم الله لوطاً) هو ابن أخي إبراهيم الخليل وكان ممن آمن وهاجر معه إلى مصر (لقد كان يأوي إلى ركن شديد) يشير إلى قوله تعالى: {قال لو أن لي بكم قوّة أو آوي إلى ركن شديد} [هود: 80] (ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف) ولأبي ذر: ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف بضم اللام وسكون الموحدة، وكان قد لبث سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات كما قيل (لأجبت الداعي) لأسرعت إلى الإجابة إلى الخروج من السجن. قال محيي السنّة إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصف يوسف عليه الصلاة والسلام بالأناة والصبر حيث لم يبادر إلى الخروج حين جاءه رسول الملك فعل المذنب حين يعفى عنه مع طول لبثه في السجن، بل قال {ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن} [يوسف: 50] أراد أن يقيم الحجة في حبسهم إياه ظلمًا فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على سبيل التواضع لا أنه صلوات الله وسلامه عليه كان في الأمر منه مبادرة وعجلة لو كان مكان يوسف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والتواضع لا يصغر كبيرًا ولا يضع رفيعًا ولا يبطل لذي حق حقًّا لكنه يوجب لصاحبه فضلاً ويكسبه جلالاً وقدرًا (ونحن أحق من إبراهيم) في سورة البقرة وغيرها ونحن أحق بالشك من إبراهيم يعني لو كان الشك متطرقًا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به وقد علمتم أني لم أشك فإبراهيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يشك ({إذ قال له}) ربه جل وعلا ({أولم تؤمن}) بعد قوله: {رب أرني كيف تحيي الموتى}

6 - باب قوله: {حتى إذا استيأس الرسل} [يوسف: 110]

({قال بلى}) آمنت ({ولكن}) سألتك أن تريني كيف الإحياء ({ليطمئن قلبي}) [البقرة: 260] فلم يكن شك في القدرة على الإحياء، بل أراد الترقي من علم اليقين إلى عين اليقين مع مشاهدة الكيفية. 6 - باب قَوْلِهِ: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} [يوسف: 110] (باب قوله) تعالى: ({حتى إذا استيأس الرسل}) [يوسف: 110] ليس في الكلام شيء تكون حتى غاية له ولذا اختلف في تقدير شيء يصح تغييته بحتى فقدره الزمخشري وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً فتراخى نصرهم حتى وقدره القرطبي وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلا رجالاً ثم لم نعاقب أمتهم بالعقاب حتى إذا وقدره ابن الجوزي وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً فدعوا قومهم فكذبوهم وطال دعاؤهم وتكذيب قومهم حتى. قال في اللباب وأحسنها الأول اهـ. 4695 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ لَهُ وَهُوَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ} قَالَ: قُلْتُ أَكُذِبُوا أَمْ كُذِّبُوا؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: كُذِّبُوا، قُلْتُ: فَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ، فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ قَالَتْ: أَجَلْ لَعَمْرِي لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهَا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا، قَالَتْ: مَعَاذَ اللَّهِ لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا قُلْتُ: فَمَا هَذِهِ الآيَةُ قَالَتْ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْبَلاَءُ وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمُ النَّصْرُ حَتَّى اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ وَظَنَّتِ الرُّسُلُ أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ قَدْ كَذَّبُوهُمْ جَاءَهُمْ نَصْرُ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن أويس أبو القاسم القرشي الأويسي المدني الأعرج قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت له) أي لعروة وسقط لفظ له لأبي ذر: (وهو) أي والحال أنه (يسألها عن قول الله تعالى {حتى إذا استيأس الرسل} قال) أي عروة: (قلت) لها: (أكذبوا) بتخفيف المعجمة المكسورة بعد ضم الكاف (أم كذبوا) بتشديدها (قالت عائشة كذبوا) مشددة كما صرح به في الثلاثة في رواية الإسماعيلي تخفيفًا وتشديدًا قال عروة (قلت) لها: (فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن قالت) أي عائشة (أجل) تعني نعم (لعمري لقد استيقنوا بذلك) ولم يظنوا قال عروة (فقلت لها وظنوا أنهم قد كذبوا) بالتخفيف فردت عليه حيث (قالت: معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها) وهذا ظاهره أنها أنكرت قراءة التخفيف بناء على أن الضمير للرسل ولعلها لم تبلغها، فقد ثبتت متواترة في قراءة الكوفيين في آخرين ووجهت بأن الضمير في وظنوا عائد على المرسل إليهم لتقدمهم في قوله: كيف كان عاقبة الدين من قبلهم، والضمير أي في أنهم وكذبوا على الرسل أي وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا أي كذبهم من أرسلوا إليه بالوحي وبنصرهم عليهم أو أن الضمائر كلها ترجع إلى المرسل إليهم أي ظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما ادعوا من النبوّة فيما يوعدون به من لم يؤمن من العقاب أو كذبهم المرسل إليهم بوعد الإيمان، وقول الكرماني لم تنكر عائشة القراءة وإنما أنكرت التأويل خلاف الظاهر. قال عروة: (قلت) لها: (فما هذه الآية؟ قالت هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم) أي وصدقوا الرسل (فطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم) فالضمائر كلها على قراءة التشديد عائدة على الرسل أي وظن الرسل أنهم قد كذبهم أممهم فيما جاؤوا به لطول البلاء عليهم (جاءهم نصر الله عند ذلك) وحصلت النجاة لمن تعلقت به مشيئته وهم النبي والمؤمنون والظن هنا بمعنى اليقين أو على حقيقته وهو رجحان أحد الطرفين. 4696 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ فَقُلْتُ لَعَلَّهَا كُذِبُوا مُخَفَّفَةً قَالَتْ: مَعَاذَ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (فقلت) أي لعائشة (لعلها كذبوا مخففة قالت معاذ الله نحوه) أي فذكرت نحو حديث صالح بن كيسان، وقد ساقه المؤلّف مختصرًا وأورده أبو نعيم في مستخرجه تامًّا ولفظه عن عروة أنه سأل عائشة فذكره نحو السابقة. [13]- سورة الرَّعْدِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ}: مَثَلُ الْمُشْرِكِ الَّذِي عَبَدَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا غَيْرَهُ كَمَثَلِ الْعَطْشَانِ الَّذِي يَنْظُرُ إِلَى خَيَالِهِ فِي الْمَاءِ مِنْ بَعِيدٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ وَلاَ يَقْدِرُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: سَخَّرَ: ذَلَّلَ، {مُتَجَاوِرَاتٌ}: مُتَدَانِيَاتٌ {الْمَثُلاَتُ}: وَاحِدُهَا مَثُلَةٌ، وَهْيَ الأَشْبَاهُ وَالأَمْثَالُ. وَقَالَ: {إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا} [يونس: 102] بِمِقْدَارٍ: بِقَدَرٍ {مُعَقِّبَاتٌ}: مَلاَئِكَةٌ حَفَظَةٌ تُعَقِّبُ الأُولَى مِنْهَا الأُخْرَى وَمِنْهُ قِيلَ الْعَقِيبُ يُقَالُ: عَقَّبْتُ فِي إِثْرِهِ. {الْمِحَالُ}: الْعُقُوبَةُ. {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ}: لِيَقْبِضَ عَلَى الْمَاءِ. {رَابِيًا}: مِنْ رَبَا يَرْبُو. {أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ}: مِثْلُهُ الْمَتَاعُ، مَا تَمَتَّعْتَ بِهِ. {جُفَاءً}: أَجْفَأَتِ الْقِدْرُ: إِذَا غَلَتْ فَعَلاَهَا الزَّبَدُ ثُمَّ تَسْكُنُ فَيَذْهَبُ الزَّبَدُ بِلاَ مَنْفَعَةٍ فَكَذَلِكَ يُمَيِّزُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ. {الْمِهَادُ}: الْفِرَاشُ. {يَدْرَءُونَ}: يَدْفَعُونَ دَرَأْتُهُ دَفَعْتُهُ. {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ}: أَيْ يَقُولُونَ: سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ. {وَإِلَيْهِ مَتَابِ}: تَوْبَتِى. {أَفَلَمْ يَيْأَسْ}: لَمْ يَتَبَيَّنْ. {قَارِعَةٌ}: دَاهِيَةٌ. {فَأَمْلَيْتُ}: أَطَلْتُ مِنَ الْمَلِيِّ وَالْمُلاَوَةُ وَمِنْهُ. {مَلِيًّا}: وَيُقَالُ لِلْوَاسِعِ الطَّوِيلِ مِنَ الأَرْضِ مَلًى مِنَ الأَرْضِ. {أَشَقُّ}: أَشَدُّ مِنَ الْمَشَقَّةِ. {مُعَقِّبَ}: مُغَيِّرٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مُتَجَاوِرَاتٌ}: طَيِّبُهَا وَخَبِيثُهَا السِّبَاخُ. {صِنْوَانٌ}: النَّخْلَتَانِ، أَوْ أَكْثَرُ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ. {وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}: وَحْدَهَا. {بِمَاءٍ وَاحِدٍ}: كَصَالِحِ بَنِي آدَمَ وَخَبِيثِهِمْ أَبُوهُمْ وَاحِدٌ. {السَّحَابُ الثِّقَالُ}: الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ. {كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ}: يَدْعُو الْمَاءَ بِلِسَانِهِ وَيُشِيرُ إِلَيْهِ فَلاَ يَأْتِيهِ أَبَدًا. {سَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}: تَمْلأُ بَطْنَ وَادٍ. {زَبَدًا رَابِيًا}: زَبَدُ السَّيْلِ خَبَثُ الْحَدِيدِ وَالْحِلْيَةِ. ([13] سورة الرعد) مكية في قول ابن عباس ومجاهد وابن جبير مدنية في قول قتادة إلا {ولا يزال الذين كفروا} وعنه من أولها إلى {ولو أن قرآنًا} وهي خمس وأربعون آية. (بسم الله الرحمن الرحيم). (قال ابن عباس): سقطت البسملة لغير أبي ذر وزاد واوًا قبل قال ابن عباس: ({كباسط كفيه}) يريد قوله تعالى: {له

دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه} [الرعد: 14] أي (مثل المشرك الذي عبد مع الله إلهًا غيره) ولأبي ذر إلهًا آخر غيره (كمثل العطشان الذي ينظر إلى خياله) ولأبي ذر: إلى ظل خياله (في الماء من بعيد وهو يريد أن يتناوله ولا يقدر) أي عليه وهذا وصله ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ويجوز أن يراد بالموصول في قوله والذين يدعون المشركون فالواو في يدعون عائده ومفعوله محذوف وهو الأصنام والواو في لا يستجيبون عائد على مفعول يدعون المحذوف وعاد عليه الضمير كالعقلاء لمعاملتهم إياه معاملتهم، والتقدير والمشركون الذين يدعون الأصنام لا تستجيب لهم الأصنام إلا استجابة كاستجابة الماء من بسط كفيه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه ولا يقدر أن يجيبه ويبلغ فاه فوجه التشبيه عدم قدره المدعو على تحصيل مراده بل عدم العلم بحال الداعي أو شبهوه في عدم فائدة دعائهم بمن بلغه العطش حتى كربه الموت وكفاه في الماء قد وضعهما لا يبلغان فاه رواه الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس أو كطالب الماء من البئر بلا دلو ولا رشاء يمدّ يده إليها ليرتفع الماء إليه. رواه الطبري أيضًا من طريق أبي أيوب عن علي. (وقال غيره) أي غير ابن عباس في قوله تعالى: ({سخر}) أي (ذلل) الشمس والقمر لما يقصد منهما كتذليل المركوب للراكب أو لنيل منافعهما، وسقط هذا لأبي ذر، وفي اليونينية سخر ذلك بكاف بعد اللام وهي مصلحة في الفرع لامًا هو الذي رأيته في النسخ المعتمدة كنسخة آل ملك. ({متجاورات}) ومراده قوله تعالى: {وفي الأرض قطع متجاورات} [الرعد: 4] أي (متدانيات) في الأوضاع مختلفة باعتبار كونها طيبة وسبخة رخوة وصلبة صالحة للزرع والشجر أو لأحدهما وغير صالحة لشيء مع أن تأثير الشمس وسائر الكواكب فيها على السواء فلم يكن ذلك بسبب الاتصالات الفلكية والحركات الكوكبية وكذلك أشجارها وزروعها مختلفة جنسًا ونوعًا وطعمًا مع أنها تسقى بماء واحد فلا بد من مخصص يخصص كلاًّ منها بخاصية دون أخرى وما ذلك إلا إرادة الفاعل المختار وفي نسخة هنا وقال مجاهد متجاورات طيبها عذبها وخبيثها السباخ هذا وصله أبو بكر بن المنذر من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد. ({المثلات}) في قوله: {وقد خلت من قبلهم المثلات} [الرعد: 6] ولأبي ذر وقال غيره المثلات (واحدها مثلة) بفتح الميم وضم المثلثة كسمرة وسمرات (وهي الأشباه والأمثال) قال أبو عبيدة وعند الطبري من طريق معمر عن قتادة قال: المثلات العقوبات. وقال ابن عباس: العقوبات المستأصلات كمثلة قطع الأذن والأنف ونحوهما وسميت بذلك لما بين العقاب والمعاقب من المماثلة كقوله: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى: 40] (وقال) تعالى: ({إلا مثل أيام الذين خلوا}) [يونس: 102]. وقوله تعالى: {وكل شيء عنده} ({بمقدار}) [الرعد: 8] أي (بقدر) لا يجاوزه ولا ينقص عنه والعندية يحتمل أن يكون المراد بها أنه تعالى خصص كل حادث بوقت معين وحالة معينة بمشيئته الأزلية وإرادته السردية وعند حكماء الإسلام أنه تعالى وضع أشياء كلية وأودع فيها قوى وخواص وحرّكها بحيث يلزم من حركاتها المقدرة بالمقادير المخصوصة أحوال جزئية متعينة ومناسبات مخصوصة متقدرة ويدخل في هذه الآية أفعال العباد وأحوالهم وخواطرهم وهي من أدل الدلائل على بطلان قول المعتزلة. وقوله: له ({معقبات}) ولأبي ذر يقال معقبات أي (ملائكة حفظة) يحفظونه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام من بين يديه ومن خلفه ليلاً ونهارًا (تعقب) في حفظه (الأولى منها الأخرى) فإذا صعدت ملائكة النهار عقبتها ملائكة الليل وبالعكس. وأخرج الطبري من طريق كنانة العدوي أن عثمان سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن عدد الملائكة الموكلين بالآدمي فقال: لكل آدمي عشرة بالليل وعشرة

بالنهار واحد عن يمينه وآخر عن شماله واثنان من بين يديه ومن خلفه واثنان على جبينه وآخر قابض على ناصيته فإن تواضع رفعه وإن تكبر وضعه واثنان على شفتيه ليس يحفظان عليه إلا الصلاة على محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والعاشر يحرسه من الحية أن تدخل فاه يعني إذا نام. (ومنه) أي ومن أصل المعقبات (قيل العقيب) للذي يأتي في أثر الشيء (يقال عقبت) ولأبي ذر قيل العقيب أي عقبت (في أثره) بتشديد القاف في الفرع كأصله وضبطه الدمياطي. قال الزمخشري: وأصل معقبات متعقبات فأدغمت التاء في القاف كقوله وجاء المعذرون أي المعتذرون ويجوز معقبات بكسر العين وتعقبه أبو حيان فقال هذا وهم فاحش فإن التاء لا تدعم في القاف ولا القاف في التاء لا من كلمة ولا من كلمتين وقد نص التصريفيون على أن القاف والكاف كل منهما يدغم في القاف ولا يدغمان في غيرها ولا يدغم غيرهما فيهما، وأما تشبيهه بقوله تعالى: {وجاء المعذرون} [التوبة: 90] فلا يتعين أن يكون أصله المعتذرون، وأما قوله ويجوز معقبات بكسر العين فهذا لا يجوز لأنه بناه على أن أصله معتقبات فأدغمت التاء في القاف، وقد بينا أن ذلك وهم فاحش والضمير في له يعود على المكررة أي لمن أسر القول ولمن جهر به ولمن استخفى ولمن سرب جماعة من الملائكة يعقب بعضهم بعضًا أو يعود على من الأخيرة وهو قول ابن عباس. قال ابن عطية: فالمعقبات على هذا حرس الرجل الذين يحفظونه. قالوا: والآية على هذا في الرؤساء الكفار، واختاره الطبري في آخرين إلا أن الماوردي ذكر على هذا التأويل أن الكلام نفي والتقدير لا يحفظونه، وهذا ينبغي أن لا يسمع البتة كيف يبرز كلام موجب ويراد به نفي وحذف لا إنما يجوز إذا كان المنفي مضارعًا في جواب قسم نحو تالله تفتأ وقد تقدم تحريره وإنما معنى الكلام كما قال المهدوي يحفظونه من أمر الله في زعمه وظنه اهـ. ومن إما للسبب أي بسبب أمر الله أو على بابها. قال أبو البقاء: من أمر الله من الجن والإنس وذكر الفراء أنه على التقديم والتأخير أي له معقبات من أمر الله يحفظونه لكن قال في الدر: والأصل عدم ذلك مع الاستغناء عنه وأخرج الطبري من طريق سعيد بن جبير قال حفظهم إياه من أمر الله. ({المحال}) يريد قوله: {وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال} [الرعد: 13] هو (العقوبة) قاله أبو عبيدة. (وقوله تعالى: {كباسط كفيه على الماء} [الرعد: 14] ليقبض على الماء) فلا يحصل منه على شيء قال: فأصبحت مما كان بيني وبينها ... من الودّ مثل القابض الماء باليد والمعنى أن الذي يبسط يده إلى الماء ليقبضه كما لا ينتفع به كذلك المشركون الذين يعبدون مع الله آلهة غيره لا ينتفعون بها أبدًا وقد مر قريبًا مزيد لهذا. وقوله تعالى: {فاحتمل السيل زبدًا} ({رابيًا}) [الرعد: 17] (من ربا يربو) أي إذا زاد وقال الزجاج: طافيًا فوق الماء والزبد وضر الغليان وخبثه أو ما يحمله السيل من غثاء ونحوه. ({أو متاع زبد} مثله المتاع ما تمتعت به) كالأواني وآلات الحرث والحرب. ({جفاء}) قال أبو عمرو بن العلاء (أجفأت القدر) ولأبي ذر يقال أجفأت القدر (إذا غلت فعلاها الزبد ثم تسكن فيذهب الزبد بلا منفعة فكذلك يميز الحق من الباطل) وذلك أن هذا الكلام ضربه للحق وأهله الشامل للقرآن وغيره والباطل وحزبه فقوله: {أنزل من السماء ماء} مثل للقرآن والأودية مثل للقولب أي أنزل القرآن فاحتملت منه القلوب على قدر اليقين فالقلب الذي يأخذ منه ما ينتفع به فيحفظه ويتدبره تظهر عليه ثمرته ولا يخفى أن بين القلوب في ذلك تفاوتًا عظيمًا وقوله: {وأما الزبد} فهو مثل الباطل في قلة نفعه وسرعة زواله. ({المهاد}) في قوله: {ومأواهم جهنم وبئس المهاد} [الرعد: 18] هو (الفراش) وهذا ساقط لأبي ذر ثابت لغيره. (يدرؤون) في قوله: ({ويدرؤون}) [الرعد: 22] أي (يدفعون) السيئة بمقابلتها بالحسنة وهذا وصف سيدنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في التوراة

1 - باب قوله: {الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام} [الرعد: 8] غيض نقص

فيندرج تحته الدفع بالحسن من الكلام والوصل في مقابلة قطع الأرحام وغيرهما من أخلاق الكرام وتغيير منكرات أفعال اللئام (درأته عني) أي (دفعته) وسقط لغير أبي ذر عني. ({سلام عليكم}) يريد قوله تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم} [الرعد: 23] (أي يقولون سلام عليكم) فأضمر القول ها هنا لأن في الكلام دليلاً عليه والقول المضمر حال من فاعل يدخلون أي يدخلون قائلين سلام عليكم بشارة بدوام السلامة. ({وإليه متاب}) [الرعد: 35] أي (توبتي). ومرجعي فيثيبني على المشاق أو إليه أتوب عن سالف خطيئتي ولأبي ذر والمتاب إليه توبتي. وقوله: ({أفلم ييأس}) [الرعد: 31] أي (لم) ولأبي ذر فلم (يتبين) وبها قرأ عليّ وابن عباس وغيرهما وردّه الفرّاء بأنه لم يسمع يئست بمعنى علمت وأجيب: بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ ويدل على ذلك قراءة عليّ وغيره كما مر وقد قال القاسم بن معن وهو من ثقات الكوفيين: هي لغة هوازن وقال ابن الكلبي: هي لغة حيّ من النخع ومنه قول رباح بن عدي: ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه ... وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا وقول سحيم الرياحي: أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني ... ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم والمعنى أفلم يعلم المؤمنون أنه لو تعلقت مشيئة الله تعالى على وجه الإلجاء بإيمان الناس جميعًا لآمنوا. ({قارعة}) أي (داهية) تقرعهم وتقلقلهم. ({فأمليت}) أي (أطلت) للذين كفروا المدة بتأخير العقوبة (من الملي) بفتح الميم وكسر اللام وتشديد التحتية قال في الصحاح الهويّ من الدهر يقال أقام مليًا من الدهر قال تعالى: {واهجرني مليًا} [مريم: 46] أي طويلاً ومضى مليّ من النهار أي ساعة طويلة (والملاوة) بكسر الميم ولأبي ذر والملاوة بضمها يقال أقمت عنده ملاوة من الدهر أي حينًا وبرهة (ومنه {مليًّا}) كما مر (ويقال للواسع الطويل من الأرض): وهو الصحراء (ملى) بفتح الميم مقصورًا كما في اليونينية وفرعها لأبي ذر وفي أصل اليونينية ملى كذا (من الأرض) وسقط لأبي ذر من الأرض الثاني. ({أشق}) أي (أشد من المشقّة) قاله أبو عبيدة. ({معقب} مغير) يريد قوله: {لا معقب لحكمه} [الرعد: 41] أي لا مغير لإرادته ولا يعقبه أحد بالرد والإبطال. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({متجاورات} طيبها وخبيثها السباخ) وهذا قد ثبت في نسخة قبل قوله المثلات كما مر. ({صنوان}) جمع صنو كقنوان جمع قنو (النخلتان أو أكثر في أصل واحد) وفي الحديث "عم الرجل صنو أبيه" أي يجمعهما أصل واحد ({وغير صنوان}) النخلة (وحدها {بماء واحد} كصالح بني آدم وخبيثهم) قال الحسن: هذا مثل ضربه الله لقلوب بني آدم فقلب يرق فيخشع ويخضع وقلب يسهو ويلهو والكل (أبوهم واحد). وقوله: ({السحاب الثقال}) يريد قوله تعالى: {وينشئ السحاب الثقال} [الرعد: 12] أي (الذي فيه الماء) قال: والسحاب اسم جنس والواحد سحابة والثقال جمع ثقيلة لأنك تقول سحابة ثقيلة وسحاب ثقال كما تقول امرأة كريمة ونساء كرام وقال عليّ: السحاب غربال الماء. وقوله تعالى: ({كباسط كفيه}) زاد أبو ذر إلى الماء أي (يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدًا) إذ لا إشعار له به وهذا وصله الفريابي والطبري من طرق عن مجاهد وهو مثل الذين يدعون آلهة غير الله وسبق هذا في موضعين من هذه السورة ({سالت}) ولأبي ذر: فسالت ({أودية بقدرها} تملأ بطن واد) ولأبي ذر كل واد بحسبه فهذا كبير يسع كثيرًا من الماء وهذا صغير يسع بقدره ({زبدًا رابيًا} زبد السيل): ولأبي ذر الزبد زبد السيل ولأبي ذر زبد مثله أي ومما توقدون عليه من الذهب والفضة والحديد وغيرهما زبد مثل زبد الماء هو (خبث الحديد والحلية) وقوله زبد مثله ثابت لأبي ذر وسبق ما في ذلك من البحث قريبًا. 1 - باب قَوْلِهِ: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ} [الرعد: 8] غِيضَ نُقِصَ (باب قوله {الله يعلم ما تحمل كل أنثى}) أي الذي تحمله أو حملها

فعلى الموصولية فالمعنى أنه تعالى يعلم ما تحمله من الولد أهو ذكر أم أنثى وتام أم ناقص وحسن أم قبيح وطويل أم قصير أو غير ذلك من الأحوال ({وما تغيض الأرحام}) [الرعد: 8] (غيض) أي (نقص) بضم النون وكسر القاف سواء كان لازمًا أو متعديًا يقال غاض الماء وغضته أنا والمعنى وما تغيضه الأرحام وما تزداد أي تأخذه زائدًا، والمعنى يعلم ما تنقصه وما تزداده في الجثة والمدة والعدد فإن الرحم قد تشتمل على واحد وعلى اثنين وعلى ثلاثة وأربعة يروى أن شريكًا كان رابع أربعة في بطن أمه، وعن الشافعي أن شيخًا باليمن أخبره أن امرأة ولدت بطونًا في كل بطن خمسة. وعن العوفي عن ابن عباس مما ذكره ابن كثير (وما تغيض الأرحام) يعني السقط وما تزداد يقول وما زاد الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تمامًا، وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر ومن تحمل تسعة أشهر ومنهن من تزيد في الحمل ومنهن من تنقص، وأقصى مدة الحمل أربع سنين عندنا وخمس عند مالك وسنتان عند أبي حنيفة. وقال الضحاك: وضعتني أن في بطنها سنتين وولدتني وقد نبتت ثنيتي انتهى. وأقول في سنة ثمان وثمانين وثمانمائة غرة يوم السبت مستهل جمادى الأولى ولدت ابنتي زينب وفقها الله تعالى لكل خير وأحسن عواقبها وجعل لها الذرية الصالحة لتسعة أشهر من ابتداء حملها وقد نبتت ثنيتها ثم سقطت بعد نحو سبعة أشهر. وقال مكحول: الجنين في بطن أمه لا يطلب ولا يحزن ولا يغتم وإنما يأتيه رزقه في بطن أمه من دم حيضها فمن ثم لا تحيض الحامل، فإذا وقع إلى الأرض استهل واستهلاله استنكار لمكانه فإذا قطعت سرته حوّل الله رزقه إلى ثدي أمه حتى لا يطلب ولا يحزن ولا يغتم ثم يصير طفلاً يتناول الشيء بكفّه فيأكل فإذا بلغ قال هو الموت أو القتل أنى لي بالرزق؟ يقول مكحول: يا ويحك غذاك وأنت في بطن أمك وأنت طفل صغير حتى إذا اشتددت وعقلت قلت هو الموت أو القتل أنى لي بالرزق؟ ثم قرأ مكحول {يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد} [الرعد: 8] انتهى. والإسناد إلى الرحم لا يخفى أنه مجازي إذ الفاعل حقيقة هو الله تعالى وكل كائن بقدر معين عند الله تعالى لا يجاوز ولا ينقص عنه. 4697 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ، لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ تَدْرِى نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ. وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ اللَّهُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) الحزامي بالحاء المهملة والزاي المعجمة قال: (حدّثنا معن) بفتح الميم وسكون العين آخره نون ابن عيسى القزاز بالقاف والزاي المشددة وبعد الألف زاي أخرى (قال حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما) قال أبو مسعود: تفرد به إبراهيم بن المنذر وهو غريب عن مالك. قال في الفتح: قد أخرجه الدارقطني من رواية عبد الله بن إبراهيم بن المنذر وهو غريب عن مالك. قال في الفتح: قد أخرجه الدارقطني من رواية عبد الله بن جعفر البرمكي عن معن ورواه أيضًا من طريق القعنبي عن مالك لكنه اختصره وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق ابن القاسم عن مالك، قال الدارقطني: ورواه أحمد بن أبي طيبة عن مالك عن نافع عن ابن عمر فوهم فيه إسنادًا ومتنًا (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (مفاتيح الغرب) بوزن مصابيح ولأبي ذر مفاتح بوزن مساجد جمع مفتح بفتح الميم أي خزائن الغيب (خمس لا يعلمها إلا الله) ذكر خمسًا لأن كان الغيب لا يتناهى لأن العدد لا ينفي الزائد أو لأنهم كانوا يعتقدون معرفتها (لا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم ما تغيض الأرحام) أي ما تنقصه (إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله) أي إلا عند أمر الله به فيعلم حينئذٍ كالسابق إذا أمر تعالى به (ولا تدري نفس بأي أرض تموت) أي في بلدها أم في غيرها كما لا تدري في أي وقت تموت (ولا يعلم متى تقوم الساعة) أحد (إلا الله) إلا من ارتضى من رسول فإنه يطلعه على ما يشاء من غيبه والولي التابع له يأخذ عنه. وقد سبق شيء من فوائد هذا الحديث في سورة الأنعام، فالتفت إليه كالاستسقاء ويأتي الإلمام بشيء منه إن شاء الله تعالى في آخر سورة لقمان وبالله المستعان.

[14]- سورة إبراهيم عليه الصلاة والسلام

[14]- سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ عليه الصَّلاَةُ وَالسَّلامُ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَادٍ: دَاعٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ صَدِيدٌ: قَيْحٌ وَدَمٌ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَيَادِيَ اللَّهِ عِنْدَكُمْ وَأَيَّامَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ رَغِبْتُمْ إِلَيْهِ فِيهِ، يَبْغُونَهَا عِوَجًا: يَلْتَمِسُونَ لَهَا عِوَجًا. وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ: أَعْلَمَكُمْ آذَنَكُمْ. رَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ هَذَا مَثَلٌ كَفُّوا عَمَّا أُمِرُوا بِهِ. مَقَامِي حَيْثُ يُقِيمُهُ اللَّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. مِنْ وَرَائِهِ: قُدَّامِهِ. لَكُمْ تَبَعًا وَاحِدُهَا تَابِعٌ مِثْلُ غَيَبٍ وَغَائِبٍ. بِمُصْرِخِكُمْ: اسْتَصْرَخَنِي اسْتَغَاثَنِي يَسْتَصْرِخُهُ مِنَ الصُّرَاخِ. وَلاَ خِلاَلَ مَصْدَرُ خَالَلْتُهُ خِلاَلاً وَيَجُوزُ أَيْضًا جَمْعُ خُلَّةٍ وَخِلاَلٍ. اجْتُثَّتْ: اسْتُؤْصِلَتْ. [14]- سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ عليه الصَّلاَةُ وَالسَّلامُ مكية وهي إحدى وخمسون آية. (بسم الله الرحمن الرحيم). (باب) وسقطت البسملة لغير أبي ذر وكذا باب. (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- في قوله تعالى في سورة الرعد: (ولكل قوم ({هاد}) [الرعد: 7] أي (داع) يدعوهم إلى الصواب ويهديهم إلى الحق والمراد نبي مخصوص بمعجزات من جنس ما هو الغالب عليهم، والظاهر أن وقوع ذلك هنا من ناسخ. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({صديد}) من قوله تعالى: {ويسقى من ماء صديد} [إبراهيم: 16] هو (قيح ودم) وقال قتادة هو ما يسيل من لحمه وجلده وفي رواية عنه ما يخرج من جوف الكافر قد خالط القيح والدم وقيل ما يخرج من فروج الزناة وهل الصديد نعت أم لا؟ فقيل نعت لماء وفيه تأويلان: أحدهما: أنه على حذف أداة التشبيه أي ماء مثل صديد وعلى هذا فليس الماء الذي يشربونه صديدًا بل مثله في النتن والغلظ والقذارة كقوله: {وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل} [الكهف: 29] والثاني: إن الصديد لما كان يشبه الماء أطلق عليه ماء وليس هو بماء حقيقة وعلى هذا فيشربون نفس الصديد المشبه بالماء وإلى كونه صفة ذهب الحوفي وغيره وفيه نظر إذ ليس بمشتق إلا على قول من فسره بأنه صديد بمعنى مصدود أخذه من الصد وكأنه لكراهته مصدود عنه أي يمتنع عنه كل أحد يدل عليه يتجرعه أي يتكلف جرعه وكذا لا يكاد، وسقط وقال مجاهد الخ لأبي ذر. (وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله في تفسيره والطبري أيضًا: ({اذكروا نعمة الله عليكم}) [المائدة: 20] أي (أيادي الله عندكم وأيامه) أي بوقائعه التي وقعت على الأمم الدارجة. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: وآتاكم ({من كل ما سألتموه}) [إبراهيم: 34] أي (رغبتم إليه فيه) وفي من قولان قيل زائدة في المفعول الثاني، وهذا إنما يأتي على قول الأخفش، وقيل تبعيضية أي آتاكم بعض جميع ما سألتموه نظرًا لكم ولمصالحكم وعلى هذا فالمفعول محذوف أي وآتاكم شيئًا من كل ما سألتموه وهو رأي سيبويه. ({يبغونها عوجًا) قال مجاهد فيما وصله عبد بن حميد (يلتمسون) ولأبي ذر تبعونها تلتمسون بالفوقية بدل التحتية فيهما (لها عوجًا) أي زيغًا ونكوبًا عن الحق ليقدحوا فيه وأشار بقوله لها إلى الأصل ولكنه حذف الجار وأوصل الفعل والإضلال يكون بالسعي في صدّ الغير وبإلقاء الشك والشبهات في المذهب الحقة ويحاول تقبيح الحق بكل ما يقدر عليه وهذا النهاية. ({وإذ تأذن ربكم}) أي (أعلمكم آذنكم) بمدّ الهمزة والمعنى آذن إيذانًا بليغًا لما في تفعل من التكلف وفي رواية أبي ذر كما في فتح الباري أعلمكم ربكم أي إن شكرتم نعمتي من الإنجاء وغيره بالإيمان وصالحات الأعمال لأزيدنكم النعم وإن جحدتموها فإن عذابي بسلبها في الدنيا والنار في العقبى في غاية الشدة. ({ردّوا}) يريد قوله تعالى: فردّوا ({أيديهم في أفواههم}) قال أبو عبيدة (هذا مثل) ومعناه (كفوا عما أمروا به) من الحق ولم يؤمنوا به قال في الفتح وقد تعقبوا كلام أبي عبيدة بأنه لم يسمع من العرب ردّ يده في فيه إذا ترك الشيء الذي كان يفعله اهـ. وهذا الذي قاله أبو عبيدة قاله أيضًا الأخفش وأنكره القتيبي ولفظه كما في اللباب لم يسمع أحد يقول ردّ يده إلى فيه إذا ترك ما أمر به. وأجيب: بأن المثبت مقدم على النافي قال في الدر: والضمائر الثلاثة يجوز أن تكون للكفار أي فرد الكفار أيديهم في أفواههم من الغيظ كقوله تعالى: {عضوا عليكم الأنامل من الغيظ} [آل عمران: 119] ففي على بابها من الظرفية أو فردوا أيديهم على أفواههم ضحكًا واستهزاء ففي بمعنى على أو أشاروا بأيديهم إلى ألسنتهم وما نطقوا به من قولهم إنّا كفرنا ففي بمعنى إلى وأن يكون الأوّلان للكفار والأخير للرسل أي فرد الكفار أيديهم في أفواه الرسل أي أطبقوا أفواههم يشيرون إليهم بالسكوت. وقوله: ذلك لمن خاف ({مقامي}) [إبراهيم: 14] قال ابن عباس: (حيث يقيمه الله بين يديه)

1 - باب قوله: {كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين} [إبراهيم: 24، 25]

يوم القيامة للحساب. وقوله: ({من ورائه}) أي من (قدامه) ولأبي ذر قدامه جهنم بنصب ميم قدامه وهذا قول الأكثر وهو من الأضداد وعليه قوله: عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب أي قدامه وقول الآخر: أليس ورائي إن تراخت منيتي ... لزوم العصا تحنى عليها الأضالع وقيل: بعد موته. وقوله تعالى: ({إنا كنا لكم تبعًا}) قال أبو عبيدة: (واحدها تابع مثل غيب وغائب) وخدم وخادم أي يقول الضعفاء للذين استكبروا أي لرؤسائهم الذين استتبعوهم إنّا كنا لكم تبعًا في التكذيب للرسل والإعراض عنهم. وقوله تعالى: ({ما أنا بمصرخكم}) يقال: (استصرخني) أي (استغاثني) فكان همزته للسلب أي أزال صراخي (يستصرخه من الصراخ) والمعنى ما أنا بمغيثكم من العذاب وسقط لأبي ذر قوله: بمصرخكم الخ ({ولا خلال} مصدر خاللته خلالاً}) قال طرفة: كل خليل كنت خاللته ... لا ترك الله له واضحه (ويجوز أيضًا جمع خلة وخلال) كبرمة وبرام وهذا قاله الأخفش والجمهور على الأوّل والمخاللة المصاحبة. ({اجتثت}) من قوله تعالى: {كشجرة: خبيثة اجتثت} [إبراهيم: 26] أي (استؤصلت) وأخذت جثتها بالكلية قال لقيط الأيادي: هذا الخلاء الذي يجتث أصلكم ... فمن رأى مثل ذا آت ومن سمعا 1 - باب قَوْلِهِ: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكْلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 24، 25] (باب قوله) تعالى: ({كشجرة طيبة}) مثمرة طيبة الثمار كالنخلة وشجرة التين والعنب والرمان ({أصلها ثابت}) راسخ في الأرض ضارب بعروقه فيها آمن من الانقطاع والزوال ({وفرعها}) أعلاها ({في السماء}) لأن ارتفاع الأغصان يدل على ثبات الأصل ومتى ارتفعت كانت بعيدة عن عفونات الأرض فثمارها نقية طاهرة عن جميع الشوائب ({تؤتي أكلها}) تعطي ثمرها ({كل حين}) [إبراهيم: 24، 25] أقته الله تعالى لأثمارها. وقال الربيع بن أنس: كل حين أي غدوة وعشية لأن ثمر النخل يؤكل أبدًا ليلاً ونهارًا صيفًا وشتاءً إما تمرًا أو رطبًا أو بسرًا كذلك عمل المؤمن يصعد أوّل النهار وآخره وبركة إيمانه لا تنقطع أبدًا بل تتصل إليه في كل وقت والاستفهام في قوله: {ألم تر كيف ضرب الله مثلاً} [إبراهيم: 24] للتقرير وفائدته الإيقاظ له أي ألم تعلم والكلمة الطيبة كلمة التوحيد أو كل كلمة حسنة كالحمد والاستغفار والتهليل. وعن ابن عباس هي شجرة في الجنة أصلها ثابت في الأرض وأعلاها في السماء كذلك أصل هذه الكلمة راسخ في قلب المؤمن بالمعرفة والتصديق فإذا تكلم بها عرجت ولا تحجب حتى تنتهي إلى الله تعالى قال عز وجل: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر: 10] وسقط قوله: باب قوله لغير أبي ذر وله وفرعها الخ وقال بعد قوله ثابت الآية. 4698 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ تُشْبِهُ أَوْ كَالرَّجُلِ الْمُسْلِمِ لاَ يَتَحَاتُّ وَرَقُهَا وَلاَ وَلاَ وَلاَ تُؤْتِي أُكْلَهَا كُلَّ حِينٍ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لاَ يَتَكَلَّمَانِ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ فَلَمَّا لَمْ يَقُولُوا شَيْئًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هِيَ النَّخْلَةُ» فَلَمَّا قُمْنَا قُلْتُ لِعُمَرَ: يَا أَبَتَاهُ وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ. فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَكَلَّمَ؟ قَالَ: لَمْ أَرَكُمْ تَكَلَّمُونَ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ أَوْ أَقُولَ شَيْئًا. قَالَ عُمَرُ: لأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (عبيد بن إسماعيل) القرشي الهباري اسمه عبد الله وعبيد لقب غلب عليه (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما) أنه (قال: كنا عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (أخبروني بشجرة تشبه) ولأبي ذر: شبه (أو كالرجل المسلم) شك من الراوي (لا يتحات) بتشديد الفوقية آخره أي لا يتناثر (ورقها ولا ولا ولا) ذكر ثلاث صفات أخر للشجرة لم يبينها الراوي واكتفى بذكر كلمة لا ثلاثًا وقد ذكروا في تفسيره ولا ينقطع ثمرها ولا يعدم فيئها ولا يبطل نفعها (تؤتي أكلها كل حين) وقت (قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة ورأيت أبا بكر وعمر) رضي الله تعالى عنهما (لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم) هيبة منهما وتوقيرًا (فلما لم يقولوا) أي الحاضرون، ولأبي ذر عن

2 - باب {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت} [إبراهيم: 27]

الكشميهني فلم يقولا أي العمران (شيئًا قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هي النخلة) والحكمة في تمثيل الإسلام بالشجرة أن الشجرة لا تكون شجرة إلا بثلاثة أشياء عرق راسخ وأصل قائم وفرع عال، كذلك الإيمان لا يتم إلا بثلاثة أشياء تصديق بالقلب وقول باللسان وعمل بالأبدان (فلما قمنا قلت لعمر يا أبتاه) بسكون الهاء مصححًا عليها في الفرع وأصله وفي غيرهما بضمها (والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة فقال) أي عمر (ما منعك أن تكلم) بحذف إحدى التاءين (قال) أي ابن عمر قلت: (لم أركم تكلمون) بحذف إحدى التاءين أيضًا (فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئًا. قال عمر: لأن تكون قلتها أحب إليّ من كذا وكذا) أي من حمر النعم كما في الرواية الأخرى، وقد وضح أن المراد بالشجرة في الآية النخلة لا شجرة الجوز الهندي. نعم أخرج ابن مردويه من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف في الآية قال: هي شجرة جوز الهند لا تتعطل من ثمرة تحمل كل شهر اهـ. ونفع النخلة موجود في جميع أجزائها مستمر في جميع أحوالها فمن حين تطلع إلى حين تيبس تؤكل أنواعًا ثم ينتفع بجميع أجزائها حتى النوى في علف الإبل والليف في الحبال وغير ذلك مما لا يخفى. وقد سبق هذا الحديث في كتاب العلم. 2 - باب {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: 27] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت}) [إبراهيم: 27] كلمة التوحيد لا إله إلا الله لأنها رسخت في القلب بالدليل أي يديمهم الله عليها كما اطمأنت إليها نفوسهم في الدنيا والجمهور على أنها نزلت في سؤال المكلفين في القبر فيلقن الله المؤمن كلمة الحق عند السؤال فلا يزل وسقط باب لغير أبي ذر. 4699 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ فِي الْقَبْرِ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (علقمة بن مرثد) بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة الحضرمي أبو الحارث الكوفي (قال: سمعت سعد بن عبيدة) بسكون عين سعد وضمها في عبيدة مصغرًا غير مضاف (عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (المسلم إذا سئل في القبر) أي بعد إعادة روحه إلى جسده عن ربه ودينه ونبيه (يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذلك قوله) عز وجل: ({يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت}) الذي ثبت بالحجة عندهم ({في الحياة الدنيا}) قبل الموت كما ثبت في الذين فتنهم أصحاب الأخدود والذين نشروا بالمناشير ({وفي الآخرة}) في القبر بعد إعادة روحه في جسده وسؤال الملكين له، وإنما حصل لهم الثبات في القبر بسبب مواظبتهم في الدنيا على هذا القول، ولا يخفى أن كل شيء كانت المواظبة عليه أكثر كان رسوخه في القلب أتم ثبتنا الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة بمنه وكرمه وقيل في الحياة الدنيا في القبر عند السؤال وفي الآخرة عند البعث إذا سئلوا عن معتقدهم في الموقف فلا يتلعثمون ولا تدهشهم أهوال القيامة. وهذا الحديث قد سبق في باب ما جاء في عذاب القبر من الجنائز. 3 - باب {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28] أَلَمْ تَعْلَمْ كَقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ} {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا} {الْبَوَارُ}: الْهَلاَكُ بَارَ يَبُورُ بَوْرًا. {قَوْمًا بُورًا}: هَالِكِينَ هذا (باب) بالتنوين وهو ساقط لغير أبي ذر في قوله: ({ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرًا}) [إبراهيم: 28] قال أبو عبيدة: (ألم تعلم) ولأبي ذر: ألم تر (كقوله) تعالى: ({ألم تر كيف} {ألم تر إلى الذين خرجوا}) إذ الرؤية بالأبصار غير حاصلة إما لتعذرها أو لتعسرها عادة وفي الآية حذف مضاف أي غيروا شكر نعمة الله كفرًا بأن وضعوه مكانه وقول صاحب الأنوار كالكشاف أو بدلوا نفس النعمة كفرًا فإنهم لما كفروها سلبت منهم فصاروا تاركين لها محصلين الكفر بدلها تعقب بأنه ليس بقوي لأنه يقتضي حدوث الكفر حينئذٍ وهم قد كانوا كفارًا من قبل وهذا ظاهر لا خفاء فيه. ({البوار}) في قوله تعالى: {وأحلوا قومهم دار البوار} [إبراهيم: 28] هو (الهلاك) قال: فلم أر مثلهم أبطال حرب ... غداة الروع إذ خيف البوار وأصله من الكساد كما قيل: كسد حتى فسد، ولما كان الكساد يؤدي إلى الفساد والهلاك أطلق

[15]- سورة الحجر

عليه البوار والفعل منه (بار يبور بورًا) بفتح الموحدة وسكون الواو ({قومًا بورً}) أي (هالكين) قاله أبو عبيدة وغيره، ويحتمل أن يكون بورًا مصدرًا وصف به الجمع وأن يكون جمع بائر في المعنى ومن وقوع البور على الواحد قوله: يا رسول المليك إن لساني ... راتق ما فتقت إذ أنا بور وثبت قوله قومًا بورًا لأبي ذر. 4700 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28] قَالَ: هُمْ كُفَّارُ أَهْلِ مَكَّةَ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن عطاء) هو ابن أبي رباح أنه (سمع ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما يقول في قوله تعالى: ({ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرًا} قال: هم كفار أهل مكة) وعند الطبري من طريق أخرى عن ابن عباس أنه سأل عمر عن هذه الآية فقال من هم؟ قال هم الأفجران من بني مخزوم وبني أمية أخوالي وأعمامك فأما أخوالي فاستأصلهم الله يوم بدر وأما أعمامك فأملى الله لهم إلى حين والمراد كما في الفتح بعض بني أمية وبني مخزوم فإن بني مخزوم لم يستأصلوا يوم بدر بل المراد بعضهم كأبي جهل من بني مخزوم وأبي سفيان من بني أمية وعنده أيضًا من وجه آخر ضعيف عن ابن عباس هم جبلة بن الأيهم والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم. قال الحافظ ابن كثير والمشهور الصحيح عن ابن عباس هو القول الأول وإن كان المعنى يعم جميع الكفار فإن الله تعالى بعث محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رحمة للعالمين ونعمة للناس. وهذا الحديث ذكره في غزوة بدر. [15]- سورة الْحِجْرِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ الْحَقُّ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ وَعَلَيْهِ طَرِيقُهُ. لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ عَلَى الطَّرِيقِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَعَمْرُكَ: لَعَيْشُكَ، قَوْمٌ مُنْكَرُونَ أَنْكَرَهُمْ لُوطٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: كِتَابٌ مَعْلُومٌ: أَجَلٌ. لَوْ مَا تَأْتِينَا: هَلاَّ تَأْتِينَا. شِيَعٌ: أُمَمٌ. وَلِلأَوْلِيَاءِ أَيْضًا شِيَعٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُهْرَعُونَ: مُسْرِعِينِ. لِلْمُتَوَسِّمِينَ: لِلنَّاظِرِينَ. سُكِّرَتْ: غُشِّيَتْ. بُرُوجًا: مَنَازِلَ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. لَوَاقِحَ: مَلاَقِحَ مُلْقَحَةً. حَمَإٍ: جَمَاعَةُ حَمْأَةٍ وَهْوَ الطِّينُ الْمُتَغَيِّرُ. وَالْمَسْنُونُ: الْمَصْبُوبِ. تَوْجَلْ: تَخَفْ. دَابِرَ: آخِرَ. لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ: الإِمَامُ كُلُّ مَا ائْتَمَمْتَ وَاهْتَدَيْتَ بِهِ. الصَّيْحَةُ: الْهَلَكَةُ. [15]- سورة الْحِجْرِ ولأبي ذر عن المستملي تفسير سورة الحجر وهي مكية وآيها تسع وتسعون، وزاد أبو ذر: بسم الله الرحمن الرحيم. (وقال مجاهد) هو ابن جبر فيما وصله الطبري من طرق عنه في قوله تعالى: هذا ({صراط عليّ مستقيم}) [الحجر: 41] معناه (الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه) لا يعرّج على شيء. وقال الأخفش: عليّ الدلالة علي الصراط المستقيم، وقال غيرهما أي من مر عليه مرّ علي أي على رضواني وكرامتي وقيل علي بمعنى إليّ وهذا إشارة إلى الإخلاص المفيض من المخلصين وقيل إلى انتفاء تزيينه وإغوائه. وقوله: وإنهما ({لبإمام مبين}) [الحجر: 79] أي (على الطريق) الواضح والإمام اسم لما يؤتم به. قال الفراء والزجاج: إنما جعل الطريق إمامًا لأنه يؤم ويتبع. قال ابن قتيبة: لأن المسافر يأتم به حتى يصير إلى الموضع الذي يريده ومبين أي في نفسه أو مبين لغيره لأن الطريق يهدي إلى المقصد وضمير التثنية في وإنهما الأرجح أنه لقريتي قوم لوط وأصحاب الأيكة وهم قوم شعيب لتقدمهما ذكرًا وقوله (لبإمام مبين على الطريق) ثابت لأبي ذر عن المستملي. (وقال ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله ({لعمرك}) معناه (لعيشك) والعمر والعمر بفتح العين وضمها واحد وهما مدة الحياة ولا يستعمل في القسم إلا بالفتح. وفي هذه الآية شرف نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الله تعالى أقسم بحياته ولم يفعل ذلك لبشر سواه على ما نقل عن ابن عباس، أو الخطاب هنا للوط عليه الصلاة والسلام. قالت الملائكة له ذلك، والتقدير لعمرك قسمي والقسم بالعمر في القرآن وأشعار العرب وفصيح كلامها في غير موضع، وهو من الأسماء اللازمة للإضافة فلا يقطع عنها ويضاف لكل شيء، لكن منع بعض أصحاب المعاني فيما ذكره الزهراوي إضافته إلى الله لأنه لا يقال لله تعالى عمر، وإنما هو بقاء أزلي وقد سمع إضافته إلى الله تعالى قال: إذا رضيت عليّ بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها ومنع بعضهم إضافته إلى ياء المتكلم قال لأنه حلف بحياة المقسم وقد ورد ذلك قال النابغة: لعمري وما عمري عليّ بهين ... لقد نطقت بطلاً عليّ الأقارع

({قوم منكرون} [الحجر: 62] أنكرهم لوط) قيل لأنهم سلموا ولم يكن من عادتهم وقيل لأنهم كانوا على صورة الشباب المرد فخاف هجوم القوم فقال هذه الكلمة يعني تنكركم نفسي وتنفر عنكم فقالت الملائكة ما جئناك بما تنكر بل جئناك بما يسرك ويشفي لك من عدوّك وهو العذاب الذي توعدتهم به فيمترون فيه وسقط قوله لعمرك إلى هنا لأبي ذر إلا في رواية المستملي. (وقال غيره) غير ابن عباس في قوله تعالى: ({إلا ولها كتاب معلوم}) [الحجر: 4] أي (أجل) أي أن الله تعالى لا يهلك أهل قرية إلا ولها أجل مقدر كتب في اللوح المحفوظ أو كتاب مختص به. ({لو ما تأتينا}) أي (هلا تأتينا) يا محمد بالملائكة لتصديق دعواك إن كنت صادقًا أو لتعذيبنا على تكذيبك كما جاءت الأمم السابقة فإنا نصدقك حينئذٍ فقال الله تعالى ما تنزل الملائكة إلا تنزيلاً ملتبسًا بالحق أي الوجه الذي قدرناه واقتضته حكمتنا ولا حكمة في إتيانكم فإنكم لا تزدادون إلا عنادًا وكذا لا حكمة في استئصالكم مع أنه سبقت كلمتنا بإيمان بعضكم أو أولادكم وسقط لفظ تأتينا لأبي ذر. ({شيع}) في قوله تعالى: {ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين} [الحجر: 10] معناه (أمم)، قاله أبو عبيدة (و) يقال (للأولياء أيضًا شيع). وقال: غيره: شيع جمع شيعة وهي الفرقة المتفقة على طريق ومذهب من شاعه إذا تبعه ومفعول أرسلنا في قوله (ولقد أرسلنا من قبلك) محذوف أي أرسلنا رسلاً من قبلك دل الإرسال عليهم وفيه تسلية للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث نسبوه إلى الجنون أي عادة هؤلاء مع الرسل ذلك. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله تعالى في سورة هود: {وجاءه قومه} {يهرعون} [هود: 78] أي (مسرعين) إليه. وقوله تعالى: {إن في ذلك لآيات} ({للمتوسمين}) [الحجر: 75] أي (للناظرين) قال ثعلب الواسم الناظر إليك من قرنك إلى قدمك وفيه معنى التثبت الذي هو الأصل في التوسم وقال الزجاج: حقيقة المتوسمين في اللغة المتثبتين في نظرهم حتى يعرفوا سمة الشيء وعلامته وهو استقصاء وجوه التعرف قال: أوكلما وردت عكاظ قبيلة ... بعثت إليّ عريفها يتوسم وقال مجاهد: معنى الآية للمتفرسين، وقال قتادة للمعتبرين، وقال مقاتل للمتفكّرين، والمراد صيحة العذاب الذي أخذ قوم لوط داخلين في شروق الشمس رفع جبريل عليه الصلاة والسلام مدينتهم إلى السماء ثم قلبها وسقط قوله وقال ابن عباس إلى للناظرين لأبي ذر. وقوله تعالى: {لقالوا إنما} ({سكرت}) [الحجر: 15] بتشديد الكاف أي (غُشيت) بضم الغين وتشديد الشين المكسورة المعجمتين وقيل سدت يعني لو فتحنا على هؤلاء المقترحين بابًا من السماء فظلوا صاعدين إليها مشاهدين لعجائبها أو مشاهدين لصعود الملائكة وهو جواب لقوله: {لو ما تأتينا بالملائكة} لقولوا لشدة عنادهم إنما غشيت أو سدت أبصارنا بالسحر وسقط من قوله وقال مجاهد إلى هنا للحموي والكشميهني. وقوله: {أرسلنا ولقد جعلنا في السماء} ({بُروجًا}) [الحجر: 16] أي (منازل للشمس والقمر). قال عطية هي قصور في السماء عليها الحرس. وقوله: {أرسلنا الرياح} ({لواقح}) [الحجر: 22] أي (ملاقح) و (ملقحة) بفتح القاف وكسرها جمعه لأنه من ألقح يلقح فهو ملقح فحقه ملاقح فحذفت الميم تخفيفًا وهذا قول أبي عبيدة قال الجوهري ولا يقال ملاقح وهو من النوادر وقيل لواقح جمع لاقح يقال لقحت الريح إذا حملت الماء وقال الأزهري حوامل السحاب كقولك ألقحت الناقة فلقحت إذا حملت الجنين في بطنها فشبهت الريح بها قال: إذا لقحت حرب عوان مضرة ... ضروس تهرّ الناس أنيابها عصل قال ابن عباس: الرياح لواقح الشجر والسحاب. وقال عبيد بن عمير: يبعث الله الريح المبشرة فتقم الأرض قمًّا ثم يبعث المثيرة فتثير السحاب، ثم يبعث المؤلّفة فتؤلف السحاب بعضه إلى بعض

1 - باب {إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين} [الحجر: 18]

فتجعله ركامًا ثم يبعث اللواقح فتلقح الشجر، وقال أبو بن بن عياش: لا تقطر قطرة من السماء إلا بعد أن تعمل الرياح الأربعة فيه فالصبا تهيجه والشمال تجمعه والجنوب تذره والدبور تفرقه. وقوله: من ({حمأ}) هو (جماعة حمأة) بفتح الحاء وسكون الميم (وهو الطين المتغير) الذي اسودّ من طول مجاورة الماء. (والمسنون) هو (المصبوب) لييبس كأنه أفرغ الحمأ فصور فيه تمثال إنسان أجوف فيبس حتى إذا نقر صلصل ثم غيره بعد ذلك طورًا بعد طور حتى سواه ونفخ فيه من روحه. لا ({توجل}) أي لا (تخف) وكان خوفه من توقع مكروه حيث دخلوا بغير إذن في غير وقت الدخول. (دابر) في قوله: {وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء} [الحجر: 66] أي (آخر) هؤلاء مقطوع مستأصل يعني يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد. ({لبإمام مبين} [الحجر: 79] قال أبو عبيدة (الإمام كل ما ائتممت واهتديت به) وسبق فيه زيادة حيث ذكر في هذه السورة فالتفت إليه وسقط قوله {لبإمام} إلى هنا للحموي والكشميهني. (الصيحة) أي أخذتهم (الهلكة) وزاد أبو ذر هنا باب قوله جل وعلا: 1 - باب {إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} [الحجر: 18] ({إِلا من استرق السمع}) [الحجر: 18] الاستثناء منقطع أي لكن من استرق السمع أو متصل، والمعنى أنها لم تحفظ منه ومحل الاستثناء على الوجهين نصب ويجوز أن يكون في محل جر بدلاً من كل شيطان أو رفع بالابتداء وخبره الجملة من قوله فاتبعه فيكون منقطعًا واستراقهم اختلاسهم سرًّا ({فأتبعه شهاب مبين}) شعلة من نار تظهر للناظر على شكل العمود وتطلق للكوكب والسنان لما فيهما من البريق. 4701 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ» قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ غَيْرُهُ: صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: لِلَّذِي قَالَ الْحَقَّ: وَهْوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ: وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ آخَرَ وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى نَصَبَهَا بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ، فَيُحْرِقَهُ وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى يَرْمِيَ بِهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ إِلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ حَتَّى يُلْقُوهَا إِلَى الأَرْضِ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: حَتَّى تَنْتَهِىَ إِلَى الأَرْضِ فَتُلْقَى عَلَى فَمِ السَّاحِرِ فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ فَيَصْدُقُ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، يَكُونُ كَذَا وَكَذَا فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا لِلْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ. وبه قال: (حدّثنا علي من عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) هو ابن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه (يبلغ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يقل سمعت بدل يبلغ لاحتمال الواسطة أو نسي كيفية التحمل أنه (قال): (إذا قضى الله الأمر) أي إذا حكم الله بأمر من الأمور (في السماء) ولأبي ذر إذا قضي بضم القاف مبنيًا للمفعول الأمر رفع نائب عن الفاعل (ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا) بضم الخاء وسكون الضاد المعجمتين مصدر بمعنى خاضعين أي منقادين طائعين (لقوله) تعالى ({كالسلسلة}) أي القول المسموع يشبه صوت وقع السلسلة (على صفوان) بسكون الفاء وهو الحجر الأملس، ولأبي ذر وأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر: كأنه سلسلة وللأصيلي أيضًا كأنها وفي حديث ابن مسعود مرفوعًا عند ابن مردويه: (إذا تكلم الله بالوحي يسمع أهل السماوات صلصلة كصلصلة السلسلة على الصوفان فيفزعون ويرون أنه من أمر الساعة). (قال علي) قال الكرماني هو ابن المديني شيخ المؤلّف (وقال غيره) أي غير سفيان بن عيينة ولم يعرف الحافظ ابن حجر هذا الغير (صفوان) بفتح الفاء (ينفذهم) بفتح التحتية وضم الفاء بعدها ذال معجمة (ذلك) القول ولا ضمير في ينفذهم إلى الملائكة أي ينفذ الله القول إليهم (فإذا فزع) أي أزيل الخوف (عن قلوبهم قالوا) أي الملائكة (ماذا قال ربكم: قالوا) أي المقربون من الملائكة كجبريل وميكائيل مجيبين (للذي قال) يسأل قال الله القول (الحق وهو العلي الكبير). وفي حديث النوّاس بن سمعان عند الطبراني مرفوعًا: "إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله فإذا سمع بذلك أهل السماء صعقوا وخروا سجدًا فيكون أوّلهم يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد فينتهي به على الملائكة كلما مر بسماء سأله أهلها ماذا قال ربنا؟ قال الحق فينتهي به حيث أمر". (فيسمعها) أي تلك الكلمة وهي القول الذي قاله الله (مشرقو السمع) بحذف النون للإضافة (ومسترقو السمع) ولأبي ذر: ومسترق السمع بالإفراد مبتدأ خبره (هكذا واحد فوق آخر ووصف سفيان) بن عيينة كيفية المستمعين بركوب بعضهم على بعض (بيده وفرج) ولأبي ذر ففرّج بالفاء بدل الواو (بين أصابع يده اليمنى نصبها بعضها فوق بعض) والجملة اعتراض بين قوله فوق آخر وبين قوله (فربما أدرك الشهاب المستمع

2 - باب قوله: {ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين} [الحجر: 80]

قبل أن يرمي بها) أي بالكلمة (إلى صاحبه) ولأبي ذر يرمى بالبناء للمجهول به بالتذكير (فيحرقه) بالنصب عطفًا على السابق ولأبي ذر فيحرقه بالرفع (وربما لم يدركه) الشهاب (حتى يرمي بها) ولأبي ذر حتى يرمى بها بضم الياء وفتح الميم مبنيًّا للمفعول (إلى الذي يليه إلى الذين هو أسفل) بالرفع (منه) ولأبي ذر: أسفل بالنصب على الظرفية وقوله إلى الذي هو أسفل بدل من سابقه (حتى يلقوها إلى الأرض، وربما قال سفيان) بن عيينة (حتى تنتهي إلى الأرض) جملة اعتراض (فتلقى) بضم التاء مبنيًّا للمفعول أي الكلمة (على فم الساحر) وهو المنجم (فيكذب معها) أي مع تلك الكلمة الملقاة (مائة كذبة) بفتح الكاف وسكون المعجمة (فيصدق) بفتح التحتية وسكون الصاد ولأبي ذر فيصدّق مبنيًا للمفعول الساحر في كذباته (فيقولون) أي السامعون منه: (ألم يخبرنا) الساحر ولأبي ذر عن الكشميهني: ألم يخبرونا أي السحرة فيكون لفظ المفرد في الأوّل للجنس (يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا) كناية عن الخرافات التي أخبر بها الساحر (فوجدناه) أي الخبر الذي أخبر به (حقًّا للكلمة) أي لأجل الكلمة (التي سمعت من السماء). وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في التفسير أيضًا وفي التوحيد، وأبو داود في الحروف، والترمذي في التفسير، وأخرجه ابن ماجه في السنّة. 0000 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ وَزَادَ الْكَاهِنِ، وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ فَقَالَ: قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ وَقَالَ: عَلَى فَمِ السَّاحِرِ قُلْتُ لِسُفْيَانَ أأنت سمعت عمرًا قال سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّ إِنْسَانًا رَوَى عَنْكَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيَرْفَعُهُ أَنَّهُ قَرَأَ فُزِّعَ قَالَ سُفْيَانُ: هَكَذَا قَرَأَ عَمْرٌو فَلاَ أَدْرِي سَمِعَهُ هَكَذَا أَمْ لاَ. قَالَ سُفْيَانُ: وَهْيَ قِرَاءَتُنَا. [الحديث 4701 - طرفاه في: 4800، 7481]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) هو ابن دينار (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (إذا قضى الأمر، وزاد) على قوله فم الساحر (والكاهن) وسقط لغير أبي ذر الواو من قوله والكاهن. (حدثنا سفيان) بن عيينة، ولأبي ذر: حدّثنا علي بن عبد الله أي المديني قال: حدّثنا سفيان (فقال) في حديثه (قال عمرو) هو ابن دينار (سمعت عكرمة) يقول (حدّثنا أبو هريرة) رضي الله تعالى عنه (قال: إذا قضى الله الأمر وقال على فم الساحر) كالرواية السابقة لكنه في هذه صرح هنا بالتحديث والسماع قال علي بن عبد الله (قلت لسفيان) بن عيينة (أأنت سمعت عمرًا) ثبت لأبي ذر أأنت سمعت عمرًا وسقط لغيره (قال: سمعت عكرمة. قال: سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه؟ (قال: نعم) قال علي بن المديني (قلت لسفيان: إن إنسانًا) لم أعرف اسمه (روى عنك عن عمرو عن عكرمة عن أبي هريرة ويرفعه) أي الحديث أبو هريرة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أنه قرأ فزع) بالزاي والعين المهملة ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني فرغ بالراء والغين المعجمة مبنيًّا للمفعول فيهما. (قال سفيان) بن عيينة (هكذا) بالراء والمعجمة أو بالعكس والظاهر الأول (قرأ عمرو) هو ابن دينار (فلا أدري سمعه هكذا) بالراء (أم لا؟ قال سفيان: وهي) بالراء (قراءتنا) وهي قراءة الحسن أيضًا أي حتى إذا أفنى الله الرجل انتفى بنفسه. 2 - باب قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} [الحجر: 80] (باب قوله) عز وجل: ({ولقد كذب أصحاب الحجر}) وادي ثمود بين المدينة والشأم ({المرسلين}) [الحجر: 80] صالحًا ومن كذب واحدًا من المرسلين فكأنما كذب الجميع أو صالحًا ومن معه من المؤمنين وسقط قوله: باب قوله لغير أبي ذر. 4702 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأَصْحَابِ الْحِجْرِ: «لاَ تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) الحزامي قال: (حدّثنا معن) بفتح الميم وبعد العين المهملة الساكنة نون ابن يحيى القزاز أبو عيسى المدني (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأصحاب الحجر): أي لأصحابه عليه الصلاة والسلام الذين قدموا الحجر لما مروا به معه في حال توجههم إلى تبوك: (لا تدخلوا على هؤلاء القوم) المعذبين في ديارهم (إلاّ أن تكونوا باكين) من الخوف (فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم) أي خشية أن يصيبكم (مثل ما أصابهم) من العذاب لأن من دخل عليهم ولم يبك اعتبارًا بأحوالهم فقد شابههم

3 - باب قوله: {ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم} [الحجر: 87]

في الإهمال ودل على قساوة قلبه فلا يأمن أن يجرّه ذلك إلى العمل بمثل أعمالهم فيصيبه مثل ما أصابهم. وهذا الحديث قد مرّ في باب الصلاة في مواضع الخسف من كتاب الصلاة. 3 - باب قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87] (باب قوله) تعالى: ({ولقد آتيناك سبعًا من المثاني}) صيغة جمع واحدة مثناةٍ والمثناة كل شيء يثنى من قولك ثنيت الشيء ثنيًا أي عطفته وضممت إليه آخر والمراد سبع من الآيات أو من السور أو من الفوائد ليس في اللفظ ما يعين أحدها ({والقرآن العظيم}) [الحجر: 87]. من عطف العام على الخاص إذ المراد بالسبع إما الفاتحة أو السور الطوال أو من عطف بعض الصفات على بعض أو الواو مقحمة. 4703 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، قَالَ: مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أُصَلِّي فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ ثُمَّ أَتَيْتُ فَقَالَ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَ؟» فَقُلْتُ: كُنْتُ أُصَلِّي فَقَالَ: «أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}» [الأنفال: 24] ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ؟» فَذَهَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَذَكَّرْتُهُ فَقَالَ: «{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}» هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا غندر) هو لقب محمد بن جعفر الهذلي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأولى مصغرًا الأنصاري المدني (عن حفص بن عاصم) هو ابن عمر بن الخطاب (عن أبي سعيد بن المعلى) بضم الميم وفتح العين واللام المشددة اسمه الحارث أو رافع أو أوس الأنصاري أنه (قال: مرّ بي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في المسجد (وأنا أصلي فدعاني فلم آته) بمد الهمزة (حتى صليت ثم أتيت) بحذف ضمير النصب (فقال): (ما منعك أن تأتي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أن تأتيني (فقلت: كنت أصلي فقال: ألم يقل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول}) [الأنفال: 24] زاد أبو ذر هنا {إذا دعاكم لما يحييكم} فيه وجوب إجابته عليه الصلاة والسلام ونص جماعة من الأصحاب على عدم بطلان الصلاة وفيه بحث سبق في البقرة فالتفت إليه (ثم قال) عليه الصلاة والسلام وسقطا لأبي ذر (ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن) فيه جواز تفضيل بعض القرآن على بعض. واستشكل، وأجيب: بأن التفضيل إنما هو من حيث المعاني لا من حيث الصفة فالمعنى أن ثواب بعضه أعظم من بعض (قبل أن أخرج من المسجد فذهب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليخرج) زاد غير أبي ذر من المسجد (فذكرته) بذلك بتشديد الكاف (فقال): هي ({الحمد لله رب العالمين}) يعني الفاتحة (هي السبع) لأنها سبع آيات بالبسملة (المثاني) لأنها تثنى كل ركعة أو غير ذلك مما مرّ بالبقرة (والقرآن العظيم الذي أوتيته) وسبق الحديث بالبقرة. 4704 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (سعيد) هو ابن أبي سعيد كيسان (المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أم القرآن) مبتدأ خبره (هي السبع المثاني والقرآن العظيم) عطف على أم القرآن لا على السبع المثاني وإفراد الفاتحة بالذكر في الآية مع كونها جزءًا من القرآن يدل على مزيد اختصاصها بالفضيلة. وهذا الحديث أخرجه أبو داود في الصلاة والترمذي في التفسير. 4 - باب قَوْلِهِ: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} [الحجر: 91] {الْمُقْتَسِمِينَ}: الَّذِينَ حَلَفُوا، وَمِنْهُ لاَ أُقْسِمُ أَيْ أُقْسِمُ، وَتُقْرَأُ: لأُقْسِمُ، قَاسَمَهُمَا حَلَفَ لَهُمَا وَلَمْ يَحْلِفَا لَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ تَقَاسَمُوا: تَحَالَفُوا (قوله) ولأبي ذر باب قوله عز وجل: ({الذين جعلوا القرآن عضين}) [الحجر: 91] نعت للمقتسمين أو بدل منه أو بيان ({المقتسمين}) أي (الذين حلفوا) جعله من القسم لا من القسمة أي مثل ما أنزلنا على الرهط الذين تقاسموا على أن يبيتوا صالحًا وذلك في قوله تعالى: {قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه} [النمل: 49] وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله. قال في الكشاف: والاقتسام بمعنى التقاسم ولعل المؤلف اعتمد في هذا القول على ما رواه الطبري عن مجاهد أن المراد بقوله المقتسمين قوم صالح الذي تقاسموا على إهلاكه (ومنه) أي من معنى المقتسمين ({لا أقسم} أي أقسم) فلا مقحمة (وتقرأ لأقسم) بغير مد وهي قراءة ابن كثير على أن اللام جواب لقسم مقدر تقديره لأنا أقسم أو والله لأنا أقسم. ({قاسمهما}) ولأبي ذر وقاسمهما أي (حلف لهما) أي حلف إبليس لآدم وحوّاء (ولم يحلفا له) فليس هو من باب المفاعلة. (وقال مجاهد): فيما أخرجه الفريابي ({تقاسموا}) بالله لنبيتنه أي (تحالفوا) وقد مرّ والجمهور على أنه من القسمة. 4705 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، جَزَّءُوهُ أَجْزَاءً فَآمَنُوا بِبَعْضِهِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ. وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر: حدّثني بالإفراد

5 - باب قوله: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} [الحجر: 99] قال سالم اليقين: الموت

(يعقوب بن إبراهيم) الدورقي قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء مصغرًا ابن بشير بضم الموحدة وفتح المعجمة الواسطي قال: (أخبرنا أبو بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) في قوله تعالى: ({الذين جعلوا القرآن عضين} قال: هم أهل الكتاب جزؤوه) وفي نسخة الذين جزؤوه (أجزاء فآمنوا ببعضه) مما وافق التوراة (وكفروا ببعضه) مما خالفها. 4706 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ} قَالَ: آمَنُوا بِبَعْضٍ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (عبيد الله بن موسى) بضم العين وفتح الموحدة مصغرًا ابن باذام العبسي الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن أبي ظبيان) بفتح الظاء المعجمة وسكون الموحدة حصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين مصغرًا ابن جندب المذحجي بفتح الميم وإسكان المعجمة وكسر المهملة وبالجيم (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) في قوله تعالى: ({كما أنزلنا على المقتسمين}) [الحجر: 90] (قال: آمنوا ببعض وكفروا ببعض) أي (اليهود والنصارى). وعن ابن عباس أيضًا المقتسمين الذين اقتسموا طرق مكة يصدّون الناس عن الإيمان برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قيل يقرب عددهم من أربعين، وقيل كانوا خمسة. الأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب، والعاص بن وائل؛ والحارث بن قيس، والوليد بن المغيرة وقيل غير ذلك. 5 - باب قَوْلِهِ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99] قَالَ سَالِمٌ الْيَقِينُ: الْمَوْتُ (باب قوله) تعالى: ({واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}) [الحجر: 99]. (قال سالم): هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب مما وصله إسحاق بن إبراهيم البستي والفريابي وعبد بن حميد (اليقين) هو (الموت) لأنه أمر متيقن وهو مروي عن ابن عباس أيضًا. فإن قيل: ما الفائدة في هذا التوقيت مع أن كل واحد يعلم أنه إذا مات سقطت عنه العبادات؟ أجيب: بأن المراد واعبد ربك في جميع زمان حياتك ولا تخل لحظة من لحظات الحياة من العبادات. وروى جبير بن نفير مرسلاً أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ما أوحي إليّ أن أجمع المال وأكون من التاجرين ولكن أوحي إليّ أن سبّح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين" رواه البغوي في شرح السنّة وسقط باب قوله لغير أبي ذر كقوله: اليقين من قوله اليقين الموت. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [16]- سورة النَّحْلِ رُوحُ الْقُدُسِ. جِبْرِيلُ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ. فِي ضَيْقٍ يُقَالُ: أَمْرٌ ضَيْقٌ، وَضَيِّقٌ مِثْلُ هَيْنٍ وَهَيِّنٍ، وَلَيْنٍ وَلَيِّنٍ، وَمَيْتٍ وَمَيِّتٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ: تَتَهَيَّأُ. سُبُلَ رَبِّكَ: ذُلُلاً لاَ يَتَوَعَّرُ عَلَيْهَا مَكَانٌ سَلَكَتْهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ في تَقَلُّبِهِمْ: اخْتِلاَفِهِمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ تَمِيدُ: تَكَفَّأُ. مُفْرَطُونَ: مَنْسِيُّونَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ هَذَا مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ وَذَلِكَ أَنَّ الاِسْتِعَاذَةَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَمَعْنَاهَا الاِعْتِصَامُ بِاللَّهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَسِيمُونَ: تَرْعَوْنَ. شَاكِلَتِهِ: نَاحِيَتِهِ. قَصْدُ السَّبِيلِ: الْبَيَانُ. الدِّفْءُ: مَا اسْتَدْفَأْتَ، تُرِيحُونَ بِالْعَشِيِّ، وَتَسْرَحُونَ بِالْغَدَاةِ، بِشِقِّ: يَعْنِي الْمَشَقَّةَ، عَلَى تَخَوُّفٍ: تَنَقُّصٍ، الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً وَهْيَ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ كَذَلِكَ النَّعَمُ لِلأَنْعَامِ: جَمَاعَةُ النَّعَمِ. أَكْنَانًا وَاحِدُهَا كِنٌّ. مِثْلُ حِمْلٍ وَأَحْمَالٍ، سَرَابِيلَ: قُمُصٌ، تَقِيكُمُ الْحَرَّ. وَأَمَّا سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ. فَإِنَّهَا الدُّرُوعُ، دَخَلاً بَيْنَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَصِحَّ: فَهْوَ دَخَلٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَفَدَةً: مَنْ وَلَدَ الرَّجُلُ. السَّكَرُ مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرَتِهَا، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ صَدَقَةَ: أَنْكَاثًا هِيَ خَرْقَاءُ كَانَتْ إِذَا أَبْرَمَتْ غَزْلَهَا نَقَضَتْهُ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ الأُمَّةُ: مُعَلِّمُ الْخَيْرِ. وَالْقَانِتُ: الْمُطِيعُ. (بسم الله الرحمن الرحيم) ([16]- سورة النَّحْلِ) سقطت البسملة لغير أبي ذر. ولغير أبي ذر باب تفسير سورة النحل. ({روح القدس}) من ربك هو (جبريل) قاله ابن مسعود فيما رواه ابن أبي حاتم وأضيف جبريل إلى القدس وهو الطهر كما تقول: حاتم الجود وزيد الخير، والمراد الروح المقدس قاله الزمخشري، ثم استشهد المؤلّف لقوله روح القدس جبريل بقوله: ({نزل به الروح الأمين}) [الشعراء: 193] وهو يردّ ما رواه الضحاك أن ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم بإسناد ضعيف قال: روح القدس الاسم الذي كان عيسى عليه الصلاة والسلام يحيي به الموتى. وقوله: {ولا تك} ({في ضيق}) (النحل: 27] (يقال أمر ضيق) بسكون التحتية (وضيق) بتشديدها (مثل هين وهين ولين ولين وميت وميت) لغتان وكسر الضاد ابن كثير وفتحها غيره فقيل هما بمعنى في هذا المصدر كالقول والقيل؛ وقيل المفتوح مخفف من ضيق كميت في ميت. قال في اللباب؛ هذا من الكلام المقلوب لأن الضيق صفة والصفة تكون حاصلة في الموصوف ولا يكون الموصوف حاصلًا في الصفة فكأن المعنى ولا يكون الضيق فيك إلا أن الفائدة في قوله: {ولا تك في ضيق} [النحل: 27] هو أن الضيق إذا عظم وقوي صار كالشيء المحيط بالإنسان من كل الجوانب وصار كالقميص المحيط به فكانت الفائدة في ذكر هذا اللفظ هذا المعنى. (قال ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى: ({يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ}) [النحل: 48] أي (تتهيأ) كذا نقل والصواب تتميل. وقوله تعالى: ({فاسلكي سبل ربك ذللًا}) (النحل: 69] قال مجاهد فيما رواه الطبري (لا يتوعر) بالعين المهملة (عليها مكان سلكته) وذللًا جمع ذلول ويجوز أن يكون حالًا من السبل أي ذللها لها الله تعالى كقوله: {جعل لكم الأرض ذلولًا} [الملك: 15] وأن يكون حالًا من فاعل اسلكي أي مطيعة منقادة بمعنى

أن أهلها ينقلونها من مكان إلى مكان ولها يعسوب إذا وقف وقفت وإذا سار سارت وانتصاب سبل مفعولًا به أي اسلكي في طلب تلك الثمرات سبل ربك الطرق التي أفهمك وعلمك في عمل العسل أو على الظرفية أي فاسلكي ما أكلت في سبل ربك أي في مسالكه التي تحيل فيها قدرته النور ونحوه عسلًا. (وقال ابن عباس): فيما وصله الطبري ({في تقلبهم}) أي (اختلافهم) وقال غيره في أسفارهم وقال ابن جريج في إقبالهم وإدبارهم. (وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي ({تميد}) من قوله: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} [النحل: 15] أي (تكفأ) بتشديد الفاء وتتحرك وتميل بما عليها من الحيوان فلا يهنأ لهم عيش بسبب ذلك. قال الحسن: فيما رواه عبد الرزاق لما خلقت الأرض كانت تميد فقالوا ما هذه بمقرة على ظهرها أحدًا فأصبحوا وقد خلقت الجبال فلم تدر الملائكة مم خلقت الجبال. وفي حديث أنس مرفوعًا عند الترمذي نحوه. ({مفرطون}) قال مجاهد: فيما وصله الطبري (منسيون) فيها. (وقال غيره): أي غير مجاهد في وقوله تعالى: ({فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله}) زاد أبو ذر: {من الشيطان الرجيم} [النحل: 98]. (هذا مقدم ومؤخر وذلك أن الاستعاذة قبل القراءة). وهذا قاله أبو عبيدة. وقال ابن عطية: فإذا وصلة بين الكلامين والعرب تستعملها في مثل هذا وتقدير الآية فإذا أخذت في قراءة القرآن فاستعذ. وقال في الأنوار كالكشاف: أي فإذا أردت قراءة القرآن فأضمر الإرادة. قال الزمخشري: لأن الفعل يوجد عند القصد والإرادة من غير فاصل وعلى حسبه فكان منه بسبب قوي وملابسة ظاهرة، وهذا مذهب الجمهور من القراء وغيرهم. قال الشيخ بهاء الدين السبكي: في شرح التلخيص وعليه سؤال وهو أن الإرادة إن أخذت مطلقًا لزم استحباب الاستعاذة بمجرد ذلك وإن أخذت الإرادة بشرط اتصالها بالقراءة استحال تحقق العلم بوقوعها ويمتنع حينئذ استحباب الاستعاذة قبل القراءة. قال في المصابيح: بقي عليه قسم آخر باختياره يزول الإشكال وذلك أنا لا نأخذ الإرادة مطلقًا ولا نشترط اتصالها بالقراءة وإنما نأخذها مقيدة بأن لا يعن له صارف عن القراءة فلا يلزم حينئذ استحباب الاستعاذة بعد طروء العزم على عدم القراءة ولا يلزم أيضًا استحالة تحقق العلم بوقوعها فزال الإشكال ولله الحمد. (ومعناها) أي الاستعاذة (الاعتصام بالله) من وساوس الشيطان، والجمهور على أن الأمر بها للاستحباب والخطاب للرسول، والمراد منه الكل لأن الرسول إذا كان محتاجًا للاستعاذة عند القراءة فغيره أولى. (وقال ابن عباس): فيما وصله الطبري ({تسيمون}) أي (ترعون) من سامت الماشية أو أسامها صاحبها. ({شاكلته}) في سورة الإسراء أي على (ناحيته) ولأبي ذر عن الحموي نيته بدل ناحيته أي التي تشاكل حاله في الهدى والضلال وذكر هذا هنا لعله من ناسخ. وقوله: وعلى الله ({قصد السبيل} البيان). [النحل: 5] للطريق الموصل إلى الحق رحمة منه وفضلًا. (الدفء) في قوله تعالى: {لكم فيها دفء} [النحل: 5] (ما استدفأت) به مما يقي البرد. ({تريحون}) تردّونها من مراعيها أو من مراحها. (بالعشي {وتسرحون}) تخرجونها (بالغداة) إلى المرعى. ({بشق}) الأنفس (يعني المشقّة) والكلفة. ({على تخوف}) أي (تنقص) شيئًا بعد شيء في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا من تخوّفته إذا تنقصته. وروي بإسناد فيه مجهول عن عمر أنه قال على المنبر: ما تقولون فيها؟ فسكتوا. فقام شيخ من هذيل فقال: هذه لغتنا التخوّف التنقص. فقال: هل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال: نعم. قال شاعرنا أبو كبير يصف ناقته: تخوّف الرحل منها تامكًا قردًّا ... كما تخوّف عود النبعة السفن فقال عمر: أيها الناس عليكم بديوانكم لا تضلوا قالوا وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم. وقوله تعالى: {وإن لكم في} ({الأنعام لعبرة}) [النحل: 66]. (وهي) أي الأنعام (تؤنث وتذكر وكذلك النعم)

تذكر وتؤنث (الأنعام) هي (جماعة النعم) ولغير أبي ذر وكذلك النعم للأنعام بحرف الجر جماعة النعم ومعنى لعبرة أي دلالة يعبر بها من الجهل إلى العلم وذكر الضمير ووحده هنا في قوله: {نسقيكم مما في بطونه} [النحل: 66] للفظ وأنثه في سورة المؤمنين للمعنى فإن الأنعام اسم جمع ولذلك عده سيبويه في المفردات المبنية على أفعال كأخلاق، ومن قال إنه جمع نعم جعل الضمير للبعض فإن اللبن لبعضها دون جميعها أو لواحده أو له على المعنى فإن المراد به الجنس قاله في الأنوار. ({أكنانًا}) يشير إلى قوله: {وجعل لكم من الجبال أكنانًا} [النحل: 81] (واحدها كن) بكسر الكاف (مثل حمل وأحمال) بكسر الحاء المهملة أي جعل مواضع تسكنون بها من الكهوف والبيوت المنحوتة فيها، وهذا ثابت لأبي ذر. ({سرابيل}) هي (قمص) بضم القاف والميم جمع قميص ({تقيكم الحر}) أي والبرد وخص الحر بالذكر اكتفاء بأحد الضدين عن الآخر أو لأن وقاية الحر كانت عندهم أهم ولأبي ذر هنا والقانت المطيع قاله ابن مسعود فيما رواه ابن مردويه وفي رواية أبي ذر في نسخة أخرى بعد قوله وقال ابن مسعود الأمة معلم الخير وهي الأولى (وأما {سرابيل تقيكم بأسكم} فإنها الدروع) [النحل: 81] والسربال يعم كل ما لبس من قميص أو درع أو جوشن أو غيره. ({دخلًا بينكم}) [النحل: 92]. قال أبو عبيدة (كل شيء لم يصح فهو دخل) بفتح الخاء وقيل الدخل والدغل الغش والخيانة وقيل الدخل ما أدخل في الشيء على فساد وقيل أن يظهر الوفاء ويبطن الغدر والنقص. (قال) ولأبي ذر وقال: (ابن عباس) فيما وصله الطبري بإسناد صحيح في قوله تعالى: ({حفدة} من ولد الرجل) أي ولد ولده أو بناته فإن الحافد هو المسرع في الخدمة والبنات يخدمن في البيوت أتم خدمة أو هم البنون أنفسهم والعطف لتغاير الوصفين أي جعل لكم بنين خدمًا وقيل الحفدة الأصهار قال: فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت ... لها حفد مما يعدّ كثير لكنها نفس عليّ أبية ... عيوف لأصهار اللئام قذور ({السكر}) في قوله تعالى: {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرًا} [النحل: 67] (ما حرم من ثمرتها) أي من ثمرات النخيل والأعناب أي من عصيرهما والسكر مصدر سمي به الخمر يقال: سكر يسكر سكرًا وسكرًا نحو: رشد يرشد رشدًا ورشدًا قال: وجاؤونا لهم سكر علينا ... فأجلى اليوم والسكران صاحي (والرزق الحسن) في قوله تعالى: {ورزقًا حسنًا} (ما أحل الله) ولأبي ذر ما أحل بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول وحذف الفاعل للعلم به وهو كالتمر والزبيب والدبس والخل والآية إن كانت سابقة على تحريم الخمر فدالة على كراهتها وإلا فجامعة بين العتاب والمنّة. (وقال ابن عيينة): سفيان مما وصله ابن أبي حاتم (عن صدقة) أبي الهذيل لا صدقة ابن الفضل المروزي أي عن السدي كما عند ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ({أنكاثًا}) قال (هي) امرأة اسمها (خرقاء) كانت بمكة (كانت إذا أبرمت غزلها نفضته). وفي تفسير مقاتل أن اسمها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم وعند البلاذري أنها والدة أسد بن عبد العزى بن قصي وأنها بنت سعد بن تميم بن مرّة عند غيره؛ وكان بها وسوسة وأنها اتخذت مغزلًا بقدر ذراع وصنارة مثل الأصبع وفلكة عظيمة على قدرهما، وفي غرر التبيان أنها كان تتغزل هي وجواريها من الغداة إلى نصف النهار ثم تأمرهن بنقض ذلك كله، فهذا كان دأبها، والمعنى أنها لم تكف عن العمل ولا حين عملت كفت عن النقض فكذلك أنتم إذا نقضتم العهد لا كففتم عن العهد ولا حين عهدتم وفيتم به أنكاثًا نصب على الحال من غزلها أو مفعول ثان لنقضت فإنه بمعنى صيرت. (وقال ابن مسعود): فيما وصله الحاكم والفريابي (الأمة) من قوله تعالى: {إن إبراهيم كان أمة} [النحل: 120]. هو (معلم الخير) وفي الكشاف وغيره أنه بمعنى

1 - باب قوله تعالى: {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} [النحل: 70]

مأموم أي يؤمه الناس ليأخذوا منه الخير أو بمعنى مؤتم به قال في الأنوار: فإن الناس كانوا يؤمونه للاستفادة ويقتدون بسيرته لقوله: {إني جاعلك للناس إمامًا} [البقرة: 124] فهو رئيس الموحدين وقدوة المحققين. (والقانت) هو (المطيع) كما فسره به ابن مسعود أو هو القائم بأمر الله. وسبق ذكر هذا قريبًا وهذا ثابت لأبي ذر. 1 - باب قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [النحل: 70] (باب قوله تعالى: {ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر}) [النحل: 70] أي أردئه أو تسعون سنة أو ثمانون أو خمس وتسعون أو خمس وثمانون أو خمس وسبعون، وروى ابن مردويه من حديث أنس أنه مائة سنة. 4707 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُوسَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الأَعْوَرُ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْعُو: «أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَالْكَسَلِ وَأَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا هارون بن موسى أبو عبد الله الأعور) النحوي البصري (عن شعيب) هو ابن الحبحاب بحاءين مهملتين مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة وبعد الألف موحدة أخرى (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يدعو): (أعوذ بك من البخل) أي في حقوق المال (و) من (الكسل) وهو التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه ويكون لعدم انبعاث النفس للخير مع ظهور الاستطاعة (و) من (أرذل العمر) أي أخسّه وهو الهرم الذي يشابه الطفولية في نقصان القوّة والعقل وإنما استعاذ منه لأنه من الأدواء التي لا دواء لها. وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي قال: أرذل العمر هو الخرف، والحاصل أن كبر السن ربما يورث نقص العقل وتخابط الرأي وغير ذلك مما يسوء به الحال (و) أعوذ بك من (عذاب القبر) الإضافة هنا إضافة المظروف إلى ظرفه فهو على تقدير في، أي من العذاب في القبر والأحاديث الصحيحة في إثباته متظاهرة فالإيمان به واجب (و) من (فتنة الدجال) في حديث أبي أمامة عند أبي داود وابن ماجة خطبنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر الحديث وفيه: أنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال (و) من (فتنة المحيا والممات) أي زمان الحياة والموت وهو من أوّل النزع وهلم جرا وأصل الفتنة الامتحان والاختبار، واستعملت في الشرع في اختبار كشف ما يكره يقال فتنت الذهب إذا أدخلته النار لتختبر جودته وفتنة المحيا هو ما يعرض للإنسان في مدّة حياته من الافتتان بالدنيا وشهواتها وأعظمها والعياذ بالله تعالى أمر الخاتمة عند الموت وفتنة الممات قيل كسؤال الملكين ونحو ذلك مما يقع في القبر، والمراد من شر سؤالهما وإلاّ فأصل السؤال واقع لا محالة فلا يدعى برفعه فيكون عذاب القبر مسببًا عن ذلك، والسبب غير المسبب. وقيل: المراد الفتنة قبيل الموت وأضيفت إليه لقربها منه، وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتعوّذ من المذكورات دفعًا عن أمته وتشريعًا لهم ليبين لهم صفة المهم من الأدعية جزاه الله عنا ما هو أهله. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الدعوات. [17]- سورة بَنِي إِسْرَائِيلَ [17]- سورة بَنِي إِسْرَائِيلَ مكية قيل إلا قوله: {وإن كادوا ليفتنونك} [الإسراء: 73] إلى آخر ثمان آيات، وهي مائة وعشر آيات، وزاد أبو ذر: بسم الله الرحمن الرحيم وسقطت لغيره. 1 - باب 4708 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ، وَمَرْيَمَ إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلاَدِي {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيكَ رُؤُوسَهُمْ} [الإسراء: 51] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَهُزُّونَ. وَقَالَ غَيْرُهُ نَغَضَتْ سِنُّكَ: أَيْ تَحَرَّكَتْ. [الحديث 4708 - أطرافه في: 4739، 4994]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه (قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد) النخعي الكوفي (قال: سمعت ابن مسعود) عبد الله (-رضي الله عنه- قال): سورة (بني إسرائيل و) سورة (الكهف و) سورة (مريم) وزاد في سورة الأنبياء وفضائل القرآن وطه والأنبياء (إنهن من العتاق الأول) بكسر العين المهملة وتخفيف الفوقية جمع عتيق والعرب تجعل كل شيء بلغ الغاية في الجودة عتيقًا، والأول بضم الهمزة وفتح الواو المخففة والأولية باعتبار حفظها أو باعتبار نزولها لأنها مكيات ومراده تفضيل هذه السور لما يتضمن مفتتح كل منها بأمر غريب وقع في العالم خارق للعادة وهو الإسراء وقصة أصحاب الكهف وقصة مريم قاله الكرماني (وهن من تلادي) بكسر

2 - باب

الفوقية وتخفيف اللام وبعد الألف دال مهملة فتحتية مما حفظته قديمًا ضد الطارف ومراده أنهن من أول ما تعلم من القرآن وأن لهن فضلًا لما فيهن من القصص وأخبار الأنبياء والأمم كما مرّ، وفي حديث عائشة عند الإمام أحمد كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ كل ليلة بني إسرائيل والزمر. ({فسينغضون إليك رؤوسهم}) [الإسراء: 51]. (قال ابن عباس): فيما وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه معناه (يهزون) رؤوسهم ومن طريق العوفي عنه يحركونها استهزاء، ولغير أبي ذر قال ابن عباس فسينغضون يهزون. (وقال غيره): أي غير ابن عباس (نغضت سنك) بفتح الغين المعجمة ولأبي ذر: نغضت بكسرها (أي تحركت) قاله أبو عبيدة وزاد وارتفعت من أصلها. 2 - باب {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الإسراء: 4] أَخْبَرْنَاهُمْ أَنَّهُمْ سَيُفْسِدُونَ وَالْقَضَاءُ عَلَى وُجُوهٍ. وَقَضَى رَبُّكَ أَمَرَ رَبُّكَ، وَمِنْهُ الْحُكْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ. وَمِنْهُ الْخَلْقُ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ. نَفِيرًا: مَنْ يَنْفِرُ مَعَهُ، مَيْسُورًا: لَيِّنًا. وَلِيُتَبِّرُوا. يُدَمِّرُوا مَا عَلَوْا، حَصِيرًا: مَحْبِسًا: مَحْصَرًا، حَقَّ: وَجَبَ، مَيْسُورًا: لَيِّنًا، خِطْأً إِثْمًا وَهْوَ اسْمٌ مِنْ خَطِئْتُ وَالْخَطَأُ مَفْتُوحٌ مَصْدَرُهُ مِنَ الإِثْمِ خَطِئْتُ بِمَعْنَى أَخْطَأْتُ. تَخْرِقَ: تَقْطَعَ، وَإِذْ هُمْ نَجْوَى مَصْدَرٌ مِنْ نَاجَيْتُ فَوَصَفَهُمْ بِهَا وَالْمَعْنَى يَتَنَاجَوْنَ. رُفَاتًا: حُطَامًا، وَاسْتَفْزِزْ: اسْتَخِفَّ بِخَيْلِكَ الْفُرْسَانِ، وَالرَّجْلُ الرَّجَّالَةُ وَاحِدُهَا رَاجِلٌ مِثْلُ صَاحِبٍ وَصَحْبٍ وَتَاجِرٍ: وَتَجْرٍ: حَاصِبًا: الرِّيحُ الْعَاصِفُ. وَالْحَاصِبُ أَيْضًا: مَا تَرْمِي بِهِ الرِّيحُ وَمِنْهُ حَصَبُ جَهَنَّمَ يُرْمَى بِهِ فِي جَهَنَّمَ وَهْوَ حَصَبُهَا، وَيُقَالُ: حَصَبَ فِي الأَرْضِ ذَهَبَ، وَالْحَصَبُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَصْبَاءِ وَالْحِجَارَةِ. تَارَةً: مَرَّةً وَجَمَاعَتُهُ تِيَرَةٌ وَتَارَاتٌ. لأَحْتَنِكَنَّ: لأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ يُقَالُ: احْتَنَكَ فُلاَنٌ مَا عِنْدَ فُلاَنٍ مِنْ عِلْمٍ اسْتَقْصَاهُ. طَائِرَهُ: حَظُّهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ سُلْطَانٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ حُجَّةٌ. وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ. لَمْ يُخالِفْ أَحَدًا. ({وقضينا إلى بني إسرائيل}) [الإسراء: 4]. قال أبو عبيدة أي (أخبرناهم أنهم سيفسدون) والمرتين في الآية أولاهما قتل زكريا وحبس أرمياء حين أنذرهم سخط الله والآخرة قتل يحيى بن زكريا وقصد قتل عيسى ابن مريم (والقضاء) يأتي (على وجوه) كثيرة ({وقضى ربك}) [الإسراء: 3] أي (أمر ربك) أمرًا مقطوعًا به، وسقط: ربك لأبي ذر (ومنه الحكم) كقوله تعالى: ({وإن ربك يقضي بينهم}) [يونس: 93]. أي يحكم بينهم (ومنه الخلق) كقوله تعالى: ({فقضاهن سبع سماوات}) [فصلت: 12]. زاد أبو ذر: خلقهن. ({نفيرًا}) في قوله: {وجعلناكم أكثر نفيرًا} [الإسراء: 16] قال أبو عبيدة أصله (من ينفر معه) أي مع الرجل من قومه وعشيرته وقيل جمع نفر وهم المجتمعون للذهاب إلى العدوّ، وفاء ينفر بالكسر والضم. ({ميسورًا}) في قوله تعالى: {فقل لهم قولًا ميسورًا [الإسراء: 28] (ليّنًا) ابتغاء رحمة الله برحمتك عليهم وثبتت هذه هنا لأبي ذر وتأتي بعد إن شاء الله تعالى. ({وليتبروا}) أي (يدمروا {ما علوا}) من التدمير وهو الإهلاك أي ليهلكوا ما غلبوه واستولوا عليه. ({حصيرًا}) في قوله: {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرًا} [الإسراء: 8] أي (محبسًا) بفتح الميم وكسر الموحدة لا يقدرون على الخروج منها أبد الآباد (محصرًا) بفتح الميم والصاد المهملة اسم لموضع الحصر. ({حق}) عليها القول أي (وجب) عليها كلمة العذاب السابقة (ميسورًا) أي (لينًا) وسبق قريبًا. (خطأ) من قوله: {إن قتلهم كان خطأ} [الإسراء: 31] أي (إثمًا وهو) أي الخطأ (اسم من خطئت والخطأ مفتوح مصدره من الإثم خطئت) بكسر الطاء (بمعنى أخطأت) كذا قاله أبو عبيدة وتبعه المؤلّف رحمهما الله وتعقب بأن جعله خطأ بكسر الخاء اسم مصدر ممنوع وإنما هو مصدر خطئ يخطأ كأثم يأثم إثمًا إذا تعمد الذنب وبأن دعواه أن خطأ المفتوح الخاء والطاء، وبها قرأ ابن ذكوان مصدر بمعنى الإثم ليس كذلك، وإنما هو اسم مصدر من أخطأ يخطئ إخطاء إذا لم يصب والمعنى فيه أن قتلهم كان غير صواب وبأن قوله خطئت بمعنى أخطأت خلاف قول أهل اللغة خطئ أثم وتعمد الذنب وأخطأ إذا لم يتعمد. ({تخرق}) في قوله: {إنك لن تخرق الأرض} [الإسراء: 137 أي لن (تقطع) الأرض لشدة وطأتك وسقط هذا لأبي ذر. ({وإذ هم نجوى} مصدر من ناجيت فوصفهم بها) أي بالنجوى فيكون من إطلاق المصدر على العين مبالغة أو على حذف مضاف أي ذو نجوى ويجوز أن يكون جمع نجيٌّ كقتيل وقتلى. (والمعنى يتناجون). وقوله: ({رفاتًا}) يريد قوله تعالى: {وقالوا أئذا كنا عظامًا ورفاتًا} [الإسراء: 49] أي (حطامًا). وقال الفراء هو التراب، ويؤيده أنه قد تكرر في القرآن ترابًا وعظامًا. ({واستفزز}) أي (استخف) الذي استطعت استفزازه منهم ({بخيلك} الفرسان) بالجر فالخيل الخيالة ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "يا خيل الله اركبي" ({والرجل}) بفتح الراء وسكون الجيم يريد قوله تعالى: {واجلب عليهم بخيلك ورجلك} [الإسراء: 64] ولأبي ذر والرجال بكسر الراء وتخفيف الجيم هو (الرجالة) بفتح الراء وتشديد الجيم (واحدها راجل) ضد الفارس (مثل صاحب وصحب وتاجر وتجر) قاله أبو عبيدة. ({حاصبًا}) في قوله تعالى: {أو يرسل عليكم حاصبًا} [الإسراء: 68] هو (الريح العاصف) أي الشديد ولم يؤنثه لأنه مجازي (والحاصب أيضًا ما ترمي به الريح ومنه: {حصب جهنم}) أي (يرمى به

3 - باب قوله: {أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام} [الإسراء: 1]

في جهنم) بضم الياء وفتح الميم مبنيًّا للمفعول (وهو) أي الشيء الذي يرمى به، ولأبي ذر وهم أي القوم الذين يرمون فيها (حصبها ويقال حصب في الأرض) أي (ذهب) فيها (والحصب) محركًا (مشتق من الحصباء الحجارة). قال العيني لم يرد بالاشتقاق الاشتقاق المصطلح عليه أعني الاشتقاق الصغير لعدم صدقه عليه وتفسير الحصباء بالحجارة هو من تفسير الخاص بالعام قالوا والحصب الرمي بالحصباء وهي الحجارة الصغار قال الفرزدق: مستقبلين شمال الشام تضربهم ... حصباء مثل نديف القطن منثور ولغير أبي ذر الحصباء والحجارة بزيادة واو. ({تارة}) في قوله تعالى: {أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة} [الإسراء: 69] أي (مرة) فهي مصدر (وجماعته) أي لفظ تارة (تيرة) بكسر الفوقية وفتح التحتية (وتارات) قال الشاعر: وإنسان عيني يحسر الماء تارة ... فيبدو تارات يجم فيغرق وألفها يحتمل أن تكون عن واو أو ياء. قال الراغب: هو فيما قيل من تار الجرح بمعنى التأم. ({لأحتنكن}) في قوله: {لأحتنكن ذريته} [الإسراء: 62] أي (لأستأصلنهم) أي بالإغواء وقيل لاستولين عليهم استيلاء من جعل في حنك الدابة حبلًا يقودها فلا تأبى ولا تشمس عليه (يقال احتنك فلان ما عند فلان من علم) أي (استقصاه) وعن مجاهد فيما رواه سعيد بن منصور لأحتنكن لأحتوين قال: يعني شبه الزناق، وقال ابن زيد لأضلنهم وكلها متقاربة. ({طائره}) في قوله تعالى: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} [الإسراء: 13] هو (حظه) بالحاء المهملة والظاء المعجمة وقال ابن عباس خيره وشره مكتوب عليه لا يفارقه. وقال الحسن فيما رواه السمرقندي: عمله. زاد في الأنوار وما قدر له كأنه طير إليه من عش الغيب، والمعنى أن عمله لازم له لزوم القلادة أو الغل لا ينفك عنه وخص العنق حيث قال في عنقه من بين سائر الأعضاء لأن الذي عليه إما أن يكون خيرًا يزينه أو شرًّا يثينه وما يزين يكون كالطوق والحلي وما يشين يكون كالغل. (قال) ولأبي ذر وقال: (ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله ابن عيينة في تفسيره في قوله: {واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا} [الإسراء: 82] وقوله: {فقد جعلنا لوليه سلطانًا} [الإسراء: 33] (كل سلطان) ذكر (في القرآن فهو حجة) فمعنى سلطانًا نصيرًا حجة ينصرني على من خالفني، وجعلنا لوليه سلطانًا حجة يتسلط بها على المؤاخذة بمقتضى القتل. ({ولي من الذل}) أي (لم يحالف) بالحاء المهملة أي لم يوال (أحدًا) من أجل مذلة به ليدفعها بموالاته. 3 - باب قَوْلِهِ: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1] (باب قوله) جل وعلا: ({أسرى بعبده}) محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بجسده وروحه يقظة ({ليلًا من المسجد الحرام}) [الإسراء: 1] مسجد مكة بعينه لحديث أنس المروي في الصحيحين، وسرى وأسرى بمعنى وقال (ليلًا) بلفظ التنكير. قال الزمخشري: ليفيد تقليل مدّة الإسراء وأنه أسري به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة فدلّ على أن التنكير دل على البعضية، ويشهد لذلك قراءة عبد الله وحذيفة من الليل أي بعضه كقوله: {ومن الليل فتهجد به} [الإسراء: 79] اهـ. قال صاحب الدر: فيكون سرى وأسرى كسقى وأسقى والهمزة ليست للتعدية وإنما المعدي الباء في بعبده وقد تقرر أنها لا تقتضي مصاحبة الفاعل للمفعول عند الجمهور خلافًا للمبرد، وزعم ابن عطية أن مفعول أسرى محذوف وأن التعدية بالهمزة أي أسرى الملائكة بعبده لأنه يبعد أن يسند أسرى، وهو بمعنى سرى إلى الله تعالى إذ هو فعل يقتضي النقلة كمشى وانتقل فلا يحسن إسناد شيء من هذا مع وجود مندوحة عنه، فإذا وقع في الشريعة شيء من ذلك تأوّلناه نحو أتيته هرولة. قال شهاب الدين: وهذا كله إنما بناه اعتقادًا على أن التعدية بالباء تقتضي مصاحبة الفاعل للمفعول في ذلك وهذا شيء ذهب إليه المبرد، فإذا قلت: قمت بزيد لزم منه قيامك وقيام زيد عنده، وهذا ليس كذلك التبست عنده باء التعدية بباء الحال فباء الحال تلزم فيها

المشاركة إذ المعنى قمت ملتبسًا بزيد وباء التعدية مرادفة للهمزة فقمت بزيد والباء للتعدية كقولك: أقمت زيدًا ولا يلزم من إقامتك هو أن تقوم أنت وأيضًا فموارد القرآن في فأسر بقطع الهمزة ووصلها تقتضي أنهما بمعنى واحد ألا ترى أن قوله: فاسر باهلك وأن أسر بعبادي قرئ بالقطع والوصل ويبعد مع القطع تقدير مفعول محذوف إذ لم يصرح به في موضع فيستدل بالمصرح على المحذوف قاله أبو حبان وقد تقدم الردّ على هذا المذهب. وقال صاحب فتوح الغيب: ويمكن أن يراد بالتنكير في ليلًا التعظيم والتفخيم والمقام يقتضيه. ألا ترى كيف افتتح السورة بالكلمة المنبئة عنه ثم وصف المسرى به بالعبودية ثم أردف تعظيم المكانين بالحرام وبالبركة لما حوله تعظيمًا للزمان، ثم تعظيم الآيات بإضافتها إلى صيغة التعظيم وجمعها ليشمل جميع أنواع الآيات وكل ذلك شاهد صدق على ما نحن بصدده والمعنى ما أعظم شأن من أسرى بمن حقق له مقام العبودية وصحح استئهاله للعناية السرمدية أي ليل له شأن جليل ليل دنا فيه الحبيب من المحبوب وفاز في مقام الشهود بالمطلوب فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى، فحينئذ ينطبق عليه التعليل بقوله: إنه هو السميع البصير أي السميع بأحوال ذلك العبد والبصير لأفعاله العالم بكونها مهذبة خالصة عن شوائب الهوى مقرونة بالصدق والصفاء مستأهلة للقرب، وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4709 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ قَالَ جِبْرِيلُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (يونس) بن يزيد الأيلي (ح) مهملة لتحويل السند قال المؤلّف بالسند: (وحدّثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري قال: (حدّثنا عنبسة) بن خالد بن أبي النجاد الأيلي قال: (حدّثنا يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري (قال ابن المسيب) سعيد (قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (أُتي) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة أسري به) من المسجد الحرام وهو (بإيلياء) بكسر الهمزة واللام بينهما تحتية ساكنة ممدودًا بيت المقدس (بقدحين) أحدهما (من خمر و) الآخر من (لبن فنظر) عليه الصلاة والسلام (إليهما فأخذ اللبن}) وترك الخمر، وإسقاط إناء العسل المذكور في الروايات الأخرى اختصار من الراوي أو نسيان ولا تنافي في ذلك (قال): ولأبوي ذر والوقت فقال (جبريل الحمد لله الذي هداك للفطرة) الإسلامية (لو أخذت الخمر غوت أمتك) بحذف اللام من لغوت. قال ابن مالك فيما نقله عنه في المصابيح يظن بعض النحويين أن لام جواب لو في نحو لو فعلت لفعلت لازمة والصحيح جواز حذفها في أفصح الكلام نحو: {لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي} {أنطعم من لو يشاء الله أطعمه} [يس: 47]. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأشربة وكذا مسلم والنسائي فيه. 4710 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَمَّا كَذَّبَنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ، فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ». زَادَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ «لَمَّا كَذَّبَنِي قُرَيْشٌ حِينَ أُسْرِيَ بِي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ» نَحْوَهُ قَاصِفًا: رِيحٌ تَقْصِفُ كُلَّ شَيْءٍ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن صالح) المصري قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لما كذبني قريش) في خبر الإسراء كما سيأتي إن شاء الله قريبًا وللحموي والكشميهني كذبتني بتاء التأنيث (قمت في الحجر) بكسر الحاء وسكون الجيم الذي أكثره من الكعبة وكانوا سألوه أن ينعت لهم المسجد الأقصى وفيهم من رآه وعرفه (فجلّى الله) بالجيم وتشديد اللام أي كشف (لي بيت المقدس فطفقت) أي شرعت وأخذت (أخبرهم عن آياته) أي علاماته (وأنا أنظر إليه) زاد في حديث ابن عباس عند النسائي فقال القوم: أما النعت فقد أصاب. (زاد يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فقال: (حدّثنا ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله بن مسلم (عن عمه) محمد بن مسلم الزهري (لما كذبني) ولأبي ذر: كذبتني (قريش حين

4 - باب

أُسري بي إلى بيت المقدس نحوه) أي نحو الحديث السابق. وهذه الرواية وصلها الذهلي في الزهريات عن يعقوب. (قاصفًا) من الريح هو (ريح تقصف كل شيء) تمرّ به من قصف متعديًا وهذه ساقطة لأبي ذر. 4 - باب {كَرَّمْنَا} وَأَكْرَمْنَا وَاحِدٌ، ضِعْفَ الْحَيَاةِ: عَذَابَ الْحَيَاةِ وَعَذَابَ الْمَمَاتِ. خِلاَفَكَ وَخَلْفَكَ: سَوَاءٌ، وَنَأَى: تَبَاعَدَ: شَاكِلَتِهِ: نَاحِيَتِهِ وَهْيَ مِنْ شَكْلِهِ. صَرَّفْنَا: وَجَّهْنَا، قَبِيلًا مُعَايَنَةً وَمُقَابَلَةً وَقِيلَ: الْقَابِلَةُ لأَنَّهَا مُقَابِلَتُهَا وَتَقْبَلُ وَلَدَهَا. خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ: أَنْفَقَ الرَّجُلُ أَمْلَقَ وَنَفِقَ الشَّيْءُ ذَهَبَ. قَتُورًا: مُقَتِّرًا، لِلأَذْقَانِ مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ، وَالْوَاحِدُ ذَقَنٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَوْفُورًا: وَافِرًا. تَبِيعًا: ثَائِرًا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَصِيرًا. خَبَتْ: طَفِئَتْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ تُبَذِّرْ: لاَ تُنْفِقْ فِي الْبَاطِلِ. ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ: رِزْقٍ مَثْبُورًا: مَلْعُونًا. لاَ تَقْفُ: لاَ تَقُلْ، فَجَاسُوا: تَيَمَّمُوا. يُزْجِي الْفُلْكَ: يُجْرِي الْفُلْكَ، يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ: لِلْوُجُوهِ. ({كرمنا}) ولأبي ذر باب قوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء: 70] كرمنا (وأكرمنا واحد) وهو من كرم بالضم كشرف والمعنى جعلنا لهم كرمًا أي شرفًا وفضلًا وهذا كرم نفي النقصان لا كرم المال وتكريمهم كما قال في الأنوار بحسن الصورة والمزاج الأعدل واعتدال القامة والتمييز بالعقل والإفهام بالنطق والإشارة والخط والهدى إلى أسباب المعاش والمعاد والتسلط على ما في الأرض والتمكن من الصناعات إلى ما يعود عليهم بالمنافع إلى غير ذلك مما يقف الحصر دون إحصائه، واستدلّ بالآية على طهارة ميتة الآدمي لأن قضية تكريمه أن لا يحكم بنجاسته بالموت كما نص عليه في الأم ولأنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل عثمان بن مظعون بعد موته ودموعه تجري على خده فلو كان نجسًا لما قبّله مع ظهور رطوبته ولأنا تعبدنا بغسله والنجس لا يتعبد بغسله لأن غسله يزيد النجاسة وسواء المسلم والكافر، وأما قوله تعالى: {إنما المشركون نجس} [التوبة: 28] فالمراد نجاسة الاعتقاد أو اجتنابهم كالنجس لا نجاسة الأبدان. ({ضعف الحياة}) في قوله تعالى: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئًا قليلًا إذًا لأذقناك ضعف الحياة} [الإسراء: 74] أي لو قاربت تركن إليهم أدنى ركنة لأذقناك (عذاب الحياة) أي (وعذاب الممات) ولأبي ذر: وضعف الممات بدل وعذاب الممات أي ضعف ما يعذب به في الدارين بمثل هذا الفعل غيرك لأن خطأ الخطير أخطر. وكان أصل الكلام عذابًا ضعفًا في الحياة وعذابًا ضعفًا في الممات بمعنى مضاعفًا ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، ثم أضيفت الصفة إضافة الموصوف فقيل ضعف الحياة وضعف الممات كما لو قيل: لأذقناك أليم الحياة وأليم الممات، في قوله: {ولولا أن ثبتناك} [الإسراء: 74] تصريح بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما همّ بإجابتهم مع قوّة الداعي إليها وفيه تخويف لأمته لئلا يركن أحد من المسلمين إلى أحد من المشركين فافهم واعلم. (خلافك وخلفك) في قوله تعالى: {وإذًا لا يلبثون خلافك إلا قليلًا} [الإسراء: 76] والأولى بكسر الخاء وفتح اللام وألف بعدها وهي قراءة ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي والأخرى بفتح فسكون وهما (سواء) في المعنى أي لا يبقون بعد خروجك من مكة إلا زمنًا قليلًا وقد كان كذلك فإنهم أهلكوا ببدر بعد هجرته بسنة. ({ونأى}) في قوله تعالى: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى} [الإسراء: 83] قال أبو عبيدة أي (تباعد) ومنه النؤي لحفرة حول الخباء تباعد الماء عنه وقرأ ابن ذكوان بتقديم الألف على الهمزة بوزن شاء من ناء ينوء إذا نهض وأظنها رواية غير أبي ذر في البخاري. ({شاكلته}) في قوله تعالى: {قل كل يعمل على شاكلته} [الإسراء: 84] قال ابن عباس فيما وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه أي على (ناحيته)، وزاد أبو عبيدة وخليقته (وهي) أي الشاكلة مشتقة (من شكله) بفتح الشين وهو المثل قال امرؤ القيس: حيّ المحمول بجانب العزل ... إذ لا يلائم شكلها شكلي أي: لا يلائم مثلها مثلي، ولأبي ذر من شكلته إذا قيدته. قال في الدر: والشاكلة أحسن ما قيل فيها ما قاله في الكشاف إنها مذهبه الذي يشاكل حاله في الهدى والضلالة من قولهم: طريق ذو شواكل وهي الطرق التي تشعبت منه، والدليل عليه قوله: {فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلًا} [الإسراه: 84] وقال الراغب: على شاكلته أي سجيته التي قيدته من شكلت الدابة وذلك أن سلطان السجية على الإنسان قاهر. ({صرّفنا}) للناس قال أبو عبيدة أي (وجهنا) وبيَّنَّا وفي مفعوله وجهان: أحدهما؛ أنه مذكور وفي مزيدة أي ولقد صرفنا هذا القرآن. والثاني؛ أنه محذوف أي ولقد صرفنا أمثاله ومواعظه وقصصه وأخباره وأوامره. ({قبيلًا}) في قوله تعالى: {أو تأتي بالله والملائكة قبيلًا} [الإسراه: 92] قال أبو عبيدة أي

000 - باب قوله: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها} [الإسراء: 16]

(معاينة ومقابلة) أو معناه كفيلًا بما تدّعيه (وقيل القابلة) المرأة التي تتولى ولادة المرأة (لأنها مقابلتها وتقبل ولدها) أي تتلقاها عند الولادة. قال الأعشى: كصرخة حبلى بشرتها قبيلها أي قابلتها. ({خشية الإنفاق}) في قوله: {إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق} [الإسراء: 100] يقال (أنفق الرجل) أي (أملق) والإملاق الفاقة (ونفق الشيء) بكسر الفاء مصححًا عليها في الفرع كأصله أي (ذهب) وفي حاشية موثوق بها في اليونينية نفق الشيء بفتح الفاء هي اللغة الفصحى ويقال بكسرها وليست بالعالية. وفي الصحاح أنفق الرجل أي افتقر وذهب ماله ومنه قوله تعالى: {إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق}. ({قتورًا}) في قوله تعالى: {وكان الإنسان قتورًا} [الإسراء: 102] قال أبو عبيدة أي (مقترًا) من الإقتار أي بخيلًا يريد أن في طبعه ومنتهى نظره أن الأشياء تتناهى وتفنى فهو لو ملك خزائن رحمة الله لأمسك خشية الفقر. ({للأذقان}) في قوله: {ويخرّون للأذقان سُجدًا} [الإسراء: 107] هي (مجتمع اللحيين) اسم مكان بضم الميم الأولى وفتح الثانية أي على اجتماع اللحيين بفتح اللام وقد تكسر تثنية لحي وهو العظم الذي عليه الأسنان (والواحد ذقن). بفتح المعجمة والقاف والمعنى يسقطون على وجوههم تعظيمًا لأمر الله وشكرًا لإنجاز وعده في تلك الكتب ببعثة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على فترة من الرسل وإنزال القرآن عليه قاله القاضي وسقط واو والواحد لأبي ذر. (وقال مجاهد): فيما وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه في قوله تعالى: {فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورًا} [الإسراء: 63] أي (وافرًا) مكملًا والمراد جزاؤك وجزاؤهم لكنه غلب المخاطب على الغائب. ({تبيعًا}) في قوله تعالى: {ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعًا} [الإسراء: 69] أي (ثائرًا) أي طالبًا للثأر منتقمًا وهذا تفسير مجاهد وصله عنه الطبري من الطريق السابق. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله تبيعًا أي (نصيرًا). وقوله تعالى: {كلما} ({خبت}) أي (طفئت) بفتح الطاء وكسر الفاء وفتح الهمزة قالوا خبت النار إذا سكن لهبها والجمر على حاله وخمدت إذا سكن الجمر وضعف وهمدت إذا طفئت جملة، والمعنى كلما أكلت النار جلودهم ولحومهم زدناهم سعيرًا أي توقدًا بأن تبدّل جلودهم ولحومهم فترجع ملتهبة مستعرة كأنهم لما كذبوا بالإعادة بعد الإفناء جزاهم الله بأن لا يزالوا على الإعادة والإفناء. (وقال ابن عباس): فيما وصله الطبري من طريق عطاء عنه في قوله تعالى: {ولا تبذر} أي (لا تنفق في الباطل) وأصل التبذير التفريق ومنه البذر لأنه يفرق في الأرض للزراعة قال: ترائب يستضيء الحلي فيها ... كجمر النار بذر في الظلام ثم غلب في الإسراف فيها النفقة وسقط لأبي ذر قوله خبت طفئت. وقال ابن عباس: ({ابتغاء رحمة}) في قوله: ({وإما تعرضنّ عنهم ابتغاء رحمة} [الإسراء: 28] قال ابن عباس فيما رواه الطبري أي ابتغاء (رزق) من الله ترجوه أن يأتيك. ({مثبورًا}) في قوله تعالى: {وإني لأظنك يا فرعون مثبورًا} [الإسراء: 36] قال ابن عباس أي (ملعونًا) وقال مجاهد هالكًا ولا ريب أن الملعون هالك. ({لا تقف}) في قوله تعالى: {ولا تقف} أي (لا تقل) {ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36] تقليدًا ورجمًا بالغيب وهذا ساقط لأبي ذر. ({فجاسوا}) في قوله تعالى: {فجاسوا خلال الديار} [الإسراء: 5] أي (تيمموا) أي قصدوا وسطها للقتل والإغارة. ({يزجي الفلك}) في قوله تعالى: {ربكم الذي يزجي لكم الفلك} [الإسراء: 66] أي (يجري الفلك) قاله ابن عباس فيما وصله الطبري. ({يخرون للأذقان}) قال ابن عباس فيما وصله الطبري أي (للوجوه) وعن معمر عن الحسن للحي وهذا موافق لما مرّ في تفسيره قريبًا. 000 - باب قَوْلِهِ: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء: 16] (باب قوله) جل وعلا: ({وإذا أردنا أن نهلك قرية}) أي أهلها ({أمرنا مترفيها}) [الإسراء: 16] (الآية). واختلف في متعلق الأمر هنا فعن ابن عباس وغيره أنه أمرنا متنعميها بالطاعة أي على لسان رسول بعثناه إليهم ففسقوا ورده في الكشاف ردًّا شديدًا وأنكره إنكارًا بليغًا في كلام

5 - باب: {ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا} [الإسراء: 3]

طويل حاصله أنه حذف ما لا دليل عليه وهو غير جائز وقدّر هو متعلق الأمر الفسق أي أمرناهم بالفسق ففعلوا والأمر مجاز لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم افسقوا وهذا لا يكون فبقي أن يكون مجازًا، ووجه المجاز أنه صب عليهم النعمة صبًّا فجعلوها ذريعة إلى المعاصي واتّباع الشهوات فكأنهم مأمورون بذلك لتسبب إبلاء النعمة فيه وإنما قولهم إياها ليشكروا فآثروا الفسوق فلما فسقوا حق عليها القول وهي كلمة العذاب فدمرهم، وأجاب في البحر بأن قوله لأن حذف ما لا دليل عليه غير جائز تعليل لا يصح فيما نحن بسبيله، بل ثم ما يدل على حذفه لأن حذف الشيء تارة يكون لدلالة موافقه عليه ومنه ما مثل به هو في قوله في جملة هذا المبحث أمرته فقام وأمرته فقرأ وتارة يكون لدلالة خلافه أو ضده أو نقيضه فمن ذلك قوله تعالى: {وله ما سكن في الليل والنهار} [الأنعام: 13] أي ما سكن وما تحرّك. و {سرابيل تقيكم الحر} أي والبرد وتقول: أمرته فلم يحسن وهذه الآية من هذا القبيل يستدل على حذف النقيض بإثبات نقيضه ودلالة النقيض على النقيض كدلالة النظير على النظير وهذا الباب مع ما ذكره من قوله: وإذا أردنا الخ. ثابت عن أبي ذر بهامش الفرع هنا وبعد قوله السابق مثبورًا ملعونًا ونبّه محرره ومقابله العلاّمة محمد المزي أنه وجد كذا في الموضعين من اليونينية. 4711 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ لِلْحَيِّ إِذَا كَثُرُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَمِرَ بَنُو فُلاَنٍ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (أخبرنا منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا نقول للحي) أي للقبيلة (إذا كثروا في الجاهلية أمر) بفتح الهمزة وكسر الميم (بنو فلان). 000 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَقَالَ: أَمِرَ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (وقال) أي الحميدي عن سفيان (أمر) بكسر الميم كالأول كذا في فرعين لليونينية كالأصل وقال الحافظ ابن حجر وغيره: إن الأولى بكسر الميم والثانية بفتحها وهما لغتان وبالفتح قرأ الجمهور الآية وقرأها ابن عباس بالكسر ويعقوب بمدّ الهمزة وفتح الميم ومجاهد بتشديد الميم من الإمارة والحاصل أن سياق المؤلّف لحديث ابن مسعود لينبه على أن معنى أمرنا في الآية كثرنا مترفيها وهي لغة حكاها أبو حاتم ونقلها الواحدي عن أهل اللغة وقال أبو عبيدة من أنكرها لم يلتفت إليه لثبوتها في اللغة. 5 - باب: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3] (باب) قوله تعالى: ({ذرية من حملنا مع نوح}) بنصب ذرية على الاختصاص أو على البدل من وكيلًا أي لا تتخذوا من دوني وكيلًا ذرية من حملنا مع نوح ({إنه}) أي إن نوحًا ({كان عبدًا شكورًا}) [الإسراء: 3] قال الحافظ ابن كثير: وقد ورد في الحديث والأثر عن السلف أن نوحًا عليه السلام كان يحمد الله على طعامه وشرابه ولباسه وشأنه كله فلهذا سمي عبدًا شكورًا، وصحح ابن حبان من حديث سلمان كان نوح إذا طعم أو لبس حمد الله فسمي عبدًا شكورًا، وله شاهد عند ابن مردويه من حديث معاذ بن أنس وفيه تهييج على الشكر على النعم لا سيما نعمة الإسلام ومحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسقط باب لغير أبي ذر. 4712 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً، ثُمَّ قَالَ: «أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ يُجْمَعُ النَّاسُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلاَ يَحْتَمِلُونَ فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ عَلَيْكُمْ بِآدَمَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ عليه السلام فَيَقُولُونَ لَهُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ" فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ فِي الْحَدِيثِ "نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ عَلَى النَّاسِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى، فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا اشْفَعْ لَنَا أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى». وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي أيضًا قال: (أخبرنا أبو حيان) بفتح الحاء المهملة والتحتية المشدّدة يحيى بن سعيد بن حيان (التيمي) تيم الرباب الكوفي (عن أبي زرعة) هرم (بن عمرو بن جرير) البجلي الكوفي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: أُتي) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتي (بلحم فرفع إليه الذراع) قال السفاقسي: الصواب فرفعت إليه الذراع (وكانت تعجبه) لزيادة لذتها (فنهس منها نهسة) بالسين المهملة فيهما أي أخذ منها بأطراف أسنانه ولأبي ذر: فنهش منها نهشة بالمعجمة أي بأضراسه أو بجميع أسنانه (ثم قال): إعلامًا لأمته بقدره

عند الله ليؤمنوا به كغيره مما جاء به من الواجبات: (أنا سيد الناس) آدم وجميع ولده (يوم القيامة) وتخصيصه بالقيامة يلزم منه ثبوت سيادته في الدنيا بطريق الأولوية، ونهيه عن التفضيل على طريق التواضع (وهل تدرون ممّ ذلك) ولأبي ذر: مم ذاك بالألف بدل اللام (يجمع الناس) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول وللكشميهني والمستملي يجمع الله الناس (الأولين والآخرين في صعيد واحد) أرض واسعة مستوية (يسمعهم الداعي) بضم الياء من الإسماع (وينفذهم البصر) بفتح الياء وسكون النون والذال المعجمة أي يحيط بهم لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض وعدم الحجاب (وتدنو الشمس). وفي الزهد لابن المبارك ومصنف ابن أبي شيبة واللفظ له بسند جيد عن سلمان قال: تعطي الشمس يوم القيامة حرّ عشر سنين، ثم تدنو من جماجم الناس حتى تكون قاب قوسين فيعرقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة ثم يرتفع حتى يغرغر الرجل. زاد ابن المبارك في روايته ولا يضر حرها يومنذ مؤمنًا ولا مؤمنة. (فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟) بفتح همزة ألا وتخفيف لامها في الموضعين وهي للعرض والتخصيص (فيقول بعض الناس لبعض عليكم بآدم فيأتون آدم عليه السلام، فيقولون له: أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه) قال الكرماني: الإضافة إلى الله تعالى لتعظيم المضاف وتشريفه (وأمر الملائكة فسجدوا لك) وزاد في رواية همام في التوحيد وأسكنك جنته وعلمك أسماء كل شيء (اشفع لنا إلى ربك) حتى يريحنا مما نحن فيه (ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما قد بلغنا؟) بتخفيف لام ألا ترى في الموضعين وتحريك غين بلغنا وسقط للحموي والمستملي لفظة إلى الأخيرة (فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولا يغضب (بعده مثله) والمراد من الغضب كما قال الكرماني لازمه وهو إرادة إيصال العذاب وقال النووي: المراد بغضب الله ما يظهر من انتقامه فيمن عصاه وما يشاهده أهل الجمع من الأهوال التي لم يكن ولا يكون مثلها (وأنه نهاني) ولأبي ذر وأنه قد نهاني (عن الشجرة) أي عن أكلها (فعصيته) وأكلتها (نفسي نفسي نفسي)، كررها ثلاثًا أي هي التي تستحق أن يشفع لها إذ المبتدأ والخبر إذا كانا متحدين فالمراد بعض لوازمه أو نفسي مبتدأ والخبر محذوف (اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح) بيان لقوله اذهبوا إلى غيري (فيأتون نوحًا فيقولون يا نوح إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض). واستشكلت هذه الأولية بأن آدم نبي مرسل وكذا شيث وإدريس وهم قبل نوح. وأجيب: بأن الأولية مقيدة بأهل الأرض لأن آدم ومن ذكر معه لم يرسلوا إلى أهل الأرض ويشكل عليه حديث جابر وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة. وأجيب: بأن بعثته إلى أهل الأرض باعتبار الواقع لصدق أنهم قومه بخلاف بعثة نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقومه وغيرهم أو الأولية مقيدة بكونه أهلك قومه أو أن الثلاثة كانوا أنبياء ولم يكونوا رسلًا لكن في صحيح ابن حبان من حديث أبي ذر ما يقتضي أنه كان مرسلًا والتصريح بنزال الصحف على شيث. (وقد سماك الله) أي في القرآن في سورة بني إسرائيل (عبدًا شكورًا) وهذا موضع الترجمة (اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول: إن ربي عز وجل) ولأبي ذر فيقول رب عز وجل (قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه قد كانت) ولأبي ذر قد كان (لي دعوة دعوتها على قومي) هي التي أغرق بها الأرض يعني أن له دعوة واحدة محققة الإجابة، وقد استوفاها بدعائه على أهل الأرض فخشي أن يطلب فلا يجاب، وفي حديث أنس عند الشيخين: ويذكر خطيئته التي أصاب سؤاله ربه بغير علم، فيحتمل أن يكون اعتذر بأمرين: أحدهما أنه استوفى دعوته المستجابة، وثانيهما:

سؤاله ربه بغير علم بحيث قال: رب إن ابني من أهلي فخشي أن تكون شفاعته لأهل الموقف من ذلك (نفسي نفسي نفسي) ثلاثًا أي هي التي تستحق أن يشفع لها (اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم) زاد في رواية أن خليل الرحمن (فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض) لا ينفي وصف نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمقام الخلة الثابت له على وجه أعلى من إبراهيم (اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه) من الكرب (فيقول لهم إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات) بفتحات (فذكرهن أبو حيان) يحيى بن سعيد التيمي الراوي عن أبي زرعة (في الحديث) واختصرهن من دونه وهي قوله: إني سقيم، وبل فعله كبيرهم، وقوله لسارة هي أختي والحق أنها معاريض لكن لما كانت صورتها صورة كذب سماها به وأشفق منها استقصارًا لنفسه عن مقام الشفاعة مع وقوعها لأن من كان بالله أعرف وأقرب منزلة كان أعظم خطرًا وأشد خشية قاله البيضاوي. (نفسي نفسي نفسي) ثلاثًا (اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضّلك الله برسالته) بالإفراد (وبكلامه على الناس) عام مخصوص على ما لا يخفى فقد ثبت أنه تعالى كلّم نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة المعراج ولا يلزم من قيام وصف التكلم به أن يشتق له منه اسم الكليم كموسى إذ هو وصف غلب على موسى كالحبيب لنبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن كان شارك الخليل في الخلة على وجه أكمل منه (اشفع لنا إلى ربك ألا) بتخفيف اللام ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني أما بميم مخففة بدل اللام (ترى إلى ما نحن فيه) من الكرب (فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفسًا لم أومر بقتلها) بضم الهمزة وسكون الواو يريد قتله القبطي المذكور في آية القصص وإنما استعظمته واعتذر به لأنه لم يؤمر بقتل الكفار أو لأنه كان مؤمنًا فيهم فلم يكن له اغتياله ولا يقدح في عصمته لكونه خطأ وعدّه من عمل الشيطان في الآية، وسماه ظلمًا واستغفر منه على عادتهم في استعظام محقرات فرطت منهم (نفسي نفسي نفسي) ثلاثًا (اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى) وفي رواية أبي ذر زيادة ابن مريم (فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم) أي أوصلها إليها وحصلها فيها (وروح منه) أي وذو روح صدر منه لا بتوسط ما يجري مجرى الأصل والمادة له (وكلمت الناس في المهد) حال كونك (صبيًّا) أي طفلًا والمهد مصدر سمي به ما يمهد للصبي من مضجعه وسقط صبيًّا لأبي ذر (اشفع لنا) أي إلى ربك حتى يريحنا مما نحن فيه (ألا ترى إلى ما نحن فيه) من الكرب (فيقول عيسى: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله) زاد أبو ذر قط (ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنبًا) وفي رواية أحمد والنسائي من حديث ابن عباس إني اتخذت إلهًا من دون الله، وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور نحوه وزاد وإن يغفر لي اليوم حسبي (نفسي نفسي نفسي) ثلاثًا (اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في حديث أنس الطويل في الرقاق فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر (فيأتون محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية في الموضعين لأبي ذر (فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) يعني أنه غير مؤاخذ بذنب ولو وقع. قال في فتح الباري: ويستفاد من قول عيسى في حق نبينا هذا ومن قول موسى إني قتلت نفسًا وأن يغفر لي اليوم حسبي مع أن الله غفر له بنص القرآن التفرقة بين من وقع منه شيء ومن لم يقع منه شيء أصلًا، فإن موسى مع وقوع المغفرة له لم يرتفع إشفاقه من المؤاخذة بذلك أو رأى في نفسه تقصيرًا عن مقام الشفاعة مع وجود ما صدر منه بخلاف نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك كله، ومن ثم احتج عيسى

6 - باب قوله: {وآتينا داود زبورا} [الإسراء: 55]

بأنه صاحب الشفاعة لأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر بمعنى أن الله أخبر أن لا يؤاخذه بذنب، ولو وقع منه، قال وهذا من النفائس التي فتح الله بها في فتح الباري فله الحمد، وقال القاضي عياض: ويحتمل أنهم علموا أن صاحبها محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معينًا وتكون إحالة كل واحد منهم على الآخر على تدريج الشفاعة في ذلك إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إظهارًا لشرفه في ذلك المقام العظيم. (اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه) من الكرب (فانطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدًا لربي عز وجل) زاد في حديث أبي بكر الصديق عند أبي عوانة قدر جمعة (ثم يفتح الله عليّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئًا لم يفتحه على أحد قبلي) وفي حديث أبيّ بن كعب عند أبي يعلى رفعه: يعرفني الله نفسه فأسجد له سجدة يرضى بها عني ثم أمتدحه بمدحة يرضى بها عني (ثم يقال يا محمد ارفع رأسك سل تعطه) بسكون الهاء (واشفع تشفع) مبني للمفعول من التشفيع أي تقبل شفاعتك (فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب أمتي يا رب) مرتين ولأبي ذر أمتي يا رب فزاد ثالثة (فيقال: يا محمد أدخل من أمتك) بكسر الخاء أمر من الإدخال أي الجنة (من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة) وهم سبعون ألفًا وهم أول من يدخلها (وهم) أيضًا (شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب ثم قال: و) الله (الذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة) بكسر الميم من مصراعين وهما جانبا الباب (كما بين مكة وحمير) بكسر الحاء المهملة وفتح التحتية بينهما ميم ساكنة آخره راء أي صنعاء لأنها بلد حمير (أو كما بين مكة وبصرى) بضم الموحدة مدينة بالشام بينها وبين دمشق ثلاث مراحل والشك من الراوي. وهذا الحديث قد مرّ باختصار في أحاديث الأنبياء. 6 - باب قَوْلِهِ: {وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} [الإسراء: 55] (باب قوله) تعالى: {وآتينا داود زبورًا} [الإسراء: 55] كتابًا مزبورًا أي مكتوبًا أو هو اسم للكتاب الذي أنزل عليه وهو مائة وخمسون سورة ليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام بل كلها تسبيح وتقديس وتحميد وثناء على الله عز وجل ومواعظ، ونكره هنا لدلالته على التبعيض أي زبورًا من الزبر أو زبورًا فيه ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأطلق على القطعة منه زبور كما يطلق على بعض القرآن، وفيه تنبيه على وجه تفضيل نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو أنه خاتم النبيين وأمته خير الأمم المدلول عليه بما كتب في الزبور وسقط قوله لغير أبي ذر. 4713 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ الْقِرَاءَةُ فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَابَّتِهِ لِتُسْرَجَ فَكَانَ يَقْرَأُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ» يَعْنِي: الْقُرْآنَ. وبه قال: (حدّثنا) لغير أبي ذر حدّثني بالإفراد (إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم ونسبه إلى جده لشهرته به السعديّ المروزيّ وقيل البخاري قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام بن منبه) بفتح الموحدة المشددة وسقط لغير أبي ذر ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (خفف) بضم الخاء وتشديد الفاء مكسورة مبنيًا للمفعول (على داود) عليه السلام (القراءة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي القرآن وقد يطلق على القراءة والأصل فيه الجمع وكل شيء جمعته فقد قرأته وسمي القرآن قرآنًا لأنه جمع الأمر والنهي وغيرهما وقيل المراد الزبور والتوراة وكان الزبور ليس فيه أحكام كما مرّ بل كان اعتمادهم في الأحكام على التوراة كما أخرجه ابن أبي حاتم وغيره وقرآن كل نبي يطلق على كتابه الذي أوحي إليه وإنما سماه قرآنًا للإشارة إلى وقوع المعجزة به كوقوع المعجزة بالقرآن فالمراد به مصدر القراءة لا القرآن المعهود لهذه الأمة (فكان يأمر بدابته لتسرج) بالإفراد وفي أحاديث الأنبياء بدوابه بالجمع فالإفراد على الجنس أو ما يختص بركوبه وبالجمع ما يضاف إليها مما يركبه أتباعه (فكان) داود (يقرأ قبل أن يفرغ) الذي يسرج من الإسراج (يعني القرآن) وفيه أن البركة قد تقع في الزمن اليسير حتى يقع فيه العمل الكثير فمن ذلك أن بعضهم كان يقرأ أربع ختمات بالليل وأربعًا بالنهار، وقد أنبئت عن الشيخ أبي الطاهر المقدسي أنه يقرأ في اليوم والليلة خمس عشرة ختمة، وهذا

7 - باب: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} [الإسراء: 56]

الرجل قد رأيته بحانوته بسوق القماش في الأرض المقدسة سنة سبع وستين وثمانمائة وقرأت في الإرشاد أن الشيخ نجم الدين الأصبهاني رأى رجلًا من اليمن بالطواف ختم في شوط أو في أسبوع شك وهذا لا سبيل إلى إدراكه إلا بالفيض الرباني والمدد الرحماني. وهذا الحديث قد مرّ في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. 7 - باب: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلًا} [الإسراء: 56] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({قل ادعوا الذين زعمتم}) أي زعمتموهم آلهة فمفعولا الزعم حذفًا اختصارًا ({من دونه}) كالملائكة والمسيح وعزير ({فلا يملكون}) فلا يستطيعون ({كشف الضرّ عنكم}) كالمرض والفقر والقحط ({ولا تحويلًا}) [الإسراء: 56] أي ولا أن يحوّلوه إلى غيركم وسقط قوله فلا يملكون الخ. لأبي ذر وقال بعد قوله: ({من دونه}) الآية. 4714 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ {إِلَى رَبِّهِمِ الْوَسِيلَةَ} قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الإِنْسِ يَعْبُدُونَ نَاسًا مِنَ الْجِنِّ فَأَسْلَمَ الْجِنُّ وَتَمَسَّكَ هَؤُلاَءِ بِدِينِهِمْ زَادَ الأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ}. [الحديث 4714 - أطرافه في: 4715]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن بحر الباهلي الصيرفي البصري قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا سفيان) الثوري قال: (حدّثني) بالإفراد (سليمان) هو الأعمش (عن إبراهيم) النخعي (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة الأزدي الكوفي (عن عبد الله) هو ابن سعود -رضي الله عنه- أنه قال في قوله تعالى: ({إلى ربهم}) فيه حذف بينه في رواية النسائي من هذا الوجه فقال عن عبد الله في قوله: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم} (الوسيلة) [الإسراء: 57] أي القربة كما أخرجه عبد الرزاق عن قتادة (قال: كان ناس من الإنس يعبدون ناسًا من الجن) استشكله السفاقسي من حيث إن الناس ضد الجن. وأجيب: بأنه على قول من قال إنه من ناس إذا تحرّك. وقال الجوهري في صحاحه: والناس قد يكون من الإنس والجن فهو صريح في استعمال ذلك، ولئن سلمنا أن الجن لا يسمون ناسًا فهذا يكون من المشاكلة نحو تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك على ما تقرر في علم البديع. (فأسلم الجن، وتمسك هؤلاء) الإنس العابدون (بدينهم) ولم يتابعوا المعبودين في إسلامهم والجن لا يرضون بذلك لكونهم أسلموا. وزاد الطبري من وجه آخر عن ابن مسعود والإنس الذن كانوا يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم (زاد الأشجعي) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وبالجيم والعين المهملة عبيد الله مصغرًا الكوفي المتوفى في سنة ثنتين وثمانين ومائة في روايته (عن سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان ({قل ادعوا الذين زعمتم}) وبهذه الزيادة تقع المطابقة بين الحديث والترجمة. 8 - باب قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمِ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57] (باب قوله) تعالى: (أولئك) الأنبياء كعيسى ({الذين يدعون}) أي يدعونهم المشركون لكشف ضرّهم أو يدعونهم آلهة فأولئك مبتدأ والموصول نعت أو بيان أو بدل والمراد باسم الإشارة الأنبياء الذين عبدوا من دون الله وبالواو العباد لهم ومفعولًا يدعون محذوفان كالعائد على الموصول والخبر جملة ({يبتغون إلى ربهم الوسيلة}) القربة بالطاعة أو الخبر نفس الموصول ويبتغون حال من فاعل يدعون أو بدل منه (الآية) وسقط لغير أبي ذر باب قوله. 4715 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- فِي هَذِهِ الآيَةِ {الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمِ الْوَسِيلَةَ} قَالَ نَاسٌ مِنَ الْجِنِّ: يُعْبَدُونَ فَأَسْلَمُوا. وبه قال: (حدّثنا بشر بن خالد) بموحدة مكسورة فشين معجمة ساكنة أبو محمد الفرائضي العسكري قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) الملقب بغندر (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن إبراهيم) النخعي (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة بعدها موحدة (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه قال: (في هذه الآية {الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة} قال): ولأبي ذر عن المستملي كان (ناس من الجن يعبدون) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول ولأبي ذر عن الحموي والمستملي كانوا يعبدون (فأسلموا) وهذا طريق آخر للحديث السابق ذكره مختصرًا. 9 - باب: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وما جعلنا الرؤيا التي أريناك}) ليلة المعراج ({إلا فتنة للناس}) [الإسراء: 60] أي اختبارًا وامتحانًا ولذا رجع ناس عن دينهم لأن عقولهم لم تحمل ذلك بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4716 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ} قَالَ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ} شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. وبه قال: (حدّثنا

10 - باب قوله: {إن قرآن الفجر كان مشهودا} [الإسراء: 78] قال مجاهد: صلاة الفجر

علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه قال: في قوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس}). وهذه الجملة من قوله: حدّثنا علي بن عبد الله إلى هنا ساقطة من الفرع المعتمد المقابل على اليونينية وقف تنكزبغا ثابتة في غيره من الفروع المعتمدة (قال) أي ابن عباس (هي رؤيا عين) لا منام وفيه رد صريح على من أنكر مجيء المصدر من رأى البصرية على رؤيا كالحريري وغيره وقالوا إنما يقال في البصرية رؤية وفي الحلمية رؤيا (أريها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة وكسر الراء من الإراءة (ليلة أسري به) ولم يصرح بالمرئي وعند سعيد بن منصور من طريق أبي مالك قال هو ما أري في طريقه إلى بيت المقدس ({والشجرة الملعونة}) عطف على الرؤيا والملعونة نعت زاد في نسخة في القرآن هي (شجرة الزقوم) وكذا رواه أحمد وعبد الرزاق عن ابن عيينة به روى أنه لما سمع المشركون ذكرها قالوا: إن محمدًا يزعم أن الجحيم تحرق الحجارة ثم يقول تنبت فيها الشجرة رواه بمعناه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ولم يعلموا أن من قدر أن يحمي وبر السمندل من أن تأكله النار وأحشاء النعامة من أدّى الحجر وقطع الحديد المحماة التي تبتلعها قادر أن يخلق في النار شجرة لا تحرقها ولعنها في القرآن قيل هو مجاز إذ المراد طاعموها لأن الشجرة لا ذنب لها وقيل على الحقيقة ولعنها إبعادها من رحمة الله لأنها تخرج في أصل الجحيم فإنه أبعد مكان من الرحمة. 10 - باب قَوْلِهِ: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] قَالَ مُجَاهِدٌ: صَلاَةَ الْفَجْرِ (باب قوله) تعالى: ({إن قرآن الفجر كان مشهودًا}) [الإسراء: 78] (قال مجاهد) فيما وصله ابن المنذر عن ابن أبي نجيح عنه في قوله قرآن الفجر أي (صلاة الفجر) عبر عنها ببعض أركانها وسقط باب قوله لغير أبي ذر. 4717 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَضْلُ صَلاَةِ الْجَمِيعِ عَلَى صَلاَةِ الْوَاحِدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَتَجْتَمِعُ مَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ» يَقُولُ: أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي بفتح النون قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) بسكونه العين المهملة وفتح الميمين هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف اسمه عبد الله أو إسماعيل (وابن المسيب) بفتح التحتية المشددة سعيد كلاهما (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): وسقط لفظ قال لأبي ذر عن الحموي والكشميهني. (فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد) منفردًا (خمس وعشرون درجة) وفي نسخة خمس بفتح السين كذا في الفرع كأصله مصححًا عليه أي تزيد خمس درجات وعشرين بالياء أي درجة (وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح) لأنه وقت صعودهم بعمل الليل ومجيء الطائفة الأخرى لعمل النهار ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في صلاة الفجر (يقول) وفي فضل صلاة الفجر في جماعة من كتاب الصلاة من طريق شعيب عن الزهري ثم يقول (أبو هريرة) مستشهدًا لذلك (اقرؤوا إن شئتم {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودًا}) أي تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار رواه أحمد عن ابن مسعود مرفوعًا وفي الأنوار أو شواهد القدرة من تبذل الظلمة بالضياء والنوم الذي هو أخو الموت بالانتباه أو كثير من المصلين أو من حقه أن يشهده الجم الغفير. 11 - باب قَوْلِهِ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] (باب قوله) تعالى: ({عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا}) [الإسراء: 79] يحمده فيه الأوّلون والآخرون والمشهور أنه مقام الشفاعة للناس ليريحهم الله من كرب ذلك اليوم وشدته. 4718 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ يَصِيرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُثًا، كُلُّ أُمَّةٍ تَتْبَعُ نَبِيَّهَا يَقُولُونَ: يَا فُلاَنُ اشْفَعْ حَتَّى تَنْتَهِىَ الشَّفَاعَةُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَلِكَ يَوْمَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولغير أبي ذر حدّثني (إسماعيل بن أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة أخره نون منصرف وغير منصرف أبو إسحاق الوراق الأزدي الكوفي قال: (حدّثنا أبو الأحوص) بالحاء والصاد المهملتين سلام بتشديد اللام ابن سليم الحنفي الكوفي (عن آدم بن علي) العجلي بكسر العين المهملة وسكون الجيم أنه (قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثّا) بضم الجيم وفتح المثلثة المخففة منوّنًا مقصورًا جمع جثوة كخطوة وخطًا

12 - باب: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} [الإسراء: 81]. يزهق: يهلك

أي جماعات (كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان اشفع) أي لنا وزاد أبو ذر يا فلان اشفع فيكون مرتين (حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في الرواية المعلقة في الزكاة فيشفع ليقضي بين الخلق (فذلك) أي مقام الشفاعة (يوم يبعثه الله المقام المحمود) وفي المقام المحمود أقوال أخر تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في الرقاق. 4719 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا علي بن عياش) بتشديد التحتية آخره شين معجمة الألهاني الحمصي قال: (حدّثنا شعيب بن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي الحمصي (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير التيمي المدني (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من قال حين يسمع النداء) أي الأذان (اللهم رب هذه الدعوة التامة) لجمعها العقائد بتمامها (والصلاة القائمة) الدائمة التي لا تغيرها ملة ولا تنسخها شريعة (آت محمدًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ائت محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الوسيلة) المنزلة العلية في الجنة التي لا تنبغي إلا له (والفضيلة) المرتبة الزائدة على سائر المخلوقين (وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته) بقولك تباركت وتعاليت {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79] والموصول مع الصلة إما بدل من النكرة على طريق إبدال المعرفة من النكرة أو صفة لها على رأي الأخفش لأنها وصفت وإنما نكر لأنه أفخم وأجزل كأنه قيل مقامًا وأي مقام يغبطه فيه الأوّلون والآخرون محمودًا تأكل عن أوصافه ألسنة الحامدين وتشرت به على جميع العالمين تسأل فتعطى وتشفع فتشفع وليس أحد إلا تحت لوائك (حلت) أي وجبت (له شفاعتي يوم القيامة) الشاملة للأوّلين والآخرين في خلاصهم من كرب يوم الدين وتوصيلها إلى جنات النعيم ولقاء الله رب العالمين جعلنا الله منهم بمنه وكرمه (رواه) أي الحديث المذكور (حمزة بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر فيما وصله الإسماعيلي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وهذا الحديث قد سبق في باب الدعاء عند الأذان من كتاب الصلاة. 12 - باب: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]. يَزْهَقُ: يَهْلِكُ هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وقل جاء الحق}) الإسلام ({وزهق الباطل}) أي ذهب وهلك الشرك وقال قتادة الحق القرآن والباطل الشيطان وقال ابن جريج الحق الجهاد والباطل الشرك وقيل غير ذلك والصواب تعميم اللفظ بالغاية الممكنة فيكون التعبير جاء الشرع بجميع ما انطوى فيه والباطل كل ما لا تنال به غاية نافعة ({إن الباطل كان زهوقًا}) [الإسراء: 81] مضمحلًا ذاهبًا غير ثابت قال: ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... إقدامه من آلة لم تزهق وقال أبو عبيدة (يزهق) بفتح أوّله وثالثه معناه (يهلك) بفتح أوّله وكسر ثالثه، والمراد بهلكته وضوحه فيكون هالكًا لا يعمل به المحق وسقط لأبي ذر أن الباطل كان زهوقًا وقال بعد الباطل الآية وسقط لغيره لفظ باب. 4720 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلاَثُمِائَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ}. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن ابن أبي نجيح) عبد الله واسم أي نجيح بفتح النون وكسر الجيم يسار ضد اليمين (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن أبي معمر) بفتح الميمين عبد الله بن سخبرة الأزدي الكوفي (عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-) أنه (قال: دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة) أي عام الفتح (وحول البيت) أي والحال أن البيت حوله (ستون وثلاثمائة نصب) بضم النون والصاد ولأبي ذر نصب بفتح النون وسكون الصاد مجرور فيهما وقد تسكن الصاد مع ضم النون. قال في فتح الباري: كتنقيح الزركشي والسفاقسي واللفظ للأول كذا للأكثر هنا بغير ألف وكذا وقع في رواية سعيد بن منصور لكن وقع بلفظ صنم والأوجه نصبه على التمييز إذ لو كان مرفوعًا لكان صفة والواحد لا يقع صفة للجمع اهـ قال في المصابيح متعقبًا لما قاله في التنقيح من ذلك هنا عدد أن كل منهما

13 - باب: {ويسألونك عن الروح} [الإسراء: 85]

يحتاج إلى مميز فالأول مميزه منصوب يعني ستون نصبًا والثاني مميزه مجرور يعني ثلاثمائة نصب فإن عنى أنه مميز لكلا العددين فخطأ والظاهر أنه مجرور كما وقع في بعض النسخ تمييز لثلاثمائة ومميز ستون محذوف لوجود الدال عليه وأما قوله ولا وجه للرفع إذ لو كان مرفوعًا لكان صفة الخ فلم ينحصر وجه الرفع فيما ذكر حتى يتعين فيه الخطأ لجواز أن يكون نصب خبر مبتدأ محذوف أي كل منها نصب انتهى. وقال العيني النصب واحد الأنصاب قال الجوهري وهو ما يعبد من دون الله وكذلك النصب بالضم واحد الأنصاب قال وفي دعوى الأوجهية نظر لأنه إنما يتجه إذا جاءت الرواية بالنصب على التمييز وليست الرواية إلا بالرفع فحينئذٍ الوجه أن يقال النصب ما نصب أعم من أن يكون واحدًا أو جميعًا وأيضًا هو في الأصل مصدر نصبت الشيء إذا أقمته فيتناول عموم الشيء اهـ ومراده الاستدلال على كون النصب هنا جمعًا فيصح أن يكون صفة للجمع لكن قوله وليست الرواية إلا بالرفع فيه نظر فليحرر. والذي رأيته في جملة من الفروع المعتمدة المقابلة على اليونينية المجمع عليها في الإتقان وتحرير الضبط بالجر ولم أر غيره في نسخة ومن علم حجة على من لم يعلم لكن قول الحافظ ابن حجر بعد ذكره ما مر أو هو منصوب لكنه كتب بغير ألف على بعض اللغات يدل على أنه لم يثبت عنده فيه رواية فيجزم بها فتأمله. (فجعل) عليه الصلاة والسلام (يطعنها) بضم العين (بعود في يده) وفي الفرع كأصله فتح العين من يطعنها أيضًا لكن المعروف أن المفتوح للطعن في القول (ويقول: {جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا}) الواو للعطف على فجعل يطعن أو للحال ({جاء الحق}) أي القرآن أو التوحيد أو المعجزات الدالة على نبوّته عليه الصلاة والسلام ({وما يبدئ الباطل وما يعيد}) يجوز في ما أن تكون نفيًا وأن تكون استفهامًا ولكن يؤول معناها إلى النفي ولا مفعول للفعلين إذ المراد لا يوقع هذين الفعلين كقوله: أقفر من أهله عبيد ... أصبح لا يبدي ولا يعيد أو حذفًا أي ما يبدئ لأهله خبرًا ولا يعبده والمعنى ذهب الباطل وزهق فلم تبق منه بقية تبدئ شيئًا أو تعيد. 13 - باب: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} [الإسراء: 85] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ويسألونك عن الروح}) [الإسراء: 85] وسقط باب لغير أبي ذر. 4721 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَرْثٍ وَهْوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ، إِذْ مَرَّ الْيَهُودُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ؟ فَقَالَ: مَا رَابَكُمْ إِلَيْهِ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ يَسْتَقْبِلُكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالُوا سَلُوهُ فَسَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقُمْتُ مَقَامِي فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْىُ قَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا} [الإسراء: 85]. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) بكسر الغين المعجمة وآخره مثلثة ابن طلق بفتح الطاء وسكون اللام الكوفي قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال بينا) بغير ميم (أنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حرث) بفتح الحاء المهملة آخره مثلثة وفي العلم من وجه آخر في قرب المدينة بخاء معجمة ثم موحدة آخره بدل المثلثة، وعند مسلم في نخل (وهو متكئ على عسيب) بفتح العين وكسر السين المهملتين وبعد التحتية الساكنة وحدة عصًا من جريد النخل (إذ مرّ اليهود) رفع على الفاعلية (فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح) الذي يحيا به بدن الإنسان ويدبره أو جبريل أو القرآن أو الوحي أو ملك يقوم وحده صفًّا يوم القيامة أو ملك له أحد عشر ألف جناح ووجه أو ملك له سبعون ألف لسان أو خلق كخلق بني آدم يقال لهم الروح يأكلون ويشربون أو سلوه عن كيفية مسلك الروح في البدن وامتزاجها به أو عن ماهيتها وهل هي متحيزة أم لا وهل هي حالة في متحيز أم لا وهل هي قديمة أو حادثة وهل تبقى بعد انفصالها من الجسد أو تفنى وما حقيقة تعذيبها وتنعيمها وغير ذلك من متعلقاتها قال الإمام فخر الدين وليس في السؤال ما يخصص أحد هذه المعاني إلا أن الأظهر أنهم سألوه عن الماهيّة وهل الروح قديمة أو حادثة (فقال) أي بعضهم (ما رأبكم إليه) بلفظ الفعل الماضي من غير همز من الريب ولأبي ذر عن الحموي كما قال في فتح الباري ما رأبكم بهمزة مفتوحة وضم الموحدة من

الرأب وهو الإصلاح يقال فيه رأب بين القوم إذا أصلح بينهم قال وفي توجيهه هنا بعد. وقال الخطابي: الصواب ما أربكم بتقديم الهمزة وفتحتين من الأرب وهو الحاجة. قال الحافظ ابن حجر: وهذا واضح المعنى لو ساعدته الرواية نعم رأيته في رواية المسعودي عن الأعمش عند الطبري كذلك، وذكر ابن التين أن في رواية القابسي كرواية الحموي لكن بتحتية بدل الموحدة ما رأيكم أي بسكون الهمزة من الرأي انتهى. وهذا الذي حكاه عن رواية القابسي رأيته كذلك في فرع اليونينية كأصله عن أبي ذر عن الحموي. (وقال بعضهم لا يستقبلكم بشيء) بالرفع على الاستئناف ويجوز الجزم على النهي وفي العلم وقال بعضهم لا تسألوه لا يجيء فيه بشيء (تكرهونه) إن لم يفسره لأنهم قالوا إن فسره فليس بنبي وذلك أن في التوراة أن الروح مما انفرد الله بعلمه ولا يطلع عليه أحدًا من عباده فإذا لم يفسره دل على نبوّته وهم يكرهونها وفيه قيام الحجة عليهم في نبوّته (فقالوا: سلوه فسألوه عن الروح، فأمسك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يرد عليهم) ولأبي ذر عن الكشميهني فلم يرد عليه (شيئًا) بالإفراد أي على السائل وفي العلم فقام رجل منهم فقال: يا أبا القاسم ما الروح؟ قال ابن مسعود (فعلمت أنه يوحى إليه) في التوحيد فظننت بدل فعلمت وإطلاق الظن على العلم معروف (فقمت مقامي) أي في مقامي أي لأحول بينه وبين السائلين أو فقمت عنه أي لئلا يتشوش بقربي منه وفي الاعتصام فتأخرت عنه (فلما نزل الوحي) عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: {ويسألونك عن الروح}) قال البرماوي وغيره ظاهر السياق يقتضي أن الوحي لم يتأخر لكن في مغازي ابن إسحاق أنه تأخر خمس عشرة ليلة، وكذا قال القاضي عياض أنه ثبت كذلك في مسلم أي ما يقتضي الفورية وهو وهم بين لأنه إنما جاء هذا القول عند انكشاف الوحي وفي البخاري في كتاب الاعتصام فلما صعد الوحي وهو صحيح، قال في المصابيح: هذه الإطلاقات صعبة في الأحاديث لا سيما ما اجتمع على تخريجه الشيخان ولا أدري ما هذا الوهم ولا كيف هو ولما حرف وجود لوجود أي أن مضمون الجملة الثانية وجد لأجل مضمون الأولى كما تقول لما جاءني زيد أكرمته فالإكرام وجد لوجود المجيء كذلك تلاوته عليه الصلاة والسلام لقوله تعالى: {ويسألونك عن الروح} الآية كانت لأجل وجود إنزالها ولا يضر في ذلك كون الإنزال تأخر عن وقت السؤال وأما قوله أن هذا القول إنما كان بعد انكشاف الوحي فمسلم إذ هو لا يتكلم بالمنزل عليه في نفس وقت الإنزال، وإنما يتكلم به بعد انقضاء زمن الوحي واتحاد زمني الفعلين الواقعين في جملتي لما غير شرط كما إذا قلت لما جاءني زيد أكرمته فلا يشترط في صحة هذا الكلام أن يكون الإكرام والمجيء واقعين في زمن واحد لا يتقدم أحدهما على الآخر ولا يتأخر بل هذا التركيب صحيح إذا كان الإكرام متعقبًا للمجيء. فإن قلت: لعله بناه على رأي الفارسي ومن تبعه في أن لما ظرف بمعنى حين فيلزم أن يكون الفعل الثاني واقعًا في حين الفعل الأول؟ قلت: ليس مراد الفارسي ولا غيره من كونها بمعنى حين ما فهمته من اتحاد الزمنين باعتبار الابتداء والانتهاء إلا أنه يصح أن تقول جئت حين جاء زيد وإن كان ابتداء مجيئك في آخر مجيء زيد ومنتهاه بعد ذلك والمشاحة في مثل هذا والمضايقة فيه مما لم تبن لغة العرب عليه اهـ. ({قل الروح من أمر ربي}) أي مما استأثر الله بعلمه فهو من أمر رب لا من أمري فلا أقول لكم ما هي والأمر بمعنى الشأن أي معرفة الروح من شأن الله لا من شأن غيره ولا يلزم من عدم العلم بحقيقته المخصوصة نفيه فإن أكثر حقائق الأشياء وماهيتها مجهولة ولم يلزم من كونها مجهولة نفيها ويؤيده قوله تعالى: ({وما أوتيتم من العلم إلا}) علمًا أو إيتاءً ({قليلًا}) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وما أوتوا بضمير الغائب وهي قراءة شاذة مروية عن الأعمش مخالفة للمصحف ليست من طرق كتابي الذي جمعته في القراءات الأربعة عشر وإنما

14 - باب: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} [الإسراء: 110]

رأيتها في كتب التفسير قيل: وليس في الآية دلالة على أن الله تعالى لم يطلع نبيه على حقيقة الروح بل يحتمل أن يكون أطلعه ولم يأمره أن يطلعهم، وقد قالوا في علم الساعة نحو هذا فالله أعلم. وقد قرر السهيلي فيما ذكره ابن كثير أن الروح هي ذات لطيفة كالهواء سارية في الجسد كسريان الماء في عروق الشجر وإن الروح التي ينفخها الملك في الجنين هي النفس بشرط اتصالها بالبدن واكتسابها بسببه صفات مدح أو ذم فهي إما نفس مطمئنة أو أمارة بالسوء كما أن الماء حياة الشجر ثم يكتسب بسبب اختلاطه معها اسمًا خاصًا فماذا اتصل بالعنبة وعصر منها صار ماء مصطارًا وخمرًا ولا يقال له ماء حينئذٍ إلا على سبيل المجاز وهكذا لا يقال للنفس روح إلا على هذا النحو وكذلك لا يقال للروح نفس إلا على هذا النحو باعتبار ما تؤول إليه فحاصل ما نقول إن الروح هي أصل النفس ومادّتها والنفس مركبة منها ومن اتصالها بالبدن فهي هي من وجه لا من كل وجه وهذا معنى حسن انتهى. ثم إن ظاهر سياق هذا الحديث يقتضي أن هذه الآية مدنية وإن نزولها إنما كان حين سأل اليهود عن ذلك بالمدينة مع أن السورة كلها مكية وقد يجاب باحتمال أن تكون نزلت مرة ثانية بالمدينة كما نزلت بمكة قبل. وهذا الحديث سبق في كتاب العلم وأخرجه أيضًا في التوحيد والاعتصام ومسلم في التوبة والترمذي والنسائي في التفسير. 14 - باب: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}) [الإسراء: 110] سقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4722 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ كَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ فَإِذَا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ} أَيْ بِقِرَاءَتِكَ فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ {وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِكَ فَلاَ تُسْمِعُهُمْ {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}. [الحديث 4722 - أطرافه في: 7490، 7525، 7547]. وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء مصغرًا ابن بشير مصغر بشر الواسطي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (أبو بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية الواسطي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه قال: (في قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} قال: نزلت ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مختف بمكة) يعني في أوّل الإسلام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي مختفي بإثبات التحتية بعد الفاء (كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع) ولأبي ذر سمعه (المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل (لنبيه) محمد (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {ولا تجهر بصلاتك} أي بقراءتك) أي بقراءة صلاتك فهو على حذف المضاف (فيسمع المشركون فيسبوا القرآن) وللطبري من وجه آخر عن سعيد بن جبير فقالوا له أي المشركون لا تجهر فتؤذي آلهتنا فنهجو إلهك ({ولا تخافت}) لا تخفض صوتك (بها عن أصحابك فلا تسمعهم) وإنما حذف المضاف لأنه لا يلبس من قبل أن الجهر والمخافتة صفتان تعتقبان على الصوت لا غير والصلاة أفعال وأذكار ({وابتغ بين ذلك}) الجهر والمخافتة ({سبيلًا}) وسطًا. 4723 - حَدَّثَنِا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: أُنْزِلَ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ. [الحديث 4723 - أطرافه في: 6327، 7526]. وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر حدثني بالإفراد (طلق بن غنام) بفتح الطاء المهملة وسكون اللام ثم قاف وغنام بالغين المعجمة والنون المشدّدة وبعد الألف ميم أبو محمد النخعي الكوفي قال: (حدّثنا زائدة) بن قدامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: أنزل ذلك) أي قوله ولا تجهر الخ (في الدعاء) من باب إطلاق الكل على الجزء إذ الدعاء من بعض أجزاء الصلاة. وأخرج الطبري وابن خزيمة والحاكم من طريق حفص بن غياث عن هشام الحديث وزاد فيه في التشهد وهو مخصص لحديث عائشة إذ ظاهره أعم من أن يكون داخل الصلاة وخارجها. وعند ابن مردويه من حديث أبي هريرة كان رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء فنزلت أو مراده معناها اللغوي على ما لا يخفى. وهذا الحديث من أفراده. [18]- سورة الْكَهْفِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَقَالَ مُجَاهِدٌ {تَقْرِضُهُمْ} تَتْرُكُهُمْ {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: جَمَاعَةُ الثَّمَرِ {بَاخِعٌ} مُهْلِكٌ {أَسَفًا} نَدَمًا {الْكَهْفُ} الْفَتْحُ فِي الْجَبَلِ، {وَالرَّقِيمُ} الْكِتَابُ: مَرْقُومٌ مَكْتُوبٌ مِنَ الرَّقْمِ {رَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} أَلْهَمْنَاهُمْ صَبْرًا. {لَوْلاَ أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا}: {شَطَطًا} إِفْرَاطًا {الْوَصِيدُ} الْفِنَاءُ، جَمْعُهُ وَصَائِدُ وَوُصُدٌ وَيُقَالُ الْوَصِيدُ الْبَابُ، مُؤْصَدَةٌ مُطْبَقَةٌ آصَدَ الْبَابَ وَأَوْصَدَ {بَعَثْنَاهُمْ} أَحْيَيْنَاهُمْ. أَزْكَى: أَكْثَرُ وَيُقَالُ أَحَلُّ وَيُقَالُ أَكْثَرُ رَيْعًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أُكْلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ} لَمْ تَنْقُصْ، وَقَالَ سَعِيدٌ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {الرَّقِيمُ} اللَّوْحُ مِنْ رَصَاصٍ كَتَبَ عَامِلُهُمْ أَسْمَاءَهُمْ ثُمَّ طَرَحَهُ فِي خِزَانَتِهِ {فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى آذَانِهِمْ} فَنَامُوا. وَقَالَ غَيْرُهُ وَأَلَتْ تَئِلُ تَنْجُو وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَوْئِلًا: مَحْرِزًا {لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} لاَ يَعْقِلُونَ. [18]- سورة الْكَهْفِ مكية قيل إلا قوله: {واصبر نفسك} الآية وهي مائة وإحدى عشرة آية. (بسم الله الرحمن الرحيم).

قال الحافظ ابن حجر ثبتت البسملة لجر أبي ذر اهـ. أي وسقطت له والذي رأيته في الفرع كأصله ثبوتها له فقط مصححًا على علامته فالله أعلم. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({تقرضهم}) أي (تتركهم) وروى عبد الرزاق عن قتادة نحوه، وقول مجاهد هذا ساقط عند أبي ذر. ({وكان له ثمر}) بضم المثلثة قال مجاهد فيما وصله الفريابي أي (ذهب وفضة) وعن مجاهد أيضًا ما كان في القرآن ثمر بالضم فهو المال وما كان بالفتح فهو النبات وقال ابن عباس بالضم جميع المال من الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك قال النابغة: مهلًا فداء لك الأقوام كلهم ... وما أثمر من مال ومن ولد (وقال غيره) غير مجاهد الثمر بالضم (جماعة الثمر) بالفتح. ({باخع}) في قوله تعالى: {لعلك باخع} [الكهف: 6] قال أبو عبيدة (مهلك) نفسك إذا ولوا عن الإيمان. ({أسفًا}) أي (ندمًا) كذا فسره أبو عبيدة وعن قتادة حزنًا وعن غيره فرط الحزن. ({الكهف}) في قوله: {أم حسبت أن أصحاب الكهف} هو (الفتح في الجبل) ({والرقيم}) [الكهف: 9] هو (الكتاب مرقوم) أي (مكتوب من الرقم) بسكون القاف قيل هو لوح رصاصي أو حجري رقمت فيه أسماؤهم وقصصهم وجعل على باب الكهف، وقيل الرقيم اسم الجبل أو الوادي الذي فيه كهفهم أو اسم قريتهم أو كلبهم وقيل غير ذلك وقيل مكانهم بين غضبان وأيلة دون فلسطين وقيل غير ذلك مما فيه تباين وتخالف ولم ينبئنا الله ولا رسوله عن ذلك في أي الأرض هو إذ لا فائدة لنا فيه ولا غرض شرعي. ({ربطنا على قلوبهم}) [الكهف: 14] أي (ألهمناهم صبرًا) على هجر الوطن والأهل والمال والجراءة على إظهار الحق والرد على دقيانوس الجبار ومن هذه المادة قوله تعالى: في سورة القصص {لولا أن ربطنا على قلبها} [القصص: 10] أي أم موسى وذكره استطرادًا. (شططا) في قوله تعالى: {لقد قلنا إذا شططا} [الكهف: 14] أي (إفراطًا) في الظلم ذا بعد عن الحق. ({الوصيد}) في قوله تعالى: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} [الكهف: 18] هو (الفناء) بكسر الفاء تجاه الكهف (جمعه وصائد) كمساجد (ووصد) بضمتين (ويقال الوصيد) هو (الباب) وهو مروي عن ابن عباس وعن عطاء عتبة الباب وقوله تعالى في الهمزة مما ذكره استطرادًا (مؤصدة) أي (مطبقة) يعني النار على الكافرين واشتقاقه من قوله (آصد الباب) بمد الهمزة (وأوصد) أي أطبقه وحذف المفعول من الثاني للعلم به من الأوّل. ({بعثناهم}) في قوله تعالى: {ثم بعثناهم لنعلم أيّ الحزبين} [الكهف: 12] أي (أحييناهم) قاله أبو عبيدة والمراد أيقظناهم من نومهم إذ النوم أخو الموت وقوله: {لنعلم أي الحزبين أحصى} عبارة عن خروج ذلك الشيء إلى الوجود أي لنعلم ذلك موجودًا وإلا فقد كان الله تعالى علم أي الحزبين أحصى الأمد. ({أزكى}) في قوله تعالى: {فلينظر أيها أزكى طعامًا} [الكهف: 19] معناه (أكثر) أي أكثر أهلها طعامًا (ويقال أحل) وهذا أولى لأن مقصودهم إنما هو الحلال سواء كان كثيرًا أو قليلًا وقيل المراد أحل ذبيحة قاله ابن عباس وسعيد بن جبير قيل لأن عامتهم كانوا مجوسًا وفيهم قوم مؤمنون يخفون إيمانهم (ويقال أكثر ريعًا) أي نماء على الأصل. (قال ابن عباس {أكلها} سقط لأبي ذر من قوله الكهف إلى هنا ({ولم تظلم}) أي (لم تنقص) بفتح أوّله وضم ثالثه أي من أكلها شيئًا يعهد في سائر البساتين فإن الثمار تتم في عام وتنقص في عام غالبًا. (وقال سعيد) هو ابن جبير مما وصله ابن المنذر (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ({الرقيم} اللوح من رصاص كتب عاملهم}) فيه (أسماءهم ثم طرحه في خزانته) بكسر الخاء المعجمة وسبب ذلك أن الفتية طلبوا فلم يجدوهم فرفع أمرهم للملك فقال ليكونن لهؤلاء شأن فدعا باللوح وكتب ذلك (فضرب الله على آذانهم) يريد تفسير قوله: {فضربنا على آذانهم} (فناموا) نومة لا تنبههم فيها الأصوات كما ترى المستثقل في نومه يصاح به فلا ينتبه. (وقال غيره) أي غير ابن عباس وسقط وقال سعيد عن ابن عباس إلى هنا لأبي ذر في قوله تعالى: {بل

1 - باب قوله: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا}

لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلًا} [الكهف: 58] مشتق من (وألت تئل) من باب فعل يفعل بفتح العين في الماضي وكسرها في المستقبل أي (تنجو) يقال وأل إذا نجا ووأل إليه إذا لجأ إليه والموئل الملجأ (وقال مجاهد موئلًا) أي (محرزًا) بفتح الميم وكسر الراء بينهما حاء مهملة ساكنة. ({لا يستطيعون سمعًا}) في قوله تعالى: {الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعًا} [الكهف: 101] أي (لا يعقلون) وهذا وصله الفريابي عن مجاهد أي لا يعقلون عن الله أمره ونهيه والأعين هنا كناية عن البصائر لأن عين الجارحة لا نسبة بينها وبين الذكر والمعنى الذين فكرهم بينها وبين ذكري والنظر في شرعي حجاب وعليها غطاء ولا يستطيعون سمعًا لإعراضهم ونفارهم عن الحق لغلبة الشقاء عليهم. 1 - باب قَوْلِهِ: {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} (باب قوله) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وكان الإنسان}) يريد الجنس أو النضر بن الحارث أو أبي بن خلف ({أكثر شيء}) يتأتى منه الجدل ({جدلًا}) [الكهف: 54] خصومة ومماراة بالباطل وانتصابه على التمييز يعني أن جدل الإنسان أكثر من جدل كل شيء ونحوه {فإذا هو خصيم مبين} [يس: 77] وفي حديث مرفوع "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل". 4724 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ، أَخْبَرَهُ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ قَالَ: «أَلاَ تُصَلِّيَانِ؟» رَجْمًا بِالْغَيْبِ لَمْ يَسْتَبِنْ فُرُطًا: نَدَمًا. سُرَادِقُهَا مِثْلُ السُّرَادِقِ وَالْحُجْرَةِ الَّتِي تُطِيفُ بِالْفَسَاطِيطِ. يُحَاوِرُهُ مِنَ الْمُحَاوَرَةِ، لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي أَيْ لَكِنْ أَنَا هُوَ اللَّهُ رَبِّي ثُمَّ حَذَفَ الأَلِفَ وَأَدْغَمَ إِحْدَى النُّونَيْنِ فِي الأُخْرَى، وَفَجَّرْنَا خِلاَلَهُمَا نَهَرًا يَقُولُ: زَلَقًا: لاَ يَثْبُتُ فِيهِ قَدَمٌ، هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ: مَصْدَرُ الْوَلِيِّ عُقُبًا: عَاقِبَةٌ وَعُقْبَى وَعُقْبَةٌ وَاحِدٌ وَهْيَ الآخِرَةُ، قِبَلًا وَقُبُلًا وَقَبَلًا اسْتِئْنَافًا. لِيُدْحِضُوا لِيُزِيلُوا الدَّحْضُ الزَّلَقُ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (علي بن حسين) بضم الحاء هو زين العابدين (أن) أباه (حسين بن علي أخبره عن) أبيه (علي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طرقه وفاطمة) أي أتاهما ليلًا (قال) ولأبي ذر وقال أي لهما حثًّا وتحريضًا (ألا تصليان) كذا ساقه مختصرًا ولم يذكر المقصود منه هنا جريًا على عادته في التعمية وتشحيذ الأذهان فأشار بطرفه إلى بقيته وهو قول علي فقلت: يا رسول الله أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا فانصرف حين قلنا ذلك ولم يرجع إليّ شيئًا ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول {وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا} وهذا يدل على أن المراد بالإنسان الجنس ففيه ردّ على من قال المراد بالإنسان هنا الكافر لكن في الآية مع قوله: ويجادل الذين كفروا بالباطل إشعار بالتخصيص لأن ذلك صفة ذم ولا يستحقه إلا من هو له أهل وهم الكفار. وهذا الحديث قد مر في التهجد من أواخر كتاب الصلاة. ({رجمًا بالغيب}) في قوله: {ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجمًا بالغيب} [الكهف: 22] أي (لم يستبن) لهم فهو قول بلا علم وقد حكي ثلاثة أقوال في اختلاف الناس في عددهم، فمنهم من قال ثلاثة رابعهم كلبهم قيل وهو قول اليهود، وقيل هو قول السيد من نصارى نجران وكان يعقوبيًا. وقال النصارى أو العاقب منهم خمسة سادسهم كلبهم وقد أتبع هذين القولين بقوله رجمًا بالغيب، وقال المسلمون بأخبار الرسول سبعة وثامنهم كلبهم ورجمًا يجوز كونه مفعولًا من أجله وكونه في موضع الحال أي ظانين وقوله رجمًا الخ ساقط لأبي ذر. (يقال {فرطًا}) يريد قوله تعالى: {وكان أمره فرطًا} [الكهف: 28] أي (ندمًا) وهذا وصله الطبري من طريق داود بن أبي هند بلفظ ندامة وقال أبو عبيدة تضييعًا وإسرافًا وسقط قوله يقال لغير أبي ذر. ({سرادقها}) في قوله: {إنّا أعتدنا للظالمين نارًا أحاط بهم سرادقها} [الكهف: 29] والضمير يرجع إلى النار والمعنى أن سرادق النار (مثل السرادق والحجرة) بالراء (التي تطيف بالفساطيط) أي تحيط بها والفساطيط جمع فسطاط وهي الخيمة العظيمة والسرداق الذي يمدّ فوق صحن الدار ويطيف به وقيل سرادقها دخانها وقيل حائط من نار. ({يحاوره}) في قوله تعالى: {قال له صاحبه وهو يحاوره} [الكهف: 37] هو (من المحاورة) وهي المراجعة. ({لكنا هو الله ربي} أي لكن أنا هو الله ربي) كما كتبت في مصحف أبي بإثبات أنا (ثم حذف الألف) التي هي صورة الهمزة والهمزة (وأدغم إحدى النونين في الأخرى) عند التقاء المثلين وقوله ثم حذف الألف يحتمل أن يكون بنقل حركة الهمزة لنون لكن أو حذفت من غير نقل على غير قياس قال

2 - باب: {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} زمانا وجمعه أحقاب

في الدور الأول: أحسن الوجهين. وقال في المصابيح: قول بعضهم نقلت حركة الهمزة إلى النون ثم حذفت على القياس في التخفيف ثم سكنت النون وأدغمت مردود لأن المحذوف لعلة بمنزلة الثابت ولهذا تقول هذا قاض بالكسر لا بالرفع لأن حذف الياء للساكنين فهي مقدرة الثبوت فيمتنع الإدغام لأن الهمزة فاصلة في التقدير. ({وفجرنا خلالهما نهرًا}) [الكهف: 33] (يقول بينهما نهرًا) وهذه ساقطة لغير أبي ذر. ({زلقًا}) في قوله تعالى: {فتصبح صعيدًا زلقًا} [الكهف: 40] (لا يثبت فيه قدم) لكونها أرضًا ملساء بل يزلق عليها وهذه ساقطة لأبي ذر أيضًا. ({هنالك الولاية}) بكسر الواو ولأبي ذر الولاية بفتحها لغتان بمعنى أو الكسر من الإمارة والفتح من النصرة وبالكسر قرأ حمزة والكسائي وهي (مصدر الولي) ولأبي ذر مصدر ولي بغير ألف ولام وفي رواية مصدر ولي الولي ولاء قال في الفتح والأول أصوب والمعنى النصرة في ذلك المقام لله وحده لا يقدر عليها غيره. ({عقبًا}) في قوله: {هو خير ثوابًا وخير عقبًا} [الكهف: 44] أي (عاقبة وعقبى وعقبة واحد وهي الآخرة) وقرأ عاصم وحمزة عقبًا بسكون القاف والباقون بضمها فقيل هما لغتان كالقدس والقدس أو الضم الأصل والسكون تخفيف منه وكلاهما بمعنى العاقبة وهذا ساقط لأبي ذر. (قبلًا) بكسر القاف وفتح الموحدة ({وقبلًا}) بضمهما وبه قرأ الكوفيون وبالأول الباقون (وقبلًا) بفتحهما (استئنافًا) قال أبو عبيدة قوله أو يأتيهم العذاب قبلًا أي أوّلًا فإن فتحوا أوّلها فالمعنى استئنافًا، فقول السفاقسي لا أعرف هذا التفسير إنما هو استقبالًا وهو عود على قبلًا بفتح القاف يقال عليه قد عرفه أبو عبيدة ومن عرف حجة على من لم يعرف وفسر الجمهور الأول بمعنى عيان والضم بأنه جمع قبيل بمعنى أنواع وانتصابه على الحال من الضمير أو العذاب. ({ليدحضوا}) أي (ليزيلوا) بالجدال الحق عن موضعه ويبطلوه (الدحض) بفتح الحاء هو (الزلق) الذي لا يثبت فيه خف ولا حافر وسقط لأبي ذر الدحض الزلق. 2 - باب: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} زَمَانًا وَجَمْعُهُ أَحْقَابٌ هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: {وإذ قال موسى} نصب باذكر مقدرًا ({لفتاه}) يوشع بن نون وإنما قيل فتاه لأنه كان يخدمه ويتبعه أو كان يأخذ منه العلم ({لا أبرح}) يجوز أن تكون ناقصة فتحتاج إلى خبر أي لا أبرح أسير فحذف الخبر لدلالة حاله وهو السفر عليه لكن نص بعضهم أن حذف خبر هذا الباب لا يجوز ولو بدليل إلا لضرورة كقوله: لهفي عليك كلهفة من خائف ... يبغي جوارك حين لات مجير ويجوز أن تكون تامة فلا تحتاج إلى خبر والمعنى لا أبرح ما أنا عليه بمعنى ألزم المسير والطلب حتى أبلغ كما تقول لا أبرح المكان قيل فعلى هذا يحتاج إلى حذف مفعول به فالحذف لا بد منه على التقديرين ({حتى أبلغ مجمع البحرين}) المكان الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر وهو ملتقى بحري فارس والروم مما يلي المشرق، وقول القرطبي وغيره من المفسرين والشراح نقلًا عن ابن عباس المراد بمجمع البحرين اجتماع موسى والخضر لأنهما بحرا علم أحدهما في الشرعيات والآخر في الباطن وأسرار الملكوت غير ثابت ولا يقتضيه اللفظ ولا ينفي عن موسى علم أسرار الملكوت كما لا يخفى وقد قال الزمخشري أنه من بدع التفاسير ({أو أمضي حقبًا}) [الكهف: 60] أي (زمانًا) طويلًا (وجمعه أحقاب) أو الحقب ثمانون سنة أو سبعون أو الدهر. 4725 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنَّ لِي عَبْدًا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ قَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ فَكَيْفَ لِي بِهِ؟ قَالَ: تَأْخُذُ مَعَكَ حُوتًا فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ، فَحَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَهْوَ ثَمَّ فَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ ثُمَّ انْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهُ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، حَتَّى إِذَا أَتَيَا الصَّخْرَةَ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا فَنَامَا وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ فَخَرَجَ مِنْهُ فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنِ الْحُوتِ جِرْيَةَ الْمَاءِ فَصَارَ عَلَيْهِ مِثْلَ الطَّاقِ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نَسِىَ صَاحِبُهُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِالْحُوتِ فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتَهُمَا حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا، قَالَ: وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ، أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا قَالَ: فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَلِمُوسَى وَلِفَتَاهُ عَجَبًا فَقَالَ مُوسَى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا قَالَ: رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى ثَوْبًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، فَقَالَ الْخَضِرُ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ قَالَ: أَنَا مُوسَى قَالَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لاَ تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَ اللَّهُ لاَ أَعْلَمُهُ فَقَالَ مُوسَى: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَمَرَّتْ سَفِينَةٌ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُ بِغَيْرِ نَوْلٍ فَلَمَّا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ لَمْ يَفْجَأْ إِلاَّ وَالْخَضِرُ قَدْ قَلَعَ لَوْحًا مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ بِالْقَدُومِ فَقَالَ لَهُ مُوسَى قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا؟ قَالَ: لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا»، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا، قَالَ: وَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْرَةً فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ مِثْلُ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْ هَذَا الْبَحْرِ ثُمَّ خَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ فَبَيْنَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إِذْ أَبْصَرَ الْخَضِرُ غُلاَمًا يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَ الْخَضِرُ رَأْسَهُ بِيَدِهِ فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً؟ بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا؟ قَالَ: وَهَذَا أَشَدُّ مِنَ الأُولَى قَالَ: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ قَالَ: مَائِلٌ فَقَامَ الْخَضِرُ فَأَقَامَهُ بِيَدِهِ فَقَالَ مُوسَى قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ يُضَيِّفُونَا لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا قَالَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ إِلَى قَوْلِهِ {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}» [الكهف: 82] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا» قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا وَكَانَ يَقْرَأُ {وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} [الكهف: 85]. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو بن دينار قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفًا البكالي) بفتح النون وسكون الواو وبالفاء المفتوحة والبكالي بكسر الموحدة وتخفيف الكاف وتشدّد وهو الذي في اليونينية وغيرها ابن فضالة بفتح الفاء والمعجمة ابن امرأة كعب ولأبي ذر البكالي بفتح الموحدة (يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل) وإنما هو موسى بن ميشا بن إفراثيم بن يوسف بن يعقوب (فقال ابن

عباس: كذب عدوّ الله) نوف خرج منه مخرج الزجر والتحذير لا القدح في نوف لأن ابن عباس قال ذلك في حال غضبه وألفاظ الغضب تقع على غير الحقيقة غالبًا وتكذيبه له لكونه قال غير الواقع ولا يلزم منه تعمده (حدّثني) بالإفراد (أبي بن كعب) الأنصاري (أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل) نص في أن موسى صاحب بني إسرائيل ففيه رد على نوف البكالي (فسئل أي الناس أعلم) أي منهم (فقال أنا) أي أعلم الناس قاله بحسب اعتقاده لأنه نبي ذلك الزمان ولا أحد في زمانه أعلم منه فهو خبر صادق على المذهبين على قول من قال صدق الخبر مطابقته لاعتقاد الخبر ولو أخطأ وهذا في غاية الظهور وعلى قول من قال صدق الخبر مطابقته للواقع فهو إخبار عن ظنه الواقع له إذ معناه أنا أعلم في ظني واعتقادي وهو كان يظن ذلك قطعًا فهو مطابق للواقع وهذا الذي قالوه هنا أبلغ من قوله في باب الخروج في طلب العلم هل تعلم أن أحدًا أعلم منك فقال لا فإنه نفي هناك علمه وهنا على البت (فعتب الله عليه إذ) بسكون الذال للتعليل (لم يردّ العلم إليه) فيقول نحو الله أعلم كما قالت الملائكة لا علم لنا إلا ما علمتنا وعتب الله عليه لئلا يقتدي به فيه من لم يبلغ كماله في تزكية نفسه وعلوّ درجته من أمته فيهلك لما تضمنه من مدح الإنسان نفسه ويورثه ذلك من الكبر والعجب والدعوى وإن نزه عن هذه الرذائل الأنبياء فغيرهم بمدرجة سيلها ودرك ليلها إلا من عصمه الله فالتحفظ منها أولى لنفسه وليقتدى به، ولهذا قال نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحفظًا من مثل هذا مما قد علم به أنا سيد ولد آدم ولا فخر ووجه الرد عليه فيما ظنه كما ظن نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لم يقع منه نسيان في قصة ذي اليدين (فأوحى الله) عز وجل (إليه) إلى موسى (إن لي عبدًا بمجمع البحرين) هو الخضر عليه السلام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عند مجمع البحرين (هو أعلم منك) بشيء مخصوص لا يقتضي أفضليته به على موسى كيف وموسى عليه السلام جمع له بين الرسالة والتكليم والتوراة وأنبياء بني إسرائيل داخلون كلهم تحت شريعته وغاية الخضر أن يكون كواحد منهم (قال موسى: يا رب فكيف لي به؟) أي كيف يتهيّأ ويتيسر لي أن أظفر به (قال: تأخذ معك حوتًا) من السمك (فتجعله في مكتل) بكسر الميم وفتح الفوقية الزنبيل الكبير ويجمع على مكاتل (فحيثما فقدت الحوت) بفتح القاف أي تغيب عن عينيك (فهو) أي الخضر (ثم) بفتح المثلثة أي هناك (فأخذ) موسى (حوتًا فجعله في مكتل) كما وقع الأمر به (ثم انطلق وانطلق معه بفتاه) ولأبي ذر عن الكشميهني معه فتاه (يوشع بن نون) بالصرف كنوح (حتى إذا أتيا الصخرة) التي عند مجمع البحرين (وضعا رؤوسهما فناما) بالفاء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وناما (واضطرب الحوت) أي تحرّك (في المكتل) لأنه أصابه من ماء عين الحياة الكائنة في أصل الصخرة شيء إذ إصابتها مقتضية للحياة (فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله) أي طريقه (في البحر سربًا) أي مسلكًا (وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق) أي مثل عقد البناء وعند مسلم من رواية أبي إسحاق فاضطرب الحوت في الماء فجعل يلتئم عليه حتى صار مثل الكوّة (فلما استيقظ) موسى (نسي صاحبه) يوشع (أن يخبره بالحوت) أي بما كان من أمره (فانطلقا) سائرين (بقية يومهما وليلتهما) بنصب الفوقية (حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه) يوشع (آتنا غداءنا) بفتح الغين ممدود أي طعامنا الذي نأكله أوّل النهار (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا) أي تعبًا ومراده السير بقية اليوم والذي يليه وفي الإشارة بهذا إشعار بأن هذا المسير كان أتعب لهما مما سبق فإن رجاء المطلوب يقرب البعيد والخيبة تبعد القريب ولذا (قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به) فألقى عليه الجوع والنصب (فقال له فتاه) يوشع (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أي

فإني نسيت أن أخبرك بخبر الحوت ونسب النسيان لنفسه لأن موسى كان نائمًا إذ ذاك، وكره يوشع أن يوقظه ونسي أن يعلمه بعد لما قدره الله تعالى عليهما من الخطى. ومن كتبت عليه خطى مشاها. (وما أنسانيه) أي وما أنساني ذكره (إلا الشيطان أن أذكره) نسبه للشيطان تأدّبًا مع الباري تعالى إذ نسبة النقص للنفس والشيطان أليق بمقام الأدب (واتخذ سبيله في البحر عجبًا) يجوز أن يكون عجبًا مفعولًا ثانيًا لاتّخذ أي واتّخذ سبيله في البحر سبيلًا عجبًا وهو كونه كالسرب والجار والمجرور متعلق باتّخذ وفاعل اتخذ قيل الحوت وقيل موسى أي اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبًا (قال فكان) دخول الحوت في الماء (للحوت سربًا) مسلكًا (ولموسى ولفتاه عجبًا) وهو أن أثره بقي إلى حيث سار أو جمد الماء تحته أو صار صخرًا أو ضرب بذنبه فصار المكان يبسًا وعند ابن أبي حاتم من طريق قتادة قال: عجب موسى أن تسرب حوت مملح في مكتل (فقال موسى) ليوشع (ذلك) الذي ذكرته من حياة الحوت ودخوله في البحر (ما كنا نبغي) أي الذي نطلبه إذ هو آية على المطلوب (فارتدا على آثارهما قصصًا قال رجعا) في الطريق الذي جاءا فيه (يقصان آثارهما) قصصًا أي يتبعان آثار سيرهما اتباعًا. قال صاحب الكشف فيما حكاه الطيبي عنه قصصًا مصدر لفعل مضمر يدل عليه فارتدا على آثارهما إذ معنى فارتدا على آثارهما واقتصا الأثر واحد (حتى انتهيا إلى الصخرة) أي التي فعل فيها الحوت ما فعل كما عند النسائي في روايته فذهبا يلتمسان الخضر (فإذا رجل) نائم (مسجّى ثوبًا) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الجيم منوّنة ولأبي ذر عن الكشميهني بثوب أي مغطى كله به، ولمسلم مسجى ثوبًا مستلقيًا على القفا ولعبد بن حميد من طريق أبي العالية فوجده نائمًا في جزيرة من جزائر البحر ملتفًا بكساء (فسلّم عليه موسى فقال الخضر) أي بعد أن كشف وجهه كما في الرواية الآتية هنا إن شاء الله تعالى (وأني) بفتح الهمزة والنون المشدّدة أي وكيف (بأرضك السلام) وفي الرواية الآتية وهل بأرضي من سلام وفيه دلالة على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا مسلمين أو كانت تحيتهم غيره (قال أنا موسى) في الآتية قال: من أنت؟ قال: أنا موسى (قال): أي الخضر أنت (موسى بني إسرائيل قال): أي موسى (نعم أتيتك لتعلمني) وفي الرواية الآتية قال: ما شأنك؟ قال: جئت لتعلمني (مما علمت رشدًا) قال أبو البقاء: رشدًا مفعول لتعلمني ولا يجوز أن يكون مفعول علمت لأنه لا عائد إذن على الموصول أي علمًا ذا رشد (قال): أي الخضر لموسى (إنك لن تستطيع معي صبرًا) نفى عنه استطاعة الصبر معه على وجوه من التأكيد وهو علة لمنعه من اتّباعه فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما قال هل أتبعك على أن تعلمني كأنه قال: لا لأنك لن تستطيع معي صبرًا وعبّر بالصيغة الدالة على استمرار النفي لما أطلعه الله عليه من أن موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشرع لمكان عصمته. قال الخضر عليه الصلاة والسلام: (يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه) جميعه (أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله) ولأبي ذر عن الكشميهني علمكه الله (لا أعلمه) جميعه وهذا التقدير أو نحوه واجب لا بدّ منه، وقد غفل بعضهم عن ذلك فقال في مجموع له لطيف في الخصائص النبوية أن من خصائص نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه جمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للأنبياء إلا إحداهما بدليل قصة موسى مع الخضر، وقوله: إني على علم لا ينبغي لك أن تعلمه وأنت على علم لا ينبغي لي أن أعلمه وهذا الذي قاله يلزم منه خلوّ أولي العزم عليهم الصلاة والسلام غير نبينا من علم الحقيقة الذي لا ينبغي خلو بعض آحاد الأولياء عنه وإخلاء الخضر عليه الصلاة والسلام من علم الشريعة الذي لا يجوز لآحاد المكلفين الخلوّ عنه، وهذا لا يخفى ما فيه من الخطر العظيم، واحتج لذلك بقوله: إنه أراد الجمع في الحكم والقضاء تمسكًا بحديث السارق في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال اقتلوه فقيل: إنما

سرق فقال اقطعوه إلى أن أتى على قوائمه الأربع ثم سرق في زمن الصديق بفيه فأمر بقتله. قلت: وهو مروي عند الدارقطني من حديث جابر بلفظ: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتي بسارق فقطع يده ثم أُتي به ثانيًا فقطع رجله ثم أتي به ثالثًا فقطع يده ثم أتي به رابعًا فقطع رجله ثم أتي به خامسًا فقتله، وفيه محمد بن يزيد بن سبأ، وقال الدارقطني فيما حكاه الحافظ ابن حجر في أمالي الرافعي أنه ضعيف قال: ورواه أبو داود والنسائي بلفظ: جيء بسارق إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق قال اقطعوه فقطع ثم جيء به الثانية فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق قال: اقطعوه فذكره كذلك قال: فجيء به الخامسة فقال: اقتلوه. قال جابر: فانطلقنا به إلى مربد النعم فاستلقى على ظهره فقتلناه ثم اجتررناه فألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة، وفي إسناده مصعب بن ثابت، وقد قال النسائي ليس بالقوي، وهذا الحديث منكر ولا أعلم فيه حديثًا صحيحًا. ورواه النسائي والحاكم عن الحارث بن حاطب الجمحي وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن زيد الجهني، وقال ابن عبد البر: حديث القتل منكر لا أصل له، وقال الشافعي: منسوخ لا خلاف فيه عند أهل العلم اهـ. وهذا لا دلالة فيه أصلًا على ما ادّعاه من مراده على ما لا يخفى، ولئن سلمنا ذلك كان عليه أن يلحق ذلك في مجموعه المذكور عقب قوله ذلك ليسلم من وصمة الإطلاق إذ المراد لا يدفع الإيراد لكنا لا نسلمه فتأمله. (فقال موسى: ستجدني إن شاء الله صابرًا) على ما أرى منك غير منكر عليك وعلق الوعد بالمشيئة للتيمن أو علمًا منه بشدّة الأمر وصعوبته فإن مشاهدة الفساد شيء لا يطاق. (ولا أعصي لك أمرًا) أي ولا أخالفك في شيء (فقال له الخضر فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء) تنكره مني ولم تعلم وجه صحته (حتى أحدث لك منه ذكرًا) حتى أبدأك أنا به قبل أن تسألني (فانطلقا) لما توافقا واشترط عليه أن لا يسأله عن شيء أنكره عليه حتى يبدأ به (يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة فكلموهم) أي موسى والخضر ويوشع كلموا أصحاب السفينة (أن يحملوهم فعرفوا) أي أصحاب السفينة (الخضر فحملوه) أي الخضر ومن معه ولأبي ذر فحملوهم، وله أيضًا فحملوا أي الثلاثة وهو مبني لما لم يسم فاعله (بغير نول) بفتح النون بغير أجر إكرامًا للخضر (فلما ركبا) موسى والخضر (في السفينة) لم يذكر يوشع لأنه تابع غير مقصود بالإصالة (لم يفجأ) موسى عليه الصلاة والسلام بعد أن صارت السفينة في لجّة البحر (إلا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السفينة بالقدوم) بفتح القاف وضم الدال المهملة المخففة فانخرقت (فقال له موسى) منكرًا عليه بلسان الشريعة هؤلاء (قوم حملونا) ولأبي ذر: قد حملونا (بغير نول عمدت) بفتح الميم (إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها) قيل اللام في لتغرق للعلة ورجح كونها للعاقبة كقوله: لدوا للموت وابنوا للخراب (لقد جئت شيئًا إمرًا) عظيمًا أو منكرًا (قال) الخضر مذكرًا لما مر من الشرط (ألم أقل أنك لن تستطيع معي صبرًا) استفهام إنكاري. (قال) موسى للخضر (لا تؤاخذني بما نسيت) من وصيتك. وفي هذا النسيان أقوال: أحدها: أنه على حقيقته لما رأى فعله المؤدي إلى إهلاك الأموال والأنفس فلشدة غضبه لله نسي ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث قريبًا وكانت الأولى من موسى نسيانًا. الثاني: أنه لم ينس ولكنه من المعاريض وهو مروي عن ابن عباس لأنه إنما رأى العهد في أن يسأل لا في إنكار هذا الفعل فلما عاتبه الخضر بقوله: إنك لن تستطيع قال: لا تؤاخذني بما نسيت أي في الماضي ولم يقل أني نسيت وصيتك. الثالث: أن النسيان بمعنى الترك وأطلقه عليه لأن النسيان سبب للترك إذ هو من ثمراته أي لا تؤاخذني بما تركته مما عاهدتك عليه فإن المرة الواحدة معفوّ عنها ولا سيما إذا كان لها سبب ظاهر. (ولا ترهقني من أمري عسرًا) لا تضايقني بهذا القدر فتعسر مصاحبتك أو لا تكلفني

ما لا أقدر عليه (قال) أبي بن كعب (وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكانت الأولى) ولأبي ذر عن الكشميهني وكانت في الأولى (من موسى نسيانًا. قال وجاء عصفور) بضم العين (فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له) أي لموسى (الخضر ما علمي وعلمك من علم الله) أي من معلومه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في علم الله (إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر) ونقص العصفور لا تأثير له فكأنه لم يأخذ شيئًا ولا ريب أن علم الله لا يدخله نقص (ثم خرجا من السفينة) بعد أن اعتذر موسى له وسأله أن لا يرهقه من أمره عسرًا وقبل عذره وأجاب سؤاله وأدامه على الصحبة (فبينا) بغير ميم (ما يمشيان على الساحل إذ بصر الخضر) بفتح الموحدة وضم الصاد المهملة (غلامًا يلعب مع الغلمان) قيل اسمه جيسور وقيل حيسور وقيل حنسور وقيل حيسون وقيل شمعون وقيل غير ذلك مما لم يثبت ولعل المفسرين نقلوه من كتب أهل الكتاب (فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني برأسه فاقتلعه (فقتله فقال له موسى) لما شاهد ذلك منه منكرًا عليه أشد من الأول (أقتلت نفسًا زاكية) بالألف والتخفيف وهي قراءة الحرميين وأبي عمرو واسم فاعل من زكا أي طاهرة من الذنوب ووصفها بهذا الوصف لأنه لم يرها أذنبت أو لأنها صغيرة لم تبلغ الحنث لكن قوله (بغير نفس) يردّه إذ لو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس ولا بغير نفس وقرأه الباقون بالتشديد من غير ألف أخرجوه إلى فعيلة للمبالغة لأن فعيلًا المحوّل من فاعل يدل على المبالغة. وحكى القرطبي عن صاحب العروس والعرائس أن موسى عليه الصلاة والسلام لما قال للخضر أقتلت نفسًا زاكية غضب الخضر واقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه وإذا في عظم كتفه مكتوب كافر لا يؤمن بالله أبدًا. (لقد جئت شيئًا نكرًا) منكرًا تنكره العقول وتنفر عنه النفوس وهو أبلغ في تقبيح الشيء من الأمر وقيل بالعكس لأن الأمر هو الداهية العظيمة (قال) الخضر (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا) قال في الكشاف: فإن قلت: ما معنى زيادة لك قلت زيادة المكافحة بالعتاب على رفض الوصية والوسم بقلة الصبر عند الكرة الثانية. (قال) أبي سفيان بن عيينة كما في كتاب العلم (وهذا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي هذه (أشد من الأولى) لما فيها من زيادة لك (قال) موسى له (إن سألتك عن شيء بعدها) أي بعد هذه المرة أو بعد هذه القصة فأعاد الضمير عليها وإن كانت لم يتقدم لها ذكر صريح حيث كانت في ضمن القول (فلا تصاحبني) وإن طلبت صحبتك (قد بلغت من لدني عذرًا) أي قد أعذرت إليّ مرة بعد أخرى فلم يبق موضع للاعتذار (فانطلقا) بعد المرتين الأوليين (حتى إذا أتيا أهل قرية) قيل هي أنطاكية أو أذربيجان أو الأبلّة أو بوقة أو ناصرة أو جزيرة الأندلس. قال في الفتح وهذا الاختلاف قريب من الاختلاف في المراد بمجمع البحرين وشدّة التباين في ذلك تقتضي أن لا يوثق بشيء من ذلك وعند مسلم من رواية أبي إسحاق أهل قرية لئامًا أي بخلاء فطافا المجالس (استطعما أهلها) واستضافوهم (فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارًا) عرضه خمسون ذراعًا في مائة ذراع بذراعهم قاله الثعلبي وقال غيره سمكه مائتا ذراع وظله على وجه الأرض خمسمائة ذراع وعرضه خمسون (يريد أن ينقض) إسناده الإرادة إلى الجدار على سبيل الاستعارة فإن الإرادة للجدار لا حقيقة لها وقد كان أهل القرية يمرون تحته خائفين (قال) في معنى ينقض أنه (مائل فقام الخضر فأقامه بيده) أي فردّه إلى حالة الاستقامة وهذا خارق ولأبي ذر فقال الخضر بيده فأقامه (فقال موسى) لما رأى من شدة الحاجة والاضطرار والافتقار إلى المطعم وحرمان أصحاب الجدار لهم (قوم أتيناهم) فاستطعمناهم واستضفناهم (فلم يطعمونا ولم يضيفونا لو شئت لاتخذت) بهمزة وصل وتشديد الفوقية وفتح الخاء وهي قراءة غير أبي عمرو وابن

3 - باب قوله: {فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا} [الكهف: 61] سربا مذهبا يسرب يسلك ومنه {وسارب بالنهار}

كثير (عليه أجرًا) أي جعلًا نستعين به في عشائنا (قال) الخضر له (هذا فراق بيني وبينك) بإضافة الفراق إلى البين إضافة المصدر إلى الظرف على الاتساع (إلى قوله ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرًا) أي هذا التفسير أي المذكور في الآية ما ضقت به ذرعًا ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداء (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وددنا) بفتح الواو وكسر الدال الأولى وسكون الثانية (أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما) إذ لو صبر لرأى أعجب الأعاجيب. (قال سعيد بن جبير) بالسند السابق (فكان ابن عباس يقرأ: {وأما الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين}) [الكهف: 80] وهذه قراءة شاذة لمخالفتها المصحف العثماني لكنها كالتفسير. وهذا الحديث سبق في كتاب العلم وأخرجه المؤلّف في أكثر من عشرة مواضع من كتابه الجامع. 3 - باب قَوْلِهِ: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا} [الكهف: 61] سَرَبًا مَذْهَبًا يَسْرُبُ يَسْلُكُ وَمِنْهُ {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} هذا (باب) بالتنوين (قوله) عز وجل: ({فلما بلغا مجمع بينهما}) أي مجمع البحرين وبينهما ظرف أضيف إليه على الاتساع ({نسيا حوتهما}) نسي يوشع أن يذكر لموسى ما رأى من حياة الحوت ووقوعه في البحر ونسي موسى أن يطلبه ويتعرف حاله ليشاهد منه تلك الأمارة التي جعلت لها وذلك أن موسى عليه السلام وعد أن لقاء الخضر عند مجمع البحرين كما مرّ وأن فقد الحوت علامة للقائه، فلما بلغ الموعد كان من حقهما أن يتفقد أمر الحوت أما الفتى فلكونه كان خادمًا له وكان عليه أن يقدمه بين يديه، وأما موسى فلكونه كان أميرًا عليه أن يأمره بإحضاره فنسي كل واحد ما عليه وإنما احتيج إلى التأويل لأن النسيان لا يتعلق بالذوات كما سبق عن الراغب في تعريفه النسيان ترك ضبط ما استودع إما لضعف قلبه وإما عن غفلة أو عن قصد حتى يحذف عن القلب ذكره قاله في فتوح الغيب. ({فاتخذ سبيله في البحر سربًا}) [الكهف: 61] بسكون الراء في الفرع كأصله ولأبي ذر سربًا بفتحها أي (مذهبًا يسرب يسلك ومنه) أي ومن سربًا قوله: ({وسارب بالنهار}) قال أبو عبيدة أي سالك في سربه أي مذهبه وسقط لفظ باب لغير أبي ذر وسقط له لفظ قوله. 4726 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَغَيْرَهُمَا قَدْ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: إِنَّا لَعِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي بَيْتِهِ إِذْ قَالَ: سَلُونِي؟ قُلْتُ: أَيْ أَبَا عَبَّاسٍ -جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ- بِالْكُوفَةِ رَجُلٌ قَاصٌّ يُقَالُ لَهُ نَوْقٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَمَّا عَمْرٌو فَقَالَ لِي قَالَ: قَدْ كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ وَأَمَّا يَعْلَى فَقَالَ لِي قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مُوسَى رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - قَالَ: ذَكَّرَ النَّاسَ يَوْمًا حَتَّى إِذَا فَاضَتِ الْعُيُونُ وَرَقَّتِ الْقُلُوبُ وَلَّى فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ هَلْ فِي الأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْكَ؟ قَالَ: لاَ، فَعَتَبَ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَى اللَّهِ قِيلَ: بَلَى، قَالَ: أَيْ رَبِّ فَأَيْنَ؟ قَالَ بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، قَالَ: أَيْ رَبِّ اجْعَلْ لِي عَلَمًا أَعْلَمُ ذَلِكَ بِهِ -فَقَالَ لِي عَمْرٌو:- فَقَالَ لِي عَمْروٌ: حَيْثُ يُفَارِقُكَ الْحُوتُ -وَقَالَ لِي يَعْلَى: قَالَ: «خُذْ نُونًا مَيِّتًا حَيْثُ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِي مِكْتَلٍ فَقَالَ: لِفَتَاهُ لاَ أُكَلِّفُكَ إِلاَّ أَنْ تُخْبِرَنِي بِحَيْثُ يُفَارِقُكَ الْحُوتُ قَالَ: مَا كَلَّفْتَ كَثِيرًا؟ فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَإِذْ قَالَ مُوسَى} لِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ" لَيْسَتْ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: "فَبَيْنَمَا هُوَ فِي ظِلِّ صَخْرَةٍ فِي مَكَانٍ ثَرْيَانَ إِذْ تَضَرَّبَ الْحُوتُ وَمُوسَى نَائِمٌ فَقَالَ فَتَاهُ: لاَ أُوقِظُهُ حَتَّى إِذَا اسْتَيْقَظَ فَنَسِىَ أَنْ يُخْبِرَهُ وَتَضَرَّبَ الْحُوتُ حَتَّى دَخَلَ الْبَحْرَ فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْبَحْرِ حَتَّى كَأَنَّ أَثَرَهُ فِي حَجَرٍ- قَالَ لِي عَمْرٌو هَكَذَا كَأَنَّ أَثَرَهُ فِي حَجَرٍ وَحَلَّقَ بَيْنَ إِبْهَامَيْهِ وَاللَّتَيْنِ تَلِيانِهِمَا "لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا، قَالَ: قَدْ قَطَعَ اللَّهُ عَنْكَ النَّصَبَ" -لَيْسَتْ هَذِهِ عَنْ سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ- "فَرَجَعَا فَوَجَدَا خَضِرًا" قَالَ لِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَلَى طِنْفِسَةٍ خَضْرَاءَ عَلَى كَبِدِ الْبَحْرِ -قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ- "مُسَجًّى بِثَوْبِهِ قَدْ جَعَلَ طَرَفَهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ وَطَرَفَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ: هَلْ بِأَرْضِي مِنْ سَلاَمٍ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى، قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا شَأْنُكَ؟ قَالَ جِئْتُ لِتُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا قَالَ: أَمَا يَكْفِيكَ أَنَّ التَّوْرَاةَ بِيَدَيْكَ وَأَنَّ الْوَحْيَ يَأْتِيكَ يَا مُوسَى إِنَّ لِي عِلْمًا لاَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَعْلَمَهُ وَإِنَّ لَكَ عِلْمًا لاَ يَنْبَغِي لِي أَنْ أَعْلَمَهُ فَأَخَذَ طَائِرٌ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا عِلْمِي وَمَا عِلْمُكَ فِي جَنْبِ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ كَمَا أَخَذَ هَذَا الطَّائِرُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ وَجَدَا مَعَابِرَ صِغَارًا تَحْمِلُ أَهْلَ هَذَا السَّاحِلِ إِلَى أَهْلِ هَذَا السَّاحِلِ الآخَرِ عَرَفُوهُ فَقَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ الصَّالِحُ قَالَ: قُلْنَا لِسَعِيدٍ خَضِرٌ قَالَ: نَعَمْ لاَ نَحْمِلُهُ بِأَجْرٍ فَخَرَقَهَا وَوَتَدَ فِيهَا وَتِدًا قَالَ مُوسَى: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} "قَالَ مُجَاهِدٌ: مُنْكَرًا، " {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا} كَانَتِ الأُولَى نِسْيَانًا وَالْوُسْطَى شَرْطًا وَالثَّالِثَةُ عَمْدًا، " {قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} {لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ} قَالَ يَعْلَى قَالَ سَعِيدٌ: "وَجَدَ غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ فَأَخَذَ غُلاَمًا كَافِرًا ظَرِيفًا فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ بِالسِّكِّينِ قَالَ: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} [الكهف: 74] لَمْ تَعْمَلْ بِالْحِنْثِ؟ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَرَأَهَا زَكِيَّةً. زَاكِيَةً - مُسْلِمَةً " {فَانْطَلَقَا فَوَجَدَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} " [الكهف: 77] قَالَ سَعِيدٌ بِيَدِهِ هَكَذَا وَرَفَعَ يَدَهُ فَاسْتَقَامَ قَالَ يَعْلَى: حَسِبْتُ أَنَّ سَعِيدًا قَالَ "فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77] قَالَ سَعِيدٌ أَجْرًا نَأْكُلُهُ {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ} وَكَانَ أَمَامَهُمْ قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَزْعُمُونَ عَنْ غَيْرِ سَعِيدٍ أَنَّهُ هُدَدُ بْنُ بُدَدٍ وَالْغُلاَمُ الْمَقْتُولُ اسْمُهُ يَزْعُمُونَ جَيْسُورٌ {مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا فَأَرَدْتُ} [الكهف: 79] إِذَا هِيَ مَرَّتْ بِهِ أَنْ يَدَعَهَا لِعَيْبِهَا فَإِذَا جَاوَزُوا أَصْلَحُوهَا فَانْتَفَعُوا بِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: سَدُّوهَا بِقَارُورَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بِالْقَارِ كَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ وَكَانَ كَافِرًا فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا أَنْ يَحْمِلَهُمَا حُبُّهُ عَلَى أَنْ يُتَابِعَاهُ عَلَى دِينِهِ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبَدِّلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا لِقَوْلِهِ: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} [الكهف: 74] وَأَقْرَبَ رُحْمًا هُمَا بِهِ أَرْحَمُ مِنْهُمَا بِالأَوَّلِ الَّذِي قَتَلَ خَضِرٌ وَزَعَمَ غَيْرُ سَعِيدٍ أَنَّهُمَا أُبْدِلاَ جَارِيَةً وَأَمَّا دَاوُدُ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ فَقَالَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ إِنَّهَا جَارِيَةٌ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الصغير الرازي قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) اليماني قاضيها (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (يعلى بن مسلم) بن هرمز المكي البصري الأصل (وعمرو بن دينار عن سعيد بن جبير يزيد أحدهما على صاحبه) قال الحافظ ابن حجر: فتستفاد زيادة أحدهما على الآخر من الإسناد الذي قبله فإن الأوّل من رواية سفيان عن عمرو بن دينار فقط وهو أحد شيخي ابن جريج فيه (وغيرهما) هو من كلام ابن جريج أي وغير يعلى وعمرو (قد سمعته) حال كونه (يحدثه) أي يحدث الحديث المذكور (عن سعيد) وكان الأصل أن يقول يحدث به لكنه عداه بغير الباء، ولأبي ذر عن الكشميهني يحدث بحذف الضمير المنصوب، وقد عين ابن جريج بعض من أبهمه في قوله وغيرهما كعثمان بن أبي سليمان، وروى شيئًا من هذه القصة عن سعيد بن جبير من مشايخ ابن جريج عبد الله بن عثمان بن خثيم وعبد الله بن هرمز وعبد الله بن عبيد بن عمير، وممن روى هذا الحديث عن سعيد بن جبير أبو إسحاق السبيعي وروايته عند مسلم وأبي داود وغيرهما والحكم بن عتيبة وروايته في السيرة الكبرى لابن إسحاق كما نبه على ذلك في الفتح وفي رواية أبي ذر عن سعيد بن جبير أنه (قال: إنا لعند ابن عباس) حال كونه (في بيته) واللام في لعند للتأكيد (إذ قال: سلوني) قال سعيد بن جبير (قلت أي أبا عباس) يعني يا أبا عباس وهي كنية عبد الله بن عباس (جعلني الله فداك بالكوفة رجل قاص) بتشديد الصاد المهملة يقص على الناس الأخبار من المواعظ وغيرها ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أن بالكوفة رجلًا قاصًّا (يقال له نوف) بفتح النون وسكون الواو آخره فاء منونًا منصرفًا في الفصحى

بطن من العرب وعلى تقدير أن يكون أعجميًّا فمنصرف نوح لسكون وسطه واسمه فضالة وهو ابن امرأة كعب الأحبار (يزعم أنه) أي موسى صاحب الخضر (ليس بموسى بن إسرائيل) المرسل إليهم والباء زائدة للتوكيد وأضيف إلى بني إسرائيل مع العلمية لأنه نكر بأن أول بواحد من الأمة المسماة به ثم أضيف إليه قال ابن جريج (أما عمرو) يعني ابن دينار (فقال لي) في تحديثه لي عن سعيد (قال) أي ابن عباس (قد كذب عدوّ الله) يعني نوفًا وسقط لأبي ذر قال قد (وأما يعلى) بن مسلم (فقال لي) في تحديثه لي عن سعيد (قال ابن عباس حدثني) بالإفراد (أبي بن كعب قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): هو (موسى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي الفرع أصله عليه السلام (قال ذكر الناس يومًا) بتشديد الكاف من التذكير أي وعظهم (حتى إذا فاضت العيون) بالدموع (ورقت القلوب) لتأثير وعظه في قلوبهم (ولى) تخفيفًا لئلا يملوا وهذا ليس في رواية سفيان فظهر أنه من رواية يعلى بن مسلم عن عمرو وقال العوفي عن ابن عباس فيما ذكره ابن كثير لما ظهر موسى وقومه على مصر أمره الله أن يذكرهم بأيام الله فخطبهم فذكرهم إذ أنجاهم الله من آل فرعون وذكرهم هلاك عدوّهم وقال كلم الله موسى نبيكم تكليمًا واصطفاه لنفسه وأنزل عليه محبة منه وآتاكم من كل ما سألتموه فنبيكم أفضل أهل الأرض (فأدركه رجل) لم يسم (فقال) موسى (أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا). فإن قلت: هل بين هذا وبين قوله في رواية سفيان السابقة هنا فسئل أي الناس أعلم فقال أنا فرق؟ أجيب بأن بينهما فرقًا لأن رواية سفيان تقتضي الجزم بالأعلمية له وهذه تنفي الأعلمية عن غيره عليه فيبقى احتمال المساواة قاله في الفتح. (فعتب) بفتح العين (عليه إذ لم يردّ العلم إلى الله) في الرواية السابقة وغيرها فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه على التقديم والتأخير (قيل بلى) زاد في رواية الحر بن قيس عبدنا خضر ولمسلم من رواية أبي إسحاق أن في الأرض رجلًا هو أعلم منك (قال) موسى (أي رب فأين) أي فأين أجده أو فأين هو وللنسائي فادللني على هذا الرجل حتى أتعلم منه ولأبي ذر وأين (قال بمجمع البحرين) بحري فارس والروم أو بحري الشرق والمغرب المحيطين بالأرض أو العذب والملح (قال) موسى (أي رب اجعل لي علمًا أعلم ذلك) المطلوب (منه) وفي نسخة به قال ابن جريج (فقال) ولأبي ذر قال (لي عمرو) هو ابن دينار (قال): العلم على ذلك المكان (حيث يفارقك الحوت) فإنك تلقاه (وقال لي يعلى) بن مسلم (قال: خذ نونًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي خذ حوتًا (ميتًا) ولمسلم في رواية أبي إسحاق فقيل له تزود حوتًا مالحًا فإنه حيث يفقد الحوت (حيث ينفخ فيه) أي في الحوت (الروح) بيان لقوله حيث يفارقك الحوت (فأخذ) موسى (حوتًا) ميتًا مملوحًا وقيل شق حوت مملح ولابن أبي حاتم أن موسى وفتاه اصطاداه (فجعله في مكتل فقال لفتاه لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت قال) فتاه (ما كلفت) أي ما كلفتني (كثيرًا) بالمثلثة ولأبي ذر عن الكشميهني كبيرًا بالموحدة (فذلك قوله جل ذكره {وإذ قال موسى لفتاه} يوشع بن نون) بالصرف قال ابن جريج (ليست) تسمية الفتى (عن سعيد) هو ابن جبير (قال فبينما) بالميم (هو) أي موسى وفتاه تبع له (في ظل صخرة) حال كونه (في مكان ثريان) بمثلثة مفتوحة وراء ساكنة فتحتية مفتوحة وبعد الألف نون صفة لمكان مجرور بالفتحة لا ينصرف لأنه من باب فعلان فعلى أو منصوب حالًا من الضمير المستتر في الجار والمجرور ويجوز ثريانًا بالنصب حالًا كما مر وبالتنوين منصرفًا على لغة بني أسد لأنهم يصرفون كل صفة على فعلان ويؤنثونه بالتاء ويستغنون فيه بفعلاته عن فعلى فيقولون سكرانة وغضبانة فلم تكن الزيادة عندهم في فعلان شبيهة بألفي حمراء فلم تمنع من الصرف وفي بعض الأصول ثريان بالجر صفة لمكان وبالتنوين ما مر وهو من الثرى قال:

في النهاية يقال مكان ثريان وأرض ثريى إذا كان في ترابهما بلل وندى (إذ تضرب الحوت) بضاد معجمة وراء مشددة تفعل أي اضطرب وتحرك إذ حيي في المكتل (و) الحال إن (موسى نائم) عند الصخرة (فقال فتاه) يوشع (لا أوقظه حتى إذا استيقظ) سار (فنسي) بالفاء ولغير أبي ذر نسي بحذفها (أن يخبره) بحياة الحوت (وتضرب الحوت) أي اضطرب سائرًا من المكتل (حتى دخل البحر) وفي نسخة في البحر (فأمسك الله عنه) عن الحوت (جرية البحر حتى كأن أثره) نصب بكأن (في حجر) بفتح الحاء والجيم خبرها. قال ابن جريج: (قال لي عمرو) هو ابن دينار (هكذا كأن أثره في حجر) بتقديم الجيم المفتوحة على الحاء المفتوحة على كشط في الفرع مصححًا عليها وفي اليونينية وغيرها بتقديم المهملة وفتحهما وفي نسخة بالفرع وأصله حجر بجيم مضمومة فمهملة ساكنة قال ابن حجر وهي أوضح (وحلق بين إبهاميه واللتين تليانهما) يعني الوسطى والتي بعدها ولأبي ذر عن الحموي والمستملي والتي ولأبي ذر أيضًا أخرة تليانهما بفتح الهمزة والخاء المعجمة والراء يعني الوسطي (لقد لقينا) فيه حذف اختصره وقع مبينًا في رواية سفيان فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كانا من الغد قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا (من سفرنا هذا نصبًا) تعبًا ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به (قال) فتى موسى له: (فد قطع الله عنك النصب). قال ابن جريج: (ليست هذه عن سعيد) هو ابن جبير (أخبره) بسكون المعجمة وموحدة مفتوحة من الإخبار أي أخبر يوشع موسى بقصة تضرب الحوت وفقده الذي هو علامة على وجود الخضر (فرجعا) في الطريق الذي جاءا فيه يقصان آثارهما قصصًا حتى انتهيا إلى الصخرة التي حيي الحوت عندها (فوجدا خضرًا) نائمًا في جزيرة من جزائر البحر. قال ابن جريج: (قال لي عثمان بن أبي سليمان) بن جبير بن مطعم وهو ممن أخذ هذا الحديث عن سعيد بن جبير (على طنفسة خضراء) بكسر الطاء المهملة والفاء بينهما نون ساكنة ولأبي ذر طنفسة بفتح الفاء ويجوز ضم الطاء والفاء وكلها لغات أي فرش صغير أو بساط له خمل (على كبد البحر) أي وسطه وعند عبد بن حميد من طريق ابن المبارك عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان قال: رأى موسى الخضر على طنفسة خضراء على وجه الماء وعند ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس أنه وجده في جزيرة في البحر (قال) ولأبي ذر فقال: (سعيد بن جبير) بالإسناد السابق (مسجى) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الجيم منونة أي مغطى كله (بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه) الآخر (تحت رأسه) وعند ابن أبي حاتم عن السدي فرأى الخضر وعليه جبة من صوف وكساء من صوف ومعه عصا قد ألقى عليها طعامه (فسلم عليه موسى فكشف) الثوب (عن وجهه) زاد مسلم في رواية أبي إسحاق وقال وعليكم السلام (وقال: هل بأرضي من سلام) لأنهم كانوا كفارًا أو كانت تحيتهم غير السلام ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني هل بأرض بالتنوين ثم قال الخضر لموسى (من أنت؟ قال: أنا موسى قال) له: (أموسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: فما شأنك)؟ أي ما الذي تطلب (قال: جئت) إليك (لتعلمني مما علمت رشدًا) أي علمًا ذا رشد (قال) الخضر يا موسى (أما يكفيك أن التوراة بيديك) بالتثنية (وأن الوحي يأتيك) من الله على لسان جبريل وهذه الزيادة ليست في رواية سفيان فالظاهر أنها من رواية يعلى بن مسلم (يا موسى إن لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه) أي كله (وإن لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه) أي كله وتقدير هذا ونحوه متعين كما قال في الفتح لأن الخضر كان يعرف من الحكم الظاهر ما لا غنى للمكلف عنه وموسى كان يعرف من الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحي. وقال البرماوي كالكرماني: وإنما قال لا ينبغي لي أن أعلمه لأنه إن كان نبيًا فلا يجب عليه تعلم شريعة نبي آخر

وإن كان وليًا فلعله مأمور بمتابعة نبي غيره وقوله يا موسى ثابت لأبي ذر عن الحموي ساقط لغيره (فأخذ طائر) عصفور (بمنقاره من البحر) ماء (وقال) بالواو ولأبي ذر فقال أي الخضر: (والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر). وفي الرواية السابقة ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ولفظ النقص ليس على ظاهره، وإنما معناه أن علمي وعلمك بالنسبة إلى علم الله تعالى كنسبة ما أخذه العصفور بمنقاره إلى ماء البحر وهذا على التقريب إلى الإفهام وإلاّ فنسبة علمهما إلى علم الله أقل. وروى النسائي من وجه آخر عن ابن عباس أن الخضر قال لموسى أتدري ما يقول هذا الطائر؟ قال: لا. قال: يقول ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا مثل ما نقص منقاري من جميع هذا البحر وظاهر هذه الرواية كما في الفتح أن الطائر نقر في البحر عقب قول الخضر لموسى يا موسى إن لي علمًا. وفي رواية سفيان أن ذلك وقع بعد ما خرق السفينة فيجمع بأن قوله فأخذ طائر بمنقاره معقب بمحذوف وهو ركوبهما السفينة لتصريح سفيان بذكر السفينة. (حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر) بفتح الميم والعين المهملة وبعد الألف موحدة مكسورة فراء غير منصرف أي سفنًا (صغارًا) قال في الفتح وجدا معابر تفسير لقوله ركبا في السفينة لا جواب إذا لأن وجودهما المعابر كان قبل ركوبهما السفينة وقال ابن إسحاق بسنده إلى ابن عباس فيما ذكره ابن كثير في تفسيره فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن ولا أجمل ولا أوثق منها (تحمل أهل هذا الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر عرفوه) أي أهل السفينة عرفوا الخضر (فقالوا) هو (عبد الله الصالح قال): يحتمل أن يكون القائل يعلى بن مسلم (قلنا لسعيد) هو ابن جبير (خضر) أي هو خضر (قال: نعم) هو خضر (لا نحمله بأجر) أي بأجرة (فخرقها) بأن قلع لوحًا من ألواحها بالقدوم (ووتد فيها وتدًا) بتخفيف الفوقية الأولى مفتوحة وكسر الثانية مخففة ولأبي ذر وتد فيها بإسقاط الواو الأولى أي جعل فيها وتدًا مكان اللوح الذي قلعه (قال موسى) له: (أخرقتها لتغرق أهلها) اللام للعاقبة (لقد جئت شيئًا إمرًا). (قال مجاهد) فيما رواه ابن جريج عنه في قوله إمرًا (منكرًا) ووصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه مثله قيل ولم يسمع ابن جريج من مجاهد (قال) الخضر: ({ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا}) أي لما ترى مني من الأفعال المخالفة لشريعتك لأني على علم من علم الله ما علمكه الله وأنت على علم من علم الله ما علمنيه الله فكل منا مكلف بأمور من الله دون صاحبه قاله ابن كثير (كانت الأولى) في رواية سفيان قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكانت بإثبات الواو (نسيانا) أي من موسى حيث قال لا تؤاخذني بما نسيت (والوسطى) حيث قال إن سألتك عن شيء بعدها (شرطًا، والثالثة) حيث قال لو شئت لاتخذت عليه أجرًا (عمدًا قال) موسى (لا تؤاخذني بما نسيت) أي تركت من وصيتك (ولا ترهقني من أمري عسرًا) أي لا تشدد علي ({لقيا غلامًا) في رواية سفيان السابقة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلامًا ({فقتله}) الفاء للدلالة على أنه لما لقيه قتله من غير ترو واستكشاف حال فالقتل تعقب اللقاء. (قال يعلى) بن مسلم بالإسناد السابق (قال سعيد) هو ابن جبير (وجد) أي الخضر (غلمانًا يلعبون فأخذ غلامًا) منهم (كافرًا ظريفًا) بالظاء المعجمة (فأضجعه ثم ذبحه بالسكين) بكسر المهملة (قال) موسى منكرًا عليه أشد من الأولى (أقتلت نفسًا زكية) بحذف الألف والتشديد وهي قراءة ابن عامر والكوفيين (بغير نفس لم تعمل بالحنث) بالحاء المهملة المكسورة والنون الساكنة لأنها لم تبلغ الحلم وهو تفسير لقوله زكية أي أقتلت نفسًا زكية لم تعمل الحنث بغير نفس ولأبي ذر

لم تعمل الخبث بخاء معجمة وموحدة مفتوحتين. (وكان ابن عباس) ولأبي ذر وابن عباس (قرأها زكية) بالتشديد (زاكية) بالتخفيف والمشددة أبلغ لأن فعيلًا المحوّل من فاعل يدل على المبالغة كما مر (زاكية) أي (مسلمة) بضم الميم وكسر اللام (كقولك غلامًا زكيًّا) بالتشديد وهذا تفسير من الراوي وأطلق ذلك موسى على حسب ظاهر حال الغلام لكن قال البرماوي وفي بعضها مسلمة بفتح المهملة واللام المشددة قال السفاقسي وهو أشبه لأنه كان كافرًا (فانطلقا فوجدا جدارًا يريد أن ينقض) أن يسقط والإرادة هنا على سبيل المجاز (فأقامه) الخضر (قال سعيد) من رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار عنه (بيده) بالإفراد أي أقامه الخضر بيده (هكذا ورفع يده فاستقام. قال يعلى) بن مسلم (حسبت أن سعيدًا) يعني ابن جبير (قال فمسحه بيده) بالإفراد أيضًا ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بيديه بالتثنية (فاستقام)، وقيل دعمه بدعامة تمنعه من السقوط أو هدمه وبل طينًا وأخذ في بنائه إلى أن كمل وعاد كما كان وكلها حكايات حال لا تثبت إلا بنقل صحيح والذي دل عليه القرآن الإقامة لا الكيفية وأحسن هذه الأقوال أنه مسحه أو دفعه بيده فاعتدل لأن ذلك أليق بحال الأنبياء وكرامات الأولياء إلا أن يصح عن الشارع أنه هدمه وبناه فيصار إليه (لو شئت) أي قال موسى للخضر: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا كما في رواية سفيان لو شئت (لاتخذت) بتشديد التاء بعد وصل الهمزة (عليه) أي على تسوية الجدار (أجرًا قال سعيد أجرًا نأكله) أي جعلا نأكل به وإنما قال موسى: ذلك لأنه كان حصل له جهد كبير من فقد الطعام وخشى أن يختلط قوام البنية البشرية (وكان وراءهم) أي (وكان) ولأبي ذر وكان وراءهم ملك وكان (أمامهم قرأها ابن عباس أمامهم ملك) وهي قراءة شاذة مخالفة للمصحف لكنها مفسرة كقوله من ورائه جهنم وقول لبيد: أليس ورائي إن تراخت منيتي ... لزوم العصا تحنى عليها الأصابع قال أبو عليّ: إنما جاز استعمال وراء بمعنى أمام على الاتساع لأنها جهة مقابلة لجهة وكانت كل واحدة من الجهتين وراء الأخرى إذا لم يرد معنى المواجهة والآية دالة على أن معنى وراء أمام لأنه لو كان بمعنى خلف كانوا قد جاوزوه فلا يأخذ سفينتهم قال ابن جريج: (يزعمون عن غير سعيد) يعني ابن جبير (أنه) أي الملك الذي كان يأخذ السفن غصبًا اسمه (هدد بن بدد) بضم الهاء وفتح الدال الأولى وبدد بضم الموحدة وفتح الدال الأولى أيضًا مصروف ولأبي ذر بدد غير مصروف. وحكى ابن الأثير فتح هاء هدد وباء بدد قال الحافظ ابن كثير: وهو مذكور في التوراة في ذرية العيص بن إسحاق وهو من الملوك المنصوص عليهم في التوراة (الغلام) بغير واو وفي اليونينية والغلام (المقتول اسمه يزعمون جيسور) بجيم مفتوحة فتحتية ساكنة فسين مهملة وبعد الواو الساكنة راء، ولأبي ذر عن الكشميهني حيسور بالحاء بدل الجيم وعند القابسي حنسور بنون بدل التحتية وعند عبدوس حيسون بنون بدل الراء ({ملك يأخذ كل سفينة غصبًا}) وفي قراءة أبي كل سفينة صالحة غصبًا رواه النسائي وكان ابن مسعود يقرأ كل سفينة صحيحة غصبًا (فأردت إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا) أي جاوزوا الملك (أصلحوها فانتفعوا بها) وبقيت لهم (ومنهم من يقول سدوها بقارورة ومنهم من يقول بالقار) وهو الزفت واستشكل التعبير بالقارورة إذ هي من الزجاج وكيف يمكن السد به فقيل يحتمل أن توضع قارورة بقدر الموضع المخروق فيه أو يسحق الزجاج ويخلط بشيء كالدقيق فيسد به وهذا قاله الكرماني. قال في الفتح: ولا يخفى بعده قال: وقد وجهت بأنها فاعولة من القار (كان أبواه) يعني الغلام المقتول (مؤمنين) بالتثنية للتغليب يريد أباه وأمه فغلب المذكر كالقمرين (وكان) هو (كافرًا) طبع على الكفر وهذا موافق لمصحف

4 - باب قوله: {فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} [الكهف: 62، 63] صنعا: عملا، حولا: تحولا. قال: {ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} [الكهف: 64] إمرا ونكرا داهية، ينقض ينقاض كما تنقاض السن. لتخذت واتخذت واحد. رحما من الرحم وهي أشد مبالغة من الرحمة ونظن أنه من الرحيم وتدعى مكة أم رحم أي الرحمة تنزل بها

أبيّ وقوّة الكلام تشعر به لأنه لو لم يكن الولد كافرًا لم يكن لقوله وكان أبواه مؤمنين فائدة إذ لا مدخل لذلك في القصة لولا هذه الفائدة والمطبوع على الكفر الذي لا يرجى إيمانه كان قتله في تلك الشريعة واجبًا لأن أخذ الجزية لم يشرع إلا في شريعتنا وكان أبواه قد عطفا عليه. (فخشينا أن يرهقهما) أي أن يغشاهما وعظم نفسه لأنه اختص من عند الله بموهبة لا يختص بها إلا من هو من خواص الحضرة وقال بعضهم لما ذكر العيب أضافه إلى نفسه وأضاف الرحمة في قوله أراد ربك إلى الله تعالى وعند القتل عظم نفسه تنبيهًا على أنه من العظماء في علوم الحكمة، ويجوز أن يكون فخشينا حكاية لقول الله تعالى، والمعنى أن الله تعالى أعلمه بحاله وأطلعه على سره وقال له اقتل الغلام لأنا نكره كراهية من خاف سوء العاقبة أن يغشى الغلام الوالدين المؤمنين (طغيانًا وكفرًا) قال ابن جريج عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير معناه (أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه) فإن حب الشيء يعمي ويصم، وقال أبو عبيدة في قوله يرهقهما أي يغشاهما. وقال قتادة فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل ولو بقي كان فيه هلاكهما فليرض المرء بقضاء الله فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب وصح في الحديث "لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرًا له" (فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرًا منه) أي أن يرزقهما بدله ولذا خيرًا منه (زكاة) طهارة من الذنوب والأخلاق الرديئة (وأقرب رحمًا) وذكر هذا مناسبة (لقوله: {أقتلت نفسًا زكية}) بالتشديد (وأقرب رحمًا) أي (هما) أي الأبوان (به) أي بالولد الذي سيرزقانه (أرحم منهما بالأول الذي قتل خضر). وقيل رحمة وعطفًا على والديه، وسقط لأبي ذر وأقرب رحمًا واقتصر على واحدة منهما. قال ابن جريج (وزعم غير سعيد) أي ابن جبير (أنهما أبدلا جارية) مكان المقتول فولدت نبيًّا من الأنبياء رواه النسائي ولابن أبي حاتم من طريق السدي قال: ولدت جارية فولدت نبيًّا وهو الذي كان بعد موسى فقالوا له ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله واسم هذا النبي شمعون واسم أمه حنة. وفي تفسير ابن الكلبي فولدت جارية ولدت عدة أنبياء فهدى الله بهم أممًا وقيل عدة من جاء من ولدها من الأنبياء سبعون نبيًّا وعند ابن مردويه من حديث أبيّ بن كعب أنها ولدت غلامًا لكن إسناده ضعيف كما قاله في الفتح قال ابن جريج. (وأما داود بن أبي عاصم) أي ابن عروة الثقفي التابعي الصغير (فقال: عن غير واحد أنها جارية) وهذا هو المشهور وروي مثله عن يعقوب أخي داود مما رواه الطبري، وقال ابن جريج لما قتله الخضر كانت أمه حاملًا بغلام مسلم ذكره ابن كثير وغيره ويستنبط من الحديث فوائد لا تخفى على متأمل فلا نطيل بها. 4 - باب قَوْلِهِ: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الحُوتَ} [الكهف: 62، 63] صُنْعًا: عَمَلًا، حِوَلًا: تَحَوُّلًا. قَالَ: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64] إِمْرًا وَنُكْرًا دَاهِيَةً، يَنْقَضَّ يَنْقَاضُ كَمَا تَنْقَاضُ السِّنُّ. لَتَخِذْتَ وَاتَّخَذْتَ وَاحِدٌ. رُحْمًا مِنَ الرُّحْمِ وَهْيَ أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنَ الرَّحْمَةِ وَنَظُنُّ أَنَّهُ مِنَ الرَّحِيمِ وَتُدْعَى مَكَّةُ أُمَّ رُحْمٍ أَيِ الرَّحْمَةُ تَنْزِلُ بِهَا هذا (باب) بالتنوين وهو ثابت في رواية أبي ذر ساقط لغيره (قوله: {فلما جاوزا}) موسى وفتاه مجمع البحرين ({قال}) موسى ({لفتاه}) يوشع ({آتنا غداءنا}) ما نتغدى به ({لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا}) قيل لم يعن موسى في سفر غير ما ساره من مجمع البحرين ويؤيده التقييد باسم الإشارة ({قال}) يوشع ({أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة}) يعني الصخرة التي رقد عندها موسى ({فإني نسيت الحوت}) [الكهف: 62، 63] أي نسيت أن أخبرك بما رأيت منه وسقط قوله قال أرأيت لأبي ذر قال بعد نصبًا إلى قوله عجبًا. ({صنعًا}) في قوله: {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا} [الكهف: 104] أي (عملًا) وذلك لاعتقادهم أنهم على الحق ({حولًا}) في قوله: {لا يبغون عنها حولًا} أي (تحولًا) لأنهم لا يجدون أطيب منها أو المراد به تأكيد الخلود وسقط قول صنعًا الخ لأبي ذر ({قال}) أي موسى ({ذلك}) أي أمر الحوت ({ما كنا نبغ}) بغير تحتية بعد الغين أي نطلب لأنه علامة على المطلوب ({فارتدا على آثارهما قصصًا}) [الكهف: 64] أي يتبعان آثار مسيرهما اتباعًا. ({إمرًا}) في قوله: ({لقد جئت شيئًا إمرًا}) [الكهف: 71] و ({نكرًا}) في قوله: {لقد جئت شيئًا نكرًا} [الكهف: 74] معناهما (داهية) وسقط قوله إمرًا وواو ونكرًا لأبي ذر وقال أبو عيدة إمرًا داهية ونكرًا أي عظيمًا ففرق بينهما.

({ينقض}) بتشديد الضاد في قوله: {فوجد فيها جدارًا يريد أن ينقض} [الكهف: 77] (ينقاض كما ينقاض السن) بألف بعد القاف مع تخفيف الضاد المعجمة فيهما حكاه الحافظ شرف الدين اليونيني عن أئمة اللغة قال: ونبهني عليه شيخنا الإمام جمال الدين بن مالك وقت قراءتي بين يديه وهو الذي في المشارق للإمام أبي الفضل ولأبي ذر كما قاله البرماوي والدماميني ينقاض بتشديد المعجمة فيهما. قال أبو البقاء. بوزن يحمار ومقتضى هذا التشبيه أن يكون وزنه يفعال والألف قراءة الزهري. قال الفارسي: هو من قولهم قضته فانقاض أي هدمته فانهدم. قال في الدر: فعلى هذا يكون وزنه ينفعل والأصل انقيض فأبدلت الياء ألفًا أي فصار بعد الإبدال انقاض والسن بالسين المهملة المكسورة والنون، ولأبي ذر عن الكشميهني الشيء بالشين المعجمة والتحتية الساكنة والهمزة بدل السن ومعنى ينقض ينكسر وينقاض ينقلع من أصله وعن علي أنه قرأ ينقاض بالصاد المهملة. قال ابن خالويه أي انشقت طولًا ({لتخذت}) بالتخفيف في قوله: {لتخذت عليه أجرًا} (واتخذت) بالتشديد (واحد) في المعنى. ({رحمًا}) بضم الراء وسكون الحاء المهملة في قوله: {وأقرب رحمًا} [الكهف: 81] (من الرحم) بضم فسكون وهو الرحمة قال رؤبة: يا منزل الرحم على إدريسًا ... ومنزل اللعن على إبليسا وفي نسخة من الرحم بفتح فكسر (وهي أشد مبالغة من الرحمة) المفتوحة الراء التي هي رقة القلب لأنها تستلزمها غالبًا من غير عكس (ويظن) بالنون المفتوحة وضم الظاء المعجمة وفي نسخة: ويظن بالتحتية المضمومة وفتح المعجمة مبنيًّا للمفعول (أنه) أي رحمًا مشتق (من الرحيم) المشتق من الرحمة (وتدعى مكة) المشرفة (أم) بنصب الميم (رحم) بضم فسكون (أي الرحمة تنزل بها) وفي حديث ابن عباس مرفوعًا "ينزل الله في كل يوم على حجاج بيته الحرام عشرين ومائة رحمة ستين للطائفين وأربعين للمصلين وعشرين للناظرين" رواه البيهقي بإسناد حسن. 4727 - حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى نبي الله لَيْسَ بِمُوسَى الْخَضِرِ فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَامَ مُوسَى خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقِيلَ لَهُ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ قَالَ: أَنَا فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ وَأَوْحَى إِلَيْهِ بَلَى عَبْدٌ مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، قَالَ: أَيْ رَبِّ كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَيْهِ؟ قَالَ: تَأْخُذُ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَحَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَاتَّبِعْهُ قَالَ: فَخَرَجَ مُوسَى وَمَعَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَمَعَهُمَا الْحُوتُ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَنَزَلاَ عِنْدَهَا قَالَ فَوَضَعَ مُوسَى رَأْسَهُ فَنَامَ" -قَالَ سُفْيَانُ وَفِي حَدِيثِ غَيْرِ عَمْرٍو قَالَ: "وَفِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا الْحَيَاةُ لاَ يُصِيبُ مِنْ مَائِهَا شَيْءٌ إِلاَّ حَيِيَ فَأَصَابَ الْحُوتَ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ قَالَ- فَتَحَرَّكَ وَانْسَلَّ مِنَ الْمِكْتَلِ فَدَخَلَ الْبَحْرَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ مُوسَى قَالَ لِفَتَاهُ: {آتِنَا غَدَاءَنَا} [الكهف: 62] الآيَةَ قَالَ: وَلَمْ يَجِدِ النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ قَالَ لَهُ فَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} [الكهف: 63] الآيَةَ قَالَ: فَرَجَعَا يَقُصَّانِ فِي آثَارِهِمَا فَوَجَدَا فِي الْبَحْرِ كَالطَّاقِ مَمَرَّ الْحُوتِ فَكَانَ لِفَتَاهُ عَجَبًا وَلِلْحُوتِ سَرَبًا قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ إِذْ هُمَا بِرَجُلٍ مُسَجًّى بِثَوْبٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى قَالَ: وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا؟ قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: يَا مُوسَى إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لاَ أَعْلَمُهُ وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ لاَ تَعْلَمُهُ قَالَ: بَلْ أَتَّبِعُكَ قَالَ: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ فَعُرِفَ الْخَضِرُ فَحَمَلُوهُمْ فِي سَفِينَتِهِمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ" -يَقُولُ بِغَيْرِ أَجْرٍ- "فَرَكِبَا السَّفِينَةَ قَالَ: وَوَقَعَ عُصْفُورٌ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَغَمَسَ مِنْقَارَهُ الْبَحْرَ فَقَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى: مَا عِلْمُكَ وَعِلْمِي وَعِلْمُ الْخَلاَئِقِ فِي عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ مِقْدَارُ مَا غَمَسَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْقَارَهُ قَالَ: فَلَمْ يَفْجَأْ مُوسَى إِذْ عَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى قَدُومٍ فَخَرَقَ السَّفِينَةَ فَقَالَ لَهُ مُوسَى قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ الآيَةَ فَانْطَلَقَا إِذَا هُمَا بِغُلاَمٍ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَقَطَعَهُ قَالَ لَهُ مُوسَى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: 74 و75] إِلَى قَوْلِهِ: {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا {فَأَقَامَهُ} [الكهف: 77] فَقَالَ لَهُ مُوسَى: إِنَّا دَخَلْنَا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَلَمْ يُضَيِّفُونَا وَلَمْ يُطْعِمُونَا {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 77، 78] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا». قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِرًا. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (قتيبة بن سعيد) الثقفي أبو رجاء البغلاني بفتح الموحدة وسكون المعجمة قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر أيضًا حدّثنا (سفيان بن عيينة) بن أبي عمران ميمون الهلالي الكوفي ثم المكي الإمام الحافظ الحجة تغير حفظه بأخرة وربما دلس عن الثقات وهو من أثبت الناس في عمرو بن دينار (عن عمرو بن دينار) المكي الجمحي مولاهم (عن سعيد بن جبير) الأسدي مولاهم الكوفي أنه (قال: قلت لابن عباس أن نوفًا) كذا في اليونينية وفي الفرع نوف بغير ألف (البكالي) بكسر الموحدة نسبة إلى بني بكال بطن من حمير ونوف بغير صرف وصرفه أشهر كما مر ولأبي ذر البكالي بفتح الموحدة (يزعم أن موسى نبي الله) المرسل إلى بني إسرائيل كذا في الفرع موسى نبي الله والذي في اليونينية يزعم أن موسى نبي بني إسرائيل (ليس بموسى الخضر) بل موسى آخر (فقال) ابن عباس -رضي الله عنهما- (كذب عدوّ الله) يعني نوفًا وعبّر بذلك للزجر والتحذير لا قدحًا فيه (حدّثنا أبي بن كعب عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل) يذكرهم بنعم الله عليهم وعليه يذكر ما أكرمه الله به من رسالته وتكريمه وتفضيله (فقيل له: أي الناس أعلم) أي منهم (قال) ولأبي ذر فقال: (أنا) أي أعلم (فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه) كان يقول الله أعلم (وأوحى إليه) بفتح الهمزة والحاء (بلى عبد من عبادي) كائن (بمجمع البحرين هو أعلم منك) أي بشيء مخصوص والعالم بالعلم الخاص لا يلزم منه أن يكون أعلم من العالم بالعلم العام (قال: أي رب كيف السبيل إليه) أي إلى لقائه (قال: تأخد حوتًا في مكتل فحيثما فقدت الحوت) بفتح القاف (فاتبعه) بهمزة وصل وتشديد الفوقية وكسر الموحدة ولأبي ذر عن الكشميهني فاتبعه بسكون الفوقية وفتح الموحدة أي اتبع أثر الحوت فإنك ستلقى العبد الأعلم (قال: فخرج موسى ومعه

فتاه يوشع بن نون) مجرور بالإضافة منصرف كنوح على الفصحى (ومعهما الحوت) المأمور به (حتى انتهيا إلى الصخرة) التي عند مجمع البحرين (فنزلا عندها قال فوضع موسى رأسه فنام قال سفيان) بن عيينة بالإسناد السابق (وفي حديث غير عمرو) لعل الغير المذكور كما قال في الفتح قتادة لما عند ابن أبي حاتم من طريقه (قال وفي أبي الصخرة عين يقال لها) ولأبي الوقت والأصيلي له (الحياة) بتاء التأنيث آخره (لا يصيب من مائها شيء) من الحيوان (إلا حيي) وعند ابن إسحاق من شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي لا تصيب بالفوقية أي العين شيئًا أي من الحيوان إلا حيي (فأصاب الحوت من) رشاش (ماء تلك العين قال فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر) ولعل هذه العين إن ثبت النقل فيها هي التي شرب منها الخضر فخلد كما قال به جماعة كما مر (فلما استيقظ موسى قال لفتاه: {آتنا غداءنا} الآية) أي بعد أن نسي الفتى أن يخبره بأن الحوت حيي وانطلاقهما سائرين بقية يومهما وليلتهما حتى كان من الغد قال له إذ ذاك آتنا غداءنا (قال ولم يجد النصب حتى جاوز ما أمر به) فألقى الله عليه الجوع والنصب (قال له فتاه يوشع بن نون {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أي أن أخبرك بخبره (الآية) إلى قوله: {ذلك ما كنا نبغ} [الكهف: 64] (قال فرجعا يقصّان في آثارهما) حتى انتهيا إلى الصخرة (فوجدا في البحر كالطاق ممر الحوت) مفعول وجدا (فكان لفتاه عجبًا) إذ هو أمر خارق (وللحوت سربًا) مسلكًا وروى ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: رجع موسى فوجد الحوت فجعل موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء ويتبع الحوت وجعل الحوت لا يمس شيئًا من البحر إلا يبس حتى يصير صخرة (قال: فلما انتهيا إلى الصخرة إذا) والذي في اليونينية إذ (هما برجل مسجى) مغطى (بثوب) وفي رواية الربيع عن أنس عند ابن أبي حاتم قال انجاب الماء عن مسلك الحوت فصارت كوّة فدخلها موسى على أثر الحوت فإذا هو بالخضر (فسلم عليه موسى قال) الخضر بعد أن رد السلام عليه وكشف الثوب عن وجهه (وأنى) بهمزة نون مشددة مفتوحتين أي وكيف (بأرضك السلام) وأهلها كفار أو لم يكن السلام تحيتهم (فقال) موسى بعد أن قال له الخضر من أنت: (أنا موسى قال) الخضر (موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال) له موسى: ({هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدًا}) أي علمًا ذا رشد أسترشد به (قال) ولأبي ذر فقال (له الخضر: يا موسى إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه وأنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه) فكل منا مكلف بأمور من الله دون صاحبه (قال) موسى (بل أتبعك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي هل والأولى أوضح ({قال}) الخضر: ({فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء}) تنكره ابتداء ({حتى أحدث لك منه ذكرًا}) حتى أبداك ببيانه (فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت بهما سفينة) ولأبي ذر: بهم أي بموسى ويوشع والخضر (فعرف الخضر فحملوهم في سفينتهم بغير نول) بفتح النون وسكون الواو (يقول بغير أجر) أي أجرة (فركبا السفينة) ولم يذكر يوشع لأنه تابع غير مقصود بالأصالة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فركبا في السفينة (قال: ووقع عصفور) بضم العين (على حرف السفينة فغمس منقاره البحر) بنصبهما ولأبي ذر في البحر (فقال الخضر لموسى) ولأبي ذر: يا موسى (ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار) بالرفع (ما غمس هذا العصفور منقاره) وفي رواية ما نقص علمي وعلمك من علم الله والعلم يطلق ويراد به المعلوم وعلم الله لا يدخله نقص ونقص العصفور لا تأثير له فكأنه لم يأخذ شيئًا فهو كقوله: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب أي لا عيب فيهم. (قال: فلم يفجأ موسى) بالهمزة (إذ عمد الخضر) بفتح الميم (إلى قدوم) بفتح القاف

5 - باب قوله: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} [الكهف: 103]

وتخفيف الدال أي الآلة المعروفة (فخرق السفينة فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت) بفتح الميم أيضًا (إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت الآية). وسقط لأبي ذر لقد جئت والآية (فانطلقا) بعد أن خرجا من السفينة (إذ هما بغلام يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني فأخذ الخضر رأسه بحذف الجار والنصب مفعول أخذ (فقطعه قال) ولأبي الوقت فقال الله موسى: {أقتلت نفسًا زكية} بالتشديد طاهرة ({بغير نفس}) قيل وكان القتل في أبلة بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام المفتوحة مدينة قرب بصرة وعبادان ({لقد جئت شيئًا نكرًا}) منكرًا ({قال}) الخضر: ({ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا}) وأتى بلك مع نكرًا بخلاف أمرًا قيل لأن النكر أبلغ لأن معه القتل الحتم بخلاف خرق السفينة فإنه يمكن تداركه (إلى قوله: {فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقض}) أن يسقط (فقال) الخضر (بيده هكذا {فأقامه} فقال له موسى: إنّا دخلنا هذه القربة فلم يضيفونا ولم يطعمونا {لو شئت لاتخذت عليه أجرًا قال هذا فراق بيني وبينك}) قال في الأنوار: الإشارة إلى الفراق الموعود بقوله فلا تصاحبني أو إلى الاعتراض الثالث أو الوقت أي هذا الاعتراض سبب فراقنا أو هذا الوقت وقته ({سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا}) لكونه منكرًا من حيث الظاهر وقد كانت أحكام موسى كغيره من الأنبياء مبنيّة على الظواهر ولذا أنكر خرق السفينة وقتل الغلام إذ التصرف في أموال الناس وأرواحهم بغير حق حرام في الشرع الذي شرعه لأنبيائه عليهم السلام إذ لم يكلفنا إلى الكشف عن البواطن لما في ذلك من الحرج وأما وقوع ذلك من الخضر فالظاهر أنه قد شرع له أن يعمل بما كشف له من بواطن الأسرار واطلع عليه من حقائق الأستار فلما علم الخضر علمًا يقينًا أنه إن لم يعب السفينة بالخرق غصبها الملك وجب عليه ذلك دفعًا للضرر عن ملاكها إذ لو تركها ولم يعبها فاتت بالكلية عليهم بأخذ الملك لها وكذا قتل الغلام فإنه علم بالوحي أنه إن لم يقتله تبعه أبواه على الكفر لمزيد محبتهما له فكانت المضرة بقتله أيسر من إبقائه لا سيما والمطبوع على الكفر الذي لا يرجى إيمانه كان قتله في شريعتهم واجبًا لأن أخذ الجزية لم يكن سائغًا لهم وقد رزقهما الله خيرًا منه كما مرّ ولو ترك الجدار حتى يسقط ضاع مال أولئك الأيتام فكانت المصلحة التامة في إقامته ولعل ذلك كان واجبًا عليه. (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وددنا) بكسر الدال الأولى وسكون الثانية (إن موسى صبر حتى يقص) بضم أوله وفتح آخره مبنيًّا للمفعول (علينا من أمرهما قال وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة) غير معيبة (غصبًا وأما الغلام فكان كافرًا) وقد سبق أن أمام يستعمل موضع وراء فهي مفسّرة للآية كما مرّ وقوله تعالى: {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} [الكهف: 80] فيه إشعار بأن الغلام كان كافرًا كما في هذه القراءة لكنها كقراءة أمامهم وصالحة من الشواذ المخالفة لمصحف عثمان والله الموفق. 5 - باب قَوْلِهِ: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} [الكهف: 103] (باب) بالتنوين (قوله: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا}) [الكهف: 103] زاد أبو ذر الآية أي هل نخبركم بالأخسرين ثم فسرهم بقوله {الذين ضل سعيهم} أي عملوا أعمالًا باطلة على غير شريعة مشروعة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا أي يعتقدون أنهم على هدى فضل سعيهم وأعمالًا نصب على التمييز وجمع لأنه من أسماء الفاعلين أو لتنوّع أعمالهم فليسوا مشتركين في عمل واحد وفي قوله تعالى: {وهم يحسبون أنهم يحسنون} تجنيس التصحيف وهو أن يكون النقط فرقًا بين الكلمتين وقوله هل ننبئكم استفهام تقريري، وفي قوله: ({الأخسرين أعمالًا} [الكهف: 103] الاستعارة استعارة الخسران الذي هو حقيقة في ضدّ الربح لكون أعمالهم الصالحة نفدت أجورها واستعار الضلال الذي هو حقيقة في التيه عن الطريق المستقيم لإسقاط أعمالهم وإذهابها، وفي قوله: قل هل

6 - باب: {أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم} [الكهف: 105] الآية

ننبئكم الحذف أي قل هل ننبئكم بما يحل بالأخسرين وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4728 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُصْعَبٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} هُمُ الْحَرُورِيَّةُ قَالَ: لاَ هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى أَمَّا الْيَهُودُ فَكَذَّبُوا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَّا النَّصَارَى كَفَرُوا بِالْجَنَّةِ، وَقَالُوا: لاَ طَعَامَ فِيهَا وَلاَ شَرَابَ وَالْحَرُورِيَّةُ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَكَانَ سَعْدٌ يُسَمِّيهِمُ الْفَاسِقِينَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بموحدة فمعجمة مشددة الملقب ببندار قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) الهذلى البصري المعروف بغندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين ولأبي ذر زيادة ابن مرة بضم الميم وتشديد الراء ابن عبد الله المرادي الأعمى الكوفي (عن مصعب) بضم الميم وفتح العين بينهما مهملة ساكنة وآخره موحدة، ولأبي ذر: ابن سعد بسكون العين ابن أبي وقاص أنه (قال: سألت أبي) سعد بن أبي وقاص عن قوله تعالى: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا} هم الحرورية)؟ بفتح الحاء المهملة وضم الراء الأولى وكسر الثانية بينهما واو ساكنة والمثناة التحتية مشددة بعدها تاء تأنيث نسبة إلى حروراء قرية بقرب الكوفة كان ابتداء خروج الخوارج على عليّ منها ولعل سبب سؤال مصعب أباه عن ذلك ما روى ابن مردويه من طريق القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل في هذه الآية قال: أظن أن بعضهم الحرورية. وعند الحاكم من وجه آخر عن أبي الطفيل قال: قال علي: منهم أصحاب النهروان، وذلك قبل أن يخرجوا وأصله عند عبد الرزاق بلفظ قام ابن الكوّاء إلى علي فقال: ما الأخسرين أعمالًا؟ قال: ويلك منهم أهل حروريا. (قال) أي سعد بن أبي وقاص: (لا) ليس هم الحرورية (هم اليهود والنصارى) وللحاكم قال لا أولئك أصحاب الصوامع ولابن أبي حاتم من طريق أبي خميصة بفتح الخاء المعجمة والصاد المهملة واسمه عبيد الله بن قيس قال هم الرهبان الذين حبسوا أنفسهم في السواري (أما اليهود فكذبوا محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأما النصارى كفروا) ولأبي ذر فكفروا (بالجنة وقالوا لا طعام فيها ولا شراب والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه وكان سعد) هو ابن أبي وقاص (يسميهم الفاسقين) والصواب الخاسرين، ووقع على الصواب كذلك عند الحاكم لقوله: ({قل هل ننبئكم بالأخسرين}) [الكهف: 103] ووجه خسرانهم أنهم تعبّدوا على غير أصل فابتدعوا فخسروا الأعمار والأعمال وعن علي أنهم كفرة أهل الكتاب كان أوائلهم على حق فأشركوا بربهم وابتدعوا في دينهم وقيل هم الصابئون وقيل المنافقون بأعمالهم المخالفون باعتقادهم، وهذه الأقوال كلها تقتضي التخصيص بغير مخصص والذي يقتضيه التحقيق أنها عامة، فأما قول على أنهم الحرورية فمعناه أن الآية تشملهم كما تشمل أهل الكتابين وغيرهم لا أنها نزلت في هؤلاء على الخصوص بل أعم من ذلك لأنها مكية قبل خطاب أهل الكتاب ووجود الحرورية وإنما هي عامة في كل من دان بدين غير الإسلام وكل من راءى بعمله أو أقام على بدعة فكل من الأخسرين، وقد قال ابن عطية ويضعف قول من قال إن المراد أهل الأهواء والحرورية قوله تعالى بعد ذلك {أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه} [الكهف: 105] وليس في هذه الطوائف من يكفر بآيات الله وإنما هذه صفة مشركي عبدة الأوثان اهـ. فاتّضح بهذا ما قلناه إن الآية عامة. 6 - باب: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [الكهف: 105] الآيَةَ هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({أولئك}) إشارة للأخسرين أعمالًا السابق ذكرهم ({الذين كفروا بآيات ربهم}) بالقرآن أو به وبالإنجيل أو بمعجزات الرسول صلوات الله وسلامه عليه ({ولقائه}) بالبعث أو بالنظر إلى وجه الله الكريم أو لقاء أجزائه ففيه حذف وقد كذب اليهود بالقرآن والإنجيل والنصارى بالقرآن وقريش بلقاء الله والبعث ({فحبطت أعمالهم}) [الكهف: 105] بطلت بكفرهم وتكذيبهم فلا ثواب لهم عليها (الآية). أي فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا وهذا هو المراد لما سيورده من الحديث. 4729 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ وَقَالَ: اقْرَءُوا {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105]. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله) هو محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي نسبة إلى جده قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) شيخ المؤلّف روي عنه هنا بالواسطة قال: (أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن) الحزامي بالحاء المهملة المكسورة والزاي وسقط لغير أبي ذر ابن عبد الرحمن قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو الزناد) عبد الله بن

[19] كهيعص

ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إنه ليأتي الرجل العظيم) في الطول أو في الجاه (السمين) ولابن مردويه من وجه آخر عن أبي هريرة -رضي الله عنه- الطويل العظيم الأكول الشروب (يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة) وعند ابن أبي حاتم من طريق صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعًا فيوزن بحبة فلا يزنها (وقال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو أبو هريرة ({اقرؤوا فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا}) أي لا نجعل لهم مقدارًا أو لا نضع لهم ميزانًا توزن به أعمالهم لأن الميزان إنما ينصب للذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا أو لا نقيم لأعمالهم وزنًا لحقارتها، وفي هذه الآية من أنواع البديع التجنيس المغاير وفيها أيضًا الاستعارة فاستعار إقامة الوزن التي هي حقيقة في اعتداله لعدم الالتفات إليهم وإعراض الله عنهم كما استعار الحبوط في قوله: {حبطت أعمالهم} الذي هو حقيقة في البطلان لذهاب جزاء أعمالهم الصالحة والحذف في فحبطت أعمالهم أي ثمرات أعمالهم إذ ليس لهم عمل فنقيم لهم وزنًا واستدلّ به على أن الكفار لا يحاسبون لأنه إنما يحاسب من له حسنات وسيئات والكافر ليس له في الآخرة حسنات فتوزن ثم عطف المؤلّف على سعيد بن أبي مريم فقال: (وعن يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا ونسبه إلى جدّه واسم أبيه عبد الله وهو شيخ المؤلّف أيضًا روي عنه بالواسطة والتقدير حدّثنا محمد بن عبد الله عن سعيد بن أبي مريم وعن يحيى بن بكير (عن المغيرة بن عبد الرحمن) الحزامي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (مثله) أي الحديث السابق. وهذا الحديث قد أخرجه مسلم في التوبة وذكر المنافقين. [19] كهيعص (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَبْصِرْ بِهِمْ وَأَسْمِعْ اللَّهُ يَقُولُهُ: وَهُمُ الْيَوْمَ لاَ يَسْمَعُونَ وَلاَ يُبْصِرُونَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ يَعْنِي قَوْلَهُ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ الْكُفَّارُ يَوْمَئِذٍ أَسْمَعُ شَيْءٍ وَأَبْصَرُهُ، لأَرْجُمَنَّكَ: لأَشْتِمَنَّكَ، وَرِئْيًا: مَنْظَرًا. وَقَالَ ابْنُ وَائِلٍ: عَلِمَتْ مَرْيَمُ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ، حَتَّى قَالَتْ: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ} [مريم: 18] وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: تَؤُزُّهُمْ أَزًّا تُزْعِجُهُمْ إِلَى الْمَعَاصِي إِزْعَاجًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِدًّا عِوَجًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وِرْدًا: عِطَاشًا. أَثَاثًا: مَالًا. إِدًّا قَوْلًا عَظِيمًا، رِكْزًا: صَوْتًا، وَقَالَ غَيْرُهُ غَيًّا: خُسْرَانًا، بُكِيًّا: جَمَاعَةُ بَاكٍ. صُلِيًّا: صَلِيَ يَصْلَى. نَدِيًّا وَالنَّادِي: مَجْلِسًا. ([19] كهيعص) مكية. وقال مقاتل: إلا آية السجدة فمدنية وهي ثمان وتسعون آية واختلف في معناها، فقيل الكاف من كريم والهاء من هادي والياء من حكيم والعين من عليم والصاد من صادق قاله ابن عباس فيما رواه الحاكم من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عنه، وروى الطبري عنه أن كهيعص من أسماء الله وعن علي أنه كان يقول يا كهيعص اغفر لي، وعن قتادة اسم من أسماء القرآن رواه عبد الرزاق، وسأل رجل محمد بن علي المرتضى عن تفسيرها فقال لو أخبرتك بتفسيرها لمشيت على الماء لا يواري قدميك، ولأبي ذر سورة كهيعص، وفي نسخة بفرع اليونينية كأصلها باب سورة مريم. (بسم الله الرحمن الرحيم) ثبتت هذه البسملة لأبي ذر بعد الترجمة وسقطت لغيره. (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ({أسمع بهم وأبصر}) [مريم: 38] ولأبي ذر أبصر بهم وأسمع على التقديم والتأخير والأوّل هو الموافق للفظ التنزيل (الله يقوله) جملة اسمية (وهم) أي الكفار ({اليوم}) نصب على الظرفية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي القوم بالقاف (لا يسمعون ولا يبصرون {وفي ضلال مبين}) هو معنى قوله: {لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين} قال في الأنوار أوقع الظالمين موقع الضمير أي لكنهم اليوم إشعارًا بأنهم ظلموا أنفسهم حيث أغفلوا الاستماع والنظر حين ينفعهم (يعني قوله {أسمع بهم وأبصر} الكفار يومئذٍ) أي يوم القيامة (أسمع شيء وأبصره) حين لا ينفعهم ذلك كما قال تعالى: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحًا} [السجدة: 12] وقول الزركشي في التنقيح يريد أن قوله: {أسمع بهم وأبصر} أمر بمعنى الخبر كما قال تعالى: {صم بكم عمي فهم لا يرجعون) تعقبه، في المصابيح فقال أظنه لم يفهم كلام ابن عباس ولذلك ساقه على هذا الوجه وكونه أمر بمعنى الخبر لا يقتضي انتفاء سماعهم وأبصارهم بل يقتضي ثبوته ثم هو ليس أمرًا بمعنى الخبر بل هو لإنشاء التعجب أي ما أسمعهم وما أبصرهم والأمر المفهوم منه بحسب الظاهر غير مراد بل انمحى الأمر فيه وصار متمحضًا لإنشاء

1 - باب {وأنذرهم يوم الحسرة} [مريم: 39]

التعجب، ومراد ابن عباس أن المعنى ما أسمع الكفار وأبصرهم في الدار الآخرة وإن كانوا في دار الدنيا لا يسمعون ولا يبصرون، ولذا قال الكفار يومئذٍ أسمع شيء وأبصره انتهى. وأصح الأعاريب فيه كما في الدر أن فاعله هو المجرور بالباء والباء زائدة وزيادتها لازمة إصلاحًا للفظ لأن أفعل أمرًا لا يكون فاعله إلا ضميرًا مستترًا ولا يجوز حذف هذه الباء إلا مع أن وإن فالمجرور مرفوع المحل ولا ضمير في أفعل وقيل بل هو أمر حقيقة والمأمور هو رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمعنى أسمع الناس وأبصر بهم وبحديثهم ماذا يصنع بهم من العذاب وهو منقول عن أبي العالية. ({لأرجمنك}) في قوله: {يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك} [مريم: 46] أي (لأشمتنك) بكسر المثناة الفوقية قاله ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم أيضًا. ({ورئيًا}) في قوله تعالى: {هم أحسن أثاثًا ورئيًا} [مريم: 74] قال ابن عباس فيما وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه أي (منظرًا) بفتح المعجمة. (وقال أبو وائل) شقيق بن سلمة في قوله حكاية عن مريم قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًا (علمت مريم أن التقي ذو نهية) بضم النون وسكون الهاء وفتح التحتية أي صاحب عقل وانتهاء عن فعل القبيح (حتى قالت) إذ رأت جبريل عليه الصلاة والسلام ({إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًّا}) وهذا وصله عبد بن حميد من طريق عاصم وسقط لغير الحموي وذكره المؤلّف في باب قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم} [مريم: 16] من أحاديث الأنبياء. (وقال ابن عيينة) سفيان فيما ذكره في تفسيره في قوله: ({تؤزهم أزًّا}) [مريم: 83] أي (تزعجهم) أي الشياطين (إلى المعاصي إزعاجًا) وقيل تغريهم عليها بالتسويلات وتحبيب الشهوات (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({إدًّا}) في قوله: ({لقد جئتم شيئًا إدًّا} [مريم: 89] أي (عوجًا) بكسر العين وفتح الواو وفي نسخة عوجًا بضم العين وسكون الواو وفي أخرى لدًّا باللام المضمومة بدل الهمزة المكسورة وقال ابن عباس وقتادة إدًّا عظيمًا وهذا ساقط لأبي ذر. (قال ابن عباس: {وردًا}) في قوله تعالى: {ونسوق المجرمين إلى جهنم وردًّا} [مريم: 86] أي (عطاشًا) فإن من يرد الماء لا يرده إلا لعطش وهذا ساقط أيضًا لأبي ذر. ({أثاثًا}) أي مالًا ({إدًّا}) أي (قولًا عظيمًا) وقد مرّ ذكره لكنه فسره بغير الأول وقد مر أنه عن ابن عباس وقتادة ({ركزًا}) في قوله: {أو تسمع لهم ركزًا} أي (صوتًا) أي خفيًّا لا مطلق الصوت. (وقال غيره) أي غير ابن عباس وسقط ذا لغير أبي ذر ({غيًا}) في قوله تعالى: {فسوف يلقون غيًا} [مريم: 59] أي (خسرانًا) وقيل واد في جهنم تستعيذ منه أوديتها وقيل شرًّا وكل خسران وهذا ساقط لأبي ذر. ({بكيًّا}) في قوله تعالى: {خرّوا سجدًّا وبكيًّا} [مريم: 58] (جماعة باك) قاله أبو عبيدة وأصله بكوي على وزن فعول بواو وياء كقعود جمع قاعد فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار بكيًّا هكذا ثم كسرت ضمة الكاف لمجانسة الياء بعدها وهذا ليس بقياسه بل قياس جمعه على فعلة كقاض وقضاة وغزاة ورماة وقيل ليس بجمع وإنما هو مصدر على فعول نحو: جلس جلوسًا وقعد فعودًا، والمعنى إذا سمعوا كلام الله خروا ساجدين لعظمته باكين من خشيته روى ابن ماجة من حديث سعيد مرفوعًا نزل القرآن بحزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا. وقال صالح المري بالراء المهملة المشددة بعد ضم الميم قرأت القرآن على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المنام فقال لي: يا صالح هذه القراءة فأين البكاء ويروى أنه كان إذا قص قال هات جونة المسك والترياق المجرب يعني القرآن ولا يزال يقرأ ويدعو ويبكي حتى ينصرف. (صليًّا) في قوله: {أولى بها صليًّا} أي هو مصدر (صلي) بكسر اللام (يصلى) قاله أبو عبيدة والمعنى احترق احتراقًا. (نديًّا والنادي) يريد قوله وأحسن نديًّا وإن معناهما (واحد) أي (مجلسًا) ومجتمعًا وثبت واحد لأبي ذر. 1 - باب {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} [مريم: 39] (وأنذرهم) ولأبي ذر باب قوله عز وجل: ({وأنذرهم يوم الحسرة}) [مريم: 39] هو من أسماء يوم القيامة كما قاله ابن عباس وغيره. 4730 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُنَادِي مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. هَذَا الْمَوْتُ وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ ثُمَّ يُنَادِي يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. هَذَا الْمَوْتُ وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ ثُمَّ يُنَادِي يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. هَذَا المَوْتُ وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ فَيُذْبَحُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلاَ مَوْتَ" ثُمَّ قَرَأَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} وَهَؤُلاَءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ". وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) بالغين المعجمة والمثلثة آخره النخعي الكوفي

2 - باب قوله: {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا} [مريم: 64]

قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق بن معاوية قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا أبو صالح) ذكوان السمان (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي نسخة قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يؤتى بالموت) الذي هو عرض من الأعراض جسمًا (كهيئة كبش أملح) بالحاء المهملة فيه بياض وسواد لكن سواده أقل (فينادي مناد) لم يسم (يا أهل الجنة فيشرئبون) بفتح التحتية وسكون الشين المعجمة وفتح الراء وبعد الهمزة المكسورة موحدة مشدّدة فواو ساكنة فنون آخره أي يمدون أعناقهم ويرفعون رؤوسهم (وينظرون) وعند ابن حبان في صحيحه وابن ماجه عن أبي هريرة فيطلعون خائفين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه (فيقول هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت وكلهم قد رآه) أي وعرفه بما يلقيه الله في قلوبهم أنه الموت (ثم ينادي) أي المنادي (يا أهل النار فيشرئبون وينظرون) وعند ابن حبان وابن ماجة فيطلعون فرحين مستبشرين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه (فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت وكلهم قد رآه فيذبح). وفي باب صفة الجنة والنار من كتاب الرقاق جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح، وعند ابن ماجه فيذبح على الصراط، وعند الترمذي في باب خلود أهل الجنة من حديث أبي هريرة فيضجع فيذبح ذبحًا على السور الذي بين أهل الجنة وأهل النار وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي أحد الضعفاء في آخر حديث السور الطويل أن الذابح له جبريل عليه السلام كما نقله عنه الحافظ ابن حجر، وذكر صاحب خلع النعلين فيما نقله في التذكرة أن الذابح له يحيى بن زكريا بين يدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال قوم: المذبوح متولي الموت وكلهم يعرفه لأنه الذي تولى قبض أرواحهم في الدنيا. فإن قلت: ما الحكمة في مجيء الموت في صورة الكبش دون غيره؟ أجيب: بأن ذلك إشارة إلى حصول الفداء لهم به كما فدى ولد الخليل بالكبش وفي الأملح إشارة إلى صفتي أهل الجنة والنار. (ثم يقول) ذلك المنادي: (يا أهل الجنة خلود) أبد الآبدين (فلا موت ويا أهل النار خلود) أبد الآددين (فلا موت) وخلود إما مصدر أي أنتم خلود ووصف بالمصدر للمبالغة كرجل عدل أو جمع أي أنتم خالدون زاد في الرقاق فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم ويزداد، أهل النار حزنًا إلى حزنهم وعند الترمذي فلو أن أحدًا مات فرحًا لمات أهل الجنة ولو أن أحدًا مات حزنًا لمات أهل النار (ثم قرأ) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو أبو سعيد ({وأنذرهم يوم الحسرة}) الخطاب للنبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي أنذر جميع الناس (إذ قضي الأمر) أي فصل بين أهل الجنة والنار ودخل كل إلى ما صار إليه مخلدًا فيه ({وهم في غفلة}) - أي ({وهؤلاء في غفلة}) أي ({أهل الدنيا}) إذ الآخرة ليست دار غفلة ({وهم لا يؤمنون}) نفى عنهم الإيمان على سبيل الدوام مع الاستمرار في الأزمنة الماضية والآتية على سبيل التأكيد والمبالغة. وهذا الحديث أخرجه مسلم في صفة النار والترمذي والنسائي في التفسير. 2 - باب قَوْلِهِ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] (باب قوله) جل وعلا وسقط لفظ قوله لأبي ذر وثبت له لفظ باب ({وما نتنزل إلا بأمر ربك}) هو حكاية قول جبريل حين استبطأه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({له ما بين أيدينا}) أي الآخرة ({وما خلفنا}) [مريم: 64] الدنيا وثبت لأبي ذر له ما بين أيدينا الخ. 4731 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِجِبْرِيلَ: «مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا؟» فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا}. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عمر بن ذر) بضم العين وذر بالمعجمة المفتوحة والراء المشددة ابن عبد الله بن زرارة الهمداني الكوفي (قال سمعت}) ذرًّا (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه قال: (قال النبي) وفي نسخة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لجبريل) أي لما احتبس عنه: (ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزلت {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا}) وعند ابن إسحاق من وجه آخر عن ابن عباس أن قريشًا لما سألوا عن أصحاب الكهف فمكث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمس عشرة ليلة لا يحدث الله في ذلك

3 - باب قوله: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا} [مريم: 77]

وحيًا فلما نزل جبريل قال له أبطأت فذكره وعند ابن أبي حاتم أنها نزلت في احتباسه عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعين يومًا حتى اشتاق للقاء وعند الطبراني من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعًا أن جبريل أبطأ عليه فذكر ذلك له فقال وكيف وأنتم لا تستنون ولا تقلمون أظافركم ولا تقصون شواربكم ولا تنقون رواجبكم وعند أحمد نحوه. وهذا الحديث قد سبق في بدء الخلق في ذكر الملائكة وأخرجه أيضًا في التوحيد والترمذي والنسائي في التفسير. 3 - باب قَوْلِهِ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم: 77] (باب قوله) عز وجل وسقط باب لغير أبي ذر ({أفرأيت الذي كفر بآياتنا}) عطف بالفاء بعد الألف الاستفهام إيذانًا بإفادة التعقيب كأنه قال أخبر أيضًا بقصة هذا الكافر عقب قصة أولئك المذكورين قبل هذه الآية ورأيت بمعنى أخبر والموصول هو المفعول الأول والثاني هو الجملة الاستفهامية من قوله أطلع الغيب ({وقال لأوتين مالًا وولدًا}) [مريم: 77]. جملة قسمية في موضع نصب بالقول. 4732 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَبَّابًا قَالَ: جِئْتُ الْعَاصِيَ بْنَ وَائِلٍ السَّهْمِيَّ أَتَقَاضَاهُ حَقًّا لِي عِنْدَهُ فَقَالَ: لاَ أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: لاَ. حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ قَالَ: وَإِنِّي لَمَيِّتٌ ثُمَّ مَبْعُوثٌ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّ لِي هُنَاكَ مَالًا وَوَلَدًا فَأَقْضِيكَهُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ، وَحَفْصٌ. وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح مصغرًا (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: سمعت خبابًا) هو ابن الأرتّ بالمثناة الفوقية المشدّدة (قال: جئت العاصي) بالعين والصاد المهملتين آخره تحتية (ابن وائل السهمي) هو والد عمرو الصحابي -رضي الله عنه- (أتقاضاه) أي أطلب منه (حقًّا لي عنده) وهو أجرة عمل سيف وكان خباب حدادًا (فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: لا) أكفر (حتى تموت ثم تبعث) ومفهومه غير مرادًا إذ الكفر لا يتصوّر بعد البعث فكأنه قال لا أكفر أبدًا (قال) أي العاصي (وإني لميت ثم مبعوث) قال خباب (قلت) له (نعم قال: إن لي هناك مالًا وولدًا فأقضيكه فنزلت هذه الآية: {أفرأيت الذي كفر بآياتننا وقال لأوتين}) أي في الجنة ({مالًا وولدًا}) بفتح الواو واللام قراءة غير حمزة والكسائي اسم مفرد قائم مقام الجمع. (رواه) أي الحديث (الثوري) سفيان فيما وصله المؤلّف بعد (وشعبة) بن الحجاج فيما وصله أيضًا (وحفص) هو ابن غياث فيما وصله في الإجارة (وأبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين فيما وصله أحمد (ووكيع) فيما وصله بعد كلهم (عن الأعمش) سليمان بن مهران. وقد مرّ الحديث في البيوع. 4 - باب قَوْلِهِ: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 78] (قوله) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله تعالى: ({أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدًا}) [مريم: 78]. قال في الكشاف أي أوقد بلغ من عظمة شأنه أن ارتقى إلى علم الغيب الذي توحد به الواحد القهار والمعنى أن ما ادّعى أن يؤتاه وتألى عليه لا يتوصل إليه إلا بأحد هذين الطريقين إما علم الغيب وإما عهد من عالم الغيب فبأيهما توصل إلى ذلك انتهى وهمزة أطلع للاستفهام الإنكاري وحذفت همزة الوصل للاستغناء عنها، وزاد في رواية أبي ذر الآية ولغيره قال أي في تفسير عهدًا موثقًا وقيل العهد كلمة التوحيد. قال في فتوح الغيب لأنه تعالى وعد قائلها إخلاصًا أن يدخل الجنة البتة فهو كالعهد الموثق الذي لا بد أن يوفي به انتهى. 4733 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا بِمَكَّةَ فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِي بْنِ وَائِلِ السَّهْمِيِّ سَيْفًا فَجِئْتُ أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: لاَ أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ قُلْتُ: لاَ، أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى يُمِيتَكَ اللَّهُ ثُمَّ يُحْيِيَكَ قَالَ: إِذَا أَمَاتَنِي اللَّهُ ثُمَّ بَعَثَنِي وَلِي مَالٌ وَوَلَدٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} قَالَ: مَوْثِقًا. لَمْ يَقُلِ الأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ سَيْفًا وَلاَ مَوْثِقًا. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان (عن أبي الضحى) مسلم (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن خباب) هو ابن الأرتّ أنه (قال: كنت قيْنًا) بقاف مفتوحة فتحتية ساكنة فنون أي حدّاد (بمكة فعملت للعاصي بن وائل السهمي سيفًا فجئت أتقاضاه) أجرة عمل السيف (فقال: لا أعطيك) أجرته (حتى تكفر بمحمد قلت: لا أكفر بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يميتك الله ثم يحييك) أي لا أكفر أبدًا كما مرّ تقريره قريبًا (قال): أي العاصي (إذا أماتني الله ثم بعثني ولي مال وولد) زاد في السابقة فأقضيكه (فأنزل الله) تعالى ({أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالًا وولدًا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدًا} قال موثقًا) وقد مرّ هذا أول هذا الباب (لم يقل الأشجعي) بهمزة مفتوحة فشين معجمة ساكنة فجيم مفتوحة فعين مهملة

5 - باب: {كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا} [مريم: 79]

مكسورة عبيد الله بن عبد الرحمن بتصغير عبد الأول في روايته (عن سفيان سيفًا) في قوله فعملت سيفًا (ولا موثقًا) تفسير عهدًا. 5 - باب: {كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} [مريم: 79] هذا (باب) بالتنوين في قوله ({كلاَّ}) ردع وزجر ({سنكتب ما يقول}) من طلبه ذلك وحكمه لنفسه ما تمناه وكفره ({ونمد له}) في الدار الآخرة ({من العذاب مدًّا}) [مريم: 79] على كفره وافترائه واستهزائه. 4734 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أَبَا الضُّحَى يُحَدِّثُ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ لِي دَيْنٌ عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ قَالَ: فَأَتَاهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: لاَ أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَكْفُرُ حَتَّى يُمِيتَكَ اللَّهُ ثُمَّ تُبْعَثَ قَالَ: فَذَرْنِي حَتَّى أَمُوتَ ثُمَّ أُبْعَثَ فَسَوْفَ أُوتَى مَالًا وَوَلَدًا فَأَقْضِيكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم: 78]. وبه قال: (حدّثنا بشر بن خالد) بموحدة مكسورة فمعجمة ساكنة أبو محمد الفرائضي العسكري قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر (عن شعبة) ولأبي ذر: حدّثنا شعبة بن الحجاج (عن سليمان) الأعمش أنه قال: (سمعت أبا الضحى) مسلم بن صبيح (يحدث عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن خباب) بالخاء المعجمة والموحدتين الأولى مشدّدة بينهما ألف ابن الأرتّ أنه (قال: كنت قيْنًا) جمعه قيون (في الجاهلية) بمكة (وكان لي دين) أجرة عمل سيف (على العاص بن وائل) السهمي وسمي بالعاص لأنه تقلد العصا بدلًا من السيف فيما قيل (قال فأتاه يتقاضاه فقال: لا أعطيك) ذلك (حتى تكفر بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) أي خباب (والله لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر: يبعثك (قال) العاص (فذرني) أي اتركني (حتى أموت ثم أبعث فسوف أوتى) بضم الهمزة وفتح الفوقية (مالًا وولدًا فأقضيك) حقك (فنزلت هذه الآية: ({أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالًا وولدًا}) بفتح الواو واللام وقرأه الأخوان بضم فسكون جمع ولد كأسد وأُسد. 6 - باب قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا} [مريم: 80] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: 90] هَدْمًا (قوله عز وجل: ({ونرثه}) ولأبي ذر: باب بالتنوين ونرثه ({ما يقول}) من مال وولد نسلبه منه عكس ما يقول ({ويأتينا}) يوم القيامة ({فردًا}) [مريم: 80]. لا يصحبه مال ولا ولد. (وقال ابن عباس): فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله: وتخر ({الجبال هدًّا}) [مريم: 90]. أي (هدمًا) استعظامًا لفريتهم وجراءتهم لأن دعوا للرحمن ولدًا تعالى الله. 4735 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا قَيْنًا وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ لِي: لاَ أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ قَالَ: قُلْتُ لَنْ أَكْفُرَ بِهِ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ قَالَ: وَإِنِّي لَمَبْعُوثٌ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ فَسَوْفَ أَقْضِيكَ إِذَا رَجَعْتُ إِلَى مَالٍ وَوَلَدٍ قَالَ فَنَزَلَتْ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا} [مريم: 78]. وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى البلخي الملقب بخت بخاء معجمة مفتوحة ففوقية مشدّدة قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح الكوفي (عن الأعمش) سليمان (عن أبي الضحى) مسلم (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن خباب) أنه (قال: كنت رجلًا قيْنًا وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال لي: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد. قال) خباب: (قلت) له (لن أكفر به) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى تموت ثم تبعث قال: وإني لمبعوث من بعد الموت؟) زاد في الحميدي قلت: نعم (فسوف) أي قال العاص إن بعثت بعد الموت فسوف (أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد) وفيه أنه غير مؤمن بالبعث (قال فنزلت: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا}) وحيدًا بغير شيء، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: فردًا لا يتبعه قليل ولا كثير، وسقط لأبي ذر من قوله: {أطلع الغيب} الخ .... [20]- طه (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَاكُ: بِالنَّبَطِيَّةِ طه يَا رَجُلُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَلْقَى: صَنَعَ، يُقَالُ كُلُّ مَا لَمْ يَنْطِقْ بِحَرْفٍ أَوْ فِيهِ تَمْتَمَةٌ أَوْ فَأْفَأَةٌ فَهْيَ عُقْدَةٌ. أَزْرِي: ظَهْرِي. فَيَسْحَتَكُمْ: يُهْلِكَكُمْ، الْمُثْلَى: تَأْنِيثُ الأَمْثَلِ يَقُولُ: بِدِينِكُمْ يُقَالُ خُذِ الْمُثْلَى: خُذِ الأَمْثَلَ. ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا يُقَالُ هَلْ أَتَيْتَ الصَّفَّ الْيَوْمَ يَعْنِي الْمُصَلَّى الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ. فَأَوْجَسَ: أَضْمَرَ خَوْفًا فَذَهَبَتِ الْوَاوُ مِنْ خِيفَةً لِكَسْرَةِ الْخَاءِ، فِي جُذُوعِ أَيْ عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ. خَطْبُكَ: بَالُكَ، مِسَاسَ: مَصْدَرُ مَاسَّهُ مِسَاسًا، لَنَنْسِفَنَّهُ: لَنَذْرِيَنَّهُ. قَاعًا: يَعْلُوهُ الْمَاءُ. وَالصَّفْصَفُ: الْمُسْتَوِي مِنَ الأَرْضِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَوْزَارًا: أَثْقَالًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ الْحُلِيُّ الَّذِي اسْتَعَارُوا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ. فَقَذَفْتُهَا: فَأَلْقَيْتُهَا: أَلْقَى: صَنَعَ. فَنَسِيَ مُوسَى، هُمْ يَقُولُونَهُ أَخْطَأَ الرَّبَّ. لاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا: الْعِجْلُ. هَمْسًا: حِسُّ الأَقْدَامِ، حَشَرْتَنِي أَعْمَى عَنْ حُجَّتِي وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا فِي الدُّنْيَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِقَبَسٍ ضَلُّوا الطَّرِيقَ وَكَانُوا شَاتَيْنَ فَقَالَ: إِنْ لَمْ أَجِدْ عَلَيْهَا مِنْ يَهْدِي الطَّرِيقَ آتِكُمْ بِنَارٍ تُوقِدُونَ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةٌ: أَعْدَلُهُمْ. هَضْمًا لاَ يُظْلَمُ فَيُهْضَمُ مِنْ حَسَنَاتِهِ، عِوَجًا: وَادِيًا، وَلاَ أَمْتًا: رَابِيَةً. سِيرَتَهَا: حَالَتَهَا الأُولَى. النُّهَى: التُّقَى. ضَنْكًا: الشَّقَاءُ، هَوَى: شَقِيَ. الْمُقَدَّسِ الْمُبَارَكِ طُوًى: اسْمُ الْوَادِي، بِمَلْكِنَا: بِأَمْرِنَا، مَكَانًا سِوًى، مَنْصَفٌ بَيْنَهُمْ يَبَسًا: يَابِسًا. عَلَى قَدَرٍ: مَوْعِدٍ، لاَ تَنِيَا: تَضْعُفَا، يَفْرُطَ: عُقُوبَةً. ([20] طه) مكية وهي مائة وأربع وثلاثون آية ولأبي ذر سورة طه. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر. (قال ابن جبير): سعيد مما وصله في الجعديات للبغوي ومصنف ابن أبي شيبة ولأبي ذر بدل ابن جبير عكرمة فيما وصله ابن أبي حاتم (والضحاك) بن مزاحم فيما وصله الطبري (بالنبطية طه) معناه (يا رجل) ولأبي ذر: أي طه يا رجل بسكون الهاء، والمراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال ابن الأنباري: ولغة قريش وافقت تلك اللغة في هذا لأن الله تعالى لم يخاطب نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلسان قريش، وعن الخليل من قرأ طه موقوفًا فهو يا رجل ومن قرأ طه بحرفين من الهجاء فقيل معناه اطمئن وقيل طأ الأرض والهاء كناية عنها، وقال ابن عطية: الضمير في طه للأرض وخففت الهمزة فصارت ألفًا ساكنة وقرأ الحسن طه بسكون الهاء من غير ألف بعد الطاء على أن الأصل طأ بالهمز أمر من وطئ يطأ ثم أبدلت الهمزة هاء كإبدالهم لها في هرقت ونحوه أو على إبدال الهمزة

ألفًا كأنه أخذه من وطئ يطأ بالبدل ثم حذف الألف حملًا للأمر على المجزوم وتناسيًا لأصل الهمز ثم ألحق هاء السكت وأجرى الوصل مجرى الوقف، وفي حديث أنس عند عبد بن حميد كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى فأنزل الله طه أي طأ الأرض. (وقال مجاهد): في قوله تعالى: {قالوا يا موسى إما أن تلقي} [طه: 65]. ({ألقى}) بفتح الهمزة والقاف أي (صنع) وسقط هذا لغير أبي ذر. (وقوله تعالى: {واحلل عقدة من لساني} [طه: 27]. يقال: كل ما لم ينطق بحرف أو فيه تمتمة أو فأفأة فهي عقدة) وهذا ساقط لأبي ذر وإنما سأل موسى ذلك لأنه وإنما يحسن التبليغ من البليغ وقد كان في لسانه رتة وسببها كما روي أن فرعون حمله يومًا فأخذ لحيته ونتفها فغضب وأمر بقتله فقالت آسية: إنه صبي لا يفرق بين الجمر والياقوت فأحضرا بين يديه فأخذ الجمرة فوضعها في فيه، قوله من لساني متعلق بمحذوف على أنه صفة لعقدة أي من عقد لساني فلم يسأل حل عقدة لسانه مطلقًا بل عقدة تمنع الإفهام ولذلك نكرها وجعل يفقهوا جواب الأمر، ولو سأل الجميع لزال ولكن الأنبياء عليهم السلام لا يسألون إلا بحسب الحاجة. قال الحسن: واحلل عقدة من لساني قال احلل عقدة واحدة ولو سأل أكثر من ذلك أعطي. ({أزري}) في قوله: ({واجعل لي وزيرًا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري} [طه: 29 - 31]. أي (ظهري) وجماعته أُزر ويراد به القوّة يقال أزرت فلانًا على الأمر أي قويته. ({فيسحتكم}) أي [طه: 63]. (يهللكم) بعذاب ويستأصلكم به. ({المثلى}) في قوله تعالى: {ويذهبا بطريقتكم المثلى} [طه: 63]- (تأنيث الأمثل) وهذا ساقط لأبي ذر (يقول) إن غلب هذان يخرجاكم من أرضكم ويذهبا (بدينكم) أي الذي أنتم عليه وهو السحر وقد كانوا معظمين بسبب ذلك ولهم أموال وأرزاق عليه (يقال: خذ المثلى) أي (خذ الأمثل) وهو الأفضل. ({ثم ائتوا صفًّا} يقال هل أتيت الصف اليوم؟ يعني المصلى الذي يصلى فيه) بفتح لام المصلى ويصلى قاله أبو عبيدة والزجاج، والمعنى أنهم تواعدوا على الحضور إلى الموضع الذي كانوا يجتمعون فيه لعبادتهم في عيدهم وقيل ائتوا مصطفين لأنه أهيب في صدور الرائين فهو حال من فاعل ائتوا أي ذوي صف فهو مصدر في الأصل قيل وكانوا سبعين ألفًا مع كل منهم حبل وعصا وأقبلوا عليه إقبالة واحدة وقوله: ثم ائتوا صفًّا إلى آخره ساقط لأبي ذر. ({فأوجس}) أي (أضمر) ولأبي ذر فأوجس في نفسه (خوفًا فذهبت الواو من {خيفة} لكسرة الخاء) قال ابن عطية خيفة يصح أن يكون أصله خوفة قلبت الواو ياء للتناسب ويحتمل أن يكون خوفة بفتح الخاء قلبت الواو ياء ثم كسرت الخاء للتناسب والخوف كان على قومه أن يدخلهم شك فلا يتبعوه. ({في جذوع} أي على جذوع النخل) وضع حرفًا موضع آخر ومن تعدي صلب بفي قوله: وقد صلبوا العبديّ في جذع نخلة ... فلا عطشت شيبان إلا بأجدعا وهو مذهب كوفي وقال البصريون ليست في بمعنى على ولكن شبه تمكنهم تمكن من حواه الجذع واشتمل عليه بتمكن الشيء الموعى في وعائه ولذا قيل في جذوع وهذا على طريق المجاز أي استعمال في موضع على وهو أول من صلب وسقط قوله النخل لغير أبي ذر. ({خطبك}) في قوله تعالى: {قال فما خطبك} أي ما (بالك) وما الذي حملك على ما صنعت يا سامري. ({مساس}) في قوله: {أن تقول لا مساس} (مصدر ماسه مساسًّا) أي مصدر لفاعل كالقتال من قاتل والمعنى أن السامري عوقب على ما فعل من إضلاله بني إسرائيل باتخاذه العجل والدعاء إلى عبادته في الدنيا بالنفي وبأن لا يمس أحدًا ولا يمسه أحد فإن مسه أحد أصابتهما الحمى معًا لوقتهما وسقط قوله مساس الخ لأبي ذر. ({لننسفنه}) أي (لنذرينه) رمادًا بعد التحريق بالنار كما قال قبل لنحرّقنه. ({قاعًا}) في قوله: {فيذرها قاعًا} (يعلوه الماء) قال في الدر وفي القاع أقوال قيل هو منتقع الماء ولا يليق معناه هنا أو هو الأرض التي لا نبات فيها ولا بناء أو المكان المستوي وجمع القاع أقوع وأقواع وقيعان. (والصفصف)

هو (المستوي من الأرض) وسقطت هذه لأبي ذر. (وقال مجاهد) في قوله تعالى: {ولكنا حملنا} ({أوزارًا}) [طه: 87] أي (أثقالًا) كذا لأبوي ذر والوقت ولأبي ذر وحده أيضًا أوزارًا وهي الأثقال ({من زينة القوم}) أي (الحلي الذي) ولأبي ذر وهي الحلي التي (استعاروا من آل فرعون) وهذا وصله الفريابي وعند الحاكم من حديث علي قال عمد السامري إلى ما قدر عليه من الحلي فضربه عجلًا ثم ألقى القبضة في جوفه فإذا هو عجل له خوار وعند النسائي أنه لما أخذ القبضة من أثر الرسول أي من تربة موطئ فرس الحياة التي كان راكبها جبريل لما جاء في غرق فرعون فأمر بهارون فقال له ألا تلقي ما في يدك فقال لا ألقيها حتى تدعوا الله أن تكون ما أريد فدعا له فألقاها وقال أريد أن تكون عجلًا له جوف يخور (فقذفتها) أي (فألقيتها) في النار وفي نسخة (فقذفناها) فألقيناها والضمير لحلي القبط التي كانوا استعاروها منهم حين هموا بالخروج من مصر وقيل هي ما ألقاه البحر على الساحل بعد إغراقهم فأخذوه. ({ألقي}) من قوله: {فكذلك ألقى السامري} [طه: 87] أي (صنع) مثلهم من إلقاء ما كان معه من الحلي. ({فنسي}) أي (موسى هم) أي السامري وأتباعه (يقولونه) أي (أخطأ) موسى (الرب) الذي هو العجل أن يطلبه ها هنا وذهب يطلبه عند الطور أو الضمير في نسي يعود على السامري فيكون من كلام الله أي فنسي السامري أي ترك ما كان عليه من إظهار الإيمان وفي آل ملك وغيره الرب بالرفع وسقط من قوله فنسي إلى هنا لأبي ذر. ({لا يرجع}) في قوله تعالى: {أفلا يرون أن لا يرجع} ({إليهم قولًا}) [طه: 89] أي (العجل) أي أنه لا يرجع إليهم كلامًا ولا يرد عليهم جوابًا وسقطت لا من قوله لا يرجع لأبي ذر. (همسًا) في قوله: {وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسًا} [طه: 108] هو (حس الأقدام) أي وقعها على الأرض ومنه همست الإبل إذا سمع ذلك من وقع أخفافها على الأرض قال فهن يمشين بنا هميسًا وفسر هنا بخفق أقدامهم ونقلها إلى المحشر وقيل هو تحريك الشفتين من غير نطق والاستثناء مفرغ. ({حشرتني أعمى}) قال مجاهد فيما وصله الفريابي أي (عن حجتي) وهو نصب على الحال ({وقد كنت بصيرًا}) [طه: 125] أي (في الدنيا) بحجتي يريد أنه كانت له حجة بزعمه في الدنيا فلما كوشف بأمر الآخرة بطلت ولم يهتد إلى حجة حق. (قال ابن عباس) في قوله تعالى ({بقبس} ضلوا}) أي موسى وأهله (الطريق) في سيرهم لمصر (وكانوا شاتين) في ليلة مظلمة مثلجة ونزلوا منزلًا بين شعاب وجبال وولد له ابن وتفرقت ماشيته وجعل يقدح بزند معه ليوري فجعل لا يخرج منه شرر فرأى من جانب الطور نارًا (فقال) لأهله امكثوا إني أبصرت نارًا (إن لم أجد عليها من يهدي الطريق آتكم بنار توقدون) وفي نسخة لأبي ذر تدفؤون بفتح الفوقية والفاء بدل توقدون وقوله في الآية ({لعلكم تصطلون}) يدل على البرد وبقبس على وجود الظلام ({أو أجد على النار هدى}) على أنه قد تاه عن الطريق، وقول ابن عباس هذا ثابت هنا على هامش الفرع كأصله مخرج له بعد قوله في الدنيا في رواية أبي ذر. (وقال ابن عيينة) سفيان مما هو في تفسيره في قوله (أمثلهم طريقة) أي (أعدلهم) أي رأيًا أو عملًا وسقط لغير أبي ذر طريقة. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة في قوله تعالى: {فلا يخاف ظلمًا ولا} ({هضمًا}) أي (لا يظلم فيهضم من حسناته) ولفظ ابن أبي حاتم لا يخاف ابن آدم يوم القيامة أن يظلم فيزداد في سيئاته ولا يهضم فينقص من حسناته ({عوجًا}) أي (واديًا {ولا أمتًا}) أي (رابية) قاله ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم وسقط لغير أبي ذر لفظ ولا من قوله ولا أمتًا. ({سيرتها}) في قوله تعالى: {سنعيدها سيرتها الأولى} أي (حالتها) وهيئتها (الأولى) وهي فعلة من السير تجوّز بها للطريقة وانتصابها على نزل الخافض. ({النهي}) في قوله تعالى: {إن في ذلك لآيات لأولي النهي} [طه: 128] أي (التقى) وقال في الأنوار لذوي العقول الناهية عن اتباع الباطل وارتكاب القبائح جمع نهية. ({ضنكًا})

1 - باب قوله: {واصطنعتك لنفسي} [طه: 41]

في قوله تعالى: {فإن له معيشة ضنكًا} [طه: 124] (الشقاء) قاله ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه وصحح ابن حبان من حديث أبي هريرة مرفوعًا ({معيشة ضنكًا}) قال عذاب القبر وقال في الأنوار ضنكًا ضيقًا مصدر وصف به ولذلك يستوي فيه المذكر والمؤنث. ({هوى}) في قوله: ({ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى} [طه: 81] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم أي (شقى) وقال القاضي فقد تردّى وهلك وقيل وقع في الهاوية والأول شامل لها. ({بالوادي المقدّس}) أي (المبارك) ولغير أبي ذر المقدس المبارك مع إسقاط بالوادي ({طوى}) [طه: 12] بالتنوين وبه قرأ ابن عامر والكوفيون (اسم الوادي) ولأبي ذر واد وهو بدل من الوادي أو عطف بيان له أو مرفوع على إضمار مبتدأ أو منصوب بإضمار أعني. ({بملكنا}) بكسر الميم في قوله تعالى: {قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا} [طه: 87] وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير وابن عامر أي (بأمرنا) وعاصم ونافع بفتحها وحمزة والكسائي بضمها وثلاثتها في الأصل لغات في مصدر ملكت الشيء. (مكانًا سوى) في قوله: {لا نخلفه نحن ولا أنت مكانًا سوى} [طه: 58] معناه (منصف) تستوي مسافته (بينهم) قال في الأنوار وانتصاب مكانًا بفعل دل عليه المصدر لا به فإنه موصوف وسقط لأبي ذر قوله بملكنا الخ. (يبسا) في قوله: {فاضرب لهم طريقًا في البحر يبسًا} [طه: 77] أي (يابسًا) صفة لطريقًا وصف به لما يؤول إليه لأنه لم يكن يبسًا بعد إنما مرت عليه الصبا فجففته كما ذكر وقيل هو في الأصل مصدر وصف به مبالغة أو على حذف مضاف أو جمع يابس كخادم وخدم وصف به الواحد مبالغة. ({على قدر}) في قوله: ({ثم جئت على قدر يا موسى} [طه: 40] أي (موعد) قدرته لأن أكلمك وأستنبئك غير مستقدم ولا مستأخر قال أبو البقاء وهو متعلق بمحذوف على أنه حال من فاعل جئت أي جئت موافقًا لما قدر لك قال في الدر وهو تفسير معنى والتفسير الصناعي ثم جئت مستقرًّا أو كائنًا على مقدار معين كقوله: نال الخلافة أو جاءت على قدر ... كما أتى ربه موسى على قدر ({لا تنيا}) في قوله تعالى: {ولا تنيا في ذكري} [طه: 42] أي (لا تضعفا) قاله قتادة فيما وصله عبد بن حميد وقال غيره لا تفترا يقال: ونى يني ونيًا كوعد يعد وعدًا إذا فتر. ({يفرط}) في قوله تعالى: {إنا نخاف أن يفرط علينا} [طه: 45] قال أبو عبيدة (عقوبة) أي يتقدم بالعقوبة ولا يصبر إلى تمام الدعوة وإظهار المعجزة وسقط يفرط عقوبة لغير أبي ذر. 1 - باب قَوْلِهِ: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: 41] هذا (باب) بالتنوين (قوله) تعالى ثبت لفظ باب لأبي ذر وسقط له قوله: ({واصطنعتك لنفسي}) [طه: 41] افتعال من الصنع فأبدلت التاء طاء لأجل حرف الاستعلاء أي اصطفيتك لمحبتي وهذا مجاز عن قرب منزلته ودنوه من ربه لأن أحدًا لا يصطنع إلا من يختاره. 4736 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْتَقَى آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى لآدَمَ: أَنْتَ الَّذِي أَشْقَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ قَالَ لَهُ آدَمُ: أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَاصْطَفَاكَ لِنَفْسِهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ التَّوْرَاةَ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَوَجَدْتَهَا كُتِبَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي؟ قَالَ: نَعَمْ. فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى». الْيَمُّ: الْبَحْرُ. وبه قال: (حدّثنا الصلت بن محمد) بفتح الصاد المهملة وسكون اللام آخره فوقية الخاركي بالخاء المعجمة والراء والكاف قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني: بالإفراد (مهدي بن ميمون) الأزدي المعولي بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو البصري قال: (حدّثنا محمد بن سيرين) الأنصاري البصري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) أنه (قال): (التقى آدم وموسى) بأشخاصهما أو بأرواحهما أو يوم القيامة أو في حياة موسى الدنيوية أراه الله آدم فالتقيا أو بعد وفاته (فقال) ولأبي ذر قال (موسى لآدم: أنت الذي) وفي أحاديث الأنبياء من طريق حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أنت آدم الذي (أشقيت الناس) من الشقاوة (وأخرجتهم من الجنة) أي بتناولك من الشجرة (قال له آدم: أنت الذي) ولأبي ذر قال آدم أنت موسى الذي (اصطفاك الله برسالته) أي جعلك خالصًا صافيًا عن شائبة ما لا يليق بك (واصطفاك لنفسه) وهذا موضع الترجمة (وأنزل عليك التوراة) فيها تبيان كل شيء من الأخبار بالغيوب والقصص وغير ذلك من قوله وكتبنا له في الألواح من كل شيء (قال نعم. قال: فوجدتها) أي الخطيئة (كتب عليّ)

2 - باب {وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى * فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم * وأضل فرعون قومه وما هدى} [طه: 77 - 79]

وللكشميهني كتبت بزيادة تاء التأنيث وللحموي والمستملي فوجدته أي الذنب كتب عليّ في التوراة (قبل أن يخلقني)؟ أو الضمير في فوجدتها بالتأنيث يرجع إلى التوراة باعتبار اللفظ وبالتذكير باعتبار المعنى أي الكتاب وعند ابن أبي حاتم من طريق يزيد بن هرمز عن أبي هريرة قال: آدم فهل وجدت فيها يعني في التوراة {وعصى آدم ربه فغوى} (قال نعم فحج آدم موسى) برفع آدم على الفاعلية أي غلبه بالحجة ويأتي مزيد لذلك قريبًا. وهذا الحديث من إفراده من هذا الوجه. ({أليمٌ}) في قوله تعالى: {فاقذفيه في الميم} [طه: 39] هو (البحر) أي إطرحيه فيه. 2 - باب {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لاَ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه: 77 - 79] ({وأوحينا}) ولأبي ذر باب بالتنوين ولقد أوحينا ({موسى أن أسر بعبادي}) أي أسر بهم في الليل من أرض مصر ({فاضرب لهم طريقًا في البحر}) طريقًا نصب مفعول به وذلك على سبيل المجاز وهو أن الطريق متسبب عن ضرب البحر إذ المعنى اضرب البحر لينفلق لهم فيصير طريقًا فبذا صح نسبة الضرب إلى الطريق أو المعنى اجعل لهم طريقًا وقيل هو نصب على الظرف قال أبو البقاء أي موضع طريق فهو مفعول فيه ({يبسًا}) ليس فيه ماء ولا طين ({لا تخاف دركًا}) أي يدركك فرعون من ورائك ({ولا تخشى}) أن يغرقك البحر أمامك ({فأتبعهم فرعون بجنوده}) أي فأتبعهم فرعون نفسه ومعه جنوده فحذف المفعول الثاني والباء للتعدية أو زائدة في المفعول الثاني أي فأتبعهم فرعون وجنوده ({فغشيهم من اليم ما غشيهم}) هو من باب الاختصار وجوامع الكلم التي يقل لفظها ويكثر معناها أي فغشيهم ما لا يعلم كنهه إلا الله ولا ضمير في غشيهم لجنوده أوله ولهم والفاعل هو الله تعالى أو ما غشيهم أو فرعون لأنه الذي ورطهم للهلاك ({وأضل فرعون قومه}) في الدين ({وما هدى}) [طه: 77 - 79] وهو تكذيب له في قوله وما أهديكم إلا سبيل الرشاد وأضلهم في البحر وما نجا، وسقط قوله لا تخاف الخ ولأبي ذر وقال بعد قوله يبسًا إلى قوله وما هدى. 4737 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَالْيَهُودُ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصُومُوهُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (يعقوب بن إبراهيم) الدورقي قال: (حدّثنا روح) بفتح الراء وسكون الراء وسكون الواو آخره مهملة ابن عبادة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا أبو بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة واليهود تصوم عاشوراء) قال الطيبي: هو من باب الصفة التي لم يرد لها فعل والتقدير يوم مدته عاشوراء أو صورته عاشوراء، قيل: وليس في كلامهم فاعولاء غيره وقد يلحق به تاسوعاء، وذهب بعضهم إلى أنه أخذ من العشر الذي هو من إظماء الإبل ولهذا زعموا أنه اليوم التاسع وسبق تقرير ذلك في الصوم فليراجع ولأبي ذر تصوم يوم عاشوراء (فسألهم) ما هذا الصوم وكان هذا في السنة الثانية من قدومه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالوا): أي اليهود (هذا اليوم الذي ظهر فيه موسى) عليه السلام (على فرعون) أي غلب عليه وفي الصوم من طريق أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه قالوا: هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوّهم (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): وسقط لأبي ذر قوله النبي الخ لأبي ذر: (نحن أولى بموسى منهم) بضمير الغيبة (فصوموه) وفي الصوم فصامه وأمر بصيامه. 3 - باب قَوْلِهِ: {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه: 117] (باب قوله) تعالى: ({فلا يخرجنكما) فلا يكونن سببًا لإخراجكما ({من الجنة فتشقى}) [طه: 117] أسند إلى آدم الشقاء وحده دون حواء بعد اشتراكهما في الخروج لأن في ضمن شقاء الرجل وهو قيم أهله شقاءهم فاختصر الكلام بإسناده إليه دونها أو لأن المراد بالشقاء التعب في طلب المعاش الذي هو وظيفة الرجال وسقط باب قوله لغير أبي ذر. 4738 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ النَّجَّارِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «حَاجَّ مُوسَى آدَمَ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي أَخْرَجْتَ النَّاسَ مِنَ الْجَنَّةِ بِذَنْبِكَ فَأَشْقَيْتَهُمْ قَالَ: قَالَ آدَمُ يَا مُوسَى أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي أَوْ قَدَّرَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني وسقط لغير أبي ذر ابن سعيد قال: (حدّثنا أيوب بن النجار) بالنون والجيم المشددة وبعد الألف راء الحنفي اليمامي كان يقال إنه من الإبدال (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الطائي مولاهم (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)

[21]- سورة الأنبياء

أنه (قال): (حاج موسى آدم) بالنصب على المفعولية (فقال) موسى (له أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك) وهو الأكل من الشجرة التي نهي عنها (فأشقيتهم) بكدّ الدنيا وتعبها والجملة مبنية لمعنى حاج موسى آدم (قال: قال آدم) مجيبًا له (يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته) بالجمع باعتبار الأنواع وبالإفراد فقط في اليونينية (بكلامه) على الناس الموجودين في زمانك وفي الرواية السابقة تريب وأنزل عليك التوراة (أتلومني) بهمزة الإنكار ولمسلم أفتلومني بفاء بعد الهمزة وفيه حذف ما تقتضيه الهمزة وفاء العطف من الفعل أي أتجد في التوراة هذا النص الجلي وأنه ثابت قبل كوني وقد حكم بأن ذلك كائن لا محالة فكيف تغفل عن العلم السابق وتذكر الكسب الذي هو السبب وتنسى الأصل الذي هو القدر وأنت ممن اصطفاك الله من المصطفين الأخيار الذين يشاهدون سر الله من وراء الأستار فتلومني (على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلقني أو قدره عليّ) بأن كتبه في اللوح المحفوظ أو صحف التوراة وألواحها (قبل أن يخلقني) زاد مسلم بأربعين سنة والشك من الراوي (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فحج آدم موسى) برفع آدم على الفاعلية أي غلب عليه بالحجة بأن ما صدر منه لم يكن مستقلًا به متمكنًا من تركه بل كان أمرًا مقضيًا وقيل إنما احتج في خروجه من الجنة بأن الله خلقه ليجعله خليفة في الأرض ولم ينف عن نفسه الأكل من الشجرة التي نهي عنها، وقيل: إنما احتج بأن التائب لا يلام بعد توبته على ما كان منه. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [21]- سورة الأَنْبِيَاءِ ([21]- (سورة الأَنْبِيَاءِ) مكية وهي مائة واثنتا عشر آية. (بسم الله الرحمن الرحيم). سقطت البسملة لغير أبي ذر. 4739 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ وَمَرْيَمُ، وَطَهَ، وَالأَنْبِيَاءُ هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ وَهُنَّ مِنْ تِلاَدِي. وَقَالَ قَتَادَةُ جُذَاذًا: قَطَّعَهُنَّ. وَقَالَ الْحَسَنُ فِي فَلَكٍ: مِثْلِ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ، يَسْبَحُونَ: يَدُورُونَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَفَشَتْ: رَعَتْ يُصْحَبُونَ: يُمْنَعُونَ. أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً قَالَ: دِينُكُمْ دِينٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: حَصَبُ: حَطَبُ بِالْحَبَشِيَّةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ أَحَسُّوا: تَوَقَّعُوهُ مِنْ أَحْسَسْتُ. خَامِدِينَ: هَامِدِينَ، حَصِيدٌ مُسْتَأْصَلٌ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالاِثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ، لاَ يَسْتَحْسِرُونَ: لاَ يُعْيُونَ وَمِنْهُ حَسِيرٌ وَحَسَرْتُ بَعِيرِي، عَمِيقٌ: بَعِيدٌ. نُكِسُوا: رُدُّوا، صَنْعَةَ لَبُوسٍ: الدُّرُوعُ. تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ: اخْتَلَفُوا، الْحَسِيسُ: وَالْحِسُّ وَالْجَرْسُ وَالْهَمْسُ وَاحِدٌ وَهْوَ مِنَ الصَّوْتِ الْخَفِيِّ. آذَنَّاكَ: أَعْلَمْنَاكَ، آذَنْتُكُمْ إِذَا أَعْلَمْتَهُ فَأَنْتَ وَهْوَ عَلَى سَوَاءٍ لَمْ تَغْدِرْ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ: تُفْهَمُونَ. ارْتَضَى: رَضِيَ. التَّمَاثِيلُ: الأَصْنَامُ، السِّجِلُّ: الصَّحِيفَةُ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن بشار) بالموحدة المفتوحة والمعجمة المشددة بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه (قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد) النخعي الكوفي (عن عبد الله) يعني ابن مسعود -رضي الله عنه- (قال بني إسرائيل) فيه حذف المضاف وابقاء المضاف إليه على حاله أي سورة إسرائيل (والكهف) بالرفع أي والثاني الكهف فهو خبر مبتدأ محذوف (ومريم وطه والأنبياء) رفع كالأول (هن) الأربعة (من العتاق الأول) بكسر العين المهملة وتخفيف الفوقية جمع عتيق وهو ما بلغ الغاية في الجودة والأول بضم الهمزة وفتح الواو المخففة والأولية باعتبار النزول لأنهن نزلن بمكة (وهن من تلادي) بكسر الفوقية وتخفيف اللام وكسر الدال المهملة أي مما حفظته قديمًا من القرآن ضد الطارف وإنما كانت الأنبياء بهذا الوصف لتضمنها أخبار جلة الأنبياء وغير ذلك. وقد سبق هذا الحديث أول سورة بني إسرائيل. (وقال قتادة): فيما وصله الطبري من طريق سعيد عنه في تفسير قوله تعالى: {فجعلهم} ({جذاذًا}) بضم الجيم (قطعهن) وعبّر بقوله جعلهم وهو ضمير العقلاء معاملة للأصنام معاملة العقلاء حيث أعتقدوا فيها ذلك وقرأ الكسائي بكسر الجيم لغتان بمعنى. (وقال الحسن) البصري في قوله تعالى: ({في فلك}) أي في (مثل فلكة المغزل) بكسر الميم وفتح الزاي وهذا وصله ابن عيينة وقال الفلك مدار النجوم والفلك في كلام العرب كل مستدير وجمعه أفلاك ومنه فلكة المغزل، وقال آخر: الفلك ماء مجموع تجري فيه الكواكب واحتج بأن السباحة لا تكون إلا في الماء وأجيب: بأنه يقال في الفرس الذي يمد يديه في الجري سابح فلا دليل فيما احتج به. ({يسبحون}) قال ابن عباس: (يدورون) كما يدور المغزل في الفلكة، ولذا قال مجاهد فلا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا الفلكة إلا بالمغزل كذلك النجوم والقمران لا يدرن إلا به ولا يدور إلا بهن. (قال ابن عباس):

مما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: إذ ({نقشت}) أي (رعت) ({فيه غنم القوم}) وزاد أبو ذر ليلًا ({يصحبون}) في قوله: {ولا هم منا يصحبون} أي (يمنعون) قاله ابن عباس فيما وصله ابن المنذر، وقال مجاهد: ينصرون. (أمتكم أمة واحدة قال): أي ابن عباس أي (دينكم دين واحد) وأصل الأمة الجماعة التي هي على مقصد واحد فجعلت الشريعة أمة لاجتماع أهلها على مقصد واحد. (وقال عكرمة) في قوله ({حصب}) أي (حطب) بالطاء بدل الصاد (بالحبشية) وقيل باليمانية وهي قراءة أبي وعائشة والظاهر أنها تفسير لا تلاوة والحصب بالصاد ما يرمى به في النار ولا يقال له حطب إلا وهو في النار فأما قبل ذلك فحطب وشجر وهذه ساقطة لأبي ذر. (وقال غيره): غير عكرمة ({أحسوا}) في قوله تعالى: {فلما أحسوا بأسنا} [الأنبياء: 12] أي (توقعوه) ولأبي ذر توقعوا بحذف الضمير مشتق (من أحسست) من الإحساس وقال في الأنوار فلما أدركوا شدة عذابنا إدراك المشاهد المحسوس ({خامدين}) أي (هامدين) قاله أبو عبيدة. ({حصيدًا}) ولأبي ذر والحصيد أي في قوله تعالى: {حتى جعلناهم حصيدًا خامدين} [الأنبياء: 15] معناه (مستأصل) كالنبت المحصول شبههم في استئصالهم به كما تقول جعلناهم رمادًا أي مثل الرماد ولفظه (يقع على الواحد والاثنين والجميع) وهو مفعول ثان لأن الجعل هنا تصيير. فإن قلت: كيف ينصب جعل ثلاثة مفاعيل؟ أجيب: بأن حصيدًا وخامدين يجوز أن يكونا من باب هذا حلو حامض كأنه قيل جعلناهم جامعين بين الوصفين جميعًا والمعنى أنهم هلكوا بذلك العذاب حتى لم يبق حس ولا حركة وجفوا كما يجف الحصيد وخمدوا كما تخمد النار. ({لا يستحسرون}) قال أبو عبيدة (لا يعيون) في الفرع وأصله بضم أوله مصححًا عليه وثالثه وكلاهما مصلح على كشط من أعيا وفي نسخة عن أبي ذر يعيون بفتحهما ورده ابن التين والسفاقسي وصوّب الضم وأجاب العيني بأن الصواب الفتح لأن معناه لا يعجزون وقيل لا ينقطعون (ومنه حسير وحسرت بعيري) أي أعييته. وقوله: ({عميق}) في سورة الحج أي (بعيد) ويحتمل أن يكون ذكره هنا سهوًا من ناسخ أو غيره. ({نكسوا}) بتشديد الكاف مبنيًّا للمفعول وهي قراءة أبي حيوة وغيره لغة في المخففة في قوله: {ثم نكسوا على رؤوسهم} [الأنبياء: 65] أي (ردّوا) بضم الراء إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم أو قلبوا على رؤوسهم حقيقة بفرط إطراقهم خجلًا وانكسارًا وانخزالًا مما بهتهم إبراهيم عليه السلام فما أحاروا جوابًا إلا ما حجة لإبراهيم حين جادلهم فقالوا لقد علمت ما هؤلاء ينطقون فأقروا بهذه الحجة التي لحقتهم. ({صنعة لبوس}) هي (الدروع) لأنها تلبس وهو بمعنى الملبوس كالحلوب والركوب. (تقطعوا أمرهم) أي (اختلفوا) أي في الدين فصاروا فرقًا أحزابًا والأصل وتقطعتم إلا أنه صرف إلى الغيبة على طريق الالتفات كأنه ينعى عليهم ما أفسدوه إلى آخرين ويقبح عندهم فعلهم ويقول لهم: ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين الله والمعنى اختلفوا في الذين فصاروا فرقًا وأحزابًا قاله في الكشاف. (الحسيس والحس) في قوله: {لا يسمعون حسيسها} [الأنبياء: 102] (والجرس) بفتح الجيم وسكون الراء (والهمس) بفتح الهاء وسكون الميم (واحد) في المعنى (وهو من الصوت الخفي) بالرفع خبر المبتدأ الذي هو قوله وهو معنى الآية: لا يسمعون صوتها وحركة تلهبها إذا نزلوا منازلهم في الجنة. ({آذناك}) {ما منا من شهيد} [فصلت: 47] بفصلت معناه (أعلمناك) وذكره مناسبة لقوله: فإن تولوا فقل: ({آذنتكم}) قال أبو عبيدة: (إذا) أنذرت عدوّك و (أعلمته) بالحرب (فأنت وهو على سواء لم تغدر) ومعنى الآية أعلمتكم بالحرب وأنه لا صلح بيننا على سواء لتتأهبوا لما يراد بكم فلا غدر ولا خداع (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله: ({لعلكم تسألون}) أي (تفهمون) بضم الفوقية وسكون الفاء وفتح الهاء مخففة وفي نسخة تفهمون بفتح فسكون ففتح مخففًا، ولابن المنذر من وجه آخر تفقهون، وقال بعضهم: أي ارجعوا إلى نعمتكم ومساكنكم لعلكم تسئلون عما جرى

1 - باب: {كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا} [الأنبياء: 104]

عليكم ونزل بأموالكم ومساكنكم فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة. ({ارتضى}) في قوله: ({ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28] أي (رضي) أن يشفع له مهابة منه وسقطت هذه لأبي ذر. ({التماثيل}) هي (الأصنام) والتمثال اسم للشيء الموضوع مشبهًا بخلق من خلق الله. ({السجل}) في قوله: {كطي السجل} [الأنبياء: 104] هو (الصحيفة) مطلقًا أو مخصوص بصحيفة العهد وطيّ مصدر مضاف للمفعول والفاعل محذوف تقديره كما يطوي الرجل الصحيفة ليكتب فيها. 1 - باب: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا} [الأنبياء: 104] هذا (باب) بالتنوين في قوله: ({كما بدأنا أول خلق نعيده}) الكاف تتعلق بنعيد وما مصدرية وبدأنا صلتها وأول خلق مفعول بدأنا قاله أبو البقاء أي نعيد أول خلق إعادة مثل بداءتنا له أي كلما أبرزناه من العدم إلى الوجود نعيده من العدم إلى الوجود وقد اختلف في كيفية الإعادة فقيل إن الله يفرّق أجزاء الأجسام ولا يعدمها ثم يعيد تركيبها أو يعدمها بالكلية ثم يوجدها بعينها والآية تدل على ذلك لأنه شبه الإعادة باللابتداء وهو عن الوجود بعد العدم ({وعدًا علينا}) [الأنبياء: 104] الإعادة وقيل المراد حقًّا علينا بسبب الإخبار عن ذلك وتعلق العلم بوقوعه وإن وقوع ما علم الله وقوعه واجب وسقط باب لغير أبي ذر وكذا وعدًا علينا. 4740 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ شَيْخٍ مِنَ النَّخَعِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: خَطَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] ثُمَّ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، أَلاَ إِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي فَيُقَالُ: لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ؟ فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ} إِلَى قَوْلِهِ: {شَهِيدٌ} [المائدة: 117] فَيُقَالُ إِنَّ هَؤُلاَءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن المغيرة بن النعمان) بضم النون وسكون العين النخعي الكوفي (شيخ) بالجر بدلًا من سابقه (من النخع) بفتح الخاء (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: خطب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (إنكم محشورون) مجموعون (إلى الله حفاة) بالحاء المهملة كذا في الفرع وأصله وسقطت في بعض النسخ (عراة) من الثياب (غرلًا) بغين معجمة مضمومة فراء ساكنة جمع أغرل وهو الأقلف الذي لم يختن، قال أبو الوفاء بن عقيل: لما أزالوا تلك القطعة في الدنيا أعادها الله ليذيقها من حلاوة فضله ({كما بدأنا أول خلق نعيده وعدًا علينا إنا كنا فاعلين} ثم إن أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم) وسقط لفظ إن لغير الكشميهني فالتالي رفع قيل وخصوصية إبراهيم بهذه الأولية لكونه ألقي في النار عريانًا وزاد الحليمي في منهاجه من حديث جابر ثم محمد ثم النبيون (ألا) بالتخفيف (إنه) أي لكن إن الشأن (يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال) أي جهة النار (فأقول بل رب أصحابي فيقال لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح) عيسى عليه الصلاة والسلام: ({وكنت عليهم شهيدًا ما دمت}) ولأبي ذر فيهم ({إلى قوله: شهيد} فيقال ان هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم) ولأبي ذر عن المستملي إلى أعقابهم (منذ فارقتهم) والمراد بمرتدين التخلف عن الحقوق الواجبة. وقد مرّ هذا الحديث في آخر سورة المائدة. [22]- سورة الْحَجِّ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ الْمُخْبِتِينَ: الْمُطْمَئِنِّينَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي {إِذَا تَمَنَّى أَلقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} إِذَا حَدَّثَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي حَدِيثِهِ فَيُبْطِلُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ وَيُحْكِمُ آيَاتِهِ. وَيُقَالُ: أُمْنِيَّتُهُ: قِرَاءَتُهُ، إِلاَّ أَمَانِيَّ يَقْرَءُونَ وَلاَ يَكْتُبُونَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَشِيدٌ بِالْقَصَّةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَقَالَ غَيْرُهُ: يَسْطُونَ: يَفْرُطُونَ مِنَ السَّطْوَةِ، وَيُقَالُ يَسْطُونَ يَبْطُشُونَ. {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} أُلْهِمُوا. {وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الحَمِيدِ} الإِسْلاَمِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِسَبَبٍ بِحَبْلٍ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ: تَذْهَلُ تُشْغَلُ. ([22] سورة الحج) مكية إلا {هذان خصمان} إلى تمام ثلاث آيات أو أربع إلى قوله: {عذاب الحريق} وهي ثمان وسبعون آية. (بسم الله الرحمن الرحيم) ثبتت البسملة لأبي ذر. (وقال ابن عيينة) سفيان فيما أسنده في تفسيره عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ({المخبتين}) في قوله تعالى: {وبشّر المخبتين} [الحج: 34]. أي (المطمئنين) إلى الله. وقال ابن عباس المتواضعين الخاشعين، وقال الكلبي: هم الرقيقة قلوبهم، وقال عمرو بن أوس هم الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا. (وقال ابن عباس): فيما وصله الطبري (في) قوله تعالى: ({إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته}) [الحج: 52]. أي (إذا حدث) أي إذا تلا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا من الآيات المنزلة عليه من الله (ألقى الشيطان في حديثه) في تلاوته عند سكتة من السكتات بمثل نغمة ذلك النبي ما يوافق رأي أهل الشرك من الباطل فيسمعونه فيتوهمون أنه مما تلاه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو منزه عنه لا يخلط حقًّا بباطل حاشاه الله من ذلك (فيبطل الله ما يلقي) ولأبي ذر عن الكشميهني ما ألقى (الشيطان ويحكم آياته) أي يثبتها (ويقال) إن (أمنيته) هي (قراءته) وفي

اليونينية أمنيته قراءته بالرفع فيهما وفي بعض الأصول وكثير من النسخ أمنيته قراءته بجرهما على ما لا يخفى. ({إلا أماني}) بالبقرة أي (يقرؤون ولا يكتبون) وهذا أورده المؤلّف -رحمه الله- استشهادًا على أن تمنى في قوله تعالى في هذه السورة {إلا إذا تمنى} بمعنى قرأ وهو خلاف ما فسره به صاحب الأنوار حيث قال: إذا تمنى إذا زوّر في نفسه ما يهواه ألقى الشيطان في أمنيته في نشهيه ما يوجب اشتغاله بالدنيا كما قال عليه السلام: إنه ليغان على قلبي فاستغفر الله في اليوم سبعين مرة فينسخ الله ما يلقى الشيطان فيبطله الله ويذهب به بعصمته عن الركون إليه والإرشاد إلى ما يزيحه ثم يحكم الله آياته ثم يثبت آياته الداعية إلى الاستغراق في أمر الآخرة قيل إنه حدّث نفسه يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بزوال المسكنة فنزلت انتهى. والحامل له على هذا التفسير كغيره ما في ظاهر هذه القصة من البشاعة وقد رواها ابن أبي حاتم والطبري وابن المنذر من طرق عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال: قرأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة النجم فلما بلغ: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} [النجم: 19، 20] ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلا وأن شفاعتهن لترتجى. فقال المشركون ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا فنزلت هذه الآية. ورواها البزار وابن مردويه من طريق أمية بن خالد عن شعبة فقال في إسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فيما أحسب ثم ساق الحديث، وقال البزار: لا يروى متصلًا إلا بهذا الإسناد تفرد بوصله أمية بن خالد وهو ثقة مشهور قال: وإنما يروى هذا من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس انتهى. والكلبي متروك لا يعتمد عليه، ورواها أيضًا ابن إسحاق في سيرته وموسى بن عقبة في مغازيه وأبو معشر في آخرين وكلها مراسيل وقد طعن فيها غير واحد من الأئمة حتى قال ابن إسحاق: وقد سئل عنها هي من وضع الزنادقة وقال البيهقي غير ثابتة نقلًا ورواتها مطعونون، وأطنب القاضي عياض في الشفاء في توهين أصلها فشفى وكفى إذ سدّ هذا الباب هو الصواب، وأربح للثواب، وإن كانت كثرة الطرق تدل على أن لها أصلًا لا سيما وقد رواها الطبري من طريقين مرسلين رجالهما على شرط الصحيح. أولهما: طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فذكر نحوه، وثانيهما: طريق المعتمر بن سليمان وحماد بن سلمة فرقهما عن داود بن أبي هند عن أبي العالية وكذا طريق سعيد بن جبير السابقة وحينئذ فردّها لا يتمشى على القواعد الحديثية بل ينبغي أن يحتج بهذه الثلاثة من يحتج بالمرسل ومن لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض كما قرره شيخ الصنعة وإمامها الحافظ أبو الفضل بن حجر. وإذا سلمنا أن لها أصلًا وجب تأويلها وأحسن ما قيل في ذلك أن الشيطان نطق بتلك الكلمات أثناء قراءة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند سكتة من السكتات محاكيًا نغمته فسمعها القريب منه فظها من قوله وأشاعها. وفي كتابي المواهب اللدنية بالمنح المحمدية زيادات على ما ذكرته هنا، وقد قال مجاهد أنه عليه السلام كان يتمنى إنزال الوحي عليه بسرعة دون تأخير فنسخ الله ذلك بأن عرّفه أن إنزال ذلك بحسب المصالح في الحوارث والنوازل، وقيل إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يتفكّر عند نزول الوحي في تأويله إذا كان مجملًا فيلقي الشيطان في جملته ما لم يرده فبين تعالى أنه ينسخ ذلك بالإبطال ويحكم ما أراد بأدلته وآياته، وقيل إذا تمنى أي إذا أراد فعلًا مقربًا إلى الله ألقى الشيطان في فكره ما يخالفه فرجع إلى الله في ذلك وهو كقوله: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} [الأعراف: 200] لكن قال بعضهم لا يجوز حمل الأمنية على تمني القلب لأنه لو كان كذلك لم يكن ما يخطر بباله عليه السلام فتنة للكفار وذلك يبطله قوله تعالى: {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض} [الحج: 53]. وأجيب: بأنه لا يبعد أنه إذا قوي التمني يشتغل الخاطر فيحصل السهو في الأفعال الظاهرة بسببه فيصير ذلك فتنة لهم. (وقال مجاهد): مما وصله الطبري

1 - باب {وترى الناس سكارى} [الحج: 2]

من طريق ابن أبي نجيح عنه ({مشيد}) في قوله: {وبئر معطلة وقصر مشيد} [الحج: 45]. أي (بالقصة) بفتح القاف والصاد المهملة المشددة ولأبي ذر جص بكسر الجيم وتشديد الصاد المهملة والرفع أي هي جص وهذه ثابتة لأبي ذر والمشيد بكسر المعجمة الجص وهو الكلس وقيل المشيد المرفوع البنيان، والمعنى كم من قرية أهلكنا وكم بئر عطلنا عن سقاتها وقصر مشيد أخليناه عن ساكنيه وجعلنا ذلك عبرة لمن اعتبر، وقيل إن البئر المعطلة والقصر المشيد باليمن ولكل أهل فكفروا فأهلكهم الله وبقيا خاليين. وذكر الإخباريون أن القصر من بناء شداد بن عاد فصار معطلًا لا يستطيع أحد أن يقرب منه على أميال مما يسمع فيه من أصوات الجن المنكرة. (وقال غيره) أي غير مجاهد في قوله تعالى: {يكادون} ({يسطون}) أي (يفرطون) بفتح التحتية وسكون الفاء وضم الراء المهملة من باب نصر ينصر مشتق (من السطوة) وهي القهر والغلبة وقيل إظهار ما يهول للإخافة (ويقال) هو قول الفراء والزجاج (يسطون) أي (يبطشون) بكسر الطاء وضمها والأول لأبي ذر والمعنى أنهم يهمون بالبطش والوثوب تعظيمًا لإنكار ما خوطبوا به أي يكادون يبطشون بالذين يتلون عليهم آياتنا بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه من شدّة الغيظ ويسطون ضمن معنى يبطشون فتعدى تعديته وإلاّ فهو متعد بعلى يقال سطا عليه. ({وهدوا إلى الطيب من القول}) [الحج: 24] قال ابن عباس فيما أخرجه الطبري من طريق عليّ بن أبي طلحة أي (ألهموا) ولأبي ذر وهدوا إلى الطيب من القول أي ألهموا القرآن وفي رواية له أيضًا إلى القرآن ورواه ابن المنذر من طريق سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد. وقال ابن عباس: الطيب من القول شهادة أن لا إله إلا الله ويؤيده قوله: {مثل كلمة طيبة} [إبراهيم: 24] وقوله: {إليه يصعد الكلم الطيب} [فاطر: 10] وعنه في رواية عطاء هو قول أهل الجنة: {الحمد لله الذي صدقنا وعده} [الزمر: 74]. ({وهدوا إلى صراط الحميد}) [الحج: 24] هو (الإسلام) ولأبوي ذر والوقت الإسلام بالجرّ أي إلى الإسلام والحميد هو الله المحمود في أفعاله وهذا ثابت لأبي ذر عن الحموي ساقط لغيره. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن المنذر بمعناه ({بسبب}) في قوله: {فليمدد بسبب} [الحج: 15] أي (بحبل إلى سقف البيت) ولفظ ابن المنذر فليمدد بسبب إلى سماء بيته فليختنق به والمعنى من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدنيا بإعلاء كلمته وإظهار دينه وفي الآخرة بإعلاء درجته والانتقام من عدوّه فليشدد حبلًا في سقف بيته فليختنق به حتى يموت إن كان ذلك غائظه فإن الله ناصره لا محالة. قال الله تعالى: {إنّا لننصر رسلنا} [غافر: 51] الآية. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم {فليمدد بسبب إلى السماء} [الحج: 15] أي ليتوصل إلى بلوغ السماء فإن النصر إنما يأتي محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من السماء ثم ليقطع ذلك عنه إن قدر عليه، وقوله ابن عباس أظهر في المعنى وأبلغ في التهكم، فعلى هذا القول الثاني فيه استعارة تمثيلية والأمر للتعجيز وعلى الأوّل كناية عن شدّة الغيظ والأمر للإهانة. ({تذهل}) في قوله: {يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت} [الحج: 2] أي (تشغل) بضم أوّله وفتح ثالثه لهول ما ترى عن أحب الناس إليها ويوم نصب بتذهل والضمير للزلزلة وتكون فيما قاله الحسن يوم القيامة أو عند طلوع الشمس من مغربها كما قاله علقمة والشعبي أو الضمير للساعة وعبر بمرضعة دون مرضع لأن المرضعة التي هي في حال الإرضاع ملقمة ثديها الصبي والمرضع التي من شأنها أن ترضع وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به فقيل مرضعة ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته من فيه لما يلحقها من الدهشة. 1 - باب {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} [الحج: 2] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وترى الناس سكارى}) [الحج: 2] بضم السين وسقط باب وتاليه لغير أبي ذر. 4741 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا آدَمُ يَقُولُ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ فَيُنَادَي بِصَوْتٍ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ قَالَ: يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ أُرَاهُ قَالَ: تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَحِينَئِذٍ تَضَعُ الْحَامِلُ حَمْلَهَا وَيَشِيبُ الْوَلِيدُ {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}» فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ ثُمَّ أَنْتُمْ فِي النَّاسِ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جَنْبِ الثَّوْرِ الأَبْيَضِ -أَوْ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جَنْبِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ- وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ: «ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ: «شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» فَكَبَّرْنَا. قَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ {تَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} وَقَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ. وَقَالَ جَرِيرٌ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ: سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق الكوفي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا أبو صالح) ذكوان السمان (عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم فيقول: لبيك) يا (ربنا وسعديك فينادي) بفتح الدال (بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار) بفتح الموحدة وسكون العين المهملة أي مبعوثًا أي نصيبًا والبعث الجيش والجمع أي أخرج من ذريتك الناس الذين هم أهل النار وابعثهم إليها (قال: يا رب وما بعث النار) أي وما مقدار مبعوث النار (قال من كل ألف أراه) بضم الهمزة أي أظنه (قال تسعمائة وتسعة وتسعين). وفي حديث أبي هريرة عند المؤلّف في باب كيف الحشر من كتاب الرقاق فيقول: أخرج من كل مائة تسعة وتسعين وهو يدل على أن نصيب أهل الجنة من الألف عشرة، وحديث الباب على أنه واحد والحكم للزائد أو يحمل حديث الباب على جميع ذرية آدم فيكون من كل ألف واحد وحديث أبي هريرة على من عدا يأجوج ومأجوج فيكون من كل ألف عشرة. (فحينئذٍِ تضع الحامل حملها) أي جنينها (ويشيب الوليد) من شدة هول ذلك وهذا على سبيل الفرض أو التمثيل وأصله أن الهموم تضعف القوى وتسرع بالشيب أو يحمل على الحقيقة لأن كل أحد يبعث على ما مات عليه فتبعث الحامل حاملًا والمرضع مرضعة والطفل طفلًا فإذا وقعت زلزلة الساعة، وقيل ذلك لآدم عليه الصلاة والسلام وسمعوا ما قيل له وقع بهم من الوجل ما تسقط معه الحامل ويشيب له الطفل وتذهل المرضعة قاله الحافظ أبو الفضل بن حجر وسبقه إليه القفال (وترى الناس سكارى) أي كأنهم سكارى من شدّة الأمر الذي أصابهم قد دهشت عقولهم وغابت أذهانهم فمن رآهم حسب أنهم سكارى (وما هم بسكارى) على الحقيقة (ولكن عذاب الله شديد) تعليل لإثبات السكر المجازي لما نفي عنهم السكر الحقيقي (فشق ذلك على الناس) الحاضرين (حتى تغيرت وجوههم) من الخوف (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من يأجوج ومأجوج) وممن كان على الشرك مثلهم (تسعمائة وتسعة وتسعين) بنصب تسع على التمييز ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف (و) المخرج (منكم) أيها المسلمون وممن كان مثلكم (واحد ثم أنتم في الناس) في المحشر (كالشعرة السوداء) بفتح العين وبسكونها فقط في اليونينية (في جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود) أو للتنويع أو شك الراوي. قال السفاقسي أطلق الشعرة وليس المراد حقيقة الواحدة لأنه لا يكون ثور ليس في جلده غير شعرة واحدة من غير لونه (إني) بالواو وسقطت لأبي ذر (لأرجو أن تكونوا) يريد أمته المؤمنين به (ربع أهل الجنة فكبّرنا) أي قلنا الله أكبر سرورًا بهذه البشارة (ثم قال) عليها السلام (ثلث أهل الجنة فكبرنا) سرورًا (ثم قال) عليه السلام: (شطر أهل الجنة) نصفها وثلث وشطر نصب خبر تكون (فكبرنا) سرورًا واستعظامًا في الثلاثة لهذه النعمة العظمى والمنحة الكبرى، فهذا الاستعظام بعد الاستعظام الأوّل إشارة إلى فوزهم بالبغية. وعند عبد الله ابن الإمام أحمد في زياداته والطبراني من حديث أبي هريرة زيادة أنتم ثلثا أهل الجنة. وفي الترمذي وصححه من حديث بريدة رفعه أهل الجنة عشرون ومائة صف أمتي منها ثمانون والظاهر أنه صلوات الله وسلامه عليه لما رجا من رحمة الله أن تكون أمته نصف أهل الجنة أعطاه ما رجاه وزاده. (وقال أبو أسامة) حماد بن أسامة مما وصله في أحاديث الأنبياء وسقطت واو وقال لغير أبي ذر (عن الأعمش) سليمان عن أبي صالح عن أبي سعيد (ترى الناس سكارى) وسقط هذا لأبي ذر (وما هم بسكارى) على وزن كسالى (قال): ولأبي ذر قال: (من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين) فوافق حفص بن غياث في روايته عن الأعمش. (وقال جرير) هو ابن عبد الحميد فيما وصله المؤلّف في الرقاق (وعيسى بن يونس) مما وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عنه (وأبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين مما وصله مسلم (سكرى وما هم بسكرى) بفتح السين

2 - باب: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} شك فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة} -إلى قوله- {ذلك هو الضلال البعيد} [الحج: 11، 12] {أترفناهم}: وسعناهم

وسكون الكاف فيهما من غير ألف وبذلك قرأ حمزة والكسائي على وزن صفة المؤنث بذلك واختلف هل هي صيغة جمع على فعلى كمرضى وقتلى أو صفة مفردة استغني بها في وصف الجماعة خلاف مشهور. والحديث ذكره في أحاديث الأنبياء في باب قصة يأجوج ومأجوج. 2 - باب: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} شَكٍّ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ} -إِلَى قَوْلِهِ- {ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ} [الحج: 11، 12] {أَتْرَفْنَاهُمْ}: وَسَّعْنَاهُمْ هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ومن الناس من يعبد الله على حرف}) أي (شك) قاله مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم وهو قول أكثر المفسرين وأصله من حرف الشيء وهو طرفه وقيل على انحراف أو على طرف الدين لا في وسطه كالذي يكون في طرف الجيش فإن أحس بظفر قرّ وإلاّ فر وهو المراد بقوله: ({فإِن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه}) أي ارتدّ فرجع إلى وجهه الذي كان عليه من الكفر حال كونه ({خسر الدنيا والآخرة}) بذهاب عصمته وحبوط عمله بالارتداد (إلى قوله: {ذلك هو الضلال البعيد}) [الحج: 11، 12] عن الحق والرشد وسقط لغير أبي ذر قوله شك وسقط لأبي ذر قوله فإن أصابه الخ. (أترفناهم) في قوله في سورة المؤمنين {وأترفناهم في الحياة الدنيا} [المؤمنون: 33] أي (وسعناهم) قاله أبو عبيدة ولفظه في مجازه وسعنا عليهم. 4742 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ الْمَدِينَةَ فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلاَمًا وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ قَالَ: هَذَا دِينٌ صَالِحٌ وَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتُهُ وَلَمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ قَالَ: هَذَا دِينُ سُوءٍ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدثنا (إبراهيم بن المنذر) الكرماني قال: (حدّثنا يحيى بن أبي بكير) قيس الكوفي قاضي كرمان قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال) في قوله تعالى: ({ومن الناس من يعبد الله على حرف} قال: كان الرجل يقدم المدينة) يثرب (فإن ولدت امرأته غلامًا ونتجت خيله) بضم النون. قال الجوهري على ما لم يسم فاعله تنتج نتاجًا وقد نتجها أهلها نتجًا وأنتجت الفرس إذا حان نتاجها، وقال في الأساس: نتجت الناقة فهي منتوجة وأنتجت فهي منتجة إذا وضعت وقد نتجت إذا حملت. اهـ. وهي مثل نفست المرأة فهي منفوسة إذا ولدت وزاد العوفي عن ابن عباس فيما أخرجه ابن أبي حاتم وصح جسمه. (قال: هذا دين صالح) وفي رواية الحسن البصري فيما أخرجه ابن المنذر قال: لنعم الدين هذا وفي رواية جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عند ابن أبي حاتم قالوا إن ديننا هذا صالح فتمسكوا به (وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله) بضم التاء الأولى وفتح الثانية بينهما نون ساكنة مبنيًّا لما لم يسم فاعله (قال: هذا دين سوء) بفتح السين المهملة والجر على الإضافة. وفي رواية العوفي وإن أصابه وجع المدينة وولدت امرأته جارية وتأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان فقال له: والله ما أصبت على دينك هذا إلا شرًّا وذلك الفتنة. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هو المنافق إن صلحت له دنياه أقام على العبادة وإن فسدت عليه دنياه انقلب فلا يقيم على العبادة. واستشكل على هذا قوله: انقلب لأن المنافق في الحقيقة لم يسلم حتى ينقلب، وأجيب: بأنه أظهر بلسانه خلاف ما كان أظهره فصار يذم الدين عند الشدّة وكان من قبل يمدحه وذلك انقلاب على الحقيقة. وهذا الحديث من أفراده. 3 - باب قَوْلِهِ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] هذا (باب) بالتنوين وسقط لغير أبي ذر (قوله) تعالى: ({هذان خصمان اختصموا في ربهم}) [الحج: 19] أي في دين ربهم والخصم في الأصل مصدر فيوحد ويذكر غالبًا كقوله: {نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب} [ص: 21] ويجوز أن يثنى ويجمع ويؤنث كهذه الآية ولما كان كل خصم فريقًا يجمع طائفة قال اختصموا بصيغة الجمع كقوله: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: 9] فالجمع مراعاة للمعنى. وقال في الكشاف: الخصم صفة وصف بها الفوج أو الفريق فكأنه قيل هذان فوجان أو فريقان يختصمان، وقوله (هذان) للفظ واختصموا للمعنى قال في الدار: إن عنى بقوله أن الخصم صفة بطريق الاستعمال المجازي فمسلم لأن المصدر يكثر الوصف به وإن أراد أنه صفة حقيقة فخطؤه ظاهر لتصريحهم بأن رجل خصم مثل رجل عدل. 4743 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ كَانَ يُقْسِمُ فِيهَا إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَعُتْبَةَ وَصَاحِبَيْهِ يَوْمَ بَرَزُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ. رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ وَقَالَ عُثْمَانُ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَوْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) الأنماطي السلمي مولاهم البصري قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح

الشين المعجمة مصغرًا ابن بشير مصغرًا أيضًا قال: (أخبرنا أبو هاشم) يحيى بن دينار الرماني بضم الراء وتشديد الميم الواسطي (عن أبي مجلز) بكسم الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي لاحق بن حميد السدوسي (عن قيس بن عباد) بضم العين المهملة وتخفيف الموحدة البصري (عن أبي ذر) جندب بن جنادة (-رضي الله عنه- أنه كان يقسم فيها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قسمًا بفتح السين بدل قوله فيها وهو الصواب ورواية الكشميهني فيها تصحيف كما لا يخفى إذ المراد القسم الذي هو الحلف (إن هذه الآية {هذان خصمان اختصموا في ربهم} نزلت في حمزة) بن عبد المطلب (و) في (صاحبيه) علي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وهؤلاء الثلاثة الفريق المؤمنون (و) في (عتبة) بن ربيعة بن عبد شمس (و) في (صاحبيه) أخيه شيبة والوليد بن عتبة المذكور وهم الفريق الآخر (يوم برزوا في يوم) وقعة (بدر) والستة كلهم من قريش ثلاثة منهم مسلمون وهم من بني عبد مناف اثنان من بني هاشم والثالث وهو عبيدة من بني عبد المطلب، وباقيهم مشركون وهم من بني عبد شمس بن عبد مناف وتفصيل مبارزتهم على المشهور أن حمزة لعتبة وعبيدة لشيبة وعليًّا للوليد. وقيل: إن عبيدة للوليد وعليًّا لشبيه والسند بذلك أصح مما قبله إلا أن ذلك أنسب، وقتل كل واحد من المسلمين من برز له من الكفار إلا عبيدة فإنه اختلف مع من بارزه بضربتين فوقعت الضربة في ركبة عبيدة ومال حمزة وعلي إليه فأعاناه على قتله واستشهد عبيدة من تلك الضربة بالصفراء عند رجوعهم. (رواه) أي حديث الباب هذا بإسناده ومتنه (سفيان) الثوري فيما وصله المؤلّف في المغازي (عن أبي هاشم) شيخ هشيم المذكور هنا عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي ذر بلفظ نزلت ({هذان خصمان اختصموا في ربهم}) في ستة من قريش علي وحمزة وعبيدة بن الحارث وشيبة بن ربيعة وأخيه عتبة والوليد بن عتبة (وقال عثمان) هو ابن أبي شيبة (عن جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي هاشم) هو ابن دينار الرماني (عن أبي مجلز) هو لاحق السدوسي (قوله) أي هو من قوله موقوفًا عليه، وقد وصله أبو هاشم في رواية الثوري وهشيم إلى أبي ذر كما مر قريبًا والحكم للواصل إذا كان حافظًا على ما لا يخفى والثوري أحفظ من منصور فتقدم روايته. 4744 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ قَيْسٌ: وَفِيهِمْ نَزَلَتْ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} قَالَ: هُمُ الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ عَلِيٌّ وَحَمْزَةُ وَعُبَيْدَةُ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم قال: (حدّثنا معتمر بن سليمان قال: (سمعت أبي) سليمان بن طرخان بالخاء المعجمة التيمي (قال: حدّثنا أبو مجلز) لاحق السدوسي (عن قيس بن عباد) بضم العين وتخفيف الموحدة (عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-) وسقط لأبي ذر ابن أبي طالب أنه (قال: أنا أوّل من يجثو) بالجيم أي يجلس على ركبتيه (بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة قال قيس): هو ابن عباد من قوله موقوفًا عليه (وفيهم) أي في حمزة وصاحبيه وعتبة وصاحبيه (نزلت {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال هم الذين بارزوا يوم بدر علي وحمزة) بن عبد المطلب (وعبيدة) بن الحارث بن عبد المطلب والثلاثة مسلمون (وشيبة بن ربيعة) بن عبد شمس (و) أخوه (عتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة) المذكور. ومقتضى رواية سليمان بن طرخان هذه الاقتصار على قوله: أنا أوّل من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة فقط كما أن مقتضى رواية أبي هاشم السابقة قريبًا الاقتصار على سبب النزول فليس في رواية قيس بن عباد عن أبي ذر وعلى اختلاف عليه، لكن أخرج النسائي من طريق يوسف بن يعقوب عن سليمان التيمي بهذا الإسناد إلى علي قال: فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم بدر {هذان خصمان} وزاد أبو نعيم في مستخرجه ما في رواية معتمر بن سليمان وهو قوله أنا أوّل من يجثو وكذا أخرجه الحاكم من طريق أبي جعفر الرازي ورواه عبد بن حميد عن يزيد بن هارون وعن حماد بن مسعدة كلاهما عن سليمان التيمي كرواية معتمر فإن كان محفوظًا فيكون الحديث عند قيس عن أبي ذر وعن علي معًا بدليل اختلاف

سورة المؤمنين

سياقهما قاله في الفتح. وقد روي أن الآية نزلت في أهل الكتاب والمسلمين قال أهل الكتاب: نحن أحق بالله وأقدم منكم كتابًا ونبينا قبل نبيكم، وقال المؤمنون: نحن أحق بالله آمنا بمحمد وآمنا بنبيكم وما أنزل الله من كتاب فأفلج الله الإسلام على من ناوأه وأنزل {هذا خصمان} قاله قتادة بنحوه. وقال عكرمة: هما الجنة والنار قالت النار: خلقني الله لعقوبته، وقالت الجنة: خلقني الله لرحمته فقص الله على محمد خبرهما وخصوص السبب لا يمنع العموم في نظير ذلك السبب وقول عطاء ومجاهد أن المراد الكافرون والمؤمنون يشمل الأقوال كلها وينتظم فيه قصة بدر وغيرها. سورة الْمُؤْمِنِينَ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: سَبْعَ طَرَائِقَ: سَبْعَ سَمَوَاتٍ، لَهَا سَابِقُونَ: سَبَقَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ. قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ: خَائِفِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ: بَعِيدٌ بَعِيدٌ. فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ: الْمَلاَئِكَةَ، لَنَاكِبُونَ: لَعَادِلُونَ، كَالِحُونَ، عَابِسُونَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مِنْ سُلاَلَةٍ: الْوَلَدُ، وَالنُّطْفَةُ: السُّلاَلَةُ، وَالْجِنَّةُ: وَالْجُنُونُ وَاحِدٌ، وَالْغُثَاءُ الزَّبَدُ وَمَا ارْتَفَعَ عَنِ الْمَاءِ وَمَا لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ. يَجْأَرُونَ: يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ كَمَا تَجْأَرُ البَقَرَةُ، عَلَى أَعْقَابِكُمْ: رَجَعَ عَلَى عَقِبَيْهِ. سَامِرًا مِنَ السَّمَرِ وَالجَمِيعُ السُّمَّارُ وَالسَّامِرُ هَا هُنَا فِي مَوْضِعِ الجَمْعِ. تُسْحَرُونَ: تَعْمَوْنَ مِنَ السِّحْرِ. (سورة المؤمنين) بالياء، وفي نسخة سورة المؤمنون بالواو مكية مائة وتسع عشرة آية في البصري وثمان عشرة في الكوفي. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر. (قال ابن عيينة) سفيان مما وصله في تفسيره من رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه في قوله تعالى: {ولقد خلقنا فوقكم} ({سبع طرائق}) [المؤمنون: 17] أي (سبع سماوات) سميت طرائق لتطارقها وهو أن بعضها فوق بعض يقال طارق النعل إذا أطبق نعلًا على نعل وطارق بين الثوبين إذا لبس ثوبًا على ثوب قاله الخليل والزجاج والفراء أو لأنها طرق الملائكة في العروج والهبوط قاله علي بن عيسى، وقيل لأنها طرق الكواكب في مسيرها والوجه في إنعامه علينا بذلك أنه جعلها موضعًا لأرزاقنا بإنزال الماء منها وجعلها مقرًا للملائكة ولأنها موضع الثواب ومكان إرسال الأنبياء ونزول الوحي. ({لها سابقون}) في قوله تعالى: {أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} [المؤمنون: 61] أي (سبقت لهم السعادة) قاله ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة وضمير لها يرجع إلى الخيرات لتقدمها في اللفظ واللام قيل بمعنى إلى يقال سبقت له وإليه بمعنى ومفعول سابقون محذوف تقديره سابقون الناس إليها وقيل اللام للتعليل أي سابقون الناس لأجلها وسقط هذا لأبي ذر. ({قلوبهم وجلة}) [المؤمنون: 60] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم أي (خائفين) أن لا يقبل منهم ما آتوا من الصدقات وهذا ثابت لأبي ذر عن المستملي (قال) ولأبي ذر وقال: (ابن عباس) فيما وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة (هيهات هيهات) بالفتح من غير تنوين لغة الحجازين بني لوقوعه أي (بعيد بعيد). قال في المصابيح: المعروف عند النحاة أنها اسم فعل أي سمي بها الفعل الذي هو بعد وهذا تحقيق لكونه اسمًا مع أن مدلوله وقوع البعد في الزمن الماضي والمعنى أن دلالته على معنى بعد ليست من حيث إنه موضوع لذلك المعنى ليكون فعلًا بل من حيث إنه موضوع لفعل دال على بعد يقترن بالزمان الماضي وهو بعد كوضع سائر الأسماء لمدلولاتها. اهـ. وفسره الزجاج في ظاهر عبارته بالمصدر فقال: البعد لما توعدون أو بعد لما توعدون فظاهرها أنه مصدر بدليل عطف الفعل عليه ويمكن أن يكون فسر المعنى فقط وجمهور القرّاء على فتح التاء من غير تنوين فيهما وهي لغة الحجازيين وإنما بنوه لشبهه بالحرف وفيه لغات تزيد على الأربعين وكرر للتوكيد وليست المسألة من التنازع قال جرير: فهيهات هيهات العقيق وأهله ... وهيهات خل بالعقيق نواصله ({فاسأل العادّين}) أي (الملائكة) يعني الذين يحفظون أعمال بني آدم ويحصونها عليهم وهذا قول عكرمة وقيل الملائكة الذي يعدّون أيام الدنيا وقيل المعنى سل من يعرف عدد ذلك فإنا نسيناه. (لناكبون) ولأبي ذر قال ابن عباس لناكبون (لعادلون) عن الصراط السويّ. (كالحون) أي (عابسون) وفي حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا تشويه النار فتقلص شفته العليا وتسترخي السفلى رواه الحاكم (وقال غيره) أي غير ابن عباس وثبت وقال غيره لأبي ذر وسقط لغيره. (من

[24] سورة النور

سلالة: الولد والنطفة السلالة) لأنه استل من أبيه وهو مثل البرادة والنحاتة لما يتساقط الشيء بالبرد والنحت وقال الكرماني ليس الولد تفسيرًا للسلالة بل مبتدأ خبره السلالة وهي فعالة وهو بناء يدل على القلة كالقلامة. (والجنة) في قوله {أم يقولون به جنة} (والجنون واحد) في المعنى وقيل كانوا يعملون بالضرورة أنه أرجحهم عقلًا وأثقبهم نظرًا فالمجنون كيف يمكنه أن يأتي بمثل ما أوتي به من الدلائل القاطعة والشراع الكاملة الجامعة. (والغثاء) في قوله: {فجعلناهم غثاء} هو (الزبد وما ارتفع عن الماء وما لا ينتفع به) وهو من غثا الوادي يغثو غثوًا بالواو وأما غثت نفسه تغثي غثيانًا أي خبثت فهو قريب من معناه ولكنه من مادّة الياء. (يجأرون) أي (يرفعون أصواتهم) بالاستغاثة والضجيج (كما تجأر البقرة) لشدة ما نالهم. ({على أعقابكم}) [المؤمنون: 66] يقال (رجع على عقبيه) أي أدبر يعني أنهم مدبرون عن سماع الآيات. (سامرًا) نصب على الحال من فاعل تنكصون أو من الضمير في مستكبرين مأخوذ (من السمر) وهو سهر الليل مأخوذ وهو ما يقع على الشجر من ضوء القمر فيجلسون إليه يتحدثون مستأنسين به قال: كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر وقال الراغب السامر الليل المظلم (والجميع السمار) بوزن الجمار (والسامر ها هنا في موضع الجمع) وهو الأفصح تقول قوم سامر ونظيره نخرجكم طفلًا. (تسحرون) أي فكيف (تعمون من السحر) حتى يخيل لكم الحق باطلًا مع ظهور الأمر وتظاهر الأدلة وثبت من قوله تجأرون إلى هنا في رواية النسفيّ وسقط لغيره كما نبه عليه في الفتح. [24] سورة النُّورِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) {مِنْ خِلاَلِهِ} مِنْ بَيْنِ أَضْعَافِ السَّحَابِ {سَنَا بَرْقِهِ} وَهُوَ الضِّيَاءُ. مُذْعِنِينَ يُقَالُ لِلْمُسْتَخْذِي مُذْعِنٌ. أَشْتَاتًا وَشَتَّى وَشَتَاتٌ وَشَتٌّ وَاحِدٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا}: بَيَّنَّاهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ: سُمِّيَ الْقُرْآنُ لِجَمَاعَةِ السُّوَرِ، وَسُمِّيَتِ السُّورَةُ لأَنَّهَا مَقْطُوعَةٌ مِنَ الأُخْرَى، فَلَمَّا قُرِنَ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ سُمِّىَ قُرْآنًا، وَقَالَ سَعْدُ بْنُ عِيَاضٍ الثُّمَالِيُّ {الْمِشْكَاةُ} الْكُوَّةُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}: تَأْلِيفَ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}: فَإِذَا جَمَعْنَاهُ وَأَلَّفْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ أَيْ مَا جُمِعَ فِيهِ فَاعْمَلْ بِمَا أَمَرَكَ وَانْتَهِ عَمَّا نَهَاكَ اللَّهُ، وَيُقَالُ لَيْسَ لِشِعْرِهِ قُرْآنٌ أَيْ تَأْلِيفٌ، وَسُمِّيَ الْفُرْقَانَ لأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ مَا قَرَأَتْ بِسَلًا قَطُّ أَيْ لَمْ تَجْمَعْ فِي بَطْنِهَا وَلَدًا. وَقَالَ: {فَرَّضْنَاهَا} أَنْزَلْنَا فِيهَا فَرَائِضَ مُخْتَلِفَةً، وَمَنْ قَرَأَ: {فَرَضْنَاهَا} يَقُولُ: فَرَضْنَا عَلَيْكُمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدَكُمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا لَمْ يَدْرُوا لِمَا بِهِمْ مِنَ الصِّغَرِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ أُولِي الإِرْبَةِ مَنْ لَيْسَ لَهُ إِرْبٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لاَ يُهِمُّهُ إِلاَّ بَطْنُهُ وَلاَ يُخَافُ عَلَى النِّسَاءِ وَقَالَ طَاوُسٌ: هُوَ الأَحْمَقُ الذِي لاَ حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ. ([24] سورة النور) مدنية وهي ثنتان أو أربع وستون آية. (بسم الله الرحمن الرحيم) ثبتت البسملة لأبي ذر وفي بعض النسخ ثبوتها مقدمة على السورة. (من خلاله) في قوله تعالى: {فترى الودق يخرج من خلاله} [النور: 43] أي فترى المطر يخرج (من بين أضعاف السحاب) وخلال مفرد كحجاب أو جمع كجبال جمع جبل. (سنا برقه وهو الضياء) يقال: سنا يسنو سنا أي أضاء يضيء قال امرؤ القيس: يضيء سناه أو مصابيح راهب والسناء بالمد الرفعة والمعنى هنا يكاد ضوء برق السحاب يذهب بالأبصار من شدة ضوئه والبرق الذي صفته كذلك لا بد وأن يكون نارًا عظيمة خالصة والنار ضد الماء والبرد فظهوره يقتضي ظهور الضد من الضد وذلك لا يمكن إلا بقدرة قادر حكيم وسقط لغير أبي ذر قوله وهو من قوله وهو الضياء. (مذعنين) في قوله تعالى: {وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين} [النور: 49] (يقال للمستخذي) بالخاء والذال المعجمتين اسم فاعل من استخذى أي خضع (مذعن) بالذال المعجمة أي منقاد يريد إن كان لهم الحكم لا عليهم يأتوا إليه منقادين لعلمهم بأنه يحكم لهم. (أشتاتًا وشتى) بتشديد التاء (وشتات) بتخفيفها (وشت) بتشديدها (واحد) في المعنى ومراده ما في قوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعًا أو أشتاتًا} [النور: 61] وجميعًا حال من فاعل تأكلوا وأشتاتًا عطف عليه والأكثرون على أن الآية نزلت في بني ليث بن عمرو حيّ من كنانة كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده فيمكث يومه حتى يجد ضيفًا يأكل معه فإن لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئًا وربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إلى الرواح فنزلت هذه الآية فرخص لهم أن يأكلوا كيف شاؤوا جميعًا مجتمعين أو أشتاتًا متفرقين. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله تعالى: ({سورة أنزلناها}) [النور: 1] أي (بيناها) قال الزركشي تبعًا للقاضي عياض كذا في النسخ والصواب أنزلناها وفرضناها بيناها فبيناها تفسير فرضناها لا تفسير أنزلناها ويدل عليه قوله بعد هذا ويقال في فرضناها أنزلنا فيها فرائض مختلفة فإنه يدل على أنه تقدم له تفسير

آخر. اهـ. وتعقب الزركشي صاحب المصابيح فقال: يا عجبًا لهذا الرجل وتقويله لابن عباس ما لم يقله فالبخاري نقل عن ابن عباس تفسير أنزلناها ببيناها وهو نقل صحيح ذكره الحافظ مغلطاي من طريق ابن المنذر بسنده إلى ابن عباس فما هذا الاعتراض البارد. اهـ. وقد روى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله وفرضناها يقول بيناها. قال في الفتح: وهو يؤيد قول عياض. (وقال غيره) أي غير ابن عباس (سمي القرآن لجماعة السور) بفتح الجيم والعين وتاء التأنيث والسور مجرور بالإضافة ويجوز كسر الجيم والعين وهاء الضمير والسور نصب مفعول لجماعه (وسميت السورة لأنها) منزلة بعد منزلة (مقطوعة من الأخرى) والجمع سور بفتح الواو وقال الراعي: سود المحاجر لا يقرأن بالسور وفيها لغتان الهمز وتركه فبتركه هي المنزلة من منازل الارتفاع ومن ثم سمي سور البلد لارتفاعه على ما يحويه ومنه قول النابغة: ألم تر أن الله أعطاك سورة ... ترى كل ملك دونها يتذبذب يعني منزلة من منازل الشرف التي قصرت عنها منازل الملوك فسميت السورة لارتفاعها وعلو قدرها وبالهمز القطعة التي فصلت من القرآن عما سواها وأبقيت منه لأن سؤر كل شيء بقيته بعد ما يؤخذ منه. (فلما قرن بعضها إلى بعض سمي) المجموع (قرآنًا). قال أبو عبيدة سمي القرآن لأنه يجمع السور فيضمها (وقال سعد بن عياض) بسكون العين (الثمالي) بضم المثلثة وتخفيف الميم نسبة إلى ثمالة قبيلة من الأزد الكوفي التابعي مما وصله ابن شاهين من طريقه (المشكاة) هي (الكوّة) بضم الكاف وفتحها وتشديد الواو وهي الطاقة غير النافذة (بلسان الحبشة) ثم عرّب وقال مجاهد هي القنديل وقيل هي الأنبوبة في وسط القنديل. وقوله تعالى: ({إن علينا جمعه وقرآنه}) أي (تأليف بعضه إلى بعض {فإذا قرآناه فاتبع قرآنه}) (القيامة: 17، 18] أي (فإذا بعناه وألفناه فاتبع قرآنه) أي (ما جمع فيه فاعمل بما أمرك) الله فيه (وانته عما نهاك الله) فيه وسقطت الجلالة لأبي ذر وفي الأول للكل (ويقال ليس لشعره قرآن أي تأليف وسمي الفرقان) بالنصب (لأنه يفرق) بضم التحتية وفتح الفاء وتشديد الراء مكسورة (بين الحق والباطل ويقال للمرأة ما قرأت بسلى قط) بفتح السين المهملة منونًا من غير همز وهي الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد (أي لم تجمع في بطنها ولدًا) والحاصل أن القرآن عنده مشتق من قرأ بمعنى جمع لا من قرأ بمعنى تلا. (وقال فرضناها) بتشديد الراء ولأبي ذر ويقال في فرضناها أي (أنزلنا فيها فرائض مختلفة) فالتشديد لتكثير المفروض وقيل للمبالغة في الإيجاب. ومن قرأ (فرضناها) بالتخفيف وفي قراءة غير أبي عمرو وابن كثير (يقول): المعنى (فرضنا عليكم) أي فرضناها فأسقط الضمير (وعلى من بعدكم) إلى يوم القيامة والسورة لا يمكن فرضها لأنها قد دخلت في الوجود وتحصيل الحاصل محال فوجب أن يكون المراد فرضنا ما بين فيها من الأحكام. (قال): ولأبي ذر وقال (مجاهد) فيما وصله الطبري في قوله: {أو الطفل الذين لم يظهروا} [النور: 31] أي (لم يدروا) بسكون الدال العورة من غيرها (لما بهم) أي لأجل ما بهم (من الصغر) وقال الفراء والزجاج لم يبلغوا أن يطيقوا إتيان النساء وقيل لم يبلغوا حد الشهوة والطفل يطلق على الجمع والمثنى فلذا وصف بالجمع أو لما قصد به الجنس روعي فيه الجمع. (وقال الشعبي) بفتح المعجمة فيما وصله الطبري (أولي الإربة) هو (من ليس له إرب) بكسر الهمزة أي حاجة النساء وهم الشيوخ الهم والممسوحون وقال ابن جبير المعتوه وقال ابن عباس المغفل الذي لا شهوة له وقال مجاهد المخنث الذي لا يقوم ذكره. (وقال مجاهد) فيما وصله الطبري هو الذي (لا يهمه إلا بطنه ولا يخاف على النساء) لبلهه (وقال طاوس): فيما وصله عبد الرزاق عنه عن أبيه (هو الأحمق الذي لا حاجة له في النساء) وقيل هو الذي لا تشتهيه المرأة وثبت من قوله وقال

1 - باب قوله عز وجل: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين}

الشعبي إلى هنا للنسفي وسقط من فرع اليونينية كأصله كبعض الأصول. 1 - باب قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} (باب قوله عز وجل {والذين يرمون أزواجهم}) يقذفون أزواجهم بالزنا ({ولم يكن لهم شهداء}) يشهدون على صحة ما قالوا ({إلا أنفسهم فشهادة}) فالواجب شهادة ({أحدهم أربع شهادات بالله}) بنصب أربع على المصدر وحفص وحمزة الكسائي برفعها خبر المبتدأ وهو قوله فشهادة ({إنه لمن الصادقين}) [النور: 6] فيما رماها به من الزنا. قال ابن كثير: وهذه الآية فيها فرج للأزواج وزيادة مخرج إذا قذف أحدهم زوجته وعسر عليه إقامة البيّنة وثبت التبويب لأبي ذر وقال بعد قوله شهداء الآية وأسقط باقيها. 4745 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الفِرْيَابِي، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عُوَيْمِرًا أَتَى عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي عَجْلاَنَ فَقَالَ: كَيْفَ تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ سَلْ لِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ، فَأَتَى عَاصِمٌ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَسَائِلَ، فَسَأَلَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَرِهَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا قَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لاَ أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ فَجَاءَ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَجُلٌ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ» فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمُلاَعَنَةِ بِمَا سَمَّى اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَلاَعَنَهَا ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ حَبَسْتُهَا فَقَدْ ظَلَمْتُهَا فَطَلَّقَهَا، فَكَانَتْ سُنَّةً لِمَنْ كَانَ بَعْدَهُمَا فِي الْمُتَلاَعِنَيْنِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «انْظُرُوا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ عَظِيمَ الأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَلاَ أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إِلاَّ قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلاَ أَحْسِبُ عُوَيْمِرًا إِلاَّ قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا» فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ تَصْدِيقِ عُوَيْمِرٍ فَكَانَ بَعْدُ يُنْسَبُ إِلَى أُمِّهِ. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن منصور بن بهرام أبو يعقوب الكوسج المروزي قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي وهو من مشايخ المؤلّف روى عنه هنا بالواسطة قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (قال حدّثني) بالإفراد (الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سهل بن سعد) الساعدي الأنصاري -رضي الله عنه- (أن عويمرًا) بضم العين المهملة وفتح الواو تصغير عامر بن الحارث بن زيد بن الجد بفتح الجيم وتشديد الدال ابن عجلان وفي رواية القعنبي عن مالك عويمر بن أشقر وكذا أخرجه أبو داود وأبو عوانة وفي الاستيعاب عويمر بن أبيض قال الحافظ ابن حجر: فلعل أباه كان يلقب أشقر وأبيض وفي الصحابة عويمر بن أشقر آخر وهو مازني أخرج له ابن ماجة (أتى عاصم بن عدي) العجلاني (وكان سيد بني عجلان) بفتح العين وسكون الجيم وهو ابن عم والد عويمر ولأبي ذر بني العجلان (فقال) له: (كيف تقولون في رجل وجد مع امرأته رجلًا أيقتله) بهمزة الاستفهام الاستخباري أي أيقتل الرجل (فتقتلونه) قصاصًا لقوله تعالى: {النفس بالنفس}. وفي قصة العجلاني من حديث ابن عمر المروي في مسلم فقال: أرأيت إن وجد مع امرأته رجلًا فإن تكلم به تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك. وفي حديث ابن مسعود عنده أيضًا إن تكلم جلدتموه وإن قتل قتلتموه وإن سكت سكت على غيظ. وفي رواية عن ابن عباس لما نزلت {والذين يرمون المحصنات} [النور: 4] الآية. قال عاصم بن عدي: إن دخل رجل منا بيته فرأى رجلًا على بطن امرأته فإن جاء بأربعة رجال يشهدون بذلك فقد قضى الرجل حاجته وذهب وإن قتله قتُل به، وإن قال وجدت فلانًا معها ضرب وإن سكت سكت على غيظ. (أم كيف يصنع؟) أم تحتمل أن تكون متصلة يعني إذا رأى الرجل هذا المنكر الشنيع والأمر الفظيع وثارت عليه الحمية أيقتله فتقتلونه أم يصبر على ذلك، ويحتمل أن تكون منقطعة فسأل أولًا عن القتل مع القصاص ثم أضرب عنه إلى سؤاله لأن أم المنقطعة متضمنة لبل والهمزة قبل تضرب الكلام السابق والهمزة تستأنف كلامًا آخر، والمعنى كيف يصنع أيصبر على العار أو يحدث الله له أمرًا آخر فلذا قال: (سل لي) يا عاصم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك فأتى عاصم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله) حذف المقول لدلالة السابق عليه أي كيف تقول في رجل وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع (فكره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسائل) المذكورة لما فيها من البشاعة والإشاعة على المسلمين والمسلمات وتسليط العدوّ في الدين بالخوض في أعراضهم، وزاد في اللعان والطلاق من طريق مالك عن ابن شهاب وعابها حتى كبر عاصم ما سمع من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما رجع عاصم إلى أهله (فسأله عويمر) فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) عاصم: لم تأتني بخبر (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كره المسائل وعابها) ثبت لفظ وعابها هنا وسقط من الأولى (قال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأل رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك فجاء عويمر) إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: يا رسول الله؟ رجل وجد مع امرأته رجلًا) يزني بها (أيقتله

فتقتلونه أم كيف يصنع؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قد أنزل الله القرآن فيك وفي صاحبتك) هي زوجته خولة بنت قيس فيما ذكره مقاتل، وذكر ابن الكلبي أنها بنت عاصم المذكور واسمها خولة والمشهور أنها بنت قيس. وأخرج ابن مردويه من طريق الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عاصم بن عدي لما نزلت {والذين يرمون المحصنات} قال: يا رسول الله أين لأحدنا أربعة شهداء فابتلي به في بنت أخيه. وفي سنده مع إرساله ضعيف. وأخرج ابن أبي حاتم في التفسير عن مقاتل بن حيان قال: لما سأل عاصم عن ذلك ابتلي به في أهل بيته فأتاه ابن عمه تحته ابنة عمه رماها بابن عمه المرأة والزوج والخليل ثلاثتهم بنو عم عاصم. وعند ابن مردويه من مرسل ابن أبي ليلى أن الرجل الذي رمى عويمر امرأته به هو شريك ابن سحماء وهو يشهد لصحة هذه الرواية لأنه ابن عم عويمر لأنه شريك بن عبدة مغيث بن الجد بن العجلان. وفي مرسل مقاتل بن حيان عند ابن أبي حاتم فقال الزوج لعاصم: يا ابن عم أقسم بالله لقد رأيت شريك ابن سحماء يلي بطنها لأنها لحبلى وما قربتها منذ أربعة أشهر. وفي حديث عبد الله بن أبي جعفر عند الدارقطني لاعن بين عويمر العجلاني وامرأته فأنكر حملها الذي في بطنها وقال: هو لابن سحماء، وإذا جاء الخبر من طرق متعددة فإن بعضها يعضد بعضًا، وظاهر السياق يقتضي أنه كان تقدّم من عويمر إشارة إلى خصوص ما وقع له مع امرأته، والظاهر أن في هذا السياق اختصارًا ويوضحه ما في حديث ابن عمر في قصة العجلاني بعد قوله: إن تكلم تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك فسكت عنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به فدلّ على أنه لم يذكر امرأته إلا بعد أن انصرف ثم عاد. (فأمرها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالملاعنة) بضم الميم قال في المغرب لعنه لعنًا ولاعنه ملاعنة ولعانًا وتلاعنوا لعن بعضهم بعضًا وهو لغة الطرد والإبعاد وشرعًا كلمات معلومة جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به أو إلى نفي ولد قال النووي إنما سمي لعانًا لأن كلاًّ من الزوجين يبعد عن صاحبه (بما سمى الله في كتابه) في هذه الآية بأن يقول الزوج أربع مرات أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به هذه من الزنا، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا ويشير إليها في الحضور ويميزها في الغيبة ويأتي بدل ضمائر الغائب بضمائر المتكلم فيقول لعنة الله عليّ إن كنت الخ وإن كان ولد ينفيه ذكره في الكلمات الخمس لينتفي عنه فيقول إن الولد الذي ولدته أو هذا الولد من زنا ليس مني. (فلاعنها) أي لاعن عويمر زوجته خولة بعد أن قذفها وأتت عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسألها فأنكرت وأصرّا في السنة الأخيرة من زمانه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وجزم الطبري وأبو حاتم وابن حبان بأنها في شعبان سنة تسع، وعند الدارقطني من حديث عبد الله بن جعفر أنها كانت منصرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تبوك ورجح بعضهم أنها كانت في شعبان سنة عشر لا سنة تسع. وفي حديث ابن مسعود عند مسلم أنها كانت ليلة جمعة. (ثم قال) عويمر (يا رسول الله إن حبستها فقد ظلمتها فطلقها) زاد في باب من أجاز طلاق الثلاث من طريق مالك عن ابن شهاب ثلاثًا وتمسك به من قال لا تقع الفرقة بين المتلاعنين إلا بإيقاع الزوج وهو قول عثمان الليثي واحتج بأن الفرقة لم تذكر في القرآن وأن ظاهر الأحاديث أن الزوج هو الذي طلق ابتداء. وقال الشافعي وسحنون من المالكية: تقع بعد فراغ الزوج من اللعان لأن التعان المرأة إنما شرع لدفع الحدّ عنها بخلاف الرجل فإنه يزيد على ذلك في حقه نفي النسب ولحاق الولد وزوال الفراش. وقال مالك بعد فراغ المرأة وتظهر فائدة الخلاف في التوارث لو مات أحدهما عقب فراغ الرجل وفيما إذا علق طلاق امرأة بفراق أخرى ثم لاعن الأخرى.

2 - باب: {والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين} [النور: 7]

وقال أبو حنيفة لا تقع حتى يوقعها الحاكم لظاهر ما وقع في أحاديث اللعان وتكون فرقة طلاق. وعن أحمد روايتان وقول النووي في شرح مسلم كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها هو كلام مستقل وقوله فطلقها أي ثم عقب ذلك لأنه ظن أن اللعان لا يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق فقال هي طالق ثلاثًا فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لا سبيل لك عليها" أي لا ملك لك عليها فلا يقع طلاقًا تعقبه في الفتح بأنه يوهم أن قوله لا سبيل لك عليها وقع منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عقب قول الملاعن هي طالق ثلاثًا، وأنه موجود كذلك في حديث سهل بن سعد الذي شرحه وليس كذلك فإن قوله لا سبيل لك عليها لم يقع في حديث سهل وإنما وقع في حديث ابن عمر عقب قوله: الله يعلم أن أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها وقال الخطابي لفظ فطلقها يدل على وقوع الفرقة باللعان ولولا ذلك لصارت في حكم المطلقات وأجمعوا على أنها ليست في حكمهن فلا يكون له مراجعتها إن كان الطلاق رجعيًا ولا يحل له أن يخطبها إن كان بائنًا وإنما اللعان فرقة فسخ. (فكانت) أي الفرقة بينهما (سنّة لمن كان بعدهما في المتلاعنين) فلا يجتمعان بعد الملاعنة. وقال ابن عبد البر أبدى له بعض أصحابنا فائدة وهو أن لا يجتمع ملعون مع غير ملعون لأن أحدهما ملعون في الجملة بخلاف ما إذا تزوّجت المرأة غير اللاعن فإنه لا يتحقق، وعورض بأنه لو كان كذلك لامتنّع عليهما معًا التزويج لأنه يتحقق أن أحدهما ملعون ويمكن أن يجاب بأن في هذه الصورة افتراقًا في الجملة وفي رواية الباب الآتي من طريق فليح عن الزهري فكانت سنة أن يفرق بين المتلاعنين وكانت حاملًا فأنكر حملها. (ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: انظروا فإن جاءت به) أي بالولد لدلالة السياق عليه (أسحم) بفتح الهمزة وسكون السين وفتح الحاء المهملتين آخره ميم أي أسود (أدعج العينين) بالعين المهملة والجيم أي شديد سواد الحدقة (عظيم الأليتين) بفتح الهمزة أي العجز (خدلج الساقين) بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة واللام المشددة آخره جيم أي عظيمهما (فلا أحسب عويمرًا إلا قد صدق عليها وإن جاءت به أحيمر) بضم الهمزة وفتح الحاء المهملة وكسر الميم مصغر أحمر وقول صاحب التنقيح أن الصواب صرف أحيمر وهو الأبيض تعقبه في المصابيح فقال: عدم الصرف كما في المتن هو الصواب وما ادعى هو أنه عين الصواب هو عين الخطأ (كأنه وحرة) بفتح الواو والحاء المهملة والراء دويبة تترامى على الطعام واللحم فتفسده وهي من أنواع الوزغ وشبهه بها لحمرتها وقصرها (فلا أحسب عويمرًا إلا قد كذب عديها فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولغير أبي ذر نعت به رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تصديق عويمر) وفي باب التلاعن في المسجد من طريق ابن جريج عن الزهري فجاءت به على المكروه من ذلك (فكان) أي الولد (بعد ينسب إلى أمه) فاعتبر الشبه من غير حكم به لأجل ما هو أقوى من الشبه وهو الفراش كما فعل في وليدة زمعة وإنما يحكم بالشبه وهو حكم القافة إذا استوت العلائق كسيدين وطئا في طهر. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الطلاق والتفسير والاعتصام والأحكام والمحاربين والتفسير أيضًا ومسلم في اللعان وأبو داود في الطلاق وكذا النسائي وابن ماجه. 2 - باب: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 7] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({والخامسة}) أي والشهادة الخامسة ({أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين}) [النور: 7] فيما رمى به زوجته من الزنا وهذا لعان الرجل وحكمه سقوط حد القذف وحصول الفرقة بينهما بنفسه فرقة فسخ في مذهبنا لقوله عليه السلام المروي في البيهقي وغيره: المتلاعنان لا يجتمعان أبدًا، وعند أبي حنيفة -رحمه الله- بتفريق الحاكم فرقة طلاق ونفي الولد إن تعرض له فيه وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4746 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا رَأَى مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمَا مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ التَّلاَعُنِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ قُضِيَ فِيكَ وَفِي امْرَأَتِكَ» قَالَ: فَتَلاَعَنَا وَأَنَا شَاهِدٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَفَارَقَهَا فَكَانَتْ سُنَّةً أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ، وَكَانَتْ حَامِلًا فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا وَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى إِلَيْهَا ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي الْمِيرَاثِ أَنْ يَرِثَهَا وَتَرِثَ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (سليمان بن داود) العتكي (أبو الربيع) الزهراني المقرئ البصري قال: (حدّثنا فليح) بضم

3 - باب قوله: {ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين} [النور: 8]

الفاء وفتح اللام آخره حاء مهملة مصغرًا ابن سليمان الخزاعي وفليح لقبه واسمه عبد الملك (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سهل بن سعد) الساعدي -رضي الله عنه- (أن رجلًا) هو عويمر العجلاني (أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله أرأيت رجلًا) أي أخبرني عن حكم رجل (رأى مع امرأته رجلًا) استعمل الكناية ومقصوده معية خاصة وأنه كان وحده عند الرؤية (أيقتله) لأجل ما وقع مما لا يقدر على الصبر عليه غالبًا من الغيرة التي طبع عليها البشر (فتقتلونه) قصاصًا (أم كيف يفعل؟) أي أم يصبر على ما به من المضض فأم متصلة ويحتمل أن تكون منقطعة بمعنى الإضراب أي بل هنا حكم آخر (فأنزل الله) تعالى (فيهما) في عويمر وخولة زوجته (ما ذكر في القرآن من التلاعن فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قد قضي) بضم القاف وكسر الضاد المعجمة وفي نسخة قد قضى الله (فيك وفي امرأتك) بآية اللعان (قال) سهل (فتلاعنا) بعد أن قذفها وأنكرت لما سألها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وأنا شاهد) حاضر (عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ففارقها) فرقة مؤبدة (فكانت) أي الملاعنة (سنة أن يفرق) أي في التفريق (بين المتلاعنين) فأن مصدرية (وكانت حاملًا فأنكر) عويمر (حملها) زاد في رواية العباس بن سهل بن سعد عن أبيه عند أبي داود فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعاصم بن عدي: أمسك المرأة عندك حتى تلد (وكان ابنها) الذي وضعته بعد الملاعنة (يدعى إليها) لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألحقه بها لأنه متحقق منها فلو أكذب الزوج نفسه ثبت النسب ولزمه الحد ولم ترتفع الحرمة المؤبدة (ثم جرت السنة في الميراث أن يرثها) ولدها الذي نفاه زوجها بالملاعنة (وترث) هي (منه ما فرض الله لها) والظاهر أن هذا من قول سهل حيث قال فتلاعنا الخ. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله فأنزل الله فيهما. 3 - باب قَوْلِهِ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 8] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ويدرأ عنها}) أي عن المقذوفة ({العذاب}) أي الحد ({أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين}) [النور: 8] فيما رماني به وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4747 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْبَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ؟ فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْبَيِّنَةَ وَإِلاَّ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» فَقَالَ هِلاَلٌ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ، فَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الْحَدِّ. فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا. فَجَاءَ هِلاَلٌ فَشَهِدَ. وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ»؟ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ، فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا وَقَالُوا: إِنَّهَا مُوجِبَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَتَلَكَّأَتْ وَنَكَصَتْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهَا تَرْجِعُ، ثُمَّ قَالَتْ: لاَ أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ. فَمَضَتْ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَبْصِرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ سَابِغَ الأَلْيَتَيْنِ خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ فَهْوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ» فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْلاَ مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن بشار) بفتح الموحدة والشين المعجمة المشددة بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد واسم أبي عدي إبراهيم البصري (عن هشام بن حسان) منصرف وغير منصرف الأزدي القردوسي بضم القاف وسكون الراء وضم الدال البصري أنه قال: (حدّثنا عكرمة) بن عبد الله البربري مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن هلال بن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية الواقفي بكسر القاف والفاء الأنصاري أحد الثلاثة المتخلفين عن غزوة تبوك وتيب عليهم (قذف امرأته) خولة بنت عاصم كما رواه ابن منده وكانت حاملًا (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشريك ابن سحماء) بفتح السين وسكون الحاء المهملتين ممدودًا اسم أمه. وفي تفسير مقاتل أنها كانت حبشية وقيل يمانية واسم أبيه عبدة بن معتب أو مغيث ولا يمتنع أن يتهم شريك ابن سحماء بهذه المرأة وامرأة عويمر معًا، وأما قول ابن الصباغ في الشامل أن المزني ذكر في المختصر أن العجلاني قذف زوجته بشريك ابن سحماء وهو سهو في النقل، وإنما القاذف لشريك هلال بن أمية فلعله لم يعرف مستند المزني في ذلك، وقد سبق في الباب الذي قبله مستند ذلك فليلتفت إليه والجمع ممكن فيتعين المصير إليه وهو أولى من التغليظ على ما لا يخفى. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: البيّنة) بالنصب بتقدير أحضر البينة (أو حدّ) بالرفع أي أتحضر البينة أو يقع حد (في ظهرك) أي على ظهرك كقوله لأصلبنكم في جذوع النخل (فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلًا ينطلق) حال كونه (يلتمس البينة) أي يطلبها (فجعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: البينة وإلا حدّ في ظهرك فقال هلال والذي بعثك بالحق إني لصادق فلينزلن الله) بفتح اللام وضم التحتية وسكون النون (ما يبرئ

ظهري من الحدّ) في موضع نصب بقوله فلينزلن الله (فنزل جبريل) عليه السلام (وأنزل عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({والذين يرمون أزواجهم}) فقرأ حتى بلغ ({إن كان من الصادقين}) أي فيما رماها الزوج به (فانصرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأرسل إليها) أي إلى خولة بنت عاصم زوج هلال فحضرت بين يديه (فجاء هلال فشهد) أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به. والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين في الرمي (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: إن الله يعلم أن أحدكما كاذب). قال القاضي عياض، وتبعه النووي في قوله أحدكما رد على من قال من النحاة إن لفظ أحد لا يستعمل إلا في النفي وعلى من قال منهم لا يستعمل إلا في الوصف وأنه لا يوضع في موضع واحد ولا يقع موقعه وقد أجازه المبرد وجاء في هذا الحديث في غير وصف ولا نفي بمعنى واحد اهـ. وتعقب الفاكهاني ذلك فقال: هذا من أعجب ما وقع للقاضي عياض مع براعته وحذقه فإن الذي قاله النحاة إنما هو في أحد التي للعموم نحو ما في الدار من أحد وما جاءني من أحد وأما أحد بمعنى واحد فلا خلاف في استعمالها في الإثبات نحو قل هو الله أحد ونحوه فشهادة أحدهم ونحو أحدكما كاذب. (فهل منكما تائب)؟ عرض لهما بالتوبة بلفظ الاستفهام لإبهام الكاذب منهما فلذلك لم يقل لهما توبا ولا لأحدهما بعينه تب ولا قال ليتب الكاذب منكما وزاد جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عند الطبري والحاكم والبيهقي فقال هلال: الله إني لصادق (ثم قامت) أي زوجته (فشهدت) أي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به (فلما كانت عند) المرّة (الخامسة وقفوها) بتشديد القاف ولأبي ذر وقفوها بتخفيفها (وقالوا: إنها موجبة) للعذاب الأليم إن كنت كاذبة. (قال ابن عباس) بالسند السابق: (فتلكأت) بهمزة مفتوحة بعد الكاف المشددة بوزن تفعلت أي تباطأت عن ذلك (ونكصت) أي أحجمت (حتى ظننا أنها ترجع) عن مقالتها في تكذيب الزوج ودعوى البراءة عما رماها به (ثم قالت: لا أفضح) بفتح الهمزة والمعجمة (قومي سائر اليوم) أي جميع الأيام أيام الدهر أو فيما بقي من الأيام بالأعراض عن اللعان والرجوع إلى تصديق الزوج وأريد باليوم الجنس ولذلك أجراه مجرى العام (فمضت) أي في تمام اللعان (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أبصروها) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وكسر المهملة (فإن جاءت به) أي الولد (أكحل العينين) أي شديد سواد جفونهما خلقة من غير اكتحال (سابغ الأليتين) أي غليظهما (خدلج الساقين) بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة وبعد اللام المشددة جيم عظيمهما (فهو لشريك ابن سحماء فجاءت به كذلك، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لولا ما مضى من كتاب الله) في آية اللعان (لكان لي ولها شأن) في إقامة الحدّ عليها وفي ذكر الشأن وتنكيره تهويل عظيم لما كان يفعل بها أي لفعلت بها لتضاعف ذنبها ما يكون عبرة للناظرين وتذكرة للسامعين. قال الكرماني، فإن قلت: الحديث الأول يدل على أن عويمرًا هو الملاعن والآية نزلت فيه والولد شابهه والثاني أن هلالًا هو الملاعن والآية نزلت فيه والولد شابهه. وأجاب بأن النووي قال: اختلفوا في نزول آية اللعان هل هو بسبب عويمر أم بسبب هلال؟ والأكثرون أنها نزلت في هلال، وأما قوله عليه الصلاة والسلام لعويمر: إن الله قد أنزل فيك وفي صاحبتك، فقالوا معناه الإشارة إلى ما نزل في قصة هلال لأن ذلك حكم عام لجميع الناس ويحتمل أنها نزلت فيهما جميعًا فلعلهما سألا في وقتين متقاربين فنزلت الآية فيهما وسبق هلال باللعان. اهـ. قال في الفتح: ويؤيد التعدد أن القائل في قصة هلال سعد بن عبادة كما أخرجه أبو داود والطبري والقائل في قصة عويمر عاصم بن عدي كما في حديث سهل السابق ولا مانع أن تتعدّد القصص ويتحد النزول وجنح القرطبي إلى تجويز نزول الآية مرتين وأنكر جماعة

4 - باب قوله: {والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} [النور: 9]

ذكر هلال فيمن لاعن والصحيح ثبوت ذلك وكيف يجزم بخطأ حديث ثابت في الصحيحين بمجرد دعوى لا دليل عليها. وقول النووي في تهذيبه اختلفوا في الذي وجد مع امرأته رجلًا وتلاعنا على ثلاثة أقوال: هلال بن أمية، أو عاصم بن عدي، أو عويمر العجلاني؟ قال الواحدي: أظهر هذه الأقوال أنه عويمر لكثرة الأحاديث، واتفقوا على أن الموجود زانيًا شريك ابن سحماء تعقبوه بأن قصتي ملاعنة عويمر وهلال ثبتتا فكيف يختلف فيهما، وإنما المختلف فيه سبب نزول الآية في أيهما، وقد سبق تقريره وبأن عاصمًا لم يلاعن قط وإنما سأل لعويمر العجلاني عن ذلك وبأن قوله: واتفقوا على أن الموجود زانيًا شريك ممنوع إذ لم يوجد زانيًا وإنما هم اعتقدوا ذلك ولم يثبت ذلك في حقه في ظاهر الحكم فصواب العبارة أن يقال واتفقوا على أن المرمي به شريك ابن سحماء. وهذا الحديث قد مرّ في باب إذا ادعى أو قذف فله أن يلتمس البيّنة من كتاب الشهادات. 4 - باب قَوْلِهِ: {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 9] (باب قوله) عز وجل ({والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين}) [النور: 9] فيما رماها به وخصها بالغضب لأن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله ورميها بالزنا إلا وهو صادق معذور وهي تعلم صدقه فيما رماها به فلذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه وسقط باب قوله لغير أبي ذر. 4748 - حَدَّثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَمِّي الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَنَّ رَجُلًا رَمَى امْرَأَتَهُ فَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَلاَعَنَا كَمَا قَالَ اللَّهُ، ثُمَّ قَضَى بِالْوَلَدِ لِلْمَرْأَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ. [الحديث 4748 - أطرافه في: 5306، 5313، 5314، 5315، 6748]. وبه قال: (حدّثنا مقدم بن محمد بن يحيى) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الدال المفتوحة الهلالي الواسطي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (عمي القاسم بن يحيى عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمرو بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب قال البخاري (وقد سمع) القاسم (منه) أي من عبيد الله (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلًا) هو عويمر العجلاني (رمى امرأته) بالزنا (فانتفى من ولدها في زمن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمر بهما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتلاعنا كما قال الله) تعالى في كتابه ({والذين} -إلى قوله- {والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} ثم قضى)، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بالولد للمرأة) واستدلّ به على مشروعية اللعان لنفي الولد بمجرّد اللعان ولو لم يتعرض الرجل لذكره في اللعان وفيه نظر لأنه لو استلحقه لحقه وإنما يؤثر اللعان بالرجل دفع حد القذف عنه وثبوت زنا المرأة ثم يرتفع عنها الحد بالتعانها. وقال الشافعي إن نفى الولد في الملاعنة انتفى وإن لم يتعرض له فله أن يعيد اللعان لانتفائه ولا إعادة على المرأة وإن أمكنه الرفع إلى الحاكم فأخره بغير عذر حتى ولدت لم يكن له أن ينفيه. (وفرّق) عليه الصلاة والسلام (بين المتلاعنين) تمسك به الحنفية أن بمجرد اللعان لا يحصل التفريق ولا بدّ من حكم حاكم وحمله الجمهور على أن المراد الإفتاء والخبر عن حكم الشرع بدليل قوله في الرواية الأخرى لا سبيل لك عليها وفرق بتشديد الراء يقال في الأجسام وبالتخفيف في المعاني. وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في اللعان وغيره بعون الله وقوّته. 5 - باب قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاَ تَحْسِبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11] هذا (باب) بالتنوين (قوله) تعالى ({إن الذين جاؤوا بالإفك}) في أمر عائشة ({عصبة}) جماعة من العشرة إلى الأربعين ({منكم}) أيها المؤمنون يريد عبد الله بن أبي وكان من جملة من حكم له بالإيمان ظاهرًا وزيد بن رفاعة وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم ({لا تحسبوه شرًّا لكم}) الضمير للإفك والخطاب للرسول وأبي بكر وعائشة وصفوان لتأذيهم بذلك ({بل هو خير لكم}) لما فيه من جزيل ثوابكم وإظهار شرفكم وبيان فضلكم من حيث نزلت فيكم ثماني عشرة آية في براءتكم وتهويل الوعيد للقاذفين ونسبتهم إلى الإفك ({لكل امرئ منهم}) من أهل الإفك ({ما اكتسب من الإثم}) أي لكل منهم جزاء ما اكتسبه من العقاب في الآخرة والمذمة في الدنيا بقدر ما خاض فيه مختصًا به ({والذي تولى كبره}) معظمه بإشاعته ({منهم}) أي من الخائضين ({له

6 - باب: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا} -إلى قوله- {الكاذبون} [النور: 12، 13]

عذاب عظيم}) [النور: 11] في الآخرة أو في الدنيا بأن جلدوا، وصار ابن أبي مطرودًا مشهورًا بالنفاق، وحسان أعمى أشل اليدين، ومسطح مكفوف البصر وسقط لأبي ذر لا تحسبوه الخ. (أفاك) قال أبو عبيدة أي (كذاب) وقيل هو أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء وسمي إفكًا لكونه مصروفًا عن الحق من قولهم أفك الشيء إذا قلبه عن وجهه. 4749 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} قَالَتْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) في قوله تعالى: ({والذي تولى كبره} قالت) هو (عبد الله بن أبيّ) بالتنوين (ابن سلول) برفع ابن لأنه صفة لعبد الله لا لأبي وسلول غير منصرف للتأنيث والعلمية لأنها أمه والمراد من إضافة الكبر إليه أنه كان مبتدئًا به وقيل لشدّة رغبته في إشاعة تلك الفاحشة. 6 - باب: {لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} -إِلَى قَوْلِهِ- {الْكَاذِبُونَ} [النور: 12، 13] هذا (باب) بالتنوين في قوله عز وجل: ({لولا}) تحضيضية أي هلا ({إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرًا} -إلى قوله- {الكاذبون}) [النور: 12، 13] بأنفسهم أي الذين منهم من المؤمنين والمؤمنات كقوله: {ولا تلمزوا أنفسكم} [الحجرات: 11]. فإن قلت: لم عدل عن الخطاب إلى الغيبة في قوله وقالوا هذا إفك ولم يقل وقلتم وعن المضمر إلى المظهر والخطاب إلى الغيبة والمفرد إلى الجمع في قوله (ظن المؤمنون والمؤمنات) ولم يقل ظننتم بها أي بعائشة على الأصل لأن المخاطب من بحضرة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وخلاصة الجواب كما قال في مفاتيح الغيب أن في العدول من الخطاب إلى الغيبة توبيخ المخاطبين بطريق الالتفات ومعاتبة شديدة وإبعادًا من مقام الزلفى أي كيف سمعوا ما لا ينبغي الإصغاء إليه، فضلًا عن أن يتفوّهوا به، وفي العدول من المضمر إلى المظهر الدلالة على أن صفة الإيمان جامعة لهم فينبغي لمن اشترك فيها أن لا يسمع فيمن شاركه فيها قول عائب ولا طعن طاعن لأن عيب أخيه عيبه والطعن في أخيه طعن فيه. وسياق هذه الآية هنا ثابت لأبي ذر فقط وفي رواية غيره ولولا وهلا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أي ما ينبغي وما يصح لنا أن نتكلم بهذا القول المخصوص أو بنوعه فإن قذف آحاد الناس محرم شرعًا لا سيما الصدّيقة ابنة الصدّيق حرمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبحانك معناه التعجب {هذا بهتان عظيم} [النور: 16] أي كذب عظيم يبهت ويتحير من عظمته لولا هلا جاؤوا عليه أي على ما زعموا بأربعة شهداء يشهدون على معاينتهم ما رموها به فإذا لم يأتوا بالشهداء يشهدون على ما قالوا فأولئك عند الله أي في حكمه هم الكاذبون فيما قالوه، وهذا ساقط لأبي ذر. 4750 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِمَّا قَالُوا، وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ، الَّذِي حَدَّثَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَهُ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ مَا نَزَلَ الْحِجَابُ فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ. فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ، فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي وَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ. وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي، فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ رَكِبْتُ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُثْقِلْهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا تَأْكُلُ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلاَ مُجِيبٌ. فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ. فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَدْلَجَ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي، فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي، وَاللَّهِ مَا كَلَّمَنِى كَلِمَةً وَلاَ سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدَيْهَا فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الإِفْكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، لاَ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهْوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللَّطَفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي، إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ: «كَيْفَ تِيكُمْ» ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَذَاكَ الَّذِي يَرِيبُنِي وَلاَ أَشْعُرُ بِالشَّرّ، حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَ مَا نَقَهْتُ فَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، وَهْوَ مُتَبَرَّزُنَا وَكُنَّا لاَ نَخْرُجُ إِلاَّ لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِي التَّبَرُّزِ قِبَلَ الْغَائِطِ، فَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهْيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ بَيْتِي قَدْ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟ قَالَتْ: أَيْ هَنْتَاهُ، أَوَ لَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: وَمَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضِي. قَالَتْ: فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَعْنِى سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «كَيْفَ تِيكُمْ»؟ فَقُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِي أَبَوَيَّ، قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، قَالَتْ فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ، فَقُلْتُ لأُمِّي: يَا أُمَّتَاهْ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكَ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلاَّ كَثَّرْنَ عَلَيْهَا. قَالَتْ فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَلَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ حَتَّى أَصْبَحْتُ أَبْكِي، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ -رضي الله عنهما- حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَأْمِرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ. قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ لَهُمْ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْوُدِّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَهْلَكَ، وَمَا نَعْلَمُ إِلاَّ خَيْرًا. وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ. قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَرِيرَةَ، فَقَالَ: «أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ عَلَيْهَا مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ»؟ قَالَتْ بَرِيرَةُ: لاَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَعْذَرَ يَوْمَئِذٍ مِنْ

كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-إذا أراد أن يخرج) زاد معمر عند ابن ماجه سفرًا أي سفر (أقرع بين أزواجه) تطييبًا لقلوبهنّ (فأيتهنّ) بتاء التأنيث (خرج سهمها خرج بها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معه) في السفر (قالت عائشة فأقرع بيننا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في غزوة غزاها) هي غزوة بني المصطلق (فخرج سهمي) وعند ابن إسحاق فخرج سهمي عليهنّ وهو يشعر بأنه لم يخرج معه حينئذٍ غيرها (فخرجت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ما نزل الحجاب) أي الأمر به (فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه) بضم همزة أحمل وأنزل مع التخفيف مبنيًا للمفعول فيهما (فسرنا) إلى بني المصطلق (حتى إذا فرغ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غزوته تلك) وغنم أموالهم وأنفسهم (وقفل) أي رجع (ودنونا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي دنونا بغير واو أي قربنا (من المدينة) حال كوننا (قافلين) أي راجعين (آذن) بالمدّ والتخفيف أعلم (ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت) لقضاء حاجتي منفردة (حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني) الذي توجهت له (أقبلت إلى رحلي فإذا عقد لي) بكسر العين (من جزع ظفار) بفتح الجيم وسكون الزاي المعجمة مضافًا لظفار وهو بالظاء المعجمة والفاء وبعد الألف راء مكسورة مبنيًّا كحضار مدينة باليمن وفي رواية أبي ذر أظفار بالهمزة المفتوحة وتنوين الراء (قد انقطع) زاد في رواية فرجعت إلى المكان الذي ذهبت إليه (فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه) أي طلبه (وأقبل) ولأبي ذر فأقبل بالفاء بدل الواو (الرهط الذين كانوا يرحلون لي) بفتح التحتية وسكون الراء وفتح الحاء المهملة مع التخفيف أي يشدون الرحل على بعيري سمى الواقدي منهم أبا مويهبة مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فاحتملوا هودجي فرحلوه) بالتخفيف (على بعيري الذي كنت ركبت) أي عليه (وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافًا لم يثقلهن اللحم) بضم التحتية وكسر القاف (إنما تأكل) المرأة منهن (العلقة) بضم العين وسكون اللام وبالقاف القليل (من الطعام) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يأكلهن أي النساء وفي نسخة نأكل بنون أوّله ولام آخره فقط وعزاها في الفتح للكشميهني (فلم يستنكر القوم) بالرفع (خفة الهودج) وفي رواية فليح في الشهادات: ثقل الهودج والأوّل أوضح لأن مرادها إقامة عذرهم في تحميل هودجها وهي ليست فيه فكأنها تقول كانت لخفة جسمها بحيث إن الذين يحملون هودجها لا فرق عندهم بين وجودها فيه وعدمها. (حين رفعوه) وفي الفرع حتى ولعلها سبق قلم فإن الذي في اليونينية حين وهو ظاهر. (وكنت جارية حديثة السن) لأنها إذ ذاك لم تبلغ خمس عشرة سنة أي أنها مع نحافتها صغيرة السن ففيه إشارة إلى المبالغة في خفتها أو إلى بيان عذرها فيما وقع منها من الحرص على العقد الذي انقطع واشتغلت بالتماسه من غير أن تعلم أهلها بذلك وذلك لصغر سنها وعدم تجاربها (فبعثوا الجمل) أي أثاروه (وساروا) أي وهم يظنون أنها عليه (فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش) استفعل من مر (فجئت منازلهم) بالجمع التي كانوا نازلين بها (وليس بها داع ولا مجيب) وفي رواية فليح فجئت منزلهم وليس فيه أحد (فأممت) بتشديد الميم الأولى في الفرع وفي اليونينية كشط موضع الشدة. قال الحافظ ابن حجر: وهي رواية أبي ذر هنا وفي نسخة فأممت بتخفيفها أي قصدت (منزلي الذي كنت به) قبل (وظننت أنهم سيفقدوني) بكسر القاف ونون واحدة والظن هنا بمعنى العلم لأن فقدهم إياها محقق قطعًا وهو معلوم عندها وفي نسخة سيفقدوني بفتح القاف ولأبي ذر سيفقدونني بنونين لعدم الناصب والجازم والأولى لغة (فيرجعون إليّ فبينا) بغير ميم (أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت) بسبب شدة الغم إذ من شأن الغم وهو وقوع ما يكره غلبة النوم بخلاف الهم وهو توقع ما يكره فإنه يقتضي السهر. (وكان صفوان بن المعطل) بتشديد الطاء المفتوحة

(السلمي) بضم السين وفتح اللام (ثم الدكواني) بفتح الذال المعجمة الصحابي الفاضل (من وراء الجيش) وفي رواية معمر قد عرس من وراء الجيش (فأدلج) بسكون الدال المهملة أي سار من أوّل الليل وبتشديدها من آخره وحينئذٍ فالذي هنا ينبغي أن يكون بالتشديد لأنه كان في آخر الليل لكن التخفيف هو الذي رويناه (فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم) لا يدري أهو رجل أو امرأة (فأتاني فعرفني حين رآني) لعلها انكشف وجهها لما نامت (وكان يراني) ولأبي ذر وكان رآني (قبل) نزول (الحجاب فاستيقظت باسترجاعه) بقوله إنا لله وإنا إليه راجعون (حين عرفني فخمرت) بالخاء المعجمة والميم المشدّدة أي غطيت (وجهي بجلبابي) تعني الثوب الذي كان عليها وهو بكسر الجيم (والله) ولأبي ذر ووالله (ما كلمني كلمة) ولأبي ذر ما يكلمني بصيغة المضارع إشارة إلى أنه استمر منه ترك المخاطبة وهو أحسن من الأولى إذ الماضي يخص النفي بحال الاستيقاظ (ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته) فيه نفي لكلامه لها بغير الاسترجاع إلى أن أناخ ولا يمنع ما بعد الإناخة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي حين فالنفي مقيد بحال إناخة الراحلة فلا يمنع ما قبل الإناخة ولا ما بعدها وفي رواية ابن إسحاق أنه قال لها ما خلفك وأنه قال لها اركبي واستأخر. وفي حديث ابن عمر عند الطبراني وابن مردويه: فلما رآني ظن أني رجل فقال يا نومان قم فقد سار الناس، وفي مرسل سعيد بن جبير عند ابن أبي حاتم فاسترجع ونزل عن بعيره وقال ما شأنك يا أم المؤمنين فحدثته بأمر القلادة. (فوطئ على يديها) بالتثنية أي يدي الناقة ليكون أسهل لركوبها ولأبي ذر على يدها (فركبتها فانطلق) حال كونه (يقود بي الراحلة) وفي مرسل مقاتل بن حيان بالمهملة والتحتية عند الحاكم في الإكليل أنه ركب معها مردفًا لها وما في الصحيح هو الصحيح (حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا) حال كونهم (موغرين) بضم الميم وكسر الغين المعجمة والراء المهملة أي نازلين في وقت الوغرة بفتح الواو وسكون الغين المعجمة شدة الحر وقت كون الشمس في كبد السماء (في نحر الظهيرة) بالحاء المهملة والظهيرة بفتح المعجمة وكسر الهاء حيث تبلغ الشمس منتهاها من الارتفاع كأنها وصلت إلى النحر وهو أعلى المصدر وهو تأكيد لقوله موغرين (فهلك) أي بسبب الإفك (من هلك) أي في شأني وفي رواية أبي أويس عند الطبراني فهنالك قال فيّ وفيه أهل الإفك ما قالوا (وكان الذين تولى الإفك) رأس المنافقين (عبد الله بن أبي) بالتنوين (ابن سلول) بنصب ابن صفة لعبد الله وسلول بفتح السين غير منصرف للعلمية والتأنيث (فقدمنا المدينة فاشتكيت) أي مرضت (حين قدمت شهرًا والناس يفيضون) بضم أوّله (في قول أصحاب الإفك) أي يشيعونه (لا أشعر بشيء من ذلك) وفي رواية ابن إسحاق: وقد انتهى الحديث إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإلى أبويّ ولا يذكرون لي شيئًا من ذلك (وهو يريبني) بفتح أوّله من الثلاثي وبضمه من الرباعي يقال رابه وأرابه أي يشككني ويوهمني (في وجعي أني لا أعرف من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللطف) بفتح اللام والطاء المهملة والفاء ولأبي ذر اللطف بضم اللام وسكون الطاء أي الرفق (الذي كنت أرى منه حين أشتكي) أمرض (إنما يدخل علي) بتشديد الياء (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيسلم ثم يقول): (كيف تيكم) بكسر الفوقية وهو للمؤنث مثل ذاكم للمذكر ولابن إسحاق فكان إذا دخل قال لأمي وهي تمرضني كيف تيكم وفهمت أم المؤمنين من ذلك بعض الجفاء منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولكنها لم تكن تدري السبب (ثم ينصرف فذاك الذي يريبني) بفتح أوّله وكسر ثانيه (ولا أشعر بالشر) الذي تقوله أهل الإفك وسقط لفظ الشر لغير أبي ذر (حتى خرجت بعد ما نقهت) بفتح النون والقاف ويجوز كسرها أي أفقت من مرضي ولم تكمل لي الصحة (فخرجت معي أم مسطح) بكسر الميم وسكون السين وفتح الطاء

بعدها حاء مهملات واسمها سلمى (قبل المناصع) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة المناصع بفتح الميم والنون وبعد الألف صاد وعين مهملتان موضع خارج المدينة (وهو متبرزنا) بفتح الراء المشددة أي موضع قضاء حاجتنا (وكنا لا نخرج إلا ليلًا إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف) بضم الكاف والنون مواضع قضاء الحاجة (قريبًا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأوّل) بضم الهمزة وتخفيف الواو نعت للعرب (في التبرز قبل الغائط) وفي رواية فليح في البرية أي خارج المدينة بعيدًا عن المنازل (فكنا نتأذى بالكنف) برائحتها (أن نتخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا وأم مسطح) بكسر الميم (وهي ابنة أبي رهم) أنيس (بن عبد مناف) بضم الراء وسكون الهاء وفي رواية صالح عند المؤلّف في المغازي وهي ابنة أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف قال الحافظ ابن حجر وهو الصواب (وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق) واسمها رائطة فيما ذكره أبو نعيم (وابنها مسطح بن أثاثة) بضم الهمزة ومثلثتين بينهما ألف من غير تشديد ابن عباد بن المطلب (فأقبلت أنا وأم مسطح قبل) أي جهة (بيتي قد) ولأبي ذر وقد (فرغنا من شأننا فعثرت) بالفاء والعين والراء المفتوحات (أم مسطح في مرطها) بكسر الميم كسائها وهو من صوف أو خز أو كتان أو إزار (فقالت: تعس مسطح) بفتح العين قيده الجوهري وكلام ابن الأثير يقتضي أن الأعرف كسرها أي أكبه الله لوجهه أو هلك قالت عائشة (فقلت لها: بئسما قلت أتسبين رجلًا شهد بدرًا قالت: أي هنتاه) بفتح الهاء الأولى وسكون الأخيرة أي يا هذه (أو لم تسمعي ما قال؟ قالت) أي عائشة: (قلت: وما قال؟ قالت) أي عائشة: (فأخبرتني) أم مسطح (بقول أهل الإفك فازددت مرضًا على مرضي قالت: فلما رجعت إلى بيتي) وسقط لغير أبي ذر لفظ قالت من قوله قالت فأخبرتني ومن قوله قالت فلما رجعت إلى بيتي أي واستقريت فيه (ودخل عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تعني) أي عائشة (سلم) وسقط تعني سلم لأبي ذر (ثم قال: كيف تيكم؟ فقلت) له عليه الصلاة والسلام: (أتأذن لي أن آتي أبوي قالت وأنا حينئذٍ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما) من جهتهما (قالت: فأذن لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجئت أبوي فقلت لأمي) أم رومان (يا أمتاه) بسكون الهاء (ما يتحدث الناس) أي به ويتحدث بفتح أوّله (قالت: يا بنية هوّني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة) بالنصب على الحال ولأبي ذر وضيئة بالرفع صفة امرأة واللام في لقل للتأكيد أي حسنة جميلة (عند رجل يحبها ولها ضرائر) وسقطت الواو لأبي ذر (إلا كثّرن) بتشديد المثلثة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إلا أكثرن نساء الزمان (عليها) القول في نقصها فالاستثناء منقطع أو إشارة إلى ما وقع من حمنة بنت جحش أخت أم المؤمنين زينب، فإن الحامل لها على ذلك كون عائشة ضرة أختها فالاستثناء متصل ولم تقصد أم رومان بقولها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها قصة عائشة بنفسها وإنما ذكرت شأن الضرائر عائشة وإن لم يصدر منهن شيء فلم يعدم ذلك ممن هو من أتباعهن كحمنة. (قالت) عائشة: (فقلت سبحان الله) تعجبت من وقوع مثل ذلك في حقها مع تحققها براءتها (ولقد) ولأبي ذر أو لقد (تحدث الناس بهذا قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ) بالقاف والهمزة أي لا ينقطع (لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي) لأن الهموم موجبة للسهر وسيلان الدموع (فدعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد -رضي الله عنهما- حين استلبث الوحي) بالرفع أي طال لبثه أو بالنصب أي استبطأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-الوحي (يستأمرهما) أي يستشيرهما (في فراق أهله) تعني نفسها (قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالذي يعلم من براءة أهله) مما يذكر (وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود فقال: يا رسول الله) أمسك (أهلك) بالنصب ولأبي ذر أهلك بالرفع أي هم أهلك (وما)

ولأبي ذر ولا (نعلم إلا خيرًا. وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير) بلفظ التذكير على إرادة الجنس وفعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث أفرادًا وجميعًا، وقال ذلك لما رأى منه عليه الصلاة والسلام من شدة القلق فرأى أن بفراقها يسكن ما عنده بسببها فإذا تحقق براءتها فيراجعها (وإن تسأل الجارية) بريرة (تصدقك) الخبر بالجزم على الجزاء. (قالت) عائشة (فدعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بريرة) واستشكل قوله الجارية بريرة بأن قصة الإفك قبل شراء بريرة وعتقها لأنه كان بعد فتح مكة وهو قبله لأن حديث الإفك كان في سنة ست أو أربع وعتق بريرة كان بعد فتح مكة في السنة التاسعة أو العاشرة لأن بريرة لما خيرت واختارت نفسها كان زوجها مغيث يتبعها في سكك المدينة يبكي عليها فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للعباس: "يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة" والعباس إنما سكن المدينة بعد رجوعهم من الطائف في أواخر سنة ثمان وفي ذلك ردّ على ابن القيم حيث قال تسميتها بريرة وهم من بعض الرواة فإن عائشة إنما اشترت بريرة بعد الفتح، ولما كاتبتها عقيب شرائها وعتقت خيرت فاختارت نفسها فظن الراوي أن قول علي وإن تسأل الجارية تصدقك أنها بريرة فغلط قال: وهذا نوع خاص غامض لا يتنبه له إلا الحذاق. اهـ. وتبعه الزركشي فقال إن تسمية الجارية بريرة مدرجة من بعض الرواة وإنها جارية أخرى، وأجاب الشيخ تقي الدين السبكي بأجوبة أحسنها احتمال أنها كانت تخدم عائشة قبل شرائها وهذا أولى من دعوى الإدراج وتغليط الحفاظ. (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أي بريرة هل رأيت) عليها (من شيء يريبك؟) بفتح أوله من جنس ما قال أهل الإفك (قالت بريرة) مجيبة له على العموم نافية عنها كل نقص (لا والذي بعثك بالحق إن رأيت) بكسر الهمزة أي ما رأيت (عليها أمرًا أغمصه) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وكسر الميم وصاد مهملة صفة لأمر أي أعيبه (عليها) في جميع أحوالها (أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها) لصغر سنها ورطوبة بدنها (فتأتي الداجن) بدال مهملة وبعد الألف جيم مكسورة فنون الشاة التي تقتنى في البيت وتعلف وقد يطلق على غيرها مما يألف البيوت من الطير وغيره (فتأكله) قال ابن المنير في الحاشية: هذا من الاستثناء البديع الذي يراد به المبالغة في نفي العيب كقوله: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهنّ فلول من قراع الكتائب فغفلتها عن عجينها أبعد لها من مثل الذي رميت به وأقرب إلى أن تكون به من المحصنات الغافلات المؤمنات، وتعقبه البدر الدماميني فقال ليس في الحديث صورة استثناء بسوى ولا غيرها من أدواته وإنما فيه إن رأيت عليها أمرًا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية الخ لكن معنى هذا قريب من معنى الاستثناء. اهـ. نعم قولها في رواية هشام بن عروة فيما يأتي إن شاء الله تعالى قريبًا فى هذه السورة ما علمت منها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر استثناء صريح في نفي العيب عنها وفي رواية عبد الرحمن بن حاطب عن علقمة عند الطبراني فقالت الجارية الحبشية والله لعائشة أطيب من الذهب ولئن كانت صنعت ما قال الناس ليخبرنك الله قال فعجب الناس من فقهها. (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستعذر) بالذال المعجمة (يومئذٍ من عبد الله بن أبي ابن سلول قالت) عائشة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو على المنبر: يا معشر المسلمين) بسكون العين (من يعذرني) بفتح أوله وكسر المعجمة أي من يقيم عذري إن كافأته على قبح فعله أو من ينصرني (من رجل) يريد ابن أبيّ (قد بلغني أذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت على) ولأبي ذر في (أهلي إلا خيرًا ولقد ذكروا رجلًا) صفوان بن المعطل (ما علمت عليه إلا خيرًا وما كان يدخل على أهلي إلا معي فقام

سعد بن معاذ الأنصاري). واستشكل ذكر سعد بن معاذ هنا بأن حديث الإفك كان سنة ست في غزوة المريسيع وسعد مات من الرمية التي رميها بالخندق سنة أربع. وأجيب: بأنه اختلف في المريسيع، ففي البخاري عن موسى بن عقبة أنها سنة أربع وكذلك الخندق، وقد جزم ابن إسحاق بأن المريسيع كانت في شعبان والخندق في شوّال وإن كانا في سنة فلا يمتنع أن يشهدها ابن معاذ، لكن الصحيح في النقل عن موسى بن عقبة أن المريسيع سنة خمس، فالذي في البخاري حملوه على أنه سبق قلم والراجح أيضًا أن الخندق أيضًا سنة خمس فيصح الجواب. (فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه) بفتح الهمزة وكسر المعجمة (إن كان من الأوس) قبيلتنا (ضربت عنقه) لأن حكمه فيهم نافذ إذ كان سيدهم ولأن من آذاه عليه الصلاة والسلام وجب قتله (وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قالت) عائشة: (فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج) بعد فراغ ابن معاذ من مقالته (وكان قبل ذلك رجلًا صالحًا) كامل الصلاح لم يسبق منه ما يتعلق بالوقوف مع أنفة الحمية (ولكن احتملته) من مقالة ابن معاذ (الحمية) أي أغضبته وفي رواية معمر عند مسلم اجتهلته بجيم ففوقية فهاء وصوّبها التوربشتي أي حملته على الجهل (فقال لسعد) هو ابن معاذ: (كذبت لعمر الله) بفتح العين أي وبقاء الله (لا تقتله ولا تقدر على قتله) لأنا نمنعك منه ولم يرد ابن عبادة الرضا بقول ابن أبي لكن كان بين الحيين مشاحنة زالت بالإسلام وبقي بعضها بحكم الأنفة فتكلم ابن عبادة بحكم الأنفة ونفى أن يحكم فيه ابن معاذ (فقام أسيد بن حضير) بضم الهمزة وفتح السين المهملة وحضير بضم المهملة وفتح المعجمة مصغرين ولأبي ذر ابن الحضير (وهو ابن عم سعد) ولأبي ذر زيادة ابن معاذ أي من رهطه (فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه) بالنون ولو كان من الخزرج إذا أمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإنك منافق تجادل عن المنافقين) تفسير لقوله فإنك منافق فليس المراد نفاق الكفر (فتثاور) بفوقية فمثلثة (الحيان الأوس والخزرج) أي نهض بعضهم إلى بعض من الغضب (حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم على المنبر فلم يزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخفضهم حتى سكتوا) بالفوقية والواو ولأبي ذر سكت بحذف الواو أي سكت القوم (وسكت) عليه الصلاة والسلام. (قالت) عائشة (فمكثت) بالميم وضم الكاف من المكث ولأبي ذر عن الكشميهني فبكيت من البكاء (يومي ذلك لا يرقأ) بالهمزة أي لا ينقطع (لي دمع ولا أكتحل بنوم قالت فأصبح أبواي) أبو بكر وأم رومان (عندي وقد بكيت ليلتين ويومًا) الليلة التي أخبرتها فيها أم مسطح بالخبر واليوم الذي خطب فيه عليه الصلاة والسلام الناس والليلة التي تليه (لا أكتحل بنوم ولا يرقأ لي دمع يظنان) أبي وأمي (أن البكاء فالق كبدي قالت) عائشة: (فبينما) بالميم ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فبينا (هما جالسان) ولأبي ذر جالسين (عندي وأنا أبكي) جملة حالية (فاستأذنت علي امرأة من الأنصار) لم تسم (فأذنت لها فجلست تبكي معي) تحزّنًا عليّ. (قالت) عائشة (فبينا) بغير ميم (نحن على ذلك) وللكشميهني نحن كذلك (دخل علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلم ثم جلس قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني) أي بشيء (قالت: فتشهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين جلس ثم قال): (أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا) كناية عما رماها به أهل الإفك (فإن كنت بريئة) من ذلك (فسيبرئك الله) بوحي ينزله (وإن كنت ألممت بذنب) أي وقع منك مخالفًا لعادتك (فاستغفري الله وتوبي إليه) منه (فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله) منه (تاب الله عليه) وسقط لفظ الجلالة لأبي ذر (قالت: فلما قضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقالته قلص) بالقاف واللام والصاد المهملة المفتوحات انقطع (دمعي حتى ما أحس) أجد (منه قطرة) لأن الحزن والغضب

إذا أخذ أحدهما فقد الدمع لفرط حرارة المصيبة (فقلت لأبي أجب) عني (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما قال قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي أويس فقال لا أفعل هو رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والوحي يأتيه (فقلت لأمي: أجيبي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت) عائشة: (فقلت) ولأبي ذر قلت (وأنا جارية حديثة السن لا يقرأ كثيرًا من القرآن) هذا توطئة لعذرها في عدم استحضارها اسم يعقوب عليه السلام (إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به) قيل مرادها من صدق به من أصحاب الإفك وضمت إليهم من لم يكذبهم تغليبًا (فلئن) بفتح اللام وكسر الهمزة (قلت لكم إني بريئة والله يعلم أي بريئة لا تصدقوني) ولأبي ذر لا تصدقونني (بذلك) أي لا تقطعون بصدقي (ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني) بضم القاف وتشديد النون والأصل تصدقونني فأدغمت النون في الأخرى (والله ما أجد لكم) وفي رواية فليح في الشهادات لي ولكم (مثلًا إلا قول أبي يوسف) وفي رواية أبي أويس نسيت اسم يعقوب لما بي من البكاء واحتراق الجوف إذ (قال {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} قالت: ثم تحوّلت فاضطجعت على فراشي قالت وأنا حينئذٍ أعلم أني بريئة وأن الله يبرئني ببراءتي) يبرئني فعل مضارع في الفرع وغيره، والذي في اليونينية مصحح عليه مبرئي بميم مضمومة فموحدة مفتوحة فراء مشددة فهمزة مكسورتين فتحتية، وكذا هو في الفتح وعند السفاقسي مبرئني بنون بعد الهمزة المضمومة واستشكله بأن نون الوقاية إنما تدخل في الأفعال لتسلم من الكسر والأسماء تكسر فلا يحتاج إليها قال الحافظ ابن حجر: والذي وقفنا عليه مبرئي بغير نون وعلى تقدير وجود ما ذكر السفاقسي فقد سمع ذلك في بعض اللغات في اسم الفعل اهـ. نحو دراكني وتراكني وعليكني بمعنى أدركني واتركني والزمني وفي الحرف نحو انني. (ولكن) بتخفيف النون (والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيًا يتلى ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى ولكن) بتخفيف النون ولأبي ذر عن الكشميهني ولكنني وله عن الحموي والمستملي ولكني بالإدغام (كنت أرجو أن يرى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في النوم رؤيا يبرئني الله بها قالت: فوالله ما رام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي ما فارق مجلسه (ولا خرج أحد من أهل البيت) الذين كانوا حاضرين حينئذٍ (حتى أنزل عليه) الوحي (فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء) من العرق من شدة الوحي (حتى أنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق) بكسر الميم وسكون المثلثة مرفوعًا والجمان بضم الجيم وتخفيف الميم الدر قال: كجمانة البحري جاء بها ... غوّاصها من لجة البحر وقال الداودي: هو شيء كاللؤلؤ يصنع من الفضة والأول هو المعروف: (وهو في يوم شات من ثقل القول الذي ينزل عليه) بضم الياء وسكون النون وفتح الزاي وثقل بكسر المثلثة وفتح القاف. (قالت: فلما سري) بضم المهملة وكسر الراء مشدّدة كشف (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سري عنه وهو يضحك) سرورًا والجملة حالية (فكانت) ولأبي ذر عن الكشميهني فكان (أول) لم يضبط اللام من أوّل في الفرع ولا في أصله (كلمة تكلم بها يا عائشة أما الله عز وجل) بتشديد ميم أما (فقد برأك) بالقرآن مما قاله أهل الإفك فيك (فقالت) ولأبي ذر قالت (أمي) أم رومان (قومي إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأجل ما بشرك به (قالت) عائشة (فقلت والله) ولأبي ذر لا والله (لا أقوم إليه) وإلى الله صلاته وسلامه عليه (ولا أحمد إلا الله عز وجل) الذي أنزل براءتي (وأنزل الله) بالواو ولأبي ذر فأنزل الله (عز وجل {وإن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه} العشر الآيات كلها)

7 - باب قوله: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم} عذاب عظيم فيما أفضتم فيه وقال مجاهد {تلقونه} [النور: 15] يرويه بعضكم عن بعض {تفيضون}: تقولون

قال ابن حجر آخر العشر والله يعلم وأنتم لا تعلمون. اهـ. وأقول بل هي تسعة ولعله عد قوله: {لهم عذاب أليم} رأس آية وليس كذلك بل تشبه فاصلة وليس بفاصلة كما نص عليه غير واحد من العادّين وحينئذٍ فآخر العشر {رؤوف رحيم} وفي رواية عطاء الخراساني عن الزهري فأنزل الله {إن الذين جاؤوا بالإفك} -إلى قوله- {أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} وقول ابن حجر أن عدد الآي إلى هذا الموضع ثلاث عشرة آية فلعل في قولها العشر الآيات مجازًا بطريق إلغاء الكسر بناه على عد أليم كما مر فالصواب أنها اثنتا عشر. اهـ. فتأمل هذا التشريف والإكرام الناشئ عن فرط تواضعها واستصغارها نفسها حيث قالت ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ بوحي الخ فهذه صدّيقة الأمة تعلم أنها بريئة مظلومة وأن قاذفيها ظالمون لها مفترون عليها وهذا كان احتقارها لنفسها وتصغيرها لنفسها فما ظنك بمن صام يومًا أو يومين أو شهرًا أو شهرين أو قام ليلة أو ليلتين فظهر عليه شيء من الأحوال فلوحظ باستحقاق الكرامات والمكاشفات وإجابة الدعوات وأنه ممن يترك بلقائه ويغتنم صالح دعائه ويتمسح بأثوابه ويقبل ثرى أعتابه فعجب من جهله بنفسه وغفل عن جرمه واغتر بإمهال الله عليه، فينبغي للعبد أن يستعيذ الله أن يكون عند نفسه عظيمًا وهو عند الله حقير وسقط لا تحسبوه لأبي ذر. (فلما أنزل الله) تعالى (هذا في براءتي) وأقيم الحد على من أقيم عليه (قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه) كان ابن خالته (وفقره) أي لأجلهما والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة ما قال: فأنزل الله ({ولا يأتل}) لا يحلف ({أولو الفضل منكم}) في الدين أبو بكر ({والسعة}) في المال ({أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله})، صفات لموصوف واحد وهو مسطح لأنه كان مسكينًا مهاجرًا بدريًا ({وليعفوا وليصفحوا}) عنهم خوضهم في أمر عائشة ({ألا تحبون}) خطاب لأبي بكر ({أن يغفر الله لكم}) على عفوكم وصفحكم وإحسانكم إلى من أساء إليكم ({والله غفور رحيم) فتخلقوا بأخلاقه تعالى (قال أبو بكر) لما قرأ عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه الآية (بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي فرجع) بالتخفيف (إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه) قبل (وقال والله لا أنزعها منه أبدًا. قالت عائشة وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسأل) بصيغة المضارع ولأبي ذر سأل بصيغة الماضي (زينب ابنة جحش) أم المؤمنين -رضي الله عنها- (عن أمري فقال يا زينب ماذا علمت) على عائشة (أو رأيت) منها (فقالت) ولأبي ذر وقالت (يا رسول الله أحمي) بفتح الهمزة (سمعي) من أن أقول سمعت ولم أسمع (وبصري) من أن أقول أبصرت ولم أبصر (ما علمت) عليها (إلا خيرًا قالت) عائشة (وهي) أي زينب (التي كانت تساميني من أزواج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الفوقية وبالمهملة من السموّ وهو العلوّ والارتفاع أي تطلب من العلوّ والارتفاع والحظوة عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما أطلب أو تعتقد أن لها مثل الذي لي عنده (فعصمها الله) أي حفظها (بالورع) أن تقول يقول أهل الإفك (وطفقت) بكسر الفاء جعلت أو شرعت (أختها حمنة) بفتح الحاء المهملة وبعد الميم الساكنة نون مفتوحة فهاء تأنيث (تحارب لها) أي لأختها زينب وتحكي مقالة أهل الإفك لتخفض منزلة عائشة وتعلي منزلة أختها زينب (فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك) فحدّت فيمن حُدَّ أو أثمت مع من أثم. وهذا الحديث سبق في كتاب الشهادات .. 7 - باب قَوْلِهِ: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ} عَذَابٌ عَظِيمٌ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ {تَلَقَّوْنَهُ} [النور: 15] يَرْوِيهِ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ {تُفِيضُونَ}: تَقُولُونَ هذا (باب قوله) تعالى: ({ولولا فضل الله عليكم}) لولا هذه لامتناع الشيء لوجود غيره أي لولا فضل الله عليكم أيها الخائضون في شأن عائشة ({ورحمته في الدنيا}) بأنواع النعم التي من جملتها قبول توبتكم وإنابتكم إليه ({والآخرة}) بالعفو والمغفرة ({لمسلم}) عاجلًا ({فيما أفضتم}) أي خضتم ({فيه}) من قضية الإفك ({عذاب عظيم}) [النور: 14]. قال ابن عباس: المراد بالعذاب العظيم

8 - باب: {إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} [النور: 15]

الذي لا انقطاع له يعني في الآخرة لأنه ذكر عذاب الدنيا من قبل فقال والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم، وقد أصابه فإنه جلد وحدّ، وسقط قوله: ({عذاب عظيم}) لأبي ذر وقال بعد قوله: ({أفضتم فيه}) الآية. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي من طريقه في قوله تعالى: إذ ({تلقونه}) [النور: 15] معناه (يرويه بعضكم عن بعض) وذلك أن الرجل كان يلقى الرجل فيقول له ما وراءك فيحدّثه بحديث الإفك حتى شاع واشتهر ولم يبق بيت ولا ناد إلا طار فيه فسعوا في إشاعته وذلك من العظائم وأصل تلقونه تتلقونه فحذفت إحدى التاءين كتنزل ونحوه. ({تفيضون}) في قوله تعالى في سورة يونس {إذ تفيضون فيه} [يونس: 61] معناه (تقولون) وهذا ذكره استطرادًا على عادته مناسبة لقوله فيما أفضتم فيه إذ كل منهما من الإفاضة. 4751 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ أُمِّ رُومَانَ أُمِّ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا رُمِيَتْ عَائِشَةُ خَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (سليمان) هو أخوه (عن حصين) مصغرًا ابن عبد الرحمن أبي الهذيل السلمي الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن أم رومان) بضم الراء بنت عامر بن عويمر (أم عائشة) -رضي الله عنهما- (أنها قالت لما رميت عائشة) بما رميت به من الإفك (خرّت مغشيًا عليها) وفي بعض النسخ بإسقاط لفظ عليها كما في المصابيح، وقال السفاقسي: صوابه مغشية يعني بتاء التأنيث بدل الألف، ورده الزركشي بأنه على تقدير الحذف أي عليها فلا معنى للتأنيث قال في المصابيح: لكن يلزم على تقديره حذف النائب عن الفاعل وهو ممتنع عند البصريين، وإنما ينسب القول به للكسائي من الكوفيين، وأما على ما استصوبه السفاقسى فإنما يلزم حذف الجار وجعل المجرور مفعولًا على سبيل الاتساع وهو موجود في كلامهم ومطابقته لما ترجم به من جهة قصة الإفك في الجملة واعترض الخطيب، وتبعه جماعة على هذا الحديث بأن مسروقًا لم يسمع من أم رومان لأنها توفيت في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسنّ مسروق إذ ذاك ست سنين، فالظاهر أنه مرسل. وأجاب في المقدمة: بأن الواقع في البخاري هو الصواب لأن راوي وفاة أم رومان في سنة ست عليّ بن زيد بن جدعان وهو ضعيف كما نبه عليه البخاري في تاريخيه الأوسط والصغير وحديث مسروق أصح إسنادًا وقد جزم إبراهيم الحربي الحافظ بأن مسروقًا إنما سمع من أم رومان في خلافة عمر. وقال أبو نعيم الأصبهاني: عاشت أم رومان بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دهرًا. 8 - باب: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسِبُونَهُ هَيِّنًا وَهْوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({إذ}) ظرف لمسكم أو أفضتم ({تلقونه}) أي الإفك ({بألسنتكم}) قال الكلبي وذلك أن الرجل منهم يلقى الآخر فيقول بلغني كذا وكذا يتلقوله تلقيًا ({وتقولون بأفواهكم}) في شأن أم المؤمنين ({ما ليس لكم به علم}) فإن قلت: ما معنى قوله بأفواهكم والقول لا يكون إلا بالفم؟ أجيب: بأن الشيء المعلوم يكون علمه في القلب فيترجم عنه اللسان والإفك ليس إلا قولًا يجري على ألسنتكم من غير أن يحصل في قلوبكم علم به ({وتحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم}) [النور: 15] في الوزر وسقط لأبي ذر وتحسبونه الخ وقال بعد علم الآية وسقط باب لغير أبي ذر. 4752 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقْرَأُ: {إِذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ}. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (هشام) ولأبي ذر هشام بن يوسف (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبد الرحمن: (سمعت عائشة) -رضي الله عنها- (تقرأ) ولأبي ذر تقول: ({إذ تلقونه بألسنتكم}) بكسر اللام وتخفيف القاف مضمومة من ولق الرجل إذا كذب. 9 - باب قَوِلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16] هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا}) ما ينبغي وما يصح لا ({أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم}) [النور: 16] سقط قوله سبحانك الخ لأبي ذر وقال بعد قوله بهذا الآية وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4753 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَبْلَ مَوْتِهَا عَلَى عَائِشَةَ وَهْيَ مَغْلُوبَةٌ، قَالَتْ: أَخْشَى أَنْ يُثْنِيَ عَلَيَّ، فَقِيلَ: ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْ وُجُوهِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَتِ: ائْذَنُوا لَهُ. فَقَالَ: كَيْفَ تَجِدِينَكِ؟ قَالَتْ: بِخَيْرٍ إِنِ اتَّقَيْتُ الله. قَالَ: فَأَنْتِ بِخَيْرٍ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ -، زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَمْ يَنْكِحْ بِكْرًا غَيْرَكِ، وَنَزَلَ عُذْرُكِ مِنَ السَّمَاءِ. وَدَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ خِلاَفَهُ فَقَالَتْ: دَخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَثْنَى عَلَيَّ، وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ نِسْيًا مَنْسِيًّا. وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عمر بن سعيد بن أبي حسين) بضم عين عمر وكسر عين سعيد وضم حاء حسين مصغرًا القرشي النوفلي المكي (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن أبي

10 - باب قوله: {يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا} الآية

مليكة) عبد الله (قال: استأذن ابن عباس قبل موتها) ولأبي ذر قبيل موتها بضم القاف مصغرًا (على عائشة وهي مغلوبة) من كرب الموت (قالت: أخشى أن يثني عليّ) لأن الثناء يورث العجب (فقيل) هو (ابن عم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن وجوه المسلمين) والقائل لها ذلك هو ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن والذين استأذن لابن عباس عليها ذكوان مولاها كما عند أحمد في روايته (قالت ائذنوا له فقال) ابن عباس لها بعد أن أذن له في الدخول ودخل (كيف تجدينك) أي كيف تجدين نفسك فالفاعل والمفعول ضميران لواحد وهو من خصائص أفعال القلوب (قالت) عائشة: أجدني (بخير إن اتقيت الله) أي إن كنت من أهل التقوى وسقطت الجلالة من اليونينية وآل ملك وغيرهما وثبتت في الفرع ولأبي ذر عن الكشميهني إن أبقيت بضم الهمزة وسكون الموحدة وكسر القاف وسكون التحتية وفتح الفوقية من البقاء (قال) ابن عباس (فأنت بخير إن شاء الله زوجة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم ينكح بكرًا غيرك ونزل عذرك) عن قصة الإفك (من السماء) وفي رواية ذكوان المذكورة: وأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات جاء به الروح الأمين فليس في الأرض مسجدًا إلا وهو يتلى فيه آناء الليل وأطراف النهار. (ودخل) عليها (ابن الزبير) عبد الله (خلافه) بعد أن خرج ابن عباس فتخالفا في الدخول والخروج ذهابًا وإيابًا وافق رجوع ابن عباس مجيء ابن الزبير (فقالت) له عائشة: (دخل ابن عباس فأثنى عليّ ووددت أي كنت نسيًا منسيًّا) أي لم أكن شيئًا. وهذا على طريق أهل الورع في شدة خوفهم على أنفسهم. 4754 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ الْقَاسِمِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه- اسْتَأْذَنَ عَلَى عَائِشَةَ. نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ نِسْيًا مَنْسِيًّا. وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) الزمن قال: (حدّثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد) بفتح الميم وكسر الجيم الثقفي قال: (حدّثنا ابن عون) بالنون عبد الله (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (إن ابن عباس -رضي الله عنه- استأذن على عائشة نحوه) أي ذكر نحو الحديث المذكور (ولم يذكر) فيه (نسيًا منسيًّا). ومطابقة الحديث للترجمة في قوله ونزل عذرك من السماء. 10 - باب قَوْلِهِ: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا} الآيَةَ (قولها {يعظكم الله}) ولأبي ذر باب بالتنوين في قوله: {يعظكم الله}. قال ابن عباس: يحرم الله عليكم، وقال مجاهد: ينهاكم الله ({أن تعودوا لمثله}) كراهة أن تعودوا مفعول من أجله أو في أن تعودوا على حذف في ({أبدًا}) ما دمم أحياء مكلفين (الآية}) [النور: 17] وسقط قوله الآية لغير أبي ذر. 4755 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: جَاءَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا، قُلْتُ: أَتَأْذَنِينَ لِهَذَا؟ قَالَتْ: أَوَلَيْسَ قَدْ أَصَابَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ؟ قَالَ سُفْيَانُ: تَعْنِي ذَهَابَ بَصَرِهِ، فَقَالَ: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ قَالَتْ: لَكِنْ أَنْتَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت): ولأبي ذر عن الكشميهني قال: (جاء حسان بن ثابت) الأنصاري الخزرجي شاعر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يستأذن عليها) فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة قال مسروق: (قلت) لعائشة: (أتأذنين لهذا) وهو ممن تولى كبر الإفك؟ (قالت: أوليس قد أصابه عذاب عظيم. قال سفيان) الثوري: (تعني ذهاب بصره. فقال) حسان: (حصان رزان) بفتح الحاء المهملة والزاي من الثاني وقبلها راء مهملة مخففة أي عفيفة كاملة العقل (ما تزن) بضم الفوقية وفتح الزاي وتشديد النون أي ما تتهم (بريبة) براء مهملة فتحتية ساكنة فموحدة. (وتصبح غرثى) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وفتح المثلثة جائعة (من لحوم الغوافل) العفيفات أي لا تغتابهن إذ لو كانت تغتاب لكانت آكلة وهو استعارة فيها تلميح بقوله تعالى في المغتاب {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا} [الحجرات: 12]. وهذا البيت من جملة قصيدة لحسان. (قالت) عائشة: (لكن) أي لست (أنت) كذلك إشارة إلى أنه اغتابها حين وقعت قصة الإفك. 11 - باب {وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 18] هذا (باب) بالتنوين في قوله: ({ويبين الله لكم الآيات}) في الأمر والنهي ({والله عليم}) بأمر عائشة وصفوان ({حكيم}) [النور: 18] في شرعه وقدرته. 4756 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى عَائِشَةَ فَشَبَّبَ وَقَالَ حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ قَالَتْ: لَسْتَ كَذَاكَ. قُلْتُ: تَدَعِينَ مِثْلَ هَذَا يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} فَقَالَتْ: وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى. وَقَالَتْ: وَقَدْ كَانَ يَرُدُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن بشار) بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا

11 - باب [قوله تعالى]: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون * ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم}. [النور: 19، 20] تشيع: تظهر. {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} [النور: 22]

ابن أبي عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين محمد قال: (أنبأنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: دخل حسان بن ثابت على عائشة فشبب) بشين معجمة فموحدتين الأولى مشددة أي أنشد تغزلًا (وقال: حصان) عفيفة تمتنع من الرجل (رزان) صاحبة وقار (ما تزن بريبة) ما تتهم بها. (وتصبح غرثى) جائعة (من لحوم الغوافل) لا تغتابهن ولأبي ذر من دماء بدل من لحوم (قالت) عائشة تخاطب حسانًا: (لست كذاك). بل تغتاب الغوافل قال مسروق (قلت) لها: (تدعين مثل هذا يدخل عليك وقد أنزل الله) تعالى ({والذي تولى كبره منهم}) وهذا مشكل إذ ظاهره أن المراد بقوله والذي تولى كبره حسان والمعتمد أنه عبد الله بن أبي لكن في مستخرج أبي نعيم وهو ممن تولى كبره قال في الفتح فهذه أخف أشكالًا (فقالت: وأي عذاب أشد من العمى؟ وقالت: وقد كان يردّ عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي يدفع هجو الكفار فيهجوهم ويذب عنه وفي المغازي قال عروة: كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول إنه الذي يقول: فإن أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إن الله يؤيد حسان بروح القدس في شعره". 11 - باب [قَوْلِهِ تَعَالَى]: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}. [النور: 19، 20] تَشِيعَ: تَظْهَرُ. {وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِى الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22] هذا (باب) بالتنوين في قوله: ({إن الذين يحبون}) يريدون ({أن تشيع}) أن تنتشر ({الفاحشة}) الزنا ({في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا}) الحد ({والآخرة}) النار وظاهر الآية يتناول كل من كان بهذه الصفة وإنما نزلت في قذف عائشة إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ({والله يعلم}) ما في الضمائر ({وأنتم لا تعلمون}) وهذا نهاية في الزجر لأن من أحب إشاعة الفاحشة وإن بالغ في إخفاء تلك المحبة فهو يعلم أن الله تعالى يعلم ذلك منه ويعلم قدر الجزاء عليه ({ولولا فضل الله عليكم ورحمته}) لعاجلكم بالعقوبة فجواب لولا محذوف ({وأن الله رؤوف}) بعباده ({رحيم}) [النور: 19، 20] بهم فتاب على من تاب وطهر من طهر مهم بالحد وسقط لأبي ذر قوله: ({في الذين آمنوا}) الخ وقال بعد قوله الفاحشة الآية إلى قوله: ({رؤوف رحيم}). (تشيع) أي (تظهر) قاله مجاهد وسقط هذا لغير أبي ذر. ({ولا يأتل}) ولأبي ذر وقوله ولا يأتل أي يفتعل من الآلية وهي الحلف أي ولا يحلف ({أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا}) أي على أن لا يؤتوا ({أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله}) يعني مسطحًا ولا تحذف في اليمين كثيرًا قال الله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لإيمانكم} {أن تبروا} يعني أن لا تبروا وقال امرؤ القيس: فقلت يمين الله أبرح قاعدًا. أي لا أبرح. ({وليعفوا وليصفحوا}) عمن خاض في أمر عائشة ({ألا تحبون أن يغفر الله لكم}) يخاطب أبا بكر ({والله غفور رحيم}) [النور: 22] أي فإن الجزاء من جنس العمل فإذا غفرت يغفر لك وإذا صفحت يصفح عنك وسقط لأبي ذر من قوله والمهاجرين إلى آخر قوله: {أن يغفر الله لكم} وقال بعد قوله: ({والمساكين}) إلى قوله: {والله غفور رحيم}. 4757 - وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيَّ خَطِيبًا فَتَشَهَّدَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِي، وَايْمُ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي مِنْ سُوءٍ، وَأَبَنُوهُمْ بِمَنْ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ وَلاَ يَدْخُلُ بَيْتِي قَطُّ إِلاَّ وَأَنَا حَاضِرٌ، وَلاَ غِبْتُ فِي سَفَرٍ إِلاَّ غَابَ مَعِي». فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: ائْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ نَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْخَزْرَجِ، وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ رَهْطِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقَالَ: كَذَبْتَ، أَمَا وَاللَّهِ أَنْ لَوْ كَانُوا مِنَ الأَوْسِ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ، حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ شَرٌّ فِي الْمَسْجِدِ وَمَا عَلِمْتُ. فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ، فَعَثَرَتْ وَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ أَيْ أُمِّ تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ وَسَكَتَتْ. ثُمَّ عَثَرَتِ الثَّانِيَةَ فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ ثُمَّ عَثَرَتِ الثَّالِثَةَ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ فَانْتَهَرْتُهَا، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَسُبُّهُ إِلاَّ فِيكِ. فَقُلْتُ: فِي أَيِّ شَأْنِي؟ قَالَتْ فَبَقَرَتْ لِي الْحَدِيثَ. فَقُلْتُ: وَقَدْ كَانَ هَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَاللَّهِ، فَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي كَأَنَّ الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ لاَ أَجِدُ مِنْهُ قَلِيلًا وَلاَ كَثِيرًا. وَوُعِكْتُ فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرْسِلْنِي إِلَى بَيْتِ أَبِي، فَأَرْسَلَ مَعِي الْغُلاَمَ. فَدَخَلْتُ الدَّارَ فَوَجَدْتُ أُمَّ رُومَانَ فِي السُّفْلِ وَأَبَا بَكْرٍ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ. فَقَالَتْ أُمِّي: مَا جَاءَ بِكِ يَا بُنَيَّةُ؟ فَأَخْبَرْتُهَا وَذَكَرْتُ لَهَا الْحَدِيثَ، وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مِثْلَ مَا بَلَغَ مِنِّي. فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ خَفِّضِي عَلَيْكِ الشَّأْنَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلاَّ حَسَدْنَهَا وَقِيلَ فِيهَا. وَإِذَا هُوَ لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مَا بَلَغَ مِنِّي. قُلْتُ: وَقَدْ عَلِمَ بِهِ أَبِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قُلْتُ: وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَاسْتَعْبَرْتُ وَبَكَيْتُ، فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتِي وَهْوَ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ. فَنَزَلَ فَقَالَ لأُمِّي: مَا شَأْنُهَا؟ قَالَتْ: بَلَغَهَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ شَأْنِهَا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ. قَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ أَيْ بُنَيَّةُ إِلاَّ رَجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ فَرَجَعْتُ. وَلَقَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْتِي فَسَأَلَ عَنِّي خَادِمَتِي فَقَالَتْ: لاَ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا عَيْبًا إِلاَّ أَنَّهَا كَانَتْ تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأْكُلَ خَمِيرَهَا، أَوْ عَجِينَهَا. وَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أصْدُقِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ. فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلاَّ مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الأَحْمَرِ. وَبَلَغَ الأَمْرُ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي قِيلَ لَهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كَشَفْتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطُّ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، فَلَمْ يَزَالاَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ صَلَّى الْعَصْرَ، ثُمَّ دَخَلَ وَقَدِ اكْتَنَفَنِي أَبَوَايَ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ، إِنْ كُنْتِ قَارَفْتِ سُوءًا أَوْ ظَلَمْتِ فَتُوبِي إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ». قَالَتْ: وَقَدْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَهْيَ جَالِسَةٌ بِالْبَابِ، فَقُلْتُ: أَلاَ تَسْتَحِي مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا. فَوَعَظَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَالْتَفَتُّ إِلَى أَبِي فَقُلْتُ: أَجِبْهُ، قَالَ: فَمَاذَا أَقُولُ، فَالْتَفَتُّ إِلَى أُمِّي فَقُلْتُ: أَجِيبِيهِ، فَقَالَتْ: أَقُولُ مَاذَا؟ فَلَمَّا لَمْ يُجِيبَاهُ، تَشَهَّدْتُ فَحَمِدْتُ اللَّهَ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قُلْتُ: أَمَّا بَعْدُ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَشْهَدُ إِنِّي لَصَادِقَةٌ مَا ذَاكَ بِنَافِعِي عِنْدَكُمْ، لَقَدْ تَكَلَّمْتُمْ بِهِ وَأُشْرِبَتْهُ قُلُوبُكُمْ وَإِنْ قُلْتُ إِنِّي فَعَلْتُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْ، لَتَقُولُنَّ قَدْ بَاءَتْ بِهِ عَلَى نَفْسِهَا. وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا، وَالْتَمَسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ، إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} وَأُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ سَاعَتِهِ، فَسَكَتْنَا، فَرُفِعَ عَنْهُ، وَإِنِّي لأَتَبَيَّنُ السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ وَهْوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ وَيَقُولُ: «أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ»، قَالَتْ: وَكُنْتُ أَشَدَّ مَا كُنْتُ غَضَبًا، فَقَالَ لِي أَبَوَايَ: قُومِي إِلَيْهِ. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلاَ أَحْمَدُهُ وَلاَ أَحْمَدُكُمَا، وَلَكِنْ أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ فَمَا أَنْكَرْتُمُوهُ وَلاَ غَيَّرْتُمُوهُ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: أَمَّا زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِدِينِهَا فَلَمْ تَقُلْ إِلاَّ خَيْرًا، وَأَمَّا أُخْتُهَا حَمْنَةُ فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ. وَكَانَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ مِسْطَحٌ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَالْمُنَافِقُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَهْوَ الَّذِي كَانَ يَسْتَوْشِيهِ وَيَجْمَعُهُ، وَهْوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ هُوَ وَحَمْنَةُ. قَالَتْ: فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لاَ يَنْفَعَ مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ أَبَدًا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ

النووي التخفيف أشهر وقال القاضي عياض: وروي أنبوا بتقديم النون وتشديدها كذا قيده عبدوس بن محمد، وكذا ذكره بعضهم عن الأصيلي. قال القاضي: وهو في كتابي منقوط من فوق وتحت وعليه بخطي علامة الأصيلي ومعناه إن صح لاموا ووبخوا وعندي أنه تصحيف لا وجه له ها هنا. (وإيم الله ما علمت على أهلي من سوء وأبنوهم) بالتخفيف اتهموهم (بمن والله ما علمت عليه من سوء قط) يريد صفوان (ولا يدخل بيتي قط إلا وأنا حاضر) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إلا أنا بإسقاط الواو (ولا غبت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولا كنت (في سفر إلا غاب معي فقام سعد بن معاذ) الأنصاري الأوسي المتوفى بسبب السهم الذي أصابه فقطع منه الأكحل في غزوة الخندق سنة خمس كما عند ابن إسحاق. وكانت هذه القصة في سنة خمس أيضًا كما هو الصحيح في النقل عن موسى بن عقبة (فقال: ائذن لي يا رسول الله أن نضرب أعناقهم) بنون الجمع والضمير لأهل الإفك وسقط لأبي ذر لفظ لي (وقام رجل من بني الخزرج) هو سعد بن عبادة (وكانت أم حسان بن ثابت) الفريعة بضم الفاء وفتح الراء وبالعين المهملة بنت خالد بن حنيس بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج (من رهط ذلك الرجل فقال) لابن معاذ: (كذبت) أي لا تقدر على قتله (أما) بالتخفيف (والله أن لو كانوا) أي قائلوا الإفك (من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم) تضرب بضم أوّله مبنيًّا للمفعول وأعناقهم رفع نائب عن الفاعل وزاد في الرواية السابقة فتثاور الحيان (حتى كاد أن يكون) ولأبي ذر كاد يكون (بين الأوس والخزرج شرّ في المسجد) وفي الرواية السابقة حتى هموا أن يقتتلوا. قالت عائشة: (وما علمت) بذلك (فلما كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي) للتبرز جهة المناصع (ومعي أم مسطح) وهي ابنة أبي رهم (فعثرت) أي في مرطها (وقالت: تعس) بكسر العين وتفتح (مسطح) تعني ابنها. قالت عائشة: (فقلت) أي لها: (أي أُمّ تسبين ابنك؟) بحذف مرّة الاستفهام وفي الرواية السابقة أتسبين رجلًا شهد بدرًا (وسكتت) أي أم مسطح (ثم عثرت الثانية فقال: تعس مسطح، فقك لها: تسبين ابنك؟ ثم عثرت الثالثة) ولأبي ذر فقلت لها أي أم تسبين ابنك فسكتت ثم عثرت الثالثة (فقالت: تعس مسطح فانتهرتها فقالت: والله ما أسبّه إلا فيك) أي إلا لأجلك (فقلت: في أي شأني قالت: فبقرت) بالفاء والموحدة والقاف والراء المفتوحات آخره فوقية (لي الحديث) قال ابن الأثير أي فتحته وكشفته (فقلت: وقد كان هذا؟) وسقطت الواو لأبي ذر (قالت: نعم والله) قالت عائشة (فرجعت إلى بيتي كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلًا ولا كثيرًا) أي دهشت بحيث ما عرفت لأي أمر خرجت من البيت من شدّة ما عراني من الهم وكانت قد قضت حاجتها كما سبق (ووعكت) بضم الواو الثانية وسكون الكاف أي صرت محمومة (فقلت) بالفاء ولأبي ذر وقلت (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لما دخل عليّ (أرسلني إلى بيت أبي فأرسل معي الغلام) لم يسم (فدخلت الدار) بسكون اللام (فوجدت أم رومان) تعني أمها قال الكرماني واسمها زينب (في السفل) من البيت (وأبا بكر فوق البيت يقرأ فقالت أمي: ما جاء بك يا بنية فأخبرتها) خبري (وذكرت لها الحديث) الذي قاله أهل الإفك في شأني (وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما) ولأبي ذر مثل الذي (بلغ مني فقالت: يا بنية) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أي بنية (خفضي) بخاء معجمة مفتوحة وفاء مشدّدة فضاد معجمة مكسورتين وللحموي والكشميهني خففي بفاء ثانية بدل الضاد وفي نسخة خفي بكسر الخاء والفاء وإسقاط الثانية ومعناها متقارب (عليك الشأن فإنه والله لقلما كانت امرأة قط حسناء) صفة امرأة ولمسلم من رواية ابن ماهان حظية (عند رجل يحبها لها ضرائر إلا حسدنها) بسكون الدال المهملة وفتح النون (وقيل فيها) ما يشينها (وإذا هو) تعني الإفك (لم يبلغ منها ما بلغ مني. قلت: وقد علم به

أبي؟ قالت: نعم. قلت ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قالت: نعم ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستعبرت) بسكون الراء ولأبي ذر فاستعبرت بالفاء بدل الواو (وبكيت، فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ فنزل فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذي ذكر من شأنها) بضم ذال ذكر وكسر كافها (ففاضت عيناه. قال) ولأبي ذر فقال: (أقسمت عليك أي بنية) ولأبي ذر عن الكشميهني يا بنية (إلا رجعت إلى بيتك فرجعت) بسكون العين (ولقد جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيتي فسأل عني خادمتي) سبق في الرواية التي قبل أنها بريرة مع ما فيه من البحث ولأبي ذر خادمي بلفظ التذكير وهو يطلق على الذكر والأنثى فقال هل رأيت من شيء يريبك على عائشة (فقالت: لا والله ما علمت عليها عيبًا إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرها أو عجينها) بالشك من الراوي (وانتهرها بعض أصحابه فقال: أصدقي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية أبي أويس عند الطبراني أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لعلي شأنك بالجارية فسألها عني وتوعدها فلم تخبره إلا بخير، ثم ضربها وسألها فقالت: والله ما علمت على عامّة سوءًا (حتى أسقطوا لها به) من قولهم أسقط الرجل إذا أتى بكلام ساقط والضمير في قوله به للحديث أو للرجل الذي اتهموها به وقال ابن الجوزي: صرحوا لها بالأمر، وقيل: جاؤوا في خطابها بسقط من القول بسبب ذلك الأمر وضمير لها عائد على الجارية وبه عائد على ما تقدم من انتهارها وتهديدها وإلى هذا التأويل كان يذهب أبو مروان بن سراج، وقال ابن بطال: يحتمل أن يكون من قولهم سقط إلى الخبر إذا علمه فالمعنى ذكروا لها الحديث وشرحوه (فقالت) أي الخادمة (سبحان الله والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر) بالغت في نفي العيب كقوله: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم البيت. (وبلغ الأمر) أي أمر الإفك (إلى ذلك الرجل) صفوان ولأبي ذر وبلغ الأمر ذلك الرجل (الذي قيل له) أي عنه من الإفك ما قيل فاللام هنا بمعنى عن كهي في قوله تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرًا ما سبقونا إليه} [الأحقاف: 11] أي عن الذين آمنوا كما قاله ابن الحاجب أو بمعنى في أي قيل فيه ما قيل فهي كقوله: {يا ليتني قدمت لحياتي} [الفجر: 24] أي في حياتي (فقال: سبحان الله والله ما كشفت كنف أنثى قط) بفتح الكاف والنون أي ثوبها يريد ما جامعتها في حرام أو كان حصورًا (قالت عائشة: فقتل) صفوان (شهيدًا في سبيل الله) في غزوة أرمينية سنة تسع عشرة في خلافة عمر كما قاله ابن إسحاق (قالت: وأصبح أبواي عندي فلم يزالا حتى دخل عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد صلى العصر) في المسجد (ثم دخل) علي (وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي فحمد الله وأثنى عليه ثم قال): (أما بعد يا عائشة إن كنت قارفت سوءًا) بالقاف والفاء أي كسبته (أو ظلمت) نفسك (فتوبي الى الله) وفي رواية أي أويس إنما أنت من بنات آدم إن كنت أخطأت فتوبي (فإن الله يقبل التوبة عن عباده قالت: وقد جاءت امرأة من الأنصار) لم تسم (فهي جالسة بالباب فقلت) له عليه الصلاة والسلام: (ألا تستحي) بكسر الحاء ولأبي ذر ألا تستحيي بسكونها وزيادة تحتية (من هذه المرأة) الأنصارية (أن تذكر شيئًا) على حسب فهمها لا يليق بجلالة حرمك (فوعظ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). قالت عائشة: (فالتفت إلى أبي فقلت أجبه) عليه السلام عني، ولأبي ذر، فقلت له أجبه (قال: فماذا أقول؟ فالتفت إلى أمي فقلت: أجيبيه) عني عليه السلام (فقالت: أقول ماذا؟) قال ابن مالك فيه شاهد على أن ما الاستفهامية إذا ركبت مع إذا لا يجب تصديرها فيعمل فيها ما قبلها رفعًا ونصبًا (فلما لم يجيباه تشهدت فحمدت الله تعالى وأثنيت عليه بما هو أهله ثم قلت: أما بعد فوالله لئن قلت لكم أني لم أفعل) أي ما قيل (والله عز وجل يشهد أني لصادقة) فيما أقول من براءتي (ما ذاك بنافعي عندكم لقد) ولأبي ذر ولقد (تكلمتم به

وأشربته) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول والضمير المنصوب يرجع إلى الإفك (قلوبكم) رفع بأشربت (وإن قلت إني فعلت) ولأبي ذر قد فعلت (والله يعلم أني لم أفعل) ذلك (لتقولن قد باءت) أقرت (به على نفسها وإني والله ما أجد لي ولكم مثلًا والتمست) بسكون السين أي طلبت (اسم يعقوب) عليه السلام (فلم أقدر عليه إلا أبا يوسف حين قال: ({فصبر جميل}) أجمل وهو الذي لا شكوى فيه إلى الخلق ({والله المستعان على ما تصفون}) أي على احتمال ما تصفونه (وأُنزِلَ على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ساعته فسكتنا فرفع عنه) الوحي (وإني لأتبين السرور في وجهه وهو يمسح جبينه) من العرق (ويقول): (أبشري) بقطع الهمزة (يا عائشة فقد أنزل الله براءتك) وفي رواية فليح يا عائشة احمدي الله فقد برأك (قالت: وكنت أشد) بالنصب خبران (ما كنت غضبًا) أي وكنت حين أخبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ببراءتي أقوى ما كنت غضبًا من غضبي قبل ذلك قاله العيني (فقال لي أبواي: قومي إليه. فقلت: والله) ولأبي ذر لا والله (لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي لقد سمعتموه) أي الإفك (فما أنكرتموه ولا غيرتموه). وفي رواية الأسود عن عائشة: وأخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيدي فانتزعت يدي منه فنهرني أبو بكر وإنما فعلت ذلك لما خامرها من الغضب من كونهم لم يبادروا بتكذيب من قال فيها ذلك مع تحققهم حسن سيرتها وطهارتها. وقال ابن الجوزي: إنما قالت ذلك إدلالًا كما يدل الحبيب على حبيبه، ويحتمل أن تكون مع ذلك تمسكت بظاهر قوله عليه السلام لها "احمدي الله" ففهمت منه أمرها بإفراد الله بالحمد، فقالت ذلك وأن ما أضافته إليه من الألفاظ المذكورة كان من باعث الغضب قاله في الفتح. (وكانت عائشة تقول: أما زينب ابنة جحش) أم المؤمنين (فعصمها الله) أي حفظها (بدينها فلم تقل) أي فيّ (إلا خيرًا، وأما أختها حمنة فهلكت فيمن هلك) أي حدّت فيمن حد لخوضها في حديث الإفك لتخفض منزلة عائشة وترفع منزلة أختها زينب (وكان الذي يتكلم فيه) أي في الإفك ولأبي ذر به (مسطح وحسان بن ثابت والمنافق عبد الله بن أبي، وهو الذي كان يستوشيه) أي يطلب إذاعته ليزيده ويريبه (ويجمعه وهو الذي تولى كبره منهم هو وحمنة. قالت) عائشة: (فحلف أبو بكر أن لا ينفع مسطحًا) ابن خالته (بنافعة أبدًا) بعد الذي قال عن عائشة (فأنزل الله عز وجل: ({ولا يأتل أولو الفضل منكم}) إلى آخر الآية يعني: أبا بكر ({والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين}) يعني مسطحًا إلى قوله: ({ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} حتى قال أبو بكر: بلى والله يا ربنا إنّا لنحب أن تغفر لنا وعاد له) لمسطح (بما كان يصنع) له قبل من النفقة، زاد في الباب السابق وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا وسقط لفظ حتى لأبي ذر. (لطيفة). ذكر أنه كان للشيخ إسماعيل بن المقري اليمني مؤلف عنوان الشرف وغيره ولد يجري عليه نفقة في كل يوم فقطعها لشيء بلغه عنه فكتب لأبيه رقعة فيها: لا تقطعن عادة برّ ولا ... تجعل عقاب المرء في رزقه واعف عن الذنب فإن الذي ... نرجوه عفو الله عن خلقه وإن بدا من صاحب زلة ... فاستره بالإغضاء واستبقه فإن قدر الذنب من مسطح ... يحط قدر النجم من أفقه وقد بدا منه الذي قد بدا ... وعوتب الصديق في حقه فكتب إليه أبوه: قد يمنع المضطر من ميتة ... إذا عصى بالسير في طرقه لأنه يقوى على توبة ... توجب إيصالًا إلى رزقه لو لم يتب مسطح من ذنبه ... ما عوتب الصديق في حقه

13 - باب {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} [النور: 31]

13 - باب {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وليضربن بخمرهن على جيوبهن}) [النور: 31] يعني يلقين فلذلك عداه بعلى والخمر جمع خمار وفي القلة يجمع على أخمرة والجيب ما في طوق القميص يبدو منه بعض الجسد. 4758 - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ، لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهِ. [الحديث 4758 - طرفه في: 4759]. (قال أحمد بن شبيب) بفتح المعجمة وكسر الموحدة الأولى بينهما تحتية ساكنة شيخ المؤلّف مما وصله ابن المنذر قال: (حدّثنا أبي) شبيب بن سعيد (عن يونس) بن يزيد الأيلي أنه قال: (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول) بضم الهمزة وفتح الواو أي السابقات (لما أنزل الله) تعالى: ({وليضربن بخمرهن على جيوبهن}) وجواب لما قوله: (شققن مروطهن) جمع مرط بكسر الميم أي أزرهن (فاختمرن به) أي بما شققن ولأبي الوقت بها أي الأزر المشقوقة وكن في الجاهلية يسدلن خمرهن من خلفهن فتنكشف نحورهن وقلائدهن من جيوبهن، فأمرن أن يضربنهن على الجيوب ليسترن أعناقهن ونحورهن وصفة ذلك أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر وهو التقنع. 4759 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- كَانَتْ تَقُولُ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} أَخَذْنَ أُزْرَهُنَّ فَشَقَّقْنَهَا مِنْ قِبَلِ الْحَوَاشِي فَاخْتَمَرْنَ بِهَا. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا إبراهيم بن نافع) المخزومي المكي (عن الحسن بن مسلم) واسم جده يناق بفتح التحتية وتشديد النون وبعد الألف قاف المكي وثبت ابن مسلم لأبي ذر (عن صفية بنت شيبة) بن عثمان القرشية المكية (أن عائشة -رضي الله عنها- كانت تقول لما نزلت هذه الآية: ({وليضربن بخمرهن على جيوبهن}) أخذن (أزرهن) وللنسائي من رواية ابن المبارك عن إبراهيم بلفظ أخذ النساء وللحاكم أخذ نساء الأنصار أزرهن (فشققنها من قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة (الحواشي فاختمرن بها). واستشكل ذكر نساء المهاجرات في الأولى ونساء الأنصار في رواية الحاكم وغيره. وأجيب: باحتمال أن نساء الأنصار بادرن إلى ذلك عند نزول الآية، والله سبحانه وتعالى أعلم. [25] سورة الْفُرْقَانِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {هَبَاءً مَنْثُورًا} مَا تَسْفِي بِهِ الرِّيحُ. {مَدَّ الظِّلَّ}: مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ. {سَاكِنًا} دَائِمًا. {عَلَيْهِ دَلِيلًا}: طُلُوعُ الشَّمْسِ {خِلْفَةً}: مَنْ فَاتَهُ مِنَ اللَّيْلِ عَمَلٌ أَدْرَكَهُ بِالنَّهَارِ، أَوْ فَاتَهُ بِالنَّهَارِ أَدْرَكَهُ بِاللَّيْلِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا} فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَمَا شَيْءٌ أَقَرَّ لِعَيْنِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَرَى حَبِيبَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {ثُبُورًا}: وَيْلًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: {السَّعِيرُ}، مُذَكَّرٌ، وَالتَّسَعُّرُ وَالاِضْطِرَامُ: التَّوَقُّدُ الشَّدِيدُ. {تُمْلَى عَلَيْهِ} تُقْرَأُ عَلَيْهِ، مِنْ أَمْلَيْتُ وَأَمْلَلْتُ. {الرَّسُّ}: الْمَعْدِنُ، جَمْعُهُ رِسَاسٌ. {مَا يَعْبَأُ} يُقَالُ: مَا عَبَأْتُ بِهِ شَيْئًا: لاَ يُعْتَدُّ بِهِ. {غَرَامًا}: هَلاَكًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَعَتَوْا} طَغَوْا. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: {عَاتِيَةٍ}: عَتَتْ عَنِ الْخُزَّانِ. ([25] سورة الفرقان) مكية وآيها سبع وسبعون آية والفرقان الفارق بين الحلال والحرام الذي جمعت منافعه وعمت فوائده. (بسم الله الرحمن الرحيم) ثبتت البسملة لأبي ذر. (قال) ولأبي ذر وقال (ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله ابن جرير في قوله: ({هباء منثورًا}) هو (ما تسفي به الريح). وتذريه من التراب والهباء والهبوة التراب الدتيق قاله ابن عرفة. وقال الخليل والزجاج: هو مثل الغبار الداخل في الكوة يتراءى مع ضوء الشمس فلا يمس بالأيدي ولا يرى في الظل ومنثورًا صفته شبه به عملهم المحيط في حقارته وعدم نفعه ثم بالمنثور منه في انتشاره بحيث لا يمكن نظمه فجيء بهذه الصفة لتفيد ذلك. وقال الزمخشري: أو مفعول ثالث لجعلناه لم جعلناه جامعًا لحقارة الهباء والتناثر كقوله: {كونوا قردة خاسئين} [البقرة: 65] أي جامعين للمسخ والخسء وسقط للأصيلي لفظ به من قوله تسفي به الريح. ({مد الظل}) في قوله تعالى: {ألم تر إلى ربك كيف مد الظل} [الفرقان: 45] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم عنه هو (ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) قال في الأنوار وهو أطيب الأحوال فإن الظلمة الخالصة تنفر الطبع وتسد النظر وشعاع الشمس يسخن الجوّ ويبهر البصر ولذلك وصف به الجنة فقال {وظل ممدود}. اهـ. والظل عبارة عن عدم الضوء مما من شأنه أن يضيء وجعله ممدودًا لأنه ظل لا شمس معه واعترضه ابن عطية بأنه خصوصية لهذا الوقت بذلك بل من قبل غروب الشمس مدة يسيرة يبقى فيها ظل ممدود مع أنه في نهار وفي سائر أوقات النهار ظلال متقطعة. وأجيب: بأنه ذكر تفسير الخصوص الآية لأن في بقيتها ثم جعلنا الشمس عليه دليلًا فتعين الوقت الذي بعد طلوع الفجر واعترض ابن عطية أيضًا بأن الظل إنما يقال لما يقع بالنهار، والظل الموجود في هذا الوقت من بقايا الليل. وأجيب: بالحمل على المجاز والرؤية هنا بصرية أو قلبية واختاره الزجاج

والمعنى ألم تعلم والخطاب وإن كان ظاهره للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو عام في المعنى لأن الغرض بيان نعم الله بالظل وجميع المكلفين مشتركون في تنبيههم لذلك. ({ساكنًا}) يريد قوله: {ولو شاء لجعله ساكنًا} [الفرقان: 45] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم: أي (دائمًا) أي ثابتًا لا يزول ولا تذهبه الشمس قال أبو عبيدة الظل ما نسخته الشمس وهو بالغداة والفيء ما نسخ الشمس وهو بعد الزوال وسمي فيئًا لأنه فاء من الجانب الغربي إلى الشرقي. ({عليه دليلًا}) قال ابن عباس: فيما وصله ابن أبي حاتم أيضًا أي (طلوع الشمس) دليل حصول الظل فلو لم تكن الشمس لما عرف الظل ولولا النور ما عرف الظلمة والأشياء تعرف بأضدادها. ({خلفة}) في قوله تعالى: {وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة} [الفرقان: 62] قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم: (من فاته من الليل عمل أدركه بالنهار أو فاته بالنهار أدركه بالليل). وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: فاتتني الصلاة الليلة. فقال: أدرك ما فاتك من ليلتك في نهارك، فإن الله تعالى جعل الليل والنهار خلفة أو يخلف أحدهما الآخر يتعاقبان إذا ذهب هذا جاء هذا، وإذا جاء هذا ذهب ذاك وخلفة مفعول ثان لجعل أو حال. (وقال الحسن) البصري فيما وصله سعيد بن منصور في قوله تعالى: ({هب لنا من أزواجنا}) [الفرقان: 74] وزاد أبو ذر وذرياتنا قرة أعين أي (في طاعة الله) ولأبي ذر والأصيلي: من طاعة الله (وما شيء أقر لعين المؤمن أن يرى) وللأصيلي لعين مؤمن وله ولأبي ذر من أن يرى (حبيبه في طاعة الله) قال في الأنوار فإن المؤمن إذا أشركه أهله في طاعة الله سر بهم قلبه وقربهم عينه لما يرى من مساعدتهم له في الدين وتوقع لحوقهم به في الجنة ومن ابتدائية أو بيانية كقولك رأيت منك أسدًا اهـ والمراد قرة أعين لهم في الدين لا في الدنيا من المال والجمال قال الزجاج يقال أقر الله عينك أي صادف فؤادك ما تحبه وقال المفضل برد دمعتها وهي التي تكون مع السرور ودمعة الحزن حارة. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن المنذر مفسرًا (ثبورًا) في قوله: {دعوا هنالك ثبورًا} [الفرقان: 13] أي يقولون (ويلا) بواو مفتوحة فتحتية ساكنة وقال الضحاك هلاكًا فيقولون واثبوراه تعال فهذا حينك فيقال لهم لا تدعوا اليوم ثبورًا واحدًا وادعوا ثبورًا كثيرًا أي هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة فادعوا أدعية كثيرة فإن عذابكم أنواع كثيرة كل نوع منها ثبور لشدته أو لأنه يتجدد لقوله تعالى: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب} [النساء: 56] أو لأنه لا ينقطع فهو في كل وقت ثبور. (وقال غيره) غير ابن عباس مفسرًا لقوله تعالى: {وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرًا} [الفرقان: 11] (السعير مذكر) لفظًا أو من حيث إن فعيلًا يطلق على المذكر والمؤنث (والتسعر والاضطرار) معناهما (التوقد الشديد) وعن الحسن السعير اسم من أسماء جهنم. (تملى عليه) في قوله: {وقالوا أساطير الأوّلين اكتتبها فهي تملى عليه} [الفرقان: 5] أي (تقرأ عليه من أمليت) بتحتية ساكنة بعد اللام (وأمللت) بلام بدل التحتية والمعنى أن هذا القرآن ليس من الله إنما سطره الأوّلون فهي تقرأ عليه ليحفظها. ({الرس}) في قوله تعالى: {وعادًا وثمود وأصحاب الرس} [الفرقان: 38] أي (المعدن جمعه) بسكون الميم ولأبي ذر جميعه بكسرها ثم تحتية (رساس) بكسر الراء قاله أبو عبيدة وقيل أصحاب الرس ثمود لأن الرس البئر التي لم تطو وثمود أصحاب آبار وقيل الرس نهر بالمشرق وكانت قرى أصحاب الرس على شاطئ النهر فبعث الله إليهم نبيًّا من أولاد يهوذا بن يعقوب فكذبوه فلبث فيهم زمانًا فشكى إلى الله منهم فحفروا بئرًا وأرسلوه فيها وكانوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم وهو يقول سيدي ترى ضيق مكاني وشدة كربي وضعف ركني وقلة حيلتي فأرسل الله عليهم ريحًا عاصفة شديدة الحرّ وصارت الأرض من تحتهم حجر كبريت يتوقد وأظلتهم سحابة سوداء فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص وقيل غير ذلك. ({ما يعبأ}) ولأبي ذر: ما يعبؤوا. قال أبو عبيدة: (يقال ما عبأت به شيئًا لا يعتد به) وللأصيلي أي لم تعتد به فوجوده وعدمه

1 - باب قوله: {الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا} [الفرقان: 34]

سواء وقال الزجاج معناه لا وزن لكم عندي. ({غرامًا}) في قوله تعالى: {إن عذابها كان غرامًا} [الفرقان: 65] قال أبو عبيدة (هلاكًا) وإلزامًا لهم وعن الحسن كل غريم يفارق غريمه إلا غريم جهنم. (وقال مجاهد) فيما أخرجه ورقاء في تفسيره ({وعتوا}) أي (طغوا) وعتوّهم طلبهم رؤية الله حتى يؤمنوا به. (وقال ابن عيينة) سفيان في قوله تعالى بسورة الحاقة مما ذكره المؤلّف استطرادًا على عادته في مثله ({عاتية}) من قوله: {فأهلكوا بريح صرصر عاتية} [الحاقة: 6] (عتت عن الخزان) الذين هم على الريح فخرجت بلا كيل ولا وزن وفي نسخة وقال ابن عباس بدل ابن عيينة ووقع في هذه التفاسير تقديم وتأخير في بعض النسخ. 1 - باب قَوْلِهِ: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 34] (باب قوله) عز وجل: ({الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم}) أي مقلوبين أو مسحوبين إليها والموصول خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين أو نصب على الذم أو رفع بالابتداء وخبره الجملة من قوله: ({أولئك شر مكانًا}) منزلًا ومصيرًا من أهل الجنة ({وأضل سبيلًا}) [الفرقان: 34] وأخطأ طريقًا ووصف السبيل بالضلال من الإسناد المجازي للمبالغة وسقط لأبي ذر أولئك الخ وقال بعد إلى جهنم الآية. 4760 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ، يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». قَالَ قَتَادَةُ: بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّنَا. [الحديث 4760 - طرفه في: 6534]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا يونس بن محمد البغدادي) أبو محمد المؤدب قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن قتادة) بن دعامة أنه قال: (حدّثنا أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رجلًا) لم يسم (قال: يا نبي الله يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة)؟ استفهام حذفت منه الأداة، وللحاكم من وجه آخر عن أنس كيف يحشر أهل النار على وجوههم (قال): (أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرًا) بالنصب ولأبي ذر بالرفع (على أن يمشيه) بضم التحتية وسكون الميم (على وجهه يوم القيامة) وظاهره أن المراد مشيه على وجهه حقيقة فلذلك استغربوه حتى سألوا عنه (قال قتادة) بن دعامة بالإسناد المذكور (بلى وعزة ربنا) أنه لقادر على ذلك قاله تصديقًا لقوله أليس وحكمة حشره على وجهه معاقبته على تركه السجود فى الدنيا إظهارًا لهوانة وخساسته بحيث صار وجهه مكان يديه ورجليه في التوقي عن المؤذيات. وفي حديث أبي هريرة المروي عند أحمد قالوا: يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم؟ قال: "إن الذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم أما أنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك". وستكون لنا عودة إن شاء الله تعالى إلى بقية مباحث هذا الحديث في كتاب الرقاق بعون الله. 2 - باب قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}. الْعُقُوبَةَ [الفرقان: 68] (باب قوله) جل وعلا: ({والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر}) أي لا يعبدون غيره ({ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون}) يجوز أن تتعلق الباء في قوله: {بالحق} بنفس {يقتلون} أي لا يقتلونها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق وأن تتعلق بمحذوف على أنها صفة للمصدر أي قتلًا ملتبسًا بالحق أو على أنها حال أي إلا ملتبسين بالحق. فإن قلت: من حل قتله لا يدخل في النفس المحرمة فكيف يصح هذا الاستثناء؟ أجيب: بأن المقتضي لحرمة القتل قائم أبدًا وجواز القتل إنما ثبت بمعارض فقوله: {حرم الله} إشارة إلى المقتضي، وقوله: {إلا بالحق} إشارة إلى المعارض والسبب المبيح للقتل هو الردّة والزنا بعد الإحصان وقتل النفس المحرمة. ({ومن يفعل ذلك}) إشارة إلى جميع ما تقدم لأنه بمعنى ما ذكر فلذلك وحد ({يلق أثامًا}) [الفرقان: 68] (العقوبة) قال: جزى الله ابن عروة حيث أمسى ... عقوقًا والعقوق له آثام أي: عقوبة، وقيل: هو الإثم نفسه أي يلق جزاء إثم فأطلق الإثم على جزائه أو الآثام اسم من أسماء جهنم أو واد أو بئر فيها ويلق جزم بحذف الألف جزاء الشرط، وسقط لأبي ذر قوله: ({التي حرم الله}) إلى آخر {ومن يفعل ذلك} وقال بعد قوله: {النفس} الآية. وسقط للأصيلي {ولا يزنون} إلى آخر قوله العقوبة. 4761 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ وَسُلَيْمَانُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي وَاصِلٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: سَأَلْتُ أَوْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَكْبَرُ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا، وَهْوَ خَلَقَكَ». قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ». قَالَ: وَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (منصور) هو ابن المعتمر (وسليمان) هو الأعمش (عن أبي وائل)

شقيق بن سلمة (عن أبي ميسرة) ضد الميمنة عمرو بن شرحبيل الهمداني (عن عبد الله) يعني ابن مسعود (قال) سفيان الثوري (وحدّثني) بالإفراد (واصل) هو ابن حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية وبعد الألف نون الأسدي الكوفي من طبقة الأعمش (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) فأسقط سفيان في هذه ما أثبته بين أبي وائل وابن مسعود في رواية منصور والأعمش وهو أبو ميسرة وهو الصواب (قال): أي ابن مسعود (سألت أو سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) شك الراوي (أي الذنب عند الله أكبر؟) ولمسلم: أعظم؟ (قال): (أن تجعل لله ندًّا) بكسر النون أي مثلًا (وهو خلقك) فوجود الخلق يدل على الخالق واستقامة الخلق تدل على توحيده إذ لو كان إلهين لم يكن على الاستقامة (قلت: ثم أي؟) بالتشديد والتنوين وفيه كلام سبق في أوّل البقرة وغيرها (قال: ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك) بخلًا مع الوجدان أو إيثارًا لنفسه عليه عند الفقد ولا اعتبار بمفهومه فلا يقال التقييد بخشية الإطعام مبيح لأنه خرج مخرج الغالب لأنهم كانوا يقتلونهم لأجل ذلك (قلت: ثم أيّ؟ قال: أن تزاني) ولغير أبي ذر ثم أن تزاني (بحليلة جارك) بفتح الحاء المهملة وكسر اللام الأولى أي زوجته لأنها تحل له فهي فعيلة بمعنى فاعلة أو من الحلول لأنها تحل معه ويحل معها وإنما كان ذلك لأنه زنا وإبطال لما أوصى الله به من حفظ حقوق الجيران، وقال في التنقيح: تزاني تفاعل وهو يقتضي أن يكون من الجانبين. قال في المصابيح: لعله نبه به على شدة قبح الزنا إذا كان منه لا منها بأن يغشاها نائمة أو مكرهة فإنه إذا كان زناه بها مع المشاركة منها له والطواعية كبيرًا كان زناه بدون ذلك أكبر وأقبح من باب أولى (قال): أي ابن مسعود (ونزلت هذه الآية تصديقًا لقول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق}) وزاد أبو ذر {ولا يزنون}. وهذا الحديث سبق في البقرة ويأتي إن شاء الله تعالى في التوحيد والأدب والمحاربين. 4762 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ: هَلْ لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ {وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68] فَقَالَ سَعِيدٌ قَرَأْتُهَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا قَرَأْتَهَا عَلَيَّ فَقَالَ: هَذِهِ مَكِّيَّةٌ نَسَخَتْهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) الصنعاني أبو عبد الرحمن القاضي (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (القاسم بن أبي بزة) بفتح الموحدة وتشديد الزاي واسم أبي بزة نافع بن يسار تابعي صغير مكي وهو والد البزي المقري راوي ابن كثير وليس للقاسم في الجامع إلا هذا الحديث (أنه سأل سعيد بن جبير هل لمن قتل مؤمنًا متعمدًا من توبة؟) زاد في رواية منصور عن سعيد في آخر هذا الباب قال: لا توبة له (فقرأت عليه {ولا يقتلون}) ولأبي ذر: والذين يقتلون ({النفس التي حرم الله إلا بالحق}) واعترض بعضهم على رواية أبي ذر من جهة وقوع التلاوة على غير ما هي عليه. وأجاب في المصابيح: بأن المعنى فقرأت عليه آية: الذين لا يقتلون النفس فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وحينئذ لم يلزم كونه غير التلاوة لأنه لم يحكها نصًّا بل أشار إليها. (فقال سعيد): يعني ابن جبير للقاسم بن أبي بزة (قرأتها) يعني الآية (على ابن عباس كما قرأتها عليّ فقال: هذه) الآية (مكية نسختها) ولأبي ذر يعني نسختها (آية مدنية) والذي في اليونينية مدينية بتحتيتين بينهما نون مكسورة يعني قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم} [النساء: 93] (التي في سورة النساء) إذ ليس فيها استثناء التائب وقالوا: نزلت الغلظة بعد اللينة بمدّة يسيرة، وعند ابن مردويه من طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: نزلت سورة النساء بعد صورة الفرقان بستة أشهر، وقول ابن عباس هذا محمول على الزجر والتغليظ، وإلاّ فكل ذنب ممحوّ بالتوبة. 4763 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ، فَرَحَلْتُ فِيهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ، وَلَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة أبو بكر العبدي بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن المغيرة بن النعمان) النخعي الكوفي

3 - باب قوله: {يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا} [الفرقان: 69]

(عن سعيد بن جبير) الأسدي مولاهم الكوفي أنه (قال: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن) أي متعمدًا هل تقبل التوبة منه؟ (فرحلت فيه) بالراء والحاء المهملتين (إلى ابن عباس) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فدخلت بالدال والخاء المعجمة أي بعد أن رحلت إلى ابن عباس فسألته عن ذلك (فقال: نزلت في آخر ما نزل) أي هذه الآية: ({ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم} [النساء: 93] (ولم ينسخها شيء). وهذا الحديث قد سبق في سورة النساء. 4764 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} قَالَ: لاَ تَوْبَةَ لَهُ. وَعَنْ قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا منصور) هو ابن المعتمر ولأبي ذر عن منصور (عن سعيد بن جبير سألت) ولأبي ذر: قال سألت (ابن عباس -رضي الله عنهما- عن قوله تعالى: {فجزاؤه جهنم}) في الرواية الآتية عن قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها} (قال: لا توبة له) حملوه على التغليظ كما مرّ. وحديث الإسرائيلي الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا ثم أتى على تمام المائة إلى راهب فقال: لا توبة لك فقتله فأكمل به مائة ثم جاء آخر فقال له: ومن يحول بينك وبين التوبة المشهور قد يحتج به لقبولها لأنه إذا ثبت ذلك لمن قبل هذه الأمة فمثله لهم أولى لما خفف الله عنهم من الأثقال التي كانت على من قبلهم (وعن قوله جل ذكره: {لا يدعون مع الله إلهًا آخر}) قال: (كانت هذه) الآية (في الجاهلية) مشركي أهل مكة. 3 - باب قَوْلِهِ: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: 69] قوله: ({يضاعف}) ولأبي ذر باب بالتنوين قوله يضاعف ({له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا}) [الفرقان: 69] نصب على الحال وهو اسم مفعول من أهانه يهينه أي أذله وأذاقه الهوان ويضاعف ويخلد بالجزم فيهما بدلًا من يلق بدل اشتمال كقوله: متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبًا جزلًا ونارًا تأججا فأبدل من الشرط كما أبدل هنا من الجزاء وقرأ بالرفع ابن عامر وشعبة على الاستئناف كأنه جواب ما الآثام ويخلد عطفًا عليه. 4765 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ أَبْزَى سُئِلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] وَقَوْلِهِ: {لاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} -حَتَّى بَلَغَ- {إِلاَّ مَنْ تَابَ} [الفرقان: 68] فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ: أَهْلُ مَكَّةَ فَقَدْ عَدَلْنَا بِاللَّهِ، وَقَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} -إِلَى قَوْلِهِ- {غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70]. وبه قال: (حدّثنا سعد بن حفص) بسكون العين الطلحي من ولد طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: قال ابن أبزى) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح الزاي مقصورًا اسمه عبد الرحمن من صغار الصحابة (سئل) بضم السين مبنيًّا للمفعول (ابن عباس) رفع نائب عن الفاعل وللأصيلي سأل ابن عباس فعلًا ماضيًا كذا في الفرع كأصله وقال الحافظ ابن حجر: سل بصيغة الأمر وللأصيلي وعزا الأولى لأبي ذر والنسفيّ وقال: إن مقتضاها أنه من رواية سعيد بن جبير عن ابن أبزى عن ابن عباس وأن المعتمد رواية الأصيلي بصيغة الأمر وأنه يدل عليه قوله بعد سياق الآيتين فسألته فإنه واضح في جواب قوله سل (عن قوله تعالى) في سورة النساء ({ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم}) زاد الأصيلي خالدًا فيها (وقوله: {ولا يقتلون}) ولأبي ذر والأصيلي {والذين لا يقتلون} ({النفس التي حرم الله إلا بالحق} -حتى بلغ- {إلا من تاب وآمن}) فسألته فقال: لما نزلت (قال): ولأبي الوقت فقال (أهل مكة فقد عدلنا بالله) بإسكان اللام أي أشركنا به وجعلنا له مثلًا (وقتلنا) ولأبي ذر وقد قتلنا (النفس التي حرم الله إلا بالحق) سقط لأبي ذر إلا بالحق (وآتينا الفواحش فأنزل الله {إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا} -إلى قوله- {غفورًا رحيمًا}) فيه قبول توبة القاتل. 4 - باب: {إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70] هذا (باب) بالتنوين في قوله: ({إلا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا}) الاستثناء متصل أو منقطع، ورجحه أبو حيان بأن المستثنى منه محكوم عليه بأنه يضاعف له العذاب فيصير التقدير إلا من تاب فلا يضاعف له العذاب ولا يلزم من انتفاء التضعيف انتفاء العذاب غير المضعف، فالأولى عندي أن يكون استثناء منقطعًا أي لكن من تاب وآمن وإذا كان كذلك فلا يلقى عذابًا البتة، وتعقبه تلميذه السمين فقال: الظاهر قول الجمهور أنه متصل، وأما ما قاله فلا يلزم إذ المقصود الإخبار بأن من فعل كذا فإنه يحل به ما ذكر إلا أن يتوب، وأما إصابة أصل العذاب وعدمها فلا تعرض له

5 - باب {فسوف يكون لزاما}: [الفرقان: 77] هلكة

في الآية ({فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات})، سيئاتهم مفعول ثان للتبديل وهو المقيد بحرف الجر وحذف لفهم المعنى وحسنات هو الأول وهو المأخوذ والمجرور بالباء هو المتروك وقد صرح بهذا في قوله تعالي: {وبدلناهم بجنتيهم جنتين} [سبأ: 16]. وإبدال السيئات حسنات أنه يمحوها بالتوبة ويثبت مكانها الحسنات. وقال محيي السنّة: ذهب جماعة إلى أن هذا في الدنيا قال ابن عباس وغيره يبدلهم الله بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإسلام فيبدلهم بالشرك إيمانًا وبقتل المؤمنين قتل المشركين وبالزنا عفة وإحصانًا. وقال ابن المسيب وغيره: يبدل الله سيئاتهم التي عملوها في الإسلام حسنات يوم القيامة. وقال ابن كثير: تنقلب السيئات الماضية بنفس التوبة النصوح حسنات لأنه كلما يذكرها ندم واسترجع واستغفر فينقلب الذنب طاعة فيوم القيامة وإن وجدها مكتوبة عليه لكنها لا تضره بل تنقلب حسنة في صحيفته كما يدل له حديث أبي ذر المروي في مسلم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني لأعرف آخر أهل النار خروجًا من النار وآخر أهل الجنة دخولًا إلى الجنة فيقول: اعرضوا عليه كبار ذنوبه وسلوه عن صغارها قال فيقال له عملت يوم كذا كذا وكذا وعملت يوم كذا كذا وكذا فيقول: نعم لا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئًا فيقال فإن لك بكل سيئة حسنة فيقول: يا رب عملت أشياء لا أراها ها هنا، قال: فضحك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدت نواجذه. وقال الزجاج: السيئة بعينها لا تصير حسنة فالتأويل أن السيئة تمحى بالتوبة وتكتب الحسنة مع التوبة. ({وكان الله غفورًا}) حيث حط عنهم بالتوبة والإيمان مضاعفة العذاب والخلود في النار والإهانة ({رحيمًا}) [الفرقان: 70] حيث بدل سيئاتهم بالثواب الدائم والكرامة في الجنة وسقط قوله فأولئك الخ لأبي ذر. 4766 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: لَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ. وَعَنْ {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) بن عثمان بن جبلة الأزدي المروزي قال: (أخبرنا أبي) عثمان (عن شعبة) بن الحجاج (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: أمرني عبد الرحمن بن أبزى) بفتح الهمزة والزاي بينهما موحدة مقصورًا (أن أسأل ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن هاتين الآيتين) قوله تعالى: ({ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا}) الآية بالنساء (فسألته) عن حكمها (فقال: لم ينسخها شيء، وعن) قوله تعالى: ({والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر}) إلى ({رحيمًا}) بالفرقان (قال: نزلت في أهل الشرك). وفي باب ما لقي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه من المشركين بمكة من المبعث من طريق عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور فسألت ابن عباس فقال: لما نزلت التي في الفرقان قال مشركو أهل مكة: فقد قتلنا النفس التي حرم الله ودعونا مع الله إلهًا آخر وقد أتينا الفواحش، فأنزل الله: {إلا من تاب وآمن} فهذه لأولئك وأما التي في النساء الرجل إذا عرف الإسلام وشرائعه ثم قتل فجزاؤه جهنم فذكرته لمجاهد فقال: إلا من ندم. قال في الفتح: وحاصل ما في هذه الروايات أن ابن عباس -رضي الله عنهما- كان تارة يجعل الآيتين في محل واحد فلذلك يجزم بنسخ إحداهما وتارة يجعل محلهما مختلفًا ويمكن الجمع بين كلاميه بأن عموم التي في الفرقان خص منه مباشرة المؤمن القتل متعمدًا وكثير من السلف يطلقون النسخ على التخصيص، وهذا أولى من حمل كلامه على التناقض وأولى من أنه قال بالنسخ ثم رجع عنه والمشهور عنه القول بأن المؤمن إذا قتل مؤمنًا متعمدًا لا توبة له وحمله الجمهور منه على التغليظ وصححوا توبة القاتل كغيره. وسبق في النساء من مباحث ذلك. 5 - باب {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}: [الفرقان: 77] هَلَكَةً هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({فسوف يكون}) جزاء التكذيب ({لزامًا}) [الفرقان: 77]. قال أبو عبيدة (هلكة) وللأصيلي أي هلكة والمعنى فسوف يكون تكذيبكم مقتضيًا لهلاككم وعذابكم ودماركم في الدنيا والآخرة، وقال ابن عباس: موتًا ولزامًا خبر يكون واسمها مضمر كما مرّ. 4767 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: الدُّخَانُ، وَالْقَمَرُ، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ. وَاللِّزَامُ {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا}. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) أبو حفص النخعي الكوفي قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال:

[26] {سورة الشعراء}

(حدّثنا مسلم) هو ابن صبيح أبو الضحى الكوفي (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: قال عبد الله) هو ابن مسعود -رضي الله عنه- (خمس) من العلامات الدالة على الساعة (قد مضين) أي وقعن (الدخان) المشار إليه في قوله تعالى: {يوم تأتي السماء بدخان مبين} [الدخان: 10] (والقمر) في قوله تعالى: {اقتربت الساعة وانشقَّ القمر} [القمر: 1] (والروم) في قوله تعالى: {الم * غلبت الروم} [الروم: 1، 2] (والبطشة) في قوله جل وعلا: {يوم نبطش البطشة الكبرى} [الدخان: 16] وهو القتل يوم بدر (واللزام) في قوله تعالى: ({فسوف يكون لزامًا}). قال ابن كثير: ويدخل في ذلك يوم بدر كما فسره ابن مسعود وأبي بن كعب ومحمد بن كعب القرظي ومجاهد والضحاك وقتادة والسدّي وغيرهم، وقال الحسن: فسوف يكون لزامًا يعني يوم القيامة قال ابن كثير: ولا منافاة بينهما اهـ. وعلى تفسير البطشة واللزام بيوم بدر يكون المعدود في الحقيقة أربعًا ويحتاج إلى بيان الخامس وإن حصل بقول الحسن بيان الخامس في الجملة لكن تفسيره بيوم القيامة فيه شيء لأن مراده تفسير خمس مضين وما يكون يوم القيامة مستقبل لا ماض ففي قول ابن كثير ولا منافاة بينهما نظر وقد يجاب بأنه لتحقق وقوعه عدّ ماضيًا قاله في المصابيح. وهذا الحديث قد سبق في الاستسقاء. [26] {سورة الشُّعَرَاءِ} (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تَعْبَثُونَ} تَبْنُونَ {هَضِيمٌ} يَتَفَتَّتُ إِذَا مُسَّ. {مُسَحَّرِينَ}: الْمَسْحُورِينَ. {لَيْكَةُ وَالأَيْكَةُ} جَمْعُ أَيْكَةٍ وَهْيَ جَمْعُ شَجَرٍ {يَوْمِ الظُّلَّةِ} إِظْلاَلُ الْعَذَابِ إِيَّاهُمْ {مَوْزُونٍ} مَعْلُومٍ. {كَالطَّوْدِ} الْجَبَلِ. {الشِّرْذِمَةُ} طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ {فِي السَّاجِدِينَ} الْمُصَلِّينَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} كَأَنَّكُمْ {الرِّيعُ}: الأَيْفَاعُ مِنَ الأَرْضِ وَجَمْعُهُ رِيعَةٌ، وَأَرْيَاعٌ وَاحِدُ الرِّيَعَةِ. {مَصَانِعَ} كُلُّ بِنَاءٍ فَهْوَ مَصْنَعَةٌ. {فَرِهِينَ} مَرِحِينَ، فَارِهِينَ بِمَعْنَاهُ، وَيُقَالُ فَارِهِينَ: حَاذِقِينَ. {تَعْثَوْا} أَشَدُّ الْفَسَادِ؛ عَاثَ يَعِيثُ عَيْثًا {الْجِبِلَّةُ} الْخَلْقُ، جُبِلَ: خُلِقَ، وَمِنْهُ جُبُلًا وَجِبِلًا وَجُبْلًا يَعْنِي الْخَلْقَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. ([26] سورة الشعراء) مكية إلا قوله: {والشعراء يتبعهم} إلى آخرها وهي مائتان وعشرون وست آيات. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقط لفظ سورة والبسملة لغير أبي ذر. (وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({تعبثون}) من قوله: ({أتبنون بكل ريع آية تعبثون}) [الشعراء: 128]. أي (تبنون) وقال الضحاك ومقاتل: هو الطريق. قال ابن عباس كانوا يبنون بكل ريع عليًّا يعبثون فيه بمن يمر في الطريق إلى هود عليه السلام وقيل كانوا يبنون الأماكن المرتفعة ليعرف بذلك غناهم فنهوا عنه ونسبوا إلى العبث. ({هضيم}) في قوله: {في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم} [الشعراء: 148] (يتفتت إذا مسّ) بضم الميم وتشديد السين المهملة مبنيًا للمفعول وهذا قاله مجاهد أيضًا، وقال ابن عباس هو اللطيف وقال عكرمة اللين وقيل هضيم أي يهضم الطعام وكل هذا للطافته. ({مسحرين}) في قوله: {إنما أنت من المسحرين} [الشعراء: 153] أي (المسحورين) ولأبي ذر والأصيلي مسحورين الذين سحروا مرة بعد أخرى من المخلوقين. (ليكة) بلام مفتوحة من غير ألف وصل قبلها ولا همزة بعدها غير منصرف اسم غير معرف بأل مضاف إليه أصحاب وبه قرأ نافع وابن كثير وابن عامر ولأبي ذر: والليكة بألف وصل وتشديد اللام (والأيكة) بألف وصل وسكون اللام وبعدها همزة مكسورة (جمع أيكة) ولأبي ذر جمع الأيكة (وهي جمع شجر) وكان شجرهم الدوم وهو المقل. قال العيني: الصواب أن الليكة والأيكة جمع أيك وكيف يقال الأيكة جمع أيكة. ({يوم الظلة}) في قوله: {فأخذهم عذاب يوم الظلة} [الشعراء: 189]. هو (إظلال العذاب إياهم) على نحو ما اقترحوا بأن سلط الله عليهم الحر سبعة أيام حتى غلت أنهارهم فأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم نارًا فاحترقوا. ({موزون}) في سورة الحجر أي (معلوم) ولعل ذكره هنا من ناسخ فالله أعلم. ({كالطود}) أي (الجبل) ولأبي ذر والأصيلي كالجبل بزيادة الكاف. (وقال غيره): غير مجاهد ({لشرذمة}) في قوله تعالى: {إن هؤلاء لشرذمة} [الشعراء: 54]. (الشرذمة طائفة قليلة) والجملة معمول لقول مضمر أي قال: إن هؤلاء وهذا القول يجوز أن يكون حالًا أي أرسلهم قائلًا ذلك ويجوز أن يكون مفسرًا لأرسل وجمع الشرذمة شراذم فذكرهم بالاسم الدال على القلة ثم جعلهم قليلًا بالوصف ثم جمع القليل فجعل كل حزب منهم قليلًا واختار السلامة الذي هو جمع القلة وإنما استقلهم وكانوا ستمائة وسبعين ألفًا بالإضافة إلى جنوده لأنه روي أنه خرج وكانت مقدّمته سبعمائة ألف. ({في الساجدين}) في قوله: {وتقلبك في الساجدين} [الشعراء: 219]. أي (المصلين)

1 - باب: {ولا تخزنى يوم يبعثون} [الشعراء: 87] وقال إبراهيم بن طهمان عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: "إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام رأى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة". الغبرة هي القترة

وقال مقاتل مع المصلين في الجماعة أي نراك حين تقوم وحدك للصلاة ونراك إذا صليت مع الجماعة. وقال مجاهد: نرى تقلب بصرك في المصلين فإنه كان يبصر من خلفه كما يبصر من أمامه، وعن ابن عباس تقلبك في أصلاب الأنبياء من نبي إلى نبيّ حتى أخرجتك في هذه الأمة. (قال ابن عباس: ({لعلكم تخلدون}) في قوله: {وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون} [الشعراء: 129] أي (كأنكم) تخلدون في الدنيا وليس ذلك بحاصل لكم بل زائل عنكم كما زال عمن قبلكم. قال الواحدي: كل ما وقع في القرآن لعل فإنها للتعليل إلا هذه فإنها للتشبيه ويؤيده ما في حرف أبي كأنكم تخلدون، وعورض ما ذكره من الحصر بقوله: {لعلك باخع نفسك} [الشعراء: 3] لكن لم يعلم من نص على أن لعل تكون للتعليل. (الريع) في قوله: {أتبنون بكل ريع} [الشعراء: 128] هو (الأيفاع) بفتح الهمزة وسكون التحتية وبعد الفاء ألف فعين مهملة أي المرتفع (من الأرض) قال ذو الرمة: طراف الخوافي مشرف فوق ريعة ... بذي ليلة في ريشه يترقرق (وجمعه) أي الريع (ريعة) بكسر الراء وفتح التحتية والعين المهملة كقردة (وأرياع) هو (واحد الريعة) بكسر الراء وفتح التحتية كالأول، ولأبي ذر والأصيلي واحده وفي نسخة واحدها ريعة بسكون التحتية وضبطه الحافظ ابن حجر بالسكون والأول بالفتح، وتبعه العيني وقال البرماوي كالكرماني وأما الأرياع فمفرده ريعة بالكسر والسكون. ({مصانع}) قال أبو عبيدة (كل بناء فهو مصنعة) وقال سفيان ما يتخذ فيه الماء، وقال مجاهد: قصور مشيدة وقيل هي الحصون. ({فرهين}) بالهاء قال أبو عبيدة أي (مرحين) ولأبي ذر فرحين بالحاء بدل الهاء في الأول وبالهاء أوجه. (فارهين بمعناه) أي بمعنى فرهين من قولهم: فسّره زيد فهو فاره (ويقال فارهين) أي (حاذقين) وفارهين حال من الناحتين. ({تعثوا}) في قوله: ({ولا تعثوا في الأرض مفسدين} [الشعراء: 183] (هو أشد الفساد) وسقط لفظ هو لغير الأصيلي (وعاث يعيث عيثًا) يريد أن اللفظين بمعنى واحد لا أن تعثوا مشتق من عاث لأن يعثو معتل اللام ناقص وعاث معتل العين أجوف وثبت الواو في وعاث لأبي ذر. ({الجبلة}) في قوله: {والجبلة الأولين} [الشعراء: 184] هي (الخلق) بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام (جبل) بضم الجيم وكسر الموحدة أي (خلق) وزنه ومعناه (ومنه) ومن هذا الباب قوله في سورة يس (جبلًا) بضم الجيم والموحدة (وجبلًا) بكسرهما (وجبلًا) بضم الجيم وسكون الموحدة مع التخفيف في الثلاث لغات (يعني) بها (الخلق قاله ابن عباس) وسقط قوله قاله ابن عباس لغير أبي ذر وبالضمتين قرأ ابن كثير والإخوان وبالضم والسكون أبو عمرو وابن عامر وقرأ نافع وعاصم بكسرهما مع تشديد اللام ولأبي ذر هنا ليكة بلام مفتوحة الأيكة وهي الغيضة وقد سبق تفسيرها بالشجر. 1 - باب: {وَلاَ تُخْزِنِى يَوْمَ يُبْعَثُونَ} [الشعراء: 87] وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ رَأَى أَبَاهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَيْهِ الغَبَرَةَ وَالقَتَرَةُ". الغَبَرَةُ هِيَ القَتَرَةُ هذا (باب) بالتنوين في قوله جل وعلا: ({ولا تخزين يوم يبعثون}) [الشعراء: 87] أي العباد أو الضالون. فإن قلت: لما قال أولًا واجعلني من ورثة جنة النعيم كان كافيًا عن قوله: ولا تخزني وأيضًا فقد قال تعالى: {إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين} [النحل: 27] فما كان يصيب الكفار فقط كيف يخافه المعصوم؟ أجيب: بأن حسنات الأبرار سيئات المقربين فكذا درجات خزي المقربين وخزي كل واحد بما يليق به. (وقال إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة سكون الهاء الهروي فيما وصله النسائي (عن ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن سعيد بن أبي سعيد) بكسر العين فيهما (المقبري) بفتح الميم وضم الموحدة (عن أبيه) أبي سعيد كيسان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن إبراهيم) الخليل (عليه الصلاة والسلام رأى) بصيغة الماضي ولأبي ذر يرى (أباه) آزر وقيل اسمه تارح فقيل هما علمان له كإسرائيل ويعقوب وقيل العلم تارخ وآزر معناه الشيخ أو المعوج (يوم القيامة) حال كونه (عليه الغبرة والقترة) بفتح المعجمة والموحدة والقاف والفوقية (الغبرة:

هي القترة) وهي سواد كالدخان وسقط لأبي ذر قوله الغبرة هي القترة وهذا من تفسير المؤلّف أخذه من كلام أبي عبيدة حيث قال في سورة يونس: {ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة} [يونس: 26] القتر الغبار. قال السفاقسي: وعلى هذا فقوله في عبس: {غبرة ترهقها قترة} [عبس: 41] تأكيد لفظي كأنه قال غبرة فوقها غبرة وقيل القترة شدة الغبرة بحيث يسودّ الوجه وقيل القترة سواد الدخان. 4769 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَخِي عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ». قَوْلُهُ: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ: أَلِنْ جَانِبَكَ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس واسمه عبد الله الأصبحي المدني قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (أخي) عبد الحميد (عن ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يلقى إبراهيم) عليه الصلاة والسلام (أباه) زاد في حديث الأنبياء يوم القيامة على وجه آزر قترة وغبرة فيقول له إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ألم أقل لك لا تعصيني؟ فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك (فيقول) إبراهيم (يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني) ولأبي ذر أن لا تخزيني (يوم يبعثون) زاد في أحاديث الأنبياء فأي خزي أخزى من أبي الأبعد (فيقول الله إني حرمت الجنة على الكافرين) وزاد في أحاديث الأنبياء أيضًا فيقال: يا إبراهيم ما تحت رجليك؟ فينظر فإذا بذيخ ملتطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار، وفي رواية أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عند الحاكم فيمسخ الله أباه ضبعًا فيأخذ بأنفه فيقول: يا عبدي أبوك هو، وفي حديث أبي سعيد عند البزار والحاكم فيحوّل في صورة قبيحة وريح منتنة في صورة ضبعان. زاد ابن المنذر من هذا الوجه فإذا رآه كذلك تبرأ منه قال: لست أبي، وكان تبرؤه منه في الدنيا حين مات مشركًا فقطع الاستغفار له كما أخرجه الطبري بإسناد صحيح عن ابن عباس وقيل تبرأ منه يوم القيامة لما أيس منه حين مسخ كما صرح به ابن المنذر في روايته، وقد يجمع بينهما بأنه تبرأ منه في الدنيا لما مات مشركًا فترك الاستغفار له فلما رآه في الآخرة رقّ له فسأل الله فيه فلما مسخ أيس منه حينئذ وتبرأ منه تبرؤًا أبديًّا، قيل: والحكمة في مسخه لينفر إبراهيم منه ولئلا يبقى في النار على صورته فيكون فيه غضاضة على الخليل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (قوله: {وأنذر}) ولأبي ذر باب بالتنوين في قوله جل وعلا: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214] أي الأقرب منهم فالأقرب فإن الاهتمام بشأنهم أهم ولأن الحجة إذا قامت عليهم تعدّت إلى غيرهم وإلاّ فكانوا علة للأبعدين في الامتناع {واخفض جناحك} [الشعراء: 215] أي (ألن جانبك) لمن اتبعك من المؤمنين مستعار من خفض الطائر جناحه إذا أراد أن ينحط ومن للتبيين والمؤمنين المراد بهم الذين لم يؤمنوا بعد بل شارفوا لأن يؤمنوا كالمؤلّفة مجازًا باعتبار ما يؤول إليه فكان من اتبعك شائعًا فيمن آمن حقيقة ومن آمن مجازًا فبين بقوله من المؤمنين، وأن المراد بهم المشارفون أي تواضع لهؤلاء استمالة وتأليفًا أو للتبعيض ويراد بالمؤمنين الذين قالوا آمنا. ومنهم من صدق واتبع، ومنهم من صدق فقط فقيل من المؤمنين وأريد بعض الذين صدقوا واتبعوا أي تواضع لهم محبة ومودة قاله في فتوح الغيب. 4770 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} صَعِدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ» لِبُطُونِ قُرَيْشٍ. حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِى تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلاَّ صِدْقًا. قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: 1 - 2]. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) النخعي قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال: (حدّثني) بالإفراد (عمرو بن مرة) بفتح العين في الأول وضم الميم وتشديد الراء في الثاني الجملي بالجيم والميم المفتوحتين (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين}) زاد في سورة تبت: ورهطك منهم المخلصين وهو من عطف الخاص على العام وكان قرآنًا فنسخت تلاوته (صعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر) بكسر الفاء وسكون الهاء (يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أرأيتكم) أي أخبروني (لو أخبرتكم أن خيلًا) أي عسكرًا (بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي) بتشديد الدال المكسورة والتحتية

[27] سورة النمل

المفتوحة وأصله مصدقين لي فلما أضيف إلى ياء المتكلم سقطت النون وأدغمت ياء الجمع في ياء المتكلم ومراده بذلك تقريرهم بأنهم يعلمون صدقه إذا أخبر عن شيء غائب (قالوا: نعم) نصدقك (ما جربنا عليك إلا صدقًا قال) عليه الصلاة والسلام: (فإني نذير) أي منذر (لكم بين يدي عذاب شديد) أي قدامه (فقال أبو لهب): لعنه الله (تبًّا لك سائر اليوم) أي بقية وتبًّا نصب على المصدر بإضمار فعل أي ألزمك الله تبًّا (ألهذا جمعتنا؟) بهمزة الاستفهام الإنكاري (فنزلت: {تبت}) أي هلكت أو خسرت ({يدا أبي لهب}) نفسه ({وتب}) أخبار بعد الدعاء ({ما أغنى عنه ماله وما كسب}) وكسبه بنوه. وهذا الحديث من مراسيل الصحابة لأن ابن عباس إنما أسلم بالمدينة وهذه القصة كانت بمكة وكان ابن عباس إما لم يولد وإما طفلًا، وذكره المؤلّف في باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية من كتاب الأنبياء. 4771 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] قَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا. يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا. وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي، لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا». تَابَعَهُ أَصْبَغُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) على الصفا (حين أنزل الله: ({وأنذر عشيرتك الأقربين} قال): (يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم) بتخليصها من العذاب بالطاعة لأنها ثمن النجاة (لا أغني عنكم من الله شيئًا) لا أدفع. قال الله تعالى: {هل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء أو لا أنفعكم} [إبراهيم: 21] (يا بني عبد مناف لا أغني عنكم من الله شيئًا يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا ويا صفية) وللأصيلي يا صفية (عمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا أغني عنك من الله شيئًا) ترقى في القرب من العم إلى الأمة في الأشخاص كما ترقى من قريش إلى بني عبد مناف في القبيلة (ويا فاطمة بنت محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئًا) ويجوز في ابن عبد المطلب وعمة وبنت النصب والرفع باعتبار اللفظ والمحل. (تابعه) أي تابع أبا اليمان (أصبغ) بن الفرج شيخ المؤلّف (عن ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري. وسبق في الوصايا القول في وجه هذه المتابعة. [27] سورة النَّمْل {الْخَبْءُ} مَا خَبَأْتَ. {لاَ قِبَلَ}: لاَ طَاقَةَ {الصَّرْحُ}: كُلُّ مِلاَطٍ اتُّخِذَ مِنَ الْقَوَارِيرِ، وَالصَّرْحُ الْقَصْرُ وَجَمَاعَتُهُ صُرُوحٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَلَهَا عَرْشٌ}: سَرِيرٌ {كَرِيمٌ}: حُسْنُ الصَّنْعَةِ وَغَلاَءُ الثَّمَنِ {مُسْلِمِينَ} طَائِعِينَ {رَدِفَ} اقْتَرَبَ {جَامِدَةً} قَائِمَةً {أَوْزِعْنِي} اجْعَلْنِي. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {نَكِّرُوا} غَيِّرُوا. {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ} يَقُولُهُ سُلَيْمَانُ {الصَّرْحُ} بِرْكَةُ مَاءٍ ضَرَبَ عَلَيْهَا سُلَيْمَانُ قَوَارِيرَ أَلْبَسَهَا إِيَّاهُ. ([27] سورة النَّمْل) مكية وهي ثلاث أو أربع وتسعون آية، ولأبي ذر: سورة النمل بسم الله الرحمن الرحيم وسقطت البسملة لغير أبي ذر وللنسفي تقديمها. ({الخبء}) لغير أبي ذر: والخبء بزيادة واو ومراده قوله تعالى: {ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء} [النمل: 25] هو (ما خبأت) يقال خبأت الشيء أخبؤه خبأ أي سترته ثم أطلق على الشيء المخبوء ونحوه هذا خلق الله، وقيل: الخبء في السماوات المطر وفي الأرض النبات، وقيل الغيب وهو يدل على كمال القدرة وسمي الخبوء بالمصدر ليتناول جميع الأموال والأرزاق. ({لا قبل}) في قوله: {فلنأتينهم بجنود لا قبل} أي (لا طاقة) ({لهم}) بمقاومتها [النمل: 37]. ({الصرح}) في قوله: {قيل لها ادخلي الصرح} [النمل: 44] وهو (كل ملاط) بميم مكسورة الطين الذي يجعل بين سافي البناء وللأصيلي كما في الفتح بلاط بالموحدة المفتوحة ومثله لأبي ذر السكن وكذا ضبطه الدمياطي في نسخته (اتخذ) بضم الفوقية وكسر المعجمة مبنيًّا للمفعول (من القوارير) وهو الزجاج الشفاف (والصرح القصر) وقال الراغب: بيت عال مزوّق سمي بذلك اعتبارًا بكونه صرحًا عن البيوت أي خالصًا (وجماعته) أي الصرح (صرح. وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله الطبري في قوله تعالى: {ولها عرش} [النمل: 23] أي (سرير). ({كريم} حسن الصنعة) بضم الحاء وسكون السين (وغلاء الثمن) وكان مضروبًا من الذهب مكللًا بالدر والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر وقوائمه من الياقوت والزمرد وعليه سبعة أبواب على كل بيت باب مغلق. وقال ابن عباس: كان عرشها ثلاثين ذراعًا في ثلاثين ذراعًا وطوله في السماء ثلاثون

[28] سورة القصص

ذراعًا وعند ابن أبي حاتم ثمانون ذراعًا في أربعين. ({مسلمين}) ولأبي ذر والأصيلي: يأتوني مسلمين أي (طائعين) قاله ابن عباس فيما وصله الطبري. ({ردف}) في قوله: {عسى أن يكون ردف} [النمل: 72] قال ابن عباس (اقترب) فضمن ردف معنى فعل يتعدى باللام وهو اقترب أو أزف لكم وبعض الذي فاعل به أو ردف مفعوله محذوف واللام للعلة أي ردف الخلق لأجلكم أو اللام مزيدة في المفعول تأكيدًا كزيادتها في قوله: {لربهم يرهبون} أو فاعل ردف ضمير الوعد أي ردف الوعد أي قرب ودنا مقتضاه ولكم خبر مقدم وبعض مبتدأ مؤخر. ({جامدة}) في قوله: {وترى الجبال تحسبها جامدة} [النمل: 88] أي (قائمة) قاله ابن عباس. ({أوزعني}) في قوله: {ربّ أوزعني} [النمل: 19] أي (اجعلني) أزع شكر نعمتك عندي. (وقال مجاهد): فيما وصله الطبري في قوله: ({نكروا}) أي (غيروا) لها عرشها إلى حالة تنكره إذا رأته. روي أنه جعل أسفله أعلاه وأعلاه أسفله ومكان الجوهر الأحمر أخضر ومكان الأخضر أحمر. ({وأوتينا العلم}) قال مجاهد (يقوله سليمان) وقال في الأنوار واللباب وغيرهما من قول سليمان وقومه فالضمير في قبلها عائد على بلقيس فكأن سليمان وقومه قالوا إنها قد أصابت في جوابها وهي عاقلة وقد رزقت الإسلام ثم عطفوا على ذلك قولهم: وأوتينا نحن العلم بالله وبقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة مثل علمها وغرضهم من ذلك شكر الله تعالى في أن خصهم بمزيد التقدم في الإسلام قاله مجاهد أو هو من تتمة كلامها فالضمير في قبلها راجع للمعجزة أو الحالة الدال عليهما السياق والمعنى وأوتينا العلم بنبوة سليمان من قبل ظهور هذه المعجزة أو من قبل هذه الحالة وذلك لما رأت من أمر الهدهد وغيره. ({الصرح}) هو (بركة ماء ضرب عليها سليمان) عليه السلام (قوارير) وهو الزجاج الشفاف (ألبسها إياه) وللأصيلي إياها وكان قد ألقى في هذا الماء كل شيء من دواب البحر من السمك والضفادع وغيرها ثم وضع سريره في صدره وجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإنس، وقيل: إنه اتخذ صحفًا من قوارير وجعل تحتها تماثيل من الحيتان والضفاح فكان الرائي يظنه ماء. [28] سورة الْقَصَصِ {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} إِلاَّ مُلْكَهُ. وَيُقَالُ: إِلاَّ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الأَنْبَاءُ الْحُجَجُ. ([28] الْقَصَصِ) مكية وقيل: إلا قوله: {الذين آتيناهم الكتاب} إلى {الجاهلين} وهي ثمان وثمانون آية، ولأبي ذر: سورة القصص بسم الله الرحمن الرحيم، وفي نسخة تقديم البسملة على سورة. ({كل شيء هالك إلا وجهه}) [القصص: 88]. أي (إلا ملكه) وقيل إلا جلاله أو إلا ذاته فالاستثناء متصل إذ يطلق على الباري تعالى شيء (ويقال) على مذهب من يمنع (إلا ما أريد به وجه الله) فيكون الاستثناء متصلًا أو المعنى لكن هو تعالى لم يهلك فيكون منقطعًا. (وقال مجاهد): فيما وصله الطبري في قوله تعالى: ({الأنباء}) ولأبوي ذر والوقت: {فعميت عليهم الأنباء} [القصص: 66] أي (الحجج) فلا يكون لهم عذر ولا حجة وقيل خفيت واشتبهت عليهم الأخبار والأعذار. 1 - باب قَوْلِهِ: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (قوله: {إنك}) أي يا محمد ولأبي ذر عن الهروي باب قوله: إنك ({لا تهدي من أحببت}) [القصص: 56] هدايته أو أحببته لقرابته وقد أجمع المفسرون كما قاله الزجاج أنها نزلت في أبي طالب ({ولكن الله يهدي من يشاء}) ولا تنافي بين هذه وبين قوله في الآية الأخرى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} لأن الذي أثبته وأضافه إليه الدعوة والذي نفى عنه هداية التوفيق وشرح الصدر وهو نور يقذف في القلب فيحيا به. 4772 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَ عِنْدَهِ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ: «أَيْ عَمِّ، قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ». فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعِيدَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَاللَّهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ». فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {أُولِي الْقُوَّةِ}: لاَ يَرْفَعُهَا الْعُصْبَةُ مِنَ الرِّجَالِ {لَتَنُوءُ}: لَتُثْقِلُ. {فَارِغًا}: إِلاَّ مِنْ ذِكْرِ مُوسَى. {الْفَرِحِينَ}: الْمَرِحِينَ. {قُصِّيهِ}: اتَّبِعِي أَثَرَهُ، وَقَدْ يَكُونُ أَنْ يَقُصَّ الْكَلاَمَ. {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} عَنْ جُنُبٍ: عَنْ بُعْدٍ، عَنْ جَنَابَةٍ وَاحِدٌ، وَعَنِ اجْتِنَابٍ أَيْضًا. يَبْطِشُ وَيَبْطُشُ، {يَأْتَمِرُونَ}: يَتَشَاوَرُونَ. الْعُدْوَانُ وَالْعَدَاءُ وَالتَّعَدِّي وَاحِدٌ. {آنَسَ}: أَبْصَرَ. {الْجِذْوَةُ}: قِطْعَةٌ غَلِيظَةٌ مِنَ الْخَشَبِ لَيْسَ فِيهَا لَهَبٌ، وَالشِّهَابُ فِيهِ لَهَبٌ. وَالْحَيَّاتُ أَجْنَاسٌ: الْجَانُّ وَالأَفَاعِي وَالأَسَاوِدُ. {رِدْءًا}: مُعِينًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُصَدِّقُنِي. وَقَالَ غَيْرُهُ {سَنَشُدُّ}: سَنُعِينُكَ، كُلَّمَا عَزَّزْتَ شَيْئًا فَقَدْ جَعَلْتَ لَهُ عَضُدًا. {مَقْبُوحِينَ}: مُهْلَكِينَ. {وَصَّلْنَا}: بَيَّنَّاهُ وَأَتْمَمْنَاهُ. {يُجْبَى}: يُجْلَبُ. {بَطِرَتْ}: أَشِرَتْ. {فِي أُمِّهَا رَسُولًا}: أُمُّ الْقُرَى مَكَّةُ وَمَا حَوْلَهَا. {تُكِنُّ}: تُخْفِي أَكْنَنْتُ الشَّيْءَ أَخْفَيْتُهُ، وَكَنَنْتُهُ أَخْفَيْتُهُ وَأَظْهَرْتُهُ. {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ}: مِثْلُ. {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ}: يُوَسِّعُ عَلَيْهِ، وَيُضَيِّقُ عَلَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب عن أبيه) المسيب بن حزن له ولأبي صحبة عاش إلى خلافة عثمان أنه (قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة) أي علامتها بعد المعاينة وعدم الانتفاع بالإيمان لو آمن (جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوجد عنده أبا جهل) هو ابن هشام (وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة) أخا أم سلمة أسلم عام الفتح كالمسيب

فلم يشهد وفاة أبي طالب، فالحديث مرسل صحابي كذا قرره الكرماني، وردّه الحافظ ابن حجر بأنه لا يلزم من تأخر إسلامه عدم حضوره وفاة أبي طالب كما شهدها عبد الله بن أبي أمية وهو كافر ثم أسلم، وتعقبه العيني بأن حضور عبد الله بن أبي أمية ثبت في الصحيح ولم يثبت حضور المسيب لا في الصحيح ولا في غيره وبالاحتمال لا يرد على كلام بغير احتمال. وأجاب في انتقاض الاعتراض فقال: هذا كلام عجيب إنما يتوجه الرد على من قال جازمًا إن المسيب لم يحضرها ولم يذكر مستندًا إلا أنه كان كافرًا لا يمتنع أن يشهد وفاة كافر فتوجه الرد على الجزم، ويؤيده أن عنعنة الصحابي محمولة على السماع إلا إذا أدرك قصة ما أدركها كحديث عائشة عن قصة المبعث النبوي فتلك الرواية تسمى مرسل صحابي، وأما لو أخبر عن قصة أدركها ولم يصرح فيها بالسماع ولا المشاهدة فإنها محمولة على السماع وهذا شأن حديث المسيب فهذا الذي يمشي على الاصطلاح الحديثي وأما الدفع بالصدر فلا يعجز عنه أحد لكنه لا يجدي شيئًا انتهى. (فقال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي طالب (أي عم قل لا إله إلا الله كلمة) بالنصب على البدل ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف (أحاجّ لك بها عند الله) بضم الهمزة وفتح الحاء المهملة وبعد الألف جيم مشدّدة مضمومة في الفرع خبر مبتدأ محذوف، وفي بعض النسخ فتح الجيم على الجزم جواب الأمر، والتقدير أن تقل أحاج وهو من المحاججة مفاعلة من الحجة. وعند الطبري من طريق سفيان بن حسين عن الزهري قال: أي عم إنك أعظم الناس عليّ حقًّا وأحسنهم عندي يدًا فقل كلمة تجب لي بها الشفاعة فيك يوم القيامة. (فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية): لأبي طالب (أترغب عن ملة عبد المطلب؟) يقال رغب عن الشيء إذا لم يرده ورغب فيه إذا أراده (فلم يزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعرضها) أي كلمة الإخلاص (عليه) على أبي طالب (ويعيدانه) بضم أوله والضمير المنصوب لأبي طالب (بتلك المقالة) وهي قولهما: أتركب وكأنه كان قد قارب أن يقولها فيردانه. وقال البرماوي كالزركشي: صوابه ويعيدان له تلك المقالة، وتعقبه في المصابيح فقال: ضاق عطنه يعني الزركشي عن توجيه اللفظ على الصحة فجزم بخطئه، ويمكن أن يكون ضمير النصب من قوله: ويعيدانه ليس عائدًا على أبي طالب وإنما هو عائد على الكلام بتلك المقالة، ويكون بتلك المقالة ظرفًا مستقرًّا منصوب المحل على الحال من ضمير النصب العائد على الكلام والباء للمصاحبة أي يعيدان الكلام في حالة كونه متلبسًا بتلك المقالة وإن بنينا على جواز إعمال ضمير المصدر كما ذهب إليه بعضهم في مثل مروري بزبد حسن وهو بعمرو قبيح فالأمر واضح، وذلك بأن يجعل ضمير الغيبة عائدًا على التكلم المفهوم من السياق والباء متعلقة بنفس الضمير العائد عليه أي ويعيدان التكلم بتلك المقالة. (حتى قال أبو طالب آخر) نصب على الظرفية (ما كلمهم على ملّة عبد المطلب) وفي الجنائز: هو على ملة عبد المطلب وأراد نفسه أو قال: أنا على ملة عبد المطلب فغيرها الراوي أنفة أن يحكى كلامه استقباحًا للتلفظ به. (وأبى) امتنع (أن يقول لا إله إلا الله) قال في الفتح: هو تأكيد من الراوي في نفي وقوع ذلك من أبي طالب. (قال) المسيب: (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: والله لأستغفرن لك) كما استغفر الخليل لأبيه (ما لم أُنه عنك) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (فأنزل الله) تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا} أي ما ينبغي لهم {أن يستغفروا للمشركين} زاد في نسخة (ولو كانوا أولي قربى} [التوبة: 113] الآية خبر بمعنى النهي. واستشكل هذا بأن وفاة أبي طالب وقعت قبل الهجرة بمكة بغير خلاف، وقد ثبت أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتى قبر أمه لما اعتمر فاستأذن ربه أن يستغفر لها فنزلت هذه الآية. رواه الحاكم وابن أبي حاتم عن ابن مسعود والطبراني عن ابن عباس، وفي ذلك دلالة على تأخر نزول الآية عن وفاة أبي طالب، والأصل

عدم تكرار النزول. وأجيب: باحتمال تأخر نزول الآية وإن كان سببها تقدّم ويكون لنزولها سببان متقدم وهو أمر أبي طالب ومتأخر وهو أمر آمنة، ويؤيد تأخر النزول ما في سورة براءة من استغفاره عليه الصلاة والسلام للمنافقين حتى نزل النهي عنه قاله في الفتح قال: ويرشد إلى ذلك قوله: (وأنزل الله) تعالى: {في أبي طالب فقال لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}) [القصص: 56] ففيه إشعار بأن الآية الأولى نزلت في أبي طالب وغيره والثانية نزلت فيه وحده. وقد مرّ الحديث في كتاب الجنائز. (قال ابن عباس): في ({أولي القوة}) من قوله: {وآتيناه من الكنوز ما أن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة} [القصص: 76]. (لا يرفعها العصبة من الرجال) وروي عنه أنه كان يحمل مفاتح قارون أربعون رجلًا أقوى ما يكون من الرجال، وروي عن ابن عباس أيضًا حمل المفاتح على نفس المال فقال: كانت خزائنه يحملها أربعون رجلًا أقوياء. ({لتنوء}) أي (لتثقل) يقال: ناء به الحمل حتى أثقله وأماله أي لتثقل المفاتح العصبة والباء في بالعصبة للتعدية كالهمزة. ({فارغًا}) في قوله: {وأصبح فؤاد أم موسى فارغًا} [القصص: 10] أي خاليًا من كل شيء (إلا من ذكر موسى) وقال البيضاوي كالزمخشري صفرًا من العقل لما دهمها من الخوف والحيرة حين سمعت بوقوعه في يد فرعون. ({الفرحين}) في قوله: {لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين} [القصص: 76]. قال ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم عنه أي (المرحين) وقال مجاهد يعني الأشرين البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم، فالفرح بالدنيا مذموم مطلقًا لأنه نتيجة حبها والرضا بها والذهول عن ذهابها فإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارق ولا محالة يوجب الترح وما أحسن قول المتنبي: أشد الغم عندي في سرور ... تيقن عنه صاحبه انتقالا ({قصة}) في قوله حكاية عن أم موسى {وقالت لأخته قصيه} أي (اتبعي أثره) حتى تعلمي خبره وكانت أخته لأبيه وأمه واسمها مريم (وقد يكون أن يقص الكلام) كما في قوله تعالى: {نحن نقص عليك} وقص الرؤيا إذا أخبر بها. ({عن جنب}) في قوله: {فبصرت به عن جنب} [القصص: 11] أي أبصرت أخت موسى موسى مستخفية كائنة (عن بُعْد) صفة لمحذوف أي عن مكان بعيد، وقال أبو عمرو بن العلاء أي عن شوق وهي لغة جذام يقولون جنبت إليك أي اشتقت وقوله: (عن جنابة واحد) أي في معنى البعد (وعن اجتناب أيضًا) وقرئ قوله: عن جنب بفتح الجيم وسكون النون وبفتحهما وبضم الجيم وسكون النون، وعن جانب وكلها شاذة والمعنى واحد. ({نبطش}) بالنون وكسر الطاء (ونبطش) بضم الطاء لغتان ومراده الإشارة إلى قوله: {فلما أراد أن يبطش} [القصص: 19] لكن الآية بالياء وكذا وقع في بعض نسخ البخاري بل هو الذي في اليونينية وبالنون فيهما في فرعها والضم قراءة أبي جعفر والكسر قراءة الباقين. ({يأتمرون}) في قوله: {يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك} [القصص: 20] أي (يتشاورون) بسببك. قال في الأنوار: وإنما سمي التشاور ائتمارًا لأن كلاًّ من المتشاورين يأمر الآخر ويأتمر وسقط لأبي ذر والأصيلي. قال ابن عباس: أولي القوة إلى هنا. (العدوان) في قوله تعالى: {فلا عدوان عليّ} [القصص: 28] معناه (والعداء) بالفتح والخفيف وفي الناصرية بضم العين وكسرها ولم يضبطها في الفرع كأصله وآل ملك (والتعدي) بالتشديد (واحد) في معنى التجاوز عن الحق. ({آنس}) بالمد في قوله: {وسار بأهله آنس من جانب الطور نارًا} [القصص: 29] أي (أبصر) من الجهة التي تلي الطور نارًا وكان في البرية في ليلة مظلمة. (الجذوة) في قوله تعالى: {لعلّي آتيكم منها بخبر أو جذوة} [القصص: 29] هي (قطعة غليظة من الخشب) أي في رأسها نار (ليس فيها لهب) قال ابن مقبل: باتت حواطب ليلى يلتمسن لها ... جزل الجذا غير خوّار ولا ذعر

2 - باب {إن الذي فرض عليك القرآن} [القصص: 85]

الخوار الذي يتقصف والذعر الذي فيه لهب، وقد ورد ما يقتضي وجود اللهب فيه قال الشاعر: وألقى على قيس من النار جذوة ... شديدًا عليها حميها والتهابها وقيل: الجذوة العود الغليظ سواء كان في رأسه نار أو لم يكن وليس المراد هنا إلا ما في رأسه نار كما في الآية أو جذوة من النار. (والشهاب) المذكور في النمل في قوله: {بشهاب قبس} [النمل: 7] هو ما (فيه لهب) وذكر تتميمًا للفائدة. (والحيات) جمع حيّة يشير إلى قوله: ({فألقاها}) يعني فألقى موسى عصاه {فإذا هي حية تسعى} [طه: 20] وأنها (أجناس الجان) كما في قوله هنا: كأنها جان (والأفاعي والأساود) وكذا الثعبان في قوله: {فإذا هي ثعبان مبين} [الأعراف: 107] ولم يذكره المؤلّف، وقد قيل إن موسى عليه السلام لما ألقى العصا انقلبت حيّة صفراء بغلظ العصا ثم تورمت وعظمت فلذلك سماها جانًا تارة نظرًا إلى المبدأ، وثعبانًا مرة باعتبار المنتهى، وحية أخرى بالاسم الشامل للحالين، وقيل كانت في ضخامة الثعبان وجلادة الجان ولذلك قال: كأنها جان. ({ردءًا}) في قوله: {فأرسله معي ردءًا} [القصص: 34] أي (معينًا) وهو في الأصل اسم ما يعان به كالدفء بمعنى المدفوء به فهو فعل بمعنى مفعول ونصبه على الحال. (قال ابن عباس: يصدقني) بالرفع وبه قرأ حمزة وعاصم على الاستئناف أو الصفة لردءًا أو الحال من هاء أرسله أو من الضمير في ردءًا أي مصدقًا وبالجزم، وبه قرأ الباقون جوابًا للأمر يعني إن أرسلته يصدقني، وقيل ردءًا كيما يصدقني أو لكي يصدقني فرعون وليس الغرض بتصديق هارون أن يقول له: صدقت أو يقول للناس: صدق موسى بل إنه يلخص بلسانه الفصيح وجوه الدلائل ويجيب عن الشبهات. (وقال غيره): أي غير ابن عباس ({سنشد}) عضدك أي (سنعينك كلما عززت شيئًا) بعين مهملة وزايين معجمتين (فقد جعلت له عضدًا) يقويه وهو من باب الاستعارة شبه حالة موسى بالتقوّي بأخيه بحالة اليد المتقوية بالعضد فجعل كأنه يد مستندة بعضد شديدة، وسقط لأبي ذر والأصيلي من قوله: ({أنس}) إلى هنا. (مقبوحين) أي (مهلكين) ومراده قوله: {ويوم القيامة هم من المقبوحين} [القصص: 42]. وهذا تفسير أبي عبيدة وقال غيره: من المطرودين ويسمى ضد الحسن قبيحًا لأن العين تنبو عنه فكأنها تطرده. ({وصلنا}) {لهم القول}) أي (بيناه وأتممناه) قاله ابن عباس وقيل أتبعنا بعضه بعضًا فاتصل، وقال ابن زيد وصلنا لهم خبر الدنيا بخبر الآخرة حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا، وقال الزجاج: أي فصلناه بأن وصلنا ذكر الأنبياء وأقاصيص من مضى بعضها ببعض. ({يجبى}) في قوله: {أو لم نمكّن لهم حرفًا آمنًا يجبى} [القصص: 57] أي (يجلب) إليه ثمرات كل شيء. ({بطرت}) في قوله تعالى: {وكم أهلكنا من قرية بطرت} [القصص: 58] (أشرت) وزنًا ومعنى أي وكم من أهل قرية كانت حالهم كحالكم في الأمن وخفض العيش حتى أشروا فدمر الله عليهم وخرب ديارم قال في الأنوار. ({في أمّها رسولًا}) في قوله تعالى: {وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولًا} [القصص: 59] (أم القرى مكة) لأن الأرض دحيت من تحتها (وما حولها) ومراده أن الضمير في أمها للقرى ومكة وما حولها تفسير للأم لكن في إدخال ما حولها في ذلك نظر على ما لا يخفى. ({تكنّ}) في قوله: {وربك يعلم ما تكنّ صدورهم} [القصص: 69] أي (ما تخفي) صدورهم يقال (أكننت الشيء) بالهمزة وضم التاء وفي بعضها بفتحها أي (أخفيته وكننته) بتركها من الثلاثي وضم التاء وفتحها أي (أخفيته وأظهرته) بالهمز فيهما، وفي نسخة معتمدة خفيته بدون همز أظهرته بدون واو قال ابن فارس: أخفيته سترته وخفيته أظهرته. وقال أبو عبيدة: أكننته إذا أخفيته وأظهرته وهو من الأضداد. ({ويكأن الله}) هي (مثل: {ألم تر أن الله}) وحينئذ تكون ويكأن كلها كلمة مستقلة بسيطة وعند الفراء أنها بمعنى أما ترى إلى صنع الله؟ وقيل غير ذلك ({يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر}) [الرعد: 26] أي (يوسع عليه ويضيق عليه) أي بمقتضى مشيئته لا لكرامة تقتضي البسط ولا لهوان يوجب النقص، وسقط لأبي ذر والأصيلي: ويكأن الله الخ. 2 - باب {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} [القصص: 85] هذا (باب) بالتنوين في

[29] سورة العنكبوت

قوله تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن} [القصص: 85] أحكامه وفرائضه أو تلاوته وتبليغه وزاد الأصيلي الآية، وزاد في نسخة: ({لرادّك}) أي بعد الموت إلى معاد وتنكيره للتعظيم كأنه قال: معاد وأي معاد أي ليس لغيرك من البشر مثله وهو المقام المحمود الذي وعدك أن يبعثك فيه أو مكة كما في الحديث الآتي في الباب إن شاء الله تعالى يوم فتحها، وكان ذلك المعاد له شأن عظيم لاستيلائه عليه الصلاة والسلام عليها وقهره لأهلها وإظهاره عز الإسلام، وسقط الباب وتاليه لغير أبي ذر. 4773 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا يَعْلَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الْعُصْفُرِيُّ. عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}: إِلَى مَكَّةَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا يعلى) بفتح التحتية واللام بينهما عين مهملة ساكنة ابن عبيد الطنافسي قال: (حدّثنا سفيان) بن دينار (العصفري) بضم العين وسكون الصاد المهملتين وضم الفاء وكسر الراء الكوفي التمار (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه قال: في قوله تعالى: ({لرادّك إلى معاد}) [القصص: 85] (إلى مكة). ولغير الأصيلي قال إلى مكة، وعن الحسن إلى يوم القيامة، وقيل إلى الجنة، وعند ابن أبي حاتم عن الضحاك لما خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني في الهجرة فبلغ الجحفة اشتاق إلى مكة فأنزل الله عليه: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد} إلى مكة. قال الحافظ ابن كثير: وهذا من كلام الضحاك يقتضي أن هذه الآية مدنية وإن كان مجموع السورة مكيًّا والله أعلم. [29] سورة الْعَنْكَبُوتِ قَالَ مُجَاهِدٌ {مُسْتَبْصِرِينَ}: ضَلَلَةً. وَقَالَ غَيْرُهُ الحَيَوَانُ وَالحَيُّ وَاحِدٌ. {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ}: عَلِمَ اللَّهُ ذَلِكَ، إِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ فَلِيَمِيزَ اللَّهُ، كَقَوْلِهِ: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ}. {أَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}: أَوْزَارًا مَعَ أَوْزَارِهِمْ. ([29] سورة الْعَنْكَبُوتِ) مكية وهي تسع وستون آية ولأبي ذر: سورة العنكبوت بسم الله الرحمن الرحيم. (قال) ولأبي ذر وقال (مجاهد): فيما وصله ابن أبي حاتم فيقوله: ({مستبصرين}) من قوله: {فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين} [العنكبوت: 38] أي (ضللة) يحسبون أنهم على هدى وهم على الباطل والمعنى أنهم كانوا عند أهلهم مستبصرين، وفي نسخة ضلالة بألف بين اللامين، وعند ابن أبي حاتم عن قتادة: كانوا مستبصرين في ضلالتهم معجبين بها، وقال في الأنوار: أي متمكنين من النظر والاستبصار ولكنهم لم يفعلوا. (وقال غيره): غير مجاهد في قوله: {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان} [العنكبوت: 64]. (الحيوان والحي واحد) في المعنى وهو قول أبي عبيدة، والمعنى: لهي دار الحياة الحقيقة الدائمة الباقية لامتناع طريان الموت عليها أو هي في ذاتها حياة للمبالغة؛ والحي بفتح الحاء في الفرع وغيره مما وقفت عليه، وقال في المصابيح: بكسرها مصدر حيّ مثل عيّ في منطقة عيًّا، قال: وعند ابن السكن والأصيلي الحيوان والحياة واحد والمعنى لا يختلف، وقد سقط لغير أبي ذر والأصيلي الحيوان والحي واحد وثبت لهما في الفرع مثله. ({فليعلمن الله}) [العنكبوت: 3] أي (علم الله ذلك) في الأزل القديم فصيغة المضي في فليعلمن الله (إنما هي بمنزلة فليميز الله) بفتح الياء التحتية وكسر الميم (كقوله) عز وجل: {ليميز الله الخبيث} [الأنفال: 37] زاد أبو ذر: ({من الطيب}) لما بين العلم والتمييز من الملازمة قاله الكرماني. ({أثقالًا مع أثقالهم}) [العنكبوت: 13] أي (أوزارًا مع أوزارهم) بسبب إضلالهم لهم لقوله عليه الصلاة والسلام: "من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من وزره شيء" أي وليحملن أوزار أعمالهم التي عملوها بأنفسهم وأوزارًا مثل أوزار من أضلوا مع أوزارهم وسقط لغير الأصيلي أوزارًا مع. [30] سورة الرُّومِ {فَلاَ يَرْبُو} مَنْ أَعْطَى يَبْتَغِي أَفْضَلَ فَلاَ أَجْرَ لَهُ فِيهَا. قَالَ مُجَاهِدٌ {يُحْبَرُونَ}: يُنَعَّمُونَ. {يَمْهَدُونَ}: يُسَوُّونَ الْمَضَاجِعَ. {الْوَدْقُ} الْمَطَرُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {هَلْ لَكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فِي الآلِهَةِ، وَفِيهِ تَخَافُونَهُمْ أَنْ يَرِثُوكُمْ كَمَا يَرِثُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا يَصَّدَّعُونَ: يَتَفَرَّقُونَ. فَاصْدَعْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: ضُعْفٌ وَضَعْفٌ لُغَتَانِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ (السُّوأَى): الإِسَاءَةُ جَزَاءُ الْمُسِيئِينَ. ([30] سورة الرُّومِ) وفي نسخة: سورة ألم غلبت الروم وهي مكية إلا قوله (فسبحان الله) وهي ستون آية أو تسع وخمسون ولأبي ذر: سورة الروم بسم الله الرحمن الرحيم. ({فلا يربو}) [الروم: 39] أي (من أعطى يبتغي) من الذي أعطاه (أفضل) أي أكثر من عطيته (فلا أجر له فيها) ولا وزر، وللأصيلي: فلا يربو عند الله من أعطى عطية يبتغي أفضل منه أي مما أعطى فلا أجر له فيها وهذا وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن

مجاهد، وقال ابن عباس: الربا اثنان فربا لا يفلح وربا لا بأس به وهو هدية الرجل يريد أضعافها ثم تلا هذه الآية، وقد كان هذا حرامًا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاصة كما قال تعالى: {ولا تمنن تستكثر} أي لا تعط وتطلب أكثر مما أعطيت. (قال مجاهد) فيما وصله الفريابي (يحبرون) في قوله تعالى: {فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون} [الروم: 15] أي (ينعمون) والروضة الجنة ونكرها للتعظيم وقال هنا يحبرون بصيغة الفعل ولم يقل محبورون ليدل على التجدد. (يمهدون) في قوله تعالى: {ومن عمل صالحًا فلأنفسهم يمهدون} [الروم: 44] أي (يسوّون المضاجع) ويوطوّونها في القبور أو في الجنة. (الودق) في قوله: {فترى الودق} [الروم: 48] هو (المطر) قاله مجاهد أيضًا فيما وصله الفريابي. (قال ابن عباس) في قوله تعالى: {هل لكم مما ملكت أيمانكم} [الروم: 28] المسبوق بقوله جل وعلا {ضرب لكم مثلًا من أنفسكم} نزل (في الآلهة) التي كانوا يعبدونها من دون الله (وفيه) تعالى والمعنى أخذ مثلًا وانتزعه من أقرب شيء إليكم وهو أنفسكم ثم بين المثل فقال: {هل لكم مما ملكت أيمانكم} أي من مماليككم من شركاء فيما رزقناكم من المال وغيره وجواب الاستفهام الذي بمعنى النفي قوله: فأنتم فيه سواء ({تخافونهم}) أي تخافون أيها السادة مماليككم (أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضًا) والمراد نفي الثلاثة الشركة والاستواء وخوفهم إياهم فإذا لم يجز أن يكون مماليككم شركاء مع جواز صيرورتهم مثلكم من جميع الوجوه فكيف أن أشركوا مع الله غيره. ({يصدعون}) [الروم: 43] أصله يتصدّعون أدغمت التاء بعد قلبها صادًا في الصاد ومعناه (يتفرقون) أي فريق في الجنة وفريق في السعير. (فاصدع) في قوله: {فاصدع بما تؤمر} [الحج: 94] أي افرق وامضه قاله أبو عبيدة. (وقال غيره) غير ابن عباس ({ضعف}) بضم المعجمة (وضعف) بفتحها (لغتان) بمعنى واحد قرئ بهما في قوله تعالى: {الله الذي خلقكم من ضعف} [الروم: 54] والفتح قراءة عاصم وحمزة وهو لغة تميم والضم لغة قريش، وقيل بالضم في الجسد وبالفتح في العقل أي خلقكم من ماء ذي ضعف وهو النطفة ثم جعل من بعد ضعف الطفولية قوّة الشبيبة ثم جعل من بعد قوّة ضعفًا هرمًا وشيبة والشيبة تمام الضعف والتنكير مع التكرير لأن اللاحق ليس عين السابق. (وقال مجاهد {السوأى}) في قوله: {ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى} [الروم: 10] (الإساءة جزاء المسيئين) وصله الفريابي. 4774 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، وَالأَعْمَشُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ فِي كِنْدَةَ، فَقَالَ: يَجِيءُ دُخَانٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ، فَفَزِعْنَا. فَأَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَغَضِبَ فَجَلَسَ فَقَالَ: مَنْ عَلِمَ فَلْيَقُلْ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لاَ يَعْلَمُ: لاَ أَعْلَمُ فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} وَإِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَؤُوا عَنِ الإِسْلاَمِ، فَدَعَا عَلَيْهِمِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ»، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ، وَالْعِظَامَ، وَيَرَى الرَّجُلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، جِئْتَ تَأْمُرُنَا بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ. فَقَرَأَ {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} -إِلَى قَوْلِهِ- {عَائِدُونَ} [الدخان: 10] أَفَيُكْشَفُ عَنْهُمْ عَذَابُ الآخِرَةِ، إِذَا جَاءَ ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} [الدخان: 16] يَوْمَ بَدْرٍ {وَلِزَامًا} يَوْمَ بَدْرٍ {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ} -إِلَى- {سَيَغْلِبُونَ} وَالرُّومُ قَدْ مَضَى. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري ولأبي ذر عن سفيان قال: (حدّثنا منصور) هو ابن المعتمر (والأعمش) هو سليمان كلاهما (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: بينما) بميم (رجل) قال الحافظ ابن حجر لم أقف على اسمه (يحدث فيك كندة) بكسر الكاف وسكون النون (فقال: يجيء دخان) بتخفيف المعجمة (يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم يأخذ المؤمن كهيئة الزكام) بنصب المؤمن على المفعولية (ففزعنا) بكسر الزاي وسكون العين المهملة من الفزع (فأتيت ابن مسعود) عبد الله فأخبرته بالذي قاله الرجل (وكان متكئًا فغضب) لذلك (فجلس فقال: من علم فليقل) ما يعلمه إذا سئل (ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم لا أعلم) لأن تمييز المعلوم من المجهول نوع من العلم وليس المراد أن عدم العلم يكون علمًا ولأبي ذر الله أعلم بدل قوله لا أعلم وللأصيلي بدلها لا علم لي به (فإن الله) تعالى (قال لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}) [ص: 86] والقول فيما لا يعلم قسم من التكلف وفيه تعريض بالرجل القائل يجيء دخان الخ وإنكار عليه ثم بين قصة الدخان فقال (وإن قريشًا أبطؤوا عن الإسلام) أي تأخروا عنه (فدعا عليهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف) الصديق عليه الصلاة والسلام التي أخبر الله عنها في التنزيل بقوله ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد، وسقط: اللهم لأبي ذر (فأخذتهم سنة) بفتح السين قحط وهم

1 - باب {لا تبديل لخلق الله}: لدين الله {خلق الأولين}: دين الأولين. والفطرة: الإسلام

بمكة (حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان) من ضعف بصره بسبب الجوع (فجاءه) عليه الصلاة والسلام (أبو سفيان) صخر بن حرب بمكة أو المدينة (فقال: يا محمد جئت تأمرنا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر تأمر بحذف ضمير النصب (بصلة الرحم وإن قومك) ذوي رحمك (قد هلكوا) من الجدب والجوع بدعائك عليهم (فادع الله) لهم بأن يكشف عنهم فإن كشف آمنوا (فقرأ) عليه الصلاة والسلام ({فارتقب}) أي انتظر ({يوم تأتي السماء بدخان مبين}) أي بين واضح يراه كل أحد -إلى قوله- ({عائدون}) [الدخان: 15] أي إلى الكفر أو إلى العذاب قال ابن مسعود (أفيكشف) بهمزة الاستفهام وضم الياء مبنيًا للمفعول (عنهم عذاب الآخرة إذا جاء) وللأصيلي فتكشف بمثناة فوقية مفتوحة وفتح الكاف وتشديد المعجمة عنهم العذاب أي رفع القحط بدعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كشفًا قليلًا أو زمانًا قليلًا (ثم عادوا إلى كفرهم) غب الكشف (فذلك قوله تعالى: {بوم نبطش البطشة الكبرى}) [الدخان: 16] (يوم بدر) ظرف يريد القتل فيه وهذا الذي قاله ابن مسعود وافقه عليه جماعة كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعي والضحاك وعطية العوفي واختاره ابن جرير لكن أخرج ابن أبي حاتم عن الحارث عن علي بن أبي طالب قال: لم تمض آية الدخان بعد يأخذ المؤمن كهيئة الزكام وينفخ الكافر حتى ينقدّ. وأخرج أيضًا عن عبد الله بن أبي مليكة قال: غدوت على ابن عباس ذات يوم فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت قلت لم؟ قال قالوا: طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدخان قد طرق فما نمت حتى أصبحت. قال الحافظ ابن كثير: وإسناده صحيح إلى ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن ووافقه عليه جماعة من الصحابة والتابعين مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان مما فيه دلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة وهو ظاهر قوله تعالى: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين}) أي بين واضح وعلى ما فسر به ابن مسعود إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد وكذا قوله: {يغشى الناس} [الدخان: 11] أي يعمهم ولو كان خيالًا يخص مشركي مكة لما قيل يغشى الناس وأما قوله: {إنّا كاشفو العذاب} [الدخان: 15] أي: ولو كشفنا عنكم العذاب ورجعناكم إلى الدنيا لعدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والتكذيب كقوله تعالى: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا} [المؤمنون: 75] ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وقال آخرون لم يمض الدخان بعد بل هو من أمارات الساعة. وفي حديث حذيفة بن أسيد الغفاري عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة وخروج يأجوج ومأجوج وخروج عيسى والدجال وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ونار تخرج من قعر عدن تحشر الناس تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا" انفرد بإخراجه مسلم. ({ولزامًا}) هو الأسر (يوم بدر) أيضًا. ({الم * غلبت الروم}) أي غلبت فارس الروم ({إلى سيغلبون}) أي الروم سيغلبون فارس، وهذا علم من أعلام نبوّة نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما فيه من الإخبار بالغيب (والروم قد مضى) أي غلبهم لفارس فإنه قد وقع يوم الحديبية وفي آخر سورة الدخان قال عبد الله يعني ابن مسعود خمس قد مضين اللزام والروم والبطشة والقمر والدخان وسقط لأبي ذر قوله: {الم * غلبت الروم} الخ. وهذا الحديث قد سبق في باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط من كتاب الاستسقاء، ويأتي بقية مباحثه في سورة الدخان إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته. 1 - باب {لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}: لِدِينِ اللَّهِ {خَلْقُ الأَوَّلِينَ}: دِينُ الأَوَّلِينَ. وَالْفِطْرَةُ: الإِسْلاَمُ هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({لا تبديل لخلق الله}) [الروم: 30] أي (لدين الله) قاله إبراهيم النخعي فيما أخرجه عنه الطبري فهو خبر بمعنى النهي أي لا تبدلوا دين الله. ({خلق الأوّلين}) أي (دين الأوّلين) ساقه شاهد التفسير الأوّل (والفطرة) في قوله: {فطرة الله التي فطر الناس

[31] سورة لقمان

عليها} [الروم: 30] هي (الإسلام) قاله عكرمة فيما وصله الطبري وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4775 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ ثُمَّ يَقُولُ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما من مولود إلا يولد على الفطرة) قيل يعني العهد الذي أخذه عليهم بقوله: {ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] وكل مولود في العالم على ذلك الإقرار وهي الحنيفية التي وقعت الخلقة عليها وإن عبد غيره ولكن لا عبرة بالإيمان الفطري إنما المعتبر الإيمان الشرعي المأمور به. وقال ابن المبارك معنى الحديث أن كل مولود يولد على فطرته أي خلقته التي جبل عليها في علم الله من السعادة والشقاوة فكل منهم صائر في العاقبة إلى ما فطر عليها وعامل في الدنيا بالعمل المشاكل لها، فمن أمارات الشقاء أن يولد بين يهوديين أو نصرانيين أو مجوسيين فيحملانه لشقائه على اعتقاد دينهما، وقيل المعنى أن كل مولود يولد في مبدأ الخلقة على الجبلة السليمة والطبع المتهيئ لقبول الدين فلو ترك عليها لاستمرّ على لزومها لكن تطرأ على بعضهم الأديان الفاسدة كما قال: (فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج) بضم أوّله وفتح ثالثه على صيغة المبني للمفعول أي تلد (البهيمة بهيمة جمعاء) بفتح الجيم وسكون الميم ممدودًا تامة الأعضاء (هل تحسون فيها من جدعاء) بفتح الجيم وسكون المهملة ممدودًا مقطوعة الأذن أو الأنف أي لا جدع فيها من أصل الخلقة إنما يجدعها أهلها بعد ذلك فكذلك المولود يولد على الفطرة ثم يتغير بعد. ونقل في المصابيح عن القاضي أبي بكر بن العربي أن معنى قوله: فأبواه الخ أنه ملحق بهما في الأحكام من تحريم الصلاة عليه ومن ضرب الجزية عليه إلى غير ذلك ولولا أنه ولد على فراشهما لمنع من ذلك كله قال ولم يرد أنهما يجعلانه يهوديًا أو نصرانيًّا إذ لا قدرة لهما على أن يفعلا فيه الاعتقاد أصلًا. اهـ. فليتأمل. (ثم يقول) أي أبو هريرة مستشهدًا لما ذكر ({فطرة الله}) أي خلقته نصب على الإغراء ({التي فطر الناس عليها}) أي خلقهم عليها وهي قبولهم للحق ({لا تبديل لخلق الله}) أي ما ينبغي أن يبدل أو خبر بمعنى النهي ({ذلك الدين القيم}) الذي لا عوج فيه. وهذا الحديث سبق في باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه من كتاب الجنائز. [31] سورة لُقْمَانَ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) {لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]. ([31] لقمان) مكية قيل إلا آية {الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة} لأن وجوبهما بالمدينة وضعف لأنه لا ينافي شرعيتهما بمكة وآيها أربع وثلاثون ولأبي ذر سورة لقمان. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر ولقمان اسم أعجمي، والجمهور على أنه كان حكيمًا ولم يكن نبيًّا، ومما ذكر من حكمته أنه أمر بأن يذبح شاة ويأتي بأطيب مضغتين منها فأتى باللسان والقلب ثم بعد أيام أمر بأن يأتي بأخبث مضغتين منها فأتي بهما أيضًا فسئل عن ذلك فقال: هما أطيب شيء إذا طابا وأخبثه إذا خبثا. ({لا تشرك بالله}) أي مع الله ({إن الشرك لظلم عظيم}) [لقمان: 13] بدأ في وعظ ابنه بالأهم وهو منعه من الإشراك وإنما كان ظلمًا لأنه وضع النفس المكرمة الشريفة في عبادة الخسيس فوضع العبادة في غير موضعها. 4776 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ، أَلاَ تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لاِبْنِهِ {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني الثقفي قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه) أنه (قال: لما نزلت هده الآية) التي بالأنعام ({الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم}) [الأنعام: 82] أي بشرك فلم ينافقوا (شق ذلك على أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا أينا لم يلبس) بفتح أوّله وكسر الموحدة أي لم يخلط (إيمانه بظلم فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنه ليس بذاك) ولأبي ذر ليس بذلك (ألا تسمع) برفع العين من غيروا و (إلى قول

2 - باب قوله: {إن الله عنده علم الساعة} [لقمان: 34]

لقمان لابنه إن الشرك لظلم عظيم) فعموم الظلم المستفاد من التعبير بالنكرة في سياق النفي غير مقصود بل هو من العام الذي أريد به الخاص وهو هنا الشرك كما مر في باب ظلم دون ظلم من كتاب الإيمان وفي سورة الأنعام مع مزيد لذلك وغيره وسقط قوله لابنه في رواية أبي ذر. 2 - باب قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] (باب قوله) عز وجل ({إن الله عنده علم الساعة}) [لقمان: 34] علم وقت قيامها. 4777 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَانَ يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ يَمْشِي، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: «الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَرُسُلِهِ، وَلِقَائِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الآخِرِ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِسْلاَمُ؟ قَالَ: «الإِسْلاَمُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، وَلاَ تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ». قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: «الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ رَبَّتَهَا فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا كَانَ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ رُؤُوسَ النَّاسِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، فِي خَمْسٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} ثُمَّ انْصَرَفَ الرَّجُلُ فَقَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ. فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوا فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَقَالَ: «هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق) بن إبرهيم المعروف بابن راهويه (عن جرير) هو ابن عبد الحميد (عن أبي حيان) بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية يحيى بن سعيد الكوفي (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير البجلي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يومًا بارزًا) ظاهرًا (للناس إذ أتاه رجل) ملك في صورة رجل وهو جبريل عليه السلام ولأبي ذر عن الكشميهني إذ جاءه رجل (يمشي فقال: يا رسول الله ما الإيمان) أي ما متعلقاته (قال) عليه الصلاة والسلام: (الإيمان أن تؤمن بالله) أي تصدق بوجوده وبصفاته الواجبة (وملائكته) ولأبي ذر والأصيلي زيادة وكتبه بأن تصدق بأنها كلامه تعالى وأن ما اشتملت عليه حق لا ريب فيه (ورسله) بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله (ولقائه) برؤيته تعالى في الآخرة (وتؤمن) أي أن تصدق أيضًا (بالبعث الآخر) بكسر الخاء أي من القبور وما بعده وأعاد تؤمن لأنه إيمان بما سيوجد وما سبق إيمان بالموجود نوعان (قال) أي جبريل: (يا رسول الله ما الإسلام؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (الإسلام أن تعبد الله) أي تطيعه (ولا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة) المكتوبة (وتؤتي الزكاة المفروضة). قال في المصابيح: لم يقيد الصلاة بالمكتوبة وإنما قيد الزكاة مع أنها إنما تطلق على المفروضة بخلاف الصلاة فتأمل السر في ذلك انتهى. وقد سبق في كتاب الإيمان أن تقييد الزكاة بالمفروضة احتراز عن صدقة التطوع فإنها زكاة لغوية أو من المعجلة. وفي رواية مسلم: تقيم الصلاة المكتوبة وتؤتي الزكاة المفروضة (وتصوم رمضان) زاد في رواية كهمس وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا فلعل راوي حديث الباب نسيه (قال) أي جبريل: (يا رسول الله ما الإحسان؟) المتكرر في القرآن المترتب عليه الأجر وقال الخطابي المراد بالإحسان هنا الإخلاص وهو شرط في صحة الإيمان والإسلام معًا لأن من تلفظ من غير نيّة إخلاص لم يكن محسنًا (قال) عليه الصلاة والسلام: (الإحسان أن تعبد الله) أي عبادتك الله حال كونك في عبادتك له (كأنك تراه) في إخلاص العبادة لوجهه الكريم ومجانبة الشرك الخفي (فإن لم تكن تراه) فلا تغفل واستمر على إحسان العبادة (فإنه يراك) وهذا تنزل من مقام المكاشفة إلى مقام المراقبة (قال) جبريل: (يا رسول الله متى الساعة؟) أي قيامها وسميت الساعة لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها (قال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ما المسؤول منها بأعلم من السائل) ما نافية يعني لست أنا أعلم منك يا جبريل بعلم وقت قيام الساعة (ولكن سأحدثك عن أشراطها) علاماتها السابقة عليها وذلك (إذا ولدت المرأة) وفي رواية أبي ذر الأمة (ربتها) بتاء التأنيث على معنى النسمة ليشمل الذكر والأنثى كناية عن كثرة السبي فيستولد الناس أماءهم فيكون الولد كالسيد لأمه لأن ملك الأمة راجع في التقدير إلى الولد (فذاك من أشراطها) لأن كثرة السبي والتسري دليل على استعلاء الدين واستيلاء المسلمين وهو من الأمارات لأن قوّته وبلوغ أمره غايته وذلك منذر بالتراجع والانحطاط المنذر بأن القيامة ستقوم (وإذا كان الحفاة العراة رؤوس الناس) إشارة إلى استيلائهم على الأمر وتملكهم البلاد بالقهر والمعنى أن الأذلة من الناس ينقلبون أعزة ملوك الأرض (فذاك من أشراطها) واكتفى باثنتين من الأشراط مع التعبير بالجمع لحصول المقصود بهما في ذلك وعلم وقتها داخل (في) جملة (خمس) من الغيب وحذف متعلق الجار سائغ

[32] سورة السجدة

شائع ويجوز أن يتعلق بأعلم أي ما المسؤول عنها بأعلم في خمس أي في علم الخمس أي لا ينبغي لأحد أن يسأل أحدًا في علم الخمس لأنهن (لا يعلمهن إلا الله) وفيه إشارة إلى إبطال الكهانة والنجامة وما شاكلهما وإرشاد للأمة وتحذير لهم عن إتيان من يدعي علم الغيب ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني وخمس لا يعلمهن إلا الله بواو العطف بدل الجار ({إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث}) في وقته المقدر له والمحل المعين له في علمه ({ويعلم ما في الأرحام}) أذكر أم أنثى. قال في شرح المشكاة فإن قيل: أليس إخباره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أمارات الساعة من قبيل قوله: {وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا} [لقمان: 34]. وأجاب: بأنه إذا أظهر بعض المرتضين من عباده بعض ما كشف له من الغيوب لمصلحة ما لا يكون إخبارًا بالغيب بل يكون تبليغًا له قال الله تعالى: {فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول} [الجن: 26] وفائدة بيان الأمارات أن يتأهب المكلف إلى المعاد بزاد التقوى (ثم انصرف الرجل) جبريل. (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للحاضرين من أصحابه: (ردوا عليّ) بتشديد الياء أي الرجل (فأخذوا ليردوا) بحذف ضمير المفعول للعلم به (فلم يروا شيئًا) لا عينًا ولا أثرًا (فقال) عليه الصلاة والسلام: (هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم) أي قواعد دينهم وإسناد التعليم إليه وإن كان سائلًا لأنه كان سببًا في التعليم. وهذا الحديث قد سبق في كتاب الإيمان. 4778 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ، ثُمَّ قَرَأَ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}» [لقمان: 34]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي الوقت: حدّثني الإفراد (يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي نزيل مصر (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب المدني نزيل عسقلان (أن أباه) محمد بن زيد (حدثه أن) جده (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مفاتح) بوزن مصابيح ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر مفتاح (الغيب) بوزن مصباح أي خزائن الغيب (خمس ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام ({إن الله عنده علم الساعة}) الآية إلى آخرها كذا ساقه هنا مختصرًا وتامًّا في الاستسقاء والرعد والأنعام. [32] سورة السَّجْدَةِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ {مَهِينٍ}: ضَعِيفٍ، نُطْفَةُ الرَّجُلِ. {ضَلَلْنَا}: هَلَكْنَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {الْجُرُزُ}: الَّتِي لاَ تُمْطَرُ إِلاَّ مَطَرًا لاَ يُغْنِى عَنْهَا شَيْئًا. {يَهْدِ}: يُبَيِّنُ. ([32] سورة السَّجْدَةِ) ولأبي ذر: سورة السجدة بسم الله الرحمن الرحيم وسقطت البسملة لغير أبي ذر. (وقال مجاهد) فيما وصله ابن أبي حاتم ({مهين}) في قوله تعالى: {ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين} [السجدة: 8] معناه (ضعيف) وهو (نطفة الرجل). وقال مجاهد أيضًا فيما وصله الفريابي ({ضللنا}) في قوله: {وقالوا أئذا ضللنا في الأرض} [السجدة: 10] أي (هلكنا) في الأرض وصرنا ترابًا. (وقال ابن عباس) فيما وصله الطبري في قوله تعالى: {أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجزر} [السجدة: 27] (الجزر) هي (التي لا تمطر) ولأبي ذر والأصيلي لم تمطر (إلا مطرًا لا يغني عنها شيئًا) وقيل اليابسة الغليظة التي لا نبات فيها والجزر هو القطع فكأنها المقطوع عنها الماء والنبات. ({نهد}) أي (نبين) بالنون فيهما ولأبوي ذر والوقت يهد يبين بالمثناة التحتية فيهما ومراده تفسير {أو لم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون} [السجدة: 26]. 1 - باب قَوْلِهِ {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ} [السجدة: 17] (باب قوله) تعالى: ({فلم تعلم نفسٌ ما أخفيَ لهم}) [السجدة: 17] زاد أبو ذر من قرّة أعين أي مما تقرّ به عيونهم وما في أخفي موصولة ونفس نكرة في سياق النفي فتعم جميع الأنفس أي لا يعلم الذي أخفاه الله لهم لا ملك مقرّب ولا نبي مرسل قال بعضهم: أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم. 4779 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}. وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ مِثْلَهُ قِيلَ لِسُفْيَانَ رِوَايَةً؟ قَالَ: فَأَيُّ شَيْءٍ؟ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ قُرَّاتِ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (قال الله تبارك وتعالى) ولأبي ذر عز وجل بدل تبارك وتعالى (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت). قال في شرح المشكاة: ما هنا إما موصولة أو موصوفة وعين وقعت في سياق النفي فأفاد

الاستغراق والمعنى ما رأت العيون لهن ولا عين واحدة منهن والأسلوب من باب قوله تعالى: {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع} [غافر: 18] يحتمل نفي الرؤية والعين معًا أو نفي الرؤية فحسب أي لا رؤية ولا عين أو لا رؤية وعلى الأوّل الغرض منه نفي العين وإنما ضمت إليه الرؤية ليؤذن بأن انتفاء الموصوف أمر محقق لا نزاع فيه وبلغ في تحققه إلى أن صار كالشاهد على نفي الصفة وعكسه ومثله قوله: (ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) من باب قوله تعالى: {يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم} [غافر: 52] أي لا قلب ولا خطور أو لا خطور فعلى الأوّل ليس لهم قلب يخطر فجعل انتفاء الصفة دليلًا على انتفاء الذات أي إذا لم نحصل ثمرة القلب وهو الأخطار قد قلب كقوله تعالى: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع} [ق: 37] وخص البشر هنا دون القرينتين السابقتين لأنهم الذين ينتفعون بما أعدّ لهم ويهتمون لشأنه ببالهم بخلاف الملائكة. (قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين}) [السجدة: 17] والحديث كالتفصيل لهذه الآية لأنها نفت العلم وهو نفي طرق حصوله وقد ذكره المصنف في صفة الجنة من كتاب بدء الخلق. (وحدّثنا سفيان) هو موصول كسابقه وللأصيلي وابن عساكر قال: علي يعني ابن المديني وحدّثنا سفيان ولأبي ذر حدّثنا علي قال: حدّثنا سفيان يعني ابن عيينة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله (عن الأعرج) عبد الرحمن (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال الله مثله) أي مثل ما في الحديث السابق. (قيل لسفيان) بن عيينة (رواية) أي تروي رواية عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم من اجتهادك (قال فأي شيء)؟ لولا الرواية كنت أقول؟ (قال) ولأبي ذر وابن عساكر وقال: (أبو معاوية) محمد بن خازن الضرير فيما وصله أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن له (عن الأعمش) سليمان (عن أبي صالح) ذكوان السمان أنه قال: (قرأ أبو هريرة قرأت) جمعًا بالألف والتاء لاختلاف أنواعها وهي قراءة الأعمش والقرة مصدر وحقه أن لا يجمع لأن المصدر اسم جنس والأجناس أبعد شيء عن الجمعية لكن جعلت القرة هنا نوعًا فجاز جمعها كقوله هناك أحزان وحسن لفظ الجمع إضافة القرات إلى لفظ الأعين ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر زيادة أعين. 4780 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ. حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ذُخْرًا بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ». ثُمَّ قَرَأَ: " {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ". وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر البخاري قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن الأعمش) سليمان أنه قال: (حدّثنا أبو صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين) في الجنة (ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) وفي حديث المغيرة بن شعبة عند مسلم مرفوعًا: قال موسى عليه السلام: يا رب ما أدنى أهل الجنة منزلة الحديث إلى أن قال فأعلاهم منزلة. قال: الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر (ذخرًا) بضم الذال وسكون الخاء المعجمتين كذا في الفرع. وقال: في الصحاح في فصل الذال المعجمة ذخرت الشيء أذخره ذخرًا وكذلك أذخرته وهو افتعلت، وقول الحافظ ابن حجر بضم المهملة وسكون المعجمة سهو أو سبق قلم، وقال الكرماني: وذخرًا منصوب متعلق بأعددت وقال في الفتح أي جعلت ذلك لهم مدخورًا (بله ما أطلعتم عليه) بضم الهمزة وكسر اللام ولأبي الوقت ما أطلعتهم بفتح الهمزة واللام وزيادة هاء بعد التاء وقوله بله بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح الهاء وللأربعة من بله بزيادة من الجارة وجر بله بها كذا في الفرع المعتمد المقابل على أصل اليونيني المحرر بحضرة إمام العربية أبي عبد الله بن مالك وكذا رأيته في أصل اليونيني المذكور وحينئذٍ فينظر في قول الصغاني اتفق جميع نسخ الصحيح على من بله والصواب إسقاط كلمة من وقول ابن التين أن بله ضبط مع من بالفتح والكسر هو حكاية ما وجده

[33] سورة الأحزاب

فلا يمنع ما ذكرته من الفتح مع عدم الجار والكسر مع ثبوته فأما الفتح فقال الجوهري، وبله كلمة مبنية على الفتح مثل كيف ومعناها دع وأنشد قول كعب بن مالك يصف السيوف: تذر الجماجم ضاحيا هاماتها ... بله الأكف كأنها لم تخلق قال في المغني: وقد روي بالأوجه الثلاثة: قال شارحه: ومعنى بله الأكف على رواية النصب دع الأكف فأمرها سهل وعلى رواية الجر كترك الأكف منفصلة، وعلى الرفع فكيف الأكف التي يوصل إليها بسهولة. وأما وجه الفتح مع ثبوت من فقال الرضى: إذا كانت بله بمعنى كيف جاز أن تدخله من حكى أبو زيد أن فلانًا لا يطيق حمل الفهر فمن بله أن يأتي بالصخرة أي كيف ومن أين قال في المصابيح وعليه تتخرج هذه الرواية فتكون بمعنى كيف التي يقصد بها الاستبعاد وما مصدرية وهي مع صلتها في محل رفع على الابتداء والخبر من بله والضمير المجرور بعلى عائد على الذخر أي كيف ومن أين اطلاعكم على ما ادّخرته لعبادي الصالحين فإنه أمر عظيم قلما تتسع عقول البشر لإدراكه والإحاطة به. قال: وهذا أحسن ما يقال في هذا المحل: اهـ. وأما الجر فوجه بأن بله بمعنى غير والكسرة التي على الهاء حينئذٍ إعرابية قال في الفتح وهو أي كون بله بمعنى غير أوضح التوجيهات لخصوص سياق حديث الباب حيث وقع فيه ولا خطر على قلب بشر ذخرًا من بله ما اطلعتم عليه وذلك بين لمن تأمله اهـ. وقال أبو السعادات في نهايته بله اسم من أسماء الأفعال بمعنى دع واترك تقول بله زيدًا وقد توضع موضع المصدر وتضاف فتقول بله زيد أي نترك زيد وقوله: ما اطلعتم عليه يحتمل أن يكون منصوب المحل ومجرور على التقديرين، والمعنى دع ما اطلعتم عليه من نعيم الجنة وعرفتموه من لذاتها اهـ. زاد الخطابي فإنه سهل يسير في جنب ما ادّخرته لهم. (ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام: ({فلا تعلم نفسٌ ما أُخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}) جزاء مفعول له أي أخفي للجزاء فإن إخفاءه لعلوّ شأنه أو مصدر مؤكد لمعنى الجملة قبله أي جرّوا جزاء، وقول الزمخشري فحسم أطماع المتمنين يعني بقوله {جزاء بما كانوا يعملون} نزعة اعتزالية، ومراده بالمتمنين أهل السنة القائلين بأن المؤمن العاصي موعود بالجنة لا بد له منها وفاء بعهده تعالى لأنه وعده بها ووعده حق وجعل العمل كالسبب للوعد فعبر به في قوله: ({جزاء بما كانوا يعملون}) عنه لصدق الوعد في النفوس وتصويره بصورة المستحق بالعمل كالأجرة من مجاز التشبيه وعند أبي ذر تقديم حدّثني إسحاق بن نصر إلى آخر يعملون على قوله قال أبو معاوية عن الأعمش. وهذا الحديث من أفراده. [33] سورة الأَحْزَابِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ {صَيَاصِيهِمْ} قُصُورِهِمْ. {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6]. 1 - باب ([33] الأَحْزَابِ) مدنية وهي ثلاث وسبعون آية ولأبي ذر وابن عساكر: سورة الأحزاب بسم الله الرحمن الرحيم وسقطت البسملة لغيرهما كلفظ السورة نعم ثبتت للنسفي لهما. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه في قوله: ({صياصيهم}) هي (قصورهم) وحصونهم جمع صيصة يقال لكل ما يمتنع به ويتحصن صيصة ومنه قيل لقرن الثور ولشوكة الديك صيصة والصياصي أيضًا شوكة الحاكة وتتخذ من حديد. قال دريد بن الصمة: كوقع الصياصي في النسيج الممدد ({النبي أولى بالمؤمنين}) في الأمور كلها ({من أنفسهم}) [الأحزاب: 6] من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه ووجوب طاعته عليهم وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- وعطاء يعني إذا دعاهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أولى بهم من طاعة أنفسهم اهـ. وإنما كان ذلك لأنه لا يأمرهم ولا يرضى منهم إلا بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس وقوله النبي الخ ثابت في رواية أبي ذر فقط. 4781 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، فَإِنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضِيَاعًا فَلْيَأْتِنِي وَأَنَا مَوْلاَهُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (إبراهيم بن المنذر) القرشي

2 - باب {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله} [الأحزاب: 5]

الحزامي قال: (حدّثنا محمد بن فليح) بضم الفاء وفتح اللام آخره حاء مهملة مصغرًا قال: (حدّثنا أبي) فليح بن سليمان الخزاعي الأسلمي (عن هلال بن علي) العامري المدني وقد ينسب إلى جده أسامة (عن عبد الرحمن بن أبي عمرة) بفتح العين وسكون الميم الأنصاري النجاري بالجيم قيل: ولد في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال ابن أبي حاتم وليست له صحبة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به) أي أحقهم به (في) كل شيء من أمور (الدنيا والآخرة) وسقط لأبي ذر لفظ الناس (اقرؤوا إن شئتم) قوله عز وجل: ({النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}) استنبط من الآية أنه لو قصده عليه الصلاة والسلام ظالم وجب على الحاضر من المؤمنين أن يبذل نفسه دونه ولم يذكر عليه الصلاة والسلام ما له من الحق عند نزول هذه الآية بل ذكر ما عليه فقال (فأيما مؤمن ترك مالًا) أي أو حقًّا من الحقوق بعد وفاته (فليرثه عصبته من كانوا)، وهم عصبة بنفسه وهو من له ولاء وكل ذكر نسيب يدلى للميت بلا واسطة أو بتوسط محض المذكور وعصبة بغيره وهو كل ذات نصف معها ذكر يعصبها وعصبة مع غيره وهو أخت فأكثر لغير أم معها بنت أو بنت ابن فأكثر (فإن ترك دينًا) عليه لأحد (أو ضياعًا) بفتح الضاد المعجمة عيالًا ضائعون لا شيء لهم ولا قيم (فليأتني) كل من رب الدين أوفه والضائع من العيال أكفله (وأنا) بالواو ولأبوي الوقت وذر فأنا (مولاه) أي وليس الميت أتولى عنه أموره. وهذا الحديث قد سبق في باب الصلاة على من ترك دينًا من الاستقراض. 2 - باب {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ} [الأحزاب: 5] هذا (باب) بالتنوين في قوله جل وعلا ({ادعوهم}) انسبوهم ({لآبائهم}) أي الذين ولدوهم ({هو أقسط عند الله}) [الأحزاب: 5] أي أعدل تعليل لسابقه وسقط هو أقسط عند الله لغير أبوي الوقت وذر وباب لغير أبي ذر. 4782 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إِلاَّ زَيْدَ ابْنَ مُحَمَّدٍ، حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}. وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بضم الميم وفتح العين المهملة واللام المشددة العمي أبو الهيثم البصري قال: (حدّثنا عبد العزيز بن المختار) الدباغ البصري مولى حفصة بنت سيرين قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) الإمام في المغازي مولى آل الزبير بن العوّام (قال حدّثني) بالإفراد (سالم عن) أبيه (عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن زيد بن حارثة مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما كنا ندعوه إلا زيدًا بن محمد) لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان تبناه قبل النبوّة (حتى نزل القرآن {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله}) فأمر بردّ نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة ونسخ ما كان في ابتداء الإسلام من جواز ادّعاء الأبناء الأجانب. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل والترمذي في التفسير والمناقب والنسائي في التفسير. 3 - باب: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23] نَحْبَهُ: عَهْدَ. أَقْطَارِهَا: جَوَانِبُهَا. الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا: لأَعْطَوْهَا هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({فمنهم}) من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه أي من الثبات مع الرسول والمقاتلة لإعلاء الدين ({من قضى نحبه}) يعني حمزة وأصحابه ({ومنهم من ينتظر}) الشهادة كعثمان وطلحة ينتظرون أحد أمرين إما الشهادة أو النصر ({وما بدلوا}) العهد ولا غيروه ({تبديلًا}) [الأحزاب: 23] شيئًا من التبديل بخلاف المنافقين فإنهم قالوا لا نولي الأدبار وبدلوا قولهم وولوا أدبارهم ({نحبه}) أي (عهده) والمعنى ومنهم من فرغ من نذره ووفى بعهده فصبر على الجهاد وقاتل حتى قتل والنحب النذر فاستعير للموت لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان. ({أقطارها}) في قوله تعالى: {ولو دخلت عليهم من أقطارها} [الأحزاب: 14] هي (جوانبها) ثم سئلوا ({الفتنة لآتوها}) أي (لأعطوها) والمعنى ولو دخل عليهم المدينة أو البيوت من جوانبها ثم سئلوا الردّة ومقاتلة المسلمين لأعطوها ولم يمتنعوا وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4783 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: نُرَى هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عبد الله (عن) عمه (ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميمين ابن عبد الله بن أنس (عن) جده (أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: نرى) بضم النون أي نظن أن (هذه

4 - باب قوله: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا} [الأحزاب: 28] وقال معمر التبرج: أن تخرج محاسنها. سنة الله استنها: جعلها

الآية نزلت في أنس بن النضر) بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة ابن ضمضم الأنصاري ({من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}) وكان قتل يوم أُحد. 4784 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: لَمَّا نَسَخْنَا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، فَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الأَحْزَابِ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَؤُهَا لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ إِلاَّ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (خارجة بن زيد بن ثابت) الأنصاري (أن) أباه (زيد بن ثابت قال: لما نسخنا الصحف) التي كانت عند حفصة (في المصاحف) بأمر عثمان -رضي الله عنه- (فقدت) بفتح الفاء والقاف (آية من سورة الأحزاب كنت أسمع) ولأبوي ذر والوقت عن المستملي: كنت كثيرًا أسمع (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرؤها لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة) أي ابن ثابت (الأنصاري الذي جعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهادته شهادة رجلين) خصوصية له وهي قوله تعالى: ({من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}) لا يقال إن ثبوتها كان بطريق الآحاد والقرآن إنما يثبت بالتواتر لأنها كانت متواترة عندهم، ولذا قال: كنت أسمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرؤها، وقد قال عمر: أشهد لقد سمعتها من رسول الله، وعن أبيّ بن كعب وهلال بن أمية وغيره مثله. وهذا الحديث قد سبق في أوائل الجهاد في باب قوله: {من المؤمنين رجال}. 4 - باب قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 28] وَقَالَ مَعْمَرٌ التَّبَرُّجُ: أَنْ تُخْرِجَ مَحَاسِنَهَا. سُنَّةَ اللَّهِ اسْتَنَّهَا: جَعَلَهَا هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (قوله: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا}) السعة والتنعم فيها وذلك أنهن سألنه من عرض الدنيا وطلبن منه زيادة في النفقة وآذينه بغيرة بعضهن ({وزينتها}) أي زخارفها ({فتعالين أمتعكن}) متعة الطلاق ({وأسرحكن سراحًا جميلًا)} [الأحزاب: 28] أطلقكنّ طلاق السنة من غير إضرار، وفي قوله: ({فتعالين أمتعكن وأسرحكن}) إشعار بأنها لو اختارت واحدة الفراق لا يكون طلاقًا. وقوله: {أمتعكن وأسرحكن} جزم جواب الشرط وما بين الشرط وجزائه معترض ولا يضر دخول الفاء جملة الاعتراض أو الجواب قوله: "فتعالين" و"أمتعكن" جواب لهذا الأمر، وسقط لأبي ذر: وأسرحكن الخ وقال بعد أمتعكن الآية. (وقال معمر) بفتح الميمين وسكون العين المهملة بينهما ابن المثنى أبو عبد الله التيمي مولاهم البصري النحوي. وقال الحافظ ابن حجر: وتوهم مغلطاي ومن قلده أنه معمر بن راشد فنسب هذا إلى تخريج عبد الرزاق في تفسيره عن معمر ولا وجود لذلك في كتاب عبد الرزاق وإنما أخرج عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في هذه الآية قال: كانت المرأة تخرج تتمشى بين الرجال فذلك تبرج الجاهلية اهـ. وتعقبه العيني فقال: لم يقل مغلطاي ابن راشد وإنما قال: هذا رواه عبد الرزاق عن معمر ولم يقل أيضًا في تفسيره حتى يشنع عليه بأنه لم يوجد في تفسيره وعبد الرزاق له تآليف أخر غير تفسيره وحيث أطلق معمرًا يحتمل أحد المعمرين اهـ. وأجاب الحافظ ابن حجر في كتابه الانتقاض فقال: هذا اعتذار واهٍ فإن عبد الرزاق لا رواية له عن معمر بن المثنى وتآليف عبد الرزاق ليس فيها شيء يشرح الألفاظ إلا التفسير، وهذا تفسيره موجود ليس فيه هذا اهـ. وسقط وقال معمر لغير أبي ذر. ({التبرج}) في قوله تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} [الأحزاب: 33] هو (أن تخرج) المرأة (محاسنها) للرجال. وقال مجاهد وقتادة: التبرج التكسر والتغنج وقيل التبختر وتبرج الجاهلية مصدر تشبيهي أي مثل تبرج والجاهلية الأولى ما بين آدم ونوح أو الزمان الذي ولد فيه الخليل إبراهيم كانت المرأة تلبس درعًا من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال أو ما بين نوح وإدريس وكانت ألف سنة والجاهلية الأخرى ما بين عيسى ونبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقيل الجاهلية الأولى الكفر قبل الإسلام والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق في الإسلام. ({سنة الله}) في قوله تعالى: {سنة الله في الذين خلوا من قبل} [الأحزاب: 38] أي (استنها جعلها) قاله أبو عبيدة وقال: جعلها سنّة اهـ. والمعنى: أن سنة الله في الأنبياء الماضين أن لا يؤاخذهم بما أحل لهم. وقال الكلبي ومقاتل: أراد داود حين جمع بينه وبين تلك المرأة

5 - باب قوله [تعالى]: {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما} [الأحزاب: 29] وقال قتادة: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة} [الأحزاب: 29] القرآن والسنة

وكذلك محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزينب. 4785 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَهَا حِينَ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُخَيِّرَ أَزْوَاجَهُ، فَبَدَأَ بِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ»، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ. قَالَتْ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ}» إِلَى تَمَامِ الآيَتَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ: فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. [الحديث 4785 - طرفه في: 4786] وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاءها حين أمر الله) بإسقاط ضمير المفعول ولأبي ذر أمره الله (أن يخيّر أزواجه) بين الدنيا والآخرة أو بين الإقامة والطلاق قال الماوردي الأشبه يقول الشافعي الثاني وهو الصحيح. وقال القرطبي: والنافع الجمع بين القولين لأن أحد الأمرين ملزوم بالآخر وكأنهن خيرن بين الدنيا فيطلقهن وبين الآخرة فيمسكهن (فبدأ بي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في التخيير قبلهن (فقال): (إني ذاكرٌ لكِ أمرًا، فلا عليك أن تستعجلي) أي لا يلزمك الاستعجال ولأبي ذر أن لا تستعجلي أي لا بأس عليك في التأني وعدم العجلة (حتى تستأمري أبويك) أي تطلبي منهما المشورة. وفي حديث جابر عند مسلم: حتى تستشيري أبويك. وعند أحمد: إني عارض عليك أمرًا فلا تفتاتي فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك أبي بكر وأم رومان وهو يرد على من زعم أن أم رومان ماتت سنة ست من الهجرة فإن التخيير كان في سنة تسع قالوا: وإنما أمرها عليه السلام باستشارتهما خشية أن يحملها صغر السن على اختيار الفراق فإذا استشارت أبويها أرشداها لما فيه المصلحة. ولذا لما فهمت عائشة ذلك قالت: (وقد علم) عليه السلام (أن أبوي) بالتشديد (لم يكونا يأمراني بفراقه. قالت: ثم قال) عليه السلام: (إن الله قال: {يا أيها النبي قل لأزواجك} إلى تمام الآيتين) [الأحزاب: 28، 29] وهو قوله فإن الله أعدّ للمحسنات منكنّ أجرًا عظيمًا وهل كان هذا التخيير واجبًا عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا ريب أن القول واجب عليه لأنه إبلاغ للرسالة لقوله تعالى: ({قل}) وأما التخيير؛ (فقلت له) عليه السلام: (ففي أي هذا) ولأبي ذر عن المستملي ففي أي شيء (أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة) زاد محمد بن عمرو عند أحمد والطبراني، ولا أوامر أبوي أبا بكر، وأم رومان فضحك وأي اسم معرب يستفهم به نحو {فبأي حديث بعده يؤمنون} [المرسلات: 50] {وأيكم زادته هذه إيمانًا} [التوبة: 124]. وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الطلاق وكذا مسلم، وأخرجه النسائي في النكاح والطلاق والترمذي في التفسير. 5 - باب قَوْلِهِ [تعالى]: {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 29] وَقَالَ قَتَادَةُ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 29] الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ (باب قوله) تعالى: ({وإن كنتن تردن الله ورسوله}) رضا الله ورسوله ({والدار الآخرة}) نعيم الجنة ({فإن الله أعد للمحسنات منكنّ أجرًا عظيمًا}) [الأحزاب: 29] ثوابًا جزيلًا في الجنة تستحقر دونه الدنيا وزينتها ومن للبيان لأنهن كلهن كن محسنات وسقط باب قوله لغير أبي ذر. (وقال قتادة) فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ({واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة}) [الأحزاب: 34] هما (القرآن والسنة) لف ونشر مرتب ولأبوي ذر والوقت من آيات الله القرآن والحكمة السنة. قال في الأنوار: وهو تذكير بما أنعم عليهن حيث جعلهن أهل بيت النبوّة ومهبط الوحي وما شهدن من برحاء الوحي مما يوجب قوّة الإيمان والحرص على الطاعة حثًا على الانتهاء والائتمار فيما كلفن. وَقَالَ اللَّيْثُ: 4786 - حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي فَقَالَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلاَ عَلَيْكِ أَنْ لاَ تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ». قَالَتْ: وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ. قَالَتْ: ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} -إِلَى- {أَجْرًا عَظِيمًا}» قَالَتْ فَقُلْتُ: فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالَتْ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَ مَا فَعَلْتُ تَابَعَهُ. مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو سُفْيَانَ الْمَعْمَرِىُّ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ. (وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الذهلي عن أبي صالح عنه (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت لما أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أمر وجوب (بتخيير أزواجه) وكن يومئذ تسع نسوة خمسة من قريش عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي سفيان وسودة بنت زمعة وأم سلمة بنت أبي أمية وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية وميمونة بنت الحارث الهلالية وزينب بنت جحش الأسدية وجويرية بنت الحارث المصطلقة (بدأ بي) إنما بدأ بها -رضي الله عنها- على غيرها من أزواجه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لفضلها كما قاله النووي أو لأنها كانت السبب في التخيير لأنها طلبت

منه ثوبًا فأمره الله بالتخيير رواه ابن مردويه من طريق الحسن عن عائشة لكن الحسن لم يسمع من عائشة فهو مرسل (فقال): (إني ذاكرٌ لكِ أمرًا، فلا عليك أن لا تعجلي) بفتح الجيم وإسقاط السين أي لا بأس عليك في عدم العجلة (حتى تستأمري أبويك) فيه وزاد في رواية عمرة عن عائشة عند الطبري والطحاوي وخشي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حداثتي لأن الصغر مظنة لنقص الرأي، فإذا استشارت أبويها أوضحا لها ما فيه المصلحة (قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه قالت: ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (إن الله جل ثناؤه) ولأبي ذر عز وجل (قال: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها -إلى- أجرًا عظيمًا}) فيه أن سبب التخيير سؤالهن - رضي الله عنهن - منه عليه الصلاة والسلام الدنيا وزينتها فقيل أنهن اجتمعن يومًا فقلن نريد ما تريد النساء من الحلي، وطلبت أم سلمة سترًا معلمًا، وميمونة حلة يمانية، وزينب ثوبًا مخططًا، وأم حبيبة ثوبًا سحوليًّا وسألته كل واحدة منهن شيئًا. قال النقاش: إلا عائشة وآلمن قلبه عليه السلام بمطالبتهن له بتوسعة الحال فأنزل الله التخيير لئلا يكون لأحد منهن منّة عليه في الصبر على ما اختاره عليه الصلاة والسلام من خشونة العيش. وعند الإمام أحمد -رضي الله عنه- من حديث جابر: أقبل أبو بكر -رضي الله عنه- يستأذن على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والناس ببابه جلوس والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس فلم يؤذن له، ثم أقبل عمر فاستأذن فلم يؤذن له، ثم أذن لأبي بكر وعمر فدخلا والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس وحوله نساؤه وهو ساكت فقال عمر: لأكلمن رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعله يضحك فقال عمر: يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة آنفًا فوجأت عنقها، فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدا ناجذه وقال: هن حولي يسألنني النفقة، فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان تسألان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما ليس عنده، فنهاهما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلن نساؤه والله لا نسأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد هذا المجلس ما ليس عنده قال: وأنزل الله عز وجل الخيار فبدأ بعائشة. ورواه مسلم منفردًا به دون البخاري وزاد: ثم اعتزلهن شهرًا أو تسعًا وعشرين ثم نزلت عليه هذه الآية: {يا أيها النبي قل لأزواجك إلى عظيمًا} قال فبدأ بعائشة. وسبق في المظالم من طريق عقيل عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عباس عن عمر في قصة المرأتين اللتين تظاهرتا الحديث بطوله وفيه: فاعتزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة: وكان قد قال ما أنا بداخل عليهن شهرًا من شدّة موجدته حين عاتبه الله فلما مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة: إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرًا وإنا أصبحنا لتسع وعشرين ليلة أعدّها عدًا فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الشهر تسع وعشرون" وكان ذلك الشهر تسعًا وعشرين. قالت عائشة: فأنزل الله آية التخيير فبدأ بي أول امرأة. قال في الفتح: فاتفق الحديثان على أن آية التخيير نزلت عقب فراغ الشهر الذي اعتزلهن فيه، لكن اختلفا في سبب الاعتزال ويمكن الجمع بأن يكونا جميعًا سبب الاعتزال فإن قصة المتظاهرتين خاصة بهما وقصة سؤال النفقة عامة في جميع النسوة ومناسبة آية التخيير بقصة سؤال النفقة أليق منها بقصة المتظاهرتين اهـ. (قالت) عائشة: (فقلت ففي أي) الأمرين من (هذا) الذي ذكرته (أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة) وهذا يدل على كمال عقلها وصحة رأيها مع صغر سنها (قالت: ثم فعل أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثل ما فعلت) من اختيار الله ورسوله والدار الآخرة بعد أن خيرهن (تابعه) أي تابع الليث (موسى بن أعين) بفتح الهمزة والتحتية بينهما عين ساكنة الجزري بالجيم والزاي والراء الحراني فيما وصله النسائي

6 - باب قوله: {وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} [الأحزاب: 37]

(عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (وقال، عبد الرزاق) بن همام فيما وصله مسلم وابن ماجة (وأبو سفيان) محمد بن حميد السكري (المعمري) بفتح الميمين بينهما عين ساكنة مما وصله الذهلي في الزهريات (عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري عن عروة) بن الزبير (عن عائشة). وفيه إشارة إلى ما وقع من الاختلاف على الزهري في الواسطة بينه وبين عائشة في هذه القصة، ولعل الحديث كان عند الزهري عنهما فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا، وإلى هذا جنح الترمذي، وقد رواه عقيل وشعيب عن الزهري عن عائشة بغير واسطة ولو اختارت المخيرة نفسها وقعت طلقة رجعية عندنا وبائنة عند الحنفية. وفي هذا المبحث زيادة تأتي إن شاء الله تعالى في الطلاق بعون الله وقوّته. 6 - باب قَوْلُهُ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37] هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (قوله) عز وجل مخاطبًا لنبيه صلوات الله وسلامه عليه في قصة زينب وزيد ({وتخفي في نفسك ما الله مبديه}) وهو نكاح زينب إن طلقها زيد أو إرادة طلاقها أو إخبار الله إياه أنها ستصير زوجته كما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق السدي لفظ: بلغنا أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش: وكانت أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد أن يزوّجها زيد بن حارثة مولاه فكرهت ذلك ثم إنها رضيت بما صنع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فزوجها إياه ثم أعلم الله نبيه بعد أنها من أزواجه فكان يستحي أن يأمره بطلاقها. وعنده من طريق علي بن زيد عن علي بن الحسين بن علي قال: أعلم الله نبيه أن زينب ستكون من أزواجه قبل أن يتزوّجها فلما أتاه زيد يشكوها إليه وقال له: اتق الله وأمسك عليك زوجك قال الله: إني قد أخبرتك إني مزوجكها وتخفي في نفسك ما الله مبديه، لكن في الثاني علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. ({وتخشى الناس}) أي تعييرهم إياك به والواو عطف على تقول أي وإذ تجمع بين قولك كذا وإخفاء كذا وخشية الناس ({والله أحق أن تخشاه}) [الأحزاب: 37] وحده إن كان فيه ما يخشى والواو للحال وسقط قوله باب لغير أبي ذر. 4787 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. [الحديث 4787 - طرفه في: 7420]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي الوقت: حدّثني بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال: (حدّثنا معلى بن منصور) الرازي نزيل بغداد (عن حماد بن زيد) اسم جده درهم الأزدي الجهضمي البصري قال: (حدّثنا ثابت) البناني (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن هذه الآية ({وتخفي في نفسك ما الله مبديه} نزلت في شأن زينب ابنة جحش) ولأبي ذر بنت جحش بإسقاط الألف (وزيد بن حارثة) كذا اقتصر على هذا القدر من هذه القصة هنا. وأخرجه بأتم من هذا في باب: وكان عرشه على الماء من كتاب التوحيد من وجه آخر على حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال: جاء زيد بن حارثة يشكو فجعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: اتق الله وأمسك عليك زوجك. قالت عائشة: لو كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كاتمًا شيئًا لكتم هذه الآية. قال: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات. وعن ثابت: {وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس} [الأحزاب: 37] نزلت في شأن زينب وزيد بن حارثة وذكر ابن جرير وابن أبي حاتم هنا آثارًا لا ينبغي إيرادها وما ذكرته فيه مقنع والله يهدينا إلى سواء السبيل بمنّه وكرمه. 7 - باب قَوْلِهِ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تُرْجِي: تُؤَخِّرُ. أَرْجِهُ: أَخِّرْهُ (باب قوله) عز وجل: ({ترجي}) تؤخر ({من تشاء منهن}) من الواهبات ({وتؤوي}) وتضم ({إليك من تشاء})، منهن ({ومن ابتغيت}) ومن طلبت ({ممن عزلت}) رددت أنت منهن فيه بالخيار إن شئت عدت فيه فآويته ({فلا جناح عليك}) [الأحزاب: 51] في شيء من ذلك. قال عامر الشعبي: كن نساء وهبن أنفسهن له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخل ببعض وأوجأ بعضًا منهن أم شريك وهذا شاذ والمحفوظ أنه لم يدخل بأحد من الواهبات ما سيأتي قريبًا في هذا الباب إن شاء الله تعالى، أو المراد بالإرجاء والإيواء القسم وعدمه لأزواجه أي إن شئت تقسم لهن

8 - باب قوله:

أو لبعضهن وتقدم من شئت وتؤخر من شئت وتجامع من شئت وتترك من شئت، كذا روي عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وغيرهم، وذلك لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنسبة إلى أمته نسبة السيد المطاع إلى عبده، ومن ثم قال جماعة من الفقهاء من الشافعية وغيرهم لم يكن القسم واجبًا عليه صلوات الله وسلامه عليه، وقد قال أبو رزين وابن زيد نزلت الآية عقب آية التخيير ففوّض الله تعالى أمرهن إليه يفعل فيهن ما يشاء من قسم وتفضيل بعض في النفقة وغيرها فرضين بذلك واخترنه على هذا الشرط -رضي الله عنه- ومع ذلك قسم اختيارًا منه لا على سبيل الوجوب وسوى بينهن وعدل فيهن كذلك. وحديث الباب الأوّل يقتضي إن الآية نزلت في الواهبات، والثاني في أزواجه، واختار ابن جرير أن الآية عامة في الواهبات واللاتي عنده وهو اختيار حسن جامع للأحاديث. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه (ترجي) أي (تؤخر) وقوله: (أرجه) في الأعراف والشعراء أي (أخره) وذكره استطرادًا وهو من تفسير ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم. 4788 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ هِشَامٌ: حَدَّثَنَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللاَّتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَقُولُ: أَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا؟ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} قُلْتُ: مَا أُرَى رَبَّكَ إِلاَّ يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ. [الحديث 4788 - طرفه: 5113]. وبه قال: (حدّثنا زكريا بن يحيى) أبو السكين الطائي الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة: (قال هشام) هو ابن عروة (حدّثنا) قال في الفتح فيه تقديم المخبر على الصيغة وهو جائز وتقديره قال: حدّثنا هشام (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة - رضي الله عنها-) أنها (قالت: كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كذا روي بالغين المعجمة من الغيرة وهي الحمية والأنفة. وعند الإسماعيلي من طريق محمد بن بشر عن هشام كانت تعير اللاتي وهبن أنفسهن بعين مهملة وتشديد التحتية (وأقول: أتهب المرأة نفسها) وظاهر قوله وهبن أن الواهبة أكثر من واحدة منهن خولة بنت حكيم وأم شريك وفاطمة بنت شريح وزينب بنت خزيمة كما سيأتي في النكاح إن شاء الله تعالى الكلام على ذلك. وفي حديث سماك عن عكرمة عن ابن عباس عند الطبري بإسناد حسن لم يكن عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امرأة وهبت نفسها له، والمراد أنه لم يدخل بواحدة ممن وهبن أنفسهن له وإن كان مباحًا له لأنه راجع إلى إرادته (فلما أنزل الله تعالى {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك} قلت ما أرى): بضم الهمزة أي ما أظن (ربك إلا يسارع في هواك) أي إلا موجدًا لك مرادك بلا تأخير. وهذا الحديث أخرجه مسلم في النكاح والنسائي فيه وفي عشرة النساء والتفسير. 4789 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَسْتَأْذِنُ فِي يَوْمِ الْمَرْأَةِ مِنَّا بَعْدَ أَنْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} فَقُلْتُ لَهَا: مَا كُنْتِ تَقُولِينَ؟ قَالَتْ كُنْتُ أَقُولُ لَهُ: إِنْ كَانَ ذَاكَ إِلَيَّ فَإِنِّي لاَ أُرِيدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أُوثِرَ عَلَيْكَ أَحَدًا. تَابَعَهُ عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ سَمِعَ عَاصِمًا. وبه قال: (حدّثنا حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة السلمي المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا عاصم) هو ابن سليمان (الأحول) البصري (عن معاذة) بنت عبد الله العدوية (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يستأذن في يوم المرأة منا) بإضافة يوم إلى المرأة أي يوم نوبتها إذا أراد أن يتوجه إلى الأخرى (بعد أن أنزلت هذه الآية {ترجي من نشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك}) قالت معاذة: (فقلت لها) أي لعائشة مستفهمة: (ما كنت تقولين؟) له عليه الصلاة والسلام (قالت: كنت أقول له إن كان ذاك) الاستئذان (إليّ فإني لا أريد يا رسول الله أن أؤثر عليك أحدًا) وظاهره أنه عليه الصلاة والسلام لم يرجئ أحدًا منهن وهو قول الزهري فيما أخرجه ابن أبي حاتم ما أعلم أنه أرجى أحدًا من نسائه. (وتابعه) أي تابع عبد الله بن المبارك (عباد بن عباد) بفتح العين والموحدة المشددة فيهما أبو معاوية المهلبي فيما وصله ابن مردويه في تفسيره فقال: إنه (سمع عاصمًا) الأحول. والحديث أخرجه مسلم في الطلاق وأبو داود في النكاح والنسائي في عشرة النساء. 8 - باب قَوْلِهِ: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} يُقَالُ إِنَاهُ: إِدْرَاكُهُ أَنَى يَأْنِى أَنَاةً. {لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} إِذَا وَصَفْتَ صِفَةَ الْمُؤَنَّثِ قُلْتَ قَرِيبَةً، وَإِذَا جَعَلْتَهُ ظَرْفًا وَبَدَلًا وَلَمْ تُرِدِ الصِّفَةَ نَزَعْتَ الْهَاءَ مِنَ الْمُؤَنَّثِ، وَكَذَلِكَ لَفْظُهَا فِي الْوَاحِدِ وَالاِثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ لِلذَّكَرِ وَالأُنْثَى. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (قوله: {لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم}) أي إلا مصحوبين بالإذن فهي

في موضع الحال أو إلا بسبب الإذن لكم فأسقط باء السبب وقال القاضي كالزمخشري إلا وقت أن يؤذن لكم ورده أبو حيان بأن النحاة نصوا على أن المصدرية لا تقع موقع الظرف لا يجوز آتيك أن يصيح الديك وإن جاز ذلك في المصدر الصريح نحو آتيك صياح الديك ({إلى طعام}) متعلق بيؤذن لأنه بمعنى إلا أن تدعوا إلى طعام ({غير ناظرين إناه}) نصب على الحال فعند الزمخشري العامل فيه يؤذن وعند غيره مقدر أي ادخلوا غير ناظرين إدراكه أو وقت نضجه والمعنى لا ترقبوا الطعام ذا طبخ حتى إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول فإن هذا مما يكرهه الله ويذمه قال ابن كثير وهذا دليل على تحريم التطفيل وقد صنف الخطيب البغدادي كتابًا في ذم الطفيليين ذكر فيه من أخبارهم ما يطول إيراده وأمال حمزة والكسائي أناه لأنه مصدر أنى الطعام إذا أدرك ({ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا}) تفرقوا واخرجوا من منزله ولا تمكثوا والآية إما تقديم أي لا تدخلوا إلى طعام إلا أن يؤذن لكم أولًا والثاني أولى لأن الأصل عدم التقديم وحينئذ فالإذن مشروط بكونه إلى طعام فلو أذن لأحد أن يدخل بيوته لغير الطعام أو لبث بعد الطعام لحاجة لا يجوز لكنا نقول الآية خطاب لقوم كانوا يتحينون طعام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه فهي مخصوصة بهم وبأمثالهم فيجوز ولا يشترط التصريح بالإذن بل يكفي العلم بالرضا كما يشعر به قوله إلا أن يؤذن لكم حيث لم يبين الفاعل مع قوله أو صديقكم ({ولا مستأنسين لحديث}) نصب عطفًا على غير أي لا تدخلوها غير ناظرين ولا مستأنسين أو حال مقدرة أي لا تدخلوا هاجمين ولا مستأنسين أو جر عطفًا على ناظرين أي غير ناظرين وغير مستأنسين واللام في لحديث للعلة أي لأجل أن يحدث بعضكم بعضًا والمعنى ولا طالبين الأنس للحديث وكانوا يجلسون بعد الطعام يتحدثون طويلًا فنهوا عنه ({إن ذلكم}) الانتظار والاستئناس ({كان يؤذي النبي}) لتضييق المنزل عليه وعلى أهله وإشغاله فيما لا يعنيه ({فيستحيي منكم}) أي من إخراجكم فهو من تقدير المضاف بدليل قوله: ({والله لا يستحيي من الحق}) أي أن إخراجكم حق فينبغي أن لا يترك حياء ولهذا نهاكم وزجركم عنه قال في الكشاف وهذا أدب أدّب الله به الثقلاء وقال السمرقندي في الآية حفظ الأدب وتعليم الرجل إذا كان ضيفًا لا يجعل نفسه ثقيلًا بل إذا كل ينبغي أن يخرج ({وإذا سألتموهن متاعًا}) حاجة (فاسألوهن) المتاع ({من وراء حجاب}) أي ستر ({ذلكم}) أي الذي شرعته لكم من الحجاب ({أطهر لقلوبكم وقلوبهن}) من الريب لأن العين روزنة القلب فإذا لم تر العين لا يشتهي القلب فهو عند عدم الرؤية أطهر وعدم الفتنة حينئذٍ أظهر وهذه آية الحجاب وهي مما وافق تنزيلها قول عمر كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى ({وما كان لكم}) وما صح لكم ({أن تؤذوا رسول الله}) أن تفعلوا شيئًا يكرهه ({ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا}) [الأحزاب: 53] بعد وفاته أو فراقه تعظيمًا له وإيجابًا لحرمته. وفي حديث عكرمة عن ابن عباس مما رواه ابن أبي حاتم أن الآية نزلت في رجل همّ أن يتزوج بعض نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعده قال رجل لسفيان: أهي عائشة؟ قال قد ذكروا ذاك، وكذا قال مقاتل وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وذكر بسنده عن السدي أن الذي عزم على ذلك طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- حتى نزل التنبيه على تحريم ذلك ({إن ذلكم}) أي إيذاءه ونكاح نسائه ({كان عند الله}) ذنبًا ({عظيمًا}) وسقط لأبي ذر قوله: غير ناظرين إناه الخ وقال بعد قوله: (إلى طعام) إلى قوله: (إن ذلكم كان عند الله عظيمًا يقال إناه) قال أبو عبيدة أي (إدراكه) وبلوغه ويقال (أنى) بفتح الهمزة والنون (يأنى) بسكون الهمزة وفتح النون (أناة) بفتح الهمزة والنون من غير همز آخره هاء تأنيث مقصور ولابن عساكر إناء

بهمزة من غير هاء تأنيث وزاد أبو ذر: فهو آن. ({لعل الساعة تكون قريبًا}) [الأحزاب: 63] القياس أن يقول قريبة بالتاء وأجاب المؤلّف عنه بأنك (إذا وصفت صفة المؤنث قلت قريبة) بالتاء (وإذا جعلته ظرفًا) قال الكرماني: أي اسمًا زمانيًا وعبارة أبي عبيدة مجازه مجاز الظرف (وبدلًا) أي عن الصفة يعني جعلته اسمًا مكان الصفة (ولم ترد الصفة نزعت الهاء من المؤنث) فقلت قريبًا (وكذلك لفظها) أي لفظ الكلمة المذكورة إذا لم ترد الصفة يستوي (في) لفظها (الواحد والاثنين والجميع للذكر والأنثى) بغير هاء وبغير جمع وبغير تثنية. وقال في الدر الظاهر أن لعل تعلق ما يعلق التمني وقريبًا خبر كان على حذف موصوف أي شيئًا قريبًا وقيل التقدير قيام الساعة فروعيت الساعة في تأنيث تكون وروعي المضاف المحذوف في تذكير قريبًا، وقيل قريبًا أكثر استعماله استعمال الظروف فهو هنا ظرف في موضع الخبر وسقط لأبوي ذر والوقت وابن عساكر لفظ الواحد وقال العيني كابن حجر وسقط لغير أبي ذر والنسفيّ قوله: لعل الساعة الخ وصوب لأنه ساقه في غير محله لتقديمه على الأحاديث المسوقة في معنى قوله لا تدخلوا بيوت النبي إلى آخرها. 4790 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (عن يحيى) هو ابن سعيد القطان ولأبي ذر حدّثنا يحيى (عن حميد) الطويل (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-: قلت: يا رسول الله يدخل عليك) في بيوتك (البر والفاجر) هو الفاسق وهو مقابل البر (فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله) تعالى (آية الحجاب}) وهذا طرف من حديث ذكره في باب ما جاء في القبلة من كتاب الصلاة وسورة البقرة أوله: وافقت ربي في ثلاث وقد تحصل من جملة الأخبار لعمر من الموافقات خمسة عشر تسع لفظيات وأربع معنويات واثنتان في التوراة فأما اللفظيات فمقام إبراهيم حيث قال: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت والحجاب وأسارى بدر حيث شاوره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيهم فقال: يا رسول الله هؤلاء أئمة الكفر فاضرب أعناقهم فهوى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما قاله الصديق من إطلاقهم وأخذ الفداء فنزلت {ما كان لنبي أن يكون له أسرى} [الأنفال: 67] رواه مسلم وغيره وقوله لأمهات المؤمنين: لتكففن عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو ليبدلنه الله أزواجًا خيرًا منكنّ فنزلت أخرجه أبو حاتم وغيره، وقوله لما اعتزل عليه الصلاة والسلام نساءه في المشربة يا رسول الله: إن كنت طلقت نساءك فإن الله عز وجل معك وجبريل وأنا وأبو بكر والمؤمنون فأنزل الله {وإن تظاهرا عليه} الآية، وأخذه بثوب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما قام يصلّي على عبد الله بن أبي ومنعه من الصلاة عليه فأنزل الله {ولا تصل على أحد منهم مات أبدًا} [التوبة: 84] أخرجاه ولما نزل {إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} قال عليه الصلاة والسلام: فلأزيدن على السبعين فأخذ في الاستغفار لهم فقال عمر: يا رسول الله والله لا يغفر الله لهم أبدًا استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم، فنزلت {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم} أخرجه في الفضائل ولما نزل قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} إلى قوله: {أنشأناه خلقًا آخر} قال عمر: تبارك الله أحسن الخالقين رواه الواحدي في أسباب النزول. وفي رواية فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تزيد في القرآن يا عمر فنزل جبريل بها وقال إنها تمام الآية خرجها السجاوندي في تفسيره، ولما استشاره عليه الصلاة والسلام في عائشة حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فقال عمر: يا رسول الله من زوجكها. قال الله تعالى، قال: أفتظن أن ربك دلس عليك فيها {سبحانك هذا بهتان عظيم} فأنزلها الله تعالى ذكره صاحب الرياض عن رجل من الأنصار. وأما المعنويات فروى ابن السمان في الموافقة أن عمر قال لليهود: أنشدكم بالله هل تجدون وصف محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كتابكم؟ قالوا: نعم. قال: فما يمنعكم من اتباعه؟ قالوا: إن الله لم يبعث رسولًا إلا كان

له من الملائكة كفيل وإن جبريل هو الذي يكفل محمدًا وهو عدوّنا من الملائكة وميكائيل سلمنا فلو كان هو الذي يأتيه لاتبعناه قال عمر فإني أشهد أنه ما كان ميكائيل ليعادي سلم جبريل وما كان جبريل ليسالم عدوّ ميكائيل فنزل {قل من كان عدوًا لجبريل} إلى قوله: {عدوّ للكافرين} [البقرة: 97]. وعند القلعي أن عمر كان حريصًا على تحريم الخمر وكان يقول: اللهم بين لنا في الخمر فإنها تذهب المال والعقل فنزل {يسألونك عن الخمر والميسر} [البقرة: 219] الآية. فتلاها عليه عليه الصلاة والسلام فلم ير فيها بيانًا فقال: اللهم بين لنا فيها بيانًا شافيًا فنزل {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} [النساء: 43] فتلاها عليه، عليه الصلاة والسلام فلم ير فيها بيانًا شافيًا فقال: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا فنزل {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر} [المائدة: 90] الآية. فتلاها عليه عليه الصلاة والسلام فقال عمر عند ذلك: انتهينا يا رب انتهينا، وذكر الواحدي إنها نزلت في عمر ومعاذ ونفر من الأنصار، وعن ابن عباس أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسل غلامًا من الأنصار إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه فدخل فرأى عمر على حالة كره عمر رؤيته عليها فقال: يا رسول الله وددت لو أن الله أمرنا ونهانا في حال الاستئذان فنزلت {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} [النور: 58] الآية رواه أبو الفرج وصاحب الفضائل، وقال بعد قوله: فدخل عليه وكان نائمًا وقد انكشف بعض جسده فقال: اللهم حرم الدخول علينا في وقت نومنا فنزلت ولما نزل قوله تعالى: {ثلة من الأوّلين وقليل من الآخرين} [الواقعة: 13] بكى عمر وقال: يا رسول الله وقليل من الآخرين آمنا برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصدقناه ومن ينجو منا قليل، فأنزل الله تعالى: {ثلة من الأوّلين وثلة من الآخرين} [الواقعة: 39، 40] فدعاه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال قد أنزل الله فيما قلت. وأما موافقته لما في التوراة فعن طارق بن شهاب جاء رجل يهودي إلى عمر بن الخطاب فقال: أرأيت قوله تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من رَبكُم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدّت للمتقين} [آل عمران: 133] فأين النار؟ فقال لأصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أجيبوه فلم يكن عندهم منها شيء فقال عمر: أرأيت النهار إذا جاء أليس يملأ السماوات والأرض؟ قال: بلى. قال: فأين الليل؟ قال: حيث شاء الله عز وجل. قال عمر: فالنار حيث شاء الله عز وجل. قال اليهودي: والذي نفسك بيده يا أمير المؤمنين إنها لفي كتاب الله المنزل كما قلت أخرجه الخلعي وابن السمان في الموافقة. وروي أن كعب الأحبار قال يومًا عند عمر بن الخطاب: ويل لملك الأرض من ملك السماء. فقال عمر: إلا من حاسب نفسه، فقال كعب: والذي نفسي بيده إنها لتابعتها في كتاب الله عز وجل فخرّ عمر ساجدًا لله. اهـ. ملخصًا من مناقب عمر من الرياض وزاد بعضهم آية الصيام في حل الرفث {ونساؤكم حرث لكم} [البقرة: 223] و {لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} [النساء: 65] إذ أفتى بقتل ونسخ الرسم لآية قد نزلت في الرجم وفي الأذان. 4791 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ، حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ، دَعَا الْقَوْمَ فَطَعِمُوا ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ، وَإِذَا هُوَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ، فَلَمْ يَقُومُوا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ، فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ قَامَ وَقَعَدَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَدْخُلَ فَإِذَا الْقَوْمُ جُلُوسٌ، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا، فَانْطَلَقْتُ فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُمْ قَدِ انْطَلَقُوا فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ، فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ فَأَلْقَى الْحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} [الأحزاب: 53] الآيَةَ. [الحديث 4791 - أطرافه في: 4792، 4793، 4794، 5154، 5163، 5166، 5168، 5170، 5171، 5466، 6228، 6229، 6271، 7421]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله الرقاشي) بفتح الراء والقاف المشدّدة وبعد الألف معجمة فتحتية نسبة لرقاش بنت ضبيعة قال: (حدّثنا معتمر بن سليمان قال سمعت أبي) سليمان بن طرخان (يقول: حدّثنا أبو مجلز) بكسر الميم وسكون الجيم وبعد اللام المفتوحة زاي لاحق بن حميد (عن أنس بن مالك رضي الله عنه) أنه (قال: لما تزوج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زينب ابنة جحش) سنة ثلاث أو خمس أو غير ذلك ولأبي ذر بنت بإسقاط الألف (دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون) فأطالوا الجلوس (وإذا هو) عليه الصلاة والسلام (كأنه يتهيّأ للقيام) ليفطنوا لمراده فيقوموا لقيامه (فلم يقوموا) وكان عليه الصلاة والسلام يستحي أن يقول لهم قوموا (فلما رأى ذلك قام) لكي يقوموا ويخرجوا (فلما قام من قام وقعد ثلاثة نفر) لم يسموا يتحدثون في البيت وخرج عليه الصلاة والسلام (فجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليدخل) على زينب (فإذا القوم جلوس) في بيتها فرجع عليه الصلاة والسلام (ثم أنهم قاموا) فخرجوا (فانطلقت فجئت فأخبرت

النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنهم قد انطلقوا فجاء) عليه الصلاة والسلام (حتى دخل فذهبت أدخل فألقى الحجاب) أي الستر (بيني وبينه فأنزل الله) تعالى ({يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي} الآية) [الأحزاب: 53] بعد خروج القوم. 4792 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَذِهِ الآيَةِ آيَةِ الْحِجَابِ: لَمَّا أُهْدِيَتْ زَيْنَبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتْ مَعَهُ فِي الْبَيْتِ، صَنَعَ طَعَامًا وَدَعَا الْقَوْمَ، فَقَعَدُوا يَتَحَدَّثُونَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْرُجُ ثُمَّ يَرْجِعُ، وَهُمْ قُعُودٌ يَتَحَدَّثُونَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} -إِلَى قَوْلِهِ- {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} فَضُرِبَ الْحِجَابُ، وَقَامَ الْقَوْمُ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قاضي مكة قال: (حدّثنا حماد بن زيد) اسم جده درهم (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله الجرمي أنه قال: (قال أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أنا أعلم الناس بهذه الآية آية الحجاب) بخفض آية الحجاب بدلًا من سابقتها (لما أهديت زينب بنت جحش -رضي الله عنها-) وزفت (إلى رسول الله) ولأبي ذر إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لغير أبي ذر بنت جحش -رضي الله عنها- (كانت معه في البيت صنع طعامًا ودعا القوم فقعد ويتحدثون) بعد أن أكلوا (فجعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخرج) لكي يخرجوا (ثم يرجع) لبيت زينب (وهم قعود يتحدثون فأنزل الله تعالى) قبل خروجهم ({يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه} -إلى قوله- {من وراء حجاب}) وسقط لأبي ذر {إلى طعام غير ناظرين إناه} (فضرب الحجاب) بضم الضاد مبنيًّا للمفعول (وقام القوم). 4793 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: بُنِيَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ بِخُبْزٍ وَلَحْمٍ، فَأُرْسِلْتُ عَلَى الطَّعَامِ دَاعِيًا فَيَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، فَدَعَوْتُ حَتَّى مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُو، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُوهُ، قَالَ: ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ وَبَقِيَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَانْطَلَقَ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَقَالَ: «السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ». فَقَالَتْ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ، بَارَكَ اللَّهُ لَكَ. فَتَقَرَّى حُجَرَ نِسَائِهِ كُلِّهِنَّ، يَقُولُ لَهُنَّ كَمَا يَقُولُ لِعَائِشَةَ، وَيَقُلْنَ لَهُ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ. ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا ثَلاَثَةُ رَهْطٍ فِي الْبَيْتِ يَتَحَدَّثُونَ وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَدِيدَ الْحَيَاءِ فَخَرَجَ مُنْطَلِقًا نَحْوَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَمَا أَدْرِي آخْبَرْتُهُ أَوْ أُخْبِرَ أَنَّ الْقَوْمَ خَرَجُوا، فَرَجَعَ حَتَّى إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي أُسْكُفَّةِ الْبَابِ دَاخِلَةً وَأُخْرَى خَارِجَةً أَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة عبد الله بن عمرو المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري البصري قال: (حدّثنا عبد العزيز بن صهيب) البناني البصري (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: بني) بضم الموحدة وكسر النون أي دخل (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بزينب ابنة) ولأبي ذر بنت (جحش بخبز ولحم فأرسلت) بضم الهمزة وكسر السين وسكون اللام مبنيًّا للمفعول أي أرسلني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على الطعام) حال كوني (داعيًا) القوم للأكل منه (فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون فدعوت) القوم (حتى ما أجد أحدًا أدعو) بحذف ضمير المفعول (فقلت: يا نبي الله ما أجد أحدًا أدعوه) بإثبات ضمير النصب ولأبوي ذر والوقت أدعو بحذفه (قال) عليه الصلاة والسلام ولابن عساكر فقال: (ارفعوا طعامكم) ولأبي ذر والأصيلي فارفعوا بالفاء (وبقي ثلاثة رهط) لم يسموا (يتحدثون في البيت فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليخرجوا (فانطلق إلى حجرة عائشة) -رضي الله عنها- (فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله) وفي نسخة أبي ذر: رحمت الله بالتاء المجرورة كالتالية (فقالت) عائشة (وعليك السلام) وسقط لأبي ذر السلام (ورحمة الله. كيف وجدت أهلك) تريد زينب (بارك الله لك. فتقرى) بفتح الفوقية والقاف والراء المشددة مقصورًا من غير همز أي تتبع (حجر نسائه كلهن) بالجر تأكيد لنسائه (يقول لهن كما يقول لعائشة ويقلن) ولأبي ذر فيقلن الله كما قالت عائشة) -رضي الله عنه- قالت عائشة: (ثم رجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإذا ثلاثة رهط في البيت يتحدثون وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شديد الحياء) ولذا لم يواجههم بالأمر بالخروج بل تشاغل بالسلام على أمهات المؤمنين ليفطنوا لمراده (فخرج منطلقًا نحو حجرة عائشة) ففطنوا لمراده فخرجوا (فما أدري آخبرته) بمد الهمزة في الفرع كأصله (أو أخبر) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول والشك من أنس (أن القوم خرجوا فرجع) عليه الصلاة والسلام (حتى إذا وضع رجله) الشريفة (في أسكفة الباب) بضم الهمزة وسكون المهملة وضم الكاف وتشديد الفاء مفتوحة العتبة التي يوطأ عليها (داخلة) وفي نسخة داخله بهاء الضمير للباب (وأخرى خارجة) ولأبي ذر والأخرى بالتعريف خارجة بضمير الباب (أرخى الستر بيني وبينه وأنزلت آية الحجاب) بعد قيام القوم. 4794 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ بَنَى بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ فَأَشْبَعَ النَّاسَ خُبْزًا وَلَحْمًا ثُمَّ خَرَجَ إِلَى حُجَرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ صَبِيحَةَ بِنَائِهِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِنَّ وَيَدْعُو لَهُنَّ، وَيُسَلِّمْنَ عَلَيْهِ وَيَدْعُونَ لَهُ. فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ رَأَى رَجُلَيْنِ جَرَى بِهِمَا الْحَدِيثُ، فَلَمَّا رَآهُمَا رَجَعَ عَنْ بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَى الرَّجُلاَنِ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجَعَ عَنْ بَيْتِهِ وَثَبَا مُسْرِعَيْنِ، فَمَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ بِخُرُوجِهِمَا أَمْ أُخْبِرَ، فَرَجَعَ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ وَأَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ سَمِعَ أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله بن بكر) بفتح الموحدة وسون الكاف (السهمي) الباهلي البصري قال: (حدّثنا حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: أولم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين بنى بزينب

ابنة) ولأبي ذر بنت (جحش فأشبع الناس خبزًا ولحمًا ثم خرج) عليه الصلاة والسلام والقوم جالسون يتحدثون بعد أن أكلوا (إلى حجر أمهات المؤمنين كما كان يصنع) عليه الصلاة والسلام (صبيحة بنائه) أي صباحًا بعد ليلة الزفاف (فيسلم عليهن ويدعو لهن ويسلمن عليه ويدعون له) ولأبي ذر فيسلم عليهن ويسلمن عليه ويدعو لهن ويدعون له (فلما رجع إلى بيته رأى رجلين جرى بهما الحديث) في السابق فإذا ثلاثة. وأجاب البرماوي كالكرماني بأن مفهوم العدد لا اعتبار له والمحادثة كانت بينهما والثالث ساكن، وقال في الفتح: كان أحد الثلاثة فطن لمراد الرسول فخرج وبقي الاثنان (فلما رآهما رجع عن بيته فلما رأى الرجلان نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجع عن بيته) وفهما مراده (وثبا مسرعين) قال أنس: (فما أدري أنا أخبرته بخروجهما أم أخبر فرجع) عليه الصلاة والسلام (حتى دخل البيت وأرخى الستر بيني وبينه وأنزلت آية الحجاب) ظاهره كالسابق نزول الآية بعد قيام القوم إلا الثانية فقبله فأول بأنها نزلت حال قيامهم أي أنزلها الله وقد قاموا. (وقال ابن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بين الحكم بن أبي مريم المصري ولأبي ذر إبراهيم ابن أبي مريم شيخ المؤلّف وذكر إبراهيم غلط فاحش (أخبرنا يحيى) بن أيوب الغافقي المصري قال: (حدّثني) بالإفراد (حميد) الطويل أنه (سمع أنسًا) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) صرح حميد بالسماع من أنس فعنعنته غير مؤثرة. 4795 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ خَرَجَتْ سَوْدَةُ بَعْدَ مَا ضُرِبَ الْحِجَابُ لِحَاجَتِهَا، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً لاَ تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا، فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا سَوْدَةُ أَمَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ. قَالَتْ: فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِي، وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ، فَدَخَلَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَقَالَ لِي عُمَرُ كَذَا وَكَذَا: قَالَتْ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ، ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ وَإِنَّ الْعَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (زكريا بن يحيى) بن صالح البلخي الحافظ قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: خرجت سودة) بنت زمعة أم المؤمنين -رضي الله عنها- (بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها) بضم الضاد المعجمة مبنيًّا للمفعول (وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها فرآها عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (فقال: يا سودة أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم وبعدها ألف حرف استفتاح ولأبي ذر أم بحذف الألف (والله ما تخفين علينا فانظر كيف تخرجين) ولعله قصد المبالغة في احتجاب أمهات المؤمنين بحيث لا يبدين أشخاصهن أصلًا ولو كن مستترات (قالت: فانكفأت) بالهمزة أي انقلبت حال كونها (راجعة ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيتي وأنه) بالواو ولأبي ذر فإنه (ليتعشى وفي يده) ولأبوي ذر والوقت في يده بإسقاط الواو (عرق) بفتح العين وسكون الراء ثم قاف العظم الذي عليه اللحم (فدخلت فقالت: يا رسول الله إني خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر كذا وكذا قالت): أي عائشة (فأوحى الله إليه) ولأبي ذر فأوحي إليه بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (ثم رفع عنه) ما كان فيه من الشدة بسبب نزول الوحّي (وإن العرق) بفتح العين وسكون الراء (في يده ما وضعه) والجملة حالية (فقال: إنه) أي أن الشأن (قد أذن) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (لكنّ أن تخرجن لحاجتكن) دفعًا للمشقة ورفعًا للحرج، وفيه تنبيه على أن المراد بالحجاب التستر حتى لا يبدو من جسدهن شيء لا حجب أشخاصهن في البيوت والمراد بالحاجة البراز كما وقع في الوضوء من تفسير هشام بن عروة وقال الكرماني وتبعه البرماوي فإن قلت: قال ها هنا أنه كان بعد ما ضرب الحجاب، وقال في كتاب الوضوء في باب خروج النساء إلى البراز أنه قبل الحجاب قلت لعله وقع مرتين اهـ. ومراده أن خروج سودة للبراز وقول عمر لها ما ذكر وقع مرتين لا وقوع الحجاب، وقول الحافظ ابن حجر عقب جواب الكرماني، قلت: بل المراد بالحجاب الأول غير الحجاب الثاني وذكره العيني وأقره فيه نظر إذ ليس في الحديث ما يدل لذلك بل ولا أعلم أحدًا قال بتعدّد الحجاب. نعم يحتمل أن يكون مراده الحجاب الثاني بالنظر لإرادة عمر -رضي الله عنه- أن يحتجبن في البيوت فلا يبدين أشخاصهن فوقع الإذن لهن في الخروج لحاجتهن دفعًا للمشقة كما صرح هو به في الفتح وليس المراد نزول الحجاب مرتين

9 - باب قوله: {إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما * لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن واتقين الله إن الله كان على كل شيء شهيدا} [الأحزاب: 54، 55]

على نوعين، وأما قوله أيضًا تقدم في كتاب الطهارة من طريق هشام بن عروة عن أبيه ما يخالف ظاهر رواية الزهري هذه عن عروة يعني رواية هذا الباب فليس كذلك فإن رواية هذا الباب إنما هي من طريق هشام بن عروة عن أبيه والسابقة المصرحة بالقبلية من طريق الزهري عن عروة فلعلّه سبق قلم. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله بعد ما ضرب الحجاب. 9 - باب قَوْلِهِ: {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا * لاَ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلاَ نِسَائِهِنَّ وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [الأحزاب: 54، 55] (وقوله) تعالى يخاطب من أضمر نكاح عائشة بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ({إن تبدوا}) ولأبي ذر باب بالتنوين في قوله: إن تبدوا ({شيئًا}) تظهروا شيئًا من تزوّج أمهات المؤمنين على ألسنتكم ({أو تخفوه}) في صدوركم ({فإن الله كان بكل شيء عليمًا}) لا تخفى عليه خافية يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ولما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب أو نحن أيضًا نكلمهن من وراء حجاب فأنزل الله تعالى: ({لا جناح}) لا إثم ({عليهن في}) أن لا يحتجبن من ({آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن}) يعني النساء المؤمنات لا الكتابيات ({ولا ما ملكت أيمانهن}) من العبيد والإماء. وقال سعيد بن المسيب مما رواه ابن أبي حاتم إنما يعني به الإماء فقط وإنما لم يذكر العم والخال لأنهما بمنزلة الوالدين ولذلك سمى العم أبًا في قوله: {وإله آبائك إبراهيم إسماعيل وإسحاق}، وقال عكرمة والشعبي فيما رواه ابن جرير عنه لأنهما ينعتانها لأبنائهما وكرها أن تضع خمارها عند خالها وعمها. ({واتقين الله}) عطف على محذوف أي امتثلن ما أمرتن واتقين الله أن يراكن غير هؤلاء ({إن الله على كل شيء شهيدًا}) [الأحزاب: 54، 55] أي إنه تعالى شاهد عند اختلاء بعضكم ببعض فخلوتكم مثل ملئكم بشهادة الله فاتقوه فإنه شهيد على كل شيء فراقبوا الرقيب وسقط لأبي ذر من قوله: ({بكل شيء عليمًا} إلى قوله: {على كل شيء شهيدًا} وقال بعده قوله: {كان} إلى قوله: {شهيدًا} وسقط لفظ باب لغيره. 4796 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ، بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ فَقُلْتُ: لاَ آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ فِيهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِنَّ أَخَاهُ أَبَا الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَمَا مَنَعَكِ أَنْ تَأْذَنِين عَمُّكِ؟» قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ، فَقَالَ: «ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ» قَالَ عُرْوَةُ: فَلِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا تُحَرِّمُونَ مِنَ النَّسَبِ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: استأذن عليّ) بتشديد الياء أي طلب الإذن في الدخول عليّ (أفلح) بفتح الهمزة وسكون الفاء وبعد اللام المفتوحة حاء مهملة (أخو أبي القعيس) بضم القاف وفتح العين المهملة وبعد التحتية الساكنة مهملة واسمه وائل الأشعري (بعد ما أنزل الحجاب) آخر سنة خمس (فقلت: لا آذن له) بالمد ليس في اليونينية لفظ والله بعد فقلت (حتى أستأذن فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن أخاه أبا القعيس ليس هو) الذي (أرضعني ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس، فدخل عليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت له: يا رسول الله) سقط لفظ له لأبي ذر (إن أفلح أخا أبي القعيس استأذن) أي في الدخول عليّ (فأبيت أن آذن) بالمد وزاد أبو ذر له (حتى أستأذنك، فقال النبي) وفي نسخة فقال رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (وما منعك أن تأذنين) بالرفع بثبوت النون كقراءة: أن يتم الرضاعة شاذة بالرفع على إهمال أن الناصبة حملًا على ما أختها لاشتراكهما في المصدرية قاله البصريون ولم يجعلوها المخففة من الثقيلة لأنه لم يفصل بينها وبين الجملة الفعلية بعدها أو أن ما قبلها ليس بفعل علم ويقين، وقال الكوفيون هي المخففة من الثقيلة وشذ وقوعها موقع الناصبة كما شذ وقوع الناصبة موقعها، ولأبي ذر والأصيلي: أن تأذني بحذف النون للنصب (عمك) بالنصب على المفعولية أو بالرفع أي هو عمك (قلت: يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس فقال): عليه الصلاة والسلام (ائذني له فإنه عمك تربت يمينك) كلمة تقولها العرب ولا يريدون حقيقتها إذ معناها افتقرت يمينك وقيل المعنى ضعف عقلك إذا قلت هذا أو تربت يمينك إن لم تفعلي. (قال عروة) بن الزبير بالسند المذكور (فلذلك) الذي قاله عليه الصلاة والسلام (كانت عائشة تقول: حرموا من الرضاعة ما يحرمون من

10 - باب قوله: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب: 56] قال أبو العالية: صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء. قال ابن عباس يصلون: يبركون. لنغرينك: لنسلطنك

النسب) بالنون ولأبي ذر: ما تحرموا بحذفها من غير ناصب وهو لغة فصيحة كعكسه وقد اجتمع في هذا الحديث الأمران، وقال في فتح الباري: ومطابقة الآيتين للترجمة من قوله: ({لا جناح عليهن في آبائهن}) لأن ذلك من جملة الآيتين، وقوله في الحديث: ائذني له فإنه عمك مع قوله في الحديث الآخر: "العم صنو الأب" وبهذا يندفع اعتراض من زعم أنه ليس في الحديث مطابقة للترجمة أصلًا وكأن البخاري رمز بإيراد هذا الحديث إلى الردّ على من كره للمرأة أن تضع خمارها عند عمها أو خالها كما ذكرته عن عكرمة والشعبي فيما سبق هنا قريبًا، وهذا من دقائق ما ترجم به البخاري رحمه الله. وهذا الحديث قد سبق في الشهادات. 10 - باب قَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: صَلاَةُ اللَّهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلاَئِكَةِ، وَصَلاَةُ الْمَلاَئِكَةِ الدُّعَاءُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلُّونَ: يُبَرِّكُونَ. لَنُغْرِيَنَّكَ: لَنُسَلِّطَنَّكَ (باب قوله) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله: ({إن الله وملائكته يصلون على النبي}) اختلف هل يصلون خبر عن الله وملائكته أو عن الملائكة فقط وخبر الجلالة محذوف لتغاير الصلاتين لأن صلاة الله غير صلاتهم أي أن الله يصلّي وملائكته يصلون إلا أن فيه بحثًا وذلك أنهم نصوا على أنه إذا اختلف مدلولا الخبرين فلا يجوز حذف أحدهما لدلالة الآخر عليه وإن كانا بلفظ واحد فلا تقول زيد ضارب وعمرو يعني وعمرو ضارب في الأرض أي مسافر، وعبّر بصيغة المضارع ليدل على الدوام والاستمرار أي أنه تعالى وجميع ملائكته الذين لا يحصون بالعدّ ولا يحصرون بالحد يصلون عليه، وفيه الاعتناء بشرفه وتعظيم شأنه في الملأ الأعلى ({يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه}) أي اعتنوا أيها الملأ الأدنى بشرفه وتعظيمه أيضًا فإنكم أولى بذلك وقولوا: اللهم صل عليه ({وسلموا تسليمًا} [الأحزاب: 56]. وقولوا السلام عليك أيها النبي وأكد السلام بالمصدر. واستشكل بأن الصلاة آكد منه فكيف أكده بالمصدر دونها؟ وأجيب: بأنها مؤكدة بأن وبإعلامه تعالى بأنه يصلي عليه وملائكته ولا كذلك السلام إذ ليس ثمّ ما يقوم مقامه أو أنه لما وقع تقديمها عليه لفظًا وللتقديم مزية في الاهتمام حسن تأكيد السلام لئلا يتوهم قلة الاهتمام به لتأخره، وأضيفت الصلاة إلى الله وملائكته دون السلام وأمر المؤمنون بهما فيحتمل أن يقال: إن السلام لما كان له معنيان التحية والانقياد فأمر به المؤمنون لصحتهما منهم والله وملائكته لا يجوز منهم الانقياد فلم يضف إليهم دفعًا للإيهام كذا أجاب الحافظ ابن حجر والأمر للوجوب في الجملة أو كلما ذكر الحديث "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ" رواه البخاري في الأدب والترمذي وحديث عليّ عند الترمذي وقال: حسن غريب صحيح: البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ أو في المجلس مرة لحديث أبي هريرة مرفوعًا: "ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم" رواه الترمذي. أو في العمر مرة واحدة لأن الأمر المطلق لا يقتضي تكرارًا والماهية تحصل بمرة وفي القعود آخر الصلاة بين التشهد والسلام قاله إمامنا الشافعي والإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه وهي الأخيرة وإسحاق بن راهويه ونصه: إذا تركها عمدًا بطلت صلاته أو سهوا رجوت أن تجزئه، وابن الموّاز من المالكية واختاره ابن العرب منهم أيضًا، وألزم العراقي القائل بوجوبها كلما ذكر كالطحاوي أن يقول به في التشهد لتقدم ذكره عليه الصلاة والسلام في التشهد وفيه ردّ على من زعم أن الشافعي شذ في ذلك كأبي جعفر الطبري والطحاوي وابن المنذر والخطابي كما حكاه القاضي عياض في الشفاء. وفي كتابي المواهب اللدنية بالمنح المحمدية ما يكفي ويشفي وسقط لأبي ذر قوله: {يا أيها الذين آمنوا} الخ وقال بعد {على النبي} الآية. وقد انتزع النووي من الآية الجمع بين الصلاة والسلام فلا يفرد أحدهما من الآخر. قال الحافظ ابن كثير: والأولى أن يقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسليمًا. (قال أبو العالية): رفيع بالتصغير ابن مهران الرياحي بكسر الراء بعدها تحتية وبعد الألف حاء مهملة مولاهم البصري أحد أئمة التابعين أدرك الجاهلية، ودخل على أبي بكر

وصلى خلف عمر، وحفظ القرآن في خلافته توفي سنة تسعين في شوّال، وقال البخاري سنة ثلاث وتسعين (صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء) أخرجه ابن أبي حاتم. (قال) ولأبي ذر وقال (ابن عباس) -رضي الله عنهما- (يصلون) أي (يبركون) بتشديد الراء المكسورة أي يدعون له بالبركة. أخرجه الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه، ونقل الترمذي عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم قالوا: صلاة الرب الرحمة وصلاة الملائكة الاستغفار، وعن الحسن مما رواه ابن أبي حاتم أن بني إسرائيل سألوا موسى هل يصلّي ربك؟ قال: فكان ذلك كبر في صدر موسى فأوحى الله إليه أخبرهم أني أصلي وأن صلاتي أن رحمتي سبقت غضبي وهو في معجمي الطبراني الصغير والأوسط من طريق عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- رفعه. قلت: يا جبريل أيصلّي ربك جل ذكره؟ قال: نعم. قلت: ما صلاته؟ قال: سبوح قدوس سبقت رحمتي غضبي. وعن أبي بكر القشيري مما نقله القاضي عياض: الصلاة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الله تشريف وزيادة تكرمة وعلى من دون النبي رحمة. وبهذا التقرير يظهر الفرق بين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين سائر المؤمنين حيث قال تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} [الأحزاب: 56] وقال قبل ذلك في السورة هو الذي يصلّي عليكم وملائكته، ومن المعلوم أن القدر الذي يليق بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ذلك أرفع مما يليق بغيره. ({لنغرينك}) في قوله تعالى: {والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم} [الأحزاب: 60] أي (لنسلطنك) عليهم بالقتال والإخراج قاله ابن عباس فيما وصله الطبري. 4797 - حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنِ الْحَكَمِ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ -رضي الله عنه- قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا السَّلاَمُ عَلَيْكَ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلاَةُ؟ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (سعيد بن يحيى) ولأبي ذر زيادة ابن سعيد أو عثمان الأموي البغدادي قال: (حدّثنا أبي) يحيى قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين آخره راء ابن كدام (عن الحكم) بفتحتين ابن عيينة (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن (عن كعب بن عجرة رضي الله عنه) أنه (قيل: يا رسول الله) القائل كعب بن عجرة كما أخرجه ابن مردويه ووقع السؤال أيضًا عن ذلك لبشير بن سعد والد النعمان بن بشير كما في حديث ابن مسعود عند مسلم (أما السلام عليك فقد عرفناه) بما علمتنا من أن نقول في التحيات: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وقد أمرنا الله في الآية بالصلاة والسلام عليك. وفي الترمذي من طريق يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال: لما نزلت: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} الآية. قلنا يا رسول الله قد علمنا السلام (فكيف الصلاة؟) زاد أبو ذر عليك أي علمنا كيف اللفظ به نصلي عليك كما علمتنا السلام، فالمراد بعدم علمهم الصلاة عدم معرفة تأديتها بلفظ لائق به عليه الصلاة والسلام، ولذا وقع بلفظ كيف التي يسئل بها عن الصفة، وفي حديث أبي مسعود البدري عند الإمام أحمد وأبي داود والنسائي والحاكم أنهم قالوا: يا رسول الله أما السلام فقد عرفناه فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا؟ وبه استدلّ الشافعي على الوجوب في التشهد الأخير كلما مرّ (قال) عليه الصلاة والسلام: (قولوا اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد) والأمر للوجوب وقال قولوا ولم يقل قل لأن الأمر يقع للكل وإن كان السائل البعض (كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد) فعيل من الحمد بمعنى محمود وهو من تحمد ذاته وصفاته أو المستحق لذلك (مجيد) مبالغة بمعنى ماجد من المجد وهو الشرف (اللهم بارك) من البركة وهي الزيادة من الخير (على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) ولم يقل في الموضعين على إبراهيم بل قال كما صليت على آل إبراهيم وكما باركت على آل إبراهيم. 4798 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا التَّسْلِيمُ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ» قَالَ أَبُو صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ: «عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ». [الحديث 4798 - طرفه في: 6358]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن الهاد) عبد الله بن أسامة الليثي (عن عبد الله بن خباب) بخاء معجمة مفتوحة فموحدتين الأولى مشددة بينهما ألف

11 - باب قوله: {لا تكونوا كالذين آذوا موسى} [الأحزاب: 69]

الأنصاري (عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- أنه (قال: قلنا يا رسول الله هذا التسليم) بوزن التكليم أي قد عرفناه (فكيف نصلى عليك؟ قال): (قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم) وسقط كما صليت على آل إبراهيم (وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم) ذكر إبراهيم وأسقط آل إبراهيم. (قال أبو صالح) عبد الله كاتب الليث (عن الليث) بإسناده المذكور (على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم) يعني أن عبد الله بن يوسف لم يذكر آل إبراهيم عن الليث وذكرها أبو صالح عنه في الحديث المذكور. 0000 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ وَقَالَ: «كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ». وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي ابن محمد بن مصعب بن الزبير بن العوّام القرشي الزبيري قال: (حدّثنا ابن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي عبد العزيز واسم أبي حازم سلمة (والدراوردي) عبد العزيز بن محمد كلاهما (عن يزيد) هو ابن الهاد (وقال: كما صليت على إبراهيم) أي كما تقدمت منك الصلاة على إبراهيم فنسأل منك الصلاة على محمد بطريق الأولى لأن الذي يثبت للفاضل يثبت للأفضل بطريق الأولى، وبهذا يحصل الانفصال عن الإيراد المشهور وهو أن من شرط التشبيه أن يكون المشبه به أقوى ومحصل الجواب أن التشبيه ليس من باب إلحاق الكامل بالأكمل بل من باب التهييج ونحوه قاله في الفتح. ويأتي مزيد بحث لذلك إن شاء الله تعالى في كتاب الدعاء بعون الله وقوته ولم يذكر في هذه وعلى آل إبراهيم. (وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم) بإسقاط لفظ على في الآل في الموضعين وإثبات إبراهيم وآله في كما باركت، قيل: أصل آل أهل قلبت الهاء همزة ثم سهلت ولهذا إذا صغر ردّ إلى الأصل فقيل أهيل وقيل أصله أول من آل إذا رجع سمي بذلك من يؤول إلى الشخص ويضاف إليه ويقوّيه أنه لا يضاف إلى معظم فيقال آل القاضي ولا يقال آل الحجام بخلاف أهل، وقد يطلق آل فلان على نفسه وعليه وعلى من يضاف إليه جميعًا وضابطه أنه إذا قيل فعل آل فلان كذا دخل هو فيهم وإن ذكرا معًا فلا وهو كالفقير والمسكين والإيمان والإسلام، ولما اختلفت ألفاظ الحديث في الإتيان بهما معًا وفي إفراد أحدهما كان أولى المحامل أن يحمل على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ذلك كله ويكون بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر، ويحتمل أن يكون بعض من اقتصر على آل إبراهيم بدون ذكر إبراهيم رواه بالمعنى بناء على دخول إبراهيم في قوله: آل إبراهيم كما تقدم، ووقع في أحاديث الأنبياء من البخاري في ترجمة إبراهيم عليه السلام من طريق عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وكذا في قوله: كما باركت، وغفل عنه ابن القيم فزعم أن أكثر الأحاديث بل كلها مصرحة بذكر محمد وآل محمد وبذكر آل إبراهيم فقط أو بذكر إبراهيم فقط قال: ولم يجيء في حديث صحيح بلفظ إبراهيم وآل إبراهيم معًا، وإنما أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن السباق عن رجل من بني الحارث عن ابن مسعود ويحيى مجهول وشيخه مبهم فهو سند ضعيف، وأخرجه ابن ماجه من وجه آخر قوي لكنه موقوف على ابن مسعود قاله في الفتح. ويأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الدعاء مزيد لذلك بعون الله وقوته. 11 - باب قَوْلِهِ: {لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} [الأحزاب: 69] (قوله: {لا تكونوا}) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله تعالى: لا تكونوا ({كالذين آذوا موسى}) [الأحزاب: 69] أي لا تؤذوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما آذى بنو إسرائيل موسى. 4799 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ وَخِلاَسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا}». وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (روح بن عبادة) بفتح الراء وسكون الواو بعدها حاء مهملة وعبادة بضم العين وتخفيف الموحدة البصري قال: (حدّثنا عوف) هو ابن أبي جميلة عرف بالأعرابي (عن الحسن) هو البصري (ومحمد) هو ابن سيرين (وخلاس) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام وبعد الألف

[34] سورة سبأ

مهملة ابن عمرو الهجري البصري الثلاثة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن موسى) عليه الصلاة والسلام (كان رجلًا حييًّا) بفتح الحاء المهملة وكسر التحتية الأولى وتشديد الثانية أي كثير الحياء. زاد في أحاديث الأنبياء ستيرًا لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستتر موسى هذا التستر إلا بعيب في جلده إما برص وإما أدرة وإما آفة وأن الله تعالى أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى فخلا يومًا وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وأن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه فطلب الحجر فجعل يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانًا أحسن ما خلق الله وبرأه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربًا بالعصا فوالله إن بالحجر لندبًا من أثر ضربه ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا. (وذلك قوله تعالى): محذرًا أهل المدينة أن يؤذوا رسول الله كما آذى بنو إسرائيل موسى ({يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله}) فأظهر الله براءته ({مما قالوا وكان عند الله وجيهًا}) أي كريمًا ذا جاه وما مصدرية أو بمعنى الذي. وسبق في أحاديث الأنبياء أن خلاسًا والحسن لم يسمعا من أبي هريرة. وهذا الحديث ساقه هنا مختصرًا جدًّا وذكره تامًّا في أحاديث الأنبياء. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تابع 65 - كتاب تفسير القرآن [34] سورة سَبَأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) يُقَالُ {مُعَاجِزِينَ}: مُسَابِقِينَ. {بِمُعْجِزِينَ}: بِفَائِتِينَ. {مُعَاجِزِينَ}: مُغَالِبِينَ. {سَبَقُوا}: فَاتُوا. {لاَ يُعْجِزُونَ}: لاَ يَفُوتُونَ. {يَسْبِقُونَا}: يُعْجِزُونَا. قَوْلُهُ {بِمُعْجِزِينَ}: بِفَائِتِينَ وَمَعْنَى. {مُعَاجِزِينَ}: مُغَالِبِينَ. يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُظْهِرَ عَجْزَ صَاحِبِهِ. {مِعْشَارٌ}: عُشْرٌ. {الأُكُلُ}: الثَّمَرُ. {بَاعِدْ}: وَبَعِّدْ: وَاحِدٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {لاَ يَعْزُبُ}: لاَ يَغِيبُ. {الْعَرِمُ}: السُّدُّ مَاءٌ أَحْمَرُ أَرْسَلَهُ اللَّهُ فِي السُّدِّ فَشَقَّهُ وَهَدَمَهُ وَحَفَرَ الْوَادِيَ فَارْتَفَعَتَا عَنِ الْجَنْبَيْنِ وَغَابَ عَنْهُمَا الْمَاءُ فَيَبِسَتَا، وَلَمْ يَكُنِ الْمَاءُ الأَحْمَرُ مِنَ السُّدِّ وَلَكِنْ كَانَ عَذَابًا أَرْسَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ {الْعَرِمُ}: الْمُسَنَّاةُ بِلَحْنِ أَهْلِ الْيَمَنِ. وَقَالَ غَيْرُهُ {الْعَرِمُ}: الْوَادِي. (السَّابِغَاتُ) الدُّرُوعُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {وَهَلْ يُجَازَى}: يُعَاقَبُ. {أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ}: بِطَاعَةِ اللَّهِ. {مَثْنَى وَفُرَادَى}: وَاحِدٌ وَاثْنَيْنِ. {التَّنَاوُشُ}: الرَّدُّ مِنَ الآخِرَةِ إِلَى الدُّنْيَا. {وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ}: مِنْ مَالٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ زَهْرَةٍ. {بِأَشْيَاعِهِمْ}: بِأَمْثَالِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. (كَالْجَوَابِ): كَالْجَوْبَةِ مِنَ الأَرْضِ. (الْخَمْطُ): الأَرَاكُ. (وَالأَثَلُ): الطَّرْفَاءُ. (الْعَرِمُ): الشَّدِيدُ. 34 - [سَبَأ] مكية، وقيل: إلا {ويرى الذين أُوتوا العلم} [سبأ: 56] الآية وآيها خمس وخمسون، ولأبي ذر: سورة سبأ. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر كلفظ سورة. (يقال {معاجزين}) بألف بعد العين وهي قراءة غير ابن كثير وأبي عمرو أي (مسابقين) كي يفوتونا قاله أبو عبيدة. ({بمعجزين}) في قوله في العنكبوت: {وما أنتم بمعجزين} [العنكبوت: 22] (بفائتين) أخرج ابن أبي حاتم بإسناد صحيح عن عبد الله بن الزبير نحوه ({معاجزين}) بالألف أي (مغالبين) كذا وقع لغير أبي ذر وسقط له ({معاجزيّ}) بالألف وسقوط النون مشدد التحتية أي (مسابقيّ) كذا لأبوي الوقت وذر وابن عساكر وسقط لكريمة والأصيلي ({سبقوا}) أي في قوله في الأنفال: {ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا} [الأنفال: 59] أي (فأتوا) أنهم ({لا يعجزون}) أي (لا يفوتون) قاله أبو عبيدة في المجاز. ({يسبقونا}) في قوله تعالى: {أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا} [العنكبوت: 4] أي (يعجزونا) بسكون العين (قوله) ولأبي ذر وقوله ({بمعجزين}) بالقصر وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير أي (بفائتين ومعنى {معاجزين}) بالألف (مغالبين) كذا وقع مكررًا وسقط لغير أبي ذر (يريد كل واحد منهما أن يظهر عجز صاحبه) يريد أنه من باب المفاعلة بين اثنين. ({معشار}) في قوله تعالى: {وما بلغوا معشار ما آتيناهم} [سبأ: 45] معناه (عُشر) بنى مفعال من لفظ العشر كالمرباع ولا ثالث لهما من ألفاظ العدد فلا يقال مسداس ولا مخماس. (الأُكل) بضم الكاف في قوله تعالى: {ذواتى أُكل خمط} [سبأ: 16] هو (الثمر) ولأبي ذر يقال الأكل الثمرة قال أبو عبيدة: الأكل الجنى بفتح الجيم مقصورًا وهو بمعنى الثمرة. ({باعد}) بالألف وكسر العين في قوله تعالى: {فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا} [سبأ: 19] (وبعّد) بدون ألف وتشديد العين وهذه قراءة أبي عمرو وابن كثير وهشام (واحد) في المعنى إذ كل منهما فعل طلب ومعنى الآية أنهم لما بطروا نعمة ربهم وسألوا انتعالها جازاهم جزاء مَن كفر نِعمه إلى أن صاروا مثلًا فقيل تفرّقوا أيادي سبأ كما قال تعالى: {فجعلناهم أحاديث} [سبأ: 19]. (وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي فبقوله تعالى: ({لا يعزب}) أي (لا يغيب) {عنه مثقال ذرة} [سبأ: 3]. ({العرم}) في قوله تعالى: {فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم} [سبأ: 16] هو (السدّ) بضم السين وفتحها وتشديد الدال المهملتين الذي يحبس الماء بنته بلقيس وذلك أنهم كانوا يقتتلون على ماء واديهم فمرت به فسدّ، ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني سيل العرم السدّ وله عن

الحموي الشديد بشين معجمة بوزن عظيم السيل (ماء أحمر أرسله في السدّ) ولأبي ذر أرسله الله في السدّ بفتح سين السد فيهما في اليونينية (فشقه وهدمه وحفر الوادي فارتفعتا عن الجنبين) بفتح الجيم والموحدة بينهما نون ساكنة، ولأبي ذر عن الحموي بفتح الجنبتين بفتح الجيم والنون والموحدة والفوقية وسكون التحتية وفي نسخة نسبها في الفتح للأكثرين الجنتين بتشديد النون بغير موحدة تثنية جنة. قال الكرماني: فإن قلت: القياس أن يقال ارتفعت الجنتان عن الماء. وأجاب: بأن المراد من الارتفاع الانتقال والزوال يعني ارتفع اسم الجنة عنهما فتقديره ارتفعت الجنتان عن كونهما جنة. قال في الكشاف وتبعه في الأنوار وتسمية البدل جنتين على سبيل المشاكلة. (وغاب عنهما) عن الجنتين (الماء فيبستا) لطغيانهم وكفرهم وإعراضهم عن الشكر (ولم يكن الماء الأحمر من السد) وللمستملي من السيل. (ولكن) ولأبي ذر ولكنه (كان عذابًا أرسله الله عليهم من حيث شاء) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي. (وقال عمرو بن شرحبيل): بفتح العين وسكون الميم وشرحبيل بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة بعدها موحدة مكسورة فتحتية ساكنة فلام الهمداني الكوفي فيما وصله سعيد بن منصور ({العرم} المسناة) بضم الميم وفتح السين المهملة وتشديد النون وضبطه في اليونينية بضم الميم والهاء من غير ضبط على السين ولا نقط على الهاء وفي آل ملك المسناة بضم الميم وسكون السين ونقط الهاء وضبط في أصل الأصيلي كما قال في الفتح المسناة بفتح الميم وسكون المهملة (بلحن أهل اليمن) بسكون الحاء في الفرع، وقال في المصابيح بفتحها أي بلغتهم وكانت هذه المسناة تحبس على ثلاثة أبواب بعضها فوق بعض ومن دونها بركة ضخمة فيها اثنا عشر مخرجًا على عدّة أنهارهم يفتحونها إذا احتاجوا إلى الماء وإذا استغنوا سدّوها، فإذا جاء المطر اجتمع إليه ماء أودية اليمن فاحتبس السيل من وراء السد فتأمر بلقيس بالباب الأعلى فيفتح فيجري ماؤه في البركة فكانوا يستقون من الأول ثم من الثاني ثم من الثالث الأسفل فلا ينفد الماء حتى يثوب الماء من السنة المقبلة فكانت تقسمه بينهم على ذلك فبقوا على ذلك بعدها مدة فلما طغوا وكفروا سلّط الله عليهم جرذًا يسمى الخُلْد فثقب السدّ من أسفله فغرّق الماء جنانهم وخرب أرضهم. (وقال غيره): غير ابن شرحبيل ({العرم}) هو (الوادي) الذي فيه الماء وهذا أخرجه ابن أبي حاتم من طريق عثمان بن عطاء عن أبيه. (السابغات) في قوله تعالى: {أن اعمل سابغات} [سبأ: 11] هي (الدروع) الكوامل واسعات طِوالًا تسحب في الأرض. ذكر الصفة ويعلم منها الموصوف. (وقال مجاهد) في قوله تعالى: ({وهل يجازى}) أي (يعاقب) يقال في العقوبة يجازى وفي المثوبة يجزي. قال الفراء المؤمن يجزى ولا يجازى أي يجزى الثواب بعمله ولا يكافأ بسيئاته كذا نقل. ({أعظكم بواحدة}) أي (بطاعة الله) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي. ({مثنى وفرادى}) أي (واحد واثنين) فإن الازدحام يشوّش الخاطر والمعروف في تفسير مثله التكرير أي واحد واحد واثنين اثنين. ({التناوش}) هو (الرد من الآخرة إلى الدنيا). قال: تمنى أن يؤوب إلى دناه ... وليس إلى تناوشها سبيل ({وبين ما يشتهون}) أي (من مال أو ولد أو زهرة) في الدنيا أو إيمان أو نجاة به. كما فعل ({بأشياعهم}) أي (بأمثالهم) من كفرة الأمم الدارجة فلم يقبل منهم الإيمان حين اليأس. (وقال ابن عباس): مما تقدم في أحاديث الأنبياء (كالجواب) بغير تحتية ولأبي ذر كالجوابي بإثباتها أي (كالجوبة من الأرض) بفتح الجيم وسكون الواو أي الموضع المطمئن منها هذا لا يستقيم لأن الجوابي جمع جابية كضاربة وضوارب فعينه موحدة فهو مخالف للجوبة من حيث إن عينه واو فلم يرد أن اشتقاقهما واحد والجابية الحوض العظيم سميت بذلك لأنه يجبى إليها الماء أي يجتمع قيل كان

1 - باب قوله: {حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير}

يقعد على الجفنة الواحدة ألف رجل يأكلون منها. (الخمط) هو (الأراك) أي الشجر الذي يستاك بقضبانه (والأثل) هو (الطرفاء) قاله ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم (العرم) أي (الشديد) من العرامة وهي الشراسة والصعوبة وقد مرّ. 1 - باب قَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({حتى إذا فزع عن قلوبهم}) [سبأ: 23] قال في الأنوار هذا غاية لمفهوم الكلام من أن ثمّ توقفًا وانتظارًا للإذن أي يتربصون فزعين حتى إذا كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بالإذن، وقيل الضمير للملائكة وقد تقدم، ذكرهم ضمنًا واختلف في الموصوفين بهذه الصفة فقيل هم الملائكة عند سماع الوحي. ({قالوا ماذا قال ربكم}) جواب إذا فزع ({قالوا}) أي المقرّبون من الملائكة كجبريل قال ربنا القول ({الحق وهو العلي الكبير} [سبأ: 23]) إشارة إلى أنه الكامل في ذاته وصفاته. 4800 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ، ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: لِلَّذِي قَالَ: الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُ السَّمْعِ، وَمُسْتَرِقُ السَّمْعِ هَكَذَا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ». وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِكَفِّهِ فَحَرَّفَهَا وَبَدَّدَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ «فَيَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، ثُمَّ يُلْقِيهَا الآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أَوِ الْكَاهِنِ، فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا، وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ، فَيُقَالُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، كَذَا وَكَذَا، فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ». وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) هو ابن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) هو ابن دينار (قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (يقول: إن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا قضى الله الأمر في السماء) وفي حديث النواس بن سمعان عند الطبراني مرفوعًا إذا تكلم الله بالوحي (ضربت الملائكة بأجنحتها) حال كونها (خضعانًا) بضم الخاء المعجمة أي خاضعين طائعين وهذا مقام رفيع في العظمة (لقوله) تعالى: (كأنه) أي القول المسموع (سلسلة على صفوان) حجر أملس فيفزعون ويرون أنه من أمر الساعة (فإذا فزع عن قلوبهم قالوا) أي الملائكة بعضهم لبعض ({ماذا قال ربكم قالوا}) للذي قال يسأل قال الله القول ({الحق وهو العلي الكبير} فيسمعها) أي المقالة (مسترق السمع ومسترق السمع) بالإفراد فيهما. واستشكله الزركشي وصوب الجمع في الموضعين، وأجاب في المصابيح بأنه يمكن جعله لمفرد لفظًا دالّ على الجماعة معنى أي فيسمعها فريق مسترق السمع وفريق سترق السمع مبتدأ خبره قوله (هكذا بعضه فوق بعض ووصف) ولابن عساكر وصف بإسقاط الواو ولأبي ذر صفة بهاء الضمير (سفيان) بن عيينة (بكفه فحرفها) بحاء مهملة وراء مشددة ثم فاء (وبدد) أي فرق (بين أصابعه فيسمع) المسترق (الكلمة) من الوحي (فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها) في الفرع يلقيها بجزمة فوق الياء وفي غيره بنصبة (على لسان الساحر أو الكاهن). وعند سعد بن منصور عن سفيان على الساحر والكاهن (فربما أدرك الشهاب) أي المسترق (قبل أن يلقيها) أي المقالة إلى صاحبه (وربما ألقاها قبل أن يدركها) أي الشهاب (فيكذب) الذي تلقاها (معها) مع تلك المقالة (مائة كذبة) بفتح الكاف وسكون الذال المعجمة (فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا فيصدق) بفتح الصاد والدال (بتلك الكلمة التي سمعت من السماء) وسقطت التاء من سمعت لغير أبي ذر والأصيلي وابن عساكر والأولى إثباتها. وسبق الحديث في سورة الحجر، ويأتي إن شاء الله تعالى بقية مباحثه في محله بعون الله وقوّته. 2 - باب {إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد} [سبأ: 46]) يوم القيامة. 4801 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّفَا ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «يَا صَبَاحَاهْ»، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ قَالُوا: مَا لَكَ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ يُصَبِّحُكُمْ أَوْ يُمَسِّيكُمْ أَمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي»؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ». فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ تَبًّا لَكَ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا محمد بن خازم) بالخاء والزاي المكسورة المعجمتين أبو معاوية الضرير قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (عن عروة بن مرّة) بضم الميم وتشديد الراء (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: صعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصفا ذات يوم فقال): (يا صباحاه) بسكون الهاء في الفرع مصححًا عليه وفي غيره بضمها. قال أبو السعادات: هذه كلمة يقولها المستغيث وأصلها إذا صاحوا للغارة لأنهم أكثر ما كانوا يُغيرون عند الصباح ويسمون يوم الغارة يوم الصباح فكان القائل يا صباحاه يقول قد غشينا العدوّ، وقيل إن المتقاتلين كانوا إذا جاء الليل يرجعون عن القتال فإذا عاد النهار عاودوه فكأنه يريد بقوله يا صباحاه قد جاء وقت الصباح فتأهبوا للقتال

[35] سورة الملائكة

(فاجتمعت إليه قريش. قالوا) ولأبي ذر فقالوا (ما لك؟ قال) ولأبي ذر فقال: (أرأيتم) أي أخبروني (لو أخبرتكم أن العدوّ يصبحكم أو يمسيكم أما) بالتخفيف (كنتم تصدقوني) ولأبي ذر تصدقونني بنونين (قالوا: بلى) نصدقك (قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد) أي قدامه (فقال أبو لهب: تبًّا لك ألهذا جمعتنا فأنزل الله) تعالى ({تبت}) أي خسرت أو هلكت ({يد أبي لهب}). وهذا الحديث سبق بالشعراء. [35] سورة الْمَلاَئِكَةُ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قَالَ مُجَاهِدٌ: الْقِطْمِيرُ لِفَافَةُ النَّوَاةِ. مُثْقَلَةٌ: مُثَقَّلَةٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْحَرُورُ بِالنَّهَارِ مَعَ الشَّمْسِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْحَرُورُ بِاللَّيْلِ وَالسَّمُومُ بِالنَّهَارِ. وَغَرَابِيبُ سُودٌ أَشَدُّ سَوَادٍ الْغِرْبِيبُ. ([35] سورة الْمَلاَئِكَةُ) مكية وآيها خمس وأربعون، ولأبي ذر سورة الملائكة ويس. (بسم الله الرحمن الرحيم) وسقطت البسملة لغير أبي ذر. (قال مجاهد) فيما وصله الفريابي (القطمير) هو (لفافة النواة) وهو مثل في القلة كقوله: وأبوك يخصف نعله متورّكًا ... ما يملك المسكين من قطمير وقيل: هو القمع، وقيل: ما بين القمع والنواة وسقط لأبي ذر قال مجاهد. (مثقلة) بالتخفيف أي (مثقلة) بالتشديد أي وإن تدع نفس مثقلة بالذنوب نفسًا إلى حملها فحذف المفعول به للعلم به. (وقال غيره) غير مجاهد في قوله: {وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور} [فاطر: 19 - 21] (الحرور بالنهار مع الشمس) عند شدة حرّها. (وقال ابن عباس) في تفسير الحرور (الحرور بالليل والسموم) بفتح المهملة (بالنهار) ونقله ابن عطية عن رؤبة وقال: ليس بصحيح بل الصحيح ما قاله الفرّاء وذكره في الكشاف الحرور السموم إلا أن السموم بالنهار والحرور فيه وفي الليل. قال في الدر: وهذا عجيب منه كيف يرد على أصحاب اللسان يقول من يأخذ عنهم، وسقط لأبي ذر من قوله مثقلة إلى آخره والسموم بالنهار. {وغرابيب سود} [فاطر: 27] (أشد سوادًا الغربيب) بكسر الغين المعجمة عطف على حمر عطف ذي لون على ذي لون أو عطف على بيض أو على جدد ولم يقل بعد غرابيب سود مختلف ألوانها كما قال ذلك بعد بيض وحمر، لأن الغربيب البالغ في السواد فصار لونًا واحدًا غير متفاوت بخلاف السابق، ولغير أبي ذر الشديد السواد، فغرابيب جمع غربيب وغربيب هو الشديد السواد المتناهي فيه فهو تابع للأسود كقان وناصع ويقق، ومن ثم قال بعضهم: إنه على التقديم والتأخير. يقال: أسود غربيب والبصريون يخرجون هذا وأمثاله على أن الثاني بدل من الأول. قال الجوهري: وتقول هذا أسود غربيب أي شديد السواد وإذا قلت غرابيب سود تجعل السود بدلًا من غرابيب لأن توكيد الألوان لا يتقدم، وما ذكره المؤلّف من هذا التفسير أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، ولأبي ذر: هنا. وقال مجاهد: يا حسرة على العباد وكان حسرة عليهم استهزاؤهم بالرسل من مثله من الأنعام فكِهون معجبون سورة يس بسم الله الرحمن الرحيم وقال ابن عباس طائركم عند الله مصائبكم ينسلون يخرجون باب بالتنوين {والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم} [يس: 38] فعززنا فشددنا كذا ثبت في الفرع وأصله هنا وسيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. [36] سورة يس وَقَالَ مُجَاهِدٌ {فَعَزَّزْنَا}: شَدَّدْنَا. {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ}: وَكَانَ حَسْرَةً عَلَيْهِمُ اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِالرُّسُلِ. {أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ}: لاَ يَسْتُرُ ضَوْءُ أَحَدِهِمَا ضَوْءَ الآخَرِ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُمَا ذَلِكَ. {سَابِقُ النَّهَارِ}: يَتَطَالَبَانِ حَثِيثَيْنِ. {نَسْلَخُ}: نُخْرِجُ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ وَيَجْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. {مِنْ مِثْلِهِ}: مِنَ الأَنْعَامِ. {فَكِهُونَ}: مُعْجَبُونَ. {جُنْدٌ مُحْضَرُونَ}: عِنْدَ الْحِسَابِ. وَيُذْكَرُ عَنْ عِكْرِمَةَ {الْمَشْحُونِ}: الْمُوقَرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. {طَائِرُكُمْ}: مَصَائِبُكُمْ. {يَنْسِلُونَ}: يَخْرُجُونَ. {مَرْقَدِنَا}: مَخْرَجِنَا. {أَحْصَيْنَاهُ}: حَفِظْنَاهُ. {مَكَانَتُهُمْ} وَمَكَانُهُمْ: وَاحِدٌ. ([36] سورة يس) مكية وآيها ثلاث وثمانون: (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({فعززنا}) أي (شددنا) بتشديد الدال الأولى وتسكين الثانية والمفعول محذوف أي فشددناهما بثالث. ({يا حسرة على العباد}) [يس: 30] و (كان حسرة عليهم) أي في الآخرة (استهزاؤهم بالرسل) أي في الدنيا واستهزاؤهم رفع اسم كان وحسرة خبرها، وهذا أخرجه الفريابي عن مجاهد أيضًا والمعنى هم أحقّاء بأن يتحسر عليهم المتحسّرون أو يتلهف عليهم المتلهفون أو متحسّر عليهم من جهة الملائكة والمؤمنين وأن يكون من قول الله

1 - باب قوله: {والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم}

تعالى على سبيل الاستعارة تعظيمًا للأمر وتهويلًا له فيكون كالوارد في حق الله تعالى من الضحك والسخرية ونصب يا حسرة على المصدر والمنادى محذوف أي يا هؤلاء تحسروا حسرة. ({أن تدرك القمر}) في قوله: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر} [يس: 40] أي (لا يستر ضوء أحدهما ضوء الآخر ولا ينبغي لهما ذلك) أي أن يستر أحدهما الآخر لأن لكلٍّ منهما حدًّا لا يعدوه ولا يقصر دونه إلا عند قيام الساعة وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الحسن في قوله لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر قال ذلك ليلة الهلال. ({سابق النهار}) في قوله: {ولا الليل سابق النهار} [يس: 40] أي (يتطالبان) حال كونهما (حثيثين) فلا فترة بينهما بل كل منهما يعقب الآخر بلا مهلة ولا تراخٍ لأنهما مسخّران يتطالبان طلبًا حثيثًا فلا يجتمعان إلا في وقت قيام الساعة. ({نسلخ}) أي (نخرج أحدهما من الآخر) قال في اللباب: نسلخ استعارة بديعة شبه انكشاف ظلمة الليل بكشط الجلد من الشاة (ويجري كل واحد منهما) لمستقر إلى أبعد مغربه فلا يتجاوزه ثم يرجع أو المراد بالمستقر يوم القيامة فالجريان في الدنيا غير منقطع. ({من مثلها}) في قوله تعالى: {وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} [يس: 42] أي (من الأنعام) كالإبل فإنها سفائن البر وهذا قول مجاهد وقال ابن عباس السفن وهو أشبه بقوله وإن نشأ نغرقهم لأن الغرق في الماء. ({فكهون}) في قوله تعالى: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون} [يس: 55] بغير ألف بعد الفاء وبها قرأ أبو جعفر أي (معجبون) بفتح الجيم وفي رواية غير أبي ذر فاكهون بالألف وهي قراءة الباقين وبينهما فرق بالمبالغة وعدمها. ({جند محضرون}) [يس: 75] أي (عند الحساب) قال ابن كثير: يريد أن هذه الأصنام محشورة مجموعة يوم القيامة محضرة عند حساب عابديها ليكون ذلك أبلغ في خزيهم وأدل في إقامة الحجة عليهم. (ويذكر) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول (عن عكرمة) مولى ابن عباس في قوله تعالى: {في الفلك (المشحون}) [يس: 41] هو (الموقر) بضم الميم وسكون الواو وبعد القاف المفتوحة راء (وقال ابن عباس) في قوله: ({طائركم}) أي (مصائبكم) وعنه فيما وصله الطبري أعمالكم أي حظكم من الخير والشر. ({ينسلون}) [يس: 51] أي (يخرجون) قاله ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم. ({مرقدنا}) أي (مخرجنا) وقال ابن كثير: يعنون قبورهم التي كانوا في الدنيا يعتقدون أنهم لا يبعثون منها فلما عاينوا ما كذبوه في محشرهم {قالوا يا ويلنا مَن بعثنا من مرقدنا} [يس: 52] اهـ. وقال ابن عباس وقتادة إنما يقولون هذا لأن الله يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون فإذا بعثوا بعد النفخة الأخيرة وعاينوا القيامة دعوا بالويل. ({أحصيناه}) في قوله: {وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} [يس: 12] أي (حفظناه) في اللوح المحفوظ. ({مكانتهم} ومكانهم واحد) في المعنى ومراده قوله تعالى: {ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم} [يس: 67] والمعنى لو نشاء جعلناهم قردة وخنازير في منازلهم أو حجارة وهم قعود في منازلهم لا أرواح لهم وسقط لأبي ذر من قوله أن تدرك القمر إلى آخر قوله واحد. 1 - باب قَوْلِهِ: {وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} هذا (باب) بالتنوين (قوله: {والشمس تجري لمستقر لها}) الواو للعطف على الليل واللام في لمستقر بمعنى إلى والمراد بالمستقر إما الزماني وهو منتهى سيرها وسكون حركتها يوم القيامة حين تكور وينتهي هذا العالم إلى غايته، وإما المكاني وهو ما تحت العرش مما يلي الأرض من ذلك الجانب وهي أينما كانت فهي تحت العرش كجميع المخلوقات لأنه سقفها وليس بكرة كما يزعمه كثير من أهل الهيئة بل هو قبة ذات قوائم تحمله الملائكة، أو المراد غاية ارتفاعها في كبد السماء فإن حركتها إذ ذاك يوجد فيها إبطاء بحيث يظن أن لها هناك وقفة والثاني أنسب بالحديث المسوف في الباب ({ذلك}) إشارة إلى جري الشمس على هذا التقدير أو إلى المستقر ({تقدير العزيز}) الغالب بقدرته على كل مقدور ({العليم}) [يس: 38] المحيط علمه بكل معلوم وسقط باب لغير أبي ذر والآية لأبي ذر ساقطة. 4802 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ أَتَدْرِي أَيْنَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}» [يس: 38]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين

[37] سورة الصافات

قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (عن إبراهيم) بن يزيد (التيمي) الكوفي (عن أبيه) يزيد (عن أبي ذر) جندب الغفاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد عند غروب الشمس فقال): (يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس)؟ استفهام أُريد به الإعلام (قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش) أي تنقاد للباري تعالى انقياد المساجد من المكلفين أو شبّهها بالساجد عند غروبها. قال ابن كثير: والعرش فوق العالم مما يلي رؤوس الناس، فالشمس إذا كانت في قبة الفلك وقت الظهيرة تكون أقرب إلى العرش، فإذا استدارت في فلكها الرابع إلى مقابلة هذا المقام وهو وقت نصف الليل صارت أبعد ما يكون من العرش فحينئذٍ تسجد وتستأذن في الطلوع أي من المشرق على عادتها فيؤذن لها (فذلك قوله تعالى: {والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم}). 4803 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} قَالَ: «مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ». وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم التيمي عن أبيه) يزيد بن شريك (عن أبي ذر) الغفاري -رضي الله عنه- أنه (قال: سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن قوله تعالى: {والشمس تجري لمستقر لها} قال) عليه الصلاة والسلام: (مستقرها تحت العرش). قال الخطابي: يحتمل أن يكون على ظاهره من الاستقرار تحت العرش بحيث لا نحيط به نحن ويحتمل أن يكون المعنى إن علم ما سألت عنه من مستقرها تحت العرش في كتاب كتبت فيه مبادئ أمور العالم ونهايتها وهو اللوح المحفوظ. والحديث أخرجه المؤلّف في مواضع، والنسائي عن إسحاق بن إبراهيم عن أبي نعيم شيخ المؤلّف فيه ولفظه تذهب حتى تنتهي تحت العرش عند ربها، وزاد ثم تستأذن فيؤذن له ويوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها وتستشفع وتطلب فإذا كان كذلك قيل لها اطلعي من مكانك فذلك قوله تعالى: {والشمس تجري لمستقر لها}. [37] سورة الصَّافَّاتِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ. {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}: مِنْ كُلِّ مَكَانٍ. {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ}: يُرْمَوْنَ. {وَاصِبٌ}: دَائِمٌ. {لاَزِبٌ}: لاَزِمٌ. {تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ}: يَعْنِي الْحَقَّ. الْكُفَّارُ تَقُولُهُ لِلشَّيْطَانِ. {غَوْلٌ}: وَجَعُ بَطْنٍ. {يُنْزَفُونَ}: لاَ تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ. {قَرِينٌ}: شَيْطَانٌ. {يُهْرَعُونَ}: كَهَيْئَةِ الْهَرْوَلَةِ. {يَزِفُّونَ}: النَّسَلاَنُ فِي الْمَشْيِ. {وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا}: قَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: الْمَلاَئِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَأُمَّهَاتُهُمْ بَنَاتُ سَرَوَاتِ الْجِنِّ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ}: سَتُحْضَرُ لِلْحِسَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}: الْمَلاَئِكَةُ. {صِرَاطِ الْجَحِيمِ}: سَوَاءِ الْجَحِيمِ، وَوَسَطِ الْجَحِيمِ. {لَشَوْبًا}: يُخْلَطُ طَعَامُهُمْ وَيُسَاطُ بِالْحَمِيمِ. {مَدْحُورًا}: مَطْرُودًا. {بَيْضٌ مَكْنُونٌ} اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ. {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ}: يُذْكَرُ بِخَيْرٍ. {وَيُقَالُ يَسْتَسْخِرُونَ}: يَسْخَرُونَ. {بَعْلًا}: رَبًّا. {الأَسْبَابُ}: السَّمَاءُ. ([37] سورة الصَّافَّاتِ) مكية وآيها إحدى أو اثنتان وثمانون، ولأبي ذر: سورة والصافات بسم الله الرحمن الرحيم وسقطت البسملة لغير أبي ذر. (وقال مجاهد) في قوله تعالى بسورة سبأ: ({ويقذفون}) بفتح أوله وكسر ثالثه ({بالغيب من مكان بعيد}) [سبأ: 53] أي (من كل مكان)، وعند ابن أبي حاتم عنه من مكان بعيد يقولون هو ساحر هو كاهن هو شاعر، وقال مجاهد أيضًا في قوله: ({ويقذفون من كل جانب}) [الصافات: 8] بالصافات أي (يرمون) وفي نسخة من كل جانب دحورًا يرمون أي يرمون من كل جانب من جوانب السماء إذا قصدوا صعوده ودحروا علة الطرد أي للدحور فنصبه على أنه مفعول له. ولهم عذاب ({واصب}) [الصافات: 9] أي (دائم) وقيل شديد. ({لازب}) في قوله: {إنّا خلقناهم من طين لازب} [الصافات: 11] معناه (لازم) بالميم بدل الموحدة ومنه قول النابغة: ولا تحسبون الشر ضربة لازب بالموحدة أي لازم بالميم فهما بمعنى لأنه يلزم اليد أي يلصق بها وقيل بالموحدة اللزج وأكثر أهل اللغة على أن الباء في لازب بدل من الميم وهذا كله ساقط في رواية أبي ذر (تأتوننا عن اليمين يعني الحق) أي الصراط الحق فمن أتاه الشيطان من قبل اليمين أتاه من قبل الدين فلبس عليه الحق، ولأبي ذر عن الكشميهني يعني الجن بالجيم والنون المشدّدة والمراد به بيان المقول لهم وهم الشياطين وبالأول تفسير لفظ اليمين واليمين هنا استعارة عن الخيرات والسعادات لأن الجانب الأيمن أفضل من الأيسر إجماعًا، وعن اليمين حال من فاعل تأتوننا، والمراد بها الجارحة عبّر بها عن القوّة وإما الحلف لأن المتعاقدين بالحلف يمسح كلٌّ منهما يمين الآخر فالتقدير على الأول تأتوننا أقوياء وعلى الثاني مقسمين حالفين (الكفار تقوله للشيطان) وفي نسخة للشياطين بالجمع وقد كانوا يحلفون لهم أنهم على الحق. ({غول}) أي (وجع البطن) وبه قال قتادة، وقال الليث: صداع {ولا هم عنها} ({ينزفون}) [الصافات: 47] أي (لا تذهب عقولهم) وينزفون

1 - باب قوله: {وإن يونس لمن المرسلين}

بضم أوّله وفتح الزاي من نزف الرجل ثلاثيًّا مبنيًّا للمفعول بمعنى سكر وذهب عقله وقرأ حمزة والكسائي بكسر الزاي من أنزف الرجل إذا ذهب عقله من السكر. ({قرين}) [الصافات: 51] أي (شيطان) أي في الدنيا ينكر البعث ويوبخني على التصديق بالبعث والقيامة وسقط لأبي ذر من قوله (غول) إلى هنا. ({يهرعون}) في قوله: {فهم على آثارهم يهرعون} [الصافات: 70] (كهيئة الهرولة) والمعنى أنهم يتبعون آباءهم اتباعًا في سرعة كأنهم مزجون على الإسراع على أثرهم فكأنهم بادروا إلى ذلك من غير توقف على نظر وبحث. ({يزفون}) في قوله: {فأقبلوا إليه يزفون} [الصافات: 94] هو (النسلان) بفتحتين الإسراع (في المشي) مع تقارب الخطا وهو دون السعي. ({وبين الجنة نسبًا}) في قوله تعالى: {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبًا} [الصافات: 158] (قال كفار قريش: الملائكة بنات الله) فقال أبو بكر الصديق فمن أمهاتهم؟ فقالوا: (وأمهاتهم بنات سروات الجن) بفتح السين والراء أي بنات خوّاصهم، وعن ابن عباس هم حيّ من الملائكة يقال لهم الجن منهم إبليس، وقيل هم خزان الجنة. قال الإمام فخر الدين: وهذا القول عندي مشكل لأن الله تعالى أبطل قولهم إن الملائكة بنات الله ثم عطف عليه قوله: وجعلوا بينه وبين الجنة نسبًا والعطف يقتضي كون المعطوف مغايرًا للمعطوف عليه فوجب أن يكون المراد من الآية غير ما ذكر، وأما قول مجاهد الملائكة بنات الله الخ فبعيد لأن المصاهرة لا تسمى نسبًا. وحكى ابن جرير الطبري عن العوفي عن ابن عباس قال: زعم أعداء الله أن الله تعالى هو وإبليس أخوان. ذكره ابن كثير، وزاد الإمام فخر الدين: فالله هو الحر الكريم وإبليس هو الأخ الشريد ونسبه لقول بعض الزنادقة وقال: إنه أقرب الأقاويل في هذه الآية. (وقال الله تعالى: {ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون}) [الصافات: 158] أي (ستحضرون) أيها القائلون هذا القول (للحساب) بضم المثناة الفوقية وفتح الضاد المعجمة وسقط من قوله (يزفون) إلى قوله (للحساب) لأبي ذر. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن جرير في قوله: ({لنحن الصافون}) [الصافات: 165] (الملائكة) والمفعول محذوف أي الصافون أجنحتنا أو أقدامنا، ويحتمل أن لا يراد المفعول أي نحن من أهل هذا الفعل فعلى الأوّل يفيد الحصر أي أنهم الصافون في مواقف العبودية لا غيرهم وقال الكلبي صفوف الملائكة كصفوف الناس في الأرض. ({صراط الجحيم}) في قوله تعالى: {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} [الصافات: 23] أي (سواء الجحيم ووسط الجحيم) بسكون السين وفي اليونينية بفتحها. ({لشوبا}) أي (يخلط طعامهم ويساط) أي يخل (بالحميم) الماء الحار التشديد فإذا شربوه قطع أمعاءهم. ({مدحورًا}) بسورة الأعراف أي (مطرودًا) لأن الدحر هو الطرد وسقط من قوله صراط إلى هنا لأبي ذر. (بيض مكنون) قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم (اللؤلؤ المكنون) أي المصون. قال الشماخ: ولو أني أشاء كننت نفسي ... إلى بياض بهكنة شموع والشموع: اللعوب والبهكنة الممتلئة. وقال غير ابن عباس: المراد بيض النعام وهو بياض مشوب ببعض صفرة وهو أحسن ألوان الأبدان. وقال ذو الرمة: بياض في ترح صفراء في غنج ... كأنها فضة قد مسها ذهب ({وتركنا عليه في الآخرين}) [الصافات: 78] أي (يذكر بخير) وثناء حسن فيمن بعده من الأنبياء والأمم إلى يوم الدين وسقط لأبي ذر من قوله وتركنا عليه الخ. ({ويقال يستسخرون}) أي (يسخرون) ومراده قوله تعالى: {وإذا رأوا آية يستسخرون} [الصافات: 14] قال ابن عباس: آية يعني انشقاق القمر، وقيل: يستدعي بعضهم من السخرية وسقط ويقال لغير أبي ذر. ({بعلًا}) في قوله: {أتدعون بعلًا} [الصافات: 125] أي (ربًّا) بلغة اليمن سمع ابن عباس رجلًا ينشد ضالة فقال آخر أنا بعلها فقال الله أكبر وتلا الآية. ({الأسباب}) هي (السماء) قاله ابن عباس فيما وصله الطبري وثبت هنا الأسباب السماء لأبي ذر عن الكشميهني. 1 - باب قَوْلِهِ: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} هذا

[38] سورة ص

(باب) بالتنوين (قوله) تعالى: ({وإن يونس لمن المرسلين}) [الصافات: 139] وسقط باب لغير أبي ذر. 4804 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا مِنِ ابْنِ مَتَّى». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل بفتح الجيم الثقفي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد الضبي (عن الأعمش) سليمان (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) هو ابن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما ينبغي لأحد أن يكون خيرًا من ابن متى) أي في نفس النبوّة إذ لا تفاضل فيها. نعم بعض النبيين أفضل من بعض كما هو مقرر، ولأبي ذر: من يونس بن متى أي ليس لأحد أن يفضل نفسه عليه أو ليس لأحد أن يفضلني عليه، وفي سورة النساء ما ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى قاله تواضعًا ولا يعارضه تحدّثه بنعمة الله عليه حيث قال: أنا سيد ولد آدم. 4805 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ قَالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) القرشي الحزامي قال: (حدّثنا محمد بن فليح) بضم الفاء مصغرًا ابن سليمان الأسلمي المدني قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي) فليح (عن هلال بن عليّ) العامري (من بني عامر بن لؤي) بضم اللام وفتح الهمزة وتشديد التحتية المدني (عن عطاء بن يسار) بالتحتية والمهملة المخففة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (مَن قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب) قاله زجرًا وسدًّا للذريعة من توهّم حطّ مرتبة يونس لما في قوله تعالى: {ولا تكن كصاحب الحوت} [القلم: 48] ونفس النبوة لا تفاضل فيها إذ كلهم فيها على حدٍّ سواء كما مرّ. وسبق هذا الحديث مرات. [38] سورة ص (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). ([38] سورة صَ) مكية وآيها ست أو ثمان وثمانون، ولأبي ذر سورة ص (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر. 4806 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْعَوَّامِ قَالَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنِ السَّجْدَةِ فِي ص قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَسْجُدُ فِيهَا. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة هو بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن العوّام) بفتح العين والواو المشددة ابن حوشب بن يزيد الشيباني الواسطي أنه (قال: سأل مجاهدًا عن السجدة في ص. قال: سئل ابن عباس) أي عنها (فقال: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} [الأنعام: 90]) في سورة الأنعام فقال نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن أمر أن يقتدي بهم أي وقد سجدها داود فسجدها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اقتداء به (وكان ابن عباس يسجد فيها). 4807 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ عَنِ الْعَوَّامِ قَالَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ سَجْدَةِ ص فَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنْ أَيْنَ سَجَدْتَ؟ فَقَالَ: أَوَمَا تَقْرَأُ {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 84 - 90] فَكَانَ دَاوُدُ مِمَّنْ أُمِرَ نَبِيُّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ، فَسَجَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. عُجَابٌ عَجِيبٌ. الْقِطُّ: الصَّحِيفَةُ هُوَ هَا هُنَا صَحِيفَةُ الْحَسَنَاتِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي عِزَّةٍ مُعَازِّينَ: {الْمِلَّةِ الآخِرَةِ}: مِلَّةُ قُرَيْشٍ. الاِخْتِلاَقُ: الْكَذِبُ. {الأَسْبَابُ}: طُرُقُ السَّمَاءِ فِي أَبْوَابِهَا. {جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ}: يَعْنِي قُرَيْشًا. {أُولَئِكَ الأَحْزَابُ}: الْقُرُونُ الْمَاضِيَةُ. {فَوَاقٍ}: رُجُوعٍ. قِطَّنَا عَذَابَنَا. {اتَّخَذْنَاهُمْ سُخْرِيًّا}: أَحَطْنَا بِهِمْ. {أَتْرَابٌ}: أَمْثَالٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {الأَيْدُ}: الْقُوَّةُ فِي الْعِبَادَةِ. الأَبْصَارُ: الْبَصَرُ فِي أَمْرِ اللَّهِ. {حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي}: مِنْ ذِكْرٍ. طَفِقَ {مَسْحًا}: يَمْسَحُ أَعْرَافَ الْخَيْلِ وَعَرَاقِيبَهَا. الأَصْفَادِ: الْوَثَاقِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن عبد الله) هو الذهلي كما قاله الكلاباذي وابن طاهر ونسبه إلى جده لأن اسم أبيه يحيى أو محمد بن عبد الله بن المبارك المخرّمي قال: (حدّثنا محمد بن عبيد الطنافسي) بفتح الطاء وكسر الفاء (عن العوام) بن حوشب أنه (قال: سألت مجاهدًا عن سجدة ص) ولأبي ذر عن سجدة في ص (فقال: سألت ابن عباس من أين سجدت) أي من أيّ دليل (فقال أو ما تقرأ {ومن ذريته داود وسليمان أُولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} [الأنعام: 84 - 90] فكان داود ممن أمر نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقتدي به) زاد أبو ذر فسجدها داود عليه السلام (فسجدها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهي سجدة شكر عند الشافعية لحديث النسائي سجدها داود توبة ونسجدها شكرًا أي على قبول توبته فتسنّ عند تلاوتها في غير صلاة ولا تدخل فيها. (عُجاب) أي (عجيب) وذلك أن التفرّد بالألوهية خلاف ما عليه آباؤهم مطلقًا وتصوّروه من أن الإله الواحد لا يسع الخلق كلهم. (القط) في قوله تعالى: {وقالوا ربنا عجل لنا قطنا} [ص: 16] هو (الصحيفة) مطلقًا لأنها قطعة من القرطاس من قطه إذا قطعه لكنه (هو ها هنا صحيفة الحسنات) قال سعيد بن جبير: يعنون حظنا ونصيبنا من الجنة التي تقول، ولأبي ذر عن الكشميهني صحيفة الحساب بالموحدة آخره بدل الفوقية وإسقاط النون وكسر المهملة أي عجل لنا كتابنا في الدنيا قبل يوم الحساب قالوه على سبيل الاستهزاء لعنهم الله وعند عبد بن حميد من طريق عطاء أن قائل ذلك هو النضر بن

الحارث وفيه تفسير آخر يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه (في عزة) أي (معازين) بضم الميم وبعد العين ألف فزاي مشددة وقال غيره في استكبار عن الحق أي ما كفر من كفر به لخلل وجده فيه بل كفروا به استكبارًا وحمية جاهلية. ({الملة الآخرة}) في قوله: ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة [ص: 7] هي (ملة قريش) التي كانت عليها آباؤهم أو دين النصرانية وفي الملة متعلق بسمعنا أي لم يسمع في الملة الآخرة بهذا الذي جئت به أو بمحذوف على أنه حال من هذا أي ما معنا بهذا كائنًا في الملة الآخرة أي لم نسمع من الكهان ولا من أهل الكتب أنه يحدث توحيد الله في الملة الآخرة وهذا من فرط كذبهم. (الاختلاق) في قوله: {إن هذا إلا اختلاق} [ص: 7] هو (الكذب) المختلق. ({الأسباب}) في قوله تعالى: {فليرتقوا في الأسباب} [ص: 10] هي (طرق السماء في أبوابها) قاله مجاهد وكل ما يوصلك إلى شيء من باب أو طريق فهو سببه وهذا أمر توبيخ وتعجيز أي إن ادّعوا أن عندهم خزائن رحمة ربك أو لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليصعدوا في الأسباب التي توصلهم إلى السماء فليأتوا منها بالوحي إلى مَن يختارون وهذا في غاية التهكّم بهم. ({جند}) ولأبي ذر قوله: جند ({ما هنالك مهزوم}) [ص: 11] قال مجاهد أيضًا فيما وصله الفريابي (يعني قريشًا) وهنالك مشار به إلى موضع التقاول والمحاورة بالكلمات السابقة وهو مكة أي سيهزمون بمكة وهو إخبار بالغيب وصحح الإمام فخر الدين كون ذلك في فتح مكة قال لأن المعنى أنهم جند سيصيرون منهزمين في الموضع الذي ذكروا فيه هذه الكلمات اهـ وهذا معارض بما أخرجه الطبري من طريق سعيد بن قتادة قال وعده الله وهو بمكة أنه سيهزم جند المشركين فجاء تأويلها ببدر وهنالك إشارة إلى بدر ومصارعهم وسقط من قوله جند إلى آخر قوله قريشًا لأبي ذر. (أولئك الأحزاب) أي (القرون الماضية) قالَه مجاهد أيضًا أي كانوا أكثر منكم وأشد قوّة وأكثر أموالًا وأولادًا فما دفع ذلك عنهم من عذاب الله من شيء لما جاء أمرُ الله. ({فواق}) بالرفع لأبي ذر أي (رجوع) هو من أفاق المريض إذا رجع إلى صحته وإفاقة الناقة ساعة يرجع اللبن إلى ضرعها يريد قوله تعالى: {وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق} [ص: 15] ولغير أبي ذر فواق رجوع بجرهما وقرأ حمزة والكسائي فواق بضم الفاء وهما لغتان بمعنى واحد وهما الزمان الذي بين حلبتي الحالب. (قطنا) أي (عذابنا) قاله مجاهد وغيره ({اتخذناهم سخريًّا}) [ص: 63] بضم السين وهي قراءة نافع والكسائي أي (أحطنا بهم) من الإحاطة وقال الدمياطي في حواشيه لعله أخطأناهم وحذف مع ذلك القول الذي هذا تفسيره وهو أم زاغت عنهم الأبصار. اهـ. وعند ابن أبي حاتم من طريق مجاهد أخطأناهم أم هم في النار لا يعلم مكانهم، وقال ابن عطية: المعنى ليسوا معنا أم هم معنا لكن أبصارنا تميل عنهم، وقال ابن كيسان أم كانوا خيرًا منّا ونحن لا نعلم فكأن أبصارنا تزيغ عنهم في الدنيا فلا نعدّهم شيئًا. ({أتراب}) في قوله تعالى: {وعندهم قاصرات الطرف أتراب} [ص: 52] أي (أمثال) على سن واحد قيل بنات ثلاث وثلاثين سنة واحدها ترب وقيل متواخيات لا يتباغضن ولا يتغايرن. (وقال ابن عباس) فيما وصله الطبري ({الأيد}) بالرفع في قوله تعالى: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أُولي الأيد والأبصار} [ص: 45] هو (القوة في العبادة) والعامة على ثبوت الياء في الأيدي جمع يد وهي إما الجارحة وكُنِّيَ بها عن الأعمال لأن أكثر الأعمال إنما تزاول باليد أو المراد النعمة وقرئ لأيد بغير ياء اجتزاء عنها بالكسرة. (الأبصار) هو (البصر في أمر الله) قاله ابن عباس أيضًا. ({حب الخير عن ذكر ربي}) [ص: 32] أي (من ذكر) ربي فعن بمعنى من والخير المال الكثير والمراد به الخيل التي شغلته والراء تعاقب اللام ويحتمل أنه سماها خيرًا لتعلق الخير بها قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم

2 - باب قوله: {هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب}

القيامة الأجر والمغنم. (طفق {مسحًا}) في قوله تعالى: {فطفق مسحًا بالسوق والأعناق} [ص: 33] أي (يمسح أعراف الخيل وعراقيبها) حبالها ومسحًا نصب بفعل مقدر هو خبر طفق أي طفق بمسح مسحًا. (الأصفاد) أي (الوثاق) وسقط هذا لأبي ذر. 2 - باب قَوْلِهِ: {هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (باب قوله) جل ذكره: ({هب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي}) أي لا يصلح لأحد أن يسلبنيه وظاهر السياق أنه سأل ملكًا لا يكون لبشر من بعده مثله ليكون معجزة مناسبة لحاله ({إنك أنت الوهاب}) [ص: 35] المعطي ما تشاء لمن تشاء. 4808 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلاَةَ، فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ. وَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ، فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ {رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35]» قَالَ رَوْحٌ فَرَدَّهُ خَاسِئًا. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (روح) بفتح الراء وبعد الواو الساكنة مهملة ابن عبادة (ومحمد بن جعفر) غندر (عن شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن زياد) بتخفيف التحتية القرشي الجمحي مولى آل عثمان بن مظعون مدني سكن البصرة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن عفريتًَا) ماردًا (من الجن) بيان له (تفلت عليّ البارحة) نصب على الظرفية أي تعرّض لي فلتة أي بغتة سرعة في أدنى ليلة مضت (أو كلمة نحوها) أي نحو تفلت كقوله في الرواية السابقة في أواخر الصلاة عرض لي فشدّ عليّ (ليقطع) بفعله (عليّ الصلاة فأمكنني الله منه وأردت) بالواو (أن أربطه) بكسر الموحدة (إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم) بالرفع توكيد للضمير المرفوع (فذكرت قول أخي) في النبوّة (سليمان) عليه السلام ({رب هب لي ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي}) لفظ التنزيل رب اغفر لي وهب لي (قال روح) المذكور (فردّه) أي رد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العفريت حال كونه (خاسئًا) مطرودًا. وهذا الحديث قد سبق في الصلاة في باب الأسير والغريم يربط في المسجد وبدء الخلق. 3 - باب قَوْلِهِ: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} (باب قوله) تعالى: ({وما أنا من المتكلفين}) [ص: 86] فلا أزيد على ما أمرت به ولا أنقص منه. 4809 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سعيد: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ: عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ: اللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لاَ يَعْلَمُ اللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنِ الدُّخَانِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَا قُرَيْشًا إِلَى الإِسْلاَمِ، فَأَبْطَؤُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ»، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ فَحَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى أَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْجُلُودَ، حَتَّى جَعَلَ الرَّجُلُ يَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ دُخَانًا مِنَ الْجُوعِ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 10] قَالَ فَدَعَوْا {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ * أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ * إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 10 - 15] أَفَيُكْشَفُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: فَكُشِفَ، ثُمَّ عَادُوا فِي كُفْرِهِمْ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط لغير أبي ذر ابن سعيد قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان (عن أبي الضحى) مقصور مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: دخلنا على عبد الله بن مسعود) -رضي الله عنه- (قال: يا أيها الناس من علم شيئًا فليقل به، ومَن لم يعلم فليقل الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم قال الله عز وجل لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {قل ما أسألكم عليه من أجر}) أي جعل على القرآن أو تبليغ الوحي ({وما أنا من المتكلفين}) وكل من قال شيئًا من تلقاء نفسه فقد تكلف، (وسأحدثكم عن الدخان) المذكور في قوله تعالى: {يوم تأتي السماء بدخان مبين} [الدخان: 10] (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا قريشًا إلى الإسلام فأبطؤوا عليه فقال): (اللهم أعني عليهم بسبع) من السنين (كسبع يوسف) المذكورة في قوله تعالى: {ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد} [يوسف: 48] (فأخذتهم سنة) قحط (فحصت) بالحاء والصاد المهملتين أذهبت وأفنت (كل شيء حتى أكلوا الميتة والجلود) من شدّة الجوع (حتى جعل الرجل يرى بينه وبين السماء دخانًا) لضعف بصره (من الجوع. قال الله عز وجل: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين * يغشى الناس}) يحيط بهم صفة للدخان ({هذا عذاب أليم}) في موضع نصب بالقول أي قائلين هذا عذاب أليم (قال: فدعوا) أي قريش ({ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون}) وعد بالإيمان إن كشف العذاب عنهم ({أنى لهم الذكرى}) أي كيف يذكرون ويتعظون ويَفُون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب ({وقد جاءهم رسول مبين}) بيّن لهم ما هو أعظم وأدخل في وجوب الادّكار من الآيات والمعجزات ({ثم تولوا عنه وقالوا معلم}) يعلمه كلام أعجمي لبعض ثقيف وقال آخرون إنه ({مجنون إنّا كاشفوا العذاب}) بدعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كشفًا ({قليلًا}) أو زمانًا قليلًا ({إنكم عائدون}) [الدخان: 10 - 15] إلى الكفر قال ابن مسعود: (أفيكشف) بهمزة الاستفهام وضم الياء مبنيًّا للمفعول

[39] سورة الزمر

({العذاب يوم القيامة}؟ قال): أي ابن مسعود -رضي الله عنه- (فكشف) بضم الكاف مبنيًّا للمفعول أي العذاب عنهم، ولأبي ذر: فكشف بفتحها والفاعل محذوف أي فكشف الله عنهم (ثم عادوا في كفرهم) عقب الكشف (فأخدهم الله يوم) وقعة (بدر. قال الله) ولأبي ذر وقال الله (تعالى) ولأبي ذر عز وجل ({يوم نبطش البطشة الكبرى}) يوم بدر ظرف لفعل دلّ عليه ({إنّا منتقمون}) [الدخان: 16] لا لمنتقمون فإن أن تحجزه عنه كذا قاله البيضاوي كالزمخشري وقيل بدل من يوم تأتي أو بإضمار اذكر. وهذا الحديث سبق في سورة الروم. [39] سورة الزُّمَرِ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَقَالَ مُجَاهِدٌ. {يَتَّقِي بِوَجْهِهِ}: يُجَرُّ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ، وَهْوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَومَ القِيَامَةِ}. {ذِي عِوَجٍ}: لَبْسٍ. {وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ}: صَالِحًا؛ مَثَلٌ لآلِهَتِهِمِ الْبَاطِلِ وَالإِلَهِ الْحَقِّ. {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}: بِالأَوْثَانِ. {خَوَّلْنَا}: أَعْطَيْنَا. {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ}: الْقُرْآنُ. {وَصَدَّقَ بِهِ}: الْمُؤْمِنُ. يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتَنِي عَمِلْتُ بِمَا فِيهِ. {مُتَشَاكِسُونَ}: الرجل الشَّكِسُ الْعَسِرُ لاَ يَرْضَى بِالإِنْصَافِ. {وَرَجُلًا سِلْمًا}: وَيُقَالُ {سَالِمًا}: صَالِحًا. {اشْمَأَزَّتْ}: نَفَرَتْ. {بِمَفَازَتِهِمْ}: مِنَ الْفَوْزِ. {حَافِّينَ}: أَطَافُوا بِهِ مُطِيفِينَ. {بِحِفَافَيْهِ}: بِجَوَانِبِهِ. {مُتَشَابِهًا}: لَيْسَ مِنَ الاِشْتِبَاهِ. وَلَكِنْ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فِي التَّصْدِيقِ. ([39] سورة الزُّمَرِ) مكية إلا {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} [الزمر: 53] الآية وآيها خمس أو اثنتان وسبعون، ولأبي ذر سورة الزمر (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه في قوله ({يتقي}) ولغير أبي ذر: أفمن يتقي ({بوجهه}) [الزمر: 24] أي (يجر على وجهه في النار) يجر بالجيم المفتوحة مبنيًّا للمفعول وللأصيلي كما في الفتح يخر بالخاء المعجمة المكسورة (وهو قوله تعالى: {أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنًا يوم القيامة}) [فصلت: 40] وقال عطاء يرمى به في النار منكوسًا فأول شيء يمس النار منه وجهه وخبر أفمن يتقي بوجهه محذوف تقديره كمن هو آمن منه. ({ذي}) ولأبي ذر: غير ذي ({عوج}) [الزمر: 28] أي (لبس) بموحدة ساكنة وقال ابن عباس غير مخلوق. ({ورجلًا سلمًا}) [الزمر: 29] بفتح اللام من غير ألف مصدر وصف، ولأبي ذر وابن عساكر سالمًا بكسرها مع الألف وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير اسم فاعل من الثلاثي (لرجل) أي (صالحًا) كذا لأبي ذر عن الحموي والمستملي وفي رواية الكشميهني خالصًا بدل صالحًا ومراده قوله تعالى: {ضرب الله مثلًا رجلًا فيه شركاء متشاكسون} [الزمر: 29] أي متنازعون كلٌّ يدّعي أنه عبده فهم يتجاذبونه حوائجهم وهو متحير في أمره كلما أرضى أحدهم غضب الباقون وإذا احتاج إليهم رده كل واحد إلى الآخر فهو في عذاب دائم ورجلًا سالمًا لرجل واحد لا يملكه غيره فهو يخدمه على سبيل الإخلاص وسيده يعينه على مهماته هذا (مثل لآلهتهم) بمد الهمزة الإله (الباطل والإله الحق) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي. ({ويخوفونك}) يعني قريشًا ({بالذين من دونه}) [الزمر: 36] أي (بالأوثان) وذلك أنهم قالوا له عليه الصلاة والسلام لتكفنّ عن شتم آلهتنا أو لنأمرنّها فلتخبلنّك فنزلت ويخوّفونك رواه عبد الرزاق وسقط لأبي ذر من قوله مثل إلى هنا. ({خوّلنا}) في قوله تعالى: {ثم خوّلناه نعمة} [الزمر: 49] أي (أعطينا) قاله أبو عبيدة. ({والذي جاء بالصدق}) أي (القرآن) وفي نسخة القرآن بالرفع بتقدير هو ({وصدق به}) [الزمر: 33] هو (المؤمن يجيء يوم القيامة) حال كونه (يقول) رب (هذا الذي أعطيتني) يريد القرآن (عملت بما فيه) رواه عبد الرزاق عن ابن عيينة عن منصور وقيل الذي جاء هو الرسول عليه الصلاة والسلام والمصدق أبو بكر قاله أبو العالية قال في الأنوار وذلك يقتضي إضمار الذي وهو غير جائز وقوله والذي جاء بالصدق لفظه مفرد ومعناه جمع لأنه أُريد به الجنس فيتناول الرسل والمؤمنين لقوله: {أولئك هم المتقون} [الزمر: 33] فجمع أو الذي صفة لموصوف محذوف بمعنى الجمع أي والفريق أو الفوج ولذلك قال أولئك. ({متشاكسون} الرجل الشكس}) بكسر الكاف هو (العسر) الذي (لا يرضى بالإنصاف) قال الكسائي يقال شكس يشكس شكوسًا وشكسًا إذا عسر وهو رجل شكس أي عسر وشاكس إذا تعاسر ({ورجلًا سلمًا}) ويقال ({سالمًا} صالحًا) كذا أثبته هنا في الفرع كأصله وقد سبق. ({اشمأزت}) في قوله: {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون} [الزمر: 45] قال مجاهد فيما وصله الطبري أي (نفرت) وقال أبو زيد الاشمئزاز الذعر اشمأز فلان ذعر ووزنه افعلل كاقشعرّ قال الزمخشري ولقد تقابل الاستبشار والاشمئزاز

1 - باب قوله: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}

إذ كل واحد منهما غاية في بابه لأن الاستبشار أن يمتلئ قلبه سرورًا حتى يظهر ذلك السرور في أسرّة وجهه ويتهلّل والاشمئزاز أن يمتلئ غيظًا وغمًّا حتى يظهر الانقباض في أديم وجهه. ({بمفازتهم}) مفعلة (من الفوز) أي ينجيهم بفوزهم من النار بأعمالهم الحسنة. وقرأ الأخوان وشعبة بمفازاتهم بالجمع لأن النجاة أنواع والمصادر إذا اختلفت أنواعها جمعت. ({حافين}) في قوله تعالى: {وترى الملائكة حافين من حول العرش} [الزمر: 75] أي (أطافوا به) حال كونهم (مطيفين) دائرين (بحفافيه) بكسر الحاء المهملة مصححًا عليها في الفرع كأصله وكذا قال العيني كفتح الباري والبرماوي والكرماني بكسرها وفاءين مفتوحتين مخففتين بينهما ألف تثنية حفات وفي الناصرية بفتح الحاء أي (بجوانبه) قال الليث حف القوم بسيدهم يحفون حفًّا إذا طافوا به ولأبي ذر عن المستملي بجانبيه بدل بحفافيه وسقط بجوانبه لأبي ذر. ({متشابهًا}) في قوله تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا} [الزمر: 23] (ليس من الاشتباه ولكن يشبه بعضه بعضًا في التصديق) والحسن ليس فيه تناقض ولا اختلاف. 1 - باب قَوْلِهِ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} هذا (باب) بالتنوين (قوله: {قل يا عبادي الذين أسرفوا}) في المعاصي ({على أنفسهم لا تقنطوا}) لا تيأسوا ({من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا}) الكبائر وغيرها الصادرة عن المؤمنين ({إنه هو الغفور}) لمن تاب ({الرحيم}) [الزمر: 53] بعد التوبة لمن أناب، لكن قال القاضي ناصر الدين تقييده بالتوبة خلاف الظاهر وإضافة العباد تخصصه بالمؤمنين كما هو عرف القرآن، وفي الآية من أنواع المعاني والبيان إقباله عليهم ونداؤهم وإضافتهم إليه إضافة تشريف والالتفات من التكلم إلى الغيبة في قوله من رحمة الله وإضافة الرحمة لأجل أسمائه الحسنى وإعادة الظاهر بلفظه في قوله إن الله وإبراز الجملة من قوله: {إنه هو الغفور الرحيم} مؤكدة بأن إعادة الصفتين السابقتين والذين أسرفوا عامّ في جميع المسرفين ويغفر الذنوب جميعًا شامل لكبائرها وصغائرها فتغفر مع التوبة أو بدونها خلافًا للمعتزلة حيث ذهبوا إلى أنه يعفو عن الصغائر قبل التوبة وعن الكبائر بعدها، وجمهور أصحابنا أنه يعفو عن بعض الكبائر مطلقًا ويعذب ببعضها إلا أنه لا علم لنا الآن بشيء من هذين البعضين بعينه. وقال كثير منهم لا نقطع بعفوه عن الكبائر بلا توبة بل نجوّزه واحتج الجمهور بوجهين الأول أن العفو لا يعذب على الذنب مع استحقاق العذاب ولا تقول المعتزلة بذلك الاستحقاق في غير صورة النزاع إذ لا استحقاق بالصغائر أصلًا بالكبائر بعد التوبة فلم يبق إلا الكبائر قبلها فهو يعفو عنها كما ذهبنا إليه الثاني الآيات الدالّة على العفو عن الكبيرة قبل التوبة نحو قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48] فإن ما عدا الشرك داخل فيه ولا يمكن التقييد بالتوبة لأن الكفر معفوّ معها فيلزم تساوي ما نفي عنه الغفران وما أثبت له وذلك مما لا يليق بكلام عاقل فضلًا عن كلام الله تعالى وقوله: {إن الله يغفر الذنوب جميعًا} [الزمر: 53] عامّ للكل فلا يخرج عنه إلا ما أجمع عليه وسقط قوله: {إن الله يغفر الذنوب جميعًا} الخ لأبي ذر ولفظ باب لغيره. 4810 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: يَعْلَى: إِنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا، وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا، فَأَتَوْا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ، لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً. فَنَزَلَ {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ} [الفرقان: 86]. وَنَزَلَ {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) الصنعاني (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم) قال: (قال يعلى) هو ابن مسلم بن هرمز كما في مسلم (أن سعيد بن جبير أخبره عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن ناسًا من أهل الشرك) سمى الواقدي منهم وحشي بن حرب قاتل حمزة وكذا هو عند الطبراني عن ابن عباس من وجه آخر (كانوا قد قتلوا وأكثروا) من القتل (وزنوا وأكثروا) من الزنا (فأتوا محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا إن الذي تقول وتدعو إليه) من الإسلام (لحسن) وفي نسخة به بدل إليه (لو تخبرنا إن لما) أي للذي (عملنا) من الكبائر (كفارة فنزل {والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله})

2 - باب قوله: {وما قدروا الله حق قدره}

أي حرّم قتلها ({إلا بالحق ولا يزنون}) [الفرقان: 68] قال في الأنوار نفى عنهم أمهات المعاصي بعد ما أثبت لهم أصول الطاعات إظهار الكمال إيمانهم وإشعارًا بأن الأجر المذكور موعود للجامع بين ذلك وتعريضًا للكفرة بأضداده (ونزل) ولأبي ذر: ونزلت بتاء التأنيث ({قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله}). وعند الإمام أحمد من حديث ثوبان مرفوعًا: ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} إلى آخرها فقال رجل: يا رسول الله فمن أشرك: فسكت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قال: "إلا ومن أشرك" ثلاث مرات. وعنده أيضًا عن أسماء بنت يزيد قالت سمعته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا} ولا يبالي. قال الحسن البصري: انظروا إلى هذا الكرم والجود قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة، ولما أسلم وحشي بن حرب فقال الناس: يا رسول الله إنّا أصبنا ما أصاب وحشي فقال هي للمسلمين عامة. وقال ابن عباس: قد دعا الله سبحانه وتعالى إلى توبته مَن قال: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24]، وقال ما علمت لكم من إله غيري فمن آيس العباد من التوبة بعد هذا فقد جحد كتاب الله، ولكن إذا تاب الله على العبد تاب. 2 - باب قَوْلِهِ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} (باب قوله: {وما قدروا الله حق قدره}) [الزمر: 67] أي ما عظموه حق عظمته حين أشركوا به غيره وسقط باب لغير أبي ذر. 4811 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلاَئِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ. فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ الْحَبْرِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر: 67]. [الحديث 4811 - أطرافه في: 7414، 7415، 7451، 7513]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة السلماني (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: جاء حبر) بفتح الحاء المهملة (من الأحبار) عالم من علماء اليهود قال الحافظ ابن حجر لم أقف على أسمه (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا محمد إنّا نجد) أي في التوراة (أن الله يجعل السماوات على إصبع) وفي رواية مسدّد عن يحيى عن سفيان عن منصور في التوحيد أن الله يمسك بدل يجعل (والأرضين على إصبع والشجر على إصبع والماء على إصبع وسائر الخلائق على إصبع) وفي بعض النسخ والماء على إصبع والثرى على إصبع وسقط في بعضها والماء على إصبع (فيقول: أنا الملك) المتفرّد بالملك (فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدت نواجذه) بالجيم والذال المعجمة أي أنيابه وهي الضواحك التي تبدو عند الضحك حال كونه (تصديقًا لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {وما قدروا الله حق قدره}) وقراءته عليه الصلاة والسلام هذه الآية تدل على صحة قول الحبر كضحكة قاله النووي. وفي التوحيد قال يحيى بن سعيد وزاد فيه فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله فضحك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تعجبًا مما قاله الحبر وتصديقًا له، ورواه الترمذي وقال حسن صحيح، وعند مسلم تعجبًا مما قاله الحبر وتصديقًا له. وعند ابن خزيمة من رواية إسرائيل عن منصور حتى بدت نواجذه تصديقًا له، وعند الترمذي من حديث ابن عباس قال: مرّ يهودي بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه والأرضين على ذه والماء على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه وأشار محمد بن الصلت أبو جعفر لخنصره أوّلًا ثم تابع حتى بلغ الإبهام وهذا من شديد الاشتباه، وقد حمله بعضهم على أن اليهود مشبهة ويزعمون فيما أنزل إليهم ألفاظًا تدخل في التشبيه ليس القول بها من مذهب المسلمين، وبهذا قال الخطابي وقال: إنه روى هذا الحديث غير واحد عن عبد الله من طريق عبيدة فلم يذكروا قوله تصديقًا لقول الحبر ولعله من الراوي ظنّ وحسبان، وضحكه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تعجب من كذب اليهودي، فظن الراوي أن ذلك التعجب تصديق وليس كذلك. وقال أبو العباس القرطبي في المفهم: هذه الزيادة من قول الراوي باطلة لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يصدّق بالمحال لأن نسبة الأصابع إلى الله تعالى محال، وقوله:

3 - باب قوله: {والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون}

{وما قدروا الله حق قدره} أي ما عرفوه حق معرفته ولا ريب أن الصحابة كانوا أعلم بما رووه، وقد قالوا إنه ضحك تصديقًا، وقد ثبت في الحديث الصحيح: "ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن" رواه مسلم. وفي حديث ابن عباس قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أتاني الليلة ربي في أحسن صورة" الحديث. وفيه فوضع يده بين كتفي، وفي رواية معاذ فرأيته وضع كفه بين كتفي فوجدت برد أنامله بين ثديي، فهذه روايات متظافرة على صحة ذكر الأصابع وكيف يطعن في حديث أجمع على إخراجه الشيخان وغيرهما من أئمة النقد والإتقان، لا سيما وقد قال ابن الصلاح ما اتفق عليه الشيخان هو بمنزلة المتواتر وكيف يسمع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصف ربه تعالى بما لا يرضاه فيضحك ولم ينكره أشد الإنكار حاشاه الله من ذلك، وإذا تقرر صحة ذلك فهو من المتشابه كغيره كالوجه واليدين والقدم والرجل والجنب في قوله تعالى: {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله} [الزمر: 56]. واختلف أئمتنا في ذلك هل نؤوّل المشكل أم نفوّض معناه المراد إليه تعالى مع اتفاقهم على أن جعلنا بتفصيله لا يقدح في اعتقادنا المراد منه، والتفويض مذهب السلف وهو أسلم والتأويل مذهب الخلف وهو أعلم أي أحوج إلى مزيد علم فنؤوّل الأصبع هنا بالقدرة إذ إرادة الجارحة مستحيلة، وقد قال الزمخشري في كشافه بعد ذكر نحو حديث الباب إنما ضحك أفصح العرب وتعجب لأنه لم يفهم منه إلا ما يفهمه علماء البيان من غير تصوّر إمساك ولا أصبع ولا هز ولا شيء من ذلك، ولكن فهمه وقع أوّل شيء وآخره على الزبدة والخلاصة التي هي الدلالة على القدرة الباهرة، وأن الأفعال العظام التي تتحير فيها الأذهان ولا تكتنهها الأوهام هينة عليه هوانًا لا يوصل السامع إلى الوقوف عليه إلا إجراء العبارة وفي مثل هذه الطريقة من التخييل، ولا ترى بابًا في علم البيان أدق ولا ألطف من هذا الباب ولا أنفع وأعون على تعاطي تأويل المشتبهات من كلام الله تعالى في القرآن وسائر الكتب السماوية وكلام الأنبياء فإن أكثره وعليته تخييلات قد زلّت فيها أقدام وما أتى الزالّون إلا من قلة عنايتهم بالبحث والتنقير حتى يعلموا أن في عداد العلوم الدقيقة علمًا لو قدّروه حق قدره لما خفي عليهم أن العلوم كلها مفتقرة إليه وعيال عليه إذ لا يحل عقدها الموربة ولا يفك قيودها المكربة إلا هو، وكم آية من آيات التنزيل وحديث من أحاديث الرسول قد ضيم وسيم الخسف بالتأويلات الغثة والوجوه الرثّة لأن مَن تأوّل ليس من هذا العلم في عير ولا نفير ولا يعرف قبيلًا من دبير. وقال ابن فورك: يحتمل أن يكون المراد أصبع بعض مخلوقاته. وسيكون لنا عودة إلى الإلمام بشيء من مبحث هذا الحديث إن شاء الله تعالى بعونه وتوفيقه. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التوحيد ومسلم في التوبة والترمذي والنسائي في التفسير. 3 - باب قَوْلِهِ: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (باب قوله) تعالى: ({والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة}) القبضة بفتح القاف المرة من القبض أطلقت بمعنى القبضة بالضم وهي المقدار المقبوض بالكف تسمية بالمصدر أو بتقدير ذات قبضته ({والسماوات مطويات بيمينه}) قال ابن عطية اليمين هنا والقبضة عبارة عن القدرة وما اختلج في الصدور من غير ذلك باطل وما ذهب إليه القاضي يعني أبا الطيب من أنها صفات زائدة على صفات الذات قول ضعيف وبحسب ما يختلج في النفوس قال عز وجل: ({سبحانه وتعالى عما يشركون}) [الزمر: 67] أي هو منزّه عن جميع ما وصف به المجسمون المشبهون وتأكيد الأرض بالجميع لأن المراد بها الأرضون السبع أو جميع أبعاضها البادية والغائرة وخص ذلك بيوم القيامة ليدل على أنه كما ظهر كمال قدرته في الإيجاد عند عمارة الدنيا يظهر كمال قدرته في الإعدام عند خراب الدنيا وسقط لأبي ذر قوله والسماوات الخ. 4812 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ، وَيَطْوِي السَّماوَاتِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ»؟ [الحديث 4812 - أطرافه في: 6519، 7382، 7413]. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء مصغرًا نسبه لجدّه لشهرته به واسم أبيه كثير المصري (قال: حدّثني)

4 - باب قوله: {ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون}

بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن خالد بن مسافر) الفهمي المصري (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (أن أبا هريرة) رضي الله عنه: (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يقبض الله الأرض ويطوي السماوات) وفي نسخة السماء "بيمينه" يطلق الطيّ على الأدراج كطيّ القرطاس كما قال الله تعالى: {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب} [الأنبياء: 104] وعلى الإفناء تقول العرب طويت فلانًا بسيفي أي أفنيته وقال القاضي عبر عن إفناء الله تعالى هذه المظلة والمقلة ورفعهما من البين إخراجهما من أن يكونا مأوى ومنزلًا لبني آدم بقدرته الباهرة التي تهون عليها الأفعال العظام التي تتضاءل دونها القوى والقدر وتتحير فيها الأفهام والفكر على طريقة التمثيل والتخييل (ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض). ولمسلم من حديث ابن عمر مرفوعًا "يطوي الله السماوات يوم القيامة ثم يأخذهنّ بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأرض بشماله ثم يقول أنا الملك" الحديث فأضاف طيّ السماوات وقبضها إلى اليمين وطيّ الأرض إلى الشمال تنبيهًا وتخييلًا لما بين المقبوضين من التفاوت والتفاضل. وحديث الباب أخرجه أيضًا في التوحيد. 4 - باب قَوْلِهِ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} (باب قوله) تعالى: ({ونفخ في الصور}) النفخة الأولى وقرأ الحسن بفتح الواو وجمع صورة وفيه رد على ابن عطية حيث قال إن الصور هنا يتعين أن يكون القرن ولا يجوز أن يكون جمع صورة ({فصعق مَن في السماوات ومَن في الأرض}) خرّ ميتًا أو مغشيًّا عليه ({إلا مَن شاء الله}) متصل والمستثنى قيل جبريل وميكائيل وإسرافيل فإنهم يموتون بعد وقيل حملة العرش وقيل رضوان والحور والزبانية وقال الحسن: الباري تعالى فالاستثناء منقطع وفيه نظر من حيث قوله: {مَن في السماوات ومَن في الأرض} فإنه لا يتحيز ({ثم نفخ فيه أخرى}) هي القائمة مقام الفاعل وهي في الأصل صفة لمصدر محذوف أي نفخة أخرى أو القائم مقامه الجار ({فإذا هم قيام}) قائمون من قبورهم حال كونهم ({ينظرون}) [الزمر: 68] البعث أو أمر الله فيهم واختلف في الصعقة فقيل إنها غير الموت لقوله تعالى في موسى: {وخرّ موسى صعقًا} [الأعراف: 143] وهو لم يمت فهذه النفخة تورث الفزع الشديد وحينئذٍ، فالمراد من نفخ الصعقة ونفخ الفزع واحد وهو المذكور في النمل في قوله تعالى: {ونفخ في الصور ففزع مَن في السماوات ومَن في الأرض} [النمل: 87] وعلى هذا فنفخ الصور مرتان فقط وقيل الصعقة الموت فالمراد بالفزع كيدودة الموت من الفزع وشدة الصوت فالنفخة ثلاث مرات نفخة الفزع المذكورة في النمل ونفخة الصعق ونفخة القيام وسقط باب لغير أبي ذر وله ثم نفخ فيه أخرى إلى آخره. 4813 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنِّي أَوَّلُ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بَعْدَ النَّفْخَةِ الآخِرَةِ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى مُتَعَلِّقٌ بِالْعَرْشِ فَلاَ أَدْرِي، أَكَذَلِكَ كَانَ أَمْ بَعْدَ النَّفْخَةِ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (الحسن) غير منسوب وقد جزم أبو حاتم سهل بن السري الحافظ فيما نقله الكلاباذي بأنه الحسن بن شجاع البلخي الحافظ قال: (حدّثنا إسماعيل بن خليل) الكوفي وهو من مشايخ المؤلّف قال: (أخبرنا عبد الرحيم) بن سليمان الرازي سكن الكوفة (عن زكريا بن أبي زائدة) بن ميمون الهمداني الأعمى الكوفي (عن عامر) هو ابن شراحيل الشعبي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إني أوّل) ولأبي ذر من أوّل (مَن يرفع رأسه بعد النفخة الآخرة) بمد الهمزة (فإذا أنا بموسى) عليه السلام (متعلق بالعرش فلا أدري أكذلك كان) أي أنه لم يمت عند النفخة الأولى واكتفى بصعقة الطور (أم) أحيي (بعد النفخة) الثانية قبلي وتعلق بالعرش كذا قرره الكرماني وقال الداودي فيما حكاه السفاقسي قوله أكذلك الخ وهم لأن موسى مقبور ومبعوث بعد النفخة فكيف يكون ذلك قبلها اهـ. وأجيب: بأن في حديث أبي هريرة السابق في الأشخاص فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم فأكون أوّل مَن يفيق فإذا موسى باطش جانب العرش فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن

استثنى الله أي فلم يصعق والمراد بالصعق غشي يلحق من سمع صوتًا أو رأى شيئًا ففزع منه وقد وقع التصريح في هذه الرواية بالإفاقة بعد النفخة الثانية. وأما ما وقع في حديث أبي سعيد فإن الناس يصعقون فأكون أول مَن تنشقّ عنه الأرض فيمكن الجمع بأن النفخة الأولى يعقبها الصعق من جميع الخلق أحيائهم وأمواتهم وهو الفزع ما وقع في النمل ففزع مَن في السماوات ومَن في الأرض، ثم يعقب ذلك الفزع للموتى زيادة فيما هم فيه وللأحياء موتًا، ثم ينفخ الثانية للبعث فيفيقون أجمعون فمن كان مقبورًا انشقت عنه الأرض فخرج من قبره ومن ليس بمقبور لا يحتاج إلى ذلك، وقد ثبت أن موسى ممن قبر في الحياة الدنيا كما في مسلم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "مررت على موسى ليلة أُسرِيَ بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلّي في قبره". أخرجه عقب حديث أبي هريرة وأبي سعيد. وقد استشكل كون جميع الخلق يصعقون مع أن الموتى لا إحساس لهم فقيل: المراد أن الذين يصعقون هم الأحياء، وأما الموتى فهم في الاستثناء في قوله: إلا مَن شاء الله أي إلا مَن سبق له الموت قبل ذلك فإنه لا يصعق وإلى هذا جنح القرطبي، ولا يعارضه ما ورد في الحديث أن موسى ممن استثنى الله لأن الأنبياء أحياء عند الله وإن كانوا في صورة الأموات بالنسبة إلى أهل الدنيا. وقال عياض: يحتمل أن يكون المراد صعقة فزع بعد البعث حين تنشق السماء والأرض وتعقبه القرطبي بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صرح بأنه حين يخرج من قبره يلقى موسى وهو متعلق بالعرش، وهذا إنما هو عند نفخة البعث اهـ. ويرده قوله صريحًا كما تقدم أن الناس يصعقون فأصعق معهم الخ قاله في الفتح. 4814 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ»، قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً قَالَ أَبَيْتُ قَالَ: أَرْبَعُونَ شَهْرًا: قَالَ أَبَيْتُ، وَيَبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الإِنْسَانِ إِلاَّ عَجْبَ ذَنَبِهِ فِيهِ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ. [الحيث 4814 - طرفه في: 4935]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عمر بن حفص) بضم العين قال: (حدّثنا) ولأبي ذر قال: قال (أبي) حفص بن غياث بن طلق النخعي الكوفي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: سمعت أبا صالح) ذكوان السمان (قال سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (بين النفختين) ولأبي ذر عن الكشميهني ما بين النفختين أي نفخة الإماتة ونفخة البعث (أربعون، قالوا) أي أصحاب أبي هريرة ولم يعرف الحافظ ابن حجر اسم أحد منهم (يا أبا هريرة أربعون يومًا؟ قال) أبو هريرة (أبيت) بموحدة أي امتنعت عن تعيين ذلك (قال) أي السائل (أربعون سنة؟ قال) أبو هريرة: (أبيت. قال) السائل: (أربعون شهرًا؟ قال) أبو هريرة (أبيت) أي امتنعت عن تعيين ذلك لأني لا أدري الأربعين الفاصلة بين النفختين أيام أم سنون أم شهور، وعند ابن مردويه من طريق زيد بن أسلم عن أبي هريرة قال بين النفختين أربعون قالوا أربعون ماذا؟ قال: هكذا سمعت وعنده أيضًا من وجه ضعيف عن ابن عباس قال بين النفختين أربعون سنة، وعند ابن المبارك عن الحسن مرفوعًا بين النفختين أربعون سنة يميت الله تعالى بها كل حيّ والأخرى يحيي الله تعالى بها كل ميت، وقال الحليمي: اتفقت الروايات على أن بين النفختين أربعين سنة، وفي جامع ابن وهب أربعين جمعة وسنده منقطع. (ويبلى) بفتح أوّله أي يفنى (كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه) بفتح العين المهملة وسكون الجيم بعدها موحدة ويقال عجم بالميم أيضًا وهو عظيم لطيف في أصل الصلب وهو رأس العصعص بين الأليتين وعند أبي داود والحاكم وابن أبي الدنيا من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا أنه مثل حبة الخردل ولمسلم من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب (فيه يركب الخلق). ولمسلم أيضًا من طريق همام عن أبي هريرة أن في الإنسان عظمًا لا تأكله الأرض أبدًا فيه يركب يوم القيامة. قال: أي عظم؟ قال: عجب الذنب وهو يرد على المزني حيث قال: إن إلاّ هنا بمعنى الواو أي وعجب الذنب أيضًا يبلى. وقوله: يبلى كل شيء من الإنسان عامّ يخصّ منه الأنبياء لأن الأرض لا تأكل أجسادهم، وقد ألحق ابن عبد البر بهم الشهداء والقرطبي المؤذن المحتسب.

[40] سورة المؤمن

[40] سورة الْمُؤْمِنُ قَالَ مُجَاهِدٌ: حم مَجَازُهَا مَجَازُ أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَيُقَالُ: بَلْ هُوَ اسْمٌ لِقَوْلِ شُرَيْحِ بْنِ أَبِي أَوْفَى الْعَبْسِيِّ: يُذَكِّرُنِى حَامِيمَ وَالرُّمْحُ شَاجِرٌ ... فَهَلاَّ تَلاَ حَامِيمَ قَبْلَ التَّقَدُّمِ {الطَّوْلُ}: التَّفَضُّلُ. {دَاخِرِينَ}: خَاضِعِينَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِلَى النَّجَاةِ}: الإِيمَانِ. لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ: يَعْنِي الْوَثَنَ. {يُسْجَرُونَ}: تُوقَدُ بِهِمِ النَّارُ. {تَمْرَحُونَ}: تَبْطَرُونَ. وَكَانَ الْعَلاَءُ بْنُ زِيَادٍ يُذَكِّرُ النَّارَ، فَقَالَ رَجُلٌ: لِمَ تُقَنِّطُ النَّاسَ؟ قَالَ: وَأَنَا أَقْدِرُ أَنْ أُقَنِّطَ النَّاسَ؟ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53] وَيَقُولُ: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} [غافر: 43] وَلَكِنَّكُمْ تُحِبُّونَ أَنْ تُبَشَّرُوا بِالْجَنَّةِ عَلَى مَسَاوِئِ أَعْمَالِكُمْ. وَإِنَّمَا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُبَشِّرًا بِالْجَنَّةِ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَمُنْذِرًا بِالنَّارِ مَنْ عَصَاهُ. ([40] سورة المؤمن) مكية وآيها خمس أو ثمان وثمانون. (قال مجاهد: حم مجازها) أي حم ولأبي ذر والأصيلي سورة المؤمن ولغيرهما حم ولأبي ذر بسم الله الرحمن الرحيم قال البخاري ويقال حم مجازها (مجاز أوائل السور) أي حكمها حكم الأحرف المقطعة في أوائل السور، فكل ما يقال في الم وص يقال في حم. وقد اختلف في هذه الحروف المقطعة التي في أوائل السور على أكثر من ثلاثين قولًا. فقيل هي علم مستور وسر محجوب استأثر الله بعلمه، وقال الصديق لله في كل كتاب سر وسره في القرآن أوائل السور، وعن عليّ لكل كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التهجّي، وذهب آخرون إلى أن المراد منها معلوم فيقال مما رُوِيَ عن ابن عباس في الم الألف إشارة إلى الأحدية واللام إلى لطفه والميم إلى ملكه، ويقال بعضها يدل على أسماء الذات وبعضها على أسماء الصفات، ويقال في "الم" أنا الله أعلم، وفي "المص" أنا الله أفصل وفي "الر" أنا الله أرى. (ويقال) ولأبي ذر فيقال في حم (بل هو اسم) أي من أسماء القرآن أو اسم للسورة كغيرها من الفواتح واختاره كثير من المحققين (لقول شريح بن أبي أوفى) بإثبات أبي في الفرع كغيره ونسبها في الفتح لرواية القابسي وقال إن ذلك خطأ والصواب إسقاطها فيصير شريح بن أبي أوفى (للعبسي) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة بعدها مهملة، وكان مع علي بن أبي طالب يوم الجمل. وكان على محمد بن طلحة بن عبيد الله عمامة سوداء فقال علي: لا تقتلوا صاحب العمامة السوداء فإنما أخرجه برّه لأبيه فلقيه شريح بن أبي أوفى فأهوى له بالرمح فتلا حم. فقتله فقال شريح: (يذكرني حاميم والرمح شاجر) بالشين المعجمة والجيم والجملة حالية والمعنى والرمح مشتبك مختلط (فهلا) حرف تحضيض (تلا) قرأ (حاميم قبل التقدم) أي إلى الحرب. وقال الكرماني: وجه الاستدلال به هو أنه أعربه ولو لم يكن اسمًا لما دخل عليه الإعراب اهـ. وبذلك قرأ عيسى بن عمر وهي تحتمل وجهين أنها منصوبة بفعل مقدّر أي اقرأ حم ومنعت من الصرف للعلمية والتأنيث أو العلمية وشبه المعجمة لأنه ليس في الأوزان العربية وزن فاعيل بخلاف الأعجمية نحو قابيل وهابيل أو أنها حركة بناء تخفيفًا كأين وكيف قيل كان مراد محمد بن طلحة بقوله أذكرك حم قوله تعالى في حم عسق {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودّة في القربى} [الشورى: 23] كأنه يذكره بقرابته ليكون ذلك دافعًا له عن قتله. ({الطول}) في قوله تعالى: {شديد العقاب ذي الطول} [غافر: 3] هو (التفضل). وقال قتادة النعم وأصله الإنعام الذي تطول مدته على صاحبه. ({داخرين}) في قوله تعالى: {سيدخلون جهنم داخرين} [غافر: 60] قال أبو عبيدة أي (خاضعين) وقال السدي: صاغرين ذليلين. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح ({إلى النجاة}) في قوله تعالى: {ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة} [غافر: 41] هي (الإيمان) المنجي من النار (ليس له دعوة يعني الوثن) الذي تعبدونه من دون الله تعالى ليست له استجابة دعوة أو ليست له عبادة في الدنيا لأن الوثن لا يدّعي ربوبية ولا يدعو إلى عبادته وفي الآخرة يتبرأ من عابديه ({يسجرون}) في قوله: {ثم في النار يسجرون} [غافر: 72] أي (توقد بهم النار) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي وهو كقوله تعالى: {وقودها الناس والحجارة} [البقرة: 24]. ({تمرحون}) في قوله تعالى: {ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون} [غافر: 75] أي (تبطرون) وفي قوله: تفرحون وتمرحون التجنيس المحرّف وهو أن يقع الفرق بين اللفظين بحرف. (وكان العلاء بن زياد) العدوي البصري التابعي الزاهد وليس له في البخاري إلا هذا (يذكر) بفتح أوله وتخفيف الكاف ولأبي ذر يذكر بضم أوله وتشديد الكاف مصحّحًا عليها في الفرع كأصله ولم يذكر الحافظ ابن حجر غيرها. وقال في انتقاض الاعتراض: إنها الرواية، واعترض العيني ابن حجر في التشديد وصحّح التخفيف أي يخوف الناس (النار)، فهو على حذف أحد المفعولين (فقال) له (رجل) لم يعرف

[41] سورة حم السجدة

الحافظ ابن حجر اسمه مستفهمًا (لم تقنط الناس) أي من رحمة الله (قال) ولأبي ذر فقال: (وأنا أقدر أن أقنط الناس والله عز وجل يقول: ({يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله}) [الزمر: 53] ويقول: ({وأن المسرفين}) في الضلالة والطغيان كالإشراك وسفك الدماء ({هم أصحاب النار}) [غافر: 43] أي مُلازموها (ولكنكم) وللأصيلي ولكن (تحبون أن تبشروا بالجنة) بفتح الموحدة والمعجمة مبنيًّا للمفعول (على مساوي أعمالكم، وإنما بعث الله محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مبشرًا بالجنة لمن أطاعه ومنذرًا) بضم الميم وكسر المعجمة وللأصيلي وينذر بلفظ المضارع (بالنار من) ولأبي ذر عن المستملي: لمن (عصاه). 4815 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: 28]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا الوليد بن مسلم) الدمشقي قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن (قال: حدّثني) بالإفراد (يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة صالح اليمامي الطائي ولأبي ذر والأصيلي عن يحيى بن أبي كثير قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن إبراهيم التيمي) نسبة إلى تيم قريش المدني قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (عروة بن الزبير) بن العوّام أنه (قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أخبرني بأشد ما صنع المشركون) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ما صنعه المشركون (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: بينا) بغير ميم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي بفناء الكعبة) بكسر الفاء (إذ أقبل عقبة بن أبي معيط) الأموي المقتول كافرًا بعد انصرافه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بدر بيوم (فأخذ بمنكب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الميم وكسر القاف (ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقًا) ولأبي ذر: فخنقه به خنقًا والنون من خنقًا ساكنة في الروايتين في اليونينية وفرعها ومكسورة في بعضها (شديدًا، فأقبل أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (فأخذ بمنكبه ودفع) عقبة (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال) وللأصيلي ثم قال أي مستفهمًا استفهامًا إنكاريًا ({أتقتلون رجلًا}) كراهية ({أن يقول ربي الله}) أو لأن يقول ({وقد جاءكم بالبينات من ربكم}) [غافر: 28] جملة حالية. قال جعفر بن محمد: كان أبو بكر خيرًا من مؤمن آل فرعون لأنه كان يكتم إيمانه. وقال أبو بكر جهارًا: أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله، وقال غيره: إن أبا بكر أفضل من مؤمن آل فرعون لأن ذلك اقتصر حيث انتصر على اللسان، وأما أبو بكر -رضي الله عنه- فاتبع اللسان يدًا ونصر بالقول والفعل محمدًا. وهذا الحديث ذكره المؤلّف في مناقب أبي بكر، وفي باب ما لقي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه من المشركين بمكة. [41] سورة حم السَّجْدَةِ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَقَالَ طَاوُسٌ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {ائْتِيَا طَوْعًا}: أَعْطِيَا. {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}: أَعْطَيْنَا. وَقَالَ الْمِنْهَالُ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ، قَالَ: {فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ}:. {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}، {وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا رَبَّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الآيَةِ وَقَالَ: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} إِلَى قَوْلِهِ: {دَحَاهَا} فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} -إِلَى- {طَائِعِينَ} فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْقَ الأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} {عَزِيزًا حَكِيمًا} {سَمِيعًا بَصِيرًا} فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى، فَقَالَ: {فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} فِي النَّفْخَةِ الأُولَى، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ. ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الآخِرَةِ {أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} وَأَمَّا قَوْلُهُ: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} {وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ} فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لأَهْلِ الإِخْلاَصِ ذُنُوبَهُمْ. وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: تَعَالَوْا نَقُولُ لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ، فَخَتَمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فَتَنْطِقُ أَيْدِيهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ اللَّهَ لاَ يُكْتَمُ حَدِيثًا، وَعِنْدَهُ {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآيَةَ وَخَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ثُمَّ دَحَا الأَرْضَ، وَدَحْوُهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَالْجِمَالَ وَالآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {دَحَاهَا} وَقَوْلُهُ: {خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} فَجُعِلَتِ الأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَخُلِقَتِ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} سَمَّى نَفْسَهُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلاَّ أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ فَلاَ يَخْتَلِفْ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ فَإِنَّ كُلاًّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. ([41] سورة حم السجدة) مكية وآيها خمسون وثنتان أو ثلاث أو أربع ولأبي ذر: سورة حم السجدة (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر (وقال طاوس) فيما وصله الطبري وابن أبي حاتم بإسناد على شرط المؤلّف (عن ابن عباس {ائتيا طوعًا}) زاد أبو ذر والأصيلي {أو كرهًا} أي (أعطيا) بكسر الطاء ({قالتا أتينا طائعين}) [فصلت: 11] أي (أعطينا) استشكل هذا التفسير لأن ائتيا وأتينا بالقصر من المجيء فكيف يفسر بالإعطاء وإنما يفسر به نحو قولك آتيت زيدًا مالًا بمد همزة القطع وهمزة ائتيا همزة وصل. وأجيب: بأن ابن عباس ومجاهدًا وابن جبير قرؤوا آتيا قالتا آتينا بالمد فيهما وفيه وجهان. أحدهما: أنه من المؤاتاة وهي الموافقة أي لتوافق كلٍّ منهما الأخرى لما يليق بها وإليه ذهب الرازي والزمخشري فوزن آتيا فاعلًا كقاتلا وآتينا فاعلنا كقاتلنا، والثاني: أنه من الإيتاء بمعنى الإعطاء فوزن آتيا افعلا كأكرما ووزن آتينا أفعلنا ككرمنا، فعلى الأوّل يكون قد حذف مفعولًا، وعلى الثاني مفعولين إذ التقدير أعطيا الطاعة من أنفسكما من أمركما: قالتا أتينا الطاعة وفي مجيء طائعين مجيء جمع المذكرين العقلاء وجهان. أحدهما: أن المراد بآتينا من فيهما من العقلاء وغيرهم فلذا غلب العقلاء على غيرهم. الثاني: أنه لما عاملهما معاملة العقلاء في الإخبار

عنهما والأمر لهما جمعهما كجمعهم كقوله رأيتهم لي ساجدين وهل هذه المحاورة حقيقة أو مجاز وإذا كانت مجازًا فهل هو تمثيل أو تخييل خلاف. (وقال المنهال): بكسر الميم وسكون النون ابن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي وثّقه ابن معين والنسائي وغيرهما (عن سعيد) وللأصيلي عن سعيد بن جبير أنه (قال: قال رجل) هو نافع بن الأزرق الذي صار بعد ذلك رأس الأزارقة من الخوارج (لابن عباس) -رضي الله عنهما- وكان يجالسه بمكة ويسأله ويعارضه (إني أجد في القرآن أشياء مختلف عليّ) لما بين ظواهرها من التدافع زاد عبد الرزاق فقال ابن عباس: ما هو أشك في القرآن؟ قال: ليس بشك ولكنه اختلاف، فقال: هات ما اختلف عليك من ذلك (قال: {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون}) [المؤمنون: 101] وقال: ({وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون}) [الصافات: 27] فإن بين قوله ولا يتساءلون وبين يتساءلون تدافعًا نفيًا وإثباتًا. وقال تعالى ({ولا يكتمون الله حديثًا}) [النساء: 42] وقوله: ({ربنا}) ولأبي ذر والله ربنا ({ما كنا مشركين}) [الأنعام: 23] (فقد كتموا في هذه الآية) كونهم مشركين وعلم من الأولى أنهم لا يكتمون الله حديثًا (وقال: {أم السماء بناها} إلى قوله) تعالى: ({دحاها}) [النازعات: 27] (فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض) في هذه الآية (ثم قال) في سورة السجدة: ({أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) -إلى- ({طائعين}) [فصلت: 9 - 11] وللأصيلي وابن عساكر إلى قوله طائعين (فذكر في هذه) الآية (خلق الأرض قبل السماء) وللأصيلي قبل خلق السماء والتدافع ظاهر (وقال تعالى: {وكان الله غفورًا رحيمًا}) وقال كان الله ({عريزًا حكيمًا}) وكان الله ({سميعًا بصيرًا} فكأنه كان) موصوفًا بهذه الصفات (ثم مضى) أي تغير عن ذلك (فقال) أي ابن عباس مجيبًا عن ذلك، أما قوله تعالى: ({فلا أنساب بينهم}) أي (في النفخة الأولى ثم ينفخ في الصور فصعق مَن في السماوات ومَن في الأرض إلا مَن شاء الله فلا أنساب بينهم عند ذلك) تنفعهم لزوال التعاطف والتراحم من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة بحيث يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه قال: لا نسب اليوم ولا خلة ... اتسع الخرق على الراقع وليس المراد قطع النسب (ولا يتساءلون) لاشتغال كلٌّ بنفسه (ثم في النفخة الآخرة {أقبل بعضهم على بعض يتساءلون}) فلا تناقض والحاصل أن للقيامة أحوالًا ومواطن ففي موطن يشتد عليهم الخوف فيشغلهم عن التساؤل وفي موطن يفيقون فيتساءلون (وأما قوله) تعالى: ({ما كنا مشركين}) وقوله تعالى: ({ولا يكتمون الله}) زاد أبو ذر والأصيلي وابن عساكر حديثًا (فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم، وقال المشركون) ولأبي ذر فقال المشركون بالفاء بدل الواو (تعالوا نقول لم نكن مشركين فختم) بضم الخاء المعجمة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر فختم بفتحات مبنيًّا للفاعل (على أفواههم فتنطق أيديهم فعند ذلك) أي عند نطق أيديهم (عرف) بضم العين وكسر الراء وللأصيلي عرفوا بفتحهما والجمع (إن الله لا يكتم حديثًا) بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (وعنده {يودّ الذين كفروا} [الحجر: 2] الآية) إلى ولا يكتمون الله حديثًا والحاصل أنهم يكتمون بألسنتهم فتنطق أيديهم وجوارحهم (وخلق الأرض في) مقدار (يومين) أي غير مدحوّة (ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسوّاهن في يومين آخرين ثم دحا الأرض) بعد ذلك في يومين (ودحوها) وللأصيلي وابن عساكر ودحيها بالمثناة التحتية بدل الواو ولأبي ذر ودحاها أي (أن أخرج) أي بأن أخرج (منها الماء والمرعى وخلق الجبال والجمال) بكسر الجيم الإبل (والآكام) بفتح الهمزة جمع أكمة بفتحتين ما ارتفع من الأرض كالتل والرابية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي والأكوام جمع كوم (وما بينهما في يومين آخرين فذلك قوله) تعالى: ({دحاها} و) أما (قوله: {خلق الأرض في يومين} فجعلت الأرض) ولأبي ذر عن الكشميهني: فخلقت

الأرض (وما فيها من شيء في أربعة أيام وخلقت السماوات في يومين) والحاصل أن خلق نفس الأرض قبل خلق السماء ودحوها بعده ({وكان الله غفورًا}) وزاد أبو ذر والأصيلي: رحيمًا (سمى نفسه) أي ذاته (ذلك) وهذه تسمية مضت وللأصيلي بذلك (و) أما (ذلك) أي (قوله) ما قال من الغفرانية والرحيمية (أي لم يزل كذلك) لا ينقطع (فإن الله لم يرد) أن يرحم (شيئًا) أو يغفر له (إلا أصاب به الذي أراد) قطعًا (فلا يختلف) بالجزم على النهي (عليك القرآن فإن كلاًّ من عند الله). وعند ابن أبي حاتم فقال له ابن عباس: هل بقي في قلبك شيء أنه ليس من القرآن شيء إلا نزل فيه شيء ولكن لا تعلمون وجهه. 0000 - حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنِ الْمِنْهَالِ بِهَذَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَمْنُونٍ}: مَحْسُوبٍ. {أَقْوَاتَهَا}: أَرْزَاقَهَا. فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا: مِمَّا أَمَرَ بِهِ. {نَحِسَاتٍ}: مَشَاييمَ. {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ}: قَرَنَّاهُمْ بِهِمْ. {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ}: عِنْدَ الْمَوْتِ. {اهْتَزَّتْ}: بِالنَّبَاتِ، وَرَبَتْ: ارْتَفَعَتْ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَكْمَامِهَا حِينَ تَطْلُعُ. {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي}: بِعَمَلِي، أي أَنَا مَحْقُوقٌ بِهَذَا. سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ: قَدَّرَهَا سَوَاءً. {فَهَدَيْنَاهُمْ}: دَلَلْنَاهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَقَوْلِهِ: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}: وَكَقَوْلِهِ: {هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ}. وَالْهُدَى الَّذِي هُوَ الإِرْشَادُ بِمَنْزِلَةِ أَسْعَدْنَاهُ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}. {يُوزَعُونَ}: يُكَفَّوْنَ. {مِنْ أَكْمَامِهَا}: قِشْرُ الْكُفُرَّى، هِيَ الْكُمُّ. {وَلِيٌّ حَمِيمٌ}: الْقَرِيبُ. {مِنْ مَحِيصٍ}: حَاصَ عنه حَادَ. {مِرْيَةٍ} وَ {مُرْيَةٍ} وَاحِدٌ أَيِ امْتِرَاءٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ. {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}: الْوَعِيدُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}: الصَّبْرُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَالْعَفْوُ عِنْدَ الإِسَاءَةِ فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمَهُمُ اللَّهُ وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ {كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}. وهذا التعليق وصله المؤلّف حيث قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي الوقت: قال أبو عبد الله أي البخاري حدّثنيه أي الحديث السابق (يوسف بن عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين وتشديد التحتية ابن زريق التيمي الكوفي نزيل مصر وليس له في هذا الجامع إلا هذا قال: (حدّثنا عبيد الله بن عمرو) بضم العين في الأول مصغرًا وفتحها في الثاني الرقي بالراء والقاف (عن زيد بن أبي أنيسة) بضم الهمزة مصغرًا الحريري (عن المنهال) بن عمرو الأسدي المذكور (بهذا) الحديث السابق، قيل: وإنما غير البخاري سياق الإسناد عن ترتيبه المعهود إشارة إلى أنه ليس على شرطه وإن صارت صورته صورة الموصول، وهذا ثابت لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر في نسخة. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({ممنون}) ولأبي ذر والأصيلي {لهم أجر غير ممنون} [فصلت: 8] أي غير (محسوب) وقال ابن عباس غير مقطوع وقيل غير ممنون به عليهم. ({أقواتها}) في قوله تعالى: {وقدّر فيها أقواتها} [فصّلت: 10] قال مجاهد: (أرزاقها) أي من المطر فعلى هذا فالأقوات للأرض لا للسكان أي قدّر لكل أرض حظها من المطر وقيل أقواتًا تنشأ منها بأن خصّ حدوث كل قوت بقطر من أقطارها وقيل أرزاق أهلها وقال محمد بن كعب قدر أقوات الأبدان قبل أن يخلق الأبدان. (في كل سماء أمرها) قال مجاهد (مما أمر به) بفتح الهمزة والميم ولأبي ذر أمر بضم الهمزة وكسر الميم، وعن ابن عباس فيما رواه عنه عطاء خلق في كل سماء خلقها من الملائكة وما فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلمه إلا الله قال السدي فيما حكاه عنه في اللباب، ولله في كل سماء بيت يحج إليه وتطوف به الملائكة كل واحد منها مقابل الكعبة بحيث لو وقعت منه حصاة لوقعت على الكعبة. ({نحسات}) بكسر الحاء في قراءة ابن عامر والكوفيين في قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا في أيام نحسات} [فصلت: 16] قال مجاهد أي (مشاييم) بفتح الميم والشين المعجمة وبعد الألف تحتيتان الأولى مكسورة والثانية ساكنة جمع مشومة أي من الشوم ونحسات نعت لأيام والجمع بالألف والتاء مطرد في صفة ما لا يعقل كأيام معدودات قيل كانت الأيام النحسات آخر شوّال من الأربعاء إلى الأربعاء وما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء. ({وقيضنا لهم قرناء}) [فصلت: 25] أي (قرناهم بهم) بفتح القاف والراء والنون المشددة وسقط هذا التفسير لغير الأصيلي والصواب إثبات إذ ليس للتالي تعلق به وقال الزجّاج سببنا لهم قيل قدرنا للكفرة قرناء أي نظراء من الشياطين يستولون عليهم استيلاء القيض على البيض وهو القشر حتى أضلّوهم وفيه دليل على أن الله تعالى يريد الكفر من الكافر. ({تنزل عليهم الملائكة}) [فصلت: 30] أي (عند الموت) وقال قتادة إذ قاموا من قبورهم وقال وكيع بن الجراح البشري تكون في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث. ({اهتزت}) في قوله: {فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت} [فصلت: 39] أي (بالنبات وربت) أي (ارتفعت) لأن النبت إذا قرب أن يظهر تحركت له الأرض وانتفخت ثم تصدعت عن النبات (وقال غيره) أي غير مجاهد في معنى وربت أي ارتفعت (من أكمامها) بفتح الهمزة جمع كم بالكسر (حين تطلع) بسكون الطاء وضم اللام. ({ليقولن هذا لي}) [فصلت: 50] أي (بعملي) بتقديم الميم على اللام أي (أنا محقوق

بهذا) أي مستحق لي بعلمي وعملي، وما علم الأبله أن أحدًا لا يستحق على الله شيئًا لأنه كان عاريًا من الفضائل فكلامه ظاهر الفساد وإن كان موصوفًا بشيء من الفضائل فهي إنما حصلت له بفضل الله وإحسانه واللام في ليقولن جواب القسم لسبقه الشرط وجواب الشرط محذوف وقال أبو البقاء ليقولن جواب الشرط والفاء محذوفة قال في الدرّ وهذا لا يجوز إلا في شعر كقوله: مَن يفعل الحسنات الله يشكرها حتى أن المبرّد يمنعه في الشعر ويروي البيت. مَن يفعل الخير فالرحمن يشكره (سواء للسائلين) ولأبي ذر والأصيلي وقال غيره أي غير مجاهد سواء للسائلين أي (قدرها سواء) وسواء نصب على المصدر أي استوت استواء. وقال السدي وقتادة: المعنى سواء لمن سأل عن الأمر واستفهم عن حقيقة وقوعه وأراد العبرة فيه فإنه يجده. ({فهديناهم}) في قوله: {وأما ثمود فهديناهم} [فصلت: 17] أي (دللناهم) دلالة مطلقة (على الخير والشر) على طريقهما (كقوله) تعالى في سورة البلد ({وهديناه النجدين}) أي طريق الخير والشر (وكقوله) تعالى في سورة الإنسان ({هديناه النجدين}) [الإنسان: 3] (و) أما (الهدى الذي هو الإرشاد) إلى البغية (بمنزلة) أي بمعنى (أصعدناه) بالصاد في الفرع كغيره ولأبوي ذر والوقت أسعدناه بالسين بدل الصاد قال السهيلي فيما نقله عنه الزركشي والبرماوي وابن حجر وغيرهم بالصاد أقرب إلى تفسير أرشدناه من أسعدناه بالسين لأنه إذا كان بالسين كان من السعد والسعادة ضد الشقاوة وأرشدت الرجل إلى الطريق وهديته السبيل بعيد من هذا التفسير، فإذا قلت أصعدناهم بالصاد خرج اللفظ إلى معنى الصعدات في قوله: إياكم والقعود على الصعدات وهي الطرق وكذلك أصعد في الأرض إذا سار فيها على قصد فإن كان البخاري قصد هذا وكتبها في نسخته بالصاد التفاتًا إلى حديث الصعدات فليس بمنكر. اهـ. قال الشيخ بدر الدين الدماميني: لا أدري ما الذي أبعد هذا التفسير مع قرب ظهوره فإن الهداية إلى السبيل والإرشاد إلى الطريق إسعاد لذلك الشخص المهدي إذ سلوكه في الطريق مُفْضٍ إلى السعادة ومجانبته لها مما يؤدي إلى ضلاله وهلاكه. وأما قوله فإذا قلت: أصعدناه بالصاد الخ ففيه تكلّف لا داعي له وما في النسخ صحيح بدونه. اهـ. (من ذلك) ولأبي ذر ومن ذلك أي من الهداية التي بمعنى الدلالة الموصلة إلى البغية التي عبّر عنها المؤلّف الإرشاد والإسعاد (قوله) تعالى بالأنعام: ({أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}) [الأنعام: 90] ونحوه مما هو كثير في القرآن. ({يوزعون}) في قوله تعالى: {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون} [فصلت: 19] أي (يكفون) بفتح الكاف بعد الضم أي يوقف سوابقهم حتى يصل إليهم تواليهم وهو معنى قول السدّي يحبس أوّلهم على آخرهم ليتلاحقوا. ({من أكمامها}) في قوله تعالى: {إليه يردّ علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها} [فصلت: 47] هو (قشر الكفرّى) بضم الكاف وضم الفاء وفتحها وتشديد الراء وعاء الطلع قال ابن عباس قبل أن ينشق (هي الكم) بضم الكاف. وقال الراغب: الكم ما يغطي اليد من القميص وما يغطي الثمرة وجمعه أكمام وهذا يدل على أنه مضموم الكاف إذ جعله مشتركًا بين كم القميص وبين كم الثمرة ولا خلاف في كم القميص أنه بالضم وضبط الزمخشري كم الثمرة بكسر الكاف فيجوز أن يكون فيه لغتان دون كم القميص جمعًا بين القولين (وقال غيره: ويقال للعنب إذا خرج أيضًا كافور وكفرى) قاله الأصمعي وهذا ساقط لغير المستملي ووعاء كل شيء كافوره ({ولي حميم}) أي الصديق (القريب) وللأصيلي قريب. ({من محيص}) في قوله تعالى: {وظنوا ما لهم من محيص} [فصلت: 48] يقال (حاص عنه حاد) والأصيلي أي حاد وزاد أبو ذر عنه والمعنى أنهم أيقنوا أن لا مهرب لهم من النار. ({مرية}) بكسر الميم في قوله تعالى: (ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم} [فصلت: 54] ({ومرية}) بضمها في قراءة الحسن لغتان كخفية وخفية ومعناهما (واحد أي امتراء) أي في شك من البعث والقيامة.

1 - باب قوله: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون}

(وقال مجاهد) فيما وصله عبد بن حميد ({اعملوا ما شئتم}) معناه (الوعيد) وللأصيلي هي وعيد. (وقال ابن عباس) فيما وصله الطبري ({بالتي}) ولأبي ذر ({ادفع بالتي هي أحسن}) [فصلت: 34] الصبر عند الغضب والعفو (عند الإساءة فإذا فعلوه) أي الصبر والعفو (عصمهم الله وخضع لهم عدوّهم) وصار بينه وبينهم عداوة ({كأنه ولي حميم}) أي كالصديق القريب وسقط لأبي ذر كأنه وليٌّ حميم ولغيره ادفع من قوله ادفع بالتي. 1 - باب قَوْلِهِ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ} (باب قوله: {وما كنتم}) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله: {وما كنتم (تستترون}) تستخفون عند ارتكاب القبائح خيفة أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم لأنكم تنكرون البعث والقيامة ولكن ذلك الاستتار لأجل أنكم ({ظننتم أن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون}) [فصلت: 22] من الأعمال التي تخفونها فلذلك اجترأتم على ما فعلتم وفيه تنبيه على أن المؤمن ينبغي أن يتحقق أنه لا يمرّ عليه حال إلا وعليه رقيب وسقط قوله ولا أبصاركم الخ للأصيلي ولأبي ذر ولا جلودكم الخ وقالا الآية. 4816 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ} [فصلت: 22] الآيَةَ، كَانَ رَجُلاَنِ مِنْ قُرَيْشٍ وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ ثَقِيفَ أَوْ رَجُلاَنِ مِنْ ثَقِيفَ وَخَتَنٌ لَهُمَا مِنْ قُرَيْشٍ فِي بَيْتٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَتُرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ حَدِيثَنَا؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَسْمَعُ بَعْضَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَئِنْ كَانَ يَسْمَعُ بَعْضَهُ لَقَدْ يَسْمَعُ كُلَّهُ، فَأُنْزِلَتْ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ} [فصلت: 22] الآيَةَ. [الحديث 4816 - طرفاه في 4817، 7521]. وبه قال: (حدّثنا الصلت بن محمد) بفتح الصاد المهملة وبعد اللام الساكنة مثناة فوقية الخاركي بالخاء المعجمة والراء المفتوحتين والكاف قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي مصغرًا ابن الحارث البصري (عن روح بن القاسم) بفتح الراء وبعد الواو الساكنة حاء مهملة العنبري بالنون والموحدة (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن أبي معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة عبد الله بن سخبرة الكوفي (عن ابن مسعود) رضي الله عنه أنه قال في تفسير قوله تعالى: ({وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم} الآية) وزاد أبو ذر بعد قوله سمعكم ولا أبصاركم وسقط للأصيلي أن يشهد الخ (كان) ولأبوي ذر والوقت قال بدل كان وللأصيلي وقال في نسخة قال: كان (رجلان من قريش) صفوان وربيعة ابنا أمية بن خلف ذكره الثعلبي وتبعه البغوي (وختن لهما) بفتح الخاء المعجمة والفوقية بعدها نون كل من كان من قبل المرأة كالأب والأخ وهم الأختان (من ثقيف) وفي نسخة من ثقيف بالخفض منوّنًا وهو عبد ياليل بن عمرو بن عمير رواه البغوي في تفسيره وقيل حبيب بن عمرو حكاه ابن الجوزي وقيل الأخنس بن شريق حكاه ابن بشكوال (أو رجلان من ثقيف) وفي نسخة ثقيف بالجر والتنوين (وختن لهما من قريش في بيت) الشك من أبي معمر الراوي عن ابن مسعود، وأخرجه عبد الرزاق من طريق وهب بن ربيعة عن ابن مسعود بلفظ ثقفي وختناه قرشيان فلم يشك، وأخرجه مسلم من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود فقال ثلاثة نفر ولم ينسبهم، وعند ابن بشكوال القرشي الأسود بن عبد يغوث الزهري والثقفيان الأخنس بن شريق والآخر لم يسم (فقال بعضهم لبعض: أترون) بضم المثناة الفوقية (أن الله يسمع حديثنا؟ قال بعضهم): ولأبي ذر فقال بزيادة فاء وللأصيلي وابن عساكر وقال بالواو بدل الفاء (يسمع بعضه) أي ما جهرنا به (وقال بعضهم: لئن كان يسمع بعضه لقد يسمع كله) وبيان الملازمة كما قاله الكرماني أن نسبة جميع المسموعات إليه واحدة فالتخصيص تحكم (فأنزلت {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم} الآية). وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التوحيد ومسلم في التوبة والترمذي في التفسير وكذا النسائي. 2 - باب {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم}) أنه لا يعلم كثيرًا مما تعملون ({أرداكم}) أي أهلككم أو طرحكم في النار ({فأصبحتم من الخاسرين}) [فصلت: 23] سقط لغير الأصيلي قوله الذي ظننتم الخ. 4817 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ، قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ. فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتُرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ قَالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلاَ يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا، وَقَالَ الآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ} [فصلت: 22] الآيَةَ. وَكَانَ سُفْيَانُ يُحَدِّثُنَا بِهَذَا فَيَقُولُ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ أَوِ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَوْ حُمَيْدٌ، أَحَدُهُمْ أَوِ اثْنَانِ مِنْهُمْ، ثُمَّ ثَبَتَ عَلَى مَنْصُورٍ، وَتَرَكَ ذَلِكَ مِرَارًا غَيْرَ وَاحِدَةٍ. قَوْلُهُ: {فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [فصلت: 24] الآيَةَ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا منصور) هو ابن المعتمر (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة (عن عبد الله) هو ابن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: اجتمع عند البيت) الحرام (قرشيان وثقفي أو ثقفيان وقرشي) بالشك وتقدم قريبًا أسماؤهم (كثيرة)

[42] سورة حم عسق

بالتنوين (شحم بطونهم) بإضافة بطون لشحم (قليلة) بالتنوين (فقه قلوبهم) بإضافة قلوب لفقه والتاء في كثيرة وقليلة. قال الكرماني: إما أن يكون الشحم مبتدأ واكتسب التأنيث من المضاف إليه وكثيرة خبره وإما أن تكون التاء للمبالغة نحو رجل علاّمة وفيه إشارة إلى أن الفطنة قلما تكون مع البطنة (فقال أحدهم: أترون) بضم التاء (أن الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا، وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا) قال في الفتح: فيه إشعار بأن هذا الثالث أفطن أصحابه وأخلق به أن يكون الأخنس بن شريق لأنه أسلم بعد ذل وكذا صفوان بن أمية (فأنزل الله عز وجل: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم} الآية) إلى آخرها. قال الحميدي عبد الله بن الزبير (وكان سفيان) بن عيينة (يحدّثنا بهذا) الحديث (فيقول: حدّثنا منصور) هو ابن المعتمر (أو ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة مهملة عبد الله (أو حميد) بضم الحاء مصغرًا ابن قيس أبو صفوان الأعرج مولى عبد الله بن الزبير (أحدهم أو اثنان منهم ثم ثبت على منصور وترك ذلك مرارًا غير واحدة) وللأصيلي غير مرة واحدة. (قوله) تعالى: ({فإن يصبروا فالنار مثوى لهم}) [فصلت: 24] (الآية) أي سكن لهم أي إن أمسكوا عن الاستغاثة لفرج ينتظرونه لم يجدوا ذلك وتكون النار مقامًا لهم وسقطت الآية كلها لأبي ذر. 0000 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِنَحْوِهِ. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن بحر الصيرفي البصري قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن سعيد القطان قال: (حدّثنا سفيان الثوري قال: حدّثني) بالإفراد (منصور) هو ابن المعتمر (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة (عن عبد الله) هو ابن مسعود (بنحوه) أي بنحو الحديث السابق ولأبي ذر والأصيلي نحوه بإسقاط حرف الجر. [42] سورة حم عسق وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {عَقِيمًا}: لاَ تَلِدُ. {رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}: الْقُرْآنُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ}: نَسْلٌ بَعْدَ نَسْلٍ. {لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا}: لاَ خُصُومَةَ. طَرْفٍ خَفِيٍّ: ذَلِيلٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ: يَتَحَرَّكْنَ وَلاَ يَجْرِينَ فِي الْبَحْرِ. {شَرَعُوا}: ابْتَدَعُوا. ([42] سورة حم عسق) مكية ثلاث وخمسون آية. (ويذكر) بضم أوله وفتح ثالثه ولأبي ذر بسم الله الرحمن الرحيم قال البخاري: يذكر بإسقاط العاطف (عن ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم والطبري ({عقيمًا}) في قوله: {ويجعل من يشاء عقيمًا} [الشورى: 50] أي (لا تلد) ولأبي ذر التي لا تلد. ({روحًا من أمرنا}) [الشورى: 52] قال ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم هو (القرآن) لأن القلوب تحيا به. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({يذرؤكم فيه}) [الشورى: 11] بالذال المعجمة (نسل بعد نسل) أي يخلقكم في الرحمن وقال القتبي أي في الروح وخطأ من قال في الرحم لأنها مؤنثة. ({لا حجة بيننا}) [الشورى: 15] أي (لا خصومة) ولأبي ذر لا حجة بيننا وبينكم لا خصومة بيننا وبينكم. قال في اللباب: وهذه الآية نسختها آية القتال، وقال في الأنوار: لا حجة بيننا وبينكم لا حجاج بمعنى لا خصومة إذ الحق قد ظهر ولم يبق للمحاجة مجال ولا للخلاف مبدأ سوى العناد وليس في الآية ما يدل على متاركة الكفار رأسًا حتى تكون منسوخة بآية القتال. (طرف) ولأبي ذر من طرف (خفي) أي (ذليل) بالمعجمة كما ينظر المصبور إلى السيف؛ فإن قلت: إنه تعالى قال في صفة الكفار إنهم يحشرون عميًا، وقال هنا ينظرون من طرف خفي؟ أجيب: بأنه لعلهم يكونون في الابتداء كذلك ثم يصيرون عميًا. (وقال غيره) غير مجاهد: (فيظللن رواكد على ظهره) أي (يتحركن) يعني يضطربن بالأمواج (ولا يجرين في البحر) لسكون الريح وقول صاحب المصابيح كأنه سقط منه لا يعني قبل يتحركن ولهذا فسر رواكد بسواكن يندفع بما سبق. ({شرعوا}) في قوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين} [الشورى: 21] أي (ابتدعوا) وهذا قول أبي عبيدة وهذا ساقط لأبي ذر. 1 - باب قَوْلِهِ: {إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (باب قوله) تعالى: ({إلا المودة في القربى}) [الشورى: 23] أي أن تودّوني لقرابتي منكم أو تودوا أهل قرابتي وقيل الاستثناء منقطع إذ ليست المودة من جنس الأجر

[43] سورة حم الزخرف

والمعنى: لا أسألكم أجرًا قطّ ولكن أسألكم المودة وفي القربى حال منها أي إلا المودة ثابتة في ذوي القربى متمكّنة في أهلها أو في حق القرابة ومن أجلها قاله في الأنوار، فإن قلت: لا نزاع أنه لا يجوز طلب الأجر على تبليغ الوحي. أجيب بأنه من باب قوله: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب يعني: أنا لا أطلب منكم إلا هذا وهذا في الحقيقة ليس أجرًا لأن حصول المودّة بين المسلمين أمر واجب وإذا كان كذلك فهو في حق أشرف الخلق أولى فقوله: {إلا المودة في القربى} تقديره والمودة في القربى ليست أجرًا فرجع الحاصل إلى أنه لا أجر البتة. 4818 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ طَاوُسًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجِلْتَ، إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلاَّ كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ، فَقَالَ: "إِلاَّ أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ". وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) العبدي البصري أبو بكر بندار قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري المعروف بغندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك بن ميسرة) ضد الميمنة الهلالي الكوفي أنه (قال سمعت طاوسًا) هو ابن كيسان اليماني (عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه سئل عن قوله) تعالى: ({إلا المودة في القربى} فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فحمل الآية على أمر المخاطبين بأن يوادّوا أقاربه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو عام لجميع المكلفين (فقال ابن عباس) لسعيد (عجلت) بفتح العين وكسر الجيم وسكون اللام أي أسرعت في تفسيرها (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال): (إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة) فحمل الآية على أن توادّوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أجل القرابة التي بينه وبينكم فهو خاص بقريش ويؤيده أن السورة مكية، وأما حديث ابن عباس أيضًا عند ابن أبي حاتم قال: لما نزلت هذه الآية {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى} [الشورى: 23] قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين أمر الله بمودّتهم؟ قال: فاطمة وولدها عليهم السلام. فقال ابن كثير: إسناده ضعيف فيه متهم لا يعرف إلا عن شيخ شيعي مخترق وهو حسين الأشقر ولا يقبل خبره في هذا المحل، والآية مكية ولم يكن إذ ذاك لفاطمة أولاد بالكلية فإنها لم تتزوج بعلي إلا بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة وتفسير الآية بما فسر به حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس أحق وأولى، ولا تنكر الوصاة بأهل البيت واحترامهم وإكرامهم إذ هم من الذرية الطاهرة التي هي أشرف بيت وجد على الأرض فخرًا وحسبًا ونسبًا ولا سيما إذا كانوا متبعين للسُّنّة الصحيحة كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه علي وآل بيته وذريته - رضي الله عنهم- أجمعين ونفعًا بمحبتهم. [43] سورة حم الزُّخْرُفِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {عَلَى أُمَّةٍ} عَلَى إِمَامٍ. {وَقِيلَهُ يَا رَبِّ} تَفْسِيرُهُ: أَيَحْسِبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَلاَ نَسْمَعُ قِيلَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَلَوْلاَ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً}: لَوْلاَ أَنْ جَعَلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ كُفَّارًا، لَجَعَلْتُ لِبُيُوتِ الْكُفَّارِ سَقْفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ مِنْ فِضَّةٍ. وَهْيَ دَرَجٌ، وَسُرُرُ فِضَّةٍ. {مُقْرِنِينَ}: مُطِيقِينَ. {آسَفُونَا}: أَسْخَطُونَا. {يَعْشُ}: يَعْمَى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ}: أَيْ تُكَذِّبُونَ بِالْقُرْآنِ ثُمَّ لاَ تُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ؟ {وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ}: سُنَّةُ الأَوَّلِينَ. {مُقْرِنِينَ}: يَعْنِي الإِبِلَ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ. {يَنْشَأُ فِي الْحِلْيَةِ}: الْجَوَارِي جَعَلْتُمُوهُنَّ لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا {فَكَيْفَ تَحْكُمُونَ}. {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} يَعْنُونَ الأَوْثَانَ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} الأَوْثَانُ، إِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ. {فِي عَقِبِهِ}: وَلَدِهِ. {مُقْتَرِنِينَ}: يَمْشُونَ مَعًا. {سَلَفًا}: قَوْمُ فِرْعَوْنَ سَلَفًا لِكُفَّارِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. {وَمَثَلًا}: عِبْرَةً. {يَصِدُّونَ}: يَضِجُّونَ. {مُبْرِمُونَ}: مُجْمِعُونَ. {أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}: أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ. {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} الْعَرَبُ تَقُولُ: نَحْنُ مِنْكَ الْبَرَاءُ وَالْخَلاَءُ، وَالْوَاحِدُ وَالاِثْنَانِ وَالْجَمِيعُ مِنَ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ يُقَالُ فِيهِ بَرَاءٌ لأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَلَوْ قَالَ: {بَرِيءٌ} لَقِيلَ فِي الاِثْنَيْنِ بَرِيئَانِ وَفِي الْجَمِيعِ بَرِيئُونَ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّنِي بَرِيءٌ بِالْيَاءِ. وَالزُّخْرُفُ الذَّهَبُ. {مَلاَئِكَةً يَخْلُفُونَ}: يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. قوله: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}. [43] سورة حم الزُّخْرُفِ مكية إلا قوله: {واسأل من أرسلنا} وآيها تسع وثمانون ولأبي ذر سورة حم الزخرف، وله ولابن عساكر بسم الله الرحمن الرحيم وسقطت لغيرهما. (وقال مجاهد) في قوله: ({على أمة})، من قوله: {إنّا وجدنا آباءنا على أمة} [الزخرف: 22] أي (على إمام) كذا فسره أبو عبيدة عند عبد بن حميد عن مجاهد على ملة وعن ابن عباس عند الطبري على دين. ({وقيله يا رب}) [الزخرف: 88] (تفسير: أيحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ولا نسمع قيلهم) وهذا يقتضي الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجمل كثيرة. قال الزركشي: فينبغي حمل كلامه على أنه أراد تفسير المعنى ويكون التقدير ويعلم قيله وهذا يرده ما حكاه السفاقسي من إنكار بعضهم لهذا وقال إنما يصح ذلك أن لو كانت التلاوة وقيلهم. اهـ. وقيل: عطف على مفعول يكتبون المحذوف أي يكتبون ذلك ويكتبون قيله كذا أو على مفعول يعلمون المحذوف أي يعلمون ذلك ويعلمون قيله أو أنه مصدر أي قال قيله أو بإضمار ْفعل أي الله يعلم قيل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاكيًا إلى ربه يا رب، وقرأ عاصم وحمزة بخفض اللام وكسر الهاء وصلتها بياء عطفًا على الساعة أي عنده علم قيله والقول والقال

والقيل بمعنى واحد جاءت المصادر على هذه الأوزان. (وقال) ولأبي ذر قال: (ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم والطبري من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله: ({ولولا أن يكون الناس أمة واحدة}) [الزخرف: 33] أي (لولا أن جعل) بلفظ الماضي وللأصيلي أن يجعل بصيغة المضارع بالياء التحتية ولأبي ذر وابن عساكر أن أجعل (الناس كفارًا لجعلت لبيوت الكفار) ولأبي ذر عن الحموي بيوت الكفار (سقفًا) بفتح السين وسكون القاف على إرادة الجنس وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير ولأبي ذر سقفًا بضمهما على الجمع وهي قراءة الباقين (من فضة ومعارج) جمع معرج (من فضة وهي درج وسرر فضة) جمع سرير وهل قوله من فضة يشمل المعارج والسّرر وعن الحسن فيما رواه الطبري من طريق عوف عنه قال كفارًا يميلون إلى الدنيا وقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل فكيف لو فعل وقال في الأنوار لولا أن يرغبوا في الكفر إذا رأوا الكفار في سعة وتنعمهم لحبهم الدنيا فيجتمعوا عليه لجعلنا. ({مقرنين}). في قوله تعالى: {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين} [الزخرف: 13] أي (مطيقين) من أقرن الشيء إذا أطاقه ومعنى الآية ليس عندنا من القوّة والطاقة أن نقرن هذه الدابة والفلك أو نضبطها فسبحان مَن سخر لنا هذا بقدرته وحكمته. ({آسفونا}) أي (أسخطونا) قاله ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم، وقيل أغضبونا بالإفراط في العناد والعصيان وهذا من المتشابهات فيؤوّل بإرادة العقاب. ({يعش}) بضم الشين قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم عن عكرمة عنه أي (يعمى) لكن قال أبو عبيدة من قرأ بضم الشين فمعناه أنه تظلم عينه ومن فتحها فمعناه تعمى عينه، وقال في الأنوار: {ومَن يعش عن ذكر الرحمن} [الزخرف: 36] يتعامى ويعرض عنه بفرط اشتغاله بالمحسوسات وانهماكه في الشهوات وقرئ يعش بالفتح أي يعمى يقال عشي إذا كان في بصره آفة وعشي إذا تعشى بلا آفة كعرج وعرج اهـ. وقول ابن المنير في الانتصاف وفي الآية نكتتان إحداهما أن النكرة في سياق الشرط تعم وفي ذلك اضطراب للأصوليين وإمام الحرمين يختار العموم وبعضهم حمل كلامه على العموم البدلي لا الاستغراقي، فإن كان مراده عموم الشمول فالآية حجة له من وجهين لأنه نكر الشيطان ولم يرد إلا الكل لأن كل إنسان له شيطان فكيف بالعاشي عن ذكر الله والثاني أنه أعاد الضمير مجموعًا في قوله: {وإنهم ليصدونهم عن السبيل} [الزخرف: 37] ولولا عموم الشمول لما جاز عود الضمير على واحد تعقبه العلاّمة البدر الدماميني فقال في كلٍّ من الوجهين اللذين أبداهما نظر، أما الأول فلا نسلم أنه أراد كل شيطان بل المقصود أنه قيض لكل فرد من العاشين عن ذكر الله شيطان واحد لا كل شيطان وذلك واضح، وأما الثاني فعود ضمير الجماعة على شيء ليس بينه وبين العموم الشمولي تلازم بوجه وعود الضمير في الآية بصيغة ضمير الجماعة إنما كان باعتبار تعدّد الشياطين المفهومة مما تقدم إذ معناه على ما قررناه أن كل عاش له شيطان فبهذا الاعتبار جاء التعديل فعاد الضمير كما يعود على الجماعة. (وقال مجاهد) مما وصله الفريابي في قوله: ({أفنضرب عنكم الذكر} [الزخرف: 5] أي تكذبون بالقرآن ثم لا تعاقبون عليه) وقال الكلبي أفنترككم سدّى لا نأمركم ولا ننهاكم. ({ومضى مثل الأوّلين}) [الزخرف: 8] أي (سُنّة الأوّلين) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي أيضًا. ({مقرنين}) وللأصيلي وما كنا له مقرنين (يعني الإبل والخيل والبنال والحمير) وهو تفسير للمراد بالضمير في له. ({ينشأ في الحلية}) أي (الجواري) اللاتي ينشأن في الزينة أي النبات (جعلتموهن) وللأصيلي وأبي ذر يقول جعلتموهن (للرحمن ولد {فكيف تحكمون}) بذلك ولا ترضونه لأنفسكم. ({لو شاء الرحمن ما عبدناهم}) [الزخرف: 20] (يعنون الأوثان) وقال قتادة يعنون الملائكة والمعنى وإنما لم يعجل عقوبتنا على عبادتنا إياهم لرضاه منا بعبادتها (يقول الله تعالى) وللأصيلي بقول الله تعالى بالموحدة ولأبي ذر وابن عساكر لقول الله عز وجل ({ما لهم

بذلك من علم}) أي (الأوثان أنهم لا يعلمون) نزل الأوثان منزلة مَن يعقل ونفى عنهم علم ما يصنع المشركون من عبادتهم وقيل الضمير للكفار أي ليس لهم علم ما ذكروهم من قولهم إن الله رضي عنا لعبادتنا وسقط للأصيلي أنهم. ({في عقبه}) أي (ولده) فيكون منهم أبدًا مَن يوحّد الله ويدعو إلى توحيده. ({مقترنين}) أي (يمشون معًا) قاله مجاهد أيضًا. ({سلفًا}) في قوله: {فجعلناهم سلفًا ومثلًا للآخرين} [الزخرف: 56] هم (قوم فرعون سلفًا لكفار أمة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {ومثلًا}) أي (عبرة) لهم. ({يصدّون}) بكسر الصاد أي (يضجون) وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بضم الصاد فقيل هما بمعنى واحد وهو الضجيج واللغط وقيل الضم من الصدود وهو الإعراض. ({مبرمون}) في قوله تعالى: {أم أبرموا أمرًا فإنا مبرمون} [الزخرف: 79] أي (مجمعون) وقيل محكمون. ({أوّل العابدين}) أي (أوّل المؤمنين) قاله مجاهد أيضًا. ({إنني}) ولأبي ذر والأصيلي وقال غيره أي غير مجاهد: إنني ({براء مما تعبدون}) [الزخرف: 26] (العرب تقول نحن منك البراء) منك (والخلاء) منك (والواحد والاثنان والجميع من المذكر والمؤنث يقال فيه براء) بلفظ واحد (لأنه مصدر) في الأصل وقع موقع الصفة وهي بريء (ولو قال) ولأبي ذر ولو قيل ({بريء} لقيل في الاثنين بريئان وفي الجميع بريئون}) وأهل نجد يقولون أنا بريء وهي بريئة ونحن برآء (وقرأ عبد الله) يعني ابن مسعود (إنني بريء بالياء) وصله الفضل بن شاذان في كتاب القراءة عنه. (والزخرف) في قوله: {ولبيوتهم أبوابًا وسررًا عليها يتكئون وزخرفًا} [الزخرف: 34] هو (الذهب) قاله قتادة وفي قراءة عبد الله بن مسعود أو يكون لك بيت من ذهب. ({ملائكة}) في قوله تعالى: {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض} [الزخرف: 60] ({يخلفون}) أي (يخلف بعضهم بعضًا) قاله قتادة فيما أخرجه عبد الرزاق وزاد في آخره مكان ابن آدم ومن في قوله منكم بمعنى بدل أي بدلكم أو تبعيضية أي لولدنا منكم يا رجال ملائكة في الأرض يخلفونكم كما تخلفكم أولادكم كما ولدنا عيسى من أُنثى دون ذكر. (قوله: {ونادوا}) ولأبي ذر باب بالتنوين ونادوا ({يا مالك ليقض علينا ربك}) ليمتنا لنستريح {قال} مالك مجيبًا لهم بعد ألف سنة أو أربعين أو مائة {إنكم ماكثون} [الزخرف: 77] مقيمون في العذاب لا خلاص لكم منه بموت ولا بغيره وسقط قوله قال إنكم ماكثون لغير أبي ذر وابن عساكر وقال الآية. 4819 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} وَقَالَ قَتَادَةُ: {مَثَلًا لِلآخِرِينَ} عِظَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {مُقْرِنِينَ} ضَابِطِينَ يُقَالُ: فُلاَنٌ مُقْرِنٌ لِفُلاَنٍ ضَابِطٌ لَهُ. وَالأَكْوَابُ: الأَبَارِيقُ الَّتِي لاَ خَرَاطِيمَ لَهَا. وقال قتادة: {في أم الكتاب} جملة الكتاب أصا الكتاب. {أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} أَيْ مَا كَانَ فَأَنَا أَوَّلُ الآنِفِينَ. وَهُمَا لُغَتَانِ، رَجُلٌ عَابِدٌ وَعَبِدٌ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ} وَيُقَالُ أَوَّلُ الْعَابِدِينَ الْجَاحِدِينَ. مِنْ عَبِدَ يَعْبَدُ {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} [الزخرف: 5] مُشْرِكِينَ وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ رُفِعَ حَيْثُ رَدَّهُ أَوَائِلُ هَذِهِ الأُمَّةِ لَهَلَكُوا. {فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ} [الزخرف: 8] عُقُوبَةُ الأَوَّلِينَ. {جُزْءًا} عِدْلًا. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم الأنماطي السلمي مولاهم البصري قال: (حدّثنا سفيان بن عيينة) الهلالي الكوفي ثم المكي الإمام الحجة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن صفوان بن يعلى عن أبيه) يعلى بن أمية التميمي حليف قريش واسم أمه منية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ على المنبر: ({ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك}) وقرئ يا مال بكسر اللام على الترخيم وفيه إشعار بأنهم لضعفهم لا يستطيعون تأدية اللفظ بالتمام. فإن قلت: كيف قال ونادوا يا مالك بعد ما وصفهم بالإبلاس؟ أجيب: بأنها أزمنة متطاولة وأحقاب ممتدة فتختلف بهم الأحوال فيسكتون أوقاتًا لغلبة اليأس عليهم ويستغيثون أوقاتًا لشدة ما بهم. وهذا الحديث ذكره في باب صفة النار من بدء الخلق. (وقال قتاة) في قوله تعالى: ({مثلًا}) من قوله تعالى: {فجعلناهم سلفًا ومثلًا} ({للآخرين}) أي (عظة لمن بعدهم) والعظة الموعظة وثبت قوله لمن بعدهم لأبي ذر. (وقال غيره) أي غير قتادة في قوله: ({مقرنين}) من قوله تعالى: {وما كنا له مقرنين} السابق ذكره أي (ضابطين يقال فلان مقرن لفلان) أي (ضابط له) قاله أبو عبيدة. (والأكواب) هي (الأباريق التي لا خراطيم لها) وقيل لا عراوي لها ولا خراطيم معًا قال الجواليقي ليتمكن الشارب من أين شاء فإن العروة تمنع من ذلك. (وقال قتادة) فيما رواه عبد الرزاق ({في أم الكتاب} جملة الكتاب أصل الكتاب) وأم كل شيء أصله والمراد المحفوظ لأنه أصل الكتب السماوية

وسقط قوله وقال قتادة الخ لغير أبي ذر. ({أول العابدين}) في قوله تعالى: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} [الزخرف: 81] السابق تفسيره قريبًا عن مجاهد بأول المؤمنين وفسره هنا بقوله (أي ما كان) يريد أن إن في قوله إن كان نافية لا شرطية ثم أخبر بقوله: {فأنا أول العابدين} أي الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له وتكون الفاء سببية ومنع مكي أن تكون نافية قال لأنه يوهم أنك إنما نفيت عن الله الولد فيما مضى دون ما هو آتٍ وهذا محُال وردّ عليه بأن كان قد تدل على الدوام كقوله تعالى: {وكان الله غفورًا رحيمًا} وعن ابن عباس فيما رواه الطبري قال يقول لم يكن للرحمن ولد وقيل إن شرطية على بابها واختلف في تأويله فقيل إن صح ذلك فأنا أول من يعبده لكنه لم يصح البتة بالدليل القاطع وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد وهي محال في نفسها فكان المعلق بها مُحالًا مثلها فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة وفي معنى نفيهما على أبلغ الوجوه وأقواها كذا قرره في الكشاف (فأنا أوّل الآنفين) أي المستنكفين وهذا تفسير قوله أول العابدين لأنه مشتق من عبد بكسر الموحدة إذا أنف واشتدت أنفته (وما) أي عابد وعبد (لغتان) يقال (رجل عابد وعبد) بكسر الموحدة في ضبط الدمياطي والفرع وغيرهما وقال ابن عرفة يقال عبد بالكسر يعبد بالفتح فهو عبد وقلما يقال عابد والقرآن لا يجيء على القليل ولا الشاذ ومراده أن تخريج من قال إن العابدين بمعنى الآنفين لا يصح وقال الإمام فخر الدين وهذا التعليق فاسد لأن هذه الآنفة حاصلة سواء حصل ذلك الزعم والاعتقاد أو لم يحصل. (وقرأ عبد الله) يعني ابن مسعود ({وقال الرسول يا رب}) أي موضع قوله تعالى (وقيله يا رب) السابق ذكره قريبًا وهي قراءة شاذة مخالفة لخط المصحف (ويقال أول العابدين) أي (الجاحدين) يقال عبدني حقي أي جحدنيه (من عبد) بكسر الموحدة (يعبد) بفتحها كذا فيما وقفت عليه من الأصول وقال السفاقسي ضبطوه هنا بفتح الباء في الماضي وضمها في المستقبل قال ولم يذكر أهل اللغة عبد بمعنى جحد ورد عليه بما ذكره محمد بن عزيز السختياني صاحب غريب القرآن من أن معنى العابدين الجاحدين وفسر على هذا إن كان له ولد فأنا أول الجاحدين. وهذا معروف من قول العرب إن كان هذا الأمر قط يعني ما كان وقال السدي معناه لو كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين أي من عبده بذلك ولكن لا ولد له وثبت هنا قوله وقال قتادة في أم الكتاب جملة الكتاب أصل الكتاب السابق قريبًا في رواية غير أبي ذر. ({أفنضرب عنكم الذكر صفحًا أن كنتم قومًا مسرفين}) [الزخرف: 5] بفتح الهمزة أي لأن كنتم. قال في الأنوار. وهو في الحقيقة علة مقتضية لترك الإعراض، وقرأ نافع وحمزة والكسائي بكسرها على أنها شرطية وإسرافهم كان متحققًا وأن إنما تدخل على غير المحقق أو المحقق المبهم الزمان وأجاب في الكشاف بأنه من الشرط الذي يصدر عن المدلي بصحة الأمر والمتحقق لثبوته كقول الأجير إن كنت عملت لك عملًا فوفني حقي وهو عالم بذلك ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في إيصال حقي فعل من له شك في استحقاقه إياه تجهيلًا له وقيل المعنى على المجازاة والمعنى أفنضرب عنكم الذكر صفحًا متى أسرفتم أي إنكم متروكون من الإنذار متى كنتم قومًا مسرفين أي (مشركين) سقط مشركين لأبي ذر (والله لو أن هذا القرآن رفع حيث رده أوائل هذه الأمة لهلكوا) قاله قتادة فيما وصله ابن أبي حاتم وزاد ولكن الله عاد عليهم بعائدته ورحمته فكرره عليهم ودعاهم إليه وزاد غير ابن أبي حاتم عشرين سنة أو ما شاء الله. ({فأهلكنا أشد منهم بطشًا}) [الزخرف: 8] أي من القوم المسرفين. ((ومضى مثل الأولين) [الزخرف: 8] أي (عقوبة الأولين) قاله قتادة فيما وصله عبد الرزاق. ({جزءًا}) في قوله تعالى: {وجعلوا له من عباده جزءًا} [الزخرف: 15] أي (عدلًا) بكسر العين وسكون الدال وفي آل ملك عدلًا بفتح العين وسكون الدال أي مثلًا فالمراد بالجزء هنا إثبات الشركاء لله تعالى لأنهم لما أثبتوا الشركاء زعموا أن كل العبادة ليست لله بل

[44] سورة الدخان

بعضها جزء له تعالى وبعضها جزء لغيره، وقيل معنى الجعل أنهم أثبتوا لله ولدًا لأن ولد الرجل جزء منه والأول أولى لأنّا إذا حملنا الآية على إنكار الشريك لله والآية اللاحقة على إنكار الولد كان ذلك جامعًا للرد على جميع المبطلين. [44] سورة الدُّخَانِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَقَالَ مُجَاهِدٌ {رَهْوًا}: طَرِيقًا يَابِسًا. {عَلَى الْعَالَمِينَ}: عَلَى مَنْ بَيْنَ ظَهْرَيْهِ. {فَاعْتُلُوهُ}: ادْفَعُوهُ. {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ}: أَنْكَحْنَاهُمْ حُورًا عِينًا يَحَارُ فِيهَا الطَّرْفُ. {تَرْجُمُونِ}: الْقَتْلُ. وَرَهْوًا: سَاكِنًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {كَالْمُهْلِ}: أَسْوَدُ كَمُهْلِ الزَّيْتِ. وَقَالَ غَيْرُهُ {تُبَّعٍ}: مُلُوكُ الْيَمَنِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُسَمَّى تُبَّعًا لأَنَّهُ يَتْبَعُ صَاحِبَهُ، وَالظِّلُّ يُسَمَّى تُبَّعًا لأَنَّهُ يَتْبَعُ الشَّمْسَ. ([44] سورة الدُّخَانِ) مكية إلا قوله: {إنّا كاشفو العذاب} الآية وهي سبع أو تسع وخمسون آية، ولأبي ذر: سورة حم الدخان (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({رهوًا}) في قوله تعالى: {واترك البحر رهوًا} [الدخان: 24] أي (طريقًا يابسًا) زاد الفريابي كهيئته يوم ضربه وزاد أبو ذر ويقال رهوًا ساكنًا يقال الخيل رهوًا أي ساكنة قال النابغة: والخيل تمرح رهوًا في أعنتها ... كالطير ينجو من الشؤبوب ذي البرد وعن أبي عبيدة رهوًا منفتحًا فرجًا على ما تركته روي أنه لما انفلق البحر لموسى وطلع منه خاف أن يدركه فرعون فأراد أن يضربه ليعود حتى لا يلحقه فقيل له اتركه إنهم جند مغرقون. ({على العالمين}) ولأبي ذر على علم على العالمين (على من بين ظهريه) أي اخترنا مؤمني بني إسرائيل على عالمي زمانهم. ({فاعتلوه}) في قولها {خذوه فاعتلوه} [الدخان: 47] أي (ادفعوه) دفعًا عنيفًا. {وزوجناهم بحور} [الدخان: 54] (أنكحناهم) ولأبي ذر بحور عين أنكحناهم (حورًا عينًا يحار فيها الطرف) والعين جمع عيناء العظيمة العينين من النساء الواسعتهما وليس المراد عقد التزويج ولأبي ذر هنا فاعتلوه ادفعوه. ويقال أن ({ترجمون}) في قوله: ({وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون} [الدخان: 20] المراد بالرجم هنا (القتل) وقال ابن عباس ترجمون بالقتل وهو الشتم يقولون هو ساحر وقال قتادة بالحجارة: (ورهوًا ساكنًا) كذا هو هنا في اليونينية وفرعها وسبق ذكره لأبي ذر. (وقال ابن عباس) فيما رواه ابن أبي حاتم في ({كالمهل}) من قوله: {إنّ شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل} [الدخان: 43 - 45] هو (أسود كمهل الزيت) أي كدرديه أو عكر القطران أو ما أذيب من الذهب والفضة أو من كل المنطبعات كالحديد. (وقال غيره) أي غير ابن عباس في ({تبع}) من قوله تعالى: {أهم خير أم قوم تبع} [الدخان: 37] هم (ملوك اليمن كل واحد منهم يسمى تبعًا لأنه يتبع صاحبه) وقيل لأن أهل الدنيا كانوا يتبعونه وموضع تبع في الجاهلية موضع الخليفة في الإسلام (والظل يسمى تبعًا لأنه يتبع الشمس) قاله أبو عبيدة وقالت عائشة فيما رواه عبد الرزاق كان تبع رجلًا صالحًا. 1 - باب: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} قَالَ قَتَادَةُ (فَارْتَقِبْ) فَانْتَظِرْ هذا (باب) بالتنوين أي في قوله عز وجل: ({فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين}) [الدخان: 10] وسقط لغير أبي ذر لفظ باب وقوله فارتقب فقط (قال قتادة) فيما وصله عبد بن حميد (فارتقب) أي (فانتظر) وللأصيلي انتظر بإسقاط الفاء. 4820 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: مَضَى خَمْسٌ: الدُّخَانُ، وَالرُّومُ، وَالْقَمَرُ، وَالْبَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) عبد الله بن عثمان المروزي (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري (عن الأعمش) سليمان (عن مسلم) هو ابن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عبد الله) هو ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: مضى خمس) من علامات الساعة (الدخان) بتخفيف الخاء المذكور في قوله هنا: {يوم تأتي السماء بدخان مبين} [الدخان: 10] (والروم) في قوله: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 1 - 2] (والقمر) في قوله: {اقتربت الساعة وانشق القمر} [القمر: 1] (والبطشة) في قوله هنا: {يوم نبطش البطشة الكبرى} [الدخان: 16] (واللزام) في قوله: {فسوف يكون لزامًا} [الفرقان: 77] وهو الهلكة أو الأسر ويدخل في ذلك يوم بدر كما فسره به ابن مسعود وغيره فيكون أربعًا أو اللزام يكون في القيامة ولتحقق وقوعه عدّ ماضيًا. وهذا الحديث سبق في الفرقان. 2 - باب {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله: ({يغشى الناس}) أي يحيط بهم الدخان ({هذا عذاب أليم}) [الدخان: 11] في محل نصب بالقول وذلك القول حال أي قائلين ذلك وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4821 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ هَذَا لأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 10 - 11] قَالَ: فَأُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ قَالَ: «لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ»، فَاسْتَسْقَى، فَسُقُوا، فَنَزَلَتْ {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15] فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ حِينَ أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16] قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ. وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى البلخي قال: (حدّثنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين (عن الأعمش) سليمان

3 - باب قوله تعالى: {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون}

بن مهران (عن مسلم) أبي الضحى بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: قال عبد الله) هو ابن مسعود (إنما كان هذا) القحط والجهد اللذان أصابا قريشًا حتى رأوا بينهم وبين السماء كالدخان من شدة الجوع (لأن قريشًا لما استعصوا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي حين أظهروا العصيان ولم يتركوا الشرك (دعا عليهم بسنين) قحط (كسني يوسف) الصديق عليه السلام المذكورة في سورته (فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام) زاد في الرواية الآتية إن شاء الله تعالى والميتة (فجعل الرجل) منهم (ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد) من ضعف بصره أو لأن الهواء يظلم عام القحط لقلة الأمطار وكثرة الغبار (فأنزل الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل ({فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم} قال) أي ابن مسعود (فأُتي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقيل يا رسول الله) والآتي هو أبو سفيان كما عند المؤلّف لكن في المعرفة لابن منده في ترجمة كعب بن مرة قال: دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على مضر فأتيته فقلت: يا رسول الله قد نصرك الله وأعطاك واستجاب لك وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم فهذا أولى أن يفسر به القائل بقوله يا رسول الله بخلاف أبي سفيان، فإنه وإن كان جاء أيضًا مستشفعًا لكنه لم يكن أسلم حينئذٍ ولأبي ذر فقيل يا رسول الله (استسق الله لمضر فإنها قد هلكت) من القحط والجهد قال في الفتح إنما قال لمضر لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى مَن حولهم. (قال) عليه الصلاة والسلام مجيبًا لأبي سفيان أو لكعب بن مرة: أتأمرني أن أستسقي المضر)؟ مع ما هم عليه من معصية الله والإشراك به (إنك لجريء) أي ذو جراءة حيث تشرك بالله وتطلب رحمته (فاستسقى) عليه الصلاة والسلام وزاد أبو ذر لهم (فسقوا) بضم السين والقاف (فنزلت {إنكم عائدون}) [الدخان: 15] أي إلى الكفر غب الكشف وكانوا قد وعدوا بالإيمان إن كشف عنهم العذاب (فلما أصابتهم الرفاهية) بتخفيف التحتية بعد الهاء المكسورة والذي في اليونينية أصابتهم بفوقية بعد الموحدة بعد التوسع والراحة (عادوا إلى حالهم) من الشرك (حين أصابتهم الرفاهية فأنزل الله عز وجل ({يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون}) [الدخان: 16] (قال: يعني يوم بدر) ظرف ليوم. 3 - باب قَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} (باب قوله تعالى: {ربنا اكشف عنا العذاب إنّا مؤمنون}) [الدخان: 12] أي عذاب القحط والجهد أو عذاب الدخان الآتي قرب قيام الساعة أو عذاب النار حين يدعون إليها في القيامة أو دخان يأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، ورجح الأول بأن القحط لما اشتد على أهل مكة أتاه أبو سفيان فناشده الرحم ووعده إن كشف عنهم آمنوا فلما كشف عادوا ولو حملناه على الآخرين لم يصح لأنه لا يصح أن يقال لهم حينئذٍ إنّا كاشفو العذاب قليلًا إنكم عائدون وسقط قوله لغير أبي ذر. 4822 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: إِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ تَقُولَ: لِمَا لاَ تَعْلَمُ اللَّهُ أَعْلَمُ، إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا غَلَبُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ، قَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ». فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ، أَكَلُوا فِيهَا الْعِظَامَ وَالْمَيْتَةَ مِنَ الْجَهْدِ، حَتَّى جَعَلَ أَحَدُهُمْ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجُوعِ، قَالُوا: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان: 12] فَقِيلَ لَهُ: إِنْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَادُوا، فَدَعَا رَبَّهُ، فَكَشَفَ عَنْهُمْ فَعَادُوا فَانْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 15] إِلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16]. وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى البلخي قال: (حدّثنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح (عن الأعمش) سليمان (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: دخلت على عبد الله) يعني ابن مسعود -رضي الله عنه- (فقال: إن من العلم أن تقول لما لا تعلم الله أعلم) قد سبق في سورة الروم سبب قول ابن مسعود هذا من وجه آخر عن الأعمش ولفظه عن مسروق بينا رجل يحدّث في كندة فقال يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمن كهيئة الزكام ففزعنا فأتيت ابن مسعود وكان متكئًا فغضب فجلس فقال من علم فليقل ومن لم يعلم فليقل الله أعلم (إن الله) تعالى (قال لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}) [ص: 86] والقول فيما لا يعلم قسم من التكلف (إن قريشًا لما غلبوا النبي) بتخفيف اللام وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني لما غلبوا على النبي (-صَلَّى اللَّهُ

4 - باب {أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين} الذكر والذكرى واحد

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بخروجهم عن طاعته وتماديهم في كفرهم (واستعصوا عليه) بفتح الصاد (قال): (اللهم أعنّي عليهم بسبع) من السنين (كسبع يوسف) في الشدة والقحط (فأخدتهم سنة حتى أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد حتى يجعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من) الظلمة التي في أبصارهم بسبب (الجوع قالوا: {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون}) وعد بالإيمان إن كشف عنهم عذاب الجوع (فقيل له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن كشفنا عنهم) ذلك العذاب (عادوا) إلى كفرهم (فدعا) عليه الصلاة والسلام (ربه فكشف عنهم) ذلك (فعادوا) إلى الكفر (فانتقم الله منهم يوم بدر) فذلك قوله تعالى: ({يوم}) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي {فارتقب يوم} ({تأتي السماء بدخان مبين} إلى قوله جل ذكره: ({إنّا منتقمون}). وهذا الحديث سبق في سورة ص. 4 - باب {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} الذِّكْرُ وَالذِّكْرَى وَاحِدٌ هذا (باب) بالتنوين أي في قوله: ({أنّى لهم الذكرى}) أي من أين لهم التذكّر والاتّعاظ ({وقد جاءهم}) ما هو أعظم وأدخل في وجوب الطاعة وهو ({رسول مبين}) [الدخان: 13] ظاهر الصدق وهو محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الذكر والذكرى واحد) وسقط باب لغير أبي ذر. 4823 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا دَعَا قُرَيْشًا كَذَّبُوهُ، وَاسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ». فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى كَانُوا يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ، فَكَانَ يَقُومُ أَحَدُهُمْ فَكَانَ يَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ مِثْلَ الدُّخَانِ، مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ. ثُمَّ قَرَأَ: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 15] حَتَّى بَلَغَ {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15] قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَفَيُكْشَفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: وَالْبَطْشَةُ الْكُبْرَى يَوْمَ بَدْرٍ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي البصري الأزدي (عن الأعمش) سليمان (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: دخلت على عبد الله) يعني ابن مسعود -رضي الله عنه- (ثم قال) فيه حذف اختصره والظاهر أن الذي اختصره قول مسروق بينا رجل يحدّث في كندة إلى قوله؛ فأتيت ابن مسعود وكان متكئًا فغضب فجلس فقال من علم فليقل ومن لم يعلم فليقل الله أعلم ثم قال: (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما دعا قريشًا) إلى الإسلام (كذبوه واستعصوا عليه فقال): (اللهم أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف. فأصابتهم سنة حصّت) بالحاء والصاد المشددة المهملتين أي أذهبت (كل شيء) ولغير الأصيلي وأبي ذر يعني كل شيء (حتى كانوا يأكلون الميتة وكان يقوم أحدهم فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجهد والجوع) زاد في الروم فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمرنا بصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله (ثم قرأ}) عليه السلام ({فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} [الدخان: 15]). زاد أبو ذر والأصيلي {يغشى الناس هذا عذاب أليم} [الدخان: 11] (حتى بلغ {إنّا كاشفو العذاب قليلًا إنكم عائدون}. قال عبد الله) يعني ابن مسعود (أفيكشف عنهم العذاب)؟ بهمزة الاستفهام وضم الياء مبنيًّا للمفعول (يوم القيامة؟ قال) أي عبد الله (والبطشة الكبرى يوم بدر) يريد تفسير قوله: {يوم نبطش البطشة الكبرى} [الدخان: 16]. 5 - باب {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله: ({ثم تولوا}) أي أعرضوا ({عنه وقالوا معلم}) هذا القرآن من بعض الناس وقال آخرون إنه ({مجنون}) [الدخان: 14] والجن يلقون إليه ذلك حاشاه الله من ذلك وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4824 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ، وَمَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا رَأَى قُرَيْشًا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ» فَأَخَذَتْهُمُ السَّنَةُ حَتَّى حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ وَالْجُلُودَ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ، وَجَعَلَ يَخْرُجُ مِنَ الأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: أَيْ مُحَمَّدُ، إِنَّ قَوْمَكَ هَلَكُوا، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ. فَدَعَا، ثُمَّ قَالَ: «تَعُودُوا بَعْدَ هَذَا». فِي حَدِيثِ مَنْصُورٍ: ثُمَّ قَرَأَ {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} -إِلَى- {عَائِدُونَ} [الدخان: 15] أَيُكْشَفُ عَذَابُ الآخِرَةِ؟ فَقَدْ مَضَى الدُّخَانُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ، وَقَالَ أَحَدُهُمُ: الْقَمَرُ وَقَالَ الآخَرُ: الرُّومُ. وبه قال: (حدّثنا بشر بن خالد) أبو محمد العسكري قال: (أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (محمد) هو ابن جعفر الملقب بغندر (عن شعبة) بن الحجاج وللأصيلي حدّثنا شعبة (عن سليمان) بن مهران الأعمش (ومنصور) هو ابن المعتمر كلاهما (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: قال عبد الله) هو ابن مسعود (إن الله بعث محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}) [ص: 86] فيه حذف اختصره أيضًا كما دلّ عليه السابق (فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما رأى قريشًا استعصوا عليه) فلم يؤمنوا (فقال) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر قال: (اللهم أعني عليهم بسبع) من السنين (كسبع يوسف) بن يعقوب عليهما السلام (فأخذتهم السنة حتى حصت) أذهبت (كل شيء حتى أكلوا العظام والجلود فقال) ولأبوي ذر الوقت والأصيلي وقال بالواو بدل الفاء (أحدهم) القياس أن يقول أحدهما بالتثنية لأن المراد سليمان ومنصور فيحتمل أن يكون

6 - باب {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون}

على قول إن أقل الجمع اثنان (حتى أكلوا الجلود والميتة وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان). استشكل بما سبق فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجوع. وأجيب: بالحمل على أن مبدأه كان من الأرض ومنتهاه ما بين السماء والأرض وباحتمال وجود الأمرين بأن يخرج من الأرض بخار كهيئة الدخان من شدة حرارة الأرض ووهجها من عدم المطر ويرون بينهم وبين السماء مثل الدخان من فرط حرارة الجوع. (فأتاه) عليه الصلاة والسلام (أبو سفيان فقال: أي محمد إن قومك هلكلوا) ولغير أبي ذر والأصيلي قد هلكوا (فادع الله أن يكشف عنهم). ما أصابهم (فدعا) لهم عليه الصلاة والسلام أن يكشف الله عنهم (ثم قال: تعودوا) إلى الكفر (بعد هذا) قال الزركشي: كذا وقع تعودوا بحذف نون الرفع وصوابه تعودون بإثباتها. قال العلامة البدر الدماميني: ليس حذفها خطأ بل هو ثابت في الكلام الفصيح نظمًا ونثرًا ومنه قراءة الحسن واليزيدي تظاهرًا بتشديد الظاء أي أنتما ساحران تتظاهران فحذف المبتدأ وهو ضمير المخاطبين وأدغمت التاء في الظاء وحذفت النون تخفيفًا وفي الحديث لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا وللأصيلي تعودون بإثبات النون على الأصل (في حديث منصور) هو ابن المعتمر ثم قرأ ({فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} -إلى- {عائدون}) قال ابن مسعود: (أيكشف عذاب الآخرة)؟ ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أنكشف بالنون مبنيًّا للفاعل عنهم عذاب الآخرة (فقد مضى الدخان والبطشة واللزام، وقال أحدهم): سليمان ومنصور وثالث معهما أو أحدهما كما مرّ (القمر) يعني انشقاقه (وقال الآخر: الروم) يعني {غلبت الروم} ولأبي ذر والروم بالواو. 6 - باب {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} (باب {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون}) [الدخان: 16] وسقط لأبي ذر يوم نبطش الخ. 4825 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: اللِّزَامُ، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ، وَالْقَمَرُ، وَالدُّخَانُ. وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى البلخي قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح (عن الأعمش) سليمان (عن مسلم) هو أبو الضحى (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: خمس قد مضين) أي وقعن (اللزام) وهو الأسر والهلكة يوم بدر (والروم) أي غلبتهم (والبطشة) الكبرى يوم بدر (والقمر) يعني انشقاقه (والدخان) الحاصل لقريش بسبب القحط لكن أخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن علي قال آية الدخان لم تمض بعد يأخذ المؤمن كهيئة الزكام وينفخ الكافر حتى ينقدّ، ولمسلم من حديث أبي سريحة بمهملتين الأولى مفتوحة حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة الغفاري رفعه "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة" الحديث. [45] سورة الْجَاثِيَةِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) {جَاثِيَةً}: مُسْتَوْفِزِينَ عَلَى الرُّكَبِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {نَسْتَنْسِخُ}: نَكْتُبُ. {نَنْسَاكُمْ}: نَتْرُكُكُمْ. ([45] سورة الْجَاثِيَةِ) مكية وهي سبع أو ست وثلاثون آية ولأبي ذر سورة حم الجاثية (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر. ({جاثية}) في قوله تعالى: {وترى كل أمة جاثية} [الجاثية: 28] أي (مستوفزين) بالزاي (على الركب) من الخوف. (وقال مجاهد) فيما وصله عبد بن حميد في قوله تعالى: ({نستنسخ}) أي (نكتب) أي أمر الملائكة أن تكتب أعمالكم وسقط لأبي ذر وقال مجاهد فقط. ({ننساكم}) في قوله تعالى: {اليوم ننساكم} [الجاثية: 34] أي (نترككم) في العذاب كما تركتم الإيمان والعمل ولقاء هذا اليوم. 1 - باب {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} الآيَةَ هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وما يهلكنا}) وما يفنينا ({إلا الدهر}) [الجاثية: 24] الأمر الزمان وطول العمر واختلاف الليل والنهار (الآية). وزاد في الفرع وما لهم بذلك الذي قالوه من علم علموه إن هم إلا يظنون إذ لا دليل لهم عليه وضرب على ذلك في الأصل. 4826 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ». وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب) بفتح التحتية المشددة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبوي ذر والوقت قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قال الله عز وجل يؤذيني ابن آدم) أي يخاطبني

[46] سورة الأحقاف

من القول بما يتأذى به من يجوز في حقه التأذّي والله تعالى منزّه عن أن يصير في حقه الأذى إذ هو محال عليه، وإنما هذا من التوسع في الكلام والمراد أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله عز وجل (يسب الدهر) يقول إذا أصابه مكروه بؤسًا للدهر وتبًّا له (وأنا الدهر) بالرفع في الفرع كالأصول المعتمدة وضبط الأكثرين والمحققين أي أنا خالق الدهر (بيدي الأمر) الذي ينسبونه إلى الدهر (أقلب الليل والنهار). وروي نصب الدهر من قوله أنا الدهر أي أقلب الليل والنهار في الدهر والرفع كما مر أوجه قال في شرح المشكاة لأنه لا طائل تحته على تقدير النصب لأن تقديم الظرف إما للاهتمام أو للاختصاص ولا يقتضي المقام ذلك لأن الكلام مفرغ في شأن المتكلم لا في الظرف ولهذا عرف الخبر لإفادة الحصر فكأنه قيل أنا أقلب الليل والنهار لا ما تنسبونه إليه، قيل الدهر الثاني غير الأول وإنما هو مصدر بمعنى الفاعل ومعناه أنا الداهر المصرف المدبر المقدر لما يحدث فإذا سب ابن آدم الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبّه إليّ لأني فاعلها، وإنما الدهر زمان جعلته ظرفًا لمواقع الأمور قاله الشافعي والخطابي وغيرهما. وهذا مذهب الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب المنكرين للمعاد والفلاسفة الدهرية الدورية المنكرين للصانع المعتقدين أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه وكابروا المعقول وكذبوا المنقول قال ابن كثير وقد غلط ابن حزم ومَن نحا نحوه من الظاهرية في عدّهم الدهر من الأسماء الحسنى أخذًا من هذا الحديث. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد ومسلم وأبو داود في الأدب والنسائي في التفسير. [46] سورة الأَحْقَافِ (بِسم الله الرحمن الرحيم) وَقَالَ مُجَاهِدٌ {تُفِيضُونَ} تَقُولُونَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ (أَثَرَةٍ وَأُثْرَةٍ وَأَثَارَةٍ بَقِيَّةُ عِلْمٍ). وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 9] لَسْتُ بِأَوَّلِ الرُّسُلِ. وَقَالَ غَيْرُهُ {أَرَأَيْتُمْ} هَذِهِ الأَلِفُ إِنَّمَا هِيَ تَوَعُّدٌ، إِنْ صَحَّ مَا تَدَّعُونَ لاَ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ {أَرَأَيْتُمْ} بِرُؤْيَةِ الْعَيْنِ، إِنَّمَا هُوَ: أَتَعْلَمُونَ أَبَلَغَكُمْ أَنَّ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ خَلَقُوا شَيْئًا. ([46] سورة الأحقاف) مكية وآيها أربع أو خمس وثلاثون، ولأبي ذر سورة حم الأحقاف (بسم الله الرحمن الرحيم). (وقال مجاهد) مما وصله الطبري في ({تفيضون}) من قوله تعالى: {هو أعلم بما تفيضون فيه} [الأحقاف: 8] أي (تقولون) من التكذيب بالقرآن والقول فيه بأنه سحر وهذا ساقط لأبي ذر (وقال بعضهم: أثرة) بفتحات من غير ألف وعزيت لقراءة علي وابن عباس وغيرهما (وأُثرة) بضم فسكون ففتح وعزيت لقراءة الكسائي في غير المشهور (وأثارة) بالألف بعد المثلثة وهي قراءة العامة مصدر على فعالة كضلالة ومراده قوله تعالى: {إيتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم} [الأحقاف: 4] هي (بقية علم) ولأبي ذر من علم وأثرة وإثرة وإثارة برفع الثلاثة والتنزيل بالجر وبهذا قاله أبو عبيدة والفرّاء. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم ({بدعًا من الرسل}) [الأحقاف: 9] أي (لست بأوّل الرسل) ولأبي ذر ما كنت بأول الرسل فكيف تنكرون نبوّتي وإخباري بأني رسول الله. (وقال غيره) أي غير ابن عباس ({أرأيتم}) من قوله: {قل أرأيتم إن كان من عند الله} [الأحقاف: 10] (هذه الألف) التي في أوّل أرأيتم المستفهم بها (إنما هي توعد) لكفار مكة حيث ادعوا صحة ما عبدوه من دون الله (إن صح ما تدّعون) بتشديد الدال في زعمكم ذلك (لا يستحق أن يعبد) لأنه مخلوق ولا يستحق أن يعبد إلا الخالق (وليس قوله: {أرأيتم} برؤية العين) التي هي الإبصار (إنما هو) أي معناه (أتعلمون أبلغكم أن ما تدعون) بسكون الدال مخففة (من دون الله خلقوا شيئًا) ومفعولا أرأيتم محذوفان تقديره أرأيتم حالكم إن كان كذا ألستم ظالمين وجواب الشرط أيضًا محذوف تقديره فقد ظلمتم ولهذا أُتِيَ بفعل الشرط ماضيًا وسقط من قوله وقال غيره إلى هنا لأبي ذر. 1 - باب {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({والذي قال لوالديه أُفٍّ لكما}) أي التأفيف لكما وهي كلمة كراهية ({أتعدانني أن أخرج}) من قبري حيًّا ({وقد خلت القرون من قبلي}) فلم يبعث أحد منهم ({وهما يستغيثان الله}) أي يسألان الله أن يغيثه بالتوفيق للإيمان أو يقولان الغياث بالله منك ({ويلك}) أي يقولان له

2 - باب قوله: {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم} قال ابن عباس: عارض السحاب

ويلك ({آمن}) وصدّق بالبعث وويلك دعاء بالثبور ({إن وعد الله}) بالبعث ({حق فيقول}) لهما: ({ما هذا إلا أساطير الأوّلين}) [الأحقاف: 17] أباطيلهم التي كتبوها وسقط لغير أبي ذر لفظ باب وله من قوله وقد خلت القرون الخ وقال بعد قوله: {أن أخرج} إلى قوله {أساطير الأوّلين}. 4827 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ: كَانَ مَرْوَانُ عَلَى الْحِجَازِ اسْتَعْمَلَهُ مُعَاوِيَةُ فَخَطَبَ فَجَعَلَ يَذْكُرُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، لِكَىْ يُبَايِعَ لَهُ، بَعْدَ أَبِيهِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ شَيْئًا: فَقَالَ: خُذُوهُ، فَدَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ مَرْوَانُ: إِنَّ هَذَا الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي} [الأحقاف: 17] فَقَالَتْ عَائِشَةُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِينَا شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ، إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عُذْرِي. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدثنا أبو عوانة) الوضاح (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية (عن يوسف بن ماهك) بفتح الهاء يصرف ولا يصرف ومعناه قمير مصغر القمر أنه (قال: كان مروان) بن الحكم الأموي أميرًا (على الحجاز استعمله معاوية) بن أبي سفيان عليه وعند النسائي أنه كان عاملًا على المدينة وعند الإسماعيلي فأراد معاوية أن يستخلف يزيد يعني ابنه فكتب إلى مروان بذلك فجمع مروان الناس (فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه) وفي رواية الإسماعيلي وقال إن الله أرى أمير المؤمنين في يزيد رأيًا حسنًا وأن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر عمر (فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر) الصدّيق (شيئًا) لم يبينه ولأبي يعلى وابن أبي حاتم فقال أي عبد الرحمن هرقلية إن أبا بكر والله ما جعلها في أحد من ولده ولا في أهل بيته وما جعلها معاوية إلا كرامة لولده ولابن المنذر أجئتم بها هرقلية تبايعون لأبنائكم (فقال) أي مروان لأعوانه (خذوه) أي عبد الرحمن (فدخل بيت) أخته (عائشة) ملتجئًا بها (فلم يقدروا عليه) أي امتنعوا أن يخرجوه من بيتها إعظامًا لها وعند أبي يعلى فنزل مروان عن المنبر حتى أتى باب عائشة فجعل يكلمها وتكلمه وسقط عليه من اليونينية وثبت فى الفرع وغيره (فقال مروان: إن هذا) يعني عبد الرحمن (الذي أنزل الله فيه {والذي قال لوالديه أُفٍّ لكما أتعدانني} فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا) آل أبي بكر (شيئًا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري) عن قصة أهل الإفك. وعند الإسماعيلي فقالت عائشة: كذبت والله ما نزلت فيه، وفي رواية له والله ما أنزلت إلا في فلان ابن فلان الفلاني، وفي رواية لو شئت أن أسمّيه لسميته، ولكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعن أبا مروان ومروان في صلبه، فالصحيح أن الآية نزلت في الكافر العاقّ، ومَن زعم أنها نزلت في عبد الرحمن فقوله ضعيف لأن عبد الرحمن قد أسلم وحسن إسلامه وصار من خيار المسلمين، ونفي عائشة أصح إسنادًا ممن روى غيره وأولى بالقبول. 2 - باب قَوْلِهِ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَارِضٌ السَّحَابُ (باب قوله) تعالى ({فلما رأوه}) أي العذاب ({عارضًا}) سحابًا عرض في أفق السماء والضمير عائد إلى السحاب كأنه قيل فلما رأوا السحاب عارضًا ({مستقبل أوديتهم}) صفة لعارضًا وإضافته غير محضة فمن ثم ساغ أن يكون نعتًا لنكرة ({قالوا هذا عارض ممطرنا}) صفة لعارض أيضًا أي يأتينا بالمطر وقد كانوا ممحلين محتاجين إلى المطر قال الله تعالى أو هود عليه السلام ({بل هو ما استعجلتم به}) من العذاب حيث قلتم فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ثم بيّن ماهيته فقال ({ريح}) أي هي ريح ({فيها عذاب أليم}) [الأحقاف: 24] فما برحوا حتى كانت الريح تجيء بالرجل فتطرحه وكان طول الرجل منهم اثنتي عشرة ذراعًا وقيل ستون ذراعًا وقيل مائة ولهم قصور محكمة بالبناء بالصخور فحملت الريح الصخور والشجر ورفعتها كأنها جرادة وهدمت القصور واصطف لها الأطولون الأشداء منهم فصرعتهم وألقت عليهم الصخور وسفت عليهم الرمال فكانوا تحتها سبع ليالٍ وثمانية أيام لهم أنين، ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمال واحتملتهم فرمت بهم في البحر ولم يصل إلى هود عليه السلام ومَن آمن به من تلك الريح إلا نسيم، وكان عليه السلام قد جمع المؤمنين إلى شجرة عند عين ماء وأدار عليهم خطأ خطه في الأرض وسقط لغير أبي ذر باب قوله وله قالوا هذا عارض الخ وقال بعد قوله أوديتهم الآية. (قال) ولأبي ذر وقال (ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله (عارض) أي (السحاب) الذي يرى في ناحية السماء وسمي بذلك لأنه يبدو في عرض السماء. 4828 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنِ عِيسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ. [الحديث 4828 - طرفه في: 6092]. وبه قال: (حدّثنا أحمد

[47] سورة محمد -صلى الله عليه وسلم- {الذين كفروا} [محمد: 1]

بن عيسى) كذا في رواية أبي ذر ابن عيسى وهو الهمداني التستري المصري الأصل، وسقط ابن عيسى لغير أبي ذر وقال الكرماني: إنه أحمد بن صالح المصري يعني ابن الطبري، ولعله اعتمد على قول أبي علي بن السكن حيث قال: هو أحمد بن صالح في المواضع كلها وكذا قاله ابن منده، وقيل هو أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب قال الحاكم أبو عبد الله هو أحمد بن صالح أو أحمد بن عيسى لا يخلو أن يكون واحدًا منهما ولم يحدث عن ابن أخي ابن وهب شيئًا ومن زعم أنه ابن أخي ابن وهب فقد وهم فاتفق الرواة على أحمد بن صالح أو أحمد بن عيسى وقد عين أبو ذر في روايته أنه ابن عيسى قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله قال: (أخبرنا عمرو) هو ابن الحارث (أن أبا النضر) سالمًا المدني (حدّثه عن سليمان بن يسار) ضد اليمين (عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنها (قالت: ما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضاحكًا حتى أرى منه لهواته) بتحريك الهاء جمع لهاة وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك (إنما كان يتبسم، قالت): 4829 - قَالَتْ وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ؟ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ مَا يُومِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ؟ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}». [الأحقاف: 24]. (وكان إذا رأى غيمًا أو ريحًا عرف) بضم العين وكسر الراء مبنيًّا للمفعول (في وجهه) الكراهية وذلك لأن القلب إذا فرح تبلج الجبين وإذا حزن أربد الوجه فعبرت عائشة عن الشيء الظاهر في الوجه بالكراهية لأنه ثمرتها (قالت: يا رسول الله الناس) ولغير أبي ذر أن الناس (إذا رأوا الغيم فرحوا) به (رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية فقال): (يا عائشة ما يومني) بواو ساكنة ونون مشددة ولأبي ذر يؤمنني بنونين (أن يكون فيه عذاب عذب قوم بالريح) هم عاد قوم هود حيث أهلكوا بريح صرصر (وقد رأى قوم العذاب فقالوا: {هذا عارض ممطرنا}) قد تقرر أن النكرة إذا أُعيدت نكرة كانت غير الأولى، لكن ظاهر آية الباب أن الذين عذبوا بالريح هم الذين قالوا هذا عارض. وقد أجاب صاحب الكواكب الدراري عن ذلك بأن القاعدة المذكورة إنما تطرد إذا لم يكن في السياق قرينة تدل على الاتحاد فإن كان هناك قرينة كما في قوله: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} فلا وعلى تقدير تسليم المغايرة مطلقًا فلعل عادًا قومان قوم بالأحقاف أي في الرمال وهم أصحاب العارض وقوم غيرهم. اهـ. ويؤيد قوله الثاني قوله تعالى: {وأنه أهلك عادًا الأولى} [النجم: 50] فإنه يشعر بأن ثم عادًا أخرى، وعند الإمام أحمد بإسناد حسن عن الحارث بن حسان البكري قال: خرجت أشكو العلاء بن الحضرمي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمررت بالربذة فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها فقالت لي: يا عبد الله إن لي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاجة فهل أنت مبلغي إليه؟ قال: فحملتها فأتيت المدينة فإذا المسجد غاص بأهله الحديث. وفيه فقلت: أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد. قال: وما وافد عاد؟ وهو أعلم بالحديث منه، لكن يستعظمه؟ قلت: إن عادًا قحطوا فبعثوا وافدًا لهم يقال له قيل فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهرًا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان فلما مضى الشهر خرج إلى جبال مهرة فقال: اللهم إنك تعلم أني لم أجيء إلى مريض فأداويه ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم اسق عادًا ما كنت تسقيه فمرت به سحابات سود فنودي منها اختر فأومأ إلى سحابة منها سوداء فنودي منها خذها رمادًا رمددًا لا تبقي من عاد أحدًا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة ذكره ابن كثير بطوله في تفسيره وابن حجر مختصرًا. وقال: الظاهر أنه في قصة عاد الأخيرة لذكر مكة فيه. وحديث الباب أخرجه المؤلّف في الأدب ومسلم في الاستسقاء وأبو داود في الأدب. [47] سورة مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {الذِينَ كَفَرُوا} [محمد: 1] {أَوْزَارَهَا}: آثَامَهَا. حَتَّى لاَ يَبْقَى إِلاَّ مُسْلِمٌ. {عَرَّفَهَا}: بَيَّنَهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا}: وَلِيُّهُمْ. عَزَمَ الأَمْرُ: جَدَّ الأَمْرُ. {فَلاَ تَهِنُوا}: لاَ تَضْعُفُوا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَضْغَانَهُمْ: جَسَدَهُمْ. {آسِنٍ}: مُتَغَيِّرٍ. ([47] سورة مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {الذِينَ كَفَرُوا}) مدنية. وقيل مكية وآيها سبع أو ثمان وثلاثون آية ولأبي ذر سورة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسم الله الرحمن الرحيم وسقطت البسملة لغير أبي ذر وتسمى السورة أيضًا سورة القتال. ({أوزارها}) في قوله

1 - باب {وتقطعوا أرحامكم}

تعالى: {فإما منًّا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها} [محمد: 4] أي (آثامها) أو آلاتها وأثقالها وهو من مجاز الحذف أي حتى تضع أمة الحرب أو فرقة الحرب أوزارها والمراد انقضاء الحرب بالكلية (حتى لا يبقى إلا مسلم) أو مسالم والمعنى حتى يضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم وهو غاية للضرب أو الشدّ أو للمن والفداء أو للمجموع يعني أن هذه الأحكام جارية فيهم حتى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم وقيل بنزول عيسى وأسند الوضع إلى الحرب لأنه لو أسنده إلى أهله بأن كان يقول حتى تضع أمة الحرب جاز أن يضعوا الأسلحة ويتركوا الحرب وهي باقية كقول القائل: خصومتي ما انفصلت ولكن ... تركتها في هذه الأيام ({عرفها}) في قوله تعالى: {ويدخلهم الجنة عرّفها لهم} [محمد: 6] أي (بينها) لهم وعرفهم منازلها بحيث يعلم كل واحد منهم منزله ويهتدي إليه كأنه كان ساكنة منذ خلق أو طيبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة. (وقال مجاهد) مما وصله الطبري ({مولى الذين آمنوا}) [محمد: 11] أي (وليهم) وسقط هذا لأبي ذر. (عزم الأمر) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي (جد الأمر) ولأبي ذر فإذا عزم الأمر أي جد الأمر وهو على سبيل الإسناد المجازي كقوله: قد جدت الحرب فجدوا أو على حذف مضاف أي عزم أهل الأمر والمعنى إذا جد الأمر ولزم فرض القتال خالفوا وتخلفوا ({فلا تهنوا}) أي (لا تضعفوا) بعد ما وجد السبب وهو الأمر بالجد والاجتهاد في القتال. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (أضغانهم) في قوله تعالى: {أم حسب الذين في قلوبهم مرض} [محمد: 29] أن لن يخرج الله أضعانهم أي (حسدهم) بالحاء المهملة وقيل بغضهم وعدوانهم. ({آسن}) في قوله: {فيها أنهار من ماء غير آسن} [محمد: 15] أي (متغير) طعمه وسقط هذا لأبي ذر. 1 - باب {وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وتقطعوا أرحامكم}) [محمد: 22] بتشديد الطاء المكسورة على التكثير ويعقوب بفتح التاء وسكون القاف وفتح الطاء مخففة مضارع قطع وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4830 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي مُزَرَّدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ لَهُ: مَهْ قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَذَاكِ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}. [الحديث 4830 - أطرافه في: 4831، 4832، 5987، 7502]. وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم واللام بينهما خاء معجمة ساكنة الكوفي قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال قال: (حدّثني) بالإفراد (معاوية بن أبي مزرد) بضم الميم وفتح الزاي وكسر الراء وفي اليونينية بفتحها مشددة بعدها دال مهملة اسمه عبد الرحمن بن يسار بالتحتية والمهملة المخففة (عن) عمه (سعيد بن يسار عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (خلق الله الخلق فلما فرغ منه) أي قضاه أو أتمه أو نحو ذلك مما يشهد بأنه مجاز من القول فإنه سبحانه وتعالى لن يشغله شأن عن شأن (قامت الرحم) حقيقة بأن تجسمت (فأخذت بحقو الرحمن) بفتح الحاء المهملة وفي اليونينية بكسرها وكذا في الفرع مصلحة وكشط فوقها، وعند الطبري بحقوي الرحمن بالتثنية والحقو الإزار والخصر ومشدّ الإزار. قال البيضاوي: لما كان من عادة المستجير أن يأخذ بذيل المستجار به أو بطرف ردائه وإزاره وربما أخذ بحقو إزاره مبالغة في الاستجارة فكأنه يشير به إلى أن المطلوب أن يحرسه ويذبّ عنه ما يؤذيه كما يحرس ما تحت إزاره ويذب عنه فإنه لاصق به لا ينفك عنه استعير ذلك للرحم. وقال الطيبي: وهذا مبني على الاستعارة التمثيلية التي الوجه فيها منتزع من أمور متوهمة للمشبه المعقول وذلك أنه شبّه حالة الرحم وما هي عليه من الافتقار إلى الصلة والذبّ عنها من القطيعة بحال مستجير يأخذ بذيل المستجار به وحقو إزاره ثم أدخل صورة حال المشبه في جنس المشبه به واستعمل في حال المشبه ما كان مستعملًا في المشبه به من الألفاظ بدلائل قرائن الأحوال، ويجوز أن تكون مكنية بأن يشبه الرحم بإنسان مستجير بمن يحميه ويحرسه ويذبّ عنه ما يؤذيه ثم أسند على سبيل الاستعارة التخييلية ما هو لازم المشبه به من القيام ليكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة ثم رشحت الاستعارة بأخذ الحقو والقول وقوله بحقو الرحمن

[48] سورة الفتح

استعارة أخرى مثلها وسقط قوله: بحقو الرحمن في رواية أبي ذر كما في الفرع وأصله. وقال في الفتح: حذف للأكثر مفعول أخذت قال وفي رواية ابن السكن فأخذت بحقو الرحمن. وقال القابسي أبى أبو زيد أن يقرأ لنا هذا الحرف لأشكاله وقال هو ثابت لكن مع تنزيه الله تعالى ويحتمل أن يكون على حذف أي قام ملك فتكلم على لسانها أو على طريق ضرب المثل والاستعارة والمراد تعظيم شأنها وفضيلة وأصلها وإثم قاطعها وتثنية حقو المروية عند الطبري للتأكيد لأن الأخذ باليدين آكد في الاستجارة من الأخذ بيد واحدة. (فقال) تعالى (له: مه) بفتح الميم وسكون الهاء اسم فعل أي اكفف وانزجر. وقال ابن مالك: هي هنا ما الاستفهامية حذفت ألفها ووقف عليها بهاء السكت والشائع أن لا يفعل ذلك بها إلا وهي مجرورة ومن استعمالها كما وقع هنا غير مجرورة قول أبي ذؤيب الهذلي قدمت المدينة ولأهلها ضجيج كضجيج الحجيج فقلت مه فقالوا قبض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. اهـ. فإن كان المراد الزجر فواضح وإن كان الاستفهام فالمراد منه الأمر بإظهار الحاجة دون الاستعلام فإنه تعالى يعلم السر وأخفى. (قالت هذا مقام العائذ) بالذال المعجمة أي قيامي هذا قيام المستجر (بك من القطيعة) وفي حديث عبد الله بن عمرو عند أحمد أنها تكلم بلسان طلق ذلق (قال) تعالى (ألا) بالتخفيف (ترضين أن أصل من وصلك) بأن أتعطف عليه وأرحمه لطفًا وفضلًا (وأقطع من قطعك) فلا أرحمه (قالت: بلى يا رب) أي رضيت (قال) تعالى (فذاك) بكسر الكاف إشارة إلى قوله ألا ترضين الخ زاد الإسماعيلي لك. (قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (اقرؤوا إن شئتم {فهل عسيتم}) أي فهل يتوقع منكم ({إن توليتم}) أحكام الناس وتأمرتم عليهم أو أعرضتم عن القرآن وفارقتم أحكامه ({أن تفسدوا في الأرض}) بالمعصية والبغي وسفك الدماء ({وتقطعوا أرحامكم}). وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التوحيد وفي الأدب ومسلم في الأدب والنسائي في التفسير. 4831 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي أَبُو الْحُبَابِ سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} ". وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوّام أبو إسحاق الأسدي الزبيري المدني قال: (حدّثنا حاتم) هو ابن إسماعيل الكوفي نزيل المدينة (عن معاوية) بن أبي مزرد السابق قريبًا أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عمي أبو الحباب) بضم الحاء المهملة وبموحدتين بينهما ألف (سعيد بن يسار) بالسين المهملة ضد اليمين (عن أبي هريرة بهذا) بالحديث السابق (ثم) قال أبو هريرة (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اقرؤوا إن شئتم {فهل عسيتم}). 4832 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي الْمُزَرَّدِ بِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ}». {آسِنٍ}: مُتَغَيِّرٍ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذرة حدّثني بالإفراد (بشر بن محمد) السختياني المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قل: (أخبرنا) ولغير أبي ذر حدّثنا (معاوية بن أبي المزرد) باللام وكسر الراء وفي اليونينية بفتحها (بهذا) الحديث إسنادًا ومتنًا (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اقرؤوا إن شئتم {فهل عسيتم}) ومراد المؤلّف بإيراد هذه الطريق وسابقتها الإعلام بأن الذي وقفه سليمان بن بلال على أبي هريرة حيث قال: قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم {فهل عسيتم} رفعه حاتم بن إسماعيل وابن المبارك وكذا رفعه الإسماعيلي من طريق حبان بن موسى عن ابن المبارك أيضًا. قال الإمام النووي رحمه الله: لا خاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية والصلة درجات بعضها أرفع من بعض وأدناها صلتها بالكلام ولو بالسلام ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة. اهـ. وفي حديث أبي بكرة مرفوعًا: ما من ذنب أحرى أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدّخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم رواه أحمد، وعنده من حديث ثوبان مرفوعًا: مَن سرّه النساء في الأجل والزيادة في الرزق فليصل رحمه. ({آسن}) أي (متغير) وسبق هذا قريبًا. [48] سورة الْفَتْحِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {بُورًا}: هَالِكِينَ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ}: السَّحْنَةُ وَقَالَ مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ التَّوَاضُعُ. {شَطْأَهُ}: فِرَاخَهُ. {فَاسْتَغْلَظَ}: غَلُظَ. {سُوقِهِ}: السَّاقُ حَامِلَةُ الشَّجَرَةِ. وَيُقَالُ دَائِرَةُ السَّوْءِ كَقَوْلِكَ رَجُلُ السَّوْءِ وَدَائِرَةُ السَّوْءِ الْعَذَابُ. {تُعَزِّرُوهُ}: تَنْصُرُوهُ. {شَطْأَهُ}: شَطْءُ السُّنْبُلِ. تُنْبِتُ الْحَبَّةُ عَشْرًا أَوْ ثَمَانِيًا وَسَبْعًا فَيَقْوَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، فَذَاكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَآزَرَهُ}: قَوَّاهُ، وَلَوْ كَانَتْ وَاحِدَةً لَمْ تَقُمْ عَلَى سَاقٍ، وَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ خَرَجَ وَحْدَهُ، ثُمَّ قَوَّاهُ بِأَصْحَابِهِ كَمَا قَوَّى الْحَبَّةَ بِمَا يَنْبُتُ مِنْهَا. ([48]] سورة الفتح) مدنية نزلت منصرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الحديبية سنة ست من الهجرة وآيها تسع

وعشرون. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقط البسملة لغير أبي ذر. (قال مجاهد) فيما وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه ({بورًا}) في قوله تعالى: {وظننتم ظن السوء وكنتم قومًا بورًا} [الفتح: 12] أي (هالكين) والبور الهلاك وهو يحتمل أن يكون هنا مصدرًا أخبر به عن الجمع كقوله: يا رسول الإله إن لساني ... راتق ما فتقت إذا أنا بور ولذلك يستوي فيه المفرد والمذكر وضدهما ويحتمل أن يكون جمع بائر كحائل وحول في المعتل وبازل وبزل في الصحيح وسقط هذا لغير أبي ذر. (وقال مجاهد) فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ({سيماهم في وجوههم}) [الفتح: 29] هي (السحنة) بفتح السين المهملة في اليونينية وهي في الفرع كذلك مصلحة وتحت السين كشط وبذلك ضبطه ابن السكن والأصيلي. وقال القاضي عياض: إنه الصواب عند أهل اللغة وفي كثير من الأصول بكسرها والحاء المهملة ساكنة وجزم ابن قتيبة بفتحها وأنكر السكون وقد أثبته الكسائي والفراء وهي لين البشرة والنعمة، ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني: السجدة وكذا في رواية القابسي أي أثر السجدة فى الوجه: لكن في التئام هذا مع قوله: {من أثر السجود} [الفتح: 29] قلق لا يخفى. وعن ابن عباس في رواية عطية العوفي عنه نور وبياض في وجوههم يوم القيامة وعن عطاء بن أبي رباح استنارة وجوههم من كثرة صلاتهم أي ما يظهره الله تعالى في وجوه الساجدين نهارًا إذا قاموا بالليل متهجدين فمَن توجه إلى الله بكليته لا بدّ أن يظهر في وجهه نور تبهر منه الأنوار. وعن شهر بن حوشب تكون مواضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر وعن الضحاك صفرة الوجه. وروى السلمي عن عبد العزيز المكي ليس هو الصفرة ولكنه نور يظهر على وجوه العابدين يبدو من باطنهم على ظاهرهم يتبين ذلك للمؤمنين ولو كان ذلك في رنجي أو حبشي. قال ابن عطاء: ترى عليهم خلع الأنوار لائحة وقال الحسن إذا رأيتهم حسبتهم مرضى وما هم بمرضى. (وقال منصور) هو ابن المعتمر فيما وصله علي بن المديني عن جرير عنه (عن مجاهد) هو (التواضع) وزاد في رواية زائدة عن منصور عند عبد بن حميد قلت ما كنت أراه إلا هذا الأثر الذي في الوجه فقال ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبًا من فرعون وقال بعضهم أن للحسنة نورًا في القلب وضياء في الوجه وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الناس فما كمن في النفس ظهر على صفحات الوجه وفي حديث جندب بن سفيان البجلي عند الطبراني مرفوعًا ما أسرّ أحد سريرة إلا ألبسه الله رداءها إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشرّ. ({شطأه}) في قوله: {كزرع أخرج شطأه} [الفتح: 29] أي (فراخه) يقال: أشطأ الزرع إذا فرّخ وهل يختص ذلك بالحنطة فقط أو بها وبالشعير فقط أو لا يختص خلاف مشهور قال: أخرج الشطء على وجه الثرى ... ومن الأشجار أفنان الثمر ({فاستغلظ}) أي (غلظ) بضم اللام ذلك الزرع بعد الدقة ولأبي ذر تغلظ أي قوي. ({سوقه}) من قوله تعالى: {فاستوى على سوقه} [الفتح: 29] (الساق حاملة الشجرة) والجار متعلق باستوى ويجوز أن يكون حالًا أي كائنًا على سوقه أي قائمًا عليها. (ويقال دائرة السوء كقولك: رجل السوء) أي الفاسد كما يقال رجل صدق أي صالح وهذا قول الخليل والزجّاج واختاره الزمخشري وتحقيقه أن السوء في المعاني كالفساد في الأجساد يقال ساء مزاجه ساء خلقه ساء ظنه كما يقال فسد اللحم وفسد الهواء بل ما ساء فقد فسد وكل ما فسد فقد ساء غير أن أحدهما كثير في الاستعمال في المعاني والآخر في الإجرام قال تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر} [الروم: 41] وقال: {ساء ما كانوا يعملون} [التوبة: 9 وغيرها] وسقط لأبي ذر لفظ يقال فقط. (ودائرة السوء العذاب) يعني حاق بهم العذاب بحيث لا يخرجون منه وضم السين أبو عمرو وابن كثير بمعنى المفتوح الفساد والرداءة والضم الهزيمة والبلاء أو المضموم

1 - باب {إنا فتحنا لك فتحا مبينا}

العذاب والضرر والمفتوح الذم. ({يعزروه}) أي (ينصروه) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالغيبة في ليؤمنوا ويعزروه ويوقروه ويسبحوه رجوعًا إلى المؤمنين والمؤمنات والباقون بالخطاب إسنادًا إلى المخاطبين والظاهر أن الضمائر عائدة إلى الله وتفريقها بجعل بعضها للرسول قول للضحاك ({شطأه}) هو (شطؤ السنبل) ولأبي ذر شطأ بالألف بدل الواو صورة الهمزة (تنبت) بضم أوّله وكسر ثالثه من الإنبات (الحبة) الواحدة (عشرًا) من السنابل (أو ثمانيًا) ولأبي ذر وثمانيًا بإسقاط الألف (وسبعًا) قال تعالى: {كمثل حبة أنبتت سبع سنابل} [البقرة: 261] (فيقوى بعضه ببعض فذاك قوله تعالى: {فآزره}) أي (قوّاه) وأعانه (ولو كانت واحدة لم تقم على ساق وهو) أي ما ذكر (مثل ضربه الله للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ خرج) على كفار مكة (وحده) يدعوهم إلى الله أو لما خرج من بيته وحده حين اجتمع الكفار على أذاه (ثم قواه) عز وجل (بأصحابه) المهاجرين والأنصار (كما قوّى الحبة بما يثبت) بفتح أوله وضم ثالثه وبضم ثم كسر (منها) وقال غيره هو مثل ضربه الله لأصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الإنجيل أنهم يكونون قليلًا ثم يزدادون ويكثرون. وقال قتادة: مثل أصحاب محمد في الإنجيل مكتوب له سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. 1 - باب {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} [الفتح: 1] الأكثرون على أنه صلح الحديبية، وقيل فتح مكة والتعبير عنه بالماضي لتحقّقه قال في الكشاف وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علو شأن المخبر ما لا يخفى اهـ. قال الطيبي لأن هذا الأسلوب إنما يرتكب في أمر يعظم مناله ويعز الوصول إليه ولا يقدر على نيله إلا مَن له قهر وسلطان ولذا ترى أكثر أحوال القيامة واردة على هذا المنهج لأن فتح مكة من أمهات الفتوح وبه دخل الناس في دين الله أفواجًا وأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالاستغفار والتأهّب للمسير إلى دار القرار. وقال مجاهد: فتح خيبر وقيل فتح الروم وقيل فتح الإسلام بالحجة والبرهان والسيف والسنان وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4833 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فُلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ثَكِلَتْ أُمُّ عُمَرَ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَ مَرَّاتٍ كُلَّ ذَلِكَ لاَ يُجِيبُكَ، قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ النَّاسِ وَخَشِيتُ أَنْ يُنْزَلَ فِيَّ الْقُرْآنُ فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بِي فَقُلْتُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ. ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) العدوي المدني مولى عمر (عن أبيه) أسلم المخضرم المتوفى سنة ثمانين وهو ابن أربع عشرة ومائة سنة زاد البزار من طريق محمد بن خالد بن عثمة عن مالك سمعت عمر (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يسير في بعض أسفاره) هو سفر الحديبية كما في حديث ابن مسعود عند الطبراني وظاهر قوله عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإرسال لأن أسلم لم يدرك هذه القصة لكن قوله في أثناء هذا الحديث فقال عمر فحركت بعيري الخ يقضي بأنه سمعه من عمر ويؤيده تصريح رواية البزار بذلك كما مر (وعمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (يسير معه ليلًا فسأله عمر بن الخطاب) سقط ابن الخطاب لأبي ذر (عن شيء فلم يجبه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لاشتغاله بما كان من نزول الوحي (ثم سأله) عمر (فلم يجبه) عليه الصلاة والسلام (ثم سأله فلم يجبه) تكرير السؤال ثلاثًا يحتمل أنه خشي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن سمعه (فقال عمر بن الخطاب ثكلت) بفتح المثلثة وكسر الكاف أي فقدت (أم عمر) عمر دعا على نفسه بسبب ما وقع منه من الإلحاح. وقال ابن الأثير: دعا على نفسه بالموت والموت يعمّ كل أحد فإذن الدعاء كلا دعاء ولأبي ذر عن الكشميهني ثكلتك أم عمر (نزرت) بزاي مفتوحة مخففة وتثقل فراء ساكنة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ألححت عليه وبالغت في السؤال ثلاث مرات (كل ذلك لا يجيبك قال) ولأبي ذر فقال (عمر: فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل فيّ القرآن) بتشديد ياء فيّ ولأبي ذر قرآن بإسقاط آلة التعريف (فما نشبت) بفتح النون وكسر المعجمة وبعد الموحدة الساكنة فوقية فما لبثت وما تعلقت بشيء (أن سمعت صارخًا) لم يسم (يصرخ بي

2 - باب قوله: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما}

فقلت لقد خشيت أن يكون نزل فيّ قرآن، فجئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلمت عليه فقال) أي بعد أن ردّ عليّ السلام: (لقد أُنزلت عليّ الليلة سورة لهي أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس) لما فيها من البشارة بالمغفرة والفتح وغيرهما واللام في لهي للتأكيد (ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام ({إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا}) [الفتح: 1]. وهذا الحديث أخرجه في المغازي. 4834 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} قَالَ الْحُدَيْبِيَةُ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) بالمعجمة المشدّدة بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا غندر) هو لقب محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) في قوله تعالى: ({إنّا فتحنا لك فتحًا مبينًا} قال) هو (الحديبية) أي الصلح الواقع فيها وجعله فتحًا باعتبار ما فيه من المصلحة وما آل الأمر إليه قال الزهري فيما ذكره في اللباب لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير وكثر سواد الإسلام. 4835 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ سُورَةَ الْفَتْحِ فَرَجَّعَ فِيهَا، قَالَ مُعَاوِيَةُ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَحْكِيَ لَكُمْ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَفَعَلْتُ. وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي الأزدي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا معاوية بن قرة) بالقاف المضمومة والراء المشدّدة المزني أبو إياس البصري (عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء المشددة البصري أنه (قال: قرأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم فتح مكة سورة الفتح فرجع فيها) أي ردّد صوته القراءة زاد في التوحيد من طريق أخرى كيف ترجيعه قال آآآ ثلاث مرات وهو محمول على إشباع المد في موضعه كما قاله الطيبي. ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى عند قوله باب: حسن الصوت بالقراءة. (قال معاوية) هو ابن قرة بالسند السابق: (لو شئت أن أحكي لكم قراءة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لفعلت). وهذا الحديث قد ذكره في غزوة الفتح. 2 - باب قَوْلِهِ: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} هذا (باب) بالتنوين (قوله: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}) [الفتح: 2] أي جميع ما فرط منك مما يصح أن تعاتب عليه واللام في ليغفر متعلق بفتحنا وهي لام العلة. وقال الزمخشري فإن قلت: كيف جعل فتح مكة علة للمغفرة؟ قلت: لم يجعل علة للمغفرة ولكن لاجتماع ما عدد من الأمور الأربعة وهي المغفرة وإتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم والنصر العزيز كأنه قال يسرّنا لك فتح مكة ونصرناك على عدوّك لنجمع لك بين عز الدارين وأغراض العاجل والآجل ويجوز أن يكون فتح مكة من حيث إنه جهاد للعدوّ سببًا للمغفرة والثواب. اهـ. قال السمين: وهذا الذي قاله مخالف لظاهر الآية فإن اللام داخلة على المغفرة فتكون المغفرة علة للفتح والفتح معلل بها فكان ينبغي أن يقول كيف جعل فتح مكة معللًا بالمغفرة ثم يقول لم يجعل معللًا. وقال ابن عطية: أي إن الله فتح لك لكي يجعل الفتح علامة لغفرانه لك فكأنها لام الصيرورة وهو كلام ماشٍ على الظاهر ({ويتم نعمته عليك}) بإعلاء الدين وإخلاء الأرض من معانديك ({ويهديك صراطًا مستقيمًا}) بما يشرعه لك من الشرع العظيم والدين القويم وسقط لأبي ذر قوله ما تقدم من ذنبك وما تأخر الخ وقال بعد {ليغفر لك الله} الآية. 4836 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا زِيَادٌ أَنَّهُ سَمِعَ الْمُغِيرَةَ يَقُولُ: قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا». وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي قال: (أخبرنا ابن عيينة) سفيان قال: (حدّثنا زياد) زاد أبو ذر هو ابن علاقة بكسر العين المهملة وفتح اللام المخففة وبالقاف (أنه سمع المغيرة) هو ابن شعبة (يقول قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في صلاة الليل (حتى تورمت قدماه) بتشديد الراء من طول القيام (فقيل له: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال): (أفلا) الفاء مسبب عن محذوف أي أأترك قيامي وتهجدي لما غفر لي فلا (أكون عبدًا شكورًا) يعني غفران الله إياي سبب لأن أقوم وأتهجد شكرًا له فكيف أتركه. وهذا الحديث سبق في صلاة الليل. 4837 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ سَمِعَ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا». فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ. وبه قال: (حدّثنا الحسن) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد حسن (بن عبد العزيز) ابن الوزير الجذامي قال: (حدّثنا عبد الله بن يحيى) المعافري قال: (أخبرنا حيوة) بفتح الحاء المهملة

3 - باب {إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا}

والواو بينهما تحتية ساكنة ابن شريح المصري (عن أبي الأسود) محمد بن عبد الرحمن النوفلي يتيم عروة أنه (سمع عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقوم من الليل) أي يتهجد (حتى تتفطر) تتشقق (قدماه) من كثرة القيام (فقالت) له (عائشة: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وقد غفر لك بضم الغين مبنيًّا للمفعول (ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال): (أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا) تخصيص العبد بالذكر فيه إشعار بغاية الإكرام والقرب من الله تعالى والعبودية ليست إلا بالعبادة والعبادة عين الشكر (فلما أكثر لحمه) بضم المثلثة وأنكر الداودي لفظة لحمه وقال المحفوظ بدن أي كبر فكأن الراوي تأوّله على كثرة اللحم. اهـ. وقال ابن الجوزي: أحسب بعض الرواة لما رأى بدن ظنه كثر لحمه وإنما هو بدّن تبدينًا أسن. اهـ. وهو خلاف الظاهر وفي حديث مسلم عنها قالت لما بدن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وثقل، لكن يحتمل أن يكون معنى قوله ثقل أي ثقل عليه حمل لحمه وإن كان قليلًا لدخوله في السن (صلى جالسًا فإذا أراد أن يركع قام فقرأ) زاد في رواية هشام بن عروة عن أبيه وعند المؤلّف في آخر أبواب التقصير نحوًا من ثلاثين آية أو أربعين آية (ثم ركع). فإن قلت: في حديث عائشة من طريق عبد الله بن شقيق عند مسلم كان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ قاعدًا ركع وسجد وهو قاعد. أجيب: بالحمل على حالته الأولى قبل أن يدخل في السن جميعًا بين الحديثين. 3 - باب {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({إنّا أرسلناك شاهدًا}) على أمتك بما يفعلون ({ومبشرًا}) لمن أجابك بالثواب ({ونذيرًا}) [الفتح: 8] مخوّفًا لمن عصاك بالعذاب وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4838 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، -رضي الله عنهما- أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} قَالَ فِي التَّوْرَاةِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا، وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ. أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ. لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ وَلاَ سَخَّابٍ بِالأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَيَفْتَحَ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا. وبه قال: (حدّثنا عبد الله) زاد أبو ذر فقال عبد الله بن مسلمة وكذا عند ابن السكن ولم ينسبه غيرهما فتردّد أبو مسعود بين أن يكون عبد الله بن رجاء أو عبد الله بن صالح كاتب الليث وأبو ذر وابن السكن حافظان فالمصير إلى ما روياه أولى ومسلمة هو القعنبي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة) دينار الماجشون (عن هلال بن أبي هلال) ويقال ابن أبي ميمونة والصحيح ابن علي القرشي العامري مولاهم المدني (عن عطاء بن يسار) بالسين المهملة المخففة (عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن هذه الآية التي في القرآن {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا} قال في التوراة: يا أيها النبي إنّا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وحرزًا) بكسر الحاء المهملة وبعد الراء الساكنة زاي معجمة أي حصنًا (للأميّيين) وهم العرب لأن أكثرهم لا يقرأ ولا يكتب (أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل) أي على الله (ليس بفظ) بالظاء المعجمة أي ليس بسيئ الخلق (ولا غليظ) بالمعجمة أيضًا ولا قاسي القلب ولا ينافي قوله واغلظ عليهم إذ النفي محمول على طبعه الذي جبل عليه والأمر محمول على المعالجة وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة إذ لو جرى على الأول لقال لست بفظ (ولا سخاب) بالسين المهملة والخاء المعجمة المشدّدة أي لا صياح (بالأسواق) ويقال صخاب بالصاد وهي أشهر من السين بل ضعّفها الخليل (ولا يدفع السيئة بالسيئة) كما قال الله تعالى له {ادفع بالتي هي أحسن} [فصلت: 34] (ولكن يعفو ويصفح) ما لم تنتهك حرمات الله (ولن يقبضه حتى) ولغير أبي ذر ولن يقبضه الله حتى (يقيم به الملة العوجاء) ملة الكفر فينفي الشرك ويثبت التوحيد (بأن يقولوا لا إله إلا الله فيفتح بها) بكلمة التوحيد (أعينًا عميًا) عن الحق وفي رواية القابسي أعين عمى بالإضافة (وآذانًا صمًّا) عن استماع الحق (وقلوبًا غلفًا) جمع أغلف أي مغطى ومغشى. وهذا الحديث سبق في أوائل البيع. 4 - باب {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({هو الذي أنزل السكينة}) الطمأنينة والثبات ({في قلوب المؤمنين}) [الفتح: 4] تحقيقًا للنصرة والأكثرون على أن هذه السكينة غير التي في البقرة. 4839 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ، وَفَرَسٌ لَهُ مَرْبُوطٌ فِي الدَّارِ، فَجَعَلَ يَنْفِرُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، وَجَعَلَ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ». وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى)

5 - باب قوله: {إذ يبايعونك تحت الشجرة}

بضم العين مصغرًا ابن باذام العبسي الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن) جده (أبي إسحاق عن البراء) بن عازب (رضي الله عنه) أنه (قال: بينما) بالميم (رجل من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هو أسيد بن حضير (يقول أي سورة الكهف كما عند المؤلّف في فضلها وعنده أيضًا في باب نزول السكينة عن محمد بن إبراهيم عن أسيد بن حضير قال بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وهذا ظاهره التعدّد وقد وقع نحو من هذه لثابت بن قيس بن شماس، لكن في سورة البقرة (وفرس له مربوط) ولأبي ذر مربوطة (في الدار فجعل) الفرس (ينفر) بنون وفاء مكسورة وراء مهملة (فخرج الرجل) ليرى ما ينفر فرسه (فنظر فلم يرَ شيئًا وجعل) الفرس (ينفر فلما أصبح) الرجل (ذكر ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (تلك) أي التي نفرت منها الفرس (السكينة) قيل هي ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان. وعن الربيع بن أنس لعينها شعاع وقال الراغب ملك يسكن قلب المؤمن وقال النووي المختار إنها شيء من المخلوقات فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة (تنزلت بالقرآن) أي بسببه ولأجله. قال التوربشتي: وإظهار هذه الأمثال للعباد من باب التأييد الإلهي يؤيد به المؤمن فيزداد يقينًا ويطمئن قلبه بالإيمان إذا كوشف بها. 5 - باب قَوْلِهِ: {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (باب قوله) عز وجل: ({إذ يبايعونك تحت الشجرة}) [الفتح: 18] متعلق بيبايعونك أو بمحذوف على أنه حال من المفعول وكان عليه الصلاة والسلام جالسًا تحتها وسقط باب قوله لغير أبي ذر. 4840 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- أنه (قال: كنا يوم الحديبية) بتخفيف الياء وتشديدها لغتان وأنكر كثير من أهل اللغة التخفيف وقال أبو عبيد البكري أهل العراق يثقلون وأهل الحجاز يخففون (ألفًا وأربعمائة). وفي حديث البراء بن عازب عند المؤلّف في المغازي أربع عشرة مائة، وعنه أيضًا من طريق زهير عند المؤلّف أيضًا ألفًا وأربعمائة أو أكثر، وعن جابر خمس عشرة مائة، وعن عبد الله بن أبي أوفى كان أصاب الشجرة ألفًا وثلاثمائة وكانت أسلم ثمن المهاجرين بضم المثلثة والميم والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة فمن قال ألفًا وخمسمائة جبر الكسر، ومن قال ألفًا وأربعمائة ألغاه، وأما قول ابن أبي أوفى ألفًا وثلاثمائة فيحمل على ما اطلع هو عليه وأطلع غيره على زيادة لم يطّلع هو عليها والزيادة من الثقة مقبولة. وهذا الحديث ذكره المؤلّف في المغازي. 4841 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ صُهْبَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ، إِنِّي مِمَّنْ شَهِدَ الشَّجَرَةَ نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْخَذْفِ. [الحديث 4841 - أطرافه في 5749، 6220]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) هو المديني ولأبي ذر عن المستملي علي بن سلمة هو اللبقي بلام وموحدة مفتوحتين ثم قاف مكسورة خفيفة وبه جزم الكلاباذي والأكثرون بالأوّل قال: (حدّثنا شبابة) بفتح المعجمة والموحدتين المخففتين بينهما ألف ابن سوّار بفتح المهملة وتشديد الواو المدائني قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: سمعت عقبة بن صهبان) بضم الصاد المهملة وسكون الهاء وبعد الموحدة ألف فنون الأزدي البصري (عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء المشددة (المزني) بالميم المضمومة والزاي المفتوحة والنون المكسورة (ممن) ولغير أبي ذر أني ممن (شهد الشجرة نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الخذف) بفتح الخاء المعجية وسكون الدال المعجمة وبالفاء وهو الرمي بالحصى من الأصبعين. 4842 - وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ صُهْبَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُغَفَّلِ الْمُزَنِيِّ فِي الْبَوْلِ فِي الْمُغْتَسَلِ. (وعن عقبة بن صهبان) بالسند السابق أنه (قال: سمعت عبد الله بن المغفل) بالتعريف ولأبي ذر مغفل (المزني في البول في المغتسل) بفتح السين اسم لموضع الاغتسال زاد أبو ذر عن الحموي والأصيلي فيما ذكره في الفتح وغيره يأخذ منه الوسواس وعند النسائي والترمذي وابن ماجة مرفوعًا نهى أن يبول الرجل في مستحمه، وقال: إن عامة الوسواس منه. وقال الترمذي: غريب. وقال الحاكم على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقد أورد المؤلّف

الحديث الموقوف لبيان التصريح بسماع ابن صهبان من ابن مغفل والمرفوع الأول لقوله إني ممن شهد الشجرة لمطابقة الترجمة. 4843 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ -رضي الله عنه-، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ. وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر حدّثني بالإفراد (محمد بن الوليد) بن عبد الحميد البسري بالموحدة المضمومة والمهملة الساكنة القرشي أبو عبد الله البصري من ولد بسر بن أرطأة وقول العيني كالكرماني البشري بالموحدة والمعجمة سهو وإنما هو بالمهملة قال (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن خالد) الحذاء (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد بن زيد (عن ثابت بن الضحاك) الأشهلي (-رضي الله عنه- وكان من أصحاب الشجرة) لم يذكر المتن بل اقتصر على المحتاج منه وفي المغازي من طريق أخرى عن أبي قلابة أن ثابت بن الضحاك أخبره أنه بايع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحت الشجرة. 4844 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ السُّلَمِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْلَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا وَائِلٍ أَسْأَلُهُ فَقَالَ: كُنَّا بِصِفِّينَ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ عَلِيٌّ: نَعَمْ. فَقَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ: اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، يَعْنِي الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُشْرِكِينَ وَلَوْ نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ أَلَيْسَ قَتْلاَنَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلاَهُمْ فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَفِيمَ أُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا. وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنَا؟ فَقَالَ: «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا، فَرَجَعَ مُتَغَيِّظًا فَلَمْ يَصْبِرْ حَتَّى جَاءَ أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ: إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن إسحاق) بن الحصين أبو إسحاق (السلمي) بضم السين وفتح اللام السرماري البخاري نسبة إلى سرماري بفتح السين قرية من قرى بخارى قال: (حدّثنا يعلى) بفتح التحتية وسكون المهملة وفتح اللام ابن عبيد الطنافسي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن سياه) بكسر المهملة وبعد التحتية المخففة ألف فهاء منوّنة فارسي معرب معناه الأسود (عن حبيب بن أبي ثابت) واسمه قيس بن دينار الكوفي أنه (قال أتيت أبا وائل) بالهمزة شقيق بن سلمة (أسأله) لم يذكر المسؤول عنه وفي رواية أحمد أتيت أبا وائل في مسجد أهله أسأله عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي يعني الخوارج (فقال: كنا بصفين) بكسر الصاد المهملة والفاء المشددة موضع بقرب الفرات كان به الوقعة بين علي ومعاوية (فقال رجل) هو عبد الله بن الكوّاء: (ألم تر إلى الذين يدعون) بضم الياء وفتح العين وفي اليونينية بفتح الياء وضم العين (إلى كتاب الله تعالى فقال علي: نعم) أنا أولى بالإجابة إذا دعيت إلى العمل بكتاب الله وعند النسائي بعد قوله بصفين فلما استحرّ القتل بأهل الشام قال عمرو بن العاص لمعاوية أرسل المصحف إلى علي فادعه إلى كتاب الله فإنه لن يأبى عليك فأتى به رجل فقال: بيننا وبينكم كتاب الله. فقال علي: أنا أولى بذلك بيننا كتاب الله فجاءته الخوارج ونحن نسميهم يومئذٍ القراء وسيوفهم على عواتقهم، فقالوا: يا أمير المؤمنين ما ننتظر لهؤلاء القوم ألا نمشي إليهم بسيوفنا. (فقال سهل بن حنيف): بضم الحاء وفتح النون (اتهموا أنفسكم) في هذا الرأي وإنما قال ذلك لأن كثيرًا منهم أنكروا التحكيم وقالوا لا حكم إلا لله فقال علي كلمة حق أُريد بها باطل (فلقد رأيتنا) يريد رأيت أنفسنا (يوم الحديبية يعني الصلح الذي كان بين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) بين (المشركين ولو نرى) بنون المتكلم مع غيره (قتالًا لقاتلنا فجاء عمر) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: ألسنا على الحق وهم) يريد المشركين (على الباطل أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (بلى، قال) عمر (ففيم أعطي) بضم الهمزة وكسر الطاء ولأبي ذر نعطي بالنون بدل الهمزة (الدنية) بكسر النون وتشديد التحتية أي الخصلة الدنية وهي المصالحة بهذه الشروط الدالة على العجز (في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا فقال) عليه الصلاة والسلام: (يا ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدًا، فرجع) عمر حال كونه (متغيظًا) لأجل إذلال المشركين كما عرف من قوّته في نصرة الدين وإذلال المشركين (فلم يصبر حتى جاء أبا بكر) -رضي الله عنهما- (فقال: يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بل ابن الخطاب أنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (ولن يضيعه الله أبدًا فنزلت سورة الفتح). ومراد سهل بن حنيف بما ذكره أنهم أرادوا يوم الحديبية أن يقاتلوا ويخالفوا ما دعوا إليه من الصلح ثم ظهر أن الأصلح ما شرعه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الصلح ليقتدوا بذلك ويطيعوا عليًّا فيما أجاب إليه من التحكيم.

[49] سورة الحجرات

[49] سورة الْحُجُرَاتِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لاَ تُقَدِّمُوا}: لاَ تَفْتَاتُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِهِ. {امْتَحَنَ}: أَخْلَصَ. {تَنَابَزُوا}: يُدْعَى بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ. يَلِتْكُمْ: يَنْقُصْكُمْ. أَلَتْنَا: نَقَصْنَا. ([49] سورة الْحُجُرَاتِ) مدنية وآيها ثمان عشرة ولأبي ذر: سورة الحجرات (بسم الله الرحمن الرحيم) وسقطت البسملة لغير أبي ذر. (وقال مجاهد) فيما وصله عبد بن حميد في قوله تعالى: ({لا تقدموا}) [الحجرات: 1] بضم أوله وكسر ثالثه أي (لا تفتاتوا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بشيء (حتى يقضي الله على لسانه) ما شاء وقال الزركشي الظاهر أن هذه التفسير على قراءة ابن عباس بفتح التاء والدال وكذا قيده البياسي وهي قراءة يعقوب الحضرمي والأصل لا تتقدموا فحذف إحدى التاءين وقال في المصابيح متعقبًا لقول الزركشي ليس هذا بصحيح بل هذا التفسير متأتٍّ على القراءة المشهورة أيضًا فإن قدم بمعنى تقدم قال الجوهري وقدم بين يديه أي تقدم قال الله تعالى: {لا تقدموا بين يدي الله} [الحجرات: 1] اهـ. قال الإمام فخر الدين: والأصح أنه إرشاد عامّ يشمل الكل ومنع مطلق يدخل فيه كل افتيات وتقدم واستبداد بالأمر وإقدام على فعل غير ضروري من غير مشاورة. ({امتحن}) في قوله تعالى: {أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى} [الحجرات: 3] قال مجاهد فيما وصله الفريابي أي (أخلص) من امتحن الذهب إذا أذابه وميز إبريزه من خبيثه. ({تنابزوا}) ولأبي ذر: ولا تنابزوا قال مجاهد فيما وصله الفريابي بنحوه أي (لا يدعى) الرجل (بالكفر بعد الإسلام) وقال الحسن كان اليهودي والنصراني يسلم فيقال له بعد إسلامه يا يهودي يا نصراني فنهوا عن ذلك وزاد أبو ذر قبل قوله: تنابزوا باب بالتنوين وسقط لغيره. (يلتكم) قال مجاهد فيما وصله الفريابي أي (ينقصكم) من أجوركم (ألتنا) أي (نقصنا) وهذا الأخير من سورة الطور وذكره استطرادًا. 1 - باب: {لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الآيَةَ. {تَشْعُرُونَ}: تَعْلَمُونَ وَمِنْهُ الشَّاعِرُ ({لا ترفعوا}) ولأبي ذر باب بالتنوين لا ترفعوا ({أصواتكم فوق صوت النبي}) [الحجرات: 2] (الآية) أي إذا كلمتموه لأنه يدل على قلة الاحتشام وترك الاحترام ومن خشي قلبه ارتجف وضعفت حركته الدافعة فلا يخرج منه الصوت بقوة ومن لم يخف بالعكس وليس المراد بنهي الصحابة عن ذلك أنهم كانوا مباشرين ما يلزم منه الاستخفاف والاستهانة كيف وهم خير الناس بل المراد أن التصويت بحضرته مباين لتوقيره وتعزيره. ({تشعرون}) أي (تعلمون. ومنه الشاعر) والمعنى أنكم إن رفعتم أصواتكم وتقدمتم فذلك يؤدي إلى الاستحقار وهو يفضي إلى الارتداد وهو محبط وقوله: {وأنتم لا تشعرون} إشارة إلى أن الردة تتمكن من النفس بحيث لا يشعر الإنسان فإن مَن ارتكب ذنبًا لم يرتكبه في عمره تراه نادمًا غاية الندامة خائفًا غاية الخوف فإذا ارتكبه مرارًا قلّ خوفه وندامته ويصير عادة أعاذنا الله من سائر المكروهات. 4845 - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ. قَالَ: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ -رضي الله عنهما- رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ قَالَ نَافِعٌ لاَ أَحْفَظُ اسْمَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْتَ إِلاَّ خِلاَفِي قَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} [الحجرات: 2] الآيَةَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَمَا كَانَ عُمَرُ يُسْمِعُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ. يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ. وبه قال: (حدّثنا يسرة بن صفوان بن جميل) بفتح التحتية والسين المهملة المخففة وجميل بفتح الجيم وكسر الميم (اللخمي) بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة قال: (حدّثنا نافع بن عمر) الجمحي المكي (عن أبي مليكة) بضم الميم مصغرًا عبد الله أنه (قال: كاد الخيران) بفتح المعجمة وتشديد التحتية الفاعلان للخير الكثير (أن يهلكا) بكسر اللام وإثبات أن قبل وحذف نون الرفع في الفرع وأصله نصب بأن ولأبي ذر يهلكان بنون الرفع مع ثبوت أن قبل وقال في الفتح كاد الخيران يهلكان يعني بحذف أن وإثبات نون الرفع لأبي ذر وفي رواية يهلكا بحذف النون نصب بتقدير أن قال وقد أخرجه أحمد عن وكيع عن نافع عن ابن عمر بلفظ أن يهلكا ونسبها ابن التين لرواية أبي ذر (أبا بكر) نصب خبر كاد (وعمر) عطف عليه (-رضي الله عنهما-) ولأبي ذر أبو بكر وعمر بالرفع فيهما (رفعا أصواتهما عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قدم عليه ركب بني تميم) سنة تسع وسألوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يؤمر عليهم أحدًا (فأشار أحدهما) هو عمر بن الخطاب كما عند ابن جريج في الباب التالي (بالأقرع) واسمه فراس (بن حابس أخي بني مجاشع) بضم الميم وبعد الجيم ألف فشين معجمة فعين مهملة التميمي الدارمي (وأشار الآخر) هو أبو بكر (برجل آخر قال نافع)

2 - باب {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون}

الجمحي (لا أحفظ اسمه) في الباب التالي أنه القعقاع بن معبد بن زرارة (فقال أبو بكر لعمر) -رضي الله عنهما- (ما أردت إلا خلافي) بتشديد اللام بعد همزة مكسورة أي ليس مقصودك إلا مخالفة قولي، ولأبي ذر عن الكشميهني في الفرع كأصله ونسبها الحافظ ابن حجر لحكاية السفاقسي ما أردت إلى خلافي بلفظ حرف الجر وما على هذه الرواية استفهامية أي أيّ شيء قصدت منتهيًا إلى مخالفتي (قال) ولأبي ذر فقال أي عمر (ما أردت خلافك فارتفعت أصواتهما في ذلك فأنزل الله) تعالى: ({يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم} الآية قال) ولأبي ذر فقال (ابن الزبير) عبد الله (فما كان عمر) -رضي الله عنه- (يسمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد هذه الآية حتى يستفهمه) وفي رواية وكيع في الاعتصام فكان عمر بعد ذلك إذا حدّث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحديث يحدّثه كأخي السرار لم يسمعه حتى يستفهمه (ولم يذكر ذلك) عبد الله بن الزبير (عن أبيه) يريد جده لأمه أسماء (يعني أبا بكر) الصديق وإطلاق الأب على الجد مشهور. وسياق هذا الحديث صورته صورة الإرسال لكن في آخره أنه حمله عن عبد الله بن الزبير ويأتي في الباب اللاحق التصريح بذلك. 4846 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ، فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ. كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ مُوسَى، فَرَجَعَ إِلَيْهِ الْمَرَّةَ الآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ: «اذْهَبْ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا أزهر بن سعد) بسكون العين البصري الباهلي قال: (أخبرنا ابن عون) عبد الله بن عون بن أرطبان (قال: أنبأني) بالإفراد (موسى بن أنس) قاضي البصرة (عن) أبيه (أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- افتقد ثابت بن قيس) خطيب الأنصار وكان قد قعد في بيته حزينًا لما نزل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} [الحجرات: 2] الآية. وكان من أرفع الصحابة صوتًا (فقال رجل: يا رسول الله أنا أعلم لك) لأجلك (علمه) خبره والرجل هو سعد بن معاذ كما في مسلم لكن قال ابن كثير الصحيح أن حال نزول هذه الآية لم يكن سعد بن معاذ موجودًا لأنه كان قد مات بعد بني قريظة بأيام قلائل سنة خمس وهذه الآية نزلت في وفد بني تميم والوفود إنما تواتروا في سنة تسع من الهجرة قال في الفتح ويمكن الجمع بأن الذي نزل في قصة ثابت مجرد رفع الصوت والذي نزل في قصة الأقرع أول السورة وفي تفسير ابن المنذر أنه سعد بن عبادة وعند ابن جرير أنه عاصم بن عدي العجلاني (فأتاه) أي فأتى الرجل ثابت بن قيس (فوجده جالسًا في بيته منكسًا رأسه) بكسر الكاف (فقال له: ما شأنك)؟ أي ما حالك (فقال) ثابت حالي (شرّ كان يرفع صوته فوق صوت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كان الأصل أن يقول كنت أرفع صوتي لكنه التفت من الحاضر إلى الغائب (فقد حبط عمله وهو من أهل النار) لأنه كان يجهر بالقول بين يدي الرسول وكان القياس عملي وأنا (فأتى الرجل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره أنه قال: كذا وكذا) للذي قاله ثابت (فقال موسى) بن أنس بالإسناد السابق إلى ثابت (فرجع) الرجل المذكور (إليه) أي إلى ثابت (المرة الآخرة) بمد الهمزة (ببشارة عظيمة) من الرسول (فقال) عليه الصلاة والسلام للرجل: (اذهب إليه) أي إلى ثابت (فقل له إنك لست من أهل النار ولكنك من أهل الجنة) زاد في رواية أحمد قال فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعض الانكشاف فجاء ثابت قد تحنط ولبس كفنه وقاتلهم حتى قتل وهذا لا ينافي ما رُوِيَ في العشرة المبشرين بالجنة لأن مفهوم العدد لا اعتبار له فلا ينفي الزائد. وهذا الحديث ذكره أواخر علامات النبوّة وتفرّد به من هذا الوجه. 2 - باب {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} هذا (باب) بالتنوين قوله تعالى: ({إن الذين ينادونك من وراء الحجرات}) من خارجها ما أو قدامها والمراد حجرات نسائه عليه الصلاة والسلام ومناداتهم من ورائها إما بأنهم أتوها حجرة حجرة فنادوه من ورائها أو بأنهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له فأسند فعل الإبعاض إلى الكل ({أكثرهم لا يعقلون}) [الحجرات: 4] إذ العقل يقتضي حُسْن الأدب. 4847 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الحَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدٍ وَقَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرِ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا أَرَدْتَ إِلَى أَوْ إِلاَّ خِلاَفِي فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ، فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1] حَتَّى انْقَضَتِ الآيَةُ. وبه قال: (حدّثنا

3 - باب قوله: {ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم}

الحسن بن محمد) أبو علي الزعفراني البغدادي واسم جده الصباح قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن محمد المصيصي الأعور ترمذي الأصل سكن بغداد ثم المصيصة (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن أبي مليكة) عبد الله (أن عبد الله بن الزبير) بن العوّام (أخبرهم: أنه قدم ركب من بني تميم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فسألوه أن يؤمر عليهم أحدًا (فقال أبو بكر) له عليه الصلاة والسلام: (أمر) عليهم (القعقاع بن معبد) بفتح الميم والموحدة (وقال عمر أمر) عليهم ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني بل أمر (الأقرع بن حابس) أخا بني مجاشع (فقال أبو بكر) لعمر -رضي الله عنهما-: (ما أردت) بذلك (إلى) بلفظ الجارة (أو) قال (إلا خلافي) بكسر الهمزة وتشديد اللام أي إنما تريد مخالفتي (فقال عمر: ما أردت خلافك فتماريا) فتجادلا وتخاصما (حتى ارتفعت أصواتهما) في ذلك (فنزل في ذلك {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} حتى انقضت الآية). وروى الطبري من طريق أبي إسحاق عن البراء قال: جاء رجل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا محمد إن حمدي زين وإن ذمي شين، فقال: ذاك الله تبارك وتعالى. ورُوِيَ من طريق معمر عن قتادة مثله مرسلًا وزاد فأنزل الله {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات} [الحجرات: 4] الآية. 3 - باب قَوْلِهِ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} (باب قوله) تعالى: ({ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم}) قال في الكشاف أنهم صبروا في موضع الرفع على الفاعلية لأن المعنى ولو ثبت صبرهم قال أبو حيان هذا ليس مذهب سيبويه بل مذهب سيبويه أن أنّ وما بعدها بعد لو في موضع فاعل ومذهب المبرد أنها في موضع فاعل بفعل محذوف كما زعم الزمخشري ومذهب سيبويه أنها في على رفع الابتداء وحينئذٍ يكون اسم كان ضميرًا عائدًا على صبرهم المفهوم من الفعل ({لكان خيرًا لهم}) [الحجرات: 5] لكان الصبر خيرًا لهم من الاستعجال لما فيه من حفظ الأدب وتعظيم الرسول الموجبين للثناء والثواب ولم يذكر المؤلّف حديثًا هنا ولعله بيض له فلم يظفر بشيء على شرطه. [50] سورة ق {رَجْعٌ بَعِيدٌ}: رَدٌّ. {فُرُوجٍ}: فُتُوقٍ وَاحِدُهَا فَرْجٌ. {مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ}: وَرِيدَاهُ فِي حَلْقِهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ}: مِنْ عِظَامِهِمْ. {تَبْصِرَةً}: بَصِيرَةً. {حَبَّ الْحَصِيدِ}: الْحِنْطَةُ. {بَاسِقَاتٍ}: الطِّوَالُ. {أَفَعَيِينَا}: أَفَأَعْيَي عَلَيْنَا. {وَقَالَ قَرِينُهُ}: الشَّيْطَانُ الَّذِي قُيِّضَ لَهُ. {فَنَقَّبُوا}: ضَرَبُوا. {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ}: لاَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِغَيْرِهِ. حِينَ أَنْشَأَكُمْ وَأَنْشَأَ خَلْقَكُمْ {رَقِيبٌ عَتِيدٌ}: رَصَدٌ. {سَائِقٌ وَشَهِيدٌ}: الْمَلَكَانِ. {كَاتِبٌ وَشَهِيدٌ}: شَهِيدٌ شَاهِدٌ بِالْقَلْبِ. {لُغُوبٍ}: النَّصَبُ. وَقَالَ غَيْرُهُ {نَضِيدٌ}: الْكُفُرَّى مَا دَامَ فِي أَكْمَامِهِ وَمَعْنَاهُ مَنْضُودٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ فَلَيْسَ بِنَضِيدٍ. فِي {أَدْبَارِ النُّجُومِ وَأَدْبَارِ السُّجُودِ} كَانَ عَاصِمٌ يَفْتَحُ الَّتِي فِي ق وَيَكْسِرُ الَّتِي فِي الطُّورِ وَيُكْسَرَانِ جَمِيعًا وَيُنْصَبَانِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَوْمَ الْخُرُوجِ}: يَخْرُجُونَ مِنَ الْقُبُورِ. ([50] سورة ق) مكية وهي خمس وأربعون آية، وزاد أبو ذر: بسم الله الرحمن الرحيم. ({رجع بعيد}) [ق: 3] أي (رد) إلى الحياة الدنيا بعيد أي غير كائن أي يبعد أن نبعث بعد الموت. ({فروج}) [ق: 6] أي (فتوق) بأن خلقها ملساء متلاصقة الطباق (واحدها فرج) بسكون الراء. ({من حبل الوريد}) [ق: 16] قال مجاهد فيما رواه الفريابي (وريداه في حلقه) والوريد عرق العنق ولغير أبي ذر وريد في حلقه الحبل حبل العاتق وزاد أبو ذر: واو قبل قوله الحبل، وقوله: من حبل الوريد هو كقولهم: مسجد الجامع أي حبل العرق الوريد أو لأن الحبل أعم فأضيف للبيان نحو بعير سانية أو يراد حبل العاتق فأضيف إلى الوريد كما يضاف إلى العاتق لأنهما في عضو واحد. (قال مجاهد): فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({ما تنقص الأرض}) [ق: 4] أي ما تأكل (من عظامهم) لا يعزب عن علمه شيء تعالى. ({تبصرة}) أي (بصيرة) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي والنصب على المفعول من أجله أي تبصير أمثالهم أو بفعل من لفظه أي بصرهم تبصرة أي خلق السماء تبصرة. ({حب الحصيد}) [ق: 9] هو (الحنطة) وصله الفريابي أيضًا، أو سائر الحبوب التي تحصد وهو من باب حذف الموصوف للعلم به أي وحب الزرع الحصيد نحو مسجد الجامع أو من باب إضافة الموصوف إلى صفته لأن الأصل والحب الحصيد أي المحصود. ({باسقات}) هي (الطول) والبسوق الطول يقال بسق فلان على أصحابه أي طال عليهم في الفضل. ({أفعيينا}) أي (أفأعيي علينا) أفعجزنا عن الإبداء حتى نعجز عن الإعادة ويقال لكل من عجز عن شيء عيي به، وهذا تقريع لهم لأنهم اعترفوا بالخلق الأول وأنكروا البعث. ({وقال قرينه}) هو (الشيطان الذي قيض له) بضم القاف وكسر التحتية المشددة آخره ضاد معجمة

1 - باب قوله: {وتقول هل من مزيد}

قدر وقيل القرين الملك الموكل به. ({فنقبوا}) أي (ضربوا) بمعنى طافوا في البلاد حذر الموت والضمير للقرون السابقة أو لقريش. ({أو ألقى السمع}) أي (لا يحدث نفسه بغيره) لإصغائه لاستماعه. ({حين أنشأكم وأنشأ خلقكم}) وهذه بقية تفسير قوله: {أفعيينا} وتأخيره لعله من بعض النساخ وسقط من قوله: {أفعيينا} إلى هنا لأبي ذر. ({رقيب عتيد}) [ق: 18]. قال مجاهد فيما وصله الفريابي (رصد) يرصد وينظر وقال ابن عباس فيما وصله الطبري يكتب كل ما تكلم به من خير وشر وعن مجاهد حتى أنينه في مرضه، وقال الضحاك: مجلسهما تحت الشعر على الحنك. ({سائق وشهيد}) [ق: 21]. (الملكان) ولأبي ذر: الملكين بالنصب بنحو يعني أحدهما ({كاتب و}) الآخر ({شهيد}) وقيل السائق هو الذي يسوقه إلى الموقف والشهيد هو الكاتب والسائق لازم للبر والفاجر أما البر فيساق إلى الجنة وأما الفاجر فيساق إلى النار. ({شهيد}) في قوله تعالى: {أو ألقى السمع وهو شهيد} [ق: 37] قال مجاهد فيما وصله الفريابي (شاهد بالقلب) ولأبي ذر عن الكشميهني بالغيب. ({لغوب}) [ق: 38] ولأبي ذر: من لغوب هو (النصب) ولأبي ذر: نصب بالجر أي من نصب وهذا وصله الفريابي وهو ردّ لما زعمت اليهود من أنه تعالى بدأ خلق العالم يوم الأحد وفرغ منه يوم الجمعة واستراح يوم السبت فأكذبهم الله بقوله: {وما مسّنا من لغوب} رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة. (وقال غيره): أي غير مجاهد ({نضيد}) في قوله تعالى: {لها طلع نضيد} [ق: 10] (الكفرى) بضم الكاف والفاء وتشديد الراء مقصورًا الطلع (ما دام في أكمامه) جمع كم بالكسر (ومعناه منضود بعضه على بعض فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد) وهذا عجيب فإن الأشجار الطوال ثمارها بارزة بعضها على بعض لكل واحدة منها أصل يخرج منه كالجوز واللوز والطلع كالسنبلة الواحدة تكون على أصل واحد. (في {إدبار النجوم}) بالطور. ({وأدبار السجود}) هنا (كان عاصم يفتح) هذه (التي في ق) كابن عامر والكسائي وأبي عمرو جمع دبر وهو آخر الصلاة وعقبها وجمع باعتبار تعدد السجود. (ويكسر التي في الطور) موافقة للجمهور مصدرًا وهذا بخلاف آخرق فإن الفتح لائق به لأنه يراد به الجمع لدبر السجود أي أعقابه كما مرّ (ويكسران جميعًا) فكسر موضع ق نافع وابن كثير وحمزة والطور الجمهور (وينصبان) أي يفتحان فالأوّل عاصم ومَن معه والثاني المطوعي عن الأعمش شاذًّا يعني أعقاب النجوم وآثارها إذا غربت. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ({يوم الخروج}) أي (يخرجون) ولأبي ذر: يوم يخرجون، وزاد أبو ذر وأبو الوقت إلى البعث (من القبور) والإشارة في قوله ذلك يجوز أن تكون إلى النداء ويكون قد اتسع في الظرف فأخبر به عن المصدر أو يقدر مضاف أي ذلك النداء والاستماع نداء يوم الخروج واستماعه. 1 - باب قَوْلِهِ: {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} (باب قوله: {وتقول}) أي جهنم حقيقة ({هل من مزيد}) [ق: 30] سؤال تقرير بمعنى الاسترادة وهو رواية عن ابن عباس فيكون السؤال وهو قوله هل امتلأت قبل دخول جميع أهلها أو هو استفهام بمعنى النفي والمعنى قد امتلأت ولم يبق فيّ موضع لم يمتلئ وهذا مشكل لأنه حينئذ بمعنى الإنكار والمخاطب الله تعالى ولا يلائمه معنى الحديث التالي، وقيل السؤال لخزنتها والجواب منهم فلا بد من حذف مضاف أي نقول لخزنة جهنم ويقولون والمزيد يجوز أن يكون مصدرًا أي هل من زيادة وأن يكون اسم مفعول أي من شيء تزيدونيه أحرقه أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها موضع للمزيد وسقط باب قوله لغير أبي ذر. 4848 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يُلْقَى فِي النَّارِ، وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ». [الحديث 4848 - طرفاه في: 6661، 1384]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي الحافظ البصري قال: (حدّثنا حرمي بن عمارة) بن أبي حفصة وحرمي علم لا نسبة للحرم، ووهم الكرماني وسقط لغير أبي ذر ابن عمارة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يلقى في النار) أهلها (وتقول) مستفهمة (هل من مزيد) فيّ أي لا أسمع غير

ما امتلأت به أو هل من زيادة فأزاد (حتى يضع) وفي رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عند مسلم حتى يضع رب العزة (قدمه) فيها أي يذللها تذليل من يوضع تحت الرجل والعرب تضع الأمثال بالأعضاء ولا تريد أعيانها كقولها للنادم سقط في يده أو المراد قدم بعض المخلوقين فيكون الضمير لمخلوق معلوم (فتقول) النار (قط قط) بكسر الطاء وسكونها فيهما كذا في الفرع، ويجوز التنوين مع الكسر والمعنى حسبي حسبي قد اكتفيت. 4849 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ الْحِمْيَرِيُّ سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ، وَأَكْثَرُ مَا كَانَ يُوقِفُهُ أَبُو سُفْيَانَ «يُقَالُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ؟ وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ فَيَضَعُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدَمَهُ عَلَيْهَا فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ». [الحديث 4849 - طرفاه في: 4850، 7449]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن موسى القطان) الواسطي قال: (حدّثنا أبو سفيان الحميري) بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح التحتية وكسر الراء واسمه (سعيد بن يحيى) بكسر العين (ابن مهدي) بفتح الميم الواسطي قال: (حدّثنا عوف) الأعرابي (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة) قال محمد بن موسى (رفعه) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وأكثر ما كان يوقفه) على الصحابي بسكون الواو من الثلاثي المزيد فيه والفصيح يقفه من الثلاثي المجرد (أبو سفيان) الحميري وقليلًا ما كان يرفعه (يقال) أي يقول الله (لجهنم هل امتلأت) استفهام تحقيق لوعده بملئها (وتقول) جهنم: ولأبي ذر فتقول بالفاء (هل من مزيد فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط). 4850 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: مَا لِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ؟ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابٌ أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ فَلاَ تَمْتَلِئُ، حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلاَ يَظْلِمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام بتشديد الميم وفتح الهاء قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (تحاجّت الجنة والنار) تخاصمتا بلسان المقال أو الحال (فقالت النار: أوثرت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول بمعنى اختصصت (بالمتكبرين والمتجبرين) مترادفان لغة فالثاني تأكيد لسابقه أو المتكبر المتعظم بما ليس فيه والمتجبر الممنوع الذي لا يوصل إليه أو الذي لا يكترث بأمر الناس وسقطهم (وقالت الجنة ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس) الذين لا يلتفت إليهم لمسكنتهم (وسقطهم) بفتحتين المحتقرون بين الناس الساقطون من أعينهم لتواضعهم لربهم وذلتهم له (قال الله تبارك وتعالى) ولأبي ذر: عز وجل (للجنة: أنت رحمتي) ولأبي ذر عن الكشميهني: أنت رحمة وسماها رحمة لأن بها تظهر رحمته تعالى كما قاله (أرحم بك من أشاء من عبادي) وإلاّ فرحمة الله من صفاته التي لم يزل بها موصوفًا (وقال للنار: إنما أنت عذاب) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: عذابي (أعذّب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منهما) بالهاء في الفرع كأصله وفي نسخة منكما (ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله) في مسلم: حتى يضع الله رِجله، وأنكر ابن فورك لفظ رِجله وقال: إنها غير ثابتة. وقال ابن الجوزي: هي تحريف من بعض الرواة وردّ عليهما برواية الصحيحين بها وأوّلت بالجماعة كرِجل من جراد أي يضع فيها جماعة وأضافهم إليه إضافة اختصاص، وقال محيي السُّنَّة: القدم والرِجل في هذا الحديث من صفات الله تعالى المنزّهة عن التكييف والتشبيه فالإيمان بها فرض والامتناع عن الخوض فيها واجب، فالمهتدي من سلك فيها طريق التسليم والخائض فيها زائغ والمنكر معطل والمكيف مشبه ليس كمثله شيء (فتقول) النار إذا وضع رِجله فيها (قط قط قط) ثلاثًا بتنوينها مكسورة ومسكنة، وعند أبي ذر: مرتين فقط كالروايتين السابقتن (فهنالك تمتلئ ويُرْوى) بضم أوله وفتح ثالثه (بعضها إلى بعض) تجتمع وتلتقي على مَن فيها ولا ينشئ الله لها خلفًا (ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدًا) لم يعمل سوءًا وللمعتزلة أن يقولوا إن نفي الظلم عمن لم يذنب دليل على أنه إن عذبهم كان ظلمًا وهو عين مذهبنا. والجواب إنّا وإن قلنا إنه تعالى وإن عذبهم لم يكن ظالمًا فإنه لم يتصرف في ملك غيره، لكنه تعالى لا يفعل ذلك لكرمه ولطفه مبالغة فنفي الظلم إثبات الكرم، (وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقًا) لم تعمل خيرًا حتى تمتلئ فالثواب ليس موقوفًا على العمل.

2 - باب: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب}

وفي حديث أن عند مسلم مرفوعًا: يبقى من الجنة ما شاء الله ثم ينشئ الله لها خلقًا مما يشاء، وفي رواية له ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقًا فيسكنهم فضل الجنة. 2 - باب: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} (باب {وسبح}) ولغير أبي ذر: فسبح بالفاء والموافق للتنزيل الأول ({بحمد ربك}) أي نزهه واحمده حيث وفقك لتسبيحه فالمفعول محذوف للعلم به أي نزّه الله بحمد ربك أي متلبسًا أو مقترنًا بحمد ربك وأعاد الأمر بالتسبيح في قوله: ({ومن الليل فسبحه}) للتأكيد أو الأول بمعنى الصلاة والثاني بمعنى التنزيه والذكر ({قبل طلوع الشمس}) صلاة الصبح ({وقبل الغروب}) [ق: 39] العصر، وقيل قبل الطلوع الصبح وقبل الغروب الظهر والعصر ومن الليل العشاءان والتهجد. 4851 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ؛ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا». ثُمَّ قَرَأَ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 29]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (عن جرير) هو ابن عبد الحميد (عن إسماعيل) بن أبي خالد البجلي الكوفي (عن قيس بن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي البجلي (عن جرير بن عبد الله) البجلي -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا جلوسًا ليلة مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة) بسكون الشين (فقال): (إنكم سترون ربكم) عز وجل (كما ترون هذا) القمر رؤية محققة لا تشكّون فيها و (لا تضامون في رؤيته) بضم الفوقية وفتح الضاد المعجمة وتخفيف الميم لا ينالكم ضيم في رؤيته تعب أو ظلم فيراه بعضكم دون بعض بأن يدفعه عن الرؤية ويستأثر بها بل تشتركون في رؤيته فهو تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي (فإن استطعتم أن لا تغلبوا) بضم أوله وفتح ثالثه بالاستعداد بقطع أسباب الغلبة المنافية للاستطاعة كالنوم المانع (عن) وللحموي والمستملي: على (صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا) عدم المغلوبية التي لازمها الصلاة كأنه قال: صلوا في هذين الوقتين (ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام ({وسبح}) بالواو كالتنزيل ولأبي ذر: فسبح ({بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب}) وفضيلة الوقتين معروفة إذ فيهما ارتفاع الأعمال مع ما يشعر به سياق الحديث من النظر إلى وجه الله تعالى للمحافظ عليهما. والحديث قد مرّ في باب فضل صلاة العصر من كتاب الصلاة. 4852 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَهُ أَنْ يُسَبِّحَ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا يَعْنِي قَوْلَهُ: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس واسمه عبد الرحمن قال: (حدّثنا ورقاء) بفتح الواو وسكون الراء وبالقاف مهموز ممدود ابن عمر اليشكري (عن ابن أبي نجيح) عبد الله واسم أبي نجيح يسار بالسين المهملة المخففة بعد التحتية المكي (عن مجاهد) هو ابن جبر أنه قال: (قال ابن عباس: أمره) عليه الصلاة والسلام ربه تعالى (أن يسبح) ينزّه ربه عز وجل (في أدبار الصلوات كلها يعني قوله {وأدبار السجود}) وقيل: أدبار السجود النوافل بعد المكتوبات وقيل الوتر بعد العشاء. [51] سورة وَالذَّارِيَاتِ بسم الله الرحمن الرحيم. قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ {الذَّارِيَاتِ}: الرِّيَاحُ. وَقَالَ غَيْرُهُ {تَذْرُوهُ}: تُفَرِّقُهُ. {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}: تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ فِي مَدْخَلٍ وَاحِدٍ وَيَخْرُجُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ. {فَرَاغَ}: فَرَجَعَ. {فَصَكَّتْ}: فَجَمَعَتْ أَصَابِعَهَا، فَضَرَبَتْ جَبْهَتَهَا. وَ {الرَّمِيمُ}: نَبَاتُ الأَرْضِ إِذَا يَبِسَ وَدِيسَ. {لَمُوسِعُونَ}: أَيْ لَذُو سَعَةٍ. وَكَذَلِكَ عَلَى {الْمُوسِعِ قَدَرُهُ}: يَعْنِي الْقَوِيَّ. {زَوْجَيْنِ}: الذَّكَرَ وَالأُنْثَى. {وَاخْتِلاَفُ} الأَلْوَانِ: حُلْوٌ وَحَامِضٌ، فَهُمَا زَوْجَانِ. {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}: مِنَ اللَّهِ إِلَيْهِ. {إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}: مَا خَلَقْتُ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الْفَرِيقَيْنِ إِلاَّ لِيُوَحِّدُونِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَلَقَهُمْ لِيَفْعَلُوا، فَفَعَلَ بَعْضٌ، وَتَرَكَ بَعْضٌ، وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لأَهْلِ الْقَدَرِ. وَالذَّنُوبُ: الدَّلْوُ الْعَظِيمُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {ذَنُوبًا}: سَبِيلًا. {صَرَّةٍ}: صَيْحَةٍ. {الْعَقِيمُ}: الَّتِي لاَ تَلِدُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {وَالْحُبُكُ}: اسْتِوَاؤُهَا، وَحُسْنُهَا. {فِي غَمْرَةٍ}: فِي ضَلاَلَتِهِمْ يَتَمَادَوْنَ. وَقَالَ غَيْرُهُ {تَوَاصَوْا}: تَوَاطَؤُوا. وَقَالَ غَيْرُهُ: {مُسَوَّمَةً}: مُعَلَّمَةً، مِنَ السِّيمَا. {قُتِلَ الإِنسَانُ}: لُعِنَ. ([51] سورة وَالذَّارِيَاتِ) مكية وآيها ستون، ولأبي ذر سورة والذاريات. (بسم الله الرحمن الرحيم) وسقطت البسملة لغير أبي ذر. (قال عليّ عليه السلام) كذا في الفرع كأصله ككثير من النسخ وهو وإن كان معناه صحيحًا لكن ينبغي أن يساوى بين الصحابة في ذلك إذ هو من باب التعظيم، والشيخان وعثمان أولى بذلك منه، فالأولى الترضي، فقد قال الجويني: السلام كالصلاة فلا يستعمل في الغائب ولا يفرد به غير الأنبياء وسواء في هذا الأحياء والأموات وأما الحاضر فيخاطب به. اهـ. ({الذاريات}: الرياح) التي تذرو التراب ذروًا، وهذا وصله الفريابي، وسقط لغير أبي ذر لفظ: الذاريات، وقيل: الذاريات النساء الولود فإنهن يذرين الأولاد. (وقال غيره): غير عليّ ({تذروه}) في قوله تعالى: {تذروه الرياح} [الكهف: 45] بالكهف. معناه (تفرقه) ذكره شاهدًا لسابقه. ({وفي أنفسكم}) نسق على في الأرض فهو خبر عن آيات أيضًا والتقدير وفي الأرض وفي أنفسكم آيات ({أفلا تبصرون}) [الذاريات: 21]. قال الفراء: (تأكل وتشرب في مدخل واحد) الفم (يخرج من موضعين) القُبُل والدُّبُر. ({فراغ}) أي (فرجع) قاله الفراء أيضًا وقيل ذهب في خفية من ضيفه فإن من أدب المضيف أن يخفي أمره وأن يبادره بالقرى من غير أن يشعر

به الضيف حذرًا من أن يكفه ويعذره. ({فصكّت}) [الذاريات: 29] أي (فجمعت) ولأبي ذر: جمعت (أصابعها فضربت به) بما جمعت (جبهتها) فعل المتعجب وهي عادة النساء إذا أنكرن شيئًا، وقيل: وجدت حرارة دم الحيض فضربت وجهها من الحياء وسقط به لغير المستملي ({والرميم} نبات الأرض إذا يبس وديس}) بكسر الدال من الدوس وهو وطء الشيء بالأقدام والقوائم حتى يتفتت ومعنى الآية ما تترك من شيء أتت عليه من أنفسهم وأموالهم وأنعامهم إلا جعلته كالشيء الهالك البالي. ({لموسعون}) [الذاريات: 47] (أي لذوو سعة) بخلقنا قاله الفراء، وقال غيره: لقادرون من الوسع بمعنى الطاقة كقولك: ما في وسعي كذا أي ما في طاقتي وقوّتي (وكذلك) قوله تعالى: ({على الموسع قدره}) [البقرة: 236] (يعني القويّ) قاله الفراء أيضًا. ({زوجين}) ولأبي الوقت: خلقنا زوجين نوعين وصنفين مختلفين (الذكر والأنثى) من جميع الحيوان ({و}) كذا ({اختلاف} الألوان) كما في قوله تعالى: {واختلاف ألسنتكم وألوانكم} [الروم: 22] إذ لو تشاكلت وكانت نوعًا واحدًا لوقع التجاهل والالتباس وكذا اختلاف الطعوم (حلو وحامض فهما) لما بينهما من الضدّية الذكر والأنثى (زوجان) السماء والأرض والنور والظلمة والإيمان والكفر والسعادة والشقاوة والحق والباطل. ({ففروا إلى الله}) [الذاريات: 5] أي (من الله إليه) ولأبي الوقت معناه إليه يريد من معصيته إلى طاعته أو من عذابه إلى رحمته أو من عقابه بالإيمان والتوحيد. ({إلا ليعبدون}) ولأبي ذر: ({وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56]. أي (ما خلقت أهل السعادة من أهل الفريقين) الجن والإنس (إلاّ ليوحدون) فجعل العام مرادًا به الخصوص لأنه لو حمل على ظاهره لوقع التنافي بين العلة والمعلول لوجود من لا يعبده كقولك: هذا القلم بريته للكتابة ثم قد تكتب به وقد لا تكتب وزاد زيد بن أسلم: وما خلقت الأشقياء منهم إلا ليعصون. (وقال بعضهم): ذاهبًا إلى حمل الآية على العموم (خلقهم ليفعلوا) التوحيد خلق تكليف واختيار أي ليأمرهم بذلك (ففعل بعض) بتوفيقه له (وترك بعض) بخذلانه له، وطرده فكلٌّ ميسر لما خلق له أو المعنى ليطيعون وينقادوا لقضائي فكلٌّ مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله تعالى متذلل لمشيئته لا يملك لنفسه خروجًا عما خلق عليه، ولم يذكر الملائكة لأن الآية سيقت لبيان قبح ما يفعله الكفرة من ترك ما خلقوا له وهذا خاص بالثقلين أو لأن الملائكة مندرجون في الجن لاستتارهم (وليس فيه حجة لأهل القدر) المعتزلة على أن إرادة الله لا تتعلق إلا بالخير وأما الشر فليس مرادًا له لأن لا يلزم من كون الشيء معللًا بشيء أن يكون ذلك الشيء مرادًا وأن لا يكون غيره مرادًا وكذا لا حجة لهم في هذه الآية على أن أفعال العباد معللة بالأغراض إذ لا يلزم من وقوع التعليل في موضع وجوب التعليل في كل موضع ونحن نقول بجواز التعليل لا بوجوبه أو إن اللام قد ثبتت لغير الغرض كقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} [الإسراء: 78]. وقوله: {فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1]. ومعناه المقارنة فالمعنى هنا قرنت الخلق بالعبادة أي خلقتهم وفرضت عليهم العبادة وكذا لا حجة لهم فيها على أن أفعال العباد مخلوقة لهم لإسناد العبادة إليهم لأن الإسناد إنما هو من جهة الكسب. (والذنوب) في قوله تعالى: {فإن للذين ظلموا ذنوبًا} [الذاريات: 59]. لغة (الدلو العظيم) وقال الفراء: العظيمة (وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي ({ذنوبًا} سبيلًا) وهذا مؤخر بعد تاليه عند غير أبي ذر وفي نسخة سجلاًّ بفتح السين المهملة وسكون الجيم وزاد الفريابي عنه فقال: سجلاًّ من العذاب مثل عذاب أصحابهم، وقال أبو عبيدة: الذنوب النصيب والذنوب والسجل أقل ملء من الدلو. ({صرة}) بالرفع ولأبي ذر: أي (صيحة) ولغيره بجرهما وهو موافق للتلاوة. ({العقيم}) هي (التي لا تلد) ولأبي الوقت: تلقح شيئًا كذا في الفرع وأصله بفتح التاء والقاف، وقال في الفتح: وزاد أبو ذر ولا تلقح شيئًا. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- كما ذكره في بدء الخلق ({والحبك}) في قوله

[52] سورة والطور

تعالى: {والسماء ذات الحبك} [الذاريات: 7]. هو (استواؤها وحسنها) وقال سعيد بن جبير: ذات الزينة أي المزينة بزينة الكواكب. قال الحسن: حبكت بالنجوم وقال الضحاك: ذات الطرائق والمراد إما الطرائق المحسوسة التي هي مسير الكواكب أو المعقولة التي يسلكها النظّار ويتوصل بها إلى المعارف. ({في غمرة}) [الذاريات: 11] ولأبي ذر: غمرتهم والأول هو الموافق للتلاوة هنا (في ضلالتهم يتمادون) قاله ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم (وقال غيره): غير ابن عباس ({تواصوا}) أي (تواطؤوا) والهمزة التي حذفها المؤلّف للاستفهام التوبيخي والضمير في به يعود على القول المدلول عليه بقالوا أي أتواصى الأولون والآخرون بهذا القول المتضمن لساحر أو مجنون والمعنى كيف اتفقوا على قول واحد كأنهم تواطؤوا عليه. (وقال غيره): أي غير ابن عباس ({مسوّمة}) أي (معلمة من السيما) بكسر السين المهملة وسكون التحتية مقصورًا وهي العلامة وسقط لأبي ذر: تواصوا تواطؤوا وقال: ({قتل الإنسان} لعن) كذا في الفرع كأصله وآل ملك والناصرية وفي غيرها قتل الخرّاصون لعنوا، والخراصون الكذابون، ولم يذكر المؤلّف حديثًا مرفوعًا هنا، والظاهر أنه لم يجده على شرطه. نعم قال في الفتح: يدخل حديث ابن مسعود أقرأني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إني أنا الرزاق ذو القوّة المتين أخرجه أحمد والنسائي وقال الترمذي: حسن صحيح وصححه ابن حبان. [52] سورة وَالطُّورِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ قَتَادَةُ {مَسْطُورٍ}: مَكْتُوبٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الطُّورُ}: الْجَبَلُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ. {رَقٍّ مَنْشُورٍ}: صَحِيفَةٍ. {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ}: سَمَاءٌ. الْمَسْجُورِ: الْمُوقَدِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: تُسْجَرُ حَتَّى يَذْهَبَ مَاؤُهَا. فَلاَ يَبْقَى فِيهَا قَطْرَةٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {أَلَتْنَاهُمْ}: نَقَصْنَا؟ وَقَالَ غَيْرُهُ: {تَمُورُ}: تَدُورُ. {أَحْلاَمُهُمْ}: الْعُقُولُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْبَرُّ اللَّطِيفُ. {كِسْفًا}: قِطْعًا. {الْمَنُونُ}: الْمَوْتُ. وَقَالَ غَيْرُهُ. {يَتَنَازَعُونَ}: يَتَعَاطَوْنَ. ([52] سورة وَالطُّورِ) مكية وآيها ثمان أو تسع وأربعون. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقط لغير أبي ذر لفظ سورة والبسملة. (وقال قتادة) فيما وصله البخاري في خلق أفعال العباد ({مسطور}) أي (مكتوب) والمراد القرآن أو ما كتبه الله في اللوح المحفوظ أو في قلوب أوليائه من المعارف والحكم وسقط قول قتادة هذا لأبي ذر. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({الطور}: الجبل بالسريانية) وهو طور سينين جبل بمدين سمع فيه موسى كلام الله عز وجل. ({رق منشور}) [الطور: 13] أي (صحيفة) وتنكيرهما للتعظيم والإشعار بأنهما ليسا من المتعارف فيما بين الناس. ({والسقف المرفوع}) [الطور: 5] هو (سماء) وسقط هذا لأبي ذر. (والمسجور) هو (الموقد) بالجر فيهما لغير أبي ذر وإسقاط واو والمسجور أي المحمي بمنزلة التنور المسجور، وقيل المملوء. واختاره ابن جرير ووجهه بأنه ليس موقد اليوم فهو مملوء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي الموقر بالراء بدل الدال والأول هو الصواب وبرفعه كسابقه. (وقال الحسن) البصري فيما وصله الطبري (تسجر) البحار (حتى يذهب ماؤها فلا يبقى فيها قطرة) وهذا يكون يوم القيامة. (وقال مجاهد) مما سبق في الحجرات ({ألتناهم} نقصنا) وسقط هذا لأبي ذر. (وقال غيره) غير مجاهد ({تمور}) أي (تدور) وقال أبو عبيدة تكفأ وأنشد الأعشى: كأن مشيتها من بيت جارتها ... مور السحابة لا ريث ولا عجل ({أحلامهم}) هي (العقول) فالعقل يضبط المرء فيصير كالبعير المعقول وبالاحتلام الذي هو البلوغ يصير الإنسان مكلفًا وبه يكمل العقل. (وقال ابن عباس) فيما وصله الطبري (البر) أي (اللطيف) قال في الفتح: هذا ساقط لأبي ذر والذي في اليونينية وفرعها علامة أبي ذر مع كتابة إلى على قوله البرّ وعلى قوله اللطيف لا. ({كسفًا}) بسكون السين أي (قطعًا) بكسر القاف وسكون الطاء. وقال البرماوي وغير هذا على قراءة فتح السين كقربة وقرب ومن قرأه بالسكون على التوحيد فجمعه أكساف وكسوف. اهـ. وقيل إن الفتح قراءة شاذة وأنكرها بعضهم وأثبتها أبو البقاء وقد قال أبو عبيدة الكسف جمع كسفة مثل السدر جمع سدرة. ({المنون}) هو (الموت) فعول من منه إذا قطعه. (وقال غيره) غير ابن عباس ({يتنازعون}) أي (يتعاطون) هم وجلساؤهم بتجاذب وتجاذبهم تجاذب ملاعبة لا تجاذب منازعة وفيه نوع لذة. 1 - باب 4853 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَشْتَكِي فَقَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ»، فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّى إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَقْرَأُ: بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف)

[53] سورة والنجم

التنبسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل) يتيم عروة (عن عروة) بن الزبير (عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة عن أم سلمة) أم المؤمنين أنها (قالت: شكوت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أني أشتكي) أي أني كنت مريضة لا أقدر على الطواف ماشية (فقال) لي عليه الصلاة والسلام: (طوفي من وراء الناس وأنت راكبة، فطفت ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) الصبح (إلى جنب البيت) الحرام (يقرأ بالطور وكتاب مسطور). وهذا الحديث سبق في الحج. 4854 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثُونِي عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الآيَةَ {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لاَ يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} [الطور 35 - 37] كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ. قَالَ سُفْيَانُ: فَأَمَّا أَنَا فَإِنَّمَا سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ: فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، لَمْ أَسْمَعْهُ زَادَ الَّذِي قَالُوا لِي. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثوني) أصحابي (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن محمد بن جبير بن مطعم) القرشي النوفلي (عن أبيه -رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية {أم خلقوا من غير شيء}) خلقهم فوجدوا بلا خالق ({أم هم الخالقون})؟ [الطور: 35] لأنفسهم وهذا باطل ({أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون}) [الطور: 36] بأنهم خلقوا أي هم معترفون وهو معنى قوله: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} [لقمان: 25] أو لا يوقنون بأن الله خالق واحد ({أم عندهم خزائن ربك}) خزائن رزق ربك ({أم هم المسيطرون}) [الطور: 37] المتسلطون على الأشياء يدبرونها كيف شاؤوا (كاد قلبي أن يطير) مما تضمنته من بليغ الحجة وفيه وقوع خبر كاد مقرونًا بأن في غير الضرورة قال ابن مالك وقد خفي ذلك على بعض النحويين والصحيح جوازه إلا أن وقوعه غير مقرون بأن أكثر وأشهر من وقوعه بها. اهـ. ولأبي ذر قال: كاد قلبي يطير فزاد قال وأسقط أن. (قال سفيان) بن عيينة (فأما أنا فإنما سمعت الزهري يحدّث عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه) أنه قال: (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في المغرب بالطور لم) ولأبي ذر ولم (أسمعه) أي ولم أسمع الزهري (زاد الذي قالوا لي) يعني قوله: فلما بلغ إلى آخره، وقد كان جبير بن مطعم قدم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد وقعة بدر في فداء الأسارى، وكان إذ ذاك مشركًا وكان سماعه هذه الآية من هذه السورة من جملة ما حمله على الدخول في الإسلام بعد. [53] سورة وَالنَّجْمِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ مُجَاهِدٌ {ذُو مِرَّةٍ}: ذُو قُوَّةٍ. {قَابَ قَوْسَيْنِ}: حَيْثُ الْوَتَرُ مِنَ الْقَوْسِ. {ضِيزَى}: عَوْجَاءُ. {وَأَكْدَى}: قَطَعَ عَطَاءَهُ. {رَبُّ الشِّعْرَى}: هُوَ مِرْزَمُ الْجَوْزَاءِ. {الَّذِي وَفَّى}: وَفَّى مَا فُرِضَ عَلَيْهِ. {أَزِفَتِ الآزِفَةُ}: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ. {سَامِدُونَ}: الْبَرْطَمَةُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ يَتَغَنَّوْنَ بِالْحِمْيَرِيَّةِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ {أَفَتُمَارُونَهُ}: أَفَتُجَادِلُونَهُ، وَمَنْ قَرَأَ أَفَتَمْرُونَهُ يَعْنِي أَفَتَجْحَدُونَهُ. {مَا زَاغَ الْبَصَرُ}: بَصَرُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. {وَمَا طَغَى}: وَلاَ جَاوَزَ مَا رَأَى. {فَتَمَارَوْا}: كَذَّبُوا. وَقَالَ الْحَسَنُ {إِذَا هَوَى}: غَابَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {أَغْنَى وَأَقْنَى}: أَعْطَى فَأَرْضَى. ([53] سورة وَالنَّجْمِ) مكية وآيها إحدى أو اثنتان وستون. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقط لفظ سورة والبسملة لغير أبي ذر. وقال مجاهد: ({ذو مرة}) [النجم: 6] أي (ذو قوّة) في خلقه وزاد الفريابي عنه جبريل وقال ابن عباس منظر حسن فإن قلت قد علم كونه ذا قوّة بقوله شديد القوى فكيف يفسر ذو مرة بقوّة؟ أجيب: بأن ذو مرة بدل من شديد القوى لا وصف له أو المراد بالأول قوته في العلم، وبالثاني قوّة جسده فقدم العلمية على الجسدية ({قاب قوسين}) [النجم: 9] أي (حيث الوتر من القوس) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي أيضًا وفيه مضافان محذوفان أي فكان مقدار مسافة قربه عليه الصلاة والسلام منه تعالى مثل مقدار مسافة قاب وهذا ساقط لأبي ذر. ({ضيزى}) [النجم: 22] قال مجاهد فيما وصله الفريابي أيضًا (عوجاء) وقال الحسن غير معتدلة وقيل جائزة حيث جعلتم له البنات التي تستنكفون عنهن وهي فعلى بضم الفاء من الضيز وهو الجور لأنه ليس في كلام العرب فعلى بكسر الفاء صفة وإنما كسرت محافظة على تصحيح الياء كبيض وإلاّ فلو بقيت الضمة انقلبت الياء واوًا وفي نسخة حدباء. ({وأكدى}) [النجم: 34] أي (قطع عطاءه) قال: فأعطى قليلًا ثم أكدى عطاءه ... ومن يبذل المعروف في الناس يحمد وهو من قولهم: أكدى الحافر إذا بلغ الكدية وهي الصخرة الصلبة فترك الحفر. ({رب الشعرى}) [النجم: 49] قال مجاهد فيما وصله الفريابي (هو) أي الشعرى (مرزم الجوزاء) بكسر الميم الأولى وهي العبور وقال السفاقسي وهي الهنعة عبدها أبو كبشة وخالف قريشًا في عبادة الأوثان. ({الذي وفى}) أي

1 - باب

(وفى ما فرض عليه) وقال الحسن عمل ما أمر به وبلغ رسالات ربه إلى خلقه وقيل قيامه بذبح ابنه. ({أزفت الآزفة}) [النجم: 57] أي (اقتربت الساعة) التي كل يوم تزداد قربًا فهي كائنة قريبة وزادت في القرب وهذا ساقط لأبي ذر. ({سامدون}) قال مجاهد هي (البرطمة) بالموحدة المفتوحة والراء الساكنة والطاء المهملة والميم المفتوحتين، ولأبي ذر عن الكشميهني البرطنة بالنون بدل الميم الغناء فكانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ولعبوا، وقيل: السامد اللاهي وقيل الهائم. (وقال عكرمة يتغنون بـ) اللغة (الحميرية) يقولون يا جارية اسمدي لنا أي غني (وقال إبراهيم) النخعي فيما وصله سعيد بن منصور في قوله تعالى: {{أفتمارونه}) أي (أفتجادلونه) من المراء وهو المجادلة (ومن قرأ أفتمرونه) بفتح التاء وسكون الميم من غير ألف وهم حمزة والكسائي ويعقوب وخلف (يعني أفتجحدونه) ولأبي ذر عن الحموي: أفتجحدون بحذف الضمير من مراه حقه إذا جحده وقيل أفتغلبونه في المراء من ماريته فمريته. ({ما زاغ}) ولأبي ذر وقال ما زاغ ({البصر}) أي (بصر محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عما رآه تلك الليلة ({وما طغى}) [النجم: 17] أي (ولا) ولأبي ذر عن الكشميهني وما (جاوز ما رأى) بل أثبته إثباتًا صحيحًا مستيقنًا أو ما عدل عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها وما جاوزها ({فتماروا}) في سورة القمر أي (كذبوا) ويحتمل وقوع ذلك هنا من ناسخ. (وقال الحسن) البصري فيما وصله عبد الرزاق ({إذا هوى}) في قوله تعالى: {والنجم إذا هوى} [النجم: 1] أي (غاب) أو انتثر يوم القيامة أو انقض أو طلع والنجم الثريا. (وقال ابن عباس) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({أغنى وأقنى}) أي (أعطى فأرضى) وقال مجاهد أقنى أرضى بما أعطى وقنع قال الراغب وتحقيقه أنه جعل له قنية من الرضا. 1 - باب 4855 - حَدَّثَنَا يَحْيَى. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ -رضي الله عنها- يَا أُمَّتَاهْ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي مِمَّا قُلْتَ، أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلاَثٍ مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَبَّهُ، فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103] {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الشورى: 51] وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [لقمان: 34] وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] الآيَةَ، وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن موسى الختي بالخاء المعجمة والفوقية المشددة قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجرّاح بن فليح الرؤاسي براء مضمومة فهمزة مفتوحة فمهملة الكوفي (عن إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي مولاهم العجلي (عن عامر) الشعبي (عن مسروق) هو ابن الأجدع الهمداني أنه (قال: قلت لعائشة -رضي الله عنها- يا أمتاه) بضم الهمزة وتشديد الميم وبعد الفوقية ألف فهاء ساكنة قال في الفتح والأصل يا أم والهاء للسكت فأضيف إليها ألف الاستغاثة فأبدلت تاء ثم زيدت هاء السكت بعد الألف (هل رأى محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ربه)؟ ليلة الإسراء (فقالت: لقد قفّ) بفتح القاف وتشديد الفاء أي قام (شعري) فرعًا (مما قلت) هيبة من الله واستحالة لوقوع ذلك في الدنيا وليس هو إنكارًا منها لجواز الرؤية مطلقًا كقول المعتزلة ولأبي ذر مما قلته (أين أنت من ثلاث) أي كيف يغيب فهمك عن ثلاث (من حدّثكهن فقد كذب) في حديثه (من حدّثك أن محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى ربه) ليلة المعراج (فقد كذب) وعند مسلم فقد أعظم على الله الفرية (ثم قرأت) مستدلة لذلك بطريق الاستنباط ({لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير}) [الأنعام: 103]. وفي مسلم: أنها سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن قوله تعالى: {ولقد رآه نزلة أخرى} [النجم: 13] فقال: إنما هو جبريل. وعند ابن مردويه أنها قالت: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال: لا إنما رأيت جبريل منهبطًا واحتجاجها بالآية خالفها فيه ابن عباس، ففي الترمذي عن عكرمة عنه قال: رأى محمد ربه. قلت: أليس يقول الله تعالى: {لا تدركه الأبصار} [الأنعام: 153] قال: ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره وقد رأى ربه مرتين فالمنفي في الآية إحاطة الأبصار لا مجرد الرؤية بل في تخصيص الإحاطة بالنفي ما يدل على الرؤية أو يُشعِر بها كما تقول لا تحيط به الأفهام وأصل المعرفة حاصل. ثم استدلت أيضًا بقوله تعالى: ({وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا أو من وراء حجاب}) [الشورى: 51] وأجيب: بأن هذه الآية لا تدل على نفي الرؤية مطلقًا بل على أن البشر لا يرى الله في حال التكلم فنفي الرؤية مقيد بهذه الحالة دون غيرها. (ومن حدّثك أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت {وما تدري نفس ماذا تكسب

2 - باب: {فكان قاب قوسين أو أدنى} حيث الوتر من القوس

غدًا}) [لقمان: 34] أي تعمل. (ومن حدّثك أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كتم) شيئًا مما أمر بتبليغه ولأبي ذر أنه قد كتم (فقد كذب ثم قرأت ({يا أيها الرسول بَلّغ ما أنزل إليك من ربك}) [المائدة: 67] (الآية. ولكنه) عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولكن (رأى جبريل عليه السلام في صورته) له ستمائة جناح (مرتين) مرة بالأرض في الأفق الأعلى ومرة في السماء عند سدرة المنتهى. وهذا الحديث أخرجه في التفسير والتوحيد مقطعًا ومسلم في الإيمان والترمذي والنسائي في التفسير. 2 - باب: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} حَيْثُ الْوَتَرُ مِنَ الْقَوْسِ هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({فكان قاب قوسين أو أدنى}) [النجم: 9] أي (حيث الوتر من القوس) والدنوّ من الله لا حدّ له. قال القشيري في مفاتيح الحجج: أخبر الله بقوله: {فكان قاب قوسين أو أدنى} أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلغ من الرتبة والمنزلة القدر الأعلى مما لا يفهمه الخلق ولغير أبي ذر قوله تعالى: {قاب قوسين أو أدنى} وإسقاط ما بعده ولفظ باب. 4856 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ زِرًّا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا الشيباني) بالشين المعجمة سليمان بن أبي سليمان فيروز الكوفي (قال: سمعت زرًّا) بكسر الزاي وتشديد الراء ابن حبيش (عن عبد الله) بن مسعود في قوله ({فكان قاب قوسين أو أدنى}) أي أقرب ({فأوحى إلى عبده ما أوحى} قال) زر (حدّثنا ابن مسعود عبد الله (أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رأى جبريل له ستمائة جناح) أي مرتين كما سبق، وفي سائرها على صورة دحيّة الكلبي وغيره لأن في الملك قوة يتشكل بها في أي صورة أراد. 3 - باب قَوْلِهِ: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} (باب قوله) تعالى: ({فأوحى إلى عبده ما أوحى}) [النجم: 10] أي جبريل أوحى (باب قوله) تعالى: ({فأوحى إلى عبده ما أوحى}) [النجم: 10] أي جبريل أوحى إلى عبد الله محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما أوحى جبريل وفيه تفخيم للموحى به أو الله إليه وقيل الضمائر كلها الله قال جعفر بن محمد فيما رواه السلمي فأوحى إلى عبده قال بلا واسطة فيما بينه وبينه سرًّا إلى قلبه لا يعلم به أحد سواه. اهـ. وسقط الباب ولاحقه لغير أبي ذر. 4857 - حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ زِرًّا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 9 - 10] قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ. وبه قال: (حدّثنا طلق بن غنام) بفتح الطاء المهملة وسكون اللام وبعدها قاف وغنام بفتح الغين المعجمة وتشديد النون النخعي قال: (حدّثنا زائدة) بن قدامة الكوفي (عن الشيباني) سليمان أنه (قال: سألت زرًّا) هو ابن حبيش (عن قوله تعالى: {فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى} قال: أخبرنا عبد الله) بن مسعود (أن محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى جبريل) ولأبي ذر أنه محمد رأى جبريل صلى الله عليهما وسلم (له ستمائة جناح) وزاد النسائي يتناثر منها تهاويل من الدرّ والياقوت وهذا الذي ذهب إليه ابن مسعود هو مذهب عائشة. 4 - باب {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله: ({لقد رأى}) والله لقد رأى محمد ({من آيات ربه الكبرى}) [النجم: 18] الكبرى من آياته أو الكبرى صفة للآيات والمفعول محذوف أي شيء من آيات ربه وسقط لغير أبي ذر لفظ باب وما بعده. 4858 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} قَالَ: رَأَى رَفْرَفًا أَخْضَرَ قَدْ سَدَّ الأُفُقَ. وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة بعدها تحتية ساكنة فمهملة ابن عقبة بن محمد السوائي قال: (حدّثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعي الكوفي ولد في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه- {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} [النجم: 18] قال: رأى) عليه السلام (رفرفًا أخضر قد سدّ الأفق). وعند النسائي والحاكم عن ابن مسعود قال: أبصر نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبريل عليه السلام على رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض. قال البيهقي: فالرفرف جبريل عليه السلام على صورته على رفرف والرفرف البساط وعن ابن عباس فيما رواه القرطبي في قوله: {دنا فتدلّى} [النجم: 8] أنه على التقديم والتأخير أي تدلى الرفرف لمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة المعراج فجلس عليه ثم رفع فدنا من ربه قال فارقني جبريل وانقطعت عني الأصوات وسمعت كلام ربي، فعلى هذا الرفرف ما يجلس عليه كالبساط ونحوه، وأصل الرفرف ما كان من الديباج رقيقًا حسن الصنعة ثم اشتهر استعماله في الستر.

5 - باب {أفرأيتم اللات والعزى}

5 - باب {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({أفرأيتم اللات والعزى}) [النجم: 19] اللات صنم لثقيف بالطائف أو لقريش بنخلة والعزى سمرة لغطفان كانوا يعبدونها. 4859 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، حَدَّثَنَا أَبُو الْجَوْزَاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ: {اللاَّتَ وَالْعُزَّى}: كَانَ الَّلاَتُ رَجُلًا يَلُتُّ سَوِيقَ الْحَاجِّ. وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي بالفاء وسقط لأبي ذر ابن إبراهيم قال: (حدّثنا أبو الأشهب) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وبعد الهاء المفتوحة موحدة جعفر بن حيان العطاردي البصري قال: (حدّثنا أبو الجوزاء) أوس بن عبد الله الربعي بفتح الراء والموحدة بعدها عين مهملة (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه قال (في قوله) تعالى: ({اللات والعزى} كان اللات رجلًا يلت سويق الحاج) قيل هذا التفسير على قراءة رويس بتشديد التاء أما على قراءة مَن خففها فلا يلائمها وأجيب باحتمال أن يكون أصله التشديد وخفف لكثرة الاستعمال وكان الكسائي يقف عليها بالهاء، وقيل إن اسم الرجل عمرو بن لحي، وقيل صرمة بن غنم وكان يلت السمن والسويق عند صخرة ويطعمه الحاج، فلما مات عبدوا ذلك الحجر الذي كان عنده إجلالًا لذلك الرجل وسموه باسمه، وعند ابن أبي حاتم عن ابن عباس كان يلت السويق على الحجر فلا يشرب منه أحد إلا سمن فعبدوه، وسقط لغير أبي ذر في قوله: 4860 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَلَفَ، فَقَالَ فِي حَلِفِهِ وَاللاَّتِ وَالْعُزَّى، فَلْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ». [الحديث 4860 - أطرافه في: 6107 6301 6650]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) بعين ساكنة بين فتحتين ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من حلف) بغير الله (فقال في حلفه) بفتح المهملة وكسر اللام يمينه (واللات والعزى) كيمين المشركين (فليقل) متداركًا لنفسه (لا إله إلا الله) المبرأ من الشرك فإنه قد ضاهى بحلفه بذلك الكفار حيث أشركهما بالله في التعظيم إذ الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به وحقيقة العظمة مختصة بالله تعالى فلا يضاهى به مخلوق قال ابن العربي: من حلف بهما جادًّا فهو كافر ومن قال جاهلًا أو ذاهلًا يقول كلمة التوحيد تكفر عنه وترد قلبه عن السهو إلى الذكر ولسانه إلى الحق وتنفي عنه ما جرى به من اللغو (ومن قال لصاحبه: تعال) بفتح اللام (أقامرك) بالجزم جواب الأمر (فليتصدق) أي بشيء كما في مسلم ليكفر عنه ما اكتسبه من إثم دعائه صاحبه إلى معصية القمار المحرم بالاتفاق وقرن القمار بذكر الحلف باللات والعزى لكونهما من فعل الجاهلية. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النذور والأدب والاستئذان ومسلم وأبو داود والترمذي في الأيمان والنذور وابن ماجة في الكفارات. 6 - باب {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({ومناة الثالثة الأخرى} [النجم: 20]) صفة لمناة وقال أبو البقاء الأخرى توكيد لأن الثالثة لا تكون إلا أخرى. وقال الزمخشري: والأخرى ذم وهي المتأخرة الوضيعة المقدار كقوله: {قالت أخراهم لأولاهم} [الأعراف: 38] أي ضعفاؤهم لأشرافهم ويجوز أن تكون الأوّلية والتقدم عندهم للآت والعزى. اهـ. قال صاحب الدر وفيه نظر لأن الأخرى إنما تدل على الغيرية وليس بها تعرض لمدح ولا ذم فإن جاء شيء فلقرينة خارجية، وقيل الأخرى صفة للعزى لأن الثانية أخرى بالنسبة إلى الأولى وقال في الأنوار الثالثة الأخرى صفتان للتأكيد كقوله يطير بجناحيه ومعنى الآية هل رأيتم هذه الأصنام حق الرؤية فإن رأيتموها علمتم أنها لا تصلح للألوهية والمقصود إبطال الشركاء وإثبات التوحيد. 4861 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، سَمِعْتُ عُرْوَةَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ -رضي الله عنها- فَقَالَتْ: إِنَّمَا كَانَ مَنْ أَهَلَّ بِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ الَّتِي بِالْمُشَلَّلِ لاَ يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] فَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُسْلِمُونَ، قَالَ سُفْيَانُ: مَنَاةُ بِالْمُشَلَّلِ مِنْ قُدَيْدٍ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ: نَزَلَتْ فِي الأَنْصَارِ، كَانُوا هُمْ وَغَسَّانُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ مِثْلَهُ، وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأَنْصَارِ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ لِمَنَاةَ، وَمَنَاةُ صَنَمٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ كُنَّا لاَ نَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَعْظِيمًا لِمَنَاةَ نَحْوَهُ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم (سمعت عروة) بن الزبير بن العوّام يقول: (قلت لعائشة - رضي الله عنها- فقالت) فيه حذف ذكره في باب {من الصفا والمروة من شعائر الله} من البقرة بلفظ قلت لعائشة وأنا يومئذٍ حديث السن: أرأيت قول الله: {من الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما} [البقرة: 158] فما أرى على أحد شيئًا أن لا يطوّف بهما فقالت (إنما كان من أهل)

7 - باب {فاسجدوا لله واعبدوا}

أحرم (بمناة) بالموحدة باسمها أو عندها ولأبي ذر لمناة مجرورًا بالفتحة لأنه لا ينصرف وهو باللام لأجلها (الطاغية) بالجر بالكسرة صفة لمناة باعتبار طغيان عبدتها أو مضاف إليها والمعنى أحرم باسم مناة القوم الطاغية (التي بالمشلل) بضم الميم وفتح المعجمة وفتح اللام الأولى مشدّدة أي مناة الكائنة بالمثلل (لا يطوفون بين الصفا والمروة) تعظيمًا لصنمهم مناة حيث لم يكن في المسعى وكان فيه صنمان لغيرهم أساف ونائلة (فأنزل الله تعالى) ردًّا ({إن الصفا والمروة من شعائر الله} فطاف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلمون}) معه بهما. (قال سفيان) بن عيينة (مناة) كائن (بالمشلل) موضع (من قديد) بضم القاف مصغرًا من ناحية البحر وهو الجبل الذي يهبط إليها منه، (وقال عبد الرحمن بن خالد) الفهمي بالفاء المصري أميرها لهشام مما وصله الذهلي والطحاوي (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (قال عروة) بن الزبير (قالت عائشة) -رضي الله عنها- (نزلت) آية {إن الصفا} (في الأنصار) الأوس والخزرج (كانوا هم وغسان) قال الجوهري اسم قبيلة (قبل أن يسلموا يهلون) يحرمون (لمناة مثله) أي مثل حديث ابن عيينة. (وقال معمر) بفتحتين بينهما مهملة ساكنة ابن راشد مما وصله الطبري (عن الزهري عن عروة عن عائشة) أنها قالت (كان رجال من الأنصار ممن كان يهلّ لمناة ومناة صنم) كائن (بين مكة والمدينة) وكان لخزاعة وهذيل وسمي بذلك لأن دم الذبائح كان يمنى عندها أي يذبح (قالوا: يا نبي الله كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيمًا لمناة) حيث لم يكن بينهما (نحوه) أي نحو الحديث السابق. 7 - باب {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله: ({فاسجدوا لله واعبدو} [النجم: 62]) أي واعبدوه دون الآلهة وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4862 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَجَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّجْمِ، وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ. تَابَعَهُ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ. وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ عُلَيَّةَ ابْنَ عَبَّاسٍ. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المنقري البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: سجد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسجد معه المسلمون) لله (والمشركون) لأنها أوّل سجدة نزلت، فأرادوا معارضة المسلمين بالسجود لمعبودهم، وأما قول مَن قال إن ذلك وقع منهم بلا قصد فمعارض بما زاده ابن مسعود من أن الذي استثناه منهم أخذ كفًّا من حصى فوضع جبهته عليه، فإذًا ذلك ظاهر في القصد وكذا قوله إنهم خافوا في ذلك المجلس من مخالفتهم لأن المسلمين حينئذٍ هم الذين كانوا خائفين من المشركين لا العكس، والظاهر أن سبب سجودهم ما أخرجه ابن أبي حاتم والطبري وابن المنذر من طرق عن شعبة عن أبي بشر عن ابن جبير عن ابن عباس قال: قرأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة: والنجم فلما بلغ {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} [النجم: 19] ألقى الشيطان في أمنيته لم تلاوته تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى فقال المشركون ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا فنزلت آية {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى} [الحج: 52] الآية. وقد رُوِي من طرق ضعيفة ومنقطعة لكن كثرة الطرق تدل على أن لها أصلًا مع أن لها طريقين مرسلين رجالهما على شرط الصحيح يحتج بهما من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض وحينئذٍ فيتعين تأويل ما ذر وأحسن ما قيل إن الشيطان قال ذلك محاكيًا نغمة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندما سكت -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأشاعها، ويؤيده تفسير ابن عباس تمنى بتلا، وأما قول الكرماني وما قيل أن ذلك كان سببًا لسجودهم لا صحة له عقلًا ولا نقلًا فهو مبني على القول ببطلان القصة من أصلها وأنها موضوعة وقد سبق ما في ذلك والله الموفق (و) سجد معه (الجن والإنس) ذكر الجن والإنس بعد المسلمون الصادق بهما ليدفع توهم اختصاصه بالإنس. (تابعه) أي تابع عبد الوارث (ابن طهمان) بفتح المهملة وسكون الهاء ولأبي ذر إبراهيم بن طهمان فيما وصله الإسماعيلي (عن

[54] سورة اقتربت

أيوب) السختياني (ولم يذكر ابن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام والتحتية المشددة إسماعيل في تحديثه عن أيوب (ابن عباس) بل أرسله. ولا يقدح ذلك في الحديث لاتفاق عبد الوارث وابن طهمان على وصله وهما ثقتان وسبق الحديث في أبواب السجود في باب سجود المسلمين مع المشركين. 4863 - حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنِي أَبُو أَحْمَدَ يَعْنِي الزُّبَيْرِيَّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ فِيهَا سَجْدَةٌ وَالنَّجْمِ، قَالَ: فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَجَدَ مَنْ خَلْفَهُ، إِلاَّ رَجُلًا رَأَيْتُهُ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَسَجَدَ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُتِلَ كَافِرًا، وَهْوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ. وبه قال: (حدّثنا نصر بن علي) بالصاد المهملة الجهضمي البصر قال: (أخبرني) بالإفراد ولأبي ذر أخبرنا (أبو أحمد) محمد بن عبد الله (يعني الزبيري) بضم الزاي وفتح الموحدة قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو السبيعي (عن الأسود بن يزيد) بن قيس النخعي خال إبراهيم النخعي (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أوّل سورة أنزلت فيها سجدة {والنجم} قال) ابن مسعود: (فسجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد فراغه من قراءتها (وسجد) معه (من خلفه إلا رجلًا رأيته أخذ كفًّا من تراب فسجد عليه) وفي رواية شعبة في أبواب السجود فرفعه إلى وجهه فقال يكفيني هذا (فرأيته بعد ذلك قتل كفرًا) ببدر (وهو أمية بن خلف). وعند ابن سعد أنه الوليد بن المغيرة وقيل سعيد بن العاص بن أمية وقيل غير ذلك والمعتمد الأول، وعند النسائي بإسناد صحيح أنه المطلب بن أبي وداعة وأنه أبى أن يسجد وأنه كان قبل أن يسلم فلما أسلم قال فلا أدع السجود فيها أبدًا فتعيين ابن مسعود محمول على ما اطّلع عليه. [54] سورة اقْتَرَبَتِ [القمر: 1] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). قَالَ مُجَاهِدٌ: {مُسْتَمِرٌّ}: ذَاهِبٌ. {مُزْدَجَرٌ}: مُتَنَاهٍ. {وَازْدُجِرَ}: فَاسْتُطِيرَ جُنُونًا. {دُسُرٍ}: أَضْلاَعُ السَّفِينَةِ. {لِمَنْ كَانَ كُفِرَ}: يَقُولُ كُفِرَ لَهُ جَزَاءً مِنَ اللَّهِ. {مُحْتَضَرٌ}: يَحْضُرُونَ الْمَاءَ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ {مُهْطِعِينَ} النَّسَلاَنُ الْخَبَبُ: السِّرَاعُ. وَقَالَ غَيْرُهُ {فَتَعَاطَى}: فَعَاطَهَا بِيَدِهِ فَعَقَرَهَا. {الْمُحْتَظِرِ}: كَحِظَارٍ مِنَ الشَّجَرِ مُحْتَرِقٍ. {ازْدُجِرَ}: افْتُعِلَ مِنْ زَجَرْتُ. {كُفِرَ}: فَعَلْنَا بِهِ وَبِهِمْ مَا فَعَلْنَا جَزَاءً لِمَا صُنِعَ بِنُوحٍ وَأَصْحَابِهِ. {مُسْتَقِرٌّ}: عَذَابٌ حَقٌّ يُقَالُ {الأَشَرُ}: الْمَرَحُ وَالتَّجَبُّرُ. ([54] سورة اقْتَرَبَتِ) مكية وآيها خمس وخمسون. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة ولفظ سورة لغير أبي ذر. (وقال) ولأبي ذر وقال: (مجاهد) مما وصله الفريابي ({مستمرّ}) [القمر: 2] أي (ذاهب) سوف يذهب ويبطل من قولهم مرّ الشيء واستمرّ إذا ذهب وقيل مطرد قال في الأنوار وهو يدل على أنهم رأوا قبله آيات أخرى مترادفة ومعجزات متتابعة حتي قالوا ذلك. ({مزدجر}) [القمر: 4] قال مجاهد فيما وصله الفريابي أيضًا (متناه) بصيغة الفاعل أي نهاية وغاية في الزجر لا مزيد عليها والدال بدل من تاء الافتعال وأصله مزتجر قلبت التاء دالًا لأن تاء الافتعال تقلب دالًا بعد الزاي لأن الزاي حرف مجهور والتاء مهموس فأبدلوها إلى حرف مجهور قريب من التاء وهو الدال ({وازدجر}) قال مجاهد (فاستطير جنونًا) فيكون من مقولتهم أي ازدجرته الجنّ وذهبت بلبه أو هو من كلام الله تعالى أخبر عنه أنه زجر عن التبليغ بأنواع الأذية. ({دسر}) قال مجاهد: (أضلاع السفينة) وقيل المسامير وقيل الخيوط التي تشد بها السفن وقيل صدرها. ({لمن كان كفر}) [القمر: 14] (يقول كفر) مبنيًّا للمفعول من كفران النعمة (له) لنوح (جزاء من الله) أي فعلنا بنوح وبهم ما فعلنا من فتح أبواب السماء وما بعده من التفجير ونحوه جزاء من الله بما صنعوا بنوح وأصحابه وقيل المعنى فعلنا به وبهم من إنجاء نوح وإغراق قومه ثوابًا لمن كفر به وجحد أمره وهو نوح عليه السلام. ({محتضر}) يعني قوم صالح (يحضرون الماء) يوم غب الإبل فيشربون ويحضرون اللبن يوم وردها فيحتلبون. (وقال ابن جبير) سعيد فيما وصله ابن المنذر ({مهطعين} النسلان}) بفتح النون والسين المهملة هو تفسير للإهطاع الدالّ عليه {مهطعين} والنسلان هو (الخبب) بالمعجمة والموحدتين المفتوحة أولاهما ضرب من العدو (السراع) بكسر المهملة تأكيد له وقيل الإهطاع الإسراع مع مدّ العنق وقيل النظر. (وقال غيره) غير ابن جبير ({فتعاطى}) أي (فعاطها) بألف بعد العين فطاء فهاء فألف (بيده فعقرها) قال السفاقسي: لا أعلم لقوله فعاطها وجهًا إلا أن يكون من المقلوب الذي قدّمت عينه على لامه لأن العطو التناول فيكون المعنى فتناولها بيده وأما عوط فلا أعلمه في كلام العرب، وتعقبه في المصابيح فقال في ادعائه أنه لا يعلم مادة عوط في كلام

1 - باب {وانشق القمر * وإن يروا آية يعرضوا}

العرب نظر، وذلك لأن الجوهري ذكر المادة وقال فيها يقال: عاطت الناقة تعوط يعني إذا حمل عليها أول سنة فلم تحمل ثم حمل عليها السنة الثانية فلم تحمل أيضًا فهذه المادة موجودة في كلام العرب، والظن بالسفاقسي علم ذلك فإنه كثير النظر في الصحاح ويعتمد عليه في النقل. فإن قلت: لكن هذا المعنى غير مناسب لما نحن فيه؟ قلت: هو لم ينكر المناسبة وإنما أنكر وجود المادة فيما يعلمه والظاهر أنه سهو منه. اهـ. وسقطت لفظ فعاطها لأبي ذر، والمعنى فنادوا صاحبهم المستغيث وهو قدار بن سالف وكان أشجعهم فتعاطى آلة العقر أو الناقة. ({المحتظر}) في قوله تعالى: {فكانوا كهشيم المحتظر} [القمر: 31] قال ابن عباس فيما رواه ابن المنذر (كحظار) بكسر الحاء المهملة وتفتح وبالظاء المشالة المعجمة المخففة منكسر (من الشجر محترق) وعن قتادة فيما رواه عبد الرزاق كرماد محترق. ({ازدجر}) [القمر: 9] قال الفراء (افتعل من زجرت) صارت تاء الافتعال دالًا وقد مرّ تقريره قريبًا وأعاده هنا لينبّه عليه. ({كفر} فعلنا به وبهم) بنوح وقومه (ما فعلنا) من نصرة نوح وإجابة دعائه وغرق قومه (جزاء لما صنع) بضم الصاد (بنوح وأصحابه) من الأذى، وقد سبق نحو من هذا. ({مستقر}) قال الفراء (عذاب حق) وقال غيره: يستقر بهم حتى يسلمهم إلى النار (يقال: {الأشر}) بفتح الهمزة والشين المعجمة والراء المخففة (المرح) بفتح الميم والراء (والتجبّر) بالجيم والموحدة المشددة المضمومة قاله أبو عبيدة في تفسير قوله تعالى: {سيعلمون غدًا من الكذاب الأشر} [القمر: 26]. 1 - باب {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وانشق القمر}) ماض على حقيقته وهو قول عامة المسلمين إلا من لا يلتفت إلى قوله حيث قال إنه سينشق يوم القيامة فأوقع الماضي موقع المستقبل لتحققه وهو خلاف الإجماع ({وإن يروا}) كفار قريش ({آية}) معجزة له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({يعرضوا}) [القمر: 1، 2] عن تأملها والإيمان بها وسقط لفظ باب لغير أبي ذر وتاليه لغير المستملي. 4864 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِرْقَتَيْنِ، فِرْقَةً فَوْقَ الْجَبَلِ، وَفِرْقَةً دُونَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اشْهَدُوا». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (وسفيان) هو ابن عيينة أو الثوري لأن كلاًّ منهما يروي (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن أبي معمر) بسكون العين بين فتحتين عبد الله بن سخبرة بفتح المهملة وسكون المعجمة (عن ابن مسعود) عبد الله رضي الله- عنه أنه (قال: انشق القمر على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في فرقتين) بكسر الفاء قطعتين لما سأله كفار قريش أن يريهم آية (فرقة) نصب بدل من سابقه المنصوب على الحال (فوق الجبل وفرقة دونه) ولأبي ذر فرقة برفعهما على الاستئناف (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اشهدوا) هذه المعجزة العظيمة الباهرة وقال ليث عن مجاهد: فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي بكر: اشهد يا أبا بكر، وهذه المعجزة من أمهات المعجزات الفائقة على معجزات سائر الأنبياء لأن معجزاتهم عليهم السلام لم تتجاوز الأرضيات. وهذا الحديث قد سبق في علامات النبوّة في باب سؤال المشركين أن يريهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آية. 4865 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَارَ فِرْقَتَيْنِ، فَقَالَ لَنَا: «اشْهَدُوا، اشْهَدُوا». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني وسقط ابن عبد الله لغير أبي ذر قال (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال (أخبرنا ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم عبد الله (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: انشق القمر ونحن مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بمكة (فصار فرقتين) بكسر الفاء (فقال) عليه الصلاة والسلام (لنا: اشهدوا اشهدوا) مرّتين. 4866 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ حَدَّثَنِي بَكْرٌ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي المصري (قال: حدّثني) بالإفراد (بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف ابن مضر القرشي المصري (عن جعفر) هو ابن ربيعة بن شرحبيل ابن حسنة المصري (عن عراك بن مالك عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: انشق القمر في زمان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا نص يرد على القائل أنه إنما ينشق يوم القيامة قال

2 - باب {تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر * ولقد تركناها آية فهل من مدكر} قال قتادة: أبقى الله سفينة نوح، حتى أدركها أوائل هذه الأمة

الواحدي؛ والقائل هو عثمان بن عطاء عن أبيه وقد أخبر عنه الصادق فيجب اعتقاد وجوب وقوعه وأما امتناع الخرق والالتئام فقول اللئام وفي قراءة حذيفة وقد انشق أي قد كان انشقاق القمر فتوقعوا قرب الساعة أي إذ كان انشقاقه من أشراطها وذلك أن قد إنما هي جواب وقوع. 4867 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا يونس بن محمد) البغدادي قال: (حدّثنا شيبان) بالشين المعجمة المفتوحة ابن عبد الرحمن التيمي مولاهم النحوي البصري نزيل الكوفة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: سأل أهل مكة) المشركون (أن يريهم) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (آية) تشهد لنبوّته (فأراهم انشقاق القمر). وهذا الحديث أخرجه أيضًا في باب سؤال المشركين بهذا السند، وقال فيه أن أهل مكة سألوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يريهم آية. 4868 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ فِرْقَتَيْنِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) القطان (عن شعبة) بن الحجاج وفي نسخة حدّثنا شعبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال انشق القمر فرقتين) وهذه الأحاديث الخمسة مدارها عن ابن مسعود وابن عباس وأنس فأما حديث ابن مسعود ففيه التصريح بحضوره ذلك حيث قال ونحن مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال لنا اشهدوا، وأما أنس فلم يحضر ذلك لأنه كان بالمدينة ابن أربع أو خمس سنين وكان الانشقاق بمكة قبل الهجرة بنحو خمس سنين وأما ابن عباس فلم يكن إذ ذاك ولد لكن روى ذلك عن جماعة من الصحابة. 2 - باب {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} قَالَ قَتَادَةُ: أَبْقَى اللَّهُ سَفِينَةَ نُوحٍ، حَتَّى أَدْرَكَهَا أَوَائِلُ هَذِهِ الأُمَّةِ هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({تجري}) السفينة ({بأعيننا}) بمرأى منا أي محفوظة بحفظنا ({جزاء}) نصب على المفعول له ناصبه ففتحنا وما بعده أو على المصدر بفعل مقدر أي جزيناهم جزاء ({لمن كان كفر}) أي فعلنا ذلك جزاء لنوح لأنه نعمة كفروها فإن كل نبي نعمة من الله على أمته ({ولقد تركناها}) السفينة أو الفعلة ({آية}) لمن يعتبر حتى شاع خبرها واستمرّ ({فهل من مدكر}) [القمر: 14، 15] متعظ وسقط لأبي ذر ولقد تركناها الخ، ولغيره لفظ باب. (قال قتادة) فيما وصله عبد الرزاق (أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أوائل هذه الأمة) وزاد عبد الرزاق على الجوديّ، وعند ابن أبي حاتم عنه قال: أبقى الله السفينة في أرض الجزيرة عبرة وآية حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة. وكم من سفينة بعدها صارت رمادًا. وقال ابن كثير: الظاهر يعني من قوله (ولقد تركناها آية) أن المراد من ذلك جنس السفن كقوله تعالى: {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون} [يس: 41]. 4869 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر: 15]. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ: {فهل من مدَّكر}) بالدال المهملة وأصله كما مر مذتكر بذال معجمة فاستثقل الخروج من حرف مجهور وهو الذال إلى حرف مهموس وهو التاء فأبدلت التاء دالًا مهملة لتقارب مخرجيهما ثم أدغمت المعجمة في المهملة بعد قلب المعجمة إليها للتقارب وقرأ بعضهم مذكر بالمعجمة، ولذا قال ابن مسعود أنه عليه السلام قرأها مدكر يعني بالمهملة. 3 - باب {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَسَّرْنَا هَوَّنَّا قِرَاءَتَهُ هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدَّكر}) [القمر: 17] أي سهلنا لفظه ويسرنا معناه لمن أراده ليتذكر الناس كما قال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدَّبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} [ص: 29] وسقط الباب ولاحقه لغير أبي ذر. (قال مجاهد) فيما وصله الفريابي {يسرنا} أي (هوّنّا قراءته) وليس شيء يقرأ كله ظاهرًا إلا القرآن وثبت لفظ يسرنا وقال غيره هيأ فرسه إذا ألجمه ليركبه قال: فقمت إليها باللجام ميسرًا ... هنالك يجزيني الذي كنت أصنع 4870 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل بن مغربل الأسدي البصري (عن يحيى) بن

4 - باب {أعجاز نخل منقعر * فكيف كان عذابي ونذر}

سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن الأسود) بن يزيد (من عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان يقرأ: {فهل من مدكر}) أي فهل من متذكر بهذا القرآن الذي يسّرنا حفظه ومعناه. 4 - باب {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} (باب) قوله تعالى: ({أعجاز نخل منقعر}) قال في الأنوار أصول نخل منقلع عن مغارسه ساقط على الأرض وقيل شبهوا بالأعجاز لأن الريح طيرت رؤوسهم وطرحت أجسادهم وتذكير منقعر للحمل على اللفظ والتأنيث في قوله: {أعجاز نخل خاوية} للمعنى ({فكيف كان عذاب ونذر}) [القمر: 20، 21] استفهام تعظيم ووعيد والنذر جمع نذير مصدر بمعنى الإنذار. 4871 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا سَأَلَ الأَسْوَدَ، فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أَوْ مُذَّكِرٍ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقْرَؤُهَا {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} قَالَ: وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَؤُهَا {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} دَالًا. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية (عن أبي إسحاق) السبيعي (أنه سمع رجلًا) قال الحافظ ابن حجر لم أعرف اسمه (سأل الأسود) بن يزيد ({فهل من مدكر}) بالدال المهملة (أو مذكر) بالمعجمة (فقال: سمعت عبد الله) بن مسعود (يقرأها) ولأبي ذر يقرؤها بالواو بعد الراء بدل الألف ({فهل من مدكر}) زاد أبو ذر عن الكشميهني دالًا يعني مهملة (قال) ابن مسعود (وسمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأها) بألف صورة الهمزة أو واو كما مر ({فهل من مدكر} دالًا) مهملة. 5 - باب {فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({فكانوا كهشيم المحتظر}) بكسر الظاء المشالة المعجمة قراءة الجمهور اسم فاعل قال ابن عباس المحتظر هو الرجل يجعل لغنمه حظيرة بالشوك والشجر فما سقط من ذلك وداسته الغنم فهو الهشيم وقرأ الحسن بفتحها فقيل هو مصدر أي كهشيم الاحتظار وقيل اسم مكان ({ولقد يسرنا القرآن للذكر}) [القمر: 31، 32] يسرنا تلاوته على الألسن وعن ابن عباس لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد أن يتكلم بكلام الله عز وجل ({فهل من مدَّكِر}) سقط لأبي ذر ولقد يسرنا الخ وقال بعد قوله المحتظر الآية وسقط لغيره لفظ باب. 4872 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَأَ {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} الآيَةَ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) بفتح العين المهملة وتسكين الموحدة قال: (أخبرنا) ولأبي ذر أخبرني بالإفراد (أبي) عثمان الأزدي المروزي (عن شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ {فهل من مدكر} الآية) سقط لفظ الآية لأبي ذر. 6 - باب {وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ * فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({ولقد صبحهم بكرة}) بالصرف لأنه نكرة ولو قصد به وقت بعينه امتنع للتأنيث والتعريف ({عذاب مستقر}) دائم متصل بعذاب الآخرة ({فذوقوا عذابي ونذر}) [القمر: 38، 39] يريد العذاب الذي نزل بهم من طمس الأعين غير العذاب الذي أهلكوا به فلذلك حسن التكرير زاد أبو ذر إلى قوله: {فهل من مدكر}. 4873 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قَرَأَ {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}. وبه قال: (حدّثنا محمد) غير منسوب قال في الفتح هو ابن المثنى أو ابن بشار بالمعجمة أو ابن الوليد قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن الأسود) هو ابن يزيد (عن عبد الله) بن مسعود (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قرأ {فهل من مدكر}) بالدال المهملة وسقط أنه لغير أبي ذر. 0000 - باب {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ولقد أهلكنا أشياعكم}) أشباهكم ونظراءكم في الكفر من الأمم السالفة ({فهل من مدّكر}) [القمر: 51] من يتذكر ويعلم أن ذلك حق فيخاف ويعتبر وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4874 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {فَهَلْ مِنْ مُذَّكِرٍ} فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}. وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى الختي بالخاء المعجمة والفوقية المشددة المكسورة قال: (حدّثنا وكيع) الرؤاسي بضم الراء وهمزة فمهملة الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) السبيعي (عن الأسود بن يزيد) بن قيس النخعي (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: قرأت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {فهل من مذَّكِرٍ}) بالذال المعجمة (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فهل من مدّكر) بالمهملة والتكرير في فهل من مدّكر بالسورة بعد القصص المذكورة في السورة استدعاء لأفهام السامعين ليعتبروا. 7 - باب قَوْلِهِ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} هذا (باب) بالتنوين (قوله) تعالى: ({سيهزم الجمع ويولون الدبر}) [القمر: 45] اسم جنس وحسن هنا لوقوعه فأصلة بخلاف

8 - باب قوله: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} يعني من المرارة

ليولنّ الأدبار وسقط لفظ باب لغير أبي ذر ويولون الدبر وقال بعد الجمع الآية. 4875 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ح. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ وُهَيْبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ وَهْوَ فِي قُبَّةٍ يَوْمَ بَدْرٍ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ تَشَأْ لاَ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ»، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ وَهْوَ يَثِبُ فِي الدِّرْعِ فَخَرَجَ وَهْوَ يَقُولُ: «{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}». وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن حوشب) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة بعدها موحدة منصرف وسقط لأبي ذر ابن عبد الله فنسبه لجده قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) زاد في غير الفرع هنا لفعل ح لتحويل السند. (وحدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن يحيى الذهلي قال: (حدّثنا عفان بن مسلم) الصفار البصري (عن وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد البصري قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: هو في قبة) جملة حالية والقبة كما في النهاية من الخيام بيت صغير (يوم) غزوة (بدر): (اللهم إني أنشدك) بفتح الهمزة وضم المعجمة (عهدك) بالنصر (ووعدك) بإحدى الطائفتين (اللهم إن تشأ) هلاك المؤمنين فالمفعول محذوف أو قوله (لا تعبد) بالجزم (بعد اليوم) في حكم المفعول والجزاء هو المحذوف (فأخذ أبو بكر) -رضي الله عنه- (بيده) عليه الصلاة والسلام (فقال: حسبك) يكفيك ما قلته (يا رسول الله ألححت) بحاءين مهملتين بالغت وأطلت (على ربك) في الدعاء (وهو يثب) يقوم (في الدرع فخرج) عليه الصلاة والسلام (وهو يقول: {سيهزم الجمع ويولون الدبر}) [القمر: 45] زاد أبو ذر: الآية. وهذا الحديث مر في الجهاد في باب ما قيل في درع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 8 - باب قَوْلِهِ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} يَعْنِي مِنَ الْمَرَارَةِ (باب قوله) تعالى: ({بل الساعة}) يوم القيامة ({موعدهم}) موعد عذابهم ({والساعة}) أي عذابها ({أدهى}) أعظم بلية ({وأمرّ}) [القمر: 46] أشد مرارة من عذاب الدنيا (يعني من المرارة) لا من المرور. 4876 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ، قَالَ: إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ. {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}. [الحديث 4876 - أطرافه في: 4993]. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (هشام بن يوسف) الصنعاني القاضي (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (يوسف بن ماهك) بفتح الهاء والكاف معناه القمير مصغر القمر (قال: إني عند عائشة أم المؤمنين) -رضي الله عنها- (قالت: لقد أنزل) بهمزة مضمومة ولأبي ذر نزل بإسقاطها وفتح النون والزاي (على محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة وإني لجارية) حديثة السن (ألعب: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمرّ}. 4877 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: وَهْوَ فِي قُبَّةٍ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ: «أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا»، فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ وَقَالَ: حَسْبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَدْ أَلْحَحْتَ عَلَى رَبِّكَ وَهْوَ فِي الدِّرْعِ، فَخَرَجَ وَهْوَ يَقُولُ: «{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ}» [القمر: 45 - 46]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق) غير منسوب هو ابن شاهين الواسطي قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان (عن خالد) هو ابن مهران الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: وهو في قبة له يوم) وقعة (بدر) سقط لفظ له لأبي ذر. (أنشدك) أي أطلبك (عهدك) أي نحو ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين أنهم لهم المنصورون (ووعدك) في {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} [الأنفال: 7] (اللهم إن شئت) هلاك المؤمنين (لم تعبد بعد اليوم أبدًا) لأنه خاتم النبيين (فأخذ أبو بكر بيده) عليه الصلاة والسلام (وقال: حسبك) مناشدتك (يا رسول الله فقد ألححت على ربك) في السؤال (وهو) عليه السلام يثب (في الدرع) يقوم (فخرج وهو يقول) جملة حالية كالسابقة ({سيهزم الجمع}) بضم الياء مبنيًّا للمفعول وقرئ ستهزم بالفوقية خطابًا للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجمع نصب مفعول به وأبو حيوة في رواية يعقوب سنهزم بنون العظمة الجمع نصب أيضًا ({ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر}) مما لحقهم يوم بدر. وهذا الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في باب تأليف القرآن من فضائل القرآن. [55] سورة الرَّحْمَنِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {بِحُسْبانٍ}: كَحُسْبَانِ الرَّحَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ}: يُرِيدُ لِسَانَ الْمِيزَانِ. {وَالْعَصْفُ}: بَقْلُ الزَّرْعِ إِذَا قُطِعَ مِنْهُ شَيْءٌ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ فَذَلِكَ الْعَصْفُ. {وَالرَّيْحَانُ} فِي كَلاَمِ العَرَبِ: الرِّزْقِ. {وَالرَّيْحَانُ}: رِزْقُهُ. {وَالْحَبُّ}: الَّذِي يُؤْكَلُ مِنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ {وَالْعَصْفُ}: يُرِيدُ الْمَأْكُولَ مِنَ الْحَبِّ. {وَالرَّيْحَانُ}: النَّضِيجُ الَّذِي لَمْ يُؤْكَلْ. وَقَالَ غَيْرُهُ {الْعَصْفُ}: وَرَقُ الْحِنْطَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ {الْعَصْفُ}: التِّبْنُ. وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: {الْعَصْفُ}: أَوَّلُ مَا يَنْبُتُ تُسَمِّيهِ النَّبَطُ هَبُورًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {الْعَصْفُ}: وَرَقُ الْحِنْطَةِ. {وَالرَّيْحَانُ}: الرِّزْقُ. وَالْمَارِجُ: اللَّهَبُ الأَصْفَرُ وَالأَخْضَرُ الَّذِي يَعْلُو النَّارَ إِذَا أُوقِدَتْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ مُجَاهِدٍ {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ}: لِلشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ مَشْرِقٌ، وَمَشْرِقٌ فِي الصَّيْفِ. {وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ}: مَغْرِبُهَا فِي الشِّتَاءِ. وَالصَّيْفِ {لاَ يَبْغِيَانِ}: لاَ يَخْتَلِطَانِ. {الْمُنْشَآتُ}: مَا رُفِعَ قِلْعُهُ مِنَ السُّفُنِ، فَأَمَّا مَا لَمْ يُرْفَعْ قَلْعُهُ فَلَيْسَ بِمُنْشَأَةٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {كَالْفَخَّارِ}: كَمَا يُصْنَعُ الْفَخَّارُ. {الشُّوَاظُ}: لَهَبٌ مِنْ نَارٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {وَنُحَاسٌ}: النُّحَاسُ الصُّفْرُ يُصَبُّ عَلَى رُؤُوسِهِمْ يُعَذَّبُونَ بِهِ. {خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ}: يَهُمُّ بِالْمَعْصِيَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَيَتْرُكُهَا. {مُدْهَامَّتَانِ}: سَوْدَاوَانِ مِنَ الرِّيِّ. {صَلْصَالٍ}: طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ فَصَلْصَلَ كَمَا يُصَلْصِلُ الْفَخَّارُ، وَيُقَالُ مُنْتِنٌ يُرِيدُونَ بِهِ صَلَّ، يُقَالُ صَلْصَالٌ كَمَا يُقَالُ صَرَّ الْبَابُ عِنْدَ الإِغْلاَقِ، وَصَرْصَرَ مِثْلُ كَبْكَبْتُهُ: يَعْنِي كَبَبْتُهُ. {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ الرُّمَّانُ وَالنَّخْلُ بِالْفَاكِهَةِ، وَأَمَّا الْعَرَبُ فَإِنَّهَا تَعُدُّهَا فَاكِهَةً كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى} فَأَمَرَهُمْ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى كُلِّ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ أَعَادَ الْعَصْرَ تَشْدِيدًا لَهَا كَمَا أُعِيدَ النَّخْلُ وَالرُّمَّانُ، وَمِثْلُهَا {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} ثُمَّ قَالَ: {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} وَقَدْ ذَكَرَهُمْ فِي أَوَّلِ قَوْلِهِ {مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ}. وَقَالَ غَيْرُهُ {أَفْنَانٍ}: أَغْصَانٍ. {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ}: مَا يُجْتَنَى قَرِيبٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ {فَبِأَيِّ آلاَءِ}: نِعَمِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ {رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}: يَعْنِي الْجِنَّ وَالإِنْسَ، وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}: يَغْفِرُ ذَنْبًا، وَيَكْشِفُ كَرْبًا، وَيَرْفَعُ قَوْمًا، وَيَضَعُ آخَرِينَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {بَرْزَخٌ}: حَاجِزٌ. {الأَنَامُ}: الْخَلْقُ. {نَضَّاخَتَانِ}: فَيَّاضَتَانِ. {ذُو الْجَلاَلِ}: ذُو الْعَظَمَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ {مَارِجٌ}: خَالِصٌ مِنَ النَّارِ، يُقَالُ مَرَجَ الأَمِيرُ رَعِيَّتَهُ إِذَا خَلاَّهُمْ يَعْدُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، مَرَجَ أَمْرُ النَّاسِ. {مَرِيجٍ}: مُلْتَبِسٌ. {مَرَجَ}: اخْتَلَطَ الْبَحْرَانِ مِنْ مَرَجْتَ دَابَّتَكَ: تَرَكْتَهَا. {سَنَفْرُغُ لَكُمْ}: سَنُحَاسِبُكُمْ، لاَ يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ، وَهْوَ مَعْرُوفٌ فِي كَلاَمِ الْعَرَبِ يُقَالُ: لأَتَفَرَّغَنَّ لَكَ، وَمَا بِهِ شُغْلٌ، يَقُولُ لآخُذَنَّكَ عَلَى غِرَّتِكَ. ([55] سورة الرحمن) مكية أو مدنية أو متبعضة وآيها ست وسبعون. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر. (وقال مجاهد) فيما وصله عبد بن حميد في قوله تعالى: ({بحسبان}) [الرحمن: 5] أي (كحسبان الرحى) أي يدوران

في مثل قطب الرحى والحسبان قد يكون مصدر حسبته أحسبه بالضم حسبًا وحسابًا وحسبانًا مثل الغفران والكفران والرجحان أو جمع حساب كشهاب وشهبان أي يجريان في منازلهما بحساب لا يغادران ذلك. (وقال غيره) أي غير مجاهد وسقط من قوله وقال مجاهد إلى آخر قوله وقال غيره لغير أبي ذر ({وأقيموا الوزن} يريد لسان الميزان) قاله أبو الدرداء وعند ابن أبي حاتم رأى ابن عباس رجلًا يزن قد أرجح فقال أقم اللسان كما قال الله تعالى: {وأقيموا الوزن بالقسط} [الرحمن: 9]. ({والعصف}) في قوله تعالى: {والحب ذو العصف} هو (بقل الزرع إذا قطع منه شيء قبل أن يدرك) الزرع (فذلك العصف) والعرب تقول خرجنا نعصف الزرع إذا قطعوا منه قبل أن يدرك ({والريحان}) [الرحمن: 12] (في كلام العرب الرزق) وهو مصدر في الأصل أطلق على الرزق وقال قتادة الذي يشم أول بقلة طيبة الريح سميت ريحانًا لأن الإنسان يراح لها رائحة طيبة أي بشم ({والريحان} رزقه: {والحب} الذي يؤكل منه) أي من الزرع (وقال بعضهم {والعصف} يريد المأكول من الحب) وسقطت واو العصف لأبي ذر ({والريحان} النضيج}) فعيل بمعنى المنضوج (الذي لم يؤكل) قاله الفراء وأبو عبيدة (وقال غيره {والعصف} ورق الحنطة وقال الضحاك) مما وصله ابن المنذر ({والعصف} التبن}) رزقًا للدواب. (وقال مالك) الغفاري قال أبو زرعة لا يعرف اسمه وقال غيره اسمه غزوان بمعجمتين وهو كوفي تابعي ({العصف} أول ما ينبت تسميه النبط) بفتح النون والموحدة وبالطاء المهملة الفلاحون (هبورًا) بفتح الهاء وضم الموحدة مخففة وبعد الواو الساكنة راء دقاق الزرع. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({العصف} ورق الحنطة: {والريحان} الرزق) والريحان بوزن فعلان من ذوات الواو أصله روحان من الرائحة فأبدلت الواو ياء للفرق بينه وبين الروحان وهو كل شيء له روح. (والمارج) في قوله تعالى: {وخلق الجان من مارج من نار} [الرحمن: 15] هو (اللهب الأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت) وزاد غيره والأحمر وهذا مشاهد في النار ترى الألوان الثلاثة مختلطًا بعضها ببعض والجان اسم جنس كالإنسان أو أبو الجن إبليس وسقط واو المارج لأبي ذر. (وقال بعضهم عن مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({رب المشرقين} للشمس في الشتاء مشرق ومشرق في الصيف: {ورب المغربين}) [الرحمن: 17] (مغربها في الشتاء و) مغربها في (الصيف) وقيل مشرقًا الشمس والقمر ومغرباهما وذكر غاية ارتفاعهما وغاية انحطاطهما إشارة إلى أن الطرفين يتناولان ما بينهما كلقولك في وصف ملك عظيم له المشرق والمغرب فيفهم منه أن له ما بينهما ويؤيده قوله تعالى: {رب المشارق والمغارب} [المعارج: 40]. ({لا يبغيان}) في قوله: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 19، 20] أي (لا يختلطان) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي والبحران قال ابن عباس بحر السماء وبحر الأرض قال سعيد بن جبير يلتقيان في كل عام وقال قتادة بحر فارس والروم أو البحر المالح والأنهار العذبة أو بحر المشرق والمغرب والبرزخ الحاجز قال بعضهم الحاجز هو القدرة الإلهية. ({المنشآت}) قال مجاهد فيما وصله الفريابي هي (ما رفع قلعه من السفن) بكسر القاف وسكون اللام ويجوز فتحها (فأما ما لم يرفع قلعه فليس بمنشأة) ولأبي ذر بمنشآت بالفوقية المجرورة في الكتابة بدل المربوطة وقرأ حمزة وأبو بكر بكسر الشين اسم فاعل أي تنشئ السير إقبالًا وإدبارًا أو اللاتي تنشئن الأمواج أو الرافعات الشرع ونسبة الرفع إليها مجاز والباقون بفتح الشين اسم مفعول أي أنشأها الله أو الناس أو رفعوا شراعها. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({كالفخار}) أي (كما يصنع الفخار) بضم الياء وفتح النون مبنيًّا للمفعول وذلك أنه أخذ تراب الأرض فعجنه فصار طينًا ثم انتقل فصار كالحمأ المسنون ثم يبس فصار صلصالًا كالفخار ولا يخالف هذا قوله تعالى: {خلقه من تراب} [آل عمران: 59] ونحوه. ({الشواظ}) قال: مجاهد (لهب من نار) وقال غيره الذي معه دخان، وقيل اللهب الأحمر، وقيل الدخان الخارج من

اللهب وقول مجاهد هذا ثابت لأبي ذر. (وقال مجاهد: {ونحاس} النحاس) هو (الصفر) يذاب ثم (يصب على رؤوسهم يعذبون به) ولأبي ذر فيعذبون به، وقيل: النحاس الدخان الذي لا لهب معه قال الخليل: وهو معروف في كلامهم وأنشد للأعشى: يضيء كضوء سراج السليط ... لم يجعل الله فيه نحاسا وسقط قوله النحاس لغير أبي ذر. ({خاف مقام ربه}) قال مجاهد هو الرجل (يهم) بفتح الياء وضم الهاء (بالمعصية فيذكر الله عز وجل فيتركها) من خوفه ومقام مصدر مضاف لفاعله أي قيام ربه عليه وحفظه لأعماله أو لمفعوله أي القيام بحقوق الله فلا يضيعها والمقام مكان فالإضافة الأذنى ملابسة لما كان الناس يقومون بين يدي الله للحساب قيل فيه مقام الله والمعنى خاف مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية فمقام مصدر بمعنى القيام وثبت في اليونينية وآل ملك والناصرية هنا ما سبق لأبي ذر وهو قوله الشواظ لهب من نار. ({مدهامتان}) قال مجاهد: (سوداوان من الري) والإدهام لغة السواد وشدة الخضرة، وقال ابن عباس خضروان. ({صلصال}) أي (طين خلط برمل فصلصل كما يصلصل الفخار) أي صوّت كما يصوت الخزف إذا جف وضرب لقوّته (ويقال منتن) بضم الميم وكسر التاء (يريدون به صل) اللحم يصل بالكسر صلولًا أنتن (يقال صلصال كما يقال صر الباب عند الإغلاق وصرصر) يريد أن صلصال مضاعف كصرصر (مثل كبكبته يعني كببته) ومنه {فكبكبوا فيها} [الشعراء: 94] أصله كبوا وفي هذا النوع وهو ما تكررت فاؤه وعينه خلاف فقيل وزنه فعفع كررت الفاء والعين ولا لام للكلمة قاله الفراء وغيره، وغلط لأن أقل الأصول ثلاثة فاء وعين ولام، وقيل وزنه فعفل، وقيل فعل بتشديد العين وأصله صلل، فلما اجتمع ثلاثة أمثال أبدل الثاني من جنس فاء الكلمة وهو مذهب كوفي وخص بعضهم هذا الخلاف بما إذا لم يختل المعنى بسقوط الثالث نحو لملم وكبكب فإنك تقول فيهما لم وكب فلو لم يصح المعنى بسقوطه كسمسم قال فلا خلاف في أصالة الجميع وقوله صلصال الخ سقط لأبي ذر. ({فاكهة ونخل ورمان} قال) ولغير أبي ذر وقال (بعضهم): قيل هو الإمام أبو حنيفة وجماعة كالفراء (ليس الرمان والنخل بالفاكهة) لأن الشيء لا يعطف على نفسه إنما يعطف على غيره لأن العطف يقتضي المغايرة فلو حلف لا يأكل فاكهة فأكل رطبًا أو رمانًا لم يحنث، (وأما العرب فإنها تعدها فاكهة) وإنما أعاد ذكرهما لفضلهما على الفاكهة فإن ثمرة النخل فاكهة وغذاء وثمرة الرمان فاكهة ودواء فهو من ذكر الخاص بعد العام تفضيلًا له (كقوله عز وجل: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}) [البقرة: 238]. (فأمرهم بالمحافظة على كل الصلوات ثم أعاد العصر تشديدًا لها) أي تأكيدًا لتعظيمها (كما أعبد النخل والرمان) هنا (ومثلها) أي مثل فاكهة ونخل ورمان قوله تعالى: ({ألم تر أن الله يسجد له مَن في السماوات ومَن في الأرض}) [الحج: 18] (ثم قال: {وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب} وقد ذكرهم في أول) ولأبي ذر: وقد ذكرهم الله عز وجل في أول (قوله: {من في السماوات ومن في الأرض}). والحاصل أنه من عطف الخاص على العام واعترض بأنها نكرة في سياق الإثبات فلا عموم وأجيب: بأنها نكرة في سياق الامتنان فتعم أو ليس المراد بالعام والخاص ما اصطلح عليه في الأصول بل كل ما كان الأول فيه شاملًا للثاني. قال العلاّمة البدر الدماميني: متى اعتبر الشمول جاء الاستغراق وهو الذي اصطلح عليه في الأصول، ولعل المراد كل ما كان الأول صادقًا على الثاني سواء كان هنا استغراق أو لم يكن. ثم هنا فائدة لا بأس بالتنبيه عليها وهي أن الشيخ أبا حيان نقل قولين في المعطوفات إذا اجتمعت هل كلها معطوفة على الأول أو كل واحد منها معطوف على ما قبله. فإن قلنا بالثاني لم يكن عطف الرمان على النخل من باب عطف الخاص على العام بل من عطف أحد

المتباينين على الآخر ومن هذه الفائدة يتجه لك المنازعة في قولهم إن قوله تعالى: {من كان عدوًّا لله وملائكته ورسله وجبريل} [البقرة: 98]. من عطف الخاص على العام وليس كذلك فأما إن قلنا بالقول الأول فجبريل معطوف على لفظ الجلالة وإن قلنا بالثاني فهو معطوف على رسله، والظاهر أن المراد بهم الرسل من بني آدم لعطفهم على الملائكة فليس منه. (وقال غيره): غير مجاهد أو غير البعض المفسر باب حنيفة -رحمه الله- ({أفنان}) أي (أغصان) تتشعب من فروع الشجرة وقال النابغة: بكاء حمامة تدعو هديلًا ... مفجعة على فنن تغني وتخصيصها بالذكر لأنها التي تورق وتثمر وتمد الظل. ({وجنى الجنتين دان}) [الرحمن: 54] أي (ما يجتنى) من ثمر شجرهما (قريب) تدنو الشجرة حتى يجتنيها ولي الله قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا وقوله وقال غيره إلى هنا ساقط لأبي ذر. (وقال الحسن) البصري فيما وصله الطبري ({فبأي آلاء}) أي (نعمه) جمع الألى وهي النعمة. (وقال قتادة): فيما وصله ابن أبي حاتم ({ربكما تكذبان} يعني الجن والإنس) كما دلّ عليه قوله تعالى: {للأنام} وقوله: {أيها الثقلان} وذكرت آية {فبأي آلاء} إحدى وثلاثين مرة والاستفهام فيها للتقرير لما روى الحاكم عن جابر قال: قرأ علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سورة الرحمن حتى ختمها، ثم قال: ما لي أراكم سكوتًا للجن كانوا أحسن منكم ردًّا ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة من {فبأي آلاء ربكما تكذبان} [الرحمن: 16] إلاّ قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد، وقيل المراد بالآلاء القدرة، وقال محمد بن علي الترمذي: هذه السورة من بين السور علم القرآن لأنها سورة صفة الملك والقدرة لافتتاحها باسمه الرحمن ليعلم أن جميع ما يصفه بعد من أفعاله وملكه وقدرته خرج إليهم من الرحمة ثم ذكر الإنسان وما منّ عليه به ثم حسبان الشمس والقمر وسجود الأشياء مما نجم وشجر ورفع السماء ووضع الميزان والأرض للأنام وخاطب الثقلين فقال سائلًا لهما: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} أي بأي قدرة ربكما تكذبان وإنما كان تكذيبهم أنهم جعلوا له في هذه الأشياء التي خرجت من قدرته وملكه شريكًا يملك معه ويقدر معه تعالى الله. وقال القتيبي: إن الله تعالى عدّد في هذه السورة نعماءه وذكر خلقه وآلاءه ثم أتبع كل خلة وضعها وكل نعمة بهذه الآية وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبّههم على النّعم ويقررهم بها، وقال الحسين بن الفضل: التكرير طرد للغفلة وتأكيد للحجة وسقط قوله تكذبان لغير أبي ذر. (وقال أبو الدرداء): عويمر بن مالك -رضي الله عنه- مما وصله ابن حبان في صحيحه وابن ماجة في سننه مرفوعًا في قوله تعالى: ({كل يوم هو في شأن}) [الرحمن: 29] (يغفر ذنبًا ويكشف كربًا ويرفع قومًا ويضع آخرين) وأخرجه البيهقي في الشعب موقوفًا وللمرفوع شاهد عن ابن عمر أخرجه البزار، وقيل يخرج كل يوم عساكر عسكرًا من الأصلاب إلى الأرحام وآخر من الأرحام إلى الأرض وآخر من الأرض إلى القبور ويقبض ويبسط ويشفي سقيفًا ويسقم سليمًا ويبتلي معافى ويعافي مبتلى ويعز ذليلًا ويذل عزيزًا. فإن قلت: قد صح أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة. فالجواب: أن ذلك شؤون يبديها لا شؤون يبتدئها. (وقال ابن عباس): في قوله تعالى: ({برزخ}) أي (حاجز) من قدرة الله. ({الأنام}) هم (الخلق) ونقله النووي في التهذيب عن الزبيدي، وقيل الحيوان، وقيل بنو آدم خاصة وقيل الثقلان. ({نضاختان}) أي (فياضتان) بالخير والبركة، وقيل بالماء، وقال ابن مسعود وابن عباس أيضًا: ينضخ على أولياء الله بالمسك والعنبر والكافور في دور أهل الجنة كما ينضخ رش المطر، وقال سعيد بن جبير بأنواع الفواكه والماء، وسقط من قوله: وقال ابن عباس إلى هنا لأبي ذر. ({ذو الجلال}) [الرحمن: 27] أي (ذو العظمة) وذو الثاني سقط لأبي ذر. (وقال غيره): غير ابن عباس ({مارج}) أي (خالص من النار) من غير دخان. قال في الأنوار في قوله: من مارج من صاف من دخان من نار بيان لمارج (يقال مرج الأمير رعيته إذا خلاهم) بتشديد

1 - باب قوله: {ومن دونهما جنتان}

اللاّم أي تركهم (يعدو) بالعين المهملة (بعضهم على بعض) أي يظلم بعضهم بعضًا ومنه (مرج أمر الناس اختلط) واضطرب، ولأبي ذر: ويقال مرج أمر الناس ومرج بفتح الراء في الفرع وضبطها العيني بالكسر. ({مريج}) من قوله: {في أمر مريج} [ق: 5] أي (ملتبس) وسقطت هذه لأبي ذر. ({مرج}) أي (اختلط) {البحران} ولأبي ذر البحرين بالياء بدل ألف الرفع (من مرجت دابتك) إذا (تركتها) ترعى، وسقط لأبي ذر من. ({سنفرغ لكم})، أي (سنحاسبكم) فهو مجاز عن الحساب وإلا فالله تعالى (لا يشغله شيء عن شيء وهو) أي لفظ سنفرغ لكم (معروف في كلام العرب يقال لأتفرغن لك وما به شغل) وإنما هو وعيد وتهديد كأنه (يقول لآخذنك على غرتك) غفلتك. 1 - باب قَوْلِهِ: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} (باب قوله) تعالى: ({ومن دونهما}) أي الجنتين المذكورتين في قوله: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمن: 46] (جتان) لمن دونهم من أصحاب اليمين فالأوليان أفضل من اللتين بعدهما، وقيل بالعكس، وقال الترمذي الحكيم المراد بالدون هنا القرب أي هما أدنى إلى العرش وأقرب أو هما دونهما بقربهما من غير تفضيل. 4878 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ». [الحديث 4878 - أطرافه في: 4880، 7444]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) نسبه لجده واسم أبيه محمد البصري الحافظ قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي) بفتح العين المهملة وتشديد الميم المكسورة البصري قال: (حدّثنا أبو عمران) عبد الملك بن حبيب (الجوني) بفتح الجيم وسكون الواو وكسر النون (عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه) عبد الله بن قيس أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (جنتان) مبتدأ (من فضة) خبر قوله ({آنيتهما}) والجملة خبر المبتدأ الأول ومتعلق من فضة محذوف أي آنيتهما كائنة من فضة (وما فيهما) عطف على آنيتهما (وجتان) مبتدأ وقوله (من ذهب) خبر لقوله (آنيتهما) والجملة خبر الأول أيضًا (وما فيهما) فاللتان من ذهب للمقربين واللتان من فضة لأصحاب اليمين كما في حديث عند ابن أبي حاتم يأتي إن شاء الله تعالى في التوحيد (وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلاّ رداء الكبر على وجهه في جنة عدن) ظرف للقوم والمراد بالوجه الذات والرداء شيء من صفاته اللازمة لذاته المقدسة عما يشبه المخلوقات، والحديث يأتي إن شاء الله تعالى في التوحيد. 2 - باب قَوْلِهِ: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حُورٌ سُودُ الْحَدَقِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {مَقْصُورَاتٌ} مَحْبُوسَاتٌ. قُصِرَ طَرْفُهُنَّ وَأَنْفُسُهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ قَاصِرَاتٌ لاَ يَبْغِينَ غَيْرَ أَزْوَاجِهِنَّ هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({حور مقصورات في الخيام}) [الرحمن: 72]. جمع خيمة من در مجوّف وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. (وقال ابن عباس: حور سود الحدق) ولأبي ذر: الحور السود (وقال مجاهد: {مقصورات} محبوسات قصر طرفهن) بضم القاف مبنيًا للمفعول (وأنفسهن على أزواجهن قاصرات لا يبغين غير أزواجهن) فلا يبغين بدلًا. قال الترمذي الحكيم في قوله: {حور مقصورات في الخيام} بلغنا في الرواية أن سحابة من العرش مطرت فخلقن من قطرات الرحمة ثم ضرب على كل واحدة خيمة على شاطى الأنهار سعتها أربعون ميلًا وليس لها باب حتى إذا حلّ ولّي الله بالخيمة انصدعت عن باب ليعلم ولّي الله أن أبصار المخلوقين من الملائكة والخدم لم تأخذها، وقد اختلف أيما أتم حسنًا الحور أم الآدميات؟ فقيل: الحور لما ذكر ولقوله في صلاة الجنازة وأبدله زوجًا خيرًا من زوجه، وقيل: الآدميات أفضل بسبعين ألف ضعف. 4879 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلًا، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ كَذَا آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر: حدّثني (عبد العزيز بن عبد الصمد) العمي قال: (حدّثنا أبو عمران) عبد الملك (الجوني) بفتح الجيم (عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه) أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة) بفتح الواو مشدّدة ذات جوف واسع (عرضها ستون ميلًا) والميل ثلث فرسخ أربعة آلاف خطوة (في كل زاوية منها أهل) للمؤمن (ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمنون) قال الدمياطي: صوابه المؤمن بالإفراد. قال في الفتح وغيره وأجيب: بجواز أن يكون من مقابلة المجموع بالمجموع (وجنتان من فضة آنيتهما) مبتدأ

[56] سورة الواقعة

قدم خبره وهما خبر جنتان (وما فيهما) أي من فضة كذلك (وجنتان من كذا) من ذهب كما سبق (آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلاَّ رداء الكبر على وجهه) ذاته (في جنة عدن) ظرف للقوم أو نصب على الحال من القوم كأنه قال كائنين في جنة عدن ولا دلالة فيه على أن رؤية الله غير واقعة إذ لا يلزم من عدمها في جنة عدن أو في ذلك الوقت عدمها مطلقًا أو رداء الكبر غير مانع منها. [56] سورة الْوَاقِعَةِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {رُجَّتْ}: زُلْزِلَتْ. {بُسَّتْ}: فُتَّتْ لُتَّتْ كَمَا يُلَتُّ السَّوِيقُ. {الْمَخْضُودُ}: الْمُوقَرُ حَمْلًا وَيُقَالُ أَيْضًا لاَ شَوْكَ لَهُ. {مَنْضُودٍ}: الْمَوْزُ. {وَالْعُرُبُ}: الْمُحَبَّبَاتُ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ. {ثُلَّةٌ}: أُمَّةٌ. {يَحْمُومٍ}: دُخَانٌ أَسْوَدُ. {يُصِرُّونَ}: يُدِيمُونَ. {الْهِيمُ}: الإِبِلُ الظِّمَاءُ. {لَمُغْرَمُونَ}: لَمُلْزَمُونَ. {رَوْحٌ}: جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ. {وَرَيْحَانٌ}: الرِّزْقُ. {وَنَنْشِئَكُمْ} فِي أَيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ. وَقَالَ غَيْرُهُ {تَفَكَّهُونَ}: تَعْجَبُونَ. {عُرُبًا}: مُثَقَّلَةً: وَاحِدُهَا عَرُوبٌ مِثْلُ صَبُورٍ وَصُبُرٍ يُسَمِّيهَا أَهْلُ مَكَّةَ الْعَرِبَةَ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ الْغَنِجَةَ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ الشَّكِلَةَ، وَقَالَ فِي {خَافِضَةٌ} لِقَوْمٍ إِلَى النَّارِ. {وَرَافِعَةٌ}: إِلَى الْجَنَّةِ. {مَوْضُونَةٍ}: مَنْسُوجَةٍ وَمِنْهُ وَضِينُ النَّاقَةِ. وَالْكُوبُ لاَ آذَانَ لَهُ وَلاَ عُرْوَةَ، وَالأَبَارِيقُ ذَوَاتُ الآذَانِ وَالْعُرَى. {مَسْكُوبٍ}: جَارٍ. {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ}: بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ. {مُتْرَفِينَ}: مُتَمَتِّعِينَ. مَدِينينَ: مُحَاسَبينَ. {مَا تُمْنُونَ}: هِيَ النُّطْفَةُ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ. {لِلْمُقْوِينَ}: لِلْمُسَافِرِينَ، وَالْقِيُّ: الْقَفْرُ. {بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}: بِمُحْكَمِ الْقُرْآنِ، وَيُقَالُ بِمَسْقِطِ النُّجُومِ إِذَا سَقَطْنَ وَمَوَاقِعُ وَمَوْقِعٌ وَاحِدٌ. {مُدْهِنُونَ}: مُكَذِّبُونَ مِثْلُ {لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} {فَسَلاَمٌ لَكَ}: أَيْ مُسَلَّمٌ لَكَ. إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأُلْغِيَتْ "إِنَّ" وَهْوَ مَعْنَاهَا كَمَا تَقُولُ: أَنْتَ مُصَدَّقٌ، مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ إِذَا كَانَ قَدْ قَالَ إِنِّي مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ وَقَدْ يَكُونُ كَالدُّعَاءِ لَهُ، كَقَوْلِكَ فَسَقْيًا مِنَ الرِّجَالِ إِنْ رَفَعْتَ السَّلاَمَ فَهْوَ مِنَ الدُّعَاءِ. {تُورُونَ}: تَسْتَخْرِجُونَ. أَوْرَيْتُ: أَوْقَدْتُ. {لَغْوًا}: بَاطِلًا. {تَأْثِيمًا}: كَذِبًا. ([56] سورة الْوَاقِعَةِ) مكية وآيها تسع وتسعون ولأبي ذر سورة الواقعة. (بسم الله الرحمن الرحيم) وسقطت البسملة لغير أبي ذر. (وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي ({رجت}) من قوله: {إذا رجت الأرض رجًّا} [الواقعة: 4]. أي (زلزلت) يقال رجه يرجه رجًّا إذا حركه وزلزله أي تضطرب فرقًا من الله حتى ينهدم ما عليها من بناء وجبل. وقال في قوله: ({بست} فتت) أي (لتت كما يلت السويق) بالسمن أو بالزيت وقيل سيرت من قولهم بس الغنم أي ساقها. ({المخضود}) هو (الموقر حملًا) بفتح القاف والحاء حتى لا يبين ساقه من كثرة ثمره بحيث تنثني أغصانه (ويقال أيضًا لا شوك له) خضد الله شوكه فجعل مكان كل شوكة ثمرة وسقط لأبي ذر قوله الموقر حملًا ويقال أيضًا ({منضود}) في قوله: {وطلح منضود} [الواقعة: 29] هو (الموز) واحده طلحة، وقال السدي: طلح الجنة يشبه طلح الدنيا لكن له ثمر أحلى من العسل وقوله منضود أي متراكب وهذا ساقط لأبي ذر. ((والعُرب}) بضم الراء وسكونها في قوله تعالى: {فجعلناهن أبكارًا عربًا} [الواقعة: 36] هن (المحببات إلى أزواجهن) بفتح الموحدة المشددة. ({ثلة}) أي (أمة) {من الأولين} من الأمم الماضية من لدن آدم إلى محمد عليه الصلاة والسلام، {وقليل من الآخرين} [الواقعة: 14] ممن آمن بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جعلنا الله منهم بكرمه. قال في الأنوار ولا يخالف ذلك قوله عليه الصلاة والسلام أن أمتي يكثرون سائر الأمم لجواز أن يكون سابقو سائر الأمم أكثر من سابقي هذه الأمة وتابعو هذه أكثر من تابعيهم. ({يحموم}) أي (دخان أسود) بالجر، ولأبي ذر: يحموم دخان أسود برفع يحموم وتالييه وقيل اليحموم واد في جهنم. ({يصرون}) أي (يديمون) على الحنث أي الذنب العظيم. ({الهيم}) في قوله تعالى: {فشاربون الهيم} [الواقعة: 55] هي (الإبل الظماء) التي لا تروى من داء معطش أصابها قال ذو الرمة: فأصبحت كالهيماء لا الماء مبرد ... صداها ولا يقضي عليها هيامها وسقط هذا لأبي ذر. ({لمغرمون}) أي (لملزمون) غرامة ما أنفقنا ولأبي ذر: لملومون. ({روح}) في قوله تعالى: {فأما إن كان من المقربين فروح} [الواقعة: 88، 89]. أي (جنة ورخاء) وقيل معناه فله راحة وهو تفسير باللازم وسقط هذا لأبي ذر. ({وريحان}) ولأبي ذر: الريحان (الرزق) يقال خرجت أطلب ريحان الله أي رزقه وقال الوراق: الروح النجاة من النار والريحان دخول الجنة دار القرار. ({وننشئكم}) بفتح النون الأولى والشين، ولأبي ذر: {ننشئكم} بضم ثم كسر موافقة للتلاوة وزاد فيما لا تعلمون أي ({في أيّ خلق نشاء}) وقال الحسن البصري: أي نجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بأقوام قبلكم أو نبعثكم على غير صوركم في الدنيا فيجمل المؤمن بقبح الكافر. (وقال غيره): غير مجاهد ({تفكهون}) أي (تعجبون) مما نزل بكم في زرعكم قاله الفراء، وقيل تندمون وحقيقته تلقون الفكاهة عن أنفسكم من الحزن فهو من باب تحرّج وتأثم ولأبي ذر: تعجبون بفتح العين وتشديد الجيم ({عربًا} مثقلة) بتشديد القاف (واحدها عروب مثل صبور وصببر يسميها أهل مكة العربة) بفتح العين العين وكسر الراء (وأهل المدينة الغنجة) بفتح الغين المعجمة وكسر النون (وأهل العراق الشكلة) بفتح المعجمة وكسر الكاف وهذا كله ساقط لأبي ذر وقرأ حمزة وشعبة بسكونها

1 - باب قوله: {وظل ممدود}

وهو كرسل ورسل وفرش وفرش. (وقال) غير مجاهد (في) قوله تعالى: ({خافضة}) أي هي خافضة (لقوم إلى النار) ولأبي ذر بقوم بالموحدة بدل اللام ({ورافعة}) بآخرين (إلى الجنة) وحذف المفعول من الثاني لدلالة السابق عليه أو هي ذات خفض ورفع. ({موضونة}) أي (منسوجة) أصله من وضنت الشيء أي ركبت بعضه على بعض (ومنه وضين الناقة) وهو حزامها لتراكب طاقاته، وقيل موضونة أي منسوجة بقضبان الذهب مشبكة بالدرّ والياقوت. (والكوب) في قوله تعالى: ({بأكواب وأباريق} [الوقعة: 18] إناء (لا آذان له ولا عروة) وقوله: بأكواب متعلق بيطوف (والأباريق ذوات الآذان والعرى) وهو جمع إبريق وهو من آنية الخمر سمي بذلك لبريق لونه من صفائه. ({مسكوب}) أي (جار) لا ينقطع، وسقط من قوله موضونة إلى هنا لأبي ذر. ({وفرش مرفوعة}) أي (بعضها فوق بعض) وفي الترمذي عن أبي سعيد مرفوعًا قال: ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام. ({مترفين}) أي (متمتعين) بالحرام ولأبي ذر عن الكشميهني متمتعي بفوقية بين الميمين. وفتح التاء المشددة كذا في فرع اليونينية من التمتع وفي فرع آخر ممتعين بميمين بعدهما فوقية مشددة مفتوحة من الإمتاع، وفي نسخة متنعمين بفوقية قبل النون وبعد العين ميم من التنعم (مدينين) أي (محاسبين) ومنه إنّا لمدينون أي محاسبون أو مجزيون، وسقط هذا لغير أبي ذر. ({ما تمنون} هي النطفة) والمعنى ما تصبونه من المني ولأبي ذر من النطف يعني (في أرحام النساء) أي أأنتم تصوّرون منه الإنسان أم نحن المصوّرون. ({للمقوين}) أي (للمسافرين والقيّ) بكسر القاف (القفر) التي لا شيء فيها وسقط للمقوين الخ لأبي ذر. ({بمواقع النجوم}) أي (بمحكم القرآن) ويؤيده وإنه لقسم وإنه لقرآن كريم. (ويقال بمسقط النجوم إذا سقطن) بكسر قاف بمسقط أي بمغارب النجوم السمائية إذا غربن. قال في الأنوار: وتخصيص المغارب لما في غروبها من زوال أثرها والدلالة على وجود مؤثر لا يزول تأثيره (ومواقع وموقع) الجمع والمفرد (واحد) فيما يستفاد منها لأن الجمع المضاف والمفرد المضاف كلاهما عامّان بلا تفاوت على الصحيح وبالإفراد قرأ حمزة والكسائي ({مدهنون}) أي (مكذبون) قاله ابن عباس وغيره، وقيل متهاونون كمن يدهن في الأمر أي يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاونًا به (مثل {لو تدهن فيدهنون}) يكذبون. ({فسلام لك} أي مسلم) بتشديد اللام ولأبي ذر فسلم بفاء بدل الميم وكسر السين وسكون اللام (لك) أي ({إنك من أصحاب اليمين} وألغيت) تركت (إنَّ) من قوله: إنك (وهو معناها) وإن ألغيت (كما تقول) لرجل (أنت مصدق) بفتح الدال المشددة (مسافر عن قليل) أي أنت مصدق أنك مسافر عن قليل فتحذف لفظ إن (إذ كان) الذي قلت له ذلك (قد قال إني مسافر عن قليل) وفي نسخة عن قريب بدل قليل (وقد يكون) لفظ السلام كالدعاء له) للمخاطب من أصحاب اليمين (كقولك فسقيا من الرجال) بفتح السين نصب أي سقاك الله سقيا (إن رفعت السلام فهو من الدعاء) وإن نصبت لا يكون دعاء ولم يقرأ به أحد. ({تورون}) أي (تستخرجون) من (أوريت أوقدت) يقال أوريت الزند أي قدحته فاستخرجت ناره. ({لغوًا}) أي (باطلًا) ولا ({تأثيمًا}) أي (كذبًا) رواه ابن عباس فيما ذكره ابن أبي حاتم وسقط قوله تورون إلى هنا لأبي ذر. 1 - باب قَوْلِهِ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} (باب قوله: {وظل ممدود}) [الواقعة: 30] دائم باقٍ لا يزول، لا تنسخه الشمس. 4881 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا، مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- يبلغ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن في الجنة شجرة) قيل هي طوبى (يسير الراكب في ظلها) في نعيمها أو ناحيتها (مائة عام لا يقطعها واقرؤوا إن شئتم: {وظل ممدود}) فالجنة كلها ظل لا شمس معه وليس هو ظل الشمس بل ظل يخلفهُ الله تعالى. قال الربيع بن أنس: ظل العرش.

[57] سورة الحديد

[57] سورة الْحَدِيدُ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). قَالَ: مُجَاهِدٌ: {جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ}: مُعَمَّرِينَ فِيهِ. {مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}: مِنَ الضَّلاَلَةِ إِلَى الْهُدَى. {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}: جُنَّةٌ وَسِلاَحٌ. {مَوْلاَكُمْ}: أَوْلَى بِكُمْ. {لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ}: لِيَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ. يُقَالُ الظَّاهِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا. وَالْبَاطِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا. {أَنْظِرُونَا}: انْتَظِرُونَا. ([57] سورة الْحَدِيدُ) مدنية أو مكية وآيها تسع وعشرون، ولأبي ذر: سورة الحديد والمجادلة. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر. (قال) ولأبي ذر وقال (مجاهد): فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({وجعلكم مستخلفين}) [الحديد: 7] أي (معمرين فيه) بتشديد الميم المفتوحة. ({من الظلمات إلى النور}) [الحديد: 9] أي (من الضلالة إلى الهدى) وصله الفريابي أيضًا وسقط من قوله: جعلكم إلى هنا لأبي ذر. وقال: {فيه بأس شديد} ({ومنافع للناس}) [الحديد: 25] أي (جنة) بضم الجيم وتشديد النون ستر (وصلاح) للأعداء وما من صنعة إلا والحديد آلتها. ({مولاكم}) في قوله تعالى: {مأواكم النار هي مولاكم} [الحديد: 15] أي هي (أولى بكم) من كل منزل على كفركم وارتيابكم ({لئلا يعلم أهل الكتاب} ليعلم أهل الكتاب) فلا صلة (يقال الظاهر على كل شيء علمًا والباطن كل شيء علمًا) وفي نسخة على كل شيء بإثبات الجار كالسابق ومراده قوله والظاهر والباطن وقيل الظاهر وجوده لكثرة دلائله والباطن لكونه غير مدرك بالحواس. ({أنظرونا}) بقطع الهمزة مفتوحة وكسر الظاء المعجمة وهي قراءة حمزة (انتظرونا). [58] سُورة الْمُجَادِلَةُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ {يُحَادُّونَ}: يُشَاقُّونَ اللَّهَ. {كُبِتُوا}: أُخْزِيُوا مِنَ الْخِزْيِ. {اسْتَحْوَذَ} غَلَبَ. ([58] سُورة الْمُجَادِلَةُ) مدنية أو العشر الأُول مكي والباقي مدني وآيها اثنتان وعشرون وسقط لفظ المجادلة لأبي ذر. (وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي وسقط وقال مجاهد لأبي ذر ({يحادون}) [المجادلة: 5] أي (يشاقون الله) وسقطت الجلالة لأبي ذر، وعن قتادة يعادون الله. وقال مجاهد أيضًا في قوله تعالى: ({كبتوا}) أي (أخزيوا) بكسر الزاي وبعدها ياء مضمومة ولأبي ذر أخزوا بضم الزاي وإسقاط الياء (من الخزي) وهذه ساقطة لأبي ذر ولأبي الوقت وابن عساكر: أحزنوا من الحزن. ({استحوذ}) [المجادلة: 19] أي (غلب) قاله أبو عبيدة. [59] سورة الْحَشْرِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). الْجَلاَءَ الإِخْرَاجُ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ. [59] سورة الْحَشْرِ مدنية وآيها أربع وعشرون ولأبي ذر: سورة الحشر. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر. (الجلاء) هو (الإخراج من أرض إلى أرض) وسقط لغير أبي ذر الإخراج قاله قتادة فيما وصله ابن أبي حاتم. 4882 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ سُورَةُ التَّوْبَةِ؟ قَالَ التَّوْبَةُ هِيَ الْفَاضِحَةُ، مَا زَالَتْ تَنْزِلُ: وَمِنْهُمْ، وَمِنْهُمْ، حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهَا لَمْ تُبْقِ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلاَّ ذُكِرَ فِيهَا. قَالَ: قُلْتُ سُورَةُ الأَنْفَالِ؟ قَالَ نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ قَالَ: قُلْتُ سُورَةُ الْحَشْرِ؟ قَالَ: نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال: (حدّثنا سعيد بن سليمان) الضبي الملقب بسعدويه قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء مصغرًا ابن بشير مصغرًا أيضًا قال: (أخبرنا أبو بشر) بكسر الموحدة جعفر بن أبي وحشية إياس الواسطي (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: قلت لابن عباس) -رضي الله عنهما- (سورة التوبة قال: التوبة) هو استفهام إنكاري بدليل قوله: {هي الفاضحة) لأنها تفضح الناس حيث تظهر معايبهم (ما زالت تنزل ومنهم ومنهم) مرتين ومراده ومنهم الذين يؤذون النبي ومنهم من يلمزك في الصدقات ومنهم من يقول ائذن لي ومنهم من عاهد الله (حتى ظنوا أنه لم تبق) ولأبي ذر عن الكشميهني لن تبقي (أحدًا منهم إلا ذكر فيها قال) سعيد بن جبير (قلت) لابن عباس (سورة الأنفال) ما سبب نزولها؟ (قال: نزلت في) غزوة (بدر قال: قلت: سورة الحشر) فيم نزلت؟ (قال: نزلت في بني النضير) بفتح النون وكسر الضاد المعجمة قبيلة من اليهود. 4883 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- سُورَةُ الْحَشْرِ؟ قَالَ: قُلْ: سُورَةُ النَّضِيرِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني: بالإفراد (الحسن بن مدرك) بضم الميم وكسر الراء البصري الطحان قال: (حدّثنا يحيى بن حماد) الشيباني البصري قال: (أخبرنا أبو عوانة عن أبي بشر) جعفر بن أبي وحشية (عن سعيد) هو ابن جبير أنه (قال: قلت لابن عباس -رضي الله عنهما- سورة الحشر؟ قال: قل سورة النضير) قال الزركشي: وإنما كره ابن عباس تسميتها بالحشر لأن الحشر يوم القيامة، وزاد في الفتح وإنما المراد به هنا إخراج بني النضير، وقال ابن إسحاق: كان إجلاء بني النضير مرجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أُحُد، وقال ابن عباس: من شك أن الحشر بالشام فليقرأ آية

1 - باب قوله: {ما قطعتم من لينة} نخلة ما لم تكن عجوة أو برنية

لأول الحشر فكان أول حشر إلى الشام. قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أخرجوا إلى أرض المحشر ثم تحشر الخلائق يوم القيامة إلى الشام، وقيل الحشر الثاني نار تحشرهم يوم القيامة. 1 - باب قَوْلِهِ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} نَخْلَةٍ مَا لَمْ تَكُنْ عَجْوَةً أَوْ بَرْنِيَّةً (باب قوله) تعالى: ({ما قطعتم من لينة}) [الحشر: 5] أي من (نخلة) فعلة (ما لم تكن عجوة أو برنية) ضرب من التمر وقيل اللينة النخلة مطلقًا، وقيل ما تمرها لون وهو نوع من التمر أيضًا، وقيل تمر شديد الصفرة يرى نواه من خارج يغيب فيها الضرس، وقيل هي أغصان الشجر للينها وما شرطية في موضع نصب بقطعتم ومن لينة بيان لها وفبإذن الله جواب الشرط لا بدّ من حذف مضاف تقديره فقطعها باذن الله، وسقط باب قوله لغير أبي ذر. 4884 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ، وَهْيَ الْبُوَيْرَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِىَ الْفَاسِقِينَ} [الحشر: 5]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حرّق نخل بني النضير) لما نزل بهم وكانوا تحصنوا بحصونهم (وقطعـ) ـها إهانة لهم وإرهابًا وإرعابًا لقلوبهم (وهي البويرة) بضم الموحدة وفتح الواو وبعد التحتية الساكنة راء موضع بقرب المدينة ونخل لبني النضير فقالوا: يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع النخل وتحريقها (فأنزل الله تعالى: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها}) الضمير عائد على ما وأنت لأنه مفسر باللينة ({قائمة على أصولها فبإذن الله}) أي خيركم في ذلك ({وليخزي}) بالإذن في القطع ({الفاسقين}) اليهود في اعتراضهم بأن قطع الشجر المثمر فساد واستدلّ به على جواز هدم ديار الكفار وقطع أشجارهم زيادة لغيظهم. 2 - باب {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله: ({ما أفاء الله على رسوله}) [الحشر: 7] قال الزمخشري: لم يدخل العاطف على هذه الجملة لأنها بيان للأولى وسقط باب لغير أبي ذر. 4885 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ عَنْ عَمْرٍو عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاصَّةً، يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهَا نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِىَ فِي السِّلاَحِ وَالْكُرَاعِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (غير مرة عن عمرو) هو ابن دينار (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن مالك بن أوس بن الحدثان) بفتح الحاء والدال المهملتين والمثلثة (عن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كانت أموال بني النضير) الحاصلة منهم للمسلمين من غير مشقة (مما أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما أعاده عليه بمعنى صيّره له أو ردّه عليه فإنه كان حقيقًا بأن يكون له لأنه تعالى خلق الإنسان لعبادته وخلق ما خلق لهم ليتوسلوا به إلى طاعته فهو جدير بأن يكون للمطيعين (مما لم يوجف المسلمون) بكسر الجيم مما لم يسرع المسلمون المسير ولم يقاتلوا (عليه) الأعداء (بخيل) بفرسان (ولا ركاب) بكسر الراء بل يسار عليها إنما خرجوا إليهم من المدينة مشاة لم يركب إلا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونزل الأعداء من حصونهم من الرعب الواقع في قلوبهم من هيبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فكانت) أموالهم أي معظمها (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاصة) في حياته ومن ذكر معه في قوله: فَلِلَّهِ وللرسول ولذي القربى أي من بني هاشم وبني المطلب واليتامى وهم أطفال المسلمين الذين هلك آباؤهم وهم فقراء والمساكين وهم ذوو الحاجات من المسلمين وابن السبيل وهو المنقطع في سفره من المسلمين على ما كان يقسمه عليه الصلاة والسلام من أن لكلٍّ منهم خُمس الُخمس وله عليه الصلاة والسلام الباقي وهو أربعة أخماس وخُمس الخُمس فهي أحد وعشرون سهمًا يفعل فيها ما يشاء (ينفق على أهله منها نفقة سنته) تطييبًا لقلوبهم وتشريعًا للأمة ولا يعارضه حديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لا يدّخر شيئًا لغد لأنه كان قبل السعة أو لا يدّخر لنفسه بخصوصها (ثم يجعل ما بقي) بعد (في السلاح) ما يقاتل به الكفار كالسيف وغيره من آلات الحديد (والكراع) بضم الكاف الخيل (عدة) بضم العين يستعان بها (في سبيل الله) وأما بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيصرف ما كان له من خمُس الخُمس لمصالحنا كسدّ ثغور وقضاة وعلماء والأخماس الأربعة للمرتزقة وهم المرصدون للجهاد بتعيين الإمام لهم، وقال المالكية: لا يخمس الفيء بل هو موكول إلى اجتهاد الإمام، واستدلوا بهذا الحديث، واستدلّ الشافعية بآية: {ما أفاء الله على رسوله} [الحشر: 7] الآية

3 - باب {وما آتاكم الرسول فخذوه}

وهي وإن لم يكن فيها تخميس فإنه مذكور في آية الغنيمة فحمل المطلق على المقيد. وهذا الحديث ذكره في الجهاد والخُمس والمغازي. 3 - باب {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وما آتاكم الرسول}) وما أعطاكم من الفيء أو أمر ({فخذوه}) [الحشر: 7] لأنه حلال لكم أو فتمسكوا به لأنه واجب الطاعة وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4886 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَقَالَ: وَمَا لِي لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ، وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ. فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ: أَمَا قَرَأْتِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} قَالَتْ: بَلَى: قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ. قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ، قَالَ: فَاذْهَبِي فَانْظُرِي، فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا. فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعَتْنَا. [الحديث 4886 - أطرافه في: 4887، 5931، 5939، 5943، 5948]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: لعن الله الواشمات) بالشين المعجمة جمع واشمة فاعلة الوشم وهو أن يغرز عضو من الإنسان بنحو الإبرة حتى يسيل الدم ثم يحشى بنحو كحل فيصير أخضر (والموتشمات) جمع موتشمة التي يفعل بها ذلك وهذا الفعل حرام على الفاعل والمفعول به اختيارًا ويصير موضعه نجسًا تجب إزالته إن أمكن بالعلاج فإن لم يكن إلا بجرح يخاف منه التلف أو فوات عضو أو منفعة أو شين فاحش في عضو ظاهر فلا ولا يصح الاقتداء به ما دام الوضم باقيًا وكان الوشم متعديًا أو أمكنه إزالته من غير ضرر، وقال الحنفية: تصح القدوة به وإن كان متمكّنًا من إزالته (و) لعن (المتنمصات) بضم الميم الأولى وكسر الثانية مشددة بينهما فوقية فنون والصاد مهملة جمع متنمصة الطالبة إزالة شعر وجهها بالنتف ونحوه وهو حرام إلا ما ينبت بلحية المرأة أو أشار بها فلا بل يستحب (والمتفلجات) بالفاء والجيم جمع متفلجة وهي التي تفرق ما بين ثناياها بالمبرد إظهارًا للصغر وهي عجوز لأن ذلك يكون للصغار غالبًا وذلك حرام (للحسن) أي لأجل التحسين لما فيه من التزوير فلو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن فلا، ويجوز أن تتعلق اللام بالأفعال المذكورة والأظهر تعلقها بالأخير (المغيرات خلق الله) كالتعليل لوجوب اللعن وهو صفة لازمة لمن تصنع الوشم والنمص والفلج (فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب). قال الحافظ ابن حجر: لا يحرف اسمها وقد أدركها عبد الرحمن بن عباس كما في الطريق التي بعد (فجاءت) إلى ابن مسعود (فقالت) له: (أنه بلغني أنك) ولأبي ذر: عنك أنك (لعنت كيت وكيت) تعني الواشمات الخ. (فقال) ابن مسعود لها: (وما لي لا ألعن مَن لعن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومَن هو في كتاب الله) عطف على من لعن أي ما لي لا ألعن من هو في كتاب الله ملعون لأن فيه وجوب الانتهاء عما نهاه الرسول لقوله: {وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7] ففاعل ذلك ظالم، وقد قال الله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} [هود: 18]. (فقالت) أم يعقوب: (لقد قرأت ما بين اللوحين) دفّتي المصحف وكانت قارئة للقرآن (فما وجدت فيه ما تقول) من اللعن (فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه) فيه وإثبات الباء في قرأتيه ووجدتيه لغة، والأفصح حذفها في خطاب المؤنث في الماضي لكنها تولدت من إشباع كسر التاء واللام في لئن موطئة للقسم والثانية لجوابه الذي سدّ مسدّ جواب الشرط (أما قرأت) بتخفيف الميم قوله تعالى: ({وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} قالت: بلى) قرأته (قال) ابن مسعود (فإنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قد نهى عنه) بفتح الهاء وهذه الآية وإن كان سبب نزولها أموال الفيء فلفظها عام يتناول كل ما أمر به الشارع عليه الصلاة والسلام أو نهى عنه. ولذا استنبط ابن مسعود منها ذلك، ويحتمل أن يكون سمع اللعن من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في بعض طرق الحديث. (قالت) أم يعقوب لابن مسعود: (فإني أرى أهلك) زينب بنت عبد الله الثقفية (يفعلونه) ولمسلم فقالت: إني أرى شيئًا من هذا على امرأتك (قال) ابن مسعود لها: (فاذهبي) إلى أهلي (فانظري فذهبت) إليها (فنظرت فلم تر) بها (من حاجتها) التي ظنت أن زوج ابن مسعود كانت تفعله (شيئًا) فعادت إليه وأخبرته (فقال: لو كانت) أي زينب (كذلك) تفعل الذي ظننته (ما جامعتنا) بفتح الميم والعين وسكون الفوقية ما صاحبتنا، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ما جامعتها

4 - باب {والذين تبوءوا الدار والإيمان}

أي ما وطئتها وكلاهما كناية عن الطلاق. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في اللباس. 4887 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: ذَكَرْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ حَدِيثَ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَاصِلَةَ، فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنِ امْرَأَةٍ، يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَ حَدِيثِ مَنْصُورٍ. وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا عبد الرحمن) بن مهدي البصري (عن سفيان) الثوري أنه (قال: ذكرت لعبد الرحمن بن عابس) بعين مهملة فألف فموحدة مكسورة فسين مهملة الكوفي (حديث منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لعن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر: لعن الله بدل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الواصلة) التي تصل شعرها بآخر تكثره به فإن كان الذي يتصل به شعر آدمي فحرام اتفاقًا لحرمة الانتفاع به كسائر أجزائه لكرامته بل يدفن وإن كان من غيره فإن كان نجسًا من ميتة أو انفصل حيًّا مما لا يؤكل فحرام لنجاسته وإن كان طاهرًا وأذن الزوج فيه جاز وإلاّ فلا. (فقال): أي عبد الرحمن بن عابس (سمعته من امرأة يقال لها أم يعقوب عن عبد الله) بن مسعود (مثل حديث منصور) أي ابن المعتمر السابق. 4 - باب {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله عز وجل: ({وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ}) المدينة ({والإيمان}) [الحشر: 9] أي ألفوه وهم الأنصار وسقط باب لغير أبي ذر. 4888 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه أُوصِى الْخَلِيفَةَ بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ. وَأُوصِى الْخَلِيفَةَ بِالأَنْصَارِ الَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَعْفُوَ عَنْ مُسِيئِهِمْ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) اليربوعي الكوفي ونسبه لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا أبو بكر يعني ابن عياش) المقرئ راوي عاصم، وسقط يعني ابن عياش لغير أبي ذر (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين الأودي الكوفي أبي يحيى أنه (قال: قال عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه) بعد أن طعنه أبو لؤلؤة العلج الطعنة التي مات منها (أوصي) أنا (الخليفة) من بعدي (بالمهاجرين الأوّلين) الذين هاجروا قبل بيعة الرضوان أو الذين صلوا إلى القبلتين أو الذين شهدوا بدرًا (أن يعرف لهم حقهم) بفتح همزة أن (وأوصي الخليفة) أيضًا (بالأنصار الذين تبوأوا الدار والإيمان) صفة للأنصار وضمن تبوأوا معنى لزموا فيصح عطف الإيمان عليه إذ الإيمان لا يتبوّأ أو هو نصب بمقدّر أي واعتقدوا أو تجوز في الإيمان، فجعل لاختلاطه بهم وثباتهم عليه كالمكان المحيط بهم وكأنهم نزلوه، وحينئذ فيكون فيه الجمع بين الحقيقة والمجاز في كلمة واحدة وفيه خلاف أو سمى المدينة لأنها دار الهجرة ومكان ظهور الإيمان بالإيمان أو نصب على المفعول معه أي مع الإيمان (من قبل أن يهاجر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إليهم بسنتين (أن يقبل من محسنهم ويعفو عن مسيئهم) ما دون الحدود وحقوق العباد. 5 - باب قَوْلِهِ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآيَةَ الْخَصَاصَةُ: الْفَاقَةُ. {الْمُفْلِحُونَ}: الْفَائِزُونَ بِالْخُلُودِ. الْفَلاَحُ: الْبَقَاءُ. حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ: عَجِّلْ. وَقَالَ الْحَسَنُ {حَاجَةً}: حَسَدًا. هذا (باب) بالتنوين (قوله) تعالى: ({ويؤثرون على أنفسهم} الآية) وسقط باب لغير أبي ذر. (الخصاصة) في قوله تعالى: {ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9]. (الفاقة) ولأبي ذر: فاقة وقيل حاجة إلى ما يؤثرون به. ({المفلحون}) هم (الفائزون بالخلود) قاله الفراء. (الفلاح) ولأبي ذر: والفلاح (البقاء) قال لبيد: نحلّ بلادًا كلها حل قبلنا ... ونرجو فلاحًا بعد عاد وحمير (حي على الفلاح) أي (عجل) أي أقبل مسرعًا، وقال ابن التين: لم يقله أحد من أهل اللغة إنما قالوا معناه هلم وأقبل. (وقال الحسن) البصري وسقطت الواو لأبي ذر ({حاجة}) في قولى: {ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا} [الحشر: 9] أي (حسدّا) وصله عبد الرزاق عنه. وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4889 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ الأَشْجَعِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَنِي الْجَهْدُ. فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ رَجُلٌ يُضَيِّفُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ»؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ ضَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا عِنْدِي إِلاَّ قُوتُ الصِّبْيَةِ. قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَةُ الْعَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ، وَتَعَالَيْ فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ وَنَطْوِي بُطُونَنَا اللَّيْلَةَ. فَفَعَلَتْ: ثُمَّ غَدَا الرَّجُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ ضَحِكَ مِنْ فُلاَنٍ وَفُلاَنَةَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (يعقوب بن إبراهيم بن كثير) الدورقي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا فضيل بن غزوان) بضم الفاء وفتح المعجمة مصغرًا وغزوان بغين مفتوحة فزاي ساكنة معجمتين قال: (حدّثنا أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان (الأشجعي) بالمعجمة والجيم (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: أتى رجل) هو أبو هريرة كما وقع مفسرًا في رواية الطبري (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله أصابني الجهد) المشقّة والجوع

[60] سورة الممتحنة

(فأرسل) عليه الصلاة والسلام (إلى نسائه) أمهات المؤمنين يطلب منهن ما يضيفه به (فلم يجد عندهن شيئًا فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ألا) بتخفيف اللام للتحضيض (رجل يضيف) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يضيفه بزيادة الضمير والتحتية مضمومة والضاد المعجمة مفتوحة بعدها تحتية مشددة فيهما (هذه الليلة يرحمه الله) بصيغة المضارع، ولأبي ذر عن الكشميهني رحمه الله (فقام رجل من الأنصار) هو أبو طلحة وتردد الخطيب هل هو زيد بن سهل المشهور أو صحابي آخر يكنى أبا طلحة وليس هو أبا المتوكل الناجي لأنه تابعي إجماعًا (فقال: أنا يا رسول الله) أضيفه (فذهب إلى أهله فقال لامرأته) أم سليم: هذا (ضيف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تدّخريه) بتشديد الدال المهملة أي لا تمسكي عنه (شيئًا) من الطعام (قالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية) بكسر الصاد جمع صبي أنس وإخوته (قال: فإذا أراد الصبية العَشاء) بفتح العين (فنوّميهم) حتى لا يأكلوا، وقول البرماوي كالكرماني وهذا القدر كان فاضلًا عن قدر ضرورتهم وإلا فنفقة الأطفال واجبة والضيافة سُنّة فيه نظر لأنها صرّحت بقولها: والله ما عندي إلا قوت الصبية فلعلها علمت صبرهم لقلة جوعهم وهيأت لهم ذلك ليأكلوه على عادة الصبيان للطلب من غير جوع يضر (وتعالي) بفتح اللام وسكون الياء (فأطفئي السراج) بهمزة قطع (ونطوي بطوننا الليلة) أي نجمعها لأن الجوع يطوي جلد البطن (ففعلت) زوجته ذلك (ثم غدا الرجل على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) عليه الصلاة والسلام: (لقد عجب الله عز وجل أو ضحك) بالشك من الراوي أي رضي وقبل (من فلان وفلانة) أبي طلحة وأم سليم أو غيرهما على الخلاف (فأنزل الله عز وجل: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}) [الحشر: 9]. وهذا الحديث ذكره في باب قول الله تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم} من مناقب الأنصار. [60] سورة الْمُمْتَحِنَةِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً}: لاَ تُعَذِّبْنَا بِأَيْدِيهِمْ. فَيَقُولُونَ: لَوْ كَانَ هَؤُلاَءِ عَلَى الْحَقِّ مَا أَصَابَهُمْ هَذَا. {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}: أُمِرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِفِرَاقِ نِسَائِهِمْ. كُنَّ كَوَافِرَ بِمَكَّةَ. ([60] سورة الْمُمْتَحِنَةِ) قال السهيلي بكسر الحاء المختبرة أضيف إليها الفعل مجازًا كلما سميت سورة براءة الفاضحة لكشفها عن عيوب المنافقين، ومن قال الممتحنة بفتح الحاء فإنه أضافها إلى المرأة التي نزلت فيها، والمشهور أنها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط امرأة عبد الرحمن بن عوف وهي مدنية وآيها ثلاث عشرة، ولأبي ذر: سورة الممتحنة: بسم الله الرحمن الرحيم. (وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({لا تجعلنا فتنة}) [الممتحنة: 5] أي (لا تعذبنا بأيديهم. فيقولون لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم هذا). وزاد في رواية الفريابي: ولا بعذاب من عندك. ({بعصم الكوافر}) [الممتحنة: 10] جمع كافرة كضوارب في ضاربة قال مجاهد: (أمر أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة وكسر الميم مبنيًّا للمفعول (بفراق نسائهم كن كوافر بمكة) لقطع إسلامهم بالنكاح. 1 - باب {لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله عز وجل: ({لا تتخذوا عدوّي وعدوّكم}) [الممتحنة: 1] أي كفار مكة ({أولياء}) في العون والنصرة وقوله: عدوي وعدوكم مفعول الاتخاذ والعدوّ لما كان بزنة المصادر وقع على الواحد فما فوق وأضاف العدوّ لنفسه تعالى تغليظًا في جريمتهم، وسقط الباب ولاحقه لغير أبي ذر. 4890 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ كَاتِبَ عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا -رضي الله عنه- يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا». فَذَهَبْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ. فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا فَأَتَيْنَا بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ بِمَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا هَذَا يَا حَاطِبُ»؟ قَالَ: لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مِنْ قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِمَكَّةَ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَصْطَنِعَ إِلَيْهِمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ». فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ: «إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ قَالَ عَمْرٌو وَنَزَلَتْ فِيهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ} قَالَ: لاَ أَدْرِى الآيَةَ فِي الْحَدِيثِ أَوْ قَوْلُ عَمْرٍو. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو بن دينار) بفتح العين (قال: حدّثني) بالإفراد (الحسن بن محمد بن علي) بن أبي طالب (أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع) بضم العين وفتح الموحدة مصغرًا واسم أبي رافع أسلم مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كاتب علي يقول سمعت عليًّا -رضي الله عنه- يقول: بعثني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنا والزبير) بن العوّام (والمقداد) بن الأسود (فقال): (انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ) بخاءين معجمتين بينهما ألف موضع بين مكة والمدينة (فإن بها ظعينة) بفتح المعجمة وكسر المهملة امرأة في هودج اسمها

2 - باب {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات}

سارة بالمهملة والراء (معها كتاب فخذوه منها) قال علي (فذهبنا تعادى) بفتخ التاء والعين والدال المهملتين بينهما ألف أي تتباعد وتتجارى (بنا خيلنا حتى أتينا الروضة) المذكورة (فإذا نحن بالظعينة فقلنا) لها (أخرجي الكتاب) الذي معك بهمزة قطع مفتوحة وكسر الراء (فقالت) ولأبي ذر قالت: (ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب) بضم التاء وسكون المعجمة وكسر الراء والجيم (أو لتلقين الثياب) بنون التوكيد الشديدة وإثبات التحتية مكسورة بعد القاف والأصل حذفها لأن النون الثقيلة إذا اجتمعت مع الياء الساكنة حذفت الياء للساكنين وأثبتها مشاكلة لتخرجن (فأخرجته من عقاصها) بكسر العين وبالقاف شعرها المضفور (فأتينا به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط قوله به لغير الكشميهني (فإذا فيه) في الكتاب (من حاطب بن أبي بلتعة) بالحاء والطاء المكسورة المهملتين بعدها موحدة وبلتعة بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها فوقية (إلى ناس) بضم الهمزة ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني إلى ناس (من المشركين ممن بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من تجهيزه للجيش الكثير لمكة (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له (ما هذا) الكتاب (يا حاطب؟ قال: لا تعجل عليّ يا رسول الله إني كنت امرأ من قريش) بالحلف والولاء (ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة فأحببت إذ) أي حين (فاتني) ذلك (من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدًا) أي يد منّة عليهم (يحمون) بها (قرابتي وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنه قد صدقكم) بتخفيف الدال (فقال عمر) -رضي الله عنه- (دعني) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فدعني (يا رسول الله فأضرب) بالنصب (عنقه فقال) عليه الصلاة والسلام (إنه شهد بدرًا وما) ولأبي ذر فما (يدريك لعل الله عز وجل اطّلع على أهل بدر) الذين حضروا وقعتها (فقال) مخاطبًا لهم خطاب تكريم (اعملوا ما شئتم) في المستقبل (فقد غفرت لكم) عبّر عن الآتي بالواقع مبالغة في تحققه. قال القرطبي: والمعنى أنهم حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السابقة تأهّلوا أن تغفر لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت منهم ومعنى الترجي هنا كما قاله النووي راجع إلى عمر لأن وقوع هذا الأمر محقق عند الرسول. (قال عمرو) هو ابن دينار بالإسناد السابق: (ونزلت فيه) أي في حاطب بن أبي بلتعة ({يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم}) وزاد أبو ذر: أولياء (قال) أبي سفيان بن عيينة (لا أدري الآية في الحديث) عن علي (أو قول عمرو) يعني ابن دينار موقوفًا عليه. 0000 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قِيلَ لِسُفْيَانَ فِي هَذَا فَنَزَلَتْ: {لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي} قَالَ سُفْيَانُ: هَذَا فِي حَدِيثِ النَّاسِ حَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو، وَمَا تَرَكْتُ مِنْهُ حَرْفًا، وَمَا أُرَى أَحَدًا حَفِظَهُ غَيْرِي. وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن المديني (قيل) ولأبي ذر قال: قيل (لسفيان) بن عيينة (في هذا) أي في أمر حاطب (فنزلت) ولأبي ذر نزلت ({لا تتخذوا عدوي}) زاد أبو ذر ({وعدوّكم أولياء}) الآية. (قال سفيان: هذا في حديث الناس) ورواياتهم وأما الذي (حفظته) أنا (من عمرو) يعني ابن دينار هو الذي رويته عنه من غير ذكر النزول (ما تركت منه حرفًا وما أرى) بضم الهمزة مما أظن (أحدًا حفظه) من عمرو (غيري) فلم يجزم سفيان برفع هذه الزيادة وسقط قوله حدّثنا علي إلى هنا لأبي الهيثم. 2 - باب {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله عز وجل: ({إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات}) [الممتحنة: 10] من الكفار بعد الصلح معهم في الحديبية على أن من جاء منهم إلى المؤمنين يرد. 4891 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الآيَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} -إِلَى قَوْلِهِ- {غَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ، قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ بَايَعْتُكِ»، كَلاَمًا، وَلاَ وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ، مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلاَّ بِقَوْلِهِ: «قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكَ». تَابَعَهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إسحاق) هو ابن منصور بن بهرام الكوسج المروزي أو ابن إبراهيم بن راهويه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بسكون العين بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وسقط ابن سعد لغير أبي ذر قال: (حدّثنا ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله بن مسلم (عن عمه) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يمتحن) أي يختبر

3 - باب {إذا جاءك المؤمنات يبايعنك}

(من هاجر إليه) من مكة إلى المدينة قبل عام الفتح (من المؤمنات بهذه الآية) فيما يتعلق بالإيمان مما يرجع إلى الظاهر دون الاطّلاع على ما في القلوب كما قال الله تعالى: {الله أعلم بإيمانهن} فإنه المطّلع على ما في قلوبهن (بقول الله تعالى: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك}) -إلى قوله- ({غفور رحيم}) [الممتحنة: 12] وفي الشروط كان يمتحنهن بهذه الآية {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} -إلى- {غفور رحيم} وعن قتادة فيما أخرجه عبد الرزاق أنه عليه الصلاة والسلام كان يمتحن من هاجر من النساء بالله ما خرجت إلا رغبة في الإسلام وحبًّا لله ورسوله وزاد مجاهد ولا خرج بك عشق رجل منا ولا فرار من زوجك وعند البزار أن الذي كان يخلفهن عن أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. (قال عروة) بالسند السابق (قالت عائشة) -رضي الله عنها- (فمن أقرّ بهذا الشرط) شرط الإيمان (من المؤمنات) وفي الطبراني من طريق العوفي عن ابن عباس قال كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وهذا لا ينافي ما روي أنه كان يمتحنهن بأنهن ما خرجن من بغض زوج إلى آخر ما ذكر لأنه زيادة بيان لقوله ما خرجت إلا رغبة في الإسلام فإذا قالت ذلك (قال لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قد بايعتك كلامًا) أي بالكلام لا باليد كما كان يبايع الرجال بالمصافحة باليدين (ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله) للمرأة (قد بايعتك على ذلك) بكسر الكاف. قال في الفتح: وكان عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم عطية عند ابني خزيمة وحبان والبزار في قصة المبايعة فمدّ يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت: ثم قال: اللهم اشهد فإن فيه إشعارًا بأنهن كن يبايعنه بايديهن. وأجيب: بأن مدّ اليد لا يستلزم المصافحة فلعله إشارة إلى وقوع المبايعة وكذا قوله في الباب اللاحق فقبضت امرأة منا يدها لا دلالة فيه أيضًا على المصافحة، فيحتمل أن يكون المراد بقبض اليد التأخر عن القبول، نعم يحتمل أنهن كن يأخذن بيده الكريمة مع وجود حائل ويشهد له ما رواه أبو داود في مراسيله عن الشعبي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين بايع النساء أتى ببرد قطري فوضعه على يده وقال: "لا أصافح النساء". وهذا الحديث ذكره أيضًا في الطلاق. (تابعه) أي تابع ابن أخي ابن شهاب (يونس) بن يزيد الأيلي فيما وصله المؤلّف في الطلاق (ومعمر) هو ابن راشد فيما وصله أيضًا في الأحكام (وعبد الرحمن بن إسحاق) القرشي فيما وصله ابن مردويه في تفسيره ثلاثتهم (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (وقال إسحاق بن راشد) الجزري الحراني فيما وصله الذهلي في الزهريات (عن الزهري عن عروة) بن الزبير (وعمرة) بنت عبد الرحمن فجمع بينهما. 3 - باب {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({إذا جاءك المؤمنات}) يوم الفتح ({يبايعنك}) [الممتحنة: 12] سقط باب لغير أبي ذر. 4892 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَ عَلَيْنَا: {أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} "، وَنَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ يَدَهَا فَقَالَتْ: أَسْعَدَتْنِي فُلاَنَةُ أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا، فَمَا قَالَ: لَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا، فَانْطَلَقَتْ وَرَجَعَتْ، فَبَايَعَهَا. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المقعد البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري بفتح الفوقية وتشديد النون قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن حفصة بنت سيرين) أُم الهذيل الأنصارية البصرية (عن أم عطية) نسيبة بنت الحارث (-رضي الله عنها-) أنها (قالت بايعنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرأ علينا {أن لا يشركن بالله شيئًا} ونهانا عن النياحة) رفع الصوت على الميت بالندب وهو عدّ محاسنه كواكهفاه واجبلاه (فقبضت امرأة) هي أم عطية (يدها) عن المبايعة (فقالت أسعدتني فلانة) أي قامت معي في نياحة على ميت لي تواسيني قال الحافظ ابن حجر لم أقف على اسم فلانة (أريد أن أجزيها) بفتح الهمزة وسكون الجيم وكسر الزاي المعجمة بالإسعاد (فما قال لها النبي شيئًا) بل سكت (فانطلقت) من عنده (ورجعت) إليه عليه الصلاة والسلام (فبايعها). وللنسائي قال: فاذهبي فاسعديها. قالت: فذهبت فساعدتها

ثم جئت فبايعته وعند مسلم أن أُم عطية قالت إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بدّ لي من أن أسعدهم، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إلا آل فلان" وحمله النووي على الترخيص لأم عطية في آل فلانة خاصة. قال: فلا تحل النياحة لغيرها ولا لها في غير آل فلان كما هو صريح الحديث. وللشارع أن يخص من العموم ما شاء انتهى. وأورد عليه حديث ابن عباس عند ابن مردويه وفيه قال: لما أخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على النساء فبايعهن أن لا يشركن بالله شيئًا الآية. قالت خولة بنت حكيم: يا رسول الله كان أبي وأخي ماتا في الجاهلية وإن فلانة أسعدتني وقد مات أخوها الحديث. وحديث أم سلمة وأسماء بنت يزيد الأنصارية عند الترمذي قالت: قلت: يا رسول الله إن بني فلان أسعدوني على عمي ولا بدّ لي من قضائهن فأبى قالت فراجعته مرارًا فأذن لي ثم لم أنح بعد ذلك. وعند أحمد والطبري من طريق مصعب بن نوح قال أدركت عجوزًا لنا فيمن بايع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: فأخذ علينا ولا تَنُحْن فقالت عجوز: يا نبي الله إن ناسًا كانوا أسعدونا على مصائب أصابتنا وأنهم قد أصابتهم مصيبة فأنا أريد أن أسعدهم قال: اذهبي فكافئيهم قالت فانطلقت فكافأتهم ثم إنها أتت فبايعته وحينئذٍ فلا خصوصية لأُم عطية، والظاهر أن النياحة كانت مباحة ثم كرهت كراهة تنزيه ثم تحريم فيكون الإذن لمن ذكر وقع لبيان الجواز مع الكراهة ثم لما تمت مبايعة النساء وقع التحريم فورد حينئذٍ الوعيد الشديد. وفي حديث أبي مالك الأشعري عند أبي يعلى أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "النائحة إذا لم تُتب قبل موتها تُقام يوم القيامة عليها سربال من قطران ودرع من جرب". وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأحكام. 4893 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قَالَ إِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ شَرَطَهُ اللَّهُ لِلنِّسَاءِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا وهب بن جرير) بفتح الجيم (حدّثنا أبي) جرير بن حازم الجهضمي (قال: سمعت الزبير) ابن خرّيت بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء وبعد التحتية الساكنة فوقية البصري (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- يقول (في قوله) تعالى: ({ولا يعصينك في معروف}) [الممتحنة: 12] (قال إنما هو) يعني النوح أو لا يخلون الرجل بالمرأة أو أعم (شرط شرطه الله للنساء) أي عليهن وهذا لا ينفي أن يكون شرطًا للرجال أيضًا فقد بايعهم في العقبة على ذلك لأن مفهوم اللقب لا اعتبار به. 4894 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَاهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ -رضي الله عنه- قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَتُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَسْرِقُوا»، وَقَرَأَ آيَةَ النِّسَاءِ وَأَكْثَرُ لَفْظِ سُفْيَانَ قَرَأَ الآيَةَ «فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَسَتَرَهُ اللَّهُ، فَهْوَ إِلَى اللَّهِ: إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدثنا سفيان) بن عيينة (قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (حدّثناه) هو من تقديم الاسم على الفعل أي حدّثنا الزهري بالحديث الذي يريد أن يذكره (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو إدريس) عائذ الله بالمعجمة الخولاني بفتح الخاء المعجمة أنه (سمع عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (أتبايعوني) ولأبي ذر أتبايعونني (على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تزنوا ولا تسرقوا) فيه حذف المفعول ليدل على العموم (وقرأ آية النساء) {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئًا} [الممتحنة: 12] الآية. وسقطت واو وقرأ لأبي ذر (وأكثر لفظ سفيان) بن عيينة (قرأ الآية) بدون لفظ النساء ولأبي ذر عن الكشميهني: قرأ في الآية والأولى أولى (فمن وفى) بالتخفيف (منكم) بأن ثبت على العهد (فأجره على الله) فضلًا منه عليه بأن يدخله الجنة (ومن أصاب من ذلك شيئًا) غير الشرك (فعوقب) زاد أحمد به أي بسببه في الدنيا بأن أقيم عليه الحد (فهو كفارة له) فلا يعاقب عليه في الآخرة كما عليه الأكثر لأن الحدود كفارات (ومن أصاب منها شيئًا من ذلك) مما يوجب الحد ولأبي ذر عن الكشميهني من ذلك شيئًا (فستره الله فهو) مفوّض (إلى الله إن شاء عذبه) عدلًا (وإن شاء غفر له) فضلًا ولأبي ذر غفر له منها (تابعه) أي تابع سفيان (عبد الرزاق) بن همام (عن معمر) هو ابن راشد عن الزهري وزاد أبو ذر عن المستملي في الآية ووصله مسلم عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق

[61] سورة الصف

عقب رواية سفيان وقال في آخره وزاد في الحديث فتلا علينا آية النساء {أن لا يشركن بالله شيئًا} هذه المبايعة كانت ليلة العقبة الأولى كما وقع البحث فيه في كتاب الإيمان فراجعه. 4895 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ مُسْلِمٍ أَخْبَرَهُ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: شَهِدْتُ الصَّلاَةَ يَوْمَ الْفِطْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رضي الله عنهم-، فَكُلُّهُمْ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدُ، فَنَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حِينَ يُجَلِّسُ الرِّجَالَ بِيَدِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ مَعَ بِلاَلٍ فَقَالَ: «{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} [الممتحنة: 12]». حَتَّى فَرَغَ مِنَ الآيَةِ كُلِّهَا ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ: «أَنْتُنَّ عَلَى ذَلِكَ»، وَقَالَتِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ يَدْرِي الْحَسَنُ مَنْ هِيَ قَالَ: «فَتَصَدَّقْنَ» وَبَسَطَ بِلاَلٌ ثَوْبَهُ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال: (حدّثنا هارون بن معروف) البغدادي المروزي الضرير قال: (حدّثنا عبد الله بن وهب) المصري الفقيه (قال: وأخبرني) عطف على محذوف (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أن الحسن بن مسلم) اسم جده يناق بالتحتية وتشديد النون وبعد الألف قاف المكي (أخبره عن طاوس) اليماني (عن ابن عباس رضي الله عنهما) أنه (قال: شهدت الصلاة يوم) عيد (الفطر مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) مع (أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم-) في خلافتهم (فكلهم يصلّيها) أي صلاة العيد (قبل الخطبة ثم يخطب بعد فنزل نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما فرغ من الخطبة (فكأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده) بفتح الجيم وتشديد اللام المكسورة (ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال فقال: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئًا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن}) يريد وأد البنات ({ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن}) أي بولد ملقوط ينسبنه إلى الزوج (حتى فرغ من الآية كلها ثم قال حين فرغ: أنتن على ذلك) بكسر الكاف خطابًا للنساء أي على المذكور في الآية (وقالت) ولأبي ذر فقالت بالفاء بدل الواو (امرأة واحدة) منهن (لم يجبه غيرها نعم يا رسول الله لا يدري الحسن) بن مسلم الراوي (من هي) وقيل إنها أسماء بنت يزيد (قال) عليه الصلاة والسلام (فتصدقن، وبسط بلال ثوبه فجعلن يلقين الفتخ) بفتحات وآخره معجمة الخواتيم العظام أو حلق من فضة لا فصّ فيها (والخواتيم) الصغار (في ثوب بلال) ليتصدق به عنهن فيمن يستحق. [61] سورة الصَّفِّ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ مُجَاهِدٌ {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}: مَنْ يَتَّبِعُنِي إِلَى اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {مَرْصُوصٌ}: مُلْصَقٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بِالرَّصَاصِ. ([61] سورة الصّفّ) مدنية أو مكية وآيها أربع عشرة. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({من أنصاري إلى الله}) [الصف: 14] أي (من يتبعني إلى الله) بتشديد الفوقية بعد التحتية ولأبي ذر عن الكشميهني من تبعني بإسقاط التحتية. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ({مرصوص}) [الصف: 14] أي (ملصق بعضه ببعض) ولأبي ذر إلى بعض (وقال غيره) أي غير يحيى ولأبي ذر وقال يحيى هو ابن زياد الفراء كما قال الحافظ أبو ذر (بالرصاص) بفتح الراء. 1 - باب قَوْلُهُ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (قوله تعالى من) ولأبي ذر باب بالتنوين {يأتي من بعدي اسمه أحمد} [الصف: 6] قال في الدر يحتمل النقل من الفعل المضارع أو من أفعل التفضيل والظاهر الثاني وعلى كِلا الوجهين فمنعه من الصرف للعلمية والوزن الغالب إلا أنه على الأوّل يمتنع معرفة وينصرف نكرة وعلى الثاني يمتنع تعريفًا وتنكيرًا لأنه تخلف العلمية الصفة وإذا نكر بعد كونه علمًا جرى فيه خلاف سيبويه والأخفش وهي مسألة مشهورة عند النحاة وأنشد حسان يمدحه عليه الصلاة والسلام وصرفه: صلى الإله ومن يحف بعرشه ... والطيبون على المبارك أحمد فأحمد بدل أو بيان للمبارك. 4896 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ لِي أَسْمَاءً، أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي، الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ، الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (محمد بن جبير) بن مطعم (عن أبيه) جبير (-رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن لي أسماء أنا محمد) لجمعه جلائل الخصال المحمودة وهذا البناء يدل على بلوغ النهاية في الحمد (وأنا أحمد) أفعل من الحمد قطع متعلقه للمبالغة (وأنا الماحي الذي يمحو الله الكفر) لأنه بعث والدنيا مظلمة بالكفر فأتى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنور الساطع حتى محاه (وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي) بكسر

[62] سورة الجمعة

الميم وتخفيف التحتية أي على أثري وزمان نبوّتي ليس بعدي نبي وقيل المراد أنه يحشر أوّل الناس يوم القيامة. قال الطيبي: وهو من الإسناد المجازي لأنه سبب في حشر الناس لأن الناس لم يحشروا ما لم يحشر (وأنا العاقب) أي الذي يخلف في الخير من كان قبله. [62] سورة الْجُمُعَةِ ([62] سورة الجمعة) مدنية وآيها إحدى عشرة ثبت لفظ سورة لأبي ذر، وكذا بسم الله الرحمن الرحيم باب بالتنوين. 1 - باب قَوْلُهُ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} وَقَرَأَ عُمَرُ {فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (قوله) تعالى: {وآخرين منهم}) قال في الدر: مجرور عطفًا على الأميين أي وبعث في آخرين من الأميين ({لما يلحقوا بهم}) [الجمعة: 3] صفة لآخرين أو آخرين منصوب عطفًا على الضمير المنصوب في يعلمهم أي: ويعلم آخرين لم يلحقوا بهم وسيلحقون وكل من تعلم شريعة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى آخر الزمان فرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معلّمه بالقوّة لأنه أصل ذلك الخير العظيم والفضل الجسيم. (وقرأ عمر) بن الخطاب فيما رواه الطبري ({فامضوا إلى ذكر الله}) وهذا ساقط لغير الكشميهني. 4897 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْجُمُعَةِ {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلاَثًا وَفِينَا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ ثُمَّ قَالَ: «لَوْ كَانَ الإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ. أَوْ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلاَءِ». [الحديث 4897 - طرفه في: 4898]. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولغير أبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (سليمان بن بلال) التيمي مولاهم (عن ثور) باسم الحيوان المعروف بابن زيد الديلي بكسر الدال المهملة بعدها تحتية ساكنة (عن أبي الغيث) سالم مولى عبد الله بن مطيع (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا جلوسًا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنزلت عليه سورة الجمعة) زاد مسلم فلما قرأ: ({وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} قال: قلت: من هم)؟ ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قالوا: من هم؟ (يا رسول الله. فلم يراجعه) عليه الصلاة والسلام السائل أي لم يعد عليه الجواب (حتى سأل ثلاثًا وفينا سلمان الفارسي وضع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده على سلمان ثم قال): (لو كان الإيمان عند الثريا) النجم المعروف (لناله رجال أو رجل من هؤلاء) الفرس بقرينة سلمان، والشك من سليمان بن بلال للجزم برجال من غير شك في الرواية اللاحقة. وزاد أبو نعيم في آخره برقَة قلوبهم ومن وجه آخر يتبعون سنتي ويكثرون الصلاة عليّ. قال القرطبي: وقد ظهر ذلك في العيان فإنه ظهر فيهم الذين وكثر وإن وجود ذلك فيهم دليلًا من أدلة صدقه عليه الصلاة والسلام. 4898 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ أَخْبَرَنِي ثَوْرٌ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلاَءِ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (عبد العزيز) هو الدراوردي كما جزم به أبو نعيم والجياني ثم المزني قال: (أخبرني) بالإفراد (ثور) هو ابن زيد الديلي (عن أبي الغبث) سالم (عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لناله رجال من هؤلاء) قال ابن كثير: ففي هذا الحديث دليل على عموم بعثته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى جميع الناس لأنه فسر قوله: {وآخرين منهم} بفارس، ولذا كتب كتبه إلى فارس والروم وغيرهم من الأمم يدعوهم إلى الله وإلى اتّباع ما جاء به. وعند ابن أبي حاتم عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعًا: إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجال ونساء من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب، ثم قرأ {وآخرين منهم} الآية. 2 - باب {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وإذا رأوا تجارة}) [الجمعة: 11] زاد أبو ذر: {أو لهوًا} وسقط باب لغير أبي ذر. 4899 - حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، وَعَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَقْبَلَتْ عِيرٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَثَارَ النَّاسُ، إِلاَّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا}. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا خالد بن عبد الله) الطحان الواسطي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن (عن سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين (وعن أبي سفيان) طلحة بن نافع وأبو سفيان ليس على شرط البخاري وإنما أخرج له مقرونًا بسالم فاعتماده عليه لا على أبي سفيان وكلٍّ منهما روى (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: أقبلت عير) بكسر العين إبل تحمل الميرة وزعم مقاتل بن حيان أنها كانت لدحية بن خليفة قبل أن يسلم وكان معها طبل (يوم الجمعة ونحن مع النبي

[63] سورة المنافقين

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعند أحمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطب (فثار الناس) بالمثلثة تفرقوا عنه (إلاّ اثنا) بالرفع وفي نسخة إلا اثني (عشر رجلًا، فأنزل الله) تعالى: ({وإذا رأوا تجارة أو لهوًا انفضّوا إليها}) أعاد الضمير على التجارة دون اللهو لأنها أهم في السبب أو المراد إذا رأوا تجارة انفضّوا إليها أو لهوًا انفضوا إليه فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه، وزاد أبو ذر: وتركوك قائمًا وهي جملة حالية من فاعل انفضّوا وقد مقدّرة عند بعضهم. [63] سورة الْمُنَافِقِينَ 1 - باب قَوْلِهِ: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} إِلَى {لَكَاذِبُونَ} ([63] سورة الْمُنَافِقِينَ) سقط لغير أبي ذر وهي مدنية وآيها إحدى عشرة. (قوله: ({إذا}) ولأبي ذر: بسم الله الرحمن الرحيم باب أي في قوله تعالى: إذا ({جاءك المنافقون}) جواب الشرط ({قالوا نشهد إنك لرسول الله}) إلى ({لكاذبون}) [المنافقون: 1] وسقط إلى {لكاذبون} لأبي ذر، وقال بعد قوله: {لرسول الله} الآية. وقيل: الجواب محذوف، وقيل حال أي إذا جاؤوك قائلين كيت وكيت فلا تقبل منهم وقوله: {والله يعلم إنك لرسوله} جملة معترضة بين قوله: {نشهد إنك لرسول الله} وقوله: {والله يشهد} لفائدة أبداها الزمخشري في كشافه وهي أنه لو قال قالوا نشهد إنك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والله يشهد أنهم لكاذبون لكان يوهم أن قولهم هذا كذب فوسط بينهما قوله: {والله يعلم إنك لرسوله} ليميط هذا الإيهام. قال الطيبي: وهذا نوع من التتميم لطيف المسلك، وقال في المصابيح: واستدلّ بقوله تعالى: {والله يشهد أن المنافقين لكاذبون} على أن الكذب هو عدم مطابقة الخبر لاعتقاد المخبر ولو كان خطأ فإنه تعالى جعلهم كاذبين في قولهم: إنك لرسول الله لعدم مطابقته لاعتقادهم، وإن كان مطابقًا للواقع وردّ هذا الاستدلال بأن المعنى لكاذبون في الشهادة وفي ادّعائهم المواطأة، فالتكذيب راجع إلى الشهادة باعتبار تضمنها خبرًا كاذبًا غير مطابق للواقع وهو أن هذه الشهادة من صميم القلب وخلوص الاعتقاد بشهادة أن والجملة الاسمية؛ وبأن المعنى أنهم لكاذبون في تسمية هذا الخبر شهادة لأن الشهادة ما تكون على وفق الاعتقاد والمعنى أنهم لكاذبون في قولهم إنك لرسول الله، لكن لا في الواقع بل في زعمهم الفاسد واعتقادهم الباطل لأنهم يعتقدون أنه غير مطابق للواقع فيكون كذبًا باعتبار اعتقادهم وإن كان صدقًا في نفس الأمر فكأنه قيل إنهم يزعمون أنهم لكاذبون في هذا الخبر الصادق وحينئذ لا يكون الكذب إلا بمعنى عدم المطابقة للواقع اهـ. 4900 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: كُنْتُ فِي غَزَاةٍ فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ يَقُولُ: لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ، وَلَوْ رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِهِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي أَوْ لِعُمَرَ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَعَانِي فَحَدَّثْتُهُ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ، فَحَلَفُوا مَا قَالُوا فَكَذَّبَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَدَّقَهُ فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ فَجَلَسْتُ فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ لِي عَمِّي: مَا أَرَدْتَ إِلَى أَنْ كَذَّبَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَقَتَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} فَبَعَثَ إِلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ يَا زَيْدُ». [الحديث 4900 - أطرافه في: 4901، 4902، 4903، 4904]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني بضم الغين المعجمة والدال المهملة المخففة قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن زيد بن أرقم) أنه (قال: كنت في غزاة) هي غزوة تبوك كما عند النسائي وعند أهل المغازي أنها غزوة بني المصطلق ورجحه ابن كثير بأن عبد الله بن أبي لم يكن ممن خرج في غزوة تبوك بل رجع بطائفة من الجيش لكن أيد في الفتح القول بأنها غزوة تبوك بقوله في رواية زهير الآتية إن شاء الله تعالى في سفر أصاب الناس فيه شدة (فسمعت عبد الله بن أُبيّ) هو ابن سلول رأس النفاق (يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله) من المهاجرين (حتى ينفضوا) يتفرقوا (من حوله) وسمعته يقول (ولو) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ولئن (رجعنا من عنده) ولأبي ذر إلى المدينة من عنده (ليخرجن الأعز) يريد نفسه (منها الأذل) يريد الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه قال زيد بن أرقم: (فذكرت ذلك) الذي قاله عبد الله بن أبي (لعمي) هو سعد بن عبادة كما عند الطبراني وابن مردويه وليس هو عمه حقيقة وإنما هو سيد قومه الخزرج (أو لعمر) بن الخطاب بالشك، وعند الترمذي كسائر الروايات الآتية عمي بدون شك (فذكره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدعاني) عليه الصلاة والسلام (فحدّثته) بذلك (فأرسل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى عبد الله بن أبي وأصحابه) فسألهم عن ذلك (فحلفوا ما قالوا) ذلك (فكذبني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)

2 - باب {اتخذوا أيمانهم جنة} يجتنون بها

بتشديد الذال المعجمة (وصدقه) بتشديد المهملة أي صدق عبد الله بن أبي (فأصابني همّ لم يصبني مثله قط) في الزمن الماضي (فجلست في البيت فقال لي عمي: ما أردت إلى أن كذّبك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتشديد المعجمة في الفرع وقف تنكز ما أردت إلا بتشديد اللام وفي فرع غيره كثير إلى الجارة وهو الذي في اليونينية (ومقتك) وعند النسائي: ولامني قومي (فأنزل الله تعالى: {إذا جاءك المنافقون}) وعند النسائي فنزلت: {الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا} حتى بلغ: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} [المنافقون: 7، 8] (فبعث إليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرأ) ما أنزل الله عليه من ذلك (فقال: إن الله قد صدقك يا زيد). وهذا الحديث أخرجه مسلم في التوبة والترمذي في التفسير وكذا النسائي. 2 - باب {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} يَجْتَنُّونَ بِهَا هذا (باب) بالتنوين أي في قوله عز وجل: ({اتخذوا أيمانهم}) حلفهم الكاذب ({جنة}) [المنافقون: 2] يستترون (بها) عن أموالهم ودمائهم وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4901 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَمِّي، فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ يَقُولُ: لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا. وَقَالَ أَيْضًا: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي، فَذَكَرَ عَمِّي لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا مَا قَالُوا: فَصَدَّقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَذَّبَنِي، فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ فَجَلَسْتُ فِي بَيْتِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} -إِلَى قَوْلِهِ- {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} -إِلَى قَوْلِهِ- {لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون: 7، 8] فَأَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَهَا عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ». وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن زيد بن أرقم

3 - باب قوله: {ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون}

-رضي الله عنه-) أنه قال: (كنت مع عمي) سعد بن عبادة أو عبد الله بن رواحة لأنه كان في حجره قاله الكرماني (فسمعت عبد الله بن أبي) بالتنوين (ابن سلول) بنصب ابن صفة لعبد الله وسلول اسم أمه غير منصرف والألف ثابتة في ابن (يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا) من حوله (وقال) عبد الله بن أبي (أيضًا: لئن رجعنا) وسقط لفظ أيضًا لأبي ذر (إلى المدينة ليخرجن الأعز منها) أي من المدينة (الأذل، فذكرت ذلك لعمي فذكر عمي) ذلك (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأرسل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى عبد الله بن أبي وأصحابه فحلفوا) لما حضروا وذكر لهم ذلك أنهم (ما قالوا) ذلك (فصدقهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكذّبني فأصابني همّ لم يصبني مثله) وزاد الكشميهني قط (فجلست في بيني) كئيبًا حزينًا (فأنزل الله عز وجل: {إذا جاءك المنافقون} -إلى قوله:- {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله} -إلى قوله:- {ليخرجن الأعز منها الأذل}). وقرأ الحسن: لنخرجن بالنون ونصب الأعز على المفعول والأذل على الحال أي لنخرجن الأعز ذليلًا، وضعف بأن الحال لا تكون إلا نكرة والأذل معرفة ومنهم من جوّزها والجمهور جعلوا أل مزيدة على حدّ أرسلها العراك وأدخلوا الأول فالأول (فأرسل إليَّ) بالتشديد (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرأها علي ثم قال: إن الله قد صدقك) فيما قلته. 3 - باب قَوْلِهِ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} (باب قوله): عز وجل: ({ذلك}) أي سوء عملهم ({بأنهم آمنوا}) بسبب أنهم آمنوا ظاهرًا ({ثم كفروا}) سرًّا ({فطبع}) ختم ({على قلوبهم}) بالكفر ({فهم لا يفقهون}) [المنافقون: 3] حقيقة الإيمان ولا يعرفون صحته وسقط باب قوله لغير أبي ذر. 4902 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَقَالَ أَيْضًا: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، أَخْبَرْتُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَمَنِي الأَنْصَارُ، وَحَلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ مَا قَالَ: ذَلِكَ فَرَجَعْتُ إِلَى الْمَنْزِلِ فَنِمْتُ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ: فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ». وَنَزَلَ {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنْفِقُوا} [المنافقون: 7] الآيَةَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة مصغرًا أنه (قال: سمعت محمد بن كعب القرظي) بالقاف والظاء المعجمة (قال: سمعت زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: لما قال عبد الله بن أُبيّ) رأس النفاق لأصحابه (لا تنفقوا على من عند رسول الله) من المهاجرين وكان الأنصار يواسونهم لما قدموا المدينة (وقال أيضًا: لئن رجعنا إلى المدينة) أي إلى آخر قوله المحكي في الآية (أخبرت به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد إنكار عبد الله ذلك أو أخبرته على لسان عمي (فلامني الأنصار) على ذلك (وحلف عبد الله بن أُبيّ) أنه (ما قال ذلك فرجعت إلى المنزل) مهمومًا حزينًا (فنمت فدعاني) أي فطلبني (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر فأتاني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأتيته فقال): (إن الله قد صدقك ونزل) قوله تعالى: ({هم الذين يقولون لا تنفقوا}) الآية. (وقال ابن أبي زائدة): هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة فيما وصله النسائي (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن عمرو) بفتح العين ابن مرة (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن (عن زيد) هو ابن

4 - باب {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون}

أرقم -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 4 - باب {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسِبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (باب) قوله عز وجل: ({وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم}) لحسن منظرهم كما يأتي ({وإن يقولوا تسمع لقولهم}) لفصاحتهم ({كأنهم خُشب مسنّدة}) جملة مستأنفة أو خبر مبتدأ محذوف تقديره كأنهم أو في محل نصب على الحال من الضمير في قولهم أي تسمع لما يقولونه مشبهين بأخشاب منصوبة مسندة إلى الحائط في كونهم أشباحًا خالية عن العلم والنظر ({يحسبون كل صيحة}) تصاح واقعة ({عليهم}) لما في قلوبهم من الرعب وعليهم هو المفعول الثاني للحسبان وقوله: ({هم العدوّ}) جملة مستأنفة أخبر الله عنهم بذلك ({فاحذرهم}) فلا تأمنهم على سرك لأنهم عيون لأعدائك ينقلون إليهم أسرارك ({فاتلهم الله}) أهلكهم ({أنّى يؤفكون}) [المنافقون: 4] أي كيف يصرفون عن الإيمان بعد قيام البرهان وسقط لأبي ذر قوله: كأنهم الخ وقال الآية بعد قوله لقولهم وسقط لغيره لفظ باب. 4903 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ أَصَابَ النَّاسَ فِيهِ شِدَّةٌ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ لأَصْحَابِهِ: لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ، وَقَالَ: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَسَأَلَهُ، فَاجْتَهَدَ يَمِينَهُ مَا فَعَلَ قَالُوا كَذَبَ زَيْدٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِمَّا قَالُوا شِدَّةٌ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَصْدِيقِي فِي {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} فَدَعَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ فَلَوَّوْا رُءُوسَهُمْ. وَقَوْلُهُ: {خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} قَالَ: كَانُوا رِجَالًا أَجْمَلَ شَيْءٍ. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين الحراني الجزري قال: (حدّثنا زهير بن معاوية) الجعفي الكوفي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو السبيعي (قال: سمعت زيد بن أرقم) -رضي الله عنه- (قال: خرجنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) غزوة تبوك أو بني المصطلق (أصاب الناس فيه شدّة) من قلة الزاد وغيره. قال ابن حجر: وهو يؤيد أنها غزوة تبوك (فقال عبد الله بن أُبيّ لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله) كذا في قراءة عبد الله وهو مخالف لرسم المصحف ويحتمل أن يكون من تفسير عبد الله (وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) وأخرج الحاكم في الإكليل من طريق أبي الأسود عن عروة أن هذا القول وقع من عبد الله بن أبي بعد أن قفلوا من الغزو. قال زيد: (فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته فأرسل إلى عبد الله بن أُبيّ فسأله) عن ذلك (فاجتهد يمينه) في اليونينية فاجتهد يمينه بسكون الدال أي بذل وسعه وبالغ فيها أنه (ما فعل) أي ما قال ذلك (قالوا) يعني الأنصار (كذب زيد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتخفيف المعجمة ورسول نصب على المفعولية (فوقع في نفسي مما قالوا شدة حتى أنزل الله عز وجل تصديقي في {إذا جاءك المنافقون} فدعاهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليستغفر لهم) مما قالوا (فلوّوا رؤوسهم) عطفوها إعراضًا واستكبارًا عن استغفار الرسول عليه الصلاة والسلام لهم وقوله: ({خشب}) بإسكان الشين وضمها ({مسندة} قال: كانوا رجالًا أجمل شيء). قال الحافظ ابن حجر: وهذا وقع في نفس الحديث وليس مدرجًا فقد أخرجه أبو نعيم من وجه آخر عن عمرو بن خالد شيخ المؤلّف فيه بهذه الزيادة، وكذا أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن زهير. 5 - باب قَوْلِهِ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} حَرَّكُوا اسْتَهْزَءُوا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُقْرَأُ بِالتَّخْفِيفِ مِنْ لَوَيْتُ (باب قوله: {وإذا قيل}) ولأبي ذر: باب بالتنوين وإذا قيل ({لهم تعالوا}) معتذرين ({يستغفر لكم رسول الله}) عدّ هذه النحاة من الأعمال لأن تعالوا يطلب رسول الله مجرورًا بإلى أي تعالوا إلى رسول الله ويستغفر يطلبه فاعلًا فأعمل الثاني ولذلك رفعه وحذف من الأول إذ التقدير تعالوا إليه، ولو أعمل الأول لقيل: تعالوا إلى رسول الله يستغفر لكم فيضمر في يستغفر فاعل قاله في الدر ({لوّوا رؤوسهم}) بالتشديد للتكثير ونافع بالتخفيف مناسبًا لما جاء في القرآن من مستقبله نحو: يلوون ولا ينافي التكثير هذا جواب إذا ({ورأيتهم يصدون}) يعرضون عن الاستغفار ويصدون حال لأن الرؤية بصرية ({وهم مستكبرون}) [المنافقون: 5]. حال أيضًا وأتى بيصدون مضارعًا ليدل على التجدد والاستمرار وسقط ورأيتهم الخ لأبي ذر وقال بعد قوله: {رؤوسهم} إلى قوله: {وهم مستكبرون} (حركوا) هو تفسير قوله لوّوا رؤوسهم (استهزؤوا بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويقرأ بالتخفيف) كما مرّ (من لويت) معتل العين واللام وسقط ويقرأ الخ لغير الكشميهني. 4904 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَمِّي فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ يَقُولُ: لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا، وَلَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي فَذَكَرَه لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَدَّقَهُمْ، فَدَعَانِي فَحَدَّثْتُهُ فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا مَا قَالُوا وَكَذَّبَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَصَابَنِي غَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ، فَجَلَسْتُ فِي بَيْتِي وَقَالَ عَمِّي: مَا أَرَدْتَ إِلَى أَنْ كَذَّبَكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَقَتَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}، وَأَرْسَلَ إِلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَهَا وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ». وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين مصغرًا أو محمد العبسي مولاهم الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو السبيعي (عن زيد بن أرقم) -رضي الله عنه- أنه (قال: كنت مع عمي) قيل زيادة على ما مرّ أنه ثابت بن قيس بن زيد وهو أخو أرقم بن زيد أو أراد عمه زوج أمه ابن رواحة وكانوا في غزاة بني المصطلق أو تبوك، وعورض بأن المسلمين كانوا بتبوك أعزّاء والمنافقين أذلة وبأن ابن أبي لم يشهدها إنما كان في الخوالف كما مرّ والإعادة لمزيد الإفادة. (فسمعت عبد الله بن أُبي ابن سلول يقول): أي لأصحابه (لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ فذكرت ذلك لعمي فذكره عمي للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصدقهم) أي صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام ابن أُبيّ وأصحابه لما حلفوا على عدم صدور المقالة المذكورة ولأبوي ذر والوقت (فدعاني) رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فحدّثته) بما قال ابن أُبيّ (فأرسل إلى عبد الله بن أبيّ وأصحابه) فسألهم (فحلفوا ما قالوا) ذلك (وكذّبني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأصابني همّ لم يصبني مثله قط فجلست في بيتي، وقال عمي: ما أردت إلى أن كذبك النبي) وفي نسخة رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومقتك فأنزل الله تعالى): وفي نسخة عز وجل ({إذا جاءك المنانقون قالوا نشهد إنك لرسول الله} وأرسل) ولأبي ذر: فأرسل بالفاء بدل الواو (إليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرأها وقال: إن الله قد صدقك). قيل: وليس في الحديث ما ترجم به. وأجيب: بأن عادة المؤلّف أن يشير إلى أصل الحديث، وفي مرسل الحسن فقال قوم لعبد الله بن أُبيّ: فلو أتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستغفر لك فجعل يلوي رأسه فنزلت. 6 - باب قَوْلِهِ: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} هذا (باب) بالتنوين (قوله) تعالى: ({سواء عليهم أستغفرت لهم}) يا محمد وهمزة أستغفرت مفتوحة من غير مدّ في قراءة الجمهور وهي همزة التسوية التي أصلها للاستفهام ({أم لم تستغفر لهم لمن يغفر الله لهم}) لرسوخهم في الكفر ({إن الله لا يهدي القوم الفاسقين}) [المنافقون: 6]. وسقط لأبي ذر: أم لم تستغفر لهم الخ وقال بعد قوله: أستغفرت لهم الآية، وسقط لغيره لفظ باب. 4905 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً فِي جَيْشٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِىُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَا بَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ». فَسَمِعَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقَالَ: فَعَلُوهَا أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ فَبَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «دَعْهُ لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ». وَكَانَتِ الأَنْصَارُ أَكْثَرَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ ثُمَّ إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَثُرُوا بَعْدُ، قَالَ سُفْيَانُ: فَحَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرًا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (

7 - باب قوله: {هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ويتفرقوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون}

بالجزم (عنق هذا المنافق) ابن أُبيّ (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دعه) اتركه (لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه) أدخله معهم اعتبارًا بظاهر أمره ويتحدّث رفع على الاستثناف والكسر على جواب الأمر، وزاد ابن إسحاق فقال: مر به عبادة بن بشر بن وقش فليقتلنه فقال: لا ولكن أذن بالرحيل فراح في ساعة ما كان يرحل فيها فلقيه أسيد بن حضير فسأله عن ذلك فأخبره فقال: فأنت يا رسول الله الأعز وهو الأذل. قال: وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ ما كان من أمر أبيه فأتى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: بلغني أنك تريد قتل أبي فيما بلغك عنه فإن كنت فاعلًا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه فقال: بل نرفق به ونحسن صحبته. (وكانت الأنصار أكثر من المهاجرين حين قدموا المدينة ثم إن المهاجرين كثروا بعد) أي بعد هذه القصة لما انضاف إليهم من مسلمة الفتح وغيرهم وهو يؤيد أن القصة لم تكن بتبوك لأن المهاجرين كثروا بها جدًّا. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب وكذا مسلم وأخرجه الترمذي في التفسير والنسائي في السير والتفسير. (قال سفيان) بن عيينة (فحفظته) أي الحديث ولأبي ذر تحفظته بفوقية مفتوحة بدل الفاء وتشديد الفاء مفتوحة (من عمرو) هو ابن دينار (قال عمرو: سمعت جابرًا كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد أبو ذر عن الكشميهني الكسع أن تضرب بيدك على شيء أو برجلك ويكون أيضًا إذا رميته بشيء يسوءه. 7 - باب قَوْلِهِ: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَيَتَفَرَّقُوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ} هذا (باب) بالتنوين (قوله: {هم الذين}) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله عز وجل: {هم الذين} ({يقولون}) للأنصار ({لا تنفقوا على من عند رسول الله}) من فقراء المهاجرين ({حتى ينفضوا ويتفرقوا}) هو تفسير ينفضوا. ({ولله خزائن السماوات والأرض}) بيده الأرزاق والقسم فهو يرزق رسوله ومن عنده ({ولكن المنافقين لا يفقهون}) [المنافقون: 7] ذلك لجهلهم بالله، فإن قلت: فلِمَ قال هنا لا يفقهون وقال في الآية اللاحقة لا يعلمون؟ أجيب: بأن إثبات الفقه لنسان أبلغ من إثبات العلم له فنفي العلم أبلغ من نفي الفقه فآثر ما هو أبلغ لما هو أدعى له، وسقط لفظ قوله: ويتفرقوا إلى آخره لأبي ذر وقال بعد قوله: حتى ينفضوا الآية. 4906 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: حَزِنْتُ عَلَى مَنْ أُصِيبَ بِالْحَرَّةِ، فَكَتَبَ إِلَيَّ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَبَلَغَهُ شِدَّةُ حُزْنِي يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَلأَبْنَاءِ الأَنْصَارِ»، وَشَكَّ ابْنُ الْفَضْلِ فِي أَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ فَسَأَلَ أَنَسًا بَعْضُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَقَالَ: هُوَ الَّذِي يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَذَا الَّذِي أَوْفَى اللَّهُ لَهُ بِأُذُنِهِ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي ابن أخت إمام الأئمة مالك (قال: حدّثني) بالإفراد (إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن) عنه (موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عبد الله بن الفضل) بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المدني (أنه سمع أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول: حزنت) بكسر الزاي (على من أصيب) بالقتل (بالحرة) بفتح الحاء والراء المشددة المهملتين عند الوقعة بها سنة ثلاث وستين لما خلع أهل المدينة بيعة يزيد بن معاوية فأرسل يزيد جيشًا كثيرًا فاستباحوا المدينة وقتل من الأنصار خلق كثير جدًّا وكان أنس يومئذ بالبصرة فبلغه ذلك فحزن على من أصيب من الأنصار. قال أنس: (فكتب إليّ زيد بن أرقم و) الحال أنه (بلغه شدّة حزني) على من أصيب من الأنصار (يذكر أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار وشك ابن الفضل) عبد الله (في أبناء أبناء الأنصار) هل ذكرهم أم لا وهو ثابت عند مسلم من غير شك (فسأل أنسًا بعض من كان عنده) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف السائل ويحتمل أن يكون النضر بن أنس فإنه روى حديث الباب عن زيد بن أرقم (فقال هو) أي زيد بن أرقم (الذي يقول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيه (هذا الذي أوفى الله) أي صدق (له بإذنه)؟. قال الكرماني: كأنه جعل إذنه في السماع كالضامنة بتصديق ما سمعت فلما نزل القرآن به صارت كأنها وافية بضمانها وزاد في النهاية خارجة عن التهمة فيما أدّته إلى اللسان في مرسل الحسن أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذ بإذنه فقال وفي الله بإذنك يا غلام وإن عليه الصلاة والسلام لما حلف له ابن أُبي قال لابن أرقم لعله أخطأ سمعك، وللكشميهني بأذنه بفتح الهمزة والذال أي أظهر صدقه فيما

8 - باب {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}

أخبر. وهذا الحديث من أفراد البخاري. 8 - باب {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة}) [المنافقين: 8] الغلبة والقوة ({ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون}) من فرط جهلهم وغرورهم أنه تعالى معزٌّ أوليائه بطاعتهم له ومذلّ أعدائه لمخالفتهم أمره وسقط لأبي ذر ما بعد قوله الأذل ولغيره باب. 4907 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمَّعَهَا اللَّهُ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا هَذَا»؟ فَقَالُوا: كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ، يَا لَلأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ». قَالَ جَابِرٌ: وَكَانَتِ الأَنْصَارُ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكْثَرَ ثُمَّ كَثُرَ الْمُهَاجِرُونَ بَعْدُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَوَقَدْ فَعَلُوا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «دَعْهُ لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ». وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حفظناه) أي الحديث (من عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يقول: كنا في غزاة) سبق أنها غزوة بني المصطلق (فكسع) بالعين والسين المهملتين (رجل من المهاجرين) يسمى جهجاهًا الغفاري (رجلًا من الأنصار) يسمى سنانًا الجهني أي ضرب بيده على دبره (فقال الأنصاري: يا للأنصار) أغيثوني (وقال المهاجري: يا للمهاجرين) أغيثوني (فسمعها الله) بتشديد الميم (رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ما هذا؟ فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار فقال الأنصاري: يا للأنصار) مستغيثًا بهم (وقال المهاجري: يا للمهاجرين) مستغيثًا بهم (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دعوها) أي كلمة الاستغاثة (فإنها منتنة) بضم الميم خبيثة. (قال جابر) بالسند السابق (وكانت الأنصار حين قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكثر) من المهاجرين (ثم كثر المهاجرون بعد) أي بعد هذه القصة (فقال عبد الله بن أُبيّ: أوَقد فعلوا) الأثرة (والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) وفي الترمذي فقال غير عمرو فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله بن أُبيّ والله لا تنقلب أي إلى المدينة حتى تقول: إنك أنت الذليل ورسول الله العزيز ففعل (فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-) بعد أن بلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك (دعني يا رسول الله أضرب) بالجزم (عنق هذا المنافق) ابن أُبيّ (قال) ولأبي ذر فقال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دعه لا يتحدث الناس أن محمدًا) زاد في نسخة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي ثابتة في اليونينية (يقتل أصحابه). فإن قلت: الصحابي لا بدّ أن يكون مسلمًا والإسلام والنفاق لا يجتمعان، وهذا كان رأس المنافقين فكيف أدخله في الأصحاب؟ أجيب: أدخله فيهم باعتبار الظاهر لنطقه بالشهادتين، وفي قتله تنفير غيره عن الإسلام والتزام مفسدة لدفع أعظم المفسدين جائز. [64] سورة التَّغَابُنِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ عَلْقَمَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}: هُوَ الَّذِي إِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ رَضِىَ وَعَرَفَ أَنَّهَا مِنَ اللَّهِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: التَّغَابُنُ غَبْنُ أَهْلِ الجَنَّةِ أَهْلِ النَّارِ. {إِنِ ارْتَبْتُمْ}: إِنْ لَمْ تَعْلَمُوا أَتَحِيضُ أَمْ لاَ تَحِيضُ. {فَاللاَّتِي قَعَدْنَ عَنِ المَحِيضِ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ بَعْدُ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ}. ([64] سورة التَّغَابُنِ) قيل: مكية، وقيل مدنية وآيها ثمان عشرة ولأبي ذر زيادة والطلاق. (بسم الله الرحمن الرحيم) وسقطت البسملة لغير أبي ذر. (وقال علقمة) بن قيس فيما وصله عبد الرزاق (عن عبد الله) بن مسعود في قوله تعالى: ({ومن يؤمن بالله يهد قلبه}) [التغابن: 11] مجزوم بالشرط (هو الذي إذا أصابته مصيبة رضي بها وعرف أنها من الله) عز وجل فيسلم لقضائه وعن محيي السُّنّة فيما ذكره في فتوح الغيب يهد قلبه يوفقه لليقين حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه فيسلم لقضائه. (وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي (التغابن) هو (غبن أهل الجنة أهل النار) لنزول أهل الجنة منازل أهل النار لو كانوا سعداء، وبالعكس مستعار من تغابن التجار كذا قرره القاضي كالكشاف، لكن قال في فتوح الغيب لا يستقيم باعتبار الأشقياء لأنهم لا يغبنون لسعداء بنزولهم في منازلهم من النار إلا بالاستعارة التهكمية، ولذا قال في الكشاف: وفيه تهكم بالأشقياء لأن نزولهم ليس بغبن، وجعل الواحدي التغابن من طرف واحد للمبالغة حيث قال يوم التغابن يغبن فيه أهل الحق أهل الباطل وأهل الإيمان أهل الكفر ولا غبن أبين من هذا هؤلاء يدخلون الجنة وهؤلاء يدخلون النار وأحسن منهما ما ذكره محيي السُّنَّة قال: هو تفاعل من الغبن وهو فوت الحظ والمراد فالمغبون من غبن في أهله ومنازله في الجنة فظهر يومئذٍ غبن كل كافر بترك الإيمان وغبن

[65] سورة الطلاق

كل مؤمن بتقصيره في الإحسان. ({إن ارتبتم}) أي (إن لم تعلموا أتحيض أم لا تحيض {فاللائي قعدن عن المحيض}) يئسن منه لكبرهن ({واللائي لم يحضن بعد}) كذا قال مجاهد فيما وصله الفريابي ولابن المنذر عنه التي كبرت ولم تبلغ ({فعدتهن ثلاثة أشهر}) [الطلاق: 4] في غير المتوفى عنها زوجها أما هي فعدتها ما في يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا وسقط قوله التغابن الخ لغير الحموي. [65] سورة الطَّلاَقِ 1 - باب {وَبَالَ أَمْرِهَا}: جَزَاءَ أَمْرِهَا ([65] سورة الطَّلاَقِ) مدنية وآيها اثنتا عشرة وسقطت لأبي ذر. (باب {وبال أمرها}) [الطلاق: 9] أي (جزاء أمرها) قاله مجاهد فيما وصله عبد بن حميد. 4908 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: «لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ». [الحديث 4908 - أطرافه في: 5251، 5252، 5253، 5258، 5264، 5332، 5333، 7160]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري بالميم قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (قال أخبرني) بالإفراد (سالم أن) أباه (عبد الله بن عمر) ابن الخطاب (-رضي الله عنهما- أخبره أنه طلق امرأته) آمنة بنت غفار بغين معجمة ففاء كما ضبطه ابن نقطة فيما أفاده في مقدمة فتح الباري وإن تسميتها بذلك في الجزء التاسع من حديث قتيبة جمع سعيد العيار، وللكشميهني طلق امرأة له (وهي حائض فذكر عمر لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه طلقها وهي حائض (فتغيظ) أي غضب (فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأن الطلاق في الحيض بدعة (ثم قال ليراجعها) إلى عصمته (ثم يمسكها حتى تطهر) من حيضها (ثم تحيض فتطهر) بالنصب فيهما عطفًا على السابق (فإن بدا) ظهر (له أن يطلقها فليطلقها) حال كونها (طاهرًا قبل أن يمسها) يجامعها (فتلك العدة كما أمره الله) ولأبي ذر كما أمر الله عز وجل أي في قوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1] وطلاق البدعة حرام والمعنى فيه تضرر المطلقة بطول مدة التربص لأن زمن الحيض لا يحسب من العدة ومثله النفاس ولآدائه فيما بقي إلى الندم عند ظهور الحمل فإن الإنسان قد يطلق الحائل دون الحامل وعند الندم قد لا يمكنه التدارك فيتضرر هو والولد وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الطلاق والأحكام وأخرجه أصحاب السُّنن في الطلاق. 2 - باب {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ وَاحِدُهَا ذَاتُ حَمْلٍ هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وأولات الأحمال أجلهن}) أي انقضاء عدتهن مطلقات أو متوفي عنهن أزواجهن ({أن يضعن حملهن ومن يتق الله}) في أحكامه فيراعي حقوقها ({يجعل له من أمره يسرًا}) [الطلاق: 4] في الدنيا والأخرى (وأولات الأحمال: واحدها) وفي نسخة واحدتها (ذات حمل) قاله أبو عبيدة وسقط باب لغير أبي ذر وثبت وأولات الأحمال الخ للكشميهني. 4909 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ عِنْدَهُ فَقَالَ: أَفْتِنِي فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ بَعْدَ زَوْجِهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرُ الأَجَلَيْنِ قُلْتُ أَنَا: {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي، يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ، فَأَرْسَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ غُلاَمَهُ كُرَيْبًا إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ يَسْأَلُهَا، فَقَالَتْ: قُتِلَ زَوْجُ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةِ وَهْيَ حُبْلَى، فَوَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَخُطِبَتْ فَأَنْكَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ أَبُو السَّنَابِلِ فِيمَنْ خَطَبَهَا. [الحديث 4909 - أطرافه في: 5318]. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن حفص) بسكون العين الطلحي الكوفي قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير صالح البصري سكن اليمامة أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال: جاء رجل) قال ابن حجر لم أقف على اسمه (إلى ابن عباس) -رضي الله عنهما- (وأبو هريرة) -رضي الله عنه- والواو للحال (جالس عنده فقال أفتني) بقطع الهمزة (في امرأة ولدت بعد) وفاة (زوجها بأربعين ليلة) هل انقضت عدتها بولادتها أم لا (فقال ابن عباس آخر الأجلين) عدّتها ولأبي ذر آخر بالنصب أي تتربص آخر الأجلين أربعة أشهر وعشرًا وإن ولدت قبلها فإن مضت ولم تلد تتربص حتى تلد قال أبو سلمة (قلت أنا) قال: الله تعالى: ({وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}) [الطلاق: 4] زاد الإسماعيلي فقال ابن عباس إنما ذاك في الطلاق (قال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي يعني أبا سلمة) قاله على عادة العرب وإلا فليس هو ابن أخيه حقيقة (فأرسل ابن عباس غلامه كريبًا) نصب عطف بيان (إلى أم سلمة) -رضي الله عنها- (يسألها) عن ذلك (فقالت قتل زوج سبيعة) بنت الحارث (الأسلمية) بضم السين المهملة وفتح الموحدة وبعد التحتية الساكنة مهملة سعد بن خولة شهد بدرًا والمشهور أنه مات (وهي حبلى فوضعت بعد موته بأربعين ليلة فخطبت) بضم الخاء المعجمة

مبنيًّا للمفعول (فأنكحها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان أبو السنابل فيمن خطبها) بفتح السين المهملة وبعد النون ألف فموحدة غلام ابن بعكك بموحدة بوزن جعفر وبعكك هو ابن الحارث بن عميلة بفتح العين القرشي قيل اسمه عمرو، وقيل غير ذلك أسلم يوم الفتح وكان من المؤلّفة وكان شاعرًا وبقي زمنًا بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما جزم به ابن سعد، لكن نقل الترمذي عن البخاري أنه قال: لا نعلم أن أبا السنابل عاش بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذا قال: وعند ابن عبد البر أن أبا السنابل تزوّج سبيعة بعد ذلك وأولدها سنابل بن أبي السنابل ووقع في الموطأ فخطبها رجلان أحدهما شاب وكهل فخطبت إلى الشاب فقال الكهل لم تحلي، وأفاد محمد بن وضاح فيما حكاه ابن بشكوال وغيره أن اسم الشاب الذي خطبها هو وأبو السنابل فآثرته على أبي السنابل أبو البشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن الحارث. وتأتي بقية مباحث هذا الحديث إن شاء الله تعالى في العدد في باب: {وأولات الأحمال أجلهن} وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي في الطلاق وقال المؤلّف بالسند إليه. 4910 - وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ: وَأَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَكَانَ أَصْحَابُهُ يُعَظِّمُونَهُ فَذَكَرَ آخِرَ الأَجَلَيْنِ، فَحَدَّثْتُ بِحَدِيثِ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، قَالَ: فَضَمَّزَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِهِ، قَالَ مُحَمَّدٌ فَفَطِنْتُ لَهُ فَقُلْتُ إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ، إِنْ كَذَبْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَهْوَ فِي نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ فَاسْتَحْيَا وَقَالَ: لَكِنَّ عَمَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَاكَ، فَلَقِيتُ أَبَا عَطِيَّةَ مَالِكَ بْنَ عَامِرٍ فَسَأَلْتُهُ فَذَهَبَ يُحَدِّثُنِي حَدِيثَ سُبَيْعَةَ، فَقُلْتُ هَلْ سَمِعْتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِيهَا شَيْئًا؟ فَقَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ وَلاَ تَجْعَلُونَ عَلَيْهَا الرُّخْصَةَ؟ لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. (وقال سليمان بن حرب) الواشحي (وأبو النعمان) محمد بن الفضل عارم شيخًا المؤلّف مما وصله الطبراني في الكبير قالا (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الجهضمي (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين أنه (قال: كنت في حلقة) بسكون اللام وقد تفتح (فيها عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري المدني ثم الكوفي (وكان أصحابه يعظمونه فذكر) ولأبي ذر فذكروا أي أصحابه (آخر الأجلين) أي أقصاهما للمتوفى عنها زوجها في العدة (فحدّثت بحديث سبيعة بنت الحارث) الأسلمية (عن عبد الله بن عتبة) بن مسعود قال الحافظ ابن حجر وساق الإسماعيلي من وجه آخر عن حماد بن زيد بهذا الإسناد قصة سبيعة بتمامها (قال) ابن سيرين (فضمر لي بعض أصحابه) بتشديد الميم آخره زاي معجمة ولأبي ذر فضمر بتخفيف الميم قال ومعناه عض له شفته غمزًا وقال عياض للقابسي فضمرني بالراء مع التخفيف ولأبي الهيثم فضمزني بنون وتحتية ساكنة بعد الزاي مخففًا وللأصيلي فضمن بنون بعد التشديد وللباقين فضمن بكسر الميم مخففة قال وهذا كله غير مفهوم المعنى وأشبهها رواية أبي الهيثم بالزاي لكن مع تشديد الميم وزيادة نون بعدها ياء أي أسكتني يقال ضمز سكت وضمز غيره ولابن السكن فغمض لي فإن صحّت فمعناها من تغميض عينيه له على المسكوت. (قال محمد) هو ابن سيرين: (ففطنت له) بكسر الطاء وتفتح أي لإنكاره (فقلت إني إذًا لجريء إن كذبت على عبد الله بن عتبة وهو في ناحية الكوفة فاستحيا) مما صدر من الإشارة إلى الإنكار عليّ (وقال) ابن أبي ليلى: (لكن عمه) يعني ابن مسعود ولأبي ذر لكن عمه بتخفيف النون (لم يقل ذاك) قال ابن سيرين (فلقيت) بكسر القاف (أبا عطية مالك بن عامر) الهمداني الكوفي التابعي (فسألته) عن ذلك تثبيتًا (فذهب) مالك (يحدّثني حديث سبيعة) مثل ما حدّث به عبد الله بن عتبة عنها ولأبي ذر بحديث سبيعة (فقلت) له أي ليستخرج ما عنده في ذلك عن ابن مسعود لما وقع من التوقف فيما أخبر به ابن أبي ليلى عنه (هل سمعت عن عبد الله) بن مسعود (فيها شيئًا؟ فقال: كنا عند عبد الله) بن مسعود (فقال أتجعلون عليها التغليظ) أي طول العدة بالحمل إذا زادت مدته على مدة الأشهر (ولا تجعلون عليها الرخصة) إذا وضعت لأقل من أربعة أشهر وعشر (لنزلت) أي والله لنزلت فهو جواب قسم محذوف (سورة النساء القصرى) سورة الطلاق (بعد الطولى) البقرة ({وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن}) [الطلاق: 4] بعد قوله: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} [البقرة: 234] وهو عام في كل مَن مات عنها زوجها يشمل الحامل وغيرها وآية سورة الطلاق شاملة للمطلقة والمتوفى عنها زوجها لكن حديث سبيعة نص بأنها تحلّ بوضع الحمل فكان فيها بيان المراد بقوله: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} أنه

[66] سورة التحريم

حق من لم تضع وإلى ذلك أشار ابن مسعود بقوله إن آية الطلاق نزلت بعد آية البقرة وليس مراده أنها ناسخة لها بل مراده أنها مخصصة لها فإنها أخرجت منها بعض متناولاتها. [66] سورة التَّحْرِيمِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). ([66] سورة التَّحْرِيمِ) مدنية وآيها اثنتا عشرة ولأبي ذر سورة {لِمَ تحرِّم}. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر. 1 - باب {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (باب) وهو ساقط لغير الكشميهني ({يا أيها النبي لم تحرّم ما أحل الله لك}) [التحريم: 1] من شرب العسل أو مارية القبطية. قال ابن كثير والصحيح أنه كان في تحريمه العسل، وقال الخطابي: الأكثر على أن الآية نزلت في تحريم مارية حين حرمها على نفسه، ورجحه في فتح الباري بأحاديث عند سعيد بن منصور والضياء في المختارة والطبراني في عِشْرَة النساء وابن مردويه والنسائي، ولفظه عن ثابت عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت له أمة يطؤها فلم تزل به حفصة وعائشة -رضي الله عنهما- حتى حرمها فأنزل الله تعالى: ({يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك}) حال من فاعل تحرم أي لم تحرم مبتغيًا به مرضاة أزواجك أو تفسير لتحريم أو مستأنف فهو جواب للسؤال ومرضاة اسم مصدر وهو الرضا ({والله غفور رحيم}). قال في فتوح الغيب: أردفه بقوله غفور رحيم جبرانًا له ولولا الإرداف به لما قام بصولة ذلك الخطاب على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما ارتكب عظيمة بل كان ذلك من باب ترك الأولى والامتناع من المباح وإنما شدد ذلك رفعًا لمحله وربا لمنزلته ألا ترى كيف صدر الخطاب بذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقرن بياء البعيد وها التنبيه أي تنبيه لجلالة شأنك فلا تبتغ مرضاة أزواجك فيما أبيح لك، وسقط لأبي ذر تبتغي الخ وقال بعد: {أحل الله لك} الآية. 4911 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنِ ابْنِ حَكِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: فِي الْحَرَامِ يُكَفِّرُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الحديث 4911 - أطرافه في: 5266]. ْوبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة الزهراني قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير بالمثلثة (عن ابن حكيم) بفتح الحاء المهملة وكسر الكاف ولأبي ذر هو يعلى بن حكيم الثقفي البصري (عن سعيد بن جبير أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في الحرام) إذا قال هذا عليّ حرام أو أنت عليّ حرام (يكفِّر) بكسر الفاء كفارة يمين وعند الشافعي إن نوى طلاقًا أو ظهارًا وقع المنوي لأن كلاًّ منهما يقتضي التحريم فجاز أن يكنى عنه بالحرام أو نواهما معًا أو مرتبًا تخير وثبت ما اختاره منهما ولا يثبتان جميعًا لأن الطلاق يزيل النكاح والظهار يستدعي بقاءه وإن نوى تحريم عينها أو نحوها كوطئها أو فرجها أو رأسها أو لم ينوِ شيئًا فلا تحرم عليه لأن الأعيان وما ألحق بها لا توصف بذلك وعليه كفارة يمين، وكذا إذا قال لأمته ذلك فإنها تحرم عليه وعليه كفارة يمين أخذًا من آية الباب. (وقال ابن عباس: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}) [الأحزاب: 21] في كفارة اليمين. 4912 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، وَيَمْكُثُ عِنْدَهَا فَوَاطَأْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ عَنْ أَيَّتُنَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ لَهُ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ قَالَ: «لاَ، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ فَلَنْ أَعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلَفْتُ لاَ تُخْبِرِي بِذَلِكِ أَحَدًا». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) الصنعاني أبو عبد الرحمن القاضي (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن عبيد بن عمير) بضم العين فيهما مصغرين الليثي (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يشرب عسلًا عند) أم المؤمنين (زينب بنت جحش) ولأبي ذر بنت جحش (ويمكث عندها فواطأت) بهمزة ساكنة في الفرع. وقال العيني: هكذا في جميع النسخ أي بترك الهمزة وأصله فواطأت بالهمزة، وقال في المصابيح لامه همزة إلا أنها أبدلت هنا ياء على غير قياس ولأبي ذر فتواطأت بزيادة فوقية قبل الواو مع الهمزة أيضًا مصححًا عليه في الفرع أي توافقت (أنا وحفصة) أم المؤمنين بنت عمر (عن) ولابن عساكر والأصيلي على (أيتنا) أي أيّ زوجة منا (دخل عليها) عليه الصلاة والسلام (فلتقل له أكلت مغافير) استفهام محذوف الأداة ومغافير بفتح الميم والمعجمة وبعد الألف فاء جمع مغفور بضم الميم وليس في كلامهم مفعول بالضم إلا قليلًا

2 - باب قوله: {تبتغي مرضاة أزواجك قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم}

والمغفور صمغ حلو له رائحة كريهة ينضحه شجر يسمى العرفط بعين مهملة وفاء مضمومتين بينهما راء ساكنة آخره طاء مهملة وزاد في الطلاق من طريق حجاج عن ابن جريج فدخل على إحداهما فقالت له: (إني أجد منك ريح مغافير قال) عليه الصلاة والسلام: (لا) ما أكلت مغافير وكان يكره الرائحة الكريهة (ولكني كنت أشرب عسلًا عند زينب ابنة جحش) ولأبي ذر بنت جحش (فلن أعود له وقد حلفت) على عدم شربه (لا تخبر بذلك أحدًا) وقد اختلف في التي شرب عندها العسل ففي طريق عبيد بن عمير السابقة أنه كان عند زينب وعند المؤلّف من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في الطلاق أنها حفصة بنت عمر ولفظه قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب العسل والحلواء وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس فغرت فسألت عن ذلك فقيل لي أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل فسقت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها شربة فقلت أما والله لنحتالن له فقلت لسودة بنت زمعة إنه سيدنو منك فإذا دنا منك فقولي له ما هذه الريح التي أجد منك؟ الحديث، وفيه: وقولي أنت يا صفية ذاك وعند ابن مردويه من طريق ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن شربه كان عند سودة وأن عائشة وحفصة هما اللتان تظاهرتا على وفق ما في رواية عبيد بن عمير وإن اختلفا في صاحبة العسل فيحمل على التعدّد أو رواية ابن عمير أثبت لموافقة ابن عباس لها على أن المتظاهرين حفصة وعائشة، فلو كانت حفصة صاحبة العسل لم تقرن في المظاهرة بعائشة. وفي كتاب الهبة عن عائشة أن نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كنَّ حزبين أنا وسودة وحفصة وصفية في حزب، وزينب بنت جحش وأم سلمة والباقيات في حزب، وهذا يرجح أن زينب هي صاحبة العسل، ولذا غارت عائشة منها لكونها من غير حزبها ويأتي مزيد بحث لفوائد هذا الحديث إن شاء الله تعالى في الطلاق بعون الله. وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الطلاق والأيمان والنذور ومسلم في الطلاق وأبو داود في الأشربة والنسائي في الأيمان والنذور وعشرة النساء والطلاق والتفسير. 2 - باب قَوْلِهِ: {تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ} هذا (باب) بالتنوين أي في (قوله) جل وعلا: ({تبتغي مرضاة أزواجك}) أي رضاهن ({قد فرض الله لكم}) أي شرع لكم ({تحلة أيمانكم}) تحليلها بالكفارة وقد كفر عليه الصلاة والسلام قال مقاتل أعتق رقبة في تحريم مارية وقال الحسن لم يكفر لأنه مغفور له ({والله مولاكم}) متولي أمركم ({وهو العليم}) بما يصلحكم ({الحكيم}) [التحريم: 2] المتقن في أفعاله وأحكامه وسقط لغير أبي ذر لفظ باب وقوله {والله مولاكم} الخ. 4913 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يُحَدِّثُ أَنَّهُ قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، عَدَلَ إِلَى الأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ، قَالَ فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ، ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَقَالَ: تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ، قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا مُنْذُ سَنَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ هَيْبَةً لَكَ، قَالَ: فَلاَ تَفْعَلْ مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدِي مِنْ عِلْمٍ فَاسْأَلْنِي فَإِنْ كَانَ لِي عِلْمٌ خَبَّرْتُكَ بِهِ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ إِنْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِي أَمْرٍ أَتَأَمَّرُهُ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتِي لَوْ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: مَالَكِ وَلِمَا هَا هُنَا، فِيمَا تَكَلُّفُكِ فِي أَمْرٍ أُرِيدُهُ فَقَالَتْ لِي: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ وَإِنَّ ابْنَتَكَ لَتُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ. فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ مَكَانَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَقَالَ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ إِنَّكِ لَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ؟ فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَاللَّهِ إِنَّا لَنُرَاجِعُهُ. فَقُلْتُ: تَعْلَمِينَ أَنِّي أُحَذِّرُكِ عُقُوبَةَ اللَّهِ وَغَضَبَ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. يَا بُنَيَّةُ لاَ يَغُرَّنَّكِ هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا حُبُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِيَّاهَا يُرِيدُ عَائِشَةَ قَالَ: ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ لِقَرَابَتِي مِنْهَا، فَكَلَّمْتُهَا فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ دَخَلْتَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَبْتَغِي أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَزْوَاجِهِ فَأَخَذَتْنِي وَاللَّهِ أَخْذًا كَسَرَتْنِي عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُ أَجِدُ. فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهَا وَكَانَ لِي صَاحِبٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِذَا غِبْتُ أَتَانِي بِالْخَبَرِ، وَإِذَا غَابَ كُنْتُ أَنَا آتِيهِ بِالْخَبَرِ وَنَحْنُ نَتَخَوَّفُ مَلِكًا مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْنَا فَقَدِ امْتَلأَتْ صُدُورُنَا مِنْهُ، فَإِذَا صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَدُقُّ الْبَابَ فَقَالَ: افْتَحِ افْتَحْ فَقُلْتُ جَاءَ الْغَسَّانِيُّ فَقَالَ: بَلْ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَزْوَاجَهُ فَقُلْتُ رَغَمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ فَأَخَذْتُ ثَوْبِيَ فَأَخْرُجُ حَتَّى جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ يَرْقَى عَلَيْهَا بِعَجَلَةٍ، وَغُلاَمٌ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ فَقُلْتُ لَهُ: قُلْ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَذِنَ لِي قَالَ عُمَرُ: فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذَا الْحَدِيثَ فَلَمَّا بَلَغْتُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَصْبُوبًا، وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ، فَرَأَيْتُ أَثَرَ الْحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَيْتُ فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكَ»؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى بن عمرو الأويسي القرشي العامري المدني الأعرج قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) المدني (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن عبيد بن حنين) بضم العين والحاء مصغرين مولى زيد بن الخطاب (أنه سمع ابن عباس -رضي الله عنهما- يحدث أنه قال: مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له) أي لأجل الهيبة الحاصلة له (حتى خرج حاجًّا فخرجت معه فلما رجعت) ولأبي ذر رجعنا (وكنا ببعض الطريق) وهو مرّ الظهران (عدل) عن الطريق المسلوكة الجادة منتهيًا (إلى) شجر (الأراك لحاجة له) كناية عن التبرّز (قال فوقفت له حتى فرغ) من حاجته (ثم سرت معه فقلت له يا أمير المؤمنين مَن اللتان تظاهرتا) أي تعاونتا (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أزواجه) لإفراط غيرتهما حتى حرم على نفسه ما حرم (فقال: تلك حفصة وعائشة قال: فقلت: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هية لك. قال: فلا تفعل ما ظننت أن عندي من علم فاسألني) عنه (فإن كان لي علم خبرتك به) بتشديد الموحدة من خبرتك (قال: ثم قال عمر: والله إن كنا في الجاهلية ما نعدّ للنساء أمرًا) أي شأنًا بحيث يدخلن المثورة

قال الكرماني فإن قلت: إن ليست مخففة من الثقيلة لعدم اللام ولا نافية وإلا لزم أن يكون العدّ ثابتًا لأن نفي النفي إثبات وأجاب بأن ما تأكيد للنفي المستفاد منها (حتى أنزل الله فيهن ما أنزل) نحو قوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء: 19] (وقسم لهن ما قسم) نحو {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن} [البقرة: 233] (قال: فبينا) بغير ميم (أنا في أمر أتأمره) أتفكّر فيه (إذ قالت امرأتي لو صنعت كذا وكذا قال: فقلت لها: ما لك ولما ها هنا فيما) ولأبي ذر عن الكشميهني وفيم بواو من غير ألف وله عن الحموي والمستملي وما (تكلفك في أمر أريده فقالت لي عجبًا لك يا ابن الخطاب) من مقالتك هذه (ما تريد أن تراجع أنت) بفتح الجيم أي ترادد في الكلام (وإن ابنتك) تريد حفصة (لتراجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يظل يومه غضبان) غير مصروف (فقام عمر فأخذ رداءه مكانه) ثم نزل (حتى دخل على حفصة) ابنته وبدأ بها لمنزلتها منه (فقال لها: يا بنية إنك لتراجعين رسول الله حتى يظل يومه غضبان) وفي رواية عبيد الله بن أبي ثور عند المؤلّف في باب الغرفة والعلية من المظالم فقلت أي حفصة أتغاضب إحداكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اليوم حتى الليل (فقالت حفصة: والله إنّا لنراجعه) لنرادده في الكلام (فقلت: تعلمين إني أحذرك عقوبة الله وغضب رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يا بنية لا يغرّنك هذه التي أعجبها حسنها) بالرفع على الفاعلية (حب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياها يريد عائشة) برفع حب بدل اشتمال من الفاعل وهو هذه والتي نعت. ووقع في رواية سليمان بن بلال عند مسلم أعجبها حسنها وحب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياها بواو العطف فحمل بعضهم رواية الباب على أنها من باب حذف حرف العطف لثبوته في رواية مسلم وهو يردّ على تخصيص حذف حرف الجر بالشعر وضبطه بعضهم بالنصب على نزع الخافض. قال في المصابيح: يريد أنه مفعول لأجله والأصل لحب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم حذفت اللام فانتصب على أنه مفعول له ولا نزاع في جوازه والمعنى لا تغتري بكون عائشة تفعل ما نهيتك عنه فلا يؤاخذها بذلك فإنها تدل بحسنها وبحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها فلا تغتري أنت بذلك لاحتمال أن لا تكوني عنده في تلك المنزلة فلا يكون لك من الإدلال مثل الذي لها وعند ابن سعد في رواية أخرى أنه ليس لك مثل حظوة عائشة ولا حسن زينب بنت جحش. (قال) عمر (ثم خرجت) من عند حفصة (حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها) لأن أم عمر كانت مخزومية كأم سلمة وهي بنت عم أمه (فكلمتها) في ذلك (فقالت: أم سلمة عجبًا لك يا ابن الخطاب في كل شيء) من أمور الناس غالبًا (حتى تبتغي) أي تطلب (أن تدخل بين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأزواجه فأخذتني) منعتني أم سلمة بكلامها (والله أخذًا كسرتني) به (عن بعض ما كنت أجد) من الغضب (فخرجت من عندها وكان لي صاحب من الأنصار) هو أوس بن خولى كما نقله ابن بشكوال وقيل هو عتبان بن مالك (إذا غبت) عن مجلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أتاني بالخبر) من الوحي وغيره (وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر) من الوحي وغيره (ونحن نتخوّف ملكًا من ملوك غسان) بفتح المعجمة وتشديد المهملة غير منصرف وهو جبلة بن الأيهم رواه الطبراني عن ابن عباس أو الحارث بن أبي شمر (ذكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا) ليغزونا (فقد امتلأت صدورنا منه) خوفًا (فإذا صاحبي الأنصاري يدق الباب) وفي النكاح فرجع إلينا عشاء (فضرب بابي) ضربًا شديدًا (فقال افتح افتح) مرتين للتأكيد فخرجت إليه فقال حدث اليوم أمر عظيم (فقلت: جاء الغساني؟ فقال) لا: (بل أشد من ذلك) أي بالنسبة إلى عمر لمكان حفصة بنته (اعتزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أزواجه) وفي باب موعظة الرجل ابنته طلق رسول الله نساءه وإنما وقع الجزم

3 - باب (بسم الله الرحمن الرحيم)

بالطلاق لمخالفة العادة بالاعتزال فظن الطلاق (فقلت: رغم أنف حفصة) بكسر الغين المعجمة وفتحها أي لصق بالرغام وهو التراب ولأبي ذر رغم الله أنف حفصة (وعائشة) وخضهما بالذكر لكونهما كانتا السبب في ذلك (فأخذت ثوبي) بكسر الموحدة (فأخرج) من منزلي (حتى جئت فإذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مشربة له) بفتح الميم وسكون المعجمة وضم الراء أي غرفة وفي المظالم والنكاح فجمعت عليّ ثيابي فصليت صلاة الفجر مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخل مشربة له (يرقى) بفتح الياء أو بضمها مبنيًّا للمفعول أي يصعد (عليها بعجلة) بفتح العين المهملة والجيم بدرجة (وغلام لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسود) هو رباح (على رأس الدرجة) قاعد (فقلت له: قل) لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هذا عمر بن الخطاب) يستأذن في الدخول فدخل الغلام واستأذنه عليه الصلاة والسلام (فأذن لي. قال عمر: فقصصت) لما دخلت (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا الحديث، فلما بلغت حديث أم سلمة تبسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ضحك بلا صوت (وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف وإن عند رجليه) بالتثنية (قرظًا) بقاف وراء فظاء معجمة مفتوحات ورق السلم الذي يدبغ به (مصبوبًا) أي مسكوبًا ولأبي ذر مصبورًا بالراء بدل الموحدة أي مجموعًا من الصبرة وهي الكوم من الطعام (وعند رأسه أهب معلقة) بفتح الهمزة والهاء وبضمهما جمع إهاب جلد دبغ أم لم يدبغ أو قبل أن يدبغ (فرأيت أثر الحصير في جنبه) عليه الصلاة والسلام (فبكيت) لذلك (فقال): (ما يبكيك) يا ابن الخطاب (فقلت يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه) من زينة الدنيا ونعيمها (وأنت رسول الله) المستحق لذلك لا هما (فقال) عليه الصلاة والسلام (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا) الفانية كزينتها ونعيمها (ولنا الآخرة) الباقية ولهم بضمير الجمع على إرادتهما ومن تعبهما أو كان على مثل حالهما. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح وفي خبر الواحد واللباس ومسلم في الطلاق. 3 - باب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ: نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم: 3] النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (بسم الله الرحمن الرحيم). هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وإذ أسرّ النبي}) العامل فيه اذكر فهو مفعول به لا ظرف ({إلى بعض أزواجه}) حفصة ({حديثًا}) تحريم العسل أو مارية ({فلما نبأت به}) فلما أخبرت حفصة عائشة ظنًّا منها أن لا حرج في ذلك ({وأظهره الله}) أطلعه ({عليه عرف بعضه}) لحفصة على سبيل العتب ({وأعرض عن بعض}) تكرمًا منه وحلمًا ({فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير}) [التحريم: 3] وثبت لأبي ذر باب إلى قوله حديثًا وقال بعدهُ إلى الخبير وأصل نبأ وأنبأ وأخبر وخبر أن تتعدى إلى اثنين إلى الأول بنفسها والثاني بحرف الجر وقد يحذف الأول للدلالة عليه، وقد جاءت الاستعمالات الثلاث في هذه الآيات فقوله: فلما نبأت به تعدى لاثنين حذف أوّلهما والثاني مجرور بالباء أي نبأت به غيرها، وقوله: فلما نبأها به ذكرهما، وقوله: من أنباك هذا ذكرهما وحذف الجار وسقط لفظ باب لغير أبي ذر إلى آخر حديثًا (فيه) أي في هذا الباب (عائشة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كما سبق في الباب الذي قبل من طريق عبيد بن عمير. 4914 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ حُنَيْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ الْمَرْأَتَانِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمَا أَتْمَمْتُ كَلاَمِي حَتَّى قَالَ: عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن المديني قال: (حدّثنا سفيان) هو ابن عيينة قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري (قال: سمعت عبيد بن حنين) بتصغيرهما (قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: أردت أن أسأل عمر) زاد أبو ذر ابن الخطاب (-رضي الله عنه-) عن آية فمكثت سنة لا أستطيع أن أسأله هيبة له فحججت معه فلما رجعنا (فقلت) له (يا أمير المؤمنين مَن المرأتان اللتان تظاهرتا) تعاونتا (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حتى حرم على نفسه ما حرم (فما أتممت كلامي حتى قال): هما (عائشة وحفصة) الحديث المسوق قبل بتمامه واختصره هنا. 4 - باب قَوْلِهِ: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}: صَغَوْتُ وَأَصْغَيْتُ مِلْتُ، لِتَصْغَى لِتَمِيلَ. {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} عَوْنٌ: تَظَاهَرُونَ تَعَاوَنُونَ. {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ}: وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَوْصُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَأَدِّبُوهُمْ (باب قوله: {إن تتوبا}) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله: {إن تتوبا} ({إلى الله}) خطاب لحفصة وعائشة وجواب الشرط ({فقد صغت

قلوبكما}) أي فقد وجد منكما ما يوجب التوبة وهو ميل قلوبكما عن الواجب من مخالصة الرسول بحب ما يحبه وكراهة ما يكرهه يقال: (صغوت) بالواو (وأصغيت) بالياء أي (ملت) فالأوّل ثلاثي والثاني مزيد فيه (لتصغى) في قوله: {ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة} [الأنعام: 113] أي (لتميل) أو جواب الشرط محذوف تقديره فذاك واجب عليكما أو فتاب الله عليكما وأطلق قلوب على قلبين لاستثقال الجمع بين تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة، واختلف في ذلك والأحسن الجمع ثم الإفراد ثم التثنية. وقال ابن عصفور لا يجوز الإفراد إلا في الضرورة ({وإن تظاهرا عليه}) بما يسوءه ({فإن الله هو مولاه}) ناصره وهو يجوز أن يكون فصلًا ومولاه الخبر وأن يكون مبتدأ ومولاه خبره والجملة خبران ({وجبريل}) رئيس الكروبيين ({وصالح المؤمنين}) أبو بكر وعمر وصالح مفرد لأنه كتب بالحاء دون واو الجمع وجوّزوا أن يكون جمعًا بالواو والنون حذفت النون للإضافة وكتب بلا واو اعتبارًا بلفظه لأن الواو سقطت للساكنين كيدع الداع ({والملائكة بعد ذلك ظهير}) [التحريم: 4] أي ({عون} تظاهرون) أي (تعاونون) وقوله وجبريل عطف على على اسم إن بعد استكمال خبرها وحينئذٍ فجبريل وتاليه داخلان في ولاية الرسول عليه الصلاة والسلام وجبريل ظهير له لدخوله في عموم الملائكة والملائكة مبتدأ خبره ظهير ويجوز أن يكون الكلام تم عند قوله مولاه ويكون جبريل مبتدأ وما بعده عطف عليه وظهير خبره فتختص الولاية بالله ويكون جبريل قد ذكر في المعاونة مرتين مرة بالتنصيص ومرة في العموم وهو عكس قوله: {من كان عدوًّا لله وملائكته ورسله وجبريل [البقرة: 98] فإنه ذكر الخاص بعد العام تشريفًا له وهنا ذكر العام بعد الخاص ولم يذكر الناس إلا الأول قاله في الدرّ وسقط لأبي ذر من قوله صغوت إلى آخر قوله بعد ذلك ولغيره لفظ باب. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({قوا أنفسكم وأهليكم}) [التحريم: 6] أي (أوصوا أنفسكم) بفتح الهمزة وسكون الواو بعدها صاد مهملة من الإيصاء (وأهليكم بتقوى الله وأدّبوهم) ولغير أبي ذر أوصوا أهليكم بتقوى الله وأدّبوهم. 4915 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ حُنَيْنٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَكُثْتُ سَنَةً فَلَمْ أَجِدْ لَهُ مَوْضِعًا حَتَّى خَرَجْتُ مَعَهُ حَاجًّا فَلَمَّا كُنَّا بِظَهْرَانَ ذَهَبَ عُمَرُ لِحَاجَتِهِ فَقَالَ: أَدْرِكْنِي بِالْوَضُوءِ فَأَدْرَكْتُهُ بِالإِدَاوَةِ فَجَعَلْتُ أَسْكُبُ عَلَيْهِ وَرَأَيْتُ مَوْضِعًا فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ الْمَرْأَتَانِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَمَا أَتْمَمْتُ كَلاَمِي حَتَّى قَالَ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. قَوْلِهِ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [التحريم: 5]. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال. (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري (قال: سمعت عبيد بن حنين) بتصغيرهما (يقول سمعت ابن عباس) -رضي الله عنهما- (يقول: أردت) ولأبي ذر كنت أريد (أن أسأل عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (عن المرأتين اللتين تظاهرتا) تعاونتا (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لأبي ذر ما بعد تظاهرتا (فمكثت سنة فلم أجد له) أي للسؤال (موضعًا حتى خرجت معه حاجًّا فلما كنا بظهران) بفتح المعجمة وسكون الهاء وبالراء والنون بقعة بين مكة والمدينة غير منصرف حين رجعنا (ذهب عمر لحاجته) كناية عن التبرّز (فقال: أدركني بالوضوء) بفتح الواو أي بالماء (فأدركته بالإداوة) بكسر الهمزة المطهرة (فجعلت أسكب عليه) زاد أبو ذر عن الكشميهني الماء أي للوضوء (ورأيت موضعًا) للسؤال (فقلت: يا أمير المؤمنين مَن المرأتان اللتان تظاهرتا) على رسول الله من أزواجه (قال ابن عباس فما أتممت كلامي حتى قال) عمر: هما (عائشة وحفصة) وساق بقية الحديث واختصره هنا للعلم به من سابقه. (قوله: {عسى}) ولأبي ذر باب بالتنوين في قوله تعالى: عسى ({ربه إن طلقكن}) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن}) خبر عسى وطلقكن شرط معترض بين اسم عسى وخبرها وجوابه محذوف أو متقدم أي إن طلقكن فعسى وعسى من الله واجب ولم يقع التبديل لعدم وقوع الشرط ({مسلمات}) مقرّات بالإسلام ({مؤمنات}) مخلصات ({قانتات}) طائعات ({تائبات}) من الذنوب ({عابدات}) متعبدات أو متذللات لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام ({سائحات}) صائمات أو مهاجرات ({ثيبات}) جمع ثيب من تزوّجت ثم بانت ({وأبكارًا}) [التحريم: 5] أي عذارى وقوله مسلمات الخ إما نعت أو حال أو منصوب على

[67] سورة {تبارك الذي بيده الملك}

الاختصاص والثيب وزنها فعل من ثاب يثوب رجع لأنها ثابت بعد زوال عذرتها وأصلها ثيوب كسيد وميت أصلهما سيود وميوت فأعل الإعلال المشهور، وقال الزمخشري في كشافه وأخليت الصفات كلها عن العاطف ووسط بين الثيبات والأبكار لأنهما صفتان متنافيتان لا يجتمعن فيهما اجتماعهن في سائر الصفات فلم يكن بدٌّ من الواو. اهـ. وذهب القاضي الفاضل إلى أن هذه الواو واو الثمانية وتبجح باستخراجها وزيادتها على المواضع الثلاثة الواقعة في القرآن وهي {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولن خمسة سادسهم كلبهم رجمًا بالغيب ويقولون سبعة ثامنهم كلبهم} [الكهف: 22] وآية الزمر إذ قيل فتحت في آية النار لأن أبوابها سبعة وفتحت في آية الجنة إذ أبوابها ثمانية وقوله: {والناهون عن المنكر} [التوبة: 112] فإنه لوصف الثامن. قال ابن هشام: والصواب أن هذه الواو وقعت بين صفتين هما تقسيم لمن اشتمل على جميع الصفات السابقة فلا يصح إسقاطها إذ لا تجتمع الثيوبة والبكارة وواو الثمانية عند القائل بها صالحة للسقوط ثم إن أبكارًا صفة تاسعة لا ثامنة إذ أول الصفات خيرًا منكنّ لا مسلمات فإن أجاب: بأن مسلمات وما بعده تفصيل لخيرًا منكنّ، فلهذا لم تعدّ قسمة لها قلنا وكذلك ثيبات وأبكارًا تفصيل للصفات السابقة فلا نعدهما معهن. وفي معجم الطبراني الكبير عن بريدة قال: وعد الله نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه الآية أن يزوّجه بالثيب آسية امرأة فرعون وبالبكر مريم بنت عمران وبدأ بالثيب قبل البكر لأن زمن آسية قبل مريم، أو لأن أزواجه عليه الصلاة والسلام كلهم ثيب إلا عائشة. قيل: وأفضلهن خديجة فالتقديم من جهة قبلية الفضل وقبلية الزمان لأنه تزوّج الثيب منهن قبل البكر. وفي حديث ضعيف عند ابن عساكر عن ابن عباس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل على خديجة وهي في الموت فقال: "يا خديجة إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن مني السلام" فقالت: يا رسول الله وهل تزوّجت قبلي؟ قال: "لا ولكن الله زوّجني مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وكلثم أخت موسى". وروي نحوه بإسناد ضعيف من حديث أبي أمامة عند أبي يعلى وسقط لأبي ذر قوله مسلمات الخ. وقال بعد منكنّ الآية. 4916 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ -رضي الله عنه- قَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5] فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عون) بفتح العين فيهما الواسطي نزيل البصرة قال: (حدّثنا هشيم) بن بشير مصغرين (عن حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- اجتمع نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الغيرة عليه) بفتح الغين المعجمة (فقلت لهن) رضوان الله عليهن: ({عسى ربه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجًا خيرًا منكنّ} فنزلت هذه الآية) ولأبي ذر عن الكشميهني فقلت له أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قال في الكشاف فإن قلت: كيف تكون المبدلات خيرًا منهن ولم يكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين؟ وأجاب: بأنه عليه الصلاة والسلام إذا طلقهن لعصيانهن له وإيذائهن إياه لم يبقين على تلك الصفة وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف مع الطاعة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والنزول على هواه ورضاه خيرًا منهن، وقال في الأنوار: وليس في الآية ما يدل على أنه لم يطلق حفصة لأن تعليق طلاق الكل لا ينافي تطليق واحدة. وهذا الحديث سبق بتمامه في باب ما جاء في القبلة من كتاب الصلاة. [67] سورة {تَبَارَكَ الذِي بِيَدِهِ المُلْكُ} التَّفَاوُتُ: الاِخْتِلاَفُ، وَالتَّفَاوُتُ وَالتَّفَوُّتُ وَاحِدٌ. {تَمَيَّزُ}: تَقَطَّعُ. {مَنَاكِبِهَا}: جَوَانِبِهَا. {تَدَّعُونَ}: وَتَدْعُونَ مِثْلُ تَذَّكَّرُونَ وَتَذْكُرُونَ. وَيَقْبِضْنَ: يَضْرِبْنَ بِأَجْنِحَتِهِنَّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ صَافَّاتٍ: بَسْطُ أَجْنِحَتِهِنَّ. {وَنُفُورٍ}: الْكُفُورُ. ([67] سورة {تَبَارَكَ الذِي بِيَدِهِ المُلْكُ}) مكية وآيها ثلاثون ولغير أبي ذر سورة الملك وقوله ({تبارك}) أي تنزه عن صفات المحدثين و ({الذي بيده الملك}) [الملك: 1] بقبضة قدرته التصرف في الأمور كلها. (التفاوت) قال الفراء (الاختلاف والتفاوت) بالألف والتخفيف (والتفوّت) بغير ألف والتشديد وبها قرأ حمزة والكسائي (واحد) في المعنى كالتعهد والتعاهد. ({تميز}) أي (تقطع) من الغيظ قال في الأنوار وهو تمثيل لشدة اشتعالها بهم

[68] سورة ن القلم

ويجوز أن يراد غيظ الزبانية ({مناكبها}) في قوله تعالى: {فامشوا في مناكبها} [الملك: 15] أي (جوانبها). قال في فتوح الغيب قوله: مناكبها استعارة تمثيلية أو تحقيقية لأن القصد الأرض أما ناحيتها أو جبالها فنسبة الذلول إليها ترشيح ونسبة المشي تجريد. قال الراغب: المنكب مجتمع ما بين العضد والكتف ومنه استعير للأرض المنكب في قوله تعالى: {فامشوا في مناكبها} كما استعير لها الظهر في قوله: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة} [فاطر: 45]. ({تدعون}) بالتشديد في قوله تعالى: {وقيل هذا الذي نتم به تدعون} [الملك: 27] (وتدعون) بسكون الدال مخففًا وهي قراءة يعقوب زاد أبو ذر واحد (مثل تذكرون) بالتشديد (وتذكرون) بالتخفيف وقيل التشديد من الدعوى أي تدعون أنه لا جنة ولا نار وقيل من الدعاء أي تطلبونه وتستعجلونه وعلى التخفيف قيل إن الكفار كانوا يدعون على الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه -رضي الله عنهم- بالهلاك. (ويقبضن) أي (يضربن بأجنحتهن. وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله: (صافات) هو (بسط أجنحتهن) وسقط قوله ويقبضن إلى هنا لأبي ذر. ({ونفور}) في قوله تعالى: {بل لجوا في عتوّ ونفور} [الملك: 21] قال مجاهد هو (الكفور) فيما وصله عبد بن حميد. [68] سورة ن الْقَلَمِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَتَخَافَتُونَ: يَنْتَجُونَ السِّرَارَ وَالكَلاَمَ الخَفِيَّ. وَقَالَ قَتَادَةُ: حَرْدٍ جِدٍّ فِي أَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَضَالُّونَ أَضْلَلْنَا. مَكَانَ جَنَّتِنَا. وَقَالَ غَيْرُهُ {كَالصَّرِيمِ}: كَالصُّبْحِ انْصَرَمَ مِنَ اللَّيْلِ وَاللَّيْلِ انْصَرَمَ مِنَ النَّهَارِ، وَهْوَ أَيْضًا كُلُّ رَمْلَةٍ انْصَرَمَتْ مِنْ مُعْظَمِ الرَّمْلِ. وَالصَّرِيمُ أَيْضًا الْمَصْرُومُ مِثْلُ قَتِيلٍ وَمَقْتُولٍ. ([68] سورة ن الْقَلَمِ) مكية وآيها ثنتان وخمسون. (بسم الله الرحمن الرحيم) وسقط لفظ سورة والبسملة لغير أبي ذر ونون من أسماء الحروف، وقيل اسم الحوت. وروى أبو جعفر عن ابن عباس أول ما خلق الله القلم قال: اكتب القدر فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى قيام الساعة، ثم خلق النون ورفع بخار الماء ففتقت منه السماء وبسطت الأرض على ظهر النون فاضطرب النون فمادت الأرض، وكذا رواه ابن أبي حاتم، وذكر البغوي وغيره أن على ظهر هذا الحوت صخرة سمكها كغلظ السماوات والأرض وعلى ظهرها ثور له أربعون ألف قرن وعلى متنه الأرضون السبع وما فيهن وما بينهن فالله أعلم، والقلم هو الذي خط اللوح أو الذي يخط به وأقسم به لكثرة فوائده وجواب القسم الجملة المنفية. (وقال ابن عباس يتخافتون) من قوله فانطلقوا وهم يتخافتون أي (ينتجون) بفتح التحتية وسكون النون وفتح الفوقية بعدها جيم (السرار والكلام الخفي) وسقط هذا لغير أبي ذر (وقال قتادة حرد) بالجر ولأبي ذر بالرفع أي في قوله تعالى: {وغدوا على حرد قادرين} [القلم: 25] أي (جد) بكسر الجيم (في أنفسهم) وقيل الحرد الغضب والحنق وقيل: المنع من حاردت الإبل انقطع لبنها والسنة قلّ مطرها قاله أبو عبيدة وقادرين حال من فاعل غدوا وعلى حرد متعلق به. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (الضالون) أي (اضللنا مكان جنتنا) فتُهنا عنها ثم لما رجعوا عما كانوا فيه وتيقنوا أنها هي قالوا بل نحن محرومون أي بل هي هذه ولكن لا حظ لنا ولا نصيب. (وقال غيره) أي غير ابن عباس ({كالصريم}) في قوله تعالى: {فأصبحت كالصريم} [القلم: 20] أي (كالصبح انصرم) انقطع (من الليل والليل انصرم) انقطع (من النهار) فالصريم يطلق على الليل لسواده وعلى النهار وعلى الصبح فهو من الأضداد، وقال شمر: الصريم الليل والنهار لانصرام هذا عن ذاك وذاك عن هذا (وهو أيضًا كل رملة انصرمت) انقطعت (من معظم الرمل والصريم أيضًا المصروم مثل قتيل ومقتول) فعيل بمعنى مفعول وفي التفسير أي كالبستان الذي صرم ثماره بحيث لم يبق فيه شيء أو كالليل باحتراقها واسودادها أو كالنهار بابيضاضها من فرط اليبس هذا. 1 - باب {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({عتل}) غليظ جاف ({بعد ذلك زنيم}) [القلم: 13] أي دعيّ ينسب إلى قوم ليس منهم مأخوذ من زنمتي الشاة وهما المتدليتان من أُذنها وحلقها فاستعير للدعي لأنه كالمعلق بما ليس منه وسقط باب لغير أبي ذر. 4917 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ}، قَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: لَهُ زَنَمَةٌ مِثْلُ زَنَمَةِ الشَّاةِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (محمود) هو ابن غيلان العدوي مولاهم المروزي ولأبي ذر عن المستملي محمد قال

2 - باب {يوم يكشف عن ساق}

الحافظ ابن حجر وكأنه الذهلي قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين مصغرًا العبسي مولاهم الكوفي وهو شيخ المؤلّف روى عنه بالواسطة وسقط لغير أبي ذر ابن موسى (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) في قوله تعالى: ({عتل بعد ذلك زنيم} قال): هو (رجل من قريش) قيل هو الوليد بن المغيرة وقيل أسود بن عبد يغوث وقيل الأخنس بن شريق وليس هو عبد الرحمن بن الأسود فإنه يصغر عن ذلك (له زنمة) في عنقه (مثل زنمة الشاة) يعرف بها وقيل كان للوليد بن المغيرة ستة أصابع في كل يد أصبع زائدة. وهذا الحديث أخرجه النسائي في التفسير وعند ابن جرير عن سعيد بن جبير الزنيم الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها والزنيم الملصق وقال الضحاك كانت له زنمة في أصل أذنه مثل زنمة الشاة. 4918 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ، كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ». [الحديث 4918 - أطرافه في: 6071، 6657]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن معبد بن خالد) بفتح الميم وسكون المهملة وفتح الموحدة الكوفي الجدلي بفتح الجيم والمهملة وتخفيف اللام (قال: سمعت حارثة بن وهب الخزاعي قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف) بكسر العين في الفرع كالأصل اليونيني أي متواضع خامل وبفتحها ضبطه الدمياطي وقال النووي إنه رواية الأكثرين وغلط ابن الجوزي من كسر أي يستضعفه الناس ويحتقرونه وعند أحمد من حديث حذيفة الضعيف المتضعف ذو الطمرين لا يؤبه له (لو أقسم على الله لأبرّه) أي لو حلف يمينًا طمعًا في كرم الله بإبراره أو لو دعاه لأجابه (ألا أخبركم بأهل النار كل عتلّ) فظ غليظ أو شديد الخصومة أو الفاحش الآثم أو الغليظ العنيف أو المجموع المنوع أو القصير البطن (جوّاظ مستكبر) بفتح الجيم والواو المشددة آخره ظاء معجمة الكثير اللحم المختال في مشيته وقيل الفاجر وقيل الأكول والمراد كما قاله الكرماني وغيره أن أغلب أهل الجنة هؤلاء كما أن أغلب أهل النار القسم الآخر وليس المراد الاستيعاب في الطرفين. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب والنذور ومسلم في صفة الجنة والترمذي في صفة جهنم أعاذنا الله منها بمنّه وكرمه والنسائي في التفسير وابن ماجة في الزهد. 2 - باب {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({يوم يكشف عن ساق}) [القلم: 42] هو عبارة عن شدة الأمر يوم القيامة للحساب والجزاء يقال كشفت الحرب عن ساق إذا اشتد الأمر فيها فهو كناية إذ لا كشف ولا ساق وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4919 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِياءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا». وبه قال: (حدّثنا آدم) ابن أبي إياس قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن خالد بن يزيد) من الزيادة السكسكي الجمحي الإسكندراني (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي المدني (عن زيد بن أسلم) مولى عمر بن الخطاب (عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد) سعد بن مالك الأنصاري الخدري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يكشف ربنا عن ساقه) في حديث أبي موسى عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: عن نور عظيم رواه أبو يعلى بسند فيه ضعف وعن قتادة فيما رواه عبد الرزاق عن شدّة أمر وعن ابن عباس عند الحاكم قال هو يوم كرب وشدّة وأخرج الإسماعيلي من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم يكشف عن ساق قال الإسماعيلي هذه أصح لموافقتها لفظ القرآن والله تعالى يتعالى عن شبه المخلوقين (فيسجد له) تعالى (كل مؤمن ومؤمنة) متلذذين لا على سبيل التكليف (ويبقى من) ولأبي ذر فيبقى كل من (كان يسجد في الدنيا رياء) ليراه الناس (وسمعة) ليسمعوه (فيذهب ليسجد) ولأبي ذر يسجد (فيعود ظهره طبقًا واحدًا) بفتح الطاء المهملة والموحدة لا ينثني للسجود ولا ينحني له قال الهروي يصير فقارة واحدة كالصفيحة فلا يقدر على السجود. ومباحث هذا تأتي إن شاء الله تعالى في حديث الشفاعة بعون الله ومنّه.

[69] سورة الحاقة

[69] سورة الْحَاقَّةِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}: يُرِيدُ فِيهَا الرِّضَا. {الْقَاضِيَةَ}: الْمَوْتَةَ الأُولَى الَّتِي مُتُّهَا ثُمَّ أُحْيَا بَعْدَهَا. {مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}: أَحَدٌ يَكُونُ لِلْجَمْعِ وَلِلْوَاحِدِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {الْوَتِينَ}: نِيَاطُ الْقَلْبِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {طَغَى}: كَثُرَ وَيُقَالُ بِالطَّاغِيَةِ بِطُغْيَانِهِمْ وَيُقَالُ طَغَتْ عَلَى الْخَزَّانِ كَمَا طَغَى الْمَاءُ عَلَى قَوْمِ نُوحٍ. ([69] سورة الحاقة) مكية وآيها إحدى وخمسون. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقط لفظ سورة والبسملة لغير أبي ذر. ({عيشة راضية}: يريد فيها الرضا). ولأبي ذر والنسفيّ وقال سعيد بن جبير عيشة الخ. ({القاضية}) ولأبي ذر القاضية (الموتة الأولى التي متّها ثم أحيا) ولأبي ذر لم أحي (بعدها) قاله: الفراء ورواية أبي ذر أوجه إذ مراده أنها تكون القاطعة لحياته فلا يبعث بعدها. ({من أحد عنه حاجزين}) [الحاقة: 47] قال الفراء: (أحد يكون للجمع وللواحد) ولأبي ذر للجميع والواحد ومراده أن أحدًا في سياق النفي بمعنى الجمع فلذا قال حاجزين بصيغة الجمع وضمير عنه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم ({الوتين}: نياط القلب) وهو عرق متصل به إذا انقطع مات صاحبه. (قال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم ({طغى}) أي (كثر) الماء حتى علا فوق الجبال وغيرها زمن الطوفان خمسة عشر ذراعًا. (ويقال بالطاغية) أي (بطغيانهم) قاله أبو عبيدة وزاد وكفرهم (ويقال: طغت) أي الريح (على الخزان) بضم الخاء وفي اليونينية بفتحها فخرجت بلا ضبط فأهلكت ثمود (كما طغى الماء على قوم نوح) عليه السلام. [70] سورة {سَأَلَ سَائِلٌ} الْفَصِيلَةُ: أَصْغَرُ آبَائِهِ الْقُرْبَى إِلَيْهِ يَنْتَمِي مَنِ انْتَمَى. {لِلشَّوَى}: الْيَدَانِ وَالرِّجْلاَنِ وَالأَطْرَافُ وَجِلْدَةُ الرَّأْسِ يُقَالُ لَهَا شَوَاةٌ وَمَا كَانَ غَيْرَ مَقْتَلٍ فَهُوَ شَوًى. وَالْعِزُونَ: الْجَمَاعَاتُ وَوَاحِدُهَا عِزَةٌ. ([70] سورة {سَأَلَ سَائِلٌ}) مكية وآيها أربع وأربعون (الفصيلة) ولأبي ذر والفصيلة (أصغر آبائه القربى) الذي فصل عنه (إليه ينتمي من انتمى) قاله الفراء. وفي نسخة وهي لأبي ذر ينتهي بالهاء بدل ينتمي بالميم، وسقط لأبي ذر قوله من انتمى. ({للشوى}) أي (اليدان والرجلان والأطراف وجلدة الرأس يقال لها شواة) وقيل الشوى جلد الإنسان (وما كان غير مقتل فهو شوى) قاله الفراء (والعزون الجماعات) ولأبي ذر عزين وله أيضًا العزون حلق بكسر الحاء المهملة وفتح اللام وجماعات وله أيضًا الحلق والجماعات (وواحدها) ولأبي ذر واحدتها (عزة) وكانوا يتحلقون حلقًا ويقولون استهزاء بالمسلمين لئن دخل هؤلاء الجنة لندخلنها قبلهم. [71] سورة {إِنَّا أَرْسَلْنَا} أَطْوَارًا طَوْرًا كَذَا وَطَوْرًا كَذَا يُقَالُ عَدَا طَوْرَهُ أَيْ قَدْرَهُ. وَالْكُبَّارُ أَشَدُّ مِنَ الْكُبَارِ وَكَذَلِكَ جُمَّالٌ وَجَمِيلٌ لأَنَّهَا أَشَدُّ مُبَالَغَةً وَكُبَّارٌ الْكَبِيرُ وَكُبَارًا أَيْضًا بِالتَّخْفِيفِ وَالْعَرَبُ تَقُولُ رَجُلٌ حُسَّانٌ وَجُمَّالٌ وَحُسَانٌ مُخَفَّفٌ وَجُمَالٌ مُخَفَّفٌ. دَيَّارًا مِنْ دَوْرٍ وَلَكِنَّهُ فَيْعَالٌ مِنَ الدَّوَرَانِ كَمَا قَرَأَ عُمَرُ الْحَيُّ الْقَيَّامُ وَهْيَ مِنْ قُمْتُ وَقَالَ غَيْرُهُ {دَيَّارًا}: أَحَدًا. {تَبَارًا}: هَلاَكًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {مِدْرَارًا}: يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا. {وَقَارًا}: عَظَمَةً. ([71] سورة {إِنَّا أَرْسَلْنَا}) مكية وآيها تسع أو ثمان وعشرون ولأبي ذر سورة نوح. (أطوارًا) أي (طورًا كذا وطورًا كذا) وقال قتادة فيما رواه عبد الرزاق أطوارًا نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم خلفًا والنصب على الحال أي منتقلين من حال إلى حال أو مختلفين من بين مسيء ومحسن وصالح وطالح (يقال عدا طوره أي قدره) أي تجاوزه. (والكبار) بتشديد الموحدة (أشد) أي أبلغ في المعنى (من الكبار) بتخفيفها (وكذلك جمال) بضم الجيم وتشديد الميم (وجميل) المخفف (لأنها) يعني المشددة (أشد مبالغة) من المخففة (وكبارًا) ولأبي ذر وكذلك كبار (الكبير وكبار أيضًا بالتخفيف) فيهما وسقط وكبار أيضًا لأبي ذر (والعرب تقول رجل حسان وجمال) بضم أولهما وتشديد ثانيهما (وحسان مخفف وجمال مخفف) قاله أبو عبيدة. (ديارًا) مشتق (من دور) بفتح الدال وسكون الواو (ولكنه فيعال) بفتح الفاء وسكون التحتية (من الدوران) لأن أصله ديوار فأبدلت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء ولو كان فعالًا بتشديد العين لكان دوّارًا (كما قرأ عمر) بن الخطاب (الحي القيام وهي من قمت) لأن أصله قيوام فلا يقال وزنهُ فعال بل فيعال كما في الديار (وقال غيره) لم يتقدم ذكر أحد فيعطف عليه ولعله سقط من ناسخ (ديارًا أحدًا) قاله أبو عبيدة (تبارًا هلاكًا) قاله أبو عبيدة أيضًا. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (مدرارًا يتبع بعضها) ولأبي ذر بعضه (بعضًا). (وقارًا) أي (عظمة) قاله ابن عباس أيضًا فيما وصله سعيد بن منصور وابن أبي حاتم.

1 - باب {ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق}

1 - باب {وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق}) [نوح: 23] ضم واو ودًّا نافع وفتحها غيره ونون يغوثًا ويعوقًا المطوعي للتناسب ومنع صرفهما الباقون للعلمية والمعجمة أو للعلمية والوزن إن كانا عربيين وثبت الباب وتأليه لأبي ذر. 4920 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ، أَمَّا وُدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجُرُفِ عِنْدَ سَبَأ. وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ. وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ، لآلِ ذِي الْكَلاَعِ، أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ. فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ فَفَعَلُوا. فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني الإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن ابن جريح) عبد الملك بن عبد العزيز (وقال عطاء) هو الخراساني وهو معطوف على محذوف بينه الفاكهاني من وجه آخر عن ابن جريج قال في قوله تعالى: {ودًّا ولا سواعًا} [نوح: 23] الآية. قال أوثان كان قوم نوح يعبدونها وقال عطاء (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) لكن عطاء لم يسمع من ابن عباس وابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني إنما أخذ الكتاب من ابنه عثمان فنظر فيه لكن البخاري ما أخرجه إلا أنه من رواية عطاء بن أبي رباح لأن الخراساني ليس على شرطه ولقائل أن يقول هذا ليس بقاطع في أن عطاء المذكور هو الخراساني فيحتمل أن يكون هذا الحديث عند ابن جريج عن الخراساني وابن أبي رباح جميعًا قال في المقدمة وهذا جواب إقناعي وهذا عندي من المواضع العقيمة عن الجواب السديد ولا بد للجواد من كبوة (صارت الأوثان) بالمثلثة جمع وثن (التي كانت في قوم نوح) يعبدونها (في العرب بعد) فعبدوها وكانت غرقت في الطوفان فلما نضب الماء عنها أخرجها إبليس فبثها في الأرض (أما ودّ كانت لكلب) هو ابن وبرة من قضاعة (بدومة الجندل) بفتح الدال من دومة ولأبي ذر دومة بضمها والجندل بفتح الجيم وسكون النون مدينة من الشام مما يلي العراق (وأما سواع كانت لهذيل) بضم الهاء وفتح الذال المعجمة مصغرًا ابن مدركة بن إلياس بن مضر وكانوا بقرب مكة (وأما يغوث فكانت) بالفاء قبل الكاف (لمراد) بضم الميم وتخفيف الراء أبي قبيلة من اليمن (ثم لبني غطيف) بضم الغين المعجمة وفتح الطاء المهملة وبعد التحتية الساكنة فاء مصغرًا بطن من مراد (بالجوف) بفتح الجيم وبعد الواو فاء المطمئن من الأرض أو واد باليمن ولأبي ذر عن الكشميهني بالجرف بالراء المضمومة بدل الواو وضم الجيم (عند سبأ) مدينة بلقيس وسقط عند سبأ لأبي ذر (وأما يعوق فكانت لهمدان) بسكون الميم وبالدال المهملة قبيلة (وأما نسر فكانت لحمير) بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وبعد التحتية المفتوحة راء (لآل ذي الكلاع) بفتح الكاف آخره عين مهملة اسم ملك من ملوك اليمن (أسماء رجال) أي هذه الخمسة أسماء رجال ولأبي ذر ونسر أسماء رجال أي نسر وأخواته أسماء رجال (صالحين من قوم نوح فلما هلكوا) أي الرجال الصالحون (أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا) بكسر الصاد المهملة (إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون) فيها (أنصابًا) جمع نصب ما نصب لغرض (وسموها بأسمائهم ففعلوا) ذلك (فلم تعبد) تلك الأنصاب (حتى إذا هلك أولئك) الذين نصبوها (وتنسخ) بفتح الفوقية والنون والمهملة المشدّدة والخاء المعجمة من تفعل أي تغير (العلم) بها وزالت المعرفة بحالها ولأبي ذر عن الكشميهني ونسخ بنون مضمومة فمهملة مكسورة مبنيًّا للمفعول (عبدت) بعد ذلك. 72 - سورة {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} 1 - باب قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {لِبَدًا} أَعْوَانًا ([72] سورة {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ}) مكية وآيها ثمان وعشرون وسقط لأبي ذر إليّ. (قال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (لبدًا) بكسر اللام ولأبي ذر بضمها وهي قراءة هشام. (أعوانًا) جمع عون وهو الظهير. 4921 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ، فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ، قَالَ: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلاَّ مَا حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي حَدَثَ؟ فَانْطَلَقُوا فَضَرَبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا يَنْظُرُونَ مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ؟ قَالَ: فَانْطَلَقَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَخْلَةَ وَهْوَ عَامِدٌ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهْوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ تَسَمَّعُوا لَهُ، فَقَالُوا: هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، فَهُنَالِكَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا، إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ. وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا. وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} [الجن: 1] وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية الواسطي البصري (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: انطلق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في طائفة من أصحابه

[73] سورة المزمل

عامدين) قاصدين (إلى سوق عكاظ) بضم العين المهملة وفتح الكاف المخففة وبعد الألف معجمة بالصرف وعدمه موسم معروف للعرب من أعظم مواسمهم وهو نخل في واد بين مكة والطائف يقيمون به شوّالًا كله يتبايعون ويتفاخرون وكان ذلك لما خرج عليه الصلاة والسلام إلى الطائف، ورجع منها سنة عشر من المبعث لكن استشكل قوله في طائفة من أصحابه لأنه لما خرج إلى الطائف لم يكن معه من أصحابه إلا زيد بن حارثة وأجيب بالتعدد أو أنه لما رجع لاقاه بعض أصحابه في أثناء الطريق. (وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب) بضمتين جمع شهاب، والذي تظاهرت عليه الأخبار أن ذلك كان أول المبعث وهو يؤيد تغاير زمان القصتين وأن مجيء الجن لاستماع القرآن كان قبل خروجه عليه الصلاة والسلام إلى الطائف بسنتين ولا يعكر عليه قوله إنهم رأوه يصلّي بأصحابه صلاة الصبح لأنه كان عليه الصلاة والسلام يصلّي قبل الإسراء صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها. (فرجعت الشياطين) إلى قومهم (فقالوا) لهم (ما لكم؟ قالوا) ولغير أبي ذر فقالوا: (حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قال) إبليس بعد أن حدّثوه بالذي وقع ولأبي ذر فقال: (ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا ما حدث) لأن السماء لم تكن تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو دين لله ظاهر قاله السدي (فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها) أي سيروا فيها (فانظروا ما هذا الأمر الذي حدث فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الذي حال بينهم وبين خبر السماء. قال: فانطلق) الشياطين (الذين توجهوا نحو تهامة) بكسر الفوقية وكانوا من جن نصيبين (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنخلة) بفتح النون وسكون الخاء المعجمة غير منصرف للعلمية والتأنيث موضع على ليلة من مكة (وهو) عليه الصلاة والسلام (عامد إلى سوق عكاظ وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن) منه عليه الصلاة والسلام (تسمعوا له) بتشديد الميم أي تكلفوا سماعه (فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا الى قومهم فقالوا: يا قومنا إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا) يتعجب منه في فصاحة لفظه وكثرة معانيه (يهدي إلى الرشد) الإيمان والصواب (فآمنا به) بالقرآن (ولن نشرك) بعد اليوم (بربنا أحدًا. وأنزل عز وجل على نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {قل أُوحي إليّ أنه استمع}) لقراءتي ({نفرّ من الجن}) [الجن: 1] ما بين الثلاثة إلى العشرة. قال ابن عباس: (وإنما أوحي إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قول الجن) لقومهم إنّا سمعنا الخ وزاد الترمذي. قال ابن عباس وقول الجن لقومهم لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا قال: لما رأوه يصلّي وأصحابه يصلون بصلاته يسجدون بسجوده قال فعجبوا من طواعية أصحابه له قالوا لقومهم ذلك، وظاهره أنه عليه الصلاة والسلام لم يرهم ولم يقرأ عليهم، وإنما اتفق حضورهم وهو يقرأ فسمعوه فأخبر الله بذلك رسوله. وهذا الحديث سبق في باب الجهر بقراءة صلاة الفجر من كتاب الصلاة. [73] سورة الْمُزَّمِّلِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَتَبَتَّلْ: أَخْلِصْ. وَقَالَ الْحَسَنُ {أَنْكَالًا}: قُيُودًا. {مُنْفَطِرٌ بِهِ}: مُثْقَلَةٌ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {كَثِيبًا مَهِيلًا}: الرَّمْلُ السَّائِلُ. {وَبِيلًا}: شَدِيدًا. ([73] سورة المزّمّل) مكية وآيها تسع عشرة أو عشرون ولأبي ذر زيادة والمدثّر. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي (وتبتل) أي (أخلص) وقال غيره: انقطع إليه (وقال الحسن) البصري فيما وصله عبد بن حميد ({أنكالًا}) أي (قيودًا) واحدها نكل بكسر النون. ({منفطر به}) أي (مثقلة به) وفي اليونينية مثقلة بالتخفيف قاله الحسن أيضًا فيما وصله عبد بن حميد والتذكير على تأويل السقف والضمير لذلك اليوم (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم: ({كثيبًا مهيلًا} الرمل السائل) بعد اجتماعه ({وبيلًا}) أي (شديدًا) قاله ابن عباس فيما وصله الطبري.

[74] سورة المدثر

[74] سورة الْمُدَّثِّرِ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {عَسِيرٌ}: شَدِيدٌ. {قَسْوَرَةٍ}: رِكْزُ النَّاسِ وَأَصْوَاتُهُمْ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: الأَسَدُ وَكُلُّ شَدِيدٍ قَسْوَرَةٌ. {مُسْتَنْفِرَةٌ}: نَافِرَةٌ مَذْعُورَةٌ. ([74] سورة الْمُدَّثِّرِ) مكية وآيها ست وخمسون. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقط لفظ سورة والبسملة لغير أبي ذر. (قال ابن عباس): فيما وصله ابن أبي حاتم ({عسير}) أي (شديد) عن زرارة بن أوفى قاضي البصرة أنه صلى بهم الصبح فقرأ هذه السورة فلما وصل إلى هذه الآية شهق شهقة ثم خرّ ميتًا. ({قسورة}) ولأبي ذر بالرفع أي (ركز الناس) بكسر الراء آخره زاي أي حسّهم (وأصواتهم) وصله سفيان بن عيينة في تفسيره عن ابن عباس (وقال أبو هريرة): فيما وصله عبد بن حميد (الأسد وكل شديد قسورة) وعند النسفي وقسور وزاد في اليونينية يقال ولأبي ذر عسير شديد قسورة ركز الناس وأصواتهم وكل شديد قسورة. قال أبو هريرة: القسورة قسور الأسد الركز الصوت. ({مستنفرة}) أي (نافرة مذعورة) بالذال المعجمة قاله أبو عبيدة. 1 - باب 4922 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] قُلْتُ: يَقُولُونَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، عَنْ ذَلِكَ وَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ الَّذِي قُلْتَ، فَقَالَ جَابِرٌ: لاَ أُحَدِّثُكَ إِلاَّ مَا حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ، فَنُودِيتُ، فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ عَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ أَمَامِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ خَلْفِي فَلَمْ أَرَ شَيْئًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ شَيْئًا. فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ: دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، قَالَ: فَدَثَّرُونِي وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا، فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 1 - 3]». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (يحيى) هو ابن موسى البلخي أو ابن جعفر قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح (عن علي بن المبارك) الهنائي بضم الهاء وبالنون الخفيفة (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة أنه قال: (سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أول ما نزل من القرآن؟ قال: {يا أيها المدّثر} قلت: يقولون: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- عن ذلك وقلت له مثل الذي قلت، فقال جابر: لا أحدّثك إلا ما حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (جاورت) أي اعتكفت (بحراء) بالصرف (فلما قضيت جواري) بكسر الجيم أي اعتكافي (هبطت) من الجبل الذي فيه الغار (فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئًا ونظرت أمامي فلم أر شيئًا ونظرت خلفي فلم أر شيئًا فرفعت رأسي فرأيت شيئًا) وفي باب كيف كان بدء الوحي فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه (فأتيت خديجة فقلت دثروني) أي غطوني (وصبوا علي ماءً باردًا قال: فدثروني وصبوا عليّ ماءً باردًا) قال: (فنزلت: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}) [المدثر: 1 - 3] وليس في هذا الحديث أن أول ما نزل: {يا أيها المدثر} وإنما استخرج ذلك جابر باجتهاده وظنه لا يعارض الحديث الصحيح الصريح السابق أول هذا الجامع أنه {اقرأ}. 2 - باب قَوْلُهُ: {قُمْ فَأَنْذِرْ} (باب قوله: ({قم فأنذر}) أي خوّف أهل مكة النار إن لم يؤمنوا، وسقط هذا لأبي ذر. 4923 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَغَيْرُهُ قَالاَ: حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ» مِثْلَ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ. {وَرَبُّكَ فَكَبِّرْ}. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة والشين المعجمة العبدي البصري بندار قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي) العنبري مولاهم (وغيره) هو أبو داود الطيالسي كما في مستخرج أبي نعيم (قالا: حدّثنا حرب بن شداد) بالشين المعجمة وتشديد الدال المهملة وحرب بفتح الحاء المهملة وسكون الراء آخره موحدة (عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن جابر بن عبد الله) وسقط ابن عبد الله لأبي ذر (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (جاورت بحراء مثل حديث عثمان بن عمر) البصري (عن علي بن المبارك) ولم يخرج المؤلّف رواية عثمان المذكور التي أحال عليها وهي عند محمد بن بشار شيخ المؤلّف فيه أخرجه أبو عروبة في كتاب الأوائل قال: حدّثنا محمد بن بشار، حدّثنا عثمان بن عمر، أنبأنا على بن المبارك قاله في فتح الباري. ({وربك فكبّر}) وصفه بالكبرياء ولأبي ذر باب قوله وربك فكبر. 4924 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا حَرْبٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ أَوَّلُ؟ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} فَقُلْتُ أُنْبِئْتُ أَنَّهُ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَيُّ الْقُرْآنِ أُنْزِلَ أَوَّلُ؟ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} فَقُلْتُ: أُنْبِئْتُ أَنَّهُ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] فَقَالَ: لاَ أُخْبِرُكَ إِلاَّ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «جَاوَرْتُ فِي حِرَاءٍ، فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي هَبَطْتُ فَاسْتَبْطَنْتُ الْوَادِيَ، فَنُودِيتُ فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى عَرْشٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. فَأَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَقُلْتُ دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاءً بَارِدًا. وَأُنْزِلَ عَلَيَّ: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}» [المدثر: 1 - 3]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) أبو يعقوب المروزي قال: (حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث البصري قال: (حدّثنا حرب) هو ابن شداد قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن أبي كثير (قال: سألت أبا سلمة) بن عبد الرحمن (أيّ القرآن أنزل أول؟ فقال: {يا أيها المدثر} فقلت أنبئت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أي أُخبرت أنه ({اقرأ باسم ربك الذي خلق} فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله) الأنصاري (أي القرآن أنزل أول؟ فقال: {يا أيها المدثر} فقلت: أنبئت أنه {اقرأ باسم ربك الذي خلق}) سقط قوله الذي خلق لغير أبي ذر (فقال) جابر: (لا أخبرك إلا بما قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال رسول الله

3 - باب {وثيابك فطهر}

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (جاورت) في غار (حراء) بالصرف (فلما قضيت جواري هبطت فاستبطنت) أي وصلت إلى بطن (الوادي فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فإذا هو) يعني الملك (جالس على العرش) ولأبي ذر على كرسي بدل عرش (بين السماء والأرض فأتيت خديجة فقلت دثروني وصبوا عليّ ماءً باردًا وأنزل عليّ) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ({يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}) والظاهر أن الذي أنبأ يحيى بن أبي كثير عروة بن الزبير والذي أنبأ أبا سلمة عائشة فإن الحديث مشهور عن عروة عن عائشة، ويحتمل أن يكون مراده بأوّلية المدثر أولية مخصوصة بما بعد فترة الوحي أو مقيدة بالإنذار لا أوّلية مطلقة. 3 - باب {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وثيابك فطهّر}) [المدثر: 4] أي عن النجاسة أو قصرها خلاف جر العرب ثيابهم خيلاء فربما أصابتها النجاسة وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4925 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ، فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: «فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجَثِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَدَثَّرُونِي. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} -إِلَى- {وَالرِّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1 - 5] قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلاَةُ وَهْيَ الأَوْثَانُ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين مصغرًا ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري قال المصنف: (وحدّثني) بالإفراد وفي بعض النسخ ح لتحويل السند. وحدّثني بالإفراد أيضًا (عبد الله بن محمد) المسندي قال (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري فأخبرني) بالإفراد. ولأبي ذر قال الزهري: قال أخبرني بالإفراد وفي غير اليونينية قال الزهري فأخبرني (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يحدّث عن فترة الوحي) أي في حال التحديث عن احتباس الوحي عن النزول (فقال في حديثه): (فبينا) بغير ميم (أنا أمشي) جواب بينا قوله (إذ سمعت صوتًا من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء) هو جبريل (جالس على كرسي بين السماء والأرض فجثثت) بجيم مفتوحة في الفرع كأصله مضمومة في غيرهما فهمزة مكسورة فمثلثة ساكنة ففوقية فزعت (منه رعبًا) أي خوفًا ولأبي ذر: فجثثت بمثلثتين ففوقية من غير همزة قاله الكرماني. من الجث وهو القطع (فرجعت) إلى خديجة (فقلت زملوني زملوني) مرتين (فدثروني) غطّوني (فأنزل الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل ({يا أيها المدثر} -إلى-) قوله: ({والرجز فاهجر} قبل أن تفرض الصلاة) فيه إشعار بأن الأمر بتطهير الثياب كان قبل فرض الصلاة (و) الرجز (هي الأوثان) وأنّث الضمير في قوله وهي باعتبار أن الخبر جمع وفسر بالجمع نظرًا إلى الجنس قاله الكرماني. 4 - باب {وَالرِّجْزَ فَاهْجُرْ} يُقَالُ الرِّجْزُ وَالرِّجْسُ الْعَذَابُ هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({والرجز فاهجر}) [المدثر: 5] أي دم على هجره (يقال الرجز) بالزاي (والرجس) بالسين (العذاب) هذا قول أبي عبيدة وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4926 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي، سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَجَئِثْتُ مِنْهُ حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ، فَجِئْتُ أَهْلِي فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي، فَزَمَّلُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} -إِلَى قَوْلِهِ- {فَاهْجُرْ} [المدثر: 1 - 5] قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَالرِّجْزَ، الأَوْثَانَ ثُمَّ حَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري: (سمعت أبا سلمة) بن عبد الرحمن (قال: أخبرني) بالإفراد (جابر بن عبد الله) الأنصاري (أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحدّث عن فترة الوحي): (فبينا) بغير ميم (أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء فرفعت بصري قبل السماء) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها (فإذا الملك الذي جاءني بحراء) وهو جبريل (قاعد على كرسي بين السماء والأرض فجئثت منه) بفتح الجيم في اليونينية وفي غيرها بضمها وكسر الهمزة وسكون المثلثة بعدها فوقية خفت منه (حتى هويت) بفتح الهاء والواو وسقطت (إلى الأرض فجئت أهلي فقلت زملوني زملوني) مرتين (فزملوني) بفتح الميم المشددة (فأنزل الله تعالى: {يا أيها المدثر * قم فأنذر} -إلى قوله- {فاهجر}) [المدثر: 1 - 5] وسقط: قم فأنذر لغير أبي ذر. (قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن بالسند السابق: (والرجز الأوثان ثم) بعد نزول {يا أيها المدثر} (حمي الوحي) أي أكثر (وتتابع) ولم يكتف بقوله حمي لأنه لا يستلزم الاستمرار والدوام.

[75] سورة القيامة

[75] سورة الْقِيَامَةِ ([75] سورة الْقِيَامَةِ) مكية أربعون آية. 1 - باب وَقَوْلُهُ: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {سُدًى}: هَمَلًا. {لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ}: سَوْفَ أَتُوبُ، سَوْفَ أَعْمَلُ. {لاَ وَزَرَ}: لاَ حِصْنَ. (وقوله) عز وجل: ({لا تحرك به}) [القيامة: 16] أي بالقرآن والخطاب للنبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({لسانك}) قبل أن يتم جبريل وحيه ({لتعجل به}) مخافة أن ينفلت منك (وقال ابن عباس) فيما وصله الطبري ({سدّى}) [القيامة: 36] معناه (هملًا) بفتحتين أي مهملًا لا يكلف بالشرائع ولا يجازى. ({ليفجر أمامه}) [القيامة: 5] قال ابن عباس فيما وصله الطبري من طريق العوفي يقول الإنسان (سوف أتوب سوف أعمل) عملًا صالحًا قبل يوم القيامة حتى يأتيه الموت على شرّ، ولابن أبي حاتم عنه قال: هو الكافر يكذب بالحساب ويفجر أمامه أي يدوم على فجوره بغير توبة. ({لا وزر}) [القيامة: 11] قال ابن عباس: أي (لا حصن) أي لا ملجأ: قال الشاعر: لعمرك ما للفتى من وزر ... من الموت يدركه والكبر 4927 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ - وَكَانَ ثِقَةً - عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ حَرَّكَ بِهِ لِسَانَهُ. وَوَصَفَ سُفْيَانُ يُرِيدُ أَنْ يَحْفَظَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا موسى بن أبي عائشة) الكوفي الهمداني قال سفيان (وكان) أي ابن أبي عائشة (ثقة) وصفه بذلك تأكيدًا (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا نزل عليه الوحي حرك به لسانه، ووصف سفيان) بن عيينة كيفية التحريك وفي رواية سعيد بن منصور: وحرك سفيان شفتيه (يريد) عليه الصلاة والسلام بهذا التحريك (أن يحفظه) أي القرآن (فأنزل الله) تعالى: ({لا تحرك به لسانك لتعجل به}) لتأخذه على عجلة مخافة تفلته. 2 - باب {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} هذا (باب) بالتنوين ({إن علينا جمعه وقرآنه}) [القيامة: 17] أي قراءته فهو مصدر مضاف للمفعول والفاعل محذوف والأصل وقراءتك إياه والقرآن مصدر بمعنى القراءة وسقط لأبي ذر إن علينا الخ ولفظ باب لغيره. 4928 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ}. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ}: يَخْشَى أَنْ يَتْفَلِتَ مِنْهُ. {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}: أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ، وَقُرْآنَهُ أَنْ تَقْرَأَهُ. {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} يَقُولُ: أُنْزِلَ عَلَيْهِ {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} أَنْ نُبَيِّنَهُ عَلَى لِسَانِكَ. وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين مصغرًا ابن باذام العبسي الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن موسى بن أبي عائشة) الكوفي (أنه سأل سعيد بن جبير عن قوله تعالى: {لا تحرك به لسانك} قال) ابن جبير مجيبًا لموسى: (وقال) ولأبي ذر: قال (ابن عباس) -رضي الله عنهما-: (كان) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يحرك شفتيه إذا أنزل عليه) بهمزة مضمومة ولأبي ذر نزل عليه بحذفها (فقيل له) على لسان جبريل: ({لا تحرك به لسانك}) وكان (يخشى أن يتفلت منه) أي القرآن والذي في اليونينية ينفلت بالنون بعد التحتية بدل الفوقية ({إن علينا جمعه وقرآنه}) سقط وقرآنه لأبي ذر أي (أن نجمعه في صدرك) أي ضمنًا أن نحفظه عليك {إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون} [الحجر: 9] وتكلفنا جمعه (وقرآنه أن تقرأه) بلسانك ({فإذا قرآناه} يقول: أنزل عليه) مع جبريل ({فاتبع قرآنه}) قراءته ({ثم إن علينا بيانه}) [القيامة: 18] أي (أن نبينه على لسانك) وفسره غير ابن عباس ببيان ما أشكل من معانيه وفيه دليل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب. 3 - باب {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَرَأْنَاهُ بَيَّنَّاهُ فَاتَّبِعْ اعْمَلْ بِهِ هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}) [القيامة: 18] وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. (قال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (قرأناه) أي (بيناه فاتبع) أي (اعمل به) وقال ابن عباس أيضًا فيما ذكره ابن كثير: ثم إن علينا بيانه نبين حلاله وحرامه. 4929 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16] قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُعْرَفُ مِنْهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الآيَةَ الَّتِي فِي {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 16 - 17] قَالَ: عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ وَقُرْآنَهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ ثُمَّ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ، قَالَ: فَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة: 35] تَوَعُّدٌ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البغلاني قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد بن قرط بضم القاف وبعد الراء الساكنة طاء مهملة الكوفي (عن موسى بن أبي عائشة) الكوفي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (في قوله) تعالى: ({لا تحرك به لسانك لتعجل به} قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا نزل جبريل عليه بالوحي وكان) عليه الصلاة والسلام (مما يحرك به لسانك وشفتيه) بالتثنية واقتصر في رواية أبي عوانة عن موسى بن أبي عائشة في بدء الوحي على ذكر الشفتين، وكذلك إسرائيل عن ابن أبي عائشة في الباب السابق قريبًا واقتصر سفيان على اللسان

[76] سورة {هل أتى على الإنسان}

والجميع مراد إما لأن التحريكين متلازمان غالبًا أو المراد يحرك به فمه المشتمل على الشفتين واللسان لكن لما كان اللسان هو الأصل في النطق اقتصر في الآية عليه قاله في الفتح. (فيشتد عليه) حالة نزول الوحي لثقله ولذا كان يلحقه البرحاء (وكان يعرف منه) ذلك الاشتداد حالة النزول عليه، وعند ابن أبي حاتم من طريق يحيى التيمي عن ابن أبي عائشة وكان إذا نزل عليه عرف في تحريكه شفتيه يتلقى أوله ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره (فأنزل الله) تعالى بسبب اشتداده عليه (الآية التي في) سورة ({لا أقسم بيوم القيامة}) وهي قوله تعالى: ({لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جعه وقرآنه} قال: علينا أن نجمعه في صدرك) وعن قتادة فيما رواه الطبري أن معنى جمعه تأليفه (وقرآنه) أي تقرؤه أنت ({فإذا قرآناه}) عليك بلسان جبريل ({فاتبع قرآنه}) أي (فإذا أنزلناه فاستمع) زاد أبو عوانة في بدء الوحي وأنصت ({ثم إن علينا بيانه}) أي (علينا أن نبينه بلسانك قال) أي ابن عباس (فكان) عليه الصلاة والسلام (إذا أتاه جبريل أطرق) أي سكت (فإذا ذهب) جبريل (قرأه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كما وعد الله) زاد أبو ذر عز وجل على الوجه الذي ألقاه عليه. ({أولى لك فأولى}) [القيامة: 35]. (توعد) وتهديد والكلمة اسم فعل واللام للتبيين أي وليك ما تكره يا أبا جهل وقرب منك، وقوله: فأولى أي فهو أولى بك من غيره وثبت أولى الخ لأبي ذر. [76] سورة {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ} (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). يُقَالُ مَعْنَاهُ {أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ}، وَهَلْ تَكُونُ جَحْدًا وَتَكُونُ خَبَرًا، وَهَذَا مِنَ الْخَبَرِ، يَقُولُ: كَانَ شَيْئًا فَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا، وَذَلِكَ مِنْ حِينِ خَلَقَهُ مِنْ طِينٍ إِلَى أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ. {أَمْشَاجٍ}: الأَخْلاَطُ. مَاءُ الْمَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ، الدَّمُ وَالْعَلَقَةُ، وَيُقَالُ: إِذَا خُلِطَ مَشِيجٌ، كَقَوْلِكَ خَلِيطٌ، وَمَمْشُوجٌ مِثْلُ مَخْلُوطٍ. وَيُقَالَ سَلاَسِلًا وَأَغْلاَلًا، وَلَمْ يُجْرِ بَعْضُهُمْ. {مُسْتَطِيرًا}: مُمْتَدًّا الْبَلاَءُ. وَالْقَمْطَرِيرُ الشَّدِيدُ: يُقَالَ يَوْمٌ قَمْطَرِيرٌ وَيَوْمٌ قُمَاطِرٌ، وَالْعَبُوسُ وَالْقَمْطَرِيرُ وَالْقُمَاطِرُ وَالْعَصِيبُ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ الأَيَّامِ فِي الْبَلاَءِ. وَقَالَ مَعْمَرٌ {أَسْرَهُمْ}: شِدَّةُ الْخَلْقِ وَكُلُّ شَيْءٍ شَدَدْتَهُ مِنْ قَتَبٍ فَهْوَ مَأْسُورٌ. ([76] سورة {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ}) مكية وآيها إحدى وثلاثون. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر (يقال) وفي بعض النسخ وقال يحيى يعني ابن زياد الفراء (ومعناه {أتى على الإنسان} [الدهر: 1] (وهل تكون جحدًا) أي نفيًا (وتكون خبرًا) يخبر بها عن أمر مقرر فتكون على بابها للاستفهام التقريري ولذلك فسر بقد وأصله أهل كقوله: سائل فوارس يربوع بشدتنا ... أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم (وهذا) الذي في الآية (من الخبر) الذي بمعنى قد والمعنى كما في الكشاف أقد أتى على التقرير والتقريب جميعًا أي أتى على الإنسان قبل زمن قريب حين من الدهر لم يكن فيه شيئًا مذكورًا أي كان شيئًا منسيًّا غير مذكور أو هي للاستفهام التقريري لمن أنكر البعث كأنه قيل لمن أنكر البعث {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا} فيقول: نعم فيقال له من أحدثه وكوّنه بعد عدمه كيف يمتنع عليه بعثه وإحياؤه بعد موته وهو معنى قوله: ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون أي فهلا تذكرون فتعلمون أن من أنشأ شيئًا بعد أن لم يكن قادر على إعادته بعد موته وعدمه فهي هنا للاستفهام التقريري لا للاستفهام المحض وهذا هو الذي يجب أن يكون لأن الاستفهام لا يرد من الباري جل وعلا إلا على هذا النحو وما أشبهه (يقول: كان) الإنسان (شيئًا فلم يكن مذكورًا) بل كان شيئًا منسيًّا غير مذكور بالإنسانية (وذلك من حين خلقه من طين إلى أن ينفخ فيه الروح) والمراد بالإنسان آدم وحين من الدهر أربعون سنة أو المراد الجنس وبالحين مدة الحمل. ({أمشاج}) أي (الأخلاط) وهي (ماء المرأة وماء الرجل) يختلطان في الرحم فأيهما علا على الآخر كان الشبه له ثم ينتقل بعده من طور إلى طور ومن حال إلى حال وهي (الدم والعلقة) ثم المضعة ثم عظمًا يكسوه لحمًا ثم ينشئه خلقًا آخر. وعند ابن أبي حاتم من طريق عكرمة قال: من الرجل الجلد والعظم ومن المرأة الشعر والدم، وقيل إن الله تعالى جعل في النطفة أخلاطًا من الطبائع التي تكون في الإنسان من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة فعلى هذا يكون التقدير من نطفة ذات أمشاج وأمشاج نعت لنطفة ووقع الجمع صفة لمفرد لأنه في معنى

الجمع لأن المراد بها مجموع مني الرجل والمرأة وكلٌّ منهما مختلف الأجزاء في الرقة والقوام والخواص ولذلك يصير كل جزء منهما مادّة عضو. (ويقال إذا خلط) شيء بشيء (مشيج) بفتح الميم بوزن فعيل (كقولك له خليط) وسقط لفظ له لغير أبي ذر (وممشوج مثل مخلوط). (ويقال) ولأبي ذر في نسخة ويقرأ (سلاسلًا وأغلالًا) بتنوين سلاسلًا وأغلالًا وهي قراءة نافع وهشام وأبي بكر والكسائي للتناسب لأن ما قبله وما بعده منوّن منصوب، وقال الكسائي وغيره من أهل الكوفة إن بعض العرب يصرفون جميع ما لا ينصرف إلا أفعل التفضيل، وعن الأخفش يصرفون مطلقًا وهم بنو أسد لأن الأصل في الأسماء الصرف وترك الصرف لعارض فيها وإن هذا الجمع قد يجمع وإن كان قليلًا قالوا صواحب وصواحبات فلما جمع شابه المفرد فانصرف. (ولم يجزه بعضهم) بضم الياء وكسر الجيم وبعد الزاي الساكنة هاء أي لم يجز التنوين بعضهم كذا في الفرع وسقطت الهاء في غيره وفي اليونينية بالراء بدل الزاي وسكون الجيم وضبطه في الفتح بالراء المكسورة من غير هاء. قال: والمراد أن بعض القراء أجرى سلاسل وبعضهم لم يجرها أي لم يصرفها. قال: وهو اصطلاح قديم يقولون للاسم المصروف مجرى، قال: وذكر عياض أن في رواية الأكثر بالزاي وهو الأوجه، وقال العيني: لم يبين وجه الأوجهية بل الراء أوجه على ما لا يخفى وفي البرماوي ولم يجز بعضهم بجيم مكسورة وزاي من الجواز وعند الأصيلي ولم يجر براء مشددة أي لم يصرفه، وقال في الكشاف فأغلظ وأساء، إن صاحب هذه القراءة ممن ضري برواية الشعر ومرن لسانه على صرف ما لا ينصرف. قال في الانتصاف: هو يعني الزمخشري يرى أن القراءات المستفيضة غير موقوفة على النقل والتواتر وجعل التواتر من جملة غلط اللسان والحق أنها متواترة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي لغة من صرف في منثور الكلام جميع ما لا ينصرف إلا أفعل والقراءات تشتمل على اللغات المختلفة. ({مستطيرًا}) قال الفرّاء (ممتدًّا) والشر (البلاء) والشدة (والقمطرير) هو (الشديد) الكريه (يقال يوم قمطرير) شديد (ويوم قماطر) بضم القاف وبعد الميم ألف فطاء مكسورة فراء قال الشاعر: ففروا إذا ما الحرب ثار غبارها ... ولج بها اليوم الشديد القماطر والقمطرير أصله كما قال الزجاج من اقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها وجمعت قطريها ورنت بأنفها (والعبوس) في قوله ({يومًا عبوسًا} [الدهر: 10] (والقمطرير) بفتح القاف (والقماطر) بضمها (والعصيب) في قوله: {يوم عصيب} (أشد ما يكون من الأيام في البلاء) وأطولها. (وقال معمر): بسكون العين بين ميمين مفتوحتين آخره راء هو أبو عبيدة بن المثنى قال في الفتح: وليس هو ابن راشد ({أسرهم}) أي (شدة الخلق) بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام وفي التفسير أحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب (وكل شيء شددته من قتب) بفتح القاف والفوقية آخره موحدة ولأبي ذر وغبيط بغين معجمة مفتوحة فموحدة مكسورة فتحتية ساكنة فطاء مهملة رحل للنساء يشد على الهودج وفي نسخة مأسور الغبيط شيء تركبه النساء يشبه المحفة (فهو مأسور) مربوط وسقط لأبي ذر عن المستملي من قوله معمر إلى هنا، وثبت له من روايته عن الحموي والكشميهني، وزاد في غير الفرع أصله قبله وعليه شرح في الفتح وقال: إنه ثبت للنسفي. وقال الحسن أي البصري النضرة في الوجه أي حسنًا فيه وإضاءة والسرور في القلب، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: الأرائك هي السرر، وقال مقاتل: السرر في الحجال من الدر والياقوت، وقال البراء مما وصله سعيد بن منصور في قوله تعالى: {وذللت قطوفها} [الدهر: 14]. يقطفون ثمارها كيف شاؤوا قيامًا وقعودًا ومضطجعين وعلى أي حال كانوا. وقال مجاهد: في قوله {سلسبيلًا} [الدهر: 18] أي حديد الجرية في مسيله وعن بعضهم فيما حكاه ابن جرير

[77] سورة والمرسلات

إنما سميت بذلك لسلاستها في الحلق، وقال قتادة مستعذب ماؤها، وروى محيي السُّنَّة عن مقاتل سميت سلسبيلًا لأنها تسيل عليهم في طرقهم ومنازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى سائر الجنان ويؤيده قوله تسمى وأما إذا جعلت صفة كما قال الزجاج فمعنى تسمى توصف. [77] سورة وَالْمُرْسَلاَتِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ. {جِمَالاَتٌ}: حِبَالٌ. {ارْكَعُوا}: صَلُّوا. {لاَ يَرْكَعُونَ}: لاَ يُصَلُّونَ. وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ {لاَ يَنْطِقُونَ}، {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}، {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ}، فَقَالَ: إِنَّهُ ذُو أَلْوَانٍ: مَرَّةً يَنْطِقُونَ، وَمَرَّةً يُخْتَمُ عَلَيْهِمْ. ([77] سورة وَالْمُرْسَلاَتِ) ولأبي ذر سورة والمرسلات وهي مكية وآيها خمسون. (وقال مجاهد) في قوله تعالى: ({جمالات}) [المرسلات: 33] أي (حبال) بالحاء المهملة أي حبال السفن وهذا إنما يكون على قراءة رويس جمالات بضم الجيم وأما على قراءة الكسر فجمع جمال أو جمالة جمع جمل للحيوان المعروف وسقط لغير أبي ذر وقال: مجاهد: ({اركعوا}) أي (صلوا: {لا يركعون}) [المرسلات: 48] (لا يصلون) فأطلق الركوع وأراد الصلاة من إطلاق الجزء وإرادة الكل وثبت لا يركعون لأبي ذر. (وسئل ابن عباس) عن قوله تعالى ({لا ينطقون}) [المرسلات: 35] وعن قوله جل وعلا ({والله ربنا ما كنا مشركين}) [الأنعام: 23] وعن قوله عز وجل ({اليوم نختم على أفواههم}) [يس: 65] ما الجمع بين ذلك (فقال) مجيبًا عنه (أنه) أي يوم القيامة (ذو ألوان مرة ينطقون) فيشهدون على أنفسهم بما صنعوا ولا يكتمون الله حديثًا (ومرة يختم عليهم) أي على أفواههم ومرة يختصمون ثم يكون ما شاء الله يحلفون ويجحدون فيختم على أفواههم وسقط لغير أبي ذر على أفواههم ولا يركعون. 4930 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: {وَالْمُرْسَلاَتِ} وَإِنَّا لَنَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ، فَخَرَجَتْ حَيَّةٌ فَابْتَدَرْنَاهَا، فَسَبَقَتْنَا فَدَخَلَتْ جُحْرَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدثنا (محمود) هو ابن غيلان قال: (حدثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن موسى وهو شيخ المؤلّف أخرج هذا الحديث عنه بالواسطة (عن إسرائيل) بن يونس (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) يعني ابن مسعود (رضي الله عنه) أنه (قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر مع النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في غار بمنى (وأنزلت) بالواو ولأبي ذر فأنزلت (عليه {والمرسلات} وإنا لنتلقاها) أي والمرسلات (من فيه) فمه (فخرجت حية) تقع على الذكر والأنثى ودخلت الهاء لأنه واحد من جنس كبطة ودجاجة (فابتدرناها) أي تسابقنا أيّنا يدركها أوّلًا ليقتلها (فسبقتنا فدخلت جحرها) بتقديم الجيم على الحاء المهملة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وفيت شركم كما وقيتم شرها) بضم الواو وكسر القاف مخففة فيهما. 4931 - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ بِهَذَا، وَعَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَهُ. وَتَابَعَهُ أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ. وَقَالَ حَفْصٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ: قَالَ: يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة وبعد المهملة هاء تأنيث (ابن عبد الله) الصفار الخزاعي قال: (أخبرنا يحيى بن آدم) بن سليمان الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس (عن منصور) يعني ابن المعتمر (بها) أي الحديث المذكور (وعن إسرائيل) أيضًا بالإسناد السابق (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود (مثله) أي مثل الحديث السابق أيضًا والحاصل أنه زاد لإسرائيل شيخًا آخر وهو الأعمش (وتابعه) أي تابع يحيى بن آدم فيما وصله الإمام أحمد (أسود بن عامر) الملقب بشاذان الشامي (عن إسرائيل) بن يونس. (وقال حفص) هو ابن غياث فيما وصله بعد باب (وأبو معاوية) محمد بن خازم الضرير فيما وصله مسلم (وسليمان بن قرم) بقاف مفتوحة فراء ساكنة فميم الضبي بالضاد المعجمة والموحدة الكوفي وهو ضعيف الحفظ وليس له في الجامع سوى هذا التعليق السابق في بدء الخلق الثلاثة (عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود) شاذان (قال) ولأبي ذر وقال (يحيى بن حماد) الشيباني البصري شيخ المؤلّف فيما وصله الطبراني (أخبرنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن مغيرة) بن مقسم الكوفي (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود ومراده بهذا أن مغيرة وافق إسرائيل في شيخ إبراهيم وأنه علقمة (وقال ابن إسحاق) محمد صاحب المغازي فيما وصله أحمد (عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه) الأسود الملقب بشاذان (عن عبد الله) بن مسعود ومراده أن للحديث أصلًا عن الأسود من غير

1 - باب قوله: {إنها ترمي بشرر كالقصر}

رواية طريق الأعمش ومنصور. 0000 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَارٍ: إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ {وَالْمُرْسَلاَتِ} فَتَلَقَّيْنَاهَا مِنْ فِيهِ، وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا، إِذْ خَرَجَتْ حَيَّةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَيْكُمُ، اقْتُلُوهَا» قَالَ فَابْتَدَرْنَاهَا فَسَبَقَتْنَا قَالَ: فَقَالَ: «وُقِيَتْ شَرَّكُمْ، كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن عامر أنه (قال: قال عبد الله) بن مسعود (بينا) بغير ميم (نحن مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غار) بمنى وجواب بينا قوله (إذ نزلت عليه {والمرسلات} فتلقيناها من فيه، وإن فاه) أي فمه (لرطب بها) لم يجف ريقه لأنه كان أوّل زمان نزولها (إذ خرجت حيّة فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (عليكم اقتلوها قال: فابتدرناها) أي تسابقنا أينا يدركها أوّلًا (فسبقتنا) زاد في السابقة فدخلت جحرها (قال) ابن مسعود (فقال) عليه الصلاة والسلام (وقيت شركم كما وقيتم شرها) منصوب مفعول ثان. 1 - باب قَوْلِهِ: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} (باب قوله: {إنها}) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله إنها أي النار ({ترمي بشرر}) وهو ما تطاير منها متفرقًا ({كالقصر}) [المرسلات: 32] من البناء في عظمه وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4932 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ}، قَالَ: كُنَّا نَرْفَعُ الْخَشَبَ بِقَصَرٍ ثَلاَثَةَ أَذْرُعٍ أَوْ أَقَلَّ. فَنَرْفَعُهُ لِلشِّتَاءِ، فَنُسَمِّيهِ الْقَصَرَ. [الحديث 4932 - طرفه في: 4933]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن عابس) بعين مهملة وبعد الألف موحدة مكسورة فمهملة النخعي الكوفي (قال: سمعت ابن عباس) -رضي الله عنهما- (يقول) في قوله تعالى ({إنها ترمي بشرر كالقصر}) بفتح القاف والصاد في الفرع مصلحة مصححًا عليها كاليونينية وهي قراءة ابن عباس والحسن جمع قصرة بالفتح أعناق الإبل والنخل وأصول الشجر (قال: كنا نرفع الخشب بقصر) بباء الجرّ وفتح القاف والصاد المهملة والتنوين مصححًا عليها في الفرع وضبطها في الفتح بكسر الموحدة والقاف وفتح الصاد كالكرماني (ثلاث أذرع) بنصب ثلاثة ويجوز إضافة بقصر إلى ثلاثة أي بقدر ثلاثة أذرع (أو أقل فنرفعه للشتاء) أي لأجل الشتاء والاستسخان به (فنسميه القصر) بفتحتين وكان ابن عباس فسر قراءته بما ذكر وسقط لغير أبي ذر كالقصر قال: 2 - باب قَوْلِهِ: {كَأَنَّهُ جِمَالاَتٌ صُفْرٌ} (باب قوله: {كأنه}) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله تعالى كأنه ({جمالات صُفْرٌ}) [المرسلات: 33] في هيئتها ولونها وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 4933 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- {تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالقَصْرِ} [المرسلات: 32] قَالَ: كُنَّا نَعْمِدُ إِلَى الْخَشَبَةِ ثَلاَثَةَ أَذْرُعٍ وَفَوْقَ ذَلِكَ فَنَرْفَعُهُ لِلشِّتَاءِ، فَنُسَمِّيهِ الْقَصَرَ. {كَأَنَّهُ جِمَالاَتٌ صُفْرٌ}: حِبَالُ السُّفْنِ، تُجْمَعُ حَتَّى تَكُونَ كَأَوْسَاطِ الرِّجَالِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني الإفراد (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم الفلاس البصري قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (أخبرنا سفيان) الثوري قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن عابس) النخعي (قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما-) يقول في قوله تعالى: ({ترمي بشرر كالقصر}) بفتحتين (قال: كنا نعمد) بكسر الميم (إلى الخشبة) ولأبي ذر إلى الخشب (ثلاثة أذرع وفوق ذلك) ولأبي ذر عن المستملي أو فوق ذلك (فنرفعه للشتاء) أي لأجل الشتاء والاستسخان به (فنسميه القصر) بفتحتين. وقال أبو حاتم القصر أصول الشجر الواحدة قصرة وفي الكشاف هي أعناق الإبل وأعناق النخيل نحو شجرة وشجر: ({كأنه جمالاتٌ صفر}) بكسر الجيم وفي الفرع كأصله بضمها هي (حبال السفن تجمع) بعضها إلى بعض لتقوى (حتى تكون كأوساط الرجال) وهذا من تتمة الحديث كما قاله في الفتح. 3 - باب {هَذَا يَوْمُ لاَ يَنْطِقُونَ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({هذا يوم لا ينطقون}) [المرسلات: 35]. 4934 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ بْنِ غِياثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَارٍ، إِذْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ: {وَالْمُرْسَلاَتِ} فَإِنَّهُ لَيَتْلُوهَا وَإِنِّي لأَتَلَقَّاهَا مِنْ فِيهِ، وَإِنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بِهَا إِذْ وَثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْتُلُوهَا». فَابْتَدَرْنَاهَا فَذَهَبَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وُقِيَتْ شَرَّكُمْ، كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا». قَالَ عُمَرُ: حَفِظْتُهُ مِنْ أَبِي فِي غَارٍ بِمِنًى. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) وسقط لغير أبي ذر ابن غياث قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن عامر (عن عبد الله) بن مسعود أنه (قال: بينما) بالميم (نحن مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غار) بمنى (إذ نزلت عليه {والمرسلات} فإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه وإن فاه لرطب بها إذ وثبت) ولأبي ذر عن الكشميهني إذ وثب بالتذكير (علينا حيّة فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اقتلوها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي اقتلوه (فابتدرناها) لنقتلها (فذهبت، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وقيت شركم كما وقيتم شرها قال عمر) بن حفص بن غياث شيخ المؤلّف: (حفظته) أي الحديث ولأبي ذر عن الكشميهني حفظت بحذف الضمير المنصوب (من أبي) حفص وزاد (في غار بمنى).

[78] سورة {عم يتساءلون}

[78] سورة {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: {لاَ يَرْجُونَ حِسَابًا}: لاَ يَخَافُونَهُ. {لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا}: لاَ يُكَلِّمُونَهُ إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ. {صوابًا}: حَقًّا فِي الدُّنْيا وَعَمِلَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {وَهَّاجًا}: مُضِيئًا. وَقَالَ غَيْرُهُ: {غَسَّاقًا}: غَسَقَتْ عَيْنُهُ، وَيَغْسِقُ الجُرْحَ يَسِيلُ كَأَنَّ الغَسَّاقَ وَالغَسِيقَ وَاحِدٌ. {عَطَاءً حِسَابًا}: جَزَاءً كَافِيًا، أَعْطَانِي مَا أَحْسَبَنِي، أَيْ كَفَانِي. ([78] سورة {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}) مكية وآيها أربعون. (قال) ولأبي ذر وقال (مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى ({لا يرجون حسابًا}) [النبأ: 27] أي (لا يخافونه) لإنكارهم البعث. ({لا يملكون منه خطابًا}) أي (لا يكلمونه) خوفًا منه (إلا أن يأذن لهم) في الكلام ولأبي ذر عن الكشميهني والحموي لا يملكونه بدل لا يكلمونه. ({صوابًا}) أي (حقًّا في الدنيا وعمل به) وقيل قال لا إله إلا الله. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم ({وهاجًا}) أي (مضيئًا) من وهجت النار إذا أضاءت. (وقال غيره) غير ابن عباس ({غساقًا}) أي (غسقت عينه) غسقًا أظلمت وقال ابن عباس الغساق الزمهرير يحرقهم برده وقيل هو صديد أهل النار وثبت من قوله صوابًا إلى هنا لأبي ذر (ويغسق الجرح يسيل) منه ماء أصفر (وكأن الغساق والغسيق واحد) وسقط هذا لغير أبي ذر وذكره المؤلّف في بدء الخلق ({عطاءً حسابًا}) أي (جزاءً كافيًا) مصدر أقيم مقام الوصف (أعطاني ما أحتسبني أي كفاني) وقال قتادة فيما رواه عبد الرزاق عطاء حسابًا أي كثيرًا. 1 - باب {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا} زُمَرًا هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({يوم ينفخ في الصور فتأتون}) من قبوركم إلى الموقف ({أفواجًا}) [النبأ: 18] أي (زمرًا). 4935 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ، قَالَ: أَرْبَعُونَ، يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالَ: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالَ: ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ، لَيْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلاَّ يَبْلَى، إِلاَّ عَظْمًا وَاحِدًا وَهْوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد) هو ابن سلام البيكندي قال: (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما بين النفختين) نفخة الإماتة ونفخة البعث (أربعون، قال): وفي سورة الزمر من طريق عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن الأعمش قالوا بالجمع أي أصحاب أبي هريرة له (أربعون يومًا قال) أبو هريرة (أبيت) أي امتنعت من الأخبار بما لا أعلم (قال) أصحابه (أربعون شهرًا قال) أبو هريرة (أبيت قال) السائل: (أربعون سنة قال) أبو هريرة: (أبيت) أي امتنعث عن تعيين ذلك وعند ابن مردويه من حديث ابن عباس قال بين النفختين أربعون سنة (قال: ثم ينزل الله من الماء ماء فينبتون) أي الأموات (كما ينبت البقل ليس من الإنسان) أي غير الأنبياء (شيء إلا يبلى إلا عظمًا واحدًا) بالنصب على الاستثناء ولأبي ذر إلا عظم واحد (وهو عجب الذنب) بفتح العين وسكون الجيم وهو عظم لطيف في رأس العصعص بين الأليتين (ومنه يركب الخلق يوم القيامة). وهذا الحديث سبق بالزمر. [79] سورة وَالنَّازِعَاتِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الآيَةَ الْكُبْرَى}: عَصَاهُ، وَيَدُهُ. يُقَالُ: النَّاخِرَةُ وَالنَّخِرَةُ سَوَاءٌ، مِثْلُ الطَّامِعِ وَالطَّمِعِ، وَالْبَاخِلِ وَالْبَخِيلِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: النَّخِرَةُ الْبَالِيَةُ وَالنَّاخِرَةُ الْعَظْمُ الْمُجَوَّفُ الَّذِي تَمُرُّ فِيهِ الرِّيحُ فَيَنْخَرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْحَافِرَةِ}: الَّتِي أَمْرُنَا الأَوَّلُ إِلَى الْحَيَاةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} مَتَى مُنْتَهَاهَا، وَمُرْسَى السَّفِينَةِ حَيْثُ تَنْتَهِى. ([79] سورة وَالنَّازِعَاتِ) مكية وآيها خمس أو ست وأربعون. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({الآية الكبرى}) [النازعات: 20] هي (عصا) التي قلبت حيّة (ويده) البيضاء من آياته التسع. (ويقال الناخرة والنخرة) بالألف أبو بكر وحمزة والكسائي وبحذفها الباقون (سواء) في المعنى أي بالية (مثل الطامع والطمع) بفتح الطاء وكسر الميم (والباخل والبخيل) بالتحتية بعد المعجمة وفي نسخة والبخل بحذفها والناخرة اسم فاعل والنخرة صفة مشبهة. قال العيني: وفي تمثيليه بالطامع الخ نظر لما ذكر من أن الناخر اسم فاعل الخ والتفاوت بينهما في التذكير والتأنيث ولو قال مثل صانعة وصنعة ونحو ذلك لكان أصوب وسقط يقال لأبي ذر ولأبي ذر عن الكشميهني والناحل والنحيل بالنون والحاء المهملة فيهما بدل سابقهما. (وقال بعضهم) فارقًا بينهما (النخرة البالية والناخرة العظم المجوّف الذي تمر فيه الريح فينخر) أي يصوّت حتى يسمع له نخير. (وقال ابن عباس) مما رواه ابن أبي حاتم ({الحافرة}) من قوله: {أئنا لمردودون في الحافرة} [النازعات: 10] (التي أمرنا) ولأبي ذر إلى أمرنا (الأول إلى الحياة) بعد أن نموت من قولهم رجع فلان في حافرته أي طريقه التي جاء فيها فحفرها أي أثر فيها بمشيه وقيل الحافرة

1 - باب

الأرض التي فيها قبورهم ومعناه أئنا لمردودون ونحن في الحافرة. (وقال غيره) غير ابن عباس ({أيان مرساها}) [النازعات: 42] أي (متى منتهاها) ومستقرها (ومرسى السفينة) بضم الميم (حيث تنتهي) والضمير في مرساها للساعدة وقوله تعالى: {فيما أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها} [النازعات: 43] أي ليس علمها إليك ولا إلى أحد بل مردّها إلى الله تعالى فهو الذي يعلم وقتها على التعيين. 1 - باب 4936 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ بِإِصْبَعَيْهِ: هَكَذَا بِالْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ، «بُعِثْتُ وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ» {الطَّامَّةُ}: تَطُمُّ عَلَى كُلِّ شَيءٍ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن المقدام) بكسر الميم وسكون القاف قال: (حدّثنا الفضيل بن سليمان) بضم الفاء والسين مصغرين النميري بالتصغير البصري قال: (حدّثنا أبو حازم) بحاء مهملة فزاي معجمة سلمة قال: (حدّثنا سهل بن سعد) الساعدي (رضي الله عنه قال): (رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال بإصبعيه) بالتثنية أي ضم بينهما (هكذا بالوسطى والتي تلي الإبهام) وهي المسبحة وأطلق القول وأراد به الفعل (بعثت) بضم الباء الموحدة مبنيًّا للمفعول أي أرسلت (والساعة) يوم القيامة (كهاتين) الإصبعين والساعة نصب مفعول معه ويجوز الرفع عطفًا على ضمير الرفع المتصل مع عدم الفاصل وهو قليل وفي رواية أبي ضمرة عن أبي حازم عند ابن جرير وضم بين إصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام وقال ما مثلي ومثل الساعة إلاّ كفرسي رهان. قال القاضي عياض: وقد حاول بعضهم في تأويله إن نسبة ما بين الإصبعين كنسبة ما بقي من الدنيا إلى ما مضى وإن جملتها سبعة آلاف سنة واستند إلى أخبار لا تصح وذكر ما أخرجه أبو داود في تأخير مدة الأمة نصف يوم وفسره بخمسمائة سنة فيؤخذ من ذلك أن الذي بقي نصف سبع وهو قريب مما بين السبابة والوسطى في الطول. قال: وقد ظهر عدم صحة ذلك لوقوع خلافه ومجاوزة هذا المقدار فلو كان ذلك ثابتًا لم يقع خلافه انتهى. فالصواب الإعراض عن ذلك وتأتي إن شاء الله تعالى بعونه ومنه بقية مبحث ذلك في الرقاق. ({الطامة}) [النازعات: 34] (تطم على كل شيء) بكسر الطاء في المستقبل عند أبي ذر. [80] سورة عَبَسَ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). {عَبَسَ}: كَلَحَ وَأَعْرَضَ. وَقَالَ غَيْرُهُ. {مُطَهَّرَةٍ}: لاَ يَمَسُّهَا إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ وَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا}: جَعَلَ الْمَلاَئِكَةَ وَالصُّحُفَ مُطَهَّرَةً لأَنَّ الصُّحُفَ يَقَعُ عَلَيْهَا التَّطْهِيرُ، فَجُعِلَ التَّطْهِيرُ لِمَنْ حَمَلَهَا أَيْضًا. {سَفَرَةٍ}: الْمَلاَئِكَةُ، وَاحِدُهُمْ سَافِرٌ، سَفَرْتُ أَصْلَحْتُ بَيْنَهُمْ، وَجُعِلَتِ الْمَلاَئِكَةُ إِذَا نَزَلَتْ بِوَحْيِ اللَّهِ وَتَأْدِيَتِهِ كَالسَّفِيرِ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ الْقَوْمِ وَقَالَ غَيْرُهُ تَصَدَّى: تَغَافَلَ عَنْهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {لَمَّا يَقْضِ}: لاَ يَقْضِ أَحَدٌ مَا أُمِرَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {تَرْهَقُهَا}: تَغْشَاهَا شِدَّةٌ. {مُسْفِرَةٌ}: مُشْرِقَةٌ. {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَتَبَةٍ. {أَسْفَارًا}: كُتُبًا. {تَلَهَّى}: تَشَاغَلَ. يُقَالُ وَاحِدُ الأَسْفَارِ سِفْرٌ. ([80] سورة عَبَسَ) مكية وآيها إحدى وأربعون. (بسم الله الرحمن الرحيم). سقطت البسملة لغير أبي ذر. ({عبس}) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزاد أبو ذر وتولى (كلح) بفتحتين قال في الصحاح: الكلوح تكشر في عبوس وقد كلح الرجل كلوحًا وكلاحًا (وأعرض) هو تفسير وتولى أي أعرض بوجهه الكريم لأجل أن جاءه الأعمى عبد الله بن أم مكتوم وعنده صناديد قريش يدعوهم إلى الإسلام فقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله وكرر ذلك ولم يعلم أنه مشغول بذلك، فكره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطعه لكرمه وعبس وأعرض عنه فعوتب في ذلك بما نزل عليه في هذه السورة فكان بعد ذلك يقول له إذا جاء: مرحبًا بمن عاتبني الله فيه ويبسط له رداءه (وقال غيره): سقط هذا لأبي ذر وهو الصواب كما لا يخفى. ({مطهرة}) من قوله: {في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة} [عبس: 13 - 14] (لا يمسها إلا المطهرون وهم الملائكة وهذا مثل قوله) عز وجل: ({فالمدبرات أمرًا}) [النازعات: 5] قال الكرماني: لأن التدبير لمحمول خيول الغزاة فوصف الحامل يعني الخيول به فقيل فالمدبرات (جعل الملائكة والصحف مطهرة) بفتح الهاء المشدّدة (لأن الصحف يقع عليها التطهير فجعل التطهير لمن حملها أيضًا) بضم جيم جعل مبنيًّا للمفعول وهذا قاله الفراء. وقيل: مطهرة منزهة عن أيدي الشياطين. ({سفرة}) [عبس: 15] بالخفض ولأبي ذر بالرفع والأول موافق للتنزيل (الملائكة وأحدهم سافر سفرت) أي بين القوم (أصلحت بينهم وجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله وتأديته) إلى أنبيائه (كالسفير الذي يصلح بين القوم) ومنه قوله: فما أدع السفارة بين قومي ... ولا أمشي بغش إن مشيت وقيل: السفرة جمع سافر وهو الكاتب ومثله كاتب وكتبة، ولأبي ذر وتأديبه بالموحدة بعد التحتية

[81] سورة {إذا الشمس كورت}

من الأدب فليتأمل. (وقال غيره) سقط لأبي ذر كالسابق (تصدى) أي (تغافل عنه) قال الحافظ أبو ذر ليس هذا بصحيح وإنما يقال تصدى للأمر إذا رفع رأسه إليه فأما تلهى فتغافل وتشاغل عنه انتهى لأنه لم يتغافل عن المشرك إنما تغافل عمن جاءه يسعى. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({لما يقض}) [عبس: 23] أي (لا يقضي أحد) من لدن آدم إلى هذه الغاية (ما أمر به) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول إذ لم يخل أحد من تقصير ما (وقال ابن عباس) مما وصله ابن أبي حاتم ({ترهقها}) أي (تغشاها) قترة أي (شدة) وقيل سواد وظلمة. ({مسفرة}) أي (مشرقة) مضيئة. ({بأيدي سفرة} وقال ابن عباس): وفي نسخة بإسقاط الواو وهو الأوجه في معنى بأيدي سفرة (كتبة) أي من الملائكة ينسخون من اللوح المحفوظ أو الوحي ({أسفارًا}) أي (كتبًا) ذكره استطرادًا. ({تلهى}) [عبس: 15] أي (تشاغل يقال واحد الأسفار سفر) وهي الكتب العظام وسقط يقال لأبي ذر. 4937 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ زُرَارَةَ بْنَ أَوْفَى يُحَدِّثُ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهْوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهْوَ يَتَعَاهَدُهُ وَهْوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ فَلَهُ أَجْرَانِ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (قال سمعت زرارة بن أوفى) بفتح الفاء والهمزة (يحدث عن سعد بن هشام) الأنصاري (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (مثل الذي يقرأ القرآن) بفتح الميم والمثلثة صفته (وهو حافظ له) لا يتوقف فيه ولا يشق عليه لجودة حفظه وإتقانه كونه (مع السفرة الكرام) جمع سافر ككاتب وكتبة وهم الرسل لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله ولأبي ذر زيادة البررة أي المطيعين أو المراد أن يكون رفيقًا للملائكة السفرة لاتصاف بعضهم بحمل كتاب الله، أو المراد أنه عامل بعملهم وسالك مسالكهم من كون أنهم يحفظونه ويؤذونه إلى المؤمنين ويكشفون لهم ما يلتبس عليهم (ومثل الذي) أي وصفة الذي (يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد) لضعف حفظه مثل من يحاول عبادة شاقة يقوم بأعبائها مع شدتها وصعوبتها عليه (فله أجران) أجر القراءة وأجر التعب، وليس المراد أن أجره أكثر من أجر الماهر بل الأول أكثر ولذا كان مع السفرة ولمن رجح ذلك أن يقول الأجر على قدر المشقّة لكن لا نسلم أن الحافظ الماهر خالٍ عن مشقة لأنه لا يصير كذلك إلا بعد عناء كثير ومشقة شَديدة غالبًا والواو في قوله وهو حافظ وهو يتعاهده ولاحقه الثلاثة للحال وجواب المبتدأ الذي هو مثل محذوف تقديره كونه في الأول ومثل من يحاول في الثاني كما مرّ. [81] سورة {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). {انْكَدَرَتْ}: انْتَثَرَتْ. وَقَالَ الْحَسَنُ {سُجِّرَتْ}: ذَهَبَ مَاؤُهَا فَلاَ يَبْقَى قَطْرَةٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {الْمَسْجُورُ}: الْمَمْلُوءُ. وَقَالَ غَيْرُهُ {سُجِرَتْ}: أفْضى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، فَصَارَتْ بَحْرًا وَاحِدًا. {وَالْخُنَّسُ}: تَخْنِسُ فِي مُجْرَاهَا تَرْجِعُ. وَتَكْنِسُ تَسْتَتِرُ كَمَا تَكْنِسُ الظِّبَاءُ. {تَنَفَّسَ}: ارْتَفَعَ النَّهَارُ. {وَالظَّنِينُ}: الْمُتَّهَمُ. وَالضَّنِينُ: يَضَنُّ بِهِ. وَقَالَ عُمَرُ {النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}: يُزَوَّجُ نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ قَرَأَ -رضي الله عنه- {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ}. {عَسْعَسَ}: أَدْبَرَ. ([81] سورة {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}) مكية وآيها تسع وعشرون. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقط لفظ سورة والبسملة لغير أبي ذر. ({انكدرت}: انتثرت) من السماء وسقطت على الأرض (وقال الحسن) البصري فيما وصله الطبري ({سجرت}) في قوله تعالى: {وإذا البحار سجرت} [التكوير: 6] أي (ذهب) ولأبي ذر يذهب (ماؤها فلا يبقى) فيها (قطرة) ولأبي ذر فلا تبقى بالفوقية. وقال ابن عباس أوقدت فصارت نارًا تضطرم. (وقال مجاهد) فيما وصله الطبري: ({المسجور} المملوء) وسبق بسورة الطور (وقال غيره) غير مجاهد ({سجرت} أفضى) ولأبي ذر أفضي بضم الهمزة وكسر الضاد (بعضها إلى بعض فصارت بحرًا واحدًا) وهو معنى قول السدّي فيما أخرجه ابن أبي حاتم. ({والخنس} تخنس) بفتح التاء وكسر النون (في مجراها ترجع) وراءها بينا ترى النجم في آخر البرج إذا كرّ راجعًا إلى قوله (وتكنس) بكسر النون (تستتر) تخفي تحت ضوء الشمس (كما تكنس الظباء) بالجمع ولأبي ذر كما يكنس الظبي أي يستتر في كناسه وهو بيته المتخذ من أغصان الشجر والمراد النجوم الخمسة زحل والمشتري والمريخ وزهرة وعطارد. ({تنفس}) [التكوير: 18] أي (ارتفع النهار) وقال ابن الخازن في تنفسه قولان أحدهما أن في إقباله روحًا ونسيمًا فجعل ذلك نفسًا على المجاز الثاني أنه شبه الليل بالمكروب المحزون فإذا حصل له التنفس وجد راحة فكأنه تخلص من الحزن فعبر عنه بالتنفس وهو استعارة لطيفة. ({والظنين}) بالظاء في قراءة ابن كثير وأبي عمرو

[82] سورة {إذا السماء انفطرت}

والكسائي (المتهم) من الظنة وهي التهمة (والضنين) بالضاد (يضنّ به) أي لا يبخل بالتبليغ والتعليم. (وقال عمر) بن الخطاب فيما وصله عبد بن حميد ({النفوس} زوجت يزوّج) بفتح الواو مشددة الرجل (نظيره من أهل الجنة والنار ثم قرأ) عمر (-رضي الله عنه-: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم}) [الصافات: 22] وأخرج الفراء من طريق عكرمة قال: يقرن الرجل في الجنة بقرينه الصالح في الدنيا ويقرن الرجل الذي كان يعمل السوء في الدنيا بقرينه الذي كان يعينه في النار، وقيل يزوّج المؤمنون بالحور العين ويزوّج الكافرون بالشياطين. حكاه القرطبي في تذكرته. ({عسعس}) [التكوير: 17] أي (أدبر) وقال الحسن: أقبل ظلامه وهو من الأضداد ويدل على أن المراد هنا أدبر قوله والصبح إذا تنفس أي امتدّ ضوءه حتى يصير نهارًا. [82] سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ {فُجِّرَتْ}: فَاضَتْ. وَقَرَأَ الأَعْمَشُ وَعَاصِمٌ {فَعَدَلَكَ}: بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَهُ أَهْلُ الْحِجَازِ بِالتَّشْدِيدِ، وَأَرَادَ مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ. وَمَنْ خَفَّفَ يَعْنِي فِي أَىِّ صُورَةٍ شَاءَ: إِمَّا حَسَنٌ وَإِمَّا قَبِيحٌ، وَطَوِيلٌ وَقَصِيرٌ. ([82] سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ}) مكية وآيها تسع عشرة. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقط لفظ سورة والبسملة لغير أبي ذر. (وقال الربيع بن خيثم) بضم الخاء المعجمة وفتح المثلثة فيما رواه عبد بن حميد في قوله تعالى: {فجرت}) [الانفطار: 3] أي (فاضت) قال الزركشي: ينبغي قراءته بالتخفيف فإنها القراءة المنسوبة للربيع صاحب هذا التفسير. (وقرأ الأعمش وعاصم) وكذا حمزة والكسائي ({فعدلك}) (الانفطار: 7] (بالتخفيف وقرأه) ولأبي ذر: وقرأ (أهل الحجاز) وأبو عمرو البصري وابن عامر الشامي (بالتشديد وأراد معتدل الخلق) أي جعله متناسب الأطراف فلم يجعل إحدى يديه أطول ولا إحدى عينيه أوسع (ومن خفف يعني في أي صورة شاء إما حسن وإما قبيح وطويل وقصير) ولأبي ذر: أو طويل أو قصير قاله الفراء. [83] سورة {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ مُجَاهِدٌ {بَلْ رَانَ}: ثَبْتُ الْخَطَايَا. {ثُوِّبَ}: جُوزِيَ. الرحيق: الخمر. {خِتَامُهُ مِسْكٌ}: طِينُهُ. التَّسْنِيمُ: يَعْلُو شَرَابَ أَهْلِ الجَنَّة. وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُطَفِّفُ لاَ يُوَفِّي غَيْرَهُ. ([83] سورة {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}) مكية أو مدنية وآيها ستّ وثلاثون. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقط لفظ سورة والبسملة لغير أبي ذر. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({بل ران}) [المطففين: 14] وسقط لغير أبي ذر أي (ثبت الخطايا) بفتح المثلثة وسكون الموحدة بعدها مثناة فوقية حتى غمرتها والران الغشاوة على القلب كالصدأ على الشيء الصقيل من سيف ونحوه قال: وكم ران من ذنب على قلب فاجر ... فتاب من الذنب الذي ران فانجلى وأصل الرين الغلبة ومنه رانت الخمر على عقل شاربها، ومعنى الآية أن الذنوب غلبت على قلوبهم وأحاطت بها، وفي الترمذي وقال: حسن صحيح عن أبي هريرة مرفوعًا: إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكت في قلبه نكتة فإن هو نزع واستغفر صقلت فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فهو الران الذي ذكر الله في كتابه: كلا بل ران على قلوبهم. ({ثوب}) [المطففين: 36] أي (جوزي) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي. (الرحيق) أي (الخمر) الخالص من الدنس ({ختامه مسك}) [المطففين: 26] أي (طينه) أو آخر شربه يفوح منه رائحة المسك. (التنسيم يعلو شراب أهل الجنة) أي ينصب عليهم من علو في غرفهم ومنازلهم أو يجري في الهواء متسنمًا ينصب في أوانيهم على قدر ملئها فإذا امتلأت أمسك وهذا ثابت للنسفي وحده من قوله الرحيق الخ ... (وقال غيره) غير مجاهد (المطفف) هو الذي (لا يوفي غيره) حقه في المكيال والميزان والطفف النقص ولا يكاد المتطفف يسرق في الكيل والوزن إلا الشيء التافه الحقير وقوله غيره بعد قوله لا يوفي ثابت في رواية أبي ذر عن الكشميهني. 1 - بَاب {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ({يوم يقوم الناس}) من قبورهم ({لرب العالمين}) [المطففين: 6] لأجل أمره وحسابه وجزائه وهذه الآية ثبتت لأبي ذر. 4938 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنٌ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] حَتَّى يَغِيبَ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ». [الحديث 4938 - أطرافه في: 6531]. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) القرشي الحزامي المدني قال: (حدّثنا معن) هو ابن عيسى القزاز قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم والحديث من غرائبه وليس في موطئه (عن نافع عن

[84] سورة {إذا السماء انشقت}

عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): ({يوم يقوم الناس لرب العالمين}) [المطففين: 6] يوم القيامة وتدنو الشمس منهم مقدار ميل (حتى يغيب أحدهم في رشحه) بفتح الراء وسكون المعجمة في الفرع وضبطه في الفتح والمصابيح بفتحتين جميعًا عرقه لأنه يخرج من بدنه شيئًا فشيئًا كما يترشح الإناء المتحلل الأجزاء، وفي رواية سعيد بن داود حتى أن العرق يلجم أحدهم (إلى أنصاف أذنيه). قال الكرماني: فإن قلت: ما وجه إضافة الجمع إلى المثنى وهل هو مثل صغت قلوبكما؟ وأجاب: بأنه لما كان لكل شخص أُذنان بخلاف القلب لا يكون مثله بل يصير من باب إضافة الجمع إلى الجمع حقيقة ومعنى انتهى. وحكى القاضي أبو بكر بن العربي أن كل أحد يقوم عرقه معه وهو خلاف المعتاد في الدنيا فإن الجماعة إذا وقفوا في الأرض المعتادة أخذهم الماء أخذًا واحدًا لا يتفاوتون فيه وهذا من القدرة التي تخرق العادات والإيمان بها من الواجبات، ويأتي لذلك إن شاء الله تعالى في محله بعون الله تعالى وفضله وكرمه. [84] سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} قَالَ مُجَاهِدٌ {كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ}: يَأْخُذُ كِتَابَهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ. {وَسَقَ}: جَمَعَ مِنْ دَابَّةٍ. {ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}: لاَ يَرْجِعَ إِلَيْنَا. ([84] سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}) ثبت لفظ سورة لأبي ذر. (قال) ولأبي ذر: وقال (مجاهد): فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({كتابه بشماله}) [الحاقة: 5] أي (يأخد كتابه من وراء ظهره) تجعل يده من وراء ظهره فيأخذ بها كتابه وتغل يمناه إلى عنقه. ({وسق}) [الانشقاق: 17] أي (جمع) ما دخل عليه (من دابة) وغيرها. ({ظن أن لن يحور} [الانشقاق: 14]. أي (لا يرجع إلينا) ولا يبعث والحور الرجوع. 1 - باب {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}) [الانشقاق: 8]. سوف من الله واجب والحساب اليسير هو عرض عمله عليه كما يأتي إن شاء الله تعالى في هذا الحديث وثبت التبويب وتاليه لأبي ذر. 4939 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) الفلاس قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عثمان بن الأسود) الجمحي أنه (قال: سمعت ابن أبي مليكة) عبد الله قال: (سمعت عائشة) -رضي الله عنها- (قالت: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 0000 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح. قال المؤلّف: (حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثنا (سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) الجهضمي البصري (عن أيوب) السختياني (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 0000 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي يُونُسَ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ إِلاَّ هَلَكَ». قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} قَالَ: «ذَاكَ الْعَرْضُ يُعْرَضُونَ، وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ». وقال المؤلّف أيضًا: (حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثنا (مسدد) بضم الميم وفتح السين المهملة وتشديد الدال المهملة الأولى ابن مسرهد (عن يحيى) بن سعيد القطان (عن أبي يونس حاتم بن أبي صغيرة) بالصاد المهملة المفتوحة والغين المعجمة المكسورة الباهلي البصري (عن ابن أبي مليكة عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة -رضي الله عنها-) فهذه ثلاثة أسانيد صرح في الأوّلين منها بأن ابن أبي مليكة حمل الحديث عن عائشة بغير واسطة، وفي الثالث بواسطة القاسم بن محمد عنها فحمله النووي على أنه سمعه من عائشة وسمعه من القاسم عنها فحدّث به على الوجهين. قال في الفتح: وهو مجرد احتمال وقد وقع التصريح بسماع ابن أبي مليكة له من عائشة كما في السند الأول فانتفى القول بإسقاط رجل من السند وتعين الحمل على أنه سمعه من عائشة ثم من القاسم عنها أو بالعكس والسر فيه أن في روايته بالواسطة ما ليس في روايته بغير واسطة. (قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ليس أحد يحاسب إلا هلك، قالت: قلت يا رسول الله جعلني الله فداءك)، بالهمز (أليس يقول الله عز وجل: {فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا} قال) عليه الصلاة والسلام: (ذاك) بكسر الكاف (العرض يعرضون) بأن تعرض عليه أعماله فيعرف الطاعة والمعصية ثم يثاب على الطاعة ويتجاوز عن المعصية ولا يطالب بالعذر فيه (ومن نوقش الحساب) بضم النون وكسر القاف مبنيًا للمفعول والحساب نصب بنزغ الخافض أي من استقصى أمره في الحساب (هلك) بالعذاب في النار أو أن نفس عرض الذنوب والتوقيف على

2 - باب {لتركبن طبقا عن طبق}

قبيح ما سلف والتوبيخ عذاب وفيه بحث يأتي إن شاء الله تعالى في الرقاق. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الرقاق ومسلم في صفة النار والترمذي والنسائي في التفسير. 2 - باب {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({لتركبنّ طبقًا عن طبق}) [الانشقاق: 19] أصله لتركبونن فحذفت نون الرفع لتوالي الأمثال والواو لالتقاء الساكنين وفتح الباء ابن كثير وحمزة والكسائي خطابًا للواحد والباقون بضمها خطابًا للجمع وسقط لفظ باب وما بعده لغير أبي ذر. 4940 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}: حَالًا بَعْدَ حَالٍ، قَالَ: هَذَا نَبِيُّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (سعيد بن النضر) بسكون الضاد المعجمة البغدادي قال: (أخبرنا هشيم) بضم الهاء مصغرًا ابن بشير قال: (أخبرنا أبو بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (جعفر بن إياس) بكسر الهمزة وتخفيف الياء ابن أبي وحشية (عن مجاهد) المفسر أنه (قال: قال ابن عباس) في قوله تعالى: ({لتركبن}) بضم الموحدة وفي اليونينية بفتحها ({طبقًا عن طبق}) أي (حالًا بعد حال. قال: هذا نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يعني يكون ذلك الظفر والغلبة على المشركين حتى يختم لك بجميل العاقبة فلا يحزنك تكذيبهم وتماديهم في كفرهم، وقيل سماء بعد سماء كما وقع في الإسراء، والمعنى على الجمع لترك بن أيها الناس حالًا بعد حال وأمرًا بعد أمر وذلك في موقف القيامة أو الشدائد والأهوال الموت ثم البعث ثم العرض أو حال الإنسان حالًا بعد حال رضيع ثم فطيم ثم غلام ثم شاب ثم كهل ثم شيخ. [85] سورة الْبُرُوجِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {الأُخْدُودِ}: شَقٌّ فِي الأَرْضِ. {فَتَنُوا}: عَذَّبُوا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الوَدُودُ: الحَبِيبُ: المَجِيدُ الكَرِيمُ. ([85] سورة البروج) مكية وآيها اثنتان وعشرون وسقط لغير أبي ذر سورة. (قال) ولأبي ذر وقال (مجاهد) فيما رواه عبد بن حميد في قوله: ({الأخدود}) [البروج: 4] هو (شق في الأرض) وقال غيره المستطيل في الأرض. وروى مسلم عن صهيب أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: كان فيمن كان قبلكم ملك وكان له ساحر فلما كبر قال للملك إني قد كبرت فابعث إليَّ غلامًا أعلّمه السحر فبعث إليه غلامًا يعلمه، وكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه فكان إذا أتى الساحر مرّ بالراهب وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه فشكا ذلك إلى الراهب فقال له: إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل فأخذ حجرًا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب: أي بنيّ أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل عليّ، وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس سائر الأدواء فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال: ما ها هنا لك أجمع إن أنت شفيتني. قال: إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله عز وجل فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك فآمن بالله فشفاه الله فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك: من ردّ عليك بصرك؟ فقال: ربي. قال: ولك رب غيري؟ قال: الله ربي وربك فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دلّ على الغلام فجيء بالغلام فقال له الملك: أي بنيّ قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل. قال: إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دلّ على الراهب فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقّه به حتى وقع شقّاه ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم به ذروته فإن رجع عن دينه وإلاّ فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله فدفعه إلى

[86] سورة الطارق

نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلاّ فاقذفوه فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله، فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهمًا من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: بسم الله ربّ هذا الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني فجمع الناس في صعيد واحد فصلبه على جذع ثم أخذ سهمًا من كنانته ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: بسم الله ربّ هذا الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه موضع السهم فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذره قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس، فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدّت وأضرم النيران وقال: مَن لم يرجع عن دينه فاقحموه فيها أو قيل له اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق. ({فتنوا}) [البروج: 10] أي (عذبوا) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي. (وقال ابن عباس الودود) هو (الحبيب) المتودد إلى أوليائه بالكرامة (المجيد) أي (الكريم) وقول ابن عباس هذا ساقط في الفرع كأصله ثابت في رواية النسفيّ وحده. [86] سورة الطَّارِقِ هُوَ النَّجْمُ، وَمَا أَتَاكَ لَيْلًا فَهُوَ طَارِقٌ. {النَّجْمُ الثَّاقِبُ}: المُضِيءُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {ذَاتِ الرَّجْعِ} سَحَابٌ يَرْجِعُ بِالْمَطَرِ {ذَاتِ الصَّدْعِ} الأرض تَتصدَّعُ بِالنَّباتِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَقَوْلٌ فَصْلٌ}: لَحَقٌّ. {لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}: إِلاَّ عَلَيهَا حَافِظٌ. ([86] سورة الطَّارِقِ) ثبت لفظ سورة لأبي ذر وهي مكية وآيها سبع عشرة. (هو) أي الطارق (النجم وما أتاك ليلًا فهو طارق) ولا يسمى ذلك بالنهار فسمي به النجم لظهوره ليلًا ({النجم الثاقب}) هو (المضيء) وهذا كله ثابت للنسفي وحده ساقط في الفرع كأصله. (وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي ({ذات الرجع}) [الطارق: 11] هي (سحاب يرجع المطر) ولأبي ذر ترجع بالفوقية بدل التحتية وعلى هذا يجوز أن يراد بالسماء السحاب). ({ذات}) ولأبي ذر وذات ({الصدع}) [الطارق: 12]. هي (الأرض تتصدع بالنبات) والعيون. (وقال ابن عباس: {لقول فصل}) [الطارق: 13] أي (لحق) وجدّ يفصل بين الحق والباطل. ({لما عليها حافظ}) [الطارق: 4] أي (إلا عليها حافظ) وهذا التفسير على تشديد ميم لما وهي قراءة عاصم وابن عامر وحمزة وإن نافية وثبت قوله وقال ابن عباس إلى آخره للنسفي وحده وسقط من الفرع كأصله. [87] سورة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} وَقَالَ مُجَاهِدٌ {قّدَّرَ فَهَدَى}: قَدَّرَ لِلإِنسَانِ الشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ. {وَهَدَى الأَنْعَامَ}: لِمَراتِعَها. ([87] سورة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}) ثبت سورة الأعلى لأبي ذر وهي مكية وآيها تسع عشرة. ومعنى ({سبح اسم ربك}) أي نزّه ربك (الأعلى) عما يصفه الملحدون فالاسم صلة وبه يحتج من جعل الاسم والمسمى واحدًا لأن أحدًا لا يقول سبحان اسم الله بل سبحان الله وقال قوم: أي نزّه تسمية ربك بأن تذكره وأنت له معظِّم ولذكره محترم فجعلوا الاسم بمعنى التسمية فكما أنه يجب تنزيه ذاته وصفاته عن النقائص يجب تنزيه الألفاظ الموضوعة لها عن سوء الأدب. وقد سبق في أول هذا المجموع مزيد لذلك والله الموفق. (وقال مجاهد) في قوله ({قدّر فهدى}) [الأعلى: 3] أي (قدّر للإنسان الشقاء والسعادة) ({وهدى الأنعام} لمراتعها) وصله الطبري وثبت للنسفي وحده. 4941 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَجَعَلاَ يُقْرِئَانِنَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ جَاءَ عَمَّارٌ وَبِلاَلٌ وَسَعْدٌ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِهِ، حَتَّى رَأَيْتُ الْوَلاَئِدَ وَالصِّبْيَانَ يَقُولُونَ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ جَاءَ فَمَا جَاءَ، حَتَّى قَرَأْتُ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] فِي سُوَرٍ مِثْلِهَا. وبه قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان (قال أخبرني) بالإفراد (أبي) عثمان بن جبلة (عن شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب -رضي الله عنه- أنه (قال: أول مَن قدم علينا من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المدينة من المهاجرين (مصعب بن عمير) بضم العين مصغرًا وضم ميم مصعب (وابن أم مكتوم) عمرو بن قيس العامر (فجعلا يقرئاننا القرآن) أي ما نزل منه (ثم جاء) المدينة أيضًا (عمار) يعني ابن ياسر (وبلال) المؤذن (وسعد) يعني ابن أبي وقاص (ثم جاء) أيضًا (عمر بن

[88] سورة {هل أتاك حديث الغاشية}

الخطاب) -رضي الله عنه- (في) جملة (عشرين) من الصحابة ذكر منهم ابن إسحاق زيد بن الخطاب وسعيد بن زيد بن عمرو وعمرًا وعبد الله ابني سراقة وخنيس بن حذافة وواقد بن عبد الله وخولي بن أبي خولي وأخاه هلالًا وعياش بن أبي ربيعة وخالدًا وإياسًا وعامرًا وعاقلًا بني البكير وهم الثلاثة عشر فلعل الباقي كانوا أتباعًا لهم (ثم جاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به) أي كفرحهم به فهو نصب بنزع الخافض (حتى رأيت الولائد) جمع وليدة الصبية والأمة (والصبيان يقولون: هذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد جاء) حذفت التصلية لأبي ذر قال: لأن الصلاة عليه إنما كان ابتداء مشروعيتها في السنة الخامسة من الهجرة، والظاهر أنه يشير إلى آية الأمر بها وهذا غير متجه لأنه قد ورد في حديث الإسراء ذكر الصلاة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والإسراء كان بمكة فلا وجه للإنكار قال البراء: (فما جاء) عليه الصلاة والسلام المدينة (حتى قرأت: {سبح اسم ربك الأعلى} في سورة مثلها) وزاد في الهجرة من المفصل وثبت لفظ مثلها لأبي ذر. [88] سورة {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ}: النَّصَارَى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {عَيْنٍ آنِيَةٍ}: بَلَغَ إِنَاهَا وَحَانَ شُرْبُهَا. {حَمِيمٍ آنٍ}: بَلَغَ إِنَاهُ. {لاَ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً}: شَتْمًا. الضَّرِيعُ: نَبْتٌ يُقَالَ لَهُ: الشِّبْرِقُ، يُسَمِّيهِ أَهْلُ الْحِجَازِ الضَّرِيعَ إِذَا يَبِسَ وَهْوَ سَمٌّ {بِمُسَيْطِرٍ}: بِمُسَلَّطٍ وَيُقْرَأُ بِالصَّادِ وَالسِّينِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {إِيَابَهُمْ}: مَرْجِعَهُمْ. ([88] سورة {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}) مكية وآيها ست وعشرون ولأبي ذر سورة هل أتاك بسم الله الرحمن الرحيم وسقط له حديث الغاشية ولغيره البسملة. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ({عاملة ناصبة) [الغاشية: 3] (النصارى) وزاد ابن أبي حاتم واليهود والثعلبي والرهبان يعني أنهم عملوا ونصبوا في الدين على غير دين الإسلام فلا يقبل منهم وقيل عاملة ناصبة في النار كجر السلاسل وخوضها في النار خوض الإبل في الوحل والصعود والهبوط في تلالها ووهادها. (وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي ({عين آنية}) [الغاشية: 5] بلغ (إناها) بكسر الهمزة بعد النون ألف غير مهموز وقتها في الحر فلو وقعت منها قطرة على جبال الدنيا لذابت وقال أبو ذر إناها حينها. (وحان شربها: {حميم آن} بلغ إناه) أي حان ({لا تسمع فيها}) أي الجنة ({لاغية}) [الغاشية: 11]. أي (شتمًا) ولا غيره من الباطن. (الضريع) ولأبي ذر ويقال الضريع (نبت) له شوك (يقال له الشبرق) بكسر المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة (تسميه أهل الحجاز الضريع إذا يبس وهو سم) لا تقر به دابة لخبثه. ({بمسيطر}) [الغاشية: 22] أي (بمسلط) فتقتلهم وتكرههم على الإيمان وهذا منسوخ بآية القتال. (ويقرأ) مصيطر (بالصاد والسين) وهذه قراءة هشام وهي على الأصل. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن المنذر في قوله ({إيابهم}) [الغاشية: 25] أي (مرجعهم) بعد الموت. [89] سورة وَالْفَجْرِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْوَتْرُ: اللَّهُ. {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ}: الْقَدِيمَةِ. وَالْعِمَادُ: أَهْلُ عَمُودٍ لاَ يُقِيمُونَ. {سَوْطَ عَذَابٍ}: الَّذِي عُذِّبُوا بِهِ. {أَكْلًا لَمًّا}: السَّفُّ وَ {جَمًّا}: الْكَثِيرُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ كُلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ فَهْوَ شَفْعٌ. السَّمَاءُ شَفْعٌ. {وَالْوَتْرُ}: اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَقَالَ غَيْرُهُ {سَوْطَ عَذَابٍ}: كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْعَذَابِ يَدْخُلُ فِيهِ السَّوْطُ. {لَبِالْمِرْصَادِ}: إِلَيْهِ الْمَصِيرُ. {تَحَاضُّونَ}: تُحَافِظُونَ. وَيَحُضُّونَ: يَأْمُرُونَ بِإِطْعَامِهِ. {الْمُطْمَئِنَّةُ}: الْمُصَدِّقَةُ بِالثَّوَابِ. وَقَالَ الْحَسَنُ. {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ}: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَبْضَهَا اطْمَأَنَّتْ إِلَى اللَّهِ وَاطْمَأَنَّ اللَّهُ إِلَيْهَا، وَرَضِيَتْ عَنِ اللَّهِ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَأَمَرَ بِقَبْضِ رُوحِهَا وَأَدْخَلَهَا اللَّهُ الْجَنَّةَ وَجَعَلَهُ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ. وَقَالَ غَيْرُهُ. {جَابُوا}: نَقَبُوا، مِنْ جِيبَ الْقَمِيصُ قُطِعَ لَهُ جَيْبٌ. يَجُوبُ الْفَلاَةَ: يَقْطَعُهَا. {لَمًّا}: لَمَمْتُهُ أَجْمَعَ، أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهِ. ([89] سورة وَالْفَجْرِ) مكية وآيها تسع وعشرون وثبت سورة لأبي ذر. (قال مجاهد الوتر: الله) لانفراده بالألوهية وحذف ما بعد مجاهد لأبي ذر. ({إرم ذات العماد}) [الفجر: 7] أي (القديمة) يعني عادًا الأولى ولأبي ذر يعني القديمة وفي اليونينية إرم ذات بكسر الهمز وسكون الراء وفتح الميم ورويت عن الضحاك لكن بفتح الهمزة وأصله إرم على وزن فعل كفخذ فخفف (والعماد) رفع مبتدأ خبره (أهل عمود) أي خيام (لا يقيمون) في بلد وكانوا سيّارة ينتجعون الغيث وينتقلون إلى الكلأ حيث كان، وعن ابن عباس إنما قيل لهم ذات العماد لطولهم واختار الأول ابن جرير وردّ الثاني. قال ابن كثير: فأصاب وحينئذٍ فالضمير يعود على القبيلة قال: وأما ما ذكره جماعة من المفسرين عند هذه الآية من ذكر مدينة يقال لها إرم ذات العماد مبنية بلبن الذهب والفضة وأن حصباءها لآلئ وجواهر وترابها بنادق المسك إلى غير ذلك من الأوصاف وأنها تنتقل فتارة تكون بالشام وتارة باليمن وأخرى بغيرهما من الأرض فمن خرافات الإسرائيليين وليس لذلك حقيقة. وأما ما أخرجه ابن أبي حاتم من

[90] سورة {لا أقسم}

طريق وهب بن منبه عن عبد الله بن أبي قلابة في هذه القصة أيضًا وذكر عجائبها فقال في افتح فيها ألفاظ منكرة وراويها عبد الله بن أبي قلابة لا يعرف. وفي إسناده ابن لهيعة ومثله ما يخبر به كثير من الكذبة المتحيلين من وجود مطالب تحت الأرض بها قناطير الذهب والفضة والجواهر واليواقيت واللآلئ والإكسير، لكن عليها موانع تمنع من الوصول إليها فيحتالون على أموال ضعفة العقول والسفهاء فيأكلونها بحجة صرفها في بخورات ونحوها من الهذيانات وتراهم ينفقون على حفرها الأموال الجزيلة ويبلغون في العمق غاية ولا يظهر لهم إلا التراب والحجر الكدان فيفتقر الرجل منهم وهو مع ذلك لا يزداد إلا طلبًا حتى يموت. ({سوط عذاب}) [الفجر: 13] (الذي) ولأبي ذر الذين (عذبوا به) وعن قتادة مما رواه ابن أبي حاتم كل شيء عذب به فهو سوط عذاب. ({أكلًا لمَّا}) [الفجر: 19] (السفّ) من سففت إلى أسفه سفًّا. (وجما الكثير) أي يحبون جمع المال وسقط واو جمًّا لأبي ذر. (وقال مجاهد) في قوله تعالى: {والشفع والوتر} [الفجر: 3] (كل شيء خلقه) تعالى (فهو شفع السماء شفع) أي للأرض كالذكر والأنثى ({والوتر}) بفتح الواو وتكسر هو (الله تبارك وتعالى) وسبق. (وقال غيره) غير مجاهد ({سوط عذاب} كلمة تقولها العرب لكل نوع من العذاب يدخل فيه السوط) قاله الفراء. ({لبالمرصاد}) [الفجر: 14] (إليه المصير) وقال ابن عباس بحيث يسمع ويرى وقيل يرصد أعمال بني آدم لا يفوته شيء منها. ({تحاضون}) بفتح التاء والحاء فألف وبها قرأ الكوفيون أي (تحافظون وتحضون) بغير ألف (تأمرون بإطعامه) المساكين. ({المطمئنة}) [الفجر: 27] هي (المصدقة بالثواب) وهي الثابتة على الإيمان (وقال الحسن) البصري فيما وصله ابن أبي حاتم ({يا أيها النفس المطمئنة}) [الفجر: 27] إذا أراد الله عز وجل (قبضها اطمأنت إلى الله واطمأن الله إليها) إسناد الاطمئنان إلى الله مجاز يراد به لازمه وغايته من نحو إيصال الخير وفيه المشاكلة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي واطمأن إليه بتذكير الضمير أي إلى الشخص (ورضيت عن الله ورضي الله عنها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عنه (فأمر) بالفاء ولأبي ذر وأمر (بقبض روحها وأدخلها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أيضًا وأدخله (الله الجنة وجعله من عباده الصالحين) وقال عطاء النفس المطمئنة هي العارفة بالله التي لا تصبر عن الله طرفة عين. (وقال غيره) غير الحسن ({جابوا}) أي (نقبوا) بالتخفيف أي نقبوا الصخر وأصل الجيب القطع مأخوذ (من جيب القميص) أي (قطع له جيب) وكذلك قولهم فلان (يجوب الفلاة) أي (يقطعها) وجيب بفتح الجيم وجر الموحدة بمن والقميص خفض وبكسر الجيم ونصب الموحدة والقميص رفع وسقط لفظ من لأبي ذر. ({لمًّا}) في قوله تعالى: ({ويأكلون التراث أكلًا لمًّا} (لممته أجمع أتيت على آخره) قاله أبو عبيدة وسبق معناه وسقط لأبي ذر. [90] سورة {لاَ أُقْسِمُ} وَقَالَ مُجَاهِدٌ {بِهَذَا الْبَلَدِ}: مَكَّةَ، لَيْسَ عَلَيْكَ مَا عَلَى النَّاسِ فِيهِ مِنَ الإِثْمِ. {وَوَالِدٍ}: آدَمَ {وَمَا وَلَدَ}. {لُبَدًا}: كَثِيرًا. وَالنَّجْدَيْنِ: الْخَيْرُ وَالشَّرُّ. {مَسْغَبَةٍ}: مَجَاعَةٍ. {مَتْرَبَةٍ}: السَّاقِطُ فِي التُّرَابِ. يُقَالُ: {فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}: فَلَمْ يَقْتَحِمِ الْعَقَبَةَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ فَسَّرَ الْعَقَبَةَ فَقَالَ: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ}. {فِي كَبَدٍ}: شِدَّةٍ. ([90] سورة {لاَ أُقْسِمُ}) مكية وآيها عشرون ولأبي ذر سورة: لا أقسم. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({بهذا البلد}: مكة) ولأبي ذر {وأنت حل بهذا البلد} [البلد: 2] مكة (ليس عليك ما على الناس فيه من الإثم) أي أنت على الخصوص تستحله دون غيرك لجلالة شأنك كما جاء لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وأنت على هذا من باب التقديم للاختصاص نحو أنا عرفت وقال الواحدي إن الله تعالى لما ذكر القسم بمكة دل ذلك على عظم قدرها مع كونها حرامًا فوعد نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يحلها له يقاتل فيها وأن يفتحها على يده ويكون فيها حلاًّ والجملة اعتراض بين المقسم به وما عطف عليه. ({ووالد} آدم {وما ولد}) [البلد: 3] أي من الأنبياء والصالحين من ذريته لأن الكافر وإن كان من ذريته لكن لا حرمة له حتى يقسم به أو المراد بوالد إبراهيم وبما ولد محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما بمعنى من قال في الأنوار وإيثار ما على من لمعنى التعجب كما في قوله تعالى: ({والله أعلم بما وضعت} [آل عمران: 36]. ({لبدًا}) [البلد: 6] بضم اللام وفتح الموحدة لأبي ذر جمع

[91] سورة {والشمس وضحاها}

لبدة كغرفة وغرف وهي قراءة العامة ولغير أبي ذر لبدًا بكسر اللام أي (كثيرًا) من تلبد الشيء إذا اجتمع. (والنجدين) هما (الخير والشر) قال الزجاج النجدان الطريقان الواضحان والنجد المرتفع من الأرض والمعنى ألم نبين له طريقي الخير والشر وقال ابن عباس النجدين الثديين وهما مما يقسم به العرب تقول أما ونجديها ما فعلت تريد ثديي المرأة لأنهما كالنجدين للبطن. ({مسغبة}) [البلد: 14] أي (مجاعة) والسغب الجوع. ({متربة}) ولأبي ذر برفع الثلاثة أي (الساقط في التراب) ليس له بيت لفقره. (يقال {فلا اقتحم العقبة}) [البلد: 11، 14] (فلم يقتحم العقبة) فلم يجاوزها (في الدنيا) ليأمن (ثم فسر العقبة فقال: {وما أدراك}) أي أعلمك ({ما العقبة}) التي يقتحمها وبين سبب جوازها بقوله ({فك رقبة}) برفع الكاف على إضمار مبتدأ أي هو فك وخفض رقبة بالإضافة من الرق بإعاقتها ({أو إطعام}) بهمزة مكسورة وألف بعد العين ورفع ميم إطعام منوّنًا وقراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي فك بفتح الكاف فعلًا ماضيًا رقبة نصب أطعم فعلًا ماضيًا أيضًا ({في يوم ذي مسغبة}) [البلد: 11، 14] مجاعة وهذا تنبيه على أن النفس لا توافق صاحبها في الإنفاق لوجه الله تعالى البتة فلا بد من التكلف وحمل المشقّة على النفس والذي يوافق النفس الافتخار والمراواة فكأنه تعالى ذكر هذا المثل بإزاء ما قال أهلكت مالًا لبدًا والمراد بيان الإنفاق المفيد وإن ذلك الإنفاق مضرّ قاله صاحب الفرائد فيما حكاه في فتوح الغيب. ({في كبد}) [البلد: 4] أي (شدة) أي شدة خلق وقال ابن عباس في نصب وقيل شدة مكايد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة وهذا ثابت للنسفي وحده. [91] سورة {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ مُجَاهِدٌ {ضُحَاهَا}: ضَوْؤُهَا. {إِذَا تَلاَهَا}: تَبِعَهَا. {وَطَحَاهَا}: دَحَاهَا. {دَسَّاهَا}: أَغْوَاهَا. {فَأَلْهَمَهَا}: عَرَّفَهَا الشَّقَاءَ وَالسَّعَادَة. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {بِطَغْوَاهَا}: بِمَعَاصِيهَا. {وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا}: عُقْبَى أَحَدٍ. ([91] سورة {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}) مكية وآيها خمس عشرة. (بسم الله الرحمن الرحيم) ثبت لفظ سورة والبسملة لأبي ذر. (وقال مجاهد: {ضحاها}) أي (ضوءها: {إذا تلاها}) أي (تبعها) طالعًا عند غروبها ({وطحاها}) أي (دحاها). ({دساها}) أي (أغواها) وأصله دسسها فكثر الأمثال فأبدل من ثالثها حرف علة. ({فألهمها}) أي (عرّفها الشقاء والسعادة) وهذا كله ثابت للنسفي ساقط من الفرع كأصله. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({بطغواها}) أي (بمعاصيها). ({ولا يخاف عقباها}) أي (عقبى أحد). 4942 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ وَذَكَرَ النَّاقَةَ وَالَّذِي عَقَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «{إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ». مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ. وَذَكَرَ النِّسَاءَ فَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ يَجْلِدُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ، فَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ». ثُمَّ وَعَظَهُمْ فِي ضَحِكِهِمْ مِنَ الضَّرْطَةِ وَقَالَ: «لِمَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ»؟ وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ عَمِّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (أنه أخبره عبد الله بن زمعة) بفتح الزاي وسكون الميم وفتحها وبالعين المهملة وأمه قريبة أخت أم سلمة أم المؤمنين -رضي الله عنهما- (أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب) فخطب وذكر ما قصده من الموعظة أو غيرها (وذكر الناقة) المذكورة في هذه السورة وهي ناقة صالح (و) ذكر (الذي عقر) ها وهو قدار بن سالف وهو أحيمر ثمود الذي قال الله تعالى فيه فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): ({إذ انبعث أشقاها} انبعث) قام (لها رجل عزيز) شديد قوي (عارم) بعين وراء مهملتين جبار صعب مفسد خبيث (منيع) قوي ذو منعة (في رهطه) قومه (مثل أبي زمعة) جد عبد الله بن زمعة المذكور في عزته ومنعته في قومه ومات كافرًا بمكة (وذكر) عليه الصلاة والسلام في خطبته (النساء) أي ما يتعلق جهن استطرادًا فذكر ما يقع من أزواجهن (فقال: يعمد) بكسر الميم أي يقصد (أحدكم يجلد) ولأبي ذر فيجلد (امرأته جلد العبد فلعله يضاجعها من آخر يومه) أي يجامعها (ثم وعظهم) عليه الصلاة والسلام (في ضحكهم). ولأبي ذر عن الكشميهني في ضحك (من الضرطة وقال: لم يضحك أحدكم مما يفعل) وكانوا في الجاهلية إذا وقع ذلك من أحد منهم في مجلس يضحكون فنهاهم عن ذلك. (وقال أبو معاوية) محمد بن خازم مما وصله إسحاق بن راهويه في مسنده (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عبد الله بن زمعة) أنه قال (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مثل أبي زمعة

[92] سورة {والليل إذا يغشى}

عم الزيير بن العوّام) أي عمه مجازًا لأنه الأسود بن المطلب بن أسد والعوام بن خويلد بن أسد فنزل ابن العم منزلة الأخ فأطلق عليه عما بهذا الاعتبار كذا جزم الدمياطي باسم أبي زمعة هنا وهو المعتمد قاله في فتح الباري. [92] سورة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {بِالْحُسْنَى}: بِالْخَلَفِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {تَرَدَّى}: مَاتَ. {وَتَلَظَّى}: تَوَهَّجُ. وَقَرَأَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: تَتَلَظَّى. ([92] سورة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}) مكية وآيها إحدى وعشرون. (بسم الله الرحمن الرحيم) ثبت سورة والبسملة لأبي ذر. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم ({بالحسنى}) ولأبي ذر {وكذب بالحسنى} (بالخلف) أي لم يوقن أن الله سيخلف عليه ما أنفقه في طاعته (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({تردى}) أي (مات) وقيل تردى في حفرة القبر وقيل في قعر جهنم ({وتلظى}) أي (توهج) وتتوقد (وقرأ عبيد بن عمير) بضم عينهما مصغرين فيما وصله سعيد بن منصور (تتلظى) بتاءين على الأصل. 1 - باب {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى ({والنهار إذا تجلى}) أي ظهر بزوال ظلمة الليل وثبت باب وما بعده لأبي ذر. 4943 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: دَخَلْتُ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ الشَّأْمَ، فَسَمِعَ بِنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ فَأَتَانَا فَقَالَ: أَفِيكُمْ مَنْ يَقْرَأُ؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: فَأَيُّكُمْ أَقْرَأُ؟ فَأَشَارُوا إِلَيَّ، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقَرَأْتُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [الليل: 1 - 3] قَالَ: آنْتَ سَمِعْتَهَا مِنْ فِي صَاحِبِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: وَأَنَا سَمِعْتُهَا مِنْ فِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهَؤُلاَءِ يَأْبَوْنَ عَلَيْنَا. وبه قال: (حدّثنا قبيصة بن عقبة) السوائي العامري قال: (حدّثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري (عن الأعمش) سليمان (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس أنه (قال: دخلت في نفر من أصحاب عبد الله) يعني ابن مسعود (الشام فسمع بنا أبو الدرداء) عويمر بن مالك (فأتانا فقال: أفيكم) بهمزة الاستفهام الاستخباري (من يقرأ)؟ القرآن (فقلنا: نعم، قال: فأيكم أقرأ)؟ أي أحفظ أو أحسن قراءة قال علقمة (فأشاروا إليّ) بتشديد الياء (فقال: اقرأ فقرأت ({والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى}) بحذف {وما خلق} وبالخفض (قال) أي أبو الدرداء ولأبي الوقت فقال: (آنت سمعتها) بمد الهمزة (من في صاحبك)؟ عبد الله بن مسعود أي من فمه (قلت: نعم قال) أبو الدرداء (وأنا سمعتها من في النبي) أي من فمه (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كذلك (وهؤلاء) يعني أهل الشام (يأبون علينا) بفتح الموحدة ويقولون المتواترة وما خلق الذكر والأنثى. 2 - باب {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({وما خلق الذكر والأنثى}) [الليل: 13] ثبت باب لأبي ذر. 4944 - حَدَّثَنَا عُمَرُ حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَدِمَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَطَلَبَهُمْ فَوَجَدَهُمْ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ كُلُّنَا: قَالَ: فَأَيُّكُمْ يَحْفَظُ؟ وَأَشَارُوا إِلَى عَلْقَمَةَ، قَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَهُ يَقْرَأُ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} قَالَ عَلْقَمَةُ: {وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى} قَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ هَكَذَا، وَهَؤُلاَءِ يُرِيدُونِي عَلَى أَنْ أَقْرَأَ {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} وَاللَّهِ لاَ أُتَابِعُهُمْ. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) سقط ابن حفص لغير أبي ذر قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (عن إبراهيم) النخعي أنه (قال: قدم أصحاب عبد الله) يعني ابن مسعود هم علقمة بن قيس وعبد الرحمن والأسود ابنا يزيد النخعي (على أبي الدرداء) وهذا صورته صورة إرسال لأن إبراهيم لم يحضر القصة لكن في الرواية السابقة عن إبراهيم عن علقمة وحينئذٍ فلا إرسال في هذه الرواية (فطلبهم فوجدهم فقال: أيكم يقرأ على قراءة عبد الله) يعني ابن مسعود (قال) أي علقمة (كلنا) يقرأ على قراءته (قال) أبو الدرداء (فأيكم يحفظ) ولأبي ذر أحفظ (وأشاروا) ولأبي ذر فأشاروا (إلى علقمة) بن قيس (قال) أبو الدرداء: (كيف سمعته)؟ يعني ابن مسعود (يقرأ: {والليل إذا يغشى} قال علقمة: {والذكر والأنثى}) بالخفض (قال) أبو الدرداء (أشهد أني سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ هكذا وهؤلاء) أي أهل الشام (يريدوني) ولأبي ذر يريدونني (على أن أقرأ {وما خلق الذكر والأنثى} والله لا أتابعهم) على هذه القراءة قال ذلك لما تيقنه من سماع ذلك من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولعله لم يعلم بنسخه ولم يبلغه مصحف عثمان المجمع عليه المحذوف منه كل منسوخ. 3 - باب قَوْلُهُ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} قوله (فأما) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله تعالى ({فأما من أعطى}) الطاعة ({واتقى}) المعصية. 4945 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فِي جَنَازَةٍ، فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ؟ فَقَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ». ثُمَّ قَرَأَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} -إِلَى قَوْلِهِ- {لِلْعُسْرَى} [الليل: 5 - 10]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان (عن سعد بن عبيدة) بسكون العين في الأول وضمها في الثاني مصغرًا أبي حمزة بالحاء المهملة والزاي ختن أبي عبد الرحمن السلمي (عن أبي عبد الرحمن السلمي) بضم السين وفتح اللام (عن عليّ) هو ابن أبي طالب (رضي الله عنه) أنه (قال: كنا مع النبي

4 - باب قوله: {وصدق بالحسنى}

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقيع الغرقد) مقبرة المدينة منّ الله عليّ بالدفن بها مع خاتمة الإسلام (في جنازة) لم يسم صاحبها (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ما منكم من أحد إلا وقد كُتب مقعده من الجنة ومقعده من النار) موضع قعوده منهما كناية عن كونه من أهل الجنة أو النار باستقراره فيها والواو المتوسطة بينهما لا يمكن أن تجري على ظاهرها فإن ما النافية ومن الاستغراقية يقتضيان أن يكون لكل أحد مقعد من النار ومقعد من الجنة فيجب أن يقال إن الواو بمعنى أو وقد ورد بلفظ أو من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن الأعمش في الباب الآتي بعد الباب اللاحق (فقالوا: يا رسول الله أفلا نتّكل)؟ أي أفلا نعتمد على كتابنا الذي قدر الله علينا وعند ابن مردويه في تفسيره من طريق جابر أن السائل عن ذلك سراقة بن جعشم وفي مسند أحمد أنه أبو بكر وفي مسند عمر لأبي بكر المروزي والبزار أنه عمر وقيل في الراوي (فقال) عليه الصلاة والسلام (اعملوا فكلٌّ ميسر) أي مهيأ لما خلق له ثم قرأ ({فأما من أعطى واتقى * وصدّق بالحسنى} -إلى قوله- {للعسرى}) [الليل: 5 - 10] وسقط لأبي ذر وصدق الخ وقال بعد قوله: {واتقى} الآية. 4 - باب قَوْلِهِ: {وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} هذا (باب قوله: ({وصدق بالحسنى}) أي بالكلمة الحسنى وهي ما دل على حق ككلمة التوحيد والباب وتاليه ثابتان لأبي ذر. 0000 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ، -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد البصري قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (عن سعد بن عبيدة) بالتصغير (عن أبي عبد الرحمن) السلمي (عن عليّ -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا قعودًا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر الحديث) السابق زاد أبو ذر نحوه. 5 - باب {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله جل وعلا ({فسنيسره لليسرى}) أي للجنة وثبت باب لأبي ذر. 4946 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ فِي جَنَازَةٍ، فَأَخَذَ عُودًا يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، أَوْ مِنَ الْجَنَّةِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ؟ قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 5] الآيَةَ، قَالَ شُعْبَةُ: وَحَدَّثَنِي بِهِ مَنْصُورٌ فَلَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ. وبه قال: (حدّثنا بشر بن خالد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة الفرائضي العسكري قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن جعفر) غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) الأعمش (عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان في جنازة) لم يسم صاحبها (فأخذ عودًا ينكتُ) بمثناة نوقية يضرب به (في الأرض) فعل المتفكّر في شيء مهمّ (فقال): (ما منكم من أحد إلا وقد كُتب مقعده من النار أو من الجنة. قالوا): قيل السائل سراقة وقيل علي الراوي وقيل عمر (يا رسول الله أفلا نتكل) أي نعتمد على كتابنا وندع العمل (قال) عليه الصلاة والسلام: (اعملوا فكل ميسر) زاد في رواية في الباب اللاحق لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فسيصير لعمل السعادة وأما من كان من أهل الشقاوة فسيصير لعمل الشقاوة ثم قرأ ({فأما من أعطى واتقى * وصدّق بالحسنى} [الليل: 5] الآية. وقال الخطابي: في قولهم ألا نتكل على كتابنا مطالبة منهم بأمر يوجب تعطيل العبودية وروم أن يتخذوا حجة لأنفسهم في ترك العمل فأعلمهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله اعملوا فكلٌّ ميسر لما خلق له بأمرين لا يبطل أحدهما بالآخر باطن هو العلامة الموجبة في علم الربوبية وظاهر هو القسمة اللازمة في حق العبودية وهي أمارة مخيلة غير مفيدة حقيقة للعلم ونظيره الرزق المقسوم مع الأمر بالكسب والأجل المضروب في العمر مع المعالجة بالطب فإنك تجد المغيب فيهما علة موجبة والظاهر البادي سببًا مخيلًا وقد اصطلح الناس خاصتهم وعامتهم أن الظاهر فيهما لا يترك لسبب الباطن. قال في فتوح الغيب: تلخيصه عليكم بشأن العبودية وما خلقتم لأجله وأمرتم به وكلوا أمر الربوبية الغيبية إلى صاحبها فلا عليكم بشأنها. (قال شعبة) بن الحجاج بالإسناد السابق: (وحدّثني به) بالحديث المذكور (منصور) هو ابن المعتمر (فلم أنكره من حديث سليمان) أي الأعمش بل وافق حديثه فما أنكر منه شيئًا. 6 - باب قَوْلِهِ: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى} (باب قوله) عز وجل: ({وأما من بخل}) بما أمر به ({واستغنى} بشهوات الدنيا) وثبت لأبي ذر باب قوله. 4947 - حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ». فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ؟ قَالَ: «لاَ، اعْمَلُوا، فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ». ثُمَّ قَرَأَ: «{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} -إِلَى قَوْلِهِ- {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}». وبه قال: (حدّثتا يحيى) هو ابن موسى البلخي المشهور بخت قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح الرؤاسي بضم الراء وبالهمزة بعدها سين

7 - باب قوله: {وكذب بالحسنى}

مهملة (عن الأعمش) سليمان (عن سعد بن عبيدة) ختن أبي عبد الرحمن (عن أبي عبد الرحمن) السلمي (عن علي -رضي الله عنه-) وفي اليونينية عليه السلام أنه (قال: كنا جلوسًا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في جنازة في بقيع الغرقد (فقال): (ما منكم من أحد إلا وقد كُتب مقعده من الجنة ومقعده من النار. فقلنا) ولأبي ذر قلنا: (يا رسول الله أفلا نتكل) أي على كتابنا وندع العمل (قال: لا اعملوا فكلٌّ ميسر) أي لما خلق له (ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام ({فأما من أعطى واتقى* وصدّق بالحسنى *فسنيسره لليسرى}) فسنهيئه للخلة التي تؤدي إلى يسر (إلى قوله: {فسنيسره للعسرى}) للخلة المؤدية للعسر والشدة لدخول النار. قال الطيبي: وأما وجه تأنيث اليسرى والعسرى فإن كان المراد منهما جماعة الأعمال فذلك ظاهر وإن كان المراد عملًا واحدًا فيرجع التأنيث إلى الحالة أو الفعلة ويجوز أن يراد الطريقة اليسرى والعسرى. 7 - باب قَوْلِهِ: {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} قوله: {وكذب} ولأبي ذر (باب) بالتنوين أي في (قوله) جل وعلا: ({وكذب بالحسنى}). 4948 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، وَمَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ، إِلاَّ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلاَّ قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً». قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ، فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ، فَسَيَصِيرُ إِلَى أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ؟ قَالَ: «أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ»، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 5] الآيَةَ. وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو ابن محمد بن أبي شيبة ونسبه لجده لشهرته به العبسي الكوفي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد الرازي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا في جنازة) لم يسم صاحبها (في بقيع الغرقد) مقبرة المدينة (فأتانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة والراء عصا (فنكس) بفتح النون والكاف مشددة بعدها سين مهملة (فجعل ينكت بمخصرته) في الأرض (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (ما منكم من أحد وما من نفس منفوسة) مولودة (إلا كتب مكانها) الذي تصير إليه (من الجنة والنار وإلا قد كتبت) ولأبي ذر عن الكشميهني وإلا كتبت بإسقاط قد وله عن الحموي والمستملي أو قد كتبت (شقية أو سعيدة) ولأبي ذر أو قد كتبت سعيدة (قال) ولأبي ذر فقال (رجل: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى أهل السعادة) ولأبي ذر إلى عمل أهل السعادة (ومن كان منا من أهل الشقاء) ولأبي ذر من أهل الشقاوة (فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة) ولأبي ذر أهل الشقاء (قال) عليه الصلاة والسلام: (أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاء) ولأبي ذر عن الكشميهني الشقاوة (ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام ({فأما من أعطى واتقى* وصدق بالحسنى} الآية) إلى آخرها. 8 - باب {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({فسنيسره للعسرى}) وسقط لغير أبي ذر باب. 4949 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي جَنَازَةٍ، فَأَخَذَ شَيْئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ الأَرْضَ فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، إِلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟ قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 5]» الآيَةَ. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان أنه (قال: سمعت سعد بن عبيدة) بسكون العين الأولى وضم الثانية (يحدّث عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جنازة) بالبقيع (فأخد شيئًا فجعل ينكت) بالفوقية (به الأرض) في الرواية السابقة فجعل ينكت بمخصرته في الأرض (فقال): (ما منكم من أحد إلا وقد) ولأبي ذر إلا قد (كتب مقعده) أي موضع قعوده (من النار ومقعده) موضع قعوده (من الجنة. قالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا) المكتوب في الأزل (وندع العمل) أي نتركه إذ لا فائدة فيه مع سبق القضاء لكل واحد منا بالجنة أو النار (قال) عليه الصلاة والسلام مجيبًا لهم (اعملوا فكلٌّ ميسر) مهيأ (لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعاة وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة) ولأبي ذر عن الكشميهني فسييسر بسين بعد الفاء بدل الياء وعن الحموي والمستملي الشقاء بالمد وإسقاط الواو والهاء وسقط لأبي ذر لفظ أهل قال المظهري جوابه عليه الصلاة والسلام بقوله اعملوا هو من أسلوب الحكيم منعهم عليه

[93] سورة والضحى

الصلاة والسلام عن الاتكال وترك العمل وأمرهم بالتزام ما يجب على العبد من امتثال أمر مولاه وعبوديته وتفويض الأمر إليه. قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56] ولا يدخل أحد الجنة بعمله (ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام ({فأما من أعطى واتقى* وصدق بالحسنى} الآية). وقد ذكر ابن جرير أن هذه الآية نزلت في الصديق ثم روى بسنده إلى عبد الله بن الزبير قال: كان أبو بكر يعتق على الإسلام بمكة وكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن فقال له أبوه أي بني أراك تعتق أناسًا ضعافًا فلو أنك تعتق رجالًا جلداء يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك فقال أي أبت إنما أريد ما عند الله قال فحدّثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية أنزلت فيه {فأما من أعطى} إلى آخرها وذكر غير واحد من المفسرين أن قوله تعالى {وسيجنبها الأتقى} [الليل: 17] إلى آخرها نزلت فيه أيضًا حتى أن بعضهم حكى إجماع المفسرين عليه ولا شك أنه داخل فيها وأولى لأمة بعمومها ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع الأوصاف الحميدة. [93] سُورَةُ وَالضُّحَى (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ مُجَاهِدٌ {إِذَا سَجَى}: اسْتَوَى، وَقَالَ غَيْرُهُ: أَظْلَمَ وَسَكَنَ. {عَائِلًا}: ذُو عِيَالٍ. ([93] سُورَةُ وَالضُّحَى) مكية وآيها إحدى عشرة. (بسم الله الرحمن الرحيم) ثبت لفظ سورة والبسملة لأبي ذر. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي: ({إذا سجى}) ولأبي ذر إذا سجا مكتوب بالألف بدل الياء (استوى. وقال غيره) غير مجاهد معناه (أظلم) ولأبي ذر سجا أظلم قاله الفراء وقال الفراء وقال ابن الأعرابي اشتدّ ظلامه (و) قيل (سكن) ومنه سجا البحر يسجو سجوًّا أي سكنت أمواجه وليلة ساجية ساكنة الريح ({عائلًا}) قال أبو عبيدة: أي (ذو عيال) يقال أعال الرجل أي كثر عياله وعال أي افتقر. 1 - باب قَوْلُهُ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} هذا (باب قوله: {ما ودعك}) ما تركك منذ اختارك ({ربك وما قلى}) وما أبغضك منذ أحبك وحذف المفعول استغناء بذكره فيما ممبق ومراعاة للفواصل وثبت باب لأبي ذر. 4950 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدُبَ بْنَ سُفْيَانَ -رضي الله عنه- قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ شَيْطَانُكَ قَدْ تَرَكَكَ، لَمْ أَرَهُ قَرِبَكَ مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 1 - 3]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) التميمي اليربوعي الكوفي ونسبه لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي مصغرًا ابن معاوية قال: (حدّثنا الأسود بن قيس) العبدي (قال: سمعت جندب بن سفيان) بضم الجيم والدال المهملة وفتحها أيضًا وهو جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي (-رضي الله عنه- قال: اشتكى) مرض (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يقم) للتهجد (ليلتين) وفي نسخة ليلة بالإفراد (أو ثلاثًا) بالشك والنصب على الظرفية (فجاءت امرأة) هي العوراء بنت حرب أخت أبي سفيان وهي حمالة الحطب زوج أبي لهب كما عند الحاكم (فقالت) متهكمة: (يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك) فتح القاف وكسر الراء قربه يقربه بفتح الراء متعديًا ومنه لا تقربوا الصلاة وأما قرب بضمها فهو لازم تقول قرب الشيء إذا دنا وقربته بالكسر أي دنوت منه وهنا متعدٍّ (من ليلتين أو ثلاثًا) نصب وفي نسخة أو ثلاث ولأبي ذر أو ثلاثة خفض بمنذ (فأنزل الله عز وجل ({والضحى}) وقت ارتفاع الشمس أو النهار كله ({والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى}) وقدم الليل على النهار في السورة السابقة باعتبار الأصل والنهار في هذه باعتبار الشرف. 2 - باب قَوْلُهُ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} تُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ: مَا تَرَكَكَ رَبُّكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا تَرَكَكَ وَمَا أَبْغَضَكَ. (باب قوله: {ما}) وللمستملي باب بالتنوين أي في قوله تعالى ما ({ودعك ربك وما قلى} تقرأ) ودعك (بالتشديد) في الدال وهي قراءة العامة (وبالتخفيف) وهي قراءة عروة وهشام ابنه وأبي حيوة وابن أبي عبلة وهما (بمعنى واحد) أي (ما تركك ربك. وقال ابن عباس) مما وصله ابن أبي حاتم (ما تركك وما أبغضك). 4951 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا الْبَجَلِيَّ قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أُرَى صَاحِبَكَ إِلاَّ أَبْطَأَكَ. فَنَزَلَتْ: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة بندار قال: (حدّثنا محمد بن جعفر غندر) ولأبي ذر إسقاط محمد بن جعفر وقال حدّثنا غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأسود بن قيس) العبدي أنه (قال: سمعت جندبًا البجلي) بفتح الموحدة والجيم يقول (قالت امرأة) هي خديجة أم المؤمنين توجعًا

[94] سورة {ألم نشرح لك}

وتأسفًا (يا رسول الله: ما أرى) بضم الهمزة ما أظن ولأبي ذر ما أرى بفتحها (صاحبك) جبريل (إلا أبطأك}) أي جعلك بطيئًا في القراءة لأن بطأه في الإقراء بطء في قراءته أو هو من باب حذف حرف الجر وإيصال الفعل به قاله الكرماني (فنزلت {ما ودعك ربك وما قلى}). وهذا الحديث سبق في باب ترك القيام للمريض. [94] سورة {أَلَمْ نَشْرَحْ لك} (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ مُجَاهِدٌ {وِزْرَكَ}: فِي الْجَاهِلِيَّةِ. {أَنْقَضَ}: أَثْقَلَ. {مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}: قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ أَيْ مَعَ ذَلِكَ الْعُسْرِ يُسْرًا آخَرَ، كَقَوْلِهِ: {هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: 52]: وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {فَانْصَبْ}: فِي حَاجَتِكَ إِلَى رَبِّكَ. وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَلَمْ نَشْرَحْ لك صَدْرَكَ}: شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ. ([94] سورة {ألم نشرح لك}) مكية وآيها ثمان. (بسم الله الرحمن الرحيم) ثبت لفظ لك والبسملة لأبي ذر. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي: ({وزرك}) أي الكائن (في الجاهلية) من ترك الأفضل والذهاب إلى الفاضل. ({أنقض}) أي (أثقل) بمثلثة فقاف فلام كذا في الفرع كأصله وعزاها في الفتح لابن السكن وفي نسخة أتقن وقال القاضي عياض إنها كذا في جميع النسخ بفوقية وبعد القاف نون وهو وهم والصواب الأول وأصله الصوت والنقيض صوت المحامل والرحال بالحاء المهملة ({مع العسر يسرًا} قال ابن عيينة) سفيان: (أي مع ذلك العسر يسرًا آخر) لأن النكرة إذا أعيدت نكرة فهي غير الأولى فاليسر هنا اثنان والعسر واحد قال الفراء إذا ذكرت العرب نكرة ثم أعادتها منكرة مثلها صارتا اثنتين كقولك إذا كسبت درهمًا فأنفق درهمًا فإن الثاني غير الأوّل فإذا أعادتها معرفة فهي هي أي نحو قوله تعالى: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولًا* فعصى فرعون الرسول} [المزمل: 15 - 16] وذكر الزجاج نحوه وقال السيد في الأمالي: وإنما كان العسر معرفًا واليسر منكرًا لأن الاسم إذا تكرر منكرًا فالثاني غير الأول كقولك جاءني رجل فقلت لرجل كذا وكذا وكذلك إن كان الأول معرفة والثاني نكرة نحو حضر الرجل فأكرمت رجلًا (كقوله) جل وعلا: ({هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين}) [التوبة: 52] أي كما ثبت للمؤمنين تعدد الحسنى كذا ثبت لهم تعدد اليسر "ولن يغلب عسر يسرين" رواه سعيد بن منصور وعبد الرزاق من حديث ابن مسعود بلفظه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لو كان العسر في جحر لدخل عليه اليسر حتى يخرجه ولن يغلب عسر يسرين" ثم قال: {إن مع العسر يسرًا *إن مع العسر يسرًا} [الشرح: 5 - 6] وإسناده ضعيف وعن جابر عند ابن مردويه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أوحي إليّ أن مع العسر يسرًا إن مع العسر يسرًا ولن يغلب عسر يسرين". (وقال مجاهد) فيما وصله ابن المبارك في الزهد: ({فانصب}) أي (في حاجتك إلى ربك) وقال ابن عباس: إذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء وارغب إليه في المسألة. (ويذكر عن ابن عباس) مما وصله ابن مردويه بإسناد فيه راوٍ ضعيف في قوله تعالى: ({ألم نشرح لك صدرك} شرح الله صدره للإسلام) وقيل ألم نفتح قلبك ونوسعه للإيمان والنبوة والعلم والحكمة والاستفهام إذا دخل على النفي قرره فصار المعنى قد شرحنا وسقط لغير أبي ذر لك صدرك. [95] سورة وَالتِّينِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ التِّينُ وَالزَّيْتُونُ الَّذِي يَأْكُلُ النَّاسُ. يُقَالُ: {فَمَا يُكَذِّبُكَ}؟ فَمَا الَّذِي يُكَذِّبُكَ بِأَنَّ النَّاسَ يُدَانُونَ بِأَعْمَالِهِمْ؟ كَأَنَّهُ قَالَ: وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَكْذِيبِكَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَاب؟ ِ ([95] سورة وَالتِّينِ) مكية أو مدنية وآيها ثمان وثبت لفظ سورة لأبي ذر. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي (هو التين والزيتون الذي يأكل الناس) وخصهما بالقسم لأن التين فاكهة طيبة لا فضل لها وغذاء لطيف سريع الهضم ودواء كثير النفع لأنه يلين الطبع ويحلل البلغم ويطهر الكليتين ويزيل رمل المثانة ويفتح سدة الكبد والطحال ويسمن البدن ويقطع البواسير وينفع من النقرس ويشبه فواكه الجنة لأنه بلا عجم ولا يمكث في المعدة ويخرج بطريق الرشح، وأما الزيتون ففاكهة وإدام ودواء وله دهن لطيف كثير المنافع وينبت في الجبال التي ليست فيها دهنية فلما كان فيهما

1 - باب

هذه المنافع الدالّة على قدرة خالقهما لا جرم أقسم الله بهما، وعن ابن عباس فيما رواه ابن أبي حاتم مسجد نوح الذي بني على الجودي، وقيل التين مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيلياء. (يقال: {فما يكذبك}) أي (فما الذي يكذبك بأن الناس يدانون بأعمالهم) يجُازون بها ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يدالون باللام بدل النون والأول هو الصواب (كأنه قال: ومن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب) زاد الفراء بعد ما تبين له كيفية خلقه وما استفهامية في محل رفع بالابتداء والخبر الفعل بعدها والمخاطب الرسول وقيل الإنسان على طريقة الالتفات. 1 - باب 4952 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ. أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ فِي سَفَرٍ فَقَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. {تَقْوِيمٍ}: الْخَلْقِ. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) البرساني قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال أخبرني) بالإفراد (عدي) هو ابن ثابت (قال: سمعت البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في سفر فقرأ في) صلاة (العشاء في إحدى الركعتين) في النسائي في الركعة الأولى (بالتين والزيتون) وفي كتاب الصحابة لابن السكن في ترجمة ورقة بن خليفة رجل من أهل اليمامة أنه قال: سمعنا بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأتيناه فعرض علينا الإسلام فأسلمنا وأسهم لنا وقرأ في الصلاة بالتين والزيتون إنا أنزلناه في ليلة القدر. قال في الفتح: فيمكن إن كانت في الصلاة التي عين البراء بن عازب أنها العشاء أن يقال قرأ في الأولى بالتين وفي الثانية بالقدر. ({تقويم}) قال مجاهد (الخلق) بفتح الخاء وسكون اللام يعني أنه خص الإنسان بانتصاب القامة وحسن الصورة وكل حيوان منكب على وجهه وقوله في أحسن تقويم صفة لمحذوف أي في تقويم أحسن تقويم وسقط لأبي ذر تقويم الخلق. [96] سورة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: اكْتُبْ فِي الْمُصْحَفِ فِي أَوَّلِ الإِمَامِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَاجْعَلْ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ خَطًّا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {نَادِيَهُ}: عَشِيرَتَهُ. {الزَّبَانِيَةَ}: الْمَلاَئِكَةَ. وَقَالَ مَعْمَرٌ {الرُّجْعَى}: الْمَرْجِعُ. {لَنَسْفَعَنْ}: لَنَأْخُذَنْ. {وَلَنَسْفَعَنْ}: بِالنُّونِ وَهْيَ الْخَفِيفَةُ. {سَفَعْتُ} بِيَدِهِ: أَخَذْتُ. ([96] سورة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}) مكية وآيها تسع عشرة. وقولها ({اقرأ باسم ربك}) أي اقرأ القرآن مفتتحًا باسمه مستعينًا به وسقط لفظ سورة لغير أبي ذر. (وقال) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي حدّثنا (فتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن يحيى بن عتيق) الطفاوي بضم الطاء وبالفاء (عن الحسن) البصري (قال: اكتب في المصحف في أوّل الإمام) أول القرآن الذي هو الفاتحة (بسم الله الرحمن الرحيم) فقط (واجعل بين السورتين خطًّا) يكون علامة فاصلة بينهما من غير بسملة وهو مذهب حمزة حيث قرأ بالبسملة أول الفاتحة فقط. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({ناديه}) أي (عشيرته) فليستنصر بهم وأصل النادي المجلس الذي يجمع الناس ولا يسمى ناديًا ما لم يكن فيه أهله. ({الزبانية}) أي (الملائكة) وسموا بذلك لأنهم يدفعون أهل النار إليها بشدّة مأخوذ من الزبن وهو الدفع (وقال معمر) أبو عبيدة ({الرجعى}) هي (المرجع) في الآخرة وفيه تهديد لهذا الإنسان من عاقبة الطغيان وسقط معمر لغير أبي ذر وحينئذٍ فيكون من قول مجاهد والأول أوجه لوجوده عن أبي عبيد ({لنسفعن}) أي (لنأخذن) بناصيته فلنجرنه إلى النار ولغير أبي ذر قال لنأخذن ({ولنسفعن} بالنون وهي الخفيفة) وفي رسم المصحف بالألف (سفعت بيده) بفتح السين والفاء وسكون العين أي (أخذت) قاله أبو عبيدة أيضًا. 1 - باب هذا (باب) بالتنوين بدون ترجمة وهو ثابت لأبي ذر. 4953 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مَرْوَانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ سَلْمَوَيْهِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ فَكَانَ يَلْحَقُ بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ. قَالَ: وَالتَّحَنُّثُ: التَّعَبُّدُ. اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَيَتَزَوَّدُ بِمِثْلِهَا، حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهْوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ. قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجُهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيِةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5]». فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي»، فَزَمَّلُوهُ. حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ. قَالَ لِخَدِيجَةَ: «أَيْ خَدِيجَةُ مَا لِي لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي»؟ فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ. قَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلاَّ أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ. وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، وَهْوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيهَا، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، وَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ، مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، قَالَ وَرَقَةُ يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَبَرَ مَا رَأَى فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى، لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا. لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا ذَكَرَ حَرْفًا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ»؟ قَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ أُوذِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ حَيًّا أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) القرشي المصري ونسبه لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله وسقط ابن بكير لغير أبي ذر قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام المصري (عن عقيل) بضم العين مصغرًا ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد وسقطت الواو لغير أبي ذر (سعيد بن مروان) بكسر العين أبو عثمان البغدادي نزيل نيسابور قال: (حدّثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة) بكسر الراء وسكون الزاي قال: (أخبرنا أبو صالح) سليمان ولقبه (سلمويه) بفتح السين المهملة

واللام وسكنها أبو ذر ابن صالح الليثي المروزي قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله) بن المبارك (عن يونس بن يزيد) من الزيادة أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن شهاب) الزهري (أن عروة بن الزبير) بن العوّام (أخبره أن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) -رضي الله عنها- (قالت) واللفظ للسند الثاني (كان أول ما بدئ به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في بدء الوحي من الوحي (الرؤيا الصادقة في النوم) وعائشة لم تدرك ذلك فيحمل على أنها سمعت ذلك منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويؤيده قولها الآتي إن شاء الله تعالى فجاءه الملك فقال اقرأ الخ وفي باب بدء الوحي الرؤيا الصالحة في النوم (فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت) مجيئًا (مثل فلق الصبح) عبر به لأن شمس النبوة قد كانت مبادئ أنوارها الرؤيا إلى أن ظهرت أشعتها وتم نورها (ثم حبب إليه الخلاء) بالمد أي الاختلاء لأن فيه فراغ القلب والانقطاع عن الخلق (فكان يلحق) بفتح الحاء المهملة بعد اللام الساكنة آخره قاف وفي بدء الوحي يخلو ولابن إسحاق يجاور (بغار حراء) بالصرف على إرادة المكان جبل على يسار الذاهب إلى منى (فيتحنث فيه) بالمثلثة بعد النون (قال) عروة أو من دونه من الرواة (والتحنث) هو (التعبد الليالي ذوات العدد) مع أيامهن واقتصر على الليالي لأنهن أنسب للخلوة وزاد عبيد بن عمير عند ابن إسحاق فيطعم من يرد عليه من المساكين وعنده أيضًا أنه كان يعتكف فيه شهر رمضان (قبل أن يرجع إلى أهله) عياله (ويتزوّد لذلك) التعبد أو الخلوة (ثم يرجع إلى خديجة فيتزوّد بمثلها) بالموحدة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لمثلها باللام بدل الموحدة والضمير لليالي أو الخلوة أو العبادة أو المرة السابقة ويحتمل أن يكون المراد أنه يتزوّد لمثلها إذا حال الحول وجاء ذلك الشهر الذي جرت عادته أن يخلو فيه قال في الفتح وهذا عندي أظهر (حتى فجئه) بكسر الجيم أي أتاه (الحق) وهو الوحي مفاجأة (وهو في غار حراء) جملة في موضع الحال (فجاءه الملك) جبريل (فقال: اقرأ. فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما أنا بقارئ) ما نافية واسمها أنا وخبرها بقارئ أي ما أحسن أن أقرأ (قال فأخذني) جبريل (فغطني) أي ضمني وعصرني (حتى بلغ مني الجهد) بفتح الجيم والنصب أي بلغ الغط مني الجهد وبضم الجيم والرفع أي بلغ الجهد مبلغه (ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ فأخدني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد) وإنما فعل به ذلك ليفرغه عن النظر إلى أمر الدنيا ويقبل بكليته إلى ما يلقي إليه (ثم أرسلني قال {اقرأ باسم ربك}) قال الحافظ ابن حجر لعل الحكمة في تكرير الإقراء الإشارة إلى انحصار الإيمان الذي ينشأ الوحي بسببه في ثلاث القول والعمل والنية وإن الوحي يشتمل على ثلاثة التوحيد والأحكام والقصص وفي تكرير الغط الإشارة إلى الشدائد الثلاث التي وقعت له عليه الصلاة والسلام وهي الحصر في الشعب وخروجه في الهجرة وما وقع يوم أُحُد في الإرسالات الثلاث إلى حصول التيسير له عقب الثلاث المذكورة ({الذي خلق}) الخلائق ({خلق الإنسان}) الجنس ({من علق}) جمع علقة وهي القطعة اليسيرة من الدم الغليظ ({اقرأ وربك الأكرم}) الذي لا يوازيه كريم ولا يعادله في الكرم نظير ({الذي علم}) الخط ({بالقلم}) قال قتادة القلم نعمة من الله عز وجل عظيمة لولا ذلك لم يقم دين ولم يصلح عيش ({علم الإنسان}) من العلوم والخط والصناعات ({ما لم يعلم} الآيات) قبل تعليمه وسقط لأبي ذر قوله {الذي علم بالقلم} وقال الآيات إلى قولها {علم الإنسان ما لم يعلم} وهي خمس آيات وتاليها إلى آخرها نزل في أبي جهل وضم إليها (فرجع بها) أي بالآيات الخمس أو بسبب تلك الغطة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترجف بوادره) جمع بادرة وهي اللحمة التي بين الكتف والعنق تضطرب عند الفزع ولأبي ذر عن الكشميهني فؤاده أي قلبه (حتى دخل على خديجة فقال: زملوني زملوني) مرتين

للحموي والمستملي من التزميل وهو التلفيف وطلب ذلك ليسكن ما حصل له من الرعدة من شدة هول الأمر وثقله (فزملوه) بفتح الميم كما أمرهم (حتى ذهب عنه الروع) بفتح الراء أي الفزع (قال لخديجة: أي خديجة ما لي لقد) ولأبي ذر عن الكشميهني قد (خشيت على نفسي) أن لا أطيق حمل أعباء الوحي لما لقيته عند لقاء الملك (فأخبرها الخبر قالت خديجة) له عليه الصلاة والسلام: (كلا) أي لا خوف عليك (أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدًا) بالخاء المعجمة والزاي المكسورة وفي مرسل عبيد بن عمير أبشر يا ابن عم واثبت فوالذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة (فوالله إنك لتصل الرحم) أي القرابة (وتصدق الحديث وتحمل الكل) بفتح الكاف وتشديد اللام الضعيف المنقطع واليتيم (وتكسب المعدوم) بفتح التاء وكسر السين تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك (وتقري الضيف) بفتح أوّله من الثلاثي (وتعين على نوائب الحق) حوادثه. (فانطلقت به خديجة) مصاحبة له (حتى أتت به ورقة بن نوفل) أي ابن أسد (وهو ابن عم خديجة أخي) ولأبي ذر أخو (أبيها) لأنه ورقة بن نوفل بن أسد وهي خديجة بنت خويلد بن أسد (وكان) ورقة (امرأ تنصّر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب) أي كتابته وذلك لتمكنه في دين النصارى ومعرفته بكتابهم (وكان) ورقة (شيخًا كبيرًا) حال كونه (قد عمي فقالت خديحة: يا عم) ولأبي ذر يا ابن عم (اسمع من ابن أخيك) تعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن الأب الثالث لورقة هو الأخ للأب الرابع لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي اسمع منه الذي يقوله. (قال) له عليه الصلاة والسلام (ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبر ما رأى فقال) له (ورقة: هذا الناموس) أي جبريل (الذي أنزل) بضم الهمزة (على موسى) وفي رواية الزبير بن بكار على عيسى وقد سبق في بدء الوحي مبحث ذلك (ليتني) وفي بدء الوحي يا ليتني بأداة النداء (فيها) في مدة النبوّة أو الدعوة (جدعًا) بفتح الجيم والمعجمة أي: ليتني شاب فيها (ليتني أكون حيًّا ذكر) ورقة بعد ذلك (حرفًا) وهي في الرواية الأخرى إذ يخرجك قومك أي من مكة (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أو مخرجي هم) بفتح الواو وتشديد التحتية وهم مبتدأ ومخرجي خبره مقدمًا وقدم الهمزة على العاطف لأن الاستفهام له الصدر نحو أو لم ينظروا والاستفهام للإنكار وبقية المباحث سبقت أوّل الكتاب (قال ورقة: نعم لم يأت رجل بما جئت به) من الوحي (إلا أُوذي) بضم الهمزة وكسر الذال المعجمة وفي بدء الوحي إلا عُودِيَ (وإن يدركني) بالجزم بإن الشرطية (يومك) فاعل يدركني أي يوم انتشار نبوّتك (حيًّا أنصرك) بالجزم جواب الشرط (نصرًا مؤزرًا) قومًا بليغًا صفة لنصر المنصوب على المصدرية (ثم لم ينشب ورقة) لم يلبث (أن توفي وفتر الوحي) أي احتبس (فترة حتى حزن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللحموي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). زاد في التعبير من طريق معمر عن الزهري فيما بلغنا حزنًا غدًا منه مرارًا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدّى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقًّا فيسكن لذلك جأشه وتقرّ نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدًا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك. وهذه الزيادة خاصة برواية معمر والقائل فيما بلغنا الزهري وليس موصولًا. نعم يحتمل أن يكون بلغه بالإسناد المذكور وسقط قوله فيما بلغنا عند ابن مردويه في تفسيره من طريق محمد بن كثير عن معمر. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والأوّل هو المعتمد، وقوله غدًا بالغين المعجمة من الذهاب غدوة أو بالعين المهملة من العدوة وهو الذهاب بسرعة وأما إرادته عليه الصلاة والسلام إلقاء نفسه من رؤوس شواهق الجبال فحزنًا على ما فاته من الأمر الذي بشره به ورقة وحمله القاضي عياض على أنه لما أخرجه من

2 - باب قوله: {خلق الإنسان من علق}

تكذيب من بلغه كقوله تعالى: {لعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفًا} [الكهف: 6] أو خاف أن الفترة لأمر أو سبب منه فخشي أن يكون عقوبة من ربه ففعل ذلك بنفسه ولم يرد بعد شرع عن ذلك فيعترض به. وأما ما روى ابن إسحاق عن بعضهم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال وذكر جواره بحراء قال: فجاءني وأنا نائم فقال: اقرأ وذكر نحو حديث عائشة -رضي الله عنها- في غطه له وإقرائه {اقرأ باسم ربك} [العلق: 1]. قال: فانصرف عني وهببت من نومي كأنما صوّرت في قلبي ولم يكن أبغض إليّ من شاعر أو مجنون، ثم قلت لا تحدّث عني قريش بهذا أبدًا لأعمدنّ إلى حالق من الجبل فلأطرحنّ نفسي منه فلأقتلنّها. فأجاب عنه القاضي بأنه إنما كان قبل لقائه جبريل وقيل إعلام الله له بالنبوّة وإظهاره واصطفائه بالرسالة. نعم خرّج الطبري من طريق النعمان بن راشد عن ابن شهاب أن ذلك بعد لقاء جبريل فذكر نحو حديث الباب وفيه فقال: يا محمد أنت رسول الله حقًّا. قال: فلقد هممت أن أطرح نفسي من حالق جبل أي علوه. وأجيب: بأن ذلك لضعف قوته عن تحمل ما حمله من أعباء النبوّة وخوفًا مما يحصل له من القيام بها من مباينة الخلق جميعًا كما يطلب الرجل إلى أخيه من غمٍّ يناله في العاجل ما يكون فيه زواله عنه ولو أفضى إلى إهلاك نفسه عاجلًا. 4954 - قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَهْوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ، قَالَ فِي حَدِيثِهِ: «بَيْنَا أَنَا أَمْشِي، سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَفَرِقْتُ مِنْهُ فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي». فَدَثَّرُوهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرِّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1 - 5] قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَهْيَ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَ، قَالَ ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْيُ. (قال محمد بن شهاب) الزهري بالإسناد الأول من السندين المذكورين أول هذا الباب: (فأخبرني) بالإفراد عروة بما سبق وأخبرني (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف وسقط ابن عبد الرحمن لغير أبي ذر (أن جابر بن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يحدّث عن فترة الوحي) ولم يدرك جابر زمان القصة وهو محمول على أن يكون سمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال في حديثه): (بينا) بغير ميم (أنا أمشي سمعت) وفي بدء الوحي إذ سمعت (صوتًا من السماء فرفعت بصري) ولأبي ذر عن الكشميهني رأسي (فإذا الملك الذي جاءني بحراء) هو جبريل عليه السلام (جالس على كرسي بين السماء والأرض) وجالس رفع خبر عن الملك (ففرقت) بكسر الراء وسكون القاف أي خفت (منه فرجعت) إلى أهلي بسبب الفرق (فقلت) لهم (زملوني زملوني) مرتين (فدثروه) بالهاء (فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}) عن النجاسة أو قصرها ({والرجز فاهجر}) دُمْ على هجرها. (قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن بالسند السابق (و) الرجز: (هي الأوثان التي كان أهل الجاهلية يعبدونـ) ـها (قال: ثم تتابع الوحي) وأنّث ضمير الرجز بقوله وهي اعتبارًا بالجنس. 2 - باب قَوْلِهِ: {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} (قوله) جل وعلا: ({خلق}) ولأبي ذر باب خلق ({الإنسان من علق}). 4955 - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ. فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} [العلق: 1 - 3]. وبه قال: (حدّثنا ابن بكير) يحيى بن عبد الله المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين بن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (أن عائشة - رضي الله عنها- قالت: أول) ولأبي ذر عن عائشة أول (ما بدئ به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي من الوحي (الرؤيا الصالحة) ولأبي ذر عن الكشميهني الصادقة زاد في رواية في النوم وهي تأكيد وإلاّ فالرؤيا مختصة بالنوم (فجاءه الملك فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ}) وسقط السهيلي من هذا الأمر ثبوت البسملة في أول الفاتحة لأن هذا الأمر هو أول شيء نزل من القرآن فأولى مواضع امتثاله أول القرآن. 3 - باب قَوْلِهِ: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} (باب قوله: {اقرأ}) ولأبي ذر بالتنوين اقرأ ({وربك الأكرم}). 4956 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ ح. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، قَالَ مُحَمَّدُ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ، جَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} [العلق: 1 - 4]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني الإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) بسكون العين ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (ح) لتحويل السند كما مرّ. (وقال الليث) بن سعد فيما وصله المؤلّف في بدء الوحي (حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين ابن خالد (قال محمد) هو ابن مسلم بن شهاب الزهري (أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت: (أول ما بدئ به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ

4 - باب {الذي علم بالقلم}

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرؤيا الصادقة) بالقاف ولم يقل هنا في النوم ثم (جاءه الملك) جبريل (فقال {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}) الحديث اختصره هنا. 4 - باب {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى ({الذي علم بالقلم}) ثبت هذا لأبي ذر. 4957 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: فَرَجَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي». فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) هو ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: سمعت عروة) بن الزبير يقول (قالت عائشة رضي الله عنها فرجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خديجة فقال: زملوني زملوني) مرتين (فذكر الحديث) كما سبق. 4 - باب قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} (باب قوله تعالى: {كلا لئن لم ينته}) عما هو عليه من الكفر ({لنسفعن بالناصية}) لنجرن بناصيته إلى النار ({ناصية كاذبة خاطئة}) بدل من الناصية ووصفها بذلك مجاز وإنما المراد صاحبها وسقط ناصية الخ ولأبي ذر وثبت له لفظ باب. 5 - باب 4958 - حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ أَبُو جَهْلٍ: لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ لأَطَأَنَّ عَلَى عُنُقِهِ. فَبَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَوْ فَعَلَهُ لأَخَذَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ». تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى) قال الكرماني: هو إما ابن موسى وإما ابن جعفر قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام (عن معمر) هو ابن راشد (عن عبد الكريم) بن مالك (الجزري) بالجيم المفتوحة والزاي (عن عكرمة) أنه قال: (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: (قال أبو جهل) عمرو بن هشام ولم يدرك ابن عباس القصة فيحمل على سماعه ذلك منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لئن رأيت محمدًا يصلّي عند الكعبة لأطأن على عنقه فبلغ) ذلك (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) عليه الصلاة والسلام: (لو فعله لأخذته الملائكة) وأخرج النسائي من طريق أبي حازم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- نحو حديث ابن عباس وزاد في آخره فلم يفجأهم منه إلا وهو أي أبو جهل ينكص على عقبيه ويتقي بيده، فقيل له: ما لك؟ قال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار وهولًا وأجنحة فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لو دنا لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا" (تابعه) أي تابع عبد الرزاق فيما وصله عبد العزيز البغوي في منتخب المسند له (عمرو بن خالد) بفتح العين الحراني من شيوخ المؤلّف (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمرو بفتح العين الرقي (عن عبد الكريم) الجزري. [97] سورة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} يُقَالُ الْمَطْلَعُ هُوَ الطُّلُوعُ، وَالْمَطْلِعُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُطْلَعُ مِنْهُ. أَنْزَلْنَاهُ الْهَاءُ كِنَايَةٌ عَنِ الْقُرْآنِ، إنا أَنْزَلْنَاهُ مَخْرَجَ الْجَمِيعِ، وَالْمُنْزِلُ هُوَ اللَّهُ وَالْعَرَبُ تُوَكِّدُ فِعْلَ الْوَاحِدِ فَتَجْعَلُهُ بِلَفْظِ الْجَمِيعِ لِيَكُونَ أَثْبَتَ وَأَوْكَدَ. ([97] سورة {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ}) مكية أو مدنية وآيها خمس ولغير أبي ذر سورة القدر وفي نسخة {إنّا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1]. (يقال المطلع) بفتح اللام (هو الطلوع والمطلع) بكسرها وهي قراءة الكسائي (الموضع الذي يطلع منه أنزلناه) ولأبي ذر وقال أنزلناه (الهاء كناية عن القرآن) قال في الأنوار: فخمه بإضماره من غير ذكره شهادة له بالنباهة المغنية عن التصريح كما عظمه بأن أسند إنزاله إليه أي بقوله: {إنا أنزلناه) خرج (مخرج الجميع، والمنزل هو الله تعالى. والعرب تؤكد فعل الواحد فتجعله بلفظ الجميع ليكون) ولأبي ذر عن المستملي ليكن (أثبت وأوكد) والنحاة يعبّرون بقولهم المعظم نفسه كما نبه عليه السفاقسي وثبت "إنا" من قوله: {إنّا أنزلناه} لأبي ذر. [98] سورة {لَمْ يَكُنْ} (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). {مُنْفَكِّينَ}: زَائِلِينَ. {قَيِّمَةٌ}: الْقَائِمَةُ. {دِينُ الْقَيِّمَةِ}: أَضَافَ الدِّينَ إِلَى الْمُؤَنَّثِ. ([98] سورة {لَمْ يَكُنْ}) مكية أو مدنية وآيها ثمان. (بسم الله الرحمن الرحيم) ثبت لفظ سورة والبسملة لأبي ذر. ({منفكين}) [البيّنة: 1] أي (زائلين) أي عمّا هم عليه. ({قيّمة}) أي (القائمة. {دين القيّمة} أضاف الدين إلى المؤنث) على تأويل الذين بالملة أو التاء تاء المبالغة كعلامة. 1 - باب 4959 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لأُبَيٍّ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة: 1]» قَالَ: وَسَمَّانِي قَالَ: «نَعَمْ. فَبَكَى». وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه قال: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي) هو ابن كعب: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك {لم يكن الذين كفروا}) وعند الترمذي إن الله أمرني

2 - باب

أن أقرأ عليك القرآن: قال فقرأ عليه: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب} [البيّنة: 1] وزاد الحاكم من وجه آخر عن زر بن حبيش عن أُبي بن كعب أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ عليه لم يكن وقرأ فيها إن الدين عند الله الحنيفية لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية من يفعل خيرًا فلن يكفره، وخص أُبَيًّا للتنويه به في أنه أقرأ الصحابة فإذا قرأ عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع عظيم منزلته كان غيره بطريق لتبع له. وقال الحافظ ابن كثير: وإنما قرأ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه السورة تثبيتًا له وزيادة لإيمانه لأنه كان نكر على ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قراءة شيء من القرآن على خلاف ما أقرأه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستقرأهما عليه الصلاة والسلام وقال لكلٍّ منهما أصبت. قال أبي: فأخذني الشك فضرب عليه الصلاة والسلام في صدره قال ففضت عرقًا وكأنما أنظر إلى الله فرقًا وأخبره عليه الصلاة والسلام أن جبريل أتاه فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف رواه أحمد والنسائي وأبو داود ومسلم. فلما نزلت هذه السورة قرأها عليه الصلاة والسلام قراءة إبلاغ وإنذار لا قراءة تعلم واستذكار. (قال) أبي له عليه الصلاة والسلام (وسماني) لك (قال) عليه الصلاة والسلام (نعم. فبكى) أبي فرحًا وسرورًا أو خشوعًا وخوفًا من التقصير في شكر تلك النعمة وعند أبي نعيم في أسماء الصحابة حديث مرفوع لفظه "إن الله ليسمع قراءة {لم يكن الذين كفروا} فيقول أبشر عبدي فوعزتي لأمكنن لك في الجنة حتى ترضى" لكن قال الحافظ عماد الدين: إنه حديث غريب جدًّا. 2 - باب 4960 - حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأُبَيٍّ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ». قَالَ أُبَيٌّ: آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ. قَالَ: «اللَّهُ سَمَّاكَ». فَجَعَلَ أُبَيٌّ يَبْكِي. قَالَ قَتَادَةُ: فَأُنْبِئْتُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البيّنة: 1]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني (حسان بن حسان) أبو علي المصري (حدّثنا همام) هو ابن يحيى (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأُبي): (إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن) مطلق فيتناول {لم يكن الذين كفروا} غيرها (قال أُبي: آلله) بمدّ الهمزة (سماني لك. قال: الله سماك) زاد الكشميهني لي (فجعل أُبي يبكي. قال قتادة) بن دعامة: (فأنبئت) ظاهره أنه من غير أنس (أنه) عليه الصلاة والسلام (قرأ عليه) على أُبي ({لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب}). 4961 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمُنَادِي حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُقْرِئَكَ الْقُرْآنَ». قَالَ: آللَّهُ سَمَّانِي لَكَ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ وَقَدْ ذُكِرْتُ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ: «نَعَمْ» فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (أحمد بن أبي داود أبو جعفر المنادي) بكسر الدال. وعند النسفيّ حدّثنا أبو جعفر المنادي قيل: وهم البخاري في تسميته أحمد وأن اسم أبي جعفر هذا محمد بن عبيد بن يزيد وأبو داود كنية أبيه وأجيب بأن البخاري أعرف باسم شيخه من غيره فليس وهمًا قال: (حدّثنا روح) بفتح الراء وسكون الواو ثم حاء مهملة ابن عبادة قال: (حدّثنا سعيد بن أبي عروبة) بعين مهملة مفتوحة فراء مضمومة وبعد الواو الساكنة موحدة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) وسقط ابن مالك لأبي ذر -رضي الله عنه- (أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأُبي بن كعب): (إن الله أمرني أن أقرئك القرآن) أي أعلمك بقراءتي عليك كيف تقرأ فلا منافاة بين قوله أقرأ عيك وأقرئك وقد يقال كان في قراءة أُبي قصور فأمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام أن يقرئه على التجويد وأن يقرأ عليه ليتعلم منه حسن القراءة وجودتها (قال: آلله سماني لك) استفسره لأنه جوّز أن يكون أمره أن يقرأ على رجل من أمته غير معين فيؤخذ منه الاستثبات في المحتملات (قال: نعم. قال وقد ذكرت عند رب العالمين. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم. فذرفت) بفتح المعجمة والراء تساقطت بالدموع (عيناه) وفي الحديث استحباب القراءة على أهل العلم وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه. فائدة: ذكر العلاّمة حسين بن علي بن طلحة الرجراجي المغربي في الباب السابع عشر من كتابه الفوائد الجميلة في الآيات الجليلة في السور التي تلقى على الحلماء في المناظرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: إن الملائكة المقربين ليقرؤون سورة لم يكن منذ خلق الله السماوات والأرض لا يفترون عن قراءتها كذا قال والعهدة عليه.

[99] سورة {إذا زلزلت الأرض زلزالها}

[99] سورة {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} قَوْلِهِ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} يُقَالُ: أَوْحَى لَهَا أَوْحَى إِلَيْهَا، وَوَحَى لَهَا وَوَحَى إِلَيْهَا وَاحِدٌ. ([99] سورة {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا}) مصدر مضاف لفاعله أي اضطرابها المقدّر لها عند النفخة الأولى أو الثانية. (قوله: ({فمن}) ولأبي ذر سورة إذا زلزلت. بسم الله الرحمن الرحيم باب: {فمن} ({يعمل مثقال ذرة}) زنة نملة صغيرة ({خيرًا يره}) [الزلزلة: 7] جواب الشرط في الموضعين يرَ ثوابه وهي مدنية أو مكية وآيها تسع (يقال: أوحى لها) أي (أوحى إليها ووحى لها ووحى إليها) بغير ألف في الآخرين (واحد) في المعنى فاللام بمعنى إلى وإنما أوثرت على إلى لموافقة الفواصل وقيل اللام بمعنى من أجل والموحى إليه محذوف أي أوحى إلى الملائكة من أجل الأرض، والصواب أن الأمر بالكلام للأرض نفسها وأذن لها أن تخبر عما عمل عليها قيل إن الله تعالى يخلق في الأرض الحياة والنطق حتى تخبر بما أمرها الله تعالى، وهذا مذهب أهل السُّنَّة. وقال الزجاج: أوحى لها القرار فاستقرت وهذا ساقط للحموي. 4962 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ. وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ. فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ، فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ فِي الْمَرْجِ وَالرَّوْضَةِ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٍ. وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ، كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِي بِهِ كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ، فَهْيَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَجْرٌ. وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلاَ ظُهُورِهَا فَهْيَ لَهُ سِتْرٌ. وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً فَهْيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ». فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْحُمُرِ، قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ فِيهَا إِلاَّ هَذِهِ الآيَةَ الْفَاذَّةَ الْجَامِعَةَ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 و8]». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس المدني قال: (حدّثنا) وبالإفراد لأبي ذر (مالك) الإمام الأعظم (عن زيد بن أسلم) العدوي (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الخيل لثلاثة، لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر فأما) الرجل (الذي) هي (له أجر فرجل ربطها) للجهاد (في سبيل الله) تعالى (فأطال لها) في الحبل الذي ربطها به حتى تسرح للرعي (في مرج) موضع كلأ وسقط لها لأبي ذر (أو روضة) بالشك (فما أصابت) أي ما أكلت وشربت ومشت (في طيلها ذلك) بكسر الطاء المهملة وفتح التحتية أي حبلها المربوطة فيه (في المرج) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من المرج (والروضة) بغير ألف قبل الواو (كان له) أي لصاحبها (حسنات) في الآخرة (ولو أنها قطعت طيلها) المذكور (فاستنت) بفتح الفوقية وتشديد النون أي عدت بمرح ونشاط (شرفًا) بفتح المعجمة والراء والفاء (أو شرفين) شوطًا أو شوطين فبعدت عن الموضع الذي ربطها صاحبها فيه ترعى ورعت في غيره (كانت آثارها) بالمثلثة في الأرض بحوافرها عند مشيها (وأرواثها) بالمثلثة (حسنات له) لصاحبها في الآخرة (ولو أنها مرت بنهر) بفتح الهاء وسكونها (فشربت منه) بغير قصد صاحبها (ولم يرد أن يسقي به كان ذلك) أي شربها وإرادته أن يسقيها (حسنات له) في الآخرة (فهي) بالفاء ولأبي ذر وهي (لذلك الرجل) الذي ربطها (أجر). أما الذي هي له ستر فهو (رجل ربطها تغنيّا) أي استغناء عن الناس (وتعففًا) عن سؤالهم يتردد عليها لحاجاته (ولم ينس حق الله في رقابها) بأن يؤدي زكاة تجارتها (ولا ظهورها) بتأنَّ يركب عليها في سبيل الله (فهي) أي الخيل ولأبي ذر عن الكشميهني فهو أي ذلك الفعل الذي فعله (له ستر) يحجبه عن الفاقة. (و) أما الذي هي عليه وزر فهو (رجل ربطها فخرًا) أي لأجل الفخر (ورياء) أي إظهارًا للطاعة والباطن بخلافه (ونواء) بكسر النون وفتح الواو ممدودًا أي عداوة زاد في الجهالة لأهل الإسلام (فهي على ذلك) الرجل (وزر فسئل) بالفاء وضم السين مبنيًّا للمجهول والسائل صعصعة بن ناجية ولأبي ذر وسئل (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الحمر) هل لها حكم الخيل (قال: ما أنزل الله عليّ فيها إلا هذه الآية الفاذة) بالفاء والمعجمة المشددة القليلة المثل المنفردة في معناها (الجامعة) لكل الخيرات والسرور ({فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره}) [الزلزلة: 7 و8] روى الإمام أحمد عن صعصعة بن معاوية عمّ الفرزدق أنه أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرأ الآية فقال حسبي لا أبالي أن لا أسمع غيرها. 1 - باب {وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} هذا (باب) بالتنوين أي في قوله جل وعلا ({وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}) [الزلزلة: 8] ثبت لفظ باب لأبي ذر. 4963 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْحُمُرِ فَقَالَ: «لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلاَّ هَذِهِ الآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي سكن مصر (قال: حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (ابن وهب) عبد الله المصري

[100] سورة والعاديات

قال: (أخبرني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) العدوي (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه قال: (سُئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الحمر) أي عن صدقة الحمر (فقال): (لم ينزل) بضم أوله وفتح ثالثه (عليّ فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة) أي المنفردة في معناها فذ الرجل عن أصحابه إذا شدّ عنهم ({فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره}). فقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: ليس مؤمن ولا كافر عمل خيرًا أو شرًّا في الدنيا إلا أراه الله إياه يوم القيامة، فأما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته فيغفر الله له سيئاته ويثيبه بحسناته، وأما الكافر فتردّ حسناته تحسيرًا ويعذب بسيئاته. قال في فتوح الغيب: وهذا يساعده النظم والمعنى والأسلوب. أما النظم فإن قوله: {فمن يعمل} تفصيل لما عقب به من قوله: {يصدر الناس أشتاتًا ليروا أعمالهم} [الزلزلة: 6] فيجب التوافق والأعمال جمع مضاف يفيد الشمول والاستغراق ويصدر الناس مقيد بقوله (أشتاتًا) فيفيد أنهم على طرائق شتى للنزول في منازلهم من الجنة والنار بحسب أعمالهم المختلفة ومن ثمة كانت الجنة ذات درجات والنار ذات دركات. وأما المعنى فإنها وردت لبيان الاستقصاء في عرض الأعمال والجزاء عليها لقوله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} [الأنبياء: 47] الآية. وأما الأسلوب فإنها من الجوامع الحاوية لفوائد الدين أصلًا وفرعًا. [100] سُورَةُ وَالْعَادِيَاتِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْكَنُودُ: الْكَفُو. يُقَالُ {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا}: رَفَعْنَ بِهِ غُبَارًا. {لِحُبِّ الْخَيْرِ}: مِنْ أَجْلِ حُبِّ الْخَيْرِ. {لَشَدِيدٌ}: لَبَخِيلٌ، وَيُقَالُ لِلْبَخِيلِ: شَدِيدٌ. {حُصِّلَ}: مُيِّزَ. ([100] سُورَةُ وَالْعَادِيَاتِ) مكية أو مدنية وآيها إحدى عشرة والعاديات جمع عادية وهي الجارية بسرعة والمراد الخيل ولأبي ذر سورة والعاديات وله زيادة والقارعة. (وقال مجاهد): مما وصله الفريابي (الكنود) هو (الكفور) من كند النعمة كنودًا. (يقال {فأثرن به نقعًا}) قال أبو عبيدة أي (رفعن به غبارًا) وقوله {فأثرن} عطف الفعل على الاسم لأن الاسم في تأويل الفعل لوقوعه غير صلة لأل، والضمير في به للصبح أي فأثرن في وقت الصبح غبارًا أو للمكان وإن لم يجر له ذكر لأن الإثارة لا بد لها من مكان وروى البزار والحاكم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيلًا فلبث شهرًا لا يأتيه خبرها فنزلت {والعاديات ضبحًا} ضبحت بأرجلها {فالموريات قدحًا} قدحت الحجارة فأورت بحوافرها {فالمغيرات صبحًا} صبحت القوم بغارة {فأثرن به نقعًا} التراب {فوسطن به جمعًا} صبحت القوم جميعًا وفي إسناده ضعف. ({لحب الخير}) أي (من أجل حب الخير) فاللام تعليلية أي لأجل حب المال ({لشديد}) أي (لبخيل) وقيل لقوي مبالغ فيه (ويقال للبخيل شديد) وزاد في الكشاف متشدد قال طرفة: أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ... عقيلة مال الفاحش المتشدد وقوله: يعتام أي يختار وعقيلة كل شيء أكرمه والفاحش البخيل الذي جاوز الحد في البخل يقول أرى الموت يختار كرام الناس وكرائم الأموال التي يضن بها. ({حُصِّل}) أي (ميز) وقيل جمع في الصحف أي أظهر محصلًا مجموعًا كإظهار اللب من القشر. [101] سورة الْقَارِعَةِ {كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}: كَغَوْغَاءِ الْجَرَادِ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَذَلِكَ النَّاسُ يَجُولُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ. {كَالْعِهْنِ}: كَأَلْوَانِ الْعِهْنِ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ كَالصُّوفِ. ([101] سورة القارعة) مكية وآيها عشر وسقطت لأبي ذر. ({كالفراش المبثوث}) أي (كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضًا كذلك الناس) يوم القيامة (يجول بعضهم في بعض) وإنما شبه الناس بذلك عند البعث لأن الفراش إذا ثار لم يتجه لجهة واحدة بك كل واحدة تذهب إلى غير جهة أخرى فدلّ بهذا التشبيه على أن الناس في البعث يفزعون فيذهب كل واحد إلى غير جهة الآخر وقال في الدرّ وفي تشبيه

[102] سورة {ألهاكم}

الناس بالفراش مبالغات شتى منها الطيش الذي يلحقهم وانتشارهم في الأرض وركوب بعضهم بعضًا والكثرة والضعف والذلة والمجيء من غير ذهاب والقصد إلى الداعي من كل جهة والتطاير إلى النار ({كالعهن}) أي (كألوان العهن) أي المختلفة قاله الفراء. (وقرأ عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (كالصوف) يعني أن الجبال تتفرق أجزاؤها في ذلك اليوم حتى تصير كالصوف المتطاير عند الندف وإذا كان هذا تأثير القارعة في الجبال العظيمة الصلدة فكيف حال الإنسان الضعيف عند سماع صوت القارعة وسقط لأبي ذر كالعهن الخ. [102] سورة {أَلْهَاكُمُ} (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {التَّكَاثُرُ}: مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ. [102] سورة {أَلْهَاكُمُ} مكية أو مدنية وآيها ثمان. (بسم الله الرحمن الرحيم) ثبتت البسملة لأبي ذر كالسورة. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله ابن المنذر ({التكاثر} من الأموال والأولاد) أي شغلكم ذلك عن طاعة الله. [103] سورة وَالْعَصْرِ وَقَالَ يَحْيَى الدَّهْرُ أَقْسَمَ بِهِ. ([103] سورة وَالْعَصْرِ) مكية وآيها ثلاث. (وقال يحيى) بن زياد الفراء العصر هو (الدهر أقسم به) تعالى أي بالدهر لاشتماله على الأعاجيب والعِبر، وقيل التقدير ورب العصر وثبتت البسملة لأبي ذر كالعصر الثاني وسقط له وقال يحيى. [104] سورة {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ} (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). {الْحُطَمَةُ}: اسْمُ النَّارِ مِثْلُ سَقَرَ وَلَظَى. ([104] سورة {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ}) مكية وآيها تسع. والهمزة واللمزة فيما قاله ابن عباس بالنميمة المفرقون بين الأحبّة وقيل الهمزة الذي يعيبك في الغيب واللمزة الذي يعيبك في الوجه. (بسم الله الرحمن الرحيم) ثبتت البسملة لأبي ذر كالسورة. ({الحطمة} اسم النار مثل سقر ولظى) وقيل اسم للدركة الثالثة منها وسميت حطمة لأنها تحطم العظام وتكسرها والمعنى: (يا أيها الهمزة اللمزة) الذي يأكل لحوم الناس ويكسر من أعراضهم إن وراءك الحطمة التي تأكل لحوم الناس وعظامهم أي وتكسر العظام. [105] {أَلَمْ تَرَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: {أَلَمْ تَرَ}: أَلَمْ تَعْلَمْ. قَالَ مُجَاهِدٌ: {أَبَابِيلَ}: مُتَتَابِعَةً مُجْتَمِعَةً. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {مِنْ سِجِّيلٍ}: هِيَ سَنْكِ وَكِلْ. ([105] {أَلَمْ تَرَ}) مكية وآيها خمس وسقط لأبي ذر ({ألم تر}). (قال مجاهد: ({ألم تر}) أي (ألم تعلم) يا محمد وإنما قال ذلك لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يدرك قصة أصحاب الفيل لأن مولده عليه الصلاة والسلام في تلك السنة وهو وإن لم يشهدها فقد شاهد آثارها وسمع بالتواتر أخبارها فكأنه رآها وهذا ثابت لأبي ذر عن المستملي وليس هذا من تفسير مجاهد فالصواب إسقاط قوله قال مجاهد. (قال مجاهد): فيما وصله الفريابي عنه ({أبابيل}) أي (متتابعة مجتمعة) نعت لطير لأنه اسم جمع قال ابن عباس -رضي الله عنهما- كانت طيرًا لها خراطيم وأكف كأكف الكلاب وقيل غير ذلك وأبابيل قيل لا واحد له كأساطير وقيل واحده أبول كعجول وعجاجيل، وقيل إبال. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله الطبري في قوله تعالى: ({من سجيل} هي سنك) بفتح السين المهملة وبعد النون الساكنة كاف مكسورة الحجر (وكل) بكسر الكاف وبعدها لام الطين فارسي معرب، وقيل السجيل الديوان الذي كتب فيه عذاب الكفار والمعنى ترميهم بحجارة من جملة العذاب المكتوب المدوّن مما كتب الله في ذلك الكتاب.

[106] سورة {لإيلاف قريش}

[106] سورة {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ} وَقَالَ مُجَاهِدٌ {لإِيلاَفِ}: أَلِفُوا ذَلِكَ فَلاَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ. {وَآمَنَهُمْ}: مِنْ كُلِّ عَدُوِّهِمْ فِي حَرَمِهِمْ. ([106] سورة {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ}) مكية وآيها أربع ولأبي ذر سورة لإيلاف وسقط له لفظ قريش. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي ({لإيلاف} ألفوا ذلك) الارتحال (فلا يشق عليهم في الشتاء) إلى اليمن (و) لا في (الصيف) إلى الشام في كل عام فيستعينون بالرحلتين للتجارة على المقام بمكة لخدمة البيت الذي هو فخرهم وفي متعلق هذا اللام أوجه فقيل بسابقها لأن الله تعالى ذكر أهل مكة عظيم نعمته عليهم فيما صنع بالحبشة فجعلهم كعصف مأكولًا {لإيلاف قريش} أي أهلك أصحاب الفيل لتبقى قريش وما ألفوا ويؤيده أنهما في مصحف أُبيّ سورة واحدة وقيل متعلقة بمقدر أي أعجب لنعمتي على قريش، وقيل فليعبدوا وإنما دخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط أي فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لإيلافهم فإنها أظهر نعمة عليهم. ({وآمنهم}) أي (من كل عدوّ هم في حرمهم) وقيل آمنهم من الجذام فلا يصيبهم ببلدهم وقيل بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [107] سورة {أَرَأَيْتَ} وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ {لإِيلاَفِ}: لِنِعْمَتِي عَلَى قُرَيْشٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {يَدُعُّ}: يَدْفَعُ عَنْ حَقِّهِ، يُقَالُ هُوَ مِنْ دَعَعْتُ، يُدَعُّونَ يُدْفَعُونَ. {سَاهُونَ}: لاَهُونَ. {وَالْمَاعُونَ}: الْمَعْرُوفَ كُلُّهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ {الْمَاعُونُ}: الْمَاءُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ أَعْلاَهَا: الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَأَدْنَاهَا عَارِيَّةُ الْمَتَاعِ. ([107] سورة {أَرَأَيْتَ}) مكية أو مدنية وآيها سبع ولأبي ذر سورة أرأيت. (وقال ابن عيينة) سفيان فيما ذكره في تفسير ({لإيلاف} لنعمتي على قريش) وعند أبي ذر هذا مقدم على سورة أرأيت وهو الصواب إن شاء الله تعالى. (وقال مجاهد {يدع} يدفع) أي اليتيم (عن حقه يقال: هو من دععت يدعون) أي (يدفعون). ({ساهون}) أي (لاهون) عن الصلاة تهاونًا. ({والماعون}) هو (المعروف كله) كالقصعة والدلو (وقال بعض العرب) فيما حكاه الفراء ({الماعون} الماء. وقال عكرمة: أعلاها الزكاة المفروضة وأدناها عارية المتاع). كالمنخل والغربال والدلو والإبرة. [108] سورة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرِ} ([108] سورة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرِ}) مكية أو مدنية وآيها ثلاث وثبت لأبي ذر لفظ سورة. 1 - باب وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {شَانِئَكَ}: عَدُوَّكَ (باب وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله ابن مردويه في قوله تعالى: ({شانئك}) أي (عدوك) وسقط للحموي وقال ابن عباس: فقط. 4964 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا عُرِجَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ: «أَتَيْتُ عَلَى نَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ مُجَوَّفٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن التيمي مولاهم أبو معاوية البصري نزيل الكوفة قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما عرج بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى السماء قال): (أتيت على نهر حافتاه) بتخفيف الفاء جانباه (قباب اللؤلؤ مجوّف) ولغير أبي ذر مجوفًا (فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر) زاد البيهقي الذي أعطاك ربك فأهوى الملك بيده فاستخرج من طينه مسكًا أذفر، وأخرجه المؤلّف بهذا في الرقاق من طريق همام عن أبي هريرة -رضي الله عنه- والكوثر بوزن فوعل من الكثرة وهو وصف مبالغة في المفرط الكثرة. 4965 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْكَاهِلِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَ: سَأَلْتُهَا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] قَالَتْ: نَهَرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، شَاطِئَاهُ عَلَيْهِ دُرٌّ مُجَوَّفٌ آنِيَتُهُ كَعَدَدِ النُّجُومِ. رَوَاهُ زَكَرِيَّاءُ وَأَبُو الأَحْوَصِ وَمُطَرِّفٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. وبه قال: (حدّثنا خالد بن يزيد الكاهلي) أبو الهيثم المقري الكحال قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن أبي عبيدة) عامر بن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- (عن عائشة) -رضي الله عنها- (قال): أي أبو عبيدة (سألتها) يعني عائشة (عن قوله تعالى) ولأبي ذر عن قول الله عز وجل: ({إنا أعطيناك الكوثر} قالت): هو (نهر) في الجنة (أُعطيه نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد النسائي في بطنان الجنة (شاطئاه) أي جانباه (عليه) أي على الشاطئ. قال البرماوي كالكرماني: والضمير في عليه عائد إلى جنس الشاطئ ولهذا لم يقل عليهما قال وفي بعضها شاطئاه در مجوّف (در مجوّف) بفتح الواو ومشددة صفة لدر وخبره الجار والمجرور والجملة خبر المبتدأ الأول الذي هو شاطئاه (آنيته

[109] سورة قل يا أيها الكافرون

كعدد النجوم رواه) ولأبي ذر ورواه (زكريا) بن أبي زائدة فيما رواه عليّ بن المديني عن يحيى بن زكريا عن أبيه (وأبو الأحوص) سلام بن سليم فيما وصلة أبو بكر بن أبي شيبة بلفظ الكوثر نهر بفناء الجنة شاطئاه درمجوّف وفيه من الأباريق عدد النجوم ولفظ رواية زكريا قريب من هذه (ومطرّف) هو ابن طريف بالطاء المهملة، فيما وصله النسائي، الثلاثة (عن أبي إسحاق) السبيعي 4966 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ فِى الْكَوْثَرِ هُوَ الْخَيْرُ الَّذِى أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. قَالَ أَبُو بِشْرٍ قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَإِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَرٌ فِى الْجَنَّةِ. فَقَالَ سَعِيدٌ النَّهَرُ الَّذِى فِى الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِى أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ * وبه قال (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي قال (حدثنا هشيم) بضم الهاء مصغرًا الواسطي قال (حدثنا) ولأبي ذر أخبرنا (أبو بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية الواسطي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال في الكوثر هو الخير الذي أعطاه الله إياه قال أبو بشر) جعفر بالسند السابق (قلت لسعيد بن جبير فإن الناس) كأبي إسحاق وقتادة (يزعمون أنه) أي الكوثر (نهر في الجنة فقال سعيد النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه) وهذا تأويل من سعيد جمع به بين حديثي عائشة وابن عباس -رضي الله عنهم- فلا تنافي بينهما لأن النهر فرد من أفراد الخير الكثير نعم ثبت التصريح بأنه نهر من لفظ النبي -صلى الله عليه وسلم- ففي مسلم من طريق المختار بن فلفل عن أنس -رضي الله عنه- بينما نحن عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسماً فقلنا ما أضحكك يا رسول الله قال "نزلت عليَّ سورة فقراً بسم الله الرحمن الرحيم {إنا أعطيناك الكوثر} إلى آخرها ثم "قال أتدرون ما الكوثر" قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير فالمصير إليه أولى ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد بحث لذلك في كتاب الرقاق بعون الله تعالى واشتملت هذه السورة مع كونها أقصر سور القرآن على معان بديعة وأساليب بليغة إسناد الفعل للمتكلم المعظم نفسه وإيراده بصيغة الماضي تحقيقاً لوقوعه كأتى أمر الله وتأكيد الجملة بان والاتيان بصيغة تدل على مبالغة الكثرة والالتفات من ضمير المتكلم إلى الغائب في قوله لربك. [109] سورة قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ يُقَالُ (لَكُمْ دِينُكُمْ) الْكُفْرُ. (وَلِىَ دِينِ) الإِسْلاَمُ وَلَمْ يَقُلْ دِينِى، لأَنَّ الآيَاتِ بِالنُّونِ فَحُذِفَتِ الْيَاءُ كَمَا قَالَ يَهْدِينِ وَيَشْفِينِ. وَقَالَ غَيْرُهُ (لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) الآنَ، وَلاَ أُجِيبُكُمْ فِيمَا بَقِىَ مِنْ عُمُرِى (وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ). وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا). *سورة {قل يا أيها الكافرون} * مكية وآيها ست وثبت لفظ سورة لأبي ذر * (يقال لكم دينكم) أي (الكفر ولي دين) أي (الإسلام) وهذا قبل الأمر بالجهاد وقال في الأنوار لكم دينكم الذي أنتم عليه لا تتركونه ولي دين الذي أنا عليه لا أرفضه فليس فيه إذن في الكفر ولا منع عن الجهاد ليكون منسوخاً بآية القتال اللهم إلا إذا فسر بالمشاركة وتقرير كل من الفريقين على دينه (ولم يقل ديني) بالياء بعد النون (لأن الآيات) التي قبلها (بالنون فحذفت الياء) رعاية لتناسب الفواصل وهو نوع من أنواع البديع (كما قال) فهو (يهدين ويشفين) بحذف الياء فيهما لذلك قاله الفراء (وقال غيره) أي غير الفراء وسقط ذا لأبي ذر وهو الصواب لأنه لم يسبق في كلام المصنف عزو فتصويب الحافظ بن حجر رحمه الله لإثباته فيه نظر لا يخفى (لا أعبد ما تعبدون إلا آن ولا أجيبكم فيما بقي من عمري) أن أعبد ما تعبدون (ولا أنتم عابدون ما أعبد وهم الذين قال) الله تعالى (وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً) وما في هذه السورة بمعنى الذي فان كان المراد بها الأصنام كما في الآية الأول والثالثة فواضح لأنهم غير عقلاء وما أصلها أن تكون لغير العقلاء وإذا أريد بها الباري تعالى كما في الثانية والرابعة فاستدل به من جوّز وقوعها على أهل العلم ومن منع جعلها مصدرية والتقدير ولا أنتم عابدون عبادتي أي مثل عبادتي وقال أبو مسلم ما في الأوليين بمعنى الذي والمقصود المعبود [وما في الأخرى] (¬1) مصدرية أي لا أعبد عبادتكم المبنية على الشك وترك النظر ولا أنتم تعبدون مثل عبادتي المبنية على اليقين والحاصل أنها كلها بمعنى الذي أو مصدرية أو الأوليان بمعنى الذي والأخريان مصدريتان وهل التكرار للتأكيد أم لا ¬

(¬1) قوله [وما في الأخرى]، المناسب: (الأخريين)، كما يُعلم مما بعد. ا. هـ.

[110] سورة إذا جاء نصر الله

[110] سورة إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ * {سورة إذا جاء نصر الله} * مدنية وآيها ثلاث * (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر وثبت لفظ سورة له* 4967 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ مَا صَلَّى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - صَلاَةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) إِلاَّ يَقُولُ فِيهَا «سُبْحَانَكَ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى». [الحديث 4967 - أطرافه في 794، 817، 4293، 4968] وبه قال (حدثنا الحسن بن الربيع) بفتح الراء ابن سفيان البلخي الكوفي قال (حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم (عن الأعمش) سليمان (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت ما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة بعد أن) نزلت عليه إذا جاء نصر الله والفتح إلا بقول فيها) في الصلاة (سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) هضماً لنفسه واستقصار لعمله أو استغفر لأمته وقدّم التسبيح ثم الحمد على الاستغفار على طريقة النزول من الخالق إلا الخلق *وهذا الحديث قد سبق في باب التسبيح والدعاء في السجود من كتاب الصلاة* 4968 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِى الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِى رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى». يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ. [الحديث 4968 - أطرافه في 794، 817، 4293، 4967]. وبه قال (حدثنا عثمان بن أبي شيبة) قال (حدثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها) أنها (قالت كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثر) أي بعد نزول سورة إذا جاء نصر الله (أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأوّل القرآن) يعمل بما أمر به من التسبيح والتحميد والاستغفار فيه في قوله تعالى فسبح بحمد ربك واستغفره في أشرف الأوقات والأحوال 1 - باب (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا) *هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى (ورأيت الناس يدخلون في دين الله) أي الإسلام (أفواجاً) جماعات بعد ما كان يدخل فيه واحد واحد وذلك بعد فتح مكة جاء العرب من أقطار الأرض طائعين ونصب أفواجاً على الحال من فاعل يدخلون وثبت لفظ باب لأبي ذر* 4969 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ - رضى الله عنه - سَأَلَهُمْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) قَالُوا فَتْحُ الْمَدَائِنِ وَالْقُصُورِ قَالَ مَا تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ أَجَلٌ أَوْ مَثَلٌ ضُرِبَ لِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - نُعِيَتْ لَهُ نَفْسُهُ. [الحديث 4969 - أطرافه في 3627، 4294، 4430، 4970] وبه قال (حدثنا عبد الله بن أبي شيبة) أخو عثمان قال (حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي (عن سفيان) هو الثوري ولأبي ذر قال حدثنا سفيان (عن حبيب بن أبي ثابت) قيس ويقال هند بن دينار الأسدي مولاهم الكوفي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما (أن عمر -رضي الله عنه- سألهم) أي أشياخ بدر كما في الرواية اللاحقة إن شاء الله تعالى (عن قوله تعالى إذا جاء نصر الله والفتح قالوا) أي الأشياخ (فتح المدائن والقصور قال) عمر (ما تقول يا ابن عباس قال) أقول (أجل أو مثل) بالتنوين فيهما (ضرب لمحمد -صلى الله عليه وسلم- نعيت له نفسه) بضم النون وكسر العين مبنياً للمفعول من نعي الميت ينعاه نعياً إذا أذاع موته وأخبر به 2 - باب (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا). تَوَّابٌ عَلَى الْعِبَادِ، وَالتَّوَّابُ مِنَ النَّاسِ التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ. * (قوله فسبح) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله تعالى فسبح (بحمد ربك) أي متلبسا بحمده (واستغفره إنه كان تواباً تواب على العباد) أي رجاع عليهم بالمغفرة وقبول التوبة (والتواب من الناس التائب من الذنب) الذي اقترفه قاله الفراء 4970 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِى بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِى مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِى نَفْسِهِ فَقَالَ لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ فَقَالَ عُمَرُ إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ عَلِمْتُمْ. فَدَعَا ذَاتَ يَوْمٍ - فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ - فَمَا رُئِيتُ أَنَّهُ دَعَانِى يَوْمَئِذٍ إِلاَّ لِيُرِيَهُمْ. قَالَ مَا تَقُولُونَ فِى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ أُمِرْنَا نَحْمَدُ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرُهُ، إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا. وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَقَالَ لِى أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لاَ. قَالَ فَمَا تَقُولُ قُلْتُ هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَعْلَمَهُ لَهُ، قَالَ (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) وَذَلِكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا). فَقَالَ عُمَرُ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَقُولُ. [الحديث 4970 - أطرافه في 3627، 4294، 4430، 4969] * وبه قال (حدثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال (حدثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن أبي بشر) جعفر بن أبي وحشية (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال كان عمر) -رضي الله عنه- (يدخلني) عليه في مجلسه (مع أشياخ بدر) الذين شهدوا وقعتها من المهاجرين والأنصار (فكأن بعضهم) بالهمزة وتشديد النون وهو عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة كما صرح به في علامات النبوة (وجد) غضب (في نفسه فقال) لعمر (لم تدخل هذا معنا) أي وعادتك أن تدخل الناس عليك على قدر منازلهم في السابقة (ولنا أبناء مثله) في السن فلم تدخلهم (فقال عمر إنه) أي ابن عباس (من حيث علمتم) من جهة قرابته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو من جهة ذكائه وزيادة معرفته، وعند عبد الرزاق: إن له لساناً سؤلاً وقلباً عقولاً، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أنه من قد علمتم (فدعا) بحذف ضمير المفعول أي دعا عمر ابن عباس ولأبي ذر عن الكشميهني فدعاه (ذات يوم فأدخله معهم) أي مع الأشياخ وفي غزوة الفتح فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم (فما رئيت) بضم الراء وكسر الهمزة أي ما ظننت ولغير أبي

[111] سورة {تبت يدا أبي لهب وتب}

ذر فما ربت بكسر الراء وسكون الموحدة (أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم) مني مثل ما رأى هو مني من العلم. وعند ابن سعد فقال: أما إني سأريكم اليوم ما تعرفون به فضيلته ثم (قال) لهم: (ما تقولون في قوله تعالى) ولأبي ذر: عز وجل بدل قوله تعالى: ({إذا جاء نصر الله والفتح} فقال بعضهم: أمرنا نحمد) ولأبي ذر: أن نحمد (الله ونستغفره إذا نصرنا) بضم النون على عدونا (وفتح علينا) وفي الباب السابق قالوا: فتح المدائن والقصور (وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا فقال) عمر (لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعلمه له) ولأبي ذر علمه بتشديد اللام وإسقاط الهمزة (قال: {إذا جاء نصر الله والفتح} وذلك علامة أجلك). وعند ابن سعد فهو آيتك في الموت {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا} [النصر: 3] لأن الأمر بالاستغفار يدل على دنوّ الأجل وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد نزولها يكثر من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه. (فقال عمر) لابن عباس -رضي الله عنهما-: (ما أعلم منها إلا ما تقول) زاد أحمد فقال عمر: فكيف تلومونني على حب ما ترون؟ [111] سورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). {تَبَابٌ}: خُسْرَانٌ. {تَتْبِيبٌ}: تَدْمِيرٌ. ([111] سورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}) مكية وآيها خمس وسقط قوله وتب لأبي ذر وثبت له سورة وأسند الفعل لليدين في قوله: ({تبت يدا أبي لهب وتب}) [المسد: 1] مجازًا لأن أكثر الأفعال تزاول بهما وإن كان المراد جملة المدعوّ عليه وقوله تبت دعاء وتب إخبار أي وقد وقع ما دعي عليه به أو كلاهما دعاء، ويكون في هذا شبه من مجيء العام بعد الخاص لأن اليدين بعض وإن كان حقيقة اليدين غير مرادة قاله في الدر. وقال الإمام: يجوز أن يراد بالأول هلاك عمله، وبالثاني هلاك نفسه ووجهه أن المرء إنما يسعى لمصلحة نفسه وعمله فأخبر الله تعالى أنه محروم من الأمرين ويوضحه أن قوله: {ما أغنى عنه ماله وما كسب} [المسد: 2] إشارة إلى هلاك عمله، وقوله: {سيصلى نارًا ذات لهب} [المسد: 3] إشارة إلى هلاك نفسه. (بسم الله الرحمن الرحيم) كذا لأبي ذر وسقطت لغيره. ({تباب}) في قوله عز وجل: {وما كيد فرعون إلا في تباب} [فاطر: 37] (خسران). ({تتبيب}) في قوله تعالى: {وما زادوهم غير تتبيب} [هود: 101] (تدمير). 1 - باب 4971 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ، «يَا صَبَاحَاهْ» فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ، أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ»؟ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا. قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ». قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ مَا جَمَعْتَنَا إِلاَّ لِهَذَا؟ ثُمَّ قَامَ. فَنَزَلَتْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} وَقَدْ تَبَّ. هَكَذَا قَرَأَهَا الأَعْمَشُ يَوْمَئِذٍ. وبه قال: (حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدثنا عمرو بن مرة) بفتح العين ومرة بضم الميم وتشديد الراء ابن عبد الله الجملي الكوفي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين}) [الشعراء: 214] (ورهطك منهم المخلصين) تفسير لقوله عشيرتك أو قراءة شاذة قرأها ابن عباس ثم نسخت تلاوتها (خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى صعد الصفا) بكسر عين صعد (فهتف) أي صاح: (يا صباحاه) بسكون الهاء في اليونينية كلمة يقولها المستغيث وأصلها إذا صاحوا للغارة لأنهم أكثر ما كانوا يغيرون في الصباح وكأن القائل يا صباحاه يقول قد غشينا الصباح فتأهبوا للعدوّ (فقالوا): يعني قريشًا (من هذا)؟ أي فقيل: هذا محمد (فاجتمعوا إليه فقال) لهم: (أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلًا) أي عسكرًا (تخرج من سفح هذا الجبل) أسفله حيث يسفح فيه الماء (أكنتم مصدقي) أصله مصدقين لي سقطت النون لإضافته إلى ياء المتكلم وأدغمت ياء الجمع في ياء المتكلم (قالوا: ما جربنا عليك كذبًا قال: فإني نذير) منذر (لكم بين يدي عذاب شديد. قال أبو لهب) لعنه الله: (تبًّا لك) نصب على المصدر بإضمار فعل أي ألزمك الله هلاكًا وخسرانًا (ما جمعتنا إلا لهذا) ولأبي ذر عن المستملي ألهذا جمعتنا؟ (ثم قام) صلوات الله وسلامه عليه (فنزلت: ({تبت يدا أبي لهب وتب}) [المسد: 1] سقط وتب لأبي ذر (وقد تب هكذا قرأها الأعمش يومئذ) وهي تؤيد أنها إخبار بوقوع ما دعي به عليه ولم يدرك ابن

2 - باب قوله: {وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب}

عباس هذه القصة. 2 - باب قَوْلِهِ: {وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} (باب قوله): {وتب} ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله عز وجل: ({وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب}) [المسد: 3] ما الأولى نافية أو استفهام إنكار وعلى الثاني تكون منصوبة المحل بما بعدها أي أي شيء أغنى المال وقدمت لأن لها صدر الكلام والثانية بمعنى الذي فالعائد محذوف أو مصدرية أي وكسبه. 4972 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ إِلَى الْبَطْحَاءِ، فَصَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ فَنَادَى: «يَا صَبَاحَاهْ». فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ فَقَالَ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ حَدَّثْتُكُمْ أَنَّ الْعَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أَوْ مُمَسِّيكُمْ أَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي»؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ». فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا تَبًّا لَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} إِلَى آخِرِهَا. قَوْلِهِ: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) السلمي مولاهم البيكندي قال: (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين الضرير قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (عن عمرو بن مرة) الجملي بفتح الجيم والميم (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج إلى البطحاء) مسيل وادي مكة (فصعد إلى الجبل) يعني الصفا ورقي عليه (فنادى): (يا صباحاه. فاجتمعت إليه قريش فقال: أرأيتم) أي أخبروني (إن حدّثتكم أن العدوّ مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقوني)؟ ولأبي ذر: تصدقونني (قالوا: نعم. قال: فإني نذير) منذر (لكم بين يدي عذاب شديد) أي قدامه (فقال أبو لهب) عليه اللعنة: (ألهذا جمعتنا)؟ بهمزة الاستفهام الإنكاري (تبًّا لك) أي ألزمك الله تبًّا وزاد في سورة الشعراء سائر اليوم أي بقيته (فأنزل الله عز وجل: {تبت يدا أبي لهب} إلى آخرها) أي خسرت جملته وعادة العرب أن تعبر ببعض الشيء عن كله. (قوله: {سيصلى}) ولأبي ذر باب بالتنوين أي في قوله تعالى: سيصلى ({نارًا ذات لهب}) أبي تلهب وتوقد. 4973 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا فَنَزَلَتْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال: (حدّثني) بالإفراد (عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه قال: (قال أبو لهب) لعنه الله لما صعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الصفا واجتمعوا إليه وقال: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد (تبًّا لك ألهذا) جمعتنا؟ فنزلت ({تبت يدا أبي لهب}) وزاد أبو ذر إلى آخرها قيل وخص اليد لأنه رمى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحجر فأدمى عقبه فلذا ذكرها وإن كان المراد جملة بدنه وذكره بكنيته دون اسمه عبد العزى لأنه لما كان من أهل النار ومآله إلى نار ذات لهب وافقت حاله كنيته فكان جديرًا أن يذكر بها. 3 - باب {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ} وَقَالَ مُجَاهِدٌ: حَمَّالَةُ الْحَطَبِ تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} يُقَالُ: مِنْ مَسَدٍ لِيفِ الْمُقْلِ وَهْيَ السِّلْسِلَةُ الَّتِي فِي النَّارِ. ({وامرأته}) ولأبي ذر باب قوله تعالى: وامرأته أم جميل العوراء بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان بن حرب ({حمالة الحطب}) الشوك والسعدان تلقيه في طريق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه لتعقرهم بذلك وهو قول ابن عباس. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي (حمالة الحطب تمشي) إلى المشركين (بالنميمة) توقع بها بين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبينهم وتلقي العداوة بينهم وتوقد نارها كما توقد النار للحطب فكنى عن ذلك بحملها الحطب. ({في جيدها}) عنقها ({حبل من مسد} يقال من مسد ليف المقل) وذلك هو الحبل الذي كانت تحتطب به فبينما هي ذات يوم حاملة الحزمة أعيت فقعدت على حجر لتستريح أتاها ملك فجذبها من خلفها فأهلكها (و) قيل (هي السلسلة التي في النار) من حديد درعها سبعون ذراعًا تدخل في فمها وتخرج من دبرها ويكون سائرها في عنقها فتلت من جديد فتلًا محكمًا، وهذه الجملة حال من حمالة الحطب الذي هو نعت لامرأته أو خبر مبتدأ مقدّر. [112] قَوْلُهُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). يُقَالُ: لاَ يُنَوَّنُ {أَحَدٌ} أَيْ وَاحِدٌ. ([112] قَوْلُهُ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}) ولأبي ذر: سورة الصمد وهي مكية أو مدنية وآيها أربع أو خمس. (بسم الله الرحمن الرحيم) سقطت البسملة لغير أبي ذر. (يقال) هو قول أبي عبيدة في المجاز (لا ينوّن {أحد}) في الوصل فيقال أحد الله بحذف التنوين لالتقاء الساكنين ورويت قراءة عن زيد بن علي وأبان بن عثمان والحسن وأبي عمرو في رواية عنه كقوله: عمرو الذي هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف وقوله: فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر الله إلاّ قليلًا

1 - باب

على إرادة التنوين فحذف لالتقاء الساكنين فبقي الله منصوبًا لا مجرورًا للإضافة وذاكر جرّ عطفًا على مستعتب أي ذكرته ما كان بيننا من المودة فوجدته غير راجع بالعتاب من قبح ما فعل والحمد هو التنوين وكسره لالتقاء الساكنين (أي واحد) يريد أن أحدًا واحدًا بمعنى وأصل أحد وحد بفتحتين قال: كأن رحلي وقد زال النهار بنا ... بذي الجليل على مستأنس وحد فأبدلت الواو همزة وأكثر ما يكون في المكسورة والمضمومة كوجوه ووسادة وقيل ليسا مترادفين. قال في شرح المشكاة والفرق بينهما من حيث اللفظ من وجوه. الأول: أن أحدًا لا يستعمل في الإثبات على غير الله تعالى فيقال: الله أحد ولا يقال زيد أحد كما يقال زيد واحد وكأنه بني لنفي ما يذكر معه من العدد. الثاني: أن نفيه يعم ونفي الواحد قد لا يعم ولذلك صح أن يقال ليس في الدار واحد بل فيها اثنان ولا يصح ذلك في أحد ولذلك قال الله تعالى: {لستن كأحد من النساء} [الأحزاب: 32] ولم يقل كواحدة. الثالث: أن الواحد يفتح به العدد ولا كذلك الأحد. الرابع: أن الواحد تلحقه التاء بخلاف الأحد. ومن حيث المعنى أيضًا وجوه: الأول: أن أحدًا من حيث الثناء أبلغ من واحد كأنه من الصفات المشبهة التي بنيت لمعنى الثبات ويشهد له الفروق اللفظية المذكورة. الثاني: أن الوحدة تطلق ويراد بها عدم التثني والنظير كوحدة الشمس والواحد يكثر إطلاقه بالمعنى الأول والأحد يغلب استعماله في الثاني ولذلك لا يجمع. قال الأزهري: سئل أحمد بن يحيى عن الآحاد أنه جمع أحد فقال: معاذ الله ليس للأحد جمع ولا يبعد أن يقال جمع واحد كالأشهاد في جمع شاهد ولا يفتح به الأحد. الثالث: ما ذكره بعض المتكلمين في صفات الله تعالى خاصة وهو أن الواحد باعتبار الذات والأحد باعتبار الصفات وحظ العبد أن يغوص لجة التوحيد وشمتغرق فيه حتى لا يرى من الأزل إلى الأبد غير الواحد الصمد. قال الشيخ أبو بكر بن فورك: الواحد في وصفه تعالى له ثلاثة معان. أحدها: أنه لا قسم لذاته وأنه غير متبعض ولا متحيز. والثاني: أنه لا شبيه له والعرب تقول فلان واحد في عصره أي لا شبيه له. والثالث: أنه واحد على معنى أنه لا شريك له في أفعاله يقال فلان متوحد في هذا الأمر أي ليس يشركه فيه أحد اهـ. والضمير في "هو" فيه وجهان: أحدهما: أنه يعود على ما يفهم من السياق فإنه جاء في سبب نزولها عن أبيّ بن كعب أن المشركين قالوا للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انسب لنا ربك فنزلت. رواه الترمذي والطبري والأول من وجه آخر مرسلًا وقال: هذا أصح وصحح الموصول ابن خزيمة والحاكم وحينئذ فجوز أن يكون الله مبتدأ واحد خبره والجملة خبر الأول ويجوز أن يكون الله بدلًا واحد الخبر وأن يكون الله خبرًا أول واحد خبرًا ثانيًا وأن يكون أحد خبر مبتدأ محذوف أي هو أحد. والثاني: أنه ضمير الشأن لأنه موضع تعظيم والجملة بعده خبره مفسرة ولم يثبت لفظ الأحد في جامع الترمذي والدعوات للبيهقي نعم ثبت اللفظان في جامع الأصول. 1 - باب 4974 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ، فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ. وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ، لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْوًا أَحَدٌ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (قال الله تعالى: كذبني ابن آدم) بتشديد الذال المعجمة أي بعض بني آدم وهم من أنكر البعث (ولم يكن له ذلك) التكذيب (وشتمني ولم يكن له ذلك) الشتم (فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعبدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته وأما شتمه إيّاي فقوله اتخذ الله ولدًا) وإنما كان شتمًا لما فيه من التنقيص لأن الولد إنما يكون عن والد يحمله ثم يضعه ويستلزم ذلك سبق نكاح والناكح يستدعي باعثًا له على ذلك والله تعالى منزّه عن ذلك (وأنا الأحد الصمد) فعل بمعنى مفعول كالقنص والنقص (لم ألد

2 - باب قوله: {الله الصمد} والعرب تسمي أشرافها الصمد، قال أبو وائل: هو السيد الذي انتهى سؤدده

ولم أُولد) لأنه لما كان تعالى واجب الوجود ذاته قديمًا موجودًا قبل وجود الأشياء وكان كل مولود محدثًا انتفت عنه الوالدية ولما كان لا يشبهه أحد من خلقه ولا يجانسه حتى يكون له من جنسه صاحبة فيتوالد انتفت عنه الوالدية ولأبي ذر لم يلد ولم يولد (ولم يكن لي كفوًا أحد) أي مكافئًا ومماثلًا فلي متعلق بكفوًا وقدم عليه لأنه محط القصد بالنفي وأخر أحد وهو اسم يكن عن خبرها رعاية للفاصلة، وقوله لم يكن لي بعد قوله لم يلد التفات. قال الشيخ عز الدّين بن عبد السلام -رحمه الله تعالى- السلوب الواجبة لله تعالى على قسمين أحدهما سلب نقيصة كالسنة والنوم والموت، والثاني ليس سلبًا للنقص بل سلبًا للمشارك في الكمال كسلب الشريك، وأما قوله تعالى: {لم يلد ولم يولد} فإنه سلب للنقص إذ الولد والوالد لا يكونان إلا من جسمين وهما من الأغيار والأغيار نقص وإن كانا يدلان بالتزام على أن الولد مثل الوالد فيعود إلى سلب المشاركة في الكمال. 2 - باب قَوْلِهِ: {اللَّهُ الصَّمَدُ} وَالْعَرَبُ تُسَمِّي أَشْرَافَهَا الصَّمَدَ، قَالَ أَبُو وَائِلٍ: هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي انْتَهَى سُؤْدَدُهُ (قوله: {الله الصمد}) ولأبي ذر باب بالتنوين أي قوله عز وجل: {الله الصمد} (والعرب تسمي أشرافها الصمد. قال أبو وائل): بالهمز شقيق بن سلمة مما وصله الفريابي (هو السيد الذي انتهى سُؤدَدُه) وقال ابن عباس: الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم وهو من صمد إذا قصد وهو الموصوف به على الإطلاق فإنه مستغنٍ عن غيره مطلقًا وكل ما عداه محتاج إليه في جميع جهاته. وقال الحسن وقتادة: هو الباقي بعد خلقه وعن الحسن الصمد الحي القيوم الذي لا زوال له، وعن عكرمة الذي لم يخرج منه شيء ولا يطعم، وعن الضحاك والسدي الذي لا جوف له! وعن عبد الله بن يزيد الصمد نور يتلألأ وكل هذه الأوصاف صحيحة في صفاته تعالى على ما لا يخفى. 4975 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، أَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ، أَنْ يَقُولَ إِنِّي لَنْ أُعِيدَهُ كَمَا بَدَأْتُهُ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ أَنْ يَقُولَ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وَأَنَا الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ». {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤًا أَحَدٌ} {كُفُوًا} وَكَفِيئًا وَكِفَاءً وَاحِدٌ. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرني معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد أبو ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر. قال الله تعالى كما في الفرع كأصله. (كذبني ابن آدم) المنكر للبعث (ولم يكن له ذلك) التكذيب (وشتمني ولم يكن له ذلك) الشتم، وثبت ذلك للكشميهني (أما) ولأبي ذر فأما (تكذيبه إيّاي أن يقول إني لن أعيده كما بدأته) بغير فاء قبل همزة أن، وبه استدلّ من جوّز حذف الفاء من جواب أما (وأما شتمه إيّاي أن يقول) بغير فاء أيضًا (اتخذ الله ولدًا وأنا الصمد الذي لم ألد ولم أُولد ولم يكن لي كفوًا أحد) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولم يكن له على طريق الالتفات. ({لم يلد ولم يُولد * ولم يكن له كفوًّا أحد}) قدّم لم يلدان كان العرف سبق المولود لأنه الأهم لقولهم ولد الله وقوله ولم يولد كالحجة على أنه لم يلد، وقال في هذه السورة لم يلد وفي الإسراء لم يتخذوا ولدًا لأن من النصارى من يقول عيسى ولد الله حقيقة ومنهم من يقول إن الله اتخذه ولدًا تشريفًا فنفى الأمرين وسقط قوله لم يلد الخ لأبي ذر. ({كفوًّا}) بضمتين (وكفيئًا) بفتح الكاف وبعد الفاء المكسورة تحتية فهمزة بوزن فعيل. (وكفاء) بكسر الكاف وفتح الفاء ممدودًا (واحد) في المعنى. ونقل في فتوح الغيب عن الغزالي أنه قال: الواحد هو الواحد الذي هو مدفوع الشركة والأحد الذي لا تركيب فيه فالواحد نفي للشريك والمثل والأحد نفي للكثرة في ذاته فالصمد الغني المحتاج إليه غيره وهو أحدي الذات وواحديّ الصفات، لأنه لو كان له شريك في ملكه لما كان غنيًّا يحتاج إليه غيره بل كان محتاجًا في قوامه ووجوده إلى أجزاء تريبية فالصمد دليل على الوحدانية والأحدية، ولم يلد دليل على أن وجوده المستمر ليس مثل وجود الإنسان الذي يبقى نوعه بالتوالد والتناسل بل هو وجود مستمر أزلي ولم يولد دليل على أن وجوده ليس مثل وجود الإنسان الذي يتحصل بعد العدم، ويبقى دائمًا إما في جنة عالية لا يفنى وإما في هاوية لا ينقطع ولم يكن له كفوًّا أحد دليل على أن الوجود الحقيقي الذي له تعالى هو الوجود الذي يفيد وجود غيره ولا يستفيد هو

[113] سورة {قل أعوذ برب الفلق}

الوجود من غيره فقوله تعالى أحد دليل على إثبات ذاته المقدسة المنزهة والصمدية تقتضي نفي الحاجة عنه واحتياج غيره إليه ولم يلد إلى آخر السورة سلب ما يوصف به غيره عنه ولا طريق في معرفته تعالى أوضح من سلب صفات المخلوقات عنه. ولما اشتملت هذه السورة مع قصرها على جميع المعارف الإلهية والرد على مَن ألحد فيها جاء أنها تعدل ثلث القرآن كما سيأتي ذلك قريبًا إن شاء الله تعالى في كتاب فضائل القرآن، وهل يحمل ذلك على الأجزاء أو على غيرها فذهب الفقهاء والمفسرون إلى أن لقارئها من الثواب ثلث ما لقارئ جملته وليس في الجواب أكثر من أن الله يهب ما يشاء لمن يشاء، وأجاب المتكلفون بجواب يمكن إرادته قالوا: القرآن ثلاثة أقسام: قسم فيما يجوز أن يوصف به وما لا يجوز، وقسم من أمر الدنيا، وقسم من أمر الآخرة ولم تتضمن سورة الإخلاص غير القسم الواحد فصارت تعدل ثلثه ولهذا سميت سورة الإخلاص لأنها خلصت في صفاته خاصة، ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في محله قريبًا بعون الله وقوته وسقط قوله: كفوًّا وكفيئًا الخ لغير أبي ذر. [113] سورة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). وَقَالَ مُجَاهِدٌ {الفَلَقُ}: الصُّبْحُ. {غَاسِقٍ}: اللَّيْلُ. {إِذَا وَقَبَ}: غُرُوبُ الشَّمْسِ. يُقَالُ: أَبْيَنُ مِنْ فَرَقِ وَفَلَقِ الصُّبْحِ. {وَقَبَ}: إِذَا دَخَلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَأَظْلَمَ. ([113] سورة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}) مكية أو مدنية وآيها خمس. (بسم الله الرحمن الرحيم). ثبت لفظ سورة والبسملة لأبي ذر. (وقال مجاهد): فيما وصله الفريابي ({الفلق}: الصبح) لأن الليل يفلق عنه ويفرق فعل بمعنى مفعول أي مفلوق وتخصيصه لما فيه من تغير الحال وتبدّل وحشة الليل بسرور النور وقيل هو كل ما يفلقه الله كالأرض عن النبات والسحاب عن المطر والأرحام عن الأولاد، وثبت قوله الفلق الصبح لأبي ذر وسقط لغيره. ({وغاسق}) بالرفع وبالجر وهو الموافق للتنزيل (الليل) أي العظيم ظلامه. ({إذا وقب}) أي (غروب الشمس يقال: أبين من فرق وفلق الصبح) الأول بالراء والثاني باللام. ({وقب}: إذا دخل في كل شيء وأظلم) بغروب الشمس، وقيل المراد القمر فإنه يكسف فيغسق ووقوبه دخوله في الكسوف. وفي حديث عائشة عند الترمذي والحاكم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذ بيدها فأراها القمر حين طلع وقال: تعوّذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب. قال في شرح المشكاة لما سحر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، استشفى بالمعوّذتين لأنهما من الجوامع في هذا الباب فتأمل في أولاهما كيف خص وصف المستعاذ به برب الفلق أي بفالق الإصباح لأن هذا الوقت وقت فيضان الأنوار ونزول الخيرات والبركات وخص المستعاذ منه بما خلق فابتدأ بالعام في قوله: {من شر ما خلق} أي من شر خلقه ثم ثنى بالعطف عليه ما هو شره أخفى وهو نقيض انفلاق الصبح من دخول الظلام واعتكاره المعني بقوله: {ومن شر غاسق إذا وقب} [الفلق: 3] لأن انبثاث الشر فيه أكثر والتحرز منه أصعب ومنه قولهم الليل أخفى للويل. 4976 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ وَعَبْدَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ عَنِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "قِيلَ لِي" فَقُلْتُ: فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 4976 - طرفه في: 4937]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني الثقفي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عاصم) هو ابن أبي النجود بفتح النون وبالجيم المضمومة آخره دال مهملة أحد القراء السبعة (وعبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن أبي لبابة بضم اللام وتخفيف الموحدة الأسدي كلاهما (عن زر بن حبيش) بكسر الزاي وتشديد الراء وحبيش بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة آخره معجمة مصغرًا وسقط ابن حبيش لأبي ذر أنه (قال: سألت أبيّ بن كعب عن المعوّذتين) بكسر الواو المشددة وعند ابن حبان وأحمد من طريق حماد بن سلمة بن عاصم قلت لأُبيّ بن كعب إن ابن مسعود لا يكتب المعوّذتين في مصحفه (فقال) أُبيّ (سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عنهما (فقال): ولأبي ذر قال (قيل لي) بلسان جبريل (فقلت) قال أبي (فنحن نقول كما قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وعند الحافظ أبي يعلى عن علقمة قال: كان عبد الله يحك المعوّذتين من المصحف ويقول: إنما أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يتعوّذ بهما ولم يكن عبد الله يقرأ بهما، ورواه عبد الله ابن الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن يزيد وزاد ويقول: إنهما ليستا من كتاب

[114] سورة {قل أعوذ برب الناس}

الله وهذا مشهور عند كثير من القرّاء والفقهاء أن ابن مسعود كان لا يكتبهما في مصحفه، وحينئذ فقول النووي في شرح المهذّب أجمع المسلمون على أن المعوّذتين والفاتحة من القرآن وأن من جحد شيئًا منها كفر، وما نقل عنه ابن مسعود باطل ليس بصحيح فيه نظر كما نبه عليه في الفتح إذ فيه طعن في الروايات الصحيحة بغير مستند وهو غير مقبول وحينئذ فالمصير إلى التأويل أولى، وقد تأوّل القاضي أبو بكر الباقلاني ذلك بأن ابن مسعود لم ينكر قرآنيتهما وإنما أنكر إثباتهما في المصحف فإنه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيء إلا إن كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أذن في كتابته فيه وكأنه لم يبلغه الإذن في ذلك فليس فيه جحد لقرآنيتهما، وتعقب بالرواية السابقة الصريحة التي فيها ويقول إنهما ليستا من كتاب الله. وأجيب: بإمكان حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتمشى التأويل المذكور قاله في فتح الباري، ويحتمل أيضًا أنه لم يسمعهما من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يتواترا عنده، ثم لعله قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة فقد أجمع الصحابة عليهما وأثبتوهما في المصاحف التي بعثوها إلى سائر الآفاق. [114] سورة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْوَسْوَاسِ إِذَا وُلِدَ خَنَسَهُ الشَّيْطَانُ، فَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَهَبَ، وَإِذَا لَمْ يُذْكَرِ اللَّهُ ثَبَتَ عَلَى قَلْبِهِ. ([114] سورة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}) مكية أو مدنية وآيها ست، فإن قلت: إنه تعالى رب جميع العالمين فلِمَ خص الناس؟ أجيب: لشرفهم أو لأن المأمور هو الناس. وسقط لفظ سورة لغير أبي ذر. (ويُذكر عن ابن عباس) ولأبي ذر وقال ابن عباس: (الوسواس إذا ولد) بضم الواو وكسر اللام (خنسه الشيطان) اعترضه السفاقسي بأن المعروف في اللغة خنس إذا رجع وانقبض، وقال الصغاني الأولى نخسه مكان خنسه فإن سلمت اللفظة من الانقلاب والتصحيف فالمعنى أزاله عن مكانه لشدّة نخسه وطعنه بإصبعه في خاصرته (فإذا ذكر الله عز وجل ذهب وإذا لم يذكر الله) بضم أوله مبنيًّا للمفعول (ثبت على قلبه) والتعبير بيذكر أولى لأن إسناده إلى ابن عباس ضعيف أخرجه الطبراني وغيره. وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس قال: الوسواس هو الشيطان يولد المولود والوسواس على قلبه فهو يصرفه حيث شاء فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل جثم على قلبه فوسوس، وعند سعيد بن منصور من طريق عروة بن رويم قال: سأل عيسى عليه السلام ربه أن يريه موضع الشيطان من ابن آدم فأراه فإذا رأسه مثل رأس الحية واضع رأسه على ثمرة القلب فإذا ذكر العبد ربه خنس وإذا ترك منّاه وحدّثه وقوله: {يوسوس في صدور الناس} [الناس: 5] هل يختص ببني آدم أو يعم بني آدم والجن فيه قولان. ويكونون قد دخلوا في لفظ الناس تغليبًا. 4977 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ح. وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ زِرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قُلْتُ: يَا أَبَا الْمُنْذِرِ إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ أُبَيٌّ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِي "قِيلَ لِي": فَقُلْتُ. قَالَ: فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عبدة بن أبي لبابة) بضم اللام وبين الموحدتين الخفيفتين ألف الأسدي (عن زر بن حبيش) قال سفيان: (وحدّثنا) أيضًا (عاصم) هو ابن أبي النجود (عن زر) أنه (قال: سألت أُبيّ بن كعب قلت) له يا (أبا المنذر): هي كنية أُبيّ (إن أخاك) في الدين (ابن مسعود) عبد الله (يقول: كذا وكذا) يعني أن المعوّذتين ليستا من القرآن كما مرّ التصريح به في حديث (فقال أُبيّ: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عنهما (فقال لي: قيل لي) بلسان جبريل ولأبي ذر فقيل لي (فقلت) كما قيل لي (قال) أُبي: (فنحن نقول كما قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا مما اختلف فيه ثم ارتفع الخلاف ووقع الإجماع عليه فلو أنكر أحد اليوم قرآنيته كفر. وفي مسلم من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم يرَ مثلهن قط {قل أعوذ برب الفلق} [الفلق: 1] و {قل أعوذ برب الناس} [الناس: 1]. وعنه أيضًا أمرني رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أقرأ بالمعوّذات في دُبر كل صلاة، رواه أبو داود والترمذي، وعند النسائي عنه أيضًا أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ بهما في صلاة الصبح، وقد روي ذلك من طرق قد

66 - كتاب فضائل القرآن

تفيد التواتر يطول إيرادها والله الموفق للصواب. تمّ التفسير والله أعلم بأسرار كتابه في يوم الاثنين الحادي والعشرين من شعبان سنة عشر وتسعمائة أحسن الله تعالى بمنّه وكرمه عاقبتنا وللمسلمين فيها وكفانا كل مهمة ويسر إكمال هذا المجموع ونفع به وجعله خالصًا لوجهه الكريم أستودعه تعالى ذلك فإنه الحفيظ الجواد الكريم الرؤوف الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم أفضل الصلاة وأتمّ التسليم آمين. بسم الله الرحمن الرحيم 66 - كتاب فضائل القرآن جمع فضيلة، واختلف هل في القرآن شيء أفضل من شيء؟ فذهب الأشعري والقاضي أبو بكر إلى أنه لا فضل لبعضه على بعض، لأن الأفضل يُشعِر بنقص المفضول، وكلام الله حقيقة واحدة لا نقص فيه. وقال قوم بالأفضلية لظواهر الأحاديث كحديث أعظم سورة في القرآن، ثم اختلفوا فقال قوم: الفضل راجع إلى عظم الأجر والثواب، وقال آخرون: بل لذات اللفظ وأن ما تضمنته آية الكرسي وآخر سورة الحشر وسورة الإخلاص من الدلالة على وحدانيته تعالى وصفاته ليس موجودًا مثلًا في: {تبت يدا أبي لهب} [المسد: 1] فالتفضيل بالمعاني العجيبة وكثرتها لا من حيث الصفة. وقال الخويي: من قال إن {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] أبلغ من: {تبت يدا أبي لهب} بجعل المقابلة بين ذكر الله وذكر أبي لهب وبين التوحيد والدعاء على الكافرين فذلك غير صحيح، بل ينبغي أن يقال {تبت يدا أبي لهب} دعاء عليه بالخسران فهل توجد عبارة للدعاء بالخسران أحسن من هذه؟ وكذلك في: {قل هو الله أحد} لا توجد عبارة تدل على الوحدانية أبلغ منها، فالعالم إذا نظر إلى: تبت في باب الدعاء بالخسران ونظر إلى {قل هو الله أحد} في باب التوحيد لا يمكنه أن يقول أحدهما أبلغ من الآخر، وهذا التقييد يغفل عنه من لا علم عنده بعلم البيان ولعل الخلاف في هذه المسألة يلتفت إلى الخلاف المشهور أن كلام الله شيء واحد أم لا؟ وعند الأشعري أنه لا يتنوّع في ذاته بل بحسب متعلقاته، وليس لكلام الله الذي هو صفة ذاته بعض، لكن بالتأويل والتعبير وفهم السامعين اشتمل على أنواع المخاطبات ولولا تنزله في هذه المواقع لما وصلنا إلى فهم شيء منه، وسقطت البسملة لأبي ذر وثبت له لفظ كتاب وسقط لغيره. 1 - باب كَيْفَ نُزُولُ الْوَحْيِ وَأَوَّلُ مَا نَزَلَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْمُهَيْمِنُ} الأَمِينُ. الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ (باب كيف نزول الوحي)؟ ولأبي ذر: نزل الوحي بلفظ الماضي، وسقط له لفظ باب (وأول ما نزل) منه. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم ({المهيمن}) في قوله تعالى بالمائدة: (ومهيمنًا عليه [المائدة: 48] هو (الأمين) وهو أيضًا (القرآن أمين على كل كتاب قبله) من الكتب السماوية. 4978 - 4979 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ قَالاَ: لَبِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا. وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين العبسي مولاهم الكوفي (عن شيبان) بفتح الشين المعجمة ابن عبد الرحمن النحوي التميمي مولاهم البصري أبي معاوية (عن يحيي) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف أنه (قال: أخبرتني) بالإفراد (عائشة وابن عباس) -رضي الله عنهم- (قالا: لبث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن) نزولًا متتابعًا بعد مدة وحي المنام وفترة الوحي سنتين ونصفًا أو ثلاثًا (وبالمدينة عشرًا) ولأبي ذر عن الكشميهني عشر سنين، ومباحث ذلك سبقت آخر المغازي. وأخرج النسائي عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة الحديث. وظاهر حديث الباب أنه نزل كله بمكة والمدينة خاصة وهو كذلك، نعم نزل منه في غيرهما حيث كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر حج أو عُمرة أو غزاة، ولكن الاصطلاح أن كل ما نزل قبل الهجرة فمكي وما بعدها فمدني. 4980 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ، فَجَعَلَ يَتَحَدَّثُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأُمِّ سَلَمَةَ: «مَنْ هَذَا»؟ أَوْ كَمَا قَالَ: قَالَتْ: هَذَا دِحْيَةُ. فَلَمَّا قَامَ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلاَّ إِيَّاهُ، حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخْبِرُ خَبَرَ جِبْرِيلَ أَوْ كَمَا قَالَ: قَالَ أَبِي قُلْتُ لأَبِي عُثْمَانَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدثنا معتمر) هو ابن سليمان التيمي قال: (سمعت أبي) هو سليمان (عن أبي عثمان) عبد الرحمن النهدي أنه (قال: أُنبئت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أي أُخبرت (أن جبريل أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعنده أم سلمة) زوجته -رضي الله عنها- (فجعل يتحدّث) معه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأم سلمة): (من هذا؟ أو كما قال) شك

من الراوي مع بقاء المعنى في ذهنه (قالت: هذا دحية) الكلبي (فلما قام) عليه الصلاة والسلام (قالت) أم سلمة (والله ما حسبته إلاّ إياه) أي دحية (حتى سمعت خطبة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخبر خبر جبريل أو كما قال): قال في الفتح: ولم أقف في شيء من الروايات على بيان هذا الخبر في أي قصة، ويحتمل أن يكون في قصة بني قريظة ففي دلائل البيهقي والغيلانيات من رواية عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها رأت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكلم رجلًا وهو راكب فلما دخل قلت: من هذا الرجل الذي كنت تكلمه؟ قال: بمن تشبّهيه؟ قلت: بدحية بن خليفة. قال: ذاك جبريل أمرني أن أمضي إلى بني قريظة اهـ. وتعقبه العيني: بأن الرائية في حديث الباب أم سلمة وهنا عائشة وباختلاف الرواة، وأجاب في انتقاض الاعتراض: بأنه ليس في شيء من ذلك ما يمنع احتمال اتحاد القصة فرآه كلٌّ من عائشة وأم سلمة، كذا قال فليتأمل، وسقط لأبي ذر لفظ خبر قال معتمر. (قال أبي) سليمان (قلت لأبي عثمان) النهدي (ممن سمعت هذا)؟ الحديث (قال): سمعته (من أسامة بن زيد) حِب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 4981 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلاَّ أُعْطِيَ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ». [الحديث 4981 - أطرافه في: 7274]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن أبيه) كيسان (عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما من الأنبياء نبيّ إلا أُعطي) من المعجزات (ما) موصول مفعول ثانٍ لأُعطي أي الذي (مثله) مبتدأ خبره ({آمن}) بالمدّ (عليه) أي لأجله (البشر) والجملة صلة الموصول وعلى بمعنى اللام وعبّر بهما لتضمنها معنى الغلبة أي يؤمنون بذلك مغلوبًا عليهم بحيث لا يستطيعون دفعه عن أنفسهم. وقال الطيبي: لفظ عليه حال أي مغلوبًا عليه في التحدي والمباراة أي ليس نبي إلاّ قد أعطاه الله من المعجزات الشيء الذي صفته أنه إذا شوهد اضطر الشاهد إلى الإيمان به، وتحريره أن كل نبيّ اختص بما يثبت دعواه من خارق العادات بحسب زمانه كقلب العصا ثعبانًا لأن الغلبة في زمن موسى عليه السلام للسحر فأتاهم بما يوافق السحر فاضطرهم إلى الإيمان به، وفي زمان عيسى عليه الصلاة والسلام الطبّ فجاء بما هو أعلى من الطب وهو إحياء الموتى، وفي زمان نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البلاغة وكان بها فخارهم فيما بينهم حتى علّقوا القصائد السبع بباب الكعبة تحديًا لمعارضتها فجاء بالقرآن من جنس ما تناهوا فيه بما عجز عنه البلغاء الكاملون في عصره اهـ. ويحتمل أن يكون المعنى أن القرآن ليس له مثل لا صورة ولا حقيقة. قال تعالى: {فأتوا بسورة من مثله} [البقرة: 23]. بخلاف معجزات غيره فإنها وإن لم يكن لها مثل حقيقة يحتمل أن يكون لها صورة. (وإنما كان الذي أُوتيت) من المعجزات ولأبي ذر: أُوتيته (وحيًا أوحاه الله إليّ) وهو القرآن وليست معجزاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منحصرة في القرآن فالمراد أنه أعظمها وأكثرها فائدة فإنه يشتمل على الدعوة والحجّة وينتفع به إلى يوم القيامة ولذا رتب عليه قوله (فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا) أي أمة (يوم القيامة) إذ باستمرار المعجزة ودوامها يتجدد الإيمان ويتظاهر البرهان، وهذا بخلاف معجزات سائر الرسل فإنها انقرضت بانقراضهم وأما معجزة القرآن فإنها لا تبيد ولا تنقطع وآياته متجددة لا تضمحل وخرقه للعادة في أسلوبه وبلاغته وأخباره بالمغيبات لا تتناهى، فلا يمر عصر من الأعصار إلاّ ويظهر فيه شيء مما أخبر به عليه الصلاة والسلام. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الاعتصام ومسلم في الإيمان والنسائي في التفسير وفضائل القرآن. 4982 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَابَعَ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ وَفَاتِهِ حَتَّى تَوَفَّاهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ الْوَحْيُ، ثُمَّ تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدُ. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن محمد) بفتح العين البغدادي الناقد قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن الله تعالى تابع على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الوحي) أي أنزله متتابعًا متواترًا (قبل وفاته) أي قربها

2 - باب نزل القرآن بلسان قريش والعرب، {قرآنا عربيا} {بلسان عربي مبين}

(حتى توفاه) أي إلى الزمن الذي وقعت فيه وفاته (أكثر ما كان الوحي) نزولًا عليه من غيره من الأزمنة لأنه في أول البعثة فتر فترة ثم كثر ولم ينزل بمكة من السور الطوال إلاّ القليل ثم كان الزمن الأخير من الحياة النبوية أكثر نزولًا لأن الوفود بعد فتح مكة كثروا وكثر سؤالهم عن الأحكام. وقد ذكر ابن يونس في تاريخ مصر في ترجمة سعيد بن أبي مريم مما حكاه في الفتح أن سبب تحديث أنس بذلك سؤال الزهري له: هل فتر الوحي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن يموت؟ قال: بل أكثر ما كان وأجمه، وسقطت التصلية لأبي ذر، وثبت قوله الوحي من قوله تابع على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الوحي للكشميهني وسقط لغيره. (ثم توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد) بالضم مبنيًّا لقطع الإضافة عنه أي بعد ذلك. وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في فضائل القرآن. 4983 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا يَقُولُ: اشْتَكَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا مُحَمَّدُ مَا أُرَى شَيْطَانَكَ إِلاَّ قَدْ تَرَكَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 1 - 3]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأسود بن قيس) العبدي أنه (قال: سمعت جندبًا) بضم الجيم والدال المهملة ابن عبد الله بن سفيان البجلي -رضي الله عنه- (يقول: اشتكى) مرض (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يقم) للتهجد (ليلة أو ليلتين فأتته امرأة) وهي حمالة الحطب العوراء أخت أبي سفيان بن حرب (فقال: يا محمد ما أرى) بضم همزة أرى، ولأبي ذر بفتحها (شيطانك) إلاّ قد تركك فأنزل الله عز وجل ({والضحى}) وهو صدر النهار حين ترتفع الشمس وخصه بالقسم لأنه الساعة التي كلم الله تعالى فيها موسى أو المراد النهار كله لمقابلته بالليل بقوله: ({والليل إذا سجى}) أي سكن والمراد سكون الناس والأصوات فيه وجواب القسم ({ما ودعك ربك وما قلى}) أي ما تركك منذ اختارك وما أبغضك منذ أحبك والتوديع مبالغة في الودع لأن من ودعك مفارقًا فقد بالغ في تركك وسقط قوله: {والليل} الخ لأبي ذر وقال الى قوله: {وما قلى}. والحديث سبق في تفسير سورة الضحى. 2 - باب نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ وَالْعَرَبِ، {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} هذا (باب) بالتنوين (نزل القرآن بلسان قريش) أي بلغة معظمهم (والعرب) من عطف العام على الخاص. {قرآنًا} ولأبي ذر وقول الله تعالى: {قرآنًا عربيًّا} {بلسان عربي مبين}) قال القاضي أبو بكر الباقلاني: لم تقم دلالة قاطعة على نزول القرآن جميعه بلسان قريش بل ظاهر قوله تعالى: {إنا جعلناه قرآنًا عربيًّا} [الزخرف: 3] أنه نزل بجميع ألسنة العرب لأن اسم العرب يتناول الجميع تناولًا واحدًا، وقال أبو شامة أي ابتداء نزوله بلغة قريش ثم أبيح أن يقرأ بلغة غيرهم. 4984 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: فَأَمَرَ عُثْمَانُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنْ يَنْسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ لَهُمْ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي عَرَبِيَّةٍ مِنْ عَرَبِيَّةِ الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهَا بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا) ولغير أبي ذر حدّثنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (وأخبرني) بالإفراد والواو للعطف على مقدّر ذكره في الباب اللاحق ولأبي ذر: فأخبرني (أنس بن مالك قال: فأمر عثمان) -رضي الله عنه- (زيد بن ثابت) كاتب الوحي وقدوة الفرضيين (وسعيد بن العاص) بن أحيحة الأموي (وعبد الله بن الزبير) بن العوّام (وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها) أي الآيات أو السور أو الصحف المحضرة من بيت حفصة ولأبي ذر عن الكشميهني أن ينسخوا ما (في المصاحف) أي ينقلوا الذي فيها إلى مصاحف أخرى والأول هو الأولى لأنه كان في مصحف لا مصاحف (وقال لهم) عثمان (إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في) لغة (عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان قريش فإن القرآن أنزل بلسانهم) أي معظمه (ففعلوا) ما أمرهم به عثمان. وهذا الحديث مرّ في باب نزول القرآن بلسان قريش في المناقب. 4985 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا عَطَاءٌ، وَقَالَ مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ يَعْلَى كَانَ يَقُولُ: لَيْتَنِي أَرَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ قَدْ أَظَلَّ عَلَيْهِ وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ بَعْدَ مَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَاعَةً فَجَاءَهُ الْوَحْيُ، فَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى يَعْلَى أَنْ تَعَالَ، فَجَاءَ يَعْلَى فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ، فَإِذَا هُوَ مُحْمَرُّ الْوَجْهِ يَغِطُّ كَذَلِكَ سَاعَةً، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: «أَيْنَ الَّذِي يَسْأَلُنِي عَنِ الْعُمْرَةِ آنِفًا»؟ فَالْتُمِسَ الرَّجُلُ فَجِيءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا، ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء والميم المشددة ابن يحيى بن دينار العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر الذال المعجمة قال: (حدّثنا عطاء) أي ابن أبي رباح (وقال) وفي نسخة ح وقال: (مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان سقط لغير أبي ذر ابن سعيد (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح المذكور (قال: أخبرني) بالإفراد أيضًا (صفوان بن يعلى بن أمية أن) أباه

3 - باب جمع القرآن

(يعلى كان يقول: ليتني أرى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين ينزل) بضم أوله وفتح ثالثه (عليه الوحي) رفع مفعول ناب عن الفاعل ولأبي ذر بفتح أوله وكسر ثالثه (فلما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجعرانة) بكسر الجيم وسكون العين المهملة وقد تكسر وتشدد الراء موضع قريب من مكة أحد مواقيت الإحرام (وعليه ثوب قد أظلّ عليه) بفتح الهمزة والظاء المعجمة (ومعه ناس) ولأبي ذر عن الحموي ومعه الناس (من أصحابه إذ جاءه رجل). قال في المقدمة حكى ابن فتحون في الذيل أن اسمه عطاء بن منبه وعزاه لتفسير الطرسوسي وفيه نظر، وقال: إن صح فهو أخو يعلى بن منبه، وفي الشفاء للقاضي عياض ما يُشعِر أن اسمه عمرو بن سواد والصواب أنه يعلى بن أمية راوي الحديث كما أخرجه الطحاوي من حديث شعبة عن قتادة عن عطاء أن رجلًا يقال له يعلى بن أمية أحرم وعليه جبة (متضمخ) بالضاد والخاء المعجمتين متلطخ (بطيب فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم) أي بعمرة كما في الحج (في جبة بعد ما تضمخ) تلطخ (بطيب؟ فنظر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ساعة فجاء له الوحي فأشار عمر إلى يعلى أن) ولأبي ذر عن الحموي أي (تعال فجاه يعلى فأدخل رأسه) ليرى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حال نزول الوحي (فإذا هو) عليه الصلاة والسلام (محمرّ الوجه يغط) بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة يتردد صوت نفسه من شدة ثقل الوحي (كذلك ساعة ثم سرّي) بضم السن المهملة وتشديد الراء المكسورة أي كشف (عنه) ما كان يجده من شدة الثقل الوحي (فقال): (أين الذي يسألني عن العُمرة آنفًا فالتمس الرجل) بضم التاء مبنيًا للمفعول (فجيء به إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) له: (أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات) هل قوله ثلاث مرات من جملة مقوله عليه الصلاة والسلام فيكون نصًّا في تكرار الغسل ثلاثًا أو العامل فيه قال: أي قال له عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات اغسله فلا يكون نصًّا على التثليث. وسبق مزيد لذلك في الحج. (وأما الجبة فانزعها) عنك (ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجّك) من الطواف والسعي والحلق والاحتراز عن محظورات الإحرام. وهذا الحديث صورته صورة المرسل لأن صفوان بن يعلى ما حضر ذلك وقد ساقه في كتاب العمرة من الحج بالإسناد المذكور هنا عن أبي نعيم فقال فيه عن صفوان بن يعلى عن أبيه فوضح أنه ساقه هنا على لفظ رواية ابن جريج. قيل: وجه دخول هذا الحديث هنا التنبيه على أن الوحي بالقرآن والسُّنَّة على صفة واحدة ولسان واحد. 3 - باب جَمْعِ الْقُرْآنِ (باب جمع القرآن) في الصحف ثم جمع تلك الصحف في المصحف بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنما ترك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمعه في مصحف واحد لأن النسخ كان يرد على بعضه فلو جمعه ثم رفعت تلاوة بعضه لأدى إلى الاختلاف والاختلاط فحفظه الله تعالى في القلوب إلى انقضاء زمن النسخ فكان التأليف في الزمن النبوي والجمع في الصحف في زمن الصديق والنسخ في المصاحف في زمن عثمان وقد كان القرآن كله مكتوبًا في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكنه غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور. 4986 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِى فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ قَالَ عُمَرُ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لاَ نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ -رضي الله عنهما-. فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرَهُ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التوبة: 128] حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ -رضي الله عنه-. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (عن إبراهيم بن سعد) بسكون العين الزهري العوفي أنه قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد بن السباق) بضم العين من غير إضافة لشيء والسباق بفتح السين المهملة وتشديد الموحدة المدني التابعي (أن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: أرسل إليّ) بتشديد الياء (أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (مقتل) أي عقب مقتل (أهل اليمامة) أي من قتل بها من الصحابة في وقعة مسيلمة الكذاب لما ادّعى النبوّة وقوي أمره بعد وفاته عليه الصلاة والسلام بارتداد كثير من العرب فخذله الله وقتله بالجيش الذي جهزه أبو بكر -رضي الله عنه- وقتل بسبب ذلك من الصحابة قيل سبعمائة أو أكثر (فإذا عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (عنده قال أبو بكر -رضي الله عنه-: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد

استحرّ) بالسين الساكنة والفوقية والحاء المهملة والراء المشددة المفتوحات اشتد وكثر (يوم) وقعة (اليمامة بقرّاء القرآن) وسمى منهم في رواية سفيان بن عيينة عن الزهري في فوائد الدير عاقولي سالمًا مولى حذيفة (وإني أخشى أن يستحرّ) بلفظ المضارع أي يشتد ولأبي ذر إن استحرّ (القتل) اشتد (بالقراء بالمواطن) أي في الأماكن التي يقع فيها القتال مع الكفار (فيذهب كثير من القرآن) بقتل حفظته والفاء في فيذهب للتعقيب (وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن) قال أبو بكر لزيد: (قلت لعمر: كيف تفعل شيئًا لم يفعله) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لم يفعل (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال عمر: هذا والله خير) ردّ لقول أبي بكر كيف تفعل شيئًا لم يفعله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإشعار بأن من البدع ما هو حسن وخير (فلم يزل عمر يراجعني) في ذلك (حتى شرح الله صدري لذلك) الذي شرح له صدر عمر (ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد، قال أبو بكر) لي يا زيد (إنك رجل شاب) أشار به إلى حدّة نظره وبُعده عن النسيان وضبطه وإتقانه (عاقل لا نتهمك) أشار إلى عدم كذبه وأنه صدوق وفيه تمام معرفته وغزارة علومه وشدّة تحقيقه وتمكنه من هذا الشأن (وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتتبع القرآن فاجمعه) بصيغتي الأمر (فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان) ثقله (أثقل عليّ مما أمرني به) أبو بكر (من جمع القرآن). فإن قلت: كيف عبّر أولًا بقوله: لو كلفوني وأفرده في قوله مما أمرني به؟ أجيب: بأنه جمع باعتبار أبي بكر ومن وافقه وأفرد باعتبار أنه الآمر بذلك وحده وإنما قال زيد ذلك خشية من التقصير في ذلك لكن الله تعالى يسّره له تصديقًا لقوله تعالى: {ولقد يسّرنا القرآن للذكر} [القمر: 54]. (قلت) لهم: (كيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال) أبو بكر (هو) أي جمعه (والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- فتتبعت القرآن) حال كوني (أجمعه) وقت التتبع مما عندي وعند غيري (من العسب) بضم العين والسين المهملتين ثم الموحدة جريد النخل العريض العاري عن الخوص (واللخاف) بكسر اللام وفتح الخاء المعجمة وبعد الألف فاء الحجارة الرقاق أو هي الخزف بالخاء والزاي المعجمتين والفاء (وصدور الرجال) حيث لا يجد ذلك مكتوبًا أو الواو بمعنى مع أي أكتبه من المكتوب الموافق للمحفوظ في الصدور. وعند أبي داود أن عمر -رضي الله عنه- قام فقال: من كان تلقى من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا من القرآن فليأت به وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب قال: وكان لا يقبل من أحد شيئًا حتى يشهد شاهدان، وهذا يدل على أن زيدًا كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوبًا حتى يشهد به مَن تلقّاه سماعًا مع كون زيد كان يحفظه فكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط، ولأبي داود أيضًا من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه ورجاله ثقات مع انقطاعه، ولعل المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب أو المراد أنهما يشهدان أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو أنهما يشهدان أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن وكان غرضهم أن لا يكتب إلاّ من عين ما كتب بين يديه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا من مجرد اللفظ والمراد بصدور الرجال الذين جمعوا القرآن وحفظوه في صدورهم كاملًا في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كأُبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل. (حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة) بن أوس بن يزيد بن حرام وأبو خزيمة مشهور بكنيته لا يعرف اسمه وشهد بدرًا وما بعدها (الأنصاري) النجاري (لم أجدها) مكتوبة (مع أحد غيره {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} [التوبة: 128] حتى خاتمة براءة) ولا يلزم من عدم وجدانه إياها حينئذٍ أن لا تكون تواترت عند مَن تلقّاها من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

وإنما كان زيد يطلب التثبّت عمن تلقاها بغير واسطة ولقد اجتمع في هذه الآية كما قاله الخطابي زيد بن ثابت، وأبو خزيمة، وعمر، وسقط قوله: {عزيز عليه ما عنتم} لأبي ذر. (فكانت الصحف) التي جمع فيها زيد بن ثابت القرآن (عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته) حتى توفاه الله (ثم عند حفصة بنت عمر -رضي الله عنه-) وعنها لأنها كانت وصية عمر فاستمر ما كان عنده عندها إلى أن شرع عثمان في كتابة المصحف. وهذا الحديث سبق في تفسير براءة. 4987 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ، وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلاَفُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلاَفَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ. فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ أَنْ يُحْرَقَ. وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري التبوذكي قال: (حدّثنا إبراهيم) بن سعد العوفي قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم (أن أنس بن مالك حدّثه أن حذيفة بن اليمان) واسم اليمان حسيل بمهملتين مصغرًا وقيل حسل بكسر ثم سكون العبسي بالموحدة حليف الأنصار (قدم على عثمان) المدينة في خلافته (وكان) عثمان (يغازي أهل الشام) أي يجهّز أهل الشام (في فتح أرمينية) بكسر الهمزة وتفتح وسكون الراء وكسر الميم والنون بينهما تحتية ساكنة وبعد النون تحتية أخرى مخففة وقد تثقل مدينة عظيمة بين بلاد الروم وخلاط قريبة من أرزن الروم. قال ابن السمعاني: يضرب بحسنها وطيب هوائها وكثرة مياهها وشجرها المثل (وأذربيجان) وأمر أهل الشام أن يجمعوا (مع) ولأبي ذر عن الكشميهني في (أهل العراق) في غزوهما وفتحهما. وأذربيجان بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة وفتح الراء وكسر الموحدة وسكون التحتية وفتح الجيم وبعد الألف نون قرأت في معجم ياقوت وفتح قوم الذال وسكون الراء ومدّ آخرون الهمزة مع ذلك، وروي عن المهلب ولا أعرف للمهلب هذا آذربيجان بمدّ الهمزة وسكون الذال فيلتقي ساكنان وكسر الراء ثم ياء ساكنة وباء موحدة مفتوحة وجيم وألف ونون وهو اسم اجتمعت فيه خمس موانع من الصرف العجمة والتعريف والتأنيث والتركيب ولحاق الألف والنون، وهو إقليم واسع ومن مشهور مدنه تبريز وهو صقع جليل ومملكة عظيمة وخيرات واسعة وفواكه جمة لا يحتاج السالك فيها إلى حمل إناء للماء لأن المياه جارية تحت أقدامه أين توجه وأهلها صباح الوجوه حمرها ولهم لغة يقال لها الأذرية لا يفهمها غيرهم وفي أهلها لين وحُسن معاملة إلا أن البخل يغلب على طباعهم وهي بلاد فتن وحروب ما خلت قطّ من فتنة فيها فلذلك أكثر مدنها خراب، وافتتحت أولًا في أيام عمر بن الخطاب كان أنفذ المغيرة بن شعبة الثقفي واليًا على الكوفة ومعه كتاب إلى حذيفة بن اليمان بولاية أذربيجان فورد عليه الكتاب بنهاوند فسار منها إلى أذربيجان في جيس كثيف فقاتل المسلمون قتالًا شديدًا، ثم إن المرزبان صالح حذيفة على ثمانمائة ألف درهم على أن لا يقتل منهم أحدًا ولا يسبيه ولا يهدم بيت نار، ثم عزل عمر حذيفة وولى عتبة بن فرقد على أذربيجان، ولما استعمل عثمان بن عفان الوليد بن عتبة على الكوفة عزل عتبة بن فرقد عن أذربيجان فنقضوا فغزاهم الوليد بن عتبة سنة خمس وعشرين وكان حذيفة من جملة مَن غزا معه. (فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هده الأمة) المحمدية (قبل أن يختلفوا في الكتاب) أي القرآن (اختلاف اليهود والنصارى) في التوراة والإنجيل، وفي رواية عمارة بن غزية أن حذيفة قال: يا أمير المؤمنين أدرك الناس قال: وما ذاك؟ قال: غزوت فرج أرمينية فإذا أهل الشام يقرأون بقراءة أُبيّ بن كعب ويأتون بما لم يسمع أهل العراق، وإذا أهل العراق يقرأون بقراءة ابن مسعود فيأتون بما لم يسمع أهل الشام فيكفر بعضهم بعضًا. وروى ابن أبي داود بإسناد صحيح من طريق سويد بن غفلة قال: قال عليّ: لا تقولوا في عثمان إلا خيرًا فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منّا. قال: ما تقولون في هذه القراءة فقد بلغني أن بعضهم يقول قراءتي خير من قراءتك، وهذا لا يكاد أن يكون كفرًا. قلنا: فما ترى؟ قال: أرى أن تجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف. قلنا:

نعم ما رأيت. (فأرسل عثمان إلى حفصة) -رضي الله عنها- (أن أرسلي إلينا بالصحف) التي كان أبو بكر أمر زيدًا بجمعها (ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص) الأموي (وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام) وفي كتاب المصاحف لابن أبي داود من طريق محمد بن سيرين اثني عشر رجلًا من قريش والأنصار منها أُبيّ بن كعب، وفي رواية مصعب بن سعد فقال عثمان: مَن أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زيد بن ثابت. قال: فأيّ الناس أعرب؟ وفي رواية أفصح؟ قالوا: سعيد بن العاص. قال عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد، ووقع عند ابن أبي داود تسمية جماعة ممن كتب أو أملى منهم: مالك بن أبي عامر جد مالك بن أنس، وكثير بن أفلح، وأُبيّ بن كعب، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عباس (فنسخوها) أي الصحف (في المصاحف و) ذلك بعد أن (قال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة): سعيد، وعبد الله، وعبد الرحمن لأن الأول أموي والثاني أسدي والثالث مخزومي وكلها من بطون قريش (إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن) أي من عربيته (فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل) معظمه (بلسانهم) أي بلغتهم (ففعلوا) ذلك كما أمرهم (حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة) فكانت عندها حتى توفيت فأخذها مروان حين كان أميرًا على المدينة من قبل معاوية فأمر بها فشققت وقال: إنما فعلت هذا لأني خشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب فيها مرتاب. رواه ابن أبي داود وغيره. (فأرسل) عثمان (إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا) وكانت خمسة على المشهور فأرسل أربعة وأمسك واحدًا. وقال الداني في المقنع: أكثر العلماء أنها أربعة أرسل واحدًا للكوفة وآخر للبصرة وآخر للشام وترك واحدًا عنده، وقال أبو حاتم فيما رواه عنه ابن أبي داود كتب سبعة مصاحف إلى مكة والشام واليمن والبحرين والبصرة والكوفة وحبس بالمدينة واحدًا (وأمر بما سواه) أي سوى المصحف الذي استكتبه والتي نقلت منه وسوى الصحف التي كانت عند حفصة (من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق) بسكون الحاء المهملة وفتح الراء؛ ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يحرق بفتح المهملة وتشديد الراء مبالغة في إذهابها وسدًّا لمادة الاختلاف. وقال في شرح السُّنَّة في هذا الحديث البيان الواضح أن الصحابة -رضي الله عنهم- جمعوا بين الدفّتين القرآن المنزل من غير أن يكونوا زادوا أو نقصوا منه شيئًا باتفاق منهم من غير أن يقدّموا شيئًا أو يؤخّروه بل كتبوه في المصاحف على الترتيب المكتوب في اللوح المحفوظ بتوقيف جبريل عليه السلام على ذلك وإعلامه عند نزول كل آية بموضعها وأين تكتب. وقال عبد الرحمن السلمي: كان قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة وهي التي قرأها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه وولاه عثمان كتبة المصاحف. قال السفاقسي: فكان جمع أبي بكر خوف ذهاب شيء من القرآن بذهاب حملته إذ إنه لم يكن مجموعًا في موضع واحد، وجمع عثمان لما أكثر الاختلاف في وجوه قراءته حين قرؤوا بلغاتهم حتى أدّى ذلك إلى تخطئة بعضهم بعضًا فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مقتصرًا من اللغات على لغة قريش إذ هي أرجحها. 4988 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: فَقَدْتُ آيَةً مِنَ الأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ بِهَا فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ. (قال ابن شهاب) الزهري بالإسناد السابق (وأخبرني) بالواو والإفراد ولأبي ذر فأخبرني بالفاء والإفراد أيضًا (خارجة بن زيد بن ثابت) أنه (سمع) أباه (زيد بن ثابت قال: فقدت) بفتح القاف (آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف) أي في زمن عثمان لا في زمن أبي بكر لأن الذي فقده في خلافة أبي بكر الآيتان من آخر سورة براءة (قد كنت أسمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ بهما فالتمسناها) أي طلبناها (فوجدناها مع خزيمة

4 - باب كاتب النبي -صلى الله عليه وسلم-

بن أبي ثابت الأنصاري) بالمثلثة ابن الفاكه بن ثعلبة ذي الشهادتين وهو غير أبي خزيمة بالكنية الذي وجد معه آخر التوبة ({من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}) [الأحزاب: 23] فألحقناها في سورتها في (الصحف) بضم الصاد من غير ميم في الفرع والذي في اليونينية بالميم. 4 - باب كَاتِبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب) ذكر (كاتب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بإفراط لفظ كاتب. 4989 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ ابْنَ السَّبَّاقِ قَالَ: إِنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: إِنَّكَ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاتَّبِعِ الْقُرْآنَ. فَتَتَبَّعْتُ حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرَهُ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التوبة: 128] إِلَى آخِرِهِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد الزهري (أن ابن السباق) عبيدًا (قال: إن زيد بن ثابت قال: أرسل إليّ أبو بكر -رضي الله عنه-) في زمن خلافته (قال: إنك كنت تكتب الوحي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاتبع القرآن) بهمزة وصل وتشديد الفوقية وكسر الموحدة قال زيد: (فتتبعت) أي القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ما في الباب السابق، وفي رواية ابن عيينة عن ابن شهاب القصب أو العسب والكرانيف وجرائد النخل. وفي رواية شعيب من الرقاع وعند عمارة بن غزية وقطع الأديم (حتى وجدت سورة التوبة آيتين) منها (مع ابن خزيمة الأنصاري لم أجدهما) مكتوبتين (مع أحد غيره {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} إلى آخرها) سقط لأبي ذر قوله عزيز الخ. 4990 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ادْعُ لِي زَيْدًا وَلْيَجِيءْ بِاللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ، وَالْكَتِفِ أَوِ الْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبْ {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} وَخَلْفَ ظَهْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنِي؟ فَإِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95]. وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن موسى) بن باذام الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن السبيعي (عن البراء) بن عازب -رضي الله عنه- أنه (قال لما نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله} قال) لي (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ادع لي زيدًا وليجيء) بسكون اللام والجزم (باللوح والدواة) بفتح الدال بالإفراد، ولأبي ذر عن الحموي والدوي بضم الدال وكسر الواو وتحتية مشدّدة (والكتف أو الكتف والدواة، ثم قال) له لما حضر: (اكتب {لا يستوي القاعدون} وخلف ظهر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمرو ابن أم مكتوم) بفتح العين وسكون الميم (الأعمى قال) ولأبي ذر فقال (يا رسول الله فما تأمرني ففي رجل ضرير البصر) لا أستطيع الجهاد (فنزلت مكانها) مكان الآية في الحال قيل قبل أن يجف القلم ({لا يستوي القاعدون من المؤمنين في سبيل الله غير أولي الضرر}) ولأبي ذر: لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله غير أولي الضرر. قال الحافظ أبو ذر نفسه وهذا على معنى التفسير لا على التلاوة، ومراد البخاري من الحديث الأول قوله: إنك كنت تكتب الوحي، وقوله في الآخر اكتب ولم يذكر من الكتاب سوى زيد بن ثابت وقد كتب الوحي غيره ولم يكتب زيد إلا بمكة لأنه إنما أسلم بعد الهجرة ولكثرة كتابته الوحي أطلق عليه الكاتب، وكان ربما غاب فكتب غيره وقد كتب الوحي قبله أُبيّ بن كعب، وهو أول من كتب الوحي بالمدينة وأوّل من كتبه بمكة من قريش عبد الله بن سعد بن أبي سرح لكنه ارتد ثم عاد إلى الإسلام يوم الفتح، وممن كتب له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الجملة الخلفاء الأربعة والزبير بن العوّام وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص بن أمية، وحنظلة بن الربيع الأسدي، ومعيقيب بن أبي فاطمة، وعبد الله بن الأرقم الزهري وشرحبيل ابن حسنة، وعبد الله بن رواحة في آخرين. 5 - باب أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ هذا (باب) بالتنوين (أُنزل القرآن على سبعة أحرف). 4991 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء آخره راء نسبه إلى جده لشهرته به واسم أبيه كثير بالمثلثة وسعيد هذا من حفاظ المصريين وثقاتهم قال: (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد إمام المصريين قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين المهملة ابن خالد وللأصيلي عن عقيل (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (أن ابن عباس) وللأصيلي أن عبد الله بن عباس (-رضي الله عنهما- حدّثه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (أقرأني جبريل) القرآن (على حرف) قال في الفتح: وهذا مما لم يصرّح ابن عباس بسماعه له منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكأنه سمعه من أُبيّ بن كعب

فقد أخرج النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب نحوه (فراجعته) ولمسلم من حديث أُبيّ فرددت إليه أن هوّن على أمتي وفي رواية له إن أمتي لا تطيق ذلك (فلم أزل أستريده) أطلب منه أن يطلب من الله الزيادة في الأحرف للتوسعة (ويزيدني) أي ويسأل جبريل ربه تعالى فيزيدني (حتى انتهى إلى سبعة أحرف) وفي حديث أُبيّ المذكور ثم أتاه الثانية فقال على حرفين ثم أتاه الثالثة فقال على ثلاثة أحرف ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ على سبعة أحرف فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا هـ. وحديث الباب سبق في بدء الخلق. 4992 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ الْقَارِيَّ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلاَةِ، فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْتُ: كَذَبْتَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ. فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَرْسِلْهُ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ». فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ». ثُمَّ قَالَ: «اقْرَأْ يَا عُمَرُ»، فَقَرَأْتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) المصري قال: (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام المصري قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن المسور بن مخرمة) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ابن نوفل الزهري (وعبد الرحمن بن عبد) بتنوين عبد من غير إضافة إلى شيء (القاري) بتشديد التحتية نسبة إلى القارة بطن من خزيمة بن مدركة والقارة لقبه واسمه أثيع بالمثلثة مصغرًا (حدّثناه أنهما سمعا عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (يقول: سمعت هشام بن حكيم) ولأبي ذر والأصيلي زيادة ابن حزام وهو أسديّ على الصحيح (يقرأ سورة الفرقان) لا سورة الأحزاب إذ هو غلط (في حياة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكدت أساوره) بهمزة مضمومة وسين مهملة أي آخذ برأسه أو أواثبه (في الصلاة فتصبرت) أي تكلفت الصبر (حتى سلم) أي فرغ من صلاته (فلببته) بفتح اللام وتشديد الموحدة الأولى في الفرع وأصله، وقال عياض التخفيف أعرف (بردائه) أي جمعته عليه عند لبته لئلا ينفلت مني وهذا من عمر على عادته في الشدّة بالأمر بالمعروف (فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ) ها؟ بحذف الضمير (قال): وللأصيلي فقال هشام: (أقرأنيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال عمر -رضي الله عنه- (فقلت) له: (كذبت فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أقرأنيها على غير ما قرأتـ) ـها فيه إطلاق التكذيب على غلبة الظن فإنه إنما فعل ذلك عن اجتهاد منه لظنه أن هشامًا خالف الصواب وساغ له ذلك لرسوخ قدمه في الإسلام وسابقته بخلاف هشام فإنه من مسلمة الفتح فخشي أن لا يكون أتقن القراءة، ولعل عمر لم يكن سمع حديث: أنزل القرآن على سبعة أحرف قبل ذلك (فانطلقت به أقوده) أجرّه بردائه (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت) يا رسول الله (إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان) بباء الجر وللأربعة سورة الفرقان (على حروف لم تقرئنيها. فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أرسله) بهمزة قطع أي أطلقه ثم قال له عليه الصلاة والسلام (اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ بها (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كذلك أنزلت، ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني) بها (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كذلك أُنزلت) ولم يقف الحافظ ابن حجر على تعيين الأحرف التي اختلف فيها عمر وهشام من سورة الفرقان، نعم جمع ما اختلف فيه من المتواتر والشاذ من هذه السورة وسبقه إلى ذلك ابن عبد البر مع فوت ثم قال: والله أعلم بما أنكر منها عمر على هشام وما قرأ به عمر. ثم قال: عليه الصلاة والسلام تطييبًا لقلب عمر لئلا ينكر تصويب الشيئين المختلفين: (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف) جمع حرف مثل فلس وأفلس أي لغات أو قرأت فعلى الأول يكون المعنى على أوجه من اللغات لأن أحد معاني الحرف في اللغة الوجه. قال تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف} [الحج: 11] وعلى الثاني يكون من إطلاق الحرف على الكلمة مجازًا لكونه بعضها. (فاقرؤوا ما تيسر منه) أي من الأحرف المنزل بها، فالمراد بالتيسر في الآية غير المراد به

في الحديث لأن الذي في الآية المراد به القلة والكثرة، والذي في الحديث ما يستحضره القارئ من القراءات فالأول من الكمية والثاني من الكيفية. وقد وقع لجماعة من الصحابة نظير ما وقع لعمر مع هشام. منها لأُبي بن كعب مع ابن مسعود في سورة النحل، وعمرو بن العاص مع رجل في آية من القرآن رواه أحمد. وابن مسعود مع رجل في سورة من آل حم رواه ابن حبان والحاكم، وأما ما رواه الحاكم عن سمرة رفعه: أُنزل القرآن على ثلاثة أحرف فقال أبو عبد الله: تواترت الأخبار بالسبعة إلا في هذا الحديث. قال أبو شامة: يحتمل أن يكون بعضه أنزل على ثلاثة أحرف كجذوة والراهب أو أراد أنزل ابتداء على ثلاثة أحرف ثم زيد إلى سبعة توسعة على العباد والأكثر أنها محصورة في السبعة وهل هي باقية إلى الآن يقرأ بها أم كان ذلك ثم استقر الأمر على بعضها وإلى الثاني ذهب الأكثر كسفيان بن عيينة وابن وهب والطبري والطحاوي، وهل استقر ذلك في الزمن النبوي أم بعده؟ والأكثر على الأول واختاره القاضي أبو بكر بن الطيب وابن عبد البر وابن العربي وغيرهم لأن ضرورة اختلاف اللغات ومشقة نطقهم بغير لغتهم اقتضت التوسعة عليهم في أول الأمر فأذن لكلٍّ أن يقرأ على حرفه أي طريقته في اللغة إلى أن انضبط الأمر وتدربت الألسن وتمكن الناس من الاقتصار على الطريقة الواحدة، فعارض جبريل عليه السلام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القرآن مرتين في السنة الأخيرة واستقر على ما هو عليه الآن فنسخ الله تعالى تلك القراءة المأذون فيها بما أوجبه من الاقتصار على هذه القراءة التي تلقاها الناس. ويشهد له ما عند الترمذي عن أُبيّ أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لجبريل: "إني بعثت إلى أمة أميّة فيهم الشيخ الفاني والعجوز الكبير والغلام" قال: فمرهم أن يقرؤوا على سبعة أحرف وفي بعضها كقوله: هلم وتعال وأقبل وأسرع واذهب واعجل لكن الإباحة المذكورة لم تقع بالتشهي أي أن كل أحد يغير الكلمة بمرادفها في لغته بل ذلك مقصور على السماع من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما يشير إليه قول كلٍّ من عمر وهشام أقرأني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ولئن سلمنا إطلاق الإباحة بقراءة المرادف ولو لم يسمع لكن الإجماع من الصحابة في زمن عثمان الموافق للعرضة الأخيرة يمنع ذلك كما مرّ، واختلف في المراد بالسبعة، قال ابن العربي: لم يأتِ في ذلك نص ولا أثر، وقال ابن حبان: إنه اختلف فيها على خمسة وثلاثين قولًا. قال المنذري: إن أكثرها غير مختار، وقال أبو جعفر محمد بن سعدان النحوي هذا من المشكل الذي لا يُدرى معناه لأن الحرف يأتي لمعانٍ، وعن الخليل بن أحمد: سبع قراءات وهذا أضعف الوجوه فقد بيّن الطبري وغيره أن اختلاف القراء إنما هو حرف واحد من الأحرف السبعة وقيل سبعة أنواع كل نوع منها جزء من أجزاء القرآن فبعضها أمر ونهي ووعد ووعيد وقصص وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، وفيه حديث ضعيف من طريق ابن مسعود، ورواه البيهقي بسند مرسل وهو قول فاسد وقيل سبع لغات لسبع قبائل من العرب متفرقة في القرآن فبعضه بلغة تميم وبعضه بلغة أزد وربيعة وبعضه بلغة هوازن وبكر وكذلك سائر اللغات ومعانيها واحدة، وإلى هذا ذهب أبو عبيد وثعلب وحكاه ابن دريد عن أبي حاتم، وبعضهم عن القاضي أبي بكر وقال الأزهري: وابن حبان: إنه المختار وصححه البيهقي في الشعب، واستنكره ابن قتيبة واحتج بقوله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} [إبراهيم: 4]. وأجيب: بأنه لا يلزم من هذه الآية أن يكون أرسل بلسان قريش فقط لكونهم قومه بل أرسل بلسان جميع العرب ولا يرد عليه كونه بعث إلى الناس كافّة عربًا وعجمًا لأن القرآن أنزل باللغة العربية وهو بلغه إلى طوائف العرب وهم يترجمونه لغير العرب بألسنتهم. وقال ابن الجزري: تتبعت القراءات صحيحها وشاذها وضعيفها ومنكرها فإذا هي ترجع إلى سبعة أوجه من الاختلاف لا تخرج عن ذلك وذلك إما في الحركات بلا تغير في المعنى

6 - باب تأليف القرآن

والصورة نحو البُخْل والبَخَل ويحسب بوجهين أو بتغير في المعنى فقط نحو: {فتلقى آدم من ربه كلمات} [البقرة: 37] وادّكر بعد أمه وأمة، وأما في الحروف بتغير المعنى لا الصورة نحو: تبلو وتتلو وننجيك ببدنك وننجيك ببدنك أو عكس ذلك نحو: بسطة بصطة أو بتغيرهما نحو: أشد منكم ومنهم ويأتل ويتأل وفامضوا إلى ذكر الله، وأما في التقديم والتأخير نحو: فيقتلون ويقتلون، وجاءت سكرة الحق بالموت أو في الزيادة والنقصان نحو؛ أوصى ووصى والذكر والأنثى وأما نحو اختلاف الإظهار والإدغام مما يعبر عنه بالأصول فليس من الاختلاف الذي يتنوّع فيه اللفظ أو المعنى لأن هذه الصفات في أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظًا واحدًا ولئن فرض فيكون من الأول انتهى. وحديث الباب مضى في كتاب الخصومات. 6 - باب تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ (باب تأليف القرآن) أي جمع آيات السورة أو جمع السور مرتبة. 4993 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ قَالَ: إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ، فَقَالَ: أَيُّ الْكَفَنِ خَيْرٌ؟ قَالَتْ: وَيْحَكَ وَمَا يَضُرُّكَ، قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرِينِي مُصْحَفَكِ، قَالَتْ: لِمَ؟ قَالَ: لَعَلِّي أُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ قَالَتْ: وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ نَزَلَ الْحَلاَلُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ لاَ تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا. وَلَوْ نَزَلَ لاَ تَزْنُوا لَقَالُوا لاَ نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46]. وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلاَّ وَأَنَا عِنْدَهُ. قَالَ: فَأَخْرَجَتْ لَهُ الْمُصْحَفَ، فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي الوقت حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) قاضي صنعاء (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال): أخبرني فلان بكذا (وأخبرني يوسف بن ماهك) بفتح الهاء وكسرها يصرف ولا يصرف للعجمة والعلمية فالعطف على مقدّر وقال ابن حجر وما عرفت عليه ثم رأيت الواو ساقطة من رواية النسفيّ (قال: إني عند عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- إذ جاءها) رجل (عراقي) لم يعرف الجاحظ ابن حجر اسمه (فقال) لها (أيّ الكفن خير)؟ الأبيض أو غيره (قالت: ويحك) كلمة ترحم (وما) أي أيّ شيء (يضرك)؟ بعد موتك في أيّ كفن كفنت (قال: يا أم المؤمنين أرينى مصحفك. قالت: لم)؟ أريكه (قال: لعلى أؤلف القرآن عليه فإنه يقرأ غير مؤلف). قال في الفتح: الظاهر لي أن هذا العراقي كان ممن يأخذ بقراءة ابن مسعود وكان ابن مسعود لما حضر مصحف عثمان إلى الكوفة لم يرجع عن قراءته ولا على إعدام مصحفه فكان تأليف مصحفه مغايرًا لتأليف عثمان، ولا ريب أن تأليف المصحف العثماني أكثر مناسبة من غيره فلهذا أطلق العراقي أنه غير مؤلف وهذا كله على أن السؤال إنما وقع عن ترتيب السور، ولذا (قالت) له عائشة (وما يضرك)؟ بضم الضاد المعجمة والراء المشددة من الضرر ولأبوي ذر والوقت والأصيلي بكسر الصاد بعدها تحتية ساكنة من الضير (أيه) بفتح الهمزة والتحتية المشددة بعدها هاء مضمومة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أية بفوقية بدل الهاء منوّنة (قرأت قبل) أي قبل قراءة السورة الأخرى (إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار) سورة {اقرأ باسم ربك} [العلق: 1] إذ ذاك لازم من قوله فيها إن كذب وتولى وسندع الزبانية أو المدثر وذكرهما صريح فيها في قوله وما أدراك ما سقر وفي جنات يتساءلون لكن الذي نزل أولًا من سورة اقرأ خمس آيات فقط أو المراد بالأولية بعد الفترة وهي المدثر فلعل آخرها نزل قبل نزول بقية اقرأ أو بتقدير من أي من أول ما نزل (حتى إذا ثاب) بالمثلثة والموحدة بينهما ألف أي رجع (الناس إلى الإسلام) واطمأنت نفوسهم عليه وتيقنوا أن الجنة للمطيع والنار للعاصي (نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدًا ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدًا) وذلك لما طبعت عليه النفوس من النفرة عن ترك المألوف فاقتضت الحكمة الإلهية ترتيب النزول على ما ذكر (لقد نزل بمكة على محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإني لجارية) صغيرة (ألعب: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر}) [القمر: 46] من سورة القمر التي ليس فيها ذكر شيء من الأحكام (وما نزلت سورة البقرة والنساء) المشتملتان على الأحكام من الحلال والحرام ({إلا وأنا عنده}) بعد الهجرة بالمدينة وأرادت بذلك تأخر نزول الأحكام وسقط لأبي ذر سورة فالبقرة ومعطوفها مرفوعان. (قال: فأخرجت له) أي للعراقي: (المصحف فأملت) بسكون الميم وتخفيف اللام وبتشديدها مع فتح الميم في اليونينية بتشديد الميم فليحرر (عليه آي السورة) ولأبي ذر

السور أي آيات كل سورة كأن قالت له مثلًا سورة البقرة كذا وكذا آية، وهذا يؤيد أن السؤال وقع عن تفصيل آيات كل سورة وقد ذكر بعض الأئمة آيات السور مفردة كابن شيطا والجعبري وفي مجموعي لطائف الإشارات لفنون القراءات ما يكفي ويشفي. 4994 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ وَطَهَ وَالأَنْبِيَاءِ: إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلاَدِي. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي إنه (قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد) ولأبي ذر زيادة ابن قيس أخا الأسود بن يزيد بن قيس (قال: سمعت ابن مسعود) -رضي الله عنه- (يقول في) شأن سورة (بني إسرائيل) وهي سورة الإسراء (و) في شأن سورة (الكهف و) شأن سورة (مريم و) شأن سورة (طه و) شأن سورة (الأنبياء) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أو الأنبياء (أنهن) أي الخمسة (من العتاق الأول) بكسر العين، والعرب تجعل كل شيء بلغ الغاية في الجودة عتيقًا والأول بضم الهمزة وفتح الواو المخففة والأولية باعتبار نزولهن (وهن من تلادي) بكسر الفوقية وتخفيف اللام وبعد الألف دال مهملة أي مما نزل قديمًا ومع ذلك فهنّ مؤخرات في ترتيب المصحف العثماني وهذا الحديث مرّ في التفسير. 4995 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ سَمِعَ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- قَالَ: تَعَلَّمْتُ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} [الأعلى: 1] قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أنبأنا) من الإنباء (أبو إسحاق) عمرو السبيعي أنه (سمع البراء -رضي الله عنه-) زاد الأصيلي ابن عازب (قال: تعلمت) سورة ({سبح اسم ربك}) زاد الأصيلي وأبو الوقت {الأعلى} (قبل أن يقدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي المدينة فهي من أوائل ما نزل ومع ذلك فهي متأخرة في المصحف فالتأليف يكون بالتقديم والتأخير. وهذا الحديث سبق في التفسير أيضًا. 4996 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ: قَدْ عَلِمْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَؤُهُنَّ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ وَدَخَلَ مَعَهُ عَلْقَمَةُ، وَخَرَجَ عَلْقَمَةُ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: عِشْرُونَ سُورَةً مِنْ أَوَّلِ الْمُفَصَّلِ عَلَى تَأْلِيفِ ابْنِ مَسْعُودٍ آخِرُهُنَّ الْحَوَامِيمُ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري المروزي (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن شقيق) أبي وائل بن سلمة أنه (قال: قال عبد الله) بن مسعود (قد علمت) وللأصيلي وابن عساكر لقد تعلمت (النظائر) أي السور المتماثلة في المعاني كالموعظة أو الحكم أو القصص أو السور المتقاربة في الطول أو القصر (التي كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرؤهن اثنين اثنين في كل ركعة) ولأبي ذر عن الكشميهني إسقاط لفظ كل وفي نسخة اثنين كل ركعة بإسقاط الجار (فقام عبد الله) يعني ابن مسعود من مجلسه ودخل بيته (ودخل معه علقمة) بن قيس النخعي (وخرج علقمة) المذكور (فسألناه) عنها (فقال: عشرون سورة من أول المفصل على تأليف) مصحف (ابن مسعود آخرهن الحواميم) ولأبي ذر من الحواميم حم الدخان وعمّ يتساءلون، ولابن خزيمة من طريق أبي خالد الأحمر عن الأعمش مثل هذا الحديث وزاد قال الأعمش: أولهن الرحمن وآخرهن الدخان وذكر الدخان في المفصل تجوّز لأنها ليست منه، نعم يصح على أحد الأقوال في حدّ المفصل وقد مر في باب الجمع بين السورتين في ركعة من كتاب الصلاة سرد السور العشرين فيما أخرجه أبو داود وفي الحديث دليل على أن تأليف مصحف ابن مسعود على غير التأليف العثماني ولم يكن على ترتيب النزول. وقيل: إن مصحف علي بن أبي طالب كان على ترتيب النزول أوّله اقرأ ثم المدثر ثم ن والقلم وهكذا إلى آخر المكي ثم المدني وهل ترتيب المصحف العثماني كان باجتهاد من الصحابة أو توقيفيًّا، فذهب إلى الأول الجمهور ومنهم القاضي أبو بكر بن الطيب فيما اعتمده واستقر عليه رأيه من قوله وأنه فوّض ذلك إلى أمته بعده وذهبت طائفة إلى الثاني، والخلاف لفظي لأن القائل بالأول يقول إنه رمز إليهم ذلك لعلمهم بأسباب نزوله ومواقع كلماته، ولذلك قال الإمام مالك: وإنما ألفوا القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهناك قول ثالث وهو أن كثيرًا من السور قد كان علم ترتيبه في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كالسبع الطوال والحواميم والمفصل وكقوله اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران وإلى هذا مال ابن عطية،

7 - باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم-. وقال مسروق عن عائشة عن فاطمة - عليها السلام -: أسر إلي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن جبريل يعارضني بالقرآن كل سنة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي

وقال بعضهم: لترتيب وضع السور في المصحف أشياء تطلعك على أنه توقيفي صادر عن حكيم. أحدها: بحسب الحروف كما في الحواميم، وثانيها لموافقة أول السور لآخر ما قبلها كآخر الحمد في المعنى وأول البقرة، وثالثها للوزن في اللفظ كآخر تبت وأول الإخلاص، ورابعها لمشابهة جملة السورة لجملة الأخرى مثل الضحى وألم نشرح. وقال بعضهم: سورة الفاتحة تضمنت الإقرار بالربوبية والالتجاء إليه في دين الإسلام والصيانة عن دين اليهودية والنصرانية، وسورة البقرة تضمنت قواعد الدين، وآل عمران مكملة لمقصودها، فالبقرة بمنزلة إقامة الدليل على الحكم وآل عمران بمنزلة الجواب عن شبهات الخصرم، وسورة النساء تتضمن أحكام الأنساب التي بين الناس، والمائدة سورة العقود وبها تمّ الدين انتهى. وأما ترتيب الآيات فإنه توقيفي بلا شك ولا خلاف أنه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو أمر واجب وحكم لازم فقد كان جبريل يقول ضع آية كذا في موضع كذا وفيه حديث أخرجه البيهقي في المدخل والدلائل والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرطهما. 7 - باب كَانَ جِبْرِيلُ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ مَسْرُوقٌ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ فَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ -: أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ جِبْرِيلَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ حَضَرَ أَجَلِي هذا (باب) بالتنوين (كان جبريل يعرض القرآن) بفتح الياء وكسر الراء (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي يستعرضه ما أقرأه إياه. (وقال مسروق): هو ابن الأجدع التابعي مما وصله المؤلّف في علامات النبوّة (عن عائشة) أم المؤمنين (-رضي الله عنها- عن فاطمة) بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عليها السلام أسرّ إليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أن جبريل يعارضني) أي يدارسني ولأبي ذر كان يعارضني (بالقرآن كل سنة) أي مرة (وإنه) ولأبي ذر عن الحموي وإني (عارضني) هذا (العام مرتين ولا أراه) بضم الهمزة أي ولا أظنه (إلا حضر أجلي) والمعارضة مفاعلة من الجانبين كأن كلاًّ منهما كان تارة يقرأ والآخر يسمع. 4997 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، لأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة المكي المؤذن قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين الزهري العوفي أبو إسحاق الزهري (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان النبي) وفي نسخة كان رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجود الناس) أي أسخاهم (بالخير) بنصب أجود خبر كان (وأجود) بالرفع (ما يكون في شهر رمضان) أثبت له الأجودية المطلقة أولًا ثم عطف عليها زيادة ذلك في رمضان لئلا يتخيل من قوله وأجود ما يكون في شهو رمضان أن الأجودية خاصة منه برمضان فهو احتراس بليغ ثم بيّن سبب الأجودية المذكورة بقوله (لأن جبريل) عليه السلام (كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ) رمضان وظاهره أنه كان يلقاه في كل رمضان منذ أنزل عليه القرآن إلى رمضان الذي توفي بعده وليس بمقيد برمضانات الهجرة وإن كان صيام شهر رمضان إنما فرض بعد الهجرة إذ إنه كان يسمى به قبل فرض صومه، نعم يحتمل أنه لم يعارضه في رمضان من السنة الأولى لوقوع ابتداء النزول فيها، ثم فتر الوحي ثم تتابع وسقط الضمير من يلقاه لأبي الوقت والأصيلي فكان (يعرض عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القرآن) أي بعضه أو معظمه لأن أول رمضان من البعثة لم يكن نزل من القرآن إلا بعضه ثم كذلك كل رمضان بعده إلى الأخير فكان نزل كله إلا ما تأخر نزوله بعد رمضان المذكور وكان في سنة عشر إلى أن توفي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومما نزل في تلك المدة {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] فإنها نزلت يوم عرفة بالاتفاق ولما كان ما نزل في تلك الأيام قليلًا اغتفروا أمر معارضته فاستفيد منه إطلاق القرآن على بعضه مجازًا وحينئذٍ فلو حلف ليقرآن القرآن فقرأ بعضه لا يحنث إلا إن قصد كله (فإذا لقيه جبريل كان) عليه الصلاة والسلام (أجود بالخير من الريح المرسلة) أي المطلقة فهو من الاحتراس لأن الريح منها العقيم الضار، ومنها المبشر بالخير فوصفها بالمرسلة ليعين الثاني قال تعالى: {هو الذي يرسل الرياح مبشرات} [الروم: 46] فالريح المرسلة تستمر مدة إرسالها وكذا كان عمله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

8 - باب القراء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-

في رمضان ديمة لا ينقطع وفيه استعمال أفعل التفضيل في الإسناد الحقيقي والمجازي لأن الجود منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حقيقة ومن الريح مجاز. فإن قلت: ما الحكمة في تخصيص الليل المذكور بمعارضة القرآن؟ أجيب: بأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم والليل مظنة ذلك بخلاف النهار فإن فيه الشواغل والعوارض على ما لا يخفى ولعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقسم ما نزل من القرآن في كل سنة على ليالي رمضان أجزاء فيقرأ كل ليلة جزءًا في جزء من الليلة وبقية ليلته لما سوى ذلك من تهجد وراحة وتعهد أهله ويحتمل أنه كان يعيد ذلك الجزء مرارًا بحسب تعدّد الحروف المنزل بها القرآن. وهذا الحديث قد سبق أول الصحيح وفي كتاب الصوم. 4998 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً، فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ، وَكَانَ يَعْتَكِفُ كُلَّ عَامٍ عَشْرًا، فَاعْتَكَفَ عِشْرِينَ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ. وبه قال: (حدّثنا خالد بن يزيد) الكاهلي قال: (حدّثنا أبو بكر) هو ابن عياش بالتحتية والمعجمة (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان) أي جبريل (يعرض على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القرآن) وسقط لغير الكشميهني لفظ القرآن أي بعضه أو معظمه (كل عام مرة) ليالي رمضان من زمن البعثة أو من بعد فترة الوحي إلى رمضان الذي توفي بعده (فعرض عليه) القرآن (مرتين في العام الذي قبض) زاد الأصيلي فيه: واختلف هل كانت العرضة الأخيرة بجميع الأحرف السبعة أو بحرف واحد منها وعلى الثاني فهل هو الحرف الذي جمع عليه عثمان الناس أو غيره، فعند أحمد وغيره من طريق عبيدة السلماني أن الذي جمع عليه عثمان الناس يوافق العرضة الأخيرة ونحوه عند الحاكم من حديث سمرة وإسناده حسن وقد صححه هو، وأخرج أبو عبيد من طريق داود بن أبي هند قال قلت للشعبي قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} [البقرة: 185] أما كان ينزل عليه في سائر السنة؟ قال: بلى، ولكن جبريل كان يعارض مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رمضان ما أنزل عليه فيحكم الله ما يشاء وينسخ ما يشاء فكأن السر في عرضه مرتين في سنة الوفاة استقراره على ما كتب في المصحف العثماني والاقتصار عليه وترك ما عداه، ويحتمل أن يكون لأن رمضان في السنة الأولى من نزول القرآن لم يقع فيه مدارسة لوقوع ابتداء النزول في رمضان ثم فتر الوحي فوقعت المدارسة في السنة الأخيرة من رمضان مرتين ليستوي عدد السنين والعرض. (وكان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يعتكف كل عام عشرًا) من رمضان (فاعتكف عشرين) يومًا من رمضان (في العام الذي قبض) زاد الأصيلي فيه مناسبة لعرض القرآن مرتين، وسبق في الاعتكاف مباحث الاعتكاف والله الموفق والمعين. 8 - باب الْقُرَّاءِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا (باب) ذكر (القرّاء) الذين اشتهروا بحفظ القرآن والتصدي لتعليمه (من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) على عهده. 4999 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ، مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَالِمٍ وَمُعَاذٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ». وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين الحوضي النمري البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين ابن مرة لا السبيعي ووهم الكرماني (عن إبراهيم) النخعي (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه قال: (ذكر عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص (عبد الله بن مسعود فقال) أي ابن عمرو: (لا أزال أحبه) لأني (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول خذوا القرآن) أي تعلموه (من أربعة من عبد الله بن مسعود) سقط لفظ ابن مسعود للأصيلي وأبي الوقت (وسالم) أي ابن معقل بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف مولى أبي حذيفة (ومعاذ) وللأصيلي زيادة ابن جبل (وأبي بن كعب) وفيه محبة من يكون ماهرًا في القرآن والأربعة المذكورون اثنان منهم من المهاجرين وهما المبدوء بهما والآخران من الأنصار. وقد مرّ الحديث في الناقب. 5000 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: خَطَبَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي مِنْ أَعْلَمِهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَمَا أَنَا بِخَيْرِهِمْ. قَالَ شَقِيقٌ فَجَلَسْتُ فِي الْحِلَقِ أَسْمَعُ مَا يَقُولُونَ فَمَا سَمِعْتُ رَادًّا يَقُولُ: غَيْرَ ذَلِكَ. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا شقيق بن سلمة) أبو وائل (قال خطبنا عبد الله بن مسعود) ثبت ابن مسعود ولأبي ذر -رضي الله عنه- (فقال:

والله لقد أخذت من في) أي من فم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بضعًا) بكسر الموحدة وسكون المعجمة ما بين الثلث إلى التسع (وسبعين سورة) بالموحدة بعد السين وزاد عاصم عن زر عن عبد الله وأخذت بقية القرآن عن أصحابه ولم أقف على تعيين السور المذكورة، وإنما قال ابن مسعود ذلك لما أمر بالمصاحف أن تُغَيَّر وتُكتَب على المصحف العثماني وساءه ذلك وقال: أفأترك ما أخذت من في رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رواه أحمد وابن أبي داود من طريق الثوري وإسرائيل وغيرهما عن أبي إسحاق عن خمير بمعجمة مصغرًا ابن مالك (والله لقد علم أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أني من أعلمهم بكتاب الله) ووقع عند النساني من طريق عبدة وابن أبي داود من طريق أبي شهاب كلاهما عن الأعمش عن أبي وائل أني أعلمهم بإسقاط من (وما أنا بخيرهم) إذ لا يلزم من زيادة الفضل في صفة من صفاته الأفضلية المطلقة والأعلمية بكتاب الله لا تستلزم الأعلمية المطلقة ولا ريب أن العشرة المبشرة أفضل اتفاقًا. (وقال شقيق) أبو وائل بالسند المذكور (فجلست في الحلق) بكسر الحاء المهملة وفتح اللام في الفرع وضبطه في الفتح بفتحهما (أسمع ما يقولون) في قول ابن مسعود هذا (فما سمعت رادًّا) بتشديد الدال أي عالمًا (يقول غير ذلك) مما يخالف قول ابن مسعود، وأما قول الزهري فيما أخرجه ابن أبي داود فبلغني أن ذلك كرهه من قول ابن مسعود رجال من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه محمول على أن الذين كرهوا ذلك من غير الصحابة الذين شاهدهم شقيق بالكوفة. 5001 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُنَّا بِحِمْصَ فَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ سُورَةَ يُوسُفَ فَقَالَ رَجُلٌ: مَا هَكَذَا أُنْزِلَتْ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "أَحْسَنْتَ". وَوَجَدَ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ، فَقَالَ: "أَتَجْمَعُ أَنْ تُكَذِّبَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَتَشْرَبَ الْخَمْرَ". فَضَرَبَهُ الْحَدَّ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (محمد بن كثير) أبو عبد الله العبدي البصري قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان الكوفي (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي أنه (قال: كنا بحمص) بلدة من بلاد الشام مشهورة (فقرأ ابن مسعود) عبد الله (سورة يوسف فقال رجل) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمه نعم قال: قيل إنه نهيك بن سنان (ما هكذا أنزلت قال) أي ابن مسعود ولأبي ذر فقال: (قرأت) كذا (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أحسنت ووجد) ابن مسعود (منه) من الرجل (ريح الخمر فقال) له: (أتجمع أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر، فضربه الحدّ) أي رفعه إلى الولاية فضربه وأسند الضرب إليه مجازًا لكونه كان سببًا فيه والمنقول عنه أنه كان يرى وجوب الحد بمجرد وجود الرائحة أو أن الرجل اعترف بشربها بلا عذر، لكن وقع عند الإسماعيلي أثر هذا الحديث النقل عن علي أنه أنكر على ابن مسعود جلده الرجل بالرائحة وحدها إذ لم يقرّ أو لم يشهد له. ومبحث ذلك يأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الحدود بعون الله وفضله وإنما أنكر الرجل كيفية الإنزال جهلًا منه لا أصل النزول وإلاّ لكفر إذ الإجماع قائم على أن من جحد حرفًا مجمعًا عليه فهو كافر. 5002 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ -رضي الله عنه- وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَلاَ أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تُبَلِّغُهُ الإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال: (حدّثنا مسلم) أبو الضحى بن صبيح لا غيره (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: قال عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه -: والله الذي لا إله غيره) وسقطت الجلالة لأبي ذر (ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت) بمكة أو بالمدينة أو غيرهما (ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمَ أنزلت) بغير ألف بعد الميم ولأبي ذر عن الكشميهني فيما بإثبات الألف وله عن الحموي والمستملي فيمن بالنون بدل الألف (ولو أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغه) بسكون الموحدة وضم اللام والذي في اليونينية فتح الموحدة وتشديد اللام مكسورة ولأبي ذر عن الكشميهني والحموي تبلغنيه بفتح الموحدة وكسر اللام مشدّدة وزيادة نون بعد الغين فتحتية ساكنة (الإبل لركبت إليه) للأخذ عنه ولأبي عبيد من طريق ابن سيرين نُبِّئت أن ابن مسعود قال: لو علمت أحدًا تبلغنيه الإبل أحدث عهدًا بالعرضة

الأخيرة مني لأتيته ولعله احترز عن سكان السماء كما قاله في الكواكب واستنبط جواز ذكر الإنسان ما فيه من الفضيلة بقدر الحاجة. 5003 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ. تَابَعَهُ الْفَضْلُ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن غياث قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر الذال المعجمة البصري الحافظ قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة السدوسي (قال: سألت أنس بن مالك -رضي الله عنه- من جمع القرآن على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): جمعه (أربعة كلهم من الأنصار أُبيّ بن كعب) من بني النجار (ومعاذ بن جبل) من بني الخزرج (وزيد بن ثابت) من بني النجار (وأبو زيد) سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس من الأوس، وقيل اسمه معبد أحد الأربعة الذين جمعوا القرآن على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومات ولا عقب له، واستبعد ابن الأثير أن يكون هذا ممن جمع القرآن. قال: لأن الحديث يرويه أنس بن مالك وذكرهم وقال أحد عمومتي أبو زيد وأنس من بني عدي بن النجار وهو خزرجي فكيف يكون هذا وهو أوسي اهـ. وليس في هذا الحديث ما ينفي جمعه عن غير المذكورين (تابعه) أي تابع حفص بن عمر في رواية هذا الحديث (الفضل) بن موسى الشيباني (عن حسين بن واقد) بالقاف (عن ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم ابن عبد الله قاضي البصرة (عن) جده (أنس) أي ابن مالك وهذه المتابعة وصلها إسحاق بن راهويه في مسنده. 5004 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ وَثُمَامَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ. قَالَ: وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ. وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بضم الميم وفتح العين المهملة واللام المشددة العمي أبو الهيثم أخو بهز بن أسد البصري قال: (حدّثنا عبد الله بن المثنى) بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري أبو المثنى البصري صدوق إلا أنه كثير الغلط قال: (حدّثني) بالإفراد (ثابت البناني) بضم الموحدة وتخفيف النون واسم أبيه أسلم أبو محمد البصري (وثمامة) بضم المثلثة ابن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري) كلاهما (عن أنس) وللأصيلي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه (قال: مات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يجمع القرآن) على جميع وجوهه وقراءاته أو لم يجمعه كله تلقيًا من فِيَّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلا واسطة أو لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته وما لم ينسخ أو مع أحكامه والتفقه فيه أو كتابته وحفظه (غير أربعة أبو الدرداء) عويمر بن مالك وقيل ابن عامر وقيل ابن ثعلبة الخزرجي (ومعاذ بن جبل) السلمي بالفتح (وزيد بن ثابت) النجاري (وأبو زيد) سعد بن عبيد الأوسي والحصر لعله باعتبار ما ذكر قال المازري لا يلزم من قول أنس لم يجمعه غيرهم أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه وإلاّ فكيف الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة وتفرّقهم في البلاد وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واحد منهم على انفراده وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع القرآن في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا في غاية البعد في العادة اهـ. وقد وقع في رواية الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في أوّل الحديث افتخر الحيان الأوس والخزرج فقال الأوس: منا أربعة مَن اهتز له عرش الرحمن سعد بن معاذ، ومن عدلت شهادته شهادة رجلين خزيمة بن ثابت، ومَن غسلته الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومَن حمته الدبر عاصم بن ثابت. فقال الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه غيرهم فذكرهم، فلعل مراد أنس بقوله لم يجمع القرآن غيرهم أي من الأوس بقرينة المفاخرة المذكورة لا النفي عن المهاجرين. وقال ابن كثير: أنا لا أشك أن الصدّيق -رضي الله عنه- قرأ القرآن وقد نص عليه الأشعري مستدلاًّ بأنه صحّ أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وأكثرهم قرآنًا" وتواتر عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قدّمه للإمامة ولم يكن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمر بأمر ثم يخالفه بلا سبب فلولا أن أبا بكر كان متّصفًا بما يقدمه في الإمامة على سائر الصحابة وهو القراءة لما قدّمه فلا يسوغ نفي حفظ القرآن عنه بغير دليل، وقد صح في البخاري أنه بنى مسجدًا بفناء داره فكان يقرأ القرآن أي ما نزل

9 - باب فاتحة الكتاب

منه إذ ذاك وجمع عليّ القرآن على ترتيب النزول. وقال ابن عمر فيما رواه النسائي بإسناد صحيح جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة الحديث. وعدّ أبو عبيد القراء من الصحابة من المهاجرين الخلفاء الأربعة وطلحة وسعدًا وابن مسعود وحذيفة وسالمًا وأبا هريرة وعبد الله بن السائب والعبادلة، ومن النساء عائشة وحفصة وأم سلمة، ولكن بعض هؤلاء إنما أكمله بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعند ابن أبي داود في كتاب الشريعة من المهاجرين أيضًا تميم بن أوس الداري وعقبة بن عامر ومن الأنصار عبادة بن الصامت وأبا حليمة معاذًا ومجمع بن حارثة وفضالة بن عبيد ومسلمة بن مخلد، وممن جمعه أيضًا أبو موسى الأشعري فيما ذكره الداني وعمرو بن العاص وسعد بن عبادة، وبالجملة فيتعذر ضبطهم على ما لا يخفى ولا يتمسك بما في هذه الأحاديث لما ذكرناه وكيف يكون ذلك مع ما ورد من قتل القراء ببئر معونة ويوم اليمامة لا سيما مع ما في هذه الأحاديث من الاضطراب في العدد والنفي والإطلاق وليس فيها شيء من المرفوع إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد تعقب الإسماعيلي الحديثين الأخيرين باختلافهما بالحصر وعدمه مع ذكر أبي الدرداء بدل أُبيّ بن كعب فقال: لا يجوزان في الصحيح مع تباينهما بل الصحيح أحدهما وجزم البيهقي بأن ذكر أبي الدرداء وهم والصواب أُبيّ بن كعب وقال الداودي: لا أرى ذكر أبي الدرداء محفوظًا. (قال) أنس (ونحن ورثناه) بكسر الراء مخففة أي أبا زيد لأنه مات ولم يترك عقبًا وهو أحد عمومة أنس كما في المناقب وهو يردّ على من سمى أبا زيد المذكور سعد بن عبيد بن النعمان أحد بني عمرو بن عوف لأن أنسًا خزرجي وسعد بن عبيد أوسي، وعند ابن أبي داود بإسناد على شرط البخاري إلى ثمامة عن أنس أن أبا زيد الذي جمع القرآن اسمه قيس بن السكن قال: وكان رجلًا منّا من بني عدي بن النجار أحد عمومتي ومات ولم يدع عقبًا ونحن ورثناه، وقال ابن أبي داود حدّثنا أنس بن خالد الأنصاري قال هو قيس بن السكن بن زعوراء من بني عدي بن النجار. قال ابن أبي داود: مات قريبًا من وفاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذهب علمه ولم يؤخذ عنه وكان عقبيًّا بدريًّا قال الحافظ ابن حجر فهذا يرفع الإشكال من أصله. 5005 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ أُبَيٌّ أَقْرَؤُنَا، وَإِنَّا لَنَدَعُ مِنْ لَحَنِ أُبَيٍّ وَأُبَيٌّ يَقُولُ أَخَذْتُهُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ أَتْرُكُهُ لِشَيْءٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نَنْسَأْهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}. وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي الحافظ قال: (أخبرنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري (عن حبيب بن أبي ثابت) الأسدي (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم أحد الأعلام (عن ابن عباس) أنه (قال: قال عمر) -رضي الله عنهم- (أُبيّ) أي ابن كعب (أقرؤنا) لكتاب الله (وإنّا لندع) لنترك (من لحن أبي) بفتح اللام والحاء المهملة في اليونينية مصححًا عليه وبسكونها في الفرع أي من قراءته مما نسخت تلاوته (وأُبيّ) أي والحال أن أُبيًّا (يقول أخدته) أي الذي يتركه عمر من لحنه (من في) أي فم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا أتركه لشيء) يقوله لي غير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا لنسخ ولا لغيره واستدلّ عليه عمر بقوله (قال الله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسأها}) ولأبي ذر أو ننسها بضم النون وكسر السين من غير همز على قراءة نافع وابن عامر والكوفيين ({نأتِ بخير منها أو مثلها}) [البقرة: 106] والنسخ يكون على أقسام ما نسخ قراءته وبقي حكمه كالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما والحكم فقط نحو {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة: 184] والحكم والتلاوة نحو عشر رضعات يحرمن والمراد هنا الأول والأخير على ما لا يخفى. والحديث مذكور في تفسير البقرة. 9 - باب فَاتِحَةِ الْكِتَابِ (باب فاتحة الكتاب) ولأبوي ذر والوقت باب فضل فاتحة الكتاب قال علي لو أردت أن أملي وقر بعير على الفاتحة لفعلت. 5006 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي، فَدَعَانِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ أُجِبْهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي. قَالَ: «أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: 24]. ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ». فَأَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ قُلْتَ ألا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ: «{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان قال: (حدّثنا) ولأبي زر أخبرنا (شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثني) بالإفراد (خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأنصاري المدني (عن حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب (عن أبي سعيد بن المعلى) بضم الميم وفتح العين المهملة واللام المشددة واسمه الحارث أو رافع ونقل عن الحافظ الدمياطي أنه

قال: الصحيح هو الحارث بن أوس بن المعلى وما عداه باطل وحينئذٍ فيكون ممن نسب إلى جده وهو كثير من فعل النسابة فلا يقال إنه خطأ أنه (قال: كنت أصلى فدعاني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم أجبه) لأنه عليه الصلاة والسلام منعهم من الكلام في الصلاة ومن قطعها وزاد في سورة الأنفال حتى صلّيت ثم أتيته (قلت: يا رسول الله إني كنت أصلي قال) عليه الصلاة والسلام وللأصيلي فقال: (ألم يقل الله) تعالى: ({استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم})، وحد الضمير لأن استجابة الرسول كاستجابته تعالى والمراد بالاستجابة الطاعة والامتثال واستدلّ به على وجوب إجابته وهل تقطع الصلاة أم لا فيه بحث مر في أول التفسير (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (ألا) بالتخفيف (أعلمك أعظم سورة في القرآن) أجْرًا ومضاعفة في الثواب بحسب انفعالات النفس وخشيتها وتدبرها (قبل أن تخرج من المسجد، فأخذ بيدي فلما أردنا أن نخرج) من المسجد (قلت: يا رسول الله إنك قلت ألا أعلمك أعظم سورة من القرآن) ولأبي ذر والأصيلي في القرآن (قال: {الحمد لله رب العالمين}) خبر مبتدأ محذوف أي هي السورة التي أوّلها الحمد لله رب العالمين (هي السبع المثاني) لأنها سبع آيات وتثنى في كل ركعة أو من الثناء لاشتمالها عليه (والقرآن العظيم الذي أُوتيته) واسم القرآن يقع على البعض كما يقع على الكل ويدل له قوله تعالى: {بما أوحينا إليك هذا القرآن} [يوسف: 3] يعني سورة يوسف. وقد مر الحديث في أوّل التفسير وفي سورة الأنفال. 5007 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا وَهْبٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ مَعْبَدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كُنَّا فِي مَسِيرٍ لَنَا، فَنَزَلْنَا، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ سَلِيمٌ، وَإِنَّ نَفَرَنَا غُيَّبٌ، فَهَلْ مِنْكُمْ رَاقٍ؟ فَقَامَ مَعَهَا رَجُلٌ مَا كُنَّا نَأْبُنُهُ بِرُقْيَةٍ، فَرَقَاهُ فَبَرَأَ، فَأَمَرَ لَهُ بِثَلاَثِينَ شَاةً وَسَقَانَا لَبَنًا فَلَمَّا رَجَعَ قُلْنَا لَهُ أَكُنْتَ تُحْسِنُ رُقْيَةً أَوْ كُنْتَ تَرْقِي قَالَ: مَا رَقَيْتُ إِلاَّ بِأُمِّ الْكِتَابِ قُلْنَا. لاَ تُحْدِثُوا شَيْئًا حَتَّى نَأْتِيَ أَوْ نَسْأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَاهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «وَمَا كَانَ يُدْرِيهِ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ». وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِهَذَا. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن المثنى) العنزي البصري قال: (حدّثنا وهب) هو ابن جرير بن حازم الأزدي الحافظ قال: (حدّثنا هشام) هو ابن حسان (عن محمد) هو ابن سيرين (عن) أخيه (معبد) بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة ابن سيرين (عن أبي سعيد) بكسر العين سعد بن مالك (الخدري) بالدال المهملة -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا في مسير لنا) وعند الدارقطني في سرية ولم يعينها (فنزلنا) أي ليلًا كما في الترمذي على حيٍّ من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم كما عند المؤلف في الإجارة (فجات جارية فقالت: إن سيد الحيّ سليم) أي لديغ بعقرب ولم تسم الجارية ولا سيد الحي (وإن نفرنا غيب) بفتح الغين المعجمة والتحتية جمع غائب كخادم وخدم وللأصيلي وأبي الوقت غيب بضم الغين وتشديد التحتية المفتوحة كراكع وركع (فهل منكم راق) كقاض يرقيه (فقام معها رجل) هو أبو سعيد كما في مسلم، ولا مانع من أن يكنّي الرجل عن نفسه، فلعل أبا سعيد صرّح تارة وكنّى أخرى والحمل على التعدد بعيد جدًّا لا سيما مع اتحاد المخرج والسياق والسبب (ما كنا نأبنه) بنون فهمزة ساكنة فموحدة مضمومة وتكسر فنون أي ما كنا نتهمه (برقية فرقاه فبرأ) وفي الإجارة فكأنما نشط من عقال (فأمر له) سيد الحي ولأبي ذر لنا (بثلاثين شاة) جعلًا على الرقية (وسقانا لبنًا فلما رجع) الذي رقاه (قلنا له) مستفهمين منه (كنت تحسن رقية أو كنت ترقي)؟ بفتح التاء وكسر القاف (قال: لا ما رقيتـ) ـه (إلا بأم الكتاب) بفتح القاف بغير ضمير (قلنا لا تحدثوا) بسكون الحاء المهملة بعد ضم (شيئًا) في الثلاثين شاة (حتى نأتي أو نسأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالشك من الراوي (فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (وما كان يدريه أنها) أي الفاتحة (رقية اقسموا) الجعل (واضربوا لي بسهم) أي بنصيب فعله تطييبًا لقلوبهم. فإن قلت: ما موضع الرقية من الفاتحة؟ أجيب: بأن الفاتحة كلها رقية لما اختصت به من كونها مبدأ القرآن وحاوية لجميع علومه لاشتماله على الثناء على الله تعالى والإقرار بعبادته والإخلاص له وسؤال الهداية منه والإشارة إلى الاعتراف بالعجز عن القيام بنعمه وإلى شأن المعاد وبيان عاقبة الجاحدين إلى غير ذلك من السر البديع والبرهان الرفيع قاله الطبري فيما نقله في الفتح. (وقال أبو معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة عبد الله المقعد (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد مما وصله الإسماعيلي قال: (حدّثنا

10 - باب فضل البقرة

هشام) هو ابن حسان قال: (حدّثنا محمد بن سيرين) قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (معبد بن سيرين عن أبي سعيد الخدري بهذا) الحديث ومراده بسياقه التصريح بتحديث من عنعن عنه في السابق. 10 - باب فَضْلُ الْبَقَرَةِ (باب فضل البقرة) ولأبي ذر: باب فضل سورة البقرة. 5008 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي البصري قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن إبراهيم) النخعي (عن عبد الرحمن) بن يزيد النخعي (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو البدري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: من قرأ بالآيتين) قال في المصابيح فإن قلت: ما هذه الباء التي في قوله بالآيتين؟ قلت: ذهب بعضهم إلى أنها زائدة، وقيل ضمن الفعل معنى التبرك فعدي بالباء، وعلى هذا نقول قرأت بالسورة ولا تقول قرأت بكتابك لفوات معنى التبرك قاله السهيلي، ولأبي الوقت: قرأ الآيتين بحذف الباء. 5009 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ». قال المؤلّف: (حدّثنا) ولأبي ذر وحدّثنا بالواو وفي نسخة ح وحدّثنا (أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن عبد الرحمن بن يزيد) النخعي (عن أن مسعود) عقبة البدري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة) وهما {آمن الرسول} [البقرة: 285] إلى آخرها (في ليلة كفتاه) أجزأتا عنه من قيام الليل أو عن قراءة القرآن مطلقًا أو من الشيطان وشره أو دفعتا عنه شرَّ الإنس والجن. وعن ابن مسعود من طريق عاصم عن زر عن علقمة من قرأ خاتمة البقرة أجزأت عنه قيام ليلة وعند الحاكم وصححه عن النعمان بن بشير رفعه: إن الله كتب كتابًا وأنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في دار فيقربها الشيطان ثلاث ليال، وزاد أبو عبيد من مرسل ابن جبير فاقرؤوهما وعلّموهما أبناءكم فإنهما قرآن وصلاة ودعاء. 5010 - وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَصَّ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: «إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ لَنْ يَزَالَ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَدَقَكَ وَهْوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيْطَانٌ». (وقال عثمان بن الهيثم) بن الجهم أبو عمرو العبدي البصري المؤذن مما وصله الإسماعيلي وأبو نعيم من طرق إلى عثمان بن الهيثم ولم يصرح فيه المؤلّف بالتحديث وزعم ابن العربي أنه منقطع قال: (حدّثنا عوف) بالفاء ابن أبي جميلة بالجيم المفتوحة الأعرابي العبدي البصري (عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه (قال: وكّلني رسول الله) ولأبي الوقت: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحفظ زكاة) الفطر من (رمضان فأتاني آتٍ فجعل يحثو) بسكون الحاء المهملة وضم المثلثة يقال: حثا يحثو وحثى يحثي أي يأخذ بكفّيه (من الطعام) وكان تمرًا (فأخذته) أي الذي حثي (فقلت) له: (لأرفعنّك إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقص الحديث) بنحو ما سبق في الوكالة من قوله قال إني محتاج وعليّ عيال ولي حاجة شديدة قال: فخليت عنه فأصبحت، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة" قال: قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالًا فرحمته فخليت سبيله. قال: "أما إنه قد كذبك وسيعود" فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه سيعود فرصدته، فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: دعني فإني محتاج وعليّ عيال لا أعود فرحمته فخليت سبيله فأصبحت فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا أبا هريرة ما فعل أسيرك؟ " قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالًا فرحمته فخليت سبيله قال: "أما إنه قد كذبك وسيعود" فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنّك إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ثم تعود. قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها. قلت: ما هي (فقال إذا أويت) أي أتيت (إلى فراشك) للنوم وأخذت مضجعك (فاقرأ آية الكرسي لن يزال) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لم يزل (معك من الله حافظ) يحفظك (ولا يقربك شيطان حتى تصبح وقال): بالواو وسقطت لأبي الوقت ولأبي ذر والأصيلي فقال: (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صدقك) بتخفيف الدال فيما قاله في آية الكرسي (وهو كذوب) من التتميم البليغ وذلك

11 - باب فضل الكهف

لأنه لما أوهم مدحه بوصفه بصفة الصدق استدرك نفيه عنه بصيغة المبالغة أي صدقك في هذا القول مع أن عادته الكذب المستمر (ذاك شيطان) من الشياطين. 11 - باب فَضْلُ الْكَهْفِ (باب فضل الكهف) ولأبي الوقت: سورة الكهف وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 5011 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ، وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين ابن فروخ الحراني الجزري سكن مصر قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي وفتح الهاء بعدها تحتية ساكنة فراء ابن معاوية قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) -رضي الله عنه- وللأصيلي زياد ابن عازب أنه (قال: كان رجل) قيل هو أسيد بن حضير (يقرأ سورة الكهف) لكن سيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا أن الذي كان يقرؤه أسيد سورة البقرة (وإلى جانبه حصان) بكسر الحاء وفتح الصاد المهملتين فحل كريم من الخيل (مربوط بشطنين) تثنية شطن بفتح الشين المعجمة والطاء المهملة آخره نون حبل، ولعله ربط باثنين لشدة صعوبته (فتغشته) أي أحاطت به (سحابة فجعلت تدنو وتدنو) مرتين أي تقرب منه (وجعل فرسه) المربوط بشطنين (ينفر) بفتح أوله وكسر الفاء (فلما أصبح أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر ذلك له فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تلك) التي غشيتك (السكينة) وهي فيما رواه الطبري وغيره عن عليّ روح هفافة لها وجه كوجه الإنسان وقيل غير ذلك (تنزلت) بْتاء ونون وتشديد الزاي وبعد اللام تاء تأنيث ولأبي ذر عن الكشميهني تنزل بتاءين بلا تاء تأنيث بعد اللام (بالقرآن) وللترمذي مع القرآن أو على القرآن. 12 - باب فَضْلُ سُورَةِ الْفَتْحِ (باب فضل سورة الفتح) سقط لفظ باب لغير أبي ذر. 5012 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ شَيْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقَالَ عُمَرُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَ مَرَّاتٍ كُلَّ ذَلِكَ لاَ يُجِيبُكَ. قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي حَتَّى كُنْتُ أَمَامَ النَّاسِ وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ، قَالَ: فَقُلْتُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ، قَالَ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ»، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) إمام الأئمة (عن زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم مولى عمر بن الخطاب (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يسير في بعض أسفاره) عند الطبراني أنه الحديبية (وعمر بن الخطاب يسير معه ليلًا) ظاهره الإرسال، لكن رواه الترمذي من هذا الوجه متصلًا بلفظ عن أبيه سمعت عمر بل فى هذا الحديث نفسه ما يدل للاتصال حيث قال فيه قال عمر: فحركت بعيري إذ مقتضاه أنه سمعه يقول ذلك (فسأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم سأله) عليه الصلاة والسلام عمر (فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه) بتكرير السؤال ثالثًا لظنه أنه لم يسمعه (فقال عمر: ثكلتك) بفتح المثلثة وكسر الكاف الأولى فقدتك (أمك) دعاء على نفسه لما وقع منه من الإلحاح (نزرت) بزاي مخففة في الفرع وتثقل بعدها راء (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ألححت عليه وبالغت في سؤاله (ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك قال عمر: فحركت بعيري حتى كنت أمام الناس وخشيت) بكسر الشين المعجمة (أن ينزل) بفتح أوّله وكسر الزاي (فيّ قرآن) بتشديد الياء (فما نشبت) بفتح النون وكسر الشين المعجمة أي فما لبثت (أن سمعت صارخًا) لم يسم (يصرخ) زاد الأصيلي لي (قال: فقلت لقد خشيت أن يكون نزل فيّ قرآن قال: فجئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلمت عليه) أي فردّ عليّ السلام (فقال): (لقد أنزلت عليّ الليلة سورة لهي أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس) لما فيها من البشارة بالفتح والمغفرة (ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام: ({إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا}) [الفتح: 1] أي قضينا لك قضاءً بيّنّا على أهل مكة أن تدخلها أنت وأصحابك من قابل ليطوفوا بالبيت من الفتاحة وهي الحكومة أو المراد فتح مكة عدة له بالفتح وجيء به على لفظ الماضي لأنه في تحققه بمنزلة الكائن وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علو شأن المخبر به ما لا يخفى. 13 - باب فَضْلِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فِيهِ عُمْرَةُ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب فضل {قل هو الله أحد}) [الإخلاص: 1] سقط لفظ باب لغير أبي ذر (فيه) أي في فضل {قل هو الله أحد} (عمرة) بنت عبد الرحمن (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وهذا طرف من حديث أوّله أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث رجلًا على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم بـ {قل هو الله أحد} وفي آخره أخبروه أن الله يحبه وسيأتي موصولًا إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته في أول كتاب التوحيد تامًّا. وهذا التعليق

ثبت لأبوي ذر والوقت. 5013 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ». [الحديث 5013 - طرفاه في: 6643 - 7374]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة ابن أنس الأصبحي (عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه) عبد الله (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه (أن رجلًا) هو أبو سعيد الخدري كما عند أحمد (سمع رجلًا) قيل: هو قتادة بن النعمان لأنه أخوه لأمه وكانا متجاورين وجزم بذلك ابن عبد البر فكأنه أبهم نفسه وأخاه (يقرأ {قل هو الله أحد}) [الإخلاص: 1] لها حال كونه (يرددها فلما أصبح) أبو سعيد (جاء إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر ذلك) الذي سمعه من الرجل (له) عليه الصلاة والسلام (وكأن الرجل) الذي جاء وذكر (يتقالّها) بتشديد اللام أي يعتدّ أنها قليلة في العمل لا في التنقيص. وعند الدارقطني من طريق إسحاق بن الطباع عن مالك في هذا الحديث إن لي جارًا يقوم بالليل فما يقرأ إلا بـ {قل هو الله أحد} (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن) باعتبار معانيه لأنه أحكام وأخبار وتوحيد، وقد اشتملت هي على الثالث فكانت ثلثًا بهذا الاعتبار واعترض بأنه يلزم منه أن تكون آية الكرسي وآخر الحشر كلٌّ منهما ثلث القرآن ولم يرد ذلك لكن قال أبو العباس القرطبي: إنها اشتملت على اسمين من أسماء الله تعالى متضمنين جميع أوصاف الكمال لم يوجدا في غيرها من السور وهما الأحد الصمد لأنهما يدلان على أحديّة الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال وبيان ذلك أن الأحد يشعر بوجوده الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره، والصمد يشعر بجميع أوصاف الكمال لأنه الذي انتهى سؤدده فكان يرجع الطلب منه وإليه ولا يتم ذلك على وجه التحقيق إلا لمن حاز جميع فضائل الكمال، وذلك لا يصلح إلاّ لله تعالى، فلما اشتملت هذه السورة على معرفة الذات المقدسة كانت بالنسبة إلى تمام المعرفة بصفات الذات وصفات الفعل ثلثًا. اهـ. وقال قوم: أي تعدل ثلث القرآن في الثواب، وضعفه ابن عقيل فقال: لا يجوز أن يكون المعنى فله أجْر ثلث القرآن، واحتج بحديث من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، واستدل ابن عبد البر لذلك يقول إسحاق بن راهويه ليس المراد أن من قرأها ثلاث مرات كمن قرأ القرآن كله هذا لا يستقيم ولو قرأها مائتي مرة ثم قال ابن عبد البر على أني أقول السكوت في هذه المسألة أفضل من الكلام فيها وأسلم. اهـ. وظاهر الأحاديث ناطق بتحصيل الثواب مثل من قرأ ثلث القرآن كحديث مسلم والترمذي احشدوا فسأقرأ عليكم ثلث القرآن فخرج يقرأ {قل هو الله أحد} ثم قال: ألا إنها تعدل ثلث القرآن، وإذا حملناه على ظاهره فهل ذلك الثلث معين أو أي ثلث كان منه فيه نظر وعلى الثاني فمن قرأها ثلاثًا كان من قرأ ختمة كاملة. 5014 - وَزَادَ أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَخِي قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ أَنَّ رَجُلًا قَامَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ مِنَ السَّحَرِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} لاَ يَزِيدُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ. (وزاد أبو معمر) بسكون العين بين فتحتين عبد الله بن عمرو المنقري قاله الدمياطي. وقال المزي كابن عساكر أنه إسماعيل بن إبراهيم الهذلي وصوّبه في الفتح بأن الحديث إنما يعرف بالهذلي بل لا نعرف للمنقري عن إسماعيل بن جعفر شيئًا وقد وصله النسائي عن إسماعيل الهذلي به. قال (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي (عن مالك بن أنس) الإمام وسقط ابن أنس للأصيلي (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري) أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أخي) لأمي (قتادة بن النعمان أن رجلًا قام في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ من السحر: {قل هو الله أحد} لا يزيد عليها فلما أصبحنا أتى رجل) ولأبي ذر أتى الرجل (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه) أي نحو الحديث السابق ولفظه عند الإسماعيلي فقال: يا رسول الله إن فلانًا قام الليلة يقرأ من السحر {قل هو الله أحد} فساق السورة يرددها لا يزيد عليها وكأن الرجل يتقالها فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنها لتعدل ثلث القرآن". 5015 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ وَالضَّحَّاكُ الْمَشْرِقِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَصْحَابِهِ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ». فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: «اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ». قَالَ الفربري: سمعت أبا جعفر محمد بن أبي حاتم وراق أبي عبد الله قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: عَنْ إِبْرَاهِيمَ مُرْسَلٌ، وَعَنِ الضَّحَّاكِ الْمَشْرِقِىِّ مُسْنَدٌ. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال. (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا

إبراهيم) النخعي (والضحاك) بالضاد المعجمة والحاء المهملة المشددة ابن شراحيل وقيل شرحبيل (المشرقي) بفتح الميم وكسر الراء في الفرع كالدارقطني وابن ماكولا وكذا هو عند أبي ذر وقيده العسكري بكسر الميم وفتح الراء نسبة إلى مشرق بن زيد بن جشم بن حاشد بطن من همدان وقال من فتح الميم صحف قال في الفتح وكأنه يشير إلى قول ابن أبي حاتم مشرق موضع وهو بالقاف اتفافًا وبالفاء تصحيف كلاهما أعني إبراهيم والضحاك (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-) وسقط الخدري للأصيلي أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه): (أيعجز أحدكم) بكسر الجيم من باب ضرب يضرب والهمزة للاستفهام الاستخباري في القاموس والعجوز بالضم الضعف والفعل كضرب وسمع فهو عاجز من عواجز (أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة) ولأبوي ذر والوقت بثلث بزيادة الموحدة ولأبي ذر وحده في ليلته (فشق ذلك عليهم، وقالوا: أيّنا يطيق ذلك يا رسول الله فقال) عليه الصلاة والسلام: (الله الواحد الصمد ثلث القرآن) وعند الإسماعيلي من رواية أبي خالد الأحمر عن الأعمشي فقال: يقرأ {قل هو الله أحد} فهي ثلث القرآن. قال في الفتح: فكأن رواية الباب بالمعنى، ويحتمل أن يكون بعض رواته كان يقرؤها كذلك كما جاء أن عمر كان يقرأ الله أحد الله الصمد بغير قل في أولها أو سمى السورة بهذا الاسم لاشتمالها على الصفتين المذكورتين، وقد قيل في معنى الثلث غير ما ذكر أن المراد من عمل بما تضمنته من الإخلاص والتوحيد كان كمن قرأ ثلث القرآن. وقال الطيبي: {قل هو الله أحد} في معنى لا إله إلا الله لوجهين أحدهما: أنه تعالى وحده هو الصمد المرجوع إليه في حوائج المخلوقات ولا صمد سواه ولو صوّر سواه صمد لفسد نظام العوالم ومن ثم كرر الله وأوقع الصمد المعرف خبرًا له وقطعه جملة مستأنفة على بيان الموجب، ثانيهما أن الله هو الأحد في الإلهية إذ لو تصوّر غيره لكان إما أن يكون فوقه فيها وهو محال وإليه الإشارة بقوله: {لم يولد} أو دونه فلا يستقيم أيضًا لهاليه لمح بقوله: {لم يلد} أو مساويًا له وهو محال أيضًا وإليه رمز بقوله: {ولم يكن له كفوًّا أحد}، ويجوز أن يكون الجمل المنفية تعليلًا للجملة الثانية المثبتة كأنه لما قيل هو الصمد المعبود الخالق الرازق المثيب المعاقب ولا صمد سواه. قيل: لِمَ كان كذلك؟ أجيب: لأنه ليس فوقه أحد يمنعه من ذلك ولا مُساوٍ يعاونه ولا دونه يستقل به، وقد أخرج الترمذي عن ابن عباس وأنس بن مالك قالا: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " {إذا زلزلت} تعدل نصف القرآن، و"قل هو الله أحد" تعدل ثلث القرآن، و {قل يا أيها الكافرون} تعدل ربع القرآن". وأخرج الترمذي أيضًا وابن أبي شيبة وأبو الشيخ من طريق سلمة بن وردان عن أنس: الكافرون والنصر تعدل كلٍّ منهما ربع القرآن وإذا زلزلت تعدل ربع القرآن زاد ابن أبي شيبة وأبو الشيخ، وآية الكرسي تعدل ربع القرآن. قال في الفتح: وهو حديث ضعيف لضعف سلمة وإن حسنه الترمذي فلعله تساهل فيه لكونه في فضائل الأعمال وكذا صححه الحاكم من حديث ابن عباس وفي سنده يمان بن المغيرة وهو ضعيف عندهم. اهـ. وأبدى القاضي البيضاوي الحكمة فقال: يحتمل أن يقال المقصود الأعظم بالذات من القرآن بيان المبدأ والمعاد وإذا زلزلت مقصورة على ذكر المعاد مستقلة ببيان أحواله فتعادل نصفه، وأما ما جاء أنها ربعه فلأنه يشتمل على تقرير التوحيد والنبوّات وبيان أحكام المعاش وأحوال المعاد وهذه السورة مشتملة على القسم الأخير، وأما الكافرون فمحتوية على القسم الأول منها لأن البراءة عن الشرك إثبات للتوحيد فيكون كل واحد منهما كأنه ربع. فإن قلت: هلا حملوا المعادلة على التسوية في الثواب على المقدار المنصوص عليه؟ أجيب: بأنه منعهم من ذلك لزوم فضل إذا زلزلت على سورة الإخلاص والقول الجامع فيه ما ذكره الشيخ التوربشتي -رحمه الله- من قوله نحن، وإن سلكنا هذا المسلك بمبلغ علمنا نعتقد ونعترف أن بيان ذلك على الحقيقة إنما

14 - باب فضل المعوذات

يتلقى من قبل الرسول صلوات الله وسلامه عليه فإنه هو الذي ينتهى إليه في معرفة حقائق الأشياء والكشف عن خفيات العلوم، فأما القول الذي نحن بصدده ونحوم حوله على مقدار فهمنا فهو وإن سلم من الخلل والزلل لا يتعدى عن ضرب من الاحتمال نقله الطيبي في شرح المشكاة. (قال الفربري) أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح: (سمعت أبا جعفر محمد بن أبي حاتم) بالحاء المهملة والفوقية (وراق أبي عبد الله) محمد بن إسماعيل البخاري أي كاتبه الذي كان يكتب له (قال أبو عبد الله) البخاري (عن إبراهيم) النخعي عن أبي سعيد: (مرسل) أي منقطع (وعن الضحاك المشرقي) بفتح ميم المشرقي وكسر الراء لأبي ذر قال اليونيني وقد اختلف فيه الحفاظ: (مسند) ظاهره أن المؤلّف كان يطلق على المنقطع لفظ المرسل وعلى المتصل لفظ المسند والمشهور في الاستعمال أن المرسل ما يضيفه التابعي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسند ما يضيفه الصحابي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشرط أن يكون ظاهر الإسناد إليه الاتصال وثبت قال الفربري إلى آخر قوله أبي عبد الله لأبي ذر وسقط لغيره قال أبو عبد الله الخ ... 14 - باب فَضْلِ الْمُعَوِّذَاتِ (باب فضل المعوّذات) بكسر الواو وثبت لفظ باب لأبي ذر. 5016 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا اشتكى) أي مرض (يقرأ على نفسه بالمعوّذات) الثلاث الإخلاص والفلق والناس. وفي حديث ابني حبان وخزيمة وأحمد تعيينهن وأطلق على الأولى لما اشتملت عليه من صفة الرب تعالى وخصّ المستعاذ منه في الثانية بما خلق فابتدأ بالعام في قوله: {من شر ما خلق} [الفلق: 2] ثم ثنى بالعطف في قوله: {ومن شر غاسق} [الفلق: 3] لأن انبثاث الشر فيه أكثر والتحرز منه أصعب ووصف المستعاذ به في الثالثة بالرب ثم بالملك ثم بالإله وأضافها إلى الناس وكرره وخص المستعاذ منه بالوسواس المعنيّ به الموسوس من الجنة والناس، فكأنه قيل كما قال الزمخشري أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي يملك عليهم أمورهم وهو إلههم ومعبودهم كما يستغيث بعض الموالي إذا اعتراهم خطب بسيدهم ومخدومهم ووالي أمرهم (وينفث) بضم الفاء بعدها مثلثة أي يخرج الريح من فمه في يده مع شيء من ريقه ويمسح جسده الشريف المقدس (فلما اشتد وجعه) في مرضه الذي توفي فيه (كنت أقرأ عليه) المعوّذات (وأمسح بيده) على جسده (رجاء بركتها) وكذا كان عليه الصلاة والسلام يقرأ بهن على نفسه. 5017 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عروة عن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. [الحديث 5017 - طرفاه في: 5748، 6319]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط لأبي ذر ابن سعيد قال: (حدّثنا المفضل) بضم الميم وفتح الفاء والضاد المعجمة المشددة (ابن فضالة) بن عبيد بن ثمامة أبو معاوية الرعيني القتباني بكسر القاف وسكون الفوقية وبعدها موحدة المصري قاضي مصر فاضل عابد مجاب الدعوة ثقة أخطأ ابن سعد في تضعيفه وثبت ابن فضالة للأصيلي وأبي ذر وهو بفتح الفاء (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) - رضي الله عنها- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا أوى إلى فراشه) للنوم وأخذ مضجعه (كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما). قال المظهري: الفاء للتعقيب وظاهره يدل على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفث في كفيه أوّلًا، ثم قرأ وهذا لم يقل به أحد وليس فيه فائدة، ولعل هذا سهو من الكاتب أو من راوٍ لأن النفث ينبغي أن يكون بعد التلاوة ليوصل بركة القرآن واسم الله تعالى إلى بشرة القارئ أو المقروء له. اهـ. وتعقبه الطيبي فقال من ذهب إلى تخطئة الرواة الثقات العدول ومن اتفقت الأمة على صحة روايته وضبطه وإتقانه بما سنح له من الرأي الذي هو أوهن من بيت العنكبوت فقد خطأ نفسه وخاض فيما لا يعنيه هلاّ قاس هذه الفاء على ما في قوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ} [النحل: 98] وقوله: {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم} [البقرة: 54] على أن التوبة عين القتل

15 - باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن

ونظيره في كلام الله تعالى العزيز غير عزيز والمعنى جمع كفيه ثم عزم على النفث فيهما فقرأ فيهما، أو لعل السر في تقديم النفث على القراءة مخالفة السحرة البطلة على أن أسرار الكلام النبوي جلت عن أن تكون مشرع كل وارد وبعض من لا يد له في علم المعاني لما أراد التقصي عن الشبهة تشبث بأنه جاء في صحيح البخاري بالواو وهي تقتضي الجمعية لا الترتيب وهو زور وبهتان حيث لم أجد فيه وفي كتاب الحميدي وجامع الأصول إلا بالفاء اهـ وقد ثبت في رواية أبي ذر عن الكشميهني يقرأ بلا فاء ولا واو فيهما ({قل هو الله أحد} و {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس} ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما) أي يبدأ بالمسح بيديه (على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات). قال في شرح المشكاة: قوله يبدأ بيان لجملة قوله يمسح بهما ما استطاع لكن قوله: ما استطاع من جسده وقوله يبدأ يقتضيان أن يقدر يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، ثم ينتهي إلى ما أدبر من جسده، ورواية عقيل عن ابن شهاب هذه وإن اتحد سندها بالسابقة، لكن فيها أنه كان يقرأ بالمعوّذات عند النوم فهي مغايرة لحديث مالك السابق فالذي يترجح أنهما حديثان عن ابن شهاب بسند واحد قاله في الفتح. 15 - باب نُزُولِ السَّكِينَةِ وَالْمَلاَئِكَةِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ (باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن) وسقط لأبي ذر لفظ قراءة وله في رواية عند القراءة. 5018 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفَرَسُهُ مَرْبُوطٌ عِنْدَهُ إِذْ جَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ فَسَكَتَتْ، فَقَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ وَسَكَتَتِ الْفَرَسُ، ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ فَانْصَرَفَ، وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ، فَلَمَّا اجْتَرَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: «اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ، اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ». قَالَ: فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى، وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ، فَخَرَجَتْ حَتَّى لاَ أَرَاهَا، قَالَ: «وَتَدْرِي مَا ذَاكَ»؟ قَالَ: لاَ قَالَ: «تِلْكَ الْمَلاَئِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا، لاَ تَتَوَارَى مِنْهُمْ». قَالَ ابْنُ الْهَادِ، وَحَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ. (وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله أبو عبيد في فضائل القرآن عن يحيى بن بكير عن الليث بالإسنادين الآتيين قال: (حدّثني) بالإفراد (يزيد بن الهاد) بلا ياء هو ابن أسامة بن عبد الله بن شدّاد بن الهاد (عن محمد بن إبراهيم) التيمي التابعي الصغير (عن أسيد بن حضير) بضم الهمزة وحضير بالحاء المهملة والضاد المعجمة وتصغيرهما ويزيد بن الهاد لم يدرك أسيدًا فروايته عنه منقطعة لكن الاعتماد في وصل الحديث على السند الآخر (قال بينما) بالميم (هو) أي أسيد (يقرأ من الليل سورة البقرة) في السابقة سورة الكهف فيحتمل التعدد (وفرسه مربوط) بالتذكير ولأبي ذر والأصيلي مربوطة (عنده) بالتأنيث والقياس الأول لأنه مذكر (إذ جالت الفرس) بالجيم أي اضطربت شديدًا (فسكت) عن القراءة (فسكنت) أي الفرس عن الاضطراب (فقرأ فجالت الفرس) سقط لفظ الفرس لأبي ذر (فسكت وسكنت الفرس ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف) أسيد (وكان ابنه يحيى) في ذلك الوقت (قريبًا منها) من الفرس (فأشفق) خاف أسيد (أن تصيبه) أي ابنه يحيى (فلما اجترّه) بالجيم وتشديد الراء أي اجتر أسيد ابنه يحيى من المكان الذي هو فيه حتى لا يصيبه الفرس (رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها فلما أصبح) أسيد (حدّث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بذلك (فقال له) عليه الصلاة والسلام: (اقرأ يا ابن حضير اقرأ يا ابن حضير) مرتين وليس أمرًا بالقراءة حالة التحديث، بل المعنى كان ينبغي لك أن تستمر على قراءتك وتغتنم ما حصل لك من نزول السكينة والملائكة وتستكثر من القراءة، التي هي سبب بقائها قاله النووي. قال الطيبي: يريد أن اقرأ لفظه أمر وطلب للقراءة في الحال ومعناه تحضيض وطلب للاستزادة في الزمان الماضي أي هلاّ زدت، وكأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استحضر تلك الحالة العجيبة الشأن فأمره تحريضًا عليه، والدليل على أن المراد من الأمر الاستزادة وطلب دوام القراءة والنهي عن قطعها قوله (قال: فأشفقت) أي خفت (يا رسول الله) إن دمت على القراءة (أن تطأ) الفرس ابني (يحيى وكان منها) أي من الفرس (قريبًا فرفعت رأسي فانصرفت) وللأصيلي وانصرفت (إليه فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظلة) بضم الظلة المعجمة وتشديد اللام قال ابن بطال هي السحابة كانت فيها الملائكة ومعها السكينة فإنها تنزل أبدًا مع الملائكة (فيها) في الظلة (أمثال المصابيح) وفي رواية إبراهيم بن سعد أمثال السرج (فخرجت) بالخاء والجيم كذا لجميعهم قال عياض: وصوابه فعرجت بالعين (حتى لا أراها) وعند أبي عبيد عرجت إلى السماء

16 - باب من قال: لم يترك النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا ما بين الدفتين

حتى ما يراها (قال) عليه الصلاة والسلام: (وتدري ما ذاك؟ قال: لا. قال: تلك الملائكة دنت) أي قربت (لصوتك) وكان أسيد حسن الصوت وفي رواية يحيى بن أيوب عن يزيد بن الهاد عند الإسماعيلي اقرأ أسيد فقد أُوتيت من مزامير آل داود ففيه إشارة إلى الباعث على استماع الملائكة لقراءته (ولو قرأت) أي ولو دمت على قراءتك (لأصبحت) أي الملائكة (ينظر الناس إليها لا تتوارى) لا تستتر (منهم) وعند أبي عبيد من رواية ابن أبي ليلى عن أسيد لرأيت الأعاجيب. (قال ابن الهاد) فيما وصله أبو نعيم عن أبي بكر بن خلاد عن أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن يحيى بن بكير عن الليث عن ابن الهاد (وحدّثني) بالإفراد (هذا الحديث) السابق (عبد الله بن خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى مولى بني عدي بن النجار (عن أبي سعيد الخدري عن أسيد بن حضير) بالحاء المهملة والضاد المعجمة وهذا موصول فالاعتماد عليه. قال في الفتح: وجاء عن الليث فيه إسناد ثالث أخرجه النسائي من طريق شعيب بن الليث وداود بن منصور كلاهما عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن يزيد بن الهاد بإسناده هذا السابق فقط. 16 - باب مَنْ قَالَ: لَمْ يَتْرُكِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ (باب من قال لم يترك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلاَّ ما) جمعه الصحابة من القرآن (بين الدفتين) بفتح الدال والفاء المشدّدة أي اللوحتين ولم يفتهم منه شيء بذهاب حملته ولم يكتموا منه شيئًا خلافًا لما ادّعته الروافض لتصحيح دعواهم الباطلة أن التنصيص على إمامة علي بن أبي طالب واستحقاقه للخلافة كان ثابتًا عند موت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في القرآن فكتموه. 5019 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَشَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَقَالَ لَهُ شَدَّادُ بْنُ مَعْقِلٍ: أَتَرَكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ: مَا تَرَكَ إِلاَّ مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ. قَالَ: وَدَخَلْنَا عَلَى مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: مَا تَرَكَ إِلاَّ مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عبد العزيز بن رفيع) بضم الراء وفتح الفاء الأسدي المكي أنه (قال: دخلت أنا وشداد بن معقل) بفتح الشين المعجمة وتشديد الدال الأولى المهملة ومعقل بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف الأسدي الكوفي التابعي الكبير (علي بن عباس -رضي الله عنه-) وعن أبيه (فقال له شداد بن معقل) مستفهمًا منه (أترك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد موته (من شيء) زاد الإسماعيلي سوى القرآن (قال) ابن عباس مجيبًا له (ما ترك إلا ما بين الدفتين) وللإسماعيلي اللوحين بدل الدفتين أي لم يدع من القرآن مما يتلى (قال) ابن رفيع (ودخلنا على محمد ابن الحنفية فسألناه) عن ذلك أيضًا (فقال ما ترك) عليه الصلاة والسلام (إلا ما بين الدفتين) ولا يرد على هذا حديث على السابق في العلم ما عندنا إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة لأنه أراد الأحكام التي كتبها عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم ينفِ أن عنده أشياء أُخَر من الأحكام لم يكن كتمها. ونفي ابن عباس وابن الحنفية وارد على ما يتعلق بالنص في القرآن من إمامة علي. واستدلّ المؤلّف -رحمه الله- على بطلان مذهب الرافضة بمحمد ابن الحنفية أحد أئمتهم في دعواهم وهو ابن علي وبابن عباس ابن عمه وأشدّ الناس له لزومًا فلو كان شيء مما ادّعوه لكانا أحق الناس بالاطّلاع عليه ولما وسعهما كتمانه فللَّهِ درُّ المؤلّف ما أدق نظره وألطف إشارته رحمه الله وإيانا. 17 - باب فَضْلِ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلاَمِ (باب فضل القرآن على سائر الكلام) هذه الترجمة كما نبّه عليه في الفتح لفظ حديث أخرج الترمذي معناه بسند رجاله ثقات إلا عطية الكوفي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يقول الرب عز وجل من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه" أي من شغله القرآن عن الذكر والمسألة اللذين ليسا في القرآن كالدعوات والدليل عليه التذييل بقوله وفضل كلام الله الخ وقال المظهري ينبغي أن لا يظن القارئ أنه إذا لم يطلب من الله حوائجه لا يعطيه أكمل الإعطاء فإنه من كان لله كان الله له. وعن العارف أبي عبد الله بن خبيق قدّس الله سره شغل القرآن القيام بموجباته من إقامة فرائضه والاجتناب عن محارمه فإن الرجل إذا أطاع الله فقد ذكره وإن قلّ صلاته وصومه وإن عصاه

نسيه وإن كثر صلاته وصومه وعند ابن الضريس من طريق الجراح بن الضحاك عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان رفعه "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" ثم قال: "وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه" وذلك أنه منه وقد بيّن العسكري أن هذه الزيادة من قول أبي عبد الرحمن السلمي. 5020 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ أَبُو خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالأُتْرُجَّةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَالَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلاَ رِيحَ لَهَا. وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ، وَلاَ رِيحَ لَهَا». [الحديث 5020 - أطرافه في: 5059، 5427، 7560]. وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون الدال المهملة (أبو خالد) وسقطت الكنية لأبي ذر قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى بن دينار الشيباني البصري قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة السدوسي قال: (حدّثنا أنس بن مالك) ثبت ابن مالك في رواية الأصيلي (عن أبي موسى الأشعري) سقط قوله الأشعري لغير الأصيلي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (مثل الذي يقرأ القرآن) ويعمل به (كالأترجة) بضم الهمزة وسكون الفوقية وضم الراء وفتح الجيم المشددة وتخفف ويزاد قبلها نون ساكنة وتحذف الهمزة مع الوجهين فهي أربعة ومع التخفيف ثمان (طعمها طيب وريحها طيب) ومنظرها حسن وملمسها لين فاقع لونها تسرّ الناظرين تتوق إليها النفس قبل التناول يفيد أكلها بعد الالتذاذ بذوقها طيب نكهة ودباغ معدة وقوّة هضم ويستخرج من حبها دهن له منافع وحامضها يسكن غلمة النساء ويجلو اللون والكلف وقشرها في الثياب يمنع السوس ويتداوى به وهو مفرح بالخاصية وقيل إن الجن لا تقرب البيت الذي فيه الأترج فناسب أن يمثل به قارئ القرآن الذي لا يقربه شيطان وغلاف قلبه أبيض فيناسب قلب المؤمن (والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة) بالفوقية وسكون الميم (طعمها طيب ولا ريح لها ومثل الفاجر) أي المنافق (الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر) ونبّه في اليونينية أن قوله ومثل الفاجر الخ ثابت في أصل أي الوقت وأن سقوطه غلط (ومثل الفاجر) أي المنافق "الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها". قال شارح مشكاة المصابيح: إن هذا التشبيه والتمثيل في الحقيقة وصف لموصوف اشتمل على معنى معقول صرف لا يبرزه عن مكنونه إلا تصويره بالمحسوس المشاهد، ثم إن كلام الله المجيد له تأثير في باطن العبد وظاهره وإن العباد متفاوتون في ذلك، فمنهم مَن له النصيب الأوفر من ذلك التأثير وهو المؤمن القارئ ومنهم مَن لا نصيب له البتّة وهو المنافق الحقيقي، ومنهم مَن تأثر ظاهره دون باطنه وهو المرائي أو بالعكس وهو المؤمن الذي لا يقرؤه وإبراز هذه المعاني وتصويرها في المحسوسات ما هو مذكور في الحديث ولم يجد ما يوافقها ويلائمها أقرب ولا أحسن ولا أجمع من ذلك لأن المشبهات والمشبه بها واردة على التقسيم الحاصر، لأن الناس إما مؤمن أو غير مؤمن. والثاني إما منافق صرف أو ملحق به، والأول إما مواظب على القراءة أو غير مواظب عليها، فعلى هذا قس الأثمار المشبه بها ووجه التشبيه في المذكورات مركب منتزع من أمرين محسوسين طعم وريح ثم إن إثبات القراءة في قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ القرآن على صيغة المضارع ونفيها في قوله لا يقرأ ليس المراد منهما حصولها مرة ونفيها بالكلية بل المراد منهما الاستمرار والدوام عليها وإن القراءة دأبه وعادته أو ليس ذلك من هجيراه كقولك فلان يقري الضيف ويحمي الحرم اهـ. وفي هذا الحديث فضيلة حامل القرآن، ومطابقته للترجمة من حيث ثبوت فضل قارئ القرآن على غيره فيستلزم فضل القرآن على سائر الكلام كما فضل الأترج على سائر الفواكه، وفيه رواية تابعي عن صحابي وصحابي عن صحابي، وهي رواية قتادة عن أنس عن أبي موسى. وأخرجه أيضًا في التوحيد، ومسلم في الصلاة، وأبو داود في الأدب، والترمذي في الأمثال، والنسائي في الوليمة. 5021 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلاَ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ وَمَغْرِبِ الشَّمْسِ، وَمَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى الْعَصْرِ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ثُمَّ أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ بِقِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، قَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً، قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَذَاكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ شِئْتُ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر -رضي الله

18 - باب الوصاة بكتاب الله عز وجل

عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إنما أجلكم في أجل من) وللأصيلي ما (خلا) مضى (من الأمم كما بين) أجزاء وقت (صلاة العصر ومغرب الشمس ومثلكم) مع نبيكم (ومثل اليهود والنصارى) مع أنبيائهم (كمثل رجل استعمل عمالًا فقال من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط) مرتين لأبي ذر عن الكشميهني ولغيره مرة واحدة (فعملت اليهود) إلى نصف النهار (فقال من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر) وزاد الأصيلي على قيراط (فعملت النصارى) إلى العصر (ثم أنتم) أيها المسلمون (تعملون من العصر إلى المغرب بقيراطين قيراطين) بالتكرار مرتين واستكملوا أجْر الفريقين (قالوا) أي اليهود والنصارى (نحن أكثر عملًا) لأن الوقت من الصبح إلى العصر أكثر من وقت العصر إلى الغروب (وأقل عطاء قال: هل ظلمتكم) أي نقصتكم (من حقكم)؟ أي الذي شرطته لكم (قالوا: لا) لم تنقصنا من أجْرنا شيئًا (قال: فذاك) ولأبي ذر فذلك باللام (فضلي أُوتيه مَن شئت). ومطابقة هذا الحديث من جهة ثبوت فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم وثبوت الفضل لها بما ثبت من فضل كتابها الذي أمرت بالعمل به. وهذا الحديث سبق في باب مَن أدرك ركعة من العصر من كتاب الصلاة. 18 - باب الْوَصَاةِ بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (باب الوصاة) بألف بعد الصاد ولأبي ذر عن الكشميهني الوصية بالتحتية المشددة بدل الألف (بكتاب الله عز وجل). 5022 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى آوْصَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: لاَ، فَقُلْتُ: كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةُ، أُمِرُوا بِهَا وَلَمْ يُوصِ؟ قَالَ: أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) بن واقد الفريابي قال: (حدّثنا مالك بن مغول) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وبعد الواو المفتوحة لام البجلي قال: (حدّثنا طلحة) بن مصرف بكسر الراء بوزن الفاعل اليامي بالتحتية والميم (قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى) بفتح الهمزة والفاء بينهما واو ساكنة علقمة (آوصى) بمد الهمزة وسكون الواو (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالأمارة لأحد أو بالمال (فقال: لا) لم يوصِ قال طلحة (فقلت: كيف كتب) بضم الكاف (على الناس الوصية) في قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية} [البقرة: 180] (أُمروا بها ولم يوصِ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال) ابن أبي أوفى (أوصى) عليه الصلاة والسلام (بكتاب الله) أي التمسك به والعمل بمقتضاه وحفظه حسًّا ومعنى فيكرم ويصان ولا يسافر به إلى أرض العدوّ ويُدام على تلاوته وتعلمه وتعليمه. وهذا الحديث قد مرّ في الوصايا. 19 - باب مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} (باب من لم يتغن) أي يستغن (بالقرآن وقوله تعالى: {أولم يكفهم أنّا أنزلنا عليك الكتاب}) [العنكبوت: 51] آية القرآن العظيم الذي فيه خبر ما قبلهم ونبأ ما بعدهم وحكم ما بينهم ({يتلى عليهم}) [العنكبوت: 51] في كل مكان وزمان فلا يزال معهم آية ثابتة لا يزول. وقال أحمد عن وكيع أي يستغنى به عن أخبار الأمم الماضية فليس المراد بالاستغناء في الآية الاستغناء الذي هو ضد الفقر، وقد أخرج الطبري وغيره كما قال في الفتح من طريق عمرو بن دينار عن يحيى بن جعفر قال: جاء ناس من المسلمين بكتب قد كتبوا فيها بعض ما سمعوه من اليهود فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كفى بقوم ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم فنزلت {أولم يكفهم أنّا أنزلنا عليك الكتاب} [العنكبوت: 51] الآية وفي ذكر المؤلّف هذه الآية عقب الترجمة إشارة إلى أن معنى التغني الاستغناء وسقط {يتلى عليهم} لغير أبي ذر عن الكشميهني. 5023 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ». وَقَالَ صَاحِبٌ لَهُ يُرِيدُ يَجْهَرُ بِهِ. [الحديث 5023 - أطرافه في 5024، 7482، 7544]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أنه كان يقول قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لم يأذن الله) بفتح المعجمة لم يستمع (لشيء) بالشين المعجمة (ما أذن) بكسر المعجمة ما استمع أي كاستماعه (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتغنى بالقرآن) يحسن صوته به أو يستغني به ولأبي ذر للنبي أن يتغنى بالقرآن ولأبي الوقت للنبي يتغنى (قال صاحب له) أي لأبي سلمة (يريد) بقوله يتغنى به (يجهر به) والصاحب المذكور هو

عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب كما بيّنه الزبيدي عن ابن شهاب في هذا الحديث فيما أخرجه ابن أبي داود عن محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات. وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد. 5024 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ». قَالَ سُفْيَانُ: تَفْسِيرُهُ يَسْتَغْنِي بِهِ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) سقط لفظ ابن عبد الرحمن لغير أبي ذر (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال: ما أذِنَ الله لشيء) بالمعجمة وبعد التحتية الساكنة همزة ولأبي ذر عن الكشميهني لنبي (ما أذن للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بزيادة لام ولأبي ذر عن الكشميهني لنبي بإسقاطها وقول الحافظ ابن حجر إن كانت رواية زيادة اللام محفوظة فهي للجنس ووهم مَن ظنها للعهد وتوهم أن المراد نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشرحه على ذلك تعقبه العيني فقال هذا الذي ذكره عين الوهم والأصل في الألف واللام أن تكون للعهد خصوصًا في الفرد وعى ما ذكره يفسد المعنى لأنه يكون على هذه الصورة لم يأذن الله لنبي من الأنبياء ما أذن لجنس النبي وهذا فاسد. اهـ. وأجاب في انتقاض الاعتراض بأنه إنما شرحه على رواية الأكثر وهي ما أذن لشيء بشين معجمة وياء مهموزة ولا فساد فيه. اهـ. وثبتت التصلية لأبي الوقت وقوله أذن بفتح الهمزة وكسر الذال المعجمة في الماضي وكذا في المضارع مشترك بين الإطلاق والاستماع تقول أذنت آذن بالمد فإن أردت الإطلاق فالمصدر بكسر ثم سكون وإن أردت الاستماع فالمصدر بفتحتين أي ما استمع كاستماعه لصوت نبي (أن يتغنى بالقرآن) وسقط لفظ أن عند أبي نعيم من وجه آخر وصوّبه ابن الجوزي، وقال إن إثباتها وهم من بعض الرواة لروايتهم بالمعنى، فظن المثبت المساواة فوقع في الخطأ لأن الحديث لو كان بإثبات أن لكان من الإِذن بكسر الهمزة وسكون الذال بمعنى الإباحة والإطلاق، وليس مرادًا هنا وإنما هو من الأُذن بفتحتين وهو الاستماع والمراد به هنا إجزال مثوبة القارئ وإكرامه لا حقيقته التي هي أن يميل المستمع بأُذنه إلى جهة مَن يسمعه إذ هو محُال في حقه تعالى فالمراد ثمرة ذلك على ما لا يخفى (قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (تفسيره) أي قوله يتغنى (يستغني به) عن غيره من الكتب السالفة أو من الإكثار من الدنيا وارتضى ذلك أبو عبيد في تفسيره وقال إنه جائز في كلام العرب واحتج بقول ابن مسعود من قرأ آل عمران فهو غني وقيل المراد به الغنى المعنوي وهو غنى النفس وهو القناعة لا المحسوس الذي هو ضد الفقر فإن ذلك لا يحصل بمجرد ملازمة القرآن وقال النووي معناه عند الشافعي وأصحابه وأكثر العلماء تحسين الصوت به اهـ. ويؤيده قوله في الرواية السابقة. وقال صاحب له يجهر به قال الطيبي: لأنها جملة مبنية لقوله يتغنى بالقرآن فلم يكن المبين على خلاف البيان كذلك يتغنى بالقرآن في الرواية الأولى بيان لقوله ما أذن لنبي أي صوته فكيف يحمل على غير حسن الصوت على أن الاستماع ينبو عن الاستغناء وينصره الحديث المروي بلفظ ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به قال الشافعي: ولو كان معنى يتغنى بالقرآن على الاستغناء لقال يستغني وتحسين الصوت هو يتغنى وتعقبه بعضهم فقال: إن في صدق الملازمة نظرًا إذا ثبت أن تغنى بمعنى استغنى وصرّح بعضهم بصحته كما مرّ، واستشهد بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الخيل ورجل ربطها تغنيًّا وتعفّفًا ولا خلاف في هذا أنه مصدر تغنى بمعنى استغنى وتعفف ونقل ابن الجوزي عن الشافعي أن المراد به التحزن قال في الفتح: ولم أره صريحًا إنما قال في مختصر المزني وأحب أن يقرأ حدرًا وتحزينًا. اهـ. والحدر الإدراج من غير تمطيط والتحزين رقة الصوت وتصييره كصوت الحزين، وقال ابن الأنباري في الزاهر المراد بالتغني التلذّذ به كما يستلذ أهل الطرب بالغناء فأطلق عليه تغنيًا من حيث إنه يفعل عنده كما يفعل عند الغناء، وقيل المراد الترنم به لحديث ابن أبي داود والطحاوي عن أبي هريرة حسن الترنم

20 - باب اغتباط صاحب القرآن

بالقرآن. قال الطبري: والترنم لا يكون إلا بالصوت إذا حسنه القارئ وطرّب به قال ولو كان معناه الاستغناء لما كان لذكر الصوت ولا لذكر الجهر معنى. اهـ. ويمكن كما في الفتح الجمع بين أكثر التأويلات المذكورة وهو أنه يحسن به صوته جاهرًا به مترنمًا على طريق التحزّن مستغنيًا به عن غيره طالبًا به غنى النفس راجيًا به غنى اليد. ومباحث تحسين الصوت وحكم القراءة بالألحان تأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. 20 - باب اغْتِبَاطِ صَاحِبِ الْقُرْآنِ (باب اغتباط صاحب القرآن) أي تمنى مثل ما له من نعمة القرآن من غير أن تتحوّل عنه. 5025 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ حَسَدَ إِلاَّ عَلَى اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَقَامَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَرَجُلٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهْوَ يَتَصَدَّقُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ». [الحديث 5025 - أطرافه في: 7529]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أن) أباه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا حسد) أي لا غبطة جائزة في شيء (إلا على) وجود (اثنتين) أي خصلتين إحداهما (رجل) أي خصلة رجل (آتاه الله الكتاب) أي القرآن (وقام به) تلاوةًَ وعملًا (آناء الليل) أي ساعاته وزاد أبو نعيم في مستخرجه وآناء النهار (و) ثانيهما (رجل) أي خصلة (أعطاه الله مالًا فهو يتصدّق به) على المحتاج (آناء الليل وآناء النهار) أي ساعاتهما بإثبات آناء النهار هنا وحذفها في الأولى كما مر وقيل إن فيه تخصيصًا لإباحة نوع من الحسد وإن كانت جملته محظورة وإنما رخص فيه لما يتضمن مصلحة في الدين قال أبو تمام: وما حاسد في المكرمات بحاسد وكما رخص في الكذب لتضمن فائدة هي فوق آفة الكذب. وقال في شرح المشكاة: أثبت الحسد لإرادة المبالغة في تحصيل النعمتين الخطيرتين يعني ولو حصلتا بهذا الطريق المذموم فينبغي أن يتحرّى ويجتهد في تحصيلهما، فكيف بالطريق المحمود لا سيما وكل واحدة من الخصلتين بلغت غاية لا أمد فوقها ولو اجتمعتا في امرئ بلغ من العلياء كل مكان. 5026 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلاَنٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ. وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهْوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ، فَقَالَ رَجُلٌ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلاَنٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ». [الحديث 5026 - أطرافه في: 7232، 7528]. وبه قال: (حدّثنا علي بن إبراهيم) بن عبد المجيد اليشكري الواسطي أو هو علي بن الحسين بن إبراهيم بن أشكاب نسبه إلى جده أو هو علي بن عبد الله بن إبراهيم والأول قول الأكثر، والثاني جزم به ابن عدي والثالث قول الدارقطني وابن منده قال: (حدّثنا روح) بفتح الراء وبعد الواو الساكنة حاء مهملة ابن عبادة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش أنه قال: (سمعت ذكوان) أبا صالح السمان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا حسد) أي لا غبطة جائزة في شيء (إلا في) خصلتين (اثنتين) خصلة (رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار) ساعاتهما (فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان) من القرآن (فعملت) به (مثل ما يعمل) من تلاوته آناء الليل وآناء النهار (و) خصلة (رجل آتاه الله مالًا فهو يهلكه) بضم الياء وكسر اللام وفيه مبالغة لأنه يدل على أنه لا يبقى من المال بقية ولما أوهم الإسراف والتبذير كمله بقوله (في الحق) كما قيل لأسرف في الخير (فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أُوتي فلان) من المال (فعملت) فيه (مثل ما يعمل) من إهلاكه في الحق. وهذا الحديث أخرجه النسائي في الفضائل. 21 - باب خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ هذا (باب) بالتنوين (خيركم من تعلم القرآن وعلمه). 5027 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عُثْمَانَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». قَالَ: وَأَقْرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ حَتَّى كَانَ الْحَجَّاجُ، قَالَ: وَذَاكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا. [الحديث 5027 - أطرافه في: 5028]. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون الأنماطي السلمي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (علقمة بن مرثد) بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة الحضرمي الكوفي قال: (سمعت سعد بن عبيدة) بضم العين مصغرًا وسكون عين سعد الكوفي أبا حمزة (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن حبيب (السلمي) بضم السين المهملة وفتح اللام (عن عثمان) بن عفان (-رضي الله عنه-) واختلف في سماع أبي عبد الرحمن من عثمان ووقع التصريح بتحديث عثمان لأبي عبد الرحمن عند ابن

عدي بلفظ عن عبد الكريم عن أبي عبد الرحمن حدّثني عثمان لكن في إسناده مقال: (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) مخلصًا فيهما ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أو علمه بأو التي للتنويع لا للشك (قال) سعد بن عبيدة (وأقرأ أبو عبد الرحمن) السلمي الناس القرآن (في إمرة عثمان) بن عفان -رضي الله عنه- (حتى كان الحجاج) بن يوسف أميرًا على العراق (قال) أبو عبد الرحمن (وذاك) الحديث المرفوع في أفضلية القرآن هو (الذي أقعدني مقعدي هذا) الذي أقرئ الناس فيه وهذا يدل على أن أبا عبد الرحمن سمع الحديث المذكور في ذلك الزمان وإذا سمعه فيه ولم يوصف بالتدليس اقتضى سماعه ممن عنعنه وهو عثمان ولا سيما مع ما اشتهر عند القرّاء أنه قرأ على عثمان وأسندوا ذلك عنه من رواية عاصم بن أبي النجود فكان ذلك أولى من قول من قال إنه لم يسمع منه. 5028 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَفْضَلَكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن علقمة بن مرثد) بالمثلثة بوزن جعفر (عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن أفضلكم من تعلّم القرآن وعلّمه). بالواو وللأربعة أو علمه والأولى أظهر في المعنى لأن التي بأو تقتضي إثبات الأفضلية المذكورة لمن فعل أحد الأمرين فيلزم أن مَن تعلّم القرآن ولو لم يعلمه غيره يكون خيرًا ممن عمل بما فيه مثلًا وإن لم يتعلمه، ولا ريب أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمل لنفسه ولغيره جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدّي لا يقال إن من لازم هذا أفضلية المقرئ على الفقيه لأن المخاطبين بذلك كانوا فقهاء النفوس إذ كانوا يدرون معاني القرآن بالسليقة أكثر من دراية من بعدهم بالاكتساب. فإن قلت: المقرئ أفضل ممن هو أعظم غناء في الإسلام بالمجاهدة والرباط والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أجيب: بأن ذلك دائر على النفع المتعدي فمن كان حصوله عنده أكثر كان أفضل فلعل من مضمرة في الحديث بعد أن وفي الحديث الحث على تعليم القرآن وقد سئل الثوري عن الجهاد وإقراء القرآن فرجح الثاني واحتج بهذا الحديث أخرجه ابن أبي داود قاله في الفتح. 5029 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَا لِي فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ». فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا. قَالَ: «أَعْطِهَا ثَوْبًا». قَالَ: لاَ أَجِدُ، قَالَ: «أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ». فَاعْتَلَّ لَهُ فَقَالَ: «مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»، قَالَ: كَذَا وَكَذَا. قَالَ: «فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ». وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عون) بفتح العين فيهما وآخر الثاني نون ابن أوس الواسطي نزيل البصرة قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين الساعدي الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امرأة) قيل هي خولة بنت حكيم وقيل أم شريك وقيل ميمونة ولا يصح ذلك لأن الأوليان لم تتزوّجا وأما ميمونة فهي إحدى زوجاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يزوّجها لغيره (فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله) ولأبي ذر عن الحموي وللرسول (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها: (ما لي في النساء من حاجة، فقال رجل) لم يسم (زوّجنيها) يا رسول الله (قال) عليه الصلاة والسلام (أعطها ثوبًا) صداقًا (قال) الرجل (لا أجد) ثوبًا (قال: أعطها ولو) كان الذي تعطيها (خاتمًا من حديد) كلمة من بيانية (فاعتل) قال الكرماني أي حزن وتضجر (له) أي لأجل ذلك (فقال) عليه الصلاة والسلام له ولأبوي الوقت وذر قال: (ما معك) أي أيّ شيء تحفظه (من القرآن؟ قال): معي سورة (كذا وكذا) في رواية أبي داود عن أبي هريرة سورة البقرة والتي تليها وعند الدارقطني عن ابن مسعود البقرة وسور من المفصل ولتمام الرازي عن أبي أمامة زوّج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلًا من الأنصار على سبع سور (قال) عليه الصلاة والسلام (فقد زوّجتكها بما معك من القرآن) الباء في بما للتعويض وتسمى باء المقابلة على تقدير مضاف أي زوّجتكها بتعليمك إياها ما معك من القرآن. وقال الحنفية بل للسببية، والمعنى زوّجتكها بسبب ما معك من القرآن.

22 - باب القراءة عن ظهر القلب

ومباحث ذلك تأتي في موضعها إن شاء الله تعالى في كتاب النكاح. 22 - باب الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ (باب) استحباب (القراءة) للقرآن (عن ظهر القلب) من غير نظر في المصحف لأن ذلك أمكن في التوصل إلى التعليم. 5030 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لأَهَبَ لَكَ نَفْسِي. فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا. فَقَالَ لَهُ: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ»؟ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا». فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا. قَالَ: «انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ». فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ». فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ، ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا. عَدَّهَا قَالَ: «أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ». قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتَكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) القاريّ المدني نزيل الإسكندرية (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي -رضي الله عنه- (أن امرأة) خولة أو غيرها كما مر قريبًا (جاءت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي) أي أكون لك زوجة بلا مهر وفيه أنه ينعقد نكاحه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلفظ الهبة خصوصية له وليس المراد حقيقة الهبة لأن الحرّ لا يملك نفسه وليس له تصرف فيها ببيع ولا هبة في شريعتنا (فنظر إليها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصعد النظر) بتشديد العين رفعه (إليها وصوّبه) بتشديد الواو وبعدها بموحدة خفضه (ثم طأطأ رأسه) خفضه (فلما رأت المرأة أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لم يقض فيها شيئًا جلست، فقام رجل من أصحابه) لم يسم (فقال: يا رسول الله) وللأربعة أي رسول الله (إن لم يكن لك بها حاجبة فزوّجنيها) ولم يقل هبنيها لأن لفظ الهبة من خصائصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن بمعنى إذ لأنه لا يظن بالصحابي أن يسأل في مثل هذا إلا بعد أن يعلم بقرينة الحال أنه لا حاجة له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بها (فقال) عليه الصلاة والسلام (له): (هل عندك من شيء) تصدقها (فقال: لا والله يا رسول الله) ما عندي شيء (قال) عليه الصلاة والسلام له: (اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئًا) عندهم تصدقها إياه (فذهب) الرجل (ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئًا. قال: انظر ولو) كان الذي تجده (خاتمًا من حديد) ولأبي ذر خاتم بالرفع على أن كان المقدّرة تامة (فذهب) إلى أهله (ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا) وجدت (خاتمًا) ولأبي ذر ولا خاتم (من حديد، ولكن هذا إزاري) أصدقها إياه (قال) ولأبي الوقت فقال (سهل) الساعدي مدرجًا في الحديث (ما له رداء فلها نصفه فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما تصنع بإزارك إن لبسته) بسكون السين (لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته) بسكون الفوقية (لم يكن عليك شيء) أي منه (فجلس الرجل حتى طال مجلسه، ثم قام فرآه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موليًا) مدبرًا ذاهبًا معرضًا (فأمر به فدعي) بضم الدال وكسر العين (فلما جاء قال) عليه الصلاة والسلام له: (ماذا معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا) بالتكرار ثلاثًا (عدّها) ولأبي ذر وعدّها وقد سبق قريبًا تفسيرهن (قال) عليه الصلاة والسلام: (أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟ قال) ولأبي الوقت فقال: (نعم. قال: اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن) كذا وقع هنا ملكتكها ورواية الأكثرين بلفظ زوجتكها قال الدارقطني وهو الصواب وجمع النووي بأنه يحتمل صحة اللفظين ويكون جرى لفظ التزويج أولًا ثم لفظ التمليك ثانيًا أي لأنه ملك عصمتها بالتزويج السابق. وفي هذا الحديث فضيلة قراءة القرآن عن ظهر قلب وقد صرّح كثير بأن القراءة من المصحف نظرًا أفضل من ظهر القلب واستدلّ له بحديث عند أبي عبيد في فضائل القرآن عن بعض أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رفعه فضل قراءة القرآن نظرًا على من يقرؤه ظهرًا كفضل الفريضة على النافلة وإسناده ضعيف وعن ابن مسعود موقوفًا بإسنادٍ صحيح أديموا النظر في المصحف والأولى أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص. 23 - باب اسْتِذْكَارِ الْقُرْآنِ وَتَعَاهُدِهِ (باب استذكار القرآن) أي طلب ذكره بضم المعجمة (وتعاهده) أي تجديد العهد به بملازمة تلاوته. 5031 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ، إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إنما مثل صاحب القرآن) أي الذي ألف تلاوته مع القرآن (كمثل صاحب الإبل المعقلة) بضم الميم وسكون العين المهملة

24 - باب القراءة على الدابة

وفتح القاف أو بتشديد القاف مع فتح العين أي المشدودة بالعقال وهو الحبل الذي يشدّ في ركبة البعير (إن عاهد عليها أمسكها) أي استمرّ إمساكه لها (وإن أطلقها) من عقلها (ذهبت) أي انفلتت والحصر في قوله إنما هو حصر مخصوص بالنسبة إلى الحفظ والنسيان بالتلاوة والترك وشبه درس القرآن واستمرار تلاوته بربط البعير الذي يخشى منه أن يشرد فما دام التعاهد موجودًا فالحفظ موجود كما أن البعير ما دام مشدودًا بالعقال فهو محفوظ وخص الإبل بالذكر لأنها أشد الحيوان الإنسي نفورًا. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصلاة والنسائي في الفضائل والصلاة. 5032 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بِئْسَ مَا لأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ نُسِّيَ، وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ». [الحديث 5032 - أطرافه في: 5039]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) السامي بالمهملة القرشي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بئس ما لأحدهم) ما نكرة موصوفة مفسرة لفاعل بئس أي بئس شيئًا وقوله (أن يقول) مخصوص بالذم أي بئس شيئًا كائنًا للرجل قوله (نسيت) بفتح النون وكسر السين مخففة (آية كيت وكيت) كلمتان يعبر بهما عن الجمل الكثيرة والحديث الطويل وسبب الذم ما في ذلك من الإشعار بعدم الاعتناء بالقرآن إذ لا يقع النسيان إلا بترك التعاهد وكثرة الغفلة فلو تعاهده بتلاوته والقيام به في الصلاة لدام حفظه وتذكره فكأنه إذا قال: نسيت الآية الفلانية فكأنه شهد على نفسه بالتفريط فيكون متعلق الذم ترك الاستذكار والتعاهد لأنه يورث النسيان (بل نسي) بضم النون وتشديد السين المكسورة في جميع الروايات في البخاري وأكثر الروايات في غيره وبل إضراب عن القول بنسبة النسيان إلى النفس المسبب عن عدم التعاهد إلى القول بالإنساء الذي لا صنع له فيه فإذا نسيه إلى نفسه أوهم أنه انفرد بفعله، فالذي ينبغي أن يقول أنسيت أو نسيت مبنيًّا للمفعول فيهما أي إن الله هو الذي أنساني فينسب الأفعال إلى خالقها لما فيه من الإقرار بالعبودية والاستسلام لقدرة الربوبية نعم يجوز نسبة الأفعال إلى مكتسبها بدليل الكتاب والسُّنّة كما لا يخفى وقيل معنى نسي عوقب بالنسيان لتفريطه في تعاهده واستذكاره وقيل إن فاعل نسيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كأنه قال: لا يقل أحد عني أي نسيت آية كذا فإن الله هو الذي أنساني لذلك لحكمة نسخه ورفع تلاوته وليس لي في ذلك صنع (واستذكروا القرآن) السين للمبالغة أي اطلبوا من أنفسكم مذاكرته والمحافظة على قراءته والواو في قوله: واستذكروا كما قال في شرح المشكاة عطف من حيث المعنى على قوله بئس ما لأحدهم أي لا تقصروا في معاهدته واستذكاره (فإنه أشد تفصيًا) بفتح الفاء وكسر الصاد المشددة وتخفيف التحتية بعدها منصوب على التمييز أي تفلتًا (من صدور الرجال من النعم) وهي الإبل لا واحد له من لفظه لأن شأن الإبل طلب التفلت ما أمكنها فمتى لم يتعاهدها صاحبها بربطها تفلتت فكذلك حافظ القرآن إذا لم يتعاهده تفلت بل هو أشد وإنما كان ذلك لأن القرآن ليس من كلام البشر بل هو من كلام خالق القوى والقدر وليس بينه وبين البشر مناسبة قريبة لأنه حادث وهو قديم لكن الله سبحانه وتعالى بلطفه العميم وكرمه القديم من عليهم ومنحهم هذه النعمة العظيمة، فينبغي أن يتعاهد بالحفظ والمواظبة ما أمكن فقد يسّره تعالى للذكر وإلاّ فالطاقة البشرية تعجز قواها عن حفظه وحمله قال تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر} [القمر: 17] {الرحمن علم القرآن} [الرحمن: 1] {ولو أنزلنا هذا القرآن على جبل} [الحشر: 21] الآية. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصلاة والترمذي في القراءات والنسائي في الصلاة وفضائل القرآن. 0000 - : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ مِثْلَهُ. تَابَعَهُ بِشْرٌ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ شُعْبَةَ. وَتَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدَةَ عَنْ شَقِيقٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عثمان) بن أبي شيبة قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (مثله) أي الحديث السابق وهذه الطريق ثابتة عند الكشميهني والنسفيّ ساقطة لغيرهما (تابعه) أي تابع محمد بن عرعرة (بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن محمد المروزي شيخ المصنف (عن ابن المبارك) عبد الله المروزي (عن شعبة) بن الحجاج وليس بشر بمنفرد بهذه المتابعة بل رواها الإسماعيلي من طريق حبان بن موسى عن ابن المبارك (وتابعه) أي تابع ابن عرعرة (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز فيما وصله مسلم (عن عبدة) بسكون الموحدة ابن أبي لبابة بضم اللام وتخفيف الموحدتين (عن شقيق) أبي وائل بن سلمة أنه قال: (سمعت عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- يقول (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فذكره ولم يقل في رواية مسلم ما بعد قوله: بل نسي. 5033 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنَ الإِبِلِ فِي عُقُلِهَا». وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله (عن) جده (أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (تعاهدوا القرآن) بالحفظ والترداد (فوالذي نفسي بيده لهو) أي القرآن (أشد تفصيًا) وفي حديث عقبة بن عامر بلفظ أشد تفلتًا (من الإبل في عقلها) بضم العين والقاف وتسكن وللكشميهني من عقلها بدل في وهي تكون بمعنى من ومع والعقل جمع عقال مثل كتاب وكتب يقال عقلت البعير أعقله عقلًا وهو أن تثني وظيفه مع ذراعه فتشدهما جميعًا في وسط الذراع وذلك الحبل هو العقال. 24 - باب الْقِرَاءَةِ عَلَى الدَّابَّةِ (باب) جواز (القراءة) للراكب (على الدابة). 5034 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِيَاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهْوَ يَقْرَأُ عَلَى رَاحِلَتِهِ سُورَةَ الْفَتْحِ. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم الأنماطي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو إياس) بكسر الهمزة وتخفيف التحتية معاوية بن قرة المزني البصري (قال: سمعت عبد الله بن مغفل) بالغين المعجمة والفاء المشددة المفتوحتين المزني نسبة إلى أمه مزينة (قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته) ناقته (سورة الفتح) زاد المؤلّف من طريق مسلم بن إبراهيم عن شعبة في تفسير الفتح فرجع فيها أي ردّد صوته بالقراءة وفي التوحيد من طريق أخرى كيف ترجيعه قال: آآآ ثلاث مرات، وأراد المؤلّف بهذا الحديث كما قيل الرد على من كره القراءة على الدابة المنقول عن بعض السلف فيما نقله ابن أبي داود. 25 - باب تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ الْقُرْآنَ (باب تعليم الصبيان القرآن) لأنه أدعى إلى ثبوته ورسوخه عندهم كما قيل التعليم في الصغر كالنقش في الحجر، وقال بعضهم مما ذكره ابن الجوزي في تنبيه الغمر بمواسم العمر: إن الغصون إذا قوّمتها اعتدلت ... ولا يلين إذ قوّمته الخشب قد ينفع الأدب الأحداث في مهل ... وليس ينفع في ذي الشيبة الأدب وعند ابن سعد بإسناد صحيح أن ابن عباس قال سلوني عن التفسير فإني حفظت القرآن وأنا صغير. وفي تهذيب النووي أن سفيان بن عيينة حفظ القرآن وهو ابن أربع سنين وقد جاء كراهية تعليم الصبيان القرآن عن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي من جهة حصول الملال له والحق إن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص. 5035 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُفَصَّلَ هُوَ الْمُحْكَمُ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ وَقَدْ قَرَأْتُ الْمُحْكَمَ. [الحديث 5035 - أطرافه في: 5036]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن أبي بشر) بكسر

الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري (عن سعيد بن جبير قال: كان الذي تدعونه المفصل) بفتح الصاد المهملة المشددة الذي كثرت فصوله من السور وهو من الحجرات إلى آخر القرآن على الصحيح من عشرة أقوال (هو المحكم) الذي ليس بمنسوخ (قال) سعيد بن جبير: (وقال ابن عباس) رضي الله عهما: (توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم). واستشكل القاضي عياض وأنا ابن عشر بما مر في الصلاة من وجه آخر أنه كان في حجة الوداع ناهز الاحتلام وعنه أنه كان عند الوفاة النبوية ابن خمس عشرة. وقال الفلاس ابن ثلاث

26 - باب نسيان القرآن وهل يقول: نسيت آية كذا وكذا؟ وقول الله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى * إلا ما شاء الله} [الأعلى: 6]

عشرة. وعند البيهقي أربع عشرة وحكى الشافعي ست عشرة وعند البيهقي أيضًا عنه أنه قال: قرأت المحكم على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا ابن اثنتي عشرة وأجاب عياض باحتمال أن يكون قوله وأنا ابن عشر سنين راجعًا إلى حفظ القرآن لا إلى الوفاة النبوية. فالتقدير توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد جمعت المحكم وأنا ابن عشر سنين ففيه تقديم وتأخير وتعقبه العيني بأن الجملتين يعني قوله وأنا ابن عشر سنين وقوله وقد قرأت المحكم وقعتا حالين والحال قيد فكيف يقال فيه تقديم وتأخير. اهـ. وأجاب في الفتح بأنه يمكن الجمع بين مختلف الروايات بأنه كان حين الوفاة النبوية ابن ثلاث عشرة ودخل في التي بعدها فمن قال خمس عشرة جبر الكسرين ومن قال ثلاث عشرة ألغى الكسر في التي بعدها ومن قال عشرًا ألغى الكسر أصلًا. اهـ. وتعقبه العيني فقال لا كسر هنا حتى يجبر أو يلغى لأن الكسر على نوعين: أصم وهو الذي لا يمكن أن ينطق به إلا بالجزئية كجزء من أحد عشر وجزء من تسعة وعشرين. ومنطق وهو على أربعة أقسام مفرد وهو من النصف إلى العشر وهي الكسور التسعة ومكرر كثلاثة أسباع وثمانية أتساع ومركب وهو الذي يذكر بالواو العاطفة كنصف وثلث وكربع وتسع ومضاف كنصف عشر وثلث سبع وثمن تسع وقد يتركب من المنطق والأصم كنصف جزء من أحد عشر والظاهر أن الصواب مع الداودي أن رواية الباب وهم. اهـ. وأجاب في الانتقاض بأن المراد بجبر الكسر وإلغائه في عبارة أهل الحديث ما زاد على الستة من الشهور وما زاد على عقد العشرة وغيرها من السنين فلما لم يعرف العيني هذا الاصطلاح جنح لمحبته في الاعتراض إلى تفسير الكسر في اصطلاح أهل الحساب وعلى تقدير تسليم ما صوّبه من كلام الداودي من أن رواية عشر سنين وهم فماذا يصنع في بقية الاختلاف. اهـ. 0000 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- جَمَعْتُ الْمُحْكَمَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ لَهُ وَمَا الْمُحْكَمُ قَالَ: الْمُفَصَّلُ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي الوقت حدّثني بالإفراد (يعقوب بن إبراهيم) بن كثير الدورقي البغدادي الحافظ قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير بوزن عظيم أبو معاوية السلمي الواسطي حافظ بغداد قال: (أخبرنا أبو بشر) جعفر بن أبي وحشية (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه قال: (جمعت المحكم) الذي ليس بمنسوخ (في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال ابن جبير (فقلت له) لابن عباس (وما المحكم قال المفصل) بالصاد المهملة السور التي كثرت فصولها وفي الرواية الأولى أن تفسير المفصل بالمحكم من كلام ابن جبير قال الحافظ ابن حجر وهو دال على أن الضمير في قوله في الرواية الأخرى فقلت له وما المحكم لسعيد بن جبير وفاعل قلت هو أبي بشر بخلاف ما يتبادر أن الضمير لابن عباس وفاعل فقلت سعيد بن جبير. اهـ. وتعقبه العيني فقال هذا تصرف واهٍ لأن الظاهر من السياق أن السائل سعيد والمجيب ابن عباس ولا يستلزم كون سعيد فسر المفصل في الحديث واحد جاء من طريقين مجملًا ومبيّنًا فمن الذي توقف أن يفسر المجمل بالمبين. 26 - باب نِسْيَانِ الْقُرْآنِ وَهَلْ يَقُولُ: نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وَكَذَا؟ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى * إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: 6] (باب نسيان القرآن) لعدم تعاهده (وهل يقول) الرجل (نسيت آية كذا وكذا) نعم لا يمتنع ذلك إن كان نسيانه عن أمر ديني كالجهاد (وقول الله تعالى) مخاطبًا لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({سنقرئك فلا تنسى}) أي سنعلمك القرآن حتى لا تنساه ({إلاّ ما شاء الله}) [الأعلى: 6] أن ينسخه وهذا بشارة من الله لنبيّه أن يحفظ عليه الوحي حتى لا يتفلت منه شيء إلا ما شاء الله أن ينسخه فيذهب به عن حفظه برفع حكمه وتلاوته وسأل ابن كيسان النحوي جنيدًا عنه فقال: فلا تنسى العمل به فقال مثلك يصدّر، وقيل قوله فلا تنسى على النهي والألف مزيدة للفاصلة كقوله: السبيلا فلا تغفل قراءته وتكريره فتنساه إلا ما شاء الله أن ينسيكه برفع تلاوته. واختلف في نسيان القرآن فصرح النووي في الروضة بأن نسيانه أو شيء منه كبيرة لحديث أبي داود عرضت عليّ ذنوب أمتي فلم أرَ ذنبًا أعظم من سورة أو آية

27 - باب من لم ير بأسا أن يقول سورة البقرة وسورة كذا وكذا

أُوتيها رجل ثم نسيها. وأخرج أبو داود من طريق أبي العالية موقوفًا كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه واحتج الروياني لذلك بأن الإعراض عن التلاوة يتسبب عنه نسيان القرآن ونسيانه يدل على عدم الاعتناء به والتهاون بأمره. 5037 - حَدَّثَنَا رَبِيعُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا يَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: «يَرْحَمُهُ اللَّهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً مِنْ سُورَةِ كَذَا». وبه قال: (حدّثنا ربيع بن يحيى) أبو الفضل الأشناني البصري قال: (حدّثنا زائدة) بن قدامة قال: (حدّثنا هشام عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: سمع النبي) ولأبي الوقت رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلًا) اسمه عبد الله بن يزيد الأنصاري أي سمع صوت رجل حال كونه (يقرأ في المسجد قال) عليه الصلاة والسلام: (يرحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية من سورة كذا) قال الحافظ ابن حجر لم أقف على تعيين الآيات المذكورة. اهـ. ويجوز النسيان عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما ليس طريقه البلاع والتعليم وهذا الحديث من أفراده. 0000 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى عَنْ هِشَامٍ وَقَالَ: أَسْقَطْتُهُنَّ مِنْ سُورَةِ كَذَا. تَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَعَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبيد بن ميمون) قال: (حدّثنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق (عن هشام) هو ابن عروة يعني عن أبيه عن عائشة بالمتن المذكور (وقال) زيادة عليه (أسقطتهنّ من سورة كذا) أي بالنسيان (تابعه) أي تابع محمد بن عبيد (علي بن مسهر) بضم الميم وسكون المهملة (وعبدة) بن سليمان بواو العطف على السابق وللكشميهني عن عبدة قال الحافظ ابن حجر وهو غلط لأن عبدة رفيق علي بن مسهر لا شيخه (عن هشام) أي ابن عروة. 5038 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا يَقْرَأُ فِي سُورَةٍ بِاللَّيْلِ فَقَالَ: «يَرْحَمُهُ اللَّهُ، لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي الوقت حدّثني (أحمد بن أبي رجاء) عبد الله بن أيوب زاد أبو ذر هو أبو الوليد الهروي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلًا) هو عبد الله بن يزيد (يقرأ في سورة بالليل) بتنوين سورة وبالليل بالموحدة أوله ظرف (فقال) عليه السلام: (يرحمه الله لقد) ولأبي عساكر وأبي الوقت قد (أذكرني آية كذا وكذا كنت أنسيتها) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (من سورة كذا وكذا) وفي اليونينية أذكرني الله آية كذا بإثبات الجلالة بعد أذكرني ألحقها بالحمرة. قال في الفتح وهي مفسرة لقوله في الرواية الأولى أسقطتها فكأنه قال أسقطتها نسيانًا لا عمدًا. 5039 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بِئْسَ مَا لأَحَدِهِمْ يَقُولُ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن أبي مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بئس ما لأحدهم) بئس كلمة ذم وما نكرة موصوفة والمخصوص بالذم (يقول نسيت آية كيت وكيت) كلمة يعبر بها عن الحديث الطويل ومثلها ذيت وذيت قال ثعلب كيت للأفعال وذيت للأسماء (بل هو نسي) بتشديد السين ورواه بعض رواة مسلم مخففًا وسبق قريبًا معنى المشدّد وليس النسيان من فعل الناسي بل من فعل الله يحدثه عند إهمال تكريره ومراعاته وأما المخفف فمعناه أن الرجل تركه غير ملتفت إليه فهو كقوله تعالى: {نسوا الله فنسيهم} [التوبة: 67] أي تركهم في العذاب أو تركهم من الرحمة. 27 - باب مَنْ لَمْ يَرَ بَأْسًا أَنْ يَقُولَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَسُورَةُ كَذَا وَكَذَا (باب من لم ير بأسًا أن يقول) المرء (سورة البقرة وسورة كذا وسورة كذا) خلافًا لمن قال لا يقال إلا السورة التي يذكر فيها كذا، واحتج لذلك بحديث أنس رفعه لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران ولا سورة النساء وكذا القرآن كله ولكن قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة وكذلك القرآن كله أخرجه ابن قانع في فوائده والطبراني في الأوسط. وفى سنده عنبس بن ميمون العطار وهو ضعيف وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وفي حديث تأليف القرآن أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول: ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: ولا شك أن ذلك أحوط لكن استقر الإجماع على الجواز في المصاحف والتفاسير. 5040 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، مَنْ قَرَأَ بِهِمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال:

28 - باب الترتيل في القراءة، وقوله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا} وقوله: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث} وما يكره أن يهذ كهذ الشعر. فيها يفرق: يفصل. قال ابن عباس فرقناه: فصلناه

(حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (وعبد الرحمن بن يزيد عن أبي مسعود) عقبة بن عامر البدري (الأنصاري) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الآيتان من آخر سورة البقرة) وهما {آمن الرسول بما أنزل إليه} [البقرة: 285] إلى آخرها (من قرأ بهما في ليلة كفتاه) عن قيام الليل أو من الشيطان وقيل غير ذلك مما سبق وهذا الحديث سبق في فضل سورة البقرة. 5041 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَؤُهَا عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلاَةِ، فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى سَلَّمَ فَلَبَبْتُهُ فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقُلْتُ لَهُ: كَذَبْتَ، فَوَاللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُوَ أَقْرَأَنِي هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقُودُهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، وَإِنَّكَ أَقْرَأْتَنِي سُورَةَ الْفُرْقَانِ. فَقَالَ: «يَا هِشَامُ اقْرَأْهَا». فَقَرَأَهَا الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ». ثُمَّ قَالَ: «اقْرَأْ يَا عُمَرُ». فَقَرَأْتُهَا الَّتِي أَقْرَأَنِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) ولأبو الوقت وذر وابن عساكر حدّثني بالإفراد فيهما (عروة بن الزبير) ثبت ابن الزبير في رواية أبي ذر (عن حديث المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القاري) بتشديد التحتية من غير همز (أنهما سمعا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول سمعت هشام بن حكيم بن حزام) بالحاء المهملة والزاي (يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكدت أساوره في الصلاة) بضم الهمزة وفتح السين المهملة آخذ برأسه أواثبه ولأبي ذر عن الكشميهني أثاوره بالمثلثة بدل السين قال عياض: والمعروف الأول (فانتظرته حتى سلم) من صلاته (فلببته) بفتح اللام وبموحدتين الأولى مشددة وتخفف والأخرى ساكنة أي جمعت عليه ثيابه عند لبته لئلا يتفلت مني (فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ) ها (قال أقرأنيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت له: كذبت) أي أخطأت (فوالله إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهو أقرأني هذه السورة التي سمعتك) أي تقرؤها (فانطلقت به إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقوده) أي أجره حتى أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها وإنك أقرأتني سورة الفرقان فقال) عليه الصلاة والسلام: (يا هشام اقرأها) قال عمر (فقرأها القراءة التي سمعته) يقرؤها (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هكذا أنزلت ثم قال) عليه السلام: (اقرأ يا عمر) قال عمر (فقرأتها) أي السورة بالقراءة (التي أقرأنيها، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هكذا أنزلت. ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تطييبًا لقلب عمر لئلا ينكر تصويب القراءتين المختلفتين (إن القرآن أنزل على سبعة أحرف) أوجه (فاقرؤوا ما تيسر منه) أي من المنزل وفيه إشارة إلى الحكمة في التعدد المذكور وأنه للتيسير. وهذا الحديث قد سبق في باب أنزل القرآن على سبعة أحرف ومطابقته هنا لما ترجم له واضحة. 5042 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَارِئًا يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: «يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا، آيَةً أَسْقَطْتُهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا». وبه قال: (حدّثنا بشر بن آدم) بكسر الموحدة وسكون المعجمة أبو عبد الله الضرير البغدادي قال: (أخبرنا علي بن مسهر) أبو الحسن الكوفي الحافظ قال: (أخبرنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قارئًا) اسمه عبد الله بن يزيد (يقرأُ من الليل في المسجد) أي سورة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (يرحمه الله) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يرحم الله بحذف المفعول والله (لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها) نسيانًا لا عمدًا (من سورة كذا وكذا) قال في القاموس كذا كناية عن الشيء الكاف حرف التشبيه وذا للإشارة. وقال في المعنى: إنها ترد على ثلاثة أوجه أن تكون كلمتين باقيتين على أصلهما وهما كاف التشبيه وذا الإشارية كقولك رأيت زيدًا فاضلًا ورأيت عمرًا كذا وتكون كلمة واحدة مركبة من كلمتين مكنيًّا بها عن غير عدد كما في الحديث أنه يقال للعبد يوم القيامة أتذكر يوم كذا وكذا وتكون كلمة واحدة مركبة مكنيًّا بها عن العدد كقوله كذا وكذا درهمًا. 28 - باب التَّرْتِيلِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} وَقَوْلِهِ: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} وَمَا يُكْرَهُ أَنْ يُهَذَّ كَهَذِّ الشِّعْرِ. فِيهَا يُفْرَقُ: يُفَصَّلُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَرَقْنَاهُ: فَصَّلْنَاهُ (باب الترتيل) أي التأني (في القراءة) للقرآن (وقوله تعالى) لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({ورتل

القرآن}) أي بين وفصل من الثغر المرتل أي المفلج قال الجوهري الفلج في الأسنان تباعد ما بين الثنايا والرباعيات وثغر رتل إذا كان مستوي النبات. وقال الراغب الرتل اتّساق الشيء وانتظامه على استقامة يقال رجل رتل الأسنان والترتيل إرسال الكلمة من الفم بسهولة واستقامة أو اقرأ على تؤدة بتبيين الحروف وحفظ الوقوف ({ترتيلًا}) [المزمل: 4] تأكيد في إيجاب الأمر به وأنه لا بدّ للقارئ منه إذ هو عون على فهم القرآن وتدبره (وقوله) تعالى: ({وقرآنًا}) نصب بفعل يفسره ({فرقناه لتقرأه على الناس على مكث}) [الإسراء: 106] على تؤدة وتثبت (وما يكره) بضم الياء وفتح الراء (أن يهذّ) بضم الياء وفتح الهاء والذال المعجمة المشددة أي وبيان راهة الهذ (كهذّ الشعر) من الإسراع المفرط بحيث يخفى كثير من الحروف (فيها) في ليلة القدر (يفرق) أي (يفصل) وهذا تفسير أبي عبيدة وثبت قوله فيها في رواية أبي ذر والوقت وابن عساكر. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما رواه ابن المنذر وابن جرير في تفسيره (فرقناه) السابق ذكره (فصلناه). 5043 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: غَدَوْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ رَجُلٌ: قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ الْبَارِحَةَ فَقَالَ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ إِنَّا قَدْ سَمِعْنَا الْقِرَاءَةَ، وَإِنِّي لأَحْفَظُ الْقُرَنَاءَ الَّتِي كَانَ يَقْرَأُ بِهِنَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ وَسُورَتَيْنِ مِنْ آلِ حامِيمَ. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي عارم قال: (حدّثنا مهدي بن ميمون) الأزدي المعولي بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو البصري قال: (حدّثنا واصل) الأحدب بن حيان بفتح المهملة والتحتية المشددة الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (قال: غدونا على عبد الله) يعني ابن مسعود زاد مسلم من هذا الوجه يومًا بعد ما صلينا الغداة فسلمنا بالباب فأذن لنا بمكثنا بالباب هنيهة فخرجت الجارية فقالت ألا تدخلون فدخلنا فإذا هو جالس يسبح فقال ما منعكم أن تدخلوا وقد أذن لكم قلنا ظننا أن بعض أهل البيت نائم قال ظننتم بأن أم عبد غفلة (فقال رجل) من القوم اسمه نهيك بن سنان كما في مسلم (قرأت المفصل البارحة) كله (فقال) ولأبي الوقت قال هذذت (هذًّا) بفتح الهاء والذال المعجمة المنوّنة (كهذّ الشعر) قال الخطابي معناه سرعة القراءة بغير تأمّل كما ينشد الشعر (إنا) بكسر الهمزة وتشديد النون (قد سمعنا القراءة) قال الكرماني بلفظ المصدر ويروى القراء جمع القارئ (وإني لأحفظ القرناء) النظائر في الطول والقصر (التي كان يقرأ بهن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثماني عشرة) بإثبات التحتية بعد نون ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر ثمان عشرة (سورة من المفصل وسورتين من آل حاميم) أي السور التي أوّلها حم. واستشكل بما سبق في باب تأليف القرآن من طريق الأعمش عن شقيق حيث قال هناك عشرون من أول المفصل على تأليف ابن مسعود آخرهن من الحاميم حم الدخان وعمّ يتساءلون فعدّ حم من المفصل وهنا أخرجها. وأجيب: بأن الثمان عشرة غير سورة الدخان والتي معها وإطلاق المفصل على الجميع تغليب وإلاّ فالدخان ليست من المفصل على الراجح، لكن يحتمل أن يكون تأليف مصحف ابن مسعود على خلاف تأليف مصحف غيره فيكون أول المفصل عند ابن مسعود أوّل الجاثية والدخان متأخرة في ترتيبه عن الجاثية. وأجاب النووي على طريق التنزّل بأن المراد بقوله عشرون من المفصل أي معظم العشرين. وهذا الحديث قد سبق في باب الجمع بين السورتين في الركعة من كتاب الصلاة. 5044 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- فِي قَوْلِهِ: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ، وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ، فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ، وَكَانَ يُعْرَفُ مِنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الآيَةَ الَّتِي فِي {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} فَإِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ وَقُرْآنَهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} فَإِذَا أَنْزَلْنَاهُ فَاسْتَمِعْ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} قَالَ: إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ. قَالَ: وَكَانَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ أَطْرَقَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَرَأَهُ كَمَا وَعَدَهُ اللَّهُ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن موسى بن أبي عائشة) الهمداني الكوفي (عن سعيد بن جبير) أحد الأعلام (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله) تعالى: ({لا تحرك}) يا محمد ({به}) بالقرآن ({لسانك لتعجل به}) [القيامة: 16] بالقرآن (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا نزل عليه جبريل بالوحي وكان مما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ممن (يحرك به) بالوحي (لسانه وشفتيه) بالتثنية ومن للتبعيض ومن موصولة (فيشتد عليه) لثقل القول فكان يتعجل بأخذه لتزول المشقّة سريعًا أو خشية أن ينساه أو من حبه إياه (وكان يعرف منه) الاشتداد حال نزول الوحي (فأنزل الله) تعالى

29 - باب مد القراءة

بسبب الاشتداد (الآية النبي في) سورة ({لا أقسم بيوم القيامة}) وهي قوله عز وجل: ({لا تحرك به لسانك لتعجل به}) اقتصر على اللسان لأنه الأصل في النطق ({إن علينا جمعه وقرآنه}) أي قراءته قال الراغب القرآن في الأصل مصدر كرجحان وقد خص بالكتاب المنزل على نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصار له كالعلم وقال بعضهم تسمية هذا الكتاب قرآنًا من بين كتب الله لكونه جامعًا لثمرة كتبه بل لجمعه ثمرة جميع العلوم (فإن علينا أن نجمعه في صدرك وقرآنه) وثبت قوله فإن علينا الخ في رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر ({فإذا قرأناه}) أي قرأه جبريل عليك فجعل قراءة جبريل قراءته ({فاتبع قرآنه}) أي (فإذا أنزلناه فاستمع) وهذا تأويل آخر فقد سبق عنه في سورة القيامة قرأناه بيّنّاه فاتبع اعمل به فالحاصل أن لابن عباس فيه تأويلين ({ثم إن علينا بيانه} قال إن علينا أن نبينه بلسانك. قال) ابن عباس (وكان) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل بعد (إذا أتاه جبريل) بالوحي (أطرق) عينيه وسكت (فإذا ذهب) جبريل (قرأه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كما وعده الله) في قوله: {إن علينا جمعه وقرآنه}. وهذا الحديث قد مرّ في سورة القيامة. 29 - باب مَدِّ الْقِرَاءَةِ (باب مدّ القراءة) في حروف المدّ وهي وا ي المد الأصلي الذي لا تقوم ذواتها إلا به. 5045 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: كَانَ يَمُدُّ مَدًّا. [الحديث 5045 - طرفه في: 5046]. وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي بالفاء البصري قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي (الأزدي) بفتح الهمزة وسكون الزاي بعدها دال مهملة البصري قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة السدوسي (قال سألت أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (عن) كيفية (قراءة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) القرآن (فقال: كان يمدّ مدًّا) أي يمد الحرف الذي يستحق المد. وهذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة في الصلاة. 5046 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: كَانَتْ مَدًّا، ثُمَّ قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَمُدُّ بِبِسْمِ اللَّهِ، وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عاصم) بفتح العين وسكون الميم ابن عبيد الله القيسي البصري قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: سئل أنس) بضم السين مبنيًّا للمفعول والسائل قتادة كما في الرواية السابقة (كيف كانت قراءة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: كانت مدًّا) بالتنوين من غير همز أي ذات مد (ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد ببسم الله) أي اللام التي قبل هاء الجلالة الشريفة (ويمد بالرحمن) أي بالميم التي قبل النون (ويمد بالرحيم) أي بالحاء المد الطبيعي الذي لا يمكن النطق بالحرف إلا به من غير زيادة عليه لا كما يفعله بعضهم من الزيادة عليه نعم إذا كان بعد حرف المد همز متصل بكلمته أو سكون لازم كأولئك والحاقة وجب زيادة المد أو منفصل عنها أو سكون عارض كيا أيها أو الوقف على الرحيم جاز، وقد أخرج ابن أبي داود من طريق قطبة بن مالك سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ في الفجر ق فمرّ بهذا الحرف لها طلع نضيد فمدّ نضيد. ومباحث مقادير المد للقراء مذكورة في الدواوين المؤلّفة في ذكر قراءاتهم. 30 - باب التَّرْجِيعِ (باب الترجيع) في القراءة وهو تقارب ضروب حركاتها وترديد الصوت في الحلق. 5047 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِيَاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ وَهْوَ عَلَى نَاقَتِهِ أَوْ جَمَلِهِ وَهْيَ تَسِيرُ بِهِ وَهْوَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ أَوْ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ، قِرَاءَةً لَيِّنَةً يَقْرَأُ وَهْوَ يُرَجِّعُ. وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة وتخفيف التحتية واسمه عبد الرحمن بن محمد العسقلاني قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا أبو إياس) معاوية بن قرة إياس بن هلال (قال: سمعت عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء المشددة -رضي الله عنه- (قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ وهو) أي والحال أنه (على ناقته أو جمله) بالشك من الراوي (وهي) أي والحال أنها (تسير به وهو) أي والحال أنه (يقرأ سورة الفتح أو من سورة الفتح) بالشك من الراوي (قراءة لينة يقرأ) وثبت قوله يقرأ لأبي ذر عن الكشميهني (وهو يرجع) صوته بقراءته زاد في التوحيد قال: اء آء اء ثلاث مرات بهمزة مفتوحة بعدها ألف فهمزة أخرى وهو محمول على إشباع في محله وإذا جمعت هذا إلى قوله عليه الصلاة والسلام زينوا القرآن بأصواتكم ظهر لك أن هذا الترجيع منه عليه الصلاة والسلام كان

31 - باب حسن الصوت بالقراءة

اختيارًا لا اضطرارًا لهزّ الناقة له فإنه لو كان لهز الناقة لما كان داخلًا تحت الاختيار فلم يكن عبد الله بن مغفل يفعله ويحكيه اختيارًا ليتأسى به وهو يراه من هز الناقة له ثم يقول كان يرجع في قراءته فنسب الترجيع إلى فعله، وقد ثبت في رواية علي بن الجعد عن شعبة عند الإسماعيلي فقال لولا أن يجتمع الناس علينا لقرأت ذلك اللحن أي النغم. وفي حديث أم هانئ المروي في شمائل الترمذي وسنن النسائي وابن ماجة وابن أبي داود واللفظ له كنت أسمع صوت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يقرأ وأنا نائمة على فراشي يرجع القرآن وليس المراد ترجيع الغناء كما أحدثه قرّاء زماننا عفا الله عنا وعنهم ووفقنا أجمعين لتلاوة كتابه على النحو الذي يرضيه عنّا بمنّه وكرمه. 31 - باب حُسْنِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ (باب) استحباب (حسن الصوت بالقراءة) ولأبوي الوقت وذر بالقراءة للقرآن، ولا ريب أنه يستحب تحسين الصوت بالقراءة. وحكى النووي الإجماع عليه لكونه أوقع في القلب وأشد تأثيرًا وأرقّ لسامعه فإن لم يكن القارئ حسن الصوت فليحسنه ما استطاع ومن جملة تحسينه أن يراعي فيه قوانين النغم فإن الحسن الصوت يزداد حُسنًا بذلك وهذا إذا لم يخرج عن التجويد المعتبر عند أهل القراءات فإن خرج عنها لم يفِ تحسين الصوت بقبح الأداء وقال في الروضة: أما القراءة بالإلحان فقال الشافعي في المختصر: لا بأس بها. وفي رواية مكروهة قال جمهور الأصحاب ليست على قولين بل المكروه أن يفرط في المد وفي إشباع الحركات حتى يتولد من الفتحة ألف ومن الضمة واو ومن الكسرة ياء أو يدغم في غير موضع الإدغام فإن لم ينته إلى هذا الحد فلا كراهة. قال النووي رحمه الله: إذا أفرط على الوجه المذكور فهو حرام صرّح به صاحب الحاوي فقال حرام يفسق به القارئ ويأثم به المستمع لأنه عدل به عن نهجه القويم، وهذا مراد الشافعي بالكراهة انتهى. وقد علم مما ذكرناه أن ما أحدثه المتكلفون بمعرفة الأوزان والموسيقى في كلام الله من الألحان والتطريب والتغني المستعمل في الغناء بالغزل على إيقاعات مخصوصة وأوزان مخترعة أن ذلك من أشنع البدع وأسوأ ... (¬1) وأنه يوجب على سامعهم النكير، وعلى التالي التعزير نعم إن كان التطريب والتغني مما اقتضته طبيعة القارئ وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين وتعليم ولم يخرج عن حدّ القراءة فهذا جائز وإن أعانته طبيعته على فضل تحسين ويشهد لذلك حديث الباب وهو ما رويناه بالسند إلى المؤلّف قال: 5048 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أن النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ: «يَا أَبَا مُوسَى، لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ». (حدّثنا محمد بن خلف أبو بكر) العسقلاني المعروف بالحدادي بالمهملات وفتح أوله وثانيه المشدد سكن بغداد قال: (حدّثنا أبو يحيى) عبد الحميد بن عبد الرحمن الملقب بشمين بفتح الموحدة وسكون الشين المعجمة وكسر الميم وبعد التحتية الساكنة نون الكوفي (الحماني) بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم وبعد الألف نون مكسورة قال: (حدّثنا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي حدّثني بالإفراد (بريد بن عبد الله بن أبي بردة) بضم الموحدة وفتح الراء مصغرًا في الأول وبضم الموحدة وسكون الراء في الآخر ولأبي ذر عن المستملي قال سمعت بريدًا (عن جده أبي بردة) عامر (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له): (يا أبا موسى لقد أُوتيت مزمارًا من مزامير آل داود) أي في حسن الصوت كقراءة داود نفسه لأنه لم يذكر أن أحدًا من آل داود أُعطي من حسن الصوت ما أعطي داود فآل مقحمة والمزامير جمع مزمار بكسر الميم الآلة المعروفة أطلق اسمها على الصوت للمشابهة وقد كان داود عليه السلام فيما رواه ابن عباس يقرأ الزبور بسبعين لحنًا ويقرأ قراءة يطرب منها المحموم وإذا أراد أن يبكي نفسه لم تبق دابة في بر ولا بحر إلا أنصتت له واستمعت وبكت. وقد أورد المؤلّف حديث الباب مختصرًا، وأورده مسلم من طريق طلحة بن يحيى عن أبي بردة بلفظ لو رأيتني وأنا أسمع قراءتك البارحة الحديث وزاد أبو يعلى ¬

(¬1) بياض بالأصل.

32 - باب من أحب أن يسمع القرآن من غيره

من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه فقال: أما إني لو علمت بمكانتك لحبّرته لك تحبيرًا وللروياني من طريق مالك بن مغول عن عبد الله بن مغول عن عبد الله بن بريدة عن أبيه لو علمت أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستمع قراءتي لحبّرتها تحبيرًا أي حسنتها وزينتها بصوتي تزيينًا، وهذا يدل على أن أبا موسى كان يستطيع أن يتلو أشجى من المزامير عند المبالغة في التحبير لأنه قد تلا مثلها وما بلغ حدّ استطاعته وأخرج ابن أبي داود بسند صحيح من طريق أبي عثمان النهدي قال: دخلت دار أبي موسى الأشعري فما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا ناي أحسن من صوته والصنج بفتح الصاد المهملة وبعد النون الساكنة جيم آلة تتخذ من نحاس كالطبقين يضرب بأحدهما على الآخر، والبربط بموحدتين بينهما راء ساكنة آخره طاء مهملة بوزن جعفر فارسي معرب آلة كالعود والناي بنون بغير همز المزمار. وحديث الباب أخرجه الترمذي أيضًا. 32 - باب مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَ الْقُرْآنَ مِنْ غَيْرِهِ (باب من أحب أن يستمع القرآن من غيره) وللكشميهني كما في الفتح القراءة بدل القرآن. 5049 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ». قُلْتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ قَالَ: «إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: (حدّثنا أبي عن الأعمش) سليمان بن مهران أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (إبراهيم) النخعي (عن عببدة) بفتح العين وكسر الموحدة السلماني (عن عبد الله) يعني ابن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اقرأ عليّ القرآن) أي بعضه (قلت: آقرأ عليك) بمدّ الهمزة للاستفهام القرآن (وعليك أُنزل) بضم الهمزة (قال) عليه الصلاة والسلام: (إني أحب أن أسمعه من غيري) لأن المستمع أقوى على التدبر ونفسه أخلى وأنشط لذلك من القارئ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها. وهذا الحديث ساقه هنا مختصرًا وفي الباب التالي مطوّلًا وهو. 33 - باب قَوْلِ الْمُقْرِئِ لِلْقَارِئِ: حَسْبُكَ (باب قول المقرئ) الذي يقرئ غيره (للقارئ) الذي يقرأ عليه (حسبك) أي يكفيك. 5050 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْرَأْ عَلَيَّ القُرْآنَ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: «نَعَمْ». فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ إِلَى هَذِهِ الآيَةِ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} قَالَ: «حَسْبُكَ الآنَ». فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن عبيدة) السلماني (عن عبد الله بن مسعود) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اقرأ عليّ) بحذف المفعول في معظم الطرق ليس فيه لفظ القرآن فيصدق بالبعض (قلت: يا رسول الله آقرأ عليك) بمد الهمزة (وعليك أُنزل)؟ بضم الهمزة (قال: نعم) أي اقرأ عليّ (فقرأت) عليه (سورة النساء حتى أتيت إلى) ولأبي ذر عن الكشميهني على (هذه الآية {فكيف}) يصنع هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم ({إذا جئنا من كل أمة بشهيد}) يشهد عليهم بما فعلوا وهو نبيهم ({وجئنا بك}) يا محمد ({على هؤلاء}) أي أمتك ({شهيدًا}) [النساء: 41] حال أي شاهدًا على من آمن بالإيمان وعلى من كفر بالكفر وعلى من نافق بالنفاق (قال) عليه الصلاة والسلام: (حسبك) يكفيك (الآن) تنبيهًا له على الموعظة والاعتبار في هذه الآية (فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان) بسكون الذال المعجمة وكسر الراء أي سال دمعهما لفرط رأفته ومزيد شفقته. وفي الحديث كما قال النووي استحباب استماع القراءة والإصغاء إليها والبكاء عندها والتدبر فيها واستحباب طلب القراءة من الغير ليستمع عليه وهو أبلغ في التدبر كما مرّ. وهذا الحديث سبق في سورة النساء. 34 - باب فِي كَمْ يُقْرَأُ الْقُرْآنُ؟ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} هذا (باب) بالتنوين (في كم) مدة (يقرأ) القارئ (القرآن) كله فيها وفي اليونينية يقرأ بضم أوّله مبنيًّا للمفعول القرآن رفع نائب عن الفاعل (وقول الله تعالى: {فاقرؤوا ما تيسر}) عليكم ({منه}) [المزمل: 20] من القرآن استدلّ به على عدم التحديد في القراءة خلافًا لما نقل عن إسحاق بن راهويه وغيره إن أقل ما يجزي من القراءة كل يوم وليلة جزء من أربعين جزءًا من القرآن. وفيه حديث أخرجه أبو داود عن عبد الله بن عمرو بلفظ: في كم تقرأ القرآن؟ قال: في أربعين يومًا. ثم قال: في شهر ولا دلالة فيه لذلك على ما لا يخفى. 5051 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: لِي ابْنُ شُبْرُمَةَ: نَظَرْتُ كَمْ يَكْفِي الرَّجُلَ مِنَ الْقُرْآنِ، فَلَمْ أَجِدْ سُورَةً أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثِ آيَاتٍ، فَقُلْتُ لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثِ آيَاتٍ، قَالَ عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ عَلْقَمَةُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ وَلَقِيتُهُ وَهْوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَذَكَرَ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أَنَّ مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ». وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال لي ابن شبرمة) بضم الشين المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة عبد الله قاضي الكوفة

(نظرت كم يكفي الرجل من القرآن) قال في الفتح: أي في الصلاة أو في اليوم والليلة من قراءة القرآن مطلقًا (فلم أجد سورة أقل من ثلاث آيات) وهي سورة الكوثر (فقلت: لا ينبغي لأحد أن يقرأ أقل من ثلاث آيات). (قال علي) المديني وهو موصول من تتمة الحديث المذكور (حدّثنا سفيان) بن عيينة ولغير أبي ذر قال سفيان وحذف علي قال: (أخبرنا منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن عبد الرحمن بن يزيد) النخعي أنه (أخبره) عمه (علقمة) بن قيس (عن أبي مسعود) عقبة بن عامر البدري (ولقيته وهو يطوف بالبيت) الحرام (فذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن) ولأبي ذر فذكر قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه: (من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة) وهما: {آمن الرسول} [البقرة: 285] إلى آخرها (في ليلة كفتاه) أي عن قيام الليل أو من آفات تلك الليلة أو من الشيطان. وهذا الحديث قد مرّ في باب فضل سورة البقرة. 5052 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ، فَكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا، فَتَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ، لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُذْ أَتَيْنَاهُ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: الْقَنِي بِهِ فَلَقِيتُهُ بَعْدُ، فَقَالَ: «كَيْفَ تَصُومُ»؟ قَالَ كُلَّ يَوْمٍ قَالَ: «وَكَيْفَ تَخْتِمُ»؟ قَالَ: كُلَّ لَيْلَةً. قَالَ: «صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةً، وَاقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ». قَالَ: قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: «صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْجُمُعَةِ». قَالَ: قُلْتُ أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: «أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا». قَالَ: قُلْتُ أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: «صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمِ دَاوُدَ، صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ، وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً». فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَذَاكَ أَنِّي كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ فَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ السُّبْعَ مِنَ الْقُرْآنِ بِالنَّهَارِ، وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ يَعْرِضُهُ مِنَ النَّهَارِ لِيَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَوَّى أَفْطَرَ أَيَّامًا وَأَحْصَى وَصَامَ مِثْلَهُنَّ، كَرَاهِيةَ أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا فَارَقَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ثَلاَثٍ وَفِي خَمْسٍ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى سَبْعٍ. وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن مغيرة) بن مقسم بكسر الميم الكوفي (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم أنه (قال: أنكحني أبي) عمرو بن العاص (امرأة) هي أم محمد بنت محمية بن جزء الزبيدي كما عند ابن سعد (ذات حسب) شرف بالآباء، وعند أحمد أنها من قريش ولعله كان المشير عليه بتزويجها وإلاّ فقد كان عبد الله رجلًا كاملًا أو قام عنه بالصداق (فكان) عمرو (يتعاهد كنته) بفتح الكاف والنون المشددة زوجة ابنه (فيسألها عن) شأن ابنه (بعلها فتقول) في الجواب (نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشًا) أي لم يضاجعنا حتى يطأ لنا فراشًا (ولم يفتش) بفاء مفتوحة ففوقية مكسورة مشددة ولأبي ذر عن الكشميهني ولم يغش بالغين المعجمة الساكنة بعد فتح (لنا كنفًا) بفتح الكاف والنون بعدها فاء أي ساترًا (مذ) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي منذ (أتيناه) وكنت بذلك عن تركه لجماعها إذ عادة الرجل إدخال يده في داخل ثوب زوجته أو الكنف الكنيف أي أنه لم يطعم عندها حتى يحتاج إلى موضع قضاء الحاجة ففيه وصفها له بقيام الليل وصوم النهار مع الإشارة إلى عدم مضاجعتها وعدم أكله عندها، زاد في رواية هشيم عن مغيرة وحصين عن مجاهد في هذا الحديث عند أحمد فأقبل عليّ يلومني فقال: أنكحتك امرأة من قريش فعضلتها (فلما طال ذلك عليه) أي على عمرو وخاف أن يلحق ابنه إثم بتضييع حق الزوجة (ذكر) ذلك (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمرو: (القني) بفتح القاف وكسرها (به) أي بابنك عبد الله قال عبد الله: (فلقيته) بكسر القاف عليه الصلاة والسلام (بعد) بالبناء على الضم أي بعد ذلك (فقال): ولأبي الوقت قال: (كيف تصوم؟ قال) أي عبد الله ولأبي ذر قلت: أصوم (كل يوم قال) عليه الصلاة والسلام: (وكيف تختم) القرآن؟ (قال) ولأبي ذر قلت: أختم (كل ليلة قال) عليه الصلاة والسلام: (صم في كل شهر ثلاثة) من الأيام (واقرأ القرآن في كل شهر) ختمة (قال) عبد الله (قلت): يا رسول الله (أطيق أكثر من ذلك قال) عليه الصلاة والسلام: (صم ثلاثة أيام في الجمعة. قال) عبد الله (قلت): يا رسول الله (أطيق أكثر من ذلك قال: أفطر يومين وصم يومًا، قال: قلت أطيق أكثر من ذلك) استشكله الداودي بأن ثلاثة أيام من الجمعة أكثر من فطر يومين وصيام يوم وهو إنما يريد تدريجه من الصيام القليل إلى الصيام الكثير وأجاب الحافظ ابن حجر باحتمال أن يكون وقع من الراوي فيه تقديم وتأخير (قال: صم أفضل الصوم صوم داود) نبي الله عليه السلام (صيام يوم) نصب بتقدير كان أو رفع بتقدير هو (وإفطار يوم) عطف عليه على الوجهين (واقرأ) كل القرآن (في كل سبع ليال مرة). قال عبد الله: (فليتني قبلت رخصة، رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذاك إني كبرت) بكسر الموحدة (وضعفت) قال مجاهد: (فكان) عبد الله

(يقرأ على بعض أهله) أي من تيسر منهم (السبع من القرآن بالنهار) بضم السين وسكون الموحدة (والذي يقرؤه) يريد أن يقرأه بالليل (يعرضه من النهار ليكون أخف عليه بالليل وإذا أراد أن يتقوّى) على الصيام (أفطر أيامًا وأحصى) عدد أيام الإفطار (وصام) أيامًا (مثلهن كراهية أن يترك شيئًا فارق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بنصب كراهية على التعليل أي لأجل كراهة أن يترك شيئًا وأن مصدرية. (قال أبو عبد الله) أي البخاري وسقط ذلك لأبوي الوقت وذر وابن عساكر (وقال بعضهم) أي بعض الرواة اقرأه (في) كل (ثلاث) من الليالي (وفي خمس) من الليالي، ولأبي ذر: أو في خمس بزيادة ألف ولأبي الوقت أو في سبع ولعل المؤلّف أشار بالبعض إلى ما رواه شعبة عن مغيرة بهذا الإسناد بلفظ فقال: اقرأ القرآن في كل شهر. قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: فما زال حتى قال في ثلاث. قال في الفتح: والخمس تؤخذ منه بطريق التضمن. وفي مسند الدارمي من طريق أبي فروة عروة بن الحارث الجهني عن عبد الله بن عمرو قال: قلت يا رسول الله في كم أختم القرآن؟ قال: اختمه في شهر. قلت: إني أطيق. قال: اختمه في خمس وعشرين. قلت: إني أطيق. قال: اختمه في عشرين. قلت: إني أطيق. قال: اختمه في خمس عشرة. قلت: إني أطيق. قال: اختمه في خمس. قلت: إني أطيق. قال: لا. وفي رواية هشيم المذكورة قال: "فاقرأه في كل شهر. قلت: إني أجدني أقوى من ذلك. قال: فاقرأه في كل عشرة أيام. قلت: إني أجدني أقوى من ذلك. قال أحدهما إما حصين وإما مغيرة قال: فاقرأه في كل ثلاث، ولأبي داود والترمذي مصححًا من طريق يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث". وعند سعيد بن منصور بإسناد صحيح من وجه آخر عن ابن مسعود اقرؤوا القرآن في سبع ولا تقرؤوه في أقل من ثلاث. (وأكثرهم) أي أكثر الرواة (على سبع) ولعله أشار بالأكثر إلى ما رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو الآتي إن شاء الله تعالى في الباب. قال: فاقرأه في سبع ولا تزد وسقط لغير الكشميهني وأكثرهم على سبع. 5053 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «فِي كَمْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ»؟ وبه قال: (حدّثنا سعد بن حفص) بسكون العين الطلحي الكوفي الضخم قال: (حدّثنا شيبان) أبو معاوية النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن محمد بن عبد الرحمن) مولى بني زهرة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الله بن عمرو) -رضي الله عنهما- أنه قال: (قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: في كم) يوم (تقرأ القرآن)؟ 5054 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ شَيْبَانَ عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: وَأَحْسِبُنِي قَالَ: سَمِعْتُ أَنَا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ»، قُلْتُ: إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً، حَتَّى قَالَ: «فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلاَ تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق) بن منصور الكوسج المروزي قال (أخبرنا عبيد الله) بضم العين (ابن موسى) العبسي مولاهم الكوفي شيخ المصنف روي عنه هنا بالواسطة وثبت ابن موسى لأبي الوقت (عن شيبان) النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن محمد بن عبد الرحمن مولى بني زهرة) بضم الزاي وسكون الهاء (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (قال) يحيى المذكور: (واحسبني قال: سمعت أنا) أي وأظن أني أنا سمعته (من أبي سلمة) بن عبد الرحمن ولعله كان يتوقف في تحديث أبي سلمة له ثم تذكر أنه حدّثه به أو كان يصرح بتحديثه ثم يتوقف وتحقق أنه سمعه بواسطة محمد بن عبد الرحمن المذكور (عن عبد الله بن عمرو) -رضي الله عنهما- أنه (قال: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اقرأ القرآن) كله (في شهر، قلت إني أجد قوة حتى قال: فاقرأه في سبع) أي ما نزل منه إذ ذاك وما سينزل وسقط لفظ حتى لأبوي ذر والوقت (لا تزد على ذلك) وليس النهي للتحريم كما أن الأمر في جميع ما مرّ في الحديث ليس للوجوب خلافًا لبعض الظاهرية حيث قال بحرمة قراءته في أقل من ثلاث، وأكثر العلماء كما قاله النووي على عدم التقدير في ذلك وإنما هو بحسب النشاط والقوّة فمن كان يظهر له بدقيق الفكر للطائف والمعارف، فليقتصر على قدر يحصل له معه كمال فهم ما يقرؤه ومن اشتغل بشيء من مهمات المسلمين كنشر العلم وفصل الخصومات، فليقتصر على قدر لا يمنعه من ذلك ولا يخل بما هو مترصد له ومن لم يكن من هؤلاء فليستكثر

35 - باب البكاء عند قراءة القرآن

ما أمكنه من غير خروج إلى حدّ الملال أو الهذرمة، وقد كان بعضهم يختم في اليوم والليلة، وبعضهم ثلاثًا. وكان ابن الكاتب الصوفي يختم أربعًا بالنهار وأربعًا بالليل انتهى. وقد رأيت بالقدس الشريف في سنة سبع وستين وثمانمائة رجلًا يكنى بأبي الطاهر من أصحاب الشيخ شهاب الذين بن رسلان ذكر لي أنه كان يقرأ في اليوم والليلة خمس عشرة ختمة. وثبتني في ذلك في هذا الزمن شيخ الإسلام البرهان ابن أبي شريف المقدسي نفع الله بعلومه، وأما الذين ختموا القرآن في ركعة فلا يحصون كثرة منهم: عثمان وتميم الداري وسعيد بن جبير، وأخبرني غير واحد من الثقات عن صاحبنا الفقيه رضي البكري أنه كان أيضًا يقرؤه في ركعة واحدة والله تعالى يهب ما يشاء لمن يشاء. 35 - باب الْبُكَاءِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ (باب البكاء عند قراءة القرآن). 5055 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ يَحْيَى: بَعْضُ الْحَدِيثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا صدقة) بن الفضل قال: (أخبرنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري (عن سليمان) الأعمش (عن إبراهيم) النخعي (عن عبيدة) السلماني (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (قال يحيى) القطان: (بعض الحديث عن عمرو بن مرة) قال ابن مسعود (قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 0000 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ الأَعْمَشُ وَبَعْضُ الْحَدِيثِ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَعَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْرَأْ عَلَيَّ». قَالَ: قُلْتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: «إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي». قَالَ: فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} قَالَ لِي: «كُفَّ أَوْ أَمْسِكْ» فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد واللفظ له (عن يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري (عن الأعمش عن إبراهيم) النخعي (عن عبيدة) السلماني (عن عبد الله) بن مسعود (قال الأعمش) أيضًا: (وبعض الحديث) بالواو (حدّثني) بالإفراد (عمرو بن مرة عن إبراهيم) النخعي فيكون الأعمش سمع الحديث المذكور من إبراهيم النخعي وبعضه من عمرو بن مرة عن إبراهيم (عن) ولأبي ذر وعن (أبيه) بواو العطف عن الأعمش والضمير لأبي سفيان واسم أبيه سعيد بن مسروق الثوري فيكون سفيان روى الحديث عن الأعمش وعن أبيه سعيد (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود لكن رواية أبي الضحى عن ابن مسعود منقطعة لأنه لم يدركه (قال: قال) لي (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اقرأ عليّ. قال) ابن مسعود: (قلت) يا رسول الله (آقرأ عليك وعليك أُنزل)؟ بضم الهمزة (قال) عليه الصلاة والسلام (إني أشتهي أن أسمعه من غيري. قال: فقرأت النساء حتى إذا بلغت {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد}) يشهد عليهم ({وجئنا بك على هؤلاء}) أي أمتك ({شهيدًا}) [النساء: 40] (قال لي: كف) أي عن القراءة (أو أمسك) بالشك من الراوي (فرأيت عينيه تدرفان) بالذال المعجمة والفاء يقال ذرفت العين تذرف إذا جرى دمعها. وأخرج ابن المبارك في الزهد من مرسل سعيد بن المسيب قال: ليس من يوم إلا تعرض على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم وبكاؤه عليه الصلاة والسلام رحمة لأمته لأنه علم أنه لا بدّ أن يشهد عليهم بعملهم وعملهم قد لا يكون مستقيمًا فقد يفضي إلى تعذيبهم. وقال في فتوح الغيب عن الزمخشري: إن هذا كان بكاء فرح لا بكاء جزع لأنه تعالى جعل أمته شهداء على سائر الأمم وقال الشاعر: طفح السرور عليّ حتى أنه ... من فرط ما قد سرني أبكاني 5056 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «اقْرَأْ عَلَيَّ». قُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: «إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي». وبه قال: (حدّثنا قيس بن حفص) البصري الدارمي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (عن إبراهيم) النخعي (عن عبيدة السلماني) بفتح اللام (عن عبد الله) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر زيادة ابن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اقرأ عليّ. قلت: آقرأ عليك) بالاستفهام (وعليك أنزل قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إني أحب أن أسمعه من غيري) قال ابن بطال: يحتمل أن يكون أحب أن يسمعه من غيره ليكون عرض القرآن سُنّة، ويحتمل أن يكون لكي يتدبره ويتفهمه لأن المستمع أقوى على التدبر من القارئ لاشتغاله بالقراءة وأحكامها. 36 - باب مَنْ رَايَا بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ تَأَكَّلَ بِهِ أَوْ فَخَرَ بِهِ (باب من رايا) بألف فتحتية، ولأبي ذر باب: إثم من رائا بهمزة ممدودة بدل التحتية (بقراءة القرآن أو تأكل) بتشديد الكاف أي طلب الأكل (به أو فخر به) بالخاء المعجمة في الفرع وفي

الفتح كنسخة آل ملك فجر بالجيم للأكثر. 5057 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ عَلِيٌّ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي البصري أخو سليمان بن كثير قال (أخبرنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (عن خيثمة) بفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية وفتح المثلثة والميم ابن عبد الرحمن الكوفي (عن سويد بن غفلة) بفتح الغين المعجمة والفاء واللام أنه (قال: قال علي) -رضي الله عنه- (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يأتي في آخر الزمان قوم حدثاه الأسنان) صغارها (سفهاء الأحلام) أي ضعفاء العقول (يقولون من خير قول البرية) أي من قول خير البرية -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو من المقلوب أو المراد من قول الله ليناسب الترجمة قال في شرح المشكاة وهو أولى لأن يقولون هنا بمعنى يتحدثون أو يأخذون أي يأخذون من خير ما يتكلم به قال وينصره ما روي في شرح السُّنَّة وكان ابن عمر يرى الخوارج شرار خلق الله تعالى وقال إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين وما ورد في حديث أبي سعيد يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء (يمرقون) يخرجون (من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) بكسر الميم وتشديد التحتية فعيلة بمعنى مفعولة أي الصيد المرمى يريد أن دخولهم في الإسلام ثم خروجهم منه ولم يتمسكوا منه بشيء كالسهم الذي دخل في الرمية ثم يخرج منها ولم يعلق به شيء منها (لا يجاوز إيمانهم حناجرهم) جمع حنجرة وهي الحلقوم رأس الغلصمة حيث تراه ناتئًا من خارج الحلق أي أن الإيمان لم يرسخ في قلوبهم لأن ما وقف عند الحلقوم فلم يتجاوزه لم يصل إلى القلب وفي حديث حذيفة لا يجاوز تراقيهم ولا تعيه قلوبهم (فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة) ظرف للأجر لا للقتل. قال الخطابي: أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج على ضلالتهم فرقة من فرق المسلمين وأجازوا مناكحتهم وأكل ذبائحهم وقبول شهادتهم، وسئل علي -رضي الله عنه- عنهم أكفار هم؟ فقال: من الكفر فرّوا. فقيل: منافقون هم؟ فقال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلًا، وهؤلاء يذكرون الله بكرةً وأصيلًا. قيل: من هم؟ قال: قوم أصابتهم فتنة فعموا وصموا. وقال الكرماني، فإن قلت: من أين دل الحديث على الجزء الثاني من الترجمة وهو التأكل بالقرآن؟ قلت: لا شك أن القراءة إذا لم تكن دله فهي للمراياة والتأكل ونحوهما. وهذا الحديث قد سبق بأتم من هذا في علامات النبوّة بعين هذا الإسناد. 5058 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرَؤونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينَ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلاَ يَرَى شَيْئًا، وَيَنْظُرُ فِي الْقِدْحِ فَلاَ يَرَى شَيْئًا، وَيَنْظُرُ فِي الرِّيشِ فَلاَ يَرَى شَيْئًا، وَيَتَمَارَى فِي الْفُوقِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم) بكسر القاف (مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وعملكم مع عملهم) من عطف العام على الخاص (ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم) أي لا تفقهه قلوبهم ولا ينتفعون بما تلوه منه أو لا تصعد تلاوتهم في جملة الكلم الطيب إلى الله تعالى (يمرقون من الدين) أي الإسلام وبه يتمسك من يكفر الخوارج أو المراد طاعة الإمام فلا حجة فيه لتكفيرهم (كما يمرق السهم من الرمية) شبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه والحال أنه لسرعة خروجه من شدّة قوّة الرامي لا يعلق من جسد الصيد بشيء (ينظر) الرامي (في النصل) الذي هو حديد السهم هل يرى فيه شيئًا من أثر الصيد دمًا أو نحوه (فلا يرى) فيه (شيئًا وينظر في القدح) بكسر القاف السهم قبل أن يراش ويركب سهمه أو ما بين الريش والنصل هل يرى فيه أثرًا (فلا يرى) فيه (شيئًا وينظر في الريش) الذي على السهم (فلا يرى) فيه (شيئًا ويتمارى) بفتح التحتية والفوقية والراء أي يشك الرامي (في الفوق) وهو مدخل الوتر منه هل فيه شيء من أثر الصيد يعني نفذ السهم المرمي بحيث لم يتعلق به شيء ولم يظهر أثره فيه فكذلك قراءتهم لا يحصل لهم منها فائدة. وهذا الحديث

37 - باب اقرؤوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم

قد مر في علامات النبوة أيضًا. 5059 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيَعْمَلُ بِهِ كَالأُتْرُجَّةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَالْمُؤْمِنُ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَيَعْمَلُ بِهِ كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلاَ رِيحَ لَهَا. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ، أَوْ خَبِيثٌ وَرِيحُهَا مُرٌّ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالسين المهملة ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك عن أبي موسى) الأشعري -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كالأترجة) بإدغام النون في الجيم (طعمها طيب وريحها طيب) قال المظهري: فالمؤمن الذي يقرأ القرآن هكذا من حيث الإيمان في قلبه ثابت طيب الباطن ومن حيث إنه يقرأ القرآن ويستريح الناس بصوته ويُثابون بالاستماع إليه ويتعلمون منه مثل الأترجة يستريح الناس بريحها (والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة) بالمثناة الفوقية وسكون الميم ويعمل عطف على لا يقرأ لا على يقرأ (طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل المنافق، الذي يقرأ القرآن كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مرّ أو خبيث) بالك من الراوي (وريحها مرّ) كذا لجميع الرواة هنا. واستشكل من حيث إن المرارة من أوصاف الطعوم فكيف يوصف بها الريح. وأجيب: بأن ريحها لما كان كطعمها استعير له وصف المرارة. وقال الكرماني: المقصود منهما واحد وهو بيان عدم النفع لا له ولا لغيره. اهـ. وفي الحديث فضيلة قارئ القرآن، وأن المقصود من التلاوة العمل كما دل عليه زيادة ويعمل به وهي زيادة مفسرة للمراد من الرواية التي لم يقل فيها ويعمل به. وهذا الحديث سبق في باب فضل القرآن على سائر الكلام. 37 - باب اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ قُلُوبُكُمْ هذا (باب) بالتنوين (اقرؤوا القرآن ما ائتلفت) ما اجتمعت (قلوبكم) ولأبي ذر عليه قلوبكم. 5060 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اقْرَؤوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ». [الحديث 5060 - أطرافه في: 5061، 7364، 7365]. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن أبي عمران) عبد الملك بن حبيب (الجوني) بفنح الجيم وسكون الواو بعدها نون مكسورة (عن جندب بن عبد الله) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (اقرؤوا القرآن ما ائتلفت) ما اجتمعت (قلوبكم) عليه (فإذا اختلفتم) في فهم معانيه (فقوموا) تفرقوا (عنه) لئلا يتمادى بكم الاختلاف إلى الشر، وحمله القاضي عياض على الزمن النبوي خوف نزول ما يسوء. وقال في شرح المشكاة: يعني اقرؤوه على نشاط منكم وخواطركم مجموعة فإذا حصل لكم ملالة وتفرق القلوب فاتركوه فإنه أعظم من أن يقرأهُ أحدٌ من غير حضور القلب يقال قام بالأمر إذا جدّ فيه وداوم عليه وقام عن الأمر إذا تركه وتجاوزه. 5061 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سَلاَّمُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ جُنْدَبٍ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ». تَابَعَهُ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ. وَلَمْ يَرْفَعْهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبَانُ وَقَالَ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ سَمِعْتُ جُنْدَبًا قَوْلَهُ. وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ عُمَرَ قَوْلَهُ، وَجُنْدَبٌ أَصَحُّ وَأَكْثَرُ. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) أي ابن بحر الباهلي البصري قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي) قال: (حدّثنا سلام بن أبي مطيع) بتشديد اللام (عن أبي عمران) عبد الملك (الجوني) بفتح الجيم وسكون الواو (عن جندب) -رضي الله عنه- أنه قال: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم) زاد في هذه الطريق لفظة عليه (فإذا اختلفتم فقوموا عنه) وسقط لأبي الوقت وابن عساكر لفظ عنه، ويحتمل كما في الفتح أن يكون المعنى اقرؤوا والزموا الائتلاف على ما دل عليه وقاد إليه، فإذا وقع الاختلاف أي أو عرض عارض شبهة يقتضي المنازعة الداعية إلى الافتراق فاتركوا القراءة وتمسكوا بالمحكم الموجب للألفة وأعرضوا عن المتشابه المؤدي إلى الفرقة قال، وهو كقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فإذا رأيتم الذين يتبعون المتشابه منه فاحذروهم". وقال ابن الجوزي: كان اختلاف الصحابة يقع في القراءات واللغات فأمروا بالقيام عند الاختلاف لئلا يجحد أحدهم ما يقرؤه الآخر فيكون جاحد لما أنزله الله. (تابعه) أي تابع سلام بن أبي مطيع (الحارث بن عبيد) بضم العين أبو قدامة الأيادي بكسر الهمزة البصري فيما رواه الدارمي (وسعيد بن زيد) أخو حماد بن زيد فيما رواه الحسن بن سفيان في مسنده كلاهما (عن أبي عمران) الجوني (ولم يرفعه) أي الحديث المذكور إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حماد بن سلمة وأبان) بفتع الهمزة وتخفيف الموحدة ابن يزيد العطار.

(وقال غندر) محمد بن جعفر فيما وصله الإسماعيلي (عن شعبة) بن الحجاح (عن أبي عمران) الجوني (سمعت جندبًا قوله) أي من قوله موقوفًا عليه لم يرفعه. (وقال ابن عون) عبد الله الإمام المشهور (عن أبي عمران) الجوني (عن عبد الله بن الصامت عن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (قوله) ولم يرفعه ورواية ابن عون هذه وصلها أبو عبيد عن معاذ عنه والنسائي من وجه آخر عنه (وجندب) روايته (أصح) إسنادًا (وأكثر) طرقًا في هذا الحديث، وأما رواية ابن عون فشاذة لم يتابع عليها. 5062 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ آيَةً سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خِلاَفَهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: «كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ، فَاقْرَآ». أَكْبَرُ عِلْمِي قَالَ: «فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَأَهْلَكَهُمْ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك بن ميسرة) ضد الميمنة (عن النزال بن سبرة) بفتح النون وتشديد الزاي وسبرة بفتح السين المهملة وسكون الموحدة بعدها راء مفتوحة الهلالي التابعي الكبير وقيل له صحبة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (أنه سمع رجلًا) قيل إنه أُبيّ بن كعب (يقرأ آية سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلافها) أي يقرأ خلافها وكان اختلافهما في سورة من آل حم قال ابن مسعود: (فأخذت بيده فانطلقت به إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي فأخبرته بذلك (فقال): (كلاكما محسن) فيما قرأه (فاقرأ) بهمزة ساكنة بصيغة الأمر للواحد في الفرع، وفي نسخة فاقرأ بصيغة الأمر للاثنين وهو الذي في اليونينية قال شعبة: (أكبر علمي) بالموحدة بعد الكاف أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال): أي لا تختلفوا (فإن من كان قبلكم اختلفوا فأهلكهم) أي الله بسبب الاختلاف ولأبي ذر عن المستملي فأهلكوا بضم الهمزة وكسر اللام. قال في الفتح: ووقع عند عبد الله ابن الإمام أحمد في زيادات المسند في هذا الحديث أن الاختلاف كان في عدد آي السورة هل خمس وثلاثون آية أو ست وثلاثون، وهذا الحديث قد مرّ في الأشخاص.

67 - كتاب النكاح

بسم الله الرحمن الرحيم 67 - كتاب النكاح هو لغة الضم والتداخل. وقال المطرّزي والأزهري: هو الوطء حقيقة، ومنه قول الفرزدق: إذا سقى الله قومًا صوب غادية ... فلا سقى الله أرض الكوفة المطرا التاركين على طهر نساءهم ... والناكحين بشطي دجلة البقرا وهو مجاز في العقد لأن العقد فيه ضم، والنكاح هو الضم حقيقة قال: ضممت إلى صدري معطر صدرها ... كما نكحت أُم العلاء صبيها أي: كما ضمت أو لأنه سببه فجازت الاستعارة لذلك، وقال بعضهم: أصله لزوم شيء لشيء، مستعليًا عليه ويكون في المحسوسات، وفي المعاني قالوا: انكح المطر الأرض، ونكح النعاس عينه، ونكحت القمح في الأرض إذا حرثتها وبذرته فيها، ونكحت الحصاة أخفاف الإبل. قال المتنبي: أنكحت صم حصاها خف يعملة ... تغشمرت بي إليك السهل والجبلا يقال: أنكحوا الحصى أخفاف الإبل إذا ساروا، واليعملة الناقة النجيبة المطبوعة على العمل، والتغشمر الأخذ قهرًا. وقال الفراء: العرب تقول نكح المرأة بضم النون بعضها وهو كناية عن الفرج، فإذا قالوا نكحها أرادوا أصاب نكحها. وقال ابن جني: سألت أبا علي الفارسي عن قولهم نكحها؟ فقال: فرقت العرب فرقًا لطيفًا يعرف به موضع العقد من الوطء فإذا قالوا: نكح فلان فلانة أو بنت فلان أو أخته أرادوا تزوّجها وعقد عليها، وإذا قالوا نكح امرأته أو زوجته لم يريدوا إلا المجامعة لأن بذكر المرأة أو الزوجة يستغني عن العقد واختلف أصحابنا في حقيقته على ثلاثة أوجه حكاها القاضي حسين في تعليقه. أصحها أنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء وهو الذي صححه القاضي أبو الطيب وقطع به المتولي وغيره واحتج له بكثرة وروده في الكتاب والسُّنّة للعقد حتى قيل: إنه لم يرد

1 - باب الترغيب في النكاح لقوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء}

في القرآن إلا للعقد ولا يرد مثل قوله حتى تنكح زوجًا غيره لأن شرط الوطء في التحليل إنما ثبت بالسُّنَّة وإلاّ فالعقد لا بدّ منه لأن قوله تعالى: {حتى تنكح} [البقرة: 230] معناه حتى تتزوج أي يعقد عليها ومفهومه أن ذلك كافٍ بمجرده لكن ثبتت السُّنَّة أن لا عبرة بمفهوم الغاية بل لا بدّ بعد العقد من ذوق العسيلة. قال ابن فارس: لم يرد النكاح في القرآن إلا للتزويج إلا قوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح} [النساء: 6] فإن المراد به الحلم. والثاني: أنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد وهو مذهب الحنفية. والثاني: أنه حقيقة فيهما بالاشتراك ويتعين المقصود بالقرينة كما مرّ عن أبي علي، وذكر ابن القطاع للنكاح أكثر من ألف اسم وفوائده كثيرة منها: أنه سبب لوجود النوع الإنساني، ومنها قضاء الوطر بنيل اللذة والتمتع بالنعمة وهذه هي الفائدة التي في الجنة إذ لا تناسل فيها، ومنها غض البصر وكفّ النفس عن الحرام إلى غير ذلك. 1 - باب التَّرْغِيبُ فِي النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (بسم الله الرحمن الرحيم) كذا للنسفي تقديم البسملة، وعند رواة الفربري تأخيرها ولأبي ذر سقوطها (باب الترغيب) ولأبي ذر: باب الترغيب (في النكاح لقوله تعالى): ولأبي ذر لقول الله عز وجل: ({فانكحوا ما طاب لكم من النساء}) [النساء: 6] زاد أبو الوقت والأصيلي الآية، والأمر يقتضي الطلب وأقل درجاته الندب فثبت الترغيب وقول داود وأتباعه من أهل الظاهر أنه فرض عين على القادر على الوطء والإنفاق تمسكًا بالآية. وقوله عليه الصلاة والسلام لعكاف بن وداعة الهلالي: "ألك زوجة يا عكاف" قال: لا. قال: "ولا جارية" قال: لا. قال: "وأنت صحيح موسر" قال: نعم والحمد لله. قال: "فأنت إذًا من إخوان الشياطين إما أن تكون من رهبان النصارى فأنت منهم وإما أن تكون منا فاصنع كما نصنع فإن من سُنّتنا النكاح شراركم عزابكم وأراذل أمواتكم عزّابكم. ويحك يا عكاف تزوّج" فقال عكاف: يا رسول الله لا أتزوّج حتى تزوّجني مَن شئت. قال: فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فقد زوّجتك على اسم الله والبركة كريمة كلثوم الحميري". رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده من طريق بقية فهو إيجاب على معين فيجوز أن يكون سبب الوجوب تحقق في حقه، والآية لم تسق إلا لبيان العدد المحلل على ما عرف في الأصول. 5063 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير المدني قال: (أخبرنا) ولأبي الوقت: أخبرني بالإفراد (حميد بن أبي حميد الطويل) اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال (أنه سمع أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: جاء ثلاثة رهط) اسم جمع لا واحد له من لفظه، والثلاثة علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعثمان بن مظعون كما في مرسل سعيد بن المسيب عند عبد الرزاق (إلى بيوت أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسألون عن عبادة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما أخبروا) بضم الهمزة وكسر الموحدة مبنيًّا للمفعول بذلك (كأنهم تقالوها)، بتشديد اللام المضمومة عدّوها قليلة (فقالوا: وأين نحن من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قد غفر له) بضم الغين ولابن عساكر وأبوي الوقت وذر عن المستملي قد غفر الله له (ما تقدّم من ذنبه وما تأخر. قال) ولأبوي الوقت وذر فقال (أحدهم: أما) بفتح الهمزة وتشديد الميم للتفضيل (أنا فإني) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني: فأنا (أصلي الليل أبدًا) قيد لليل لا لقوله أصلي (وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر). بالنهار سوى العيدين وأيام التشريق ولذا لم يقيده بالتأبيد (وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد الأربعة لفظ إليهم (فقال) لهم: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا. أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم حرف تنبيه (والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له)، قال في الفتح: فيه إشارة إلى ردّ ما بنوا عليه أمرهم من أن المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة بخلاف غيره فأعلمهم أنه مع كونه لا يبالغ في التشديد في العبادة أخشى لله وأتقى من الذين يشدّدون، وإنما كان كذلك لأن المشدّد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره

وخير العمل ما داوم عليه صاحبه انتهى. فالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن أعطي قوى الخلق في العبادات لكن قصده التشريع وتعليم أمته الطريق التي لا يمل بها صاحبها. وقال ابن المنير: إن هؤلاء بنوا على أن الخوف الباعث على العبادة ينحصر في خوف العقوبة فلما علموا أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مغفور له ظنوا أن لا خوف وحملوا قلة العبادة على ذلك، فردّ عليه الصلاة والسلام عليهم ذلك وبيّن أن لا خوف الإجلال أعظم من الإكثار المحقق الانقطاع لأن الدائم وإن قل أكثر من الكثير إذا انقطع وفيه دليل على صحة مذهب القاضي حيث قال: لو أوجب الله شيئًا لوجب وإن لم يتوعد بعقوبة على تركه وهو مقام الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التعبد على الشكر وعلى الإجلال لا على خوف العقوبة فإنه منه في عصمة. (لكني) استدراك من محذوف دلّ عليه السياق تقريره أنا وأنتم بالنسبة إلى العبودية سواء لكن أنا (أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوّج النساء فمن رغب) أعرض (عن سُنّتي) طريقتي وتركها (فليس مني) إذا كان غير معتقد لها والسُّنَّة مفرد مضاف يعم على الأرجح فيشمل الشهادتين وسائر أركان الإسلام فيكون المعرض عن ذلك مرتدًّا وكذا إن كان الإعراض تنطعًا يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله، وأما إن كان ذلك بضرب من التأويل كالورع لقيام شبهة في ذلك الوقت أو عجزًا عن القيام بذلك أو لمقصود صحيح فيعذر صاحبه. وفيه الترغيب في النكاح، وقد اختلف هل هو من العبادات أو المباحات فقال الحنفية: هو سُنّة مؤكدة على الأصح. وقال الشافعية: من المباحات. قال القمولي في شرح الوسيط المسمى بالبحر في باب النكاح فرع نص الإمام على أن النكاح من الشهوات لا من القربات. وإليه أشار الشافعي في الأم حيث قال: قال الله تعالى: {زين للناس حبِّ الشهوات من النساء} [آل عمران: 14] وقال عليه الصلاة والسلام: "حبب إليَّ من دنياكم الطيب، والنساء"، وابتغاء النسل به، أمر مظنون ثم لا يدري أصالح أم طالح انتهى. وقال النووي: إن قصد به طاعة كاتباع السُّنّة أو تحصيل ولد صالح أو عفة فرجه أو عينه فهو من أعمال الآخرة يُثاب عليه وهو للتائق أي المحتاج له ولو خصيًا القادر على مؤونة أفضل من التخلي للعبادة تحصينًا للدين ولما فيه من إبقاء النسل والعاجز عن مؤونة يصوم والقادر غير التائق إن تخلى للعبادة فهو أفضل من النكاح وإلا فالنكاح أفضل له من تركه لئلا تُفضي به البطالة الى الفواحش انتهى. وقد تعقب الشيخ كمال الدين بن الهمام قولهم التخلي للعبادة أفضل فقال: حقيقة أفضل تنفي كونه مباحًا إذ لا فضل في المباح والحق أنه إن اقترن بنيّة كان ذا فضل والتجرّد عند الشافعي أفضل لقوله تعالى: {وسيدًا وحصورًا} [آل عمران: 39] مدح يحيى عليه السلام بعدم إتيان النساء مع القدرة عليه لأن هذا معنى الحصور وحينئذٍ فإذا استدل عليه بمثل قوله عليه الصلاة والسلام: "أربع من سنن المرسلين. الحياء، والتعطر، والسواك، والنكاح" رواه الترمذي وقال حسن غريب. فله أن يقول في الجواب لا أنكر الفضيلة مع حسن النيّة، وإنما أقول التخلي للعبادة أفضل فالأولى في جوابه التمسك بحاله عليه الصلاة والسلام في نفسه ورده على من أراد من أمته التخلي للعبادة فإنه صريح في عين المتنازع فيه يعني حديث هذا الباب، فإنه عليه الصلاة والسلام رد هذا الحال ردًّا مؤكدًا حتى تبرأ منه، وبالجملة فالأفضلية في الاتباع لا فيما تخيل النفس أنه أفضل نظرًا إلى ظاهر عبادة أو توجه ولم يكن الله عز وجل يرضى لأشرف أنبيائه إلا بأشرف الأحوال وكان حاله إلى الوفاة النكاح فيستحيل أن يقرّه على ترك الأفضل مدة حياته، وحال يحيى عليه السلام كان أفضل في تلك الشريعة، وقد نسخت الرهبانية في ملتنا ولو تعارضا قدم التمسك بحال نبينا عليه الصلاة والسلام، ومن تأمل ما يشتمل عليه النكاح من تهذيب الأخلاق وتربية الولد والقيام بمصالح المسلم العاجز عن القيام بها وإعفاف المحرم ونفسه ودفع الفتنة عنه وعنهنّ إلى غير ذلك من الفرائض

2 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من استطاع منكم الباءة فليتزوج. لأنه أغض للبصر وأحصن للفرج». وهل يتزوج من لا أرب له في النكاح؟

الكثيرة لم يكد يقف عن الجزم بأنه أفضل من التخلي بخلاف ما إذا عارضه خوف جور إذ الكلام ليس فيه بل في الاعتدال مع أداء الفرائض والسُّنن، وذكرنا أنه إذا لم تقترن به نيّة كان مباحًا لأن المقصود منه حينئذ مجرّد قضاء الشهوة ومبنى العبادة على خلافه ثم قال: وأقول بل فيه فضل من جهة أنه كان متمكّنًا من قضائها بغير الطريق المشروع فالعدول إليه مع ما يعلمه من أنه قد يستلزم أثقالًا فيه قصد ترك المعصية وعليه يُثاب انتهى. 5064 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لاَ تَعُولُوا} قَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي، الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ صَدَاقِهَا، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فَيُكْمِلُوا الصَّدَاقَ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ. وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني كما جزم به المزي كأبي مسعود أنه (سمع حسان بن إبراهيم) الكرماني العنزي قاضي كرمان (عن يونس بن يزيد) الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير بن العوّام (أنه سأل عائشة) -رضي الله عنها- (عن قوله تعالى: {وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا}) [النساء: 3] أقرب من أن لا تميلوا من قولهم عال الميزان عولًا (قالت) عائشة: (يا ابن أختي) أسماء هي (اليتيمة) التي مات أبوها (تكون في حجر وليها)، القائم بأمورها (فيرغب في مالها وجمالها يريد أن يتزوّجها بأدنى) بأقل (من سنة صداقها) من مهر مثلها (فنهوا) بضم النون والهاء (أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن فيكملوا الصداق) على عادتهن في ذلك (وأمروا) بالواو (بنكاح من سواهن) أي سوى اليتامى (من النساء). وهذا الحديث قد سبق في تفسير سورة النساء. 2 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ. لأَنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ». وَهَلْ يَتَزَوَّجُ مَنْ لاَ أَرَبَ لَهُ فِي النِّكَاحِ؟ (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من استطاع منكم الباءة) بالموحدة والهمزة المفتوحتين وتاء التأنيث ممدودًا وقد لا يهمز ولا يمد وقد يهمز ويمد من غير هاء (فليتزوّج لأنه) أي التزوّج ولأبوي الوقت وذر عن المستملي والكشميهني: فإنه بالفاء بدل اللام وهو لفظ الحديث (أغض للبصر) بالغين والضاد المعجمتين (وأحصن للفرج) بالحاء والصاد المهملتين (وهل يتزوج من لا أرب له) بفتح الهمزة والراء والموحدة أي من لا حاجة له (في النكاح)؟ أم لا. 5065 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَقِيَهُ عُثْمَانُ بِمِنًى فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَخَلَيَا، فَقَالَ عُثْمَانُ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي أَنْ نُزَوِّجَكَ بِكْرًا تُذَكِّرُكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ؟ فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى هَذَا أَشَارَ إِلَيَّ فَقَالَ: يَا عَلْقَمَةُ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهْوَ يَقُولُ: أَمَالَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (قال حدّثني) بالإفراد (إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس أنه (قال: كنت مع عبد الله) بن مسعود (فلقيه عثمان بمنى فقال) عثمان له: (يا أبا عبد الرحمن) وهي كنية ابن مسعود (إن لي إليك حاجة فخليا)، بالياء وللأصيلي كما في الفتح واليونينية فخلوا بالواو بدل الياء كدعوا وصوّبها ابن التين لأنه واوي يعني من الخلوة أي دخلا في موضع خالٍ (فقال عثمان) له: (هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نزوّجك بكرًا تذكّرك ما كنت تعهد) من نشاطك وقوّة شبابك (فلما رأى عبد الله) بن مسعود (أن ليس له) لنفسه (حاجة إلى هذا) الذي ذكره عثمان من التزويج، ولأبوي ذر والوقت عن الحموي والمستملي: أو ليس له أي لعثمان حاجة إلا هذا بتشديد اللام بدل إلى الجارّة أي الترغيب في النكاح (أشار إليّ فقال: يا علقمة فانتهيت إليه وهو) أي والحال أن ابن مسعود (يقول: أما) بالتخفيف (لئن قلت ذلك لقد قال لنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا معشر الشباب) جمع شاب وهو من بلغ إلى أن يكمل ثلاثين عند الشافعية. وفي الجواهر لابن شاس من المالكية إلى أربعين أي يا طائفة الشباب (من استطاع منكم الباءة) أي الجماع فهو محمول على المعني الأعم بقدرته على مؤن النكاح (فليتزوّج) جواب الشرط وعند النسائي من طريق أبي معشر عن إبراهيم النخعي من كان ذا طول فلينكح (ومن لم يستطع) أي الجماع لعجزه عن مؤنه (فعليه بالصوم). قال أبو عبيد: فعليه بالصوم إغراء لغائب ولا تكاد العرب تغري إلا لشاهد تقول عليك زيدًا ولا تقول عليه زيدًا. وأجيب: بأن الخطاب للحاضرين الذين خاطبهم أولًا بقوله "فمن استطاع منكم" فالهاء في فعليه ليست لغائب بل هي للحاضر المبهم إذ لا يصح خطابه بالكاف وهذا كما يقول الرجل: من قام الآن

3 - باب من لم يستطع الباءة فليصم

منكم فله درهم فهذه الهاء لمن قام من الحاضرين لا لغائب (فإنه) أي الصوم (له وِجاء) بكسر الواو وبالجيم ممدودًا. وقيل بفتح الواو مع القصر بوزن عصا أي التعب والجفاء وذلك بعيد إلا أن يراد فيه معنى الفتور لأنه من وجى إذا فتر عن المشي، فشبه الصوم في باب النكاح بالتعب في باب المشي أي قاطع لشهوته، وأصله رض الأُنثيين لتذهب شهوة الجماع، وإطلاق الصوم على الوجاء من مجاز المشابهة لأن الوجاء قطع الفعل وقطع الشهوة إعدام له أيضًا وخص الشباب بالخطاب لأنهم مظنة قوّة الشهوة غالبًا بخلاف الشيوخ وإن كان المعنى معتبرًا إذا وجد السبب في الكهول والشيوخ أيضًا. واستدلّ بالحديث على أن من لم يستطع الجماع فالمطلوب منه ترك التزويج لأنه أرشده إلى ما ينافيه ويضعف دواعيه، والأمر في قوله فليتزوج وفي قوله فانكحوا وإن كان ظاهرهما الوجوب إلا أن المراد بهما الإباحة. قال في الأم بعد أن قال: قال الله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم} إلى قوله: {يغنهم الله من فضله} [النور: 32] الأمر في الكتاب والسُّنّة يحتمل معاني. أحدها: أن يكون الله حرم شيئًا ثم أباحه فكان أمره إحلال ما حرم. كقوله تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 2] وكقوله: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} [الجمعة: 10] الآية. وذلك أنه حرم الصيد على المحرم ونهى عن البيع عند النداء ثم أباحهما في وقت غير الذي حرمهما فيه كقوله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} إلى {مريئًا} [النساء: 4]. وقوله: {فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا} [الحج: 36] قال: وأشباه ذلك كثير في كتاب الله وسُنّة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس حتمًا أن يصطادوا وإذا حلّوا لا ينتشروا لطلب التجارة إذا صلوا ولا يأكل من صداق امرأته إذا طابت به عنه نفسًا ولا يأكل من بدنته إذا نحرها. قال: ويحتمل أن يكون دلّهم على ما فيه رشدهم بالنكاح كقوله: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} [النور: 32] يدل على ما فيه سبب الغنى والنكاح. كقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "سافروا تصحّوا" انتهى. وقد قسم بعضهم النكاح إلى الأحكام الخمسة: الوجوب، والندب، والتحريم، والإباحة، والكراهة. فالوجوب: فيما إذا خاف العنت وقدر على النكاح إلا أنه لا يتعين واجبًا بل إما هو وإما التسرّي فإن تعذر التسرّي تعيّن النكاح حينئذٍ للوجوب لا لأصل الشريعة والندب لتائق يجد أهبته. والكراهة لعنين وممسوح وزمن ولو كانوا واجدين مؤنه وعاجز عن مؤنه غير تائق له لانتفاء حاجتهم إليه مع التزام العاجز ما لا يقدر عليه وخطر القيام به فيمن عداه والتحريم إما أن يكون لعينه كالسبع المذكورات في قوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} [النساء: 23] أو غير ذلك مما هو مذكور في محله. 3 - باب مَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْبَاءَةَ فَلْيَصُمْ (باب من لم يستطع الباءة فليصم). 5066 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَبَابًا لاَ نَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: (حدّثنا أبي) قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثني) بالإفراد (عمارة) بضم العين وتخفيف الميم ابن عمير التيمي الكوفي (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي أنه (قال: دخلت مع علقمة) أي عمه (والأسود) بن يزيد أي أخيه (على عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (فقال عبد الله) بن مسعود: (كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شبابًا لا نجد شيئًا فقال لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا معشر الشباب) أي يا طائفة الشباب (من استطاع) استفعل من الطاعة أصله استطوع استثقلت الحركة على الواو فنقلت إلى الساكن قبلها ثم قلبت الواو ألفًا أي أطاق (الباءة) المراد به هنا المعنى اللغوي وهو الجماع مأخوذ من المباءة وهي المنزل لأن من تزوج امرأة بوّأها منزلًا وإنما تتحقق قدرته بالقدرة على مؤنه ففيه حذف مضاف أي من استطاع منكم أسباب النكاح ومؤنه (فليتزوج). وقيل: المراد بها نفس مؤن النكاح سميت باسم ما يلازمها ولا بدّ من أحد التأويلين لأن قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ومن لم يستطع) عطف على قوله (من استطاع) ولو حمل الباءة على الجماع لم يستقم قوله بعد: فإن الصوم له وجاء لأنه لا يقال للعاجز هذا، وإنما

4 - باب كثرة النساء

يستقيم إذا قيل: أيها القادر المتمكن من الشهوة إن حصلت لك مؤن النكاح فتزوّج وإلاّ فصم ولذا خصّ الشباب (فإنه) أي التزوّج (أغض للبصر) لأن بعد حصول التزويج يضعف فيكون أغض وأحصن مما لم يكن لأن وقوع الفعل مع ضعف الداعي أندر من وقوعه مع وجود الداعي وهو أفعل تفضيل بمعنى غاض أو التفضيل على بابه من غض طرفه إذا خفضه وأغمضه وكل شيء كففته فقد غضضته والمراد بالبصر هنا الطرف المشتمل عليه لأنه الذي يضاف إليه الغض حقيقة وللنسائي فإنه أغض للطرف فصرح به (وأحصن) أي أعف (للفرج)، ولم يرد به أفعل التفضيل لأنه لا يكون من رباعي كما نبه عليه ابن فرحون واللام في للبصر وللفرج للتعدية كما قرروه في أفعل التعجب نحو: ما أضرب زيدًا لعمرو ولا فرق بين البابين قاله في العدّة ولم يقل في الرواية السابقة فإنه إلى آخره وهي ثابتة عند جميع من أخرج الحديث من طرق الأعمش بهذا الإسناد. قال في الفتح: ويغلب على ظني أن حذفها من قبل حفص بن غياث شيخ البخاري وإنما آثر البخاري روايته على رواية غيره لوقوع التصريح فيها من الأعمش بالتحديث فاغتفر له اختصار المتن لهذه المصلحة انتهى. (ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ذهب ابن عصفور إلى أن الباء زائدة في المبتدأ والتقدير فعليه الصوم وضعف باقتضائه حينئذٍ الوجوب لأن ذلك ظاهر في هذه الصيغة ولا قائل به (فإنه) أي الصوم (له وِجاء). وعند ابن حبان زيادة وهي: وهو الإخصاء وهي مدرجة لم تقع إلا في طريق زيد بن أبي أنيسة وفي تفسير الوِجاء بالإخصاء نظر لأن الوِجاء كما مر رضّ الأُنثيين والإخصاء سلّهما فيحمل على المجاز والمسامحة لتقاربهما في المعنى. 4 - باب كَثْرَةِ النِّسَاءِ (باب كثرة النساء) لمن قدر على العدل بينهن. 5067 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: حَضَرْنَا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ جَنَازَةَ مَيْمُونَةَ بِسَرِفَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ زَوْجَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلاَ تُزَعْزِعُوهَا وَلاَ تُزَلْزِلُوهَا وَارْفُقُوا، فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِسْعٌ كَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ وَلاَ يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) الفراء الصغير قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) أبو عبد الرحمن قاضي صنعاء (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (قال: حضرنا مع ابن عباس) -رضي الله عنهما- (جنازة ميمونة) أم المؤمنين بنت الحارث الهلالية (بسرف) بفتح السين وكسر الراء المهملتين بعدها فاء موضع بينه وبين مكة اثنا عشر ميلًا وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنى بها فيه وعند ابن سعد بإسناد صحيح عن يزيد بن الأصم قال: دفنا ميمونة بسرف في الظلة التي بنى بها فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال ابن عباس: هذه زوجة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإذا رفعتم نعشها) بالعين المهملة والشين المعجمة سريرها الذي وضعت عليه وهي ميتة (فلا تزعزعوها) بزايين معجمتين وعينين مهملتين (ولا تزلزلوها) أي لا تحركوها حركة شديدة بل سيروا بها سيرًا وسطًا معتدلًا فإن حرمتها بعد موتها باقية كحرمتها في حياتها وللحموي فلا تزعجوها بدل تزعزعوها (وارفقوا) أي بها (فإنه كان عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عند موته (تسع) من الزوجات في عصمته: سودة بنت زمعة، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وأم حبيبة، وجويرية، وصفية، وميمونة. (كان يقسم لثمان) منهن في المبيت عندهن (ولا يقسم لواحدة) منهن وهي سودة وهبت ليلتها لعائشة. ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، ووجه تعليل ابن عباس الرفق بميمونة بأنه كان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة التنبيه على مكانة ميمونة من وجهين كونها زوجته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنها كانت عنده غير مرغوب عنها لأنها كانت من اللاتي يقسم لهن -رضي الله عنه- وقد كانت سودة آخر أمهات المؤمنين موتًا. وهذا الحديث أخرجه مسلم في النكاح والنسائي فيه وفي عِشرة النساء. 5068 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) الحناط أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة مهران اليشكري البصري (عن قتادة) بن دعامة السدوسي (عن أنس رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يتطوف على نسائه) أي يجامعهن

5 - باب من هاجر أو عمل خيرا لتزويج امرأة فله ما نوى

(في ليلة واحدة وله) يومئذٍ (تسع نسوة) وفي كتاب الغسل وهن إحدى عشرة، لكن قال ابن خزيمة: تفرّد بذلك معاذ بن هشام عن أبيه وجمع ابن حبان في صحيحه بين الروايتين بحمل ذلك على حالتين، واختلف في ريحانة هل كانت زوجة أو سرية وجزم ابن إسحاق بأنها اختارت البقاء في ملكه وهي ماتت قبله عليه الصلاة والسلام؟ فالأكثر على أنها ماتت قبله في سنة عشر، وكذا ماتت زينب بنت خزيمة بعد دخولها عليه بقليل. قال ابن عبد البر: مكثت عنده شهرين أو ثلاثة. قال الحافظ ابن حجر: فعلى هذا لم يجمع عنده من الزوجات أكثر من تسع مع أن سودة وهبت نوبتها لعائشة فرجحت رواية سعيد يعني رواية الباب، لكن تحمل رواية هشام على أنه ضم مارية وريحانة إليهن وأطلق عليهن لفظ نسائه تغليبًا. وبه قال: (قال لي خليفة) بن خياط بن خليفة أبو عمرو العصفري البصري صاحب الطبقات والتاريخ أحد شيوخ المؤلّف (حدّثنا يزيد بن زريع) قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة أن أنسًا حدّثهم عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وغرض المؤلّف بسياقه بيان تصريح قتادة بتحديث أنس له بذلك. 5069 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ رَقَبَةَ، عَنْ طَلْحَةَ الْيَامِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَتَزَوَّجْ فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً. وبه قال: (حدّثنا علي بن الحكم) بفتح الحاء المهملة والكاف (الأنصاري) المروزي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن رقبة) بالراء والقاف والموحدة المفتوحات ابن مصقلة بالميم المفتوحة والصاد المهملة الساكنة والقاف واللام المفتوحتين (عن طلحة) بن مصرف (اليامي) بالتحتية وبعد الألف ميم مخففة (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: قال لي ابن عباس) -رضي الله عنهما-: (هل تزوّجت؟ قلت: لا. قال: فتزوّج فإن خير هذه الأمة) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أكثرها نساء) لأنه كان له تسع نسوة والتقييد بهذه الأمة ليخرج مثل سليمان عليه السلام لأنه كان أكثر نساء. وقيل المعنى خير أمة محمد من كان أكثر نساء من غيره ممن يتساوى معه فيما عدا ذلك من الفضائل. 5 - باب مَنْ هَاجَرَ أَوْ عَمِلَ خَيْرًا لِتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فَلَهُ مَا نَوَى هذا (باب) بالتنوين (من هاجر) إلى دار الإسلام (أو عمل خيرًا) كصلاة أو حج أو صدقة أو هجرة (لتزويج امرأة) قال الكرماني: ليجعلها زوجة نفسه أو التفعيل بمعنى التفعل واللام للتعليل (فله ما نوى). 5070 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْعَمَلُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الله ورسوله فهجرته إلى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة الحجازي قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن محمد بن إبراهيم بن الحارث) التيمي (عن علقمة بن وقاص) الليثي (عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (العمل) صحيح أو صحة العمل (بالنية) بالإفراد فيهما فالعمل مبتدأ أو الخبر الاستقرار الذي يتعلق به حرف الجر فإن قلت: العامل المقدر في المجرور يقتضي النصب وقد قيل إنه الخبر فكيف يكون في محل نصب. وأجيب: بأن الذي في موضع النصب قوله النية لأنه المفعول الذي وصل إليه العامل بواسطة الباء، والذي في موضع الرفع مجموع بالنية لأنه الذي ناب عن الاستقرار، وكذلك القول في كل مبتدأ خبره ظرف أو مجرور نحو قولك: زيد في الدار وزيد عندك ولفظ إنما ساقط هنا والباء في بالنية للإلصاق لأن كل عمل تلصق به نيته أو للسببية بمعنى أنها مقوّمة للعمل فكأنها سبب في إيجاده وسبق مزيد بحث في ذلك أول الكتاب (وإنما لامرئ) رجل أو امرأة (ما نوى) هذه الجملة مؤكدة للسابقة أو مفيدة غير ما أفادته الأولى لأن الأولى نبهت على أن العمل يتبع النية ويصاحبها فترتب الحكم على ذلك، والثانية أفادت أن العامل لا يحصل له إلا ما نواه. وقال ابن عبد السلام: الأولى لبيان ما يعتبر من الأعمال، والثانية لبيان ما يترتب عليها وأفادت أن النية إنما تشترط في العبادات التي لا تتميز بنفسها، وأما ما يتميز بنفسه فإنه ينصرف بصورته إلى ما وضع له كالأذكار والأودعية والتلاوة لأنها لا تتردد بين العبادة والعادة ولا يخفى أن ذلك إنما هو بالنظر إلى أصل الوضع أما ما حدث فيه عرف كالتسبيح لمتعجب فلا ومع ذلك فلو قصد بالذكر القربة إلى الله تعالى لكان

أكثر ثوابًا، ولذا قال في الإحياء: حركة اللسان بالذكر مع الغفلة خير من حركة اللسان بالغيبة بل هو خير من السكوت مطلقًا أي المجرد عن التفكّر. قال: وإنما هو ناقص بالنسبة إلى عمل القلب، (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله) أي إلى طاعة الله أو إلى عبادة الله من مكة إلى المدينة قبل الفتح (فهجرته إلى الله ورسوله) جواب الشرط وجواب الشرط إذا كان جملة اسمية فلا بد من الفاء أو وإذا قوله تعالى: {وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون} [الروم: 36] والفاء في جواب الشرط للسببية أو التعقيب وظاهره اتحاد الشرط مع الجزاء والقاعدة اختلافهما نحو من أطاع الله أثيب ومن عصاه عوقب واتحادهما غير مفيد لأنه من تحصيل الحاصل وأجاب ابن دقيق العيد بأن التقدير فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نيّةً وقصدًا فهجرته إلى الله ورسوله ثوابًا وأجْرًا حكمًا وشرعًا. قال ابن مالك: من ذلك قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث حذيفة: ولو مت مت على غير الفطرة وجاز ذلك لتوقف الفائدة على الفضلة ومنه قوله تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} [الإسراء: 7] فلولا قوله في الأول على غير الفطرة وفي الثاني لأنفسكم ما صح ولم يكن في الكلام فائدة. قال في العدّة: وإعراب قصد أو نيّة يصح أن يكون خبر كان أي ذات قصد وذات نية وتتعلق إلى بالمصدر ويصح أن يكون إلى الله الخبر وقصدًا مصدر في موضع الحال وأما قوله ثوابًا فلا يصح فيه إلا الحال من الضمير في الخبر انتهى. وأعاد المجرور ظاهرًا لا مضمرًا لأنه لم يقل فهجرته إليهما ولم يذكره بلفظ الموصول كالذي بعده لقصد الاستلذاذ بذكر الله ورسوله بخلاف الدنيا والمرأة فإن الاحتقار والإبهام فيهما أولى (ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها) يحصلها استعارة من إصابة الغرض والدنيا عند المتكلمين ما على الأرض والهواء والأظهر أنها كل مخلوق من الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدار الآخرة والمراد بها في الحديث المال ونحوه بدليل ذكر المرأة في قوله (أو امرأة ينكحها) وإفرادها بعد دخولها في لفظ دنيا من باب ذكر الخاص بعد العامّ لأن الواقعة المذكورة في قصة المهاجر لتزويج امرأة فذكرت الدنيا مع القصة زيادة في التحذير قالوا: وفيه رد على ابن مالك حيث زعم في شرح عمدته أن عطف الخاص على العام لا يكون إلا بالواو والقصة المذكورة رواها سعيد بن منصور بإسناد صحيح على شرط الشيخين قال: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله هو ابن مسعود قال: من هاجر يبتغي شيئًا فإنما له ذلك. هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فكان يقال له مهاجر أم قيس. وليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك (فهجرته إلى ما هاجر إليه)، من الدنيا والمرأة حكمًا وشرعًا كما مرّ بما فيه من البحث أوّلًا أو الخبر محذوف في الثاني والتقدير فهجرته إلى ما هاجر إليه من الدنيا والمرأة قبيحة غير صحيحة أو غير مقبولة ولا نصيب له في الآخرة، وعورض بأنه يقتضي أن تكون الهجرة مذمومة مطلقًا وليس كذلك فإن من ينوي بهجرته مفارقة دار الكفر وتزوّج المرأة معًا فلا تكون قبيحة ولا غير صحيحة بل هي ناقصة بالنسبة إلى من كانت هجرته خالصة وإنما أشعر السياق بذم من فعل ذلك بالنسبة إلى من طلب المرأة بصورة الهجرة الخالصة فأما من طلبها مضمومة إلى الهجرة فإنه يُثاب لكن دون ثواب من أخلص وكذا من طلب التزويج فقط لا على صورة الهجرة إلى الله لأنه من الأمر المباح الذي قد يُثاب فاعله إذا قصد به القربة كالإعفاف، كما وقع في قصة إسلام أبي طلحة المروية عند النسائي عن أنس قال: تزوّج أبو طلحة أم سليم فكان صداق ما بينهما الإسلام. أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت: إني قد أسلمت فإن أسلمت تزوجتك فأسلم فتزوجته. قال في الفتح: وهو محمول على أنه رغب في الإسلام ودخله من وجهه وضم إلى ذلك إرادة التزويج المباح فصار كمن نوى بصومه العبادة والحمية، وأما إذا نوى العبادة وخالطها شيء مما

6 - باب تزويج المعسر الذي معه القرآن والإسلام. فيه سهل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

يغاير الإخلاص، فقد نقل أبو جعفر بن جرير الطبري عن جمهور السلف أن الاعتبار بالابتداء فإن كان في ابتدائه لله خالصًا لم يضره ما عرض له بعد ذلك من إعجاب وغيره والله أعلم. 6 - باب تَزْوِيجِ الْمُعْسِرِ الَّذِي مَعَهُ الْقُرْآنُ وَالإِسْلاَمُ. فِيهِ سَهْلٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب تزويج المعسر) الذي ليس معه شيء من المال (الذي معه القرآن والإسلام فيه) أي في الباب (سهل) الساعدي الأنصاري ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر سهل بن سعد -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) السابق موصولًا في باب القراءة عن ظهر القلب في قصة الواهبة نفسها وقوله عليه الصلاة والسلام للرجل الذي قال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوّجنيها "اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئًا فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتمًا من حديد، وقوله عليه السلام له: "ماذا معك من القرآن" قال: معي سورة كذا وكذا عدّها قال: "أتقرؤهن عن ظهر قلبك"؟ قال: نعم. قال: "اذهب فقد ملّكتكها بما معك من القرآن". 5071 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَسْتَخْصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الحافظ قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد سعد البجلي الكوفي قال: (حدّثني) بالإفراد (قيس) هو ابن أبي حازم عوف الأحمسي (عن ابن مسعود) عبد الله (رضي الله عنه) أنه (قال: كنا نغزو مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس لنا نساء فقلنا: يا رسول الله ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام (نستخصي) لتزول عنا شهوة الجماع (فنهانا عن ذلك) لما فيه من ضرر النفس وقطع النسل المقصود بالنكاح شرعًا. ومطابقة الحديث للترجمة كما قال ابن المنير: أنه عليه الصلاة والسلام نهاهم عن الاستخصاء ووكّلهم إلى النكاح فلو كان المعسر لا ينكح وهو ممنوع من الاستخصاء لكلف شططًا وكان كلٌّ منهم لا بد وأن يحفظ شيئًا من القرآن فتعين التزويج بما معهم من القرآن فحكم الترجمة من حديث سهل بالتنصيص ومن حديث ابن مسعود بالاستدلال. وهذا الحديث قد سبق في التفسير. 7 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ لأَخِيهِ انْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ شِئْتَ حَتَّى أَنْزِلَ لَكَ عَنْهَا، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ (باب قول الرجل لأخيه انظر أيّ زوجتيّ) بتشديد الياء (شئت حتى أنزل لك عنها) بفتح الهمزة وكسر الزاي أي أطلقها فإذا انقضت عدّتها تزوجها (رواه) أي المذكور في الترجمة (عبد الرحمن بن عوف) كما سبق موصولًا في البيع. 5072 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَآخَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيِّ، وَعِنْدَ الأَنْصَارِيِّ امْرَأَتَانِ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ، فَأَتَى السُّوقَ، فَرَبِحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَشَيْئًا مِنْ سَمْنٍ، فَرَآهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: «مَهْيَمْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ». فَقَالَ: تَزَوَّجْتُ أَنْصَارِيَّةً قَالَ: «فَمَا سُقْتَ»؟ قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي (عن سفيان) الثوري (عن حميد الطويل) أنّه (قال: سمعت أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (قال: قدم عبد الرحمن بن عوف) من مكة إلى المدينة مهاجرًا (فآخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري) بسكون عين سعد (وعند الأنصاري امرأتان فعرض عليه) أي على عبد الرحمن (أن يناصفه أهله وماله فقال) له عبد الرحمن: (بارك الله لك في أهلك ومالك دلوني على السوق فأتى السوق فربح شيئًا من أقط وشيئًا من سمن فرآه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أيام وعليه وضر) بفتح الواو والضاد المعجمة وبالراء لطخ من خلوق (من صفرة فقال) عليه الصلاة والسلام: (مهيم) بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء بعدها ميم ساكنة أي ما حالك وما شأنك (يا عبد الرحمن؟ فقال: تزوجت) يا رسول الله (أنصارية قال: فما سقت) زاد أبو ذر عن المستملي إليها (قال) سقت إليها (وزن نواة من ذهب) خمسة دراهم (قال: أولم ولو بشاة). وهذا الحديث قد مرّ في البيع. 8 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّبَتُّلِ وَالْخِصَاءِ (باب ما يكره من التبتل) بموحدة بين فوقيتين ثانيتهما مشدّدة أي الانقطاع عن النساء وترك التزويج للعبادة (والحصاء) بكسر الخاء المعجمة والمد وهو الشق على الأُنثيين وانتزاعهما. 5073 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاَخْتَصَيْنَا. [الحديث 5073 - أطرافه في: 5074]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) التميمي اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (أخبرنا ابن شهاب) محمد بن مسلم أنه (سمع سعيد بن المسيب يقول: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: ردّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عثمان بن مظعون) بالظاء المعجمة الساكنة (التبتل) أي ردّ عليه اعتقاد مشروعية التبتل كأنه لما رآه عبادة وليس كذلك ردّه عليه لأن كل ما يفعله العبد تقربًا إلى الله تعالى بقصد أن يتوصل به إلى رضا الله ورسوله وليس

من الشرع فهو مردود فردّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما كان من ذلك خارجًا عن شرعه وسنته ولم يأذن له (ولو أذن) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (له) أي لابن مظعون في ترك النكاح (لاختصينا) افتعال من خصيته سللت خصيته فهو خصيّ بفتح أوّله ومخصيّ أي: لفعلنا فعل من يختصي بأن نفعل ما يُزيل الشهوة، وليس المراد إخراج الخصيتين لأنه حرام أو هو على ظاهره وكان قبل النهي عن الاختصاء. قال في الفتح ويؤيده توارد استئذان جماعة من الصحابة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك كأبي هريرة وابن مسعود وغيرهما. قال في شرح المشكاة: وكان من حق الظاهر أن يقال لو أذن له لتبتلنا فعدل إلى قوله اختصينا إرادة للمبالغة أي لو أذن لنا بالغنا في التبتل حتى يفضي بنا الأمر إلى الاختصاء ولم يرد حقيقة الاختصاء لأنه غير جائز. قال في الفتح: وإنما كان التعبير بالخصاء أبلغ من التعبير بالتبتل لأن وجود الآلة يقتضي استمرار وجود الشهوة ووجود الشهوة ينافي المراد من التبتل فيتعين الخصاء طريقًا إلى تحصيل المطلوب وغايته أن فيه ألمًا عظيمًا في العاجل يغتفر في جنب ما يندفع به في الآجل فهو كقطع الأصبع إذا وقعت في اليد المتأكلة صيانة لبقية اليد وليس الهلاك بالخصاء محققًا بل هو نادر. وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة في النكاح. 5074 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: لَقَدْ رَدَّ ذَلِكَ يَعْنِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَلَوْ أَجَازَ لَهُ التَّبَتُّلَ لاَخْتَصَيْنَا. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أنه سمع سعد بن أبي وقاص يقول: لقد ردّ ذلك) أي اعتقاد مشروعية التبتل (يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عثمان بن مظعون) ثبت ابن مظعون لأبي الوقت (ولو أجاز) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (له التبتل لاختصينا) لدفع شهوة النساء ليمكننا التبتل حينئذٍ ولعلهم كانوا يظنون جوازه ولم يكن هذا الظن موافقًا فإن الاختصاء حرام في الآدمي وغيره من الحيوانات إلا المأكول فيجوز في صغره ويحرم في كبره. 5075 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَيْسَ لَنَا شَيْءٌ، فَقُلْنَا: أَلاَ نَسْتَخْصِي فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن إسماعيل) بن أبي خالد البجلي (عن قيس) هو ابن أبي حازم أنه (قال: قال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه-: (كنا نغزو مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليس لنا) من المال (فقلنا) أي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ألا نستخصي) أي ألا نستدعي من يفعل بنا الخصاء أو نعالج ذلك بأنفسنا (فنهانا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن ذلك) نهي تحريم لما فيه من تعذيب النفس والتشويه وإبطال معنى الرجولية وتغيير خلق الله وكفر النعمة لأن خلق الشخص رجلًا من النعم العظيمة، فإذا أزال ذلك فقد تشبه بالمرأة واختار النقص على الكمال. (ثم رخص) عليه الصلاة والسلام (لنا) بعد ذلك (أن ننكح المرأة بالثوب) أي إلى أجل في نكاح المتعة (ثم قرأ علينا) أي عبد الله بن مسعود كما في رواية مسلم وكذا الإسماعيلي في تفسير المائدة ({يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم}) ما طاب ولذّ من الحلال ومعنى لا تحرموا لا تمنعوها أنفسكم كمنع التحريم أو لا تقولوا حرمناها على أنفسنا مبالغة منكم في العزم على تركها تزهدًا منكم وتقشفًا وعن ابن مسعود أن رجلًا قال له: إني حرمت الفراش فتلا هذه الآية. وقال: نم على فراشك وكفر عن يمينك ودعي الحسن إلى طعام ومعه فرقد السبخي وأصحابه فقعدوا على المائدة وعليها ألوان من الدجاج المسمن والفالوذج وغير ذلك فاعتزل فرقد ناحية فسأل الحسن أهو صائم قالوا لا ولكنه يكره هذه الألوان فأقبل الحسن عليه، وقال: يا فريقد أترى لُعاب النحل بلباب البر بخالص السمن يعيبه مسلم ({ولا تعتدوا}) أي لا تتجاوزوا الحدّ الذي حدّ عليكم في تحريم أو تحليل أو ولا تتعدّوا حدود ما أحل لكم إلى ما حرم عليكم ({إن الله لا يحب المعتدين}) [المائدة: 87] حدوده. قال الراغب: لما ذكر تعالى حال الذين قالوا إنا نصارى ذكر أن منهم قسيسين ورهبانًا فمدحهم بذلك، وكانت الرهابنة قد حرموا على أنفسهم طيبات ما أحل الله لهم ورأى الله تعالى قومًا تشوّفوا إلى حالهم

9 - باب نكاح الأبكار وقال ابن أبي مليكة: قال ابن عباس لعائشة: لم ينكح النبي -صلى الله عليه وسلم- بكرا غيرك

وهموا أن يقتدوا بهم نهاهم عن ذلك. فإن قلت: لِمَ لم يقل والله يبغض المعتدين ليكون أبلغ؟ أجيب: بل المذكور أبلغ لأن من المعتدين من لا يوصف بأن الله يبغضه ويوصف بأن الله لا يحبه وهو من لم يكن اعتداؤه كثيرًا. قال في الفتح: وظاهر استشهاد ابن مسعود بهذه الآية هنا يشعر بأنه كان يرى جواز المتعة ويأتي إن شاء الله تعالى البحث، في ذلك بعون الله تعالى. 5076 - وَقَالَ أَصْبَغُ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ، وَأَنَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي الْعَنَتَ، وَلاَ أَجِدُ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ النِّسَاءَ، فَسَكَتَ عَنِّي. ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قُلْتُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاَقٍ، فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ذَرْ». (وقال أصبغ) بن الفرج وراق عبد الله بن وهب فيما وصله جعفر الفريابي في كتاب القدر والجوزقي في الجمع بين الصحيحين (أخبرني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله (عن يونس بن يزيد) الأيلي (عن ابن شهاب) محمد الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قلت يا رسول الله: إني رجل شاب وأنا) ولأبي ذر عن الكشميهني وإني (أخاف على نفسي العنت) بفتح العين المهملة والنون والفوقية أي الزنا (ولا أجد ما أتزوّج به النساء) زاد في رواية حرملة فائذن لي أختصي (فسكت) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عني ثم قلت: مثل ذلك فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك فسكت عني، ثم قلت مثل ذلك فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا أبا هريرة جف القلم بما أنت لاقٍ) أي نفذ المقدور بما كتب في اللوح المحفوظ فبقي القلم الذي كتب به جافًّا لا مداد فيه لفراغ ما كتب به (فاختص) بكسر الصاد المهملة المخففة أمر من الاختصاء (على ذلك) أي فاختص حال استعلائك على العلم بأن كل شيء بقضاء الله وقدره فالجار والمجرور متعلق بمحذوف (أو ذر) أي أترك وفي رواية الطبري فاقتصر بالراء بعد الصاد ومعناه كما في شرح المشكاة اقتصر على الذي أمرتك به أو اتركه وافعل ما ذكر من الخصاء، وعلى الروايتين فليس الأمر فيه لطلب الفعل بل هو للتهديد كقوله تعالى: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: 29]. 9 - باب نِكَاحِ الأَبْكَارِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعَائِشَةَ: لَمْ يَنْكِحِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكْرًا غَيْرَكِ (باب نكاح الأبكار. وقال ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة واسمه زهير الأحول المكي فيما وصله المؤلّف في تفسير سورة النور (قال ابن عباس لعائشة) -رضي الله عنهم-: (لم ينكح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكرًا غيرك) والبكر هي التي لم توطأ. 5077 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ نَزَلْتَ وَادِيًا وَفِيهِ شَجَرَةٌ قَدْ أُكِلَ مِنْهَا، وَوَجَدْتَ شَجَرًا لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا، فِي أَيِّهَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيرَكَ؟ قَالَ: «فِي الَّتي لَمْ يُرْتَعْ مِنْهَا». تَعْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) هو ابن أبي أويس القرشي التيمي ابن أخت الإمام مالك بن أنس وصهره على ابنته (قال: حدّثني) بالإفراد (أخي) عبد الحميد أبو بكر الأعشى (عن سليمان) بن بلال (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني (لو نزلت واديًا وفيه شجرة قد أكل منها) بضم الهمزة وكسر الكاف (ووجدت شجرة لم يؤكل منها) بالإفراد في شجرة في الموضعين. وقال في الفتح: وفي رواية أبي ذر وفيه شجرة قد أكل منها ووجدت شجرًا يعني بالإفراد في الأولى والجمع في الثانية. قلت: وهو الذي في اليونينية من غير عزو لرواية. وذكره الحميدي بلفظ فيه شجر قد أكل منها، وكذا في مستخرج أبي نعيم بلفظ الجمع وهو أصوب لقولها (في أيها) أي في أي الشجر (كنت ترتع بعيرك) بضم أوّله وكسر ثالثه ولو أرادت الموضعين لقالت في أيّهما (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ارتع (في) الشجر (التي لم يرتع منها) بضم التحتية وفتح الفوقية والراء بينهما ساكنة وزاد أبو نعيم فأنا هيه بكسر الهاء وفتح التحتية وسكون الهاء وهي للسكت (يعني) بالتحتية في الفرع وبالفوقية في غيره وهو الذي في اليونينية أي تعني عائشة (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يتزوّج بكرًا غيرها) وهذا فيه غاية بلاغة عائشة وحسن تأنيها في الأمور كما قاله في الفتح، وما أحسن قول الحريري في تفضيل البكر حيث قال: أما البكر فالدرة المخزونة، والبيضة المكنونة، والثمرة الباكورة، والسلافة المدخورة، والروضة الأنف، والطوق الذي ثمن وشرف لم يدنسها لامس، ولا استغشاها لابس ولا مارسها عابث، ولا واكسها طامث، لها الوجه الحييّ والطرف الخفي، والغزالة المغازلة، والملحة الكاملة، والوشاح الطاهر القشيب، والضجيع الذي يشب ولا يشيب. 5078 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ، إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةِ حَرِيرٍ فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَأَكْشِفُهَا فَإِذَا هِيَ أَنْتِ. فَأَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ». وبه قال: (حدّثنا

10 - باب الثيبات وقالت أم حبيبة قال: لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن»

عبيد بن إسماعيل) القرشي الهباري من ولد هبار بن الأسود الكوفي وكان اسمه عبد الله وعبيد لقب غلب عليه وعرف به، قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أريتك) بضم الهمزة وكسر الراء والكاف (في المنام مرتين إذا رجل) ملك في صورة رجل وفي الترمذي أنه جبريل (يحملك) أي صورتك (في سرقة حرير) بفتح السين والراء المهملتين ثم قاف أي قطعة حرير (فيقول: هذه امراتك) زاد ابن حبان في الدنيا والآخرة (فأكشفها) أي السرقة (فإذا هي) أي الصورة التي في السرقة (أنت فأقول: إن يكن هذا) الذي رأيته (من عند الله يمضه) بضم أوله من الإمضاء. فإن قلت: رؤيا الأنبياء وحي فما معنى قوله إن يكن؟ أجيب: باحتمال أن تكون هذه الرؤيا قبل النبوة وبعدها فعلى الأول لا إشكال، وعلى الثاني فلها ثلاثة أوجه أن تكون على ظاهرها فلا تحتاج إلى تعبير فسيمضيها الله تعالى وينجزها أو تحتاج إلى تعبير وتفسير وصرف عن ظاهرها كأن يخرج على مثالها كأختها أو قريبتها أو سميتها فالشك عائد إلى أنها على ظاهرها أو تحتاج إلى تعبير أو المراد إن كانت هذه الزوجية في الدنيا أو في الآخرة أو لم يشك، ولكن أخبر على التحقيق وأتى بصورة الشك وهذا نوع من أنواع البلاغة يسمى مزج الشك باليقين قاله القاضي عياض. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التعبير ومسلم في الفضائل، ونقل في المصابيح عن ابن المنير أن من خصائص عائشة -رضي الله عنها- أنها ولدت مسلمة بإسلام أبيها قبل ولادتها قال: وهذا لازم لأهل السير والتواريخ فيما ينقلونه ولم أر أحدًا انتزعه قبل ذلك والله أعلم. 10 - باب الثَّيِّبَاتِ وَقَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ قَالَ: لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ» (باب الثيبات) اللاتي تزوجن، ولأبي ذر باب تزويج الثيبات (وقالت أم حبيبة) أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان الأموي مما وصله في باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم الآتي إن شاء الله تعالى (قال النبي) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر قال لي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مخاطبًا لأزواجه (لا تعرضن) بفتح التاء وسكون العين المهملة وكسر الراء وسكون الضاد المعجمة مصححًا عليها في الفرع (عليّ بناتكن ولا أخواتكن) لحرمتهن لأنهن ربائبه وهو يحقق أنه عليه الصلاة والسلام تزوج الثيب ذات البنت من غيره، فحصلت المطابقة بين الحديث والترجمة. 5079 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَفَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوَةٍ، فَتَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ، فَانْطَلَقَ بَعِيرِي كَأَجْوَدِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ الإِبِلِ، فَإِذَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: «مَا يُعْجِلُكَ»؟ قُلْتُ: كُنْتُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرُسٍ. قَالَ: «بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا»؟ قُلْتُ: ثَيِّبٌ قَالَ: «فَهَلاَّ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ». قَالَ: فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ قَالَ: «أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا -أَيْ عِشَاءً- لِكَىْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ». وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة قال: (حدّثنا سيار) بفتح السين المهملة وتشديد التحتية ابن أبي سيار واسمه وردان العنزي الواسطي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- أنه (قال: قفلنا) رجعنا (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غزوة) هي غزوة تبوك (فتعجلت على بعير لي قطوف) بفتح القاف أي بطيء (فلحقني راكب من خلفي فنخس بعير بعنزة) عصا طويلة أقصر من الرمح (كانت معه فانطلق بعيري كأجود ما أنت راءٍ من الإبل) بتنوين راء (فإذا) هو (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لي: (ما يعجلك)؟ بضم التحتية وسكون العين وكسر الجيم أي ما سبب إسراعك (قلت: كنت حديث عهد بعرس) بضم العين والراء المهملتين في الفرع كأصله وفي نسخة بسكون الراء أي قريب البناء بامرأة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أتزوجت (بكرًا) ولأبي ذر أبكرًا بإثبات همزة الاستفهام (أم) تزوجت (ثيبًا؟ قلت) هي (ثيب) ولأبي ذر ثيبًا نصب بتقدير تزوجت (قال) عليه الصلاة والسلام: (فهلا) تزوجت (جارية) بكرًا (تلاعبها وتلاعبك) وعند الطبراني من حديث كعب بن عجرة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لرجل فذكر الحديث نحو حديث جابر وفيه تعضها وتعضك، وكلمة هلا للتحضيض (قال) جابر: (فلما ذهبنا) لندخل المدينة (قال) عليه الصلاة والسلام: (أمهلوا) بهمزة

11 - باب تزويج الصغار من الكبار

قطع (حتى تدخلوا ليلًا أي عشاءً) قال الحافظ ابن حجر: وهذا يعارضه الحديث الآخر الآتي قبيل أبواب الطلاق لا يطرق أحدكم أهله ليلًا وهو من طريق الشعبي عن جابر أيضًا ويجمع بينهما بأن الذي في الباب لمن علم خبر مجيئه والعلم بوصوله والآتي لمن قدم بغتة (لكي تمتشط الشعثة) بفتح الشين المعجمة، وكسر العين المهملة، وفتح المثلثة، المنتشرة الشعر المغبرة الرأس الغير المتزينة (وتستحد المغيبة) بضم الميم وكسر الغين المعجمة وسكون التحتية بعدها موحدة أي تستعمل الحديدة وهي الموسى في إزالة الشعر من غاب عها زوجها أي لأن تتهيأ وتتزين لزوجها بامتشاط الشعر وتنظيف البدن. وهذا الحديث قد سبق مطوّلًا ومختصرًا في البيوع والاستقراض والشروط والجهاد. 5080 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَارِبٌ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما يَقُولُ تَزَوَّجْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. «مَا تَزَوَّجْتَ»؟ فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا. فَقَالَ: «مَا لَكَ وَلِلْعَذَارَى وَلِعَابِهَا». فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، فَقَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلاَّ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا محارب) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وبعد الألف راء مكسورة فموحدة ابن دثار بكسر الدال المهملة وفتح المثلثة آخره راء السدوسي (قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عهما يقول تزوّجت فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما تزوّجت؟ فقلت): يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تزوجت ثيبًا. فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ما لك وللعذارى) بالذال المعجمة أي الأبكار (ولعابها) بكسر اللام مصدر من الملاعبة يقال: لاعب لعابًا وملاعبة. قال في الفتح: وفي رواية المستملي ولعابها بضم اللام والمراد به الريق وفيه إشارة إلى مصّ لسانها ورشف شفتها وذلك يقع عند الملاعبة والتقبيل وليس ببعيد كما قاله القرطبي، يؤيده أنه بمعنى آخر غير المعنى الأول وعند ابن ماجة عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواهًا وأنتق أرحامًا بنون وفوقية أي أكثر حركة قال محارب: (فذكرت ذلك) وهو قوله ما لك وللعذارى (لعمرو بن دينار فقال عمرو: وسمعت جابر بن العبد الله يقول: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هلا جارية تلاعبها وتلاعبك) تعليل لتزويج البكر لما في من الإلفة التامة فإن الثيب قد تكون متعلقة القلب بالزوج الأول، فلم تكن محبتها كاملة بخلاف البكر وذكر ابن سعد أن اسم امرأة جابر المذكورة سهلة بنت مسعود بن أوس بن مالك الأنصارية الأوسية وقد كان بين تزويج جابر لهذه المرأة وسؤاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له عن ذلك مدة طويلة. 11 - باب تَزْوِيجِ الصِّغَارِ مِنَ الْكِبَارِ (باب) حكم (تزويج الصغار من الكبار في السن). 5081 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَ عَائِشَةَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا أَنَا أَخُوكَ، فَقَالَ: «أَنْتَ أَخِي فِي دِينِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ، وَهْيَ لِي حَلاَلٌ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يزيد) بن أبي حبيب بفتح المهملة وكسر الموحدة (عن عراك) بكسر العين المهملة وتخفيف الراء ابن مالك الغفاري (عن عروة) بن الزبير (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطب عائشة) فأنهى خطبتها (إلى أبي بكر) -رضي الله عنهما- أو إلى بمعنى من والأول كقوله أحمد إليك الله أي أنهي حمده إليك (فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوك) حصر مخصوص بالنسبة إلى تحريم نكاح بنت الأخ (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (أنت أخي في دين الله وكتابه) أشار إلى نحو قوله تعالى: {إنما المؤمنون أخوة} (وهي) أي عائشة (لي حلال) نكاحها لأن الأخوّة المانعة من ذلك أخوّة النسب والرضاع لا أخوّة الدين. وهذا الحديث صورته صورة المرسل ويحتمل أنه حمله عن خالته عائشة أو عن أمه أسماء بنت أبي بكر. وقال أبو عمر بن عبد البر: إذا علم لقاء الراوي لمن أخبر عنه ولم يكن مدلسًا حمل ذلك على سماعه ممن أخبر عنه ولو لم يأت بصيغة تدل على ذلك. 12 - باب إِلَى مَنْ يَنْكِحُ، وَأَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ وَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَخَيَّرَ لِنُطَفِهِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ هذا (باب) بالتنوين إذا أراد أن يتزوج ينتهي أمره (إلى من ينكح) من النساء بفتح التحتية وكسر الكاف أو بضم ثم فتح أي إلى من يعقد (وأي النساء خير وما يستحب) للرجل (أن يتخير) من النساء (لنطفه من غير إيجاب) في الأنواع الثلاثة. 5082 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ صَالِحُو نِسَاءِ قُرَيْشٍ: أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال: خير نساء ركبن الإبل) إشارة إلى العرب لأنهم الذين يكثر منهم

12 م - باب اتخاذ السراري ومن أعتق جاريته ثم تزوجها

ركوب الإبل والعرب خير من غيرهم مطلقًا فى الجملة فيستفاد منه تفضيل نسائهم مطلقًا على نساء غيرهم مطلقًا (صالحو نساء قريش) أي في الدين وحسن المخالطة للزوج وأصله صالحون فسقطت النون للإضافة ولابن عساكر وأبوي الوقت وذر عن الكشميهني صالح بالإفراد وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي صلح بضم الصاد وتشديد اللام المفتوحة جمع صالح (أحناه) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح النون أكثرهن شفقة (على ولد) نكر الولد إشارة إلى أنها تحنو على أي ولد كان وإن كان ولد زوجها من غيرها ولأبي ذر عن الحموي والمستملي على ولده بإثبات الضمير (في صغره) قال الهروي: والحانية على ولدها هي التي تقوم عليهم في حال يتمهم فلا تتزوج فإن تزوجت فليست بحانية وذكر الضمير في قوله أحناه وصالح وكان القياس أحناهن وصالحة باعتبار اللفظ، أو الجنس، أو الشخص أو الإنسان (وأرعاه على زوج) أي أحفظه وأصون لماله بالأمانة فيه والصيانة له (في ذات يده). أي ماله المضاف له. وفي الحديث فضيلة الحنوّ على الأولاد والشفقة عليهم وحسن تربيتهم والقيام عليهم ومراعاة حق الزوج في ماله والأمانة فيه وتدبيره في النفقة وغيرها وخرج بقوله ركبن الإبل مريم عليها السلام، وقد سبق في أواخر أحاديث الأنبياء في ذكر مريم، قول أبي هريرة: ولم تركب مريم بعيرًا قط، وكأنه أراد إخراج مريم من هذا التفضيل فلا يكون فيه تفضيل نساء قريش عليها. ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة في النوع الأول والثاني، وأما الثالث فبطريق اللزوم لأنه إذا ثبت أن نساء قريش خير النساء فالمتزوّج منهن قد تخير لنطفه. 12 م - باب اتِّخَاذِ السَّرَارِيِّ وَمَنْ أَعْتَقَ جَارِيَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا (باب اتخاذ السراري). جمع سرية بضم السين وتشديد الراء المكسورة وتحتية مشدّدة وهي الأمة المتخذة للوطء واشترط الفقهاء في صدق هذه التسمية حصول الوطء ولو مرة وتظهر فائدة ذلك فيمن جعل بيد زوجته عتق السرية التي يتخذها عليها فإن لم يطأها لم تعتق ولفظ السرية مأخوذ من التسرر وأصله من السر وهو من أسماء الجماع. قال في القاموس: السر بالكسر ما يكتم كالسريرة الجمع أسرار وسرائر والجماع والذكر والنكاح والإفصاح به والزنا وفرج المرأة انتهى. وسميت بذلك لأنها يكتم أمرها عن الزوجة غالبًا وإنما ضمت سينها جريًا على المعتاد من تغيير النسب كما قالوا في النسبة إلى الدهر دهري وإلى السهل سهلي، وعن الأصمعي أنها مشتقة من السرور فيقال: تسررت سرية وتسريت بالياء فالأولى على الأصل والثاني: على البدل ما يقال تظنيت، وروى أبو داود في مراسيله عن الزبير بن سعد الهاشمي عن أشياخه رفعه قال: عليكم بأمهات الأولاد فإنهن مباركات الأرحام. وفي رواية عليكم بالسراري. وفي الكامل لأبي العباس قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: ليس قوم أكيس من أولاد السراري لأنهم يجمعون عز العرب ودهاء العجم يريد إذا كن من العجم (و) ثواب (من أعتق جاريته ثم تزوجها). 5083 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ. وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِي، فَلَهُ أَجْرَانِ. وَأَيُّمَا مَمْلُوكٍ أَدَّى حَقَّ مَوَالِيهِ وَحَقَّ رَبِّهِ، فَلَهُ أَجْرَانِ». قَالَ الشَّعْبِيُّ: خُذْهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، قَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَعْتَقَهَا ثُمَّ أَصْدَقَهَا». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا صالح بن صالح) أي ابن حي (الهمداني) بسكون الميم والدال المهملة المفتوحة قال: (حدّثني) بالإفراد والذي في اليونينية بالجمع (الشعبي) عامر بن شراحيل قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر (عن أبيه) أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أيما رجل كانت عنده وليدة) أي أمة (فعلمها) ما يجب تعليمه من الدين (فأحسن تعليمها وأدبها) لتتخلق بالأخلاق الحميدة (فأحسن تأديبها) برفق ولطف من غير عنف (ثم أعتقها وتزوجها) بعد أن أصدقها (فله أجران) أجر العتق وأجر التزويج (وأيما رجل من أهل الكتاب) التوراة والإنجيل أو الإنجيل فقط على القول بأن النصرانية ناسخة لليهودية حال كونه قد (آمن بنبيه) قال الداودي: يعني كان على دين عيسى، وأما اليهود وكثير من النصارى فليسوا من ذلك لأنه لا يجازى على الكفر بالخير قال

في المصابيح: وهذا ظاهر من الحديث فإن اليهود الذين بقوا على يهوديتهم بعد إرسال عيسى عليه السلام لا يصدق عليهم أنهم آمنوا بنبيهم. قال: فإذن هاتان الطائفتان خارجتان عن معنى الحديث فتأمله (وآمن بي) ولأبي ذر والوقت: وآمن يعني بي (فله أجران وأيما مملوك أدى حق مواليه) بلفظ الجمع ليدخل ما لو كان مشتركًا بين موال والمراد من حقهم خدمتهم (وحق ربه) تعالى كالصلاة والصوم (فله أجران). ومباحث الحديث سبقت في العلم والجهاد. و (قال الشعبي): عامر لرواية صالح بن صالح أو لرجل من خراسان ففي رواية هشيم عن صالح بن صالح المذكور قال رأيت رجلًا من أهل خراسان سأل الشعبي فقال: إن من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرجل إذا أعتق أمته ثم تزوّجها فهو كالراكب بدنته فقال الشعبي: فذكر الحديث إلى أن قال له: (خذها) أي المسألة (بغير شيء) من أجرة بل بثواب التعليم (قد كان الرجل يرحل فيما دونه) أي المذكور ولأبي ذر دونها أي المسألة المذكورة (إلى المدينة) النبوية. (وقال أبو بكر): بسكون الكاف شعبة بن عياش بالتحتية آخره شين معجمة القارئ مما وصله أبو داود الطيالسي في مسنده (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم (عن أبي بردة) عامر (عن أبيه) أن موسى الأشعري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الحديث. وقال فيه: (أعتقها ثم أصدقها). فصرح بثبوت الصداق هنا بخلاف الرواية السابقة فإن ظاهرها أن يكون العتق نفس المهر. 5084 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن تليد) بفتح الفوقية وكسر اللام المخففة وسكون التحتية بعدها دال مهملة المصري (قال أخبرني) بالإفراد ولأبوي ذر والوقت أخبرنا (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 0000 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلاَّ ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ: بَيْنَمَا إِبْرَاهِيمُ مَرَّ بِجَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَةُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَأَعْطَاهَا هَاجَرَ قَالَتْ: كَفَّ اللَّهُ يَدَ الْكَافِرِ، وَأَخْدَمَنِي آجَرَ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَتِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ. وبه قال: (حدّثنا سليمان) بن حرب (عن حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن محمد) أي ابن سيرين ولأبي ذر عن مجاهد بدل عن محمد قال الحافظ ابن حجر: وتبعه العيني وهو خطأ (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. (لم يكذب) كذا ورد موقوفًا لكريمة والنسفيّ، وكذا عن أبي نعيم وجزم به الحميدي قال الحافظ ابن حجر: وأظنه الصواب في رواية حماد عن أيوب وأن ذلك هو السر في إيراد رواية جرير بن حازم مع كونها نازلة ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لم يكذب (إبراهيم) كذا في هامش الفرع كأصله وزاد في الفتح وكذا في رواية أبي الوقت والنسفيّ وأفاد أن ابن سيرين كان يقف كثيرًا من حديث أبي هريرة تخفيفًا أي لا يرفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلا ثلاث كذبات) بفتح الذال المعجمة وعند ابن الحطيئة عن أبي ذر بسكونها وليس هذا من الكذب الحقيقي المذموم بل هو من باب المعاريض المحتملة للأمرين لقصد شرعي ديني (بينما) بالميم (إبراهيم مرّ بجبار) اسمه صادوق كما قاله ابن قتيبة أو غير ذلك وكان على مصر فيما ذكره السهيلي (ومعه سارّة) زوجته (فذكر الحديث) ولفظه كما في أحاديث الأنبياء فقيل له: إن ها هنا رجلًا معه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه فسأله عنها فقال: من هذه؟ قال أختي فأتى سارّة قال: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني فأرسل إليها، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت فأطلق ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد فقال: ادعي الله لي ولا أضرك فدعت فأطلق فدعا بعض حجبته فقال: إنكم لم تأتوني بإنسان إنما أتيتموني بشيطان (فأعطاها هاجر) أم إسماعيل (قالت) للخليل: (كف الله يد الكافر) الجبار عني (وأخدمني آجر) بالهمزة الممدودة بدل الهاء (قال أبو هريرة): بالسند السابق يخاطب العرب (فتلك) يعني هاجر (أمكم يا بني ماء السماء)

13 - باب من جعل عتق الأمة صداقها

لكثرة ملازمتهم الفلوات التي بها مواقع المطر لرعي دوابهم. ومطابقة الحديث للترجمة كما قال ابن المنير من جهة أن هاجر كانت مملوكة وقد صح أن إبراهيم أولدها بعد أن ملكها فهي سرية انتهى. وتعقبه في الفتح فقال: إن أراد أن ذلك وقع صريحًا في الصحيح فليس بصحيح، وإنما الذي في الصحيح أن سارة ملكتها وأن إبراهيم أولدها إسماعيل وكونه ما كان بالذي يستولد أمة امرأته إلا بملك مأخوذ من خارج حديث الصحيح، وفي مسند أبي يعلى فاستوهبها إبراهيم من سارة فوهبتها له. 5085 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلاَثًا يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلاَ لَحْمٍ، أُمِرَ بِالأَنْطَاعِ فَأَلْقَي فِيهَا مِنَ التَّمْرِ وَالأَقِطِ وَالسَّمْنِ، فَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ؟ فَقَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهْيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهْيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطَّأ لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) المدني (عن حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: أقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين خيبر والمدينة) بسدّ الصهباء (ثلاثًا)، أي ثلاثة أيام (يبنى عليه بصفية بنت حيي) بعد أن دفعها لأم سليم حتى تهيئها له ويبنى بضم التحتية وسكون الموحدة وفتح النون مبنيًّا للمفعول من البناء وهو الدخول بالزوجة قال في المصابيح وفيه رد على الجوهري حيث خطأ من قال بنى الرجل بأهله (فدعوت المسلمين إلى وليمته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فما كان فيها من خبز ولا لحم) وسقطت من لأبي ذر (أمر) بضم الهمزة وكسر الميم ولأبي ذر بفتحهما وفي أصل اليونينية أمر بلالًا (بالأنطاع فألقى) بفتح الهمزة والقاف (فيها من التمر والإقِطِ والسمن فكانت وليمته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليها (فقال المسلمون: أحدى أمهات المؤمنين أو مما ملكت يمينه) وعند مسلم فقال الناس لا ندري أتزوجها أم اتخذها أم ولد (فقالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه فلما ارتحل وطأ) أي هيأ (لها) شيئًا تقعد عليه (خلفه) أي على الراحلة (ومدّ الحجاب بينها وبين الناس). قيل: ومطابقة الحديث للترجمة من تردد الصحابة هل صفية زوجة أو سرية. 13 - باب مَنْ جَعَلَ عِتْقَ الأَمَةِ صَدَاقَهَا (باب من جعل عتق الأمة صداقها) هل يصح أم لا؟ 5086 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ، وَشُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا حماد) بن زيد (عن ثابت) البناني (وشعيب بن الحبحاب) بحاءين مهملتين مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة وبعد الألف موحدة ثانية البصري كلاهما (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعتق صفية) بنت حيي (وجعل عتقها صداقها) أي أعتقها بشرط أن يتزوجها فوجب له عليها قيمتها وكانت معلومة فتزوجها بها. وفي رواية حماد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس قال: وصارت صفية لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها فقال عبد العزيز لثابت: يا أبا محمد أنت سألت أنسًا ما أمهرها؟ قال: أمهرها نفسها فتبسم فهو ظاهر جدًّا في أن المجعول مهرًا هو نفس العتق وقد تمسك بظاهره أبو يوسف وأحمد فقالا: إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صح العقد والعتق والمهر على ظاهر الحديث، عبارة المرداوي من الحنابلة في تنقيحه، وإذا قال لأمته القن أو المدبرة أو المكاتبة أو أم ولده أو إلى المعلق عتقها على صفة أعتقتك وجعلت عتقك صداقك صح وإن كان متصلًا بحضرة شاهدين ويصح جعل صداق من بعضها رقيق عتق ذلك البعض صداق انتهى. ومنهم من جعله من خصائصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وممن جزم بذلك الماوردي ويحيى بن أكثم ونقله المزني عن الشافعي قال وموضع الخصوصية أنه أعتقها مطلقًا وتزوّجها بغير مهر ولا ولي ولا شهود، وهذا بخلاف غيره، وقيل المعنى أعتقها ثم تزوجها فلما لم يعلم أنس أنه ساق لها صداقًا قال أصدقها نفسها أي لم يصدقها شيئًا فيما أعلم فلم ينفِ أصل الصداق، ولهذا قال الطبري من الشافعية وابن المرابط من المالكية ومن تبعهما: أنه قول أنس قاله: ظنًّا من قبل نفسه ولم يرفعه، وعورض بما أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها أنها قالت: أعتقني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجعل عتقي صداقي فيرد على القائل بأن أنسًا قاله من قبل نفسه. وهذا الحديث سبق في غزوة خيبر. 14 - باب تَزْوِيجِ الْمُعْسِرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} (باب) جواز (تزويج المعسر لقوله تعالى: {إن يكونوا فقراء}) من المال ({يغنهم الله

من فضله}) [النور: 32] فالإعسار في الحال لا يمنع التزوّج لاحتمال حصول المال في المآل وعن علي بن أبي طلب عن ابن عباس أنه قال: رغبهم الله تعالى في التزويج وأمر به الأحرار والعبيد يعني في قوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم} ووعدهم عليه الغنى فقال: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله}، وعن سعيد بن عبد العزيز قال: بلغني أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى قال: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} رواه ابن أبي حاتم، وعن ابن مسعود أنه قال: التمسوا الرزق في النكاح بقول الله: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} رواه ابن جرير وذكر البغوي عن ابن عمر نحوه، وفي حديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ثلاثة حق على الله عونهم الناكح" يريد العفاف الحديث، وقال في مصابيح الجامع: وظاهر الآية وعد كل فقير تزوّج بالغنى ووعد الله واجب، فإذا رأينا فقيرًا تزوج ولم يستغن فليس ذلك لإخلاف الوعد حاش لله ولكن لإخلاله هو بالقصد لأن الله تعالى إنما وعد على حسن القصد فمن لم يستغن فليرجع باللوم على نفسه. وقال ابن كثير والمعهود من كرم الله ولطفه رزقه وإياها بما فيه كفاية له ولها، وأما حديث تزوّجوا فقراء يغنكم الله فلا أصل له ولم أره بإسناد قوي ولا ضعيف وفي القرآن غنية عنه. 5087 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا. فَقَالَ: «وَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ»؟ قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: «اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا»، فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ، إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ». فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا طَالَ مَجْلِسُهُ قَامَ، فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا، عَدَّدَهَا فَقَالَ: «تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ»؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد الساعدي) أنه (قال: جاءت امرأة) قال في المقدمة: يقال إنها خولة بنت حكيم، وقيل أم شريك ولا يثبت شيء من ذلك (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالت: يا رسول الله جئت أهب لك نفسي) أي أكون لك زوجة بلا مهر وهو من الخصائص أو التقدير وهبت أمر نفسي لك فاللام لام التمليك استعملت هنا في تمليك المنافع (قال: فنظر إليها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصعّد النظر) بتشديد العين أي رفعه (فيها وصوّبه) بتشديد الواو أي خفضه (ثم طأطأ رسول الله) ولأبي ذر عن الكشميهني ثم طأطأ لها رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئًا جلست فقام رجل من أصحابه) لم يسم (فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيها (حاجة فزوجنيها فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (وهل عندك من شيء) تصدقها إياه (قال: لا والله يا رسول الله. فقال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئًا، فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئًا. فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: انظر ولو) كان الذي تجده (خاتمًا من حديد) فأصدقها إياه ففيه حذف كان واسمها وجواب لو وفيه دلالة على جواز التختم بالحديد وفيه خلاف فقيل يكره لأنه من لباس أهل النار والأصح عند الشافعية لا يكره (فذهب) إلى أهله (ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتمًا من حديد، ولكن هذا إزاري. قال سهل) الساعدي مما أدرجه في الحديث (ما له رداء فلها نصفه فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما تصنع) أي المرأة (بإزارك إن لبسته) أنت (لم يكن عليها من شيء وإن لبسته) هي (لم يكن عليك شيء) وللأصيلي وأبوي الوقت وذر عن الحموي والمستملي: لم يكن عليك منه شيء (فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه) بكسر اللام (قام فرآه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موليًا) مدبرًا (فأمر به فدعي) بضم الدال وكسر العين (فلما جاء قال) له: (ماذا معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا عدّدها) عين النسائي في روايته وكذا أبو داود من حديث عطاء عن أبي هريرة البقرة أو التي تليها وفي الدارقطني عن ابن مسعود البقرة وسور من المفصل، ولتمام الرازي عن أبي أمامة قال: زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلًا من الأنصار على سبع سور (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تقرؤهن عن ظهر قلبك) أي من حفظك (قال: نعم. قال: اذهب

15 - باب الأكفاء في الدين وقوله: {وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا}

فقد ملكتكها بما معك من القرآن) بفتح الميم قال الدارقطني هذه وهم والصواب زوّجتكها وهي رواية الأكثرين. قال النووي: يحتمل صحة الوجهين بأن يكون جرى لفظ التزويج أوّلًا ثم لفظ التمليك ثانيًا أي لأنه ملك عصمتها بالتزويج السابق. زاد البيهقي في المعرفة من طريق زائدة عن أبي حازم عن سهل انطلق فقد زوّجتكها بما تعلّمها من القرآن، وفي حديث أبي هريرة عنده أيضًا قال: ما تحفظ من القرآن قال: سورة البقرة والتي تليها قال: قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك، وفي تعليمها القرآن منفعة تعود إليها وهو عمل من أعمال البدن التي لها أجرة، والباء في بما معك باء المقابلة وما موصولة وصلتها الظرف والعائد ضمير الاستقرار وقيل الباء سببية أي بسبب ما معك من القرآن قيل ويرجع إلى صداق المثل، وهذا مذهب الحنفية قالوا: لأن المسمى ليس بمال، والشارع إنما شرع ابتغاء النكاح للمال بقوله: {أن تبتغوا بأموالكم} [النساء: 24] وتعليم القرآن ليس بمال فيجب مهر المثل وليس في قوله زوّجتكها بما معك من القرآن أنه جعله مهرًا ومن للبيان أو للتبعيض. 15 - باب الأَكْفَاءِ فِي الدِّينِ وَقَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} (باب الأكفاء في الدين) بفتح الهمزة الأولى جمع كفء بضم الكاف وسكون تاليها آخره المثل والنظير يقال: كافأه أي ساواه، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم فالكفاءة معتبرة في النكاح لما روى جابر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ألا لا يزوج النساء إلا الأولياء ولا يزوّجن من غير الأكفاء ولأن النكاح يعقد للعمر، ويشتمل على أغراض ومقاصد كالازدواج والصحبة والألفة وتأسيس القرابات ولا ينتظم ذلك عادة إلا بين الأكفاء، وقد جزم مالك -رحمه الله- بأن اعتبار الكفاءة مختص بالدين لقوله عليه الصلاة والسلام: "الناس سواء لا فضل لعربي على عجمي إنما الفضل بالتقوى". وقال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13]. وأجيب: بأن المراد به في حكم الآخرة وكلامنا في الدنيا، وقال الشيخ خليل في مختصره: والكفاءة الدين والحال قال شارحه وأعتبر فيها خمسة أوصاف. الدين وهو متفق عليه، وظاهر قول المدوّنة المسلمون بعضهم لبعض أكفاء أن الرقيق ونقله عبد الوهاب نصًّا وعن المغيرة أنه يفسخ وصححه هو وغيره. والنسب وفي المدونة المولى كفء للعربية، وقيل ليس بكفء. والحال وهو أن يكون الزوج سالمًا من العيوب الفاحشة. والمال فالعجز عن حقوقها يوجب مقالها وقيل: المعتبر من ذلك كله عند مالك الدين والحال وعند ابن القاسم الدين والمال وعندهما المال والحال انتهى. وخصال الكفاءة عند الشافعية خمسة. سلامة من عيب نكاح كجنون وجذام وبرص. وحرية فمن مسه أو مس أبًا له أقرب رق ليس كفء سليمة من ذلك لأنها تعير به وخرج بالآباء الأمهات فلا يؤثر فيهن مس الرق. ونسب ولو في العجم لأنه من المفاخر فعجمي أبًا وإن كانت أمه عربية ليس كفء عربية أبًا وإن كانت أمها أعجمية ولا غير قرشي من العرب كفأ لقرشية لحديث قدّموا قريشًا ولا تقدّموها رواه الشافعي بلاغًا ولا غير هاشمي ومطلبي كفأ لهما لحديث مسلم أن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشًا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم فبنو هاشم وبنو المطلب أكفاء لحديث البخاري نحن وبنو المطلب شيء واحد. وعفة بدين وصلاح فليس فاسق كفء عفيفة. وحرفة فليس ذو حرفة دنيئة كفء أرفع منه فنحو كناس ليس كفء بنت خياط ولا خياط بنت تاجر ولا تاجر بنت عالم ولا يعتبر في خصال الكفاءة اليسار لأن المال غادٍ ورائح ولا يفتخر به أهل المروءات والبصائر، وقال الحنابلة: واللفظ للمرداوي في تنقيحه والكفاءة في زوج شرط لصحة النكاح عند الأكثر فهي حق لله والمرأة والأولياء كلهم حتى من يحدث ولو زالت بعد العقد فلها الفسخ فقط وعنه ليست بشرط بل للزوم واختاره أكثر المتأخرين وهو أظهر ولمن لم يرض الفسخ من المرأة والأولياء جميعهم فورًا وتراخيًا فهي حق

للأولياء والمرأة وهي دين ومنصب وهو النسب وحرية وصناعة غير زرية ويسار بمال بحسب ما يجب لها. وقال الشافعي: ليس نكاح غير الأكفاء حرامًا فأردّ به النكاح، وإنما هو تقصير بالمرأة والأولياء فإذا رضوا صح ويكون حقًّا لهم تركوه فلو رضوا إلا واحدًا فله فسخه. (وقوله) عز وجل: ({وهو الذي خلق من الماء}) أي النطفة ({بشرًا}) إنسانًا ({فجعله نسبًا وصهرًا}) يريد فقسم البشر قسمين ذوي نسب أي ذكورًا ينسب إليهم فيقال: فلان ابن فلان وفلانة بنت فلان، وذوات صهر أي إناثًا يصاهر بهن وهو كقوله: {فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى} [القيامة: 39] ({وكان ربك قديرًا}) [الفرقان: 54] حيث خلق من النطفة الواحدة بشرًّا نوعين ذكرًا وأنثى، وقيل فجعله نسبًا قرابة وصهرًا أي مصاهرة يعني الموصلة بالنكاح منّ بالأنساب لأن التواصل يقع بها وبالمصاهرة لأن التوالد بها يكون، وسقط لأبي ذر قولها {وكان ربك قديرًا} وقال بعد وصهرًا الآية. ومراد المؤلّف -رحمه الله- من سياق هذه الآية الإشارة إلى أن النسب والصهر مما يتعلق به حكم الكفاءة، ونقل العيني عن ابن سيرين أن هذه الآية نزلت في النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعلي وزوّج عليه الصلاة والسلام فاطمة عليًّا وهو ابن عمه وزوج ابنته فكان نسبًا وكان صهرًا. 5088 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ بِنْتَ أَخِيهِ هِنْدَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهْوَ مَوْلًى لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ، كَمَا تَبَنَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْدًا، وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَوَرِثَ مِنْ مِيرَاثِهِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- {وَمَوَالِيكُمْ} فَرُدُّوا إِلَى آبَائِهِمْ فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَبٌ كَانَ مَوْلًى وَأَخًا فِي الدِّينِ فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ ثُمَّ الْعَامِرِيِّ وَهْيَ امْرَأَةُ أَبِي حُذَيْفَةَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مَا قَدْ عَلِمْتَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير عن عائشة -رضي الله عنها- أن أبا حذيفة) مهشمًا على المشهور خال معاوية بن أبي سفيان (ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس) القرشي العبشمي (وكان ممن شهد بدرًا) والمشاهد كلها (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تبنى سالمًا) أي ابن معقل بفتح الميم وسكون العين المهملة وكسر القاف من أهل فارس المهاجري الأنصاري (وأنكحه) زوّجه (بنت أخيه) بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة (هند) غير مصروف للعلمية والتأنيث ولأبوي الوقت وذر هندًا لسكون وسطه (بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو) أي سالم (مولى لامرأة من الأنصار) اسمها ثبيتة بضم المثلثة وفتح الموحدة وسكون التحتية وفتح الفوقية بنت يعار بفتح التحتية والعين المهملة المخففة وبعد الألف راء ابن زيد بن عبيد الأنصارية زوج أبي حذيفة المذكور (كما تبنى) أي ما اتخذ (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زيدًا) ابنًا (وكان من تبنى رجلًا في الجاهلية دعاه الناس إليه) فيقولون فلان ابن فلان للذي تبناه (وورث من ميراثه) كما يرث ابنه من النسب (حتى أنزل الله) تعالى ({ادعوهم لآبائهم} -إلى قوله- {ومواليكم}) [الأحزاب: 5] (فردوا) بصيغة البناء للمفعول (إلى آبائهم) أي الذين ولدوهم (فمن لم يعلم له أب) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول (كان مولًى وأخًا في الدين فجاءت سهلة) بفتح السين المهملة وسكون الهاء (بنت سهيل بن عمرو) بضم السين وفتح الهاء وسكون التحتية وعمرو بفتح العين (القرشي ثم العامري وهي امرأة أبي حذيفة بن عتبة) ضرّة معتقة سالم الأنصارية (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إنا كنا نرى) بفتح النون نعتقد (سالمًا ولدًا) بالتبني (وقد أنزل الله فيه ما قد علمت) من قوله تعالى: {ادعوهم لآبائهم} (فذكر) أبو اليمان الحكم بن نافع شيخ البخاري (الحديث) وتمامه كما عند أبي داود والبرقاني: فكيف ترى؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أرضعيه" فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة. فبذلك كانت عائشة تأمر بنات إخوتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيرًا خمس رضعات ثم يدخل عليها، وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحدًا من الناس حتى يرضع في المهد وقلن لعائشة: والله ما ندري لعلها رخصة من رسول الله لسالم دون الناس، وقد أخرج هذا الحديث من طريق القاسم بن محمد عن عائشة ومن طريق زينب عن أم سلمة ففي رواية القاسم

عنده جاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو فقالت يا رسول الله إن في وجه أبي حذيفة من دخول سالم وهو حليفه فقال: أرضعيه. قالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير؟ فتبسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال: "قد علمت أنه رجل كبير" وفي لفظ فقالت: إن سالمًا قد بلغ ما يبلغ الرجال وإنه يدخل علينا وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة شيئًا من ذلك فقال: أرضعيه تحرمي عليه فرجعت إليه فقالت: إني قد أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة وهذا مختص بسهلة وسالم أو منسوخ، والجمهور على خلافه كما يأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته في أبواب الرضاع. ومطابقة الحديث للترجمة من تزويج أبي حذيفة سالمًا الذي تبناه وهو مولى لامرأة من الأنصار بنت أخيه هند ولم يعتبر فيه الكفاءة إلا في الدين، والحديث أخرجه النسائي أيضًا في النكاح. 5089 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهَا: «لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ»؟ قَالَتْ: وَاللَّهِ لاَ أَجِدُنِي إِلاَّ وَجِعَةً، فَقَالَ لَهَا: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي، قُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي»، وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ. وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) اسمه عبد الله أبو محمد الهباري القرشي الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ضباعة) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة المخففة (بنت الزبير) بن عبد المطلب الهاشمية بنت عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال لها): (لعلك أردت الحج؟ قالت: والله لا). ولأبي ذر: ما (أجدني) أي ما أجد نفسي (إلا وجعة) واتحاد الفاعل والمفعول مع كونهما ضميرين لشيء واحد من خصائص أفعال القلوب وقوله وجعة بفتح الواو وكسر الجيم أي ذات مرض (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لها: حجي واشترطي) أنك حيث عجزت عن الإتيان بالمناسك واحتبست عنها بحسب قوّة المرض تحللت (قولي) ولأبي ذر وقولي (اللهم محلي) بفتح الميم وكسر الحاء، ولأبي ذر بفتحها أي مكان تحللي من الإحرام (حيث حبستني) فيه عن النسك بعلة المرض. ومباحث ذلك سبقت في الحج في أبواب المحصر (وكانت) ضباعة (تحت المقداد بن الأسود) هو ابن عمرو بن ثعلبة بن مالك الكندي ونسب إلى الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة لكونه تبناه فكان من حلفاء قريش، وتزوّج ضباعة وهي هاشمية ففيه أن النسب لا يعتبر في الكفاءة وإلاّ لما جاز له أن يتزوّجها لأنها فوقه في النسب. وأجيب: باحتمال أنها وأولياءها أسقطوا حقهم من الكفاءة. 5090 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (سعيد بن أبي سعيد) كيسان (عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (تنكح المرأة) بضم التاء وفتح الكاف مبنيًّا للمفعول والمرأة رفع به (لأربع) من الخصال (لمالها) بدل من السابق بإعادة العامل لأنها إذا كانت ذات مال قد لا تكلفه في الإنفاق وغيره فوق طاقته، وقول المهلب إن في الحديث دليلًا على أن للزوج الاستمتاع بمال زوجته فإن طابت نفسها بذلك حل له وإلاّ فله من ذلك قدر ما بذل لها من الصداق تعقب بأنه ليس في الحديث ما ذكره من التفصيل ولم ينحصر قصده في الاستمتاع بمالها فقد يقصد ترجي حصول ولد منها فيعود إليه مالها بالإرث أو أن تستغني عنه بمالها عن مطالبته بما يحتاج إليه غيرها من النساء كما مر وأما استدلال بعض المالكية به على أن للرجل أن يحجر على زوجته في مالها معلّلًا بأنه إنما تزوجها لمالها فليس لها تفويته ففيه نظر لا يخفى (و) تنكح المرأة أيضًا (لحسبها) بإعادة الجار أيضًا وفتح الحاء والسين المهملتين ثم موحدة أي لشرفها والحسب في الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدّوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره وقد قال أكثم بالمثلثة ابن صيفي: يا بني تميم لا يغلبنكم جمال النساء على صراحة الحسب فإن المناكح الكريمة مدرجة للشرف. وقال بكير الأسدي:

وأول خبث المرء خبث ترابه ... وأول لؤم المرء لؤم المناكح وقال آخر: وإذا كنت تبغي أيضًا بجهالة ... من الناس فانظر من أبوها وخالها فإنهما منها كما هي منهما ... كقدّك نعلًا أن أريد مثالها ولا تطلب البيت الدنيء فعاله ... ولا يد ذا عقل لورهاء مالها فإن الذي ترجو من المال عندها ... سيأتي عليه شؤمها وخبالها وقيل: المراد بالحسب المال وردّ بذكر المال قبله وعطفه عليه، وعند النسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه إن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليه المال. وفي حديث ميمونة المرفوع مما صححه الترمذي والحاكم الحسب المال والكرم التقوى، وحمل على أن المراد أن المال حسب من لا حسب له. وروى الحاكم حديث: تخيروا لنطفكم، فيكره نكاح بنت الزنا وبنت الفاسق. قال الأذرعي: ويشبه أن تلحق بهما اللقيطة ومن لا يعرف أبوها (و) تنكح أيضًا لأجل (جمالها) ولم يعد العامل في هذه والجمال مطلوب في كل شيء لا سيما في المرأة التي تكون قرينة وضجيعة، وعند الحاكم حديث خير النساء من تسرّ إذا نظرت وتطيع إذا أمرت. قال الماوردي: لكنهم كرهوا ذات الجمال الباهر فإنها تزهو بجمالها (و) تنكح (لدينها) بإعادة اللام، وفي مسلم بإعادتها في الأربع وحذفت هنا في قوله وجمالها فقط (فاظفر بذات الدين) ولمسلم من حديث جابر فعليك بذات الدين، والمعنى كما قال القاضي ناصر الدين البيضاوي: إن اللائق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم في كل شيء لا سيما فيما يدوم أمره ويعظم خطره، فلذا اختاره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بآكد وجه وأبلغه فأمر بالظفر الذي هو غاية البغية ومنتهى الاختيار والطلب الدال على تضمن المطلوب لنعمة عظيمة وفائدة جليلة. وقال في شرح المشكاة قوله: فاظفر جزاء شرط محذوف أي إذا تحققت ما فصلت لك تفصيلًا بيّنًا فاظفر أيها المسترشد بذات الدين فإنها تكسبك منافع الدارين، قال: واللامات المكررة مؤذنة بأن كلاًّ منهن مستقلة في الغرض. وروى ابن ماجة حديث ابن عمر مرفوعًا لا ترجو النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن أي يهلكهن ولا تزوّجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهنّ ولكن تزوّجوهن على الدين ولأمة سوداء ذات دين أفضل. (تربت يداك) أي افتقرتا إن خالفت ما أمرتك به يقال ترب الرجل إذا افتقر وهي كلمة جارية على ألسنتهم لا يريدون بها حقيقتها. وقيل: فيه تقدير شرط كما مر ورجحه ابن العربي لتعدية ذوات الدين إلى ذوات الجمال والمال، ورجح عدم إرادة الدعاء عليه وذلك لأنهم كانوا إذا رأوا مقدامًا في الحرب أبلى فيه بلاء حسنًا يقولون قاتله الله ما أشجعه، وإنما يريدون به ما يزيد قوته وشجاعته وكذلك ما نحن فيه فإن الرجل إنما يؤثر تلك الثلاثة على ذات الدين لإعدامها مالًا وجمالًا وحسبًا فينبغي أن يحمل الدعاء على ما يجبر عليه من الفقر أي عليك بذات الدين يغنك الله فيوافق معنى الحديث النص التنزيلي: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضلهِ} [النور: 32]. والصالح هو صاحب الدين قاله في شرح المشكاة وفي الحديث كما قال النووي الحث على مصاحبة أهل الصلاح في كل شيء لأن من صاحبهم استفاد من أخلافهم وبركتهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم. وحكى محيي السُّنَّة أن رجلًا قال للحسن: إن لي بنتًا أحبها وقد خطبها غير واحد فمن ترى أن أُزوّجها؟ قال: زوّجها رجلًا يتقي الله فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها. وقال الغزالي في الإحياء: وليس أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمراعاة الدين نهيًا عن مراعاة الجمال ولا أمرًا بالإضراب عنه وإنما هو نهي عن مراعاته مجردًا عن الدين فإن الجمال في غالب الأمر يرغب الجاهل

16 - باب الأكفاء في المال، وتزويج المقل المثرية

في النكاح دون التفات إلى الدين ولا نظر إليه فوقع النهي عن هذا. قال: وأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن يريد التزوج بالنظر إلى الخطوبة يدل على مراعاة الجمال إذ النظر لا يفيد معرفة الدين، وإنما يعرف به الجمال أو القبح، ومما يستحب في المرأة أيضًا أن تكون بالغة كما نص عليه الشافعي إلا لحاجة كان لا يعفه إلا غيرها أو مصلحة كتزوّجه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عائشة وأن تكون عاقلة. قال في المهمات: ويتجه أن يراد بالعقل هنا العقل العرفي وهو زيادة على مناط التكليف انتهى. والمتجه أن يراد أعم من ذلك وأن تكون قرابة غير قريبة لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاويًا ذكره في الإحياء. وقوله: ضاويًا أي نحيفًا لضعف الشهوة. قال الزنجاني: ولأن من مقاصد النكاح اشتباك القبائل لأجل التعاضد واجتماع الكلمة وهو مفقود في نكاح القريبة. وتوقف السبكي في هذا الحكم لعدم صحة الحديث الدال عليه فقد قال ابن الصلاح: لم أجد له أصلًا معتمدًا. قال السبكي: فلا ينبغي إثباته لعدم الدليل انتهى. وقال الحافظ زين الدين العراقي: والحديث المذكور إنما يعرف من قول عمر أنه قال لآل السائب قد أضويتم فانكحوا في الغرائب. وقال الشاعر: تخيرتها للنسل وهي غريبة ... فقد أنجبت والمنجبات الغرائب وما ذكر في الروضة من أن القريبة أولى من الأجنبية هو مقتضى كلام جماعة، لكن ذكر صاحب البحر والبيان أن الشافعي نص على أنه يستحب أن لا يتزوج من عشيرته، ولا يشكل ما ذكر بتزوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زينب مع أنها بنت عمته لأنه تزوّجها بيانًا للجواز ولا بتزوّج عليّ فاطمة لأنها بعيدة في الجملة إذ هي بنت ابن عمه لا بنت عمه وأن لا تكون ذات ولد لغيره إلا لمصلحة كما تزوّج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم سلمة ومعها ولد أبي سلمة للمصلحة وأن لا يكون لها مطلق يرغب في نكاحها وأن لا تكون شقراء فقد أمر الشافعي الربيع أن يرد الغلام الأشقر الذي اشتراه له وقال: ما لقيت من أشقر خيرًا. وحديث الباب أخرجه مسلم أيضًا في النكاح وكذا أبو داود والنسائي. 5091 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا»: قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ، أَنْ يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ فَمَرَّ رَجُلٌ مِنَ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا»؟ قَالُوا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْتَمَعَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا». [الحديث 5091 - أطرافه في: 6447]. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي أبو إسحاق الزبيري الأسدي قال: (حدّثنا ابن أبي حازم) عبد العزيز (عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار (عن سهل) أي ابن سعد الساعدي الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: مرّ رجل) غني لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) للحاضرين من أصحابه: (ما تقولون في هذا؟ قالوا حريّ) بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وتشديد التحتية أي حقيق (إن خطب) امرأة (أن ينكح) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (وإن شفع) في أحد (أن يشفع) بضم أوله وتشديد الفاء المفتوحة أي أن تقبل شفاعته (وإن قال أن يستمع) قوله (قال) سهل: (ثم سكت) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فمرّ رجل) آخر قيل إنه جعيل بن سراقة كما في مسند الروياني وفتوح مصر لابن عبد الحكم وغيرهما (من فقراء المسلمين فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ما تقولون في هذا) الفقير المار (قالوا) هو (حريّ) حقيق (إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يستمع) لقوله لفقره وكان صالحًا دميمًا قبيحًا (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هذا) الفقير (خير من ملء الأرض مثل هذا) الغني وإطلاقه التفضيل على الغني المذكور لا يلزم منه تفضيل كل فقير على كل غني كما لا يخفى. نعم فيه تفضيله مطلقًا في الدين فيطابق الترجمة وقوله ملء بالهمز ومثل بالنصب والجر. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الرقاق وابن ماجة في الزهد. 16 - باب الأَكْفَاءِ فِي الْمَالِ، وَتَزْوِيجِ الْمُقِلِّ الْمُثْرِيَةَ (باب) حكم (الأكفاء في المال) واختلف فيه، والأشهر عند الشافعي أنه لا أثر له في الكفاءة فالمعسر كفء للموسرة لأن المال غاد ورائح ولا يفتخر به أهل المروءات والبصائر نعم لو زوج الولي بالإجبار موليته معسرًا بغير رضاها بمهر المثل

17 - باب ما يتقى من شؤم المرأة وقوله تعالى: {إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم}

لم يصح النكاح لأنه بخس حقها كتزويجها بغير كفء نقله في الروضة عن فتاوى القاضي ومنعه البلقيني، وقال الزركشي: هو مبني على اعتبار اليسار مع أنه نقل عن عامة الأصحاب عدم اعتباره انتهى. ونقل صاحب الإفصاح فيما حكاه في الفتح عن الشافعي أنه قال: الكفاءة في الدين والمال والنسب، وجزم باعتباره أبو الطيب والصيمري وجماعة، واعتبره الماوردي في أهل الأمصار وخص الخلاف بأهل البوادي والقرى المتفاخرين بالنسب دون المال انتهى. (وتزويج المقل) بالجر عطفًا على سابقه والمقل بضم الميم وكسر القاف وتشديد اللام الفقير (المثرية) بضم الميم وسكون المثلثة وفتح التحتية التي لها ثراء بفتح المثلثة والراء والمد هو الغنى. 5092 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} قَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي، هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا، وَيُرِيدُ أَنْ يَنْتَقِصَ صَدَاقَهَا، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ، إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ. قَالَتْ: وَاسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ إِلَى وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَهُمْ أَنَّ الْيَتِيمَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ وَمَالٍ رَغِبُوا فِي نِكَاحِهَا وَنَسَبِهَا فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبَةً عَنْهَا فِي قِلَّةِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ تَرَكُوهَا وَأَخَذُوا غَيْرَهَا مِنَ النِّسَاءِ قَالَتْ: فَكَمَا يَتْرُكُونَهَا حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا إِذَا رَغِبُوا فِيهَا، إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا الأَوْفَى فِي الصَّدَاقِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (أنه سأل عائشة -رضي الله عنها-) عن تفسير قوله تعالى: ({وإن خفتم}) وللأربعة فإن خفتم ({أن لا تقسطوا في اليتامى}) [النساء: 3] (قالت: يا ابن أختي) أسماء (هذه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي هي (اليتيمة) التي مات أبوها (تكون في حجر وليها) القائم بأمورها (فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن ينتقص صداقها) عن مهر مثلها (فنهوا) بضم النون والهاء (عن نكاحهن إلا أن يقسطوا) بضم أوله وكسر ثالثه يعدلوا (في إكمال الصداق) على عادتهن في ذلك (وأمروا بنكاح من سواهن) أي من النساء كما في الرواية الأخرى (قالت) أي عائشة: (واستفتى الناس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك فأنزل الله تعالى: {ويستفتونك}) سقطت واو ويستفتونك الأولى عند الأربعة ({في النساء}) إلى ({وترغبون أن تنكحوهن}) [النساء: 127] لجمالهن أو عن أن تنكحوهن لدمامتهن (فأنزل الله لهم أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها ونسبها) ولأبي ذر عن الكشميهني وسنتها (في إكمال الصداق وإذا) ولأبي ذر عن الكشميهني وإن (كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها وأخذوا غيرها من النساء. قالت: فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى في) ولأبي ذر عن الكشميهني: من (الصداق) وكان عمر بن الخطاب إذا جاءه ولي اليتيمة نظر فإن كانت جميلة غنية قال: زوّجها غيرك والتمس لها من هو خير منك وإن كانت دميمة ولا مال لها قال: تزوجها فأنت أحق بها، وحديث الباب مر في التفسير. 17 - باب مَا يُتَّقَى مِنْ شُؤْمِ الْمَرْأَةِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ} (باب ما يتقى من شؤم المرأة وقوله تعالى: {إن من أزواجكم وأولادكم عدوًّا لكم}) [التغابن: 14] قدم الأزواج لأن المقصود الإخبار بأن منهم أعداء ووقوع ذلك في الأزواج أكثر منه في الأولاد فكان أقعد في المعنى المراد فكان تقديمه أولى وأشار البخاري بإيراد ذلك إلى اختصاص الشؤم ببعض الأزواج دون بعض لما دلت عليه الآية من التبعيض. 5093 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حَمْزَةَ وَسَالِمٍ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الشُّؤْمُ فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالْفَرَسِ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن ابن شهاب) الزهري (عن حمزة) بالحاه المهملة والزاي (وسالم ابني عبد الله بن عمر) بن الخطاب (عن) أبيهما (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الشؤم) الذي هو ضدّ اليمن يقال تشاءمت بكذا وتيمنت بكذا وواو الشؤم همزة لكنها خففت فصارت واوًا غلب عليها التخفيف حتى لم ينطق بها مهموزة (في المرأة والدار والفرس). ونقل الحافظ أبو ذر الهرويّ عن البخاري أن شؤم الفرس إذا كان حرونًا وشؤم المرأة سوء خلقها وشؤم الدار سوء جارها وقال غيره: شؤم الفرس أن لا يغزى عليها، وشؤم المرأة أن لا تلد، وشؤم الدار ضيقها. وقيل: شؤم المرأة غلاء مهرها. وللطبراني من حديث أسماء: إن من شقاء المرء في الدنيا سوء الدار والمرأة والدابة وفيه سوء الدار ضيق ساحتها وخبث جيرانها، وسوء الدابة منعها ظهرها وسوء طبعها، وسوء المرأة عقم رحمها وسوء خلقها. وفي

حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا عند أحمد وصححه ابن حبان والحاكم: من سعادة ابن آدم ثلاثة المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة: المرأة السوء والمسكن السوء المركب السوء. وفي رواية لابن حبان: المركب الهنيء والمسكن الواسع، وفي رواية للحاكم: ثلاث من الشقاء المرأة تراها فتسوءك وتحمل لسانها عليك، والدابة تكون قطوفًا فإن ضربتها أتعبتها وإن تركتها لم تلحق أصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق. وحديث الباب سبق في الجهاد. 5094 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَسْقَلاَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ذَكَرُوا الشُّؤْمَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن منهال) البصري ولأبي ذر المنهال قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء قال: (حدّثنا عمر بن محمد) بضم العين (العسقلاني عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه (قال: ذكروا الشؤم عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن كان الشؤم في شيء) حاصلًا (ففي الدار والمرأة والفرس) يعني أن الشؤم لو كان له وجود في شيء لكان في هذه الأشياء فإنها أقبل الأشياء له، لكن لا وجود له فيها أصلًا. وعلى هذا فالشؤم في الحديث السابق وغيره محمول على الإرشاد منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني إن كانت له دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس لا تعجبه، فليفارق بالانتقال من الدار ويطلق المرأة ويبيع الفرس حتى يزول عنه ما يجده في نفسه من الكراهة. 5095 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ، فَفِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَسْكَنِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن كان) أي الشؤم حاصلًا (في شيء ففي الفرس والمرأة والمسكن) زاد مالك في الموطأ في آخره يعني الشؤم. واتفقت نسخ البخاري كلها على إسقاط الشؤم في هذه الرواية. وسبق هذا الحديث في الجهاد وفي ذكر هذين الحديثين بعد الآية السابقة، كما قال الشيخ تقي الدين السبكي إشارة إلى تخصيص الشؤم بمن تحصل منها العداوة والفتنة لا كما يفهمه بعض الناس من التشاؤم بكعبها وأن لها تأثيرًا في ذلك وهو شيء لا يقول له أحد من العلماء ومن قال: إنها سبب ذلك فهو جاهل، وقد أطلق الشارع على من ينسب المطر إلى النوء الكفر فكيف بمن ينسب ما يقع من الشر إلى المرأة مما ليس لها فيه مدخل؟ وإنما يتفق موافقة قضاء وقدر فتنفر النفس من ذلك فمن وقع له ذلك فلا يضره أن يتركها من غير أن يعتقد نسبة الفعل إليها. 5096 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن طرخان (التيمي) البصري أنه (قال: سمعت أبا عثمان) عبد الرحمن بن مل (النهدي) بفتح النون وسكون الهاء وكسر الدال المهملة (عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء) فالفتنة بهن أشدّ من الفتنة بغيرهن ويشهد لذلك قوله تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء} [آل عمران: 14] فجعل الأعيان التي ذكرها شهوات حين أوقع الشهوات أولًا مبهمًا ثم بيّنها بالمذكورات فعلم أن الأعيان هي عين الشهوات فكأنه قيل زين حب الشهوات التي هي النساء فجرد من النساء شئ يسمى شهوات وهي نفس الشهوات، كأنه قيل هذه الأشياء خلقت للشهوات والاستمتاع بها لا غير لكن المقام يقتضي الذم، ولفظ الشهوة عند العارفين مسترذل والتمتع بالشهوة نصيب البهائم وبدأ بالنساء قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك وتحقيق كون الفتنة بهن أشدّ أن الرجل يحب الولد لأجل المرأة، وكذا يحب الولد الذي أمه في عصمته ويرجحه على الولد الذي فارق أمه بطلاق أو وفاة غالبًا وقد قال مجاهد في قوله تعالى: {إن من أزواجكم وأولادكم عدوًّا لكم} [التغابن: 14] قال: تحمل الرجل على قطيعة الرحم أو معصية ربه فلا يستطيع مع حبه إلا الطاعة، وقال بعض الحكماء: النساء شرّ كلهم وأشرّ ما فيهن عدم

18 - باب الحرة تحت العبد

الاستغناء عنهن، ومع أنهن ناقصات عقل ودين يحملن الرجل على تعاطي ما في نقص العقل والدين كشغله عن طلب أمور الدين وحمله على التهالك على طلب الدنيا وذلك أشدّ الفساد. 18 - باب الْحُرَّةِ تَحْتَ الْعَبْدِ (باب) جواز كون (الحرة تحت العبد) زوجة له إذا رضيت بذلك. 5097 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلاَثُ سُنَنٍ، عَتَقَتْ فَخُيِّرَتْ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبُرْمَةٌ عَلَى النَّارِ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ خُبْزٌ وَأُدْمٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ فَقَالَ: «لَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ»؟ فَقِيلَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ وَأَنْتَ لاَ تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، قَالَ: «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) المشهور بربيعة الرأي (عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصدّيق (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان في بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء الأولى (ثلاث سنن) بضم السين وفتح النون الأولى أي طرق جمع سنة وهي الطريقة وإذا أطلقت في الشرع فالمراد بها ما أمر به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونهى عنه وندب إليه قولا وفعلًا مما لم ينطق به الكتاب العزيز ولذا يقال في أدلة الشرع الكتاب والسنة. إحداها أنها (عتقت) بفتحات أعتقتها عائشة (فخيرت) بضم الخاء المعجمة مبنيًّا للمفعول خيرها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في فسخ نكاحها من زوجها مغيث وبين المقام معه وكان عبدًا فاختارت نفسها. وفي مرسل عامر الشعبي عند ابن سعد في طبقاته أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها لما أعتقت: قد عتق بضعك معك فاختاري، وهذا مذهب المالكية والشافعية لتضررها بالمقام تحته من جهة أنها تتعير به وأن لسيده منعه عنها وأنه لا ولاية له على ولده وغير ذلك، وهذا بخلاف ما إذا عتقت تحت حر لأن الكمال الحادث لها حاصل له فأشبه ما إذا أسلمت كتابية تحت مسلم ولو عتق بعضها فلا خيار لبقاء النقصان وأحكام الرقّ، ويستثنى من ذلك ما إذا أعتقها مريض قبل الدخول وهي لا تخرج من ثلثه إلا بالصداق فلا خيار لها لأنها لو فسخت سقط مهرها وهو من جملة المال فيضيق الثلث عن الوفاء بها فلا تعتق كلها فلا يثبت الخيار وكل ما أدّى ثبوته إلى عدمه استحال ثبوته وهذه من صور الدور الحكمي، وليس في هذا الحديث التصريح بكون زوج بريرة عبدًا ولا حرًّا، لكن صحيح البخاري يدل على أنه يمل إلى أنه كان حين عتقت عبدًا، وعنده في الطلاق من حديث عكرمة عن ابن عباس أنه كان عبدًا، وعند أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث الأسود عن عائشة أنه كان حرًّا، وحمله بعض الحنفية على أنه كان حرًّا عندما خيرت وعبدًا قبل قال: الحرية تعقب الرقّ ولا ينعكس فمن أخبر بعبوديته لم يعلم بحريته ولم يخيرها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه كان عبدًا ولا لأنه كان حرًّا وإنما خيرها للعتق لأن الأمة إذا أعتقت لها الخيار في نفسها سواء كان زوجها حرًّا أم عبدًا. وقد أفرد ابن جرير الطبري وابن خزيمة مؤلفًا في الاختلاف هل كان مغيث حرًّا أم عبدًا. وبقية مباحث هذا تأتي إن شاء الله تعالى في الطلاق. (وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): في شأن بريرة لما أرادت عائشة أن تشتريها وتعتقها وشرط مواليها أن يكون الولاء لهم (الولاء لمن أعتق) الجار والمجرور خبر المبتدأ الذي هو الولاء أي كائن أو مستقر لمن أعتق وبه يتعلق حرف الجر، ومن موصول وأعتق في موضع الصلة والعائد ضمير الفاعل، وسبق في العتق ما في الحديث من المباحث. (ودخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبرمة على النار) بضم الموحدة وسكون الراء قال: ابن الأثير هي القدر مطلقًا وجمعها برام وهي في الأصل المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز والواو في قوله وبرمة للحال (فقرب إليه) بضم القاف وتشديد الراء المكسورة (خبز وأدم من أدم البيت) جمع أدام كإزار وأزر وهو ما يؤكل مع الخبز أي شيء كان والإضافة إضافة تخصيص (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لم) وللأربعة ألم (أر البرمة) أي على النار فيها لحم والهمزة للتقرير والفعل مجزوم بحذف الألف المنقلبة عن الياء (فقيل) له عليه الصلاة والسلام هو (لحم تصدق به على بريرة) بضم التاء والصاد وكسر الدال المشددة مبنيًّا لما لم يسم فاعله جملة في محل رفع صفة للحم، وسقط لغير أبي ذر لفظ به (وأنت لا تأكل الصدقة) لحرمتها عليك (قال) عليه الصلاة والسلام: (هو) أي اللحم (عليها) أي

19 - باب لا يتزوج أكثر من أربع، لقوله تعالى: {مثنى وثلاث ورباع}، وقال علي بن الحسين عليهما السلام: يعني مثنى أو ثلاث أو رباع، وقوله جل ذكره: {أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع} يعني مثنى أو ثلاث أو رباع

على بريرة ولأبي ذر عن الكشميهني لها (صدقة ولنا هدية) والفرق بينهما أن الصدقة إعطاء للثواب والهدية للإكرام. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الطلاق والأطعمة، وأخرجه مسلم في الزكاة والعتق والنسائي في الطلاق. 19 - باب لاَ يَتَزَوَّجُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ}، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ: يَعْنِي مَثْنَى أَوْ ثُلاَثَ أَوْ رُبَاعَ، وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أُولِى أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} يَعْنِي مَثْنَى أَوْ ثُلاَثَ أَوْ رُبَاعَ هذا (باب) بالتنوين (لا يتزوج) الرجل (أكثر من أربع) من النساء كما اتفق عليه الأربعة وجمهور المسلمين (لقوله تعالى: {مثنى وثلاث ورباع}) وأجاز الروافض تسعًا من الحرائر، ونقل عن النخعي وابن أبي ليلى لأنه بيّن العدد المحلل بمثنى وثلاث ورباع وكذا المدبرة وأم الولد بحرف الجمع، والحاصل عن ذلك تسع. وقد تزوج عليه الصلاة والسلام تسعًا والأصل عدم الخصوصية إلا بدليل. وأجار الخوارج ثمان عشرة لأن مثنى وثلاث ورباع معدول عن عدد مكرر على ما عرف في العربية فيصير الحاصل ثمانية عشر، وحكي عن بعض الناس إباحة أيّ عدد شاء بلا حصر للعمومات من نحو {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} ولفظ مثنى إلى آخره تعداد عرفي لا قيد كما يقال خذ من البحر ما شئت قربة وقربتين وثلاثًا والحجة عليهم أن الإحلال، وهو قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء: 3] لم يسق إلا لبيان العدد المحلل لا لبيان نفس الحل لأنه عرف من غيرها قبل نزولها كتابًا وسُنة فكان ذكره هنا معقبًا بالعدد ليس إلا لبيان قصر الحل عليه أو هي لبيان الحل المقيد بالعدد لا مطلقًا، كيف وهو حال من طاب فيكون قيدًا في العامل وهو الإحلال المفهوم من {فانكحوا} ثم إن مثنى معدول عن عدد مكرر لا يقف عند حد هو اثنان اثنان هكذا إلى ما لا يقف وكذا ثلاث في ثلاثة ومثله رباع في أربعة أربعة فمؤدى التركيب على هذا ما طاب لكم ثنتين ثنتين جمعًا في العقد أو على التفريق وثلاثًا ثلاثًا جمعًا أو تفريقًا وأربعًا أربعًا كذلك، ثم هو قيد في الحل على ما ذكر فانتهى الحل إلى أربع مخير فيهن بين الجمع والتفريق، وأما حل الواحدة فقد كان ثابتًا قبل هذه الآية بحل النكاح لأن أقل ما يتصور بالواحدة، فحاصل الحال أن حل الواحدة كان معلومًا وهذه لبيان حل الزائد عليها إلى حد معين مع بيان التخيير بين الجمع والتفريق في ذلك، وبه يتم جواب الفريقين قاله في فتح القدير. قال في الكشاف: معدولة عن أعداد مكررة أي فانكحوا الطيبات لكم معدودات هذا العدد اثنين اثنين وثلاثًا ثلاثًا وأربعًا أربعًا، ولما كان الخطاب للجميع وجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذي أطلق له كما تقول للجماعة: اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة ولو أفردت لم يكن له معنى. (وقال علي بن الحسين) بن علي بن أبي طالب (عليهما) وعلى أبيهما (السلام يعني مثنى أو ثلاث أو رباع وقوله جل ذكره) في سورة فاطر: ({أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع}) [فاطر: 1] (يعني مثنى أو ثلاث أو رباع) أراد أن الواو بمعنى أو فهي للتنويع أو هي عاطفة على العامل، والتقدير: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى، وانكحوا ما طاب لكم من النساء ثلاث، وانكحوا ما طاب لكم من النساء رباع. قال في الفتح: وهذا من أحسن الأدلة في الرد على الرافضة لكونه من تفسير زين العابدين، وهو من أئمتهم الذين يرجعون إلى قولهم ويعتقدون عصمتهم انتهى. وقال حمزة بن الحسين الأصفهاني في رسالته المعربة عن شرف الأعراب: القول بأن الواو بمعنى أو عجز عن درك الحق واعلم أن الأعداد التي تجتمع قسمان قسم يؤتى به ليضم بعضه إلى بعض وهو الأعداد الأصول نحو {ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة} [البقرة: 196] و {ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة} [الأعراف: 142]. وقسم يؤتى به لا ليضم بعضه إلى بعض وإنما يراد به الانفراد لا الاجتماع وهو الأعداد المعدولة كهذه الآية وآية فاطر أي منهم جماعة ذوو جناحين جناحين وجماعة ذوو ثلاثة ثلاثة وجماعة ذوو أربعة أربعة فكل جنس مفرد بعدد وقال:

20 - باب {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب

ولكنما أهلي بواد أنيسه ... ذئاب يبغي الباس مثنى وموحد ولم يقولوا ثلاث وخماس ويريدون ثمانية كما قال تعالى: {ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} وللجهل بموقع هذه الألفاظ استعملها المتنبي في غير موضع التقسيم فقال: أحاد أم سداس في أحاد ... ليلتنا المنوطة بالتناد 5098 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} قَالَ: الْيَتِيمَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ وَهْوَ وَلِيُّهَا فَيَتَزَوَّجُهَا عَلَى مَالِهَا وَيُسِيءُ صُحْبَتَهَا وَلاَ يَعْدِلُ فِي مَالِهَا فَلْيَتَزَوَّجْ مَا طَابَ لَهُ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهَا مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ. وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام البيكندي قال: (أخبرنا عبدة) بسكون الموحدة ابن سليمان (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها قالت: في قوله تعالى: ({وإن خفتم}) بالواو ولأبي ذر فإن خفتم ({أن لا تقسطوا في اليتامى}) [النساء: 3] أي أن لا تعدلوا فيهم (قال) أي عروة عن عائشة ولأبي ذر قالت: هي (اليتيمة تكون عند الرجل) سقط لفظ تكون لأبي ذر (وهو وليها) القائم بأمورها (فيتزوجها على مالها ويسيء صحبتها) بضم الياء من الإساءة (ولا يعدل في مالها فليتزوج ما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من (طاب له من النساء سواها مثنى وثلاث ورباع) والإجماع على أنه لا يجوز للحر أن ينكح أكثر من أربع لما سبق إلا قول رافضي ونحوه ممن لا يعتد بخلافه، فإن احتجوا بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توفي عن تسع ولنا به أسوة قلنا: هذا من خصائصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كغيره من الأنبياء فلا دليل فيه وهو معارض بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لغيلان وقد أسلم وتحته عشر نسوة: أمسك أربعًا وفارق سائرهن. رواه ابن حبان والحاكم وغيرهما وصححوه وهو يدل على تخصيصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك، فلو جمع الرجل خمسًا في عقد واحد لم يصح نكاحهن إذ لا أولوية لإحداهن على الباقيات فإن كان فيهن أختان اختصتا بالبطلان دون غيرهما عملًا بتفريق الصفقة، وإنما بطل فيهما معًا لأنه لا يمكن الجمع بينهما ولا أولوية لإحداهما على الأخرى أو مرتبًا فالخامسة. وهذا الحديث قد سبق غير مرة. 20 - باب {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ هذا (باب) بالتنوين في حكم الرضاع لقوله تعالى: ({وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم}) هو معطوف على قوله تعالى: {حرّمت عليكم أمهاتكم} [النساء: 23] قال في الفتح: ووقع هنا في بعض الشروح كتاب الرضاع ولم أره في شيء من الأصول انتهى. والرضاع بفتح الراء وكسرها اسم لمص الثدي وشرب لبنه، وهذا جرى على الغالب الموافق للغة وإلاّ فهو اسم لحصول لبن امرأة أو ما حصل منه في جوف طفل والأصل في تحريمه قبل الإجماع هذه الآية (و) حديث (يحرم من الرضاعة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من الرضاع (ما يحرم من النسب) وهو مروي في الصحيحين وجعل سببًا للتحريم لأن جزءًا من المرضعة وهو اللبن صار جزءًا للرضيع باغتذائه به فأشبه منيِّها وحيضها وأركانه ثلاثة: المرضع فيشترط كونها امرأة حيّة بلغت سنّ الحيض وإن لم تلد فلا تحريم بلبن رجل وخنثى ولا لبن بهيمة ولا لبن انفصل عن ميتة، والثاني: اللبن فيثبت به التحريم وإن تغير كالجبن والزبد أو عجن به دقيق أو خالطه ماء أو مائع وغلب اللبن على الخليط وكذا لو كان مغلوبًا بحيث لم يبق من صفاته الثلاث الطعم واللون والريح حسًّا وتقديرًا شيء فإنه يثبت به التحريم لكن يشترط شرب الجميع وكون اللبن المخلوط مقدار ما لو كان منفردًا أثر في التحريم بأن يمكن أن يسقى منه خمس دفعات، والثالث: المحل وهي معدة الطفل الحي أو دماغه لا ابن حولين ولا أثر له عند الشافعية دون خمس رضعات إلا إن حكم به حاكم يراه فلا ينقض حكمه. 5099 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عِنْدَهَا، وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أُرَاهُ فُلاَنًا»، لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنَ الرَّضَاعَةِ». قَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ كَانَ فُلاَنٌ حَيًّا لِعَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ دَخَلَ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: «نَعَمِ الرَّضَاعَةُ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلاَدَةُ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) إمام الأئمة ودار الهجرة (عن عبد الله بن أبي بكر) أي ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري (عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) -رضي الله عنها- (أخبرتها أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان عندها) في حجرتها (وأنها سمعت صوت رجل) أي يقف الحافظ ابن حجر على اسمه (يستأذن في بيت حفصة) أم المؤمنين (قالت) عائشة: (فقلت: يا رسول الله هذا رجل يستأذن

في بيتك) على حفصة (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أراه) بضم الهمزة أي أظنه وفي اليونينية بفتحها (فلانًا، لعم حفصة) أي عن عم حفصة أو اللام للتعليل، أي قال لأجل عم حفصة (من الرضاعة. قالت عائشة): كان السياق يقتضي أن تقول: قلت لكنه من باب الالتفات (لو كان فلان حيًّا لعمها) أي لعم عائشة (من الرضاعة دخل عليّ). قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه أيضًا ووهم من فسره بأفلح أخي أبي القعيس لأن القعيس والد عائشة من الرضاعة وأما أفلح فهو أخوه وهو عمها من الرضاعة كما سيأتي أنه عاش حتى جاء يستأذن على عائشة فأمرها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تأذن له بعد أن امتنعت، وقولها هنا لو كان حيًّا يدل على أنه كان مات فيحتمل أن يكون أخًا لها آخر، ويحتمل أن تكون ظنت أنه مات لبعد عهدها به ثم قدم بعد ذلك فاستأذن (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم) كان له أن يدخل عليكِ (الرضاعة) المعتبرة (تحرم ما تحرم الولادة) من تحريم النكاح ابتداءً ودوامًا وانتشارًا لحرمة بين الرضيع وأولاد المرضعة فيحرم عليها هو ويحرم عليها فروعه من النسب والرضاع ولا يسري التحريم من الرضيع إلى آبائه وأمهاته وإخوته وأخواته فلأبيه أن ينكح المرضعة إذ لا منع من نكاح أم الابن وأن ينكح ابنتها، وكما صار الرضيع ابن المرضعة تصير هي أمه فتحرم عليه هي وأصولها من النسب والرضاع وفروعها من النسب والرضاع وإخوتها وأخواتها من النسب والرضاع فهم أخواله وخالاته وإن ثار اللبن من حمل من زوج صار الرضيع ابنًا للزوج فيحرم عليه الرضيع ولا يثبت التحريم من الرضيع بالنسبة إلى صاحب اللبن إلى أصوله وحواشيه فلأم الرضيع أن تنكح صاحب اللبن وصار الزوج أباه، فيحرم على الرضيع هو وأصوله وفصوله من النسب والرضاع فهم أعمامه وعماته ويحرم إخوته وأخواته من النسب والرضاع إذ هم أعمامه وعماته وتنزيلهم منزلتهم في جواز النظر وعدم نقض الطهارة باللمس والخلوة والمسافرة دون سائر أحكام النسب كالميراث والنفقة والعتق بالملك وسقوط القصاص ورد الشهادة. وهذا الحديث قد سبق في باب الشهادة على الأنساب من كتاب الشهادات. 5100 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلاَ تَزَوَّجُ ابْنَةَ حَمْزَةَ؟ قَالَ: «إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ». وَقَالَ بِشْرُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ قَتَادَةَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالسين وتشديد الدال الأولى المهملات ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن جابر بن زيد) هو أبو الشعثاء البصري (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: قيل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): قال في الفتح: القائل علي بن أبي طالب كما في مسلم (ألا تزوّج) بحذف إحدى التاءين ولأبي ذر عن الكشميهني ألا تتزوج بإثبات التاءين (ابنة حمزة) عمك زاد سعيد بن منصور فإنها من أحسن فتاة في قريش (قال) عليه الصلاة والسلام: (إنها ابنة أخي من الرضاعة) ولعل عليًّا لم يكن علم أن حمزة رضيع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو جوّز الخصوصية. (وقال بشر بن عمر): بكسر الموحدة وسكون المعجمة الزهراني مما وصله مسلم (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (سمعت قتادة) قال: (سمعت جابر بن زيد مثله) أي مثل الحديث السابق ومراد البخاري بسياق هذا التعليق بيان سماع قتادة من جابر بن زيد لأنه مدلس والله أعلم. 5101 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: «أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكَ»؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ ذَلِكَ لاَ يَحِلُّ لِي». قُلْتُ: فَإِنَّا نُحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ. قَالَ: «بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: «لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي. إِنَّهَا لاَبْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ». قَالَ عُرْوَةُ: وَثُوَيْبَةُ مَوْلاَةٌ لأَبِي لَهَبٍ كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ، غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ. [الحديث 5101 - أطرافه في: 5106، 5107، 5123، 5372]. وبه قال: (حدّثنا الحكم بن نافع) قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (إن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سمة أخبرته أن أم حبيبة) رملة (بنت أبي سفيان) صخر بن حرب (أخبرتها أنها قالت: يا رسول الله انكح) بكسر الهمزة لأنه من نكح ينكح فثالث المضارع مكسور ومتى كسر ثالثه أو فتح كسر الأمر منه ومتى ضم ثالثه ضم الأمر منه كقتل يقتل الأمر منه اقتل بضم الهمزة أي تزوج (أختي) ولمسلم أختي عزة. وعند أبي موسى في الدلائل درة، وعند الطبراني قلت: يا رسول الله هل لك في حمنة (بنت) ولأبي ذر ابنة (أبي سفيان). وجزم المنذري

بأن اسمها حمنة. وقال القاضي عياض لا نعلم لعزة ذكرًا في بنات أبي سفيان إلا في رواية يزيد بن أبي حبيب وقال أبو موسى الأشهر أنها عزة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أوَ تحبين ذلك)؟ الهمزة للاستفهام والواو عاطفة على ما قبل الهمزة عند سيبويه وعلى مقدّر عند الزمخشري وموافقيه، فعلى مذهب سيبويه معطوف على انكح أختي، وعلى مذهب الزمخشري أأنكحها وتحبين ذلك وهو استفهام تعجب من كونها تطلب أن يتزوج غيرها مع ما طبع عليه النساء من الغيرة (فقلت: نعم) حرف جواب مقرّر لما سبق نفيًا أو إثباتًا (لست لك بمخلية) بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر اللام والباء زائدة في النفي أي لست خالية من ضرّة غيري. قال في النهاية: المخلية التي تخلو بزوجها وتنفرد به أي لست لك بمتروكة لدوام الخلوة به وهذا البناء إنما يكون من أخليت ويقال: أخلت المرأة فهي مخلية فأما من خلوت فلا وقد جاء أخليت بمعنى أخلوت، وقال ابن الأثير في موضع آخر: أي لم أجدك خاليًا من الزوجات غيري وليس من قولهم امرأة مخلية إذا خلت من الزوج (وأحب) بفتح الهمزة والمهملة (من شاركني) بألف بعد الشين (في خير أختي) أحب مبتدأ وهو أفعل تفضيل مضاف إلى من ومن نكرة موصوفة أي وأحب شخص شاركني فجملة شاركني في محل جر صفة لمن، ويحتمل أن تكون موصولة والجملة صلتها، والتقدير أحب المشاركين لي في خير أختي وفي خير متعلق بشاركني وأختي الخبر، ويجوز أن تكون أختي المبتدأ وأحب خبر مقدم لأن أختي معرفة بالإضافة وأفعل لا يتعرف بها في المعروف. قيل: والمراد بالخير صحبة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المتضمنة لسعادة الدارين الساترة لما لعله يعرض من الغيرة التي جرت بها العادة بين الزوجات وفي رواية هشام الآتية إن شاء الله تعالى وأحب من شركني فيك أختي قال في الفتح: فعرف أن المراد بالخير ذاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن ذلك) بكسر الكاف خطاب لمؤنث (لا يحل لي) لأن فيه الجمع بين الأختين (قلت فإنا نحدّث) بضم النون وفتح الحاء والدال (إنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة) درة بضم الدال المهملة وتشديد الراء (قال) عليه الصلاة والسلام (بنت أم سلمة) مفعول مقدر أي أأنكح بنت أم سلمة أو تعنين (قلت: نعم) وعدل عن قوله أبي سلمة إلى قوله أم سلمة توطئة لقوله: (فقال: لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري) بفتح الحاء وقد تكسر واسم كان ضمير بنت أم سلمة وربيبتي خبرها وربيبة فعيلة بمعنى مفعول لأن زوج الأم يربها وقال القاضي عياض الربيبة مشتقة من الرب وهو الإصلاح لأنه يربها ويقوم بأمورها وإصلاح حاله ومن ظن من الفقهاء أنه مشتق من التربية فقد غلط لأن شرط الاشتقاق الاتفاق في الحروف الأصلية والاشتراك فيها فإن آخر رب باء موحدة وآخر ربي ياء مثناة تحتية وجواب لو قوله (ما حلت لي) يعني لو كان بها مانع واحد لكفى في التحريم فكيف وبها مانعان وقوله في حجري تأكيد وراعى فيه لفظ الآية ولا مفهوم له عند الجمهور بل خرج مخرج الغالب وقد تمسك بظاهره داود الظاهري فأحل الربيبة البعيدة التي لم تكن في الحجر (إنها لابنة أخي من الرضاعة) اللام في قوله لابنة هي الداخلة في خبر إن (أرضعتني وأبا سلمة ثويبة) بضم المثلثة وفتح الواو وبعد التحتية الساكنة موحدة والجملة مفسرة لا محل لها من الإعراب ولا يجوز أن تكون بدلًا من خبر إن ولا خبرًا بعد الخبر لعدم الضمير. وأبا سلمة معطوف على المفعول أو مفعول معه (فلا تعرضن عليّ) بتشديد الياء (بناتكن ولا أخواتكن) لا ناهية وتعرضن فعل مضارع والنون الخفيفة نون جماعة النسوة والفعل معها مبنيّ ومع أختيها الشديدة والخفيفة وشرط ابن مالك أن تكون مباشرة مثل لينبذن فن لم تكن مباشرة نحو ولا تتبعان فأما ترين وليسجننه فهو معرب والأكثرون على أن المؤكد بالنون مبني مطلقًا باشرته النون أم لم تباشره، وزعم آخرون

أنه معرب مطلقًا باشرته أم لم تباشره، والصحيح التفصيل الذي اختاره ابن مالك من جهة القياس، وتعرضن هنا بفتح الفوقية وسكون العين والضاد المعجمة بينهما راء مكسورة وآخره نون خفيفة كذا في الفرع بناء على أنه لم يتصل به نون تأكيد وإنما اتصل بالفعل نون جماعة المؤنث فإن روي فلا تعرضن بضم الضاد فالخطاب للمذكرين لأنه لو كان لمؤنثات لكان فلا تعرضنان لأنه يجتمع ثلاث نونات فيفرق بينها بالألف ومتى قدر أنه اتصل به ضمير جماعة المذكرين فتغليبًا لهم في الخطاب على المؤنثات الحاضرات فأصله لا تعرضونن فاستثقل اجتماع ثلاث نونان فحذف نون الرفع فالتقى ساكنان فحذفن الواو لاعتلالها وبقي النون المشددة لصحتها وإن كان الخطاب لأم حبيبة وحدها فبكسر الضاد وتشديد النون. وقال القرطبي جاء بلفظ الجمع وإن كانت القصة لاثنتين وهما أم حبيبة وأم سلمة ردعًا وزجرًا أن تعود واحدة منهما أو غيرهما إلى مثل هذا. (وقال غيره) بن الزبير بالإسناد السابق (وثويبة) المذكورة (مولاة لأبي لهب) واختلف في إسلامها قال أبو نعيم لا نعلم أحدًا ذكر إسلامها غير ابن منده (كان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) معطوف على أعتقها وظاهره أن عتقه لها كان قبل إرضاعها والذي في السير أن أبا لهب أعتقها قبيل الهجرة وذلك بعد الإرضاع بدهر طويل (فلما مات أبو لهب أريه بعض أهله) في المنام قيل هو العباس (بشرّ حيبة) بكسر الحاء المهملة وبعد التحية الساكنة موحدة والباء في بشر باء المصاحبة وهي باء الحال أي متلبسًا بسوء حال أو كائنًا به وهذه الرؤية حلمية فتتعدّى إلى مفعولين كالعلمية عند ابن مالك وموافقيه فبعض المرفوع قائم مقام المفعول الأول والثاني المتصل به، وقيل يتعدى لواحد فيكون تعدّيه هنا إلى اثنين بالنقل بالهمزة ولا بد من تقدير في المنام وحذف للعلم به والجملة معترضة لا محل لها من الإعراب وعند المستملي كما قال في الفتح خيبة بفتح الخاء المعجمة أي في حالة خائبة من كل خير وعزاها في الفرع كأصله لغير الحموي والمستملي (قال) ولأبي ذر فقال (له) الرائي: (ماذا لقيت)؟ بعد الموت (قال أبو لهب: لم ألق بعدكم خيرًا) كذا في الفرع بإثبات المفعول. وقال في الفتح: إنه بحذفه في الأصول. قلت: والذي في اليونينية هو الحذف، وقال ابن بطال: سقط المفعول من رواية البخاري ولا يستقيم الكلام إلا به، وفي رواية الإسماعلي لم ألق بعد رخاء ولعبد الرزاق عن معمر عن الزهري لم ألق بعدكم راحة (غير أني سقيت) بضم السين مبنيًّا للمفعول (في هذه) زاد عبد الرزاق وأشار إلى النقرة التي تحت إبهامه وغير نصب على الاستثناء (بعتاقتي ثويبة) بفتح العين مصدر عتق يقال عتق يعتق بالكسر عتقًا وعتاقًا وعتاقة والمصدر هنا مضاف إلى الفاعل وثويبة مفعول للمصدر وفي رواية عبد الرزاق بعتقي. قال في الفتح: وهو أوجه والوجه أن يقول بإعتاقي لأن المراد التخلص من الرقّ انتهى. وتعقبه العيني فقال: هذا أخذه من كلام الكرماني فإنه قال: معناه التخلص من الرقيّة فالصحيح أن يقال بإعتاقي قال: وكلٌّ منهما لم يحرر كلامه فإن العتق والعتاقة والعتاق كلها مصادر من عتق العبد وقوله وهو أوجه غير موجه لأن العتق والعتاقة واحد في المعنى فكيف يقول: العتق أوجه؟ ثم قوله: والوجه أن يقول بإعتاقي لأن المراد التخلص من الرقّ كلام من ليس له وقوف على كلام القوم فإن صاحب المغرب قال: العتق الخروج من المملوكية وهو التخلص من الرقية وقد تقدم أن العتق يقوم مقام الإعتاق الذي هو مصدر أعتقه مولاه انتهى. واستدلّ بهذا على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة وهو مردود بظاهر قوله: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا} [الفرقان: 23] لا سيما والخبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدّثه به وعلى تقدير أن يكون موصولًا فلا يحتج به إذ هو رؤيا منام لا يثبت به حكم شرعي لكن يحتمل أن يكون ما يتعلق بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مخصوصًا من ذلك بدليل التخفيف عن أبي

21 - باب من قال: لا رضاع بعد حولين، لقوله تعالى: {حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} وما يحرم من قليل الرضاع وكثيره

طالب المروي في الصحيح والله أعلم. 21 - باب مَنْ قَالَ: لاَ رَضَاعَ بَعْدَ حَوْلَيْنِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} وَمَا يُحَرِّمُ مِنْ قَلِيلِ الرَّضَاعِ وَكَثِيرِهِ باب من قال: لا رضاع بعد حولين لقوله تعالى: {حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة: 233]. قال في الكشاف: فإن قلت: كيف اتصل قوله لمن أراد بما قبله؟ قلت: هو بيان لمن توجه إليه الحكم كقوله تعالى: {هيت لك} بيان للمهيت به أي هذا الحكم لمن أراد إتمام الرضاع وعن قتادة حولين كاملين. ثم أنزل الله اليسر والتخفيف. فقال: {لمن أراد أن يتم الرضاعة} أراد أنه يجوز النقصان. وعن الحسن ليس ذلك بوقت لا ينقص منه بعد أن لا يكون في الفطام ضرر، وقيل اللام متعلقة بيرضعن كما تقول أرضعت فلانة لفلان ولده أي يرضعن حولين لمن أراد أن يتم الرضاعة من الآباء لأن الأب يجب عليه إرضاع الولد دون الأم وعليه أن يتخذ له ظئرًا إلا إذا تطوعت الأم بإرضاعه وهي مندوبة إلى ذلك ولا تجبر عليه انتهى. فقد جعل تعالى تمام الرضاعة في الحولين فأشعر بأن الحكم بعدها بخلافه لأن الولد يستغني غالبًا بغير اللبن ولا يشبعه بعد ذلك إلا اللحم والخبز ونحوهما. وفي حديث ابن مسعود عند أبي داود لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم وهو عنده أيضًا مرفوع بمعناه وقال: أنشر العظم. وقد ورد ظواهر أحاديث تمسك بها العلماء فذهب الشافعي والجمهور إلى إناطة الحكم بالحولين بالأهلة من تمام انفصال الولد، وعن أبي حنيفة إناطته بحولين ونصف وعن زفر بثلاثة وعن مالك بزيادة أيام بعد الحولين وعنه بزيادة شهر وشهرين ورواية بثلاثة أشهر لأنه يغتفر بعد الحولين مدة يدمن فيها الطفل على الفطام لأن العادة أن الطفل لا يفطم دفعة واحدة بل على التدريج، وقيل لا يُزاد على الحولين وهو رواية ابن وهب عن مالك، وبه قال الجمهور لحديث ابن عباس عند الدارقطي مرفوعًا لا رضاع إلا ما كان في الحولين، وللترمذي وحسنه: لإرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الحولين. وأما حديث سهلة السابق بعضه في باب الأكفاء في الدين أنها قالت: يا رسول الله إنّا كنا نرى سالمًا ولدًا وقد أنزل الله فيه ما قد علمت فماذا تأمرني؟ فقال: "أرضعيه خمس رضعات يحرم بهن عليك" ففعلت فكانت تراه ابنًا فأجاب عنه الشافعي وغيره: بأنه مخصوص بسالم. قال القاضي: ولعل سهلة حلبت لبنها فشربه من غير أن يمص ثديها ولا التقت بشرتاهما. قال النووي: وهو حسن، ويحتمل أنه عفي عن مسّه للحاجة كما خصّ بالرضاعة مع الكبر انتهى. وظاهر قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أرضعيه يقتضي ذلك لا الحلب، وقد نقل التاج ابن السبكي أن والده قال لامرأة أرادت أن تحج مع كبير أجنبي: أرضعيه تحرمي عليه وفيه دلالة على أنه كان يرى مذهب عائشة فإنها كانت تأمر بنات إخوتها وأخواتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها وإن كان كبيرًا خمس رضعات ثم يدخل عليها. وقال ابن المنذر: لا يخلو أن يكون حديث سهلة منسوخًا. (وما يحرم من قليل الرّضاع وكثيره) تمسكًا بعمومات أحاديث كحديث الباب وهو قول مالك وأبي حنيفة ومشهور مذهب أحمد وذهب آخرون إلى أن الذي يحرم ما زاد على رضعة وورد عن عائشة عشر رضعات أخرجه مالك في الموطأ. وعنها أيضًا سبع أخرجه ابن أبي خيثمة بإسناد صحيح، وعنها أيضًا في مسلم كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس رضعات محرمات، ثم توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهن مما يقرأ وإلى هذا ذهب إمامنا الشافعي رحمه الله تعالى. 5102 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَشْعَثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ، كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، فَقَالَتْ: إِنَّهُ أَخِي، فَقَالَ: «انْظُرْنَ مَا إِخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأشعث) بالشين المعجمة والعين المهملة والمثلثة (عن أبيه) أبي الشعثاء سليم بن الأسود المحاربي الكوفي (عن مسروق) أي ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عليها) حجرتها (وعندها رجل). قال في الفتح: لم أقف على اسمه وأظنه ابنًا لأبي القعيس، وغلط من قال إنه عبد الله بن يزيد رضيع عائشة لأن عبد الله هذا تابعي باتفاق الأئمة وكان أمه التي أرضعت عائشة عاشت بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ

22 - باب لبن الفحل

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلذا قيل له رضيع عائشة (فكأنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تغير وجهه كأنه كره ذلك) ولمسلم فاشتدّ عليه ذلك ورأيت الغضب في وجهه (فقالت) عائشة: (إنه) أي الرجل (أخي) من الرضاعة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (انظرن) أي اعرفن وتأملن (من إخوانكن) ومن استفهامية مفعول به ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ما إخوانكن إيقاعًا لما موقع من والأوّل أوجه والإخوان جمع أخ لكنه أكثر ما يستعمل لغة في الأصدقاء بخلاف غيرهم ممن هو بالولادة فيقال فيهم إخوة وكذا الرضاع كما في هذا الحديث (فإنما الرضاعة من المجاعة) تعليل للحث على إمعان النظر والتفكّر فإن الرضاعة تجعل الرضيع محرمًا كالنسب ولا يثبت ذلك إلا بإنبات اللحم وتقوية العظم فلا يكفي مصّة ولا مصّتان بل أن تكون الرضاعة من المجاعة فيشبع الولد بذلك ويكون ذلك في الصغر ومعدته ضعيفة يكفيه اللبن ويشبعه ولا يحتاج إلى طعام آخر. وهذا الحديث سبق في باب الشهادة على الأنساب من كتاب الشهادة. 22 - باب لَبَنِ الْفَحْلِ (باب لبن الفحل) بفتح الفاء وسكون الحاء المهملة الرجل هل يثبت حرمة الرضاع بينه وبين الرضيع ويصير ولدًا له أم لا ونسبة اللبن إليه مجاز لكونه سببًا فيه. 5103 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا وَهْوَ عَمُّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ بَعْدَ أَنْ نَزَلَ الْحِجَابُ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي صَنَعْتُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آذَنَ لَهُ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن أفلح) بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح اللام بعدها حاء مهملة (أخا أبي القعيس) بضم القاف وفتح العين المهملة وسكون التحتية بعدها سين مهملة وأخا نصب بدلًا من أفلح وعلامة نصبه الألف وأبي مضاف والقعيس مضاف إليه وهذا هو المشهور أي أفلح أخو أبي القعيس واسم أبي القعيس وائل بن أفلح الأشعري كما عند الدارقطني (جاء) حال كونه (يستأذن عليها وهو) أي أفلح (عمها) أي عم عائشة (من الرضاعة) وكان مقتضى السياق أن تقول: وهو عمي لكنه من باب الالتفات وفي رواية معمر عن الزهري وكان أبو القعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة رواه مسلم وأفلح أخو أبي القعيس فصار عمها من الرضاعة وكان استئذانه عليها (بعد أن نزل الحجاب) أي آية الحجاب أو حكمه آخر سنة خمس (فأبيت) فامتنعت (أن آذن له) بالمدّ للتردّد هل هو محرم وغلبت التحريم على الإباحة وزاد في رواية عراك السابقة في الشهادات فقال أتحتجبين مني وأنا عمك (فلما جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته بالذي نعت فأمرني) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن آذن له) بالمدّ أيضًا. وفيه دليل على أن لبن الفحل يحرم حتى تثبت الحرمة في جهة صاحب اللبن كما تثبت في جانب المرضعة، فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أثبت عمومة الرضاع وألحقها بالنسب لأن سبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة معًا، فوجب أن يكون الرضاع منهما، ولذا أشار ابن عباس بقوله المروي عند ابن أبي شيبة: اللقاح واحد وهذا مذهب الشافعي وأي حنيفة وصاحبيه ومالك وأحمد كجمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، وقال قوم منهم ربيعة الرأي وابن علية وابن بنت الشافعي وداود وأتباعه: الرضاعة من قبل الرجل لا تحرم شيئًا واحتج بعضهم لذلك بأن اللبن لا ينفصل من الرجل وإنما ينفصل من المرأة فكيف تنتشر الحرمة إلى الرجل. وأجيب: بأنه قياس في مقابلة النص فلا يلتفت إليه. وهذا الحديث سبق في كتاب الشهادات. 23 - باب شَهَادَةِ الْمُرْضِعَةِ (باب) حكم (شهادة المرضعة) وحدها بالرضاعة. 5104 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ عُقْبَةَ لَكِنِّي لِحَدِيثِ عُبَيْدٍ أَحْفَظُ قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: أَرْضَعْتُكُمَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ فُلاَنَةَ بِنْتَ فُلاَنٍ فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ لِي: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، وَهْيَ كَاذِبَةٌ. فَأَعْرَضَ فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ قُلْتُ إِنَّهَا كَاذِبَةٌ قَالَ: «كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا، دَعْهَا عَنْكَ». وَأَشَارَ إِسْمَاعِيلُ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى يَحْكِي أَيُّوبَ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) المعروف بأمه علية قال: (أخبرنا أيوب) السختياني (عن عبد الله بن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام وسكون التحتية أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عبيد بن أبي مريم) المكي ذكره ابن حبان في ثقات التابعين وليس له في الصحيح سوى هذا الحديث (عن عقبة بن الحارث) القرشي المكي الصحابي (قال) عبد الله بن أبي مليكة (وقد سمعته) أي هذا الحديث (من عقبة) بن الحارث. قال الحافظ ابن حجر: والعمدة فيه

24 - باب ما يحل من النساء وما يحرم. وقوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت} إلى آخر الآية، وقال أنس: {والمحصنات من النساء} ذوات الأزواج الحرائر حرام {إلا ما ملكت أيمانكم} لا يرى بأسا أن ينزع الرجل جاريته من عبده. وقال: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} وقال ابن عباس: ما زاد على أربع فهو حرام كأمه وابنته وأخته

على سماع ابن أبي مليكة من عقبة نفسه (لكني لحديث عبيد أحفظ قال) عقبة بن الحارث: (تزوجت امرأة) هي أم يحيى بنت أبي إهاب (فجاءتنا امرأة سوداء) أي تسم (فقالت) لنا: قد (أرضعتكما) قال عقبة (فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت): يا رسول الله (تزوجت فلانة بنت فلان فجاءتنا امرأة) وفي بعض الطرق أمة (سوداء فقالت لي: إني قد) ولأبي ذر لقد (أرضعتكما وهي كاذبة) في قولها (فأعرض عنه) من باب الالتفات ولأبي ذر عن الكشميهني عني (فأتيته من قبل وجهه) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة وجهه (قلت: إنها كاذبة. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كيف) تصنع (بها) أي بالتي تزوجتها أو أي فعل تفعل بها (وقد زعمت) أي المرأة السوداء (أنها قد أرضعتكما دعها) اتركها (عنك) أي على سبيل الاحتياط والورع لا الحكم بثبوت الرضاع وفساد النكاح بمجرد قول المرضعة إذ لم يجر بحضرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترافع وإداء شهادة بل كان ذلك مجرد إخبار واستفتاء ثم لو شهدت المرضعة عند حاكم قبلت، ولو قالت: أرضعته لأنها لم تجر بشهادتها نفعًا ولم تدفع بها ضررًا بخلاف شهادتها بولادتها لجرها نفع النفقة والإرث وغيرهما ولا نظر إلى ما يتعلق بشهادتها من ثبوت الحرمة وحل الخلوة فإن الشهادة لا ترد بمثل ذلك بدليل قبول شهادة الطلاق، وإن استفيد بها حل المناكحة وليس المراد قبول شهادتها وحدها بل لا تقبل عند الشافعي إلا مع ثلاث نسوة أخرى وأن لا تكون طالبة أجرة على الرضاع فإن طلبتها فلا تقبل لاتهامها بذلك واستدلّ به الشافعية على أنه لو شهدت واحدة أو أكثر ولم يتم النصاب بالرضاع فالورع للرجل أن يجتنبها بأن لا ينكحها إن لم ينكحها ويطلقها إن نكحها لتحلّ لغيره ويكره له المقام معها وتقبل في الرضاع شهادة أم الزوجة وبنتها مع غيرهما حسبة بلا تقدّم دعوى، وإن احتمل كون الزوجة مدّعية لأن الرضاع تقبل فيه شهادة الحسبة. قال علي بن عبد الله المديني: (وأشار إسماعيل) ابن علية (بأصبعيه السبابة والوسطى يحكي) إشارة (أيوب) السختياني حيث يحكي فعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث أشار بيده وقال بلسانه: دعها عنك فحكى ذلك كل راوٍ لمن دونه. وسبق الحديث في كتاب العلم في باب الرحلة وفي باب شهادة: الإماء والعبيد في كتاب الشهادات. 24 - باب مَا يَحِلُّ مِنَ النِّسَاءِ وَمَا يَحْرُمُ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} إِلَى آخِرِ الآيَةَ، وَقَالَ أَنَسٌ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} ذَوَاتُ الأَزْوَاجِ الْحَرَائِرُ حَرَامٌ {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَنْزِعَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ. وَقَالَ: {وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ فَهْوَ حَرَامٌ كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ (باب ما يحل من النساء وما يحرم) منهن (وقوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم}) أي نكاح أمهاتكم فهو من مجاز الحذف الذي دل العقل على حذفه ({وبَناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت}) [النساء: 23] (إلى آخر الآية) وساق في رواية كريمة إلى قوله: {وأخواتكم} وقال: الآيتين إلى قوله: {إن الله كان عليمًا حكيمًا} والأمهات كل أنثى ولدتك أو ولدت من ولدك ذكرًا كان أو أنثى بواسطة أو بغيرها، والبنات كل أنثى ولدتها أو ولدت من ولدها ذكرًا كان أو أنثى بواسطة أو بغيرها، والأخوات كل أنثى ولدها أبواك أو أحدهما والعمات كل أخت ذكر ولدك بواسطة وبغيرها. والخالات كل أخت أنثى ولدتك بواسطة أو بغيرها فأخت أبي الأم عمة لأنها أخت ذكر ولدك بواسطة، وأخت أم الأب خالة لأنها أخت أنثى ولدتك بواسطة، وبنات الأخ وبنات الأخت وإن بعدن لا من دخلت في اسم ولد العمومة والخؤولة فلا تحرم. (وقال أنس) أي ابن مالك مما وصله إسماعيل القاضي في كتابه أحكام القرآن بإسناد صحيح من طريق سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أنس بن مالك أنه قال: في قوله تعالى: ({والمحصنات من النساء}) أي (ذوات الأزواج) لأنهن أحصن فروجهن بالتزويج (الحرائر حرام) نكاحهن إلا بعد طلاق أزواجهن وانقضاء عدتهن ({إلا ما ملكت أيمانكم}) [النساء: 24] (لا يرى بأسًا) حرجًا (أن ينزع) وفي نسخة أن يزوج (الرجل جاريته) وللكشميهني جارية (من) تحت (عبده) فيطأها والأكثرون على أن المراد بما ملكت أيمانهم اللاتي سبين ولهن أزواج في دار الكفر فهن حلال لغزاة المسلمين وإن كن محصنات. (وقال) الله تعالى: ({ولا تنكحوا المشركات})

أي لا تتزوجوهن أو لا تزوجوهن ({حتى يؤمن}) [البقرة: 221] أي المشركات فمن موانع النكاح الكفر فيحرم مناكحة غير أهل الكتابين التوراة والإنجيل وإن كان لهم شبهة كتاب إذ لا كتاب بأيديهم وكذا من المتمسكين بصحف شيث وإدريس وإبراهيم وزبور داود لأنها لم تنزل بنظم يدرس ويتلى وإنما أوحى إليهم معانيها أو أنها لم تتضمن أحكامًا وشرائع بل كانت حكمًا ومواعظ. وكذا يحرم نكاح سائر الكفار كعبدة الشمس والقمر والصور والنجوم والمعطلة والزنادقة والباطنية بخلاف أهل الكتابين. وفرق القفال بين الكتابية وغيرها بأن غيرها اجتمع فيه نقصان الكفر في الحال وفساد الدين في الأصل والكتابية فيها نقص واحد وهو كفرها في الحال. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله الفريابي وعبد بن حميد بإسناد صحيح عنه أنه قال في قوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} (ما زاد على أربع) من الزوجات (فهو حرام كأمه وابنته وأخته) أما العبد فيحرم عليه ما زاد على اثنتين. قاله البخاري بالسند إليه. 5105 - وَقَالَ لَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِي حَبِيبٌ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَرُمَ مِنَ النَّسَبِ سَبْعٌ وَمِنَ الصِّهْرِ سَبْعٌ. ثُمَّ قَرَأَ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]. الآيَةَ وَجَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ مَرَّةً ثُمَّ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ. وَجَمَعَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَيْنَ ابْنَتَيْ عَمٍّ فِي لَيْلَةٍ، وَكَرِهَهُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ لِلْقَطِيعَةِ وَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا زَنَى بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ. وَيُرْوَى عَنْ يَحْيَى الْكِنْدِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ وَأَبِي جَعْفَرٍ فِيمَنْ يَلْعَبُ بِالصَّبِيِّ إِنْ أَدْخَلَهُ فِيهِ فَلاَ يَتَزَوَّجَنَّ أُمَّهُ. وَيَحْيَى هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ، لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا زَنَى بِهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي نَصْرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَرَّمَهُ، وَأَبُو نَصْرٍ هَذَا لَمْ يُعْرَفْ بِسَمَاعِهِ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَيُرْوَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالْحَسَنِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَ: تَحْرُمُ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لاَ تَحْرُمُ حَتَّى يُلْزِقَ بِالأَرْضِ يَعْنِي يُجَامِعَ. وَجَوَّزَهُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ وَالزُّهْرِيُّ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عَلِيٌّ لاَ تَحْرُمُ وَهَذَا مُرْسَلٌ. (وقال لنا أحمد بن حنبل) الإمام الأعظم في المذاكرة أو الإجازة. وليس للبخاري عنه في هذا الكتاب إلا هذا وحديث في آخر المغازي بواسطة (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (حبيب) هو ابن أبي ثابت (عن سعيد) ولأبي ذر زيادة ابن جبير (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه قال: (حرم) عليكم (في النسب سبع) من النساء (ومن الصهر) منهن (سبع ثم قرأ {حرمت عليكم أمهاتكم} الآية) والتحريم يطلق بمعنى التأثيم وعدم الصحة وهو المراد هنا، ويطلق بمعنى التأثيم فقط فيجامع الصحة كما في نكاح مخطوبة الغير مع بقاء خطبته، وزاد الطبراني من طريق عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس في آخر الحديث. ثم قرأ: {حرمت عليكم أمهاتكم} حتى بلغ {وبنات الأخ} ثم قال: هذا النسب ثم قرأ: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} حتى بلغ {وأن تجمعوا بين الأختين} وقرأ {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} [النساء: 22] فقال: هذا الصهر وفي تسميته ما هو بالرضاع صهرًا تجوز وكذلك امرأة الغير. والموانع قسمان: مؤبد وغير مؤبد والمؤبد له أسباب قرابة، ورضاع، ومصاهرة، فيحرم بالمصاهرة أمهات الزوجة وإن علون لقوله تعالى: {وأمهات نسائكم} وأزواج آبائه وإن علوا لقوله تعالى: {ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء} وأزواج أبنائه وإن سفلوا لقوله تعالى: {وحلائل أبنائكم} وقوله: {الذين من أصلابكم} لإخراج زوجة من تبناه لا زوج ابن الرضاع لتحريمها بما سبق وقدم على مفهوم الآية لتقدم المنطوق على المفهوم حيث لا مانع وكل من هؤلاء المحرمات من النوعين يحرمن بمجرد العقد الصحيح دون الفاسد إذ لا يفيد الحل في المنكوحة والحرمة في غيرها فرع الحل فيها وأما بنت زوجته وإن سفلت فلا تحرم إلا بالدخول بالأم كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. (وجمع عبد الله بن جعفر) أي ابن أبي طالب (بين ابنة علي) زينب (و) بين (امرأة علي) ليلى بنت مسعود فجمع بين المرأة وبنت زوجها وهذا وصله البغوي في الجعديات. (وقال ابن سيرين) محمد فيما وصله سعيد بن منصور بسند صحيح لما قيل له: إن عبد الله بن صفوان تزوج امرأة رجل من ثقيف وابنته من غيرها (لا بأس به. وكرهه) أي الجمع بين المرأة وبنت زوجها (الحسن) البصري (مرة ثم قال: لا بأس به) وهذا وصله الدارقطني. (وجمع الحسن بن الحسن بن علي) أي ابن أبي طالب فيما وصله عبد الرزاق وأبو عبيد بن سلام (بين ابنتي عم في ليلة) واحدة وهما بنت محمد بن علي وبنت عمر بن علي فقال محمد بن علي: هو أحب إلينا منهما، وزاد عبد الرزاق والشافعي من وجه آخر عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد بن علي ابن الحنفية فأصبح النساء لا يدرون أين يذهبن. (وكرهه) أي الجمع المذكور (جابر بن زيد) أبو الشعثاء البصري التابعي (للقطيعة) أي لوقوع التنافس بينهما في الحظوة عند الزوج فيؤدي ذلك إلى القطيعة. وقد أخرج أبو داود وابن أبي شيبة

من مرسل عيسى بن طلحة نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة. وأخرج الخلال من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يكرهون الجمع بين القرابة مخافة الضعائن قال البخاري تفقهًّا: (وليس فيه تحريم لقوله تعالى: ({وأحل لكم ما وراء ذلكم}) [النساء: 24] وانعقد الإجماع عليه. (وقال عكرمة عن ابن عباس): فيما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس (إذا زنى بأخت امرأته لم تحرم عليه امرأته) لأن النهي عن الجمع بين الأختين إنما هو إذا كان بعقد التزويج. (ويروى عن يحيى) بن قيس (الكندي عن الشعبي) عامر بن شراحيل (وأبي جعفر) ولأبي ذر عن المستملي وابن جعفر. قال في الفتح: والأول هو المعتمد أنهما قالا (فيمن يلعب بالصبي إن أدخله فيه) يعني لاط به (فلا يتزوجن أمه) وهذا مذهب الحنابلة وعبارة التنقيح ومن تلوط بغلام أو بالغ حرم على كل واحد منهما أم الآخر وابنته نصًّا والجمهور على خلافه قال البخاري: (ويحيى) الكندي (هذا غير معروف) أي غير معروف العدالة، وقد ذكره المؤلّف في تاريخه وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا، وذكره ابن حبان في الثقات وقد ارتفع عنه الجهالة برواية من ذكر (ولم يتابع) بفتح الموحدة (عليه) أي على ما رواه هنا وقوله ويروى عن يحيى إلى آخره ثابت في رواية الكشميهني والمستملي قال ابن الملقن: في عجالته وهذه مقالة عجيبة لو نزّه البخاري عنها كتابه لكان أولى. (وقال عكرمة: عن ابن عباس) فيما وصله البيهقي (إذا زنى بها) أي بأم امرأته (لا تحرم عليه امرأته) لأن الحرام لا يحرم الحلال، وكذا لا يحرم عليه بنت من زنى بها ولو كانت من مائه إذ لا حرمة لماء الزنا فهي أجنبية عنه شرعًا بدليل انتفاء سائر أحكام النسب عنها سواء طاوعته أمها على الزنا أم لا ولو أرضعت المرأة بلبن الزاني صغيرة فكبنته قاله المتولي، أما المرأة فيحرم عليها وعلى سائر محارمها نكاح ابنها من الزنا لعموم الآية ولثبوت النسب والإرث بينهما، والفرق أن الابن كعضو منها وانفصل منها إنسانًا ولا كذلك النطفة التي خلقت منها البنت. نعم يكره نكاح المخلوقة من زناه خروجًا من خلاف من حرمها عليه. قال المرداوي من الحنابلة: وتحرم بناته من حلال أو حرام أو شبهة. (ويذكر عن أبي نصر) الأسدي الثقة فيما قاله أبو زرعة فيما وصله الثوري في جامعه (أن ابن عباس حرمه) ولفظ الثوري أن رجلًا قال: إنه أصاب أُم امرأته أي زنى بها فقال له ابن عباس: حرمت عليك امرأتك وذلك بعد أن ولدت منه سبعة أولاد كل بلغ مبالغ الرجال. قال البخاري: (وأبو نصر هذا لم يعرف) مبني للمفعول (سماعه) رفع مفعول ناب عن فاعله والذي في اليونينية بسماعه (عن ابن عباس) وعدم معرفة المؤلّف ذلك لا يستلزم نفي معرفة غيره به لا سيما وقد وصفه أبو زرعة بالثقة. (ويروى عن عمران بن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين الصحابي فيما وصله عبد الرزاق بإسناد لا بأس به (و) عن (جابر بن زيد) التابعي (والحسن) البصري فيما وصله ابن أبي شيبة من طريق قتادة عنهما (و) عن (بعض أهل العراق) ومنهم الثوري (قال) سقط قوله قال: من اليونينية وآل ملك كلٌّ منهم (يحرم عليه) نكاح امرأته والذي في اليونينية تحرم بالفوقية وسقوط لفظ عليه أي تحرم المرأة أي نكاحها إذا فجر بأمها وكذا هي، وبه قال أبو حنيفة وصاحباه خلافًا للجمهور لأن النكاح في الشرع إنما يطلق على المعقود عليها لا على مجرد الوطء. (وقال أبو هريرة: لا يحرم عليه) نكاح البنت (حتى يلزق) بضم التحتية وكسر الزاي (وبالأرض يعني يجامع) الأم خلافًا للحنفية فإنهم قالوا إذا مسّ أُم زوجته أو نظر إلى داخل فرجها وهو ما يرى منها عند استلقائها بشهوة وجدها حرمت زوجته، وحدّ الشهوة إن كان شابًّا أن تنتشر آلته بها أو تزداد انتشارًا إن كانت منتشرة قبله، وإن كان شيخًا أو عنينًا فحدّها أن يتحرك قلبه أو يزداد تحركه ولا يعرف

25 - باب {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن}

ذلك إلا بقوله، وفي التبيين وجود الشهوة من أحدهما يكفي، ولو رأى فرجها من وراء الزجاج ثبتت الحرم، ولو رآه في المرآة لا تثبت، ولو مسها بحائل إن وصل حرارة البدن إلى يده ثبتت الحرمة وإلاّ فلا. ولا فرق بين أن يكون المسّ عمدًا أو خطأ أو ناسيًا أو مُكرَهًا، وشرطه أن لا ينزل فلو أنزل عند اللمس أو النظر لم تثبت به حرمة لأنه ليس مفضيًا إلى الوطء لانقضاء الشهوة انتهى. (وجوّزه) أي المقام مع الزوجة وإن زنى بأمها (ابن المسيب) سعيد (وعروة) بن الزبير (والزهري) محمد بن مسلم بن شهاب لما مرّ قريبًا. (وقال الزهري): فيما وصله البيهقي (وقال علي) هو ابن أبي طالب في رجل وطئ أُم امرأته (لا يحرم) المقام مع امرأته. ولفظ البيهقي لا يحرم الحرام الحلال. قال البخاري: (وهذا) الحديث، ولأبي ذر: وهو (مرسل) أي منقطع فأطلق المرسل على المنقطع. 25 - باب {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الدُّخُولُ وَالْمَسِيسُ وَاللِّمَاسُ هُوَ الْجِمَاعُ. وَمَنْ قَالَ: بَنَاتُ وَلَدِهَا مِنْ بَنَاتِهِ فِي التَّحْرِيمِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأُمِّ حَبِيبَةَ، «لاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ» وَكَذَلِكَ حَلاَئِلُ وَلَدِ الأَبْنَاءِ هُنَّ حَلاَئِلُ الأَبْنَاءِ، وَهَلْ تُسَمَّى الرَّبِيبَةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي حَجْرِهِ وَدَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَبِيبَةً لَهُ إِلَى مَنْ يَكْفُلُهَا»، وَسَمَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْنَ ابْنَتِهِ ابْنًا. هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وَربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن}) [النساء: 23] قال الزمخشري: من نسائكم متعلق بربائبكم ومعناه أن الربيبة من المرأة المدخول بها محرمة على الرجل حلال له إذا لم يدخل بها انتهى. وذكر الحجور جرى على الغالب فلا مفهوم له ولا فرق بين أن يكون الدخول في عقد صحيح أو فاسد، والمراد بالدخول الوطء على الأصح من قولي الشافعي. (وقال ابن عباس: الدخول والمسيس واللماس) بكسر اللام (هو الجماع) وهو الأصح من قولي الشافعي وقاله أبو حنيفة (ومن قال بنات ولدها) أي المرأة (من بناته) وفي نسخة هن من بناتها أي كحكم بناتها (في التحريم) على الرجل (لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الآتي موصولًا (لأم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان (لا تعرضن) بفتح الفوقية وسكون العين وكسر الراء وسكون الضاد لوقوعها قبل نون النسوة مثل تضربن وخطابه لجمع النسوة وإن كانت القصة لامرأتين لأم سلمة وأم حبيبة ليعم الحكم كل امرأة وردعًا وزجرًا أن يعود له أحد بمثل ذلك (عليّ بناتكن) وبنت الابن بنت (ولا أخواتكن. وكذلك حلائل ولد الأبناء) أي أزواجهم (هن حلائل الأبناء) أي مثلهن في التحريم وهذا بالاتفاق فكذلك بنات الأبناء وبنات البنات (وهل تسمى الربيبة وإن لم تكن في حجره) الجمهور تسمى به سواء كانت في حجره أم لا، لأن ذكر الحجر خرج مخرج العادة لا مخرج الشرط فهو تقييد عرفي لا تقييد للحكم بدليل قوله تعالى: {فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم} [النساء: 23] علق الإباحة بعدم الدخول فقط، ولو كانت الحرمة مقيدة بهما لتعلقت الإباحة بعدمهما وقال علي: لا تحرم الربيبة إلا إذا كانت في حجره لظاهر الآية، وقول عليّ هذا رواه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره وقال به أيضًا عمر بن الخطاب فيما رواه أبو عبيد. (ودفع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ربيبة له) هي زينب بنت أُم سلمة (إلى من يكلفها) وهو نوفل الأشجعي وقال له: إنما أنت ظئري. رواه البزار والحاكم موصولًا (وسمى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما سبق موصولًا في المناقب (ابن ابنته) الحسن بن علي (ابنًا) حيث قال: "إن ابني هذا سيد" وثبت قوله ومن قال إلى هنا للمستملي والكشميهني. 5106 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لَكَ فِي بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ؟ قَالَ: «فَأَفْعَلُ مَاذَا»؟ قُلْتُ: تَنْكِحُ. قَالَ: «أَتُحِبِّينَ»؟ قُلْتُ: لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِيكَ أُخْتِي. قَالَ: «إِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لِي». قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَخْطُبُ. قَالَ: «ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ»؛ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي، مَا حَلَّتْ لِي أَرْضَعَتْنِي وَأَبَاهَا ثُوَيْبَةُ فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ». وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ دُرَّةُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن زينب) بنت أبي سلمة (عن أم حبيبة) بنت أبي سفيان أنها (قالت: قلت يا رسول الله هل لك في) تزويج أختي عزّة أو درّة أو حمنة (بنت أبي سفيان؟ قال): (فأفعل ماذا)؟ قالت أم حبيبة: (قلت) يا رسول الله (تنكحـ) ـها (قال: أتحبين)؟ أي ذلك وأراد بالاستفهام الاستثبات في شدة الرغبة ليتقرر الجواب بعد ذلك، وأيضًا ليعلم السبب في محبتها ذلك ليرتب عليه الحكم الشرعي، ولذا قالت (قلت لست لك بمخلية) بضم الميم وسكون المعجمة اسم فاعل من أخلاه وجده خاليًا فهو مخل والمرأة مخلية، وهذا من معاني صيغة أفعل كأحمدته وجدته حميدًا أي لست أجدك خاليًا من الزوجات غيري (وأحب من شركني) بفتح الشين وكسر الراء وتفتح من غير ألف (فيك أختي قال) عليه

26 - باب {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف}

الصلاة والسلام: (إنها لا تحل لي) لما فيه من الجمع بين الأختين (قلت) يا رسول الله (بلغني أنك تخطب) أي بنت أبي سلمة درة (قال: ابنة أم سلمة) أي أأنكحها (قلت: نعم. قال) عليه الصلاة والسلام: (لو لم تكن ربيبتي ما حلت لي أرضعتني وأباها) بفتح الهمزة والموحدة المخففة أي والد درة أبا سلمة (ثويبة) رفع على الفاعلية وقوله: لو لم قال في المصابيح: هذا مثل نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه فإن حلها للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منتف من جهتين كونها ربيبته وكونها ابنة أخيه من الرضاعة كما أن معصية صهيب منتفية من جهتي المخافة والإجلال (فلا تعرضن) بفتح التاء وكسر الراء وسكون الضاد كيضربن (عليّ بناتكن ولا أخواتكن). (وقال الليث) بن سعد الإمام (حدّثنا هشام) أي ابن عروة بالإسناد المذكور فسمى بنت أبي سلمة فقال: هي (درة) بضم الدال المهملة وفتح الراء المشددة (بنت أبي سلمة) ولأبي ذر أم سلمة فوهم من سماها زينب. 26 - باب {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وأن تجمعوا بين الأختين}) في موضع رفع عطفًا على المحرمات. أي وحرم عليكم الجمع بين الأختين لما فيه من قطيعة الرحم وإن رضيت بذلك فإن الطبع يتغير، وإليه أشار -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله: "إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامهن". كما زاده ابن حبان وغيره سواء كانتا من الأبوين أو من أحدهما من النسب أو الرضاع وسواء النكاح وملك اليمين، ولو اشترى زوجته بأن كانت أمة فله أن يتزوج أختها وأربعًا سواها لأن ذلك الفراش قد انقطع، ولو اشترى أختين صح الشراء إجماعًا لأنه لا يتعين الوطء فلو وطئ إحداهما ولو في الدبر حرمت الأخرى للجمع المنهي عنه ({إلا ما قد سلف}) [النساء: 23] من الجمع بينهما فمعفوّ عنه. 5107 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: «وَتُحِبِّينَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. لَسْتُ بِمُخْلِيَةٍ، وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ ذَلِكَ لاَ يَحِلُّ لِي». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ. قَالَ: (بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ). فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي إِنَّهَا لاَبْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ. فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (أن عروة بن الزبير) بن العوّام (أخبره أن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة) أم المؤمنين رملة (قالت: قلت يا رسول الله انكح أختي) عزة (بنت أبي سفيان قال): (وتحبين)؟ ذلك استفهام سقطت منه الأداة (قلت: نعم) أحب ذلك لأني (لست لك بمخلية) بضم الميم وسكون المعجمة أي لست أجدك خاليًا من الزوجات غيري كما مرّ وسقط لك لغير أبي ذر (وأحب من شاركني) بألف بعد المعجمة وسقطت واو وأحب لغير أبي ذر عن الكشميهني ولأبي ذر من شركني بغير ألف مع كسر الراء (في خير) في رواية الباب السابق فيك أي في ذاتك (أختي) خبر المبتدأ الذي هو أحب (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن ذلك) بكسر الكاف خطابًا بالمفرد مؤنث (لا يحل لي) لما فيه من الجمع بين الأختين (قلت: يا رسول الله فوالله إنّا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة قال) عليه الصلاة والسلام: (بنت أم سلمة) قال النووي: هو سؤال استثبات ونفي إرادة غيرها. وقال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يكون لإظهار جهة الإنكار عليها أو على من قال ذلك (فقلت: نعم قال: فوالله لو لم تكن في حجري) بفتح الحاء وسكون الجيم أي ربيبتي (ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة) اللام في لابنة هي الداخلة في خبر إن ولأبي ذر ابنة بإسقاطها أي إنها حرام لسببين لو فقد أحدهما لم يحتي إليه لوجود الآخر (أرضعتني وأبا سلمة) والدها (ثويبة فلا تعرضن عليّ بناتكن ولا أخواتكن) وتعرضن كيضربن بسكون الموحدة ويجوز تشديد النون للتوكيد فتكسر الضاد حينئذ لالتقاء الساكنين وأصله تعرضنن بثلاث نونات: الأولى نون النسوة والأخريان نون التوكيد المشددة فحذفت النون الأولى فالتقى ساكنان فكسر الأول. وهذا الحديث سبق غير مرة. 27 - باب لاَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا هذا (باب) بالتنوين (لا تنكح المرأة على عمتها) أي: ولا خالتها. 5108 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ سَمِعَ جَابِرًا رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا. وَقَالَ دَاوُدُ وَابْنُ عَوْنٍ: عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا عاصم) هو ابن سليمان الأحول (عن الشعبي) عامر بن شراحيل أنه (سمع جابرًا) الأنصاري (-رضي الله عنه-: قال): (نهى رسول الله

28 - باب الشغار

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تنكح المرأة على عمتها أو) على (خالتها) أي أخت الأب وأخت الأم. وهذا حقيقة وفي معناهما أخت الجد ولو من جهة الأم وأخت أبيه وإن علا وأخت الجدة وأمها وإن علت ولو من قبل الأب، والضابط أنه يحرم الجمع بين كل امرأتين بينهما قرابة لو كانت إحداهما ذكرًا لحرمت المناكحة بينهما، والمعنى في ذلك ما فيه من قطيعة الرحم كما مرّ مع المنافسة القوية بين الضرّتين، ولا يحرم الجمع بين المرأة وبنت خالها أو خالتها ولا بين المرأة وبنت عمها أو عمتها لأنه لو قدرت إحداهما ذكرًا لم تحرم الأخرى عليه. وهذا الحديث مخصص لقوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء: 24]. (وقال داود) بن أبي هند فيما وصله أبو داود والدارمي (وابن عون) عبد الله البصري مما وصله النسائي كلاهما (عن الشعبي عن أبي هريرة) فلفظ رواية الدارمي أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو المرأة على خالتها والعمة على بنت أخيها والخالة على بنت أختها لا الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى وهذا كالبيان والتأكيد لقوله: نهى أن تنكح المرأة على عمتها إلى آخره. ولذلك لم يجيء بينهما بالعاطف والعمة والخالة هي الكبرى وبنت الأخ وبنت الأخت هي الصغرى بحسب المزية والرتبة أو لأنهما أكبر سنًّا منهما غالبًا ولفظ أبي داود لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولفظ النسائي لا تزوج المرأة على عمتها ولا على خالتها. 5109 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلاَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا». [الحديث 5109 - أطرافه في: 5110]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس إمام الأئمة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة- رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يجمع بين المرأة وعمتها) في نكاح واحد ولا يملك اليمين (ولا بين المرأة وخالتها) نكاحًا وملكًا وحيث حرم الجمع، فلو نكحهما معًا بطل نكاحهما إذ ليس تخصيص إحداهما بالبطلان أولى من الأخرى فإن نكحهما مرتبًا بطل نكاح الثانية لأن الجمع بها حصل. 5110 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَالْمَرْأَةُ وَخَالَتُهَا، فَنُرَى خَالَةَ أَبِيهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ. وبه قال: (حدثَنا عبدان) عبد الله بن عثمان بن جبلة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: حدّثني) بالإفراد (قبيصة بن ذؤيب) بفتح القاف وكسر الموحدة وبضم المعجمة وفتح الهمزة في الثاني مصغرًا الخزاعي (أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تنكح المرأة على عمتها و) أن تنكح (المرأة وخالتها) قال الزهري: (فنرى) بضم النون أي نظن (خالة أبيها بتلك المنزلة) في التحريم. 5111 - لأَنَّ عُرْوَةَ حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ. (لأن عروة) بن الزبير (حدّثني) بالإفراد (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب) قال في الفتح: كأنه أراد إلحاق ما يحرم بالصهر بما يحرم بالنسب كما يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب ولما كانت خالة الأب من الرضاع لا يحل نكاحها فكذلك خالة الأب لا يجمع بيها وبين بنت ابن أخيها. 28 - باب الشِّغَارِ (باب الشغار) بمعجمتين الأولى مكسورة آخره راء مصدر شاغر يشاغر شغارًا ومشاغرة وسمي شغارًا إما من قولهم شغر البلد عن السلطان إذا خلا عنه لخلوّه عن المهر، وقيل لخلوه عن بعض الشرائط. وقال ثعلب: هو من قولهم شغر الكلب إذا رفع رِجله ليبول، وفي التشبيه بهذه الهيئة القبيحة تقبيح للشغار وتغليظ على فاعله كأن كلاًّ من الوليين يقول للآخر لا ترفع رِجل ابنتي حتى أرفع رِجل ابنتك. 5112 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الشِّغَارِ. وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ. [الحديث 5112 - أطرافه في: 6960]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى) نهي تحريم (عن الشغار. والشغار أن يزوّج الرجل ابنته) أو موليته من أخت وغيرها (على أن يزوّجه الآخر ابنته) أو موليته (ليس بينهما صداق) بل بضع كل منهما صداق الأخرى. وقد اختلف الرواة عن مالك فيمن ينسب إليه تفسير الشغار فالأكثر لم ينسبوه لأحد، ولذا قال الشافعي فيما حكاه البيهقي في معرفة السنن لا أدري التفسير عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو عن ابن عمر أو عن

29 - باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد

نافع الراوي عنه أو عن مالك. وقال الخطيب: إنه قول مالك وصله بالمتن المرفوع، وفي ترك الخيل من البخاري أنه من قول نافع. وقال الباجي: هو من جملة الحديث. وبالجملة فإن كان مرفوعًا فهو المراد وإن كان من قول الصحابي فمقبول لأنه أعلم بالمقال والمعنى في البطلان التشريك في البضع حيث جعل موردًّا للنكاح وصداقًا للأخرى فأشبه تزويج واحدة من اثنين. وقال القفال: العلة في البطلان التعليق والتوقيف فكأنه يقول لا ينعقد لك نكاح بنتي حتى ينعقد لي نكاح بنتك وليس المقتضي للبطلان ترك ذر الصداق لأن النكاح يصح بدون تسمية الصداق، لكن قال ابن دقيق العيد: إن قوله في الحديث ليس بينهما صداق يشعر بأن جهة الفساد ترك ذكر الصداق اهـ. وكذا لا يصح لو ذكر مع البضع مالًا كقوله زوجتك بنتي أو موليتي بألف على أن تزوجني بنتك أو موليتك بألف وبضع كلٍّ منهما صداق الأخرى لوجود التشريك المذكور فلو أسقط في هذه وسابقتها وبضع كلٍّ منهما صداق الأخرى صح النكاح إذ ليس فيه إلا شرط عقد في عقد وهو لا يفسد النكاح، ونص الإمام الشافعي في الأم على البطلان ليس فيه أنه مع إسقاط ذلك فهو مقيد بعدم إسقاطه كلما قيد به في بقية نصوصه فثبت أنه مع الإسقاط يصح النكاحان بمهر المثل لفساد المسمى، ولو قال وبضع ابنتي صداق ابنتك، ولم يزد فقبل الآخر على ذلك صح الثاني فقط. وقال الحنفية: يصح نكاح الشغار ويجب مهر المثل على كل واحد منهما. لأن النكاح مما لا يبطل بالشروط الفاسدة وها هنا شرط فيه ما لا يصلح مهرًا فيبطل شرطه ويصح عقده كما لو سمي خمرًا. وقال الحنابلة: إن سمي المهر في الشغار صح وإن سمي لإحداهما ولم يسم للأخرى صح نكاح من سمي لها. وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا في النكاح وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 29 - باب هَلْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لأَحَدٍ هذا (باب) بالتنوين (هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد)؟ من الرجال على أن ينكحها من غير ذكر صداق، أو مع ذكره أجازه الحنفية لكن قالوا يجب مهر المثل لقوله تعالى: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي} عطفًا على المحللات في قوله: {إنّا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} وقوله عليه الصلاة والسلام: "ملكتكها بما معك من القرآن" قالوا: ولا يقال الانعقاد بلفظ الهبة خاص به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدليل قوله: "خالصة لك" لأنّا نقول الاختصاص والخلوص في سقوط المهر بدليل أنها مقابلة بمن آتى مهرها في قوله تعالى: {إنّا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} إلى قوله: {وامرأة مؤمنة} وبدليل قوله تعالى: {لكيلا يكون عليك حرج} [الأحزاب: 50] والحرج بلزوم المهر دون لفظ التزويج فصار الحاصل أحللنا لك الأزواج المؤتى مهورهن والتي وهبت نفسها لك فلم تأخذ مهرًا خالصة هذه الخصلة لك من دون المؤمنين أما هم فقد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم من المهر وغيره، وقال الشافعية والجمهور: لا ينعقد إلا بلفظ التزويج أو الإنكاح فلا ينعقد بلفظ البيع والتمليك والهبة لحديث مسلم: اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولأن النكاح ينزع إلى العبادات لورود الندب فيه والأذكار في العبادات تتلقى من الشرع والشرع إنما ورد بلفظ التزويج والإنكاح، وتعقب بأنه لا حجة في قوله عليه الصلاة والسلام: استحللتم فروجهن بكلمة الله فقد قال ابن الحاجب في الأمالي: على هذا لو كان المراد لفظ التزويج ولفظ الإنكاح لكان الوجه أن يقال بكلمتي الله إذ لا يطلق المفرد على اثنين إلا فيما إذا كان معلومًا بالعادة كقولهم: أبصرته بعيني وسمعته بأُذني، وأما نحو اشتريته بدرهم والمراد بدرهمين فلا قائل به ولو سلم صحة إطلاق المفرد هنا على الاثنين لامتنّع أيضًا من جهة أنه إذا كان المراد اللفظ فاللفظ الموجود في القرآن إنما هو {أنكحوهن} ونحو: {إذا نكحتم المؤمنات} [الأحزاب: 49] و {زوجناكها} [الأحزاب: 37] وقد علم أنه إذا أخبر عن الكلمة باعتبار أنه إنما يراد صورتها ولفظها مجردة عن معناها أو مع معناها وقد علم أنه لا يقع الإنكاح بهذه الألفاظ

30 - باب نكاح المحرم

على صورتها لا بمجردها ولا بمعناها المراد بها، ولو سلم أن الإنكاح يقع بهما فليس في اللفظ ما يشعر أنه لا استحلال إلا بذلك، ولو سلم أن في اللفظ ما يشعر بالحصر فعندنا ما يأباه وهو أنه قد ذكر لفظ المراجعة معبرًا به عن التزويج. قال الله تعالى: {فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا} [البقرة: 23] والمعنى فإن طلقها الزوج الثاني ثلاثًا فلا جناح على الزوج الأول وعلى الزوجة المطلقة من هذا الثاني أن يتراجعا. فقد عبّر بالمراجعة عن التزوبج أو المراد أن يتناكحا وذلك يأبى الحصر المسلم فيه ظهوره تقديرًا انتهى. وحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زوّج امرأة فقال: "ملكتكها بما معك من بالقرآن" قيل: إنه وهم من الراوي وبتقدير صحته معارض برواية الجمهور زوجتكها. قال البيهقي: والجماعة أولى بالحفظ من الواحد ويحتمل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع بين اللفظين. 5113 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ مِنَ اللاَّئِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَا تَسْتَحِي الْمَرْأَةُ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لِلرَّجُلِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلاَّ يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ. رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبُ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَعَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) بتخفيف اللام قال: (حدّثنا ابن فضيل) بضم الفاء محمد قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير أنه (قال: كانت خولة) بفتح الخاء المعجمة (بنت حكيم) بفتح المهملة ابن أمية السلمية وكانت امرأة عثمان بن مظعون وكانت من السابقات إلى الإسلام (من اللائي) بالهمزة (وهبن أنفسهن للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت عائشة): فيه إشعار بأن عروة حمل الحديث عن عائشة فلا يكون مرسلًا (أما) بتخفيف الميم (تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل) زاد محمد بن سيرين: بغير صداق (فلما نزلت: ({ترجي}) أي تؤخر ({من تشاء منهن}) وفي رواية عبدة بن سليمان فأنزل الله: {ترجي من تشاء} [الأحزاب: 51] وهي أظهر في أن نزول هذه الآية بهذا السبب (قلت: يا رسول الله ما أرى) بفتح الهمزة (ربك إلا يسارع في هواك) أي في رضاك (رواه) أي الحديث المذكور (أبو سعيد) محمد بن مسلم بن أبي الوضاح (المؤدب) وكان مؤدب موسى الهادي فيما وصله ابن مردوبه في تفسيره من طريق منصور بن أبي مزاحم عنه (ومحمد بن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة العبدي الكوفي فيما وصله الإمام أحمد عنه بتمام الحديث (وعبدة) بن سليمان فيما وصله مسلم وابن ماجة الثلاثة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (يزيد بعضهم) في روايته (على بعض) فأما لفظ رواية ابن مردويه فهو: قالت التي وهبت نفسها للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خولة بنت حكيم وأما رواية الإمام أحمد عنها فهو كانت تعير اللاتي وهبن أنفسهن فلما نزلت: {ترجي من تشاء منهن} قالت: إني لأرى ربك يسارع لك في هواك، وأما رواية مسلم فلفظها أنها كانت تقول: أما تستحي المرأة تهب نفسها لرجل حتى أنزل الله {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء} [الأحزاب: 51] فقلت: إن ربك يسارع لك في هواك وإنما قالت عائشة: ذلك لما عندها من الغيرة التي طبعت عليها النساء، وإلاّ فقد علمت أن الله تعالى قد أباح لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأن جميع النساء لو ملكه الله رقعهن لكان قليلًا فيغتفر في الغيرة ما لا يغتفر في غيرها من الحالات والله أعلم. 30 - باب نِكَاحِ الْمُحْرِمِ (باب نكاح المحرم) بالحج أو العمرة أو بهما هل يجوز أم لا؟ والذي ذهب إليه الشافعية الثاني سواء كان الإحرام صحيحًا أو فاسدًا لحديث مسلم عن أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه مرفوعًا: المحرم لا ينكح ولا ينكح فيبطل النكاح بحرام أحد الزوجين أو العاقدين من ولي ولو حاكمًا، وتنتقل الولاية للحاكم لا للأبعد إذ الإحرام لا يسلب الولاية لبقاء الرشد والنظر، وإنما يمنع النكاح كما يمنعه إحرام الزوج والزوجة، ولو أحرم الولي أو الزوج فعقد وكيله الحلال لم يصح لأن الوكيل سفير محض، فكان كالعاقد الموكل ولو أحرم السلطان أو القاضي فلخلفائه أن يزوجوه لأن تصرفهم بالولاية لا بالوكالة كما جزم به الخفاف وصححه الروياني، وقيل هذا في السلطان لا في القاضي لأن خلفاءه لا ينعزلون بموته وانعزاله بخلاف خلفاء القاضي ويصح بشهادة المحرم لأنه ليس بعاقد ولا معقود ولو راجع امرأته وهو محرم صح لأنها استدامة كالإمساك في دوام النكاح لا ابتداء عقد، وفي انعقاد النكاح ابتداء من المحرم

31 - باب نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نكاح المتعة آخرا

بين التحللين قولان صحّح الرافعي الصحة لأنه من المحرمات التي لا توجب تعاطيها إفسادًا فأشبهت الحلق وصحح النووي البطلان لأنه محرم. وقال الحنفية: يجوز تزويج المحرم والمحرمة حالة الإحرام دون الوطء ولو كان المزوّج لها محرمًا قالوا: وهو قول ابن مسعود وابن عباس وأنس بن مالك وجمهور التابعين إذ هو عقد معاوضة والمحرم غير ممنوع منه كشراء الجارية للتسري، ولو جعل عقد النكاح بمنزلة ما هو المقصود به وهو الوطء لكان تأثيره في إيجاب الجزاء أو فساد الإحرام لا في بطلان النكاح، وحديث عثمان ضعيف قاله البخاري، لأن في إسناده بيّنة ابن وهب ولا يلزم حجة. ولئن صح فهو محمول على الوطء لأنه الحقيقة أي لا يطأ المحرم واستدلوا لذلك بحديث الباب وهو ما رويناه بالسند إلى البخاري قال. 5114 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو وحَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُحْرِمٌ. (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد النهدي الكوفي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (ابن عيينة) سفيان قال: (أخبرنا عمرو) بفتح العين ابن دينار قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (جابر بن زيد) أبو الشعثاء (قال: أنبأنا) ولأبي ذر أخبرنا (ابن عباس -رضي الله عنهما-) قال: (تزوّج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو) أي والحال أنه (محرم) بعمرة القضية، وسبق في أواخر الحج من طريق الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس تزوّج ميمونة وهو محرم، وسبق أيضًا في عمرة القضاء من رواية عكرمة بلفظ حديث الأوزاعي. وزاد: وبنى بها وهو حلال وهذا قد عدّ من خصائصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أن أكثر الروايات أنه تزوجها وهو حلال، وعند مسلم عن يزيد بن الأصم قال: حدّثتني ميمونة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوجها وهو حلال. قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس. وعند الترمذي وابن خزيمة وابن حبان عن أبي رافع في صحيحهما أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوج ميمونة وهو حلال وبني بها وهو حلال. وكنت أنا الرسول بينهما. وقرأت في كتاب المعرفة للبيهقي بسنده إلى الشافعي قال: أخبرنا مالك عن ربيعة عن سليمان بن يسار أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث أبا رافع مولاه ورجلًا من الأنصار فزوّجاه ميمونة بنت الحارث وهو بالمدينة قبل أن يخرج، وقد ردّ الشافعي بذلك رواية ابن عباس الأولى، واحتج على المخالف بحديث عثمان السابق الثابت، وبأن عثمان كان غير غائب عن نكاح ميمونة وبأن ابن أختها يزيد بن الأصم يقول: نكحها حلالًا ومعه سليمان بن يسار عتيقها أو ابن عتيقها وخبر اثنين أكثر من خبر واحد مع رواية عثمان التي هي أثبت من هذا كله. ولئن سلمنا أن الخبرين تكافآ، نظرنا فيما فعل أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعده، وقد رأينا عمر وزيد بن ثابت يردّان نكاح المحرم ويقول ابن عمران: المحرم لا يَنكَح ولا يُنكَح ولا أعلم من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مخالفًا لذلك، وقد روينا عن الحسن أن عليًّا قال: من تزوج وهو محرم نزعنا منه امرأته ولم نجز نكاحه انتهى. ملخصًا من كتاب المعرفة. وهذا الحديث سبق في كتاب الحج في باب تزويج المحرم، والظاهر من صنيع البخاري الجواز كالحنفية. 31 - باب نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ آخِرًا (باب نهي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تحريم (عن نكاح المتعة آخرًا) ولأبي ذر أخيرًا وهو المؤقت بمدة معلومة كسنة أو مجهولة كقدوم زيد وسمي بذلك لأن الغرض منه مجرد التمتع دون التوالد وسائر أغراض النكاح، وقد كان جائزًا في صدر الإسلام للمضطر كأكل الميتة ثم حرم كما أفهمه قول المصنف، ويأتي إن شاء الله تعالى ما ورد فيه. 5115 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّ عَلِيًّا -رضي الله عنه- قَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ. وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) النهدي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (أنه سمع الزهري) محمد بن مسلم (يقول أخبرني) بالإفراد (الحسن بن محمد بن علي) أي ابن أبي طالب (وأخوه) أي أخو الحسن (عبد الله) أبو هاشم ولأبي ذر عبد الله بن محمد كلاهما (عن أبيهما) محمد ابن الحنفية (أن) أباه (عليًّا -رضي الله عنه- قال لابن عباس) لما سمعه يفتي في متعة النساء أنه لا بأس بها (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن المتعة) في رواية أحمد عن سفيان عن نكاح المتعة (وعن لحوم الحمر الأهلية زمن

خيبر) ظرف للاثنين. وفي غزوة خيبر من كتاب المغازي نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية لكن قال البيهقي فيما قرأته في كتاب المعرفة: وكان ابن عيينة يزعم أن تاريخ خيبر في حديث علي إنما هو في النهي عن لحوم الحمر الأهلية لا في نكاح المتعة. قال البيهقي: وهو يشبه أن يكون كما قال فقد روي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه رخص فيه بعد ذلك ثم نهى عنه فيكون احتجاج علي بنهيه آخرًا حتى تقوم به الحجة على ابن عباس، وقال السهيلي: النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ولا رواة الأثر فالذي يظهر أنه وقع تقديم وتأخير في لفظ الزهري انتهى. واتفق أصحاب الزهري كلهم على خيبر بالخاء المعجمة والراء آخره إلا ما رواه عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن مالك في هذا الحديث، فقال حنين بالحاء المهملة والنونين أخرجه النسائي والدارقطني وقالا إنه وهم تفرّد به، وقد اختلف في وقت تحريم نكاح المتعة والذي تحصل من ذلك أن أولها خيبر ثم عمرة القضاء كما رواه عبد الرزاق من مرسل الحسن البصري ومراسيله ضعيفة لأنه كان يأخذ عن كل أحد ثم الفتح كما في مسلم بلفظ: إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة ثم أوطاس كما في مسلم بلفظ رخص لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام أوطاس في المتعة ثلاثًا ثم نهى عنها، لكن يحتمل أنه أطلق على عام الفتح عام أوطاس لتقاربهما لكن يبعد أن يقع الإذن في غزوة أوطاس بعد أن يقع التصريح قبلها في الفتح بأنها حرمت إلى يوم القيامة ثم تبوك فيما أخرجه إسحاق بن راهويه وابن حبان من طريقه من حديث أبي هريرة وهو ضعيف لأنه من رواية المؤمل بن إسماعيل عن عكرمة عن عمار وفي كلٍّ منهما مقال، وعلى تقدير صحته فليس فيه أنهم استمتعوا في تلك الحالة أو كان النهي قديمًا فلم يبلغ بعضهم فاستمر على الرخصة ولذلك قرن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النهي بالغضب كما في رواية الحازمي من حديث جابر لتقدم النهي عنه ثم حجة الوداع كما عند أبي داود بلفظ لكن اختلف فيه علي الربيع بن سبرة والرواية عنه بأنها في الفتح أصح وأشهر فإن كان حفظه فليس في سياق أبي داود سوى مجرد النهي، فلعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد إعادة النهي ليسمعه من لم يسمعه قبل ويقوّيه أنهم كانوا حجوا بنسائهم بعد أن وسع الله عليهم بفتح خيبر من المال والسبي فلم يكونوا في شدة ولا طول عزوبة فلم يبق صحيح صريح سوى خيبر والفتح مع ما وقع في خيبر من الكلام، وأيّده ابن القيم في الهدي بأن الصحابة لم يكونوا يستمتعون باليهوديات. وقال النووي: الصواب والمختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين فكانت حلالًا قبل خيبر ثم حرمت يوم خيبر ثم أبيحت يوم الفتح وهو يوم أوطاس لاتصالها بها ثم حرمت يومئذٍ بعد ثلاثة أيام تحريمًا مؤبدًا إلى يوم القيامة. وسبق هذا الحديث في المغازي في غزوة خيبر. 5116 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَرَخَّصَ، فَقَالَ لَهُ مَوْلًى لَهُ: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْحَالِ الشَّدِيدِ، وَفِي النِّسَاءِ قِلَّةٌ أَوْ نَحْوَهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ. نَعَمْ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي البصري أنه (قال: سمعت ابن عباس) -رضي الله عنهما- (سئل) بضم السين ولأبي ذر يسأل بتحتية مضمومة بلفظ المضارع مبنيًّا للمفعول فيهما (عن متعة النساء فرخص) فيها (فقال له مولى له): قيل: إنه عكرمة (إنما ذلك) الترخيص (في الحال الشديد) من قوّة الشهوة والعزوبة (وفي النساء قلة). وعند الإسماعيلي إنما كان ذلك في الجهاد والنساء قلائل (أو) قال: (نحوه فقال ابن عباس: نعم) أي صدق إنما رخص فيها بسبب العزوبة في حال السفر. 5117 - 5118 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالا: َ كُنَّا فِي جَيْشٍ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا فَاسْتَمْتِعُوا». وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال عمرو): بفتح العين ابن دينار (عن الحسن بن محمد) أي ابن علي بن أبي طالب (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (وسلمة بن الأكوع) -رضي الله عنهم- أنهما (قالا: كنا في جيش) بالجيم المفتوحة والتحتية الساكنة بعدها معجمة (فأتانا رسول رسول الله

32 - باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قيل إنه بلال، وللكشميهني مما في اليونينية رسول رسول رسول الله فلينظر (فقال: إنه قد أذن لكم) بضم الهمزة (أن تستمتعوا) زاد شعبة عند مسلم يعني متعة النساء (فاستمتعوا) بفتح المثناة الفوقية بلفظ الماضي وكسرها بلفظ الأمر. وهذا الحديث أخرجه مسلم في النكاح. 5119 - حدثنا وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَيُّمَا رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ تَوَافَقَا فَعِشْرَةُ مَا بَيْنَهُمَا ثَلاَثُ لَيَالٍ، فَإِنْ أَحَبَّا أَنْ يَتَزَايَدَا أَوْ يَتَتَارَكَا تَتَارَكَا» فَمَا أَدْرِي أَشَيْءٌ كَانَ لَنَا خَاصَّةً، أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَبَيَّنَهُ عَلِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ مَنْسُوخٌ. (وقال ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب فيما وصله الطبراني والإسماعيلي وغيرهما (حدّثني) بالإفراد (إياس بن سلمة بن الأكوع) بكسر الهمزة وتخفيف الياء (عن أبيه عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (أيما رجل وامرأة توافقا) في النكاح بينهما مطلقًا من غير ذكر أجل (فعشرة ما بينهما ثلاث ليال) بفاء مفتوحة فعين مكسورة فمعجمة ساكنة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بعشرة بموحدة مكسورة بدل الفاء قال في الفتح وبالفاء أصح والمعنى أن إطلاق الأجل محمول على التقييد بثلاثة أيام بلياليهن (فإن أحبا) الرجل والمرأة بعد انقضاء الثلاث (أن يتزايدا) في المدة تزايدًا أو أن يتناقصًا تناقصًا (أو) أحبا أن (يتتاركا) التوافق ويتفارقا (تتاركا) قال سلمة بن الأكوع: (فما أدري أشيء كان) الجواز (لنا) معشر الصحابة (خاصة أم) كان (للناس عامة) نعم وقع في حديث أبي ذر عند البيهقي أنها أحلّت للصحابة ثلاثة أيام ثم نهى عنها. (قال أبو عبد الله) البخاري: (وبينه) ولأبي ذر وقد بينه أي حكم المتعة (علي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه منسوخ). وقد وقع الإجماع على تحريمها إلا الروافض وقد نقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال: هي الزنا بعينه، واختلف هل يحدّ ناكح المتعة أم لا؟ وهو مبني على أن الاتفاق بعد الخلاف هل يرفع الخلاف المتقدّم، ومذهب الشافعية سقوط الحدّ ولو علم فساده لشبهة اختلاف العلماء ولو قال نكحتها متعة ولم يزد عليه فباطل يسقط بالوطء وفيه الحد ويلزم بالوطء فيه المهر والنسب والعدة، وأما نكاح المحلل فإن شرط في العقد أنه يحللها للذي طلقها ثلاثًا أو إذا وطئها لا نكاح بينهما أو أنه إذا حللها طلقها لا يصح لأنه عقد شرط قطعه دون غايته فيبطل كنكاح المتعة، فإن عقد النكاح ليحلها لكنه لم يشرطه في صلب العقد صح النكاح لخلوّه عن المفسدة وكره. 32 - باب عَرْضِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا عَلَى الرَّجُلِ الصَّالِحِ (باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح) لينكحها رغبة في صلاحه. 5120 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مَرْحُومٌ قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَنَسٍ وَعِنْدَهُ ابْنَةٌ لَهُ، قَالَ أَنَسٌ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَكَ بِي حَاجَةٌ؟ فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا وَاسَوْأَتَاهْ. وَاسَوْأَتَاهْ قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا. [الحديث 5120 - أطرافه في: 6123]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا مرحوم) البصري مولى آل أبي سفيان ولأبي ذر مرحوم بن عبد العزيز بن مهران بكسر الميم (قال: سمعت ثابتًا البناني قال: كنت عند أنس وعنده ابنة له) قال في الفتح: لم أقف على اسمها وأظنها أمينة بالتصغير (قال أنس: جاءت امرأة إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تعرض عليه نفسها) ليتزوجها (قالت: يا رسول الله ألك بي حاجة؟ فقالت بنت) ولأبي ذر: ابنة (أنس: ما أقل حياءها واسوأتاه واسوأتاه) مرتين وهي الفعلة القبيحة والألف للندبة والهاء للسكت (قال) أن لابنته (هي) أي المرأة التي عرضت نفسها عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (خير منك رغبت في النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعرضت عليه نفسها) فيه جواز عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح وأنه لا عار عليها في ذلك بل فيه دلالة على فضيلتها نعم إن كان لغرض دنيوي فقبيح. وهذا الحديث أخرجه النسائي في النكاح. 5121 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ أَنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا. فَقَالَ: «مَا عِنْدَكَ»؟ قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ. قَالَ: «اذْهَبْ فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي وَلَهَا نِصْفُهُ، قَالَ سَهْلٌ: وَمَا لَهُ رِدَاءٌ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَمَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ». فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا طَالَ مَجْلَسُهُ قَامَ، فَرَآهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَعَاهُ، أَوْ دُعِي لَهُ فَقَالَ لَهُ: «مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»؟ فَقَالَ لَهُ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ يُعَدِّدُهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمْلَكْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) الجمحي نسبه لجده الأعلى لشهرته به قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة محمد بن مطرف بكسر الراء المشددة الليثي المدني (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) ثبت ابن سعد لأبي ذر الأنصاري -رضي الله عنه- (أن امرأة عرضت نفسها على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فقال له رجل: يا رسول الله زوّجنيها) زاد في رواية إن لم يكن لك بها حاجة (فقال) ولأبي ذر قال عليه الصلاة والسلام له: (ما عندك)؟ تصدقها (قال) الرجل: (ما عندي شيء) أصدقها إياه (قال) عليه الصلاة والسلام: (اذهب)

33 - باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير

إلى أهلك (فالتمس) زاد في رواية شيئًا. واستدلّ بها على جواز كل ما يتموّل في الصداق من غير تحديد ولفظ شيء وإن كان يطلق على غير المال لكنه مخصوص بدليل آخر، وذلك أنه عوض كالثمن في البيع فاعتبر فيه ما يعتبر في الثمن مما دلّ الشرع على اعتباره فيه والالتماس افتعال من اللمس فهو استعارة والمراد الطلب والتحصيل لا حقيقة اللمس (ولو) كان الملتمس (خاتمًا من حديد) فإنه جائز (فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئًا ولا خاتمًا من حديد، ولكن هذا إزاري) ليس نصفه (ولها نصفه) صداقًا (قال سهل) -رضي الله عنه-: (وما له رداء فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وما تصنع بإزارك وإن لبسته) ولأبي ذر إن لبست بحذف الضمير المنصوب (لم يكن عليها من شيء) كذا في الفرع والذي في اليونينية لم يكن عليها منه شيء (وإن لبسته) هي (لم يكن عليك منه شيء. فجلس الرجل حتى طال مجلسه) بفتح اللام مصححًا عليها في الفرع كأصله وفي غيرهما بكسرها أي جلوسه (قام) ليذهب (فرآه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدعاه أو دعي له) أي دعاه بنفسه أو أمر من دعاه والشك من الراوي (فقال له: ماذا معك من القرآن)؟ أي ما تحفظ منه (فقال له: معي سورة كذا وسورة كذا) مرتين وزاد أبو ذر عن الكشميهني وسورة كذا (لسور يعدّدها) في فوائد تمام أنها تسع سور من المفصل، وقيل كان معه إحدى وعشرون آية من البقرة وآل عمران. رواه أبو داود. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أملكناكها) ولأبي ذر أمكناكها من التمكين والأولى من التمليك وفي رواية: زوّجتكها وهي رواية الأكثر وصوّبها الدارقطني وجمع النووي بأنه جرى لفظ التزويج أولًا ثم لفظ التمليك أو التمكين ثانيًا لأنه ملك عصمتها بالتزويج وتمكّن به منها والباء في قوله (بما معك من القرآن) للمعاوضة والمقابلة على تقدير مضاف أي زوّجتك إياها بتعليمك إياها ما معك من القرآن، ويؤيده أن في مسلم انطلق: فقد زوجتكها فعلّمها ما معك من القرآن، أو هي للسببية أي بسبب ما معك من القرآن فيخلو النكاح عن المهر فيكون خاصًّا بهذه القضية أو يرجع إلى مهر المثل وبالأول جزم الماوردي. 33 - باب عَرْضِ الإِنْسَانِ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ عَلَى أَهْلِ الْخَيْرِ (باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير) ليتزوجوا بها. 5122 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يُحَدِّثُ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ فَقَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ، ثُمَّ لَقِيَنِي فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي أَنْ لاَ أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ زَوَّجْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، وَكُنْتُ أَوْجَدَ عَلَيْهِ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِي. ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ شَيْئًا؟ قَالَ عُمَرُ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ إِلاَّ أَنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَوْ تَرَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبِلْتُهَا. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق الزهري (عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أنه سمع) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يحدّث أن عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (حين تأيمت حفصة بنت عمر) بفتح الهمزة والتحتية المشددة أي صارت أيمًا (من خنيس بن خذافة) بضم الخاء المعجمة وفتح النون وبعد التحتية الساكنة مهملة وحذافة بالحاء المهملة المضمومة بعدها معجمة فألف ففاء (السهمي) بالسين المهملة البدري (وكان من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتوفي بالمدينة) من جراحة أصابته يوم أُحُد، وجزم ابن سعد بأنه مات عقب قدوم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بدر (فقال عمر بن الخطاب: أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه) أن يتزوج (حفصة فقال: سأنظر في أمري) أي أتفكّر فيه (فلبثت ليالي ثم لقيني) عثمان (فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا قال) وفي رواية فقال (عمر: فلقيت أبا بكر الصدّيق) -رضي الله عنه- (فقلت) له: (إن شئت زوّجتك حفصة بنت عمر فصمت) أي سكت (أبو بكر فلم يرجع إليّ شيئًا) بفتح الياء وكسر الجيم وهذا تأكيد لرفع المجاز لاحتمال أن يظن أنه سكت زمانًا ثم تكلم قال عمر: (وكنت أوجد) أي أشد موجدة أي غضبًا (عليه) على أبي بكر (مني) أي من غضبي (على عثمان) لقوّة المودّة بينه وبين أبي بكر ولأن عثمان أجابه أولًا ثم اعتذر (فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر فقال: لعلك) ولأبي ذر عن الحموى والمستملي لقد (وجدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة

34 - باب قول الله عز وجل: {ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله} الآية إلى قوله: {غفور حليم} {أكننتم}: أضمرتم وكل شيء صنته فهو مكنون

فلم أرجع إليك شيئًا) بكسر الجيم أي لم أعد عليك جوابًا (قال عمر: قلت: نعم، قال أبو بكر: فإنه لم يمنعي أن أرجع إليك فيما عرضت عليّ إلا أني كنت علمت أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد ذكرها فلم أكن لأفشي سرّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولو تركها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبلتها) فيه كتمان السر فإن أفشاه صاحبه ساغ للذي أسرّ إليه إظهاره فلو حلف لا يفشي سرّ فلان فأفشى فلان سرّ نفسه ثم تحدّث به الحالف لا يحنث لأن صاحب السرّ هو الذي أفشاه. وهذا الحديث قد سبق في المغازي. 5123 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّا قَدْ تَحَدَّثْنَا أَنَّكَ نَاكِحٌ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَعَلَى أُمِّ سَلَمَةَ؟ لَوْ لَمْ أَنْكِحْ أُمَّ سَلَمَةَ مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّ أَبَاهَا أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يزيد بن أبي حبيب عن عراك بن مالك) بكسر العين المهملة (أن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان (قالت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنا قد تحدّثنا أنك ناكح) أي تريد أن تنكح (درّة بنت أبي سلمة فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أعلى أم سلمة)؟ أتزوجها استفهام إنكاري (لو لم أنكح) أمها (أم سلمة ما حلّت لي إن أباها) أبا سلمة (أخي من الرضاعة). فإن قلت ما وجه المطابقة بين هذا الحديث والترجمة؟ أجيب بأنه طرف من الحديث السابق في باب: وأن تجمعوا بين الأختين، وفيه قالت أم حبيبة: يا رسول الله انكح أختي فعرضت أختها عليه. 34 - باب قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ} الآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {غَفُورٌ حَلِيمٌ} {أَكْنَنْتُمْ}: أَضْمَرْتُمْ وَكُلُّ شَيْءٍ صُنْتَهُ فَهْوَ مَكْنُونٌ (باب قول الله عز وجل: {ولا جناح عليكم فيما عرّضتم به من خطبة النساء}) أي في عدّة رجعية ({أو أكننتم في أنفسكم علم الله} الآية إلى قوله: {غفور حليم}) [البقرة: 235] وسقط قوله: أو أكننتم إلى آخره لأبي ذر: ({أكننتم}): أي ({أضمرتم}) ولأبي ذر أو أكننتم وسترتم (في أنفسكم) في قلوبكم فلم تذكروه بألسنتكم لا معرضين ولا مصرحين، (وكل شيء صنته وأضمرته فهو مكنون) قاله أبو عبيدة، وثبت لأبي ذر وأضمرته. 5124 - وَقَالَ لِي طَلْقٌ بْنُ غَنَّامٍ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} يَقُولُ: إِنِّي أُرِيدُ التَّزْوِيجَ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّهُ تَيَسَّرَ لِي امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ. وَقَالَ الْقَاسِمُ: يَقُولُ إِنَّكِ عَلَيَّ كَرِيمَةٌ، وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إِلَيْكِ خَيْرًا، أَوْ نَحْوَ هَذَا، وَقَالَ عَطَاءٌ: يُعَرِّضُ وَلاَ يَبُوحُ، يَقُولُ: إِنَّ لِي حَاجَةً، وَأَبْشِرِي، وَأَنْتِ بِحَمْدِ اللَّهِ نَافِقَةٌ، وَتَقُولُ هِيَ: قَدْ أَسْمَعُ مَا تَقُولُ وَلاَ تَعِدُ شَيْئًا، وَلاَ يُوَاعِدُ وَلِيُّهَا بِغَيْرِ عِلْمِهَا، وَإِنْ وَاعَدَتْ رَجُلًا فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ نَكَحَهَا بَعْدُ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: {لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} الزِّنَا. وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {الْكِتَابُ أَجَلَهُ} تَنْقَضِي الْعِدَّةُ. قال المؤلّف: (وقال لي طلق) بفتح الطاء المهملة وسكون اللام بعدها قاف ابن غنام بالمعجمة وتشديد النون النخعي الكوفي أحد مشايخ المؤلّف (حدّثنا زائدة) بن قدامة (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن ابن عباس) أنه قال في تفسير قوله تعالى: ({فيما عرّضتم به من خطبة النساء} يقول: إني أريد التزويج ولوددت: أنه تيسر ليس امرأة صالحة) بفتح الفوقية والتحتية والسين المهملة المشددة في الفرع كأصله، ولأبي ذر عن الكشميهني: يسر بضم الياء التحتية وكسر السين مبنيًّا للمفعول. (وقال القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- فيما وصله مالك وابن أبي شيبة (يقول) في التعريض: (إنك عليّ كريمة وإني فيك لراغب) وهذا يدل على أن التصريح بالرغبة فيها سائغ وأنه لا يكون تصريحًا حتى يصرح بمتعلق الرغبة كان يقول إني في نكاحك لراغب (و) من التعريض أيضًا قوله (إن الله لسائق إليك خيرًا أو نحو هذا) من ألفاظ التعريض كإذا حللت فآذنيني ومن يجد مثلك. وفي حديث مسلم أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لفاطمة بنت قيس: (إذا حللت فآذنيني). (وقال عطاء): هو ابن أبي رباح فيما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه مفرّقًا (يعرّض) بالخطبة (ولا يبوح) أي ولا يصرح (يقول: إن لي حاجة وأبشري) بقطع الهمزة (وأنت بحمد الله نافقة). والحكمة في ذلك أنه إذا صرح تحققت رغبته فيها فربما تكذب في انقضاء العدّة ويحرم التصريح بها لمعتدّة من غيره رجعية كانت أو بائنًا بطلاق أو فسخ أو موت أو معتدّة عن شبهة لمفهوم هذه الآية والإجماع والرجعية في معنى المنكوحة والتصريح ما يقطع بالرغبة في النكاح كإذا انقضت عدّتك نكحتك (وتقول هي) في التعريض (عد أسمع ما تقول ولا تعد شيئًا) بكسر العين وتخفيف الدال المهملتين أي لا تعده بالعقد وأنها لا تتزوّج غيره مثلًا (ولا يواعد) أي الرجل (وليها) بالرفع فاعلًا (بغير علمها) كذا في الفرع وفي اليونينية ولا يواعد بالجزم على النهي وليها بالنصب على المفعولية (وإن واعدت) أي المرأة (رجلًا في عدّتها ثم نكحها) تزوجها (بعد) أي بعد انقضاء عدتها (لم يفرق

35 - باب النظر إلى المرأة قبل التزويج

بينهما) لأن ذلك ليس قادحًا في صحة النكاح وإن أثما. قال في الكشاف، فإن قلت: أي فرق بين الكناية والتعريض؟ قلت: الكناية أن تذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له، والتعريض أن تذكر شيئًا تدل به على شيء لم تذكره كما يقول المحتاج للمحتاج إليه جئتك لأسلم عليك ولأنظر إلى وجهك الكريم ولذلك قالوا: وحسبك بالتسليم مني تقاضيا وكأنه إمالة الكلام إلى عرض يدل على الغرض ويسمى التلويح لأنه يلوح منه ما يريده انتهى. وقال بعض أئمة الشافعية: ولا فرق كما اقتضاه كلامهم يعني الفقهاء بين الحقيقة والمجاز والكناية، وهي ما يدل على الشيء بذكر لوازمه كقولك: فلان طويل النجال للطويل وكثير الرماد للمضياف ومثالها هنا للتصريح، أريد أن أنفق عليك نفقة الزوجات، وأتلذذ بك وللتعريض أريد أن أنفق عليك نفقة الزوجات فكلٍّ من الثلاثة إن أفاد القطع بالرغبة في النكاح فهو تصريح أو الاحتمال لها فتعريض، وكون الكناية أبلغ من التصريح المقرر في علم البيان لا ينافي ذلك فمن قال هنا الظاهر أنها كالتصريح لأنها أبلغ منه التبس عليه التصريح هنا بالتصريح ثم؛ انتهى. (وقال الحسن) البصري فيما وصله عبد بن حميد ({لا تواعدوهن سرًّا}) أي (الزنا. ويذكر) مبني للمفعول (عن ابن عباس) مما وصله الطبري من طريق عطاء الخراساني عنه في قوله تعالى: {حتى يبلغ} ({الكتاب أجله}) ولأبي ذر ثبوت حتى يبلغ أي (تنقضي العدّة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي انقضاء العدة. 35 - باب النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ قَبْلَ التَّزْوِيجِ (باب) استحباب (النظر إلى المرأة) والمرأة إلى الرجل (قبل التزويج) والخطبة لحديث المغيرة عند الترمذي وحسنه والحاكم وصححه أنه خطب امرأة فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكم" أي تدوم بينكما المودة والألفة وأن يكون بعد العزم وقبل الخطبة لحديث أبي داود إذا ألفى امرؤ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها وإنما اعتبر ذلك قبل الخطبة لأنه لو كان بعد فلربما أعرض عنها فيؤذيها. وقيد ابن عبد السلام استحباب النظر بمن يرجو رجاءً ظاهرًا أنه يجُاب إلى خطبته دون غيره ولكلٍّ أن ينظر إلى الآخر وإن لم يأذن له اكتفاء بإذن الشارع سواء خشي فتنة أم لا، والمنظور غير العورة المقررة في شروط الصلاة فينظر الرجل من الحرّة الوجه والكفّين لأن الوجه يدل على الجمال والكفّين على خصب البدن، وينظر من الأمة ما عدا ما بين السرة والركبة وهما ينظرانه منه، والنووي إنما حرم نظر ذلك بلا حاجة مع أنه ليس بعورة لخوف الفتنة وهي غير معتبرة هنا فإن لم يتيسر نظره إليها بعث امرأة تتأملها وتصفها له لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث أم سليم إلى امرأة وقال: "انظري عرقوبيها وشمي عوارضها". رواه الحاكم وصححه والعوارض الأسنان التي في عرض الفم وهي ما بين الثنايا والأضراس وذلك لاختبار النكهة فإن لم تعجبه سكت ولا يقول لا أريدها لأنه إيذاء. 5125 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رَأَيْتُكِ فِي الْمَنَامِ يَجِيءُ بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقَالَ لِي: هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِكِ الثَّوْبَ، فَإِذَا أَنْتِ هِيَ»، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد بن زيد عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (رأيتك في المنام) ولأبي ذر: أريتك بتقديم الهمزة على الراء مضمومة (يجيء بك الملك) جبريل (في سرقة) بفتح الراء أي قطعة (من حرير فقال لي: هذه امرأتك فكشفت عن وجهك الثوب) أي عن وجه صورتك (فإذا أنت هي) أي فإذا أنت الآن تلك الصورة أو كشفت عن وجهك عندما شاهدتك فإذا أنت مثل الصورة التي رأيتها في المنام. وهو تشبيه بليغ حيث حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ولأبي ذر عن الكشميهني: فإذا هي أنت (فقلت إن يكُ هذا) الذي رأيته (من عند الله يمضه) وزاد في رواية في أوائل النكاح بعد قوله: رأيتك في المنام مرتين. واستدلّ به على تكرار النظر عند الحاجة إليه ليتبين الهيئة فلا يندم بعد النكاح. قال الزركشي ولم يتعرضوا لضبط التكرار ويحتمل تقديره بثلاث قال: وفي خبر

عائشة الذي ترجم عليه البخاري الرؤيا قبل الخطبة أريتك ثلاث ليال. وقال ابن المنير: الاستشهاد بنظره عليه الصلاة والسلام إلى عائشة قبل تزوجها لا يستثبت لوجهين. أحدهما: أن عائشة كانت حين الخطبة ممن ينظر إليها لطفوليتها إذ كانت بنت خمس سنين وشيء ومثل هذا السن لا عورة فيه البتة، والثاني: أن رؤيته لها كانت منامًا أتاه بها جبريل عليه السلام في سرقة من حرير أي تمثالها وحكم المنام غير حكم اليقظة انتهى. وتعقبه فى المصابيح فقال: فيه نظر فتأمله انتهى. ووجه النظر أن رؤيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في النوم كاليقظة فإن رؤيا الأنبياء وحي. وقد سبق الحديث والجواب عن قوله: إن يك من عند الله يمضه في أوائل النكاح في باب نكاح الأبكار. 5126 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جِئْتُ لأَهَبَ لَكَ نَفْسِي فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ. فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا. فَقَالَ: «وَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ»؟ قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا». فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا وَجَدْتُ شَيْئًا. قَالَ: «انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ». فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي قَالَ: سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ». فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلَسُهُ، ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»؟ قَالَ: مَعِي سُورَةَ كَذَا وَسُورَةَ كَذَا وَسُورَةَ كَذَا، عَدَّدَهَا، قَالَ: «أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ». قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا يعقوب) بن عبد الرحمن (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين (أن امرأة جاءت رسول الله) ولأبي ذر إلى رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي) أي أن تتزوجني بلا مهر وقد عدّ هذا من خصائصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فنظر إليها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصعد النظر) بتشديد بالعين أي رفعه (إليها وصوّبه) بتشديد الواو خفضه (ثم طأطأ رأسه فلما رأت المرأة أنه) عليه الصلاة والسلام (لم يقضِ فيها شيئًا جلست. فقام رجل من أصحابه فقال: أي رسول الله إن لم تكن) بالفوقية (لك بها حاجة فزوّجنيها) لم يقل هبنيها لما ذكر أن ذلك من خصائصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المراد حقيقة الهبة لأن الحرّ لا يملك نفسه (فقال) عليه الصلاة والسلام له: (وهل عندك من شيء) تصدقها (قال: لا والله يا رسول الله قال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئًا؟ فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئًا قال: انظر ولو) كان الذي تجده (خاتمًا من حديد) فأصدقها إياه فإنه سائغ (فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا) وجدت (خاتمًا من حديد) ولأبي ذر ولا خاتم بالرفع أي ولا حضر خاتم من حديد (ولكن هذا إزاري قال سهل: ماله رداء فلها نصفه) صداقًا (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما تصنع)؟ هي (بإزارك إن لبسته)؟ أنت (لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته) هي (لم يكن عليك شيء) وللكشميهني منه شيء (فجلس الرجل حتى طال مجلسه) بفتح اللام مصححًا عليها في الفرع كأصله (ثم قام فرآه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موليًا فأمر به فدعي فلما جاء قال) له: (ماذا معك من القرآن؟ قال: سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا) ثلاث مرات. ونصب سورة في الثلاث في اليونينية وفرعها فقط وبالرفع أيضًا في غيرهما (عدّدها) ولأبي ذر عادّها بألف بعد العين فدال مشدّدة فهاء وسبق تعيينها (قال: أتقرؤهن عن ظهر قلبك) أي من حفظك (قال: نعم. قال: اذهب فقد ملّكتكها بما معك من القرآن) وفي رواية الأكثرين زوّجتكها بدل ملّكتكها وقال في المصابيح: الباء للسببية فيكون هذا نكاح تفويض انتهى. والتفويض ضربان تفويض مهر بأن تقول المرأة للولي زوّجنيه بما شاء أو بما شئت وتفويض بضع وهو أن تقول زوّجنيه بلا مهر فزوّجها نافيًا للمهر وساكتًا عنه وجب لها مهر المثل بالوطء لأن الوطء لا يُباح بالإباحة لما فيه من حق الله تعالى أو بموت أحدهما قبل الوطء والفرض لأنه كالوطء في تقرير المسمى، فكذا في إيجاب مهر المثل في التفويض، ولأن بروع بنت واشق نكحت بلا مهر، فمات زوجها قبل أن يفرض لها فقضى لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمهر نسائها وبالميراث. رواه أبو داود. وقال الترمذي: حسن صحيح. وقال المالكية: تستحق المفوّضة الصداق بالوطء لا بالعقد ولا بالموت أو الطلاق سواء مات هو أو هي وهو المشهور إلا أن يفرض وترضى فيشطر المفروض بالطلاق قبل البناء. قال ابن عبد السلام: وهو ظاهر أن فرض صداق المثل أو دونه ورضيت به، وقال الحنابلة: بالعقد. وسقط قوله: فلما رأت المرأة الخ للحموي، وقال: بعد قوله ثم طأطأ

36 - باب من قال: لا نكاح إلا بولي لقول الله تعالى: {فلا تعضلوهن} فدخل فيه الثيب، وكذلك البكر. وقال: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} وقال: {وأنكحوا الأيامى منكم}

رأسه وذكر الحديث كله. 36 - باب مَنْ قَالَ: لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} فَدَخَلَ فِيهِ الثَّيِّبُ، وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ. وَقَالَ: {وَلاَ تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} وَقَالَ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} (باب من قال: لا نكاح إلا بولي لقول الله تعالى: {فلا تعضلوهن}) [البقرة: 232] أي لا تحبسوهن. وقال إمامنا الشافعي: إن هذه الآية أصرح دليل على اعتبار الولي وإلا لما كان لعضله معنى، وعبارته في المعرفة للبيهقي إنما يؤمر بأن لا يعضل من له سبب إلى العضل بأن يكون يتم به له نكاحها من الأولياء. قال: وهذا أبين ما في القرآن من أن للولي مع المرأة في نفسها حقًّا وأن على الولي أن لا يعضلها إذا رضيت أن تنكح بالمعروف انتهى. وقال البخاري: (فدخل فيه) في النهي عن العضل (الثيب وكذلك البكر) لعموم لفظ النساء (وقال) تعالى مخاطبًا للرجال: ({ولا تنكحوا}) أي أيها الأولياء مولياتكم ({المشركين حتى يؤمنوا}) [البقرة: 221] (وقال) عز وجل: ({وأنكحوا الأيامى}) جمع أيم ({منكم}) ولم يخاطب النساء فلا تعقد امرأة نكاحًا لنفسها ولا لغيرها بولاية إذ لا يليق بمحاسن العادات دخولها فيه لما قصد منها من الحياء وعدم ذكره أصلًا، وفي حديث ابن ماجة المرفوع لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها. وأخرجه الدارقطني بإسناد على شرط الشيخين، واستنبط المؤلّف الحكم من الآيات والأحاديث الآتية لكون الحديث الوارد بلفظ الترجمة ليس على شرطه، وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم من حديث أبي موسى، فلو وطئ في نكاح بلا ولي بأن زوّجت نفسها ولم يحكم حاكم بصحته ولا ببطلانه لزمه مهر المثل دون المسمى لفساد النكاح، ولحديث الترمذي وحسنه وابن حبان والحاكم وصححاه أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثًا فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها الحديث ويسقط عنه الحدّ لشبهة اختلاف العلماء في صحته نعم يعزر معتقد تحريمه لارتكابه محرّمًا ولا حدّ فيه ولا كفّارة، وقال أبو حنيفة: لو زوجت نفسها وهي حرة عاقلة بالغة أو وكّلت غيرها أو توكّلت به جاز بلا ولي وكان أبو يوسف أوّلًا يقول: لا ينعقد إلا بولي إذا كان لها ولي ثم رجع وقال: إن كان الزوج كفؤًا لها جاز وإلا فلا. ثم رجع وقال: جاز سواء كان الزوج كفؤًا لها أو لم يكن. وعند محمد ينعقد موقوفًا على إجازة الولي سواء كان الزوج كفوءًا لها أو لم يكن، ويروى رجوعه إلى قولهما. واستدلّ لذلك بقوله تعالى: {فلا جناح عليكم فيما فعلن فى أنفسهن} [البقرة: 234] وقوله: {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} [البقرة: 132] وفوله: {حتى تنكح زوجًا غيره} [البقرة: 230] فهذه الآيات تصرّح بأن النكاح ينعقد بعبارة النساء لأن النكاح المذكور منسوب إلى المرأة من قوله: أن ينكحن، وحتى تنكح. وهذا صريح بأن النكاح صادر منها، وكذا قوله: فيما فعلن، وأن يتراجعا صرّح بأنها هي التي تفعل وهي التي ترجع، ومن قال لا ينعقد بعبارة النساء فقد رد النص، وقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الأيم أحق بنفسها من وليها" متفق على صحته، واستدلالهم بالنهي عن العضل لا يستقيم لأنه نهي عن المنع عن مباشرتها العقد، فليس له أن يمنعها المباشرة بعد ما نهي عنه، وقد قال البخاري: لم يصح في باب النكاح حديث دل على اشتراط الولي في جوازه ولئن سلم يكون محمولًا على الأمة والصغيرة انتهى. 5127 - قَالَ: يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ ح حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ: فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوِ ابْنَتَهُ فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا. وَنِكَاحٌ آخَرُ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لاِمْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا: أَرْسِلِي إِلَى فُلاَنٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلاَ يَمَسُّهَا أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ، فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الاِسْتِبْضَاعِ، وَنِكَاحٌ آخَرُ يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا، فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ لَيَالي بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا، تَقُولُ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ، وَقَدْ وَلَدْتُ، فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلاَنُ، تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ، فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ، وَنِكَاحُ الرَّابِعِ يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لاَ تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا، وَهُنَّ الْبَغَايَا كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا، فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا، وَدَعَوْا لَهُمُ الْقَافَةَ، ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ، فَالْتَاطَ بِهِ وَدُعِيَ ابْنَهُ لاَ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ. فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ، إِلاَّ نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) بن يحيى بن سعيد بن مسلم بن عبيد بن مسلم شيخ المؤلّف قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي فيما أخرجه الدارقطني من طريق أصبغ وأبو نعيم في مستخرجه من طريق أحمد بن عبد الرحمن بن وهب والإسماعيلي والجوزقي من طريق عثمان بن صالح عن ابن وهب. قال المؤلّف: (حدّثنا) ولأبي ذر وحدّثنا (أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري قال: (حدّثنا عنبسة) بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الموحدة والسين المهملة ابن خالد ابن أخي يونس واللفظ المسوق له قال: (حدّثنا يونس) الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته أن النكاح في) زمن (الجاهلية كان على أربعة أنحاء) بالحاء المهملة أي أنواع (فنكاح منها) وهو

الأول (نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته) كابنة أخيه (أو ابنته) للتنويع لا للشك وثبت وليته لأبي ذر عن الكشميهني (فيصدقها) بضم الياء وسكون الصاد أي يعين صداقها ويسمى مقداره (ثم ينكحها) أي يعقد عليها. (ونكاح آخر) وهو الثاني (كان الرجل يقول: لامرأته إذا طهرت) بفتح الطاء المهملة وضم الهاء (من طمثها) بفتح الطاء المهملة وسكون الميم بعدها مثلثة أي حيضها ليسرع علوقها (أرسلي إلى فلان) رجل من أشرافهم (فاستبضعي) أي اطلبي (منه) المباضعة وهي الجماع لتحملي منه (ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدًا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها) جامعها (زوجها إذا أحب وإنما يفعل) الزوج (ذلك) الاستبضاع (رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع). (ونكاح آخر) وهو الثالث (يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها) يطؤها (فإذا حملت ووضعت ومرّ ليالي) ولغير أبي ذر ومرّ عليها ليالي (بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها تقول لهم قد عرفتم) بلفظ الجمع ولأبي ذر عن الكشميهني عرفت تخاطب الواحد (الذي كان من أمركم وقد ولدت) بتاء المتكلمة (فهو ابنك يا فلان تسمي مَن أحبّت باسمه فيلحق به) بفتح الياء والحاء أي بالرجل الذي تسميه (ولدها) رفع بيلحق (لا يستطيع أن يمتنع به) ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني منه (الرجل) الذي تسميه. (ونكاح الرابع) بالإضافة أي ونكاح النوع الرابع وهو من إضافة الشيء لنفسه على رأي الكوفيين (يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة) يطؤونها (لا تمتنع ممن) ولأبي ذر لا تمنع من (جاءها) من وطئها (وهن البغايا) جمع بغي وهي الزانية (كن ينصبن) بكسر الصاد (على أبوابهن رايات تكون علمًا) بفتح اللام علامة (فمن) ولأبي ذر عن الكشميهني لمن (أرادهن دخل عليهن) فيطؤهن (فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا) بضم الجيم وكسر الميم (لها) أي جمعوا لها الناس (ودعوا لها القافة) بالقاف وتخفيف الفاء الذين يلحقون الولد بالوالد بالآثار الخفية (ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط) بفوقية بعدها ألف فطاء مهملة أي التصق (به) ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: فالتاطته ألحقته به (ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك، فلما بعث محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحق هدم نكاح) أهل (الجاهلية كله) ما ذكرته وغيره (إلا نكاح الناس اليوم) وهو أن يخطب إلى الولي ويزوّجه كما سبق. وهذا الحديث أخرجه أبو داود في النكاح. 5128 - حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} قَالَتْ: هَذَا فِي الْيَتِيمَةِ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ، لَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ شَرِيكَتَهُ فِي مَالِهِ، وَهْوَ أَوْلَى بِهَا فَيَرْغَبُ أَنْ يَنْكِحَهَا، فَيَعْضُلَهَا لِمَالِهَا، وَلاَ يُنْكِحَهَا غَيْرَهُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَشْرَكَهُ أَحَدٌ فِي مَالِهَا. وبه قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن موسى المشهور بخت أو ابن جعفر البخاري البيكندي قال: (حدّثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) -رضي الله عنها- في تفسير قوله تعالى: {وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن}) [النساء: 127] (قالت: هذا في اليتيمة التي تكون عند الرجل) وفي تفسير النساء هو وليها ووارثها (لعلها أن تكون شريكته في ماله وهو أولى بها فيرغب) عن (أن) ولأبي ذر عنها أن (ينكحها) بفتح الياء أي يتزوج بها (فيعضلها) بضم الضاد المعجمة أي بمنعها أن تتزوج غيره (لمالها ولا ينكحها غيره) بضم الياء (كراهية) نصب على التعليل مضاف إلى المصدر وهو قوله: (أن يشركه أحد) ممن يتزوجها (في مالها) زاد في سورة النساء: فنزلت هذه الآية. 5129 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنِ ابْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: لَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ. فَقَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ لَقِيَنِي فَقَالَ: بَدَا لِي أَنْ لاَ أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالتوحيد (سالم أن) أباه (ابن عمر أخبره أن) أباه (عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (حين تأيمت حفصة بنت عمر من ابن حذافة) خنيس (السهمي وكان من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أهل بدر توفي بالمدينة) من جراح نالته في سبيل الله (فقال عمر:

- باب إذا كان الولي هو الخاطب، وخطب المغيرة بن شعبة امرأة هو أولى الناس بها فأمر رجلا فزوجه، وقال عبد الرحمن بن عوف لأم حكيم بنت قارظ: أتجعلين أمرك إلي، قالت: نعم. فقال: قد تزوجتك. وقال عطاء: ليشهد أني قد نكحتك، أو ليأمر رجلا من عشيرتها. وقال سهل: قالت امرأة للنبي -صلى الله عليه وسلم- أهب لك نفسي فقال رجل: يا رسول الله، إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها

لقيت عثمان بن عفان فعرضت عليه) تزويج حفصة (فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة فقال: سأنظر في أمري) أتفكّر فيه (فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر فقلت وإن شئت أنكحتك حفصة) الحديث وتقدم بتمامه قريبًا، والمراد منه هنا قوله: إن شئت أنكحتك حفصة. 5130 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ قَالَ: زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا، فَقُلْتُ لَهُ زَوَّجْتُكَ وَفَرَشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ فَطَلَّقْتَهَا ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا، لاَ وَاللَّهِ لاَ تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا، وَكَانَ رَجُلًا لاَ بَأْسَ بِهِ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنَّ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ {فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} فَقُلْتُ: الآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن أبي عمرو) حفص النيسابوري قاضيها (قال: حدّثني) بالتوحيد (أبي) حفص بن عبد الله بن راشد (قال: حدّثني) بالتوحيد أيضًا (إبراهيم) بن طهمان (عن يونس) بن عبيد البصري (عن الحسن) البصري أنه (قال) في تفسير قوله تعالى: ({فلا تعضلوهن}) [البقرة: 132] (قال: حدّثني) بالإفراد (معقل بن يسار) بالسين المهملة المخففة المزني (أنها نزلت فيه قال: زوجت أختًا لي) اسمها جميل بضم الجيم وفتح الميم بنت يسار بن عبد الله المزني وقيل اسمها ليلى قاله المنذري تبعًا للسهيلي في مبهمات القرآن. وعند ابن إسحاق فاطمة فيكون لها اسمان ولقب أو لقبان واسم (من رجل) اسمه أبو البدّاح بفتح الموحدة والدال المهملة المشددة وبعد الألف حاء مهملة ابن عاصم بن عديّ القضاعي حليف الأنصار كما في أحكام القرآن لإسماعيل القاضي، واستشكله الذهبي بأن أبا البدّاح تابعي على الصواب، قال في الفتح: فيحتمل أن يكون آخر، فقد جزم بعض المتأخرين بأنه البدّاح بن عاصم (فطلقها حتى إذا انقضت عدتها) منه (جاء يخطبها) من أخيها (فقلت له زوجتكـ) ـها (وفرشتك) لأبي ذر وأفرشتك أي جعلتها لك فراشًا (وأكرمتك) بذلك (فطلقتها ثم جئت تخطبها لا والله لا تعود إليك أبدًا. وكان رجلًا لا بأس به) أي جيدًا (وكانت المرأة) جميل (تريد أن ترجع إليه فأنزل الله) تعالى: (هذه الآية: {فلا تعضلوهن}) الآية. وهو ظاهر أن العضل يتعلق بالأولياء (فقلت: الآن أفعل يا رسول الله قال: فزوّجها إياه) بعقد جديد. وفي رواية الثعلبي فإني أؤمن بالله فأنكحتها إياه وكفّر عن يمينه. وهذا الحديث من أقوى الأدلة وأصرحها على اعتبار الولي وإلاّ لما كان لعضله معنى ولأنها لو كان لها أن تزوّج نفسها لم تحتج إلى أخيها، ومن كان أمره إليه لا يقال إن غيره منعه منه قال ابن المنذر لا أعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك. 37 - باب إِذَا كَانَ الْوَلِيُّ هُوَ الْخَاطِبَ، وَخَطَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ امْرَأَةً هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهَا فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهُ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لأُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ قَارِظٍ: أَتَجْعَلِينَ أَمْرَكِ إِلَيَّ، قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ: قَدْ تَزَوَّجْتُكِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: لِيُشْهِدْ أَنِّي قَدْ نَكَحْتُك، ِ أَوْ لِيَأْمُرْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهَا. وَقَالَ سَهْلٌ: قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهَبُ لَكَ نَفْسِي فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا هذا (باب) بالتنوين (إذا كان الولي) في النكاح (هو الخاطب) كابن العم هل يزوّج نفسه أو يزوّجه وليّ غيره؟ اختلف في ذلك فقال الشافعية: إذا أراد الولي تزويجها كابن العم لم يتول الطرفين فيزوجه من في درجته كابن عم آخر فإن لم يكن زوّجه القاضي فإن أراد القاضي تزويجها زوّجه من في درجته كابن عم آخر فإن لم يكن زوّجه القاضي فإن أراد القاضي تزويجها زوّجه قاضٍ آخر بمحل ولايته إذا كانت المرأة في عمله أو يستخلف من يزوّجه إن كان له الاستخلاف. (وخطب المغيرة بن شعبة) بن مسعود بن معتب من ولد عوف بن ثقيف (امرأة) هي ابنة عمه عروة بن مسعود (هو أولى الناس بها) في ولاية النكاح (فأمر رجلًا) هو عثمان بن أبي العاص (فزوّجه) إياها لأنه ابن عم أعلى لأنه لا يجتمع معهم إلا في جدهم الأعلى ثقيف لأنه من ولد جشم بن ثقيف وهذا الأثر وصله وكيع في مصنفه والبيهقي من طريقه وكذا سعيد بن منصور. (وقال عبد الرحمن بن عوف) فيما وصله ابن سعد (لأم حكيم) بفتح الحاء المهملة (بنت قارظ): بالقاف وبعد الألف راء مكسورة فظاء معجمة ابن خالد بن عبيد حليف بني زهرة وكانت قالت له: قد خطبني غير واحد فزوّجني أيهم رأيت (أتجعلين أمرك إليُّ)؟ بتشديد الياء. (قالت: نعم. فقال: قد تزوّجتك) قال ابن أبي ذئب: فجاز نكاحه. (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح فيما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج قالت: قلت لعطاء امرأة خطبها ابن عم لها لا رجل لها غيره. قال: (ليشهد) بالتحتية والجزم على الأمر (أني قد نكحتك أو ليأمر رجلًا من عشيرتها) أن يزوّجها له مع كونه أبعد ولفظ عبد الرزاق قال: فلتشهد أن فلانًا خطبها وأني أشهدكم أني قد نكحته. (وقال سهل) فيما سبق موصولًا: (قالت امرأة: للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أهب لك نفسي فقال رجل: يا رسول الله

38 - باب إنكاح الرجل ولده الصغار لقوله تعالى: {واللائي لم يحضن} فجعل عدتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ

إن لم تكن) بالمثناة الفوقية (لك بها حاجة فزوّجنيها) فزوّجها له عليه الصلاة والسلام وكان خطبها له. 5131 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- فِي قَوْلِهِ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ قَالَتْ: هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ الرَّجُلِ قَدْ شَرِكَتْهُ فِي مَالِهِ فَيَرْغَبُ عَنْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَكْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا غَيْرَهُ فَيَدْخُلَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ فَيَحْبِسُهَا، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. وبه قال: (حدّثنا ابن سلام) محمد قال: (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- في) تفسير (قوله) عز وجل: ({ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن}) [النساء: 127] (إلى آخر الآية قال عروة: قالت عائشة: والذي في اليونينية قالت أي عائشة: (هي اليتيمة) التي مات أبوها (تكون في حجر الرجل) بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم (قد شركته) بفتح المعجمة وكسر الراء (في ماله فيرغب عنها أن يتزوجها ويكره أن يزوجها غيره فيدخل عليه في ماله فيحبسها فنهاهم الله عن ذلك) فإن قلت: ما وجه المطابقة؟ أجيب في قوله فيرغب عنها أن يتزوجها لأنه أعم من أن يتولى ذلك بنفسه أو يأمر غيره فيزوجه، وبه احتج محمد بن الحسن لأن الله لما عاتب الأولياء في تزويج من كانت من أهل الجمال والمال بدون سنتها من الصداق وعاتبهم على ترك تزويج من كانت قليلة المال والجمال دل على أن الولي يصح منه تزويجها من نفسه إذ لا يعاتب أحد على ترك ما هو حرام عليه انتهى من الفتح. 5132 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جُلُوسًا فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ تَعْرِضُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ فَخَفَّضَ فِيهَا النَّظَرَ وَرَفَعَهُ فَلَمْ يُرِدْهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. زَوِّجْنِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَعِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ»؟ قَالَ: مَا عِنْدِي مِنْ شَيْءٍ قَالَ: «وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»؟ قَالَ: وَلاَ خَاتَمًا، مِنَ حَدِيدٍ وَلَكِنْ أَشُقُّ بُرْدَتِي هَذِهِ فَأُعْطِيهَا النِّصْفَ، وَآخُذُ النِّصْفَ. قَالَ: «لاَ، هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ»؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «اذْهَبْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن المقدام) بميمين الأولى مكسورة ابن مسلم العجلي البصري قال: (حدّثنا فضيل بن سليمان) البصري قال: (حدّثنا أبو حازم) سلمة بن دينار قال: (حدّثنا سهل بن سعد) الساعدي (قال: كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جلوسًا فجاءته) ولأبي ذر عن المستملي (فجاءته امرأة تعرض نفسها عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فخفض فيها النظر) بتشديد الفاء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي البصر بالموحدة والصاد المهملة بدل النون والظاء المعجمة (ورفعه فلم يردها) بضم الياء وكسر الراء وسكون الدال (فقال رجل: من أصحابه زوّجنيها يا رسول الله؟ قال): (أعندك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي هل عندك (من شيء) تمهرها إياه وهل حرف استفهام موضوع لطلب التصديق الإيجابي دون التصوّر ودون التصديق السلبي قال ابن هشام في مغنيه فيمتنع نحو: هل زيدًا ضربت تقديم الاسم يُشْعِر بحصول التصديق بنفس النسبة فيمتنع نحو هل زيد قائم أم عمرو إذا أريد بأُم المتصلة ويمتنع نحو هل لم يقم زيد ومن في قوله من شيء زائدة في المبتدأ والخبر متعلق الظرف (قال: ما عندي من شيء قال: ولا) تجد (خاتمًا من حديد) ولأبي ذر ولا خاتم بالرفع أي ولا عندك خاتم من حديد (قال) الرجل: (ولا) أجد (خاتمًا) ولأبي ذر ولا خاتم (من حديد ولكن أشق بردتي هذه فأعطيها) بضم الهمزة (النصف) منها (وآخذ النصف قال: لا) وفي الرواية السابقة: ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك شيء (قال: هل معك من القرآن شيء؟ قال: نعم. قال: اذهب فقد زوّجتكها بما معك من القرآن). قال في فتح الباري: ووجه المطابقة من هذا الحديث يعني لمناسبة الترجمة الإطلاق أيضًا لكن انفصل من منع ذلك بأنه معدود من خصائصه أن يزوج نفسه وبغير وليّ ولا شهود ولا استئذان وبلفظ الهبة. 38 - باب إِنْكَاحِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ الصِّغَارَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ} فَجَعَلَ عِدَّتَهَا ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ قَبْلَ الْبُلُوغِ (باب) جواز (نكاح الرجل ولده الصغار) بفتح الواو واللام اسم جنس شامل للذكر والأنثى (لقوله) ولأبي ذر لقول الله (تعالى: {واللائي لم يحضن}) [الطلاق: 4] أي من الصغار (فجعل عدّتها ثلاثة أشهر قبل البلوغ) فدلّ على أن نكاحها قبل البلوغ جائز، وحذف في الآية قوله: {فعدتهن ثلاثة أشهر} لدلالة المذكور عليه قاله في الكشاف، وهذا من مواطن حذف الخبر. واختلف في تقديره فقدّره الزمخشري وابن مالك جملة وقدره آخرون مفردًا أي كذلك وهو أحسن لأن أصل الخبر أن يكون مفردًا والأكثرون على تقديره مؤخرًا مفردًا، وقدره ابن عبد السلام مفردًا مقدمًا أي وكذلك اللائي لم يحضن وجعل منه والمحصنات من المؤمنات أي حل لكم وكذلك المحصنات من المؤمنات. وقيل: إن هذه الآية لا حذف فيها، والتقدير واللائي يئسن من الحيض من نسائكم إن ارتبتم واللائي لم يحضن فعدّتهن ثلاثة أشهر فقدّم وأخّر. 5133 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَهَا وَهْيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَهْيَ بِنْتُ تِسْعٍ، وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا. وبه قال: (حدّثنا محمد

39 - باب تزويج الأب ابنته من الإمام. وقال عمر: خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلي حفصة فأنكحته

بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوجها) من أبي بكر -رضي الله عنه- (وهي بنت ست سنين وأدخلت عليه) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول (وهي بنت تسع) من السنين (ومكثت) بفتح الكاف وضمها (عنده تسعًا) فتوفي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعمرها ثماني عشرة سنة. 39 - باب تَزْوِيجِ الأَبِ ابْنَتَهُ مِنَ الإِمَامِ. وَقَالَ عُمَرُ: خَطَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيَّ حَفْصَةَ فَأَنْكَحْتُهُ (باب تزويج الأب ابنته من الإمام) أي الأعظم (وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- مما سبق موصولًا: (خطب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليّ حفصة فأنكحته) إياه اهـ. 5134 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَهَا وَهْيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَبَنَى بِهَا وَهْيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ، قَالَ هِشَامٌ: وَأُنْبِئْتُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهُ تِسْعَ سِنِينَ. وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بتشديد اللام المفتوحة العمي البصري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد البصري (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوجها وهي بنت ست سنين) كذا بفتح ست في الفرع وفي الأصل بالجر والواو للحال (وبنى بها وهي بنت تسع سنين). قال الجوهري: بنى على أهله بناء أي زفها والعامة تقول بنى بأهله وهو خطأ وكان الأصل فيه أن الداخل بأهله يضرب عليها قبة عند دخوله بها، فقيل لكل داخل على أهله بانٍ، وعليه كلام التوربشتي والقاضي، وبالغًا في التخطئة حتى تجاوزا إلى تخطئة الراوي. وأجاب الطيبي بعد أن ذكر ذلك بأن استعمال بنى عليها بمعنى زفها في بدء الأمر كناية فلما أكثر استعماله في الزفاف فهم منه معنى الزفاف، وإن لم يكن ثمة بناء فأيّ بعد في أن ينتقل من المعنى الثاني إلى ثالث فيكون بمعنى أعرس بها. قال: ويوضح هذا ما قاله صاحب المغرب أصله أن المعرس كان يبني على أهله ليلة الزفاف خباء ثم كثر حتى كني به عن الوطء وعن ابن دريد بنى بامرأته بالباء كأعرس بها. (قال) ولأبي ذر فقال (هشام) أي ابن عروة بالسند السابق: (وأنبئت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (أنها) أي عائشة (كانت عنده) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تسع سنين) ثم توفي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والله أعلم. 40 - باب السُّلْطَانُ وَلِيٌّ، بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» هذا (باب) بالتنوين (السلطان ولي) لمن لا ولي لها (بقول النبي) أي بسبب قول النبي، ولأبي ذر لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باللام بدل الموحدة أي لأجل قول النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زوجناكها) بنون العظمة (بما معك من القرآن). 5135 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: إِنِّي وَهَبْتُ مِنْ نَفْسِي، فَقَامَتْ طَوِيلًا فَقَالَ رَجُلٌ زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، قَالَ: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ. تُصْدِقُهَا»؟ قَالَ: مَا عِنْدِي إِلاَّ إِزَارِي. فَقَالَ: «إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لاَ إِزَارَ لَكَ فَالْتَمِسْ شَيْئًا». فَقَالَ: مَا أَجِدُ شَيْئًا. فَقَالَ: «الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدِ». فَلَمْ يَجِدْ فَقَالَ: «أَمَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ»؟ قَالَ: نَعَمْ، سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا فَقَالَ: «زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي -رضي الله عنه- أنه (قال: جاءت امرأة إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: إني وهبت من نفسي) أي وهبت نفسي فمن زائدة ولأبي الوقت وهبت منك نفسي، وفي رواية لك نفسي بلام التمليك، استعملت هنا في تمليك المنافع أي وهبت أمر نفسي لك (فقامت) قيامًا (طويلًا) فطويلًا نعت لمصدر محذوف وسمي مصدرًا لأن المصدر هو اسم الفعل أو عدده أو ما قام مقامه أو ما أضيف إليه وهذا قام مقام المصدر فسمي باسم ما وقع موقعه وقوله فقامت عطف على وهبت (فقال رجل): يا رسول الله (زوجنيها إن لم تكن) بالفوقية (لك بها حاجة قال) عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر فقال: (هل عندك من شيء تصدقها)؟ إياه ومن زائدة في المبتدأ والخبر متعلق الظرف وجملة تصدقها في موضع رفع صفة لشيء ويجوز فيه الجزم على جواب الاستفهام وتصدقها يتعدى لمفعولين الثاني محذوف أي إياه وهو العائد من الصفة على الموصوف (قال) الرجل (ما عندي إلا إزاري فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك) جواب الشرط ولا نافية وإزار اسم نكرة مبني مع لا ولك يتعلق بالخبر أي ولا إزار كائن لك (فالتمس شيئًا. فقال: ما أجد شيئًا فقال) عليه الصلاة والسلام: (التمس ولو) كان الملتمس (خاتمًا من حديد) فطلب (فلم يجد) ذلك (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (أمعك من القرآن شيء؟ قال: نعم) معي (سورة كذا وسورة كذا) بالتكرار مرتين وفيما سبق تكرير ذلك ثلاثًا (لسور سماها) في فوائد تمام إنها تسع من المفصل وقيل غير ذلك مما سبق ذكره (فقال:

41 - باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها

زوّجناكها) بنون العظمة ولأبي ذر قد زوّجناكها (بما معك من القرآن). والمطابقة بين الترجمة والحديث ظاهرة. وفي حديث عائشة عند أبي داود والترمذي وحسنه وصححه أبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم مرفوعًا "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" الحديث. وفيه السلطان ولي من لا ولي له لكنه لما لم يكن على شرط المؤلّف استنبط الحكم من قصة الواهبة ولا يزوج السلطان إلا بالغة بكفء عند عدم وليها الخاص أو غيبة الأقرب مسافة القصر، وهل يزوّج بالولاية العامة أو النيابة الشرعية وجهان حكاهما الإمام، وأفتى البغوي منهما بالأول قال: لأنه كان بالنيابة لما زوج مولية الرجل منه ومن فوائد الخلاف أنه لو أراد القاضي نكاح من غاب وليها إن قلنا بالولاية زوّجه أحد نوابه أو قاضٍ آخر أو بالنيابة لم يجز ذلك. 41 - باب لاَ يُنْكِحُ الأَبُ وَغَيْرُهُ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ إِلاَّ بِرِضَاهَا هذا (باب) بالتنوين (لا ينكح الأب) بضم التحتية وكسر الكاف من الإنكاح (وغيره) من الأولياء (البكر والثيب إلا برضاهما) سواء كانتا كبيرتين أو صغيرتين كما هو ظاهر حديث الباب. 5136 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ». [الحديث 5136 - طرفاه في: 6968، 6970]. وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء وتخفيف المعجمة قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (حدّثهم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تنكح الأيم) بضم الفوقية وفتح الكاف مبنيًّا للمفعول ورفع الحاء على أن لا نافية خبر بمعنى النهي وبالجزم كسر لالتقاء الساكنين على أنها ناهية والأولى أبلغ والأيم بتشديد التحتية المكسورة في الأصل التي لا زوج لها بكرًا كانت أو ثيبًا مطلّقة أو متوفّى عنها والمراد بها هنا التي زالت بكارتها بأي وجه كان سواء زالت بنكاح صحيح أو شبهة أو فاسد أو زنا أو بوثبة أو بأصبع أو غير ذلك لأنها جعلت مقابلة للبكر (حتى تستأمر) بضم الفوقية وفتح الميم أي يطلب أمرها (ولا تنكح البكر حتى تستأذن) أي يطلب إذنها وفرق بينهما بأن الأمر لا بد فيه من لفظ والإذن يكون بلفظ وغيره (قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها)؟ أي البكر (قال: أن تسكت) لأنها قد تستحيي أن تفصح واختلف فيما إذا سكتت وظهرت منها قرينة السخط كالبكاء أو الرضا كالتبسم فعند المالكية إن ظهرت منها قرينة الكراهة لم تزوج، وعند الشافعية لا يؤثر ذلك إلا إن وقع مع البكاء صياح ونحوه. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في ترك الحيل ومسلم في النكاح وكذا النسائي. 5137 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ طَارِقٍ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحِي، قَالَ: «رِضَاهَا صَمْتُهَا». [الحديث 5137 - أطرافه في: 6949، 6971]. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن الربيع بن طارق) بفتح العين وسكون الميم الهلالي المصري قال: (أخبرنا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي حدّثنا (الليث) بن سعد الإمام (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن أبي عمرو) بفتح العين ذكوان (مولى عائشة عن عائشة) -رضي الله عنها- (أنها قالت: يا رسول الله إن البكر تستحي) أن تفصح به ولأبي ذر تستحيي بياءين (قال) عليه الصلاة والسلام: (رضاها صمتها) أي سكوتها. وظاهر الحديث أنه ليس للولي تزويج موليته من غير استئذان ومراجعة واطّلاع على أنها راضية بصريح الإذن أو سكوت من البكر وللعلماء في هذا المقام تفصيل واختلاف فاتفقوا على أنه لا يجوز تزويج الثيّب البالغة العاقلة إلا بإذنها والبكر الصغيرة يزوجها أبوها اتفاقًا أيضًا. وأما الثيب غير البالغ فاختلف فيها فقال مالك وأبو حنيفة: يزوّجها أبوها كما يزوج البكر، وقال إمامنا الشافعي أبو يوسف ومحمد: لا يزوجها إذا زالت البكارة بالوطء لا بغيره لأن إزالة البكارة تزيل الحياء الذي في البكر، وأما البكر البالغ فيزوجها أبوها وكذا غيره من الأولياء. واختلف في استثمارها. والحديث يدل على أنه لا إجبار عليها للأب إذا امتنعت وهو مذهب الحنفية. وقال مالك والشافعي وأحمد: يزوجها. واحتج بمفهوم حديث الباب لأنه جعل الثيب أحق بنفسها من وليها فدلّ على أن ولي البكر أحق بها منها وألحق الشافعي الجد بالأب، وقال أبو حنيفة في الثيب الصغيرة: يزوجها كل ولي فإذا بلغت ثبت لها الخيار وعن مالك يلتحق بالأب في ذلك وصي الأب دون بقية الأولياء لأنه

42 - باب إذا زوج ابنته وهي كارهة، فنكاحه مردود

أقامه مقامه، وقال الحنابلة: وللأب إجبار بناته الأبكار مطلقًا وثيب لها دون تسع سنين لا من لها تسع فأكثر. 42 - باب إِذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهْيَ كَارِهَةٌ، فَنِكَاحُهُ مَرْدُودٌ هذا (باب) بالتنوين (إذا زوج) الرجل (ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود) إذا كانت ثيبًا اتفاقًا من الأئمة الأربعة. 5138 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ، أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَدَّ نِكَاحَهُ. [الحديث 5137 - أطرافه في: 5139، 6945، 6969]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام الأعظم (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن و) أخيه (مجمع) بضم الميم الأولى وكسر الثانية مشددة بينهما جيم مفتوحة آخره عين مهملة (ابني يزيد) من الزيادة (ابن جارية) بالجيم الأنصاري ابن أخي مجمع بن جارية الصحابي (عن خنساء) بفتح الخاء المعجمة وبعد النون الساكنة سين مهملة مهموز ممدود (بنت خدام) بكسر الخاء وتخفيف الذال بالمعجمتين وفي الفتح وبالدال المهملة (الأنصارية) الأويسية (أن أباها زوجها وهي ثيب) وإن زوجها الأول اسمه أنيس بن قتادة كما عند الواقدي، وقيل: أسير كما في المبهمات للقطب ابن القسطلاني وأنه مات ببدر وعند عبد الرزاق أن رجلًا من الأنصار تزوّج خنساء بنت خذام فقتل عنها يوم أُحُد فأنكحها رجلًا (فكرهت ذلك) ولم يقف الحافظ ابن حجر على اسم الزوج الثاني. نعم قال الواقدي: إنه من بني مزينة، وعند ابن إسحاق أنه من بني عمرو بن عوف (فأتت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد الإسماعيلي أنها قالت: أنا أريد أن أتزوج عم ولدي وعند عبد الرزاق إن أبي أنكحني وإن عم ولدي أحب إليّ (فردّ) عليه الصلاة والسلام (نكاحه). وأما ما رواه النسائي من طريق الأوزاعي عن عطاء عن جابر أن رجلًا زوج ابنته وهي بكر من غير أمرها فأتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ففرق بينهما فحمله البيهقي على أنه كان زوّجها من غير كفء أما إذا زوجها بكفء فإنه ينفذ ولو طلبت هي كفأ غيره لأنها مجبرة فليس لها اختيار الأزواج وهو أكمل نظرًا منها بخلاف غير المجبر فإنه لا يزوجها إلا ممن عينته لأن إذنها شرط في أصل تزويجها فاعتبر تعيينها. 5139 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ وَمُجَمِّعَ بْنَ يَزِيدَ حَدَّثَاهُ، أَنَّ رَجُلًا يُدْعَى خِذَامًا أَنْكَحَ ابْنَةً لَهُ نَحْوَهُ. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن راهويه قال: (أخبرنا يزيد) بن هارون قال: (أخبرنا يحيى) بن سعيد الأنصاري (أن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق (حدّثه أن عبد الرحمن بن يزيد و) أخاه (مجمع بن يزيد حدّثناه أن رجلًا يدعى خذامًا) بالخاء والذال المعجمتين في الفرع (أنكح ابنة له نحوه) أي نحو الحديث السابق. قال في الفتح: وقد ساق أحمد لفظه أن يزيد بن هارون بهذا الإسناد أن رجلًا منهم يدعى خزامًا أنكح ابنته فكرهت نكاح أبيها، فأتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكرت ذلك له فردّ نكاح أبيها فتزوجت أبا لبابة بن عبد المنذر فذكر يحيى بن سعيد أنه بلغه أنها كانت ثيبًا. 43 - باب تَزْوِيجِ الْيَتِيمَةِ، لِقَوْلِهِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا} إِذَا قَالَ لِلْوَلِيِّ زَوِّجْنِي فُلاَنَةَ فَمَكِثَ سَاعَةً أَوْ قَالَ: مَا مَعَكَ؟ فَقَالَ: مَعِي كَذَا وَكَذَا أَوْ لَبِثَا ثُمَّ قَالَ: زَوَّجْتُكَهَا فَهْوَ جَائِزٌ. فِيهِ سَهْلٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب تزويج اليتيمة) التي مات أبوها ولم تبلغ (لقوله) تعالى: ({وإن}) بالواو ولأبي ذر: فإن ({خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى}) الذين مات آباؤهم فانفردوا عنهم واليتم الانفراد ({فانكحوا}) [النساء: 3] الآية. قال في الكشاف، فإن قلت: كيف جمع اليتيم وهو فعيل كمريض على يتامى؟ قلت: فيه وجهان أن يجمع على يتمى كأسرى لأن اليتم من وادي الآفات والأوجاع فعلى على فعالى كأسارى، ويجوز أن يجمع على فعائل لجري اليتيم مجرى بالأسماء نحو صاحب وفارس، فيقال يتائم ثم يتامى على القلب، وحق هذا الاسم أن يقع على الصغار والكبار لبقاء معنى الانفراد عن الآباء إلا أنه قد غلب أن يسموا به قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال فإذا استغنوا بأنفسهم عن قائم عليهم وانتصبوا كفاة يكفلون غيرهم ويقومون عليهم زال عنهم هذا الاسم، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: لا يتم بعد الحلم فما هو إلا تعليم شريعة لا لغة يعني إذا احتلم لم تجرِ عليه أحكام الصغار انتهى. (وإذا قال) الخاطب: (للولي زوجني) موليتك (فلانة فمكث ساعة) بضم الكاف وفتحها ثم زوجه (أو قال) الولي للخاطب: (ما معك) تمهرها إياه (فقال: معي كذا وكذا) أو تخلل كلام نحو ذلك بين الإيجاب والقبول (أو لبثا) كلاهما بعد قوله للولي:

44 - باب إذا قال: الخاطب للولي: زوجني فلانة فقال: قد زوجتك بكذا وكذا، جاز النكاح وإن لم يقل للزوج أرضيت أو قبلت

زوجني (ثم قال) الولي: (زوجتكها فهو جائز) في الصور بالثلاث ولا يضر ذلك لاتحاد المجلس. (فيه سهل عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يعني في صفة الواهبة السابقة مرارًا، لكن في استخراج الحكم المذكور منها نظر لأنها واقعة عين يطرقها احتمال أن يكون قبل عقب الإيجاب، ومذهب الشافعية اشتراط القبول فورًا فلا يضر فصل يسير، فلو حمد الله الولي وصلى على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأوصى بتقوى الله، ثم قال: زوجتك فلانة فقال الزوج: الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وأوصى بتقوى الله ثم قبل النكاح صح، ولا يضر هذا الفصل لأن المتخلل مقدمة القبول فلا يقطع الموالاة بينهما والخطبة من الأجنبي كهي ممن ذكر فيحصل بها الاستحباب ويصح معها العقد فإن طال الذكر الفاصل بين الإيجاب والقبول أو تخلل بينهما كلام يسير أجنبي عن العقد لم يتعلق به ولم يستحب بطل العقد لإشعاره بالإعراض. 5140 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَ لَهَا: يَا أُمَّتَاهْ {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} -إِلَى- {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا ابْنَ أُخْتِي هَذِهِ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا وَيُرِيدُ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ صَدَاقِهَا فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} -إِلَى- {وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ} فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ، أَنَّ الْيَتِيمَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ مَالٍ وَجَمَالٍ رَغِبُوا فِي نِكَاحِهَا وَنَسَبِهَا وَالصَّدَاقِ، وَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبًا عَنْهَا فِي قِلَّةِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ تَرَكُوهَا وَأَخَذُوا غَيْرَهَا مِنَ النِّسَاءِ، قَالَتْ: فَكَمَا يَتْرُكُونَهَا حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْهَا، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا إِذَا رَغِبُوا فِيهَا إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا الأَوْفَى مِنَ الصَّدَاقِ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (وقال الليث) بن سعد الإمام فيما سبق موصولًا في باب الأكفاء في المال (حدَّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين مصغرًا (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- قال لها: يا أمتاه {وإن}) بالواو ولأبي ذر فإن ({خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى} -إلى- {ما}) ولأبي ذر إلى قوله ما ({ملكت أيمانكم} قالت عائشة: يا ابن أختي) أسماء بنت أبي بكر (هذه اليتيمة تكون في حجر وليها) زاد في التفسير تشركه في ماله (فيرغب في جمالها ومالها ويريد أن ينتقص من) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في (صداقها فنهوا) بضم النون والهاء (عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق) أسوة أمثالهن (وأمروا بنكاح من سواهن) من سوى اليتامى (من النساء قالت عائشة: استفتى) ولأبي ذر: فاستفتى (الناس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك) أي بعد نزول آية {وإن خفتم} (فأنزل الله) تعالى: ({ويستفتونك في النساء} -إلى- {وترغبون}) ولأبي ذر إلى قوله: {وترغبون} ({أن تنكحوهن}) [النساء: 127] سقط أن تنكحوهن لغير أبي ذر (فأنزل الله لهم في هذه الآية أن اليتيمة إذا كانت ذات مال وجمال رغبوا في نكاحها ونسبها والصداق) الذي هو غير صداق مثلها (وإذا كانت مرغوبًا عنها في قلة المال والجمال تركوها) فلم يتزوجوها (وأخذوا غيرها من النساء. قالت) عائشة: (فكما يتركونها) أي اليتيمة (حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق). وهذا المتن لفظ رواية أبي شعيب وفيه دلالة على أن للولي غير الأب أن يزوج التي دون البلوغ بكرًا كانت أو ثيبًا لأن اليتيمة هي التي دون البلوغ ولا أب لها بكرًا كانت أو ثيبًا وقد أذن في نكاحها شرط أن لا يبخس من صداقها وقد اختلف في ذلك فقال أصحاب أبي حنيفة: يصح النكاح ولها الخيار إذا بلغت في فسخ النكاح وإجازته. وقال الشافعي: باطل لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "اليتيمة تستأمر" واليتيمة كما مر اسم للصغيرة التي لا أب لها وهي قبل البلوغ لا عبرة بإذنها وكأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شرط بلوغها فمعناه لا تنكح حتى تبلغ فتستأمر، وعند الترمذي وقال: حسن صحيح لا تنكحوا اليتامى حتى تستأمروهن والله أعلم. 44 - باب إِذَا قَالَ: الْخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ: زَوِّجْنِي فُلاَنَةَ فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْتُكَ بِكَذَا وَكَذَا، جَازَ النِّكَاحُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِلزَّوْجِ أَرَضِيتَ أَوْ قَبِلْتَ هذا (باب) بالتنوين (إذا قال الخاطب للولي: زوجني) موليتك (فلانة) وثبت قوله للولي لأبي ذر عن الكشميهني (فقال) للولي: (قد زوجتكـ) ـها (بكذا وكذا جاز النكاح وإن لم يقل للزوج أرضيت أو قبلت) ويقبل هو ذلك وهذا مذهب الشافعية لوجود الاستدعاء الجازم، ولقوله في حديث الباب زوجنيها فقال: زوجتكها بما معك من القرآن ولم ينقل أته قال بعد ذلك قبلت نكاحها. 5141 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا فَقَالَ: «مَا لِي الْيَوْمَ فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَةٍ». فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَوِّجْنِيهَا. قَالَ: «مَا عِنْدَكَ»؟ قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ. قَالَ: «أَعْطِهَا وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ». قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ. قَالَ: «فَمَا عِنْدَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا قَالَ: «فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ». وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل) الساعدي ولأبي ذر زيادة ابن سعد

45 - باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع

(رضي الله عنه أن امرأة أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعرضت عليه نفسها) لينكحها (فقال): (ما لي اليوم في النساء) ولأبي ذر عن الكشميهني بالنساء (من حاجة. فقال رجل: يا رسول الله زوّجنيها قال: ما عندك)؟ تصدقها (قال: ما عندي شيء. قال) عليه الصلاة والسلام: (أعطها) صداقًا (ولو) كان (خاتمًا من حديد. قال: ما عندي شيء) وهذه الجملة من قوله أعطها إلى هنا ثابتة في رواية أبي ذر (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فما عندك من القرآن؟ قال: كذا وكذا قال) عليه الصلاة والسلام (فقد) ولأبي ذر فقال: قد (ملكتكها) وللأكثرين زوجتكها (بما) أي بتعليمك إياها ما (معك من القرآن) ولم يرد أنه قال: قبلت بعد ذلك اكتفاء بقوله أولًا زوجنيها كما مرّ ومثله في الانعقاد بصيغة الأمر لو قال: تزوج ابنتي فيقول الخاطب: تزوجتها، فلو قال: زوجتني ابنتك أو تزوجنيها أو أتتزوج ابنتي أو تزوجها لا ينعقد لأنه استفهام. 45 - باب لاَ يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَدَعَ هذا (باب) بالتنوين (لا يخطب) الرجل (على خطبة أخيه) بكسر الخاء المعجمة (حتى ينكح أو يدع). 5142 - حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانَ يَقُولُ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلاَ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ. وبه قال: (حدّثنا مكي بن إبراهيم) الحنظلي البلخي قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ولأبي ذر عن الكشميهني عن ابن جريج (قال: سمعت نافعًا يحدّث أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تحريم (أن يبيع بعضكم على بيع بعض ولا يخطب الرجل) بالرفع على النفي (على خطبة أخيه) المسلم وكذا الذمي إذا صرح له بالإجابة (حتى يترك الخاطب قبله) التزويج (أو يأذن له الخاطب) الأول سواء كان الأول مسلمًا أو كافرًا محترمًا وذكر الأخ جرى على الغالب ولأنه أسرع امتثالًا، والمعنى في ذلك ما فيه من الإيذاء والتقاطع وفي معنى الإذن ما لو ترك أو طال الزمان بعد إجابته بحيث يعدّ معرضًا أو غاب زمنًا يحصل به الضرر أو رجعوا عن إجابته والمعتبر في التحريم إجابتها إن كانت غير مجبرة أو إجابة الولي المجبر إن كانت مجبرة، أو إجابتهما معًا إن كان الخاطب غير كفء، أو إجابة السيد أو السلطان في الأمة غير المكاتبة كتابة صحيحة بالنسبة للسيد. 5143 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَأْثُرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا». [الحديث 5143 - أطرافه في 6064، 6066، 6724]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز أنه (قال: قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (يأثر) بضم المثلثة أي يروي (عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): 5144 - «وَلاَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ». (إياكم والظن) أي احذروا الظن السوء (فإن الظن) السيئ (أكذب الحديث ولا تجسسوا) بالجيم لا تبحثوا عن العورات (ولا تحسسوا) بالحاء المهملة لا تسمعوا لحديث القوم (ولا تباغضوا) بل تحابوا (وكونوا إخوانًا) كالإخوان في جلب المنفعة ودفع المضرة (ولا يخطب الرجل) امرأة (على خطبة أخيه) إذا أجيب (حتى ينكح) المخطوبة (أو يترك) تزويجها. قال شارح المشكاة -رحمه الله تعالى-: حتى غاية النهي فتوهم أن بعد النكاح لا تكون الخطبة منهيًا عنها وبعد النكاح لا تتصوّر الخطبة، فكيف معنى حتى؟ وأجاب: بأنه من باب التعليق بالمحال يعني إذا استقام أن يخطب بعد النكاح جاز وقد علم أنه لا يستقيم فلا يجوز، ويجوز أن تكون حتى بمعنى كي وأو بمعنى إلى وضمير ينكح راجع إلى الرجل وفي يترك إلى أخيه، والمعنى لا يخطب الرجل على خطبة أخيه لكي ينكحها إلى أن يتركها أخوه انتهى. وإذا عقد الثاني صح مع الحرمة. وقال الشيخ خليل من المالكية تحرم خطبة راكنة لغير فاسق ولو لم يقدر صداق، وقال شارحه: وتفسير ذلك فيما يرى أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه ويتفقا على صداق وقد تراضيا فتلك التي نهى أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه ولم يعن بذلك إذا خطب ولم يوافقها أمره ولم تركن إليه وقوله لغير فاسق احتراز مما إذا ركنت لفاسق فإن خطبتها لا تحرم وإن خطب ولم يدخل فسخ وهو المشهور عن مالك فإن دخل مضى النكاح وبئس ما صنع، وقال ابن زرقون: وعنه إنه يفسخ على كل حال وعنه أنه لا يفسخ أصلًا وإن كان عاصيًا. وقال ابن القاسم: ويؤدب من

46 - باب تفسير ترك الخطبة

خطب على خطبة أخيه. حكاه في النوادر والعتبية. 46 - باب تَفْسِيرِ تَرْكِ الْخِطْبَةِ (باب تفسير ترك الخطبة) بكسر الخاء. 5145 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يُحَدِّثُ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ قَالَ عُمَرُ: لَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ إِلاَّ أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا. تَابَعَهُ يُونُسُ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ أَبِي عَتِيقٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أنه سمع) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يحدّث أن) أباه (عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة) بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي (قال عمر: لقيت أبا بكر) الصديق (فقلت) له (إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلقيني أبو بكر فقال: إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت) عليَّ (إلا أني قد علمت أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولو تركها لقبلتها). قال ابن بطال: تقدم في الباب السابق تفسير ترك الخطبة صريحًا في قوله: حتى ينكح أو يترك. وحديث هذا الباب في قصة حفصة لا يظهر منه تفسير ترك الخطبة لأن عمر لم يكن علم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطب حفصة فضلًا عن التراكن، فكيف توقف أبو بكر عن الخطبة أو قبولها من الولي ولكنه قصد معنًى دقيقًا يدل على ثقوب ذهنه ورسوخه في الاستنباط وذلك أن أبا بكر علم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا خطب إلى عمر أنه لا يرده بل يرغب فيه ويشكر الله على ما أنعم عليه به من ذلك. فقام علم أبي بهذا الحال مقام الركون والتراضي فكأنه يقول: كل من علم أنه لا يصرف إذا خطب لا ينبغي لأحد أن يخطب على خطبته. (تابعه) أي تابع شعيب بن أبي حمزة (يونس) بن يزيد فيما وصله الدارقطني في العلل (وموسى بن عقبة) فيما وصله الذهلي في الزهريات (وابن أبي عتيق) هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق الصديقي القرشي فيما وصله الذهلي أيضًا (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب. وسبق حديث الباب بأتمّ من هذا في باب عرض الإنسان ابنته. 47 - باب الْخُطْبَةِ (باب) استحباب (الخطبة) بضم الخاء قبل العقد. 5146 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ جَاءَ رَجُلاَنِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا». [الحديث 5146 - أطرافه في: 5767]. وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف ابن عقبة قال: (حدّثنا سفيان) الثوري أو ابن عيينة (عن زيد بن أسلم) أنه (قال: سمعت ابن عمر يقول: جاء رجلان من المشرق) مشرق المدينة وهما الزبرقان بن بدر التميمي وعمرو بن الأهيم سنة تسع من الهجرة وأسلما (فخطبا) خطبتين بليغتين يأتيان في الطب إن شاء الله تعالى بعون الله تعالى (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن من البيان سحرًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لسحرًا بزيادة اللام للتأكيد والبيان نوعان ما تحصل به الإنابة عن المراد والآخر تحسين اللفظ بحيث يستميل قلب السامع وهو الذي يشبه بالسحر إذا جلب القلوب وغلب على النفوس وهو عبارة عن تصنع في الكلام وتكلف تحسينه وصرف الشيء عن حقيقته كالسحر الذي هو تخييل لا حقيقة والمذموم منه ما يقصد به الباطل. قال في فتح الباري: وجه مناسبة الحديث للترجمة كأنه أشار إلى أن الخطبة وإن كانت مشروعة في النكاح فينبغي أن لا يكون فيها ما يقتضي صرف الحق إلى الباطل بتحسين الكلام، وقال المهلب: الخطبة في النكاح إنما شرعت للخاطب ليسهل أمره فشبه حسن التواصل إلى الحاجة بحسن الكلام فيها باستنزال المرغوب إليه بالبيان بالسحر وإنما كان كذلك لأن النفوس طبعت على الأنفة من ذكر الموليات في أمر النكاح فكان حسن التوصل لدفع تلك الأنفة وجهًا من وجوه السحر الذي يصرف الشيء إلى غيره انتهى. المستحب في النكاح أربع خطب: خطبة من الخاطب قبل الخطبة بكسر الخاء وخطبة من المجيب قبل الإجابة، وخطبتان قبل النكاح إحداهما من الولي قبل الإيجاب والأخرى من الخاطب قبل القبول لحديث "كل أمر ذي بال" وأخرج أصحاب السنن وصححه أبو عوانة وابن حبان مرفوعًا عن ابن مسعود: إذا أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من نكاح أو غيره فليقل إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن

48 - باب ضرب الدف في النكاح والوليمة

يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعلى آله وصحبه. {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102]، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم} إلى قوله: {رقيبًا} [النساء: 1]، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدًا} إلى قوله: {عظيمًا} [الأحزاب: 70]. وحديث الباب أخرجه أيضًا في الطب وأبو داود في الأدب والترمذي في البر. 48 - باب ضَرْبِ الدُّفِّ فِي النِّكَاحِ وَالْوَلِيمَةِ (باب) إباحة (ضرب الدف في النكاح) بضم الدال في الفرع كأصله على الأفصح وقد تفتح (و) ضرب الدف في (الوليمة) من عطف العام على الخاص ويأتي إن شاء الله تعالى باب الوليمة حق. 5147 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ قَالَ: قَالَتِ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ: جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ حِينَ بُنِيَ عَلَيَّ، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ، إِذْ قَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ: «دَعِي هَذِهِ وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن لاحق البصري، وفي نسخة باليونينية: عن بشر بن المفضل قال: (حدّثنا خالد بن ذكوان) أبو الحسن المدني (قال: قالت الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد التحتية المكسورة (بنت معوذ ابن عفراء) بكسر الواو المشددة بعدها دال معجمة والعفراء بفتح العين المهملة وسكون الفاء ممدودًا (جاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخل) وللحموي والكشميهني يدخل بصيغة المضارع (حين بني علي) وفي رواية حماد بن سلمة عند ابن ماجة صبيحة عرسي وكانت تزوّجت إياس بن البكير الليثي (فجلس على فراشي كمجلسك مني) بكسر اللام أي مكانك وقد كان من خصائصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جواز النظر للأجنبية والخلوة بها (فجعلت جويريات لنا) أي يقف الحافظ ابن حجر على تسميتهن (يضربن بالدف ويندبن) أي يذكرن أوصاف (من قتل من آبائي يوم بدر) بالثناء عليهم وتعديد محاسنهم بالكرم والشجاعة ونحوهما، وكان الذي قتل يوم بدر معوذ ابن عفراء وعوف ومعاذ أحدهم أبوها والآخران عمّاها فأطلقت الأبوّة عليهما تغليبًا (إذ) ثبت لفظ إذ للكشميهني وفي المغازي حتى (قالت إحداهن): إحدى الجواري (وفينا نبيّ يعلم ما) يكون (في غد) بالسكون في اليونينية وفرعها وبالخفض منونًا في غيرهما (فقال) لها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (دعي هذه) المقالة فإن مفاتيح الغيب عند الله لا يعلمها إلا هو، وأيضًا يحتمل أن يكون المنع أن يوصف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أثناء اللعب واللهو إذ منصبه أجلّ وأشرف من أن يذكر إلا في مجالس الجد (وقولي بالذي كنت تقولين) من المدح والثناء ففيه جواز ذلك ما لم يفض إلى الغلوّ. وفي هذا الحديث جواز ضرب الدف في النكاح، وقد قال الشافعية بجواز اليراع والدف وإن كان فيه جلاجل في الأملاك والختان وغيرهما، وقيل: يحرم اليراع وهو المزمار العراقي ويحرم الغناء مع الآلات مما هو من شعار شاربي الخمر كالطنبور وسائر المعازف أي الملاهي من الأوتار والمزامير فيحرم استعماله واستماعه قصدًا فلو لم يقصد لم يحرم ولا يحرم الطبل إلا الكوبة وهو طبل متسع الطرفين ضيق الوسط يعتاد ضربه المخنثون ولا يحرم ضرب الكف بالكف كما صرح به في الإرشاد وغيره ولا الرقص إلا أن يكون فيه تكسر وتثنٍّ. وهذا الحديث قد سبق في غزوة بدر. 49 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} وَكَثْرَةِ الْمَهْرِ، وَأَدْنَى مَا يَجُوزُ مِنَ الصَّدَاقِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ} وَقَالَ سَهْلٌ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» (باب قول الله تعالى) ولأبي ذر: عز وجل ({وآتوا النساء صدقاتهن}) مهورهن ({نحلة}) [النساء: 4] من نحله كذا إذا أعطاه إياه ووهبه له عن طيبة من نفسه نحلة ونحلًا وانتصابها على المصدر لأن النحلة والإيتاء بمعنى الإعطاء فكأنه قال: وانحلوا النساء صدقاتهن نحلة أي أعطوهن مهورهن عن طيبة أنفسكم، قيل: النحلة لغة الهبة من غير عوض والصداق تستحقه المرأة اتفاقًا لا على وجه التبرع من الزوج، وأجيب: بأن عبيدة قال: عن طيب نفس بالفريضة، وتابعه ابن قتيبة وقال الكيا: الخطاب في فانكحوا للأزواج وإذا كان خطابًا لهم فإنما سماه عطية ترغيبًا في إيفاء صداقها، وقال بعضهم: نحلة اسم الصداق نفسه، وقال آخر: لأن استمتاعه يقابل استمتاعها به فكان الصداق من هذه الجهة لا مقابل له ولذا لم يكن ركنًا في العقد (وكثرة المهر) بالجر عطفًا على سابقه (وأدنى) أقل (ما يجوز من الصداق، وقوله تعالى): ولأبي ذر عز وجل ({وآتيتم

إحداهن قنطارًا}) قال في الكشاف: هو المال العظيم من قنطرت الشيء إذا رفعته ({فلا تأخذوا منه شيئًا}) [النساء: 20] وقد روي أن عمر قال خطيبًا فقال: أيها الناس لا تغالوا بصداق النساء فلو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما أصدق امرأة من نسائه أكثر من اثنتي عشرة أوقية فقامت إليه امرأة فقالت: يا أمير المؤمنين لِمَ تمنعنا حقًّا جعله الله لنا والله يقول: {وآتيتم إحداهن قنطارًا} فقال عمر: كل أحد أعلم من عمر ثم قال لأصحابه: تسمعونني أقول مثل هذا فلا تنكرونه عليّ حتى ترده عليّ امرأة ليست من أعلم النساء. ذكره الزمخشري ورواه عبد الرزاق من طريق عبد الرحمن السلمي بلفظ قال عمر: لا تغالوا في مهور النساء فقالت امرأة: ليس ذلك لك يا عمر إن الله تعالى يقول: {وآتيتم إحداهن قنطارًا} من ذهب قال: وكذلك هو في قراءة ابن مسعود فقال عمر: امرأة خاصمت عمر فخصمته (وقوله جل ذكره: {أو تفرضوا لهن}) [البقرة: 236] وزاد أبو ذر: فريضة. (وقال سهل: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): في قصة الواهبة لمريد تزويجها التمس (ولو خاتمًا من حديد) والآية الأولى دالة لأكثر الصداق والحديث لأدناه وهل يتقدر أدناه أم لا. فمذهب الشافعية والحنابلة أدنى متموّل لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "التمس ولو خاتمًا من حديد" والضابط كل ما جاز أن يكون ثمنًا وعند الحنفية عشرة دراهم، والمالكية ربع دينار فيستحب عند الشافعية والحنابلة أن لا ينقص عن عشرة دراهم خروجًا من خلاف أبي حنيفة وأن لا يزيد على خمسمائة درهم كأصدقة بنات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزوجاته، وأما إصداق أم حبيبة أربعمائة دينار فكان من النجاشي إكرامًا له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويستحب أن يذكر المهر في العقد لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يخل نكاحًا عنه ولأنه أدفع للخصومة وعلم من استحباب ذكره في العقد جواز إخلاء النكاح عن ذكره للصداق أسماء ثمانية مشهورة جمعت في قوله: صداق ومهر نحلة وفريضة ... حباء وأجر ثم عقر علائق وقيل: الصداق ما وجب بتسمية في العقد والمهر ما وجب بغير ذلك، وسمي صداقًا لإشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح، وفي حديث أبي داود أدّوا العلائق. قيل: وما العلائق؟ قال: ما تراضى عليه الأهلون. وقال ابن الأثير: واحد العلائق علاقة بكسر العين المهر لأنهم يتعلقون به على الزوج، والعقر بضم العين وسكون القاف لغة أصل الشيء ومكانه فكأن المهر أصل في تملك عصمة الزوجة والحباء بكسر الحاء المهملة بعدها موحدة العطية، وفي الشرع الصداق هو ما وجب النكاح أو وطء أو تفويت بضع قهرًا كرضاع ورجوع شهود. 5148 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ فَرَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَشَاشَةَ الْعُرْسِ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد العزيز بن صهيب) بضم الصاد وفتح الهاء (عن أنس) -رضي الله عنه- (أن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة) هي بنت الحيسر أنس بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل كما جزم به الزبير بن بكار أو غيرها مما سيأتي إن شاء الله تعالى (على وزن نواة فرأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشاشة) بفتح الموحدة والمعجمتين بينهما ألف أي فرح (العرس) وللأربعة العروس بالجمع ولأبي ذر عن الكشميهني شيئًا شبيه العرس قال ابن قرقول: وهو تصحيف (فسأله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: إني تزوجت امرأة على وزن نواة. وعن قتادة) بن دعامة عطف على قوله عن عبد العزيز وهو من رواية شعبة عنهما (عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف تزوج امرأة على وزن نواة من ذهب) فزاد من ذهب، واختلف في المراد بالنواة فقيل: واحدة نوى التمر كما يوزن بنوى الخروب وأن القيمة عنها يومئذ خمسة دراهم، وقيل: ربع دينار وضعف بأن نوى التمر يختلف في الوزن، فكيف يجعل معيارًا أو أن لفظ النواة من الذهب خمسة دراهم من الورق، وجزم به الخطابي ويشهد له رواية البيهقي عن قتادة وزن نواة من ذهب قوّمت خمسة دراهم

50 - باب التزويج على القرآن وبغير صداق

أو وزنها من الذهب خمسة دراهم حكاه ابن قتيبة، وجزم به ابن فارس واستبعد لأنه يستلزم أن يكون ثلاث مثاقيل ونصفًا. وعن بعض المالكية النواة عند أهل المدينة ربع دينار ويشهد له قول أنس عند الطبراني في الأوسط: حزرناها ربع دينار، وعن الشافعي النواة ربع النش والنش نصف أوقية والأوقية أربعون درهمًا فتكون خمسة دراهم. 50 - باب التَّزْوِيجِ عَلَى الْقُرْآنِ وَبِغَيْرِ صَدَاقٍ (باب التزويج على) تعليم (القرآن وبغير) ذكر (صداق). 5149 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، يَقُولُ: إِنِّي لَفِي الْقَوْمِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ قَامَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ، فَرَ فِيهَا رَأْيَكَ. فَلَمْ يُجِبْهَا شَيْئًا. ثُمَّ قَامَتْ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا قَدْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَكَ، فَرَ فِيهَا رَأْيَكَ. فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْكِحْنِيهَا. قَالَ: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «اذْهَبْ فَاطْلُبْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ». فَذَهَبَ فَطَلَبَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: مَا وَجَدْتُ شَيْئًا وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ. فَقَالَ: «هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ»؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا، وَسُورَةُ كَذَا، قَالَ «اذْهَبْ فَقَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ». وبه قال: (حدثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (سمعت أبا حازم) سلمة بن دينار (يقول: سمعت سهل بن سعد الساعدي) -رضي الله عنه- (يقول: إني لفي القوم عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ قامت امرأة) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمها قال وقول ابن القطاع في الأحكام إنها خولة بنت حكيم أو أم شريك نقل من اسم الواهبة الواردة في قوله تعالى: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي} [الأحزاب: 50] وفي رواية فضيل بن سليمان كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جلوسًا فجاءته امرأة فليس المراد من قوله إذ قامت امرأة أنها كانت جالسة في المجلس فقامت، وعند الإسماعيلي أنه كان في المسجد (فقالت: يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك) أي أمر نفسها أو نحو ذلك، وإلاّ فالحقيقة غير مرادة لأن رقبة الحر لا تملك فكأنها قالت: أتزوجك بغير صداق، وكان الأصل أن يقال: إني وهبت نفسي لك لكنه على طريق الالتفات، وفيه أن الهبة في النكاح من الخصائص لقوله ذلك وسكوته عليه الصلاة والسلام عليه فدلّ على جوازه له خاصة لقول الرجل بعد: زوّجنيها ولم يقل هبها لي مع قوله تعالى: {خالصة لك من دون المؤمنين} [الأحزاب: 50] (فر فيها رأيك) براء مفتوحة بغير همز أمر على وزن "ف" لأن عين الفعل ولامه حذفا لأن أصله رأى على وزن أفعل حذفت لام الفعل للجزم لأن الأمر مجزوم ثم نقلت حركة الهمزة إلى الراء للتخفيف فاستغني عن همزة الوصل فحذفت فبقي على وزن ف ولبعضهم بالهمزة الساكنة بعد الراء وكل سائغ (فلم يجبها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (شيئًا ثم قامت) أي الثانية (فقالت: يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك فلم يجبها) عليه الصلاة والسلام (شيئًا، ثم قامت الثالثة فقالت: إنها قد وهبت نفسها لك فر فيها رأيك) سقط للحموي من قوله فلم يجبها الثانية إلى هنا وسكوته عليه الصلاة والسلام إما حياءً أو انتظارًا للوحي (فقام رجل) من الأنصار لم يقف الحافظ ابن حجر على تسميته، وفي حديث ابن مسعود عند الدارقطني فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من ينكح هذه؟ فقام رجل (فقال: يا رسول الله أنكحنيها). وعند النسائي من حديث أبي هريرة جاءت امرأة إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعرضت نفسها عليه، فقال لها: "أجلسي" فجلست ساعة ثم قامت فقال: "أجلسي بارك الله فيك أما نحن فلا حاجة لنا فيك ولكن تملكيني أمرك" قالت: نعم فنظر في وجوه القوم فدعا رجلًا فقال: "إني أريد أن أزوّجك هذا إن رضيت" قالت: ما رضيت لي فقد رضيت (قال): (هل عندك من شيء)؟ تصدقها فيها إن النكاح لا بدّ فيه من الصداق وقد اتفق على أنه لا يجوز لأحد أن يطأ فرجًا وُهب له دون الرقبة بغير صداق وفيه أيضًا أن الأولى ذكر الصداق في العقد لأنه أقطع للنزاع وأنفع للمرأة لأنه يثبت لها نصف المسمى إن طلقت قبل الدخول (قال: لا) زاد في رواية هشام بن سعد قال: فلا بدّ لها من شيء (قال) عليه الصلاة والسلام: (اذهب فاطلب ولو خاتمًا من حديد) قال عياض: لو تقليلية ووهم من زعم خلاف ذلك قال: والإجماع على أن مثل الشيء الذي لا يتمول ولا له قيمة لا يكون صداقًا ولا يحل به النكاح. قال في الفتح: فإن ثبت هذا فقد خرق هذا الإجماع ابن حزم حيث قال: يجوز بكل ما يسمى شيئًا ولو كان حبة شعير ويؤيد ما ذهب إليه الكافة قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ولو خاتمًا من حديد" لأنه أورده مورد التقليل بالنسبة لما فوقه وفيه أنه لا حدّ لأقل المهر وردّ على من قال: إن أقله عشرة دراهم، ومن قال ربع دينار لأن خاتم الحديد لا يساوي ذلك، قاله ابن

51 - باب المهر بالعروض وخاتم من حديد

المنير. (فذهب فطلب ثم جاء فقال: ما وجدت شيئًا ولا خاتمًا من حديد) زاد في رواية أبي غسان هنا فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدعاه أو دعي له (فقال) عليه الصلاة والسلام له ولأبي ذر قال: (هل معك من القرآن شيء)؟ تحفظه عن ظهر قلب (قال: معي سورة كذا وسورة كذا) وفي حديث أبي هريرة أنه قال سورة البقرة أو التي تليها كذا أو في رواية أبي داود والنسائي وفي حديث ابن مسعود سورة البقرة وسورة المفصل (قال: اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن). وفي حديث ابن عباس عند أبي عمر بن حيويه في فوائده قال: هل تقرأ من القرآن شيئًا؟ قال: نعم "إنّا أعطيناك الكوثر". قال: أصدقها إياها، والظاهر أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظه الآخر أو القصة متعددة، وفي حديث ابن مسعود قد أنكحتكها على أن تقرئها وتعلمها وإذا رزقك الله عوّضتها فتزوجها الرجل على ذلك. وفيه أن كل عمل يستأجر عليه كتعليم قرآن وخياطة وخدمة يجوز جعله صداقًا فإن أصدقها تعليم سور من القرآن أو جزء منه بنفسه اشترط تعيينه واشترط علم الزوج والولي بالمشروط تعليمه بأن يعلما عينه وسهولته أو صعوبته وإلا وكّلا أو أحدهما من يعلمه ولا يشترط تعيين الحرف الذي يعلمه لها كقراءة نافع أو أبي عمرو مثلًا فيعلمها ما شاء فإن عينه كل منهما كحرف نافع تعين عملًا بالشرط فلو خالف وعلمها حرف أبي عمرو فمتطوع به ويلزمه تعليم الحرف المعين عملًا بالشرط فلو لم يحسن الزوج التعليم لما شرط تعليمه لم يجز إصداقه إلا في الذمة لعجزه في الأول دون الثاني فيأمر فيه غيره بتعليمها أو يتعلم ثم يعلمها وإذ تعذر التعليم لبلادة نادرة أو ماتت أو مات والشرط أن يعلم بنفسه وجب مهر المثل فإن طلقها بعد أن علمها وقبل الدخول رجع عليها بنصف الأجرة. وقال الحنفية: الباء في قوله بما معك من القرآن للسببية والمعنى كما وهبت نفسها منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهبت صداقها لذلك الرجل. وقال ابن المنير: لما تحقق -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عجز الرجل سأله هل معك من القرآن من شيء لأن القرآن هو الغنى الأكبر فلما ثبت له حظ منه ثبت له حظ من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فزوجه وليس في الحديث إسقاط الصداق فلعله زوجه إياها بصداق وجدت مظنته وإن لم توجد حقيقته وإذا وجدت مظنته أو شك أن يحصل بفضل الله وإنما استفسره عن جهده نصحًا للمرأة فلما أخبره أنه يحفظ شيئًا من القرآن علم أن الله لا يضيعهما قال: ولو فرضنا امرأة فوّضت أمرها في التزويج لرجل فخطبها منه من لا مال له ولكنه حامل للقرآن فزوجها منه ثقة بوعد الله لحامل كتابه بالغنى واقتداء بهذا الحديث لكان جديرًا بالصواب، ويجعل الصداق في ذمته ويكون تفويضًا ولا معنى للتفويض إلا ما وقع في الحديث انتهى. 51 - باب الْمَهْرِ بِالْعُرُوضِ وَخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ (باب المهر بالعروض) بضم العين والراء جمع عرض بفتح ثم سكون وهو ما يقابل النقد (وخاتم من حديد) من عطف الخاص على العام. 5150 - حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: لِرَجُلٍ: «تَزَوَّجْ وَلَوْ بِخَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ». وبه قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن موسى البلخي المعروف بخت كما صرح به ابن السكن قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح (عن سفيان) الثوري (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لرجل) من الأنصار قال له: يا رسول الله زوّجني تلك المرأة الواهبة نفسها (تزوج ولو بخاتم من حديد). وهذا الحديث ساقه مختصرًا من رواية الثوري وأخرجه ابن ماجة من روايته أيضًا أتم منه، وللإسماعيلي أتم من ابن ماجة والطبراني مقرونًا برواية معمر وفيه فصمت بدل قوله في رواية الباب السابق فلم يجبها شيئًا، وفيه عند الطبراني فصمت ثم عرضت نفسها عليه فصمت فلقد رأيتها قائمة مليًّا تعرض نفسها عليه وهو صامت فقام رجل أحسبه من الأنصار وعند الإسماعيلي أعندك شيء؟ قال: لا. قال: إنه لا يصلح وفيه غير ذلك مما يطول ذكره. 52 - باب الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ وَقَالَ عُمَرُ: مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ. وَقَالَ الْمِسْوَرُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ فَأَحْسَنَ، قَالَ: «حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي». (باب الشروط) التي تحل (في النكاح. وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه-:

53 - باب الشروط التي لا تحل في النكاح. وقال ابن مسعود: لا تشترط المرأة طلاق أختها

(مقاطع الحقوق عند الشروط) وصله سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن غنم بلفظ قال: كنت مع عمر حيث تمس ركبتي ركبته فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين تزوجت امرأة وشرطت لها دارها وإني أجمع لأمري أو لشأني أن أنتقل إلى أرض كذا وكذا فقال لها شرطها فقال الرجل: هلك الرجال إذًا إذًا لا تشاء امرأة أن تطلق زوجها إلا طلقت، فقال عمر: المسلمون على شروطهم عند مقاطع حقوقهم. (وقال المسور) ولأبي ذر المسور بن مخرمة مما وصله في المناقب: (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر صهرًا له) هو أبو العاص بن الربع (فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن) الثناء (قال: حدّثني فصدقني) بتخفيف الدال ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وصدقني بالواو بدل الفاء (ووعدني فوفى لي) ولأبي ذر عن الكشميهني فوفاني بالنون بدل اللام. 5151 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنَ الشُّرُوطِ، أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك) الطيالسي قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام ولأبي ذر الليث (عن يزيد بن أبي حبيب) المصري (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني (عن عقبة) بن عامر الجهني (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (أحق ما أوفيتم من الشروط) التي أمر الله بها من المهر المشروط في مقابلة البضع (أن توفوا به) وخبر المبتدأ الذي هو أحق قوله (ما استحللتم به الفروج). وقوله: أن توفوا بدل من الشروط وقيل المراد جميع ما تستحقه المرأة بمقتضى الزوجية من المهر والنفقة وحسن العشرة فإن الزوج التزمها بالعقد فكأنها شرطت فيه، ثم إن الشرط إن لم يتعلق به غرض كشرط أن لا تأكل إلا كذا أو تعلق به غرض لكنه يوافق مقتضى النكاح كشرط أن ينفق عليها أو يقسم لها لم يؤثر في النكاح ولا في الصداق وإن لم يوافق مقتضى النكاح فإن لم يخل بمقصود العقد كشرط أن لا ينفق أو لا يتزوج عليها أو لا يسافر بها أو لا يقسم لها أو أن يسكنها مع ضرّتها صح النكاح لعدم الإخلال بمقصوده ولأنه لا يتأثر بفساد العوض فبفساد الشرط أولى، لكن لها مهر المثل لا المسمى لفساد الشرط لأنه إن كان لها فلم ترض بالمسمى وحده وإن كان عليها فلم يرض الزوج ببذل المسمى إلا عند سلامة ما شرطه فإذا فسد الشرط وليس له قيمة يرجع إليها وجب الرجوع إلى مهر المثل وإن أخل به كشرط أن يطلقها ولو بعد الوطء أو أن له الخيار في النكاح. قال الحناطي ولو شرط أنها لا ترثه أو أنه لا يرثها أو أنهما لا يتوارثان أو على أن النفقة على غير الزوج بطل للإخلال المذكور وفي قول يصح ويبطل الشرط. قال البلقيني وغيره: وهذا هو الأصح ووجهه أن الشرط المذكور لا يخل بمقصود العقد ولو شرط الزوج أن لا يطأها فلا يبطل وقال أحمد يجب الوفاء بالشرط مطلقًا وأما الشرط الذي يشترطه الولي لنفسه فقال الشافعي: إن وقع في نفس العقد وجب للمرأة مهر مثلها وإن وقع خارجًا عنه لم يجب، وقال مالك: إن وقع في حال العقد فهو من جملة المهر أو خارجًا عنه فهو لمن وهب له وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها فما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه" الحديث. 53 - باب الشُّرُوطِ الَّتِي لاَ تَحِلُّ فِي النِّكَاحِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لاَ تَشْتَرِطِ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا (باب الشروط التي لا تحل في النكاح. وقال ابن مسعود) عبد الله: (لا تشترط المرأة طلاق أختها). قال في الفتح: هذا اللفظ وقع في بعض طرق الحديث المرفوع عن أبي هريرة. 5152 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ زَكَرِيَّا هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا». وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين ابن باذام العبسي الكوفي قال: (عن زكريا هو ابن زائدة) خالد أو هبيرة (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها) في النسب أو في الرضاع أو في الدين أو في البشرية لتدخل الكافرة أو المراد الضرة ولفظ لا يحل ظاهر في التحريم لكن حمل على ما إذا لم يكن هناك سبب مجوّز كريبة في المرأة لا يسوغ معها الاستمرار في العصمة وقصدت النصيحة المحضة

54 - باب الصفرة للمتزوج، ورواه عبد الرحمن بن عوف عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

إلى غير ذلك من المقاصد الصحيحة وحمله على الندب مع التصريح بالتحريم بعيد، وفي مستخرج أبي نعيم لا يصلح لامرأة أن تشترط طلاق أختها وبلفظ الأشراط تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة وظاهر هذه الرواية التي فيها لفظ الشرط أن المراد الأجنبية فتكون الأخوة في الدين ويؤيده ما في حديث أبي هريرة عند ابن حبان: لا تسأل المرأة طلاق أختها فإن المسلمة أخت المسلمة (لتستفرغ صحفتها) أي تجعلها فارغة لتفوز بحظها من النفقة والمعروف والمعاشرة، وهذه استعارة مستملحة تمثيلية شبه النصيب والبخت بالصحفة وحظوظها وتمتعها بما يوضع في الصحفة من الأطعمة اللذيذة وشبه الافتراق المسبب عن الطلاق باستفراغ الصحفة عن تلك الأطعمة، ثم أدخل المشبه في جنس المشبه به واستعمل في المشبه ما كان مستعملًا في المشبه به من الألفاظ. قاله في شرح المشكاة فيما قرأته فيه. وفي حديث أبي هريرة عند البيهقي: لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ إناء أختها ولتنكح أي ولتتزوج الزوج المذكور من غير أن تشترط طلاق التي قبلها (فإنما لها) أي للمرأة التي تسأل طلاق أختها (ما قدّر لها) في الأزل وقد اختلف في حكم ذلك فقال: الحنابلة إن شرط لها طلاق ضرتها صح وقيل لا وهو الأظهر واختاره جماعة وكذا حكم بيع أمته وعلى القول بالصحة فإن لم يفِ فلها الفسخ. وقال الشافعي: يصح ولها مهر المثل وفى لها أو لم يفِ. والحديث يأتي في القدر إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته والله أعلم. 54 - باب الصُّفْرَةِ لِلْمُتَزَوِّجِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب) حكم (الصفرة للمتزوج. ورواه) ولأبي ذر رواه (عبد الرحمن بن عوف عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله أول البيوع. 5153 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: «كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا»؟ قَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبه أثر صفرة) من خلوق وهو طيب من زعفران وغيره تعلق به من زوجته فهو غير مقصود، وإلا فالتزعفر منهي عنه عند الشافعية والحنفية. وقال المالكية: يجوز في الثوب دون البدن ونقله إمامهم -رحمه الله- عن علماء المدينة وفيه حديث أبي موسى مرفوعًا لا يقبل الله صلاة رجل في جسده شيء من خلوق (فسأله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن ذلك (فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار) هي بنت الحيسر المهملتين بينهما تحتية ساكنة وآخره راء واسمه أنس بن رافع الأنصاري كما جزم به الزبير بن بكار (قال) عليه الصلاة والسلام له: (كم سقت إليها) مهرًا (قال) عبد الرحمن سقت إليها: (زنة نواة من ذهب) صفة النواة. قال ابن دقيق العيد: في معنى ذلك قولان: أحدهما: أن المراد نواة من نوى التمر وهو قول مرجوح، والثاني أنه عبارة عن قدر معلوم عندهم وهو وزن خمسة دراهم قال: ثم في المعنى وجهان: أحدهما: أن يكون المصدق ذهبًا وزنه خمسة دراهم، والثاني: أن يكون المصدق دراهم بوزن نواة من ذهب. قال: وعلى الأول يتعلق قوله من ذهب بلفظ زنة، وعلى الثاني يتعلق بنواة، قال ابن فرحون: أما تعلقه بزنة فلأنه مصدر وزن وأما تعلقه بنواة فيصح أن يكون من باب تعلق الصفة بالموصوف أي نواة كائنة من ذهب ويكون المراد إما عدلها دراهم أو تكون هي الموزون بها (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له: (أولم) أمر للاستحباب من أولم واللفظة مشتقة من الولم وهو الجمع لأن الزوجين يجتمعان (ولو بشاة) ليست لو هذه الامتناعية وإنما هي للتقليل أي أن أقلها للموسر شاة ولغيره ما قدر عليه فقد أولم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بعض نسائه بمدّين من شعير وعلى صفية بتمر وسمن وأقط. وهذا الحديث أخرجه النسائي في النكاح. 55 - باب هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة وسقط لفظ باب للنسفي. 5154 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَوْلَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِزَيْنَبَ فَأَوْسَعَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، فَخَرَجَ كَمَا يَصْنَعُ إِذَا تَزَوَّجَ، فَأَتَى حُجَرَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ يَدْعُو وَيَدْعُونَ لَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَرَأَى رَجُلَيْنِ فَرَجَعَ، لاَ أَدْرِى أخْبَرْتُهُ أَوْ أُخْبِرَ بِخُرُوجِهِمَا. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل الأسدي أبو الحسن البصري الحافظ قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن حميد) الطويل (عن أنس) أنه (قال: أولم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بزينب) بنت

56 - باب كيف يدعى للمتزوج

جحش (فأوسع) على (المسلمين خيرًا) بتحتية ساكنة بعد المعجمة المفتوحة وفي سورة الأحزاب خبزًا ولحمًا (فخرج) عليه الصلاة والسلام والقوم جالسون يتحدثون بعد أن أكلوا (كما) كان (يصنع إذا تزوج فأتى حجر أمهات المؤمنين يدعو) لهن (ويدعون له) وسقط له لغير أبي ذر (ثم انصرف) من الحجر (فرأى رجلين) ممن حضر الوليمة قد تأخرا (فرجع) عن بيته، فلما رأيا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرجا مسرعين قال أنس: (لا أدري أخبرته أو أخبر بخروجهما) الحديث ساقه هنا مختصرًا، وسبق بأطول منه بالأحزاب، ولم تظهر المناسبة بين الترجمة والحديث. وأجاب الحافظ ابن حجر بأنه لم يقع في قصة تزويج زينب ذكر للصفرة فكأنه يقول: الصفرة للمتزوج من الجنائز لا من الشروط لكل متزوج وأجاب العيني بأن المطابقة من حيث الأمر بالوليمة في السابق، وفي هذا ذكرها في قوله: أولم كذا قالا فليتأمل والله أعلم. 56 - باب كَيْفَ يُدْعَى لِلْمُتَزَوِّجِ هذا (باب) بالتنوين (كيف يدعى للمتزوج). 5155 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ، قَالَ: «مَا هَذَا»؟ قَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ. أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد هو ابن زيد عن ثابت) هو البناني (عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة قال): (ما هذا) استفهام إنكار لما سبق من النهي عن التزعفر (قال: إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب) فعلق بي هذه الصفرة منها ولم أقصد ذلك (قال) عليه الصلاة والسلام: (بارك الله لك أولم ولو بشاة) فيستحب الدعاء للزوجين بالبركة بعد العقد، فيقال: بارك الله لك كما في هذا الحديث وبارك عليك الله وجمع بينكما في خير كما في الترمذي، وقال: حسن صحيح أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا رفأ من تزوج قال بارك الله لك وعليك وجمع بينكما في خير، ويكره أن يقال بالرفاء والبنين للنهي عن ذلك كما رواه بقيّ بن مخلد من طريق غالب عن الحسن عن رجل من بني تميم قال: كنا نقول في الجاهلية بالرفاء والبنين فلما جاء الإسلام علمنا نبينا قال: (قولوا بارك الله لكم وبارك فيكم وبارك عليكم) والرفاء بكسر الراء وبعدها فاء ممدودًا الالتئام من رفأت الثوب ورفوته رفوًا ورفاءً وهو دعاء للزوج بالالتئام والائتلاف واختلف في علة النهي عنه فقيل لأنه من ألفاظ الجاهلية أو لما فيه من الإشعار ببغض البنات لتخصيص البنين بالذكر أو لخلوّه عن حمد الله والثناء عليه، فعلى هذا لو قيل بالرفاء والأولاد أو أُتي بالحمد والثناء لا يكره. 57 - باب الدُّعَاءِ لِلنِّسَاءِ اللاَّتِي يَهْدِينَ الْعَرُوسَ، وَلِلْعَرُوسِ (باب الدعاء للنساء) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: للنسوة (اللاتي يهدين العروس) بضم الياء من أهدى وبفتحها لغير أبي ذر من الثلاث (و) الدعاء (للعروس) أيضًا. 5156 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَتْنِي أُمِّي فَأَدْخَلَتْنِي الدَّارَ فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ، فَقُلْنَ: عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ. وبه قال: (حدّثنا فروة بن أبي المغراء) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة بعدها راء ممدودًا وفروة بالفاء المفتوحة والراء الساكنة الكندي الكوفي وسقط ابن أبي المغراء لغير أبي ذر قال: (حدّثنا علي بن مسهر) بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء القرشي الكوفي (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت: (تزوجني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأتتني أمي) أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس (فأدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار في البيت) سمى منهن أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصارية كما عند جعفر المستغفري والطبراني لا أسماء بنت عميس وإن وقع في الطبراني لأن بنت عميس كانت إذ ذاك مع زوجها جعفر بن أبي طالب بالحبشة (فقلن) لأم رومان ومن معها وللعروس (على الخير والبركة) قدمتنّ (وعلى خير طائر) أي حظ ونصيب وعند أحمد أن أمها أجلستها في حجر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: هؤلاء أهلك يا رسول الله بارك الله لك فيهم. 58 - باب مَنْ أَحَبَّ الْبِنَاءَ قَبْلَ الْغَزْوِ (باب من أحب البناء) أي الدخول على زوجته (قبل الغزو) إذا حضر الجهاد ليكون فكره مجتمعًا لأن الذي يعقد عقده على امرأة يصير متعلق الخاطر بها بخلاف ما إذا دخل عليها. 5157 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لاَ يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهْوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلَمْ يَبْنِ بِهَا». وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) الهمداني قال: (حدّثنا عبد الله بن المبارك) المروزي وسقط لغير أبي ذر

59 - باب من بنى بامرأة وهي بنت تسع سنين

لفظ عبد الله (عن معمر) بسكون العين وفتح الميمين ابن راشد (عن همام) بتشديد الميم الأولى ابن منبه (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (غزا) أي أراد أن يغزو (نبي من الأنبياء) يوشع أو داود عليهما السلام (فقال لقومه) بني إسرائيل (لا يتبعني) بالجزم على النهي (رجل ملك بضع امرأة) أي نكحها (وهو) أي والحال أنه (يريد أن يبني بها) أي يدخل عليها (ولم يبن بها) لتعلق قلبه غالبًا بها. وهذا الحديث قد مرّ في الخمس. 59 - باب مَنْ بَنَى بِامْرَأَةٍ وَهْيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ (باب من بنى بامرأة) أي دخل عليها (وهي بنت تسع سنين). 5158 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَائِشَةَ وَهْيَ ابْنَةُ سِتٍّ، وَبَنَى بِهَا وَهْيَ ابْنَةُ تِسْعٍ، وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا. وبه قال: (حدّثنا قبيصة بن عقبة) بفتح القاف وكسر الموحدة بعدها تحتية ساكنة فصاد مهملة وعقبة بضم العين وسكون القاف قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن هشام بن عروة عن) أبيه (عروة) بن الزبير أنه قال: (تزوّج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عائشة) -رضي الله عنها- (وهي ابنة) ولأبي ذر بنت (ست) ولأبي ذر عن الكشميهني ست سنين (وبنى بها) دخل عليها (وهي ابنة) ولأبي ذر بنت (تسع ومكثت عنده) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تسعًا) فتوفي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعمرها ثمان عشرة سنة. وهذا الحديث مرّ قريبًا في باب إنكاح الرجل ولده الصغار. 60 - باب الْبِنَاءِ فِي السَّفَرِ (باب البناء) بالمرأة (في السفر). 5159 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ ثَلاَثًا يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلاَ لَحْمٍ أَمَرَ بِالأَنْطَاعِ فَأُلْقِىَ فِيهَا مِنَ التَّمْرِ وَالأَقِطِ وَالسَّمْنِ. فَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ؟ فَقَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهْيَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهْيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ. فَلَمَّا ارْتَحَلَ وَطأَ لَهَا خَلْفَهُ، وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (محمد بن سلام) البيكندي ولأبي ذر هو ابن سلام قال: (أخبرنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير القارئ (عن حميد) الطويل (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: أقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما رجع من غزوة خيبر (بين خيبر والمدينة) بسدّ الصهباء (ثلاثًا) من الأيام (يبنى عليه) بصيغة المجهول (بصفية بنت حيي فدعوت المسلمين إلى) ولأبي ذر عن المستملي على (وليمته فما كان فيها من خبز ولا لحم) إعلام بأنه ما كان فيها من طعام المتنعمين المسرفين بل من طعام أهل التقشف (أمر) عليه الصلاة والسلام (بالأنطاع) فبسطت (فألقي فيها من التمر والأقط) اللبن الجامد (والسمن فكانت) تلك الحيسة المتخذة من التمر والأقط والسمن (وليمته) عليه الصلاة والسلام (فقال المسلمون): أي (إحدى أمهات المؤمنين) الحرائر؟ (أو مما ملكت يمينه فقالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهي مما ملكلت يمينه. فلما ارتحل وطأ لها خلفه) على ناقته (ومدّ الحجاب بينها وبين الناس) فكانت من أمهات المؤمنين. وفي الحديث أن السُّنَّة في الإقامة عند الثيب لا تختص بالحضر ولا تتقيد بمن له امرأة غيرها ولو كان تحته واحدة وجدد عليها أخرى أقام وجوبًا عند البكر التي جددها سبعًا فإن كانت ثيبًا ثلاثًا متواليات لحديث ابن حبان في صحيحه سبع للبكر وثلاث للثيب والمعنى فيه زوال الحشمة بينهما وزيد للبكر لأن حياءها أكثر واعتبر تواليها لأن الحشمة لا تزول بالمفرق فلو فرقها لم تحسب وقضاها لها متواليات. وهذا الحديث سبق في غزوة خيبر. 61 - باب الْبِنَاءِ بِالنَّهَارِ بِغَيْرِ مَرْكَبٍ وَلاَ نِيرَانٍ (باب البناء) أي الدخول للرجل على زوجته (بالنهار) فلا تختص بالليل (بغير مركب) بفتح الميم والكاف للزوج أو الزوجة أو للناس لعلان أو للزينة (ولا نيران) توقد كالشموع ونحوها بين يدي العروس. وفيما رواه سعيد بن منصور ومن طريقه أبو الشيخ ابن حيان عن عبد الله بن قرط الثمالي وكان عامل عمر على حمص أنه مرت به عروس وهم يوقدون النيران بين يديها فضربهم بدرته حتى تفرقوا عن عروسهم ثم خطب فقال: إن عروسكم أوقدوا النيران وتشبهوا بالكفرة والله مطفئ نورهم. نقله في الفتح وفيه دليل على كراهة ذلك والله أعلم. 5160 - حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَتَتْنِي أُمِّي فَأَدْخَلَتْنِي الدَّارَ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضُحًى. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (فروة بن أبي المغراء) قال: حدّثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: تزوّجني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأتتني أمي) أم رومان (فأدخلتني الدار فلم يرعني) أي لم

62 - باب الأنماط ونحوها للنساء

يفجأني ولم يخوّفني (إلا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضحى) أي وقت الضحى ففيه ما ترجم له أن دخوله عليه الصلاة والسلام عليها كان نهارًا من غير مركب ولا نيران. 62 - باب الأَنْمَاطِ وَنَحْوِهَا لِلنِّسَاءِ (باب) جواز اتخاذ (الأنماط) بفتح الهمزة وسكون النون ضرب من البسط له خمل (ونحوها) من الحلل والأستار والفرش (للنساء). 5161 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلِ اتَّخَذْتُمْ أَنْمَاطًا»؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَّى لَنَا أَنْمَاطٌ. قَالَ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا محمد بن المنكدر) التيمي المدني (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): أي لجابر لما تزوج. (هل اتخذتم أنماطًا) قال جابر: (قلت يا رسول الله وأنى) بفتح النون المشددة أي ومن أين (لنا أنماط)؟ كذا شطب على اللام ألف في الفرع كأصله (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إنها ستكون) زاد في علامات النبوة لكم الأنماط قال النووي رحمه الله: فيه جواز اتخاذ الأنماط إذا لم تكن من حرير وتعقب بأنه لا يلزم من الأخبار بأنها ستكون الإباحة. وأجيب: بأن أخباره عليه الصلاة والسلام أنها ستكون ولم ينه فكأنه أقرّه نعم في حديث عائشة عند مسلم أنها أخذت نمطًا فسترته على الباب فجذبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى هتكه وقال: "إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين" قالت: فقطعت منه وسادتين فلم يعب ذلك. قال في الفتح: فيؤخذ منه أن الأنماط لا يكره اتخاذها لذاتها بل لما يصنع بها، وقد اختلف في ستر البيوت والجدار والذي جزم به جمهور الشافعية الكراهة، بل صرّح الشيخ أبو نصر المقدسي منهم بالتحريم لحديث عائشة هذا، وقال غيره: ليس في السياق ما يدل على التحريم وإنما فيه نفي الأمر بذلك ونفي الأمر يستلزم نفي ثبوت النهي. نعم يمكن أن يحتج بفعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هتكه، وفي حديث ابن عباس عند أبي داود وغيره والنهي صريحًا، ولفظه ولا تستروا الجدار بالثياب لكن في إسناده ضعف وله شاهد مرسل عن علي بن الحسين. وحديث الباب سبق في علامات النبوة. 63 - باب النِّسْوَةِ اللاَّتِي يَهْدِينَ الْمَرْأَةَ إِلَى زَوْجِهَا (باب النسوة اللاتي) بالجمع (يهدين) بضم الياء (المرأة إلى زوجها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: التي بالإفراد والأولى أولى وزاد أبو ذر ودعائهن بالبركة ولأبي ذر لهذه الزيادة في الحديث. 5162 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا زَفَّتِ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا عَائِشَةُ، مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ، فَإِنَّ الأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ». وبه قال: (حدّثنا الفضل بن يعقوب) البغدادي قال: (حدّثنا محمد بن سابق) أبو جعفر التميمي البغدادي أحد مشايخ المؤلّف روى عنه بالواسطة قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) -رضي الله عنها- (أنها زفّت) بالزاي المفتوحة والفاء المشدّدة المفتوحة أيضًا (امرأة) كانت يتيمة في حجرها كما في الأوسط للطبراني وعند ابن ماجة قرابة لها، وعند أبي الشيخ بنت أختها أو ذات قرابة منها، وفي أُسد الغابة ما يدل على أن اسمها الفارعة بنت أسعد بن زرارة (إلى رجل من الأنصار) في أُسد الغابة أن اسمه نبيط بن جابر الأنصاري (فقال نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا عائشة ما كان معكم لهو) وفي رواية شريك فقال: فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت: تقول ماذا؟ قال: تقول: أتيناكم أتيناكم ... فحيانا وحياكم ولولا الذهب الأحمـ ... ـر ما حلت بواديكم ولولا الحنطة السمرا ... ء ما سمنت عذاريكم (فإن الأنصار يعجبهم اللهو) وفي حديث ابن عباس عند ابن ماجة قوم فيهم غزل، وفي حديث عبد الله بن الزبير عند أحمد وصححه ابن حبان والحاكم: أعلنوا النكاح. زاد الترمذي وابن ماجة من حديث عائشة: واضربوا عليه بالدف، وسنده ضعيف، ولأحمد والترمذي والنسائي من حديث محمد بن حاطب: فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف. 64 - باب الْهَدِيَّةِ لِلْعَرُوسِ (باب) إهداء (الهدية للعروس) صبيحة البناء. 5163 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ وَاسْمُهُ الْجَعْدُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَرَّ بِنَا فِي مَسْجِدِ بَنِي رِفَاعَةَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا مَرَّ بِجَنَبَاتِ أُمِّ سُلَيْمٍ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَلَّمَ عَلَيْهَا. ثُمَّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرُوسًا بِزَيْنَبَ، فَقَالَتْ لِي أُمُّ سُلَيْمٍ: لَوْ اهْدَيْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَدِيَّةً، فَقُلْتُ لَهَا: افْعَلِي. فَعَمَدَتْ إِلَى تَمْرٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ فَاتَّخَذَتْ حَيْسَةً فِي بُرْمَةٍ فَأَرْسَلَتْ بِهَا مَعِي إِلَيْهِ، فَانْطَلَقْتُ بِهَا إِلَيْهِ فَقَالَ لِي: «ضَعْهَا». ثُمَّ أَمَرَنِي فَقَالَ: «ادْعُ لِي رِجَالًا» سَمَّاهُمْ، وَادْعُ لِي مَنْ لَقِيتَ. قَالَ: فَفَعَلْتُ الَّذِي أَمَرَنِي فَرَجَعْتُ فَإِذَا الْبَيْتُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى تِلْكَ الْحَيْسَةِ وَتَكَلَّمَ بِهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو عَشَرَةً عَشَرَةً يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَقُولُ لَهُمُ: «اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ» قَالَ: حَتَّى تَصَدَّعُوا كُلُّهُمْ عَنْهَا. فَخَرَجَ مِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ، وَبَقِيَ نَفَرٌ يَتَحَدَّثُونَ، قَالَ: وَجَعَلْتُ أَغْتَمُّ ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَ الْحُجُرَاتِ، وَخَرَجْتُ فِي إِثْرِهِ فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ قَدْ ذَهَبُوا فَرَجَعَ فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَأَرْخَى السِّتْرَ، وَإِنِّي لَفِي الْحُجْرَةِ وَهْوَ يَقُولُ: «{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53] قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: قَالَ أَنَسٌ إِنَّهُ خَدَمَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرَ سِنِينَ. (وقال إبراهيم) بن طهمان الهروي: (عن أبي عثمان واسمه الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة ابن دينار اليشكري البصري (عن أنس بن مالك قال) أبو عثمان الجعد: (مرّ بنا) أنس بالبصرة (في مسجد بني رفاعة) بكسر الراء وتخفيف الفاء وبالعين المهملة ابن الحارث (فسمعته يقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

65 - باب استعارة الثياب للعروس وغيرها

إذا مرّ بجنبات) أمي (أم سليم) بفتح الجيم والنون والموحدة أي ناحيتها (دخل عليها فسلم عليها ثم قال) أنس: (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عروسًا بزينب) بنت جحش الأسدية (فقالت لي) أمي: (أم سليم لو أهدينا لرسول الله) ولأبي ذر عن الكشميهني إلى رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هدية فقلت لها: افعلي) ذلك (فعمدت) بفتح الميم (إلى تمر وسمن وأقط فاتخذت حيسة) بفتح الحاء المهملة وبعد التحتية سين مهملة (في برمة) في قِدر من حجر (فأرسلت بها) بالحيسة (معي إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فانطلقت بها إليه فقال لي): (ضعها، ثم أمرني فقال: ادع لي رجالًا) سماهم (وادع لي من لقيت. قال) أنس: (ففعلت الذي أمرني) به (فرجعت فإذا البيت غاص) بالغين المعجمة والصاد المهملة المشددة بينهما ألف أي ممتلئ (بأهله فرأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وضع يديه) بالتثنية (على تلك الحيسة) التي أرسلتها أم سليم (وتكلم بها) بالموحدة قبل الهاء مصححًا عليها بالفرع كأصله (ما شاء الله) أن يتكلم، وسقط لفظ بها لأبي ذر (ثم جعل يدعو عشرة عشرة) من القوم الذين اجتمعوا (يأكلون منه) من الطعام المسمى بالحيسة (ويقول لهم) عليه الصلاة والسلام: (اذكروا اسم الله وليأكل كل رجل مما يليه. قال: حتى تصدعوا) بتشديد الدال المهملة تفرقوا (كلهم عنها) عن الحيسة (فخرج منهم من خرج وبقي نفر) ثلاثة رجال (يتحدثون) في الحجرة (قال) أنس (وجعلت أغتمّ) بالغين المعجمة وتشديد الميم أي أحزن من عدم خروجهم (ثم خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحو الحجرات) سكن أمهات المؤمنين (وخرجت في أثره فقلت) له (إنهم قد ذهبوا فرجع) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فدخل البيت وأرخى الستر وإني لفي الحجرة وهو) عليه الصلاة والسلام (يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم}) أي إلا مصحوبين بالإذن فهو في موضع الحال ({إلى طعام غير ناظرين إناه}) مصدر أنى الطعام إذا أدرك أي لا ترقبوا الطعام إذا طبخ حتى إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول ({ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا}) تفرقوا وأخرجوا من منزله ({ولا مستأنسين لحديث وإن ذلكم}) الانتظار والاستئناس ({كان يؤذي النبي}) لتضييق المنزل عليه وعلى أهله ({فيستحيي منكم}) أن يخرجكم ({والله لا يستحيي من الحق}) [الأحزاب: 53] وسقط لأبي ذر قوله: {ولكن إذا دعيتم} إلى آخره وقال بعد قوله: {إناه} إلى قوله: {والله لا يستحيي من الحق} (قال أبو عثمان) الجعد (قال أنس: إنه) أي أنسًا (خدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشر سنين). قال في الفتح: وقد استشكل القاضي ما وقع هنا أن الوليمة بزينب كانت من الحيس الذي أهدته أم سليم وإن المشهور من الروايات أنه أولم عليها بالخبز واللحم ولم يقع في القصة تكثير ذلك الطعام وإنما فيه أنه أشبع المسلمين خبزًا ولحمًا قال: وهذا وهم من رواية وتركيب القصة على أخرى. وأجاب: بأن حضور الحيسة صادف حضور الخبز واللحم فأكلوا كلهم من ذلك. وقال القرطبي: لعل الذين دعوا إلى الخبز واللحم أكلوا حتى شبعوا وذهبوا ولم يرجعوا وبقي النفر الذين كانوا يتحدثون عنده حتى جاء أنس بالحيسة فأمر أن يدعو أناسًا آخرين ومَن لقي فدخلوا فأكلوا أيضًا حتى شبعوا واستمر أولئك النفر يتحدثون. وهذا الحديث أخرجه مسلم في النكاح والترمذي في التفسير. 65 - باب اسْتِعَارَةِ الثِّيَابِ لِلْعَرُوسِ وَغَيْرِهَا (باب استعارة الثياب للعروس وغيرها) وغير الثياب مما تتجمل به العروس كالحلي أو غير العروس. 5164 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلاَدَةً فَهَلَكَتْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا، فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلاَةُ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَلَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا، فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ إِلاَّ جَعَلَ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا، وَجُعِلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةٌ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبيد بن إسماعيل) قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها استعارت من أسماء) أختها (قلادة) لتتزين بها للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فهلكت) أي ضاعت (فأرسل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ناسًا من أصحابه في طلبها) وفي التيمم رجلًا وفسر بأنه

66 - باب ما يقول الرجل إذا أتى أهله

أسيد بن حضير (فأدركتهم الصلاة) لم أقف على تعيينها (فصلوا بغير وضوء فلما أتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شكوا ذلك) أي فقدهم الماء وصلاتهم بغير وضوء (إليه فنزلت آية التيمم) التي في سورة المائدة (فقال أسيد بن حضير): بضم الهمزة والحاء المهملة مصغرين الأنصاري لعائشة (جزاك الله خيرًا فوالله ما نزل أمر قط إلا جعل لك) ولأبي ذر عن الكشميهني إلا جعل الله لك (منه مخرجًا) من مضايقه (وجعل للمسلمين) كلهم (فيه بركة) ولأبي ذر: جعل بضم الجيم مبنيًّا للمفعول فيه بركة رفع نائبًا عن الفاعل قيل: ولا مطابقة بين الحديث والترجمة إذ ليست القلادة من الثياب ولم تكن عائشة حينئذ عروسًا. وأجاب في الفتح: بأن ذلك من جهة المعنى الجامع بين القلادة وغيرها من أنواع الملبوس الذي يتزين به الزوج أعم من أن يكون عند العروس أو بعده. وأجاب العيني بأنّا إذا أعدنا الضمير في قوله في الترجمة وغيرها إلى العروس تحصل المطابقة. 66 - باب مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ (باب ما يقول الرجل إذا أتى أهله) أي إذا أراد الجماع. 5165 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَقُولُ حِينَ يَأْتِي أَهْلَهُ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنَهُمَا فهي بِذَلِكَ أَوْ قُضِيَ وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا». وبه قال: (حدّثنا سعد بن حفص) بسكون العين الطلحي الكوفي المعروف بالضخم قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سالم بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة (عن كريب) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم استفتاحية (لو أن أحدهم يقول حين يأتي) سقط لغير الكشميهني أن (أهله) يجامع امرأته أو سريته، وعند أبي داود كالمصنف في الدعوات من رواية جرير عن منصور لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله يقول: (بسم الله اللهم جنبني الشيطان) بالإفراد (وجنّب الشيطان ما رزقتنا) بالجمع وأطلق ما على من يعقل لأنها بمعنى شيء كقوله: {والله أعلم بما وضعت} [آل عمران: 36] ولو هذه يجوز أن تكون للتمني على حدّ فلو أن لنا كرّة والمعنى أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تمنى لهم ذلك الخير يفعلونه لتحصل لهم السعادة وحينئذ فيجيء فيه الخلاف المشهور هل يحتاج إلى جواب أو لا وبالثاني قال ابن الضائع وابن هشام: ويجوز أن تكون شرطية والجواب محذوف والتقدير لمسلم من الشيطان أو نحو ذلك ويدل عليه قوله: (ثم قدر بينهما) ولد (في ذلك) الإتيان (أو قضي ولد) وسقط لغير الكشميهني قوله في ذلك (لم يضره شيطان أبدًا) ولأحمد لم يضر ذلك الولد الشيطان أبدًا أي بإضلاله وإغوائه بل يكون من جملة العباد الذين قيل فيهم: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} [الإسراء: 65] وفي مرسل الحسن عند عبد الرزاق إذا أتى الرجل أهله فليقل: بسم الله اللهم بارك لنا في ما رزقتنا ولا تجعل للشيطان نصيبًا فيما رزقتنا، وكان يرجى إن حملت أن يكون ولدًا صالحًا. وهذا يؤيد أن المراد لا يضره في دينه ولا يقال إنه يبعده انتفاء العصمة لأن اختصاص من خص بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق الجواز فلا مانع أن يوجد من لا تصدر منه معصية عمدًا وإن لم يكن ذلك واجبًا له. 67 - باب الْوَلِيمَةُ حَقٌّ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». هذا (باب) بالتنوين (الوليمة) وهي الطعام المتخذ للعرس (حق) أي ثابت في الشرع وهل هي واجبة أو سُنة؟ فعند الشافعية أنها واجبة على النص وإليه ذهب ابن خيران لقوله عليه السلام لعبد الرحمن: أولم ولأنه عليه السلام لم يتركها في سفر ولا حضر وقيل فرض على الكفاية إذا فعلها واحد أو اثنان في الناحية أو القبيلة وشاع وظهر سقط الفرض عن الباقين والأصح أنها سُنّة والترجمة لفظ حديث مرفوع أخرجه الطبراني. (وقال عبد الرحمن بن عوف) فيما وصله في البيع (قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما تزوجت: (أولم ولو بشاة) والأمر للندب قياسًا على الأضحية ونقل القرطبي الوجوب في رواية في مذهب مالك وقال: إن مشهور المذهب أنها مندوبة. 5166 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ مَقْدَمَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، فَكَانَ أُمَّهَاتِي يُوَاظِبْنَنِي عَلَى خِدْمَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَخَدَمْتُهُ عَشْرَ سِنِينَ. وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الْحِجَابِ حِينَ أُنْزِلَ، وَكَانَ أَوَّلَ مَا أُنْزِلَ فِي مُبْتَنَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، أَصْبَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَا عَرُوسًا فَدَعَا الْقَوْمَ فَأَصَابُوا مِنَ الطَّعَامِ، ثُمَّ خَرَجُوا وَبَقِيَ رَهْطٌ مِنْهُمْ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَطَالُوا الْمُكْثَ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ لِكَيْ يَخْرُجُوا، فَمَشَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَشَيْتُ حَتَّى جَاءَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَقُومُوا، فَرَجَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَجَعْتُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَظَنَّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ فَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا، فَضَرَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنِي وَبَيْنَهُ بِالسِّتْرِ، وَأُنْزِلَ الْحِجَابُ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة قال: (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف وسكون التحتية ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني)

68 - باب الوليمة ولو بشاة

بالإفراد (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أنه كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بنصب مقدم على الظرفية أي زمان قدومه (المدينة) في الهجرة (فكان) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فكن (أمهاتي) أي أمه وأخواتها (يواظبنني) بالظاء المعجمة والموحدة الساكنة من المواظبة على الشيء وهو الاستمرار عليه، ولأبي ذر عن أبي الوقت يواطئنني بالطاء المهملة والتحتية مهموزة من المواطأة أي يحرّضنني (على خدمة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخدمته عشر سنين) زاد في الأدب والله ما قال لي أف قط (وتوفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا ابن عشرين سنة فكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أنزل) حكمه في آية الأحزاب (وكان أول ما نزل) الحجاب (في مبتنى) في زمان دخول (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بزينب بنت) ولغير أبي ذر ابنة (جحش) -رضي الله عنها- (أصبح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بها عروسًا فدعا القوم) لوليمتها (فأصابوا من الطعام ثم خرجوا وبقي رهط) ما بين الثلاثة إلى العشرة ولم يسموا (منهم عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأطالوا المكث) يتحدّثون في البيت (فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخرج وخرجت معه لكي يخرجوا فمشى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومشيت) معه (حتى جاء عتبة حجرة عائشة ثم ظن أنهم خرجوا فرجع ورجعت معه حتى إذا دخل على زينب فإذا هم) أي النفر (جلوس لم يقوموا فرجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورجعت معه حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة وظن أنهم خرجوا فرجع ورجعت معه، فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيني وبينه بالستر) بزيادة الموحدة (وأنزل الحجاب) في آية: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي} [الأحزاب: 53] الآية. ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة واختلف في وقت الوليمة فقال ابن الحاجب من المالكية إنه بعد البناء. قال الشيخ خليل في التوضيح: وهو ظاهر المذهب واستحبها بعض الشيوخ قبل البناء. قال اللخمي وواسع قبله وبعده، ولمالك في العتبية لا بأس إن لم يولم قبل البناء وبعده، وقال ابن يونس: يستحب الإطعام عند عقد النكاح وعند البناء. وقال الباجي: المختار منها يوم واحد، وقال ابن حبيب: وقد أبيح أكثر من يوم ويكره استدامة ذلك أيامًا انتهى. وصرح الماوردي من الشافعية بأنها عند الدخول وحديث الباب صريح في أنها بعده لقوله فيه أصبح عروسًا بزينب فدعا القوم. وهذا الحديث سبق قريبًا. 68 - باب الْوَلِيمَةِ وَلَوْ بِشَاةٍ (باب) استحباب (الوليمة ولو بشاة) للموسر. 5167 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا -رضي الله عنه- قَالَ: سَأَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ: كَمْ أَصْدَقْتَهَا، قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. وَعَنْ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ: لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ نَزَلَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى الأَنْصَارِ، فَنَزَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ: أُقَاسِمُكَ مَالِي، وَأَنْزِلُ لَكَ عَنْ إِحْدَى امْرَأَتَيَّ. قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ. فَخَرَجَ إِلَى السُّوقِ، فَبَاعَ وَاشْتَرَى، فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ، فَتَزَوَّجَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثني) بالإفراد (حميد) الطويل (أنه سمع أنسًا -رضي الله عنه- قال: سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عبد الرحمن بن عوف و) الحال أنه كان قد (تزوج امرأة من الأنصار) هي بنت الحيسر بن رافع بن امرئ القيس. (كم أصدقتها؟ قال): أصدقتها (وزن نواة) ويجوز رفع وزن أي الذي أصدقتها وزن نواة (من ذهب، و) بالسند السابق (عن حميد سمعت) ولأبي ذر عن الكشميهني سمع (أنسًا) -رضي الله عنه- أنه (قال: لما قدموا) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه (المدينة نزل المهاجرون على الأنصار فنزل عبد الرحمن بن عوف على سعد بن الربيع) الأنصاري وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخى بينهما (فقال) سعد لعبد الرحمن (أقاسمك مالي) فخذ شطره (وأنزل لك عن إحدى امرأتي) فأيتهما شئت طلقتها لك فإذا حلّت تزوجتها. قال في الفتح: ولم أقف على اسم امرأتي سعد بن الربيع إلا أن ابن سعد ذكر أنه كان له من الولد أم سعد واسمها جميلة وأمها عمرة بنت حزم وتزوّج زيد بن ثابت أم سعد فولدت له ابنة خارجة قال: فيؤخذ من هذا تسمية إحدى امرأتي سعد قال: وأخرج الطبري في التفسير قصة مجيء امرأة سعد بن الربيع بابنتي سعد لما استشهد فقالت: إن عمهما أخذ ميراثهما فنزلت آية المواريث، وسماها إسماعيل القاضي في أحكام القرآن بسند له مرسل عمرة بنت حزم انتهى. ورأيت في حاشية نسخة من الفتح عن شيخنا الحافظ

69 - باب من أولم على بعض نسائه أكثر من بعض

أبي الخير السخاوي ما نصه قد أبعد شيخنا في عزو ذلك للطبري مع أنه في أبي داود والترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم وغيره قال: وقد وقفت على تسمية الزوجة الثانية في تفسير مقاتل عند قوله تعالى: {الرجال قوّامون على النساء} [النساء: 34] وأنها حبيبة بنت زيد بن أبي زهير. (قال) عبد الرحمن لا حاجة لي في ذلك (بارك الله لك في أهلك ومالك فخرج إلى السوق) وهو سوق بني قينقاع (فباع واشترى) اتجر (فأصاب) أي ربح (شيئًا من أقط وسمن فتزوج) بنت الحيسر فلقيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سكّة من سكك المدينة وعليه إثر صفرة فقال: مهيم؟ قال: تزوجت (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أولم ولو بشاة) وهي أقلها للموسر ولغيره ما قدر عليه، وقال النسائي: من الشافعية: المراد أقل الكمال شاة لقول صاحب التنبيه بأي شيء أولم من الطعام جاز. وقال القاضي عياض: أجمعوا على أنه لا حدّ لأكثرها وأما أقلها فكذلك ومهما تيسر أجزأ. 5168 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا أَوْلَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ، أَوْلَمَ بِشَاةٍ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن ثابت) البناني (عن أنس) أنه (قال: ما أولم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على شيء من نسائه ما أولم على زينب) بنت جحش (أولم بشاة) ليس للتحديد وإنما وقع اتفاقًا وهو موافق لحديث جابر. 5169 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ، عَنْ شُعَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا بِحَيْسٍ. وبه قال (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (عن عبد الوارث) بن سعيد البصري ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: حدّثنا عبد الوارث (عن شعيب) هو ابن الحبحاب بحاءين مهملتين بينهما موحدة ساكنة وبعد الألف أخرى البصري (عن أنس) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعتق صفية) بنت حيي (وتزوّجها وجعل عتقها صداقها) أي أعتقها بلا عوض وتروجها بلا مهر مطلقًا وهو في معنى الواهبة نفسها وهي لا مهر لها مطلقًا ولم تجعله الحنابلة من الخصائص بل قالوا إنه إذا قال لأمته: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك صح إن كان متصلًا بحضرة شاهدين فلو طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف قيمتها (وأولم عليها بحيس) وهو ما اتخذ من أقط وتمر ونزع نواه وقد يجعل بدل الأقط دقيق أو سويق وقد يزاد فيه السمن. وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي في النكاح. 5170 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ بَيَانٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: بَنَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِامْرَأَةٍ، فَأَرْسَلَنِي فَدَعَوْتُ رِجَالًا إِلَى الطَّعَامِ. وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم أبو غسان النهدي الكوفي قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي هو ابن معاوية الجعفي (عن بيان) بفتح الموحدة وتخفيف التحتية ابن بشر الأحمسي أنه (قال: سمعت أنسًا) -رضي الله عنه- (يقول: بنى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) دخل (بامرأة) هي زينب بنت جحش كما في الترمذي (فأرسلني فدعوت رجالًا إلى الطعام) المتخذ لوليمتها. وهذا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي في التفسير. 69 - باب مَنْ أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ (باب من أولم على بعض نسائه أكثر من بعض) 5171 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: ذُكِرَ تَزْوِيجُ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ عِنْدَ أَنَسٍ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْلَمَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أَوْلَمَ عَلَيْهَا، أَوْلَمَ بِشَاةٍ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد بن زيد بن ثابت) البناني أنه (قال: ذكر تزويج زينب ابنة) ولأبي ذر: بنت (جحش عند أنس فقال: ما رأيت النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أولم على أحد من نسائه) قدر (ما أولم عليها. أو لم بشاة) أي أولم عليها أكثر مما أولم على نسائه شكرًا لنعمة الله إذ زوّجه إياها بالوحي كما قاله الكرماني أو وقع اتفاقًا لا قصدًا كما قاله ابن بطال أو ليبين الجواز كما قاله غيره. وهذا الحديث أخرجه مسلم. 70 - باب مَنْ أَوْلَمَ بِأَقَلَّ مِنْ شَاةٍ (باب من أولم بأقل من شاة). 5172 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ: أَوْلَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) هو الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري وجوّز الكرماني أن يكون محمد هو البيكندي وسفيان هو ابن عيينة والذي جزم به الإسماعيلي وأبو نعيم الأول وقال البرقاني: روى هذا الحديث عبد الرحمن بن مهدي ووكيع والفريابي وروح بن عبادة عن الثوري (عن منصور ابن صفية) واسم والد منصور عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن طلحة بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب العبدري الحجبي المكي (عن أمه صفية بنت شيبة) بن عثمان بن أبي طلحة اختلف في صحبتها أنها (قالت: أولم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بعض نسائه

71 - باب حق إجابة الوليمة والدعوة ومن أولم سبعة أيام ونحوه، ولم يوقت النبي -صلى الله عليه وسلم- يوما ولا يومين

بمدّين من شعير) وهما نصف صاع لأن المدّ ربع صاع. قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تعيين اسم التي أولم عليها صريحًا. نعم يحتمل أن تفسر بأم سلمة لحديثها عند ابن سعد عن شيخه الواقدي المذكور فيه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما تزوّجها أدخلها بيت زينب بنت خزيمة فإذا جرة فيها شيء من شعير فأخذته فطحنته ثم عصدته في البرمة وأخذت شيئًا من إهالة فآدمته عليه فكان ذلك طعام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وأما حديث أنس المروي من طريق شريك عن حميد عنه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أولم على أم سلمة بتمر وسمن وسويق فوهم من شريك لأنه كان سيئ الحفظ أو من الراوي عنه وهو جندل بن والق فإن مسلمًا والبزار ضعّفاه إنما المحفوظ من حديث حميد عن أنس أن ذلك في قصة صفية أخرجه النسائي، وهذا الحديث مرسل لأن صفية ليست بصحابية أو صحابية لكنها لم تحضر القصة لأنها كانت بمكة طفلة أو لم تولد وترويج المرأة كان بالمدينة وقد روى حديثها هذا أبو أحمد الزبيري ومؤمل بن إسماعيل ويحيى بن اليمان عن الثوري فقال فيه عن صفية عن عائشة والذين لم يذكروا عائشة أكثر عددًا وأحفظ وأعرف بحديث الثوري ممن زاد فالذي يظهر على قواعد المحدثين أنه من المزيد في متصل الأسانيد، وقد غلط من رواه عن منصور ابن صفية عن صفية بنت حيي انتهى ملخصًا. 71 - باب حَقِّ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ وَالدَّعْوَةِ وَمَنْ أَوْلَمَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَهُ، وَلَمْ يُوَقِّتِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا وَلاَ يَوْمَيْنِ (باب حق إجابة الوليمة) أي وجوب الإجابة إلى طعام العرس (والدعوة) بفتح الدال على المشهور وهي أعم من الوليمة لأن الوليمة خاصة بالعرس كما نقله ابن عبد البر عن أهل اللغة ونقل عن الخليل وثعلب وجزم به الجوهري وابن الأثير على هذا فيكون قوله والدعوة من عطف العام على الخاص (و) باب ذكر (من أولم سبعة أيام) كما رواه ابن أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت: لما تزوج أبي دعا الصحابة سبعة أيام الحديث، وأخرجه البيهقي أيضًا من وجه آخر (ونحوه) أي نحو السبعة. قيل يشير إلى رواية عبد الرزاق حديث حفصة المذكور إذ فيه عنده ثمانية أيام بدل قوله في السابقة سبعة (ولم يؤقت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) للوليمة وقتًا معينًا يختص به الإيجاب أو الاستحباب لا (يومًا ولا يومين) نعم أخرج أبو داود والنسائي من طريق قتادة عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل من ثقيف كان يثني عليه إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه يقوله قتادة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الوليمة أول يوم حق والثاني معروف والثالث رياء وسمعة". ولكن قال البخاري في تاريخه: لا يصح إسناده ولا يصح لزهير صحبة قال وقال ابن عمر وغيره عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليجب" ولم يخص ثلاثة أيام ولا غيرها انتهى. ولحديث زهير بن عثمان شواهد منها عند ابن ماجة من حديث أبي هريرة مثله، وفيه عبد الملك بن حسين وهو ضعيف جدًّا وأحاديث أُخر ضعيفة، لكن مجموعها يدل على أن للحديث أصلًا وقد عمل بظاهر ذلك الحنابلة والشافعية فقالوا: تجب في اليوم الأول وتستحب في الثاني وتكره فيما بعده. 5173 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا». [الحديث 5173 - طرفه في: 5179]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها). قال في الفتح: أي فليأت مكانها والتقدير إذا دعي إلى مكان الوليمة فليأتها ولا يضر إعادة الضمير مؤنثًا والأمر للإيجاب، والمراد وليمة العرس لأنها المعهودة عندهم، ويؤيده ما في مسلم أيضًا إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب وتكون فرض عين إن لم يرض صاحبها بعذر المدعوّ وفي غيرها مستحبة، لكن في سنن أبي داود إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسًا كان أو غيره وقضيته وجوب الإجابة في سائر الولائم وبه أجاب جمهور العراقيين كما قاله الزركشي واختاره السبكي وغيره، ويؤيد عدم وجوبها في غير العرس أن عثمان بن العاص دعي إلى ختان فلم يجب. وقال: لم يكن يدعى له على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رواه أحمد في مسنده، وإنما تجب

الإجابة أو تستحب بشروط. منها: أن يكون الداعي مسلمًا فلو كان كافرًا لم تجب إجابته لانتفاء طلب المودة معه ولأنه يستقذر طعامه لاحتمال نجاسته وفساد تصرفه وأن لا يخص بالدعوة الأغنياء ولا غيرهم بل يعم عشيرته أو جيرانه أو أهل حرفته وإن كانوا كلهم أغنياء لحديث شر الطعام الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى، وليس المراد أن يعم جميع الناس لتعذره وأن لا يطلبه طمعًا في جاهه أو خوفًا منه لو لم يحضره بل للتودد وأن يعين المدعوّ بنفسه أو نائبه لا إن نادى في الناس كأن فتح الباب وقال: ليحضر من أراد أو قال لغيره ادع من شئت وأن يدعو في اليوم الأول فلو أولم ثلاثة أيام فأكثر لم تجب الإجابة أو تسن إلا في اليوم الأول فلو لم يمكنه استيعاب الناس في الأول لكثرتهم أو لصغر منزله أو غيرهما. قال الأذرعي: فذلك في الحقيقة كوليمة واحدة دعي الناس إليها أفواجًا أفواجًا في يوم واحد ويشترط أيضًا أن لا يحضر هناك من يؤذي المدعوّ أو تقبح مجالسته كالأراذل وأن لا يكون هناك منكر كفرش الحرير وصور الحيوان المرفوعة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح وأبو داود في الأطعمة والنسائي في الوليمة. 5174 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فُكُّوا الْعَانِيَ، وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري (قال: حدّثني) بالإفراد (منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق ابن سلمة (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (فكوا العاني) الأسير (وأجيبوا الداعي) إلى وليمة العرس (وعودوا المريض). ولأبي ذر عن الكشميهني المرضى. وهذا الحديث سبق في باب فكاك الأسير من الجهاد. 5175 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنِ الأَشْعَثِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- أَمَرَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي. وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ وَعَنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَعَنِ الْمَيَاثِرِ وَالْقَسِّيَّةِ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَالدِّيبَاجِ. تَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالشَّيْبَانِيُّ عَنْ أَشْعَثَ فِي إِفْشَاءِ السَّلاَمِ. وبه قال: (حدّثنا الحسن بن الربيع) البجلي الخشاب البوراني قال: (حدّثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولى بني حنيفة (عن الأشعث) بن أبي الشعثاء بالشين المعجمة والمثلثة فيهما واسم أبي الشعثاء سليم المحاربي (عن معاوية بن سويد) الكوفي أنه قال: (قال البراء بن عازب -رضي الله عنهما- أمرنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض) زيارته مسلم أو ذمي وهي سُنّة إذا كان له متعهد وإلا فواجبة (واتباع الجنازة) وهو فرض كفاية ولأبي ذر عن المستملي الجنائز بالجمع (وتشميت العاطس) بأن يقول له يرحمك الله إذا حمد الله وهو سُنّة على الكفاية (وإبرار القسم) ولأبي ذر عن الكشميهني المقسم بضم الميم وسكون القاف وكسر السين أي تصديق من أقسم عليك وهو أن تفعل ما سأله الملتمس وأقسم عليه أن تفعله (ونصر المظلوم) ولو ذميًّا (وإفشاء السلام وإجابة الداعي) إلى وليمة العرس (ونهانا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن خواتيم الذهب وعن آنية الفضة) استعمالًا واتخاذًا فيهما (وعن المياثر) بفتح الميم وبالمثلثة والراء جمع ميثرة فراش من حرير محشوّ بالقطن يجعله الراكب تحته على الرحل والسرج وهي من مراكب العجم وأصلها موثرة فقلبت الواو ياء لكسرة الميم وتكون من حرير فتحرم وحمراء فمنهي عنها (و) عن الثياب (القسية) بفتح القاف وتشديد السين المهملة المكسورة والتحتية ضرب من ثياب مخلوط بحرير يؤتى به من مضر نسب إلى قرية على ساحل البحر بالقرب من دمياط درسها البحر (و) عن (الإستبرق) بكسر الهمزة الغليظ من الحرير (و) عن الثياب المتخذة من (الديباج) وهو الإبريسم وهذه ستة والسابع الحرير يذكر إن شاء الله تعالى في اللباس، وهذه الخصال مختلفة المراتب في حكم العموم والخصوص والوجوب فيحرم خاتم الذهب ولبس الديباج للرجال خاصة دون النساء وتحرم آنية الفضة عامة على الرجال والنساء للسرف والخيلاء ويجوز أن تعطف السنة على الواجب إن دلت على ذلك قرينة كصوم رمضان وستًّا من شوال. وهذا الحديث سبق في الجنائز. (تابعه) أي تابع أبا الأحوص سلام بن سليم (أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري فيما وصله المؤلّف في كتاب الأشربة (و) تابع أبا الأحوص

72 - باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله

أيضًا (الشيباني) أبو إسحاق سليمان فيما وصله أيضًا في الاستئذان كلاهما (عن أشعث) بن أبي الشعثاء (في) روايته بلفظ (إفشاء السلام) فخالفا رواية شعبة عن أشعث حيث قال: وردّ السلام كما سبق في الجنائز. 5176 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: دَعَا أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي عُرْسِهِ، وَكَانَتِ امْرَأَتُهُ يَوْمَئِذٍ خَادِمَهُمْ وَهْيَ الْعَرُوسُ. قَالَ سَهْلٌ تَدْرُونَ مَا سَقَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا أَكَلَ سَقَتْهُ إِيَّاهُ. [الحديث 5176 - أطرافه في: 5182، 5183، 5591، 5597، 6685]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني البلخي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبي حازم) سلمة بن دينار ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني عن أبيه بدل قوله عن أبي حازم (عن سهل بن سعد) كذا في الفرع كأصله، وقال الحافظ ابن حجر: وفي رواية المستملي عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: وهو سهو إذ لا بدّ من واسطة بينهما، إما أبوه أو غيره (قال: دعا أبو سعيد) بضم الهمزة وفتح السين مالك بن ربيعة (الساعدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في عرسه وكانت امرأته) أم أسيد سلامة بنت وهب بن سلامة بن أثيمة (يومئذ خادمهم) يقع على الذكر والأنثى (وهي العروس) نعت استوى فيه المذكر والمؤنث ما داما في تعريسهما (قال سهل) الساعدي (تدرون) استفهام سقطت أداته (ما سقت) أي العروس (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنقعت له تمرات) في ماء (من الليل فلما أكل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من طعام الوليمة (سقته إياه). وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأشربة وكذا مسلم، وأخرجه ابن ماجة في النكاح. 72 - باب مَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ (باب من ترك الدعوة) أي إجابة الدعوة (فقد عصى الله ورسوله). 5177 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ، وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه كان يقول شر الطعام طعام الوليمة). قال البيضاوي: يريد من شر الطعام فمن مقدّرة فإن من الطعام ما يكون شرًّا منه وإنما سماه شرًّا لما ذكر عقبه حيث قال: (يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء) فإن الغالب فيها ذلك وكأنه قال: شر الطعام طعام الوليمة التي من شأنها هذا، فاللفظ وإن أطلق فالمراد به التقييد بما ذكر عقبه، قال ابن بطال: فإذا ميّز الداعي بين الأغنياء والفقراء وأطعم كلاًّ على حِدَة فلا بأس وقد فعله ابن عمر، وقال الطيبي متعقبًا البيضاوي: التعريف في الوليمة للعهد الخارجي وكان من عادتهم مراعاة الأغنياء فيها وتخصيصهم بالدعوة وإيثارهم، وقوله يدعى إلى آخره استئناف بيان لكونها شرّ الطعام وعلى هذا لا يحتاج إلى تقدير من وقوله ومن ترك حال والعامل يدعى أي يدعى الأغنياء لها والحال أن الإجابة واجبة فيكون دعاؤه سببًا كل المدعوّ شرّ الطعام، وقول الزركشي جملة يدعى في موضع الصفة لطعام تعقبه الدماميني بأن الظاهر أنها صفة للوليمة على أن تجعل اللام جنسية مثلها في قوله: ولقد أمرّ على اللئيم يسبني ويستغنى حيئنذّ عن تأويل تأنيث الضمير على تقدير كونها صفة لطعام انتهى. وهذا الحديث موقوف على أبي هريرة لكن قوله (ومن ترك الدعوة) أي إجابتها (فقد عصى الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يقتضي كونه مرفوعًا إذ مثل هذا لا يكون من قبيل الرأي، لكن جلّ رواة مالك كما قال ابن عبد البر لم يصرحوا برفعه. نعم قال روح بن القاسم عن مالك بسنده قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكذا أخرجه الدارقطني من طريق إسماعيل بن سلمة بن مغيث عن مالك، ولمسلم من طريق سفيان سمعت زياد بن سعد يقول: سمعت ثابتًا الأعرج يحدّث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال فذكر نحوه. وكذا أخرجه أبو الشيخ مرفوعًا من طليق محمد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، وفي قوله: عصى الله ورسوله دليل لوجوب الإجابة لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب كما لا يخفى. وهذا الحديث أخرجه مسلم في النكاح وأبو داود في الأطعمة والنسائي في الوليمة وابن ماجة في النكاح. 73 - باب مَنْ أَجَابَ إِلَى كُرَاعٍ (باب من أجاب إلى كراع) بضم الكاف وتخفيف الراء أي من أجاب إلى وليمة فيها كراع وهو مستدق الساق من الرِّجل ومن حد الرسغ من اليد

74 - باب إجابة الداعي في العرس وغيرها

وهو من البقر والغنم بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير. 5178 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي السكري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي حازم) سلمان بسكون اللام مولى عزة بفتح العين المهملة وتشديد الزاي قال الحافظ ابن حجر: ووهم من زعم أنه سلمة بن دينار الراوي عن سهل بن سعد المقدم ذكره قريبًا فإنهما وإن كانا مدنيين لكن راوي حديث الباب أكبر من ابن دينار (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لو دعيت إلى كراع لأجبت) وأما رواية الغزالي الحديث في الإحياء بلفظ: ولو دعيت إلى كراع الغميم لا أصل لهذه الزيادة والمراد به المكان المعروف بين مكة والمدينة وزعم بعضهم أنه أطلق ذلك على سبيل المبالغة في الإجابة ولو بعد المكان، لكن المبالغة في الإجابة مع حقارة الشيء أوضح في المراد ومن ثم ذهب الجمهور إلى أن المراد بالكراع كراع الشاة (ولو أهدي) بضم الهمزة (إليَّ) بتشديد الياء (ذراع) ولأبي ذر كراع (لقبلت) واللام في لقبلت ولأجبت للتأكيد. وهذا الحديث سبق في الهبة وأخرجه النسائي في الوليمة. 74 - باب إِجَابَةِ الدَّاعِي فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِهَا (باب إجابة الداعي) أي إجابة المدعوّ الداعي فالمصدر مضاف إلى مفعوله وطوي ذكر الفاعل (في العرس) وهو طعام الوليمة المعمول عند العرس (وغيرها) أي غير وليمة العرس، ولأبي ذر وغيره أي وغير العرس. وذكر النووي أن الولائم ثمانية الإعذار بعين مهملة وذال معجمة للختان والعقيقة للولادة في اليوم السابع، والخرس بضم الخاء المعجمة وسكون الراء ثم سين مهملة لسلامة المرأة من الطلق وقيل هو طعام الولادة، والنقيعة لقدوم المسافر مشتقة من النقع وهو الغبار، والوكيرة للسكن المتجدد مأخوذ من الوكر وهو المأوى والمستقر، والوضيمة بضاد معجمة لما يتخذ عند المصيبة، والمأدبة بضم الدال ويجوز فتحها لما يتخذ بلا سبب ومنها الحذاق بكسر الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة وبعد الألف قاف الطعام الذي يعمل عند حذق الصبي ذكره ابن الصباغ في الشامل. وقال ابن الرفعة: هو الذي يعمل عند ختم القرآن، والعتيرة بفتح المهملة وكسر الفوقية وهي شاة تذبح في أول رجب، وتعقب بأنها في معنى الأضحية فلا معنى لذكرها مع الولائم، وقد أخرج مسلم وأبو داود حديث، إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسًا كان أو غيره وقد أخذ بظاهره بعض الشافعية فقال بوجوب الإجابة إلى الدعوة مطلقًا عرشًا كان أو غيره بشرطه، وقد جزم المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية بعدم الوجوب في غير وليمة النكاح. 5179 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَجِيبُوا هَذِهِ الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ لَهَا»، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَأْتِي الدَّعْوَةَ فِي الْعُرْسِ وَغَيْرِ الْعُرْسِ وَهْوَ صَائِمٌ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله بن إبراهيم) البغدادي قال البخاري عنه أنه متقن قال: (حدّثنا الحجاج بن محمد) الأعور (قال: قال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرني) بالإفراد (موسى بن عقبة) صاحب المغازي (عن نافع) مولى ابن عمر أنه (قال: سمعت عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أجيبوا هذه الدعوة) أي دعوة الوليمة (إذا دعيتم لها. قال) نافع: (كان عبد الله) بن عمر (يأتي الدعوة في العرس وغير العرس وهو) أي والحال أنه (صائم) وفي مسلم حديث ابن عمر مرفوعًا: (إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرًا فليطعم وإن كان صائمًا فليصل) أي فليدع بدليل رواية فليدع بالبركة رواه أبو عوانة فإن كان الصوم نفلًا فإفطاره لجبر خاطر الداعي أفضل ولو آخر النهار لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أمسك من حضر معه وقال: إني صائم قال له: "يتكلف أخوك المسلم وتقول إني صائم؟ أفطر ثم اقضِ يومًا مكانه". رواه البيهقي وغيره وفي إسناده راوٍ ضعيف، لكنه توبع ولو أمسك المفطر عن الأكل لم يحرم. بل يجوز وفي مسلم إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك. وفي شرح مسلم تصحيح وجوب الأكل ويحرم على الصائم الإفطار من صوم فرض. 75 - باب ذَهَابِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ إِلَى الْعُرْسِ (باب ذهاب النساء والصبيان إلى) وليمة (العرس) من غير

76 - باب هل يرجع إذا رأى منكرا في الدعوة؟ ورأى ابن مسعود صورة في البيت فرجع ودعا ابن عمر أبا أيوب فرأى في البيت سترا على الجدار، فقال ابن عمر غلبنا عليه النساء، فقال: من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك، والله لا أطعم لكم طعاما فرجع

كراهة. 5180 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أَبْصَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءً وَصِبْيَانًا مُقْبِلِينَ مِنْ عُرْسٍ فَقَامَ مُمْتَنًّا فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ». وبه قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن المبارك) العيشي بفتح العين المهملة وسكون التحتية وكسر الشين المعجمة قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه) أنه (قال: أبصر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نساءً وصبيانًا) حال كونهم (مقبلين من عرس فقام) عليه الصلاة والسلام (ممتنًّا) بميم مضمومة فميم ساكنة فمثلثة مفتوحة كذا في الفرع مصححًا عليه كأصله، وقال في الفتح بمثناة ونون ثقيلة من المنة بضم الميم وهي القوة أي من قام إليهم مسرعًا مشتدًّا في ذلك فرحًا بهم أو من الامتنّان لأن من قام إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأكرمه بذلك فقد امتنّ عليه بشيء لا أعظم منه (فقال): (اللهم) قالها للتبرك أو للاستشهاد في صدقه على قوله (أنتم من أحب الناس إليّ) وزاد في رواية معمر في مناقب الأنصار قالها ثلاث مرات، وفيه شهود النساء والصبيان لوليمة العرس فلو دعت امرأة امرأة لوليمة أو دعت رجلًا وجب أو استحب لا مع خلوة محرمة فلا يجيبها إلى طعام مطلقًا أو مع عدم الخلوة فلا يجيبها إلى طعام خاص به كان جلست به وبعثت له الطعام إلى بيت آخر من دارها خوف الفتنة بخلاف ما إذا لم تخف فقد كان سفيان الثوري وأضرابه يزورون رابعة العدوية ويسمعون كلامها فإن وجد رجل كسفيان وامرأة كرابعة فالظاهر أنه لا كراهة في الإجابة ويعتبر في وجوب الإجابة للمرأة إذن الزوج أو السيد للمدعوّ والله أعلم. 76 - باب هَلْ يَرْجِعُ إِذَا رَأَى مُنْكَرًا فِي الدَّعْوَةِ؟ وَرَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ صُورَةً فِي الْبَيْتِ فَرَجَعَ وَدَعَا ابْنُ عُمَرَ أَبَا أَيُّوبَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ سِتْرًا عَلَى الْجِدَارِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ غَلَبَنَا عَلَيْهِ النِّسَاءُ، فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ أَخْشَى عَلَيْهِ فَلَمْ أَكُنْ أَخْشَى عَلَيْكَ، وَاللَّهِ لاَ أَطْعَمُ لَكُمْ طَعَامًا فَرَجَعَ هذا (باب) بالتنوين (هل يرجع) المدعوّ (إذا رأى) شيئًا (منكرًا في) مجلس (الدعوة) كفرش الحرير في دعوة اتخذت للرجال وفرش جلود نمر بقي وبرها كما قاله الحليمي وغيره. (ورأى ابن مسعود) عبد الله ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري (صورة في البيت) الذي دعي إليه للوليمة (فرجع) ويحتمل أن يكون وقع لكلٍّ من عبد الله بن مسعود ولأبي مسعود عقبة ذلك وأثر أبي مسعود عقبة وصله البيهقي بسند صحيح، وأما أثر ابن مسعود عبد الله فقال: في الفتح لم أقف عليه. (ودعا ابن عمر) فيما وصله أحمد في كتاب الورع ومسدد في مسنده ومن طريقه الطبراني (أبا أيوب) خالد بن زيد الأنصاري إلى وليمة عرس ابنه سالم فجاء (فرأى في البيت سترًا على الجدار) فأنكر على عبد الله بن عمر (فقال ابن عمر: غلبنا) بفتحات (عليه) أي على وضع الستر على الجدار (النساء) يا أبا أيوب (فقال) أبو أيوب (من كنت أخشى عليه). قال الكرماني: أي إن كنت أخشى على أحد يعمل في بيته مثل هذا المنكر (فلم أكن أخشى عليك) ذلك (والله لا أطعم لكم طعامًا فرجع) وقد اختلف في ستر البيوت والجدران فجزم جمهور الشافعية بالكراهة ويشهد له أثر ابن عمر هذا إذ لو كان حرامًا ما قعد الذين قعدوا من الصحابة ولا فعله ابن عمر، فيحمل فعل أبي أيوب على كراهة التنزيه جمعًا بين الفعلين، ويحتمل أن يكون أبو أيوب كان يرى التحريم والذين قعدوا ولم ينكروا يرون الإباحة، وقد صرح الشيخ أبو نصر المقدسي من الشافعية بالتحريم لحديث مسلم عن عائشة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين" وتعقب بأنه ليس في السياق ما يدل على التحريم وإنما فيه نفي الأمر بذلك ونفي الأمر لا يستلزم ثبوت النهي نعم عند أبي داود من حديث ابن عباس ولا تستروا الجدر بالثياب. 5181 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا بَالُ هَذِهِ النِّمْرِقَةِ»؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ، وَقَالَ: إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ الْمَلاَئِكَةُ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن نافع) مولى ابن عمر (عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (عن) عمته (عائشة) -رضي الله عنها- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها أخبرته أنها اشترت نمرقة) بنون وراء مضمومتين بينهما ميم ساكنة وبعد الراء قاف وفي اليونينية بكسر النون والراء وسادة صغيرة (فيها تصاوير) أي تماثيل حيوان (فلما رآها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قام على الباب فلم يدخل) زاد في ذكر الملائكة وجعل يتغير

77 - باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس

وجهه (فعرفت في وجهه الكراهية) بكسر الهاء بعدها تحتية مخففة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي الكراهة بفتح الهاء وإسقاط التحتية (فقلت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما بال هذه النمرقة)؟ ما شأنها فيها تماثيل (قالت: فقلت: اشتريتها لك) بهمزة قطع مفتوحة في اليونينية (لتقعد عليها وتوسدها) بحذف إحدى التاءين (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن أصحاب هذه الصور) الحيوانية الذين يصنعونها (يعذبون يوم القيامة) على صنعها (ويقال لهم) استهزاءً وتعجيزًا (أحيوا) بهمزة قطع مفتوحة (ما خلقتم. وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن البيت الذي فيه الصور) الحيوانية (لا تدخله الملائكة) الذين ليسوا حفظة إذ هم لا يفارقون المكلف وإنما لم يدخلوا لكون ذلك معصية فاحشة لما فيها من مضاهاة خلق الله. وموضع الترجمة قولها قام على الباب فلم يدخل وهو أعم مقتضاه المنع من الدخول في المكان الذي فيه الصورة سواء كان فيه دعوة أم لا: ومحل المنع من ذلك إن لم يزل ذلك المنكر لأجل المدعوّ فإن كان يزول لأجله وجبت إجابته للدعوة وإزالة المنكر فإن لم يقدر على إزالته فليرجع وهل دخول البيت الذي فيه الصور الممنوعة حرام أو مكروه؟ وجهان، وبالتحريم قال الشيخ أبو حامد، وبالكراهة قال صاحب التقريب، والصيدلاني ورجحه الإمام والغزالي، ولا بأس بصور مبسوطة تُداس أو مخادّ يتكأ عليها أو ممتهنة بالاستعمال كقصعة وطبق أو كانت مرتفعة وقطع رأسها. 77 - باب قِيَامِ الْمَرْأَةِ عَلَى الرِّجَالِ فِي الْعُرْسِ وَخِدْمَتِهِمْ بِالنَّفْسِ (باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس) أي نفسها. 5182 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ لَمَّا عَرَّسَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ دَعَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابَهُ فَمَا صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَلاَ قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ إِلاَّ امْرَأَتُهُ أُمُّ أُسَيْدٍ، بَلَّتْ تَمَرَاتٍ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الطَّعَامِ أَمَاثَتْهُ لَهُ فَسَقَتْهُ تُتْحِفُهُ بِذَلِكَ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم أبو محمد الجمحي مولاهم البصري قال: (حدّثنا أبو غسان) بالغين المعجمة والسين المهملة المشددة المفتوحتن محمد بن مطرف بالطاء المهملة المفتوحة والراء المشددة المكسورة (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار (عن سهل) هو ابن سعد الساعدي أنه (قال لما عرّس) بفتح العين والراء المشددة وهو يردّ على الجوهري حيث قال: يقال أعرس لا عرس أي لما اتخذ عروسًا (أبو أسيد) بضم الهمزة وفتح السين المهملة واسمه على الأصح مالك بن ربيعة (الساعدي دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه فما صنع لهم طعامًا ولا قرّبه إليهم إلا امرأته أم أسيد) بضم الهمزة سلامة بنت وهيب (بلّت تمرات في تور) بفتح المثناة الفوقية قدح (من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الطعام أماثته) بفتح المثلثة وسكون المثناة الفوقية مرسته بيديها (له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فسقته) عليه الصلاة والسلام حال كونها (تتحفه بذلك) ولأبي ذر عن الكشميهني أتحفته وله عن الحموي والمستملي تحفة وعند ابن السكن تخصه بالخاء المعجمة والصاد المهملة المشددة. 78 - باب النَّقِيعِ وَالشَّرَابِ الَّذِي لاَ يُسْكِرُ فِي الْعُرْسِ (باب) اتخاذ (النقيع) وهو ما ينقع من تمر في ماء لتخرج حلاوته (والشراب الذي لا يسكر في العرس) فلو أسكر حُرِّم اتفاقًا وعطف الشراب على النقيع من عطف العام على الخاص لأنه يعم نقيع التمر وغيره. 5183 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ دَعَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعُرْسِهِ فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ خَادِمَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَهْيَ الْعَرُوسُ فَقَالَتْ: أَوْ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا أَنْقَعَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ أَنْقَعَتْ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ فِي تَوْرٍ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف مصغرًا قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن القاري) بتشديد التحتية نسبة إلى قارة المدني نزيل الإسكندرية (عن أبي حازم) سلمة بن دينار أنه (قال: سمعت سهل بن سعد أن أبا أسيد الساعدي دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعرسه) أي لأجل عرسه (فكانت امرأته) أم أسيد وهي ممن وافقت كنيتها كنية زوجها (خادمهم يومئذٍ) بغير فوقية بعد الميم (وهي العروس) الواو للحال (فقالت) أي العروس: (أو قال) أي سهل بالشك (أتدرون) ولأبي ذر عن الكشميهني فقالت أو ما تدرون بغير شك (ما أنقعت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أنقعت له تمرات من الليل) بالفوقية وفتح الميم (في تور) بالمثناة الفوقية قال في القاموس: إناء يشرب فيه. وهذا الحديث من رواية سهل كما في الرواية السابقة وحينئذٍ فقوله: أنقعت

79 - باب المداراة مع النساء، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنما المرأة كالضلع»

بفتح العين وسكون التاء في الموضعين على صيغة الماضي للغائبة وهو الذي في الفرع وعلى رواية بالكشميهني بسكون العين بصيغة المتكلم. 79 - باب الْمُدَارَاةِ مَعَ النِّسَاءِ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا الْمَرْأَةُ كَالضِّلَعِ» (باب المداراة) أي المجاملة والملاينة (مع النساء) للإلفة واستمالة قلوبهن لما جبلن عليه من الأخلاق (وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنما المرأة كالضلع) بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام وسكونها والفتح أفصح. 5184 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمَرْأَةُ كَالضِّلَعِ، إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ». وبه قال: (حدّثنا عَبْد العزيز بن عبد الله) بن يحيى بن عمرو بن أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الأصبحي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (المرأة كالضلع) مبتدأ وخبر ولمسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد أن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة وفي صحيح ابن حبان عن سمرة بن جندب مرفوعًا أن المرأة خلقت من ضلع فإن أقمتها كسرتها فدارها تعش بها، وفي غرائب مالك للدارقطني نحو لفظ رواية حديث الباب إلا أنه قال: على خليقة واحدة إنما هي كالضلع. (إن أقمتها) أي إن أردت إقامتها (كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج) بكسر العين وفتح الواو بعدها جيم، ولأبي ذر: عوج بفتح العين والأكثر على الكسر وقيل: إذا كان فيما هو منتصب كالحائط والعود عوج بفتح العين وفي غير المنتصب كالدين والخلق والأرض ونحو ذلك بكسر العين قاله ابن السكيت، ونقل ابن قرقول عن أهل اللغة أن الفتح في الشخص المرئي والكسر فيما ليس بمرئي. وفي الحديث إشارة إلى الإحسان إلى النساء والرفق بهن والصبر على عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن وغير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى قريبًا. 80 - باب الْوَصَاةِ بِالنِّسَاءِ (باب الوصاة) بفتح الواو أي الوصية (بالنساء). 5185 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِي جَارَهُ» [الحديث 5185 - أطرافه في: 6018، 6136، 6138، 6475]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) نسبه لجدّه واسم أبيه إبراهيم السعدي قال: (حدّثنا حسين) بضم الحاء ولأبي ذر الحسين بزيادة الألف واللام أي ابن علي بن الوليد (الجعفي) بضم الميم وسكون العين المهملة وبالفاء (عن زائدة) بن قدامة (عن ميسرة) ضدّ الميمنة ابن عمار الأشجعي (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة بفتح العين المهملة وتشديد الزاي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) أي من كان يؤمن بالمبدأ والمعاد إيمانًا كاملًا (فلا يؤذي جاره). 5186 - «وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا». (واستوصوا) أي أوصيكم (بالنساء خيرًا) فأقبلوا وصيتي فيهن كذا قرره البيضاوي لأن الاستيصاء استفعال وظاهره طلب الوصية وليس هو المراد، وقال الطيبي: الأظهر أن السين للطلب مبالغة أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن بخير. وقال في الكشاف: السين للمبالغة أي يسألون أنفسهم الفتح ويجوز أن يكون من الخطاب العام أي يستوصي بعضكم من بعض في حق النساء، (فإنهن خلقن من ضلع) معوج فلا يتهيأ الانتفاع بهن إلا بمداراتهن والصبر على اعوجاجهن، والضلع استعير للمعوج أي خلقن خلقًا فيه اعوجاج فكأنهن خلقن من أصل معوج، وقيل أراد به أن أول النساء حوّاء خلقت من ضلع آدم (وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) ذكره تأكيدًا لمعنى الكسر أو ليبين أنها خلقت من أعوج أجزاء الضلع كأنه قال: خلقن من أعلى الضلع وهو أعوج، ويحتمل كما قال في الفتح: أن يكون ضرب ذلك مثلًا لأعلى المرأة لأن أعلاها رأسها وفيه لسانها وهو الذي يحصل منه الأذى، وسأل الكرماني فقال: فإن قلت العوج من العيوب فكيف يصح منه أفعل التفضيل؟ وأجاب بأنه أفعل الصفة أو أنه شاذ أو الامتناع عند الالتباس بالصفة فحيث يتميز عنه بالقرينة جاز البناء منه (فإن ذهبت تقيمه) أي الضلع (كسرته وإن تركته) ولم تقمه (لم يزل أعوج) فيه الندب إلى مداراة النساء وسياستهن والصبر على عوجهن وأن مَن رام تقويمهن رام مستحيلًا وفاته الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها

81 - باب {قوا أنفسكم وأهليكم نارا}

ويستعين بها على معاشه قال: هي الضلع العوجاء لست تقيمها ... ألا إن تقويم الضلوع انكسارها أتجمع ضعفًا واقتدارًا على الهوى ... أليس عجيبًا ضعفها واقتدارها فكأنه قال: الاستمتاع بها لا يتم إلا بالصبر عليها (فاستوصوا) أي أوصيكم (بالنساء خيرًا) فأقبلوا وصيتي واعملوا بها، قال الغزالي، وللمرأة على زوجها أن يعاشرها بالمعروف وأن يحسن خلقه معها قال: وليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها والحلم عن طيشها وغضبها اقتداء برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقد كان أزواجه يراجعنه الكلام وتهجره إحداهن إلى الليل قال: وأعلى من ذلك أن الرجل يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة فهي التي تطيب قلوب النساء فقد كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمزح معهن وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال والأخلاق حتى روي أنه كان يسابق عائشة في العدو فسبقته يومًا فقال لها: هذه بتلك. 5187 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: كُنَّا نَتَّقِي الْكَلاَمَ وَالاِنْبِسَاطَ إِلَى نِسَائِنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَيْبَةَ أَنْ يُنْزَلَ فِينَا شَيْءٌ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَكَلَّمْنَا وَانْبَسَطْنَا. وبه قال (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كنا نتقي) أي نتجنب (الكلام) الذي يخشى منه العاقبة (و) نتقي أيضًا (الانبساط إلى نسائنا على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هيبة أن ينزل فينا شيء) من القرآن بمنع أو تحريم وهيبة نصب مفعولًا لقوله نتقي وإن مصدرية أي نتقي لخوف النزول (فلما توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تكلمنا وانبسطنا) إلى نسائنا تمسكًا بالبراءة الأصلية وفيه إشعار بأن الذي كانوا يتركونه كان من المباح والانبساط إليهن يحتمل أن يكون من جملة الوصاة بهن فيناسب الترجمة والله أعلم. وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة في الجنائز. 81 - باب {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله تعالى: ({قوا أنفسكم}) احفظوها بترك المعاصي وفعل الطاعات ({وأهليكم}) بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم ({نارًا}) [التحريم: 6] وفي ذكر المؤلّف هذه الآية عقب الباب السابق المذكور فيه: واستوصوا بالنساء خيرًا كما قال في فتح الباري رمز إلى أنه يقوّمهنّ برفق بحيث لا يبالغ فيكسر وليس المراد أنه يترهن على الاعوجاج إذا تعدين ما طبعن عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها أو ترك الواجب، بل المراد أن يتركهن على اعوجاجهن في الأمور المباحة كما لا يخفى فللَّهِ در المؤلّف ما أدق نظره. قال الحسن: ما أطاع رجل امرأته فيما تهوى إلا كبه الله في النار. 5188 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ: فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهْوَ مَسْؤُولٌ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْؤُولٌ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَهْيَ مَسْؤولَةٌ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ». وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كلكم راعٍ) أي حافظ وأمين، وأصله راعي بتحتية بعد العين لأنه من رعى يرعى رعاية استثقلت الضمة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان فحذفت الياء فصار راعٍ على وزن فاعل فالمحذوف لام الفعل (وكلكم مسؤول) أي عن رعيته (فالإمام) بالفاء ولأبي ذر والإمام (راعٍ وهو مسؤول) أي عن رعيته (والرجل راع على أهله) يأمرهم بطاعة الله وينهاهم عن معاصيه ويقوم عليهم بما لهم من الحق (وهو مسؤول) أي عن رعيته فإن لم يكن له رعية فهو راعٍ على أعضائه وجوارحه وقواه وحواسه ومسؤول عنها (والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة) أي عن رعيتها (والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول) أي عن رعيته (ألا) بالتخفيف (فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول) أي عن رعيته. 82 - باب حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ الأَهْلِ (باب حسن المعاشرة مع الأهل). 5189 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالاَ: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لاَ يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا. قَالَتِ الأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٌّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ، لاَ سَهْلٍ فَيُرْتَقَى، وَلاَ سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ. قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لاَ أَبُثُّ خَبَرَهُ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ لاَ أَذَرَهُ، إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ. قَالَتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِي الْعَشَنَّقُ، إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ. قَالَتِ الرَّابِعَةُ. زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ، لاَ حَرٌّ وَلاَ قُرٌّ وَلاَ مَخَافَةَ وَلاَ سَآمَةَ. قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلاَ يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ. قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ وَلاَ يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ. قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ، أَوْ عَيَايَاءُ، طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ، شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلاًّ لَكِ. قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي الْمَسُّ، مَسُّ أَرْنَبٍ وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ. قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ، طَوِيلُ النِّجَادِ، عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ، قَالَتِ الْعَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ، مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ، قَلِيلاَتُ الْمَسَارِحِ، وَإِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ، أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ، قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، فَمَا أَبُو زَرْعٍ، أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ وَمَلأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ، وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ، وَدَائِسٍ، وَمُنَقٍّ فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلاَ أُقَبَّحُ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ أُمُّ أَبِي زَرْعٍ فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ عُكُومُهَا رَدَاحٌ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ ابْنُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ، مَضْجِعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ. بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ طَوْعُ أَبِيهَا، وَطَوْعُ أُمِّهَا، وَمِلْءُ كِسَائِهَا، وَغَيْظُ جَارَتِهَا، جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ لاَ تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا وَلاَ تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا، وَلاَ تَمْلأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا، قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ تُمْخَضُ، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ، فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا، رَكِبَ شَرِيًّا وَأَخَذَ خَطِّيًّا، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا، وَقَالَ كُلِي أُمَّ زَرْعٍ. وَمِيرِي أَهْلَكِ قَالَتْ فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ: وَلاَ تُعَشِّشُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَعْضُهُمْ فَأَتَقَمَّحُ بِالْمِيمِ وَهَذَا أَصَحُّ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (سليمان بن عبد الرحمن) المعروف بابن بنت شرحبيل أبو أيوب الدمشقي (وعلي بن حجر) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم بعدها راء ابن إياس أبو الحسن السعدي المروزي (قال: أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن) أخيه (عبد الله بن عروة عن) أبيه (عروة) بن الزبير بن العوّام (عن

عائشة) -رضي الله عنها- (قالت) مما هو موقوف وليس بمرفوع. نعم قوله: كنت لك كأبي زرع مرفوع، وقد رواه النسائي في عِشرَة النساء عن أبي عقبة خالد بن عقبة بن خالد السكونيّ عن أبيه عن هشام به موقوفًا وآخره مرفوع، وعن عبد الرحمن بن محمد بن سلم عن أبي عصمة ريحان بن سعيد بن المثنى عن عباد بن منصور عن هشام به جميعه مسند مرفوع، ورواه الطبراني في الكبير من رواية الدراوردي وعباد بن منصور كلاهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعًا، وإنما المرفوع كنت لك كأبي زرع لأُم زرع والمحفوظ فيه رواية سعيد بن سلمة بن أبي الحسام وعيسى بن يونس كلاهما عن هشام بن عروة عن أخيه عبد الله بن عروة عن أبيهما عن عائشة، ورواه الطبراني من حديث الدراوردي وعباد كما أشرنا إليه سابقًا بدون واسطة أخيه عن هشام بن جميعه مسند مرفوع ولفظه، قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع". قالت عائشة: بأبي وأمي يا رسول الله ومن كان أبو زرع؟ قال: "اجتمع" فَسَاق الحديث كله، لكن قال ابن عساكر: الصواب حديث هشام عن أخيه عبد الله بن عروة بعضه مسند وأكثره موقوف انتهى. وكذا روي مرفوعًا من رواية عبد الله بن مصعب والدراوردي عند الزبير بن بكار، وأخرجه مسلم في الفضائل عن علي بن حجر وأحمد بن جناب بفتح الجيم والنون كلاهما عن عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أخيه عبد الله عن عروة عن عائشة قالت: (جلس) جماعة (إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن) أي ألزمن أنفسهن عهدًا وعقدن على الصدق من ضمائرهن عقدًا (أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئًا). وعند الزبير بن بكار عن عائشة دخل عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعندي بعض نسائه فقال يخصني بذلك: "يا عائشة أنا لك كأبي زرع لأُم زرع" قلت: يا رسول الله ما حديث أبي زرع وأم زرع؟ قال: "إن قرية من قرى اليمن كان بها بطن من بطون اليمن وكان منهم إحدى عشرة امرأة وإنهن خرجن إلى مجلس فقلن تعالين فلنذكر بعولتنا بما فيهم ولا نكذب" ففيه ذكر قبيلتهن وبلادهن، لكن في رواية الهيثم إنهنّ كنّ بمكة. وعند ابن حزم إنهن من خثعم، وعند النسائي من طريق عمر بن عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة قالت: فخرت بمال أبي في الجاهلية وكان ألف ألف أوقية فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اسكتي يا عائشة فإني كنت لك كأبي زرع لأم زرع". وعند أبي القاسم عبد الحكيم بن حيان بسند له مرسل من طريق سعيد بن عفير عن القاسم بن الحسن عن عمرو بن الحارث عن الأسود بن جبير المعافري قال: دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عائشة وفاطمة وقد جرى بينهما كلام فقال "ما أنت بمنتهية يا حميراء عن ابنتي إن مثلي ومثلك كأبي زرع مع أم زرع". فقالت: يا رسول الله حدّثنا عنهما فقال: "كانت قرية فيها إحدى عشرة امرأة وكان الرجال خلوفًا فقلن تعالين نذكر أزواجنا بما فيهم ولا نكذب". (قالت) المرأة (الأولى) ولم تسم تذم زوجها (زوجي لحم جمل غث) بفتح العين المعجمة وتشديد المثلثة والرفع صفة للحم والجرّ صفة لجمل وكلاهما في الفرع. قال البدر الدماميني: لا إشكال في جوازهما لكن لا أدري ما المرويّ منهما ولا هل ثبتا معًا في الرواية فينبغي تحريره انتهى. قلت: قال ابن الجوزي: المشهور في الرواية الخفض، وقال لنا ابن ناصر: الجيد الرفع، ونقله عن التبريزي وغيره والمعنى زوجي شديد الهزال (على رأس جبل) زاد الترمذي في الشمائل وعر أي كثير الصخر شديد الغلظة يصعب الرقيّ إليه وعند الزبير بن بكار على رأس جبل وعث بفتح الواو وسكون المهملة بعدها مثلثة صعب المرتقى بحيث توحل فيه الأقدام فلا تخلص منه ويشق فيه المشي (لا سهل فيرتقى) بضم التحتية وفتح القاف مبنيًا للمفعول أي فيصعد إليه لصعوبة المسلك إليه ولا سهل بالخفض منوّنًا في الفرع كأصله صفة

الجبل، ويجوز الفتح بلا تنوين على إعمال لا مع حذف الخير أي لا سهل فيه والرفع مع التنوين خبر مبتدأ مضمر أي لا هو. قال البدر الدماميني: ويلزم عليه إلغاء لا مع عدم التكرير في توجيه الرفع ودخول لا على الصفة المفردة مع انتفاء التكرير في توجيه الجر وكلاهما باطل انتهى. وعند الطبراني لا سهل فيرتقى إليه (ولا سمين) بالجر والرفع منوّنًا والفتح بلا تنوين كما مرّ في لا سهل، ويجوز أن يكون رفع سمين على أنه صفة للحم وجره صفة للجمل (فينتقل) أي لا ينقله أحد لهزاله. وعند أبي عبيد فينتقى وهو وصف للحم أي ليس له نقي يستخرج والنقي بكسر النون المخ يقال نقوت العظم ونقيته إذا استخرجت مخه. قال القاضي عياض: انظر إلى كلامها فإنه مع صدق تشبيهه قد جمع من حسن الكلام أنواعًا، وكشف عن محيا البلاغة قناعًا، وقرن بين جزالة الألفاظ، وحلاوة البديع، وضم تفاريق المناسبة والمقابلة والمطابقة والمجانسة والترتيب والترصيع، فأما صدق تشبيهها فقد أودعت أول كلامها تشبيه شيئين من زوجها بشيئين فشبهت باللحم الغث بخله وقلة عرفه، وبالجبل الوعث شراسة خلقه وشموخ أنفه، فلما تممت كلامها جعلت تفسر شابقة كل واحدة من الجملتين وتفصل ناعتة كل قسم من المشبهين ففصلت الكلام وقسمته، وأبانت الوجه الذي علقت التشبيه به وشرحته، فقالت: لا الجبل سهل فلا يشق ارتقاؤه لأخذ اللحم ولو كان هزيلًا لأن الشيء المزهود فيه قد يؤخذ إذا وجد بغير نصب، ولا اللحم سمين فيحتمل في طلبه واقتنائه مشقة صعود الجبل ومعاناة وعورته فإذا لم يكن هذا ولا ذاك واجتمع قلة الحرص عليه ومشقة الوصول إليه، لم تطمح إليه همة طالب ولا امتدت نحوه أمنية راغب، فقطع الكلام عند تمام التشبيه والتمثيل، وابتداؤه بحكم التفسير والتفصيل أليق بنظم الكلام وأحسن من نفي التبرئة وردّ الصفة في نمط البيان وأجلى في ردّ الأعجاز على صدور هذه الأقسام، والتشبيه أحد أبواب البلاغة وأبدع أفانين هذه الصناعة وهو موضع للجلاء والكشف والمبالغة في البيان والعبارة عن الخفي بالجلي، والمتوهم بالمحسوس والحقير بالخطير والشيء بما هو أعظم منه وأحسن أو أخس وأدون وعن القليل الوجود بالمألوف المعهود، وكل هذا تأكيد في البيان والمبالغة في الإيضاح، فانظر إلى قول امرأة: زوجي بخيل لا يوصل إليّ شيء مما عنده، وإلى كلام هذه المرأة فقد شبهت بخل زوجها وأنه لا يوصل إلى ما عنده مع شراسة خلقه وكبر نفسه بلحم الجمل الغث على رأس الجبل الوعث، فشبهت وعورة خلقه بوعورة الجبل وبعد خيره ببعد اللحم على رأسه والزهد فيما يرجى منه لقلته وتعذره بالزهد في لحم لجمل الغث فأعطت التشبيه حقه ووفته قسطه، وهذا من تشبيه الجلي بالخفي والمتوهم بالمحسوس والحقير بالخطير، ثم انظر أيضًا حسن نظم كلامها ونضارته وأخذه حقه من المؤالفة والمناسبة في الألفاظ التي هي رأس الفصاحة وزمام البلاغة فإنها وازنت ألفاظها وماثلت كلماتها وقدّرت فقرها وحسنت أسجاعها فوازنت في الفقرة الأولى لحم برأس في الثانية وجمل بجبل وغث بوعث وقحر بوعر فأفرغت كل فقرة في قالب أختها ونسجتها على منوال صاحبتها، ثم في كلامها أيضًا نوع آخر من البديع وهو الموازنة ويسمى الترصيع والتسميط والتصفير والتسجيع وهو أن تتضمن الفقر أو بيت الشعر مقاطع أخر بقوافٍ متماثلة غير فقر السجع وقوافي الشعر اللازمة فيتوشح بها القول وينفصل بها نظم اللفظ، كما أتت هذه المرأة بجمل في وسط الفقرة الأولى وجبل في وسط الفقرة الأخرى، ففصلت بذلك الكلام على جزء من المقابلة أثناء السجعتين اللتين هما غث ووعث لكل فقرة سجعتان متقابلتان متماثلتان، ثم في كلامها أيضًا نوع من البديع يسمى المطابقة وهو مقابلة الشيء بضده فقابلت الوعر بالسهل والغث بالسمين في الفقرتين الأخيرتين وهو مما يحسن الكلام ويروق بمناسبته، وفي طيه أيضًا نوع من

المجانسة وهو تجانس جمل بجبل وهو وإن لم يجانسه في كل حروفه فقد جانسه في أكثرها، ثم في كلامها أيضًا نوع من البديع وهو حسن التفسير وغرابة التقسيم وإبداع حمل اللفظ على المعنى والمعنى على المعنى في المقابلة والترتيب وذلك في قولها: لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقى، فإنها فسرت ما ذكرت، وبينت حقيقة ما شبهت، وقسمت كل قسم على حياله، وفصلت كل فصل من مثاله، وجاءت للفقرتين الأولين بفقرتين مفسرتين، وقابلت لا سهل فيرتقى بقولها: ولا سمين فينتقى، وهذا يسمى المقابلة عند أهل النقد. ووقع في رواية النسائي بتقديم لا سمين لعوده على اللحم المقدم وتأخير سهل لعطفه على الجبل المؤخر فيكون أوّل تفسير لأوّل مفسر وهو قولها كلحم جمل والثاني للثاني فحملت اللفظ على اللفظ، ثم ردت المقدم على المقدم والمؤخر على المؤخر فتقابلت معاني كلماتها وترتبت ألفاظها. ثم في كلامها أيضًا نوع من البديع وهو التزام ما لا يلزم في سجعها وهو قولها فيرتقى وينتقى فالتزمت القاف والتاء في كل سجع قبل القافية وقافية سجعها الياء المقصورة، وهذا نوع زيادة في تحسين الكلام وتماثله وإغراق في جودة تشابهه وتناسبه، ثم فيه أيضًا نوع من البديع يسمى الإيغال وهو أن يتم كلام الشاعر قبل البيت أو الناثر قبل السجع إن كان كلامه مسجعًا وقبل الفصل والقطع إن لم يكن كذلك فيأتي بكلمة لتمام قافية البيت أو السجع أو مقابلة الفصل والقطع تفيد معنى زائدًا فإنها لو اقتصرف على تشبيه زوجها بلحم جمل على رأس جبل لاكتفت ببعد مناله ومشقة الوصول إليه والزهد فيه وهو غرضها لكنها زادت بسجعها غث ووعر معنيين بينين وبالغت في القول فأفادت بزيادتها التناهي في غاية الوصف انتهى كلام القاضي وإنما أطلنا به لما فيه من فرائد الفوائد. وأما قوله في التنقيح تريد أنه مع قلة خيره متكبر على عشيرته فيجمع إلى منع الرفد سوء الخلق فتعقبه في المصابيح بأنه لا دلالة في لفظها على أنه متكبر على العشيرة مترفع على قومه انتهى. ولعل هذا أخذه الزركشي من قول الخطابي إن تشبيهها له بالجبل الوعر إشارة إلى سوء خلقه وأنه يترفع ويتكبر ويسمو بنفسه أي جمع إلى قلة الخير التكبر. (قالت) المرأة (الثانية) واسمها عمرة بنت عمرو التميمي تذم زوجها (زوجي لا أبث) بالموحدة المضمومة أي لا أظهر ولا أشيع (خبره) لطوله وفي رواية ذكرها القاضي عياض لا أنث بالنون بدل الموحدة أي لا أظهر حديثه الذي لا خير فيه لأن النث بالنون أكثر ما يستعمل في الشر، وعند الطبراني لا أنم بالنون والميم من النميمة (إني أخاف أن لا أذره) بالذال المعجمة والضمير يعود على قولها خبره عند ابن السكيت أي أخاف أن لا أترك من خبره شيئًا لأنه لطوله وكثرته لم أستطع استيفاءه فاكتفت بالإشارة خشية أن تطول العبارة، وقيل يعود الضمير إلى زوجها وكأنها خشيت إذا ذكرت ما فيه أن يبلغه فيفارقها ولا زائدة أو أنها إن فارقته لا تقدر على تركه لعلاقتها به وأولادها منه فاكتفت بالإشارة إلى أن له معايب وفاء بما التزمته من الصدق وسكتت عن تفسيرها للمعنى الذي اعتذرت به (إن أذكره أذكر) بالجزم جواب إن (عجره وبجره) بضم العين والموحدة وفتح الجيم. قال في القاموس: وذكر عجره وبجره أي عيوبه وأمره كله، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام ثم ابن السكيت استعملا فيما يكتمه المرء ويخفيه عن غيره. وقال الخطابي: أرادت عيوبه الظاهرة وأسراره الكامنة. قال: ولعله كان مستور الظاهر رديء الباطن، وقال علي بن أبي طالب أشكو إلى الله عجري وبجري أي همومي وأحزاني وأصل العجرة الشيء يجتمع في الجسد كالسلعة والبجرة نحوها وقيل العجر في الظهر والبجر في البطن. (قالت) المرأة (الثالثة) وهي حبى بضم الحاء المهملة وتشديد الموحدة مقصورًا بنت كعب اليماني تذم زوجها (زوجي العشنق) بفتح العين المهملة والشين المعجمة والنون المشددة بعدها قاف الطويل المذموم السيء الخلق وقيل: ذمته بالطول لأن الطول في

الغالب دليل السفه لبُعد الدماغ عن القلب (إن أنطق) بكسر الطاء أي إن أذكر عيوبه فيبلغه (أطلق) بضم الهمزة وفتح الطاء واللام المشددة مجزوم جواب الشرط (وإن أسكت) عنها (أعلق) بوزن أطلق السابقة أي يتركني معلقة لا أيمًا فأتفرغ لغيره ولا ذات بعمل فأنتفع به. وقال في الفتح: الذي يظهر لي أنها أرادت وصف سوى حالها عنده فأشارت إلى سوء خلقه وعدم احتماله لكلامها إن شكت له حالها وأنها تعلم أنها متى ذكرت له شيئًا من ذلك بادر إلى طلاقها وهي لا تحب تطليقه لها لمحبتها فيه ثم عبرت عن الجملة الثانية إشارة إلى أنها إن سكتت صابرة على تلك الحال كانت عنده كالمعلقة. وقال القاضي عياض: أوضحت بقولها على حد السنان المذلق مرادها بقولها قبل إن أسكت أعلق وإن أنطق أطلق أي أنها إن حادت عن السنان سقطت فهلكت وإن استمرت عليه أهلكها. (قالت) المرأة (الرابعة) واسمها مهدد بفتح بالميم وسكون الهاء وفتح الدال المهملة الأولى بنت أبي هرومة بالراء المضمومة وبعد الواو ميم تمدح زوجها (زوجي كليل تهامة) بكسر التاء الفوقية اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز وهو من التهم بفتح الفوقية والهاء وهو ركود الريح وقال: في القاموس وتهامة بالكسر مكة شرّفها الله تعالى تريد أنه ليس فيه أذى بل راحة ولذاذة عيش كليل تهامة لذيذ معتدل (لا حر) مفرط (ولا قرّ) بضم القاف ولا برد وهو لفظ رواية النسائي والاسمان رفع مع التنوين كما في الفرع. وفي رواية الهيثم بن عدي عند الدارقطني ولا وخامة بواو وخاء معجمة مفتوحتين وبعد الألف ميم يقال مرعى وخيم إذا كانت الماشية لا تنجع عليه (ولا مخافة ولا سآمة) أي لا ملالة لي ولا له من المصاحبة والكلمتان مبنيتان على الفتح في الفرع ويجوز الرفع كقراءة أبي عمرو وابن كثير: فلا رفث ولا فسوق بالرفع والتنوين فيهما على أن لا ملغاة وما بعدها رفع بالابتداء وسوّغ الابتداء بالنكرة سبق النفي عليها وبناء الثالث والرابع على أن لا للتبرئة، والمعنى لا أخاف له غائلة لكرم أخلاقه ولا يسأمني ولا يستثقل بي فيملّ صحبتي وليس بسيئ الخلق فأسأم من عِشرته فأنا لذيذة العيش عنده كلذة أهل تهامة بليلهم المعتدل. وقال ابن الأنباري: أرادت بقولها ولا مخافة أن أهل تهامة لا يخافون لتحصنهم بجبالها أو أرادت وصف زوجها بأنه حامي الذمار مانع لداره وجاره ولا مخافة عند من يأوي إليه ثم وصفته بالجود، وقال غيره: قد ضربوا المثل بليل تهامة في الطيب لأنها بلاد حارة في غالب الزمان وليس فيها رياح باردة فإذا كان الليل كان وهج الحر ساكنًا فيطيب الليل لأهلها بالنسبة لما كانوا فيه من أذى حرّ النهار. (قالت) المرأة (الخامسة) واسمها كبشة بالموحدة الساكنة والمعجمة تمدح زوجها (زوجي إن دخل) البيت (فهد) بفتح الفاء وكسر الهاء فعل فِعْل الفهد يقال: فهد الرجل إذا أشبه الفهد في كثرة نومه تريد أنه ينام ويغفل عن معايب البيت الذي يلزمني إصلاحه، وقيل تريد وثب عليّ وثوب الفهد كأنها تريد أنه يبادر إلى جماعها من حبه لها بحيث إنه لا يصبر عنها إذا رآها. قال الكمال الدميري قالوا: أنوم من فهد وأوثب من فهد قال: ومن خلقه الغضب وذلك أنه إذا وثب على فريسة لا يتنفس حتى ينالها. وقال القاضي عياض: حمله الأكثر على الاشتقاق من خلق الفهد إما من جهة قوّة وثوبه وإما من كثرة نومه. قال: ويحتمل أن يكون من جهة كثرة كسبه لأنهم قالوا: أكسب من فهد وأصله أن الفهود الهرمة تجتمع على فهد منها فتيّ فيتصيد عليها كل يوم حتى يشبعها فكأنها قالت: إذا دخل المنزل دخل معه بالكسب لأهله كما يجيء الفهد لمن يلوذ به من الفهود الهرمة ثم لما كان في وصفها له بالفهد ما قد يحتمل الذم من جهة كثرة النوم رفعت اللبس بوصفها له بخلق الأسد فأوضحت أن الأول سجية كرم ونزاهة شمائل ومسامحة في العشرة لا سجية جبن وخور في الطبع فقالت: (وإن خرج) من البيت (أسد) بكسر السين المهملة فعل

ماض تريد يفعل فعل الأسد في شجاعته وفيه كما قال القاضي عياض: المطابقة بين دخل وخرج لفظية وبين فهد وأسد معنوية وتسمى أيضًا المقابلة وفيهما أيضًا الاستعارة فإنها استعارت له في الحالتين خلق هذين الحيوانين فجاء في غاية من الإيجاز والاختصار ونهاية من البلاغة والبيان أي إذا دخل تغافل وتناوم، وإذا خرج صال فلما استعارت له خلق هذين السبعين في الحالين اللازمتين له المختصتين أعربت بذلك عن تخلقه بهما والتزامه لوصفيهما وعبرت عن جميع ذلك بكلمة وكلمة كل واحدة من ثلاثة أحرف حسنة التركيب مع جمالها في اللفظ ومناسبتهما في الوزن وسهولتهما في النطق (ولا يسأل عما عهد) بفتح العين وكسر الهاء أي عما له عهد في البيت من ماله إذا فقده لتمام كرمه وزاد الزبير بن بكار في آخره ولا يرفع اليوم لغد أي لا يدخر ما حصل عنده اليوم من أجل غد فكنّت بذلك عن غاية جوده، ويحتمل أن يكون المراد من قولها فهد على تفسيره بالوثوب عليها للجماع الذم من جهة أنه غليظ الطبع ليست عنده مداعبة قبل المواقعة بل يثب وثوب الوحش أو أنه كان سيئ الخلق يبطش بها ويضربها، وإذا خرج على الناس كان أمره أشدّ في الجرأة والإقدام والمهابة كالأسد ولا يسأل عما تغير من حالها حتى لو عرف أنها مريضة أو معوزة وغاب، ثم جاء لا يسأل عن ذلك ولا يتفقد حال أهله ولا بيته بل إن ذكرت له شيئًا من ذلك وثب عليها بالبطش والضرب. (قالت) المرأة (السادسة) واسمها هند تذم زوجها (زوجي إن أكل لف) باللام المفتوحة والفاء المشددة فعل ماضٍ أي أكثر الأكل من الطعام مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقي منه شيئًا من نهمته وشرهه، وعند النسائي من رواية عمر بن عبد الله إذا أكل اقتف بالقاف أي جمع واستوعب، وحكى القاضي عياض: أنه روي رف بالراء بدل اللام قال وهي بمعنى لف (وإن شرب اشتف) بالشين المعجمة أي استقصى ما في الإناء، وقيل رويت استف بالسين المهملة وهي بمعناها (وإن اضطجع) نام (التف) في ثيابه وحده في ناحية من البيت وانقبض عنها فهي كئيبة لذلك كما قالت: (ولا يولج الكف) أي لا يدخل كفه داخل ثوبي (ليعلم البث) أي الحزن الذي عندي لعدم الحظوة منه فجمعت في ذمها له بين اللؤم والبخل وسوء العشرة مع أهله وقلة رغبته في النكاح مع كثرة شهوته في الطعام والشراب، وهذا غاية الذم عند العرب فإنها تذم بكثرة الطعام والشرب وتتمدح بقلتهما وكثرة الجماع لدلالة ذلك على صحة الذكورية والفحولية، وقول أبي عبيد في قولها ولا يولج الكف إنه كان في جسدها عيب فكان لا يدخل يده في ثوبها ليلمس ذلك العيب لئلا يشق عليها فمدحته بذلك. تعقبه ابن قتيبة بأنها قد ذمته في صدر الكلام فكيف تمدحه في آخره؟ وأجاب ابن الأنباري بأنه لا مانع أن تجمع المرأة بين مثالب زوجها ومناقبه لأنهن كن تعاهدن أن لا يكتمن من صفاتهم شيئًا، فمنهن من وصفت زوجها بالخير في جميع أموره، ومنهن من ذمته في جميع أموره، ومنهن من جمعت. وفي كلام هذه من البديع المناسبة والمقابلة في قولها: إن أكل وإن شرب والالتزام فإنها التزمت التاء قبل القافية وقافية سجعها الفاء وفيه الترصيع وهو حسن التقسيم والتتبع والإرداف وهو من باب الكنايات والإشارات وهو التعبير بالشيء بأحد توابعه، وكلٍّ من الكنايات الحسية لأنها عبرت بقولها التف واكتفت به عن الإعراض عنها وقلة الاشتغال بها. (قالت) المرأة (السابعة) واسمها حبى بنت علقمة تذمّ زوجها: (زوجي غياياء) بالغين المعجمة والتحتيتين المفتوحتين بينهما ألف مهموز ممدود مخفف مأخوذ من الغيّ بفتح المعجمة الذي هو الخيبة قال تعالى: {فسوف يلقون غيًّا} [مريم: 59] أو من الغياية بتحتيتين بينهما ألف وهو كل شيء أظل الشخص فوق رأسه فكأنه مغطى عليه من جهله فلا يهتدي إلى مسالك أو أنه كالظل المتكاثف الظلمة الذي لا إشراق فيه (أو) قالت: (عياياء)

بالمهملة الذي لا يضرب ولا يلقح من الإبل أو هو من العي بكسر العين المهملة أي الذي يعييه مباضعة النساء، والشك من عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الراوي. وقال الكرماني: هو تنويع من الزوجة القائلة كما صرح به أبو يعلى في روايته عن أحمد بن جناب عنه، وللنسائي من رواية عمر بن عبد الله عياياء بمعجمة من غير شك (طباقاء) بطاء مهملة فموحدة مفتوحتين فألف فقاف ممدود هو الأحمق أو الذي لا يحسن الضراب أو الذي تنطبق عليه أموره أو الثقيل الصدر عند الجماع يطبق صدره على صدر المرأة عند الجماع فيرتفع أسفله عنها فلا تستمتع به، وقد ذمت امرأة امرئ القيس فقالت له: ثقيل الصدر خفيف العجز سريع الإراقة بطيء الإفاقة (كل) ما تفرق في الناس من (داء) ومعايب (له داء) أي موجود فيه قال القاضي عياض: في هذا من لطيف الوحي والإشارة الغاية لأنه انطوى تحت هذه اللفظة كلام كثير (شجك) بشين معجمة وجيم مشدّدة مفتوحتين وكاف مكسورة أي أصابك بشجة في رأسك (أو قلك) بفاء ولام مشددة مفتوحتين وكاف مكسورة أي أصابك بجرح في جسدك أو كسرك أو ذهب بمالك أو قسرك بخصومته، وزاد ابن السكيت في رواية أو بجك بموحدة وجيم مشددة مفتوحتين وكاف مكسورة أي طعنك في جراحتك فشقها والبج شق القرحة (أو جمع كلاًّ) من الشج والفل (لك) وفي رواية الزبير إن حدّثته سبك وإن مازحته فلك وإلاّ جمع كلالك فوصفته كما قال القاضي عياض: بالحمق والتناهي في سوء العشرة وجمع النقائص بأن يعجز عن قضاء وطرها مع الأذى فإذا حدّثته سبها وإذا مازحته شجها وإذا أغضبته كسر عضوًا من أعضائها أو شق جلدها أو جمع كل ذلك من الضرب والجرح وكسر العضو وموجع الكلام، وفي هذا القول من البديع المطابقة والالتزام في قولها شجك فلك بجك جمع كلالك والتقسيم وبديع الوحي والإشارة بقولها كل داء له داء وهو من لطيف الوحي والإشارة وهي جملة أنبأت بوجازة ألفاظها وأعربت بلطائف إشاراتها عن معانٍ كثيرة. (قالت) المرأة (الثامنة) وهي ياسر بنت أوس بن عبد تمدح زوجها: (زوجي المس) منه (مس أرنب) وصفته بأنه ناعم الجلد كنعومة وبر الأرنب أو كنّت بذلك عن حسن خلقه ولين جانبه (والريح) منه (ريح زرنب) أي طيب العرق لنظافته واستعماله الطيب، والزرنب بزاي مفتوحة فراء ساكنة فنون مفتوحة فموحدة. قال في القاموس: طيب أو شجر طيب الرائحة والزعفران، ويحتمل أن تكون كنّت بذلك عن طيب الثناء عليه لجميل معاشرته، وقال القاضي عياض: هذا من التشبيه بغير أداة وفيه حسن المناسبة والمقابلة بقولها المسّ مسّ أرنب والالتزام في قولها أرنب وزرنب فإنها التزمت الراء والنون، وزاد الزبير بن بكار والنسائي من رواية عقبة وأنا أغلبه والناس يغلب فوصفته مع جميل العِشرة لها والصبر عليها بالشجاعة، وهذا كما حكاه صاحب تحفة النفوس أن صعصعة بن صوحان قال يومًا لمعاوية كيف ننسبك إلى العقل وقد غلبك نصف إنسان يريد امرأته فاختة بنت قرطة. فقال: إنهن يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام، وقال عياض: وقولها والناس يغلب فيه نوع من البديع يسمى التتميم لأنها لو اقتصرف على قولها وأنا أغلبه لظن أنه جبان ضعيف فلما قالت: والناس يغلب دل على أن غلبها إياه إنما هو من كرم سجاياه فتممت بهذه الكلمة للمبالغة في حسن أوصافه. (قالت) المرأة (التاسعة) ولم تسم تمدح زوجها: (زوجي رفيع العماد) بكسر العين المهملة وهو العمود الذي يدعم به البيت تعني أن البيت الذي يسكنه رفيع العماد ليراه الضيفان وأصحاب الحوائج فيقصدونه كما كانت بيوت الأجواد، يعلونها ويضربونها في المواضع المرتفعة ليقصدهم الطارقون والطالبون أو هو مجاز عن زيادة شرفه وعلو ذكره (طويل النجاد) بكسر النون بعدها جيم فألف فدال مهملة. قال في

القاموس: ككتاب حمائل السيف أي طويل القامة وفي ضمن كلامها إنه صاحب سيف فأشارت إلى شجاعته (عظيم الرماد) لأن ناره لا تطفأ لتهتدي الضيفان إليها فيصير رمادها كثيرًا لذلك أو كنّت به عن كونه مضيافًا لأن كثرة الرماد مستلزمة لكثرة الطبخ المستلزمة لكثرة الأضياف، وهذه الكناية عندهم من الكنايات البعيدة لأن الانتقال فيها من الكناية إلى المطلوب بها بواسطة فإنه ينتقل من كثرة الرماد إلى كثرة إحراق الحطب تحت القدور ومن كثرة الإحراق إلى كثرة الطبائخ، ومنها إلى كثرة الآكلين، ومنها إلى كثرة الضيفان. (وها هنا فائدة جليلة في الفرق بين الكناية والمجاز). قال الشيخ تقي الدين السبكي، ومن خطة نقلت من الفروق المشهورة بينهما أن الحقيقة لا يصح إرادتها مع المجاز وتصح إرادتها مع الكناية، وأقول هذا صحيح ولا يحصل به شفاء لأن الكناية إن أريد بها معناها كانت حقيقة وإن أريد بها المكنّى عنه كانت مجازًا، وأيضًا فإن هذا إنما يجيء عند من لا يجوّز الجمع بين الحقيقة والمجاز أما من يجوّزه فلا يمنع إرادة الحقيقة مع إرادة المجاز والجواب أن الكناية مثل قولنا: كثير الرماد وله ثلاثة أحوال. أحدها: أن يراد حقيقته فقط من غير أن يقصد معنى الكرم فهذا حقيقة لا كناية ولا مجاز بأن يريد الإخبار عن رجل عنده رماد كثير حاصل عنده وإن كان بخيلًا. الثاني: أن يقصد بقوله كثير الرماد استعماله في معنى كريم ونقله إليه على وجه الاستعارة لما بينهما من العلاقة، وهذا مجاز لأنه استعمال اللفظ في غير موضوعه. الثالث: أن يقصد استعماله في معناه الحقيقي ليفيد معنى الكرم للزومه له غالبًا وهذا هو الكناية، فالمعنى الحقيقي مراد والمعنى المجازي مراد بالدلالة عليه بالمعنى الحقيقي، فعلى هذا ينبغي حمل قولهم إنه تجتمع الكناية مع الحقيقة بخلاف المجاز ولا فرق بين أن يقول: يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز أو لا، لأن معنى الجمع بين الحقيقة والمجاز أن يريدهما بكلمة واحدة يستعملها فيهما والكناية لم يستعملها فيهما وإنما استعملها في أحدهما للدلالة على الآخر والتعريض قريب من الكناية يشتركان في إرادة الحقيقة وفي قصد إفادة معنى آخر ويفترقان في أن المفاد بالكناية على جهة اللزوم غالبًا والدلالة عليه قوية وفي التعريض بخلافه والله أعلم انتهى. (قريب البيت من الناد) من مجلس القوم فإذا اشتوروا على أمر اعتمدوا على رأيه وامتثلوا أمره لشرفه في قومه أو وصفته بقرب البيت لطالب القرى، وبالجملة فقد وصفته بالسيادة والكرم وحسن الخلق وطيب المعاشرة، والنادي بالياء على الأصل لكن المشهور في الرواية حذفها وبه يتم السجع، وفي قولها من البديع المناسبة والاستعارة والإرداف والتتبع وحسن التسجيع فناسبت ألفاظها وقابلت كلماتها بقولها رفيع العماد طويل النجاد فكل لفظة على وزن صاحبتها، وفيه الإرداف والتتبع في طويل النجاد فإن طول النجاد من توابع الطول ولوازمه وعظيم الرماد من توابع الكرم وروادفه وكذلك قريب البيت من الناد من التتبع البديع أيضًا إذ العادة أنه لا ينزل قرب النادي إلا المنتصب للضيفان فكان ردفًا لكرمه وجوده. وقولها طويل النجاد أبلغ وأكمل من قولها طويل، فلما عبرت عنه بما هو من توابعه بقولها طويل النجاد أبلغت في طوله وكأنها أظهرت طوله للسامع صورة ليراها مع ما في هذه الصيغة من طلاوة اللفظ مع الإيجاز إذ لو أرادت تحقيق طوله المحمود لطال كلامها وتحت هذه الألفاظ الوجيزة جمل كثيرة أعربت هذه الكنايات اللطيفة عنها، وأين هي في البلاغة من قولها لو قالت زوجي كريم كثير الضيفان أو كرم الناس فإن واحدًا من هذه الأوصاف على كثرة ألفاظها ومبالغة أوصافها لا ينتهي منتهى واحد من قولها عظيم الرماد. قال القاضي عياض: إذا لمحت كلام هذه وتأملته ألفيتها لأفانين البلاغة جامعة وبعلم البيان وبعض الإيجاز والقصد قارعة انتهى.

(قالت) المرأة (العاشرة) واسمها كبشة كاسم الخامسة بنت الأرقم بالراء والقاف تمدح زوجها: (زوجي مالك وما مالك): استفهامية للتعجب والتعظيم أي أيّ شيء هو مالك ما أعظمه وأكرمه (مالك خير من ذلك) بكسر الكاف زيادة في الإعظام وترفيع المكانة وتفسير لبعض الإبهام وإنه خير مما أشير إليه من ثناء وطيب ذكر (له) أي لزوجي (إبل كثيرات المبارك) بفتح الميم جمع مبرك وهو موضع البروك أي كثيرة ومباركها كذلك أو كثيرًا ما تُثار فتُحلب ثم تبرك فتكثر مباركها لذلك (قليلات المسارح) لاستعداده للضيفان بها لا يوجه منها إلى المرعى إلا قليلًا ويترك سائرها بفنائه فإن فاجأه ضيف وجد عنده ما يقريه به من لحومها وألبانها (وإذا سمعن) أي الإبل (صوت المزهر) عند ضربه به فرحًا بالضيفان عند قدومهم عليه (أيقنّ أنهنّ هوالك) لمعرفتهن بعقرهنّ للضيفان لما كثرت عادته بذلك، والمزهر بكسر الميم وسكون الزاي وفتح الهاء بعدها راء آلة من آلاف اللهو، والحاصل أنها جمعت في وصفها له بين الثروة والكرم وكثرة القرى والاستعداد له. (قالت) المرأة (الحادية عشرة) وهي أم زرع بنت أكيمل بن ساعدة اليمنية واسمها فيما حكاه ابن دريد عاتكة تمدح زوجها (زوجي أبو زرع فما) بالفاء ولأبي ذر: وما (أبو زرع) أخبرت أولًا باسمه ثم عظمت شأنه بقولها فما أبو زرع أي إنه لشيء عظيم كقوله تعالى: {الحاقة * ما الحاقة} [الحاقة: 1، 2] وزاد الطبراني صاحب نعم وزرع (أَناس) بهمزة مفتوحة فنون مخففة فألف فسين مهملة أي حرك (من حليّ) بضم الحاء المهملة وكسر اللام وتشديد التحتية أي ملأ (أُذنيّ) تثنية أُذن من أقراط وشنف من ذهب ولؤلؤ حتى تدلى ذلك واضطرب من كثرته وثقله، وفي رواية ابن السكيت أُذني وفرعي بالتثنية أي يديها لأنهما كالفرعين من الجسد تريد حليّ أُذنيّ ومعصميّ (وملأ من شحم عضدي) بتشديد التحتية تثنية عضد. قال في القاموس: بالفتح وبالضم وبالكسر وككتف وندس وعنق ما بين المرفق إلى الكتف وهما إذا سمنا سمن الجسد كله فذكرها العضدين للسجع ودلالتهما على الباقي فكأنها قالت أسمنني وملأ بدني شحمًا (وبجحني) بموحدة وجيم مخففة وفي اليونينية مشددة وحاء مهملة مفتوحات ثم نون مكسورة عظمني (فبجحت) بفتحات ثم سكون الفوقية (إليّ) بتشديد التحتية (نفسي) فعظمت عندي أو فخرني ففخرت أو وسع عليّ وترفني وعند النسائي وبجح نفسي فتبجحت إليّ نفسي بالتشديد أي فرحني ففرحت (وجدني في أهل غنيمة) بضم الغين المعجمة وفتح النون تصغير غنم وأنّث على إرادة الجماعة تقول: إن أهلها كانوا ذوي غنم وليسوا أصحاب إبل ولا خيل (بشق) بموحدة ومعجمة مكسورة عند المحدّثين مفتوحة عند غيرهم اسم موضع أو هو بالكسر أي مشقة من ضيق العيش والجهد أو بشق جبل أي ناحيته كانوا يسكنونه لقلتهم وقلة غنمهم وبالفتح شق في الجبل كالغار فيه (فجعلني في أهل صهيل) صوت خيل (و) أهل (أطيط) صوت إبل من ثقل حملها، وزاد النسائي: وجامل وهو جمع جمل أو اسم فاعل لمالك الجمال كقوله: لابن وتامر (و) أهل (دائس) يدوس الزرع في بيدره ليخرج الحب من السنبل (ومنق) بفتح النون في الفرع وتشديد القاف من نقى الطعام تنقية أي يزيل ما يختلط به من قشر ونحوه، وروي بكسر النون. قال أبو عبيد: ولا أعرفه فإن صحت الرواية به فهو من النقيق وهو أصوات المواشي والأنعام فتكون وصفته بكثرة الأموال وأنه نقلها من شدة العيش وجهده إلى الثروة الواسعة من الخيل والإبل والزرع (فعنده) أي عند زوجي (أقول) وفي رواية الزبير أتكلم (فلا أقبح) بضم الهمزة وفتح القاف والموحدة المشددة بعدها حاء مهملة مبنيًّا للمفعول فلا يقول لي قبحك الله أو لا يقبح قولي لكثرة إكرامه لي لمحبته لي ورفعة مكاني عنده (وأرقد فأتصبح) بهمزة وفوقية ومهملة وموحدة مشدّدة مفتوحات ثم حاء مهملة أي أنام الصبحة وهي نوم أول النهار فلا

أوقظ لأن لي من يكفيني مؤونة بيتي ومهنة أهلي (وأشرب) الماء أو اللبن أو غيرهما (فأتقنح) بهمزة ففوقية فقاف فنون مشددة لأبي ذر مفتوحات فحاء مهملة أي أشرب كثيرًا حتى لا أجد مساغًا أو لا أتقلل من مشروبي ولا يقطع عليّ حتى تتم شهوتي منه. وفي رواية الهيثم وآكل فأتمنح أي أطعم غيري، يقال: منحه يمنحه إذا أعطاه وأتت بالألفاظ كلها بوزن أتفعل لتفيد تكرر ذلك وملازمته مرة بعد أخرى ومطالبة نفسها أو غيرها بذلك، وقول أبي عبيد لا أراها قالت فأتقنح إلا لعزة الماء عندهم أي فلذلك فخرت بالري من الماء تعقب بأن السياق ليس فيه ذكر الماء فهو محتمل له ولغيره من الأشربة؛ قيل: إن لم تثبت رواية الهيثم وآكل فأتمنح ففي اقتصارها على ذكر الشرب إشارة إلى أن المراد به اللبن لأنه هو الذي يقوم مقام الطعام والشراب، ولغير أبي ذر: فأتقمح بالميم بدل النون ما ذكرها المصنف بعد عن بعضهم، وقال: إنها أصح فقول القاضي عياض إنه لم يقع في الصحيحين إلا بالنون، ورواه الأكثر في غيرهما بالميم لا يخفى ما فيه. قال أبو عبيد: أتقمح بالميم أي أروى حتى لا أشرب مأخوذ من الناقة القامح وهي التي ترد الحوض فلا تشرب وترفع رأسها ريًّا أو هما بمعنى. (أُم أبي زرع) زوجي (فما أم أبي زرع) ما استفهامية للتعجب والتعظيم (عكومها) بضم العين المهملة والكاف والميم أي أعدالها وغرائرها التي تجمع فيها أمتعتها أو نمطها الذي تجعل فيه ذخيرتها ذكره في القاموس وغيره (رداح) بفتح الراء والدال المهملتين وبعد الألف حاء مهملة مرفوعة أي عكومها كلها رداح ثقيلة فوصفها بالثقل لكثرة ما فيها من المتاع والثياب. وقال في النهاية: أي ثقيلة الكفل ويصح أن يكون رداح خبر عكوم فيخبر عن الجمع بالجمع أو خبر لمبتدأ محذوف أي كلها رداح كما مرّ على أن رداح واحد جمعه ردح بضمتين، وقد سمع الخبر عن الجمع بالواحد مثل أدرع دلاص فيحتمل أن يكون هذا منه، ويحتمل أن يكون مصدرًا كطلاق وكمال أي على حذف مضاف أي عكومها ذات رداح (وبيتها فساح) بفاء مفتوحة فسين مهملة مخففة فألف فحاء مهملة مرفوع واسع كثير، والحاصل أنها وصفت والدة زوجها بكثرة الآلات والأثاث والقماش وسعة المال كبيرة المنزل لبر ابنها أبي زرع لها وأنه لم يطعن في السن لأن ذلك هو الغالب ممن يكون له والدة. (ابن) زوجي (أي زرع) ولم يسم (فما ابن أبي زرع مضجعه كمسل شطبة) بفتح الميم والسين المهملة وتشديد اللام مصدر ميمي بمعنى المسلول والشطبة بفتح الشين المعجمة السعفة الخضراء يشق منها قضبان رقاق ينسج منها الحصر أي موضعه الذي ينام فيه في الصغر كمسلول الشطبة ويلزم منه كونه مهفهفًا أو أرادت سيفًا سلّ من غمده، والعرب تشبه الرجل بالسيف لخشونة جانبه ومهابته أو لجماله ورونقه وكمال لألائه أو لكمال صورته في استوائها واعتدالها (ويشبعه ذراع الجفرة) بفتح الجيم وسكون الفاء بعدها راء الأنثى من ولد المعز ابن أربعة أشهر وفصل عن أمه وأخذ في الرعي، ويقال لولد الضأن أيضًا إذا كان ثنيًا. وفي القاموس الجفر من أولاد الشاء ما عظم واستكرش أو بلغ أربعة أشهر وزاد ابن الأنباري ويرويه فيقة اليعرة ويميس في حلة النترة، فقولها ويرويه من الإرواء والفيقة بكسر الفاء وسكون التحتية بعدها قاف ما يجتمع في الضرع بين الحلبتين واليعرة بفتح التحتية وسكون العين المهملة بعدها راء العناق ويميس بالسين المهملة يتبختر، والنترة: بالنون المفتوحة ثم الفوقية الساكنة الدرع اللطيفة، وقيل اللينة الملمس. والحاصل أنها وصفته بهيف القدّ وأنه ليس ببطين ولا جاف وأنه قليل الأكل والشرب ملازم لآلة الحرب يختال في موضع القتال وذلك مما تتمادح به العرب. (بنت) زوجي (أبي زرع فما بنت أبي زرع)؟ في مسلم وما بالواو بدل الفاء ولم تسم البنت المذكورة (طوع أبيها وطوع أمها) فلا تخرج عن أمرهما وصفتهما ببرهما وزاد الزبير وزين أهلها ونسائها أي

يتجملون بها (وملء كسائها) لامتلاء جسمها وسمنها (وغيظ جارتها) أي ضرّتها لما ترى من جمالها وأدبها وعفتها. وقول الزركشي كغيره في هذه الألفاظ دليل لسيبويه في إجازته مررت برجل حسن وجهه خلافًا للمبرد والزجاج أي حيث أنكرا إجازة مثل ذلك لأنه من إضافة الشيء إلى مثله، تعقبه البدر الدماميني فقال: ما أظن أن سيبويه يرضى بهذا الاستدلال وذلك لأن كلاًّ من طوع وملء وغيظ ليس صفة مشبهة ولا اسم فاعل ولا مفعول من فعل لازم حتى يجري مجرى الصفة المشبهة، وإنما كلٌّ منها مصدر لفعل متعدٍّ فطوع أبيها بمعنى طائعة أبيها أي مطيعة ومنقادة له، وملء كسائها أي مالئة كساءها، وغيظ جارتها أي غائظة جارتها وجواز مثل هذا في اسم الفاعل من الفعل المتعدي جائز بالإجماع لا يخالف فيه المبرد ولا الزجاج ولا غيرهما، وبالجملة فليس هذا من محل النزاع في شيء انتهى. وعند مسلم من رواية سعيد بن سلمة وحقر جارتها بفتح الحاء المهملة وسكون القاف أي دهشتها أو قتلها، وللطبراني وحين جارتها بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية بعدها نون أي هلاكها، وزاد ابن السكيت قباء هضيمة الحشا جائلة الوشاح عكناء فعماء نجلاء دعجاء زجاء قنواء مؤنقة معنقة فقوله قباء بفتح القاف وتشديد الموحدة أي ضامرة البطن وهضيمة الحشا بمعنى ضامرة وجائلة الوشاح بالجيم والوشاح بكسر الواو أي يدور وشاحها لضمور بطنها والوشاح قال في القاموس: بالضم والكسر كرسان من لؤلؤ وجوهر منظومان يخالف بينهما معطوف أحدهما على الآخر أو أديم عريض مرصع بالجوهر تشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها، وهي غرثى الوشاح هيفاء، وعكناء بفتح العين المهملة وسكون الكاف وبالنون والمدّ أي ذات عكن وهي طيات بطنها، وعكناء بفتح العين المهملة وسكون الكاف وبالنون. والمدّ أي ذات عكن وهي طيات بطنها، وفعماء بفتح الفاء وسكون العين المهملة وبالمدّ أي ممتلئة الأعضاء، ونجلاء بفتح النون وسكون الجيم والمدّ واسعة العين، ودعجاء من الدعج بالجيم شدة سواد العين في شدة بياضها، وزجاء بالزاي والجيم المشدّدة من الزجج وهو تقويس الحاجب مع طول في أطرافه وامتداده وقيل: بالراء بدل الزاي أي كبيرة الكفل يرتج من عظمه، وقنواء بفتح القاف وسكون النون والمد من القنو طول في الأنف ودقة الأرنبة مع حدب في وسطه ومؤنقة بالنون المشدّدة والقاف من الشيء الأنيق المعجب ومعنقة بوزنه أي مغذية بالعيش الناعم وكلها كما لا يخفى أوصاف حسان. (جارية) زوجي (أبي زرع) لم تسم (فما جارية أبي زرع؟ لا تبث) بضم الموحدة وتشديد المثلثة لا تفشي (حديثنا تبثيثًا) مصدر من بثّ بوزن فعل بالتشديد للمبالغة أي بل تكتمه (ولا تنقث) بضم الفوقية وفتح النون وكسر القاف المشدّدة بعدها مثلثة أي لا تخرج أو لا تفسد أو لا تسرع بالخيانة أو لا تذهب بالسرقة (ميرتنا) بكسر الميم وسكون التحتية بعدها راء أي زادنا (تنقيثًا) مصدر وصفتها بالأمانة (ولا تملأ بيتنا تعشيشًا) بالعين المهملة والشينين المعجمتين بينهما تحتية ساكنة أي لا تترك الكناسة والقمامة في البيت مفرقة كعش الطائر بل هي مصلحة للبيت مهتمة بتنظيفه وإلقاء كناسته وإبعادها منه، وقيل لا تخوننا في طعامنا فتخبؤه في زوايا البيت وقيل تريد عفاف فرجها وعدم فسقها، وزاد الهيثم بن عدي ضيف أبي زرع فما ضيف أبي زرع في شبع وري ورتع. طهاة أبي زرع فما طهاة أبي زرع؟ لا تفتر ولا تعدى تقدح قدرًا وتنصب أخرى فتلحق الآخرة بالأولى. مال أبي زرع فما مال أبي زرع؟ على الجمم معكوس وعلى العفاة محبوس، فقوله رتع بفتح الراء والفوقية أي تنعم ومسرة والطهاة بضم الطاء المهملة. أي الطباخون لا تفتر بالفاء الساكنة ثم الفوقية المضمومة لا تسكن ولا تضعف ولا تعدى بضم الفوقية وتشديد الدال المهملة أي لا تترك ذلك ولا تتجاوز عنه وتقدح بالقاف والحاء المهملة آخره أي تغرف وتنصب أي ترفع قدرًا أخرى على النار، والجمم بالجيم جمع جمة القوم يسألون في الدية ومعكوس أي مردود والعفاة بضم العين

المهملة وتخفيف الفاء السائلون ومحبوس أي موقوف عليهما. (قالت) أم زرع: (خرج) زوجي (أبو زرع) من عندي (والأوطاب) بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح الطاء المهملة وبعد الألف موحدة زقاق اللبن واحدها وطب على وزن فلس فجمعه على أفعال مع كونه صحيح العين نادر، والمعروف وطاب في الكثرة وأوطب في القلة والواو للحال أي خرج والحال أن زقاق اللبن (تمخض) بالخاء والضاد المعجمتين مبنيًّا للمفعول ليؤخذ زبد اللبن، ويحتمل أنها أرادت أن خروجه كان غدوة وعندهم الخير الكثير من اللبن الغزير بحيث يشربه صريحًا ومخيضًا ويفضل عندهم حتى يمخضوه ويستخرجوا زبده، ويحتمل أنها أرادت أن الوقت الذي خرج فيه كان زمن الخصب والربيع، وكان خروجه إما لسفر أو غيره فلم تدر ما يحدث لها بسبب خروجه (فلقي امرأة) لم أقف على اسمها (معها ولدان لها) أي يسميا (كالفهدين) وفي رواية ابن الأنباري كالصقرين، وفي رواية الكاذي كالشبلين (يلعبان من تحت خصرها) وسطها (برمانتين) لأنها كانت ذات كفل عظيم فإذا استلقت على ظهرها ارتفع كفلها بها من الأرض حتى يصير تحتها فجوة تجري فيها الرمانة، وحمل بعضهم الرمانتين على النهدين محتجًّا بأن العادة لم تجر بلعب الصبيان ورميهم الرمان تحت أصلاب أمهاتهم. قال: ولعله مدر من كلام بعض الرواة، أورده على سبيل التفسير الذي ظنه فأدرج في الخبر، ورجحه القاضي عياض وتعقب بأن الأصل عدم الإدراج (فطلقني ونكحها) لما رأى من نجابة ولديها إذ كانوا يرغبون أن تكون أولادهم من النساء المنجبات في الخلق والخُلق، وفي رواية الحارث بن أبي أسامة فأعجبته فطلقني (فنكحت) تزوجت (بعده رجلًا) أي يسم (سريًّا) بفتح السين المهملة وكسر الراء وتشديد التحتية أي خيارًا (ركب) فرسًا (شريًّا) بالشين المعجمة فائقًا يستشري في سيره يمضي فيه بلا فتور ولاء (وأخذ) رمحًا (خطيًّا) بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة المكسورة والتحتية المشددتين صفة موصوف محذوف والخط موضع بنواحي البحرين تجلب منه الرماح (وأراح) بفتح الهمزة والراء آخره حاء مهملة من الإراحة وهي الإتيان إلى موضع المبيت بعد الزوال (عليّ) بتشديد التحتية (نعمًا) بفتح النون والعين واحد الأنعام وأكثر ما يقع على الإبل (ثريًّا) بفتح المثلثة وكسر الراء وتشديد التحتية أي كثيرًا والثروة كثرة العدد وقول التنقيح كغيره وحقه أن يقول ثرية، ولكن وجهه بأن كل ما ليس بحقيقي التأنيث لك فيه وجهان في إظهار علامة التأنيث في الفعل واسم الفاعل والصفة أو تركها، تعقبه في المصابيح بأن هذا إنما هو بالنسبة إلى ظاهر غير الحقيقي التأنيث، وأما بالنسبة إلى ضميره فبالتأنيث قطعًا إلا في الضرورة مع التأويل وإلاّ فمثل قولك: الشمس طلع أو طالع ممتنع وعلى تقدير تسليم ذلك فلا يتمشى في هذا المحل فقد قال الفراء: إن النعم مذكر لا مؤنث يقولون هذا نعم وارد (وأعطاني من كل رائحة) من كل شيء يأتيه من أصناف الأموال التي تأتيه وقت الرواح (زوجًا) أي اثنين ولم يقتصر على الفرد من ذلك بل ثنّاه وضعفه إحسابًا إليها (وقال كلي) يا (أم زرع وميري أهلك) أي صليهم وأوسعي عليهم بالميرة وهي الطعام (قالت: فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع). وللطبراني فلو جمعت كل شيء أصبته منه فجعلته في أصغر وعاء من أوعية أبي زرع ما ملأه، والظاهر أنه للمبالغة وإلا فالإناء أو الوعاء لا يسع ما ذكرت أنه أعطاها من أصناف النِعم، والحاصل أنها وصفت هذا الثاني بالسؤدد في ذاته والثروة والشجاعة والفضل والجود لكونه أباح لها أن تأكل ما شاءت من ماله وتهدي ما شاءت لأهلها مبالغة في إكرامها، ومع ذلك لم يقع عندها موقع أبي زرع وأن كثيره دون قليل أبي زرع مع إساءة أبي زرع لها أخيرًا في تطليقها، ولكن حبها له بغّض إليها الأزواج لأنه أول أزواجها فسكنت عبته في قلبها كما قيل: ما الحب إلا للحبيب الأول

ولذا كره أُولو الرأي تزوج امرأة لها زوج طلقها مخافة أن تميل نفسها إليه والحب يستر الإساءة. قال القاضي عياض: في كلام أم زرع من الفصاحة والبلاغة ما لا مزيد عليه فإنه مع كثرة فصوله وقلة فضوله مختار الكلمات، واضح السمات، نيّر القسمات، قد قدّرت ألفاظه قدر معانيه وقررت قواعده وشيدت مبانيه، وجعلت لبعضه في البلاغة موضعًا، وأودعته من البديع بدعًا، وإذا لمحت كلام التاسعة صاحبة العماد والنجاد ألفيتها لأفانين البلاغة جامعة فلا شيء أسلس من كلامها، ولا أربط من نظامها، ولا أطبع من سجعها، ولا أغرب من طبعها، وكأنما فقرها مفرغة في قالب واحد، ومحذوّة على مثال واحد، وإذا اعتبرت كلام الأولى وجدته مع صدق تشبيهه، وصقالة وجوهه، قد جمع من حسن الكلام أنواعًا، وكشف عن محيا البلاغة قناعًا، بل كلهن حسان الأسجاع، متفقات الطباع، غريبات الإبداع. (قالت عائشة) -رضي الله عنها- بالسند الأول (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كنت لك كأبي زرع لأم زرع) أي أنا لك فكان زائدة كقوله تعالى: {كنتم خير أمة أُخرجت للناس} [آل عمران: 110] وهذا فيه شيء لأن كان لا تدل على الانقطاع ولا على الدوام، فليس في هذا الكلام ما يقتضي انقطاع هذه الصفة فلا حاجة إلى دعوى زيادة كان وإن المعنى أنا لك. وزاد في رواية الهيثم بن عدي في الإلفة والوفاء لا في الفرقة والجلاء، وزاد الزبير إلا أنه طلقها وأنا لا أطلقك فاستثنى الحالة المكروهة وهي ما وقع من تطليق أبي زرع تطييبًا لها وطمأنينة لقلبها ودفعًا لإيهام عموم التشبيه بجملة أحوال أبي زرع إذ لم يكن فيه ما تذمه النساء سوى ذلك، وقد أجابت هي عن ذلك جواب مثلها في فضلها وعلمها فقالت: كما عند النسائي والطبراني: يا رسول الله بل أنت خير من أبي زرع، وفي رواية الزبير: بأبي وأمي لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع. (قال أبو عبد الله) البخاري، وفي اليونينية شطب بالحمرة على قال أبو عبد الله (قال سعيد بن سلمة) بن الحسام المدني الصدوق وليس له في البخاري إلا هذا الموضع وصوّبه الغساني، وقال الكرماني إنه في بعض النسخ أنه وقال موسى: أي ابن إسماعيل التبوذكي عن سعيد بن سلمة (عن هشام) بن عروة يعني بالإسناد ولأبي ذر قال هشام (ولا تعشش) بضم الفوقية وفتح العين المهملة وتشديد الشين الأولى (بيتنا تعشيشًا) وضبطها في الفتح تغشش بالغين المعجمة بدل المهملة قال: وهو من الغش ضد الخالص أي لا تملؤه بالخيانة بل هي ملازمة للنصيحة فيما هي فيه، وقيل كناية عن عفة فرجها، والمراد أنها لا تملأ البيت وسخًا بأطفالها من الزنا. (قال أبو عبد الله) البخاري أيضًا: (وقال بعضهم: فأتقمح بالميم وهذا أصح) من الرواية بالنون وهو موافق لقول أبي عبيد أتقمح أي أروى حتى لا أحب الشرب، قال: وأما النون فلا أعرفه ولا أراه محفوظًا إلا بالميم وهذا يوضح أن الذي وقع في أصل رواية البخاري بالنون. وهذا الحديث قد شرحه في جزء مفرد إسماعيل بن أبي أويس شيخ المؤلّف، وثابت بن قاسم، والزبير بن بكار، وأبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث. وأبو محمد بن قتيبة، وابن الأنباري، وإسحاق الكاذي، وأبو القاسم عبد الحليم بن حيان المصري ثم الزمخشري في الفائق، ثم القاضي وهو أجمعها وأوسعها. ذكره الحافظ أبو الفضل بن حجر رحمه الله، وسيدي علي الوفوي على طريق القوم وأهل الإشارات، وأخرجه مسلم في الفضائل والنسائي، وأخرجه الترمذي في الشمائل. 5190 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ الْحَبَشُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فَسَتَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَنْظُرُ، فَمَا زِلْتُ أَنْظُرُ حَتَّى كُنْتُ أَنَا أَنْصَرِفُ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ تَسْمَعُ اللَّهْوَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: كان الحبش) الجيل المعروف من السودان (يلعبون بحرابهم) جمع حربة في المسجد للتدريب لأجل الجهاد (فيسترني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا أنظر) إلى لعبهم (فما زلت أنظر) إليه (حتى كنت

83 - باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها

أنا أنصرف فاقدروا) بضم الدال وتكسر (قدر الجارية الحديثة السن) أي القريبة العهد بالصغر وقد كانت يومئذ بنت خمس عشرة أو أزيد (تسمع اللهو). وهذا الحديث قد سبق في كتاب العيدين وغيره وفيه ما ترجم له من حسن المعاشرة مع الأهل وكرم الأخلاق. 83 - باب مَوْعِظَةِ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ لِحَالِ زَوْجِهَا (باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها) أي لأجله. 5191 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] حَتَّى حَجَّ وَحَجَجْتُ مَعَهُ، وَعَدَلَ وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِإِدَاوَةٍ، فَتَبَرَّزَ ثُمَّ جَاءَ فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْهَا فَتَوَضَّأَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللَّتَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} قَالَ: وَاعَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، هُمَا عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَ عُمَرُ الْحَدِيثَ يَسُوقُهُ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ وَهُمْ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِمَا حَدَثَ مِنْ خَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْوَحْيِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الأَنْصَارِ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الأَنْصَارِ. فَصَخِبْتُ عَلَى امْرَأَتِي فَرَاجَعَتْنِي، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي قَالَتْ: وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيُرَاجِعْنَهُ وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ فَأَفْزَعَنِي ذَلِكَ وَقُلْتُ لَهَا: وَقَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ. ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، فَنَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا: أَيْ حَفْصَةُ أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَقُلْتُ: قَدْ خِبْتِ وَخَسِرْتِ، أَفَتَأْمَنِينَ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِغَضَبِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَهْلِكِي؟ لاَ تَسْتَكْثِرِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْءٍ وَلاَ تَهْجُرِيهِ، وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ وَلاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدُ عَائِشَةَ قَالَ عُمَرُ: وَكُنَّا قَدْ تَحَدَّثْنَا أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ الْخَيْلَ لِغَزْوِنَا، فَنَزَلَ صَاحِبِي الأَنْصَارِيُّ يَوْمَ نَوْبَتِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْنَا عِشَاءً فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا وَقَالَ: أَثَمَّ هُوَ؟ فَفَزِعْتُ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ حَدَثَ الْيَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ. قُلْتُ: مَا هُوَ؟ أَجَاءَ غَسَّانُ؟ قَالَ: لاَ بَلْ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَهْوَلُ. طَلَّقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءَهُ. فَقُلْتُ خَابَتْ حَفْصَةُ وَخَسِرَتْ. قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ هَذَا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ. فَجَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي، فَصَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَشْرُبَةً لَهُ فَاعْتَزَلَ فِيهَا، وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَإِذَا هِيَ تَبْكِي، فَقُلْتُ مَا يُبْكِيكِ، أَلَمْ أَكُنْ حَذَّرْتُكِ هَذَا، أَطَلَّقَكُنَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: لاَ أَدْرِي، هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِلٌ فِي الْمَشْرُبَةِ فَخَرَجْتُ فَجِئْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ فَإِذَا حَوْلَهُ رَهْطٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ فَجَلَسْتُ مَعَهُمْ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ الْمَشْرُبَةَ الَّتِي فِيهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ لِغُلاَمٍ لَهُ أَسْوَدَ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَدَخَلَ الْغُلاَمُ فَكَلَّمَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: كَلَّمْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَانْصَرَفْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ. ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ فَجِئْتُ فَقُلْتُ لِلْغُلاَمِ اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَرَجَعْتُ فَجَلَسْتُ مَعَ الرَّهْطِ الَّذِينَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ، فَجِئْتُ الْغُلاَمَ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ، فَدَخَلَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ فَقَالَ قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ، فَلَمَّا وَلَّيْتُ مُنْصَرِفًا قَالَ: إِذَا الْغُلاَمُ يَدْعُونِي فَقَالَ: قَدْ أَذِنَ لَكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ قُلْتُ وَأَنَا قَائِمٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَرَفَعَ إِلَيَّ بَصَرَهُ فَقَالَ: «لاَ». فَقُلْتُ: اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قُلْتُ: وَأَنَا قَائِمٌ أَسْتَأْنِسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَنِي وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَنِي وَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا لاَ يَغُرَّنَّكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ أَوْضَأَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يُرِيدُ عَائِشَةَ. فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَبَسُّمَةً أُخْرَى فَجَلَسْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ تَبَسَّمَ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي فِي بَيْتِهِ فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ غَيْرَ أَهَبَةٍ ثَلاَثَةٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ فَإِنَّ فَارِسًا وَالرُّومَ قَدْ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وَأُعْطُوا الدُّنْيَا وَهُمْ لاَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ. فَجَلَسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: «أَوَفِي هَذَا أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ إِنَّ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلُوا طَيِّبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَغْفِرْ لِي. فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءَهُ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ حِينَ أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ قَالَ: «مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا» مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ. حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَبَدَأَ بِهَا، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ كُنْتَ قَدْ أَقْسَمْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا؛ وَإِنَّمَا أَصْبَحْتَ مِنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَعُدُّهَا عَدًّا، فَقَالَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ»، فَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّخَيُّرِ فَبَدَأَ بِي أَوَّلَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ فَاخْتَرْتُهُ، ثُمَّ خَيَّرَ نِسَاءَهُ كُلَّهُنَّ فَقُلْنَ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن أبي ثور) بالمثلثة (عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لم أزل حريصًا على أن أسأل عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (عن المرأتين من أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللتين قال الله تعالى) في حقهما: ({إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما}) [التحريم: 4] أي فقد وجد منكما ما يوجب التوبة (حتى حج وحججت معه) فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق (وعدل) عن الطريق المسلوكة الجادّة إلى الأراك لحاجته وفي مسلم أنه مرّ الظهران (وعدلت معه بإداوة) فيها ماء (فتبرز ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضأ فقلت له: يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللتان قال الله تعالى) فيهما: ({إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما}؟ قال: واعجبًا) بالتنوين في الفرع اسم فعل بمعنى أعجب كقوله: واهًا ويجوز عدمه لأن الأصل فيه واعجبي فأبدلت الكسرة فتحة فصارت الياء ألفًا كقوله: يا أسفا ويا حسرتا وفي رواية معمر واعجبي (لك يا ابن عباس) أي كيف خفي عليك هذا القدر مع حرصك على طلب العلم، وفي الكشاف أنه كره ما سأله، وبذلك جزم الزهري كما في مسلم (هما عائشة وحفصة. ثم استقبل عمر الحديث يسوقه) إلى آخر القصة التي كانت سبب نزول الآية المسؤول عنها (قال: كنت أنا وجار لي من الأنصار) اسمه أوس بن خوليّ أو عتبان بن مالك والأول هو الراجح لأنه منصوص عليه عند ابن سعد، والثاني استنبطه ابن بشكوال من المؤاخاة بينهما وما ثبت بالنص مقدّم (في بني أمية بن زيد وهم من عوالي المدينة) قرية من قرى المدينة مما يلي الشرق وكانت منازل الأوس (وكنا نتناوب النزول) من العوالي (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نجعله نوبًا (فينزل) جاري

للاستفهام الإنكاري (قالت: نعم) قال عمر: (فقلت) لها (قد خبتِ وخسرتِ) بكسر الفوقيتين (أفتأمنين أن يغضب الله) عز وجل (لغضب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتهلكي) بكسر اللام (لا تستكثري النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لا تطلبي منه الكثير، وفي رواية يزيد بن رومان لا تكلمي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس عنده دنانير ولا دراهم فما كان لك من حاجة حتى دهنة سليني (ولا تراجعيه في شيء) من الكلام (ولا تهجريه) ولو هجرك (وسليني ما بدا) ما ظهر (لك) مما تريدين (ولا يغرنك) بتشديد الراء والنون (إن كانت) بفتح الهمزة وتكسر (جارتك أوضأ) أحسن وأجمل (منك وأحب إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فلا يؤاخذها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا فعلت ما نهيتك عنه فإنها تدل بجمالها ومحبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها (يريد) عمر -رضي الله عنه- بذلك (عائشة) ولم يقل ضرّتك بل جارتك أدبًا منه -رضي الله عنه- أو أنها كانت جارتها حقيقة منزلها جوار منزلها والعرب تطلق على الضرة جارة لتجاورهما المعنوي لكونهما عند شخص واحد وإن لم يكن حسيًّا. (قال عمر: وكنا قد تحدّثنا أن غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة المشددة أي قبيلة غسان وملكهم واسمه الحارث بن أبي شمر (تنعل الخيل) بضم الفوقية وكسر العين (لغزونا) ولأبي ذر عن الكشميهني لتغزونا، وفي اللباس وكان من حول رأس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد استقام له فلم يبق إلا ملك غسان بالشام كنا نتخوّف أن يأتينا (فنزل صاحبي الأنصاري) من العوالي إلى المدينة (يوم نوبته فرجع) من المدينة (إلينا عشاء فضرب بابي ضربًا شديدًا) أي طرقه طرقًا شديدًا ليخبرني بما حدث عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الوحي وغيره على العادة (وقال) لما أبطأت عن إجابته (أثم هو) بفتح المثلثة أي في البيت وكأنه ظن أنه خرج منه. قال عمر -رضي الله عنه-: (ففزعت) بكسر الزاي خفت من شدة ضربه الباب إذ هو خلاف عادته (فخرجت إليه) فقلت له: ما الخبر؟ (فقال: قد حدث اليوم أمر عظيم. قلت) له (ما هو أجاء غسان؟ قال: لا بل أعظم من ذلك وأهول طلّق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نساءه) أي وحفصة منهن فهو أهول بالنسبة إلى عمر لأجل ابنته، وزاد أبو ذر هنا وقال عبيد بن حنين بضم العين والحاء المهملتين فيهما مصغرين مولى زيد بن الخطاب العدوي مما وصله المؤلّف في تفسير سورة والنجم سمع ابن عباس عن عمر أي بهذا الحديث فقال: يعني الأنصاري اعتزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أزواجه بدل قوله طلق نساءه، ولم يذكر البخاري هنا من رواية عبيد بن حنين إلا هذا القدر، ولعله أراد أن يبين به أن قوله طلق نساءه لم تتفق الروايات عليه فلعل بعضهم رواه بالمعنى لما وقع من اعتزاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهن إذ لم تجر عادته بذلك فظنوا أنه طلقهن وأما اللاحق فهو من رواية أبي ثور لا من رواية عبيد وهو قوله: (فقلت: خابت حفصة وخسرت) إنما خصها بالذكر لمكانتها منه (قد كنت أظن هذا يوشك) بكسر الشين المعجمة يسرع (أن يكون) لأن مراجعتهن قد تفضي إلى الغضب المفضي إلى الفرقة (فجمعت عليّ ثياب) لبستها جميعًا ودخلت المسجد (فصليت صلاة الفجر مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مشربة) بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء وفتحها أي غرفة (له فاعتزل فيها ودخلت على حفصة فإذا هي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟ ألم أكن حذرتك هذا)؟ زاد في رواية سماك لقد علمت أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يحبك ولولا أنا لطلّقك فبكت أشد البكاء وعند ابن مردويه والله إن كان طلّقك لا أكلمك أبدًا. (أطلقكنّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قالت: لا أدري ها هو) عليه الصلاة والسلام (ذا معتزل في المشربة فخرجت) من عند حفصة (فجئت إلى المنبر فإذا حوله) أي المنبر (رهط) أي يقف الحافظ ابن حجر على أسمائهم (يبكي بعضهم فجلست معهم قليلًا ثم غلبني ما أجد) من اعتزاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ- نساءه ومنهن حفصة (فجئت المشربة التي فيها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت لغلام له أسود): اسمه رباح بالراء المفتوحة والموحدة المخففة (استأذن) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لعمر فدخل الغلام فكلّم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في ذلك (ثم رجع فقال: كلمت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكرتك له فصمت) بفتح الصاد المهملة والميم فسكت كالآتية (فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت) ثانيًا (فقلت للغلام) رباح: (استأذن لعمر فدخل ثم رجع فقال قد ذكرتك له) عليه الصلاة والسلام (فصمت فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام) ثالثًا (فقلت استأذن لعمر فدخل ثم رجع إليّ) بتشديد الياء وهذه اللفظة ساقطة في الأوليين (فقال قد ذكرتك له) عليه الصلاة والسلام (فصمت فلما وليت منصرفًا قال: إذا الغلام) رباح (يدعوني فقال: قد أذن لك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخلت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإذا هو مضطجع على رمال حصير) بكسر الراء وتضم أي على سرير مرمول بما يرمل به الحصير أي ينسج ورمال الحصير ضلوعه المتداخلة فيه كالخيوط في الثوب (ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه) الشريف حال كونه (متكئًا) ولأبي ذر: متكئ بالرفع أي وهو متكئ (على وسادة من أدم) جلد (حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت) له (وأنا قائم يا رسول الله أطلقت نساءك)؟ بهمزة الاستفهام (فرفع) عليه الصلاة والسلام (إليّ بصره فقال): (لا) لم أطلقهن (فقلت: الله أكبر) تعجبًا مما أخبرني به الأنصاري من التطليق جازمًا به أو حامدًا الله تعالى على ما أنعم به عليه من عدم وقوع الطلاق (ثم قلت: وأنا قائم) حال كوني (أستأنس) وجزم القرطبي بأنه للاستفهام. قال في الفتح: فيكون أصله بهمزتين تسهل إحداهما وقد تحذف تخفيفًا أي أنبسط في الحديث وأستأنس في ذلك (يا رسول الله). منادى مضاف (لو رأيتني) بفتح التاء الفوقية (وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة إذا) الأنصار (قوم تغلبهم نساؤهم) وذكر مراجعته زوجته له إلى آخر ذلك (فتبسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ضحك من غير صوت (ثم قلت: يا رسول الله لو رأيتني) بفتح الفوقية (ودخلت على حفصة فقلت لها: لا يغرنك إن كانت جارتك أوضأ) أجمل (منك وأحب إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريد) عمر (عائشة فتبسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تبسمة) بضم السين ولأبي ذر عن الكشميهني بكسرها من غير مثناة تحتية فيهما كذا من الفرع وأصله، وقال في الفتح: تبسمة بتشديد السين وللكشميهني تبسيمة (أخرى فجلست حين رأيته تبسم فرفعت بصري في بيته) أي نظرت فيه (فوالله ما رأيت في بيته شيئًا يردّ البصر غير أهبة) بفتح الهمزة والهاء منوّنة جلود (ثلاثة) أي تدبغ أو مطلقًا دبغت أو لم تدبغ (فقلت: يا رسول الله ادع الله) عز وجل (فليوسع على أمتك فإن فارسًا) بالصرف ولأبي ذر فارس بعدمه (والروم قد وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله فجلس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان متكئًا فقال: وفي هذا أنت) بهمزة الاستفهام وواو العطف على مقدّر بعدها. قال الكرماني: أي أنت في مقام استعظام التجملات الدنيوية واستعجالها (يا ابن الخطاب) وعند مسلم من رواية معمر أو في شك: أنت يا ابن الخطاب كرواية عقيل السابقة في المظالم أي أنت في شك أن التوسع في الآخرة خير من التوسع في الدنيا (وأن أولئك) فارس والروم (قوم قد عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا. فقلت: يا رسول الله استغفر لي) عن اعتقادي أن التجملات الدنيوية مرغوب فيها (فاعتزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نساءه من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة تسعًا وعشرين ليلة) وذلك أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلا بمارية القبطية في بيت حفصة فجاءت فوجدتها معه فقالت: يا رسول الله تفعل هذا معي دون نسائك. فقال: "لا تخبري أحدًا هي عليّ حرام" فأخبرت عائشة أو السبب تحريم العسل السابق ذكره في سورة

84 - باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعا

التحريم مختصرًا الآتي إن شاء الله تعالى بعون الله عز وجل بأبسط منه في الطلاق. وعند ابن مردويه من طريق يزيد بن رومان عن عائشة أن حفصة أهديت لها عكّة فيها عسل وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا دخل عليها حبسته حتى تلعقه أو تسقيه منها فقالت عائشة لجارية عندها حبشية يقال لها خضراء: إذا دخل على حفصة فانظري ما تصنع فأخبرتها الجارية بشأن العسل فأرسلت إلى صواحبها فقالت: إذا دخل عليكن فقلن إنّا نجد منك ريح مغافير فقال: "هو عسل والله لا أطعمه أبدًا" فلما كان يوم حفصة استأذنته أن تأتي أباها فأذن لها فذهبت فأرسل إلى جاريته مارية فأدخلها بيت حفصة قالت حفصة: فرجعت فوجدت الباب مغلقًا فخرج ووجهه يقطر فعاتبته فقال: "أشهدك أنها عليّ حرام انظري لا تخبري بهذا امرأة وهي عندك أمانة" فلما خرج قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت: ألا أبشرك أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد حرم أمته، ففيه الجمع بين القولين. وعند ابن سعد من طريق عمرة عن عائشة قالت: أهديت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هدية فأرسل إلى كل امرأة من نسائه نصيبها فلم ترض زينب بنت جحش بنصيبها فزادها مرة أخرى فلم ترض فقالت عائشة: لقد أقمأت وجهك تردّ عليك الهدية فقال: "لأنتن أهون على الله من أن تقمئنني لا أدخل عليكن شهرًا" وفي مسلم من حديث جابر أن أبا بكر وعمر دخلا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحوله نساؤه يسألن النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة وقام عمر إلى حفصة ثم اعتزلهن شهرًا فيحتمل أن يكون جميع ما ذكر كان سببًا لاعتزالهن. (وكان) عليه الصلاة والسلام (قال) في أول الشهر: (ما أنا بداخل عليهن شهرًا. من شدة موجدته) أي غضبه (عليهن حين عاتبه الله عز وجل) بقوله: {لِمَ تحرم ما أحلّ الله لك} [التحريم: 1] (فلما مضت تسع وعشرون ليلة دخل على عائشة فبدأ بها) لكونه اتفق أنه كان يوم نوبتها (فقالت له عائشة: يا رسول الله إنك كنت قد أقسمت أن لا تدخل علينا شهرًا وإنما أصبحت من تسع وعشرين ليلة أعدّها عدًّا فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الشهر تسع وعشرون) زاد أبو ذر عن الكشميهني ليلة (فكان) بالفاء ولأبي ذر كان (ذلك الشهر تسعًا وعشرين ليلة). قال في الفتح: ومن اللطائف أن الحكمة في الشهر مع أن مشروعية الهجر ثلاثة أيام أن عدتهن كانت تسعة فإذا ضربت في ثلاثة كانت سبعة وعشرين واليومان لمارية لكونها كانت أمة فنقصت عن الحرائر. (قالت عائشة: ثم أنزل الله تعالى آية التخيير) بفتح الخاء المعجمة وتشديد التحتية مضمومة في الفرع وأصله أي في قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها} [الأحزاب: 28] إلى آخرها. (فبدأ بي أول امرأة من نسائه) في التخيير (فاخترته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم خير نساءه كلهن فقلن مثل ما قالت عائشة) -رضي الله عنه- اخترن الله ورسوله. وهذا الحديث سبق في سورة التحريم مختصرًا، وفي كتاب المظالم في باب الغرفة والعلية المشرفة مطوّلًا ومختصرًا في العلم. 84 - باب صَوْمِ الْمَرْأَةِ بِإِذْنِ زَوْجِهَا تَطَوُّعًا (باب صوم المرأة بإذن زوجها) صومًا (تطوعًا) أو النصب على الحال أي متطوعة. 5192 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: (حدّثنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام بن منبه) بكسر الموحدة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا تصوم المرأة) نفلًا ولأبي ذر عن المستملي: لا تصومن المرأة (وبعلها) أي زوجها (شاهد) حاضر (إلاّ بإذنه) ولا في قوله لا تصوم خبر بمعنى الإنشاء مثل قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن} [البقرة: 233] فيكون نهيًا عن الصوم وإن كان بلفظ الخبر وحينئذ يسقط استشكال السفاقسي عدم الجزم وذلك أنه فهم أن لا ناهية وإنما هي نافية والخبر مؤول بالإنشاء وفي رواية المستملي كما في الفتح لا تصومن بزيادة نون التأكيد، وفي الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعًا في أثنائه: ومن حق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوعًا إلا بإذنه

85 - باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها

فإن فعلت لم يقبل منها وهذا يدل على تحريم الصوم المذكور عليها وهو قول الجمهور. قال النووي في المجموع، وقال أصحابنا: يكره والصحيح الأول فلو صامت بغير إذنه صحّ وأثمت وأمر قبوله إلى الله. قال العمراني، قال النووي: ومقتضى المذهب عدم الثواب، ويؤكد التحريم ثبوت الخبر بلفظ النهي ووروده بلفظ الخبر لا يمنع ذلك بل هو أبلغ لأنه يدل على تأكد الأمر فيه فيكون تأكده بحمله على التحريم، وقال النووي في شرح مسلم: وسبب هذا التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت وحقه واجب على الفور فلا تفوته بالتطوع ولا بواجب على التراخي والتقييد بقوله وبعلها شاهد يقتضي جواز التطوع لها إذا كان زوجها مسافرًا فلو قدم وهي صائمة فله إفساد صومها من غير كراهة قاله في الفتح، واحتج بعض المالكية بالحديث لمذهبهم في أن من أفطر في صيام التطوع عامدًا عليه القضاء لأنه لو كان للرجل أن يفسد عليها صومها بالجماع ما احتاجت إلى إذنه ولو كان مباحًا كان إذنه لا معنى له. 85 - باب إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا هذا (باب) بالتنوين (إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها) بغير سبب حرم عليها. 5193 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ، لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) هو بالموحدة والمعجمة المشددة المعروف ببندار قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين وتشديد التحتية محمد (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن أبي حازم) سليمان الأشجعي مولى عزة الأشجعية (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا دعا الرجل امرأته) أو السيد أمته (إلى فراشه) لأن يجامعها (فأبت أن تجيء) أي فامتنعت عن المجيء. زاد في بدء الخلق فبات أي الزوج غضبان عليها (لعنتها الملائكة حتى تصبح) ظاهره اختصاص اللعن بما إذا وقع ذلك منها ليلًا لقوله حتى تصبح كما سبق في بدء الخلق مع زيادة، لكن في مسلم من رواية يزيد بن يسان عن أبي حازم: والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها، وهو يتناول الليل والنهار وإذا وقع التعبير عن رحمة الله تعالى أو غضبه وقرب نزولهما على الخلق خص السماء بالذكر وفيه دليل على أن سخط الزوج يوجب سخط الرب ورضاه يوجب رضاه وبالتقييد بما في بدء الخلق من قوله: فبات غضبان عليها. يتجه وقوع اللعن لأنها حينئذ يتحقق ثبوت معصيتها فأما إذا لم يغضب فلا. 5194 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بن البرند السامي بالمهملة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن زرارة) بن أبي أوفى (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا باتت المرأة مهاجرة) أي هاجرة كما هو لفظ رواية مسلم (فراش زوجها) فغضب هو لذلك وهي ظالمة (لعنتها الملائكة) الحفظة أو غيرهم من الموكلين بذلك (حتى ترجع) عن هجره، وروي مما ذكره ابن الجوزي في كتاب النسائن لعن المسوّفة التي إذا أرادها زوجها قالت: سوف سوف والمعكسة التي إذا أرادها تقول: إنها حائض وليست بحائض، وعند الخطابي في غريب الحديث فيما نقله عنه صاحب تحفة العروس لعن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الغاصة بالغين المعجمة والصاد المهملة الحائض التي لا تعلم زوجها أنها حائض والمغوصة بكسر الواو التي لا تكون حائضًا فتكذب على زوجها وتقول إنها حائض. 86 - باب لاَ تَأْذَنُ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا لأَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِهِ هذا (باب) بالتنوين (لا تأذن المرأة) بضم النون، ولأبي ذر: لا تأذن بالجزم على النهي كسر لالتقاء الساكنن (في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه). 5195 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلاَ تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ نَفَقَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّى إِلَيْهِ شَطْرُهُ». وَرَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ أَيْضًا عَنْ مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّوْمِ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدّثنا شعيب) هو ابن أبي حمزة دينار الحمصي قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله) ولأبي ذر عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يحل للمرأة أن تصوم) أي نفلًا أو واجبًا على التراخي (وزوجها شاهد إلا بإذنه) لأن حقه في الاستمتاع بها في كل وقت، فلو كان مريضًا بحيث

87 - باب

لا يستطيع الجماع أو مسافرًا جاز لها. (ولا) يحل لها أن (تأذن) لأحد رجل أو امرأة أن يدخل (في بيته إلا بإذنه) فلو علمت رضاه جاز. قال في الفتح: وفي الحديث حجة على المالكية في تجويز دخول الأب ونحوه بيت المرأة بغير إذن زوجها وأجابوا عن الحديث بأنه معارض بصلة الرحم وإن بين الحديثين عمومًا وخصوصًا وجهيًّا فيحتاج إلى مرجح ويمكن أن يقال صلة الرحم إنما تندب بما يملكه الواصل والتصرف في بيت الزوج لا تملكه المرأة إلا بإذن الزوج وكما لأهلها أن لا تصلهم بماله إلا بإذنه فإذنها لهم في دخول البيت كذلك انتهى. (وما أنففت من نفقة) من ماله قدرًا يعلم رضاه به طعام بيها من غير أن تتجاوز العادة (عن غير إمرة) بكسر الهمزة وفتح الراء بعدها تاء تأنيث في الفرع وفي غيره وهو الذي في اليونينية بفتح ثم كسر فهاء أي عن غير إذنه الصريح في ذلك القد المعين، بل عن إذن عام سابق يتناول هذا القدر وغيره إما صريحًا أو جاريًا على المعروف من إطلاق ربّ البيت لزوجته إطعام الضيف والتصدق على السائل (فإنه يؤدى) بفتح الدال المشددة (إليه) من أجر ذلك القدر المنفق (شطره) أي نصفه. وفي حديث عائشة السابق في الزكاة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب. وظاهر حديث الباب يقتضي تساويهما في الأجر، ويؤيده ما في حديث عائشة المذكور من طريق جرير من زيادة لا ينقص بعضهم أجر بعض، ويحتمل أن يكون المراد بالتنصيف الحمل على المال الذي يعطيه الرجل في نفقة المرأة فإذا أنفقت منه بغير علمه كان الأجر بينهما للرجل باكتسابه ولأنه يؤجر على ما ينفقه على أهله وللمرأة لكون ذلك من النفقة التي تختص بها، ويؤيد هذا ما أخرجه أبو داود عقب حديث أبي هريرة هذا قال: في المرأة تصدّق من بيت زوجها قال: لا إلا من قوتها والأجر بينهما، ولا يحل لها أن تصدّق من مال زوجها إلا بإذنه قاله في الفتح. وقال ابن المنير: ليس المراد تنقيص أجْر الرجل حين تتصدق عنه امرأته كأجره حيث يتصدق هو بنفسه، لكن ينضاف إلى أجره هنا أجر المرأة فيكون له ها هنا شطر المجموع وقوله عن غير إمرة تنبيه بالأدنى على الأعلى فإنه إذا أثيب وإن لم يأمر فلأن يثاب إذا أمر بطريق الأولى، وتعقبه في المصابيح بأن قوله له شطر المجموع فيه نظر إذ مقتضاه مشاركة المرأة له في الثواب المقابل لماله وهو محل نظر، فينبغي أن يكون الثواب المقابل لفوات ماله مختصًّا به والأجر المترتب على تفويته بالصدقة مقسومًا بينه وبين المرأة من حيث تعلق فعلها بالمال الذي يملكه فله في فعلها مدخل فتكون المشاركة بهذا الاعتبار فتأمله وحرره فإني لم أقف فيه إلى الآن على ما يشفي انتهى. وحمله الخطابي على أنها إذا أنفقت على نفسها من ماله بغير إذنه فوق ما يجب لها من القوت غرمت له شطره أي الزائد على ما يجب لها وفيه بعد، لا سيما وحديث أبي هريرة من طريق همام السابق في البيوع الآتي إن شاء الله تعالى في النفقات إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فله نصف أجره. (ورواه) أي الحديث المذكور (أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (أيضًا) فيما وصله أحمد والنسائي والدارمي (عن موسى) بن أبي عثمان سعيد التبان بالفوقية المفتوحة والموحدة المشددة (عن أبيه عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (في الصوم) خاصة. 87 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة فهو كالفصل من سابقه. 5196 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنَا التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةَ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينُ، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ». [الحديث 5196 - أطرافه في: 6547]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا إسماعيل) ابن علية قال: (أخبرنا التيمي) سليمان بن طرخان البصري (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ النهدي (عن أسامة) بن زيد بن حارثة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد) بفتح الجيم وتشديد الدال المهملة الغنى (محبوسون) على باب الجنة للحساب (غير أن أصحاب النار) الذين قد استحقوا دخولها (قد أمر بهم إلى النار

88 - باب كفران العشير وهو الزوج وهو الخليط من المعاشرة فيه عن أبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء) إذا هي الفجائية وعامة من دخلها مبتدأ خبره النساء. ومطابقة الحديث للترجمة السابقة من جهة الإشارة إلى أن النساء غالبًا يرتكبن النهي المذكور، ولذا كنّ أكثر من دخل النار وهذا الحديث أخرجه مسلم في آخر كتاب الدعوات والنسائي في عشرة النساء. 88 - باب كُفْرَانِ الْعَشِيرِ وَهْوَ الزَّوْجُ وَهْوَ الْخَلِيطُ مِنَ الْمُعَاشَرَةِ فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب كفران العشير وهو الزوج وهو الخليط) أيضًا (من المعاشرة) وهذا تفسير أبي عبيدة في تفسير قوله تعالى: {لبئس المولى ولبئس العشير} [الحج: 13] قال المولى ابن العم: والعشير هو الخليط المعاشر (فيه) أي في هذا المعنى (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 5197 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسُ مَعَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ قَامَ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الْقِيَامِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ، وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فَقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ، فَقَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ أَوْ أُرِيتُ الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا. وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا قَطُّ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ». قَالُوا: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «بِكُفْرِهِنَّ» قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ: «يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ وَلَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) الفقيه العمري (عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عباس أنه قال: خسفت الشمس على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي زمنه (فصلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والناس معه) يصلون (فقام قيامًا طويلًا نحوًا من) قراءة (سورة البقرة ثم ركع ركوعًا طويلًا) نحوًا من مائة آية (ثم رفع فقام قيامًا طويلًا) نحوًا من قراءة سورة آل عمران (وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعًا طويلًا) نحوًا من ثمانين آية (وهو دون الركوع الأول ثم رفع ثم سجد) سجدتين (ثم قام فقام قيامًا طويلًا) نحوًا من سورة النساء (وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعًا طويلًا) نحوًا من سبعين آية (وهو دون الركوع الأول ثم رفع فقام قيامًا طويلًا) نحوًا من المائة (وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعًا طويلًا) نحوًا من خمسين آية (وهو دون الركوع الأول ثم رفع ثم سجد) سجدتين (ثم انصرف) من الصلاة (وقد تجلت الشمس) بين جلوسه والسلام (فقال): (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان) بفتح الياء وكسر السين (لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله. قالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئًا في مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت) بكافين مفتوحتين وعينين مهملتين ساكنتين أي تأخرت أو تقهقرت (فقال) عليه الصلاة والسلام: (إني رأيت الجنة) رؤيا عين حقيقة (أو) قال (رأيت) بضم الهمزة وكسر الراء مبنيًّا للمفعول والشك من الراوي (الجنة فتناولت) في حال قيامي الثاني من الركعة الثانية كما عند سعيد بن منصور (منها عنقودًا) أي وضعت يدي عليه بحيث كنت قادرًا على تحويله (ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا) لأن ثمر الجنة إذا قطف منها شيء خلفه آخر (ورأيت النار فلم أرَ كاليوم منظرًا قط) زاد في الكسوف أفظع أي أقبح (ورأيت أكثر أهلها النساء. قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: بكفرهن) وللكشميهني يكفرن بتحتية وسكون الكاف وضم الفاء وسكون الراء بعدها نون بغير هاء (قيل: يكفرن بالله)؟ بحذف همزة الاستفهام (قال: يكفرن العشير) أي إحسان الزوج (ويكفرن الإحسان) بجحده أو عدم الاعتراف وهذا بيان للأول (لو أحسنت إلى إحداهن الدهر) جميعه مبالغة أو مدّة عمر الزوح (ثم رأت منك شيئًا) لا يوافق غرضها (قالت: ما رأيت منك خيرًا قط) وفيه إشارة إلى سبب التعذيب لأنها بذلك كالمصرة على كفر النعمة والإصرار على المعصية من أسباب العذاب. وهذا الحديث سبق في الكسوف. 5198 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ» تَابَعَهُ أَيُّوبُ وَسَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ. وبه قال: (حدّثنا عثمان بن الهيثم) مؤذن جامع البصرة قال: (حدّثنا عوف) بالفاء الأعرابي (عن أبي رجاء) بالجيم عمران بن ملحان (عن عمران) بن الحصين -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (اطلعت في الجنة) ليلة الإسراء أو في المنام (فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء) لكفرهن العشير ولميلهن إلى عاجل زينة الدنيا والإعراض عن الآخرة (تابعه) أي تابع عوفًا (أيوب) السختياني فيما وصله النسائي. (وسلم بن زرير) بفتح السين المهملة وسكون اللام بعدها ميم

89 - باب لزوجك عليك حق. قاله أبو جحيفة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

وزرير بفتح الزاي وكسر الراء الأولى فيما وصله المؤلّف في صفة الجنة من بدء الخلق. 89 - باب لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقٌّ. قَالَهُ أَبُو جُحَيْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا (باب) بالتنوين (لزوجك) امرأتك (عليك حق) مبتدأ وخبر مقدم (قاله أبو جحيفة) بتقديم الجيم المضمومة على المهملة المفتوحة وهب بن عبد الله: (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله المؤلّف في الصوم في باب من أقسم على أخيه ليفطر. 5199 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا عَبْدَ اللَّهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ»؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَلاَ تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا». وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا الأوزاعي) عبد الرحمن (قال: حدّثني) بالإفراد (يحيى بن أبي كثير قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن عمرو بن العاص) -رضي الله عنهما- (قال: قال) لي (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا عَبد الله ألم أخبر) بضم الهمزة وفتح الموحدة مبنيًّا للمفعول والهمزة للاستفهام (أنك تصوم النهار وتقوم الليل)؟ أي فيه (قلت: بلى يا رسول الله قال: فلا تفعل صم وأفطر) بقطع الهمزة (وقم ونم فإن لجسدك عليك حقًّا وإن لعينك) بالإفراد (عليك حقًّا وإن لزوجك) امرأتك (عليك حقًّا) فلا ينبغي أن تجهد نفسك في العبادة حتى تضعف عن القيام بحقها من وطء واكتساب، فلو كف الرجل عن امرأته فلم يجامعها من غير ضرورة، فعند مالك يلزم بذلك أو يفرق بينهما، والمشهور عن الشافعية أنه لا يجب عليه لكن يستحب أن لا يعطلها لأنه من المعاشرة بالمعروف وأقل ما يحصل به عدم التعطيل ليلة من أربع اعتبارًا بمن له أربع زوجات. 90 - باب الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا هذا (باب) بالتنوين (المرأة راعية في بيت زوجها). 5200 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا موسى بن عقبة) صاحب المغازي (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أنه (قال): (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) من رعى يرعى وهو حفظ الشيء وحسن التعهد له والراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وكل من كان تحت نظره شيء فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه (والأمير راع) على ما استرعاه الله (والرجل راع على أهل بيته) من زوج وخادم وغيرهما يقيم فيهم ما أمر به من النفقة وحسن العشرة (والمرأة راعية على بيت زوجها وولده) بحسن التدبير والتعهد لخدمته وغير ذلك (فكلكم راعٍ) بالفاء أي مثل الراعي (وكلكم مسؤول عن رعيته). وهذا الحديث قد سبق في باب الجمعة في القرى والمدن من كتاب الجمعة وفي الاستقراض أيضًا. 91 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} -إِلَى قَوْلِهِ- {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (باب قول الله تعالى: {الرجال قوّامون على النساء}) أي يقومون عليهم آمرين ناهين كما تقوم الولاة على الرعايا ({بما فضل الله بعضهم على بعض}) أي بسبب تفضيل الله بعضهم وهم الرجال على بعض وهم النساء بالعقل والعزم والحزم والقوّة والغزو وكمال الصوم والصلاة والنبوّة والخلافة والإمامة والأذان والخطبة والجماعة وتضعيف الميراث والتعصيب فيه، (إلى قوله: {إن الله كان عليًّا كبيرًا}) [النساء: 34] أي إن علت أيديكم عليهن فاعلموا أن قدرته تعالى عليكم أعظم من قدرتكم عليهن فاجتنبوا ظلمهن وسقط قوله بما فضل الله إلى آخره لأبي ذر. 5201 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، وَقَعَدَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ، فَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ آلَيْتَ عَلَى شَهْرًا، قَالَ: «إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ». وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء وفتح اللام القطواني الكوفي قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال (قال: حدّثني) بالإفراد (حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: آلى) بمدّ الهمزة وفتح اللام (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من نسائه) أي حلف لا يدخل عليهن (شهرًا) وكان أوّل الشهر وليس المراد هنا الإيلاء الفقهي بل المعنى اللغوي وهو الحلف قال الكرماني: فإن قلت: إذا كان للفظ معنى شرعي ومعنى لغوي يقدم الشرعي على اللغوي وأجاب بأنه إذا لم يكن ثمة قرينة صارفة عن إرادة معناه الشرعي والقرينة كونها شهرًا واحدًا (وقعد) ولأبي ذر فقعد (في مشربة) بضم الراء أي غرفة (له فنزل) منها فدخل على عائشة إذ

92 - باب هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- نساءه في غير بيوتهن. ويذكر عن معاوية بن حيدة رفعه «غير أن لا تهجر إلا في البيت» والأول أصح

وافق ذلك يوم نوبتها (لتسع وعشرين) من يوم إيلائه (فقيل) أي قالت عائشة: (يا رسول الله إنك آليت شهرًا) وللمستملي والكشميهني على شهر (قال) عليه الصلاة والسلام: (إن الشهر) الذي آليت فيه (تسع وعشرون) ومناسبة الآية في قوله تعالى: {فعظوهن واهجروهن في المضاجع} [النساء: 34] ومن الحديث قوله آلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من نسائه شهرًا إذ مقتضاه أنه هجرهن، واختلف في المراد بالهجران فقيل لا يدخل عليهن، وقيل: لا يضاجعهن أو يضاجعهن ويوليهن ظهره أو يمتنع من جماعهن أو يجامعهن ولا يكلمهن. 92 - باب هِجْرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءَهُ فِي غَيْرِ بُيُوتِهِنَّ. وَيُذْكَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ رَفْعُهُ «غَيْرَ أَنْ لاَ تُهْجَرَ إِلاَّ فِي الْبَيْتِ» وَالأَوَّلُ أَصَحُّ (باب هجرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نساءه) شهرًا وسكناه (في غير بيوتهن) فلا مفهوم لقوله تعالى: {واهجروهن في المضاجع}. (ويذكر عن معاوية بن حيدة) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية وفتح الدال المهملة الصحابي مما أخرجه أحمد وأبو داود والخرائطي في مكارم الأخلاق وابن منده في غرائب شعبة مطوّلًا كلهم من رواية أبي قزعة سويد عن حكيم بن معاوية عن أبيه (رفعه) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسكون الفاء وضم العين في اليونينية (غير أن لا تهجر) وللمستملي: ولا تهجر. (إلا في البيت. و) حديث أنس (الأول) المروي في الباب السابق المذكور فيه هجره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نساءه في غير بيوتهن (أصح) من حديث معاوية بن حيدة هذا ولفظ رواية أبي داود عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت". قال أبو داود ولا تقبح أي لا تقول قبحك الله انتهى. وعبّر المؤلّف بيذكر التي للتمريض إشارة إلى انحطاط رتبته بالنسبة لغيرها مع الصلاحية للاحتجاج بذلك، وللكرماني والعيني هنا كلام أضربت عنه لطوله، والذي تقرر هنا من معنى الحديث المعلق مع الاستشهاد له بلفظ أبي داود هو الظاهر فليتأمل مع ما أبداه العيني في شرحه متعقبًا لما في الفتح مما ذكرته هنا منتصرًا للكرماني والله الموفق والمعين. والحاصل أن الهجران يجوز أن يكون في البيوت وغيرها وأن الحصر المذكور في حديث معاوية المعلق هنا غير معمول به، بل يجوز في غير البيوت كما فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقول المهلب أن الهجران في غير البيوت فيه رفق بالنساء إذ هو معهن في البيوت آلم لقلوبهن ليس على إطلاقه بل يختلف باختلاف الأحوال على أن الغالب أن الهجران في غير البيوت أشق. وهذا الحديث المعلق سقط للحموي. 5202 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ح. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَلَفَ لاَ يَدْخُلُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ شَهْرًا، فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا عَلَيْهِنَّ أَوْ رَاحَ فَقِيلَ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ حَلَفْتَ أَنْ لاَ تَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا، قَالَ: «إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا». وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد (محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني) بالإفراد (يحيى بن عبد الله بن صيفي) بالصاد المهملة وسكون التحتية الأولى وتشديد الأخيرة (أن عكرمة بن عبد الرحمن بن الحارث) بن هشام بن المغيرة وهو أخو أبي بكر بن عبد الرحمن أحد الفقهاء السبعة، وليس لعكرمة هذا في البخاري إلا هذا الحديث (أخبره أن أم سلمة) زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أخبرته أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلف لا يدخل على بعض أهله) ولأبي ذر نساءه بدل أهله (شهرًا). قال في الفتح: كذا في هذه الرواية أي بلفظ بعض نسائه وهو يشعر بأن اللاتي أقسم أن لا يدخل عليهن هن من وقع منهن ما وقع من سبب القسم لا جميع النسوة، لكن اتفق أنه في تلك الحالة انفكت رجله كما في حديث أنس السابق في أوائل الصيام فاستمر مقيمًا في المشربة ذلك الشهر كله قال: وهو يؤيد أن سبب القسم قصة مارية فإنها تقتضي اختصاص بعض النسوة دون بعض بخلاف قصة العسل فإنهن اشتركن فيها إلا صاحبة العسل وإن كانت إحداهن بدأت بذلك وكذلك قصة طلب النفقة فإنهن اجتمعن فيها انتهى. (فلما مضى تسعة وعشرون يومًا) من حلفه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (غدا عليهن) أتاهن غدوة (أو راح فقيل له) القائل عائشة (يا نبي الله

93 - باب ما يكره من ضرب النساء، وقوله: {واضربوهن} ضربا غير مبرح

حلفت أن لا تدخل عليهن شهرًا قال): (إن الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا). 5203 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْفُورٍ قَالَ: تَذَاكَرْنَا عِنْدَ أَبِي الضُّحَى فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: أَصْبَحْنَا يَوْمًا وَنِسَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْكِينَ عِنْدَ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ أَهْلُهَا، فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا هُوَ مَلآنُ مِنَ النَّاسِ، فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَصَعِدَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِي غُرْفَةٍ لَهُ فَسَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ثُمَّ سَلَّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَنَادَاهُ، فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَطَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ فَقَالَ: «لاَ، وَلَكِنْ آلَيْتُ مِنْهُنَّ شَهْرًا». فَمَكَثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا مروان بن معاوية) الفزاري بالفاء والزاي قال: (حدّثنا أبو يعفور) بفتح التحتية وسكون العين المهملة وضم الفاء وبعد الواو راء عبد الرحمن بن عبيد الكوفي الثقة (قال: تذاكرنا) أي الشهر فقال بعضنا ثلاثين وقال بعضنا تسعًا وعشرين كما في النسائي (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (فقال) أبو الضحى (حدّثنا ابن عباس) -رضي الله عنهما- (قال: أصبحنا يومًا ونساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبكين عند كل امرأة منهن أهلها فخرجت إلى المسجد فإذا هو ملآن من الناس) بالنون في ملآن وعند القابسي ملأى بلا نون بالتأنيث وكأنه أراد البقعة، وهذا ظاهره حضور ابن عباس لذلك وحديثه السابق مفهومه أنه إنما عرفها من عمر ويحتمل أنه كان يعرفها على سبيل الإجمال ثم عرفها من عمر على سبيل التفصيل لما سأله عن المتظاهرتين (فجاء عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (فصعد إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في غرفة له) زاد الإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن سليمان عن أبي يعفور ليس عنده فيها إلا بلال (فسلم فلم يجبه أحد ثم سلم فلم يجبه أحد ثم سلم فلم يجبه أحد) بالتكرار ثلاثًا (فناداه فدخل) بإسقاط الفاعل ولأبي نعيم فناداه بلال فدخل (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). واستشكل بأن في رواية مسلم أن اسم الغلام الذي استأذن له رباح وقال هنا: ليس عنده إلا بلال. وأجيب بأن حصر العندية في داخل الغرفة ورباح كان على أسكفة الباب وعند الإذن ناداه بلال وبلغه رباح (فقال): يا رسول الله (أطلقت نساءك؟ فقال): (لا ولكن آليت) أي حلفت (منهن) أن لا أدخل عليهن (شهرًا. فمكث) عليه الصلاة والسلام (تسعًا وعشرين) يومًا من يوم حلفه (ثم دخل على نسائه). وفيه مشروعية هجر الرجل امرأته إذا وقع منها ما يقتضي ذلك كالنشوز كما قال تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع} أي إن نشزن {واضربوهن} [النساء: 34] أي إن أصررن على النشوز وأفهم قوله في المضاجع أنه لا يهجرها في الكلام، وهو صحيح فيما إذا زاد على ثلاثة أيام ويجوز في الثلاثة كما قاله في الروضة للحديث الصحيح لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فإن رجي بالهجر صلاح دين للهاجر أو المهجور فلا يحرم وعليه يحمل هجره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كعب بن مالك وصاحبيه ونهيه الصحابة عن كلامهم وكذا ما جاء من هجر السلف بعضهم بعضًا. 93 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ، وَقَوْلِهِ: {وَاضْرِبُوهُنَّ} ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ (باب ما يكره) للتحريم (من ضرب النساء) الضرب المبرح (وقوله) تعالى: ({واضربوهن} ضربًا غير مبرح) بتشديد الراء المكسورة أي غير شديد الأذى بحيث لا يحصل معه النفور التام ولأبي ذر وقول الله واضربوهن أي ضربًا غير مبرح. 5204 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عبد الله بن زمعة) بفتح الزاي والعين المهملة بينهما ميم ساكنة ابن الأسود بن المطلب (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يجلد) بالجزم على النهي أي لا يضرب (أحدكم امرأته) وعند الإسماعيلي عن أحمد بن سفيان النسائي عن محمد بن يوسف الفريابي بصيغة الخبر وعند أحمد من رواية أبي معاوية إلام يجلد، وعنده من رواية وكيع علام يجلد وعنده من رواية ابن عيينة وعظمهم في النساء فقال يضرب أحدكم امرأته (جلد العبد) بالنصب أي مثل جلد العبد (ثم يجامعها في آخر اليوم) وفي الترمذي مصححًا: ثم لعله أن يضاجعها من آخر يومه وفيه تأديب الرقيق بالضرب الشديد والإيماء إلى جواز ضرب النساء دون ذلك، وإليه أشار المصنف بقوله: غير مبرح وإنما يباح ضربها من أجل عصيانها زوجها فيما يجب من حقه عليها بأن تكون ناشزة كأن يدعوها للوطء فتأبى أو تخرج من المنزل بغير إذنه فيعظها بظهور أمارة النشوز كالعبوس

94 - باب لا تطيع المرأة زوجها في معصية

بعد طلاقة الوجه والكلام الخشن بعد لينه فيقول لها نحو: اتقي الله في الحق الواجب لي عليك واحذري العقوبة ويضربها بتحققه لقوله تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن} [النساء: 34] قال في الكشاف أمر بوعظهن أوّلًا ثم بهجرانهن في المضاجع ثم بالضرب إن لم ينجع فيهن الوعظ والهجران انتهى. لكن قال في الانتصاف: الترتيب الذي أشار إليه الزمخشري غير مأخوذ من الآية لأنها واردة بواو العطف وإنما استفيد من أدلة خارجة. قال الطيبي: ما أظهر دلالة الفاء في قوله {فعظوهن} على الترتيب وكذا قضية الترتيب في الرفق والنظم فإن قوله: {فالصالحات} وقوله: {واللاتي تخافون نشوزهن} تفصيل لما أجمل في قوله: {الرجال قوّامون على النساء} كما سبق أخبر الله تعالى بتفضيل الرجال على النساء وقوامهم عليهن ثم فصل النساء قسمين، إما قانتات صالحات يحفظن أزواجهن في الحضور والغيبة فعلى الرجال الشفقة عليهن، وإما ناشزات غير مطيعات فعلى الرجال الترفق بهن أوّلًا بالوعظ والنصيحة فإن لم ينجع الوعظ فيهن فبالهجران والتفرق في مضاجعهن ثانيًا ثم التأديب بالضرب لأن المقصود الإصلاح والدخول في الطاعة لقوله تعالى: {فإن أطعنكم} فرتب الوعظ على الخوف من النشوز فلا بدّ من تقديمه على قرينيه انتهى. والأولى له العفو عن الضرب. وحديث أبي داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم عن إياس بن عبد الله بن ذباب بضم المعجمة وبموحدتين الأولى خفيفة رفعه: لا تضربوا إماء الله محمول على الضرب بغير سبب يقتضيه أو على العفو لا على النسخ إذ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع وعلمنا التاريخ ولو كان الضرب غير مفيد في ذلك في ظنه فلا يضربها كما صرح به الإمام، وينبغي أن يتولى تأديبها بنفسه ولا يرفعها إلى القاضي ليؤدبها لما فيه من المشقّة والعار والتنفير للقلوب، لكن قال الزركشي: ينبغي تخصيص ذلك بما إذا لم يكن بينهما عداوة وإلاّ فيتعين الرفع إلى القاضي. وللزوج منع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها والأولى خلافه. ولما كان هذا الباب فيه ندب المرأة إلى طاعة زوجها خصص ذلك بما لا يكون فيه معصية فقال: 94 - باب لاَ تُطِيعُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا فِي مَعْصِيَةٍ هذا (باب) بالتنوين (لا تطيع المرأة زوجها في معصية). 5205 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنِ الْحَسَنِ هُوَ ابْنُ مُسْلِمٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ زَوَّجَتِ ابْنَتَهَا فَتَمَعَّطَ شَعَرُ رَأْسِهَا، فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجَهَا أَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ فِي شَعَرِهَا فَقَالَ: «لاَ، إِنَّهُ قَدْ لُعِنَ الْمُوصِلاَتُ». [الحديث 5205 - أطرافه في: 5934]. وبه قال: (حدثنا خلاد بن يحيى) السلمي بضم السين الكوفي سكن مكة قال: (حدّثنا إبراهيم بن نافع) المخزومي (عن الحسن) بفتح الحاء (هو ابن مسلم) بن يناق (عن صفية) بنت شيبة المكية (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن امرأة من الأنصار زوّجت ابنتها فتمعط) بتشديد العين وبالطاء الخفيفة المهملتين أي تناثر وانتتف من أصله (شعر رأسها فجاءت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكرت ذلك له فقالت: إن زوجها أمرني أن أصل في شعرها) شيئًا (فقال) عليه الصلاة والسلام لها: (لا) تصلي فيه (إنه قد لعن الموصلات) بضم اللام مبنيًّا للمفعول والموصلات بضم الميم وسكون الواو وكسر الصاد. وقال في الفتح: بكسر الصاد المشدّدة ويجوز فتحها مرفوع نائب الفاعل، ولأبي ذر عن الكشميهني الموصولات بفتح الميم وسكون الواو وضم الصاد بعدها واو، وهذا الحديث حجة للجمهور في منع وصل الشعر بشيء آخر سواء كان شعرًا أو غيره، وذهب بعضهم إلى أن الممتنع وصل الشعر بالشعر أما إذا وصلت بنحو خرقة فلا، وفي حديث سعيد بن جبير عند أبي داود بسند صحيح، قال: لا بأس بالقرامل بالقاف والراء والميم واللام نبات طويل الفروع لين، والمراد به هنا خيوط الشعر من حرير أو صوف تعمل ضفائر تصل بها المرأة شعرها ومنهم من أجازه مطلقًا إذا كان بعلم الزوج وإذنه لكن حديث الباب حجة عليهم. ومطابقة الحديث الترجمة تؤخذ من المعنى فلو دعاها الزوج إلى معصية وجب عليها الامتناع، وبقية مباحث الحديث تأتي في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته، وقد أخرجه مسلم في اللباس والنسائي في الزينة. 95 - باب {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وإن امرأة خافت

96 - باب العزل

من بعلها نشوزًا أو إعراضًا}) [النساء: 128]. 0000 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} قَالَتْ: هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ لاَ يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا، فَيُرِيدُ طَلاَقَهَا وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا، تَقُولُ لَهُ: أَمْسِكْنِي وَلاَ تُطَلِّقْنِي، ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِي، فَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيَّ وَالْقِسْمَةِ لِي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}. وبه قال: (حدّثنا ابن سلام) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد محمد بن سلام قال: (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن حازم (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- ({وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} قالت: هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها) أي لا يستكثر من مصاحبتها ونحو ذلك لكبر سن أو مرض ويهم بطلاقها (فيريد طلائها ويتزوّج) امرأة (غيرها تقول) ولأبي ذر وتقول (له): حال كونها تسترضيه بترك بعض حقها (أمسكني ولا تطلقني ثم تزوّج غيري فأنت في حِلٍّ من النفقة عليّ والقسمة لي فذلك قوله تعالى: {فلا جناح عليهما أن يصالحًا بينهما}) أصله أن يتصالحا فأبدلت التاء صادًا وأدغمت ({صلحًا}) [النساء: 128] على أن تطيب له نفسًا عن القسمة أو عن بعضها أو عن النفقة أو عنهما ({والصلح خير}) من الفرقة أو من النشوز أو من الخصومة في كل شيء أو الصلح خير من الخيور كما أن الخصومة شرّ من الشرور، وعند الحاكم من طريق ابن المسيب عن رافع بن خديج أنه كان تحته امرأة فتزوّج عليها شابة فآثر البكر عليها فنازعته وطلقها، ثم قال: إن شئت راجعتك وصبرت. فقالت: راجعني، فراجعها ثم لم تصبر فطلقها، قال: فذلك الصلح الذي بلغنا أن الله أنزل فيه هذه الآية. وفي الترمذي أنها من حديث ابن عباس قال: خشيت سودة أن يطلقها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله لا تطلقني واجعل يومي لعائشة ففعل، ونزلت هذه الآية. وله شاهد في الصحيحين من حديث عائشة أن سودة لما كبرت جعلت نوبتها لعائشة، فكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقسم لها ليلتها ويوم سودة ولم يذكر فيه نزول الآية. 96 - باب الْعَزْلِ وحديث الباب سبق في سورة النساء (باب) حكم (العزل) بعد الإيلاج لينزل منيه خارج الفرج تحرزًا من الولد وهو مكروه، وإن أذنت فيه المعزول عنها حرّة كانت أو أمة لأنه طريق إلى قطع النسل، ولذا روي العزل الوأد الخفي، رواه مسلم وخرج بالتحرّز عن الولد ما لو عنّ له أن ينزع ذكره قرب الإنزال لا للتحرز عن الولد فلا يكره، وقال النووي: قال أصحابنا لا يحرم في مملوكته ولا زوجته الأمة سواء رضيت أم لا لأن عليه ضررًا في مملوكته بأن تصير أم ولد يجوز بيعها، وفي زوجته الرقيقة بمصير ولده رقيقًا تبعًا لأمه أما زوجته الحرة فإن أذنت فيه لم يحرم وإلا فوجهان أصحهما لا يحرم، واستدلوا بحديث البخاري حيث قال: 5207 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 5207 - أطرافه في: 5208، 5209]. (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر) الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا نعزل) أي ننزل بعد الجماع خارج الفرج خوف الولد (على عهد النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) على زمنه فالظاهر اطّلاعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقرّه فله حكم الرفع لتوفّر دواعيهم على سؤالهم إياه عن الأحكام فإن لم يضف إلى الزمن النبوي فله أيضًا حكم الرفع عند قوم والحديث من أفراده بهذا الوجه. 5208 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرًا رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة. 5209 - وَعَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ. (قال عمرو) هو ابن دينار (أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح أنه (سمع جابرًا رضي الله عنه) أنه (قال: كنا نعزل) بنون مفتوحة والزاي مكسورة (والقرآن ينزل، وعن عمرو) أي ابن دينار (عن عطاء عن جابر قال: كنا نعزل على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر عن الكشميهني كان يعزل بتحتية مضمومة بدل النون وفتح الزاي مبنيًّا للمفعول (والقرآن) أي والحال أن القرآن (ينزل) أي بتفاصيل الأحكام زاد في رواية إبراهيم بن موسى في روايته عن سفيان أنه قال حين روى هذا الحديث أي لو كان حرامًا لنزل فيه ولم يقل في هذه الرواية على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال في الفتح: وكان ابن عيينة حدّث به مرتين فمرة ذكر فيها الأخبار والسماع فلم يقل فيها على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومرة بالعنعنة فذكرها، وقد صرح جابر بوقوع ذلك على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد وردت عدّة طرق

97 - باب القرعة بين النساء إذا أراد سفرا

مصرّحة باطّلاعه على ذلك، وفي مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر قال: كنا نعزل على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبلغ ذلك نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم ينهنا، ومن وجه آخر عن أبي الزبير عن جابر أن رجلًا أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إن لي جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل فقال: "اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها" فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت قال: "قد أخبرتك". 5210 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَصَبْنَا سَبْيًا، فَكُنَّا نَعْزِلُ، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَوَ إِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ»؟ قَالَهَا ثَلاَثًا «مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلاَّ هِيَ كَائِنَةٌ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) بن عبيد بن مخراق البصري قال: (حدّثنا جويرية) بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري وهو عم عبد الله السابق (عن مالك بن أنس) الإمام (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن ابن محيريز) بالحاء المهملة والراء والزاي مصغرًا عبد الله الجمحي (عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- أنه (قال: أصبنا سبيًّا) أي جواري أخذناها من الكفار أُسراء في غزوة بني المصطلق، وفي رواية ربيعة في المغازي فسبينا كرائم العرب وطالت علينا الغربة (فكنا نعزل) عنهن كراهة مجيء الولد من الأمة أنفة أو خوف تعذر بيع الأمة إذا صارت أم ولد أو فرارًا من كثرة العيال إذا كان مقلاًّ فيرغب في قلة الولد لئلا يتضرر بتحصيل الكسب أو غير ذلك وزاد ربيعة فقلنا نفعل ذلك ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أظهرنا لا نسأله (فسألنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) عليه الصلاة والسلام: (أو أنكم) بفتح الهمزة والواو (لتفعلون) العزل المذكور (قالها ثلاثًا) وظاهره أنه عليه الصلاة والسلام ما كان اطّلع على فعلهم ذلك. واستشكل مع قولهم أن الصحابي إذا قال: كنا نفعل كذا على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يكون مرفوعًا لأن الظاهر إطلاعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وأجيب: بأن دواعيهم -رضي الله عنهم- كانت متوفرة على سؤاله عن أمور الدين فإذا عملوا الشيء وعلموا أنه لم يطلع عليه بادروا إلى السؤال عن الحكم فيه فيكون الظهور من هذه الحيثية قاله فى الفتح. (ما من نسمة) أي نفس (كائنة) أي قدّر كونها (إلى يوم القيامة إلا هي كائنة) سواء عزلتم أو لا فلا فائدة في عزلكم فإنه إن كان الله قدّر خلقها سبقكم الماء فلا ينفعكم الحرص، وقد خلق الله آدم من غير ذكر ولا أُنثى وخلق حوّاء من ضلع منه وعيسى من غير ذكر، وعند أحمد والبزار وصححه ابن حبان من حديث أنس أن رجلًا سأل عن العزل فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لو أن الماء الذي أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولدًا". وقول ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل مردود بما سبق من الخلاف، وبأن المرأة لا حق لها في الجماع أصلًا. واحتج للمانعين بحديث عمر عند ابن ماجة نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها، وفي إسناده ابن لهيعة، وجزم بعض الشافعية بالمنع إذا امتنعت، واتفقت المذاهب الثلاثة على أنه لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها وأن الأمة يعزل عنها بغير إذنها. قال في الفتح: وينتزع من حكم العزل حكم معالجة المرأة إسقاط النطفة قبل نفخ الروح، فمن قال: بالمنع هناك ففي هذا أولى، ومن قال بالجواز يمكن أن يلتحق به هذا، ويمكن أن يفرق بأنه أشد لأن العزل لم يقع فيه تعاطي السبب ومعالجة السقط تقع بعد تعاطي السبب، ويلتحق بهذه المسألة تعاطي المرأة ما يقطع الحبل من أصلبه وقد أفتى بعض متأخري الشافعية بالمنع وهو مشكل على القول بإباحة العزل مطلقًا. وهذا الحديث سبق في البيوع. 97 - باب الْقُرْعَةِ بَيْنَ النِّسَاءِ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا (باب القرعة بين النساء إذا أراد) الرجل (سفرًا) وأراد أخذ إحدى زوجاته معه. 5211 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَطَارَتِ الْقُرْعَةُ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ يَتَحَدَّثُ، فَقَالَتْ: حَفْصَةُ أَلاَ تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ بَعِيرِي وَأَرْكَبُ بَعِيرَكِ تَنْظُرِينَ وَأَنْظُرُ، فَقَالَتْ: بَلَى فَرَكِبَتْ فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى جَمَلِ عَائِشَةَ وَعَلَيْهِ حَفْصَةُ فَسَلَّمَ عَلَيْهَا ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلُوا وَافْتَقَدَتْهُ عَائِشَةُ، فَلَمَّا نَزَلُوا جَعَلَتْ رِجْلَيْهَا بَيْنَ الإِذْخِرِ وَتَقُولُ: يَا رَبِّ سَلِّطْ عَلَيَّ عَقْرَبًا أَوْ حَيَّةً تَلْدَغُنِي وَلاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقُولَ لَهُ شَيْئًا. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عبد الواحد بن أيمن) المخزومي المكي (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن أبي مليكة) عبد الله (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصدّيق (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا خرج) إلى سفر (أقرع بين نسائه) فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه (فطارت القرعة) أي حصلت (لعائشة

98 - باب المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها، وكيف يقسم ذلك

وحفصة، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا كان بالليل سار مع عائشة) حال كونه (يتحدّث) معها (فقالت حفصة) أي لعائشة لما حصل لها من الغيرة: (ألا) بتخفيف اللام (تركبين الليلة) هذه (بعيري وأركب بعيرك تنظرين) إلى ما لم تنظري إليه (وأنظر) أنا إلى ما لم أكن نظرته (فقالت) لها عائشة لما شوّقتها إليه من النظر (بلى فركبت) كل واحدة منهما بعير الأخرى (فجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى جمل عائشة) يظنها عليه (وعليه حفصة فسلّم عليها) ولم يذكر في هذه الرواية أنه تحدّث معها (ثم سار حتى نزلوا وافتقدته) عليه الصلاة والسلام (عائشة) -رضي الله عنها- حالة المسايرة (فلما نزلوا جعلت) عائشة (رجليها بين الإذخر) بالذال الحشيش الطيب الريح المعروف تكون فيه الهوام في البرية غالبًا (وتقول: يا رب) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني رب بإسقاط حرف النداء (سلط عليّ عقربًا أو حيّة تلدغني) بالدال المهملة والغين المعجمة. قالت ذلك لأنها عرفت أنها الجانية فيما أجابت إليه حفصة (ولا أستطيع) أي قالت عائشة ولا أستطيع (أن أقول له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (شيئًا) أي لأنه ما كان يعذرني في ذلك، ولمسلم بعد قوله تلدغني رسولك لا أستطيع أن أقول له شيئًا أي هو رسولك. وعند الإسماعيلي ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينظر ولا أستطيع أن أقول له شيئًا أي لا تستطيع أن تقول في حقه شيئًا ولم تتعرض لحفصة لأنها هي التي أجابتها طائعة فعادت على نفسها باللوم. وفي الحديث مشروعية القرعة فيما ذكر. وقال أصحابنا: لا يجوز للزوج السفر ببعض أزواجه إلا بالقرعة إذا تنازعن وإذا سافر بإحداهن بها فلا قضاء عليه إذ لم ينقل عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضاء بعد عودة فصار سقوط القضاء من رخص السفر ولأن المسافرة معه وإن فازت بصحبته فقد تعبت بالسفر ومشاقه وهذا في السفر مباح ولو كان قصيرًا أما غير المباح فليس له أن يسافر بها فيه بقرعة ولا بغيرها فإن سافر بها حرم ولزمه القضاء للباقيات، وإذا نوى الإقامة بمقصده أو بمحل آخر في طريقه مدة تقطع الترخص للمسافر وهي أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج وجب القضاء، وإن أقام في مقصده أو غيره من غير نيّة قضى الزائد على مدة ترخص السفر فلو أقام لشغل ينتظر تنجزه في كل ساعة فلا يقضي إلى أن تمضي ثمانية عشر يومًا، وإن سافر ببعضهن لنقلة حرم عليه وقضى للباقيات، والمشهور عن المالكية والحنفية عدم اعتبار القرعة. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل والنسائي في عشرة النساء. 98 - باب الْمَرْأَةِ تَهَبُ يَوْمَهَا مِنْ زَوْجِهَا لِضَرَّتِهَا، وَكَيْفَ يُقْسِمُ ذَلِكَ (باب المرأة تهب يومها) المختص بها من القسم الكائن (من زوجها لضرتها وكيف يقسم ذلك) وقوله وكيف إلى آخره ساقط للمستملي والكشميهني. 5212 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ. وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) أبو غسان النهدي قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية الجعفي الكوفي (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة أن سودة بنت زمعة) بن قيس القرشية العامرية (وهبت يومها) وليلتها لما أسنّت وخافت أن يفارقها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لعائشة) فقبل ذلك منها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة) ويقسم لسائرهن يومًا يومًا. وفي هذا الحديث أنه إذا وهبت إحدى الزوجات حقها من القسم لمعينة ورضي بالهبة بات عند الموهوبة ليلتين ليلة لها وليلة للواهبة، وهذه الهبة ليست على قواعد الهبات ومن ثم لا يشترط رضا الموهوب لها بل يكفي رضًا الزوج لأن الحق مشترك بينه وبين الواهبة ومحل بياته عند الموهوبة ليلتين ما دامت الواهبة في نكاحه، فلو خرجت عن نكاحه لم يبت عند الموهوبة إلا ليلتها ولو كانت الليلتان متفرقتين لم يوالِ بينهما للموهوبة بل يفرقهما كما كانتا قبل لئلا يتأخر حق التي بينهما، ولأن الواهبة قد ترجع بين الليلتين والموالاة تفوّت حق الرجوع عليها، ولو وهبت حقها لجميع ضرّاتها أو أسقطته مطلقًا جعلها كالمعدومة فيسوّى بين الباقيات، ولو وهبته له فخص به

99 - باب العدل بين النساء {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء} -إلى قوله- {واسعا حكيما}

واحدة منهن ولو في كل دور واحدة جاز لأن الحق له فيضعه حيث شاء ثم ينظر في الليلتين أمتفرقتان أم لا وحكم ذلك كما سبق. وهذا الحديث أخرجه مسلم في النكاح. 99 - باب الْعَدْلِ بَيْنَ النِّسَاءِ {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} -إِلَى قَوْلِهِ- {وَاسِعًا حَكِيمًا} (باب) وجوب (العدل بين النساء) في النفقة والكسوة والقسم ({ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء}) أي ولن تطيقوا العدل بين النساء والتسوية حتى لا يقع ميل البتة فتمام العدل أن يسوّى بينهن بالقسمة والنفقة والتعهد والنظر والإقبال والمفاكهة وقيل أن تعدلوا في المحبة وقد كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع جلالة شأنه يقسم بين نسائه ويعدل ويقول "هذه قسمتي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك". رواه أصحاب السُّنن وصححه ابن حبان وقال الترمذي يعني به الحب (إلى قوله) تعالى: ({واسعًا}) بتحليل النكاح ({حكيمًا}) [النساء: 129، 130] بالإذن في السراح. وروى البيهقي عن ابن عباس في قوله: {ولن تستطيعوا} الآية. قال في الحب والجماع وسقط لأبي ذر قوله: إلى قوله: {واسعًا حكيمًا}. 100 - باب إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ هذا (باب) بالتنوين (إذا تزوّج) الرجل (البكر على الثيب) كيف يفعل وسقط التبويب ولاحقه لأبي ذر. 5213 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَلَكِنْ قَالَ: "السُّنَّةُ إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاَثًا". [الحديث 5213 - أطرافه في: 5214]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر) بموحدة مكسورة فمعجمة ساكنة ابن المفضل بن لاحق البصر قال: (حدّثنا خالد) الحذاء بن مهران (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (عن أنس) -رضي الله عنه-. قال أبو قلابة: أو أنس (ولو شئت أن أقول قال: النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لكنت صادقًا في تصريحي بالرفع إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكن المحافظة على اللفظ أولى (ولكن قال): (السُّنَّة) أي أنه مرفوع بطريق اجتهاده ولمسلم وأبي داود في آخر الحديث قال خالد: ولو شئت أن أقول رفعه لصدقت ولكنه قال: السُّنّة فبين أنه قول خالد لا شيخه أبي قلابة (إذا تزوج البكر) على الثيب (أقام عندها) وجوبًا (سبعًا) من الليالي وتدخل الأيام (وإذا تزوّج الثيب) على البكر (أقام عندها) وجوبًا (ثلاثًا) من الليالي ذلك والمعنى فيه زوال الحشمة بينهما والائتلاف وزيد للبكر لأن حياءها أكثر. وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه في النكاح. 101 - باب إِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ هذا (باب) بالتنوين (إذا تزوج) الرجل (الثيب على البكر). 5214 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَخَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَقَسَمَ، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلاَثًا ثُمَّ قَسَمَ، قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ إِنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ وَخَالِدٍ قَالَ خَالِدٌ: وَلَوْ شِئْتُ قُلْتُ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا يوسف بن راشد) نسبه لجده واسم أبيه موسى القطان الكوفي سكن بغداد قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (وخالد) الحذاء كلاهما (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي والظاهر كما قال الحافظ ابن حجر أن اللفظ لخالد (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: من السُّنّة) النبوية (إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام) وجوبًا (عندها سبعًا) من الليالي بأيامها متواليات فلو فرقها لم تحسب وقضاها لها متواليات وقضى بعد ذلك للأخريات ما فرّق (وقسم) بالواو بعد ذلك لهما (وإذا تزوج الثيب على البكر أقام) وجوبًا (عندها ثلاثًا) من الليالي بأيامها متواليات وخصت البكر بالسبع لما فيها من الحياء والخدر فتحتاج إلى فضل إمهال وصبر وتأنٍّ ورفق والثيب قد جربت الرجال إلا أنها من حيث استجدت الصحبة أكرمت بزيادة الموصلة وهي الثلاث (ثم قسم) بعد ذلك ولا يحسب السبع ولا الثلاث عليهما بل يستأنف القسمة. وعند الإسماعيلي وأبي نعيم بلفظ ثم في الموضعين: ولا يتخلف بسبب حق الزفاف عن الخروج للجماعات ولسائر أعمال البر كعيادة مريض مدّة الثلاث أو السبع إلا ليلًا فله التخلف وجوبًا تقديمًا للواجب على المندوب، لكن قال الأذرعي أن نصوص الشافعي أن الليل كالنهار في استحباب الخروج لذلك. (قال أبو قلابة: ولو شئت لقلت إن أنسًا رفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي ولكنه تحرز عن التلفظ به تورعًا. (وقال عبد الرزاق) مما وصله مسلم (أخبرنا سفيان) الثوري (عن أيوب) السختياني (وخالد) الحذاء يعني بهذا الإسناد والمتن (قال خالد) الحذاء: (ولو شئت قلت رفعه) أي الحديث (إلى النبي

102 - باب من طاف على نسائه في غسل واحد

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أيوب من رواية عبد الوهاب الثقفي عنه عن أبي قلابة عن أنس قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فصرح برفعه. 102 - باب مَنْ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ (باب من طاف على نسائه) جامعهن (في غسل واحد). 5215 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ. وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) أي ابن نصر البصري سكن بغداد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا قال: (حدّثنا سعيد) أي ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (أن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (حدّثهم أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يطوف على نسائه) يجامعهن (في الليلة الواحدة) بغسل واحد (وله يومئذٍ تسع نسوة) وسريتان مارية وريحانة لأنه كان أعطي قوّة ثلاثين كما في آخر هذا الحديث في باب: إذا جامع ثم عاد، ومن دار على نسائه في غُسل واحد من كتاب الغسل، بل عند الإسماعيلي قوّة أربعين. وزاد أبو نعيم عن مجاهد كل رجل منهم من أهل الجنة وصحح الترمذي حديث أنس مرفوعًا: يعطي المؤمن في الجنة قوّة كذا وكذا قيل: يا رسول الله أو يطيق ذلك؟ قال: "يعطى قوّة مائة". وحينئذٍ فالحاصل من ضربها في مائة أربعة آلاف، وقد كانت العرب تتباهى بقوّة النكاح كما كانوا يمدحون قلة الطعام والاجتزاء بالعلقة، فاختار الله تعالى لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأمرين فكان يطوي الأيام لا يأكل حتى يشدّ الحجر على بطنه ومع ذلك يطوف على نساءه في الساعة الواحدة واحتج به من قال: إن القسم ما كان واجبًا عليه وهو وجه لأصحابنا الشافعية أو أن ذلك باستطابتهن أو غير ذلك من الأجوبة السابقة في الغسل. فإن قلت: ليس في الحديث مطابقة للترجمة. فالجواب: أنه أشار إلى ما روي في بعض طرقه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يطوف على نسائه في غسل واحد رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. 103 - باب دُخُولِ الرَّجُلِ عَلَى نِسَائِهِ فِي الْيَوْمِ (باب) حكم (دخول الرجل على نسائه في اليوم) ليعلم أن عماد القسم الليل لأنه وقت السكوت والنهار تابع له إلا نحو الحارس والخفير فإن نهاره ليله فهو عماد قسمه لأنه وقت سكونه فلو دخل من عماد قسمه الليل على إحدى زوجاته في ليلة غيرها ولو لحاجة حرم إلا لضرورة كمرضها المخوف ويقضي إن طال الزمن، وأما النهار فلا يجوز دخوله فيه على الأخرى إلا لحاجة كعيادة ووضع متاع وتسليم نفقة ولو استمتع عند دخوله لحاجة بغير الجماع جاز ولا يخص واحدة بالدخول فلو دخل عليها بلا حاجة قضى لتعدّيه. 5216 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَاحْتَبَسَ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَحْتَبِسُ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (فروة) بالفاء المفتوحة والراء الساكنة والواو المفتوحة ابن أبي المغراء الكوفي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (علي بن مسهر) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة - رضي الله عنها -) أنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا انصرف من العصر) أي فرغ من صلاة العصر (دخل على نسائه فيدنو من إحداهن) زاد ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة بغير وقاع (فدخل على حفصة) بنت عمر -رضي الله عنهما- (فاحتبس) عندها (أكثر ما) ولأبي ذر أكثر مما (كان يحتبس) الحديث. وتمامه يأتي إن شاء الله تعالى بمباحثه في باب {لم تحرم ما أحل الله لك} [التحريم: 1] من كتاب الطلاق، وعند الإمام أحمد عن عائشة كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يطوف علينا جميعًا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي في نوبتها فيبيت عندها وصححه الحاكم. 104 - باب إِذَا اسْتَأْذَنَ الرَّجُلُ نِسَاءَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ بَعْضِهِنَّ فَأَذِنَّ لَهُ هذا (باب) بالتنوين (إذا استأذن الرجل نساءه في أن يمرّض في بيت بعضهن فأذن له) وأسقطن حقهن فكأنهن وهبن أيامهن لتلك. 5217 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ: هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا»؟ يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ فَأَذِنَ لَهُ أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ فِيهِ فِي بَيْتِي، فَقَبَضَهُ اللَّهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي، وَخَالَطَ رِيقُهُ رِيقِي. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال حدّثني) بالإفراد (سليمان بن بلال قال هشام بن عروة: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يسأل في مرضه الذي مات فيه: أين أنا غدًا أين أنا غدًا) مرتين استفهام استئذان منهن أن يكون عند عائشة على القول بوجوب القسم عليه أو لتطييب قلوبهن ومراعاة لخواطرهن (يريد يوم عائشة فأذن)

105 - باب حب الرجل بعض نسائه أفضل من بعض

بتخفيف النون وفي نسخة فأذن (له أزواجه يكون حيث شاء) من بيوت أزواجه (فكان في بيت عائشة حتى مات عندها قالت عائشة: فمات في اليوم الذي كان يدور عليَّ فيه في بيتي فقبضه الله وإن رأسه لبين نحري) بفتح النون موضع القلادة (وسحري) بفتح السين المهملة الرئة أي أنه مات وهو مستند إلى صدرها وما يحاذي سحرها منه، وقيل السحر ما لصق بالحلقوم من أعلى البطن وحكى القتيبي عن بعضهم أنه بالشين المعجمة والجيم وأنه سئل عن ذلك فشبك بين أصابعه وقدمها عن صدره كأنه يضم شيئًا إليه أي أنه مات وقد ضمته بيديها إلى نحرها وصدرها والشجر التشبيك وهو الذقن أيضًا قال ابن الأثير والمحفوظ: الأول (وخالط ريقه ريقي) لأنها أخذت سواكًا وسوّته بأسنانها وأعطته له عليه الصلاة والسلام فاستاك به كما في آخر الحديث في باب الوفاة النبوية. 105 - باب حُبِّ الرَّجُلِ بَعْضَ نِسَائِهِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ (باب) جواز (حب الرجل بعض نسائه أفضل من بعض) فلا يؤاخذ بميل قلبه إلى بعضهن ولا بعدم التسوية في الجماع لأن ذلك يتعلق بالنشاط والشهوة وهو لا يملك ذلك. 5218 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنهم- دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَقَالَ: يَا بُنَيَّةِ لاَ يَغُرَّنَّكِ هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُسْنُهَا حُبُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِيَّاهَا، يُرِيدُ عَائِشَةَ فَقَصَصْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَبَسَّمَ. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) العامري الأويسي قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن عبيد بن حنين) بضم العين والحاء المهملتين فيهما مصغرين مولى زيد بن الخطاب أنه (سمع ابن عباس) يحدّث (عن عمر -رضي الله عنهم-) أنه (دخل على حفصة) ابنته لما قال له جاره الأنصاري أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طلق نساءه (فقال) لها (يا بنية) بكسر التاء في الفرع كأصله (لا يغرنك) بتشديد الراء والنون (هذه التي أعجبها حسنها حب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياها يريد عائشة) ولمسلم من رواية سليمان بن بلال وحب بواو العطف، وللطيالسي: لا تغتري بحسن عائشة وحب رسول الله إياها وحينئذٍ يحب هنا رفع عطف على سابقه وحذف حرف العطف، لكن قال السهيلي: بعد أن حكى ذلك عن بعضهم وليس كما قال بل هو مرفوع على البدل من الفاعل الذي في أول الكلام وهو هذه من قول عمر: لا يغرنك هذه، فهذه فاعل والتي نعت وحب بدل اشتمال كما تقول أعجبني يوم الجمعة صوم فيه وسرني زيد حب الناس له انتهى. قال الحافظ ابن حجر: وثبوت الواو يردّ على ردّه، وقال عياض: يجوز في حب الرفع على أنه عطف بيان أو بدل اشتمال أو على حذف حرف العطف قال: وضبطه بعضهم بالنصب على نزع الخافض، وقال السفاقسي: حب فاعل وحسنها نصب مفعول من أجله والتقدير أعجبها حب رسول الله إياها من أجل حسنها قال: والضمير الذي يلي أعجبها منصوب فلا يصح إبدال الحسن منه ولا الحب قال عمر: (فقصصت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) القصة (فتبسم) الحديث. وسبق بتمامه في باب موعظة الرجل ابنته. 106 - باب الْمُتَشَبِّعِ بِمَا لَمْ يَنَلْ، وَمَا يُنْهَى مِنِ افْتِخَارِ الضَّرَّةِ (باب) ذم (المتشبع بما لم ينل) يتكثر بذلك ويتزين بالباطل (وما ينهى) بضم الياء وفتح الهاء (من افتخار الضرة) بادعائها الحظوة عند زوجها أكثر مما لها عنده تريد بذلك غيظها. 5219 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم (عن هشام) هو ابن عروة (عن فاطمة) بنت المنذر بن الزبير (عن أسماء) بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال المؤلّف: 0000 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي ضَرَّةً، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ». (وحدّثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي الحافظ وسقط واو وحدّثني لغير أبي ذر قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام) هو ابن عروة بن الزبير قال: (حدّثتني) بالتاء والإفراد (فاطمة) بنت المنذر (عن أسماء) بنت أبي بكر (أن امرأة) في أسماء نفسها (وقالت: يا رسول الله إن لي ضرة) هي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط (فهل عليّ جناح) إثم (إن تشبعت من زوجي) الزبير بن العوّام كذا سمى المرأة وضرتها في المقدمة لكنه قال في الفتح: لم أقف على تعيين هذه المرأة ولا على تعيين زوجها (غير الذي يعطيني) ولمسلم من حديث عائشة أن امرأة قالت: يا رسول الله

107 - باب الغيرة. وقال وراد عن المغيرة قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه، والله أغير مني»

أقول وإن زوجي أعطاني ما لم يعطني (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): وسقط قوله فقال رسول الله: إلى آخره لأبي ذر. (المتشبع) المتكثر (بما لم يعط) يتجمل بذلك كالذي يرى أنه ثمبعان وليس كذلك (كلابس ثوبي زور). قال السفاقسي: هو أن يلبس ثوبي وديعة أو عارية يظن الناس أنهما له ولباسهما لا يدوم فيفتضح بكذبه وأراد بذلك تنفير المرأة عما ذكرت خوفًا من الفساد بين زوجها وضرتها فتورث بينهما البغضاء، وقال الخطابي: هذا يتأول على وجهين: أحدهما أن الثوب مثل المتشبع بما لم يعط كصاحب زور وكذب كما يقال: للرجل إذا وصف بالبراءة عن العيوب أنه طاهر الثوب والمراد طهارة نفسه، والثاني: أن يراد به نفس الثوب قالوا: كان في الحي رجل له هيئة حسنة إذا احتاجوا إلى شهادة الزور شهد لهم فيقبل لهيئته وحسن ثوبيه، وقيل: هو أن يلبس قميصًا يصل بكمه كما آخر يرى أنه لابس قميصين أو هو المرائي يلبس ثياب الزهاد ليظن أنه زاهد وليس به، وفي الفائق للزمخشري المتشبع المتشبه بالشبعان وليس به واستعير للمتحلي بفضيلة لم يرزقها وشبه بلابس ثوبي زور أي ذي زور، وهو الذي يزوّر على الناس بأن يتزيا بزي أهل الصلاح رياء وأضاف الثوبين إليه لأنهما كانا ملبوسين لأجله وهو المسوغ للإضافة وأراد بالتشبيه أن المتحلي بما ليس فيه كمن لبس ثوبي الزور ارتدى بأحدهما واتزر بالآخر، وقال الكرماني: معناه المظهر للشبع وهو جائع كالمزور الكاذب المتلبس بالباطل وشبه الشبع بلبس الثوب بجامع أنهما يغشيان الشخص تشبيهًا حقيقيًّا أو تخييليًّا كذا قرّره السكاكي في قوله تعالى: {فأذاقها الله لباس الجوع والخوف} [النحل: 112]. فإن قلت: ما فائدة التثنية؟ قلت: المبالغة إشعارًا بالاتزار والارتداء يعني هو زور من رأسه إلى قدمه أو الإعلام بأن في المتشبع حالتين مكروهتين فقدان ما تشبع به وإظهار الباطل. 107 - باب الْغَيْرَةِ. وَقَالَ وَرَّادٌ عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفِحٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي» (باب الغيرة) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص وأشد ذلك ما يكون بين الزوجين. (وقال وراد) بفتح الواو والراء المشددة وبعد الألف دال مهملة مولى المغيرة وكاتبه فيما وصله المؤلّف مطولًا في الحدود (عن المغيرة) بن شعبة أنه قال: (قال سعد بن عبادة) الخزرجي الساعدي: (لو رأيت رجلًا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح) بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح الفاء وكسرها أي غير ضارب بعرضه بل بحده للقتل والإهلاك لا بعرضه للزجر والإرهاب، قال القاضي عياض: فمن فتح جعله وصفًا للسيف وحالًا منه، ومن كسر جعله وصفًا للضارب وحالًا منه وفي حديث ابن عباس عند أحمد واللفظ له وأبي داود والحاكم لما نزلت هذه الآية {والذين يرمون المحصنات} [النور: 4] الآية قال سعد بن عبادة: أهكذا أنزلت فلو وجدت لكاع يفتخذها رجل لم يكن لي أن أحركه ولا أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء فوالله لا آتي بأربعة شهداء حتى يقضي حاجته فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم"؟ قالوا: يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور والله ما تزوّج امرأة قط إلا عذراء ولا طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا أن يتزوّجها من شدّة غيرته فقال سعد: والله إني لأعلم يا رسول الله إنه لحق وإنها من عند الله ولكني عجبت (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (تعجبون من غيرة سعد) بهمزة الاستفهام الاستخباري أو الإنكاري أي لا تعجبوا من غيرة سعد (لأنا أغير منه) بلام التأكيد (والله أغير مني) وغيرته تعالى: تحريمه الفواحش والزجر عنها والمنع منها لأن الغيور هو الذي يزجر عما يغار عليه. 5220 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفصر) قال: (حدّثنا أبي) هو حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن شفيق) أبي وائل بن سلمة (عن عبد الله بن مسعود) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما من أحد أغير من الله) ما يجوز أن تكون حجازية فأغير منصوب على الخبر وأن تكون تميمية فأغير مرفوع ومن زائدة على اللغتين

للتأكيد ويجوز إذا فتحت الراء من أغير أن تكون في موضع خفض على الصفة لأحد على اللفظ وإذا رفعت أن تكون صفة له على الموضع وعليهما فالخبر محذوف تقديره موجود وقد أولوا الغيرة من الله بالزجر والتحريم كما مر ولذا قال: (من أجل ذلك) أي من أجل أن الله أغير من كل أحد (حرم الفواحش) كل ما اشتد قبحه من المعاصي، وقال ابن العربي: التغير محُال على الله تعالى بالدلالة القطعية فيجب تأويله كالوعيد وإيقاع العقوبة بالفاعل ونحو ذلك انتهى. (وما أحد أحب إليه المدح من الله) برفع أحد اسم ما وأحب بالنصب خبرها على الحجازية وبرفع أحب خبر لأحد على التميمية ومصلحة المدح عائدة على المادح لما يناله من الثواب والله غني عن ذلك. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التوحيد ومسلم في التوبة والنسائي في التفسير. 5221 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَرَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ يَزْني. يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يا أمة محمد ما أحد أغير من الله) بنصب أغير خبر ما الحجازية (أن يرى عبده أو أمته يزني) بالتذكير للعبد أو بالتأنيث خبرًا للأمة وهذا مكتوب في الفرع مصلح على كشط وهو موافق لليونينية ولأصول معتمدة وفي غير ذلك من الأصول ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو أمته تزني وفي آخر أو تزني أمته بالتقديم والتأخير في هذه الأخيرة. وقال في فتح الباري: قوله يا أمة محمد ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو أمته كذا وقع عنده هنا عن عبد الله بن مسلمة عن مالك ووقع في سائر الروايات عن مالك أو تزني أمته على وزان الذي قبله فيظهر أنه من سبق القلم هنا، أو لعل لفظ تزني سقطت غلطًا من الأصل، ثم ألحقت فأخرها الناسخ عن محلها (يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم) من شؤم الزنا ووبال المعصية أو من أهوال القيامة (لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا) والقلة هنا بمعنى العدم كقوله قليل التشكي أي عديمه. وهذا الحديث سبق بأتم من هذا في الكسوف. 5222 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ حَدَّثَ عَنْ أُمِّهِ أَسْمَاءَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ شَيْءَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ»، وَعَنْ يَحْيَى أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى بن دينار (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (أن عروة بن الزبير) بن العوّام (حدّثه عن أمه أسماء) بنت أبي بكر الصديق (أنها سمعت رسول الله) ولأبي ذر سمعت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: لا شيء أغير من الله) بنصب أغير نعتًا لشيء المنصوب ورفعها على النعت لشيء على الموضع قبل دخول لا. 5223 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ». (وعن يحيى) بن أبي كثير عطف على السند السابق أي وحدّثنا موسى حدّثنا همام عن يحيى (أن أبا سلمة) بن عبد الرحمن (حدّثه أن أبا هريرة حدّثه أنه سمع النبي) ولأبي ذر أن أبا سلمة حدّثه أنه سمع أبا هريرة عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولم يسق المؤلّف المتن من رواية همام بل تحول إلى رواية شيبان فساقه على روايته والذي يظهر كما في الفتح أن لفظهما واحد فقال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال): (إن الله) تعالى (يغار) بفتح التحتية والغين المعجمة (وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله) عليه هذا الذي في الفرع كأصله، وقال الحافظ ابن حجر: وفي رواية أبي ذر وغيرة الله أن لا يأتي بزيادة لا قال وكذا رأيتها ثابتة في رواية النسفيّ، وأفرط الصغاني فقال كذا للجميع والصواب حذف لا كذا قال وما أدري ما أراد بالجميع بل أكثر رواة البخاري على حذفها وفاقًا لمن رواه غير البخاري كمسلم والترمذي وغيرهما، وقد وجّهها الكرماني وغيره بما حاصله أن غيرة الله ليست هي الإتيان ولا عدمه فلا بد من تقدير نحو لئلا يأتي أي غيرة الله عن النهي عن الإتيان. وقال الطيبي: التقدير غيرة الله ثابتة لأجل أن لا يأتي. قال الكرماني: وعلى تقدير أن لا يستقيم المعنى بإثبات لا فذلك دليل على زيادتها وقد عهدت زيادتها في الكلام كثيرًا نحو قوله: {ما منعك أن لا تسجد} [الأعراف: 12] {لئلا يعلم أهل

الكتاب} [الحديد: 29] انتهى. 5224 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلاَ مَمْلُوكٍ وَلاَ شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ وَغَيْرَ فَرَسِهِ، فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ وَأَسْتَقِي الْمَاءَ وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ، وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ، وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ، وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ، وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ، الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَأْسِي وَهْيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ: فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي، فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ: «إِخْ إِخْ»، لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ، وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ وَكَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي قَدِ اسْتَحْيَيْتُ، فَمَضَى، فَجِئْتُ الزُّبَيْرَ فَقُلْتُ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى رَأْسِي النَّوَى وَمَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَنَاخَ لأَرْكَبَ، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ قَالَتْ: حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ يَكْفِينِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ، فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي. وبه قال (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (محمود) هو ابن غيلان بالغين المعجمة المروزي قال (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا هشام قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن) أمه (أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-) أنها (قالت: تزوجني الزبير) بن العوّام بمكة (وما له في الأرض من مال) إبل أو أرض للزراعة (ولا مملوك) عبد ولا أمة (ولا شيء) من عطف العام على الخاص (غير ناضح) بعير يستقي عليه (وغير فرسه) أي وغير ما لا بدّ له منه من مسكن ونحوهما (فكنت أعلف فرسه) زاد مسلم وأكفيه مؤونته وأسوسه وأدق النوى لناضحه وأعلفه وعنده أيضًا من طريق أخرى، كنت أخدم خدمة البيت وكان له فرس وكنت أسوسه فلم يكن من خدمته شيء أشد عليّ من سياسة الفرس كنت أحتش له وأقوم عليه، (وأستقي) بالفوقية بعد السين المهملة وللكشميهني وأسقي بإسقاطها أي وأسقي الناضح أو الفرس (الماء) والرواية الأولى أشمل معنى وأكثر فائدة ولم تستثن الأرض التي كان أقطعها له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه لم يكن يملك أصل الرقبة بل منفعتها فقط (وأخرز غربه) بخاء وزاي معجمتين بينهما راء وغربه بفتح الغين المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة أي وأخيط دلوه (وأعجن) دقيقه (ولم أكن أحسن أخبز) بضم الهمزة في أحسن وفتحها في أخبز مع كسر الموحدة (وكان) أي لما قدمنا المدينة من مكة (يخبز) خبزي (جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدق) بإضافتهن إلى الصدق مبالغة في تلبسهن به في حسن العشرة والوفاء بالعهد (وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه) إياها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما أفاء الله عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أموال بني النضير (على رأسي وهي مني) أي من مكان سكني (على ثلثي فرسخ) بتثنية ثلث والفرسخ ثلاثة أميال وكل ميل أربعة آلاف خطوة (فجئت يومًا والنوى على رأسي فلقيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعه نفر من الأنصار فدعاني ثم قال): (إخ إخ) بكسر الهمزة وسكون الخاء المعجمة ينيخ بعيره (ليحملني) عليه (خلفه فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته وكان أغير الناس) أي بالنسبة إلى علمها أو إلى أبناء جنسه وعند الإسماعيلي وكان من أغير الناس (فعرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أني قد استحييت فمضى فجئت الزبير فقلت) له: (لقيني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ) بعيره (لأركب) خلفه (فاستحييت منه وعرفت غيرتك فقال) لها الزبير: (والله لحملك النوى كان أشد عليّ من ركوبك معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ لا عار فيه بخلاف حمل النوى فإنه ربما يتوهم منه خمسة نفسه ودناءة همته واللام في لحملك للتأكيد وحملك مصدر مضاف لفاعله والنوى مفعوله ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أشد عليك بزيادة كاف (قالت) ولو أزل أخدم (حتى أرسل إليّ أبو بكر بعد ذلك بخادم يكفيني) بالتحتية والفوقية المصحح عليها بالفرع كأصله (سياسة الفرس فكأنما أعتقني) وفيه أن على المرأة القيام بخدمة ما يحتاج إليه بعلها ويؤيده قصة فاطمة وشكواها ما تلقى من الرحى والجمهور على أنها متطوعة بذلك أو يختلف باختلاف عوائد البلاد. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الخمس مقتصرًا على قصة النوى ومسلم في النكاح والنسائي في عشرة النساء. 5225 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ: «غَارَتْ أُمُّكُمْ»، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا. وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ فِيهِ. وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله بن جعفر المديني قال: (حدّثنا ابن علية) بضم العين وفتح اللام وتشديد التحتية اسم أم إسماعيل بن إبراهيم (عن حميد) الطويل (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند بعض نسائه) هي عائشة -رضي الله عنها- (فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين) هي زينب بنت جحش أو صفية أو غيرهما (بصحفة) بفتح الصاد وسكون الحاء المهملتين إناء كالقصعة المبسوطة (فيها طعام فضربت) المرأة (التي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيتها) وهي عائشة (يد الخادم) الذي

108 - باب غيرة النساء ووجدهن

جاء بالصحفة (فسقطت الصحفة) من يده (فانفلقت) فانشقت (فجمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلق الصحفة) بكسر الفاء وفتح اللام جمع فلقة وهي القطعة ككسرة وكسر (ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول) للحاضرين عنده: (غارت أمكم) عائشة وفيه إشارة إلى عدم مؤاخذة الغيرى بما يصدر منها لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوبًا بشدة الغضب الذي أثارته الغيرة، وفي حديث عائشة المروي عند أبي يعلى بسند لا بأس به مرفوعًا: أن الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه، وعند البزار عن ابن مسعود رفعه إن الله كتب الغيرة على النساء فمن صبر منهن كان لها أجر شهيد (ثم حبس) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الخادم) عن الذهاب لصاحبة الصحفة (حتى أتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية (بصحفة من عند التي هو في بيتها) وهي عائشة (فدفع الصحفة الصحيحة) إلى الخادم يدفعها (إلى التي كسرت) بضم الكاف (صحفتها وأمسك) عليه الصلاة والسلام الصحفة (المكسورة في بيت التي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في البيت التي (كسرت فيه) كذا في الفرع فيه وسقطت من اليونينية قيل: وكانت القصعتان له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فله التصرف كلما يشاء فيهما، وإلاّ فليست القصعة من المثليات بل من المتقومات وإضافتهما باعتبار كونهما في منزلهما. 5226 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، أَوْ أَتَيْتُ الْجَنَّةَ، فَأَبْصَرْتُ قَصْرًا، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَلَمْ يَمْنَعْنِي إِلاَّ عِلْمِي بِغَيْرَتِكَ»، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَوَعَلَيْكَ أَغَارُ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن أبي بكر المقدمي) بفتح الدال المشددة قال: (حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) وسقط لأبي ذر ابن عبد الله (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): "أريت في المنام أني" (دخلت الجنة أو أتيت الجنة فأبصرت) فيها (قصرًا فقلت) لجبريل وغيره (لمن هذا) القصر؟ (قالوا) أي جبريل ومن معه من الملائكة (لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخله فلم يمنعني) من دخوله (إلا علمي بغيرتك) يا عمر (قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله) سقط لفظ ابن الخطاب يا رسول الله لأبي ذر (بأبي) أي أنت مفدى بأبي (أنت وأمي يا نبي الله أوعليك أغار)؟ بهمزة الاستفهام والواو العاطفة على مقدّر كما في أومخرجيَّ هم ونحوه. وهذا الحديث سبق في مناقب عمر. 5227 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جُلُوسٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا لِعُمَرَ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا». فَبَكَى عُمَرُ وَهْوَ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ قَالَ: أَوَعَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغَارُ؟ وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: بينما) بالميم (نحن عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جلوس فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بينما) بالميم ولأبي ذر بينا (أنا نائم رأيتني) بضم الفوقية والضمير للمتكلم وهو من خصائص أفعال القلوب أي رأيت نفسي (في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر) وضوءًا شرعيًا وهو مؤوّل بكونها كانت محافظة في الدنيا على العبادة ولا يلزم من كون الجنة ليست دار تكليف أن لا يصدر من أحد فيها شيء من العبادات باختياره (فقلت) أي لجبريل (لمن هذا)؟ القصر (قال) ولأبي ذر عن الكشميهني قالوا: أي جبريل ومن معه (هذا لعمر فذكرت غيرته) بضمير الغائب ولأبي ذر عن الكشميهني غيرتك بكاف الخطاب (فوليت مدبرًا، فبكى عمر) -رضي الله عنه- سرورًا بما منحه الله تعالى أو تشوقًا إليه (وهو في المجلس ثم قال: أو عليك يا رسول الله أغار) وسقط لأبي ذر الهمزة والواو من قوله أو عليك. 108 - باب غَيْرَةِ النِّسَاءِ وَوَجْدِهِنَّ (باب) حكم (غيرة النساء) بفتح الغين المعجمة (ووجدهن) بفتح الواو وسكون الجيم أي وغضبهن من أزواجهن فإن كان ذلك بسبب تحققهن ارتكاب محرم كالزنا أو انتقاص حقهن أو جور عليهن وإيثار ضرة فهي سائغة لا يتوهم في غير ريبة ولا إن كان مقسطًا بينهن ويعذرن بما فيهن مما طبعن عليه منها ما لم يتجاوزن إلى ما يحرم عليهن من قول أو فعل فيلمن عليه. 5228 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى»، قَالَتْ فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ غَضْبَى قُلْتِ لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ»، قَالَتْ: قُلْتُ أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ. [الحديث 5228 - في الأطراف: 6078]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبيد بن إسماعيل)

الهباري الكوفي واسمه في الأصل عبد الله قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إني لأعلم) شأنك (إذا كنت عني راضية وإذا كنت عليّ غضبى) قال في المصابيح: هذا مما ادّعى ابن مالك فيه أن إذا خرجت عن الظرفية وقعت مفعولًا والجمهور على أن إذا لا تخرج عن الظرفية فهي في الحديث ظرف لمحذوف هو مفعول أعلم وتقديره شأنك ونحوه (قالت: فقلت من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد وإذا كنت غضبى) ولأبي ذر عن الكشميهني وإذا كنت عليَّ غضبى (قلت لا ورب إبراهيم) فيه الحكم بالقرائن لأنه عليه الصلاة والسلام حكم برضا عائشة وغضبها بمجرد ذكرها اسمه الشريف وسكوتها، واستدل على كمال فطنتها وقوة ذكائها بتخصيصها إبراهيم عليه السلام دون غيره لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أولى الناس به كما في التنزيل فلما لم يكن لها بد من هجر اسمه الشريف أبدلته بمن هو منه بسبيل حتى لا تخرج عن دائرة التعلق في الجملة (قالت: قلت أجل) نعم (والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك) بلفظي فقط، ولا يترك قلبي التعلق بذاتك الشريفة مودة ومحبة كذا قرر معناه ابن المنير. وقال في شرح المشكاة: هذا الحصر في غاية من اللطف في الجواب لأنها أخبرت أنها إذا كانت في غاية من الغضب الذي يسلب العاقل اختياره لا يغيرها عن كمال المحبة المستغرقة ظاهرها وباطنها الممتزجة بروحها وإنما عبرت عن الترك بالهجران لتدل به على أنها تتألم من هذا الترك الذي لا اختيار لها فيه كما قال الشاعر: إني لأمنحك الصدود وإنني ... قسما إليك مع الصدود لأميل اهـ. واستدلّ به على أن الاسم غير المسمى إذ لو كان الاسم عين المسمى لكانت بهجره تهجر ذاته الشريفة وليس كذلك ولهذه المسألة مبحث يطول استيفاؤه يأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في كتاب التوحيد إنه الجواد الكريم الرؤوف الرحيم. وهذا الحديث أخرجه مسلم في فضل عائشة. 5229 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا النَّضْرُ عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ لِكَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِيَّاهَا وَثَنَائِهِ عَلَيْهَا وَقَدْ أُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ لَهَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (أحمد بن أبي رجاء) عبد الله الحنفي الهروي قال: (حدّثنا النضر) بنون مفتوحة وضاد معجمة ساكنة ابن شميل (عن هشام) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أنها قالت: ما غرت على امرأة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما غرت على خديجة لكثرة) أي لأجل كثرة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بكثرة بالموحدة بدل اللام أي بسبب كثرة (ذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياها وثنائه عليها) من عطف الخاص على العام وكثرة الذكر تدل على كثرة المحبة وذلك موجب للغيرة إذ أصل غيرة المرأة من تحيل محبة زوجها لضرّتها أكثر وفيه أنها كانت تغار من أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن لكن من خديجة أكثر لما ذكر وهي وإن لم تكن موجودة، وقد أمنت عائشة مشاركتها لها فيه عليه الصلاة والسلام، لكن ذلك يقتضي ترجيحها عنده عليه الصلاة والسلام فهو الذي هيج الغضب المثير للغيرة بحيث قالت: ما سبق في مناقب خديجة قد أبدلك الله خيرًا منها فقال عليه الصلاة والسلام: "ما أبدلني الله خيرًا منها" ومع ذلك فلم يؤاخذها لقيام معذرتها بالغيرة التي جبل عليها النساء (وقد أوحي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبشرها) بصيغة المضارع ولأبي ذر عن الكشميهني أن بشرها بصيغة الأمر (ببيت لها في الجنة من قصب) بفتح القاف والصاد المهملة بعدها موحدة. وعند الطبراني في الأوسط: يعني قصب اللؤلؤ وفي الكبير بيت من لؤلؤة مجوفة، وفي الأوسط من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت وهذا أيضًا من جملة أسباب الغيرة لأن اختصاصها بهذه البشرى يُشعِر بمزيد محبته عليه الصلاة والسلام لها. وعند الإسماعيلي قالت: ما حسدت امرأة

109 - باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف

قط ما حسدت خديجة حين بشرها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ببيت من قصب، وفي الحديث أن الغيرة غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء فضلًا عن دونهن وأفضلية خديجة. وروينا في كتاب مكة للفاكهاني عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان عند أبي طالب فاستأذنه أن يتوجه إلى خديجة فأذن له وبعث معه جارية له يقال لها نبعة فقال لها: انظري ما تقول له خديجة قالت نبعة فرأيت عجبًا ما هو إلا أن سمعت به خديجة فخرجت إلى الباب فأخذت بيده فضمتها إلى صدرها ونحرها ثم قالت: بأبي وأمي والله ما أفعل هذا لشيء، ولكني أرجو أن تكون النبي الذي يبعث فإن تكن هو فاعرف حقي ومنزلتي وادع الإله الذي يبعثك أن يبعثك لي قالت فقال لها: "والله لئن كنت أنا هو لقد اصطنعت عندي ما لا أضيعه أبدًا وإن يكن غيري فإن الإله الذي تصنعين هذا لأجله لا يضيعك أبدًا. وهذا الحديث سبق في باب تزويج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خديجة. 109 - باب ذَبِّ الرَّجُلِ عَنِ ابْنَتِهِ فِي الْغَيْرَةِ وَالإِنْصَافِ (باب ذب الرجل) بالذال المعجمة أي دفعه (عن ابنته في الغيرة و) طلب (الإنصاف) لها. 5230 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُوا فِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَلاَ آذَنُ، ثُمَّ لاَ آذَنُ، ثُمَّ لاَ آذَنُ إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا، وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعد البلخي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبد الرحمن (عن المسور بن مخرمة) بن نوفل الزهري أنه (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: وهو) أي والحال أنه (على المنبر): (إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا) ولأبي ذر عن الكشميهني: استأذنوني (في أن ينكحوا) بضم أوّله من أنكح (ابنتهم) جويرة أو العوراء أو جميلة بنت أبي جهل (علي بن أبي طالب) وبنو هشام هم أعمام بنت أبي جهل لأنه أبو الحكم عمرو بن هشام بن المغيرة وقد أسلم أخواه الحارث بن هشام وسلمة بن هشام عام الفتح، وعند الحاكم بسند صحيح إلى سويد بن غفلة أحد المخضرمين ممن أسلم في حياة النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يلقه قال: خطب علي بنت أبي جهل إلى عمها الحارث فاستشار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أعن حسبها تسألني؟ فقال: لا ولكن أتأمرني بها؟ قال: لا الحديث (فلا آذن) لهم في ذلك (ثم لا آذن) لهم في ذلك (ثم لا آذن) لهم بالتكرير ثلاثًا. قال الكرماني، فإن قلت: لا بد في العطف من المغايرة بين المعطوفين. وأجاب: بأن الثاني فيه مغايرة للأول لأن فيه تأكيدًا ليس في الأول، وفيه إشارة إلى تأبيد مدة منع الإذن كأنه أراد رفع المجاز لاحتمال أن يحمل النفي على مدة بعينها فقال: ثم لا آذن أي ولو مضت المدة المفروضة تقديرًا لا آذن بعدها ثم كذلك أبدًا. (إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم) بفتح الياء من ينكح (فإنما هي) أي فاطمة (بضعة) بفتح الموحدة وسكون المعجمة وحكي ضم الموحدة وكسرها أي قطعة لحم (مني يريبني) بضم أوله (ما أرابها) تقول أرابني فلان إذا رأيت منه ما تكرهه (ويؤذيني ما آذاها). وحينئذٍ فمن آذى فاطمة فقد آذى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأذاه حرام اتفاقًا. وزاد في رواية الزهري في الُخمس. "وأنا أتخوف أن تفتن في دينها وإني لست أحرم حلالًا ولا أحل حرامًا ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبنت عدو الله أبدًا". قال السفاقسي: أصح ما تحمل عليه هذه القصة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حرم على علي أن يجمع بين ابنته وابنة أبي جهل لأنه علل بأن ذلك يؤذيه وأذيته حرام بالإجماع ومعنى قوله لا أحرم حلالًا أي هي له حلال لو لم تكن عنده فاطمة وأما الجمع بينهما المستلزم تأذيه لتأذي فاطمة به فلا اهـ. ولا يبعد أن يكون من خصائصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا يتزوج على بناته أو هو خاص بفاطمة. وزاد في رواية غير أبي ذر هكذا قال: وهذا الحديث قد سبق في مناقب فاطمة ويأتي إن شاء الله تعالى في الطلاق. 110 - باب يَقِلُّ الرِّجَالُ وَيَكْثُرُ النِّسَاءُ، وَقَالَ أَبُو مُوسَى: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَتَرَى الرَّجُلَ الْوَاحِدَ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً، يَلُذْنَ بِهِ مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ» هذا (باب) بالتنوين (يقل الرجال ويكثر النساء) أي في آخر الزمان (وقال أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- فيما سبق موصولًا في باب الصدقة قبل الرد من كتاب الزكاة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (وترى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة) وللحموي والمستملي: نسوة

111 - باب لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم، والدخول على المغيبة

بدل امرأة وهو خلاف القياس (يلذن) بضم اللام وسكون المعجمة يستغثن (به) ويلتجئن (من قلة الرجال وكثرة النساء). 5231 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لاَ يُحَدِّثُكُمْ بِهِ أَحَدٌ غَيْرِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَكْثُرَ الْجَهْلُ، وَيَكْثُرَ الزِّنَا، وَيَكْثُرَ شُرْبُ الْخَمْرِ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ». وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر الحوضي) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو بعدها ضاد معجمة مكسورة قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال) والله (لأحدّثنكم حديثًا) ولأبي ذر بحديث (سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يحدّثكم به أحد غيري) لأنه آخر من مات بالبصرة من الصحابة أو كان إذ ذاك في آخر عمره حيث لن يبق بعده من الصحابة من ثبت سماعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا النادر ممن لم يكن هذا الحديث من مرويه وعند ابن ماجة لا يحدّثكم به أحد بعدي (سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن من أشراط الساعة) أي علاماتها (أن يرفع العلم) لكثرة قتل العلماء بسبب الفتن وفي كتاب العلم أن يقل العلم فيحتمل أن يكون المراد بالقلة أولًا وبالرفع آخرًا أو أطلقت القلة وأريد بها العدم كعكسه (ويكثر الجهل) بسبب رفع العلم (ويكثر الزنا ويكثر شرب الخمر ويقل الرجال ويكثر النساء) بسبب القتل في الرجال من كثرة الفتن دون النساء لأنهن لسن من ذوات الحرب وقيل بل هي علامة محضة لا بسبب آخر بل يقدر الله في آخر الزمان أن يقل من يولد من الذكور ويكثر من يولد من الإناث (حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد) أي من يقوم بأمرهن واللام للعهد إشارة إلى المعهود من كون الرجال قوّامين على النساء، ويحتمل أن يكنى بذلك عن اتباعهن لطلب النكاح حلالًا أو حرامًا. وقوله: لخمسين لا ينافي قوله في المعلق السابق أربعون لأن الأربعين داخلة في الخمسين، أو المراد المبالغة في كثرة النساء بالنسبة إلى الرجال أو الأربعين عدد من يلذن به، والخمسين عدد من يتبعه وهو أعم من أن يلذن به فلا منافاة. وقد روى علي بن سعيد في كتاب الطاعة والمعصية عن حذيفة قال: إذا عمت الفتنة ميز الله أولياءه حتى يتبع الرجل خمسون امرأة تقول: يا عبد الله استرني يا عبد الله آوني. قال في الفتح: وكأن هذه الأمور الخمسة خصت بالذكر لأشعارها باختلاف الأحوال التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد وهي الدين لأن رفع العلم يخل به والعقل لأن شرب الخمر يخل به والنسب لأن الزنا يخل به والنفس والمال لأن كثرة الفتن تخل بهما. وفي الحديث الإخبار بما سيقع. وهذا الحديث قد سبق في كتاب العلم. 111 - باب لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ ذُو مَحْرَمٍ، وَالدُّخُولُ عَلَى الْمُغِيبَةِ هذا (باب) بالتنوين (لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم) له بنسب أو رضاع أو مصاهرة فيحل لقوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن} [النور: 31] الآية ولأن المحرمية معنى يمنع المناكحة أبدًا فكانا كالرجلين والمرأتين ولا فرق في المحرم بين الكافر وغيره إلا إن كان الكافر من قوم يعتقدون حلّ المحارم كالمجوس امتنع خلوته (و) كذا لا يجوز (الدخول على) المرأة (المغيبة) بضم الميم وكسر الغين المعجمة وبعد التحتية الساكنة موحدة التي غاب عنها زوجها لسفر أو غيره ويجوز في الدخول الخفض عطفًا على بامرأة. 5232 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: «الْحَمْوُ الْمَوْتُ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد المصري (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني المصري (عن عقبة بن عامر) الجهني -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إياكم والدخول) بالنصب على التحذير، وقال البرماوي في شرح العمدة: الدخول منصوب عطفًا على إيا المغرى بها والعامل في إيا محذوف أي باعدوا أنفسكم ثم حذف المضاف فقيل إياكم وعطف عليه الدخول، وفي رواية ابن وهب عند أبي نعيم: لا تدخلوا (على النساء) ومنع الدخول مستلزم لمنع الخلوة وعند الترمذي لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما (فقال رجل من الأنصار): قال ابن حجر: لم أقف على اسمه (يا رسول الله أفرأيت الحمو) أي أخبرني عن حكم دخول الحمو على المرأة (قال) عليه

112 - باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس

الصلاة والسلام مجيبًا له: (الحمو الموت) أي لقاؤه مثل لقاء الموت إذ الخلوة به تؤدي إلى هلاك الدين إن وقعت المعصية أو النفس إن وجب الرجم أو هلاك المرأة بفراق زوجها إذا حملته الغيرة على المرأة على طلاقها. والحمو قال النووي: المراد به هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه لأنهم محارم للزوجة ويجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت، وإنما المراد الأخ وابن الأخ ونحوهما ممن يحل لها تزويجه لو لم تكن متزوجة، وقد جرت العادة بالتساهل فيه فيخلو الأخ بامرأة أخيه فشبهه بالموت وهو أولى بالمنع من الأجنبي فالشر به أكثر من الأجنبي، والفتنة به أمكن من الوصول إلى المرأة، والخلوة بها من غير نكير عليه بخلاف الأجنبي انتهى. والحمو بفتح الحاء المهملة وسكون الميم بعدها واو فيهما ولأبي ذر الحم بضم الميم وإسقاط الواو فيهما بوزن أخ. وقال القرطبي: إن الذي في الحديث الحمؤ بالهمزة. وقال الخطابي: وزنه وزن دلو بغير همز وهو الذي اقتصر عليه ابن الأثير وأبو عبيد قال الحافظ أبو الفضلَ بن حجر: والذي ثبت لنا في رواية البخاري حمو كدلو. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الاستئذان والترمذي في النكاح والنسائي في عِشرة النساء. 5233 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَاكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا قَالَ: «ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) هو ابن دينار (عن أبي معبد) بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة نافذ بالنون والفاء والذال المعجمة مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يخلون رجل بامرأة) فإن الشيطان ثالثهما (إلا مع ذي محرم) لها فيجوز لانتفاء المحذور وحينئذٍ (فقام رجل فقال: يا رسول الله امرأتي خرجت حاجّة واكتتبت في غزوة كذا وكذا) أي كتبت نفسي في أسماء من عين لتلك الغزاة ولم أقف على تعيين هذه الغزوة ولا على اسم الرجل ولا زوجته (قال) عليه الصلاة والسلام (ارجع فحج مع امرأتك) وظاهره الوجوب وبه قال أحمد وهو وجه للشافعية، والمشهور أنه لا يلزمه الخروج وفيه كما قال النووي: تقديم الأهم من الأمور المتعارضة فإنه لما عرض له الغزو والحج رجح الحج لأن امرأته لا يقوم غيره مقامه في السفر معها بخلاف الغزو. ومطابقة الترجمة لما ساقه من الحديثين صريحة في أحد الأمرين المترجم لهما، وأما الثاني فبطريق الاستنباط. وفي حديث جابر المروي عند الترمذي مرفوعًا: "لا تدخلوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم". وفي حديث ابن عمر مرفوعًا "لا يدخل رجل على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان" رواه مسلم. والحديث الثاني من حديثي الباب سبق في حج النساء من كتاب الحج مطوّلًا. 112 - باب مَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ عِنْدَ النَّاسِ (باب ما يجوز أن يخلو الرجل) الأمين (بالمرأة) الأجنبية في ناحية (عند الناس) لتسأله عن بواطن أمرها في دينها وغيره من أحوالها سرًّا حتى لا يسمع الناس ذلك إذ هو من الامور التي تستحيي المرأة من ذكرها بين الناس وليس المراد أنه يخلو بها بحيث تحتجب أشخاصهما عنهم. 5234 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَلاَ بِهَا، فَقَالَ: «وَاللَّهِ إِنَّكُنَّ لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) بفتح الموحدة والشين المعجمة المشددة ابن عثمان العبدي الملقب ببندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام) هو ابن زيد بن أنس أنه (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: جاءت امرأة من الأنصار) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرفها، وزاد بهز في فضائل الأنصار ومعها صبي لها (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخلا بها) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحيث لا يسمع من حضر شكواها لا بحيث غاب عن أبصار من كان معه وفي مسلم أن امرأة كان في عقلها شيء قالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة فقال: "يا أم فلان انظري أيّ السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك" (فقال) لها عليه الصلاة والسلام: (والله إنكن) بنون النسوة ولأبي ذر إنكم بالميم بدل النون (لأحب الناس إليّ) يريد الأنصار، وفيه فضيلة عظيمة لهم وأن مفاوضة الأجنبية سرًّا لا تقدح في الدين عند أمن الفتنة وسعة حلمه -صَلَّى اللَّهُ

113 - باب ما ينهى من دخول المتشبهين بالنساء على المرأة

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتواضعه. 113 - باب مَا يُنْهَى مِنْ دُخُولِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْمَرْأَةِ (باب ما ينهى من دخول) الرجال (المتشبهين بالنساء) في أخلاقهن (على المرأة) بغير إذن زوجها وحيث تكون سافرة في خلوة وحدها. 5235 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عِنْدَهَا، وَفِي الْبَيْتِ مُخَنَّثٌ فَقَالَ الْمُخَنَّثُ لأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ: إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا أَدُلُّكَ عَلَى ابْنَةِ غَيْلاَنَ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكُمْ». به قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عثمان بن أبي شيبة) إبراهيم قال: (حدّثنا عبدة) بن سليمان (عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب ابنة) ولأبي ذر: بنت (أم سلمة عن أم سلمة) -رضي الله عنها- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان عندها) في بيتها (وفي البيت) الذي هي فيه (مخنّث) بفتح النون المشددة وكسرها بعدها مثلثة يشبه خلقة النساء في حركاتهن وكلامهن اسمه هيت بكسر الهاء وسكون التحتية بعدها فوقية، وكان يدخل على أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في تاريخ الجوزجاني، وذكر ابن إسحاق أن اسمه ماتع بفوقية، وقيل: بنون. وعند أبي موسى المديني أن ماتعًا لقب هيت أو بالعكس أو إنهما اثنان خلاف، وقيل: إن اسمه أنه بفتح الهمزة وتشديد النون، ورجح في الفتح أن اسم المذكور في الباب هيت (فقال المخنّث): هيت (لأخي أم سلمة عبد الله بن أبي أمية) بن المغيرة بن عبد الله وأمه عاتكة بنت عبد المطلب أسلم قبل الفتح وشهد حنينًا والفتح والطائف فأصابه سهم في الطائف ومات يومئذ واسم أبي أمية حذيفة (إن فتح الله لكم الطائف غدًا) وزاد في رواية أبي أسامة عن هشام في غزوة الطائف وهو محاصر الطائف يومئذ (أدلك على ابنة غيلان) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية ابن سلمة بن معتب بن مالك واسمها بادية بالموحدة ثم تحتية بعد الدال المهملة، وقيل: بنون بدل التحتية أسلمت وكذا أبوها وكان تحته عشر نسوة، فأمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يختار أربعًا وعاش إلى أواخر خلافة عمر -رضي الله عنه- ولأبي ذر على بنت غيلان (فإنها تقبل بأربع) من العكن لسمنها (وتدبر بثمان) لأن أعكانها تنعطف بعضها على بعض وهي في طيّها أربع طرائق وتبلغ أطرافها إلى خاصرتها في كل جانب أربع، فإذا أدبرت كانت أطراف هذه العكن الأربع عند منقطع جنبيها ثمانية، وقال بثمان وكان الأصل ثمانية لأن واحد الأطراف مذكر لأنه لم يقل ثمانية أطراف أو لأن كلاًّ من الأطراف عكنة تسمية للجزء باسم الكل فأنّث بهذا الاعتبار. وأما رواية من روى إن أقبلت قلت تمشي بست، وإن أدبرت قلت تمشي بأربع فكأنه يعني ثدييها ورجليها وطرفي ذلك منها مقبلة وردفيها مدبرة وإنما نقص إذا أدبرت لأن الثديين يحتجبان حينئذ. وزاد ابن الكلبي بعد قوله: وتدبر بثمان بثغر كالأقحوان، إن قعدت تثنت، وإن تكلمت تغنّت، وبين رجليها مثل الإناء المكفوء. وزاد المدائني من طريق يزيد بن رومان عن عروة مرسلًا أسفلها كثيب وأعلاها عسيب (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يدخلن) بفتح اللام وتشديد النون (هذا عليكم) ولأبي ذر عن الكشميهني: عليكن بالنون. وزاد أبو يعلى في روايته من طريق يونس عن الزهري في آخره، وأخرجه فكان بالبيداء يدخل كل يوم جمعة يستطعم. واستنبط منه حجب النساء عمن يفطن لمحاسنهن، والحديث سبق في باب غزوة الطائف من المعازي. 114 - باب نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الْحَبَشِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ (باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم) من الأجانب (من غير ريبة) أي تهمة. 5236 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ عَنْ عِيسَى عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِي أَسْأَمُ فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) بن راهويه المروزي سكن نيسابور وتوفي بها (عن عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسترني بردائه) فيه إشعار بأنه كان بعد نزول الحجاب (وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون) أي بحرابهم ودرقهم (في المسجد) النبوي (حتى أكون أنا الذي) ولأبي ذر عن الكشميهني التي (أسام) أي أملّ واستدلّ به على جواز رؤية المرأة إلى الأجنبي دون العكس، ويدل له استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق

115 - باب خروج النساء لحوائجهن

والأسفار متنقبات لئلا يراهن الرجال ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب لئلا يراهن النساء فدلّ على اختلاف الحكم بين الفريقين، وبهذا احتج الغزالي للجواز فقال: لسنا نقول إن وجه الرجل في حقها عورة كوجه المرأة في حقه فيحرم النظر عند خوف الفتنة فقط وإن لم تكن فتة فلا إذ لم تزل الرجال على ممرّ الزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن منتقبات فلو استووا لأمر الرجال بالتنقب أو منعن من الخروج انتهى. وقال النووي: نظر الوجه والكفّين عند أمن الفتنة من المرأة إلى الرجل وعكسه جائز وإن كان مكروهًا لقوله تعالى في الثانية: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [النور: 31] وهو مفسر بالوجه والكفّين وقيس بها الأولى وهذا ما في الروضة عن أكثر الأصحاب، والذي صححه في المنهاج التحريم وعليه الفتوى، وأما نظر عائشة إلى الحبشة وهم يلعبون فليس فيها أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم، وإنما نظرت إلى لعبهم وحرابهم ولا يلزم منه تعمّد النظر إلى البدن وإن وقع بلا قصد صرفته في الحال مع أن ذلك كان مع أمن الفتنة أو أن عائشة كانت صغيرة دون البلوغ ويدل لها قولها (فاقدروا) بضم الدال المهملة أي فانظروا وتدبروا (قدر الجارية الحديثة السن) الغير البالغة (الحريصة على اللهو) ومصابرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معها على ذلك لكن عورض بأن في بعض طرقه أن ذلك بعد قدوم وفد الحبشة وأن قدومهم كان سنة سبع ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة فكانت بالغة. نعم احتج المانعون بحديث أم سلمة المشهور حيث قال عليه الصلاة والسلام: "أفعمياوان أنتما" وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من رواية الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عنها وإسناده قوي. قال في الفتح: وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان وليست بعلة قادحة فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ولم يجرحه أحد لا تردّ روايته. 115 - باب خُرُوجِ النِّسَاءِ لِحَوَائِجِهِنَّ (باب خروج النساء لحوائجهن) قال في القاموس: الحاجة معروفة والجمع حاج وحاجات وحوج وحوائج غير قياسي أو مولدة أو كأنهم جمعوا حائجة. زاد الجوهري فقال: وكأن من الأصمعي ينكره وإنما أنكره لخروجه عن القياس إلا فهو كثير في كلام العرب وينشد: نهار المرء أمثل حين ... يقضي حوائجه من الليل الطويل وحينئذ فقول الداودي في هذا الجمع نظر لأن جمع الحاجة حاجات وجمع الجمع حاج ولا يقال حوائج لا يخفى ما فيه. 5237 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ لَيْلًا فَرَآهَا عُمَرُ فَعَرَفَهَا فَقَالَ: إِنَّكِ وَاللَّهِ يَا سَوْدَةُ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَرَجَعَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ وَهْوَ فِي حُجْرَتِي يَتَعَشَّي، وَإِنَّ فِي يَدِهِ لَعَرْقًا فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ فَرُفِعَ عَنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: «قَدْ أَذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (فروة بين أبي المغراء) بالفاء والواو المفتوحتين بينهما راء ساكنة وفتح ميم المغراء ورائها بينهما غير معجمة ساكنة ممدود الكندي الكوفي قال: (حدّثنا علي بن مسهر) بالسين المهملة أبو الحسن الكوفي الحافظ (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: خرجت سودة بنت زمعة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- بعد الحجاب (ليلًا) للبراز. زاد في تفسير سورة الأحزاب: وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها (فرآها عمر) -رضي الله عنه- (فعرفها فقال: إنك والله يا سودة ما تخفين علينا) حرصًا على أن أمهات المؤمنين لا يبدين أشخاصهن أصلًا ولو كنّ مستترات. وقالت عائشة (فرجعت) سودة (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكرت ذلك) الذي قاله لها عمر (له وهو في حجرتي يتعشى وإن في يده لعرقًا) بفتح العين وسكون الراء بعدها قاف عظم عليه لحم واللام للتأكيد (فأنزل) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر: فأنزل الله (عليه) الوحي (فرفع عنه) ما كان فيه من الشدة بسبب نزول الوحي (وهو يقول): (قد أذن الله لكنّ) أمهات المؤمنين (أن تخرجن لحوائجكن) أي للبراز دفعًا للمشقة ورفعًا للحرج، وقد تمسك به القاضي عياض فقال: فرض الحجاب مما اختصصن به فهو فرض عليهن بلا خلاف

116 - باب استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره

في الوجه والكفين فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها ولا إظهار شخوصهن وإن كن مستترات إلا ما دعت إليه ضرورة من براز، ثم استدلّ بما في الموطأ أن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يرى شخصها وأن زينب بنت جحش جعلت لها القبة فوق نعشها، وتعقبه في الفتح فقال: ليس فيما ذكره دليل على ما ادّعاه من فرض ذلك عليهن وقد كنّ يحججن ويطفن ويخرجن إلى المساجد في عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبعده وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص. وهذا الحديث قد مرّ في سورة الأحزاب من التفسير. 116 - باب اسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ (باب استئدان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره) من الضرورات الشرعية. 5238 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلاَ يَمْنَعْهَا. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (إذا استأذنت امرأة أحدكم) في الخروج (إلى المسجد) فحرف الجر متعلق بمقدّر وهو الخروح وعليه المعنى لأن استأذن يتعدى بفي وخرج يتعدى بإلى أو أن إلى بمعنى في أي: استأذنت في المسجد كقوله: فلا تتركني بالوعيد كأنني ... إلى الناس مطليّ به القار أجرب وهذا لا يراه سيبويه أو إلى بمعنى اللام التي للعلة أي لأجل المسجد كقوله تعالى: {فاستأذنوك للخروج} [التوبة: 83] (فلا يمنعها) بالجزم بلا الناهية والفاء جواب إذا والرفع على أنها نافية والمعنى على المنهي، والخبر بمعنى الأمر أو النهي أبلغ من لفظهما لأنه بمنزلة المحكوم عليه بذلك مبالغة في الامتثال المقصود كأنه لشدة المبادرة وقع وذلك دليل تأكده؛ ووقع عند المؤلّف في باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس في الصلاة من طريق حنظلة عن سالم إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المساجد فأذنوا لهن ولم يذكر أكثر الرواة عن حنظلة قوله بالليل، واختلف فيه عن الزهري فأورده المصنف من رواية معمر عن الزهري في باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد من أواخر الصلاة وأحمد من رواية عقيل والسراج من رواية الأوزاعي كلهم عن الزهري عن سالم بغير تقييد، وفي صحيح أبي عوانة عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن عيينة مثله لكنه قال في آخره: يعني بالليل كأن اختصاص الليل بذلك لكونه أستر، وقد ترجم المؤلّف بالخروج إلى المسجد وغيره واقتصر على حديث المسجد، وأجاب الكرماني بأنه قاسه عليه والجامع بينهما ظاهر ويشترط في الجميع أمن المفسدة منهن وعليهن واستدلّ به كما قال النووي على أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه لتوجه الأمر إلى الأزواج بالإذن، وتعقبه ابن دقيق العيد بأنه إذا أخذ من المفهوم فهو مفهوم لقب وهو ضعيف، لكن يتقوى بأن يقال إن منع الرجال نساءهم أمر مقرر. 117 - باب مَا يَحِلُّ مِنَ الدُّخُولِ وَالنَّظَرِ إِلَى النِّسَاءِ فِي الرَّضَاعِ (باب ما يحل من الدخول والنظر إلى النساء في) وجود (الرضاع) بين الرجل الداخل والمرأة المدخول عليها. 5239 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيَّ، فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنَّهُ عَمُّكِ، فَأْذَنِي لَهُ». قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ، قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ» قَالَتْ عَائِشَةُ: وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ قَالَتْ عَائِشَةُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلاَدَةِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أنه قالت: جاء عمي من الرضاعة) وهو أفلح أخو أبي القعيس (فاستأذن) أن يدخل (عليّ) حجرتي (فأبيت) أي فامتنعت (أن آذن له حتى أسأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسألته عن ذلك فقال): (إنه عمك) من الرضاعة وعم الرضاع كعم النسب (فأذني له. قالت: فقلت يا رسول الله إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل) فكيف تنتشر الحرمة إلى الرجل (قالت: فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنه عمك) فألحق الرضاع بالنسب لأن سبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة معًا فوجب أن يكون الرضاع منهما (فليلج) بالجيم فليدخل (عليك. قالت عائشة) -رضي الله عنها-: (وذلك بعد أن ضرب) بضم

118 - باب لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها

الضاد المعجمة وكسر الراء ماض مبني للمفعول ولأبي ذر عن الحموي أن يضرب (علينا الحجاب) مضارع مبني للمفعول (قالت عائشة: يحرم من الرضاعة) مثل (ما يحرم من الولادة) أي من النسب. وهذا الحديث سبق في أوائل النكاح. 118 - باب لاَ تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا هذا (باب) بالتنوين (لا تباشر المرأة المرأة) بكسر راء تباشر مجزومًا على النهي كسر للساكنين ويجوز الضم (فتنعتها) أي فتصفها (لزوجها). 5240 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُبَاشِرِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا». [الحديث 5240 - أطرافه في: 5241]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) بن واقد الفريابي من أهل خراسان سكن قيسارية من أرض الشام قال: (حدّثنا سفيان) الثوري أو هو ابن عيينة أو محمد بن يوسف هو البيكندي وسفيان هو ابن عيينة (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تباشر المرأة المرأة) زاد في النسائي في الثوب الواحد (فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها) خشية أن تعجبه إن وصفتها بحسن فيفضي ذلك إلى تطليق الواصفة والافتتان بالموصوفة أو بقبح فيكون غيبة. وهذا الحديث أخرجه النسائي في عِشرة النساء. 5241 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُبَاشِرِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: (حدّثنا أبي) قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني) بالإفراد (شقيق) بن وائل بن سلمة (قال: سمعت عبد الله) يعني ابن مسعود (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تباشر المرأة المرأة) في ثوب واحد (فتنعتها) فتصفها (لزوجها كأنه ينظر إليها) وزاد النسائي من طريق مسروق عن ابن مسعود: ولا الرجل الرجل، وهذه الزيادة عند مسلم وأصحاب السنن من حديث أبي سعيد بأبسط من هذا ولفظه: لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد، ففيه أنه يحرم نظر الرجل إلى عورة الرجل والمرأة إلى عورة المرأة، والرجل إلى عورة المرأة والمرأة إلى عورة الرجل بطريق الأولى. نعم يباح للزوجين أن ينظر كلٌّ منهما إلى عورة الآخر ولو إلى الفرج ظاهرًا وباطنًا لأنه محل تمتعه، لكن يكره نظر الفرج حتى من نفسه بلا حاجة والنظر إلى باطنه أشدّ كراهة. قالت عائشة -رضي الله عنها- ما رأيت منه ولا رأى مني أي الفرج، وحديث النظر إلى الفرج يورث الطمس أي العمى. رواه ابن حبان وغيره في الضعفاء، وخالف ابن الصلاح فقال: إنه جيد الإسناد، محمول على الكراهة كما قال الرافعي، واختلف في قوله يورث العمى فقيل في الناظر، وقيل في الولد وقيل في القلب والأمة كالزوجة. ولو نظر فرج صغيرة لا تشتهى جاز لتسامح الناس بنظر فرج الصغيرة إلى بلوغها سن التمييز ومصيرها بحيث يمكنها ستر عورتها عن الناس، وبه قطع القاضي وجزم في المنهاج بالحرمة لكن استثنى ابن القطان الأم زمن الرضاع والتربية للضرورة، أما فرج الصغير فيحل النظر إليه ما لم يميز كما صححه المتولي وجزم به غيره ونقله السبكي عن الأصحاب، ويحرم اضطجاع رجلين أو امرأتين في ثوب واحد إذا كانا عاريين لما ذكر من الحديث السابق، لكن تستثنى المصافحة بل تستحب لحديث أبي داود: ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا ويستثنى الأمرد الجميل الوجه فتحرم مصافحته ومن به عاهة كالأبرص والأجذم فتكره مصافحته كما قاله العبادي، وتكره المعانقة والتقبيل في الرأس والوجه ولو كان المقبّل أو المقبل صالحًا لحديث رواه الترمذي وحسنه ولفظه قال رجل: يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: "لا"، قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: "لا". قال: فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: "نعم". نعم يستحبان لقادم لحديث الترمذي وحسنه كتقبيل الطفل ولو ولد غيره شفقة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبّل ابنه إبراهيم والحسن بن علي، وكتقبيل يد الحيّ لصلاح كما كانت الصحابة تفعله مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. نعم يكره ذلك لغناه ونحوه من الأمور الدنيوية

119 - باب قول الرجل: لأطوفن الليلة على نسائه

كشوكته ووجاهته لحديث: من تواضع لغني لغناه ذهب ثلثا دينه. وقد أورد البخاري هذا الحديث من طريقين الأولى بالعنعنة والثانية بالسماع، والظاهر أن قوله: فتنعتها من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلافًا لما ذكر عن الداودي أنه من كلام ابن مسعود. 119 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى نِسَائِهِ (باب قول الرجل لأطوفن) أي لأدورن (الليلة على نسائه) وفي نسخة على نسائي أي فأجامعهن. 5242 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ -: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ بِمِائَةِ امْرَأَةٍ، تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلاَمًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ وَنَسِىَ، فَأَطَافَ بِهِنَّ وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إِلاَّ امْرَأَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ أَرْجَى لِحَاجَتِهِ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمود) هو ابن غيلان قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة) بفتح الهمزة وضم الطاء بعدها واو ساكنة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لأطيفن بضم الهمزة وكسر الطاء بعدها تحتية ساكنة (بمائة امرأة) أي أجامعهن (تلد كل امرأة) منهن (غلامًا يقاتل في سبيل الله) عز وجل، وفي الجهاد: لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين بالشك ولا منافاة بين القليل والكثير إذ التخصيص بالعدد لا يمنع الزائد (فقال له الملك) جبريل أو غيره: (قل) لكونه نسي (إن شاء الله فلم يقل) إن شاء الله (ونسي) أن يقولها أي بلسانه وإلاّ فلم يغفل عن التفويض إلى الله بقلبه كما يقتضيه مقام النبوة (فأطاف بهن) أي جامعهن (ولم) بالواو (تلد منهن إلا امرأة نصف إنسان. قال النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو قال: إن شاء الله لم يحنث) قال السفاقسي: أي لم يتخلف مراده لأن الحنث لا يكون إلا عن يمين، ويحتمل أن يكون حلف أو نزل التأكيد المستفاد من قوله: لأطوفن منزلة اليمين، وهذا الأخير قاله ابن حجر. (وكان) قول إن شاء الله (أرجى لحاجته). وهذا الحديث سبق في الجهاد. 120 - باب لاَ يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا إِذَا أَطَالَ الْغَيْبَةَ، مَخَافَةَ أَنْ يُخَوِّنَهُمْ أَوْ يَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِمْ هذا (باب) بالتنوين (لا يطرق) أي الرجل الغائب (أهله ليلًا) تأكيد لأن الطروق لا يكون إلا ليلًا. نعم قيل إنه يقال أيضًا في النهار (إذا أطال الغيبة) قيد في الحكم المذكور (مخافة أن يخوّنهم) بفتح الخاء المعجمة وكسر الواو المشدّدة أي لأجل خوف تخوينه إياهم أي بنسبهم إلى الخيانة فنصب مخافة على التعليل وأن مصدرية (أو يلتمس) أي يطلب (عثراتهم) بالمثلثة بعد العين أي زلاّتهم قال السفاقسي: الصواب يتخونهن وزلاتهم بالنون فيهما. قال في الفتح: بل ورد في الصحيح بالميم فيهما في صحيح مسلم وغيره وتوجيهه ظاهر كذا قال، ولم يبين وجهه إلا من جهة المروي وهو وإن كان قويًّا في الحجة لكن يبقى الوجه في العربية، ويحتمل أن يكون المراد بالأهل أعم من الزوجة فيشمل الأولاد مثلًا فعبّر بالميم تغليبًا. 5243 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ طُرُوقًا. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا محارب بن دثار) بكسر الدال المهملة وتخفيف المثلثة السدوسي قاضي الكوفة (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكره أن يأتي الرجل أهله طروقًا) بضم الطاء إتيانًا في الليل من سفر أو غيره على غفلة. وفي حديث أنس عند مسلم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لا يطرق أهله ليلًا وكان يأتيهم غدوة أو عشية، والعلة في ذلك أنه ربما يجد أهله على غير أهبة من التنظيف والتزين المطلوب من المرأة فيكون ذلك سببًا للنفرة بينهما أو يجدها على غير حالة مرضية والستر مطلوب بالشرع. 5244 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ، فَلاَ يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا». وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا عاصم بن سليمان) الأحول البصري (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما (يقول قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا أطال أحدكم الغيبة) عن أهله في سفر أو غيره (فلا يطرق أهله ليلًا) سبق أن ليلًا تأكيد والتقييد بطول الغيبة يفيد عدم النهي في قصيرها كمن يخرج لحاجة مثلًا نهارًا ويرجع ليلًا إذ لا يتأتى فيه ما في طويلها إذ هو مظنة وقوع المكروه فيما ذكر غالبًا، وفي رواية وكيع عن سفيان الثوري عن محارب عن جابر قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن

121 - باب طلب الولد

يطرق الرجل أهله ليلًا يتخوّنهم أو يطلب عثراتهم، رواه مسلم، لكن اختلف في هذه الزيادة هل هي مدرجة؟ ومن ثم اقتصر البخاري على القدر المتفق على رفعه وساق الباقي في الترجمة، وقد أخرجه بهذه الزيادة النسائي من رواية أبي نعيم عن سفيان، ومسلم من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان به، لكنه قال في آخره قال سفيان: لا أدري هذا في الحديث أم لا. والمعنى أنه إذا طرقهم ليلًا وهو وقت خلوة وانقطاع مراقبة الناس بعضهم لبعض كان ذلك سببًا لسوء ظن أهله به، وكأنه إنما قصدهم ليلًا ليجدهم على ريبة حتى توخى وقت غرتهم وغفلتهم، وعند أحمد والترمذي من طريق أخرى عن الشعبي عن جابر: لا تلجوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وعند أبي عوانة في صحيحه من حديث محارب عن جابر أن عبد الله بن رواحة أتى امرأته ليلًا وعندها امرأة تمشطها فظنها رجلًا فأشار إليها بالسيف، فلما ذكر ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى أن يطرق الرجل أهله ليلًا. وأخرج ابن خزيمة عن ابن عمر قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يطرق النساء ليلًا فطرق رجلان كلاهما وجد مع امرأته ما يكره، وأخرج من حديث ابن عباس نحوه وقال فيه: فكلاهما وجد مع امرأته رجلًا. وفي الحديث فوائد لا تخفى على متأمل، وأخرجه المؤلّف أيضًا ومسلم وأبو داود في الجهاد والنساني في عِشرة النساء. 121 - باب طَلَبِ الْوَلَدِ (باب طلب) الرجل (الولد) بالاستكثار من الجماع لقصد ذلك لا الاقتصار على اللذة. 5245 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ سَيَّارٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةٍ، فَلَمَّا قَفَلْنَا تَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا يُعْجِلُكَ»؟ قُلْتُ إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ قَالَ: «فَبِكْرًا تَزَوَّجْتَ أَمْ ثَيِّبًا»؟ قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا قَالَ: «فَهَلاَّ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ». قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ فَقَالَ: «أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا. أَيْ عِشَاءً. لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ». وَحَدَّثَنِي الثِّقَةُ أَنَّهُ قَالَ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكَيْسَ الْكَيْسَ يَا جَابِرُ يَعْنِي الْوَلَدَ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (عن هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير الواسطي البلخي الأصل (عن سيار) بفتح السين المهملة وتشديد التحتية وبعد الألف راء ابن وردان أبي الحكم العنزي الواسطي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن جابر) رضي الله عنه أنه (قال: كنت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة) هي غزوة تبوك (فلما قفلنا) رجعنا (تعجلت على بعير) لي (قطوف) أي بطيء (فلحقني راكب من خلفي) زاد في الباب اللاحق فنخس بعيري بعنزة كانت معه فسار بعيري كأحسن ما أنت راءٍ من الإبل (فالتفت فإذا أنا برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) لي: (ما يعجلك)؟ أي ما سبب إسراعك (قلت: إني حديث عهد بعرس) أي قريب بناء بامرأة (قال) عليه الصلاة والسلام: (فبكرًا تزوجت) بنصب فبكرًا بتزوجت (أم) تزوجت (ثيبًا؟ قلت: بل) تزوّجت (ثيبًا) وفي بعض الأصول، قلت: لا بل ثيبًا بزيادة لا وعليه شرح في المصابيح ثم قال: فإن قلت: قول جابر لا بل ثيبًا ما وجهه ولم يتقدم له شيء يضرب عنه؟ وأجاب بأن معناه لِمَ لا تزوجت بكرًا وأضرب عنه وزاد لا توكيدًا لتقرير ما قبلها من النفي فقال لا بل ثيبًا انتهى. (قال) عليه الصلاة والسلام (فهلا) تزوجت (جارية) بكرًا (تلاعبها وتلاعبك. قال) جابر: (فلما قدمنا ذهبنا لندخل) المدينة (فقال) عليه الصلاة والسلام (أمهلوا حتى تدخلوا ليلًا أي عشاءً) وهذا محمول على بلوغ خبرهم بالوصول فاستعدوا ليجمع بينه وبين النهي عن الطرق ليلًا. (لكي تمتشط الشعثة) بالمثلثة المنتشرة الشعر المغبرة الرأس (وتستحدّ المغيبة) بضم الميم وكسر المعجمة أي تستعمل الحديدة وهي الموسى في إزالة الشعر المشروع إزالته من غاب عنها زوجها. (قال) أي هشيم كما قاله الإسماعيلي (وحدّثني) بالإفراد (الثقة) قال الكرماني: لم يصرح باسمه لأنه لعله نسيه وليس الجهل باسمه قادحًا لتصريحه بكونه ثقة (أنه قال في هذا الحديث. الكيس الكيس) بالتكرار مرتين والنصب على الإغراء أي فعليك بالجماع أو التحذير أي إياك والعجز عن الجماع (يا جابر) قال البخاري: (يعني) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله الكيس (الولد) فالمراد الحث على ابتغاء الولد يقال: أكيس الرجل إذا ولد له أولاد أكياس. وقال ابن الأعرابي: الكيس العقل كأنه جعل طلب الولد عقلًا، وفي رواية محمد بن إسحاق عند ابن خزيمة في صحيحه: فإذا قدمت فاعمل عملًا كيسًا وفيه

122 - باب تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة

قال جابر: فدخلنا حين أمسينا فقلت للمرأة: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرني أن أعمل عملًا كيسًا. قالت: سمعًا وطاعة فدونك، قال: فبت معها حتى أصبحت. 5246 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَيَّارٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا دَخَلْتَ لَيْلًا فَلاَ تَدْخُلْ عَلَى أَهْلِكَ حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ». قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَعَلَيْكَ بِالْكَيْسِ الْكَيْسِ». تَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ وَهْبٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْكَيْسِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن الوليد) بن عبد الحميد الملقب بحمدان قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سيار) أبي الحكم العنزي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) له لما قفل من تبوك: (إذا دخلت) المدينة (ليلًا فلا تدخل على أهلك حتى تستحدّ المغيبة) التي غاب عنها زوجها (وتمتشط الشعثة). واستنبط منه كراهة مباشرة المرأة في الحالة التي تكون فيها غير متنظفة لئلا يطلع منها على ما يكون سببًا لنفرته منها. (قال) جابر: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فعليك بالكيس الكيس) أي اطلب الولد. وفي كتاب معاشرة الأهلين لأبي عمرو النوقاني عن محارب رفعه فقال: اطلبوا الولد والتمسوه فإنهم ثمرات القلوب وقرّة الأعين وإياكم والعاقر. قال في الفتح: وهو مرسل قوي الإسناد. (تابعه) أي تابع الشعبي (عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر العمري فيما سبق موصولًا في أوائل البيوع. (عن وهب) هو ابن كيسان (عن جابر) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الكيس) قال الحافظ ابن حجر: والمتابع في الحقيقة هو وهب لكنه نسب ذلك إلى عبيد الله لتفرده بذلك عن وهب. 122 - باب تَسْتَحِدُّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطُ الشَّعِثَةُ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة) أي تحلق التي غاب عنها زوجها بالحديد ما يشرع إزالته من الشعر وتسرح شعر رأسها الذي تغيّر وتفرّق وترجله وتتزين، وسقط الشعثة لغير أبي ذر. 5247 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةٍ، فَلَمَّا قَفَلْنَا كُنَّا قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ، تَعَجَّلْتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ مِنْ خَلْفِي فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَتْ مَعَهُ فَسَارَ بَعِيرِي كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ الإِبِلِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَا يعجلك»؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ قَالَ: «أَتَزَوَّجْتَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا»؟ قَالَ قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا. قَالَ: «فَهَلاَّ بِكْرًا تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ». قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ. فَقَالَ: «أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا. أَيْ عِشَاءً. لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (يعقوب بن إبراهيم) الدورقي قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير أبو معاوية السلمي الواسطي حافظ بغداد قال: (أخبرنا سيار) العنزي (عن الشعبي) عامر (عن جابر بن عبد الله) -رضي الله عنهما- أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة) أي غزوة تبوك (فلما قفلنا) بفتح القاف والفاء المخففة أي رجعنا (كنا قريبًا من المدينة تعجلت على بعير لي قطوف) بفتح القاف وضم الطاء المهملة وبعد الواو فاء أي بطيء السير (فلحقني راكب من خلفي فنخس بعيري بعنزة) بفتح العين والنون والزاي عصًا طويلة أقصر من الرمح (كانت معه فسار بعبري كأحسن ما أنت راءٍ من الإبل فالتفت فإذا أنا برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في النكاح (فقال): (ما يعجلك؟ فقلت: يا رسول الله إني حديث عهد بعرس) بضم العين والراء وتسكن أي قريب البناء بامرأة (قال) عليه الصلاة والسلام (أتزوجت؟ قلت: نعم. قال: أ) تزوجت (بكرًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: بكرًا بإسقاط أداة الاستفهام (أم) تزوجت (ثيبًا؟ قال) جابر: (قلت) يا رسول الله (بل) تزوجت (ثيبًا. قال) عليه الصلاة والسلام (فهلا) تزوجت (بكرًا تلاعبها وتلاعبك؟ قال) جابر: (فلما قدمنا) المدينة (ذهبنا لندخل) منازلنا (فقال) عليه الصلاة والسلام (أمهلوا حتى تدخلوا) على أهليكم (ليلًا أي عشاءً) جمع بينه وبين النفي في قوله في الروايات السابقة لا يطرق أهله ليلًا بأن الأمر في أول الليل والنهي في أثنائه أو الأمر لمن علم أهله بقدومه والحكمة في الإمهال (لكي تمتشط الشعثة وتستحدّ المغيبة) قال في القاموس: امرأة مغيب ومغيبة ومغيب كمحسن غاب زوجها. 123 - باب {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} -إِلَى قَوْلِهِ-: {لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ولا يبدين}) أي لا يظهرن المؤمنات ({زينتهن}) وهي ما تتزين به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب، والمعنى ولا يظهرن مواضع الزينة إذ إظهار عين الزينة وهي الكحل ونحوه مباح فالمراد بها مواضعها أو إظهارها وهي في مواضعها ومواضعها الرأس والأذن والعنق والصدر والعضدان والذراع فهي الإكليل والقرط والقلادة والوشاح والدملج والسوار والخلخال، أو المراد بهذه الآية مواضع الزينة الباطنة كالصدر والساق ونحوهما ({إلا لبعولتهن}) أي لأزواجهن جمع بعل (إلى قوله) تعالى: ({لم يظهروا

124 - باب {والذين لم يبلغوا الحلم منكم}

على عورات النساء}) [النور: 31] أي لم يطلعوا لعدم الشهوة من ظهر على الشيء إذا اطلع عليه وعبّر بالجمع في قوله لم يظهروا عن لفظ الطفل لأنه جنس. 5248 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ بِأَيِّ شَيْءٍ دُووِيَ جُرْحُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ؟ فَسَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ وَكَانَ مِنْ آخِرِ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ: وَمَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، كَانَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ تَغْسِلُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَعَلِيٌّ يَأْتِي بِالْمَاءِ عَلَى تُرْسِهِ، فَأُخِذَ حَصِيرٌ فَحُرِّقَ فَحُشِيَ بِهِ جُرْحُهُ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي حازم) سلمة بن دينار أنه (قال: اختلف الناس بأي شيء دووي جرح رسول الله) ولغير أبي ذر دووي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الذي جرحه بوجهه الشريف (يوم) وقعة (أُحُد فسألوا سهل بن سعد الساعدي وكان من آخر من بقي من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة) فيه احتراز عمن بقي من الصحابة بالمدينة كمحمود بن الربع ومحمود بن لبيد وبغير المدينة كأنس بن مالك بالبصرة (فقال) سهل (وما بقي من الناس) ولأبي ذر: ما بقي للناس (أحد أعلم به مني) أي بالذي دووي به جرحه عليه الصلاة والسلام وأكثر هذا التركيب يستعمل في نفي المثل أيضًا (كانت فاطمة عليها السلام تغسل الدم عن وجهه) المقدّس فيه المطابقة بين الحديث والآية من جهة كون فاطمة -رضي الله عنها- باشرت ذلك من أبيها صلوات الله عليه وسلامه فيطابق الآية من حيث إبداء المرأة زينتها لأبويها (و) كان (علي) -رضي الله عنه- (يأتي بالماء على ترسه فأخذ حصير) بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة (فحرق) بضم الحاء المهملة وتشديد الراء المكسورة وتخفف (فحشي به جرحه). وهذا الحديث قد مرّ في كتاب الطهارة. 124 - باب {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ} هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله تعالى: ({والذين لم يبلغوا الحلم منكم}) [النور: 58] والأطفال الذين لم يحتملوا من الأحرار والمراد بيان حكمهم بالنسبة إلى الدخول على النساء ورؤيتهم إياهن وسقط منكم لغير أبي ذر. 5249 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- سَأَلَهُ رَجُلٌ شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعِيدَ، أَضْحًى أَوْ فِطْرًا؟ قَالَ: نَعَمْ. لَوْلاَ مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ يَعْنِي مِنْ صِغَرِهِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَذَانًا وَلاَ إِقَامَةً. ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَرَأَيْتُهُنَّ يَهْوِينَ إِلَى آذَانِهِنَّ وَحُلُوقِهِنَّ يَدْفَعْنَ إِلَى بِلاَلٍ، ثُمَّ ارْتَفَعَ هُوَ وَبِلاَلٌ إِلَى بَيْتِهِ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) الملقب بمردويه السمسار المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن عبد الرحمن بن عابس) بالعين المهملة وبعد الألف موحدة مكسورة فسين مهملة النخعي الكوفي أنه قال: (سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما-) وقد (سأله رجل شهدت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العيد) استفهام محذوف الأداة (أضحى) بفتح الهمزة وسكون الضاد والتنوين (أو فطرًا؟ قال) ابن عباس: (نعم ولولا مكاني منه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ما شهدته يعني من صغره) فيه التفات أو ليس هذا من كلام ابن عباس ولأبي ذر عن الحموي من صغري وهو على الأصل. أي لولا منزلتي منه عليه الصلاة والسلام ما حضرت معه لأجل صغري وأراد بشهوده ما وقع من وعظه للنساء لأن الصغير يغتفر له الحضور معهن بخلاف الكبير. (قال) ابن عباس (خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصلى) بالناس العيد (ثم خطب ولم يذكر) أي ابن عباس (أذانًا ولا إقامة ثم أتى النساء) لأنهن كن في ناحية عن الرجال (فوعظهن وذكرهن) بتشديد الكاف من التذكير تفسير لسابقه أو تأكيد له (وأمرهن بالصدقة فرأيتهن يهوين) بفتح الياء من الثلاثي ولأبي ذر بضمها من الرباعي بأيديهن (إلى آذانهن وحلوقهن يدفعن إلى بلال) الخواتيم والفتخ (ثم ارتفع) أي رجع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هو وبلال إلى بيته) والغرض منه مشاهدة ابن عباس ما وقع من النساء حينئذ وكان صغيرًا فلم يحتجبن منه، وأما بلال فيحتمل أن لا يكون إذ ذاك يشاهدهن مسفرات. 125 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ: هَلْ أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ؟ وَطَعْنِ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ فِي الْخَاصِرَةِ عِنْدَ الْعِتَابِ (باب قول الرجل لصاحبه هل أعرستم الليلة)؟ كذا في الفرع وأصله لكن عليه علامة السقوط وفي رواية أبي ذر وقال في الفتح: إن ذلك زاده ابن بطال في شرحه، ثم قال الحافظ ابن حجر: وقد وجدت هذه الزيادة في نسخة الصغاني مقدمة ولفظه باب قول الرجل إلى آخره وبعده (وطعن الرجل ابنته في الخاصرة عند العتاب) وهو عطف على قول الرجل مصدر مضاف إلى فاعله وابنته مفعوله. 5250 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: عَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلاَ يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلاَّ مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام الأعظم (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت:

68 - كتاب الطلاق

عاتبني أبو بكر) أي في قصة ضياع العقد وحبس الناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء (وجعل يطعنني) بضم العين (بيده في خاصرتي) فأدبها بالقول والفعل ولذا قالت: أبو بكر ولم تقل أبي لأن منزلة الأبوة تقتضي الحنوّ (فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورأسه على فخذي). وهذا الحديث مطابق للجزء الثاني من الترجمة على ما لا يخفى ولم يذكر حديثًا يناسب الجزء الأول فقال في الفتح: إن الذي يظهر أنه أخلى بياضًا ليكتب فيه ما يناسبه. قال: وقد وقع في قصة أبي طلحة وأم سليم عند موت ولدهما وكتمها ذلك عنه حتى تعشى وبات معها فأخبرته بذلك فأخبر بذلك أبو طلحة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أعرستم الليلة؟ قال: نعم، وسيأتي إن شاء الله تعالى في أوائل العقيقة بعون الله وقوته. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 68 - كتاب الطلاق باب قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: 1]. هو في اللغة رفع القيد يقال: أطلق الفرس والأسير، وفي التسرع رفع القيد الثابت شرعًا بالنكاح فقوله شرعًا يخرج به القيد الثابت حال وهو حلّ الوثاق وبالنكاح يخرج العتق لأنه رفع قيد ثابت شرعًا لكنه لا يثبت بالنكاح واستعمل في النكاح بلفظ التفعيل وفي غيره بالإفعال ولهذا لو قال لها: أنت مطلقة بتشديد اللام لا يفتقر إلى نية ولو خففها فلا بدّ منها، ويقال طلقت المرأة بفتح الطاء وضم اللام وبفتحها أيضًا. وعن الأخفش نفي الضم، وفي ديوان الأدب أنه لغة ويقال طلقت أيضًا بضم أوله وكسر اللام المشددة فإن خففت فهو خاص بالولادة، وفي مشروعية النكاح مصالح العباد الدينية والدنيوية، وفي الطلاق إكمال لها إذ قد لا يوافقه النكاح فيطلب الخلاص عند تباين الأخلاق وعروض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله فمكّن من ذلك رحمة منه سبحانه وفي جعله عددًا حكمة لطيفة لأن النفس كذوبة ربما تظهر عدم الحاجة إلى المرأة أو الحاجة إلى تركها وتسوّله، فإذا وقع حصل الندم وضاق الصدر به وعيل الصبر فشرعه سبحانه وتعالى ثلاثًا ليجرب نفسه في المرة الأولى فإن كان الواقع صدقها استمر حتى تنقضي العدّة وإلا أمكنه التدارك بالرجعة، ثم إذا عادت النفس فمثل الأول وغلبته حتى عاد إلى طلاقها نظر أيضًا فيما يحدث له فما يوقع الثالثة إلا وقد جرب وفقه في حال نفسه، ثم حرمها عليها بعد انتهاء العدد قبل أن تتزوج آخر ليثاب بما فيه غيظه وهو الزوج الثاني على ما عليه من جبلة الفحولية بحكمته ولطفه تعالى بعباده. 1 - باب أَحْصَيْنَاهُ: حَفِظْنَاهُ وَعَدَدْنَاهُ. وَطَلاَقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَيُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ (وقول الله تعالى): وسقطت الواو لغير أبي ذر ({يا أيها النبي إذا طلقتم النساء}) خص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنداء وعمّ بالخطاب لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إمام أمته وقدوتهم كما يقال لرئيس القوم: يا فلان افعلوا كذا إظهارًا لتقدمه فكأنه هو وحده في حكم كلهم وسادّ مسدّ جميعهم أو هو على إضمار قلّ، والتقدير يا أيها النبي قل لأمتك ومعنى إذا طلقتم النساء إذا أردتم تطليقهن على تنزيل المقبل على الأمر المشارف له منزلة الشارع فيه ({فطلقوهن لعدتهن}) أي فطلقوهن مستقبلات لعدتهن أي عند ابتداء شروعهن في العدة واللام للتوقيت كقولك: أتيته لليلة بقيت من المحرم أي مستقبلًا لها، والمراد أن يطلق المدخول بهن من المعتدات بالحيض في طهر لم يجامعهن فيه ثم يخلين حتى تنقضي عدتهن، وهذا أحسن الطلاق. وفي حديث ابن عمر عند مسلم قرأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فطلقوهن في قبل عدتهن ({وأحصوا العدة}) [الطلاق: 1] واضبطوها بالحفظ وأكملوها ثلاثة أقراء مستقبلات كوامل لا نقصان فيهن يقال: (أحصيناه) أي (حفظناه وعددناه) وهذا التفسير لأبي عبيدة، وأخرج الطبري معناه عن السدي والمراد الأمر أن يحفظ ابتداء وقت العدة لئلا يلتبس الأمر فتطول المدة فتتأذى بذلك المرأة، وخوطب الزوج بذلك لغفلة النساء ثم إن الطلاق يكون بدعيًّا وسنيًّا وواجبًا ومستحبًّا ومكروهًا. فأما السني فأشار إليه البخاري بقوله: (وطلاق السُّنّة أن يطلقها) بعد الدخول بها

حال كونها (طاهرًا من غير جماع) في ذلك الطهر ولا في حيض قبله وليست بحامل ولا صغيرة ولا آيسة وهي تعتدّ بالأقراء وذلك لاستعقابه الشروع في العدّة (ويشهد شاهدين) لقوله عز وجل: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2] وعن ابن عباس فيما أخرجه ابن مردويه قال: كان نفر من المهاجرين يطلقون لغير عدّة ويراجعون بغير شهود فنزلت، وأما تسميته بالسني فقال الشيخ كمال الدين بن الهمام: الطلاق السني المسنون وهو كالمندوب في استعقاب الثواب، والمراد به هنا المباح لأن الطلاق ليس عبادة في نفسه ليثبت له ثواب، فمعنى المسنون منه ما يثبت على وجه لا يستوجب عتابًا. نعم لو وقعت له داعية أن يطلقها عقب جماعها أو حائضًا فمنع نفسه إلى الطهر الآخر فإنه يُثاب لكن لا عن الطلاق في الطهر الخالي عن الحيض بل على كف نفسه عن ذلك الإيقاع على ذلك الوجه امتناعًا عن المعصية. وأما البدعي؛ فطلاق مدخول بها بلا عوض منها في حيض أو نفاس أو في عدّة طلاق رجعي وهي تعتدّ بالإقراء وذلك لمخالفته قوله تعالى: {فطلقوهن لعدّتهن} وزمن الحيض والنفاس لا يحسب من العدّة والمعنى فيه تضررها بطول مدة التربص أو في طهر جامعها فيه أو استدخلت ماءه فيه ولو كان الجماع أو الاستدخال في حيض قبله؛ أو في الدبر إن لم يتبين حملها وكانت ممن يحبل لأدائه إلى الندم عند ظهور الحمل لأن الإنسان قد يطلق الحائل دون الحامل، وعند الندم قد لا يمكنه التدارك فيتضرر هو والولد وألحقوا الجماع في الحيض بالجماع في الطهر لاحتمال العلوق فيه، والجماع في الدبر كالجماع في القُبل لثبوت النسب ووجوب العدّة به، وهذا الطلاق حرام للنهي عنه، وقال النووي: أجمع الأمة على تحريمه بغير رضا المرأة فإن طلقها أثم ووقع طلاقه. 5251 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ، وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه طلّق امرأته) هي آمنة بمدّ الهمزة وكسر الميم بنت غفار بكسر المعجمة وتخفيف الفاء أو بنت عمار بعين مهملة مفتوحة ثم ميم مشدّدة. قال ابن حجر: والأول أولى وفي مسند أحمد أن اسمها النوار ويمكن أن يكون اسمها آمنة ولقبها النوّار (وهي حائض) جملة حالية (على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسأل عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك) عن حكم طلاق ابنه على الصفة المذكورة. زاد الزهري كما في التفسير عن سالم أن ابن عمر أخبره فتغيّظ فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لعمر: (مُره) أصله أأمره بهمزتين الأولى للوصل مضمومة تبعًا للعين مثل: اقتل والثانية فاء الكلمة ساكنة تبدل تخفيفًا من جنس حركة سابقتها فتقول أومر فإذا وصل الفعل بما قبله زالت همزة الوصل وسكنت الهمزة الأصلية كما في قوله تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة} [طه: 32]. لكن استعملها العرب بلا همزة فقالوا: مر لكثرة الدور ولأنهم حذفوا أولًا الهمزة الثانية تخفيفًا ثم حذفوا همزة الوصل استغناء عنها لتحرك ما بعدها وكذا حكم أخذ وأكل أي: مُر ابنك عبد الله (فليراجعها) والأمر للندب عند الشافعية والحنابلة والحنفية. وقال المالكية: وصححه صاحب الهداية من الحنفية للوجوب ويجبر على مراجعتها ما بقي من العدّة شيء. قال ابن القاسم وأشهب وابن الموّاز: يجبر عندنا بالضرب والسجن والتهديد انتهى. لنا قوله تعالى: {فأمسكوهن بمعروف} [البقرة: 231] وغيرها من الآيات المقتضية للتخيير بين الإمساك بالرجعة أو الفراق بتركها فجمع بين الآيات والحديث بحمل الأمر على الندب ولأن الرجعة لاستدراك النكاح وهو غير واجب في الابتداء. قال الإمام: ومع استحباب الرجعة لا نقول إن تركها مكروه، لكن قال في الروضة فيه نظر وينبغي كراهته لصحة الخبر فيه ولدفع الإيذاء ويسقط الاستحباب بدخول الطهر الثاني. وقال ابن دقيق العيد: ويتعلق بالحديث مسألة أصولية وهي

الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك الشيء أم لا؟ فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لعمر: (مره) فأمره بأمره، وقد أطال في الفتح البحث في هذه المسألة، والحاصل أن الخطاب إذا توجه لمكلف أن يأمر مكلفًا آخر بفعل شيء كان المكلف الأول مبلغًا محضًا والثاني مأمور من قبل الشارع كما هنا وإن توجه من الشارع لمكلف أن يأمر غير مكلف كحديث: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع" لم يكن الأمر بالأمر بالشيء أمرًا بالشيء لأن الأولاد غير مكلفين فلا يتجه عليهم الوجوب، وإن توجه الخطاب من غير الشارع بأمر من له عليه الأمر أن يأمر من لا أمر للأول عليه لم يكن الأمر بالأمر بالشيء أمرًا بالشيء أيضًا بل هو متعدٍّ بأمره للأول أن يأمر الثاني. (ثم ليمسكها) بإعادة اللام ويجوز تسكينها كقراءة {ثم ليقضوا تفثهم} [الحج: 29] فالكسر على الأصل في لام الأمر فرقًا بينها وبين لام التأكيد والسكون للتخفيف إجراء للمنفصل مجرى المتصل والمراد الأمر باستمرار الإمساك لها وإلا فالرجعة إمساك، وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عند مسلم ثم ليدعها (حتى تطهر ثم تحيض) حيضة أخرى (ثم تطهر ثم إن شاء أمسكـ) ـها (بعد) أي بعد الطهر من الحيض الثاني (وإن شاء طلقـ) ـها (قبل أن يمسـ) ـها أي يجامعها. واختلف في علة هذه الغاية فقيل لئلا تصير الرجعة لمجرد غرض الطلاق لو طلق في أول الطهر بخلاف الطهر الثاني وكما ينهى عن النكاح لمجرد الطلاق ينهى عن الرجعة له ولا يستحب الوطء في الطهر الأول اكتفاء بإمكان التمتع، وقيل عقوبة وتغليظ، وعورض بأن ابن عمر لم يكن يعلم تحريمه. وأجيب: بأن تغيظه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دون أن يعذره يقتضي أن ذلك في الظهور لا يكاد يخفى على أحد، وفي مسلم من رواية محمد بن عبد الرحمن عن سالم مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرًا أو حاملًا. قال الشافعي وابن عبد البر: رواه جماعة غير نافع بلفظ: "حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها ثم إن شاء أمسكها" رواية يونس بن جبير وأنس بن سيرين وسالم فلم يقولوا ثم تحيض ثم تطهر، نعم رواية الزهري عن سالم موافقة لرواية نافع كما نبّه عليه أبو داود والزيادة من الثقة مقبولة خصوصًا إذا كان حافظًا واختلف في جواز تطليقها في الطهر الذي يلي الحيضة التي وقع فيها الطلاق والرجعة فقطع المتولي بالمنع، وهو الذي يقتضيه ظاهر الزيادة التي في الحديث. وذكر الطحاوي أنه يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة. قال الكرخي: وهو قول أبي حنيفة لرواية سالم رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة لأن أثر الطلاق قد انعدم بالمراجعة فصار كأنه لم يطلقها. وقال أبو يوسف ومحمد: في طهر ثانٍ أي إذا طهرت من تلك الحيضة التي وقع فيها الطلاق ثم حاضت ثم طهرت. (فتلك العدة) أي فتلك زمن العدة وهي حالة الطهر (التي أمر الله) أي أذن (أن يطلق لها النساء) في قوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن}. واستدلّ به على أن القرء المذكور في قوله تعالى: {ثلاثة قروء} [البقرة: 228] المراد به الطهر كما ذهب إليه مالك والشافعي. وأما الطلاق الواجب ففي الإيلاء على المولي لأن المدة إذا انقضت وجب عليه الفيئة أو الطلاق، وفي الشقاق على الحكمين إذا أمر المظلومة ولا بدعة فيه للحاجة إليه مع طلب الزوجة. وأما المستحب فعند خوف تقصيره في حقها لبغض أو غيره أو بأن لا تكون عفيفة لحديث الرجل الذي قال: يا رسول الله إن امرأتي لا تردّ يدَ لامس. فقال عليه الصلاة والسلام: "طلقها" والأمر للاستحباب، يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام لما أن قال له: إنيّ أحبها: أمسكها، وألحق به ابن الرفعة طلاق الولد إذا أمره به والده لحديث الأربعة، وصححه الترمذي وابن حبان أن ابن عمر قال: كان تحتي امرأة أحبها وكان عمر يكرهها فقال: طلقها فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "أطع أباك". وأما المكروه فعند سلامة الحال لحديث: "ليس شيء من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق". وأما المباح فطلاق من ألقي عليه عدم اشتهائها بحيث يعجز ويتضرر بإكراهه نفسه على جماعها فهذا إذا وقع فإن كان قادرًا على طول غيرها مع

2 - باب إذا طلقت الحائض يعتد بذلك الطلاق

استبقائها ورضيت بإقامتها في عصمته بلا وطء أو بلا قسم فيكره طلاقها كما كان بين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين سودة، وإن لم يكن قادرًا على طولها أو لم ترض هي بترك حقها فهو مباح لأن مقلب القلوب ربّ العالمين. وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في الطلاق. 2 - باب إِذَا طُلِّقَتِ الْحَائِضُ يُعْتَدُّ بِذَلِكَ الطَّلاَقِ هذا (باب) بالتنوين (إذا طلقت) المرأة (الحائض) بضم الطاء مبنيًّا للمفعول (يعتدّ بذلك الطلاق) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول وبفوقية مفتوحة أجمع على ذلك أئمة الفتوى خلافًا للظاهرية والخوارج والرافضة حيث قالوا: لا يقع لأنه منهي عنه فلا يكون مشروعًا. لنا قوله عليه الصلاة والسلام لعمر: "مره فليراجعها" وكان طلقها في حالة الحيض كما مرّ، والمراجعة بدون الطلاق محال ولا يقال: المراد بالرجعة الرجعة اللغوية وهي الرد إلى حالها الأول لا أنه يجب عليه طلقة لأن هذا غلط إذ حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية مقدم على حمله على الحقيقة اللغوية كما تقرر في الأصول، ولأن ابن عمر صرّح في الحديث الآتي بأنه حسبها عليه طلقة. 5252 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لِيُرَاجِعْهَا»، قُلْتُ: أتُحْتَسَبُ؟ قَالَ: «فَمَهْ». وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا». قُلْتُ: تُحْتَسَبُ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أنس بن سيرين) أخي محمد بن سيرين أنه (قال: سمعت ابن عمر) -رضي الله عنهما- (قال: طلق ابن عمر امرأته) آمنة (وهي) أي والحال أنها (حائض) وسقط قوله قال: طلق ابن عمر لأبي ذر، وفي نسخة بدل الساقط أنه طلق امرأته، وقال الكرماني فإن قلت: أين المطابقة بين المبتدأ والخبر؟ وأجاب بأن التاء للفرق بين المذكر والمؤنث الصفة خاصة بالنساء فلا حاجة إليها (فذكر عمر للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ذلك (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ليراجعها) إلى عصمته من الطلقة التي أوقعها بالصفة المذكورة قال أنس بن سيرين: (قلت) لابن عمر (أتحتسب) طلقة بضم الفوقية الأولى وفتح الثانية (قال) ابن عمر: (فمه) هي ما الاستفهامية أدخل عليها هاء السكت في الوقف مع أنها غير مجرورة وهو قليل أي فما يكون إن لم تحتسب أو هي كلمة كف وزجر أي انزجر عنه فإنه لا شك في وقوع الطلاق وكونه محسوبًا في عدد الطلاق. وهذا نص في موضع النزاع يرد على القائل بعدم الوقوع فيجب المصير إليه، وعند الدارقطني من رواية شعبة عن أنس بن سيرين فقال عمر: يا رسول الله أفنحتسب بتلك الطلقة؟ قال: "نعم". وعنده أيضًا من طريق سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رجلًا قال: إني طلقت امرأتي البتة وهي حائض فقال: عصيت ربك وفارقت امرأتك، فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر ابن عمر أن يراجع امرأته. قال: إنه أمر ابن عمر أن يراجعها بطلاق بقي له وأنت لم يبق لك ما ترتجع به امرأتك وقد وافق ابن حزم من المتأخرين التقي بن تيمية واحتجوا له بما عند مسلم من حديث أبي الزبير عن ابن عمر فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ليراجعها" فردّها وقال: "إذا طهرت فليطلق أو ليمسك" وزاد النسائي وأبو داود فيه ولم يرها شيئًا، لكن قال أبو داود: روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة وأحاديثهم كلها على خلاف ما قال أبو الزبير، وقال أبو عمر بن عبد البر: لم يقلها غير أبي الزبير وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف بمن هو أثبت منه، وقال الخطابي: لم يروِ أبو الزبير حديثًا أنكر من هذا، وقال الشافعي فيما نقله البيهقي في المعرفة: نافع أثبت من أبي الزبير، والأثبت من الحديثين أولى أن يؤخذ به إذا تخالفا، وقد وافق نافعًا غيره من أهل الثبت وحمل قوله لم يرها شيئًا على أنه لم يعدّها شيئًا صوابًا فهو كما يقال للرجل إذا أخطأ في فعله أو أخطأ في جوابه: لم تصنع شيئًا أي لم تصنع شيئًا صوابًا. وقال الخطابي: لم يرها شيئًا تحرم معه المراجعة، وقد تابع أبا الزبير غيره، فعند سعيد بن منصور من طريق عبد الله بن مالك عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ليس ذلك بشيء" وكل ذلك قابل للتأويل وهو أولى من تغليظ بعض الثقات. وقال ابن القيم منتصرًا لشيخه ابن تيمية: الطلاق ينقسم إلى حلال

وحرام فالقياس أن حرامه باطل كالنكاح وسائر العقود وأيضًا فكما أن النهي يقتضي التحريم فكذلك يقتضي الفساد وأيضًا فهو طلاق منع منه الشرع فأفاد منعه عدم جواز إيقاعه، فكذلك يفيد عدم نفوذه وإلاّ لم يكن للمنع فائدة لأن الزوج لو وكّل رجلًا أن يطلّق امرأته على وجه فطلّقها على غير الوجه المأذون فيه لم ينفذ، فكذلك لم يأذن الشارع لمكلّف في الطلاق إلاّ إذا كان مباحًا، فإذا طلّق طلاقًا محرمًا لم يصح وأيضًا فكل ما حرمه الله من العقود مطلوب الإعدام فالحكم ببطلان ما حرّمه أقرب إلى تحصيل هذا المطلوب من تصحيحه، ومعلوم أن الحلال المأذون فيه ليس كالحرام الممنوع منه ثم ذكر معارضات أخرى لا تنهض مع التنصيص على صريح الأمر بالرجعة فإنها فرع وقوع الطلاق وعلى تصريح صاحب القصة بأنها حسبت عليه تطليقة، والقياس في معارضة النص فاسد الاعتبار انتهى ملخصًا من الفتح. وقد عطف المؤلّف على قوله في السند عن أنس بن سيرين قوله: (وعن قتادة) بن دعامة (عن يونس بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة الباهلي البصري (عن ابن عمر) أنه (قال) قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر: (مره) أي مر ابنك (فليراجعها) أي امرأته التي طلقها في الحيض قال يونس بن جبير: (قلت) لابن عمر (تحتسب) مبني للمفعول التطليقة (قال: أرأيت) أي أخبرني، ولأبي ذر عن الكشميهني: أرأيته (إن عجز) عن فرض فلم يقمه (واستحمق) فلم يأتِ به أيكون ذلك عذرًّا له وقال النووي الهمزة في أرأيت للاستفهام الإنكاري أي نعم يحتسب الطلاق ولا يمنع احتسابه لعجزه وحماقته. وقال غيره: استحمق بفتح التاء والميم مبنيًّا للفاعل أي طلب الحمق بما فعله من طلاق امرأته وهي حائض أي أرأيت إن عجز الزوج عن السُّنَّة أو جهل السُّنَّة فطلّق في الحيض أيعذر لحمقه فلا يلزمه طلاق استبعادًا من ابن عمر أن يعذر أحد بالجهل بالشريعة وهو القول الأشهر أن الجاهل غير معذور، وقال ابن الخشاب: أي فعل فعلًا يصير به أحمق عاجزًا فيسقط عنه حكم الطلاق عجزه أو حمقه والسين والتاء فيه إشارة إلى أنه تكلف الحمق بما فعله من تطليق امرأته وهي حائض. وقال الكرماني: يحتمل أن تكون أن نافية بمعنى لم يعجز ابن عمر ولا استحمق لأنه ليس بطفل ولا مجنون حتى لا يقع طلاقه والعجز لازم الطفل والحمق لازم الجنون فهو من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم انتهى. قال النووي: والقائل هذا الكلام ابن عمر يريد نفسه وإن عاد الضمير بلفظ الغيبة، وقد جاء في مسلم أن ابن عمر قال: ما لي لا أعتد بها وإن كنت عجزت واستحمقت. 5253 - وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ. (وقال) ولأبي ذر حدّثنا (أبو معمر) عبد الله بن عمرو المنقري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن سعيد بن جبير عن ابن عمر) أنه (قال حسبت) بضم الحاء مبنيًّا للمفعول (عليّ) بتشديد التحتية الطلقة التي طلقتها في الحيض (بتطليقة) فيه ردّ على ما تمسك به الظاهرية ومن نحا نحوهم في قوله: إنه لم يعتدّ بها ولم يرها شيئًا لأنه وإن لم يصرّح برفع ذلك إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن فيه تسليم أن ابن عمر قال: إنها حسبت عليه بتطليقة فكيف يجتمع هذا مع قوله إنه لم يعتد بها ولم يرها شيئًا على المعنى الذي ذهب إليه المخالف لأنه إن جعل الضمير للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لزم منه أن ابن عمر خالف ما حكم به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه القصة بخصوصها لأنه قال: حسبت عليه بتطليقة فيكون من حسبها عليه خالف كونه لم يرها شيئًا، أو كيف يظن به ذلك مع اهتمامه واهتمام أبيه بسؤال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك ليفعل ما يأمره به وإن جعل الضمير في لم يعتدّ بها ولم يرها لابن عمر لزم منه التناقض في القصة الواحدة فيفتقر إلى الترجيح، ولا شك أن الأخذ بما رواه أكثر والأحفظ أولى من مقابله عند تعذر الجمع عند الجمهور، وأما قول ابن القيم في الانتصار لشيخه لم يرد التصريح بأن عمر احتسب بتلك التطليقة إلا في رواية سعيد بن جبير عنه عند

3 - باب من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق؟

البخاري وليس فيها التصريح بالرفع قال: فانفراد سعيد بن جبير بذلك كانفراد أبي الزبير بقوله لم يرها شيئًا فإما أن يتساقطا وإما أن ترجح رواية ابن الزبير لتصريحها بالرفع، وتحمل رواية سعيد بن جبير على أن أباه هو الذي حسبها عليه بعد موت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الوقت الذي ألزم الناس فيه بالطلاق الثلاث بعد أن كانوا في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يحتسب عليهم به ثلاثًا إذا كان بلفظ واحد. وأجيب: بأنه قد ثبت في مسلم من رواية أنس بن سيرين سألت ابن عمر عن امرأته التي طلقها وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "مره فليراجعها" فإذا طهرت فليطلقها لطهرها قال: فراجعتها ثم طلقتها لطهرها قلت فاعتددت بتلك التطليقة وهي حائض فقال: ما لي لا أعتدّ بها وإن كنت عجزت واستحمقت. وعند مسلم أيضًا من طريق ابن أخي ابن شهاب عن عمه عن سالم في حديث الباب: وكان ابن عمر طلّقها تطليقة فحسبت من طلاقها فراجعها كما أمره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ففيه موافقة أنس بن سيرين سعيد بن جبير وأنه راجعها في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قاله في فتح الباري. وما في الحديث من الفوائد لا يخفى على متأمل، والله الموفق. 3 - باب مَنْ طَلَّقَ وَهَلْ يُوَاجِهُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالطَّلاَقِ؟ (باب من طلّق) امرأته جاز له ذلك لأن الله تعالى شرع الطلاق كما شرع النكاح، وقال تعالى: {الطلاق مرتان} [البقرة: 229] و {يا أيها النبي إذا طلّقتم النساء} [الطلاق: 1] وأما حديث "ليس شيء من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق" المروي في سنن أبي داود بإسناد صحيح وصححه الحاكم، وفي لفظ "إن أبغض المباحات عند الله الطلاق" فمحمول على ما إذا وقع عن غير سبب مع كونه أعلّ بالإرسال بل قال الشيخ كمال الدين بن الهمام: إنه نص على إباحته وكونه مبغوضًا وهو لا يستلزم ترتب لازمه المكروه الشرعي إلا لو كان مكروهًا بالمعنى الاصطلاحي ولا يلزم ذلك من وصفه بالبغض إلا لو لم يصفه بالإباحة لكنه وصفه بها لأن أفعل التفضيل بعض ما أضيف إليه وغاية ما فيه أنه مبغوض إليه سبحانه وتعالى، ولم يرتب عليه ما رتب على المكروه ودليل نفي الكراهة قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن} [البقرة: 236] وطلاقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حفصة (وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق)؟ الأولى ترك ذلك إلا إن احتيج إليه. 5254 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ أَيُّ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَعَاذَتْ مِنْهُ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ لَهَا: «لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَوَاهُ حَجَّاجُ بْنُ أَبِي مَنِيعٍ عَنْ جَدِّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا الوليد) بن مسلم قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (قال: سألت الزهري) محمد بن مسلم (أي أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استعاذت منه؟ قال) مجيبًا عن ذلك (أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن ابنة الجون) بفتح الجيم وبعد الواو الساكنة نون أميمة بنت النعمان بن شراحيل على الصحيح وقيل أسماء (لما أدخلت) بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودنا) أي قرب (منها) بعد أن تزوجها (قالت) لما كتبه الله عليها من الشقاء (أعوذ بالله منك فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لها): (لقد عذت بعظيم) وهو الله تعالى (الحقي بأهلك) بفتح الحاء وكسر الهمزة وقيل بالعكس كناية عن الطلاق يشترط فيها النية بالإجماع، والمعنى الحقي بأهلك لأني طلّقتك سواء كان لها أهل أم لا؟ وهذا الحديث أخرجه النسائي في النكاح وابن ماجة. (قال أبو عبد الله) أي المؤلّف وسقط قال أبو عبد الله لأبي ذر: (رواه) أي الحديث المذكور (حجاج بن أبي منيع) بفتح الميم وكسر النون وبعد التحتية الساكنة عين مهملة ونسبه لجدّه واسم أبيه يوسف الوصافي بفتح الواو والصاد المهملة المشدّدة فيما وصله يعقوب بن سفيان في تاريخه (عن جده) أبي منيع عبيد الله بن أبي زياد (عن الزهري) محمد بن مسلم (أن عروة) بن الزبير (أخبره أن عائشة) -رضي الله عنها- (قالت) فذكره ووصله الذهلي في الزهريات، ورواه ابن أبي ذئب أيضًا بنحوه وزاد في آخره قال الزهري: جعلها تطليقة أخرجه البيهقي. 5255 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَسِيلٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى انْطَلَقْنَا إِلَى حَائِطٍ يُقَالُ لَهُ الشَّوْطُ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَائِطَيْنِ، فَجَلَسْنَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اجْلِسُوا هَا هُنَا»، وَدَخَلَ وَقَدْ أُتِيَ بِالْجَوْنِيَّةِ. فَأُنْزِلَتْ فِي بَيْتٍ فِي نَخْلٍ فِي بَيْتٍ أُمَيْمَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ، وَمَعَهَا دَايَتُهَا حَاضِنَةٌ لَهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «هَبِي نَفْسَكِ لِي»، قَالَتْ: وَهَلْ تَهَبُ الْمَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ؟ قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَقَالَ: «قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ»، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: «يَا أَبَا أُسَيْدٍ، اكْسُهَا رَازِقِيَّيْنِ، وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا». [الحديث 5255 - طرفه في: 5257]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن غسيل) هو عبد الرحمن بن

سليمان بن عبد الله بن حنظلة الأنصاري وحنظلة هو غسيل الملائكة لما استشهد بأُحُد وهو جُنُب (عن حمزة بن أبي أسيد) بضم الهمزة وفتح السين المهملة (عن) أبيه (أبي أسيد) مالك بن ربيعة الأنصاري الساعدي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: خرجنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من المسجد أو من منزله (حتى انطلقنا إلى حائط) بستان عليه جدار (يقال له الشوط) بفتح الشين المعجمة وبعد الواو الساكنة طاء مهملة (حتى انتهينا إلى حائطين فجلسنا) ولأبي ذر جلسنا (بينهما) بإسقاط الفاء (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اجلسوا ها هنا، ودخل) إلى الحائط (وقد أُتي بالجونية) بضم الهمزة وفتح الجيم فيهما نسبة لقبيلة من الأزد فيما قاله ابن الأثير، وقال الرشاطيّ: الجون في كندة والأزد فالذي في كندة الجون هو معاوية بن حجر آكل المرار ثم قال: ومنهم أسماء بنت النعمان بن الأسود بن الحارث ابن شراحيل بن كندة تزوّج بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتعوّذت منه فطلّقها. وقال ابن حبيب: الجونية امرأة من كندة وليست بأسماء والذي في الأزد الجون بن عوف بن مالك. وقال الكرماني: وقيل اسم الجونية أمامة (فأنزلت) بضم الهمزة (في بيت في نخل) بالتنوين فيهما وسقط لفظ في لأبي ذر (في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل) بإضافة بيت لأميمة كذا في الفرع وأصله وغيرهما مما رأيته في الأصول. وقال الحافظ ابن حجر، وتبعه العيني كالكرماني بالتنوين في الكل: وأميمة بالرفع إما بدلًا من الجونية وإما عطف بيان، وزاد في الفتح فقال: وظن بعض الشراح أنه بالإضافة فقال: في الكلام على الرواية التي بعدها تزوّج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أميمة بنت شراحيل لعل التي نزلت في بيتها بنت أخيها وهو مردود فإن مخرج الطريقين واحد، وإنما جاء الوهم من إعادة لفظ في بيت. وقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه فقال في بيت في النخل في بيت أميمة إلى آخره انتهى. فليتأمل. وعند ابن سعد أن النعمان بن الجون الكندي أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: ألا أزوّجك أجمل أيم في العرب فتزوّجها وبعث معه أبا أسيد الساعدي قال أبو أسيد: فأنزلتها في بني ساعدة فدخل عليها نساء الحي فرحين بها وخرجن فذكرن من جمالها. (ومعها دايتها حاضنة لها) بالرفع ولأبي ذر بالنصب. قال في الفتح كالكواكب: الداية الظئر المرضع وهي معربة، وقال العيني: ليس كما قالا وإنما الداية المرأة التي تولِّد الأولاد وهي القابلة وهو لفظ معرّب ولم يعرف اسمها الحافظ ابن حجر (فلما دخل عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) لها: (هبي نفسك لي) أمر للمؤنث وأصله أوهبي حذفت الواو تبعًا لمضارعه واستغني عن الهمزة فصار هبي بوزن علي، قال لها ذلك تطييبًا لقلبها واستمالة لها، وإلا فقد كان له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يزوّج من نفسه بغير إذن المرأة وبغير إذن وليّها وكان مجرد إرساله إليها وإحضارها ورغبته فيها كافيًا في ذلك (قالت) لسوء حظها وشقائها وعدم معرفتها بجلالة قدره الرفيع (وهل تهب الملكة) بكسر اللام (نفسها للسوقة)؟ بضم السين المهملة لواحد من الرعية. وقال في القاموس: السوقة الرعية للواحد والجمع والمذكر والمؤنث، ولأبي ذر: لسوقة (قال: فأهوى بيده) الشريفة أي أمالها (يضع يده عليها لتسكن فقالت: أعوذ بالله منك. فقال) ولأبي ذر قال: (قد عذت بمعاذ) بفتح الميم أي بالذي يستعاذ به قال أبو أسيد (ثم خرج علينا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: يا أبا أسيد اكسها) بضم السين ثوبين (رازقيين) براء ثم زاي فقاف مكسورتين بالتثنية صفة موصوف محذوف للعلم به، والرازقية ثياب من كتاب بيض طوال. قال السفاقسي: أي متعها بذلك إما وجوبًا وإما تفضلًا. وسيأتي إن شاء الله تعالى بعون الله حكم المتعة. (وألحقها بأهلها) بهمزة قطع مفتوحة وكسر الحاء وسكون القاف أي ردّها إليهم لأنه هو الذي كان أحضرها. وعند ابن سعد قال أبو أسيد: فأمرني فرددتها إلى قومها، وفي أخرى له فلما وصلت بها تصايحوا وقالوا: إنك

4 - باب من أجاز طلاق الثلاث، لقول الله تعالى:

لغير مباركة فما دهاك؟ قالت: خدعت. قال: وحدّثني هشام بن محمد بن أبي خيثمة زهير بن معاوية: أنها ماتت كمدًا. 5256 - 5257 - وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيُّ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي أُسَيْدٍ قَالاَ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَيْمَةَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ، فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَكَأَنَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ أَنْ يُجَهِّزَهَا وَيَكْسُوَهَا ثَوْبَيْنِ رَازِقِيَّيْنِ. [الحديث 5256 - طرفه في: 5637]. (وقال الحسين) بضم الحاء (ابن الوليد النيسابوري) الفقيه لم يدركه البخاري (عن عبد الرحمن) بن غسيل (عن عباس بن سهل عن أبيه) سهل بن سعد (وأبي أسيد) كلاهما (قالا: تزوّج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أميمة بنت شراحبل) نسبها لجدّها واسم أبيها النعمان كما مرّ (فلما أدخلت عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بسط يده إليها فكأنها كرهت ذلك) لما أراد الله تعالى بها من المكروه (فأمر) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقيين). وهذا التعليق وصله أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبي أحمد الفرّاء عن الحسين، ومراد المؤلّف منه أن الحسين بن الوليد شارك أبا نعيم الفضل بن دكين في روايته لهذا الحديث عن عبد الرحمن بن الغسيل، لكن اختلفا في شيخ عبد الرحمن فقال أبو نعيم: حمزة. وقال الحسين: عباس ابن سهل. 0000 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ حَمْزَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا إبراهيم بن أبي الوزير) عمر بن مطرف الحجازي أدركه المؤلّف ولم يلقه وليس له في البخاري إلا هذا الحديث قال: (حدّثنا عبد الرحمن) بن غسيل (عن حمزة) بالحاء المهملة (عن أبيه) أبي أسيد (وعن) بالواو أي حمزة يروي عن أبيه وعن (عباس بن سهل بن سعد عن أبيه) سهل بن سعد (بهذا) الحديث المذكور. 5258 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي غَلاَّبٍ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ. فَقَالَ: تَعْرِفُ ابْنَ عُمَرَ إِنَّ ابْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا. قُلْتُ: فَهَلْ عَدَّ ذَلِكَ طَلاَقًا؟ قَالَ: "أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ". وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم قال: (حدّثنا همام بن يحيى) بن دينار البصري (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي غلاب) بفتح الغين المعجمة وتشديد اللام آخره موحدة (يونس بن جبير) الباهلي البصري أنه (قال: قلت لابن عمر رجل طلق امرأته وهي حائض فقال) له (تعرف ابن عمر) قال له ذلك لتقريره على اتباع السُّنة والقبول من ناقلها وأنه يلزم العامّة الاقتداء بمشاهير العلماء لا أنه ظن أنه لا يعرفه كذا قاله الحافظ ابن حجر وتبعه العيني (أن ابن عمر طلّق امرأته) آمنة بنت غفار (وهي حائض فأتى عمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر ذلك) الطلاق الصادر في الحيض (له فأمره) أي أمر ابن عمر (أن يراجعها) من التطلقة التي طلقها لها (فإذا طهرت) بضم الهاء (فأراد أن يطلقها فليطلقها) في ذلك الطهر قال يونس بن جبيرة (قلت) لابن عمر (فهل عدّ ذلك) عليه الصلاة والسلام (طلاقًا؟ قال: أرأيت) أي أخبرني (إن عجز واستحمق) قال المهلب: يعني إن عجز من المراجعة التي أمر بها عن إيقاع الطلاق أو فقد عقله فلم تمكن منه الرجعة أتبقى المرأة معلقة؟ لا هي ذات بعل ولا مطلقة، وقد نهى الله عن ذلك فلا بدّ أن يحتسب بتلك التطليقة التي أوقعها على غير وجهها كما أنه لو عجز عن فرض آخر فلم يقمه واستحمق فلم يأت به ما كان يعذر بذلك ويسقط عنه. 4 - باب مَنْ أَجَازَ طَلاَقَ الثَّلاَثِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي مَرِيضٍ طَلَّقَ: لاَ أَرَى أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَتُهُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: تَرِثُهُ: وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: تَزَوَّجُ إِذَا انْقَضَتِ الْعِدَّةُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ مَاتَ الزَّوْجُ الآخَرُ فَرَجَعَ عَنْ ذَلِكَ؟ (باب من أجاز) ولأبي ذر من جوّز (طلاق الثلاث) وفي نسخة الطلاق الثلاث أي دفعة واحدة أو مفرقًا (لقول الله تعالى: {الطلاق مرّتان}) أي تطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع ({فإمساك بمعروف}) برجعة ({أو تسريح بإحسان}) [البقرة: 229] وهذا عامّ يتناول إيقاع الثلاث دفعة واحدة، وقد دلّت الآية على ذلك من غير نكير خلافًا لمن لم يجز ذلك لحديث "أبغض الحلال إلى الله الطلاق". وعند سعيد بن منصور بسند صحيح أن عمر كان إذا أَتي برجل طلق امرأته ثلاثًا أوجع ظهره. وقال الشيعة وبعض أهل الظاهر: لا يقع إذا أوقعه دفعة واحدة. قالوا: لأنه خالف السُّنّة فيردّ إلى السُّنّة. وفي الأشراف عن بعض المبتدعة أنه إنما يلزم بالثلاث إذا كانت مجموعة واحدة وهو قول محمد بن إسحاق صاحب المغازي وحجاج بن أرطأة، وتمسكوا في ذلك بحديث ابن إسحاق عن داود بن الحسين عن عكرمة عن ابن عباس المرويّ عند أحمد وأبي يعلى وصححه بعضهم قال: طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثًا في مجلس واحد فحزن عليها حزنًا شديدًا، فسأله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كيف طلقتها؟ قال: ثلاثًا في مجلس واحد. فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنما تلك واحدة فارتجعها إن شئت فارتجعها". وأجيب: بأن ابن إسحاق وشيخه مختلف فيهما مع معارضته بفتوى ابن عباس بوقوع الثلاث كما سيأتي إن شاء الله تعالى وبأنه مذهب شاذ فلا يعمل به إذ هو منكر، والأصح ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة أن ركانة طلّق زوجته البتة فحلفه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ما أراد إلا واحدة فردّها إليه، فطلقها الثانية في زمن عمر، والثالثة في زمن عثمان. قال أبو داود: وهذا أصح. وعورض بأنه نقل عن علي وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير كما نقله ابن مغيث في كتاب الوثائق له، ونقله ابن المنذر عن أصحاب ابن عباس كعطاء وطاوس وعمرو بن دينار، بل في مسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن طاوس عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم، وقال الشيخ خليل من أئمة المالكية في توضيحه: وحكى التلمساني عندنا قولًا بأنه إذا أوقع الثلاث في كلمة إنما يلزمه واحدة وذكر أنه في النوادر قال: ولم أره انتهى. والجمهور على وقوع الثلاث، فعند أبي داود بسند صحيح من طريق ابن مجاهد قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلّق امرأته ثلاثًا فسكت حتى ظننت أنه رادّها إليه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة ثم يقول: يا ابن عباس يا ابن عباس إن الله قال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا} [الطلاق: 2] وأنت لم تتق الله فلم أجد لك مخرجًا عصيت ربك وبانت منك امرأتك. وقد روي عن ابن عباس من غير طريق أنه أفتى بلزوم الثلاث لمن أوقعها مجتمعة. وفي الموطأ بلاغًا قال رجل لابن عباس: إني طلّقت امرأتي مائة طلقة فماذا ترى؟ فقال ابن عباس: طلّقت منك ثلاثًا، وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوًا، وقد أجيب عن قوله كان طلاق الثلاثة واحدة بأن الناس كانوا في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يطلقون واحدة، فلما كانوا في زمان عمر كانوا يطلقون ثلاثًا. ومحصله أن المعنى أن الطلاق الموقع في زمن عمر ثلاثًا كان يوقع قبل ذلك واحدة لأنهم كانوا لا يستعجلون الثلاث وكانوا يستعملونها نادرًا وأما في زمن عمر فكثر استعمالهم لها. وأما قوله: فأمضاه عليهم فمعناه أنه صنع فه من الحكم بإيقاع الطلاق ما كان يصنع قبله انتهى. وقال الشيخ كمال الدين بن الهمام: تأويله أن قول الرجل أنت طالق، أنت طالق، كان واحدة في الزمن الأول لقصدهم التأكيد في ذلك الزمان ثم صاروا يقصدون التجديد فالزمهم عمر بذلك لعلمه بقصدهم قال: وما قيل في تأويله أن الثلاث التي يوقعونها الآن إنما كانت في الزمن الأول واحدة تنبيه على تغير الزمان ومخالفة السُّنّة فيشكل، إذ لا يتجه حينئذٍ قوله فأمضاه عمر، واختلفوا مع الاتفاق على الوقوع ثلاثًا هل يكره أو يحرم أو يباح أو يكون بدعيًّا أو لا؟ فقال الشافعية: يجوز جمعها ولو دفعة، وقال اللخمي من أئمة المالكية: إيقاع الاثنتين مكروه: والثلاث ممنوع لقوله تعالى: {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا} [الطلاق: 1] أي من الرغبة في المراجعة والندم على الفرقة. ولنا قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النساء} [البقرة: 236] و {إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1] وهذا يقتضي الإباحة، وطلّق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حفصة وكان الصحابة يطلقون من غير نكير حتى روي أن مغيرة بن شعبة كان له أربع نسوة فأقامهن بين يديه صفًّا فقال: أنتنّ حسنات الأخلاق، ناعمات الأوراق، طويلات الأعناق، اذهبن فأنتن الطلاق. وكل هذا يدل على الإباحة. نعم الأفضل عندنا أن لا يطلّق أكثر من واحدة ليخرج من الخلاف. وقال الحنفية: يكون بدعيًّا إذا أوقعه بكلمة لحديث ابن عمر عند الدارقطني قلت يا رسول الله: أرأيت لو طلّقتها ثلاثًا؟ قال: "إذًا قد عصيت ربك وبانت منك امرأتك" ولأن الطلاق إنما جعل متعددًا ليمكنه التدارك عند الندم فلا يحلّ له تفويته. وفي حديث محمود

بن لبيد عند النسائي بسند رجاله ثقات قال: أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا فقام مغضبًا فقال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم" لكن محمود بن لبيد ولد في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يثبت له منه سماع وهو مع ذلك محتمل لإنكاره عليه إيقاعها مجموعة وغير ذلك. (وقال ابن الزبير) عبد الله فيما وصله الشافعي وعبد الرزاق (في) رجل (مريض طلق) امرأته (لا أرى) بفتح الهمزة (أن ترث مبتوتة) بالمثناتين الفوقيتين بينهما واو ساكنة، وقبل أولاهما موحدة منصوبة في اليونينية من قيل لها أنت طالق البتّة ويطلق على من أنبتت بالثلاث ولغير أبي ذر مبتوتة أي مبتوتة المريض. (وقال الشعبي) عامر بن شراحيل (ترثه) ما كانت في العدة وهذا وصله سعيد بن منصور. (وقال ابن شبرمة): بضم الشين المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة عبد الله قاضي الكوفة التابعي الشعبي (تزوّج) استفهام حذفت منه الأداة أي هل تزوّج (إذا انقضت العدة. قال) الشعبي: (نعم) تزوّج (قال) ابن شبرمة (أرأيت) أي أخبرني (إن مات الزوج الآخر) ترثه أيضًا فيلزم إرثها من الزوجين معًا واحدة (فرجع) الشعبي (عن ذلك) القول الذي قاله من أنها ترثه ما كانت في العدة وهذا وصله سعيد بن منصور، وساقه المؤلّف مختصرًا استطرادًا. 5259 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلاَنِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيِّ فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَسَأَلَ عَاصِمٌ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا، حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا عَاصِمُ، مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: عَاصِمٌ لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا قَالَ: عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لاَ أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا. فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَطَ النَّاسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا». قَالَ سَهْلٌ: فَتَلاَعَنَا، وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ عُوَيْمِرٌ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةُ الْمُتَلاَعِنَيْنِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (أن سهل بن سعد الساعدي) -رضي الله عنه- (أخبره أن عويمرًا) بضم العين مصغرًا ابن الحارث (العجلاني) بفتح العين المهملة وسكون الجيم (جاء إلى) ابن عمه (عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: يا عاصم أرأيت رجلًا) أي أخبرني عن رجل (وجد مع امرأته رجلًا) على بطنها (أيقتله فتقتلونه) قصاصًا لآية {النفس بالنفس} [المائدة: 45] (أم كيف يفعل سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فسأل عاصم عن ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسائل) المذكورة لما فيها من البشاعة والشناعة على المسلمين والمسلمات (وعابها حتى كبر) بضم الباء الموحدة عظم وشق (على عاصم ما سمع من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما رجع عاصم إلى أهله جاء عويمر، فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال) له (عاصم: لم تأتني بخير قد كره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسألة التي سألته عنها. قال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسط الناس فقال: يا رسول الله أرأيت رجلًا) أي أخبرني عن رجل (وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قد أنزل الله فيك) ولأبي ذر قد أنزل فيك (وفي صاحبتك) زوجتك خولة بنت قيس على المشهور آية اللعان (فاذهب فأتِ بها) قال سهل: (فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في تفسير سورة النور بما سمى الله في كتابه (فلما فرغا) من تلاعنهما (قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). قيل: المطابقة بين الحديث والترجمة في قوله فطلقها ثلاثًا لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمضاه ولم ينكر عليه، وهذا فيه نظر لأن اللعان تعلق به انفساخ النكاح ظاهرًا وباطنًا كالرضاع والحرمة المؤبدة، لكن قد يقال: إن ذكره للطلاق الثلاث مجموعة ولم ينكره عليه الصلاة والسلام عليه يدل له، والظاهر أن عويمرًا لم يظن أن اللعان يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق الثلاث. وهذا الحديث قد سبق في تفسير النور. (قال ابن شهاب) الزهري بالسند السابق (فكانت تلك) التفرقة (سُنّة المتلاعنين) فلا يجتمعان بعد الملاعنة. 5260 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ امْرَأَةَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاَقِي، وَإِنِّي نَكَحْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ الْقُرَظِيَّ، وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لاَ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين وفتح الفاء وهو اسم جده واسم أبيه كثير قال: (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي ولأبي ذر

5 - باب من خير نساءه وقول الله تعالى: {قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا}

عن عقيل (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة ابن الزبير أن عائشة) -رضي الله عنها- (أخبرته أن امرأة رفاعة) بكسر الراء وتخفيف الفاء (القرظي) بالقاف المضمومة والظاء المعجمة من بني قريظة واسمها تميمة بنت وهب وقيل غير ذلك (جاءت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إن رفاعة طلقني فبتّ طلاقي) بالموحدة المفتوحة والفوقية المشددة أي قطعه قطعًا كليًّا وفي كتاب الأدب من وجه آخر أنها قالت: طلّقني آخر ثلاث تطليقات (وإني نكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير) بفتح الزاي وكسر الموحدة ابن باطا (القرظي وإن ما معه) أي وإن الذي معه تعني فرجه (مثل الهدبة) بضم الهاء وسكون الدال المهملة، وفي رواية مثل هدبة الثوب أي طرفه الذي لم ينسج شبهوه بهدب العين وهو شعر جفنها وشبهته بذلك إما لصغره أو لاسترخائه، والثاني أظهر إذ يبعد أن يكون صغيرًا إلى حدّ لا يغيب معه مقدار الحشفة (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لها: (لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا) ترجعين إليه (حتى يذوق) عبد الرحمن (عسيلتك وتذوقي عسيلته) بضم العين على التصغير كناية عن الجماع شبه لذته بلذة العسل وحلاوته، وأنّث في التصغير لأن العسل يذكّر ويؤنّث لأنه تصغير عسلة أي قطعة من العسل أو على إرادة اللذة لتضمنه ذلك. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فبتّ طلاقي إذ هو محتمل للثلاث دفعة واحدة ومتفرقة. 5261 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا، فَتَزَوَّجَتْ فَطَلَّقَ. فَسُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَحِلُّ لِلأَوَّلِ؟ قَالَ: «لاَ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا كَمَا ذَاقَ الأَوَّلُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بندار قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن رجلًا طلّق امرأته) ولأبي ذر عن الكشميهني امرأة (ثلاثًا فتزوجت) زوجًا غيره (فطلّق) الزوج الثاني قبل أن يجامعها (فسئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم السين مبنيًّا للمفعول (أتحل للأول) الذي طلّقها ثلاثًا (قال): (لا) تحل له (حتى يذوق) الثاني (عسيلتها كما ذاقـ) ـها (الأول) قال في الفتح: وهذا الحديث إن كان مختصرًا من قصة رفاعة فقد سبق توجيهه وإن كان في أخرى، فالمراد منه طلقها ثلاثًا فإنه ظاهر في كونها مجموعة ولا يبعد التعدد. 5 - باب مَنْ خَيَّرَ نِسَاءَهُ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} (باب من خير نساءه) وفي نسخة: أزواجه أي بين أن يطلقن أنفسهن أو يستمرنّ في العصمة. (وقول الله تعالى) لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ({قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها}) أي السعة في الدنيا وزهرتها ({فتعالين}) أقبلن بإرادتكن واختياركن لأحد أمرين ولم يرد نهوضهن إليه بأنفسهن ({أمتعكن}) أعطكن متعة الطلاق ({وأسرحكن}) وأطلقكن ({سراحًا جميلًا}) [الأحزاب: 28] لا ضرر فيه، وهذا أمر من الله تعالى لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يخيّر نساءه بين أن يفارقهن فيذهبن إلى غيره ممن يحصل لهن عنده الدنيا وزخرفها وبين الصبر على ما عنده من ضيق الحال ولهن عند الله في ذلك الثواب الجزيل، فاخترن رضي الله عنهن رضا الله ورسوله والدار الآخرة، فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خيري الدنيا وسعادة الآخرة. 5262 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ عَلَيْنَا شَيْئًا. [الحديث 5262 - أطرافه في: 5263]. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال (حدّثنا مسلم) أبو الضحى بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: خيّرنا) أي أمهات المؤمنين (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بين الدنيا والآخرة فإن اخترن الدنيا طلّقهن طلاق السُّنَّة (فاخترنا الله ورسوله فلم يعد) بضم أوله وفتح العين والدال المهملة المشددة (ذلك) التخيير (علينا شيئًا) من الطلاق. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الطلاق والترمذي في النكاح والنسائي فيه وفي الطلاق وابن ماجة في الطلاق. 5263 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَامِرٌ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْخِيَرَةِ فَقَالَتْ: خَيَّرَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفَكَانَ طَلاَقًا؟ قَالَ مَسْرُوقٌ: لاَ أُبَالِي أَخَيَّرْتُهَا وَاحِدَةً أَوْ مِائَةً بَعْدَ أَنْ تَخْتَارَنِي. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد قال: (حدّثنا عامر) هو ابن شراحيل الشعبي (عن مسروق) أو (قال: سألت عائشة) -رضي الله عنها- (عن الخيرة) بكسر

6 - باب

الخاء المعجمة وفتح التحتية والراء أي تخيير الرجل زوجته في الطلاق وعدمه (فقالت): ليس طلاقًا واستدلت لذلك بقولها (خيرنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أزواجه فاخترنا (أفكان) تخييره (طلاقًا) استفهام على سبيل الإنكار. (قال مسروق) بالإسناد السابق: (لا أبالي أخيرتها واحدة أو مائة بعد أن تختارني). واختلف فيما إذا اختارت نفسها هل تقع طلقة واحدة رجعية أم بائنًا أو تقع ثلاثًا؟ فقال المالكية: تقع ثلاثًا لأن معنى الخيار بتّ أحد الأمرين إما الأخذ أو الترك، فلو قلنا إذا اختارت نفسها تكون طلقة رجعية لم يعمل بمقتضى اللفظ لأنها تكون بعده في أسر الزوج. وقال الحنفية: واحدة بائنة. وقال الشافعية: التخيير كناية فإذا خيّر الزوج امرأته وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه وبين أن تستمرّ في عصمته فاختارت نفسها وأرادت بذلك الطلاق طلقت لقول عائشة: فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقًا إذ مقتضاه أنها لو اختارت نفسها كان طلاقًا لكن مفهوم قوله تعالى: {فتعالين أمتعكن وأسرحكن} [الأحزاب: 28] أي بعد الاختيار أن ذلك بمجرده لا يكون طلاقًا بل لا بدّ من إنشاء الزوج الطلاق فلو قالت لم أرد باختيار نفسي الطلاق صدّقت، فلو وقع التصريح بالتطليق يقع جزمًا. واختلفوا في التخيير هل هو بمعنى التمليك أو التوكيل، والصحيح عندنا أنه تمليك فلو قال الرجل لزوجته: طلّقي نفسك إن شئت فتمليك للطلاق لأنه يتعلق بغرضها فنزل منزلة قوله ملّكتك طلاقك، ويشترط أن يكون فورًا لتضمنه القبول وهو على الفور فلو أخّرت بقدر ما ينقطع به القبول عن الإيجاب ثم طلّقت لم يقع إلا إن قال: طلّقي نفسك متى شئت فلا يشترط الفور وللزوج الرجوع قبل التطليق ولا يصح تعليقه، فلو قال: إذا جاء الغد أو زيد مثلًا فطلّقي نفسك لغا. وقال المالكية والحنفية: لا يشترط الفور بل متى طلقت نفذ. 6 - باب إِذَا قَالَ: فَارَقْتُكِ، أَوْ سَرَّحْتُكِ، أَوِ الْخَلِيَّةُ أَوِ الْبَرِيَّةُ، أَوْ مَا عُنِيَ بِهِ الطَّلاَقُ، فَهُوَ عَلَى نِيَّتِهِ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 49] وَقَالَ: {وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 28] وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وَقَالَ: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَدْ عَلِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ. هذا (باب) بالتنوين في كنايات الطلاق وهي ما يحتمل الطلاق وغيره ولا يقع الطلاق بها إلا بالنية لأنها غير موضوعة للطلاق بل موضوعة لما هو أعمّ من حكمه والأعم في المادة الاستعمالية يحتمل كلاًّ من ما صدقاته ولا يتعين أحدهما إلا بمعين والمعين في نفس الأمر هو النية وما ذكره المصنف في قوله: (إذا قال) أي الرجل لامرأته (فارقتك أو سرحتك أو الخلية) فعيلة بمعنى فاعلة أي خلية من الزوج وهو خالٍ منها (أو البرية) من الزوج مقتضاه أن لا صريح عنده إلا لفظ الطلاق وما تصرف منه وهو قول الشافعي في القديم لكن نص في الجديد على أن الصريح لفظ الطلاق والفراق والسراح لورود ذلك في القرآن بمعنى الطلاق (أو ما عني به الطلاق) بضم العين وغيره كاستبرئي رحمك أي فقد طلّقتك فاعتدّي وحبلك على غاربك أي خليت سبيلك كما يخلى البعير في الصحراء أو يترك زمامه على غاربه وهو ما تقدم من الظهور وارتفع من العنق وودعيني وبرئت منك (فهو على نيته) إن نوى الطلاق وقع وإلاّ فلا ويدل لذلك (قول الله عز وجل) ولأبي ذر: وقول الله: ({وسرّحوهنّ سراحًا جميلًا}) [الأحزاب: 49] أي بالمعروف وكأنه يريد أن التسريح هنا بمعنى الإرسال لا بمعنى الطلاق لأنه أمر من طلق قبل الدخول أن يمتع ويسرّح وليس المراد من الآية تطليقها بعد التطليق قطعًا (وقال) تعالى: ({وأسرّحكن سراحًا جميلًا}) [الأحزاب: 28] فهو مجمل يحتمل التطليق والإرسال وإذا احتملت الأمرين انتهى أن تكون صريحة في الطلاق كذا قرّره في الفتح وتعقبه العيني بأن معنى أسرّحكن أطلقكنّ لأنه لم يسبق هنا طلاق فمن أين يأتي الاحتمال (وقال تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}) [البقرة: 229] أي إن هذه الآية وردت بلفظ الفراق في موضع ورودها بالبقرة بلفظ السراح والحكم فيهما واحد لأنه ورد في الموضعين بعد وقوع الطلاق فالمراد به الإرسال (وقال) تعالى: ({أو فارقوهن بمعروف}) [الطلاق: 2] لأن سياقها بعد وقوع الطلاق فلا يراد بها الطلاق بل الإرسال ومباحث هذا مقررة في محاله من دواوين الفقه. (وقالت عائشة) -رضي الله عنها-: مما وصله في آخر حديث في باب موعظة الرجل ابنته من كتاب

7 - باب

النكاح (قد علم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقه). 7 - باب مَنْ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: نِيَّتُهُ. وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: إِذَا طَلَّقَ ثَلاَثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ، فَسَمَّوْهُ حَرَامًا بِالطَّلاَقِ وَالْفِرَاقِ. وَلَيْسَ هَذَا كَالَّذِي يُحَرِّمُ الطَّعَامَ لأَنَّهُ لاَ يُقَالُ لِطَعَامِ الْحِلِّ حَرَامٌ، وَيُقَالُ لِلْمُطَلَّقَةِ حَرَامٌ، وَقَالَ فِي الطَّلاَقِ ثَلاَثًا: {لاَ تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]. (باب من قال لامرأته: أنت عليّ حرام. وقال الحسن) البصري فيما وصله عبد الرزاق (نيته) أي فإن نوى طلاقًا وإن تعدّد أو ظهارًا، وقع المنوي لأن كلاًّ منهما يقتضي التحريم فجاز أن يكنى عنه بالحرام أو نواهما معًا أو مرتبًا تخير وثبت ما اختاره منهما ولا يثبتان جميعًا لأن الطلاق يزيل النكاح والظهار يستدعي بقاءه هذا مذهب الشافعية. وقال الحنفية: إن نوى واحدة فهي بائن، وإن نوى اثنتين فهي واحدة بائنة، وإن لم ينوِ طلاقًا فهي يمين ويصير موليًا. وقال المالكية: يقع ثلاثًا ولا يسأل عن نيته ولهم في ذلك تفاصيل يطول ذكرها. (وقال أهل العلم: إذا طلق ثلاثًا فقد حرمت عليه) أي حتى تنكح زوجًا غيره (فسموه حرامًا) بالتصريح (بالطلاق والفراق) بأن يتلفظ بأحدهما أو يقصده فلو أطلق أو نوى غير الطلاق فهو على النظر، وقال صاحب المصابيح من المالكية: يعني فإذا كانت الثلاث تحريمًا كان التحريم ثلاثًا قال: وهذا غير ظاهر لجواز أن يكون بينهما عموم وخصوص كالحيوان والإنسان، وحاول ابن المنير الجواب عن البخاري بأن الشرع عبّر عن الغاية القصوى بالتحريم، وأما تسمية الشيء بما هو أوضح منه فدلّ ذلك على أن الذين كانوا لا يعلمون أن الثلاث محرّمة ولا أنها الغاية يعلمون أن التحريم هو الغاية ولهذا بيّن لهم أن الثلاث تحرم فالمستدل به في الحقيقة إنما هو الإطلاق مع السياق وما من شأن العرب أن تعبّر بالعام عن الخاص، ولو قال القائل لإنسان بين يديه يعرف بشأنه وينبه على قدره: هذا حيوان لكان متهكمًا مستخفًّا فإذا عبّر الشرع عن الثلاث بأنها محرمة فلا يحمل على التعبير عن الخاص بالعام لئلا يكون ركيكًا والشرع منزّه عن ذلك فإذن هما سواء لا عموم بينهما، ويدل هذا على أن التحريم كان أشهر عندهم بالغلظ والشدّة من الثلاث، ولهذا فسّره لهم به قال: وهذا من لطيف الكلام، وأما كون التحريم قد يقصر عن الثلاث فذلك تحريم مقيد، وأما المطلق منه فللثلاث وفرق بين ما يفهم لدى الإطلاق وبين ما لا يفهم إلا بقيد انتهى. وتعقبه البدر فقال: قوله وما من شأن العرب أن تعبر بالعام عن الخاص مشكل اللهم إلا أن يريد في بعض المقامات الخاصة فيمكن وسياق كلامه يفهم ذلك عند التأمل انتهى. وقول ابن بطال: إن البخاري يرى أن التحريم ينزل منزلة الطلاق الثلاث للإجماع على أن من طلق امرأته ثلاثًا تحرم عليه فلما كانت الثلاث تحرّمها كان التحريم ثلاثًا، ومن ثم أورد حديث رفاعة محتجًّا به لذلك تعقبه في الفتح فقال الذي يظهر من مذهب البخاري أن الحرام ينصرف إلى نية القائل، ولذا صدّر الباب يقول الحسن، وهذه عادته في موضع الاختلاف مهما صدر به من النقل عن صحابي أو تابعي فهو اختياره، وحاشا البخاري أن يستدل بكون الثلاث تحرم أن كل تحريم له حكم الثلاث مع ظهور منع الحصر لأن الطلقة الواحدة تحرم غير المدخول بها مطلقًا والبائن تحرّم المدخول بها إلا بعقد جديد وكذا الرجعية إذا انقضت عدتها فلم ينحصر التحريم في الثلاث وأيضًا فالتحريم أعمّ من التطليق ثلاثًا فكيف يستدل بالأعم على الأخص؟. (وليس هذا) التحريم المذكور في المرأة (كالذي يحرم الطعام) على نفسه (لأنه لا يقال لطعام الحل) ولأبي ذر للطعام الحل (حرام) قال الشافعي: إن حرّم طعامًا وشرابًا فلغو (ويقال للمطلّقة حرام) خلافًا لما نقل عن أصبغ وغيره ممن سوّى بين الزوجة والطعام والشراب، وقد ظهر أن الشيئين وإن استويا من جهة فقد يفترقان من جهة أخرى فالزوجة إذا حرمها على نفسه وأراد بذلك تطليقها حرمت عليه والطعام والشراب إذا حرّمه على نفسه لم يحرم عليه ولا يلزمه كفارة لاختصاص الإبضاع بالاحتياط وشدّة قبولها التحريم، ولذا احتج باتفاقهم على أن المرأة بالطلقة الثالثة تحرم على الزوج فقال: (وقال) تعالى: (في الطلاق ثلاث) بالرفع في الفرع، وفي اليونينية: ثلاثًا بالنصب ويشبه

8 - باب {لم تحرم ما أحل الله لك}

أن تكون الألف ملحقة بعد المثلثة ({لا تحل له}) من بعد ({حتى تنكح زوجًا غيره}) [البقرة: 230]. 5264 - وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ ثَلاَثًا قَالَ: لَوْ طَلَّقْتَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَنِي بِهَذَا فَإِنْ طَلَّقْتَهَا ثَلاَثًا حَرُمَتْ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ. (وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله أبو الجهم العلاء بن موسى الباهلي في جزء له: (عن نافع) مولى ابن عمر أنه (قال): ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد نافع قال: (كان ابن عمر) -رضي الله عنهما- (إذا سئل عمن طلق ثلاثًا قال: لو طلقت مرة أو مرتين) لكان لك المراجعة (فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرني بهذا) لما طلقت امرأتي وهي حائض فقال لما ذكر له عمر ذلك "مره فليراجعها" فكأنه قال للسائل: إن طلقت طلقة أو تطليقتين فأنت مأمور بالمراجعة لأجل الحيض (فإن طلّقتها ثلاثًا حرمت) عليك (حتى تنكح زوجًا غيرك) ولأبي ذر عن الكشميهني: فإن طلقها بضمير الغيبة كقوله غيره. 5265 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَطَلَّقَهَا وَكَانَتْ مَعَهُ مِثْلُ الْهُدْبَةِ فَلَمْ تَصِلْ مِنْهُ إِلَى شَيْءٍ تُرِيدُهُ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ طَلَّقَهَا فَأَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي، وَإِنِّي تَزَوَّجْتُ زَوْجًا غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِي وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلاَّ مِثْلُ الْهُدْبَةِ فَلَمْ يَقْرَبْنِي إِلاَّ هَنَةً وَاحِدَةً لَمْ يَصِلْ مِنِّي إِلَى شَيْءٍ، فَأَحِلُّ لِزَوْجِي الأَوَّلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَحِلِّينَ لِزَوْجِكِ الأَوَّلِ حَتَّى يَذُوقَ الآخَرُ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ». وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام قال: (حدّثنا أبو معاوية) محمد بن حازم قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: طلق رجل) اسمه رفاعة (امرأته) تسمى تميمة بنت وهب ثلاثًا (فتزوجت زوجًا غيره) اسمه عبد الرحمن بن الزبير (فطلقها وكانت معه) جارحة مسترخية (مثل الهدبة فلم تصل منه إلى شيء تريده) من الوطء التام (فلم يلبث) أي الزوج الثاني (أن طلقها فأتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إن زوجي) رفاعة (طلّقني) ثلاثًا (وإني تزوجت زوجًا غيره فدخل بي ولم يكن معه إلا مثل الهدبة) في الارتخاء (فلم يقربني إلا هنة واحدة) بفتح الهاء والنون المخففة وحكي تشديدها. قال السفاقسي: أي لم يطأني إلا مرة واحدة يقال هنى امرأته إذا غشيها. وفي رواية ابن السكن فيما ذكره في المشارق إلا هبة بالموحدة المشددة أي مرة أو وقعة واحدة (لم يصل مني إلى شيء) قال في المصابيح قوله: لم يصل مني إلى شيء صريح في أنه لم يطأها أصلًا لا مرة ولا فوقها فيحمل قولها إلا هنة واحدة على أن معناه فلم يرد أن يقرب مني بقصد الوطء إلا مرة واحدة انتهى. نعم إذا قلنا المراد فلم تصل منه إلى شيء تريده من الوطء التام أي لارتخائه وعدم قدرته انتظم الكلام (فأحل) بحذف همزة الاستفهام ولأبي ذر أفأحلّ (لزوجي الأول) رفاعة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تحلين لزوجك الأول حتى يذوق الآخر) عبد الرحمن بن الزبير (عسيلتك وتذوقي) ولأبي ذر أو تذوقي (عسيلته) شبه عليه الصلاة والسلام لذة الجماع بذوق العسل فاستعار لها ذوقًا، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم من الصحابة وغيرهم أنه إذا طلق ثلاثًا لا تحل له حتى تنكح غيره ويصيبها الثاني ولا تحل بإصابة شبهة ولا ملك يمين، وكان ابن المنذر يقول: في الحديث دلالة على أن الثاني إن واقعها وهي نائمة أو مغمى عليها لا تحسّ باللذة أنها لا تحلّ للأول لأن الذوق أن تحس باللذة، وعامة أهل العلم على أنها تحل، قال النووي: اتفقوا على أن تغييب الحشفة في قبلها كافٍ في ذلك من غير إنزال وشرط الحسن الإنزال لقوله: حتى تذوقي عسيلته وهي النطفة انتهى. 8 - باب {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: مخاطبًا لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({لم تحرم ما أحل الله لك}) [التحريم: 1]. 5266 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ سَمِعَ الرَّبِيعَ بْنَ نَافِعٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِذَا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ لَكُمْ: {فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (الحسن بن صباح) بالصاد المهملة والموحدة المشدّدة المفتوحتين البزار بالزاي وبعد الألف راء الواسطي نزل بغداد وثقه الجمهور وليّنه النسائي قليلًا أنه (سمع الربيع بن نافع) الحلبي نزل طرطوس وهو أبو توبة بالمثناة الفوقية وبعد الواو الساكنة موحدة مشهور بكنيته أكثر من اسمه قال: (حدّثنا معاوية) بن سلام بتشديد اللام (عن يحيى بن أبي كثير) الإمام أبي نصر اليماني أحد الأعلام (عن يعلى بن حكيم) الثقفي (من سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم أحد الأعلام (أنه أخبره أنه سمع ابن عباس) -رضي الله عنهما- (يقول: إذا حرم) الرجل (امرأته) أي عينها (ليس بشيء) أي ليس بطلاق لأن الأعيان لا توصف بذلك ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ليست أي الكلمة وهي قوله: أنت عليّ حرام المنوي بها عينها بطلاق. (وقال) ابن عباس مستدلًا

على ما ذهب (لكم): ولأبي ذر وابن عساكر: لقد كان لكم ({في رسول الله أسوة}) بضم الهمزة وكسرها قدوة ({حسنة}) [الأحزاب: 21] وأشار بذلك إلى قصة مارية وفي حديث أنس عند النسائي بسند صحيح أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت له أمة يطؤها فلم تزل به حفصة وعائشة حتى حرمها فأنزل الله تعالى هذه الآية {يا أيها النبي لم تحرم ما أحلّ الله لك} [التحريم: 1] قال في الفتح: وهذا أصح طرق هذا السبب. نعم إذا أراد تحريم عينها كره وعليه كفارة يمين في الحال وإن لم يطأها وليس ذلك يمينًا لأن اليمين إنما تنعقد بأسماء الله وصفاته. وروى النسائي عن سعيد بن جبير أن رجلًا سأل ابن عباس فقال: إني جعلت امرأتي عليّ حرامًا. فقال: كذبت ليست عليك حرامًا ثم تلا: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك}. 5267 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ: «لاَ، بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، وَلَنْ أَعُودَ لَهُ»، فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} -إِلَى- {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} [التحريم: 3] لِقَوْلِهِ: «بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (الحسن بن محمد بن الصباح) ولأبي ذر صباح الزعفراني الفقيه قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن محمد الأعور (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه قال (قال: زعم عطاء) هو ابن أبي رباح (أنه سمع عبيد بن عمير) بضم العين فيهما مصغرين الليثي المكي والزعم المراد به القول (يقول: سمعت عائشة -رضي الله عنها-) تقول (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يمكث عند زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (جحش) -رضي الله عنها- (ويشرب عندها عسلًا فتواصيت) بالصاد المهملة (أنا وحفصة) بنت عمر (أنّ أيّتنا) ولأبي ذر وابن عساكر أن أيّتنا بفتح الهمزة وتخفيف النون والرفع (دخل عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلتقل) له: (إني لأجد منك ريح مغافير أكلت مغافير) بالغين المعجمة والفاء بعدها تحتية ساكنة جمع مغفور بضم أوله. قال في القاموس: والمغافر والمغافير المغاثير يعني بالمثلثة بدل الفاء الواحد مغفر كمنبر ومغفر ومغفور بضمهما ومغفار ومغفير بكسرهما. وقال في مادة غ ث ر والمغثر كمنبر شيء ينضحه الثمام والعشر والرمث كالعسل الجمع مغاثير وأغثر الرمث سأل منه وتمغثر اجتناه انتهى. وقال ابن قتيبة: هو صمغ حلو له رائحة كريهة وذكر البخاري أنه شبيه بالصمغ يكون في الرمث بكسر الراء وسكون الميم بعدها مثلثة من الشجر التي ترعاها الإبل. وأكلت استفهام محذوف الأداة. (فدخل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على إحداهما) قال ابن حجر: لم أقف على تعيينها وأظنها حفصة (فقالت له ذلك) القول الذي تواصيا عليه أكلت مغافير (فقال: لا) لم آكل مغافير (بل شربت عسلًا) ولأبي ذر لا بأس شربت عسلًا (عند زينب بنت جحش ولن أعود له) للشرب وزاد في رواية هشام بن يوسف في تفسير سورة التحريم، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدًا (فنزلت: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} -إلى-) قوله تعالى: ({إن تتوبا إلى الله}) أي (لعائشة وحفصة) وعند ابن عساكر هنا باب إن تتوبا إلى الله يعني لعائشة وحفصة ({وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثًا} لقوله: بل شربت عسلًا). قال في الفتح: هذا القدر أي وإذ أسرّ النبي إلى آخره بقية الحديث وكنت أظنه من ترجمة البخاري حتى وجدته مذكورًا في آخر الحديث عند مسلم قال: وكان المعنى، وأما المراد بقوله تعالى: {وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثًا} [التحريم: 3] فهو لأجل قوله: بل شربت عسلًا. 5268 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ الْعَسَلَ وَالْحَلْوَاءَ، وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ فَاحْتَبَسَ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَغِرْتُ، فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لِي، أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةً مِنْ عَسَلٍ، فَسَقَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ شَرْبَةً، فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ، فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ إِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، فَإِذَا دَنَا مِنْكِ، فَقُولِي: أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ لاَ فَقُولِي لَهُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ؟ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ، فَقُولِي لَهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، وَسَأَقُولُ ذَلِكَ. وَقُولِي أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ ذَاكِ. قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَأَرَدْتُ أَنْ أُبَادِيَهُ بِمَا أَمَرْتِنِي بِهِ فَرَقًا مِنْكِ. فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا قَالَتْ لَهُ سَوْدَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ قَالَ: «لاَ». قَالَتْ فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِي أَجِدُ مِنْكَ؟ قَالَ: «سَقَتْنِي حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ». فَقَالَتْ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ. فَلَمَّا دَارَ إِلَيَّ قُلْتُ لَهُ نَحْوَ ذَلِكَ. فَلَمَّا دَارَ إِلَى صَفِيَّةَ قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا دَارَ إِلَى حَفْصَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: «لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ». قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ وَاللَّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ قُلْتُ لَهَا: اسْكُتِي. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (فروة بن أبي المغراء) بالفاء المفتوحة والراء الساكنة والمغراء بفتح الميم والراء بينهما غين ساكنة ممدود البيكندي الكوفي قال: (حدّثنا علي بن مسهر) الكوفي الحافظ (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب العسل والحلواء) بالهمز والمد ولأبي ذر والحلوى بالقصر. قال في القاموس: والحلواء وتقصر، وعند الثعالبي في فقه اللغة: أن حلوى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي كان يحبها هي المجيع بالجيم بوزن عظيم قال:

في القاموس: تمر يعجن بلبن وليس هذا من عطف العامّ على الخاصّ وإنما العامّ الذي يدخل فيه بضم أوّله (وكان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إذا انصرف من العصر) أي من صلاة والعصر (دخل على نسائه فيدنو) أي يقرب (من إحداهن) بأن يقبّلها ويباشرها من غير جماع كما في رواية أخرى، وفي رواية حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عبد بن حميد أن ذلك إذا انصرف من صلاة الفجر، لكنها كما في الفتح رواية شاذّة وعلى تسليمها، فيحتمل أن الذي كان يفعله أوّل النهار سلام ودعاء محض والذي في آخره معه جلوس ومحادثة (فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس) فأقام عندها (أكثر ما كان يحتبس فغرت فسألت عن ذلك فقيل لي) في حديث ابن عباس أن عائشة قالت لجويرية حبشية عندها يقال لها: خضراء: إذا دخل على حفصة فادخلي عليها فانظري ماذا يصنع فقالت: (أهدت لها) أي لحفصة (امرأة من قومها) لم أعرف اسمها (عكة من عسل) سقط الجار لأبي ذر، وزاد ابن عباس من الطائف (فسقت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منه شربة) وفي الرواية السابقة من هذا الباب أن شرب العسل كان عند زينب بنت جحش، وفي هذه عند حفصة. وقد قدّمنا أن رواية ابن عباس عند ابن مردويه أنه كان عند سودة، وأن عائشة وحفصة هما اللتان تواطأتا كما في رواية عبيد بن عمير المروية أوّل هذا الباب وإن اختلفتا في صاحبة العسل وحمله على التعدّد إذ لا يمتنع تعدّد السبب للشيء الواحد، أو رواية عبيد أثبت لموافقة ابن عباس لها على أن المتظاهرتين حفصة وعائشة على ما تقدّم في التفسير، فلو كانت حفصة صاحبة العسل لم تقرن في المظاهرة بعائشة لكن يمكن تعدّد القصة التي في شرب العسل وتحريمه واختصاص النزول بالقصة التي فيها أن عائشة وحفصة هما المتظاهرتان، ويمكن أن تكون القصة التي وقع فيها الشرب عند حفصة كانت سابقة، والراجح أيضًا أن صاحبة العسل زينب لا سودة لأن طريق عبيد أثبت من طريق ابن أبي مليكة، ويؤيده أن في الهبة أن نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كنّ حزبين: عائشة وسودة وحفصة وصفية في حزب، وزينب بنت جحش وأُم سلمة والباقيات في حزب، ولذا غارت عائشة منها لكونها من غير حزبها، وممن ذهب إلى الترجيح عياض فقال: رواية عبيد بن عمير أولى لموافقتها ظاهر القرآن لأن فيه {وإن تظاهرا عليه} [التحريم: 4] فهما ثنتان لا أكثر قال: فكأن الأسماء انقلبت على راوي الرواية الأخرى، لكن اعترضه الكرماني فقال: متى جوّزنا هذا ارتفع الوثوق بأكثر الروايات وفي تفسير السدّي أن شرب العسل كان عند أُم سلمة أخرجه الطبري وغيره وهو مرجوح لإرساله وشذوذه انتهى ملخصًا من الفتح. قالت عائشة: (فقلت أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم (والله لنحتالن له) أي لأجله (فقلت لسودة بنت زمعة أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سيدنو) أي يقرب (منك فإذا دنا منك فقولي) له: (أكلت مغافير فإنه سيقول لك لا فقولي له ما هذه الريح التي أجد منك) وسقط لفظ منك لأبي ذر (فإنه سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل فقولي له جرست) بفتح الجيم والراء والسين المهملة أي رعت (نحله) أي نحل هذا العسل الذي شربته (العرفط) بضم العين المهملة والفاء بينهما راء ساكنة آخره مهملة الشجر الذي صمغه المغافير (وسأقول) أنا له (ذلك وقولي) له (أنت يا صفية) بنت حيي (ذاك) بكسر الكاف بلا لام ولأبي ذر ذلك أي قولي الكلام الذي علمته لسودة زاد يزيد بن رومان عن ابن عباس وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشد عليه أن توجد منه ريح كريهة لأنه يأتيه المَلَك (قالت) عائشة (تقول سودة) لي (فوالله ما هو إلا أن قام) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على الباب فأردت أن أُبادئه) بالموحدة من المبادأة بالهمز ولابن عساكر أناديه بالنون بدل الموحدة (بما أمرتني به) من أن أقول له أكلت مغافير (فرقا) بفتح الفاء والراء خوفًا (منك، فلما دنا) عليه الصلاة

9 - باب

والسلام (منها قالت له سودة: يا رسول الله أكلت مغافير؟ قال): (لا) ما أكلتها (قالت) له: (فما هذه الريح التي أجد) ها (منك؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (سقتني حفصة شربة عسل) وسقط لابن عساكر عسل (فقالت) سودة (جرست) رعت (نحله العرفط) شجر المغافير وقالت عائشة: (فلما دار إليّ) بتشديد الياء (قلت له) عليه الصلاة والسلام وسقط لأبي ذر له (نحو ذلك) القول الذي قلت لسودة أن تقوله له (فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك) عبّر بقوله نحو ذلك في إسناد القول لعائشة وبقوله مثل ذلك في إسناده لصفية لأن عائشة لما كانت المبتكرة لذلك عبّرت عنه بأي لفظ أرادت، وأما صفية فإنها مأمورة يقول ذلك فليس لها أن تتصرف فيه، ولكن وقع التعبير بلفظ مثل في الموضعين في رواية أبي أسامة فيحتمل أن يكون ذلك من تصرف الرواة (فلما دار إلى حفصة) في اليوم الآخر (قالت) له: (يا رسول الله: ألا) بالتخفيف (أسقيك منه)؟ من العسل (قال: لا حاجة لي فيه) لما وقع من توارد النسوة الثلاث على أنه نشأت له من شربه ريح كريهة فتركه حسمًا للمادّة (قالت) عائشة: (تقول سودة والله لقد حرمناه) بتخفيف الراء معناه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من العسل. قالت عائشة: (قلت لها) أي لسودة (اسكتي) لئلا يفشو ذلك فيظهر ما دبّرته لحفصة وهذا منها على مقتضى طبيعة النساء في الغيرة وليس بكبيرة بل صغيرة معفوّ عنها مكفّرة. 9 - باب لاَ طَلاَقَ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: 49] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكَاحِ. وَيُرْوَى فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَشُرَيْحٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ وَعَامِرِ بْنِ سَعْدٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَمْرِو بْنِ هَرِمٍ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهَا لاَ تَطْلُقُ. هذا (باب) بالتنوين (لا طلاق قبل النكاح) فلو قال لأجنبية: إن تزوّجتك فأنت طالق فلغو للحديث المروي عند أبي داود. وقال الترمذي: حسن صحيح لا طلاق إلا بعد نكاح، وللحاكم من رواية جابر: لا طلاق لمن لا يملك، وقال: صحيح على شرطهما أي لا طلاق واقع (وقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات}) أي تزوّجتم والنكاح هو الوطء في الأصل وتسمية العقد نكاحًا لملابسته له من حيث إنه طريق له كتسمية الخمر إثمًا لأنها سببه ولم يرد لفظ النكاح في القرآن إلا في معنى العقد لأنه في معنى الوطء من باب التصريح به ومن آداب القرآن الكناية عنه ({ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدّة تعتدّونها فمتعوهن وسرحوهن سراحًا جميلًا}) [الأحزاب: 49] ولا تمسكوهن ضرارًا وسقط لأبي ذر قوله باب إلى آخر قوله وقول الله تعالى وثبت عنده: {يا أيها الذين آمنوا} لكن قال الحافظ ابن حجر: إن لفظ الباب أيضًا ثابت عنده وذكر الآية إلى قوله: {من عدّة} وحذف الباقي وقال: الآية. قلت وكذا هو ثابت في اليونينية. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما أخرجه أحمد: (جعل الله الطلاق بعد النكاح) وروى ابن خزيمة والبيهقي من طريقه عن سعيد بن جبير سئل ابن عباس عن الرجل يقول: إن تزوّجت فلانة فهي طالق فقال: ليس بشيء إنما الطلاق لما ملك، قالوا: فابن مسعود كان يقول: إذا وقت وقتًا فهو كما قال، قال: يرحم الله أبا عبد الرحمن لو كان كما قال لقال الله: إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن. (ويروى) ولابن عساكر وروي (في ذلك) أي في أن لا طلاق قبل النكاح (عن علي) -رضي الله عنه- فيما رواه عبد الرزاق برجال ثقات من طريق الحسن البصري قال: سأل رجل عليًّا قال: قلت إن تزوّجت فلانة فهي طالق فقال عليّ: ليس بشيء لكن الحسن لم يسمع من علي، وقد روي مرفوعًا فيما أخرجه البيهقي وأبو داود عن علي قال: حفظت من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا طلاق إلا من بعد نكاح ولا يتم بعد احتلام (و) عن (سعيد بن المسيب) فيما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن جريج بلفظ أخبرني عبد الكريم الجزري أنه سأل سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح عن طلاق الرجل ما لم ينكح فكلهم قال لا طلاق قبل أن ينكح إن سماها وإن لم يسمها (و) عن (عروة بن الزبير) بن العوّام مما رواه سعيد بن منصور بسند صحيح حدّثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة أن أباه كان يقول كل طلاق أو عتق قبل الملك فهو باطل (و) عن (أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام (وعبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة)

بن مسعود فيما رواه يعقوب بن سفيان والبيهقي من طريقه من رواية ابن الهاد عن المنذر بن علي بن الحكم أن ابن أخيه خطب ابنة عمه فتشاجروا في بعض الأمر فقال الفتى: هي طالق إن نكحتها حتى أكل الغضيض قال: والغضيض طلع النخل الذكر ثم ندموا على ما كان من الأمر، فقال المنذر: أنا آتيكم بالبيان من ذلك فانطلق إلى سعيد بن المسيب فذكر له، فقال ابن المسيب: ليس عليه شيء طلق ما لا يملك قال: ثم إني سألت عروة بن الزبير فقال مثل ذلك، ثم سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن فقال مثل ذلك، ثم سألت أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال: مثل ذلك، ثم سألت عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود فقال مثل ذلك، ثم سألت عمر بن عبد العزيز فقال: هل سألت أحدًا؟ قلت: نعم فسماهم قال: ثم رجعت إلى القوم فأخبرتهم. (و) عن (أبان بن عثمان) لكن قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على إسناد إليه بذلك (و) عن (عليّ بن حسين) المشهور بزين العابدين مما أخرجه في الغيلانيات بلفظ لا طلاق إلا بعد نكاح. (و) عن (شريح) القاضي فيما رواه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة من طريق سعيد بن جبير عنه قال: لا طلاق قبل نكاح وسنده صحيح. (و) عن (سعيد بن جبير) مما رواه ابن أبي شيبة أنه قال في الرجل يقول يوم أتزوج فلانة فهي طالق قال: ليس بشيء إنما الطلاق بعد النكاح، ورواه الدارقطني مرفوعًا من طريق أبي هاشم الرماني عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه سئل عن رجل قال: يوم أتزوّج فلانة فهي طالق فقال: طلّق ما لا يملك. وفي سنده أبو خالد الواسطي وهو واهٍ. (و) عن (القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصدّيق (وسالم) وهو ابن عبد الله بن عمر مما رواه أبو عبيد في كتاب النكاح له عن هشيم ويزيد بن هارون كلاهما عن يحيى بن سعيد قال: كان القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز لا يرون الطلاق قبل النكاح وهذا إسناد صحيح وقد سقط لأبي ذر قوله والقاسم وسالم. (و) عن (طاوس) مما أخرجه عبد الرزاق عن معمر قال: كتب الوليد بن يزيد إلى أمراء الأمصار أن يكتبوا إليه بالطلاق قبل النكاح، وكان قد ابتلي بذلك فكتب إلى عامله باليمن فدعا ابن طاوس وإسماعيل بن شروس وسماك بن الفضل فأخبرهم ابن طاوس عن أبيه وإسماعيل بن شروس عن عطاء وسماك بن الفضل عن وهب بن منبّه أنهم قالوا: لا طلاق قبل النكاح. قال سماك من عنده: إنما النكاح عقدة تعقد والطلاق يحلّها فكيف تحل عقدة قبل أن تعقد؟. (و) عن (الحسن) فيما رواه عبد الرزاق بلفظ: لا طلاق قبل النكاح ولا عتق قبل الملك. (و) عن (عكرمة) فيما رواه الأثرم عن الفضل بن دكين عن سويد بن نجيح قال: سألت عكرمة مولى ابن عباس قلت رجل قالوا له تزوّج فلانة قال هي يوم أتزوّجها طالق كذا وكذا. قال: إنما الطلاق بعد النكاح. (و) عن (عطاء) مما رواه الطبراني في الأوسط عنه عن جابر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا طلاق إلا بعد نكاح ولا عتق إلا بعد ملك". (و) عن (عامر بن سعد) هو البجلي الكوفي التابعي كما قاله في الفتح وجزم الكرماني أنه ابن سعد بن أبي وقاص قال ابن حجر: وفيه نظر، وتعقبه العيني بأن صاحب رجال الصحيحين لم يذكر عامر بن سعد البجلي فالظاهر أنه ابن أبي وقاص ولم يقف على إسناد هذا الأثر. (و) عن (جابر بن زيد) أبي الشعثاء البصري مما رواه سعيد بن منصور وفي رواية أبي ذر هنا وسالم أي ابن عبد الله بن عمر وقد سبق. (و) عن (نافع بن جبير) أي ابن مطعم (ومحمد بن كعب) القرظي مما وصله ابن أبي شيبة عنهما أنهما قالا: لا طلاق إلا بعد نكاح. (و) عن (سليمان بن يسار) مما وصله سعيد بن منصور (و) عن (مجاهد) مما وصله ابن أبي شيبة عن الحسن بن الرماح سألت سعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء عن رجل قال: يوم أتزوج فلانة فهي طالق فكلهم قال ليس بشيء، وزاد سعيد أيكون سيل قبل مطر. (و) عن (القاسم بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن مسعود مما رواه ابن أبي شيبة بلفظ

10 - باب إذا قال: لامرأته وهو مكره: هذه أختي، فلا شيء عليه قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «قال إبراهيم لسارة هذه أختي، وذلك في ذات الله عز وجل»

لا طلاق إلا بعد نكاح. (و) عن (عمرو بن هرم) بفتح العين في الأوّل والهاء وكسر الراء والصرف في الثاني الأزدي من أتباع التابعين مما قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على مقالته موصولة إلا في كلام بعض الشرّاح أن أبا عبيد أخرجه من طريقه. (و) عن (الشعبي) عامر بن شراحيل (إنها لا تطلق) لكن رواه وكيع في مصنفه عن الشعبي قال: إن قال كل امرأة أتزوّجها فهي طالق فليس بشيء فإذا وقت لزمه، وقال الكرماني: ومقصود البخاري من تعداد هذه الجماعة الثلاثة والعشرين من الفقهاء الأفاضل الأشعار بأنه يكاد أن يكون إجماعًا على أنه لا تطلق المرأة قبل النكاح. وقال في الفتح: وقد تجوّز البخاري في نسبه جميع من ذكر عنهم إلى القول بعدم الوقوع مطلقًا مع أن بعضهم يفصل وبعضهم يختلف عليه ولعل ذلك هو النكتة بتصديره النقل عنهم بصيغة التمريض، والمسألة من الخلافيات الشهيرة وللعلماء فيها مذاهب الوقوع مطلقًا وعدم الوقوع مطلقًا، والتفصيل بين ما إذا عمّم أو عين والجمهور وهو قول الشافعي على عدم الوقوع. نعم حكى ابن الرفعة في كفايته عن أمالي أبي الفرج وكتاب الحناطي أن منهم من أثبت وقوع الطلاق، قال: واعلم أن بعض الشارحين للمسألة استدلّ بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا طلاق قبل النكاح" مقتصرًا على ذلك وهو غير كافٍ لأن من قال بوقوع الطلاق يقول بموجبه فإنه يقول الطلاق إنما يقع بعد النكاح انتهى. وأبو حنيفة وأصحابه بالوقوع مطلقًا لأن التعليق بالشرط يمين فلا تتوقف صحته على وجود ملك المحل كاليمين بالله تعالى وهذا لأن اليمين تصرف من الحالف في ذمة نفسه لأنه يوجب البرّ على نفسه والمحلوف به ليس بطلاق لأنه لا يكون طلاقًا إلا بعد الوصول إلى المحل وعند ذلك الملك واجب، وقال بالتفصيل جمهور المالكية فإن سمى امرأة أو طائفة أو قبيلة أو مكانًا أو زمانًا يمكن أن يعيش إليه لزمه واحترزوا بذلك عما لو قال: إلى مائتي سنة لا يلزمه شيء. وقال الشيخ خليل في توضيحه: ولو قال لأجنبية إن دخلت الدار فأنت طالق، فلا شيء عليه لعدم عصمتها، ولو قال إن تزوّجتك فأنت طالق فالمشهور اعتباره. وروى ابن وهب عن مالك أنه لا يلزمه قال في الاستذكار وروي على نحو هذا القول أحاديث إلا أنها عند أهل الحديث معلولة ومنهم من يصحّح بعضها وأحسنها ما خرّج قاسم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا طلاق إلا بعد نكاح" ولأبي داود: لا طلاق إلا فيما يملك. قال البخاري: وهو أصح شيء في الطلاق قبل النكاح. وأجيب عنها: بأنّا نقول بموجبها لأن الذي دلّ عليه الحديث إنما هو انتفاء وقوع الطلاق قبل النكاح ونحن نقول به ومحل النزاع إنما هو التزام الطلاق. 10 - باب إِذَا قَالَ: لاِمْرَأَتِهِ وَهْوَ مُكْرَهٌ: هَذِهِ أُخْتِي، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِسَارَةَ هَذِهِ أُخْتِي، وَذَلِكَ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» هذا (باب) بالتنوين (إذا قال لامرأته وهو) أي والحال أنه (مكره هذه أختي فلا شيء عليه) من طلاق ولا ظهار (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال إبراهيم) الخليل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لسارة) زوجته أم إسحاق لما طلبها ذلك الجبار وخاف أن يقتله (هذه أختي وذلك في ذات الله عز وجل) وكان من شأنهم أن لا يقربوا الخلية إلا بخطبة ورضا بخلاف المتزوّجة فكانوا يغتصبونها من زوجها إذا أحبوا ذلك. 11 - باب الطَّلاَقِ فِي الإِغْلاَقِ وَالْكُرْهِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمَجْنُونِ وَأَمْرِهِمَا وَالْغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ فِي الطَّلاَقِ وَالشِّرْكِ وَغَيْرِهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَتَلاَ الشَّعْبِيُّ {لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} وَمَا لاَ يَجُوزُ مَنْ إِقْرَارِ الْمُوَسْوِسِ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلَّذِي أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ: «أَبِكَ جُنُونٌ»؟ وَقَالَ عَلِيٌّ: بَقَرَ حَمْزَةُ خَوَاصِرَ شَارِفَيَّ فَطَفِقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلُومُ حَمْزَةَ، فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ. ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأَبِي؟ فَعَرَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ. وَقَالَ عُثْمَانُ لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلاَ لِسَكْرَانَ طَلاَقٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَلاَقُ السَّكْرَانِ وَالْمُسْتَكْرَهِ لَيْسَ بِجَائِزٍ. وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: لاَ يَجُوزُ طَلاَقُ الْمُوَسْوِسِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا بَدَا بِالطَّلاَقِ فَلَهُ شَرْطُهُ. وَقَالَ نَافِعٌ: طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ إِنْ خَرَجَتْ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنْ خَرَجَتْ فَقَدْ بُتَّتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِيمَنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ: يُسْأَلُ عَمَّا قَالَ وَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ حِينَ حَلَفَ بِتِلْكَ الْيَمِينِ، فَإِنْ سَمَّى أَجَلًا وَعَقَدَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ حِينَ حَلَفَ جُعِلَ ذَلِكَ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنْ قَالَ لاَ حَاجَةَ لِي فِيكِ نِيَّتُهُ. وَطَلاَقُ كُلِّ قَوْمٍ بِلِسَانِهِمْ وَقَالَ قَتَادَةُ: إِذَا قَالَ: إِذَا حَمَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا يَغْشَاهَا عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ مَرَّةً، فَإِنِ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا فَقَدْ بَانَتْ وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا قَالَ الْحَقِي بِأَهْلِكِ نِيَّتُهُ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الطَّلاَقُ عَنْ وَطَرٍ، وَالْعَتَاقُ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: إِنْ قَالَ مَا أَنْتِ بِامْرَأَتِي نِيَّتُهُ، وَإِنْ نَوَى طَلاَقًا فَهْوَ مَا نَوَى وَقَالَ عَلِيٌّ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يُدْرِكَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ. وَقَالَ عَلِيٌّ: وَكُلُّ الطَّلاَقِ جَائِزٌ إِلاَّ طَلاَقَ الْمَعْتُوهِ. (باب) بيان حكم (الطلاق في الإغلاق) بكسر الهمزة وسكون الغين المعجمة آخره قاف وهو الإكراه وسمي به لأن المكره كأنه يغلق عليه الباب ويضيق عليه حتى يطلق، وقيل العمل في الغضب وتمسك بهذا التفسير بعض متأخري الحنابلة القائلين، بأن الطلاق في الغضب لا يقع ولم يوجد عن أحد من متقدّميهم لكن ردّ هذا التفسير المطرزي والفارسي بأن طلاق الناس غالبًا إنما هو في حال الغضب ولو جاز عدم وقوع طلاق الغضبان لكان لكل أحد أن يقول كنت غضبان فلا يقع عليّ طلاق (و) حكم (المكره) بضم الميم وفتح الراء وفي اليونينية والكره بغير ميم وضم الكاف وسكون الراء (و) حكم (السكران و) حكم (المجنون وأمرهما) هل هو واحد أو مختلف (و) حكم

(الغلط والنسيان) الواقعين (في الطلاق و) حكم (الشرك) إذا وقع من المكلّف ما يقتضيه غلطًا أو نسيانًا هل يحكم به أم لا وإذا كان لا يحكم عليه به فالطلاق كذلك (وغيره) أي غير الشرك مما هو دونه أو غير ما ذكر نحو الخطأ وسبق اللسان والهزل. وحكى ابن الملقن أن في بعض النسخ والشك بدل والشرك. قال الزركشي: وهو أليق. وقال ابن بطال: وهو الصواب لكن قال الحافظ ابن حجر: إنه لم يرها في شيء من النسخ التي وقف عليها، (لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الأعمال بالنية) بالإفراد (ولكل امرئ ما نوى) فإنما يعتبر ما ذكر من الإكراه وغيره مما سبق بالنية وإنما يتوجه على العاقل المختار العامد الذاكر. (وتلا الشعبي) عامر بن شراحيل قرأ قوله تعالى مستدلاًّ لعدم وقوع طلاق المخطئ والناسيّ: ({لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}) [البقرة: 286] وهذا وصله هنا ابن السري الصغير في فوائده (و) بيان (ما لا يجوز من إقرار الموسوس) بسينين مهملتين وفتح الواو الأولى وكسر الثانية. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: للذي أقرّ على نفسه) بالزنا (أبك جنون) فقال: لا، الحديث الآتي إن شاء الله تعالى في الحدود بمباحثه بعون الله وفضله. (وقال عليّ) -رضي الله عنه-: (بقر) بالموحدة والقاف المخففة شق (حمزة) بن عبد المطلب (خواصر شارفيَّ) بفتح الفاء وتشديد التحتية تثنية شارف الناقة المسنة (فطفق) شرع أو جعل (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلوم حمزة) على فعله ذلك (فإذا حمزة قد ثمل) بفتح المثلثة وكسر الميم سكر مبتدأ وخبر (محمرة عيناه) خبر بعد خبر (ثم قال حمزة) -رضي الله عنه-: (هل) ولأبي ذر وابن عساكر وهل (أنتم إلا عبيد لأبي فعرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قد ثمل، فخرج) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من عند حمزة (وخرجنا معه) أي ولم يؤاخذه فتمسك به من قال بعدم مؤاخذة السكران بما يقع منه حال سكره من طلاق وغيره. وقد سبق هذا الحديث موصولًا في غزوة بدر من المغازي. (وقال عثمان) بن عفان -رضي الله عنه-: (ليس لمجنون ولا لسكران طلاق) وصله ابن أبي شيبة. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة بمعناه: (طلاق السكران والمستكره ليس بجائز) أي ليس بواقع إذ لا عقل للسكران المغلوب على عقله ولا اختيار للمستكره. (وقال عقبة بن عامر) الجهني (لا يجوز) أي لا يقع (طلاق الموسوس) لأن الوسوسة حديث النفس ولا مؤاخذة بما يقع في حديث النفس. (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح مما سبق في الشروط في الطلاق (إذا) أراد أن يطلق و (بدأ بالطلاق) قبل الشروط بأن قال أنت طالق إن دخلت الدار (فله شرطه) كما في العكس بأن يقول إن دخلت الدار فأنت طالق فلا يلزم تقديم الشرط على الإطلاق بل يصح سابقًا ولاحقًا وإن قال ابتداء من غير ذكر شرط مقتصرًا عليه فأنت طالق وقال: أردت الشرط فسبق لساني إلى الجزاء لم يقبل منه ظاهرًا لأنه متّهم وقد خاطبها بصريح الطلاق والفاء تُزاد في غير الشرط وإن قال: إن دخلت الدار أنت طالق بحذف الفاء فهو تعليق. (وقال نافع) مولى ابن عمر لابن عمر: إذا (طلق رجل امرأته البتة) نصب على المصدر أي طلاقًا بائنًا (إن خرجت) أي من الدار ما حكمه (فقال ابن عمر) -رضي الله عنهما-: (إن خرجت) أي من الدار (فقد بتّت منه) بضم الموحدة وتشديد الفوقية الأولى أي انقطعت منه فلا رجعة له فيها ولأبي ذر إن خرجت فقد بنت بموحدة مكسورة فنون ساكنة ففوقية مكسورة (وإن لم تخرج) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وإن لم تخرجي منها (فليس بشيء) لعدم وجود الشرط. (وقال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (فيمن قال: إن لم أفعل كذا وكذا فامرأتي طالق ثلاثًا يسأل عما قال وعقد عليه قلبه حين حلف بتلك اليمين فإن سمي أجلًا أراد وعقد عليه قلبه حين حلف جعل) بضم الجيم وكسر العين (ذلك في دينه وأمانته) أي يدين فيما بينه وبين الله تعالى، قال في الفتح: أخرجه

عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مختصرًا ولفظه في الرجلين يحلفان بالطلاق والعتاق على أمر يختلفان فيه ولم تقم على واحد منهما بيّنة على قوله قال: يدينان ويحملان من ذلك ما تحملا. (وقال إبراهيم) النخعي (إن قال) لامرأته (لا حاجة لي فيك) تعتبر (نيته) فإن نوى الطلاق طلقت وإلاّ فلا رواه ابن أبي شيبة (وطلاق كل قوم بلسانهم) عجميًّا أو غيره وهذا وصله ابن أبي شيبة أيضًا. وقال في الروضة: ترجمة لفظ الطلاق بالعجمية وسائر اللغات صريح على المذهب لشهرة استعمالها في معناها عند أهل تلك اللغات كشهرة العربية عند أهلها وقيل وجهان ثانيهما أنها كناية. (وقال قتادة) بن دعامة مما وصله ابن أبي شيبة (إذا قال) الرجل لامرأته (إذا حملت فأنت طالق ثلاثًا، يغشاها) أي يجامعها (عند كل طهر مرة) واحدة (فإن استبان) ظهر (حملها فقد بانت) طلقت (منه) ثلاثًا وهو قول الجمهور، وقال المالكية: يحنث بالوطء من بعد التعليق استبان بها حمل أم لا. رواه ابن القاسم لأن الحمل موقوف على سبب والسبب بيد الحالف إن شاء أوقعه وإن شاء لم يوقعه وهو الوطء، واختلف بعد الوطء فقال في المدونة: يعجل عليه الطلاق بأثر الوطء. وقال ابن الماجشون: لا يعجل عليه وينتظر ثم يطؤها في كل طهر مرة، وقال أشهب: لا شيء عليه حتى يكون ما شرط، وقال ابن يونس: فوجه قول ابن القاسم أنه إذا وطئها صار حملها مشكوكًا فيه فيعجل الطلاق لأن كل من شك هل حنث أم لا فهو حانث، ووجه قول أشهب أن من أصله أنه لا يطلق إلا على من علق على آت لا بدّ منه، ووجه قول ابن الماجشون أنه لا يحصل الحمل من كل وطء فوجب أن لا تطلق عليه حتى يختبر أمر هذا الوطء ويمسك عن وطئها إذ لا يدري هل حملت منه أم لا، وسقط لأبي ذر لفظ منه وهذا وصله ابن أبي شيبة. (وقال الحسن) البصري فيما وصله عبد الرزاق (إذا قال) لامرأته: (الحقي) بكسر أوّله وفتح ثالثه وقيل عكسه (بأهلك نيته) إن نوى الطلاق وقع وإلاّ فلا. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- (الطلاق عن وطر) بفتحتين حاجة فلا يطلق الرجل إلا عند الحاجة كالنشوز (والعتاق ما أريد به وجه الله) فهو مطلوب دائمًا. (وقال الزهري) محمد بن مسلم (إن قال) لامرأته: (ما أنت بامرأتي) تعتبر (نيته وإن نوى طلاقًا فهو ما نوى) وهذا وصله ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري وكذا من طريق قتادة لكنه قال: إذا وجهها به وأراد الطلاق فواحدة وقال الحنفية: إذا قال لست لي بامرأة وما أنا لك بزوج ونوى الطلاق يقع عند أبي حنيفة. وقال صاحباه: لا لأن نفي النكاح ليس بطلاق بل كذب فهو كقوله: والله لم أتزوجك والله ما أنت لي بامرأة. وقال المالكية: إن قال لامرأته لست لي بامرأة أو ما أنت لي بامرأة أو لم أتزوجك فلا شيء عليه في ذلك إلا أن ينوي به الطلاق. (وقال علي) -رضي الله عنه- فيما وصله البغوي في الجعديات عن علي بن الجعد عن شعبة عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس أن عمر أُتي بمجنونة قد زنت وهي حبلى فأراد أن يرجمها فقال له علي: (ألم تعلم) ولأبي ذر عن الكشميهني ألم تر (أن القلم رفع) وفي الجعديات أما بلغك أن القلم قد وضع (عن ثلاثة عن المجنون حتى يفيق) من جنونه (وعن الصبي حتى يدرك) الحلم (وعن النائم حتى يستيقظ) من نومه. ورواه جرير بن حازم عن الأعمش فصرّح فيه بالرفع أخرجه أبو داود وابن حبان من طريقه، وأخرجه النسائي من وجهين آخرين عن أبي ظبيان عن علي مرفوعًا وموقوفًا ورجح الموقوف على المرفوع، وقد أخذ بمقتضى هذا الحديث الجمهور فشرطوا في المطلق ولو بالتعليق أن يكون مكلفًا فلا يصح من غيره. (وقال علي) -رضي الله عنه- فيما وصله البغوي في الجعديات أيضًا (وكل الطلاق) ولأبي ذر وكل طلاق (جائز إلا طلاق المعتوه) بفتح الميم وسكون العين المهملة وضم الفوقية وبعد الواو هاء، وفيه حديث مرفوع عند الترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعًا "كل طلاق جائز إلا طلاق

المعتوه المغلوب على عقله" لكنه من رواية عطاء بن عجلان وهو ضعيف جدًّا. والمعتوه كالمجنون في نقص العقل فمنه الطفل والمجنون والسكران، وقيل: المعتوه القليل الفهم المختلط الكلام الفاسد التدبير فهو كالمجنون لكنه لا يضرب ولا يشتم بخلاف المجنون، والعاقل من يستقيم كلامه وأفعاله إلا نادرًا، والمجنون ضدّه والمعتوه من يكون ذلك منه على السواء، وهذا يؤدّي إلى أن لا يحكم على أحد بالعته، والقول بأنه القليل الفهم إلى آخره أولى، وقيل من يفعل فعل المجانين عن قصد مع ظهور الفساد والمجنون بلا قصد والعاقل خلافهما وقد يفعل فعل المجانين على ظن الصلاح أحيانًا، وقد علم أن التصرفات لا تنفذ إلا ممن له أهلية التصرف ومدارها العقل والبلوغ خصوصًا ما هو دائر بين الضرر والنفع خصوصًا ما لا يحل إلا لانتفاء مصلحة ضده القائم كالطلاق فإنه يستدعي تمام العقل ليحكم به التمييز في ذلك الأمر ولم يكفّ عقل الصبي العاقل لأنه لم يبلغ الاعتدال بخلاف ما هو حسن لذاته بحيث لا يقبل حسنه السقوط وهو الإيمان حتى صحّ من الصبي العاقل، ولو فرض لبعض الصبيان المراهقين عقل جيد لا يعتبر في التصرفات لأن المدار البلوغ لانضباطه فتعلق به الحكم، وبهذا يبعد ما نقل عن ابن المسيب أنه إذا عقل الصبي الطلاق جاز طلاقه، وعن ابن عمر جواز طلاق الصبي ومراده العاقل، ومثله عن الإمام أحمد والله أعلم بصحة هذه النقول قاله الشيخ كمال الدين بن الهمام -رحمه الله تعالى-. وعن ابن عباس عند ابن أبي شيبة لا يجوز طلاق الصبي، وسبق في هذا الباب قول عثمان ليس لمجنون ولا لسكران طلاق وزيادة ابن عباس المستكره، وفي مسألة السكران خلاف عالٍ بين التابعين ومن بعدهم فقال بوقوعه من التابعين سعيد بن المسيب وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي وابن سيرين ومجاهد، بل قال به من الصحابة عثمان وابن عباس كما مرّ، وبه قال مالك والشافعي وأحمد، في رواية مشهورة عنه والحنفية فيصح منه مع أنه غير مكلف تغليظًا عليه ولأن صحته من قبيل ربط الأحكام بالأسباب كما قاله الغزالي في المستصفى، وأجاب عن قوله تعالى: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} [النساء: 43] الذي استند إليه الجويني وغيره في تكليف السكران، لأن المراد به هو في أوائل السكر وهو المنتشي لبقاء عقله وانتفاء تكليف السكران لانتفاء الفهم الذي هو شرط التكليف، والمراد بالسكران الذي يصح طلاقه ونكاحه ونحوهما مَن زال عقله بما أثم به من شرب مُسكِر متعد بشربه. وقال ابن الهمام: وكونه زوال عقله بسبب هو معصية لا أثر له وإلا صحّت ردّته ولا تصح قلنا لما خاطبه الشرع في سكره بالأمر والنهي بحكم فرعي عرفنا أنه اعتبره كقائم العقل تشديدًا عليه في الأحكام الفرعية، وعقلنا أن ذلك يناسب كونه تسبب في زوال عقله بسبب محظور وهو مختار فيه، وعلى هذا اتفق فتاوى مشايخ المذهبين من الشافعية والحنفية بوقوع طلاق من غاب عقله بأكل الحشيشة وهي المسماة بورق القنب لفتواهم بحرمتها بعد أن اختلفوا فيها فأفتى المزني بحرمتها وأفتى أسد بن عمرو بحلّها لأن المتقدمين لم يتكلموا فيها بشيء لعدم ظهور شأنها فيهم فلما ظهر من أمرها من الفساد كثير وفشا، عاد مشايخ المذهبين إلى حرمتها وأفتوا بوقوع الطلاق ممن زال عقله بها إذا استعملها مختارًا أما إذا أكره على شرب مسكر ولم يعلم أنه مسكر فلا يقع طلاقه لعدم تعدّيه والرجوع في معرفة السكر إلى العرف، ولو قال: إنما شربت الخمر مكرهًا وثم قرينة أو لم أعلم أن ما شربته مسكر صدّق بيمينه قاله الأذرعي، وأما المكره فعند الشافعية لا يصح طلاقه لحديث: وما استكرهوا عليه، وحديث لا طلاق في إغلاق أي إكراه رواه أبو داود والحاكم، وصحح إسناده وحدّ الإكراه أن يهدّد المكره قادر على الإكراه بولاية أو تغلب عاجلًا ظلمًا وعجز المكره عن دفعه بهرب وغيره كاستغاثة بغيره وظنه أنه إن امتنع من فعل ما أكره عليه حقق ما هدده به ويحصل بتخويف بمحذور كضرب شديد أو إتلاف مال، ويختلف باختلاف طبقات

الناس وأحوالهم فلا يحصل الإكراه بالتخويف بالعقوبة الآجلة كقوله: لأضربنك غدًا ولا بالتخويف المستحق كقوله لمن له عليه قصاص طلقها وإلاّ اقتصصت منك، فإن ظهر من المكره قرينة اختيار منه للطلاق كأن أكره على ثلاث من الطلقات أو على صريح أو تعليق أو طلاق مبهمة فخالف بأن وحّد أو ثنى أو كنى أو نجز أو طلق معينة وقع الطلاق وقال الحنفية: يقع طلاق المكره لأن المكره مختار في التكلم اختيارًا كاملًا في السبب إلا أنه غير راضٍ بالحكم لأنه عرف الشرّين فاختار أهونهما عليه. 5269 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ». وَقَالَ قَتَادَةُ: إِذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن زرارة بن أوفى) العامري قاضي البصرة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدّثت به أنفسها) بالنصب على المفعولية يقال: حدّثت نفسي بكذا أو بالرفع على الفاعلية يقال: حدّثتني نفسي بكذا (ما لم تعمل) في العمليات (أو تتكلم) في القوليات (وقال قتادة) فيما وصله عبد الرزاق (إذا طلق) امرأته سرًّا (في نفسه فليس) طلاق ذلك (بشيء). 5270 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ زَنَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَتَنَحَّى لِشِقِّهِ الَّذِي أَعْرَضَ فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ فَدَعَاهُ فَقَالَ: «هَلْ بِكَ جُنُونٌ؟ هَلْ أُحْصِنْتَ»؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ جَمَزَ حَتَّى أُدْرِكَ بِالْحَرَّةِ فَقُتِلَ. [الحديث 5270 - أطرافه في: 5272، 6814، 6816، 6820، 6826، 7168]. وبه قال: (حدّثنا أصبغ) بن الفرج بالجيم المصري قال: (أخبرنا) بالجمع ولأبي ذر أخبرني (ابن وهب) عبد الله المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) ثبت ابن عبد الرحمن في رواية أبي ذر (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- (أن رجلًا من أسلم) اسمه ماعز بكسر العين المهملة بعدها زاي ابن مالك الأسلمي (أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في المسجد فقال: إنه قد زنى فأعرض) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فتنحى) بالحاء المهملة المشددة قصد (لشقه) بكسر الشين المعجمة (الذي أعرض) عنه بوجهه الكريم إلى جهته (فشهد على نفسه أربع شهادات) أي أقرّ على نفسه أربع مرات بأنه زنى، وسقط لفظ شهادات لابن عساكر (فدعاه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) له: (هل بك جنون)؟ وهذا هو الغرض من هذا الحديث إذ مقتضاه أنه لو كان مجنونًا ما كان يعمل بإقراره والمراد هل كان بك جنون أو هل تجنّ تارة وتفيق أخرى لأنه لما خاطبه كان مفيقًا أو الخطاب له والاستفهام للحاضرين (هل أحصنت)؟ بفتح الهمزة والصاد المهملة أو بضم الهمزة وكسر الصاد هل تزوجت قط (قال: نعم) تزوجت (فأمر به) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن يرجم بالمصلى) بفتح اللام المشددة التي كان يصلّي فيها العيد (فلما أذلقته) بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة وفتح اللام والقاف وسكون الفوقية أصابته (الحجارة) بحدّها وآلمته (جمز) بالجيم والميم والزاي المفتوحات أسرع هاربًا من القتل (حتى أدرك) بضم الهمزة وكسر الراء (بالحرة) بالحاء المهملة والراء المشددة المفتوحتين أرض ذات حجارة سود خارج المدينة (فقتل) بصيغة المجهول. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المحاربين ومسلم في الحدود وكذا أبو داود والترمذي وأخرجه النسائي في الجنائز. 5271 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الآَخِرَ قَدْ زَنَى، يَعْنِي نَفْسَهُ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ. فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الآَخِرَ قَدْ زَنَى، فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ. فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَتَنَحَّى لَهُ الرَّابِعَةَ فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ فَقَالَ «هَلْ بِكَ جُنُونٌ»؟ قَالَ: لاَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ» وَكَانَ قَدْ أُحْصِنَ. [الحديث 5271 - أطرافه في: 6815، 6825، 7167]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (وسعيد بن المسيب أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: أتى رجل من أسلم) اسمه ماعز وأسلم قبيلة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في المسجد) الواو للحال (فناداه فقال: يا رسول الله إن الآخر) بفتح الهمزة المقصورة وكسر الخاء المعجمة قال عياض: ومدّ الهمزة خطأ وكذا فتح الخاء أي المتأخر عن السعادة المدبر أو الأرذل أو اللئيم (قد زنى يعني نفسه فأعرض) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عنه فتنحى لشق وجهه الذي أعرض قبله) بكسر القاف وفتح الموحدة جهته قال الخطابي: تنحّى تفعّل من نحا إذا قصد أي قصد الجهة التي إليها وجهه ونحا نحوها (فقال: يا رسول الله إن الآخر قد زنى فأعرض عنه فتنحى لشق وجهه الذي) ولابن عساكر لشقه الذي

12 - باب الخلع، وكيف الطلاق فيه؟

(أعرض قبله فقال له ذلك): إن الآخر قد زنى (فأعرض عنه فتنحى) الرجل (له الرابعة فلما شهد على نفسه) بالزنا (أربع شهادات دعاه فقال) له: (هل بك جنون)؟ قال النووي: إنما قال هل بك جنون ليحقق حاله فإن الغالب أن الإنسان لا يصرّ على إقرار ما يقتضي هلاكه، وفيه إشارة إلى أن إقرار المجنون باطل (قال: لا) ما بي جنون (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اذهبوا به) الباء للتعدية أو للحال أي اذهبوا مصاحبين له (فارجموه. وكان قد أحصن) بضم الهمزة وكسر الصاد. 5272 - وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ، جَمَزَ حَتَّى أَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ حَتَّى مَاتَ. (وعن الزهري) عطف على قوله في السند السابق شعيب عن الزهري إلى آخره أنه (قال: أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر وابن عساكر: فأخبرني بالفاء والإفراد (من سمع جابر بن عبد الله الأنصاري) أبهم الراوي عنه فيحتمل أنه أبو سلمة الذي روى عنه أولًا وأن يكون غيره روى عنه (قال: كنت فيمن رجمه فرجمناه بالمصلى بالمدينة) فيه تقديم وتأخير أي فرجمناه بالمصلى فكنت فيمن رجمه أو يقدر فكنت فيمن أراد حضور رجمه فرجمناه (فلما أذلقته الحجارة) أي أقلقته وأوجعته وجواب لما قوله (جمز) أسرع هاربًا من القتل (حتى أدركناه بالحرة فرجمناه حتى مات) وزاد أبو داود والحاكم في حديث نعيم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "هلاّ تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه"، وهو حجة للشافعي ومن وافقه أن الهارب من الرجم إذا كان بالإقرار يكف عنه في الحال فإن رجع سقط عنه الحد وإلا حُدَّ. وحديث الباب هذا أخرجه مسلم في الحدود والنسائي في الرجم. 12 - باب الْخُلْعِ، وَكَيْفَ الطَّلاَقُ فِيهِ؟ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَن لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ} وَأَجَازَ عُمَرُ الْخُلْعَ دُونَ السُّلْطَانِ. وَأَجَازَ عُثْمَانُ الْخُلْعَ دُونَ عِقَاصِ رَأْسِهَا. وَقَالَ طَاوُسٌ: {إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَنْ لاَ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} فِيمَا افْتَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ، وَلَمْ يَقُلْ قَوْلَ السُّفَهَاءِ لاَ يَحِلُّ حَتَّى تَقُولَ: لاَ أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ. (باب الخلع) بضم الخاء المعجمة وسكون اللام مأخوذ من الخلع بفتح الخاء وهو النزع سمي به لأن كلاًّ من الزوجين لباس الآخر في المعنى. قال تعالى: {هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهن} [البقرة: 187] فكأنه بمفارقة الآخر نزع لباسه وضم مصدره تفرقة بين الحسي والمعنويّ. (وكيف الطلاق فيه) أي حكمه هل يقع بمجرده أو بذكر الطلاق باللفظ أو بالنية خلاف وتعريف الخلع فراق زوج يصح طلاقه لزوجته بعوض يحصل لجهة الزوج بلفظ طلاق وخلع والمراد ما يشملهما وغيرهما من ألفاظ الطلاق والخلع صريحًا وكناية كالفراق والإبانة والمفاداة وخرج بجهة الزوج تعليق طلاقها بالبراءة عما لها على غيره فيقع الطلاق في ذلك رجعيًّا فإن وقع بلفظ الخلع ولم ينوِ به طلاقًا فالأظهر أنه طلاق ينقص العدد، وكذا إن وقع بلفظ الطلاق مقرونًا بالنية، وقد نص في الإملاء أنه من صرائح الطلاق، وفي قول إنه فسخ وليس بطلاق لأنه فراق حصل بمعاوضة فأشبه ما لو اشترى زوجته، ونص عليه في القديم وصح عن ابن عباس فيما أخرجه عبد الرزاق وهو مشهور مذهب الإمام أحمد لحديث الدارقطني عن طاوس عن ابن عباس الخلع فرقة وليس بطلاق أما إذا نوى به الطلاق فهو طلاق قطعًا عملًا بنيته فإن لم ينوِ به طلاقًا لا تقع به فرقة أصلًا كما نص عليه في الأم وقوّاه السبكي، فإن وقع الخلع بمسمى صحيح لزم أو بمسمى فاسد كخمر وجب مهر المثل. (وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على الخلع المضاف إليه الباب ولأبي ذر: وقوله عز وجل: ({ولا يحل لكم}) أيها الأزواج أو الحكام لأنهم الآمرون بالأخذ والإيتاء عند الترافع إليهم فكأنهم الآخذون والمؤتون ({أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا}) مما أعطيتموهن من المهور ({إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله}) [البقرة: 229] أي إلا أن يعلم الزوجان ترك إقامة حدود الله فيما يلزمهما من مواجب الزوجية لما يحدث من نشوز المرأة وسوء خلقها وسياق الآية إلى حدود الله لأبي ذر ولغيره إلى قوله شيئًا ثم قال: إلى قوله: {الظالمون} [البقرة: 229] وتمام المراد من الآية في قوله: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229] أي لا جناح على الرجل فيما أخذ ولا عليها فيما افتدت به نفسها واختلعت من بذل ما أوتيت من المهر وفيه مشروعية الخلع وقد أجمع عليه العلماء خلافًا لبكر بن عبد الله المزني التابعي، فإنه قال بعدم حل أخذ شيء من الزوجة عوضًا عن فراقها محتجًّا بقوله تعالى: {فلا تأخذوا منه شيئًا} [النساء: 20] فأورد عليه {فلا جناح عليهما فيما افتدت} [البقرة: 229] فأجاب بأنها منسوخة بآية النساء وأجيب

بقوله تعالى في سورة النساء أيضًا {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسًا فكلوه} [النساء: 4] وبقوله تعالى فيها: {فلا جناح عليهما أن يصلحا} [النساء: 128] الآية، وقد انعقد الإجماع بعده على اعتباره وأن آية النساء مخصوصة بآية البقرة وبآيتي النساء الأُخريين، وقد تمسك بالشرط من قوله تعالى: {فإن خفتم} من منع الخلع إلا إن حصل الشقاق بين الزوجين معًا والجمهور على الجواز على الصداق وغيره، ولو كان أكثر منه لكن تكره الزيادة عليه كما في الإحياء، وعند الدارقطني عن عطاء أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لا يأخذ الرجل من المختلعة أكثر مما أعطاها ويصح في حالتي الشقاق والوفاق فذكر الخوف في قوله: {إلا أن يخافا} جري على الغالب ولا يكره عند الشقاق أو عند كراهتها له لسوء خلقه أو دينه أو عند خوف تقصير منها في حقه أو عند حلفه بالطلاق الثلاث من مدخول بها على فعل ما لا بدّ له من فعله وإن أكرهها بالضرب ونحوه على الخلع فاختلعت لم يصح للإكراه ووقع الطلاق، رجعيًّا إن لم يسمّ المال فإن سماه أو قال طلقتك بكذا وضربها لتقبل فقبلت، لم يقع الطلاق لأنها لم تقبل مختارة والله أعلم. (وأجاز عمر) -رضي الله عنه- (الخلع دون) حضور (السلطان) الإمام الأعظم أو نائبه أو بغير إذنه وصله ابن أبي شيبة في مصنفه، ولفظه كما قرأته فيه: أُتي بشر بن مروان في خلع كان بين رجل وامرأته فلم يجزه فقال له عبد الله بن شهاب الخولاني شهدت عمر بن الخطاب أُتي بخلع كان بين رجل وامرأته فأجازه، قال في الفتح: وأراد البخاري بإيراد ذلك الإشارة إلى ما أخرجه سعيد بن منصور عن الحسن البصري قال: لا يجوز الخلع دون السلطان ولفظ ابن أبي شيبة قال هو عند السلطان واستدلّ له أبو عبيد بقوله تعالى: {فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله} [البقرة: 229] وبقوله تعالى: {وإن خفتم شقاق بينهما} [النساء: 35] قال: فجعل الخوف لغير الزوجين ولم يقل فإن خافا قال: فالمراد الولاية وردّه النحّاس بأنه قول لا يساعده الإعراب ولا اللفظ ولا المعنى، وإذا كان الطلاق جائزًا دون الحاكم فكذلك الخلع وأما الآية فجرت على الغالب كما مرّ. (وأجاز عثمان) -رضي الله عنه- (الخلع) ببذل كل ما تملك (دون عقاص رأسها) بكسر العين وفتح القاف آخره صاد مهملة الخيط الذي تعقص به أطراف رأسها. وهذا وصله أبو القاسم بن بشران في أماليه عن الربيع بنت معوذ قالت: اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي فأجاز ذلك عثمان، وأخرجه البيهقي وقال في آخره: فدفعت إليه كل شيء حتى غلقت الباب بيني وبينه وعند ابن سعد فقال عثمان: يعني لزوج الربيع خذ كل شيء حتى عقاص رأسها. (وقال طاوس) فيما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني ابن طاوس وقلت له: ما كان أبوك يقول في الفداء؟ قال: كان يقول ما قال الله تعالى: ({إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله}) أي (فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة) قال ابن طاوس: (ولم يقل) أي طاوس (قول السفهاء): القائلين أنه (لا يحلّ) الخلع (حتى تقول) الزوجة (لا أغتسل لك من جنابة) تريد منعه من وطئها فتكون حينئذٍ ناشزًا، بل أجازه إذا لم تقم بما افترض عليها لزوجها في العشرة والصحبة ولعله أشار إلى نحو ما روي عن الحسن في الآية، قال ذلك في الخلع إذا قالت لا أغتسل لك من جنابة رواه ابن أبي شيبة. وعن الشعبي فيما أخرجه سعيد بن منصور أن امرأة قالت لزوجها: لا أطيع لك أمرًا ولا أبرّ لك قسمًا ولا أغتسل لك من جنابة، قال: إذا كرهته فليأخذ منها وليخلّ عنها. 5273 - حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ جَمِيلٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتُبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الإِسْلاَمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ»؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً». قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ لاَ يُتَابَعُ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. [الحديث 5273 - أطرافه في: 5274، 5275، 5276، 5277]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني (أزهر بن جميل) بفتح الجيم أبو محمد البصري لم يخرج عنه المؤلّف سوى هذا قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد الحميد (الثقفيّ) بالمثلثة قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن امرأة ثابت بن قيس) الأنصاري جميلة بنت أُبيّ ابن سلول الآتي ذكرها في هذا الباب مع اختلاف يذكر إن شاء الله تعالى، (أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب) بضم الفوقية وكسرها من العتاب وهو كما في القاموس وغيره الخطاب بالإدلال قال في الفتح: وفي رواية ما أعيب (عليه) بكسر العين وتحتية ساكنة بعدها (في خلق) بضم الخاء واللام (ولا دين) أي لا أريد فراقه لسوء خلقه ولا لنقصان دينه (ولكني أكره الكفر في الإسلام) أي إن أقمت عنده ربما أقع فيما يقتضي الكفر لا أنه يحملها عليه (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لها: (أتردِّين عليه حديقته) أي بستانه وكان أصدقها إياها (قالت: نعم) أردها عليه (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): لثابت زوجها (أقبل الحديقة وطلقها تطليقة) أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب (قال أبو عبد الله) المؤلّف: (لا يتابع) أزهر بن جميل (فيه) أي في الحديث (عن ابن عباس) لأن غيره أرسله ولم يذكر ابن عباس ومراده كما في الفتح خصوص طريق خالد الحذاء عن عكرمة وقوله: قال أبو عبد الله إلى آخره ثابت في رواية المستملي والكشميهني فقط. 5274 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أُخْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ بِهَذَا وَقَالَ: «تَرُدِّينَ حَدِيقَتَهُ» قَالَتْ: نَعَمْ فَرَدَّتْهَا وَأَمَرَهُ يُطَلِّقْهَا. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَطَلِّقْهَا. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إسحاق) بن شاهين (الواسطي) قال: (حدّثنا خالد) الطحان (عن خالد الحذاء) بالذال المعجمة المشددة والمد (عن عكرمة) مرسلًا لم يذكر ابن عباس (أن) جميلة (أخت عبد الله بن أبي) رأس المنافقين وظاهره أنها بنت أبي (بهذا) الحديث (وقال) لها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مستفهمًا: (تردِّين) عليه (حديقته؟ قالت: نعم) أردّها عليه (وأمره) عليه الصلاة والسلام (يطلقها) بالجزم، وأورد المؤلّف هذا المرسل تقوية لقوله لا يتابع فيه عن ابن عباس مع التعريف بأن امرأة ثابت أخت عبد الله بن أبي على ما لا يخفى. (وقال إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء الهروي فيما وصله الإسماعيلي (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة) مرسلًا أيضًا (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) قال فيه (طلقها) بالجزم الحديث كما مرّ. 5275 - وَعَنِ ابْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لاَ أَعْتُبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ، وَلاَ خُلُقٍ وَلَكِنِّي لاَ أُطِيقُهُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ». قَالَتْ: نَعَمْ. (وعن ابن أبي تميمة) أي وقال ابن طهمان، عن أيوب، ولأبي ذر وابن عساكر: وعن أيوب بن أبي تميمة أي السختياني (عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أنه قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس) الخزرجي (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله أني لا أعتب على ثابت) زوجي (في دين ولا خلق) ظاهره أنه لم يصنع بها شيئًا يقتضي الشكوى منه بسببه، لكن في رواية النسائي من حديث الربيع بنت معوذ أنه كسر يدها فلعلها أرادت وإن كان سيئ الخلق لكنها ما تعيبه بذلك بل بشيء غيره. وعند ابن ماجة من حديث عمرو بن شعيب عن جده أنه كان رجلًا دميمًا وفي رواية معمر بن سليمان عن فضيل عن أبي جرير عن عكرمة عن ابن عباس أول خلع كان في الإسلام امرأة ثابت بن قيس أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله لا يجتمع رأسي ورأس ثابت أبدًا إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة فإذا هو أشدهم سوادًا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجهًا فقال: "أتردين عليه حديقته"؟ قالت: نعم وإن شاء زدته ففرق بينهما، والحاصل أنها لم تشك سوء خلقه ولا دينه بل مما ذكرت من سوء خلقته الموجب لبغضها له بحيث لا تطيق عشرته كما قالت (ولكني) ولأبي ذر عن المستملي ولكن (لا أطيقه) لكراهتي له بسبب ما ذكر وعند ابن ماجة لا أطيقه بغضًا (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لها: (فتردين) بالفاء العاطفة على مقدر (عليه حديقته قالت: نعم) زاد في حديث عمر: فقال ثابت: أيطيب ذلك يا رسول الله؟ قال: (نعم) ورواية ابن طهمان هذه وصلها الإسماعيلي. 5276 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْمُخَرِّمِيُّ حَدَّثَنَا قُرَادٌ أَبُو نُوحٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَنْقِمُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلاَ خُلُقٍ، إِلاَّ أَنِّي أَخَافُ الْكُفْرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ»؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَرَدَّتْ عَلَيْهِ وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (محمد بن عبد الله بن المبارك المخرّمي) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وكسر الراء المشددة الحافظ قاضي حلوان قال: (حدّثنا قراد) بضم القاف وفتح الراء المخففة لقب عبد الرحمن بن غزوان وكنيته (أبو نوح) من كبار الحفاظ له ما ينكر لكنهم وثقوه وليس له في البخاري سوى هذا الموضع قال:

13 - باب الشقاق، وهل يشير بالخلع عند الضرورة؟ وقوله تعالى: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها} الآية

(حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس) بفتح الشين المعجمة والميم المشدّدة وبعد الألف سين مهملة وسقط ابن شماس لابن عساكر (إلى النبي) ولأبي ذر إلى رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالت: يا رسول الله ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق إلا أني أخاف الكفر) إن أقمت عنده لعلها تعني أنها لشدّة كراهتها له تكفر العشرة في تقصيرها لحقه وغير ذلك مما يتوقع من الشابة الجميلة المبغضة لزوجها أو خشيت أن تحملها شدّة كراهتها له على إظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (فتردين عليه حديقته) ولأبي ذر وابن عساكر تردّين استفهام محذوف الأداة وفي حديث عمر: وكان تزوّجها على حديقة نخل (قالت: نعم فردّتـ) ـها (عليه وأمره) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بفراقها (ففارقها) ولم يكن أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بفراقها أمر إيجاب وإلزام بالطلاق بل أمر إرشاد إلى ما هو الأصوب. 5277 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ جَمِيلَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وبه قال: (حدّثنا سليمان) بن حرب الواشحي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة) مرسلًا (أن جميلة، فذكر الحديث) كما مرّ واختلف فيه على أيوب فاتفق ابن طهمان وجرير على الوصل وخالفهما حماد فقال عن أيوب عن عكرمة مرسلًا ولم تسمّ امرأة ثابت إلا في هذه الرواية. نعم قال في الثانية: "إن أخت عبد الله بن أبي، ويؤيده ما عند ابن ماجة والبيهقي من رواية قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن جميلة بنت سلول جاءت الحديث، واختلف في سلول هل هي أم أبي أو امرأته! وعند النسائي والطبراني من حديث الربيع بنت معوّذ أن ثابت بن قيس ضرب امرأته فكسر يدها وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي فأتى أخوها يشتكي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال ابن سعد أيضًا: جميلة بنت عبد الله بن أبي، وعند الدارقطني والبيهقي بسند قوي عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي ابن سلول الحديث، فيحتمل أن يكون اسمها زينب ولقبها جميلة وإن لم يعمل بهذا الاحتمال فالموصول المعتضد يقول أهل النسب أن اسمها جميلة أصح، وبه جزم الدمياطي، وقال: إنها كانت أخت عبد الله بن عبد الله بن أبي شقيقته، أمهما خولة بنت المنذر بن حرام قال: وما وقع في البخاري من أنها بنت أبي وهم. وأجيب: بأن الذي وقع في البخاري أنها أخت عبد الله بن أبي وهي أخت عبد الله بلا شك من نسب أخوها في هذه الرواية إلى جدّه كما نسبت هي في رواية قتادة إلى جدّتها سلول، وروي في اسم امرأة ثابت أنها مريم المغالية، رواه النسائي وابن ماجة بفتح الميم وتخفيف الغين المعجمة نسبة إلى مغالة امرأة من الخزرج ولدت لعمرو بن مالك بن النجار ولده عديًّا فبنو عدي بن النجار يعرفون كلهم ببني مغالة، وقيل اسمها حبيبة بنت سهل أخرجه مالك في الموطأ وأصحاب السنن وصححه ابنا خزيمة وحبان فيحمل على التعدّد وأنهما قصتان وقعتا لامرأتين لشهرة الخبرين وصحة الطريقين واختلاف السياقين، وعند البزار من حديث عمر أن أول مختلعة في الإسلام حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس ومقتضاه أن ثابتًا تزوّج حبيبة قبل جميلة. وذكر أبو بكر بن دريد في أماليه أن أوّل خلع كان في الدنيا أن عامر بن الظرب بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء ثم موحدة زوّج ابنته من ابن أخيه عامر بن الحارث بن الظرب، فلما دخلت عليه نفرت منه فشكا إلى أبيها فقال: لا أجمع عليك فراق أهلك ومالك، وقد خلعتها منك بما أعطيتها، قال: فزعم العلماء أن هذا كان أوّل خلع في العرب انتهى ملخصًا من الفتح. 13 - باب الشِّقَاقِ، وَهَلْ يُشِيرُ بِالْخُلْعِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ؟ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} الآيَةَ (باب الشقاق) بكسر المعجمة (وهل يشير) الحكم أو الولي أو الحاكم إذا ترافعا إليه (بالخلع عند الضرورة) في ذلك ولابن عساكر عند الضرر أي الحاصل لأحد الزوجين أو لهما معًا. (وقوله تعالى) ولأبي ذر وقول الله ولابن عساكر

14 - باب لا يكون بيع الأمة طلاقا

وفي قوله: ({وإن خفتم شقاق بينهما}) أصله شقاقًا بينهما فأضيف الشقاق إلى الظرف على سبيل الاتساع كقوله تعالى: {بل مكر الليل والنهار} [سبأ: 33] أصله بل مكر في الليل والنهار والشقاق العداوة والخلاف لأن كلاًّ منهما يفعل ما يشق على صاحبه أو يميل إلى شق أي ناحية غير شق صاحبه والضمير للزوجين ولم يجر لهما ذكر لذكر ما يدل عليهما وهو الرجال والنساء ({فابعثوا حكمًا من أهله}) رجلًا يصلح للحكومة والإصلاح بينهما ({وحكمًا من أهلها}) [النساء: 35] (الآية) وإنما كان بعث الحكمين من أهلهما لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للإصلاح ونفوس الزوجين أسكن إليهما فيبرزان ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة والفرقة ويخلو كل حكم منهما بصاحبه أي موكله ويفهم مراده ولا يخفى حكم عن حكم شيئًا إذا اجتمعا وهما وكيلان لهما لا حاكمان لأن الحال قد يؤدّي إلى الفراق والبضع حق الزوج والمال حق الزوجة وهما رشيدان فلا يولى عليهما في حقهما فيوكل هو حكمه في الطلاق أو الخلع وتوكل هي حكمها في بذل العوض وقبول الطلاق به ويفرقان بينهما إن رأياه صوابًا، وقال المالكية: إذا اتفق الحكمان على الفرقة ينفذ من غير توكيل ولا إذن من الزوجين واقتصر في رواية أبي ذر على قوله: {وإن خفتم شقاق بينهما} وقال: بعدها الآية وزاد في غير رواية ابن عساكر فقال: إلى قوله: {خبيرًا}. 5278 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ بَنِي الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُوا فِي أَنْ يَنْكِحَ عَلِيٌّ ابْنَتَهُمْ، فَلاَ آذَنُ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي مليكة واسمه زهير المكي (عن المسور بن مخرمة الزهري) وسقط لغير أبي ذر الزهري أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن بني المغيرة) في باب ذبّ الرجل عن ابنته في الغيرة من كتاب النكاح إن بني هشام بن المغيرة (استأذنوا) وفي رواية استأذنوني (في أن ينكح) بفتح أوله من نكح (علي) أي ابن أبي طالب (ابنتهم) جميلة أو جويرية أو العوراء بنت أبي جهل (فلا آذن) زاد في الباب المذكور: "إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها". وفي رواية الزهري في الخمس: وأنا أتخوف أن تفتن في دينها. واستشكل وجه المطابقة بين الحديث والترجمة. وأجاب في الكواكب فأجاد بأن كون فاطمة ما كانت ترضى بذلك فكان الشقاق بينها وبين علي متوقعًا، فأراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دفع وقوعه بمنع عليّ من ذلك بطريق الإيماء والإشارة وقيل غير ذلك مما فيه من تكلف وتعسف. وهذا الحديث قد مرّ. 14 - باب لاَ يَكُونُ بَيْعُ الأَمَةِ طَلاَقًا هذا (باب) بالتنوين (لا يكون بيع الأمة) المزوجة (طلاقًا) عند الجمهور ولأبي ذر عن المستملي طلاقها. 5279 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلاَثُ سُنَنٍ: إِحْدَى السُّنَنِ أَنَّهَا أُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْبُرْمَةُ تَفُورُ بِلَحْمٍ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ خُبْزٌ وَأُدْمٌ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: «أَلَمْ أَرَ الْبُرْمَةَ فِيهَا لَحْمٌ»؟ قَالُوا: بَلَى. وَلَكِنْ ذَلِكَ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ وَأَنْتَ لاَ تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، قَالَ: عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فقيه المدينة صاحب الرأي (عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق (عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنها (قالت: كان في بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء بعدها تحتية ساكنة فراء أخرى بوزن فعيلة من البرير وهو ثمر الأراك قيل اسم أبيها صفوان وإن له صحبة، وقيل إنها كانت نبطية، وقيل: قبطية (ثلاث سنن) بضم السين وفتح النون الأولى، قال في الكواكب: أي علم بسببها ثلاثة أحكام من الشريعة. (إحدى السُّنن) الثلاث (أنها أعتقت) بضم الهمزة وكسر التاء الفوقية وسقط لابن عساكر الهمزة من أعتقت (فخيرت) بضم الخاء (في) فسخ نكاح (زوجها) مغيث أو تدوم عنده في عصمته وفي رواية الدارقطني من طريق أبان بن صالح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لبريرة: "اذهبي فقد عتق معك بضعك" وزاد ابن سعد من طريق الشعبي مرسلًا: فاختاري. وهذا موضع الترجمة لأنها لو طلقت بمجرد البيع لم يكن للتخيير فائدة وهذا قول الجمهور، وقال ابن مسعود وابن عباس وأُبي بن كعب فيما أخرجه ابن أبي شيبة بأسانيد

15 - باب خيار الأمة تحت العبد

فيها انقطاع يكون بيعها طلاقًا، وكذا قال سعيد بن المسيب والحسن ومجاهد فيما روي بأسانيد صحيحة، وأخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح عن ابن عباس واحتجوا لذلك بظاهر قوله تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} [النساء: 24] واحتج بحديث الباب ومن حيث النظر أنه عقد على منفعة فلا يبطله بيع الرقبة كما في العين المؤجرة والآية نزلت في المسبيات فهي المراد بملك اليمين على ما ثبت في الصحيح من سبب نزولها. (و) الثانية من السنن (قال) فيها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما أرادت عائشة أن تثشريها، فقال أهلها: ويكون ولاؤها لنا: (الولاء لمن أعتق) وفي رواية إنما الولاء لمن أعتق بصيغة الحصر. (و) الثالثة من السنن (دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حجرة عائشة -رضي الله عنها- (والبرمة تفور) بالفاء (بلحم فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت) بضم القاف مبنيًّا للمفعول وخبز مفعول ناب عن الفاعل وأدم بضم الهمزة وسكون المهملة عطف عليه (فقال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ألم أرَ البرمة) ولابن عساكر برمة (فيها لحم؟ قالوا: بلى ولكن ذاك لحم تصدّق به على بريرة) بضم التاء الفوقية والصاد (وأنت لا تأكل الصدقة قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هو عليها صدقة ولنا هدية) أي حيث أهدته بريرة لنا لأن الصدقة يسوغ للفقير التصرف فيها بالبيع وغيره كتصرف سائر الملاك في أملاكهم ومفهومه أن التحريم إنما هو على الصفة لا على العين. 15 - باب خِيَارِ الأَمَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ (باب خيار الأمة) إذا عتقت وهي (تحت العبد) أو المبعض قبل الدخول أو بعده ومفهومه أن الأمة إذا كانت تحت حر فعتقت لم يكن لها خيار. وهذا مذهب الشافعية، والمالكية، والجمهور لتضررها بالمقام تحته من جهة أنها تتعيّر به لأن العبد غير مكافئ للحرة في أكثر الأحكام فإذا عتقت ثبت لها الخيار من البقاء في عصمته أو المفارقة لأنها في وقت العقد عليها لم تكن من أهل الاختيار وأجيب بأن الكفاءة إنما تعتبر في الابتداء لا في البقاء. وقال الحنفية: يثبت لها الخيار إذا عتقت سواء كانت تحت حر أم عبد لأنها عند التزويج لم يكن لها رأي لاتفاقهم على أن لمولاها أن يزوّجها بغير رضاها، فإذا عتقت تجدّد لها حال لم يكن قبل ذلك. وأجيب: بأن ذلك لو كان مؤثرًا لثبت الخيار للبكر إذا زوّجها أبوها ثم بلغت رشيدة وليس كذلك، فكذلك الأمة تحت الحر فإنه لم يحدث لها بالعتق حال ترتفع به عن الحرّ ومنشأ الخلاف الاختلاف في ترجيح إحدى الروايتين المتعارضتين في زوج بريرة هل كان حين أعتقت حرًّا أو عبدًا، وفي ترجيح المعنى المعلل به، ففي حديث الباب وغيره من الصحيحين من حديث ابن عباس أنه كان عبدًا ولم تختلف الروايات عنه وتمسك الحنفية بحديث عائشة المروي في الصحيحين والسُّنن الأربعة، وقال الترمذي: حسن صحيح. قال الشيخ كمال الدين بن الهمام: والترجيح يقتضي في حديث عائشة ترجيج أنه كان حرًّا وذلك أن رواة هذا الحديث عن عائشة ثلاثة الأسود وعروة والقاسم، فأما الأسود فلم يختلف فيه عن عائشة أنه كان حرًّا وأما عروة فعنه روايتان صحيحتان إحداهما أنه كان حرًّا والأخرى بالشك ووجه آخر من الترجيح مطلق لا يختص بالمروي فيه عن عائشة وهو أن رواية خيرها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكان زوجها عبدًا، يحتمل كون الواو فيه للعطف لا للحال، وحاصله أنه إخبار بالأمرين وكونه اتّصف بالرق لا يستلزم كون ذلك كان حال عتقها، هذا بعد احتمال أن يراد العبد العتيق مجازًا باعتبار ما كان وهو شائع في العرف، والذي لا مردّ له من الترجيح أن رواية كان حرًّا أنص من كان عبدًا وثبت زيادة فهي أولى وأيضًا فهي مثبتة وتلك كانت نافية للعلم بأنه كان حالته الأصلية الرقّ والنافي هو المبقيها والمثبت هو المخرج عنها انتهى. وحديث الأسود كما في الفتح اختلف فيه على راويه هل هو من قول الأسود أو رواه عن عائشة أو هو قول غيره قال إبراهيم بن أبي طالب أحد حفّاظ الحديث وهو من أقران مسلم فيما

أخرجه البيهقي عنه: خالف الأسود الناس في زوج بريرة، وقال الإمام أحمد: إنما يصح أنه كان حرًّا عن الأسود وحده وصح عن ابن عباس وغيره أنه كان عبدًا، ورواه علماء المدينة، وإذا روى علماء المدينة شيئًا وعملوا به فهو أصحّ شيء وإذا عتقت الأمة تحت الحرّ فعقدها المتفق على صحته لا يفسخ بأمر مختلف فيه. 5280 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَهَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَيْتُهُ عَبْدًا، يَعْنِي زَوْجَ بَرِيرَةَ. [الحديث 5280 - أطرافه في: 5281، 5282، 5283]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (وهمام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى البصري كلاهما (عن قتادة) بن دعامة (عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: رأيته عبدًا يعني) مغيثًا (زوج بريرة) تمسك به بعض الحنفية فقال: إنه لا يدل على أنه كان عبدًا حين أعتقت بريرة فلا يتم الاستدلال به والاختلاف وقع في صفتين لا يجتمعان في حالة واحدة فنجعلهما في حالتين فنقول: كان عبدًا في حالة حرًّا في أخرى، فبالضرورة تكون إحدى الحالتين متأخرة عن الأخرى، وقد علم أن الرقّ تعقبه الحرية لا العكس، وحينئذٍ فثبت أنه كان حرًّا في الوقت الذي خيرت فيه وعبدًا قبل ذلك، وتعقب بأن محل طريق الجمع المذكور إذا تساوت الروايتان في القوة أما في التفرد في مقابلة الاجتماع فتكون الرواية المنفردة شاذة والشاذ مردود ولهذا لم يعتبر الجمهور طريق الجمع بين الروايتين مع قولهم: إنه لا يصار إلى الترجيح مع إمكان الجمع والذي يتحصل من كلام محقّقيهم، وقد أكثر منه الشافعي وأتباعه أن محل الجمع إذا لم يظهر الغلط في إحدى الروايتين، ومنهم من شرط التساوي في القوة. وعند الترمذي أنه كان عبدًا أسود يوم أعتقت وهذا يردّ قول من قال: كان عبدًا قبل العتق حرًّا بعده. وقد أخرج المؤلّف هذا الحديث مختصرًا من هذا الوجه بلفظ شعبة، وزاد الإسماعيلي من طريق عبد الصمد عن شعبة رأيته يبكي وأما لفظ همام، فأخرجه أبو داود من طريق عفان عنه بلفظ أن زوج بريرة كان عبدًا أسود يسمى مغيثًا فخيرها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمرها أن تعتد، وقال أحمد: عدّة الحرة. 5281 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ذَاكَ مُغِيثٌ عَبْدُ بَنِي فُلاَنٍ -يَعْنِي زَوْجَ بَرِيرَةَ- كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتْبَعُهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ يَبْكِي عَلَيْهَا. وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) النرسي الباهلي مولاهم البصري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو ابن خالد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني ولابن عساكر عن أيوب (عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: ذاك مغيث) بضم الميم وكسر الغين المعجمة وسكون التحتية بعدها مثلثة (عبد بني فلان) وعند الترمذي كان عبدًا أسود لبني المغيرة (يعني زوج بريرة كأني أنظر إليه يتبعها) بسكون الفوقية وفتح الموحدة (في سكك المدينة) بكسر السين المهملة أزقتها حال كونه (يبكي عليها) لما اختارت فراقه. 5282 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ، عَبْدًا لِبَنِي فُلاَنٍ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ وَرَاءَهَا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا عبد الوهاب) الثقفي (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان زوج بريرة عبدًا أسود يقال له مغيث) بضم الميم وكسر المعجمة وبعد التحتية مثلثة كما مر وعند العسكري بفتح العين المهملة وتشديد التحتية آخره موحدة قال في الفتح: والأوّل أثبت وبه جزم ابن ماكولا وغيره وكان (عبدًا لبني فلان) وعند سعيد بن منصور وكان عبدًا لآل المغيرة من بني مخزوم (كأني أنظر إليه يطوف وراءها في سكك المدينة) وليس في هذه الرواية قوله في الأولى يبكي عليها وليس فيما ساقه في هذا الباب تصريح بالتخيير الذي ترجم له، لكنه جرى على عادته من الإشارة إلى ما في بعض طرق الحديث الذي يسوقه في الباب، وظاهر صنيعه يقتضي ترجيح رواية مَن روى أنه كان عبدًا كما جزم به في أوائل النكاح حيث قال: باب الحرة تحت العبد وساق الحديث. وأما ما ساقه في الفرائض عن حفص بن عمر عن شعبة وزاد في آخره قال الحكم وكان زوجها حرًّا ثم أورد بعده طريق منصور عن إبراهيم عن الأسود أن عائشة الحديث، وزاد فيه وخيرت فاختارت نفسها وقالت: لو أعطاني كذا وكذا ما كنت معه قال الأسود: وكان زوجها حرًّا، فقال البخاري: قول الأسود منقطع، وقول ابن عباس رأيته عبدًا أصح، وقال في

16 - باب شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في زوج بريرة

الذي قبله في قول الحكم نحو ذلك، وقد قال الدارقطني في العلل: لم يختلف على عروة عن عائشة أنه كان عبدًا، وكذا قال جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن عائشة وأبو الأسود وأسامة بن زيد عن القاسم. وأما ما أخرجه القاسم بن أصبغ في تصنيفه وابن حزم من طريقه. قال: أخبرنا أحمد بن يزيد المعلم، وحدّثنا موسى بن معاوية عن جرير عن هشام عن أبيه عن عائشة كان زوج بريرة حرًّا فهو وهم من موسى أو من أحمد فإن الحفاظ من أصحاب هشام ثم أصحاب جرير قالوا: كان عبدًا منهم إسحاق بن راهويه رواه النسائي، وعثمان بن أبي شيبة رواه أبو داود، وعلي بن حجر رواه الترمذي، وأصله عند مسلم وأحال به على رواية أبي أسامة عن هشام وفيها أنه كان عبدًا ولم يختلف على ابن عباس في أنه كان عبدًا وجزم به الترمذي عن ابن عمر، وحديثه عند الشافعي والدارقطني وغيرهما. وأخرج النسائي بسند صحيح من حديث صفية بنت عبيد قالت: كان زوج بريرة عبدًا، وقال النووي: ويؤيد ذلك قول عائشة كان عبدًا ولو كان حرًّا لم يخيرها فأخبرت وهي صاحبة القصة بأنه كان عبدًا ثم علّلت بقولها ولو كان حرًّا لم يخيرها ومثل هذا لا يكاد أحد يقوله إلا توقيفًا انتهى ملخصًا من الفتح. 16 - باب شَفَاعَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ (باب شفاعة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في زوج بريرة) لترجع إلى عصمته. 5283 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَبَّاسٍ: «يَا عَبَّاسُ أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ، وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا». فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ رَاجَعْتِيهِ». قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَأْمُرُنِي قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ». قَالَتْ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد) هو ابن سلام البيكندي قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن زوج بريرة كان عبدًا يقال له مغيث كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته) يترضاها لتختاره (فقال النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعباس) عمه: (يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثًا) لأن الغالب أن المحب لا يكون إلا حبيبًا. وعند سعيد بن منصور أن العباس كان كلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يطلب إليها في ذلك، وفي مسند الإمام أحمد أن مغيثًا توسل بالعباس في سؤال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك، وظاهره أن قصة بريرة كانت متأخرة في السنة التاسعة أو العاشرة لأن العباس إنما سكن المدينة بعد رجوعهم من غزوة الطائف وذلك أواخر سنة ثمان، ويدل له أيضًا قول ابن عباس أنه شاهد ذلك وهو إنما قدم المدينة مع أبويه وهذا يردّ قول من قال إنها كانت قبل الإفك، وجوّز الشيخ تقي الدين السبكي أن بريرة كانت تخدم عائشة قبل شرائها أو اشترتها وأخّرت عتقها إلى ما بعد الفتح أو دام حزن زوجها عليها مدة طويلة أو حصل لها الفسخ وطلب أن تردّه بعقد جديد (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لها (لو راجعتيه) بمثناة تحتية بعد الفوقية في الفرع مصححًا عليها وقال الحافظ ابن حجر، وتبعه العيني بمثناة واحدة قال: ووقع في رواية ابن ماجة لو راجعتيه بإثبات تحتية ساكنة بعد المثناة وهي لغة ضعيفة، وتعقبه العيني فقال: إن صحّ هذا في الرواية فهي لغة فصيحة لأنها صادرة من أفصح الخلق انتهى. والذي في اليونينية بحذف التحتية مصححًا عليه. (قالت): ولابن عساكر فقالت: (يا رسول الله، تأمرني) بذلك؟ (قال): لا (إنما أنا أشفع) فيه لا على سبيل الحتم فلا يجب عليك وسقط لابن عساكر لفظ أنا (قالت): ولأبي ذر فقالت (لا) ولأبي ذر وابن عساكر: فلا (حاجة لي فيه). وفي هذا الحديث جواز الشفاعة من الحاكم عند الخصم في خصمه إذا ظهر حقه وإشارته عليه بالصلح أو الترك وحب المسلم للمسلمة وإن أفرط فيه ما لم يأت محرمًا وغير ذلك من فرائد الفوائد حتى قيل إنها تزيد على الأربعمائة. 17 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة. 5284 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ أن عَائِشَةَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ فَأَبَى مَوَالِيهَا إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطُوا الْوَلاَءَ، فَذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». وَأُتِىَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلَحْمٍ، فَقِيلَ: إِنَّ هَذَا مَا تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ: «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني البصري قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بضم العين المهملة وفتح الفوقية وسكون التحتية بعدها موحدة (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (أن عائشة) -رضي الله عنها- (أرادت أن تشتري بريرة فأبى مواليها) ملاكها

18 - باب قول الله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم}

الذين باعوها (إلا أن يشترطوا الولاء) عليها لهم (فذكرت) عائشة (للنبي) ولأبي ذر وابن عساكر فذكرت ذلك للنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لها: (اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء) على العتيق (لمن أعتق) لا لمن اشترط شرطًا ليس في كتاب الله (وأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم همزة أُتي (بلحم فقيل) له عليه الصلاة والسلام: (إن هذا ما تصدق على) بضم الفوقية والصاد ولأبي ذر تصدق به على (بريرة فقال) عليه الصلاة والسلام: (هو لها) لبريرة (صدقة ولنا هدية) حيث أهدته لنا. وهذا الحديث صورته صورة الإرسال حيث قال الأسود: إن عائشة، لكن المؤلّف في كفارة الإيمان ذكره عن سليمان بن حرب عن شعبة فقال: فيه عن الأسود عن عائشة. 0000 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَزَادَ فَخُيِّرَتْ مِنْ زَوْجِهَا. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن إياس قال: (حدّثنا شعبة) بسنده السابق (وزاد) فقال: (فخيرت) بضم الخاء وكسر التحتية المشددة (من زوجها) كذا أورده مختصرًا لم يذكر لفظه وذكره في الزكاة عن آدم بهذا الإسناد فلم يذكر هذه أي قوله فخيرت من زوجها، وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن آدم شيخ البخاري فيه فجعل ذلك من قول إبراهيم ولفظه في آخره قال الحكم، وقال إبراهيم: وكان زوجها حرًّا فخيرت من زوجها. قال في الفتح، بعد سياقه لما مرّ: فظهر أن هذه الزيادة مدرجة وحذفها في الزكاة لذلك، وإنما أوردها هنا مشيرًا إلى أن أصل التخيير في قصة بريرة ثابت من طريق أخرى. 18 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} (باب قول الله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات}) أي لا تتزوّجوهن ({حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم}) [البقرة: 221] ولو كان الحال أن المشركة تعجبكم وتحبونها لجمالها ومالها. روى البغوي في تفسيره أن سبب نزولها أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي بعثه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى مكة ليخرج منها ناسًا من المسلمين سرًّا فلما قدمها سمعت امرأة مشركة يقال لها عناق، وكانت جليلة في الجاهلية فأتته وقالت: يا أبا مرثد ألا تخلو؟ فقال لها: ويحك يا عناق إن الإسلام قد حال بيننا وبين ذلك، قالت: فهل لك أن تتزوج بي؟ قال: نعم ولكن ارجع إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأستأمره فقالت: أبي تتبرم ثم استغاثت عليه فضربوه ضربًا شديدًا ثم خلوا سبيله فلما قضى حاجته بمكة وانصرف إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعلمه الذي كان من أمره وأمر عناق وقال: يا رسول الله أيحل لي أن أتزوّجها؟ فأنزل الله تعالى الآية. 5285 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ نِكَاحِ النَّصْرَانِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمُشْرِكَاتِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ أَعْلَمُ مِنَ الإِشْرَاكِ شَيْئًا أَكْبَرَ مِنْ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ رَبُّهَا عِيسَى، وَهْوَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا ليث) ولأبي ذر الليث هو ابن سعد الإمام (عن نافع أن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (كان إذا سئل عن نكاح النصرانية واليهودية قال: إن الله حرّم المشركات على المؤمنين ولا أعلم من الإشراك شيئًا أكبر) بالموحدة، ولأبي ذر وابن عساكر: أكثر بالمثلثة بدل الموحدة (من أن تقول المرأة ربها عيسى) إشارة إلى قول النصارى المسيح ابن الله واليهود عزير ابن الله (وهو) أي عيسى (عبد من عباد الله) وهذا مصير من ابن عمر إلى استمرار حكم عموم آية البقرة السابقة ولعله كان يرى أن آية المائدة منسوخة، وبه جزم إبراهيم الحربي والجمهور على أن عموم آية البقرة خص بآية المائدة وهي قوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} [المائدة: 5] أي التوراة والإنجيل وعن بعض السلف أن المراد بالمشركات عبدة الأوثان والمجوس، وقد قيل إن القائل من اليهود والنصارى العزير ابن الله والمسيح ابن الله طائفتان انقرضوا لا كلهم ويهود ديار مصر مصرحون بالتنزيه عن ذلك وبالتوحيد، وروى ابن المنذر أن ابن عمر شذ بذلك فقال: لا يحفظ عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك، لكن روى ابن أبي شيبة بسند حسن عن عطاء كراهية نكاح اليهودية والنصرانية وروي عن عمر أنه كان يأمر بالتنزه عنهن من غير أن يحرمهن لخلطة الكافرة وخوف الفتنة على الولد لأنه في صغره ألزم لأمه، ومثله قول مالك -رحمه الله- تصير تشرب الخمر وهو يقبل ويضاجع لا لعدم الحل، ويدل على الحل تزوج بعض الصحابة منهم وخطبة بعضهم فمن المتزوّجين: حذيفة وطلحة وكعب بن مالك، وقد خطب المغيرة بن

19 - باب نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن

شعبة هند ابنة النعمان بن المنذر وكانت تنصرت وديرها باقٍ إلى اليوم بظاهر الكوفة وكانت قد عميت فأبت وقالت: أي رغبة لشيخ أعور في عجوز عمياء ولكن أردت أن تفخر بنكاحي فتقول: تزوّجت بنت النعمان بن المنذر. فقال: صدقت وأنشد: أدركت ما منيت نفسي خاليًا ... لله درك يا ابنة النعمان فلقد رددت على المغيرة ذهنه ... إن الملوك ذكية الأذهان في أبيات. والأئمة الأربعة على حل الكتابية الحرة وعلى المنع من غير أهل الكتابين من المجوس وإن كان لهم شبهة كتاب إذ لا كتاب بأيديهم، وكذا المتمسكون بصحف شيث وإدريس وإبراهيم وزبور داود لأنها لم تنزل بنظم يدرس ويتلى، وإنما أوحى إليهم معانيها وسائر الكفار كعبدة الشمس والقمر والصور والنجوم والمعطلة والزنادقة والباطنية، وفرق القفال بين الكتابية وغيرها بأن غيرها اجتمع فيه نقصان الكفر في الحال وفساد الدين في الأصل، والكتابية فيها نقص واحد وهو كفرها في الحال، وشرط أصحابنا الشافعية في حل نكاح الكتابية في إسرائيلية أن لا يعلم دخول أوّل آبائها في ذلك الدين بعد بعثة تنسخه وهي بعثة عيسى أو نبينا وذلك بأن علم دخوله فيه قبلها أو شك وإن علم دخوله فيه بعد تحريفه أو بعد بعثة لا تنسخه كبعثة من بين موسى وعيسى لشرف نسبهم بخلاف ما إذا علم دخوله فيه بعدها لسقوط فضيلته بها فإن لم تكن الكتابية إسرائيلية فالأظهر حلّها إن علم دخول أول آبائها في ذلك الدين قبل نسخه وتحريفه أو بعد تحريفه إن تجنبوا المحرّف. 19 - باب نِكَاحِ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكَاتِ وَعِدَّتِهِنَّ (باب) حكم (نكاح من أسلم من المشركات و) حكم (عدّتهن). 5286 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُؤْمِنِينَ، كَانُوا مُشْرِكِي أَهْلِ حَرْبٍ يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ، وَمُشْرِكِي أَهْلِ عَهْدٍ لاَ يُقَاتِلُهُمْ وَلاَ يُقَاتِلُونَهُ. وَكَانَ إِذَا هَاجَرَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، فَإِذَا طَهُرَتْ حَلَّ لَهَا النِّكَاحُ، فَإِنْ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ رُدَّتْ إِلَيْهِ، وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ مِنْهُمْ أَوْ أَمَةٌ فَهُمَا حُرَّانِ، وَلَهُمَا مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ. مِثْلَ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ. وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ أَهْلِ الْعَهْدِ لَمْ يُرَدُّوا وَرُدَّتْ أَثْمَانُهُمْ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) أبو عبد الرحمن بن يوسف الصنعاني (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (وقال عطاء): قال الحافظ ابن حجر: معطوف على محذوف كأنه كان في جملة أحاديث حدّث بها ابن جريج عن عطاء ثم قال: وقال عطاء أي الخراساني: (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (كان المشركون على منزلتين من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) من (المؤمنين) الأولى (كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ويقاتلونه و) الثانية كانوا (مشركي أهل عهد) ولابن عساكر: عقد بالقاف بدل عهد بالهاء (لا يقاتلهم) صلوات الله عليه وسلامه (ولا يقاتلونه، وكان) بالواو ولأبي ذر فكان (إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب) إلى المدينة مسلمة (لم تخطب) بضم أوله وفتح الطاء مبنيًّا للمفعول (حتى تحيض) ثلاث حيض (وتطهر) لأنها صارت بإسلامها وهجرتها من الحرائر، وقال الحنفية: إذا خرجت المرأة إلينا مهاجرة وقعت الفرقة اتفاقًا وهل عليها عدّة فيها خلاف. عند أبي حنيفة: لا. فتتزوج في الحال إلا أن تكون حاملًا لا على وجه العدّة بل ليرتفع المانع بالوضع، وعند أبي يوسف ومحمد عليها العدّة، ووجه قول أبي حنيفة إن العدّة إنما وجبت إظهارًا لحظر النكاح المتقدم ولا حظر لملك الحربيّ بل أسقطه الشرع بالآية في المهاجرات {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10] جمع كافرة فلو شرطنا العدّة لزم التمسك بعقدة نكاحهن في حال كفرهن (فإذا طهرت) بضم الهاء (حلّ له النكاح فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح) تتزوج غيره (ردّت إليه) بالنكاح الأول (وإن هاجر عبد منهم) من أهل الحرب (أو أمة فهما حرّان ولهما ما للمهاجرين) من مكة إلى المدينة من تمام الإسلام والحرية. (ثم ذكر) عطاء (من) قصة (أهل العهد مثل حديث مجاهد) وهو قوله (وإن هاجر عبدًا وأمة للمشركين أهل العهد لم يردّوا) إليهم (وردت أثمانهم) إليهم وهذا من باب فداء أسرى المسلمين ولم يجز تملّكهم لارتفاع علة الاسترقاق التي هي الكفر فيهم. 5287 - وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَتْ قَرِيبَةُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَطَلَّقَهَا. فَتَزَوَّجَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَتْ أُمُّ الْحَكَمِ ابْنَةُ أَبِي سُفْيَانَ تَحْتَ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ الْفِهْرِيِّ فَطَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ الثَّقَفِيُّ. (وقال عطاء) بالإسناد السابق: (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما-: (كانت قريبة) بضم القاف مصغرًا لأبي ذر

20 - باب إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي أو الحربي

وابن عساكر ولغيرهما تريبة بفتح القاف وكسر الراء وكذا ضبطه الدمياطي، وفي القاموس الوجهان وعبارته بالتصغير وقد تفتح (بنت) ولأبي ذر ابنة (أبي أمية) بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أخت أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عند عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (فطلقها فتزوّجها معاوية بن أبي سفيان) وظاهر هذا كما في الفتح أنها لم تكن أسلمت في هذا الوقت وهو ما بين عمرة الحديبية وفتح مكة وفيه نظر، فقد ثبت بسند صحيح عند النسائي ما يقتضي أنها هاجرت قديمًا لكن يحتمل أنها جاءت إلى المدينة زائرة لأختها قبل أن تسلم أو كانت مقيمة عند زوجها عمر على دينها قبل أن تنزل الآية، لكن هذا يردّه ما روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري لما نزلت {ولا تمسمكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10] فذكر القصة وفيها فطلّق عمر امرأتين كانتا له بمكة، فهذا يردّ أنها كانت مقيمة ولا يردّ أنها جاءت زائرة ويحتمل أن يكون لأم سلمة أختان كلٌّ منهما تسمى قريبة تقدم إسلام إحداهما وتأخر إسلام الأخرى وهي المذكورة هنا، ويؤيده أن عند ابن سعد في طبقاته قريبة الصغرى بنت أبي أمية أخت أم سلمة تزوّجها عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق. (وكانت أم الحكم ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سفيان) أخت معاوية وأم حبيبة لأبيها (تحت عياض بن غنم) بفتح الغين المعجمة وسكون النون (الفهر) بكسر الفاء وسكون الهاء (فطلقها) حينئذٍ (فتزوّجها عبد الله بن عثمان الثقفي) بالمثلثة. واستشكل ترك ردّ النساء إلى أهل مكة مع وقوع الصلح بينهم وبين المسلمين في الحديبية على أن من جاء منهم إلى المسلمين ردوه ومن جاء من المسلمين إليهم لم يردوه. وأجيب: بأن حكم النساء منسوخ بآية {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} إذ فيها {فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هنّ حِلٌّ لهم} ثم قال: {ذلكم حكم الله يحكم بينكم} [الممتحنة: 10] أي في الصلح واستثناء النساء منه والأمر بهذا كله هو حكم الله بين خلقه والله عليم بما يصلح عباده، أو أن النساء لم يدخلن في أصل الصلح، ويؤيده ما في بعض طرق الحديث على أن لا يأتيك منا رجل إلا رددته إذ مفهومه عدم دخول النساء. 20 - باب إِذَا أَسْلَمَتِ الْمُشْرِكَةُ أَوِ النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الذِّمِّيِّ أَوِ الْحَرْبِيِّ وَقَالَ عَبْدُ الْوَارِثِ: عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا أَسْلَمَتِ النَّصْرَانِيَّةُ قَبْلَ زَوْجِهَا بِسَاعَةٍ حَرُمَتْ عَلَيْهِ. وَقَالَ دَاوُدُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ سُئِلَ عَطَاءٌ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ أَسْلَمَتْ ثُمَّ أَسْلَمَ زَوْجُهَا فِي الْعِدَّةِ أَهِيَ امْرَأَتُهُ؟ قَالَ: لاَ، إِلاَّ أَنْ تَشَاءَ هِيَ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَصَدَاقٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا أَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ يَتَزَوَّجُهَا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ فِي مَجُوسِيَّيْنِ أَسْلَمَاهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا، وَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَأَبَى الآخَرُ بَانَتْ لاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: امْرَأَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ جَاءَتْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ أَيُعَاوَضُ زَوْجُهَا مِنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} قَالَ: لاَ إِنَّمَا كَانَ ذَاكَ بَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ أَهْلِ الْعَهْدِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هَذَا كُلُّهُ فِي صُلْحٍ بَيْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ قُرَيْشٍ. وهذا (باب) بالتنوين (إذا أسلمت المشركة) كوثنية (أو النصرانية) أو اليهودية (تحت الذمي أو الحربي) قبل أن يسلم هل تحصل الفرقة بينهما بمجرّد إسلامها أو يثبت لها الخيار أو يوقف في العدّة، فإن أسلم استمرّ النكاح وإلا وقعت الفرقة بينهما. قال الشافعية: إذا أسلم مشرك ولو غير كتابي كوثني ومجوسي وتحته حرة كتابية تحل له ابتداء استمر نكاحه لجواز نكاح المسلم لها أو كان تحته حرّة غير كتابية كوثنية وكتابية لا تحل له ابتداء وتخلفت عنه بأن لم تسلم معه أو أسلمت هي وتخلّف هو فإن كان قبل الدخول تنجزت الفرقة أو بعده وأسلم الآخر في العدّة استمر نكاحه، وإلا فالفرقة من الإسلام، والفرقة فيما ذكر فسخ لا طلاق ولو أسلما معًا قبل الدخول أو بعده استمرّ نكاحهما لتساويهما في الإسلام والمعية في الإسلام بآخر لفظ لأن به يحصل الإسلام لا بأوّله ولا بأثنائه، وقد جنح البخاري إلى أن الفرقة بمجرّد الإسلام وشرع يستدل لذلك فقال: (وقال عبد الوارث) بن سعيد (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه). سواء دخل عليها أم لا وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة عن عباد بن العوّام عن خالد الحذاء بنحوه. (وقال داود) بن أبي الفرات بالفاء المضمومة والراء المخففة (عن إبراهيم) بن ميمون (الصائغ) المروزي أنه قال: (سئل عطاء) هو ابن أبي رباح (عن امرأة من أهل العهد) أي الذمة (أسلمت ثم أسلم زوجها) بعدها وهي (في العدة أهي امرأته؟ قال: لا. إلا أن تشاء هي بنكاح جديد وصداق) جديد أيضًا لأن الإسلام فرّق بينهما، وهذا وصله ابن أبي شيبة من وجه آخر عن عطاء بمعناه. (وقال مجاهد): هو ابن جبر فيما وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه (إذا) أسلمت الزوجة ثم (أسلم) الزوج وهي

21 - باب قول الله تعالى: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا} رجعوا {فإن الله غفور رحيم * وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} [البقرة: 226 و227]

(في العدة يتزوجها) ثم استدلّ المؤلّف لتقوية قول عطاء المذكور هنا بقوله (وقال الله تعالّى: {لا هنّ حل لهم ولا هم يحلون لهن}) [الممتحنة: 10] أي: لا حل بين المؤمنة والمشرك لوقوع الفرقة بينهما بخروجها مسلمة. (وقال الحسن) البصري ولابن عساكر باب بالتنوين وقال الحسن (وقتادة) بن دعامة فيما أخرجه ابن أبي شيبة (في مجوسيين) امرأة وزوجها (أسلماهما على نكاحهما، وإذا) بالواو ولأبي ذر فإذا (سبق أحدهما صاحبه) بالإسلام (وأبى الآخر) أن يسلم (بانت) منه وحينئذٍ (لا سبيل له عليها) إلا بخطبة. (وقال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز فيما وصله عبد الرزاق: (قلت لعطاء امرأة من المشركين جاءت إلى المسلمين أيعاوض) بفتح الواو مبنيًّا للمفعول من المعاوضة ولأبي ذر وابن عساكر أيعاض بإسقاط الواو من العوض أي أيعطى (زوجها) المشرك (منها) عوض صداقها (لقوله تعالى: {وآتوهم ما أنفقوا}) [الممتحنة: 10] المفسر بأعطوا أزواجهن مثل ما دفعوا إليهن من المهور (قال) عطاء (لا) يعاوض (إنما كان ذلك) المذكور في الآية من الإعطاء (بين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين أهل العهد) من المشركين حين انعقد العهد بينهم عليه وأما اليوم فلا. (وقال) بالواو ولابن عساكر بإسقاطها (مجاهد) فيما وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عنه في قوله تعالى: {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا} [الممتحنة: 10] من ذهب من أزواج المسلمين إلى الكفار فليعطهم الكفار صداقهن وليمسكوهن ومن ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكذلك (هذا كله في صلح) كان (بين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين قريش) ثم انقطع ذلك يوم الفتح. 5288 - حَدَّثَنَا يحيى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْتَحِنُهُنَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتنحة: 10] إِلَى آخِرِ الآيَةِ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ قَالَ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُكُنَّ لاَ وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ، غَيْرَ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِالْكَلاَمِ، وَاللَّهِ مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى النِّسَاءِ إِلاَّ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، يَقُولُ لَهُنَّ إِذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ: «قَدْ بَايَعْتُكُنَّ» [كَلاَمًا]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري وسقط لغير أبي ذر لفظ يحيى قال: (حدثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ولفظ رواية عقيل هذه سبق أول الشروط (وقال إبراهيم بن المنذر): فيما وصله الذهلي في الزهريات (حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا ولابن عساكر حدّثنا (يونس) بن يزيد الأيلي واللفظ لرواية يونس (قال ابن شهاب) الزهري: (أخبرني) بالتوحيد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: كانت) ولابن عساكر كان (المؤمنات إذا هاجرن) من مكة (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قبل عام الفتح (يمتحنهن) يختبرهن فيما يتعلق بالإيمان فيما يرجع إلى الظاهر (بقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات}) نصب على الحال ({فامتحنوهن} إلى آخر الآية). وقوله إلى آخر الآية ساقط لابن عساكر. (قالت عائشة): بالإسناد السابق (فمن أقرّ بهذا الشرط) المذكور في آية الممتحنة وهو أن لا يشركن بالله إلى آخره (من المؤمنات) وعند الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال: كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله (فقد أقرّ بالمحنة) أي الامتحان الذي هو الإقرار بما ذكر (فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أقررن بذلك من قولهن، قال لهن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (انطلقن فقد) أقررتن و (بايعتكن لا والله ما مست يد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يد امرأة) في المبايعة (قط غير أنه بايعهن بالكلام والله ما أخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على النساء إلا بما أمره الله يقول لهن إذا أخذ عليهن) عهد المبايعة (قد بايعتكن) على أن لا تشركن بالله شيئًا إلى آخره (كلامًا) من غير أن يضرب يده على يدهن كما كان يبايع الرجال. 21 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا} رَجَعُوا {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226 و227] (باب قول الله تعالى: {للذين يؤلون}) يقسمون وهي قراءة ابن عباس -رضي الله عنهما- ومن في ({من نسائهم}) متعلق بالجار والمجرور أي للذين كما تقول: لك مني نصرة ولك مني معونة أي للمولين من نسائهم

({تربص أربعة أشهر}) أي استقر للمولين ترقب أربعة أشهر لا بيؤلون لأن آلى يعدّى بعلى يقال: آلى فلان على امرأته، ويجوز أن يقال عدّي بمن لما في هذا القاسم من معنى البعد فكأنه قيل يبعدون من نسائهم مولين، وتربص مبتدأ خبره للذين، وآلى أصله أألى فأبدلت الثانية ألفًا لسكونها وانفتاح ما قبلها نحو آمن وإضافة التربص اللاحقة من إضافة المصدر لمفعوله على الاتساع في الظرف حتى صار مفعولًا به، وكان الإيلاء في الجاهلية طلاقًا فغيّر الشرع حكمه وخصّه بالحلف على الامتناع من وطء الزوجة مطلقًا أو أكثر من أربعة أشهر وهو حرام لما فيه من منع حق الزوجة في الوطء وأركانه حالف ومحلوف به ومحلوف عليه ومدة وصيغة وزوجة. فالحالف شرطه زوج مكلف مختار يتصور منه الجماع فلا يصح من أجنبي كسيد ولا من غير مكلف إلا السكران ولا من مكره ولا ممن لم يتصور منه الجماع كمجبوب. وشرطه في المحلوف به كونه اسمًا أو صفة الله تعالى كقوله: والله أو والرحمن لا أطؤك أو كونه التزام ما يلزم بنذر أو تعليق طلاق أو عتق كقوله: إن وطئتك فلله عليّ صلاة أو حج أو صوم أو عتق، أو إن وطئتك فضُرّتك طالق أو فعبدي حر. وشرطه في المحلوف عليه ترك وطء شرعي فلا إيلاء بحلفه على امتناعه من تمتعه بها بغير وطء. وفي المدة زيادة على أربعة أشهر بأن يطلق كأن يقول والله لا أطؤك أو يؤبد كقوله: والله لا أطؤك أبدًا أو يقيد بزيادة على أربعة أشهر كقوله: والله لا أطؤك خمسة أشهر أو يقيد بمستبعد الحصول فيها كقوله: والله لا أطؤك حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، أو حتى أموت، فلو قيد بالأربعة أو نقص عنها لا يكون إيلاء بل مجرد حلف لأن المرأة تصبر عن الزوج أربعة أشهر وبعدها يفنى صبرها أو يقل. وفي الصيغة لفظ يشعر بالإيلاء إما صريح كتغييب حشفة الرجل بفرج وجماع كقوله: والله لا أغيب حشفتي بفرجك أو لا أطؤك أو كناية كملامسة ومباضعة كقوله، والله لا ألامسك أو لا أباضعك. وفي الزوجة تصوّر وطء فلا يصح من رتقاء وقرناء ({فإن فاؤوا}) أي (رجعوا) إلى الوطء عن الإصرار بتركه ({فإن الله غفور رحيم}) حيث شرع الكفارة ({وإن عزموا الطلاق}) بترك الفيء ({فإن الله سميع}) لإيلائه ({عليم}) [البقرة: 226 و227] بنيته وهو وعيد على إصرارهم وتركهم الفيئة، والمعنى عند إمامنا الشافعي رحمة الله عليه فإن فاؤوا وإن عزموا بعد مضيّ المدة لأن الفاء للتعقيب فيكون الفيء قبل مضيّ المدة وبعدها وعند مضيها يوقف إلى أن يفيء أو يطلق، وعبارته كما في المعرفة للبيهقي ظاهر كتاب الله يدل على أنه له أربعة أشهر ومن كانت له أربعة أشهر أجلًا له فلا سبيل عليه فيها حتى تنقضي الأربعة الأشهر كما لو أجلتني أربعة أشهر لم يكن لك أخذ حقك مني حتى تنقضي الأربعة الأشهر، ودل على أن عليه إذا مضت الأربعة الأشهر واحدًا من حكمين إما أن يفيء أو يطلق فقلنا بهذا وقلنا لا يلزمه طلاق بمضيّ أربعة أشهر حتى يحدث فيئة أو طلاقًا. قال: والفيئة الجماع إلا من عذر انتهى. وعند الحنفية الفيء في المدة لا غير، وأجاب الشيخ كمال الدين: بأن الفاء لتعقيب المعنى في الزمان في عطف المفرد كجاء زيد فعمرو وتدخل الجمل لتفصيل مجمل قبلها وغيره، فإن كانت للأوّل نحو: {فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة} [النساء: 153] {ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي} [هود: 45] ونحو: توضأ فغسل وجهه ويديه ورجليه ومسح رأسه فلا تفيد ذلك التعقيب بل التعقيب الذكري بأن ذكر التفصيل بعد الإجمال وإن كانت لغيره، فكالأول كجاء زيد فقام عمرو، فكلٌّ من التعقيبين جائز الإرادة في الآية المعنوي بالنسبة إلى الايلاء، فإن فاؤوا بعد الإيلاء والذكري فإنه لما ذكر تعالى أن لهم من نسائهم أن يتربصوا أربعة أشهر من غير بينونة مع عدم الوطء كان موضع تفصيل الحال في الأمرين فقوله تعالى: {فإن فاؤوا} إلى قوله: {سميع عليم} واقع لهذا الغرض فيصح كون المراد فإن فاؤوا أي رجعوا عما استمروا عليه بالوطء في المدة المعدة تعقيبًا على الإيلاء التعقيب الذكري أو

بعدها تعقيبًا على التربص فإن الله غفور رحيم لما حدث منهم من اليمين على الظلم وعقد القلب انتهى. وسياق الآية كله لابن عساكر، وقال في الفتح، لكريمة ولغيرهما بعد قوله: {تربص أربعة أشهر} إلى قوله: {سميع عليم} لكنه في الفرع رقم عليه علامة السقوط لأبي ذر. 5289 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نِسَائِهِ، وَكَانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ، فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ نَزَلَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آلَيْتَ شَهْرًا، فَقَالَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس) ابن أخت إمام دار الهجرة مالك بن أنس (عن أخيه) عبد الحميد بن أبي أويس (عن سليمان) بن بلال (عن حميد الطويل أنه سمع أنس بن مالك) -رضي الله عنه- وسقط لابن عساكر ابن مالك (يقول: آلى) بمد الهمز حلف (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي شهرًا (من نسائه). وفي حديث ابن عباس أقسم أن لا يدخل عليهن شهرًا، وعند الترمذي برجال موثقين عن مسروق عن عائشة قالت: آلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من نسائه وحرّم فجعل الحرام حلالًا، لكن رجح الترمذي إرساله على وصله، وقد يتمسك بقوله فيه حرم من ادّعى أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امتنع من جماعهن وبه جزم ابن بطال وجماعة لكنه مردود بأن المراد بالتحريم تحريم شرب العسل أو تحريم وطء مارية. قال في الفتح: ولم أقف على نقل صريح أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امتنع من جماع نسائه وليس هذا من الإيلاء المقرر كما مرّ، ولذا استشكل إيراد المصنف لهذا الحديث هنا إذ إنه ليس من هذا الباب وقوّى ذلك ما أبداه البلقيني في تدريبه بأن الإيلاء المعقود له الباب حرام يأثم به من علم حاله فلا تجوز نسبته إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وأجيب: بأنه مبني على اشتراط ترك الجماع فيه، وقد روي عن حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة عدم اشتراط ترك الجماع. (وكانت انفكت رجله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأقام في مشربة) بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء بعدها موحدة في غرفة (له تسعًا وعشرين) ليلة (ثم نزل) من الغرفة ودخل على أزواجه (فقالوا: يا رسول الله آليت) حلفت (شهرًا) ولأبي ذر عن الكشميهني ألبثت بهمزة الاستفهام وبعد اللام موحدة مكسورة فمثلثة ففوقية من الليث (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الشهر) المعهود (تسع وعشرون). 5290 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يَقُولُ فِي الإِيلاَءِ الَّذِي سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى: لاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدَ الأَجَلِ إِلاَّ أَنْ يُمْسِكَ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يَعْزِمَ بِالطَّلاَقِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ لِي إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، يُوقَفُ حَتَّى يُطَلِّقَ وَلاَ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلاَقُ حَتَّى يُطَلِّقَ. وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَائِشَةَ وَاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول في الإيلاء الذي سمى الله تعالى) في الآية السابقة (لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف) بأن يطأ (أو يعزم بالطلاق) ولأبي ذر وابن عساكر: الطلاق بإسقاط الجار (كما أمر الله عز وجل) بقوله: {وإن عزموا الطلاق} [البقرة: 227] فإن امتنع من الفيئة والطلاق طلق عليه القاضي نيابة عنه على الأظهر والثاني لا يطلق عليه لأن الطلاق في الآية مضاف إليه بل يكرهه ليفيء أو يطلق، وقال الحنفية: إن فاء بالجماع قبل انقضاء المدة استمرت عصمته وإن مضت المدة وقع الطلاق بنفس مضي المدة قال المؤلّف: (وقال لي إسماعيل) بن أبي أويس المذكور (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه قال: (إذا مضت أربعة أشهر) من حين الإيلاء (يوقف) الحكم والكشميهني يوقفه (حتى) يفيء أو (يطلق) بنفسه (ولا يقع عليه الطلاق) بانقضاء المدة (حتى يطلق) هو (ويذكر) بضم أوّله وفتح الكاف (ذلك) المذكور من الوقف حتى يطلق (عن عثمان) فيما وصله الشافعي وابن أبي شيبة من طريق طاوس عنه لكن في سماع طاوس من عثمان نظر نعم ورد ما يعضده إلا أنه جاء عن عثمان خلافه عند عبد الرزاق والدارقطني (وعلي) فيما وصله الشافعي وابن أبي شيبة بسند صحيح (وأبي الدرداء) فيما وصله ابن أبي شيبة وإسماعيل القاضي بسند صحيح إن ثبت سماع سعيد بن المسيب من أبي الدرداء (وعائشة) فيما أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح (واثني عشر رجلًا من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما أخرجه المؤلّف في تاريخه وهو قول مالك

22 - باب حكم المفقود في أهله وماله

والشافعي وأحمد وسائر أصحاب الحديث. وأجاب الشيخ كمال الدين عن حديثي الباب بما أخرجه ابن أبي شيبة قال: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وابن عمر قالا: إذا آلى فلم يفيء حتى مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة قال: ورجال هذا السند كلهم أخرج لهم الشيخان فهم رجال الصحيح فينتهض معارضًا ولم يبق إلا قول من قال بأن أصح الحديث ما في الصحيحين ثم ما كان على شرطهما إلى آخر ما عرف. قال: وهذا تحكم محض لأنه إذا كان الفرض أن المروي على نفس الشرط المعتبر عندهما فلم يفته إلا كونه لم يكتب في خصوص أوراق معينة ولا أثر لذلك وقول البخاري أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر لم يوافق عليه فقد قال غيره غيره، وقال المحققون: إن ذلك يتعذر الحكم به وإنما يمكن بالنسبة إلى صحاب وبلد فيقال أصحها عن ابن عمر: مالك عن نافع عنه، وعن أبي هريرة: الزهري عن سعيد بن المسيب عنه، وأصح أسانيد الشاميين الأوزاعي عن حسان بن عطية عن الصحابة ونحو ذلك وأحسن من هذا الوقوف عن اقتحام هذه فإن في خصوص الموارد ما قد يلزم الوقوف عن ذلك. نعم قد يكون الراوي المعين أكثر ملازمة لمعين من غيره فيصير أدرى بحديثه وأحفظ له منه على معنى أنه أكثر إحاطة بأفراد متونه وأعلم بعادته في تحديثه وعند تدليسه إن كان وبقصده عند إبهامه وإرساله ممن لم يلازمه تلك الملازمة أما في فرد معين فرض أن غيره ممن هو مثله في ملكة النفس والضبط أو أرفع سمعه منه فأتقنه وحافظ عليه كما حافظ على سائر محفوظاته، ويكون ذلك مقدمًا عليه في روايته بمعارضة فما هو إلا محض تحكم فإن بعد هذا الفرض لم تبق زيادة الآخر إلا بالملازمة وأثرها الذي يزيد به على الآخر إنما هو بالنسبة إلى مجموع متونه لا بالنسبة إلى خصوص متن انتهى. وقد سبق ما احتجّ به الإمام الشافعي من ظاهر الآية مع قول أكثر الصحابة والترجيح يقع بالأكثر مع موافقة ظاهر القرآن وقد نقل ابن المنذر عن بعض الأئمة قال: لم نجد في شيء من الأدلة أن العزيمة على الطلاق تكون طلاقًا ولو جاز لكان العزم على الفيء يكون فيئًا ولا قائل به، وليس في شيء من اللغة أن اليمين التي لا ينوى بها الطلاق تقتضي طلاقًا والعطف بالفاء على الأربعة الأشهر يدل على أن التخيير بعد مضي المدة وحينئذٍ فلا يتجه وقوع الطلاق بمجرد مضي المدة والجواب السابق عن ذلك وإن كان بديعًا لكنه لا يخلو عن شيء من التعسف، ولئن سلمنا انتهاض حديث ابن أبي شيبة السابق لحديثي الباب فيبقى النظر في هل يستدل بذلك والآية أظهر في الدلالة لنا على ما لا يخفى. 22 - باب حُكْمِ الْمَفْقُودِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ إِذَا فُقِدَ فِي الصَّفِّ عِنْدَ الْقِتَالِ تَرَبَّصُ امْرَأَتُهُ سَنَةً. وَاشْتَرَى ابْنُ مَسْعُودٍ جَارِيَةً وَالْتَمَسَ صَاحِبَهَا سَنَةً فَلَمْ يَجِدْهُ وَفُقِدَ، فَأَخَذَ يُعْطِي الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَيْنِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَنْ فُلاَنٍ فإن أبى فلان فَلي وَعَلَيَّ، وَقَالَ: هَكَذَا فَافْعَلُوا بِاللُّقَطَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي الأَسِيرِ يُعْلَمُ مَكَانُهُ: لاَ تَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ وَلاَ يُقْسَمُ مَالُهُ، فَإِذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ فَسُنَّتُهُ سُنَّةُ الْمَفْقُودِ. (باب حكم المفقود في أهله وماله. وقال ابن المسيب): سعيد مما وصله عبد الرزاق (إذا فقد) الرجل (في الصف عند القتال) في سبيل الله (تربص) بفتح الفوقية وضم الصاد المهملة أصله تتربص فحذفت إحدى التاءين يعني تنتظر (امرأته سنة) إلى هذا ذهب مالك لكنه فرق بين ما إذا وقع القتال بدار الحرب أو دار الإسلام. (واشترى ابن مسعود) عبد الله فيما وصله سفيان بن عيينة في جامعه وسعيد بن منصور (جارية) بسبعمائة درهم (والتمس) بالواو أي طلب ولأبي ذر وابن عساكر فالتمس (صاحبها سنة) ليدفع له ثمنها إذ غاب عنه (فلم يجده) وللكشميهني فلم يوجد (وفقد) بضم الفاء وكسر القاف فخرج بها إلى المساكن (فأخذ يعطي) هم من ثمنها (الدرهم والدرهمين وقال: اللهم) تقبله (عن فلان) صاحبها (فإن أبى) بالموحدة امتنع كذا للكشميهني ولغيره فإن أتى بالفوقية بدل الموحدة أي فإن جاء (فلان فلي) الثواب (وعلي) أن أقضيه ثمنها (وقال) أي ابن مسعود: (هكذا فافعلوا) ولأبي ذر افعلوا إسقاط الفاء (باللقطة) بعد تعريفها. (وقال ابن عباس) فيما وصله سعيد بن منصور (نحوه) أي نحو قول ابن مسعود وهذا المذكور من قوله واشترى إلى آخره ثابت في رواية المستملي والكشميهني. (وقال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب مما وصله ابن أبي شيبة (في

23 - باب الظهار

الأسير) في أرض العدو (يعلم مكانه لا تتزوج) بتاءين ولابن عساكر تزوج (امرأته ولا يقسم ماله فإذا انقطع خبره فسنّته سنة الفقود) فحكمه حكم المفقود، ومذهب الزهري في امرأة المفقود التربص أربع سنين، ومذهب الشافعية إن قامت بيّنة بموته أو حكم قاض به بمضي مدة من ولادته لا يعيش فوقها ظنًّا قسمت تركته حينئذٍ ثم تعتدّ زوجته. 5292 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الْغَنَمِ فَقَالَ: «خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ». وَسُئِلَ عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ، فَغَضِبَ وَاحْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ وَقَالَ: «مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا الْحِذَاءُ وَالسِّقَاءُ، تَشْرَبُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ، حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا». وَسُئِلَ عَنِ اللُّقَطَةِ. فَقَالَ: «اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا وَعَرِّفْهَا سَنَةً. فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَعْرِفُهَا، وَإِلاَّ فَاخْلِطْهَا بِمَالِكَ». قَالَ سُفْيَانُ: فَلَقِيتُ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَلَمْ أَحْفَظْ عَنْهُ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ حَدِيثَ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ فِي أَمْرِ الضَّالَّةِ هُوَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ يَحْيَى: وَيَقُولُ رَبِيعَةُ عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ سُفْيَانُ: فَلَقِيتُ رَبِيعَةَ فَقُلْتُ لَهُ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن يزيد) من الزيادة (مولى المنبعث) بضم الميم وسكون النون وفتح الموحدة وكسر العين المهملة بعدها مثلثة التابعي (أن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سئل) بضم السين وكسر الهمزة (عن ضالة الغنم فقال) ولابن عساكر قال: (خذها فإنما هي لك) إن أخذتها وعرفتها سنة ولم تجد صاحبها (أو لأخيك) في الدين ملتقط آخر (أو للذئب) إن تركتها ولم يأخذها غيرك لأنها لا تحمي نفسها (وسئل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن ضالة الإبل) ما حكمها (فغضب واحمرّت وجنتاه) من الغضب (وقال: ما لك ولها) استفهام إنكاري (معها الحذاء) بكسر الحاء المهملة وبالذال المعجمة ممدودًا خف تقوى به على السير (والسقاء) بكسر السين المهملة الجوف (تشرب الماء) قدر ما يكفيها حتى ترد ماء آخر (وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها) مالكها (وسئل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن اللقطة) بفتح القاف على المشهور والفرق بينها وبين الضالة أن الضالة مختصة بالحيوان (فقال) عليه الصلاة والسلام: (اعرف وكاءها) بكسر الواو والمد الخيط المشدودة به (وعفاصها) بكسر العين المهملة بعدها فاء فألف فصاد مهملة وعاءها الذي هي فيه (وعرفها) إذا كانت كثيرة (سنة) لا قليلة والتخصيص بذلك من باب استنباط معنى من النص العام يخصصه (فإن جاء مَن يعرفها) بسكون العين عددًا وصفة ووعاء ووكاء فادفعها إليه (وإلا فاخلطها) بهمزة وصل (بمالك) وتصرف فيها على جهة الضمان. (قال سفيان) بن عيينة (فلقيت ربيعة بن أبي عبد الرحمن) المشهور بالرأي (ولم أحفظ عنه شيئًا غير هذا فقلت) له: (أرأيت حديث يزيد) أي أخبرني عن حديث يزيد (مولى المنبعث في أمر الضالة هو عن زيد بن خالد)؟ استفهام محذوف الأداة (قال: نعم) عنه. قال سفيان: (قال يحيى) يعني ابن سعيد الذي حدَّثني به مرسلًا (ويقول ربيعة) الرأي أنه حدّث به (عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد. قال سفيان: فلقيت ربيعة) الرأي (فقلت له) القول السابق أرأيت حديث يزيد إلى آخره. والحاصل كما في الفتح أن يحيى بن سعيد حدّث به عن يزيد مولى المنبعث مرسلًا ثم ذكر لسفيان أن ربيعة يحدّث به عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد فيوصله فحمل ذلك سفيان على أن لقي ربيعة فسأله عن ذلك فأقر به. قيل: ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الضالة كالمفقود فكما لم يزل ملك المالك فيها فكذلك يجب أن يكون النكاح باقيًا بينهما. وقد سبق الحديث مرات في اللقطة. 23 - باب الظِّهَارِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} -إِلَى قَوْلِهِ- {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 1] وَقَالَ لِي إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ ظِهَارِ الْعَبْدِ، فَقَالَ: نَحْوَ ظِهَارِ الْحُرِّ، قَالَ مَالِكٌ: وَصِيَامُ الْعَبْدِ شَهْرَانِ، وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْحُرِّ: ظِهَارُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِنَ الْحُرَّةِ وَالأَمَةِ سَوَاءٌ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ إِنْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ إِنَّمَا الظِّهَارُ مِنَ النِّسَاءِ، وَفِي الْعَرَبِيَّةِ لِمَا قَالُوا: أَيْ فِيمَا قَالُوا، وَفِي بَعْضِ مَا قَالُوا، وَهَذَا أَوْلَى، لأَنَّ اللَّهَ تعالى لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْمُنْكَرِ وَقَوْلِ الزُّورِ. (باب الظهار) بكسر المعجمة. قال الشيخ كمال الدين: هو لغة مصدر ظاهر وهو مفاعلة من الظهر فيصح أن يراد به معانٍ مختلفة ترجع إلى الظهر معنى ولفظًا بحسب اختلاف الأغراض فيقال: ظاهرت أي قابلت ظهرك بظهره حقيقة وإذا غايظته أيضًا وإن لم تدابره حقيقة باعتبار أن المغايظة تقتضي هذه المقابلة وظاهرته إذا نصرته باعتبار أنه يقال قوي ظهره إذا نصره وظاهر من امرأته وأظهر وتظاهر واظّاهر وظهر وتظهر إذا قال لها أنت عليّ كظهر أمي، وظاهر بين ثوبين إذا لبس أحدهما فوق الآخر على اعتبار جعل ما يلي به كل منهما الآخر ظهرًا للثوب وغاية ما يلزم كون لفظ الظهر في بعض هذه التراكيب مجازًا وكونه مجازًا لا يمنع الاشتقاق منه ويكون المشتق مجازًا أيضًا، وقد قيل الظهر هنا مجاز عن البطن لأنه إنما يركب البطن فكظهر أمي أي كبطنها بعلاقة المجاورة ولأنه عموده لكن لا يظهر ما هو الصارف عن

الحقيقة من النكات وقيل خص الظهر لأن إتيان المرأة من ظهرها كان حرامًا فإتيان أمه من ظهرها أحرم فكثر التغليظ في الشرع هو تشبيه الزوجة في الحرمة بمحرمه. (وقول الله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك}) أي تحاورك ({في زوجها}) في شأنه (-إلى قوله-) تعالى: ({فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا}) [الجادلة: 1] كذا لأبي ذر وعند ابن عساكر بعد قوله زوجها الآية وحذف ما بعدها. وعن عائشة فيما رواه الإمام أحمد أنها قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه سمع الأصوات لقد جاءت المجادلة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تكلمه وأنا في جانب البيت ما أسمع ما تقول فأنزل الله عز وجل: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} إلى آخر الآية. وكذا رواه البخاري في كتاب التوحيد معلقًا. وعند النسائي وابن ماجة عن عائشة أيضًا تبارك الذي أوعى سمعه كل شيء إني أسمع كلام خويلة بنت ثعلب ويخفى عليّ بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي تقول: يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهمّ إني أشكو إليك. قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية {قد سمع الله قول التي تجادلك} إلى آخر الآية، وزوجها هو أوس بن الصامت. قال في النهاية: وفي أسماء الله تعالى السميع وهو الذي لا يغيب عن إدراكه مسموع وإن خفي فهو يسمع بغير جارحة. وقال الراغب: السمع قوّة في الأُذن بها تدرك الأصوات فإذا وصف الله تعالى بالسمع فالمراد علمه بالمسموعات، وروي أنها قالت: إن لي صبية صغارًا إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا، فقال لها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما عندي في أمرك شيء" وروي أنه قال لها: "حرمت عليه" فقالت أشكو إلى الله فاقتي ووجدي كلما قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "حرمت عليه" هتفت وشكت فهذا هو جدالها. وفي الطبراني من حديث ابن عباس قال: كان الظهار في الجاهلية يحرم النساء فكان أوّل من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت وكانت امرأته خويلة الحديث. وأركان الظهار: زوجان ومشبه به وصيغة. فشرط الزوج صحة طلاقه ولو عبدًا أو كافرًا أو خصيًا أو سكران. والمشبه به كل أنثى محرم أو جزء أنثى محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة لم تكن حلاًّ للزوج. والصيغة لفظ يُشعِر بالظهار صريح كانت أو رأسك عليّ كظهر أمي أو كجسمها أو كناية كانت أمي وتلزمه الكفّارة بالعود للآية وهو أن يمسكها بعد الظهار مع إمكان فراقها. قال البخاري: (وقال لي إسماعيل) بن أبي أويس (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (أنه سأل ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن) حكم (ظهار العبد فقال: نحو ظهار الحر) كالطلاق (قال مالك: وصيام العبد) في كفارة الظهار (شهران) كالحر واختلف في الإطعام والعتق فذهب الحنفية والشافعية إلى أن لا يجزئه إلا الصيام فقط وقال ابن القاسم عن مالك إن أطعم بإذن سيده أجزأه (وقال الحسن بن الحر): بضم الحاء المهملة وتشديد الراء ابن الحكم النخعي الكوفي نزيل دمشق وليس له في البخاري إلا هذا ولأبي ذر عن المستملي كما في الفتح ابن حي بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية نسبة لجد أبيه وهو الحسن بن صالح بن حي الهمداني الثوري الفقيه أحد الأعلام، ولأبي ذر عن المستملي مما في الفرع: الحسن فقط من غير نسب فيحتملهما (ظهار الحر والعبد من الحرة والأمة سواء) إذا كانت الأمة زوجة فلو قال السيد لأمته: أنت عليّ كظهر أمي لم يصح عند الشافعية لاشتراطهم الزوجية خلافًا للمالكية، واحتجوا بأنه فرج حلال فيحرم بالتحريم ومنشأ الخلاف هل تدخل الأمة في قوله تعالى: {منكم من نسائهم} [المجادلة: 2] قال في التوضيح: ولا شك أنها من النساء لغة لكن العرف تخصيص هذا اللفظ بالزوجات وقد أخرج ابن الأعرابي في معجمه من طريق همام سئل قتادة عن رجل ظاهر من سريته فقال: قال الحسن وابن المسيب وعطاء

وسليمان بن يسار: مثل ظهار الحرة. (وقال عكرمة) فيما وصله إسماعيل القاضي بسند لا بأس به: (إن ظاهر) الرجل (من أمته فليس بشيء وإنما الظهار من النساء) الحرائر. وهذا مذهب الحنفية: والشافعية لقوله: {من نسائهم} وليست الأمة من النساء، ولقول ابن عباس إن الظهار كان طلاقًا ثم أحلّ بالكفارة فكما لا حظّ للأمة في الطلاق لا حظّ لها في الظهار، واعلم أنه يحرم بالظهار قبل التكفير الوطء والاستمتاع بما بين السرّة والركبة فقط كالحيض لأن الظهار معنى لا يخلّ بالملك، ولأنه تعالى أوجب التكفير في الآية قبل التماس حيث قال في الإعتاق والصوم: {من قبل أن يتماسا} [المجادلة: 3] ويقدر مثله في الإطعام حملًا للمطلق على المقيد وروى أبو داود وغيره من حديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لرجل ظاهر من امرأته وواقعها "لا تقربها حتى تكفر" وتجب الكفارة بالعود وهو أن يمسكها زمانًا يمكنه مفارقتها فيه فلم يفعل لقوله تعالى: {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا} [المجادلة: 3] لأن دخول الفاء في خبر المبتدأ الموصول دليل على الشرطية كقوله: الذي يأتيني فله درهم، ومقصود الظهار وصف المرأة بالتحريم وإمساكها يخالفه وهل وجبت الكفارة بالظهار والعود أو بالظهار والعود شرط أو بالعود لأنه الجزء الأخير. أوجه ذكرها في الروضة من غير ترجيح، والأول هو ظاهر الآية الوافق لترجيحهم أن كفارة اليمين تجب باليمين والحنث جميعًا، ولأن الظهار كما قاله الشيخ كمال الدين كبيرة فلا يصلح سببًا للكفارة لأنها عبادة أو المغلب فيها معنى العبادة ولا يكون المحظور سببًا للعبادة فتعلق وجوبها بهما ليخف معنى الحرمة باعتبار العود الذي هو إمساك بمعروف فيكون دائرًا بين الحظر والإباحة فيصلح سببًا للكفارة الدائرة بين العبادة والعقوبة ثم إن اللام في قوله تعالى: {لما قالوا} متعلقة بيعودون قاله مكي، وزاد وما والفعل مصدر أي لقولهم والمصدر في موضع المفعول به نحو هذا درهم ضرب الأمير أي مضروبه على أن ذلك يجوز، وإن كانت غير مصدرية بل لكونها بمعنى الذي أو نكرة موصوفة بل جعلها غير مصدرية أولى لأن المصدر المؤول فرع المصدر الصريح ووضع المصدر موضع اسم المفعول خلاف الأصل فيلزم الخروج عن الأصل بشيئين بالمصدر المؤوّل ثم وقوعه موقع اسم المفعول، والمحفوظ إنما هو وضع المصدر الصريح موضع المفعول لا المصدر المؤوّل، وقيل اللام تتعلق بـ {فتحرير} [المجادلة: 3] وفي الكلام تقديم وتأخير، والتقدير والذين يظاهرون من نسائهم فعليهم تحرير رقبة لما نطقوا به من الظهار ثم يعودون للوطء بعد ذلك والعود الصيرورة ابتداء أو بناء فمن الأوّل قوله تعالى: {حتى عاد كالعرجون القديم} [يس: 39] ومن الثاني و {إن عدتم عدنا} [الإسراء: 8] ويعدى بنفسه كقوله: عدته إذا أتيته وصرت إليه أو بحرف الجر بإلى وعلى وفي واللام كقوله تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} [الأنعام: 28] ومنه {ثم يعودون لما قالوا} [المجادلة: 3] أي لنقض ما قالوا أو لتداركه على حذف المضاف وعن ثعلبة يعودون لتحليل ما حرموا على حذف المضاف أيضًا غير أنه أراد بما قالوا ما حرّموه على أنفسهم بلفظ الظهار تنزيلًا للقول منزلة المقول فيه كقوله: ونرثه ما يقول أراد المفعول فيه وهو المال والولد، وقال بعضهم: العود للقول عود بالتدارك لا بالتكرار وتداركه نقضه بنقيضه الذي هو العزم على الوطء ومن حمله على الوطء قال: لأنه المقصود بالمنع، ويحمل قوله: {من قبل أن يتماسا} أي مرة ثانية. ورأى أكثر العلماء قوله: {من قبل أن يتماسا} منعًا من الوطء قبل التكفير حتى كأنه قال: لا تماس حتى تكفر. والحاصل أن يعودون إما أن يجرى على حقيقته أو محمول على التدارك مجازًا إطلاقًا لاسم المسبب على السبب لأن المتدارك للأمر عائد إليه، وإن ما قالوا إما عبارة عن القول السابق أو عن مسماه وهو تحريم الاستمتاع وقال ابن عباس: يعودون يندمون فيرجعون إلى الألفة لأن النادم والتائب متدارك لما صدر عنه بالتوبة والكفارة وأقرب الأقوال إلى هذا ما ذهب إليه الشافعي، وذلك أن القصد بالظهار التحريم فإذا

24 - باب الإشارة في الطلاق والأمور

أمسكها على النكاح فقد خالف قوله ورجع عما قاله فكأنه قيل والذين يعزمون على المفارقة والتحريم ويتكلمون بذلك القول الشنيع ثمّ يمسكون عنه زمانًا أمارة على العود إلى ما كانوا عليه قبل الظهار فكفارة ذلك كذا. وقال داود وأتباعه: المراد يعودون إلى اللفظ الذي سبق منهم وهو قول الرجل ثانيًا: أنت عليّ كظهر أمي فلا تلزم الكفارة بالقول الأول وإنما تلزم بالثاني، وقال بهذا أبو العالية وبكير بن الأشج من التابعين وكذا الفراء وقد رده البخاري فقال: (وفي العربية) تستعمل اللام في نحو قوله تعالى: ({لما قالوا}) بمعنى في (أي فيما قالوا، وفي بعض) بالموحدة المفتوحة وسكون العين المهملة ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي وفي نقض بالنون والقاف والضاد المعجمة فيهما (ما قالوا) والثانية أوجه وأصح أي أنه يأتي بفعل ينقض قوله الأول وهو العزم على الإمساك المناقض للظهار قال المؤلّف: (وهذا أولى) من قول داود الأصبهاني الظاهري إن المراد من الآية ظاهرها وهو أن يقع العود بالقول بأن يعيد لفظ الظهار فلا تجب الكفارة إلا به (لأن الله تعالى لم يدل على المنكر) المحرم (وقول الزور) ولابن عساكر: وعلى قول الزور المشار إليه في الآية بقوله: {وإنهم ليقولون منكرًا من القول} [المجادلة: 2] أي تنكره للحقيقة والأحكام الشرعية وزورًا كذبًا باطلًا منحرفًا عن الحق فكيف يقال إنه إذا أعاد هذا اللفظ الموصوف بما ذكر يجب عليه أن يكفر ثم تحلّ له المرأة وإنما المراد وقوع ضد ما وقع منه من المظاهرة. وفي الظهار أحاديث في أبي داود والترمذي والنسائي لم يذكرها المؤلّف لأنها ليست على شرطه والله الموفق والمعين. 24 - باب الإِشَارَةِ فِي الطَّلاَقِ وَالأُمُورِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يُعَذِّبُ اللَّهُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا»، فَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: أَشَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيَّ أَيْ خُذِ النِّصْفَ، وَقَالَتْ أَسْمَاءُ: صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْكُسُوفِ، فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ مَا شَأْنُ النَّاسِ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى الشَّمْسِ، فَقُلْتُ آيَةٌ؟ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا وَهِيَ تُصَلِّي، أَنْ نَعَمْ. وَقَالَ أَنَسٌ أَوْمَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوْمَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ لاَ حَرَجَ. وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ: «آحَدٌ مِنْكُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا قَالُوا: لاَ قَالَ: «فَكُلُوا». (باب) حكم (الإشارة) المفهمة للأصل والعدد من الأخرس وغيره (في الطلاق و) غيره من (الأمور) الشرعية وقد ذهب الجمهور إلى أن الإشارة إذا كانت مفهمة تقوم مقام النطق فلو قال لزوجته: أنت طالق وأشار بإصبعين أو ثلاث لم يقع عدد إلا مع نيته عند قوله طالق ولا اعتبار بالإشارة هنا ولا بقوله أنت هكذا وأشار بما ذكر أو مع قوله هكذا وإن لم ينوِ عددًا فتطلق في إصبعين طلقتين وفي ثلاثًا ثلاثًا لأن ذلك صريح فيه ولا بد أن تكون الإشارة مفهمة لذلك كما نقله في الروضة عن الإمام وأقره فلو قالت له: طلقني فأشار بيده أن اذهبي وكان غير أخرس فالإشارة لغو لأن عدوله إليها عن العبارة يفهم أنه غير قاصد للطلاق وإن قصده بها فهي لا تقصد للإفهام إلا نادرًا ولا هي موضوعة له بخلاف الكتابة فإنها حروف موضوعة للإفهام كالعبارة ويعتد بإشارة الأخرس، وإن على القدر كتابة في طلاق وغيره كبيع ونكاح وإقرار ودعوى وعتق لأن إشارته قامت مقام عبارته لا في الصلاة فلا تبطل بها ولا في الشهادة فلا تصح بها ولا في حنث بها فلا يحصل في الحلف على عدم الكلام فإن فهمها كل أحد فصريحة وإن اختص بها فطنون فكناية تحتاج إلى النية. ثم أخذ المؤلّف يذكر آثارًا وأحاديث تتضمن ذكر إشارات لأحكام مختلفة تنبيهًا منه على أن الإشارة بالطلاق وغيره قائمة مقام النطق وأنه إذا اكتفى بها عن النطق مع القدرة عليه فمع عدم القدرة عليه أولى فقال رحمه الله: (وقال ابن عمر) -رضي الله عنهما- فيما وصله في الجنائز مطولًا (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا يعذب الله بدمع العين ولكن يعذب بهذا، فأشار) بالفاء ولأبي ذر وابن عساكر: وأشار (إلى لسانه) فيه أن الإشارة المفهمة كنطق اللسان. (وقال كعب بن مالك) فيما وصله في الملازمة (أشار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليّ) في دين كان لي على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي بيده (أي) وللكشميهني أن (خذ النصف) أي واترك ما عداه (وقالت أسماء) بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- فيما وصله في الكسوف (صلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الكسوف) فأطال القيام (فقلت لعائشة) وهي قائمة تصلي مع الناس (ما شأن الناس؟ فأومأت) وللكشميهني فأشارت (برأسها إلى الشمس فقلت) لها

(آية. فأومأت) وللكشميهني فأشارت (برأسها وهي تصلي أن) ولأبي ذر أي (نعم) آية (وقال أنس) مما سبق موصولًا في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة من كتاب الصلاة: (أومأ) أي أشار (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده إلى أبي بكر أن يتقدم) إلى الصف في الصلاة الحديث الخ، (وقال ابن عباس) فيما وصله في كتاب العلم في باب الفتيا بإشارة اليد والرأس (أومأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما سئل في حجته عن الذبح قبل الرمي (بيده لا حرج) في التقديم ولا في التأخير. (وقال أبو قتادة) فيما سبق موصولًا في الحج في باب لا يشير المحرم إلى الصيد (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأصحابه (في الصيد للمحرم) لما رأوا حمر وحش في مسيرهم لحجة الوداع وحمل عليها أبو قتادة فعقرها هل (أحد منكم أمره أن يحمل عليها. وأشار إليها) وفي اليونينية آحد بمد فوق الهمزة للاستفهام (قالوا: لا، قال: فكلوا) ما بقي من لحمها. 5293 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو وحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَعِيرِهِ، وَكَانَ كُلَّمَا أَتَى عَلَى الرُّكْنِ أَشَارَ إِلَيْهِ وَكَبَّرَ وَقَالَتْ زَيْنَبُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فُتِحَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، مِثْلُ هَذِهِ». وَعَقَدَ تِسْعِينَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو) بفتح العين العقدي قال: (حدّثنا إبراهيم) هو ابن طهمان فيما جزم به المزي وقيل أبو إسحاق الفزاري (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال طاف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه راكبًا (على بعيره وكان كلما أتى على الركن) الذي فيه الحجر الأسود (أشار إليه) للاستلام بشيء في يده (وكبّر) الحديث إلى آخره (وقالت زينب) بنت جحش فيما سبق موصولًا في باب علامات النبوة (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (فتح) بضم الفاء وكسر الفوقية اليوم (من ردم يأجوج ومأجوج) وسقط لأبي ذر من ردم (مثل هذه وهذه. وعقد تسعين) بتقديم الفوقية على السين وعقد الأصابع نوع من الإشارة المفهمة. 5294 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلاَّ أَعْطَاهُ» وَقَالَ: بِيَدِهِ وَوَضَعَ أَنْمَلَتَهُ عَلَى بَطْنِ الْوُسْطَى وَالْخِنْصَرِ. قُلْنَا يُزَهِّدُهَا. وَقَالَ الأُوَيْسِيُّ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال (حدّثنا بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون المعجمة والمفضل بضم الميم وفتح الضاد المعجمة البصري قال: (حدّثنا سلمة بن علقمة) التميمي بغير ميم في أول سلمة (عن محمد بن سيرين) وسقط لابن عساكر لفظ محمد (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال أبو القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (وفي الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم) ولأبي ذر عبد مسلم (قائم يصلّي يسأل الله) تعالى (خيرًا إلا أعطاه) ما لم يسأل حرامًا، وفي رواية لغير أبي ذر: فسأل الله بالفاء بلفظ الماضي، وقوله قائم وتالييه صفات لمسلم أو يصلي حال من مسلم لاتصافه بقائم ويسأل إما حال مترادفة أو متداخلة (وقال) أي أشار -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بيده) الشريفة (ووضع أنملته على بطن) أصبعه (الوسطى و) بطن (الخنصر) بكسر الصاد في اليونينية (قلنا يزهدها) بضم التحتية وفتح الزاي وتشديد الهاء الأولى مكسورة أي يقللها. قال ابن المنير: الإشارة لتقليلها للترغيب فيها والحض عليها ليسارة وقتها وغزارة فضلها، وقد قيل إن المراد بوضع الأنملة في وسط الكف الإشارة إلى أن ساعة الجمعة في وسط يومها وبوضعها على الخنصر الإشارة إلى أنها في آخر الأصابع، وفيه إشارة إلى أنها تتنقل ما بين وسط النهار إلى قرب آخره واختلف في تعيينها على نيف وأربعين قولًا ليجتهد المرء في العبادة بخلاف ما لو عينت وقد بين أبو مسلم الكجي أن الذي وضع هو بشر بن المفضل راويه عن سلمة بن علقمة ففي سياق البخاري إدراج (قال: وقال الأويسي) عبد العزيز بن عبد الله شيخ المؤلّف. 5295 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: عَدَا يَهُودِيٌّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى جَارِيَةٍ فَأَخَذَ أَوْضَاحًا كَانَتْ عَلَيْهَا، وَرَضَخَ رَأْسَهَا، فَأَتَى بِهَا أَهْلُهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْيَ فِي آخِرِ رَمَقٍ وَقَدْ أُصْمِتَتْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قَتَلَكِ؟ فُلاَنٌ»؟ لِغَيْرِ الَّذِي قَتَلَهَا، فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لاَ. قَالَ: فَقَالَ لِرَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي قَتَلَهَا فَأَشَارَتْ أَنْ لاَ. فَقَالَ: «فَفُلاَنٌ» لِقَاتِلِهَا فَأَشَارَتْ أَنْ نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُضِخَ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ. (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين القرشي (عن شعبة بن الحجاج) الحافظ أبي بسطام العتكي (عن هشام بن زيد) أي ابن أنس بن مالك (عن) جده (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: عدا) بالمهملتين تعدى (يهودي في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في زمنه وأيامه (على جارية) لم تسم (فأخذ أوضاحًا) بفتح الهمزة والضاد المعجمة والحاء المهملة حليًا من الدراهم الصحاح سميت بذلك لوضوحها وبياضها وصفائها أو هي حليّ من فضة (كانت عليها ورضخ)

بالراء والضاد والخاء المعجمتين المفتوحات كسر (رأسها فأتى بها) بالجارية (أهلها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي) أي والحال أنها (في آخر رمق) أي نفس وزنًا ومعنًى (وقد أصمتت) بضم الهمزة وسكون الصاد المهملة وكسر الميم بعدها فوقيتان اعتقل لسانها فلم تستطع النطق لكن مع حضور عقلها (فقال لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من قتلك)؟ أ (فلان)؟ استفهام محذوف الأداة (لغير الذي قتلها، فأشارت برأسها أن لا) أي ليس فلان قتلني (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) ولأبي ذر ففلان بدل قال: فقال: (لرجل عن رجل آخر غير الذي قتلها فأشارت) برأسها (أن لا فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها: (ففلان) قتلك (لقاتلها فأشارت) برأسها (أن نعم) قتلني وكلمة أن في المواضع الثلاثة تفسيرية (فأمر به) باليهودي (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرضخ رأسه بين حجرين) بضم راء فرضخ، واستدلّ به الشافعية والمالكية والحنابلة على أن القاتل يقتل فيما قتل به، وقال الحنفية: لا يقتل إلا بالسيف لحديث "لا قود إلا بالسيف" وسيكون لنا عودة إلى هذا المبحث إن شاء الله تعالى في موضعه بعون الله وقوّته. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الدّيات ومسلم في الحدود وأبو داود والنسائي وابن ماجة في الديات. 5296 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْفِتْنَةُ مِنْ هُنَا. وَأَشَارَ إِلَى الْمَشْرِقِ». وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الله بن دينار) مولى ابن عمر المديني (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (الفتنة من هنا) بهاء واحدة مضمومة، ولأبي ذر: من ها هنا (وأشار إلى المشرق) ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في الفتن. 5297 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ لِرَجُلٍ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمْسَيْتَ ثُمَّ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمْسَيْتَ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا. ثُمَّ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ» فَنَزَلَ، فَجَدَحَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ، فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ فَقَالَ «إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا جرير عن عبد الحميد) الضبي القاضي (عن أبي إسحاق) سليمان بن فيروز (الشيباني) بالشين المعجمة والموحدة بينهما تحتية ساكنة وبعد الألف نون مكسورة فتحتية (عن عبد الله بن أبي أوفى) -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا في سفر مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في شهر رمضان في غزوة الفتح (فلما غربت الشمس قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لرجل) هو بلال: (انزل فاجدح لي) بهمزة وصل وجيم ساكنة ودال مفتوحة فحاء مهملتين أي حرك السويق بالماء أو اللبن (قال: يا رسول الله لو أمسيت) بحذف جواب لو أي كنت متمًّا للصوم (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أنزل فاجدح) أي لي (قال: يا رسول الله لو أمسيت) لابن عساكر (إن عليك نهارًا) كأنه رأى كثرة الضوء من زيادة الصحو فظن عدم غروب الشمس وأراد الاستكشاف عن حكم ذلك (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (أنزل فاجدح) أي يقل لي إلا في الأولى (فنزل فجدح له في الثالثة، فشرب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم أومأ) أشار (بيده) الشريفة (إلى) جهة (المشرق فقال: إذا رأيتم الليل) أي ظلامه (قد أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم) أي دخل وقت فطره فصار مفطرًا حكمًا وإن لم يفطر حسًّا. وهذا الحديث قد سبق في الصيام. 5298 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ نِدَاءُ بِلاَلٍ»، أَوْ قَالَ: «أَذَانُهُ مِنْ سَحُورِهِ فَإِنَّمَا يُنَادِي»، أَوْ قَالَ: «يُؤَذِّنُ لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ كَأَنَّهُ يَعْنِي الصُّبْحَ أَوِ الْفَجْرَ» وَأَظْهَرَ يَزِيدُ يَدَيْهِ ثُمَّ مَدَّ إِحْدَاهُمَا مِنَ الأُخْرَى. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام بينهما سين مهملة ساكنة ابن قعنب الحارثي أحد الأعلام قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) أبو معاوية البصري (عن سليمان) بن طرخان التيمي (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل النهدي (عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-) سقط لابن عساكر لفظ عبد الله أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يمنعن أحدًا منكم نداء بلال) -أو قال- (أذانه من سحوره) بفتح السين في الفرع اسم ما يتسحر به من الطعام والشراب وبالضم المصدر وهو الفعل نفسه وأكثر ما يروى بالفتح (فإنما ينادي) -أو قال- (يؤذن) - بليل (ليرجع) بفتح الياء وكسر الجيم (قائمكم) بالرفع في الفرع كأصله على الفاعلية أو بالنصب على المفعولية قال الكرماني: باعتبار أن يرجع مشتق من الرجوع أو الرجع، ولم يذكر في الفتح غير النصب أي يعود متهجدكم إلى الاستراحة بأن ينام ساعة

25 - باب اللعان وقول الله تعالى:

قبل الصبح (وليس أن يقول): هو من إطلاق القول على الفعل (كأنه يعني الصبح أو الفجر) بالشك كالسابق من الراوي والصبح خبر ليس أي ليس الصبح المعتبر أن يكون مستطيلًا من العلو إلى السفل بل المعتبر أن يكون معترضًا من اليمين إلى الشمال (وأظهر يزيد) بن زريع راويه (يديه) بالتثنية من الظهور بمعنى العلو أي أعلى يديه ورفعهما طويلًا إشارة إلى صورة الفجر الكاذب (ثم مد أحدهما من الأخرى) إشارة إلى الفجر الصادق. وسبق هذا الحديث في الصلاة. 5299 - وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُنْفِقِ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ لَدُنْ ثَدْيَيْهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا، فَأَمَّا الْمُنْفِقُ فَلاَ يُنْفِقُ شَيْئًا إِلاَّ مَادَّتْ عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُجِنَّ بَنَانَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَلاَ يُرِيدُ، يُنْفِقُ إِلاَّ لَزِمَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَوْضِعَهَا، فَهْوَ يُوسِعُهَا فَلاَ تَتَّسِعُ، وَيُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِلَى حَلْقِهِ». (وقال الليث) بن سعد أبو الحارث الإمام صاحب المناقب الجمة قيل كان مغله في العام ثمانين ألف دينار فما وجبت عليه زكاة فيما وصله المؤلّف في باب مثل المتصدق من الزكاة (حدّثني) بالإفراد (جعفر بن ربيعة) الكندي (عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج أنه قال: (سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- يقول: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان) بضم الجيم وتشديد الموحدة (من حديد من لدن) من عند (ثدييهم) بفتح المثلثة وسكون الدال بعدها تحتيتان أولاهما مفتوحة والأخرى ساكنة تثنية ثدي ولغير أبي ذر مما في الفتح ثديهما بصيغة الجمع. وصوّب إذ لكل رجل ثديان فيكون لهما أربعة. وأجيب: بأن التثنية بالنظر لكل رجل "إلى تراقيهما" بفتح المثناة الفوقية وكسر القاف جمع ترقوة العظمان المشرفان في أعلى المصدر من رأس المنكبين إلى طرف ثغرة النحر (فأما المنفق فلا ينفق شيئًا إلا مادّت) بتشديد الدال من المد وأصلها ماددت بدالين فأدغمت الأولى في الثانية (على جلده حتى تجن) بضم الفوقية وكسر الجيم وتشديد النون من الرباعي في أكثر الروايات أي تستر (بنانه) أي أطراف أصابعه (و) حتى (تعفو أثره) الحادث في الأرض من مشيه لسبوغها كما يمحو الثوب الذي يجر على الأرض أثر مشي لابسه بمرور الذيل عليه (وأما البخيل فلا يريد ينفق إلا لزمت) بفتح اللام وكسر الزاي وللكشميهني لزقت بالقاف بدل الميم (كل حلقة) بسكون اللام (موضعها فهو يوسعها ولا تتسع) ولغير ابن عساكر فلا بالفاء بدل الواو (ويشير بإصبعه) وبالإفراد (إلى حلقه) وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى. وهذا الحديث سبق في الزكاة. 25 - باب اللِّعَانِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فَإِذَا قَذَفَ الأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ بِكِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ بِإِيمَاءٍ مَعْرُوفٍ فَهْوَ كَالْمُتَكَلِّمِ، لأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَجَازَ الإِشَارَةَ فِي الْفَرَائِضِ، وَهْوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} وَقَالَ الضَّحَّاكُ {إِلاَّ رَمْزًا} إِشَارَةً. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لاَ حَدَّ وَلاَ لِعَانَ. ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ الطَّلاَقَ بِكِتَابٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ إِيمَاءٍ جَائِزٌ. وَلَيْسَ بَيْنَ الطَّلاَقِ وَالْقَذْفِ فَرْقٌ. فَإِنْ قَالَ: الْقَذْفُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِكَلاَمٍ، قِيلَ لَهُ: كَذَلِكَ الطَّلاَقُ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِكَلاَمٍ، وَإِلاَّ بَطَلَ الطَّلاَقُ وَالْقَذْفُ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ. وَكَذَلِكَ الأَصَمُّ يُلاَعِنُ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ: إِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ تَبِينُ مِنْهُ بِإِشَارَتِهِ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: الأَخْرَسُ إِذَا كَتَبَ الطَّلاَقَ بِيَدِهِ لَزِمَهُ. وَقَالَ حَمَّادٌ: الأَخْرَسُ وَالأَصَمُّ إِنْ قَالَ بِرَأْسِهِ جَازَ. (باب اللعان) والقذف واللعان مصدر لاعن سماعي لا قياسي، والقياس الملاعنة وهو من اللعن وهو الطرد والإبعاد يقال منه التعن أبي لعن نفسه ولاعن إذ فاعل غيره منه ورجل لعنة بفتح العين وضم اللام كهمزة إذا كان كثير اللعن لغيره وبسكون العين إذا لعنه الناس كثيرًا الجمع لعن كصرد ولاعن امرأته ملاعنة ولعانًا وتلاعنًا. والتعنا لعن بعض بعضًا، ولاعن الحاكم بينهما لعانًا حكم، وفي الشرع كلمات معلومات جعلت حجة للمضطر إلى قذف من لطخ فراشه وألحق العار به أو إلى نفي ولد سميت لعانًا لاشتمالها على كلمة اللعن تسمية للكل باسم البعض ولأن كلاًّ من المتلاعنين يبعد عن الآخر بها إذ يحرم النكاح بها أبدًا، واختير لفظ اللعان على لفظي الشهادة والغضب وإن اشتملت عليهما الكلمات أيضًا لأن اللعن كلمة غريبة في قيام الحجج من الشهادات والإيمان والشيء يشهر بما يقع فيه من الغريب، وعليه جرت أسماء السور ولأن الغضب يقع في جانب المرأة وجانب الرجل أقوى ولأن لعانه متقدم على لعانها والتقدم من أسباب الترجيح. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على سابقه المجرور بالإضافة: ({والذين يرمون أزواجهم}) يقذفون زوجاتهم بالزنا ({ولم يكن لهم شهداء}) يشهدون على تصديق قولهم ({إلا أنفسهم}) رفع بدل من شهداء أو نعت له على أن إلا بمعنى غير (إلى قوله) عز وجل: ({إن كان من الصادقين}) [النور: 6] وسقط لأبي ذر ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم، وساق في رواية كريمة الآيات كلها ولما كان قوله يرمون أعم من أن يكون باللفظ أو بالإشارة المفهمة قال: (فإذا قذف الأخرس امرأته) رماها بالزنا في معرض التعيير (بكتابة) ولأبي ذر عن الكشميهني بكتاب (أو إشارة) مفهمة باليد

(أو بإيماء) بالرأس أو الجفن (معروف فهو كالمتكلم) بالقذف فيترتب عليه اللعان (لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أجاز الإشارة في الفرائض) أي في الأمور المفروضة فإن العاجز عن غير الإشارة يصلّي بالإشارة كالمصلوب (وهو) أي العمل بالإشارة (قول بعض أهل الحجاز وأهل العلم) أي من غيرهم كأبي ثور (وقال الله تعالى: {فأشارت إليه}) أي أشارت مريم إلى عيسى أن يجيبهم ولما أشارت إليه غضبوا وتعجبوا ({قالوا: كيف نكلم من كان}) حدث ووجد ({في المهد}) العهود ({صبيًّا}) [مريم: 29] حال {قال: إني عبد الله} لم أسكتت بأمر الله لسانها الناطق أنطق الله لها اللسان الساكت حتى اعترف بالعبودية وهو ابن أربعين ليلة أو ابن يوم، روي أنه أشار بسبابتيه وقال: بصوت رفيع: إني عبد الله. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ميمون بن مهران قال لما قالوا لمريم: {لقد جئت شيئًا فَريًّا} [مريم: 27] إلى آخره: إشارة إلى عيسى أن كلموه فقالوا تأمرنا أن نكلم مَن هو في المهد زيادة على ما جاءت به من الداهية، ووجه الاستدلال به أن مريم كانت نذرت أن لا تتكلم فكانت في حكم الأخرس فأشارت إشارة مفهمة اكتفاء بها عن معاودة سؤالها وإن كانوا أنكروا عليها ما أشارت به. (وقال الضحاك) بن مزاحم الهلالي الخراساني، وقال في الكواكب هو الضحاك بن شراحيل، وتعقبه في الفتح بأن المشهور بالتفسير إنما هو ابن مزاحم مع وجود الأثر مصرحًا فيه بأنه ابن مزاحم فيما وصله عبد بن حميد عنه في قوله تعالى: {آيتك ألاّ تكلم الناس ثلاثة أيام} ({إلا رمزًا}) [آل عمران: 41] أي (إلاّ إشارة) وسقط لغير أبي ذر لفظ "إلا" واستثنى الرمز وهو ليس من جنس الكلام لأنه لما أدّى مؤدّى الكلام وفهم منه ما يفهم منه سمي كلامًا وهو استثناء منقطع. (وقال بعض الناس) أي الكوفيون مناسبة لقوله وهو قول بعض أهل الحجاز: (لا حدّ ولا لعان) بالإشارة من الأخرس وغيره إذا قذف زوجته وهو مذهب أبي حنيفة -رحمه الله تعالى-، وهذا نقضه البخاري بقوله: (ثم زعم) الكوفيون أو الحنفية (أن الطلاق) إن وقع (بكتاب) من المطلق (أو إشارة) منه بيده (أو إيماء) بنحو رأسه من غير كلام (جائز) فأقام ذلك مقام العبارة (وليس بين الطلاق والقذف فرق فإن قال) أي بعض الناس: (القذف لا يكون إلا بكلام قيل له في: كذلك الطلاق لا يجوز) لا يقع ولأبي ذر: لا يكون (إلا بكلام) وأنت وافقت على وقوعه بغير كلام فيلزمك مثله في اللعان والحدّ (وإلاّ) بأن لم تعتبر الإشارة فيها كلها (بطل الطلاق والقذف وكذلك العتق) بالإشارة وحينئذ فالتفرقة بين القذف والطلاق بلا دليل تحكّم، وأجاب الحنفية بأن القذف بالإشارة ليس كالصريح بل فيه شبهة والحدود تدرأ بها ولأنه لا بد في اللعان من أن يأتي بلفظ الشهادة حتى لو قال أحلف مكان أشهد لا يجوز، وإشارته لا تكون شهادة وكذلك إذا كانت هي خرساء لأن قذفها لا يوجب الحدّ لاحتمال أنها تصدقه لو كانت تنطق ولا تقدر على إظهار هذا التصديق بإشارتها فإقامة الحدّ مع الشبهة لا تجوز انتهى. وأجاب السفاقسي: بأن المسألة مفروضة فيما إذا كانت الإشارة مفهمة إفهامًا واضحًا لا يبقى معه ريبة (وكذلك الأصم يلاعن) إذا أشير إليه وفهم. (وقال الشعبي) عامر بن شراحيل (وقتادة) بن دعامة السدوسي فيما وصله ابن أبي شيبة (إذا قال) الأخرس لامرأته: (أنت طالق فأشار بأصابعه تبين) تطلق (منه) طلاقًا بائنًا (بإشارته) بأصابعه الثلاث البينونة الكبرى وأراد بقوله إذا قال القول باليد فأطلق القول على الإشارة أو المراد قول الناطق أنت طالق وإشارته للعدد بالطلاق كما مرّ تقريره في أول الباب الذي قبل هذا. (وقال إبراهيم) النخعي مما وصله ابن أبي شيبة: (الأخرس إذا كتب الطلاق بيده لزمه) وقال الشافعي إذا كتب الطلاق سواء كان ناطقًا أو أخرس ونواه لزمه فلو كتب ولم ينو أو نوى فقط فلا، (وقال حماد): هو ابن أبي سليمان شيخ الإمام أبي حنيفة (الأخرس والأصم إن قال): أي إن أشار كلٌّ منهما (برأسه) فيما يسأل عنه (جاز)

أي نفذ ما أشار إليه وأقيمت الإشارة مقام العبارة. 5300 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الأَنْصَارِ»؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَنُو سَاعِدَةَ. ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ فَقَبَضَ أَصَابِعَهُ، ثُمَّ بَسَطَهُنَّ كَالرَّامِي بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد البغلاني قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام ولأبي ذر: الليث (عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه سمع أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ألا) بالتخفيف (أخبركم بخير دور الأنصار) أي خير قبائلهم من إطلاق المحل وإرادة الحال (قالوا: بلى) أخبرنا (يا رسول الله، قال) خيرهم (بنو النجار) تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج (ثم الذين يلونهم) وهم (بنو عبد الأشهل ثم الذين يلونهم) وهم (بنو الحرث بن الخزرج) بن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة (ثم الذين يلونهم) وهم (بنو ساعدة) بن كعب بن الخزرج الأكبر وهو أخو الأوس وهما ابنا حارثة بن ثعلبة (ثم قال): أشار -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بيده فقبض أصابعه) كالذي يكون بيده شيء فيضم أصابعه عليه (ثم بسطهن كالرامي بيده) لم كان قبض عليه (ثم قال: وفي كل دور الأنصار خير) وإن تفاوتت مراتبه فخير الأولى أفعل تفضيل وهذه اسم. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله ثم قال بيده على ما لا يخفى. وهذ الحديث سبق في مناقب الأنصار لكنه لم يقل فيه ثم قال لبيد، فقبض أصابعه ثم بسطهن كالرامي بيده، وأورده هنا عن أنس بغير واسطة وهناك عنه عن أبي أسيد الساعدي وكلاهما صحيح. 5301 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَبُو حَازِمٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ». أَوْ قَالَ «كَهَاتَيْنِ»، وَقَرَنَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال أبو حازم) سلمة بن دينار الأعرج وعند الإسماعيلي عن أبي حازم وصرح الحميدي فيما أخرجه أبو نعيم بالتحديث عن سفيان فقال: حديث أبو حازم قال: (سمعت من سهل بن سعد الساعدي صاحب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيه تنبيه على تعظيمه بالصحبة (يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بعثت) بضم الموحدة وكسر العين (أنا والساعة) بالرفع وفي الفرع وبه وبالنصب معًا في اليونينية لكن قال أبو البقاء العكبري: في إعراب المسند لا يجوز إلا بالنصب على أنه مفعول معه قال: ولو قرئ بالرفع لفسد المعنى إذ لا يقال بعثت والساعة ولا هو في موضع المرفوع لأنها لم توجد بعد، وأجاز غيره الوجهين، بل جزم القاضي عياض بأن الرفع أحسن وهو عطف على ضمير المجهول في بعثت قال: ويجوز النصب، وذكر توجيه أبي البقاء، وزاد أو على إضمار فعل يدل عليه الحال نحو: فانتظروا كما قدر في نحو: جاء البرد والطيالسة فاستعدوا؛ وأجيب عن الذي اعتلّ به أبو البقاء أولًا أن يضمن بعثت معنى يجمع إرسال الرسول ومجيء الساعة نحو جئت، وعن الثاني بأنها نزلت منزلة الموجود مبالغة في تحقق مجيئها ويرجح النصب ما سبق في تفسير والنازعات بلفظ بعثت والساعة فإنه ظاهر في المعية، والمراد بعثت أنا والقيامة (كهذه من هذه) أي كقرب السبابة من الوسطى (أو) قال (كهاتين) بالشك من الراوي (وقرن بين) أصبعه (السبابة) وأصبعه (الوسطى) وزاد في رواية أبي ضمرة عند ابن جرير وقال: "ما مثلي ومثل الساعة إلا كفرسي رهان" وعند أحمد والطبراني وسنده جيد في حديث بريدة: "بعثت أنا والساعة إن كادت لتسبقني" وفي حديث المستورد بن شداد عند الترمذي "بعثت في نفس الساعة سبقتها كما سبقت هذه لهذه" لأصبعه السبابة والوسطى، وقوله: نفس بفتح الفاء وهو كناية عن القرب أي بعثت عند تنفسها. وعند الطبري من حديث جابر بن سمرة أشار بالمسبحة والتي تليها وهو يقول: "بعثت أنا والساعة كهذه من هذه" قال القرطبي في المفهم: ومعنى الحديث تقريب أمر الساعة وسرعة مجيئها فعلى النصب يكون وجه التشبيه انضمام السبابة والوسطى وعلى الرفع يحتمل هذا، ويحتمل أن يكون وجه التشبيه هو التفاوت الذي بين الأصبعين المذكورتين في الطول ولبعض السلف في تعيين ذلك كلام افتضح فيه بمرور زمان طويل بعده ولم يقع ما قاله فالصواب الإعراض عن ذلك. وستكون لنا بقوة الله تعالى وفضله عودة إلى البحث في ذلك في كتاب الرقاق مع فرائد الفوائد إن شاء الله تعالى.

26 - باب إذا عرض بنفي الولد

وقد مرّ هذا الحديث في تفسير سورة النازعات. 5302 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا»، يَعْنِي ثَلاَثِينَ ثُمَّ قَالَ: «وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَقُولُ مَرَّةً ثَلاَثِينَ وَمَرَّةً تِسْعًا وَعِشْرِينَ. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا جبلة بن سحيم) بفتح الجيم والموحدة واللام وسحيم بضم السين وفتح الحاء المهملتين وسكون التحتية الكوفي قال: (سمعت ابن عمر) -رضي الله عنهما- (يقول قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الشهر هكذا وهكذا وهكذا) بالتكرار ثلاثًا قال الراوي: (يعني) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثلاثين) يومًا (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (وهكذا وهكذا وهكذا) ثلاثًا وسقطت الثالثة لأبي ذر، وقال بعد الثانية ثلاثًا قال الراوي: (يعني) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تسعًا وعشرين) وعند مسلم الشهر هكذا وهكذا وعقد الإبهام في الثالثة والشهر هكذا وهكذا يعني تمام ثلاثين أي أشار أوّلًا بأصابع يديه العشر جميعًا مرتين وقبض الإبهام في الثالثة وهذا هو المعبر عنه بتسع وعشرين، وأشار بهما مرة أخرى بثلاث مرات وهو المعبر عنه بثلاثين (يقول مرة ثلاثين ومرة تسعًا وعشرين). وهذا الحديث سبق في الصوم. 5303 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: وَأَشَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ نَحْوَ الْيَمَنِ: «الإِيمَانُ هَا هُنَا -مَرَّتَيْنِ- أَلاَ وَإِنَّ الْقَسْوَةَ وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو البدري ولأبي ذر عن ابن مسعود قال عياض: وهو وهم. قال الحافظ ابن حجر: وهو كما قال فقد تقدم كذلك في بدء الخلق والمناقب والمغازي من طرق عن إسماعيل بلفظ حدّثني قيس عن عقبة بن عمرو أبي مسعود أنه (قال: وأشار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده نحو اليمن). (الإيمان) في باب خير مال المسلم غنم نحو اليمن فقال: الإيمان (ها هنا مرتين) لإذعان أهله إلى الإيمان من غير كبير مشقة على المسلمين بخلاف غيرهم ومن اتّصف بشيء وقوي إيمانه به نسب ذلك الشيء إليه إشعارًا بكمال حاله فيه أو المراد مكة إذ هي من تهامة وتهامة من أرض اليمن (ألا) بالتخفيف (وإن القسوة وغلظ القلوب) بكسر الغين المعجمة وفتح اللام وبالظاء المعجمة (في الفدّادين) بفتح الفاء والدال المهملة المشددة وبعد الألف دال أخرى مخففة جمع فداد الشديد الصوت لاشتغالهم عن أمر الدين المفضي لقساوة القلب (حيث يطلع قرنا الشيطان) جانبا رأسه لأنه ينتصب في محاذاة مطلع الشمس فإذا طلعت كانت بين قرنيه فتقع سجدة عبدة الشمس له (ربيعة ومضر) بدل من الفدادين. وفي باب خير مال المسلم في ربيعة ومضر وهو متعلق بالفدادين أي القسوة في ربيعة ومضر وهما قبيلتان مشهورتان. 5304 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا»، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. [الحديث 5304 - طرفه في: 6005]. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين في الأول وضم الزاي وتخفيف الراءين بينهما ألف النيسابوري قال: (أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل) هو ابن سعد الساعدي أنه قال (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (وأنا) بإثبات الواو في وأنا في اليونينية (وكافل اليتيم) القائم بمصالحه (في الجنة هكذا) (وأشار بالسبابة) بتشديد الموحدة الأولى وسميت سبابة لأنهم كانوا إذا تسابوا أشاروا بها وهي الأصبع التي تلي الإبهام ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني بالسباحة بالحاء المهملة بدل الموحدة الثانية لأنه يشار بها عند التسبيح وتحرّك في التشهد عند التهليل إشارة إلى التوحيد (والوسطى وفرج بينهما شيئًا) قليلًا إشارة إلى أن بين درجته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودرجة كافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى. وبقية مباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى بعونه. 26 - باب إِذَا عَرَّضَ بِنَفْيِ الْوَلَدِ (باب) بالتنوين (إذا عرض) الرجل (بنفي الولد) الذي تأتي به زوجته والتعريض ذكر شيء يفهم منه شيء آخر لم يذكر ويفارق الكناية بأنها ذكر شيء بغير لفظه الموضوع يقوم مقامه. 5305 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وُلِدَ لِي غُلاَمٌ أَسْوَدُ، فَقَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ»؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «مَا أَلْوَانُهَا»؟ قَالَ حُمْرٌ. قَالَ: «هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ»؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَأَنَّى ذَلِكَ»؟ قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ: «فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ». [الحديث 5305 - أطرافه في: 6847، 7314]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة المكي المؤذن قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رجلًا) وعند أبي داود من رواية ابن وهب أن أعرابيًّا من فزارة، وكذا عند مسلم وأصحاب السنن من رواية سفيان

27 - باب إحلاف الملاعن

بن عيينة عن ابن شهاب واسم هذا الأعرابي ضمضم بن قتادة كما عند عبد الغني بن سعيد في المبهمات له (أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله ولد لي غلام أسود) لم أعرف اسم المرأة ولا الغلام، وزاد في كتاب الاعتصام من طريق ابن وهب عن يونس وإني أنكرته أي استنكرته بقلبي ولم يرد أنه أنكره بلسانه وإلاّ لكان صريحًا لا تعريضًا لأنه قال غلام أسود أي وأنا أبيض أي فكيف يكون مني (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال) عليه الصلاة والسلام: (ما ألوانها؟ قال): ألوانها (حمر) بضم الحاء المهملة وسكون الميم (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هل فيها من أورق) غير منصرف للوصف ووزن الفعل كأحمر قال في القاموس: ما في لونه بياض إلى سواد وهو من أطيب الإبل لحمًا لا سيرًا وعملًا، وقال غيره: الذي فيه سواد ليس بحالك بأن يميل إلى الغبرة ومنه قيل للحمامة ورقاء ومن في قوله من أورق زائدة (قال: نعم، قال) عليه الصلاة والسلام له (فأنى ذلك) بفتح النون المشددة أي من أين أتاه اللون الذي ليس في أبويه (قال) الرجل (لعله نزعة عرق) بكسر العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف ونزعه بالنون والزاي والعين المهملة أي قلبه وأخرجه من ألوان فحله ولقاحه، وفي المثل العرق نزاع والعرق الأصل مأخوذ من عرق الشجرة ومنه قولهم فلان عريق في الأصالة يعني أن لونه إنما جاء لأن في أصوله البعيدة ما كان فيه هذا اللون، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: لعل بغير هاء عرق بالرفع، وقد جزم بعضهم بأن الصواب النصب أي لعل عرقًا نزعه، وقال الصغاني: يحتمل أن يكون بالهاء فسقطت، ووجهه ابن مالك باحتمال أنه حذف منه ضمير الشأن، وقال في المصابيح: اسم لعل ضمير نصب محذوف ومثله عندهم قليل بل صرح بعضهم بضعفه. (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلعل ابنك هذا نزعه) أي العرق. وفائدة الحديث المنع عن نفي الولد بمجرد الأمارات الضعيفة، بل لا بد من تحقق كأن رآها تزني أو ظهور دليل قويّ كأن لم يكن وطئها أو أتت بولد قبل ستة أشهر من مبدأ وطئها أو لأكثر من أربع سنين، بل يلزمه نفي الولد لأن ترك نفيه يتضمن استلحاقه واستلحاق من ليس منه حرام كما يحرم نفي من هو منه. وفي حديث أبي داود وصححه الحاكم على شرط مسلم: أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولم يدخلها جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فنص في الأول على المرأة وفي الثاني على الرجل، ومعلوم أن كلاًّ منهما في معنى الآخر ولا يكفي مجرّد الشيوع لأنه قد يذكره غير ثقة فيستفيض فإن لم يكن ولد فالأولى أن يستر عليها ويطلقها إن كرهها. وفي الحديث أن التعريض بالقذف ليس قذفًا، وبه قال الجمهور، واستدلّ به إمامنا الشافعي لذلك وعن المالكية يجب به الحدّ إذا كان مفهومًا. وهذ الحديث أخرجه أيضًا في المحاربين. 27 - باب إِحْلاَفِ الْمُلاَعِنِ (باب إحلاف الملاعن) بكسر العين. 5306 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَأَحْلَفَهُمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري التبوذكي قال: (حدّثنا جويرية) بضم الجيم مصغرًا ابن أسماء (عن نافع عن عبد الله) بن عمر (رضي الله عنه) وعن أبيه (أن رجلًا من الأنصار) هو عويمر العجلاني (قذف امرأته) بالزنا (فأحلفهما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الإحلاف المخصوص وهو اللعان وهو دليل على أن اللعان يمين وهو قول الشافعي ومالك. وقال أبو حنيفة: اللعان شهادة. فعلى الأول كل من صح لعانه فلا لعان بقذف صبي ومجنون مكره ولا عقوبة عليهم، نعم يعزز المميز من الصبي والمجنون ويسقط عنه ببلوغه وإفاقته لأنه كان للزجر عن سوء الأدب وقد حدث له زاجر أقوى من ذلك وهو التكليف ويلاعن الذمي والرقيق، وعلى الثاني لا يصح إلا من حرّين مسلمين واحتج بعض الحنفية بأنها لو كانت يمينًا لما تكررت. وأجيب: بأنها خرجت عن القياس تغليطًا لحرمة الفروج كما خرجت القسامة لحرمة الأنفس

28 - باب يبدأ الرجل بالتلاعن

وفي محاسن الشريعة للقفال كررت أيمان اللعان لأنها أقيمت مقام أربع شهود في غيره ليقام عليها الحدّ ومن ثم سميت شهادة. (ثم فرّق) عليه الصلاة والسلام (بينهما) أي بين المتحالفين المذكورين. 28 - باب يَبْدَأُ الرَّجُلُ بِالتَّلاَعُنِ هذا (باب) بالتنوين (يبدأ الرجل بالتلاعن) قبل المرأة. 5307 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَجَاءَ فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ»؟ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة ابن عثمان أبو بكر العبديّ مولاهم الحافظ بندار قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد أبو عمرو البصري (عن هشام بن حسان) الأزديّ مولاهم الحافظ قال: (حدّثنا عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن هلال بن أمية) أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك (قذف امرأته) خولة بن عاصم بشريك ابن سحماء (فجاء) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فشهد) أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به من الزنا والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن الله يعلم أن أحدكما كاذب) ظاهره أن قوله أن أحدكما كاذب صدر منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حال الملاعنة لتحقق الكذب حينئذ، وفي أحدكما تغليب المذكر على المؤنث (فهل منكما تائب)؟ وزاد الطبري والحاكم من رواية جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة فقال: هلال والله إني لصادق (ثم قامت) زوجته خولة (فشهدت) أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به الحديث. وسبق بتمامه في تفسير سورة النور وهو ظاهر في تقدم الرجل على المرأة في اللعان وهو مذهب الشافعي وأشهب من المالكية ورجحه ابن العربي وقال ابن القاسم: لو ابتدأت به المرأة صح واعتدّ به وهو قول أبي حنيفة، واحتج لذلك بأن الله عطفه بالواو وهي لا تقتضي الترتيب. لنا: أن اللعان شرع لدفع الحدّ عن الرجل فلو بدأ بالمرأة لكان دفعًا لأمر لم يثبت وبأن الرجل يمكنه أن يرجع بعد أن يلتعن فيندفع عن المرأة بخلاف ما لو بدأت به فلو حكم حاكم بتقديم لعانها نقض حكمه. 29 - باب اللِّعَانِ، وَمَنْ طَلَّقَ بَعْدَ اللِّعَانِ (باب اللعان ومن طلّق بعد اللعان) سقط لأبي ذر بعد اللعان. 5308 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلاَنِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيِّ فَقَالَ لَهُ: يَا عَاصِمُ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ، فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ: يَا عَاصِمُ مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ: لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لاَ أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَطَ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا»، قَالَ سَهْلٌ: فَتَلاَعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلاَعُنِهِمَا قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا. فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا، قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ. (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن عويمرًا) بضم العين مصغر عامر (العجلاني) بفتح العين وسكون الجيم (جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري فقال له: يا عاصم أرأيت رجلًا) أي أخبرني عن حكم رجل (وجد مع امرأته رجلًا) أجنبيًّا منها (أيقتله فتقتلونه) قصاصًا (أم كيف) مفعول لقوله (يفعل)؟ أي أيّ شيء يفعل (سل لي يا عاصم عن ذلك) زاد أبو ذر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فسأل عاصم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك فكره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسائل) المذكورة لما فيها من البشاعة وغيرها (وعابها حتى كبّر) بضم الموحدة عظم (على عاصم ما سمع من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير قد كره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسألة التي سألته عنها. فقال عويمر: والله لا أنتهي) ولأبي ذر عن الكشميهني ما أنتهي بالميم بدل اللام (حتى أسأله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عنها فأقبل عويمر حتى جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسط الناس) بفتح السين (فقال: يا رسول الله أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا أيقتله)؟ بهمزة الاستفهام الاستخباري (فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قد أنزل) بضم الهمزة وكسر الزاي (فيك وفي صاحبتك) زوجتك خولة (فاذهب فأت بها، قال سهل): فأتى بها فأمرهما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالملاعنة بما في القرآن (فتلاعنا) وكان ذلك منصرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تبوك (وأنا مع الناس عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها

30 - باب التلاعن في المسجد

فطلقها ثلاثًا) ظنًّا منه أن اللعان لا يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق فقال: هي طالق ثلاثًا (قبل أن يأمره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بطلاقها. (قال ابن شهاب) بالسند المذكور (فكانت) أي الفرقة بينهما (سنة المتلاعين) فلا يجتمعان بعد الملاعنة أبدًا فيحرم عليه بمجرد اللعان نكاحها تحريمًا مؤبدًا ظاهرًا وباطنًا سواء صدقت أم صدق ووطؤها بملك اليمين لو كانت أمة فملكها لحديث البيهقي: المتلاعنان لا يجتمعان أبدًا لكن ظاهره يقتضي توقف ذلك على تلاعنهما معًا وليس مرادًا هنا بل يقع بلعان الرجل، وقال مالك: بعد فراغ المرأة، وتظهر فائدة هذا الخلاف في التوارث لو مات أحدهما عقب فراغ الرجل وفيما إذا علق طلاق امرأة بفراق أخرى ثم لاعن الأخرى، وقال الحنفية: لا تقع الفرقة حتى يوقعها الحاكم. 30 - باب التَّلاَعُنِ فِي الْمَسْجِدِ 5309 - حَدَّثَنَا يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنِ الْمُلاَعَنَةِ وَعَنِ السُّنَّةِ فِيهَا عَنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَخِي بَنِي سَاعِدَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَأْنِهِ مَا ذَكَرَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَمْرِ الْمُتَلاَعِنَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ قَضَى اللَّهُ فِيكَ وَفِي امْرَأَتِكَ»، قَالَ فَتَلاَعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ، فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ فَرَغَا مِنَ التَّلاَعُنِ، فَفَارَقَهَا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «ذَاكَ تَفْرِيقٌ بَيْنَ كُلِّ مُتَلاَعِنَيْنِ». قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتِ السُّنَّةُ بَعْدَهُمَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ، وَكَانَتْ حَامِلًا وَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى لأُمِّهِ قَالَ: ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي مِيرَاثِهَا أَنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُ مِنْهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلاَ أُرَاهَا إِلاَّ قَدْ صَدَقَتْ وَكَذَبَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ أَعْيَنَ ذَا أَلْيَتَيْنِ فَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الْمَكْرُوهِ مِنْ ذَلِكَ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن جعفر) البخاري البيكندي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الرزاق) بن همام الصنعاني قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن الملاعنة) بفتح العين (وعن السنة فيها عن حديث سهل بن سعد أخي بني ساعدة أن رجلًا من الأنصار) اسمه عويمر العجلاني حليف بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس (جاء إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله أرأيت رجلًا) أي أخبرني عن حكم رجل (وجد مع امرأته رجلًا) يزني بها (أيقتله) أي فتقتلونه قصاصًا لتقدم عمله بحكم القصاص من عموم قوله تعالى: {النفس بالنفس} [المائدة: 45] وقد اختلف فيمن وجد مع امرأته رجلًا فتحقق الأمر فقتله هل نقتله؟ فالجمهور على المنع والقصاص منه إلا إن أتى ببينة على الزنا أو على المقتول بالاعتراف أو اعتراف ورثته فلا يقتل قاتله إذا كان الزاني محصنًا (أم كيف يفعل)؟ أي أيّ شيء يفعل فكيف مفعول يفعل كقوله تعالى: {كيف فعل ربك} [الفيل: 1] إذ معناه أيّ فعل فعل ربك؟ ولا يتجه فيه أن يكون حالًا من الفاعل وعن سيبويه أن كيف ظرف وعن السيرافي والأخفش أنها اسم غير ظرف ورتبوا على هذا الخلاف أمورًا. أحدها: أن موضعها عند سيبويه نصب دائمًا وعندهما رفع مع المبتدأ نصب مع غيره. الثاني: أن تقديرها عند سيبويه في أي حال أو على أي حال وعندهما تقديرهما في نحو كيف زيد أصحيح زيد ونحوه وفي نحو كيف جاء زيد أراكبًا جاء زيد ونحوه. الثالث: أن الجواب المطابق عند سيبويه أن يقال على خير ونحوه، وقال ابن مالك ما معناه لم يقل أحد إن كيف ظرف إذ ليست زمانًا ولا مكانًا ولكنها لما كانت تفسر بقولك على أي حال لكونها سؤالًا عن الأحوال العامة سميت ظرفًا لأنها في تأويل الجارّ والمجرور واسم الظرف يطلق عليها مجازًا انتهى من المغني. (فأنزل الله في شأنه) في شأن عويمر (ما ذكر في) ولأبي ذر عن الكشميهني من (القرآن من أمر المتلاعنين) في قوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم} إلى آخر الآيات (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له: (قد قضى الله فيك وفي امرأتك) خولة بنت قيس بما أنزله في قوله: {والذين يرمون أزواجهم} [النور: 6] (قال) سهل (فتلاعنا في المسجد، وأنا شاهد) وفيه مشروعية تلاعن المسلم في المسجد الجامع وأما زوجته الذمية ففيما تعظمه من بيعة وكنيسة وغيرهما فإن رضي زوجها بلعانها في المسجد وقد طلبته جاز والحائض تلاعن بباب المسجد الجامع لتحريم مكثها فيه ومثلها النفساء والجنب والمتحيرة (فلما فرغا) من تلاعنهما (قال) عويمر: (كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين فرغا من التلاعن ففارقها عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تمسك به من قال: إن الفرقة بين المتلاعنين تتوقف على تطليق الزوج، وأجاب القائلون بأن الفرقة تقع بالتلاعن بقوله في حديث ابن عمر: فرّق النبي

31 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لو كنت راجما بغير بينة»

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين المتلاعنين، وبقوله في حديث مسلم: لا سبيل لك عليها (فقال) سهل أو ابن شهاب (ذاك تفريق) ولأبي ذر عن المستملي فكان ذلك تفريقًا وللكشميهني فصار بدل فكان وتفريقًا نصب كالمستملي (بين كل متلاعنين. قال ابن جربج) بالسند السابق (قال ابن شهاب فكانت السُّنَّة بعدهما أن يفرق بين) كل (المتلاعنين وكانت) خولة الملاعنة (حاملًا) حين الملاعنة (وكان ابنها يدعى لأمه) لا لزوجها الملاعن إذ اللعان ينتفي به النسب عنه إن نفاه في لعانه وإذا انتفى منه ألحق بها لأنه متحقق منها (قال ثم جرت السُّنّة في ميراثها) في ميراث الملاعنة (أنها ترثه) أي ترث الولد الذي لحقها ونفاه الرجل (ويرث) الولد (منها ما فرض الله له) ولأبي ذر لها. (قال ابن جريج) بالسند السابق (عن ابن شهاب) الزهري (عن سهل بن سعد الساعدي في هذا الحديث أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في اليونينية بكسر همزة إن (قال) ثبت قال لأبي ذر (إن جاءت به) بالولد المتلاعن بسببه (أحمر) اللون (قصيرًا) أي قصير القامة (كأنه وحرة) بفتح الواو والحاء المهملة والراء دويبة تترامى على الطعام واللحم فتفسده وقال في القاموس: وزغة كسام أبرص أو ضرب من العظاء لا تطأ شيئًا إلاّ سمته (فلا أراها) بضم الهمزة أي فلا أظنها (إلا وقد صدقت) والولد منه (وكذب عليها وإن جاءت به أسود أعين) بفتح الهمزة وسكون المهملة أي واسع العين (ذا) أي صاحب (إليتين) عظيمتين (فلا أراه) فلا أظنه (إلا قد صدق عليها) فهو لابن سحماء (فجاءت به) بالولد (على) الوصف (المكروه من ذلك) وهو شبهه بمن رميت به. 31 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لو كنت راجمًا) أحدًا أنكر (بغير بيّنة) لرجمته. 5310 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذُكِرَ التَّلاَعُنُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو إِلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا إِلاَّ لِقَوْلِي. فَذَهَبَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْمِ سَبْطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ خَدْلًا آدَمَ كَثِيرَ اللَّحْمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُمَّ بَيِّنْ»، فَجَاءَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ، فَلاَعَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمَا قَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَجْلِسِ: هِيَ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتُ هَذِهِ» فَقَالَ: لاَ. تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ فِي الإِسْلاَمِ السُّوءَ، قَالَ أَبُو صَالِحٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ خَدِلًا. [الحديث 5310 - أطرافه في: 5316، 6855، 6856، 7238]. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بالعين المهملة والفاء مصغرًا ونسبه لجده واسم أبيه كثير بالمثلثة مولى الأنصار المصري قال: (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق فعبد الرحمن يروي عن أبيه القاسم (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أنه) قال: (ذكر التلاعن) بضم الذال المعجمة مبنيًّا للمجهول أي ذكر حكم الرجل الذي يرمي امرأته بالزنا فعبّر عنه بالتلاعن باعتبار ما آل إليه الأمر بعد نزول الآية. (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال عاصم بن عدي) الأنصاري (في ذلك قولًا) لا يليق به نحو ما يدل على عجب النفس والنخوة والغيرة وعدم الحوالة إلى إرادة الله وحوله وقوّته قاله الكرماني ونقل عن ابن بطال أنه قال لو وجد مع امرأته رجلًا يضربه بالسيف حتى يقتله (ثم انصرف) عاصم بن عدي من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأتاه رجل من قومه) هو عويمر لا هلال بن أمية (يشكو إليه أنه قد وجد مع امرأته) خولة (رجلًا فقال عاصم: ما ابتليت بهذا إلا) ولأبي ذر بهذا الأمر إلا (لقولي) أي لسؤالي عما لم يقع فعوقبت بوقوع ذلك في رجل من قومي، وفي مرسل مقاتل بن حيان عند ابن أبي حاتم فقال عاصم: إنّا لله وإنا إليه راجعون هذا والله سؤالي عن هذا الأمر بين الناس فابتليت به (فذهب به) فذهب عاصم وعويمر (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره بالذي وجد عليه امرأته) خولة من خلوتها بالرجل الأجنبي (وكان) بالواو، ولأبي الوقت فكان (ذلك الرجل مصفرًّا) بتشديد الراء كثير الصفرة (قليل اللحم) نحيفًا (سبط الشعر) بسكون الموحدة وفتح العين مسترسلة غير جعدة (وكان الذي ادّعى عليه أنه وجده عند أهله خدلًا) بفتح الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة وتخفيف اللام في اليونينية وللأصيلي مما ذكره في التوضيح بكسر الدال، وحكى السفاقسي تخفيف اللام وتشديدها. قال في القاموس: الخدل الممتلئ والضخم وساق خدلة بيّنة الخدل محركة والخدلة المرأة الغليظة الساق المستديرتها الجمع خدال أو ممتلئة الأعضاء كالخدلاء. (آدم) بمد الهمزة من الأدمة وهي السمرة (كثير اللحم فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اللهم بيّن) لنا حكم هذه المسألة (فجاءت)

32 - باب صداق الملاعنة

ولدت ولدًا (شبيهًا بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده) معها (فلاعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينهما) ظاهره صدور الملاعنة بعد وضع الولد لكنه محمول على أن قوله فلاعن معقب بقوله فذهب به إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره بالذي وجد عليه امرأته، واعترض قوله: وكان ذلك الرجل إلى آخره بين الجملتين، والحامل على ذلك أن رواية القاسم هذه موافقة حديث سهل بن سعد، وفيه أن اللعان وقع بينهما قبل أن تضع (قال رجل) اسمه عبد الله بن شداد بن الهاد وهو ابن خالة ابن عباس (لابن عباس في المجلس) هذه المرأة (هي التي قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لو رجمت أحدًا بغير بيّنة رجمت هذه) أي امرأة عويمر (فقال) ابن عباس -رضي الله عنهما- (لا تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء) تعلن بالفاحشة ولكن لم يثبت عليها ذلك ببينة ولا اعتراف ولم يسمها (قال أبو صالح) عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد فيما أخرجه المؤلّف في المحاربين (وعبد الله بن يوسف) التنيسي مما وصله في الحدود (خدلًا) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال للأصيلي وبسكونها للأكثر وهي الرواية السابقة. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المحاربين ومسلم في اللعان والنسائي في الطلاق. 32 - باب صَدَاقِ الْمُلاَعَنَةِ (باب) حكم (صداق) المرأة (الملاعنة) بفتح العين. 5311 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ رَجُلٌ قَذَفَ امْرَأَتَهُ. فَقَالَ: فَرَّقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَخَوَي بَنِي الْعَجْلاَنِ، وَقَالَ: «اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ»؟ فَأَبَيَا فَقَالَ: «اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبُ»؟ فَأَبَيَا فَقَالَ: «اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ»؟ فَأَبَيَا. فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ أَيُّوبُ: فَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ إِنَّ فِي الْحَدِيثِ شَيْئًا لاَ أَرَاكَ تُحَدِّثُهُ قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ مَالِي قَالَ: قِيلَ لاَ مَالَ لَكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقَدْ دَخَلْتَ بِهَا وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَهْوَ أَبْعَدُ مِنْكَ. [الحديث 5311 - أطرافه في: 5312، 5349، 5350]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عمرو بن زرارة) بفتح العين في الأول وضم الزاي وتكرير الراء بينهما ألف قال: (أخبرنا إسماعيل) ابن علية (عن أيوب) السختياني (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: قلت لابن عمر) -رضي الله عنهما-: (رجل قذف امرأته) ما الحكم فيه؟ وزاد مسلم من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال: لم يفرق الصعب يعني ابن الزبير بين المتلاعنين أي حيث كان أميرًا على العراق. قال سعيد: فذكرت ذلك لابن عمر (فقال: فرّق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أخوي) بفتح الواو وسكون التحتية (بني العجلان) بفتح العين المهملة وسكون الجيم من باب التغليب حيث جعل الأخت كالأخ وأما إطلاق الإخوة فبالنظر إلى أن المؤمنين إخوة أو إلى القرابة التي بينهما بسبب أن الزوجين كليهما من قبيلة عجلان (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الله يعلم أن أحدكما كاذب) وللمستملي لكاذب وجملة يعلم في محل الخبر وإن فتحت لأنها سدت مسدّ مفعولي علم (فهل منكما تائب)؟ منكما خبر المبتدأ وهو تائب وسوّغ الابتداء بالنكرة تقدم الخبر والاستفهام وهو في المعنى صفة لموصوف محذوف أي فهل منكما أحد تائب أو شخص تائب ومن للبيان وتتعلق بالاستقرار المقدر وعرض التوبة لهما بلفظ الاستفهام لإبهام الكاذب منهما (فأبيا) فامتنعا (فقال) عليه الصلاة والسلام ثانيًا (الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل) أحد (منكما تائب فأبيا. فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثانيًا: (الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل) أحد (منكما تائب؟ فأبيا. ففرق) بتشديد الراء (بينهما) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فظاهره أن الفرقة لا تقع إلا بقضاء القاضي وهو قول أبي حنيفة. (قال أيوب) السختياني بالسند السابق: (فقال لي عمرو بن دينار: إن في الحديث) المذكور (شيئًا) سمعته من سعيد بن جبير وحفظته منه (لا أراك تحدثه. قال: قال الرجل): الملاعن أين (مالي) الذي دفعته إليها صداقًا أو مالي آخذه؟ فالخبر محذوف أو المعنى أطلب مالي منها فمنصوب بمحذوف وإنما قال مالي مع أن المرأة ملكته لظن أنه قد رجع إليه فصار ماله بمجرد اللعان فردّ عليه (قال: قيل: لا مال لك) لأنك (إن كنت صادقًا) فيما ادّعيت عليها (فقد دخلت بها) واستحقت جميع الصداق (وإن كنت كاذبًا) فيما ادّعيت عليها (فهو أبعد منك) لئلا يجتمع عليها الظلم في عرضها ومطالبتها بمال قبضته قبضًا صحيحًا تستحقه. نعم اختلف في غير المدخول بها، والجمهور على أن لها نصف الصداق كغيرها من المطلقات قبل الدخول وقيل بل لها الجميع، وقيل لا شيء لها أصلًا. وهذا الحديث أخرجه مسلم في اللعان وأبو داود والنسائي في الطلاق. 33 - باب قَوْلِ الإِمَامِ لِلْمُتَلاَعِنَيْنِ إِنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ (باب قول الإمام للمتلاعنين: إن أحدكما كاذب فهل منكما تائب) ولأبي ذر: من تائب.

34 - باب التفريق بين المتلاعنين

5312 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ الْمُتَلاَعِنَيْنِ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْمُتَلاَعِنَيْنِ: «حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، لاَ سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا»، قَالَ: مَالِي. قَالَ: «لاَ مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهْوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ»، قَالَ سُفْيَانُ: حَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو وَقَالَ أَيُّوبُ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ رَجُلٌ لاَعَنَ امْرَأَتَهُ فَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ، وَفَرَّقَ سُفْيَانُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى: فَرَّقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلاَنِ، وَقَالَ: «اللَّهُ يَعْلَمُ أنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. قَالَ سُفْيَانُ: حَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو وَأَيُّوبَ كَمَا أَخْبَرْتُكَ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال عمرو): بفتح العين ابن دينار (سمعت سعيد بن جبير قال: سألت ابن عمر) -رضي الله عنهما- (عن المتلاعنين) عن حكمهما أيفرّق بينهما؟ ولأبي ذر عن حديث المتلاعنين، ولمسلم من وجه آخر عن سعيد بن جبير سئلت عن المتلاعنين في امرأة مصعب بن الزبير فما دريت ما أقول فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكة. الحديث. وفيه: فقلت يا أبا عبد الرحمن المتلاعنان أيفرّق بينهما (فقال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمتلاعنين): (حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل) لا طريق (لك) على الاستيلاء (عليها) فلا تملك عصمتها بوجه من الوجوه فيستفاد منه تأبيد الحرمة (قال) يا رسول الله (مالي) الذي أصدقتها إياه آخذه منها؟ (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا مال لك) لأنك استوفيته بدخولك عليها وتمكينها لك من نفسها ثم أوضح له ذلك بتقسيم مستوعب فقال (إن كنت صدقت عليها) فيما نسبتها إليه (فهو بما استحللت من فرجها) ما موصولة وجملة استحللت في موضع الصلة والعائد محذوف والصلة والموصول في موضع جر بالياء وهي باء البدل والمقابلة (وإن كنت كذبت عليها فذاك) أي الطلب لما أمهرتها (أبعد لك) اللام للبيان. قال علي بن عبد الله المديني (قال سفيان) بن عيينة (حفظته) أي سمعت الحديث المذكور (من عمرو) أي ابن دينار. قال سفيان. (وقال أيوب) السختياني بالسند السابق: (سمعت سعيد بن جبير قال: قلت لابن عمر) -رضي الله عنهما- (رجل لاعن امرأته) أيفرّق بينهما؟ (فقال) فأشار ابن عمر (بإصبعيه) بالتثنية (وفرّق سفيان بين إصبعيه السبابة والوسطى) جملة معترضة أراد بها بيان الكيفية، وجواب السؤال قوله: (فرّق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أخوي بني العجلان وقال: "الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب" ثلاث مرات) ظاهره كما قال القاضي عياض: أنه عليه الصلاة والسلام قال ذلك بعد الفراغ من اللعان ففيه عرض التوبة على المذنب ولو بطريق الإجمال، وقال الداودي: قاله قبل اللعان تحذيرًا لهما قال ابن المديني: (قال) لي (سفيان: حفظته) أي الحديث (من عمرو) أي ابن دينار (وأيوب) السختياني (كما أخبرتك). والحاصل أن الحديث رواه سفيان عن عمرو بن دينار وأيوب السختياني كلاهما عن ابن عمر. 34 - باب التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ (باب التفريق بين المتلاعنين). وهذه الترجمة ثابتة في رواية المستملي ساقطة لغيره، نعم ثبت لفظ التبويب فقط للنسفي. 5313 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ قَذَفَهَا، وَأَحْلَفَهُمَا. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) الحزامي أحد الأعلام قال: (حدّثنا أنس بن عياض) أبو ضمرة (عن عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر -رضي الله عنهما- أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرّق بين رجل وامرأة) حال كون الرجل (قذفها) بالزنا (وأحلفهما) بالحاء المهملة أي لاعن بينهما وقوله: فرّق أي حكم بأن يفترقا حسًّا لحصول الافتراق شرعًا بنفس اللعان، واحتجوا لوقوع الفرقة بنفس اللعان بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الرواية الأخرى: "لا سبيل لك عليها". وتعقب بأن ذلك وقع جوابًا لسؤال الرجل عن ماله الذي أخذ منه. وأجيب: بأن العبرة بعموم اللفظ وهو نكرة في سياق النفي فتشتمل المال والبدن وتقتضي نفي تسليطه عليها بوجه من الوجوه؛ وفي حديث ابن عباس عند أبي داود: وقضى أن ليس عليه نفقة ولا سكنى من أجل أنهما يفترقان بغير طلاق ولا متوفى عنها وظاهره أن الفرقة وقعت بينهما بنفس اللعان. 5314 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لاَعَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بن عمر العمري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه (قال: لاعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين رجل وامرأة من الأنصار وفرّق بينما) تنفيذًا لما أوجب الله بينهما من المباعدة بنفس الملاعنة وتمسك بظاهره الحنفية فقالوا: إنما يكون التفريق من الحاكم، وقد سبق ما في ذلك والله

35 - باب يلحق الولد بالملاعنة

الموفق والمعين. 35 - باب يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالْمُلاَعِنَةِ هذا (باب) بالتنوين (يلحق الولد بالملاعنة) إذا نفاه الزوج والملاعنة بفتح العين والذي في اليونينية كسرها. 5315 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ، فَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال: (حدّثنا مالك) الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاعن بين رجل) هو عويمر (وامرأته) هي زوجته خولة (فانتفى) الرجل (من ولدها) قال في شرح المشكاة: الفاء سببية أي الملاعنة كانت سببًا لانتفاء الرجل من ولد المرأة وإلحاقه بها، وتعقبه في الفتح بأنه أراد أن الملاعنة سبب ثبوت الانتفاء فجيد وإن أراد أن الملاعنة سبب وجود الانتفاء فليس كذلك فإنه إن لم يتعرض لنفي الولد في الملاعنة لم ينتفِ. قال إمامنا الشافعي: إن نفي الولد في الملاعنة انتفى وإن لم يتعرض له فله أن يعيد اللعان لانتفائه ولا إعادة على المرأة وإن أمكنه الرفع إلى حاكم فأخر بغير عذر حتى ولدت لم يكن له أن ينفيه (ففرق) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بينهما وألحق الولد بالمرأة) فترث منه ما فرض الله لها ونفاه عن الزوج فلا توارث بينهما. وقال الدارقطني: تفرد مالك بهذه الزيادة، وأجيب: بأنها قد جاءت من أوجه أخرى في حديث سهل بن سعد وغيره. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في الفرائض ومسلم في اللعان وأبو داود في الطلاق والترمذي في النكاح والنسائي وابن ماجة في الطلاق. 36 - باب قَوْلِ الإِمَامِ اللَّهُمَّ بَيِّنْ (باب قول الإمام) في اللعان (اللهم بيّن) أي أظهر. 5316 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: ذُكِرَ الْمُتَلاَعِنَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا الأَمْرِ إِلاَّ لِقَوْلِي. فَذَهَبَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْمِ سَبْطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ الَّذِي وَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ آدَمَ خَدْلًا كَثِيرَ اللَّحْمِ جَعْدًا قَطَطًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُمَّ بَيِّنْ». فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَ عِنْدَهَا، فَلاَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمَا فَقَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَجْلِسِ: هِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ هَذِهِ». فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ. تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ السُّوءَ فِي الإِسْلاَمِ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد) الأنصاري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الرحمن بن القاسم عن القاس بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق فعبد الرحمن يروي عن أبيه القاسم (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أنه قال: ذكر) بضم الذال المعجمة (المتلاعنان عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال عاصم بن عدي) الأنصاري (في ذلك قولًا) وهو لو وجد الرجل مع امرأته رجلًا يضربه بالسيف حتى يقتله (ثم انصرف) عاصم من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأتاه رجل من قومه) هو عويمر (فذكر له أنه وجد مع امرأته) خولة (رجلًا فقال عاصم: ما ابتليت بهذا الأمر) في رجل من قومي (إلا لقولي) أي لسؤالي عما لم يقع (فذهب به) فذهب عاصم بعويمر (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره بالذي وجد عليه امرأته) من الخلوة بالأجنبي (وكان ذلك الرجل مصفرًّا قليل اللحم) نحيفًا (سبط الشعر) غير جعدة ولأبي ذر: الشعرة بسكون العين وبعد الراء هاء تأنيث (وكان) الرجل (الذي وجده عند أهله آدم) بالمد أسمر اللون (خدلًا) بفتح الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة وكسرها وتخفيف اللام وتشدد ممتلئ الساق (كثير اللحم جعدًا) بفتح الجيم وسكون العين المهملة شعره (قططًا) بفتحات وبكسر الطاء الأولى وفي الفرع كأصله شديد الجعودة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اللهم بيّن) قال ابن العرب: ليس معنى هذا الدعاء طلب ثبوت صدق أحدهما فقط بل معناه أن تلد ليظهر التشبه ولا تمتنع ولادتها بموت الولد مثلًا فلا يظهر البيان والحكمة فيه ردع من شاهد ذلك عن التلبّس بمثل ما وقع لما يترتب على ذلك من القبح ولو اندرأ الحدّ (فوضعت) ولدًا (شبيهًا بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجد) أي وجده (عندها فلاعن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينهما) عقب إخباره بالذي وجد عليه امرأته وحينئذ قوله وكان ذلك الرجل إلى آخره اعتراض (فقال الرجل) اسمه عبد الله بن شداد بن الهاد (لابن عباس في) ذلك (المجلس) هذه المرأة (هي التي قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لو رجمت أحدًا بغير بيّنة لرجمت هذه) امرأة عويمر (فقال ابن عباس: لا تلك امرأة كاتت تظهر السوء) تعلن الفاحشة (في الإسلام) لكن لم تعترف ولا أقيمت عليها بيّنة بذلك. 37 - باب إِذَا طَلَّقَهَا ثَلاَثًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ زَوْجًا غَيْرَهُ فَلَمْ يَمَسَّهَا هذا (باب) بالتنوين (إذا طلقها) أي إذا طلق الرجل زوجته (ثلاثًا ثم تزوّجت بعد العدّة زوجًا غيره فلم يمسها) أي هل تحل للأول إن طلّقها الثاني، وليس المراد طلاق

38 - باب {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم}

الملاعن لأن الملاعنة لا تعود للذي لاعن منها ولو تزوّجت عشرة سواء وطئها أم لم يطأها. 5317 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عمرو بن علي) الفلاس بالفاء وتشديد اللام آخره سين مهملة قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا هشام قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح). 0000 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَتْ آخَرَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّهُ لاَ يَأْتِيهَا، وَإِنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلاَّ مِثْلُ هُدْبَةٍ فَقَالَ: «لاَ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ». وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) أخو أبي بكر قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة لقب عبد الرحمن بن سليمان الكوفي (عن هشام عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أن رفاعة) بكسر الراء وتخفيف الفاء (القرظي) بالقاف المضمومة والظاء المعجمة من بني قريظة (تزوّج امرأة) اسمها تميمة بنت وهب (ثم طلّقها فتزوّجت) زوجًا (آخر) اسمه عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي وكسر الموحدة فلم يصل منها إلى شيء (فأتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكرت له أنها لا يأتيها) أي لا يجامعها (وأنه ليس معه) ذكر (إلا مثل هدبة) بضم الهاء وسكون الدال المهملة وفتح الموحدة أي هدبة الثوب في الارتخاء وعدم الانتشار وطلبت أن تعود لزوجها الأول رفاعة (فقال) لها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا) ترجعين إليه (حتى تذوقي عسيلته) أي عبد الرحمن بن الزبير (ويذوق عسيلتك) والعسيلة كناية عن الجماع وفي حديث عائشة عند أحمد العسيلة هي الجماع وأنّث العسيلة على إرادة القطعة من العسل أو على إرادة اللذة لتضمنه ذلك، ولذا فسّر أبو عبيدة فيما نقله عنه الماوردي العسيلة باللذة. وهذا الحديث قد سبق في باب من أجاز الطلاق الثلاث. 38 - باب {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ} قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنْ لَمْ تَعْلَمُوا يَحِضْنَ أَوْ لاَ يَحِضْنَ، {وَاللاَّئِي قَعَدْنَ عَنِ الْحَيْضِ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ}. هذا (باب) بالتنوين. قال الحافظ ابن حجر: سقط لفظ باب لأبي ذر وكريمة وثبت للباقين، ووقع عند ابن بطال كتاب العدد باب قول الله تعالى: والعدد جمع عدة مأخوذة من العدد لاشتمالها عليه غالبًا وهي مدة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها أو للتعبد وشرعت صيانة وتحصينًا لها من الاختلاط والأصل فيها قبل الإجماع الآيات الآتية. منها قوله تعالى: ({واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم}. قال مجاهد): فيما وصله الفريابي مفسرًا لإن ارتبتم أي (إن لم تعلموا يحضن أو لا يحضن {واللائي قعدن عن الحيض}) أي كبرن وصرن عجائز ولأبي ذر عن المحيض فحكمهن حكم اللائي يئسن ({واللائي لم يحضن}) أصلًا وهن الصغار اللائي لم يبلغن سن الحيض ({فعدّتهن ثلاثة أشهر}) [الطلاق: 4] وقيل: إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ اليأس وهو اثنتان وستون سنة أهو دم حيض أو استحاضة فعدّتهن ثلاثة أشهر وإذا كانت عدّة المرتابات بها فغير المرتابات أولى والأكثرون على أن المعنى إن ارتبتم في الحكم لا في اليأس، وفي الآية حذف تقديره واللائي لم يحضن فعدتهن كذلك فإن حاضت الصغيرة أو غيرها ممن لم يحضن أثناء العدة بالأشهر انتقلت إلى الحيض لقدرتها على الأصل قبل فراغها من البدل كالماء في أثناء التيمم ولم يحسب الماضي قرأ لأنه لم يحتوش بدمين، أما من حاضت بعد العدّة فلا يؤثر لأن حيضها حينئذ لا يمنع صدق القول بأنها عند اعتدادها بالأشهر من اللائي لم يحضن. 39 - باب {وَأُولاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} هذا (باب) بالتنوين، وهو ساقط لأبي ذر ({وأولات الأحمال}) الحبالى ({أجلهن}) عدتهن ({أن يضعن حملهن}) [الطلاق: 4] يتناول المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن. 5318 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الأَعْرَجِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهَا سُبَيْعَةُ كَانَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا تُوُفِّيَ عَنْهَا وَهْيَ حُبْلَى، فَخَطَبَهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ، فَأَبَتْ أَنْ تَنْكِحَهُ، فَقَالَ: "وَاللَّهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ تَنْكِحِيهِ حَتَّى تَعْتَدِّي آخِرَ الأَجَلَيْنِ"، فَمَكُثَتْ قَرِيبًا مِنْ عَشْرِ لَيَالٍ ثُمَّ جَاءَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «انْكِحِي». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن جعفر بن ربيعة) الكندي (عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن زينب ابنة) ولأبي ذر: بنت (أبي سلمة أخبرته عن أمها أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن امرأة من أسلم) بن أفصى بن حارثة (يقال لها سبيعة) بضم السين المهملة بنت الحارث (كانت تحت زوجها) سعد بن خولة المتوفى بمكة بعد أن هاجر منها (توفي عنها) ولأبي ذر عن الكشميهني منها (وهي) أي والحال أنها (حبلى) منه في حجة الوداع، وعند ابن سعيد قبل الفتح، وعند الطبري سنة سبع؛ وزاد

40 - باب قول الله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}

في تفسير سورة الطلاق فوضعت بعد موته بأربعين ليلة (فخطبها أبو السنابل) بفتح السين والنون وبعد الألف موحدة مكسورة فلام عمرو أو عامر أو حبة بمهملة وموحدة وقيل بنون وقيل أصرم وقيل غير ذلك. (ابن بعكك) بفتح الموحدة وسكون العين المهملة وفتح الكاف الأولى القرشي وزاد في التفسير فيمن خطبها (فأبت أن تنكحه) أن مصدرية وكان كهلًا وخطبها أبو البشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن الحارث وكان شابًّا (فقال) أبو السنابل لما رآها تجملت لغيره من الخطّاب (والله ما يصلح أن تنكحيه) أي تتزوجيه (حتى تعتدي آخر الأجلين) أي أربعة أشهر وعشرًا ولو وضعت قبل ذلك فإن مضت ولم تضع تتربص إلى أن تضع (فمكثت) بضم الكاف (قريبًا من عشر ليال) بعد الوضع (ثم جاءت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (انكحي) لأن عدّتك انقضت بوضع الحمل وهو مخصص كآية الطلاق لعموم قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} [البقرة: 234]. وهذا الحديث أخرجه النسائي في الطلاق. 5319 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى ابْنِ الأَرْقَمِ أَنْ يَسْأَلَ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ كَيْفَ أَفْتَاهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَتْ: أَفْتَانِي إِذَا وَضَعْتُ أَنْ أَنْكِحَ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير عن الليث) بن سعد الإمام (عن يزيد) بن أبي حبيب أبي رجاء المصري واسم أبي حبيب سويد (أن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (كتب إليه أن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله أخبره عن أبيه) عبد الله بن عتبة بن مسعود (أنه كتب إلى ابن الأرقم) عمر بن عبد الله وليس لعمر هذا في الصحيحين إلا هذا الحديث الواحد (أن يسأل سبيعة الأسلمية) وهي من المهاجرات كما عند ابن سعد (كيف أفتاها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في العدة لما توفي عنها زوجها وهي حامل فأتاها فسألها (فقالت: أفتاني إذا وضعت أن أنكح) فكتب إليه الجواب. وهذا قد أجمع عليه جمهور العلماء من السلف وأئمة الفتوى في الأمصار وإلا ما روي عن علي أنها تعتدّ آخر الأجلين يعني إن وضعت قبل الأربعة الأشهر والعشر تربصت إلى انقضائها ولا تحل بمجرد الوضع وإن انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى الوضع وبه قال ابن عباس لكن روي أنه رجع عنه. 5320 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَجَاءَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ، فَأَذِنَ لَهَا فَنَكَحَتْ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن المسور بن مخرمة أن سبيعة الأسلمية نفست) بضم النون وكسر الفاء أي ولدت (بعد وفاة زوجها) سعد بن خولة (بليال). وفي رواية الزهري فلم تنشب أن وضعت، وعند أحمد فلم تمكث إلا شهرين حتى وضعت، وفي تفسير الطلاق بعد زوجها بأربعين ليلة، وعند النسائي بعشرين ليلة وروي غير ذلك مما يتعذر فيه الجمع لاتحاد القصة ولعل ذلك السر في إبهام من أبهم المدة (فجاءت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت). واحتجوا للقائل بآخر الأجلين بأنهما عدتان مجتمعتان بصفتين، وقد اجتمعتا في الحامل المتوفى عنها زوجها فلا تخرج من عدتها إلا بيقين واليقين آخر الأجلين. وأجيب: بأنه لما كان المقصود الأصلي من العدة براءة الرحم ولا سيما فيمن تحيض حصل المطلوب بالوضع. 40 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ} وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ فِيمَنْ تَزَوَّجَ فِي الْعِدَّةِ فَحَاضَتْ عِنْدَهُ ثَلاَثَ حِيَضٍ: بَانَتْ مِنَ الأَوَّلِ، وَلاَ تَحْتَسِبُ بِهِ لِمَنْ بَعْدَهُ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: تَحْتَسِبُ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَى سُفْيَانَ يَعْنِي قَوْلَ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: يُقَالُ أَقْرَأَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا دَنَا حَيْضُهَا، وَأَقْرَأَتْ إِذَا دَنَا طُهْرُهَا. وَيُقَالُ مَا قَرَأَتْ بِسَلًى قَطُّ إِذَا لَمْ تَجْمَعْ وَلَدًا فِي بَطْنِهَا (باب قول الله تعالى: {والمطلقات}) المدخول بهن من ذوات الحيض ({يتربصن}) ينتظرن ({بأنفسهن ثلاثة قروء}) [البقرة: 228]. بعد الطلاق وهو خبر بمعنى الأمر والأصل الكلام ولتتربصن المطلقات وذكر الأمر بصيغة الخبر تأكيدًا للأمر وإشعارًا بأنه مما يجب أن يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله ونحوه قوله في الدعاء: رحمك الله أخرجه في صورة الخبر ثقة بالاستجابة كإنما وجدت الرحمة وهو مخبر عنها، وفي ذكر الأنفس تهييج لهن على التربص وزيادة بعث لأن أنفس النساء طوامح إلى الرجال فأمرن أن يقمعن أنفسهن ويغلبنها على الطموح ويجبرنها على التربص، وقوله: {يتربصن} يتعدى بنفسه لأنه بمعنى انتظر، ويحتمل أن يكون مفعول التربص محذوفًا تقديره يتربصن الأزواج وثلاثة قروء على هذا نصب على الظرف لأنه اسم عدد مضاف للظرف، والقروء جمع كثرة ومن ثلاثة إلى عشرة

41 - باب قصة فاطمة بنت قيس وقوله عز وجل: {واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا}. {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} -إلى قوله- {بعد عسر يسرا}.

يميز بمجموع القلة ولا يعدل عن القلة في ذلك إلا عند عدم استعمال جمع القلة غالبًا وجمع القلة هنا موجود وهو إقراء فالحكمة في الإتيان بجمع الكثرة مع وجود القلة أنه لما جمع المطلقات جمع القرء لأن لكل مطلقة تربص ثلاثة أقراء فصارت كثرة بهذا الاعتبار، وسقط لفظ باب لأبي ذر. (وقال إبراهيم) النخعي فيما وصله ابن أبي شيبة (فيمن تزوّج) امرأة (في العدّة) تزويجًا فاسدًا (فحاضت عنده) أي عند الثاني (ثلاث حيض بانت) بانقضاء هذه العدّة (من) الزوج (الأول ولا تحتسب) بفتح الفوقيتين وكسر السين (به) بالحيض (لمن بعده) لمن بعد الأول بل تعتد أخرى للثاني فلا تداخل لتعدد المستحق فتعتد لكل واحد منهما عدة كاملة، وروى المدنيون عن مالك إن كانت حاضت حيضة أو حيضتين من الأول أنها تتم بقية عدتها منه ثم تستأنف عدة أخرى وهو قول الشافعي وأحمد. (وقال الزهري): محمد بن مسلم (تحتسب) بالحيض للثاني كالأوّل فيكفي لهما عدة واحدة وهو قول الحنفية ورواية مالك (وهذا أحب إلى سفيان) الثوري (يعني: قول الزهري) لأن الأول لا ينكحها في بقية العدة من الثاني فدلّ على أنها في عدة الثاني ولولا ذلك لنكحها في عدتها منه. (وقال معمر) هو أبو عبيد بن المثنى (يقال أقرأت المرأة إذا دنا) قرب (حيضها وأقرأت إذا دنا) قرب (طهرها) فيستعمل في الضدين لكن المراد بالقرء عند الشافعية الطهر لقوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1] أي في زمنها وهو زمن الطهر إذ الطلاق في الحيض محرم كما سبق، ولأن القرء مأخوذ من قولهم قرأت الماء في الحوض أي جمعته فيه فالطهر أحق باسم القرء لأنه زمن اجتماع الدم في الرحم والحيض زمن خروجه منه فينصرف إذن إلى زمن الطهر الذي هو زمن العدة وزمنها يعقب زمن الطلاق والطهر ما احتوشه دمان أي دما حيضتين أو حيض ونفاس لا مجرد الانتقال إلى الحيض فإن طلقها في الطهر ولو بقي منه لحظة أو جامعها فيه انقضت عدتها بالطعن في الحيضة الثالثة ولا يبعد تسمية قرأين وبعض الثالث ثلاثة أقراء كما يقال خرجت من البلد لثلاث مضين مع وقوع خروجه في الثالثة، وكما في قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات} [البقرة: 197] مع أن المراد شوّال وذو القعدة وبعض ذي الحجة ولأنا لو لم نعتد بالباقي قرأ لكان أبلغ في تطويل العدّة عليها من الطلاق في الحيض أو طلقها في الحيض فبالطعن في الحيضة الرابعة انقضت عدتها (ويقال: ما قرأت بسلا قط إذا لم تجمع ولدًا في بطنها) بكسر الباء الموحدة وفتح السين والتنوين من غير همز في قوله: بسلا غشاء الولد. وسبق في أوائل سورة النور. 41 - باب قِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}. {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} -إِلَى قَوْلِهِ- {بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}. (باب قصة فاطمة بنت قيس) أي ابن خالد الأكبر الفهرية أخت الضحاك من المهاجرات الأول (وقوله عز وجل) ولأبي ذر وقول الله عز وجل: ({واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن}) أي لا تخرجوا المطلقات طلاقًا بائنًا بخلع أو ثلاث حاملًا كانت أو حائلًا غضبًا عليهن وكراهية لمساكنتهن أو لحاجة لكم إلى المساكن ولا تأذنوا لهن في الخروج إذا طلبن ذلك إيذانًا بأن إذنهم لا أثر له في رفع الحظر ({من بيوتهن}) مساكنهن التي يسكنها قبل العدّة وهي بيوت الأزواج وأضيفت إليهن لاختصاصها بهن من حيث السكنى ({ولا يخرجن}) بأنفسهن إن أردن ذلك، ولو وافق الزوج وعلى الحاكم المنع منه لأن في العدة حقًّا لله تعالى، وقد وجبت في ذلك المسكن. وفي الحاوي والمهذّب وغيرهما، من كتب العراقيين أن للزوج أن يسكنها حيث شاء لأنها في حكم الزوجة، وبه جزم النووي في نكته، قال السبكي: والأول أولى لإطلاق الآية، والأذرعي أنه المذهب المشهور والزركشي أنه الصواب ({إلاّ أن يأتين بفاحشة مبينة}) قيل: هي الزنا أي إلا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحدّ عليهن قاله ابن مسعود، وبه أخذ أبو يوسف وقيل خروجها قبل انقضاء العدة فاحشة في نفسه قاله النخعي، وبه أخذ أبو حنيفة، وقال ابن عباس: الفاحشة نشوزها وأن تكون بذيّة اللسان على أحمائها. قال الشيخ كمال الدين بن الهمام: وقول ابن مسعود أظهر من جهة وضع اللفظ له لأن

إلا أن غاية والشيء لا يكون غاية لنفسه وما قاله النخعي أبدع وأعذب في الكلام كما يقال في الخطابيات لا تزن إلا أن تكون فاسقًا ولا تشتم أمك إلا أن تكون قاطع رحم ونحوه وهو بديع بليغ جدًّا ({وتلك حدود الله}) أي الأحكام المذكورة ({ومن يتعد حدود الله فقد ظل نفسه لا تدري}) أيها المخاطب ({لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا}) [الطلاق: 1] بأن يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها أو من الرغبة عنها إلى الرغبة فيها أو من عزيمة الطلاق إلى الندم عليه فيراجعها، والمعنى فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدّة ولا تخرجوهن من بيوتهن لعلكم تندمون فتراجعون. ثم ابتدأ المصنف بآية أخرى من سورة الطلاق فقال: ({أسكنوهن من حيث سكنتم}) من للتبعيض حذف مبعضها أي أسكنوهن مكانًا من حين سكنتم أي بعض مكان سكناكم ({من وجدكم}) عطف بيان لقوله: {من حيث سكنتم} وتفسير له كأنه قيل أسكنوهن مكانًا من مسكنكم مما تطيقونه والوجد الوسع والطاقة ({ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن}) من المسكن ببعض الأسباب حتى تضطروهن إلى الخروج ({وإن كن}) أي المطلقات ({أولات حمل}) ذوات الأحمال ({فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} -إلى قوله-) تعالى: ({بعد عسر يسرًا}) [الطلاق: 6، 7] أي بعد ضيق في المعيشة سعة وهو وعد لذي العسر باليسر والنفقة للحامل شاملة للأدم والكسوة إذ إنها مشغولة بمائه فهو مستمتع برحمها فصار كالاستمتاع بها في حال الزوجية، إذ الغسل مقصود بالنكاح كما أن الوطء مقصود به والنفقة للحامل بسبب الحمل لا للحمل لأنها لو كانت له لتقدرت بقدر كفايته ومفهوم الآية أن غير الحمل لا نفقة لها، وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر معنى. والسياق يفهم أنها في غير الرجعية لأن نفقة الرجعية واجبة ولو لم تكن حاملًا. وذهب الإمام إلى أنه لا نفقة لها ولا سكنى على ظاهر حديث فاطمة وإنما وجبت السكنى لمعتدة وفاة وطلاق بائن وهي حائل دون النفقة لأنها لصيانة ماء الزوج وهي تحتاج إليها بعد الفرقة كما تحتاج إليها قبلها والنفقة لسلطنته عليها، وقد انقطعت. وسياق هذه الآيات كلها ثابت في رواية كريمة، وقال أبو ذر في روايته بعد قوله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن} الآية، وهو نصب بفعل مقدر. 5321 - 5322 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُما يَذْكُران أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ طَلَّقَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ، فَانْتَقَلَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مَرْوَانَ، وَهْوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ: اتَّقِ اللَّهَ وَارْدُدْهَا إِلَى بَيْتِهَا. قَالَ مَرْوَانُ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ غَلَبَنِي. وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: أَوَ مَا بَلَغَكِ شَأْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؟ قَالَتْ: لاَ يَضُرُّكَ أَنْ لاَ تَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ. فَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ: إِنْ كَانَ بِكِ شَرٌّ فَحَسْبُكِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ مِنَ الشَّرِّ. [الحديث 5321 - أطرافه في: 5323، 5325، 5327]. [الحديث 5322 - أطرافه في: 5324، 5326، 5328] وبه قال: (حدّثنا) بالجمع (إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق (وسليمان بن يسار) بالتحتية والسين المهملة المخففة مولى ميمونة (أنه) أي أن يحيى بن سعيد الأنصاري (سمعهما) أبي القاسم بن محمد وسليمان بن يسار (يذكران أن يحيى بن سعيد بن العاص) أخا عمرو بن سعيد المعروف بالأشدق (طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم) بفتحتين عمرة الطلاق البتة (فانتقلها) أي نقلها (عبد الرحمن) أبوها من مسكنها الذي طلقت فيه، فسمعت عائشة بنقل عبد الرحمن ابنته من مسكنها الذي طلقت فيه (فأرسلت عائشة أم المؤمنين) -رضي الله عنها- (إلى) عم عمرة بنت عبد الرحمن بن الحكم (مروان) ولأبي ذر زيادة ابن الحكم (وهو أمير المدينة) يومئذٍ من قبل معاوية وولي الخلافة بعد تقول له (اتق الله) يا مروان (وارددها إلى بيتها) الذي طلقت فيه (قال مروان) مجيبًا لعائشة كما (في حديث سليمان) بن يسار (أن عبد الرحمن بن الحكم) يعني أخاه والد عمرة (غلبني) فلم أقدر على منعه من نقلتها (وقال القاسم بن محمد) في حديثه قال مروان مجيبًا لعائشة أيضًا: (أو ما بلغك شأن فاطمة بنت قيس)؟ حيث لم تعتد في بيت زوجها وانتقلت إلى غيره (قالت) عائشة -رضي الله عنها- لمروان (لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة) لأنه لا حجة فيه لجواز انتقال المطلقة من منزلها بسبب قاله في الفتح، وقال في الكواكب: كان لعلة وهو أن مكانها كان وحشًا مخوفًا عليه أو لأنها كانت لسنة استطالت على أحمائها (فقال

42 - باب المطلقة إذا خشي عليها في مسكن زوجها أن يقتحم عليها، أو تبذو على أهلها بفاحشة

مروان بن الحكم) لعائشة (إن كان بك شر) أي إن كان عندك أن سبب خروج فاطمة بنت قيس ما وقع بينها وبين أقارب زوجها من الشر (فحسبك) فيكفيك في جواز انتقال عمرة (ما بين هذين) عمرة زوجها يحيى بن سعيد (من الشر). ومفهومه جواز النقلة من المسكن الذي طلقت فيه بشرط وجود عارض يقتضي جواز خروجها منه، كأن يكون المنزل مستعارًا ورجع المعير ولم يرض بإجارته بأجرة المثل، أو امتنع المكري من تجديد الإجارة بذلك، أو كان ملكًا لها ولم تختر الاستمرار فيه بإجارة بل اختارت الانتقال منه إذ لا يلزمها بذله بإعارة ولا إجارة كما لو كان المسكن خسيًسا وطلبت النقلة منه إلى اللائق بها، فإن كان نفيسًا فللزوج نقلها إلى غيره لائق بها ويتحرى المنزل الأقرب إلى المنقول عنه بحسب الإمكان. وقال المرداوي من الحنابلة: تعتد بائن حيث شاءت من البلد في مكان مأمون ولا تسافر ولا تبيت إلا في منزلها، وإن أراد إسكانها في منزله أو غيره مما يحصل لها تحصينًا لفراشه ولا محذور فيه لزمها ذلك ولو لم تلزمه نفقة. 5323 - 5324 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَا لِفَاطِمَةَ، أَلاَ تَتَّقِي اللَّهَ؟ يَعْنِي فِي قَوْلِهَا لاَ سُكْنَى وَلاَ نَفَقَةَ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أنها قالت: ما لفاطمة) بنت قيس أي ما شأنها (ألا) بالتخفيف (تتقي الله يعني في قوله) ولأبي ذر في قولها (لا سكنى ولا نفقة) للمطلقة البائن على زوجها والحال أنها تعرف قصتها يقينًا من أنها إنما أمرت بالانتقال لعذر وعلة كانت بها فأخبرت بما أباح لها الشارع من الانتقال ولم تخبر بالعلة. وهذا الحديث أخرجه مسلم. 5325 - 5326 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ لِعَائِشَةَ: أَلَمْ تَرَيْنَ إِلَى فُلاَنَةَ بِنْتِ الْحَكَمِ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتَّةَ فَخَرَجَتْ؟ فَقَالَتْ: بِئْسَ مَا صَنَعَتْ. قَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِي فِي قَوْلِ فَاطِمَةَ؟ قَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ لَهَا خَيْرٌ فِي ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَزَادَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ: عَابَتْ عَائِشَةُ أَشَدَّ الْعَيْبِ وَقَالَتْ: إِنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحِشٍ فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا فَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عباس) بفتح العين وعباس بالموحدة آخره سين مهملة البصري قال: (حدّثنا ابن مهدي) عبد الرحمن قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أنه (قال: قال عروة بن الزبير لعائشة) -رضي الله عنها-: (ألم ترين) بالنون ولأبي ذر ألم تري (إلى فلانة) عمرة (بنت الحكم) نسبها لجدها وإلاّ فاسم أبيها عبد الرحمن كما مرّ (طلّقها زوجها) يحيى بن سعيد بن العاص الطلاق (البتة فخرجت) من المنزل الذي طلقها فيه إلى غيره (فقالت) عائشة: (بئسما صنعت) ولأبي ذر عن الكشميهني بئسما صنع أي زوجها من تمكينه لها من ذلك أو بئسما صنع أبوها في موافقتها لذلك (قال) عروة لعائشة: (ألم تسمعي في قول فاطمة) بنت قيس حيث أذن لها بالانتقال من المنزل الذي طلقت فيه (قالت) عائشة (أما) بالتخفيف (أنه ليس لها خير في ذكر هذا الحديث) إذ هو موهم للتعميم وقد كان خاصًّا بها لعذر كان بها ولما فيه من الغضاضة (وزاد ابن أبي الزناد) بالنون بعد الزاي عبد الرحمن واسم أبي الزناد عبد الله فيما وصله أبو داود (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير أنه قال: (عابت عائشة) على فاطمة بنت قيس (أشد العيب وقالت: إن فاطمة كانت في مكان وحش) بفتح الواو وسكون الحاء المهملة بعدها شين معجمة أي خال ليس به أنيس (فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الانتقال وعند النسائي من طريق ميمون بن مهران قال: قدمت المدينة فقلت لسعيد بن المسيب إن فاطمة بنت قيس خرجت عن بيتها فقال: إنها كانت لَسِنة، ولأبي ذر من طريق سليمان بن يسار: إنما كان ذلك من سوء الخلق. 42 - باب الْمُطَلَّقَةِ إِذَا خُشِيَ عَلَيْهَا فِي مَسْكَنِ زَوْجِهَا أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيْهَا، أَوْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِهَا بِفَاحِشَةٍ (باب) حكم المرأة (المطلقة إذا خشي عليها) بضم الخاء وكسر الشين المعجمتين (في مسكن زوجها) في مدة عدتها منه (أن يقتحم) بضم التحتية وسكون القاف وفتح الفوقية والحاء المهملة أي يهجم (عليها) بغير إذن إما مطلقها أو غيره من سارق ونحوه (أو تبذو) بالذال المعجمة من البذاء وهو القول الفاحش (على أهلها) ولأبي ذر عن الكشميهني على أهله أي أهل

43 - باب قول الله تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن} من الحيض والحبل

المطلق (بفاحشة) وجواب إذا محذوف والتقدير تنتقل إلى مسكن غير مسكن الطلاق. 5327 - 5328 - وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ. وبه قال: (وحدّثني) بالإفراد وبالواو ولأبي ذر: حدّثنا (حبان) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن موسى المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (أن عائشة) -رضي الله عنها- (أنكرت ذلك) القول وهو أنه لا نفقة ولا سكنى للمطلقة البائن (على فاطمة) بنت قيس وفي رواية أبي أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن فاطمة بنت قيس قالت: قلت يا رسول الله إن زوجي طلقني ثلاثًا فأخاف أن يقتحم عليّ فأمرها فتحولت. قال في الفتح: وقد أخذ البخاري الترجمة من مجموع ما ورد في قصة فاطمة فرتب الجواز على أحد الأمرين: إما خشية الاقتحام عليها وإما أن يقع منها على أهل مطلقها فحش في القول ولم ير أن بين الأمرين في قصة فاطمة معارضة لاحتمال وقوعهما معًا في شأنها. وقال الكرماني: فإن قلت؛ لم يذكر البخاري ما شرط في الترجمة من البذاء. قلت: علم من القياس على الاقتحام والجامع بينهما رعاية المصلحة وشدة الحاجة إلى الاحتراز عنه، وقال شارح التراجم ذكر في الترجمة الخوف عليها والخوف منها، والحديث يقتضي الأول وقاس الثاني عليه، ويؤيده قول عائشة لها في بعض الطرق أخرجك هذا اللسان فكان الزيادة لم تكن على شرطه فضمنها للترجمة قياسًا. 43 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} مِنَ الْحَيْضِ وَالْحَبَلِ (باب قول الله تعالى: {ولا يحل لهن}) أي للنساء ({أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن}) [البقرة: 228] قال مجاهد وأكثر المفسرين (من الحيض والحبل) بالموحدة المفتوحة، ولأبي ذر: والحمل بالميم الساكنة بدل الموحدة وذلك إذا أرادت المرأة فراق زوجها فكتمت حملها لئلا ينتظر بطلاقها أن تضع ولئلا يشفق على الولد فيترك تسريحها أو كتمت حيضها، وقالت وهي حائض قد طهرت استعجالًا للطلاق. 5329 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَنْفِرَ إِذَا صَفِيَّةُ عَلَى بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً، فَقَالَ لَهَا: «عَقْرَى أَوْ حَلْقَى إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا، أَكُنْتِ أَفَضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ»؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: «فَانْفِرِي إِذًا». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بن عتيبة (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: لما أراد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ينفر) في حجة الوداع النفر الثاني (إذا صفية) بنت حيي (على باب خبائها) حال كونها (كئيبة) حزينة (فقال) عليه الصلاة والسلام (لها): (عقرى) بفتح العين وسكون القاف وفتح الراء أي عقرك الله في جسدك فهو بمعنى الدعاء لكنه يجري على لسان العرب من غير قصد إليه (أو حلقى) بالشك من الراوي وسقط (أو) لأبي ذر أي أصابك بوجع في حلقك (إنك لحابستنا) عن النفر وأسند الحبس إليها لأنها سببه (أكنت) بهمزة الاستفهام (أفضت) أي طفت طواف الزيارة (يوم النحر؟ قالت: نعم. قال) عليه الصلاة والسلام (فانفري) بكسر الفاء الثانية (إذًا) بالتنوين لأن طواف الوداع لازم للحائض، قال ابن المنير: لما رتب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على مجرد قول صفية أنها حائض تأخيره عن السفر أخذ منه تعدي الحكم إلى الزوج فتصدق المرأة في الحيض والحمل باعتبار رجعة الزوج وسقوطها وإلحاق الحمل به. وهذا الحديث قد سبق في كتاب الحج في باب التمتع. 44 - باب {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} فِي الْعِدَّةِ وَكَيْفَ يُرَاجِعُ الْمَرْأَةَ إِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وبعولتهن}) جمع بعل والتاء لاحقة لتأنيث الجمع ({أحق بردهن}) [البقرة: 228] أي أزواجهن أولى برجعتهن ما كن (في العدة) فإذا انقضت العدة احتيج لعقد جديد (وكيف يراجع) الرجل (المرأة) ولأبي ذر تراجع بالفوقية وفتح الجيم مبنيًّا للمفعول المرأة (إذا طلقها واحدة أو ثنتين). 5330 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: زَوَّجَ مَعْقِلٌ أُخْتَهُ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا يونس) بن عبيد البصري (عن الحسن) البصري أنه (قال: زوّج معقل) بفتح الميم وسكون المهملة وكسر القاف بن يسار ضد اليمين (أخته) جميلة بضم الجيم مصغرًا أو ليلى بأبي البداح بن عاصم أو بعاصم نفسه أو بالبداح بن عاصم أخي أبي البداح أو بعبد الله بن رواحة خلاف سبق في تفسير سورة

45 - باب مراجعة الحائض

البقرة (فطلقها تطليقة). قال المؤلّف: 5331 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ كَانَتْ أُخْتُهُ تَحْتَ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ خَلَّى عَنْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ خَطَبَهَا فَحَمِيَ مَعْقِلٌ مِنَ ذَلِكَ آنَفًا فَقَالَ: خَلَّى عَنْهَا وَهْوَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَخْطُبُهَا، فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَ عَلَيْهِ، فَتَرَكَ الْحَمِيَّةَ، وَاسْتَقَادَ لأَمْرِ اللَّهِ. (وحدّثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي الحافظ قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى البصري السامي بالمهملة قال: (حدّثنا سعيد) بكسر العين بن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة السدوسي قال: (حدّثنا الحسن) البصري (أن معقل بن يسار) المزني (كانت أخته تحت رجل فطلقها) أي واحدة أو اثنتين (ثم خلى عنها) بفتح الخاء المعجمة واللام المشددة (حتى انقضت عدتها ثم خطبها) من أخيها معقل (فحمي) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم أي أنف (معقل من ذلك أنفًَا) بفتح الهمزة والنون والفاء المنوّنة أي استنكافًا. وقال في فتح الباري أي ترك الفعل غيظًا وترفعًا (فقال) أي معقل (خلّى عنها) بتشديد اللام (وهو يقدر عليها) أي على مراجعتها قبل انقضاء عدتها (ثم يخطبها فحال بينه وبينها فأنزل الله تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن}) أي انقضت عدتهن ({فلا تعضلوهن}) [البقرة: 232] فلا تمنعوهن (إلى آخر الآية) وفيه أن المرأة إنما يزوجها الولي إذ لو تمكنت من ذلك لم يكن لعضل الولي معنى (فدعاه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرأ) ها (عليه فترك الحمي) بالتشديد (واستقاد) بالقاف أطاع (لأمر الله) وامتثله ولأبي ذر عن الكشميهني واستراد براء بعد الفوقية بدل القاف وتشديد الدال من الرد وهو الطلب أي طلب رجعتها لمطلقها ورضي به. وقد سبق هذا الحديث في التفسير والنكاح. 5332 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنهما- طَلَّقَ امْرَأَةً لَهُ وَهْيَ حَائِضٌ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ حَيْضِهَا، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُجَامِعَهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ لأَحَدِهِمْ: إِنْ كُنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلاَثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَزَادَ فِيهِ غَيْرُهُ عَنِ اللَّيْثِ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ طَلَّقْتَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَنِي بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- طلّق امرأة له) اسمها آمنة بنت غفار (وهي حائض تطليقة واحدة فأمره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أمر ندب وقال المالكية: وصححه صاحب الهداية من الحنفية للوجوب (أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض أخرى ثم يمهلها حتى تطهر من حيضها فإن أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها فتلك) أي حالة الطهر (العدة) زمنها المعتبر فيها (التي أمر الله) أي أذن الله في قوله: {فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1] (أن يطلق لها النساء) بفتح لام يطلق (وكان عبد الله) بن عمر (إذا سئل عن ذلك) أي عمن طلق ثلاثًا (قال لأحدهم: إن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لو (كنت طلقتها ثلاثًا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجًا غيره) بضمير الغيبة ولأبي ذر وابن عساكر غيرك بضمير الخطاب. (وزاد فيه) في الحديث (غيره) أي غير قتيبة وهو أبو الجهم (عن الليث) بن سعد أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (نافع قال ابن عمر) - رضي الله عنهما - يخاطب من سأله عن كونه طلّق امرأته ثلاثًا: (لو طلقت) امرأتك (مرة أو مرتين) لكان لك أن تراجعها (فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما طلقت امرأتي وهي حائض طلاقًا غير بائن (أمرني بهذا) أي بالمراجعة وزاد في باب من قال لامرأته: أنت عليّ حرام فإن طلقتها ثلاثًا حرمت حتى تنكح زوجًا غيرك. وهذا وصله أبو الجهم في جزئه. 45 - باب مُرَاجَعَةِ الْحَائِضِ (باب مراجعة الحائض) إذا طلقت طلاقًا غير بائن. 5333 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهْيَ حَائِضٌ فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مُرْهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُطَلِّقَ مِنْ قُبُلِ عِدَّتِهَا، قُلْتُ: فَتَعْتَدُّ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ. وبه قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن منهال قال: (حدّثنا يزيد بن إبراهيم) التستري قال: (حدّثنا محمد بن سيرين) قال: (حدّثني) بالإفراد (يونس بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة آخره راء مصغرًا ابن مطعم أنه قال: (سألت ابن عمر) عمن يطلق امرأته وهي حائض (فقال) مجيبًا لي معبرًا بلفظ الغيبة عن نفسه: (طلق ابن عمر امرأته) آمنة بنت غفار (وهي حائض فسأل عمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن ذلك لما سأله عنه ابنه (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر: (مره) أي مر ابنك عبد الله (أن يراجعها) إلى عصمته (ثم يطلقـ) ـها (من قبل) بضم القاف والموحدة أي من وقت استقبال (عدتها) والثروع فيها وذلك في الطهر. قال يونس بن جبير: (قلت) لابن عمر: (أفتعتدّ بتلك التطليقة)؟ وتحتسبها ويحكم بوقوع طلقة (قال) ابن عمر مجيبًا له: (أرأيت) أي أخبرني ({من عجز}) ابن عمر (واستحمق) فما يمنعه أن يكون طلاقًا. وهذا الحديث قد مر في أوائل الطلاق.

46 - باب تحد المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا

46 - باب تُحِدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لاَ أَرَى أَنْ تَقْرَبَ الصَّبِيَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الطِّيبَ لأَنَّ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ هذا (باب) بالتنوين (تحد) المرأة (المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرًا) تحد بضم الفوقية وكسر الحاء المهملة من الثلاثي المزيد فيه من أحد على وزن أفعل تحد إحدادًا وهو لغة المنع واصطلاحًا ترك المتوفى عنها زوجها في عدة الوفاة لبس مصبوغ بما يقصد لزينة ولو صبغ قبل نسجه وترك تحل بحب يتحلى به كلؤلؤ ومصوغ من ذهب أو فضة أو غيرهما نحو نحاس موّه بهما نهارًا كخلخال وسوار وخاتم، وترك تطيب في بدن وثوب وطعام وكحل ولو غير محرم، وترك دهن شعر واكتحال بكحل زينة كإثمد إلا لحاجة كرمد فتكتحل به ليلًا ونهارًا وترك اسفيذاج يطلى به الوجه ودمام وهي حمرة يورد بها الخد وخضاب بنحو حناء كزعفران وورس وسقط لفظ زوجها لأبي ذر. (وقال الزهري) محمد بن مسلم: (لا أرى) بفتح الهمزة والراء (أن تقرب الصبية المتوفى عنها) زوجها (الطيب) بالنصب على المفعولية (لأن عليها) كالمبالغة (العدة) خلافًا لأبي حنيفة رحمه الله، وهذا الأثر وصله ابن وهب في موطئه بدون قوله لأن عليها العدة. قال في الفتح: وأظنه من تصرف المصنف. 0000 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ هَذِهِ الأَحَادِيثَ الثَّلاَثَةَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) بفتح العين والحاء المهملة وسكون الزاي (عن حميد بن نافع) أبي أفلح الأنصاري (عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة) بن عبد الأسد وهي بنت أم المؤمنين أم سلمة ربيبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة) فالأول عن أم حبيبة، والثاني عن زينب بنت جحش، وسبقا في باب إحداد المرأة على غير زوجها من كتاب الجنائز. 5334 - قَالَتْ زَيْنَبُ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرُهُ، فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا». (قالت زينب) بنت أبي سلمة (دخلت على أم حبيبة) رملة (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين توفي أبوها أبو سفيان) صخر (بن حرب) بالشام وجاءها نعيه (فدعت أم حبيبة بطيب) أي طلبت طيبًا (فيه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيها (صفرة خلوق) بوزن صبور ضرب من الطيب (أو غيره) ولأبي ذر صفرة خلوق بإضافة صفرة لتاليه أو غيره بالجر عطفًا على المضاف إليه ولغير أبي ذر بالرفع (فدهنت منه) من الخلوق (جارية) لم أقف على اسمها (ثم مست بعارضيها) أي مسحت أم حبيبة بجانبي وجه نفسها وجعل العارضين ماسحين والظاهر أنها جعلت الصفرة في يديها ومسحتها بعارضيها والباء للإلصاق أو الاستعانة ومسح يتعدى بنفسه وبالباء تقول مسحت رأسي وبرأسي وزاد في الجنائز وذراعيها (ثم قالت: والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) نفي بمعنى النهي (أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال) المصدر المنسبك من أن تحد فاعل يحل وفوق ظرف زمان لأنه أضيف إلى زمان (إلا على زوج) إيجاب للنفي والجار والمجرور يتعلق بتحد فيكون استثناء مفرغًا (أربعة أشهر وعشرًا) من تمام الاستثناء لأن التقدير أن تحد على ميت فوق ثلاث فقوله إلا على زوج مستثنى من ميت المقدر، وقوله أربعة أشهر مستثنى من الفوقية لأن المراد بالفوقية زمن طويل استثنى منه أربعة أشهر وعشرًا، ويحتمل أن يكون التقدير إلا أن تحد على زوج أربعة أشهر وعشرًا فيكون الاستثناء بهذا التقدير متصلًا ويكون على زوج متعلقًا بالمحذوف أو يكون التقدير إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا فيكون أربعة أشهر معمولًا لتحد وعشرًا معطوف عليه. 5335 - قَالَتْ زَيْنَبُ: فَدَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ ثُمَّ قَالَتْ: أَمَا وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا». (قالت زينب) بنت أبي سلمة (فدخلت على زينب ابنة جحش) ولأبي ذر بنت جحش (حين توفي أخوها) سمي في بعض الموطآت عبد الله وكذا هو في صحيح ابن حبان من طريق أبي مصعب لكن المعروف أن عبد الله بن جحش قتل بأحد شهيدًا وزينب بنت أبي سلمة يومئذٍ طفلة فيستحيل أن تكون دخلت على زينب بنت جحش في تلك الحالة ويجوز أن يكون عبيد الله المصغر فإن دخول زينب بنت أبي سلمة عند بلوغ الخبر بوفاته كان وهي مميزة قاله في فتح الباري (فدعت

بطيب فمست منه ثم قالت: أما) بالتخفيف (والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول على المنبر) اختلف في محل يقول على ما مر أول هذا الكتاب فقيل: مفعول ثانٍ أو حال وسمع من الأفعال الصوتية إن تعلق بالأصوات تعدى إلى مفعول واحد وإن تعلق بالذوات تعدى إلى اثنين الثاني جملة مصدرة بفعل مضارع من الأفعال الصوتية وهذا اختيار الفارسي، واختار ابن مالك ومن تبعه أن تكون الجملة الفعلية في محل حال إن كان المتقدم معرفة أو صفة إن كان المتقدم نكرة. (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) جملة في موضع جر صفة لامرأة واليوم الآخر عطف على اسم الله (أن تحدّ على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج) فإنها تحد عليه (أربعة أشهر وعشرًا) أي مع أيامها كما قاله الجمهور فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشرة، وقيل: الحكمة في هذا العدد أن الولد يتكامل تخليقه وينفخ فيه الروح بعد مضي مائة وعشرين يومًا وهي زيادة على أربعة أشهر بنقصان الأهلة فجبر الكسر إلى العقد على طريق الاحتياط واستدلّ بقوله لا يحل على تحريم الإحداد على غير الزوج وهو واضح وعلى وجوب الإحداد المدة المذكورة على الزوج وعورض بأن الاستثناء وقع بعد النفي فيدل علي الحل فوق الثلاث على الزوج لا على الوجوب قال الشيخ كمال الدين: وما قيل من أن نفي حل الإحداد نفي الإحداد فاستثناؤه استثناء من نفيه وهو إثباته فيصير حاصله لا إحداد إلا من زوج فإنها تحد وذلك يقتضي الوجوب لأن الإخبار يفيده على ما عرف ومن أن نفي حل الإحداد إيجاب الزينة فاستثناؤه استثناء من الإيجاب فيكون إيجابًا لأن الأصل أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه غير لازم، إذ نمنع كون نفي حل الشيء الحسي نفيًا له عن الوجود لغة أو شرعًا لتضمن الاستثناء الإخبار بوجوده بل نفي له عن الحل، ولو سلم فوجود الشيء أيضًا في الشرع لا يستلزم الوجوب لتحققه بالإباحة والندب بلا وجوب، وأيضًا استثناء الإحداد من إيجاب الزينة حاصله نفي وجوب الزينة وهو معنى حل الإحداد واتحاد الجنس حاصل مع هذا فإن المستثنى والمستثنى منه الإحداد ولا يتوقف اتحاد الجنس على صفة الوجوب فيهما فهو كالأول انتهى. وأجيب: بأن في حديث التي شكت عينها وهو ثالث أحاديث هذا الباب دلالة على الوجوب وإلا لم يمتنع التداوي المباح وبأن السياق أيضًا يدل على الوجوب فإن كل ممنوع منه إذا دل على جوازه كان ذلك الدليل بعينه دالاًّ على الوجوب كالختان والزيادة على الركوع في الكسوف ونحو ذلك. وفي حديث أم سلمة المروي في الموطأ وأبي داود والنسائي قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تلبس المتوفى عنها زوجها المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل". والظاهر أن الفعل مجزوم على النهي، وحديث أبي داود: "لا تحدّ المرأة فوق ثلاث إلا على زوج فإنه تحدّ أربعة أشهرًا وعشرًا" وهو أمر بلفظ الخبر إذ ليس المراد معنى الخبر فإن المرأة قد لا تحد فهو على حد قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن} [البقرة: 228] والمراد به الأمر اتفاقًا والتقييد بالمرأة خرج مخرج الغالب فيجب الإحداد على الصغيرة كالعدة والمخاطب الولي فيمنعها مما تمنع منه المعتدة وهذا مذهب الجمهور خلافًا للحنفية وشمل قوله المرأة المدخول بها وغيرها والحرة والأمة والتقييد بالإيمان بالله ورسوله لا مفهوم له كما يقال هذا طريق المسلمين وقد يسلكه غيرهم. 5336 - قَالَتْ زَيْنَبُ وَسَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَتَكْحُلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا». كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: لاَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعَرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ». [الحديث 5336 - أطرافه في: 5338، 5706]. (قالت زينب) بنت أبي سلمة بالسند السابق وهذا هو الحديث الثالث (وسمعت) أمي (أم سلمة تقول جاءت امرأة) اسمها عاتكة بنت نعيم بن عبد الله بن النحام كما في معرفة الصحابة لأبي نعيم (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها) المغيرة المخزومي، وروى الإسماعيلي في مسند يحيى بن سعيد الأنصاري تأليفه من طريق يحيى المذكور عن حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت: جاءت امرأة من قريش قال

يحيى: لا أدري أبنت النحام أم أمها بنت سعد ورواه الإسماعيلي من طرق كثيرة فيها التصريح بأن البنت هي عاتكة فعلى هذا فأمها لم تسم قاله الحافظ ابن حجر (وقد اشتكت عينها) بالرفع على الفاعلية وعليه اقتصر النووي في شرح مسلم ونسبت الشكاية إلى نفس العين مجازًا، ويؤيده رواية مسلم اشتكت عيناها بلفظ التثنية ويجوز النصب وهو الذي في اليونينية على أن الفاعل ضمير مستتر في اشتكت وهي المرأة، ورجحه المنذري وقال الحريري: إنه الصواب وإن الرفع لحن. قال في درة الغواص: لا يقال اشتكت عين فلان والصواب أن يقال اشتكى فلان عينه لأنه هو المشتكي لا هي انتهى. وردّ عليه برواية التثنية المذكورة إلا أن يجيب بأنه على لغة من يعرب المثنى في الأحوال الثلاث بحركات مقدرة (أفتكحلها) بضم الحاء وهو مما جاء مضمومًا وإن كانت عينه حرف حلق (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا) تكحلها قال ذلك: (مرتين أو ثلاثًا كل ذلك يقول: لا) تأكيدًا للمنع لكن في الموطأ وغيره اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار والمراد أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل وإذا احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز بالليل والأولى تركه فإن فعلت مسحته بالنهار (ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنما هي") أي العدة الشرعية (أربعة أشهر وعشرًا) بالنصب على حكاية لفظ القرآن العظيم ولبعضهم وهو الذي في اليونينية الرفع على الأصل والمراد تقليل المدة وتهوين الصبر عما منعت منه وهو الاكتحال في العدة ولذا قال: (وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول) والبعرة بفتح الموحدة والعين وتسكن قال في القاموس. رجيع ذي الخف والظلف واحدته بهاء الجمع أبعار وفي ذكر الجاهلية إشارة إلى أن الحكم في الإسلام صار بخرفه وهو كذلك بالنسبة لما وصف من الصنيع، لكن التقدير بالحول استمر في الإسلام بنص قوله تعالى: {وصية لأزواجهم متاعًا إلى الحول} [البقرة: 240] ثم نسخت بالآية التي قبل وهي {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} [البقرة: 234] والناسخ مقدم عليه تلاوة ومتأخر نزولًا كقوله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس} [البقرة: 142] مع قوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} [البقرة: 144]. 5337 - قَالَ حُمَيْدٌ: فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ وَمَا تَرْمِي بِالْبَعَرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ؟ فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ، ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلاَّ مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعَرَةً فَتَرْمِي، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ. سُئِلَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: مَا تَفْتَضُّ بِهِ؟ قَالَ: تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا. (قال حميد): هو ابن نافع بالإسناد السابق (فقلت لزينب) بنت أبي سلمة: (وما) المراد بقوله عليه الصلاة والسلام (ترمي بالبعرة على رأس الحول فقالت زينب) بنت أبي سلمة: (كانت المرأة) في الجاهلية (إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشًا) بكسر الحاء المهملة وتسكين الفاء بعدها شين معجمة بيتًا صغيرًا جدًّا أو من شعر، وبالأول فسره أبو داود في روايته من طريق مالك، وعند النسائي من طريق أبي القاسم عن مالك أنه الخص بخاء معجمة مضمومة بعدها مهملة وقال الشافعي: الذليل الشعث البناء، وعند النسائي عمدت إلى شر بيت لها فجلست فيه (ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبًا) بفتح التاء الفوقية والميم (حتى تمر بها) ولأبي ذر عن الكشميهني لها باللام بدل الموحدة (سنة) من وفاة زوجها (ثم تؤتى) بضم أوله وفتح ثالثه (بدابة) بالتنوين. قال في القاموس: ما دب من الحيوان وغلب على ما يركب ويقع على المذكر (حمار) بالتنوين والجر بدلًا من سابقه (أو شاة أو طائر) أو للتنويع وإطلاق الدابة عليهما بطريق الحقيقة اللغوية كما مر (فتفتض به) بفاء فمثناة فوقية ففاء ثانية ففوقية أخرى فضاد معجمة مشددة. قال ابن قتيبة سألت الحجازين عن الافتضاض فذكروا أن المعتدة كانت لا تمس ماء ولا تقلم ظفرًا ولا تزيل شعرًا ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر ثم تفتض أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش بعد ما تفتض به. وقال الخطابي: هو من فضضت الشيء إذا كسرته وفرقته أي أنها كانت تكسر ما كانت فيه من الحداد بتلك الدابة. وقال الأخفش: معناه تتنظف به وهو مأخوذ من الفضة تشبيهًا له بنقائها وبياضها، وقيل تمسح به ثم تفتض أي

47 - باب الكحل للحادة

تغتسل بالماء العذب حتى تصير بيضاء نقية كالفضة. وقال الخليل: الفضفض الماء العذب يقال: افتضضت به أي اغتسلت به (فقلما تفتض بشيء) مما ذكر (إلا مات) ما مصدرية أي فقل افتضاضها بشيء، وقيل تكون "ما" في ثلاثة أفعال زائدة كافة لها عن العمل وهي قل وكثر وطال، وعلة ذلك شبه هذه الأفعال برب ولا تدخل هذه الأفعال إلا على جملة فعلية صرح بفعليتها كقوله: قلما يبرح اللبيب إلى ما ... يورث المجد داعيًا أو مجيبا وعلى هذا تكتب قلما متصلة وعلى الأول تكتب منفصلة، وقوله بشيء يتعلق بتفتض وإلا إيجاب لهما في الجملة من معنى النفي لأن قولك قل يقتضي نفي الكثير بالإيجاب لنفيه، والمعنى قلما تفتض بشيء فيعيش (ثم تخرج فتعطى) بضم الفوقية وفتح الطاء (بعرة) من بعر الإبل أو الغنم وباب أعطى يتعدى إلى مفعولين: الأول هنا الضمير المستتر العائد عليها والثاني بعرة (فترمي) بها أمامها فيكون ذلك إحلالًا لها كذا في رواية ابن الماجشون عن مالك، وفي رواية ابن وهب من وراء ظهرها، واختلف في المراد بذلك فقيل الإشارة إلى أنها رمت العدة رمي البعرة، وقيل إشارة إلى أن الفعل الذي فعلته من التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه لما انقضى كان عندها بمنزلة البعرة التي رمتها استحقارًا له وتعظيمًا في حق الزوج (ثم تراجع) بضم الفوقية بعد الراء ألف فجيم مكسورة (بعد) أي بعد ما ذكر من الافتضاض والرمي (ما شاءث من طيب أو غيره) مما كانت ممنوعة منه في العدة. (سئل مالك) الإمام (ما) معنى قوله (تفتض به؟ قال: تمسح به جلدها) ليس في هذا مخالفة لما نقله ابن قتيبة عن الحجازيين من أنها تمسح قبلها، لكنه أخص منه لأن مالكًا -رحمه الله تعالى- أطلق الجلد، والذي نقله ابن قتيبة مبين أن المراد جلد القبل، وفي رواية النسائي تقبص بقاف ثم موحدة ثم مهملة مخففة وهي رواية الشافعي، والقبص بأطراف الأنامل. قال ابن الأثير: هو كناية عن الإسراع أي تذهب بعدو وسرعة إلى منزل أبويها لكثرة حيائها بقبح منظرها أو لشدة شوقها إلى التزويج لبعد عهدها به. 47 - باب الْكُحْلِ لِلْحَادَّةِ (باب) حكم استعمال (الكحل للحادة) أي التي تحد بفتح أوله وضم الحاء المهملة من الثلاثي وأما المحدة فمن أحد الرباعي، وقول السفاقسي صوابه للحاد بلا هاء مثل طالق وحائض لأنه نعت للمؤنث لا يشركه فيه المذكر تعقبه في الفتح فقال: إنه جائز ليس بخطأ وإن كان الآخر أرجح، وقال العيني: إن كان يقال في طالق طالقة وفي حائض حائضة فيقال: أيضًا حادة وإن كان لا يقال: طالقة ولا حائضة فلا يقال: حادة. والصواب مع السفاقسي والذي ادّعى صاحب الفتح جوازه فيه نظر لا يخفى، وأجاب في المصابيح أن الزمخشري وغيره نصوا على أنه إن قصد في هذه الصفات معنى الحدوث فالتاء لازمة كحاضت فهي حائضة وطلقت فهي طالقة وقد تلحقها التاء إن لم يقصد الحدوث كمرضعة وحاملة فيمكن أن يمشي كلام البخاري على ذلك انتهى. 5338 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ زَوْجُهَا، فَخَشُوا عَيْنَيْهَا، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي الْكُحْلِ، فَقَالَ: «لاَ تَكَحَّلْ، قَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِي شَرِّ أَحْلاَسِهَا. أَوْ شَرِّ بَيْتِهَا. فَإِذَا كَانَ حَوْلٌ فَمَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بِبَعَرَةٍ فَلاَ حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ». وَسَمِعْتُ زَيْنَبَ ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ تُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا حميد بن نافع) الأنصاري (عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أم سلمة عن أمها أن امرأة) تسمى عاتكة كما مر في الباب السابق (توفي زوجها) المغيرة (فخشوا) بالخاء المفتوحة والشين المضمومة المعجمتين وأصله خشيوا بكسر الشين وضم التحتية فاستثقلت ضمة الياء فنقلت لسابقها بعد سلب حركته فالتقى ساكنان الياء والواو فحذفت الأولى وأبقيت الثانية إذ هي علامة الجمع فصار بوزن فعوا أي خافوا (عينيها) وللكشميهني على عينيها بالتثنية فيهما (فأتوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستأذنوه في الكحل فقال): (لا تكحل) بفتح التاء والكاف والحاء المشددة أصله تتكحل فحذفت إحدى التاءين ولأبي ذر عن الكشميهني لا تكتحل بسكون الكاف

48 - باب القسط للحادة عند الطهر

وكسر الحاء من باب الافتعال وعند ابن منده رمدت رمدًا وقد خشيت على بصرها وعند ابن حزم بسند صحيح من رواية القاسم بن أصبغ أني أخشى أن تنفقئ عينها قال: لا وإن انفقأت، ولذا قال مالك -رحمه الله تعالى- في رواية عنه تمنعه مطلقًا، وعنه يجوز إذا خافت على عينها بما لا طيب فيه، وبه قال الشافعي، لكن مع التقييد بالليل. وأجابوا عن قصة هذه المرأة باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل كالتضميد بالصبر ونحوه وعند الطبراني أنها تشتكي عينها فوق ما يظن فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا (قد كانت إحداكن) في الجاهلية (تمكث) إذا توفي زوجها (في شر أحلاسها) بمهملتين جمع حلس بكسر ثم سكون الثوب أو الكساء الرقيق يكون تحت البرذعة (أو شر بيتها) بالشك من الراوي هل وقع الوصف لثيابها أو مكانها (فإذا كان حول) من وفاة زوجها (فمر) عليها (كلب رمت ببعرة) لتري من حضرها أن مقامها حولًا أهون عليها من بعرة ترمي بها كلبًا، وظاهره أن رميها البعرة متوقف على مرور الكلب سواء طال زمن انتظار مروره أم قصر وهذا التفسير وقع هنا مرفوعًا كله بخلاف ما وقع في الباب السابق فلم تسنده زينب وهو غير مقنض للأدراج في رواية شعبة لأن شعبة من أحفظ الناس فلا يقضي على روايته برواية غيره بالاحتمال قاله الحافظ ابن حجر (فلا) نكتحل (حتى تمضي أربعة أشهر وعشر) قال حميد بالسند السابق. (وسمعت زينب ابنة أم سلمة) ولأبي ذر بنت أبي سلمة (تحدّث عن أم حبيبة) بنت أبي سفيان زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): 5339 - «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا». (لا يحل لامرأة مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد) بضم أوله وكسر الحاء المهملة على ميت (فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرًا) والتقييد بالإسلام ولاحقه للمبالغة في الزجر إذ الإحداد من حق الزوج وهو ملتحق بالعدة في حفظ النسب فتدخل الذمية في النهي كما يدخل الكافر في النهي عن السوم على سوم أخيه. 5340 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: نُهِينَا أَنْ نُحِدَّ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ إِلاَّ بِزَوْجٍ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر) بموحدة مكسورة فمعجمة ساكنة ابن المفضل بن لاحق الإمام أبو إسماعيل قال: (حدّثنا سلمة بن علقمة) البصري (عن محمد بن سيرين) أحد الأعلام (قالت أم عطية) نسيبة الأنصارية: (نهينا) بضم النون وكسر الهاء مبنيًّا للمفعول (أن نحد) بضم النون وكسر الحاء المهملة أي على ميت (أكثر من ثلاث إلا بزوج) بسبب زوج ولأبي ذر عن الكشميهني إلا زوج كذا أورده مختصرًا وفي الباب اللاحق مطوّلًا. 48 - باب الْقُسْطِ لِلْحَادَّةِ عِنْدَ الطُّهْرِ (باب) بيان استعمال (القسط) بضم القاف وسكون السين بعدها طاء مهملتين العود الذي يتبخر به (للحادة عند الطهر) من المحيض إذا كانت من ذوات الحيض. وسبق ما في لفظ الحادة في الباب السابق. 5341 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: كُنَّا نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا. وَلاَ نَكْتَحِلَ، وَلاَ نَطَّيَّبَ، وَلاَ نَلْبَسَ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، إِلاَّ ثَوْبَ عَصْبٍ. وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ مَحِيضِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ، وَكُنَّا نُنْهَى عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ. قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ القُسْطُ وَالكُسْتُ مِثْلَ الكَافُورِ وَالقافُورِ. نُبْذَةٌ قِطْعَةٌ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن عبد الوهاب) أبو محمد الحجبي البصري قال: (حدّثنا حماد بن زيد) بتشديد الميم ابن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي (عن أيوب) السختياني الإمام (عن حفصة) بنت سيرين أم الهذيل البصرية الفقيهة (عن أم عطية) نسيبة أنها (قالت: كنا ننهى) بضم أوله وفتح الحاء والناهي الشارع فله حكم الرفع كالذي قبله ووقع التصريح به في الذي يليه (أن نحد) بضم النون وكسر الحاء (على ميت) أب أو غيره (فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا) خرج مخرج الغالب وإلا فذوات الحمل بوضعهن كما لا يخفى (ولا نكتحل) بالنصب عطفًا على المنصوب السابق كقوله (ولا نطيب) بتشديد الطاء (ولا نلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب) بفتح العين وسكون الصاد المهملتين آخره موحدة من برود اليمن يعصب غزلها أي يربط ثم يصبغ ثم ينسج مصبوغًا فيخرج موشّى لبقاء ما عصب منه أبيض ولم ينصبغ وإنما يعصب السدي دون اللحمة. فإن قلت: ما الحكمة في وجوب الإحداد في عدة الوفاة دون الطلاق؟ أجيب: بأن الزينة والطيب يستدعيان النكاح فنهيت عنه زجرًا لأن الميت لا يتمكن من منع معتدته من النكاح بخلاف المطلق الحي فإنه

49 - باب تلبس الحادة ثياب العصب

يستغنى بوجوده عن زاجر آخر. (وقد رخص لنا) بضم الراء وكسر الخاء المعجمة المشددة (عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها) ولأبي ذر عن الكشميهني من حيضتها لإزالة الرائحة لا للتطيب (في نبذة) بنون مضمومة فموحدة ساكنة فذال معجمة مفتوحة شيء قليل (من كست أظفار) تتبع به أثر الدم وكست بضم الكاف وسكون المهملة مضاف للاحقه قال الصغاني: في أظفار صوابه ظفار بفتح المعجمة مخففًا موضع بساحل عدن (وكنا ننهى) بضم النون وفتح الهاء (عن اتباع الجنائز. قال أبو عبد الله) البخاري: (القسط) بالقاف (والكست) بالكاف (مثل الكافور) بالكاف (والقافور) بالقاف يبدل كل واحد منهما من الآخر (نبذة) أي (قطعة) وليس هذا في الفرع كأصله بل ولا في كثير من النسخ، نعم هو ثابت في الفرع كأصله في آخر الباب اللاحق لأبي ذر. 49 - باب تَلْبَسُ الْحَادَّةُ ثِيَابَ الْعَصْبِ هذا (باب) بالتنوين (تلبس) المرأة (الحادة ثياب العصب) برودًا يمنية كما مرّ، وقيل فيها بياض وسواد، وعصب بمعنى معصوب وإضافة ثياب إلى عصب من إضافة الموصوف إلى صفته، وفيه الخلاف المشهور في تأويله بين البصريين والكوفيين. 5342 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا لاَ تَكْتَحِلُ وَلاَ تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلاَّ ثَوْبَ عَصْبٍ». وبه قال: (حدّثنا الفضل بن دكين) بالدال المهملة المضمومة وفتح الكاف وتسكين التحتية بعدها نون قال: (حدّثنا عبد السلام بن حرب) أبو بكر النهدي الكوفي (عن هشام) هو ابن حسان القردوسي بضم القاف والدال المهملة بينهما راء ساكنة وبعد الواو سين مهملة كما قاله المزي فيما ذكره العيني، وقال الحافظ ابن حجر: هو الدستوائي (عن حفصة) بنت سيرين (عن أم عطية) نسبية أنها (قالت: قال النبي) ولأبي ذر قال لي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) خرج مخرج المبالغة فلا يستدل به لإخراج الذمية كما قاله الإمام أبو حنيفة مع إنكاره المفاهيم ففيه مخالفة لقاعدته (أن تحد) على ميت (فوق ثلاث). سبق في حديث أم حبيبة في الطريق الأولى ثلاث ليال، وفي الطريق الثانية ثلاثة أيام وجمع بإرادة الليالي بأيامها ويحمل المطلق هنا على المقيد الأول ولذلك أنث وهو محمول أيضًا على أن المراد ثلاث ليال بأيامها (إلا على زوج فإنها) تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا و (لا تكتحل) إلا لضرورة ليلًا وتمسحه نهارًا (ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا) نعت لثوب (إلا ثوب عصب) نصب على الاستثناء المتصل لأن ثياب العصب مصبوغة أيضًا، ويحتمل أن يكون العصب ليس من الجنس فيكون الاستثناء منقطعًا وهو منصوب أيضًا، وخرج بالمصبوغ غير المصبوغ كالكتان والإبريسم لم يكن فيه زينة كنقش وما إذا كان المصبوغ لا لزينة بل لمصيبة أو احتمال وسخ كالأسود. 5343 - وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ ... 0000 - حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَتْنَا حَفْصَةُ حَدَّثَتْنِي أُمُّ عَطِيَّةَ نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَلاَ تَمَسَّ طِيبًا إِلاَّ أَدْنَى طُهْرِهَا إِذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ وَأَظْفَارٍ. قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: القُسْطُ وَالكُسْتُ مِثْلَ الكَافُورِ وَالقافُورِ. (وقال الأنصاري) محمد بن عبد الله بن المثنى شيخ المؤلّف فيما وصله البيهقي من طريق أبي حاتم الرازي عنه (حدّثنا هشام) الدستوائي أو ابن حسان كما مرّ قال: (حدّثتنا) بتاء التأنيث (حفصة) بنت سيرين قالت: (حدّثتني) بتاء التأنيث والإفراد (أم عطية) الأنصارية -رضي الله عنها- (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يذكر المنهي عنه اختصارًا للدلالة المروي السابق عليه ولفظ البيهقي: أن تحد المرأة فوق ثلاثة أيام إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا ولا تلبس مصبوغًا إلا ثوب عصب ولا تكتحل (ولا تمس طيبًا إلا أدنى) أي عند قرب (طهرها) أو أقل طهرها (إذا طهرت) من حيض أو نفاس (نبذة) قليلًا (من قسط وأظفار) نوعان من البخور وقوله إذا طهرت ظرف فاصل بين المستثنى والمستثنى منه التقدير ولا تمس طيبًا إلا نبذة من قسط وأظفار إذا طهرت (قال أبو عبد الله) المؤلّف: (القسط والكست) بالكاف والتاء الفوقية بدل القاف والطاء (مثل) ما يقال في (الكافور) بالكاف (والقافور) بالقاف، وسقط قوله قال أبو عبد الله إلى آخره لغير أبي ذر. 50 - باب {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} -إِلَى قَوْلِهِ- {بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({والذين يتوفون منكم ويذرون}) ويتركون ({أزواجًا} -إلى قوله-) تعالى: ({بما تعملون خبير}) [البقرة: 234] عالم بالبواطن وساق في رواية كريمة الآية كلها. 5344 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ الْعِدَّةُ تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا وَاجِبًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} قَالَ: جَعَلَ اللَّهُ لَهَا تَمَامَ السَّنَةِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَصِيَّةً، إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ، وَهْوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فَالْعِدَّةُ كَمَا هِيَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا زَعَمَ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَالَ عَطَاءٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} وَقَالَ عَطَاءٌ إِنْ شَاءَتِ اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهَا وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ، لِقَوْلِ اللَّهِ: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ} [البقرة: 240] قَالَ: عَطَاءٌ: ثُمَّ جَاءَ الْمِيرَاثُ فَنَسَخَ السُّكْنَى، فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَلاَ سُكْنَى لَهَا. وبه قال:

51 - باب مهر البغي والنكاح الفاسد وقال الحسن: إذا تزوج محرمة وهو لا يشعر فرق بينهما، ولها ما أخذت وليس لها غيره. ثم قال بعد: لها صداقها

(حدّثني) بالإفراد (إسحاق بن منصور) الكوسج المروزي قال: (أخبرنا روح بن عبادة) بفتح الراء وسكون الواو بعدها حاء مهملة وعبادة بضم العين وتخفيف الموحدة القيسي البصري قال: (حدّثنا شبل) بكسر المعجمة وسكون الموحدة ابن عبادة مقرئ مكة قرأ على ابن كثير المكي (عن ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة مهملة عبد الله واسم أبي نجيح يسار ضد اليمين (عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر أنه قال في تفسير قوله تعالى: ({والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا} قال: كانت هذه العدة) أي التربص أربعة أشهر وعشرًا المذكور في الآية (تعتد عند أهل زوجها) أمرًا (واجبًا) ولكريمة واجب بالرفع خبر مبتدأ محذوف (فأنزل الله) تعالى بعدها ({والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا وصية لأزواجهم متاعًا}) نصب بالوصية لأنها مصدر أو تقديره متعوهن متاعًا ({إلى الحول}) صفة لمتاعًا ({غير إخراج}) مصدر مؤكد كقولك هذا القول غير ما تقول ({فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن}) من التزين والتعرض للخطاب ({من معروف}) [البقرة: 240] مما ليس بمنكر في الشرع (قال) مجاهد (جعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة) في هذه الآية الثانية (وصية) من زوجها (إن شاءت سكنت في وصيتها) التى أوصاها لها الزوج (وإن شاءت خرجت) بعد الأربعة الأشهر والعشر (وهو قول الله تعالى: {غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم} فالعدة كما هي واجب عليها زعم ذلك) قاله ابن أبي نجيح (عن مجاهد) وكأن الحامل له على ذلك كما قاله الخطابي استشكال أن يكون الناسخ قبل المنسوخ، فرأى أن استعمالها ممكن بحكم غير متدافع لجواز أن يوجب الله على المعتدّة أربعة أشهر وعشرًا، ويوجب على أهلها أن تبقى عندهم بقية الحول إن أقامت عندهم وهو قول لم يقله أحد من الفسرين ولا تابعه أحد من الفقهاء عليه. (وقال عطاء) هو ابن أبي رباح (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (نسخت هذه الآية) الأولى (عدّتها عند أهلها) المذكورة في الآية الثانية (فتعتد حيث شاءت) لأن السكنى تبع للعدّة فلما نسخ الحول بالأربعة الأشهر والعشر نسخت السكنى أيضًا (و) كذا (قول الله تعالى {غير إخراج}) نسخ أيضًا كما عليه الجمهور (وقال عطاء) أيضًا: (إن شاءت) المتوفى عنها زوجها (اعتدت عند أهلها) ولأبي ذر عن الكشميهني: عند أهله (وسكنت في وصيتها إن شاءت خرجت لقول الله) تعالى: ({فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن}) وسقط لفظ أنفسهن لغير أبي ذر (قال عطاء) المذكور (ثم جاء الميراث فنسخ السكنى) كما نسخت آية الخروج وهي فإن خرجن فلا جناح عليكم وجوب الاعتداد عند أهل الزوج (فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها) وهو قول أبي حنيفة كما مر. 5345 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ ابْنَةِ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا جَاءَهَا نَعِيُّ أَبِيهَا، دَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَحَتْ ذِرَاعَيْهَا وَقَالَتْ: مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، لَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا». وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة (عن سفيان) الثوري (عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم) أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (حميد بن نافع) الأنصاري (عن زينب ابنة أم سلمة) ولأبي ذر بنت أبي سلمة (عن أم حبيبة ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سفيان) صخر بن حرب (لما جاءها نعيّ) بفتح النون وكسر العين المهملة وتشديد التحتية وبسكون العين وتخفيف التحتية خبر موت (أبيها) أبي سفيان (دعت بطيب فمسحت) منه (ذراعيها وقالت: ما ليس بالطيب من حاجة لولا أني سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحدّ على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا). واستدلّ به على جواز الإحداد على غير الزوج من قريب ونحوه ثلاث ليال فما دونها وتحريمه فيما زاد عليها، وكأن هذا القدر أبيح لأجل حظ النفس ومراعاتها وغلبة الطباع البشرية، ومن ثم تناولت أم حبيبة الطيب لتخرج عن عهدة الإحداد وصرحت بأنها لم تتطيب لحاجة إشارة إلى أن آثار الحزن باقية عندها لكنها لم يسعها إلا امتثال الأمر. 51 - باب مَهْرِ الْبَغِيِّ وَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا تَزَوَّجَ مُحَرَّمَةً وَهْوَ لاَ يَشْعُرُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَهَا مَا أَخَذَتْ وَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ. ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: لَهَا صَدَاقُهَا (باب) حكم (مهر البغي) بفتح

52 - باب المهر للمدخول عليها وكيف الدخول، أو طلقها قبل الدخول والمسيس

الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتية من البغاء وهو الزنا (و) حكم (النكاح الفاسد) كنكاح الشغار فيبطل ولكل واحدة منهما مهر مثلها ونكاح المتعة والمستبرأة من غيره. (وقال الحسن) البصري فيما وصله ابن أبي شيبة (إذا تزوّج) امرأة (محرمة) عليه بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الراء المفتوحة آخرها هاء تأنيث، ولأبي ذر عن المستملي: محرمة بفتح الميم وسكون الحاء وهاء مضمومة ضمير غيبة أي ذات محرم كأم وأخت بنسب أو رضاع (وهو) أي والحال أن الرجل (لا يشعر) أنها محرمة (فرق بينهما) بضم الفاء وكسر الراء المشددة (ولها ما أخذت) منه من الصداق المسمى (وليس لها غيره، ثم قال) الحسن (بعد) بالبناء على الضم (لها صداقها) أي صداق مثلها وقول الحسن هذا ساقط للحموي. 5346 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام المخزومي (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري البدري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تحريم (عن ثمن الكلب) المعلم وغيره لنجاسته وقال الحنفية: وسحنون من المالكية يجوز بيع المنتفع به من الكلاب (و) نهى أيضًا عن (حلوان الكاهن) ما يأخذه الذي يدّعي علم الغيب بواسطة جني ونحو ذلك قال الماوردي: ويمنع من يكتسب بالكهانة واللهو ويؤدب الآخذ والمعطي (و) عن (مهر البغي) ما تأخذه الزانية على الزنا وسماه مهرًا لكونه على صورته فهو من مجاز التشبيه أو أطلق عليه ذلك بالمعنى اللغوي. وهذا الحديث سبق في البيع. 5347 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَعَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، وَنَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَكَسْبِ الْبَغِيِّ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عون بن أبي جحيفة عن أبيه) أبي جحيفة بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وهب بن عبد الله السوائي -رضي الله عنه- أنه (قال: لعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الواشمة) التي تغرز الجلد بالإبر ثم تحشى بالكحل (والمستوشمة) المفعول بها ذلك لما فيه من تغيير خلق الله تعالى (و) لعن أيضًا (آكل الربا) آخذه (وموكله) مطعمه لأنهما اشتركا في الفعل وإن كان أحدهما مغتبطًا والآخر مهتضمًا (ونهى عن ثمن الكلب وكسب البغيّ) إذا كان من وجه غير حلال كالزنا كالخياطة والغزل (ولعن المصوّرين) للحيوان. 5348 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَنْ كَسْبِ الإِمَاءِ. وبه قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة الجوهري الحافظ قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن جحادة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة المخففة الأيامي بتخفيف التحتية وبعد الألف ميم (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان الأشجعي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه قال: (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن كسب الإماء) من وجه حرام كالزنا فبذل العوض عليه وأخذه حرام. وهذا الحديث أورده مختصرًا بالاقتصار على المراد من الترجمة، وزاد في بعض الروايات وكسب الحجام ولا ريب أن الحجامة مباحة وكراهة كسبه إذ هو في مقابلة مخامرة النجاسة وقد يكون الكلام في الفصل الواحد بعضه على الوجوب وبعضه على الحقيقة وبعضه على المجاز ويفرق بينهما بدلائل الأصول واعتبار معانيها، وقد يتوقف الحكم في الذي يجمع بالعطف على المجموع لا على إفراده كقولك: إن دخل الدار زيد وعمرو وبكر فلهم درهم فلا يستحق من دخل منهم الدار على انفراده الدرهم ولا شيئًا منه حتى يدخل قرينه. 52 - باب الْمَهْرِ لِلْمَدْخُولِ عَلَيْهَا وَكَيْفَ الدُّخُولُ، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمَسِيسِ (باب) حكم (المهر للمدخول) ولأبي ذر للمدخولة (عليها وكيف الدخول) أي بم يثبت (أو) كيف الحكم إذا (طلقها قبل الدخول و) كيف (المسيس) أو هو معطوف على الدخول أي إذا طلقها قبل الدخول وقبل المسيس وثبت المسيس في رواية أبي ذر عن الحموي. 5349 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ رَجُلٌ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَقَالَ: فَرَّقَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَخَوَي بَنِي الْعَجْلاَنِ وَقَالَ: «اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ»؟ فَأَبَيَا. فَقَالَ: «اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ»؟ فَأَبَيَا. فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ أَيُّوبُ: فَقَالَ: «لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ فِي الْحَدِيثِ شَيْءٌ لاَ أَرَاكَ تُحَدِّثُهُ قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ مَالِي: قَالَ: «لاَ مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقَدْ دَخَلْتَ بِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَهْوَ أَبْعَدُ مِنْكَ». وبه قال: (حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين وزرارة بضم الزاي وراءين بينهما ألف قال: (أخبرنا إسماعيل) ابن علية (عن أيوب) السختياني (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: قلت لابن عمر) -رضي الله عنهما- (رجل قذف امرأته)

53 - باب المتعة للتي لم يفرض لها لقوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة} -إلى قوله- {إن الله بما تعملون بصير} وقوله: {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين * كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون} ولم يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في الملاعنة متعة حين طلقها زوجها

ما الحكم فيه؟ (فقال: فرق نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أخوي بني العجلان) بتثنية أخوي والعجلان بفتح العين المهملة وسكون الجيم وهو من باب التغليب (وقال): (الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل) أحد (منكما تائب فأبيا) فامتنعا (فقال: الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب فأبيا) ثبت ذلك مرتين (ففرق بينهما) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تنفيذًا لما أوجب الله بينهما من المباعدة بنفس الملاعنة. (قال أيوب) السختياني بالسند السابق (فقال لي عمرو بن دينار في الحديث شيء لا أراك تحدثه قال: قال الرجل مالي)؟ الذي أصدقتها (قال: لا مال لك) لأنك (إن كنت صادقًا) فيما ادّعيت عليها (فقد دخلت بها) واستوفيت حقك منها وفيه أن من أغلق بابًا وأرخى سترًا على المرأة فقد وجب لها الصداق وعليها العدة وبذلك قال أهل الكوفة وأحمد لأن الغالب عند إغلاف الباب وإرخاء الستر على المرأة وقوع الجماع فأقيمت المظنة مقام المئنة لما جبلت عليه النفوس في تلك الحالة من عدم الصبر عن الوقاع غالبًا لغلبة الشهوة وتوفير الداعية وذهب الشافعي وطائفة إلى أن المهر لا يجب كاملًا إلا بالجماع لقوله تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} [البقرة: 237] وأجابوا عن حديث الباب أنه ثبت في الرواية الأخرى في حديث الباب فهو بما استحللت من فرجها فلم يكن في قوله دخلت عليها حجة لمن قال: إن مجرد الدخول يكفي، وقال مالك: إذا دخل بالمرأة في بيته صدقت عليه وإن دخل بها في بيتها صدق عليها (وإن كنت كاذبًا) فيما قلته (فهو) أي المال (أبعد منك) لئلا يجمع عليها الظلم في عرضها ومطالبتها بمال قبضته منك قبضًا صحيحًا تستحقه. وهذا الحديث سبق في اللعان. 53 - باب الْمُتْعَةِ لِلَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} -إِلَى قَوْلِهِ- {إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وَقَوْلِهِ: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ * كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} وَلَمْ يَذْكُرِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمُلاَعَنَةِ مُتْعَةً حِينَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا (باب) وجوب (المتعة) وهي مال يدفعه الزوج (للتي) للمطلقة التي (لم) يجب لها نصف مهر فقط بأن وجب لها جميع المهر أو كانت مفوضة لم توطأ ولم (يفرض لها) صداق صحيح (لقوله تعالى: {لا جناح عليكم}) لا تبعة عليكم ({إن طلقتم النساء}) شرط ويدل على جوابه لا جناح عليكم والتقدير إن طلقتم النساء فلا جناح عليكم ({ما لم تمسوهن}) ما لم تجامعوهن وما شرطية أي إن لم تمسوهن ({أو تفرضوا لهن فريضة}) إلا أن تفرضوا لهن فريضة أو حتى تفرضوا وفرض الفريضة تسمية المهر ومتعوهن (-إلى قوله- {إن الله بما تعملون بصير}) [البقرة: 236] فيجازيكم على تفضلكم ولأن المفوضة لم يحصل لها شيء فيجب لها متعة للإيحاش (و) للأولى التي وجب لها جميع المهر في (قوله) تعالى: ({وللمطلقات متاع بالمعروف حقًّا على المتقين كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون}) [البقرة: 241] وخصوص قوله تعالى: {فتعالين أمتعكن} [الأحزاب: 28] ولأن المهر في مقابلة منفعة بضعها وقد استوفاها الزوج فتجب للإيحاش متعة وأما من وجب لها النصف فقط فلا متعة لها لأنه لم يستوف منفعة بضعها فيكفي نصف مهرها للإيحاش ولأنه تعالى لم يجعل لها سواه بقوله عز وجل: {فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237] ويسن أن لا تنقص المتعة عن ثلاثين درهمًا وأن لا تبلغ نصف المهر وعبر جماعة بأن لا تزاد على خادم فلا حد للواجب، وقيل هو أقل ما يتمول ومتع الحسن بن علي زوجته بعشرة آلاف. وقال: متاع قليل من حبيب مفارق. وقال المالكية: لا تجب المتعة أصلًا واحتج له بعضهم بأنها لم تقدر. وأجيب: بأن عدم التقدير لا يمنع الوجوب كنفقة القريب وعن أبي حنيفة تختص بالمطلقة قبل الدخول ولم يسم لها صداق (ولم يذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الملاعنة متعة حين طلقها زوجها). 5350 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلْمُتَلاَعِنَيْنِ: «حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، لاَ سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا». قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي. قَالَ: «لاَ مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهْوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ وَأَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن سعيد بن جبير عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال للمتلاعنين): (حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل) لا طريق (لك) على الاستيلاء (عليها) ففيه تأبيد الحرمة فلا يملك عصمتها بوجه من الوجوه (قال: يا رسول الله): أيذهب (مالي) الذي دفعته لها مهرًا (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (لا مال لك) لأنك (إن كنت صدقت عليها) فيما قلته عليها (فهو) أي المال

69 - كتاب النفقات

(بما استحللت من فرجها) بحذف العائد (وإن كنت كذبت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي كاذبًا (عليها فذاك) الطلب لما صدقتها (أبعد وأبعد لك منها). وتفدّم الحديث في اللعان والله المعين. بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 69 - كتاب النفقات 1 - باب (فَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى الأَهْلِ) {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} وَقَالَ الْحَسَنُ: الْعَفْوُ الْفَضْلُ (بسم الله الرحمن الرحيم. كتاب النفقات) جمع نفقة مشتقة من النفوق وهو الهلاك يقال: نفقت الدابة تنفق نفوقًا هلكت ونفقت الدراهم تنفق نفقًا أي نفدت وأنفق الرجل افتقر وذهب ماله أو من النفاق وهو الرواج يقال: نفقت السلعة نفاقًا راجت، وذكر الزمخشري أن كل ما فاؤه نون وعينه فاء يدل على معنى الخروج والذهاب مثل نفق ونفر ونفخ ونفس ونفذ، وفي الشرع عبارة عما وجب لزوجة أو قريب أو مملوك وجمعها لاختلاف أنواعها من نفقة زوج وقريب ومملوك (وفضل النفقة) بجر فضل عطفًا على المجرور السابق ولأبي ذر والنسفي تأخير البسملة عن قوله كتاب النفقات، ثم قال: باب فضل النفقة (على الأهل) لكن لفظ باب ساقط ولأبي ذر. ({ويسألونك}) ولأبي ذر وقول الله تعالى: ويسألونك ({ماذا ينفقون قل العفو}) قرأه بالرفع أبو عمرو على أن ما استفهامية وذا موصولة فوقع جوابها مرفوعًا خبر المبتدأ محذوف مناسبة بين الجواب والسؤال والتقدير إنفاقكم العفو والباقون بالنصب على أن ماذا اسم واحد فيكون مفعولًا مقدمًا تقديره أي شيء ينفقون فوقع جوابها منصوبًا بفعل مقدر للمناسبة أيضًا والتقدير أنفقوا العفو ({كذلك}) الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف أي تبيينًا مثل هذا التبيين ({يبيّن الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا}) في أمر الدنيا ({والآخرة}) [البقرة: 219، 220] وفي تتعلق بتتفكرون أي تتفكرون فيما يتعلق بالدارين فتأخذون بما هو أصلح لكم. (وقال الحسن) البصري -رحمه الله- فيما وصله عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زيادات بسند صحيح عنه (العفو فضل). وعند ابن أبي حاتم من مرسل يحيى بن أبي كثير بسند صحيح أنه بلغه أن معاذ بن جبل وثعلبة سألا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالا: إن لنا أرقاء وأهلين فيما ننفق من أموالنا؟ فنزلت. وعن ابن عباس فيما أخرجه ابن أبي حاتم أيضًا أن المراد بالعفو ما فضل عن الأهل. 5351 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، فَقُلْتُ: عَنِ النَّبِيِّ فَقَالَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُ نَفَقَةً عَلَى أَهْلِهِ وَهْوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً». وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) العسقلاني قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) الأنصاري (قال: سمعت عبد الله بن يزيد) من الزيادة (الأنصاري عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو (الأنصاري) البدري قال شعبة بن الحجاج: كما بينه عند الإسماعيلي في رواية له فيما نبه عليه في الفتح أو عبد الله بن يزيد كما قاله العيني: (فقلت) لأبي مسعود أترويه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أو تقوله اجتهادًا؟ (فقال) إنما أرويه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا أنفق المسلم نفقة) دراهم أو غيرها (على أهله) زوجته أو ولده وأقاربه، ويحتمل أن يختص بالزوجة ويلتحق بها غيرها بطريق الأولى لأن الثواب إذا ثبت فيما هو واجب فثبوته فيما ليس بواجب أولى (وهو) أي والحال أنه (يحتسبها) أي يريد بها وجه الله تعالى بأن يتذكر أنه يجب عليه الإنفاق فينفق بنية أداء ما أمر به (كانت) أي النفقة (له صدقة) أي كالصدقة في الثواب وإلا لحرمت على الهاشمي والمطلبي والصارف له عن الحقيقة الإجماع وإطلاق الصدقة على النفقة مجاز والمراد بها الثواب كما سبق هنا فالتشبيه واقع على أصل الثواب لا في الكمية ولا في الكيفية. وقال المهلب: النفقة على الأهل واجبة بالإجماع وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر فعرّفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم المؤونة ترغيبًا لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوّع، وقال ابن المنير: تسمية الفقة صدقة من جنس تسمية الصداق نحلة فلما كان احتياج المرأة إلى الرجل كاحتياجه إليها في اللذة والتأنيس والتحصن

وطلب الولد كان الأصل أن لا يجب لها عليه شيء إلا أن الله تعالى خص الرجل بالفضل على المرأة وبالقيام عليها ورفعه عليها بذلك درجة فمن ثم جاز إطلاق النحلة على الصداق والصدقة على النفقة. وهذا الحديث قد مرّ في باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة من كتاب الإيمان. 5352 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ، أُنْفِقْ عَلَيْكَ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (قال الله) تعالى (أنفق) بفتح الهمزة وكسر الفاء وسكون القاف أمر من الإنفاق (يا ابن آدم أُنفق عليك) بضم الهمزة والجزم جواب الأمر. وهذا الحديث ذكره المؤلّف -رحمه الله- في تفسير سورة هود من طريق شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد بأتمّ من هذا ولفظه: قال الله تعالى: أنفق أُنفق عليك، وقال: يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق الله السماء والأرض فإنه لم يغض ما في يده وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع. قال في شرح المشكاة قوله: أُنفق عليك من باب المشاكلة لأن إنفاق الله تعالى لا ينقص من خزائنه شيئًا كما قال: يد الله ملأى لا يغيضها نفقة وإليه يلمح قوله تعالى: {ما عندكم ينفذ وما عند الله باقٍ} [النحل: 96]. وفي رواية مسلم من طريق همام عن أبي هريرة أن الله تعالى قال لي: أنفق أُنفق عليك بزيادة لفظ (لي) على رواية البخاري، فالمراد بابن آدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو جنس بني آدم ويكون تخصيصه صلوات الله وسلامه عليه بإضافته إلى نفسه لكونه رأس الناس فتوجه الخطاب إليه ليعمل به ويبلغ أمته قال في الفتح. 5353 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ». [الحديث 5353 - أطرافه في: 6006 - 6007]. وبه قال: (حدّثني يحيى بن قزعة) بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحات المكي المؤذن قال: (حدّثنا مالك) الإمام الأعظم (عن ثور بن زيد) بالثاء المثلثة الديلي (عن أبي الغيث) بالغين المعجمة وبعد التحتية الساكنة مثلثة سالم مولى عبد الله بن مطيع (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الساعي) الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفقه (على) المرأة (الأرملة) بفتح الهمزة والميم بينهما راء ساكنة التي لا زوج لها (والمسكين) في الثواب (كالمجاهد في سبيل الله) عز وجل (أو القائم الليل) بالحركات الثلاث كما في الحسن الوجه في الوجوه الأعرابية وإن اختلفا في بعضها بكونه حقيقة أو مجازًا وثبت بالشك في جميع الروايات عن مالك (الصائم النهار) وفي رواية القعنبي عن مالك عند المؤلّف في الأدب وأحسبه قال: وكالقائم لا يفتر والصائم لا يفطر، ومطابقة الحديث للترجمة من جهة إمكان اتصاف الأهل أي الأقارب بالصفتين المذكورتين وإذا ثبت هذا الفضل لمن ينفق على من ليس له بقريب ممن اتصف بالوصفين فالمنفق على المتصف بهما أولى. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأدب وكذا مسلم وأخرجه الترمذي في البرّ والنسائي في الزكاة وابن ماجة في التجارات. 5354 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُنِي وَأَنَا مَرِيضٌ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ: لِي مَالٌ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: «لاَ» قُلْتُ فَالشَّطْرُ قَالَ: «لاَ» قُلْتُ: فَالثُّلُثُ. قَالَ: «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، أَنْ تَدَعَ. وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ فِي أَيْدِيهِمْ. وَمَهْمَا أَنْفَقْتَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يَرْفَعُكَ، يَنْتَفِعُ بِكَ نَاسٌ وَيُضَرُّ بِكَ آخَرُونَ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف (عن عامر بن سعد عن) أبيه (سعد) أي ابن أبي وقاص (رضي الله عنه) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعودني وأنا مريض بمكة) عام حجة الوداع (فقلت) له يا رسول الله (لي مال) ولا يرثني إلا ابنة فهل (أوصي بمالي كله) صدقة بعد فرض ابنتي (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا. قلت: فالشطر)؟ بالفاء والجرّ ولأبي ذر بالرفع (قال) عليه الصلاة والسلام (لا. قلت: فالثلث)؟ بالجرّ والرفع (قال) عليه الصلاة والسلام: يكفيك (الثلث والثلث كثير) بالمثلثة (أن تدع) بفتح الهمزة أي تترك (ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة) بالعين المهملة وتخفيف اللام فقراء (يتكففون الناس في أيديهم) أي يمدّون إلى الناس أكفهم للسؤال (ومهما أنفقت فهو لك صدقة حتى اللقمة) حال كونك (ترفعها في فِي

2 - باب وجوب النفقة على الأهل والعيال

امرأتك) فيه أن المباح إذا قصد به وجه الله صار قربة يثاب عليه (ولعل الله يرفعك ينتفع بك ناس ويضرّ بك آخرون) ببناء الفعلين للمفعول وقد وقع ذلك فإنه عاش حتى فتح العراق وانتفع به أقوام في دينهم ودنياهم وتضرر به الكفار. وهذا الحديث سبق في كتاب الجنائز. 2 - باب وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الأَهْلِ وَالْعِيَالِ (باب وجوب النفقة على الأهل) الزوجة (والعيال) من عطف العام على الخاص وعيال الرجل من يقوم بهم وينفق عليهم وبدأ بالزوجة لأنها أقوى لوجوبها بالمعاوضة وغيرها بالمواساة، ولأنها لا تسقط بمضيّ الزمان والعجز بخلاف غيرها ولوجوبها سببان: نسب وملك فيجب بالنسب خمس نفقات. نفقة الأب الحرّ وآبائه وأمهاته. ونفقة الأم الحرّة وآبائها وأمهاتها لقوله تعالى: {وصاحبهما في الدنيا معروفًا} [لقمان: 15]. ومنه القيام بمؤونتها، ونفقة الأولاد الأحرار وأولادهم بشرط يسار المنفق بفاضل عن قوته وقوت زوجته وخادمها وخادمه وولده يومه وليلته ويعتبر مع القوت الكسوة والسكنى. ويجب بالملك خمس أيضًا: نفقة الزوجة ومملوكها والمعتدّة إن كانت رجعية أو حاملًا ومملوكها ومملوك من رقيق وحيوان فللزوجة على الغنيّ مدّان ولخادمها مدّ وثلث وعلى المتوسط لها مدّ ونصف ولخادمها مدّ وعلى المعسر لها مدّ وكذا لخادمها، ومن أوجبنا له النفقة أوجبنا له المدّ والكسوة والسكنى وتسقط النفقة بمضي الزمان بلا إنفاق إلا نفقة الزوجة فلا تسقط بل تصير دينًا في ذمته لأنها بالنسبة إليها معاوضة في مقابلة التمكين للتمتع وبالنسبة إلى غيرها مواساة، وظاهر أن خادمة الزوجة مثلها. وقال الحنفية: ولا تجب نفقة مضت لأنها صلة فلا تملك إلا بالقبض كالهبة إلا أن يكون القاضي فرض لها النفقة أو صالحت الزوج على مقدار منها فيقضي لها بنفقة ما مضى لأن فيه حقين حق الزوج وحق الشرع فمن حيث الاستمتاع وقضاء الشهوة وإصلاح المعيشة حق الزوج ومن حيث تحصيل الولد وصيانة كل واحد منهما عن الزنا حق الشرع فباعتبار حقه عوض، وباعتبار حق الشرع صلة فإذا تردّد بينهما فلا يستحكم إلا بحكم القاضي عليهما. قال الزيلعي: وفي الغاية أن نفقة ما دون شهر لا تسقط وعزاه إلى الذخيرة قال: فكأنه جعل القليل مما لا يمكن التحرز عنه إذ لو سقطت بمضيّ يسير من المدة لما تمكنت من الأخذ أصلًا. 5355 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» تَقُولُ الْمَرْأَةُ: إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي. وَيَقُولُ الْعَبْدُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي. وَيَقُولُ الاِبْنُ: أَطْعِمْنِي، إِلَى مَنْ تَدَعُنِي؟ فَقَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال: (حدّثنا أبو صالح) ذكوان السمان (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أفضل الصدقة ما ترك غنى) بحيث لم يجحف بالمتصدق (واليد العليا) وهي المعطية (خير من اليد السفلى) وهي السائلة (وابدأ) في الإنفاق (بمن تعول) بمن تجب عليك نفقته وفي حديث النسائي عن أبي هريرة قال رجل: يا رسول الله عندي دينار قال: "تصدّق به على نفسك" قال: عندي آخر قال: "تصدّق به على زوجتك" قال: عندي آخر قال: "تصدّق به على خادمك" قال: عندي آخر قال: "أنت أبصر به" (تقول المرأة) لزوجها: (إما أن تطعمني) وللنسائي إما أن تنفق عليّ (وإما أن تطلقني، ويقول العبد أطعمني) بهمزة قطع (واستعملني) وزاد الإسماعيلي وإلاّ فبعني (ويقول الابن: أطعمني إلى مَن تدعني) وللإسماعيلي إلى من تكلني (فقالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا) يعني قوله تقول المرأة إلى آخره (من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: لا هذا من كيس أبي هريرة) بكسر الكاف أي من كلامي أدرجته في آخر الحديث لا مما سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحينئذ فهو موقوف استنبطه مما فهمه من الحديث المرفوع الواقع. وقال في الكواكب الدراري: والكيس بكسر الكاف الوعاء وهذا إنكار على السائلين عنه يعني ليس هذا إلا من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ففيه نفي يريد به الإثبات وإثبات يريد به النفي على سبيل التعكيس قال وفي بعضها بفتح

3 - باب حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله، وكيف نفقات العيال؟

الكاف أي من عقل أبي هريرة وكياسته وفيه أن النفق على الولد ما دام صغيرًا أو لا مال له ولا حِرفة لأن قوله إلى من تدعني؟ إنما هو قول من لا يرجع إلى شيء سوى نفقة الأب ومن له حِرفة أو مال غير محتاج إلى قول ذلك، واستدلّ بقوله: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني من قال يفرّق بين الرجل وزوجته إذا أعسر بالنفقة واختارت فراقه كما يفسخ بالجب والعنة بل هذا أولى لأن الصبر عن التمتع أسهل منه عن النفقة ونحوها لأن البدن يبقى بلا وطء ولا يبقى بلا قوت وأيضًا منفعة الجماع مشتركة بينهما فإذا ثبت في المشترك جواز الفسخ لعدمه ففي عدم المختص بها أولى وقياسًا على المرقوق فإنه يبيعه إذا أعسر بنفقته ولا فسخ للزوجة بنفقة عن مدة ماضية إذا عجز عنها لتنزلها منزلة دين آخر يثبت في ذمته. وقال الحنفية: إذا أعسر بالنفقة تؤمر بالاستدانة عليه ويلزمها الصبر وتتعلق النفقة بذمته لقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280] وغاية النفقة أن تكون دينًا في الذمة وقد أعسر بها الزوج فكانت المرأة مأمورة بالإنظار بالنص، ثم إن في إلزام الفسخ إبطال حقه بالكلية وفي إلزام الإنظار عليها والاستدانة عليه تأخير حقها دينًا عليه وإذا دار الأمر بينهما كان التأخير أولى به وفارق الجب والعنة والمملوك لأن حق الجماع لا يصير دينًا على الزوج ولا نفقة المملوك تصير دينًا على المالك ويخص المملوك أن في إلزام بيعه إبطال حق السيد إلى خلف هو الثمن فإذا عجز عن نفقته كان النظر من الجانبين في إلزامه ببيعه إذ فيه تخليص المملوك من عذاب الجوع وحصول بذل القائم مقامه للسيد بخلاف إلزام الفرقة فإنه إبطال حقه بلا بذل وهو لا يجوز بدلالة الإجماع على أنها لو كانت أم ولد عجز عن نفقتها لم يعتقها القاضي عليه قاله الشيخ كمال الدين. وهذا الحديث أخرجه النسائي في عشرة النساء. 5356 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ، مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بالعين المهملة المضمومة والفاء المفتوحة مصغرًا (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عبد الرحمن بن خالد بن مسافر) أمير مصر (عن ابن شهاب) الزهري (عن ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول) قال في شرح السُّنّة: أي غنى يعتمده ويستظهر به على النوائب التي تنوبه، وقال التوربشتي هو مثل قولهم هو على ظهر سير وراكب متن السلامة وممتط غارب الغير ونحو ذلك من الألفاظ التي يعبر بها عن التمكن من الشيء والاستواء عليه والتنكير فيه للتعظيم، وقال الطيبي: استعير الصدقة للإنفاق حثا عليه ومسارعة فيما يرجى منه جزيل الثواب ومن ثم أتبعه بما ينبغي أن تحمل فيه الصدقة على الإنفاق مطلقًا، وقوله: "وابدأ بمن تعول عليه" قرينة للاستعارة فيشمل النفقة على العيال وصدقتي التطوّع والواجب. وأن يكون ذلك الإنفاق من الربح لا من صلب المال فعلى هذا كان من الظاهر أن يؤتى بالفاء فعدل إلى الواو ومن الجملة الإخبارية إلى الإنشائية تفويضًا للترتيب إلى الذهن واهتمامًا بشأن الإنفاق. 3 - باب حَبْسِ نَفَقَةِ الرَّجُلِ قُوتَ سَنَةٍ عَلَى أَهْلِهِ، وَكَيْفَ نَفَقَاتُ الْعِيَالِ؟ (باب) جواز (حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله وكيف نفقات العيال) وسقط لفظ نفقة لأبي ذر. 5357 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ لِي مَعْمَرٌ قَالَ لِي الثَّوْرِيُّ: هَلْ سَمِعْتَ فِي الرَّجُلِ يَجْمَعُ لأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ أَوْ بَعْضِ السَّنَةِ؟ قَالَ مَعْمَرٌ: فَلَمْ يَحْضُرْنِي. ثُمَّ ذَكَرْتُ حَدِيثًا حَدَّثَنَاهُ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَبِيعُ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ، وَيَحْبِسُ لأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن سلام) البيكندي قال: (أخبرنا وكيع) هو ابن الجراح (عن ابن عيينة) سفيان (قال: قال لي معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (قال لي الثوري) سفيان (هل سمعت في الرجل يجمع لأهله قوت سنتهم أو) قوت (بعض السنة)؟ شيئًا (قال معمر: فلم يحضرني) شيء في ذلك (ثم ذكرت حديثًا حدّثناه ابن شهاب) محمد بن مسلم (الزهري عن مالك بن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو بعدها سين مهملة ابن الحدثان (عن عمر) بن الخطاب (- رضي الله عنه - أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يبيع نخل بني النضير) بفتح النون وكسر الضاد المعجمة يهود خيبر مما أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مما لم

يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب وكانت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاصة (ويحبس لأهله) زوجته وعياله من ذلك (قوت سنتهم) تطييبًا لقلوبهم وتشريعًا لأمته ولا يعارضه حديث أنه كان لا يدّخر شيئًا لغد لأنه كان قبل السعة أو لا يدّخر لنفسه بخصوصها وفيه جواز ادّخار القوت للأهل والعيال، وأنه ليس بحكرة ولا مناف للتوكل كيف ومصدره عن سيد المتوكلين، وإذا كان حال التوكل اعتماد القلب عليه تعالى فقط فلا يقدح فيه تسبب ككي في مرض إذا تحقق بما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وترك الأسباب وفعل مخوف توكلًا منهي عنه فتعتبر الأسباب الشرعية ومن غلبه توحيد خاص أغناه عن بعضها لا يقتدى به فيه. 5358 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ حَدِيثِهِ. فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ مَالِكٌ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ إِذْ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَذِنَ لَهُمْ. قَالَ: فَدَخَلُوا وَسَلَّمُوا فَجَلَسُوا. ثُمَّ لَبِثَ يَرْفَأ قَلِيلًا فَقَالَ لِعُمَرَ هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا. فَلَمَّا دَخَلاَ سَلَّمَا وَجَلَسَا. فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا فَقَالَ الرَّهْطُ عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ. فَقَالَ عُمَرُ اتَّئِدُوا. أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفْسَهُ. قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ، هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ذَلِكَ؟ قَالاَ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْمَالِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، قَالَ اللَّهُ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} -إِلَى قَوْلِهِ- {قَدِيرٌ} [الحشر: 6] فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِىَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيَاتَهُ. أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ، قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ يَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْتُمَا حِينَئِذٍ وَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ تَزْعُمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَذَا وَكَذَا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ. ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ ثُمَّ جِئْتُمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ، جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَأَتَى هَذَا يَسْأَلُنِي نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهُ إِلَيْكُمَا، عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلاَنِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِمَا عَمِلَ بِهِ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ وَبِمَا عَمِلْتُ بِهِ فِيهَا مُنْذُ وُلِّيتُهَا، وَإِلاَّ فَلاَ تُكَلِّمَانِي فِيهَا. فَقُلْتُمَا ادْفَعْهَا إِلَيْنَا بِذَلِكَ. فَدَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ فَقَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ. قَالَ: أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَوَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء مصغرًا الأنصاري مولاهم البصري (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين مصغرًا ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (مالك بن أوس بن الحدثان) بفتح الحاء والدال المهملتين والمثلثة قال الزهري: (وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكرًا) أي بعضًا (من حديثه فانطلقت حتى دخلت على مالك بن أوس فسألته) عن ذلك (فقال) لي (مالك) المذكور (انطلقت) فيه حذف ذكره في فرض الخمس ولفظه: فقال مالك: بينا أنا جالس في أهلي حين متع النهار أي اشتد حرّه إذا رسول عمر بن الخطاب يأتيني فقال: أجب أمير المؤمنين فانطلقت معه (حتى أدخل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمر) فبينا أنا جالس عنده (إذ أتاه حاجبه يرفأ) بفتح التحتية وسكون الراء وفتح الفاء مهموزًا وغير مهموز (فقال) له (هل لك) رغبة (في عثمان) بن عفان (وعبد الرحمن) بن عوف (والزبير) بن العوام (وسعد) أي ابن أبي وقاص حال كونهم (يستأذنون) في الدخول عليك (قال) عمر -رضي الله عنه- (نعم فأذن لهم قال: فدخلوا وسلموا فجلسوا ثم لبث) مكث (يرفأ قليلًا فقال لعمر: هل لك) رغبة (في عليّ وعباس) -رضي الله عنهما- (قال) عمر: (نعم فأذن لهما فلما دخلا سلّما وجلسا. فقال عباس) لعمر: (يا أمير المؤمنين اقضِ بيني وبين هذا) يريد عليًّا. زاد في الخمس وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بني النضير (فقال الرهط عثمان وأصحابه) الذين معه: (يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر فقال عمر: اتئدوا) بتشديد الفوقية وكسر الهمزة أي تأنّوا ولا تعجلوا (أنشدكم) بفتح الهمزة وضم الشين أسألكم (بالله الذي به) ولأبي ذر عن الكشميهني بإذنه (تقوم السماء) فوق رؤوسكم بلا عمد (والأرض) على الماء تحت أقدامكم (هل تعلمون أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا نورث) معاشر الأنبياء (ما تركنا صدقة) ما موصول مبتدأ وتركنا صلته والعائد محذوف صدقة رفع خبره (يريد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفسه) وغيره من الأنبياء فليس خاصًّا به كما قال في الرواية الأخرى: "نحن معاشر الأنبياء" (قال الرهط): عثمان وأصحابه (قد قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ذلك. فأقبل عمر على عليّ وعباس فقال: أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ذلك؟ قالا: قد قال ذلك. قال عمر: فإني أحدّثكم عن هذا الأمر: إن الله) عز وجل (كان خصّ) ولأبي ذر قد خص (رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا المال بشيء) وفي الخمس في هذا الفيء بدل المال (لم يعطه أحدًا غيره) لأن الفيء كله أو جفه على اختلاف فيه كان له عليه الصلاة والسلام (قال الله) تعالى: ({ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} -إلى- قوله: {قدير}) [الحشر: 6]. وسقط لغير أبي ذر: فما أوجفتم عليه من خيل (فكانت هذه) الأخماس الأربعة من بني النضير وخيبر وفدك (خالصة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، لا حق لأحد فيها غيره (والله ما احتازها) بحاء مهملة ساكنة وزاي مفتوحة ما جمعها، ولأبي ذر عن الكشميهني: ما اختارها بالخاء المعجمة والراء المهملة

4 - باب

لنفسه (دونكم ولا استأثر) ما استقل (بها عليكم لقد أعطاكموها) أي أموال الفيء (وبثها) بالموحدة والمثلثة المشددة وفرقها (فيكم حتى بقي منها هذا المال) فدك وخيبر وبنو النضير (فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال) وهذا موضع الترجمة (ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل) أي موضع (مال الله) لمصالح المسلمين (فعمل بذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-حياته. أنشدكم بالله) ولأبي ذر: أنشدكم الله بحذف حرف الجر والنصب (هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم. قال): وفي الخمس ثم قال: العين وعباس أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم، ثم توفى الله نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقبضها أبو بكر يعمل) ولأبي ذر فعمل (فيها بما عمل به فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنتما حينئذ وأقبل على عليّ وعباس) جملة معترضة (تزعمان) خبر لقوله أنتما (أن أبا بكر كذا وكذا) أي منعكما ميراثكما منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (والله يعلم أنه فيها لصادق) في القول (بارّ) في العمل (راشد) في الاقتداء برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تابع للحق ثم توفّى الله أبا بكر فقلت أنا وليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر) -رضي الله عنه- (فقبضتها سنتين) من إمارتي (أعمل فيها بما عمل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر) -رضي الله عنه- (ثم جئتماني وكلمتكما واحدة وأمركما جميع) أي مجتمع لم يكن بينكما منازعة (جئتني) يا عباس (تسألني نصيبك من ابن أخيك) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وأتى هذا) أي عليّ ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وإن هذا (يسألني نصيب امرأته) فاطمة -رضي الله عنها- (من أبيها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقلت) لكما (إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل به) فيها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبما عمل فيها أبو بكر) -رضي الله عنه- (وبما عملت به فيها منذ وليتها) فلا تتصرفان فيها على جهة التمليك إذ هي صدقة محرّمة التمليك بل افعلا فيها كما فعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحباه بعده (وإلاّ) بأن لم تفعلًا فيها ما ذكر (فلا تكلماني فيها فقلتما ادفعها إلينا بذلك فدفعتها إليكما بذلك) ثم قال للرهط: (أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك؟ فقال الرهط: نعم قال؛ فأقبل عمر) (على عليّ وعباس فقال: أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم قال) عمر: (أفتلتمسان) أفتطلبان (مني قضاء) حكمًا (غير ذلك) الحكم الذي حكمت فيها (فوالذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فادفعاها) إليّ (فأنا أكفيكماها). وهذا الحديث سبق في فرض الخمس والله الموفق والمعين. 4 - باب وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} إِلَى قَوْلِهِ: {بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} وَقَالَ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} وَقَالَ: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} إِلَى قَوْلِهِ: {بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} وَقَالَ يُونُسُ: عَنِ الزُّهْرِيِّ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا، وَذَلِكَ أَنْ تَقُولَ الْوَالِدَةُ، لَسْتُ مُرْضِعَتَهُ، وَهْيَ أَمْثَلُ لَهُ غِذَاءً وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ وَأَرْفَقُ بِهِ مِنْ غَيْرِهَا، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَأْبَى بَعْدَ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ نَفْسِهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمَوْلُودِ لَهُ أَنْ يُضَارَّ بِوَلَدِهِ وَالِدَتَهُ فَيَمْنَعَهَا أَنْ تُرْضِعَهُ ضِرَارًا لَهَا إِلَى غَيْرِهَا، فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَسْتَرْضِعَا عَنْ طِيبِ نَفْسِ الْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ. فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ. فِصَالُهُ فِطَامُهُ. هذا (باب) بالتنوين (وقال الله تعالى): وسقط لفظ وقال الله تعالى لأبي ذر ({والوالدات يرضعن أولادهن}) خبر في معنى الأمر المؤكد كيتربصن وهذا الأمر على وجه الندب أو على وجه الوجوب إذا لم يقبل الصبي إلا ثدي أمه أو لم يوجد له ظئر أو كان الأب عاجزًا عن الاستئجار أو أراد الوالدات المطلقات وإيجاب النفقة والكسوة لأجل الرضاع وعبّر بلفظ الخبر دون لفظ الإلزام كأن يقول وعلى الوالدات إرضاع أولادهن كما جاء بعد وعلى الوارث مثل ذلك إشارة إلى عدم الوجوب ({حولين}) ظرف ({كاملين}) تامين وهو تأكيد لأنه مما يتسامح فيه فإنك تقول أقمت عند فلان حولين ولم تستكملهما ({لمن أراد أن يتم الرضاعة}) بيان لمن توجه إليه الحكم أي هذا الحكم لمن أراد إتمام الرضاع (إلى قوله: {بما تعملون بصير}) [البقرة: 233] لا تخفى عليه أعمالكم فهو يجازيكم عليها (وقال) تعالى: {وحمله وفصاله}) ومدة حمله وفطامه ({ثلاثون شهرًا}) [الأحقاف: 15] استدل عليّ -رضي الله عنه- بهذه الآية مع التي في لقمان (وفصاله في عامين} [لقمان: 14] قوله: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين} على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وهو كما قاله ابن كثير استنباطًا قوي صحيح ووافقه عليه عثمان وغيره من الصحابة رضي الله عنهم فروى محمد بن إسحاق عن معمر بن عبد الله الجهني قال:

5 - باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها، ونفقة الولد

تزوج رجل منا امرأة من جهينة فولدت لتمام ستة أشهر فانطلق زوجها إلى عثمان فذكر ذلك له فبعث إليها فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها فقالت: ما يبكيك؟ فوالله ما التبس بي أحد من خلق الله غيره قطّ فيقضي الله فيّ ما شاء فلما أتي بها عثمان أمر برجمها فبلغ ذلك عليًّا فأتاه فقال له: ما تصنع؟ قال: ولدت تمامًا لستة أشهر وهل يكون ذلك؟ فقال له عليّ: أما تقرأ القرآن؟ قال: بلى. قال: أما سمعت الله تعالى يقول: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا} وقال: {حولين كاملين} فلم تجد قد بقي إلا ستة أشهر فقال عثمان: والله ما فطنت لهذا عليّ بالمرأة قال: فوجدوها قد فرغ منها رواه ابن أبي حاتم. (وقال): تعالى ({وإن تعاسرتم}) أي تضايقتم فلم ترض الأم بما ترضع به الأجنبية ولم يزد الأب على ذلك ({فسترضع له أخرى}) فستوجد ولا تعوز مرضعة غير الأم ترضعه وفيه طرف من معاتبة الأم على المعاشرة، وقوله له أي للأب أي سيجد الأب غير معاشرة ترضع له ولده إن عاشرته أمه، وفيه أنه لا يجب على الأم إرضاع ولدها، نعم عليها إرضاعه اللبأ بالهمزة والقصر بأجرة وبدونها لأنه لا يعيش غالبًا إلا به وهو اللبن أول الولادة ثم بعده إن انفردت هي أو أجنبية وجب إرضاعه على الموجودة منهما وله إجبار أمته على إرضاع ولدها منه أو من غيره لأن لبنها ومنافعها له بخلاف الحرّة ({لينفق ذو سعة من سعته}) أي لينفق كل واحد من الموسر والمعسر ما بلغه وسعه يريد ما أمر به من الإنفاق على المطلقات والمرضعات ({ومن قُدر عليه رزقه}) أي ضيق عليه أي رزقه الله على قدر قوته (إلى قوله: {بعد عسر يسرًا}) [الطلاق: 6، 7]. أي بعد ضيق في المعيشة سعة وهذا وعد لذي العسر باليسر ووعده تعالى حق وهو لا يخلفه. قال في فتوح الغيب: يقال إنه موعد لفقراء ذلك الوقت ويدخل فيه فقراء الأزواج دخولًا أولويًّا. (وقال يونس) بن يزيد الأيلي فيما وصله عبد الله بن وهب في جامعه (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (نهى الله تعالى أن تضار والدة بولدها) في قوله جل وعلا: {لا تكلف نفس إلا وسعها} [الأنعام: 152] (لا تضار والدة بولدها وذلك أن تقول الوالدة) للوالد (لست مرضعته) أو تطلب منه ما ليس بعدل من الرزق والكسوة وأن تشغل قلبه بالتفريط في شأن الولد وأن تقول بعد ما ألفها الولد اطلب له ظئرًا وما أشبه ذلك (وهي أمثل له غذاء) بمعجمتين أولاهما مكسورة (وأشفق عليه وأرفق به من غيرها فليس لها أن تأبى) إرضاعه (بعد أن يعطيها) الوالد (من نفسه ما جعل الله عليه) من الرزق والكسوة (وليس للمولود له أن يضار بولده) أي بسبب ولده (والدته فيمنعها أن ترضعه) وهي تريد إرضاعه (ضررًا لها) منتهيًا (إلى) رضاع (غيرها) فإلى متعلق بيمنعها (فلا جناح عليهما) أي الأبوين (أن يسترضعا) ظئرًا (عن طيب نفس الوالد والوالدة فإن) بالفاء ولأبي ذر: إن (أرادا فصالًا عن تراض منهما وتشاور) بينهما (فلا جناح عليهما) في ذلك (بعد أن يكون ذلك عن تراض منهما وتشاور) سواء زادا على الحولين أو نقصا وهو توسعة بعد التحديد والتشاور واستخراج الرأي وذكره ليكون التراضي عن تفكر فلا يضر الرضيع فسبحان من أدّب الكبير ولم يهمل الصغير واعتبر اتفاق الأبوين لما للأب من النسب والولاية وللأم من الشفقة والعناية. (فصاله) قال ابن عباس: فيما أخرجه الطبري يعني (فطامه) بنصب الميم في اليونينية أي منعه من شرب اللبن. 5 - باب نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إِذَا غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَنَفَقَةِ الْوَلَدِ (باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها ونفقة الولد) بخفض ونفقة عطفًا على المضاف إليه إذا غاب الزوج الموسر عن زوجته فليس لها فسخ النكاح لتمكنها من تحصيل حقها بالحاكم فيبعث قاضي بلدها إلى قاضي بلده فيلزمه بدفع نفقتها إن علم موضعه، واختار القاضي الطبري وابن الصبّاغ جواز الفسخ لها إذا تعذّر تحصيلها في غيبته للضرورة، وقال الروياني وصاحب العدّة: إن الفتوى عليه، ولو انقطع خبره ثبت لها الفسخ لأن تعذّر النفقة بانقطاع خبره كتعذرها بالإفلاس نقله الزركشي عن

6 - باب عمل المرأة في بيت زوجها

صاحبي المهذّب والكافي وغيرهما وأقرّه لا بغيبة من جهل حاله يسارًا وإعسارًا لعدم تحقق المقتضى. نعم لو أقامت بيّنة عند حاكم بلدها بإعساره ثبت لها لفسخ ولا يفسخ بغيبة ماله دون مسافة القصر لأنه في حكم الحاضر ويؤمر بتعجيل الإحضار أما إذا كان بمسافة القصر فأكثر فلها الفسخ لتضررها بالانتظار الطويل وأما نفقة الولد فتجب بشرط الحاجة، والأصح عند الشافعية اعتبار الصغر أو الزمانة. 5359 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ، فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِي لَهُ عِيَالَنَا؟ قَالَ: «لاَ. إِلاَّ بِالْمَعْرُوفِ». وبه قال: (حدّثنا ابن مقاتل) محمد المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (أن عائشة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عن عائشة (-رضي الله عنها-) أنها (قالت: جاءت هند) بغير صرف ولأبي ذر هند بالصرف (بنت عتبة) بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف أم معاوية إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان) صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف (رجل مسّيك) قال في القاموس: كأمير وسكيت وهمزة وعنق بخيل (فهل علي حرج) إثم (أن أطعم) بضم الهمزة وكسر العين (من) الشيء (الذي له عيالنا؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا) تطعميهم من ماله (إلا بالمعروف) بين الناس أنه قدر الكفاية عادة من غير إسراف. وفي المظالم لا حرج عليك أن تطعميهم بالمعروف، وقال القرطبي: قوله خذي أمر إباحة بدليل قوله لا حرج قال: وهذه الإباحة وإن كانت مطلقة لفظًا لكنها مقيدة معنى كأنه قال: إن صح ما ذكرت، وقد اختلف أصحابنا هل للمرأة استقلال بالأخذ من مال زوجها عند الحاجة بغير إذن القاضي؟ فيه وجهان مبنيان على وجهين بناء على أن إذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهند كان إفتاء أو قضاء، والأول أصح فيجري في كل امرأة أشبهتها، وعلى الثاني وهو أن يكون قضاء لا يجري على غيرها إلا بإذن القاضي، وأيد القول الأول ابن دقيق العيد بأن الحكم يحتاج إلى إثبات السبب المسلط على الأخذ من مال الغير ولا يحتاج إلى ذلك في الفتوى، وربما قيل إن أبا سفيان كان حاضرًا في البلد ولا يقضى على الغائب الحاضر في البلد مع إمكان إحضاره وسماع الدعوى على المشهور من مذاهب الفقهاء، ثم قال: وهذا يبعد ثبوته إلا أن يؤخذ بطريق الاستصحاب بحال حضوره انتهى. وفيه كلام يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى بعونه في القضاء على الغائب في كتاب الأحكام. 5360 - حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِهِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى الختي أو يحيى بن جعفر بن أعين البيكندي وهو الظاهر كما صرّح به في البيوع قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه أنه (قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها) على عياله وأضيافه (عن) ولأبي ذر عن الكشميهني من (غير أمره) الصريح في ذلك القدر المنفَق بل فهمت ذلك من قرائن حالية أو أنفقت مما خصه الزوج بها (فله نصف أجره) قال محيي السُّنّة وهذا خارج على عادة أهل الحجاز أنهم يطلقون الأمر للأهل في الإنفاق والتصدّق بما يكون في البيت إذا حضرهم السائل أو نزل بهم الضيف. وهذا الحديث قد سبق في البيع، وهذا الباب مقدّم على سابقه عند النسفيّ وأبي ذر. 6 - باب عَمَلِ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا (باب عمل المرأة في بيت زوجها) من الطحن والعجن والكنس وغير ذلك. 5361 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنَا عَلِيٌّ أَنَّ فَاطِمَةَ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ. فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ قَالَ: فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ فَقَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمَا» فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي. فَقَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا فَسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثني) بالإفراد (الحكم) بن عتيبة بضم العين المهملة وفتح الموحدة مصغرًا (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن واسم أبي ليلى يسار أنه قال: (حدّثنا عليّ) هو ابن أبي طالب (أن فاطمة) الزهراء (عليها السلام أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى) زاد في الخمس مما تطحن، وفي المناقب

7 - باب خادم المرأة

من أثر الرحى، وعند أبي داود من طريق أبي الورد عن علي أنها جرّت بالرحى حتى أثرت بيدها واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها وقمت البيت حتى اغبرّت ثيابها وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها وأصابها من ذلك ضرر (وبلغها أنه جاء رقيق) من السبي (فلم تصادفه) بالفاء لم تجده (فذكرت ذلك) الذي تشكوه (لعائشة، فلما جاء) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أخبرته عائشة) به (قال) عليّ -رضي الله عنه- (فجاءنا) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (و) الحال أنا (قد أخذنا مضاجعنا) مراقدنا (فذهبنا نقوم فقال: على مكانكما) أي الزماه (فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه) بالتثنية ولأبي ذر: قدمه (على بطني) وفي الخمس والمناقب على صدري (فقال): (ألا) بالتخفيف (أدلكما على خير مما سألتماه) وفي الخمس سألتماني وعند أحمد قالا: بلى قال: كلمات علمنيهن جبريل (إذا أخذتما مضاجعكما أو) قال: (أويتما إلى فراشكما فسبّحا) بكسر الموحدة (ثلاثًا وثلاثين واحمدا) بفتح الميم (ثلاثًا وثلاثين وكبّرا) بكسر الموحدة (أربعًا وثلاثين فهو خير لكما من خادم). فيه أن الذي يلازم ذكر الله يعطى قوّة أعظم من القوّة التي يعملها له الخادم، أو أن المراد أن نفع التسبيح مختص بالدار الآخرة ونفع الخادم نحتص بالدار الدنيا والآخرة خير وأبقى، وفيه أن الزوج لا يلزمه إخدام زوجته إذا كانت لا تخدم في بيت أبيها وكانت تقدر على الخدمة من طبخ وخبز وملء ماء وكنس بيت، ولما سألت فاطمة -رضي الله عنها- الخادم لم يأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليًّا أن يخدمها، وقد حكى ابن حبيب عن أصبغ وابن الماجشون عن مالك أن الزوجة يلزمها خدمة البيت وإن كانت ذات شرف إذا كان زوجها معسرًا تمسكًا بهذا الحديث. وهذا الحديث سبق في الخمس والمناقب ويأتي إن شاء الله تعالى في الدعوات. 7 - باب خَادِمِ الْمَرْأَةِ (باب) حكم (خادم المرأة) هل يشرع ويلزم الزوج إخدامها؟. 5362 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ سَمِعَ مُجَاهِدًا سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ فَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - أَتَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَسْأَلُهُ خَادِمًا، فَقَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِنْهُ، تُسَبِّحِينَ اللَّهَ عِنْدَ مَنَامِكِ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَتَحْمَدِينَ اللَّهَ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَتُكَبِّرِينَ اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ». ثُمَّ قَالَ سُفْيَانُ: إِحْدَاهُنَّ أَرْبَعٌ وَثَلاَثُونَ، فَمَا تَرَكْتُهَا بَعْدُ. قِيلَ: وَلاَ لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قَالَ وَلاَ لَيْلَةَ صِفِّينَ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن أبي يزيد) من الزيادة المكي أنه (سمع مجاهدًا) قال: (سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى يحدّث عن علي بن أبي طالب أن فاطمة عليها السلام أتت النبي) ولأبي ذر أتت إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تسأله خادمًا) يقيها مشقة الخدمة (فقال) عليه الصلاة والسلام لما بلغه ذلك وأتى إليها: (ألا أخبرك) بكسر الكاف كاللتين بعد خطابًا لفاطمة (ما هو خير لك منه تسبحين الله عند منامك ثلاثًا وثلاثين وتحمدين الله ثلاثًا وثلاثين وتكبرين الله أربعًا وثلاثين ثم قال سفيان) بن عيينة (إحداهن) من غير تعيين (أربع وثلاثون) قال عليّ -رضي الله عنه- (فما تركتها) أي جملة التسبيح والتحميد والتكبير بالعدد المذكور (بعد) أي بعد أن سمعت ذلك من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قيل: ولا) تركتها (ليلة صفين. قال: ولا ليلة صفين) بكسر الصاد المهملة والفاء المشددة الموضع الكائن به الوقعة بين عليّ ومعاوية -رضي الله عنهما- بين العراق والشام والقائل ذلك لعلي عبد الرحمن بن أبي ليلى الراوي كما عند مسلم، أو عبد الله بن الكواء كما عند ابن أبي شيبة من وجه آخر. ومفهوم الحديث أنه لا يجب على الزوج إخدام الزوجة لكن الظاهر حمله على ما سبق في الباب السابق على ما تعارف من حسن العشرة وجميل الأخلاق وإلاّ فيجب على الزوج وإن كان معسرًا أو عبدًا إخدام الحرّة ولو ذمية إن كانت ممن تخدم في بيت أبيها لأنه من المعاشرة بالمعروف المأمور بها لا إخدام الأمة وإن اعتادت لجمالها بالخدمة لنقصها بالرق وحقها أن تخدم لا أن تخدم والإجماع على أن عليه نفقة الخادم لها، فلو قالت: أنا أخدم نفسي وآخذ ما للخادم من أجرة أو نفقة لم يجبر هو لأنها أسقطت حقها وله أن لا يرضى به لابتذالها بذلك، أو قال الزوج أنا أخدمك لتسقط عنه مؤونة الخادم لم تجبر هي. 8 - باب خِدْمَةِ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ (باب) جواز (خدمة الرجل) بنفسه (في أهله). 5363 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ فِي الْبَيْتِ قَالَتْ: كَانَ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا سَمِعَ الأَذَانَ خَرَجَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بن البرند قال: (حدّثنا

9 - باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف

شعبة) بن الحجاج (عن الحكم بن عتيبة) بضم العين المهملة وفتح الفوقية الموحدة بينهما تحتية ساكنة الكندي مولاهم فقيه الكوفة (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود بن يزيد) النخعي أنه قال: (سألت عائشة -رضي الله عنها-) فقلت لها: (ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصنع في البيت؟ قلت: كان) ولأبي ذر عن الكشميهني قالت: (كان) يكون (في مهنة أهله) بكسر الميم وسكون الهاء في الفرع كأصله وضبطه الهروي بفتح الميم وعن شمر فيما حكاه الأزهري أن الكسر خطأ. وقال في النهاية الرواية بالفتح وقد تكسر وقال الزمخشري: هو عند الأثبات خطأ وكان القياس أن يكون مثل جلسة إلا أنه جاء على فعلة واحدة. وقال في القاموس: المهنة بالكسر والفتح والتحريك الحذق بالخدمة والعمل مهنة كمنعه ونصره مهنًا ومهنة وتكسر خدمة (فإذا سمع الأذان خرج) إلى الصلاة. والحديث سبق في الصلاة. 9 - باب إِذَا لَمْ يُنْفِقِ الرَّجُلُ فَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَأْخُذَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالْمَعْرُوفِ هذا (باب) بالتنوين (إذا لم ينفق الرجل) على أهله (فللمرأة أن تأخذ) من ماله (بغير علمه ما يكفيها و) يكفي (ولدها بالمعروف) في العادة بين الناس. 5364 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلاَّ مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهْوَ لاَ يَعْلَمُ. فَقَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن المثنى) قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام) أن (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن هند بنت عتبة) كذا بغير صرف في هند في الفرع، وقال الحافظ ابن حجر في هذه الرواية: هندًا بالصرف، وفي اليونينية بالوجهين، وفي رواية الزهري عن عروة في المظالم بغير صرف قال: وكانت هند لما قتل أبوها عتبة وعمها شيبة وأخوها الوليد يوم بدر شق عليها، فلما كان يوم أُحُد وقتل حمزة فرحت بذلك وعمدت إلى بطنه فشقتها وأخذت كبده فلاكتها ثم لفظتها، فلما كان يوم الفتح ودخل أبو سفيان مكة مسلمًا غضبت هند لأجل إسلامه وأخذت بلحيته ثم إنها بعد استقراره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة أسلمت وبايعت ثم (قالت) إذ ذاك (يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح) بخيل مع الحرص فالشح أعمّ من البخل لأن البخل يختص بمنع المال والشح بكل شيء وقيل الشح لازم كالطبع والبخل غير لازم (وليس يعطيني) من النفقة (ما يكفيني) ما موصولة صلته يكفيني والعائد الفاعل المستتر في يكفيني والصلة والموصول في موضع نصب مفعول ثانٍ ليعطيني (وولدي إلا ما أخذت منه وهو) أي والحال أنه (لا يعلم، فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (خذي) من ماله (ما يكفيك وولدك بالمعروف) يجوز أن تتعلق الباء بحال أي خذي من ماله أكلة بالمعروف أو متلبسة بالمعروف فتكون الباء باء الحال وفي طبقات ابن سعد بسند رجاله رجال الصحيح من مرسل الشعبي أن النساء حين بايعن قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تبايعن على أن لا تشركن بالله شيئًا" فقالت هند: إنّا لقائلوها ولا تسرقن. قالت هند: كنت أصيب من مال أبي سفيان. قال أبو سفيان: فما أصبت من مالي فهو حلال لك. قال: ولا تزنين، فقالت هند: أوَ تزني الحرة؟ ولا تقتلن أولادكن. قالت هند: أنت قتلتهم وهذا يردّ على القائل بأنه يؤخذ من الحديث القضاء على الغائب إذ هو صريح في أنه كان معها في المجلس ومباحث هذا تأتي إن شاء الله تعالى في موضعه من كتاب الأحكام بعون الله. وفي الحديث أن القول في قبض النفقة قول الزوجة لأنه لو كان القول قوله لكلفت هند البيّنة على إثبات عدم الكفاية وأجاب المازري: بأنه من باب الفتيا لا القضاء وبقية فوائده المستنبطة منه تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته. 10 - باب حِفْظِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي ذَاتِ يَدِهِ وَالنَّفَقَةِ (باب حفظ المرأة زوجها في ذات يده) في ماله (و) في (النفقة) من عطف الخاص على العام. 5365 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ» وَقَالَ الآخَرُ: «صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ». وَيُذْكَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس بن كيسان الإمام أبي عبد الرحمن قال سفيان (و) حدّثنا أيضًا (أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان كلاهما أي طاوس وأبو الزناد (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن

11 - باب كسوة المرأة بالمعروف

أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (خير نساء ركبن الإبل نساء قريش) يريد نساء العرب لأنهن يركبن الإبل (وقال الآخر): وهو ابن طاوس كما عند مسلم (صالح نساء قريش) بدل خير وللكشميهني صلح نساء قريش بضم الصاد وفتح اللام المشددة بصيغة الجمع (أحناه) بالحاء المهملة أشفقه (على ولد في صغره) فلا يتزوجن ما دام صغيرًا (وأرعاه) أحفظه (على زوج في ذات يده) ماله ونكر لفظ الولد إشارة إلى أنها تحنو على أي ولد كان وإن كان ولد زوجها من غيرها أكثر مما يحنو عليه غيرها وقال: أحناه فذكر وكان القياس أن يقول أحناهن لأن الضمير عائد على النساء. وأجيب: بأن التذكير يدل على الجنسية كأنه قيل خير هذا الجنس الذين فاقوا الناس في الشرف هذا الجيل، ولذلك عدل من ذكر العرب إلى الصفة المميزة من قوله ركبن الإبل لزيادة الاختصاص ولو قيل أحناهن كانت الذات المقصودة، والمعنى تابعًا لها فلم يكن بذلك وفي اختصاص العرب من بين سائر الناس واختصاص قريش منها دلالة على أن العرب أشرف الناس وأشرفها قريش. (ويذكر عن معاوية) بن أبي سفيان فيما أخرجه الإمام أحمد والطبراني من طريق زيد بن أبي عتاب (و) عن (ابن عباس) -رضي الله عنهم- فيما أخرجه أحمد أيضًا من طريق شهر بن حوشب (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نحو رواية ابن طاوس. 11 - باب كِسْوَةِ الْمَرْأَةِ بِالْمَعْرُوفِ (باب) وجوب (كسوة المرأة) بكسر الكاف وضمها على زوجها (بالمعروف) أسوة أمثالها فيجب لها عليه قميص وسراويل أو إزار اعتيد وخمار وهو المقنعة ومكعب وهو المداس أو نعل، ويزيد لها في الشتاء جبة محشوّة أو فروة بحسب الحاجة لدفع البرد فإن اشتد فجبتان على الموسر والمعسر لكن الموسر يكسوها بكسوة من جيد القطن وكذا الكتان والحرير والخزّ إن اعتادوه لنسائهم والمعسر يكسوها من خشنه، ويتوسط بينهما المتوسط وعلى الموسر طنفسة وهي بساط صغير في الشتاء ونطع في الصيف تحتهما زلية أو حصير وعلى المعسر حصير في الصيف، ولبد في الشتاء وعلى المتوسط زلية في الصيف والشتاء، ويجب لنومها على كلٍّ منهم مع التفاوت في الكيفية بينهم فراش ترقد عليه كمضربة لينة ومخدة مع لحاف أو كساء في الشتاء ورداء في الصيف وآلة أكل وشرب وطبخ كقصعة وكوز وجرّة وقدر، وآلة تنظيف كمشط ودهن وسدر وأجر حمام اعتيد وثمن ماء غسل بسببه كوطئه وولادتها منه بخلاف الحيض والاحتلام. 5366 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: آتَى إِلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُلَّةً سِيَرَاءَ، فَلَبِسْتُهَا فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَشَقَّقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الملك بن ميسرة) ضد الميمنة (قال: سمعت زيد بن وهب) الجهني هاجر ففاته رؤية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن علي رضي الله عنه) أنه (قال: آتى) بمد الهمزة أعطى وضمّن أعطى معنى أهدى أو أرسل فلذا عدّاه بإلى في قوله (إليّ) بتشديد الياء وفي رواية النسفيّ بعث وفي رواية عبدوس أهدى إليّ (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلّة سيراء) بإضافة حلة لتاليه ولأبي ذر حلة بالتنوين وسيراء بكسر السين المهملة وفتح التحتية والراء ممدود برد فيه خطوط صفر أو مضلعة بالحرير والحلة لا تكون إلا من ثوبين (فلبستها فرأيت الغضب في وجهه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فشققتها بين نسائي) فاطمة الزهراء - رضي الله عنها - وقراباته، إذ لم يكن لعلي زوجة إذ ذاك غير فاطمة -رضي الله عنها-. والمطابقة بين الترجمة والحديث كما قاله ابن المنير من جهة أن الذي حصل لفاطمة -رضي الله عنها- من الحلة قطعة فرضيت بها اقتصادًا بحسب الحال لا إسرافًا. وهذا الحديث بسنده ومتنه قد سبق في كتاب الهبة. 12 - باب عَوْنِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي وَلَدِهِ (باب) استحباب (عون المرأة زوجها في) أمر (ولده). 5367 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-، قَالَ: هَلَكَ أَبِي وَتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً ثَيِّبًا. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ»؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: «بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا»؟ قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا. قَالَ: «فَهَلاَّ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ. وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ»؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنَاتٍ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتُصْلِحُهُنَّ، فَقَالَ: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ. أَوْ قَالَ: خَيْرًا». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري الحافظ أبو الحسن قال: (حدّثنا حماد بن يزيد) الإمام أبو إسماعيل الأزدي أحد الأعلام (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار أبي محمد المكي الإمام (عن جابر بن عبد الله)

13 - باب نفقة المعسر على أهله

الأنصاري (رضي الله عنه) وعن أبيه أنه (قال: هلك أبي وترك سبع بنات أو) قال: (تسع بنات) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف أسماءهن (فتزوجت امرأة ثيبًا فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (تزوجت)؟ استفهام محذوف الأداة وللمستملي أتزوجت (يا جابر؟ فقلت: نعم. فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بكرًا) بحذف أداة الاستفهام ولأبي ذر أبكرًا (أم ثيبًا؟ قلت): يا رسول الله (بل) تزوجت (ثييًا) قال) عليه الصلاة والسلام: (فهلاّ) تزوجت (جارية) بكرًا (تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك؟ قال) جابر: (فقلت له): يا رسول الله (إن عبد الله) أبي (هلك وترك بنات وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن) صغيرة لا تجربة لها في الأمور (فتزوجت امرأة) قد جربت الأمور وعرفتها (تقوم عليهن وتصلحهن فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بارك الله لك -أو) قال: (خيرًا-) شك من الراوي ولأبي ذر لك أو قال خيرًا. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الدعوات ومسلم والترمذي والنسائي في النكاح. 13 - باب نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ عَلَى أَهْلِهِ (باب نفقة المعسر على أهله). 5368 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ فَقَالَ: هَلَكْتُ. قَالَ: «وَلِمَ»؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَانَ قَالَ: «فَأَعْتِقْ رَقَبَةً». قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي. قَالَ: «فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ». قَالَ: لاَ أَسْتَطِيعُ. قَالَ: «فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا». قَالَ: لاَ أَجِدُ فَأُتِىَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ. فَقَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ»؟ قَالَ: هَا أَنَا ذَا قَالَ: «تَصَدَّقْ بِهَذَا». قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ قَالَ: «فَأَنْتُمْ إِذًا». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) الزهري العوفي المدني قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل) سبق في الصوم أنه قيل إنه سلمة بن صخر وقيل سلمان بن صخر وقيل أعرابي (فقال: هلكت) أي فعلت ما هو سبب لهلاكي (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ولِم) هلكت؟ (قال: وقعت على أهلي) جامعت زوجتي (في) نهار (رمضان. قال) عليه الصلاة والسلام له: (فأعتق رقبة) بهمزة قطع (قال: ليس عندي) ما أعتق به رقبة (قال) عليه الصلاة والسلام: (فصم شهرين متتابعين قال: لا أستطيع) الصوم (قال) صلوات الله وسلامه عليه (فأطعم ستين مسكينًا) بقطع همزة فأطعم (قال لا أجد) ما أطعم به (فأُتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعرق) بفتح العين والراء وعاء من خوص (فيه تمر) خمسة عشر صاعًا وعند ابن خزيمة من حديث عائشة عشرون كما سبق في الصوم (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أين السائل) عما يخلصه من الهلاك (قال: ها أنا ذا) يا رسول الله (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تصدق بهذا) التمر (قال) الرجل أتصدق به (على) أحد (أحوج منا يا رسول الله فوالذي بعثك بالحق ما بين لابتيها) تثنية لابة بغير همز يريد حرتي المدينة أرض ذات حجارة سود (أهل بيت أحوج منا) زاد ابن خزيمة من حديث عائشة ما لنا عشاء ليلة (فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدت أنيابه) تعجبًا من حاله في طعمه بعد خوفه من هلاكه ورغبته في الفداء أن يأكل ما أعطيه في الكفارة (قال) عليه الصلاة والسلام (فأنتم إذًا) أحق به. ومطابقة الحديث للترجمة كما قال ابن بطال من حيث إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أباح له إطعام أهله التمر، ولم يقل له إن ذلك يجزيك عن الكفارة لأنه قد تعين عليه فرض النفقة على أهله بوجود التمر وهو ألزم له من الكفارة، وتعقبه في الفتح بأنه يشبه الدعوى فيحتاج إلى دليل قال: والذي يظهر لي أن الأخذ من جهة اهتمام الرجل بنفقة أهله حيث قال: لما قيل له تصدق به فقال: أعلى أحوج منّا فلولا اهتمامه بنفقة أهله لبادر وتصدق. وهذا الحديث قد سبق في الصوم. 14 - باب {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} وَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْهُ شَيْءٌ {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} -إِلَى قَوْلِهِ- {صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وعلى الوارث}) عطف على قوله: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن} [البقرة: 233] وما بينهما مفسر للمعروف معترض بين المعطوف والمعطوف عليه أي وعلى وارث الصبي عند عدم الأب ({مثل ذلك}) [البقرة: 233] أي مثل الذي كان على أبيه في حياته من الرزق والكسوة وأجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له، واختلف في الوارث فعند ابن أبي ليلى كل من ورثه وهو قول أحمد وعند الحنفية من كان ذا رحم محرم منه وقال الجمهور: لا غرم على أحد من الورثة ولا يلزمه نفقة ولد الموروث، وقال زيد بن ثابت: إذا خلف أمًّا وعمًّا فعلى كل واحد منهما إرضاع الولد بقدر ما يرث وإليه أشار المؤلّف بقوله: (وهل على المرأة) أي الأم

15 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من ترك كلا أو ضياعا فإلي»

(منه) أي من إرضاع الصبي (شيء) وهل هنا للنفي، وأشار به إلى الرد على قول زيد ثم أشار بقوله: ({وضرب الله مثلًا رجلين أحدهما أبكم}) إلى قوله: ({صراط مستفيم}) [النحل: 76] فنزل المرأة من الوراث منزلة الأبكم من المتكلم وجعلها كلاًّ على مَن يعولها. 5369 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ لِي مِنْ أَجْرٍ فِي بَنِي أَبِي سَلَمَةَ أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ، وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ هَكَذَا وَهَكَذَا، إِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ. قَالَ: «نَعَمْ، لَكِ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال: (أخبرنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد المخزومية ربيبة النبي في -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن أم سلمة) هند أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: (قلت يا رسول الله هل لي من أجر في بني أبي سلمة) بفتح اللام زوجي (أن أنفق) بضم الهمزة أي بأن وأن مصدرية أي بالإنفاق (عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا) أي محتاجين (إنما هم بني) بفتح الموحدة وكسر النون وتشديد التحتية أي أولادي منه قال الحافظ ابن حجر في المقدمة: هم عمر وسلمة وزينب ودرة وقيل فيهم محمد (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم لك أجر ما أنفقت). وهذا الحديث مضى في الزكاة قالوا: ومطابقة الترجمة للحديث من أخباره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لها أجرًا فدل على أن نفقتهم لا تجب عليها إذ لو وجبت عليها لبيّن لها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك. وهذا الحديث سبق في الزكاة. 5370 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ هِنْدُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِينِي وَبَنِيَّ؟ قَالَ: «خُذِي بِالْمَعْرُوفِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت: (قالت هند) بنت عتبة (يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح فهل عليه جناح أن آخذ من ماله) بغير علمه (ما يكفيني وبنيَّ) في النفقة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (خذي) من ماله ما يكفيك وولدك (بالمعروف) بلا إسراف ولا تقتير. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أذن لها في أخذ نفقة بنيها من مال الأب فدل على أنها تجب عليه دونها، وغرض المؤلّف أنه لما لم يلزم الأمهات نفقة الأولاد في حياة الآباء فالحكم مستمرّ بعد الآباء ويقوّيه قوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن} [البقرة: 233] أي رزق الأمهات وكسوتهن من أجل الإرضاع للأبناء فكيف يجب لهن في أوّل الآية ويجب عليهن نفقة الأبناء في آخرها قاله في الفتح. 15 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ تَرَكَ كَلاًّ أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ» (باب قول النبي) ولأبي ذر: باب قول النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من ترك كلاًّ) بفتح الكاف وتشديد اللام منوّنة ثقلًا من دين ونحوه (أو ضياعًا) بفتح الضاد المعجمة أي من لا يستقل بنفسه ولو خلي وطبعه لكان في معرض الهلاك (فإليّ) أي فينتهي إليّ وأنا أتداركه أو هو بمعنى عليّ أي فعليّ قضاؤه والقيام بمصالحه. 5371 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَسْأَلُ: «هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلًا»؟ فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى، وَإِلاَّ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ». فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجدّه واسم أبيه عبد الله الحافظ أبو زكريا المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن عقيل) هو ابن أبي خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يؤتى بالرجل المتوفى) بفتح الفاء المشدّدة أي الميت حال كونه (عليه الدين فيسأل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هل ترك لدينه فضلًا) قدرًا زائدًا على مؤن تجهيزه يفي بدينه ولأبي ذر عن الكشميهني قضاء (فإن حدث) بضم الحاء مبنيًّا للمفعول (أنه ترك وفاء) أي ما يوفى به دينه (صلى) عليه (وإلا) بأن لم يترك وفاء (قال للمسلمين: صلوا على صاجكم) قال الكرماني: لعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امتنع تحذيرًا من الدين وزجرًا عن المماطلة وكراهة أن يوقف دعاؤه عن الإجابة بسبب ما على المديون من مظلمة الحق (فلما فتح الله عليه الفتوح) من الغنائم وغيرها (قال) عليه الصلاة والسلام: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دينًا فعليّ قضاؤه) مما أفاء الله في (ومن ترك مالًا فلورثته) قال في الفتح: وأراد المصنف بإدخال هذا الحديث في أبواب النفقات الإشارة إلى أن من مات وله أولاد ولم يترك لهم شيئًا فإن نفقتهم تجب في بيت المال. وهذا الحديث سبق في باب الدين من الكفالة. 16 - باب الْمَرَاضِعِ مِنَ الْمَوَالِيَاتِ وَغَيْرِهِنَّ (باب المراضع

70 - كتاب الأطعمة

من المواليات وغيرهن) بفتح الميم في الفرع كأصله والذي في معظم الروايات من الموالي. 5372 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْكِحْ أُخْتِي ابْنَةَ أَبِي سُفْيَانَ؟ قَالَ: «وَتُحِبِّينَ ذَلِكَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ لَسْتُ لَكَ بِمُخْلِيَةٍ وَأَحَبُّ مَنْ شَارَكَنِي فِي الْخَيْرِ أُخْتِي. فَقَالَ: «إِنَّ ذَلِكَ لاَ يَحِلُّ لِي» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ إِنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَنْكِحَ دُرَّةَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: «ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ»؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «فَوَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حَجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَرْضَعَتْنِي وَأَبَا سَلَمَةَ ثُوَيْبَةُ، فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ». وَقَالَ شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ عُرْوَةُ ثُوَيْبَةُ أَعْتَقَهَا أَبُو لَهَبٍ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد إمام المصريين (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (أن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة أخبرته أن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان بن حرب (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: قلت يا رسول الله انكح) بهمزة وصل (أختي) بهمزة قطع عزة (ابنة) ولأبي ذر: بنت (أبي سفيان، قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وتحبين ذلك)؟ بكسر الكاف والاستفهام للتعجب (قلت): ولأبي ذر قالت: (نعم) أحب ذلك لأني (لست لك بمخلية) بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وكسر اللام وفتح التحتية والباء زائدة في النفي أي لست خالية من ضرة (وأحب) بفتح الهمزة والحاء المهملة (من شاركني في الخير) من محبتك والانتفاع بك في الدارين (أختي فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن) ولأبي ذر: وإن (ذلك) بكسر الكاف (لا يحل لي) لأن فيه الجمع بين الأختين (فقلت يا رسول الله فوالله إنا نتحدث أنك تريد أن تنكح درة) بضم الدال المهملة وتشديد الراء (ابنة) ولأبي ذر: بنت (أبي سلمة. فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ابنة) ولأبي ذر بنت (أم سلمة)؟ بنصب بنت مفعول فعل مقدر أي أأنكح بنت أم سلمة أو تعنين (فقلت: نعم) يا رسول الله (قال: فوالله لو لم تكن ربيبتي في حجري) تفتح وتكسر (ما حلت لي) والتقييد بالحجر جرى على الغالب (إنها ابنة) ولأبي ذر إنها بنت (أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة) فهي حرام بسببين لو فقد أحدهما لم يحتج إليه لوجود الآخر (فلا تعرضن) بكسر الراء وسكون الضاد المعجمة (عليّ) بتشديد الياء (بناتكن ولا أخواتكن. وقال شعيب) هو ابن أبي حمزة مما وصله المؤلّف في أوائل النكاح (عن الزهري قال: عروة) بن الزبير (ثويبة) بضم المثلثة وفتح الواو المذكورة (أعتقها أبو لهب) لما بشرته بولادة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وسبق الحديث في النكاح كما مر وغرضه بذكره هنا الإشارة إلى أن ثويبة كانت مولاة ليطابق الترجمة، وأورده في أبواب النفقات ليشير إلى أن إرضاع الأم ليس واجبًا بل لها أن تمتنع وللأب أو الولي إرضاعه بأجنبية حرة كانت أو أمة متبرعة أو بأجرة والأجرة تدخل في النفقة. بسم الله الرحمن الرحيم 70 - كتاب الأطعمة (بسم الله الرحمن الرحيم) كذا بإثبات البسملة هنا في الفرع. (كتاب الأطعمة) جمع طعام كرحى وأرحية. قال في القاموس: الطعام البر وما يؤكل وجمع الجمع أطعمات. وقال ابن فارس: في المجمل يقع على كل ما يطعم حتى الماء. قال تعالى: {فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني} [البقرة: 249] وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: في زمزم "إنها طعام طعم وشفاء سقم" والطعم بالفتح ما يؤدّيه الذوق يقال طعمه مر أو حلو والطعام أيضًا بالضم الطعام وطعم بالكسر أي أكل وذاق يطعم بالفتح طعمًا فهو طاعم كغنم يغنم فهو غانم. 1 - باب وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} وَقَوْلِهِ: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} وَقَوْلِهِ: {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (قول الله تعالى: {كلوا من طيبات ما رزقناكم}) [طه: 81] من مستلذاته أو من حلالاته والحلال المأذون فيه ضد الحرام الممنوع منه، والطيب في اللغة بمعنى الطاهر. والحلال يوصف بأنه طيب، والطيب في الأصل ما يستلذ ويستطاب ووصف به الطاهر والحلال على جهة التشبيه لأن النجس تكرهه النفس ولا يستلذ والحرام غير مستلذ لأن الشرع زجر عنه، فالمراد بالطيب أن لا يكون متعلق حق الغير فإن أكل الحرام وإن استطابه أكل فمن حيث يؤدي إلى العقاب يصير مضرًّا ولا يكون مستطابًا. (وقوله) تعالى: ({أنفقوا من طيبات ما كسبتم}) [البقرة: 267] من جياد مكسوباتكم ولغير أبي ذر كلوا بدل أنفقوا ورواية أبي ذر موافقة للتلاوة (وقوله) تعالى: ({كلوا من الطيبات}) وأوّل الآية {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} وليس النداء والخطاب على ظاهرهما لأنهم أرسلوا متفرّقين في أزمنة مختلفة، وإنما المعنى الإعلام بأن كل رسول

في زمانه نودي بذلك ووصى به ليعتقد السامع أن أمرًا نودي له جميع الرسل، وصوابه حقيق أن يؤخذ به ويعمل عليه أو خطاب لنبيّنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لفضله وقيامه مقام الكل في زمانه وكان يأكل من الغنائم أو لعيسى لاتصال الآية بذكره، وكان يأكل من غزل أمه كما قاله أبو إسحاق السبيعي عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل وهو أطيب الطيبات، وفي الصحيح أن داود كان يأكل من عمل يده ({واعملوا صالحًا}) موافقًا للشريعة ({إني بما تعملون عليم}) [المؤمنون: 51] فأجازيكم على أعمالكم. 5373 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ». قَالَ سُفْيَانُ: وَالْعَانِي الأَسِيرُ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (أطعموا الجائع) قال في فتح الباري: يؤخذ من الأمر بإطعام الجائع جواز الشبع لأنه ما دام قبل الشبع فصفة الجوع قائمة به والأمر بإطعامه مستمر (وعودوا المريض) زوروه (وفكوا العاني) (قال سفيان) بالسند المذكور: (والعاني الأسير) أي وخلصوا الأسير وكل من ذل واستكان وخضع فقد عنا يقال عنا يعنو فهو عانٍ والمرأة عانية وجمعها عوان والمتضررون الذين وجب حقهم على غيرهم من المسلمين منحصرون في هذه الأقسام صريحًا وكناية عند إمعان النظر. 5374 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ طَعَامٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى قُبِضَ. وبه قال: (حدّثنا يوسف بن عيسى) المروزي قال: (حدّثنا محمد بن فضيل) بالضاد المعجمة مصغرًا (عن أبيه) فضيل بن غزوان بن جرير الكوفي (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان الأشجعي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: ما شبع آل محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من طعام) وفي حديث عائشة الآتي إن شاء الله تعالى من خبز البرّ (ثلاثة أيام) متوالية بلياليها (حتى قبض). وعند مسلم والترمذي عن عائشة ما شبع من خبز شعير يومين متتابعين أي لقلة الشيء عندهم أو كانوا يؤثرون به المحتاج على أنفسهم أو لأن الشبع مذموم، وقد روى حذيفة مرفوعًا "من قل طعمه صح بطنه وصفا قلبه ومن كثر طعمه سقم بطنه وقسا قلبه". وحديث الباب من أفراد المؤلّف. 5375 - وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَصَابَنِي جَهْدٌ شَدِيدٌ، فَلَقِيتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَاسْتَقْرَأْتُهُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، فَدَخَلَ دَارَهُ وَفَتَحَهَا عَلَيَّ، فَمَشَيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ فَخَرَرْتُ لِوَجْهِي مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ»، فَقُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَقَامَنِي وَعَرَفَ الَّذِي بِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَحْلِهِ فَأَمَرَ لِي بِعُسٍّ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: «عُدْ فَاشْرَبْ يَا أَبَا هِرَيْرَةَ»، فَعُدْتُ، فَشَرِبْتُ ثُمَّ قَالَ: «عُدْ»، فَعُدْتُ فَشَرِبْتُ حَتَّى اسْتَوَى بَطْنِي فَصَارَ كَالْقِدْحِ قَالَ: فَلَقِيتُ عُمَرَ وَذَكَرْتُ لَهُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِي وَقُلْتُ لَهُ: تَوَلَّى اللَّهُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْكَ يَا عُمَرُ، وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَقْرَأْتُكَ الآيَةَ وَلأَنَا أَقْرَأُ لَهَا مِنْكَ قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لأَنْ أَكُونَ أَدْخَلْتُكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي مِثْلُ حُمْرِ النَّعَمِ. (وعن أبي حازم) سلمان الأشجعي بالسند السابق (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- قال: (أصابني جهد شديد) من الجوع والجهد كما في القاموس الطاقة ويضم والمشقة (فلقيت عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (فاستقرأته) سألته أن يقرأ عليّ (آية) معينة على طريق الاستفادة (من كتاب الله) عز وجل (فدخل داره وفتحها) أي قرأ الآية (عليّ) وفهمني إياها وفي الحلية لأبي نعيم من وجه آخر عن أبي هريرة أن الآية المذكورة في سورة آل عمران وفيه فقلت له: أقرأتني وأنا لا أريد القراءة وإنما أريد الإطعام. قال في الفتح: وكأنه سهل الهمزة فلم يفطن عمر لمراده كذا قال لكن قوله آية يعين التنزيل لا سيما مع رواية أن الآية من سورة آل عمران (فمشيت غير بعيد فخررت) سقطت (لوجهي من الجهد والجوع) وكما كان في الحلية يومئذٍ صائمًا ولم يجد ما يفطر عليه (فإذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم على رأسي فقال): (يا أبا هريرة) ولأبي ذر يا أبا هرّ (فقلت لبيك رسول الله وسعديك) منادى مضاف محذوف الأداة (فأخذ بيدي فأقامني وعرف الذي بي) من شدة الجوع (فانطلق بي إلى رحله) بفتح الراء وسكون الحاء المهملة مسكنه (فأمر لي بعس) بضم العين وتشديد السين المهملتين قدح ضخم (من لبن فشربت منه ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عد فاشرب يا أبا هريرة فعدت فشربت ثم قال: عد) فاشرب يا أبا هريرة (فعدت فشربت حتى استوى بطني) أي استقام لامتلائه من اللبن (فصار كالقدح) بكسر القاف وسكون الدال بعدها هاء مهملتين السهم الذي لا ريش له في الاستواء والاعتدال. (قال) أبو هريرة (فلقيت عمر) بن الخطاب (وذكرت له الذي كان من أمري) بعد مفارقتي له (وقلت له: تولى الله) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني فولى الله بالفاء بدل الفوقية (ذلك) من

2 - باب التسمية على الطعام، والأكل باليمين

إشباعي ودفع الجوع عني (من كان أحق به منك يا عمر) وهو رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والجملة في موضع نصب مفعول تولى الله (والله لقد استقرأتك الآية ولأنا) مبتدأ مؤكد باللام وخبره قوله (أقرأ لها منك. قال عمر: والله لأن أكون أدخلتك) داري وأضفتك (أحب الي من أن يكون لي مثل حمر النعم) عبّر بذلك لأن الإبل كانت أشرف أموالهم. 2 - باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ، وَالأَكْلِ بِالْيَمِينِ (باب) استحباب (التسمية على الطعام) عند ابتداء الأكل ولو من جنب وحائض (و) استحباب (الأكل باليمين) وهذه الجملة مشطوب عليها بالحمرة في الفرع كأصله. 5376 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ: أَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا غُلاَمُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ»، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (أخبرنا سفيان) بن عيينة (قال الوليد بن كثير) بالمثلثة المخزومي القرشي المدني (أخبرني) بالإفراد وهو من تأخير الصيغة عن الراوي وعند أبي نعيم في مستخرجه والحميدي في مسنده عن سفيان قال: حدّثنا الوليد بن كثير (أنه سمع وهب بن كيسان) بفتح الكاف (أنه سمع عمر بن أبي سلمة) بضم العين ابن عبد الأسد واسم أبي سلمة عبد الله (يقول: كنت غلامًا) دون البلوغ (في حجر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الحاء وسكون الجيم في تربيته وتحت نظره. وقال في القاموس: الحجر مثلثة المنع وحضن الإنسان ونشأ في حجره وحجره أي في حفظه وستره، وقد كان عمر هذا ابن أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وكانت يدي تطيش) بالطاء المهملة والشين المعجمة أي تتحرك وتمتد (في) نواحي (الصحفة) ولا تقتصر على موضع واحد وكان الظاهر كما قال في شرح المشكاة أن يقال: وكنت أطيش بيدي في الصحفة فأسند الطيش إلى اليد مبالغة وأنه لم يكن يراعي أدب أكل (فقال لي: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا غلام سم الله) ندبًا طردًا للشيطان ومنعًا له من الأكل وهو سنة كفاية إذا أتى به البعض سقط عن الباقين كردّ السلام وتشميت العاطس لأن المقصود من منع الشيطان من الأكل يحصل بواحد. نعم مع ذلك يستحب لكل واحد بناء ما عليه الجمهور من أن سنة الكفاية كفرضها مطلوبة من الكل لا من البعض فقط ويقاس بالأكل الشرب وأقله كما قال النووي: بسم الله وأفضله بسم الله الرحمن الرحيم، لكن قال في الفتح: أنه لم ير لما ادّعاه من الأفضلية دليلًا خاصًّا انتهى. فإن تركه ولو عمدًا في أوّله قال في أثنائه: بسم الله أوّله وآخره كما في الوضوء ولو سمى مع كل لقمة فهو أحسن حتى لا يشغله الشره عن ذكر الله فتسمية الله تعالى في أوّله وآخره ترياق وبركة لطعامه، وقال في الإحياء: أنه يستحب أن يقول مع الأولى بسم الله، ومع الثانية بسم الله الرحمن: ومع الثالثة بسم الله الرحمن الرحيم، وتعقبه في الفتح بأنه لم ير لاستحباب ذلك دليلًا انتهى. (وكل) ندبًا (بيمينك) لأن الشيطان يأكل بالشمال ولشرف اليمين ولأنه أقوى في الغالب وأمكن وهي مشتقة من اليمين فهي وما نسب إليها وما اشتق منها محمود لغة وشرعًا ودينًا ويقاس عليه الشرب، ونص الشافعي في الرسالة والأم على الوجوب لورود الوعيد في الأكل بالشمال ففي صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلًا يأكل بشماله فقال: "كل بيمينك" قال لا أستطيع فقال "لا استطعت" فما رفعها إلى فيه بعد (وكل مما يليك) لأن أكله من موضع يد صاحبه سوء عشرة وترك مودّة لتقذر النفس لا سيما في الإمراق ولما فيه من إظهار الحرص والنهم وسوء الأدب وأشباهها فإن كان تمرًا فقد نقلوا إباحة اختلاف الأيدي في الطبق، والذي ينبغي التعميم حملًا على عموم حتى يثبت دليل مخصص قال عمر بن أبي سلمة: (فما زالت تلك طعمتي) بكسر الطاء أي صفة أكلى (بعد) بالبناء على الضم أي استمر ذلك صنيعي في الأكل. 3 - باب الأَكْلِ مِمَّا يَلِيهِ وَقَالَ أَنَسٌ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلْيَأْكُلْ كُلُّ رَجُلٍ مِمَّا يَلِيهِ» (باب) استحباب (الأكل مما يليه. وقال أنس) -رضي الله عنه- وسقط التبويب لغير أبي ذر (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اذكروا اسم الله وليأكل كل رجل مما يليه). وهذا التعليق طرف من حديث الجعد عن أنس في قصة الوليمة على زينب بنت جحش السابق في باب الهدية للعروس في

4 - باب من تتبع حوالى القصعة مع صاحبه إذا لم يعرف منه كراهية

أوائل النكاح معلقًا وقد وصله مسلم وأبو نعيم في المستخرج. 5377 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدِّيلِيِّ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهْوَ ابْنُ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَكَلْتُ يَوْمًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَعَامًا، فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ نَوَاحِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلْ مِمَّا يَلِيكَ». وبه قال: (حدّثنا): ولأبي ذر حدّثني (عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي المدني الأعرج (قال: حدّثني) بالإفراد (محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير المدني (عن محمد بن عمرو بن حلحلة) بفتح عين عمرو وحاءي حلحلة المهملتين بينهما لام ساكنة ثم أخرى مفتوحتين بعد الحاء الثانية (الديليِّ) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية (عن وهب بن كيسان أبي نعيم) المؤدب (عن عمر بن أبي سلمة) بضم العين (وهو ابن أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال: أكلت يومًا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طعامًا) وأنا دون البلوغ (فجعلت آكل من نواحي الصحفة) مما يلي غيري (فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كل مما يليك) وقد نص أئمتنا على كراهة أكل مما يلي غيره ومن الوسط والأعلى لا نحو الفاكهة مما يتنقل به، وأما ما سبق من نص الشافعي على التحريم فمحمول على المشتمل على الإيذاء. 5378 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَبِي نُعَيْمٍ: قَالَ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِطَعَامٍ، وَمَعَهُ رَبِيبُهُ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: «سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن وهب بن كيسان أبي نعيم) المؤدب أنه (قال: أتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بطعام) بضم همزة أتي مبنيًّا للمفعول (ومعه ربيبه عمر بن أبي سلمة فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (سمّ الله وكل مما يليك). وهذا الحديث صورته صورة الإرسال كما رواه أصحاب مالك في الموطأ وقد ساقه المؤلّف موصولًا هنا. وفي الباب الذي قبله من غير طريق مالك وقد وصله خالد بن مخلد ويحيى بن صالح الوحاظي فقالا عن مالك عن وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة وقد تبين بذلك صحة سماع وهب بن كيسان من عمر بن أبي سلمة ومقتضاه أن مالكًا لم يصرح بوصله وهو الأصل موصول، ولعله وصله مرة فحفظ ذلك عنه خالد ويحيى وهما ثقتان كما أخرجه الدارقطني في الغرائب عنهما. 4 - باب مَنْ تَتَبَّعَ حَوَالَىِ الْقَصْعَةِ مَعَ صَاحِبِهِ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ مِنْهُ كَرَاهِيَةً (ياب من تتبع حوالى القصعة) بفتح اللام والقاف في أكل منها (مع صاحبه إذا لم يعرف منه كراهية) لذلك. 5379 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِطَعَامٍ صَنَعَهُ. قَالَ: أَنَسٌ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَرَأَيْتُهُ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَىِ الْقَصْعَةِ، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ. قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلْ بِيَمِينِكَ". وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (عن مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد الأنصاري، وسقط لفظ ابن عبد الله لغير أبي ذر (أنه سمع) عمه (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول إن خياطًا) لم يسم (دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لطعام صنعه. قال أنس: فذهبت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في البيع إلى ذلك الطعام فقرّب إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبزًا ومرقًا فيه دباء وقديد (فرأيته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يتتبع الدباء) القرع أو المستدير منه (من حوالى القصعة) لأنها كانت تعجبه ويترك القديد إذ كان لا يشتهيه حينئذٍ ففيه أن المؤاكل لأهله وخدمه يأكل ما يشتهيه حيث رآه في ذلك الإناء إذا علم أن مؤاكله لا يكره ذلك وإلاّ فلا يتجاوز ما يليه وقد علم أن أحدًا لا يكره منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بل كانوا يتبركون بريقه وغيره مما مسّه بل كانوا يتبادرون إلى نخامته فيتدلكون بها (قال) أنس (فلم أزل أحب الدباء) أي أكلها (من يومئذٍ) اقتداء به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال عمر بن أبي سلمة قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كل بيمينك). وقد نص أصحابنا على كراهة الأكل بالشمال وقوله قال عمر بن أبي سلمة إلى آخره ثابت في رواية أبي ذر عن الحموي والكشميهني، وقد سبق موصولًا قريبًا وسقط عند الباقين هنا وهو الأشبه والله الموفق. 5 - باب التَّيَمُّنِ فِي الأَكْلِ وَغَيْرِهِ (باب) استحباب (التيمن في الأكل وغيره) مما يذكر. 5380 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي طُهُورِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ. وَكَانَ قَالَ بِوَاسِطٍ قَبْلَ هَذَا، فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن أشعث) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح المهملة بعدها مثلثة (عن أبيه) أبي الشعثاء سليم المحاربي (عن مسروق) أبي عائشة بن الأجدع الهمداني أحد الأعلام (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب التيمن) في موضع خبر كان والتيمن إما باليد اليمنى أو بالبداءة بالشق الأيمن (ما استطاع في طهوره) بضم الطاء أي في تطهيره. وقال سيبويه: الطهور بالفتح يقع

6 - باب من أكل حتى شبع

على الماء والمصدر معًا فعلى هذا يجوز الطاء أيضًا (وتنعله) لبس النعل (وترجله) تسريح شعره ولم يقل وتطهره كما قال: تنعله وترجله لأنه أراد الطهور الخاص المتعلق بالعبادة ولو قال: وتطهره لدخل فيه إزالة النجاسة وسائر النظافات بخلاف الآخرين فإنهما خاصّان بما وضعًا له من لبس النعل وترجيل الشعر فناسب الطهور الخاص بالعبادة. قال شعبة بن الحجاج: (وكان) أشعث بن أبي الشعثاء (قال بواسط) بالصرف (قبل هذا في شأنه كله) تأكيد لشأنه أي فيما له يمين ويسار، وليس كل ما كان من شأن الإنسان له يمين ويسار فهو عموم يراد به الخصوص، ويلزم من حمله على العموم مخالفة ما أمر فيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالتياسر كبيت الخلاء والخروج من المسجد وغير ذلك، فالمراد سائر ما شرع فيه التيمن مما هو من باب التكريم كلبس الثوب والسراويل والخف ودخول المسجد والخروج من الخلاء. وهذا الحديث سبق في كتاب الوضوء. 6 - باب مَنْ أَكَلَ حَتَّى شَبِعَ (باب من كل حتى شبع). 5381 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ: "لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ"؟ فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِي وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «آرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ»؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «بِطَعَامٍ»؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لِمَنْ مَعَهُ «قُومُوا». فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنَ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ. فَقَالَتِ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَقْبَلَ أَبُو طَلْحَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى دَخَلاَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ»؟ فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَأَمَرَ بِهِ فَفُتَّ وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ. ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ». فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ». فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا. ثُمَّ أَذِنَ لِعَشَرَةٍ فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ ثَمَانُونَ رَجُلًا. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام الأعظم (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع) عمه (أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول، قال أبو طلحة) زيد الأنصاري النجاري (لأم سليم): سهلة زوج أبي طلحة وأم أنس بن مالك (لقد سمعت صوت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضعيفًا أعرف فيه الجوع) فيه العمل بالقرائن (فهل عندك من شيء؟ فأخرجت أقراصًا من شعير ثم أخرجت خمارًا لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته) أي أدخلته بقوّة (تحت ثوبي وردّتني) بتشديد الدال (ببعضه) أي جعلته رداء لي (ثم أرسلتني إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: فذهبت به) بالذي أرسلتني به (فوجدت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (آرسلك أبو طلحة) بمد الهمزة للاستفهام (فقلت: نعم. قال: بطعام) ولأبي ذر عن الكشميهني لطعام بلام بدل الموحدة (قال) أنس (فقلت: نعم، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن معه قوموا فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة) وفي رواية يعقوب عند أبي نعيم: حتى إذا دنوا دخلت وأنا حزين لكثرة من جاء معه (فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالناس وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم) بالنون أي قدر ما يكفيهم (فقالت) أم سليم: (الله ورسوله أعلم) وفيه دليل على فطنتها ورجحان عقلها وكأنها عرفت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعل ذلك ليظهر الكرامة في تكثير الطعام وفي رواية يعقوب فقال أبو طلحة: يا رسول الله إنما أرسلت أنسًا يدعوك وحدك ولم يكن عندنا ما يشبع من أرى فقال: (ادخل فإن الله سيبارك فيما عندك) وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس عند أحمد أن أبا طلحة قال فضحتنا يا أنس وللطبراني في الأوسط فجعل يرميني بالحجارة. (قال) أنس (فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأقبل أبو طلحة ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى دخلا) المنزل وقعد من معه على الباب (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هلمي يا أم سليم ما عندك فأتت بذلك الخبز فأمر به) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ففت وعصرت عليه أم سليم عكة لها) بضم العين وتشديد الكاف إناء من جلد يكون فيه السمن غالبًا والعسل (فأدمته ثم قال فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما شاء الله أن يقول) وفي رواية مبارك بن فضالة عند أحمد فقال: هل من سمن؟ فقال أبو طلحة: قد كان في العكة شيء فجاءا بها فجعلا يعصرانها حتى خرج، ثم مسح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- به سبابته ثم مسح القرص فانتفخ وقال "بسم الله" فلم يزل يصنع ذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة يمتع وفي رواية النضر بن أنس عند أحمد فجئت بها ففتح رباطها ثم قال: "بسم الله اللهم أعظم فيها البركة" (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي طلحة (ائذن) بالدخول (لعشرة فأذن لهم) فدخلوا (فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا. ثم قال) عليه الصلاة والسلام له: (ائذن لعشرة، فأذن

لهم) فدخلوا (فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا) ثم قال: (ائذن لعشرة، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم أذن لعشرة. فأكل القوم كلهم وشبعوا والقوم ثمانون رجلًا) زاد في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى: ثم أكل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك وأهل البيت وتركوا سؤرًا أي فضلًا، ولمسلم ثم أخذ ما بقي فجمعه ثم دعا فيه بالبركة فعاد كما كان. والمطابقة ظاهرة، وقد سبق الحديث في علامات النبوة. 5382 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَحَدَّثَ أَبُو عُثْمَانَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثِينَ وَمِائَةً فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ»؟ فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ أَوْ نَحْوُهُ. فَعُجِنَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَبَيْعٌ أَمْ عَطِيَّةٌ»؟ أَوْ قَالَ: «هِبَةٌ» قَالَ: لاَ بَلْ بَيْعٌ قَالَ: فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً. فَصُنِعَتْ فَأَمَرَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَوَادِ الْبَطْنِ يُشْوَى. وَايْمُ اللَّهِ مَا مِنَ الثَّلاَثِينَ وَمِائَةٍ إِلاَّ قَدْ حَزَّ لَهُ حُزَّةً مِنْ سَوَادِ بَطْنِهَا، إِنْ كَانَ شَاهِدًا أَعْطَاهَا إِيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا خَبَأَهَا لَهُ، ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا قَصْعَتَيْنِ، فَأَكَلْنَا أَجْمَعُونَ وَشَبِعْنَا، وَفَضَلَ فِي الْقَصْعَتَيْنِ فَحَمَلْتُهُ عَلَى الْبَعِيرِ. أَوْ كَمَا قَالَ. وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري قال: (حدّثنا معتمر) بضم الميم وسكون العين المهملة وفتح الفوقية بعدها ميم مكسورة فراء (عن أبيه) سليمان بن طرخان أنه (قال: وحدّث أبو سفيان) عبد الرحمن النهدي والعطف على محذوف قال: في الكواكب ظاهره أن أباه حدّث عن غير أبي عثمان ثم قال وحدّثني أبو عثمان (أيضًا) وتعقبه في الفتح فقال: ليس ذلك المراد وإنما أراد أن أبا عثمان حدّثه بحديث سابق على هذا ثم حدّثه بهذا فلذلك قال أيضًا: أي حدّث بحديث بعد حديث (عن عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاثين ومائة، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هل مع أحد منكم طعام؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه) بالرفع والضمير للصاع (فعجن) بضم العين ذلك الصاع (ثم جاء رجل مشرك مشعان) بضم الميم وسكون الشين المعجمة وفتح العين المهملة وبعد الألف نون مشددة أي (طويل) ولم يعرف الحافظ ابن حجر اسمه ولا اسم صاحب الصاع المذكور (بغنم يسوقها فقال) له (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أبيع) هذا (أم عطية) أو قال (هبة) المشرك (لا) عطية أو لا هبة (بل بيع قال: فاشترى منه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (شاة فصنعت) أي ذبحت (فأمر نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسواد البطن) الكبد أو كل ما في البطن من كبد وغيره (يشوى) بتحتية مضمومة وسكون المعجمة وفتح الواو (وأيم الله) بهمزة وصل (ما من الثلاثين) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ما في الثلاثين (ومائة إلا قد حز) قطع عليه الصلاة والسلام (له حزة) بضم الحاء في هذه القطعة (من سواد بطنها وإن كان شاهدًا أعطاها إياه) أي أعطاه إياها فهو من القلب (وإن كان غائبًا خبأها له ثم جعل فيها) بالفاء والتحتية وفي الهبة منها بالميم والنون من الشاة (قصعتين فأكلنا أجمعون) من القصعتين (وشبعنا وفضل) بفتح الفاء والضاد (في القصعتين فحملته) أي ما فضل من الطعام (على البعير أو كما قال) بالشك من الراوي. وسبق هذا الحديث في البيع والهبة. 5383 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ شَبِعْنَا مِنَ الأَسْوَدَيْنِ التَّمْرِ وَالْمَاءِ. وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم القصاب قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد البصري قال: (حدّثنا منصور) هو ابن عبد الرحمن التيمي (عن أمه) صفية بنت شيبة بن عثمان الحجبي (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت: (توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين شبعنا من الأسودين التمر والماء) وهو من باب التغليب كالقمرين للشمس والقمر. قال في الكواكب حين شبعنا ظرف كالحال معناه ما شبعنا قبل زمان وفاته يعني كنا متقللين من الدنيا زاهدين فيها انتهى. قال في الفتح: لكن ظاهره غير مراد وقد تقدم في غزوة خيبر من طريق عكرمة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما فتحنا خيبر قلنا: الآن نشبع من التمر، ومن حديث ابن عمر قال: ما شبعنا حتى فتحنا خيبر فالمراد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توفي حين شبعوا واستمر شبعهم وابتداؤه من فتح خيبر وذلك قبل موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثلاث سنين، ومراد عائشة بما أشارت إليه من الشبع هو من التمر خاصة دون الماء لكن فيه إشارة إلى أن تمام الشبع حصر بجمعهما فكان الواو فيه بمعنى مع لا أن الماء وحده يوجد منه الشبع. وفي أحاديث الباب جواز الشبع وما جاء من النهي عنه محمول على الشبع الذي يثقل المعدة ويثبط صاحبه عن القيام بالعبادة ويفضي إلى البطر والأشر والنوم والغسل، وقد تنتهي كراهته إلى التحريم بحسب ما يترتب عليه

7 - باب {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} الآية إلى قوله: {لعلكم تعقلون}

المفسدة. وفي شرح التنقيح للقرافي يحرم على الآكل على مائدة الغير أن يزيد على الشبع بخلاف الآكل على سماط نفسه إلا أن يعلم رضا الداعي بأكل الزائد فله ذلك. 7 - باب {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المَرِيضِ حَرَجٌ} الآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى في سورة النور: ({ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} الآية). قال سعيد بن المسيب: كان المسلمون إذا خرجوا إلى الغزو مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والمريض والأعرج وعند أقاربهم ويأذنونهم أن يأكلوا من بيوتهم فكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون: نخشى أن لا تكون أنفسهم بذلك طيبة فنزلت الآية رخصة لهم (إلى قوله: {لعلكم تعقلون}) [النور: 61] لكي تعقلوا وتفهموا، وسقط لغير أبي ذر قوله: {ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} إلى آخر قوله الآية. 5384 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَمِعْتُ بُشَيْرَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ، فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ قَالَ يَحْيَى وَهْيَ مِنْ خَيْبَرَ عَلَى رَوْحَةٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِطَعَامٍ، فَمَا أُتِيَ إِلاَّ بِسَوِيقٍ، فَلُكْنَاهُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا، فَصَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قَالَ سُفْيَانُ: سَمِعْتُهُ مِنْهُ عَوْدًا وَبَدْءًا. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال يحيى بن سعيد) الأنصاري (سمعت بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة مصغرًا ويسار بالتحتية والسين المهملة المخففة (يقول: حدّثنا سويد بن النعمان) الأنصاري -رضي الله عنه- (قال: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خيبر) سنة سبع (فلما كنا بالصهباء. قال يحيى) بن سعد الأنصاري (وهي) أي الصهباء (من خيبر على روحة) بفتح الراء والحاء المهملة ضد الغدوة (دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بطعام فما أُتي إلا بسويق) فثري (فلكناه) بضم اللام من اللوك يقال لكنه في فمي إذا علكته (فأكلنا منه ثم دعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بماء فمضمض) فمه الشريف من أثر السويق (ومضمضنا) كذلك (فصلى بنا المغرب ولم يتوضأ) بسبب أكل السويق (قال سفيان) بن عيينة (سمعته) أي الحديث (منه) أي من يحيى بن سعيد (عودًا وبدءًا) أي عائدًا وبادئًا أي أولًا وآخرًا. ومناسبة الحديث للترجمة من جهة اجتماعهم على لوك السويق من غير تمييز بين أعمى وغيره وبين صحيح ومريض. وقال عطاء بن يزيد: كان الأعمى يتحرج أن يأكل طعام غيره لجعله يده في غير موضعها والأعرج كذلك لاتساعه في موضع إلى والمريض لرائحته فنزلت هذه الآية فأباح الله لهم الأكل مع غيرهم، وفي حديث سويد هذا معنى الآية لأنهم جعلوا أيديهم فيما حضر من الزاد سواء مع أنه لا يمكن أن يكون أكلهم بالسواء لاختلاف أحوال الناس في ذلك، وقد سوّغ لهم الشارع ذلك مع ما فيه من الزيادة والنقصان فكان مباحًا نقله في الفتح. وهذا الحديث سبق في الوضوء وفي أول غزوة خيبر. 8 - باب الْخُبْزِ الْمُرَقَّقِ، وَالأَكْلِ عَلَى الْخِوَانِ وَالسُّفْرَةِ (باب الخبز المرقق) بتشديد القاف الأولى الملين المحسن كالحوّاري أو الموسع (والأكل على الخوان) بكسر الخاء المعجمة في اليونينية وغيرها. وقال في القاموس: الخوان كغراب وكتاب ما يؤكل عليه الطعام كالأخوان. وقال في الكواكب: بالكسر الذي يؤكل عليه معرب والأكل عليه من دأب المترفين وصنع الجبابرة لئلا يفتقروا إلى التواطؤ عند أكل (و) إلى على (السفرة) بضم السين اسم لما يوضع عليه الطعام وأصلها الطعام نفسه يتخذ للمسافر. 5385 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَنَسٍ وَعِنْدَهُ خَبَّازٌ لَهُ، فَقَالَ: مَا أَكَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خُبْزًا مُرَقَّقًا، وَلاَ شَاةً مَسْمُوطَةً، حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ. [الحديث 5385 - أطرافه في: 5421، 6457]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون العوقي الباهلي قال: (حدّثنا همام) بتشديد الميم الأولى ابن يحيى بن دينار الشيباني البصري (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: كنا عند أنس) -رضي الله عنه- (وعنده خباز له) أي يعرف الحافظ ابن حجر اسمه وفي الطبراني من طريق راشد بن أبي راشد قال: كان لأنس غلام يخبز له الحوّاري ويعجنه بالسمن (فقال) أنس (ما أكل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبزًا مرققًا) زهدًا في الدنيا وتركًا للتنعم (ولا شاة مسموطة) وهي التي أزيل شعرها بعد الذبح بالماء المسخن وإنما يصنع ذلك في الصغيرة الطرية غالبًا وهو فعل المترفين (حتى لقي الله) وهذا يعارضه ما ثبت في أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكل الكراع وهو لا يؤكل إلا مسموطًا. 5386 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يُونُسَ قَالَ: عَلِيٌّ هُوَ الإِسْكَافُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا عَلِمْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكَلَ عَلَى سُكُرُّجَةٍ قَطُّ، وَلاَ خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ قَطُّ وَلاَ أَكَلَ عَلَى خِوَانٍ قِيلَ لِقَتَادَةَ: فَعَلَى مَا كَانُوا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: عَلَى السُّفَرِ. [الحديث 5386 - أطرافه في: 5415، 6450]. وبه قال: (حدثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا معاذ بن هشام) بذال معجمة (قال: حدّثني) بالإفراد

(أبي) هشام الدستوائي (عن يونس) بن أبي الفرات (قال علي) أي ابن المديني يونس: (هو الإسكاف) بكسر الهمزة وسكون السين المهملة بعدها كاف فألف ففاء وفي طبقته يونس بن عبيد البصري أحد الثقات وليس هو المراد هنا ولذا بينه ابن المديني خوفًا من الالتباس (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: ما علمت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكل على سكرجة قطُّ) بضم السين المهملة والكاف وفي اليونينية بسكون الكاف والراء المشددة بعدها جيم مفتوحة أو بفتح الراء، وبه جزم التوربشتي. قيل: هي قصاع كبيرها يسع ست أواق كانت العجم تستعملها في الكوامخ وما أشبهها من الجوار شنات على الموائد حول الأطعمة للهضم، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يأكل على هذه الصفة قط (ولا خبز) بضم الخاء المعجمة (له) خبز (مرقق قط، ولا أكل على خوان قط) وقط هذه الأخيرة ثابتة لأبي ذر ساقطة لغيره وقول أنس: ما علمت فيه كما في شرح المشكاة نفي العلم وإرادة نفي المعلوم فهو من باب نفي الشيء بنفي لازمه وإنما صح هذا من أنس لطول لزومه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعدم مفارقته له إلى أن مات وعند ابن ماجة من حديث أبي هريرة أنه زار قومه فأتوه برقاق فبكى وقال: ما رأى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا بعينه (قيل لقتادة) بن دعامة (فعلاما) بألف بعد الميم ولأبي ذر عن الكشميهني فعلام (كانوا يأكلون) بلفظ الجمع وكان الأصل أن يقال علاما كان يأكل فعدل عن الإفراد للجمع إشارة إلى أن ذلك لم يكن مختصًّا به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بل كان أصحابه مقتدين به في ذلك كغيره (قال) قتادة كانوا يأكلون (على السفر) بضم السين وفتح الفاء جمع سفرة وأصلها كما مر الطعام الذي يتخذ للمسافر فهو من باب تسمية المحل باسم الحال. وهذا الحديث أخرجه الترمذي في الأطعمة والنسائي في الرقائق والوليمة وابن ماجة في الأطعمة. 5387 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْنِي بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، أَمَرَ بِالأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهَا التَّمْرُ وَالأَقِطُ وَالسَّمْنُ، وَقَالَ عَمْرٌو عَنْ أَنَسٍ: بَنَى بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ. وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم المصري قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير المدني قال: (أخبرني) بالإفراد (حميد) الطويل (أنه سمع أنسًا) -رضي الله عنه- (يقول: قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بين خيبر والمدينة ثلاث ليال (يبني بصفية) بنت حيي وفيه رد على الجوهري في تخطئته لمن قال: بنى الرجل بأهله ومثله بنى بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فدعوت المسلمين إلى وليمة) عليه الصلاة والسلام (أمر) بفتح الهمزة والميم (بالأنطاع) وهي السفر (فبسطت فألقي عليها التمر والأقط) اللبن الجامد (والسمن. وقال عمرو) بفتح العين ابن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب (عن أنس) -رضي الله عنه- (بنى بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صنع حيسًا) بفتح كالحاء والسين المهملتين بينهما تحتية ساكنة وهو ما اتخذ من التمر والأقط والسمن (في نطع) بكسر النون وفتح الطاء المهملة وهذا التعليق وصله المؤلّف بأتم من هذا في المغازي. 5388 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الشَّامِ يُعَيِّرُونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُونَ: يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، فَقَالَتْ لَهُ أَسْمَاءُ: يَا بُنَيَّ إِنَّهُمْ يُعَيِّرُونَكَ بِالنِّطَاقَيْنِ هَلْ تَدْرِي مَا كَانَ النِّطَاقَانِ؟ إِنَّمَا كَانَ نِطَاقِي شَقَقْتُهُ نِصْفَيْنِ فَأَوْكَيْتُ قِرْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَحَدِهِمَا، وَجَعَلْتُ فِي سُفْرَتِهِ آخَرَ. قَالَ فَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ إِذَا عَيَّرُوهُ بِالنِّطَاقَيْنِ يَقُولُ: إِيهًا وَالإِلَهْ تِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا. وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالمعجمتين الضرير قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (وعن وهب بن كيسان) أي أن هشامًا حمل الحديث عن أبيه وعن وهب (قال: كان أهل الشام) جيش الحجاج بن يوسف حيث كانوا يقاتلونه من قبل عبد الملك بن مروان أو عسكر الحصين بن نمير الذين قاتلوه قبل ذلك من قبل يزيد بن معاوية (يعيرون ابن الزبير يقولون) له: (يا ابن ذات النطاقين) بكسر النون (فقالت له) أمه (أسماء) بنت أبي بكر الصدّيق وهي ذات النطاقين: (يا بني إنهم يعيرونك بالنطاقين) قال الزركشي وغيره: الأفصح تعدية عير بنفسه تقول عيرته كذا وتعقبه في المصابيح بأن الذي في الصحاح وغيره كذا من التعيير والعامة تقول عيرته بكذا وقال في الفتح وقد سمع عيرته بكذا كما هنا (هل تدري ما كان النطاقان)؟ بالرفع قيل وفي بعض النسخ النطاقين بالياء بدل الألف منصوبًا. قال الزركشي: والصواب النطاقان وهو ما يشدّ به الوسط، وقد وجه النصب في المصابيح بأن تجعل ما موصولة لا استفهامية

9 - باب السويق

والنطاقين بدلًا من الموصول على حذف مضاف أي شأن النطاقين فأبدل الثاني من الأول بدل الكل لصدق الموصول على البدل والمراد منهما شيء واحد، والمعنى هل تدري الذي كان أي هل تدري شأن النطاقين أو النطاقين مفعول تدري وما كان جملة ذات استفهام مستفاد من ما والضمير المستتر في كان عائد على الشأن المفهوم من سياق الكلام أي هل تدري النطاقين أي شيء كان الشأن فيهما وقدمت جملة الاستفهام على المفعول اعتناء بشأنها أو نقول الأصل هل تدري ما كان في النطاقين فحذف الجار (إنما كان نطاقي شققته نصفين فأوكيت قربة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأحدهما) أي ربطت فمها به (وجعلت في سفرته) الكريمة (آخر. قال) وهب: (فكان أهل الشام إذا عيروه بالنطاقين يقول: إِيهًا) بكسر الهمزة وسكون التحتية والتنوين كلمة تستعمل في استدعاء الشيء وقيل هي للتصديق كأنه قال: صدقتم (والإله) جل وعلا وفي رواية أحمد بن يونس إيهًا ورب الكعبة (تلك شكاة) بفتح الشين المعجمة أي رفع الصوت بالقول القبيح (ظاهر) بالظاء المعجمة أي مرتفع (عنك عارها) فلم تعلق بك وهذا عجز بيت لأبي ذؤيب تمثل به ابن الزبير وصدره: وعيرني الواشون أني أحبها وثبت هذا الصدر لأبي ذر كما في اليونينية وتمامه: وتلك شكاة ظاهر عنك عارها وأولها: هل الدهر إلا ليلة ونهارها ... وإلا طلوع الشمس ثم غيارها أبى القلب إلا أم عمرو فأصبحت ... تحرق ناري بالشكاء ونارها وبعده: وعيرني الواشون البيت إلخ ..... وهي قصيدة تزيد على ثلاثين بيتًا. 5389 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أُمَّ حُفَيْدٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ خَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمْنًا وَأَقِطًا وَأَضُبًّا، فَدَعَا بِهِنَّ فَأُكِلْنَ عَلَى مَائِدَتِهِ، وَتَرَكَهُنَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَالْمُتَقَذِّرِ لَهُنَّ، وَلَوْ كُنَّ حَرَامًا مَا أُكِلْنَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ أَمَرَ بِأَكْلِهِنَّ. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن النعمان الملقب بعارم قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن إياس اليشكري (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن أم حفيد) بضم الحاء المهملة وفتح الفاء وبعد التحتية الساكنة دال مهملة هزيلة بالزاي والتصغير (بنت الحارث بن حزن) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي بعدها نون (خالة ابن عباس) أخت أمه لبابة الكبرى (أهدت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سمنًا وأقطًا) لبنًا جامدًا (وأضبًّا) بفتح الهمزة وضم الضاد المعجمة وتشديد الموحدة جمع ضب مثل فلس وأفلس دويبة تشبه الورل وهو من الحيوان تأكلهن العرب (فدعا بهن) بالأضب (فأكلن على مائدته وتركهن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولم يأكل منهن شيئًا (كالمتقذر) بالذال المعجمة والقاف (لهن ولو كن حرامًا ما أكلن على مائدة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا أمر بأكلهن) وفي مسلم عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: لا آكله ولا أحرمه وله في لفظ آخر: كلوه فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي، وأجمع على حل أكله من غير كراهية خلافًا لبعض أصحاب أبي حنيفة إذ كرهه، ولما حكاه القاضي عياض عن قوم من التحريم. قال النووي: وما أظنه يصح عن أحد وهو طويل العمر وللذكر منه ذكران وللأنثى فرجان ويرجع في قيئه كالكلب ويأكل رجيعه وهو طويل الدم بعد الذبح، وهشم الرأس يمكث بعد الذبح ليلة ويلقى في النار فيتحرك. وهذا الحديث سبق في كتاب الهبة في باب قبول الهدية. 9 - باب السَّوِيقِ (باب السويق). 5390 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالصَّهْبَاءِ، وَهْيَ عَلَى رَوْحَةٍ مِنْ خَيْبَرَ فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَدَعَا بِطَعَامٍ، فَلَمْ يَجِدْهُ إِلاَّ سَوِيقًا، فَلاَكَ مِنْهُ، فَلُكْنَا مَعَهُ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ ثُمَّ صَلَّى وَصَلَّيْنَا، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن يحيى) ابن سعيد الأنصاري (عن بشير بن يسار) ضد اليمين وبشير بالموحدة والمعجمة مصغرًا (عن سويد بن النعمان) الأنصاري (أنه أخبره) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أخبرهم بضمير الجمع (أنهم كانوا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالصهباء وهي) أي الصهباء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وهو أي الموضع (على روحة من خيبر) بفتح الراء ضد

10 - باب ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يأكل حتى يسمى له فيعلم ما هو

الغدوة (فحضرت الصلاة) أي المغرب (فدعا بطعام فلم يجده إلا سويقًا فلاك منه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فلاكه (فلكنا معه ثم دعا بماء فمضمض ثم صلى وصلينا ولم يتوضأ) فلم يجعل الأكل منه ناقضًا للوضوء. وهذا الحديث قد مرّ قريبًا. 10 - باب مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَأْكُلُ حَتَّى يُسَمَّى لَهُ فَيَعْلَمُ مَا هُوَ (باب ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يأكل) شيئًا مما يحضر بين يديه (حتى يسمى له) بفتح الميم المشددة مبنيًّا للمفعول. قال في التنقيح: قد يستشكل دخول النافي أي ما على النافي أي وهو لا وجوابه أن النفي الثاني مؤكد للأول، وتعقبه في المصابيح فقال: لا نسلم أن هنا نافيًا دخل على نافٍ بل لا زائدة لا نافية لفهم المعنى أو نقول ما مصدرية لا نافية وباب مضاف إلى هذا المصدر فالتقدير باب كون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يأكل حتى يسمى له ذلك الشيء (فيعلم) بالنصب عطفًا على المنصوب السابق بأن المقدرة (ما هو) لأنه ربما يكون ذلك مما يعافه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو لا يجوز أكله إذ ربما يكون المأتي به مطبوخًا فلا يتميز إلا بالسؤال عنه. 5391 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ سَيْفُ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مَيْمُونَةَ وَهْيَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ، فَقَدَّمَتِ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ وَيُسَمَّى لَهُ، فَأَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ إِلَى الضَّبِّ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ: أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ، هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ عَنِ الضَّبِّ، فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لاَ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ». قَالَ: خَالِدٌ: فَاجْتَزَزْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْظُرُ إِلَيَّ. [الحديث 5391 - أطرافه في: 5400، 5537]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو أمامة) أسعد (بن سهل بن حنيف الأنصاري أن ابن عباس أخبره أن خالد بن الوليد) بن المغيرة المخزومي (الذي يقال له سيف الله أخبره أنه دخل مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ميمونة) أم المؤمنين (وهي خالته) أخت أمه لبابة الصغرى بنت الحارث (وخالة ابن عباس) أخت أمه لبابة الكبرى (فوجد عندها ضبًّا محنوذًا) بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وضم النون آخره معجمة مشويًّا (قدمت) ولأبي ذر: قد قدمت (به) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بها (أختها حفيدة بنت الحارث) بضم الحاء المهملة وفتح الفاء مصغرًا (من نجد فقدمت الضب) وهو حيوان بري يشبه الحرذون لكنه كبير القدر وقد ذكر أنه لا يشرب الماء وأنه يعيش سبعمائة فصاعدًا (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان قلما يقدم يده) المقدسة (لطعام حتى يحدّث به ويسمى له) بفتح الدال والميم المشددتين فيهما (فأهوى) مدّ (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده إلى الضب فقالت امرأة من النسوة الحضور: أخبرن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما قدّمتن له هو الضب يا رسول الله) ولأبي ذر عن الكشميهني أخبري بالإفراد بدل قوله أخبرن والنسوة اسم جمع قاله أبو بكر بن السراج وقيل جمع تكسير من أوزان جموع القلة لا واحد له من لفظه ووزنه فعلة وهو أحد الأبنية الأربعة التي هي لأدنى العدد وقد نظمها بعضهم في قوله: بأفعل وبأفعال وأفعلة ... وفعلة يعرف الأدنى من العدد وقال الزمخشري: نسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثه غير حقيقي قال: ولذلك لا يلحق فعله إذا أسند إليه تاء التأنيث فتقول: قال نسوة وقيل إنه جمع كثرة فيجوز إلحاق العلامة وتركها كما تقول: قام الهنود وقامت الهنود وقد تضم نون النسوة فيكون إذ ذاك اسم جمع بلا خلاف، وذكر أبو البقاء أنه قرئ بضمها في قوله تعالى: {وقال نسوة} [يوسف: 30]. قال القرطبي: وهي قراءة الأعمش والمفضل والسلمي وقال غيره: ويكسر للكثرة على نسوان والنساء جمع كثرة لا واحد له من لفظه كذا قال أبو حيان، ومقتضى ذلك أن لا يكون النساء جميعًا لنسوة لقوله لا واحد له من لفظه. فإن قلت: المطابقة بين الصفة والموصوف في التذكير والتأنيث مطلوبة فكيف عبّر بجمع المذكر في قوله الحضور؟ أجيب: بأنه وقع باعتبار الأشخاص أو هو مصدر بمعنى الحاضرات. قال في الكواكب: ولا يلزم من الإسناد إلى المضمر التأنيث. قال الجوهري في قوله تعالى: {إن رحمة الله قريب من المحسنين} [الأعراف: 56] لم يقل قريبة لأن ما لا يكون تأنيثه حقيقيًّا يجوز تذكيره، وقال السفاقسي: جاء به على معنى جمع النسوة فنعت عليه كقوله تعالى: {من الشجر الأخضر نارًا} [يس: 80] والمرأة القائلة هي ميمونة كما عند الطبراني في الأوسط ومسلم

11 - باب طعام الواحد يكفي الاثنين

ولفظه فقالت ميمونة: يا رسول الله إنه لحم ضب (فرفع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده عن الضب فقال خالد بن الوليد أحرام الضب يا رسول الله؟ قال): (لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه) بالعين المهملة والفاء مضارع عفت الشيء أي أجد نفسي تكرهه ولكن للاستدراك ومعناها هنا تأكيد الخبر كأنه قال: ليس هو حرامًا قيل لِم وأنت لم تأكله؟ قال: "لأنه لم يكن بأرض قومي" والفاء في فأجدني فاء السببية (قال خالد: فاجتززته) بالجيم والزاي المكررة (فأكلته ورسول الله) الواو للحال ولأبي الوقت: والنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينظر إليّ) استدلّ به للإباحة الأئمة الأربعة ورجحه الطحاوي في شرح معاني الآثار إلا أن صاحب الهداية قال: يكره لنهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عائشة لما سألته عن أكله لكنه ضعيف لا يحتج به. 11 - باب طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الاِثْنَيْنِ هذا (باب) بالتنوين (طعام الواحد يكفي الاثنين). 5392 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «طَعَامُ الاِثْنَيْنِ كَافِي الثَّلاَثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام. قال المؤلّف: (وحدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (طعام الاثنين) المشبع لهم (كافي الثلاثة) لقوتهم (وطعام الثلاثة) المشبع لهم (كافي الأربعة) لشبعهم لما ينشأ عن بركة الاجتماع فكلما أكثر الجمع ازدادت البركة. فإن قلت: لا مطابقة بين الترجمة والحديث إذ مقتضى الترجمة أن الواحد يكتفي بنصف ما يشبعه ولفظ الحديث بالثلث ثم الربع. وأجيب: بأنه أشار بالترجمة إلى لفظ حديث آخر ليس على شرطه رواه مسلم، وبأن الجامع بين الحديثين أن مطلق طعام القليل يكفي الكثير وكون طعام الواحد يكفي الاثنين يؤخذ منه أن طعام الاثنين يكفي الثلاثة بطريق الأولى بخلاف عكسه، وعند ابن ماجة من حديث عمر -رضي الله عنه- طعام الواحد يكفي الاثنين وأن طعام الاثنين يكفي الثلاثة والأربعة وأن طعام الأربعة يكفي الخمسة والستة، وقيل: المراد بهذه الأحاديث الحض على المكارم والتقنع بالكفاية، وليس المراد الحصر في المقدار، وإنما المراد المواساة وأنه ينبغي للاثنين إدخال ثالث لطعامهما وإدخال رابع أيضًا بحسب من يحضر ففيه أنه لا يستحقر ما عنده فإن القليل قد يحصل به الاكتفاء. وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي في الأطعمة والنسائي في الوليمة. 12 - باب الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ فِيهِ أَبُو هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (المؤمن يأكل في معًى واحد) بكسر الميم وتنوين العين مقصورًا جمعه إمعاء بالمد وهي المصارين وإنما عدى الأكل بفي على معنى أوقع إلى فيها وجعلها مكانًا للمأكول كقوله تعالى: {إنما يأكلون في بطونهم نارًا} [النساء: 10] أي ملء بطونهم (فيه أبو هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 5393 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَأْكُلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَدْخَلْتُ رَجُلًا يَأْكُلُ مَعَهُ، فَأَكَلَ كَثِيرًا. فَقَالَ: يَا نَافِعُ لاَ تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ». [الحديث 5393 - أطرافه في: 5394، 5395]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن بشار) العبدي الملقب ببندار قال: (حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد التنوري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن واقد بن محمد) بالقاف والدال المهملة ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (عن نافع) مولى ابن عمر أنه (قال: كان ابن عمر لا يأكل حتى يؤتى) بضم التحتية وفتح الفوقية (بمسكين يأكل معه فأدخلت رجلًا) هو أبو نهيك كما أخرجه المصنف من وجه آخر في هذا الباب (يأكل معه فأكل كثيرًا فقال) ابن عمر (يا نافع لا تدخل هذا عليّ) أي لما فيه من الاتّصاف بصفة الكافر وهي كثرة الأكل ونفس المؤمن تنفر ممن هو متصف بصفة الكافر ثم استدلّ لذلك بقوله: {سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (المؤمن يأكل في معًى واحد) بكسر الميم والقصر (والكافر يأكل في سبعة أمعاء) ومما يؤيد أن كثرة الأكل صفة الكافر قوله تعالى: {والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 12] وتخصيص السبعة قيل للمبالغة والتكثير كما في قوله تعالى: {والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر} [لقمان: 27] فيكون المراد أن المؤمن يقل حرصه وشرهه على الطعام ويبارك له في مأكله ومشربه فيشبع بالقليل والكافر يكون كثير

0000 - باب المؤمن يأكل في معى واحد

الحرص شديد الشره لا يطمح بصره إلا إلى المطاعم والمشارب كالأنعام فمثل ما بينهما من التفاوت في الشره بما بين من يأكل في معًى واحد ومن يأكل في سبعة أمعاء وهذا باعتبار الأعم الأغلب، وفي معنى سبعة أمعاء أقوال أُخر تأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. 0000 - باب الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ فِيهِ أَبُو هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. هذا (باب) بالتنوين (المؤمن يأكل في معًى واحد فيه أبو هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كذا ثبت، لأبي ذر وسقط ذلك للباقين وهو أولى إذ لا فائدة في إعادته. 5394 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَإِنَّ الْكَافِرَ أَوِ الْمُنَافِقَ» فَلاَ أَدْرِى أَيَّهُمَا قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ «يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ». وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِهِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) البيكندي قال: (أخبرنا عبدة) بن سليمان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه قال (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن المؤمن يأكل في معًى واحد وإن الكافر أو المنافق) قال عبدة: (فلا أدري أيهما قال عبيد الله) العمري، وأخرجه مسلم من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بلفظ الكافر من غير شك، وعند الطبراني من حديث سمرة بلفظ المنافق بدل الكافر (يأكل في سبعة أمعاء) بالمد كما مرّ جمع معًى وهو على الأكل من الإنسان. (وقال ابن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير فيما وصله أبو نعيم في المستخرج (حدّثنا مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة (عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمثله) أي بمثل الحديث السابق لكن بلفظ الكافر من غير شك كما في الموطأ فالمراد أصل الحديث لا خصوص الشك. 5395 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ كَانَ أَبُو نَهِيكٍ رَجُلًا أَكُولًا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ»، فَقَالَ: فَأَنَا أُؤمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار أنه (قال كان أبو نهيك) بفتح النون وكسر الهاء (رجلًا) من أهل مكة (أكولًا) يأكل كثيرًا (فقال له) أي لأبي نهيك (ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء) قال القرطبي: شهوات الطعام سبع: شهوة الطبع، وشهوة النفس، وشهوة العين، وشهوة الفم، وشهوة الأذن، وشهوة الأنف، وشهوة الجوع، وهي الضرورية التي يأكل بها المؤمن، وأما الكافر فيأكل بالجميع (فقال) أبو نهيك لما قال له ابن عمر ذلك (فأنا أؤمن بالله ورسوله) فلا يلزم اطّراد الحكم في حق كل مؤمن وكافر فقد يكون في المؤمنين من يأكل كثيرًا إما بحسب العادة وإما لعارض يعرض له في مرض باطن أو لغير ذلك، وقد يكون في الكفار من يأكل قليلًا إما لمراعاة الصحة على رأي الأطباء، وإما للرياضة على رأي الرهبان، وإما لعارض كضعف، قال في شرح المشكاة: ومحصل القول إن من شأن المؤمن الحرص على الزهادة والاقتناع بالبلغة بخلاف الكافر فإذا وجد مؤمن أو كافر على غير هذا الوصف لا يقدح في الحديث. 5396 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَأْكُلُ الْمُسْلِمُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ». [الحديث 5396 - أطرافه في: 5397]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يأكل المسلم في معًى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء) ونقل القاضي عياض عن أهل التشريح أن أمعاء الإنسان سبعة: المعدة، ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها البواب والصائم والرقيق وهي كلها رقاق ثم ثلاثة غلاظ الأعور والقولون والمستقيم وطرفه الدبر، ونظمها شيخ مشايخنا الحافظ الزين العراقي كما أنبأني شيخنا أبو العباس الجمالي قال: أتاح لي شيخنا الحافظ أبو الفضل عبد الرحيم العراقي قال: سبعة أمعاء لكل آدمي ... معدة بوابها مع صائم ثم الرقيق أعور قولون مع ... المستقيم مسلك المطاعم وحينئذ فيكون المعنى أن الكافر لكونه يأكل بشرهه لا يشبعه إلاّ ملء أمعائه السبعة والمؤمن يشبعه ملء معًى واحد، والحاصل أن المؤمن من شأنه الحرص على الزهادة والاقتناع بالبلغة بخلاف الكافر. 5397 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا كَثِيرًا، فَأَسْلَمَ فَكَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا قَلِيلًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج

13 - باب الأكل متكئا

(عن عدي بن ثابت) الكوفي الأنصاري (عن أبي حازم) سليمان الأشجعي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رجلًا كان يأكل أكلًا كثيرًا) قال ابن بشكوال فيما حكاه الحافظ ابن حجر في المقدمة الأكثر على أن هذا الرجل هو جهجاه الغفاري رواه ابن أبي شيبة والبزار في مسنده وغيرهما، وقيل هو نضلة بن عمرو رواه أحمد في مسنده وأبو مسلم الكجي في سننه وثابت بن قاسم في الدلائل، وقيل هو أبو نصرة الغفاري ذكره أبو عبيد في الغريب وعبد الغني بن سعيد في المبهمات، وقيل ثمامة بن أثال ذكره ابن إسحاق وحكاه ابن بطال (فأسلم) فبورك له (فكان يأكل أكلًا قليلًا فذكر ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم ذال ذكر مبنيًّا للمفعول وعند مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضافه ضيف وهو كافر فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أخرى ثم أخرى حتى شرب حلاب سبع شياه ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له بشاة فشرب حلابها ثم بأخرى فلم يستتمها. (فقال): (إن المؤمن) لعدم شرهه وعلمه بأن مقصود الشرع من الأكل ما يسد الجوع ويعين على العبادة مع ما يحذره من الحساب على ذلك (يأكل في معًى واحد والكافر) بالنصب عطفًا على المنصوب بأن لكثرة شرهه وعدم وقوفه على مقصود الشرع وحذره من تبعات الحساب والحرام (يأكل في سبعة أمعاء) فصار نسبة أكل المسلم إلى أكل الكافر بقدر السبع منه ومن أعمل فكره فيما يصير إليه منعه من استيفاء شهوته. وفي حديث أبي أمامة رفعه: "من كثر تفكّره قلّ مطعمه ومن قل تفكّره كثر مطعمه وقسا قلبه" وقالوا: لا تدخل الحكمة معدة ملئت من الطعام ومن قلّ طعامه قلّ شربه وخفّ منامه ومن خفّ منامه ظهرت بركة عمره ومن امتلأ بطنه كثر شربه ومن كثر شربه ثقل نومه ومن ثقل نومه محقت بركة عمره، وعند الطبراني من حديث ابن عباس قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن أهل الشبع في الدنيا هم أهل الجوع غدًا في الآخرة" وعند البيهقي في الشعب من حديث عائشة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد أن يشتري غلامًا فألقي بين يديه تمرًا فأكل الغلام فأكثر فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن كثرة الأكل شؤم" وأمر بردّه. 13 - باب الأَكْلِ مُتَّكِئًا (باب) حكم (الأكل) حال كون الآكل (متكئًا) على أحد جنبيه كالمتجبر أو على الأيسر منهما أو هو التمكن في الجلوس للأكل على أي صفة كانت أو الاعتماد على الوطاء الذي تحته فعل من يستكثر من الطعام وبهذا الأخير جزم الخطابي. 5398 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ آكُلُ مُتَّكِئًا». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة بعدها راء ابن كدام العامري الكوفي (عن علي بن الأقمر) بن عمرو بن الحارث بن معاوية الهمداني الوادعي أنه قال: (سمعت أبا جحيفة) وهب بن عبد الله السوائي (يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إني) إذا أكلت (لا آكل متكئًا) أي متمكنًا من الأكل فعل من يريد الاستكثار منه ولكن آكل العلقة من الطعام فأقعد له مستوفزًا وثبت لفظة "إني" للكشميهني، وليس لابن الأقمر في البخاري سوى هذا الحديث، وعند ابن شاهين من مرسل عطاء بن يسار أن جبريل رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل متكئًا فنهاه، ومن حديث أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما نهاه جبريل عن الأكل متكئًا لم يأكل متكئًا بعد ذلك، وعند ابن أبي شيبة عن مجاهد ما أكل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متكئًا إلا مرة واحدة فقال: "اللهم إني عبدك ورسولك". وهذا مرسل. 5399 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقْمَرِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ: «لاَ آكُلُ وَأَنَا مُتَّكِئٌ». [الحديث 5398 - أطرافه في: 5399]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عثمان بن أبي شيبة) قال: (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن علي بن الأقمر عن أبي جحيفة) أنه (قال: كنت عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال لرجل عنده): (لا آكل وأنا متكئ) قال في الفتح: وسبب هذا الحديث قصة الأعرابي المذكور في حديث عبد الله بن بسر عند ابن ماجة، والطبراني

14 - باب الشواء وقول الله تعالى: {فجاء بعجل حنيذ} أي مشوي

بإسناد حسن قال: أهديت للنبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاة فجثا على ركبتيه يأكل فقال له أعرابي: ما هذه الجلسة؟ فقال: "إن الله جعلني كريمًا ولم يجعلني جبارًا عنيدًا" واستنبط من هذه الأحاديث كراهة الأكل متكئًا لأنه من فعل المتعظمين وأصله مأخوذ من ملوك العجم، وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وخالد بن الوليد وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين وعطاء بن يسار والزهري جواز ذلك مطلقًا، وإذا ثبت أنه مكروه أو خلاف الأولى فليكن الأكل جاثيًا على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى، واختلف في علة الكراهة فروى ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قال: كانوا يكرهون أن يأكلوا المتكأة مخافة أن تعظم بطونهم، وحكى ابن الأثير أن من فسر الاتكاء بالميل على أحد الشقين تأوّله على مذهب الطب بأنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلًا ولا يسيغه هنيئًا وربما تأذى به. 14 - باب الشِّوَاءِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَجَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} أَيْ مَشْوِيٍّ (باب) جواز أكل (الشواء. وقول الله تعالى) في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ({فجاء بعجل}) ولد البقرة وكان مال إبراهيم عليه الصلاة والسلام ({حنيذ}) [هود: 69] (أي مشوي) بالحجارة المحماة. 5400 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِضَبٍّ مَشْوِيٍّ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ لِيَأْكُلَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ ضَبٌّ فَأَمْسَكَ يَدَهُ. فَقَالَ خَالِدٌ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: «لاَ. وَلَكِنَّهُ لاَ يَكُونُ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ». فَأَكَلَ خَالِدٌ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْظُرُ قَالَ: مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) قاضي صنعاء قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي أمامة بن سهل) أي ابن حنيف (عن ابن عباس عن خالد بن الوليد) أنه (قال: أتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بضب مشوي فأهوى) بيده (إليه ليأكل) منه (فقيل له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا رسول الله (إنه ضب فأمسك يده) الشريفة عنه (فقال خالد) أي ابن الوليد (أحرام هو؟ قال): (لا) حرمة فيه (ولكنه لا يكون بأرض قومي فأجدني أعافه) قال في القاموس: عاف الطعام والشراب، وقد يقال: في غيرهما يعافه ويعيفه عيفًا وعيفانًا محرّكة وعيافة وعيافًا بكسرهما كرهه فلم يأكله (فأكل خالد ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إليه. (وقال مالك) الإمام فيما وصله مسلم (عن ابن شهاب) الزهري (بضب محنوذ) بدل مشوي. قال في القاموس: حنذ الشاة يحنذها حنذًا وتحناذًا شواها وجعل فوقها حجارة محماة لتنضجها فهي حنيذ أو هو الحار الذي يقطر ماؤه بعد الشيء. ومطابقة الحديث للترجمة من جهة كونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهوى ليأكله ثم لم يمتنع إلا لكونه ضبًّا فلو كان غير ضب لأكل قاله ابن بطال. وهذا الحديث سبق قريبًا. 15 - باب الْخَزِيرَةِ. وَقَالَ النَّضْرُ: الْخَزِيرَةُ مِنَ النُّخَالَةِ وَالْحَرِيرَةُ مِنَ اللَّبَنِ (باب الخزيرة) بالخاء المعجمة والزاي وبعد التحتية الساكنة راء. (قال النضر): بفتح النون وسكون الضاد المعجمة بعدها راء ابن شميل بضم المعجمة مصغرًا النحوي اللغوي المحدث (الخزيرة) يعني بالمعجمة تتخذ (من النخالة) أي من بلالتها وقال في القاموس: الخزير والخزيرة شبه عصيدة بلحم وبلا لحم عصيدة أو مرقة من بلالة النخالة (والحريرة) يعني بالمهملات تتخذ (من اللبن) قال في الفتح: وهذا الذي قاله النضر وافقه عليه أبو الهيثم لكن قال من الدقيق بدل اللبن وهذا هو المعروف ويحتمل أن يكون معنى اللبن أنها تشبه اللبن في البياض لشدّة تصفيتها اهـ. لكن قال في القاموس: الحريرة دقيق يطبخ بلبن أو دسم. 5401 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ، أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ لَهُمْ، فَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ تَأْتِي فَتُصَلِّي فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذُهُ مُصَلًّى. فَقَالَ: «سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ». قَالَ: عِتْبَانُ: فَغَدَا عليَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ لِي: «أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ»؟ فَأَشَرْتُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَبَّرَ، فَصَفَفْنَا، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرٍ صَنَعْنَاهُ، فَثَابَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ، فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ! فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ، لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقُلْ، أَلاَ تَرَاهُ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ»؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: قُلْنَا فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ: «فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ»؟ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ثُمَّ سَأَلْتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ، وَكَانَ مِنْ سَرَاتِهِمْ عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودٍ، فَصَدَّقَهُ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى بن بكير) بالموحدة المضمومة مصغرًا قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين مصغرًا ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (محمود بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة (الأنصاري أن عتبان بن مالك) بكسر العين (وكان من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن شهد بدرًا من الأنصار أنه أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إني أنكرت بصري) أي ضعف أو عمي (وأنا أصلي لقومي) وللإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن نمر جعل بصري يكل، ولمسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت أصابني في بصري بعض الشيء وكل ذلك ظاهر في أنه لم يكن بلغ العمى إذ ذاك، لكن عند

16 - باب الأقط

المصنف في الصلاة في باب الرخصة في المطر من طريق مالك عن الزهري أنه كان يؤمّ قومه وهو أعمى وأنه قال: يا رسول الله إنها تكون الظلمة والسيل وأنا ضرير البصر. نعم يحتمل أن يكون قوله ضرير البصر أي أصابني فيه ضرّ فهو كقوله: أنكرت بصري فتتفق الروايات، ويكون أطلق عليه العمى لقربه منه ومشاركته له في فوات بعض ما كان يعهده في حال الصحة. وقال ابن عبد البر: كان ضرير البصر ثم عمي ويؤيده قوله في رواية أخرى وفي بصري بعض الشيء، ويقال للناقص ضرير البصر فإذا عمي أطلق عليه ضرير من غير تقييد بالبصر (فإذا كانت الأمطار سال) الماء في (الوادي) فهو من إطلاق المحل على الحال وللطبراني وأن الأمطار حين تكون يمنعني سيل الوادي (الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي لهم فوددت) بكسر الدال الأولى أي تمنيت (يا رسول الله أنك تأتي فتصلي) بسكون الياء ويجوز النصب لوقوع الفاء بعد التمني (في) مكان من (بيتي فأتخذه مصلى) موضعًا للصلاة برفع فأتخذه ونصبه كقوله: فتصلي (فقال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سأفعل) ذلك (إن شاء الله) تعالى (قال عتبان: فغدا عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- وسقط قوله عليّ من اليونينية (حين ارتفع النهار) يوم السبت (فاستأذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الدخول إلى منزلي (فأذنت له) وفي رواية الأوزاعي فأذنت لهما وفي رواية أبي أويس ومعه أبو بكر وعمر (فلم يجلس حتى دخل البيت) أي فلم يجلس في الدار ولا في غيرها حتى دخل البيت مبادرًا إلى ما جاء بسببه لأنه لم يجلس إلا بعد أن صلى (ثم قال لي: أين تحب أن أصلي من بيتك)؟ قال عتبان: (فأشرت) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلي ناحية من البيت فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكبّر فصففنا) وراءه (فصلى ركعتين ثم سلّم وحبسناه على خزير) بالخاء المعجمة والزاي (صنعناه) أي منعناه من الرجوع ليأكل من الخزير الذي صنعناه له (فثاب) بالمثلثة أي جاء (في البيت رجال من أهل الدار ذوو عدد) بعضهم في إثر بعض لما سمعوا به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فاجتمعوا) الفاء للعطف ومن ثم لا يحسن تفسير ثاب باجتمعوا لأنه يلزم منه عطف الشيء على مرادفه وهو خلاف الأصل فالأوجه تفسيره بجاء بعضهم إثر بعض كما مرّ (فقال قائل منهم): لم يسمّ (أين مالك بن الدخشن)؟ بضم الدال المهملة وسكون الخاء وضم الشين المعجمتين بعدها نون (فقال بعضهم) قيل هو عتبان المذكور (ذلك) باللام أي مالك بن الدخشن (منافق لا يحب الله ورسوله قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تقل) ذلك (ألا تراه) بفتح التاء (قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله قال: الله ورسوله أعلم. قال: قلنا) يا رسول الله (فإنا نرى وجهه) أي توجهه (ونصيحته إلى المنافقين) استشكل من حيث إنه يقال نصحت له لا إليه، وأجاب في الفتح بأن قوله إلى المنافقين متعلق بقوله وجهه فهو الذي يتعدى بإلى وأما متعلق نصيحته فمحذوف للعلم به (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإن الله) تعالى (حرّم على النار من قال لا إله إلاّ الله يبتغي بذلك وجه الله). (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري بالإسناد السابق (ثم سألت الحصين بن محمد) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (الأنصاري أحد بني سالم وكان من سراتهم) بفتح السين والراء المخففة المهملتين أي خيارهم (عن حديث محمود فصدقه) زاد في رواية بذلك أي بالحديث المذكور. قال في الفتح: يحتمل أن يكون حمله عن صحابي آخر وليس للحصين ولا لعتبان في الصحيحين سوى هذا الحديث، وقد أخرجه البخاري في أكثر من عشرة مواضع مطوّلًا ومختصرًا. 16 - باب الأَقِطِ وَقَالَ حُمَيْدٌ: سَمِعْتُ أَنَسًا: بَنَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِصَفِيَّةَ، فَأَلْقَى التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو عَنْ أَنَسٍ: صَنَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْسًا. (باب الأقط) قال في القاموس: مثلثة وتحرك وككتف ورجل وإبل شيء يتخذ من المخيض الغنمي. (وقال حميد) الطويل مما وصله المؤلّف في باب الخبز المرقق (سمعت أنسًا) -رضي الله عنه- يقول: (بنى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بصفية) بنت حيي -رضي الله عنها- مقفله من خيبر (فألقى التمر والأقط والسمن) على الأنطاع لوليمته

17 - باب السلق والشعير

(وقال عمرو بن أبي عمرو) بفتح العين فيهما مولى المطلب بن عبد الله المخزومي مما وصله المؤلّف في المغازي. (عن أنس صنع النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيسًا) من تمر وأقط وسمن في نطع. 5402 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَهْدَتْ خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضِبَابًا وَأَقِطًا وَلَبَنًا، فَوُضِعَ الضَّبُّ عَلَى مَائِدَتِهِ، فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُوضَعْ، وَشَرِبَ اللَّبَنَ وَأَكَلَ الأَقِطَ. وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي القصاب قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بشر) بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة جعفر بن أبي وحشية (عن سعيد) هو ابن جبير (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أهدت خالتي) ميمونة أم المؤمنين (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضبابًا) بكسر الضاد المعجمة جمع ضب (وأقطًا ولبنًا فوضع الضب على مائدته) الكريمة بضم واو فوضع مبنيًّا للمفعول والضب نائب الفاعل (فلو كان حرامًا لم يوضع) على مائدته ولم يأكل منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكونه لم يكن بأرض قومه (وشرب) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اللبن وأكل الأقط). وهذا الحديث سبق في قبول الهدية. 17 - باب السِّلْقِ وَالشَّعِيرِ (باب السلق) بكسر السين بقلة معروفة تجلو وتحلل وتلين وتفتح السدد وتسر النفس نافع للنقرس والمفاصل وعصير أصله سعوطًا ترياق وجع السن والأُذن والشقيقة (والشعير) بالجرّ عطفًا على السلق. 5403 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تَأْخُذُ أُصُولَ السِّلْقِ فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ لَهَا، فَتَجْعَلُ فِيهِ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ، إِذَا صَلَّيْنَا زُرْنَاهَا فَقَرَّبَتْهُ إِلَيْنَا، وَكُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، وَمَا كُنَّا نَتَغَدَّى وَلاَ نَقِيلُ إِلاَّ بَعْدَ الْجُمُعَةِ، وَاللَّهِ مَا فِيهِ شَحْمٌ وَلاَ وَدَكٌ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير ونسبه لجده لشهرته به قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) الفارسي المدني نزيل الإسكندرية (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي أنه (قال: إن كنّا لنفرح بيوم الجمعة كانت لنا عجوز) أي أقف على اسمها (تأخذ أصول السلق فتجعله في قدر لها فتجعل فيه حبات من شعير) فكنا (إذا صلينا) الجمعة (زرناها فقربته) أي ذلك المطبوخ (إلينا وكنا نفرح بيوم الجمعة من أجل ذلك) الطعام (وما كنا نتغذى) بالعين المعجمة والدال المهملة (ولا نقيل) بفتح النون وكسر القاف أي نستريح نصف النهار (إلا بعد) صلاة (الجمعة والله ما فيه) أي الطعام المذكور (شحم ولا ودك) بفتح الواو والدال المهملة الدسم من عطف الأعم على الأخص. 18 - باب النَّهْسِ، وَانْتِشَالِ اللَّحْمِ (باب النهس) بفتح النون وسكون الهاء بعدها سين مهملة في الفرع وأصله وبالمعجمة في غيرهما (وانتشار اللحم) بالنون الساكنة والفوقية المكسورة والشين المعجمة وبعد الألف لام استخراج اللحم من المرق قبل نضجه واسم ذلك اللحم النشيل والنهس القبض عليه بالفم وإزالته من العظم أو غيره بعد الانتشال وقيل النهس بالمهملة الأخذ بمقدم الفم وبالمعجمة بالأضراس. 5404 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: تَعَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَتِفًا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) أبو محمد الحجبي البصري قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) قال ابن معين: وتبعه ابن بطال لا يصح لابن سيرين سماع من ابن عباس، وقال ابن المديني، قال شعبة: أحاديث محمد بن سيرين عن عبد الله بن عباس إنما سمعها من عكرمة لقيه أيام المختار أنه (قال: تعرق) بتشديد الراء بعدها قاف (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتفًا) أي أكل ما كان عليه من اللحم (ثم قام فصلى ولم يتوضأ). 5405 - وَعَنْ أَيُّوبَ وَعَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: انْتَشَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرْقًا مِنْ قِدْرٍ فَأَكَلَ، ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. (وعن أيوب) السختياني بالسند السابق (و) عن (عاصم) هو ابن سليمان الأحول كلاهما (عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: انتشل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عرقًا) بفتح العين وسكون الراء بعدها قاف أي أخذ قبل نضجه (من قدر فأكل) منه (ثم صلى ولم يتوضأ) قال الحافظ ابن حجر: وحاصله أن الحديث عند حماد بن زيد عن أيوب بسندين على لفظين أحدهما عن ابن سيرين باللفظ الأول، والثاني عنه عن عكرمة وعاصم الأحول باللفظ الثاني، ومفاد الحديثين واحد وهو ترك إيجاب الوضوء مما مسّت النار ولم يقع في شيء من الطريقين اللذين ساقهما البخاري بلفظ النهش، وإنما ذكره بالمعنى حيث قال: تعرّق كتفًا. 19 - باب تَعَرُّقِ الْعَضُدِ (باب تعرّق العضد) وهو العظم الذي بين الكتف والمرفق. 5406 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ الْمَدَنِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَ مَكَّةَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي (قال: حدّثني) بالإفراد

20 - باب قطع اللحم بالسكين

أيضًا ولأبي ذر: أخبرني بالإفراد أيضًا (عثمان بن عمر) بن فارس البصري قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء آخره حاء مهملة مصغرًا ابن سليمان قال: (حدّثنا أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (المدني) قال: (حدّثنا عبد الله بن قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحارث بن ربعي السلمي الأنصاري أنه (قال: خرجنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عام الحديبية (نحو مكة). 5407 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ يَوْمًا جَالِسًا مَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَنْزِلٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَازِلٌ أَمَامَنَا، وَالْقَوْمُ مُحْرِمُونَ وَأَنَا غَيْرُ مُحْرِمٍ. فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نَعْلِي فَلَمْ يُؤْذِنُونِي لَهُ، وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ، فَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ، فَقُمْتُ إِلَى الْفَرَسِ فَأَسْرَجْتُهُ ثُمَّ رَكِبْتُ، وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقَالُوا: لاَ وَاللَّهِ لاَ نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. فَغَضِبْتُ فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُمَا ثُمَّ رَكِبْتُ فَشَدَدْتُ عَلَى الْحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ، فَوَقَعُوا فِيهِ يَأْكُلُونَهُ ثُمَّ إِنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَكْلِهِمْ إِيَّاهُ وَهُمْ حُرُمٌ، فَرُحْنَا وَخَبَأْتُ الْعَضُدَ مَعِي. فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ»؟ فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ فَأَكَلَهَا حَتَّى تَعَرَّقَهَا وَهْوَ مُحْرِمٌ قَالَ محمدُ بْنُ جَعْفَرٍ: وَحَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ مِثْلَهُ. وبه قال: (وحدّثني) بالإفراد وواو العطف ولغير أبي ذر بالجمع وحذف الواو (عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى الأويسي المدني قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) هو ابن أبي كثير (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن عبد الله بن أبي قتادة السلمي) بفتح السين في اليونينية (عن أبيه) أبي قتادة (أنه قال: كنت يومًا جالسًا مع رجال من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في منزل في طريق مكة ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نازل أمامنا والقوم محرمون) بالعمرة (وأنا غير محرم) يحتمل أنه لم يقصد نسكًا أو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أرسله إلى جهة أخرى ليكشف أمر العدو في جماعة (فأبصروا) أي القوم (حمارًا وحشيًّا وأنا مشغول أخصف نعلي) بكسر الصاد أخرزه (فلم يؤذنوني له) وللكشميهني به أي فلم يعلموني به (وأحبوا لو أني أبصرته فالتفت فأبصرته فقمت إلى الفرس فأسرجته ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح. فقالوا: لا والله لا نعينك عليه) أي على صيد الحمار (بشيء فغضبت) بكسر الضاد المعجمة (فنزلت) عن الفرس (فأخذتهما ثم ركبت فشددت) بشين معجمة فدالين مهملتين الأولى مفتوحة مخففة والثانية ساكنة (على الحمار فعقرته ثم جئت به) إلى القوم (وقد مات: فوقعوا فيه) بعد أن طبخوه (يأكلون ثم إنهم) بحد ذلك (شكوا) بضم الكاف مشددة (في أكلهم إياه وهم حُرُم) هل يحل لهم (فرحنا) بضم الراء (وخبات العضد معي) من الحمار (فأدركنا) بسكون الكاف (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسألناه عن ذلك) العقر والأكل مع الإحرام (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هل (معكم منه شيء) (فناولته العضد كلها فأكلها حتى تعرّقها) بفتح العين المهملة والراء المشددة والقاف أكل ما عليها من اللحم (وهو) عليه الصلاة والسلام (محرم) بالعمرة والواو للحال. (وقال محمد بن جعفر) الراوي عن أبي حازم المذكور بالسند السابق وثبت لفظ محمد لأبي ذر عن الحموي والمستملي كذا في اليونينية وفرعها (وحدّثني) بالإفراد (زيد بن أسلم) ولأبي ذر عن الكشميهني قال أبو جعفر قال زيد بن أسلم (عن عطاء بن يسار عن أبي قتادة مثله). والحاصل أن لمحمد بن جعفر فيه إسنادين والمطابقة منه ظاهرة. وهذا الحديث سبق في الحج. 20 - باب قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ (باب) جواز (قطع اللحم بالسكين). 5408 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ أَبَاهُ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فِي يَدِهِ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَأَلْقَاهَا وَالسِّكِّينَ الَّتِي يَحْتَزُّ بِهَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (جعفر بن عمرو بن أمية) بفتح العين (أن أباه عمرو بن أمية أخبره أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحتز) بالحاء المهملة الساكنة والفوقية المفتوحة والزاي المشددة أي يقطع (من كتف شاة في يده) الكريمة (فدعي) بضم الدال وكسر العين (إلى الصلاة فألقاها و) ألقى (السكين التي يحتز بها ثم قام فصلى ولم يتوضأ). فإن قلت: هذا يعارضه حديث أبي معشر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رفعته: لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه من صنيع الأعاجم وانهشوه فإنه أهنا وأمرأ. أجيب: بأن أبا داود قال: هو حديث ليس بالقوي، وحينئذ فلا يحتج به من أجل أبي معشر نجيح المسندي الهاشمي صاحب المغازي. قال البخاري وغيره: منكر الحديث ومن مناكيره حديث: لا تقطعوا اللحم بالسكين هذا لكن قال الحافظ ابن حجر: إن له شاهدًا من حديث صفوان بن أمية أخرجه الترمذي بلفظ: انهشوا اللحم نهشًا فإنه أهنأ وأمرأ، وقال: لا نعرفه إلا من حديث عبد الكريم اهـ. وعبد الكريم هو أبو أمية بن أبي المخارق ضعيف، لكن أخرجه ابن أبي عاصم من وجه آخر عن صفوان بن أمية فهو حسن لكن ليس فيه ما رواه

21 - باب ما عاب النبي -صلى الله عليه وسلم- طعاما

أبو معشر من التصريح بالنهي عن قطع اللحم بالسكين، وأكثر ما في حديث صفوان بن أمية أن النهش أولى. وهذا الحديث قد سبق في الوضوء. 21 - باب مَا عَابَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَعَامًا هذا (باب) بالتنوين (ما عاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طعامًا) من الأطعمة المباحة. 5409 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا عَابَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة أبو عبد الله العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري وقال العيني ابن عيينة (عن الأعمش) سليمان (عن أبي حازم) سليمان الأشجعي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أنه قال: ما عاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طعامًا قط) سواء كان من صنعة الآدمي أو لا، فلا يقول مالح غير ناضج ونحو ذلك (إن اشتهاه أكله وإن كرهه) كالضب (تركه) واعتذر بكونه لم يكن بأرض قومه، وهذا كما قال ابن بطال: من حسن الأدب لأن المرء قد لا يشتهي الشيء ويشتهيه غيره وكل مأذون فيه من جهة الشرع لا عيب فيه. 22 - باب النَّفْخِ فِي الشَّعِيرِ (باب النفخ في الشعير). 5410 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ سَهْلًا: هَلْ رَأَيْتُمْ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّقِيَّ؟ قَالَ: لاَ. فَقُلْتُ: كُنْتُمْ تَنْخُلُونَ الشَّعِيرَ؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ كُنَّا نَنْفُخُهُ. [الحديث 5410 - أطرافه في: 5413]. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري قال: (حدثنا أبو غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة المشددة محمد بن مطرف الليثي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار وهو غير الذي قبله في الباب السابق وهو أصغر منه وكل منهما تابعي (أنه سأل سهلًا) بفتح السين المهملة وسكون الهاء ابن سعد الساعدي (هل رأيتم في زمان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النقيّ) بفتح النون وكسر القاف وتشديد التحتية الخبز الحواري وهو ما نقي دقيقه من الشعير وغيره فصار أبيض (قال) سهل (لا) ما رأينا في زمانه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النقي. قال أبو حازم سلمة (فقلت) له (كنتم) ولأبي ذر عن الكشميهني فهل كنتم (تنخلون الشعير)؟ بعد طحنه استفهام حذفت أداته (قال) سهل (لا ولكن كنا ننفخه) بعد طحنه لتطير منه قشوره. وهذا الحديث من أفراده ويأتي في الباب اللاحق من غير هذا الوجه بأتمّ منه هنا إن شاء الله تعالى. 23 - باب مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ يَأْكُلُونَ (باب ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه يأكلون). 5411 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبَّاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا بَيْنَ أَصْحَابِهِ تَمْرًا فَأَعْطَى كُلَّ إِنْسَانٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَانِي سَبْعَ تَمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ حَشَفَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ تَمْرَةٌ أَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْهَا شَدَّتْ فِي مَضَاغِي. [الحديث 5411 - أطرافه في: 5441]. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن عارم أبو الفضل السدوسي البصري قال: (حدّثنا حماد بن زيد) بن درهم (عن عباس) بالموحدة آخره سين مهملة ابن فروخ بالفاء والراء المشددة المضمومة آخره جيم (الجريري) بضم الجيم وفتح الراء الأولى مصغرًا (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ (النهدي عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا بين أصحابه تمرًا فأعطى كل إنسان) منهم (سبع تمرات فأعطاني سبع تمرات إحداهن حشفة) بحاء مهملة ثم معجمة ثم فاء مفتوحات من أردأ التمر (فلم يكن فيهن تمرة أعجب إليّ منها) من الحشفة (شدّت) بالشين المعجمة والدال المشددة المهملة المفتوحتين (في مضاعي) بفتح الميم الطعام يمضغ ولأبي ذر بكسرها بعدها ضاد معجمة وبعد الألف غين معجمة يحتمل أن يكون المراد ما يمضع به وهو الأسنان وأن يكون المراد به المضع نفسه. وهذا الحديث أخرجه الترمذي في الزهد والنسائي في الوليمة وابن ماجة في الزهد. 5412 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الْحُبْلَةِ، أَوِ الْحَبَلَةِ حَتَّى يَضَعَ أَحَدُنَا مَا تَضَعُ الشَّاةُ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الإِسْلاَمِ، خَسِرْتُ إِذًا وَضَلَّ سَعْيِي. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا وهب بن جرير) قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن سعد) هو ابن أبي وقاص أنه (قال: رأيتني) أي رأيت نفسي (سابع سبعة) سبق إسلامهم (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهم كما عند ابن أبي خيثمة: أبو بكر، وعثمان، وعلي، وزيد بن حارثة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص (ما لنا طعام) نأكله (إلا ورق الحبلة) بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة (أو الحبلة) بفتح الحاء والموحدة ثمر العضاه وثمر السمر وهو يشبه اللوبيا أو المراد عروق الشجر وقال في المطالع: الحبلة الكرم قاله ثعلب، وفي الحديث: لا تسموا العنب الكرم ولكن قولوا الحبلة (حتى يضع أحدنا ما تضع الشاة) يريد أن أحدهم كان إذا قضى حاجته ألقى شيئًا كالبعر الذي تلقيه الشاة (ثم أصبحت بنو أسد تعزرني) بزاي مشددة بعدها راء أي تؤدبني (على الإسلام) وتعلمني أحكامه

وذلك أنهم وشوا به إلى عمر -رضي الله عنه- حتى قالوا لا يحسن أن يصلّي، ولأبي ذر عن الكشميهني: يعزرونني بزيادة واو وجمع ونون (خسرت) بسكون الراء (إذًا) بالتنوين جواب وجزاء أي إن كنت كما قالوا محتاجًا إلى تأديبهم وتعليمهم خسرت حينئذ (وضلّ سعيي) فيما سبق وفيه جواز مدحة الإنسان نفسه إذا اضطر لذلك. وهذا الحديث سبق في المناقب. 5413 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فَقُلْتُ: هَلْ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّقِيَّ؟ فَقَالَ سَهْلٌ: مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّقِيَّ مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ. قَالَ: فَقُلْتُ: هَلْ كَانَتْ لَكُمْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنَاخِلُ؟ قَالَ: مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْخُلًا مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، قَالَ قُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غَيْرَ مَنْخُولٍ؟ قَالَ: كُنَّا نَطْحَنُهُ وَنَنْفُخُهُ، فَيَطِيرُ مَا طَارَ، وَمَا بَقِيَ ثَرَّيْنَاهُ فَأَكَلْنَاهُ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا يعقوب) ابن عبد الرحمن القاري بغير همز (عن أبي حازم) سلمة بن دينار أنه (قال: سألت سهل بن سعد) الساعدي -رضي الله عنه- (فقلت) له: (هل أكل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الخبز (النقي) الأبيض (فقال سهل: ما رأى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النقي) من الخبز (من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله. قال) أبو حازم (فقلت) له: (هل كانت لكم في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مناخل؟ قال: ما رأى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منخلًا من حين ابتعثه الله حتى قبضه الله) ثبت لفظة الله الأخيرة لأبي ذر والتقييد بما بعد البعثة يحتمل أن يكون احترازًا عما قبلها إذ كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سافر إلى الشام والخبز النقي والمناخل وآلات الترفه بها كثيرة (قال) أبو حازم (قلت) له: (كيف كنتم تأكلون الشعير غير منخول؟ قال: كنا نطحنه) بفتح الحاء (وننفخه) ولأبي ذر عن الكشميهني ثم ننفخه (فيطير) منه (ما طار وما بقي) منه (ثريناه) بالمثلثة المفتوحة والراء المشددة المفتوحة أيضًا أي ندّيناه وليّناه بالماء (فأكلناه). وهذا الحديث سبق قريبًا. 5414 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ، فَدَعَوْهُ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنَ الْخُبْزِ الشَّعِيرِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (أخبرنا روح بن عبادة) بفتح الراء وضم عين عبادة وتخفيف الموحدة القيسي الحافظ قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب (عن سعيد) هو ابن أبي سعيد كيسان (المقبري) بضم الموحدة كان يسكن بالقرب من المقبرة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه مرّ بقوم بين أيديهم شاة مصلية) بفتح الميم وسكون الصاد المهملة مشوية (فدعوه) بفتح العين كالدال فطلبوه أن يأكل منها (فأبى) فامتنع (أن يأكل) منها زهدًا لما تذكره من شدة العيش السابقة له، ولذا (قال) ولأبي ذر قال: (خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الدنيا ولم يشبع من الخبز) ولأبوي الوقت وذر والأصيلي وابن عساكر من خبز (الشعير). 5415 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا مُعَاذٌ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يُونُسَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَا أَكَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى خِوَانٍ، وَلاَ فِي سُكُرُّجَةٍ، وَلاَ خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ. قُلْتُ لِقَتَادَةَ: عَلَى مَا يَأْكُلُونَ؟ قَالَ: عَلَى السُّفَرِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود حميد قال (حدّثنا معاذ) بضم الميم آخره معجمة ابن هشام الدستوائي قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي) هشام (عن يونس) بن أبي الفرات القرشي مولاهم البصري الإسكاف (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: ما أكل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على خوان) بكسر الخاء المعجمة وضمها وإخوان بهمزة مكسورة طبق كبير تحته كرسي ملزق به يوضع بين يدي المترفين (ولا في سكرجة) بضم السين المهملة والكاف والراء المشدّدة وتخفف لأن العجم كانت تستعملها في الكوامخ وما أشبهها من الجوارشنات على الموائد حول الأطعمة للتشهي والهضم (ولا خبز له مرقق). قال يونس (قلت لقتادة على ما) بألف بعد الميم ولأبي ذر عن الكشميهني علام (يأكلون؟ قال: على السفر) بضم السين المهملة وفتح الفاء جمع سفرة وهي في الأصل طعام المسافر وبه سميت الآلة التي يعمل فيها السفرة إذا كانت من جلد. وهذا الحديث أخرجه الترمذي في الأطعمة وقال غريب، والنسائي في الرقاق، وابن ماجة في الأطعمة. 5416 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ الْبُرِّ ثَلاَثَ لَيَالٍ تِبَاعًا حَتَّى قُبِضَ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: ما شبع آل محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منذ قدم المدينة من طعام البر) من الإضافة البيانية (ثلاث ليال) بأيامهن (تباعًا) بكسر الفوقية (حتى قبض) بضم القاف وكسر الموحدة إيثارًا للجوع وقلة الشبع مع الجدة. وهذا

24 - باب التلبينة

الحديث أخرجه أيضًا في الرقاق، ومسلم في أواخر كتابه والنسائي في الوليمة وابن ماجة في الأطعمة. 24 - باب التَّلْبِينَةِ (باب التلبينة) بفتح الفوقية وسكون اللام وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة نون مفتوحة قال البيضاوي حسو رقيق يتخذ من الدقيق واللبن أو من الدقيق أو من النخالة، وقد يجعل فيه العسل سميت بذلك تشبيهًا لها باللبن لبياضها ورقتها. 5417 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ثُمَّ تَفَرَّقْنَ، إِلاَّ أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «التَّلْبِينَةُ مَجَمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ». [الحديث 5417 - أطرافه في: 5689، 5690]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك) الميت (النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة) بضم الموحدة الثانية قدر من حجارة (من تلبينة فطبخت ثم صنع ثريد) بضم الطاء ثم الصاد مبنيين للمفعول (فصبت التلبينة) بضم الصاد أيضًا (عليها ثم قالت) لهن: (كلن منها) سقط لفظ منها لأبي ذر (فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (التلبينة مجمة) بفتح الميم الأولى والجيم والميم الثانية مشدّدة في الفرع كأصله أي مريحة وتكسر الجيم وبضم الميم وكسر الجيم اسم فاعل أي مريحة (لفؤاد المريض تذهب) بفتح الفوقية والهاء (ببعض الحزن) بضم الحاء المهملة وسكون الزاي ولأبي ذر بفتحهما، والفؤاد رأس المدة وفؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه ومعدته لتقليل الغذاء، وهذ الطعام يرطبها ويقوّيها ويفعل ذلك أيضًا بفؤاد المريض. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الطب، وكذا أخرجه فيه مسلم والترمذي، وأخرجه النسائي في الوليمة والطب. 25 - باب الثَّرِيدِ (باب الثريد) بفتح المثلثة وكسر الراء أن يثرد الخبز بمرق اللحم وقد يكون معه لحم. 5418 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجَمَلِيِّ عَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) بفتح العين في الأول وضم الميم وتشديد الراء في الثاني (الجملي) بفتح الجيم والميم نسبة إلى جمل بطن من مراد (عن مرة) بضم الميم وتشديد الراء (الهمداني)، بفتح الهاء وسكون الميم الكوفيّ (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (كمل) بفتح الكاف والميم وتضم (من الرجال كثير ولم يكمل) بضم الميم (من النساء إلا بنت مريم عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) لما فيه من تيسير المؤونة وسهولة الإساغة وكان أجلّ أطعمتهم يومئذٍ، وهذا لا يستلزم ثبوت الأفضلية له من كل جهة فقد يكون مفضولًا بالنسبة لغيره من جهات أخرى. وهذا الحديث قد سبق بمباحثه في أحاديث الأنبياء وما ذكر من فضل عائشة وغيرها، والذي يظهر تفضيل فاطمة لأنها بضعة منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا يعدل بضعته أحد، وقال ابن بطال: عائشة مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومريم مع عيسى عليهما السلام ودرجة محمد فوق درجة عيسى فدرجة عائشة أعلى وهو معنى الأفضل. 5419 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي طُوَالَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ، كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ». وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عون) بفتح العين فيهما الواسطي قال: (حدّثنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن الطحان الواسطي (عن أبي طوالة) بضم الطاء المهملة وفتح الواو مخففة عبد الله بن عبد الرحمن بن حزم الأنصاري (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام). وهذا الحديث سبق في فضل عائشة. 5420 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ، سَمِعَ أَبَا حَاتِمٍ الأَشْهَلَ بْنَ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى غُلاَمٍ لَهُ خَيَّاطٍ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِ قَصْعَةً فِيهَا ثَرِيدٌ، قَالَ: وَأَقْبَلَ عَلَى عَمَلِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَتَتَبَّعُهُ فَأَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَمَا زِلْتُ بَعْدُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد (عبد الله بن منير) المروزي أنه (سمع أبا حاتم) بالحاء المهملة والفوقية (الأشهل) بالشين المعجمة والهاء المفتوحة (ابن حاتم) بالحاء أيضًا البصري قال: (حدّثنا ابن عون) بفتح العين وسكون الواو بعدها نون عبد الله البصري (عن ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم ابن عبد الله (بن أنس عن) جده (أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: دخلت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على غلام له خياط) لم أقف على اسمه (فقدم)

26 - باب شاة مسموطة والكتف والجنب

الخياط (إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قصعة فيها ثريد قال) أنس (وأقبل) الخياط (على عمله قال: فجعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتتبع الدباء) القرع من حوالى القصعة (قال) أنس (فجعلت أتتبعه) أي القرع (فأضعه بين يديه) صلوات الله وسلامه عليه (قال) أن (فما زلت بعد أحب الدباء) أي أكلها اقتداء به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا الحديث سبق في باب من تتبع حوالى القصعة. 26 - باب شَاةٍ مَسْمُوطَةٍ وَالْكَتِفِ وَالْجَنْبِ (باب) ذكر (شاة مسموطة والكتف والجنب). 5421 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا نَأْتِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- وَخَبَّازُهُ قَائِمٌ، قَالَ: كُلُوا، فَمَا أَعْلَمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَغِيفًا مُرَقَّقًا حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ، وَلاَ أرى شَاةً سَمِيطًا بِعَيْنِهِ قَطُّ. وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وبعد الدال الساكنة موحدة القيسي البصري الحافظ قال: (حدّثنا همام بن يحيى) العوذي الحافظ (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: كنا نأتي أنس بن مالك -رضي الله عنه- وخبازه) لم يعرف اسمه (قائم) عنده (قال) أنس (كلوا فما أعلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رغيقًا مرققًا حتى لحق بالله ولا أرى شاة سميطًا) ولأبي ذر عن الكشميهني مسموطة (بعينه قط) بالإفراد والمسموطة التي ينتف شعر جلدها ثم تشوى وهو مأكل المترفين، وإنما كانت عادتهم أن يأخذوا جلد الشاة ينتفعوا به. وهذا الحديث قد سبق قريبًا في باب الخبز المرقق. 5422 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَقَامَ فَطَرَحَ السِّكِّينَ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن جعفر بن عمرو بن أمية) بفتح العين (الضمري) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم بعدها راء (عن أبيه) عمرو بن أمية أنه (قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحتز) يقطع (من كتف شاة فأكل) بفاء مفتوحة بلفظ الماضي، ولأبي ذر عن الكشميهني: يأكل بالتحتية بدل الفاء بلفظ المضارع (منها) أي من الشاة (فدعي إلى الصلاة فقام فطرح السكين فصلى ولم يتوضأ) من أكل ما مسته النار. فإن قلت: جاء في مسلم من حديث أبي هريرة الأمر بالوضوء مما مست النار. أجيب: بأنه جاء على أصله اللغوي من النظافة فالمراد منه هنا غسل اليدين لإزالة الزهومة توفيقًا بينه وبين حديث الباب وغيره، وأما حمله على المعنى الشرعي وادّعاء نسخه فيحتاج لمعرفة التاريخ نعم صرح ابن الصلاح بالنسخ حيث قال: مما يعرف به النسخ قول الصحابي كان آخر الأمرين من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترك الوضوء مما مسته النار. ومباحث ذلك سبقت في كتاب الوضوء ولم يقع في حديثي الباب ما ترجم له من الجنب، وأجاب في الفتح بأنه أشار إلى حديث أم سلمة المروي في الترمذي وصححه أنها قرّبت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جنبًا مشويًّا فأكل منه ثم قام إلى الصلاة واعترضه العيني فقال: من أين يعلم أنه أشار به إلى حديث أم سلمة مع أن الإشارة لا تكون إلا لحاضر، وأجاب بأنه ذكر الجنب استطرادًا أو إلحاقًا له بالكتف. 27 - باب مَا كَانَ السَّلَفُ يَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَأَسْفَارِهِمْ مِنَ الطَّعَامِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ: صَنَعْنَا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ سُفْرَةً (باب ما كان السلف) من الصحابة والتابعين (يدّخرون في بيوتهم) في الحضر (و) يدّخرون في (أسفارهم من الطعام واللحم وغيره) ومن بيانية (وقالت عائشة و) أختها لأبيها (أسماء) بنتا أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- مما سبق في الهجرة (صنعنا للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر سفرة) عند إرادتهما للهجرة إلى المدينة. 5423 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ أَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلاَثٍ؟ قَالَتْ: مَا فَعَلَهُ إِلاَّ فِي عَامٍ جَاعَ النَّاسُ فِيهِ، فَأَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ. وَإِنْ كُنَّا لَنَرْفَعُ الْكُرَاعَ فَنَأْكُلُهُ بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ. قِيلَ: مَا اضْطَرَّكُمْ إِلَيْهِ؟ فَضَحِكَتْ، قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ بِهَذَا. [الحديث 5423 - أطرافه في: 5438، 5570، 6687]. وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) أبو محمد السلمي الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الرحمن بن عابس) بألف بعد العين وبعدها موحدة مكسورة فسين مهملة (عن أبيه) عابس بن ربيعة النخعي الكوفي التابعي الكبير وليس هو عابس بن ربيعة الغطيفي أنه (قال: قلت لعائشة) -رضي الله عنها- (أنهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تؤكل لحوم الأضاحي) بالمثناة الفوقية وفتح الكاف لحوم رفع ولأبي ذر أن يؤكل بالمثناة التحتية من لحوم الأضاحي (فوق ثلاث) من الأيام (قالت: ما فعله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلا في عام جاع الناس فيه فأراد) عليه الصلاة والسلام (أن يطعم الغني الفقير) فالنهي كان خاصًّا بذلك العام للعلة المذكورة ثم نسخ وقوله الغني رفع فاعل الإطعام والفقير نصب مفعوله، ولغير أبي ذر: أن يطعم بفتح العين الغني

28 - باب الحيس

والفقير بواو العطف والرفع على الفاعلية أي يأكل الغني والفقير (وإن كنا لنرفع الكراع) بضم الكاف وبالراء آخره عين مهملة مستدق الساق من الغنم (فنأكله بعد خمس عشرة) ليلة فيه بيان جواز ادّخار اللحم وأكل القديد (قيل) لها (ما اضطركم إليه) أي ما ألجأكم إلى تأخيره هذه المدة (فضحكت) تعجبًا من سؤال عابس عن ذلك مع علمه بما كانوا فيه من ضيق العيش ثم (قالت: ما شبع آل محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من خبز برّ مأدوم) أي مأكول بالأدم (ثلاثة أيام) متوالية (حتى لحق بالله) عز وجل. (وقال ابن كثير) محمد شيخ المؤلّف (أخبرنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن عابس بهذا) الحديث المذكور لكن في هذه الطريق تصريح سفيان بإخبار عبد الرحمن بن عابس له به، وقد وصله الطبراني في الكبير عن معاذ بن المثنى عن محمد بن كثير به. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأيمان والنذور ومسلم في أواخر صحيحه والترمذي والنسائي في الأضاحي وابن ماجة فيه وفي الأطعمة، والمطابقة بين الحديث والترجمة في قوله: وإن كنا لنرفع الكواع إلى آخره، ويحتمل أن يكون المراد بالطعام ما يطعم فيدخل فيه كل أدام. 5424 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الْهَدْيِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَدِينَةِ. تَابَعَهُ مُحَمَّدٌ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَقَالَ حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ: لاَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر) الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا نتزوّد لحوم الهدي) الذي يهدى إلى المحرم من النعم (على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في زمانه في سفرنا من مكة (إلى المدينة). (تابعه) أي تابع عبد الله بن محمد المسندي (محمد) هو ابن سلام (عن ابن عيينة) سفيان وهذه المتابعة أخرجها ابن أبي عمر في مسنده. (وقال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قلت لعطاء) هو ابن أبي رباح (أقال) جابر كنا نتزوّد لحوم الهدي (حتى جئنا المدينة؟ قال) عطاء: (لا). لم يقل جابر حتى جئنا المدينة. وقال الحافظ ابن حجر: ليس المراد بقول عطاء لا نفي الحكم بل مراده أن جابرًا لم يصرح باستمرار ذلك منهم حتى قدموا، فيكون على هذا معنى قوله في رواية عمرو بن دينار عن عطاء كنا نتزوّد لحوم الهدي إلى المدينة أي لتوجهنا إلى المدينة ولا يلزم من ذلك بقاؤها معهم حتى يصلوا إلى المدينة لكن روى مسلم من حديث ثوبان ذبح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أضحيته ثم قال لي: "يا ثوبان أصلح لحم هذه" فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة. وهذا التعليق وصله المؤلّف في باب ما يؤكل من البدن من كتاب الحج ولفظه كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث فرخص لنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "كلوا وتزوّدوا" ولم يذكر هذه الزيادة. نعم ذكرها مسلم في روايته عن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد بالسند الذي أخرجه به البخاري فقال: بعد قوله: كلوا وتزوّدوا. قلت لعطاء أو قال جابر حتى جئنا المدينة قال: نعم كذا وقع عنده بخلاف ما وقع عند البخاري قال: لا والذي وقع عند البخاري هو المعتمد فإن الإمام أحمد أخرجه في مسنده عن يحيى بن سعيد كذلك، وكذا أخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد قاله في الفتح. 28 - باب الْحَيْسِ (باب الحيس) بالحاء المفتوحة والسين المهملتين بينهما تحتية ساكنة وهو تمر يخلط وأقحط فيعجن شديدًا ثم يندر نواه وربما جعل فيه سويق وقد حاسه يحيسه. 5425 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي طَلْحَةَ: «الْتَمِسْ غُلاَمًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي»، فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلَّمَا نَزَلَ فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ». فَلَمْ أَزَلْ أَخْدُمُهُ حَتَّى أَقْبَلْنَا مِنْ خَيْبَرَ، وَأَقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَدْ حَازَهَا، فَكُنْتُ أَرَاهُ يُحَوِّي لها وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ أَوْ بِكِسَاءٍ ثُمَّ يُرْدِفُهَا وَرَاءَهُ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَدَعَوْتُ رِجَالًا فَأَكَلُوا، وَكَانَ ذَلِكَ بِنَاءَهُ بِهَا ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا بَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ». فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) المدني (عن عمرو بن أبي عمرو) بفتح العين فيهما (مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب) بحاء وطاء مفتوحتين مهملتين بينهما نون ساكنة وآخره موحدة (أنه سمع أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأبي طلحة) زيد بن سهل زوج أم أنس: (التمس) لي (غلامًا من غلمانكم يخدمني) بضم الدال (فخرج بي أبو طلحة) حال كونه (يردفني) على الدابة (وراءه فكنت أخدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كل كلما نزل فكنت أسمعه يكثر أن يقول: اللهمّ إني أعوذ بك من الهم) من الحزن (والحزن) بفتح الحاء المهملة والزاي الهم كذا في القاموس

29 - باب الأكل في إناء مفضض

وغيره لكن فرق البيضاوي بينهما بأن الهم إنما يكون هي الأمر المتوقع والحزن فيما قد وقع أو الهم هو الحزن الذي يذيب الإنسان يقال: همني المرض بمعنى أذابني وسمى به ما يعتري الإنسان من شدائد الغم لأنه يذيبه أبلغ وأشدّ من الحزن (والعجز) وهو ذهاب القدرة وأصله التأخر عن الشيء مأخوذ من العجز وهو مؤخر الشيء وللزومه الضعف والقصور عن الإتيان بالشيء استعمل في مقابله (والكسل) التثاقل عن الأمر والفتور فيه مع وجود القدرة والداعية إليه (والبخل) ضدّ الكرم (والجبن) بضم الجيم وسكون الموحدة أي الخور من تعاطي الحرب ونحوها خوفًا على المهجة (وضلع الدين) بفتح الضاد المعجمة واللام يعني ثقله حتى يميل بصاحبه عن الاستواء والاعتدال (وغلبة الرجال) بفتح الغين المعجمة واللام والموحدة، وفي الرواية الأخرى: وقهر الرجال، قال التوربشتي: ويراد به الغلبة. وقال الطيبي: قهر الرجال إما أن تكون إضافته إلى الفاعل أي قهر المدائن إياه وغلبته عليه بالتقاضي، وليس له ما يفضي دينه أو إلى المفعول بأن لا يكون له أحد يعاونه على قضاء ديونه من رجاله وأصحابه. قال أنس: (فلم أزل أخدمه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى أقبلنا من خيبر) قافلين (وأقبل بصفية بنت حيي قد حازها) بالحاء المهملة والزاي اختارها من غنيمة خيبر (فكنت أراه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يحوّي) بضم التحتية وفتح المهملة وكسر الواو مشددة أي يجعل (لها) حوية كساء محشوًّا يدار حول سنام الراحلة يحفظ راكبها من السقوط ويستريح بالاستناد إليه (وراءه بعباءة أو بكساء) والشك من الراوي وثبت قوله لها لأبي ذر وسقط لغيره (ثم يرفها وراءه) على الراحلة (حتى إذا كنا بالصهباء) موضع بين خيبر والمدينة (صنع حيسًا في نطع) بكسر النون وفتح الطاء كعنب وبفتح النون والمراد السفرة (ثم أرسلني فدعوت رجالًا فأكلوا) من الحيس (وكان ذلك بناءه بها) أي دخوله بصفيه (ثم أقبل) قافلًا إلى المدينة (حتى إذا بدا) ظهر (له أحد) الجبل المكرّم المعروف (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هذا) أُحُد (جبل يحبنا) حقيقة بخلق الله تعالى فيه الإدراك كحنين الجذع أو مجازًا أو بتقدير أهل كاسأل القرية (ونحبه) لأنه في أرض من نحب وهم الأنصار (فلما أشرف) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على المدينة قال: اللهمّ إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم به إبراهيم) الخليل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مكة) وجبلا المدينة هما عير وأحد، وأما رواية ثور فاستشكلت من حيث إنه بمكة وفيه الغار الذي بات فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما هاجر والقول بأن المدينة أيضًا جبلًا اسمه ثور أولى لما فيه من عدم توهيم الثقات والمراد تحريم التعظيم دون ما عداه من الأحكام المتعلقة بحرم مكة نعم مشهور مذهب المالكية والشافعية حرمة صيد المدينة وقطع شجرها لكن من غير ضمان. ومباحث ذلك سبقت أواخر الحج. (اللهم بارك لهم) لأهل المدينة (في مدّهم) بضم الميم وتشديد الدال المهملة وهو ما يسع رطلًا وثلث رطل أو رطلين (وصاعهم) وهو ما يسع أربعة أمداد وفي حديث آخر وبارك لنا في مدينتنا ولقد استجاب الله دعاء حبيبه وجلب إليها في زمن الخلفاء الراشدين من مشارق الأرض ومغاربها من كنوز كسرى وقيصر وخاقان ما لا يحصى، وبارك الله تعالى في مكيالها بحيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها، ولقد رأيت من ذلك الأمر الكبير فاسأل الله تعالى بوجهه الكريم، ونبيّه العظيم، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم أن يمنّ عليّ وأحبابي والمسلمين بالمقام بها على أحسن حال مع الإقبال والقبول، وبلوغ المأمول، والوفاة بها على الإسلام، والقرب منه عليه الصلاة والسلام، في دار السلام بمنّه وكرمه. 29 - باب الأَكْلِ فِي إِنَاءٍ مُفَضَّضٍ (باب) حكم (الأكل في إناء مفضض) أي جعل فيه الفضه بالتضبيب أو بالخلط أو بالطلاء. 5426 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَاسْتَسْقَى فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ، فَلَمَّا وَضَعَ الْقَدَحَ فِي يَدِهِ رَمَاهُ بِهِ وَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي نَهَيْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلاَ مَرَّتَيْنِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَمْ أَفْعَلْ هَذَا، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلاَ الدِّيبَاجَ، وَلاَ تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلاَ تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الآخِرَةِ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سيف بن أبي سليمان) المخزومي (قال: سمعت مجاهدًا)

30 - باب ذكر الطعام

أبا الحجاج بن جبر مولى السائب بن أبي السائب المخزومي (يقول: حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري عالم الكوفة (أنهم كانوا عند حذيفة) بن اليمان (فاستسقى فسقاه مجوسي) أي يعرف الحافظ ابن حجر اسمه ولمسلم من حديث عبد الله بن حكيم قال: كنا مع حذيفة بالمدائن فاستسقى حذيفة فجاءه دهقان بشراب في إناء من فضة (فلما وضع القدح) الذي فيه الماء (في يده رماه) أي رمى المجوسي (به) بالقدح أو رمى القدح بالشراب ولأبي ذر رمي به وزاد في رواية عند الإسماعيلي وأصله في مسلم رماه به فكسره (وقال لولا أني) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لولا أنه (نهيته) بلساني (غير مرة ولا مرتين) عن استعمال آنية الذهب والفضة ما رميته لكنه لما لم ينته بالنهي اللساني مع تكراره رميته به تغليطًا عليه (كأنه) أي حذيفة (يقول لم أفعل هذا ولكني سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا تلبسوا الحرير والديباج) الثياب المتخذة من الإبريسم فارسيّ معرّب (ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها) هذا على حدّ قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها} [التوبة: 34] فالضمير عائد على الفضة ويلزم حكم الذهب بطريق الأولى (فإنها لهم) للكفار (في الدنيا) قال الإسماعيلي: ليس المراد بقوله لهم في الدنيا إباحة استعمالهم إياها وإنما المعنى أي هم الذين يستعملونها مخالفة لزي المسلمين (ولنا) ولأبي ذر وهي لكم (في الآخرة) مكافأة على تركها في الدنيا ويمنعها أولئك جزاء لهم على معصيتهم باستعمالها. وعند أحمد من طريق مجاهد عن ابن أبي ليلى: نهى أن يشرب في آنية الذهب والفضة وأن يؤكل فيها، وهذا في الذي كله ذهب أو فضة أما المخلوط أو المضبب أو المموّه فروى الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر رفعه: من شرب في آنية الذهب والفضة أو إناء فيه شيء من ذلك فإنما يجرجر في جوفه نار جهنم، لكن قال البيهقي: المشهور أنه عن ابن عمر موقوف عليه، وهو عند ابن أبي شيبة من طريق أخرى عنه أنه كان لا يشرب من قدح فيه حلقة فضة ولا ضبة فضة، وفي الأوسط للطبراني من حديث أم عطية: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن تفضيض الأقداح ثم رخص فيه للنساء فيحرم استعمال كل إناء جميعه أو بعضه ذهب أو فضة لما ذكر واتخاذه لأنه يجرّ إلى استعماله وسواء في ذلك الرجال والنساء وكذا المضبب بأحدهما وضبة الفضة الكبيرة لغير حاجة بأن كانت لزينة أو بعضها لزينة وبعضها لحاجة فيحرم استعمال ذلك واتخاذه وإن كانت صغيرة لغير حاجة بأن كانت لزينة أو بعضها لزينة وبعضها لحاجة كبيرة لحاجة كره ذلك لما روى البخاري -رحمه الله تعالى- أن قدحه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي كان يشرب فيه كان مسلسلًا بفضة لانصداعه أي مشبعًا بخيط فضة لانشقاقه وخرج بغير حاجة الصغيرة لحاجة فلا تكره ومرجع الكبيرة والصغيرة للعرف، وإنما حرمت ضبة الذهب مطلقًا لأن الخيلاء فيه أشد من الفضة ويحل نحو نحاس مموّه بذهب أو فضة إن لم يحصل من ذلك شيء بالنار لقلة المموّه به فكأنه معدوم بخلاف ما إذا حصل منه شيء بها لكثرته. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأشربة واللباس ومسلم في الأطعمة وأبو داود في الأشربة والنسائي في الزينة والوليمة وابن ماجة في الأشربة واللباس. 30 - باب ذِكْرِ الطَّعَامِ (باب ذكر الطعام). 5427 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ: رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ: لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ: رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ. وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ: لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) هو ابن مالك الصحابيّ (عن أبي موسى الأشعري) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن) ويعمل به ويداوم عليه (كمثل الأترجة) قال في القاموس: الأترج والأترجة والترنجة والترنج معروف (ريحها طيب وطعمها طيب) ومنظرها حسن فاقع لونها تسر الناظرين (ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن) ويعمل به (كمثل التمرة)

31 - باب الأدم

بالمثناة الفوقية (لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مرّ) وسقطت الكاف من كمثل الريحانة من اليونينية (ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ربح وطعمها مرّ). وقد سبق هذا الحديث في فضائل القرآن، والمراد منه كما في الفتح وغيره تكرار ذكر الطعم فيه والطعام يطلق بمعنى الطعم. وقال في التوضيح: فيه إباحة أبي الطعام الطيب وكراهة أكل المرّ انتهى. وليس في ذلك ما يشفي الغليل من المراد من الترجمة والحديث والله أعلم. قال ابن بطال: معنى الترجمة إباحة أكل الطعام الطيب وأن الزهد ليس فيه خلاف ذلك فإن في تشبيه المؤمن بما طعمه طيب وتشبيه الكافر بما طعمه مرّ ترغيبًا في أكل الطعام الطيب والحلو. 5428 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ، كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان الواسطي قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الرحمن) أبو طوالة (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (فضل عائشة) -رضي الله عنها- (على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) شبّه به لأنه كان حينئذ أفضل أطعمتهم. وقد سبق هذا الحديث قريبًا والغرض منه غير خاف. 5429 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ: يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا مالك) الإمام الجليل (عن سمي) بضم المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (السفر قطة من العذاب) لما فيه من المشقّة والتعب والحر والبرد والخوف وخشونة العيش وقال بعضهم: إنما كان قطعة من العذاب لأن فيه مفارقة الأحباب (يمنع أحدكم نومه وطعامه فإذا قضى) المسافر (نهمته) بفتح النون وسكون الهاء. قال السفاقسي: وضبطناه أيضًا بكسر النون أي حاجته (من وجهه) الجار والمجرور متعلق بقضى أي حصل مقصوده من وجهه الذي توجه إليه (فليعجل إلى أهله) بضم التحتية وكسر الجيم مشددة قال الخطابي: فيه الترغيب في الإقامة لما في السفر من فوات الجمعة والجماعات والحقوق الواجبة للأهل والقرابات. وهذا الحديث مرّ في الحج والجهاد. 31 - باب الأُدْمِ (باب الأدم) بضم الهمزة وسكون الدال وضمها وهو ما يؤكل به الخبز مما يطيبه. 5430 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلاَثُ سُنَنٍ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِيَهَا فَتُعْتِقَهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: وَلَنَا الْوَلاَءُ. فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَوْ شِئْتِ شَرَطْتِيهِ لَهُمْ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». قَالَ: وَأُعْتِقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي أَنْ تَقِرَّ تَحْتَ زَوْجِهَا أَوْ تُفَارِقَهُ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا بَيْتَ عَائِشَةَ وَعَلَى النَّارِ بُرْمَةٌ تَفُورُ، فَدَعَا بِالْغَدَاءِ فَأُتِيَ بِخُبْزٍ وَأُدْمٍ مِنْ أُدْمِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: «أَلَمْ أَرَ لَحْمًا»؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُ لَحْمٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ فَأَهْدَتْهُ لَنَا فَقَالَ: «هُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا وَهَدِيَّةٌ لَنَا». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) المدنيّ (عن ربيعة) الرأي (أنه سمع القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق (يقول: كان في بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء الأولى بنت صفوان مولاة عائشة (ثلاث سنن) بضم السين المهملة (أرادت عائشة أن تشتريها فتعتقها) بضم الفوقية الأولى وكسر الثانية (فقال أهلها) نبيعها (ولنا الولاء، فذكرت) عائشة (ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لها: (لو شئت شرطتيه لهم) بالمثناة التحتية من إشباع الكسرة وهو جواب لو، واستشكل قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها: لو شئت شرطتيه، إذا هو شرط مفسد للبيع مع ما فيه من المخادعة، وأجيب: بأن هذا من خصائص عائشة أو المراد التوبيخ لأنه كان بيّن لهم حكم الولاء وأن هذا الشرط لا يحل لهم فلما ألحوا في اشتراطه قال لها: لا تبالي سواء شرطتيه أم لا، فإنه شرط باطل، وقد سبق بيان ذلك لهم أو اللام في لهم بمعنى على كقوله تعالى: {وإن أسأتم فلها} [الإسراء: 7] أو المراد فاشترطي لأجلهم الولاء أي لأجل معاندتهم ومخالفتهم للحق حتى يعلم غيرهم أن هذا الشرط لا ينفع (فإنما الولاء لمن أعتق) وإنما هنا لحصر بعض الصفات في الموصوف لا للحصر التام لأن الولاء لمن أعتق ولمن جرّه إليه من أعتق. (قال: و) السنة الثانية (أعتقت فخيرت) بضم الهمزة والخاء مبنيين للمجهول (في أن تقر) بفتح الفوقية وكسر القاف وتفتح وتشديد الراء (تحت زوجها) مغيث (أو تفارقه، و) السنة الثالثة

32 - باب الحلواء والعسل

(دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا بيت عائشة وعلى النار برمة تفور فدعا بالغداء) بفتح الغين المعجمة والدال المهملة (فأتي بخبز وأدم من أدم البيت فقال: (لم أرَ لحمًا؟ قالوا: بلى يا رسول الله ولكنه لحم تصدق به على بريرة) بضم الفوقية والصاد المهملة (فأهدته لنا، فقال) عليه الصلاة والسلام: (هو صدقة عليها وهدية لنا) والغرض من الحديث ظاهر وفيه تقديم اللحم على غيره لما فيه من سؤاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع وجود أدم غيره، وفي حديث بريرة مرفوعًا: سيد الأدام في الدنيا والآخرة اللحم رواه ابن ماجة. وحديث الباب ذكره المؤلّف أكثر من عشرين مرة، لكنه ساقه هنا مرسلًا، لكنه كما قال في الفتح اعتمد على إيراده موصولًا من طريق مالك عن ربيعة عن القاسم عن عائشة في كتاب النكاح والطلاع وجرى هنا على عادته من تجنب إيراد الحديث على هيئته كلها في باب آخر فالله تعالى يرحمه ما أدق نظره وأوسع فكره. 32 - باب الْحَلْوَاءِ وَالْعَسَلِ (باب) ذكر (الحلواء) بالمدّ في الفرع كأصله وقال في الفتح: بالقصر لأبي ذر ولغيره بالمد لغتان، وحكى ابن قرقول وغيره أن الأصمعي يقصرها، وعن أبي علي الوجهين فعلى القصر يكتب بالياء وعلى المدّ بالألف، وقال الليث: الحلواء ممدود وهو كل حلو يؤكل وخصه الخطابي بما دخلته الصنعة، وقال ابن سيده: ما عولج من الطعام بحلاوة وقد تطلق على الفاكهة (و) ذكر (العسل). 5431 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم الحنظليّ) بالحاء المهملة والظاء المعجمة نسبة إلى حنظلة بن مالك المشهور بابن راهويه (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب الحلواء) بالمدّ والقصر (و) يجب (العسل) وفي فقه اللغة للثعالبي أن حلوى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي كان يحبها هي المجيع بالجيم بوزن عظيم وهو تمر يعجن بلبن فإن صح هذا، وإلا فلفظ الحلوى يعم كل ما فيه حلو وما يشابه الحلوى والعسل من المآكل اللذيذة وقد دخل العسل في قولها الحلوى ثم ثنت بذكره على انفراده لشرفه كقوله تعالى: {وملاكته ورسله وجبريل وميكال} [البقرة: 98] فما خلق الله لها في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريبًا منه إذ هو غذاء من الأغذية ودواء من الأدوية وشراب من الأشربة وحلو من الحلوى وطلاء من الأطلية ومفرح من المفرحات وله خواص ومنافع تأتي إن شاء الله تعالى مع غيرها من المباحث في كتاب الطب بعون الله، وليس المراد كما قاله الخطابي وغيره أن حبه عليه الصلاة والسلام لذلك بمعنى كثرة التشهي وشدّة نزاع النفس بل كان يتناول منها إذا حضرت نيلًا صالحًا أكثر مما يتناوله من غيرها. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأشربة والطب وترك الحيل، ومسلم في الطلاق، وأبو داود في الأشربة، والنسائي في الطب، وابن ماجة في الأطعمة. 5432 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي الْفُدَيْكِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ أَلْزَمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِشِبَعِ بَطْنِي، حِينَ لاَ آكُلُ الْخَمِيرَ، وَلاَ أَلْبَسُ الْحَرِيرَ، وَلاَ يَخْدُمُنِي فُلاَنٌ وَلاَ فُلاَنَةُ، وَأُلْصِقُ بَطْنِي بِالْحَصْبَاءِ، وَأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الآيَةَ وَهْيَ مَعِي كَيْ يَنْقَلِبَ بِي فَيُطْعِمَنِي. وَخَيْرُ النَّاسِ لِلْمَسَاكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ، حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا الْعُكَّةَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، فَنَشْتَقُّهَا فَنَلْعَقُ مَا فِيهَا. وبه قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن شيبة) هو عبد الرحمن بن عبد الملك بن محمد بن شيبة القرشي الحزامي بالحاء المهملة والزاي وقول بعضهم ابن أبي شيبة غلط فليس فيه لفظ أبي (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن أبي الفديك) بإثبات لفظ أبي في هذا والفديك بضم الفاء وفتح الدال المهملة وبعد التحتية الساكنة كاف محمد بن إسماعيل بن فديك (عن ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن المقبري) بضم الموحدة سعد بن أبي سعيد (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت ألزم) بفتح الهمزة والزاي (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لشبه بطني) بكسر الشين المعجمة وفتح الموحدة أي لأجل شبع بطني، ولأبي ذر عن الكشميهني: بشبع بالموحدة بدل اللام أي بسبب شبع بطني (حين لا آكل) الخبز (الخمير ولا ألبس الحرير) قال في المطالع: كذا لجميعهم براءين في كتاب الأطعمة من غير خلاف وللأصيلي والقابسي والحموي والنسفيّ وعبدوس في كتاب المناقب الحبير بالياء الموحدة بدلًا من الحرير ولغيرهم فيه الحرير كما في الأطعمة والحبير هو الثوب المحبر المزيّن الملوّن

33 - باب الدباء

مأخوذ من التحبير وهو التحسين (ولا يخدمني فلان ولا فلانة) كناية عن الخادم والخادمة (وألصق بطني بالحصباء) من الجوع لتسكن حرارته ببرد الحصباء (وأستقرئ الرجل الآية وهي معي) أحفظها (كي ينقلب بي) إلى منزله (فيطعمني) بضم التحية وكسر العين ونصب الميم (وخير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب ينقلب بنا) إلى بيته (فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان) بكسر الهمزة (ليخرج) بضم الياء وكسر الراء (إلينا العكة ليس فيها شيء فنشتقها) بنون مفتوحة فمعجمة ساكنة ففوقية فقاف مشددة مفتوحة، وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي: فنستفها بسين مهملة بدل المعجمة وفاء بدل القاف، وضبطه القاضي عياض بالشين المعجمة والفاء، قال ابن قرقول: قال في المطالع: كذا لهم أي بالمعجمة والفاء أي تنقضي ما فيها من بقية قال: ورواه المروزي والبلخي بالشين والقاف وهو أوجه مع قولهم (فنلعق ما فيها) ولذا رجحها السفاقسي، ولأن المراد أنهم لعقوا ما فيها بعد أن قطعوها ليتمكنوا من ذلك. وهذا الحديث قد سبق في مناقب جعفر. 33 - باب الدُّبَّاءِ (باب الدباء) بضم المهملة وتشديد الموحدة ممدودًا وهو اليقطين والقرع وله خواص منها: جودة تغذيته وهو من طعام الحرورين يطفئ ويبرد ويسكن اللهيب والعطش جيد للصفراء ولم يتداو المحرورون بمثله، ولا أعجل نفعًا منه يلين البطن، ويزيد في الدماغ، وينفع البصر كيف استعمل إلى غير ذلك مما يطول استقصاؤه. 5433 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَى مَوْلًى لَهُ خَيَّاطًا، فَأُتِيَ بِدُبَّاءٍ فَجَعَلَ يَأْكُلُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُهُ. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي قال: (حدّثنا أزهر بن سعد) السمان البصري (عن ابن عون) عبد الله (عن ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميمين ابن عبد الله (بن أنس عن) جدّه (أنس) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتى مولى) عتيقًا (له خياطًا) لم أقف على اسمه (فأتي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بدباء) بالهمزة والتنوين (فجعل يأكله) وفي رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس في الأطعمة فرأيته يتتبع الدباء من حوالى القصعة (فلم أزل أحبه) أي القرع (منذ رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكله) وروى الترمذي من حديث طالويه الشامي قال: دخلت على أن وهو يأكل قرعًا وهو يقول: يا لك شجرة ما أحبك إليّ بحب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياك. وعند الإمام أحمد من حديث أنس أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت تعجبه الفاغية وكان أحب الطعام إليه الدباء. وفي الغيلانيات من حديث عائشة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها: إذا طبخت قدرًا فأكثري فيها من الدباء فإنها تشدّ قلب الحزين، ورواه ابن الجوزي في لفظ المنافع، وفي حديث مرفوع ذكره القرطبيّ في التذكرة أن الدباء والبطيخ من الجنة. وفي حديث واثلة مرفوعًا عند الطبراني في الكبير: "عليكم بالقرع فإنه يزيد في الدماغ وعليكم بالعدس فإنه قدّس على لسان سبعين نبيًّا". وعند البيهقي في الشعب عن عطاء مرسلًا: عليكم بالقرع فإنه يزيد في العقل ويكبر في الدماغ وزاد بعضهم فإنه يجلو البصر ويلين القلب. 34 - باب الرَّجُلِ يَتَكَلَّفُ الطَّعَامَ لإِخْوَانِهِ (باب الرجل يتكلف الطعام لإخوانه) المؤمنين. 5434 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: كَانَ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو شُعَيْبٍ وَكَانَ لَهُ غُلاَمٌ لَحَّامٌ، فَقَالَ: اصْنَعْ لِي طَعَامًا أَدْعُو رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَدَعَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّكَ دَعَوْتَنَا خَامِسَ خَمْسَةٍ، وَهَذَا رَجُلٌ قَدْ تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ لَهُ وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتَهُ». قَالَ: بَلْ أَذِنْتُ لَهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: إِذَا كَانَ القَوْمُ عَلَى المَائِدَةِ، لَيْسَ لَهَا أَنْ يُنَاوِلُوا مِنْ مَائِدَةٍ إِلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى، وَلَكِنْ يُنَاوِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي تِلْكَ المَائِدَةِ أَوْ يَدَعُوا. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن أبي مسعود) عقبة بن عامر (الأنصاري) البدري -رضي الله عنه- أنه (قال: كان من الأنصار رجل يقال له أبو شعيب) لم أقف على اسمه (وكان له غلام) أي أعرف اسمه أيضًا (لحّام) يبيع اللحم (فقال) أبو شعيب لغلامه: (اصنع لي طعامًا أدعو رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خامس خمسة) وفي رواية حفص بن غياث في البيوع اجعل لي طعامًا يكفي خمسة فإني أريد أن أدعو رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد عرفت في وجهه الجوع (فدعا) فيه حذف تقديره فصنع له الطعام فدعا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خامس خمسة) يقال خامس أربعة وخامس خمسة بمعنى قال الله تعالى: {ثاني

35 - باب من أضاف رجلا إلى طعام وأقبل هو على عمله

اثنين} [التوبة: 40] وثالث ثلاثة ومعنى خامس أربعة أي زائد عليهم وخامس خمسة أي أحدهم والأجود نصب خامس على الحال ويجوز رفعه بتقدير وهو خامس (فتبعهم رجل) أي يسم (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأبي شعيب: (إنك لدعوتنا خامس خمسة وهذا رجل قد تبعنا فإن شئت أذنت له) بفتح تاءي الفعلين كقوله (وإن شئت تركته لقال) أبو شعيب: (بل أذنت له) فيه أن من تطفّل في الدعوة كان لصاحب الدعوة الاختيار في حرمانه فإن دخل بغير إذن كان له إخراجه وأنه يحرم التطفل إلا إذا علم رضا المالك به لما بينهما من الإنس والانبساط، وقيد ذلك الإمام بالدعوة الخاصة أما العامة كان فتح الباب ليدخل من شاء فلا تطفّل، وفي سنن أبي داود بسند ضعيف عن ابن عمر رفعه: "من دخل بغير دعوة دخل سارقًا وخرج مغيرًا". والطفيلي مأخوذ من التطفل وهو منسوب إلى طفيل رجل من أهل الكوفة كان يأتي الولائم بلا دعوة فكان يقال له طفيل الأعراس فسمي من اتصف بصفته طفيليًّا، وكانت العرب تسميه الوراش بشين معجمة وتقول لمن يتبع الدعوة بغير دعوة: ضيفن بنون زائدة، وللحافظ أبي بكر الخطيب جزء في الطفيليين جمع فيه ملح أخبارهم. (قال محمد بن يوسف) الفريابي (سمعت محمد بن إسماعيل) البخاري (يقول: إذا كان القوم على المائدة) التي دعوا إليها (ليس لهم أن يناولوا) غيرهم (من مائدة إلى مائدة أخرى ولكن يناول بعضهم بعضًا في تلك المائدة) لأنه صار لهم بالدعوة عموم إذن بالتصرف في الطعام المدعوّ إليه بخلاف من لم يدع (أو يدعوا) أي يتركوا ذلك والذي في اليونينية أو يدع بغير واو، والحاصل أنه ينزل من وضع بين يديه الشيء منزلة من دعي له وينزل الشيء الذي وضع بين يدي غيره منزلة من لم يدع إليه، وكأن المؤلّف استنبط هذا من استئذانه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الداعي في الرجل الذي تبعهم قاله في الفتح، ومقتضاه أنه لا يطعم هرة ولا سائلًا إلا إن علم رضاه به للعرف في ذلك وله تلقيم صاحبه وتقريب المضيف الطاعم للضيف أذن له في الأكل اكتفاء بالقرينة العرفية إلا إن انتظر المضيف غيره فلا يأكل إلا بالإذن لفظًا أو بحضور الغير لاقتضاء القرينة عدم الأكل بدون ذلك ويملك ما التقمه بوضعه في فمه، وهذا ما اقتضى كلام الرافعي في الشرح الصغير ترجيحه. وصرح بترجيحه القاضي والأسنوي، وقضية كلام المتولي ترجيح أنه يتبين الازدراد أنه ملكه وقيل يملكه بوضعه بين يديه وقيل بتناوله بيده، وقيل لا يملكه أصلًا بل شبه الذي يأكله كشبه العارية وتظهر فائدة الخلاف فيما لو أكل الضيف تمرًا وطرح نواه فنبت فلمن يكن شجره؟ وفيما لو رجع فيه صاحب الطعام قبل أن يبلعه وسقط لغير المستملي قوله قال محمد بن يوسف إلى آخره. وأما المطابقة بين الحديث والترجمة فمن حيث إنه تكلف حصر العدد بقوله خامس خمسة ولولا تكلفه لما حصر. 35 - باب مَنْ أَضَافَ رَجُلًا إِلَى طَعَامٍ وَأَقْبَلَ هُوَ عَلَى عَمَلِهِ (باب من أضاف رجلًا إلى طعام وأقبل هو) أي الذي أضاف (على عمله) ولم يأكل مع من أضافه وسقط لأبي ذر إلى طعام. 5435 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ النَّضْرَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ غُلاَمًا أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى غُلاَمٍ لَهُ خَيَّاطٍ، فَأَتَاهُ بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ وَعَلَيْهِ دُبَّاءٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ. قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ جَعَلْتُ أَجْمَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَأَقْبَلَ الْغُلاَمُ عَلَى عَمَلِهِ. قَالَ أَنَسٌ: لاَ أَزَالُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَنَعَ مَا صَنَعَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون وبعد التحتية الساكنة راء أبو عبد الرحمن الحافظ أنه (سمع النضر) بالضاد المعجمة ابن شميل يقول: (أخبرنا ابن عون) عبد الله (قال: أخبرني) بالإفراد (ثمامة بن عبد الله بن أنس عن) جدّه (أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت غلامًا أمشي مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على غلام له خياط) لم أقف على اسمه (فأتاه بقصعة فيها طعام) في باب الثريد فقدّم إليه قصعة فيها ثريد (وعليه دباء) أي قرع (فجعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتتبع الدباء) لحبه لأكلها وقوله يتتبع بفوقيتين وتشديد الموحدة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يتبع الدباء بفوقية ساكنة وتخفيف الموحدة (قال) أن (فلما رأيت ذلك) الذي فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تتبعه الدباء (جعلت أجمعه) من حوالى القصعة (بين يديه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليأكله (قال) أنس: (فأقبل الغلام على عمله) ولم

36 - باب المرق

يأكل مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ففيه أنه لا يشترط للمضيف أن يأكل مع مَن أضافه. نعم ينبغي أن يأكل معه إذ هو أبسط لوجهه وأذهب لاحتشامه كذا قالوه، والذي يظهر لي أنه يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص على ما لا يخفى (قال أنس: لا أزال أحب الدباء بعد ما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صنع ما صنع) من تتبعه لها ورواه النسائي. 36 - باب الْمَرَقِ (باب المرق). 5436 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَنَّ خَيَّاطًا دَعَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، فَذَهَبْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَّبَ خُبْزَ شَعِيرٍ، وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَىِ الْقَصْعَةِ، فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ بَعْدَ يَوْمِئِذٍ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي القعنبي أحد الأعلام (عن مالك) الإمام الأعظم (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع) عمه (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن خياطًا) لم أعرف اسمه (دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لطعام صنعه) له (فذهبت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرّب) إليه الخياط (خبز شعير ومرقًا فيه دباء و) لحم (قديد رأيت النبي) ولأبي ذر فرأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتتبع الدباء من حوالى القصعة) بفتح اللام والقاف قال أنس: (فلم أزل أحب الدباء بعد يومئذٍ) وروى النسائي وصححه الترمذي وابن حبان عن أبي ذر رفعه، وإذا طبخت قدرًا فأكثر مرقته واغرف لجارك منه والغرض من ذلك التوسعة على الجيران والفقراء. 37 - باب الْقَدِيدِ (باب) ذكر اللحم (القديد). 5437 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِمَرَقَةٍ فِيهَا دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، فَرَأَيْتُهُ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ يَأْكُلُهَا. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وحدّثنا بالواو (أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا مالك بن أنس) الإمام الأعظم (عن إسحاق بن عبد الله) بن أبي طلحة (عن) عمه (أنس) بن مالك (-رضي الله عنه-) أنه (قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِي بمرقة) بضم الهمزة (فيها دباء) ولأبي ذر: بمرق (وقديد) لحم مشرر مقدّد أو ما قطع منه طوالًا (فرأيته يتتبع الدباء) من حوالى القصعة (يأكلها). 5438 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: مَا فَعَلَهُ إِلاَّ فِي عَامٍ جَاعَ النَّاسُ، أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ، وَإِنْ كُنَّا لَنَرْفَعُ الْكُرَاعَ بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَمَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلاَثًا. وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف والصاد المهملة ابن عقبة أبو عامر السوائي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الرحمن بن عابس) بالموحدة المخففة والمهملة (عن أبيه) عابس بن ربيعة النخعي (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: ما فعله) أي النهي المذكور في حديث باب ما كان السلف يدّخرون من طريق خلاد بن يحيى عن سفيان حيث قال عابس: قلت لعائشة أنهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تؤكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث قالت ما فعله (إلا في عام جاع الناس) فيه (أراد أن يطعم الغني الفقير) برفع الغني فاعلًا وتاليه مفعوله (وإن كنا لنرفع الكراع) هو من الأنعام فوق الظلف وتحت الساق زاد في الباب المذكور فنأكله (بعد خمس عشرة) ليلة (وما شبع آل محمد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من خبز برّ مأدوم) أي مأكول بالأدم (ثلاثًا) حتى لحق بالله تعالى لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يؤثر على نفسه. 38 - باب مَنْ نَاوَلَ أَوْ قَدَّمَ إِلَى صَاحِبِهِ عَلَى الْمَائِدَةِ شَيْئًا قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُنَاوِلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلاَ يُنَاوِلُ مِنْ هَذِهِ الْمَائِدَةِ إِلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى (باب) حكم (من ناول أو قدم إلى صاحبه) حال كونه جالسًا معه (على المائدة شيئًا) من الطعام. (قال) المؤلّف (وقال ابن المبارك) عبد الله المروزي فيما وصله عنه في كتاب البر والصلة له (لا بأس أن يناول بعضهم بعضًا) من الطعام المحضر بين أيديهم إذ هم فيه كالشركاء (ولا يناول) أحد (من هذه المائدة إلى) من على (مائدة أخرى) لأنه وإن كان للمناول حق فيما بين يديه لكنه لا حق للآخر في تناوله منه إذ لا شركة له فيه نعم إن علم رضا المضيف جاز. 5439 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنَسٌ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ، وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، قَالَ أَنَسٌ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوْلِ القَصْعَةِ، فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ. وَقَالَ ثُمَامَةُ عَنْ أَنَسٍ فَجَعَلْتُ أَجْمَعُ الدُّبَّاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن طلحة أنه سمع) عمه (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول: إن خياطًا دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لطعام صنعه قال أنس: فذهبت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ذلك الطعام فقرب) الخياط (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبزًا من شعير ومرقًا فيه دباء) بالمد ويقصر وهل همزته أصلية أو زائدة أو منقلبة خلاف قاله في المصابيح (و) لحم (قديد. قال أنس: فرأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتتبع الدباء من حول القصعة) بسكون الواو (فلم أزل أحب الدباء من يومئذٍ. وقال ثمامة) بن عبد الله بن أنس قاضي البصرة (عن) جده (أنس) -رضي الله عنه- أنه قال: (فجعلت أجمع الدباء بين يديه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا وصله في باب من أضاف

39 - باب الرطب بالقثاء

رجلًا، والمطابقة ظاهرة لكن قال الإسماعيلي: إن الطعام اتخذ للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقصد به، والذي جمع له الدباء بين يديه خادمه فلا دلالة فيه لجواز مناولة الضيفان بعضهم بعضًا مطلقًا. 39 - باب الرُّطَبِ بِالْقِثَّاءِ (باب) أكل (الرطب) بوزن صرد وهو نضيج البسر وواحدته رطبة بهاء (بالقثاء) قال في القاموس: بالكسر والضم معروف أو هو الخيار، والمراد أكلهما معًا، وزاد في المصابيح والهمزة أصلية. 5440 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) العامري الأويسي (قال: حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب) أول من ولد من المهاجرين بالحبشة وله صحبة (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل الرطب بالقثاء) ولمسلم يأكل القثاء بالرطب كلفظ الترجمة، وإنما جمع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينهما ليعتدلا فإن كل واحد منهما مصلح للآخر مزيل لأكثر ضرره فالقثاء مسكن للعطش منعش للقوى بشمه لما فيه من العطرية مطفئ لحرارة المعدة الملتهبة غير سريع الفساد والرطب حار في الأولى رطب في الثانية يقوّي المعدة الباردة لكنه معطش سريع التعفن معكر للدم مصدع فقابل الشيء البارد بالمضاد له فإن القثاء إذا أكل معه ما يصلحه كالرطب أو الزبيب أو العسل عدّله، ولذا كان مسمنًا مخصبًا للبدن. وفي حديث أبي داود وابن ماجة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أرادت أمي أن تسمنني لدخولي على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم أقبل عليها بشيئي حتى أطعمتني القثاء بالرطب فسمنت عليه كأحسن السمن وروى الطبراني في الأوسط من حديث عبد الله بن جعفر قال: رأيت في يمين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قثاء وفي شماله رطبات وهو يأكل من ذا مرة ومن ذا مرة لكن في إسناده أصرم بن حوشب ضعيف جدًّا، ولعله إن ثبت كان يأخذ بيده اليمنى من الشمال رطبة رطبة فيأكلها مع القثاء التي في يمينه. وحديث الباب أخرجه مسلم في الأطعمة وكذا أبو داود والترمذي وابن ماجة. 40 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة. 5441 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبَّاسٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: تَضَيَّفْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَبْعًا، فَكَانَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ يَعْتَقِبُونَ اللَّيْلَ أَثْلاَثًا، يُصَلِّى هَذَا، ثُمَّ يُوقِظُ هَذَا. وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنِ أَصْحَابِهِ تَمْرًا، فَأَصَابَنِي سَبْعُ تَمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ حَشَفَةٌ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد بن زيد عن عباس) بالموحدة والمهملة ابن فرّوخ (الجريري) بضم الجيم وفتح الراء الأولى (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ النهدي أنه (قال: تضيفت أبا هريرة) -رضي الله عنه- بضاد معجمة وفاء أي نزلت به ضيفًا (سبعًا) من الليالي (فكان هو وامرأته) بسرة بضم الموحدة وسكون السين المهملة بنت غزوان بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي (وخادمه). قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسمه (يعتقبون) يتناوبون (الليل أثلاثًا يصلّي هذا) ثلثًا (ثم يوقظ هذا) إذا فرغ من ثلثه الآخر ليصلي قال أبو عثمان النهدي: (وسمعته) أي أبا هريرة (يقول: قسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أصحابه تمرًا فأصابني سبع تمرات) منه (إحداهن حشفة) من أردأ التمر أو ضعيفه؟ لا نوى لها أو يابسة فاسدة. 5441 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَنَا تَمْرًا، فَأَصَابَنِي مِنْهُ خَمْسٌ: أَرْبَعُ تَمَرَاتٍ وَحَشَفَةٌ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْحَشَفَةَ هِيَ أَشَدُّهُنَّ لِضِرْسِي. وبه قال: (حدّثنا محمد بن الصباح) بالصاد المهملة وتشديد الموحدة آخره حاء مهملة البغدادي قال: (حدّثنا إسماعيل بن زكريا) بن مرة الخلقاني بضم الخاء المعجمة وسكون اللام بعدها قاف الكوفي لقبه شقوصًا بفتح الشين المعجمة وضم القاف المخففة بعدها صاد مهملة (عن عاصم) الأحول (عن أبي عثمان) عبد الرحمن النهدي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه قال: (قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيننا تمرًا فأصابني منه خمس أربع تمرات و) واحدة (حشفة، ثم رأيت الحشفة هي أشدّهن لضرسي) في المضغ، وفي الرواية الأولى من هذا الباب فأصابني سبع تمرات فقيل إحدى الروايتين وهم وقيل وقع مرتين واستبعده الحافظ ابن حجر باتحاد المخرج، وأخرج الترمذي من طريق شعبة عن عباس الجريري قسم سبع تمرات بين سبعة أنا فيهم، وعند ابن ماجة والإمام أحمد من هذا الوجه بلفظ أصابهم الجوع فأعطاهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

41 - باب الرطب والتمر وقول الله تعالى: {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} [مريم: 25]

تمرة تمرة وهو يدل للتعدّد فالله أعلم. 41 - باب الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تَسَّاقَطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم: 25] (باب الرطب والتمر، وقول الله تعالى): خطابًا لمريم عليها السلام حين جاءها المخاض بعيسى ({وهزي إليك}) وحركي إلى نفسك ({بجذع النخلة}) وهو ساقها والباء زائدة كما قاله أبو علي أي هزي جذع النخلة ({تساقط عليك رطبًا جنيًّا}) [مريم: 25] بلغ الغاية وجاء وقت اجتنائه، ولهذا استحب بعضهم للنساء أكل الرطب وروى أبو بكر بن السني من حديث علي -رضي الله عنه- مرفوعًا: أطعموا نساءكم الولد الرطب. 5442 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورِ ابْنِ صَفِيَّةَ حَدَّثَتْنِي أُمِّي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ شَبِعْنَا مِنَ الأَسْوَدَيْنِ: التَّمْرِ وَالْمَاءِ. (وقال محمد بن يوسف) الفريابي: (عن سفيان) الثوري (عن منصور ابن صفية) بنت شيبة بن عثمان الشيبي الحجبي أنه قال: (حدّثتني أمي) صفية (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد شبعنا من الأسودين التمر والماء) وذلك حين فتحت خيبر قبل الوفاة النبوية بثلاث سنين، وإطلاق الأسود على الماء من باب التغليب كإطلاق الشبع موضع الري واستشكل التسوية بين الماء والتمر لأن الماء كان عندهم متيسرًا. وأجيب: بأن الري منه لا يحصل بدون الشبع من الطعام لمضرّة شرب الماء صرفًا من غير أكل. وهذا الحديث سبق في باب من أكل حتى شبع. 5443 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ يَهُودِيٌّ، وَكَانَ يُسْلِفُنِي فِي تَمْرِي إِلَى الْجِذادِ، وَكَانَتْ لِجَابِرٍ الأَرْضُ الَّتِي بِطَرِيقِ رُومَةَ فَجَلَسَتْ فَخَلاَ عَامًا، فَجَاءَنِي الْيَهُودِيُّ عِنْدَ الْجَذادِ وَلَمْ أَجُدَّ مِنْهَا شَيْئًا، فَجَعَلْتُ أَسْتَنْظِرُهُ إِلَى قَابِلٍ، فَيَأْبَى فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: «امْشُوا نَسْتَنْظِرْ لِجَابِرٍ مِنَ الْيَهُودِيِّ». فَجَاءُونِي فِي نَخْلِي، فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكَلِّمُ الْيَهُودِيَّ، فَيَقُولُ: أَبَا الْقَاسِمِ لاَ أُنْظِرُهُ. فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ فَطَافَ فِي النَّخْلِ، ثُمَّ جَاءَهُ فَكَلَّمَهُ. فَأَبَى. فَقُمْتُ فَجِئْتُ بِقَلِيلِ رُطَبٍ فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَىِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَكَلَ، ثُمَّ قَالَ: «أَيْنَ عَرِيشُكَ يَا جَابِرُ»؟ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «افْرُشْ لِي فِيهِ». فَفَرَشْتُهُ فَدَخَلَ فَرَقَدَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَجِئْتُهُ بِقَبْضَةٍ أُخْرَى فَأَكَلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَ فَكَلَّمَ الْيَهُودِيَّ، فَأَبَى عَلَيْهِ فَقَامَ فِي الرِّطَابِ فِي النَّخْلِ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا جَابِرُ، جُذَّ وَاقْضِ». فَوَقَفَ فِي الْجَدَادِ فَجَدَدْتُ مِنْهَا مَا قَضَيْتُهُ وَفَضَلَ مِنْهُ. فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَشَّرْتُهُ فَقَالَ: «أَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ». عُرُوشٌ وَعَرِيشٌ: "بِنَاءٌ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْرُوشَاتٍ مَا يُعَرَّشُ مِنَ الكُرُومِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، يُقَالُ عُرُوشُهَا أَبْنِيَتُهَا. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ فَخَلاَ لَيْسَ عِنْدِي مُقَيَّدًا، ثُمَّ قَالَ فَجَلَّى لَيْسَ فِيهِ شَكٌّ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري قال: (حدّثنا أبو غسان) بالغين المعجمة والسين المهملة المشددة محمد بن مطرف أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار (عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة) المخزومي واسم أبي ربيعة عمرو أو حذيفة لقبه ذو الرمحين من مسلمة الفتح (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان بالمدينة يهودي) قال في المقدمة: لم أعرف اسمه، ويحتمل أن يكون هو أبو الشحم (وكان يسلفني) بضم الياء من الإسلاف (في تمري إلى الجذاذ) بكسر الجيم وفتحها وبالذال المعجمة ويجوز إهمالها، والذي في اليونينية بالدال المهملة لا غير أي زمن قطع تمر النخل وهو الصرام (وكانت لجابر) فيه التفات من الحضور إلى الغيبة (الأرض التي بطريق رومة) بضم الراء وسكون الواو بعدها ميم وهي البئر التي اشتراها عثمان -رضي الله عنه- وسبلها وهي في نفس المدينة، ورواية دومة بالدال بدل الراء التي ذكرها الكرماني. قال ابن حجر: باطلة لأن دومة الجندل لم تكن إذ ذاك فتحت حتى يكون لجابر فيها أرض، وأيضًا ففي الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مشى إلى أرض جابر وأطعمه من رطبها ونام فيها فلو كانت بطريق دومة الجندل لاحتاج إلى السفر لأن بين دومة الجندل والمدينة عشر مراحل. وأجاب العيني: بأن المراد كانت لجابر أرض كائنة بالطريق التي يسار منها إلى دومة الجندل وليس المعنى التي بدومة الجندل (فجلست) بالجيم واللام والسين المفتوحات والفوقية الساكنة أي فجلست الأرض أي تأخرت عن الإثمار (فخلا) بالفاء والخاء المعجمة واللام المخففة من الخلوّ أي تأخر السلف (عامًا) ولأبي ذر عن الكشميهني: فخاست بخاء معجمة بعد الفاء وبعد الألف سين مهملة ففوقية ساكنة بدل قوله فجلست أي خالفت معهودها وحملها يقال: خاس عهده إذا خانه أو تغير عن عادته وخاس الشيء إذا تغير، وهذا الذي في الفرع من جلست وفخاست وفخلا. وقال ابن قرقول: في المطالع تبعًا للقاضي عياض في المشارق فجلست نخلًا بالنون كذا للقابسي وأبي ذر وأكثر الرواة وعند أبي الهيثم فجاست نخلة عامًا وللأصيلي فحبست فخلا بالفاء عامًا وصواب ذلك ما رواه أبو الهيثم فجاست نخلها عامًا بالنون قال: وكان أبو مروان بن سراج يصوّب رواية القابسي إلا أنه يصلح ضبطها فجلست بسكون السين وضم التاء على أنها مخاطبة جابر أي تأخرت عن القضاء فخلى بفاء وخاء معجمة ولام مشدّدة من باب التخلية، لكن قال: ذكر الأرض أول الحديث يدل على الخبر عن الأرض لا عن نفسه (فجاءني اليهودي عند الجذاذ) وفي اليونينية بالدال المهملة فقط (ولم أجدّ منها شيئًا فجعلت أستنظره إلى قابل) أي أطلب منه

42 - باب أكل الجمار

أن يهملني إلى عام ثانٍ (فيأبى) يمتنع من الإمهال (فأخبر بذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم همزة فأخبر وكسر الموحدة وجوّز في الفتح احتمال أن يكون بضم الراء على صيغة المضارعة والفاعل جابر وذكره كذلك مبالغة في استحضار صورة الحال قال: ووقع في رواية أبي نعيم في المستخرج فأخبرت (فقال لأصحابه: امشوا نستنظر) بالجزم أي نطلب الإنظار (لجابر من اليهودي فجاؤوني في نخلي فجعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكلم اليهودي) في أن ينظرني في دينه (فيقول) اليهودي للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يا (أبا القاسم) بحذف أداة النداء (لا أنظره فلما رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ذلك من أمر اليهودي (قام فطاف في النخل ثم جاءه) أي جاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى اليهودي (فكلمه) أن ينظرني (فأبى) قال جابر: (فقمت فجئت بقليل رطب فوضعته بين يدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأكل) منه (ثم قال): (أين عريشك يا جابر)؟ أي المكان الذي اتخذته في بستانك لتستظل به وتقيل فيه ولأبي ذر أين عرشك بسكون الراء وإسقاط التحتية (فأخبرته) به (فقال: افرش لي فيه) بضم الراء (ففرشته فدخل) فيه (فرقد ثم استيقظ فجئته بقبضة أخرى) من الرطب (فأكل منها ثم قام فكلم اليهودي فأبى عليه فقام) عليه الصلاة والسلام (في الرطاب) بكسر الراء (في النخل) المرة (الثانية ثم قال: يا جابر جذ) بضم الجيم وكسرها والإعجام والإهمال أي اقطع (واقض) دين اليهودي (فوقف في الجداد) بالدال المهملة في اليونينية (فجددت منها ما قضيته) دينه كله (وفضل منه) ولأبي ذر: مثله (فخرجت حتى جئت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبشرته) بذلك (فقال: أشهد أني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إنما قال ذلك-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما فيه من خرق العادة الظاهرة من إيفاء الكثير من القليل الذي لم يكن يظن به أن يوفي منه البعض فضلًا عن الكل فضلًا عن أنس يفضل فضله فضلًا عن أن يفضل قدر الذي كان عليه من الدين. وثبت في رواية المستملي وحده قوله في تفسير أين عريشك (عروش) بضم العين والراء (وعريش) بفتح العين وكسر الراء أي (بناء) كذا فسره أبو عبيدة (وقال ابن عباس): مما سبق أول تفسير سورة الأنعام (معروشات ما يعرش) بضم الياء وتشديد الراء مفتوحة (من الكروم وغير ذلك يقال عروشها) أي (أبنيتها) يريد تفسير قوله تعالى: {وهي خاوية على عروشها} [البقرة: 259] (قال محمد بن يوسف) الفربري: (قال أبو جعفر) محمد بن أبي حاتم ورّاق المؤلّف (قال محمد بن إسماعيل) البخاري: (فخلا) بالخاء المعجمة المذكورة في الحديث السابق (ليس عندي مقيدًا) أي مضبوطًا (ثم قال فجلى) أي بتشديد اللام والجيم (ليس فيه شك) والله أعلم. 42 - باب أكلِ الجُمَّارِ (باب أكل الجمار) بضم الجيم وفتح الميم مشددة ويسمى الجذب بالتحريك وشحم النخل وهو قلبها بالضم ورطبه الحلو بارد يابس في الأولى وقيل في الثانية يعقل البطن وينفع من المرة الصفراء والحرارة والدم الحادّ وينفع من الشرى أكلًا وضَمادًا وكذا من الطاعون ويختم القروح وينفع من خشونة الحلق نافع للسع الزنبور ضمادًا قاله صاحب نزهة الأفكار في خواص الحيوان والنبات والأحجار. 5444 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُجَاهِدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جُلُوسٌ، إِذْ أُتِىَ بِجُمَّارِ نَخْلَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِمِ»، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِي النَّخْلَةَ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ الْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا عَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنَا أَحْدَثُهُمْ، فَسَكَتُّ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هِيَ النَّخْلَةُ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: (حدّثنا أبي) قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (قال: حدّثني) بالإفراد (مجاهد) هو ابن جبر الإمام في التفسير (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: بينا) بغير ميم (نحن عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جلوس إذ أُتي) بضم الهمزة (بجمار نخلة) بالإضافة (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن من الشجر لما) بفتح اللام (بركته كبركة المسلم) بلام التأكيد في لما والميم زائدة فقال ابن عمرة (فظننت أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يعني النخلة) لقرينة الجمار (فأردت أن أقول هي النخلة يا رسول الله ثم التفت فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم) أصغرهم سنًّا (فسكت) رعاية لحق الأكابر (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

43 - باب العجوة

هي النخلة). وهذا الحديث قد سبق في مواضع من كتاب العلم، ورواه البزار وزاد ما أتاك منها نفعك والحكمة في تمثيل المؤمن بها لكثرة خيرها ونفعها على الدوام وثمرها يؤكل رطبًا ويابسًا وهو غذاء ودواء وقوت وحلوا وشراب وفاكهة ووجه شبهها بالإنسان من وجوه استواء القدّ وطوله وامتياز الذكر عن الأنثى، وأنها لا تحمل حتى تلقح وإذا قوبل بين ذكورها وإناثها كثر حملها لاستئناسها بالمجاورة ورائحة طلعها كرائحة مني الإنسان وإذا قطعت رأسها هلكت بخلاف الأشجار، ويكفي في شرفها وكثرة خيرها أن الله تعالى شبه بها شهادة أن لا إله إلا الله بقوله تعالى: {ومثل كلمة طيبة} [إبراهيم: 24] الآية. فكما أنها شديدة الثبوت في الأرض فذلك الإيمان في قلب المؤمن وارتفاعها كارتفاع عمل المؤمن وكما أنها تؤتي أكلها كل حين كذلك ما يكسبه المؤمن من بركة الإيمان وثوابه في كل حين على اختلاف صنوفه ومن خواصها أنها لا توجد إلا في بلاد الإسلام فإن بلاد الحبشة والنوبة والهند بلاد حارّة خليقة بوجود النخل ولا ينبت فيها شيء منه البتّة. 43 - باب الْعَجْوَةِ (باب) فضل (العجوة) على غيرها ويقال لها أم التمر. 5445 - حَدَّثَنَا جُمْعَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ أَخْبَرَنَا عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ تَصَبَّحَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرُّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ». وبه قال: (حدّثنا جمعة بن عبد الله) بضم الجيم وسكون الميم ابن زياد بن شداد السلمي أبو بكر البلخي يقال: إن اسمه يحيى وجمعة لقبه ويقال له أيضًا: أبو خاقان، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث بل ولا في الكتب الستة قال: (حدّثنا مروان) بن معاوية الفزاري قال: (أخبرنا هاشم بن هاشم) بن عتبة بن أبي وقاص الزهري المدني قال: (أخبرنا عامر بن سعد عن أبيه) سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من تصبح) بتشديد الموحدة أي أكل صباحًا قبل أن يأكل شيئًا (كل يوم سبع تمرات عجوة) بتنوينهما مجرورين فالثاني عطف بيان وينصب على التمييز ولأبي ذر تمرات عجوة بإضافة تمرات لتاليه من إضافة العام للخاص (لم يضره) بضم الضاد المعجمة وتشديد الراء من الضرر ولأبي ذر عن الكشميهني لم يضره بكسر الضاد وسكون الراء من ضاره يضيره ضيرًا إذا أضرّه (في ذلك اليوم سم ولا سحر) وليس هذا من طبعها إنما هو من بركة دعوة سبقت كما قاله الخطابي، وقال النووي: تخصيص عجوة المدينة وعدد السبع من الأمور التي علمها الشارع ولا نعلم نحن حكمها فيجب الإيمان بها، وقال المظهري: يحتمل أن يكون في ذلك النوع هذه الخاصية وفي سنن أبي داود من حديث جابر وأبي سعيد الخدري مرفوعًا "العجوة من الجنة وهي شفاء من السم" وفي حديث عائشة عند مسلم أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "في عجوة العالية شفاء، وأنها ترياق أول البكرة". ورواه أحمد ولفظه: في عجوة العالية أول البكرة على ريق النفس شفاء من كل سحر أو سقم. وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الطب ومسلم في الأطعمة وأبو داود في الطب والنسائي في الوليمة. 44 - باب الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ (باب) حكم (القران في التمر) بكسر القاف وتخفيف الراء أي ضم تمرة إلى أخرى إذا أكل مع غيره ولأبي ذر الإقران من أقرن والمشهور استعماله ثلاثيًّا وسقط له في التمر. 5446 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ قَالَ: أَصَابَنَا عَامُ سَنَةٍ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، رَزَقَنَا تَمْرًا، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَمُرُّ بِنَا وَنَحْنُ نَأْكُلُ وَيَقُولُ: لاَ تُقَارِنُوا فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الْقِرَانِ، ثُمَّ يَقُولُ: إِلاَّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ. قَالَ شُعْبَةُ: الإِذْنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا جبلة بن سحيم) بفتح الجيم والموحدة واللام وسحيم بضم السين المهملة وفتح الحاء المهملة وسكون التحتية التابعي الكوفي (قال: أصابنا عام سنة) بإضافة عام المرفوع للاحقه أي عام قحط وجدب (مع ابن الزبير) عبد الله لما كان خليفة بالحجاز (رزقنا) بفتحات كذا في اليونينية أي أعطانا في أرزاقنا ولأبي ذر فرزقنا بالفاء أي مع ضم الراء (تمرًا) وهو القدر الذي كان يصرف لهم في كل سنة من مال الخراج وغيره بدل النقد لقلة النقد إذ ذاك بسبب المجاعة التي حصلت (فكان عبد الله بن عمر يمر بنا ونحن نأكل) من التمر والواو للحال (ويقول: لا تقارنوا) في أكل التمر بل كلوا تمرة تمرة (فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن القران) ولأبي ذر عن الإقران (ثم يقول إلا أن يستأذن الرجل أخاه) في الإيمان الذي اشترك معه في أكل ويأذن له فإنه يجوز له

45 - باب القثاء

القران فإن لم يأذن له وكان ملكًا لهما أو لغيرهما حرم وفي معنى التمر الرطب والعنب والزبيب للعلة الجامعة. (قال شعبة) بن الحجاج بالسند السابق (الإذن) المشار إليه بقوله إلا أن يستأذن الرجل أخاه (من قول ابن عمر) مدرجًا في الحديث وكذا أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده مدرجًا، وفيه روايات أخرى حاصلها اختلاف أصحاب شعبة وأكثرهم رواه عنه مدرجًا وآخرون ترددوا في الرفع والوقف وشبابة عنه فصل حيث قال: إلا أن يستأذن الرجل أخاه وآدم جزم بأن الزيادة من قول ابن عمر كما نبه عليه مع غيره الحافظ أبو الفضل بن حجر -رحمه الله تعالى-، واستدلّ بقول أبي هريرة المروي عند ابن حبان وغيره كنت في أصحاب الصفة فبعث إلينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تمر عجوة فكبّ بيننا فكنا نأكل الثنيتين من الجوع وجعل أصحابنا إذا قرن أحدهم قال لصاحبه: إني قرنت فاقرنوا على الرفع وعدم الإدراج لأن هذا الفعل منهم في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دال على أنه كان مشروعًا بينهم، وقول الصحابي كنا نفعل في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذا له حكم الرفع عند الجمهور، وقد اعتمد البخاري هذه الزيادة وترجم لها في كتاب المظالم وفي الشركة، ولا يلزم من كون ابن عمر ذكر الإذن مرة غير مرفوع أن لا يكون مستنده فيه الرفع. وهذا الحديث سبق في المظالم والشركة، ورواه أصحاب السنن. 45 - باب الْقِثَّاءِ (باب القثاء) ويقال لها شعارير بالشين المعجمة الواحدة شعرورة وقيل صغاره والضغابيس بمعجمتين أوله آخره مهملة صغاره، والجرو والجروة الصغير من القثاء، وفي الحديث أتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأجر زغب انتهى. وهيئته حسنة وشكله جميل أنابيب طوال مضلعة كما قيل: انظر إليها أنابيبًا مضلعة ... من الزبر جد جاءت ما لها ورق إذا قلبت اسمه بانت ملاحته ... وصار مقلوبه إني بكم أثق 5447 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن سعد عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (قال: سمعت عبد الله بن جعفر) أي ابن أبي طالب (قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل الرطب بالقثاء). وهذا الحديث قد سبق في باب أكل الرطب بالقثاء لكنه صرّح بسماع سعد بن عبد الله بن جعفر هنا، ورواه بالعنعنة هناك. وقد روى أبو منصور الديلمي من حديث وابصة مرفوعًا: "إذا أكلتم القثاء كلوا من أسفله ومن خواصه" فيما زعموا أنه إذا سعط الراعف بماء القثاء المر قطع الدم، وإذا جفف بزره ودقّ واستحلب بالماء وشرب سكن العطش وأدرّ البول ونفع من وجع المثانة، لكنه رديء الكيموس وإدامة أكله تهيج الحميات وتحدث وجع الخاصرة والخل المتولد منه رديء، وذلك لغلظ جرمه فهو بطيء الانحدار عن المعدة مؤذٍ لها ببرده يضر بعصبها، فلذا ينبغي أن يستعمل معه ما يصلحه ويكسر برده بعسل أو برطب كما فعل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 46 - باب بَرَكَةِ النَّخْلِ (باب بركة النخل) بفتح أوله وإسكان المعجمة ولأبي ذر النخلة بتاء التأنيث واحدة النخل، ويسمى الجمد بفتح الجيم والميم والإشاء بالشين المعجمة صغارها والشطء فراخه والجمع شطؤ والعذق بفتح المهملة النخلة بحملها والجمع أعذق وعذاق وبالكسر القنو منها، وقد ذكرها الله في القرآن في غير ما موضع وشبه بها كلمة التوحيد، وشبهت في الحديث بالمؤمن لكثرة بركتها وعموم نفعها كما لا يخفى، وقد سبق قريبًا ذكر شيء من ذلك. 5448 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ تَكُونُ مِثْلَ الْمُسْلِمِ وَهْيَ النَّخْلَةُ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكن قال: (حدّثنا محمد بن طلحة) بن مصرف اليامي (عن زبيد) بضم الزاي وفتح الموحدة ابن الحارث اليامي حجة قانت لله (عن مجاهد) الإمام المفسر أنه (قال: سمعت ابن عمر) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من الشجر شجرة) ولأبي ذر: إن من الشجر شجرة (تكون) في بركتها كثرة نفعها (مثل المسلم) بكسر الميم

47 - باب جمع اللونين أو الطعامين بمرة

وسكون المثلثة والنصب (وهي النخلة). وهذا قد سبق قريبًا. 47 - باب جَمْعِ اللَّوْنَيْنِ أَوِ الطَّعَامَيْنِ بِمَرَّةٍ (باب) حكم (جمع اللونين) من الفاكهة وغيرها (أو الطعامين) في الأكل (بمرّة) أي في حالة واحدة. 5449 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ. وبه قال: (حدّثنا ابن مقاتل) محمد المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الله بن جعفر) هو ابن أبي طالب (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل الرطب بالقثاء) القثاء في يمينه والرطب في شماله يأكل من ذا مرة ومن ذا مرة. أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عبد الله بن جعفر، وفيه جواز أكل لونين وطعامين معًا والتوسع في المطاعم ولا خلاف في ذلك، وما روي عن السلف من خلافه محمول على كراهة اعتياد التوسع والترفه لغير مصلحة دينية. 48 - باب مَنْ أَدْخَلَ الضِّيفَانَ عَشَرَةً عَشَرَةً، وَالْجُلُوسِ عَلَى الطَّعَامِ عَشَرَةً عَشَرَةً (باب) ذكر (من أدخل الضيفان) بكسر الضاد المعجمة (عشرة عشرة و) ذكر (الجلوس على الطعام عشرة عشرة) لضيق الطعام أو مكان الجلوس عليه، والضيفان جمع ضيف يستوي فيه الواحد والجمع ويجمع على أضياف وضيوف وضيفان، وأصله الميل يقال: ضفت إلى كذا وأضفت كذا إلى كذا، والضيف من مال إليك نازلًا بك. 5450 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ سِنَانٍ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ أُمَّهُ عَمَدَتْ إِلَى مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ جَشَّتْهُ وَجَعَلَتْ مِنْهُ خَطِيفَةً وَعَصَرَتْ عُكَّةً عِنْدَهَا، ثُمَّ بَعَثَتْنِي إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ وَهْوَ فِي أَصْحَابِهِ فَدَعَوْتُهُ، قَالَ: «وَمَنْ مَعِي». فَجِئْتُ فَقُلْتُ: إِنَّهُ يَقُولُ: وَمَنْ مَعِي فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ صَنَعَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَدَخَلَ فَجِيءَ بِهِ وَقَالَ: «أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً». فَدَخَلُوا، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ قَالَ: «أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً». فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: «أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً». حَتَّى عَدَّ أَرْبَعِينَ ثُمَّ أَكَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَامَ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ هَلْ نَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (الصلت بن محمد) بفتح الصاد المهملة وبعد اللام الساكنة مثناة فوقية الخاركي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم أحد الأعلام (عن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة (أبي عثمان) بن دينار اليشكري (عن أنس) هو ابن مالك -رضي الله عنه- (و) رواه حماد بسنده أيضًا (عن هشام) هو ابن حسان الأزدي (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أنس) أيضًا (و) الطريق الثالثة لحماد (عن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون وبعد الألف نون أخرى (أبي ربيعة) واسم أبي ربيعة ككنيته (عن أنس أن أم سليم أمه) زوج أبي طلحة (عمدت) بفتحات قصدت (إلى مدّ) مكيال مملوء (من شعير) قدره رطلان أو رطل وثلث (جشته) بالجيم والشين المعجمة أي طحنته طحنًا جريشًا غير ناعم (وجعلت منه خطيفة) بخاء معجمة مفتوحة فطاء مهملة مكسورة فتحتية ساكنة ففاء لبنًا يطبخ بدقيق ويختطف بالأصابع والملاعق بسرعة فهي فعيلة بمعنى مفعولة (وعصرت عكة) وهي إناء من جلد للسمن (عندها) على الذي طبخته (ثم بعثتني إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأتيته وهو في أصحابه فدعوته قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أأحضر (ومن معي) قال أنس: (فجئت) إلى أمي (فقلت: إنه يقول) أي أحضر (ومن معي فخرج إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أبو طلحة قال: يا رسول الله إنما هو شيء) قليل (صنعته أم سليم) بمفردها أي والذي يتولى صنعه امرأة واحدة يكون قليلًا عادة (فدخل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فجيء به) بالذي صنعته أم سليم (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أدخل) بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة (عليّ عشرة) أي من أصحابه الذين حضروا معه -رضي الله عنهم- (فدخلوا) ولأبي ذر: فأدخلوا بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة (فأكلوا حتى شبعوا. ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (أدخل عليّ عشرة. فدخلوا فأكلوا حتى شبعوا ثم قال: أدخل عليّ عشرة) وسقط من قوله فدخلوا الثانية إلى هنا لأبي ذر (حتى عدّ أريعين) رجلًا وإنما أدخلهم عشرة عشرة لأنها كانت قصعة واحدة ولا يمكن الجمع الكثير التناول منها مع قلة الطعام فجعلهم عشرة عشرة ليتمكنوا من الأكل ولا يزدحموا (ثم أكل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قام) قال أنس (فجعلت أنظر) إلى القصعة (هل نقص منها شيء) من الطعام. ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة لا خفاء فيها. 49 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الثُّومِ وَالْبُقُولِ. فِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب ما يكره من الثوم) بضم المثلثة أي من أكل الثوم (و) أكل (البقول) التي لها رائحة كريهة (فيه عن ابن عمر) وسقط لأبي ذر لفظ عن الجارة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما سبق موصولًا في أواخر

50 - باب الكباث، وهو تمر الأراك

صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة بلفظ أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال في غزوة خيبر: من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يقربنّ مسجدنا. 5451 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: قِيلَ لأَنَسٍ: مَا سَمِعْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الثُّومِ؟ فَقَالَ: «مَنْ أَكَلَ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا». وبه قال: (حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (عن عبد العزيز) بن صهيب أنه (قال: قيل لأنس) -رضي الله عنه- (ما سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في) حكم أكل (الثوم) ثبت يقول لأبي ذر عن الكشميهني (فقال) أنس، قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من أكل) أي من هذه الشجرة كما في كتاب الصلاة كما في رواية أبي معمر عن عبد الوارث والمراد بها الثوم (فلا يقربنّ مسجدنا) بنون التوكيد الثقيلة والمساجد كلها مساجده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا يختص النهي بمسجده والتعليل بتأذي الملائكة أو الناس يقتضي العموم خلافًا لمن خصّه به محتجًّا بأنه مهبط الوحي بل لو قيل بالتعميم في كل مجمع لكان محتجًّا، وقوله: من أكل في موضع نصب ومن شرطية مبتدأ وجوابها فلا يقربن. 5452 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- زَعَمَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا، أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا أبو صفوان عبد الله بن سعيد) بكسر العين ابن عبد الملك بن مروان الأموي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال حدّثني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (أن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- زعم عن النبي) ولأبي ذر: أن النبي أي قال: إن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من أكل ثومًا أو بصلًا) أي أو غيرهما مما له ريح كريهة كالكراث (فليعتزلنا) فلا يحضر عندنا ولا يصل معنا (أو ليعتزل مساجدنا) بالشك من الزهري. وفي مسلم من حديث جابر نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة فأكلنا منه. الحديث، وفي الصغير للطبراني النهي عن الفجل أيضًا وظاهر هذه الأحاديث شامل للنيء والمطبوخ، لكن عند أبي داود من حديث عليّ: نهى عن أكل الثوم إلا مطبوخًا لأنه حينئذ تزول رائحته الكريهة لا سيما البصل. 50 - باب الْكَبَاثِ، وَهْوَ تَمَرُ الأَرَاكِ (باب الكباث) بفتح الكاف والموحدة الخفيفة وبعد الألف مثلثة (وهو تمر الأراك) بالمثناة الفوقية المفتوحة والميم الساكنة في الفرع والأراك بفتح الهمزة وتخفيف الراء. قال في المطالع: الكباث تمر الأراك قبل نضجه وقيل بل هو حصرمه؛ وقيل غضه وقيل متزببه وهو البرير أيضًا يعني بالموحدة بوزن حرير، وفي القاموس النضيج من تمر الأراك ووقع في رواية أبي ذر عن مشايخه وهو ورق الأراك. 5453 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَرِّ الظَّهْرَانِ نَجْنِي الْكَبَاثَ فَقَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ فَإِنَّهُ أَيْطَبُ» فَقَالَ: أَكُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ. قَالَ: «نَعَمْ وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ رَعَاهَا»؟. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء مصغرًا هو سعيد بن كثير بن عفير بن مسلم وقيل: ابن عفير بن سلمة بن يزيد بن الأسود الأنصاري مولاهم البصري قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال: أخبرني) بالإفراد (جابر بن عبد الله) الأنصاري (قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمرّ الظهران) بفتح الميم وتشديد الراء والظهران بفتح الظاء المعجمة وتسكين الهاء بعدها راء تثنية الظهر مكان على مرحلة من مكة (نجني الكباث) أي نقطعه لنأكله (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عليكم بالأسود منه فإنه أيطب) بهمزة مفتوحة فتحتية ساكنة فطاء مهملة مفتوحة فموحدة مقلوب أطيب (فقال) جابر ولأبي ذر: فقيل (أكنت ترعى الغنم)؟ حتى عرفت أطيب الكباث لأن راعي الغنم يكثر تردّده تحت الأشجار لطلب المرعى منها (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نعم) كنت أرعاها (وهل من نبي إلاّ رعاها) لأن يأخذوا أنفسهم بالتواضع وتصفوا قلوبهم بالخلوة ويترقوا من سياستها إلى سياسة أممهم بالشفقة عليهم وهدايتهم إلى الصلاح. وهذا الحديث سبق في أحاديث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. 51 - باب الْمَضْمَضَةِ بَعْدَ الطَّعَامِ (باب المضمضة بعد) أكل (الطعام) سقط الباب لغير أبي ذر. 5454 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ، فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ دَعَا بِطَعَامٍ فَمَا أُتِيَ إِلاَّ بِسَوِيقٍ، فَأَكَلْنَا، فَقَامَ إِلَى الصَّلاَةِ فَتَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني، شطب في اليونينية علي بن عبد الله قال: (حدّثنا سفيان)

52 - باب لعق الأصابع ومصها قبل أن تمسح بالمنديل

بن عيينة قال: (سمعت يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح المعجمة مصغرًا ويسارًا بالتحتية والمهملة المخففة (عن سويد بن النعمان) الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى) غزوة (خيبر فلما كنا بالصهباء دعا بطعام فما أتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية (إلاّ بسويق فأكلنا) منه (فقام إلى الصلاة فتمضمض) بفوقية بعد الفاء (ومضمضنا). 5455 - قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ بُشَيْرًا يَقُولُ: حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ، فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ قَالَ يَحْيَى: وَهْيَ مِنْ خَيْبَرَ عَلَى رَوْحَةٍ دَعَا بِطَعَامٍ، فَمَا أُتِيَ إِلاَّ بِسَوِيقٍ، فَلُكْنَاهُ فَأَكَلْنَا مَعَهُ، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا مَعَهُ. ثُمَّ صَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وَقَالَ سُفْيَانُ: كَأَنَّكَ تَسْمَعُهُ مِنْ يَحْيَى. (قال يحيى) بن سعيد بالسند السابق (سمعت بشيرًا) بضم الموحدة ابن يسار (يقول: أخبرنا سويد) أي ابن النعمان (خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خيبر فلما كنا بالصهباء. قال يحيى) بن سعيد (وهي) أي الصهباء (من خيبر على روحة دعا) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بطعام فما أتي إلاّ بسويق فلكناه) علكناه في أفواهنا (فأكلنا معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر منه بدل قوله معه أي من السويق (ثم دعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بماء فمضمض) فاه الشريف من أثر السويق (ومضمضنا معه ثم صلى بنا المغرب ولم يتوضأ. وقال سفيان) بن عيينة لعلي بن المديني: نقلت الحديث من يحيى بن سعيد بلفظ مرارًا فتكون (كأنك تسمعه من يحيى) بغير واسطة. 52 - باب لَعْقِ الأَصَابِعِ وَمَصِّهَا قَبْلَ أَنْ تُمْسَحَ بِالْمِنْدِيلِ (باب) استحباب (لعق الأصابع ومصّها قبل أن تمسح بالمنديل) بضم الفوقية والمنديل بكسر الميم. 5456 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا أكل أحدكم) طعامًا (فلا يمسح يده) لا ناهية والفعل معها مجزوم (حتى يلعقها) بفتح الياء والعين بينهما لام ساكنة حتى يلحسها هو (أو يلعقها) بضم أوله وكسر ثالثه أي يلحسها غيره ممن لا يتقذر ذلك كزوجة وولد وخادم وكتلميذ يعتقد بركته فإنه لا يدري في أيّ طعامه البركة كما رواه مسلم من حديث جابر وأبي هريرة ولما فيه من تلويث ما يمسح به مع الاستغناء عنه بالريق، وقيل إنما أمر بذلك لئلا يتهاون بقليل الطعام وقوله فإنه لا يدري في أي طعامه البركة لا ينافي إعطاء يده لغيره يلعقها فهو من باب التشريك فيما فيه البركة. وفي حديث كعب بن مالك عند مسلم كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها. قال في فتح الباري: فيحتمل أن يكون أطلق على الأصابع اليد، ويحتمل وهو الأولى أن يكون أراد باليد الكف كلها فيشمل الحكم من أكل بكفه كلها أو بأصابعه فقط أو ببعضها ويؤخذ منه أن السُّنَّة الأكل بثلاث أصابع وإن كان أكل بأكثر منها جائزًا. وفي حديث كعب بن عجرة عند الطبراني في الأوسط قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل بأصابعه الثلاث بالإبهام والتي تليها والوسطى، ثم رأيته يلعق أصابعه الثلاث قبل أن يمسحها الوسطى ثم التي تليها ثم الإبهام والسر في ذلك كما قاله الحافظ الزين عبد الرحيم العراقي أن الوسطى يكثر تلويثها لأنها أطول فيبقى فيها من الطعام أكثر من غيرها ولأنها لطولها أول ما ينزل الطعام، ويحتمل أن الذي يلعق يكون بطن كفه إلى جهة وجهه فإذا ابتدأ بالوسطى انتقل إلى السبابة على جهة يمينه وكذا الإبهام والحديث ردّ على من كره لعق الأصابع استقذارًا. فإن قلت: من أين تؤخذ المطابقة لما ترجم له؟ أجيب: بأن في حديث جابر عند مسلم فلا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق بأصابعه، وفي حديث جابر أيضًا عند ابن أبي شيبة: إذا طعم أحدكم فلا يمسح يده حتى يمصها، فلعل المصنف أشار بالترجمة لذلك والله أعلم. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأطعمة والنسائي في الوليمة وابن ماجة في الأطعمة. 53 - باب الْمِنْدِيلِ (باب المنديل) بكسر الميم. 5457 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، فَقَالَ: لاَ قَدْ كُنَّا زَمَانَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ نَجِدُ مِثْلَ ذَلِكَ مِنَ الطَّعَامِ إِلاَّ قَلِيلًا، فَإِذَا نَحْنُ وَجَدْنَاهُ لَمْ يَكُنْ لَنَا مَنَادِيلُ إِلاَّ أَكُفَّنَا وَسَوَاعِدَنَا وَأَقْدَامَنَا. ثُمَّ نُصَلِّي وَلاَ نَتَوَضَّأُ. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزمي المدني أحد الأعلام (قال: حدّثني) بالإفراد (محمد بن فليح) بضم الفاء وفتح اللام آخره مهملة مصغرًا (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (أبي) فليح بن سليمان المدني (عن سعيد بن الحارث) بن أبي المعلى الأنصاري قاضي المدينة (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري

54 - باب ما يقول إذا فرغ من طعامه؟

(-رضي الله عنهما- أنه سأله) أي أن سعيد بن الحارث سأل جابر بن عبد الله (عن الوضوء مما مست النار) بالطبخ ونحوه أيجب على الآكل منه الوضوء؟ (فقال: لا) يجب (قد كنا زمان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا نجد مثل ذلك) أي ما مست النار (من الطعام إلا قليلًا فإذا نحن وجدناه لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا ثم نصلي ولا نتوضأ) مما مست النار. وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة في الأطعمة. 54 - باب مَا يَقُولُ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ؟ (باب ما يقول) الآكل (إذا فرغ من) أكل (طعامه). 5458 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا». [الحديث 5458 - أطرافه في: 5459]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن ثور) بفتح المثلثة باسم الحيوان ابن يزيد من الزيادة الشامي (عن خالد بن معدان) بفتح الميم وسكون العين المهملة (عن أبي أمامة) صدي بن عجلان -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا رفع مائدته) وعند الإسماعيلي من طريق وكيع عن ثور إذا فرغ من طعامه ورفعت مائدته ومن وجه آخر عن ثور إذا رفع طعامه من بين يديه والمائدة تطلق ويراد بها نفس الطعام أو بقيته أو إناؤه، وعن البخاري المؤلّف إذا أكل الطعام على شيء ثم رفع قيل رفعت المادة. (قال): (الحمد لله) حمدًا (كثيرًا طيبًا مباركًا فيه) بفتح الراء (غير مكفي) بنصب غير ورفعه ومكفي بفتح الميم وسكون الكاف وتشديد التحتية من كفأت أي غير مردود ولا مقلوب والضمير راجع إلى الطعام الدال عليه السياق أو هو من الكفاية فيكون من المعتل يعني أنه تعالى هو المطعم لعباده والكافي لهم فالضمير راجع إلى الله تعالى. وقال العيني: هو من الكفاية وهو اسم مفعول أصله مكفوي على وزن مفعول، فلما اجتمعت الواو والياء قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء ثم أبدلت ضمة الفاء كسرة لأجل الياء، والمعنى هذا الذي أكلناه ليس فيه كفاية كما بعده بحيث ينقطع بل نعمك مستمرة لنا طول أعمارنا غير منقطعة وقيل الضمير راجع إلى الحمد أي أن الحمد غير مكفيّ إلى آخره (ولا مودع) بضم الميم وفتح الواو والدال المهملة المشددة غير متروك ويجوز كسر الدال أي غير تارك فيكون حالًا من القائل (ولا مستغنى عنه) بفتح النون والتنوين (ربنا) بالنصب على المدح أو الاختصاص أو النداء ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف أي هو والجر على البدل من اسم الله في قوله الحمد لله. قال الكرماني وباعتبار مرجع الضمير ورفع غير ونصبه تكثر التوجيهات بعددها. وهذا الحديث أخرجه في الأطعمة والترمذي في الدعوات والنسائي في الوليمة وابن ماجة في الأطعمة. 5459 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ، وَقَالَ مَرَّةً إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا وَأَرْوَانَا، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مَكْفُورٍ» وَقَالَ مَرَّةً: «لَكَ الْحَمْدُ رَبِّنَا، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنًى رَبَّنَا». وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن ثور بن يزيد) من الزيادة الشاميّ (عن خالد بن معدان عن أبي أمامة) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا فرغ من) أكل (طعامه، قال مرة: إذا رفع مائدته قال): (الحمد لله الذي كفانا) من الكفاية الشاملة للشبع والري وغيرهما وحينئذ فيكون قوله (وأروانا) من عطف الخاص على العام. قال في الفتح: ووقع في رواية ابن السكن عن الفربريّ وآوانا بمدّ الهمزة بعدها من الإيواء (غير مكفي ولا مكفور) أي: ولا مجحود فضله ونعمته وهذا كله مما يتأيد به القول بأن الضمير في الرواية الأولى راجع إلى الله تعالى واختلاف طرق الحديث يبين بعضها بعضًا (وقال مرة: لك الحمد) ولغير أبي ذر وقال مرة: الحمد لله (ربنا غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى) عنه (ربنا). وعند أبي داود من حديث أبي سعيد: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين. وفي حديث أبي أيوب عند الترمذي وأبي داود الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوّغه وجعل له مخرجًا. 55 - باب الأَكْلِ مَعَ الْخَادِمِ (باب الأكل مع الخادم) للتواضع ونفي الكبر سواء كان الخادم حرًّا أو رقيقًا ذكرًا أو أنثى إذا جاز له النظر إليه. 5460 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ، أَوْ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ فَإِنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلاَجَهُ». وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الحوضي النمري الأزدي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد هو ابن زياد) القرشي الجمحي مولاهم أنه (قال: سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا أتى أحدكم خادمه)

56 - باب الطاعم الشاكر، مثل الصائم الصابر. فيه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

بنصب أحدكم ورفع خادمه مفعولًا وفاعلًا (بطعامه) جار ومجرور في موضع نصب. زاد أحمد والترمذي فليجلسه معه (فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين) بضم الهمزة فيهما أي لقمة أو لقمتين وأما بالفتح فمعناه المرة الواحدة مع الاستيفاء وليس مرادًا هنا وأو للتقسيم (أو) قال: (لقمة أو لقمتين) بالشك من الراوي وعند الترمذي بلفظ لقمة فقط، ولمسلم تقييد ذلك بما إذا كان الطعام قليلًا ومقتضاه أنه إذا كان كثيرًا فإما أن يقعده معه وإما أن يجعل حظه منه كثيرًا (فإنه ولي حرّه) عند الطبخ (وعلاجه) عند تحصيل الآنية وتركيبه وإصلاحه. وفي رواية لأحمد فإنه ولي حرّه ودخانه، والأمر هنا للندب وينبغي أن يلحق بهذا الذي طبخ من حمله أو عاينه ولو هرًّا أو كلبًا لتعلق نفسه به فربما وقع الضرر للآكل منه، فينبغي إطعامه من ذلك لتسكن نفسه ويتقي شر عينه وقد قيل: إنه ينفصل من البصر سموم تركب الطعام لا دواء لها إلا بشيء يطعمه من ذلك الطعام للناظر إليه. 56 - باب الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ، مِثْلُ الصَّائِمِ الصَّابِرِ. فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا (باب) بالتنوين (الطاعم) وهو كما في القاموس وغيره الحسن الحال في المطعم (الشكر) لربه تعالى على ما أنعم به عليه في الثواب (مثل الصائم الصابر) على الجوع والطاعم مبتدأ أو مثل الصائم خبره. فإن قلت: قد تقرر في علم البيان أن التشبيه يستدعي الجهة الجامعة والشكر نتيجة النعماء كما أن الصبر نتيجة البلاء فكيف شبه الشاكر بالصابر. أجيب: بأن هذا تشبيه في أصل ما لكل واحد منهما من الأجر لا في المقدار وهذا كما يقال زيد كعمرو فإن معناه زيد يشبه عمرًا في بعض الخصال ولا يلزم منه المماثلة في جميعها فلا تلزم المماثلة في الأجر أيضًا، وقال شارح المشكاة: قد ورد الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر وربما يتوهم متوهم أن ثواب شكر الطاعم يقصر عن ثواب صبر الصائم فأزيل توهمه به يعني هما سيان في الثواب. قال: وفيه وجه آخر وهو أن الشاكر لما رأى النعمة من الله وحبس نفسه على محبة المنعم بالقلب وأظهرها باللسان نال درجة الصابر قال: وقيدت نفسي في ذراك محبة ... ومن وجد الإحسان قيدًا تقيدا فيكون التشبيه واقعًا في حبس النفس بالمحبة، والجهة الجامعة حبس النفس مطلقًا فأينما وجد الشكر وجد الصبر ولا ينعكس انتهى. فالصابر يحبس نفسه على طاعة المنعم والشاكر يحبس نفسه على محبته وإذا تقرر أن الأصل أن المشبه به أعلى درجة من المشبه اقتضى السياق المذكور هنا تفضيل الفقير الصابر على الغني الشاكر وللناس في هذه المسألة كلام طويل تأتي نبذة منه إن شاء الله تعالى بعونه وقوّته وكرمه في الرقاق. وما أحسن قول أحمد بن نصر الداودي: الفقر والغنى محنتان من الله يختبر بهما عباده في الشكر والصبر كما قال تعالى: {إنّا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملًا} [الكهف: 7] فالفقير والغني متقابلان بما يعرض لكلٍّ منهما في فقره وغناه من العوارض فيمدح أو يذم، وقد جمع الله تعالى لسيدنا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحالات الثلاث: الفقر والغنى والكفاف، فكان الأول أوّل حالاته فقام بواجب ذلك من مجاهدة النفس ثم فتحت عليه الفتوح فصار بذلك في حدّ الأغنياء فقام بواجب ذلك من بذله لمستحقه والمراساة به والإيثار مع اقتصاره منه على ما يسدّ ضرورة عياله وهي صورة الكفاف التي مات عليها وهي حالة سليمة من الغنى المطغي والفقر المؤلم، وفي مسلم من حديث ابن عمر رفعه قد أفلح من هدي إلى الإسلام ورزق الكفاف وقنع والكفاف الكفاية بلا زيادة فمن حصل له ما يكفيه واقتنع به أمن من آفات الغنى والفقر، وقد رجح قوم الغنى على الفقر لما يتضمنه من القرب المالية، وهذا الذي ذكر إنما هو في فضل الوصفين الغنى والفقر لا في أحد ممن اتصف بأحدهما والاختلاف إنما هو في الأخير نعم النظر في أيّ الحالين أفضل عند الله للعبد حتى يتكسبه ويتخلق به، وهل التقلل من المال أفضل

57 - باب الرجل يدعى إلى طعام فيقول: وهذا معي. وقال أنس: إذا دخلت على مسلم لا يتهم فكل من طعامه، واشرب من شرابه

ليتفرغ قلبه من الشواغل وينال لذة المناجاة ولا ينهمك في الاكتساب ليستريح من طول الحساب أو التشاغل باكتساب المال أفضل ليستكثر به من التقرب بالبر والصلة والصدقة لما فيه من النفع المتعدي، وإذا كان الأمر كذلك، فالأفضل ما اختاره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجمهور أصحابه من التقلل من الدنيا ولكلٍّ من القولين أدلة تأتي إن شاء الله تعالى بفضل الله وإحسانه. والتحقيق أن لا يجاب في هذه المسألة بجواب كلي بل يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص لكن عند الاستواء من كل جهة وفرض رفع العوارض بأسرها فالفقر أسلم عاقبة في الدار الأخرى. وقد أشار المؤلّف لما ترجم له بقوله: (فيه) أي في الباب (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا وصله ابن ماجة في الصوم عن يعقوب بن حميد بن كاسب عن محمد بن معن بن محمد الغفاري عن أبيه وعن يعقوب بن حميد عن عبد الله بن عبد الله عن محمد بن محمد عن حنظلة بن علي الأسلمي عن أبي هريرة به، والترمذي في الزهد عن إسحاق بن موسى الأنصاري عن محمد بن معن عن أبيه عن سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ الترجمة به، وقال: حسن غريب. وأخرجه البخاري في التاريخ والحاكم في المستدرك من رواية سليمان بن بلال عن محمد بن عبد الله بن أبي حرة عن عمه حكيم بن أبي حرة عن سليمان الأعرج عن أبي هريرة بلفظ أن للطاعم الشاكر من الأجر مثل ما للصائم الصابر. وأخرجه ابن حبان وقال: معناه أن يطعم ثم لا يعصي بارئه بقوّته ويتم شكره بإتيان طاعته بجوارحه لأن الصائم قرن به الصبر وهو صبره عن المحظورات وقرن بالطاعم الشكر، فيجب أن يكون هذا الشكر الذي يقوم بأداء ذلك الصبر يقاربه ويشاركه وهو ترك المحظورات، وقوله فيه عن أبي هريرة إلخ ثابت في رواية أبي ذر فقط كما في الفرع وأصله. 57 - باب الرَّجُلِ يُدْعَى إِلَى طَعَامٍ فَيَقُولُ: وَهَذَا مَعِي. وَقَالَ أَنَسٌ: إِذَا دَخَلْتَ عَلَى مُسْلِمٍ لاَ يُتَّهَمُ فَكُلْ مِنْ طَعَامِهِ، وَاشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ (باب الرجل يدعى إلى طعام) فيتبعه آخر (فيقول) المدعو: (وهذا) رجل (معي) تبعني (وقال أنس) -رضي الله عنه- مما وصله ابن أبي شيبة من طريق عمير الأنصاري (إذا دخلت على مسلم لا يتهم) في دينه ولا ماله ولفظ ابن أبي شيبة على رجل لا تتهمه (فكل من طعامه واشرب من شرابه) وزاد أحمد والحاكم والطبراني ولا تسأله عنه. ومطابقة هذا الأثر لحديث الباب الآتي إن شاء الله تعالى من جهة كون اللحام لم يكن متهمًا وأكل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من طعامه ولم يسأله. 5461 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا شَقِيقٌ حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا شُعَيْبٍ، وَكَانَ لَهُ غُلاَمٌ لَحَّامٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِي أَصْحَابِهِ، فَعَرَفَ الْجُوعَ فِي وَجْهِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَذَهَبَ إِلَى غُلاَمِهِ اللَّحَّامِ فَقَالَ: اصْنَعْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً لَعَلِّي أَدْعُو النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَامِسَ خَمْسَةٍ. فَصَنَعَ لَهُ طُعَيِّمًا، ثُمَّ أَتَاهُ فَدَعَاهُ فَتَبِعَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أَبَا شُعَيْبٍ، إِنَّ رَجُلًا تَبِعَنَا فَإِنْ شِئْتَ أَذِنْتَ لَهُ وَإِنْ شِئْتَ تَرَكْتَهُ». قَالَ لاَ بَلْ أَذِنْتُ لَهُ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) حميد بن الأسود البصري الحافظ قال: (حدّثنا أبو سلمة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان الكوفي قال: (حدّثنا شقيق) أبو وائل بن سلمة قال: (حدّثنا أبو مسعود) عقبة بن عامر (الأنصاري) -رضي الله عنه- (قال: كان رجل من الأنصار يكنى) بسكون الكاف (أبا شعيب وكان له غلام لحام) لم أقف على اسمه (فأتى) أبو شعيب (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في أصحابه فعرف الجوع) وللكشميهني يعرف الجوع (في وجه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذهب إلى غلامه اللحام فقال) له: (اصنع لي طعامًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي طعيمًا بضم الطاء وفتح العين وتشديد التحتية مصغرًا (يكفي خمسة لعلى أدعو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خامس خمسة فصنع لي طعيمًا) بالتصغير (ثم أتاه) عليه الصلاة والسلام أبو شعيب (فدعاه فتبعهم رجل) لم أقف على اسمه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا أبا شعيب إن رجلًا تبعنا فإن شئت أذنت له وإن شئت تركته) بتاء الخطاب فيهما (قال) أبو شعيب: (لا) أتركه (بل أذنت له) يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأكل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ذلك الطعام ولم يسأله لأنه لم يكن عنده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متهمًّا. وهذا الحديث سبق في باب الرجل يتكلف الطعام لإخوانه من كتاب الأطعمة. 58 - باب إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ فَلاَ يَعْجَلْ عَنْ عَشَائِهِ هذا (باب) بالتنوين (إذا حضر العشاء) بفتح العين مصححًا عليها في الفرع كأصله، وقال الحافظ ابن حجر: إنها الرواية عنده وهو ضدّ الغداء أي إذا حضر أكل وصلاة المغرب (فلا يعجل) أحدكم (عن) أكل (عشائه) بالفتح أيضًا فإذا فرغ

59 - باب قول الله تعالى: {فإذا طعمتم فانتشروا}

فليصل ليكون قلبه فارغًا لمناجاة ربه تعالى. 5462 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ أَبَاهُ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فِي يَدِهِ، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَلْقَاهَا وَالسِّكِّينَ الَّتِي كَانَ يَحْتَزُّ بِهَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله الذهلي في الزهريات قال: (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (جعفر بن عمرو بن أمية) بفتح العين وسكون الميم (أن أباه عمرو بن أمية أخبره أنه رأى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحتز) يقطع (من كتف شاة في يده) ويأكل (فدعي) بضم الدال وكسر العين (إلى الصلاة فألقاها) أي قطعة اللحم (والسكين التي كان يحتز بها) من الكتف (ثم قام فصلى ولم يتوضأ). 5463 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ». وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بفتح العين المهملة واللام المشددة العمي أبو الهيثم الحافظ قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد البصري (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف والباء الموحدة عبد الله بن زيد الجرمي (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا وضع العشاء) بفتح العين والمد الطعام المأكول عشية (وأقيمت الصلاة فابدَؤُوا بالعشاء) ثم صلوا واللام في الصلاة للعهد الذهني المدلول عليه بالسياق فالمراد صلاة المغرب. وفي حسان المصابيح من حديث جابر مرفوعًا "لا تؤخروا الصلاة لطعام ولا لغيره ولا معارضة بينهما" إذ هو محمول على من لم يشتغل قلبه بالطعام جمعًا بين الأحاديث. 5464 - وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ. وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ تَعَشَّى مَرَّةً وَهْوَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الإِمَامِ. (وعن أيوب) السختياني بالسند السابق (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) رضي عنهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه. وعن أيوب) السختياني بالسند السابق أيضًا (عن نافع بن عمر أنه تعشى) أكل الطعام الذي يؤكل عشية (مرة وهو يسمع قراءة الإمام). 5465 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَحَضَرَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِالْعَشَاءِ». قَالَ وُهَيْبٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن هشام عروة عن أبيه عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا أقيمت الصلاة) أي المغرب (وحضر العشاء) بالفتح والمد (فابدؤوا بالعشاء) بالفتح والمد أيضًا لما في البداءة بالصلاة من اشتغال القلب وذهاب كمال الخشوع أو كله (وقال وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد مما وصله الإسماعيلي (ويحيي بن سعيد) القطان مما وصله أحمد (عن هشام) هو ابن عروة (إذا وضع العشاء) بضم الواو بدل إذا حضر العشاء. 59 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} (باب قول الله تعالى: {فإذا طعمتم فانتشروا}) [الأحزاب: 52] أي فتفرقوا عن موضع الطعام تخفيفًا عن صاحب المنزل. 5466 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَنَسًا قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْحِجَابِ، كَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَسْأَلُنِي عَنْهُ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرُوسًا بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ وَكَانَ تَزَوَّجَهَا بِالْمَدِينَةِ، فَدَعَا النَّاسَ لِلطَّعَامِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَلَسَ مَعَهُ رِجَالٌ بَعْدَ مَا قَامَ الْقَوْمُ، حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَشَى وَمَشَيْتُ مَعَهُ، حَتَّى بَلَغَ بَابَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا، فَرَجَعْتُ مَعَهُ فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ مَكَانَهُمْ، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ بَابَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ فَإِذَا هُمْ قد قَامُوا، فَضَرَبَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ سِتْرًا، وَأُنْزِلَ الْحِجَابُ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) الجعفي المسندي قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) الزهري (أن أنسًا قال: أنا أعلم الناس بالحجاب) بسبب نزول آية الحجاب (كان أُبي بن كعب يسألني عنه أصبح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عروسًا بزينب ابنة) ولأبي ذر بنت (جحش) والعروس وصف يستوي فيه الرجل والمرأة والعرس مدة بناء الرجل بالمرأة (وكان تزوّجها بالمدينة فدعا الناس للطعام بعد ارتفاع النهار فجلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجلس معه رجال بعد ما قام القوم) وأكلوا من الطعام (حتى قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمشى ومشيت معه حتى بلغ باب حجرة عائشة ثم ظن) عليه الصلاة والسلام (أنهم) أي الرجال الذين تخلفوا في منزله المقدّس (خرجوا) منه (فرجعت) ولأبي ذر عن الكشميهني فرجع فرجعت (معه) إلى منزله (فإذا هم جلوس مكانهم فرجع ورجعت معه الثانية حتى بلغ باب حجرة عائشة فرجع ورجعت معه فإذا هم قد قاموا فضرب) عليه الصلاة والسلام (بيني وبينه سترًا وأنزل الحجاب) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول والحجاب رفع نائب الفاعل وللكشميهني ونزل عليه الحجاب أي آية الحجاب وهي قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي} [الأحزاب: 53] الآية وهذه آداب تتعلق بالأكل لا بأس بإيرادها، فاعلم أنه يستحب غسل اليد

71 - كتاب العقيقة

قبل الطعام ففي الحديث أنه ينفي الفقر وبعد الطعام ينفي اللمم وهو الجنون ولا ينشفها قبل الأكل، فإنه ربما يكون بالمنديل وسخ فيعلق باليد ويقدم الصبيان في الغسل الأول لأنهم أقرب إلى الأوساخ، وربما نفذ الماء لو قدمنا الشيوخ وفي الثاني يقدّم الشيوخ كرامة لهم، ويقدم المالك في الأول ويتأخر في الثاني، وينبغي للآكل أن يضم شفتيه عند الأكل ليأمن مما يتطاير من البصاق حال المضغ ولا يتنخم ولا يبصق بحضرة آكل غيره فإن عرض له سعال حوّل وجهه عن الطعام ولا ينفض يديه من الطعام لئلا يقع منه شيء على ثوب جليسه أو في الطعام. وفي تاريخ أصبهان لأبي نعيم عن ابن مسعود مرفوعًا: تخللوا فإنه نظافة والنظافة تدعو إلى الإيمان والإيمان مع صاحبه في الجنة ولا يتخلل بعود الريحان والرمان لأنهما يثيران عرق الجذام ولا بعود القصب لأنه يفسد لحم الأسنان وهذا آخر كتاب الأطعمة ولله الحمد. بسم الله الرحمن الرحيم 71 - كتاب العقيقة (بسم الله الرحمن الرحيم. كتاب العقيقة) بفتح العين المهملة وهي لغة الشعر الذي على رأس الولد حين ولادته وشرعًا ما يذبح عند حلق شعره لأن مذبحه يعق أي يشق ويقطع ولأن الشعر يحلق إذ ذاك وقال ابن أبي الدم قال: أصحابنا يستحب تسميتها نسيكة أو ذبيحة وتكره تسميتها عقيقة كما تكره تسمية العشاء عتمة والمعنى فيها إظهار البشر والنعمة ونشر النسب وهي سُنّة مؤكدة وإنما لم تجب كالأضحية بجامع أن كلاًّ منهما إراقة دم بغير جناية، وقال الليث بن سعد: إنها واجبة وكذا قال داود وأبو الزناد وقال أبو حنيفة: فيما نقله العيني ليست بسُنّة، وقال محمد بن الحسن: هي تطوّع كان الناس يفعلونها ثم نسخت بالأضحى وقال بعضهم هي بدعة وفي الموطأ عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن العقيقة فقال: "لا أحب العقوق" كأنه كره الاسم وقال: "من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل" وهذا لا حجة فيه لنفي مشروعيتها بل آخر الحديث يثبتها، وإنما غايته أن الأولى أن تسمى نسيكة أو ذبيحة وأن لا تسمى عقيقة كما مرّ عن ابن أبي الدم، وقد تقرر في علم الفصاحة الاحتراز عن لفظ يشترك فيه معنيان: أحدهما مكروه فيجاء به مطلقًا، والأصل فيها أحاديث كحديث الغلام مرتهن بعقيقة تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وعند البزار عن ابن عباس مرفوعًا: للغلام عقيقتان وللجارية عقيقة وقال: لا نعلمه بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد انتهى. والعقيقة كالضحية في جميع أحكامها من جنسها وسنها وسلامتها والأفضل منها ونيتها والأكل والتصدق وسن طبخها كسائر الولائم إلا رجلها فتعطى نيئة للقابلة لحديث الحاكم وبحلو تفاؤلًا بحلاوة أخلاق الولد، وأن لا يكسر عظمها تفاؤلًا بسلامة أعضاء الولد فإن كسر فخلاف الأولى وأن تذبح سابع ولادته. 1 - باب تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ غَدَاةَ يُولَدُ لِمَنْ لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ، وَتَحْنِيكِهِ (باب تسمية المولود غداة يولد) أي وقت يولد (لمن لم يعق عنه) بفتح التحتية وضم العين، ومفهومه أن من لم يرد أن يعق عنه لا تؤخر تسميته إلى السابع ومن أريد أن يعق عنه تؤخر تسميته إلى السابع. وقال النووي في الأذكار: تسن تسميته يوم السابع أو يوم الولادة، ولكلٍّ من القولين أحاديث صحيحة، فحمل البخاري أحاديث يوم الولادة على من لم يرد العق، وأحاديث يوم السابع على من أراده كما ترى. قال ابن حجر: وهو جمع لطيف لم أره لغيره، وثبت لفظة عنه لأبي ذر عن الكشميهني (وتحنيكه) يوم ولادته بتمر حلو بأن يمضغ التمر ويدلك به حنكه داخل فمه حتى ينزل إلى جوفه منه شيء وقيس بالتمر الحلو، وفي معنى التمر الرطب والحكمة فيه التفاؤل بالإيمان لأن التمر من الشجرة التي شبهها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالإيمان، لا سيما إذا كان المحنك من العلماء والصالحين لأنه يصل إلى جوف المولود من ريقه. 5467 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنِي بُرَيْدٌ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: وُلِدَ لِي غُلاَمٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ، فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ، وَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى. [الحديث 5467 - أطرافه في: 6198]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولابن عساكر: بالجمع (إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثني) بالإفراد ولابن عساكر

بالجمع (بريد) بضم الموحدة وفتح الراء وسكون التحتية بعدها دال مهملة ابن عبد الله (عن) جدّه (أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (رضي الله عنه) أنه (قال: ولد) بضم الواو (لي غلام فأتيت به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسماه إبراهيم) فهو من الصحابة لما ثبت له من الرواية، لكن لم يسمع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا فهو لذلك من كبار التابعين ولذا ذكره ابن حبان فيهما (فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إليّ) وفي قوله: فأتيت به فسماه فحنكه إشعار بأنه أسرع بإحضاره إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأن تحنيكه كان بعد تسميته ففيه أنه لا ينتظر بتسميته يوم السابع (وكان) إبراهيم هذا (أكبر ولد أبي موسى). وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأدب ومسلم في الاستئذان. 5468 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: أُتِىَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِصَبِيٍّ يُحَنِّكُهُ، فَبَالَ عَلَيْهِ، فَأَتْبَعَهُ الْمَاءَ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالمهملات ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: أُتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بصبي) روى الدارقطني أنها أتت بعبد الله بن الزبير (يحنكه فبال) الصبي (عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأتبعه الماء) أي أتبع البول الماء يصبه على موضعه حتى غمره من غير سيلان لأن النجاسة مخففة. وهذا الحديث سبق في بول الصبيان من كتاب الطهارة. 5469 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما-، أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، بِمَكَّةَ قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ قُبَاءً فَوَلَدْتُ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ، ثُمَّ دَعَا لَهُ فَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلاَمِ، فَفَرِحُوا بِهِ فَرَحًا شَدِيدًا، لأَنَّهُمْ قِيلَ لَهُمْ: إِنَّ الْيَهُودَ قَدْ سَحَرَتْكُمْ فَلاَ يُولَدُ لَكُمْ. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) البخاري واسم أبيه إبراهيم ونسبه لجدّه قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما- أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة قالت: فخرجت) من مكة (وأنا مُتِم) بضم الميم الأولى وكسر الفوقية وتشديد الميم الثانية اسم فاعل أي شارفت تمام حملي (فأتيت المدينة فنزلت قباء) بالمد والصرف ويقصر ويمنع (فولدت بقباء ثم أتيت به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في المدينة (فوضعته) وللحموي والمستملي: فوضعت بغير ضمير النصب (في حجره) عليه الصلاة والسلام (ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل) أي بزق عليه الصلاة والسلام (في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم حنكه بالتمرة ثم دعا له فبرّك) بالفاء وفتح الموحدة وتشديد الراء أي دعا له بالبركة ولابن عساكر وبرّك (عليه وكان أول مولود ولد في الإسلام) بالمدينة بعد الهجرة من أولاد المهاجرين (ففرحوا به فرحًا شديدًا لأنهم قيل لهم أن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم). وفي طبقات ابن سعد أنه لما قدم المهاجرون المدينة أقاموا لا يولد لهم فقالوا سحرتنا يهود حتى كثرت في ذلك المقالة، فكان أول مولود بعد الهجرة عبد الله بن الزبير فكبّر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة تكبيرًا. وهذا الحديث قد سبق في الهجرة. 5470 - حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ يَشْتَكِي، فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ فَقُبِضَ الصَّبِيُّ. فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ: مَا فَعَلَ ابْنِي؟ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى، ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ: وَارِ الصَّبِيَّ. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: «أَعْرَسْتُمُ اللَّيْلَةَ»؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا فِي لَيلَتِهِما". فَوَلَدَتْ غُلاَمًا. قَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: احْفَظْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَرْسَلَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَمَعَهُ شَيْءٌ»؟ قَالُوا: نَعَمْ. تَمَرَاتٌ فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَضَغَهَا ثُمَّ أَخَذَ مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ وَحَنَّكَهُ بِهِ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (مطر بن الفضل) المروزي قال: (حدّثنا يزيد بن هارون) من الزيادة السلمي الواسطي أحد الأعلام قال: (أخبرنا عبد الله بن عون عن أنس بن سيرين) أخي محمد بن سيرين (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان ابن لأبي طلحة) زيد بن سهل زوج أم أنس (يشتكي) أي مريض وكان اسمه عميرًا صاحب النغير (فخرج أبو طلحة) لحاجته (فقبض الصبي) بضم القاف أي توفي (فلما رجع أبو طلحة قال) لأمه: (ما فعل ابني؟ قالت أم سليم) أم الصبي (هو أسكن ما كان) أفعل تفضيل من السكون قصدت به سكون الموت وظن أبو طلحة أنها تريد سكون العافية له (فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها) جامعها (فلما فرغ) من ذلك (قالت) له: (وارِ الصبي) أمر من المواراة أي ادفنه، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: واروا الصبي بصيغة الجمع (فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره) بما كان من خبره مع زوجته (فقال) عليه الصلاة والسلام له: (أعرستم الليلة) بسكون العين استفهام محذوف الأداة، وهو من قولهم أعرس الرجل إذا دخل بامرأته، والمراد هنا الوطء

2 - باب إماطة الأذى عن الصبي في العقيقة

فسماه إعراسًا لأنه من توابع الإعراس، وقال في المصابيح: في بعض النسخ فأخبره فقال: أعرستم الليلة يعني أن أبا طلحة أخبره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بخبره فيكون أعرستم خبرًا لا استفهامًا. قال: وفي بعضها سقوط فأخبره فحمله بعض الشارحين على أنه استفهام محذوف الأداة، وفي رواية الأصيلي أعرستم بفتح العين وتشديد الراء. قال في المطالع: كالمشارق والنهاية وهو غلط إنما ذلك في النزول، لكن قال ابن التيمي في كتابة التحرير في شرح مسلم: إنها لغة يقال أعرس الرجل وعرّس والأفصح أعرس. (قال) أبو طلحة -رضي الله عنه- (نعم) أعرسنا الليلة يا رسول الله (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اللهم بارك لهما) في ليلتهما (فولدت غلامًا) قال أنس (قال لي أبو طلحة احفظه) وللكشميهني احفظيه. قال الحافظ أبو الفضل بن حجر: والأولى أولى (حتى تأتي به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأتى به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأرسك) أم سليم (معه بتمرات) بفتح الميم (فأخذه) أي الصبي (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أمعه شيء)؟ بهمزة الاستفهام (قالوا: نعم تمرات) بفتح الميم أيضًا (فأخذها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمضغها ثم أخذ من فيه فجعلها في في الصبي) أي فمه (وحنّكه وسماه عبد الله). وهذا الحديث أخرجه مسلم في الاستئذان. 0000 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: بالإفراد (محمد بن المثنى) قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد (عن ابن عون) عبد الله (عن محمد عن أنس وساق الحديث) الذي رواه ابن المثنى الآتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته في باب الخميصة السوداء من كتاب اللباس بلفظ: أن أم سليم قالت لي: يا أنس هذا الغلام فلا تصيبن شيئًا حتى تغدو به إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحنّكه فغدوت به فإذا هو في حائط وعليه خميصة حريثية وهو يسم الظهر الذي قدم عليه في الفتح، وسياق المؤلّف له هنا يوهم أن المراد الحديث الأول وليس كذلك لأن لفظهما مختلف كما ترى فهما حديثان عند ابن عون. أحدهما عنده عن أنس بن سيرين وهو المذكور هنا، والثاني عنده عن محمد بن سيرين عن أنس، وسقط لابن عساكر قوله: حدّثنا محمد بن المثنى إلى آخره. 2 - باب إِمَاطَةِ الأَذَى عَنِ الصَّبِيِّ فِي الْعَقِيقَةِ (باب إماطة الأذى) أي إزالته (عن الصبي في العقيقة). 5471 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: مَعَ الْغُلاَمِ عَقِيقَةٌ. وَقَالَ حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ وَقَتَادَةُ وَهِشَامٌ وَحَبِيبٌ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ سَلْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَاصِمٍ وَهِشَامٍ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنِ الرَّبَابِ عَنْ سَلْمَانَ بن عامر الضبي عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ سَلْمَانَ قَوْلَهُ. [الحديث 5471 - أطرافه في: 5472]. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي الأزرق أحد الأئمة الأعلام (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن سلمان بن عامر) الضبي بالضاد المعجمة والموحدة المشددة الصحابي -رضي الله عنه- ليس له في البخاري غير هذا الحديث أنه (قال: مع الغلام عقيقة) أي عقيقة مصاحبة له بعد ولادته فيعق عنه. (وقال حجاج) هو ابن منهال فيما وصله الطحاوي وابن عبد البر والبيهقي من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن حجاج بن منهال (حدّثنا حماد) هو ابن سلمة قال: (أخبرنا أيوب) السختياني (وقتادة) بن دعامة السدوسي الحافظ المفسر (وهشام) هو ابن حسان الأزدي (وحبيب) هو ابن الشهيد أربعتهم (عن ابن سيرين) محمد (عن سلمان) بن عامر -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا وقفه حماد بن زيد ورفعه الآخران كما ترى. وحماد بن سلمة وإن كان ليس على شرط المؤلّف لكنه يصلح للاستشهاد وقد وثقه غير واحد. (وقال غير واحد) منهم سفيان بن عيينة كما نبه عليه في الفتح (عن عاصم) هو ابن سليمان الأحول (وهشام) هو ابن حسان (عن حفصة بنت سيرين) أخت محمد بن سيرين (عن الرباب) بفتح الراء وبموحدتين مخففتين بينهما ألف صليع بالصاد والعين المهملتين ابن عامر الضبي (عن) عمها (سلمان بن عامر الضبي) وسقط ابن عامر الضبي لغير أبي ذر (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا وصله النسائي وأحمد من رواية ابن عيينة عن عاصم، وأبو داود والترمذي من رواية عبد الرزاق عن هشام، وابن ماجة من رواية عبد الله بن نمير عن هشام، وجماعة عن هشام عن حفصة بإسقاط

الرباب كذا أخرجه الدارمي والحارث بن أبي أسامة وغيرهما (ورواه يزيد بن إبراهيم) التستري (عن ابن سيرين) محمد (عن سلمان) بن عامر الضبي (قوله) موقوفًا غير مرفوع ووصله الطحاوي في المشكل فقال: حدّثنا محمد بن خزيمة، حدّثنا حجاج بن منهال، حدّثنا يزيد بن إبراهيم. 5472 - وَقَالَ أَصْبَغُ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ حَدَّثَنَا سَلْمَانُ بْنُ عَامِرٍ الضَّبِّيُّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَعَ الْغُلاَمِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى». (وقال أصبغ) بن الفرج (أخبرني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله (عن جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي (عن أيوب) بن أبي تميمة (السختياني عن محمد بن سيربن) أنه قال: (حدّثنا سلمان بن عامر الضيي) -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (مع الغلام عقيقة) مصاحبة له (فأهريقوا عنه) بهمزة قطع فصبوا عنه (دمًا) شاتين بصفة الأضحية عن الغلام وشاة عن الجارية رواه الترمذي وأبو داود والنسائي لأن الغرض استبقاء النفس فأشبهت الدّية لأن كلاًّ منهما فداء للنفس وتعين بذكر الشاة الغنم للعقيقة وبه جزم أبو الشيخ الأصبهاني، وقال البندنيجي من الشافعية: لا نص للشافعي في ذلك، وعندي لا يجزئ غيرها والجمهور على إجزاء الإبل والبقر أيضًا لحديث عند الطبراني عن أنس مرفوعًا: يعق عنه من الإبل والبقر والغنم: (وأميطوا عنه الأذى) أزيلوًا عنه بحلق رأسه كما جزم به الأصمعي، وأخرجه أبو داود بسند صحيح عن الحسن، لكن وقع عند الطبراني من حديث ابن عباس ويماط عنه الأذى ويحلق رأسه فعطفه عليه، فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس، ويؤيد ذلك أن في بعض الطرق مما رواه أبو الشيخ من حديث عمرو بن شعيب وتماط عنه أقذاره كالدم والختان. وقال الطيبي: قوله (فأهريقوا) حكم مرتب عليه الوصف المناسب المشعر بالعلية أي مقرون مع الغلام ما هو سبب لإهراق الدم، فالعقيقة هي ما يصحب المولود من الشعر والمراد بإهراق الدم العقيقة من الشاة فيكون ذبح الشاة وإزالة الشعر مرتبين على ما يصحب المولود والتعريف في الأذى للعهد والمعهود الشعر، وإليه أشار محيي السُّنَّة بقوله: العقيقة اسم للشعر الذي يحلق من رأس الصبي عند ولادته فسميت الشاة عقيقة على المجاز إذ كانت تذبح عند حلاق الشعر، وتعليق أصبغ هذا وصله الطحاوي عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب به، وهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا. والحديث مرفوع لا تضره رواية الوقف والله الموفق. 0000 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ قَالَ: أَمَرَنِي ابْنُ سِيرِينَ أَنْ أَسْأَلَ الْحَسَنَ: مِمَّنْ سَمِعَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: مِنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي الأسود) هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود واسم أبي الأسود حميد قال: (حدّثنا قريش بن أنس) بضم القاف وفتح الراء بعدها تحتية ساكنة فشين معجمة البصري ليس له في البخاري غير هذا (عن حبيب بن الشهيد) بفتح الحاء المهملة وكسر الموحدة والشهيد بالشين المعجمة وكسر الهاء أنه (قال: أمرني ابن سيرين) محمد (أن أسأل الحسن) البصري (ممن سمع حديث العقيقة) أي المروي في السنن عنه مرفوعًا بلفظ: الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويسمى، ومعنى مرتهن قيل لا ينمو نموّ مثله حتى يعق عنه. وقال الخطابي: وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل أنه إذا لم يعق عنه لم يشفع في والديه يوم القيامة. وتعقب بأن لفظ الحديث لا يساعد المعنى الذي أتى به بل بينهما من المباينة ما لا يخفى على عموم الناس فضلًا عن خصومهم، والمعنى إنما يؤخذ عن اللفظ وعند اشتراك اللفظ عن القرينة التي يستدل بها عليه، والحديث إذا استبهم معناه فأقرب السبب إلى إيضاحه استيفاء طرقه فإنها قلما تخلو عن زيادة أو نقصان أو إشارة بالألفاظ المختلف فيها فيستكشف بها ما أبهم منه. وفي بعض طرق هذا الحديث كل غلام رهينة بعقيقته أي مرهون، والمعنى أنه كالشيء المرهون لا يتم الانتفاع والاستمتاع به دون فكه، والنعمة إنما تتم على المنعم عليه بقيامه بالشكر ووظيفة الشكر في هذه النعمة ما سنّه نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو أن يعق عن المولود شكرًا لله تعالى

3 - باب الفرع

وطلبًا لسلامة المولود، ويحتمل أنه أراد بذلك أن سلامة المولود ونشأه على النعت المحبوب رهينة بالعقيقة هذا هو المعنى اللهم إلا أن يكون التفسير الذي سبق ذكره متلقى من قبل الصحابي ويكون الصحابي قد اطّلع على ذلك من مفهوم الخطاب أو قضية الحال، ويكون التقدير شفاعة الغلام لأبويه مرتهنة بعقيقته. وتعقبه الطيبي فقال: لا ريب أن الإمام أحمد ما ذهب إلى هذا القول إلا بعد ما تلقى عن قول الصحابة والتابعين وهو إمام جليل يجب أن يتلقى كلمه بالقبول ويحسن الظن به فقوله لا يتم الانتفاع والاستمتاع به دون فكه يقتضي عمومه في الأمور الأخروية والدنيوية ونظر الألباء مقصور على الأول وأولى الانتفاع بالأولاد في الآخرة الشفاعة في الوالدين انتهى. وقيل: المعنى أن العقيقة لازمة لا بدّ منها فشبه المولود في لزومها له وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن وهذا يقوي القول بالوجوب وقوله تذبح عنه يوم السابع تمسك به من قال: إنها مؤقتة بالسابع فإن ذبح قبله لم تقع الموقع وأنها تفوت بعده، وبه قال مالك، وقال أيضًا: إن مات قبل السابع سقطت، ونقل الترمذي أنه يوم السابع فإن لم يتهيأ فالرابع عشر فإن لم يتهيأ فأحد وعشرون وورد فيه حديث ضعيف، وذكر الرافعي أنه يدخل وقتها بالولادة ثم قال: والاختيار أنها لا تؤخر عن البلوغ فإن أخّرت إلى البلوغ سقطت عمن كان يريد أن يعق عنه لكن إن أراد هو أن يعق عن نفسه فعل واختاره القفال، ونقل عن نص الشافعي في البويطي أنه لا يعق عن كبير. قال ابن الشهيد: (فسألته فقال) أي الحسن سمعته (من سمرة بن جندب) الصحابي الكوفي الفزاري وقريش صدوق مشهور وثقه ابن معين والنسائي لكنه تغير قبل موته. قال النسائي: بست سنين، وكذا قال البخاري في الضعفاء. زاد ابن حبان فقال: حتى كان لا يدري ما يحدث به فظهر في روايته أشياء مناكير لا تشبه حديثه القديم، فلما ظهر ذلك من غير أن يتميز مستقيم حديثه من غيره لم مجز الاحتجاج به فيما انفرد به وأما ما وافق فيه الثقات فهو المعتبر وليس له في البخاري سوى هذا. وأخرجه الترمذي عن البخاري عن ابن المديني وقد توقف البندنيجي في صحة هذا الحديث كما نقله في الفتح لما ذكر من اختلاط قريش وزعم أنه تفرّد به وأنه وهم. قال ابن حجر: قد وجدنا له متابعًا أخرجه أبو الشيخ والبزار عن أبي هريرة وأيضًا فسماع ابن المديني وأقرانه من قريش كان قبل اختلاطه والله أعلم. 3 - باب الْفَرَعِ (باب الفرع) بفتح الفاء والراء وبالعين المهملة. قال في القاموس: هو أوّل ولد تنتجه الناقة أو الغنم كانوا يذبحونه لآلهتهم أو كانوا إذا تمت إبل واحد مائة قدّم بكره فنحره لصنمه، وكان المسلمون يفعلونه في صدر الإسلام ثم نسخ انتهى. ويأتي إن شاء الله تعالى في حديث الباب تفسيره. 5473 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ فَرَعَ وَلاَ عَتِيرَةَ» وَالْفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ، كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لَطِوَاغِيتِهِمْ. وَالْعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ. [الحديث 5473 - أطرافه في: 5474]. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي قال: (حدّثنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد قال: (أخبرنا الزهري) محمد بن مسلم (عن ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا فرع ولا عتيرة) بفتح العين المهملة وكسر الفوقية وبعد التحتية الساكنة راء فهاء تأنيث فعيلة بمعنى مفعولة والتعبير بلفظ النفي، والمراد النهي كما في رواية النسائي والإسماعيلي: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأحمد: "لا فرع ولا عتيرة في الإسلام" (والفرع أوّل النتاج كانوا) في الجاهلية (يذبحونه لطواغيتهم) لأصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله (والعتيرة) النسيكة التي تعتر أي تذبح وكانوا يذبحونها (في) العشر الأول من (رجب) ويسمونها الرجبية، وقد صرّح عبد المجيد بن أبي داود عن معمر فيما أخرجه أبو قرّة موسى بن طارق في السنن له بأن تفسير الفرع والعتيرة من قول الزهري، وزاد أبو داود بعد قوله: يذبحونه لطواغيتهم عن بعضهم ثم يأكلونه ويلقى جلده على الشجر وفيه إشارة إلى علة النهي، واستنبط منه الجواز إذا كان الذبح لله جمعًا بينه وبين

4 - باب العتيرة

حديث أبي داود والنسائي والحاكم من رواية داود بن قيس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو كذا في رواية الحاكم قال: سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الفرع؟ قال: "الفرع حق وإن تتركه حتى يكون بنت مخاض أو ابن لبون فتحمل عليه في سبيل الله أو تعطيه أرملة خير من أن تذبحه يلصق لحمه بويره" وقوله: حق أي ليس بباطل، وهو كلام خرج على جواب السائل فلا مخالفة بينه وبين حديث إلا فرع ولا عتيرة" فإن معناه لا فرع واجب ولا عتيرة واجبة، وقال النووي: نص الشافعي في حرملة على أن الفرع والعتيرة مستحبان. 4 - باب الْعَتِيرَةِ (باب العتيرة). 5474 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ فَرَعَ وَلاَ عَتِيرَةَ. قَالَ وَالْفَرَعَ أَوَّلُ نِتَاجٍ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ، كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ. وَالْعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال الزهري) حال كونه (حدّثنا عن سعيد بن المسيب) وسقط لأبي ذر وابن عساكر لفظ حدّثنا (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا فرع ولا عتيرة: قال: والفرع أول نتاج) وللكشميهني: نتاج كذا في اليونينية (كان ينتج لهم) بضم أوله وفتح ثالثه يقال: نتجت الناقة بضم النون وكسر التاء الفوقية إذا ولدت ولا يستعمل هذا الفعل إلا هكذا وإن كان مبنيًّا للفاعل (كانوا يذبحونه لطواغيتهم) جمع طاغية ما كانوا يعبدونه من الأصنام وغيرها. (والعتيرة) ما كانوا يذبحونه (في رجب) وفي حديث نبيشة بنون ومعجمة عن أبي داود والنسائي قال: نادى رجل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنّا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا؟ قال: "اذبحوا لله أي شهر كان" قال: كنا نفرع في الجاهلية. قال: "في كل سائمة فرع" بعدد ماشيتك إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه فإن ذلك خير ففيه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبطل الفرع والعتيرة من أصلهما وإنما أبطل صفة كلٍّ منهما فمن الفرع كونه يذبح أوّل ما يولد ومن العتيرة خصوص الذبح في رجب. (بسم الله الرحمن الرحيم) رقم في الفرع وأصله على البسملة علامة سقوطها لأبي ذر، وفي الفتح ثبوتها لأبي الوقت سابقة على اللاحق وبعده للنسفي. بسم الله الرحمن الرحيم 72 - كتاب الذبائح والصيد 1 - باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الصَّيْدِ وَقَوْلِ اللهِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحِكُمْ} الآيَةُ. وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْعُقُودُ: الْعُهُودُ، مَا أُحِلَّ وَحُرِّمَ. إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ: الْخِنْزِيرُ، يَجْرِمَنَّكُمْ: يَحْمِلَنَّكُمْ. شَنَآنُ: عَدَاوَةُ. الْمُنْخَنِقَةُ تُخْنَقُ فَتَمُوتُ. الْمَوْقُوذَةُ: تُضْرَبُ بِالْخَشَبِ، يُوقِذُهَا فَتَمُوتُ. وَالْمُتَرَدِّيَةُ: تَتَرَدَّى مِنَ الْجَبَلِ. وَالنَّطِيحَةُ تُنْطَحُ الشَّاةُ، فَمَا أَدْرَكْتَهُ يَتَحَرَّكُ بِذَنَبِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ فَاذْبَحْ وَكُلْ. جمع ذبيحة بمعنى مذبوحة. (باب التسمية على الصيد) وأصل الصيد مصدر ثم أطلق على المصيد كقوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر} [المائدة: 96] و {لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرُم} [المائدة: 95] أو المراد في هذه الترجمة أحكام المصيد أو أحكام الصيد الذي هو المصدر ولأبي ذر باب الذبائح والصيد والتسمية على الصيد برفع التسمية على الابتداء ولابن عساكر باب التسمية على الصيد كذا في الفرع كأصله وقال في الفتح: سقط باب لكريمة والأصيلي وثبت للباقين. (وقول الله) عز وجل: ({حرّمت عليكم الميتة}) أي البهيمة التي تموت حتف أنفها (إلى قوله) تعالى: ({فلا تخشوهم}) أي بعد إظهار الدين وزوال الخوف من الكفار وانقلابهم مغلوبين بعد ما كانوا غالبين ({واخشون}) [المائدة: 3] بغير ياء وصلًا ووقفًا أي أخلصوا إليّ الخشية، وثبت لأبي ذر وابن عساكر: وقول الله: {حرمت} إلى آخره. (وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم}) [المائدة: 94] (الآية). ومعنى يبلو يختبر وهو من الله تعالى لإظهاره ما علم من العبد على ما علم منه لا ليعلم ما لم يعلم ومن للتبعيض إذ لا يحرم كل صيد أو لبيان الجنس، وقلل في قوله: {بشيء من الصيد} ليعلم أنه ليس من الفتن العظام وتناله صفة لشيء وقوله: {تناله} إلى آخره ثابت لابن عساكر ولغير أبي ذر بعد قوله: {من الصيد} إلى قوله: {عذاب أليم}. (وقوله جلّ ذكره: {أُحلّت لكم بهيمة الأنعام}) والبهيمة كل ذات أربع قوائم في البر والبحر وإضافتها إلى الأنعام للبيان وهي بمعنى من كخاتم فضة ومعناه البهيمة من الأنعام وهي الأزواج الثمانية، وقيل بهيمة الأنعام الظباء وبقر الوحش ونحوها ({إلا ما يتلى عليكم}) [المائدة: 10] آية تحريمه، وهو قوله تعالى: {حرمت

عليكم الميتة} الآية (-إلى قوله-: {فلا تخشوهم واخشون}) وسقط هذا لابن عساكر. (وقال ابن عباس): مما وصله ابن أبي حاتم (العقود) أي (العهود ما أحل وحرّم) بضم أولهما للمفعول {إلا ما يتلى عليكم} أي (الخنزير) ولفظ ابن أبي حاتم يعني الميتة والدم ولحم الخنزير، وقوله تعالى: ({يجرمنكم}) أي: لا (يحملنكم {شنآن}) أي (عداوة) {قوم} [المائدة: 8]. (المنخنقة) هي التي (تخنق) بضم أوّله وفتح ثالثه (فتموت. الموقوذة) التي (تضرب بالخشب يوقذها) وللأصيلي توقذ بالفوقية وفتح القاف أي تضرب بعصا أو حجر (فتموت. والمتردية) التي (تتردّى من الجبل، والنطيحة تنطح الشاة) بضم الفوقية وفتح الطاء والشاة بالرفع أي هي التي تموت بسبب نطح غيرها لها (فما أدركته) بفتح التاء على الخطاب وسكون الكاف حال كونه (يتحرك بذنبه) بفتح النون (أو بعينه فاذبح وكل) وما لا فلا. وسقط الواو من والمتردية والنطيحة لأبي ذر. 5475 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ قَالَ: «مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ، فَكُلْهُ. وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَهْوَ وَقِيذٌ». وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَيْدِ الْكَلْبِ فَقَالَ: «مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ، وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ، أَوْ كِلاَبِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ، فَخَشِيتَ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مَعَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ فَلاَ تَأْكُلْ فَإِنَّمَا ذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تَذْكُرْهُ عَلَى غَيْرِهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة (عن عامر) هو الشعبي (عن عدي بن حاتم) بالحاء المهملة ابن عبد الله بن سعد بن الحشرج بفتح الحاء المهملة وسكون الشين المعجمة وفتح الراء بعدها جيم أبي طريف بالطاء المهملة المفتوحة آخره فاء الطائي الصحابي، وكان ممن ثبت في الردّة وحضر فتوح العراق وحروب عليّ، وأسلم سنة الفتح وأبوه حاتم هو المشهور بالجود وكان هو أيضًا جوادًا، وعاش إلى سنة ثمان وستين فتوفي بها عن مائة وعشرين سنة وقيل وثمانين (-رضي الله عنه-) أنه (قال: سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) حكم (صيد المعراض) بكسر الميم وسكون المهملة وبعد الراء ألف فضاد معجمة. قال النووي: خشبة ثقيلة أو عصا في طرفها حديدة وقد تكون بغير حديدة هذا هو الصحيح في تفسيره، وقال في القاموس: سهم بل ريش دقيق الطرفين غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حدّه، وقال ابن دقيق العيد: عصا رأسها محدّد فإن أصاب بحدّه أكل وإن أصاب بعرضه فلا. وقال ابن سيده: كابن دريد سهم طويل له أربع قذذ رقاق فإذا رمى به اعترض (قال) عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر فقال: (ما أصاب) الصيد (بحدّه) أي بحدّ المعراض (فكله) لأنه ذكي (وما أصاب) الصيد (بعرضه) بعرض المعراض (فهو وقيذ) بفتح الواو وكسر القاف وبعد الياء الساكنة التحتية ذال معجمة فعيل بمعنى مفعول ميت بسبب ضربه بالمثقل كالمقتول بعصا أو حجر فلا تأكله فإنه حرام. قال عديّ: (وسألته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن صيد الكلب؟ فقال: ما أمسك عليك) بأن لا يأكل منه (فكل) منه (فإن أخذ الكلب) الصيد بسكون الخاء المعجمة مصدر مضاف إلى فاعله ومفعوله محذوف وهو الصيد كما ذكر وخبر إن قوله (ذكاة) له فيحل أكله كما يحل أكل المذكاة (وإن) ولأبي ذر وابن عساكر فإن (وجدت مع كلبك) الذي أرسلته ليصطاد (أو) مع (كلابك كلبًا غيره) استرسل أو أرسله مجوسي أو وثني أو مرتدّ (فخشيت أن يكون) الكلب الذي لم ترسله (أخذه) أي أخذ الصيد (معه) مع الذي أرسلته (وقد قتله فلا تأكل) منه (فإنما ذكرت اسم الله على كلبك ولم تذكره على غيره) ولأبي ذر: ولم تذكر بحذف الضمير، وفي بعض طرق الحديث كما في الباب اللاحق وغيره: إذا أرسلت كلبك وسميت فكُل، وفي أخرى إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكُل، ففيه مشروعية التسمية وهي محل وفاق، لكنهم اختلفوا هل هي شرط في حل الأكل فذهب الشافعي في جماعة وهي رواية عن مالك وأحمد إلى السنية فلا يقدح ترك التسمية، وذهب أحمد في الراجح عنده إلى الوجوب لجعلها شرطًا في حديث عدي، وذهب أبو حنيفة ومالك والجمهور إلى الجواز عند السهو، وفيه أنه لا يحل أكل ما شاركه فيه كلب آخر في اصطياده ومحله ما إذا استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الذكاة فإن تحقق أنه أرسله

2 - باب صيد المعراض

من هو أهل للذكاة حل ثم ينظر فإن أرسلا معًا فهو لهما وإلاَّ فللأول، ويؤخذ ذلك من التعليل في قوله فإنما سميت على كلبك ولم تسمي على غيره، فإن مفهومه أن المرسل إذا سمى على الكلب حلّ. وهذا الحديث سبق في باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان من غير ذكر المعراض من الطهارة، وفي باب تفسير المشبهات من البيوع، ورواه مسلم في الصيد وكذا الترمذي والنسائي وابن ماجة. 2 - باب صَيْدِ الْمِعْرَاضِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْمَقْتُولَةِ بِالْبُنْدُقَةِ: تِلْكَ الْمَوْقُوذَةُ. وَكَرِهَهُ سَالِمٌ وَالْقَاسِمُ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَكَرِهَ الْحَسَنُ رَمْيَ الْبُنْدُقَةِ فِي الْقُرَى وَالأَمْصَارِ، وَلاَ يَرَى بَأْسًا فِيمَا سِوَاهُ. (باب) حكم (صيد المعراض) بفتح الصاد، وفي اليونينية بكسرها. (وقال ابن عمر) -رضي الله عنهما- فيما وصله البيهقي من طريق أبي عامر العقدي عن زهير هو ابن محمد عن زيد بن أسلم عن ابن عمر أنه كان يقول (في المقتولة بالبندقة تلك الموقوذة) لأنها مقتولة بمثقل لا بمحدّد (وكرهه) أي المقتول بالبندقة (سالم) أي ابن عبد الله بن عمر (والقاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- مما وصله عنهما ابن أبي شيبة من طريق الثقفي عن ابن عمر عنهما (ومجاهد) أي ابن جبر المفسر مما وصله ابن أبي شيبة أيضًا عن ابن المبارك عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، (وإبراهيم) النخعي مما أخرجه ابن أبي شيبة أيضًا عن حفص عن الأعمش عنه، (وعطاء) أي ابن أبي رباح مما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عنه، (والحسن) البصري مما أخرجه ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن هشام عنه وألفاظهم متقاربة (وكره الحسن) البصري أيضًا (رمي البندقة في القرى والأمصار) خوف إصابة الناس (ولا يرى به) بالرمي بالبندقة (بأسًا فيما سواه) من الصحراء والأمكنة الخالية من الناس لانتفاء المحذور فيها. 5476 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ: «إِذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، فَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلاَ تَأْكُلْ». فَقُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي؟ قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ». قُلْتُ: فَإِنْ أَكَلَ؟ قَالَ: «فَلاَ تَأْكُلْ. فَإِنَّهُ لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ، إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ». قُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ؟ قَالَ: «لاَ تَأْكُلْ فَإِنَّكَ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى آخَرَ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) أبو أيوب الواشحي الأزديّ البصري قاضي مكة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الله بن أبي السفر) بفتح المهملة والفاء سعيد الهمدانيّ الكوفيّ (عن الشعبيّ) عامر بن شراحيل أنه (قال: سمعت عديّ بن حاتم -رضي الله عنه- قال: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن المعراض) أي عن حكم الصيد به وهو خشبة في رأسها كالزج يلقيها الفارس على الصيد فربما أصابته الحديدة فقتلته وأراقت دمه فيجوز أكله كالسيف والرمح وربما أصابته الخشبة فترضه (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذا أصبت) الصيد (بحدّه) بحد المعراض (فكُل) فإنه ذكاته (فإذا أصاب) المعراض الصيد (بعرضه) أي بغير طرفه المحدد ولأبي ذر لماذا أصبت بعرضه (فقتل فإنه وقيذ) لأنه في معنى الخشبة الثقيلة أو الحجر. قال في القاموس: الوقذ شدّة الضرب وشاة وقيذ وموقوذة قتلت بالخشبة (فلا تأكل) لأنه ميتة قال عدي: (فقلت) يا رسول الله (أرسل كلبي قال) عليه الصلاة والسلام: (إذا أرسلت كلبك) أي المعلم كما في رواية أخرى (وسميت) الله عز وجل (فكُل) فيه تعليق حل الأكل على الإرسال والتسمية. ومبحث ذلك قد مرّ قريبًا في الباب السابق، واحتجوا له بأن المعلق بالوصف منفيّ عند انتفائه عند من يقول بالمفهوم والشرط أقوى من الوصف ويتأكد القول بالوجوب بأن الأصل تحريم الميتة وما أذن فيه منها يراعى صفته فالمسمى عليه وافق الوصف وغير المسمى عليه باقٍ على أصل التحريم، وفي قوله: إذا أرسلت اشتراط الإرسال للحل. قال عدي: (قلت) يا رسول الله (فإن أكل) الكلب من الصيد، (قال) عليه الصلاة والسلام: (فلا تأكل فإنه) أي الكلب (لم يمسك عليك) أي لم يحبسه لك، قال في الأساس: أمسك عليك زوجك وأمسكت عليه ماله حبسته (إنما أمسك) الصيد (على نفسه) بأكله منه (قلت أرسل) بضم الهمزة وفي اليونينية بفتحها (كلبي فأجد معه كلبًا آخر) استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الذكاة (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على) كلب (آخر) ولأبي ذر وابن عساكر: على الآخر. وهذا مذهب الجمهور وهو الراجح من قولي الشافعي. وفي القديم وهو قول مالك يحلّ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عند أبي داود أن أعرابيًّا يقال له: أبو ثعلبة قال: يا رسول الله إن لي كلابًا

3 - باب ما أصاب المعراض بعرضه

مكلبة فأفتني في صيدها. قال: "كل مما أمسكن عليك" قال: وإن أكل منه؟ قال: "وإن أكل منه" لكن في رجاله من تكلم فيه فالمصير إلى حديث عدي المروي في الصحيحين أولى لا سيما مع اقترانه بالتعليل المناسب للتحريم وهو خوف الإمساك على نفسه المتأيد بأن الأصل في الميتة التحريم، فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل، وظاهر القران أيضًا. ولئن سلمنا صحته فهو محمول على ما إذا أطعمه صاحبه منه أو أكل منه بعد ما قتله وانصرف، وسيكون لنا عودة لذكر شيء من هذه المسألة في باب: إذا أكل الكلب إن شاء الله تعالى. 3 - باب مَا أَصَابَ الْمِعْرَاضُ بِعَرْضِهِ (باب) حكم (ما أصاب المعراض) من الصيد (بعرضه). 5477 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نُرْسِلُ الْكِلاَبَ الْمُعَلَّمَةَ. قَالَ: «كُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ». قُلْتُ: وَإِنْ قَتَلْنَ. قَالَ: وَإِنْ قَتَلْنَ». قُلْتُ: وَإِنَّا نَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ قَالَ: «كُلْ مَا خَزَقَ وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلاَ تَأْكُلْ». وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة ولأبي ذر قتيبة قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن همام بن الحارث) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى النخعي الكوفي والألف واللام في الحارث للمح الصفة (عن عدي بن حاتم -رضي الله عنه-) أنه (قال: قلت: يا رسول الله إنا نرسل الكلاب المعلمة) للصيد والمعلمة بفتح اللام المشددة هي التي إذا أغراها صاحبها على الصيد طلبته إذا زجرها انزجرت إذا أخذت الصيد حبسته على صاحبها فلا تأكل من لحمه أو نحوه كجلده وحشوته قبل قتله أو عقبه مع تكرر لذلك يظن به تأديبها ومرجعه أهل الخبرة بالجوارح (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كل ما أمسكن عليك. قلت وإن قتلن. قال: وإن قتلن). جواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي وإن قتلن تأمرني بأكله؟ قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وإن قتلن فكل إذ هو ذكاته ما لم يشركها كلب ليس منها" وعند أبي داود "ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك". قلت: وإن قتل؟ قال: "إذا قتل ولم يأكل منه". قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بصيد البزاة والصقور بأسًا اهـ. وفيه التسوية في الشروط المذكورة بين جارحة السباع وجارحة الطير وهو ما نص عليه الشافعي كما نقله البلقيني كغيره ولم يخالفه أحد من الأصحاب وكلام الروضة وأصلها يخالف ذلك حيث خصّها بجارحة السباع وشرط في جارحة الطير ترك أكل فقط. قال عدي: (قلت) يا رسول الله (وإنا نرمي) الصيد (بالمعراض) بكسر الميم والباء باء الآلة وهو قول الخليل وأتباعه سهم لا ريش له ولا نصل وقال النووي: كالقاضي عياض وقال القرطبي: إنه المشهور خشبة ثقيلة آخرها عصًا محدد رأسها وقد لا يحدد وسبق ذلك مع غيره قريبًا (قال) عليه الصلاة والسلام: (كُل) بسكون اللام مخففة (ما خزق) بالخاء والزاي المعجمتين المفتوحتين المخففتين آخره قاف جرح ونفذ وطعن فيه قاله في الكواكب، وقال في القاموس: خزقه يخزقه طعنه فانخزق والخازق السنان، وقال في المطالع: خزق المعراض شق اللحم وقطعه (وما أصاب بعرضه) بغير طرفه المحدد (فلا تأكل) فإنه ميتة. 4 - باب صَيْدِ الْقَوْسِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ: إِذَا ضَرَبَ صَيْدًا فَبَانَ مِنْهُ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ لاَ تَأْكُلُ الَّذِي بَانَ، وَتَأْكُلُ سَائِرَهُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا ضَرَبْتَ عُنُقَهُ أَوْ وَسَطَهُ فَكُلْهُ، وَقَالَ الأَعْمَشُ عَنْ زَيْدٍ: اسْتَعْصَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللَّهِ حِمَارٌ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَضْرِبُوهُ حَيْثُ تَيَسَّرَ، دَعُوا مَا سَقَطَ مِنْهُ وَكُلُوهُ (باب) حكم (صيد القوس) قال في القاموس: القوس معروفة وقد يذكر تصغيرها قويسة وقويس والجمع قسى وقسي وأقواس وقياس. (وقال الحسن) البصري مما وصله ابن أبي شيبة بسند صحيح (وإبراهيم) النخعي مما وصله ابن أبي شيبة أيضًا بلفظ حدّثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة (إذا ضرب) الرجل (صيدًا فبان) فقطع (منه يد أو رجل لا يأكل الذي بان) أي الذي قطع لأنه أبين من حي سواء ذبحه بعد الإبانة أم جرحه ثانيًا أم ترك ذبحه بلا تقصير ومات بالجرح (ويأكل سائره) إذا مات، ولأبي ذر عن المستملي والحموي وكل بالجزم على الأمر. (وقال إبراهيم) النخعي أيضًا (إذا ضربت عنقه) أي عنق الصيد (أو وسطه) بفتح السين (فكله. وقال الأعمش) سليمان بن مهران مما وصله ابن أبي شيبة (عن زيد) أي ابن وهب أنه قال: (استعصى على رجل من آل عبد الله) بن مسعود، ولأبي ذر: على آل عبد الله أي ابن مسعود (حمار)

5 - باب الخذف والبندقة

وحشي (فأمرهم) عبد الله (أن يضربوه حيث تيسر) وقال: (دعوا ما سقط منه وكلوه). 5478 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابِ، أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ وَبِأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ، وَبِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ، فَمَا يَصْلُحُ لِي؟ قَالَ: «أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلاَ تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا. وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ. فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرَ مُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ». [الحديث 5478 - أطرافه في: 5488، 5496]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد) من الزيادة المقرئ أبو عبد الرحمن مولى عمر بن الخطاب القرشي العدوي قال: (حدّثنا حيوة) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية وفتح الواو بعدها تاء تأنيث ابن شريح بالشين المعجمة المضمومة والراء المفتوحة آخره حاء مهملة المصري (قال: أخبرني) الإفراد (ربيعة بن يزيد) من الزيادة (الدمشقي عن أبي إدريس) عائذ الله بالذال المعجمة الخولاني (عن أبي ثعلبة) بالمثلثة أوّله واسمه جرثوم عند الأكثر (الخشني) بالخاء المضمومة والشين المعجمتين -رضي الله عنه- أنه (قال: قلت يا نبي الله إنّا) يريد نفسه وقبيلته وهي خشين بطن من قضاعة كما قاله البيهقي والحازمي وغيرهما (بأرض قوم أهل كتاب) ولأبي ذر: من أهل الكتاب بالشام والجملة معمولة للقول (أفنأكل في آنيتهم) التي يطبخون فيها الخنزير ويشربون فيها الخمر، وعند أبي داود إنّا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم ويشربون في آنيتهم الخمر، والهمزة في أفنأكل للاستفهام والفاء عاطفة أي أتأذن لنا فنأكل في آنيتهم أو زائدة لأن الكلام سيق للاستخبار وآنية جمع إناء كسقاء وأسقية وجمع الآنية أوان (وبأرض صيد) من باب إضافة الموصوف إلى صفته لأن التقدير بأرض ذات صيد فحذف الصفة وأقام المضاف إليه مقامها وأحل المعطوف محل المعطوف عليه (أصيد بقوسي) جملة مستأنفة لا على لها من الإعراب أي أصيد فيها بسهم قوسي (و) أصيد فيها (بكلبي الذي ليس بمعلم وبكلبي المعلم فما يصلح لي) أكله من ذلك (قال) عليه الصلاة والسلام: (أما) بالتشديد حرف تفصيل (ما) موصول في موضع رفع مبتدأ صلته (ذكرت) أي ذكرته فالعائد محذوف (من) آنية (أهل الكتاب) وخبر المبتدأ (فإن وجدتم) أصبتم (غيرها) غير آنية أهل الكتاب (فلا تأكلوا فيها) إذ هي مستقذرة ولو غسلت كما يكره الشرب في المحجمة ولو غسلت استقذارًا (وإن لم تجدوا) غيرها (فاغسلوها وكلوا فيها) رخصة بعد الحظر من غير كراهة للنهي عن الأكل فيها مطلقًا وتعليق الإذن على عدم غيرها مع غسلها وفيه دليل لمن قال: إن الظن المستفاد من الغالب راجح على الظن المستفاد من الأصل، وأجاب من قال: بأن الحكم للأصل حتى تتحقق النجاسة بأن الأمر بالغسل محمول على الاستحباب احتياطًا جمعًا بينه وبين ما دل على التمسك بالأصل، وأما الفقهاء فإنهم يقولون إنه لا كراهة في استعمال أواني الكفار التي ليست مستعملة في النجاسة ولو لم تغسل عندهم وإن كان الأولى الغسل للاحتياط لا لثبوت الكراهة في ذلك (وما صدت بقوسك فذكرت) بالفاء ولأبي ذر بالواو؟ (اسم الله) عليه ندبًا وما شرطية وفاء فذكرت عاطفة على صدت وفي (فكُل) جواب الشرط وتمسك بظاهره من أوجب التسمية على الصيد والذبيحة وسبق ما فيه (وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك غير معلم) بنصب غير وخفضها (فأدركت ذكاته فكل). 5 - باب الْخَذْفِ وَالْبُنْدُقَةِ (باب) حكم (الخذف) بالخاء والذال المعجمتين والفاء وهو كما في المطالع وغيرها الرمي بحصى أو نوى بين سبابتيه وبين الإبهام والسبابة (و) حكم (البندقة) المتخذة من الطين وتيبس فيرمى بها. 5479 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَاللَّفْظُ لِيَزِيدَ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَخْذِفُ فَقَالَ لَهُ: لاَ تَخْذِفْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الْخَذْفِ أَوْ كَانَ يَكْرَهُ الْخَذْفَ. وَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ وَلاَ يُنْكَأ بِهِ عَدُوٌّ، وَلَكِنَّهَا قَدْ تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ. ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ فَقَالَ لَهُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْخَذْفِ أَوْ كَرِهَ الْخَذْفَ وَأَنْتَ تَخْذِفُ؟ لاَ أُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (يوسف بن راشد) القطان الرازي نزيل بغداد نسبه إلى جده لشهرته به واسم أبيه موسى قال: (حدّثنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح الكوفي (ويزيد بن هارون) من الزيادة الواسطي (واللفظ ليزيد) لا لوكيع (عن كهمس) بفتح الكاف والميم بينهما هاء ساكنة وآخره مهملة (ابن الحسن) التميمي نزيل البصرة (عن عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة مصغرًا ابن الحصيب الأسلمي (عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء المشددة المزني نزيل البصرة -رضي الله عنه- (أنه رأى رجلًا) لم أعرف اسمه، وزاد مسلم من

6 - باب من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية

أصحابه وله أيضًا أنه قريب لعبد الله بن مغفل (يخذف) يرمي بحصاة أو نواة بين سبابتيه والمخذفة خشبة يحذف بها والمقلاع قاله في القاموس (فقال له) ابن مغفل وسقط لفظ له لابن عساكر (لا تحذف فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن الخذف أو) قال: (كان يكره الخذف) بالشك. وفي رواية أحمد عن وكيع نهى عن الخذف بغير شك وأخرجه عن محمد بن جعفر عن كهمس بالشك وبين أن الشك من كهمس (وقال: إنه لا يصاد به صيد) لأنه يقتل بقوّة الرامي لا بحد البندقة فكل ما قتل بها حرام باتفاق إلا من شذ (ولا ينكأ به عدوّ) بضم أوله وسكون النون وفتح الكاف مهموزًا ولغير أبي ذر ولا ينكى بضم الياء وفتح الكاف بلا همز كذا في الفرع كأصله، لكن قال القاضي عياض: الرواية بفتح الكاف وهمزة في آخره وهي لغة والأشهر بكسر الكاف بغير همزة ومعناه المبالغة في الأذى، (ولكنها) أي البندقة أو الرمية (قد تكسر السن وتفقأ العين ثم رآه بعد ذلك يخذف فقال له: أحدثك عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه نهى عن الخذف أو كره الخذف وأنت تخذف لا أكلمك كذا وكذا). وعند مسلم من رواية سعيد بن جبير: لا أكلمك أبدًا وإنما فعل ذلك لأنه خالف السنة ولا يدخل في النهي عن الهجران فوق ثلاث لأنه لمن هجر لحظ نفسه، والمعنى في النهي عن الخذف لما فيه من التعريض للحيوان بالتلف لغير مأكلة وهو منهي عنه، فلو أدرك ذكاة ما رمى بالبندق ونحوه فيحل أكله، ومن ثم اختلف في جوازه فصرح في الذخائر بمنعه وبه أفتى ابن عبد السلام وجزم النووي بحله لأنه طريق إلى الاصطياد والتحقيق التفصيل، فإن كان الأغلب من حال الرامي ما ذكر في الحديث امتنع وإلاّ جاز. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الذبائح، والنسائي في الدّيات. 6 - باب مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ (باب من اقتنى) أي اتخذ (كلبًا) والقنية للشيء اتخاذه وادّخاره عنده (ليس بكلب صيد أو ماشية). 5480 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيَةٍ، نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطَانِ». [الحديث 5480 - أطرافه في: 5481، 5482]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي بالقاف والسين المهملة الساكنة قال: (حدثنا عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من اقتنى) أي ادّخر عنده (كلبًا ليس بكلب ماشية) يحرسها (أو) كلب جماعة (ضارية) فهو استعارة صفة للجماعة الضارين أصحاب الكلاب الضارية على الصيد يقال: ضرس على الصيد ضراوة أي تعوّد ذلك واستمر عليه، وضري الكلب وأضراه صاحبه أي عوّده وأغراه بالصيد والجمع ضوار أو هو من باب التناسب إذ كان الأصل هنا أن يقول أو ضار لكنه أنث للتناسب للفظ ماشية نحو: لا دريت ولا تليت وكان حقه أن يقول تلوت (نقص) بلفظ الماضي (كل يوم) في كل يوم (من عمله قيراطان) لامتناع دخول الملائكة منزله أو لما يلحق المارة من الأذى من ترويع الكلب لهم وقصده إياهم، وللأصيلي وابن عساكر: قيراطين بالياء بعد الطاء بدل الألف لأن نقص يستعمل لازمًا ومتعديًا باعتبار اشتقاقه من النقصان والنقص، فنصب قيراطين على أنه معتد وفاعله ضمير يعود على الاقتناء المفهوم من قوله: اقتنى كلبًا والرفع على أنه لازم أو على أنه معتد مبني للمفعول والأخير ثابت في غير الفرع والقيراط في الأصل نصف دانق، والمراد به هنا مقدار معلوم عند الله أي نقص جزأين من أجزاء عمله. وسبق في المزارعة من حديث أبي هريرة قيراط بلفظ الإفراد وجمع بينهما باحتمال أن يكون ذلك في نوعين من الكلاب: أحدهما أشد أذى من الآخر أو باختلاف المواضع فيكون القيراطان في المدائن والقرى والقيراط في البوادي أو كان في زمانين فذكر القيراط أولًا ثم زاد التغليظ فذكر القيراطين. 5481 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ سَالِمًا يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلاَّ كَلْبٌ ضَارٍ لِصَيْدٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ». وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) البلخي قال: (أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان) الأسود بن عبد الرحمن (قال: سمعت سالمًا يقول: سمعت عبد الله بن عمر) وسقط لأبي ذر لفظ عبد الله -رضي الله عنه- (يقول: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

يقول) في محل الحال من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال الفارسي: مفعول ثانٍ لسمع. (من اقتنى كلبًا إلا كلب) أي غير كلب (ضار لصيد) بتنوين كلب مع الرفع وضار بلا ياء كذا في الفرع كأصله يعني صفة لكلب، وفي غير الفرع وأصله: إلا كلب ضار بفتح كلب بلا تنوين مضاف لضار من إضافة الموصوف إلى صفته للبيان نحو شجر الأراك أو ضار صفة للرجل الصائد أي إلا كلب الرجل المعتاد للصيد، وفي بعض النسخ ضاري بإثبات الياء على اللغة القليلة في إثباتها مع حذف الألف واللام، ولأبي ذر في الفرع وأصله: إلا كلبًا ضارَيًا بإثبات الياء مع النصب فيهما وهو واضح، وإلا بمعنى غير صفة لكلب لتعذر الاستثناء ويجوز أن تنزل النكرة منزلة المعرفة فيكون استثناء أي غير كلب صيد، وقيد ابن الحاجب مجيئها صفة بأن تكون تابعة لجمع منكور غير محصور كقوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء: 22] وكذلك هي هنا لأن قوله كلب أراد به جنس الكلاب. فإن قلت: كيف يصح أن تكون إلا صفة وهي حرف وإن كانت بمعنى غير والحرف لا يوصف ولا يوصف به والواقع بعد إلا قوله الله وهو اسم علم والعلم يوصف ولا يوصف به؟ أجيب: بأن شرط الصفة أن تكون اسمًا لأنها من خواص الأسماء وأن يكون في ذلك الاسم عموم ومعنى فعل وكل واحدة من هاتين الكلمتين على انفرادهما عارٍ من هذا الشرط فإذا اجتمعا أدّى زيد مثلًا معنى الاسمية وأدّت إلا معنى المغايرة فقاما مقام الصفة بمجموعهما بخلاف انفرادهما ألا ترى أنك تقول: دخلت إلى رجل في الدار فيكون الحرف مع الاسم في موضع الصفة لرجل وكل واحد منهما على انفراده لا يجوز أن يكون صفة. (أو كلب ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان) بالرفع فاعل ينقص ولابن عساكر: بالنصب على استعمال نقص متعديًّا وظاهر قوله من أجره أن النقص ليس في العمل بل في الأجر، ويحتمل أن النقص في الأجر بالتبعية لنقص العمل على معنى أنه لم يوفق لتمامه بل وقع مختلاًّ بمقدار القيراطن من العمل. 5482 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارٍ نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن نافع عن عبد الله بن عمر) سقط لابن عساكر لفظ عبد الله أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من اقتنى كلبًا إلا كلب ماشية أو ضار) بحذف الياء مع التخفيف كقاض أي أو كلب ضار لصيد ولأبي ذر والأصيلي ضاريًا بإثبات الياء والنصب أي إلا كلبًا ضاريًا (نقص من عمله كل يوم قيراطان). زاد مسلم في حديث الباب من طريق سالم عن أبيه عبد الله بن عمر، وكان أبو هريرة يقول: أو كلب حرث، وكان صاحب حرث. وفي حديث أبي هريرة في باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم إلا كلب حرث أو ماشية. واستشكل الجمع بين حصري الحديثين إذ مقتضاهما التضاد من حيث إن في حديث الباب الحصر في الماشية والصيد، ويلزم منه إخراج كلب الزرع، وفي حديث أبي هريرة الحصر في الحرث والماشية ويلزم منه إخراج كلب الصيد. وأجاب في الكواكب: بأن مدار أمر الحصر على المقامات واعتقاد السامعين لا على ما في الواقع فالمقام الأول اقتضى استثناء كلب الصيد والثاني اقتضى استثناء كلب الحرث فصارًا مستثنيين ولا منافاة في ذلك، ولمسلم من طريق الزهري عن أبي سلمة: إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية، ولمسلم أيضًا والنسائي من وجه آخر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بلفظ: "من اقتنى كلبًا ليس كلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراطان". قال في الفتح: زيادة الزرع أنكرها ابن عمر ففي مسلم من طريق عمرو بن دينار عنه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب غنم، فقيل لابن عمر إن أبا هريرة يقول: أو كلب زرع. فقال ابن عمر: إن لأبي هريرة زرعًا، ويقال إن ابن عمر أراد بذلك الإشارة إلى تثبيت رواية أبي هريرة وإن سبب حفظه لهذه الزيادة دونه أنه كان صاحب زرع دونه ومن كان مشتغلًا

7 - باب إذا أكل الكلب. وقوله تعالى: {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين} الصوائد والكواسب اجترحوا اكتسبوا {تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم} -إلى قوله- {سريع الحساب}. وقال ابن عباس: إن أكل الكلب فقد أفسده، إنما أمسك على نفسه، والله يقول: {تعلمونهن مما علمكم الله} فتضرب وتعلم حتى يترك. وكرهه ابن عمر. وقال عطاء إن شرب الدم ولم يأكل فكل

بشيء احتاج إلى تعرف أحواله. 7 - باب إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} الصَّوَائِدُ وَالْكَوَاسِبُ اجْتَرَحُوا اكْتَسَبُوا {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- {سَرِيعُ الْحِسَابِ}. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ أَكَلَ الْكَلْبُ فَقَدْ أَفْسَدَهُ، إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَاللَّهُ يَقُولُ: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} فَتُضْرَبُ وَتُعَلَّمُ حَتَّى يَتْرُكَ. وَكَرِهَهُ ابْنُ عُمَرَ. وَقَالَ عَطَاءٌ إِنْ شَرِبَ الدَّمَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ هذا (باب) بالتنوين (إذا أكل الكلب) أي من الصيد حرم أكله ولو كان الكلب معلمًا واستؤنف تعليمه كما في المجموع لفساد التعليم الأول من حينه لا من أصله. (وقوله تعالى: {يسألونك}) في السؤال معنى القول فلذا وقع بعده ({ماذا أُحل لهم}) كأنه قيل يقولون لك ماذا أحل لهم وإنما لم يقل ماذا أحل لنا حكاية لما قالوا لأن يسألونك بلفظ الغيبة كقولك: أقسم زيد ليفعلن ولو قيل لأفعلن وأحل لنا لكان صوابًا، وماذا مبتدأ وأحل لهم خبره كقولك: أيّ شيء أحل لهم ومعناه ماذا أحل لهم من المطاعم كأنهم حين تلي عليهم ما حرم عليه من خبيثات المآكل سألوا عما أحل لهم منها فقال: ({قل أحل لكم الطيبات}) أي ما ليس بخبيث منها وهو كل ما لم يأت تحريمه في كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس ({وما علمتم}) عطف على الطيبات أي أحل لكم الطيبات وصيد ما علمتم فحذف المضاف ({من الجوارح}) أي من الكواسب من سباع البهائم والطير كالكلب والفهد والنمر والعقاب والصقر والباز والشاهين وسقط لأبي ذر قوله قل أحل لهم الخ وقال: بعد قوله: {أحل لهم} الآية ({مكلبين}) حال من علمتم، وفائدة هذه الحال مع أنه استغنى عنها بعلمتم أن يكون من يعلم الجوارح موصوفًا بالتكليب والمكلب مؤدب الجوارح ومعلمها مشتق من الكلب لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب فاشتق من لفظه لكثرته في جنسه، أو لأن السبع يسمى كلبًا أو من الكلب الذي بمعنى الضراوة يقال: هو كلب كذا إذا كان ضاربًا به. (الصوائد) جمع صائدة (والكواسب) جمع كاسبة صفة قال العيني: للجوارح، وقال ابن حجر: للكلاب، وسقطت الواو الأولى لأبي ذر عن الحموي والمستملي أي الكلاب الصوائد. (اجترحوا) أي (اكتسبوا) كذا فسرها أبو عبيد ذكرها المؤلّف استطرادًا إشارة إلى أن الاجتراح يطلق على الاكتساب، وليس من الآية المسوقة هنا بل معترض بين: مكلبين وتعلمونهن. ({تعلمونهن مما علمكم الله}) من علم التكليب ({فكلوا مما أمسكن عليكم}) الإمساك أن لا يأكل منه فإن أكل منه لم يؤكل إذا كان صيد كلب ونحوه فأما صيد البازي ونحوه فأكله لا يحرمه (-إلى قوله- {سريع الحساب}) [المائدة: 4] يحاسبكم على أفعالكم ولا يلحقه فيه لبث وسقط لأبي ذر {تعلمونهن} إلى آخره. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله سعيد بن منصور: (إن أكل الكلب) مما صاده (فقد أفسده) على صاحبه بإخراجه عن صلاحيته للأكل لأنه (إنما أمسك على نفسه) بأكله منه (والله) تعالى (يقول: {تعلمونهن مما علمكم الله} فتضرب) على الأكل مما اصطادته (وتعلم حتى تترك) الأكل. (وكرهه) أي الصيد الذي أكل منه الكلب (ابن عمر) -رضي الله عنهما- وهذا وصله ابن أبي شيبة. (وقال عطاء): هو ابن أبي رباح فيما وصله ابن أبي شيبة (إن شرب) الكلب (الدم) مما صاده (ولم يأكل) من لحمه أو نحوه كجلده وحشوته (فكل). 5483 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ بَيَانٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ: إِنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِهَذِهِ الْكِلاَبِ، فَقَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَإِنْ قَتَلْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كِلاَبٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلاَ تَأْكُلْ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا محمد بن فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة ابن غزوان الضبي مولاهم الحافظ أبو عبد الرحمن (عن بيان) بفتح الموحدة والتحتية مخففًا ابن بشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة الأحمسي بمهملتين بينهما ميم (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن عدي بن حاتم) أنه (قال: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلت): يا رسول الله (إنا قوم نصيد) بنون بعدها صاد وفي باب ما جاء في التصيد بزيادة فوقية بعد النون (بهذه الكلاب) أفيحل لنا أكل ما نصيد بها؟ (فقال) عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر قال: (إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكُل مما أمسكن عليكم وإن قتلن) فيه إشعار بأنها إذا استرسلت بنفسها أو كانت غير معلمة لا يحل، ولأبوي الوقت وذر والأصيلي وابن عساكر: مما أمسكن عليك بإسقاط ميم الجمع (إلا أن يأكل الكلب) منه (فإني أخاف أن يكون إنما أمسكه على نفسه) لأن الله تعالى قال: {فكلوا مما أمسكن

8 - باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة

عليكم} [المائدة: 4] فإنما أباحه بشرط أن يعلم أنه أمسكه عليه وإذا أكل منه كان دليلًا على أنه أمسكه على نفسه، وقيل يحل وإن أكل منه لظاهر قوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم} والباقي بعد أكله قد أمسكه علينا فحل لظاهر الآية، ولحديث أبي داود السابق ذكره في باب صيد المعراض. قال الشافعي في المبسوط: والقياس يدل عليه لأن الكلب إذا عقر الصيد وقتله فقد حصلت الذكاة فأكله منه بعد حصول ذكاته لا يمنع من أكله كما إذا ذكّى المسلم صيدًا ثم أكل منه الكلب، وهذا ما نص عليه في التقديم، وأومأ إليه في الجديد بالقياس وأجيب عن الآية بأن الحديث دل على أنه إذا أكل فقد أمسك لنفسه، وعن الحديث أبي داود المذكور بأنه تكلم فيه كما سبق مع غيره في الباب المذكور (وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل) أي لأنه إنما سمى على كلابه، ولم يسمّ على غيرها كما صرح به فيما سبق. 8 - باب الصَّيْدِ إِذَا غَابَ عَنْهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً (باب) حكم (الصيد إذا غاب عنه) أي عن الصائد (يومين أو ثلاثة). 5484 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَأَمْسَكَ وَقَتَلَ فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ. وَإِذَا خَالَطَ كِلاَبًا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا فَأَمْسَكْنَ وَقَتَلْنَ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى أَيُّهَا قَتَلَ. وَإِنْ رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إِلاَّ أَثَرُ سَهْمِكَ فَكُلْ. وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلاَ تَأْكُلْ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا ثابت بن يزيد) من الزيادة وثابت بالمثلثة الأحول البصري قال: (حدّثنا عاصم) هو ابن سليمان (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن عدي بن حاتم) الطائي الجواد ابن الجواد (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا أرسلت كلبك) أي المعلم الذي إذا أشلي استشلى وإذا زجر انزجر وإذا أخذ لم يأكل مرارًا (وسميت) الله تعالى حالة إرسالك كلبك (فأمسك) الصيد (وقتلـ) ـه (فكلـ) ـه فإن أخذه ذكاة له (وإن أكل) الكلب منه (فلا تأكل فإنما أمسك على نفسك وإذا خالط) كلبك (كلابًا لم يذكر اسم الله عليها) بأن أرسلها من ليس من أهل الذكاة (فأمسكن وقتلن) الكلاب الصيد ولأبي ذر فقتلن بالفاء بدل الواو (فلا تأكل فإنك لا تدري أيها قتل) فلو تحقق أنه أرسله من هو أهل للذكاة حل أو وجده حيًّا فذكّاه حل أيضًا لأن الاعتماد في الإباحة على التذكية لا على الإمساك من الكلب (وإن رميت الصيد) بسهمك وغاب عنك (فوجدته بعد يوم أو يومين ليس له إلا أثر سهمك فكل) فإن وجد به أثر سهم رامٍ آخر أو مقتولًا بغير ذلك فلا يحل أكله مع التردّد، وعند الترمذي والنسائي من حديث سعيد بن جبير عن عدي بن حاتم إذا وجدت سهمك فيه ولم تجد به أثر سبع وعلمت أن سهمك قتله فكل منه. قال الرافعي: يؤخذ منه أنه لو جرحه ثم غاب ثم جاء فوجده ميتًا أنه لا يحل وهو ظاهر نص الشافعي في المختصر، قال النووي في الروضة: الحل أصح دليلًا وصححه أيضًا الغزالي في الإحياء وثبتت فيه الأحاديث الصحيحة ولم يثبت في التحريم شيء وعلق الشافعي الحل على صحة الحديث والله أعلم اهـ. وحكى البيهقي في المعرفة عن الشافعي أنه قال، في قول ابن عباس: كل ما أصميت ودع ما أنميت يعني ما أصميت ما قتله الكلب وأنت تراه وما أنميت ما غاب عنك مقتله قال: وهذا عندي لا يجوز غيره إلا أن يكون جاء عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه شيء فيسقط كل شيء خالف أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا يقوم معه رأي ولا قياس. قال البيهقي: وقد ثبت الخبر بمعنى حديث الباب فينبغي أن يكون هو قول الشافعي. (وإن وقع) الصيد (في الماء فلا تأكل) لاحتمال هلاكه بغرقه في الماء فلو تحقق أن السهم أصابه فمات فلم يقع في الماء إلا بعد أن قتله السهم، حل أكله، وفي مسلم فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك فدلّ على أنه إذا علم أن سهمه هو الذي قتله يحل. 5485 - وَقَالَ عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَقْتَفِرُ أَثَرَهُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ ثُمَّ يَجِدُهُ مَيِّتًا وَفِيهِ سَهْمُهُ قَالَ: «يَأْكُلُ إِنْ شَاءَ». (وقال عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة فيما وصله أبو داود (عن داود) بن أبي هند (عن عامر) الشعبي (عن عدي) هو ابن حاتم الطائي -رضي الله عنه- (أنه قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إنه (يرمي الصيد) بسهمه (فيقتفر أثره اليومين والثلاثة) بقاف ساكنة ففوقية مفتوحة ففاء مكسورة فراء، ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: فيقتفي بتحتية بدل الراء، وعزاها في المطالع للقابسي وهما بمعنى أي يتبع أثره، وفي الفتح بتقديم الفاء على القاف أي يتبع فقاره حتى

9 - باب إذا وجد مع الصيد كلبا آخر

يتمكن منه (ثم يجده ميتًا وفيه سهمه. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يأكل) منه (إن شاء) ولأبي داود من حديث أبي ثعلبة بسند فيه معاوية بن صالح: إذا رميت بسهمك فغاب عنك فأدركته فكل ما لم ينتن، فجعل الغاية أن ينتن الصيد فلو وجده مثلًا بعد ثلاثة ولم ينتن حل وإن وجده بدونها وقد أنتن فلا. هذا ظاهر الحديث، وأجاب النووي بأن النهي عن أكله إذا أنتن للتنزيه. نعم إن تحقق ضرره حرم كما لا يخفى. 9 - باب إِذَا وَجَدَ مَعَ الصَّيْدِ كَلْبًا آخَرَ هذا (باب) بالتنوين (إذا وجد) الصائد (مع الصيد كلبًا آخر) غير الكلب الذي أرسله لا يحل أكله وذلك كان أرسل مجوسي كلبًا لأن المرسل كالذابح والجارح كالسكين وذكاة المجوسي التي انفرد بها أو شارك فيها لا تحل نظرًا لتغليب التحريم على التحليل، وكذا الحكم فيما لو شاركه من تحل ذكاته بجارحة غير معلمة أو بجارحة لا يعلم حالها إذ لا فرق بين أن تكون الجارحة المشاركة لجارحة المرسل من نوعها أو من غيره كما إذا أرسل أحدهما كلبًا والآخر فهدًا أو بازًا، وكذا لو أرسل أحدهما جارحة والآخر سهمًا ولو رميًا سهمين أو أرسلا كلبين، وسبق ما للمسلم وقتل الصيد أو أنهاه إلى حركة المذبوح كان حلالًا. 5486 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي وَأُسَمِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَأَخَذَ فَقَتَلَ فَأَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ». قُلْتُ: إِنِّي أُرْسِلُ كَلْبِي أَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ لاَ أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَهُ، فَقَالَ: «لاَ تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ». وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ: «إِذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ وَإِذَا أَصَبْتَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلاَ تَأْكُلْ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الله بن أبي السفر) الهمداني (عن الشعبي) عامر (عن عدي بن حاتم) الطائي -رضي الله عنه- أنه (قال: قلت يا رسول الله إني أرسل كلبي) أي المعلم (وأسمي) الله تعالى مع إرساله أفيحل في أكل ما صاده؟ (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا أرسلت كلبك) المعلم (وسميت) عند الإرسال (فأخذ) اليد (فقتلـ) ـه (فأكل) منه (فلا تأكل) لا ناهية والفاء جواب الشرط (فإنما أمسك على نفسه قلت): يا رسول الله (إني أرسل كلبي) ثم (أجد) ولأبي الوقت فأجد (معه كلبًا آخر لا أدري أيهما أخذه فقال) عليه الصلاة والسلام (لا تأكل فإنما سميت على كلبك) الفاء في فإنما فيها معنى السببية أي لا تأكل بسبب عدم تسميتك على غير كلبك وأكد ذلك بقوله (ولم تسم على غيره) وهذا لا مفهوم له لأنه لو سمى على كلب غيره لم ينتفع بذلك. قال عدي: (وسألته) (عن صيد المعراض) بكسر الميم وسكون المهملة آخره ضاد معجمة وهو كما مر خشبة في رأسها كالزج يلقيها على الصيد (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذا أصبت) الصيد (بحده فكل) فإنه له ذكاة (وإذا أصبت) الصيد (بعرضه فقتل فإنه وقيذ) بالذال المعجمة ميتة (فلا تأكل). 10 - باب مَا جَاءَ فِي التَّصَيُّدِ (باب ما جاء في التصيد) أي التكلف بالصيد والاشتغال به للتكسب أكلًا وبيعًا مما بدل لمشروعيته أو إباحته. 5487 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنِي ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ بَيَانٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: إِنَّا قَوْمٌ نَتَصَيَّدُ بِهَذِهِ الْكِلاَبِ. فَقَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ، إِلاَّ أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَلاَ تَأْكُلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ خَالَطَهَا كَلْبٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلاَ تَأْكُلْ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) غير منسوب وهو ابن سلام قال: (أخبرني) بالإفراد (ابن فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة وهو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي (عن بيان) بالموحدة وتخفيف التحتية ابن بشر الكوفي (عن عامر) الشعبي (عن عدي بن حاتم) الطائي (رضي الله عنه) أنه (قال: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: إنّا قوم نتصيد) بفوقية بعد النون وهي موافقة للفظ الترجمة أي نتكلف الصيد (بهذه الكلاب) أحلال ذلك أم لا (فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا أرسلت كلابك المعلمة) أي إذا أردت أن ترسل أو إذا شرعت في الإرسال (وذكرت اسم الله) بأن قلت بسم الله (فكل مما أمسكن عليك) زاد في باب إذا أكل الكلب وإن قتلن (إلا أن يأكل الكلب) منه (فلا تأكل فإني أخاف أن يكون) الكلب (إنما أمسك على نفسه، وإن خالطها) أي الكلاب التي أرسلتها (كلب من غيرها فلا تأكل) وفيه إباحة الاصطياد للبيع والأكل وكذا للهو، ولكن بشرط قصد التذكية والانتفاع وكرهه مالك رحمة الله تعالى عليه، وخالفه الجمهور فلو لم يقصد الانتفاع به حرم لما فيه من إتلاف نفس عبثًا نعم إن لازمه وأكثر منه كره لأنه قد يشغل عن بعض الواجبات وكثير من المندوبات. وفي حديث ابن عباس عند الترمذي مرفوعًا:

"من سكن البادية جفا ومن اتّبع الصيد غفل" قيل وفي قوله كلابك أو كلبك جواز بيع كلب الصيد للإضافة. وأجيب: بأنها إضافة اختصاص. وهذا الحديث سبق في الباب المذكور. 5488 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ حَيْوَةَ وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيَّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ -رضي الله عنه- يَقُولُ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ الْكِتَابِ، نَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ، وَأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي، وَأَصِيدُ بِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ وَالَّذِي لَيْسَ مُعَلَّمًا، فَأَخْبِرْنِي مَا الَّذِي يَحِلُّ لَنَا مِنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «أَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ الْكِتَابِ تَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ، فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلاَ تَأْكُلُوا فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا ثُمَّ كُلُوا فِيهَا. وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ بِأَرْضِ صَيْدٍ، فَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ كُلْ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ تَوَكَّلْ. وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ مُعَلَّمًا فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ». وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن حيوة) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية وفتح الواو (ابن شريح) بضم المعجمة وفتح الراء آخره حاء مهملة، وسقط لغير أبي ذر ابن شريح قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد (أحمد بن أبي رجاء) ضد الخوف قال: (حدّثنا سلمة بن سليمان) المروزي (عن ابن المبارك) عبد الله المروزي (عن حيوة بن شريح) سقط ابن شريح لأبي ذر في هذه (قال: سمعت ربيعة بن يزيد) من الزيادة (الدمشقي قال: أخبرني) بالإفراد (أبو إدريس عائذ الله) بالذال المعجمة (قال: سمعت أبا ثعلبة) بالمثلثة (الخشني) بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين الصحابي المشهور بكنيته اختلف في اسمه كأبيه (-رضي الله عنه- يقول: أتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت) له: (يا رسول الله إنّا) يعني نفسه وقومه (بأرض قوم أهل الكناب) يعني بالشام وكان جماعة من قبائل العرب قد سكنوا الشأم وتنصروا منهم آل غسان وتنوخ وبهراء وبطون من قضاعة منهم بنو خشين آل بني ثعلبة (نأكل في آنيتهم وأرض صيد) أي أرض ذات صيد (أصيد) فيها (بقوسي) بسهم قوسي (وأصيد بكلبي المعلم و) بكلبي (الذي ليس معلمًا فأخبرني ما الذي يحل لنا من ذلك؟ فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أما) بالتشديد (ما ذكرت أنك) ولأبي ذر عن الكشميهني: من أنك (بأرض قوم أهل الكتاب تأكل في آنيتهم فإن وجدتم) بميم الجمع لم أنت وقومك (غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها) ولأبي ذر عن المستملي فإن وجدت (وإن لم تجدوا) أي غيرها (فاغسلوها ثم كلوا فيها) أخذ بظاهره ابن حزم فقال: لا يجوز استعمال آنية أهل الكتاب إلا بشرطين أن لا يجد غيرها وأن يغسلها. وأجيب: بأن الأمر بغسلها عند فقد غيرها دال على طهارتها بالغسل والأمر باجتنابها عند وجود غيرها للمبالغة في التنفير عنها (وأما ما ذكرت أنك) ولأبي ذر عن الكشميهني من أنك (بأرض صيد فما صدت بقوسك) بسهم قوسك (فاذكر اسم الله) الفاء عاطفة (ثم كل) ما صدت وما من فما في موضع نصب مفعول مقدم (وما صدت بكلبك المعلم فاذكر اسم الله ثم كُل وما صدت بكلبك الذي ليس معلمًا) ولابن عساكر ليس بمعلم بزيادة الباء (فأدركت ذكاته) أي أدركته حيًّا فذبحته (فكل). 5489 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَسَعَوْا عَلَيْهَا حَتَّى لَغِبُوا، فَسَعَيْتُ عَلَيْهَا حَتَّى أَخَذْتُهَا، فَجِئْتُ بِهَا إِلَى أَبِي طَلْحَةَ، فَبَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوَرِكِهَا وَفَخِذَيْهَا، فَقَبِلَهُ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثني) بالإفراد (هشام بن زيد) أي ابن أنس بن مالك (عن) جده (أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: أنفجنا) بهمزة مفتوحة فنون ساكنة ففاء مفتوحة فجيم ساكنة بعدها نون فألف أثرنا (أرنبًا) هو حيوان قصير اليدين طويل الرجلين عكس الزرافة (بمر الظهران) موضع بقرب مكة (فسعوا عليها حتى لغبوا) بكسر الغين المعجمة بعد اللام أو الصواب فتحها، ولأبي ذر عن الكشميهني تعبوا بفوقية وعين مهملة مكسورة بدل اللام والمعجمة ومعناهما واحد (فسعيت عليها حتى أخذتها فجئت بها إلى أبي طلحة) زيد بن سهل زوج أم أنس (فبعث إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بوركها) ولأبي ذر عن الكشميهني بوركيها بالتثنية (وفخذيها) بالتثنية ولأبي ذر أو فخذيها (فقبله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ومطابقة الحديث لما ترجم له في قوله: فسعوا عليها حتى لغبوا يعني تعبوا إذ فيه معنى التصيد وهو التكلف للاصطياد. وفي حديث ابن عمر عند البيهقي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جيء له بأرنب فلم يأكلها ولم ينه عنها، وزعم أنها تحيض وهي تأكل اللحم وغيره وتبعثر وتجتر وفي باطن أشداقها شعر وكذلك تحت رجليها. 5490 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ، وَهْوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ، فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا، فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ ثُمَّ سَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطًا فَأَبَوْا، فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا، فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَى بَعْضُهُمْ، فَلَمَّا أَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة خال إسماعيل

11 - باب التصيد على الجبال

(عن أبي النضر) بالضاد المعجمة الساكنة بعد النون المفتوحة سالم بن أبي أمية (مولى عمر بن أبي ربيعة) التيمي المدني (عن نافع مولى أبي قتادة عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري السلمي -رضي الله عنه- (أنه كان مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عام الحديبية في القاحة على ثلاث مراحل من المدينة (حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين) بالعمرة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: محرمون (وهو غير محرم) لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أرسله إلى جهة أخرى ليكشف أمر عدوّ في طائفة من الصحابة (فرأى حمارًا وحشيًا فاستوى على فرسه ثم سأل أصحابه أن يناولوه سوطًا فأبوا) امتنعوا (فسألهم) أن يناولوه (رمحه فأبوا فأخذه ثم شد على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبى) أي امتنع (بعضهم) من الأكل منه (فلما أدركوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سألوه عن ذلك. فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنما هي طعمة) بضم الطاء وسكون العين (أطعمكموها الله) عز وجل أي مأكلة. وهذا الحديث سبق في الحج والجهاد. 5491 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ مِثْلَهُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: «هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ»؟ وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالتوحيد (مالك) الإمام الأعظم (عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر (عن عطاء بن يسار عن أبي قتادة) -رضي الله عنه- (مثله) أي مثل الحديث السابق (إلا أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: هل معكم من لحمه شيء). 11 - باب التَّصَيُّدِ عَلَى الْجِبَالِ (باب التصيد على الجبال) بالجيم والمرحدة جمع جبل. 5492 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الجُعْفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ وَأَنَا رَجُلٌ حِلٌّ عَلَى فَرَسٍ، وَكُنْتُ رَقَّاءً عَلَى الْجِبَالِ، فَبَيْنَا أَنَا عَلَى ذَلِكَ إِذْ رَأَيْتُ النَّاسَ مُتَشَوِّفِينَ لِشَيْءٍ، فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ حِمَارُ وَحْشٍ، فَقُلْتُ لَهُمْ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: لاَ نَدْرِي، قُلْتُ: هُوَ حِمَارٌ وَحْشِيٌّ، فَقَالُوا: هُوَ مَا رَأَيْتَ، وَكُنْتُ نَسِيتُ سَوْطِي فَقُلْتُ لَهُمْ: نَاوِلُونِي سَوْطِي فَقَالُوا: لاَ نُعِينُكَ عَلَيْهِ، فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُ، ثُمَّ ضَرَبْتُ فِي أَثَرِهِ، فَلَمْ يَكُنْ إِلاَّ ذَاكَ حَتَّى عَقَرْتُهُ، فَأَتَيْتُ إِلَيْهِمْ فَقُلْتُ لَهُمْ: قُومُوا فَاحْتَمِلُوا قَالُوا: لاَ نَمَسُّهُ، فَحَمَلْتُهُ حَتَّى جِئْتُهُمْ بِهِ فَأَبَى بَعْضُهُمْ، وَأَكَلَ بَعْضُهُمْ، فَقُلْتُ: أَنَا أَسْتَوْقِفُ لَكُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَدْرَكْتُهُ، فَحَدَّثْتُهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ لِي: «أَبَقِيَ مَعَكُمْ شَيْءٌ مِنْهُ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: «كُلُوا فَهْوَ طُعْمٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (يحيى بن سليمان الجعفي) الكوفي نزيل مصر وسقط لغير أبي ذر لفظ الجعفي (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرنا عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن الحارث المصري (أن أبا النضر) سالمًا (حدّثه عن نافع مولى أبي قتادة و) عن (أبي صالح) نبهان بفتح النون وسكون الموحدة بعدها هاء فألف فنون (مولى التوأمة) بفتح الفوقية، وفي بعض النسخ بضمها وحكاها عياض عن المحدّثين وقال: إن الصواب الفتح قال: ومنهم من ينقل حركة الهمزة فيفتح بها الواو، وحكى السفاقسي التوءمة بوزن الحطمة وهي بنت أمية بن خلف ولدت مع أخيها في بطن واحد فسميت بذلك (سمعت) أي قال: كلٌّ منهما ولأبي ذر سمعنا (أبا قتادة) الأنصاري (قال: كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالقاحة وهي موضع (فيما بين مكة والمدينة وهم محرمون) بالعمرة زمن الحديبية (وأنا رجل حل) غير محرم وسقط لفظ رجل لأبي ذر وابن عساكر (على فرس) ولأبي ذر على فرسي والواو فيهما للحال (وكنت رقاء) بتشديد القاف والمد (على الجبال) أي كثير الرقيّ أي الصعود على الجبال يعني أنه كان حينئذٍ على الجبال (فبينا) بغير ميم (أنا على ذلك) وجواب بينا قوله: (إذ رأيت الناس متشوّفين) بالشين المعجمة والفاء أي ناظرين (لشيء فذهبت أنظر) لذلك الشيء (فإذا هو حمار وحش فقلت لهم: ما هذا)؟ وللكشميهني ماذا بإسقاط الهاء (قالوا: لا ندري. قلت: هو حمار وحشي) بالتحتية والتنوين فيهما ولأبي ذر حمار وحش بإسقاط التحتية مع الإضافة (فقالوا: هو ما رأيت وكنت نسيت سوطي فقلت لهم: ناولوني سوطي) بسكون الواو (فقالوا: لا نعينك عليه فنزلت) من الجبل أو من الفرس (فأخذته ثم ضربت في أثره) بفتح الهمزة والمثلثة وراءه (فلم يكن إلا ذاك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إلا ذلك باللام (حتى عقرته) جرحته (فأتيت إليهم فقلت لهم: قوموا فاحتملوا) بكسر الميم أي الحمار (قالوا: لا نمسه فحملته حتى جئتهم به فأبى) امتنع (بعضهم) أن يأكل منه (وأكل بعضهم) منه (فقلت: أنا) ولابن عساكر وقلت لهم: أنا (أستوقف لكم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أسأله أن يقف لكم (فأدركته) عليه الصلاة والسلام (فحدّثته الحديث) الذي وقع (فقال لي): (أبقي معكم شيء منه)؟ بهمزة الاستفهام (قلت: نعم) يا رسول الله (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كلوا فهو طعم) بضم الطاء وسكون العين المهملتين (أطعمكموها الله) ولأبي ذر عن المستملي: أطعمكموه الله بتذكير الضمير. 12 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} وَقَالَ عُمَرُ: صَيْدُهُ مَا اصْطِيدَ، وَطَعَامُهُ مَا رَمَى بِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الطَّافِي حَلاَلٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُ مَيْتَتُهُ، إِلاَّ مَا قَذِرْتَ مِنْهَا وَالْجِرِّيُّ لاَ تَأْكُلُهُ الْيَهُودُ، وَنَحْنُ نَأْكُلُهُ وَقَالَ شُرَيْحٌ صَاحِبُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ مَذْبُوحٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ: أَمَّا الطَّيْرُ فَأَرَى أَنْ يَذْبَحَهُ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ صَيْدُ الأَنْهَارِ وَقِلاَتِ السَّيْلِ أَصَيْدُ بَحْرٍ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ تَلاَ {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} وَرَكِبَ الْحَسَنُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - عَلَى سَرْجٍ مِنْ جُلُودِ كِلاَبِ الْمَاءِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَوْ أَنَّ أَهْلِي أَكَلُوا الضَّفَادِعَ لأَطْعَمْتُهُمْ. وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بِالسُّلَحْفَاةِ بَأْسًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ، نَصْرَانِيٌّ أَوْ يَهُودِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ. وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فِي الْمُرِي: ذَبَحَ الْخَمْرَ النِّينَانُ وَالشَّمْسُ. (باب قول

الله تعالى: {أحل لكم صيد البحر}) [المائدة: 96] المراد بالبحر جميع المياه. (وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- مما وصله المؤلّف في تاريخه وعبد بن حميد (صيده ما اصطيد) بكسر الطاء وتضم كما في اليونينية (وطعامه ما رمى به) ولفظ الموصول فصيده ما صيد وطعامه ما قذف به اهـ. (وقال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- مما وصله ابن أبي شيبة والطحاوي والدارقطني عن ابن عباس -رضي الله عنهما- (الطافي) بغير همز في اليونينية من طفا يطفوا إذا علا الماء ميتًا (حلال. وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله الطبري في قوله تعالى: {أحل لكم صيد البحر وطعامه} قال: (طعامه ميتته إلا ما قذرت منها) بكسر الذال المعجمة، ولأبي ذر عن الكشميهني: منه بالتذكير وليس في الموصول إلا ما قذرت منها، وجميع ما يصاد من البحر ثلاثة أجناس الحيتان وجميع أنواعها حلال والضفادع وجميع أنواعها حرام، واختلف فيما سوى هذين فقال أبو حنيفة حرام وقال الأكثرون: حلال لعموم هذه الآية {وطعامه} في الآية بمعنى الإطعام أي اسم مصدر وتقدير المفعول حينئذٍ محذوفًا أي طعامكم إياه أنفسكم، ويجوز أن يكون الصيد بمعنى المصيد والهاء في طعامه تعود على البحر على هذا أي أحل لكم مصيد البحر وطعام البحر فالطعام على هذا غير الصيد، وعلى هذا ففيه وجوه: أحسنها ما سبق عن عمر وأبي بكر أن الصيد ما صيد بالحيلة حال حياته والطعام ما رمى به البحر أو نضب عنه الماء من غير معالجة، ويجوز أن تعود الهاء على الصيد لمعنى المصيد وهو أن يكون طعام بمعنى مطعوم ويدل له قراءة ابن عباس وطعمه بضم الطاء وسكون العين. وقال ابن عباس فيما وصله ابن أبي شيبة: (والجرّي) بكسر الجيم والراء والتحتية المشدّدتين وبفتح الجيم والجريت بمثناة فوقية بعد التحتية ضرب من السمك يشبه الحيات وقيل سمك لا قشر له، وقيل نوع عريض الوسط دقيق الطرفين (لا تأكله اليهود ونحن نأكله) لأنه حلال اتفاقًا وهو قول أبي بكر وعمر وابن عباس. (وقال شريح صاحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): بضم الشين المعجمة آخره حاء مهملة مصغرًا، وللأصيلي أبو شريح والصواب إسقاط أبو كما للكافة والمؤلّف في تاريخه وأبي عمر بن عبد البرّ والقاضي عياض في مشارقه، وقال الفربري: وكذا في أصل البخاري وكذا هو عند أبي عليّ الغساني شريح قال: وهو الصواب، والحديث محفوظ لشريح لا لأبي شريح، وفي الصحابة أيضًا أبو شريح الخزاعي أخرج له مسلم، وقال العلاّمة اليونيني مما رأيته في حاشية الفرع في أصل السماع أبو شريح على الوهم كما عند الحافظ أبي محمد الأصيلي ونبهنا شيخنا الحافظ أبو محمد المنذري في حواشيه على كتاب ابن طاهر أنه شريح اسم لا كنية اهـ. وقال في الإصابة: شريح بن أبي شريح الحجازي. قال البخاري وأبو حاتم: له صحبة، وروى البخاري في تاريخه الكبير من طريق عمرو بن دينار وأبي الزبير سمعًا شريحًا رجلًا أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: كل شيء في البحر مذبوح وعلقه في الصحيح، ورواه الدارقطني وأبو نعيم من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن شريح وكان من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر نحوه مرفوعًا، والمحفوظ عن ابن جريج موقوف أيضًا أشار إلى ذلك أبو نعيم اهـ. وقول القاضي عياض في مشارقه: وهو شريح بن هانئ أبو هانئ، تعقبه الحافظ ابن حجر كما رأيته بخط شيخنا الحافظ أبي الخير السخاوي بأن الصواب أنه غيره وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع وشريح بن هانئ لأبيه صحبة وأما هو فله إدراك ولم يثبت له سماع ولا لقي، وأما شريح المعلق عنه فقد صرح البخاري بصحبته هـ. ورأيت في الإصابة شريح بن هانئ أبو المقدام أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يهاجر إلا بعده وفد أبوه على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسأله عن أكبر ولده فقال شريح: فقال: أنت أبو شريح وكان قبل ذلك يكنى أبا الحكم. وهذا التعليق وصله المؤلّف في تاريخه وابن منده في المعرفة من رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار وأبي

الزبير سمعا شريحًا صاحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: (كل شيء في البحر) من دوابه (مذبوح) أي حلال كالمذكى، وأخرجه ابن أبي عاصم في الأطعمة من طريق عمرو بن دينار سمعت شيخًا كبيرًا يحلف بالله ما في البحر دابة إلا قد ذبحها الله لبني آدم، وأخرج الدارقطني من حديث عبد الله بن سرجس بسند فيه ضعف رفعه: إن الله قد ذبح كل ما في البحر لبني آدم. (وقال عطاء): هو ابن أبي رباح مما وصله ابن منده في كتاب الصحابة (أما الطير فأرى أن يذبحه. وقال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز مما وصله عبد الرزاق في تفسيره (قلت لعطاء) أي ابن أبي رباح المذكور (صيد الأنهار و) صيد (قلات السيل) بكسر القاف وتخفيف اللام آخره مثناة فوقية جمع قلت نقرة في صخرة يستنقع فيها الماء ومراده ما ساق السيل من الماء وبقي في الغدير وفيه حيتان (أصيد بحر هو)؟ فيجوز أكله (قال: نعم) يجوز أكله، وسقط لأبي ذر لفظ هو (ثم تلا) عطاء قوله تعالى: ({هذا عذب فرات}) شديد العذوبة ({سائغ شرابه}) مريء سهل الانحدار لعذوبته وبه يرتفع شرابه وثبت {سائغ شرابه} لأبي ذر ({وهذا ملح أجاج}) شديد الملوحة وقيل هو الذي يحرق بملوحته ({ومن كل}) ومن كل واحد منهما ({تأكلون لحمًا طريًّا}) [فاطر: 12] وهو السمك. (وركب الحسن) بفتح الحاء ابن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ورضي الله عنه وعن أبيه (على سرج) متخذ (من جلود كلاب الماء) لأنها طاهرة يجوز أكلها لدخولها في عموم السمك وكذا ما لم يشبه السمك المشهور كالخنزير والفرس. وفي عجائب المخلوقات أن كلب الماء حيوان يداه أطول من رجليه يلطخ بدنه بالطين ليحسبه التمساح طينًا ثم يدخل جوفه فيقطع أمعاءه ويأكلها ويمزق بطنه. (وقال الشعبي) عامر بن شراحيل (لو أن أهلي أكلوا الضفادع) جمع ضفدع بكسر أوّله وفتحه وضمه مع كسر ثالثه وفتحه في الأول وكسره في الثاني وفتحه في الثالث (لأطعمتهم) منها. (ولم ير الحسن) البصري -رحمه الله تعالى- (بالسلحفاة) بضم السين وسكون الحاء المهملتين بينهما لام مفتوحة وبعد الفاء ألف فهاء تأنيث أي لم ير بأكلها (بأسًا) وهذا وصله ابن أبي شيبة، وقال سفيان الثوري: أرجو أن لا يكون بالسرطان بأس وظاهر الآية حجة لمن قال بإباحة جميع حيوانات البحر وكذلك حديث "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" وجملة حيوان الماء على قسمين سمك وغيره، فأما السمك فميتته حلال مع اختلاف أنواعها ولا فرق بين أن يموت بسبب أو بغير سبب، وعند أبي حنيفة لا يحل إلا أن يموت بسبب من وقوع على حجر أو انحسار ماء عنه فيحل لحديث أبي الزبير عن جابر عند أبي داود: "ما ألقاه البحر أو جزز عنه فكلوه وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه" لكنه مطعون فيه من جهة يحيى بن سليم لسوء حفظه وصحح كونه موقوفًا، وحينئذ فقد عارضه قول أبي بكر وغيره والقياس يقتضي حلّه لأن السمك لو مات في البرّ لأكل بغير تأويل، وأما غير السمك فقسمان: قسم يعيش في البرّ كالضفدع والسرطان والسلحفاة فلا يحل أكله وقسم يعيش في الماء ولا يعيش في البرّ إلا عيش المذبوح فاختلف فيه فقيل: لا يحل منه شيء إلا السمك وهو قول أبي حنيفة، وقيل: إن ميت الكل حلال لأن كلها سمك وإن اختلفت صورتها كالجري وهو قول مالك وظاهر مذهب الشافعي وذهب قوم إلى أن ما له نظير في البرّ يؤكل فميتته من حيوانات البحر حلال وهو كبقر الماء ونحوه وما لا يؤكل نظيره في البر لا تحل ميتته من حيوانات البحر ككلب الماء والخنزير وكذا حمار الوحش، وإن كان له شبه في البر حلال وهو حمار الوحش لأن له شبهًا حرامًا وهو الحمار الأهلي تغليبًا للتحريم، كذا قال في الروضة وشرح المهذب، والمفتي به حل الجميع إلا السرطان والضفدع والتمساح والسلحفاة لخبث لحمها وللنهي عن قتل الضفدع رواه أبو داود وصححه الحاكم، وقد ذكر الأطباء أن الضفدع نوعان: بري وبحري فالبري يقتل آكله والبحري يضره وكذا يحرم القرش في البحر الملح خلافًا لما

أفتى به المحب الطبري وأما الدنيلس فقيل إن أصله السرطان، فإن ثبت حرم وإلاّ فيحل لأنه من طعام البحر ولا يعيش إلا فيه ولم يأت على تحريمه دليل وقد قال جبريل بن يختيشوع: إنه ينفع من رطوبة المعدة والاستسقاء. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله البيهقي: (كل) أمر من الأكل (من صيد البحر نصراني أو يهودي أو مجوسي) بالجرّ في الثلاثة وللأصيلي وإن صاده نصراني أو يهودي أو مجوسي برفعها على الفاعلية، وقال الحسن البصري فيما نقله عنه الدميري: رأيت سبعين صحابيًّا يأكلون صيد المجوس ولا يتلجلج في صدورهم شيء من ذلك. (وقال أبو الدرداء) عويمر بن مالك الأنصاري (في المري) بضم الميم وسكون الراء بعدها تحتية وفي النهاية بتشديد الراء، ولكن جزم النووي بالأول، ونقل الجواليقي في لحن العامة أنهم يحركون الراء والأصل السكون، والذي في القاموس التشديد، وعبارته والمرّي كدرّي أدام كالكامخ وفي الصحاح، والمري الذي يؤتدم به كأنه منسوب إلى المرارة والعامة تخففه قال وأنشدني أبو الغوث: وأم مثواي لباخية ... وعندها المريّ والكامخ والمري هو أن يجعل في الخمر الملح والسمك ويوضع في الشمس فيتغير عن طعم الخمر فيغلب السمك بما أضيف إليه على ضراوة الخمر ويزيل ما فيه من الشدة مع تأثير الشمس في تخليله والقصد منه هضم الطعام وربما يزاد ما فيه حرافة ليزيد في جلاء المعدة واستدعاء الطعام بحرافته، وكان أبو الدرداء وجماعة من الصحابة يأكلونه وهو رأي من يجوّز تخليل الخمر، وهو قول جماعة، واحتج له أبو الدرداء بقوله: (ذبح الخمر النينان والشمس) بفتح الذال المعجمة والموحدة بصيغة الفعل الماضي، والخمر مفعول مقدم على الفاعل لأن التنازع والكلام كان فيها والعرب تقدّم الأهمّ فالأهم، والنينان والشمس فاعلان له، والنينان بكسر النون الأولى جمع نون كعود وعيدان وهو الحوت، وقال القاضيان البيضاوي وعياض: ويروى ذبح الخمر بسكون الموحدة والرفع مبتدأ أو إضافته لتاليه فيجر. قال في النهاية: استعار الذبح للإحلال كأنه يقول كما أن الذبح يحلّ المذبوح فكذلك هذه الأشياء إذا وضعت في الخمر قامت مقام الذبح فاحتلها، وقال البيضاوي: يريد أنها حلّت بالحوت المطروح فيها وطبخها بالشمس فكان ذلك كالذكاة للحيوان، وقال غيره معنى ذبحتها أبطلت فعلها. وأخرج الحافظ أبو موسى في جزء أفرده لهذه المسألة بسنده عن عطية بن قيس، قال: مرّ رجل من أصحاب أبي الدرداء -رضي الله عنه- ورجل يتغذى فدعاه إلى طعامه فقال: وما طعامك؟ قال: خبز ومري وزيت. قال: المري الذي يصنع من الخمر؟ قال: نعم، قال: هو خمر فتواعدا إلى أبي الدرداء -رضي الله عنه- فسألاه فقال: ذبحت خمرها الشمس والملح والحيتان يقول لا بأس به. وعن ابن وهب سمعت مالكًا يقول: سمعت ابن شهاب سئل عن خمر جعلت في قلة وجعل فيها ملح وأخلاط كثيرة ثم جعلت في الشمس حتى عاد مريًّا يصطبغ به. قال ابن شهاب: شهدت قبيصة بن ذؤيب ينهى أن يجعل الخمر مريًّا إذا أخذ وهو خمر، وعن رجليه مولاة معاوية قالت: حججنا مع عبد الله بن أبي زكريا فأهدى عبد الله بن أبي زكريا لعمر بن عبد العزيز المري الذي يصنع بالخمر فأكل منه، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه كان يقول: في المري الذي يعمله المشركون من الخمر لا بأس به ذبحه الملح. فإن قلت: ما وجه إيراد المؤلّف لهذا الأثر هنا في طهارة صيد البحر؟ أجيب: بأنه يريد أن السمك طاهر حلال وإن طهارته وحله يتعدى إلى غيره كالملح حتى يصير الحرام النجس بإضافتها إليه طاهرًا حلالًا، وهذا إنما يتأتى على القول بجواز تخليل الخمر. وقال الحافظ أبو ذر مما رأيته بهامش اليونينية: إذا طرحت النينان في الخمر ذبحته وحركته فصار مريًّا، وكذلك إذا ترك للشمس، وهذا خلاف مذهب الشافعي، والبخاري -رحمه الله تعالى- لم يتحرّ مذهب إمام بعينه بل اعتمد على ما صحّ عنده من الحديث ثم أكده

بالآثار. 5493 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: غَزَوْنَا جَيْشَ الْخَبَطِ، وَأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا، فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن دينار (أنه سمع جابرًا) الأنصاري (-رضي الله عنه- يقول: غزونا جيش الخبط) بفتح الخاء المعجمة والموحدة بعدها مهملة ورق السلم سمي به لأنهم أكلوه من الجوع وذلك سنة ثمان (وأمر) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ولابن عساكر وأميرنا (أبو عبيدة) عامر بن عبد الله بن الجراح ولأبي ذر وأمر مبنيًّا للمفعول أيضًا علينا أبو عبيدة بزيادة علينا (فجعنا جوعًا شديدًا فألقى البحر) لنا (حوتًا ميتًا لم ير) بتحتية مضمومة (مثله) بالرفع ولأبي ذر ولم نر بنون مفتوحة مثله بالنصب أي لم نر مثله في الكبر (يقال له العنبر) وهو سمكة بحرية يتخذ من جلدها الأتراس، ويقال للترس عنبر وسمي هذا الحوت بالعنبر لوجوده في جوفه. قال إمامنا الشافعي رحمه الله: حدّثني بعضهم أنه ركب البحر فوقع إلى جزيرة فنظر إلى شجرة مثل عنق الشاة وإذا ثمرها عنبر قال: فتركناه حتى يكبر ثم نأخذه فهبت ريح فألقته في البحر. قال الشافعي: والسمك ودواب البحر تبتلعه أول ما يقع لأنه لين فإذا ابتلعه قلما تسلم إلا قتلها لفرط الحرارة التي فيه فإذا أخذ الصياد السمكة وجده في بطنها فيقدر أنه منها وإنما هو ثمر نبت (فأكلنا منه) من الحوت (نصف شهر فأخذ أبو عبيدة) بن الجراح (عظمًا من عظامه فمرّ الراكب تحته). 5494 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: بَعَثَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَمِائَةِ رَاكِبٍ، وَأَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ نَرْصُدُ عِيرًا لِقُرَيْشٍ، فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ فَسُمِّيَ جَيْشَ الْخَبَطِ، وَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ: فَأَكَلْنَا نِصْفَ شَهْرٍ، وَادَّهَنَّا بِوَدَكِهِ حَتَّى صَلَحَتْ أَجْسَامُنَا، قَالَ: فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلاَعِهِ فَنَصَبَهُ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ. وَكَانَ فِينَا رَجُلٌ فَلَمَّا اشْتَدَّ الْجُوعُ نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ ثَلاَثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نَهَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (قال: سمعت جابرًا) -رضي الله عنه- (يقول: بعثنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاثمائة راكب) فيهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (وأميرنا أبو عبيدة) بن الجراح (نرصد عير قريش) بكسر العين المهملة إبلًا تحمل طعامًا لهم. وعند ابن سعد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثهم إلى حي من جهينة بالقبلية بفتح القاف والموحدة مما يلي ساحل البحر بينهم وبين المدينة خمس ليال وأنهم انصرفوا ولم يلقوا كيدًا. واستشكل هذا بما في حديث الباب إذ ظاهره المغايرة. وأجيب: بأنه يمكن الجمع بين كونهم يتلقون عيرًا لقريش ويقصدون حيًّا من جهينة وحينئذ فلا مغايرة بينهما. (فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط) بفتحتين ورق السلم وفي رواية أبي الزبير عند مسلم: وكنا نضرب بعصينا الخيط ثم نبله بالماء فنأكله (فسمي جيش الخيط وألقى) إلينا (البحر) لما انتهينا إلى ساحله (حوتًا يقال له العنبر) طوله خمسون ذراعًا يقال له بالة، وفي رواية ابن جريج السابقة في هذا الباب حوتًا ميتًا (فأكلنا) منه (نصف شهر). وفي رواية وهب بن كيسان عن جابر في المغازي ثماني عشرة ليلة، وفي رواية أبي الزبير عند مسلم فأقمنا عليه شهرًا ويجمع بين ذلك بأن الذي قال ثماني عشرة ضبط ما لم يضبطه غيره ومن قال: نصف شهر ألغى الكسر وهو ثلاثة أيام، ومن قال شهرًا جبر الكسر وضم بقية المدّة التي كانت قبل وجدانهم الحوت إليها، ورجح النووي رواية أبي الزبير لما فيها من الزيادة (وادّهنا بودكه) بفتح الواو والدال المهملة أي شحمه (حتى صلحت) بفتح الصاد واللام (أجسامنا) ولأبي الزبير: فلقد رأيتنا نغترف من وقب عينيه بالقلال الدهن ونقتطع منه الفدر كالثور والوقب بفتح الواو وسكون القاف بعدها موحدة النقرة التي فيها الحدقة، والفدر بكسر الفاء وسكون الدال جمع فدرة بفتح ثم سكون القطعة من اللحم وغيره. وفي رواية الخولاني عن جابر عند ابن أبي عاصم في الأطعمة وحملنا ما شئنا من قديد وودك في الأسقية والغرائر، وفي رواية أبي الزبير عند المؤلّف في المغازي أنهم ذكروا ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: كلوا رزقًا أخرجه الله أطعمونا إن كان معكم فأتاه بعضهم بعضو منه فأكله وبهذا تتم الدلالة لجواز أكل ميتة البحر من هذا الحديث وإلاّ فمجرد أكل الصحابة منه وهم في حال المجاعة قد يقال إنه للاضطرار، وقد تبين بهذه

13 - باب أكل الجراد

الزيادة أن جهة كونها حلالًا ليست بسبب الاضطرار بل لكونها من صيد البحر ويستفاد منه إباحة ميتة البحر سواء مات بنفسه أو بالاصطياد. (قال) جابر (فأخذ أبو عبيدة) بن الجراح (ضلعًا) بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام (من أضلاعه) من أضلاع الحوت (فنصبه فمرّ الراكب تحته) وفي المغازي ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا ثم أمر برحلة فرحت ثم مرت تحتهما فلم تصبهما وفي أخرى فيها فعمد إلى أطول رجل معه فمرّ تحته (وكان فينا رجل) هو قيس بن سعد بن عبادة (فلما اشتدّ) بنا (الجوع نحر ثلاث جزائر) جمع جزور قال في الفتح: وفيه نظر فإن جزائر جمع جزيرة والجزور إنما يجمع على جُزُر بضمتين فلعله جمع الجمع. وقال في القاموس: والجزور الناقة المجزرة الجمع جزائر وجزر وجزورات (ثم) جاعوا بعد أكلها فنحر (ثلاث جزائر) وكان قيس اشترى الجزر من أعرابي جهني كل جزور بوسق من تمر يوفيه إياه بالمدينة (ثم نهاه أبو عبيدة) عن النحر بسؤال عمر لأبي عبيدة في ذلك. وبقية قصة قيس مع أبيه لما قدم المدينة أشرت إليها في المغازي مختصرة من حديث رويته في الغيلانيات. 13 - باب أَكْلِ الْجَرَادِ (باب) جواز (أكل الجراد). قال أهل اللغة فيما نقله الدميري: مشتق من الجرد قالوا: والاشتقاق في أسماء الأجناس قليل جدًّا وهو بري وبحري وبعضه أصفر وبعضه أبيض وبعضه أحمر وبعضه كبير الجثة وبعضه صغيرها، وإذا أراد أن يبيض التمس لبيضه المواضع الصلدة والصخور الصلبة التي لا يعمل فيه المعول فيضربها بذنبه فتنفرج له ثم يلقي بيضه في ذلك الصدع فيكون له كالأفحوص ويكون حاضنًا له ومربيًّا، وللجرادة ستة أرجل يدان في صدرها وقائمتان في وسطها ورجلان في مؤخرها وطرفًا رجليها منشاران، قال: وفي الجراد خلقة عشرة من جبابرة الحيوان وجه فرس وعينا فيل وعنق ثور وقرنا أيل، وصدر أسد وبطن عقرب وجناحا نسر وفخذا جملا ورجلا نعامة وذنب حية، وليس في الحيوان أكثر إفسادًا لما يقتاته الإنسان من الجراد، وقد أحسن القاضي محيي الذين الشهرزوري في وصف الجراد بذلك حيث قال: لها فخذا بكر وساقا نعامة ... وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم حبتها أفاعي الرمل بطنًا وأنعمت ... عليها جياد الخيل بالرأس والفم قال الأصمعي: أتيت البادية فإذا أعرابي زرع برًّا له فلما قام على سوقه وجاد بسنبله أتاه رجل جراد فجعل الرجل ينظر إليه ولا يعرف كيف الحيلة فأنشد: مرّ الجراد على زرعي فقلت له ... لا تأكلن ولا تشغل بإفساد فقام منهم خطيب فوق سنبلة ... أنا على سفر لا بد من زاد ولعابه على الأشجار لا يقع على شيء إلاّ أحرقه. 5495 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما- قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْعَ غَزَوَاتٍ، أَوْ سِتًّا كُنَّا نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ. قَالَ سُفْيَانُ وَأَبُو عَوَانَةَ وَإِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى سَبْعَ غَزَوَاتٍ. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي يعفور) بفتح التحتية وسكون المهملة وضم الفاء وبعد الواو راء منصرفًا اسمه وفدان بفتح الواو وسكن الفاء بعدها دال مهملة فألف فنون وقيل وافد هو الأكبر لا الأصغر عبد الرحمن بن عبيد لأن الأصغر كما قال ابن أبي حاتم لم يسمع من ابن أبي أوفى بخلاف الأكبر كما (قال: سمعت ابن أبي أوفى) عبد الله (-رضي الله عنهما- قال: غزونا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبع غزوات أو ستًّا) بالشك. قال في الفتح: من شعبة (كنا نأكل معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الجراد) وزاد أبو نعيم في الطب ويأكله معنا وقد نقل النووي الإجماع على حل أكل الجراد وخصه ابن العربي بغير جراد الأندلس لما فيه من الضرر المحض. وفي حديث سلمان عند أبي داود أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سئل عن الجراد فقل: لا آكله ولا أحرّمه لكن الصواب أنه مرسل، وعن أحمد إذا قتله البرد لم يؤكل وملخص مذهب مالك إن قطعت رأسه حلّ

به} [الأنعام: 145] وأجمع المسلمون على أنّه لا يفسق آكل ذبيحة المسلم التارك للتسمية، وأيضًا قوله: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم} فإن هذه المناظرة كانت في الميتة كما مرّ، وقال تعالى: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} وهذا مخصوص بما ذبح على اسم النصب يعني لو رضيتم بهذه الذبيحة التي ذبحت على اسم إلهية الأوثان لقد رضيتم بإلهيتها وذلك يوجب الشرك. قال إمامنا الشافعي رحمه الله: فأوّل الآية وإن كان عامًّا بحسب الصيغة إلا أن آخرها لما حصلت فيه هذه القيود الثلاثة علمنا أن المراد من العموم الخصوص، وقال صاحب فتوح الغيب -رحمه الله تعالى-: والمجادلة هي قولهم لم لا تأكلون ما قتله الله وتأكلون ما قتلتموه أنتم وذلك أنما يصح في الميتة فدخل بقوله: {وإنه لفسق} ما أهل لغير الله فيه. وبقوله: {وإن الشياطين ليوحون} الميتة فتحقق قول الشافعي -رحمه الله- أن النهي مخصوص بما ذبح على النصب أو مات حتف أنفه، واختلف في قوله: {وإنه لفسق} فقيل جملة مستأنفة قالوا ولا يجوز أن تكون منسوقة على سابقتها لأن الأولى طلبية وهذه خبرية، وقيل إنها منسوقة على السابقة ولا يضر تخالفهما وهو مذهب سيبويه، وقيل إنها حالية أي لا تأكلوه والحال أنه فسق. قال في اللباب: وقد تبجح الرازي بهذا الوجه على الحنفية حيث قلب دليلهم عليهم بهذا الوجه وذلك لأنهم يمنعون من أكل متروك التسمية والشافعية لا يمنعون منه استدلّ الحنفية بظاهر الآية فقال الرازي هذه الجملة حالية ولا يجوز أن تكون معطوفة لتخالفهما طلبًا وخبرًا فتعين أن تكون حالية وإذا كانت حالية كان المعنى لا تأكلوه حال كونه فسقًا ثم هذا الفسق مجمل فسره الله تعالى في موضع آخر فقال: {أو فسقًا أهلّ لغير الله به} يعنى أنه إذا ذكر غير اسم الله على الذبيحة فإنه لا يجوز أكلها لأنه فسق، وقد يجاب بأن يقال سلمنا إن ما أهلّ لغير الله به يكون فسقًا ونحن نقول به ولا يلزم من ذلك أنه إذا لم يذكر اسم الله عليه ولا اسم غيره أن يكون حرامًا وللنزاع فيه مجال من وجوه: منها إنّا لا نسلم امتناع عطف الخبر على الطلب والعكس كما مرّ عن سيبويه، وإن سلم قالوا وللاستناف وما بعدها مستأنف، وإن سلم أيضًا فلا نسلم أن فسقًا في الآية الأخرى مبين للفسق في هذه الآية فإن هذا ليس من باب المجمل والمبين لأن له شروطًا ليس موجودة هنا وسقط قوله ليجادلوكم إلى آخره لأبي ذر. 5498 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ، فَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ، فَعَجِلُوا فَنَصَبُوا الْقُدُورَ، فَدُفِعَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ، فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا». قَالَ: وَقَالَ جَدِّي إِنَّا لَنَرْجُو أَوْ نَخَافُ أَنْ نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى، أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ فَقَالَ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْهُ أَمَّا السِّنُّ عَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي البصريّ قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن سعيد بن مسروق) والد سفيان الثوري (عن عباية بن رفاعة بن رافع) بفتح العين والموحدة المخففة بعدها تحتية ورفاعة بكسر الراء وتخفيف الفاء وبعد الألف عين مهملة الأنصاري (عن جدّه رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وبعد التحتية جيم، وقال أبو الاحوص عن سعيد عن عباية عن أبيه عن جدّه وتابع أبا الأحوص على زيادته في الإسناد عن أبيه حسان بن إبراهيم الكرمانيّ عن مسعود بن مسروق أخرجه البيهقي من طريقه وكذا رواه ليث بن أبي سليم عن عباية عن أبيه عن جدّه أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذي الحليفة) من الأسماء المركبة تركيب إضافة فيعرب الأوّل بوجوده الإعراب والثاني مجرور على الإضافة كأبي هريرة وزاد سفيان الثوري عن أبيه من تهامة وهو مكان بالقرب من ذات عرق بين الطائف ومكة كما جزم به أبو بكر الحازمي وياقوت ووقع للقابسي أنها الميقات المشهور وكذا ذكره النووي (فأصاب الناس جوع فأصبنا إبلًا وغنمًا) من المغانم (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كائنًا (في أُخريات الناس) آخرهم ليصونهم ويحفظهم إذ لو تقدّمهم لخيف أن يقتطع الضعيف منهم وكان بالمؤمنين رحيمًا (فعجلوا) من الجوع الذي كان بهم وذبحوا ما غنموه قبل القسمة (فنصبوا القدور) ووضعوا ما ذبحوه فيها وفي رواية الثوري فأغلوا

القدور أي أوقدوا النار تحتها حتى غلت (فدفع) بضم الدال مبنيًّا للمفعول أي وصل (إليهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر هنا إليهم ومقتضاه سقوط إليهم الأولى (فأمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بالقدور) أن تكفأ (فأكفئت) بضم الهمزة وسكون الكاف. قال ابن فرحون: أي فأمر رجلًا بكفء القدور ولأن أمر يتعدى إلى مفعول به إلى الثاني بالباء ويكون الثاني مصدرًا أو مقدرًا بمصدر تقول أمرتك الخير وأمرتك بالخير وتقول أمرتك بزيد ولا تقول أمرتك زيدًا لأن التقدير أمرتك بإكرام زيد أو بضرب زيد فيحذف المصدر ويقام المضاف إليه مقامه، وكذلك جاء هنا فلا يجوز فأمر القدور إلا بتقدير مضاف أي بكفء القدور فالباء الداخلة على المصدر به حذفه دخلت على القائم مقامه قال: وهذا الذي ظهر لي من التقدير ما وقفت عليه لكن وجدت القواعد تسوق إليه انتهى. وقوله: فأكفئت أي فقلبت وأفرغ ما فيها أي من المرق كما قاله النووي عقوبة لهم قال: وأما اللحم فلم يتلفوه بل يحمل على أنه جمع وردّ إلى المغنم ولا يظن أنه أمر بإتلافه مع نهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن إضاعة المال وهذا من مال الغانمين وأيضًا فالجناية بطبخه لم تقع من جميع مستحقي الغنيمة فإن منهم من لم يطبخ ومنهم المستحقون للخمس. فإن قيل: إنه لم ينقل أنهم حملوا اللحم إلى المغنم قلنا ولم ينقل أنهم أحرقوه أو أتلفوه فيجب تأويله على وفق القواعد انتهى. لكن في حديث عاصم بن كليب عن أبيه وله صحبة عن رجل من الأنصار قال: أصاب الناس حاجة شديدة وجهد فأصابوا غنمًا فانتهبوها فإن قدورنا لتغلي بها إذ جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على فرسه فأكفأ قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال: "إن النهبة ليست بأحل من الميتة" رواه أبو داود بإسناد جيد على شرط مسلم، وترك تسمية الصحابي لا يضرّ ولا يقال لا يلزم من تتريب اللحم إتلافه لا مكان تداركه بالغسل لأن سياق الحديث يُشعِر بإرادة المبالغة في الزجر عن ذلك وهو كونهم انتهبوا ولم يأخذوا باعتدال فلو كان بصدد أن ينتفع به بعد ذلك لم يكن فيه كبير زجر لأن الذي يخص الواحد منهم نزر يسير فكان إفسادها عليهم مع تعلق قلوبهم بها وحاجتهم إليها وشهوتهم لها أبلغ في الزجر قاله في الفتح وغيره. (ثم قسم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فعدل) أي قابل (عشرة) ولأبي ذر عشرًا (من الغنم ببعير) لنفاسة الإبل إذ ذاك أو قلتها وكثرة الغنم أو كانت هزيلة بحيث كان قيمة البعير عشر شياه وحينئذٍ فلا يخالف ذلك القاعدة في الأضاحي من أن البعير يجزىء عن سبع شياه لأن ذلك هو الغالب في قيمة الشاة والبعير العتدلين، فالأصل أن البعير لسبعة ما لم يعرض عارض من نفاسة ونحوها فيتغير الحكم بحسب ذلك وبهذا تجتمع الأخبار الواردة في ذلك (فند) بفتح الفاء والنون وتشديد الدال فنفر وذهب على وجهه شاردًّا (منها) من الإبل المقسومة (بعير) والفاء عاطفة على السابق (وكان في القوم خيل يسيرة) قال ذلك تمهيدًا لعذرهم في كون البعير الذي ندّ أتعبهم ولم يقدروا على تحصيله (فطلبوه) بفاء العطف والسبب (فأعياهم) فأتعبهم والفاء للعطف على محذوف أي طلبوه ففاتهم ولم يقدروا على تحصيله (فأهوى إليه رجل) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه أي قصد نحوه ورماه (بسهم فحبسه الله) بالسهم لم جعل إصابة السهم له سببًا في وقوفه فهو عز وجل خالق الأسباب والمسببات (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن لهذه البهائم) جمع بهيمة قال: في القاموس كل ذات أربع قوائم وفي رواية الثوري وشعبة إن لهذه الإبل (أوابد) بفتح الهمزة والواو وكسر الموحدة بعدها دال مهملة أي توحشًا ونفرة من الإنس (كأوابد الوحش) وأوابد لا ينصرف لأنه على صيغة منتهى المجموع والكاف يجوز أن تكون اسمًا صفة لأوابد يكون ما بعد الكاف مضافًا إليه أو الكاف حرف جرّ وتاليه مجرور به أي إن لهذه البهائم أوابد كائنة كأوابد الوحش وإنما انصرف أوابد الثاني لأنه أضيف (فما ندّ)

16 - باب ما ذبح على النصب والأصنام

نفر واستعصب (عليكم) ولأبي ذر زيادة منها (فاصنعوا به هكذا) أي وكلوه كما عند الطبراني وقوله هكذا الهاء للتنبيه وكذا كلمتان الكاف بمعنى مثل في موضع المفعول وذا مضاف إليه أو الكاف نعت لمصدر محذوف أي فاصنعوا به صنعًا كذا أي مثل ذلك. (قال) عباية: (وقال جدي): رافع بن خديج وزاد عبد الرزاق عن الثور في روايته يا رسول الله وهذا صورته صورة الإرسال لأن عباية لم يدرك زمان القول (إنا لنرجو أو) قال: (نخاف) بالشك من الراوي (أن نلقى العدو غدًا وليس معنا مدى) بضم الميم وبالدال المهملة مقصورًا مخففًا جمع مدية بسكون الدال سكين تذبح بها ما نغنمه منهم أو نذبح بها ما نأكله لنتقوّى به على العدو إذا لقيناه وسميت المدية فيما قيل لأنها تقطع مدي حياة الحيوان (أفنذبح بالقصب) الفاء عاطفة على ما قبل همزة الاستفهام ومنهم من قدّر المعطوف عليه بعد الهمزة كما مر في قوله أوّل هذا المجموع أو مخرجيّ هم والتقدير هنا أي أتأذن فنذبح بالقصب وقال الكرماني: فإن قلت ما الغرض من ذكر لقاء العدوّ عند السؤال عن الذبح بالقصب قلت غرضه إنّا لو استعملنا السيوف في المذابح لكلّت وعند اللقاء نعجز عن القاتلة بها (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجيبًا بجواب جامع. (ما أنهر الدم) بسكون النون وبعد الهاء المفتوحة راء مهملة أي أساله وصبه بكثرة وهو مشبه بجري الماء في النهر وما شرطية رفع بالابتداء (وذكر اسم الله عليه) بضم الدال فعل ومفعول لم يسم فاعله وعليه متعلق بذكر وجواب الشرط قوله (فكل) أو ما موصولة رفع بالابتداء وخبرها فكلوا والتقدير ما أنهر الدم فحلال فكلوا واللام في الدم بدل من المضاف إليه أي دم صيد والضمير في فكلوه على الوجهين لا يصح عوده على ما فلا بدّ من رابط يعود على ما من الجملة أو ملابسها فيقدّر محذوف ملابس أي فكلوا مذبوحه أو يقدر مضاف إلى ما أي مذبوح ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه وبه يتمسك من اشترط التسمية لأنه علق الإذن بمجموع الأمرين الأنهار والتسمية والمعلق على شيئين لا يكتفي فيه إلا باجتماعهما وينتفي بانتفاء أحدهما ومبحث ذلك قد مرّ مرارًا (ليس السن والظفر) نصب على الخبرية لليس وقيل على الاستثناء واسمها على الخلاف هل هو ضمير مستتر عائد على البعض المفهوم من الكل السابق أو لفظ بين محذوف تقول جاء القوم ليس زيدًا بمعنى إلا زيدًا وتقديره ليس بعضهم زيدًا ولا يكون بعضهم زيدًا ومؤدّاه مؤدي إلا (وسأخبركم عنه) ولأبي ذر عن الكشميهني وسأحدثكم عنه (أما السن) فإنه (عظم) وكل عظم لا يحل الذبح به فالنتيجة مطوية لدلالة الاستثناء عليها كما قاله البيضاوي، أو كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد قرر عندهم أن الذكاة لا تحل بالعظم فلذا اقتصر على قوله عظم قاله ابن الصلاح وللكشميهني فعظم بزيادة الفاء (وإما الظفر فمدى الحبشة) وهم كفار وقد نهيتم عن التشبه بهم، أو لأن الذبح به تعذيب للحيوان ولا يقع به غالبًا إلا الخنق الذي ليس على صورة الذبح. وفي الحديث منع الذبح بالسن والظفر متصلًا كان أو منفصلًا طاهرًا كان أو متنجسًا وفرق الحنفية بين السن والظفر المتصلين فخصوا المنع بهما وأجازوه بالمنفصلين، وفي المعرفة للبيهقي من رواية حرملة عن الشافعي رحمه الله حمل الظفر في هذا الحديث على النوع الذي يدخل في البخور والطيب. 16 - باب مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَالأَصْنَامِ (باب ما ذبح على النصب) بضم النون والصاد حجارة كانت لهم منصوبة حول الكعبة يذبحون عليها الأصنام يعظمونها بذلك ويتقربون به إليها وقيل هي ما يعبد من دون الله وحينئذٍ فقوله (والأصنام) عطف تفسيري وهي جمع صنم وهو ما اتخذ إلهًا من دون الله. 5499 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ الْمُخْتَارِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحٍ، وَذَاكَ قَبْلَ أَنْ يُنْزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَحْيُ، فَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُفْرَةً فِيهَا لَحْمٌ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: "إِنِّي لاَ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلاَ آكُلُ إِلاَّ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ". وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العميّ أبو الهيثم قال: (حدّثنا عبد العزيز يعني ابن المختار) بالخاء المعجمة البصري الدباغ قال: (أخبرنا موسى بن عقبة) مولى آل الزبير ويقال: مولى أمّ خالد زوج الزبير الإمام في المغازي (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم أنه سمع) أباه (عبد الله) بن عمر بن

17 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فليذبح على اسم الله»

الخطاب -رضي الله عنهما- (يحدّث عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل) بضم النون وفتح الفاء وعمرو بفتح العين وزيد هذا والد سعيد بن زيد العدوي أحد العشرة المبشرة بالجنة (بأسفل بلدح) بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح الدال آخره حاء مهملتين منصرف ولأبي ذر غير منصرف اسم موضع بالحجاز قريب من مكة (وذاك قبل أن ينزل على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الوحي) وكان زيد في الجاهلية يتعبد على دين إبراهيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقدم إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سفرة فيها لحم) بفتح قاف فقدم والضمير في إليه لزيد ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رفع فاعل أو سفرة مفعول ولأبي ذر عن الكشميهني فقدم بضم القاف مبنيًّا للمفعول إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سفرة وجمع بينهما بأن القوم الذين كانوا هناك قدموا السفرة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقدمها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لزيد (فأبى) فامتنع زيد (أن يأكل منها ثم قال): مخاطبًا للقوم الذين قدموا السفرة للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا مما) ولابن عساكر إلا ما (ذكر اسم الله عليه) عند ذبحه. قال السهيليّ: إنما قال زيد ذلك برأي منه لا بشرع بلغه فإن الذي في شرع إبراهيم تحريم الميتة لا ما ذبح لغير الله وتعقب بأن الذي في شرع إبراهيم عليه الصلاة والسلام تحريم ما ذبح لغير الله تعالى وقد كان عدوّ الأصنام وفي حديث زيد بن حارثة عند أبي يعلى والبزار وغيرهما. قال: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا من مكة وهو مردفي فذبحنا شاة على بعض الأنصاب فأنضجناها فلقينا زيد بن عمرو فذكر الحديث مطوّلًا وفيه فقال زيد إني لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه. وقوله ذبحنا شاة على بعض الأنصاب يعني الحجارة التي ليست بأصنام ولا معبودة وإنما هي من آلاف الحجارة التي يذبح عليها. فإن قلت: هل أكل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ذلك؟ أجيب: بأن جعله في سفرة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يدل على أنه أكل منه وكم من شيء يوضع في سفرة المسافر مما لم يأكل هو منه وإنما لم ينه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من معه عن أكله لأنه لم يوح إليه بعد ولم يؤمر بتبليغ شيء تحريمًا ولا تحليلًا، وقد كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يأكل من ذبائحهم التي يذبحونها لأصنامهم فأما ذبائحهم التي يذبحونها لمآكلهم فلم نجد في الحديث أنه كان يتنزه عنها وقد كان بين ظهرانيهم مقيمًا ولم يذكر أنه كان يتميز عنهم إلا في أكل الميتة، وقد أباح الله تعالى لنا طعام أهل الكتاب والنصارى والمشركون يذبحون ويشركون في ذلك بالله قاله الخطابي. وهذا الحديث قد سبق مطوّلًا في آخر المناقب في باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل. 17 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فليذبح) أضحيته (على اسم الله) تعالى. 5500 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ الْبَجَلِيِّ قَالَ: ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُضْحِيَّةً ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا أُنَاسٌ قَدْ ذَبَحُوا ضَحَايَاهُمْ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَآهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُمْ قَدْ ذَبَحُوا قَبْلَ الصَّلاَةِ فَقَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ حَتَّى صَلَّيْنَا فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن الأسود بن قيس) العبدي الكوفي (عن جندب بن سفيان) هو جندب بن عبد الله بن سفيان (البجلي) بفتح الموحدة والجيم أنه (قال: ضحينا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أضحية) بضم الهمزة وتشديد التحتية ولأبي ذر وابن عساكر أضحاة مفرد الأضحى كالأرطأة والأرطى (ذات يوم) من باب إضافة المسمى إلى اسمه (فإذا أناس) بهمزة مضمومة ولأبي ذر عن الكشميهني فإذا أناس (قد ذبحوا ضحاياهم قبل الصلاة) أي صلاة العيد (فلما انصرف) من الصلاة (رآهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنهم قد ذبحوا قبل الصلاة فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى ومن كان لم يذبح حتى صلينا فليذبح على اسم الله) يحتمل أن يكون المراد الإذن في الذبح أو الأمر بالتسمية عليه ويؤخذ من الحديث أن وقت الأضحية من مضي قدر ركعتين وخطبتين خفيفات من طلوع الشمس، والأفضل تأخيرها إلى مضيّ ذلك من ارتفاعها كرمح خروجًا من الخلاف. وهذا الحديث قد سبق

18 - باب ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد

في الضحايا قبل صلاة العيد. 18 - باب مَا أَنْهَرَ الدَّمَ مِنَ الْقَصَبِ وَالْمَرْوَةِ وَالْحَدِيدِ (باب ما أنهر الدم) أي أساله (من القصب والمروة) حجر أبيض أو الذي يقدح منه النار (والحديد) من ذوات الحد يحل لحديث الطبراني في القصب والمروة لا مثقل كبندقة وعظم كسن وطفر لحديث اذبحوا بكل شيء فري الأوداج ما خلا السن والظفر وغيره من الأحاديث، وألحق بهما باقي العظام نغم ما قتلته الجارحة بظفرها أو نابها حلال. 5501 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ المقدمي حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ سَمِعَ ابْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُخْبِرُ ابْنَ عُمَرَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَارِيَةً لَهُمْ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ، فَأَبْصَرَتْ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا مَوْتًا. فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا. فَقَالَ لأَهْلِهِ: لاَ تَأْكُلُوا حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْأَلَهُ، أَوْ حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْهِ مَنْ يَسْأَلُهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ بَعَثَ إِلَيْهِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَكْلِهَا. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن أبي بكر المقدمي) بفتح الدال المشددة ولفظ المقدمي ثابت في رواية أبي ذر قال: (حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان التيمي (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر

19 - باب ذبيحة المرأة والأمة

العمري (عن نافع) مولى ابن عمر أنه (سمع ابن كعب بن مالك) عبد الرحمن، وقيل عبد الله وبه جزم المزي في الأطراف والذي رجحه الحافظ ابن حجر الأول (يخبر ابن عمر) عبد الله (أن أباه أخبره أن جارية لهم) أي أعرف اسمها (كانت ترعى غنمًا بسلع) بفتح السين المهملة وسكون اللام جبل بالمدينة (فأبصرت) أي الجارية (بشاة من غنمها موتًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي موتها ولغير أبي ذر كما في الفتح فأصيبت شاة بدل فأبصرت بشاة (فكسرت حجرًا فذبحتها) ولأبي ذر عن الكشميهني فذكتها بتشديد الكاف ولأبي ذر كما في الفتح زيادة به ولم يذكرها في الفرع (فقال) أي كعب (لأهله: لا تأكلوا) شيئًا من هذه الشاة (حتى آتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسأله أو) قال (حتى أرسل إليه من يسأله) بالشك من الراوي (فأتى) كعب (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو بعث إليه) من سأله (فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأكلها) ولابن عساكر فأمره بأكلها وفيه التنصيص على الذبح بالحجر. وقد مرّ هذا الحديث في باب إذا أبصر الراعي أو الوكيل شاة تموت من الوكالة. 5502 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ تَرْعَى غَنَمًا لَهُ بِالْجُبَيْلِ الَّذِي بِالسُّوقِ وَهْوَ بِسَلْعٍ فَأُصِيبَتْ شَاةٌ، فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا بِهِ، فَذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَهُمْ بِأَكْلِهَا. وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري قال: (حدّثنا جويرية) بن أسماء البصري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن رجل من بني سلمة) بكسر اللام قيل هو ابن لكعب بن مالك (أخبر عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- (أن جارية لكعب بن مالك) كانت (ترعى غنمًا له بالجبيل) بضم الجيم وفتح الموحدة مصغرًا (الذي بالسوق) المدني (وهو) أي الجبيل (بسلع فأصيبت شاة) من الغنم ولأبي ذر: بشاة بالجار (فكسرت) أي الجارية (حجرًا فذبحتها به) بالحجر وسقط لغير أبي ذر لفظ به (فذكروا للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ذلك (فأمرهم بأكلها) وليس الأمر للوجوب بل للإباحة. 5503 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لَنَا مُدًى فَقَالَ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ، لَيْسَ الظُّفُرَ وَالسِّنَّ، أَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ، وَأَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَنَدَّ بَعِيرٌ فَحَبَسَهُ فَقَالَ إِنَّ لِهَذِهِ الإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا هَكَذَا». وبه قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة بفتح الجيم والموحدة واللام الأزدي العتكي مولاهم المروزي (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عثمان (عن شعبة) بن الحجاج (عن سعيد بن مسروق) والد سفيان الثوري (عن عباية بن رافع) بفتح العين المهملة والموحدة المخففة ورافع بألف قبل الفاء هو جدّ عباية وفي الفتح عباية بن رفاعة يعني بألف بعد الفاء وهو والد عباية وفي الفرع وأصله سقوط ابن رافع لأبي ذر (عن جدّه) رافع بن خديج -رضي الله عنه- (أنه قال: يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس لنا مدى) نذبح بها (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله) عليه (فكُل) ولأبي ذر: فكلوا (ليس الظفر والسن) بنصبهما خبر ليس (أما الظفر فمدى الحبشة) فلا يشتبه بهم للنهي عن التشبه بالكفار (وأما السن فعظم) هو ينجس بالدم وقد نهيتم عن تنجيسه لأنه زاد إخوانكم من الجن. (وندّ بعير) هرب ونفر بعير من الإبل التي كان قسمها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فحبسه) الله بسبب رجل من القوم رماه بسهم (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش) نفرات كنفرات الوحش (فما غلبكم منها فاصنعوا هكذا) ولأبي ذر وابن عساكر به هكذا. وسبق هذا الحديث قريبًا. 19 - باب ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ وَالأَمَةِ (باب) حكم (ذبيحة المرأة والأمة). 5504 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً ذَبَحَتْ شَاةً بِحَجَرٍ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ بِأَكْلِهَا. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ يُخْبِرُ عَبْدَ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبٍ بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا صدقة) بن الفضل المروزي قال: (أخبرنا عبدة) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة ابن سليمان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمر (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن لكعب بن مالك) عبد الرحمن كما رجحه الحافظ ابن حجر وسقطت لام لكعب لأبي ذر. (عن أبيه) كعب (أن امرأة) وهي جارية له (ذبحت شاة بحجر) له حدّ بحيث أسال الدم (فسئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك فأمر بأكلها) أي أباحه. (وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله الإسماعيلي (حدّثنا نافع) مولى ابن عمر (أنه سمع رجلًا من الأنصار) يحتمل أن يكون ابن كعب وإن لم يكن هو فهو مجهول لكن الرواية الأخرى دلت على أن له أصلًا (يخبر عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن جارية لكعب بهذا) الحديث السابق. 5505 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ سَعْدٍ أَوْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا، فَأَدْرَكَتْهَا فَذَبَحَتْهَا بِحَجَرٍ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «كُلُوهَا». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن رجل من الأنصار عن معاذ بن سعد) بسكون العين (أو سعد بن معاذ) الأنصاري كذا وقع حديثه على الشك وذكره ابن منده وغيره في الصحابة أنه (أخبره أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنمًا) لكعب (بسلع فأصيبت شاة منها) ولأبي ذر بشاة بزيادة الجار (فأدركتها) الجارية الراعية (فذبحتها) ولأبي ذر عن الكشميهني فذكّتها (بحجر فسئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن ذلك (فقال) لهم: (كلوها) وفيه دليل لما ترجم له وهو جواز أكل ما ذبحته المرأة سواء كانت حرّة أو أمة كبيرة أو صغيرة طاهرة أو غير طاهرة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكل ما ذبحته ولم يستفصل نص عليه الشافعي، وهو قول الجمهور ونقل محمد بن عبد الحكم كراهته عن مالك، وفي المدوّنة جوازه. 20 - باب لاَ يُذَكَّى بِالسِّنِّ وَالْعَظْمِ وَالظُّفُرِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يذكى بالسن والعظم والظفر). 5506 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلْ يَعْنِي مَا أَنْهَرَ الدَّمَ إِلاَّ السِّنَّ وَالظُّفُرَ». وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة ابن عقبة قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أبيه) سعيد بن مسروق (عن عباية بن رفاعة عن) جده (رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وبعد التحتية الساكنة جيم -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): أي لي لما سألته يا رسول الله ليس لنا مدى نذبح بها. (كُل يعني) إذا ذبحت بكل (ما أنهر الدم) كالقصب والحجر (إلا السن والظفر) زاد في غير هذه مما سبق أما السن فعظم وبذلك تحصل المطابقة الكلية بين الحديث والترجمة. 21 - باب ذَبِيحَةِ الأَعْرَابِ وَنَحْوِهِمْ (باب) حكم (ذبيحة الأعراب) وهم ساكنو البادية (و) حكم ذبيحة (نحوهم) بالواو ولأبي ذر عن الكشميهني ونحرهم بالراء بدل الواو فالأول لغير الإبل. 5507 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ الْمَدَنِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-. أَنَّ قَوْمًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَا بِاللَّحْمِ لاَ نَدْرِي أَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لاَ، فَقَالَ: «سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوهُ». قَالَتْ: وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْكُفْرِ. تَابَعَهُ عَلِيٌّ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَتَابَعَهُ أَبُو خَالِدٍ وَالطُّفَاوِيُّ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن عبيد الله) بضم العين ابن زيد أبو ثابت مولى العثمان بن عفان القرشي الأموي المدني قال: (حدّثنا أسامة بن حفص المدني) ضعفه الأزدي بلا حجة (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أن قومًا قالوا للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن قومًا) وللنسائي إن ناسًا من الأعراب (يأتونا) ولأبي ذر وابن عساكر: يأتوننا بزيادة نون أخرى (باللحم) من البادية (لا ندري أذكر اسم الله عليه) عند الذبح بضم ذال أذكر مبنيًّا للمفعول (أم لا؟ فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سموا عليه أنتم وكلوه) وهذا ظاهر في عدم وجوب التسمية وليس المراد من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سموا عليه أنتم إن تسميتهم على الأكل قائمة مقام التسمية الفائتة على الذبح بل طلب الإتيان بالتسمية التي لم تفت وهي التسمية على الأكل. (قالت) عائشة: (وكانوا) أي القوم السائلون (حديثي عهد بالكفر) بإسقاط النون للإضافة وزاد مالك في آخره وذلك في آخر الإسلام وقد تمسك بهذه الزيادة قوم فزعموا إن هذا الجواب كان قبل نزول قوله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 121]. وأجيب: بأن في الحديث نفسه ما يرد ذلك لأنه أمرهم فيه بالتسمية عند الأكل فدلّ على أن الآية كانت نزلت بالأمر بالتسمية عند الأكل وأيضًا فقد اتفقوا على أن الأنعام مكية وأن هذه القصة كانت بالمدينة وأن القوم كانوا من أعراب بادية المدينة. وقال الطيبي: قوله اذكروا اسم الله أنتم وكلوا من أسلوب

22 - باب ذبائح أهل الكتاب وشحومها من أهل الحرب وغيرهم وقوله تعالى: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم} وقال الزهري: لا بأس بذبيحة نصارى العرب، وإن سمعته يسمي لغير الله فلا تأكل وإن لم تسمعه فقد أحله الله وعلم كفرهم ويذكر عن علي نحوه. وقال الحسن وإبراهيم: لا بأس بذبيحة الأقلف. وقال ابن عباس: طعامهم ذبائحهم

الحكيم كأنه قيل لهم لا تهتموا بذلك ولا تسألوا عنه، والذي يهمكم الآن أن تذكروا اسم الله عليه. (تابعه) أي تابع أسامة بن حفص (علي) هو ابن المديني (عن الدراوردي) عبد العزيز بن محمد عن هشام بن عروة مرفوعًا كذلك وهذه المتابعة وصلها الإسماعيلي (وتابعه) أي وتابع أسامة أيضًا (أبو خالد) سليمان بن حيان الأحمر فيما وصله المصنف في كتاب التوحيد (و) تابعه أيضًا (الطفاوي) بضم الطاء المهملة بعدها فاء محمد بن عبد الرحمن فيما وصله المؤلّف في البيوع كلاهما مرفوعًا لكن خالفهم مالك فرواه عن هشام عن أبيه مرسلًا لم يذكر عائشة، ووافق مالكًا على إرساله الحمادان وابن عيينة والقطان عن هشام وهو أشبه بالصواب قاله الدارقطني والحكم للواصل إذ زاد عدد من وصل على من أرسل واختلف بقرينة تقوي الوصل كما هنا إذ عروة معروف بالرواية عن عائشة مشهور بالأخذ عنها ففيه إشعار بحفظ من وصله عن هشام دون من أرسله. 22 - باب ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَشُحُومِهَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لاَ بَأْسَ بِذَبِيحَةِ نَصَارِىِّ الْعَرَبِ، وَإِنْ سَمِعْتَهُ يُسَمِّي لِغَيْرِ اللَّهِ فَلاَ تَأْكُلْ وَإِنْ لَمْ تَسْمَعْهُ فَقَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ وَعَلِمَ كُفْرَهُمْ وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ: لاَ بَأْسَ بِذَبِيحَةِ الأَقْلَفِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ (باب) جواز أكل (ذبائح أهل الكتاب) اليهود والنصارى (و) جواز أكل (شحومها) أي شحوم ذبائح أهل الكتاب (من أهل الحرب) الذين لا يعطون الجزية (وغيرهم) وغير أهل الحرب من الذين يعطون الجزية لأن التذكية لا تقع على بعض أجزاء المذبوح دون بعض وإذا كانت التذكية سائغة في جميعها دخل الشحم لا محالة وعن مالك وأحمد تحريم ما حرّم على أهل الكتاب كالشحوم. (وقوله تعالى: {اليوم أحلّ لكم الطيبات}) وهي ما ليس بخبيث منها وهو كل ما لم يأت تحريمه في كتاب أو سنّة أو إجماع أو قياس ({وطعام الذين أوتوا الكتاب حلّ لهم}) أي ذبائحهم لأن سائر الأطعمة لا يختص حلّها بالملة، وسقط لأبي ذر اليوم، وقوله: {وطعام الذين} إلى آخره وبإثبات قوله: {وطعام الذين} إلى آخره يتم الاستدلال إذ لم يخص ذميًّا من حربي ولا لحمًا من شحم وكون الشحوم محرمة عليهم لا يضرنا ذلك لأنها محرمة عليهم لا علينا، والمراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى ومن دخل في دينهم قبل بعثة نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأما من دخل دينهم بعد المبعث فلا تحل ذبيحته ({وطعامكم حلّ لهم}) [المائدة: 5]. (وقال الزهري) محمد بن مسلم فيما وصله عبد الرزاق (لا بأس بذبيحة نصارى العرب) والذي في اليونينية نصاريّ العرب بكسر الراء وتشديد التحتية وهو مروي عن ابن عباس أيضًا كما في اللباب (وإن سمعته) أي الذمي (يسمي لغير الله) كأن يذبح باسم المسيح (فلا تأكل). وبه قال ابن عمر وهو قول ربيعة، وبه قال إمامنا الشافعي: وعبارته إن كان لهم ذبح يسمون عليه غير اسم الله مثل اسم المسيح لم يحل وإن ذكر المسيح على معنى الصلاة عليه لم يحرم، وحكى البيهقي بحثًا عن الحليمي أن أهل الكتاب إنما يذبحون لله تعالى وهم في أصل دينهم لا يقصدون بعبادتهم إلا الله فإذا كان قصدهم في الأصل ذلك اغتفرت ذبيحتهم ولم يضر قول من قال منهم مثلًا باسم المسيح لأنه يريد بذلك إلا الله وإن كان قد كفر بذلك الاعتقاد، (وإن لم تسمعه) يسمي لغير الله (فقد أحله الله). زاد أبو ذر لك (وعلم كفرهم، ويذكر) بضم أوّله وفتح ثالثه (عن عليّ نحوه) أي نحو ما روي عن الزهري وسياقه بصيغة التمريض يُشعر بأنه لم يصح عنه، بل روي عن عليّ أنه استثنى نصارى بني تغلب، وقال: ليسوا على النصرانية ولم يأخذوا منها إلا شرب الخمر. قال في اللباب: وبه أخذ الشافعي انتهى. ورواه الشافعي وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن عليّ. (وقال الحسن) البصري فيما أخرجه عبد الرزاق عن معمر عنه (وإبراهيم) النخعي فيما أخرجه أبو بكر الخلال (لا بأس بذبيحة الأقلف) بالقاف ثم الفاء الذي لم يختن لكن أخرج ابن المنذر عن ابن عباس الأقلف لا تؤكل ذبيحته ولا تقبل صلاته ولا شهادته، وقد حكى ابن المنذر الإجماع على جواز ذبيحته لأنه سبحانه أباح ذبائح أهل الكتاب ومنهم من لا يختتن. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مفسرًا لقوله عز وجل: {وطعام الذين أوتوا الكتاب}

23 - باب ما ند من البهائم فهو بمنزلة الوحش. وأجازه ابن مسعود، وقال ابن عباس: ما أعجزك من البهائم مما في يديك فهو كالصيد وفي بعير تردى في بئر من حيث قدرت عليه فذكه ورأى ذلك علي وابن عمر وعائشة

(طعامهم ذبائحهم) وهذا وصله البيهقي وثبت للمستملي وسقط لغيره. 5508 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ خَيْبَرَ، فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ، فَنَزَوْتُ لآخُذَهُ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن حميد بن هلال) العدوي أبي نصر البصري (عن عبد الله بن مغفل) بفتح الغين المعجمة والفاء مشددة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا محاصرين قصر خيبر فرمى إنسان) أي أعرفه (بجراب) بكسر الجيم (فيه شحم) من شحم يهود (فنزوت) بالفاء والنون والزاي المفتوحات والواو الساكنة بعدها مثناة فوقية أي وثبت ولأبي ذر عن الكشميهني فبدرت أي أسرعت (لآخده فالتفت فإذا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستحييت منه) لكونه اطّلع على حرصي عليه، زاد أبو داود الطيالسي، قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هو لك) وكأنه عرف شدة حاجته إليه فسوّغ له الاستئثار به وفيه حجة لجواز الشحوم لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقرّ ابن مغفل على الانتفاع بما في الجراب وفيه جواز أكل الشحم مما ذبحه أهل الكتاب ولو كانوا أهل حرب. وهذا الحديث سبق في الخمس في باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب، وزاد هنا الحموي والكشميهني ما سبق قبل للمستملي، وهو قوله، وقال ابن عباس: طعامهم ذبائحهم. 23 - باب مَا نَدَّ مِنَ الْبَهَائِمِ فَهْوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَحْشِ. وَأَجَازَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا أَعْجَزَكَ مِنَ الْبَهَائِمِ مِمَّا فِي يَدَيْكَ فَهْوَ كَالصَّيْدِ وَفِي بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ مِنْ حَيْثُ قَدَرْتَ عَلَيْهِ فَذَكِّهِ وَرَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ (باب ما ندّ) أي فرّ وشرد (من البهائم) الإنسية (فهو بمنزلة الوحش) في عقره على أي صفة اتفقت (وأجازه) أي عقر البهائم كالوحش (ابن مسعود) عبد الله مما وصله ابن أبي شيبة بمعناه (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: (ما أعجزك) ذبحه (من البهائم) الإنسية (مما في يديك) بالتثنية مما كان لك وفي تصرفك فتوحش (فهو كالصيد) في أي شيء منه أصبته فهو ذكاته وهذا وصله ابن أبي شيبة (و) قال ابن عباس أيضًا فيما وصله عبد الرزاق (في بعير تردّى) وقع (في بئر من حيث قدرت عليه فذكّه) بكسر الهاء ولأبي ذر فذكه بكسر الهاء من حيث قدرت بالتقديم والتأخير وإسقاط عليه وكذلك بالتقديم والتأخير لابن عساكر لكن بإثبات لفظ عليه (ورأى ذلك) الحكم المذكور فيما يند (علي) أي ابن أبي طالب فيما وصله ابن أبي شيبة (وابن عمر) بضم العين فيما وصله عبد الرزاق (وعائشة) -رضي الله عنهم- قال في الفتح: لم أقف على أثر عائشة موصولًا، وقال مالك والليث: لا يحل الإنسي إذا توحش إلاّ بتذكيته في حلقه. 5509 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لاَقُو الْعَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى. فَقَالَ: «اعْجَلْ -أَوْ أَرِنْ- مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُحَدِّثُكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ». وَأَصَبْنَا نَهْبَ إِبِلٍ وَغَنَمٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ لِهَذِهِ الإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عمرو بن عليّ) بفتح العين ابن بحر البصر الصيرفي قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا سفيان) الثور قال: (حدّثنا أبي) سعيد بن مسروق (عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج) وسقط لأبي ذر وابن عساكر: ابن رافع فيكون منسوبًا لجدّه (عن) جده (رافع بن خديج) أنه (قال: قلت: يا رسول الله إنّا لاقو العدوّ غدًا) جملة في محل معمول القول ولاقو خبر إن وأصل لاقو لاقيون حذفت منه النون للإضافة فصار لاقيو والعرب تعاف الضمة قبلها كسرة فحذفوا الكسرة وألقوا على القاف ضمة الياء فحذفت الياء لسكونها وسكون الواو وغدًا: ظرف زمان وكانوا بذي الحليفة وليست بالميقات كما مرّ (وليست معنا مدى) نذبح بها (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لي: (أعجل) بهمزة مفتوحة وعين مهملة ساكنة وجيم مفتوحة في الفرع كأصله، وقال العيني بكسر الهمزة، وقال في المصابيح: بهمزة وصل تكسر في الابتداء وجيم مفتوحة أمر من العجلة أبي أعجل لا تموت الذبيحة خنقًا (أو أرنِ ما أنهر الدم) بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون النون بوزن أفل فحذفت عين الفعل في الأمر لأنه من أران يرين فالأمر أرن كاطع من أطاع يطيع والمعنى أهلك الذي تذبحه بما يسيل الدم، ولأبي ذر أرن بسكون الراء وكسر النون من باب أفعل والأمر منه أرن بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر النون، والمعنى على هذا انظر ما أنهر الدم إلى الذي تذبحه فما أنهر الدم في موضع نصب على المفعولية. وقال في المصابيح كالتنقيح وعند الأصيلي: أرني بهمزة قطع مفتوحة وراء مكسورة ونون مكسورة بعدها ياء المتكلم، وقيل صوابه أيرن ومعناه خف وأنشط

24 - باب النحر والذبح

وأعجل لئلا تختنق الذبيحة لأنه إذا كان بغير حديد احتاج صاحبه إلى خفة يد في إمرار تلك الآلة على المريء والحلقوم قبل أن تهلك الذبيحة بما ينالها من ألم الضغط وهو من قولهم: أرن يأرن أرنًا إذا نشط فهو آرن والأمر أيرن على وزن احفظ ورجح النووي أن أرن بمعنى أعجل وأنه شك من الراو وضبط أعجل بكسر الجيم يعني أن المراد الذبح بما يسرع القطع ويجري الدم (وذكر اسم الله عليه فكُل ليس السن والظفر) بنصبهما كما مرّ (وسأحدثك) عن ذلك (أما السن فعظم) لا يذبح (وأما الظفر فمدى الحبشة) وهم كفار وقد نهي عن التشبه بالكفار ولأبي ذر عن الكشميهني فمد الحبش بالتذكير. قال ابن خديج: (وأصبنا نهب إبل) بفتح النون من المغنم ولأبي ذر عن الكشميهني: نهبة إبل بضم النون وبعد الموحدة هاء تأنيث (وغنم فندّ منها بعير فرماه رجل) أي أعرف اسمه (بسهم فحبسه فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش) نفرات كنفراتها (فإذا غلبكم منها شيء) بأن توحّش (فافعلوا به هكذا) وكلوه. وهذا الحديث قد سبق في باب التسمية على الذبيحة. 24 - باب النَّحْرِ وَالذَّبْحِ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ لاَ ذَبْحَ وَلاَ مَنْحَرَ إِلاَّ فِي الْمَذْبَحِ وَالْمَنْحَرِ. قُلْتُ: أَيَجْزِي مَا يُذْبَحُ أَنْ أَنْحَرَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. ذَكَرَ اللَّهُ ذَبْحَ الْبَقَرَةِ، فَإِنْ ذَبَحْتَ شَيْئًا يُنْحَرُ جَازَ، وَالنَّحْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَالذَّبْحُ قَطْعُ الأَوْدَاجِ. قُلْتُ فَيُخَلِّفُ الأَوْدَاجَ حَتَّى يَقْطَعَ النِّخَاعَ؟ قَالَ: لاَ إِخَالُ. وَأَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ نَهَى عَنِ النَّخْعِ يَقُولُ: يَقْطَعُ مَا دُونَ الْعَظْمِ، ثُمَّ يَدَعُ حَتَّى تَمُوتَ. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} وَقَالَ: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} وَقَالَ سَعِيدٌ بْنِ جُبَيرٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ: إِذَا قَطَعَ الرَّأْسَ فَلاَ بَأْسَ. (باب النحر) للإبل في اللبة (والذبح) لغيرها في الحلق (وقال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز فيما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (لا ذبح ولا نحر) بلفظ المصدر فيهما وفي الفرع كأصله ولا منحر بميم ونون ساكنة (إلا في المذبح والمنحر) اسما مكان الذبح والنحر لف ونشر مرتب. قال ابن جريج: (قلت) لعطاء (أيجزئ) بفتح التحتية بغير همز (ما يذبح) بضم أوله وفتح ثالثه (أن أنحره؟ قال: نعم ذكر الله) تعالى (ذبح البقرة) في سورتها بقوله: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} [البقرة: 67] (فإن ذبحت شيئًا آخر ينحر) أو نحرت شيئًا يذبح (جاز) من غير كراهة لأنه لم يرد فيه نهي والخطاب في ذبحت من عطاء لابن جريج (والنحر أحب إليّ) هو من قول عطاء (والذبح قطع الأوداج) جمع ودج بفتح الدال وبالجيم وهو العرق الذي في الأخدع وهما عرقان متقابلان. واستشكل التعبير بالجمع لأنه ليس لكل بهيمة سوى ودجين. وأجيب: باحتمال أنه أضاف كل ودجين إلى الأنواع كلها أو هو من باب تسمية الجزء باسم الكل ومنه قوله عظيم المناكب وعظيم المشافر. وفي كتب أكثر الحنفية إذا قطع من الأوداج الأربعة ثلاثة حصلت التذكية وهي الحلقوم والمريء وعرق من كل جانب. قال ابن جريج (قلت) لعطاء (فيخلف) بترك الذابح (الأوداج حتى يقطع النخاع) بكسر النون مصححًا عليه في الفرع كأصله، وقال في المصابيح: بضم النون، وحكى الكسائي فيه عن بعض العرب الكسر وهو الخيط الأبيض الذي في فقار الظهر والرقبة. (قال) عطاء (لا إخال) بكسر الهمزة والهاء المعجمة أي لا أظن وفي نسخة اليونينية لا أخاف. قال ابن جريج: (وأخبرني) بالإفراد ولأبي ذر: فأخبرني بالفاء بدل الواو (نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر نهى عن النخع) بفتح النون وسكون المعجمة وهو أن ينتهي بالذبح إلى النخاع وهو عظم الرقبة (يقول: يقطع ما دون العظم ثم يدع) ثم يترك المذبوح (حتى يموت. وقول الله تعالى: {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} وقال: {فذبحوها وما كادوا يفعلون}) [البقرة: 71] وسقط لأبي ذر لفظ وقال: وقال بعد {بقرة} إلى {فذبحوها وما كادوا يفعلون} وهذا من بقية الترجمة، وتفسير قول ابن جريج ذكر الله ذبح البقرة وفيه إشارة إلى اختصاص البقر بالذبح. (وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله سعيد بن منصور والبيهقي (الذكاة في الحلق واللبة) بفتح اللام والموحدة المشددة موضع القلادة من الصدر. (وقال ابن عمر) -رضي الله عنهما- فيما وصله أبو موسى الزمن من رواية أبي مجلز عنه (وابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله ابن أبي شيبة بسند صحيح (وأنس) -رضي الله عنه- مما وصله ابن أبي شيبة (إذا قطع الرأس) مما يذبحه حال الذبح (فلا

25 - باب ما يكره من المثلة والمصبورة والمجثمة

بأس) بأكلها. 5510 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ امْرَأَتِي عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما- قَالَتْ: نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ. وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان السلمي الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن هشام بن عروة) بن الزبير أنه (قال) ولابن عساكر: حدّثنا هشام بن عروة قال: (أخبرتني) بالإفراد (فاطمة بنت المنذر امرأتي عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-) أنها (قالت: نحرنا على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في زمنه المعهود (فرسًا فأكلناه). وهذا الحديث أخرجه مسلم في الذبائح وكذا النسائي وابن ماجة. 5511 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ سَمِعَ عَبْدَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: ذَبَحْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَسًا وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ فَأَكَلْنَاهُ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (إسحاق) بن راهويه أنه (سمع عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان (عن هشام عن) زوجته (فاطمة) بنت المنذر (عن أسماء) بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- أنها (قالت: ذبحنا على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرسًا ونحن بالمدينة فأكلناه). 5512 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ. تَابَعَهُ وَكِيعٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ فِي النَّحْرِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن هشام) هو ابن عروة (عن فاطمة بنت المنذر) زوجته (أن أسماء بنت أبي بكر) -رضي الله عنهما- (قالت: نحرنا على عهد رسول الله) أي زمنه ولابن عساكر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرسًا) يطلق على الذكر والأنثى (فأكلناه) وفي الأولى والثالثة بلفظ النحر وفي الثانية بلفظ الذبح والاختلاف فيه على هشام فلعله كان يرويه تارة كذا وتارة كذا، وهو يشعر باستواء اللفظين في المعنى وأن كلاًّ منهما يطلق على الآخر مجازًا وحمله بعضهم على التعدد لتغاير النحر والذبح وإن كان الأولى أن النحر في الإبل والذبح في غيرها (تابعه) أي تابع جريرًا (وكيع) هو ابن الجراح فيما وصله أحمد ومسلم (و) تابعه أيضًا (ابن عيينة) سفيان فيما وصله المؤلّف بعد عن الحميدي عنه كلاهما (عن هشام) أي ابن عروة (في النحر). 25 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الْمُثْلَةِ وَالْمَصْبُورَةِ وَالْمُجَثَّمَةِ (باب ما يكره من المثلة) بضم الميم وسكون المثلثة وهي قطع أطراف الحيوان أو بعضها وهو حي (و) باب حكم (المصبورة) بفتح الميم وسكون الصاد المهملة وضم الموحدة الدابة التي تحبس حية لتقتل بالرمي ونحوه (و) حكم (المجثمة) بضم الميم وفتح الجيم والمثلثة المشددة التي تربط وتجعل غرضًا للرمي أو خاصة بالطير فإذا ماتت من ذلك حرّم أكلها لأنها موقوذة. 5513 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَنَسٍ عَلَى الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ فَرَأَى غِلْمَانًا أَوْ فِتْيَانًا نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا، فَقَالَ أَنَسٌ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام بن زيد) أي ابن أنس بن مالك أنه (قال: دخلت مع) جدي (أنس على الحكم بن أيوب) بن أبي عقيل الثقفي ابن عم الحجاج بن يوسف ونائبه على البصرة وزوج أخته زينب بنت يوسف وكان يضاهي ابن عمه الحجاج في الجور (فرأى غلمانًا أو فتيانًا) بكسر الفاء لم يعرف الحافظ ابن حجر أسماءهم والشك من الراوي (نصبوا دجاجة يرمونها فقال أنس: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تصبّر البهائم) بضم الفوقية وسكون الصاد المهملة وفتح الموحدة أي تحبس لترمى حتى تموت. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الذباح وأبو داود في الأضاحي وابن ماجة. 5514 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغُلاَمٌ مِنْ بَنِي يَحْيَى رَابِطٌ دَجَاجَةً يَرْمِيهَا، فَمَشَى إِلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ حَتَّى حَلَّهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهَا وَبِالْغُلاَمِ مَعَهُ فَقَالَ: ازْجُرُوا غُلاَمَكُمْ عَنْ أَنْ يَصْبِرَ هَذَا الطَّيْرَ لِلْقَتْلِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِلْقَتْلِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (أحمد بن يعقوب) المسعودي الكوفي قال: (حدّثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو) بفتح العين وكسرها من سعيد (عن أبيه أنه سمعه يحدث عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه دخل إلى يحيى بن سعيد) أي ابن العاص وهو أخو عمرو المعروف بالأشدق ابن سعيد بن العاص والد سعيد بن عمرو راويه عن ابن عمر (وغلام من بني يحيى رابط دجاجة يرميها) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه؛ وكان ليحيى من الأولاد المذكور عثمان وعنبسة وأبان وإسماعيل وسعيد ومحمد وهشام وعمرو (فمشى إليها) إلى الدجاجة (ابن عمر حتى حلّها) بتشديد اللام ولابن عساكر وأبي ذر عن المستملي حملها بزيادة ميم مشددة وليس في اليونينية تشديد على ميم حملها والأولى أنسب لقوله رابط (ثم أقبل بها وبالغلام) الرامي لها (معه فقال: ازجروا غلامكم عن أنس يصبر) ولأبي ذر عن الكشميهني غلمانكم عن أن يصبروا (هذا الطير) يحبسه (للقتل فإني سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى)

26 - باب الدجاج

ولأبي ذر عن المستملي والحموي ينهى (أن تصبر) بضم الفوقية وفتح الموحدة أن تحبس (بهيمة أو غيرها للقتل) وأو للتنويع فدخل الطير. وهذا الحديث من أفراده. 5515 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَمَرُّوا بِفِتْيَةٍ أَوْ بِنَفَرٍ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا، فَلَمَّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا عَنْهَا، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا. تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ عَنْ شُعْبَةَ. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل قال: (حدّثنا أبو عوانة) بفتح العين المهملة الوضاح (عن أبي بشر) بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة جعفر بن أبي وحشية (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: كنت عند ابن عمر) -رضي الله عنهما- (فأمروا بفتية) بكسر الفاء جمع فتى والفتوة بذل الندى وكفّ الأذى وترك الشكوى واجتناب المحارم واستعمال المكارم (أو) مروا (بنفر) بالشك من الراوي حال كونهم (نصبوا دجاجة) حال كونهم (يرمونها) ليقتلوها (فلما رأوا ابن عمر تفرّقوا عنها. وقال ابن عمر: من فعل هذا) بهذه الدجاجة؟ (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعن من فعل هذا). بالحيوان، وفي مسلم: لعن من اتّخذ شيئًا فيه الروح غرضًا بمعجمتين واللعن من دلائل التحريم كما لا يخفى. 0000 - حَدَّثَنَا الْمِنْهَالُ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ لَعَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ وَقَالَ عَدِيٌّ عَنْ سَعِيدٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (تابعه) أي تابع أبا بشر (سليمان) بن حرب لا أبو داود الطيالسي فيما وصله البيهقي (عن شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا المنهال) بكسر الميم ابن عمرو (عن سعيد) أي ابن جبير (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه قال: (لعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مثّل بالحيوان) بتشديد المثلثة أي جعله مثلة (وقال عدي) هو ابن ثابت (عن سعيد) هو ابن جبير (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما رواه مسلم والنسائي بلفظ: لا تتخذوا شيئًا فيه الروح غرضًا. 5516 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ نَهَى عَنِ النُّهْبَةِ وَالْمُثْلَةِ. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (عدي بن ثابت) الأنصاري الثقة (قال: سمعت عبد الله بن يزيد) الخطمي الأنصاري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه نهى عن النهبة) بضم النون وسكون الهاء أخذ مال الغير قهرًا ومنه أخذ مال الغنيمة قبل القسمة اختطافًا بغير تسوية ولأبي ذر وابن عساكر: عن النهبى بغير هاء مقصورًا (و) عن (المثلة). 26 - باب الدَّجَاجِ (باب) حكم أكل لحم (الدجاج) بتثليث الدال المهملة كما حكاه المنذري في الحاشية وابن مالك وابن معين الدمشقي الواحدة دجاجة والهاء فيه للوحدة كالحمام والحمامة، وسميت بذلك كما قال ابن سيدة: لإقبالها وإدبارها يقال دج القوم يدجون دجًّا ودجيجًا إذا مشوا مشيًا رويدًا في تقارب خطو وقيل: أن يقبلوا ويدبروا ولأبي ذر: باب لحم الدجاج. 5517 - حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى يَعْنِي الأَشْعَرِىَّ رضي الله عنه - قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُ دَجَاجًا. وبه قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن موسى البلخي في قول ابن السكن أو هو ابن جعفر بن أعين أبو زكريا البيكندي فيما جزم به أبو نعيم والكلاباذي قال: (حدّثنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح أحد الأعلام (عن سفيان عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني الإمام (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (عن زهدم) بفتح الزاي والدال المهملة بينهما هاء ساكنة ابن مضرب (الجرمي) بفتح الجيم وسكون الراء (عن أبي موسى يعني الأشعري -رضي الله عنه-) سقط لأبي ذر يعني الأشعري أنه (قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل دجاجًا) فيه دليل حلّه وهو من الطيبات وأكل الفتيّ منه يزيد في العقل والمني ويصفي الصوت. 5518 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ جَرْمٍ إِخَاءٌ فَأُتِيَ بِطَعَامٍ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ جَالِسٌ أَحْمَرُ فَلَمْ يَدْنُ مِنْ طَعَامِهِ، قَالَ: ادْنُ فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُ مِنْهُ. قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ أَكَلَ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ أَنْ لاَ آكُلَهُ. فَقَالَ: ادْنُ أُخْبِرْكَ أَوْ أُحَدِّثْكَ، إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ، فَوَافَقْتُهُ وَهْوَ غَضْبَانُ، وَهْوَ يَقْسِمُ نَعَمًا مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ: فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا قَالَ: مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ. ثُمَّ أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَهْبٍ مِنْ إِبِلٍ، فَقَالَ: أَيْنَ الأَشْعَرِيُّونَ أَيْنَ الأَشْعَرِيُّونَ؟ قَالَ: فَأَعْطَانَا خَمْسَ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى فَلَبِثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي: نَسِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمِينَهُ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمِينَهُ لاَ نُفْلِحُ أَبَدًا فَرَجَعْنَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا اسْتَحْمَلْنَاكَ فَحَلَفْتَ أَنْ لاَ تَحْمِلَنَا، فَظَنَنَّا أَنَّكَ نَسِيتَ يَمِينَكَ. فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ حَمَلَكُمْ، إِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا». وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة عبد الله المقعد البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد البصري قال: (حدّثنا أيوب بن أبي تميمة) كيسان السختياني (عن القاسم) بن عاصم الكليني (عن زهدم) بفتح الزاي والدال المهملة بينهما هاء ساكنة ابن مضرب بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد الراء المكسورة بعدها موحدة الجرمي أنه (قال: كنا عند أبي موسى الأشعري وكان بيننا وبين هذا الحي من جرم) بفتح الجيم (إخاء) بكسر الهمزة والمد والحي بالخفض صفة لاسم الإشارة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: بيننا وبينه هذا الحيّ بالرفع، وقال السفاقسي: بالخفض بدلًا من الضمير في بينه ورد بأنه يصير تقدير الكلام أن زهدمًا الجرمي قال: كان بيننا وبين هذا الحي من جرم إخاء، وليس المراد وإنما المراد أن

أبا موسى وقومه الأشعريين كانوا أهل مودّة وإخاء لقوم زهدم وهم بنو جرم، ورواية الكشميهني السابقة هنا تؤيد ما قاله السفاقسي إلا أن المعنى غير صحيح وفي آخر كتاب التوحيد عن زهدم قال: كان بين هذا الحي من جرم وبين الأشعريين ودّ وإخاء وهذه الرواية هي المعتمدة كما قاله في الفتح. (فأتي) بضم الهمزة أبو موسى (بطعام فيه لحم دجاج وفي القوم رجل جالس أحمر) اللون (فلم يدن من طعامه فقال: ادن) فكُل (فقد رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل منه) وفي الترمذي من طريق قتادة عن زهدم قال: دخلت على أبي موسى وهو يأكل دجاجًا فقال: ادن فكُل ففيه أن المبهم هو زهدم الراوي أبهم نفسه وقد كان زهدم هذا ينتسب تارة لبني جرم وتارة لبني تيم الله، وجرم قبيلة من قضاعة ينسبون إلى جرم بن زبان بزاي وموحدة ثقيلة ابن عمران بن لحاف بن قضاعة وتيم الله بطن من بني كلب وهم قبيلة من قضاعة أيضًا ينسبون إلى تيم الله بن رفيدة بفاء مصغرًا ابن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة فحلوان عمّ جرم. قال الرشاطي في الأنساب: وكثيرًا ما ينسبون الرجل إلى أعمامه قاله في الفتح. (قال) الرجل لأبي موسى معتذرًا عن كونه لم يقرب للأكل (إني رأيته) أي جنس الدجاج (يأكل شيئًا) قذرًا (فقذرته) بكسر المعجمة (فحلفت أن لا آكله) وكأنه ظنه أنه أكثر من أكله بحيث صار من الجلالة فبيّن أنه ليس كذلك (فقال: ادن) أي أقرب (أخبرك) بالجزم جواب الأمر ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إذن أخبرك بكسر الهمزة وفتح الذال المعجمة وسكون النون وأخبرك نصب بإذن (أو أحدثك) شك من الراوي (أني أتيت النبي) ولأبي ذر وابن عساكر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نفر من الأشعريين فوافقته وهو غضبان، وهو يقسم نعمًا من نِعم الصدقة فاستحملناه) طلبنا منه إبلًا تحملنا (فحلف أن لا يحملنا فقال): (ما عند ما أحملكم عليه ثم أتي) بضم الهمزة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنهب) من غنيمة (من إبل فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أين الأشعريون أين الأشعريون)؟ مرتين (قال) أبو موسى (فأعطانا) عليه الصلاة والسلام (خمس ذود) نصب على المفعول مضاف لذود وهو ما بين الثلاثة إلى العشرة من الإبل، واستنكر أبو البقاء في غريبه الإضافة فقال: والصواب تنوين خمس وأن يكون ذود بدلًا من خمس فإنه لو كان بغير تنوين وأضفت لتغير المعنى لأن العدد المضاف غير المضاف إليه فيلزم أن يكون خمس ذود خمسة عشر بعيرًا لأن الإبل الذود ثلاثة انتهى. وتعقبه في فتح الباري فقال: وما أدري كيف حكم بفساد المعنى إذا كان العدد كذا وليكن عدد الإبل خمسة عشر بعيرًا فما الذي يضر؟ وقد ثبت في بعض طرقه خذ هذين القرينين وهذين القرينين إلى أن عدّ ست مرات، والذي قاله: إنما يتم أن لو جاءت رواية صريحة أنه لم يعطهم سوى خمسة أبعرة، وتعقبه العيني فقال: رده مردود عليه لأن أبا البقاء إنما قال ما قاله في هذه الرواية ولم يقل إن الذي قاله يتأتى في جميع طرق هذا الحديث انتهى. وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن القصة واحدة والطرق يفسر بعضها بعضًا فلا وجه لردّ رواية الإضافة مع توجيهها بورود بعض طرق الخبر بما يصححها انتهى. وقال في المصابيح رادًّا على قول أبي البقاء هذا خيال فاسد يلزم عليه أن يكون المأخوذ في قولك أخذت خمسة أسياف خمسة عشر سيفًا لأن أقل الأسياف ثلاثة وهذا عين ما قاله وبطلانه مقطوع به. (غير الذرى) بضم الغين المعجمة جمع أغر منصوب ويجر والأغر الأبيض والذرى بضم الذال المعجمة مقصورًا جمع ذروة وذروة كل شيء أعلاه والمراد هنا أسنمة الإبل (فلبثنا) مكثنا (غير بعيد، فقلت لأصحابي: نسي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه) الذي حلف لا يحملنا (فوالله لئن تغفلنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه لا نفلح أبدًا فرجعنا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلنا:

27 - باب لحوم الخيل

يا رسول الله إنّا استحملناك) أي طلبنا منك إبلًا تحملنا علينا (فحلفت أن لا تحملنا فظننا أنك نسيت يمينك فقال) صلوات الله وسلامه عليه: (إن الله هو حملكم إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين) أي محلوف يمين فسماه يمينًا مجازًا للملابسة بينهما والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه أو على بمعنى الباء وعند النسائي إذا حلفت بيمين لكن قوله (فأرى غيرها خيرًا منها) يدل على الأوّل لأن الضمير لا يصح عوده على اليمين بمعناه الحقيقي والمراد أن يظهر له بالعلم أو غلبة الظن أن غير المحلوف عليه خير منه والمراد بغيره إن كان فعلًا ترك ذلك الفعل وإن ترك شيء فهو ذلك الشيء (إلا أتيت الذي هو خير) من الذي حلفت عليه (وتحللتها) بالكفارة. وفي الحديث حلّ أكل الدجاج مطلقًا. نعم إذا ظهر تغير لحم الجلالة من دجاج أو نعم وهي التي تأكل العذرة اليابسة أخذًا من الجلة بفتح الجيم بالرائحة والنتن في عرقها وغيره حرم أكلها، وقيل يكره، وصحح النووي الكراهة فإن علفت طاهرًا فطاب لحمها بزوال الرائحة حلّ الأكل بالذبح من غير كراهة ويجري الخلاف في لبنها وبيضها وعلى الحرمة يكون اللحم نجسًا وهي في حياتها طاهرة والأصل في ذلك حديث ابن عمر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن أكل الجلالة وشرب ألبانها حتى تعلف أربعين ليلة رواه الدارقطني والبيهقي وقال: ليس بالقوي، وقال الحاكم صحيح الإسناد، ولفظ نهى يصدق بالحرمة والكراهة. وحديث الباب سبق في باب قدوم الأشعريين. 27 - باب لُحُومِ الْخَيْلِ (باب) حكم (لحوم الخيل) جماعة الأفراس لا واحد له من لفظه كالقوم أو مفرده خائل وسميت بذلك لاختيالها في المشية ويكفي في شرفها أن الله تعالى أقسم بها في كتابه بقوله: {والعاديات ضبحًا} [العاديات: 1]. 5519 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: نَحَرْنَا فَرَسًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَكَلْنَاهُ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا هشام) هو ابن عروة (عن) زوجته (فاطمة) بنت المنذر (عن أسماء) ذات النطاقين بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- أنها (قالت: نحرنا فرسًا على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في زمنه ونحن بالمدينة وضمير الفاعل يعود على الذي باشر النحر منهم، وإنما أتى بضمير الجمع لكونه عن رضًا منهم (فأكلناه) زاد الدارقطني: نحن وأهل بيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ففيه إشعار بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اطّلع على ذلك والصحابي إذا قال: كنا نفعل كذا على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان له حكم الرفع على الصحيح، لأن الظاهر اطّلاعه على ذلك وتقريره وإذا كان هذا في مطلق الصحابي فكيف بآل أبي بكر الصديق مع شدّة اختلاطهم به عليه الصلاة والسلام وعدم مفارقتهم له. وهذا الحديث سبق في باب النحر والذبح. 5520 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهم- قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) بضم الميم وفتح السين والدال الأولى المشدّدة المهملات ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد بن زيد) بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم ابن درهم وسقط لأبي ذر ابن زيد (عن عمرو بن دينار) بفتح العين المكي (عن محمد بن علي) أي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب أبي جعفر الباقر (عن جابر بن عبد الله) -رضي الله عنهم- كذا أدخل حماد بن زيد بين عمرو بن دينار، وبين جابر في هذا الحديث محمد بن علي وأسقطه النسائي والترمذي ووافق حمادًا على إدخال الواسطة ابن جريج لكنه لم يسمه أخرجه أبو داود، وقد قيل إن عمرو بن دينار لم يسمع من جابر فإن ثبت سماعه منه فتكون رواية حماد من المزيد في متصل الأسانيد وإلاّ فرواية حماد بن زيد هي المتصلة ولئن سلمنا وجود التعارض من كل جهة فللحديث طرق أخرى عن جابر غير هذه فهو صحيح على كل حال (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تحريم (يوم) حصار (خيبر عن لحوم الحمر) أي الأهلية (ورخّص في لحوم الخيل) استدلّ به من قال بالتحريم لأن الرخصة استباحة محظور مع قيام المانع، فدلّ على أنه رخص لهم فيها بسبب المخمصة التي أصابتهم بخيبر فلا يدل ذلك على الحل المطلب. وأجيب: بأن أكثر الروايات جاء بلفظ الإذن وبعضها بالأمر فدلّ على

28 - باب لحوم الحمر الإنسية. فيه عن سلمة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

أن المراد بقوله رخص إذن وأن الإذن للإباحة العامة لا لخصوص الضرورة، والمشهور عند المالكية التحريم وصححه في المحيط والهداية والذخيرة عن أبي حنيفة وخالفه صاحباه، واستدلال المانعين بلام العلة المفيدة للحصر في قوله تعالى: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} [النحل: 8] الدالة على أنها لم تخلق لغير ما ذكر وبعطف البغال والحمير وهو يقتضي الاشتراك في التحريم وبأنها سيقت للامتنان، فلو كان ينتفع بها في الأكل لكان الامتنان به أعظم، وبأنه لو أبيح أكلها لفاتت المنفعة بها فيما وقع الامتنان به من الركوب والزينة. وأجيب: بأن اللام وإن أفادت التعليل لكنها لا تفيد الحصر في الركوب والزينة إذ ينتفع بالخيل في غيرهما وفي غير الأكل اتفاقًا، وإنما ذكر الركوب والزينة لكونهما أغلب ما تطلب له الخيل، وأما دلالة العطف فدلالة اقتران وهي ضعيفة، وأما الامتنان فإنما قصد به غالب ما كان يقع به انتفاعهم بالخيل فخوطبوا بما ألفوا وعرفوا، ولو لزم من الإذن في أكلها أن تفنى للزم مثله في الشق الآخر في البقر وغيرها مما أبيح أكله ووقع الامتنان به لمنفعة له أخرى. وهذا الحديث سبق في غزوة خيبر، وأخرجه مسلم في الذبائح، وأبو داود في الأطعمة، والنسائي في الصيد والوليمة. 28 - باب لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. فِيهِ عَنْ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب) تحريم أكل (لحوم الحمر الإنسية) بفتحتين، والمشهور بكسر ثم سكون ضد الوحشية (فيه) أي في الباب المذكور (عن سلمة) بن الأكوع، وسقط لفظ "عن" لابن عساكر (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما مرّ موصولًا مطوّلًا في باب غزوة خيبر من المغازي. 5521 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ. وبه قال: (حدّثنا صدقة) بن الفضل المروزي قال: (أخبرنا عبدة) بن سليمان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن سالم) هو ابن عمر (ونافع) مولاه (عن ابن عمر رضي الله عنهما) أنه قال: (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) أكل (لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر) نهي تحريم لنجاستها. وفي حديث أنس في الصحيحين وغيرهما أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "فإنها رجس" وقيل لأنها لم تخمس أو لكونها جلالة كما في أبي داود، ولا امتناع في تعدد العلل الشرعية على المرجح عند الأصوليين، نعم التعليل بكونها لم تخمّس فيه نظر لأن أكل الطعام والعلف من الغنيمة قبل القسمة جائز لا سيما في المجاعة. وهذا الحديث قد مرّ في غزوة خيبر. 5522 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. تَابَعَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَالِمٍ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري الحافظ قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بن عمر العمري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (نافع) ولأبي ذر: عن نافع (عن عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) أكل (لحوم الحمر الأهلية) وهذا هو الذي عليه أكثر أهل العلم وإنما رويت الرخصة فيه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- رواه أبو داود في سننه وقد قال الإمام أحمد: كره أكلها خمسة عشر صحابيًّا، وحكى ابن عبد البرّ الإجماع الآن على تحريمها. (تابعة) أي تابع يحيى القطان (ابن المبارك) عبد الله فيما وصله المؤلّف في المغازي (عن عبيد الله) بضم العين العمري (عن نافع) مولى ابن عمر. (وقال أبو أسامة) حماد بن أسامة: (عن عبيد الله) بضم العين العمري (عن سالم) أي ابن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- مما وصله أيضًا في المغازي وفصل في روايته بين أكل الثوم والحمر فبين أن النهي عن الثوم من رواية نافع فقط، وأن النهي عن الحمر عن سالم فقط، لكن يحيى القطان حافظ فلعل عبيد الله لم يفصله إلا لأبي أسامة وكان يحدث به عن سالم ونافع معًا مدمجًا فاقتصر بعض الرواة عنه على أحد شيخيه تمسكًا بظاهر الإطلاق قاله في الفتح الباري. 5523 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنهم- قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمُتْعَةِ عَامَ خَيْبَرَ، وَلُحُومِ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) أبو محمد الدمشقي ثم التنيسي الكلاعي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبد الله والحسن بني محمد بن علي عن أبيهما) محمد (عن علي رضي الله عنهم) أنه (قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن المتعة) وهي النكاح المؤقت كأن ينكح إلى شهر أو إلى قدوم

زيد وسمي به لأن الغرض منه مجرد التمتع دون التوالد وغيره (عام خيبر ولحوم حمر الإنسية) ولأبي ذر وعن لحوم حمر الأنسية، وقد أفاد الحافظ عبد العظيم المنذري أن لحوم الحمر الإنسية نسخ مرتين ونكاح المتعة نسخ مرتين ونسخت القبلة مرتين. 5524 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ، وَرَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدثنا حماد) هو ابن زيد (عن عمرو) هو ابن دينار (عن محمد بن علي) أبي جعفر الباقر (عن جابر بن عبد الله) -رضي الله عنهما- أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم خيبر عن) أكل (لحوم الحمر) الأهلية، واختلف أصحابنا في علة تحريمها فقيل لاستخباث العرب لها، وقيل للنص (ورخص في) أكل (لحوم الخيل) واستدل المانعون أيضًا بما روي عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن سلمة عن جابر قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن لحوم الحمر والخيل والبغال، وتعقب بأن أهل الحديث يضعفون عكرمة بن عمار لا سيما في يحيى بن أبي كثير. ولئن سلمنا صحة هذه الطريق فقد اختلف على عكرمة فيها، فإن الحديث عند أحمد والترمذي من طريقه ليس فيه للخيل ذكر، وعلى تقدير أن يكون الذي زاده حفظه فالروايات المتنوّعة عن جابر المفصلة بين لحوم الخيل والحمر في الحكم أظهر اتصالًا وأتقن رجالًا وأكثر عددًا. 5525 - 5526 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَدِيٌّ عَنِ الْبَرَاءِ وَابْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهم قَالاَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالمهملات والثانية مشدّدة الأسدي الحافظ قال: (حدّثنا يحيى) القطان (عن شعبة) بن الحجاج أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عدي) هو ابن ثابت (عن البراء) بن عازب (وابن أبي أوفى) عبد الله واسم أبي أوفى علقمة (-رضي الله عنهم-) أنهما (قالا: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن لحوم الحمر) أي الأهلية. وهذا الحديث سبق بأطول من هذا في المغازي. 5527 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ أَبَا إِدْرِيسَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا ثَعْلَبَةَ قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لُحُومَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. تَابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ، وَعُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. وَقَالَ مَالِكٌ وَمَعْمَرٌ وَالْمَاجِشُونُ وَيُونُسُ وَابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن راهويه قال: (أخبرنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن أبا إدريس) عائذ الله بالذال المعجمة الخولاني بالمعجمة (أخبره أن أبا ثعلبة) جرثوم، وقيل جرهم الخشني الصحابي -رضي الله عنه- (قال: حرّم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحوم الحمر الأهلية) ولأبي ذر حمر الأهلية، وللنسائي من وجه آخر عن أبي ثعلبة: غزونا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر والناس جياع فوجدوا حمرًا إنسية فذبحوا منها فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عبد الرحمن بن عوف فنادى ألا إن لحوم الحمر الإنسية لا تحل. (تابعه) أي تابع صالح بن كيسان (الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة ابن الوليد القاضي الحمصي فيما وصله النسائي من طريق بقية قال: حدّثني الزبيدي (و) تابعه أيضًا (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد فيما وصله أحمد في مسنده (عن ابن شهاب) ولأبي ذر عن الزهري بدل قوله عن ابن شهاب، ولفظ الأول: نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وعن لحوم الحمر الأهلية، والثاني بلفظ رواية الباب وزاد: ولحم كل ذي ناب من السباع. (وقال مالك) لإمام الأعظم فيما وصله في الباب اللاحق (و) قال (معمر) بسكون العين بين فتحتين ابن راشد مما وصله الحسن بن سفيان (والماجشون) بكسر الجيم وبالشين المعجمة المضمومة ورفع النون يوسف بن يعقوب بن عبد الله فيما وصله مسلم (ويونس) بن يزيد الأيلي مما وصله الحسن بن سفيان (وابن إسحاق) هو محمد بن إسحاق بن يسار مما وصله إسحاق بن راهويه (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن كل ذي ناب من السباع) ولم يذكر الحمر ويأتي إن شاء الله تعالى مبحث ذلك قريبًا. 5528 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ: أُكِلَتِ الْحُمُرُ ثُمَّ جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ: أُكِلَتِ الْحُمُرُ، ثُمَّ جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ: أُفْنِيَتِ الْحُمُرُ. فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي النَّاسِ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، فَإِنَّهَا رِجْسٌ فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ، وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (محمد بن سلم) البيكندي الحافظ قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (الثقفي) بالمثلثة والقاف ثم الفاء (عن أيوب) السختياني (عن محمد) أي ابن سيرين (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاءه جاء) بالمد. قال ابن حجر الحافظ: لم أعرف

29 - باب أكل كل ذي ناب من السباع

اسمه (فقال) يا رسول الله. (أكلت الحمر) بضم الهمزة وكسر تاليها (ثم جاءه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (جاء) لم يعرف اسمه أيضًا (فقال) يا رسول الله (أكلت الحمر، ثم جاءه جاء) لم يعرف اسمه أيضًا (فقال: أفنيت الحمر) بضم الهمزة وسكون الفاء لكثرة ما ذبح منها، ويحتمل كما في الفتح أن يكون الجائي في الثلاثة واحد، فإنه قال أوّلًا أُكلت، فإما أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن سمعه أو لم يؤمر في ذلك بشيء؛ وكذا في الثانية، فلما قال في الثالثة أُفنيت جاء الوحي بالتحريم (فأمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مناديًا) ينادي به (فنادى في الناس: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس) نجس فالتحريم لعينها لا لسبب خارجي والمنادي أبو طلحة كما في مسلم أو عبد الرحمن بن عوف كما سبق في رواية النسائي، ويحتمل أن يكون الأول نادى بالنهي مطلقًا، والثاني زاد عليه أنها رجس. (فأكفئت) بهمزة مضمومة فكاف ساكنة ففاء مكسورة فهمزة مفتوحة، ولأبي ذر عن الكشميهني: فكفئت (القدور) بإسقاط الهمزة قلبت (وإنها لتفور) لتغلي (باللحم). وهذا الحديث سبق في غزوة خيبر. 5529 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: يَزْعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ حُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ يَقُولُ ذَاكَ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ عِنْدَنَا بِالْبَصْرَةِ. وَلَكِنْ أَبَى ذَاكَ الْبَحْرُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَرَأَ {قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا}. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) بن جعفر بن المديني الحافظ قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (قال عمرو) هو ابن دينار (قلت لجابر بن زيد): أبي الشعثاء البصري (يزعمون أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي يقولون (نهى عن) أكل (حمر الأهلية) من إضافة الموصوف إلى صفته (فقال: قد كان يقول ذاك الحكم بن عمرو) بفتح الحاء المهملة والكاف وعمرو بفتح العين (الغفاري) الصحابي (عندنا بالبصرة ولكن أبى) منع (ذاك) ولأبي ذر عن الكشميهني ذلك باللام (البحر) في العلم (ابن عباس) -رضي الله عنهما- (وقرأ) مستدلاًّ للحل قوله تعالى: ({قل لا أجد فيما أوحي إلي}) طعامًا ({محرمًا}) [الأنعام: 145] الآية. مقتصرًا على ما ذكر فيها، والأكثرون على عدم التخصيص بما ذكر فيها فالمحرّم بنص الكتاب ما فيها، وقد حرمت السُّنّة أشياء غيرها كما تواردت الأخبار بذلك والتنصيص على التحريم مقدّم على عموم التحليل وعلى القياس وما لم يأت فيه نص يرجع فيه إلى الأغلب من عادة العرب، فما يأكله الأغلب منهم فهو حلال وما لا فهو حرام لأن الله تعالى خاطبهم بقوله: {قل أحل لكم الطيبات} [المائدة: 4] فما استطابوه من حلال، وقوله: {قل لا أجد فيما أوحي إليّ} أي في ذلك الوقت أو في وحي القرآن، وفيه أن التحريم إنما يثبت بوحي الله وشرعه لا بهوى النفس. 29 - باب أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ (باب) تحريم (أكل كل ذي ناب من السباع) يعدو به ويتقوّى كأسد ونمر وذئب ودب وفيل وقرد ومخلب من الطير كباز وشاهين وصقر ونسر. 5530 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ. تَابَعَهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَالْمَاجِشُونُ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) الدمشقي ثم التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي إدريس) عائذ الله (الخولاني عن أبي ثعلبة) جرثوم الخشني (-رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى) نهي تحريم (عن أكل كل ذي ناب من السباع) يتقوى به ويصول على غيره ويصطاد ويعدو بطبعه غالبًا (تابعه) أي تابع مالكًا (يونس) بن يزيد الأيلي (ومعمر) هو ابن راشد (وابن عيينة) سفيان (والماجشون) أربعتهم (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب، ومتابعة ابن عيينة وصلها المؤلّف في آخر الطب والثلاثة سبق ذكرهم في الباب السابق والنهي للتحريم، ولمسلم: كل ذي ناب من السباع أكله حرام، وله أيضًا عن ابن عباس: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير والمخلب بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام بعدها موحدة وهو للطير كالظفر لغيره لكنه أشد منه وأغلظ واحد فهو له كالناب للسبع. 30 - باب جُلُودِ الْمَيْتَةِ (باب) حكم (جلود الميتة) قبل أن تدبغ. 5531 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ: «هَلاَّ اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا»؟ قَالُوا: إِنَّهَا مَيِّتَةٌ. قَالَ: «إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا». وبه قال: (حدّثنا زهير بن حرب) أبو خيثمة النسائي والد أبي بكر بن أبي خيثمة قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان أنه قال: (حدّثني)

بالإفراد (ابن شهاب) الزهري (أن عبيد الله بن عبد الله) بضم عسن لأول ابن عتبة بن مسعود (أخبره أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-) وسقط لابن عساكر لفظ عبد الله (أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ بشاة ميتة) بتشديد الياء وتخفف (فقال) عليه الصلاة والسلام لمن كانت لهم: (هلا استمتعتم بإهابها) بكسر الهمزة وتخفيف الهاء. قال في القاموس: ككتاب الجلد دبغ أو لم يدبغ الجمع أهبة وأهب وأهب، ولمسلم من طريق ابن عيينة: هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به (قالوا): يا رسول الله (إنها ميتة) بتشديد التحتية (قال: إنما حرّم) بفتح الحاء المهملة وضم الراء ولأبي ذر حرم بضم ثم كسر مشددًا (أكلها) بفتح الهمزة وفيه تخصيص الكتاب بالسّنّة لأن لفظ القرآن: {حرمت عليكم الميتة} [المائدة: 3] وهو شامل لجميع أجزائها في كل حال فخصت السنة ذلك بالأكل، واستثنى الشافعية من الميتات جلد الكلب والخنزير وما تولد منهما لنجاسة عينهما، وأخذ أبو يوسف بعموم الحديث فلم يستثن شيئًا، واستدلّ الزهري برواية الباب على جواز الانتفاع به مطلقًا دبغ أو لم يدبغ لكن صح التقييد بالدبغ من طريق أخرى كما مرّ وبعضهم أخذ بخصوص هذا السبب فقصر الجواز على المأكول لورود الحديث في الشاة، ويتقوّى ذلك من حيث النظر لأن الدباغ لا يزيد في التطهير على الذكاة وغير المأكول لو ذكى لم يطهر بالذكاة عند أكثر، فكذلك الدباغ، وأجاب من عمّم بالتمسك بعموم اللفظ وهو أولى من خصوص السبب وبعموم الإذن بالمنفعة، ولأن الحيوان الطاهر ينتفع به قبل الموت فكان الدباغ بعد الموت قائمًا مقام الحياة قاله في فتح الباري. وحكى في التتمة فيما ذكره ابن الرفعة في كفايته وجهًا عن رواية ابن القطان أن جلد الميتة لا ينجس بالموت، وإنما الزهومة التي في الجلد تصيره نجسًا فيؤمر بالدبغ لإزالتها كما يغسل الثوب من النجاسة، ومنع قوم الانتفاع من الميتة بشيء سواء دبغ الجلد أو لم يدبغ لحدث عبد الله بن عكيم قال: أتانا كتاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل موته: "أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" رواه النسائي وأحمد والأربعة وصححه ابن حبان وحسنه الترمذي وللشافعي وأحمد وأبي داود بشهر، قال الترمذي: كان أحمد يذهب إليه ويقول هو آخر الأمر، وهذا يدل على أن الانتفاع به منسوخ. وأجاب ابن الرفعة في الكفاية بأن كل حديث نسب إلى كتاب ولم يذكر حامله فهو مرسل ولا حجة عندنا في المرسل. قال ابن حجر وأعله بعضهم بكونه كتابًا وليس بعلّة قادحة، وقيل إن في إسناده اضطرابًا ولذا تركه أحمد بعد أن قال إنه آخر الأمر، ورده ابن حبان بأن ابن عكيم سمع الكتاب يقرأ وسمعه من مشايخ من جهته عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا اضطراب، وقال في الكفاية يحمل على الانتفاع به قبل الدباغ فإن لفظ الإهاب منطبق عليه وبعد الدباغ يطلق عليه أديم وسختيان والدباغ المحصل للطهارة بالشب والقرظ والأشياء الحريفية المنشفة للفضلات المعفنة المانعة من الفساد إذا أصابه الماء والمطيبة لريحه كقشور الرمان والعصفر. وهذا الحديث مضى في الذكاة. 5532 - حَدَّثَنَا خَطَّابُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلاَنَ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَنْزٍ مَيْتَةٍ فَقَالَ: «مَا عَلَى أَهْلِهَا لَوِ انْتَفَعُوا بِإِهَابِهَا». وبه قال: (حدّثنا خطاب بن عثمان) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة وبعد الألف موحدة الفوزي بفتح الفاء وسكون الواو وكسر الزاي نسبة لقرية من قرى حمص قال: (حدّثنا محمد بن حمير) بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وبعد التحتية المفتوحة راء الحمصي (عن ثابت بن عجلان) بفتح العين وسكون الجيم الأنصاري التابعي الحمصي أنه (قال: سمعت سعيد بن جبير قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: مرّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعنز) بالنون والزاي كما في القاموس الأنثى من المعز (ميتة) بتشديد التحتية (فقال): (ما على أهلها) حرج (لو انتفعوا بإهابها) أي بعد الدبغ كما مرّ. قال الزمخشري في الفائق: سمي إهابًا لأنه أهبة للحي وبناء للحماية على جسده، كما قيل له مسك لإمساكه ما وراءه، وفيه دليل على أنه يطهر

31 - باب المسك

ظاهره وباطنه بالدباغ حتى يجوز استعماله في الأشياء الرطبة ويجوز الصلاة فيه، ولا فرق بين مأكول اللحم وغيره وإذا طهر بالدبغ هل يجوز أكله فيه ثلاثة أوجه أصحها لا يجوز بحال، والثاني يجوز، والثالث يجوز أكل جلد مأكول اللحم لا غيره وهل يظهر الشعر الذي عليه تبعًا للجلد؟ فيه قولان. أصحهما لا يطهر لأن الدباغ لا يؤثر فيه بخلاف الجلد. ورواة هذا الحديث خطاب ومحمد بن حمير وثابت الثلاثة ليس لهم في البخاري إلا هذا الحديث إلا محمد بن حمير فله حديث آخر مرّ في الهجرة إلى المدينة، وفي كل من الثلاثة مقال لكنهم وثقوا فحديثهم من المتابعات لا من الأصول، والأصل فيه الحديث الذي قبله ويستفاد منه خروج الحديث عن الغرابة قاله في الفتح. 31 - باب الْمِسْكِ (باب) حكم (المسك) بكسر الميم الطيب المعروف القطعة منه مسكة والجمع كعنب وحقيقة المسك دم يجتمع في سرّة الغزال في وقت معلوم من السنة بمنزلة المواد التي تنصب إلى الأعضاء، وهذا السرر جعلها الله تعالى معدنًا للمسك فإذا حصل ذلك الورم مرضت له الظباء إلى أن يتكامل، ويقال: إن أهل التبت يضربون لها أوتاد في البرية تحتك بها لتسقط عندها، وفي مشكل الوسيط لابن الصلاح عن ابن عقيل البغدادي أن النافجة في جوف الظبية كالأنفجة في الجدي وأنه سافر إلى بلاد المشرق حتى حمل هذه الدابة إلى بلاد المغرب لخلف جرى فيها، وعن علي بن مهدي الطبري أحد أئمة أصحابنا أنها تلقيها من جوفها كما تلقي البيضة الدجاجة والمشهور أنها ليست مودعة في جوف الظبية بل هي خارجة ملتحمة في سرّتها، ونقل عن القفال الشاشي أنها تندبغ بما فيها من المسك فتطهر كطهارة المدبوغات وذكر القزويني أن دابة المسك تخرج من الماء كالظباء في وقت معلوم والناس يصيدون منها شيئًا كثيرًا فتذبح فيوجد في سرتها دم وهو المسك لا يوجد له هناك رائحة حتى يحمل إلى غير ذلك الموضع من البلاد. وقال في القاموس: المسك مقوّ للقلب مشجع للسوداويين نافع للخفقان والرياح الغليظة في الأمعاء والسموم والسدد، وفي مسلم من حديث أبي سعيد مرفوعًا: "المسك أطيب الطيب". 5533 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ مَكْلُومٍ يُكْلَمُ فِي اللَّهِ إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَلْمُهُ يَدْمَى، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد ولغير أبي الوقت وابن عساكر عن عبد الواحد قال: (حدّثنا عمارة بن القعقاع) بضم العين وتخفيف الميم (عن أبي زرعة) هرم (بن عمرو بن جرير) بفتح الجيم (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما من مكلوم يكلم) بضم أوله وفتح اللام أي مجروح يجرح (في الله) ولأبي ذر عن الكشميهني في سبيل الله (إلا جاء يوم القيامة وكلمه) بفتح الكاف وسكون اللام وجرحه (يدمى) بفتح أوله وثالثه من باب علم يعلم أي يسيل منه الدم (اللون لون دم والريح ريح مسك) تشبيه بليغ بحذف أداة التشبيه أي كريح مسك وليس مسكًا حقيقة بخلاف اللون لون دم فإنه لا حاجة فيه لتقدير كاف التشبيه لأنه دم حقيقة. والحاصل أنه يراد إظهار شرف الشهيد بدلالة جرحه على شهادته مع تغير وصف دمه فإن الدم وضع ريحه أن يكون كريهًا وتغيره أيضًا من النجاسة إلى الطهارة، وفي قوله في الله إشارة إلى أنه لا يدخل من قاتل دون ماله لأنه يقصد صون ماله بداعية طبعه. وأجيب: بأنه يمكن الإخلاص مع إرادة صون المال بأن لا يمحض القصد بالصون بل يقاتله على ارتكاب المعصية ممتثلًا أمر الشارع بالدفع. وموضع الترجمة منه قوله: ريح مسك، وقال ابن المنير: وجه استدلال البخاري بهذا الحديث على طهارة المسك وقوع تشبيه دم الشهيد لأنه في سياق التكريم والتعظيم، فلو كان نجسًا لكان من الخبائث ولم يحسن التمثيل به في هذا المقام، وقال الكرماني: وجه مناسبة الباب بالكتاب كون المسك فضلة الظبي وهو مما يصاد. وهذا الحديث سبق في الجهاد. 5534 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ جَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً. وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً». وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بفتح العين والمدّ ابن كريب الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء

32 - باب الأرنب

مصغرًا ابن عبد الله (عن) جدّه (أبي بردة) بضم الباء الموحدة وسكون الراء (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (مَثل جليس الصالح) بإضافة الموصوف إلى صفته ولأبي ذر وابن عساكر الجليس الصالح (و) الجليس (السوء) بفتح السين المهملة (كحامل المسك ونافخ الكير) بكسر الكاف وسكون التحتية قال في القاموس: زق ينفخ فيه الحداد (فحامل المسك إما أن يحذيك) بضم التحتية وسكون الحاء المهملة وكسر الذال المعجمة وبعد التحتية المفتوحة كاف يعطيك ويتحفك منه بشيء هبة (وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق) بضم أوله من أحرق (ثيابك) بناره (وإما أن تجد) منه (ريحًا خبيثة). وهذا الحديث مضى في باب العطار من البيوع. 32 - باب الأَرْنَبِ (باب) حل أكل (الأرنب) بفتح الهمزة. قال في القاموس: معروف يكون للذكر والأنثى أولها والخزز أي بمعجمات بوزن عمر للذكر الجمع أرانب وأران. 5535 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا وَنَحْنُ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ، فَسَعَى الْقَوْمُ فَلَغَبُوا، فَأَخَذْتُهَا فَجِئْتُ بِهَا إِلَى أَبِي طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا فَبَعَثَ بِوَرِكَيْهَا، أَوْ قَالَ: بِفَخِذَيْهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَبِلَهَا. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام بن زيد عن) جده (أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: أنفجنا) بفتح الهمزة وسكون النون والجيم بينهما فاء مفتوحة وبعد الجيم نون فألف أي أثرنا وأزعجنا (أرنبًا) لنصطاده (ونحن بمرّ الظهران) بفتح الميم وتشديد الراء والظهران بالظاء المعجمة بلفظ التثنية وهو من العلم المضاف والمضاف إليه فيتوجه الأعرابي إلى الأول وهو مرّ والثاني مجرور دائمًا بالإضافة وكونه بالألف أنه على صورة المثنى وليس مثنى حقيقة أو أنه على لزوم المثنى الألف دائمًا وربما سمي باللفظ الأول فقط وهو مرّ، وربما سمي بالثاني وهو الظهران فقط لأن مرّ قرية ذات مياه ونخل وزروع وثمار، والظهران اسم الوادي. قال الدميري: هو حيوان يشبه العناق قصير اليدين طويل الرجلين عكس الزرافة يطأ على مؤخر قدميه يكون عامًا ذكرًا وعامًا أنثى (فسعى القوم) خلفه ليصطادوه (فلغبوا) بفتح اللام وكسر الغين المعجمة وبفتحها أيضًا مصححًا عليه في اليونينية وضم الموحدة ولأبي ذر عن الكشميني فتعبوا بالمثناة الفوقية والعين المهملة بدل اللام والمعجمة وهو معنى الأول (فأخذتها) وفي الهبة فأدركتها فأخذتها ولمسلم فسعيت حتى أدركتها (فجئت بها إلى أبي طلحة) هو زوج أم أنس -رضي الله عنهم- (فذبحها فبعث بوركيها أو قال بفخذيها) بالتثنية فيهما والشك من الراوي (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية أبي داود أن المبعوث معه ذلك هو أنس (فقبلها) أي الهدية زاد في الهبة وأكل منه وهو مذهب الأئمة الأربعة. وحكي عن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن أبي ليلى الكراهة. وحديث الباب حجة للجمهور في الإباحة والحديث مرّ في الهبة. 33 - باب الضَّبِّ (باب) حل أكل (الضب) بفتح الضاد المعجمة وتشديد الموحدة حيوان بري يشبه الورل ولحمه فيما قيل يذهب العطش. 5536 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الضَّبُّ لَسْتُ آكُلُهُ وَلاَ أُحَرِّمُهُ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي البصري قال: (حدّثنا عبد الله بن دينار) المدني مولى ابن عمر (قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقد سئل عن حكم أكل الضب: (الضب لست آكله ولا أحرمه) وعند ابن ماجة من حديث خزيمة بن جزء قلت: يا رسول الله ما تقول في الضب؟ فقال: (لا آكله ولا أحرمه) قال: فقلت فإني آكل ما لم تحرمه وسنده ضعيف، وعند مسلم والنسائي من حديث أبي سعيد قال رجل: يا رسول الله إنّا بأرض مضبة فما تأمرنا؟ قال: "ذكر لي أن أمة من بني إسرائيل مسخت فلم يأمر ولم ينه" وفي مسلم "كلوه فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي" فكل هذه الروايات صريحة في الإباحة فيحل أكله بالإجماع ولا يكره عندنا خلافًا لبعض أصحاب أبي حنيفة، وحكى القاضي عياض تحريمه عن قوم، قال النووي: ما أظنه يصح عن أحد. 5537 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْتَ مَيْمُونَةَ، فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ: أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ، فَقَالُوا: هُوَ ضَبٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَفَعَ يَدَهُ فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: «لاَ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ». قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْظُرُ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن

34 - باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب

مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي أمامة بن سهل) الأنصاري قال في الفتح: له رؤية ولأبيه صحبة (عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عن خالد بن الوليد أنه دخل مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيت ميمونة) خالته أم المؤمنين -رضي الله عنها- (فأتي) بضم الهمزة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بضب محنوذ) بحاء مهملة ساكنة بعد فتحة ثم نون مضمومة آخره ذال معجمة مشوي بالحجارة المحماة (فأهوى إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده) أي أمال يده إليه ليأخذه فيأكله (فقال بعض النسوة): هي ميمونة كما عند الطبراني وبقية النسوة لم يسمين (أخبروا رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما يريد أن يأكل) منه (فقالوا) وفي رواية فقلن (هو ضب يا رسول الله، فرفع يده) الكريمة، قال خالد (فقلت أحرام هو يا رسول الله؟ فقال): (لا، ولكن لم يكن) موجودًا (بأرض قومي) مكة أصلًا أو لم يكن مشهورًا كثيرًا فيها فلم يأكلوه وفي رواية يزيد بن الأصم عند مسلم هذا لحم لم آكله قط (فأجدني أعافه) أكرهه والفاء للسببية (قال خالد) المذكور -رضي الله عنه- (فاجتررته) بالجيم الساكنة والراء المكررة أي جررته (فأكلته ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي والحال أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينظر) إليّ وهو يدل على حلّه وأصرح منه رواية كلوه فإنه حلال. وحديث الباب مرّ في الأطعمة. 34 - باب إِذَا وَقَعَتِ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ الْجَامِدِ أَوِ الذَّائِبِ هذا (باب) بالتنوين (إذا وقعت الفأرة) بالهمز الساكن واحد الفأر (في السمن الجامد أو الذائب) أو غيره من الأدهان والأعسال ونحوهما هل يفترق الحكم أم لا؟ وفأرة البيوت حيوان مؤذ زائد في الفساد وهي الفويسقة التي أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقتلها في الحل والحرم. وسميت بذلك لخروجها من حجرها على الناس، وأصل الفسق الجور والخروج عن الاستقامة وسميت بعض الحيوانات فواسق على الاستعارة لخبثهن، وقيل لخروجهن عن الحرمة في الحل والحرم، ولأن الفأرة أبدت جورها الخبيث في قطع حبال سفينة نوح، والفأر عظيم الحيل كثير الأذى يقرض الثياب والكتب ويأكل الحبوب والزرع والمائعات ويرمي فيها بعره ليفسدها وهي تعادي العقرب، فإذا جعلت فأرة وعقربًا في قارورة فإنه يقع بينهما قتال عجيب، لأن العقرب تلدغ الفأرة والفأرة تحتال على أن تقبض إبرتها والعقرب لا تمكنها من ذلك وتضربها، فإن قبضت الفأرة على إبرتها غلبتها وإن ضربتها العقرب كثيرًا أهلكتها، ومن الفأر صنف يحب الدراهم والدنانير يسرقها ويلعب بها وكثيرًا ما يخرجها من بيته ويلعب بها ويرقص عليها ثم يردها إلى بيته واحدًا واحدًا، فإذا أقفر البيت من الأدم لم يألفه الفأر، وقال أنس بن أبي إياس وقفت عجوز على قيس فقالت: أشكو إليك قلة الفأر قال: ما ألطف ما سألت تذكر أن بيتها أقفر من الأدم فأكثر لها يا غلام. نقله الزين عبد الرحمن بن داود القادري الحنبلي في كتابه نزهة الأفكار في خواص الحيوان والنبات والأحجار. 5538 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَدِّثُهُ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَمَاتَتْ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ». قِيلَ لِسُفْيَانَ فَإِنَّ مَعْمَرًا يُحَدِّثُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: إِلاَّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مِرَارًا. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أنه سمع ابن عباس) -رضي الله عنهما- (يحدّثه) بإثبات هاء الضمير في الفرع كأصله وغيرهما (عن ميمونة) بنت الحارث أم المؤمنين -رضي الله عنها- (أن فأرة وقعت في سمن فماتت) فيه (فسئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنها) أنجست السمن فيمتنع أكله أم لا؟ (فقال): (ألقوها) بعد استخراجها من السمن (وما حولها) منه (وكلوه) أي السمن الباقي. وهذا يدل على أن السمن كان جامدًا لأنه لا يمكن طرح ما حولها من المائع الذائب إذ إنه عند الحركة يختلط، وفي مسند إسحاق بن راهويه ومن طريقه ابن حبان إن كان جامدًا فألقوها وما حولها وكلوه وإن كان ذائبًا فلا تقربوه. وهذه الزيادة في رواية ابن عيينة غريبة كما قاله الحافظ ابن حجر. قال علي بن المديني شيخ المؤلّف في علله: (قيل لسفيان) بن عيينة (فإن معتمرًا يحدث

35 - باب الوسم والعلم في الصورة

عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (قال) سفيان بن عيينة (ما سمعت الزهري يقول إلا عن عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله المذكور قبل (عن ابن عباس عن ميمونة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ولقد سمعته) أي الحديث (منه) من الزهري (مرارًا) من طريق ميمونة فقط. وهذا وصله أبو داود عن الحسن بن علي الحلواني، وأحمد بن صالح كلاهما عن عبد الرزاق عن معمر المذكور بإسناده. وعند الإسماعيلي عن جعفر الفريابي عن علي بن المديني قال سفيان: كما سمعناه من الزهري يعيده ويبديه. وهذا الحديث قد سبق في باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء من كتاب الطهارة. 5539 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ الدَّابَّةِ تَمُوتُ فِي الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ، وَهْوَ جَامِدٌ أَوْ غَيْرُ جَامِدٍ، الْفَأْرَةِ أَوْ غَيْرِهَا، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِفَأْرَةٍ مَاتَتْ فِي سَمْنٍ فَأَمَرَ بِمَا قَرُبَ مِنْهَا فَطُرِحَ، ثُمَّ أُكِلَ عَنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن الدابة) أي عن حكم الدابة (تموت في الزيت والسمن وهو جامد أو غير جامد) من غير فرق بين السمن وغيره ولا بين الجامد منه والذائب (الفأرة) بدل من الدابة أو عطف بيان لها (أو غيرها) عطف على المجرور هل ينجس الكل أم لا (قال) الزهري (بلغنا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بفأرة ماتت في سمن فأمر بما قرب منها) من الفأرة (فطرح ثم أكل) ما بقي من السمن (عن حديث عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود والجار والمجرور يتعلق بقوله بلغنا أي بلغنا عن حديث عبيد الله. وهذا بلاغ صورته صورة المرسل أو الموقوف لكنه مذكور بالإسناد المرفوع أولًا وآخرًا. قال في الفتح: ولم يظهر لنا هل فيه ميمونة أو لا؟ واستدلّ بهذا الحديث لإحدى الروايتين عن أحمد أن المائع إذا حلت فيه النجاسة لا ينجس إلا بالتغير وهو اختيار البخاري، وقول ابن نافع من المالكية، وفرق الجمهور بين الجامد والمائع عملًا بالتفصيل السابق ولم يرد في طريق صحيح تحديد ما يلقى. نعم أخرج ابن أبي شيبة من مرسل عطاء بن يسار بسند جيد أنه يكون قدر الكف، واستدلّ بقوله في الرواية المفضلة وإن كان مائعًا فلا تقربوه على أنه لا يجوز الانتفاع به في شيء فيحتاج من أجاز الانتفاع به في غير الأكل كالشافعية أو بيعه كالحنفية إلى الجواب عن الحديث، واحتج المجوّزون بحديث ابن عمر عند البيهقي إن كان السمن مائعًا انتفعوا به ولا تأكلوه، وحديث ابن عمر في فأرة وقعت في زيت استصبحوا به وادهنوا به. 5540 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ -رضي الله عنهم- قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ: «أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال (حدّثنا مالك) إمام دار الهجرة (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس عن ميمونة رضي الله عنهم) أنها (قالت: سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) حكم (فأرة سقطت في سمن) وماتت فيه هل ينجس فلا يؤكل (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ألقوها) أي الفأرة (وما حولها) من السمن (وكلوه) أي سائر السمن والمشهور جواز الاستصباح بما حولها لكن يكره وقيل: لا يجوز لقوله تعالى: {والرجز فاهجر} [المدثر: 5]. وكل هذا في غير المساجد أما المساجد فلا يستصبح به فيها جزمًا ويجوز أن يتخذ صابونًا يغسل به ولا يباع، وقال الظاهرية: لا يجوز بيع السمن ولا الانتفاع به ويجوز بيع الزيت والخل والعسل وجميع المائعات، لأن النهي إنما ورد في السمن دون غيره ويحرم أكل جميع أنواع الفأر ويكره أكل سؤره، وكان الزهري يقول: إن أكل سؤره يورث النسيان. 35 - باب الْوَسْمِ وَالْعَلَمِ فِي الصُّورَةِ (باب) النهي عن (الوسم) بفتح الواو وسكون السين (والعلم) بفتح العين واللام (في الصورة) أي في وجه الحيوان ليتميز عن غيره، وفي بعض النسخ الوشم بالمعجمة وهو بمعنى الذي بالمهملة أو بالمهملة في الوجه وبالمعجمة في سائر الجسد. 5541 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ تُعْلَمَ الصُّورَةُ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُضْرَبَ. تَابَعَهُ قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا الْعَنْقَزِيُّ عَنْ حَنْظَلَةَ وَقَالَ: تُضْرَبُ الصُّورَةُ. وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن موسى) بن باذام الكوفي (عن حنظلة) بن سفيان الجمحي (عن سالم عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أنه كره أن تعلم الصورة) بضم المثناة الفوقية

36 - باب إذا أصاب قوم غنيمة، فذبح بعضهم غنما أو إبلا بغير أمر أصحابهم، لم تؤكل لحديث رافع عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. وقال طاوس وعكرمة في ذبيحة السارق اطرحوه

وسكون العين المهملة وفتح اللام أي تجعل فيها علامة وللكشميهني الصور بفتح الواو بلا هاء بصيغة الجمع وفي مسلم مرّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحمار قد وسم في وجهه فقال: "لعن الله من فعل هذا لا يسم أحد الوجه ولا يضربن أحد الوجه" وإنما كره لشرف الوجه ولحصول الشين فيه وتغيير خلق الله فلو كان في غيره للتمييز فلا بأس به. (وقال ابن عمر) -رضي الله عنهما- بالسند السابق: (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تحريم (أن تضرب) بضم أوله وفتح ثالثه أي الصورة. فإن قلت: ما الحكمة في تقديم الموقوف على المرفوع؟ أجيب: استدلالًا على الكراهة التي ذكرها لأنه إذا ثبت النهي عن الضرب يكون المنع من الوسم أولى لما لا يخفى. (تابعه) أي تابع عبيد الله بن موسى (قتيبة) بن سعيد في روايته عن حنظلة عن سالم فقال: (حدّثنا العنقزي) بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح القاف بعدها زاي مكسورة نسبة إلى بيع العنقز وهو المرزنجوش نبت طيب الريح عمرو بن محمد الكوفي (عن حنظلة) الجمحي أي عن سالم عن أبيه (وقال) منبهًا على ما حذف في الأولى (تضرب الصورة) وللمستملي الصور. 5542 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَخٍ لِي يُحَنِّكُهُ وَهْوَ فِي مِرْبَدٍ لَهُ فَرَأَيْتُهُ يَسِمُ شَاةً حَسِبْتُهُ قَالَ: فِي آذَانِهَا. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام بن زيد عن) جده (أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: دخلت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأخ لي) من أمي اسمه عبد الله بن أبي طلحة (يحنكه وهو) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في مربد له) بكسر الميم وفتح الموحدة بينهما راء ساكنة موضع الإبل فإطلاقه على موضع الغنم مجاز أو أدخلها عند الإبل (فرأيته يسم) بالسين المهملة يكوي (شاة) من الغنم ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني شاء بالهمزة من غير تأنيث قال شعبة: (حسبته) أي حسبت هشامًا (قال) يسمها (في آذانها) والتصريح بأن القائل حسبته شعبة والضمير فيه لهشام وقع في مسلم، وفي الحديث حجة للجمهور في جواز وسم البهائم بالكي خلافًا للحنفية لتمسكهم بعموم النهي عن التعذيب بالنار وقال بعضهم بالنسخ. وهذا الحديث أخرجه مسلم وابن ماجة في اللباس وأبو داود في الجهاد. 36 - باب إِذَا أَصَابَ قَوْمٌ غَنِيمَةً، فَذَبَحَ بَعْضُهُمْ غَنَمًا أَوْ إِبِلًا بِغَيْرِ أَمْرِ أَصْحَابِهِمْ، لَمْ تُؤْكَلْ لِحَدِيثِ رَافِعٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ طَاوُسٌ وَعِكْرِمَةُ فِي ذَبِيحَةِ السَّارِقِ اطْرَحُوهُ هذا (باب) بالتنوين (إذ أصاب قوم) ولابن عساكر: القوم (غنيمة) بفتح المعجمة من الكفار (فذبح بعضهم) قبل القسمة (غنمًا أو إبلًا بغير أمر أصحابهم لم تؤكل لحديث رافع) هو ابن خديج (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المذكور موصولًا في باب التسمية على الذبيحة المتضمن لذبحهم من غنم الغنيمة قبل القسمة وأنهم أغلوه في القدور وأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بالقدور فأكفئت عقوبة لهم. (وقال طاوس) هو ابن كيسان اليماني (وعكرمة) مولى ابن عباس مما وصله عنهما عبد الرزاق (في ذبيحة السارق اطرحوه) أي مذبوحه فلا تأكلوه لأنه حرام، وظاهره أن مذهبهما عدم جواز ذبح من ليس له ولاية الذبح بملك أو وكالة ونحوهما. 5543 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِنَّنَا نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى، فَقَالَ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوا، مَا لَمْ يَكُنْ سِنٌّ وَلاَ ظُفُرٌ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ»، وَتَقَدَّمَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَأَصَابُوا مِنَ الْغَنَائِمِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي آخِرِ النَّاسِ، فَنَصَبُوا قُدُورًا. فَأَمَرَ بِهَا فَأُكْفِئَتْ، وَقَسَمَ بَيْنَهُمْ وَعَدَلَ بَعِيرًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ، ثُمَّ نَدَّ بَعِيرٌ مِنْ أَوَائِلِ الْقَوْمِ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ فَقَالَ: «إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ. فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا فَافْعَلُوا مِثْلَ هَذَا». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو الأحوص) بهمزة مفتوحة فحاء مهملة ساكنة فواو مفتوحة بعدها صاد مهملة سلام الحنفي الكوفي قال: (حدّثنا سعيد بن مسروق) والد سفيان الثوري (عن عباية بن رفاعة) بفتح العين وتخفيف الموحدة (عن أبيه عن جده رافع بن خديج) أنه (قال: قلت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إننا) بنونين ولأبي ذر وابن عساكر: إنّا (نلقى العدوّ غدًا وليس معنا مدى) بضم الميم وتنوين الدال المهملة مخففة جمع مدية سكين ننحر بها ما نغنمه وكأنه استشعر النصر والظفر والغنيمة التي يذبحون منها إما بإخباره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياهم بذلك أو بما وقع في نفوسهم من نصرة المسلمين على عادتهم (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ما أنهر الدم) أسأله (وذكر اسم الله) عليه (فكلوا) ولأبي ذر عن الكشميهني فكلوه (ما لم يكن) أي المذبوح به (سن ولا ظفر وسأحدثكم عن) علة (ذلك) وحكمته لتتفقهوا (أما السن فعظم) وهو ينجس بدم المذبوح وقد نهيتم عن تنجيس العظام

37 - باب إذا ند بعير لقوم، فرماه بعضهم بسهم فقتله، فأراد إصلاحهم فهو جائز لخبر رافع عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

في الاستنجاء لكونها زاد إخوانكم من الجن (وأما الظفر فمدى الحبشة) وهم كفار وقد نهيتم عن التشبه بهم والألف واللام في الظفر للجنس، فلذا وصفها بالجمع كقول العرب: أهلك الناس الدرهم البيض والدينار الصفر والحبشة جنس من السودان معروف. وقوله: وسأحدثكم عن ذلك إلى آخره اختلف فيه هل هو مدرج أو مرفوع؟ جزم النووي بأنه مرفوع. وقال ابن القطان: مدرج من قول رافع بن خديج ورجح الحافظ ابن حجر الأول. (وتقدم سرعان الناس فأصابوا من الغنائم) ولأبي ذر وابن عساكر المغانم (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في آخر الناس) سيرًا (فنصبوا قدورًا) فيها لحم مما ذبحوه من الغنيمة (فأمر بها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما رآها أن تكفأ (فأكفئت) أي قلبت وأفرغ ما فيها عقوبة لهم (وقسّم) عليه الصلاة والسلام (بينهم) ما غنموه (وعدل بعيرًا) قابله (بعشر شياه) لنفاسة الإبل حينئذ أو عزّتها وكثرة الغنم أو كانت هزيلة بحيث كان قيمة البعير عشر شياه (ثم ندّ) نفر (منها) من الإبل التي قسمت (بعير من أوائل القوم ولم يكن معهم) مع الذين في الأوائل (خيل) ومع الآخرين قليلة زاد في الرواية السابقة في باب التسمية فطلبوه فأعياهم (فرماه رجل) لم أقف على اسمه (بسهم فحبسه الله) بسبب رميه بأن أصابه فوقف (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن لهذه البهائم) من الإبل (أوابد) بالهمزة المفتوحة والواو بعد الألف موحدة فدال مهملة (كأوابد الوحش) أي نفارًا كنفار الوحش (فما فعل منها هذا) الفعل وهو النفار ولم تقدروا عليه (فافعلوا) به (مثل هذا) وكلوه فإنه له ذكاة. 37 - باب إِذَا نَدَّ بَعِيرٌ لِقَوْمٍ، فَرَمَاهُ بَعْضُهُمْ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، فَأَرَادَ إِصْلاَحَهُمْ فَهْوَ جَائِزٌ لِخَبَرِ رَافِعٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا (باب) بالتنوين (إذا ندّ) أي نفر هاربًا (بعير) كائن (لقوم فرماه بعضهم بسهم) ليحبسه (فقتله فأراد) بالفاء ولأبي ذر وابن عساكر: وأراد (صلاحهم) أي صلاح القوم أصحاب البعير لا إفساده عليه، ولأبي ذر عن الكشميهني صلاحه بالإفراد أي صلاح البعير وكلاهما بغير همز وفي الفتح إصلاحهم وإصلاحه بالهمزة فيهما ونسب تركها لكريمة والذي في اليونينية إصلاحهم بالهمزة (فهو) أي ذلك الفعل (جائز) أكلًا ولا يلزمه بقتله شيء (لخبر رافع) الآتي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 5544 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَنَدَّ بَعِيرٌ مِنَ الإِبِلِ، قَالَ: فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ لَهَا أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا». قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَكُونُ فِي الْمَغَازِي وَالأَسْفَارِ، فَنُرِيدُ أَنْ نَذْبَحَ فَلاَ تَكُونُ مُدًى قَالَ: «أَرِنْ مَا نَهَرَ أَوْ أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ. غَيْرَ السِّنِّ وَالظُّفُرِ. فَإِنَّ السِّنَّ عَظْمٌ، وَالظُّفُرَ مُدَى الْحَبَشَةِ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن سلام) وسقط لفظ محمد لغير أبي ذر قال: (أخبرنا عمر بن عبيد) بضم العين فيهما من غير إضافة الثاني (الطنافسي) بضم الطاء المهملة وبفتحها في اليونينية وكسر الفاء نسبة إلى بيع الطنافس أو اتخاذها بسط لها خمل (عن سعيد بن مسروق) والد سفيان الثوري (عن عباية بن رفاعة) ولابن عساكر ابن رافع فنسبه إلى جده (عن جده رافع بن خديج -رضي الله عنه-) سقط ابن خديج لأبي ذر أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) بذي الحليفة من تهامة بالقرب من ذات عرق بين الطائف ومكة كما مرّ في باب التسمية (فندّ بعير من الإبل) لقوم (قال: فرماه رجل) أي أعرف اسمه (بسهم فحبسه قال ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن لها) أي الإبل (أوابد كأوابد الوحش) نفرات كنفراتها (فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا) فإنه له ذكاة (قال) رافع (قلت: يا رسول الله إنا نكون في المغازي والأسفار فنريد أن نذبح فلا يكون) معنا (مدى) جمع مدية سكين نذبح بها (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أرن) بهمزة مفتوحة فراء مكسورة فنون ساكنة أي أهلك الذي تذبحه ولأبي ذر وابن عساكر أرني بكسر الراء وإسكانها وبعد النون تحتية أي انظر (ما أنهر الدم) بالهمزة (أو) قال (نهر) بغير همز والصواب، بالهمز والشك من الراوي ولغير أبي ذر: ما نهر أو ما أنهر الدم (وذكر اسم الله) عليه (فكل غير السن والظفر فإن السن عظم والظفر مدى الحبشة) فيه أن ذبح غير المالك إذا وقع بطريق الإصلاح للمالك خشية أن تفوت عليه النفعة ليس بفاسد قاله ابن المنير. والحديث قد مرّ

38 - باب

في باب ما ندّ من البهائم. 38 - باب أَكْلِ المُضْطَرِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} وَقَالَ: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} {فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وَقَوْلُهُ: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ * وَمَا لَكُمْ أَنْ لاَ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فُصِّلَ لَكُمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} وَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلاَ: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مُهَراقًا وَقَالَ: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلاَلًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. (باب) جواز (أكل المضطر) من الميتة (لقوله تعالى): ولأبي ذر: إذا أكل المضطر لقول الله تعالى: ({يا أيها الذين آمنوا كلوا}) أمر إباحة ({من طيبات ما رزقناكم}) من مستلذاته أو من حلالاته ({واشكروا لله}) الذي رزقكموها ({إن كنتم إياه تعبدون}) [البقرة: 172]. إن صح أنكم تخصونه بالعبادة وتقرون أنه مولى النعم. ثم بيّن المحرم فقال: ({إنما حرم عليكم الميتة}) وهي كل ما فارقه الروح من غير ذكاة مما يذبح وإنما لإثبات المذكور ونفي ما عداه أي ما حرم عليكم إلا الميتة ({والدم}) يعني السائل، وقد حلت الميتتان والدمان لحديث ({ولحم الخنزير}) يعني الخنزير بجميع أجزائه وخص اللحم لأنه المقصود بالأكل ({وما أهل به لغير الله}) أي ذبح للأصنام ({فمن اضطر}) ألجئ ({غير}) حال أي فأكل غير ({باغ}) للذة وشهوة ({ولا عادٍ}) متعد مقدار الحاجة ({فلا إثم عليه}) [البقرة: 173] أي فيباح له قدر ما يقع به القوام وتبقى معه الحياة دون ما فيه حصول الشبع لأن الإباحة للاضطرار فيتقدر بقدر ما يندفع به الضرر والأصح أنه يلزمه الأكل فإن توقع حلالًا عن قرب لم يجز غير سد الرمق وإن لم يتوقع الحلال فقيل يجوز له الشبع وإلا ظهر سد الرمق فقط إلا أن يخاف تلفًا إن اقتصر عليه فيجب عليه أن يشبع وله أكل آدمي ميت وقتل مرتد وحربي بالغ وأكلهما لأنهما غير معصومين وحدّ الاضطرار أن يصل به الجوع إلى حدّ الإهلاك أو إلى مرض يفضي إليه. وهذا قول الجمهور. قال سيدي عبد الله بن أبي حمزة نفعني الله ببركاته: الحكمة في ذلك أن في الميتة سمية شديدة فلو أكلها ابتداء لأهلكته فشرع له أن يجوع ليصير في بدنه بالجوع سمية هي أشد من سمية الميتة، فإذا أكل منها حينئذ لا يتضرر. قال في الفتح: وهذا إن ثبت حسن بالغ في الحسن. وسقط قوله: {واشكروا} إلى آخره في رواية أبي ذر، وقال بعد: {ما رزقناكم} إلى {فلا إثم عليه}. (وقال) تعالى: ({فمن اضطر}) متصل بذكر المحرمات المذكورات قبل أي فمن اضطر إلى الميتة أو إلى غيرها ({في مخمصة}) مجاعة ({غير}) حال ({متجانف لإثم}) مائل إلى إثم أي غير متجاوز سدّ الرمق ({فإن الله غفور}) لا يؤاخذه بذلك ({رحيم}) [المائدة: 3] بإباحة المحظور للمعذور. (وقوله) بالجر عطفًا على المجرور السابق أو بالرفع على الاستئناف ({فكلوا مما ذكر اسم الله عليه}) دون ما ذكر عليه اسم غيره من آلهتكم ({إن كنتم بآياته مؤمنين * وما لكم ألاّ تأكلوا}) ما استفهامية في موضع رفع بالابتداء ولكم الخبر أي وأيّ غرض لكم في أن لا تأكلوا ({مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم}) بيّن لكم ({ما حرم عليكم}) مما لم يحرم بقوله: {حرمت عليكم الميتة} ({إلا ما اضطررتم إليه}) مما حرم عليكم فإنه حلال لكم في حال الضرورة أي شدّة المجاعة إلى أكله ({وإن كثيرًا ليضلون بأهوائهم بغير علم}) أي يضلون فيحرّمون ويحللون بأهوائهم وشهواتهم من غير تعلق بشريعة ({إن ربك هو أعلم بالمعتدين}) [الأنعام: 118، 119] بالمجاوزين من الحق إلى الباطل وسقط من قوله مما ذكر اسم الله عليه إلى آخره لابن عساكر وقال بعد قوله: {تأكلوا} الآية. وسقط لأبي ذر من قوله: {وما لكم} إلى آخر {بالمعتدين}. (وقوله جل وعلا: {قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرمًا على طاعم يطعمه}) أي آكل يأكله ومحرّمًا نصب صفة لموصوف محذوف حذف لدلالة قوله على طاعم يطعمه أي لا أجد طعامًا محرمًا وعلى طاعم متعلق بمحرمًا ويطعمه في موضع جرّ صفة لطاعم ({إلا أن يكون}) ذلك المحرم وقدره أبو البقاء ومكّي وغيرهما إلا أن يكون المأكول أو ذلك ({ميتة أو دمًا مسفوحًا}) صفة لدم والسفح الصب هو ما خرج من الحيوانات وهي أحياء أو من الأوداج عند الذبح فلا يدخل الكبد والطحال لأنهما جامدان وقد جاء الشرع بإباحتهما ولا ما اختلط باللحم من الدم لأنه غير سائل ({أو لحم خنزير فإنه رجس}) نجس حرام والهاء في فإنه الظاهر عودها على لحم المضاف لخنزير وقال ابن حزم: على خنزير لأنه أقرب مذكور ورجح الأول بأن اللحم هو المحدث عنه والخنزير جاء

73 - كتاب الأضاحي

بعرضية الإضافة إليه ألا ترى أنك إذا قلت رأيت غلام زيد فأكرمته أن الهاء تعود على الغلام لأنه المحدث عنه المقصود بالإخبار عنه لا على زيد لأنه غير مقصود، ورجح الثاني بأن التحريم المضاف للخنزير ليس مختصًّا بلحمه بل شحمه وشعره وعظمه كذلك فإذا أعدنا الضمير على خنزير كان كافيًا بهذا المقصود وإذا أعدناه على لحم لم يكن في الآية تعرض لتحريم ما عدا اللحم مما ذكر. وأجيب: بأنه إنما ذكر اللحم دون غيره وإن كان غيره مقصودًا بالتحريم لأنه أهم ما فيه وأكثر ما يقصد فيه اللحم كغيره من الحيوانات وعلى هذا فلا مفهوم لتخصيص اللحم بالذكر، ولو سلم فإنه يكون من باب مفهوم اللقب وهو ضعيف جدًّا وقوله: فإنه رجس إما على المبالغة بأن جعل نفس الرجس أو على حذف مضاف ({أو فسقًا}) عطف على المنصوب السابق وقوله: فإنه رجس اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه ({أُهلّ لغير الله به}) في موضع نصب صفة لفسقًا أي رفع الصوت على ذبحه باسم غير اسم الله وسمي بالفسق لتوغله في باب الفسق ({فمن اضطر}) فمن دعته الضرورة إلى أكل شيء من هذه المحرمات ({غير باغ}) على مضطر مثله تارك لمواساته ({ولا عاد}) متجاوز قدر حاجته من تناوله ({فإن ربك غفور رحيم}) [الأنعام: 145] لا يؤاخذه، وسقط لأبي ذر وابن عساكر من قوله: {طاعم} إلى آخره وقالا بعد قوله: {محرمًا} إلى {أو دمًا مسفوحًا}. (قال ابن عباس): مما وصله الطبري في تفسير {مسفوحًا} أي (مهراقًا. وقال) جل وعلا: ({فكلوا مما رزقكم الله}) على يدي محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({حلالًا طيبًا}) بدلًا عما كنتم تأكلونه حرامًا خبيثًا من الأموال المأخوذة بالغارات والغصوب وخبائث الكسوب ({واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون إنما حرم عليكم الميتة}) وهي ما فارقه الروح من غير ذكاة مما يذبح ({والدم}) السائل ({ولحم الخنزير}) بجميع أجزائه ({وما أهلّ لغير الله به}) ذبح للأصنام فذكر عليه غير اسم الله ({فمن اضطر غير باغ ولا عادٍ فإن الله غفور رحيم}) [النحل: 114، 115] وسقط قوله: {واشكروا} إلى آخر قوله: {لغير الله به} وهذه آية النحل، وثبتت هنا لكريمة، ولم يذكر المؤلّف في هذا الباب حديثًا اكتفاء بالنصوص القرآنية أو بيض له ليجد حديثًا على شرطه فيثبته فيه فلم يجده. بسم الله الرحمن الرحيم 73 - كتاب الأضاحي (كتاب الأضاحي) بفتح الهمزة جمع أضحية بضمها وتكسر مع تخفيف الياء وتشديدها وتحذف فتفتح الضاد وتكسر اسم لما يذبح من النعم تقربًا إلى الله تعالى من يوم العيد إلى آخر أيام التشريق. قال عياض: سميت بذلك لأنها تفعل في الضحى وهو ارتفاع النهار فسميت بزمن فعلها. 1 - باب سُنَّةِ الأُضْحِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هِيَ سُنَّةٌ وَمَعْرُوفٌ (باب سنّة الأضحية) من إضافة الصفة إلى الموصوف، ولابن عساكر في نسخة الأضحية سنّة. (وقال ابن عمر) -رضي الله عنهما- فيما وصله حماد بن سلمة في مصنفه بسند جيد: (هي سنّة ومعروف) بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه والجمهور أنها سنّة مؤكدة على الكفاية، وفي وجه للشافعية أنها من فروض الكفاية، وقال صاحب الهداية من السادة الحنفية: واجبة على كل مسلم مقيم موسر في يوم الأضحى عن نفسه وعن ولده الصغار، أما الوجوب فقول أبي حنيفة ومحمد وزفر والحسن إحدى الروايتين عن أبي يوسف، وقال الشيخ خليل من المالكية: المشهور أنها سنّة، وقال المرداوي من الحنابلة: وتسن التضحية لمسلم ولو مكاتبًا بإذن سيده إلا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكانت واجبة عليه. قال ابن حجر: وأقرب ما يتمسك به للوجوب حديث أبي هريرة رفعه: "من وجد سعة فلم يضحّ فلا يعبرنّ مصلانا" أخرجه ابن ماجة ورجاله ثقات لكنه اختلف في رفعه ووقفه والموقوف أشبه بالصواب قاله الطحاوي وغيره ومع ذلك فليس صريحًا في الإيجاب. وفي حديث مخنف بن سليم رفعه: "على كل أهل بيت أضحية" أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي ولا حجة فيه لأن الصيغة ليست صريحة في الوجوب المطلق وقد ذكر معها العتيرة وليست واجبة عند من قال بوجوب الأضحية، وحديث ابن عباس: كتب عليّ النحر ولم يكتب عليكم"

2 - باب قسمة الإمام الأضاحي بين الناس

المروي عند أحمد وأبي يعلى والطبراني والدارقطني الدال على أن الوجوب من الخصائص النبوية ضعيف وتساهل الحاكم فصححه. 5545 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ الأيَامِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلُ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ». فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَقَدْ ذَبَحَ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً فَقَالَ: «اذْبَحْهَا وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ». قَالَ مُطَرِّفٌ عَنْ عَامِرٍ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ». وبه قال: (حدّثنا) بصيغة الجمع ولأبي ذر: حدّثني (محمد بن بشار) العبدي اللقب ببندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن زبيد الأيامي) بهمزة قبل التحتية المخففة ولأبي ذر وابن عساكر اليامي بإسقاط الهمزة (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم عيد الأضحى: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلي) صلاة العيد بحذف أن قبل نصلي. قال في الكواكب: هو نحو تسمع بالمعيدي خير من أن تراه في تقدير أن أو تنزيل الفعل منزلة المصدر انتهى. وفي رواية أبي ذر: أن نصلي فلا يحتاج إلى تقدير (ثم نرجع) من المصلى إلى المنزل (فننحر) ما من شأنه أن ينحر ونذبح ما من شأنه أن يذبح من الأضحية (من فعله) أي تأخير النحر عن الصلاة (فقد أصاب سنتنا) طريقتنا (ومن ذبح) أضحيته (قبل) أي قبل الصلاة (فإنما هو) أي المذبوح (لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء) أي ليس من العبادة فلا ثواب فيها بل هي لحم ينتفع به أهله (فقام أبو بردة) بضم الموحدة وسكون الراء هانئ (بن نيار) بكسر النون وتخفيف التحتية البلوي (وقد ذبح) قبل الصلاة (فقال) يا رسول الله (إن عندي جذعة) من المعز (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اذبحها ولن تجزي) بفتح الفوقية بدون همز (عن أحد بعدك) أي وإنما يجزئ الثني والثنية من المعز وهو ما دخل في السنة الثالثة والطاعن في الثانية هو الجذع والجذعة، ويجزئ الضأن منه. وروى أحمد حديث: ضحّوا بالجذع من الضأن فإنه جائز ولابن ماجة نحوه. واختلف القائلون بإجزاء الجذع من الضأن وهم الجمهور في سنه فقيل ما أكمل سنة ودخل في الثانية وهو الأصح عند الشافعية والأشهر عند أهل اللغة، وقيل: نصف سنة وهو قول الحنفية والحنابلة، وقيل: سبعة أشهر حكاه صاحب الهداية من الحنفية عن الزعفراني، وقيل: ستة أو سبعة حكاه الترمذي عن وكيع وإجزاء جذع المعز خصوصية لأبي بردة. نعم وردت الرخصة لغيره عقبة بن عامر وغيره كما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا. (قال مطرف) هو ابن طريف بالطاء المهملة المفتوحة آخره فاء بوزن عظيم الحارثي بالمثلثة مما سبق موصولًا في العيدين ويأتي إن شاء الله تعالى (عن عامر) الشعبي (عن البراء) بن عازب -رضي الله عنه- (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من ذبح بعد الصلاة) أي صلاة العيد (تمّ نسكه وأصاب سنة المسلمين) طريقتهم. 5546 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) يعني ابن مسرهد قال: (حدّثنا إسماعيل) ابن علية (عن أيوب) السختياني (عن محمد) يعني ابن سيرين (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (من ذبح قبل الصلاة) أي قبل مضي وقت صلاة العيد وما يتعلق بها من الخطبة وإلاّ فوقت الصلاة إلى الزوال (فإنما ذبح) أضحيته ولأبي ذر وابن عساكر يذبح (لنفسه) لحمًا يأكل لا ثواب له فيه (ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين). وهذا الحديث قد سبق في صلاة العيدين. 2 - باب قِسْمَةِ الإِمَامِ الأَضَاحِيَّ بَيْنَ النَّاسِ (باب قسمة الإمام الأضاحي بين الناس) بنفسه أو بأمره. 5547 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ بَعْجَةَ الْجُهَنِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا، فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَارَتْ جَذَعَةٌ، قَالَ: «ضَحِّ بِهَا». وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة المخففة أبو زيد الزهراني الطفاوي قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير الطائي مولاهم أبي نصر اليماني الثبت لكنه يدلس ويرسل، لكن رواية مسلم من طريق معاوية بن سلام عن يحيى أخبرني بعجة أزالت ما يخشى من تدليسه (عن بعجة) بفتح الموحدة والجيم بينهما عين مهملة ساكنة ابن عبد الله (الجهني) تابعي ليس له في البخاري إلا هذا (عن عقبة بن عامر الجهني) -رضي الله عنه- أنه (قال: قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أصحابه ضحايا) وكان الذي باشر القسمة عقبة بن عامر المذكور كما سيأتي إن شاء

3 - باب الأضحية للمسافر والنساء

الله تعالى (فصارت) أي حصلت (لعقبة) بن عامر (جذعة) من المعز. قال عقبة: (فقلت: يا رسول الله صارت جذعة) ولأبي ذر: لي جذعة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ضحّ بها) ولم يقل ولن تجزي عن أحد بعدك كما قال لأبي بردة. 3 - باب الأُضْحِيَّةِ لِلْمُسَافِرِ وَالنِّسَاءِ (باب) حكم (الأضحية للمسافر والنساء). 5548 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهَا وَحَاضَتْ بِسَرِفَ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ مَكَّةَ وَهْيَ تَبْكِي، فَقَالَ: «مَا لَكِ أَنَفِسْتِ»؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: «إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ». فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا سفيان) هو ابن عيينة ولم يسمع مسدد من سفيان الثوري (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم (عن عائشة رضي الله عنها أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عليها، وحاضت بسرف) بفتح السين المهملة وكسر الراء موضع خارج مكة (قبل أن تدخل مكة وهي) والحال أنها (تبكي فقال) لها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ما لكِ) تبكين (أنفست)؟ بفتح النون وكسر الفاء وضبطه الأصيلي أنفست بضم النون أي حضت وقيل بالفتح الحيض والضم النفاس (قالت: نعم) نفست (قال) عليه الصلاة والسلام: يسليها: (إن هذا) الحيض (أمر كتبه الله على بنات آدم) فلست بمختصة به (فاقضي ما يقضي الحاج) فافعلي ما يفعل الحاج من المناسك (غير أن لا تطوفي بالبيت) لأنه كالصلاة لا يصح، إلا بطهارة كاملة نعم قال بصحته بعد انقطاع الدم من غير غسل الحنفية، لكن يجب عليها بدنة عندهم ولا زائدة أي غير أن تطوفي. قالت عائشة (فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر فقلت: ما هذا؟ قالوا: ضحّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أزواجه) -رضي الله عنه- (بالبقر) أي بإذنهن لأن تضحية الإنسان عن غيره لا تصح إلا بإذن. وهذا الحديث قد مرّ في الحيض. 4 - باب مَا يُشْتَهَى مِنَ اللَّحْمِ يَوْمَ النَّحْرِ (باب ما يشتهى) بضم أوله وفتح رابعه (من اللحم يوم النحر) وما موصولة أو مصدرية. 5549 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ: «مَنْ كَانَ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيُعِدْ»، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ وَذَكَرَ جِيرَانَهُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَلاَ أَدْرِي أَبَلَغَتِ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لاَ. ثُمَّ انْكَفَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى كَبْشَيْنِ فَذَبَحَهُمَا، وَقَامَ النَّاسُ إِلَى غُنَيْمَةٍ فَتَوَزَّعُوهَا، أَوْ قَالَ: فَتَجَزَّعُوهَا. وبه قال: (حدّثنا صدقة) بن الفضل قال: (أخبرنا ابن علية) إسماعيل بن إبراهيم وعلية أمه (عن أيوب) السختياني (عن ابن سيرين) محمد (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم النحر) لأصحابه: (من كان) منكم (ذبح) أضحيته (قبل الصلاة فليعد) فإنها ليست نسكًا (فقام رجل) هو أبو بردة بن دينار (فقال: يا رسول الله إن هذا يوم يشتهى فيه اللحم) للالتذاذ به فيه ولأن العادة جرت فيه بكثرة الذبح فالنفس تتشوف له، ولا يقدح فيه قول عمر لجابر بن عبد الله لما رأى معه لحمًا فقال له: ما هذا؟ قال: قرمنا إلى اللحم فقال له: أين تذهب هذه الآية؟ {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} [الأحقاف: 20] لأن يوم النحر مخصوص بأكله. قال الله تعالى: {ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها} [الحج: 34] وبه استدل من قال بوجوب إلى من الأضاحي وهو قول غريب والذي عليه الجمهور أنه من باب الرخصة أو الاستحباب. (وذكر) أبو بردة (جيرانه) وعند مسلم عن عاصم وإني عجلت فيه نسيكتي لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري (وعندي جذعة) من المعز (خير من شاتي لحم) بالتثنية من المعز (فرخص له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في ذلك) قال أنس: (فلا أدري أبلغت الرخصة من سواه) من الناس (أم لا) فيكون مختصًّا بذلك ولعل أنسًا لم يبلغه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لمن تجزي عن أحد بعدك (ثم انكفأ) بالهمز أي مال ورجع (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن مكان الخطبة إلى مكان الذبح (إلى كبشين) تثنية كبش وهو ذكر الضأن (فذبحهما وقام الناس إلى غنيمة) بضم الغين المعجمة وفتح النون مصغرًا (فتوزعوها) بالزاي المعجمة من التوزيع أي تفرقوها (أو قال فتجزعوها) بالجيم والزاي من الجزع أي اقتسموها حصصًا كل واحد حصة من الغنم بغير ذبح وليس المراد أن كل واحد أخذ قطعة من اللحم والشك من الراوي. والحديث سبق في باب إلى يوم النحر من كتاب العيدين. 5 - باب مَنْ قَالَ: الأَضْحَى يَوْمَ النَّحْرِ (باب من قال: الأضحى يوم النحر) فقد دون أيام التشريق ويوم نصب على الظرفية، ولأبي ذر رفع واختصاص النحر باليوم العاشر قول حميد بن عبد الرحمن ومحمد بن سيرين وداود الظاهري. 5550 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَي وَشَعْبَانَ. أَيُّ شَهْرٍ هَذَا»؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: «أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ». قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا»، قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: «أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ»؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا»؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ»؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ»، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَأَعْرَاضَكُمْ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ. أَلاَ فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلاَّلًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ. فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ». وَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ قَالَ: صَدَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (عبد الوهاب)

بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن ابن أبي بكرة) عبد الرحمن (عن) أبيه (أبي بكرة) نفيع بن الحارث (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الزمان) ولأبي ذر إن الزمان (قد استدار) استدارة (كهيئته) مثل حالته (يوم خلق الله السماوات والأرض) روي أنهم كانوا ينسئون الحج في كل عامين من شهر إلى شهر آخر ويجعلون الشهر الذي أنسؤوا فيه ملغى فتكون تلك السنة ثلاثة عشر شهرًا ويتركون العام الثاني على ما كان عليه الأول، فلا يزالون كذلك إلى خمس وعشرين سنة، ثم يستدبر حينئذ الشهر الذي بدئ منه، وكانت السنة التي حجّ فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حجة الوداع هي السنة التي وصل ذو الحجة إلى موضعه فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في خطبته: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض" أي إن الله تعالى قد أدحض أمر النسيء فإن حساب السنة قد استقام ورجع إلى الأصل الموضوع له. (السنة اثنا عشر شهرًا) تأكيد في إبطال أمر النسيء وأن أحكام الشرع تنبئ على المشهور القمرية المحسوبة بالأهلّة دون الشمسية (منها أربعة حرم) لعظم حرمتها (ثلاث متواليات) حذف التاء من العدد باعتبار أن الشهر الذي هو واحد الأشهر بمعنى الليالي فاعتبر لذلك تأنيثه ولابن عساكر ثلاثة متواليات (ذو القعدة) للقعود فيه عن القتال (وذو الحجة) للحج (والمحرم) لتحريم القتال فيه (و) واحد فرد وهو (رجب مضر) أضيف إليها لأنها كانت تحافظ على تحريمه أشد من محافظة سائر العرب ولم يك يستحله أحد من العرب وسمي رجبًا لترجيب العرب إياه (الذي بين جمادى) بضم الجيم وفتح الدال المهملة (وشعبان) ذكره تأكيدًا وإزاحة للريب الحادث فيه من النسيء (أي شهر هذا) قال القاضي البيضاوي: يريد تذكارهم حرمة الشهر وتقريرها في نفوسهم ليبني عليها ما أراد تقريره وقولهم (قلنا: الله ورسوله أعلم)، مراعاة للأدب وتحرزًا عن التقدم بين يدي الله ورسوله وتوقفًا فيما لا يعلم الغرض من السؤال عنه (فسكت) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس ذا الحجة)؟ ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي ذو الحجة (قلنا: بلى. قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس البلدة)؟ بسكون اللام مكة التي جعلها الله تعالى حرمًا، قال التوربشتي: وجه تسميتها بالبلدة وهي تقع على سائر البلدان أنها الجامعة للخير المستحقة أن تسمى بهذا الاسم لتفوّقها سائر مسميات أجناسها تفوّق الكعبة في تسميتها بالبيت سائر مسميات أجناسها حتى كأنها هي المحل المستحق للإقامة به (قلنا: بلى) يا رسول الله (قال) عليه الصلاة والسلام (فأي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس يوم النحر)؟ الذي ننحر فيه الأضاحي في سائر الأقطار والهدايا بمنى (قلنا: بلى) وتمسك به من خص النحر بيوم العيد ووجهه أنه عليه الصلاة والسلام أضاف هذا اليوم إلى جنس النحر لأن اللام هنا جنسية فتعم فلا يبقى نحر إلا في ذلك اليوم، لكن قال القرطبي: التمسك بإضافة النحر إلى اليوم الأول ضعيف مع قوله تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} [الحج: 28] انتهى. وأجاب الجمهور بأن المراد النحر الكامل الفضل والألف واللام كثيرًا ما تستعمل للكمال نحو: ولكن البر وإنما الشديد الذي يملك نفسه، ولذا قيل اليوم الأول أفضل الأيام. وقال المالكية: أيام النحر ثلاثة مبدؤها يوم النحر بعد صلاة الإمام وذبحه في المصلى، وعند الشافعية آخر وقتها غروب الشمس من آخر أيام التشريق لحديث في كل أيام التشريق ذبح رواه ابن حبان، وقال أبو حنيفة: وأحمد يومان بعد النحر كقول المالكية. (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

6 - باب الأضحى والمنحر بالمصلى

(فإن دماءكم وأموالكم قال محمد) هو ابن سيرين (وأحسبه) أي وأحسب ابن أبي بكرة (قال) في حديثه (وأعراضكم) قال التوربشتي: أنفسكم وأحسابكم فإن العرض يقال للنسب والحسب. يقال: فلان نقيّ العرض أي بريء أن يعاب، وتعقب بأنه لو كان المراد من الأعراض النفوس لكان تكرارًا لأن ذكر الدماء كاف إذ المراد بها النفوس، وقال الطيبي: الظاهر أن المراد الأخلاق النفسانية فالمراد هنا الأخلاق ثم قال: والتحقيق ما في النهاية أن العرض موضع المدح والذم من الإنسان، ولذا قيل العرض النفس إطلاقًا للمحل على الحال (عليكم حرام كحرمة يومكم هذا) يوم النحر (في بلدكم هذا) مكة (في شهركم هذا) ذي الحجة وسقط لفظ هذا لأبي ذر وابن عساكر (وستلقون ربكم) يوم القيامة (فيسألكم عن أعمالكم) فيجازيكم عليها (ألا) بالتخفيف (فلا ترجعوا بعدي ضلالًا) بضم الضاد المعجمة وتشديد اللام الأولى جمع ضال (يضرب بعضكم رقاب بعض ألا) بالتخفيف (ليبلغ الشاهد الغائب) ما ذكر (فلعل بعض من يبلغه) بفتح التحتية وسكون الموحدة (أن يكون أوعى) بالواو الساكنة بعد الهمزة المفتوحة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أرعى بالراء بدل الواو (له) للذي ذكر (من بعض من سمعه) مني (وكان) بالواو ولأبي ذر وابن عساكر فكان (محمد) أي ابن سيرين (إذا ذكره) ولأبي ذر عن الكشميهني ذكر بحذف الضمير المنصوب (قال: صدق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم قال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ألا) بتخفيف اللام (هل بلغت ألا هل بلغت) زاد أبو ذر عن المستملي مرتين وهو من الحديث فصل بينه الراوي وبين ما قبله بقوله وكان محمد إذا ذكره قال: صدق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا الحديث تقدّم في العلم والحج وتفسير براءة مفرقًا. 6 - باب الأَضْحَى وَالْمَنْحَرِ بِالْمُصَلَّى (باب) بيان كون (الأضحى والمنحر بالمصلى) موضع صلاة العيد لئلا يذبح أحد قبل الإمام فيذبحوا بعدها بيقين مع ما فيه من تعليمهم صفة الذبح، وفي بعض النسخ والنحر بغير ميم. 5551 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَنْحَرُ فِي الْمَنْحَرِ، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: يَعْنِي مَنْحَرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن أبي بكر المقدمي) بتشديد الدال المهملة المفتوحة بعد القاف، قال: (حدّثنا خالد بن الحارث) الهجيمي بالجيم والميم مصغرًا قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (قال: كان عبد الله) بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- (ينحر في المنحر، قال عبيد الله) العمري (يعني منحر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 5552 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن كثير بن فرقد) بالمثلثة وفرقد بفتح الفاء وسكون الراء وفتح القاف بعدها دال مهملة (عن نافع أن ابن عمر -رضي الله عنهما- أخبره قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذبح وينحر بالمصلى) بعد أن يصلّي العيد، وهو مذهب مالك؛ أن الإمام يبرز أضحيته للمصلى فيذبح به كما قاله السفاقسي، والحديث الأول موقوف والثاني مرفوع وهو اختلاف على نافع قاله ابن حجر. 7 - باب فِي أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ. وَيُذْكَرُ سَمِينَيْنِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلٍ قَالَ: كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ هذا (باب) بالتنوين (في أضحية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الضأن (أقرنين) لكل واحد منهما قرنان معتدلان ولأبي ذر وابن عساكر باب ضحية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى آخره (ويذكر) بضم أوله وفتح الكاف في صلة الكبشين (سمينين) أخرجه أبو عوانة بن محمد بن شعبة عن قتادة عن أنس (وقال يحيى بن سعيد) الأنصاري مما وصله أبو نعيم في مستخرجه (سمعت أبا أمامة بن سهل) بسكون الهاء (قال: كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون) أيضًا. 5553 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ. [الحديث 5553 - أطرافه في: 5554، 5558، 5564، 5565، 7399]. وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) سقط لأبي ذر لفظ ابن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عبد العزيز بن صهيب قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يضحي بكبشين) قال في المصابيح: هذا يدل على أن تلك عادته عليه الصلاة والسلام فيكون دليلًا للمالكية على أفضلية الضأن في الضحايا ضرورة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يواظب إلا على ما هو لأفضل

8 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بردة: «ضح بالجذع من المعز ولن تجزي عن أحد بعدك»

لكن من نظر إلى كثرة اللحم كإمامنا الشافعي قال: الأفضل الإبل ثم البقر، وقد أخرج البيهقي عن ابن عمر: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يضحي بالجزور وأحيانًا وبالكبش إذا لم يجد جزورًا لكن في سنده عبد الله بن نافع وفيه مقال فلو سلم كان نصًّا في موضع النزاع قال أنس: (وأنا أضحي بكبشين) اقتداء به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا الحديث من أفراده. 5554 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ. تَابَعَهُ وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ وَحَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ: عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (عن أيوب) السختياني ولأبي ذر حدّثنا أيوب (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (عن أنس) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انكفأ) بالهمزة بعد الفاء رجع (إلى كبشين أقرنين) تثنية أقرن وهو الكبير القرن (أملحين) بالحاء المهملة تثنية أملح وهو الذي يخالط سواده بياض والبياض أكثر، وقال الأصمعي: هو الأغبر، وقال ابن الأعرابي: الأبيض الخالص، وبه تمسك الشافعية في تفضيل الأبيض في الأضحية، أو هو الذي ينظر في سواد ويأكل في سواد ويبرك في سواد أي أن مواضع هذه منه سود وما عدا ذلك أبيض واختار ذلك لحسن منظره وشحمه وطيب لحمه لأنه نوع يتميز عن جنسه (فذبحهما) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بيده) الشريفة وفيه أن الذكر في الأضحية أفضل من الأنثى وهو قول أحمد، وحكى الرافعي فيه قوليه عن الشافعي. أحدهما عن نص في البويطي الذكر لأن لحمه أطيب وهذا هو الأصح، والثاني أن الأنثى أولى، وقال الرافعي: وإنما يذكر ذلك في جزاء الصيد عند التقويم والأنثى أكثر قيمة فلا تفدى بالذكر أو أراد الأنثى التي لم تلد وفيه استحباب التضحية بالأقرن وأنه أفضل من الأجم الذي لا قرن له وذبح أضحيته بيده إذا كان يحسن الذبح (تابعه) أي تابع عبد الرحمن (وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خلد البصري في روايته (عن أيوب) السختياني عن أبي قلابة عن أنس وهذه المتابعة ذكرها الإسماعيلي. (وقال إسماعيل) ابن علية مما يأتي موصولًا قريبًا عند المؤلّف (وحاتم بن وردان) بالحاء المهملة مما وصله مسلم من طريقه (عن أيوب) السختياني (عن ابن سيرين) محمد (عن أنس) -رضي الله عنه- فخالفا عبد الوهاب الثقفي في شيخ أيوب ووقع في رواية أبي ذر تأخير متابعة وهيب عن قوله وقال إسماعيل، وعند الباقين تقديم متابعة وهيب. قال في الفتح: وهو الصواب لأن وهيبًا إنما رواه عن أيوب عن أبي قلابة متابعًا لعبد الوهاب الثقفي. 5555 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ ضَحَايَا، فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «ضَحِّ أَنْتَ بِهِ». وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين الحراني سكن مصر قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن يزيد) بن أبي حبيب المصري (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني (عن عقبة بن عامر) الجهني -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاه غنمًا) يطلق على الضأن والمعز (يقسمها على صحابته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو صحابة عقبة (ضحايا) من ماله عليه الصلاة والسلام أو من الفيء فقسمها (فبقي) منها (عتود) بفتح العين المهملة وضم المثناة الفوقية الخفيفة ما قوي ورعي من أولاد المعز وأتى عليه حول أو العتود الجذع من المعز ابن خمسة أشهر وفي المحكم العتود الجدي الذي استكرش وقيل الذي بلغ السفاد (فذكره) عقبة (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) له عليه السلام: (ضحّ أنت به) ولأبي ذر: ضح به أنت، وسقط لفظ به لابن عساكر، زاد البيهقي في روايته من طريق يحيى بن بكير عن الليث ولا رخصة لأحد فيها بعدك. وحديث الباب سبق في الوكالة جهذا الإسناد والمتن، وفي الشركة أيضًا في باب قسمة الغنائم والعدل فيها. 8 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي بُرْدَةَ: «ضَحِّ بِالْجَذَعِ مِنَ الْمَعَزِ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي بردة) بن نيار (ضح بالجذع من المعز ولن تجزي عن أحد بعدك). 5556 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ عَنْ عَامِرٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: ضَحَّى خَالٌ لِي يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنَ الْمَعَزِ قَالَ: «اذْبَحْهَا وَلَنْ تَصْلُحَ لِغَيْرِكَ». ثُمَّ قَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ». تَابَعَهُ عُبَيْدَةُ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ. وَتَابَعَهُ وَكِيعٌ عَنْ حُرَيْثٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ. وَقَالَ عَاصِمٌ: وَدَاوُدُ عَنِ الشَّعْبِيِّ عِنْدِي عَنَاقُ لَبَنٍ وَقَالَ زُبَيْدٌ وَفِرَاسٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ: عِنْدِي جَذَعَةٌ وَقَالَ أَبُو الأَحْوَصِ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنَاقٌ جَذَعَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ عَنَاقٌ جَذَعٌ، عَنَاقُ لَبَنٍ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا خالد بن عبد الله) الطحان الواسطي قال: (حدّثنا مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء المهملة المشدّدة بعدها فاء ابن طريف الكوفي (عن عامر) الشعبي (عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-) سقط لأبي ذر ابن عازب أنه (قال: ضحى

خال لي يقال له أبو بردة) هانئ بن نيار بكسر النون وتخفيف التحتية ابن عمرو بن عبيد البلوي من حلفاء الأنصار أي ذبح أضحيته (قبل الصلاة) أي صلاة العيد فالألف واللام للعهد (فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (شاتك) التي ذبحتها قبل صلاة العيد (شاة لحم) ليست أضحية ولا ثواب فيها، واستشكلت هذه الإضافة بأن الإضافة إما معنوية مقدرة بمن كخاتم حديد أو باللام كغلام زيد أو بفي كضرب اليوم أي ضرب في اليوم، وإما لفظية صفة مضافة إلى معمولها كضارب زيد وحسن الوجه ولا يصح شيء منها في شاة لحم. وأجيب: بأن الإضافة بتقدير محذوف أي شاة طعام لحم أي لا طعام نسك أو ما أشبه ذلك يعني شاة لحم غير نسك فهي مضافة إلى محذوف أقيم المضاف إليه مقامه. (فقال) أبو بردة (يا رسول الله إن عندي داجنًا) بالجيم والنون الذي بألف البيوت لا سن لها معينًا (جذعة) بالجيم والذال المعجمة بالنصب عطف بيان لداجنًا (من المعز) وهو الذي لم يطعن في الثالثة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اذبحها) عن أضحيتك خصوصية لك (ولن تصلح) أضحية ولأبي ذر وابن عساكر: ولا تصلح (لغيرك ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (من ذبح قبل الصلاة) أي صلاة العيد (فإنما يذبح لنفسه) لحمًا يأكله ليس بنسك (ومن ذبح بعد الصلاة فقد تمّ نسكه وأصاب سنّة المسلمين). (تابعه) أي تابع مطرفًا (عبيدة) بضم العين مصغرًا ابن معتب بتشديد المثناة الفوقية المكسورة الضبي في روايته (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (و) تابعه أيضًا عن (إبراهيم) النخعي عن البراء وهو منقطع لأن إبراهيم لم يلق أحدًا من الصحابة (وتابعه) أي تابع عبيدة (وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف (عن حريث) بضم الحاء المهملة آخره مثلثة مصغرًا ابن أبي مطر الأسدي الكوفي الحناط بالمهملة والنون (عن الشعبي) وهذا وصله أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الأضاحي من طريق سهل بن عثمان العسكري عن وكيع (وقال عاصم) هو ابن سليمان الأحول مما وصله مسلم (وداود) بن أبي هند مما وصله مسلم أيضًا (عن الشعبي) عامر عن البراء عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحديث وقال فيه: (عندي عناق لبن) بفتح العين المهملة وتخفيف للنون الأنثى من ولد المعز وأضافها إلى اللبن إشارة إلى صغرها وأنها قريبة من الرضاع. (وقال زبيد): بضم الزاي وفتح الموحدة ابن الحارث اليامي مما وصله المؤلّف أوّل الأضاحي (وفراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف سين مهملة ابن يحيى الكوفي مما وصله البخاري أيضًا في باب من ذبح قبل الصلاة أعاد (عن الشعبي) عن البراء وقال: (عندي جذعة، وقال أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي: (حدّثنا منصور) هو ابن المعتمر مما وصله المؤلّف من الوجه المذكور عنه عن الشعبي عن البراء في العيدين وقال: (عناق جذعة) بالتنوين فيهما فالثاني عطف بيان. (وقال ابن عون) عبد الله واسم جده أرطبان في روايته عن الشعبي عن البراء مما وصله المؤلّف في الأيمان والنذور (عناق جذع) بتنوينهما (عناق لبن) بالإضافة فالأول كلفظ منصور لكن تلك بتأنيث جذعة والثانية كعاصم. 5557 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: ذَبَحَ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَبْدِلْهَا» قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي إِلاَّ جَذَعَةٌ قَالَ شُعْبَةُ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ قَالَ: «اجْعَلْهَا مَكَانَهَا وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» وَقَالَ حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: «عَنَاقٌ جَذَعَةٌ». وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) بالمعجمة المشدّدة بعد الموحدة العبدي قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) هو غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سلمة) بن كهيل (عن أبي جحيفة) بالجيم المضمومة والحاء المهملة المفتوحة وهب بن عبد الله بن مسلم العامري السوائي الصحابي توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو لم يبلغ الحلم (عن البراء) بن عازب -رضي الله عنه- أنه (قال: ذبح أبو بردة) بن نيار (قبل الصلاة) أي صلاة العيد (فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أبدلها) بكسر الدال وسكون اللام أي اذبح مكانها أخرى (قال) يا رسوله الله (ليس عندي إلا جذعة، قال شعبة) بن الحجاج (وأحسبه) أي أبا بردة (قال: هي) أي الجذعة (خير من مسنّة) لطيب لحمها ونفعها للأكلين لسمنها ونفاستها، وقال أهل

9 - باب من ذبح الأضاحي بيده

اللغة: السن الذي يلقي سنه يكون في ذات الخف في السنة السادسة وفي الظلف والحافر في السنة الثالثة، وقال ابن فارس: إذا دخل ولد الشاة في السنة الثالثة فهو ثني ومسن (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اجعلها) أي الجذعة (مكانها) أي مكان المسنّة خصوصية لك (ولن تجزي) بفتح الفوقية بغير همزة وقال ابن بري: الفقهاء يقولون لا يجزئ بالضم والهمزة في موضع لا يقضي، والصواب الفتح بلا همز ويجوز الضم والهمز بمعنى الكفاية، وفي الأساس للزمخشري بنو تميم تقول: البدنة تجزي عن سبعة بضم أوله، وأهل الحجاز تجزي بفتح أوله وبهما قرئ: {لا تجزي نفس عن نفس} [البقرة: 123]، ولن حرف نصب لنفي المستقبل وهل هي مركبة أو بسيطة ولا تقتضي تأييد النفي خلافًا للزمخشري أي لن يقتضي (عن أحد بعدك) وظاهره الخصوصية لأبي بردة بإجزاء الجذع من المعز في الأضحية، لكن وقع في غير ما حديث التصريح بنظيره لغيره كحديث عقبة السارق وقوله: ولا رخصة فيها لأحد بعدك وفي كل منهما صيغة عموم فأيهما تقدم على الآخر اقتضى انتفاء الوقوع للثاني فيحتمل صدور ذلك لكل منهما في وقت واحد، أو أن خصوصية الأول نسخت بثبوت الخصوصية للثاني، وذكر بعضهم أن الذين ثبتت لهم الرخصة أربعة أو خمسة لكن ليس التصريح بالنفي إلا في قصة أبي بردة في الصحيحين وفي قصة عقبة بن عامر في البيهقي ولم يشاركهما أحد في ذلك، نعم وقعت المشاركة في مطلق الأجزاء لا في خصوص منع الغير لزيد بن خالد. رواه أبو داود وأحمد وصححه ابن حبان ولعويمر بن أشقر رواه ابن حبان في صحيحه وابن ماجة ولسعد بن أبي وقاص رواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس، وفي حديث أبي هريرة المروي عند أبي يعلى والحاكم أن رجلًا قال: يا رسول الله هذا جذع من الضأن مهزول وهذا جذع من المعز سمين أو هو خيرهما أفأضحي به؟ قال: "ضحّ به فإن لله الخير" وفي سنده ضعف. (وقال حاتم بن وردان): بالحاء المهملة أبو صالح البصري فيما وصله مسلم (عن أيوب) السختياني (عن محمد) أي ابن سيرين (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الحديث. (وقال) فيه (عناق جذعة) بتنوينهما والعطف للبيان. 9 - باب مَنْ ذَبَحَ الأَضَاحِيَّ بِيَدِهِ (باب من ذبح الأضاحي بيده). 5558 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ. وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) سقط لأبي ذر ابن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: ضحى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكبشين أملحين) زاد في الرواية السابقة واللاحقة أقرنين (فرأيته) حال كونه (واضعًا قدمه) الشريفة (على صفاحهما) بكسر الصاد المهملة وجمع وإن كان وضعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قدمه إنما كان على صفحتيهما إما باعتبار أن الصفحتين من كل واحد في الحقيقة موضوع عليهما القدم المبارك لأن أحدهما مما يلي الأخرى مما يلي الرجل، أو هو من باب قطعت رؤوس الكبشين، وقال في الفتح: والصفاح الجوانب، والمراد الجانب الواحد من وجه الأضحية وإنما ثنى إشارة إلى أنه فعل ذلك في كلٍّ منهما فهو من إضافة الجمع إلى المثنى بإرادة التوزيع (يسمي) أي واضعًا قدمه على صفاحهما حال كونه يسمي الله تعالى (ويكبّر فذبحهما بيده) ففيه مشروعية ذبح الأضحية بيده وإن كان يحسن ذلك لأن الذبح عبادة والعبادة أفضلها أن يباشرها بنفسه ووضع الرجل على صفحة عنقها اليمنى ليكون أثبت له وأمكن لئلا تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعه من إكمال الذبح أو تنجسه. وهذا الحديث رواه مسلم في الذبائح وكذا النسائي ورواه ابن ماجة في الأضاحي. 10 - باب مَنْ ذَبَحَ ضَحِيَّةَ غَيْرِهِ. وَأَعَانَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ فِي بَدَنَتِهِ وَأَمَرَ أَبُو مُوسَى بَنَاتِهِ أَنْ يُضَحِّينَ بِأَيْدِيهِنَّ (باب من ذبح ضحية غيره) بإذنه (وأعان رجل ابن عمر) -رضي الله عنهما- (في) نحر (بدنته) بمنى وهو باركة معقولة وصله عبد الرزاق وإذا كانت الاستعانة مشروعة التحقت بها الاستنابة (وأمر أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (بناته أن يضحين بأيديهن) وصله في المستدرك بلفظ كان يأمر بناته أن يذبحن نسائكن

11 - باب الذبح بعد الصلاة

بأيديهن اهـ. ومذهب الشافعي أن الأولى للمرأة أن توكل في ذبح أضحيتها، وقوله وأمر إلخ ثابت في رواية الكشميهني والمستملي. 5559 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَرِفَ وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: «مَا لَكِ أَنَفِسْتِ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ اقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ. غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ». وَضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: دخل عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسرف) بفتح السين المهملة وكسر الراء بعدها فاء موضع قرب مكة قبل أن أدخلها (وأنا أبكي فقال): (ما لك أنفست)؟ بفتح الهمزة والنون وكسر الفاء وسكون السين المهملة أحضت من النفس وهو الدم وفرقوا بين الحيض والنفاس فقالوا بفتح النون في الحيض وفي الولادة بضمها وحكي الضم فيهما وثبت في روايتنا بالوجهين (قلت: نعم، قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هذا أمر كتبه الله على بنات آدم) في حديث ابن مسعود عند عبد الرزاق بإسناد صحيح قال: كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعًا فكانت المرأة تتشوف للرجل فألقى الله عليهن الحيض ومنعهن المساجد، وحديث الباب شامل لجميع بنات آدم فيتناول الإسرائيليات ومن قبلهن من بنات آدم عام أريد به الخصوص (اقضي ما يقضي الحاج) من المناسك والمراد بالقضاء هنا الأداء أي ما يؤدي الحاج (غير أن لا تطوفي بالبيت) حتى تطهري كاملة بانقطاع الحيض والاغتسال. (وضحى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن نسائه بالبقر). وفي رواية يونس عن الزهري عند النسائي وأبي داود وغيرهما عن عمرة عن عائشة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحر عن أزواجه بقرة واحدة، لكن قال إسماعيل القاضي: تفرد به يونس وخالفه غيره. ويونس ثقة حافظ وقد تابعه معمر عند النسائي أيضًا ولفظه أصرح من لفظ يونس قال: ما ذبح عن آل محمد في حجة الوداع إلا بقرة واستدل بالحديث على أن الإنسان قد يلحقه من عمل غيره ما يحمله عنه بغير أمره ولا علمه، وتعقب باحتمال الاستئذان. 11 - باب الذَّبْحِ بَعْدَ الصَّلاَةِ (باب) وقت (الذبح بعد الصلاة). 5560 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي زُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فَقَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ، فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ يُقَدِّمُهُ لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ». فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. فَقَالَ: «اجْعَلْهَا مَكَانَهَا وَلَنْ تَجْزِيَ أَوْ تُوفِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ». وبه قال: (حدّثنا حجاج بن المنهال) أبو محمد السلمي الأنماطي البرساني البصري ولأبي ذر ابن منهال قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (زبيد) اليامي (قال: سمعت الشعبي) عامي بن شراحيل (عن البراء -رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب فقال): (إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلي) صلاة العيد وسقط للكشميهني لفظ به (ثم نرجع) من المصلى (فننحر) الأضحية (فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا) أي طريقتنا (ومن نحر) أي قبل الصلاة (فإنما هو لحم يقدمه لأهله ليس من النسك في شيء) ولا ثواب له. (فقال أبو بردة) بن نيار (يا رسول الله ذبحت قبل أن أصلي وعندي جذعة خير من مسنة فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اجعلها مكانها ولن تجزي) بفتح الفوقية بلا همز قال بعضهم وهو الذي في جميع الطرق والروايات وليس المراد بالقضاء هنا معناه الاصطلاحي بل مطلق الفعل (أو) قال: (توفي) بضم الفوقية وسكون الواو (عن أحد بعدك) والشك من الراوي، واختلف في وقت الأضحية فعند الشافعية بعد مضي قدر صلاة العيد وخطبتها من طلوع الشمس يوم النحر سواء صلى أم لا مقيمًا بالأمصار أم لا لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أول ما نبدأ به أن نصلي ثم نرجع فننحر" إلخ. وقوله في الرواية السابقة: من ذبح بعد الصلاة وهو أعم من صلاة الإمام وغيره ولا يشترط فعل الصلاة اتفاقًا لصحة التضحية فدلّ على أن المراد بها وقتها، وعند الحنفية وقتها في حق أهل الأمصار بعد صلاة الإمام وخطبته وفي حق غيرهم بعد طلع الفجر، وعند المالكية بعد فراغ الإمام من الصلاة والخطبة والذبح، وعند الحنابلة لا يجوز قبل صلاة الإمام ويجوز بعدها قبل ذبحه. 12 - باب مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ أَعَادَ (باب من ذبح) أضحيته (قبل الصلاة أعاد) الذبح. 5561 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيُعِدْ»، فَقَالَ رَجُلٌ: هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ وَذَكَرَ هَنَة مِنْ جِيرَانِهِ، فَكَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَذَرَهُ، وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْنِ فَرَخَّصَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ أَدْرِي بَلَغَتِ الرُّخْصَةُ أَمْ لاَ. ثُمَّ انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ؟ يَعْنِي فَذَبَحَهُمَا، ثُمَّ انْكَفَأَ النَّاسُ إِلَى غُنَيْمَةٍ فَذَبَحُوهَا. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) وهو ابن علية نسبة إلى أمه الأسدي البصري (عن أيوب)

السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من ذبح) أضحيته (قبل الصلاة فليعد) أي الذبح (فقال رجل) هو أبو بردة يا رسول الله (هذا يوم يشتهى فيه اللحم) لا جرت العادة فيه من كثرة الذبح فتتشوف النفس له وتلتذ بأكله (وذكر هنة) بفتح الهاء والنون المخففة حاجة (من جيرانه) لجيرانه إلى اللحم وفقرهم وثبت قوله هنة لابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني (فكأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتشديد النون (عذره) بتخفيف الذال المعجمة أي قبل عذره لكنه لم يجعل ذلك كافيًا في مشروعية الأضحية ولذا أمره بالإعادة (وعندي جذعة) من المعز عطف على قول أبي بردة الذي ذكر الراوي عنه أنه ذكر هنة من جيرانه والتقدير هذا يوم يشتهى فيه اللحم ولجيراني حاجة فذبحت قبل الصلاة وعندي جذعة (خير من شاتين) لطيبها سمنًا ونفاسة. فإن قلت: كيف تكون واحدة خيرًا من أضحيتين بل العكس أولى كما في صورة الإعتاق فإن إعتاق الرقبتين خير من إعتاق واحدة ولو كانت أنفس منهما؟ أجيب: بأن المقصود من الضحايا طيب اللحم وكثرته فشاة سمينة أفضل من هزيلتين، وأما العتق فالمقصود منه التقرب إلى الله تعالى بفك الرقبة فيكون عتق الاثنتين أفضل من عتق الواحدة. نعم إن عرض للواحد وصف يقتضي رفعته على غيره كالعلم وأنواع الفضل المتعدي فذهب بعض المحققين إلى أنه أفضل لعموم نفعه للمسلمين. (فرخص له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الأضحية بجذعة وسقط قوله النبي إلخ لأبي ذر، وقال أنس: (فلا أدري بلغت الرخصة) أي من سواه من الناس ولأبي ذر أبلغت الرخصة (أم لا، ثم انكفأ) بالهمز أي رجع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى كبشين يعني فذبحهما) بيده الكريمة (ثم انكفأ) رجع (الناس إلى غنيمة) بضم الغين المعجمة وفتح النون (فذبحوهما). وهذا الحديث سبق في باب ما يشتهى من اللحم. 5562 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ سَمِعْتُ جُنْدَبَ بْنَ سُفْيَانَ الْبَجَلِيَّ قَالَ: شَهِدْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا الأسود بن قيس) العبدي قال: (سمعت جندب بن سفيان) بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال وضمها ابن عبد الله بن سفيان (البجلي) بفتح الموحدة والجيم (قال: شهدت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم النحر) يخطب (فقال) ولأبي ذر قال: (من ذبح قبل أن يصلي) من شرطية موضعها رفع بالابتداء (فليعد مكانها أخرى) الفاء جواب الشرط واللام لام الأمر وأخرى صفة لمحذوف تقديره شاة أخرى وأخرى تأنيث آخر (ومن لم يذبح) قبل الصلاة (فليذبح) قائلًا بسم الله للتبرك أو للوجوب ولم لنفي الزمان الماضي المنقطع من زمان الحال والجواب جاء مستقبلًا على قاعدته ويذبح مجزوم بلم لا بمن لأن لم لا تدخل إلا على الفعل المستقبل ومن تدخل على الماضي، وذهب بعضهم إلى أن التنازع يقع في سائر العوامل والصحيح الأول، وقد استدلّ بهذا الأمر في قوله: (فليعد مكانها أخرى) من قال بوجوب الأضحية وهو معارض بالأدلة الدالة على عدم الوجوب فيحمل الأمر على الندب. 5563 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ عَامِرٍ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا فَلاَ يَذْبَحْ حَتَّى يَنْصَرِفَ». فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلْتُ فَقَالَ: «هُوَ شَيْءٌ عَجَّلْتَهُ». قَالَ: فَإِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّتَيْنِ آذْبَحُهَا. قَالَ: «نَعَمْ ثُمَّ لاَ تَجْزِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ». قَالَ عَامِرٌ: هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتِهِ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح (عن فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف سين مهملة ابن يحيى (عن عامر) الشعبي (عن البراء) بن عازب -رضي الله عنه- أنه (قال: صلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات يوم فقال): (من صلى صلاتنا) أي مثل صلاتنا فهو على حذف مضاف نعت لمصدر محذوف (واستقبل قبلتنا فلا يذبح) أضحيته (حتى ينصرف) بتحتية فنون ولأبي ذر ننصرف بنونين يعني عليه الصلاة والسلام من صلاة العيد (فقام أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله فعلت) الذبح قبل الصلاة (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هو) أي الذي ذبحته وللكشميهني هذا (شيء عجلته) لأهلك ليس من النسك (قال) أبو بردة يا رسول الله (فإن عندي جذعة) من المعز (هي خير من مسنتين) تثنية مسنة. قال الداودي: التي

13 - باب وضع القدم على صفح الذبيحة

سقطت أسنانها وقال الجوهري: يكون ذلك في الظلف والحافر في السنة الثالثة وفي الخف في السادسة (آذبحها) بهمزة استفهام ممدودة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم) اذبحها (ثم لا تجزي) بفتح الفوقية بلا همز (عن أحد بعدك). سبق ما فيه قريبًا. (قال عامر) الشعبي (هي) يعني الجذعة (خير نسيكته) بالإفراد، ولأبي ذر: نسيكتيه بالتثنية. فإن قلت: خير أفعل تفضيل وهو يقتضي الشركة والأولى لم تكن نسيكة؟ أجيب بأن الأولى وإن وقعت شاة لحم غير أضحية لكن له فيها ثواب لكونه قاصدًا جبر الجيران فهي أيضًا عبادة أو صورتها صورة النسيكة لأنه ذبحها في وقتها. وقال في الفتح: ضم الحقيقة إلى المجاز بلفظ واحد فإن النسيكة هي التي أجزأت عنه وهي الثانية والأولى لم تجز عنه لكن أطلق عليها نسيكة لأنه نحرها على أنها نسيكة. 13 - باب وَضْعِ الْقَدَمِ عَلَى صَفْحِ الذَّبِيحَةِ (باب وضع القدم على صفحة الذبيحة). 5564 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَتِهِمَا، وَيَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) الأنماطي قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى الشيباني البصري (عن قتادة) قال: (حدّثنا أنس رضي الله عنه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يضحي بكبشين) من الضأن (أملحين) يشوب بياضهما سواد أو حمرة (أقرنين) لكل منهما قرنان (ووضع) ولأبي ذر وابن عساكر ويضع (رجله على صفحتهما) أي صفحة عنقهما ليكون أثبت له وأمكن للذبح وعدم اضطراب الذبيحة فيستحب أن يضع الذابح رجله على صفحة عنق الذبيحة اليمنى بعد إضجاعها على الجانب الأيسر لأنه أسهل في أخذ السكين وإمساك رأس الذبيحة باليسار (ويذبحهما بيده) الشريفة صلوات الله وسلامه عليه. 14 - باب التَّكْبِيرِ عِنْدَ الذَّبْحِ (باب) مشروعية (التكبير عند الذبح) للأضحية. 5565 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد البغلاني قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: ضحى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى) الله (وكبر) هـ (ووضع رجله) المكرمة (على صفاحهما) بالتثنية وصفحة كل شيء وجهه وناحيته. قال النووي في الأذكار: وإذا كان معه أي الحاج هدي فنحره أو ذبحه استحب أن يقول عند النحر والذبح بسم الله والله أكبر اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، اللهم منك وإليك، اللهم تقبل مني أو تقبل من فلان إن كان ذبحه من غيره. وعند الطحاوي من حديث جابر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتى بكبشين أملحين عظيمين موجوءين فأضجع أحدهما وقال: "بسم الله والله أكبر اللهم عن محمد وآل محمد" ثم أضجع الآخر فقال: "اللهم عن محمد وعن أمته من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ" وهو حديث حسن. وعند الطبراني في الدعاء عن عائشة قال: "يا عائشة هلمي المدية" ثم قال: "اشحذيها" ففعلت فأخذها فأضجعه وقال: "بسم الله اللهم تقبل من محمد ومن أمة محمد" فضحى به وهو حديث صحيح أخرجه مسلم، وقال الشافعي: فيما رويناه عنه والتسمية في الذبيحة بسم الله وما زاد بعد ذلك من ذكر الله فهو خير ولا أكره أن يقول فيها صلى الله على محمد بل أحب ذلك وأحب أن يكثر الصلاة عليه لأن ذكر الله والصلاة على محمد عبادة يؤجر عليها، وكأنه أشار إلى الرد على من كره ذلك عند الذبح، واستند إلى حديث منقطع السند تفرّد به كذاب أورده البيهقي. 15 - باب إِذَا بَعَثَ بِهَدْيِهِ لِيُذْبَحَ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ شَيْءٌ هذا (باب) بالتنوين (إذا بعث) الرجل (بهديه) بسكون الدال المهملة الذي يهديه من النعم إلى المحرم (ليذبح) به (لم يحرم عليه شيء) مما يحرم على المحرم. 5566 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ أَتَى عَائِشَةَ فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ رَجُلًا يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ إِلَى الْكَعْبَةِ وَيَجْلِسُ فِي الْمِصْرِ فَيُوصِي أَنْ تُقَلَّدَ بَدَنَتُهُ، فَلاَ يَزَالُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ مُحْرِمًا حَتَّى يَحِلَّ النَّاسُ، قَالَ: فَسَمِعْتُ تَصْفِيقَهَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلاَئِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَبْعَثُ هَدْيَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِمَّا حَلَّ لِلرِّجَالِ مِنْ أَهْلِهِ حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) السمسار المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا إسماعيل) بن أبي خالد (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن مسروق) هو ابن الأجدع الهمداني أحد الأعلام (أنه أتى عائشة) -رضي الله عنها- (فقال لها: يا أم المؤمنين إن رجلًا) هو زياد بن أبي سفيان (يبعث بالهدي إلى الكعبة ويجلس في المصر) الذي هو فيه (فيوصي) الذي يبعثها معه (أن تقلد) بالفوقية المضمومة واللام المشددة المفتوحة مبنيًّا للمفعول (بدنته) مفعول ناب

16 - باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي، وما يتزود منها

عن الفاعل والتقليد أن يعلق في عنقها شيء ليعلم أنها هدي (فلا يزال) ذلك الرجل المفسر بأنه زياد (من ذلك اليوم) الذي بعث بها فيه (محرمًا) بمصره (حتى يحل الناس) من إحرامهم (قال) مسروق (فسمعت تصفيقها) بالصاد وهو ضرب إحدى اليدين على الأخرى ليسمع صوتها وفعلت ذلك تعجبًا أو تأسفًا على وقوع ذلك ولأبي ذر تسفيقها (من وراه الحجاب فقالت: لقد كنت أفتل) بكسر المثناة الفوقية (قلائد هدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيبعث هديه) مقلدًا (إلى الكعبة فما يحرم عليه) شيء (مما حل للرجال) ولأبي ذر عن الكشميهني للرجل (من أهله حتى يرجع الناس) وفيه رد على من قال: إن من بعث بهديه إلى المحرم لزمه الإحرام إذا قلده ويجتنب ما يجتنبه الحاج حتى ينحر هديه وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر، وبه قال عطاء بن أبي رباح: لكن أئمة الفتوى على خلافه. وهذا الحديث سبق في باب تقليد الغنم من كتاب الحج. 16 - باب مَا يُؤْكَلُ مِنْ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ، وَمَا يُتَزَوَّدُ مِنْهَا (باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي) من غير تقييد (وما يتزوّد منها) للسفر يتزوّد بضم أوله مبنيًّا للمفعول. 5567 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الأَضَاحِيِّ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْمَدِينَةِ. وَقَالَ غَيْرَ مَرَّةٍ لُحُومَ الْهَدْيِ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال، (قال عمرو) بفتح العين ابن دينار (أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح أنه (سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) على زمانه (إلى المدينة) وهذه الصيغة لها حكم الرفع (وقال) سفيان: (غير مرة) وللكشميهني وقال غيره مرة (لحوم الهدي) بدل لحوم الأضاحي. والحديث سبق في الجهاد. 5568 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ أَنَّ ابْنَ خَبَّابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ كَانَ غَائِبًا فَقَدِمَ فَقُدِّمَ إِلَيْهِ لَحْمٌ فَقَالَ: وَهَذَا مِنْ لَحْمِ ضَحَايَانَا، فَقَالَ: أَخِّرُوهُ، لاَ أَذُوقُهُ، قَالَ: ثُمَّ قُمْتُ فَخَرَجْتُ حَتَّى آتِيَ أَخِي قَتَادَةَ وَكَانَ أَخَاهُ لأُمِّهِ وَكَانَ بَدْرِيًّا. فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ بَعْدَكَ أَمْرٌ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (سليمان) بن بلال (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- (أن ابن خباب) بالخاء المعجمة المفتوحة وتشديد الباء الموحدة الأولى عبد الله الأنصاري التابعي (أخبره أنه سمع أبا سعيد) سعد بن مالك الخدري الأنصاري -رضي الله عنه- (يحدّث أنه كان غائبًا) في سفر (فقدم) منه (فقدم إليه لحم) بفتح القاف في الأولى وتخفيف الدال وضمها والتخفيف في الثانية أي وضع بين يديه لحم (قال: وهذا) ولأبي ذر قالوا هذا (من لحم ضحايانا. فقال) لهم: (أخروه لا أذوقه) لا آكل منه وعند أحمد أن امرأته قالت له: إنه رخص فيه (قال) أبو سعيد (ثم قمت فخرجت) من البيت (حتى آتي) بفتح الهمزة ممدودة وكسر الفوقية (أخي أبا قتادة) وصوابه أخي قتادة وهو ابن النعمان الظفري (وكان أخاه لأمه) أنيسة ابنة أبي خارجة عمرو بن قيس بن مالك من بني عدي بن النجار (وكان بدريًا فذكرت ذلك له فقال) لي: (إنه قد حدث بعدك أمر) ناقض لحرمة أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام. ورجال هذا الحديث مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين: يحيى والقاسم وشيخه، وصحابيان أبو سعيد وقتادة. 5569 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ، فَلاَ يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ، وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ». فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا العَامَ الْمَاضِي قَالَ: «كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا». وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل (عن يزيد بن أبي عبيد) بضم العين (عن سلمة بن الأكوع) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من ضحى منكم فلا يصبحن) بالصاد المهملة الساكنة والموحدة المكسورة (بعد ثالثة) من الليالي من وقت التضحية (وفي بيته) ولأبي ذر وبقي في بيته (منه) من الذي ضحى به (شيء) من لحمه (فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله نفعل كما فعلنا العام الماضي) من ترك الادخار قال ابن المنير: وكأنهم فهموا أن النهي ذلك العام كان على سبب خاص وهو الرأفة، وإذا ورد العام على سبب خاص حاك في النفس من عمومه وخصوصه إشكال فلما كان مظنة الاختصاص عاودوا السؤال فبين لهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه خاص بذلك السبب ويشبه أن يستدل بهذا من يقول إن العام يضعف عمومه بالسبب فلا يبقى على أصالته ولا ينتهي به إلى التخصيص، ألا ترى أنهم لو اعتقدوا بقاء العموم على أصالته لما سألوا ولو اعتقدوا الخصوص أيضًا لما سألوا فسؤالهم يدل على أنه ذو شأنين، وهذا اختيار الإمام

الجويني (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهم: (كلوا وأطعموا) بهمزة قطع وكسر العين المهملة (وادخروا) بالدال المهملة المشدّدة (فإن ذلك العام) الواقع فيه النهي (كان بالناس جهد) بفتح الجيم أي مشقة (فأردت أن تعينوا) الفقراء (فيها) للمشقة المفهومة من الجهد والأمر في قوله: كلوا وأطعموا للإباحة. وهذا الحديث ثالث عشر من ثلاثيات البخاري. 5570 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: الضَّحِيَّةُ، كُنَّا نُمَلِّحُ مِنْهُ فَنَقْدَمُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ: «لاَ تَأْكُلُوا إِلاَّ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ». وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ. وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال: حدّثني) بالإفراد (أخي) أبو بكر عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمرة بنت عبد الرحمن) بفتح العين وسكون الميم (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: الضحية) بفتح الضاد المعجمة وكسر الحاء المهملة (كنا نملح) بضم النون وتشديد اللام مكسورة (منه) من لحم الضحية ولأبي ذر عن الكشميهني منها (فنقدم) بفتح النون وسكون القاف (به) باللحم المملوح (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا تأكلوا) منه (إلا ثلاثة أيام) من يوم ذبحه قالت عائشة: (وليست بعزيمة) أي ليس النهي للتحريم ولا ترك إلى بعد الثلاث واجبًا (ولكن أراد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن يطعم) الأغنياء المحتاجين (منه والله أعلم) بمراد نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا الحديث من أفراده. 5571 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ أَنَّهُ شَهِدَ الْعِيدَ يَوْمَ الأَضْحَى مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ نَهَاكُمْ عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ الْعِيدَيْنِ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَيَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَأَمَّا الآخَرُ فَيَوْمٌ تَأْكُلُونَ نُسُكَكُمْ. وبه قال: (حدّثنا حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة أبو محمد السلمي المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (قال: أخبرني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو عبيد) بضم العين سعد بن عبيد (مولى ابن أزهر) عبد الرحمن ابن أخي عبد الرحمن بن عوف (أنه شهد العيد يوم الأضحى مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فصلى قبل الخطبة) صلاة العيد (ثم خطب الناس فقال) في خطبته (يا أيها الناس إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد نهاكم عن صيام هذين العيدين أما أحدهما فيوم فطركم من صيامكم) رمضان (وأما الآخر فيوم تأكلون) فيه (نسككم) بضم النون والسين أضحيتكم، ولأبي ذر: من نسككم فزاد حرف الجر. 5572 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ شَهِدْتُ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدِ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِيهِ عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي فَلْيَنْتَظِرْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ. (قال أبو عبيد) مولى ابن أزهر بالسند السابق (ثم شهدت مع) ولأبي ذر: شهدت العيد مع (عثمان بن عفان) واللام في العيد للعهد (فكان) بالفاء ولأبي ذر وابن عساكر: وكان (ذلك يوم الجمعة فصلى قبل الخطبة ثم خطب فقال: يا أيها الناس إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان) يوم الأضحى ويوم الجمعة (فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر) ها حتى يصلّيها (ومن أحب أن يرجع) إلى منزله من العوالي (فقد أذنت له) ليس فيه التصريح بعدم العود إلى المسجد لصلاة الجمعة حتى يستدل به على سقوطها عمن صلى العيد إذا وافق العيد يوم الجمعة نعم يحتمل أنهم لم يكونوا ممن تجب عليهم الجمعة لبعد منازلهم عن الجمعة. 5573 - قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: ثُمَّ شَهِدْتُهُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَاكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا لُحُومَ نُسُكِكُمْ فَوْقَ ثَلاَثٍ. وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ نَحْوَهُ. (قال أبو عبيد) بالسند السابق أيضًا (ثم شهدته) أي عيد الأضحى (مع علي بن أبي طالب) -رضي الله عنه- (فصلى قبل الخطبة ثم خطب الناس فقال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهاكم أن تأكلوا لحوم نسككم فوق ثلاث) زاد عبد الرزاق فلا تأكلوها بعدها. (وعن معمر) هو ابن راشد بالسن السابق (عن الزهري عن أبي عبيد نحوه) ورواه إمامنا الشافعي في الأم بلفظ نهاكم أن تأكلوا من لحوم نسككم فوق ثلاث، وقد حكى البيهقي عن الشافعي أن النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث كان في الأصل للتنزيه قال: وهو كالأمر في قوله تعالى: {فكلوا منها وأطعموا القانع} [الحج: 36] وحكاه الرافعي عن أبي علي الطبري احتمالًا. قال المهلب: إنه الصحيح لقول عائشة وليس بعزيمة والله أعلم. وقال الرافعي: لا يحرم اليوم بحال، وتبعه النووي في شرح المهذّب، وحكي في شرح مسلم عن الجمهور أنه من نسخ السنة بالسنة قال: والصحيح نسخ النهي مطلقًا وأنه لم يبق تحريم ولا كراهة. 5574 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُوا مِنَ الأَضَاحِيِّ ثَلاَثًا». وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَأْكُلُ بِالزَّيْتِ حِينَ يَنْفِرُ مِنْ مِنًى مِنْ أَجْلِ لُحُومِ الْهَدْيِ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد (محمد بن

74 - كتاب الأشربة

عبد الرحيم) المعروف بصاعقة قال: (أخبرنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري أبو يوسف (عن ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله بن مسلم (عن عمه ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن سالم عن) أبي (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه قال: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كلوا من الأضاحي ثلاثًا) أي ثلاثة أيام (وكان عبد الله يأكل) الخبز (بالزيت حين ينفر) بكسر الفاء (من منى من أجل لحوم الهدي) احترازًا عنها ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني حتى ينفر بدل قوله حين وهو تصحيف إذ هو يفسد المعنى، لأن المراد أنه كان لا يأكل من لحم الأضحية بعد ثلاث منى، بل يأتدم بالزيت تمسكًا بالأمر وهذا إما أن يكون منسوخًا أو محمولًا على أنه لم يبلغه الإذن بعد النهي. وهذا الحديث من أفراده. بسم الله الرحمن الرحيم 74 - كتاب الأشربة (بسم الله الرحمن الرحيم). (كتاب الأشربة) جمع شراب كأطعمة وطعام واسم لما يشرب وليس مصدرًا لأن المصدر وهو الشرب بتثليث الشين. 1 - باب وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (باب قول الله تعالى): بالخفض على العطف وبالرفع على الاستئناف ({وإنما الخمر}) وهو المعتصر من العنب إذا غلى وقذف بالزبد ويطلق على ما غلى وقذف بالزبد من غير ماء العنب مجازًا وفي تسميتها خمرًا أربعة لأنها تخمر العقل أي تستره أو لأنها تغطى حتى تدرك وتشتدّ أو من المخالطة لأنها تخامر العقل أي تخالطه أو من الترك لأنها تترك حتى تدرك ومنه اختمر العجين أي بلغ إدراكه ({والميسر}) القمار مفعل من اليسر وهو السهولة لأن أخذه سهل من غير كد ({والأنصاب}) الأصنام لأنها تنصب فتعبد ({والأَزْلامُ}) القداح كانوا إذا أرادوا أمرًا عمدوا إلى قداح ثلاثة. مكتوب على واحد منها أمرني ربي، وعلى الآخر نهاني ربي، والثالث غفل فإن خرج الأمر مضى لحاجته وإن خرج النهي أمسك وإن خرج الغفل أعاده ({رجس}) خبر عن المذكورات. واستشكل من حيث أخبر عن جمع بمفرد، وأجاب الزمخشري بأنه على حذف مضاف أي إنما شأن الخمر وكذا وكذا. قال أبو حيان: ولا حاجة إلى هذا بل الحكم على هذه الأربعة أنفسها أنها رجس أبلغ من تقدير هذا المضاف كقوله: {إنما المشركون نجس} [التوبة: 28] والرجس الشيء القذر أو النجس أو الخبيث ({من عمر الشيطان}) في موضع رفع صفة لرجس ولما كان يحمل على فعل ما ذكر كان كأنه عمله والضمير في ({فاجتنبوه}) يعود إلى الرجس أو إلى عمل الشيطان أو إلى المذكور أو إلى المضاف المحذوف كأنه قيل: إنما تعاطي الخمر والميسر ({لعلكم تفلحون}) [المائدة: 90] أكد تحريم الخمر والميسر من وجوه حيث صدر الجملة بإنما وقرنها بعبادة الأصنام ومنه الحديث شارب الخمر كعابد الوثن وجعلهما رجسًا من عمل الشيطان ولا يأتي منه إلا الشر البحت وأمر بالاجتناب وجعل الاجتناب من الفلاح وإذا كان الاجتناب فلاحًا كان الارتكاب خسارًا والأمر بالاجتناب للوجوب وما وجب اجتنابه حرم تناوله، وسقط لأبي ذر قوله: {من عمل الشيطان} إلى آخره وقال بعد قوله: {رجس} الآية. 5575 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) سقط لأبي ذر عبد الله (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها) من شربها (حرمها) بضم الحاء المهملة وكسر الراء مخففة من الحرمان أي حرم شربها (في الآخرة) ولمسلم من طريق أيوب عن نافع فمات وهو مدمنها لم يشربها في الآخرة وظاهره عدم دخوله الجنة ضرورة أن الخمر شراب أهلها، فإذا حرم شربها دل على أنه لا يدخلها ولأنه إن حرمها عقوبة له لزم وقوع الهمّ والحزن له والجنة لا همّ فيها ولا حزن، وحمله ابن عبد البر على أنه لا يدخلها ولا يشرب الخمر فيها إلا إن عفا الله عنه كما في بقية الكبائر وهو في المشيئة فالمعنى جزاؤه في الآخرة أن يحرمها لحرمانه دخول الجنة إلا إن عفا الله عنه وجائز أن يدخل الجنة بالعفو ثم لا يشرب فيها خمرًا ولا تشتهيها نفسه

وإن علم بوجوده فيها، ويدل له حديث أبي سعيد المروي عند الطيالسي وصححه ابن حبان مرفوعًا "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو". وفرّق بعضهم بين من يشربها مستحلاًّ لها ومن يشربها عالمًا بتحريمها، فالأوّل لا يشربها أبدًا لأنه لا يدخل الجنة، والثاني هو الذي اختلف فيه فقيل إنه يحرم شربها مدة ولو في حال تعذيبه إن عذب أو المعنى أن ذاك جزاؤه إن جوزي. وقال النووي: قيل يدخل الجنة ويحرم شربها فإنها من فاخر أشربة الجنة فيحرمها هذا العاصي لشربها في الدنيا قيل إنه ينسى شهوتها فيكون هذا نقصًا عظيمًا لحرمانه أشرف نعيم الجنة. وقال القرطبي: لا يبالي بعدم شربها ولا يحسد من يشربها فيكون حاله كحال أهل المنازل في الخفض والرفع فكما لا يشتهي منزلة مَن هو أرفع منه كذلك لا يشتهي الخمر في الجنة وليس ذلك بضار له. وفي الحديث من الفوائد أن التوبة تكفّر المعاصي. وقد أخرج الحديث مسلم في الأشربة والنسائي فيه وفي الوليمة. 5576 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا ثُمَّ أَخَذَ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ، وَلَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ. تَابَعَهُ مَعْمَرٌ وَابْنُ الْهَادِ وَعُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ وَالزُّبَيْدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتي) بضم الهمزة (ليلة أسري به) بضم الهمزة أيضًا (بإيلياء) بكسر الهمزة وسكون التحتية وكسر اللام وفتح التحتية الخفيفة بعدها همزة ممدودًا مدينة بيت المقدس (بقدحين من خمر ولبن فنظر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إليهما ثم أخذ اللبن فقال) له: (جبريل) عليه السلام: (الحمد لله الذي هداك للفطرة) أي فطرة الإسلام والاستقامة (ولو): ضَبّب على الواو الأولى من قوله (ولو)، ابن عساكر (أخذت الخمر غوت) ضلت (أمتك). قال في المصابيح: لا يفهم من عدوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن إناء الخمر حينئذٍ أن الخمر كانت محرمة، فإن حديث الإسراء كان بمكة وتحريم الخمر بالمدينة، وإنما تفرس فيها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها ستحرم فتركها من ذلك الوقت وعدل عنها، ولو كانت محرمة حينئذٍ لم يتصوّر أن يخير بين مباح وحرام لكن قد يقال: إذا كانت مباحة فهي حينئذٍ متساوية لكن الرجحان مناف للإباحة. قال ابن المنير: لا إشكال في افتراق مباحين مشتركين في أصل الإباحة. أحدهما تستمر إباحته والآخر تنقطع. قال الدماميني: فيه نظر إذ هما في حال الإباحة سواء وبعد تحريم أحدهما افترقا فافتراقهما في حال انقطاع إباحة أحدهما لا يقتضي افتراقهما حال ثبوت الإباحة وعدم انقطاعها، وقال الحافظ أبو الفضل بن حجر: ويحتمل أن يكون -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفر منها لكونه لم يعتد شربها فوافق بطبعه ما سيقع من تحريمها بعد حفظًا من الله له ورعاية واختار اللبن لكونه مألوفًا طيبًا طاهرًا سائغًا للشاربين سليم العاقبة بخلاف الخمر في جميع ما ذكر. (تابعه) أي تابع شعيبًا في روايته عن الزهري (معمر) هو ابن راشد فيما وصله المؤلّف في قصة موسى من أحاديث الأنبياء (وابن الهاد) هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهادي الليثي فيما وصله النسائي من طريق الليث عنه عن عبد الوهاب بن بخت عن ابن شهاب (وعثمان بن عمر) بضم العين ابن موسى بن عبيد الله بن معمر التيمي فيما وصله تمام الرازي في فوائده من طريق إبراهيم بن المنذر عن عثمان بن عمر (والزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة وبالدال المهملة المكسورة محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل الشامي الحمصي فيما وصله النسائي من طريق محمد بن حرب عنه أربعتهم (عن الزهري) بسنده لكن ليس في موصول معمر ذكر إيلياء وفيه: اشرب أيهما شئت وكذا رواية الزبيدي. 5577 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثًا لاَ يُحَدِّثُكُمْ بِهِ غَيْرِي، قَالَ: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَقِلَّ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَتُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمُهُنَّ رَجُلٌ وَاحِدٌ». وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر وابن عساكر: سمعت رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثًا لا

2 - باب الخمر من العنب

يحدّثكم به) أحد (غيري) يحتمل أنه كان يعلم أنه لم يسمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا من كان قد مات فانفرد هو بذلك، وقد سبق في العلم أنه قال: ذلك لأهل البصرة فإنه كان آخر من مات بها من الصحابة (قال): (من أشراط الساعة) أي من علاماتها (أن يظهر الجهل ويقل العلم) بموت أكثر العلماء وبذلك يظهر الجهل (ويظهر الزنا) بالقصر على لغة الحجاز (وتشرب الخمر) ظاهرًا علانية وتشرب بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر عن المستملي وشرب الخمر بإسقاط الفوقية وضم الشين المعجمة وسكون الراء مضافًا للخمر قال ابن حجر، ورواية الجماعة أولى للمشاكلة (ويقل الرجال) لكثرة الحروب والقتال (وتكثر النساء حتى) أي إلى أن (يكون لخمسين) ولابن عساكر خمسين بإسقاط اللام ولأبي ذر عن الكشميهني حتى يقوم خمسون (امرأة قيمهن) الذي يقوم عليهن (رجل واحد). وهذا الحديث سبق في كتاب العلم. 5578 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَابْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولاَنِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَزْنِي حِينَ يَزْنِي وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ»، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُحَدِّثُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ يَقُولُ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُلْحِقُ مَعَهُنَّ وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ أَبْصَارَهُمْ فِيهَا حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله (قال: أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (وابن المسيب) بفتح التحتية المشددة سعيدًا (يقولان، قال أبو هريرة رضي الله عنه: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يزني حين يزني وهو مؤمن) كامل بحذف الفاعل أي لا يزني الزاني كما في الرواية الأخرى في المظالم وهي هنا رواية ابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني واستدلّ به ابن مالك على جواز حذف الفاعل وفيه كلام سبق في المظالم ويأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الحدود (ولا يشرب الخمر) شاربها (حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن) قال المظهري: أي لا يكون كاملًا في الإيمان حال كونه زانيًا أو لفظه لفظ الخبر ومعناه النهي، والوجه الأول أوجه وحمله الخطابي على المستحل. وقال شارح المشكاة: يمكن أن يقال المراد بالإيمان المنفي الحياء كما روي: إن الحياء شعبة من الإيمان أي لا يزني الزاني حين يزني وهو يستحي من الله تعالى لأنه لو استحيا من الله تعالى واعتقد أنه حاضر شاهد بحاله لم يرتكب هذا الفعل الشنيع ويحتمل أن يكون من باب التغليظ والتشديد كقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا ومن كفر} [آل عمران: 97] يعني هذه الخصال ليست من خصال المؤمنين لأنها منافية لحالهم، فلا ينبغي أن يتصفوا بها بل هي من أوصاف الكافرين وينصره قول الحسن وأبي جعفر الطبري أن المعنى ينزع منه اسم المدح الذي يسمى به أولياؤه المؤمنون ويستحق اسم الذم فيقال: زان وسارق. (قال ابن شهاب) الزهري بالسند السابق: (وأخبرني) بالإفراد (عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن) أبا عبد الملك المذكور (أبا بكر كان يحدّثه عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (ثم يقول: كان أبو بكر) هو ابن عبد الرحمن المذكور (يلحق) بضم التحتية وسكون اللام وكسر المهملة بعدها قاف يزيد في حديث أبي هريرة (معهن) مع المذكورات الزنا وشرب الخمر والسرقة (ولا ينتهب) الناهب من مال الغير قهرًا (نهبة) بضم النون وسكون الهاء (ذات شرف) قدر خطير والنهبة بالفتح المصدر وبالضم المال الذي انتهبه الجيش (يرفع الناس إليه) إلى الناهب (أبصارهم فيها) في تلك النهبة (حين ينتهبها وهو مؤمن) إذ هو ظلم عظيم لا يليق بحال المؤمن. 2 - باب الْخَمْرُ مِنَ الْعِنَبِ هذا (باب) بالتنوين (الخمر) وفي نسخة: أن الخمر (من العنب). 5579 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ هُوَ ابْنُ مِغْوَلٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَقَدْ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْءٌ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (الحسن بن صباح) بالصاد المهملة والموحدة المشددة آخره حاء مهملة البزار بالزاي ثم الراء الواسطي قال: (حدّثنا محمد بن سابق) الكوفي نزيل بغداد من شيوخ البخاري روي عنه بالواسطة قال: (حدّثنا مالك هو ابن مغول) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الواو بعدها لام البجلي بالموحدة والجيم المفتوحتين (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لقد حرمت الخمر)

3 - باب نزل تحريم الخمر وهي من البسر والتمر

المأخوذة من العنب (وما بالمدينة منها شيء) لقلة الأعناب ونفي ابن عمر محمول على ما علم أو على المبالغة من أجل قلتها يومئذ بالمدينة فأطلق النفي كما يقال فلان ليس بشيء مبالغة. 5580 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: حُرِّمَتْ عَلَيْنَا الْخَمْرُ حِينَ حُرِّمَتْ، وَمَا نَجِدُ -يَعْنِي- بِالْمَدِينَةِ خَمْرَ الأَعْنَابِ إِلاَّ قَلِيلًا، وَعَامَّةُ خَمْرِنَا الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا أبو شهاب عبد ربه بن نافع) الحناط بالحاء المهملة والنون المشددة (عن يونس) بن عبيد البصري (عن ثابت البناني) بضم الموحدة نسبة إلى بنانة زوجة سعد بن لؤي بن غالب (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: حرمت علينا الخمر حين حرمت وما نجد يعني بالمدينة خمر الأعناب إلا قليلًا وعامة) أصل (خمرنا) أي النبيذ الذي سيصير خمرًا (البسر) بضم الموحدة وسكون المهملة (والتمر) وسقط قوله يعني بالمدينة لابن عساكر. 5581 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي حَيَّانَ حَدَّثَنَا عَامِرٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَامَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهْيَ مِنْ خَمْسَةٍ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ. وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن أبي حيان) بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية آخره نون يحيى بن سعيد التيمي الكوفي قال: (حدّثنا عامر) الشعبي (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قام عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (على المنبر) النبوي (فقال: أما بعد) تستعمل في الخطب وأوائل الكتب وقيل إنها فصل الخطاب المذكور في القرآن (نزل) القياس أن يكون جواب أما بعد بالفاء ولا تحذف بعدها في غير قول حذف معها نحو فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم أي فيقال لهم: أكفرتم إلا في ضرره شعر أو ندور كقوله عليه الصلاة والسلام "أما بعد ما بال رجال" (تحريم الخمر) تاسع شوّال سنة ثلاث أو أربع والخمر مصدر مضاف إلى مفعوله (وهي) أي والحال أنها (من خمسة العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير) العنب وما عطف عليه بدل من قوله خمسة وكان نزول تحريم الخمر مما وافق عمر فيه حكم ربه جل وعلا كما رواه أكو داود والنسائي عنه. (والخمر ما خامر العقل) أي غطاه وهو مجاز من باب تشبيه المعنوي بالمحسوس والعقل هو آلة التمييز فلذلك يحرم ما يغطيه ويستره إذ بذاك يزول الإدراك المطلوب من العباد ليقوموا بحقوقه تعالى. 3 - باب نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهْيَ مِنَ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ هذا (باب) بالتنوين (نزل تحريم الخمر وهي) أي والحال أن الخمر كان يصنع (من البسر والتمر) وإطلاق الخمر على غير ما اتخذ من العنب مجاز وقيل هو حقيقة لظاهر الأحاديث، وفي مسلم من حديث ابن عمر مرفوعًا "كل مسكر خمر وكل مسكر حرام" وفي رواية: "كل مسكر خمر وكل خمر حرام". 5582 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ وَأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ مِنْ فَضِيخِ زَهْوٍ وَتَمْرٍ فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ. فَقَالَ: أَبُو طَلْحَةَ قُمْ يَا أَنَسُ فَأَهْرِقْهَا، فَأَهْرَقْتُهَا. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) وكنية عبد الله أبو أويس بن عبد الله بن أبي أويس بن أبي عامر الأصبحي حليف عثمان بن عبيد الله أخي طلحة بن عبيد الله التيمي القرشي وهو ابن أخت مالك بن أنس الإمام وصهره على ابنته (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك بن أنس) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن) عمه (أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت أسقي أبا عبيدة) عامر بن الجراح أحد العشرة (وأبا طلحة) زيد بن سهل الأنصاري زوج أم أنس (وأبي بن كعب) سيد القراء وكبير الأنصار وعالمهم (من) خمر متخذ من (فضيخ زهو) بفتح الفاء وكسر الضاد المعجمة وبعد التحتية الساكنة خاء معجمة من الفضخ وهو الشدخ وزهو بفتح الزاي وسكون الهاء بعدها واو أي مشدوخ بسر صب عليه ماء وترك حتى يغلي يؤخذ من بسر (وتمر) كليهما وظاهر هذا يؤيد هذا القول الأخير وعند مسلم من طريق قتادة عن أنس أسقيهم من مزادة فيها خليط بسر وتمر، وزاد حميد عن أنس عند الإمام أحمد بعد قوله أسقيهم حتى كان الشراب يأخذ فيهم، ولابن أبي عاصم حتى مالت رؤوسهم (فجاءهم آت) لم أعرف اسمه (فقال: إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة) زوج أم أنس: (قم يا أنس فأهرقها فأهرقتها) أي فصبها فصببتها ولأبي ذر فهرقها فهرقتها بإسقاط الهمزة فيهما وفتح الهاء وكسر الراء في الأول وفتحها في الثاني والأصل أرقها فأبدلت الهمزة هاء وتستعمل بالهمزة والهاء معًا وهو نادر. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في خبر الواحد ومسلم في الأشربة.

4 - باب الخمر من العسل، وهو البتع

5583 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا عَلَى الْحَيِّ أَسْقِيهِمْ عُمُومَتِي وَأَنَا أَصْغَرُهُمُ، الْفَضِيخَ، فَقِيلَ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، فَقَالُوا: أَكْفِئْهَا، فَكَفَأْنَا. قُلْتُ لأَنَسٍ: مَا شَرَابُهُمْ؟ قَالَ: رُطَبٌ وَبُسْرٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنَسٍ: وَكَانَتْ خَمْرَهُمْ. فَلَمْ يُنْكِرْ أَنَسٌ. وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَتْ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري الحافظ قال: (حدّثنا معتمر عن أبيه) سليمان بن طرخان البصري أنه (قال: سمعت أنسًا) -رضي الله عنه- (قال: كنت قائمًا على الحي) واحد أحياء العرب (أسقيهم عمومتي) جمع عم، ولمسلم إني لقائم على الحي على عمومتي أسقيهم (وأنا أصغرهم الفضيخ) الخمر المتخذ من البسر المشدوخ (فقيل: حرمت الخمر. فقالوا: أكفئها) بفتح الهمزة في الفرع وأصله وفي غيرهما بكسرها وسكون الكاف وكسر الفاء بعدها همزة ساكنة (فكفأنا) بحذف ضمير المفعول ولأبي ذر فكفأتها بفوقية بعد الهمزة أي أرقها فارقتها قال سليمان بن طرخان: (قلت لأنس ما) كان (شرابهم؟ قال: رطب وبسر) أي خمر متخذ منهما (فقال أبو بكر بن أنس: وكانت) أي الفضيخ (خمرهم) زاد مسلم من هذا الوجه يومئذ (فلم ينكر أنس) مقالة ابنه أبي بكر وكأن أنسًا حينئذ لم يحدّثهم بهذه الزيادة نسيانًا أو اختصارًا فذكره ابنه أبو بكر بها فلم ينكرها. قال سليمان أيضًا بالسند السابق: (وحدّثني) بالإفراد (بعض أصحابي أنه سمع أنسًا) ولأبي ذر أنس بن مالك (يقول: كانت) خمر الفضيخ (خمرهم يومئذ) وأما المبهم في قوله بعض أصحابي فقال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون بكر بن عبد الله المزني فإن روايته آخر الباب تومئ إلى ذلك وأن يكون قتادة كما هو بعد أبواب من طريقه عن أنس بلفظ وإنا نعدّها يومئذ الخمر، وفيه: إن الخمر اسم جنس لكل ما يسكر سواء كانت من العنب أو غيره. 5584 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا يُوسُفُ أَبُو مَعْشَرٍ الْبَرَّاءُ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ الْخَمْرَ حُرِّمَتْ وَالْخَمْرُ يَوْمَئِذٍ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن أبي بكر المقدمي) بفتح الدال المهملة المشدّدة قال: (حدّثنا يوسف أبو معشر) هو ابن زيد (البراء) بفتح الموحدة والراء المشدّدة ممدودًا كان يبري السهام بصري ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الطب (قال: سمعت سعيد بن عبيد الله) بضم العين ابن جبير بضم الجيم وفتح الموحدة ابن حيّة بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية (قال: حدّثني) بالإفراد (بكر بن عبد الله) بسكون الكاف المزني البصري (أن أنس بن مالك حدّثهم أن الخمر حرّمت) بضم الحاء مبنيًّا للمفعول (والخمر يومئذ) الواو للحال أي والحال أن الخمر يوم التحريم (البسر والتمر) أي متخذة منهما كذا أطلق الجمهور على جمع الأنبذة خمرًا وهو حقيقة في الجميع سواء كان من عنب أو غيره ومن قال إنه حقيقة في ماء العنب مجاز في غيره يلزمه جواز استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه والكوفيون لا يقولون بذلك من حيث الشرع. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في الطب. 4 - باب الْخَمْرُ مِنَ الْعَسَلِ، وَهْوَ الْبِتْعُ وَقَالَ مَعْنٌ: سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنِ الْفُقَّاعِ فَقَالَ: إِذَا لَمْ يُسْكِرْ فَلاَ بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الدَّرَاوَرْدِيِّ سَأَلْنَا عَنْهُ فَقَالُوا: لاَ يُسْكِرُ لاَ بَأْسَ بِهِ. هذا (باب) بالتنوين (الخمر) يتخذ (من العسل وهو البتع) بكسر الموحدة وتفتح وسكون الفوقية وقد تحرّك آخره عين مهملة لغة يمانية. (وقال معن): بفتح الميم وسكون العين ابن عيسى القزاز بالقاف وتشديد الزاي الأولى مما ذكره في الموطأ عن مالك (سألت مالك بن أنس) الإمام (عن الفقاع) بضم الفاء وتشديد القاف آخره عين مهملة الشراب المعروف المتخذ من الزبيب ما حكم شربه (فقال) مجيبًا له (إذا لم يسكر فلا بأس به) ومفهومه إذا أسكر حرم (وقال ابن الدراوردي) عبد العزيز بن محمد: (سألنا عنه) أي عن الفقاع أيجوز شربه أم لا؟ قال الحافظ ابن حجر: ولم أعرف الذين سألهم ابن الدراوردي، لكن الظاهر أنهم فقهاء المدينة في زمنه وهو قد شارك مالكًا في لقاء أكثر مشايحه المدنيين (فقالوا): إذا كان (لا يسكر لا بأس به). 5585 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْبِتْعِ فَقَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهْوَ حَرَامٌ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن عائشة) -رضي الله عنها- (قالت: سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر عن عائشة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سئل (عن البتع) عن حكم جنسه لا عن مقداره وكان أهل المدينة يشربونه قال في الفتح: ولم أقف على اسم السائل صريحًا، لكني أظنه أبا موسى الأشعري لما في المغازي عن أبي موسى أنه -صَلَّى اللَّهُ

5 - باب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل من الشراب

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثه إلى اليمن فسأل عن أشربة تصنع بها فقال: ما هي؟ قال: البتع والمزر (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كل شراب أسكر فهو حرام) ولو لم يسكر المتناول بالقدر الذي تناوله منه، وعند أبي داود والنسائي وصححه ابن حبان عن جابر قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما أسكر كثيره فقليله حرام". وفي ذلك جواز القياس باطّراد العلة وعلى هذا فيحرم جميع الأنبذة المسكرة، وبذلك قال الشافعية والمالكية والحنابلة والجمهور، وقال أبو المظفر السمعاني: وقياس النبيذ على الخمر بعلة الإسكار والإطراب من أجلى الأقيسة وأوضحها والمفاسد التي في الخمر توجد في النبيذ، وقال الحنفية: نقيع التمر والزبيب وغيرهما من الأنبذة إذا غلى واشتدّ حرم ولا يحدّ شاربه حتى يسكر ولا يكفر مستحله، وأما الذي من ماء العنب فحرام ويكفر مستحله لثبوت حرمته بدليل قطعي ويحدّ شاربه، وقد ثبتت الأخبار عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تحريم المسكر، وقد قال عبد الله بن المبارك: لا يصح في حلّ النبيذ الذي يسكر كثيره عن الصحابة ولا عن التابعين شيء إلا عن إبراهيم النخعي ويدخل في قوله: كل مسكر حرام حشيشة الفقراء وغيرها وقد جزم النووي وغيره بأنها مسكرة وفي معنى شرب الخمر أكله بأن كان ثخينًا أو أكله بخبز أو طبخ به لحمًا أو أكل مرقه فخرج به أكل اللحم المطبوخ به لذهاب العين منه وكذا الاحتقان به والاستعاط. 5586 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْبِتْعِ وَهْوَ نَبِيذُ الْعَسَلِ، وَكَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَشْرَبُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهْوَ حَرَامٌ». وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَنْتَبِذُوا فِي الدُّبَّاءِ وَلاَ فِي الْمُزَفَّتِ» وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُلْحِقُ مَعَهَا الْحَنْتَمَ وَالنَّقِيرَ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سئل رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن البتع وهو نبيذ العسل) بالذال المعجمة ولأبي ذر عن الكشميهني وهو شراب العسل (وكان أهل اليمن يشربونه فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كل شراب أسكر فهو حرام) وقد ورد لفظ هذا ومعناه من طرق عن أكثر من ثلاثين من الصحابة مضمونها أن المسكر لا يحل تناوله ويكفي ذلك في الرد على المخالف، وأما ما احتجوا به من حديث ابن عباس عند النسائي برجال ثقات مرفوعًا: "حرمت الخمر قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب". فاختلف في وصله وانقطاعه وفي رفعه ووقفه وعلى تقدير صحته، فقد رجح الإمام أحمد وغيره أن الرواية فيه لفظ والمسكر بلفظ الميم وسكون السين لا السكر بضم السين أو بفتحتين وعلى تقدير ثبوتها فهو حديث فرد ولفظه محقل فكيف يعارض عموم تلك الأحاديث مع صحتها وكثرتها. (وعن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب بالإسناد السابق أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- وسقط ابن مالك لأبي ذر (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تنتبذوا في الدباء ولا في المزفت) قال الزهري (وكان أبو هريرة يلحق معهما الحنتم) بالحاء المهملة والمثناة الفوقية (والنفير) عند مسلم من طريق زاذان قال: سألت ابن عمر عن الأوعية فقلت أخبرناه بلغتكم وفسره لنا بلغتنا فقال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الحنتمة وهي الجرة، وعن الدباء وهي القرعة، وعن النقير وهي أصل النخلة تنقر، وعن المزفت وهو المقير، وليس المراد أن أبا هريرة يلحق الحنتم والنقير من قبل نفسه وأنه رأي رآه بل المراد أنه يلحقهما في روايته عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو مرفوع. 5 - باب مَا جَاءَ فِي أَنَّ الْخَمْرَ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ مِنَ الشَّرَابِ (باب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل من الشراب). 5588 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهْيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالْعَسَلِ. وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ وَثَلاَثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يُفَارِقْنَا حَتَّى يَعْهَدَ إِلَيْنَا عَهْدًا: الْجَدُّ، وَالْكَلاَلَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا، قَالَ قُلْتُ: يَا أَبَا عَمْرٍو، فَشَيْءٌ يُصْنَعُ بِالسِّنْدِ مِنَ الرُّزِّ؟ قَالَ: ذَاكَ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ قَالَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ. وَقَالَ حَجَّاجُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي حَيَّانَ مَكَانَ الْعِنَبِ الزَّبِيبَ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (أحمد بن أبي رجاء) بالجيم عبد الله بن أيوب أبو الوليد الحنفي الهروي قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن أبي حيان) بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية يحيى بن سعيد (التيمي عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال خطب عمر على منبر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بحضرة أكابر الصحابة (فقال) في خطبته: (إنه قد نزل تحريم الخمر) في قوله في آية المائدة: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر} [المائدة: 90] الآية. (وهي) أي نزل تحريم الخمر والحال أنها تصنع (من خمسة أشياء:

6 - باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه

العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل) ولم ينكر أحد عليه فله حكم الرفع لأنه خبر صحابي شهد التنزيل، وقد أخرج أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن حبان من وجهين عن الشعبي أن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إن الخمر من العصير والزبيب والتمر والحنطة والشعير والذرة" فهذا صريح في الرفع، وقوله: (والخمر) الذي حرمه الشارع هو (ما خامر العقل) أي ستره وكل ما يستره حرم تناوله لما يلزم عليه من فساد العبادة المطلوبة من العبد والجملة مستأنفة لا على لها وما موصولة مرفوعة على الخبر (وثلاث) من المسائل (وددت) بكسر المهملة الأولى وسكون الثانية تمنيت (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يفارقنا) من الدنيا (حتى يعهد إلينا عهدًا) يبين لنا حكمها لأنه أبعد من محذور الاجتهاد ولو كان مأجورًا عليه (الجد) هل يحجب الأخ أو يحجب به أو يقاسمه فاختلفوا فيه اختلافًا كثيرًا وقد روي أن عمر قضى فيه بقضايا مختلفة كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الفرائض بعون الله تعالى (والكلالة) بفتح الكاف واللام المخففة من لا ولد له ولا والد له أو بنو العم إلا باعد أو غير ذلك (وأبواب من أبواب الربا) أي ربا الفضل، لأن ربا النسيئة متفق عليه بينهم -رضي الله عنهم- ورفع الجد وتالييه بتقدير مبتدأ أي هي الجد. (قال) أبو حيان التيمي (قلت يا أبا عمرو) بفتح العين يعني عامر الشعبي ناداه بكنيته (فشيء يصنع بالسند) بكسر السين المهملة وسكون النون بلاد قرب الهند (من الرز) ولأبي ذر من الأرز بهمزة مضمومة وسكون الراء وقوله شيء مبتدأ لأنه تخصص بالصفة وهي قوله يصنع وخبره محذوف تقديره ما حكمه وثلاث فاعل بفعل محذوف أي همني ثلاث خصال، وسقطت العلامة في العدد لأنه عدد مؤنث ويجوز النصب على المفعول أي اذكر ثلاثًا (قال) الشعبي: (ذاك) الخمر المتخذ من الأرز (لم يكن على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو قال على عهد عمر) بضم العين أي زمنهما ولو كان لنهى عنه لأنه قد عمّ الأشربة كلها فقال: الخمر ما خامر العقل. والشك من الراوي. (وقال حجاج) بن منهال شيخ المؤلّف مما وصله عبد العزيز البغوي في مسنده (عن حماد) أي ابن أبي سلمة (عن أبي حيان) المذكور بهذا السند والمتن فذكر (مكان العنب) المذكور في الرواية السابقة (الزبيب) وليس فيه سؤال أبي حيان الأخير وجواب الشعبي. 5589 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ: الْخَمْرُ يُصْنَعُ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنَ الزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالْعَسَلِ. ً وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الله بن أبي السفر) سعيد الهمداني الكوفي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن ابن عمر عن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: الخمر تصنع) بالفوقية المضمومة وفي اليونينية بالتحتية (من خمسة: من الزبيب والتمر والحنطة والشعير والعسل) قال الخطابي: وإنما عدّ عمر هذه الخمسة المذكورة لاشتهار أسمائها في زمانه ولم تكن كلها توجد بالمدينة الوجود العام فإن الحنطة كانت بها عزيزة وكذا العسل، بل كان أعز فعدّ عمر ما عرف منها وجعل ما في معناها ما يتخذ من الأرز وغيره خمرًا إذ ربما يخامر العقل. 6 - باب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ وَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ (باب ما جاء) من الوعيد (فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه) ذكر الخمر باعتبار الشراب وإلاّ فالخمر مؤنث سماعي. 5590 - وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلاَبِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ وَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ، وَلَيَنْزِلَنَّ أَقْوَامٌ إِلَى جَنْبِ عَلَمٍ يَرُوحُ عَلَيْهِمْ بِسَارِحَةٍ لَهُمْ، يَأْتِيهِمْ لِحَاجَةٍ فَيَقُولُوا: ارْجِعْ إِلَيْنَا غَدًا فَيُبَيِّتُهُمُ اللَّهُ، وَيَضَعُ الْعَلَمَ، وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». (وقال هشام بن عمار): أبو الوليد السلمي الدمشقي المقرئ راوي قراءة ابن عامر من شيوخ البخاري وعبّر بالقول دون التحديث وغيره لأنه وقع له مذاكرة (حدّثنا صدقة بن خالد) الفرعي الأموي أبو العباس الدمشقي قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) الأزدي قال: (حدّثنا عطية بن قيس) الشامي (الكلاب) بكسر الكاف والموحدة التابعي قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن غنم) بفتح الغين المعجمة وسكون النون ابن كريب بن هانئ (الأشعري) مختلف في صحبته (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو عامر أو أبو مالك الأشعري) بالشك وعند أبي داود: حدّثني أبو مالك بغير شك والشك في اسم الصحابي لا يضر، وقال البخاري في تاريخه بعد أن

7 - باب الانتباذ في الأوعية والتور

رواه على الشك أيضًا وإنما يعرف عن أبي مالك الأشعري. واختلف في اسمه فقيل: عبد الله بن هانئ، وقيل: عبد الله بن وهب، وقيل: عبيد بن وهب سكن الشام وليس بعم أبي موسى الأشعري إذ ذاك قتل أيام حنين في الزمن النبوي وهذا بقي إلى زمن عبد الملك بن مروان (والله ما كذبني) بتخفيف المعجمة وهو مبالغة في كمال صدقه أنه (سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر)، بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء المفتوحة الفرج أي يستحلون الزنا، وحكى القاضي عياض تشديد الراء وهو كذلك في الفرع أيضًا والصواب كما في الفتح التخفيف (و) يستحلون (الحرير و) يستحلون (الخمر) شربًا أي يعتقدون حلّها أو هو مجاز عن الاسترسال في شربها كالاسترسال في الحلال (و) يستحلون (المعازف) بفتح الميم والعين المهملة وبعد الألف زاي مكسورة ففاء جمع معزفة آلات الملاهي أو هي الغناء وفي الصحاح هي آلات اللهو وقيل أصوات الملاهي، وقال في القاموس: والمعازف الملاهي كالعود والطنبور الواحد عزف أو معزف كمنبر ومكنسة والعازف اللاعب بها والمغني وفي حواشي الدمياطي أنها الدفوف وغيرها مما يضرب به، وعند الإمام أحمد وابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه من طريق مالك بن أبي مريم عن عبد الرحيم بن غنم عن أبي مالك الأشعري عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها تغدو عليهم القيان وتروح عليهم المعازف" (ولينزلن) بفتح اللام والتحتية وكسر الزاي (أقوام إلى جنب علم) بفتح الجيم وسكون النون وعلم بفتحتين جبل عال أو رأس جبل (يروح عليهم) أي الراعي (بسارحة لهم) بمهملتين بغنم تسرح بالغداة إلى رعيها وتروح أي ترجع بالعشي إلى مألفها (يأتيهم لحاجة). قال الحافظ ابن حجر: كذا فيه بحذف الفاعل. قال الكرماني التقدير الآتي أو الراعي أو المحتاج. قال الحافظ ابن حجر: وقع عند الإسماعيلي يأتيهم طالب حاجة قال: فتعين بعض المقدرات انتهى. قلت: وفي الفرع كأصله يعني الفقير لحاجة لكن على قوله يعني الفقير علامة السقوط لأبي ذر. (فيقولوا) ولأبي ذر فيقولون (ارجع إلينا غدًا فيبيتهم الله) من التبييت وهو هجوم العدوّ ليلًا والمراد يهلكهم الله ليلًا (ويضع العلم) أي يوقع الجبل عليهم فيهلكهم (ويمسخ آخرين) أي يجعل صور آخرين من لم يهلك من البيات المذكور (قردة وخنازير إلى يوم القيامة) أي إلى مثل صورها حقيقة كما وقع لبعض الأمم السابقة أو هو كناية عن تبدّل أخلاقهم والأول أليق بالسياق وفيه كما قال الخطابي بيان أن المسخ يكون في هذه الأمة لكن قال بعضهم: إن المراد مسخ القلوب. ومطابقة الجزء الأول من الترجمة للحديث ظاهرة وأما الجزء الثاني ففي حديث مالك بن أبي مريم المذكور: ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها كما هو عادة المؤلّف رحمه الله في الإشارة بالترجمة إلى حديث لم يكن على شرطه، وقال في الكواكب: أو لعل نظر المؤلّف إلى لفظ من أمتي إذ فيه دليل على أنهم استحلوها بالتأويل إذ لو لم يكن بالتأويل لكان كفرًا وخروجًا عن أمته لأن تحريم الخمر معلوم من الدين بالضرورة، وقيل: يحتمل أن يقال إن الاستحلال لم يقع بعد وسيقع وأن يقال: إنه مثل استحلال نكاح المتعة واستحلال بعض الأنبذة أي المسكرة انتهى. ورجال حديث الباب كلهم شاميون. 7 - باب الاِنْتِبَاذِ فِي الأَوْعِيَةِ وَالتَّوْرِ (باب) حكم (الانتباذ) أي اتخاذ النبيذ (في الأوعية والتور) بفتح المثناة الفوقية إناء من حجارة أو نحاس أو خشب أو قدح كبير كالقدر أو الطست وعطفه على سابقه من عطف الخاص على العام. 5591 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلًا يَقُولُ: أَتَى أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ فَدَعَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي عُرْسِهِ، فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ خَادِمَهُمْ وَهْيَ الْعَرُوسُ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْقَعْتُ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ فِي تَوْرٍ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني وسقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) الفارسي المدني نزيل الإسكندرية (عن أبي حازم) سلمة بن دينار أنه (قال: سمعت سهلًا) هو ابن سعد الأنصاري المدني آخر من مات بالمدينة من الصحابة (يقول: أتى) بفتح الهمزة والفوقية (أبو أسيد)

8 - باب ترخيص النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأوعية والظروف بعد النهي

بضم الهمزة وفتح المهملة مالك بن ربيعة (الساعدي) -رضي الله عنه- (فدعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في عرسه) بضم العين والراء في الفرع وأصله (فكانت امرأته) أم أسيد سلامة بنت وهب بن سلامة وقوله فكانت بالفاء ولأبي ذر وكانت امرأته (خادمهم) والخادم بغير فوقية يطلق على الذكر والأنثى (وهي العروس. قال): أي سهل (أتدرون ما سقت) بسكون المثناة الفوقية من غير تحتية أي المرأة، ولأبي ذر عن الكشميهني قالت أي المرأة: أتدرون ما سيقت (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ أنقعت) بسكون العين وضم الفوقية ولغير الكشميهني أنقعت أي قال سهل: أنقعت المرأة (له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تمرات من الليل في تور) زاد في الوليمة من حجارة أي لا من غيرها، وعند ابن أبي شيبة في رواية أشعث عن أبي الزبير عن جابر كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينبذ له في سقاء فإذا لم يكن سقاء ينبذ له في تور قال أشعث: والتور من لحاء الشجر. وعند مسلم عن عائشة: كنا ننبذ لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سقاء نوكئ أعلاه فيشربه عشاء وننبذه عشاء فيشربه غدوة، ولأبي داود من وجه آخر عن عائشة أنها كانت تنبذ للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غدوة فإذا كان من العشي تعشى فشرب على عشائه فإن فضل شيء صبته ثم ينبذ له بالليل، فإذا أصبح وتغدّى شرب على غدائه قالت: تغسل السقاء غدوة وعشية. وحديث الباب سبق في باب قيام المرأة على الرجال من كتاب النكاح. 8 - باب تَرْخِيصِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الأَوْعِيَةِ وَالظُّرُوفِ بَعْدَ النَّهْيِ (باب ترخيص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الانتباذ (في الأوعية والظروف بعد النهي) عن الانتباذ فيها وعطف الظروف على سابقها من عطف الخاص على العام. 5592 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الظُّرُوفِ فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: إِنَّهُ لاَ بُدَّ لَنَا مِنْهَا، قَالَ فَلاَ إِذًا. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عن جابر بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله أبو أحمد الزبيري) بضم الزاي نسبة إلى زبير أحد أجداده قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سالم) هو ابن أبي الجعد (عن جابر) الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) الانتباذ في (الظروف، فقالت الأنصار: إنه لا بدّ لنا منها) من الظروف (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إذا كان لا بدّ لكم منها (فلا) ينهى عن الانتباذ فيها (إذًا) فالنهي كان قد ورد على تقدير عدم الاحتياج، ويحتمل أن يكون الحكم في هذه المسألة مفوّضًا لرأيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو أوحي إليه في الحال بسرعة، وعند أبي يعلى وصححه ابن أبي حبان من حديث الأشج العصري أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لهم: "ما لي أرى وجوهكم قد تغيرت" قالوا: نحن بأرض وخمة وكنا نتخذ من هذه الأنبذة ما يقطع اللحمان في بطوننا فلما نهيتنا عن الظروف فذلك الذي ترى في وجوهنا فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إن الظروف لا تحل ولا تحرم ولكن كل مسكر حرام". (وقال لي خليفة) بن خياط شيخ المؤلف مما رواه عنه مذاكرة (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (يحيى بن سعيد) القطان قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة رافع الأشجعي الكوفي (عن جابر) أي الأنصاري -رضي الله عنه- (بهذا) الحديث المذكور، وقوله عن جابر ثابت لأبي ذر وابن عساكر. 0000 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِهَذَا وَقَالَ: فِيهِ لَمَّا نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الأَوْعِيَةِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (بهذا) الحديث السابق (وقال) أي سفيان (فيه لما نهى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) الانتباذ في (الأوعية). 5593 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الأَسْقِيَةِ قِيلَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَجِدُ سِقَاءً، فَرَخَّصَ لَهُمْ فِي الْجَرِّ غَيْرِ الْمُزَفَّتِ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني وسقط لأبي ذر ابن عبد الله قال: (حدّثنا سفيان) بن عينة (عن سليمان بن أبي مسلم الأحول عن مجاهد) هو ابن جبر (عن ابن عياض) بكسر العين وتخفيف التحتية عمرو بن الأسود أو قيس بن ثعلبة وقيل: غير ذلك ورجح الأول ابن عبد البر (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاصي (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) الانتباذ في (الأسقية) كذا

وقع في هذه الرواية والرواية الراجحة بلفظ الأوعية وعبد الله بن محمد عن سفيان السابقة وهي مؤخرة في رواية غير أبي ذر وابن عساكر عن هذا الحديث وهو الأليق لما فيه من الإشارة إلى ترجيح الأوعية، وهو الذي رواه أكثر أصحاب ابن عيينة عنه وحمل بعضهم رواية الأسقية على سقوط أداة الاستثناء من الراوي، والتقدير نهى عن الانتباذ إلا في الأسقية ولم ينه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الأسقية، وإنما نهى عن الظروف وأباح الانتباذ في الأسقية لأن الأسقية يتخللها الهواء من مسامها فلا يسرع إليها الفساد كإسراعه إلى غيرها من الجرار ونحوها مما نهى عن الانتباذ فيه، وأيضًا فالسقاء إذا نبذ فيه ثم ربط أمنت شدة الإسكار بما يشرب منه لأنه متى تغير وصار مسكرًا شق الجلد فما لم يشقه فهو غير مسكر بخلاف الأوعية لأنها قد يصير النبيذ فيها مسكرًا ولا يعلم به، ويجوز أن يكون قوله: نهى عن الأسقية أي عن الأوعية واختصاص اسم الأسقية بما يتخذ من الأدم إنما هو بالعرف فإطلاق السقاء على كل ما يستقى منه جائز وحينئذ فلا غلط في الرواية ولا سقط (قيل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس كل الناس يجد سقاء) أي وعاء وفي رواية زياد بن فياض أن قائل ذلك أعرابي (فرخص لهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الانتباذ (في الجرّ) بفتح الجيم وتشديد الراء جمع جرّة إناء يتخذ من فخار (غير المزفت) لأنه أسرع في التخمير. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأشربة وكذا أبو داود والنسائي وزاد في الوليمة. 5594 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري أو ابن عيينة أنه قال: (حدثني) بالإفراد (سليمان) بن مهران الأعمش (عن إبراهيم) بن يزيد (التيمي) العابد (عن الحارث بن سويد) التيمي أيضًا (عن علي -رضي الله عنه-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) الانتباذ في (الدباء) القرع (و) عن الانتباذ في (المزفت) من الجرار. 0000 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (عثمان) بن أبي شيبة قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن مهران عن علي بن أبي طالب (بهذا) الحديث السابق. 5595 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: قُلْتُ لِلأَسْوَدِ: هَلْ سَأَلْتَ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّا يُكْرَهُ أَنْ يُنْتَبَذَ فِيهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّا نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُنْتَبَذَ فِيهِ؟ قَالَتْ: نَهَانَا فِي ذَلِكَ أَهْلَ الْبَيْتِ، أَنْ نَنْتَبِذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ قُلْتُ: أَمَا ذَكَرْتِ الْجَرَّ وَالْحَنْتَمَ؟ قَالَ: إِنَّمَا أُحَدِّثُكَ مَا سَمِعْتُ، أَفَأُحَدِّثُ مَا لَمْ أَسْمَعْ. وبه قال (حدّثني) بالإفراد (عثمان) بن أبي شيبة قال: (حدثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي أنه قال: (قلت للأسود) بن يزيد (هل سألت عائشة أم المؤمنين) -رضي الله عنها- (عما يكره أن ينتبذ فيه)؟ من الأوعية (فقال) الأسود: (نعم) سألتها (قلت) لها: (يا أم المؤمنين عما) بألف بعد الميم المشددة ولأبي ذر عن الكشميهني عم بإسقاطها (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ينتبذ فيه)؟ من الأوعية (قالت: نهانا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في ذلك أهل البيت) بنصب أهل على الاختصاص أو على البدل من الضمير وثبت قوله في ذلك لغير أبي ذر ولابن عساكر نهينا بضم النون وكسر الهاء وتحتية ساكنة بدل الألف (أن ننتبذ في الدباء والمزفت) قال إبراهيم النخعي (قلت: أما) بالتخفيف (ذكرت الجر) بفتح الراء وكسر المثناة الفوقية في اليونينية وفي الفرع بسكون الراء ولعله سبق قلم (والحنتم) بفتح الحاء المهملة وسكون النون (قال) الأسود لإبراهيم: (إنما أحدثك ما سمعت) أي من عائشة (أحدث ما لم أسمع)؟ استفهام إنكاري سقطت منه الأداة، ولأبي ذر عن الكشميهني: أفأحدث؟ وله عن الحموي والمستملي أفنحدّث بنون الجمع بدل الهمزة، وعند الإسماعيلي أفأحدثك ما لم أسمع؟ وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأشربة وكذا النسائي فيه وفي الوليمة. 5596 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما- قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْجَرِّ الأَخْضَرِ، قُلْتُ: أَنَشْرَبُ فِي الأَبْيَضِ؟ قَالَ: "لاَ". وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد البصري قال: (حدّثنا الشيباني) بفتح الشين المعجمة سليمان بن أبي سليمان فيروز (قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى) علقمة الأسلمي (-رضي الله عنهما- قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) الانتباذ في (البحر الأخضر) وعند ابن أبي شيبة عن أنس إنها جرار مقيرة الأجواف يؤتى بها من

9 - باب نقيع التمر ما لم يسكر

مضر وزاد بعضهم عن عائشة أعناقها في جنوبها وعن عطاء متخذة من طين ودم وشعر قال: الشيباني (قلت) لعبد الله بن أبي أوفى (أنشرب في) البحر (الأبيض؟ قال) ابن أبي أوفى: (لا) تشربوا فيها لأن الحكم فيها كالأخضر وحينئذٍ فالوصف بالخضرة لا مفهوم له فذكرها لبيان الواقع لا للاحتراز والحكم منوط بالإسكار والآنية لا تحرم ولا تحلل. وهذا الحديث أخرجه النسائي في الأشربة أيضًا. 9 - باب نَقِيعِ التَّمْرِ مَا لَمْ يُسْكِرْ (باب) جواز شرب (نقيع التمر ما) وفي نسخة إذا (لم يسكر) فإن أسكر حرم. 5597 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ الساعدي أن أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِيَّ دَعَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعُرْسِهِ فَكَانَتِ امْرَأَتُهُ خَادِمَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَهْيَ الْعَرُوسُ فَقَالَتْ: مَا تَدْرُونَ مَا أَنْقَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ أَنْقَعْتُ لَهُ تَمَرَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ فِي تَوْرٍ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير الحافظ أبو زكريا المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن القاري) بالقاف والراء والتحتية المشددة نسبة إلى القارة قبيلة (عن أبي حازم) سلمة بن دينار أنه (قال: سمعت سهل بن سعد الساعدي) ثبت لفظ الساعدي لأبي ذر (أن أبا أسيد) بضم الهمزة وفتح السين المهملة مالك بن ربيعة (الساعدي دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعرسه) بضم العين وبالراء المهملتين (فكانت امرأته) أم أسيد سلامة (خادمهم) بغير فوقية بعد الميم (يومئذٍ وهي العروس فقالت) أم أسيد: (ما) ولأبي ذر عن الكشميهني هل (تدرون ما أنقعت) بسكون العين الرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ أنقعت له تمرات من الليل في تور) قال في الفتح: وتقييده في الترجمة بما لم يسكر مع أن الحديث لا تعرض فيه للسكر لا إثباتًا ولا نفيًا من جهة أن المدّة التي ذكرها سهل وهي من الليل إلى النهار لا يحصل فيها التغير جملة. وفي حديث ابن عباس عند مسلم كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينبذ له أوّل الليل فيشربه إذا أصبح يومه ذلك والليلة التي تجيء والغد والليلة الأخرى والغد إلى العصر فإن بقي شيء منها سقاه الخادم أو أمر به فصب. قال المظهري: وإنما لم يشربه لأنه كان رديئًا ولم يبلغ حدّ الإسكار فإذا بلغ صبه وهو يدل على جواز شرب المنبوذ ما لم يكن مسكرًا وعلى جواز أن يطعم السيد مملوكه طعامًا أسفل ويطعم هو أعلى ولا يخالف، هذا حديث عائشة ننبذه غدوة فيشربه عشيًا لأن الشرب في يوم لا يمنع من الزيادة أو لعل حديث عائشة كان في زمان الحر حيث يخشى فساده وحديث ابن عباس في زمان يؤمن فيه التغير بل الثلاث، وقال النووي: هو على اختلاف حالين إن ظهر فيه شدّة صبه وإن لم يظهر شدّة سقاه الخدم لئلا يكون فيه إضاعة مال وإنما تركه هو تنزهًا. وهذا الحديث قد مرّ قريبًا في باب الانتباذ. 10 - باب الْبَاذَقِ وَمَنْ نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ مِنَ الأَشْرِبَةِ، وَرَأَى عُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٌ شُرْبَ الطِّلاَءِ عَلَى الثُّلُثِ، وَشَرِبَ الْبَرَاءُ وَأَبُو جُحَيْفَةَ عَلَى النِّصْفِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اشْرَبِ الْعَصِيرَ مَا دَامَ طَرِيًّا، وَقَالَ عُمَرُ: وَجَدْتُ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ رِيحَ شَرَابٍ، وَأَنَا سَائِلٌ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ. (باب الباذق) بفتح الباء والمعجمة بينهما ألف وآخره قاف، وقال في القاموس: بكسر الذال وفتحها ما طبخ من عصير العنب أدنى طبخة فصار شديدًا، وقال الجواليقي: أصله باذه وهو أن يطبخ العصير حتى يصير مثل طلاء الإبل، وقال ابن قرقول: المطبوخ من عصير العنب إذا أسكر أو إذا طبخ بعد أن اشتد وقال في المحكم: هو من أسماء الخمر (و) ذكر (من نهى عن كل مسكر من الأشربة) لحديث كل مسكر حرام. (ورأى عمر) بن الخطاب مما أخرجه مالك في الموطأ (وأبو عبيدة) بن الجراح (ومعاذ) هو ابن جبل مما وصله عنهما أبو مسلم الكجي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة (شرب الطلاء) أي رأوا جواز شربه إذا طبخ فصار (على الثلث) وذهب ثلثاه وقد صرح بعضهم بأن المحذور منه السكر فمتى أسكر حرم. (وشرب البراء) بن عازب مما أخرجه ابن أبي شيبة (وأبو جحيفة) وهب بن عبد الله مما أخرجه ابن أبي شيبة أيضًا الطلاء إذا طبخ فصار (على النصف. وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله النسائي لرجل سأله عن العصير (اشرب العصير ما دام طريًّا) زاد النسائي قال: إني طبخت شرابًا وفي نفسي منه شيء قال: كنت شاربه قبل أن تطبخه قال: لا، قال: فإن النار لا تحل شيئًا قد حرم وهذا تقييد لما أطلق في الآثار الماضية وهو أن الذي يطبخ إنما هو العصير الطري قبل أن يتخمر أما لو صار خمرًا فطبخ فإن الطبخ لا يطهره ولا يحله إلا على رأي من يجيز تخليل الخمر والجمهور على خلافه: (وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه-

11 - باب من رأى أن لا يخلط البسر والتمر إذا كان مسكرا وأن لا يجعل إدامين في إدام

مما وصله مالك (وجت من عبيد الله) بضم العين ابن عمر بن الخطاب (ريح شراب) فزعم أنه شرب الطلاء (وأنا سائل عنه فإن كان يسكر جلدته) فسأل عنه فوجدته مسكرًا فجلده بعد أن أقر أو بالبينة. 5598 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْبَاذَقِ فَقَالَ: سَبَقَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَاذَقَ، فَمَا أَسْكَرَ فَهْوَ حَرَامٌ، قَالَ: الشَّرَابُ الْحَلاَلُ الطَّيِّبُ. قَالَ: لَيْسَ بَعْدَ الْحَلاَلِ الطَّيِّبِ إِلاَّ الْحَرَامُ الْخَبِيثُ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن أبي الجويرية) بضم الجيم مصغرًا حطان بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين وبعد الألف نون ابن خفاف بضم الخاء المعجمة وتخفيف الفاء الأولى الجرمي بالجيم والراء (قال: سألت ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن الباذق) قيل: وكان أول من صنعه وسماه بنو أمية لينقلوه عن اسم الخمر (فقال: سبق محمد الباذق) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (فما أسكر فهو حرام) والباذق بالنصب على المفعولية أي سبق حكمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتحريم الخمر تسميتهم إياها بالباذق حيث قال: "ما أسكر فهو حرام". فليس التحريم منوطًا بمجرد الاسم حتى يكون تغييره مغيرًا للحكم وإنما الاعتبار بالإسكار فإن وجد فالتحريم ثابت سواء سمي المسكر باسمه الذي كان أو غير إلى اسم آخر، وقال الحافظ أبو ذر مما رأيت في هامش اليونينية: إن الاسم حدث بعد الإسلام، ونقل في الفتح عن أبي الليث السمرقندي أنه قال: شارب المطبوخ إذا كان يسكر أعظم ذنبًا من شارب الخمر لأن شارب الخمر يشربها وهو يعلم أنه عاص بشربها وشارب المطبوخ يشرب المسكر ويراه حلالًا وقد قام الإجماع على أن قليل الخمر وكثيره حرام ومن استحل ما هو حرام بالإجماع كفر. (قال) أبو الجويرية الباذق هو (الشراب الحلال الطيب) لأنه عصير العنب الحلال الطيب (قال) ابن عباس اشرب الحلال الطيب فإنه (ليس بعد الحلال الطيب إلا الحرام الخبيث) حيث تغير عن حالته الأولى إلى الخمرية. 5599 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (عبد الله بن أبي شيبة) ولأبي ذر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب الحلواء) بفتح الحاء المهملة وبالمدّ ما دخلته الصنعة جامعًا بين الحلاوة والدسومة (والعسل) قال الخطابي: وليس حبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهما على معنى كثرة التشهي لهما وإنما إنه إذا قدّما نال منهما نيلًا صالحًا. وقال في الكواكب: ومناسبة الحديث للباب، بيان أن العصير المطبوخ إذا لم يكن مسكرًا فهو حلال كما أن الحلواء تطبخ وتنعقد والعسل يمزج بالماء فيشرب في ساعته ولا شك في طيبه وحله. وهذا الحديث سبق في باب الحلواء والعسل من الأطعمة. 11 - باب مَنْ رَأَى أَنْ لاَ يَخْلِطَ الْبُسْرَ وَالتَّمْرَ إِذَا كَانَ مُسْكِرًا وَأَنْ لاَ يَجْعَلَ إِدَامَيْنِ فِي إِدَامٍ (باب مَن رأى أن لا يخلط) بفتح التحتية وكسر اللام (البسر والتمر) بالنصب على المفعولية (إذا كان) خلطهما (مسكرًا) قال ابن بطال: قوله إذا كان مسكرًا خطأ لأن النهي عن الخليطين عام وإن لم يسكر كثيرهما لسرعة سريان الإسكار إليهما من حيث لا يشعر صاحبه به فليس النهي عن الخليطين لأنهما يسكران حالًا بل لأنهما يسكران مالًا فإنهما إذا كانا مسكرين في الحال لا خلاف في النهي عنهما. قال الكرماني: فعلى هذا فليس هو خطأ بل يكون أطلق على سبيل المجاز وهو استعمال مشهور، وأجاب ابن المنير بأن ذلك لا يرد على البخاري إما لأنه كان يرى جواز الخليطين قبل الإسكار وإما لأنه ترجم على ما يطابق الحديث الأول وهو حديث أنس المذكور في الباب فإنه لا شك أن الذي كان يسقيه للقوم حينئذٍ كان مسكرًا، ولهذا دخل عندهم في عموم تحريم الخمر حتى قال أنس: وإنا لنعدّها يومئذٍ الخمر فدل على أنه كان مسكرًا. قال: وأما قوله وأن لا يجعل إدامين في إدام فيطابق حديث جابر وأبي قتادة ويكون النهي معلّلًا بعلل مستقلة إما تحقق إسكار الخمر الكثير وإما توقع الإسكار بالخلط سريعًا وأما الإسراف والشره والتعليل بالإسراف مبين في حديث النهي عن قران التمر، وقال ابن حجر: والذي يظهر لي أن مراد البخاري بهذه الترجمة الردّ على من أوّل النهي عن الخليط بأحد

تأويلين أحدهما حمل الخليط عل المخلوط وهو أن يكون نبيذ تمر وحده مثلًا قد اشتدّ ونبيذ زبيب وحده مثلًا قد اشتد فيخلطان ليصيرا خلاًّ فيكون النهي من أجل تعمد التخليل، وهذا مطابق للترجمة من غير كلفة ثانيهما أن تكون علة النهي عن الخلط الإسراف فيكون كالنهي عن الجمع بين الأدمين. وأما قوله: (وأن لا يجعل إدامين في إدام) بكسر الهمزة فيهما فيوافق حديث جابر نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الزبيب والتمر والبسر والرطب، وقول أبي قتادة نهى أن يجمع إلى آخره فيكون النهي معللًا بعلل مستقلة إما تحقق إسكار الخمر الكثير، وإما توقع الإسكار بالاختلاط سريعًا، وإما الإسراف والتعليل بالإسراف مبين في حديث النهي عن قران التمر هذا والتمر كان من نوع واحد فكيف بالتعدد، وقد تحرّج عمر -رضي الله عنه- من الجمع بين إدامين فروي أنه كان كثيرًا ما يسأل حذيفة، هل عدّه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المنافقين؟ فيقول: لا فيقول: هل رأيت فيّ شيئًا من خلاف النفاق؟ فيقول: لا إلا واحدة قال: وما هي؟ قال: رأيتك جمعت بين إدامين على مائدة ملح وزيت وكنا نعدّ هذا نفاقًا فقال عمر: لله عليّ أن لا أجمع بينهما فكان لا يأكل إلا بزيت خاصة أو بملح خاصة وهذا إنما هو طلب للمعالي من الزهد والتقلل وإلاّ فلا خلاف أن الجمع بينهما مباح بشرطه. 5600 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: إِنِّي لأَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَأَبَا دُجَانَةَ وَسُهَيْلَ ابْنَ الْبَيْضَاءِ خَلِيطَ بُسْرٍ وَتَمْرٍ إِذْ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، فَقَذَفْتُهَا وَأَنَا سَاقِيهِمْ وَأَصْغَرُهُمْ، وَإِنَّا نَعُدُّهَا يَوْمَئِذٍ الْخَمْرَ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ سَمِعَ أَنَسًا. وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الأزدي قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: إني لأسقي) بفتح الهمزة وكسر القاف (أبا طلحة) زوج أم أنس (وأبا دجانة) بضم الدال وتخفيف الجيم سماكًا الأنصاري الساعدي (وسهيل ابن البيضاء) بضم السين مصغرًا (خليط بسر وتمر) أي خمرًا متخذًا من خليطهما (إذ حرمت الخمر) حرمها الله تعالى بما أنزل على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقذفتها) بالذال المعجمة (وأنا ساقيهم وأصغرهم وإنًّا) بكسر الهمزة وتشديد النون (نعدها يومئذٍ الخمر). وهذا الحديث سبق قريبًا. (وقال عمرو بن الحارث) بفتح العين المهملة (حدّثنا قتادة) بن دعامة أنه (سمع أنسًا) -رضي الله عنه- وهذا وصله مسلم والبيهقي وفائدته بيان سماع قتادة لأن الرواية المتقدمة بالعنعنة. 5601 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْبُسْرِ، وَالرُّطَبِ. وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (أنه سمع جابرًا) الأنصاري -رضي الله عنه- (يقول: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تنزيه وعن بعض المالكية نهي تحريم (عن) الجمع بين (الزبيب والتمر و) عن الجمع بين (البسر والرطب) تنبيذًا لأن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يشتدّ فيظن الشارب أنه لم يبلغ حد الإسكار ويكون قد بلغه. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأشربة والنسائي فيه وفي الوليمة. 5602 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّهْوِ، وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَلْيُنْبَذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ. وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي قال: (أخبرنا يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يجمع بين التمر) بالفوقية وسكون الميم (والزهو) وهو البسر الملون (و) بين (التمر والزبيب) لأن أحدهما يشتد به الآخر فيسرع الإسكار (ولينبذ) بسكون اللام وفتح الموحدة مبنيًّا للمفعول (كل واحد منهما) أي من كل اثنين منهما فيكون الجمع بين الأكثر بطريق الأولى (على حدة) بكسر الحاء وفتح الدال المخففة المهملتين بعدها هاء أي وحده، ولأبي ذر عن الكشميهني: على حدته. وفي حديث أبي سعيد عند مسلم: من شرب منكم النبيذ فليشربه زبيبًا فردًا أو تمرًا فردًا أو بسرًا فردًا. وهل إذا خلط نبيذ البسر الذي لم يشتد مع نبيذ التمر الذي لم يشتد يمتنع أو يختص النهي عن الخلط عند الانتباذ؟ فقال الجمهور: لا فرق ولو لم يسكر، وقال الكوفيون: بالحل ولا خلاف أن العسل باللبن ليس بخليطين لأن اللبن لا ينبذ واختلف في الخليطين للتخليل. وهذا الحديث

12 - باب شرب اللبن وقول الله تعالى: {من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين}

أخرجه مسلم في الأشربة وكذا أبو داود، وأخرجه النسائي في الوليمة وابن ماجة في الأشربة. 12 - باب شُرْبِ اللَّبَنِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} (باب) جواز (شرب اللبن) وهو بمفرده غير مسكر نعم قد يقع نادرًا بصفة تحدّث فيه وحينئذٍ فيحرم شربه إن علم ذهاب عقله به. وفي حديث ابن سيرين عند سعيد بن منصور أنه سمع ابن عمر يسأل عن الأشربة فقال: إن أهل كذا يتخذون من كذا وكذا خمرًا حتى عدّ خمسة أشربة لم أحفظ منها إلا العسل والشعير واللبن. قال: فكنت أهاب أن أحدّث باللبن حتى أنبئت أنه بأرمينية يصنع شراب من اللبن لا يلبث صاحبه أن يصرع، قاله في الفتح. (وقول الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل: ({من بين فرث ودم لبنًا خالصًا}) أي يخلق اللبن وسطًا بين الفرث والدم يكتنفانه وبينه وبينهما برزخ لا ينبغي أحدهما عليه بلون ولا طعم ولا رائحة بل هو خالص من ذلك كله قيل: إذا أكلت البهيمة العلف فاستقر في كرشها طبخته فكان أسفله فرثًا وأوسطه لبنًا وأعلاه دمًا والكبد مسلطة على هذه الأصناف الثلاثة تقسمها فتجري الدم في العروق واللبن في الضروع وتبقي الفرث في الكرش ثم ينحدر وفي ذلك عبرة لمن اعتبر وسئل شقيق عن الإخلاص فقال الإخلاص: تمييز العمر من العيوب كتمييز اللبن من بين فرث ودم ({سائغًا للشاربين}) [النحل: 66] سهل المرور في الحلق، ويقال: لم يغص أحد باللبن قط ومن الأولى للتبعيض لأن اللبن بعض ما في بطونها والثانية لابتداء الغاية وسقط قوله {لبنًا خالصًا} لأبي ذر. 5603 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَقَدَحِ خَمْرٍ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) اسمه عبد الله بن عثمان المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: أتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة أسري به) إلى بيت المقدس (بقدح لبن وقدح خمر) زاد في أوّل كتاب الأشربة فنظر إليهما ثم أخذ اللبن فقال جبريل: الحمد لله الذي هداك للفطرة ولو أخذت الخمر غوت أمتك وبذلك تتم المطابقة بين الترجمة والحديث على ما لا يخفى. 5604 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ سَمِعَ سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَيْرًا مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ قَالَتْ: شَكَّ النَّاسُ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِإِنَاءٍ فِيهِ لَبَنٌ فَشَرِبَ، فَكَانَ سُفْيَانُ رُبَّمَا قَالَ: شَكَّ النَّاسُ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أُمُّ الْفَضْلِ فَإِذَا وُقِفَ عَلَيْهِ قَالَ: هُوَ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير أنه (سمع سفيان) بن عيينة يقول: (أخبرنا سالم أبو النضر) بالنون المفتوحة والضاد المعجمة (أنه سمع عميرًا) بضم العين وفتح الميم (مولى أم الفضل) زوج العباس بن عبد المطلب (يحدّث عن أم الفضل) -رضي الله عنها- أنها (قالت: شك الناس في صيام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم عرفة) بعرفة (فأرسلت) بسكون اللام وضم الفوقية (إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بإناء) ولأبي ذر فأرسلت إليه أم الفضل بإناء (فيه لبن فشرب) منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال الحميدي: (فكان) ولغير أبي ذر وكان (سفيان) بن عيينة (ربما قال شك الناس في صيام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم عرفة) سقط لأبي ذر يوم عرفة (فأرسلت إليه) صلوات الله وسلامه عليه (أم الفضل) أي بإناء فيه لبن (فإذا وقف) بضم الواو وبعدها قاف مشددة ولأبي ذر ووقف (عليه) بزيادة واو ساكنة بعد الواو المضمومة أي كان إذا أرسل الحديث فلم يقل في إسناده عن أم الفضل فإذا سئل عنه هل هو موصول أو مرسل (قال: هو عن أم الفضل) فهو في قوّة قول هو موصول والحديث تقدم في الحج والصوم. 5605 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَأَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ أَبُو حُمَيْدٍ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ مِنَ النَّقِيعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَّ خَمَّرْتَهُ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضَ عَلَيْهِ عُودًا». [الحديث 5605 - أطرافه في: 5606]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد البلخي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن أبي صالح) ذكوان (وأبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي كلاهما (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- أنه (قال: جاء أبو حميد) بضم الحاء مصغرًا عبد الرحمن الساعدي (بقدح من لبن) ليس مخمرًا (من النقيع) بفتح النون وكسر القاف وبعد التحتية الساكنة عين مهملة موضع بوادي العقيق حماه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لرعي النعم كان يستنقع فيه الماء أي يجتمع وقيل هو غيره (فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ألا) بفتح الهمزة وتشديد اللام أي هلا (خمّرته) بخاء معجمة وميم مشددة مفتوحتين غطيته (ولو أن تعرض) بفتح الفوقية وضم الراء أي ولو أن

تنصب (عليه عودًا) عرضًا قيل والحكمة في الاكتفاء بذلك اقترانه بالتسمية فيكون العرض علامة على التسمية فلا يقربه الشيطان. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأشربة أيضًا. 5606 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يَذْكُرُ أُرَاهُ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ أَبُو حُمَيْدٍ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، مِنَ النَّقِيعِ بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَّ خَمَّرْتَهُ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضَ عَلَيْهِ عُودًا». وَحَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) بضم العين قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: سمعت أبا صالح) ذكوان (يذكر أراه) بضم الهمزة (عن جابر -رضي الله عنه-) أنه (قال: جاء أبو حميد رجل من الأنصار، من النقيع بناء من لبن إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) غير مخمر (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له: (ألا) أي هلا (خمّرته) غطيته صيانة من الشيطان إذ إنه لا يكشف غطاء ومن الوباء الذي قيل أنه ينزل في ليلة من السماء ومن النجاسة والقاذورات والحشرات ونحوها (ولو أن تعرض) تمدّ (عليه عودًا) عرضًا لا طولًا. قال الأعمش (وحدّثني) بالإفراد (أبو سفيان) طلحة بن نافع (عن جابر عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) الحديث، وأخرجه الإسماعيلي عن حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، وعن أبي صالح عن أبي هريرة والمحفوظ عن جابر، ويأتي إن شاء الله تعالى بقوة الله الكلام على حكم تغطية الإناء قريبًا. 5607 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَكَّةَ وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَرَرْنَا بِرَاعٍ وَقَدْ عَطِشَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- فَحَلَبْتُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ فِي قَدَحٍ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ وَأَتَانَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ، فَدَعَا عَلَيْهِ فَطَلَبَ إِلَيْهِ سُرَاقَةُ أَنْ لاَ يَدْعُوَ عَلَيْهِ وَأَنْ يَرْجِعَ، فَفَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمود) هو ابن غيلان قال: (أخبرنا النضر) بالنون المفتوحة والمعجمة الساكنة ابن شمير قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي أنه (قال: سمعت البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- قال: قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مكة) لما هاجر منها إلى المدينة (وأبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (معه قال أبو بكر: مررنا) في طريقنا (براع وقد) أي والحال أنه قد (عطش رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال أبو بكر -رضي الله عنه-: فحلبت كثبة) بضم الكاف وسكون المثلثة بعدها موحدة مفتوحة قطعة من اللبن أو ملء القدح أو قدر حلبة ناقة (من لبن في قدح) وفي الهجرة أنه أمر الراعي فحلب فنسب الحلب لنفسه هنا على طريق المجاز (فشرب) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منه (حتى رضيت) أي علمت أنه شبع (وأتانا) ولأبي ذر وابن عساكر وأتاه أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سراقة بن جعشم) بضم الجيم وسكون العين المهملة وضم الشين المعجمة الكناني بنونين المدلجي أسلم آخرًا (على فرس فدعا عليه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فطلب إليه) صلوات الله وسلامه عليه (سراقة أن لا يدعو عليه وأن يرجع ففعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي فلم يدع عليه. وهذا الحديث سبق في الهجرة. 5608 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نِعْمَ الصَّدَقَةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً، وَالشَّاةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً، تَغْدُو بِإِنَاءٍ وَتَرُوحُ بِآخَرَ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن عبد الرحمن) بن هرمز الأعرج (عن أبي هريرة رضي الله أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (نعم الصدقة اللقحة) بكسر اللام وتفتح وسكون القاف وبالحاء المهملة الناقة الحلوب (الصفي) بفتح الصاد المهملة وكسر الفاء وتشديد التحتية الكثيرة اللبن أي مصطفاة مختارة فعيل إذا كان بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث (منحة) بكسر الميم وسكون النون وفتح الحاء المهملة نصب على التمييز عطية تعطيها غيرك ليحتلبها ثم يردها إليك (و) نعم الصدقة (الشاة الصفي منحة) تعطيها غيرك فيحتلبها (تغدو) أول النهار (بناء) من اللبن (وتروح) آخره (بآخر) بالمد وفيه إشارة إلى أن المستعير لا يستأصل لبنها قاله في الفتح. والحديث سبق في باب فضل المنحة من العارية. 5609 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ وَقَالَ: «إِنَّ لَهُ دَسَمًا». وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل بن مخلد (عن الأوزاعي) عبد الرحمن (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شرب لبنًا فمضمض) منه (وقال): (إن له) أي اللبن (دسمًا) بفتحتين بيان لعلة المضمضة منه. 5610 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ: عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رُفِعْتُ إِلَى السِّدْرَةِ، فَإِذَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ، وَنَهَرَانِ بَاطِنَانِ، فَأَمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ، وَأَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّةِ، فَأُتِيتُ بِثَلاَثَةِ أَقْدَاحٍ: قَدَحٌ فِيهِ لَبَنٌ، وَقَدَحٌ فِيهِ عَسَلٌ، وَقَدَحٌ فِيهِ خَمْرٌ. فَأَخَذْتُ الَّذِي فِيهِ اللَّبَنُ فَشَرِبْتُ، فَقِيلَ لِي: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ» قَالَ هِشَامٌ وَسَعِيدٌ وَهَمَّامٌ: عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الأَنْهَارِ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا ثَلاَثَةَ أَقْدَاحٍ. (وقال إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء الهروي مما وصله عوانة والإسماعيلي والطبراني في معجمه الصغير من طريقه (عن شعبة) بن

13 - باب استعذاب الماء

الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السدوسي (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (رفعت) بسكون العين المهملة وضم الفوقية وللحموي والكشميهني دفعت بالدال المهملة بدل الراء (إلى السدرة) جار ومجرور، وقال في الفتح: رفعت كذا للأكثر بضم الراء وكسر الفاء وفتح العين المهملة وسكون المثناة على البناء للمجهول وإليّ بتشديد التحتية والسدرة مرفوعة، وللمستملي: دفعت بدال بدل الراء وسكون العين وضم المثناة بنسبة الفعل إلى المتكلم وإلى حرف جر، والمراد سدرة المنتهى وسميت بذلك لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد إلا سيدنا محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشرف وكرّم، وعن ابن مسعود وسميت بذلك لكونها ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر الله تعالى ومعنى الرفع تقريب الشيء وكأنه أراد أن سدرة المنتهى استبينت له بنعوتها كل الاستبانة حتى اطلع عليها كل الاطّلاع بمثابة الشيء المقرب إليه (فإذا أربعة أنهار نهران ظاهران ونهران باطنان فأما) النهران (الظاهران فـ) ـهما (النيل) وهو نهر مصر (والفرات) بضم الفاء والمثناة الفوقية المجرورة وهو نهر الكوفة وأصله من أطراف أرمينية (وأما) النهران (الباطنان فنهران في الجنة) وهما فيما قاله مقاتل السلسبيل والكوثر والظاهر أن النيل والفرات يخرجان من أصلهما ثم يسيران حيث أراد الله ثم يخرجان من الأرض ويسيران فيها وهذا لا يمنعه شرع ولا عقل وهو ظاهر الحديث فوجب المصير إليه (فأتيت) بفاء فهمزة مضمومة ولأبي الوقت وأتيت بالواو بدل الفاء (بثلاثة أقداح) ومفهوم العدد لا اعتبار له فلا منافاة بين قوله هنا بثلاثة، وقوله في السابق قدحان وأيضًا فالقدحان قبل رفعه إلى السدرة وهو في بيت المقدس والثلاثة بعده وهو عند السدرة أحدها (قدح فيه لبن و) الثاني (قدح فيه عسل و) الثالث (قدح فيه خمر فأخذت الذي فيه اللبن فشربت فقيل لي أصبت الفطرة) أي علامة الإسلام والاستقامة (أنت) تأكيد للضمير الذي في أصبت (و) لتصب (أمتك). قال ابن المنير: ذكر السر في عدوله عن الخمر ولم يذكر في عدوله عن العسل وظاهره تفضيل اللبن على العسل لأنه الأيسر والأنفع وهو بمجرده قوت وليس من الطيبات التي تدخل في السرف بوجه وهو أقرب إلى الزهد فكأنه ترك العسل الذي هو حلال لأنه من اللذائذ التي يخشى على صاحبها أن يندرج في قوله عز وجل: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا} [الأحقاف: 20] وأما اللبن فلا شبهة فيه ولا منافاة بينه وبين الورع بوجه، وأما ما ورد من محبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للعسل فعلى وجه الاقتصاد في تناوله إلا أنه جعله ديدنًا والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مشرع بفعل ما يجوز للبيان. (وقال هشام) الدستوائي: (وسعيد) هو ابن أبي عروبة فيما وصله المؤلف عنهما في باب ذكر الملائكة من كتاب بدء الخلق (وهمام) بتشديد الميم الأولى ابن يحيى كلهم (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الأنهار) أي اتفقوا من متن الحديث على ذكر الأنهار (نحوه) أي نحو المذكور في الحديث السابق (ولم يذكروا) هؤلاء في روايتهم ولأبي ذر عن الكشميهني ولم يذكر أي هشام (ثلاثة أقداح). 13 - باب اسْتِعْذَابِ الْمَاءِ (باب استعذاب الماء) أي طلب الماء الحلو. 5611 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ مَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرَحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا نَزَلَتْ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قَامَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحَبَّ مَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ. وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ أَوْ رَايِحٌ» شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ «وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ» فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَفِي بَنِي عَمِّهِ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى: رَايِحٌ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن سلمة) بن قعنب القعنبي الحارث أحد الأعلام (عن مالك) إمام الأئمة (عن إسحاق بن عبد الله) بن أبي طلحة (أنه سمع) عنه (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول: كان أبو طلحة) زيد الأنصاري (أكثر أنصاري بالمدينة مالًا) نصب على التمييز (من نخل) الجار للبيان (وكان أحب ماله إليه بيرحاء) برفع الراء اسم كان وأحب نصب خبرها أو أحب اسمها وبير خبرها وحاء بالهمز والمد ولأبي ذر بالقصر، واختلف في فتح الموحدة وكسرها وهل بعدها همزة ساكنة أو تحتية أو غير ذلك مما سبق في الزكاة فارجع

14 - باب شوب اللبن بالماء

إليه إن أردته ففيه ما يكفي ويشفي وفي الفائق أنها فيعلاه من البراح وهي الأرض الطاهرة (وكانت مستقبل المسجد) وفي رواية أبي ذر كالزكاة مستقبلة المسجد (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب) بالجر صفة للمجرور (قال أنس) -رضي الله عنه- (فلما نزلت: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قام أبو طلحة فقال: يا رسول الله إن الله) عز وجل (يقول: {لن تنالوا البر}) أي لن تكونوا أبرارًا محسنين فكأنه جعل البر شيئًا متناولًا مبالغة ({حتى تنفقوا مما تحبون}) [آل عمران: 92]. (وإن أحب مالي) بالإفراد (إليّ بيرحاء) ولأبي ذر بيرحا بالقصر (وإنها صدقة لله أرجو برها) خيرها (وذخرها) بضم الذال وسكون الخاء المعجمتين أي أقدمها فأدخرها لأجدها (عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بخ) فيه لغتان إسكان الخاء وكسرها منوّنة كلما يقولها المتعجب من الشيء وعند المدح والرضا بالشيء وقد تكرر للمبالغة فيقال: بخ بخ (ذلك مال رابح) بالموحدة ذو ربح (أو) قال: (رايح) بالتحتية بدل الموحدة من الرواح نقيض الغدوّ أي قريب الفائدة يصل نفعه إلى صاحبه (شك عبد الله) بن مسلمة (وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين) فإن أفضل البر ما أولي إلى الأقرباء (فقال أبو طلحة: أفعل) برفع اللام ذلك (يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وفي بني عمه) من باب عطف الخاص على العام (وقال إسماعيل) بن أبي أويس مما وصله في التفسير (ويحيى بن يحيى) أبو زكريا التميمي الحنظلي مما وصله في الوصايا كلاهما عن مالك (رايح) بالمثناة التحتية من الرواح. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: ويشرب من ماء فيها طيب. وفي حديث عائشة عند أبي داود كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستعذب له الماء من بيوت السقيا بضم السين المهملة وبالقاف والتحتية عين بينها وبين المدينة يومان فاستعذاب الماء لا ينافي الزهد ولا يدخل في الترفه المذموم، نعم كره مالك -رحمه الله- تطييب الماء بنحو المسك لما فيه من السرف. وهذا الحديث سبق في الزكاة والوصايا والوكالة والتفسير. 14 - باب شَوْبِ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ (باب شوب اللبن بالماء) بفتح المعجمة وسكون الواو أي خلط اللبن بالماء، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: شرب بضم الشين والراء الساكنة بدل الواو أي شرب اللبن ممزوجًا بالماء البارد كسرًا لحرارته عقب حلبه مع شدّة حر القطر. 5612 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَرِبَ لَبَنًا وَأَتَى دَارَهُ فَحَلَبْتُ شَاةً فَشُبْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْبِئْرِ فَتَنَاوَلَ الْقَدَحَ فَشَرِبَ وَعَنْ يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ فَأَعْطَى الأَعْرَابِيَّ فَضْلَهُ ثُمَّ قَالَ: «الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) عبد الله بن عثمان المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: أخبرنا) بالإفراد (أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه رأى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شرب لبنًا وأتى داره) أي دار أنس والجملة حالية أي رآه حين أتى داره (فحلبت شاة فشبت) بضم الشين المعجمة أي خلطت (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) اللبن الذي حلبته بماء (من البئر) ليبرد (فتناول) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (القدح فشرب) منه (وعن يساره أبو بكر) الصديق (وعن يمينه أعرابي) زاد في رواية أبي طوالة السابقة في الهبة وعمر تجاهه وفي الشرب من طريق شعيب عن الزهري في هذا الحديث فقال عمر: وخاف أن يعطيه الأعرابي أعط أبا بكر، وفي رواية أبي طوالة فقال عمر: هذا أبو بكر (فأعطى) عليه الصلاة والسلام (الأعرابي فضله) أي اللبن الذي فضل منه بعد شربه (ثم قال): ولأبي ذر عن الكشميهني، وقال بالواو بدل ثم قدموا (الأيمن فالأيمن) أو النصب على الحال أي اشربوا مترتبين على هذا النمط، ويجوز الرفع أي الأيمن مقدم أو أحق بالشرب من غيره. وفي الحديث أن السنة تقديم الأيمن وإن كان مفضولًا ولا يلزم من ذلك حط رتبة الفاضل، ولعل عمر -رضي الله عنه- كان احتمل عنده أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقدم أبا بكر فيكون سنّة في تقديم الأفضل في الشرب على الأيمن، فلذا ذكر أبا بكر فبيّن له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن السنّة تقديم الأيمن على الأفضل. وهذا الحديث سبق في الهبة. 5613 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فِي شَنَّةٍ وَإِلاَّ كَرَعْنَا». قَالَ: وَالرَّجُلُ يُحَوِّلُ الْمَاءَ فِي حَائِطِهِ قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي مَاءٌ بَائِتٌ فَانْطَلِقْ إِلَى الْعَرِيشِ قَالَ: فَانْطَلَقَ بِهِمَا فَسَكَبَ فِي قَدَحٍ ثُمَّ حَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ دَاجِنٍ لَهُ قَالَ: فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ شَرِبَ الرَّجُلُ الَّذِي جَاءَ مَعَهُ. [الحديث 5613 - أطرافه في: 5621]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي

15 - باب شراب الحلواء والعسل

الجعفي قال: (حدّثنا أبو عامر) عبد الملك العقدي بفتح العين المهملة والقاف قال: (حدّثنا فليح بن سليمان) بفاء مضمومة آخره مهملة وضم السين مصغرين العدوي مولاهم المدني (عن سعيد بن الحارث) الأنصاري قاضي المدينة (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل على رجل من الأنصار) قيل هو أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري (ومعه صاحب له) هو أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- (فقال له) أي للرجل الأنصاري الذي دخل عليه (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن كان عندك ماء بات هذه الليلة في شنة) بفتح الشين المعجمة والنون المشدّدة قربة خلقة فاسقنا منها (وإلاّ كرعنا) بفتح الراء وتكسر شربنا من غير إناء ولا كف بل بالفم (قال) جابر (والرجل) الأنصاري (يحول الماء في حائطه) ينقله من عمق البئر إلى ظاهرها أو يجري الماء جانب إلى جانب من بستانه ليعم أشجاره بالسقي (قال) جابر (فقال الرجل) الأنصاري وسقط لابن عساكر لفظ الرجل (يا رسول الله عندي ماء بائت فانطلق) بكسر اللام وسكون القاف (إلى العريش) المسقف من البستان بالأغصان وأكثر ما يكون في الكروم (قال فانطلق) الرجل الأنصاري (بهما) بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبالصديق -رضي الله عنه- إلى العريش (فسكب في قدح) ماء (ثم حلب عليه) لبنًا (من داجن له) بالجيم والنون شاة تألف البيوت (قال) جابر (فشرب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم شرب الرجل الذي جاء معه) وهو أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-. وهذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة في الأشربة. 15 - باب شَرَابِ الْحَلْوَاءِ وَالْعَسَلِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لاَ يَحِلُّ شُرْبُ بَوْلِ النَّاسِ لِشِدَّةٍ تَنْزِلُ، لأَنَّهُ رِجْسٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي السَّكَرِ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ. (باب شراب الحلواء) بالمد للمستملي وبالقصر لغيره لغتان (و) شراب (العسل) وليس المراد بقوله شراب الحلواء الحلواء المعهودة المعقودة بالنار بل كل حلواء تشرب من نقيع حلو وغيره مما يشبهه وقوله الحلواء شامل للعسل فذكره بعدها من التخصيص بعد التعميم. (وقال الزهري) محمد بن مسلم فيما وصله عبد الرزاق (لا يحل شرب بول الناس لشدّة) أي لضرورة عطش ونحو (تنزل الآية) أي البول (رجس) نجس (قال الله تعالى: {أحل لكم الطيبات}) [المائدة: 4]. وقال عز وجل: {ويحرّم عليهم الخبائث} [الأعراف: 7: 1] والرجس: من جملة الخبائث وأورد عليه جواز أكل الميتة عند الشدّة وهي رجس وقد جوّز شرب البول للتداوي. وأجيب: باحتمال أن يكون الزهري يرى أن القياس لا يدخل الرخص فإن الرخصة قد وردت في الميتة لا في البول، وفي شُعب البيهقي أن الزهري كان يصوم يوم عاشوراء في السفر فقيل له: أنت تفطر في رمضان في السفر؟ فقال: إن الله عز وجل قال في رمضان: {فعدّة من أيام أُخر} [البقرة: 184] وليس ذلك لعاشوراء. (وقال ابن مسعود) عبد الله (في السكر) بفتح السين المهملة والكاف بعدها راء الخمر بلغة العجم وفي فوائد علي بن حرب الطائي عن سفيان بن عيينة عن منصور أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح على شرط الشيخين عن جرير عن منصور عن أبي وائل قال: اشتكى رجل منا يقال له خيثم بن العداء داء ببطنه يقال له الصفر فنعت له السكر فأرسل إلى ابن مسعود يسأله فقال: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما) ولأبي ذر مما (حرم عليكم). فإن قلت: قد جوزوا إساغة اللقمة بالجرعة من الخمر فلِم يجوزوا التداوي به وأي فرق بينهما؟ أجيب: بأن الإساغة يتحقق بها المراد بخلاف الشفاء فإنه غير محقق كما لا يخفى، وقد قال بعضهم: إن المنافع في الخمر قبل التحريم سلبت بعده فتحريمها مجزوم به وكونها دواء مشكوك فيه بل الراجح أنها ليست بدواء بإطلاق الحديث. نعم يجوز تناولها في صورة واحدة وهي ما إذا اضطر إلى إزالة عقله لقطع عضو من الأكلة والعياذ بالله تعالى، فقد خرّجه الرافعي على الخلاف في جواز التداوي بالخمر وصحح النووي هنا الجواز وهو المنصوص. قال في الفتح: ينبغي أن يكون محله فيما إذا تعين ذاك طريقًا إلى سلامة بقية الأعضاء ولم يجد مرقدًا غيرها. فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الترجمة والأثرين؟ جاب

16 - باب الشرب قائما

ابن المنير بأنه ترجم على شيء وأعقبه بضده قال: وبضدها تتبين الأشياء ثم عاد إلى ما يطابق الترجمة نصًّا، ويحتمل أن يكون مراده بقول الزهري الإشارة بقوله تعالى: {أُحلّ لكم الطيبات} [المائدة: 4] إلى أن الحلواء والعسل من الطيبات فهما حلال وبقول ابن مسعود الإشارة إلى قوله تعالى: {فيه شفاء للناس} [النحل: 69] فدلّ الامتنان به على حقه فلم يجعل الله الشفاء فيما حرم. 5614 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْجِبُهُ الْحَلْوَاءُ وَالْعَسَلُ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (أخبرني) بالإفراد (هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعجبه الحلواء) بالمد ويجوز القصر (والعسل) قال النووي: المراد بالحلواء في هذا الحديث كل شيء حلو وذكر العسل بعدها للتنبيه على شرفه ومزيته، وفي شعب البيهقي عن أبي سليمان الداراني قول عائشة كان يحب الحلواء ليس على معنى كثرة التشهي لها وشدّة نزاع النفس إليها وتأنق الصنعة في اتخاذها كفعل أهل الترف والشره وإنما كان إذا قدمت إليه نال منها نيلًا جيدًا فيعلم بذلك أنها تعجبه قاله في الفتح. وهذا الحديث قد مرّ في كتاب الأطعمة. 16 - باب الشُّرْبِ قَائِمًا (باب) حكم (الشرب) حال كون الشارب (قائمًا). 5615 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنِ النَّزَّالِ قَالَ أَتَى عَلِيٌّ -رضي الله عنه- عَلَى بَابِ الرَّحَبَةِ فَشَرِبَ قَائِمًا فَقَالَ: إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَشْرَبَ وَهْوَ قَائِمٌ، وَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَلَ كَمَا رَأَيْتُمُونِى فَعَلْتُ. [الحديث 5615 - أطرافه في: 5616]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين آخره راء ابن كدام الكوفي (عن عبد الملك بن ميسرة) ضد الميمنة الزراد (عن النزال) بالنون والزاي المشددة المفتوحتين أنه (قال: أتى علي -رضي الله عنه-) بفتح الهمزة ولأبي ذر أُتي بضمها وكسر تاليها (على باب الرحبة) بفتح الراء والحاء المهملة والموحدة أي رحبة المسجد والمراد مسجد الكوفة ولأبي ذر زيادة بماء (فشرب) منه حال كونه (قائمًا فقال: إن ناسًا يكره أحدهم أن يشرب) أي بأن وأن مصدرية أي يكره الشرب (وهو قائم) أي في حالة القيام (وإني رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعل كما رأيتموني فعلت) من الشرب قائمًا. وهذا الحديث أخرجه أبو داود في الأشربة والنسائي في الطهارة. 5616 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ قَعَدَ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ فِي رَحَبَةِ الْكُوفَةِ حَتَّى حَضَرَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ، ثُمَّ أُتِىَ بِمَاءٍ فَشَرِبَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَذَكَرَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَهُ وَهْوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا، وَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عبد الملك بن ميسرة) قال: (سمعت النزال بن سبرة) بفتح السين المهملة وسكون الموحدة بعدها راء فهاء (يحدّث عن علي -رضي الله عنه- أنه صلّى الظهر ثم قعد في حوائج الناس) جمع حاجة على غير قياس. قال في القاموس: الجمع حاج وحاجات وحوج وحوائج غير قياسي أو مولدة أو كأنهم جمعوا حائجة (في رحبة الكوفة) قال في القاموس: ورحبة المكان وتسكن ساحته ومتسعه (حتى حضرت صلاة العصر ثم أتي) بضم الهمزة (بماء فشرب وغسل وجهه ويديه وذكر رأسه ورجليه) زاد النسائي من طرق عن شعبة وهذا وضوء من لم يحدّث وهي على شرط الصحيح (ثم قام فشرب فضله) أي فضل الماء الذي توضأ منه (وهو قائم ثم قال: إن ناسًا يكرهون الشرب قائمًا) أي يكرهون أن يشرب كلٌّ منهم قائمًا، ولأبي ذر عن الكشميهني قيامًا وهي واضحة (وإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صنع مثل ما صنعت) من شرب فضل الوضوء قائمًا. 5617 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: شَرِبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمًا مِنْ زَمْزَمَ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري أو ابن عيينة ورجح الأول في الفتح وجزم به المزي لأنه أشهر بصحبته وأكثر رواية عنه من ابن عيينة (عن عاصم الأحول عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: شرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (قائمًا من زمزم) وقد كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طاف على بعيره ثم أناخه بعد طوافه فصلّى ركعتين ثم شرب إذ ذاك من زمزم قبل أن يعود إلى بعيره، واستدلّ بهذه الأحاديث على جواز الشرب قائمًا وهو مذهب الجمهور، وكرهه قوم لحديث أنس عند مسلم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زجر عن الشرب قائمًا، وحديث أبي هريرة في مسلم أيضًا: لا يشربن أحدكم قائمًا فمن نسي فليستقئ. وعند أحمد من حديثه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلاً يشرب

17 - باب من شرب وهو واقف على بعيره

قائمًا فقال: (قه) قال: لمه؟ قال: "أيسرك أن يشرب معك الهر" قال: لا. قال: "قد شرب معك من هو شر منه الشيطان" لكنهم حملوا النهي على الاستحباب والحث على ما هو أولى وأكمل وذلك لأن في الشرب قائمًا ضررًا ما فكره من أجله لأنه يحرك خلطًا يكون القيء دواءه، وقوله في الحديث فمن نسي لا مفهوم له بل يستحب ذلك للعامد أيضًا بطريق الأولى، وقد سلك الأئمة في هذه الأحاديث مسالك أحسنها حمل الأحاديث النهي على كراهة التنزيه وأحاديث الجواز على بيانه، وقيل النهي إنما هو من جهة الطب مخافة وقوع ضرر به فإن الشرب قاعدًا أمكن وأبعد من السرف وحصول وجع الكبد والحلق وقد لا يأمن منه من شرب قائمًا على ما لا يخفى. 17 - باب مَنْ شَرِبَ وَهْوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ (باب) حكم (من شرب وهو) أي والحال أنه (واقف على بعيره) استشكل قوله واقف على بعيره لأن الراكب على البعير قاعد لا قائم وأجيب بأن الراكب من حيث كونه سائرًا يشبه القائم ومن حيث كونه مستقرًّا على الدابة يشبه القاعد فمراده بيان حكم هذه الحالة، هل تدخل تحت النهي أم لا؟. 5618 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَشَرِبَهُ. زَادَ مَالِكٌ عَنْ أَبِى النَّضْرِ عَلَى بَعِيرِهِ. وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) أبو غسان النهدي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة) الماجشون واسم أبي سلمة دينار وهو جد عبد العزيز لأنه ابن عبد الله بن أبي سلمة قال: (أخبرنا أبو النضر) بالضاد المعجمة سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبد الله (عن عمير) بضم العين وفتح الميم مصغرًا (مولى ابن عباس عن أم الفضل) لبابة (بنت الحارث أنها أرسلت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقدح لبن وهو واقف عشية عرفة فأخذ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بيده) الكريمة القدح (فشربه) ولأبي ذر وابن عساكر فأخذه وشربه (زاد مالك) الإمام في روايته (عن أبي النضر) سالم (على بعيره) تابع عبد العزيز بن أبي سلمة على روايته هذا الحديث عن أبي النضر وقال: شرب وهو واقف على بعيره. وهذا الحديث قد سبق في الحج والله أعلم. 18 - باب الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ فِى الشُّرْبِ (باب الأيمن فالأيمن في الشرب) ماء وغيره ونصب الأيمن بفعل مقدر وهو الذي على يمين الشارب. 5619 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِىَ بِلَبَنٍ قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِىٌّ وَعَنْ شِمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَشَرِبَ ثُمَّ أَعْطَى الأَعْرَابِىَّ وَقَالَ: الأَيْمَنَ الأَيْمَنَ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتي) بضم الهمزة (بلبن قد شيب) بكسر الشين المعجمة وأصل شيب شوب قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها أي مزج (بماء وعن يمينه أعرابي) لم أقف على اسمه (وعن شماله أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (فشرب) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منه (ثم أعطى الأعرابي) قبل أبي بكر (وقال): قدّموا (الأيمن فالأيمن) وقد كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب التيامن في الأكل والشرب وجميع الأمور لما شرف الله به أهل اليمين وقيل إن الأعرابي كان من كبراء قومه فلذا جلس عن يمينه عليه الصلاة والسلام. وهذا الحديث سبق مرارًا. 19 - باب هَلْ يَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ فِى الشُّرْبِ لِيُعْطِىَ الأَكْبَرَ؟ هذا (باب) بالتنوين (هل يستأذن الرجل من) أي هل يطلب الإذن من الذي هو جالس (عن يمينه في الشرب ليعطي أكبر). 5620 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ أَبِى حَازِمِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِىَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: «أَتَأْذَنُ لِى أَنْ أُعْطِىَ هَؤُلاَءِ»؟ فَقَالَ الْغُلاَمُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِى مِنْكَ أَحَدًا قَالَ فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى يَدِهِ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) الأويسي قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام (عن أبي حازم بن دينار) سلمة (عن سهل بن سعد) الساعدي (-رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام) هو ابن عباس (وعن يساره الأشياخ) خالد بن الوليد وغيره (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (للغلام): (أتأذن لي أن أعطي هؤلاء) الذين على اليسار (فقال الغلام) له: (والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدًا. قال) سهل: (فتله) بفتح الفوقية واللام المشددة أي وضعه (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في يده) في يد ابن عباس وفيه بيان استحباب التيامن في كل ما كان من أنواع الإكرام وأن الأيمن في الشرب ونحوه يقدم وإن كان صغيرًا أو مفضولاً وأما تقديم الأفاضل والكبار فهو عند التساوي في باقي الأوصاف. 20 - باب الْكَرْعِ فِى الْحَوْضِ (باب الكرع في الحوض) بسكون الراء أي تناول الماء بالفم من الحوض بغير إناء ولا كف. 5621 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ، فَسَلَّمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَصَاحِبُهُ، فَرَدَّ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى، وَهْىَ سَاعَةٌ حَارَّةٌ، وَهْوَ يُحَوِّلُ فِى حَائِطٍ لَهُ يَعْنِى الْمَاءَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ فِى شَنَّةٍ». وَإِلاَّ كَرَعْنَا وَالرَّجُلُ يُحَوِّلُ الْمَاءَ فِى حَائِطٍ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِى مَاءٌ بَاتَ فِى شَنَّةٍ فَانْطَلَقَ إِلَى الْعَرِيشِ فَسَكَبَ فِى قَدَحٍ مَاءً ثُمَّ حَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ دَاجِنٍ لَهُ فَشَرِبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ أَعَادَ فَشَرِبَ الرَّجُلُ الَّذِى جَاءَ مَعَهُ. وبه قال: (حدّثنا

21 - باب خدمة الصغار الكبار

يحيى بن صالح) الحمصي الحافظ الفقيه قال: (حدّثنا فليح بن سليمان) العدوي مولاهم المدني (عن سعيد بن الحارث) قاضي المدينة (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل على رجل من الأنصار) سبق فيما قبل أنه أبو الهيثم بن التيهان بستانه (ومعه) عليه الصلاة والسلام (صاحب له) وهو أبو بكر -رضي الله عنه- (فسلّم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحبه) أبو بكر عليه (فردّ الرجل) الأنصاري عليهما (فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي) أي مفدي بأبي وأمي (وهي) أي الساعة التي أتيت فيها (ساعة حارة وهو) أي والحال أنّ الرجل (يحوّل في حائط له يعني الماء) من قعر البئر إلى ظاهرها (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) للرجل: (إن كان عندك ماء بات في شنة) بفتح المعجمة قربة خلقة (وإلاّ كرعنا) شربنا بفينا (والرجل) أي والحال أن الرجل (يحوّل الماء في حائط) يجريه من جانب إلى جانب في بستانه (فقال الرجل: يا رسول الله عندي ماء بات) وللكشميهني بائت (في شنة فانطلق) بفتحات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعه أبو بكر (إلى العريش) موضع مظلل عليه في البستان بخشب وثمام (فسكب) الرجل (في قدح ماء ثم حلب عليه) لبنًا (من) شاة (داجن له) وهي التي تألف البيوت (فشرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم أعاد فشرب الرجل الذي جاء معه) وهو أبو بكر -رضي الله عنه-، ولأحمَد وسقى صاحبه. فإن قلت: ما المطابقة بين الترجمة والحديث؟ أجيب: من جهة أن جابرًا أعاد قوله وهو يحوّل الماء في أثناء مخاطبة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للرجل مرتين وإن كان الظاهر أنه كان ينقله من أسفل البئر إلى أعلاها فكأنه كان هناك حوض يجمعه فيه ثم يحوّله من جانب إلى جانب. وهذا الحديث سبق قريبًا في باب شوب اللبن بالماء. 21 - باب خِدْمَةِ الصِّغَارِ الْكِبَارَ (باب خدمة الصغار الكبار). 5622 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضى الله عنه - قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا عَلَى الْحَىِّ أَسْقِيهِمْ عُمُومَتِى وَأَنَا أَصْغَرُهُمُ الْفَضِيخَ، فَقِيلَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، فَقَالُوا: أَكْفِئْهَا، فَكَفَأْنَا، قُلْتُ لأَنَسٍ: مَا شَرَابُهُمْ؟ قَالَ: رُطَبٌ وَبُسْرٌ. فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَنَسٍ: وَكَانَتْ خَمْرَهُمْ. فَلَمْ يُنْكِرْ أَنَسٌ وَحَدَّثَنِى بَعْضُ أَصْحَابِى أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ: كَانَتْ خَمْرَهُمْ يَوْمَئِذٍ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا معتمر عن أبيه) سليمان أنه (قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- قال: كنت قائمًا على الحيّ أسقيهم) بالحاء المهملة والتحتية المشددة واحد أحياء العرب (عمومتي) جمع عم (وأنا أصغرهم الفضيخ) بالمعجمتين أي الخمر المتخذ من البسر المشدوخ (فقيل حرمت الخمر) بضم الحاء المهملة مبنيًّا للمفعول (فقالوا: أكفئها) بكسر الهمزة هنا في الفرع كأصله وكسر الفاء بعدها همزة ساكنة (فكفأنا) بحذف ضمير المفعول ولأبي ذر عن الكشميهني فكفأناها، قال سليمان: (قلت لأنس ما) كان (شرابهم؟ قال: رطب وبسر) أي خمر متخذ منهما (فقال أبو بكر بن أنس: وكانت خمرهم) يومئذ (فلم ينكر أنس) ذلك قال بكر بن عبد الله المزني، أو قتادة (وحدّثني) بالإفراد (بعض أصحاب أنه سمع أنسًا) -رضي الله عنه- (يقول: كانت) خمرة الفضيخ (خمرهم يومئذ). وهذا الحديث سبق في باب نزول تحريم الخمر وهي من البسر والتمر أوائل كتاب الأشربة وهو ظاهر فيما ترجم له هناك. 22 - باب تَغْطِيَةِ الإِنَاءِ (باب تغطية الإناء). 5623 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُمْ، فَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إسحاق بن منصور) الكوسج أبو يعقوب المروزي قال: (أخبرنا روح بن عبادة) بفتح الراء في الأول وضم العين وتخفيف الموحدة في الثاني قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (أنه سمع جابر بن عبد الملك) الأنصاري (-رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا كان جنح الليل) بكسر الجيم في الفرع كأصله وتضم طائفة من الليل وأراد به هاهنا الطائفة الأولى منه عند ابتداء فحمة العشاء (أو أمسيتم) شك من الراوي أي دخلتم في المساء (فكفوا) بضم الكاف والفاء المشددة امنعوا (صبيانكم) من الخروج حينئذٍ (فإن الشياطين تنتشر) تذهب وتجيء (حينئذ) فربما يحصل لهم إيذاء منهم من صرع أو غيره (فإذا ذهب ساعة من الليل فحلوهم) بضم الحاء المهملة واللام المشددة (وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله فإن الشيطان) بالإفراد، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فخلوهم بالخاء المعجمة المفتوحة

23 - باب اختناث الأسقية

واللام المشددة فإن الشياطين بالجمع (لا يفتح بابًا مغلقًا) إذا ذكر اسم الله عليه (وأوكوا) بضم الكاف وسكون الواو بلا همز (قربكم) شدوا رؤوسها بالوكاء (واذكروا اسم الله) عند ذلك (وخمروا) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الميم مكسورة غطوا (آنيتكم واذكروا اسم الله) عند تغطيتها (ولو أن تعرضوا) بضم الراء (عليها) على الآنية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عليه أي الإناء (شيئًا) وجواب لو محذوف أي لو خمرتموها بشيء نحو العود وذكرتم اسم الله عليها لكان كافيًا والمقصود ذكر اسم الله تعالى مع كل فعل صيانة عن الشيطان والوباء والحشرات والهوام على ما ورد بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء (وأطفئوا مصابيحكم) بكسر الفاء بعدها همزة مضمومة فإن الفأرة ربما تضرم عليكم البيوت بالنار. وفي هذا الحديث جملة من الآداب من جلب المصالح ودفع المضار من كف الصبيان وغلق الأبواب وإيكاء القرب وغير ذلك مما لا يخفى. وهذا الحديث سبق في صفة إبليس. 5624 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ إِذَا رَقَدْتُمْ، وَغَلِّقُوا الأَبْوَابَ وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، وَأَحْسِبُهُ، قَالَ: وَلَوْ بِعُودٍ تَعْرُضُهُ عَلَيْهِ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء والميم المشددة ابن يحيى (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر) الأنصاري -رضي الله عنه- (أن رسول الله- قال): (اطفئوا المصابيح إذا رقدتم) خوف الفويسقة أن تضرم على أهل البيت بيتهم، وفي حديث ابن عباس عند أبي داود: جاءت فأرة فأخذت تجرّ الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الخمرة التي كان قاعدًا عليها فأحرقت منها موضع درهم، وفي الصحيح أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون) قال النووي: هذا عام يدخل فيه نار السراج وغيرها وأما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر بالإطفاء وإن أمن ذلك كما هو الغالب، فالظاهر أنه لا بأس بها لانتفاء العلة التي علل بها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإذا انتفت العلة زال المنع (وغلقوا) بتشديد اللام المكسورة ولأبي ذر وأغلقوا (الأبواب وأوكوا الأسقية) بلا همز بعد الكاف المضمومة (وخمروا) بالخاء المعجمة غطوا (الطعام والشراب، وأحسبه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ولو) أن تخمروها (بعود تعرضه عليه) على الإناء فإنه كاف في ذلك مع التسمية قال: في شرح المشكاة يقال: عرضت العود على الإناء أعرضه بكسر الراء في قول عامة الناس إلا الأصمعي فإنه قال أعرضه مضمومة الراء في هذا خاصة والمعنى هلا تغطيه بغطاء فإن لم تفعل فلا أقل من أن تعرض عليه شيئًا. 23 - باب اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ (باب اختناث الأسقية) المتخذة من الأدم والاختناث بالخاء المعجمة الساكنة والفوقية المكسورة وبعد النون ألف فمثلثة افتعال من الخنث وهو الانطواء والتكسر والانثناء. 5625 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ، يَعْنِى أَنْ تُكْسَرَ أَفْوَاهُهَا فَيُشْرَبَ مِنْهَا. [الحديث 5625 - أطرافه في: 5626]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن فقيه أهل المدينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اختناث الأسقية يعني أن تكسر) أي تثنى (أفواهها فيشرب منها) وليس المراد كسرها حقيقة ولا إبانتها وفي رواية أبي النضر عن ابن أبي ذئب عند أحمد حذف يعني وحينئذٍ فالتفسير مدرج في الحديث. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأشربة وكذا أبو داود والترمذي وابن ماجة. 5626 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عَنِ اخْتِنَاثِ الأَسْقِيَةِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ مَعْمَرٌ أَوْ غَيْرُهُ هُوَ الشُّرْبُ مِنْ أَفْوَاهِهَا. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (أنه سمع أبا سعيد الخدري) -رضي الله عنه- (يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينهى) نهي إرشاد (عن اختناث الأسقية قال عبد الله) بن المبارك (قال معمر) هو ابن راشد (أو غيره) أي غير معمر (هو) أي الاختناث (الشرب من أفواهها). قال في القاموس: الفاه

24 - باب الشرب من فم السقاء

والفوه بالضم والفيه بالكسر والفم سواء الجمع أفواه وأفمام ولا واحد لها لأن فما أصله فوه حذفت الهاء كما حذفت من سنة وبقيت الواو طرفًا متحركة فوجب إبدالها ألفًا لانفتاح ما قبلها فبقي فا، ولا يكون الاسم على حرفين أحدهما التنوين فأبدل مكانها حرف جلد مشاكل لها وهو الميم لأنهما شفهيتان وفي الميم هويّ في الفم يضارع امتداد الواو ويقال في تثنيته فمان وفموان وفميان والأخيران نادران انتهى. وعند مسلم من طريق وهب بن يونس عن ابن شهاب نهى عن اختناث الأسقية أن يشرب من أفواهها وقد جزم الخطابي أن تفسير الاختناث من قول الزهري ويحمل تفسير الطلق وهو الشرب من أفواهها على المقيد بكسر فمها أو قلب رأسها. 24 - باب الشُّرْبِ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ (باب الشرب من فم السقاء) بتخفيف الميم وقد تشدد وفي نسخة من في السقاء بالياء بدل الميم. 5627 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ قَالَ: لَنَا عِكْرِمَةُ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَشْيَاءَ قِصَارٍ حَدَّثَنَا بِهَا أَبُو هُرَيْرَةَ؟ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ الْقِرْبَةِ أَوِ السِّقَاءِ وَأَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِى دَارِهِ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا أيوب) بن تميمة السختياني (قال: قال لنا عكرمة) مولى ابن عباس وعند الحميدي عن سفيان حدّثنا أيوب السختياني أخبرنا عكرمة (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام (أخبركم بأشياء قصار) فقلنا أخبرنا فقال: (حدّثنا بها) أي بالأشياء (أبو هريرة) -رضي الله عنه- (نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الشرب من فم القربة أو السقاء) لأن جريان الماء دفعه وانصبابه في المعدة يضرّ بها أو لأنه ربما يغير رائحتها بنفسه وربما يكون فيها حيّة أو شيء من الهوام لا يراه الشارب فيدخل جوفه، وعند ابن ماجة والحاكم أن رجلاً قام من الليل إلى السقاء فاختنثه فخرجت منه حيّة وإن ذلك بعد نهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن اختناث الأسقية (و) نهى (أن يمنع) الشخص (جاره أن يغرز خشبه) بالهاء على الجمع ولأبي ذر خشبة بالفوقية على الإفراد (في داره) ولأبي ذر: في جداره وهو محمول على الاستحباب، وقال: ألا أخبركم بأشياء بصيغة الجمع ولم يذكر إلا شيئين، فيحتمل أن يكون أخبر بالثالث فاختصره الراوي، ويؤيده أن الإمام أحمد زاد في الحديث المذكور النهي عن الشرب قائمًا. وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة في الأشربة. 5628 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه قَالَ: - نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُشْرَبَ مِنْ فِى السِّقَاءِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا إسماعيل) ابن علية قال: (أخبرنا أيوب) السختياني (عن عكرمة عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يشرب) بضم أوله وفتح ثالثه (من في السقاء) قال في القاموس: السقاء ككساء جلد السخلة إذا أجذع يكون للماء واللبن الجمع أسقية وأسقيات والنهي للتنزيه وما ذكر من أنه لا يؤمن من دخول شيء من الهوام مع الماء في جوف الشارب من السقاء وهو لا يشعر يقتضي أنه لو ملأ السقاء وهو يشاهد الماء الداخل وأحكم ربطه ثم شرب منه بعد لا يتناوله النهي، وما روي في حديث عائشة بسند قوي عند الحاكم بلفظ ينهى أن يشرب من في السقاء لأن ذلك ينتنه يقتضي أن يكون النهي خاصًّا بمن شرب فيتنفس داخله أو باشر بفتح باطن السقاء فلو صمت من فم السقاء داخل فمه من غير مماسة فلا. 5629 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الشُّرْبِ مِنْ فِى السِّقَاءِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء آخره عين مهملة مصغرًا قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: نهى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الشرب من في السقاء) وقد قيل في علة ذلك زيادة على ما سبق أنه ربما يغلبه الماء فينصب منه أكثر من حاجته فتبتل ثيابه وربما فسد الوعاء ويتقذره غيره لما يخالط الماء من ريق الشارب فيؤول إلى إضاعة المال. قال ابن العربي: واحدة مما ذكر تكفي في ثبوت الكراهة ومجموعها يقوّي الكراهة جدًّا. وقال ابن أبي حمزة الذي يقتضيه الفقه أنه لا يبعد أن يكون النهي بمجموع هذه الأمور وفيها ما يقتضي الكراهة وما يقتضي التحريم والقاعدة في مثل ذلك ترجيح القول بالتحريم انتهى. وقول النووي يؤيد كون النهي للتنزيه أحاديث الرخصة في ذلك تعقبه في الفتح بأنه لم ير في شيء من الأحاديث المرفوعة ما يدل

25 - باب التنفس فى الإناء

على الجواز إلا من فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأحاديث النهي كلها من قوله فهي أرجح إذا نظرنا إلى علة النهي عن ذلك، فإن جميع ما ذكروه في ذلك يقتضي أنه مأمون منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أما أوّلاً فلعصمته وطيب نكهته وأما خوف دخول شيء من الهوام في الجوف فقد سبق ما فيه. وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة في الأشربة. 25 - باب التَّنَفُّسِ فِى الإِنَاءِ (باب التنفس) أي حكمه ولأبي ذر باب النهي عن التنفس (في الإناء). 5630 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِى الإِنَاءِ وَإِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَمْسَحْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَإِذَا تَمَسَّحَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا شيبان) بالشين المعجمة ابن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا شرب أحدكم) ماء أو غيره (فلا يتنفس في) داخل (الإناء) خوف ما ذكره من تقذر في الباب السابق فلو كان وحده أو مع من لا يتقذر منه فلا بأس به (وإذا بال أحدكم فلا يمسح ذكره) ولا دبره (بيمينه وإذا تمسح أحدكم فلا يتمسح بيمينه) تشريفًا لليمين عن مماسة ما فيه أذى والنهي للتنزيه عند الجمهور ومباحث ذلك مرت في باب النهي عن الاستنجاء باليمين في الطهارة. 26 - باب الشُّرْبِ بِنَفَسَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ (باب الشرب بنفسين أو ثلاثة). 5631 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ قَالاَ: حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ أَنَسٌ يَتَنَفَّسُ فِى الإِنَاءِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَتَنَفَّسُ ثَلاَثًا. وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (وأبو نعيم) الفضل بن دكين (قالا: حدّثنا عزرة) بفتح العين المهملة وسكون الزاي بعدها راء فهاء تأنيث (ابن ثابت) التابعي الصغير الأنصاري الأصل المدني نزيل البصرة (قال: أخبرني) بالإفراد (ثمامة بن عبد الله) بضم المثلثة وتخفيف الميم ابن أنس (قال: كان أنس) أي جده -رضي الله عنه- (يتنفس في) الشرب من (الإناء مرتين أو ثلاثًا) بأن يبين الإناء عن فمه ثم يتنفس خارجه ثم ليعد ولا يجعل نفسه داخل الإناء لأنه قد يقع منه شيء من الريق فيعافه الشارب وأو للتنويع أو للشك من الراوي وفي حديث ابن عباس رفعه بسند ضعيف عند الترمذي لا تشربوا واحدة كما يشرب البعير ولكن اشربوا مثنى وثلاث ولم يقل أو (وزعم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي قال: (كان يتنفس ثلاثًا). ولمسلم والسنن من طريق عاصم هو أروى وأمرأ وأبرأ أي أكثر ربا وأمرأ بالميم صار مريئًا وأبرأ بالهمز أي يبرئ من الأذى والعطش فهو أقمع للعطش وأقوى على الهضم وأقل أثرًا في برد المعدة وضعف الأعصاب، وفي حديث أبي هريرة المروي في الأوسط للطبراني بسند حسن أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يشرب في ثلاثة أنفاس إذا أدنى الإناء إلى فيه سمى الله فإذا أخّره حمد الله يفعل ذلك ثلاثًا. وحديث الباب أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة في الأشربة والنسائي في الوليمة. 27 - باب الشُّرْبِ فِى آنِيَةِ الذَّهَبِ (باب) حكم (الشرب في آنية الذهب). 5632 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى قَالَ: كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَايِنِ، فَاسْتَسْقَى، فَأَتَاهُ دِهْقَانٌ بِقَدَحِ فِضَّةٍ، فَرَمَاهُ بِهِ فَقَالَ: إِنِّى لَمْ أَرْمِهِ إِلاَّ أَنِّى نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ وَإِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَانَا عَنِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالشُّرْبِ فِى آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَقَالَ: «هُنَّ لَهُمْ فِى الدُّنْيَا، وَهْىَ لَكُمْ فِى الآخِرَةِ». وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية مصغرًا (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن أنه (قال: كان حذيفة) بن اليمان (بالمدائن) مدينة عظيمة على دجلة بينها وبين بغداد سبعة فراسخ بها إيوان كسرى (فاستسقى) طلب ماء ليشرب (فأتاه دهقان) بكسر الدال المهملة وسكون الهاء وفتح القاف وبعد الألف نون كبير القرية بالفارسية ولم أقف على اسمه (بقدح فضة) بالإضافة (فرماه به) فكسره (فقال) معتذرًا لمن حضره (إني لم أرمه إلا أني نهيته) أن يسقيني فيه (فلم ينته وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهانا) نهي تحريم (عن) استعمال (الحرير والديباج) في اللبس والديباج ثياب متخذة من إبريسم فارسيّ معرّب (و) عن (الشرب في آنية الذهب والفضة) وعند أحمد من طريق مجاهد عن ابن أبي ليلى نهى أن يشرب في آنية الذهب والفضة وأن يؤكل فيها (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هنّ) بنون مشددة ولأبي داود هي ولمسلم هو أي ما ذكر (لهم)

28 - باب آنية الفضة

أي للكفار كما يدل عليه السياق (في الدنيا) يستعملونها مخالفة للمسلمين (وهي لكم) معاشر المؤمنين تستعملونها (في الآخرة) مكافأة لكم على تركها في الدنيا ويمنعها أولئك جزاء لهم على معصيتهم باستعمالها كذا قرّره الإسماعيلي. وهذا الحديث مرّ في باب الأكل في إناء مفضض من كتاب الأطعمة. 28 - باب آنِيَةِ الْفِضَّةِ (باب) حكم استعمال (آنية الفضة). 5633 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ حُذَيْفَةَ وَذَكَرَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَشْرَبُوا فِى آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلاَ تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِى الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِى الآخِرَةِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) أبو موسى العنزي الحافظ قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد واسم أبي عدي إبراهيم البصري (عن ابن عون) عبد الله (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن أنه (قال: خرجنا مع حذيفة) بن اليمان، زاد الإسماعيلي إلى بعض السواد فاستسقى فأتاه دهقان بإناء من فضة فرماه به في وجهه قال: فقلنا اسكتوا فإنّا إن سألناه لم يحدّثنا قال: فسكتنا فلما كان بعد ذلك قال: أتدرون لِمَ رميته بهذا في وجهه؟ قلنا: لا. قال: ذاك أني كنت نهيته قال: (وذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة) ويقاس بالشرب والأكل غيرهما وإنما خصا بالذكر لغلبتهما وهل حرم الذهب والفضة لعينهما أو للسرف أو للخيلاء قولان. الجديد أنهما لعينهما، وقد يعللون بالثاني فالوجه مراعاة كل منهما في الآخر شرطًا ليصح الحكم في المموّه والمغشى بنحاس وليفارق الضعيف المعلل بالثاني في المموّه وفهم من حرمتهما حرمة الاستئجار لفعلهما وأخذ الأجرة على صنعتهما وعدم الغرم على كاسر ذلك كآلات الملاهي ومن التقييد بالذهب والفضة حلّ غيرهما ولو من جوهر نفيس كياقوت لانتفاء علة التحريم (ولا تلبسوا الحرير والديباج فإنها) أي جميع ما نهى عنه (لهم في الدنيا) يتعلق قوله لهم بخبر إن والضمير يعود على المشركين أو على من عصى بها من المؤمنين فإنه لا ينعم بها في الآخرة وإن دخل الجنة (ولكم في الآخرة) أي الاختصاص بها لمن اجتنبها في الدنيا. 5634 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الَّذِى يَشْرَبُ فِى إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِى بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالتوحيد (مالك بن أنس) الأصبحي الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن زيد بن عبد الله بن عمر) التابعي الثقة (عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق) -رضي الله عنه- (عن) خالته (أم سلمة) هند بنت أبي أمية -رضي الله عنها- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الذي يشرب في إناء الفضة) ولأبي ذر: في آنية الفضة ولمسلم من طريق عثمان بن مرّة عن عبد الله بن عبد الرحمن من شرب من إناء ذهب أو فضة وله أيضًا من رواية عليّ بن مسهر عن عبيد الله بن عمر العمري عن نافع أن الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة لكن تفرّد علي بن مسهر بقوله يأكل (إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) بضم التحتية وفتح الجيم الأولى وكسر الثانية بينهما راء ساكنة وآخره راء أيضًا صوت تردد البعير في حنجرته إذا هاج وصب الماء في الحلق كالتجرجر والتجرجر أن يجرعه جرعًا متداركًا جرجر الشراب وجرجره سقاه على تلك الصفة، وقول النووي اتفقوا على كسر الجيم الثانية من يجرجر تعقب بأن الموفق ابن حمزة في كلامه على المهذّب حكى فتحها، وحكى الوجهين ابن الفركاح وابن مالك في شواهد التوضيح وتعقب بأنه لا يعرف أن أحدًا من الحفاظ رواه مبنيًّا للمفعول ويبعد اتفاق الحفاظ قديمًا وحديثًا على ترك رواية ثابتة قال: وأيضًا إسناده إلى الفاعل هو الأصل إلى المفعول فرع فلا يصار إليه بغير فائدة، وقوله نار جهنم بنصب نار في الفرع على أن الجرجرة هي التي تصوّت في البطن والأشهر الأول. وقال في شرح المشكاة: وأما الرفع فمجاز لأن جهنم في الحقيقة لا تجرجر في جوفه والجرجرة صوت البعير عند الضجر ولكنه جعل صوت تجرّع الإنسان للماء في هذه الأواني المخصوصة لوقوع النهي عنها واستحقاق العقاب على استعمالها كجرجرة نار جهنم في بطنه من طريق المجاز وقد يجعل

يجرجر بمعنى يصب ويكون نار جهنم منصوبًا على أن ما كافة أو مرفوعًا على أنه خبر إن واسمها ما الموصولة ولا تجعل حينئذ كافة، وفي الحديث حرمة استعمال الذهب والفضة في الأكل والشرب والطهارة والأكل بملعقة من أحدهما والتجمر بمجمرة والبول في الإناء وحرمة الزينة به واتخاذه، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة وإنما فرّق بينهما في التحلي لما يقصد فيها من الزينة للزوج ولا في الإناء بين الكبير والصغير ولو بقدر الضبة الجائزة كإناء الغالية وخرج بالتقييد بالاستعمال والزينة والاتخاذ حلّ شم رائحة مجمرة الذهب والفضة من بعد قال في المجموع: أن يكون بعدها بحيث لا يعدّ متطيّبًا بها فإن جمّر بها ثيابه أو بيته حرم وإن ابتلي بطعام فيهما فليخرجه إلى إناء آخر من غيرهما أو بدهن في إناء من أحدهما فليصبه في يده اليسرى ويستعمله. ورجال هذا الحديث كلهم مدنيون وأخرجه مسلم في الأطعمة والنسائي في الوليمة وابن ماجة في الأشربة. 5635 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَإِجَابَةِ الدَّاعِى، وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ، وَعَنِ الشُّرْبِ فِى الْفِضَّةِ وَعَنِ الْمَيَاثِرِ، وَالْقَسِّىِّ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالإِسْتَبْرَقِ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن الأشعث) ولأبي ذر عن أشعث (بن سليم) بضم السين مصغرًا (عن معاوية بن سويد بن مقرّن) بضم الميم وفتح القاف وكسر الراء المشددة بعدها نون (عن البراء بن عازب) -رضي الله عنه- أنه (قال: أمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسبع) أي بسبع خصال أو نحوه فمميز العدد محذوف ومنها ما هو للإيجاب وما هو للندب لا يقال إن ذلك من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه لأن ذلك إنما هو في صيغة أفعل أما لفظ الأمر فيطلق عليهما حقيقة على المرجح لأنه حقيقة في القول المخصوص (ونهانا عن سبع أمرنا) بدل من أمرنا الأول (بعيادة المريض) مصدر مضاف إلى مفعوله والأصل في عيادة عوادة لأنه مَن عاده يعوده فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها من مادّة العود وهو الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه إما بالذات أو بالقول أو بالعزم وقد يطلق العود على الطريق القديم فإن أخذ من الأول فقد يشعر بتكرار العيادة وإن أخذ من الثاني بعد نقله عرفًا إلى الطريق لم يدل على ذلك قاله في شرح الإلمام. (واتّباع الجنازة) بتشديد المثناة الفوقية (وتشميت العاطس) بالشين المعجمة في الأولى بأن يقول له يرحمك الله إذا حمد الله (وإجابة الداعي) إلى الوليمة أو غيرها (وإفشاء السلام) انتشاره وظهوره (ونصر المظلوم) إعانته سواء كان مسلمًا أو ذميًّا وكفّه عن الظلم (وإبرار المقسم) بكسر الهمزة في الأول وضم الميم وكسر السين بينهما قاف ساكنة آخره ميم مصدر مضاف إلى المفعول كالسوابق وهي اتّباع الجنازة وما بعدها والمعنى إبرار يمين المقسم ولأبي ذر: وإبرار القسم بفتح القاف والسين بغير ميم قبل القاف الحلف وهو مصدر محذوف الزوائد لأن الأصل أقسم إقسامًا، ويحتمل أن يكون المراد إبرار الإنسان قسم نفسه بأن يفي بمقتضى يمينه أو إبرار قسم غيره بأن لا يحنثه (ونهانا عن) لبس (خواتيم الذهب) جمع خاتم بكسر التاء وفتحها وخيتام وخاتام أربع لغات (وعن الشرب في الفضة أو قال آنية الفضة) ففي آنية الذهب أولى والشك من الراوي وذكر الشراب ليس قيدًا بل خرج مخرج الغالب (وعن) استعمال (المياثر) بفتح الميم والتحتية وبعد الألف مثلثة مكسورة فراء جمع ميثرة بكسر الميم وسكون التحتية من غير همز والأصل مؤثرة بالواو المكسورة وما قبلها فقلبت ياء لسكونها بعد الكسر لأنها من الوثار وهو الفراش الوطيء وهو من مراكب العجم يعمل من حرير أو ديباج ويتخذ كالفراش الصغير ويحشى بقطن أو صوف يجعلها فوق الرحل والسرج (و) عن استعمال ثياب (القسي) بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة وتشديد التحتية أيضًا نسبة إلى قرية على ساحل بحر مصر قريبة من تنيس يعمل بها ثياب من كتان مخلوط بحرير، وفي البخاري فيها حرير أمثال الأترج وفي أبي داود عن علي -رضي الله عنه- أنه ثياب من الشام أو من مصر يصنع فيها أمثال الأترج. قال النووي: إن كان

29 - باب الشرب فى الأقداح

حريرها أكثر فالنهي للتحريم وإلاّ فللتنزيه (وعن لبس الحرير) بضم اللام (والديباج) بكسر الدال وتفتح آخره جيم ما غلظ وثخن من ثياب الحرير (والإستبرق) بكسر الهمزة غليظ الديباج فارسي معرّب قاله الجواليقي، وذكره بعد الديباج من ذكر الخاص بعد العام أو أريد به ما رق من الديباج ليقابل ما غلظ منه فهو من التعبير عن الخاص بالعام واعلم أن هذه المنهيات كلها للتحريم بخلاف الأوامر. وهذا الحديث قد مرّ في أوائل الجنائز في باب الأمر باتباع الجنائز. 29 - باب الشُّرْبِ فِى الأَقْدَاحِ (باب) جواز (الشرب في الأقداح). 5636 - حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَالِمٍ أَبِى النَّضْرِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ أَنَّهُمْ شَكُّوا فِى صَوْمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ عَرَفَةَ فَبُعِثَ إِلَيْهِ بِقَدَحٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَهُ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عمرو بن عباس) بفتح العين وسكون الميم في الأول وبالموحدة المشددة والسين المهملة في الثاني البصري قال: (حدّثنا عبد الرحمن) بن مهدي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن سالم أبي النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة مولى عمر بن عبيد الله (عن عمير) بضم العين مصغرًا (مولى أم الفضل عن أم الفضل) لبابة أم عبد الله بن عباس رضي الله عنهم (أنهم شكوا في صوم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم عرفة) وهو بعرفة (فبعث) بضم الموحدة وكسر العين مبنيًّا للمفعول وفي الحج من طريق سفيان عن الزهري عن سالم أبي النضر فبعثت بسكون المثلثة وفي رواية فبعثت بسكون آخره أي لبابة (إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بقدح من لبن فشربه). وهذا الحديث سبق في الحج والصوم. 30 - باب الشُّرْبِ مِنْ قَدَحِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَآنِيَتِهِ وَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: قَالَ لِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: أَلاَ أَسْقِيكَ فِى قَدَحٍ شَرِبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِ (باب الشرب من قدح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) الشرب من (آنيته) وهو من عطف العام على الخاص للتبرك به (وقال أبو بردة): عامر بن أبي موسى الأشعري مما وصله مطوّلاً في كتاب الاعتصام (قال لي عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام الصحابي المشهور -رضي الله عنه- (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام للعرض (أسقيك في قدح شرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه)؟ 5637 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضى الله عنه - قَالَ: ذُكِرَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةٌ مِنَ الْعَرَبِ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ السَّاعِدِىَّ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَقَدِمَتْ. فَنَزَلَتْ فِى أُجُمِ بَنِى سَاعِدَةَ، فَخَرَجَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى جَاءَهَا فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَإِذَا امْرَأَةٌ مُنَكِّسَةٌ رَأْسَهَا، فَلَمَّا كَلَّمَهَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَقَالَ: «قَدْ أَعَذْتُكِ مِنِّى»، فَقَالُوا: لَهَا أَتَدْرِينَ مَنْ هَذَا؟ قَالَتْ: لاَ. قَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ لِيَخْطُبَكِ. قَالَتْ: كُنْتُ أَنَا أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ. فَأَقْبَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَئِذٍ حَتَّى جَلَسَ فِى سَقِيفَةِ بَنِى سَاعِدَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ثُمَّ قَالَ: اسْقِنَا يَا سَهْلُ، فَخَرَجْتُ لَهُمْ بِهَذَا الْقَدَحِ فَأَسْقَيْتُهُمْ فِيهِ. فَأَخْرَجَ لَنَا سَهْلٌ ذَلِكَ الْقَدَحَ فَشَرِبْنَا مِنْهُ، قَالَ: ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَهَبَهُ لَهُ. وبه قال (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) سالم الجمحي مولاهم المصري ونسبه لجده واسم أبيه محمد بن الحكم بن أبي مريم قال (حدّثنا أبو غسان) بالغين المعجمة المفتوحة والسين المهملة المشددة محمد بن مطرف بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الراء المكسورة بعدها قال (حدّثني) بالإفراد (أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي (-رضي الله عنه-) أنه (قال ذكر) بضم المعجمة وكسر الكاف (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امرأة من العرب) هي الجونية بضم الجيم وسكون الواو وكسر النون واسمها فيما قيل أميمة فأراد أن يتزوجها (فأمر أبا أسيد) بضم الهمزة وفتح المهملة مالك بن ربيعة (الساعدي) -رضي الله عنهما- (أن يرسل إليها) من يأتي بها (فأرسل إليها فقدمت فنزلت في أجم بني ساعدة) بضم الهمزة والجيم بناء يشبه القصر وهو من حصون المدينة (فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى جاءها فدخل عليها فإذا امرأة منكسة) بكسر الكاف المشددة (رأسها فلما كلمها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي كتاب الطلاق قال: "هبي نفسك لي" (قالت) لشقائها (أعوذ بالله منك، فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قد أعذتك مني) الحقي بأهلك، (فقالوا لها أنذرين مَن هذا؟ قالت: لا، قالوا: هذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاء ليخطبك. قالت: كنت أنا أشقى من ذلك) يعني لما فاتها من التزويج به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأقبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومئذ حتى جلس في سقيفة بني ساعدة) موضع المبايعة بالخلافة لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (هو وأصحابه ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اسقنا يا سهل) قال سهل (فخرجت لهم بهذا القدح) وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي فأخرجت لهم هذا القدح (فأسقيتهم فيه) قال أبو حازم: (فأخرج لنا سهل ذلك القدح) الذي شرب منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فشربنا منه) تبركًا به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: ثم استوهبه عمر بن عبد العزيز بعد ذلك) لما كان أميرًا بالمدينة زادها الله شرفًا ورزقني الوفاة في عافية بلا محنة من سهل (فوهبه له) قال في الفتح:

31 - باب شرب البركة والماء المبارك

وليست الهبة حقيقة بل من جهة الاختصاص. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأشربة. 5638 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ قَالَ: حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ قَالَ: رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَ قَدِ انْصَدَعَ فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ قَالَ: وَهْوَ قَدَحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ مِنْ نُضَارٍ قَالَ أَنَسٌ: لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى هَذَا الْقَدَحِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِنَّهُ كَانَ فِيهِ حَلْقَةٌ مِنْ حَدِيدٍ فَأَرَادَ أَنَسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ: لاَ تُغَيِّرَنَّ شَيْئًا صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَرَكَهُ. وبه قال (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (الحسن بن مدرك) بفتح الحاء في الأول وضم الميم وكسر الراء في الثاني الطحان أبو علي البصري الحافظ (قال: حدّثني) بالإفراد (يحيى بن حماد) الشيباني مولاهم ختن أبي عوانة قال (أخبرنا أبو عوانة) الوضاح (عن عاصم الأحول) بن سليمان أي عبد الرحمن البصري الحافظ أنه (قال: رأيت قدح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند أنس بن مالك) -رضي الله عنه- وفي مختصر البخاري للقرطبي أن في بعض النسخ القديمة من البخاري. قال أبو عبد الله البخاري: رأيت هذا القدح بالبصرة وشربت فيه، وكان اشترى من ميراث النضر بن أنس بثمانمائة ألف (وكان قد انصدع) أي انشق (فسلسله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو أنس أي وصل بعضه ببعض (بفضة، قال) عاصم: (وهو قدح جيد عريض) ليس بمتطاول بل طوله أقصر من عمقه (من) خشب (نضار) بنون مضمومة ومعجمة مخففة والنضار الخالص من كل شيء وقد قيل إنه عود أصفر يشبه لون الذهب وقيل إنه من الأثل وقيل من شجر النبع (قال) عاصم: (قال أنس) -رضي الله عنه- (لقد سقيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا القدح أكثر من كذا وكذا) ولمسلم من طريق ثابت عن أنس لقد سقيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقدحي هذا الشراب كله العسل والنبيذ والماء واللبن (قال) عاصم (وقال ابن سيرين) محمد (إنه كان فيه) في القدح (حلقة من حديد) بسكون اللام كاللاحقة (فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة) بالشك من الراوي أو هو تردد من أن عند إرادة ذلك (فقال له أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري زوج أم أنس: (لا تغيرن شيئًا صنعه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتركه) وقوله تغيرن بفتح الراء ونون التوكيد الثقيلة ولأبي ذر عن الكشميهني لا تغير بصيغة النهي من غير تأكيد، وفي الحديث جواز اتخاذ ضبة الفضة والسلسلة والحلقة أيضًا مما اختلف فيه ومنع ذلك مطلقًا جماعة من الصحابة والتابعين وهو قول مالك والليث وعن مالك يجوز من الفضة إذا كان يسيرًا وكرهه الشافعي قال: لئلا يكون شاربًا على فضة وأخذ بعضهم أن الكراهة تختص بما إذا كانت الفضة موضع الشرب وبذلك صرّح الحنفية وقال به أحمد، والذي تقرّر عند الشافعية تحريم ضبة الفضة إذا كانت كبيرة للزينة وجوازها إذا كانت صغيرة لحاجة أو صغيرة لزينة أو كبيرة لحاجة وتحريم ضبة الذهب مطلقًا وأصل ضبة الإناء ماء يصلح لها خلله من صفيحة أو غيرها وإطلاقها على ما هو للزينة توسع ومرجع الكبيرة والصغيرة العرف على الأصح، وقيل وهو الأشهر الكبيرة ما تستوعب جانبًا من الإناء كشفة وأذن والصغيرة دون ذلك فإن شك في الكبر فالأصل الإباحة قاله في شرح المهذّب، والمراد بالحاجة غرض الإصلاح دون التزيين ولا يعتبر العجز عن غير الذهب والفضة لأن العجز عن غيرهما يبيح استعمال الإناء الذي كله ذهب أو فضة فضلاً عن المضبب. وهذا الحديث قد سبق منه قطعة في باب ما جاء في درع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من كتاب الجهاد. 31 - باب شُرْبِ الْبَرَكَةِ وَالْمَاءِ الْمُبَارَكِ (باب شرب البركة والماء المبارك) قال العيني: أراد بالبركة الماء وقال المهلب فيما نقله عنه في فتح الباري سمى الماء بركة لأن الشيء إذ كان مباركًا فيه سمي بركة وزاد الكرماني فقال كما قال أيوب لا غنى لي عن بركتك فسمى الذهب بركة. 5639 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ حَدَّثَنِى سَالِمُ بْنُ أَبِى الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُنِى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ حَضَرَتِ الْعَصْرُ وَلَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ غَيْرَ فَضْلَةٍ فَجُعِلَ فِى إِنَاءٍ فَأُتِىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَفَرَّجَ أَصَابِعَهُ، ثُمَّ قَالَ: «حَىَّ عَلَى أَهْلِ الْوُضُوءِ الْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ». فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَتَفَجَّرُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ. فَتَوَضَّأَ النَّاسُ وَشَرِبُوا. فَجَعَلْتُ لاَ آلُومَا جَعَلْتُ فِى بَطْنِى مِنْهُ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ بَرَكَةٌ. قُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ. تَابَعَهُ عَمْرٌو عَنْ جَابِرٍ وَقَالَ حُصَيْنٌ وَعَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً وَتَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ جَابِرٍ. وبه قال (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن مهران قال (حدّثني) بالإفراد (سالم بن أبي الجعد) الأشجعي مولاهم الكوفي (عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- هذا الحديث) قال الكرماني أشار إلى الذي بعده (قال: قد رأيتني) أي رأيت نفسي (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد) أي والحال أن قد (حضرت العصر) أي صلاتها (وليس معنا ماء غير فضلة فجعل) ما فضل (في إناء فأتي النبي

75 - كتاب المرضى

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- به) بضم همزة فأتي وكسر الفوقية (فأدخل يده) الكريمة (فيه وفرّج أصابعه ثم قال): (حيّ على أهل الوضوء) بفتح الواو (البركة من الله) أي هذا الذي ترونه من زيادة الماء إنما هو من فضل الله وبركته ليس مني وهو الموجد للأشياء لا غيره وللنسفي على الوضوء بإسقاط لفظ أهل، قال في الفتح والعمدة والتنقيح: وهو أصوب كما في الحديث الآخر حيّ على الطهور المبارك، وتعقبه في المصابيح فقال كل صواب فإن حيّ بمعنى أقبل فإن كان المخاطب المأمور بالإقبال هو الذي يريد به الطهور كان سقوط أهل صوابًا أي أقبل أيها المريد للتطهر على الماء الطهور وإن جعلنا المخاطب هو الماء أراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انبعاثه وتفجره من بين أصابعه نزله منزلة المخاطب تجوّزًا بإثبات أهل صواب أي أقبل أيها الماء الطهور على أهل الوضوء ووجه القاضي هذه الرواية بأن يكون أهل منصوبًا على النداء بحذف حرف النداء كأنه قال: حي على الوضوء المبارك يا أهل الوضوء لكن يلزم عليه حذف المجرور وبقاء حرف الجر غير داخل في اللفظ على معموله وهو باطل ولا أعلم أحدًا أجازه، وقيل الصواب حي هلا على الوضوء المبارك فتحرفت لفظة أهل وحوّلت عن مكانها وحي اسم فعل للأمر بالإسراع وتفتح لسكون ما قبلها وهلا بتخفيف اللام وتنوينها كلمة استعجال. وقال الكرماني وفي بعضها حيّ على بتشديد الياء وأهل الوضوء منادى محذوف منه حرف النداء. قال جابر: (فلقد رأيت الماء يتفجر من بين أصابعه) من نفسها أو من بينها لا من نفسها وكلاهما معجزة عظيمة والأول أقعد في المعجزة كما لا يخفى (فتوضأ الناس) من ذلك الماء (وشربوا) منه قال جابر (فجعلت لا آلو ما جعلت في بطني منه فعلمت أنه بركة) آلو بالمد وتخفيف اللام المضمومة أي لا أقصر والمعنى أنه جعل يستكثر من شربه من ذلك الماء لأجل البركة وشرب البركة يغتفر فيه الإكبار لا كالشرب المعتاد الذي ورد أن يجعل له الثلث فلأجل ذلك أكثر وإن كان فوق الري قال سالم بن أبي الجعد (قلت لجابر كم كنتم يومئذ قال ألفًا) أي كنا ألفًا (وأربعمائة) وللأكثرين كما في الفتح وغيره ألف بالرفع أي ونحن يومئذ ألف (تابعه) أي تابع سالمًا (عمرو بن دينار عن جابر) وثبت ابن دينار لأبي الوقت وهذه المتابعة وصلها المؤلّف في سورة الفتح مختصرًا بلفظ كنا يوم الحديبية ألفًا وأربعمائة قال الحافظ ابن حجر وهذا القدر هو مقصود بالمتابعة لا جميع سياق الحديث. (وقال حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين فيما وصله المؤلّف في المغازي (وعمرو بن مرة) بفتح العين ومرة بضم الميم وتشديد الراء المفتوحة الجهني فيما وصله مسلم وأحمد كلاهما (عن سالم) هو ابن أبي الجعد (عن جابر خمس عشرة مائة، وتابعه) أيضًا (سعيد بن المسيب عن جابر) قال الكرماني فإن قلت: القياس أن يقال ألف وخمسمائة، وأجاب: بأنه أراد الإشارة إلى عدد الفرق وإن كل فرقة مائة، وفي التفصيل زيادة تقرير لكثرة الشاربين فهو أقوى في بيان كونه خارقًا للعادة كما أن خروج الماء من اللحم أخرق لها من خروجه من الحجر الذي ضربه موسى عليه السلام. هذا آخر ربيع الثالث من صحيح البخاري فيما ضبطه المعتنون بشأن البخاري فيما نقله في الكواكب الدراري. بسم الله الرحمن الرحيم 75 - كتاب المرضى 1 - باب مَا جَاءَ فِى كَفَّارَةِ الْمَرَضِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (باب ما جاء في كفارة المرض) ولأبي ذر كما في الفرع كتاب المرضى. وقال في الفتح: كتاب المرضى باب ما جاء في كفارة المرض كذ لهم إلا أن البسملة سقطت لأبي ذر، وخالفهم النسفيّ فلم يفرد كتاب المرضى من كتاب الطب بل صدر بكتاب الطب ثم بسمل ثم ذكر باب ما جاء في كفارة المرض واستمر على ذلك إلى آخر كتاب الطب ولكل وجه، والمرضى جمع مريض والمرض خروج الجسم عن المجرى الطبيعي ويعبر عنه بأنه حالة تصدر بها الأفعال خارجة عن الموضوع لها غير سليمة والكفارة صيغة مبالغة من الكفر وهو التغطية

ومعناه أن ذنوب المؤمن تتغطى بما يقع له من ألم المرض، وقوله كفارة لمرض هو من الإضافة إلى الفاعل وأسند التكفير للمرض لكونه سببه. وقال في الكواكب: الإضافة بيانية كنحو شجر الأراك أي كفارة هي مرض أو الإضافة بمعنى في كأن المرض ظرف للكفارة بل هو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف وبهذا يجاب عن استشكال أن المرض ليست له كفارة بل هو الكفارة نفسها لغيره. (وقول الله تعالى) في سورة النساء ({من يعمل سوءًا بجز به}) [النساء: 123] استدلّ بهذه الآية المعتزلة على أنه تعالى لا يعفو عن شيء من السيئات. وأجيب: بأنه يجوز أن يكون المراد من هذا ما يصل للإنسان في الدنيا من الهموم والآلام والأسقام، ويدل له آية {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا} [المائدة: 38] وقد روي أنه لما نزلت هذه الآية. قال أبو بكر الصديق: كيف الفلاح بعد هذه الآية؟ فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض ألست تنصب ألست تحزن ألست تصيبك اللأواء" قال: بلى. قال: "فهو ما تجزون به". رواه أحمد وعبد بن حميد وصححه الحاكم، ورواه غيرهم أيضًا وعند أحمد والبيهقي وحسنه الترمذي عن آمنة بنت عبد الله قالت: سألت عائشة عن هذه الآية {من يعمل سوءًا يجز به} فقالت: سألت عنها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "يا عائشة هذه مبايعة الله العبد بما يصيبه من الهم والحزن والنكبة حتى البضاعة يضعها في كفه فيفقدها فيفزع لها فيجدها تحت ضبنه حتى أن العبد ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير". 5640 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنها (قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما من مصيبة تصيب المسلم) واحدة المصائب وهي كل ما يؤذي ويصيب يقال إصابة ومصابة ومصابًا والمصوبة بضم الصاد مثل المصيبة وأجمعت العرب على همز المصائب وأصله الواو وكأنهم شبهوا الأصلي بالزائد ويجمع على مصاوب وهو الأصل وقوله مصيبة تصيب من التجانس المغاير إذ إحدى كلمتي المادة اسم والأخرى فعل ومثله أزفت الآزفة (إلا كفر الله بها عنه) من سيئاته (حتى الشوكة يشاكها) جوّز أبو البقاء فيه أوجه الإعراب فالجر على أن حتى جارة بمعنى إلى والنصب بفعل محذوف أي حتى يجد الشوكة والرفع عطفًا على الضمير في تصيب، وقوله يشاكها بضم أوّله أي يشوكه غيره بها ففيه وصل الفعل لأن الأصل يشاك بها. وهذا الحديث أخرجه مسلم. 5641 - 5642 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الملك بن عمرو) بكسر اللام وفتح العين أبو عامر العقدي قال: (حدّثنا زهير بن محمد) أبو المنذر التميمي تكلم في حفظه لكن رواية البصريين عنه صحيحة بخلاف رواية الشاميين ولم يخرج له المؤلّف إلا هذا الحديث وآخر وتابعه على الأول الوليد بن كثير كما في مسلم (عن محمد بن عمرو بن حلحلة) بحاءين مهملتين مفتوحتين ولامين الأولى ساكنة (عن عطاء بن يسار) بالسين المهملة المخففة بعد التحتية (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري وعن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما يصيب المسلم من نصب) تعب (ولا وصب) مرض أو مرض دائم ملازم (ولا هم) بفتح الهاء وتشديد الميم (ولا حزن) بفتحتين ولغير أبي ذر ولا حزن بضم فسكون. قال في الفتح: هما من أمراض الباطن ولذلك ساغ عطفهما على الوصب انتهى. وقيل الهم يختص بما هو آت والحزن بما مضى (ولا أذى) يلحقه من تعدي الغير عليه (ولا غم) بالغين المعجمة وهو ما يضيق على القلب، وقيل: إن الهم ينشأ عن الفكر فيما يتوقع حصوله مما يتأذى به والحزن يحدث لفقد ما يشق على المرء فقده والغم كرب يحدث للقلب بسبب ما حصل.

وقال المظهري: الغم الحزن الذي يغم الرجل أي يصيره بحيث يقرب أن يغمى عليه والحزن أسهل منه (حتى الشوكة يشاكها) قال السفاقسي: حقيقة قوله يشاكها أن يدخلها غيره في جسده يقال شكته أشوكه قال الأصمعي ويقال شاكتني تشوكني إذا دخلت هي ولو كان المراد هذا القيل تشوكه ولكن جعلها هي مفعولة وهذا يرده ما في مسلم من رواية هشام بن عروة ولا يصيب المؤمن شوكة فأضاف الفعل إليها وهو الحقيقة ولكنه لا يمنع إرادة المعنى الأعم وهو أن تدخل هي بغير إدخال أحد أو بفعل أحد (إلا كفر الله بها من خطاياه). ولابن حبان "إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة" وفيه حصول الثواب ورفع العقاب. وفي حديث عائشة عند الطبراني في الأوسط بسند جيد من وجه آخر ما ضرب على مؤمن عرق إلاّ حط الله به عنه خطيئة وكتب له به حسنة ورفع له درجة. وفي حديث عائشة عند الإمام أحمد وصححه أبو عوانة والحاكم أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طرقه وجع فجعل يتقلب على فراشه ويشتكي فقالت له عائشة: لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال: إن الصالحين يشدد عليهم وأنه لا يصيب المؤمن نكبة تشوكه الحديث. وفيه رد على قول القائل إن الثواب والعقاب إنما هو على الكسب والمصائب ليست منه بل الأجر على الصبر عليها والرضا بها فإن الأحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت الثواب بمجرد حصولها وأما الصبر والرضا فقدر زائد لكن الثواب عليه زيادة على ثواب المصيبة. وحديث الباب أخرجه مسلم في الأدب والترمذي في الجنائز. 5643 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَالْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ تُفَيِّئُهَا الرِّيحُ مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا مَرَّةً، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَالأَرْزَةِ لاَ تَزَالُ حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً» وَقَالَ زَكَرِيَّاءُ حَدَّثَنِى سَعْدٌ حَدَّثَنَا ابْنُ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري (عن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الله بن كعب عن أبيه) كعب بن مالك الأنصاري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (مثل المؤمن كالخامة) بالخاء المعجمة والميم المخففة الطاقة الغضة الطرية اللينة (من الزرع) والألف في الخامة منقلبة عن واو (تفيئها) تميلها (الريح مرة وتعدلها) بفتح الفوقية وسكون العين المهملة (مرة) ووجه التشبيه أن المؤمن من حيث إنه إن جاءه أمر الله انطاع له رضي به فإن جاءه خير فرح به وشكر وإن وقع به مكروه صبر ورجا فيه الأجر فإذا اندفع عنه اعتدل شاكرًا قاله المهلب والناس في ذلك على أقسام منهم من ينظر إلى أجر البلاء فيهون عليه البلاء، ومنهم من يرى أن هذا من تصرف المالك في ملكه فيسلم ولا يتعرض ومنهم من تشغله المحبة عن طلب رفع البلاء وهذا أرفع من سابقه ومنهم من يتلذذ به وهذا أرفع الأقسام قاله أبو الفرج بن الجوزي. وقال الزمخشري في الفائق: قوله من الزرع صفة للخامة لأن التعريف في الخامة للجنس وتفيئها يجوز أن يكون صفة أخرى للخامة وأن يكون حالاً من الضمير المتحول إلى الجار والمجرور، وهذا التشبيه يجوز أن يكون تمثيليًّا فيتوهم للمشبه ما للمشبه به وأن يكون معقولاً بأن تؤخذ الزبدة من المجموع وفيه إشارة إلى أن المؤمن ينبغي له أن يرى نفسه في الدنيا عارية معزولة عن استيفاء اللذات والشهوات معروضة للحوادث والمصيبات مخلوقة للآخرة لأنها جنته ودار خلوده (ومثل المنافق كالأرزة) بفتح الهمزة والزاي بينهما راء ساكنة نبات ليس في أرض العرب ولا ينبت في السباخ بل يطول طولاً شديدًا ويغلظ حتى لو أن عشرين نفسًا أمسك بعضهم بيد بعض لم يقدروا على أن يحضنوها وقيل هو ذكر الصنوبر وأنه لا يحمل شيئًا وإنما يستخرج من أغصانه الزفت ولا يحركه هبوب الريح (لا تزال حتى يكون انجعافها) بسكون النون وكسر الجيم وفتح العين المهملة بعد الألف فاء انقلاعها أو انكسارها من وسطها (مرة واحدة) ووجه التشبيه أن المنافق لا يتفقده الله باختباره بل يجعل له التيسير في الدنيا ليتعسر عليه الحال في المعاد حتى إذا أراد الله إهلاكه تصمه فيكون موته أشد عذابًا عليه وأكثر ألمًا في خروج نفسه. وهذا

2 - باب شدة المرض

الحديث أخرجه مسلم في التوبة والنسائي في الطب. (وقال زكريا) بن أبي زائدة فيما وصله مسلم (حدّثني) بالإفراد (سعد) هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (حدّثنا ابن كعب) عبد الله (عن أبيه كعب) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وفائدة هذا التصريح بالتحديث عن سعد وفي رواية سفيان الأولى تسمية ابن كعب المبهم في هذا التعليق لكن في مسلم عن سفيان تسميته عبد الرحمن بن كعب ولعل هذا هو السر في إبهامه في رواية زكريا قاله في الفتح. 5644 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِىٍّ مِنْ بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ كَفَأَتْهَا فَإِذَا اعْتَدَلَتْ تَكَفَّأُ بِالْبَلاَءِ، وَالْفَاجِرُ كَالأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حَتَّى يَقْصِمَهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ». وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) أبو إسحاق الحزامي (قال: حدّثني) بالتوحيد (محمد بن فليح قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) فليح بن سليمان (عن هلال بن علي من بني عامر بن لؤي) بالولاء وليس من أنفسهم مدني تابعي صغير موثق (عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مثل المؤمن) في الرضا بالقضاء وشكره على السراء والضراء (كمثل الخامة من الزرع) صفة لخامة وهي أول ما تنبت على ساق واحد (من حيث أتتها الريح كفأتها) بفتح الكاف والفاء والهمزة وسكون الفوقية إمالتها (فإذا اعتدلت تكفأ) بفتح الفوقية والكاف والفاء المشدّدة بعدها همزة أي تقلب (بالبلاء). قال الكرماني فإن قلت: البلاء إنما يستعمل بالمؤمن فالمناسب أن يقال بالريح أي إذا اعتدلت تكفأ بالريح كما يتكفأ المؤمن بالبلاء. وأجاب: بأن الريح أيضًا بلاء بالنسبة إلى الخامة أو أنه لما شبه المؤمن بالخامة أثبت للمشبه به ما هو من خواص المشبه انتهى. وقال في الفتح: ويحتمل أن يكون جواب إذا محذوفًا أي فإذا اعتدلت الريح استقامت الخامة ويكون قوله بعد ذلك تكفأ بالبلاء رجوعًا إلى وصف المسلم قال: ويؤيده ما في كتاب التوحيد عن محمد بن شأن بلفظ فإذا سكنت اعتدلت وكذا المؤمن يكفأ بالبلاء. (والفاجر كالأرزة) بفتح الهمزة وسكون الراء وفتحها (صماء) أي صلبة شديدة من غير تجويف (معتدلة حتى يقصمها الله) تعالى بالقاف أي يكسرها (إذا شاء) فيكون موته أشد عذابًا عليه وأكثر ألمًا في خروج نفسه من المؤمن المبتلي بالبلاء المثاب عليه. 5645 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ أَبَا الْحُبَابِ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة) المازني أنه (قال: سمعت سعيد بن يسار أبا الحباب) بضم الحاء المهملة وتخفيف الموحدة من علماء المدينة (يقول: سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من يرد الله به خيرًا يصب منه) بضم التحتية وكسر الصاد المهملة وعليه عامة المحدثين. وقال أبو الفرج بن الجوزي: يجعلون الفعل لله أي يبتليه بالمصائب ليثيبه عليها. قال ابن الجوزي: وسمعت ابن الخشاب يقرؤه بفتحها وهو أحسن وأليق. قال الطيبي: إنه أليق بالأدب لقوله تعالى: {وإذا مرضت فهو يشفين} [الشعراء: 80] ويشهد للأول ما أخرجه أحمد عن محمود بن لبيد رفعه بسند رواته ثقات إلا أنه اختلف في سماع محمود بن لبيد من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولفظه إذا أحب الله قومًا ابتلاهم فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع ومعنى حديث الباب كما قال المظهري من يرد الله به خيرًا أوصل إليه مصيبة ليطهره به من الذنوب وليرفع درجته. وفي هذه الأحاديث بشرى عظيمة لكل مؤمن لأن الأذى لا ينفك غالبًا من ألم بسبب مرض أو همّ أو نحو ذلك. وحديث الباب أخرجه النسائي في الطب. 2 - باب شِدَّةِ الْمَرَضِ (باب) ما جاء في (شدة المرض) من الفضل. 5646 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ ح حَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة ابن عقبة قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان قال المؤلّف (وحدّثني) بالإفراد (بشر بن محمد) أبو محمد السختياني المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: ما رأيت أحدًا أشد عليه الوجع) أي

3 - باب أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأول فالأول

المرض والعرب تسمي كل وجع مرضًا ولأبي ذر الوجع عليه أشد (من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) والوجع على الرواية الثانية رفع مبتدأ وخبره أشد إلى آخره والجملة بمنزلة المفعول الثاني لرأيت لأنها من داخل المبتدأ والخبر قد يكون جملة ومن زائدة، والمعنى ما رأيت أحدًا أشد وجعًا من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب والنسائي في الطب وأبو داود وابن ماجة في الجنائز. 5647 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى مَرَضِهِ وَهْوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، وَقُلْتُ: إِنَّ ذَاكَ بِأَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ قَالَ: «أَجَلْ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى إِلاَّ حَاتَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن إبراهيم التيمي) الكوفي (عن الحارث بن سويد عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرضه وهو) أي والحال أنه (يوعك) بفتح العين المهملة (وعكًا شديدًا) بسكونها وفتحها الحمى أو ألمها أو إرعادها (وقلت) ولأبي ذر والأصيلي فقلت يا رسول الله (إنك لتوعك وعكًا شديدًا قلت: إن ذاك) أي تضاعف الحمى (بأن لك أجرين. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أجل) بفتح الهمزة والجيم وتسكين اللام مخففة نعم (ما من مسلم يصيبه أذى إلاّ حاتّ الله) بالحاء المهملة المفتوحة بعدها ألف ففوقية مشددة وأصله بتاءين فأدغمت الأولى في الثانية إلا نثر الله (عنه خطاياه كما تحات ورق الشجر). وهو كناية عن إذهاب الخطايا شبه حالة المريض وإصابة المرض جسده ثم محو السيئات عنه سريعًا بحالة الشجر وهبوب الرياح الخريفية وتناثر الأوراق منها وتجردها عنها فهو تشبيه تمثيل لانتزاع الأمور المتوهمة في المشبه من المشبه به فوجه التشبيه الإزالة الكلية على سبيل السرعة لا الكمال والنقصان لأن إزالة الذنوب عن إزلة عن الإنسان سبب كما وإزالة الأوراق عن الشجر سبب نقصانها قاله في شرح المشكاة. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الطب. 3 - باب أَشَدُّ النَّاسِ بَلاَءً الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ هذا (باب) بالتنوين (أشد الناس بلاء الأنبياء) صلوات الله وسلامه عليهم لما خصوا به من قوة اليقين ليكمل لهم الثواب ويعمهم الخير (ثم الأول فالأول) في الفضل وللمستملي ثم الأمثل فالأمثل يعبر به عن الأشبه بالفضل والأقرب إلى الخير وأماثل القوم خيارهم وثم فيه للتراخي في الرتبة والفاء للتعاقب على سبيل التوالي تنزلاً من الأعلى إلى الأسفل، وفي الفتح: إن الأمثل فالأمثل رواية الأكثر والأول فالأول رواية النسفيّ قال وجمعهما المستملي. 5648 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِى حَمْزَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يُوعَكُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ: «أَجَلْ إِنِّى أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ» قُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ، قَالَ: «أَجَلْ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». وبه قال: (حدّثنا عبدان) عبد الله بن عثمان (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري بضم السين المهملة وتشديد الكاف (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله) بن مسعود أنه (قال: دخلت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي الوقت وذر على النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو يوعك) الواو للحال (فقلت: يا رسول الله إنك توعك) ولأبي ذر لتوعك (وعكًا شديدًا قال): (أجل) نعم (إني أوعك كما يوعك) أحم كما يحم (رجلان منكم) قال ابن مسعود: (قلت: ذلك) التضاعف (أن) ولأبي ذر بأن (لك أجرين. قال) عليه الصلاة والسلام: (أجل) نعم (ذلك) التضاعف (كذلك ما من مسلم يصيب أذى شوكة) بالتنكير للتقليل لا للجنس ليصح ترتب قوله (فما فوقها) ودونها في العظم والحقارة عليه بالفاء وهو يحتمل وجهين فوقها في العظم ودونها في الحقارة وعكس ذلك قاله في الفتح كالكواكب. (إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها). وفي حديث سعد بن أبي وقاص عند الدارمي والنسائي في الكبير وصححه الترمذي وابن حبان حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. فإن قلت: ما المطابقة بين الحديث والترجمة؟ أجيب: بأن يقاس سائر الأنبياء على نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويلحق الأولياء بهم لقربهم منهم وإن كانت درجتهم منحطة عنهم، وأما العلة فيه فهي أن البلاء في مقابلة النعمة فمن كانت نعمة الله

4 - باب وجوب عيادة المريض

عليه أكثر كان بلاؤه أشد ولذا ضوعف حد الحر على العبد وقيل لأمهات المؤمنين من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين قاله في الفتح كالكرماني. 4 - باب وُجُوبِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ (باب وجوب عيادة المريض) أصل عيادة عوادة بالواو فقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها ويقال عدت المريض أعوده عيادة إذا زرته وسألت عن حاله. 5649 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ وَفُكُّوا الْعَانِىَ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري) رضي الله تعالى عنه أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أطعموا الجائع وعودوا المريض) في كل مرض وفي كل زمن من غير تقييد بوقت. وعند أبي داود وصححه الحاكم من حديث زيد بن أرقم قال: عادني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من وجع كان بعيني وحينئذٍ فاستثناء بعضهم من العموم عياد الأرمد معللاً بأن العائد يرى ما لا يراه الأرمد متعقب بأنه قد يتأتى مثل ذلك في بقية الأمراض كالمغمى عليه والاستدلال للمنع بحديث البيهقي والطبراني مرفوعًا: ثلاثة ليس لهم عيادة العين والدمل والضرس. ضعيف لأن البيهقي صحح أنه موقوف على يحيى بن أبي كثير، وجزم الغزالي في الأحياء بأن المريض لا يعاد إلا بعد ثلاث مستندًا لحديث أن عند ابن ماجة كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يعود مريضًا إلا بعد ثلاث. تعقب بأن الحديث ضعيف جدًّا لأنه تفرّد به مسلمة بن عليّ وهو متروك، وسئل عنه أبو حاتم فقال: حديث باطل، لكن للحديث شاهد من حديث أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط وفيه راوٍ متروك أيضًا قاله في الفتح، وقال شيخنا الشمس السخاوي: وللحديث أيضًا طرق أخرى بمجموعها يقوى، ولهذا أخذ به النعمان بن أبي عياش الزرقي أحد التابعين من فضلاء أبناء الصحابة فقال: عيادة المريض بعد ثلاث والأعمش ولفظه: كنا نقعد في المجلس فإذا فقدنا الرجل ثلاثة أيام سألنا عنه فإن كان مريضًا عدناه. وهذا يشعر بعدم انفراده وليس في صريح الأحاديث ما يخالفه ومن آداب العيادة عدم تطويل الجلوس فربما يثق على المريض أو على أهله. (وفكوا العاني) بالعين المهملة والنون المكسورة والمخففة أي خلصوا الأسير بالفداء وإطلاق المؤلّف وجوب العيادة عملاً بظاهر الأمر في الحديث، ونقل النووي الإجماع على عدم الوجوب يعني على الأعيان فقد يجب على الكفاية كإطعام الجائع وفك الأسير. وسيكون لنا عودة إن شاء الله تعالى بعونه وقوّته إلى زيادة المبحث في ذلك. 5650 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ نَهَانَا عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، وَلُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَعَنِ الْقَسِّىِّ وَالْمِيثَرَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَتْبَعَ الْجَنَائِزَ وَنَعُودَ الْمَرِيضَ وَنُفْشِىَ السَّلاَمَ. وبه قال (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (أشعث بن سليم) بالشين المعجمة والعين المهملة بعدها مثلثة في الأول وضم السين المهملة في الثاني مصغرًا (قال سمعت معاوية بن سويد بن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة بعدها نون (عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسبع ونهانا عن سبع) بحذف مميز العدد في الموضعين أي خصال (نهانا عن) لبس (خاتم الذهب) للرجال (و) عن (لبس الحرير) للرجال (والديباج) بكسر الدال وتفتح أعجمي معرب جمعه ديابيج وهو ما غلط وثخن من ثياب الحرير (والإستبرق) بهمزة قطع مكسورة غليظ الديباج. (وعن القسي) بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة ثياب تنسب إلى القس قرية بساحل بحر مصر وقيل الأصل ثياب القز والأصل القزي فأبدلت الزاي سينًا وفي أبي داود أنها ثياب من الشام أو من مصر مصبغة فيها أمثال الأترج (و) نهى عليه الصلاة والسلام عن استعمال (المثيرة) بكسر الميم وسكون التحتية وفتح المثلثة بلا همزة. وقال النووي بالهمزة، وفي رواية المياثر الحمر وهي طاء كانت النساء تصنعه لأزواجهن في السروج يكون من الحرير والديباج وغيرهما والنهي واقع على ما هو من الحرير. (وأمرنا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن

5 - باب عيادة المغمى عليه

نتبع الجنائز) بنون وموحدة مفتوحتين بينهما فوقية ساكنة (ونعود المريض) يقال عاد المريض إذ زاره وهذا على الأكثر في الاستعمال أن يقال في المريض عاد، وفي الصحيح زار (ونفشي السلام) بضم النون وسكون الفاء وكسر المعجمة أي ننشره ونظهره ونعم به من عرفنا ومن لم نعرف والأمر للندب. 5 - باب عِيَادَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ (باب عيادة المغمى عليه) أي الذي يصيبه غشي يتعطل معه جل قوّته الحساسة لضعف القلب واجتماع الروح كله إليه. 5651 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: مَرِضْتُ مَرَضًا فَأَتَانِى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُنِى وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا مَاشِيَانِ فَوَجَدَانِى أُغْمِىَ عَلَىَّ فَتَوَضَّأَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ عَلَىَّ فَأَفَقْتُ فَإِذَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ فِى مَالِى؟ كَيْفَ أَقْضِى فِى مَالِى؟ فَلَمْ يُجِبْنِى بِشَىْءٍ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ. وبه قال (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن ابن المنكدر) هو محمد بن المنكدر بن عبد الله المدني أنه (سمع جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يقول مرضت مرضًا فأتاني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعودني وأبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- في عام حجة الوداع (وهما ماشيان فوجداني أغمي عليّ) وفي سورة النساء لا أعقل شيئًا (فتوضأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صب وضوءه) أي الماء الذي توضأ به (عليّ فأفقت) من ذلك الإغماء (فإذا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: يا رسول الله كيف أصنع في مالي، كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية الميراث) وسبق في التفسير من طريق ابن جريج أنها يوصيكم الله في أولادكم وأن الدمياطي قال: إنه وهم، وإن الذي نزل في جابر آية الكلالة كما رواه شعبة والثوري وما في ذلك من البحث، وقول ابن المنير أن فائدة الترجمة أنه لا يعتقد أن عيادة المريض المغمى عليه ساقطة الفائدة لكونه لا يعلم بعائده، ولكن ليس في حديث جابر التصريح بأنهما علما أنه مغمى عليه قبل عيادته فلعله وافق حضورهما، تعقبه في الفتح بأن الظاهر من السياق وقوع ذلك حال مجيئهما وقبل دخولهما عليه ومجرد علم المريض بعائده لا تتوقف مشروعية العيادة عليه لأن وراء ذلك جبر خاطر أهله وما يرجى من بركة دعاء العائد ووضع يده على المريض والمسح على جسده والنفث عليه عند التعويذ. 6 - باب فَضْلِ مَنْ يُصْرَعُ مِنَ الرِّيحِ (باب فضل من يصرع من الريح) بسبب انحباسها من شدة تعرض في بطون الدماغ ومجاري الأعصاب المتحركة فتمنع الأعضاء الرئيسة عن انفعالها منعًا غير تام أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء وربما يكون معه تشنج في الأعضاء فلا يبقى الشخص معه منتصبًا بل يسقط ويقذف بالزبد لغلظ الرطوبة وقد يكون الصرع من النفوس الخبيثة الجنية لاستحسان تلك الصورة الإنسية أو لمجرد إيقاع الأذية. 5652 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عِمْرَانَ أَبِى بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِى عَطَاءُ بْنُ أَبِى رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ: لِى ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ بَلَى! قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: إِنِّى أُصْرَعُ وَإِنِّى أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِى قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّى أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال (حدّثنا يحيى) هو ابن سعيد القطان (عن عمران) بن مسلم (أبي بكر) البصري التابعي الصغير أنه (قال: حدّثني) بالتوحيد (عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس) -رضي الله عنهما- (ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء) اسمها سعيرة بالمهملات الأسدية كما في تفسير ابن مردويه عند المستغفري في كتاب الصحابة وأخرجه أبو موسى في الذيل (أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قالت المرأة (إني أصرع وإني أتكشف) بفتح الفوقية والشين المعجمة المشددة ولأبي ذر أنكشف بالنون الساكنة بدل الفوقية وكسر المعجمة مخففة (فادع الله لي) أن يشفيني من ذلك الصرع (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مخيرًا لها: (إن شئت صبرت) على ذلك (ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت: أصبر) يا رسول الله (فقالت: إني أتكشف) بالفوقية وتشديد المعجمة المفتوحة ولأبي ذر أنكشف بالنون الساكنة وكسر المعجمة (فادع الله) زاد أبو ذر عن الكشميهني لي (أن لا أتكشف) ولأبي ذر أن لا أنكشف (فدعا لها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال ابن القيم في الهدى النبوي من حدث له الصرع وله خمس وعشرون سنة وخصوصًا بسبب دماغي أيس من برئه وكذلك إذا استمر به إلى هذا السن قال: فهذه المرأة التي جاء في الحديث أنها كانت تصرع وتنكشف يجوز أن يكون صرعها من هذا النوع فوعدها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بصبرها على هذا المرض بالجنة.

7 - باب فضل من ذهب بصره

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب والنسائي في الطب. 0000 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ أَنَّهُ رَأَى أُمَّ زُفَرَ تِلْكَ امْرَأَةٌ طَوِيلَةٌ سَوْدَاءُ عَلَى سِتْرِ الْكَعْبَةِ. وبه قال (حدّثنا محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام ابن يزيد (عن ابن جريج) عبد الملك أنه قال (أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (أنه رأى أم زفر) بضم الزاي وفتح الفاء بعدها راء (تلك امرأة طويلة سوداء على ستر الكعبة) بكسر السين أي جالسة عليه معتمدة. وفي حديث ابن عباس عند البزار أنها قالت: إني أخاف الخبيث أن يجرّدني فدعا لها. فكانت إذا خشيت أن يأتيها تأتي أستار الكعبة فتتعلق بها. وذكر ابن سعد وعبد الغني في المبهمات من طريق الزبير أن هذه المرأة هي ماشطة خديجة التي كانت تتعاهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالزيارة قال الكرماني وأم زفر: كنية تلك المرأة المصروعة اهـ. لكن الذي يفهم من كلام الذهبي في تجريده أن أم زفر غير السوداء المذكورة لأنه ذكر كل واحدة منهما في باب. 7 - باب فَضْلِ مَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ (باب فضل من ذهب بصره). 5653 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: «إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِى بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ يُرِيدُ عَيْنَيْهِ» تَابَعَهُ أَشْعَثُ بْنُ جَابِرٍ وَأَبُو ظِلاَلٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) أبو محمد الدمشقي ثم التنيسي الكلاعي الحافظ قال (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن الهاد) هو يزيد بن عبد الله بن أسامة الليثي (عن عمرو) بفتح العين (مولى المطلب) بن عبد الله بن حنطب (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن الله تعالى قال: إذا ابتليت عبدي) المؤمن (بحبيبتيه) بالتثنية أي محبوبتيه إذ هما أحب أعضاء الإنسان إليه لما يحصل له بفقدهما من الأسف على فوات رؤية ما يريد رؤيته من خير فيسر به أو شر فيجتنبه (فصبر) مستحضرًا ما وعد الله به الصابرين من الثواب لا أن يصبر مجردًا عن ذلك لأن الأعمال بالنيات زاد الترمذي واحتسب (عوضته منهما الجنة) وهي أعظم العوض لأن الالتذاذ بالبصر يفنى بفناء الدنيا والالتذاذ بالجنة باقٍ ببقائها. وفي حديث أبي أمامة في الأدب المفرد للمؤلّف إذا أخذت كريمتيك فصبرت عند الصدمة واحتسبت. قال في الفتح فأشار إلى أن الصبر النافع هو ما يكون في أوّل وقوع البلاء فيفوّض ويسلّم وإلا فمتى ضجر وقلق في أوّل وهلة ثم يئس فصبر لا يحصل له الغرض المذكور. قال أنس (يريد) بقوله حبيبتيه (عينيه تابعه) أي تابع عمرًا مولى المطلب (أشعث بن جابر) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله البصري الحداني بضم الحاء وتشديد الدال المهملتين وبعد الألف نون مكسورة تكلم فيه وقال الدارقطني يعتبر به وليس له في البخاري إلا هذا الموضع مما وصله أحمد (و) تابعه أيضًا (أبو ظلال) بكسر المعجمة وتخفيف اللام، ولأبي ذر وأبو ظلال بن هلال كذا في الأصل والصواب حذف ابن فأبو ظلال اسمه هلال قاله في الفتح. وهذا وصله عبد بن حميد (عن أن عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولفظ الأوّل قال ربكم: من أذهبت كريمتيه ثم صبر واحتسب كان ثوابه الجنة، والثاني ما لمن أخذت كريمتيه عند جزاء إلا الجنة. 8 - باب عِيَادَةِ النِّسَاءِ الرِّجَالَ وَعَادَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ مِنَ الأَنْصَارِ (باب عياد النساء الرجال) ولو كانوا أجانب بالشرط المعتبر (وعادت أم الدرداء) زوجة أبي الدرداء الصغرى واسمها هجيمة (رجلاً من أهل المسجد من الأنصار). وقول الكرماني: الظاهر أنها أم الدرداء الكبرى، تعقبه في الفتح بأن الأثر المذكور أخرجه المؤلّف في الأدب المفرد من طريق الحارث بن عبيد وهو شامي تابعي صغير لم يلحق أم الدرداء الكبرى واسمها خيرة فإنها ماتت في خلافة عثمان قبل موت أبي الدرداء ولفظه قال: رأيت أم الدرداء على راحلة أعواد ليس لها غشاء تعود رجلاً من الأنصار في المسجد، وأما الصغرى فماتت سنة إحدى وثمانين بعد الكبرى بنحو خمسين سنة. 5654 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ - رضى الله عنهما - قَالَتْ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ وَيَا بِلاَلُ كَيْفَ تَجِدُكَ قَالَتْ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِى أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أَقْلَعَتْ عَنْهُ يَقُولُ: أَلاَ لَيْتَ شِعْرِى هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بَوَادٍ وَحَوْلِى إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ ... وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِى شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ اللَّهُمَّ وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِى مُدِّهَا وَصَاعِهَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ». وبه قال (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (عن مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) -رضي الله عنها- (أنها قالت: لما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) مهاجرًا (وعك) بضم الواو أي أصابه الوعك والمراد به الحمى (أبو بكر) الصديق (وبلال) المؤذن (-رضي الله عنهما- قالت) عائشة

9 - باب عيادة الصبيان

(فدخلت عليهما فقلت) لأبي بكر (يا أبت كيف تجدك) أي تجد نفسك (ويا بلال كيف تجدك؟ قالت: وكان أبو بكر) -رضي الله عنه- (إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مصبح) بفتح الموحدة مقول له (في أهله) أنعم صباحًا (والموت أدنى) أقرب (من شراك نعله) بكسر الشين المعجمة وتخفيف الراء سير النعل على وجهها وزاد ابن إسحاق في روايته عن هشام وعمر بن عبد الله بن عروة جميعًا عن عروة عن عائشة عقب قول أبيها والله ما يدري أبي ما يقول قالت ثم دنوت إلى عامر بن فهيرة وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب فقلت: كيف تجدك يا عامر؟ فقال: قد وجدت الموت قبل ذوقه ... كل امرئ مجاهد بطوقه كالثور يحمي جسمه بروقه (وكان بلال إذا أقلعت) أي زالت (عنه) الحمى (يقول: ألا) بالتخفيف (ليت شعري هل أبيتن ليلة بوادٍ) بوادي مكة (وحولي إذخر) بكسر الهمزة وسكون الذال وكسر الخاء المعجمتين آخره راء النبت الطيب الرائحة المعروف (وجليل) بالجيم وهو نبت ضعيف (وهل أردن يومًا مياه) بالهاء المفتوحة (مجنة) بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون ولأبي ذر بفتح الميم وكسر الجيم موضع على أميال من مكة كان به سوق في الجاهلية (وهل تبدون) تظهرن (لي شامة) بشين معجمة وتخفيف الميم (وطفيل) بالطاء المهملة المفتوحة والفاء المكسورة جبلان بقرب مكة وصوب الخطابي أنهما عينان وفي صحاح الجوهري ما يقتضي أن الشعر المذكور ليس لبلال فإنه قال كان بلال يتمثل. ومطابقة الحديث للترجمة في قول عائشة فدخلت عليهما لأن دخولها عليهما كان لعيادتهما وهما متوعكان. قال في الفتح: واعترض عليه بأن ذلك قبل الحجاب قطعًا، وزاد في بعض طرقه وذلك قبل الحجاب وأجيب بأن ذلك لا يضره فيما ترجم له في عيادة المرأة الرجل فإنه يجوز بشرط التستر والذي يجمع الأمرين ما قبل الحجاب وما بعده إلا من الفتنة (قالت عائشة) -رضي الله عنها- (فجئت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته) بخبر أبي بكر وبلال وقولهما وزاد ابن إسحاق في روايته المذكورة أنها قالت: يا رسول الله إنهم ليهذون وما يعقلون من شدّة الحمى (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد) وقد أجيبت دعوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى كان يحرك دابته إذا رآها من حبها (اللهم وصححها وبارك لنا في مدّها وصاعها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة) بالجيم المضمومة والحاء المهملة الساكنة بعدها فاء ميقات أهل الشام وكان اسمها مهيعة. وهذا الحديث قد سبق في باب مقدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة. 9 - باب عِيَادَةِ الصِّبْيَانِ (باب عيادة الصبيان) مصدر مضاف لمفعوله أي عيادة الرجال الصبيان. 5655 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِى عَاصِمٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ ابْنَةً لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ وَهْوَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَعْدٍ وَأُبَىٍّ نَحْسِبُ أَنَّ ابْنَتِى قَدْ حُضِرَتْ فَاشْهَدْنَا فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا السَّلاَمَ وَيَقُولُ: «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى وَكُلُّ شَىْءٍ عِنْدَهُ مُسَمًّى فَلْتَحْتَسِبْ وَلْتَصْبِرْ» فَأَرْسَلَتْ تُقْسِمُ عَلَيْهِ فَقَامَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقُمْنَا فَرُفِعَ الصَّبِىُّ فِى حَجْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ فَفَاضَتْ عَيْنَا النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «هَذِهِ رَحْمَةٌ وَضَعَهَا اللَّهُ فِى قُلُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ وَلاَ يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ إِلاَّ الرُّحَمَاءَ». وبه قال (حدّثنا حجاج بن منهال) الأنماطي البصري قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال أخبرني) بالإفراد (عاصم) هو ابن سليمان (قال: سمعت أبا عثمان) عبد الرحمن بن مل النهدي بفتح النون (عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أن ابنة) وللكشميهني أن بنتًا (للنبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هي زينب (أرسلت إليه وهو) أي، والحال أن أسامة (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسعد) بسكون العين ابن عبادة (وأبيّ) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتية ابن كعب (نحسب) أي نظن أن أُبيًّا كان معه وفي كتاب النذور ومع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسامة وسعد أو أبي على الشك (أن ابنتي) وفي نسخة أن بنتي (قد حضرت) بضم الحاء المهملة وكسر الضاد المعجمة أي حضرها الموت (فاشهدنا) بهمزة وصل وفتح الهاء أي أحضر إلينا (فأرسل إليها السلام وبقول) لها: (إن لله ما أخذ وما أعطى وكل شيء عنده مسمى) أي إلى أجل (فلتحتسب) أي فلتطلب الأجر من عند الله تعالى (ولتصبر فأرسلت تقسم عليه) أن يحضر (فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقمنا) معه (فرفع الصبي) بضم الراء مبنيًّا للمفعول (في حجر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الحاء المهملة وتكسر

10 - باب عيادة الأعراب

(ونفسه) بسكون الفاء (تقعقع) تضطرب وتتحرك ويسمع لها صوت (ففاضت عينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالدموع (فقال له سعد) مستغربًا منه صدوره لأنه خلاف ما يعهده منه من مقاومة المصيبة بالصبر (ما هذا يا رسول الله؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجيبًا له: (هذه) الحال التي شاهدتها مني يا سعد (رحمة) ورقة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي هذه الرحمة أي أثر الرحمة التي (وضعها الله في قلوب من شاء من عباده) لا ما توهمت من الجزع وقلة الصبر (ولا يرحم الله من عباده إلا الرحماء) يعني هذا تخلق بخلق الله ولا يرحم الله من عباده إلا من اتصف بأخلاقه ويرحم عباده ومن في قوله من عباده بيانية، وقد مرّ هذا الحديث في الجنائز. 10 - باب عِيَادَةِ الأَعْرَابِ (باب عيادة الأعراب) بفتح الهمزة وهم سكان البادية. 5656 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِىٍّ يَعُودُهُ قَالَ وَكَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ فَقَالَ لَهُ: «لاَ بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى». قَالَ قُلْتَ طَهُورٌ كَلاَّ بَلْ هِىَ حُمَّى تَفُورُ أَوْ تَثُورُ عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ تُزِيرُهُ الْقُبُورَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَنَعَمْ إِذًا». وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمي أبو الهيثم أخو بهز بن أسد البصري قال (حدّثنا عبد العزيز بن مختار) البصري الدباغ قال (حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل على أعرابي) اسمه قيس بن أبي حازم حال كونه (يعوده قال) ابن عباس (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا دخل على مريض) حال كونه (يعوده قال له): (لا بأس) عليك هو (طهور) لك من ذنوبك أي مطهر لك (إن شاء الله تعالى) دعاء لا خبر (قال) الأعرابي (قلت) أي أقلت يخاطب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (طهور كلا) أي ليس بطهور (بل هي حمى) ولأبي ذر هو أي المرض حمى (تفور) أي يظهر حرها وغليانها ووهجها (أو تثور) بالفوقية والمثلثة والشك من الراوي (على شيخ كبير تزيره) بضم الفوقية (القبور) نصب مفعول ثانٍ والهاء في تزيره أوّل والمعنى تبعثه إلى القبور (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فنعم إذًا) الفاء مرتبة على محذوف وإذا جواب وجزاء ونعم تقرير لما قال أي إذا أبيت كانت كما ظننت. وقال في شرح المشكاة: يعني أرشدتك بقولي لا بأس عليك أي إن الحمى تطهرك وتنقي ذنوبك فاصبر واشكر الله عليها فأبيت إلا اليأس والكفران فكان كما زعمت وما اكتفيت بذلك بل رددت نعمة الله عليه قاله غضبًا عليه. وقال ابن التين: يحتمل أن يكون دعاء عليه وأن يكون خبرًا عما يؤول إليه أمره. وقال غيره: يحتمل أن يكون -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علم أنه سيموت من ذلك المرض فدعا له بأن تكون الحمى طهرة لذنوبه فأصبح ميتًا. وهذا الحديث سبق في علامات النبوة بالإسناد والمتن. 11 - باب عِيَادَةِ الْمُشْرِكِ (باب عيادة المشرك) إذا رجى أن يجيب إلى الإسلام أو لمصلحة غير ذلك. 5657 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه -، أَنَّ غُلاَمًا لِيَهُودَ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُهُ فَقَالَ: «أَسْلِمْ» فَأَسْلَمَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ لَمَّا حُضِرَ أَبُو طَالِبٍ جَاءَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الإمام أبو أيوب الواشحي البصري قاضي مكة قال: (حدّثنا حماد بن زيد) اسم جده درهم (عن ثابت) البناني (عن أنس -رضي الله عنه- أن غلامًا ليهود) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه، نعم نقل عن ابن بشكوال أن صاحب العتبية حكى عن ابن زياد أن اسمه عبدوس قال: وهو غريب ما وجدته عن غيره (كان يخدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمرض فأتاه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعوده فقال) له عليه الصلاة والسلام: (أسلم) بكسر اللام (فأسلم) بفتحها زاد النسائي فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وحديث الباب سبق في الجنائز في باب إذا أسلم الصبي فمات. (وقال سعيد بن المسيب) مما وصله المؤلّف في تفسير سورة القصص (عن أبيه) المسيب بن حزن الصحابي ممن بايع تحت الشجرة (لما حضر أبو طالب) عبد مناف أي حضرته علامة الموت وحضر بضم الحاء المهملة وكسر المعجمة (جاءه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). والمطابقة ظاهرة وسبق ببراءة. 12 - باب إِذَا عَادَ مَرِيضًا فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَةً هذا (باب) بالتنوين (إذا عاد) الناس (مريضًا فحضرت الصلاة فصلّى) المريض (بهم) مَن عاده (جماعة). 5658 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهِ نَاسٌ يَعُودُونَهُ فِى مَرَضِهِ فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا فَجَعَلُوا يُصَلُّونَ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمِ اجْلِسُوا فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: «إِنَّ الإِمَامَ لَيُؤْتَمُّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِنْ صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ الْحُمَيْدِىُّ هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ لأَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخِرَ مَا صَلَّى صَلَّى قَاعِدًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ. وبه قال (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (محمد بن المثنى) أبو موسى العنزي الحافظ قال (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا هشام، قال: أخبرني) بالتوحيد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عليه ناس)

13 - باب وضع اليد على المريض

من أصحابه (يعودونه في مرضه فصلّى بهم) حال كونه (جالسًا) في مشربته، وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد سقط عن فرسه فانفكت قدمه فعجز عن الصلاة بالناس في المسجد، وعند ابن حبان أن هذه القصة كانت في الحجة سنة خمس وقد سمي في الأحاديث ممن صلّى خلفه حينئذ أنس عند الإسماعيلي وأبو بكر كما في حديث جابر وعمر كما في رواية الحسن مرسلاً عند عبد الرزاق (فجعلوا يصلون) حال كونهم (قيامًا فأشار) صلوات الله وسلامه عليه (إليهم أن أجلسوا فلما فرغ) من الصلاة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهم: (إن الإمام ليؤتم به) بفتح اللام في الفرع وهي لام التوكيد ويؤتم رفع (فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع) رأسه (فارفعوا) رؤوسكم (وإن صلى) حال كونه (جالسًا فصلوا جلوسًا) أي جالسين (قال أبو عبد الله) المؤلّف (قال الحميدي) عبد الله بن الزبير (هذا الحديث منسوخ) منه قعودهم معه فقط (لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخر ما صلى صلى قاعدًا والناس خلقه قيام)، يصلون. وهذا الحديث سبق في الصلاة. 13 - باب وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْمَرِيضِ (باب وضع اليد) أي يد العائد (على المريض) تأنيسًا له وتعرفًا لشدة مرضه ليدعو له بالعافية ويرقيه أو يصفه له ما يناسب وإن كان عارفًا بالطب. 5659 - حَدَّثَنَا الْمَكِّىُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا الْجُعَيْدُ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ أَنَّ أَبَاهَا قَالَ: تَشَكَّيْتُ بِمَكَّةَ شَكْوًا شَدِيدًا فَجَاءَنِى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُنِى فَقُلْتُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ إِنِّى أَتْرُكُ مَالاً وَإِنِّى لَمْ أَتْرُكْ إِلاَّ ابْنَةً وَاحِدَةً فَأُوصِى بِثُلُثَىْ مَالِى وَأَتْرُكُ الثُّلُثَ فَقَالَ: «لاَ»، قُلْتُ فَأُوصِى بِالنِّصْفِ وَأَتْرُكُ النِّصْفَ؟ قَالَ: «لاَ». قُلْتُ فَأُوصِى بِالثُّلُثِ وَأَتْرُكُ لَهَا الثُّلُثَيْنِ قَالَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ». ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِى وَبَطْنِى ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا وَأَتْمِمْ لَهُ هِجْرَتَهُ» فَمَا زِلْتُ أَجِدُ بَرْدَهُ عَلَى كَبِدِى فِيمَا يُخَالُ إِلَىَّ حَتَّى السَّاعَةِ. وبه قال (حدّثنا المكي بن إبراهيم) الحنظلي البلخي قال: (أخبرنا الجعيد) بضم الجيم وفتح العين المهملة مصغرًا ابن عبد الرحمن الكندي (عن عائشة بنت سعد) بسكون العين (أن أباها) سعد بن أبي وقاص (قال: شكيت) من باب التفعل الدال على المبالغة (بمكة شكوًا) بالتنوين (شديدًا) بالتذكير على إرادة المرض ولأبي ذر عن الكشميهني شكوى بلا تنوين شديدة بتاء التأنيث. قال عياض: شكوى مقصور والشكو المرض يعني بسكون الكاف وضم الواو يقال منه شكا يشكو واشتكى شكاية وشكاوة قال أبو علي والتنوين رديء جدًّا (فجاءني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعودني) عام حجة الوداع بمكة (فقلت) له: (يا نبي الله إني) إذا من (أترك مالاً وإني لم أترك إلا ابنة واحدة) هي أم الحكم الكبرى والمراد بالحصر حصر خاص فإنه كان له ورثة بالتعصيب من بني عمه فالتقدير ولا يرثني من الأولاد إلا ابنة لي (فأوصي) وللكشميهني: أفأوصي (بثلثي مالي) بالتثنية (وأترك الثلث فقال) عليه الصلاة والسلام: (لا) توص بكل الثلثين (فقلت) يا رسول الله (فأوصي بالنصف وأترك النصف؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (لا. قلت: فأوصي بالثلث وأترك لها الثلثين) قال) عليه الصلاة والسلام: (الثلث) أوصى به (والثلث كثير) وقد كان سعد له حينئذ عصبات وزوجات وحينئذ فيتعين تأويل ذلك فيكون فيه حذف تقديره وأترك لها الثلثين أي ولغيرها من الورثة وخصها بالذكر لتقدمها عنده (ثم وضع) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يده على جبهته) أي جبهة سعد ولأبي ذر عن الكشميهني على جبهتي (ثم مسح يده على وجهي وبطني ثم قال: اللهم اشف سعدًا وأتمم له هجرته) فلا تمته في الموضع الذي هاجر منه وتركه لله تعالى (فما زلت أجد برده) برد يده الكريمة (على كبدي) وذكر باعتبار العضو أو المسح (فيما يخال إليّ) بضم التحتية بعدها خاء معجمة قال في المحكم خال الشيء يخاله ظنه وتخيله ظنه (حتى الساعة) جر بحتى أي إلى الساعة. والمطابقة ظاهرة والحديث يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى في باب قول المريض إني وجع. 5660 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يُوعَكُ فَمَسِسْتُهُ بِيَدِى فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَجَلْ إِنِّى أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ» فَقُلْتُ ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَجَلْ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ لَهُ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». وبه قال (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان (عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد) أنه (قال: قال عبد الله بن مسعود) -رضي الله عنه- (دخلت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو) أي والحال أنه (يوعك وعكًا شديدًا) بسكون العين أي يحم حمى شديدة وثبت قوله وعكًا شديدًا لأبي ذر (فمسسته) بكسر السين المهملة الأولى وسكون الثانية (بيدي فقلت: يا رسول الله إنك

14 - باب ما يقال للمريض، وما يجيب

توعك) ولأبي ذر لتوعك (وعكًا شديدًا فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أجل) أي نعم (إني أوعك) بضم الهمزة وفتح العين (كما يوعك رجلان منكم. فقلت ذلك) الوعك الشديد (أن لك أجرين فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أجل) يعني نعم زنة ومعنى (ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما من مسلم يصيبه أذى مرض) ولأبي ذر من مرض (فما سواه) كالحزن والهم (إلا حطّ الله سيئاته كما تحط الشجرة ورقها) أي تلقيه. وفي حديث أبي هريرة عند الإمام أحمد وابن أبي شيبة لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة. وحديث الباب سبق قريبًا. 14 - باب مَا يُقَالُ لِلْمَرِيضِ، وَمَا يُجِيبُ (باب ما يقال للمريض) عند العيادة (وما يجيب) المريض. 5661 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى مَرَضِهِ فَمَسِسْتُهُ وَهْوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا فَقُلْتُ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا وَذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ قَالَ: «أَجَلْ وَمَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى إِلاَّ حَاتَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ». وبه قال (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف ابن عقبة قال (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن إبراهيم) بن يزيد (التيمي) العابد (عن الحارث بن سويد) التيمي (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرضه فمسسته وهو) أي والحال أنه (يوعك وعكًا شديدًا فقلت) يا رسول الله (إنك لتوعك وعكًا شديدًا وذلك وإن لك أجرين، قال) عليه الصلاة والسلام: (أجل) بسكون اللام مخففة نعم (وما من) شخص (مسلم يصيبه أذى) بالذال المعجمة منوّنًا (إلاّ حاتت) بمثناتين وفي رواية بإدغام الأولى وفي الثانية والمعنى فتت (عنه خطاياه كما تحات) بتشديد الفوقية مفتوحة مع المدّ (ورق الشجر) والمراد إذهاب الخطايا وظاهره التعميم لكن الجمهور خصوا ذلك بالصغائر لحديث الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر فحملوا المطلقات الواردة في التكفير على هذا المقيد. 5662 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ يَعُودُهُ فَقَالَ «لاَ بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَقَالَ كَلاَّ بَلْ حُمَّى تَفُورُ عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ كَيْمَا تُزِيرَهُ الْقُبُورَ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَنَعَمْ إِذًا». وبه قال (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (إسحاق) بن شاهين الواسطي قال (حدّثنا خالد بن عبد الله) الطحان (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل على رجل) من الأعراب (يعوده) قال في المقدمة: وقع في ربيع الأبرار أن اسم هذا الأعرابي قيس بن أبي حازم فإن صح فهو متفق مع التابعي الكبير المخضرم وإلاّ فهو وهم (فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له: (لا بأس) عليك (طهور) مطهر لك من ذنوبك (إن شاء الله) فيه استحباب مخاطبة العائد للعليل بما يسليه من ألمه ويذكره بالكفارة لذنوبه والتطهير لآثامه. وفي حديث ابن عباس عند الترمذي وابن ماجة رفعه إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الأجل فإن ذلك لا يردّ شيئًا وهو يطيب نفس المريض وفي سنده لين، والمعنى أطمعوه في الحياة إذ فيه تنفيس لما فيه من الكرب وطمأنينة القلب (فقال) الرجل (كلا) ليس بطهور (بل هي حمى تفور) تغلي ويظهر حرها (على شيخ كبير كيما) بفتح الكاف وسكون التحتية بعدها ميم فألف، ولأبي ذر عن الكشميهني حتى (تزيره القبور) أي تبعثه إلى المقبرة بالموت (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له (فنعم إذا) بالتنوين أي إذا أبيت كان كما زعمت. وهذا الحديث سبق قريبًا في باب عيادة الأعراب. 15 - باب عِيَادَةِ الْمَرِيضِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَرِدْفًا عَلَى الْحِمَارِ (باب عيادة المريض راكبًا وماشيًا وردفًا) بكسر الراء وسكون الدال أي مرتدفًا لغيره (على الحمار). 5663 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى إِكَافٍ عَلَى قَطِيفَةٍ فَدَكِيَّةٍ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَسَارَ حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ ابْنُ سَلُولَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ، وَفِى الْمَجْلِسِ أَخْلاَطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ وَفِى الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ قَالَ: لاَ تُغَيِّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَقَفَ وَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ: يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ إِنَّهُ لاَ أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ إِنْ كَانَ حَقًّا فَلاَ تُؤْذِنَا بِهِ فِى مَجْلِسِنَا وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاغْشَنَا بِهِ فِى مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ، فَلَمْ يَزَلِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى سَكَتُوا فَرَكِبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ: «أَىْ سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ» يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ، قَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ فَلَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ مَا أَعْطَاكَ وَلَقَدِ اجْتَمَعَ أَهْلُ هَذِهِ الْبَحْرَةِ أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُوهُ فَلَمَّا رَدَّ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِى أَعْطَاكَ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ الَّذِى فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ. وبه قال (حدّثني) بالإفراد (يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (أن أسامة بن زيد) -رضي الله عنهما- (أخبره أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركب على حمار على إكاف) بكسر الهمزة وتخفيف الكاف كالبرذعة ونحوها لذوات الحوافر (على قطيفة) بالقاف المفتوحة والطاء المكسورة وبعد التحتية الساكنة فاء كساء (فدكية) بفتح الفاء والدال المهملة وبالكاف المكسورة نسبة إلى فدك القرية المشهورة لأنها صنعت فيها، والحاصل أن الإكاف على الحمار والقطيفة فوق الإكاف والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوق القطيفة (وأردف

16 - باب قول المريض إنى وجع أو وارأساه أو اشتد بى الوجع وقول أيوب: {أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين}

أسامة) بن زيد (وراءه) على الحمار حال كونه (يعود سعد بن عبادة) الأنصاري زاد في سورة آل عمران في بني الحارث بن الخزرج (قبل وقعة بدر فسار) عليه الصلاة والسلام (حتى مرّ بمجلس فيه عبد الله بن أبيّ) بالتنوين (ابن سلول) رفع صفة لعبد الله لا لأبيّ لأن سلول اسم أم عبد الله غير منصرف الألف في ابن ثابت على ما لا يخفى (وذلك قبل أن يسلم) بضم التحتية وسكون المهملة أي يظهر الإسلام (عبد الله) بن أبيّ ولم يسلم قط (وفي المجلس أخلاط) بالخاء المعجمة الساكنة أنواع (من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان) بالمثلثة والجرّ بدلاً من المشركين (واليهود) عطف على المشركين أو على عبدة الأوثان لأنهم قد قالوا عزيرًا ابن الله (وفي المجلس) من المسلمين بل من السابقين إلى الإسلام (عبد الله بن رواحة) الأنصاري (فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة) أي غبار الدابة التي عليها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (خمر) بالخاء المعجمة والميم المشددة المفتوحتين آخره راء أي غطى (عبد الله بن أبي أنفه برداه قال): وفي آل عمران ثم قال (لا تغبروا علينا) بالباء الموحدة في تغبروا (فسلّم النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووقف ونزل) عن الحمار (فدعاهم إلى الله فقرأ عليهم القرآن فقال له عبد الله بن أبي: يا أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول) أي إن ما تقول حسن قاله استهزاء قاتله الله، ولأبي ذر عن الكشميهني: لا أحسن ما تقول بضم الهمزة وكسر السين بصيغة فعل المتكلم والتالي مفعوله (إن كان حقًّا فلا تؤذنا به) بحذف حرف العلة للجزم بلا (في مجلسنا) بالإفراد ولأبي ذر في مجالسنا (وارجع إلى رحلك) بفتح الراء وسكون الحاء المهملة إلى منزلك (فمن جاءك منا فاقصص عليه، قال ابن رواحة: بلى يا رسول الله فاغشنا به) بهمزة وصل وفتح الشين المعجمة (في مجالسنا فإنا نحب ذلك فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون) بالمثلثة بعد الفوقية قاربوا أن يثب بعضهم على بعض فيقتلوا (فلم يزل النبي) ولأبي ذر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخفضهم حتى سكتوا) بالمثناة الفوقية من السكوت ضدّ الكلام ولأبي ذر عن الحموي سكنوا بالنون من السكون ضد الحركة (فركب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دابته حتى دخل على سعد بن عبادة) -رضي الله عنه- يعوده (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (له): (أي سعد ألم تسمع ما قال) لي (أبو حباب) بضم الحاء المهملة وتخفيف الموحدة الأولى (يريد عبد الله بن أبي) إذ هي كنيته (قال سعد: يا رسول الله اعف عنه واصفح فلقد أعطاك الله ما أعطاك ولقد اجتم أهل هذه البحيرة) بضم الموحدة وفتح الحاء المهملة وإسكان التحتية البليدة (أن) ولأبي ذر عن الكشميهني على أن (يتوّجوه) بتاج الملك (فيعصبوه) بعصابة السيادة (فلما ردّ ذلك) بضم الراء وتشديد الدال (بالحق الذي أعطاك) الله (شرق) بفتح المعجمة وكسر الراء غص عبد الله بن أبيّ (بذلك) الحق الذي أعطاك الله (فذلك) الحق (الذي) أتيت به (فعل به ما رأيت) من فعله وقوله القبيح زاد في آل عمران فعفا عنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 5664 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدٍ هُوَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ - رضى الله عنه - قَالَ: جَاءَنِى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُنِى لَيْسَ بِرَاكِبِ بَغْلٍ وَلاَ بِرْذَوْنٍ. وبه قال (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد (عمرو بن عباس) بفتح العين وسكون الميم وعباس بالموحدة والسين المهملة أبو عثمان المصري قال: (حدّثنا عبد الرحمن) بن مهدي العنبري البصري قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن محمد هو ابن المنكدر عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه (قال: جاءني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعودني ليس براكب بغل) بإضافة راكب لتاليه (ولا) راكب (برذون) بكسر الموحدة وفتح الذال المعجمة نوع من الخيل ومفهومه أنه كان ماشيًا فيطابق بعض ما ترجم له. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفرائض وكذا أبو داود والترمذي وزاد فأخرجه في التفسير أيضًا. 16 - باب قَوْلِ الْمَرِيضِ إِنِّى وَجِعٌ أَوْ وَارَأْسَاهْ أَوِ اشْتَدَّ بِى الْوَجَعُ وَقَوْلِ أَيُّوبَ: {أَنِّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (باب) جواز (قول المريض إني وجع) بفتح الواو وكسر الجيم ولأبي ذر باب ما رخص للمريض أن يقول إني وجع (أو) قوله (وارأساه) وهو تفجع على الرأس من شدة

صداعه (أو اشتد) أي أو قوله اشتد (بى الوجع و) باب (قول أيوب) عليه السلام: ({أني مسني الضر}) الضر بالفتح الضرر في كل شيء وبالضم الضرر في النفس من مرض أو هزال ({وأنت أرحم الراحمين}) [الأنبياء: 83] ألطف في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة وذكر ربه بغاية الرحمة، ولم يصرح بالمطلوب فكأنه قال: أنت أهل أن ترحم وأيوب أهل أن يرحم فارحمه واكشف عنه الضر الذي مسه وقال الطيبي لم يقل ارحم ضري ليعم ويشتمل ويشعر بالتعليل ولذلك استجيب له وروي عن أنس أخبر أيوب عن ضعفه حين لم يقدر على النهوض إلى الصلاة ولم يشكه وكيف يشكو من قيل له إنا وجدناه صابرًا نعم العبد، وقيل: إنما اشتكى إليه تلذذًا بالنجوى لا أنه تضرر بالشكوى والشكاية إليه غاية القرب والشكاية منه غاية البعد. وقد استشكل إيراد المؤلّف لهذه الآية هنا إذ إنها لا تناسب الترجمة لأن أيوب إنما قال ذلك داعيًا ولم يذكره للمخلوقين وأجيب: باحتمال أنه أشار إلى أن مطلق الشكوى لا تمنع ردًّا على من زعم أن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا فنبه على أن الطلب منه تعالى ليس ممنوعًا بل زيادة عبادة لما ثبت مثل ذلك عن المعصوم وأثنى الله عليه بذلك وأثبت له اسم الصبر مع ذلك، فلعل مراد المؤلّف أن الذي يجوز من الشكوى ما كان على طريق الطلب من الله تعالى. 5665 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِى نَجِيحٍ وَأَيُّوبَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: مَرَّ بِىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ الْقِدْرِ فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَدَعَا الْحَلاَّقَ فَحَلَقَهُ ثُمَّ أَمَرَنِى بِالْفِدَاءِ. وبه قال (حدّثنا قبيصة) بن عقبة قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن ابن أبي نجيح) عبد الله (وأيوب) السختياني كلاهما (عن مجاهد) المفسر (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري عالم الكوفة (عن كعب بن عجرة) بضم العين المهملة وسكون الجيم وفتح الراء من أصحاب الشجرة (رضي الله عنه) أنه (قال: مرّ بي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا أوقد تحت القدر) زاد في المغازي والقمل يتناثر على رأسي (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أيؤذيك هوام رأسك)؟ بفتح الهاء والواو وبعد الألف ميم مشددة جمع هامة بتشديدها اسم للحشرات لأنها تهم أي تدب وإذا أضيفت إلى الرأس اختصت بالقمل فكأنه قال أيؤذيك قبل رأسك، (قلت: نعم) يا رسول الله يؤذيني (فدعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الحلاق فحلقه) أي حلق شعر رأسي (ثم أمرني بالفداء) وفي الحج فقال: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو أنسِك بشاة، وفي باب النسك شاة من كتاب الحج فأمره أن يحلق وهو بالحديبية ولم يتبين لهم أنهم يحلون. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: أيؤذيك هوام رأسك؟ قلت: نعم وليس إخباره بإيذائها له شكوى بل لبيان الواقع والاسترشاد لما فيه نفعه. 5666 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَبُو زَكَرِيَّا أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ وَارَأْسَاهْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَىٌّ فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ وَأَدْعُو لَكِ» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثُكْلِيَاهْ وَاللَّهِ إِنِّى لأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِى وَلَوْ كَانَ ذَاكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَا وَارَأْسَاهْ لَقَدْ هَمَمْتُ أَوْ أَرَدْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ وَابْنِهِ وَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ، أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ» ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ. [الحديث 5666 - طرفه في: 7217]. وبه قال (حدّثنا يحيى بن يحيى أبو زكريا) التميمي الحنظلي النيسابوري قال أخبرنا سليمان بن بلال) أبو محمد مولى الصديق الثقة الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري أنه (قال: سمعت القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- أنه (قال: قالت عائشة) -رضي الله عنها- (وارأساه) روى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة رجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من جنازة من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعًا في رأسي وأنا أقول وارأساه! قال الطيبي: ندبت نفسها وأشارت إلى الموت (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ذاك) بكسر الكاف (لو كان) أي إن حصل موتك (وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك) بكسر الكاف فيهما أيضًا (فقالت عائشة: واثكلياه) بضم المثلثة وسكون الكاف وكسر اللام مصححًا عليها في الفرع بعدها تحتية مخففة فألف فهاء ندبة، وفي بعض الأصول بفتح اللام، ولم يذكر الحافظ ابن حجر غيرها وتعقبه العيني فقال: ليس كذلك لأن ثكلياه إما أن يكون مصدرًا أو صفة للمرأة التي فقدت ولدها فإن كان مصدرًا فالثاء مضمومة واللام مكسورة وإن كان اسمًا فالثاء مفتوحة واللام كذلك. قال في القاموس: الثكل بالضم الموت والهلاك وفقدان الحبيب أو الولد انتهى. وليست حقيقته مرادة هنا بل هو كلام يجري على ألسنتهم عند حصول المصيبة

أو توقعها (والله إني لأظنك) أي من قوله لها لو من قبلي (تحب موتي ولو كان ذاك) أي موتي ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ذلك بلام بعد المعجمة (لظللت) بفتح اللام والظاء المعجمة بعدها لام مكسورة فأخرى ساكنة (آخر يومك) من موتي (معرسًا) بضم الميم وفتح العين المهملة وكسر الراء المشدّدة بعدها سين مهملة اسم فاعل وبسكون العين وتخفيف الراء من أعرس بامرأته إذا بنى بها أو غشيها (ببعض أزواجك) ونسيتني (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أنا وارأساه) كذا في الفرع وفي غيره من الأصول المعتمدة التي وقفت عليها بل أنا وارأساه بإثبات بل الإضرابية أي دعي ذكر ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي فإنك لا تموتين في هذه الأيام بل تعيشين بعدي علم ذلك بالوحي، ثم قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لقد هممت أو) قال (أردت) بالشك من الراوي (أن أرسل إلى أبي بكر) الصديق (وابنه وأعهد) بفتح الهمزة والنصب عطفًا على المنصوب السابق أي أوصي بالخلافة لأبي بكر كراهة (أن يقول القائلون) الخلافة لفلان أو لفلان أو يقول واحد منهم الخلافة لي وأن مصدرية والمقول محذوف (أو يتمنى المتمنون) الخلافة فأعينه قطعًا للنزاع وقد أراد الله أن لا يعهد ليؤجر المسلمون على الاجتهاد والمتمنون بضم النون جمع متمن بكسرها، وقال السفاقسي: ضبط قوله المتمنون بفتح النون وإنما هو بضمها لأن الأصل المتمنيون على زنة المتطهرون فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت فاجتمع ساكنان الياء والواو فحذفت الياء كذلك وضمت النون لأجل الواو إذ لا يصح واو قبلها كسرة، قال العيني: فتح النون هو الصواب وهو الأصل كما في قوله المسمون إذ لا يقال فيه بضم الميم وتشبيه القائل المذكور المتمنون بالمتطهرون غير مستقيم لأن هذا صحيح وذاك معتل اللام وكل هذا عجز وقصور عن قواعد علم الصرف. (ثم قلت: يأبى الله) إلا خلافة أبي بكر (ويدفع المؤمنون) خلافة غيره لاستخلافي له في الإمامة الصغرى (أو) قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يدفع الله) خلافة غيره (ويأبى المؤمنون) إلا خلافته فالشك من الراوي في التقديم والتأخير وفائدة إحضار ابن الصديق معه في العهد بالخلافة ولم يكن له فيها دخل قال في الكواكب لأن المقام مقام استمالة قلب عائشة يعني كلما أن الأمر مفوّض إلى أبيك كذلك الائتمار في ذلك بحضرة أخيك فأقاربك هم أهل مشورتي. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأحكام. 5667 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يُوعَكُ فَمَسِسْتُهُ فَقُلْتُ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا قَالَ: «أَجَلْ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ» قَالَ: لَكَ أَجْرَانِ قَالَ: «نَعَمْ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مَرَضٌ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». وبه قال (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري قال: (حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي البصري ثقة عابد يعدّ من الأبدال قال: (حدّثنا سليمان) بن مهران الأعمش (عن إبراهيم) بن يزيد (التيمي) العابد (عن الحارث بن سويد) التيمي (عن ابن مسعود) عبد الله (-رضي الله عنه-) أنه (قال: دخلت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يوعك) بفتح العين يحم (فمسسته) بكسر المهملة الأولى وسكون الأخرى ولأبي عن الحموي والمستملي فسمعته بدل قوله فمسسته أي فسمعت أنينه ففيه حذف، لكن قال الحافظ ابن حجر: إنها تحريف، وزاد الكشميهني بعد فمسسته بيدي (فقلت) يا رسول الله (إنك لتوعك وعكًا شديدًا قال): (أجل) بفتح الجيم وسكون اللام مخففة أي نعم (كما يوعك رجلان منكم) لأنه كالأنبياء مخصوص بكمال الصبر (قال) ابن مسعود قلت ذلك التضاعف (لك أجران قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم) فالبلاء في مقابلة النعمة فمن كانت نعم الله عليه أكثر كان بلاؤه أشد ثم قال عليه الصلاة والسلام: (ما من مسلم يصيبه أذى مرض) رفع بدل من سابقه (فما سواه) كالهم يهمه (إلاّ حط الله سيئاته) من الصغائر والكبائر حدّث عن الكريم بما شئت (كما تحط الشجرة ورقها) في زمن الخريف لأنها حينئذ يتجرد عنها سريعًا لجفافها وكثرة هبوب الرياح. وهذا الحديث سبق قريبًا غير مرة. 5668 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا الزُّهْرِىُّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُنِى مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِى زَمَنَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقُلْتُ: بَلَغَ بِى مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلاَ يَرِثُنِى إِلاَّ ابْنَةٌ لِى أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَىْ مَالِى؟ قَالَ: «لاَ». قُلْتُ بِالشَّطْرِ قَالَ: «لاَ». قُلْتُ الثُّلُثُ قَالَ: «الثُّلُثُ كَثِيرٌ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ وَلَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِى فِى امْرَأَتِكَ». وبه قال (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال:

17 - باب قول المريض: قوموا عنى

(حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة) بفتح اللام الماجشون التيمي مولاهم المدني قال: (أخبرنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عامر بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة بالجنة أنه (قال: جاءنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يعودني من وجع) أي بسبب وجع أو لأجل وجع (اشتدّ بي زمن حجة الوداع) بمكة (فقلت) يا رسول الله (بلغ بي من الوجع ما ترى) يصح على مذهب ابن مالك والكوفيين أن تكون من زائدة في الإثبات أي بلغ بي الوجع ما ترى وفي التنزيل {وقد بلغني الكبر} [آل عمران: 40] {وقد بلغت من الكبر} [مريم: 8] والرؤية بصرية مفعولها هو العائد على ما ومتى جعلنا الفاعل ما وصلتها كان التقدير بلغ بي ما تراه، ويحتمل أن يكون الفاعل محذوفًا يدل عليه قوله من الوجع، والتقدير بلغ بي جهد من الوجع ثم حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه قال ابن مالك وهذا الحذف يكثر قبل من لدلالتها على التبعيض ومنه قوله تعالى: {ولقد جاءك من نبأ المرسلين} [الأنعام: 34] أي ولقد جاءك نبأ من نبأ المرسلين. (وأنا ذو مال) في موضع الحال من ضمير النبي في ترى والرابط واو الحال أو من فاعل اشتد والجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب (ولا يرثني) بالفرض (إلا ابنة لي) هي أم الحكم الكبرى (أفأتصدق بثلثي مالي)؟ الهمزة للاستفهام والفعل معها مستفهم عنه والفاء عاطفة وقيل زائدة وكان حقها التقديم لكن عارضها الاستفهام وله صدر الكلام (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا) حرف جواب وهي بمعناها تسدّ مسد الجملة أي لا تتصدق بكل الثلثين قال سعد (قلت بالشطر) بالجار والمراد به النصف كما في الرواية الأخرى ولأبي ذر فالشطر بالفاء الموحدة رفع على الابتداء والخبر محذوف أي فالشطر أتصدق به (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا) قال سعد (قلت: الثلث؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (الثلث كثير)، ولأبي ذر قال: لا الشك والثلث كثير فأسقط قلت وقال وزاد والثلث أي: الثلث تصدّق به والثلث كثير مبتدأ وخبر (أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة) ولأبي ذر عن الكشميهني: إنك أن تذر بالذال المعجمة وهمزة أن مفتوحة على الروايتين فهي مصدرية ناصبة للفعل والموضع رفع بالابتداء وخير خبره والجملة خبر أن من قوله إنك، ويجوز كسر إن فهي حرف شرط فالفعل بعدها مجزوم وحينئذٍ فجواب الشرط محذوف أي فهو خير فيكون قد حذف المبتدأ مقرونًا بالفاء وأبقى الخبر. قال ابن مالك: وهذا فيما زعم النحويون مخصوص بالضرورة وليس كذلك بل أكثر استعماله في الشعر وقلّ في غيره فمن وروده في غير الشعر قراءة طاوس {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير} [البقرة: 220] أي فهو خير قال: وهذا وإن لم يصرح فيه بأداة الشرط فإن الأمر مضمن معنى الشرط فكان ذلك بمنزلة التصريح بها في استحقاق الجواب واستحقاق اقترانه بالفاء لكونه جملة اسمية ومن خص هذا الحذف بالشعر حاد عن التحقيق، وضيق حيث لا تضييق وقوله عالة بتخفيف اللام جمع عائل وهو الفقير أي أن تتركهم أغنياء خير من أن تتركهم فقراء حال كونهم (يتكففون الناس) يبسطون إليهم أكفّهم بالسؤال (ولن تنفق نفقة تبتغي) تطلب (بها وجه الله) ثوابه ونفقة هنا بمعنى منفقًا والمنفق اسم مفعول كالخلق بمعنى المخلوق (ألا أجرت عليها) بضم الهمزة مبنيًّا لما لم يسم فاعله أي أعطاك الله بها أجرًا (حتى ما تجعل في فِي امرأتك) أي فمها، ففي الأولى حرف والثانية اسم وحتى للغاية وهي هنا داخلة على الاسم وهو ما الموصولة وصلتها، والتقدير حتى الذي تجعله ويجوز أن تكون حرف ابتداء فتكون الصلة والموصول في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف والتقدير حتى الذي تجعله في فِي امرأتك تؤجر عليه وخص الزوجة بالذكر لعود منفعتها التي هي سبب الإنفاق عليه، والمعنى أن المباح يصير طاعة مثابة إذا قصد به وجه الله تعالى. وهذا الحديث سبق في كتاب الوصايا. 17 - باب قَوْلِ الْمَرِيضِ: قُومُوا عَنِّى (باب قول المريض) لمن عنده (قوموا عني) إذا

18 - باب من ذهب بالصبى المريض ليدعى له

وقع منهم ما يقتضي ذلك. 5669 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ وَحَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِى الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ» فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ فَاخْتَصَمُوا مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ: فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالاِخْتِلاَفَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قُومُوا» قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنِ اخْتِلاَفِهِمْ وَلَغَطِهِمْ. وبه قال (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الرازي الفراء الحافظ قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد قال المؤلّف (ح) و (حدّثني) بالواو الثابتة لأبي ذر وبالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحافظ أبو بكر الصنعاني أحد الأعلام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد المذكور (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما حضر) بضم الحاء المهملة وكسر الضاد المعجمة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي جاءه أجله (وفي البيت رجال فيهم) ولأبي ذر عن الكشميهني منهم بالميم والنون بدل الفاء والياء (عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هلم) استشكل بأن المناسب أن يقول هلموا بالجمع وأجيب بأنها وقعت على لغة الحجازين يستوي فيها الجمع والمفرد قال تعالى: {والقائلين لإخوانهم هلم إلينا} [الأحزاب: 18] أي تعالوا (أكتب) بالجزم جواب الأمر ويجوز الرفع على الاستئناف أي آمر من يكتب (لكم كتابًا) فيه استخلاف أبي بكر بعدي أو فيه مهمات الأحكام (لا تضلوا بعده) ولا ترتابوا لحصول الاتفاق على المنصوص عليه ولا تضلوا نفي حذفت نونه لأنه بدل من جواب الأمر وقد جوّز بعضهم تعدد جواب الأمر من غير حرف العطف (فقال عمر) -رضي الله عنه-: (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد غلب عليه الوجع) فلا تشقوا عليه بإملاء الكتاب المقتضي للتطويل مع شدّة الوجع (وعندكم القرآن) فيه تبيان كل شيء (حسبنا) يكفينا (كتاب الله) المنزل فيه {ما فرطنا في الكتاب من شيء} [الأنعام: 38] و {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] فلا تقع واقعة إلى يوم القيامة إلا وفي القرآن والسُّنّة بيانها نصًّا أو دلالة وهذا من دقيق نظر عمر فانظر كيف اقتصر -رضي الله عنه- على ما سبق بيانه تخفيفًا عليه-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولئلا ينسد باب الاجتهاد والاستنباط، وفي تركه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإنكار على عمر دليل على استصواب رأيه (فاختلف أهل البيت) النبوي (فاختصموا منهم منع يقول): امتثالاً لأمره ولما فيه من زيادة الإيضاح (قربوا) أدوات الكتابة (يكتب لكم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بجزم يكتب جواب الأمر (كتابًا لن تضلوا بعده) قال الجوهري: الضلالة ضد الرشاد (ومنهم من يقول: ما قال عمر) إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله وكأنهم فهموا من قرينة قامت عندهم أن أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك لم يكن للوجوب بل هو إلى اختيارهم فلذا اختلفوا بحسب اجتهادهم (فلما كثروا اللغو والاختلاف عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قوموا) زاد في العلم عني وبها تحصل المبالغة. (قال عبيد الله) بن عبد الله السابق في السند: (وكان ابن عباس) عند تحديثه بهذا الحديث (يقول: إن الرزية كل الرزية) إن المصيبة كل المصيبة (ما حال) أي الذي حجز (بين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم) بفتح اللام والمعجمة واللغط الصوت والجلبة أي إن الاختلاف كان سببًا لترك كتابة الكتاب، ووقع في كتاب العلم فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية وظاهره أن ابن عباس كان معهم وإنه في تلك الحالة خرج قائلاً هذه المقالة وليس كذلك، بل المراد أنه خرج من المكان الذي وإن به وهو يقول ذلك ويؤيد ذلك رواية أبي نعيم في المستخرج. قال عبيد الله: فسمعت ابن عباس يقول إلى آخره وعبيد الله تابعي من الطبقة الثانية لم يدرك القصة في وقتها لأنه ولد بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمدّة طويلة ثم سمعها من ابن عباس بعد ذلك بمدّة أخرى وكان الأولى ذكر هذا في محلة من كتاب العلم لكن منع منه حصول ذهول عنه وقد وقع في الإشارة المفهمة ثم والله الموفق. 18 - باب مَنْ ذَهَبَ بِالصَّبِىِّ الْمَرِيضِ لِيُدْعَى لَهُ (باب من ذهب بالصبي المريض) إلى الصالحين (ليدعى) بكسر اللام وضم التحتية

19 - باب تمنى المريض الموت

وسكون الدال وفتح العين وللكشميهني ليدعو (له) بفتح التحتية وضم العين بعدها واو مفتوحة. 5670 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ هُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْجُعَيْدِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ يَقُولُ ذَهَبَتْ بِى خَالَتِى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِى وَجِعٌ فَمَسَحَ رَأْسِى وَدَعَا لِى بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ وَقُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ. وبه قال (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي المعجمة أبو إسحاق الزبيري الأسدي قال: (حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة (هو ابن إسماعيل) الكوفي سكن المدينة (عن الجعيد) بضم الجيم وفتح العين مصغرًا ابن عبد الرحمن الكندي أنه (قال: سمعت السائب) بن يزيد الصحابي ابن الصحابي (يقول: ذهبت بي خالتي) لم تسم (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إن ابن أختي) علبة بضم العين المهملة وسكون اللام بعدها موحدة مفتوحة بنت شريح (وجع) بفتح الواو وكسر الجيم قال السائب (فمسح) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رأسي) بيده المباركة (ودعا لي بالبركة ثم توضأ فشربت من وضوئه) بفتح الواو الماء الذي توضأ به تبركًا (وقمت خلف ظهره) عليه الصلاة والسلام (فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه) وسقط لأبي ذر لفظ النبوة (مثل زر الحجلة) بيت كالقبة يزين للعروس ذات عرا وأوتاد ويعرف بالبشخانة. والمطابقة واضحة ومرّ الحديث في الطهارة وفي المناقب النبوية عند ذكر خاتم النبوة، ويأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الدعوات بعون الله وقوّته. 19 - باب تَمَنِّى الْمَرِيضِ الْمَوْتَ (باب) منع (تمني) ولأبي ذر عن الكشميهني باب نهي تمني (المريض الموت) لشدّة مرضه. 5671 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِىُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه -، قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِى مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِى وَتَوَفَّنِى إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِى». [الحديث 5671 - طرفاه في: 6351، 7233]. وبه قال (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال (حدّثنا ثابت البناني) بضم الموحدة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه قال (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يخاطب الصحابة والمراد هم ومن بعدهم من المسلمين عمومًا: (لا يتمنين أحدكم الموت من ضر) مرض أو غيره (أصابه) وفي رواية أبي هريرة: لا يتمنى بياء ثابتة خطأ في كتب الحديث فلعله نهي ورد على صيغة الخبر والمراد منه لا يتمنّ فأُجرِيَ مجرى الصحيح، وقال البيضاوي: هو نهي أخرج في صورة النفي للتأكيد، انتهى. قال في شرح المشكاة: وهذا أولى لقوله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية} [النور: 3] قال في الكشاف عن عمرو بن عبيد: لا ينكح بالجزم على النهي والمرفوع أيضًا فيه معنى النهي، ولكن أبلغ وآكد كما أن رحمك الله ويرحمك الله أبلغ من ليرحمك الله. قال الطيبي: وإنما كان أبلغ لأنه قدّر أن المنهي حين ورود النهي عليه انتهى عن المنهي عنه وهو يخبر عن انتهائه، ولو ترك على النهي المحض ما كان أبلغ كأنه يقول لا ينبغي للمؤمن المتزوّد للآخرة والساعي في ازدياد ما يثاب عليه من العمل الصالح أن يتمنى ما يمنعه عن السلوك بطريق الله وعليه قوله: خياركم مَن طال عمره وحسن عمله لأن من شأنه الازدياد والترقي من حال إلى حال ومن مقام إلى مقام حتى ينتهي إلى مقام القرب كيف يطلب القطع عن محبوبه انتهى. ولابن حبان: لا يتمنى أحدكم الموت لضرٍّ نزل به في الدنيا الحديث فلو كان الضرر للأخرى بأن خشي فتنة في دينه لم يدخل في النهي وقد قال عمر بن الخطاب كما في الموطأ: اللهم كبرت سني وضعفت قوّتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مفتون. (فإن كان) المريض (لا بدّ فاعلاً) ما ذكر من تمني الموت (فليقل: اللهم أحيني) بهمزة قطع (ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا) ولأبي ذر عن الكشميهني ما (كانت الوفاة خيرًا لي) وهذا نوع تفويض وتسليم للقضاء بخلاف الأوّل المطلق فإن فيه نوع اعتراض ومراغمة للقدر المحتوم والأمر في قوله فليقل لمطلق الإذن لا للوجوب أو الاستحباب لأن الأمر بعد الحظر لا يبقى على حقيقته. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الدعوات. 5672 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى خَبَّابٍ نَعُودُهُ وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ فَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابَنَا الَّذِينَ سَلَفُوا مَضَوْا وَلَمْ تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا وَإِنَّا أَصَبْنَا مَا لاَ نَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا إِلاَّ التُّرَابَ وَلَوْلاَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى وَهْوَ يَبْنِى حَائِطًا لَهُ فَقَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ لَيُوجَرُ فِى كُلِّ شَىْءٍ يُنْفِقُهُ إِلاَّ فِى شَىْءٍ يَجْعَلُهُ فِى هَذَا التُّرَابِ. [الحديث 5672 - أطرافه في: 6349، 6350، 6430، 6431، 7234]. وبه قال (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن إسماعيل بن أبي خالد) اسمه سعيد وقيل هرمز الأحمسي مولاهم العجلي (عن قيس بن أبي) حازم) البجلي الكوفي المخضرم أنه (قال: دخلنا على خباب) بفتح الخاء المعجمة والموحدة الأولى المشدّدة ابن الأرت (نعوده وقد اكتوى) في بطنه (سبع كيات فقال: إن أصحابنا

الذين سلفوا) أي ماتوا في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مضوا) ماتوا (ولم تنقصهم الدنيا) من أجورهم شيئًا فلم يستعجلوا ما فيها بل صارت مدخرة لهم في الآخرة، وقال الكرماني: أي لم تجعلهم الدنيا من أهل النقصان بسبب اشتغالهم بها أي لم يطلبوا الدنيا ولم يحصلوها حتى يلزم بسببه فيهم نقصان إذ الاشتغال بها اشتغال عن الآخرة قال الشاعر: ما استكمل المؤمن أطرافه طرفًا ... إلا تخرّمه النقصان من طرف (وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعًا) نصرفه فيه (إلا التراب) يعني البنيان وعند أحمد في هذا الحديث بعد قوله إلا التراب وكان يبني حائطًا له (ولولا أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به) أي على نفسي قال ذلك لأنه ابتلي في جسده ابتلاء شديدًا وهو أخص من تمنيه فكل دعاء تمن من غير عكس ومن ثم أدخله في الترجمة، قال قيس (ثم أتيناه) أي أتينا خبابًا (مرة أخرى وهو يبني حائطًا له فقال: إن المسلم يؤجر) ولأبي ذر ليؤجر (في كل شيء ينفقه إلا في شيء يجعله في هذا التراب) أي في البنيان الزائد على الحاجة وتكرار المجيء ثبت في رواية شعبة وهو أحفظ فزيادته مقبولة والظاهر أن قصة بناء الحائط كانت سببًا لقوله: وإنا أصبنا من الدنيا، إلخ. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الدعوات والرقاق ومسلم في الدعوات والنسائي في الجنائز. 5673 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لاَ وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِى اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَلاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو عبيد) بضم العين وفتح الموحدة من غير إضافة لشيء اسمه سعد بن عبيد الزهري (مولى عبد الرحمن) بن أزهر (بن عوف) ابن أخي عبد الرحمن بن عوف الزهري (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: لن يدخل أحدًا عمله الجنة). واستشكل بقوله تعالى: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} [الزخرف: 72] وأجيب: بأن محمل الآية على أن الجنة تنال المنازل فيها بالأعمال لأن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال وأن محمل الحديث على أصل دخول الجنة. فإن قلت: إن قوله تعالى: {سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [النحل: 32] صريح بأن دخول الجنة أيضًا بالأعمال، أجيب: بأنه لفظ مجمل بينه الحديث، والتقدير ادخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون، فليس المراد أصل الدخول أو المراد ادخلوها بما كنتم تعملون مع رحمة الله لكم وتفضله عليكم لأن اقتسام منازل الجنة برحمته وكذا أصل دخولها ألهم العاملين ما نالوا به بذلك ولا يخلو شيء من مجازاته لعباده من رحمته وفضله لا إله إلا هو له الحمد (قالوا: ولا أنت يا رسول الله) لا ينجيك عملك مع عظم قدره (قال) عليه الصلاة والسلام: (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة) وللمستملي بفضل رحمته بإضافة بفضل للاحقها أي يلبسنيها ويسترني بها مأخوذ من غمد السيف وأغمدته ألبسته غمده وغشيته به وفي رواية سهيل إلا أن يتداركني الله برحمته وفي رواية ابن عون عند مسلم بمغفرة ورحمة وقال ابن عون بيده هكذا وأشار على رأسه. قال في الفتح: وكأنه أراد تفسير معنى يتغمدني وعند مسلم من حديث جابر لا يدخل أحدًا منكم عمله الجنة ولا يجيره من النار ولا أنا إلا برحمة من الله (فسددوا) بالسين المهملة أي اقصدوا السداد أي الصواب (وقاربوا) أي لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملالة فتتركوا العمل فتفرطوا وفي رواية بشر بن سعيد عن أبي هريرة عند مسلم ولكن سددوا ومعنى الاستدراك أنه قد يفهم من نفي المذكور نفي فائدة العمل فكأنه قيل بل له فاندة وهي أن العمل علامة على وجود الرحمة التي تدخل العامل فاعملوا واقصدوا بعملكم الصواب أي اتباع السُّنّة من الإخلاص وغيره ليقبل عملكم فينزل عليكم الرحمة وللحموي والمستملي وقربوا بتشديد الراء من غير ألف (ولا يتمنين) بتحتية بعد النون آخره نون توكيد

20 - باب دعاء العائد للمريض وقالت عائشة بنت سعد عن أبيها: «اللهم اشف سعدا»

لفظ نفي بمعنى النهي وللكشميهني ولا يتمنّ التحتية والنون بلفظ النهي (أحدكم الموت) زاد في رواية همام عن أبي هريرة ولا يدع به من قبل أن يأتيه وهي قيد في الصورتين ومفهومه أنه إذا دخل به لا يمنع من تمنيه رضا بقضاء الله ولا من طلبه لذلك (إما) أن يكون (محسنًا فلعله أن يزداد خيرًا وإما) أن يكون (مسيئًا فلعله أن يستعتب) يطلب العتبى وهو الإرضاء أي يطلب رضا الله بالتوبة وردّ المظالم وتدارك الفائت ولعل في الموضعين للرجاء المجرد من التعليل وأكئر مجيئها في الرجاء إذا كان معه تعليل نحو: {واتقوا الله لعلكم تفلحون} [البقرة: 189]. وهذا الحديث أخرجه مسلم إلى قوله فسدّدوا بطرق مختلفة ومقصود البخاري منه هنا قوله ولا يتمنين إلى آخره وما قبله ذكره استطرادًا لا قصدًا. 5674 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُسْتَنِدٌ إِلَىَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى وَارْحَمْنِى وَأَلْحِقْنِى بِالرَّفِيقِ الأَعْلَى». وبه قال (حدّثنا عبد الله بن أبي شيبة) هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الحافظ أبو بكر العبسي مولاهم الكوفي صاحب التصانيف قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) هو ابن عروة (عن عباد بن عبد الله) بفتح العين الموحدة المشدّدة (ابن الزبير) بن العوّام أنه (قال: سمعت عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في مرض موته (وهو مستند إليّ) بتشديد التحتية والجملة حالية (يقول: اللهم اغفر لي وارحمني) بهمزتي وصل فيهما (وألحقني) بهمزة قطع (بالرفيق) زاد في رواية الأعلى والمراد الملائكة الملأ الأعلى، وهذا قاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن تحقق الوفاة حينئذ لما رأى من الملائكة المبشرة له بكمال الدرجة الرفيعة وغير ذلك وليس نبي يقبض حتى يخير والنهي مختص بالحالة التي قبل الموت كما سبق في رواية همام عن أبي هريرة. قال في الفتح: ولهذه النكتة عقب البخاري حديث أبي هريرة بحديث عائشة -رضي الله عنها-: اللهم اغفر لي وارحمني إلى آخره. قال: فلله البخاري ما أكثر استحضاره وإيثاره الأخفى على الأجلى تشحيذ الأذهان قال وقد خفي صنيعه هذا على من جعل حديث عائشة في الباب معارضًا لأحاديث الباب أو ناسخًا لها والله الموفق والمعين على ما بقي في عافية بلا محنة. وهذا الحديث مضى في المغازي في باب مرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 20 - باب دُعَاءِ الْعَائِدِ لِلْمَرِيضِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ بِنْتُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهَا: «اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا» (باب دعاء العائد للمريض) بالشفاء ونحوه عند دخوله عليه (وقالت عائشة بنت سعد) بسكون العين مما سبق موصولاً في باب وضع اليد على المريض (عن أبيها) سعد بن أبي وقاص (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللهم اشفِ سعدًا) ثبت لأبي ذر قوله قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وسقط لغيره لكنه قال بعد قوله اللهم اشفِ سعدًا قاله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 5675 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِىَ بِهِ قَالَ: «أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِى لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا». وَقَالَ عَمْرُو بْنُ أَبِى قَيْسٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَأَبِى الضُّحَى إِذَا أُتِىَ بِالْمَرِيضِ. وَقَالَ جَرِيرٌ: عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِى الضُّحَى وَحْدَهُ وَقَالَ: إِذَا أَتَى مَرِيضًا. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا أتى مريضًا) يعوده (أو أوتي به) بالمريض (إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والشك من الراوي (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أذهب البأس رب العالمين) منادى حذفت منه الأداة والبأس بالهمز حذفت منه للمناسبة (اشف وأنت الشافي) بالواو لأبي ذر (لا شفاء إلا شفاؤك) قال في شرح المشكاة خرج مخرج الحصر تأكيدًا لقوله أنت الشافي لأن خبر المبتدأ إذا كان معرفًا باللام أفاد الحصر لأن تدبير الطبيب ونفع الدواء لا ينجع في المريض إذا لم يقدر الله تعالى الشفاء (شفاء لا يغادر سقمًا) بفتح السين والقاف أو بضم السين وسكون القاف وهو تكميل لقوله اشف والجملتان معترضتان بين الفعل والمفعول المطلق والتنكير في سقمًا للتقليل، وفائدة قوله لا يغادر أنه قد يحصل الشفاء من ذلك المرض فيخلفه مرض آخر يتولد منه مثلاً فكان عليه الصلاة والسلام يدعو للمريض بالشفاء المطلق لا بمطلق الشفاء. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا ومسلم في الطب والنسائي فيه وفي اليوم والليلة. (وقال عمرو بن أبي قيس) بفتح العين الرازي الكوفي الأصل

21 - باب وضوء العائد للمريض

ولا يعلم اسم أبيه مما وصله أبو العباس بن أبي نجيح في فوائده من رواية محمد بن سعيد بن سابق القزويني عنه (وإبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء مما وصله الإسماعيلي من رواية محمد بن سابق التميمي الكوفي نزيل بغداد كلاهما (عن منصور عن إبراهيم وأبي الضحى) مسلم بن صبيح (إذا أُتي بالمريض) بضم همزة أُتي مبنيًّا للمجهول، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: إذا أتى المريض بفتح الهمزة والفوقية وإسقاط الجار. (وقال جرير) هو ابن عبد الحميد مما وصله ابن ماجة (عن منصور عن أبي الضحى) وحده (وقال: إذا أتى) بفتح الهمزة (مريضًا). 21 - باب وُضُوءِ الْعَائِدِ لِلْمَرِيضِ (باب وضوء العائد للمريض) إذا كان ممن يتبرك به. 5676 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما -، قَالَ: دَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَا مَرِيضٌ فَتَوَضَّأَ فَصَبَّ عَلَىَّ أَوْ قَالَ: "صُبُّوا عَلَيْهِ" فَعَقَلْتُ فَقُلْتُ: لاَ يَرِثُنِى إِلاَّ كَلاَلَةٌ فَكَيْفَ الْمِيرَاثُ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ. وبه قال (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) المشهور ببندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن المنكدر) أنه (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: دخل عليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا) والحال إني (مريض فتوضأ) الوضوء الشرعي (وصب عليّ) ما تقاطر من ماء وضوئه (أو قال صبوا عليه) ذلك الماء (فعقلت) بفتح العين والقاف فأفقت من إغمائي (فقلت: يا رسول الله لا يرثني إلاّ كلالة) أي ما عدا الولد والوالد (فكيف الميراث فنزلت آية الفرائض) {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11] وفيه أن وضوء العائد للمريض إذا كان إمامًا في الخير يتبرك به وإن صبّه مما يرجى نفعه وقيل كان مرض جابر الحمى المأمور ببرادها بالماء وصفة ذلك أن يتوضأ الرجل المرجوّ خيره وبركته ويصب فضل وضوئه عليه قاله ابن بطال وغيره. وهذا الحديث سبق قريبًا في عيادة المغمى عليه. 22 - باب مَنْ دَعَا بِرَفْعِ الْوَبَاءِ وَالْحُمَّى (باب مَن دعا برفع الوياء) بالمد ويقصر هو الطاعون والمرض العام (والحمى) بالقصر المرض المعروف. 5677 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ قَالَتْ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمَا فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ كَيْفَ تَجِدُكَ وَيَا بِلاَلُ كَيْفَ تَجِدُكَ؟ قَالَتْ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا أَخَذَتْهُ الْحُمَّى يَقُولُ: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِى أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَكَانَ بِلاَلٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ فَيَقُولُ: أَلاَ لَيْتَ شِعْرِى هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِى إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنَّةٍ ... وَهَلْ تَبْدُوَنْ لِى شَامَةٌ وَطَفِيلُ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِى صَاعِهَا وَمُدِّهَا وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ». وبه قال (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: لما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المدينة مهاجرًا (وعك) أي حم (أبو بكر) الصديق (وبلال) المؤذن (قالت: فدخلت عليهما) أعودهما (فقلت: يا أبت كيف تجدك) أي تجد نفسك (ويا بلال كيف تجدك؟ قالت) -رضي الله عنها- (وكان أبو بكر) -رضي الله عنه- (إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مصبح) مقول له (في أهله) أنعم صباحًا (والموت أدنى) أي أقرب إليه (من شراك نعله) السير الذي عليها (وكان بلال إذا أقلع) بضم الهمزة وكسر اللام أزيل (عنه) ألم الحمى (يرفع عقيرته) بالقاف المكسورة بعد العين المهملة المفتوحة صوته (فيقول: ألا ليت شعري) بفتح همزة ألا وتخفيف لامها (هل أبيتن ليلة بواد) يعني وادي مكة (وحولي إذخر) النبت المعروف الطيب العرف وهو بالمعجمتين الساكنة ثم المكسورة (وجليل) نبت ضعيف وهو بالجيم (وهل أردن يومًا مياه مجنة) بكسر الميم وفتح الجيم موضع كان به سوق للجاهلية (وهل يبدون) يظهرن (لي شامة) بالمعجمة وتخفيف الميم (وطفيل) بالمهملة بعدها فاء عينان أو جبلان بقرب مكة (قال) عروة (قالت عائشة فجئت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرنه) بخبرهما (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة) وهي مهيعة وكان أهلها يهود شديدي الإيذاء للمؤمنين فلذلك دعا عليهم بظهور الحمى فيهم وإعدامها من أهل المدينة. ولم يذكر في هذا الحديث لفظ الوباء الذي ترجم به. وأجيب: بأنه أشار إلى ما وقع في بعض طرقه كما سبق في أواخر الحج بلفظ قالت عائشة -رضي الله عنها-: فقدمنا المدينة وهي أوبأ أرضي الله، واستشكل أيضًا الدعاء برفع الوباء لأنه يتضمن الدعاء برفع الموت والموت حتم مقضي فيكون ذلك عبثًا. وأجيب: بأنه لا ينافي التعبد بالدعاء لأنه قد يكون من جملة الأسباب في طول العمر أو رفع المرض.

76 - كتاب الطب

بسم الله الرحمن الرحيم 76 - كتاب الطب (بسم الله الرحمن الرحيم) كذا لأبي ذر. (كتاب الطب) بتثليث الطاء المهملة قال في القاموس علاج الجسم والنفس يطب ويطب والرفق والسحر وبالكسر الشهوة والإرادة والشأن والعادة وبالفتح الماهر الحاذق بعمله كالطبيب وقال الزمخشري في الأساس جاء فلان يستطب لوجعه أي يستوصف الطبيب قال: لكل داء دواء يستطب به ... إلا الحماقة أعيت من يداويها وهذا طباب هذه العلة أي ما تطب به ومن المجاز أنا طب بهذا الأمر عالم به وفلان مطبوب مسحور انتهى. وقال آخر: يقال فلان استطب تعانى الطب ونقل أهل اللغة أنه بالكسر يقال بالاشتراك للمداوي وللتداوي وللداء فهو من الأضداد والطبيب الحاذق في كل شيء وخص به المعالج به في العرف لكن كره تسميته بذلك لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أنت رفيق الله الطبيب" أي أنت ترفق بالمريض والله الذي يبرئه ويعافيه وترجم له أبو نعيم كراهية أن يسمى الطبيب الله والطب نوعان طب القلوب ومعالجتها بما جاء به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الله. وطب الأبدان وهو المراد به هنا ومنه ما جاء عن الشارع صلوات الله وسلامه عليه ومنه ما جاء عن غيره وأكثره عن التجربة وهو قسمان ما لا يحتاج إلى فكر ونظر كدفع الجوع والعطش وما يحتاج إليهما كدفع ما يحدث في البدن مما يخرجه عن الاعتدال مما نفصله في كتب القوم فلا نطيل بذكره، وفي كتابي المواهب اللدنية جملة منه وقد زاد الصغائي في نسخته كما نبه عليه في الفتح بعد قوله كتاب الطب والأودوية. 1 - باب مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً هذا (باب) بالتنوين لفظ باب لأبي ذر، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: لم أر لفظ باب في نسخ الصحيح إلا للنسفي (ما أنزل الله داء) أي مرضًا وجمعه أدواء (إلا أنزل له شفاء) أي دواء وجمعه أشفية وجمع الجمع أشاف وشفاه يشفيه أبرأه وطلب له الشفاء كأشفاه. 5678 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِىُّ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِى حُسَيْنٍ حَدَّثَنِى عَطَاءُ بْنُ أَبِى رَبَاحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً». وبه قال (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن المثنى) بن عبيد أبو موسى العنزي الزمن البصري قال: (حدّثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله (الزبيري) بضم الزاي وفتح الموحدة نسبة لجدّه أسدي من بني أسد بن خزيمة وقد يشتبه بمن ينسب إلى الزبير بن العوّام لكونهم من بني أسد من عبد العزى قال: (حدّثنا عمرو بن سعيد بن أبي حسين) بضم الحاء وفتح السين وعمرو بفتح العين وسعيد بكسرها النوفلي القرشي المكي قال: (حدّثنا عطاء بن أبي رباح) بالراء والموحدة المفتوحتين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما أنزل الله داء) وللإسماعيلي من داء فالجار زائد (إلا أنزل له شفاء) قال في الكواكب: ما أصاب الله أحدًا بداء إلا قدّر له دواء أو المراد بإنزاله أنزل الملائكة الموكلين بمباشرة مخلوقات الأرض من الدواء والداء انتهى. فعلى الأول المراد بالإنزال التقدير وعلى الثاني إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبي مثلاً أو إلهام بغيره. ولأحمد والبخاري في الأدب المفرد وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم من حديث أسامة بن شريك تداووا يا عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، إلا داء واحدًا الهرم، وفي لفظ إلا السأم بمهملة مخففة يعني الموت، وزاد النسائي من حديث ابن مسعود: فتداووا، ولمسلم من حديث جابر رفعه (لكل داء دواء فإذا أصبت دواء الداء برأ بإذن الله). ومفهومه أن الدواء إذا جاوز الحدّ في الكيفية أو الكمية لا ينجع، بل ربما أحدث داء آخر ولأبي داود عن البراء رفعه (ولا تتداووا بحرام) الحديث، فلا يجوز التداوي بالحرام وزاد في رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود عند النسائي وصححه ابن حبان والحاكم في آخره علمه من علمه وجهله من جهله وفيه أن بعض الأدوية لا يعلمها كل أحد وفيه أن التداوي لا ينافي التوكل لمن أعتقد أنها تبرئ بإذن الله تعالى وبتقديره لا بذاتها وأن الدواء قد ينقلب داء إذا أراد الله ذلك كما أشار إليه في حديث جابر

2 - باب هل يداوى الرجل المرأة، المرأة الرجل؟

بقوله بإذن الله. والحديث أخرجه النسائي في الطب وابن ماجة فيه أيضًا. 2 - باب هَلْ يُدَاوِى الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ، الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ؟ هذا (باب) بالتنوين (هل يداوي الرجل المرأة والمرأة الرجل). 5679 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ خَالِدِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ رُبَيِّعَ بِنْتِ مُعَوِّذٍ ابْنِ عَفْرَاءَ، قَالَتْ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَسْقِى الْقَوْمَ وَنَخْدُمُهُمْ وَنَرُدُّ الْقَتْلَى وَالْجَرْحَى إِلَى الْمَدِينَةِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون المعجمة والمفضل بفتح الضاد المعجمة المشددة (عن خالد بن ذكوان) بفتح المعجمة المدني (عن ربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وكسر التحتية المشدّدة (بنت معوذ) بكسر الواو المشدّدة بعدها معجمة (ابن عفراء) بفتح العين المهملة وسكون الفاء بعدها راء ممدودًا أنها (قالت: كنا نغزو مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة) سبق في باب مداواة النساء الجرحى في الغزو من كتاب الجهاد هذا الحديث بلفظ ونداوي الجرحى ونرد القتلى، وبه تحصل المطابقة لأن حديث الباب ليس فيه ذكر المداواة. نعم يحتمل أن يدخل في عموم قوله ونخدمهم، وأما مداواة الرجل المرأة فبالقياس واستشكل مباشرة المرأة الرجل بالمداواة وأجيب: باحتمال أن تكون المداواة لمحرم أو زوج وأما الأجانب فتجوز عند الضرورة بقدر ما يحتاج إليه من اللمس والنظر. وهذا الحديث سبق في باب مداواة النساء الجرحى في الغزو من الجهاد. 3 - باب الشِّفَاءُ فِى ثَلاَثٍ هذا (باب) بالتنوين (الشفاء) من الداء كائن (في ثلاث) ولفظ باب وتاليه ثابت للحموي، وقال الحافظ ابن حجر: سقطت الترجمة للنسفي ولفظ باب للسرخسي. 5680 - حَدَّثَنِى الْحُسَيْنُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ حَدَّثَنَا سَالِمٌ الأَفْطَسُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: الشِّفَاءُ فِى ثَلاَثَةٍ شَرْبَةِ عَسَلٍ وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ وَكَيَّةِ نَارٍ وَأَنْهَى أُمَّتِى عَنِ الْكَىِّ. رَفَعَ الْحَدِيثَ. وَرَوَاهُ الْقُمِّىُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْعَسَلِ وَالْحَجْمِ. وبه قال (حدّثني) بالإفراد (الحسين) هو ابن محمد بن زياد النيسابوري القباني بقي بعد البخاري ثلاثًا وثلاثين سنة وجزم الحاكم أنه الحسين بن يحيى بن جعفر البيكندي قال: (حدّثنا أحمد بن منيع) بفتح الميم وكسر النون بعدها تحتية ساكنة فعين مهملة ابن عبد الرحمن الحافظ أبو جعفر الأصم البغوي صاحب المسند قال: (حدّثنا مروان بن شجاع) الجزري قال: (حدّثنا سالم الأفطس) بن عجلان الحرّاني الأموي مولاهم (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) موقوفًا أنه (قال: الشفاء في ثلاث شربة عسل) يسهل الأخلاط البلغمية وقوله شربة بالخفض بدل من سابقه (وشرطة محجم) يتفزع بها الدم الذي هو أعظم الأخلاط عند هيجانه لتبريد المزاج والمحجم بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم الآلة التي يجمع فيها دم الحجامة عند المص ويراد به هنا الحديدة التي يشرط بها موضع الحجامة يقال شرط الحاجم إذا ضرب موضع الحجامة لإخراج الدم وقد يتناول الفصد، وأيضًا الحجامة في البلاد الحارة أنفع من الفصد والفصد في البلاد التي ليست بحارة أنجح من الحجم (وكية نار) تستعمل في الخلط الباغي الذي لا تنحسم مادّته إلا به وآخر الدواء المكي وكية مضافة لتاليها (وأنهى أمتي) نهي تنزيه (عن الكي) لما فيه من الألم الشديد والخطر العظيم، ولأنهم كانوا يرون أنه يحسم الداء بطبعه فيبادرون إليه قبل حصول الاضطرار إليه يستعجلون بتعذيب المكي لأمر مظنون فنهى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمته عنه لذلك وأباح استعماله على جهة طلب الشفاء من الله تعالى والترجي للبرء (رفع) ابن عباس (الحديث) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا مع قوله وأنهى أمتي يدل على أن الحديث غير موقوف على ابن عباس وقد صرح برفعه في الحديث اللاحق ولم يكتف به عن السابق لتصريحه فيه يقول مروان حدّثني سالم إذ هو في اللاحقة بالعنعنة. وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة. (ورواه القمي) بضم القاف وتشديد الميم مكسورة يعقوب بن عبد الله بن سعد بن مالك بن هانئ بن عامر بن أبي عامر الأشعري من أهل قم مدينة عظيمة حصينة في عراق العجم وأهلها شيعة مما وصله البزار (عن ليث) هو ابن سعد الإمام (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في العسل والحجم) بفتح الحاء وسكون الجيم ولأبي ذر عن الكشميهني والحجامة ولم يذكر الكي. 5681 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ أَبُو الْحَارِثِ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الشِّفَاءُ فِى ثَلاَثَةٍ: شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِى عَنِ الْكَىِّ». وبه قال (حدّثني) بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم)

4 - باب الدواء بالعسل وقول الله تعالى: {فيه شفاء للناس}

صاعقة قال: (أخبرنا سريج بن يونس) بالسين المهملة المضمومة والراء المفتوحة بعدها تحتية ساكنة فجيم (أبو الحارث) البغدادي قال: (حدّثنا مروان بن شجاع) الجزري (عن سالم الأفطس) الأموي مولاهم (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الشفاء في ثلاثة) أي في ثلاثة أشياء (في شرطة محجم أو شربة عسل) قيل: ليس المراد الشرب على الخصوص بل استعماله في الجملة فيما يصلح استعماله فيه فإنه يدخل في المعجونات المسهلة ليحفظ على تلك الأدوية فعلها فيسهل الأخلاط التي في البدن (أو كية بنار) وليس المراد حصر الشفاء في الثلاثة فقد يكون الشفاء في غيرها وإنما نبه بها على أصول العلاج لأن الأمراض تكون دموية وصفراوية وبلغمة وسوداوية فالدموية بإخراج الدم وخص الحجم بالذكر لكثرة استعمال العرب له وبقيتها بالمسهل الملائم لكل خلط منها، وأما المكي فيكون أخيرًا لما ذكرنا (وأنهى أمتي عن الكي). قال الشيخ عبد الله بن أبي جمرة ما حاصله علم من مجموع كلامه في الكي: إن فيه نفعًا ومضرة فلما نهى عنه علم أن جانب المضرة فيه أغلب قال وقريب منه إخبار الله تعالى أن في الخمر منافع ثم حرمها لأن المضار التي فيها أعظم من المنافع، وقد أبدى في المصابيح سؤالاً وهو، فإن قلت: المبدل منه هو ثلاثة من قوله الشفاء في ثلاثة والبدل أحد ثلاثة لوجود العطف بأو فما وجهه؟ وأجاب: بأنه على حذف مضاف أي الشفاء في أحد ثلاثة فليس المبدل منه والبدل مختلفين بالتعدد والموحدة بل هما متفقان بهذا التقدير كما قالوه في قول الشاعر: وقالوا لنا ثنتان لا بدّ منهما ... صدور رماح أشرعت أو سلاسل أي لنا إحدى خصلتين مبهمتين. 4 - باب الدَّوَاءِ بِالْعَسَلِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} (باب الدواء بالعسل). هو لعاب النحل أو طل خفي يقع على الزهر وغيره فتلقطه النحل وقيل بخار يصعد فينضج في الجو فيستحيل ويغلظ في الليل ويقع عسلاً فتجتنيه النحل وتتغذى به فإذا شبعت جنت منه مرة أخرى ثم تذهب به إلى بيوتها وتضعه هناك لأنها تدخر لنفسها غذاءها فهو العسل وقيل إنها تأكل من الأزهار الطيبة والأوراق العطرة فيقلب الله تعالى تلك الأجسام في داخل أبدانها عسلاً، ثم إنها تقيء ذلك فهو العسل وجمعه أعسال وعسل وعسول وعسلان والعاسل والعسال مشتاره من موضعه، وللعسل أسماء ذكرها ومنافعها المجد الشيرازي مؤلف القاموس في مؤلف في استقصائها طول يخرجنا عن الاختصار وأصلحه الربيعي ثم الصيفي وأما الشتائي فرديء وما يؤخذ من الجبال والشجر أجود مما يؤخذ من الخلايا وهو بحسب مرعاه، ومن العجيب أن النحلة تأكل من جميع الأزهار ولا يخرج منها إلا حلوًا مع أن أكثر ما تجتنيه مر وطبع العسل حار يابس في الدرجة الثانية جلاء للأوساخ التي في العروق والمعي وغيرها محلل للرطوبات أكلاً وطلاءً نافع للمشايخ ولأصحاب البلغم ولمن كان مزاجه باردًا رطبًا فالمبرود يستعمله وحده لدفع البرد والمحرور مع غيره لدفع الحرارة وهو جيد للحفظ يقوي البدن ويحفظ صحته ويسمنه ويقوي الإنعاظ ويزيد في الباءة للمبرودين والتغرغر به ينقي الخوانيق وينفع من الفالج واللقوة والأوجاع الباردة الحادثة في جميع البدن من الرطوبات واستعماله على الريق يذيب البلغم ويغسل خمل المعدة ويقويها ويسخنها إسخانًا معتدلاً ويبيض الأسنان استنانًا ويحفظ صحتها والتلطخ به يقتل القمل ويطول الشعر وينفع للبواسير ويحفظ اللحم ثلاثة أشهر وخواصه كثيرة. (و) يكفيه فضلاً (قول الله تعالى {فيه}) أي في العسل ({شفاء للناس}) [النحل: 69] من أدواء تعرض لهم، قيل ولو قال فيه الشفاء للناس لكان دواء لكل داء لكنه قال: فيه شفاء للناس أي يصلح لكل أحد من أدواء باردة فإنه حار والشيء يداوى بضده، وقول مجاهد بن جبر فيه أي في القرآن قول صحيح في نفسه، لكن ليس هو الظاهر من سياق الآية لأنها إنما ذكر فيها العسل

ولم يتابع مجاهد على قوله هذا وقال الحافظ ابن كثير وروينا عن علي بن أبي طالب أنه قال: إذا أراد أحدكم الشفاء فليكتب آية من كتاب الله في صحفة وليغسلها بماء السماء وليأخذ من امرأته درهمًا عن طيب نفس منها فليشتر به عسلاً فليشربه لذلك فإنه شفاء، رواه ابن أبي حاتم في تفسيره بسند حسن بلفظ إذا اشتكى أحدكم فليستوهب من امرأته من صداقها فليشتر به عسلاً ثم يأخذ ماء السماء، يجمع هنيئًا مريئًا شفاءً مباركًا. 5682 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ أَخْبَرَنِى هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْجِبُهُ الْحَلْوَاءُ وَالْعَسَلُ. وبه قال (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (أخبرني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعجبه الحلواء) بالمد (والعسل) وقد دخل في قولها الحلواء العسل وإنما ثنت به على انفراده لشرفه كقوله تعالى: {وملائكته ورسله وجبريل وميكال} [البقرة: 98] فما خلق الله تعالى لنا في معناه أفضل منه ولا مثله ولا قريبًا منه لأنه غذاء من الأغذية وشراب من الأشربة ودواء من الأدوية وحلو من الحلوى وطلاء من الأطلية ومفرح من المفرحات. فإن قلت: ما مناسبة الحديث للترجمة؟ أجيب: بأن الإعجاب أعم من أن يكون على سبيل الدواء والغذاء فتؤخذ المناسبة بذلك. 5683 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنْ كَانَ فِى شَىْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ - أَوْ يَكُونُ فِى شَىْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ - خَيْرٌ فَفِى شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ، تُوَافِقُ الدَّاءَ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِىَ». [الحديث 5683 - أطرافه في: 5697، 5702، 5704]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكن قال (حدّثنا عبد الرحمن بن الغسيل) حنظلة بن أبي عامر الأويسي الأنصاري (عن عاصم بن عمر بن قتادة) بضم العين التابعي الصغير أنه (قال: سمعت جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن كان في شيء من أدويتكم أو يكون في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم) والشك من الراوي، قال السفاقسي: قوله أو يكون صوابه أو يكن لأنه معطوف على مجزوم فيكون مجزومًا. قال الحافظ ابن حجر: وقع في رواية أحمد إن كان أو يكن، فلعل الراوي أشبع الضمة فظن السامع أن فيها واوًا فأثبتها، ويحتمل أن يكون التقدير إن كان في شيء أو إن كان يكون في شيء فيكون التردّد لإثبات لفظ يكون وعدمها (أو شربة عسل) وعند أبي نعيم في الطب من حديث أبي هريرة وابن ماجة من حديث جابر بسند ضعيف عندهما رفعاه من لعق العسل ثلاث غدوات في كل شهر لم يصبه عظيم بلاء (أو لذعة) بذال معجمة ساكنة فعين مهملة مفتوحة حرق (بنار) حال كونه يتحقق أنها (توافق الداء) فتزيله فلا يشرع المكي عند ظن ذلك لما فيه من الخطر (وما أحب أن أكتوي) هو مثل ترك أكله الضب مع تقريره أكله على مائدته واعتذاره بأنه يعافه. 5684 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَخِى يَشْتَكِى بَطْنَهُ: فَقَالَ: «اسْقِهِ عَسَلاً» ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ فَقَالَ: «اسْقِهِ عَسَلاً» ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: فَعَلْتُ فَقَالَ: «صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ اسْقِهِ عَسَلاً» فَسَقَاهُ فَبَرَأَ. [الحديث 5684 - طرفه في: 5716]. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد (عياش بن الوليد) بالمثناة التحتية وشين معجمة النرسي بنون مفتوحة وراء ساكنة وسين مهملة قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة قال: (حدّثنا سعيد) بن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي المتوكل) الناجي بالنون والجيم (عن أبي سعيد) سعد الخدري (أن رجلاً أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): يا رسول الله (أخي) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم واحد منهما (يشتكي بطنه) من إسهال حصل له من تخمة أصابته ولمسلم قد عرب بطنه بعين مهملة وراء مكسورة فموحدة أي فسد هضمه واعتلت معدته وفي باب العذرة فاستطلق بطنه أي أكثر خروج ما فيه يريد الإسهال (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اسقه عسلاً) صرفًا وممزوجًا فسقاه فلم يبرأ (ثم أتى) الرجل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر: ثم أتاه (الثانية) فقال: إني سقيته فلم يزدد إلا استطلاقًا (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اسقه عسلاً) ليدفع الفضول المجتمعة من نواحي معدته ومعاه بما فيه من الجلاء ودفع الفضول فسقاه فلم يبرأ لكونه غير مقاوم للداء في الكمية (ثم أتاه الثالثة) فقال: إني سقيته فلم يبرأ (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اسقه عسلاً) وقوله ثم أتاه الثالثة إلى آخره ثابت لأبي ذر (ثم أتاه فقال: فعلت) فلم يبرأ (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (صدق الله) حيث

5 - باب الدواء بألبان الإبل

قال فيه شفاء للناس (وكذب بطن أخيك) إذ لم يصلح لقبول الشفاء بل زلّ عنه قال بعضهم فيه إن الكذب قد يطلق على عدم المطابقة في غير الخبر. قال في المصابيح وهو على سبيل الاستعارة التبعية وفيه إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء (اسقه عسلاً. فسقاه) في الرابعة (فبرأ) بفتح الراء لأنه لما تكرر استعمال الدواء قاوم الداء فأذهبه فاعتبار مقادير الأدوية وكيفياتها ومقدار قوة المرض والمريض من أكبر قواعد الطب. قال في زاد المعاد: وليس طبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كطب الأطباء فإن طبه عليه الصلاة والسلام متيقن قطعي إلهي صادر عن الوحي ومشكاة النبوة وكمال العقل، وطب غيره حدث وظنون وتجارب. وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم في الطب وكذا الترمذي والنسائي. 5 - باب الدَّوَاءِ بِأَلْبَانِ الإِبِلِ (باب الدواء بألبان الإبل) في المرض الذي تصلح له. 5685 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا سَلاَّمُ بْنُ مِسْكِينٍ أَبُو رَوْحٍ البَصَرِيُّ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَاسًا كَانَ بِهِمْ سَقَمٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ آوِنَا وَأَطْعِمْنَا فَلَمَّا صَحُّوا قَالُوا: إِنَّ الْمَدِينَةَ وَخِمَةٌ فَأَنْزَلَهُمُ الْحَرَّةَ فِى ذَوْدٍ لَهُ فَقَالَ: اشْرَبُوا أَلْبَانَهَا فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِىَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتَاقُوا ذَوْدَهُ فَبَعَثَ فِى آثَارِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ، فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَكْدُمُ الأَرْضَ بِلِسَانِهِ حَتَّى يَمُوتَ. قَالَ سَلاَّمٌ فَبَلَغَنِى أَنَّ الْحَجَّاجَ قَالَ لأَنَسٍ: حَدِّثْنِى بِأَشَدِّ عُقُوبَةٍ عَاقَبَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَحَدَّثَهُ بِهَذَا فَبَلَغَ الْحَسَنَ فَقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ. وبه قال (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال (حدّثنا سلام بن مسكين أبو روح البصري) قال (حدّثنا ثابت) البناني (عن أنس) -رضي الله عنه- (أن ناسًا) زاد الإسماعيلي في رواية بهز بن أسد عن سلام من أهل الحجاز وسبق في الطهارة أنهم من عكل أو عرينة بالشك وكانوا ثمانية، أربعة من عكل وثلاثة من عرينة والرابع تابعًا لهم (كان بهم سقم) بفتح السين والقاف وجع في بطونهم (قالوا: يا رسول الله آونا) بمدّ الهمزة وكسر الواو أنزلنا في مأوى (وأطعمنا) بفتح الهمزة وكسر العين فآواهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأطعمهم (فلما صحوا قالوا: إن المدينة وخمة) وكان السقم الذي كان بهم من الجوع أو من التعب فلما زال عنهم خافوا من وخم المدينة إما لكونهم أهل ريف فلم يعتادوا الحضر أو لما كان في المدينة من الحمى (فأنزلهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الحرة) بفتح الحاء المهملة والراء المشددة في أرض ذات حجارة سود بالمدينة (في ذودٍ له) بفتح الذال المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة وكان خمس عشرة (فقال) لهم عليه الصلاة والسلام (اشربوا من ألبانها) فشربوا (فلما صحوا) من ذلك الداء (قتلوا راعي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يسارًا النوبي (واستاقوا ذوده فبعث) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في ثأرهم) بمدّ الهمزة عشرين وأمر عليهم كرز بن جابر أو سعيد بن زيد فأخذوا (فقطع) عليه الصلاة والسلام (أبديهم وأرجلهم وسمر أعينهم) بتخفيف الميم وبالراء أي كحلها بالمسامير الحماة ولأبي ذر عن الكشميهني وسمل باللام أي فقأها بحديدة محماة وكانوا قد قطعوا يد الراعي ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات كذا عند ابن سعد وفي مسلم أنهم ارتدّوا وإسناد الفعل إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجاز قال أنس (فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه) زاد بهز في روايته مما يجد من الغم والوجع وعند أبي عوانة في صحيحه يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة (حتى يموت). وبالسند السابق (قال سلام) المذكور (فبلغني أن الحجاج) بن يوسف الأمير المشهور (قال لأن: حدّثني) بكسر الدال والإفراد (بأشد عقوبة عاقبه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ذكر عاقبه باعتبار العقاب (فحدّثه) أنس (بهذا) الحديث (فبلغ الحسن) البصري (فقال: وددت أنه لم يحدّثه بهذا) الحديث لأنه كان ظالمًا يتمسك في الظلم بأدنى شيء، وفي رواية بهز: فوالله ما انتهى الحجاج حتى قام بها على المنبر فقال حدّثنا أن فذكره وقال قطع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأيدي والأرجل وسمر الأعين في معصية الله أفلا نفعل نحو ذلك في معصية الله وسقط لغير الكشميهني بهذا. 6 - باب الدَّوَاءِ بِأَبْوَالِ الإِبِلِ (باب الدواء بأبوال الإبل) لذرب البطن. 5686 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ نَاسًا اجْتَوَوْا فِى الْمَدِينَةِ فَأَمَرَهُمُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَلْحَقُوا بِرَاعِيهِ يَعْنِى الإِبِلَ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَلَحِقُوا بِرَاعِيهِ فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَلَحَتْ أَبْدَانُهُمْ فَقَتَلُوا الرَّاعِىَ وَسَاقُوا الإِبِلَ فَبَلَغَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبَعَثَ فِى طَلَبِهِمْ فَجِىءَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ، قَالَ قَتَادَةُ: فَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ. وبه قال (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى بن دينار (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه- أن ناسًا) من عرينة (اجتووا في المدينة) حصل لهم فيها الجوى وفي رواية أبي قلابة عن أنس اجتووا المدينة فأسقط الجار أي استوخموها (فأمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يلحقوا براعيه) يسار النوبي (يعني الإبل) ولمسلم من هذا الوجه أن يلحقوا براعي الإبل (فيشربوا

7 - باب الحبة السوداء

من ألبانها وأبوالها) للتداوي، ويحتمل أن يكون قبل نزول التحريم، واستدل بظاهره من قال من الأئمة ما أكل لحمه فبوله طاهر ومباحثه سبقت في الطهارة (فلحقوا براعيه) عليه الصلاة والسلام يسار (فشربوا من ألبانها وأبوالها حتى صلحت أبدانهم) بفتح اللام ولأبي ذر عن الكشميهني حتى صحّت بإسقاط اللام وتشديد الحاء (فقتلوا الراعي وساقوا الإبل فبلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ذلك (فبعث في طلبهم) كرز بن جابر في عرين فأدركوهم فأخذوهم (فجيء بهم) إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم) أي أمر من فعل بهم ذلك. (قال قتادة) بن دعامة بالإسناد المتقدّم (فحدّثني) بالإفراد (محمد بن سيرين أن ذلك) المذكور من سمر أعينهم (كان قبل أن تنزل الحدود) بفتح الفوقية وكسر الزاي وهذا معارض بقول أنس المروي في مسلم من طريق سليمان التيمي إنما سملهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنهم سملوا أعين الرماة. ومبحث ذلك يأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الدّيات بعون الله وقوّته. والحديث أخرجه أيضًا في الحدود. 7 - باب الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ (باب) ذكر (الحبة السوداء) ومنافعها. 5687 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: خَرَجْنَا وَمَعَنَا غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ فَمَرِضَ فِى الطَّرِيقِ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهْوَ مَرِيضٌ فَعَادَهُ ابْنُ أَبِى عَتِيقٍ فَقَالَ لَنَا: عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحُبَيْبَةِ السَّوْدَاءِ فَخُذُوا مِنْهَا خَمْسًا أَوْ سَبْعًا فَاسْحَقُوهَا ثُمَّ اقْطُرُوهَا فِى أَنْفِهِ بِقَطَرَاتِ زَيْتٍ فِى هَذَا الْجَانِبِ وَفِى هَذَا الْجَانِبِ فَإِنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِى أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلاَّ مِنَ السَّامِ» قُلْتُ: وَمَا السَّامُ؟ قَالَ: «الْمَوْتُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله) أبو بكر (بن أبي شيبة) نسبه لجده واسم أبيه محمد واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين ابن موسى الكوفي من كبار مشايخ البخاري روي عنه هنا بالواسطة قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن خالد بن سعد) مولى أبي مسعود البدري الأنصاري أنه (قال: خرجنا ومعنا غالب بن أبجر) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وفتح الجيم بعدها راء غير منصرف الصحابي (فمرض) غالب (في الطريق فقدمنا المدينة وهو مريض فعاده ابن أبي عتيق) عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وأبو عتيق كنية أبيه محمد (فقال لنا) عبد الله بن محمد: (عليكم بهذه الحبيبة السوداء) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة مصغرًا، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي السويداء بضم السين مصغرًا (فخذوا منها خمسًا) ما حباتها (أو سبعًا فاسحقوها ثم اقطروها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب، وفي هذا الجانب) من الأنف وقد ذكر الأطباء في علاج الزكام العارض معه عطاس كثير أنه تقلى الحبة السوداء ثم تدق ناعمًا ثم تنقع في زيت ثم يقطر منها في الأنف ثلاث قطرات فلعل غالب بن أبجر كان مزكومًا فلذا وصفه ابن أبي عتيق له ثم استدلّ بقوله (فإن عائشة -رضي الله عنها- حدّثتني) بالإفراد (أنها سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن هذه الحبة السوداء شفاء) ولأبي ذر عن الكشميهني أن هذه الحبة السوداء شفاء (من كل داء) يحدث من الرطوبة والبرودة ونحوها من الأمراض الباردة أما الحارة فلا لكن قد تدخل في بعض الأمراض الحار اليابسة بالعرض فتوصل قوى الأدوية الرطبة الباردة إليها بسرعة تنفيذها واستعمال الحار في بعض الأمراض الحارة لخاصية فيه لا يستنكر كالعنزروت فإنه حار ويستعمل في أدوية الرمد المركبة مع أن الرمد ورم حار باتفاق الأطباء، وقد قال أئمة الطب كابن البيطار إن طبع الحبة السوداء حار يابس وهي مُذهِبة للنفخ نافعة من حمى الربع والبلغم مفتحة للسدد والريح مجففة لبلة المعدة، وإذا دقت وعجنت بالعسل وشربت بالماء الحار أذابت الحصى وأدرّت البول والطمث وفيها جلاء وتقطيع، وإذا نقع منها سبع حبات في لبن امرأة وسعط به صاحب اليرقان أفادت، وإذا شرب منها وزن مثقال ماء أفاد من ضيق النفس والضماد بها ينفع من الصداع البارد. وقال ابن أبي حمزة: تكلم ناس في هذا الحديث وخصوا عمومه وردوه إلى قول أهل الطب والتجربة ولا خلاف بغلط قائل ذلك لأنا إذا صدقنا أهل الطب ومدار عملهم غالبًا إنما هو على التجربة التي بناؤها على ظن غالب فتصديق من لا ينطق عن الهوى أولى بالقبول من كلامهم انتهى. وقال في الكواكب: يحتمل

8 - باب التلبينة للمريض

إرادة العموم بأن يكون شفاء للجميع لكن بشرط تركيبه مع غيره ولا محذور فيه بل يجب إرادة العموم لأن الاستثناء معيار جواز العموم وأما وقوع الاستثناء فهو معيار وقوع العموم فهو أمر ممكن وقد أخبر الصادق عنه واللفظ عام بدليل الاستثناء فيجب القول به، وحينئذٍ فينفع من جميع الأدواء. (إلاّ من السام) بالمهملة وتخفيف الميم (قلت: وما السام؟ قال: الموت) قال في الفتح: لم أعرف السائل ولا القائل وأظن السائل خالد بن سعد والمجيب ابن أبي عتيق. وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة. 5688 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «فِى الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلاَّ السَّامَ». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَالسَّامُ الْمَوْتُ وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ الشُّونِيزُ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) الحافظ أبو زكريا المخزومي مولاهم المصري واسم أبيه عبد الله ونسبه المؤلّف لجده لشهرته به قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (وسعيد بن المسيب) بن حزن الإمام أحد الأعلام وسيد التابعين (أن أبا هريرة) - رضي الله عنه- (أخبرهما أنه سمع رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (في الحبة السودء شفاء من كل داء) حدث من برد أو أعم على ما مرّ (إلاَّ السام. قال ابن شهاب) محمد بن مسلم بن شهاب الزهري بالسند المذكور (والسام: الموت) وفيه: أن الموت داء من الأدواء قال: وداء الموت ليس له دواء. (والحبة السوداء) هي (الشونيز) بالشين المعجمة المضمومة والواو الساكنة وبعد النون المكسورة تحتية ساكنة فمعجمة. قال في القاموس: الشينيز والشونيز والشونوز الشهنيز الحبة السوداء أو فارسي الأصل انتهى. ونقد إبراهيم الحربي فيما نقله عنه في فتح الباري في غريب الحديث عن الحسن البصري أنها الخردل، وفي الغريبين للهروي أنها ثمرة البطم والأول أولى إذ منافعها أكثر من الخردل والبطم. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الطب وكذا ابن ماجة. 8 - باب التَّلْبِينَةِ لِلْمَرِيضِ (باب التلبينة) وصنعها (للمريض) قال في القاموس التلبين وبهاء حساء من نخالة ولبن وعسل وقال أبو نعيم في الطب هي دقيق بحت وقال غيره سميت تلبينة تشبيهًا لها باللبن في بياضها ورقتها. 5689 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها -، أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمَحْزُونِ عَلَى الْهَالِكِ، وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ الْمَرِيضِ وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ». وبه قال (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد (حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس بن يزيد) الأيلي (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تأمر بالتلبين) أن يصنع (للمريض) وعند الإسماعيلي بالتلبينة بزيادة الهاء (وللمحزون على) الشخص (الهالك) الميت وفي رواية الليث عن عقيل أن عائشة كانت إذا مات الميت من أهلها اجتمع لذلك النساء ثم تفرقن أمرت ببرمة تلبينة فطبخت ثم قالت كلوا منها (وكانت تقول: إني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن التلبينة تجم) بضم الفوقية وكسر الجيم وتشديد الميم ويجوز فتح الفوقية وضم الجيم تريح (فؤاد المريض وتذهب) بفتح التاء والهاء في الفرع (ببعض الحزن) بضم الحاء وسكون الزاي أو بفتحهما والمراد بالفؤاد رأس المعدة فإن فؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء والحساء يرطبها ويغذيها ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض لكن المريض كثيرًا ما يجتمع في معدته خلط مراري أو بلغمي أو صديدي وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة وسبق الحديث بالأطعمة. 5690 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِى الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينَةِ وَتَقُولُ هُوَ الْبَغِيضُ النَّافِعُ. وبه قال (حدّثنا فروة بن أبي المغراء) بفاء وواو مفتوحتين بينهما راء ساكنة والمغراء بفتح الميم والراء بينهما معجمة ساكنة ممدود الكندي قال (حدّثنا علي بن مسهر) بضم الميم وكسر الهاء بينهما مهملة ساكنة قاضي الموصل (عن هشام) ولأبي ذر: حدّثنا هشام (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أنها كانت تأمر بالتلبينة) بزيادة هاء التأنيث أن تصنع للمريض والمحزون (وتقول: هو) أي الحساء (البغيض) بفتح الموحدة وكسر المعجمة المبغض للمريض (النافع) لمرضه كسائر الأدوية مع زيادة ليبوسة

9 - باب السعوط

ريقه وعند النسائي عن عائشة: والذي نفس محمد بيده إنها لتغسل باطن أحدكم كما يغسل أحدكم الوسخ عن وجهه بالماء الحديث. 9 - باب السَّعُوطِ (باب السعوط) بفتح السين المهملة. قال في القاموس سعطه الدواء كمنعه ونصره وأسعطه إياه سعطة واحدة وإسعاطة واحدة أدخله في أنفه فاستعط والصعود كصبور ذلك الدواء والمسعط بالضم وكمنبر ما يجعل فيه ويصب منه في الأنف. 5691 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَاسْتَعَطَ. وبه قال (حدّثنا معلى بن أسد) العمي أبو الهيثم الحافظ قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد الباهلي مولاهم الكرابيسي الحافظ (عن ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس بن كيسان الإمام أبي عبد الرحمن اليماني (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (احتجم وأعطى الحجام أجره واستعط) استعمل السعوط بأن استلقى على ظهره وجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر رأسه الشريف وقطر في أنفه ما تداوى به ليصل إلى دماغه ليخرج ما فيه من الداء بالعطاس. وسبق هذا الحديث في باب خراج الحجام من كتاب الإجارة. 10 - باب السَّعُوطِ بِالْقُسْطِ الْهِنْدِىِّ الْبَحْرِىِّ وَهُوَ الْكُسْتُ مِثْلُ الْكَافُورِ وَالْقَافُورِ مِثْلُ كُشِطَتْ وَقُشِطَتْ نُزِعَتْ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ قُشِطَتْ (باب السعوط) بضم السين في الفرع (بالقسط الهندي) بضم القاف (و) القسط (البحري) وهو الذي يجلب من اليمن ومنه ما يجلب من المغرب وزاد بعضهم ثالثًا يسمى بالقسط المر وهو كثير ببلاد الشام خصوصًا بالسواحل قال في نزهة الأفكار وأجودها البحري وخياره الأبيض الخفيف الطيب الرائحة وبعده الهندي وهو أسود خفيف وبعده الثالث وهو ثقيل ولونه كالخشب البقس ورائحته ساطعة وأجود ذلك كله ما كان حديثًا ممتلئًا غير متأكل يلذع اللسان وكله دواء مبارك نافع (وهو الكست) بالكاف المضمومة بدل القاف وبالفوقية بدل الطاء المهملة لقرب كلٍّ من المخرجين بالآخر (مثل الكافور والقافور) بالكاف والقاف (مثل كشطت وقشطت) بالكاف والقاف أيضًا أي (نزعت وقرأ عبد الله) بن مسعود وإذا السماء (قشطت) بالقاف بدل الكاف قال القرطبي: وهذا من التعاقب بين الحرفين كقولهم عربي قح بالقاف والكاف وثبت في الفرع لأبي ذر قوله وقشطت والواو في قوله والبحري. 5692 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِىَّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِىِّ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ يُسْتَعَطُ بِهِ مِنَ الْعُذْرَةِ وَيُلَدُّ بِهِ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ». [الحديث 5692 - أطرافه في: 5713، 5715، 5718]. وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي الحافظ (قال: أخبرنا ابن عيينة) سفيان أبو محمد الهلالي مولاهم الكوفي أحد الأعلام (قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عتبة (عن أم قيس بنت محصن) بكسر الميم وفتح الصاد المهملة بينهما حاء مهملة الأسدية من المهاجرات أنها (قالت: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (عليكم بهذا العود الهندي) أي استعملوه (فإن فيه سبعة أشفية) أي أدوية جمع شفاء كدواء وأدوية وجمع الجمع أشاف منها أنه (يسعط به من العذرة) بضم العين وسكون الذال المعجمة وجع يأخذ الطفل في حلقه يهيج من الدم أو في الخرم الذي بين الألف والحلق وهو سقوط اللهاة وقيل قرحة تخرج بين الأنف والحلق تعرض للصبيان غالبًا عند طلوع العذرة وهي خمس كواكب تحت الشعرى أي العبور وتطلع وسط الحر وإنما كان القسط نافعًا للعذرة لأنه مجفف للرطوبات والعذرة دم يغلب عليه البلغم أو نفعه لها بالخاصية (ويلدّ به) بضم التحتية وفتح اللام يسقى في أحد شقي الفم (من) وجع (ذات الجنب) والمراد به هنا ألم يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة تحتقن بين الصفاقات فتحدث وجعًا وقد ذكر في هذا الحديث أن في القسط سبعة أشفية ولم يذكر منها سوى اثنين فيحتمل أن يكون اختصارًا من الراوي. 5693 - وَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِابْنٍ لِى لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّ عَلَيْهِ. قالت أم قيس: (ودخلت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بابن لي) صغير لم أقف على اسمه (لم يأكل الطعام فبال عليه فدعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بماء فرش عليه) ولم يغسله. ومرّ البحث فيه في الطهارة، والحديث أخرجه المؤلّف أيضًا ومسلم في الطب وكذا أبو داود والنسائي. 11 - باب أَىَّ سَاعَةٍ يَحْتَجِمُ؟ وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسَى لَيْلاً هذا (باب) بالتنوين في بيان (أيّ ساعة) أي زمان (يحتجم) ولأبي ذر آية ساعة بزيادة تاء التأنيث في أيّ كقراءة بأية أرض

12 - باب الحجم فى السفر والإحرام، قاله ابن بحينة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

تموت وهي لغة ضعيفة كما قالوا أيتهن فعل ذلك (واحتجم أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (ليلاً) فلا تتعين الحجامة نهارًا بل تجوز في أي ساعة من ليل أو نهار. وسبق هذا التعليق موصولاً في الصيام. 5694 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ صَائِمٌ. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المقعد البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التيمي مولاهم البصري التنوري قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: احتجم النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وهو صائم) ومقتضاه أنه احتجم نهارًا والحاصل من هذا الحديث وسابقه المعلق أن الحجامة لا تتعين في وقت بل تكون عند الاحتياج. نعم وردت أحاديث فيها التعيين ففي حديث أبي هريرة مرفوعًا من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء رواه أبو داود لكنه من رواية سعيد بن عبد الرحمن الجمحي وقد وثقه أكثر ولينه بعضهم من قبل حفظه، وله شاهد من حديث ابن عباس عند أحمد والترمذي ورجاله ثقات لكنه معلول وشاهد آخر من حديث أنس عند ابن ماجة وسنده ضعيف، وعند ابن ماجة من حديث ابن عمر رفعه في أثنائه فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس، واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء واجتنبوا يوم الأربعاء والجمعة والسبت والأحد ورواه الدارقطني في الإفراد من وجه آخر ضعيف. وحكي أن رجلاً احتجم يوم الأربعاء فأصابه مرض لكونه تهاون بالحديث، وفي حديث أبي بكرة عند أبي داود أنه كان يكره الحجامة يوم الثلاثاء وقال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ فيها". وعند الأطباء أن أنفع الحجامة ما يقع في الساعة الثانية أو الثالثة وأن لا يقع عقب استفراغ من حمام أو جماع ولا عقب شبع ولا جوع، وأنها تفعل في النصف الثاني من الشهر ثم في الربع الثالث من أرباعه أنفع من أوّله وآخره لأن الأخلاط في أول الشهر تهيج وفي آخره تسكن فأولى ما يكون الاستفراغ في أثنائه. 12 - باب الْحَجْمِ فِى السَّفَرِ وَالإِحْرَامِ، قَالَهُ ابْنُ بُحَيْنَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب الحجم في السفر والإحرام) عند الاحتياج إليه (قاله) أي الحجم في حالة السفر وحالة الإحرام (ابن بحينة) بضم الموحدة وفتح المهملة وبعد التحتية الساكنة نون مفتوحة فهاء اسم أم عبد الله بن مالك الأزدي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كما سيأتي موصولاً إن شاء الله تعالى قريبًا بعون الله. 5695 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُحْرِمٌ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال (حدّثنا سفيان) بن عيينة الهلالي (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن طاوس) هو ابن كيسان (وعطاء) هو ابن أبي رباح كلاهما (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: احتجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- محرم) ومقتضى الحجم في حالة الإحرام أن يكون في السفر فطابق الحديث الترجمة. وهذا الحديث قد سبق في باب الحجامة للمحرم من الحج. 13 - باب الْحِجَامَةِ مِنَ الدَّاءِ (باب الحجامة من الداء) الحادث بالبدن. 5696 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَجْرِ الْحَجَّامِ فَقَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ وَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عَنْهُ وَقَالَ: «إِنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِىُّ وَقَالَ: لاَ تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ بِالْغَمْزِ مِنَ الْعُذْرَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالْقُسْطِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (قال: أخبرنا حميد الطويل) أبو عبيدة البصري مولى طلحة الطلحات (عن أنس -رضي الله عنه- أنه سئل عن أجر الحجام) ولأحمد عن يحيى القطان عن حميد عن كسب الحجام (فقال: احتجم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حجمه أبو طيبة) بفتح الطاء المهملة وسكون التحتية وبعد الموحدة تاء اسمه نافع على الصحيح وحكاية ابن عبد البر أنه دينار وهموه فيها بأن دينارًا الحجام تابعي روى عن أبي طيبة وحديثه عند ابن منده لا لأنه أبو طيبة نفسه وعند البغوي بإسناد ضعيف أن اسمه ميسرة وقال العسكري الصحيح أنه لا يعرف اسمه (وأعطاه صاعين من طعام) أي تمر زاد في البيوع ولو كان حرامًا لم يعطه (وكلم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مواليه) هم بنو حارثة على الصحيح ومولاه منهم محيصة بن مسعود وإنما جمع الموالي مجازًا كما يقال بنو فلان قتلوا رجلاً ويكون الفاعل منهم واحدًا وحديث جابر أنه مولى بني بياضة وهم فإن مولى بني بياضة آخر يقال له أبو هند أن يخففوا عنه من خراجه (فخففوا

14 - باب الحجامة على الرأس

عنه وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالسند المتقدم يخاطب أهل الحجاز من بلادهم حارة أو عامًا. (إن أمثل ما تداويتم به) من هيجان الدم (الحجامة) لأن دماء أهل الحجاز ومن في معناهم رقيقة تميل إلى ظاهر أجسادهم لجذب الحرارة الخارجة لها إلى سطح البدن وهي تنقي سطح البدن أكثر من الفصد وقد تغني عن كثير من الأدوية، قال في زاد المعاد: الحجامة في الأزمان الحارة والأمكنة الحارة والأبدان الحارة التي دم أصحابها في غاية النضج أنفع والفصد بالعكس ولذا كانت الحجامة أنفع للصبيان ولمن لا يقوى على الفصد انتهى. وقد أخرج أبو نعيم من حديث عليّ رفعه (خير الدواء الحجامة والفصد) لكن في سنده حسين بن عبد الله بن ضميرة كذبه مالك وغيره، وعن ابن سيرين فيما أخرجه الطبراني بسند صحيح إذا بلغ الرجل أربعين سنة لم يحتجم. قال الطبري: وذلك أنه يصير من حينئذ في انتقاص من عمره انحلال من قوى جسده فلا ينبغي أن يزيده وهنًا بإخراج الدم. قال في الفتح بعد أن ذكر ذلك: وهو محمول على من لم تتعين حاجته إليه وعلى من لم يعتد به. (و) أمثل ما تداويتم به (القسط البحري وقال) عليه الصلاة والسلام بالإسناد السابق (لا تعذبوا صبيانكم بالغمز) بالعصر باليد (من العذرة) التي هي قرحة تخرج بين الأنف والحلق كما مر مع غيره قريبًا وكانت المرأة تأخذ خرقة فتفتلها فتلاً شديدًا وتدخلها في حلق الصبي وتعصر عليه فينفجر منه دم أسود ربما أقرحته فحذّرهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ذلك وأرشدهم إلى استعمال ما فيه دواء ذلك من غير ألم فقال: (وعليكم بالقسط) فإنه دواء للعذرة لا مشقة فيه، وفي حديث جابر دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عائشة وعندها صبي يسيل منخراه دمًا فقال: ما هذا؟ قالوا: به العذرة أو وجع في رأسه. قال: ويلكن لا تقتلن أولادكن أيما امرأة أصاب ولدها عذرة أو وجع في رأسه فلتأخذ قسطًا هنديًا فتحكه بماء ثم تسعطه إياه فأمرت عائشة وصنع ذلك بالصبي فبرأ رواه أحمد وغيره. 5697 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو وَغَيْرُهُ أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - عَادَ الْمُقَنَّعَ ثُمَّ قَالَ: لاَ أَبْرَحُ حَتَّى تَحْتَجِمَ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ فِيهِ شِفَاءً». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن تليد) هو سعيد بن عيسى بن تليد بفوقية مفتوحة وتحتية ساكنة بينهما لام مكسورة الرعيني القتباني بكسر القاف وسكون الفوقية وبعد الموحدة ألف فنون قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن الحارث المصري (وغيره) قال في الفتح: يغلب على ظني أنه ابن لهيعة (أن بكيرًا) بضم الموحدة ابن عبد الله بن الأشج (حدّثه أن عاصم بن عمر بن قتادة) بن النعمان الظفري (حدّثه أن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- عاد المقنع) بضم الميم وفتح القاف والنون المشددة بعدها عين مهملة ابن سنان التابعي قال الحافظ ابن حجر لا أعرفه إلا في هذا الحديث (ثم قال) له (لا أبرح) لا أخرج من عندك (حتى تحتجم فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن فيه) في الحجم (شفاء) من هيجان الدم. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في الطب وكذا مسلم والنسائي. 14 - باب الْحِجَامَةِ عَلَى الرَّأْسِ (باب الحجامة على الرأس). 5698 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ بُحَيْنَةَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَجَمَ بِلَحْىِ جَمَلٍ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ، وَهْوَ مُحْرِمٌ فِى وَسَطِ رَأْسِهِ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (سليمان) بن بلال (عن علقمة) بن أبي علقمة بلال المدني مولى عائشة (أنه سمع عبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج أنه سمع عبد الله ابن بحينة) هو عبد الله بن مالك بن القشب بكسر القاف وسكون المعجمة بعدها موحدة الأزدي حليف بني طالب وبحينة أمه مطلبية من السابقين (يحدث أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احتجم بلحي جمل) بفتح اللام وسكون الحاء المهملة وكسر التحتية بالإفراد، ولأبي ذر: بلحيي بالتثنية وجمل بالجيم والميم المفتوحتين اسم موضع أو بقعة معروفة وهي عقبة الجحفة على سبعة أميال من السقيا (من طريق مكة) وليس آلة للحجم (وهو محرم) الجملة حالية (في وسط رأسه) بفتح السين وتسكن. 5699 - وَقَالَ الأَنْصَارِىُّ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْتَجَمَ فِى رَأْسِهِ. (وقال الأنصاري) محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك فيما وصله البيهقي (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (هشام بن حسان) الأزدي مولاهم

15 - باب الحجم من الشقيقة والصداع

الحافظ قال: (حدّثنا عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احتجم في رأسه) زاد البيهقي وهو محرم من صداع كان به أو داء. وحديث الباب سبق في الحج. 15 - باب الْحَجْمِ مِنَ الشَّقِيقَةِ وَالصُّدَاعِ (باب الحجم) ولأبي ذر الحجامة (من الشقيقة و) من (الصداع) وسببه كما قال الأطباء أبخرة مرتفعة أو أخلاط حارة أو باردة ترتفع إلى الدماغ فإن لم تجد منفذًا أحدثت الصداع، فإن مال إلى أحد شقي الرأس أحدث الشقيقة وإن ملك قنة الرأس أحدث داء البيضة وذكر الصداع بعد الشقيقة من عطف العام على الخاص. 5700 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى رَأْسِهِ وَهْوَ مُحْرِمٌ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ بِمَاءٍ يُقَالُ لَهُ: لَحْىُ جَمَلٍ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد واسم أبي عدي إبراهيم البصري (عن هشام) هو ابن حسان (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: احتجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رأسه وهو محرم من وجع كان به) وهو الشقيقة (بماء) أي في منزل فيه ماء (يقال له لحي جمل) بلفظ الإفراد ولأبي ذر بلفظ التثنية. وهذا الحديث أخرجه النسائي في الطب. 5701 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، احْتَجَمَ وَهْوَ مُحْرِمٌ فِى رَأْسِهِ مِنْ شَقِيقَةٍ كَانَتْ بِهِ. (وقال محمد بن سواء) بالسين المهملة المفتوحة ممدودًا ابن عنبر بالعين المهملة والنون الساكنة والموحدة المفتوحة السدوسي البصري فيما وصله الإسماعيلي (أخبرنا هشام) هو ابن حسان (عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احتجم وهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به) ولأحمد من حديث بريدة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ربما أخذته الشقيقة فمكث اليوم واليومين لا يخرج. وقد كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحتجم في مواضع مختلفة لاختلاف أسباب الحاجة إليها، وفي حديث ابن عباس عند ابن عدي رفعه الحجامة في الرأس تنفع من الجنون والجذام والبرص والنعاس والصداع ووجع الضرس والعين وفي سنده عمر بن رباح متروك رماه الفلاس وغيره بالكذب. 5702 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْغَسِيلِ حَدَّثَنِى عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنْ كَانَ فِى شَىْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِى شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ لَذْعَةٍ مِنْ نَارٍ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِىَ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة الوراق الكوفي قال: (حدّثنا ابن الغسيل) عبد الرحمن بن سليمان قال: (حدّثني) بالإفراد (عاصم بن عمر) بضم العين ابن قتادة الظفري (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- أنه (قال: سمعت النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شربة عسل) يسهل الأخلاط البلغمية (أو شرطة محجم) يستفرغ بها ما فسد من الدم وقد يتناول الفصد وخص الحجم بالذكر لكثرة استعمال العرب له. وقال أهل الطب: فصد الباسليق ينفع لحرارة الكبد والطحال والرئة ومن الشوصة وذات الجنب وسائر الأمراض الدموية العارضة من أسفل الركبة إلى الورك، وفصد الأكحل ينفع من الامتلاء العارض في جميع البدن وفصد القيفال من علل الرأس والرقبة إذا كثر الدم وفسد وفصد الودجين لوجع الطحال ووجع الجنبين والحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق وعلى الأخدعين من أمراض الرأس والوجه والحلقوم وتنقي الرأس والحجامة على ظهر القدم من قروح الفخذين والساقين وانقطاع الطمث والحجامة على أسفل الصدر نافعة من دماميل الفخذ وبثوره والنقرس والبواسير (أو لذعة) بذال معجمة وعين مهملة كيّ (من نار) توافق الداء وتزيله (وما أحب أن أكتوي) لشدة ألمه وعظم خطره. 16 - باب الْحَلْقِ مِنَ الأَذَى (باب الحلق) أي حلق شعر الرأس أو غيره (من الأذى). 5703 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى عَنْ كَعْبٍ هُوَ ابْنُ عُجْرَةَ قَالَ: أَتَى عَلَىَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ بُرْمَةٍ وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَنْ رَأْسِى فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «فَاحْلِقْ وَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةً أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً». قَالَ أَيُّوبُ: لاَ أَدْرِى بِأَيَّتِهِنَّ بَدَأَ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن أيوب) السختياني أنه (قال: سمعت مجاهدًا) هو ابن جبر المفسر (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن (عن كعب بن عجرة) بضم العين المهملة وسكون الجيم وفتح الراء -رضي الله عنه- أنه (قال: أتى عليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زمن) عمرة (الحديبية وأنا) أي والحال أني (أوقد تحت برمة والقمل يتناثر عن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي على (رأسي فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لي: (أيؤذيك هوامك) بتشديد الميم (قلت: نعم) تؤذيني (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فاحلق) بكسر اللام

17 - باب من اكتوى أو كوى غيره، وفضل من لم يكتو

رأسك (وصم ثلاثة أيام أو أطعم) بهمزة قطع وكسر العين (ستة) من المساكين لكل واحد نصف صاع (أو أنسك) بضم السين (نسيكة) بفتح النون وكسر السين. قال تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه} أي فحلق {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [البقرة: 196]. وهذا الحديث قد سبق في الحج في باب النسك شاة ووجه إدخاله هنا أن كل ما يتأذى به المؤمن، وإن قلّ أذاه يباح له إزالته وإن كان محرمًا فمداواة أسقام الأجسام أولى قاله الكرماني، وقال الحافظ ابن حجر: وكأنه أورده عقب حديث الحجامة وسط الرأس للإشارة إلى جواز حلق الشعر للمحرم لأجل الحجامة عند الحاجة إليها فيستنبط منه جواز حلق الرأس للمحرم عند الحاجة انتهى. (قال أيوب) السختياني (لا أدري بأيتهن بدأ). 17 - باب مَنِ اكْتَوَى أَوْ كَوَى غَيْرَهُ، وَفَضْلِ مَنْ لَمْ يَكْتَوِ (باب من اكتوى) لنفسه (أو كوى غيره وفضل من لم يكتو). 5704 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْغَسِيلِ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنْ كَانَ فِى شَىْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ شِفَاءٌ فَفِى شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِىَ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك) الطيالسي قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن سليمان بن) عبد الله بن حنظلة (الغسيل) الأنصاري المدني قال: (حدّثنا عاصم بن عمر بن قتادة) بن النعمان الأوسي الأنصاري المدني (قال: سمعت جابرًا) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن كان في شيء من أدويتكم شفاء) من الداء (ففي شرطة محجم) بكسر الميم وفتح الجيم بينهما مهملة ساكنة (أو لذعة) بالمعجمة ثم المهملة كية (بنار وما أحب أن أكتوي) وهل اكتوى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال الحافظ ابن حجر: لم أر في أثر صحيح أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اكتوى إلا أن القرطبي نسب إلى كتاب أدب النفوس للطبري أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اكتوى وذكره الحليمي بلفظ: روي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اكتوى للجرح الذي أصابه بأُحُد. قال الحافظ: الثابت في الصحيح كما سبق في غزوة أُحُد أن فاطمة أحرقت حصيرًا فحشت به جرحه، وليس هذا المكي المعهود، وجزم السفاقسي بأنه اكتوى وعكسه ابن القيم في الهدى، وفي حديث عمران بن حصين عند مسلم أنه قال: كان يسلَم عليّ حتى اكتويت فتركت المكي فعاد، وعند مسلم أيضًا أن الذي كان انقطع عني رجع إليّ يعني تسليم الملائكة، وعند أحمد وأبي داود والترمذي عن عمران نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الكي فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجعنا والنهي محمول على الكراهة وعلى خلاف الأولى لما تقتضيه الأحاديث السابقة وغيرها أو أنه خاص بعمران لأنه كان به الباسور وهو موضع خطر فنهاه عن كيه فلما اشتد عليه كواه فلم ينجح وقوله في الترجمة وفضل من لم يكتو أخذه من قوله وما أحب أن أكتوي، وحاصل ما في ذلك أن الفعل يدل على الجواز، وعدمه لا يدل على المنع بل يدل على أن الترك أرجح ولذا أثنى على تاركه والنهي عنه للتنزيه. 5705 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ فَذَكَرْتُهُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ النَّبِىُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ وَالنَّبِىُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَتَّى رُفِعَ لِى سَوَادٌ عَظِيمٌ، قُلْتُ: مَا هَذَا أُمَّتِى هَذِهِ؟ قِيلَ: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، قِيلَ: انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ ثُمَّ قِيلَ لِى انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِى آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ» ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فَأَفَاضَ الْقَوْمُ، وَقَالُوا: نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلاَدُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِى الإِسْلاَمِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ فَبَلَغَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ، فَقَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَلاَ يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ». فَقَالَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ: أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ». فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟ قَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ». وبه قال: (حدّثنا عمران بن ميسرة) ضد الميمنة أبو الحسن البصري قال: (حدّثنا ابن فضيل) محمد الضبي قال: (حدّثنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن الواسطي (عن عامر) هو ابن شراحيل الشعبي (عن عمران بن حصين) الخزاعي من فضلاء الصحابة (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: لا رقية) بضم الراء وسكون القاف أي لا عوذة (إلاّ من عين) يصيب العائن بها غيره إذا استحسنه عند رؤيته له فتضرر منه ذلك المرئي (أو) من (حمة) بالحاء المهملة وفتح الميم المخففة سم عقرب أو الإبرة التي تضرب بها العقرب أو كل هامة ذات سم من حية أو عقرب وإطلاقه على الإبرة للمجاورة لأن السم يخرج منها وأصلها حمو أو حمي بوزن صرد والهاء فيه عوض من الواو أو الياء المحذوفة، وليس المراد نفي جواز الرقية في غيرهما بل تجوز الرقية بذكر الله تعالى في جميع الأوجاع فالمعنى لا رقية أولى وأنفع منهما كما تقول: لا فتى إلا َّ عليّ ولا سيف إلاّ ذو الفقار. قال حصين بن عبد الرحمن: (فذكرته) أي لا رقية إلى آخره (لسعيد بن جبير فقال: حدّثنا ابن عباس قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عرضت) بضم العين مبنيًّا للمفعول (عليّ الأمم) والأمم رفع نائب عن الفاعل وعند الترمذي والنسائي من طريق عبثر

بن القاسم بمهملة فموحدة ثم مثلثة بوزن جعفر في روايته عن حصين بن عبد الرحمن أن ذلك كان ليلة الإسراء وهو محمول على القول بتعدد الإسراء وأنه وقع بالمدينة غير الذي وقع بمكة فعند البزار بسند صحيح قال: أكثرنا الحديث عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم عدنا إليه قال: عرضت عليّ الأنبياء الليلة بأممها (فجعل النبي) بالإفراد (والنبيان) بالتثنية (يمرون معهم الرهط) ما دون العشرة من الرجال أو إلى الأربعين (والنبي) يمر (ليس معه أحد) ممن أخبرهم عن الله لعدم إيمانهم (حتى رفع لي) براء مضمومة وكسر الفاء (سواد عظيم) ضد البياض الشخص يرى من بعد، وفي الرقاق سواد كثير بدل قوله هنا عظيم، وأشار به إلى أن المراد الجنس لا الواحد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي حتى وقع لي سواد عظيم بواو وقاف مفتوحتين بدل الراء والفاء والأول هو المحفوظ في جميع طرق هذا الحديث كما قاله في الفتح (قلت: ما هذا) السواد الذي أراه (أمتي هذه قيل هذا) ولأبي ذر عن الكشميهني بل هذا (موسى وقومه قيل انظر إلى الأفق) فنظرت إليه (فإذا سواد يملأ الأفق ثم قيل لي انظر هاهنا وهاهنا في آفاق السماء) فنظرت (فإذا سواد قد ملأ الأفق قيل هذه أمتك) المؤمنون (ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفًا بغير حساب). فإن قلت: قد ثبت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال إنه يعرف أمته من بين الأمم بأنهم غرّ محجلون فكيف ظن هنا أنهم أمة موسى. أجيب: بأن الأشخاص التي رآها هنا في الأفق لا يدرك منها إلا الكثرة من غير تمييز لأعيانهم لبعدهم وأما الأخرى فمحمولة على ما إذا قربوا منه كما لا يخفى. (ثم دخل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حجرته (ولم يبين لهم) لأصحابه من السبعون ألفًا الداخلون الجنة بغير حساب (فأفاض القوم) في الحديث اندفعوا فيه وناظروا عليه (وقالوا: نحن الذين آمنا بالله) تعالى (واتبعنا رسوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فنحن) معشر الصحابة (هم أو) هم (أولادنا الذين ولدوا في الإسلام فإنا ولدنا في الجاهلية فبلغ) ذلك القول (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخرج) من حجرته (فقال) الذين يدخلون الجنة بغير حساب (هم الذين لا يسرقون) مطلقًا ولا يسترقون برقى الجاهلية (ولا يتطيرون) ولا يتشاءمون بالطيور ونحوها كما هو عادتهم قبل الإسلام (ولا يكتوون) يعتقدون أن الشفاء من الكيّ كما كان يعتقد أهل الجاهلية (وعلى ربهم يتوكلون) أي يفوّضون إليه تعالى في ترتيب المسببات على الأسباب أو يتركون الاسترقاء والطيرة والاكتواء فيكون من باب العام بعد الخاص لأن كل واحد منها صفة خاصة من التوكل وهو أعم من ذلك، وقول بعضهم: لا يستحق اسم التوكل إلاّ من لم يخالط قلبه خوف غير الله حتى لو هجم عليه الأسد لا ينزعج وحتى لا يسعى في طلب الرزق لكون الله ضمنه له رده الجمهور، وقالوا: يحصل التوكل بأن يثق بوعد الله ويوقن بأن قضاءه واقع ولا يترك اتباع السنة في اتباع الرزق مما لا بدّ له منه من مطعم ومشرب وتحرز من عدوّ بإعداد السلاح وإغلاق الباب، لكنه مع ذلك لا يطمئن إلى الأسباب بقلبه بل يعتقد أنها لا تجلب نفعًا ولا تدفع ضررًا بل السبب والمسبب فعله والكل بمشيئته لا إله إلا هو، فإذا وقع من المرء ركون إلى السبب قدح في توكله (فقال عكاشة بن محصن): بضم العين المهملة وتشديد الكاف وتخفف ومحصن بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين ثم نون وكان من أجمل الرجال وممن شهد بدرًا (أمنهم أنا يا رسول الله) بهمزة الاستفهام الاستخباري وفي رواية الرقاق وغيرها ادع الله أن يجعلني منهم وجمع بينهما بأنه سأل الدعاء أولاً فدعا له ثم استفهم هل أجيب فقال: أمنهم أنا؟ (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم) أنت منهم (فقام آخر) قال الخطيب: هو سعد بن عباد (فقال: أمنهم أنا) يا رسول الله؟ (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سبقك بها عكاشة) قال ذلك له حسمًا للمادة لأنه لو قال نعم لأوشك أن يقول ثالث ورابع وهلم جرًّا وليس كل

18 - باب الإثمد والكحل من الرمد، فيه عن أم عطية

الناس يصلح لذلك. وهذا الحديث قد مرّ باختصار في باب وفاة موسى عليه الصلاة والسلام من أحاديث الأنبياء، وأخرجه أيضًا في الرقاق ومسلم في الإيمان والترمذي في الزهد والنسائي في الطب. 18 - باب الإِثْمِدِ وَالْكُحْلِ مِنَ الرَّمَدِ، فِيهِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ (باب الإثمد) بكسر الهمزة والميم بينهما مثلثة ساكنة آخره دال مهملة حجر يتخذ منه الكحل (والكحل) بضم الكاف (من الرمد) أي بسبب الرمد وهو ورم حار يعرض في الطبقة الملتحمة من العين وهو بياضها الظاهر وسببه انصباب أحد الأخلاط أو أبخرة تصعد من المعدة إلى الدماغ وعطف الكحل على الإثمد يدل على أنه غيره فهو من عطف العام على الخاص (فيه) أي في الباب حديث مرفوع (عن أم عطية) نسيبة بنت كعب ولفظه: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلاّ على زوج فإنها لا تكتحل) وليس فيه ذكر الإثمد فيحتمل أن يكون ذكره لكون العرب إنما تكتحل غالبًا به، وفي حديث ابن عباس رفعه عند الترمذي وحسنه واللفظ له وابن ماجة وصححه وابن حبان اكتحلوا بالإثمد فإنه مجلو البصر وينبت الشعر. 5706 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنِى حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّىَ زَوْجُهَا فَاشْتَكَتْ عَيْنَهَا فَذَكَرُوهَا لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرُوا لَهُ الْكُحْلَ وَأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى عَيْنِهَا فَقَالَ: «لَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ تَمْكُثُ فِى بَيْتِهَا فِى شَرِّ أَحْلاَسِهَا -أَوْ فِى أَحْلاَسِهَا- فِى شَرِّ بَيْتِهَا فَإِذَا مَرَّ كَلْبٌ رَمَتْ بَعْرَةً، فَلاَ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (حميد بن نافع) بضم الحاء مصغرًا الأنصاري أبو أفلح المدني (عن زينب عن) أمها (أم سلمة -رضي الله عنها- أن امرأة) اسمها عاتكة كما عند الإسماعيلي من طرق كثيرة (توفي زوجها) المغيرة المخزومي كما عند الإسماعيلي القاضي في الأحكام (فاشتكت عينها فذكروها للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي العدد جاءت امرأة فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها الحديث. والمرأة السائلة عاتكة بنت نعيم بن النحام رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة ورواية الإسماعيلي أرجح لكثرة الطرق وحينئذٍ فلم تسم أمها والله تعالى أعلم. (وذكروا له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الكحل وإنه يخُاف على عينها) بضم ياء يخاف (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لقد كانت إحداكن) في الجاهلية (تمكث في بيتها في شر أحلاسها) بفتح الهمزة وسكون الحاء وبالسين المهملتين بينهما لام ألف في شر الثياب التي تلبس (أو) قال: (في أحلاسها في شر بيتها) سنة (فإذا مرّ كلب رمت بعرة) يعني إن مكثها هذه السنة أهون عندها من هذه البعرة ورميها (فلا) تكتحل (أربعة أشهر وعشرًا) أي لا تكتحل حتى يمضي أربعة أشهر وعشرًا ولا لنفي الجنس نحو لا غلام رجل وللكشميهني فهلا أي فهلا تصبر على ترك الاكتحال أربعة أشهر وعشرًا وقد كانت تمكث سنة في شر أحلاسها. وهذا الحديث قد سبق في باب الاكتحال للحادّة من الطلاق. 19 - باب الْجُذَامِ (باب الجذام) بضم الجيم وفتح الذال المعجمة، قال في القاموس: الأجذم المقطوع اليد والذاهب الأنامل والجذام كغراب علة تحدث من انتشار السوداء في البدن فتفسد مزاج الأعضاء وهيئاتها، وربما انتهى إلى تأكل الأعضاء وسقوطها عن تقرح. 5707 - وَقَالَ عَفَّانُ حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ عَدْوَى، وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ، وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ». [الحديث 5707 - أطرافه في: 5717، 5757، 5770، 5773، 5775]. (وقال عفان) بن مسلم الصفار شيخ المؤلّف يروى عنه بالواسطة كثيرًا مما وصله أبو نعيم من طريق أبي داود الطيالسي وأبي قتيبة مسلم بن قتيبة كلاهما عن سليم بن حيان شيخ عفان عنه قال: (حدّثنا سليم بن حيان) بفتح السين المهملة وكسر اللام وحيان بالحاء المهملة المفتوحة والتحتية المشددة الهذلي البصري قال: (حدّثنا سعيد بن ميناء) بكسر العين وميناء بكسر الميم وسكون التحتية وبعد النون ألف ممدودًا مولى البختري الحجازي مكي أو مدني أبو الوليد (قال: سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا عدوى) بالعين المهملة والواو المفتوحتين بينهما دال مهملة ساكنة أي لا سرابة للمرض عن صاحبه إلى غيره نفيًا لما كانت الجاهلية تعتقده في بعض الأدواء أنها تعدي بطبعها وهو خبر أريد به النهي (ولا طيرة) بكسر الطاء المهملة وفتح التحتية من التطير وهو التشاؤم كانوا يتشاءمون بالسوانح والبوارح وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه وأبطله

20 - باب المن شفاء للعين

ونهى عنه وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر (ولا هامة) بتخفيف الميم على الصحيح وحكى أبو زيد تشديدها كانوا يعتقدون أن عظام الميت تنقلب هامة تطير وقيل هي البومة كانت إذا سقطت على دار أحدهم يرى أنها ناعية له نفسه أو بعض أهله وقيل إن روح القتيل الذي لا يؤخذ بثأره تصير هامة فتزقو وتقول اسقوني فإذا أدرك بثأره طار (ولا صفر) هو تأخير المحرم إلى صفر وهو النسيء وفي سنن أبي داود عن محمد بن راشد أنهم كانوا يتشاءمون بدخول صفر أي لما يتوهمون أن فيه تكثر الدواهي والفتن، وقيل إن في البطن حيّة تهيج عند الجوع وربما قتلت صاحبها وكانت العرب تراها أعدى من الجرب فنفى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك بقوله، ولا صفر، وزاد مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ولا تولة وزاد النسائي وابن حبان من حديث جابر ولا غول، فالحاصل ستة وقد كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات وهي جنس من الشياطين تتراءى للناس وتتغوّل لهم تغوّلاً أي تتلون تلوّنًا فتضلهم عن الطريق فتهلكهم فنفى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استطاعة الغول أن تضل أحدًا. وفي حديث: لا غول ولكن السعالى، والسعالى سحرة الجن أي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل، وفي الحديث إذا تغوّلت الغيلان فبادروا بالأذان أي ادفعوا شرها بذكر الله فلم يرد بنفيها عدمها إذ كانت ثم زالت ببعثته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الطيبي: لا التي لنفي الجنس دخلت على المذكورات فنفت ذواتها وهي غير منفية فيتوجه النفي إلى أوصافها وأحوالها التي هي مخالفة للشرع فإن العدوى والصفر والهامة والتولة موجودة فالمنفي ما زعمت الجاهلية إثباته فإن نفي الذات لإرادة نفي الصفات أبلغ لأنه من باب الكناية (وفرّ من المجذوم كما تفر) أي كفرارك (من الأسد) فما مصدرية. واستشكل مع السابق وأكله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع مجذوم وقال: ثقة بالله وتوكلاً عليه المروي في ... وأجيب: بأن المراد بنفي العدوى أن شيئًا لا يعدي بطبعه نفسًا لما كانت الجاهلية تعتقده من أن الأمراض تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله تعالى كما سبق، فأبطل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتقادهم ذلك وأكل مع المجذوم ليبين لهم أن الله تعالى هو الذي يمرض ويشفي ونهاهم عن الدنوّ من المجذوم ليبين أن هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها ففي نهيه إثبات الأسباب وفي فعله إشارة إلى أنها لا تستقل بل الله هو الذي إن شاء سلبها قواها فلا تؤثر شيئًا إن شاء أبقاها فأثرت وعلى هذا جرى أكثر الشافعية، وقيل إن إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي العدوى، فيكون المعنى لا عدوى، إلاّ من الجذام والبرص والجرب مثلاً قاله القاضي أبو بكر الباقلاني، وقيل: الأمر بالفرار ليس من باب العدوى بل لأمر طبيعي وهو انتقال الداء من جسد إلى جسد بواسطة الملامسة والمخالطة وشم الرائحة فليس على طريق العدوى بل بتأثير الرائحة لأنها تسقم مَن واظب اشتمامها ونحو ذلك قاله ابن قتيبة، وهو قريب، وقيل المراد بالفرار رعاية خاطر المجذوم لأنه إذا رأى الصحيح البدن سليمًا من الآفة التي به عظمت مصيبته وحسرته واشتد أسفه على ما ابتلي به ونسي سائر ما أنعم الله عليه فيكون سببًا لزيادة محنة أخيه المسلم وبلائه وقيل لا عدوى أصلاً رأسًا والأمر بالفرار إنما هو حسم للمادة وسد للذريعة لئلا يحدث للمخالط شيء من ذلك فيظن أنه بسبب المخالطة فيثبت العدوى التي نفاها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتجنب ذلك شفقة منه ورحمة، ويأتي مزيدًا لذلك إن شاء الله تعالى بعون الله. 20 - باب الْمَنُّ شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ هذا (باب) بالتنوين (المن شفاء للعين) أي من داء العين والمن بفتح الميم وتشديد النون كل طل بنزل من السماء على شجر أو حجر ويحلو وينعقد عسلاً ويجف جفاف الصمغ كالشيرخشت والترنجبين والمعروف بالمن ما وقع على شجر البلوط

21 - باب اللدود

معتدل نافع للسعال الرطب والصدر والرئة، وأطلق المؤلّف على المن شفاء لأن الحديث ورد أن الكمأة منه وفيها شفاء فإذا ثبت الوصف للفرع كان ثبوته للأصل أولى. 5708 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ». قَالَ شُعْبَةُ: وَأَخْبَرَنِى الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِىِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ شُعْبَةُ: لَمَّا حَدَّثَنِى بِهِ الْحَكَمُ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن المثنى) أبو موسى العنزي الحافظ قال: (حدّثنا غندر) ولأبي ذر محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك) بن عمير أنه (قال: سمعت عمرو بن حريث) بفتح العين في الأوّل وضم الحاء المهملة وفتح الراء آخره مثلثة مصغرًا في الثاني المخزومي له صحبة (قال: سمعت سعيد بن زيد) أي ابن عمرو بن نفيل العدوي أحد العشرة المبشرة -رضي الله عنهم- (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (الكمأة) بفتح الكاف وسكون الميم بعدها همزة وتاء تأنيث قال في القاموس: الكمء نبات معروف وجمعه أكمؤ وكمآت أو هي اسم للجمع أو هي للواحد والكمء للجمع أو هي تكون واحدة وجمعًا وقال غيره نبات لا ورق له ولا ساق توجد في الفلوات من غير أن تزرع وهي كثيرة بأرض المغرب وتوجد بأرض الشام ومصر وأجودها ما كانت أرضه رملة قليلة الماء وأنواعها المشهورة ثلاثة، أحدها: ما يضرب لونه إلى الحمرة وهي قتادة، والثاني يضرب إلى البياض وتسمى الفقع بفتح الفاء وكسرها وتسمى شحمة الأرض، والثالث إلى الغبرة والسواد وهي التي تؤكل وهي بأنواعها باردة رطبة في الدرجة الثانية تؤكل نيئة ومطبوخة باللحوم والأودهان والأفاوية ولما كانت الكمأة من النبات توجد عفوًّا من غير علاج ولا بذر قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الكمأة من المن) أي الذي امتن الله به على عباده من غير مشقة وفي مسلم الكمأة من المن الذي أنزل على بني إسرائيل. واستشكل بأن المنزل عليهم كان الترنجبين الساقط من السماء وهذا ينبت من الأرض وأجيب: باحتمال أن الذي أنزل عليهم كان أنواعًا من الله تعالى عليهم بها من النبات ومن الطير الذي يسقط عليهم من غير اصطياد ومن الطل الساقط على الشجر والمن مصدر بمعنى المفعول أي ممنون به فلما لم يكن لهم فيه شائبة كسب كان منًّا محضًا وإن كانت نعم الله على عباده منًّا منه عليهم فالكمأة فرد من أفراد المن. (وماؤها شفاء للعين) من دائها أو مخلوطًا بدواء كالكحل والتوتيا وقيل إن كان لتبريد ما في العين من حرارة فماؤها مجرّدًا شفاء وإلاّ فمركبًا، وقال النووي: والصحيح بل الصواب أن ماءها مجرّدًا شفاء للعين مطلقًا وقد جربت أنا وغيري في زماننا ممن ذهب بصره فكحل عينه بماء الكمأة مجردًا فشفي وعاد إليه بصره وهو الشيخ العدل الكمال الدمشقي صاحب رواية في الحديث وكان استعماله لها اعتقادًا في الحديث وتبركًا به انتهى. وقيل إن استعمالها يكون بعد شيّها واستقطار مائها لأن النار تلطفه وتنضجه وتذيب فضلاته ورطوباته الرديئة وتبقى المنافع وقيل المراد بمائها الماء الذي يحدث به من المطر وهو أوّل مطر ينزل إلى الأرض فتكون إضافة اقتران لا إضافة جزء. قال في زاد المعاد: وهذا أبعد الوجوه وأضعفها، وفي الطب لأبي نعيم عن ابن عباس مرفوعًا: ضحكت الجنة فأخرجت الكمأة، ولأبي ذر عن المستملي: من العين. (قال شعبة) بن الحجاج بالإسناد السابق (وأخبرني) بالإفراد (الحكم) بفتح الحاء المهملة والكاف (ابن عتيبة) بضم العين مصغرًا أبو محمد الكندي الكوفي (عن الحسن) بفتح الحاء ابن عبد الله (العرني) بضم العين المهملة وفتح الراء بعدها نون الكوفي (عن عمرو بن حريث) القرشي المخزومي الصحابي الصغير المذكور (عن سعيد بن زيد) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال شعبة) بن الحجاج (لما) بالتشديد (حدّثني) بالإفراد (به) بالحديث السابق (الحكم) بن عتيبة (لم أنكره من حديث عبد الملك) بن عمير قال الحافظ ابن حجر: كأنه أراد أن عبد الملك كبر وتغير حفظه فلما حدّث به شعبة توقف فيه فلما تابعه الحكم بروايته ثبت عند شعبة فلم ينكره وانتفى عنه التوقف فيه. 21 - باب اللَّدُودِ (باب اللدود) بفتح اللام وبدالين مهملتين الأولى مضمومة

22 - باب

بينهما واو ما يصب من الدواء من أحد جانبي فم المريض. 5709 - 5710 - 5711 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِى مُوسَى بْنُ أَبِى عَائِشَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضى الله عنه - قَبَّلَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهْوَ مَيِّتٌ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان قال: (حدّثنا سفيان) الثوري قال: (حدّثني) بالإفراد (موسى بن أبي عائشة) الكوفي (عن عبيد الله بن عبد الله) بضم عين الأوّل ابن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس وعائشة) -رضي الله عنهم- (أن أبا بكر) الصديق (-رضي الله عنه- قبّل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو ميت) بعد أن كشف وجهه وأكب عليه. 5712 - قَالَ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ لَدَدْنَاهُ فِى مَرَضِهِ فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ لاَ تَلُدُّونِى فَقُلْنَا كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: «أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِى»؟ قُلْنَا كَرَاهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ فَقَالَ: «لاَ يَبْقَى فِى الْبَيْتِ أَحَدٌ إِلاَّ لُدَّ» وَأَنَا أَنْظُرُ إِلاَّ الْعَبَّاسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ. (قال) عبيد الله: (وقالت عائشة: لددناه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جعلنا الدواء في جانب فمه بغير اختياره (في مرضه) الذي مات فيه (فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني فقلنا): هذا الامتناع (كراهية المريض للدواء) فكراهية رفع خبر مبتدأ محذوف ولأبي ذر كراهية بالنصب مفعولاً له أي نهانا لكراهية الدواء ويجوز أن يكون مصدر أي كرهه كراهية الدواء (فلما أفاق) عليه الصلاة والسلام (قال): (ألم أنهكم أن تلدوني؟ قلنا: كراهية المريض للدواء. فقال) عليه الصلاة والسلام: (لا يبقى في البيت أحد) ممن تعاطى ذلك وغيره (إلا لدّ) تأديبًا لهم لئلا يعودوا وتأديب الذين لم يباشروا ذلك لكونهم لم ينهوا الذين فعلوا بعد نهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يلدوه (وأنا أنظر إلاّ العباس) عمه (فإنه لم يشهدكم) حالة اللدود وإنما أنكر التداوي لأنه كان غير ملائم لدائه لأنهم ظنوا أن به ذات الجنب فداووه بما يلائمها ولم يكن به ذلك. والحديث قد مرّ في باب مرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووفاته. 5713 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ قَالَتْ: دَخَلْتُ بِابْنٍ لِى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَدْ أَعْلَقْتُ عَلَيْهِ مِنَ الْعُذْرَةِ فَقَالَ: «عَلَى مَا تَدْغَرْنَ أَوْلاَدَكُنَّ بِهَذَا الْعِلاَقِ؟ عَلَيْكُنَّ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِىِّ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ يُسْعَطُ مِنَ الْعُذْرَةِ وَيُلَدُّ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ». فَسَمِعْتُ الزُّهْرِىَّ يَقُولُ: بَيَّنَ لَنَا اثْنَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا خَمْسَةً، قُلْتُ لِسُفْيَانَ فَإِنَّ مَعْمَرًا يَقُولُ: أَعْلَقْتُ عَلَيْهِ قَالَ: لَمْ يَحْفَظْ إِنَّمَا قَالَ: أَعْلَقْتُ عَنْهُ حَفِظْتُهُ مِنْ فِى الزُّهْرِىِّ وَوَصَفَ سُفْيَانُ الْغُلاَمَ يُحَنَّكُ بِالإِصْبَعِ وَأَدْخَلَ سُفْيَانُ فِى حَنَكِهِ إِنَّمَا يَعْنِى رَفْعَ حَنَكِهِ بِإِصْبَعِهِ وَلَمْ يَقُلْ أَعْلِقُوا عَنْهُ شَيْئًا. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة وثبت ابن عبد الله لأبي ذر (عن أم قيس) بنت محصن الأسدية أنها (قالت: دخل بابن لي) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسمه (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد أعلقت) بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وسكون القاف من الأعلاق (عليه) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني عنه (من العذرة) بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة وجع الحلق من هيجان الدم وهو سقوط اللهاة وقيل: غير ذلك كما مرّ، والعلاق هو أن تؤخذ خرقة فتفتل فتلاً شديدًا وتدخل في أنف الصبي ويطعن ذلك الموضع فينفجر منه دم أسود ويدخل الأصبع في حلقه ويرفع ذلك الوضع ويكبس (فقال) صلوات الله وسلامه عليه: (على ما) بإثبات ألف ما الاستفهامية المجرورة وهو قليل ولأبي ذر علام بإسقاطها أي لأي شيء (تدغرن أولادكن) خطاب للنسوة بفتح المثناة الفوقية وسكون الدال المهملة وفتح الغين المعجمة وسكون الراء ترفعن بأصابعكن فتؤلمن الأولاد (بهذا العلاق) بكسر العين المهملة وضبطه في التنقيح بفتحها ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بهذا الأعلاق بهمزة مكسورة (عليكن بهذا العود الهندي) وهو الكست السابق قريبًا (فإن فيه سبعة أشفية) أي أدوية (منها ذات الجنب يسعط) بضم أوله وفتح العين به (من العذرة ويلد) به (من ذات الجنب) قال سفيان: (فسمعت الزهري يقول: بيّن لنا) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اثنين) اللدود والسعوط (ولم يبين لنا خمسة) من السبعة وقد سبق من كلام الأطباء ما يؤخذ منه الخمسة الباقية قال عليّ بن المديني: (قلت) لسفيان: (فإن معمرًا) أي ابن رشد (يقول: أعلقت عليه؟ قال) سفيان: (لم يحفظ) أعلقت عليه (إنما قال: أعلقت عنه حفظته من في الزهري) أي من فمه (ووصف سفيان الغلام يحنك) بفتح النون مشددة (بالأصبع وأدخل سفيان في حنكه إنما يعني رفع) بفتح الراء وسكون الفاء (حنكه بإصبعه) لا تعليق شيء فيه (ولم يقل: اعلقوا) بكسر اللام (عنه شيئًا). 22 - باب هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة. 5714 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَيُونُسُ قَالَ الزُّهْرِىُّ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاشْتَدَّ وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ فِى أَنْ يُمَرَّضَ فِى بَيْتِى فَأَذِنَّ فَخَرَجَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ فِى الأَرْضِ بَيْنَ عَبَّاسٍ وَآخَرَ فَأَخْبَرْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِى مَنِ الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِى لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: هُوَ عَلِىٌّ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بَعْدَمَا دَخَلَ بَيْتَهَا وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ «هَرِيقُوا عَلَىَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّى أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ». قَالَتْ: فَأَجْلَسْنَاهُ فِى مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِرَبِ حَتَّى جَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ قَالَتْ: وَخَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى لَهُمْ وَخَطَبَهُمْ. وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين وسكون العين بينهما ابن راشد (يونس) بن يزيد الأيلي

23 - باب العذرة

قالا: (قال الزهري) محمد بن مسلم (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: لما ثقل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في مرض موته (واشتدّ به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرّض في بيتي) بضم التحتية وفتح الميم والراء المشددة من التمريض وهو تعاهد المريض (فأذن له) أزواجه في ذلك (فخرج) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بين رجلين تخط رجلاه في الأرض) من الوجع (بين عباس) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمه (و) رجل (آخر) قال عبيد الله: (فأخبرت ابن عباس) يقول عائشة: (فقال: هل تدري من الرجل الآخر)؟ الذي لم تسم عائشة قال عبيد الله: (قلت: لا. قال) ابن عباس: (هو عليّ) وإنما لم تذكره عائشة لأنه لم يكن ملازمًا للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تلك الحالة من أولها إلى آخرها، ففي بعض الروايات كما مرّ ذكر أسامة أو الفضل بن العباس وثوبان وبريدة فتعدد من اتكأ عليه بتعدد خروجه (قالت عائشة) -رضي الله عنها-: (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعدما دخل بيتها واشتد به وجعه): (هريقوا) بهاء مفتوحة صبوا (عليّ) ماء (من سبع قرب لم تحلل) بضم المثناة الفوقية وسكون الحاء المهملة وفتح اللام الأولى (أوكيتهن) جمع وكاء الخيط الذي تربط به القربة وقد ذكر في حكمة السبع أن له خاصية في دفع ضرر السم وقد ورد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: هذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم يريد سم الشاة التي أكل منها بخيبر (لعليّ أعهد إلى الناس) أي أوصى في (قالت) عائشة (فأجلسناه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في مخضب) بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الضاد المعجمتين يعني إجانة (لحفصة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم طفقنا) بكسر الفاء جعلنا (نصبّ عليه) الماء (من تلك القرب) السبع (حتى جعل يشير إلينا أن قد فعلتن) بنون النسوة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فعدم بالميم بدل النون وكلاهما صحيح باعتبار الأنفس والأشخاص أو على التغليب (قالت) عائشة: (وخرج) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى الناس) المسجد (فصلّى لهم وخطبهم) وفي نسخة فصلّى بهم وخطبهم فقال: كما عند الدارمي أن عبدًا عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة فلم يفطن لها غير أبي بكر فذرفت عيناه. الحديث. ومرّ في الوفاة والغرض منه هنا كما في الفتح قوله: هريقوا عليّ من سبع قُرب لم تحلل أوكيتهن. 23 - باب العُذرَةِ (باب العذرة) وهي كما مرّ بضم المهملة وسكون المعجمة وجع الحلق ويسمى سقوط اللهاة بفتح اللام اللحمة التي في أقصى الحلق والمراد وجعها سمي باسمها أو هو موضع قريب من اللهاة. 5715 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أُمَّ قَيْسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ الأَسَدِيَّةَ أَسَدَ خُزَيْمَةَ وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ اللاَّتِى بَايَعْنَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْىَ أُخْتُ عُكَّاشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِابْنٍ لَهَا قَدْ أَعْلَقَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْعُذْرَةِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى مَا تَدْغَرْنَ أَوْلاَدَكُنَّ بِهَذَا الْعِلاَقِ؟ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِىِّ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ». يُرِيدُ الْكُسْتَ وَهْوَ الْعُودُ الْهِنْدِىُّ. وَقَالَ يُونُسُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ "عَلَّقَتْ عَلَيْهِ". وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (أن أم قيس بن محصن) بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين (الأسدية أسد خزيمة وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي أخت عكاشة) بن محصن (أخبرته أنها أتت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بابن لها قد) وللكشميهني وقد بالواو (أعلقت عليه من العذرة) عالجته من وجع حلقه برفع حنكه بإصبعها (فقال) لها (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (على ما) بألف بعد الميم ولأبي ذر والأصيلي علام بحذفها لأبي شيء (تدغرن) بالدال المهملة والغين المعجمة خطاب للنسوة لم تغمزن حلوق (أولادكن بهذا العلاق) بكسر العين وفتحها المؤلم لهم (عليكم) ولأبي ذر عن الكشميهني عليكن بالنون بدل الميم وهما باعتبار الأشخاص والأنفس كما مرّ مثله قريبًا (بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية) أدوية (منها ذات الجنب) الألم العارض فيه من رياح غليظة مؤذية بين الصفاقات (يريد) عليه الصلاة والسلام بالعود الهندي (الكست) بالكاف المضمومة وسكون السين المهملة (وهو العود الهندي. وقال يونس) بن يزيد الأيلي فيما وصله مسلم (وإسحاق بن راشد) الجزري فيما يأتي إن شاء الله تعالى في باب ذات الجنب (عن الزهري علقت)

24 - باب دواء المبطون

بتشديد اللام من غير همز (عليه) والصواب أعلقت بالهمز والاسم العلاق. قال القاضي عياض: وقع في البخاري علقت وأعلقت والعلاق والأعلاق في أخرى والكل بمعنى جاءت به الرواية لكن أهل اللغة إنما يذكرون أعلقت والأعلاق رباعي. 24 - باب دَوَاءِ الْمَبْطُونِ (باب دواء المبطون) الذي يشتكي بطنه من الإسهال المفرط. 5716 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّ أَخِى اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ فَقَالَ: «اسْقِهِ عَسَلاً» فَسَقَاهُ فَقَالَ: إِنِّى سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلاَّ اسْتِطْلاَقًا. فَقَالَ: «صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ» .. تَابَعَهُ النَّضْرُ عَنْ شُعْبَةَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالشين المعجمة المشددة بعد الموحدة المعروف ببندار قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة الأكمه المفسر (عن أبي المتوكل) عليّ بن داود الناجي بالنون والجيم (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري -رضي الله عنه- أنه (قال: جاء رجل) أي أعرف اسمه (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إن أخي استطلق بطنه) بفتح التاء الفوقية واللام وبطنه رفع وضبطه في الفتح مبنيًّا للمفعول أي تواتر إسهال بطنه (فقال) عليه الصلاة والسلام له: (اسقه عسلاً) فإنه دواء لدفعه الفضول المجتمعة في نواحي المعدة لما فيه من الجلاء ودفع الفضول التي تصيب المعدة من الأخلاط اللزجة المانعة من استقرار الغذاء فيها وللمعدة خمل كخمل المنشفة فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء الواصل إليها فكان دواؤها باستعمال ما يجلو تلك الأخلاط والعسل أقوى فعلاً في ذلك لا سيما إن مزج بالماء الحار وهذا الرجل كان استطلاق بطنه من هيضة حصلت له من الامتلاء وسوء الهضم (فسقاه) العسل فلم ينجع فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: إني سقيته) العسل (فلم يزده إلاّ استطلاقًا) لجذبه الأخلاط الفاسدة وكونه أقل من كمية تلك الأخلاط فلم يدفعها بالكلية (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (صدق الله) حيث قال: {شفاء للناس} [النحل: 69] (وكذب) أي أخطأ (بطن أخيك) حيث لم يحصل له الشفاء بالعسل فبقاء الداء إنما هو لكثرة المادة الفاسدة ولذا أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمعاودة شرب العسل لاستفراغها فلما كرر ذلك برأ كما في الرواية الأخرى أنه سقاه الثانية والثالثة وعند أحمد فقال في الرابعة اسقه عسلاً قال: فأظنه قال فسقاه فبرأ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: في الرابعة: (صدق الله وكذب بطن أخيك). والحديث أورده المؤلّف هنا مختصرًا ففيه حذف كما لا يخفى. (تابعه) أي تابع محمد بن جعفر (النضر) بالنون والضاد المعجمة ابن شميل في روايته (عن شعبة) بن الحجاج فيما وصله إسحاق بن راهويه في مسنده. 25 - باب لاَ صَفَرَ وَهْوَ دَاءٌ يَأْخُذُ الْبَطْنَ هذا (باب) بالتنوين (لا صفر) بالتحريك (وهو داء يأخذ البطن) زاد في القاموس يصفر الوجه. 5717 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ عَدْوَى، وَلاَ صَفَرَ وَلاَ هَامَةَ». فَقَالَ أَعْرَابِىٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ إِبِلِى تَكُونُ فِى الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فَيَأْتِى الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا فَيُجْرِبُهَا؟ فَقَالَ: «فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ»؟ رَوَاهُ الزُّهْرِىُّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ وَسِنَانِ بْنِ أَبِى سِنَانٍ. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين القرشي (عن صالح) بن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (وغيره أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا عدوى) نفي لما كانوا يعتقدونه من سراية المرض من صاحبه إلى غيره (ولا صفر) نفي لما يعتقدونه من أنه داء بالباطن يعدي أو حية في البطن تصيب الماشية والناس وهي تعدي أعدى من الجرب، ورجح المؤلّف هذا القول لاقترانه في الحديث بالعدوى أو المراد الشهر المعروف كانوا يتشاءمون بدخوله أو هو داء في البطن من الجوع أو من اجتماع الماء الذي يكون منه الاستسقاء (ولا هامة) بتخفيف الميم طائر وقيل هو البومة قالوا إذا سقطت على دار أحدهم وقعت فيها مصيبة وقيل غير ذلك مما مرّ (فقال أعرابي): لم يسم (يا رسول الله فما بال إبلي تكون في الرمل كأنها الظباء) في النشاط والقوّة والسلامة من الداء والظباء بكسر الظاء المعجمة مهموز ممدود وفي الرمل خبر كان وكأنها الظباء حال من الضمير المستتر في الخبر وهو تتميم لمعنى النقاوة وذلك لأنها إذا كانت في التراب ربما يلصق بها شيء منه (فيأتي البعير الأجرب فيدخل بينها فيجربها) بضم الياء وكسر الراء (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: رادًّا عليه ما يعتقده من

26 - باب ذات الجنب

العدوى (فمن أعدى الأول) وهذا جواب في غاية البلاغة والرشاقة أي من أين جاء الجرب للذي أعدى بزعمهم فإن أجابوا من بعير آخر لزم التسلسل أو بسبب آخر فليفصحوا به فإن أجابوا بأن الذي فعله في الأول هو الذي فعله في الثاني ثبت المدعى وهو أن الذي فعل جميع ذلك هو القادر الخالق لا إله غيره ولا مؤثر سواه. (رواه) أي الحديث المذكور (الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة وسنان بن أبي سنان) يزيد بن أمية كلاهما عن أبي هريرة وسيأتي رواية كل منهما إن شاء الله تعالى في باب: لا عدوى بعون الله وقوته. 26 - باب ذَاتِ الْجَنْبِ هذا (باب) ذكر دواء داء (ذات الجنب) الحادث في نواحي الجنب من رياح غليظة تحتقن بين الصفاتات والمضل الذي في الصدور والأضلاع. 5718 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أُمَّ قَيْسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ اللاَّتِى بَايَعْنَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْىَ أُخْتُ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِابْنٍ لَهَا قَدْ عَلَّقَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْعُذْرَةِ فَقَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ عَلَى مَا تَدْغَرُونَ أَوْلاَدَكُمْ بِهَذِهِ الأَعْلاَقِ؟ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِىِّ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ». يُرِيدُ الْكُسْتَ يَعْنِى الْقُسْطَ قَالَ: وَهْىَ لُغَةٌ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد) بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي النيسابوري الحافظ، وقال الكرماني: هو محمد بن سلام وجزم بالأول الحافظ ابن حجر قال: (أخبرنا عتاب بن بشير) بفتح العين المهملة والفوقية المشددة وبعد الألف موحدة وبشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة الجزري (عن إسحاق) بن راشد الجزري (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (أن أم قيس بنت محصن) الأسدية ويقال: إن اسمها آمنة (وكانت من المهاجرات الأول اللاتي) وفي نسخة التي (بايعن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي أخت عكاشة بن محصن أخبرته أنها أتت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بابن لها وقد علقت) بتشديد اللام من غير همز ولأبي ذر: أعلقت (عليه من العذرة) أي رفعت حنكه بإصبعها ففجرت الدم والهمزة في أعلقت للإزالة أي أزالت الآفة عنه (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اتقوا الله على ما) بالألف بعد الميم (تدغرون أولادكم) بفتح التاء والغين وبعد الراء واو وأولادكم بميم بعد الكاف خطاب لجمع المذكور وللحموي والمستملي علام بغير ألف تدغرن بسكون الراء من غير واو أولادكن بنون مثقلة بدل الميم خطاب لجمع المؤنث أي تغمزن بإصبعكن حلق أولادكن (بهذه الأعلاق) بفتح الهمزة. قال ابن الأثير: والصواب الكسر مصدر أعلقت (عليكم بهذا العود الهندي فإن فيه سبعة أشفية) من سبعة أدواء (منها داء ذات الجنب) أي صاحبة الجنب ومعناه باليونانية ورم الجنب وهو من الأمراض الخطرة لأنه يحدث بين القلب والكبد وهو من سيئ الأسقام وينقسم قسمين حقيقي وغير حقيقي فالأول ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للأضلاع ويعرض منه خمسة أشياء الحمى والسعال والوجع الناخس وضيق النفس والنبض المنشاري، والثاني ألم يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة مؤذية تحتقن بين الصفاقات فتحدث وجعًا قريبًا من ذات الجنب الحقيقي والعلاج المذكور في هذا الحديث إنما هو لهذا القسم الثاني لأن العود الهندي هو الذي يداوى به الريح الغليظ. قال المسيحي: العود حار يابس قابض يحبس البطن ويقوي الأعضاء الباطنة ويطرد الريح ويفتح السدد ويذهب فضل الرطوبة قال: ويجوز أن ينفع من ذات الجنب الحقيقي إذا كانت ناشئة عن مادة بلغمية ولا سيما في وقت انحطاط العلة وخص ذات الجنب بالذكر دون البواقي لأنه أصعبها لأنه قلّما يسلم منه مَن ابتلي به (يريد) بالعود الهندي (الكست) بالكاف المضمومة والمهملة الساكنة بعدها فوقية (يعني القسط قال) الزهري (وهي لغة) في القسط بالقاف وفيه لغة ثانية كسد وكسط بالدال والطاء المهملتين. وهذا الحديث قد مضى قريبًا في باب اللدود. 5719 - 5720 - 5721 - حَدَّثَنَا عَارِمٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَيُّوبَ مِنْ كُتُبِ أَبِى قِلاَبَةَ مِنْهُ مَا حَدَّثَ بِهِ وَمِنْهُ مَا قُرِئَ عَلَيْهِ وَكَانَ هَذَا فِى الْكِتَابِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ وَأَنَسَ بْنَ النَّضْرِ كَوَيَاهُ وَكَوَاهُ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِهِ. وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الأَنْصَارِ أَنْ يَرْقُوا مِنَ الْحُمَةِ وَالأُذُنِ. قَالَ أَنَسٌ: كُوِيتُ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَىٌّ وَشَهِدَنِى أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَسُ بْنُ النَّضْرِ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو طَلْحَةَ كَوَانِى. [الحديث 5719 - طرفه في: 5721]. وبه قال: (حدّثنا عارم) بالعين والراء المهملتين بينهما ألف أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (قال: قرئ) بضم القاف مبنيًّا للمفعول (على أيوب) السختياني (من كتب أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي بالجيم (منه) من المقروء (ما حدث به) أيوب عن أبي قلابة (ومنه ما قرئ عليه وكان) بالواو ولأبي ذر بالفاء (هذا

27 - باب حرق الحصير ليسد به الدم

في الكتاب) المنسوب لأبي قلابة (عن أنس) هو ابن مالك، وللكشميهني وكان قرأ الكتاب بدل قوله وكان هذا في الكتاب. قال في الفتح: وهو تصحيف وعند الإسماعيلي بعد قوله في الكتاب غير مسموع. قال الحافظ ابن حجر: ولم أر هذه اللفظة في شيء من نسخ البخاري (أن أبا طلحة) زيد بن سهل زوج والدة أنس أم سليم (وأنس بن النضر) بالنون والضاد المعجمة عم أنس بن مالك بن النضر (كويا أنسًا) من ذات الجنب (وكواه أبو طلحة) زيد (بيده) أسند الفعل لأبي طلحة وابن النضر لرضاهما به ثم أسنده لأبي طلحة لمباشرته له بيده (وقال عباد بن منصور) بفتح العين الموحدة المشددة الناجي بالنون والجيم مما وصله أبو يعلى (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: أذن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأهل بيت من الأنصار) هم آل عمرو بن حزم رواه مسلم (أن يرقوا) بأن يرقوا أي بالرقية فأن مصدرية (من الحمة) بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم أي من السم (و) من وجع (الأذن) واستشكل هذا مع قوله السابق: لا رقية إلا من عين أو حمة. وأجيب: باحتمال الرخصة بعد المنع أو أنه لا رقية أنفع من رقية العين والجمة ولم يرد نفي الرقي من غيرهما. (قال أنس: كويت) بضم الكاف مبنيًّا للمفعول (من ذات الجنب ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيّ) يريد ولم ينكر عليه (وشهدني أبو طلحة وأنس بن النضر وزيد بن ثابت وأبو طلحة كواني) وفي هذا إيضاح لقوله إن أبا طلحة وأنس بن النضر كويا، والتصريح بأن الكي كان لذات الجنب وليس لعباد بن منصور في البخاري سوى هذا الموضع المعلق وهو من كبار التابعين لكنه رمي بالقدر إلا أنه لم يكن داعية. 27 - باب حَرْقِ الْحَصِيرِ لِيُسَدَّ بِهِ الدَّمُ (باب حرق الحصير ليسدّ به) أي برماده (الدم) أي مجاري الدم أو ضمن يسد معنى يقطع وهو الوجه، وقال القاضي عياض والسفاقسي: الصواب إحراق يعني بالهمزة لأن الفعل أحرقته لا حرقته. وأجيب (¬1). 5722 - حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِىُّ عَنْ أَبِى حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ قَالَ: لَمَّا كُسِرَتْ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَيْضَةُ وَأُدْمِىَ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَكَانَ عَلِىٌّ يَخْتَلِفُ بِالْمَاءِ فِى الْمِجَنِّ وَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَغْسِلُ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - الدَّمَ يَزِيدُ عَلَى الْمَاءِ كَثْرَةً عَمَدَتْ إِلَى حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا عَلَى جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَقَأَ الدَّمُ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (سعيد بن عفير) بضم العين وفتح الفاء مصغرًا البصري اسم أبيه كثير ونسبه لجده لشهرته به قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن القاريّ) بتشديد التحتية من غير همز (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد الساعدي) رضي الله تعالى عنه أنه (قال: لما كسرت على رأس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البيضة) وهي قلنسوة من حديد (وأدمي وجهه) الشريف (وكسرت رباعيته) بفتح الراء وتخفيف الموحدة السن التي بين الثنيتين (وكان عليّ) -رضي الله عنه- (يختلف بالماء) أي يذهب ويجيء به (في المجن) بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون الترس (وجاءت فاطمة) الزهراء -رضي الله عنها- (تغسل عن وجهه) الشريف (الدم) ليجمد ببرد الماء (فلما رأت فاطمة عليها السلام الدم يزيد على الماء كثرة عمدت) بفتح الميم (إلى حصير فأحرقتها) أي قطعة منها (وألصقتها على جرح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرقأ الدم) بفاء وراء وقاف مفتوحات فهمزة أي فانقطع لأن الرماد من شأنه القبض لما فيه من التجفيف. والحديث قد سبق في غزوة أُحُد في باب ما أصاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الجراح يوم أُحُد. 28 - باب الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ هذا (باب) بالتنوين (الحمى من فيح جهنم) من سطوع حرّ جهنم وفورانها حقيقة أرسلت إلى الدنيا نذيرًا للجاحدين وبشيرًا للمقرين لأنها كفارة لذنوبهم أو من باب التشبيه شبه اشتعال حرارة الطبيعة في كونها مذيبة للبدن ومعذبة له بنار جهنم ففيه تنبيه للنفوس على شدة حرّ جهنم أعاذنا الله منها ومن سائر المكاره بمنه وكرمه آمين والأول أولى. قال الطيبي: من ليست بيانية حتى يكون تشبيهًا كقوله: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة: 187] فهي إما ابتدائية لم الحمى نشأت وحصلت من فيح جهنم أو تبعيضية أي بعض منها. قال: ويدل على هذا التأويل ما في الصحيح: اشتكت النار إلى ربها فقالت: رب أكل بعضي بعضًا ¬

(¬1) بياض بالأصل.

فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف وكما أن حرارة الصيف أثّر من فيحها كذلك الحمى، والحمى حرارة غريبة تشتعل في القلب وتنتشر منه بتوسط الروح والدم في العروق إلى جميع البدن وهي قسمان: عرضية وهي الحادثة عن ورم أو حركة أو إصابة حرارة الشمس أو القبض الشديد ونحوها، ومرضية وهي ثلاثة أنواع وتكون عن مادة، ثم منها ما يسخن جميع البدن فإن كان مبدأ تعلقها بالروح فهي حمى يوم لأنها تقلع غالبًا في يوم ونهايتها إلى ثلاث وإن كان تعلقها بالأعضاء الأصلية فهي حمى دق وهي أخطرها لأن كانت تعلقها بالأخلاط سميت عفنية وهي بعدد الأخلاط الأربعة وتحت هذه الأنواع المذكورة أصناف كثيرة بسبب الإفراد والتركيب. 5723 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَطْفِئُوهَا بِالْمَاءِ». قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ: اكْشِفْ عَنَّا الرِّجْزَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي سكن مصر (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) إمام دار الهجرة ابن أنس (عن نافع عن ابن عمر) عبد الله (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): مرشدًا لأهل الحجاز ومن والاهم ومن به الحمى الصفراوية أو العرضية. (الحمى من فيح جهنم) بفتح الفاء وسكون التحتية بعدها حاء مهملة (فأطفئوها) بقطع الهمزة وكسر الفاء بعدها همزة مضمومة أمر بإطفاء حرارتها (بالماء) شربًا وغسل الأطراف. زاد أبو هريرة في حديثه عند ابن ماجة البارد. وفي حديث ابن عباس عند الإمام أحمد بماء زمزم، ولفظ البخاري الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء أو بماء زمزم شك همام وتمسك به من قال: إن ذكر ماء زمزم ليس قيد الشك راويه فيه وتعقب بأن أحمد رواه عن عفان عن همام بغير شك وأجيب على تقدير عدم الشك بأن الخطاب لأهل مكة خاصة لتيسر ماء زمزم عندهم وبأن الخطاب بمطلق الماء لغيرهم. وحديث الباب أخرجه مسلم والنسائي في الطب. (قال نافع): مولى ابن عمر بالإسناد السابق (وكان عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- (يقول) في الحمى: اللهم (اكشف عنا الرجز) أي العذاب، واستشكل طلبه كشفها مع ما فيها من الثواب. وأجيب: بأن طلبه ذلك لمشروعية الدعاء بالعافية إذ إنه سبحانه وتعالى قادر على تكفير سيئات عبده وتعظيم ثوابه من غير سبب شيء يشق عليه. 5724 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما - كَانَتْ إِذَا أُتِيَتْ بِالْمَرْأَةِ قَدْ حُمَّتْ تَدْعُو لَهَا أَخَذَتِ الْمَاءَ فَصَبَّتْهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَيْبِهَا قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُنَا أَنْ نَبْرُدَهَا بِالْمَاءِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن هشام) هو ابن عروة (عن) ابنة عمه وزوجته (فاطمة بنت المنذر) بن الزبير (أن أسماء بنت) ولأبي ذر ابنة (أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما- كانت إذا أتيت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بالمرأة قد حمّت) بضم الحاء وفتح الميم المشددة حال كونها (تدعو لها أخذت الماء فصبته بينها) بين المحمومة (وبين جيبها) بفتح الجيم وكسر الموحدة بينهما تحتية ساكنة وهو ما يكون مفرجًا من الثوب كالطوق والكم (قالت) أسماء: (وكان) ولأبي ذر: وقالت كان (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمرنا أن نبردها بالماء) بفتح النون وضم الراء بينهما موحدة ساكنة ولأبي ذر كما في الفتح أن نبردها بضم ففتح فكسر مع تشديد وفيه كيفية التبريد المطلق في الحديث السابق والصحابيّ، ولا سيما أسماء بنت أبي بكر التي كانت ممن يلزم بيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعلم بمراده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غيره، ولعل هذا هو الحكمة في سياق المؤلّف حديثها عقب حديث ابن عمر المذكور، فللَّه دره ما أدق نظره وأبدع ترتيبه -رحمه الله- وإيانا؛ وقد تبين أن المراد استعمال الماء على وجه مخصوص لا اغتسال جميع البدن وحينئذ فلم يبق للمعترض بأن المحموم إذا انغمس في الماء أصابته الحمى فاحتقنت الحرارة في باطن بدنه وربما أحدثت له مرضًا مهلكًا إلاّ مرض البدعة. وأما حديث ثوبان رفعه: "إذا أصاب أحدكم الحمى وهي قطعة من النار فليطفئها عنه بالماء يستنقع في نهر جار ويستقبل جريته وليقل: بسم الله اللهمّ اشفِ عبدك وصدّق رسولك بعد صلاة الصبح قبل طلوع الشمس ولينغمس فيه ثلاث غمسات ثلاثة أيام فإن لم يبرأ فخمس وإلاّ فسبع وإلاّ فتسع فإنها لا تكاد تجاوز تسعًا بإذن الله تعالى".

29 - باب من خرج من أرض لا تلايمه

فقال الترمذي: غريب. وقال الحافظ ابن حجر: في سنده سعيد بن زرعة مختلف فيه انتهى. وعلى تقدير ثبوته فهو شيء خارج عن قواعد الطب داخل في قسم المعجزات الخارقة للعادة، ألا ترى كيف قال فيه صدق رسولك وبإذن الله وقد شوهد وجرب فوجد كما نطق به الصادق المصدوق -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاله في شرح المشكاة، ويحتمل أن يكون لبعض الحميات دون بعض. وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي والترمذي وابن ماجة في الطب. 5725 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد؛ ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن المثنى) العنزي الحافظ قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا هشام) قال: (أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الحمّى من فيح جهنم) سطوعها وفورانها من جهنم حقيقة أو أخرجه مخرج التمثيل والتشبيه أي كأنها نار جهنم في حرها (فأبردوها) بهمزة وصل وسكون الموحدة وضم الراء على المشهور، وحكي كسرها يقال بردت لحمى أبردها بردًّا بوزن قتلها اقتلها قتلاً أي اسكنوا حرها (بالماء). وهذا الحديث أخرجه مسلم. 5726 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْحُمَّى مِنْ فَوْحِ جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو الأحوص) سلام بتشديد اللام ابن سليم الحنفي الكوفي قال: (حدّثنا سعيد بن مسروق) والد سفيان الثوري (عن عباية بن رفاعة) بفتح العين والموحدة المخففة ورفاعة بكسر الراء وتخفيف الفاء (عن جدّه رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وتسكين التحتية بعدها جيم الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: سمعت النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (الحمى من فوح) بالواو الساكنة بعد الفاء المفتوحة آخره حاء مهملة ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني من فيح (جهنم) بالياء بدل الواو وهما بمعنى كالفور بالراء بعد الواو (فأبردوها بالماء) بهمزة الوصل وضم الراء، وحكى القاضي عياض قطع الهمزة وكسر الراء في لغة. قال الجوهري: هي لغة رديئة. وهذا الحديث قد سبق في صفة النار أعاذنا الله منها وأماتنا على الإسلام بمنّه وكرمه آمين. 29 - باب مَنْ خَرَجَ مِنْ أَرْضٍ لاَ تُلاَيِمُهُ (باب من خرج من أرض لا تلائمه) أي لا توافقه. 5727 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَاسًا أَوْ رِجَالاً مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَكَلَّمُوا بِالإِسْلاَمِ وَقَالُوا: يَا نَبِىَّ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَوْدٍ وَبِرَاعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِيهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَانْطَلَقُوا حَتَّى كَانُوا نَاحِيَةَ الْحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَقَتَلُوا رَاعِىَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَبَلَغَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِى آثَارِهِمْ وَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَتُرِكُوا فِى نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ. وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) أبو يحيى الباهلي مولاهم النرسي قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة ولأبي ذر عن قتادة (أن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (حدّثهم أن ناسًا أو رجالاً) بالشك من الراوي (من عكل) بضم العين وسكون الكاف (وعرينة) بضم العين المهملة وفتح الراء وسكون التحتية بعدها نون قبيلتان (قدموا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في سنة ست (وتكلموا بالإسلام وقالوا): ولأبي ذر فقالوا (يا نبي الله إنا كنا أهل ضرع) أي أهل مواشٍ (ولم نكن أهل ريف) بكسر الراء أي أهل أرض فيها زرع (واستوخموا المدينة) يقال بلدة وخمة إذا لم توافق ساكنها (فأمر لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذود) ما بين الثلاثة إلى العشرة وعند ابن سعد أن عدد لقاحه عليه الصلاة والسلام خمس عشرة (وبراع وأمرهم أن يخرجوا فيه) في الذود (فيشربوا من ألبانها) ألبان الإبل (وأبوالها) للتداوي أو كان قبل تحريم استعمال النجس فليس فيه دليل على إباحة استعماله في حال الضرورة (فانطلقوا حتى كانوا ناحية الحرة) أرض ذات حجارة سود ظاهر المدينة (كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يسارًا النوبي فقطعوا يده ورجله وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات (واستاقوا الذود فبلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ذلك (فبعث) عليه الصلاة والسلام (الطلب في آثارهم) وكان المبعوثون عشرين وأميرهم كرز بن جابر فأدركوا هؤلاء القوم فأخذوا (وأمر بهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فسمروا) أي كحلوا (أعينهم) بالمسامير المحماة (وقطعوا أيديهم) زاد في الطهارة

30 - باب ما يذكر فى الطاعون

وغيرها وأرجلهم (وتركوا) بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول (في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم) زاد في الطهارة يستسقون فلا يسقون وذلك لارتدادهم والمرتد لا حرمة له كالكلب العقور. 30 - باب مَا يُذْكَرُ فِى الطَّاعُونِ (باب ما يذكر في) أمر (الطاعون) بوزن فاعول من الطعن عدلوا به عن أصله ووضعوه دالاًّ على الموت العام كالوباء وفي تهذيب النووي هو بثر وورم موّلم جدًّا يخرج مع لهب وشمودّ ما حوله أو يخضر أو يحمرّ حمرة شديدة بنفسجية كدرة ويحصل معه خفقان وقيء ويخرج غالبًا في المراق والآباط وقد يخرج في الأيدي والأصابع وسائر الجسد. وقال ابن سينا: وسببه دم رديء يستحيل إلى جوهر سمي يفسد العضو ويؤدّي إلى القلب كيفية رديئة فتحدث القيء والغثيان والغشى ولرداءته لا يقبل من الأعضاء إلا ما كان أضعف بالطبع والطوالعين تكثر عند الوباء في البلاد الوبيئة، ومن ثم أطلق على الطاعون وباء وبالعكس والوباء فساد جوهر الهواء الذي هو مادة الروح ومدده انتهى. وحاصل هذا أنه ورم ينشأ عن هجيان الدم وانصباب الدم إلى عضو فيفسده وأن غير ذلك من الأمراض العامة الناشئة عن فساد الهواء يسمى طاعونًا بطريق المجاز لاشتراكهما في عموم المرض به وهذا لا يعارض حديث الطاعون وخز أعدائكم من الجن إذ يجوز أن ذلك يحدث عن الطعنة الباطنة فتحدث منها المادة السمية ويهيج الدم بسببها، وإنما لم تتعرض الأطباء لكونه من طعن الجن لأنه أمر لا يدرك بالعقل وإنما عرف من جهة الشارع فتكلموا في ذلك بما اقتضته قواعدهم، لكن في وقوع الطاعون في أعدل الفصول وأصح البلاد هواء وأطيبها ماء دلالة على أن الطاعون إنما يكون من طعن الجن ولأنه لو كان بسبب فساد الهواء لدام في الأرض لأن الهواء يفسد تارة ويصح أخرى والطاعون يذهب أحيانًا ويجيء أحيانًا على غير قياس ولا تجربة وربما جاء سنة على سنة وربما أبطأ سنين وأيضًا لو كان من فساد الهواء لعمّ الناس والحيوان وربما يصيب الكثير من الناس ولا يصيب من هو بجانبهم ممن هو في مثل مزاجهم وربما يصيب بعض أهل البيت الواحد ويسلم منه الآخرون منهم، وأما ما يذكر من أنه وخز إخوانكم من الجن فقال ابن حجر: إنه لم يجده في شيء من طرق الحديث المسندة لا في الكتب المشهورة ولا الأجزاء المنثورة بعد التتبّع الطويل البالغ، وعزاه في آكام المرجان لمسند أحمد والطبراني وكتاب الطواعين لابن أبي الدنيا ولا وجود له في واحد منها. فإن قلت: فإذا كان الطعن من الجن فكيف يقع في رمضان والشياطين تصفد فيه وتسلسل؟ وأجيب: باحتمال أنهم يطعنون قبل دخول رمضان ولم يظهر التأثير إلا بعد دخوله وقيل غير ذلك. 5728 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِى حَبِيبُ بْنُ أَبِى ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ سَعْدًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا». فَقُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ يُحَدِّثُ سَعْدًا وَلاَ يُنْكِرُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الأزدي أبو عمر الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (حبيب بن أبي ثابت) قيس ويقال: هند بن دينار الأسدي مولاهم أبو يحيى الكوفي (قال: سمعت إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن أبي وقاص (قال: سمعت أسامة بن زيد) هو ابن حارثة بن شراحيل الكلبي (يحدّث سعدًا) والد إبراهيم المذكور (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا سمعتم بالطاعون) وقع (بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها) قال حبيب بن أبي ثابت (فقلت) لإبراهيم بن سعد (أنت سمعته) أي سمعت أسامة (يحدث سعدًا) أباك (ولا ينكره) أبوك (قال: نعم) سمعته يحدّثه وسعد لا ينكره، وسقط قال نعم للحموي والمستملي. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الطب. 5729 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّأْمِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَالَ عُمَرُ: ادْعُ لِى الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ فَاخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ خَرَجْتَ لأَمْرٍ وَلاَ نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلاَ نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّى، ثُمَّ قَالَ: ادْعُوا لِى الأَنْصَارَ فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلاَفِهِمْ، فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّى، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِى مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ فَدَعَوْتُهُمْ فَلَمْ يَخْتَلِفْ مِنْهُمْ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ فَقَالُوا: نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلاَ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَبَاءِ فَنَادَى عُمَرُ فِى النَّاسِ إِنِّى مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نَعَمْ. نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ قَالَ: فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِى بَعْضِ حَاجَتِهِ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِى فِى هَذَا عِلْمًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ». قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ. [الحديث 5779 - طرفاه في: 5730، 6973]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) أبو محمد الدمشقي ثم التنيسي الكلاعي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس إمام الأئمة (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن يزيد بن الخطاب) بن نفيل بن عبد العزى القرشي العدوي المدني عامل الكوفة لعمر بن عبد العزيز (عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل)

أبي يحيى الهاشمي المدني الملقب ببة بموحدتين الثانية مشددة ومعناه الممتلئ البدن من النعمة (عن عبد الله بن عباس) رضي الله تعالى عنهما (أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خرج إلى الشام) في ربع الآخر سنة ثماني عشرة كما في الفتوح لسيف بن عمر يتفقد فيها أحوال الرعية وكان الطاعون المسمى بطاعون عمواس بفتح العين المهملة والميم بعدها سين مهملة وسمي به لأنه عمّ وأسى ووقع بها أولاً في المحرم وفي صفر ثم ارتفع فكتبوا إلى عمر فخرج (حتى إذا كان بسرغ) بفتح السين المهملة وسكون الراء بعدها غين معجمة قرية بوادي تبوك قريبة من الشام يجوز فيها الصرف وعدمه وقيل هي مدينة افتتحها أبو عبيدة وهي واليرموك والجابية متصلات وبينها وبين المدينة ثلاث عشرة مرحلة (لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة) عامر بن عبد الله وقيل عبد الله بن عامر (بن الجراح) أحد العشرة (وأصحابه) خالد بن الوليد، وزلد بن أبي سفيان، وشرحبيل ابن حسنة، وعمرو بن العاصي، وكان عمر قسّم الشام أجنادًا: الأردن جند، وحمص جند، ودمشق جند، وفلسطين جند، وقنسرين جند، وجعل على كل جند أميرًا (فأخبروه أن الوباء) أي الطاعون (قد وقع بأرض الشام) وعند سيف أنه أشد ما كان (قال ابن العباس) -رضي الله عنهما- (فقال) لي (عمر) -رضي الله عنه- (ادع لي المهاجرين الأولين) الذين صلوا إلى القبلتين (فدعاهم فاستشارهم) في القدوم أو الرجوع (وأخبرهم أن الوباء) أي الطاعون (قد وقع بالشام فاختلفوا فقال بعضهم: قد خرجنا لأمر ولا نرى أن نرجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس) أي بقية الصحابة قالوا ذلك تعظيمًا للصحابة كقوله: هم القوم كل القوم يا أم خالد (وأصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عطف تفسيري (ولا نرى أن تقدمهم) بضم الفوقية وسكون القاف وكسر الدال المهملة أي لا نرى أن تجعلهم قادمين (على هذا الوباء) أي الطاعون (فقال) عمر -رضي الله عنه- لهم: (ارتفعوا عني) وفي رواية يونس فأمرهم فخرجوا عنه (ثم قال) عمر لي: (ادع لي الأنصار) قال ابن عباس (فدعوتهم) فحضروا عنده (فاستشارهم) في ذلك (فسلكوا سبيل المهاجرين) فيما قالوا (واختلفوا) في ذلك (كاختلافهم فقال) لهم (ارتفعوا عني، ثم قال) لي (ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش) قال في القاموس: الشيخ والشيخون من استبانت فيه السن، أو من خمسين أو إحدى وخمسين إلى آخر عمره أو إلى الثمانين. الجمع شيوخ وشيوخ وأشياخ وشيخة وشيخة وشيخان ومشيخة ومشيخة يعني بفتح الميم وكسر المعجمة ومشيوخاء ومشيخاء ومشايخ وتصغيره شييخ وشييخ وشويخ قليلة ولم يعرفها الجوهري (من مهاجرة الفتح) بضم الميم وكسر الجيم الذين هاجروا إلى المدينة عام الفتح أو مسلمة الفتح أو أطلق على من تحوّل إلى المدينة بعد الفتح مهاجرًا صورة وإن كان حكمها بعد الفتح قد انقطع احترازًا عن غيرهم ممن أقام بمكة ولم يهاجر أصلاً. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (فدعوتهم) فحضروا عنده (فلم يختلف منهم عليه رجلان فقالوا) له: (ترى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوياء فنادى عمر في الناس: إني مصبح) بضم الميم وفتح الصاد المهملة وكسر الموحدة مشددة أي مسافر في الصباح راكبًا (على ظهر) أي على ظهر الراحلة راجعًا إلى المدينة (فأصبحوا) راكبين متأهبين للرجوع إليها (عليه) أي على الظهر (قال أبو عبيدة بن الجراح) لعمر -رضي الله عنهما-: (أ) ترجع (فرارًا من قدر الله؟ فقال) له (عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة) لأذبته لاعتراضه عليّ في مسألة اجتهادية اتفق عليها أكثر الناس من أهل الحلّ والعقد أو لكان أولى منك بذلك أو لم أتعجب منه، ولكني أتعجب منك مع علمك وفضلك كيف تقول هذا أو هي للتمني فلا تحتاج لجواب، والمعنى أن غيرك ممن لا فهم له إذا قال ذلك يعذر، وقال الزركشي: قوله لو غيرك قالها هو خلاف الجادّة فإن لو خاصة بالفعل وقد يليها اسم مرفوع معمول لمحذوف يفسره ما بعده كقولهم: لو ذات

سوار لطمتني ومنه هذا. انتهى. وهذا لفظ ابن هشام في مغنيه، واعترضه الشيخ تقيّ الدين الشمني بأنه لو قال: كقوله بلفظ الإفراد لكان أولى لأن الذي قاله حاتم الطائي حيث لطمته جارية وهو مأسور في بعض أحياء العرب ثم صار مثلاً، وذات السوار الحرة لأن الإماء عند العرب لا تلبس السوار. انتهى. وقال في المصابيح: قول الزركشي أن لو خاصة بالفعل لا ينتج له مدعاه من كون التركيب على خلاف الجادّة فإنّا إذا قدرنا ما بعد لو معمولاً لمحذوف كانت لو باقية على اختصاصها بالفعل ثم قال: فإن قلت إن الزركشي عنى خاصة بدخولها على الفعل الملفوظ به لا المقدر. قلت: يرد عليه حينئذ نحو قوله تعالى: {قل لو أنتم تملكون} [الإسراء: 100] إلى غير ذلك (نعم نفرّ من قدر الله إلى قدر الله) أطلق عليه فرارًا لشبهه به في الصورة وإن كان ليس فرارًا شرعيًّا والمراد أن هجوم المرء على ما يهلكه منهي عنه ولو فعل لكان من قدر الله وتجنبه مما يؤديه مشروع وقد يقدر الله وقوعه فيما فرّ منه فلو فعله أو تركه لكان من قدر الله (أرأيت) أي أخبرني (لو كان لك إبل هبطت واديًا له عدوتان) بضم العين وكسرها وسكون الدال المهملتين أي شاطئان وحافتان (إحداهما خصبة) بالخاء المعجمة المفتوحة والصاد المهملة المكسورة بعدها موحدة (والأخرى جدبة) بفتح الجيم وسكون الدال المهملة (أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله)؟ (قال) ابن عباس -رضي الله عنهما- بالسند السابق (فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبًا في بعض حاجته) لم يشهد معهم المشاورة المذكورة (فقال: إن عندي في هذا) الذي اختلفتم فيه (علمًا. سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إذا سمعتم به) أي بالطاعون (بأرض فلا تقدموا عليه) ليكون أسكن لأنفسكم وأقطع لوساوس الشيطان (وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه) لئلا يكون معارضة للقدر فلو خرج لقصد آخر غير الفرار جاز. (قال) ابن عباس (فحمد الله) تعالى (عمر) على موافقة اجتهاده واجتهاد معظم الصحابة حديث رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم انصرف) راجعًا إلى المدينة لأنه أحوط ولرجحانه بكثرة القائلين به مع موافقة اجتهاده للنص المروي عن الشارع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وفي إسناد هذا الحديث ثلاثة من التابعين في نسق واحد وصحابيان وكلهم مدنيون، وأخرجه مسلم في الطب، وأبو داود في الجنائز، والنسائي في الطب. 5730 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ فَلَمَّا كَانَ بِسَرْغَ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبد الله بن عامر) أي ابن ربيعة الأصغر ولد في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سنة ست من الهجرة وحفظ عنه وهو صغير وتوفي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو ابن أربع سنين (أن عمر) - رضي الله عنه- (خرج إلى الشام) لينظر في أحوال رعيته الذين بها (فلما كان بسرغ) بفتح السين المهملة وسكون الراء بعدها غين معجمة بينها وبين المدينة ثلاث عشرة مرحلة (بلغه أنّ الوباء) أي الطاعون (قد وقع بالشام) فعزم على الرجوع بعد أن اجتهد ووافقه بعض الصحابة ممن معه على ذلك (فأخبره عبد الرحمن بن عوف) وكان متغيبًا في بعض حاجته (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا سمعتم به) أي بالطاعون، ولأبي ذر عن الكشميهني أنه (بأرض فلا تقدموا عليه) لأنه تهوّر وإقدام على خطر (وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه) فإنه فرار من القدر ولئلا تضيع المرضى لعدم من يتعهدهم والموتى ممن يجهزهم فالأول تأديب وتعليم والآخر تفويض وتسليم، وفي الحديث جواز رجوع من أراد دخول بلد فعلم أن فيها الطاعون وأن ذلك ليس من الطيرة وإنما هو من منع الإلقاء إلى التهلكة، أو سدًّا للذريعة لئلا يعتقد مَن يدخل إلى الأرض التي وقع بها أن لو دخلها وطعن العدوى المنهي عنها، وقد زعم أن النهي عن ذلك إنما هو للتنزيه وأنه لا يجوز الإقدام عليه لمن قوي توكله وصحّ يقينه، ونقل القاضي

عياض وغيره جواز الخروج من الأرض التي بها الطاعون عن جماعة من الصحابة منهم: أبو موسى الأشعري، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين: الأسود بن هلال، ومسروق. ومنهم من قال للتنزيه فيكره ولا يحرم، وخالفهم جماعة فقالوا: يحرم الخروج منها لظاهر النهي وهو الأرجح عند الشافعية وغيرهم لثبوت الوعيد على ذلك، فعند أحمد من حديث عائشة مرفوعًا بإسناد حسن قلت: يا رسول الله فما الطاعون؟ قال: "غدّة كغدّة البعير المقيم فيها كالشهيد والفارّ منها كالفار من الزحف" وفصل بعضهم في هذه المسألة تفصيلاً جيدًا فقال: من خرج لقصد الفرار محضًا فهذا يتناوله النهي لا محالة، ومن خرج لحاجة متمحضة لا لقصد الفرار أصلاً ويتصوّر ذلك فيمن تهيّأ للرحيل من بلد كان بها إلى بلد إقامته مثلاً ولم يكن الطاعون وقع فاتفق وقوعه في أثناء تجهيزه فهذا لم يقصد الفرار أصلاً، فلا يدخل في النهي، والثالث من عرضت له حاجة فأراد الخروج وانضم لذلك أنه قصد الراحة من الإقامة بالبلد الذي به الطاعون فهذا على النزاع. وهذا الحديث أخرجه مسلم. 5731 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ الْمَسِيحُ وَلاَ الطَّاعُونُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام (عن نعيم) بضم النون وفتح العين مصغرًا ابن عبد الله القرشي المدني (المجمر) بضم الميم الأولى وكسر الثانية بينهما جيم ساكنة آخره راء كان يجمر المسجد النبوي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يدخل المدينة) طيبة (المسيح) الدجال الأعور (ولا الطاعون) لأن كفار الجن وشياطينهم ممنوعون من دخولها ومن اتفق دخوله فيها لا يتمكن من طعن أحد منهم، وقد عدّ عدم دخوله المدينة من خصائصها وهو من لوازم دعائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها بالصحة، وأما جزم ابن قتيبة في المعارف والنووي في الأذكار بأن الطاعون لم يدخل مكة أيضًا فمعارض بما نقله غير واحد بأنه دخل مكة في سنة سبع وأربعين وسبعمائة، لكن وقع عند عمر بن شبّة في كتاب مكة عن شريح بن فليح عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة على كل نقب منهما ملك فلا يدخلهما الدجال ولا الطاعون) ورجاله كما في الفتح رجال الصحيح، وحينئذ فالذي نقل أنه وجد في سنة سبع وأربعين وسبعمائة ليس كما ظن أو يقال إنه لا يدخلهما من الطاعون مثل الذي يقع في غيرهما كالجارف وعمواس، ووقع في أواخر كتاب الفتن من البخاري حيث أنس وفيه: فيجد الملائكة يحرسونها يعني المدينة فلا يقربها الدجال ولا الطاعون إن شاء الله تعالى، واختلفوا في هذا الاستثناء فقيل للتبرك فيشملهما، وقيل للتعليق وإنه يختص بالطاعون وإن مقتضاه جواز دخول الطاعون المدينة. وهذا الحديث سبق في الحج. 5732 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ حَدَّثَتْنِى حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ قَالَتْ: قَالَ لِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - يَحْيَى بِمَا مَاتَ قُلْتُ مِنَ الطَّاعُونِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم البصري قال: (حدّثنا عاصم) هو ابن سليمان الأحول قال: (حدّثتني) بتاء التأنيث والإفراد (حفصة بنت سيرين) أم الهذيل البصرية الفقيهة مولاة أنس (قالت: قال لي أنس بن مالك -رضي الله عنه-: يحيى) هو ابن سيرين أخو حفصة (بما مات) بألف بعد ميم بما ولأبي ذر والأصيلي بِمَ بحذفها وهي اللغة الشائعة ولمسلم يحيى بن أبي عمرة وهي كنية سيرين والمعنى بأي مرض مات أخوك يحيى؟ (قلت) له مات (من الطاعون، قال) أنس: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (الطاعون شهادة لكل مسلم) مات به لمشاركته للشهيد فيما كابده من الشدة. وقد مضى هذا الحديث في الجهاد وأخرجه مسلم في الطب. 5733 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَىٍّ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْمَطْعُونُ شَهِيدٌ». وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن مالك) الإمام الأعظم (عن سميّ) بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (البطون) الذي يموت بمرض

31 - باب أجر الصابر فى الطاعون

البطن كالاستسقاء ونحوه (شهيد والمطعون) الذي يموت بالطاعون الذي هو وخز الجن (شهيد) أي يلحقان بالشهيد في بعض ما يناله من الكرامة للمكابدة من شدّة الألم لا في سائر الأحكام والفضائل. وهذا الحديث مضى في الجهاد مطوّلاً فزاد فيه الغرق وصاحب الهدم والمقتول في سبيل الله. 31 - باب أَجْرِ الصَّابِرِ فِى الطَّاعُونِ (باب) ذكر (أجر الصابر في الطاعون) ولو لم يصبه. 5734 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا حَبَّانُ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِى الْفُرَاتِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا أَخْبَرَتْنَا أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَهَا نَبِىُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِى بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ». تَابَعَهُ النَّضْرُ عَنْ دَاوُدَ. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن راهويه قال: (أخبرنا حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة ابن هلال الباهلي البصري قال: (حدّثنا داود بن أبي الفرات) بضم الفاء وفتح الراء المخففة وبعد الألف فوقية عمرو بفتح العين الكندي المروزي قال: (حدّثنا عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء مصغرًا الأسلمي التابعي البصري (عن يحيى بن يعمر) بفتح التحتية والميم بينهما عين مهملة ساكنة آخره راء المروزي قاضيها (عن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) -رضي الله عنها- (أنها أخبرتنا) ولأبي ذر أخبرته (أنها سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الطاعون فأخبرها نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أنه كان عذابًا يبعثه الله على من يشاء) من كافر أو عاصٍ كما في قصة آل فرعون وقصة أصحاب موسى مع بلعام، ولأبي ذر عن الكشميهني: على من شاء بلفظ الماضي (فجعله الله رحمة للمؤمنين) من هذه الأمة، وزاد في حديث أبي عسيب عند أحمد ورجس على الكافر وهل يكون الطاعون رحمة وشهادة للعاصي من هذه الأمة أو يختص بالمؤمن الكامل، والمراد بالعاصي مرتكب الكبيرة الذي يهجم عليه الطاعون وهو مصرّ فإنه يحتمل أن لا يلحق بدرجة الشهداء لشؤم ما كان متلبسًا به لقوله تعالى: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات} [الجاثية: 21] وفي حديث ابن عمر عند ابن ماجة والبيهقي ما يدل على أن الطاعون ينشأ عن ظهور الفاحشة ولفظه: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم، وفي إسناده خالد بن يزيد بن أبي مالك وثقه أحمد بن صالح وغيره، وقال ابن حبان: كان يخطئ كثيرًا لكن له شاهد عن ابن عباس في الموطأ بلفظ: ولا فشا الزنا في قوم إلا أكثر فيهم الموت الحديث قال في الفتح: وفيه انقطاع فدلّ هذا وغيره مما روي في معناه أن الطاعون قد يقع عقوبة بسبب المعصية فكيف يكون شهادة؟ نعم يحتمل أنه تحصل له درجة الشهادة لعموم الأحاديث في ذلك ولا يلزم المساواة بين الكامل والناقص في المنزلة لأن درجات الشهادة متفاوتة اهـ ملخصًا من الفتح. (فليس من عبد) مسلم (يقع الطاعون) في مكان هو فيه (فيمكث في بلده) ولا يخرج من البلد التي وقع فيها الطاعون حال كونه (صابرًا) وهو قادر على الخروج غير منزعج ولا قلق بل مسلمًا لأمر الله راضيًا بقضائه حال كونه (يعلم أنه لمن يصيبه إلاّ ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد) فلو مكث قلقًا متندمًا على الإقامة ظانًّا أنه لو خرج لما وقع به أصلاً ورأسًا فهذا لا يحصل له أجر الشهيد ولو مات بالطاعون. قال في الفتح: ويدخل تحته ثلاث صور مَن اتصف بذل فوقع به الطاعون فمات به، أو وقع به ولم يمت به أو لم يقع به أصلاً ومات بغيره عاجلاً أو آجلاً، ومفهوم الحديث أن مَن لم يتصف بالصفات المذكورة لا يكون شهيدًا ولو وقع الطاعون ومات به فضلاً عن أنس يموت بغيره وذلك ينشأ عن شؤم الاعتراض الذي ينشأ عنه التضجر والتسخط لقدر الله وكراهة لقائه والتعبير بالمثلية في قوله مثل أجر الشهيد مع ثبوت التصريح بأن من مات بالطاعون كان شهيدًا يحتمل أن من لم يمت من هؤلاء بالطاعون يكون له مثل أجر الشهيد وإن لم يحصل له درجة الشهادة بعينها، فإن مَن اتصف بكونه شهيدًا أعلى درجة ممن وعد بأنه يعطى مثل أجر الشهيد. وفي مسند أحمد بسند حسن عن العرباض بن سارية مرفوعاً "تختصم الشهداء والمتوفون على فرشهم إلى ربنا عز وجل في الذين ماتوا بالطاعون فيقول الشهداء قتلوا كما قتلنا ويقول المتوفون على فرشهم

32 - باب الرقى بالقرآن والمعوذات

إخواننا ماتوا على فرشهم كما متنا فيقول ربنا تعالى انظروا إلى جراحهم فإن أشبهت جراح المقتولين فإنهم منهم ومعهم فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهم" ورواه النسائي عن عتبة بن عبد مرفوعًا "تأتي الشهداء والمتوفون بالطاعون فتقول أصحاب الطاعون نحن شهداء فيقال انظروا فإن كانت جراحهم كجراح الشهداء تسيل دمًا كريح المسك فهم شهداء فيجدونهم" كذلك رواه الطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به فيه إسماعيل بن عياش روايته عن الشاميين مقبولة وهذا منها، ويشهد له حديث العرباض قبله وفي ذلك استواء شهيد الطاعون وشهيد المعركة (تابعه) أي تابع حبان بن هلال (النضر) بن شميل في روايته (عن داود) بن أبي الفرات فيما سبق موصولاً في ذكر بني إسرائيل. 32 - باب الرُّقَى بِالْقُرْآنِ وَالْمُعَوِّذَاتِ (باب الرقى) بضم الراء وفتح القاف مقصورًا جمع رقية بسكون القاف أي التعويذ (بالقرآن والمعوذات) بكسر الواو المشددة الفلق والناس والإخلاص من باب تسمية التغليب أو المراد المعوّذتان وسائر العوذ {قل رب أعوذ بك من همزات الشياطين} [المؤمنون: 97] أو جمع اعتبارًا بأن أقل الجمع اثنان وإنما اجتزأ بهما لما اشتملتا عليه من جوامع الاستعاذة المكروهات جملةً وتفصيلاً من السحر والحسد وشرّ الشيطان ووسوسته وغير ذلك والعطف من عطف الخاص على العام أو المراد بالقرآن بعضه لأنه اسم جنس يصدق على بعضه، أو المراد ما كان فيه التجاء إلى الله تعالى. 5735 - حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِى الْمَرَضِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ أَنْفِثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ وَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا فَسَأَلْتُ الزُّهْرِىَّ كَيْفَ يَنْفِثُ؟ قَالَ: كَانَ يَنْفِثُ عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) بن يزيد الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ينفث) بضم الفاء وكسرها بعدها مثلثة أي ينفخ نفخًا لطيفًا أقل من التفل (على نفسه في المرض الذي مات فيه) كالمرض الذي قبله واستمر ذلك فلم ينسخ (بالمعوّذات) وهذا هو الطب الروحاني وإذا كان على لسان الأبرار حصل به الشفاء. قال القاضي عياض: فائدة النفث التبرك بتلك الرطوبة أو الهواء الذي يمسه الذكر كما يتبرك بغسالة ما يكتب من الذكر، قالت عائشة: (فلما ثقل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرضه (كنت أنفث) بفتح الهمزة وكسر الفاء (عليه) وللحموي والمستملي: عنه (بهن) بالمعوّذات (وأمسح) عليه (بيد نفسه لبركتها) وللحموي والمستملي بيده نفسه بهاء الضمير بعد الدال وجر نفسه على البدل، وضبطه في الفتح أيضًا بالنصب على المفعولية. وقال بعضهم: لعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما علم أنه آخر مرضه وارتحاله عن قريب ترك ذلك قال معمر بالسند السابق (فسألت الزهري كيف ينفث؟ قال: كان ينفث) بكسر الفاء فيهما (على يديه ثم يمسح بهما وجهه) وفيه جواز الرقية لكن بشروط أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره وأن يعتقد أن الرقية غير مؤثرة بنفسها بل بتقدير الله عز وجل، وقال الربيع: سألت الشافعي عن الرقية فقال: لا بأس أن يرقى بكتاب الله عز وجل وبما يعرف من ذكر الله. قلت: أيرقي أهل الكتاب المسلمين؟ قال: نعم إذا راقوا بما يعرف من كتاب الله وذكر الله، وفي الموطأ أن أبا بكر قال لليهودية التي كانت ترقي عائشة: ارقيها بكتاب الله وروى ابن وهب عن مالك كراهية الرقية بالحديدة والملح وعقد الخيط والذي يكتب خاتم سليمان وقال: لم يكن ذلك من أمر الناس القديم. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الطب. 33 - باب الرُّقَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب الرقى بفاتحة الكتاب. ويذكر) بضم التحتية وسكون المعجمة وفتح الكاف (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه أقرّ الذي رقى بالفاتحة على رقيته فنسبة ذلك إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نسبة معنوية لا صريحة فلذلك أورده المؤلّف بصيغة التمريض. 5736 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى بِشْرٍ عَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَوْا عَلَى حَىٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَلَمْ يَقْرُوهُمْ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ لُدِغَ سَيِّدُ أُولَئِكَ فَقَالُوا هَلْ مَعَكُمْ مِنْ دَوَاءٍ أَوْ رَاقٍ؟ فَقَالُوا: إِنَّكُمْ لَمْ تَقْرُونَا وَلاَ نَفْعَلُ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلاً فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعًا مِنَ الشَّاءِ فَجَعَلَ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ فَبَرَأَ فَأَتَوْا بِالشَّاءِ فَقَالُوا: لاَ نَأْخُذُهُ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلُوهُ فَضَحِكَ وَقَالَ: «وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ خُذُوهَا وَاضْرِبُوا لِى بِسَهْمٍ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المثقلة بندار قال: (حدّثنا غندر) ولأبي ذر: محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بشر)

34 - باب الشرط فى الرقية بقطيع من الغنم

بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس (عن أبي المتوكل) علي بن داود الناجي بالنون والجيم الساميّ بالمهملة نسبة لسام بن لؤي (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي الله عنه- أن ناسًا من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كانوا في سرية وكانوا ثلاثين رجلاً (أتوا على حي من أحياء العرب) أي يعين فاستقروهم (فلم يقروهم) بفتح التحتية وسكون القاف من غير همز فلم يضيفوهم (فبينما) بالميم، ولأبي ذر: فبينا (هم كذلك إذ لدغ) بضم اللام وكسر الدال المهملة بعدها غين معجمة لسع (سيد أولئك) الحي أي ضربته العقرب بذبنها ولم يسم السيد (فقالوا) للصحابة (هل معكم من دواء) ولأبي ذر معكم دواء (أو راقٍ؟ فقالوا) لهم (إنكم لم تقرونا) أي تضيفونا (ولا نفعل) الرقية (حتى تجعلوا لنا جعلاً) بضم الجيم وسكون العين المهملة أجرًا على ذلك (فجعلوا لهم قطيعًا) طائفة (من الشاء) جمع شاة وكانت ثلاثين رأسًا (فجعل) الراقي وهو أبو سعيد الخدري أبهم نفسه في هذه الرواية (يقرأ بأم القرآن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بالقرآن (ويجمع بزاقه) بالزاي في فيه (ويتفل) بكسر الفاء ولأبي ذر بضمها (فبرأ) سيد أولئك (فأتوا) هذا الحي (بالشاء) الثلاثين (فقالوا) أي الصحابة للراقي (لا نأخذه) أي القطيع (حتى نسأل النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن حكمه. قال في المصابيح: قد يقال إنهم امتنعوا عن الرقية إلا بجعل، فلا يخلوا إما أن يكونوا عالمين بجواز ذلك أو لا فإن كانوا عالمين بالجواز فما وجه وقفهم أخذ الجعل على تعرف حكمه بالسؤال وإن كانوا غير عالمين فكيف قدموا مع أنه لا يجوز الإقدام على فعل شيء حتى يعلم حكم الله فيه، وبعضهم ينقل الإجماع عليه فتأمله اهـ. (فسألوه) بضمير النصب ولأبي ذر عن الكشميهني فسألوا بحذفه (فضحك) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وقال) لأبي سعيد الذي رقى (وما إدراك أنها) أي الفاتحة (رقية خذوها) أي الشاء فاقتسموها (واضربوا لي) معكم (بسهم). وهذا الحديث قد مرّ في باب ما يعطى في الرقية بفاتحة الكتاب في الإجارة. 34 - باب الشَّرْطِ فِى الرُّقْيَةِ بِقَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ (باب الشرط) بلفظ الإفراد، ولأبي ذر: الشروط (في الرقية بقطع من الغنم). 5737 - حَدَّثَنِى سِيدَانُ بْنُ مُضَارِبٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِىُّ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ الْبَرَّاءُ حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الأَخْنَسِ أَبُو مَالِكٍ عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ أَوْ سَلِيمٌ فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؟ إِنَّ فِى الْمَاءِ رَجُلاً لَدِيغًا أَوْ سَلِيمًا فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ فَبَرَأَ فَجَاءَ بِالشَّاءِ إِلَى أَصْحَابِهِ فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَقَالُوا أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا؟ حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ أَجْرًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (سيدان بن مضارب) بكسر السين وفتح الدال المهملتين بينهما تحتية ساكنة وبعد الألف نون ومضارب بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وبعد الألف راء فموحدة (أبو محمد الباهلي) مولاهم البصري ويقال الكوفي تكلموا فيه لكن قوّاه أبو حازم وغيره قال: (حدّثنا أبو معشر) بفتح الميم والشين المعجمة بينهما مهملة ساكنة آخره راء (يوسف بن يزيد البراء) بفتح الموحدة والراء المثقلة نسبة إلى بري العود وكان عطارًا ولغير أبي ذر البصري هو صدوق قال ذلك لكونه صدوقًا عنده، ولذا خرج له وكذا مسلم وهو تعديل منهما له وثّقه المقدمي، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه لكن ضعفه ابن معين قال: (حدّثني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن الأخنس) بخاء معجمة ساكنة فنون مفتوحة فسين مهملة (أبو مالك) الخزاز بمعجمات النخعي الكوفي أبو مالك قال في الفتح: وثقه الأئمة وشذّ ابن حبان فقال في الثقات: يخطئ كثيرًا (عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة واسمه زهير (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (أن نفرًا من أصحاب النبي) ولغير أبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مروا بماء) أي بقوم نزول على ماء (فيهم لديغ) بدال مهملة وغين معجمة رجل ضربته العقرب (أو سليم) شك من الراوي وهو بمعنى الأوّل سمي به تفاؤلاً من اللأمة لكون غالب من يلدغ يعطب أو فعيل بمعنى مفعول لأنه أسلم للعطب واستعمال اللدغ في ضرب العقرب مجازًا إذ الأصل أنه الذي يضرب بفيه والذي يضرب بمؤخره يقال: له لسع وبأسنانه نهس بالمهملة والمعجمة وبأنفه نكز بنون وكاف وزاي وبنابه نشط وقد يستعمل بعضها مكان بعض تجوزًا (فعرض لهم) للصحابة (رجل من أهل الماء) أي أعرف اسمه (فقال) لهم:

35 - باب رقية العين

(هل فيكم من راق إن في) القوم النازلين على (الماء رجلاً لديغًا أو سليما فانطلق رجل منهم فقرأ) على اللديغ (بفاتحة الكتاب على شاء) أجرًا له (فبرأ) الملدوغ. وعند أبي داود والترمذي والنسائي من طريق خارجة بن الصلت أن عمه مر بقوم وعندهم رجل مجنون موثق بالحديد فقالوا: إنك جئت من عند هذا الرجل بخير فارق لنا هذا الرجل الحديث، فهذه قصة غير السابقة لأن الذي في السابقة أنه لدغ والراقي في الأولى أبو سعيد كما وقع مصرحًا به في بعضها، وفي الثانية عم خارجة فافترقا. نعم حديث ابن عباس وحديث أبي سعيد في قصة واحدة (فجاء) الذي رقى (بالشاء إلى أصحابه فكرهوا) أخذ (ذلك) الأجر (وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرًا حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول الله أخذ) فلان (على كتاب الله أجرًا فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله) واستدلّ به على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن. 35 - باب رُقْيَةِ الْعَيْنِ (باب رقية) الذي يصاب بنظر (العين). 5738 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِى مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: أَمَرَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ أَمَرَ أَنْ يُسْتَرْقَى مِنَ الْعَيْنِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (أخبرنا سفيان) الثوري قال: (حدّثني) بالإفراد (معبد بن خالد) بسكون العين وفتح الموحدة القاضي الكوفي التابعي قال: (سمعت عبد الله بن شداد) بتشديد الدال المهملة الأولى ابن الهاد الليثي (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: أمرني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو أمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن يسترقى) بتحتية مضمومة وفتح القاف مبنيًّا للمفعول، ولأبي ذر: أن نسترقي بنون مفتوحة بدل التحتية وكسر القاف أي نطلب الرقية ممن يعرفها (من العين) أي بسبب العين وذلك إذا نظر المعيان لشيء باستحسان مشوب بحسد يحصل للمنظور ضرر بعادة أجراها الله تعالى وهل ثم جواهر خفية تنبعث من عينه تصل إلى المعيون كإصابة السم من نظر الأفعى أم لا هو أمر محتمل لا ينقطع بإثباته ولا نفيه، قال ابن العربي: والحق أن الله تعالى يخلق عند نظر العائن إليه وإعجابه به إذا شاء ما شاء من ألم أو هلكة وقد يصرفه قبل وقوعه بالرقية اهـ. وقد أخرج البزار بسند حسن عن جابر رفعه أكثر من يموت بعد قضاء الله وقدره بالنفس. قال الراوي يعني بالعين. 5739 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عَطِيَّةَ الدِّمَشْقِىُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِىُّ أَخْبَرَنَا الزُّهْرِىُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى فِى بَيْتِهَا جَارِيَةً فِى وَجْهِهَا سَفْعَةٌ فَقَالَ: «اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ». وَقَالَ عُقَيْلٌ: عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ عَنِ الزُّبَيْدِىِّ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن خالد) وهو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد الذهلي قال: (حدّثنا محمد بن وهب) بن عطية السلمي (الدمشقي) قال: (حدّثنا محمد بن حرب) الأبرش بالموحدة والراء والشين المعجمة الحمصى قال: (حدّثنا محمد بن الوليد الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة قال: (أخبرنا الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة بن الزبير عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى في بيتها جارية) أي تسم (في وجهها سفعة) بفتح السين المهملة وتضم وسكون الفاء بعدها عين مهملة سواد أو حمرة يعلوها سواد أو صفرة والمراد هنا أن السفعة أدركتها من قبل النظرة (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (استرقوا لها) بسكون الراء اطلبوا لها من يريقها (فإن بها النظرة) بفتح النون وسكون المعجمة أي أصابتها العين أو عين الجن أو أن الشيطان أصابها قال الخطابي: عيون الجن أنفذ من الأسنة (وقال عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال في المقدمة: رواية عقيل مع إرسالها وقعت لنا في جزء من رواية أبي الفضل بن طاهر الحافظ وأخرجها الحاكم في المستدرك موصولة. (تابعه) أي تابع محمد بن حرب فيما وصله الذهلي في الزهريات (عبد الله) بفتح العين (ابن سالم) الحمصي (عن الزبيدي) محمد بن الوليد المذكور على وصل الحديث ومتنه. 36 - باب الْعَيْنُ حَقٌّ هذا (باب) بالتنوين (العين حق) أي الإصابة بها من جملة ما تحقق من كونه لها تأثير في النفوس. 5740 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ» وَنَهَى عَنِ الْوَشْمِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولغير أبي ذر: بالجمع (إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر الساعدي قال: (حدّثنا)

37 - باب رقية الحية والعقرب

ولأبي ذر أخبرنا (عبد الرزاق) بن همام (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (العين حق) أي الإصابة بها ثابتة موجودة، وزاد مسلم من حديث ابن عباس ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وهي كالمؤكدة لقوله: العين حق وفيها تنبيه على سرعة نفوذها وتأثيرها في الذات، والمعنى لو فرض أن شيئًا له قوّة بحيث يسبق القدر كان العين لكنها لا تسبق فكيف غيرها، وفي الحديث ردّ على طائفة من المبتدعة حيث أنكروا إصابة العين والدليل على فساد قولهم أن كل معنى لا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا فساد دليل فإنه من مجوّزات العقول فإذا أخبر الشارع بوقوعه وجب اعتقاده ولا يجوز تكذيبه، واختلف في القصاص فقال القرطبي: لو أتلف العائن شيئًا ضمنه ولو قتل فعليه القصاص أو الدّية إذا تكرر ذلك منه بحيث يصير عادة كالساحر عند من لا يقتله كفرًا. وقال الشافعي: لا قصاص ولا دية ولا كفارة لأنه لا يقتل غالبًا ولا يعدّ مهلكًا ولأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس وبعض الأحوال مما لا ضبط فيه كيف ولم يقع منه فعل أصلاً اهـ. وفي حديث أنس رفعه "من رأى شيئًا فأعجبه فقال: ما شاء الله لا قوّة إلا بالله لم يضره". رواه البزار وابن السني. (ونهى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهي تحريم (عن الوشم) بفتح الواو وسكون المعجمة وهو أن يغرز إبرة أو نحوها في موضع من البدن حتى يسيل الدم ثم يحشى ذلك الموضع بالكحل ونحوه فيخضر وقال العيني: الظاهر أن قومًا سألوه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن العين وقومًا عن الوشم في مجلس واحد فأجابهما لذلك، ويأتي إن شاء الله تعالى حكم الوشم في أواخر كتاب اللباس بعون الله وقوته. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في اللباس ومسلم في الأدب وأبو داود في الطب. 37 - باب رُقْيَةِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ (باب) مشروعية (رقية الحية والعقرب). 5741 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِىُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الرُّقْيَةِ مِنَ الْحُمَةِ فَقَالَتْ: رَخَّصَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرُّقْيَةَ مِنْ كُلِّ ذِى حُمَةٍ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا سليمان) بن فيروز أبو إسحاق (الشيباني) بفتح المعجمة وسكون التحتية بعدها موحدة الكوفي الحافظ قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه) الأسود بن يزيد النخعي أنه (قال: سألت عائشة) -رضي الله عنها- (عن الرقية من الحمة) بضم الحاء المهملة وفتح الميم المخففة وأصلها حمى أو حمو بوزن صرد والهاء فيها عوض عن الواو أو الياء المحذوفة وهي السم وتطلق على إبرة العقرب للمجاورة لأن السم يخرج منها (فقالت) -رضي الله عنها- (رخص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرقية) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني: في الرقية (من كل ذي حمة) ذي سموم قال في الفتح: ووقع في رواية أبي الأحوص عن الشيباني بسنده رخص في الرقية من الحية والعقرب اهـ. والرخصة إنما تكون بعد النهي وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهاهم عن الرقى لما عسى أن يكون منها من ألفاظ الجاهلية فانتهوا عنها ثم رخص لهم إذا عريت عن ذلك، وفي حديث أبي هريرة جاء رجل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة فقال: "أما إنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامّات من شر ما خلق لم يضرك إن شاء الله" رواه أصحاب السنن وقال ابن عبد البرّ في التمهيد عن سعيد بن المسيب قال: بلغني أن من قال حين يمسي {سلام على نوح في العالمين} [الصّافّات: 79] لم يلدغه عقرب وذكر أبو القاسم القشيري في تفسيره أن في بعض التفاسير أن الحية والعقرب أتيا نوحًا فقالتا: احملنا. فقال نوح: لا أحملكما فإنكما سبب الضرر، فقالتا: احملنا ونحن نضمن لك أن لا نضر أحدًا ذكرك. 38 - باب رُقْيَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب رقية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) التي كان يرقي بها. 5742 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَثَابِتٌ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ اشْتَكَيْتُ فَقَالَ أَنَسٌ: أَلاَ أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: بَلَى، قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ مُذْهِبَ الْبَاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِى لاَ شَافِىَ إِلاَّ أَنْتَ شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (عن عبد العزيز) بن صهيب أنه (قال: دخلت أنا وثابت) البناني (على أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (فقال ثابت) لأنس (يا أبا حمزة اشتكيت) بضم التاء أي مرضت (فقال) له (أنس: ألا) بتخفيف

اللام للعرض والتنبيه (أرقيك) بفتح الهمزة (برقية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) ثابت: (بلى، قال) أنس: (اللهم رب الناس مذهب الباس) بضم الميم وكسر الهاء والباس بغير همز للمؤاخاة وفي الفرع بالهمزة على الأصل (اشف أنت الشافي) فيه جواز تسمية الله تعالى بما ليس في القرآن إذا كان له أصل فيه قال تعالى: {وإذا مرضت فهو يشفين} [الشعراء: 80] وأن لا يوهم نقصًا (لا شافي إلا أنت) فلا ينجع الدواء إلا بتقديرك (شفاء) نصب على أنه مصدر اشف ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف أي الشفاء المطلوب (لا يغادر) بالغين المعجمة لا يترك (سقمًا) بفتحتين ويجوز ضم ثم إسكان لغتان والجملة صفة لقوله شفاء. وهذا الحديث أخرجه أبو داود في الطب والترمذي في الجنائز والنسائي في اليوم والليلة. 5743 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَاسَ اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِى لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا». قَالَ سُفْيَانُ: حَدَّثْتُ بِهِ مَنْصُورًا، فَحَدَّثَنِى عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم الفلاس الصيرفي البصري أبو حفص أحد الأعلام قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا سفيان) الثوري قال: (حدّثني) بالإفراد (سليمان) بن مهران الأعمش (عن مسلم) بن صبيح الهمداني العطار قال في الفتح: هو أبو الضحى مشهور بكنيته أكثر من اسمه. قال: وجوّز الكرماني أن يكون مسلم بن عمران لكونه يروي عن مسروق ويروي الأعمش عنه قال ابن حجر: وهو تجويز عقلي محض يمجه سمع المحدث على أنني لم أر لمسلم بن عمران البطين رواية عن مسروق وإن كانت ممكنة، وهذا الحديث إنما هو من رواية الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق، وقد أخرج مسلم من رواية جرير عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق به ثم أخرجه من رواية هشيم ومن رواية شعبة ومن رواية يحيى القطان عن الثوري كلهم عن الأعمش قال: بإسناد جرير فوضح أن مسلمًا المذكور في رواية البخاري هو أبو الضحى فإنه أخرجه من رواية يحيى القطان، وغايته أن بعض الرواة عن يحيى سماه وبعضهم كناه انتهى. وتعقبه العيني فقال: هذا الذي قاله يمجه سمع كل أحد ودعواه أنه لم ير لمسلم بن عمران رواية عن مسروق باطلة لأن غيره أثبتها فكيف يدّعي هذا المدّعي بدعواه الفاسدة ردًّا على من سبقه في شرح هذا الحديث مشنعًا عليه بسوء أدب {قل كلٌّ يعمل على شاكلته} [الإسراء: 84] انتهى. وأجاب في انتقاض الاعتراض بقوله: سبحان من خذل هذا المعترض حتى يعيب ما وقع فيه وأعجب ما يسمع أن هذا المعترض. قال في باب مسح الراقي الوجع بيده حين أورد المصنف الحديث المذكور عن سفيان عن الأعمش بالسند المذكور عن سفيان هو الثوري والأعمش هو سليمان ومسلم هو أبو الضحى فذكر لفظ أحمد بن حجر بعينه ونسي ما قيل عن الكرماني ثم وليس بينهما سوى باب واحد يأتي إن شاء الله تعالى. (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يعوّذ بعض أهله) قال في الفتح: لم أقف على تعيينه (يمسح بيده اليمنى) على موضع الوجع تفاؤلاً لزوال الوجع كما قاله الطبري (ويقول): (اللهم رب الناس أذهب الباس) بالهمز في فرع اليونينية والمشهور حذفه ليناسب سابقه (واشفه) بكسر الهاء أي العليل (وأنت الشافي) بإثبات الواو في الكلمتين للحموي والمستملي وحذفها فيهما للكشميهني (لا شفاء) بالمدّ مبني على الفتح حاصل لنا أو للمريض (إلا شفاؤك) بدل من موضع لا شفاء. وقال في المصابيح: الكلام في إعرابه كالكلام في قولنا لا إله إلا الله ولا يخفى أنه بحسب صدر الكلام نفي لكل إله سواه تعالى وبحسب الاستثناء إثبات له ولألوهيته لأن الاستثناء من النفي إثبات لا سيما إذا كان بدلاً فإنه يكون هو المقصود بالنسبة، ولهذا كان البدل الذي هو المختار في كل كلام تام غير موجب بمنزلة الواجب في هذه الكلمة الشريفة حتى لا يكاد يستعمل لا إله إلا الله بالنسب ولا إله إلا إياه. فإن قيل: كيف يصح مع أن البدل هو المقصود والنسبة إلى المبدل منه سلبية؟ فالجواب: إنه إنما وقعت النسبة إلى البدل بعد النقض بإلا فالبدل هو المقصود بالنفي المعتبر في المبدل

39 - باب النفث فى الرقية

منه لكن بعد نقضه ونقض النفي إثبات انتهى. (شفاء) أي اشف شفاء (لا يغادر) لا يترك (سقمًا) والتنوين للتقليل. (قال سفيان) الثوري بالسند السابق (حدّثت به) بهذا الحديث (منصورًا) يعني ابن المعتمر (فحدّثني) بالإفراد (عن إبراهيم) النخعي (عن مسروق) أي ابن الأجدع (عن عائشة) -رضي الله عنها- (نحوه) أي نحو متن الحديث السابق. وهذا الأول أخرجه مسلم في الطب وكذا النسائي وفي اليوم والليلة. 5744 - حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ أَبِى رَجَاءٍ حَدَّثَنَا النَّضْرُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَرْقِى يَقُولُ: «امْسَحِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ بِيَدِكَ الشِّفَاءُ لاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ أَنْتَ». وبه قال (حدّثني) بالإفراد (أحمد بن أبي رجاء) بالجيم والمدّ واسمه عبد الله الحنفي الهروي قال: (حدّثنا النضر) بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة ابن شميل بالمعجمة المضمومة (عن هشام بن عروة) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يرقي) بضم التحتية وكسر القاف حال كونه يقول: (امسح) أي أزل (الباس رب الناس بيدك الشفاء) لا بيد غيرك (لا كاشف له) للداء (إلا أنت). والحديث من أفراده. 5745 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ لِلْمَرِيضِ: «بِسْمِ اللَّهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا يُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا». [الحديث 5745 - طرفه في: 5746]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد ربه) بإضافة عبد لربه (ابن سعيد) بكسر العين الأنصاري (عن عمرة) بفتح العين وسكون الميم بنت عبد الرحمن التابعية (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول للمريض) ولمسلم عن أبي عمر عن سفيان كان إذا اشتكى الإنسان أو كانت به قرحة أو جرح قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بإصبعه هكذا ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها. (بسم الله) هذه (تربة أرضنا) المدينة خاصة لبركتها أو كل أرض (بريقة بعضنا) ولأبي ذر وريقة بالواو بدل الموحدة (يشفى سقيمنا) بضم التحتية وفتح الفاء سقيمنا رفع نائب عن الفاعل، ولأبي ذر عن الكشميهني يشفي بفتح أوّله وكسر الفاء سقيمنا نصب على المفعولية والفاعل مقدّر وزاد في غير رواية أبي ذر بإذن ربنا. قال النووي: كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأخذ من ريق نفسه على إصبعه السبابة ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه فيمسح بها على الموضع الجريح والعليل ويتلفظ بهذه الكلمات في حال المسح. وقال القاضي البيضاوي: قد شهدت المباحث الطبية على أن الريق له مدخل في النضج وتعديل المزاج ولتراب الوطن تأثير في حفظ المزاج الأصلي ودفع نكاية المضرات والمرض وللرقى والعزائم آثار عجيبة تتقاعد العقول عن الوصول إلى كنهها. وقوله في حديث مسلم بإصبعه في موضع الحال من فاعل قال: وتربة أرضنا خبر مبتدأ محذوف أي هذه والباء متعلقة بمحذوف هو خبر ثانٍ. وقال الطيبي في شرح المشكاة إضافة: تربة أرضنا وريقة بعضنا تدل على الاختصاص، وأن تلك التربة والريقة مختصتان بمكان شريف يتبرك به بل بذي نفس شريفة قدسية طاهرة زكية عن أوصاف الذنوب وأوسام الآثام فلما تبرك باسم الله السامي ونطق به ضم إليه تلك التربة والريقة وسيلة إلى المطلوب ويعضده أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بزق في عين علي -رضي الله عنه- فبرأ من الرمد وفي بئر الحديبية فامتلأت ماء. 5746 - حَدَّثَنِى صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِى الرُّقْيَةِ: «بِسْمِ اللهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا وَرِيقَةُ بَعْضِنَا يُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا بالجمع (صدقة بن الفضل) المروزي قال: (أخبرنا ابن عيينة) سفيان (عن عبد ربه بن سعيد) الأنصاري (عن عمرة) بنت عبد الرحمن (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في الرقية) للمريض: (بسم الله تربة أرضنا وريقة بعضنا يشفى) بضم أوّله وفتح ثالثه (سقيمنا بإذن ربنا) قال التوربشتي الذي يسبق إلى الفهم من صيغة ذلك ومن قوله تربة أرضنا إشارة إلى فطرة آدم وريقة بعضنا إلى النطفة التي خلق منها الإنسان فكأنه يتضرع بلسان الحال ويعرض بفحوى المقال إنك اخترعت الأصل الأوّل من طين ثم أبدعت بنيه من ماء مهين فهين عليك أن تشفي من كانت هذه نشأته. 39 - باب النَّفْثِ فِى الرُّقْيَةِ (باب النفث في الرقية) بفتح النون وسكون الفاء بعدها مثلثة وهو كالنفخ وأقل من التفل معه ريق قليل أو بلا ريق.

5747 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِثْ حِينَ يَسْتَيْقِظُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَيَتَعَوَّذْ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ». وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَإِنْ كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا أَثْقَلَ عَلَىَّ مِنَ الْجَبَلِ فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ فَمَا أُبَالِيهَا. وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال أبو محمد مولى الصديق (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري أنه (قال: سمعت أبا سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال: سمعت أبا قتادة) الحارث بن ربعي وقيل النعمان الأنصاري فارس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (الرؤيا) الصالحة التي لا تخليط فيها يراها النائم (من الله) يبشر بها عبده (والحلم) بسكون اللام وتضم وهو ما يراه من الشر وما يحصل له من الفزع (من الشيطان) ليحزن الذين آمنوا والأصل استعمال ذلك فيما يرى لكن غلبت الرؤيا على الخير والحلم على ضده والله تعالى خالق كلٌّ منهما فإضافة المحبوبة إلى الله تعالى إضافة تشريف إضافة المكروهة إلى الشيطان لأنه يرضاها ويسر بها أو لحضوره عندها فهي إضافة مجازية (فإذا رأى أحدكم) في منامه (شيئًا يكرهه) فهو من الشيطان (فلينفث) بكسر الفاء (حين يستيقظ) من نومه (ثلاث مرات) في جهة يساره (ويتعوذ) بالله (من شرها فإنها لا تضره) لأن ما فعله من التعوذ والنفث سبب للسلامة من المكروه المترتب عليهما كالصدقة تكون سببًا لرفع البلاء وفي النفث إشارة لطرد الشيطان الذي حضر رؤياه الكروهة وتحقير له واستقذار لفعله. (وقال أبو سلمة) بالإسناد السابق (وإن) بالواو ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فإن (كنت لأرى الرؤيا أثفل عليّ من الجبل) يعني لما يخاف من شرها (فما هو إلا أن سمعت هذا الحديث فما أباليها). والحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التعبير ومسلم وأبو داود والنسائي في الرؤيا وابن ماجة في الديات. 5748 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِىُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها -، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَفَثَ فِى كَفَّيْهِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَبِالْمُعَوِّذَتَيْنِ جَمِيعًا ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَمَا بَلَغَتْ يَدَاهُ مِنْ جَسَدِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا اشْتَكَى كَانَ يَأْمُرُنِى أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ. قَالَ يُونُسُ: كُنْتُ أَرَى ابْنَ شِهَابٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ إِذَا أَتَى إِلَى فِرَاشِهِ. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى بن عمرو بن أويس بن سعد (الأويسي) أبو القاسم القرشي المدني قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري محمد بن مسلم (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر كان النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعًا) أي نفث حال قراءته لهن (ثم يمسح بهما) بكفيه (وجهه وما بلغت يداه من جسده) وفي رواية الفضل بن فضالة عن عقيل يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده. (قالت عائشة) -رضي الله عنها- بالسند السابق (فلما اشتكى) صلوات الله وسلامه عليه وجعه الذي توفي فيه (كان يأمرني أن أفعل ذلك) النفث والقراءة والمسح (به) وفيه أنه كان يفعل ذلك في الحالتين المذكورتين. (قال يونس) بن يزيد بالسند السابق (كنت أرى ابن شهاب) الزهري (يصنع ذلك إذا أوى إلى فراشه). وهذا الحديث سبق في المغازي وأخرجه مسلم في الطب. 5749 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِى بِشْرٍ عَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّ رَهْطًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْطَلَقُوا فِى سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا بِحَىٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَىِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَىْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ شَىْءٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ قَدْ نَزَلُوا بِكُمْ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَىْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ فَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَىْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ شَىْءٌ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَىْءٌ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ. وَاللَّهِ إِنِّى لَرَاقٍ وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلاً فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ فَانْطَلَقَ فَجَعَلَ يَتْفُلُ، وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، حَتَّى لَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِى مَا بِهِ قَلَبَةٌ قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِى صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اقْسِمُوا فَقَالَ الَّذِى رَقَى لاَ تَفْعَلُوا، حَتَّى نَأْتِىَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِى كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ أَصَبْتُمُ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِى مَعَكُمْ بِسَهْمٍ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية اليشكري البصري (عن أبي المتوكل) علي بن داود الناجي بالنون والجيم (عن أبي سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (أن رهطًا من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انطلقوا في سفرة سافروها) وكانوا ثلاثين رجلاً (حتى نزلوا بحي من أحياء العرب) بفتح الهمزة بطن من بطونهم (فاستضافوهم) طلبوا منهم الضيافة (فأبوا أن يضيفوهم فلدغ) بضم اللام وكسر الدال المهملة بعدها معجمة فلسع (سيد ذلك الحي) بعقرب ولم يسم السيد (فسعوا له بكل شيء) مما يداوى به (لا ينفعه شيء فقال بعضهم): بعض الحى (لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين قد نزلوا بكم لعله أن يكون عند بعضهم شيء) مما ينفع صاحبكم (فأتوهم فقالوا) لهم (يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ فسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال بعضهم): هو أبو سعيد الخدري (نعم والله إني لراق ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براقٍ لكم) سيدكم (حتى تجعلوا لنا جعلاً) على ذلك (فصالحوهم على قطيع من الغنم) عدّته

40 - باب مسح الراقى الوجع بيده اليمنى

ثلاثون شاة (فانطلق) أبو سعيد معهم إليه (فجعل يتفل) بكسر الفاء، ولأبي ذر: بضمها (ويقرأ الحمد لله رب العالمين) سقط لأبي ذر رب العالمين ويمسح عليه فبرأ (حتى لكأنما نشط) بضم النون وكسر المعجمة حل (من عقال) بكسر العين من جبل كان مشدودًا به. قال في القاموس: نشط الحبل وأنشطه حله (فانطلق يمشي) حال كونه (ما به قلبه) بفتحات ما به علة يقلب على الفراش لأجلها (قال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم: اقسموا) هذه الغنم بيننا (فقال الذي رقى) بفتح الراء والقاف وهو أبو سعيد (لا تفعلوا) ذلك (حتى نأتي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي تأتوا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنذكر له الذي كان) من شأننا (فننظر ما يأمرنا) به (فقدموا) بكسر الدال المخففة (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكروا له) ذلك (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي سعيد: (وما يدريك أنها) أي الفاتحة (رقية أصبتم اقسموا) ذلك بينكم (واضربوا لي معكم بسهم) وللكشميهني معهم بالهاء بدل الكاف قاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تطييبًا لقلوبهم ومبالغة في تعريفهم حله وإلاّ فذلك ملك للراقي. وهذا الحديث سبق قريبًا. 40 - باب مَسْحِ الرَّاقِى الْوَجَعَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى (باب مسح الراقي) الذي يرقي (الوجع بيده اليمنى). 5750 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَوِّذُ بَعْضَهُمْ يَمْسَحُهُ بِيَمِينِهِ أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِى لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا. فَذَكَرْتُهُ لِمَنْصُورٍ فَحَدَّثَنِى عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ بِنَحْوِهِ. وبه قال (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (عبد الله بن أبي شيبة) هو أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم العبسي الكوفي قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن مسلم) أبي الضحى (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعوذ بعضهم) أي بعض أهله كما في الأخرى السابقة حال كونه (يمسحه بيمينه) يقول: (أذهب الباس) بالهمزة في الفرع (رب الناس واشف أنت الشافي) بياء بعد الفاء ولأبي ذر: بإسقاطها (لا شفاء) بالهمز لنا (إلا شفاؤك) قال الطيبي: خرج مخرج الحصر بالمبتدأ كقوله: أنت الشافي لأن خبر المبتدأ إذا كان معرّفًا باللام أفاد الحصر لأن تدبير الطبيب ونفع الدواء لا ينجع في المريض إلا بتقديره تعالى (شفاء لا يغادر) لا يترك (سقمًا) تكميل لقوله: اشف والجملتان معترضتان بين الفعل والمفعول المطلق. قال سفيان (فذكرته) أي الحديث (لمنصور) هو ابن المعتمر (فحدّثني) بالإفراد (عن إبراهيم عن مسروق عن عائشة -رضي الله عنها- بنحوه) بنحو الحديث. 41 - باب فِى الْمَرْأَةِ تَرْقِى الرَّجُلَ هذا (باب) بالتنوين (في) حكم (المرأة ترقي الرجل) بفتح التاء وكسر القاف. 5751 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِىُّ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَنْفِثُ عَلَى نَفْسِهِ فِى مَرَضِهِ الَّذِى قُبِضَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا ثَقُلَ كُنْتُ أَنَا أَنْفِثُ عَلَيْهِ بِهِنَّ فَأَمْسَحُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِبَرَكَتِهَا فَسَأَلْتُ ابْنَ شِهَابٍ كَيْفَ كَانَ يَنْفِثُ قَالَ: يَنْفِثُ عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد الجعفي) بضم الجيم وسكون العين المهملة وكسر الفاء المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) بميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد الأزدي مولاهم عالم اليمن (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ينفث على نفسه في مرضه الذي قبض فيه بالمعوذات) الإخلاص وتالييها وكان الأصل أن يقول بالمعوذتين، لكنه يحتمل أن يكون من باب التغليب أو أجرى التثنية مجرى الجمع (فلما ثقل) عليه الوجع (كنت أنا أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه) عليه (لبركتها) قال معمر: (فسألت ابن شهاب كيف كان) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ينفث؟ قال) كان (ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه). وهذا الحديث سبق في باب الرقى بالقرآن والمعوذات ومطابقته لما ترجم به واضحة. 42 - باب مَنْ لَمْ يَرْقِ (باب من لم يرق) بفتح أوله وكسر القاف. 5752 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا فَقَالَ: «عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّجُلاَنِ وَالنَّبِىُّ مَعَهُ الرَّهْطُ وَالنَّبِىُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَرَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ أُمَّتِى، فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، ثُمَّ قِيلَ لِى انْظُرْ فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَقِيلَ لِى، انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا، فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الأُفُقَ فَقِيلَ: هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ وَمَعَ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ»، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ وَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُمْ فَتَذَاكَرَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالُوا: أَمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا فِى الشِّرْكِ وَلَكِنَّا آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَكِنْ هَؤُلاَءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا فَبَلَغَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «هُمُ الَّذِينَ لاَ يَتَطَيَّرُونَ وَلاَ يَسْتَرْقُونَ وَلاَ يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ». فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ». فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟ فَقَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حصين بن نمير) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين وضم النون وفتح الميم مصغرًا الواسطي الضرير (عن حصين بن عبد الرحمن) بضم الحاء وفتح الصاد مصغرًا أيضًا الكوفي (عن سعيد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة الوالبي مولاهم أبي محمد أحد الأعلام (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: خرج علينا النبي) ولأبي ذر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

43 - باب الطيرة

وَسَلَّمَ- يومًا فقال): (عرضت) بضم العين كسر الراء (على الأمم) في منامي (فجعل يمر النبي معه) ولأبي ذر وابن عساكر ومعه (الرجل والنبي معه الرجلان والنبي معه الرهط) وهو ما دون العشرة من الرجال أو إلى الأربعين (والنبي ليس معه أحد ورأيت سوادًا كثيرًا) أشخاصًا كثيرة من بعد (سدّ) السواد (الأفق) وفي باب من اكتوى حتى رفع لي سواد عظيم (فرجوت أن تكون أمتي فقيل هذا موسى وقومه ثم قيل لي انظر فرأيت سوادًا كثيرًا سد الأفق فقيل لي انظر هكذا وهكذا) فنظرت (فرأيت سوادًا كثيرًا سدُّ الأفق فقيل) لي: (هؤلاء أمتك) الذين آمنوا بك (ومع هؤلاء سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب، فتفرّق الناس ولم يبين لهم) عليه الصلاة والسلام الداخلين بغير حساب (فتذاكر أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: أما نحن فولدنا في الشرك ولكنا آمنا بالله ورسوله ولكن هؤلاء هم أبناؤنا) الذين ولدوا في الإسلام (فبلغ) قولهم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): الداخلون الجنة بغير حساب (هم الذين لا يتطيرون) لا يتشاءمون بالطيور كالجاهلية (ولا يكتوون) معتقدي الشفاء في الكي كالجاهلية (ولا يسترقون) مطلقًا حسمًا للمادة لأن فاعلها لا يأمن أن يأكل نفسه إليها وإلا فالرقية في ذاتها ليست ممنوعة وإنما منع منها ما كان شركًا أو احتمله (وعلى ربهم يتوكلون) أي يفوضون إليه تعالى في ترتيب الأسباب على المسببات أو يتركون ذلك مطلقًا على ظاهر اللفظ، قال ابن الأثير: وهذا من صفة الأولياء المعرضين عن الدنيا وأسبابها وعلائقها وهم خواص الأولياء ولا يرد على هذا وقوع ذلك من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعلاً وأمرًا لأنه كان في أعلى مقامات العرفان ودرجات التوكل وكان ذلك منه للتشريع وبيان الجواز ولا ينقص ذلك من توكله لأنه كان كامل التوكل يقينًا فلا يؤثر فيه تعاطي الأسباب شيئًا بخلاف غيره (فقام عكاشة بن محصن) بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين آخره نون وعكاشة بضم العين المهملة وتشديد الكاف وتخفف وبعد الألف شين معجمة مفتوحة مخففة البدري (فقال: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم) أنت منهم (فقام آخر) قيل هو سعد بن عبادة (فقال: أمنهم أنا)؟ يا رسول الله (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سبقك بها عكاشة) قال ذلك عليه الصلاة والسلام حسمًا للمادة، وقول الزركشي قيل كانت ساعة إجابة وهو الأشبه لئلا يتسلسل الأمر، وتعقبه في المصابيح في قوله إنها ساعة إجابة فقال: إنما يحسن في الحديث الذي فيه فادع الله أن يجعلني منهم، وأما هنا فلا يحسن ذلك إذ الذي هنا إنما هو استفهام وجواب عنه وليس هنا ذكر للدعاء، وفي حديث رفاعة الجهني عند أحمد وصححه ابن حبان: "وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفًا بغير حساب وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تبوؤوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن الجنة" وهو يدل على أن مزية السبعين بالدخول بغير حساب لا تستلزم أفضليتهم على غيرهم بل فيمن يحاسب في الجملة من هو أفضل منهم ومن يتأخر عن الدخول ممن تحققت نجاته وعرف مقامه من الجنة ليشفع في غيره من هو أفضل منهم. 43 - باب الطِّيَرَةِ (باب الطيرة) بكسر الطاء المهملة وفتح التحتية التشاؤم بالشيء، وأصل ذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا خرج أحدهم لحاجة فإن رأى الطير طار عن يمينه تيمن به واستمر وإن طار عن يساره تشاءم به ورجع وربما كانوا يهيجون الطير ليطير فيعيدون ذلك ويصح معهم في الغالب ليزين الشيطان لهم ذلك وبقيت بقايا من ذلك في كثير من المسلمين فنهى الشرع عن ذلك، وفي حديث إسماعيل بن أمية عند عبد الرزاق عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ثلاثة لا يسم منهن أحد الطيرة والظن والحسد فإذا تطيرت فلا ترجع وإذا حسدت فلا تبغ وإذا ظننت فلا تحقق". وهذا كما في الفتح مرسل أو معضل لكن له شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البيهقي في الشعب. وفي حديث أبي هريرة بسند لين عند ابن عدي

44 - باب الفأل

مرفوعًا: "إذا تطيرتم فامضوا وعلى اللِّه فتوكلوا". وفي حديث ابن عمر موقوفًا: "من عرض له من هذه الطيرة شيء فليقل: اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك". رواه البيهقي في الشعب. 5753 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ عَدْوَى، وَلاَ طِيَرَةَ وَالشُّؤْمُ فِى ثَلاَثٍ: فِى الْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ، وَالدَّابَّةِ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عثمان بن عمر) بن فارس البصري قال: (حدّثنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سالم) أي ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا عدوى) هي هنا مجاوزة العلة من صاحبها إلى غيره يقال أعدى فلان فلانًا من علة به وذلك على ما يذهب إليه المتطببة في الجذام والبرص والجدري والحصبة والبخر والرمد والأمراض الوبائية والأكثرون على أن المراد نفي ذلك وإبطاله على ما يدل عليه ظاهر الحديث (ولا طيرة) في القاموس والطيرة والطيرة والطورة ما يتشاءم به من الفأل الرديء اهـ. ولما نفى الطيرة بطريق العموم كما نفى العدوى أثبت الشؤم في ثلاثة فقال: (والشؤم) بالهمزة الساكنة ضد اليمين (في ثلاث) وعند أبي داود من حديث سعد بن أبي وقاص وإن كانت الطيرة في شيء وقال الخطابي: وكثيرون هو في معنى الاستثناء من الطيرة أي الطيرة منهي عنها إلا في هذه الأشياء قال الطيبي: يحتمل أن يكون الاستثناء على حقيقته وتكون هذه الأشياء خارجة عن حكم المستثنى منه أي الشؤم ليس إلا في هذه الأشياء كما في مسلم إنما الشؤم في ثلاثة (في المرأة) بأن لا تلد وأن تكون لسناء (والدار) بأن تكون ضيقة سيئة الجيران (والدابة) بأن لا يغزى عليها. وقال القاضي: تعقيب قوله ولا طيرة بهذه الشرطية أي في رواية وإن كانت الطيرة تدل عليها أن الشؤم أيضًا منفي عنها والمعنى أن الشؤم لو كان له وجود في شيء لكان في هذه الأشياء فإنها أقبل الأشياء لها لكن لا وجود لها فيها فلا وجود لها أصلاً اهـ. قال في شرح المشكاة: فعلى هذا فالشؤم في الأحاديث المستشهد بها محمول على الكراهية التي سببها ما في هذه الأشياء من مخالف الشرع اهـ. ويحتمل أن يكون المراد عدم موافقتها له طبعًا ويؤيده في شرح السُّنّة كأنه يقول إن كان لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس لا تعجبه فليفارقها بأن ينتقل عن الدار ويطلّق المرأة ويبيع الفرس حتى يزول عنه ما يجده في نفسه من الكراهة كما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جواب من قال يا رسول الله إنّا كنّا في دار كثير فيها عددنا الخ: ذروها فإنها ذم - باميمة فأمرهم بالتحوّل عنها لأنهم كانوا فيها على استثقال واستيحاش فأمرهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالانتقال عنها ليزول عنهم ما يجدون من الكراهة لأنه سبب في ذلك انتهى. وحديث الباب أخرجه النسائي في عِشرَة النساء. 5754 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ» قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: «الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا طيرة وخيرها) أي خير الطيرة (الفأل) بالهمز الساكن بعد الفاء. قال في القاموس: الفال ضد الطيرة ويستعمل في الخير والشر (قالوا: وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم) كالمريض يسمع يا سالم وطالب الحاجة يا واجد وفي حديث عروة بن عامر عند أبي داود قال: ذكرت الطيرة عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "خيرها الفأل ولا تردّ مسلمًا فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلاّ بالله". وبقية مباحث الحديث تأتي في الباب التالي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته. 44 - باب الْفَأْلِ (باب الفأل) الهمز كما مرّ وقد يسهل والجمع فؤول بالهمز أيضًا. 5755 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -، قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ». قَالَ: وَمَا الْفَأْلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال (أخبرنا معمر) هو ابن رشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن

45 - باب لا هامة

مسعود (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا طيرة وخيرها الفأل) قال في شرح المشكاة: فالضمير المؤنث راجع إلى الطيرة وقد علم أنه لا خير فيها فهو كقوله تعالى: {أصحاب الجنة يومئذٍ خير مستقرًّا} [الفرقان: 24] فهذا مبني على زعمهم وهو من إرخاء العنان في المخادعة بأن يجري الكلام على زعم الخصم حتى لا يشمئز عن التفكير فيه فإذا تفكر أنصف وقبل الحق أو هو من باب قولهم الصيف أحرّ من الشتاء أي الفأل في بابه أبلغ من الطيرة في بابها انتهى. والإضافة في قوله وخيرها الفأل مُشعِرة بأن الفأل من جملة الطيرة على ما لا يخفى، وقول صاحب الكواكب أنه ليس كذلك بل هي إضافة توضيح مردود بحديث حابس التميمي عند الترمذي أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قول: "العين حق وأصدق الطيرة الفأل" ففيه التصريح بأن الفأل من جملة الطيرة لكنه يستثنى وقد قال أهل اللغة الطيرة تستعمل في الخير والشر. نعم المشهور استعمال الطيرة في المكروه قال تعالى: {إنّا تطيرنا} [يس: 18] أي تشاءمنا وقال: {طائركم معكم} [يس: 19] أي سبب شؤمكم معكم والفأل في المحبوب وربما يكون في مكروه (قال: وما الفأل يا رسول الله؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم). وفي حديث أنس عند الترمذي وصححه: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا خرج لحاجة يعجبه أن يسمع يا نجيح يا راشد، وفي حديث بريدة عند أبي داود بسند حسن أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لا يتطير من شيء وكان إذا بعث غلامًا يسأله عن اسمه فإذا أعجبه فرح وإن كرهه رئي كراهة ذلك في وجهه. وحديث الباب أخرجه مسلم في الطب. 5756 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِى الْفَأْلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ». وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة ولأبي ذر حدّثنا قتادة (عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا عدوى ولا طيرة) مشتقة من الطير إذ كان أكثر تطير الجاهلية ناشئًا عنه كما مر (ويعجبني الفأل الصالح) لأنه حسن ظن بالله تعالى (الكلمة الحسنة) بيان لقوله: الفأل الصالح. قال في الكواكب: وقد جعل الله تعالى في الفطرة محبة ذلك كما جعل فحها الارتياح بالنظر الأنيق والماء الصافي وإن لم يشرب منه ويستعمله. وهذا الحديث أخرجه أبو داود وأخرجه الترمذي في السير. 45 - باب لاَ هَامَةَ هذا (باب) بالتنوين (لا هامة) بتخفيف الميم على الأفصح، وحكى أبو زيد تشديدها. 5757 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ حَدَّثَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ أَخْبَرَنَا أَبُو حَصِينٍ عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ عَدْوَى، وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ، وَلاَ صَفَرَ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن الحكم) بفتحتين المروزي وقيل: هو محمد بن عبدة بن الحكم أبو عبد الله الأحول المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (النضر) بالضاد المعجمة ابن شيمل قال: (أخبرنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قال: (أخبرنا أبو حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة) طائر قيل هي البومة يتشاءمون به وقيل كانوا يزعمون أن عظام الميت تصير هامة تطير وقيل إن روحه تنقلب هامة وهذا تفسير أكثر العلماء (ولا صفر) وهو فيما قيل دابة تهيج عند الجوع وربما قتلت عنده صاحبها وكانوا يعتقدون أنها أعدى من الجرب، وهذا ذكره مسلم عن جابر بن عبد الله في حديثه المروي عنده فتعين المصير إليه، وقال البيضاوي: هو نفي لما يتوهم أن شهر صفر تكثر فيه الدواهي. وهذا الحديث من أفراده. 46 - باب الْكَهَانَةِ (باب الكهانة) بفتح الكاف وكسرها مصدر كهن والكاهن الذي يتعاطى الخبر في مستقبل الزمن ويدّعي معرفة الأسرار وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح ونحوهما فمنهم من كان يزعم أن له تابعًا من الجن يلقي إليه الأخبار، ومنهم من يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات وأسباب يستدل بها على موافقتها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله وهذا يخصونه باسم العراف كالذي يدّعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما، وقال الخطابي: الكهنة قوم لهم أذهان حادة ونفوس شريرة وطباع نارية فألفتهم الشياطين لما بينهم من التناسب

في هذه الأمور وساعدتهم بكل ما تصل قدرتهم إليه. 5758 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى فِى امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ اقْتَتَلَتَا فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ فَأَصَابَ بَطْنَهَا وَهْىَ حَامِلٌ فَقَتَلَتْ وَلَدَهَا الَّذِى فِى بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ مَا فِى بَطْنِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ فَقَالَ وَلِىُّ الْمَرْأَةِ الَّتِى غَرِمَتْ: كَيْفَ أَغْرَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لاَ شَرِبَ وَلاَ أَكَلَ وَلاَ نَطَقَ وَلاَ اسْتَهَلَّ؟ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلّ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء آخره راء مصغرًا وهو سعيد بن كثير بن عفير قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن خالد) أمير مصر (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى في امرأتين من هذيل) بضم الهاء وفتح الدال المعجمة ابن مدركة بن الياس (اقتتلتا فرمت إحداهما) وهي أم عفيف بنت مسروح (الأخرى) وهي مليكة بنت عويم (بحجر فأصاب) الحجر (بطنها وهي حامل فقتلت ولدها الذي في بطنها فاختصموا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بلفظ الجمع كقوله تعالم: {هذان خصمان اختصموا} [الحج: 19] (فقضى) عليه الصلاة والسلام (أن دية ما في بطنها) ولو أثنى أو خنثى أو ناقص الأعضاء إذا علمنا بوجوده في بطن أمه (غرة) بضم الغين المعجمة وتشديد الراء منوّنًا بياض في الوجه عبّر به عن الجسد كله إطلاقًا للجزء على الكل (عبد أو أمة) بدل من غرة ورواه بعضهم بالإضافة البيانية والأوّل أقيس وأصوب لأنه حينئذ يكون من إضافة الشيء إلى نفسه ولا تجوز إلا بتأويل كما ورد قليلاً وأو للتقسيم لا للشك (فقال وليّ المرأة التي غرمت) بفتح المعجمة وكسر الراء أي التي قضى عليها بالغرة ووليها هو زوجها حمل بفتح الحاء المهملة والميم المخففة ابن مالك ابن النابغة الهذلي الصحابي والغرة متى وجبت فهي على العاقلة، ولأبي ذر التي غرمت بضم المعجمة وكسر الراء مشددة (كيف أُغرم يا رسول الله من لا شرب ولا أكل) قال أبو عثمان بن جني أي لم يأكل أقام الماضي مقام المضارع (ولا نطق ولا استهل) ولا صاح عند الولادة (فمثل ذلك بطل) بموحدة وطاء مهملة مفتوحتين وتخفيف اللام من البطلان ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي يطل بتحتية بدل الموحدة وتشديد اللام أي يهدر يقال: دم فلان هدر إذا ترك الطلب بثأره وطل الدم بضم الطاء وبفتحها (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنما هذا) حمل (من إخوان الكهان) لمشابهة كلامه كلامهم زاد مسلم من أجل سجعه الذي سجع ففيه ذم الكهان ومَن تشبّه بهم في ألفاظهم حيث كانوا يستعملونه في الباطل كسجع حمل يريد به إبطال حكم الشرع ولم يعاقبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه كان مأمورًا بالصفح عن الجاهلين. وهذا الحديث من أفراده. 5759 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ امْرَأَتَيْنِ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا فَقَضَى فِيهِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أمَةٍ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد البلخي (عن مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن امرأتين رمت إحداهما الأخرى بحجر) وعند أحمد من طريق عمرو بن تميم عن عويم عن أبيه عن جده قال: كانت أختي مليكة وامرأة منا يقال لها أم عفيف بنت مسروح تحت حمل ابن مالك ابن النابغة فضربت أم عفيف مليكة وسقط لابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني بحجر (فطرحت جنينها فقضى فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بغرة) بالتنوين (عبدًا ووليدة) بالجر فيهما بدلاً من بغرة والمراد العبد والأمة ولو كانا أسودين وإن كان الأصل في الغرة البياض في الوجه كما توسعوا في إطلاقها على الجسد كله كما قالوا أعتق رقبة، لكن قال أبو عمرو بن العلاء القارئ: المراد الأبيض لا الأسود قال: ولولا أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد بالغرة معنًى زائدًا على شخص العبد والأمة لما ذكرهما قال النووي: وهو خلاف ما اتفق عليه الفقهاء من إجزاء الغرة السوداء والبيضاء. قال أهل اللغة: الغرة عند العرب أنفس الشيء وأطلقت هنا على الإنسان لأن الله تعالى خلقه في أحسن تقويم فهو من أنفس المخلوقات. 5760 - وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى فِى الْجَنِينِ يُقْتَلُ فِى بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ فَقَالَ الَّذِى قُضِىَ عَلَيْهِ: كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لاَ أَكَلَ وَلاَ شَرِبَ وَلاَ نَطَقَ وَلاَ اسْتَهَلَّ؟ وَمِثْلُ ذَلِكَ بَطَلْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ». (وعن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري بالسند السابق (عن سعيد بن المسيب أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى في الجنين) حال كونه (يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة فقال الذي قضى عليه) بضم القاف وكسر المعجمة وفي السابقة فقال وليّ المرأة التي غرمت (كيف

أغرم ما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من (لا أكل ولا شرب ولا نطق ولا استهل) أي ولا صرخ (ومثل ذلك بطل) بالموحدة ولابن عساكر يطل بتحتية مضمومة يهدر ولا يجب فيه شيء ويطل بالتحتية من الأفعال التي لا تستعمل إلا مبنية للمفعول كجن قال المنذري، وأكثر الروايات بطل أي بالموحدة وإن كان الخطابي رجح الأخرى (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنما هذا) يعني وليّ المرأة (من إخوان الكهان) شبه بالإخوان لأن الأخوة تقتضي المشابهة وذمه حيث أراد بسجعه رفع ما أوجبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا الحيث مرسل. 5761 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِىِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث) بن هشام بن المغيرة المخزومي أحد الفقهاء السبعة (عن أبي مسعود) عقبة البدري الأنصاري الكوفي -رضي الله عنه- أنه (قال نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) تناول (ثمن الكلب) أو عن أن يكون للكلب ثمن سواء كان معلمًا أم لا وأما حكاية القمولي في الجواهر وجهًا في بيع الكلب المقتنى فغريب وسماه ثمنًا باعتبار الصورة (و) عن (مهر البغي) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتية الزانية وهو فعول من البغاء فأدغمت الواو في الياء ولا يجوز عندهم أن يكون على فعيل لأن فعيلاً بمعنى فاعل يكون بالهاء في المؤنث ككريمة، وإنما يكون بغير هاء إذا كان بمعنى مفعول كامرأة جريح وقتيل وسمي ما يعطى على الزنا مهرًا مجازًا كما في ثمن الكلب من مجاز التشبيه أو أطلق عليه ذلك بالمعنى اللغوي (و) عن (حلوان الكاهن) بضم الحاء المهملة وسكون اللام قال الهروي: أصله من الحلاوة شبه به لأنه يأخذ ما يعطاه على كهانته سهلاً من غير كلفة. قال الماوردي في الأحكام السلطانية: ويمنع المحتسب من يكتسب بالكهانة واللهو ويؤدب الآخذ والمعطي. وهذا الحديث قد سبق في باب ثمن الكلب من البيع. 5762 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَاسٌ عَنِ الْكُهَّانِ فَقَالَ: «لَيْسَ بِشَىْءٍ» فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أَحْيَانًا بِشَىْءٍ فَيَكُونُ حَقًّا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا مِنَ الْجِنِّىِّ فَيَقُرُّهَا فِى أُذُنِ وَلِيِّهِ فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ». قَالَ عَلِىٌّ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: مُرْسَلٌ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ ثُمَّ بَلَغَنِى أَنَّهُ أَسْنَدَهُ بَعْدَهُ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين وسكون العين ابن راشد عالم اليمن (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن يحيى بن عروة بن الزبير) بن العوّام وثبت لأبي ذر ابن الزبير (عن) أبيه (عروة عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ناس) ولأبي ذر عن الكشميهني: سأل ناس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن الكهان) وفي مسلم تسمية من سأل عن ذلك معاوية بن الحكم السلمي ولفظه قلت: يا رسول الله أمورًا كنا نصنعها في الجاهلية كنا نأتي الكهان. الحديث (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ليس) قولهم (بشيء) يعتمد عليه (فقالوا) مستشكلين عموم قوله ليس بشيء إذ مفهومه أنهم لا يصدقون أصلاً (يا رسول الله إنهم يحدّثونا) ولأبي ذر يحدّثوننا (أحيانًا بشيء) من الغيب (فيكون) ما حدّثونا به (حقًّا) أي واقعًا ثابتًا (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تلك الكلمة من الحق يخطفها) بفتح الطاء لا بكسرها على المشهور أي يأخذها الكاهن (من الجني) بسرعة وسقطت لفظة من لابن عساكر أي يخطفها الجني من الملائكة وفي رواية الكشميهني كما في الفتح يحفظها بحاء مهملة ساكنة ففاء مفتوحة فظاء معجمة من الحفظ والأوّل هو المعروف (فيقرّها) بضم التحتية وكسر القاف وتشديد الراء أي يصبها أو يلقيها بصوت (في أُذن وليّه) الذي يواليه وهو الكاهن وغيره ممن يوالي الجن (فيخلطون معها) مع الكلمة التي يحفظونها من الملائكة (مائة كذبة) بفتح الكاف وسكون المعجمة فربما أصاب نادرًا وأخطأ غالبًا فلا تغتر بصدقهم في بعض الأمور. وعن ابن عباس قال: حدّثني رجال من الأنصار أنهم بينا هم جلوس ليلاً مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ رمي بنجم فاستنار فقال: "ما كنتم تقولون إذا رمي مثل هذا في الجاهلية"؟ قالوا: كنا نقول ولد الليلة رجل عظيم أو مات رجل عظيم فقال: "فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته

47 - باب السحر

ولكن ربنا تعالى إذا قضى أمرًا سبّح حملة العرش ثم يسبّح الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح إلى أهل السماء الدّنيا فيقولون ماذا قال ربكم فيخبرونهم حتى يصل إلى السماء فيسترق منه الجني فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يزيدون فيه وينقصون" رواه مسلم. وفيه بيان توصل الجن إلى الاختطاف وقد انقطعت الكهانة بالبعثة المحمدية لكن بقي من يتشبّه بهم، وثبت النهي عن إتيانهم فلا يحل إتيانهم ولا تصديقهم. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الطب. (قال علي) هو ابن المديني (قال عبد الرزاق) بن همام (مرسل الكلمة من الحق) أي أن عبد الرزاق كان يرسل هذا القدر من الحديث (ثم) قال علي بن المديني (بلغني أنه) أي عبد الرزاق (أسنده) إلى عائشة (بعده) ولأبي ذر وابن عساكر بعد أي بعد ذلك وقد أخرجه مسلم عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق موصولاً كرواية هشام بن يوسف عن معمر والاختطاف المذكور في الحديث مستعار للكلام من فعل الطير كما قال تعالى: {فتخطفه الطير} [الحج: 31]. 47 - باب السِّحْرِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} وَقَوْلِهِ: {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} وَقَوْلِهِ: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} وَقَوْلِهِ: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِى الْعُقَدِ}. وَ {النَّفَّاثَاتُ}: السَّوَاحِرُ، {تُسْحَرُونَ}: تُعَمَّوْنَ. (باب السحر) بكسر السين وسكون الحاء المهملتين وهو أمر خارق للعادة صادر عن نفس شريرة لا تتعذر معارضته واختلف هل له حقيقة أم لا. والصحيح وهو الذي عليه الجمهور أن له حقيقة، وعلى هذا فهل له تأثير فقط بحيث يغير المزاج فيكون نوعًا من الأمراض أو ينتهي إلى الإحالة بحيث يصير الجماد حيوانًا مثلاً وعكسه، فالذي عليه الجمهور وهو الأول وفرقوا بين المعجزة والكرامة والسحر بأن السحر يكون بمعاناة أحوال وأفعال حتى يتم للساحر ما يريد والكرامة لا تحتاج إلى ذلك بل إنما تقع غالبًا اتفاقًا، وأما المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتحدي، وقال القرطبي: الحق أن لبعض أصناف السحر تأثيرًا في القلوب كالحب والبغض وإلقاء الخير والشر وفي الأبدان بالألم والسقم وإنما المنكر أن الجماد ينقلب حيوانًا أو عكسه بسحر الساحر. (وقوله تعالى): بالجر عطفًا على المجرور السابق ({ولكن الشياطين كفروا}) باستعمال السحر وتدوينه ({يعلمون الناس السحر}) أي كفروا معلمين الناس السحر قاصدين به إغوائهم وإضلالهم والواو في ولكن عاطفة جملة الاستدراك على ما قبلها ({وما أنزل على الملكين}) ما موصول بمعنى الذي في موضع نصب عطفًا على السحر أي يعلمون الناس السحر والمنزل على الملكين أو عطفًا على ما تتلو الشياطين أي واتبعوا ما تتلو الشياطين وما أنزل على الملكين وعلى هذا فما بينهما اعتراض أو ما نفي والجملة معطوفة على الجملة النفية قبلها وهي ما كفر سليمان أي وما أنزل على الملكين إباحة السحر. قال القرطبي: ما نفي والواو للعطف على قوله تعالى: وما كفر والتقدير وما أنزل على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ({ببابل}) اسم أرض وهي بابل العراق وسميت بذلك لتبلبل الألسن بها عند سقوط صرح نمروذ وقيل إن الله تعالى أمر ريحًا يحشرهم بهذه الأرض فلم يدر أحدهم ما يقول الآخر ثم فرقهم الريح في البلاد فتكلم كل أحد بلغته وهو متعلق بأنزل والباء بمعنى في أي في بابل ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال من الملكين أو من الضمير في أنزل فيتعلق بمحذوف ({هاروت وماروت}) بدل من الملكين وجرّا بالفتحة لأنهما لا ينصرفان للعجمة والعلمية أو عطف بيان ({وما يعلمان}) هاروت وماروت ({من أحد}) الظاهر أنه الملازم للنفي وهمزته أصل بنفسها وأجاز أبو البقاء أن يكون بمعنى واحد فتكون همزته بدلاً من واو ({حتى يقولا}) حتى ينبهاه وينصحاه يقولا له ({وإنما نحن فتنة فلا تكفر}) أي ابتلاء واختيار من الله تعالى ليتميز المطيع من العاصي كقولك: فتنت الذهب بالنار إذا عرضته عليها ليتميز الخالص من المشوب ({فيتعلمون}) عطف على وما يعلمان والضمير في فيتعلمون لما دل عليه من أحد أي فيتعلم الناس ({منهما}) من الملكين ({ما}) أي الذي ({يفرقون بين المرء وزوجه}) وهو علم السحر الذي يكون سببًا في التفريق بين الزوجين بأن يحدث الله عنده النشوز

والخلاف ابتلاء منه وللسحر حقيقة عند أهل السُّنَّة وعند المعتزلة هو تخييل وتمويه، وقيل التفريق إنما يكون بأن يعتقد أن ذلك السحر مؤثر في هذا التفريق فيصير كافرًا وإذا صار كافرًا بانت منه زوجته ({وما هم بضارين به}) بالسحر ({من أحد إلا بإذن الله}) ما حجازية فهم اسمها وبضاري خبرها والباء زائدة فهو في محل نصب أو تميمية فهم مبتدأ أو بضارين خبره والباء زائدة أيضًا فهو في محل رفع والضمير فيه عائد على السحرة العائد عليهم ضمير فيتعلمون أو على اليهود العائد عليهم ضمير واتبعوا أو يعود على الشياطين والضمير في به يعود على ما في قوله ما يفرقون به، وقوله إلا بإذن الله استثناء مفرغ من الأحوال فهو في موضع نصب على الحال وصاحبه الفاعل المستكن في بضارين أو المفعول وهو أحد لجواز مجيء الحال من النكرة لاعتمادها على النفي أو الهاء في به أي بالسحر والتقدير وما يضرون أحدًا بالسحر إلا ومعه علم الله أو مقرونًا بإذن الله ونحو ذلك. فإن قلت الإذن حقيقة في الأمر والله لا يأمر بالسحر لأنه ذمهم عليه ولو أمرهم به لما جاز أن يذمهم عليه. أجيب: بأن المراد منه التخلية يعني إذا سحر الإنسان فإن شاء الله منعه منه وإن شاء خلى بينه وبين ضرر السحر أو المراد إلا بعلم الله ومنه سمي الأذان لأنه إعلام بدخول الوقت أو أن الضرر الحاصل عند فعل السحر إنما يحصل بخلق الله ({ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم}) في الآخرة لأنهم يقصدون الشر ({ولقد علموا}) هؤلاء اليهود ({لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق}) [البقرة: 102] من نصيب واستعير لفظ الشراء لوجهين. أحدهما: أنهم لما نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وأقبلوا على التمسك بما تتلو الشياطين فكأنهم اشتروا السحر بكتاب الله. وثانيهما: أن الملكين إنما قصدا بتعليم السحر الاحتراز عنه وهؤلاء أبدلوا ذلك الاحتراز بالوصول إلى منافع الدنيا، وسقط في رواية أبي ذر {وما يعلمان} إلى آخره، وقال بعد قوله: {وماروت} الآية. وقال في رواية ابن عساكر إلى قوله: {من خلاق} واختلف في المراد بالآية فقيل إن قوله: واتبعوا هم اليهود الذين كانوا زمن نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقيل: هم الذين كانوا في زمن سليمان عليه الصلاة والسلام من السحرة لأن أكثر اليهود ينكرون نبوّة سليمان عليه السلام ويدعونه من جملة ملوك الدنيا وهؤلاء ربما اعتقدوا فيه أنه إنما وجد الملك العظيم بسبب السحر، وقيل: إنه يتناول الكل وهو أولى، واختلف في المراد بالشياطين فقيل: شياطين الإنس، وقيل: هم شياطين الإنس والجن، قال السدي: إن الشياطين كانوا يسترقون السمع ويضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلقولها إلى الكهنة فدوّنوها في الكتب وعلموها الناس وفشا ذلك في زمن سليمان فقالوا: إن الجن تعلم الغيب وكانوا يقولون هذا علم سليمان وما تم ملكه إلا بهذا العلم وبه سخر الجن والإنس والطير والريح التي تجري بأمره، وأما القائلون بأنهم شياطين الإنس فقالوا: روي أن سليمان عليه الصلاة والسلام كان قد دفن كيرًا من العلوم التي خصّه الله بها تحت سرير ملكه خوفًا على أنه إن هلك الظاهر يبقى ذلك المدفون، فلما مضت مدة على ذلك توصل قوم من المنافقين إلى أن كتبوا في خلال ذلك أشياء من السحر تناسب تلك الأشياء من بعض الوجوه ثم بعد موته واطلاع الناس على تلك الكتب أوهموا الناس أنه من عمل سليمان وأنه إنما وصل إلى ما وصل بسبب هذه الأشياء وإنما أضافوا السحر لسليمان تفخيمًا لشأنه وترغيبًا للقوم في قبول ذلك، وقيل: إنه تعالى لما سخر الجن لسليمان وكان يخالطهم ويستفيد منهم أسرارًا عجيبة غلب على الظنون أنه عليه الصلاة والسلام استفاد السحر منهم بقوله تعالى: {وما كفر سليمان} [البقرة: 102] تنزيه له عليه السلام عن الكفر، وروي أن بعض الأحبار من اليهود قال: ألا تعجبون من محمد يزعم أن سليمان كان نبيًّا وما كان إلا ساحرًا فأنزل الله هذه الآية قاله في اللباب. (وقوله تعالى): بالجر عطفًا على المجرور السابق ({ولا يفلح الساحر}) أي هذا الجنس ({حيث أتى}) [طه: 69] أينما كان. وقال الراغب: حيث

عبارة عن مكان مهم يشرح بالجملة التي بعده كقوله تعالى: {وحيثما كنتم} [البقرة: 144] {ومن حيث خرجت} [البقرة: 149] (وقوله) عز وجل: ({أفتأتون السحر وأنتم تبصرون} [الأنبياء: 3] أي إنهم كانوا يعتقدون أن الرسول لا يكون إلا ملكًا وأن كل من ادّعى الرسالة من البشر وجاء بالمعجزة فهو ساحر ومعجزته سحر؛ ولذا قال قائلهم منكرًا على من اتبعه: أفتأتون السحر أي أفتتبعونه حتى تصيروا كمن اتّبع السحر وهو يعلم أنه سحر. (وقوله) تعالى: ({يخيل إليه}) إلى موسى ({من سحرهم أنها}) أي العصيّ ({تسعى}) [طه: 66] لأنهم أودعوها من الزئبق ما كانت تتحرك بسببه وتضطرب وتمتد بحيث يخيل للناظرين أنها تسعى باختيارها وإنما كان حيلة وكانوا جمًّا غفيرًا وجمعًا كثيرًا فألقى كلٌّ منهم عصًا وحبلاً حتى صار الوادي ملآن حيات يركب بعضها بعضًا ولا حجة فيها للقائل إن السحر تخييل لأنها وردت في هذه القصة وكان سحرهم كذلك ولا يلزم منه أن جميع أنواع السحر تخييل (وقوله) تعالى: {ومن شر النفاثات في العقد} [الفلق: 4]. و {النفاثات}): النساء (السواحر) أو النفوس أو الجماعات اللاتي يعقدن عقدًا في خيوط وينفثن عليها ويرقين وفيه دليل على بطلان قول المعتزلة في إنكار تحقق السحر، وقوله تعالى: في سورة المؤمنون ({تسحرون}) [المؤمنون: 89] أي (تعمون) بضم أوله وفتح الميم وقال ابن عطية: السحر هنا مستعار لما وقع من التخليط ووضع الشيء في غير موضعه. 5763 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ مِنْ بَنِى زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّىْءَ وَمَا فَعَلَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهْوَ عِنْدِى لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا ثُمَّ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ أَتَانِى رَجُلاَنِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَىَّ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: مَطْبُوبٌ قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، قَالَ: فِى أَىِّ شَىْءٍ؟ قَالَ: فِى مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِى بِئْرِ ذَرْوَانَ» فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَجَاءَ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ أَوْ كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ». قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أَسْتَخْرِجُهُ؟ قَالَ: «قَدْ عَافَانِى اللَّهُ فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا». فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ. تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَأَبُو ضَمْرَةَ وَابْنُ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ، وَقَالَ اللَّيْثُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ هِشَامٍ فِى مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ، يُقَالُ: الْمُشَاطَةُ مَا يَخْرُجُ مِنَ الشَّعَرِ إِذَا مُشِطَ وَالْمُشَاقَةُ مِنْ مُشَاقَةِ الْكَتَّانِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الرازي الفراء الحافظ قال: (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي أحد الأعلام في الحفظ والعبادة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: سحر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل من بني زريق) بضم الزاي وفتح الراء آخره قاف (يقال له لبيد بن الأعصم) بفتح اللام وكسر الموحدة والأعصم بالعين والصاد المهملتين بوزن الأحمر، وفي مسلم أنه يهودي من بني زريق (حتى كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما فعله) ثبت قوله إنه كان في رواية أبي ذر، وفي رواية ابن عيينة في الباب التالي كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وحينئذ فلا تمسك لبعض المبتدعة بقوله: إنه يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله الزاعم أن الحديث باطل لاحتمال أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثمة، وأنه يوحى إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء. قال المازري: وهذا كله مردود فقد قام الدليل على صدقه عليه الصلاة والسلام فيما يبلغه عن الله وعلى عصمته في التبليغ فما حصل له من ضرر السحر ليس نقصًا فيما يتعلق بالتبليغ بل هو من جنس ما يجوز عليه من سائر الأمراض (حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة) من إضافة المسمى إلى الاسم أو ذات مقحمة للتأكيد والشك من الراوي (وهو عندي لكنه دعا ودعا) أي لكنه لم يكن مشتغلاً بي بل بالدعاء والمستدرك منه هو قوله وهو عندي أو قوله كان يخيل إليه أي كان السحر أثر في بدنه لا في عقله وفهمه بحيث إنه توجه إلى الله تعالى ودعا على الوضع الصحيح والقانون المستقيم قاله في الكواكب الدراري (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يا عائشة أشعرت) أي أعلمت (أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه) أي أجابني فيما دعوته أو المعنى أجابني عما سألته عنه لأن دعاءه كان أن يطلعه على حقيقته ما هو فيه لما اشتبه عليه من الأمر (أتاني رجلان) أي ملكان كما عند الطبراني وعند ابن سعد في رواية منقطعة أنهما جبريل وميكائيل (فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي) جزم الدمياطي في سيرته بأن الذي قعد عند رأسه جبريل (فقال أحدهما) وهو جبريل أو ميكائيل قيل: وهو أصوب (لصاحبه ما وجع الرجل)؟ أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: مطبوب) بالطاء المهملة الساكنة والباءين الموحدتين أي مسحور قيل كنّوا عن السحر بالطب تفاؤلاً كما قالوا للديغ سليم (قال: من طبه)؟ من سحره (قال) طبه (لبيد بن الأعصم. قال: في أي شيء)؟ طبه (قال: في مشط) بضم الميم وسكون المعجمة الآلة

48 - باب الشرك والسحر من الموبقات

التي يسرح بها شعر الرأس واللحية (ومشاطة) بضم الميم وفتح المعجمة مخففة وبعد الألف طاء مهملة ما يخرج من الشعر عند التسريح، وفي حديث ابن عباس من شعر رأسه ومن أسنان مشطه ورواه البيهقي (وجف طلع نخلة) بضم الجيم وتشديد الفاء الغشاء الذي يكون على الطلع ويطلق على الذكر والأنثى فلذا قيده بقوله (ذكر) بالتنوين كنخلة على أن لفظ ذكر صفة للجف وللمستملي وجب بالموحدة بدل الفاء وهما بمعنى واحد، وقال القرطبي: إنه بالموحدة داخل الطلعة إذا خرج منها الكفري قاله شمر وللكشميهني وجف بالفاء طلعة بتاء تأنيث منوّنة (قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان) بفتح المعجمة وسكون الراء ولمسلم من رواية ابن نمير في بئر ذي أروان بالهمزة وصوّبه أبو عبيد البكري (فأتاها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ناس من أصحابه) وعند ابن سعد من حديث ابن عباس فبعث إلى عليّ وعمار فأمرهما أن يأتيا البئر وعنده أيضًا في مرسل عمران بن الحكم فدعا جبير بن إياس الزرقي وهو ممن شهد بدرًا فدله على موضعه في بئر ذروان فاستخرجه قال: ويقال إن الذي استخرجه قيس بن محصن الزرقي. قال في الفتح: ويجمع بأنه أعان جبيرًا على ذلك وباشر بنفسه فنسب إليه وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجههم أولاً ثم توجه فشاهدها بنفسه (فجاء) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن رجع إلى عائشة (فقال: يا عائشة كان ماءها نقاعة الحناء) بضم النون وتخفيف القاف والحناء بكسر الحاء المهملة والمد يعني أن ماء البئر أحمر كالذي ينقع فيه الحناء يعني أنه تغير لرداءته أو لما خالطه مما ألقي فيه (وكان رؤوس نخلها رؤوس الشياطين) في التناهي في كراهتها وقبح منظرها وقيل الشياطين حيات عرفاء قبيحة المنظر هائلة جدًّا قالت عائشة: (قلت: يا رسول الله أفلا استخرجته؟ قال): لا (قد عافاني الله) منه (فكرهت أن أثوّر) بضم الهمزة وفتح المثلثة وكسر الواو المشددة (على الناس فيه) وللكشميهني منه (شرًّا) من تذكير المنافقين السحر وتعلمه ونحو ذلك فيؤذون المؤمنين وهو من باب ترك المصلحة خوف المفسدة (فأمر بها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالبئر (فدفنت. تابعه) أي تابع عيسى بن يونس (أبو أسامة) حماد بن أسامة فيما وصله المؤلّف بعد بابين (وأبو ضمرة) بالضاد المعجمة المفتوحة وإسكان الميم بعدها راء أنس بن عياض الليثي المدني فيما وصله المؤلّف في الدعوات (وابن أبي الزناد) عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان. قال في فتح الباري: ولم أعرف من وصلها الثلاثة (عن هشام) أي ابن عروة وعند ابن عساكر زيادة ومشط ومشافة أي بالقاف. (وقال الليث) بن سعد الإمام مما سبق في بدء الخلق (وابن عيينة) سفيان مما وصله بعد باب (عن هشام في مشط ومشاقة) بالقاف بدل الطاء (يقال) ولأبي ذر ويقال (المشاطة) بالطاء (ما يخرج من الشعر إذا مشط) بضم الميم وكسر المعجمة أي سرح شعر الرأس أو اللحية بالمشط (والمشاقة) بالقاف (من مشاقة الكتان) عند تسريحه. 48 - باب الشِّرْكُ وَالسِّحْرُ مِنَ الْمُوبِقَاتِ هذا (باب) بالتنوين (الشرك) بالله (والسحر من الموبقات) أي المهلكات. 5764 - حَدَّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِى الْغَيْثِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اجْتَنِبُوا الْمُوبِقَاتِ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر بالجمع (عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (سليمان) بن بلال (عن ثور بن زيد) الديلمي المدني (عن أبي الغيث) بالمعجمة والمثلثة سالم مولى عبد الله بن مطيع (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (اجتنبوا الموبقات الشرك بالله والسحر) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أو عكسه أي منهم الشرك أو الأول الشرك بالله والثاني السحر وبالنصب فيهما لأبي ذر على البدل. قال في المصابيح: فإن قلت المبدل منه جمع فكيف يبدل منه اثنان؟ قلت: على تقدير وأخواتها. وقد سبق هذا الحديث في كتاب الوصايا بلفظ: "اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات" فاختصره هنا. قيل واقتصر منها على اثنين تأكيدًا لأمرهما. 49 - باب هَلْ يَسْتَخْرِجُ السِّحْرَ؟ وَقَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ رَجُلٌ بِهِ طِبٌّ أَوْ يُؤَخَّذُ عَنِ امْرَأَتِهِ أَيُحَلُّ عَنْهُ أَوْ يُنَشَّرُ؟ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الإِصْلاَحَ فَأَمَّا مَا يَنْفَعُ فَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ. هذا (باب)

بالتنوين (هل يستخرج السحر)؟ من الموضع الذي وضع فيه (وقال قتادة: قلت لسعيد بن المسيب رجل به طب) بكسر الطاء المهملة وتشديد الموحدة سحر (أو) بإسكان الواو (يؤخذ) بفتح الهمزة والخاء المعجمة المشددة بعدها معجمة أي يحبس (عن امرأته) فلا يصل إلى جماعها والأخذة بضم الهمزة هي الكلام الذي يقوله الساحر، وقيل هي خرزة يرقى عليها أو هي الرقية نفسها (أيحل عنه) بهمزة الاستفهام وضم التحتية وفتح الحاء وتشديد اللام (أو ينشر)؟ بضم التحتية وسكون النون وفتح الشين المعجمة في الفرع مصلحة على كشط وضبط في غيره بفتح النون وتشديد المعجمة من النشرة وهي ضرب من العلاج يعالج به من يظن أن به سحرًا أو شيئًا من الجن قيل لها ذلك لأنه يكشف غمة ما خالطه من الداء قال الكرماني: وكلمة أو يحتمل أن تكون شكًّا أو نوعًا شبيهًا باللف والنشر بأن يكون الحل في مقابلة الطب والتنشير في مقابلة التأخيذ (قال) ابن المسيب (لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح فأما ما ينفع فلم ينه عنه) بضم التحتية وفتح الهاء، وهذا وصله أبو بكر الأثرم في كتاب السنن من طريق أبان العطار عن قتادة مثله، ومن طريق هشم الدستوائي عن قتادة بلفظ: يلتمس من يداويه فقال: إنما نهى الله عما يضره ولم ينه عما ينفعه، وفي حديث جابر عند مسلم مرفوعًا: (من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل) وفي كتب وهب بن منبّه أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقها بين حجرين ثم يضربها بالماء ويقرأ آية الكرسي وذوات "قل" ثم يحسو منه ثلاث حسوات ثم يغتسل له فإنه يذهب عنه ما كان به وهو جيد للرجل إذا احتبس عن أهله. 5765 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِى آلُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ فَسَأَلْتُ هِشَامًا عَنْهُ فَحَدَّثَنَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُحِرَ حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِى النِّسَاءَ وَلاَ يَأْتِيهِنَّ قَالَ سُفْيَانُ: وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ إِذَا كَانَ كَذَا، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَعَلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ أَتَانِى رَجُلاَنِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَىَّ فَقَالَ الَّذِى عِنْدَ رَأْسِى لِلآخَرِ، مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ كَانَ مُنَافِقًا، قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِى مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ، قَالَ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: فِى جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ تَحْتَ رَعُوفَةٍ فِى بِئْرِ ذَرْوَانَ». قَالَتْ: فَأَتَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ فَقَالَ: «هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِى أُرِيتُهَا وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ وَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، قَالَ: فَاسْتُخْرِجَ». قَالَتْ: فَقُلْتُ أَفَلاَ أَىْ تَنَشَّرْتَ فَقَالَ: «أَمَا وَاللَّهِ فَقَدْ شَفَانِى وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ شَرًّا». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي (قال: سمعت ابن عيينة) سفيان (يقول: أول من حدّثنا به ابن جريج) عبد الملك (يقول: حدّثني) بالإفراد (آل عروة عن عروة) بن الزبير (فسألت هشامًا عنه) أي عن الحديث (فحدّثنا عن أبيه) عروة (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سحر) مبني للمفعول (حتى كان يرى) ولأبي ذر: يرى بضم الياء يظن (أنه يأتي النساء ولا يأتيهن) أي وطئ زوجاته ولم يكن وطئهن، وفي رواية الحميدي أنه كان يأتي أهله ولا يأتيهم. وفي رواية ضمرة عند الإسماعيلي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقام أربعين، وفي رواية وهيب عن هشام عند أحمد ستة أشهر وجمع بأن ستة الأشهر من ابتداء تغير مزاجه والأربعين يومًا من استحكامه، لكن في جامع معمر عن الزهري أنه لبث سنة وإسناده صحيح. قال ابن حجر: فهو المعتمد (قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (وهذا) النوع المذكور هنا (أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يا عائشة أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه)؟ وفي رواية عمرة عن عائشة عند البيهقي أن الله أنبأني بمرضي أي أخبرني (أتاني رجلان) هما جبريل وميكائيل (فقعد أحدهما عند رأسي) وهو جبريل (والآخر عند رجليّ) بتشديد التحتية وهو ميكائيل (فقال الذي عند رأسي للآخر): وللحميدي فقال الذي عند رجلي للذي عند رأسي. قال ابن حجر: وكأنها أصوب (ما بال الرجل؟ قال: مطبوب) أي مسحور (قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم) بهمزة مفتوحة فعين ساكنة (رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقًا) وسبق أن في مسلم أنه كان كافرًا وجمع بينهما بأن من أطلق أنه يهودي نظر إلى ما في نفس الأمر ومن أطلق عليه منافقًا نظر إلى ظاهر أمره، وحكى عياض في الشفاء أنه كان أسلم، وعند ابن سعد عن الواقدي من مرسل عمر بن الحكم لما رجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الحديبية في ذي الحجة ودخل المحرم من سنة سبع جاء رؤساء اليهود إلى لبيد بن أعصم وكان حليفًا في بني زريق وكان ساحرًا فقالوا له: أنت أسحرنا وقد سحرنا محمدًا فلم نصنع شيئًا ونحن نجعل لك جعلاً على أن تسحره لنا سحرًا ينكأه فجعلوا له ثلاثة دنانير (قال: وفيم)؟ سحره (قال: في مشط ومشاقة) بالقاف (قال: وأين؟ قال: في جف طلعة) بإضافة جف لطلعة وتنوينها

50 - باب السحر

(ذكر) بالتنوين صفة لجف وهو وعاء الطلع (تحت رعوفة) ولأبي ذر عن الكشميهني راعوفة بزيادة ألف بعد الراء قال في الفتح وهو كذلك لأكثر الرواة وعكس ابن التين وهو حجر يترك في البئر عند الحفر ثابت لا يستطاع قلعه يقوم عليه المستقي، وقيل حجر على رأس البئر يستقي عليه المستقي، وقيل حجر بارز من طيها يقف عليه المستقي والناظر فيها، وقيل في أسفل البئر يجلس عليه الذي ينظفها لا يمكن قلعه لصلابته (في بئر ذروان. قالت) عائشة -رضي الله عنها- (فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البئر حتى استخرجه) وفي رواية ابن نمير قالت: أفلا أخرجته؟ قال: لا. وفي باب السحر من طريق عيسى بن يونس أفلا استخرجته؟ قال: قد عافاني الله. قال ابن بطال فيما ذكره عنه في فتح الباري عن المهلب، وقد اختلف الرواة على هشام في إخراج السحر المذكور فأثبته سفيان وجعل سؤال عائشة عن النشرة ونفاه عيسى بن يونس وجعل سؤالها عن الناس خراج، ولم يذكر الجواب. وصرح به أبو أسامة قال: والنظر يقتضي ترجيح رواية سفيان لتقدمه في الضبط، ويؤيده أن النشرة لم تقع في رواية أبي أسامة والزيادة من سفيان مقبولة لأنه أثبتهم، ولا سيما أنه كرر استخراج السحر في روايته مرتين يعني بالمرة الأولى في قوله قال: فاستخرجه فبعد من الوهم، وزاد ذكر النشرة وجعل جوابه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنها بلا بدلاً عن الاستخراج المنفي في رواية أبي أسامة غير الاستخراج المثبت في رواية سفيان فالمثبت هو استخراج الجف والمنفي استخراج ما حواه. قال: وكأن السر في ذلك أن لا يراه الناس فيتعلمه من أراد السحر انتهى. وفي حديث عمرة عن عائشة من الزيادة أنه وجد في الطلعة تمثالاً من شمع تمثال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا فيه إبر مغروزة وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة فنزل جبريل بالمعوذتين وكلما قرأ آية انحلّت عقدة وكلما نزع إبرة وجد لها ألمًا ثم يجد بعدها راحة. (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعائشة: (هذه البئر التي أريتها) بهمزة مضمومة فراء مكسورة وللكشميهني رأيتها براء فهمزة مفتوحتين (وكأن ماءها نقاعة الحناء) في حمرة لونه، وعند ابن سعد وصححه الحاكم من حديث زيد بن أرقم فوجدوا الماء أخضر (وكأن نخلها) أي نخل البستان الذي هي فيه (رؤوس الشياطين) وفي رواية عمرة عن عائشة فإذا نخلها الذي يشرب من مائها قد التوى سعفه كأنه رؤوس الشياطين أي في قبح منظرها أو الحيات إذ العرب تسمي بعض الحيّات شيطانًا وهو ثعبان قبيح الوجه (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فاستخرج) بضم التاء وكسر الراء من البئر (قالت) عائشة رضي الله عنها (فقلت) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أفلا أي تنشرت)؟ وسقطت لفظة أي في بعض النسخ والنشرة الرقية التي يحل بها عقد الرجل عن مباشرة امرأته (فقال: أما) بالتخفيف (والله) جرّ بواو القسم ولابن عساكر وأبوي الوقت وذر: أمّا والله بتشديد الميم وحذف الواو والرفع (فقد شفاني) أي من ذلك السحر (وكره أن أُثير على أحد من الناس شرًّا). 50 - باب السِّحْرِ (باب السحر) ولم يذكر هذا الباب وترجمه عند بعضهم. قال في الفتح: وهو الصواب لأن الترجمة بعينها قد تقدمت قبل بابين ولا يعهد ذلك للبخاري إلا نادرًا عند بعضهم. 5766 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّىْءَ وَمَا فَعَلَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهْوَ عِنْدِى دَعَا اللَّهَ وَدَعَاهُ ثُمَّ قَالَ: «أَشَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ»؟ قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «جَاءَنِى رَجُلاَنِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَىَّ ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ الْيَهُودِىُّ مِنْ بَنِى زُرَيْقٍ قَالَ: فِيمَا ذَا؟ قَالَ: فِى مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِى بِئْرِ ذِى أَرْوَانَ». قَالَ: فَذَهَبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الْبِئْرِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخْلٌ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ: «وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَأَخْرَجْتَهُ قَالَ: «لاَ أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِى اللَّهُ وَشَفَانِى وَخَشِيتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا» وَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبيد بن إسماعيل) بضم العين من غير إضافة لشيء الهباري قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: سحر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أنه ليخيل إليه) أي يظهر له من نشاطه وسابق عادته (أنه يفعل الشيء) وللكشميهني فعل الشيء بلفظ الماضي (وما فعله) أي جامع نساءه وما جامعهن فإذا دنا منهن أخذه السحر فلم يتمكن من ذلك وإلى هنا اختصر الحموي وزاد الكشميهني والمستملي (حتى إذا كان ذات يوم) وفي الرواية السابقة أو ذات ليلة بالشك قال في الفتح: والشك من عيسى بن يونس راويه هناك قال: هذا من نوادر ما وقع في البخاري بأن يخرج

51 - باب من البيان سحرا

الحديث تامًّا بإسناد واحد بلفظين (وهو عندي دعا الله ودعاه ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (أشعرت) أي أعلمت (يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: جاءني رجلان) هما جبريل وميكائيل (فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي) بالتثنية (ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل)؟ يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: مطبوب) أي مسحور. قال القرطبي: إنما قيل للسحر طب لأن أصل الطب الحذف بالشيء والتفطن له فلما كان كلٌّ من علاج المرض والسحر إنما يتأتى عن فطنة وحذق أطلق على كلٍّ منهما هذا الاسم (قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق. قال: فيماذا؟ قال: في مشط ومشاطة) بالطاء المهملة (وجف طلعة) بالإضافة وتنوين طلعة ولأبي ذر عن المستملي وجب طلعة بالموحدة بدل الفاء (ذكر) صفة لجف بالفاء أو الباء (قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان) بفتح الهمزة وسكون الراء وسقط لأبي ذر لفظة ذي فعلى الأول فهو من إضافة الشيء لنفسه قيل: والأصل أروان ثم لكثرة الاستعمال سهلت الهمزة فصارت ذروان بالذال المعجمة بدل الهمزة (قال: فذهب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أناس من أصحابه إلى البئر) سبق ذكر من حصل ذلك منهم -رضي الله عنهم- (فنظر إليها) عليه الصلاة والسلام (وعليها نخل ثم رجع إلى عائشة فقال: والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ولكأن نخلها) في بشاعة منظرها وخبثها (رؤوس الشياطين. قلت: يا رسول الله أفأخرجته)؟ أي صورة ما في الجب من المشط والمشاطة وما ربط به (قال: لا) فهو مستخرج من البئر غير مستخرج من الجف جميعًا بين النفي والإثبات في الحديثين (أما) بالتشديد (أنا فقد عافاني الله) منه (وشفاني وخشيت أن أثوّر على الناس منه شرًّا) باستخراجه من الجف لئلا يروه فيتعلموه إن أرادوا استعمال السحر. (وأمر) عليه الصلاة والسلام (بها) بالبئر (فدفنت). وعند أبي عبيد من مرسل عبد الرحمن بن أبي ليلى: احتجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على رأسه بقرن يعني حين طبّ، قال أبو عبيد، قال ابن القيم: بنى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأمر أولاً على أنه مرض وأنه عن مادة سألت إلى الدماغ وغلبت على البطن المقدم منه فغيرت مزاجه فرأى الحجامة لذلك مناسبة فلما أوحي إليه أنه سحر عدل إلى العلاج المناسب له وهو استخراجه قال: ويحتمل أن مادة السحر انتهت إلى إحدى قوى الرأس حتى صار يخيل إليه ما ذكر، فإن السحر قد يكون من تأثير الأرواح الخبيثة وقد يكون من انفعال الطبيعة وهو أشد السحر، واستعمال الحجم لهذا الثاني نافع لأنه إذا هيج الأخلاط وظهر أثره في عضو كان استفراغ المادة الخبيثة نافعًا في ذلك، وقال الحافظ ابن حجر: سلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه القصة مسلكي التفويض وتعاطي الأسباب ففي أول الأمر فوّض وأسلم لأمر ربه، واحتسب الأجر في صبره على بلائه ثم لما تمادى ذلك وخشي من تماديه أن يضعفه عن فنون عبادته جنح إلى التداوي ثم إلى الدعاء وكلٌّ من المقامين غاية في الكمال. 51 - باب مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا هذا (باب) بالتنوين (إن من البيان سحرًا) بالنصب وللأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت وذر عن الكشميهني سحر بالرفع وللحموي والمستملي السحر بالألف واللام. 5767 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضى الله عنهما- أَنَّهُ قَدِمَ رَجُلاَنِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَخَطَبَا فَعَجِبَ النَّاسُ لِبَيَانِهِمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا -أَوْ إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ- لَسِحْرٌ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) الدمشقي ثم التنيسي الكلاعي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) الفقيه العمري (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قدم رجلان) قيل هما الزبرقان بكسر الزاي والراء بينهما موحدة ساكنة وبالقاف وهو من أسماء القمر لقب به لحسنه واسم أبيه بدر بن امرئ القيس بن خلف، والآخر عمرو بن الأهيم واسم الأهيم سنان يجتمع مع الزبرقان في كعب بن سعد بن زيد مثناة بن تميم فهما تميميان قدما في وفد تميم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سنة تسع من الهجرة (من المشرق) أي من جهة المشرق وكان سكنى بني تميم من جهة العراق وهي في شرق المدينة

52 - باب الدواء بالعجوة للسحر

(فخطبا) في دلائل النبوّة للبيهقي من طريق مقسم عن ابن عباس جلس إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهيم وقيس بن عامر ففخر الزبرقان فقال: يا رسول الله أنا سيد بني تميم والمطاع فيهم والمجاب أمنعهم من الظلم وآخذ منهم بحقوقهم وهذا يعلم ذلك يعني عمرو بن الأهيم، فقال عمرو: إنه لشديد العارضة مانع لجانبه مطاع في أدنيه فقال الزبرقان: والله يا رسول الله لقد علم مني غير ما قال، وما منعه من أن يتكلم إلا الحسد فقال عمرو: وأنا أحسدك والله يا رسول الله إنه لئيم الخال خبيث المال أحمق الوالد مضيّع في العشيرة والله يا رسول الله لقد صدقت في الأولى وما كذبت في الأخرى ولكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما علمت وإن غضبت قلت أقبح ما وجدت (فعجب الناس) منهما (لبيانهما فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن من البيان) الذي هو إظهار المقصود بأبلغ لفظ وهو من الفهم وذكاء القلب وأصل البيان الكشف والظهور (لسحرًا - أو) قال عليه الصلاة والسلام: (إن بعض البيان - لسحر) شك من الراوي فمن للتبعيض كما صرح به. وقال في شرح السُّنَّة: اختلف في تأويله فحمله قوم على الذم لأنه ذم الكلام في التصنع والتكلف في تحسينه ليروق للسامعين وليستمل به قلوبهم كما يفعل السحر حيث يحول الشيء عن حقيقته ويصرفه عن جهته فيلوح للناظرين في غير معرض فكذلك المتكلم قد يحيل الشيء عن ظاهره ببيانه ويزيله عن موضعه بلسانه إرادة التلبيس على السامع أو إن من البيان ما يكسب صاحبه من الإثم ما يكتسبه الساحر بسحره أو هو الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بحجته من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وشاهده قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه" الحديث. وذهب آخرون إلى أن المراد منه مدح البيان والحث على تحسين الكلام وتحبير الألفاظ. وروي عن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- أن رجلاً طلب إليه حاجة كان يتعذر عليه إسعافه بها فاستمال قلبه بالكلام ثم أنجزها له ثم قال: هذا هو السحر الحلال والأحسن كما قال الخطابي: إن هذا الحديث ليس ذمًّا للبيان ولا مدحًا له لقوله من البيان فأتي بلفظ من التبعيضية وبالتصريح أيضًا به، وقد اتفق على مدح الإيجاز والإتيان بالمعاني الكثيرة بالألفاظ اليسيرة. وقال في شرح المشكاة: والحق أن الكلام إذا كان ذا وجهين يختلف بحسب المغزى والمقاصد لأن مورد المثل على ما روي عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قصة الزبرقان وعمرو كان استحسانًا، لكن تعقب في الفتح القول بأن الرجلين المذكورين في حديث الباب هما الزبرقان وعمرو، وقال بعد ما ذكر ما سبق من قولهما وهذا لا يلزم منه أن يكونا هما المراد بحديث ابن عمر فإن المتكلم إنما هو عمرو بن الأهيم وحده وكان كلامه في مراجعة الزبرقان فلا يصح نسبة الخطبة إليهما إلا على طريقة التجوّز. وفي جامع عبد الرزاق من مسند مجاهد قال: خطب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطبة في بعض الأمر ثم قام أبو بكر فخطب خطبة دونها ثم قام عمر فخطب خطبة دون خطبة أبي بكر ثم قام شاب فاستأذن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في الخطبة فأذن له فطوّل الخطبة فلم يزل يخطب حتى قال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هنية) أو كما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم قال: (وإن الله لم يبعث نبيًا إلا مبلّغًا وإن تشقيق الكلام من الشيطان وإن من البيان لسحرًا) أو (من البيان سحر) قال شيخنا الحافظ أبو الخير السخاوي: فهذه خلاف القصة الأخرى جزمًا. وهذا الحديث سبق في النكاح في باب الخطبة، وأخرجه أبو داود في الأدب، والترمذي في أبواب البر، ورواه أكثر رواة الموطأ مرسلاً ليس فيه ابن عمر. 52 - باب الدَّوَاءِ بِالْعَجْوَةِ لِلسِّحْرِ (باب الدواء بالعجوة) وهي ضرب من أجود تمر المدينة، وقال القزاز: إنه مما غرسه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده بالمدينة (للسحر) أي لأجل دفع

السحر وتبطيله. 5768 - حَدَّثَنَا عَلِىٌّ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ أَخْبَرَنَا هَاشِمٌ أَخْبَرَنَا عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اصْطَبَحَ كُلَّ يَوْمٍ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرُّهُ سَمٌّ، وَلاَ سِحْرٌ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ». وَقَالَ غَيْرُهُ: سَبْعَ تَمَرَاتٍ. وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني كما جزم به أبو نعيم في المستخرج والمزي في الأطراف. وقال الكرماني في الكواكب الدراري: إنه في بعض النسخ علي بن سلمة بفتح اللام اللبقي بفتح الموحدة وبالقاف. قال في الفتح: وما عرفت سلفه فيه، وقال العيني: غرضه أي في الفتح التشنيع على الكرماني بغير وجه لأنه ما ادّعى فيه جزمًا أنه ابن سلمة وإنما نقله عن نسخة هكذا ولو لم تكن النسخة معتبرة لما نقله منها. وأجاب في انتقاض الاعتراض بأنه أي الكرماني لو كانت معتمدة عنده ما أبهمها فإنه ينقل من نسخة الفربري تارة من نسخة الصغاني تارة ونحوهما وإذا أدار الأمر بين ما جزم به أبو نعيم ومن تبعه وبين نسخة مجهولة أيهما يعتمد عليه؟. انتهى. وقال الحافظ ابن حجر في تقريبه: علي بن سلمة اللبقي يقال: إن البخاري روى عنه فذكره بصيغة التمريض وقد ذكر في المقدمة أن في الشفعة وتفسير سورة الفتح حدّثنا علي حدّثنا شبابة، وعلي هذا نسبه أبو ذر عن المستملي في روايته في الموضعين علي بن سلمة وهو اللبقي. وفي تفسير المائدة وباب الدعاء في الصلاة من كتاب الدعوات حدّثنا علي حدّثنا مالك بن سعير وعلى هذا هو ابن سلمة اللبقي انتهى. وذكره ابن خلفون في مشايخ البخاري وقال الذهبي في تهذيب التهذيب: قال أبو الوليد الفقيه: سمعت أبا الحسن الزهري يقول: حضرت محمد بن إسماعيل وسئل عن علي بن سلمة فقال: ثقة وقد مضيت معه سمعنا منه قال: (حدّثنا مروان) بن معاوية الفزاري قال: (أخبرنا هاشم) هو ابن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص قال: (أخبرنا عامر بن سعد) هو ابن عم عامر بن سعد بن أبي وقاص أحد العشرة (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من اصطبح) أي من أكل صباحًا (كل يوم تمرات) بالتنوين (عجوة) بالنصب عطف بيان أو صفة لتمرات، ولأبي ذر تمرات عجوة بإضافة تمرات لعجوة كثياب خز (لم يضره سم) بضم السين وفتحها (ولا سحر ذلك اليوم إلى الليل) مفهومه أن السر الذي في أكل العجوة من دفع ضرر السم والسحر يرتفع إذا دخل الليل في حق من تناوله من أول النهار. قال في الفتح: ولم أقف في شيء من الطرق على حكم من تناول ذلك أول الليل هل يكون كمن تناوله أول النهار حتى يدفع عنه ضرر السم والسحر إلى الصباح قال: والذي يظهر خصوصية ذلك بالتناول أول النهار لأنه حينئذ يكون الغالب أن تناوله يقع على الريق، فيحتمل أن يلتحق به من تناوله أول الليل أول على الريق كالصائم انتهى. قال تلميذه شيخنا الحافظ السخاوي: وقع في حديث الباب من طريق رواية فليح عن عامر فإنه قال: وأظنه وإن أكلها حين يمسي لم يضره شيء حتى يصبح رواه أحمد في مسنده، بل وقع عند الطبراني في الأوسط من حديث أبي طوالة عن أنس عن عائشة مرفوعًا: "من أكل سبع تمرات من عجوة المدينة في كل يوم" الحديث. قال: ومن أكلهن ليلاً لم يضره. (وقال غيره) أي غير علي شيخ المؤلّف وكأنه أراد جمعة (سبع تمرات) والمطلق في الأول يحمل على المقيد. 5769 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ سَعْدٍ سَمِعْتُ سَعْدًا - رضى الله عنه - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ تَصَبَّحَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرُّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمٌّ وَلاَ سِحْرٌ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إسحاق بن منصور) المروزي قال: (أخبرنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا هاشم بن هاشم) أي ابن عتبة بن أبي وقاص قال: (سمعت عامر بن سعد) يقول: (سمعت سعدًا -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من تصبح) بفوقية مفتوحة وبعد الصاد المهملة موحدة مشددة وأصل الصبوح والاصطباح تناول الشراب صبحًا ثم استعمل في الأكل أي من أكل في الصباح زاد في الأولى كل يوم (سبع تمرات) بالتنوين (عجوة) عطف بيان أو صفة ولأبي ذر بإضافة تمرات لتاليها وهو منصوب على ما لا يخفى، ولأبي ذر عن الكشميهني: بسبع تمرات بزيادة الموحدة الجازة في سبع عجوة جر عطف بيان أو صفة كما هو واضح وزاد في رواية أبي ضمرة من تمر العالية والعالية القرى التي في الجهة المتعالية من المدينة وهي جهة نجد (لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر) ولمسلم عن عائشة في عجوة العالية شفاء من أول

53 - باب لا هامة

البكرة، وفي النسائي من حديث جابر رفعه: العجوة من الجنة وهي شفاء من السم ببركة دعوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لتمر المدينة لا لخاصية في التمر. قال الخطابي: ووصف عائشة ذلك بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرد قول من قال إن ذلك خاص بزمانه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نعم من جربه وصح معه عرف استمراره وإلاّ فهو مخصوص بذلك الزمان، وأما التخصيص بالسبع فقال النووي: لا يعقل معناه كإعداد الصلوات ونصب الزكاة، وقال القرطبي: إن الشفاء بالعجوة من باب الخواص التي لا تدرك بقياس ظني قال: ومن أئمتنا من تكلف لذلك فقال: إن السموم إنما تقتل لإفراط برودتها فإذا دام على التصبح بالعجوة تحكمت فيه الحرارة وأعانتها الحرارة الغريزية فقاوم ذلك برودة السم ما لم يستحكم، لكن هذا يلزم منه رفع خصوصية عجوة المدينة بل خصوصية العجوة مطلقًا بل خصوصية التمر فإن الأدوية الحارة ما هو أولى من التمر وتخصيص السبع لا يعلمه إلا الله ومن أطلعه الله عليه، وقول ابن القيم: إنه إذا أديم أكل العجوة على الريق يخفف مادة الدود ويضعفه أو يقتله فيه إشارة إلى أن المراد نوع خاص من السم، لكن سياق الحديث يقتضي التعميم لأنه نكرة في سياق النفي ويبقى القول في السحر فالمصير إلى أن ذلك من سرّ دعائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لتمر المدينة ولكونه غرسه بيده الشريفة أولى. 53 - باب لاَ هَامَةَ هذا (باب) بالتنوين (لا هامة) بتخفيف الميم على المشهور. 5770 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ عَدْوَى، وَلاَ صَفَرَ، وَلاَ هَامَةَ». فَقَالَ أَعْرَابِىٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا بَالُ الإِبِلِ تَكُونُ فِى الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فَيُخَالِطُهَا الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيُجْرِبُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا عدوى) أي لا تجاوز العلة من صاحبها إلى غيره (ولا صفر) داء يأخذ في البطن يزعمون أنه يعدي وقيل غير ذلك مما سبق (ولا هامة) بتخفيف الميم لا تشاؤم بالبومة ولا حياة لهامة الموتى إذ كانوا يزعمون أن عظم الميتة يصير هامة ويحيا ويطير (فقال أعرابي): لم أعرف اسمه (يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء) بكسر المعجمة وبعدها موحدة فهمزة ممدودًا جمع ظبي أي في النشاط والقوّة والسلامة وصفاء بدنها وكأنها حال من الضمير المستتر في خبر كان (فيخالطها البعير الأجرب فيجربها) بضم أوله أي يكون سببًا لوقوع الجرب بها كانوا يعتقدون أن المريض إذا دخل على الأصحاء أمرضهم فنفى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك وأبطله فلما أورد الأعرابيّ الشبهة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له (فمن أعدى) البعير (الأول) أي ممن سرى إليه الجرب فإن قالوا من بعير آخر لزم التسلسل أو قالوا بسبب آخر فعليهم أن يبينوه وإن قالوا الفاعل في الأول هو الفاعل في الثاني ثبت المدعى وهو أن الذي فعل ذلك بالجميع هو الله فالجواب في غاية الرشاقة والبلاغة. 5771 - وَعَنْ أَبِى سَلَمَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ بَعْدُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ». وَأَنْكَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَدِيثَ الأَوَّلِ قُلْنَا أَلَمْ تُحَدِّثْ أَنَّهُ لاَ عَدْوَى؟ فَرَطَنَ بِالْحَبَشِيَّةِ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَمَا رَأَيْتُهُ نَسِىَ حَدِيثًا غَيْرَهُ. [الحديث 5771 - طرفه في: 5774]. (وعن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف بالسند السابق أنه (سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (بعد) أي بعد أن سمع منه لا عدوى الخ (يقول قال النبي) ولأبي ذر قال رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يوردن) بكسر الراء ونون التأكيد الثقيلة (ممرض) بضم الميم الأولى وسكون الثانية وكسر الراء بعدها ضاد معجمة الذي له إبل مرضى (على مصح) بضم الميم وكسر الصاد المهملة بعدها حاء مهملة أيضًا من له إبل صحاح لا يوردن إبله المريضة على إبل غيره الصحيحة، وجمع ابن بطال بين هذا والسابق فقال: لا عدوى إعلام بأنها لا حقيقة لها وأما النهي فلئلا يتوهم المصح أن مرضها حدث من أجل ورود المريض عليها فيكون داخلاً بتوهمه ذلك في تصحيح ما أبطله النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقيل غير ذلك (وأنكر أبو هريرة حديث الأول) قال في الفتح: بالإضافة كمسجد الجامع، ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني الحديث الأول، ولمسلم من رواية يونس عن الزهري عن أبي سلمة كان أبو هريرة يحدثهما كليهما عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ ثم صمت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله لا عدوى (قلنا) ولأبي ذر: وقلنا (ألم تحدّث أنه لا عدوى) وفي رواية

54 - باب لا عدوى

يونس بن أبي ذباب بضم المعجمة بعدها موحدتان بينهما ألف وهو ابن عم أبي هريرة قد كنت أسمعك يا أبا هريبرة تحدّثنا بهذا الحديث: لا عدوى فأبى أن يعرف ذلك، وعند الإسماعيلي من رواية شعيب فقال الحارث: إنك حدّثنا فذكره، قال: فأنكر أبو هريرة وغضب وقال: لم أحدّثك ما تقول (فرطن) تكلم (با) للغة. (الحبشية) بما لا يفهم، وقال العيني: لا رطانة بالحبشية هنا حقيقة وإنما هو غضب فتكلم بما لا يفهم (قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن (فما رأيته) أي أبا هريرة وللكشميهني رأيناه (نسى حديثًا غيره). وفي رواية يونس، قال أبو سلمة لقد كان يحدّثنا به فما أدري أنسي أبو هريرة أم نسخ أحد القولين الآخر. وقال السفاقسي: لعل هذا من الأحاديث التي سمعها قبل بسط ردائه ثم ضمه إليه عند فراغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مقالته في الحديث المشهور. 54 - باب لاَ عَدْوَى هذا (باب) بالتنوين (لا عدوى). 5772 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَحَمْزَةُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ عَدْوَى، وَلاَ طِيَرَةَ، إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِى ثَلاَثٍ: فِى الْفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) الأنصاري الحافظ نسبه لجدّه عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء واسم أبيه كثير بالمثلثة ابن عفير (قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله و) أخوه (حمزة أن) أباهما (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا عدوى) لا سراية (ولا طيرة) ولا تشاؤم نفى أولاً بطريق العموم ثم أثبت فقال: (إنما الشؤم) بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تبدل واوًا (في ثلاث) متعلق بمحذوف تقديره كائن وفي نسخة في الثلاث (في الفرس والمرأة، والدار) قال ابن العرب: الحصر هنا بالنسبة إلى العادة لا بالنسبة إلى الخلقة انتهى. وقد رواه مالك وسفيان وسائر الرواة بحذف أداة الحصر. نعم في رواية عثمان بن عمير: لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم في ثلاث، قال مسلم: لم يذكر أحد في حديث ابن عمر لا عدوى إلا عثمان بن عمير، قال الحافظ ابن حجر: ومثله في حديث سعد بن أبي وقاص عند أبي داود لكن قال فيه: إن تكن الطيرة في شيء الحديث. والطيرة والشؤم بمعنى واحد، وقال عبد الرزاق في مصنفه عن معمر: سمعت من فسّر هذا الحديث يقول: شؤم المرأة إذا كانت غير ولود، وشؤم الفرس إذا لم يغز عليها، وشؤم الدار جار السوء، وفيما اختاره الحافظ أبو الطاهر أحمد السلفي من الطيوريات من حديث ابن عمر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إذا كان الفرس حرونًا فهو مشؤوم وإذا كانت المرأة قد عرفت زوجًا قبل زوجها فحنّت إلى الزوج الأول فهي مشؤومة، وإذا كانت الدار بعيدة عن المسجد لا يسمع فيها الأذان والإقامة فهي مشؤومة وإذا كن بغير هذا الوصف فهن مباركات". وأخرجه الدمياطي في كتاب الخيل وإسناده ضعيف، وفي حديث حكيم بن معاوية عند الترمذي قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "لا شؤم وقد يكون اليمن في المرأة والدار والفرس". وهذا كما قال في الفتح في إسناده ضعف مع مخالفته للأحاديث الصحيحة. وهذا الحديث قد مرّ في باب: لا طيرة. 5773 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ عَدْوَى». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أنا أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): ولأبي ذر وابن عساكر يقول: (لا عدوى). 5774 - قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُورِدُوا الْمُمْرِضَ عَلَى الْمُصِحِّ». (قال أبو سلمة بن عبد الرحمن) بالسند السابق (سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا توردوا) بالفوقية وصيغة الجمع (الممرض) بكسر الراء في الفرع وفي غيره الممرض بفتحها أي من الإبل (على المصح) منها فربما يصاب بذلك المرض فيقول الذي أورده لو أني ما أوردته عليه لم يصبه من هذا المرض شيء والواقع أنه لو لم يورده لأصابه لأن الله تعالى قدّره، فنهى عن إيراده لهذه العلة التي لا يؤمن غالبًا من وقوعها في قلب المرء وهو كنحو قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فر من المجذوم فرارك

55 - باب ما يذكر فى سم النبي -صلى الله عليه وسلم- رواه عروة عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

من الأسد"، وإن كنا نعتقد أن الجذام لا يعدي لكنا نجد في أنفسنا نفرة وكراهية لمخالطته ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: لا يورد بالمثناة التحتية وكسر الراء في الفرع وفي غيره لا يورد بفتحها مبنيًّا للمفعول. الممرض رفع نائب عن الفاعل. 5775 - وَعَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى سِنَانُ بْنُ أَبِى سِنَانٍ الدُّؤَلِىُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ عَدْوَى» فَقَامَ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ الإِبِلَ تَكُونُ فِى الرِّمَالِ أَمْثَالَ الظِّبَاءِ فَيَأْتِيهِ الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَتَجْرَبُ؟ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ». (وعن الزهري) بالسند السابق أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سنان بن أبي سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون فيهما واسم أبي سنان يزيد بن أمية (الدؤلي) بضم الدال المهملة بعدها همزة مفتوحة نسبة إلى الدؤل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: إن رسول الله قال): (لا عدوى) يعني أن المرض لا يتعدّى من صاحبه إلى من يقاربه من الأصحاء فيمرض لذلك ودخول النسخ في هذا كما تخيله بعضهم لا معنى له فإن قوله: لا عدوى خبر محض لا يمكن نسخه إلا بأن يقال هو نهي عن اعتقاده العدوى لا نفي لها (فقام أعرابي) لم أعرف اسمه (فقال) يا رسول الله (أرأيت) أخبرني (الإبل تكون في الرمال أمثال الظباء) في الصحة والحسن والقوّة (فيأتيه) بضمير المذكر ولأبي ذر عن الكشميهني فيأتيها (البعير الأجرب) فيخالطها (فتجرب) لذلك (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فمن أعدى) البعير (الأول) مراده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الأول لم يجرب بالعدوى بل بقضاء الله وقدره فكذلك الثاني وما بعده، وزاد في حديث ابن مسعود عند الإمام أحمد بعد قوله: فمن أجرب الأول؟ إن الله خلق كل نفس وكتب حالها ومصابها ورزقها. الحديث، فأخبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ذلك كله بقضاء الله وقدره كما دل عليه قوله تعالى: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب} [الحديد: 22] الآية. وأما النهي عن إيراد الممرض فمن باب اجتناب الأسباب التي خلقها الله تعالى وجعلها أسبابًا للهلاك أو الأذى والعبد مأمور باتقاء أسباب البلاء إذا كان في عافية منها، وفي حديث مرسل عند أبي داود أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ بحائط مائل فقال: أخاف موت الفوات. 5776 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ عَدْوَى، وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِى الْفَأْلُ». قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: «كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) المعروف ببندار قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) المعروف بغندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا عدوى) نهي لما يعتقده أهل الجاهلية من أن هذه الأمراض تعدي بطبعها من غير اعتقاد تقدير الله لذلك (ولا طيرة) وهي من أعمال أهل الشرك والكفر فقد حكاه الله تعالى عن قوم فرعون وقوم صالح وأصحاب القرية التي جاءها المرسلون وورد من ردته الطيرة عن أمر يريده فقد قارف الشرك، وفي حديث ابن مسعود مرفوعًا: "الطيرة من الشرك وما منا إلا من تطير ولكن الله يذهبه بالتوكل" والمشروع اجتناب ما ظهر منها واتقاؤه بقدر ما وردت به الشريعة كاتقاء المجذوم وأما ما خفي منها فلا يشرع اتقاؤه واجتنابه فإنه من الطيرة المنهي عنها. وفي حديث مرسل عند أبي داود أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ليس عبدًا لا يدخل قلبه طيرة فإذا أحس بذلك فليقل أنا عبد الله ما شاء الله لا قوة إلا باله لا يأتي بالحسنات إلا الله ولا يذهب بالسيئات إلا الله أشهد أن الله على كل شيء قدير" ثم يمضي لوجهه. (ويعجبني الفأل) بهمزة ساكنة كاللاحقة (قالوا: وما الفأل)؟ يا رسول الله (قال: كلمة طيبة) يسمعها أحدكم إذا خرج لحاجته كيًا نجيح وما أشبه ذلك. وهذا الحديث قد سبق قريبًا في باب الفأل. 55 - باب مَا يُذْكَرُ فِى سَمِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَوَاهُ عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب ما يذكر في سمّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال في القاموس: السم القاتل المعروف ويثلث الجمع سموم وسمام انتهى. وهو هنا من إضافة المصدر لمفعوله، وقول الكرماني سم بالحركات الثلاث تعقبه العيني بأنه مصدر فلا تكون فيه السين مفتوحة جزمًا والحركات الثلاث إنما تكون في كونه اسمًا (رواه) أي سم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وصله البزار وغيره وساقه المؤلّف معلمًا أيضًا في الوفاة النبوية بلفظ

قال عروة، قالت عائشة: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في مرضه الذي مات فيه: "يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم". 5777 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَاةٌ فِيهَا سَمٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اجْمَعُوا لِى مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنَ الْيَهُودِ». فَجُمِعُوا لَهُ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّى سَائِلُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْهُ؟» فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَبُوكُمْ»؟ قَالُوا: أَبُونَا فُلاَنٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَذَبْتُمْ بَلْ أَبُوكُمْ فُلاَنٌ»، فَقَالُوا: صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ. فَقَالَ: «هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ»؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَإِنْ كَذَبْنَاكَ عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِى أَبِينَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَهْلُ النَّارِ»؟ فَقَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا، ثُمَّ تَخْلُفُونَنَا فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اخْسَئُوا فِيهَا، وَاللَّهِ لاَ نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا»، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِىَّ عَنْ شَىْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟» قَالُوا: «نَعَمْ». فَقَالَ: «هَلْ جَعَلْتُمْ فِى هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا»؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: «مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ»؟ فَقَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَذَّابًا نَسْتَرِيحُ مِنْكَ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أنه قال: لما) بتشديد الميم (فتحت خيبر أهديت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول كفتحت الرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاة فيها سم) برفع شاة نائب الفاعل أهدتها زينب بنت الحارث أمره سلام بن مشكم وأكثرت السم في الكتف والذراع لما بلغها أن ذلك أحب أعضاء الشاة إليه عن فتناول عليه الصلاة والسلام الكتف فنهس منها فلما ازداد قال: إن الشاة تخبرني أنها مسمومة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تعيين المأمورين بذلك (فجمعوا له) بضم الجيم (فقال) لهم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما اجتمعوا عنده: (إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه)؟ بكسر الدار والقاف وتشديد المثناة التحتية على القاعدة في مثله لأن أصله صادقونني فأضيف لياء المتكلم فحذفت النون للإضافة فالتقى ساكنان واو الجمع وياء المتكلم فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في تاليتها فصار صادقي بضم القاف وتشديد الياء ثم أبدلت ضمة القاف كسرة للياء فصار صادقي بكسر القاف وتشديد الياء، ولأبوي الوقت وذر والأصيلي وابن عساكر صادقوني بقاف مضمومة بعدها واو ساكنة فنون مكسورة وهي نون الوقاية وهي قد تلحق اسم الفاعل وأفعل التفضيل والأسماء المعربة المضافة إلى ياء التكلم لتقيها خفاء الأعراب، فلما منعت ذلك كانت كأصل مرفوض فنبهوا عليه في بعض الأسماء المعربة المشابهة للفعل قاله ابن مالك (قالوا: نعم يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من أبوكم؟ قالوا أبونا فلان) قال ابن حجر لم أعرفه (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كذبتم بل أبوكم فلان) أي إسرائيل يعقوب بن إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه (فقالوا: صدقت وبررت) بكسر الراء الأولى وحكي فتحها (فقال) عليه الصلاة والسلام لهم: (هل أنتم صادقي) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر بالنون كما مرّ (عن شيء إن سألتكم عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم وإن كذبناك) بتخفيف الذال المعجمة (عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من أهل النار؟ فقالوا: نكون فيها) زمانًا (يسيرًا ثم تخلفوننا فيها) بسكون الخاء المعجمة وضم اللام مخففة (فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اخسؤوا فيها) اسكنوا فيها سكون ذلة وهوان (والله لا نخلفكم فيها أبدًا) لا تخرجون منها ولا نقيم بعدكم فيها لأن من دخلها من عصاة المسلمين يخرج منها، وحينئذ فلا خلافة أصلاً. وعند الطبراني من طريق عكرمة قال: خاصمت اليهود رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه فقالوا: لن ندخل إلا أربعين ليلة ويستخلفنا إليها قوم آخرون يعنون محمدًا وأصحابه، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده على رؤوسهم "بل أنتم خالدون مخلدون لا يخلفكم فيها أحد" فأنزل الله تعالى {وقالوا لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة} [البقرة: 80] الآية. وقد ذكروا في الأيام المعدودة وجهين الأول أن لفظة الأيام لا تضاف إلا إلى العشرة فما دونها ولا تضاف إلى ما فوقها فيقال أيام خمسة وأيام عشرة، ولا يقال أيام إحدى عشرة، ويشكل على هذا قوله تعالى: {كُتب عليكم الصيام} إلى أن قال: {أيامًا معدودات} [البقرة: 183] وهي أيام الشهر كله وهي أزيد من العشرة. قال بعضهم: وإذا ثبت أن الأيام محمولة على العشرة فما دونها فالأشبه أنه الأقل أو الأكثر لأن من يقول ثلاثة يقول أحمله على أقل الحقيقة فله وجه؛ ومن يقول عشرة أحمله على الأكثر وله وجه، وأما حمله على أقل من العشرة وأزيد من الثلاثة فلا وجه له لأنه ليس عدد أوّلي من عدد اللهم إلا إذا جاءت في تقديرها

56 - باب شرب السم والدواء به وبما يخاف منه

رواية صحيحة فحينئذ يجب القول بها، وقد روي من طريق ابن إسحاق عن سيف بن سليمان عن مجاهد عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون هذه الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب بكل ألف سنة يومًا في النار وإنما هي سبعة أيام فنزلت. قال الحافظ ابن حجر: وهذا سند حسن، وقال الحسن وأبو العالية، قالت اليهود: إن ربنا عتب علينا في أمر فأقسم ليعذبنا أربعين يومًا ولن تمسنا النار إلا أربعين يومًا تحلة القسم فكذبهم الله تعالى بما أنزل من هذه الآية وقالت طائفة: إن اليهود قالوا إن في التوراة إن جهنم مسيرة أربعين سنة وأنهم يقطعون في كل يوم سنة حتى يكملوها وتذهب جهنم رواه الضحاك عن ابن عباس. (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لهم: فهل) ولأبي ذر: هل (أنتم صادقي) بتشديد الياء، وللأربعة صادقوني كما سبق (عن شيء إن سألتكم عنه؟ قالوا): ولأبي ذر فقالوا: (نعم. فقال: هل جعلتم في هذه الشاة سمًّا؟ فقالوا: نعم. فقال: وما حملكم على ذلك؟ فقالوا: أردنا إن كنت كذابًا) بتشديد الذال المعجمة وللكشميهني كاذبًا بالألف بعد الكاف (نستريح) ولأبي ذر وابن عساكر أن نستريح (منك وإن كنت نبيًّا لم يضرك) وعند ابن سعد عن الواقدي بأسانيده المتعددة أنها قالت قتلت أبي وزوجي وعمي وأخي ونلت من قومي فقلت إن كان نبيًّا فستخبره الذراع وإن كان ملكًا استرحنا منه. واختلف هل قتلها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو تركها؟ وقد سبق القول في ذلك في موضعه من المغازي، وعند السادة الحنفية إنما تجب فيه الدّية لا القصاص، وقال الشافعي: لو ضيف بمسموم بسم يقتل غير مكلف كصبي ومجنون فمات بتناوله له فإنه يوجب القود على المضيف لأنه كالإلجاء إلى الأكل سواء قال له هو مسموم أم لا أما المكلف فإن علم حال ما تناوله فلا قول ولا دية لأنه القاتل لنفسه بلا تغرير وإن جهله فخلاف والأظهر في المنهاج كأصله وأصل الروضة أنه لا قول لأنه مختار باشر ما هلك به بغير إلجاء وأنه تجب الدّية للتغرير، وحكى ذلك الرافعي عن نقل الإمام وغيره، وحكي عن أبي إسحاق وغيره وترجيح وجوب القود، وقال البلقيني وغيره: إنه مذهب الشافعي فإنه رجحه فقال في الأم أنه أشبهها وكغير المكلف فيما ذكر أعجمي يعتقد وجوب طاعة آمره. وهذا الحديث قد سبق في الجزية والمغازي. 56 - باب شُرْبِ السُّمِّ وَالدَّوَاءِ بِهِ وَبِمَا يُخَافُ مِنْهُ (باب شرب السم والدواء) أي التداوي (به وبما) بالموحدة ولأبي ذر وابن عساكر وما (يخاف منه) بضم التحتية والعطف في الرواية الأولى على قوله به لإعادة الجار وفي الثانية على لفظ السم (و) الدواء (الخبيث) لنجاسته كالخمر ولحم الحيوان المحرم الأكل أو لاستقذاره فتكون كراهته من جهة إدخال المشقّة على النفس وشطب في الفرع بالحمرة على قوله والخبيث. وقال في المصابيح: إنها ثابتة في رواية القابسي وأبي ذر ساقطة لغيرهما قال: وذكرها الترمذي في الحديث بلفظ: ونهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الدواء الخبيث. قال البدر الدماميني: وهو حجة على الشافعية في إجازتهم التداوي بالنجس، وقول الترمذي يعني السم غير مسلم فاللفظ عام ولم يقم دليل على التخصيص بما ذكره انتهى. قال في فتح الباري: حمل الحديث على ما ورد في بعض طرقه أولى وقد ورد في آخر الحديث متصلاً به يعني السم قال: ولعل البخاري أشار في الترجمة إلى ذلك. 5778 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهْوَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَحَسَّى سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسَمُّهُ فِى يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِى يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِى بَطْنِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري قال: (حدّثنا خالد بن الحارث) بن سليمان أبو عثمان البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش أنه (قال: سمعت ذكوان) أبا صالح السمان (يحدّث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أنه (قال): (من تردى) أي أسقط نفسه (من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدًا مخلدًا) بفتح اللام المشددة (فيها أبدًا) إن جازاه الله والخلود قد يراد به طول المقام (ومن تحسى) بالحاء والسين المشددة المهملتين تجرع (سمًّا فقتل نفسه) به (فسمّه في يده يتحسّاه) يتجرعه (في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا ومن قتل

57 - باب ألبان الأتن

نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ) بفتح التحتية والجيم المخففة وبالهمزة، وقال العيني وبعد الألف همزة، وقال في القاموس وجأه باليد والسكين كوضعه ضربه كتوجأه، وقال في المصابيح: هو مضارع وجأ مثل وهب يهب. قال العيني: أصله يوجئ حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة ثم فتحت الجيم لأجل الهمزة، وقول السفاقسي إن رواية أبي الحسن يجأ بضم أوله. قال العيني: لا وجه وإنما يبنى للمجهول بإعادة الواو فيقال يوجأ أي يطعن (بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا) أي مكثًا طويلاً أو هو في حق كافر بعينه كما قاله السفاقسي واستبعده الحافظ ابن حجر. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الإيمان والترمذي في الطب والنسائي في الجنائز. 5779 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ أَبُو بَكْرٍ أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنِ اصْطَبَحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سَمٌّ وَلاَ سِحْرٌ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (محمد بن سلام) البيكندي الحافظ وسقط لغير أبي ذر ابن سلام قال (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (أحمد بن بشير) بفتح الموحدة وكسر المعجمة (أبو بكر) الكوفي مولى عمر بن حريث له أوهام المخزومي وليس له عند البخاري إلا هذا الموضع قال: (أخبرنا هاشم بن هاشم) هو ابن عتبة بن أبي وقاص الزهري الوقاصي (قال: أخبرني) بالإفراد (عامر بن سعد) بسكون العين (قال: سمعت أبي) سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- (يقول: سمعت رسول الله- يقول): (من اصطبح بسبع تمرات) بالتنوين (عجوة) بالجر عطف بيان أو نصب على الحال أي من أكلها في الصباح زاد في باب الدواء بالعجوة للسحر كل يوم (لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر) زاد في الباب المذكور إلى الليل وقيّده هنا بالسبع، وفي رواية أبي ضمرة من تمر العالية فقيّده بالمكان أيضًا، وفي مسلم في عجوة العالية شفاء. وسبق هذا الحديث قريبًا. 57 - باب أَلْبَانِ الأُتُنِ (باب ألبان الأتن) بضم الهمزة والمثناة الفوقية الحمارة والأوتانة قليلة والجمع آتن وأتن وأتن بمد الأولى وضم الثانية مع سكون الفوقية وضمها في الثالثة. 5780 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىِّ عَنْ أَبِى ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِىِّ رضى الله عنه قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِى نَابٍ مِنَ السَّبُعِ. قَالَ الزُّهْرِىُّ وَلَمْ أَسْمَعْهُ حَتَّى أَتَيْتُ الشَّأْمَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي إدريس) عائذ الله (الخولاني) بالخاء المعجمة المفتوحة والواو الساكنة (عن أبي ثعلبة) بالمثلثة المفتوحة والمهملة الساكنة جرهم بالجيم المضمومة والراء الساكنة (الخشني) بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين وكسر النون الصحابي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تحريم (عن أكل كل ذي ناب من السبع) يتقوى بنابه ويصطاد به، ولأبي ذر عن الكشميهني من السباع بلفظ الجمع فرواية الإفراد للجنس (قال الزهري): بالسند السابق (ولم أسمعه) أي الحديث المذكور (حتى أتيت الشام). 5781 - وَزَادَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَسَأَلْتُهُ هَلْ نَتَوَضَّأُ أَوْ نَشْرَبُ أَلْبَانَ الأُتُنِ أَوْ مَرَارَةَ السَّبُعِ أَوْ أَبْوَالَ الإِبِلِ قَالَ: قَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَدَاوَوْنَ بِهَا فَلاَ يَرَوْنَ بِذَلِكَ بَأْسًا فَأَمَّا أَلْبَانُ الأُتُنِ فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ لُحُومِهَا وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَلْبَانِهَا أَمْرٌ وَلاَ نَهْىٌ وَأَمَّا مَرَارَةُ السَّبُعِ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىُّ أَنَّ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِىَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِى نَابٍ مِنَ السَّبُعِ. (وزاد الليث) بن سعد الإمام مما وصله الذهلي في الزهريات وذكره أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبي ضمرة أنس بن عياض قال: (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري محمد بن مسلم (قال) ابن شهاب (وسألته) أي: وسألت أبا إدريس والجملة حالية (هل نتوضأ أو نشرب ألبان الأتن) هو نوع من تنازع الفعلين (أو مرارة السبع أو أبوال الإبل؟ قال) أبو إدريس: (قد كان المسلمون يتداوون بها) أي بأبوال الإبل (فلا يرون بذلك) التداوي (بأسًا فأما ألبان الأتن فقد بلغنا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن) أكل (لحومها) لاستخبائها (ولم يبلغنا عن ألبانها أمر ولا نهي) نعم حرمه أكثر أهل العلم ورخص فيه عطاء وطاوس والزهري، والأول أصح لأن حكم الألبان حكم اللحم لأنه متولد منه (وأما مرارة السبع؟ قال ابن شهاب أخبرني) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد في الروايتين (أبو إدريس) عائذ الله (الخولاني أن أبا ثعلبة) جرهمًا (الخشني أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن أكل كل ذي ناب) يتقوى بنابه (من السبع) بالإفراد على إرادة الجنس ولأبي ذر وابن عساكر السباع بالجمع واللفظ عام فيعم جميع أجزائه مرارته وغيرها وقد أفاد الحافظ عبد العظيم المنذري -رحمه الله- أن أكل لحوم الحمر الأهلية نسخ مرتين

58 - باب إذا وقع الذباب فى الإناء

وكذا نكاح المتعة والقبلة والله أعلم. وهذا الحديث مضى في الذبائح في باب أكل كل ذي ناب من السباع. 58 - باب إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِى الإِنَاءِ هذا (باب) بالتنوين (إذا وقع الذباب في الإناء) والذباب بالذال المعجمة والواحدة بهاء والجمع أذبة وذبان بالكسر وذب بالضم قاله في القاموس، وروينا في مسند أبي يعلى الموصلي من حديث أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: عمر الذباب أربعون ليلة والذباب كله في النار إلا النحل، قيل كونه في النار ليس بعذاب له بل ليعذب به أهل النار بوقوعه عليهم وهو أجهل الخلق لأنه يلقي نفسه في الهلكة ويتولد من العفونة ولم يخلق له أجفان لصغر حدقته ومن شأن الجفن أن يصقل مرآة الحدقة من الغبار، فجعل الله تعالى له يدين يصقل بهما مرآة حدقته فلذا تراه أبدًا يمسح بيديه عينيه، ومن الحكمة في إيجادها مذلة الجبابرة قيل لولا هي لجافت الدنيا ورجيعها يقع على الأسود أبيض وبالعكس. 5782 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَنِى تَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ مَوْلَى بَنِى زُرَيْقٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِى إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لْيَطْرَحْهُ فَإِنَّ فِى أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِى الآخَرِ دَاءً». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) المدني (عن عتبة بن مسلم) أبي عتبة (مولى بني تيم) بفتح الفوقية وسكون الحتية (عن عبيد بن حنين) بتصغيرهما من غير إضافة لشيء (مولى بني زريق) بتقديم الزاي المضمومة على الراء مصغرًا (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم) وعند النسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان عن أبي سعيد: إذا وقع في الطعام وفي بدء الخلق من البخاري بلفظ: شراب والأولى أشمل منهما (فليغمسه كله) فيما وقع فيه (ثم ليطرحه) بعد استخراجه من الإناء (فإن في أحد جناحيه شفاء) أي الأيمن لأنه يتقي بالأيسر، ولأبي ذر: إحدى بتأنيثه باعتبار اليد لكن جزم الصغاني بأنه لا يؤنث وصوّب الأول (وفي الآخر داء). وعند ابن حبان في صحيحه من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه يقدم السمّ ويؤخر الشفاء ففيه تفسير الداء الواقع في حديث الباب، واستفيد من الحديث أنه إذا وقع في الماء لا ينجسه فإنه يموت فيه وهذا هو المشهور. وهذا الحديث قد سبق في بدء الخلق والله الموفق. بسم الله الرحمن الرحيم 77 - كتاب اللباس (بسم الله الرحمن الرحيم) (كتاب اللباس) بكسر اللام قال في القاموس: اللباس واللبوس واللبس بالكسر والملبس كمقعد ومنبر ما يلبس. 1 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِى غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلاَ مَخِيلَةٍ». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا شِئْتَ وَالْبَسْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ سَرَفٌ، أَوْ مَخِيلَةٌ (باب قول الله تعالى) وسقط لأبي ذر لفظ باب وزاد قبل قول الله واوًا عطفًا على اللباس ({قل من حرّم زينة الله}) من الثياب وكل ما يتجمّل به ({التي أخرج}) أصلها ({لعباده}) من الأرض كالقطن ومن الدود كالقز والاستفهام للتوبيخ والإنكار وإذا كان للإنكار فلا جواب له إذ لا يراد به استعلام ولذا نسب مكي إلى الوهم في زعمه أن قوله: {قل هي للذين آمنوا} [الأعراف: 32] إلى آخره جوابه ولولا النص الوارد في تحريم الذهب والإبريسم على الرجال لكان داخلاً تحت عمومها. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله أبو داود الطيالسي والحارث بن أبي أسامة في مسنديهما من طريق همام بن يحيى عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه به وهو من الأحاديث التي لم توجد في البخاري إلا معلقة (كلوا واشربوا والبسوا) بهمزة وصل وفتح الموحدة (وتصدقوا في غير إسراف) مجاوزة حد (ولا مخيلة) بالخاء المعجمة بوزن عظيمة من غير تكبر ولم يقع الاستثناء في رواية الطيالسي وليس في رواية الحارث وتصدقوا وزاد في آخره فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، ونقل في فتح الباري على الموفق عبد اللطيف البغدادي أن هذا الحديث جامع لفضائل تدبير الإنسان نفسه وفيه تدبير مصالح النفس والجسد دنيا وأخرى لأن السرف يضر بالجسد وبالمعيشة فيؤدي إلى الإتلاف ويضر بالنفس إذ كانت تابعة الجسد في أكثر الأحوال، والمخيلة تضر بالنفس حيث تكسبها العجب وتضر بالآخرة حيث تكسب الإثم وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس انتهى. وهذا التعليق ثبت للحموي والكشميهني كما في الفرع وقال في الفتح: إنه ثبت للمستملي والسرخسي وسقط للباقين وكذا حكم قوله. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن

2 - باب من جر إزاره من غير خيلاء

أبي شيبة في مصنفه (كل ما شئت) من المباحات (والبس ما شئت) من المباحات (ما خطئتك) بفتح الخاء المعجمة وكسر الطاء المهملة بعدها همزة مفتوحة فمثناة فوقية ساكنة ما دامت تجاوزك (اثنتان سرف أو مخيلة) وأو بمعنى الواو. 5783 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ يُخْبِرُونَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام ابن أنس (عن نافع) مولى ابن عمر (وعبد الله بن دينار) المدني مولى ابن عمر أيضًا (وزيد بن أسلم) الفقيه العمري (يخبرونه) أي الثلاثة يخبرون مالكًا (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله- قال): (لا ينظر الله) نظر رحمة (إلى من جرّ ثويه) إزارًا أو رداءً أو قميصًا أو سراويل أو غيرها مما يسمى ثوبًا حال كون جر الثوب (خيلاء) بضم المعجمة وفتح التحتية كبرًا وعجبًا. وهذا عامّ يتناول الرجال والنساء لكن زاد النسائي والترمذي وصححه متصلاً بهذا الحديث فقالت أم سلمة فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ فقال: يرخين شبرًا. فقالت: إذن تنكشف أقدامهن. قال: فيرخين ذراعًا لا يزدن عليه، وعند أبي داود عن ابن عمر قال: رخص رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأمهات المؤمنين شبرًا ثم استردنه فزادهن شبرًا لكن يرسلن إلينا فنذرع لهن ذراعًا ففيه قدر الذراع المأذون فيه وإنه شبران بشبر اليد المعتدلة. وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي في اللباس. 2 - باب مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ مِنْ غَيْرِ خُيَلاَءَ (باب من جرّ إزاره من غير خيلاء) لا بأس به. 5784 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَحَدَ شِقَّىْ إِزَارِى يَسْتَرْخِى إِلاَّ أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلاَءَ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) اليربوعي نسبه لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي وفتح الهاء مصغرًا ابن معاوية قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (عن سالم بن عبد الله عن أبيه -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من جرّ ثوبه خيلاء) بالمد تكبرًا (لم ينظر الله إليه) أي لا يرحمه (يوم القيامة. قال) ولأبي ذر فقال (أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه-: (يا رسول الله إن أحد شقي) بكسر المعجمة وفتح القاف مشددة وسكون التحتية بلفظ التثنية أي أحد جانبي (إزاري يسترخي) إلى حقوي وإنما كان يسترخي لنحافة بدنه -رضي الله عنه-، ولأبي ذر وابن عساكر شق بالإفراد (إلا أن أتعاهد ذلك منه) فلا يسترخي لأنه كلما كان يسترخي شدّه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لست) يا أبا بكر (ممن يصنعه خيلاء) فلا حرج على من جر إزاره بغير قصد مطلقًا. وهذا الحديث مرّ في فضائل أبي بكر. 5785 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ وَنَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ يَجُرُّ ثَوْبَهُ مُسْتَعْجِلاً، حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ وَثَابَ النَّاسُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَجُلِّىَ عَنْهَا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا وَقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يَكْشِفَهَا». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام البيكندي أو هو ابن المثنى قال: (أخبرنا عبد الأعلى) السامي بالسين المهملة البصري بالموحدة (عن يونس) بن عبيد الله أحد أئمة البصرة (عن الحسن) البصري (عن أبي بكرة) نفيع بن الحارث الثقفي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: خسفت الشمس) بفتح الخاء المعجمة والمهملة (ونحن عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقام) حال كونه (يجر ثوبه) حال كونه (مستعجلاً حتى أتى المسجد وثاب الناس) بالمثلثة والموحدة رجعوا إلى المسجد بعد أن خرجوا منه (فصلّى) بهم (ركعتين) وزاد النسائي كما تصلون وحمله البيهقي وابن حبان على أن المعنى كما تصلون في الكسوف لأن أبا بكرب خاطب به أهل البصرة، وقد كان ابن عباس علمهم أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وفيه بحث سبق في صلاة الكسوف (فجلي) بضم الجيم وكسر اللام مشدّدة فكشف (عنها) عن الشمس (ثم أقبل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (علينا وقال): (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله) الدالة على وحدانيته وربوبيته (فإذا رأيتم منها) من الآيات (شيئًا) أو من الكسفة، وفي رواية في كتاب الكسوف فإذا رأيتموهما بالتثنية أي الشمس والقمر (فصلّوا وادعوا الله حتى يكشفها) أي الكسفة، ومطابقة الحديث للترجمة في قوله فقام يجرّ ثوبه مستعجلاً، فإن فيه أن الجر إذا كان بسبب الإسراع لا يدخل في النهي فيشعر بأن النهي يختص بما كان للخيلاء فلا ذم إلا ممن قصد الخيلاء لكنه لا حجة فيه لمن أجاز لبس القميص الذي ينجر لطوله إذا خلا عن الخيلاء. وهذا الحديث قد سبق في كتاب الكسوف في أول أبوابه. 3 - باب التَّشْمِيرِ فِى الثِّيَابِ (باب التشمير في الثياب)

4 - باب ما أسفل من الكعبين فهو فى النار

بالشين المعجمة الساكنة وبعد الميم المكسورة تحتية ساكنة وهو رفع أسفل الثوب. 5786 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شُمَيْلٍ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِى زَائِدَةَ، أَخْبَرَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِى جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِى جُحَيْفَةَ قَالَ: فَرَأَيْتُ بِلاَلاً جَاءَ بِعَنَزَةٍ فَرَكَزَهَا ثُمَّ أَقَامَ الصَّلاَةَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ فِى حُلَّةٍ مُشَمِّرًا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ إِلَى الْعَنَزَةِ وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ وَرَاءِ الْعَنَزَةِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إسحاق) هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في مستخرجه، وحكاه في الفتح وأقرّه عليه قال: (أخبرنا ابن شميل) بضم الشين المعجمة مصغرًا النضر بالضاد المعجمة قال: (أخبرنا عمر) بضم العين (ابن أبي زائدة) الهمداني بسكون الميم الكوفي أخو زكريا بن أبي زائدة قال: (أخبرنا عون بن أبي جحيفة عن أبيه أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة واسمه وهب بن عبد الله -رضي الله عنه- (قال: فرأيت) معطوف على محذوف اختصره المؤلّف هنا وساقه مطوّلاً في أوائل الصلاة أوله: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قبة من أدم الحديث. وفيه: ثم رأيت ولأبي ذر رأيت (بلالاً جاء بعنزة) بفتح العين المهملة والنون والزاي أطول من العصا وأقصر من الرمح فيها زج (فركزها ثم أقام الصلاة فرأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج في حلة) بضم الحاء المهملة وتشديد اللام إزار ورداء أو غيره ولا تكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة والجمع حلل وحلال أي خرج حال كونه (مشمّرًا) أسفل الحلة عن ساقيه فالنهي عن كفّ الثوب في الصلاة محله في غير ذيل الإزار (فصلّى ركعتين إلى العنزة ورأيت الناس والدواب يمرون بين يديه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من وراء العنزة). 4 - باب مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَهْوَ فِى النَّارِ هذا (باب) بالتنوين (ما أسفل من الكعبين) من الإزار والقميص وغيرهما (فهو في النار). 5787 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىُّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِى النَّارِ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما أسفل من الكعبين) من الرجل (من الإزار ففي النار) وما موصولة في محل رفع على أنها مبتدأ وفي النار الخبر وأسفل خبر مبتدأ محذوف وهو العائد على الوصول أي ما هو أسفل وحذف العائد لطول الصلة أو المحذوف كان وأسفل نصب خبر لكان ومن الأولى لابتداء الغاية والثانية لبيان الجنس، والمراد كما قاله الخطابي أن الموضع الذي يناله الإزار من أسفل الكعبين في النار فكنى بالثوب عن لابسه، والمعنى أن الذي دون الكعبين من القدم يعذب عقوبة فهو من تسمية الشيء باسم ما جاوره أو حلّ فيه فمن بيانية أو المراد الشخص نفسه تكون سببية، لكن في حديث ابن عمر عند الطبراني قال: رآني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسبلت إزاري فقال: يا ابن عمر كل شيء لمس الأرض من الثياب في النار وحينئذ فلا مانع من حمل حديث الباب على ظاهره فيكون من وادي إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم. وهذا الإطلاق محمول على ما ورد من قيد الخيلاء وقد نص الشافعي -رحمه الله- على أن التحريم مخصوص بالخيلاء فإن لم يكن للخيلاء كره للتنزيه. وقال في فتح الباري قوله في النار وقع في رواية النسائي من طريق أبي يعقوب وهو عبد الرحمن بن يعقوب سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار) بزيادة فاء قال وكأنها دخلت لتضمين ما معنى الشرط أي ما دون الكعبين من قدم صاحب الإزار المسبل فهو في النار عقوبة له اهـ. قلت في فرع اليونينية الأصل المعتمد من أصول صحيح البخاري ففي بزيادة الفاء وفي الهامش في بغير فاء مرقوم عليها علامة أبي ذر والله أعلم. 5 - باب مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنَ الْخُيَلاَءِ (باب من جر ثوبه من الخيلاء) أي لأجلها فمن تعليلية. 5788 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا ينظر الله) نظر رحمة (يوم القيامة إلى من جر إزاره) أو قميصه أو نحوهما (بطرًا) بموحدة وطاء مهملة مفتوحتين مصدر أي تكبرًا وبكسر الطاء فالنصب على الحال. 5789 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِىُّ أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى فِى حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فَهْوَ يَتَجَلَّلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا محمد بن زياد) القرشي الجمحي مولاهم (قال: سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (يقول: قال النبي)

ولأبي ذر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أو قال أبو القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال الحافظ ابن حجر الشك من آدم شيخ البخاري. (بينما) بالميم (رجل) جزم الكلاباذي بأنه قارون وكذا قاله الجوهري في صحاحه وذكر السهيلي في مبهمات القرآن في سور الصافات عن الطبراني أن قائل ابنوا له بنيانًا اسمه الهيزن رجل من أعراب فارس قال وهو الذي جاء في الحديث بينما رجل (يمشي في حلة) إزار ورداء (تعجبه نفسه) وإعجاب المرء بنفسه كما قال القرطبي هو ملاحظته لها بعين الكمال مع نسيان نعمة الله فإن احتقر غيره مع ذلك فهو الكبر المذموم (مرجل) بكسر الجيم المشددة مسرح (جمته) بضم الجيم وتشدد الميم مجتمع شعر رأسه المتدلي منها إلى المنكبين فأكثر وهو أكبر من الوفرة (إذ خسف الله به فهو يتجلجل) بجيمين مفتوحتين ولامين أولاهما ساكنة أي يتحرك أو يسوخ في الأرض مع اضطراب شديد ويندفع من شق إلى شق (إلى يوم القيامة). وعند الحارث بن أبي أسامة من حديث ابن عباس وأبي هريرة بسند ضعيف جدًّا عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من لبس ثوبًا جديدًا فاختال فيه خسف به من شفير جهنم فيتجلجل فيها لأن قارون لبس حلة فاختال فيها فخسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة). وفي تاريخ الطبري عن قتادة قال: ذكر لنا أنه يخسف بقارون كل يوم قامة وأنه يتجلجل فيها لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة، والحاصل أن هذا حكاية عن وقوعه في الأمم السابقة. وفي مسلم من طريق أبي رافع عن أبي هريرة زيادة ممن كان قبلكم وكذا أخرجه المؤلّف في ذكر بني إسرائيل، وأما ما أخرجه أبو يعلى من طريق كريب قال: كنت أقود ابن عباس فقال: حدّثني العباس قال: بينما أنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ أقبل رجل يتبختر بين ثوبين الحديث فهو ظاهر في أنه وقع في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسنده ضعيف، ولئن سلمنا ثبوته فيحتمل التعدد. وحكى القاضي عياض أنه روي يتجلل بجيم واحدة ولام ثقيلة وهو بمعنى يتغطى أي تغطية الأرض اهـ. والذي في الفرع يتجلل كما حكاه عياض وفي هامشه يتجلجل بجيمين ولامين من غير خط الأصل وقد ذكر في فتح الباري نكتة لطيفة وهي أن مقتضى هذا الحديث أن الأرض لا تأكل جسد هذا الرجل فيمكن أن يلغز به فيقال كافر لا يبلى جسده بعد الموت. وهذا الحديث أخرجه مسلم في اللباس أيضًا. 5790 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ خُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلَّلُ فِى الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». تَابَعَهُ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ وَلَمْ يَرْفَعْهُ شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء الحافظ (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عبد الرحمن بن خالد) أمير مصر (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم بن عبد الله أن أباه) عبد الله بن عمر بن الخطاب (حدّثه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بينا) بغير ميم (رجل يجر إزاره) من الخيلاء (خسف) بضم الخاء المعجمة وكسر السين المهملة ولأبي ذر عن الكشميهني إذ خسف (به فهو يتجلجل) بجيمين ولامين (في الأرض إلى يوم القيامة) وحكي أن في بعض الروايات يتخلخل بخاءين معجمتين قال في الفتح وهو تصحيف. وسبق الحديث في ذكر بني إسرائيل (تابعه) أي تابع عبد الرحمن بن خالد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم وسبق موصولاً في أواخر ذكر بني إسرائيل (ولم يرفعه) أي الحديث إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (شعيب) هو ابن أبي حمزة عن الزهري (عن أبي هريرة) وهذه وصلها الإسماعيلي من طريق أبي اليمان عن ثمامة بلفظ جرّ إزاره مسبلاً من الخيلاء، ولأبي ذر وأبي الوقت وابن عساكر والأصيلي: عن الزهري وهي واضحة. 0000 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، أَخْبَرَنَا أَبِى عَنْ عَمِّهِ، جَرِيرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَلَى بَابِ دَارِهِ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) أبو جعفر الجعفي البخاري المسندي قال: (حدّثنا وهب بن جرير) هو أبو العباس الأزدي البصري الحافظ قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (أبي) جرير بن حازم بن زيد الأزدي (عن عمه جرير بن زيد) أبي سلمة البصري (قال: كنت مع سالم بن عبد الله بن عمر على باب داره فقال): بالفاء ولأبي ذر وقال بالواو (سمعت أبا هريرة)

6 - باب الإزار المهدب ويذكر عن الزهرى، وأبى بكر بن محمد، وحمزة بن أبى أسيد، ومعاوية بن عبد الله بن جعفر: أنهم لبسوا ثيابا مهدبة

-رضي الله عنه- وهو (سمع النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه) أي نحو الحديث السابق وليس لجرير بن زيد في البخاري سوى هذا الحديث وقد خالف فيه الزهري وغيره فإن الزهري يقول عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال المزي في أطرافه وهو المحفوظ اهـ. وتعقبه الحافظ ابن حجر في النكت بأن قوله المحفوظ يقتضي أن تكون الرواية شاذة وليس كذلك فإن البخاري رجح عنده أنه عن سالم على الوجهين عن أبيه وعن أبي هريرة فالقرينة المرجحة لروايته عن أبيه إذ الزهري أحفظ وأعرف بحديث سالم من جرير والقرينة المرجحة لرواية جرير بن زيد القصة التي وقعت في روايته وخلت عنها رواية الزهري فقد قالوا إن الخبر إذا كانت فيه لرواية قصة دلّ ذلك على أنه ضبط. 5791 - حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: لَقِيتُ مُحَارِبَ بْنَ دِثَارٍ عَلَى فَرَسٍ وَهْوَ يَأْتِى مَكَانَهُ الَّذِى يَقْضِى فِيهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِى فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مَخِيلَةً، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». فَقُلْتُ لِمُحَارِبٍ: أَذَكَرَ إِزَارَهُ قَالَ: مَا خَصَّ إِزَارًا وَلاَ قَمِيصًا. تَابَعَهُ جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَزَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ. وَتَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، وَعُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَقُدَامَةُ بْنُ مُوسَى عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: بالإفراد (مطر بن الفضل) المروزي قال: (حدّثنا شبابة) بتخفيف الموحدتين أوله معجمة ابن سوار الفزاري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: لقيت محارب بن دثار) بالمثلثة المخففة بعد المهملة وبعد الألف راء حال كونه راكبًا (على فرس وهو يأتي مكانه الذي يقضي) يحكم (فيه) بين الناس بالكوفة وكان قاضيها (فسألته عن هذا الحديث فحدّثني) بالإفراد (فقال) بالفاء قبل القاف وسقطت لأبي ذر (سمعت عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) سقط عبد الله لأبي ذر (يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من جر ثوبه مخيلة) بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة وسكون التحتية أي كبرًا وعجبًا ولأبوي الوقت وذر من مخيلة (لم ينظر الله إليه) أي لا يرحمه فالنظر إذا أضيف إلى الله كان مجازًا وإذا أضيف إلى المخلوق كان كناية وقال الحافظ الزين العراقي عبر عن المعنى الكائن عند النظر لأن من نظر إلى متواضع رحمه ومن نظر إلى متكبر مقته فالرحمة والمقت مسببًا عن النظر (يوم القيامة) فيه الإشارة إلى أن يوم القيامة محل الرحمة المستمرة بخلاف رحمة الدنيا فإنها قد تنقطع بما يتجدد من الحوادث قال شعبة (فقلت لمحارب أذكر) عبد الله بن عمر في حديثه (إزاره؟ قال: ما خص) عبد الله (إزارًا ولا قميصًا) بل عبّر بالثوب الشامل للإزار والقميص وغيرهما. وفي حديث عبد الله بن عمر عن أبيه من طريق سالم عند أبي داود والنسائي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "الإسبال في الإزار والقميص والعمامة" الحديث. وقد جرت عاد العرب بإرخاء العذباء فما زاد على العادة في ذلك فهو من الإسبال، وكذا تطويل الأكمام إذا مسّت الأرض وقد حدث للناس اصطلاح بتطويلها للتمييز ومهما كان من ذلك للخيلاء أو وصل إلى جر الذيل الممنوع فحرام (تابعه) أي تابع محارب بن دثار على التعبير بالإزار (جبلة بن سحيم) بفتح الجيم والموحدة وسحيم بضم السين وفتح الحاء المهملتين مصغرًا مما وصله النسائي (وزيد بن أسلم) مما وصله مسلم (وزيد بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب مما لم يقف عليه الحافظ ابن حجر موصولاً (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولفظ النسائي من جر ثوبًا من ثيابه من مخيلة فإن الله لا ينظر إليه ولم يسق مسلم لفظه. (وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله مسلم (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (مثله) مثل الحديث المذكور ولم يذكر مسلم لفظه بل قال مثل حديث مالك وذكره النسائي بلفظ الثوب وسقط لأبي ذر قوله عن ابن عمر (وتابعه) أي وتابع نافعًا في روايته بلفظ الثوب (موسى بن عقبة) الأسدي فيما وصله في أول أبواب اللباس (وعمر بن محمد) أي ابن زيد بن عبد الله بن عمر مما وصله مسلم (وقدامة بن موسى) بن عمر بن قدامة الجمحي المدني التابعي الصغير مما وصله أبو عوانة (عن سالم عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من جر ثوبه خيلاء) وثبت قوله خيلاء في رواية أبي ذر عن الكشميهني. 6 - باب الإِزَارِ الْمُهَدَّبِ وَيُذْكَرُ عَنِ الزُّهْرِىِّ، وَأَبِى بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَحَمْزَةَ بْنِ أَبِى أُسَيْدٍ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: أَنَّهُمْ لَبِسُوا ثِيَابًا مُهَدَّبَةً (باب) في حكم لبس (الإزار المهدب) بضم الميم وفتح الهاء والدار المهملة المشددة بعدها موحدة أي الذي له هدب وهي أطراف من سدي بغير لحمة. (ويذكر) بضم أوله

7 - باب الأردية وقال أنس: جبذ أعرابى رداء النبي -صلى الله عليه وسلم-

وفتح ثالثه (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (و) عن (أبي بكر بن محمد) أي ابن عمرو بن حزم الأنصاري (و) عن (حمزة بن أبي أسيد) بضم الهمزة وفتح المهملة الساعدي (و) عن (معاوية بن عبد الله بن جعفر) أي ابن أبي طالب (أنهم) أي الأربعة (لبسوا ثيابًا مهدبة) وأثر حمزة بن أبي أسيد وصله ابن سعد وبقيتها لم يقف عليها الحافظ ابن حجر موصولة. 5792 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِىِّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا جَالِسَةٌ وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى كُنْتُ تَحْتَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِى فَبَتَّ طَلاَقِى فَتَزَوَّجْتُ بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مَعَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ جِلْبَابِهَا فَسَمِعَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ قَوْلَهَا وَهْوَ بِالْبَابِ، لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ قَالَتْ: فَقَالَ خَالِدٌ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلاَ تَنْهَى هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ وَاللَّهِ مَا يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى التَّبَسُّمِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِى إِلَى رِفَاعَةَ، لاَ حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِى عُسَيْلَتَهُ». فَصَارَ سُنَّةً بَعْدُ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالقاف المضمومة وفتح الراء والمعجمة المشالة وهو رفاعة بن سموال بكسر السين المهملة وقيل رفاعة بن رفاعة خال صفية أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- واسم امرأته تميمة بنت وهب وقيل غير ذلك مما سبق (وأنا جالسة وعنده أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- جملة حالية (فقالت: يا رسول الله إني كنت تحت رفاعة فطلقني فبت طلاقي) بمثناة فوقية مشددة أي طلقني ثلاثًا، ويحتمل أن يكون في دفعة وأن يكون في دفعات أي أكمل الثلاث والبت القطع فهو قاطع للوصلة بين الزوجين (فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير) بفتح الزاي وبعد الموحدة المكسورة ياء تحتية ساكنة آخره راء مهملة (وأنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل هذه الهدبة) سقطت لفظة هذه لأبي ذر (وأخذت هدبة من جلبابها) بكسر الجيم وسكون اللام وبموحدتين بينهما ألف قال النضر هو ثوب أقصر من الخمار وأعرض منه وهو المقنعة (فسمع خالد بن سعيد) هو ابن العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي أسلم قديمًا وهاجر إلى الحبشة واستشهد في آخر خلافة أبي بكر (قولها) ما معه يا رسول الله إلا مثل هذه الهدبة (وهو بالباب) الشريف النبوي (لم يؤذن له) في الدخول (قالت) عائشة -رضي الله عنها- (فقال خالد: يا أبا بكر ألا تنهى هذه عما تجهر به عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا والله ما يزيد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على التبسم) هو دون الضحك (فقال لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لعلك تريدين أن ترجعي) أي الرجوع (إلى) زوجك الأول (رفاعة) استفهام توبيخ (لا) يجوز لك الرجوع إليه (حتى يذوق) عبد الرحمن بن الزبير (عسيلتك وتذوقي عسيلته) كناية عن الجماع فشبه لذته بلذة العسل وحلاوته، وقد روي عن عائشة مرفوعًا العسيلة هي "الجماع" وإنما صغر إشارة إلى أن القدر القليل يحصل به الحل قال الزهري (فصار) ما ذكر في هذه القصة (سنة) أي شريعة (بعد) بالبناء على الضم فلا تحل المطلقة ثلاثًا للذي طلقها إلا بعد جماع زوج آخر، وقوله فصار قال في الفتح هو من قول الزهري فيما أحسب ومفهوم قول صاحب العدة في شرح العمدة أنه من قول عائشة حيث قال عقب فصار سنة إذا قال الصحابيّ من السنة حمل عند الجمهور من الأصوليين والمحدثين على رفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بعده بالضمير. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله مثل هذه الهدبة. وهذا الحديث سبق في باب من أجاز الطلاق الثلاث من كتاب الطلاق. 7 - باب الأَرْدِيَةِ وَقَالَ أَنَسٌ: جَبَذَ أَعْرَابِىٌّ رِدَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب الأردية) جمع رداء بالمد ما يجعل من الثياب على العاتق أو بين الكتفين (وقال أنس) -رضي الله عنه-: (جبذ أعرابي رداء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا طرف من حديث موصول يأتي إن شاء الله تعالى بمنّه وعونه في باب البرود والحبرة. 5793 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى عَلِىُّ بْنُ حُسَيْنٍ، أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِىٍّ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا - رضى الله عنه - قَالَ: فَدَعَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرِدَائِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِى وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِى فِيهِ حَمْزَةُ فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنُوا لَهُمْ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة العتكي المروزي الحافظ قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال (أخبرني) بالإفراد (علي بن حسين) زين العابدين الهاشمي (أن) أباه (حسين بن علي) سبط رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وريحانته استشهد يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وله ست وخمسون سنة

8 - باب لبس القميص وقول الله تعالى حكاية عن يوسف: {اذهبوا بقميصى هذا فألقوه على وجه أبى يأت بصيرا}

-رضي الله عنه- (أخبره أن) أباه (عليًّا -رضي الله عنه-) ولأبي ذر عنهم (قال: فدعا) هو عطف على محذوف سبق ذكره في باب فرض الخمس وهو قول علي كان لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاني شارفًا من الخمس الحديث. وفيه أن حمزة بن عبد المطلب جب أسنمتهما وبقر خواصرهما وأنه أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدعا (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بردائه فارتدى به) وسقط لغير أبي ذر فارتدى به (ثم انطلق) عليه الصلاة والسلام حال كونه (يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فاستأذن) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأذن لهم) حمزة وللحموي والمستملي فأذنوا حمزة ومن معه والمراد من الحديث قوله فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بردائه، وقد سبق مطولاً في الخمس. 8 - باب لُبْسِ الْقَمِيصِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يُوسُفَ: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِى هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا} (باب لبس القميص) ليس بحادث وإن شاع في العرب لبس الإزار والرداء. (وقول الله تعالى حكاية) ولأبي ذر وقال الله تعالى: (عن يوسف: {اذهبوا بقميصي هذا}) وفي نسخة واذهبوا بالواو والأول هو الذي في القرآن ({فألقوه على وجه أبي يأتِ بصيرًا}) [يوسف: 93] أي يصر بصيرًا أو يأت إليّ وهو بصير وقد روي أن يهودًا قال أنا أحمل قميص الشفاء كما ذهبت بقميص الجفاء وأنه حمله وهو حافٍ حاسر من مصر إلى كنعان وبينهما ثمانون فرسخًا، وأشار المصنف بذكر هذه الآية إلى أن القميص قديم وسقط قوله: {يأت بصيرًا} لأبي ذر. 5794 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ، وَلاَ السَّرَاوِيلَ، وَلاَ الْبُرْنُسَ وَلاَ الْخُفَّيْنِ، إِلاَّ أَنْ لاَ يَجِدَ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ مَا هُوَ أَسْفَلُ مِنَ الْكَعْبَيْنِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً) أي يسم (قال: يا رسول الله ما يلبس) الرجل (المحرم) مبتدأ وخبر المبتدأ اسم الاستفهام والخبر في جملة يلبس أي أيّ شيء يلبس المحرم والألف واللام في المحرم للجنس ومن في من الثياب لبيان الجنس (من الثياب؟ فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يلبس المحرم القميص) بكسر الميم بالإفراد. قال في القاموس: القميص وقد يؤنث معروف أو لا يكون إلا من قطن وأما من صوف فلا الجمع قمص وأقمصة وقمصان، وقد كان طريق الجواب يلبس كذا لكنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدل عنه فصاحة وبلاغة لأن ما لا يلبس المحرم ينحصر فيما ذكره فتحصل الفائدة للسائل وما يلبسه لا ينحصر فعدل لهذا المعنى فجملة لا يلبس معمولة للقول، ولا ناهية والفعل مجزوم فالسين مكسورة لالتقاء الساكنين ويجوز أن تكون لا نافية والمعنى على النهي والسين مرفوعة وهو الذي في الفرع فيكون خبرًا في معنى النهي (ولا السراويل). قال سيبويه: سراويل واحدة وهي أعجمية عُرَّبت فأشبهت من كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة وهي مصروفة في النكرة، وإن سميت بها رجلاً لم تصرفها وكذلك إن حقرتها اسم رجل لأنها مؤنث على أكثر من ثلاثة أحرف ومن النحويين من لا يصرفه أيضًا في النكرة ويزعم أنه جمع سروال أو سروالة وينشد: عليه من اللؤم سروالة ... فليس يرق لمستعطف ويحتج من ترك صرفه بقوله: فتى فارسي في سراويل رامح قال في الصحاح: والعمل على القول الأوّل والثاني أقوى. وقال في القاموس: السراويل فارسية معربة، وقد يذكر الجمع سراويلات أو جمع سروال وسروالة أو سرويل بكسرهن وليس في الكلام فعويل والسراوين بالنون لغة والشروال بالشين المعجمة لغة وهو منصوب عطفًا على القميص. (ولا البرنس) وهو كل ثوب رأسه منه ملتزق به من دراعة أو جبة (ولا الخفين إلا أن لا يجد النعلين فليلبس) بلام ساكنة بعد الفاء وفي رواية الكشميهني إسقاطها (ما هو أسفل من الكعبين) وفي الحج فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين وكذا في باب البرانس وغيره. 5795 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - قَالَ: أَتَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ قَبْرَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ وَوُضِعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (أخبرنا ابن عيينة) سفيان (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار أنه (سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال: أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عبد الله بن أبي) ابن سلول المنافق

9 - باب جيب القميص من عند الصدر وغيره

(بعدما) مات و (أدخل قبره فأمر) عليه الصلاة والسلام (به فأخرج) من قبره (ووضع) بضم الواو الثانية وكسر المعجمة (على ركبتيه) الشريفتين ولأبي ذر عن الحموي والمستملي على ركبته بالإفراد (ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه والله أعلم) بالواو ولأبي ذر بالفاء بدله أي الله أعلم بسبب إلباسه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياه قميصه، وفي الحج وكان عبد الله المذكور كسا العباس قميصًا فيرون أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألبس عبد الله قميصه مكافأة لما صنع أي مع عمه فجازاه من جنس فعله. 5796 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّىَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ جَاءَ ابْنُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِى قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ فِيهِ وَصَلِّ عَلَيْهِ وَاسْتَغْفِرْ لَهُ، فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ وَقَالَ لَهُ: «إِذَا فَرَغْتَ فَآذِنَّا» فَلَمَّا فَرَغَ آذَنَهُ فَجَاءَ لِيُصَلِّىَ عَلَيْهِ فَجَذَبَهُ عُمَرُ فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّىَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ؟ فَقَالَ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} فَنَزَلَتْ: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} فَتَرَكَ الصَّلاَةَ عَلَيْهِمْ. وبه قال: (حدّثنا صدقة) بن الفضل قال: (أخبرنا يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- أنه (قال: لما توفي عبد الله بن أبي) ابن سلول المنافق (جاء ابنه) عبد الله وكان من فضلاء الصحابة ومخلصيهم -رضي الله عنه- (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه) بالجزم على الجواب أي أكفن أبي (فيه وصل عليه) صلاتك على الميت (واستغفر له فأعطاه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قميصه وقال له: إذ فرغت) وزاد أبو ذر عن المستملي (منه) أي من جهازه (فآذنا) بمدّ الهمزة وكسر المعجمة وتشديد النون أعلمنا (فلما فرغ) عبد الله من جهازه (آذنه به) وسقط به لغير أبي ذر (فجاء) صلوات الله وسلامه عليه (ليصلّي عليه فجذبه عمر) بن الخطاب- رضي الله عنه ليكفه عن الصلاة عليه (فقال): يا رسول الله (أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال) جل وعلا: ({استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم}) [التوبة: 80] فهم -رضي الله عنه- النهي من التسوية بين الاستغفار وعدمه في النفع والصلاة على الميت المشرك استغفار له وهو منهي عنه فتكون الصلاة عليه منهيًا عنها وفي سورة التوبة فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنما خيرني الله تعالى فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة} وسأزيد على السبعين" فقال: إنه منافق فصلّى عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنما فعل ذلك إجراء له على ظاهر حكم الإسلام واستئلافًا لقومه مع أنه لم يقع نهي صريح، وروي أنه أسلم ألف من الخزرج لما رأوه يطلب التبرك بثوب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رواه الطبري. (فنزلت: ({ولا تصل على أحد منهم}) من المنافقين صلاة الجنازة ({مات}) صفة لأحد ({أبدًا}) ظرف لتصل وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له فقيل: ({ولا تقم على قبره}) [التوبة: 84] (فترك) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الصلاة عليهم) على المنافقين وثبت ولا تقم على قبره لأبي ذر. وسبق الحديث بسورة التوبة ومطابقته لما ترجم له هنا في قوله أعطني قميصك. 9 - باب جَيْبِ الْقَمِيصِ مِنْ عِنْدِ الصَّدْرِ وَغَيْرِهِ (باب جيب القميص) الذي يقرّر (من عند الصدر) ليخرج منه الرأس (وغيره) بالجر عطفًا على القميص. 5797 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَثَلَ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ قَدِ اضْطُرَّتْ أَيْدِيهِمَا إِلَى ثُدِيِّهِمَا وَتَرَاقِيهِمَا فَجَعَلَ الْمُتَصَدِّقُ كُلَّمَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ انْبَسَطَتْ عَنْهُ حَتَّى تَغْشَى أَنَامِلَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ وَجَعَلَ الْبَخِيلُ كُلَّمَا هَمَّ بِصَدَقَةٍ قَلَصَتْ وَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ بِمَكَانِهَا، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ بِإِصْبَعِهِ هَكَذَا فِى جَيْبِهِ فَلَوْ رَأَيْتَهُ يُوَسِّعُهَا وَلاَ تَتَوَسَّعُ. تَابَعَهُ ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، وَأَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ فِى الْجُبَّتَيْنِ. وَقَالَ حَنْظَلَةُ: سَمِعْتُ طَاوُسًا سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: جُبَّتَانِ. وَقَالَ جَعْفَرٌ عَنِ الأَعْرَجِ جُبَّتَانِ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا أبو عامر) عبد الملك العقدي قال (حدّثنا إبراهيم بن نافع) المخزومي (عن الحسن) بن مسلم بن يناق المكي (عن طاوس) اليماني ابن كيسان أبي عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسي قيل اسمه ذكوان ولقبه طاوس (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: ضرب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثل البخيل) الذي هو ضد الكريم (و) مثل (المتصدق) الذي يعطي الفقير من ماله في ذات الله (كمثل رجلين عليهما جبتان) بضم الجيم وتشديد الموحدة تثنية جبة اللباس المعروف (من حديد قد اضطرت أيديهما) بفتح الطاء ونصب التحتية الثانية من أيديهما عند أبي ذر على المفعولية ولغيره بضم الطاء وسكون التحتية مرفوع نائب عن الفاعل (إلى ثديهما) بضم المثلثة وكسر المهملة وتشديد التحتية جمع ثدي (وتراقيهما) بالقاف جمع ترقوة وهو العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق (فجعل) أي طفق (المتصدق

10 - باب من لبس جبة ضيقة الكمين فى السفر

كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه) أي انتشرت عنه الجبة (حتى تغشي) بضم الفوقية وفتح الغين وكسر الشين المشددة المعجمتين كذا لأبي ذر ولغيره بفتح الفوقية وسكون الغين وفتح الشين تغطي (أنامله) رؤوس أصابع رجليه (وتعفو أثره) بفتح الهمزة والمثلثة أي أثر مشيه لسبوغها (وجعل البخيل كلما همّ بصدقة قلصت) بالقاف واللام المخففة والصاد المهملة المفتوحات أي تأخرت وانضمت وارتفعت (وأخذت كل حلقة) بسكون اللام من الجبة (بمكانها. قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (فأنا رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول بأصبعه) ولأبي ذر بالتثنية (هكذا في جيبه) بفتح الجيم بعدها تحتية ساكنة فموحدة وهو موافق لما ترجم به ولأبي ذر عن الكشميهني جبته بضم الجيم بعدها موحدة مشددة فمثناة فوقية فضمير والأولى أوجه وفيه التعبير بالقول عن الفعل (فلو رأيته يوسعها ولا تتوسع). لتعجبت وسقطت إحدى تاءي تتوسع لأبي ذر (تابعه) أي تابع الحسن بن مسلم (ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) يعني عن أبي هريرة فيما سبق موصولاً في باب مثل المتصدق والبخيل من الزكاة (و) تابعه أيضًا (أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان فيما وصله في الباب المذكور (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة (في الجبتين) بالباء الموحدة وصحح عليها في الفرع. (وقال حنظلة): بن أبي سفيان المكي فيما سبق في الزكاة أيضًا (سمعت طاوسًا) يقول (سمعت أبا هريرة يقول: جبتان) بالموحدة أيضًا وفي اليونينية بالنون عند أبي ذر (وقال جعفر) أي ابن ربيعة ولأبي ذر جعفر بن حيان بالحاء المهملة المفتوحة والتحتية المشدّدة العطاردي قال ابن حجر الحافظ كالغساني وهو خطأ والصواب ابن ربيعة (عن الأعرج) عبد الرحمن (جنتان) بضم الجيم بعدها نون تثنية جنة وهي الوقاية. قال الطيبي: وهو أنسب لأن الدرع لا يسمى جبة بالموحدة بل بالنون وأوقع المتصدق مقابلاً للبخل والمقابل الحقيقي السخي إيذانًا بأن السخاء ما أمر به الشرع وندب إليه من الإنفاق لا ما يتعاناه المبذرون، وخص المشبه بهما بلبس الجبتين من الحديد إعلامًا بأن القبض والشح من جبلة الإنسان وخلقته وأن السخاء من عطاء الله وتوفيقه يمنحه من يشاء من عباده المفلحين وخص اليد بالذكر لأن السخي والبخيل يوصفان ببسط اليد وقبضها فإذا أريد المبالغة في البخل قيل مغلولة يده إلى عنقه وثديه وتراقيه، وإنما عدل عن الغلط إلى الدرع لتصور معنى الانبساط والتقلص والأسلوب من التشبيه المفرق شبه السخي الموفق إذا قصد التصدق يسهل عليه ويطاوعه قلبه بمن عليه الدرع ويده تحت الدرع فإذا أراد أن يخرجها منها وينزعها يسهل عليه والبخيل على عكسه. والحديث سبق في الزكاة. 10 - باب مَنْ لَبِسَ جُبَّةً ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ فِى السَّفَرِ (باب من لبس جبة ضيقة الكمين في السفر) لاحتياج المسافر إلى ذلك. 5798 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو الضُّحَى قَالَ: حَدَّثَنِى مَسْرُوقٌ قَالَ: حَدَّثَنِى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِحَاجَتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ فَتَلَقَّيْتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ فَذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ فَكَانَا ضَيِّقَيْنِ فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ فَغَسَلَهُمَا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَعَلَى خُفَّيْهِ. وبه قال: (حدّثنا قيس بن حفص) الدارمي البصري قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (أبو الضحى) مسلم بن صبيح (قال: حدّثني) بالإفراد (مسروق) هو ابن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي الكوفي (قال: حدّثني) بالتوحيد أيضًا (المغيرة بن شعبة) بن أبي عامر بن مسعود الثقفي أسلم عام الخندق وشهد الحديبية وتوفي بالكوفة سنة خمسين -رضي الله عنه- وأل في المغيرة للمح الصفة وبها صار المغيرة منصرفًا وشعبة لا ينصرف للعلمية والتأنيث (قال: انطلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحاجته) وكان في غزوة تبوك (ثم أقبل) بعد فراغه (فتلقيته) وللحموي والكشميهني: فلقيته بلام بعد الفاء وإسقاط الفوقية وكسر القاف (بماء فتوضأ) وفي كتاب الوضوء وأن مغيرة جعل يصب عليه وهو يتوضأ (وعليه جبة شامية) بتشديد التحتية وتخفف (فمضمض واستنشق وغسل وجهه فذهب يخرج يديه من كميه) بالتثنية فيهما (فكانا ضيقين فأخرج يديه من تحت الجبة) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي: من تحت بدنه بفتح الموحدة

11 - باب لبس جبة الصوف فى الغزو

والدال المهملة بعدها نون أي جبته والبدن درع ضيقة الكمين وقال في القاموس الدرع الضيقة (فغسلهما ومسح برأسه وعلى خفيه). والحديث سبق في الوضوء ومطابقته لما ترجم له هنا واضحة. 11 - باب لُبْسِ جُبَّةِ الصُّوفِ فِى الْغَزْوِ (باب لبس جبة الصوف في الغزو) وسقط قوله لبس لغير أبي ذر. 5799 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ لَيْلَةٍ فِى سَفَرٍ فَقَالَ: «أَمَعَكَ مَاءٌ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى عَنِّى فِى سَوَادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ الإِدَاوَةَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْهَا حَتَّى أَخْرَجَهُمَا مِنْ أَسْفَلِ الْجُبَّةِ فَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ أَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ: «دَعْهُمَا فَإِنِّى أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ» فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة (عن عامر) الشعبي (عن عروة بن المغيرة في أبيه) المغيرة بن شعبة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات ليلة في سفر) في غزوة تبوك (فقال) لي: (أمعك ماء؟ قلت: نعم فنزل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن راحلته فمشى حتى توارى) احتجب (عني في سواد الليل ثم جاء فأفرغت عليه الأداوة) أي ما فيها من الماء (فغسل وجهه ويديه وعليه جبّة من صوف فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها) لضيق كمّيها (حتى أخرجهما من أسفل الجبة فغسل ذراعيه ثم مسح برأسه) بباء الإلصاق (ثم أهويت) أي مددت يدي (لأنزع خفيه) بكسر الزاي واللام لام كي والفعل بعدها منصوب بإضمار أن بعدها (فقال: دعهما) أي الخفين (فإني أدخلتهما) أي الرجلين حال كونهما (طاهرتين). والفاء في قوله فإني سببية والأصل إنني بنونين حذفت الأولى وسكنت الثانية وأدغمت في الثالثة وقيل حذفت الثانية ورجحه أبو البقاء بحذفها في أن الخفيفة وقيل حذفت الثالثة (فمسح عليهما) فيه إضمار تقديره وأحدث فمسح عليهما لأن وقت جواز المسح بعد الحديث ولا يجوز قبله لأنه على طهارة الغسل. والحديث سبق في كتاب الوضوء. 12 - باب الْقَبَاءِ وَفَرُّوجِ حَرِيرٍ وَهْوَ الْقَبَاءُ وَيُقَالُ: هُوَ الَّذِى لَهُ شَقٌّ مِنْ خَلْفِهِ (باب القباء) بفتح القاف والموحدة المخففة ممدودًا. قال في القاموس: والقبوة انضمام ما بين الشفتين ومنه القباء من الثياب الجمع أقبية انتهى وهو فارسي معرب وقيل عربي (وفرّوج حرير) بفتح الفاء وضم الراء المشددة بعدها واو فجيم مجرور عطف على سابقه مضاف لتاليه (وهو) أي فروج الحرير (القباء ويقال) الفروج (هو الذي له شق من خلفه) بفتح الشين المعجمة وضم القاف منوّنة مشددة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي الذي شق من خلفه بضم الشين وفتح القاف قال في القاموس والفروج قباء شق من خلفه. 5800 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْبِيَةً وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ شَيْئًا فَقَالَ مَخْرَمَةُ: يَا بُنَىَّ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَقَالَ: ادْخُلْ فَادْعُهُ لِى قَالَ: فَدَعَوْتُهُ لَهُ فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْهَا فَقَالَ: «خَبَأْتُ هَذَا لَكَ» قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: رَضِىَ مَخْرَمَةُ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) وسقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن المسور) بكسر الميم وسكون المهملة له صحبة وكان فقيهًا ولد بعد الهجرة بسنتين (ابن مخرمة) بفتح الميمين بينهما معجمة ساكنة ثم راء مفتوحة ابن نوفل الزهري شهد حنينًا وأسلم يوم الفتح (أنه قال: قسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط لفظ أنه لغير أبي ذر (أقبية) جمع قباء (ولم يعط) أبي (مخرمة) منها (شيئًا) حينئذٍ وفي رواية حماد بن زيد في الخمس أهديت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقبية من ديباج مزرّرة بالذهب فقسمها في ناس من أصحابه وعزل منها واحدًا لمخرمة (فقال مخرمة: يا بنيّ انطلق بنا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد حاتم بن وردان في الشهادات عسى أن يعطينا منها شيئًا (فانطلقت معه فقال: ادخل فادعه لي قال فدعوته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (له فخرج إليه وعليه قباء منها) حمله بعضهم على أنه كان قبل النهي عن استعمال الحرير أو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يقصد لبسه إنما نشره على أكتافه ليراه مخرمة كله أو نشره على يديه وحينئذٍ فقوله وعليه من إطلاق الكل على البعض وفي رواية حاتم فخرج ومعه قباء وهو يريه محاسنه (فقال خبأت هذا لك قال) المسور (فنظر إليه) مخرمة (فقال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما جزم به الداودي أو مخرمة كما رجحه الحافظ ابن حجر: (رضي مخرمة). ومناسبة الحديث للترجمة واضحة وقد سبق في باب كيف يقبض العبد والمتاع من كتاب الهبة. 5801 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ أَبِى الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: أُهْدِىَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُّوجُ حَرِيرٍ فَلَبِسَهُ، ثُمَّ صَلَّى فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ ثُمَّ قَالَ: «لاَ يَنْبَغِى هَذَا لِلْمُتَّقِينَ». تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ اللَّيْثِ وَقَالَ غَيْرُهُ: فَرُّوجٌ حَرِيرٌ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي وسقط لأبي ذر ابن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد المصري (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني (عن عقبة بن عامر)

13 - باب البرانس

الجهني (-رضي الله عنه- أنه قال أهدي) بضم الهمزة وكسر الدال المهملة (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فروج حرير) بالإضافة (فلبسه) لكونه كان حلالاً (ثم صلّى فيه) زاد أحمد من طريق ابن إسحاق وعبد الحميد ثم صلّى فيه المغرب (ثم انصرف) من صلاته بأن سلم بعد فراغه (فنزعه) أي الفروج (نزعًا شديدًا) مخالفًا لعادته في الرفق (كالكاره له) لوقوع تحريمه حينئذٍ (ثم قال): (لا ينبغي هذا) الحرير (للمتقين) فيتناول اللبس وغيره من الاستعمال كالافتراش والمراد بالإشارة اللبس، وأما المتقين فهم المؤمنون الذين وقوا أنفسهم من الخلود في النار وهذا مقام العموم والناس فيه على درجات ومقام الخصوص مقام الإحسان والمراد هنا الأوّل، وهذه القصة كانت مبدأ تحريم لبس الحرير والراجح أن النساء لا يدخلن في لفظ هذا الحديث ودخولهن بطريق التغليب مجاز يمنع منه ورود الأدلة الصريحة على إباحته لهن وأما الصبيان فلا يحرم عليهم لأنهم لا يوصفون بالتقوى لأنهم غير مكلفين وهذا ما صححه الرافعي في المحرر والنووي في نكته، وصحح الرافعي في شرحيه تحريمه بعد السبع لئلا يعتاده وفي المجموع ولو ضبط بالتمييز على هذا كان حسنًا، وصحح ابن الصلاح تحريمه مطلقًا لظاهر خبر هذان حرام على ذكور أمتي. قال في المجموع: ومحل الخلاف في غير يوم العيد أما فيه فيحل تزيينهم به وبالذهب والفضة قطعًا لأنه يوم زينة وليس على الصبي تعبد وتعبيرهم بالطفل أو الصبي يخرج المجنون وتعليلهم يدخله وفاقًا كما صرح به الغزالي (تابعه) أي تابع قتيبة بن سعيد في روايته عن الليث (عبد الله بن يوسف) التنيسي شيخ المؤلّف (عن الليث) بن سعد الإمام فيما سبق مسندًا في باب من صلّى في فروج حرير ثم نزعه من كتاب الصلاة (وقال غيره) غير عبد الله بن يوسف فيما وصله أحمد عن حجاج بن محمد ومسلم والنسائي عن قتيبة والحارث عن يونس بن محمد المؤدّب كلهم عن الليث بلفظ (فروج حرير) بالتنوين فيهما وحكي ضم الفاء وتخفيف الراء. وقال السفاقسي: والفتح أوجه لأن فعولاً لم يرد إلا في سبوح قدوس وفروخ يعني الفرخ من الدجاج، لكن قال في الفتح: إن الضم يحكى عن أبي العلاء المعري. وحديث الباب سبق في الصلاة. 13 - باب الْبَرَانِسِ (باب البرانس) بفتح الموحدة وكسر النون جمع برنس بضم الموحدة والنون قال في القاموس: قلنسوة طويلة كان النساء في صدر الإسلام يلبسنها أو كل ثوب رأسه منه. وبالسند إلى البخاري قال. 5802 - وَقَالَ لِى مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى أَنَسٍ بُرْنُسًا أَصْفَرَ مِنْ خَزٍّ. (وقال لي مسدد) في المذاكرة وهو موصول لتصريحه بقوله لي: نعم سقطت هذه اللفظة في رواية النسفيّ فيكون معلقًا وقد وصله مسدد في مسنده ورواه معاذ بن المثنى عن مسدد قال: (حدّثنا معتمر) قال: (سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي (قال: رأيت على أنس) - رضي الله عنه (برنسًا أصفر من خز). بفتح الخاء المعجمة وتشديد الزاي ما غلظ من الديباج وأصله من وبر الأرنب ويقال لذكر الأرنب خزز بوزن عمر. قال في الفتح: قال في القاموس: ومنه اشتق الخز، وقال في الكواكب: هو المنسوج من الإبريسم والصوف، وقال غيره: حرير يخلط بوبر وشبهه، وقال ابن العربي: ما أحد نوعيه السدي أو اللحمة حرير والآخر سواء، وقد لبسه جماعة من الصحابة منهم أبو بكر الصديق وابن عباس والتابعين منهم ابن أبي ليلى وغيره وسئل عنه مالك فقال لا بأس به، وقد كرهه آخرون لكونه يشبه لباس النصارى منهم ابن عمر وسالم وابن جبير. 5803 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، وَلاَ الْعَمَائِمَ وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ، وَلاَ الْبَرَانِسَ، وَلاَ الْخِفَافَ، إِلاَّ أَحَدٌ لاَ يَجِدُ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلاَ تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلاَ الْوَرْسُ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- (أن رجلاً) أي يسم (قال: يا رسول الله ما يلبس) الرجل (المحرم من الثياب؟ قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تلبسوا) أيها المحرمون (القمص)، بالجمع (ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس) وفي المطالع حكاية أنها نوع من الطيالسة (ولا الخفاف) بكسر الخاء المعجمة جمع خف وهو معروف ويجمع على أخفاف (إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس خفين وليقطعهما) حتى يكونا (أسفل من الكعبين

14 - باب السراويل

ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسّه) وفي نسخة ما مسّه (زعفران) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي الزعفران بالتعريف (ولا ورس) بفتح الواو وسكون الراء بعدها سين مهملة وهو كما في القاموس نبات كالسمسم ليس إلا باليمن يزرع فيبقى عشرين سنة نافع للكلف طلاء والبهق شربًا ولبس الثوب المورس مقوٍّ على الباءة. وهذا الحديث سبق في باب ما لا يلبس المحرم من الثياب في الحج. 14 - باب السَّرَاوِيلِ (باب السراويل). 5804 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن جابر بن زيد) أبي الشعثاء الأزدي البصري (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) في المحرم: (من لم يجد إزارًا فليلبس) بفتح الموحدة (سراويل ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين). وهذا الحديث قد سبق في الحج. 5805 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ إِذَا أَحْرَمْنَا: قَالَ: «لاَ تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ وَالسَّرَاوِيلَ وَالْعَمَائِمَ وَالْبَرَانِسَ وَالْخِفَافَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ لَيْسَ لَهُ نَعْلاَنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلاَ تَلْبَسُوا شَيْئًا مِنَ الثِّيَابِ مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلاَ وَرْسٌ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري البصري قال: (حدّثنا جويرية) بن أسماء (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- أنه (قال: قام رجل) لم يسم (فقال: يا رسول الله ما تأمرنا أن نلبس إذا أحرمنا قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا تلبسوا القميص والسراويل) بلفظ الإفراد فيهما ولأبي ذر عن الكشميهني القمص والسراويلات بالجمع فيهما (والعمائم والبرانس والخفاف إلا أن يكون رجل ليس له نعلان فليلبس الخفين أسفل من الكعبين) أسفل ظرف ومن لابتداء الغاية أي فليقطعهما من جهة ما سفل من الكعبين، والأمر في قوله: فليلبس للإباحة. قال في الكواكب: سئل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عما يجوز لبسه فأجاب بعد ما لا يجوز لبسه ليدل بالالتزام من طريق المفهوم على ما يجوز، وإنما عدل عن الجواب الصريح إليه لأنه أخصر وأحصر فإن ما يحرم أقل وأضبط مما يحل أو لأن السؤال كان من حقه أن يكون عما لا يلبس لأن الحكم العارض المحتاج إلى البيان هو الحرمة وأما جواز ما يلبس فثابت بالأصل، والمطابقة للترجمة في قوله السراويل كما لا يخفى. وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا عند أبي نعيم الأصبهاني "إن أول من لبس السراويل إبراهيم الخليل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" قيل وكذا أول من يكسى يوم القيامة كما في الصحيحين عن ابن عباس. وفيه استحباب لبس السراويل. وفي حديث ابن مسعود عند الترمذي مرفوعًا "كان على موسى عليه الصلاة والسلام يوم كلّمه ربه كساء صوف وكمة صوت وجبة صوف وسراويل صوف وكانت نعلاه من جلد حمار ميت والكمة القلنسوة الصغيرة" وفي السنن الأربعة وصححه ابن حبان من حديث سويد بن قيس أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشترى رجل سراويل، وعند أبي يعلى والطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة: دخلت يومًا السوق مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجلس إلى البزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهم الحديث وفيه فقلت: يا رسول الله إنك لتلبس السراويل قال: "أجل في السفر والحضر والليل والنهار فإني أمرت بالستر" وفيه يوسف بن زياد البصري وهو ضعيف. (ولا تلبسوا شيئًا من الثياب مسّه الزعفران ولا ورس). وجمع الزعفران زعافر كترجمان وتراجم. 15 - باب الْعَمَائِمِ (باب العمائم) ولأبي ذر باب بالتنوين في العمائم جمع عمامة وهي ما يلف على الرأس. 5806 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِىَّ قَالَ: أَخْبَرَنِى سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ، وَلاَ الْعِمَامَةَ، وَلاَ السَّرَاوِيلَ، وَلاَ الْبُرْنُسَ، وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلاَ وَرْسٌ وَلاَ الْخُفَّيْنِ، إِلاَّ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمَا فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا السراويل ولا البرنس) بالإفراد فيها كلها (ولا ثوبًا مسه زعفران ولا ورس ولا الخفين إلا لمن لم يجد النعلين فإن لم يجدهما فليقطعهما أسفل من الكعبين). وليس ذكر الزعفران والورس للتقييد بل لأنهما الغالب فيما يصنع للزينة والترفه فيلحق بهما ما في معناهما. والمطابقة في قوله: ولا العمامة ولم يذكر البخاري في العمامة شيئًا ولعله لم يثبت عنده شيء على

16 - باب التقنع وقال ابن عباس: خرج النبى -صلى الله عليه وسلم- وعليه عصابة دسماء، وقال أنس: عصب النبى -صلى الله عليه وسلم- على رأسه حاشية برد

شرطه فيها. وعند أبي داود والترمذي عن ركانة رفعه فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم وعن ابن عمر: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا اعتمّ سدل عمامته بين كتفيه رواه الترمذي، وعند ابن أبي شيبة من حديث ... (¬1) أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمم عبد الرحمن بن عوف بعمامة سوداء من قطن وأفضل له من بين يديه مثل هذه، وفي رواية نافع عن ابن عمر قال: عمّم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابن عوف بعمامة وأرخاها من خلفه قدر أربع أصابع وقال هكذا فاعتم. وفي حديث الحسن بن علي عند أبي داود أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر وعليه عمامه سوداء قد أرخى طرفها بين كتفيه، وفي الترمذي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا اعتمّ سدل عمامته بين كتفيه وهل ترخى من الجانب الأيسر أو الأيمن؟ قال الحافظ الزين العراقي: المشروع من الأيسر ولم أرَ ما يدل على تعيين الأيمن إلا في حديث أبي أمامة بسند فيه ضعف عند الطبراني في الكبير قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يولي واليًا حتى يعممه ويرخي لها من الجانب الأيمن نحو الأذن. قال الحافظ. وعلى تقدير ثبوته فلعله كان يرخيها من الجانب الأيمن ثم يردها من الجانب الأيسر إلا أنه شعار الإمامية وهل المراد بالسدل سدل الطرف الأسفل حتى يكون عذبة أو الأعلى فيغرزها ويرسل منها شيئًا خلفه يحتمل الأمرين ولم أرَ التصريح بكون المرخى من العمامة عذبة إلا في الحديث عبد الأعلى بن عدي عند أبي نعيم في معرفة الصحابة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يوم غدير خمس فعممه وأرخى عذبة العمامة من خلفه ثم قال: هكذا فاعتموا فإن العمائم سيما الإسلام وهي حاجز بين المسلمين والمشركين، والعذبة الطرف كعذب السوط واللسان أي طرفهما فالطرف الأعلى يسمى عذبة من حيث اللغة وإن كان مخالفًا للاصطلاح العرفي الآن، وفي بعض طرق حديث ابن عمر ما يقتضي أن الذي كان يرسله بين كتفيه من الطرف الأعلى أخرجه أبو الشيخ وغيره من حديث ابن عمر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يدير كور العمامة على رأسه ويغرزها من ورائه ويرخي لها ذؤابة بين كتفيه. وفي كتاب المواهب اللدنية مزيد لذلك وبالله التوفيق والمستعان. 16 - باب التَّقَنُّعِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَرَجَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ، وَقَالَ أَنَسٌ: عَصَبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ (باب التقنع) بفتح الفوقية والقاف وضم النون مشددة بعدها عين مهملة وهو تغطية الرأس قاله الكرماني وزاد في الفتح وأكثر الوجه برداء أو غيره. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما سبق موصولاً مطوّلاً في مناقب الأنصار وغيره (خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعليه عصابة دسماء) بفتح الدال وسكون السين المهملتين ممدودة أي سوداء. (وقال أنس) -رضي الله عنه- مما يأتي موصولاً مطوّلاً في هذا الباب إن شاء الله تعالى (عصب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتخفيف الصاد المهملة (على رأسه حاشية برد) أي جانبه وتعقب الإسماعيلي المصنف بأن ما ذكره من العصابة لا يدخل في التقنع إذ التقنع تغطية الرأس والعصابة شد الخرقة على ما أحاط بالعمامة. وأجاب في فتح الباري: بأن الجامع بينهما وضع شيء زائد على الرأس فوق العمامة وتعقبه العيني بأن قوله زائد لا فائدة فيه وكذا قوله العمامة لأنه يلزم منه أنها إذا كانت تحت العمامة لا تسمى عصابة وبأن قول الإسماعيلي في أصل الاعتراض والعصابة شد الخرقة على ما أحاط بالعمامة ليس كذلك بل العصب شد الرأس بخرقة مطلقًا، وقد ذكر في الانتقاض ذلك ولم يجب عنه. 5807 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّى أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِى». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَوَ تَرْجُوهُ بِأَبِى أَنْتَ؟ قَالَ: «نَعَمْ». فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِصُحْبَتِهِ وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ فَبَيْنَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِى بَيْتِنَا فِى نَحْرِ الظَّهِيرَةِ فَقَالَ قَائِلٌ لأَبِى بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُقْبِلاً مُتَقَنِّعًا فِى سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدًا لَهُ بِأَبِى وَأُمِّى وَاللَّهِ إِنْ جَاءَ بِهِ فِى هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ لأَمْرٍ، فَجَاءَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ حِينَ دَخَلَ لأَبِى بَكْرٍ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ». قَالَ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنِّى قَدْ أُذِنَ لِى فِى الْخُرُوجِ». قَالَ: فَالصُّحْبَةُ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: فَخُذْ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَىَّ هَاتَيْنِ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بِالثَّمَنِ». فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ وَضَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِى جِرَابٍ فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِى بَكْرٍ قِطْعَةً مِنْ نِطَاقِهَا فَأَوْكَتْ بِهِ الْجِرَابَ وَلِذَلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقِ، ثُمَّ لَحِقَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ: ثَوْرٌ، فَمَكُثَ فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ وَهْوَ غُلاَمٌ شَابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ فَيَرْحَلُ مِنْ عِنْدِهِمَا سَحَرًا فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا يُكَادَانِ بِهِ إِلاَّ وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِى بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ تَذْهَبُ سَاعَةٌ مِنَ الْعِشَاءِ فَيَبِيتَانِ فِى رِسْلِهَا حَتَّى يَنْعِقَ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِى الثَّلاَثِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) التميمي الفراء الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف (عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنه) أنها (قالت: هاجر إلى الحبشة رجال) ولأبي ذر: هاجر ناس إلى الحبشة (من المسلمين، وتجهز أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- حال كونه (مهاجرًا فقال) له (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (على رسلك) بكسر ¬

(¬1) كذا بياض بالأصول اهـ.

الراء وسكون السين المهملة على هينتك أي اتئد (فإني أرجو أن يؤذن لي) في الهجرة (فقال) ولأبي ذر قال (أبو بكر: أو ترجوه)؟ بهمزة الاستفهام الاستخباري وفتح الواو أي أترجو الإذن في الهجرة مفدى (بأبي أنت. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نعم) أرجوه (فحبس أبو بكر) - رضي الله عنه (نفسه على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لصحبته) فلم يهاجر حينئذٍ (وعلف راحلتين) تثنية راحلة وهي من الإبل القوي على الأسفار والأحمال لما فيها من النجابة وتمام الخلق وحسن المنظر والذكر والأنثى في ذلك سواء والهاء للمبالغة (كانتا عنده ورق السمر) بفتح السين وضم الميم شجر الطلح (أربعة أشهر قال عروة) بالسند السابق (قالت عائشة) -رضي الله عنها-: (فبينما) بالميم (نحو يومًا جلوس) جالسون (في بيتنا في نحر الظهيرة) بالنون المفتوحة وسكون الحاء المهملة والظهيرة بفتح الظاء المعجمة وكسر الهاء أي أول الهاجرة (فقال قائل لأبي بكر) -رضي الله عنه- (هذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (مقبلاً متقنعًا) أي مغطيًا رأسه (في ساعة لم يكن) عليه الصلاة والسلام (يأتينا فيها. قال أبو بكر) -رضي الله عنه- (فدًا) منوّن بغير همز (له) أفديه (بأبي وأمي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي مصححًا عليه في الفرع لك بكاف الخطاب أبي وأمي (والله إن جاء به في هذه الساعة إلا لأمر) بكسر اللام أي لأجل أمر فإن نافية ولغير الكشميهني لأمر بفتح اللام والرفع فاللام للتأكيد وإن مخففة من الثقيلة (فجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستأذن) في الدخول (فأذن له) أبو بكر -رضي الله عنه- (فدخل فقال حين دخل لأبي بكر: أخرج) بفتح الهمزة وكسر الراء (من عندك) في موضع نصب على المفعولية (قال) أبو بكر -رضي الله عنه- (إنما هم أهلك) وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد عقد على عائشة -رضي الله عنها- (بأبي) أفديك (أنت يا رسول الله. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإني قد أذن لي في الخروج) من مكة إلى المدينة (قال) أبو بكر -رضي الله عنه- (فالصحبة) أي أطلب الصحبة ولغير أبي ذر فالصحبة بالرفع أي فالصحبة أجرها لي أفديك (بأبي أنت) زاد أبو ذر وأمي (يا رسول الله قال) عليه الصلاة والسلام (نعم. قال) أبو بكر: (فخذ بأبي) أفديك (أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين. قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): آخذها (بالثمن. قالت) عائشة -رضي الله عنها- (فجهزناهما أحث الجهاز) بفتح الجيم أي أسرعه ولأبي ذر عن الكشميهني أحب بالموحدة بدل المثلثة قال الحافظ ابن حجر وأظنه تصحيفًا (ووضعنا) بضاد معجمة بعدها عين مهملة ولأبي ذر وصنعنا بصاد مهملة فنون مفتوحتين فعين (لهما سفرة) بضم السين المهملة وسكون الفاء يأكلان عليها (في جراب) بكسر الجيم (فقطعت أسماء بنت أبي بكر) -رضي الله عنها- (قطعة من نطاقها) بكسر النون. قال في القاموس: شقة تلبسها المرأة وتشد وسطها فترسل الأعلى على الأسفل إلى الأرض والأسفل ينجر على الأرض ليس لها حجزة ولا نيفق ولا ساقان وانتطقت لبستها (فأوكت) شدت، ولأبي ذر: فأوكأت بزيادة همزة بعد الكاف (به) بما قطعته من نطاقها (الجراب، ولذلك كانت تسمى ذات النطاق) بالإفراد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ذات النطاقين بالتثنية قال في القاموس لأنها شقت نطاقها فجعلت واحدة لسفرة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والأخرى عصامًا لقربته وكذا قال الكرماني وزاد أو لأنها جعلته نطاقين نطاقًا للجراب وآخر لنفسها. (ثم لحق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر) -رضي الله عنه- (بغار في جبل يقال له ثور) بالمثلثة المفتوحة وواو ساكنة فراء (فمكث) وأبو بكر -رضي الله عنه- (فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر) شقيق أسماء بنت أبي بكر (وهو غلام شاب لقن) بفتح اللام وكسر القاف بعدها نون سريع الفهم (تقف) بفتح المثلثة وكسر القاف

17 - باب المغفر

بعدها فاء حاذق فطن (فيرحل) بالراء والحاء المهملة (من عندهما سحرًا) وقال الكرماني وفي بعضها فيدخل بالدال المهملة والخاء المعجمة أي مكة متوجهًا إليها من عندهما بحرًا (فيصبح مع قريش بمكة كبائت) معهم بمكة (فلا يسمع) منهم (أمرًا يكادان) بضم التحتية أي يمكران (به إلا وعاه) حفظه وضبطه (حتى يأتيهما بخبر ذلك) الذي سمع منهم من الكيد الذي يريدون فعله (حين يختلط الظلام ويرعى عليهما) صلّى الله وسلم عليهما (عامر بن فهيرة) بضم الفاء وفتح الهاء وسكون التحتية بعدها راء (مولى أبي بكر) -رضي الله عنهما- وكان عامر أحد السابقين لىإ الإسلام ممن عذب في الله (منحة من غنم) بكسر الميم وسكون النون بعدها حاء مهملة شاة يعطيها الرجل غيره ليحلبها ثمّ يردها إليه (فيريحها) بالحاء المهملة فيردها إلى المراح (عليهما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيريحه بتذكير الضمير أي يريح الذي يرعاه على رسول الله وأبي بكر -رضي الله عنه- (حين تذهب ساعدة من العشاء فيبيتان في رسلها) بكسر الراء وسكون السين المهملة أي لبن المنحة (حتى ينعق) بتحتية مفتوحة فنون ساكنة فعين مهملة فقاف أي يصيح (بها) بالمنحة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي رسلهما وبهما بالتثنية فيهما (عامر بن فهيرة بغلس) في ظلمة آخر الليل (يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث). ومطابقة الحديث للترجمة في قوله متقنعًا وسبق بهذا الإسناد مختصرًا في باب استئجار المشركين عند الضرورة من كتاب الإجارة ومطوّلاً جدًّا في باب هجرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكن عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل. 17 - باب الْمِغْفَرِ (باب المغفر) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الفاء بعدها راء. قال في القاموس: زرد من الدروع يلبس تحت القلنسوة أو حلق يتقنع بها المتسلح. 5808 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا مالك) إمام الأئمة الأصبحي -رحمه الله تعالى- (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عام الفتح) ولأبي ذر عن الكشميهني دخل مكة عام الفتح (وعلى رأسه) الشريف (المغفر) الواو في وعلى للحال وفي حديث جابر أنه دخل وعلى رأسه عمامة سوداء وجمع بينهما باحتمال أن أحدهما كان فوق الآخر أو دخل أوّلاً وعليه المغفر ثم نزعه ولبس العمامة السوداء في بقية دخوله والله أعلم. وهذا الحديث سبق في الحج والجهاد. 18 - باب الْبُرُودِ وَالْحِبَرَةِ وَالشَّمْلَةِ وَقَالَ خَبَّابٌ: شَكَوْنَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ. (باب البرود) بضم الموحدة جمع برد بضم فسكون قال في القاموس البرد بالضم ثوب مخطط الجمع أبراد وأبرد وبرود وأكسية يلتحف بها الواحدة بهاء (والحبرة) بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة بعدها راء كعنبة ضرب من برود اليمن الجمع حبر وحبرات وبائعها حبريّ لا حبار قاله الشيرازي (والشملة) بفتح الشين المعجمة وسكون الميم كساء دون القطيفة يشتمل به (وقال خباب) بخاء معجمة مفتوحة فموحدتين الأولى مشددة بينهما ألف ابن الأرتّ -رضي الله عنه- فيما مر موصولاً مطوّلاً في باب ما لقي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه بمكة (شكونا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من المشركين وأذاهم (وهو متوسد بردة له) الحديث. 5809 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِىٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِىٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِى مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِى عِنْدَكَ؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. وبه قال (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن) عمه (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: كنت أمشي مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليه برد نجراني) بنون مفتوحة فجيم ساكنة فراء مفتوحة وبعد الألف نون فياء نسبة لبلدة باليمن (غليظ الحاشية) وفي رواية الأوزاعي رداء (فأدركه أعرابي) لم يسم (فجبذه) بتقديم الموحدة على المعجمة (بردائه) قال في التنقيح صوابه ببرده لقوله أوّله عليه برد نجراني غليظ الحاشية وهذا لا يسمى رداء، وتعقبه في المصابيح فقال: ما أدري ما الذي يمنع من أنه كان عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برد ارتدى به فأطلق عليه الرداء بهذا الاعتبار اهـ. وقد سبق أن في رواية

الأوزاعي رداء (جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة) إلى جانب (عاتق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم ضحك ثم أمر له بعطاء) ولأبي ذر عن الكشميهني: بالعطاء. بعونه. ومطابقته للترجمة في قوله: برد نجراني ومضى في الخمس ويأتي في الأدب إن شاء الله تعالى بعونه. 5810 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِبُرْدَةٍ قَالَ سَهْلٌ: هَلْ تَدْرِى مَا الْبُرْدَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ، هِىَ الشَّمْلَةُ مَنْسُوجٌ فِى حَاشِيَتِهَا. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى نَسَجْتُ هَذِهِ بِيَدِى أَكْسُوكَهَا فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا لإِزَارُهُ فَجَسَّهَا رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْسُنِيهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، فَجَلَسَ مَا شَاءَ اللَّهُ فِى الْمَجْلِسِ ثُمَّ رَجَعَ فَطَوَاهَا ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ سَأَلْتَهَا إِيَّاهُ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ سَائِلاً؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهَا إِلاَّ لِتَكُونَ كَفَنِى يَوْمَ أَمُوتُ، قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن عبد القاريّ بتشديد التحتية نسبة للقارة مدني سكن الإسكندرية (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي -رضي الله عنه- أنه (قال: جاءت امرأة) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسم المرأة (ببردة) بهاء تأنيث آخرها (قال سهل) لأبي حازم أو لغيره: (هل تدري) ولأبي ذر: تدرون (ما البردة) زاد في الجنائز قالو الشملة (قال) سهل: (نعم هي الشملة منسوج في حاشيتها) قال في الكواكب يعني كان لها حاشية وفي نسجها مخالفة لنسج أصلها لونًا ودقة ورقة وفي الجنائز منسوج فيها حاشيتها قالوا ومعناه أنها لم تقطع من ثوب فتكون بلا حاشية (قالت: يا رسول الله إني نسجت هذه) البردة (بيدي أكسوكها) وفي الجنائز لأكسوكها (فأخذها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (محتاجًا إليها فخرج إلينا) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وإنها لإزاره) ولأبي ذر عن الحمو والمستملي إزاره بإسقاط اللام (فجسها) بالجيم بلا نون أي مسها بيده وفي نسخة باليونينية مصححًا عبيها ونسبها في المصابيح للجرجاني فحسنها بالحاء المهملة والنون بعد السين وصفها بالحسن (رجل من القوم) هو عبد الرحمن بن عوف كما عند الطبراني (فقال: يا رسول الله اكسنيها. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم، فجلس ما شاء الله في المجلس ثم رجع) إلى منزله (فطواها ثم أرسل بها إليه فقال له القوم ما أحسنت) نفي للإحسان وعند الطبراني من وجه آخر قال سهل فقلت له ما أحسنت (سألتها إياه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وقد عرفت أنه لا يرد سائلاً) بل يعطيه ما يطلبه (فقال الرجل والله ما سألتها إلا لتكون كفني يوم أموت قال سهل فكانت) أي البردة (كفنه). ومرّ الحديث في الجنائز في باب من استعدّ الكفن. 5811 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى زُمْرَةٌ هِىَ سَبْعُونَ أَلْفًا تُضِىءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ». فَقَامَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِىُّ يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ قَالَ: ادْعُ اللَّهَ لِى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ». ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَبَقَكَ عُكَاشَةُ». [الحديث 5811 - طرفه في: 6542]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يدخل الجنة من أمتي زمرة) بضم الزاي وفتح الراء بينهما ميم ساكنة جماعة (هي سبعون ألفًا تضيء وجوههم إضاءة القمر) أي كضوء القمر (فقام عكاشة بن محصن) بكسر الميم وسكون الحاء المهملة بعدها صاد مهملة مفتوحة فنون وعكاشة بتشديد الكاف وتخفف (الأسدي) حال كونه (يرفع نمرة عليه) بفتح النون وكسر الميم شملة فيها خطوط ملونة كأنها أخذت من جلد النمر لاشتراكهما وهذا موضع الترجمة (قال) ولأبي ذر فقال (ادع الله يا رسول الله أن يجعلني منهم فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللهم اجعله منهم. ثم قام رجل من الأنصار) هو سعد بن عبادة كما قاله الخطيب وفي قوله من الأنصار رد على من قال إنه من المنافقين وإنه إنما ترك الدعاء له لذلك (فقال: يا رسول الله ادع الله لي أن يجعلني منهم، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي نسخة النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سبقك) بالدعاء له (عكاشة). وهذا الحديث سبق في الطب وفي وفاة موسى. 5812 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قُلْتُ لَهُ أَىُّ الثِّيَابِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: الْحِبَرَةُ. [الحديث 5812 - طرفه في: 5813]. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عاصم) بفتح العين وسكون الميم القيسي البصري قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- (قال) قتادة: (قلت له): أي لأنس (أي الثياب كان أحب إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد أبو ذر أن يلبسها (قال) أنس (الحبرة)

19 - باب الأكسية والخمائص

بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة بوزن عنبة برد يماني يصنع من قطن، وإنما كانت أحب إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنها فيما قيل لونها أخضر وهو لباس أهل الجنة. وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود في اللباس. 5813 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَلْبَسَهَا الْحِبَرَةَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (عبد الله بن أبي الأسود) حميد البصري الحافظ قال: (حدّثنا معاذ) الدستوائي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) هشام بن عبد الله (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان أحب الثياب إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يلبسها الحبرة) خبر كان وأن يلبسها متعلق بأحب أي كان أحب الثياب لأجل اللبس الحبرة قال القرطبي سميت حبرة لأنها تحبر أي تزين والتحبير التزيين والتحسين. 5814 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ تُوُفِّىَ سُجِّىَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين توفي سجي) بضم السين المهملة وكسر الجيم مشدّدة أي غطي (ببرد) بالتنوين (حبرة) صفة له. وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود في الجنائز والنسائي في الوفاة. 19 - باب الأَكْسِيَةِ وَالْخَمَائِصِ (باب الأكسية والخمائص) جمع خميصة بالخاء المعجمة والصاد المهملة كساء من صوف أسود أو خز مربعة لها أعلام. 5815 - 5816 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضى الله عنهم قَالاَ: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ وَهْوَ كَذَلِكَ: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي ونسبه لجدّه لشهرته به قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن عائشة وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهم- قالا: لما نزل برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مرض الموت ونزل بفتحتين وفي غير الفرع بضم أوّله مبنيًّا للمجهول (طفق) بكسر الفاء جعل (يطرح خميصة له على وجهه) الكريم من الحمى (فإذا اغتم) باحتباس نفسه (كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك) الواو للحال. (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) حال كونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يحذر) أمته (ما صنعوا) من اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد لأنه بالتدريج يصير مثل عبادة الأصنام، والحديث سبق في الجنائز. 5817 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى خَمِيصَةٍ لَهُ لَهَا أَعْلاَمٌ فَنَظَرَ إِلَى أَعْلاَمِهَا نَظْرَةً فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ: «اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِى هَذِهِ إِلَى أَبِى جَهْمٍ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِى آنِفًا عَنْ صَلاَتِى وَائْتُونِى بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِى جَهْمِ» بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ مِنْ بَنِى عَدِىِّ بْنِ كَعْبٍ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: صلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في خميصة له لها أعلام فنظر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى أعلامها نظرة فلما سلم) من صلاته (قال): (اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم) بفتح الجيم وسكون الهاء (فإنها) أي الخميصة (ألهتني) أي شغلتني (آنفًا) بمد الهمزة وكسر النون بعدها فاء أي قريبًا (عن صلاتي). وفي الموطأ فإني نظرت إلى عملها في الصلاة فكاد يفتنني فيحمل قوله هنا بألهتني على قوله فكاد والإطلاق للمبالغة في القرب لا لتحقق وقوع الإلهاء وهو تشريع لترك كل شاغل وإرساله بها لأن جهم لينتفع بها لا ليصلّي فيها فهو كإرساله الحلة لعمر. وسبق مزيد لهذا في الصلاة. (وائتوني بأنبجانية أبي جهم بن حذيفة بن غانم من بني عدي بن كعب) القرشي، والأنبجانية بهمزة مفتوحة فنون ساكنة فموحدة مكسورة فجيم مفتوحة مخففة فألف وبعد النون تحتية مشدّدة كساء غليظ لا علم له. قال الحافظ ابن حجر وانتهى آخر الحديث عند قوله بأنبجانية أبي جهم وبقية نسبه مدرج في الخبر من كلام ابن شهاب. 5818 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ قَالَ: أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ كِسَاءً وَإِزَارًا غَلِيظًا قَالَتْ: قُبِضَ رُوحُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى هَذَيْنِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا إسماعيل) ابن علية قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن حميد بن هلال) بضم الحاء المهملة مصغرًا الأسدي البصري (عن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء ابن أبي موسى قاضي

20 - باب اشتمال الصماء

الكوفة الحارث وقيل عامر إنه (قال أخرجت إلينا عائشة) -رضي الله عنها- (كساءً وإزارًا غليظًا)، وفي الخمس إزارًا مما يصنع باليمن وكساء من هذه التي يدعونها الملبدة والملبدة اسم مفعول من التلبيد أي مرقعًا يقال لبدت القميص ألبده ولبدته ويقال للخرقة التي يرقع بها صدر القميص اللبدة كالقبيلة التي يرقع بها قبة كذا في القاموس وقيل الملبد الذي ثخن وسطه وصفق حتى صار يشبه اللبد (قالت) عائشة (قبض روح النبي) ولأبي ذر: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذين) الكساء والإزار، وفيه بيان ما كان عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الزهد في الدنيا والإعراض عن متاعها وملاذها فيا طوبى لمن اقتدى به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا الحديث سبق في الخمس. 20 - باب اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ (باب اشتمال الصماء) بالصاد المهملة والميم المشدّدة المفتوحتين ممدودًا. قال في القاموس: أن يرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى فعاتقه الأيمن فيغطيهما جميعًا أو الاشتمال بثوب واحد ليس عليه غيره ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فيبدو منه فرجه. 5819 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ خُبَيْبٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ، وَعَنْ صَلاَتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ وَأَنْ يَحْتَبِىَ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَىْءٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة وتشديد المعجمة ابن عثمان العبدي مولاهم الحافظ بندار قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي لا ابن عطاء لأنه لم يذكر أحد عبد الوهاب بن عطاء في رجال البخاري وليس لعبد الوهاب بن عطاء رواية فيه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن خبيب) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأولى مصغر ابن عبد الرحمن الأنصاري (عن حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهى تحريم (عن الملامسة) بأن يلمس ثوبًا مطويًّا أو في ظلمة ثم يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه اكتفاء بلمسه عن رؤيته أو يقول: إذا لمسته فقد بعتك اكتفاء بلمسه عن الصيغة أو بيعه شيئًا على أنه متى لمسه لزم البيع وانقطع الخيار اكتفاء بلمسه عن الإلزام بتفرق أو تخاير (و) عن (المنابذة) بالمعجمة بأن ينبذ كلٌّ منهما ثوبه على أن كلاًّ منهما مقابل بالآخر ولا خيار لهما إذا عرف الطول والعرض، وكذا لو نبذ إليه بثمن معلوم اكتفاء بذلك عن الصيغة والبطلان فيها وفي الملامسة من حيث المعنى لعدم الرؤية أو عدم الصيغة أو الشرط الفاسد (وعن صلاتين) نفلاً (بعد) صلاة فرض (الفجر حتى ترتفع الشمس) كرمح (وبعد) صلاة (العصر حتى تغيب) الشمس إلا صلاة لها سبب متقدم أو مقارن كفائتة فرض أو نفل وصلاة جنازة وكسوف واستسقاء وتحية وسجدة تلاوة أو شكر فلا يكره فيهما (وأن يحتبي) بأن يقعد على أليتيه وينصب ساقيه ويحتوي (بالثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء بينه وبين السماء وأن يشتمل الصماء). وهذا الحديث سبق في الصلاة. 5820 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ، نَهَى عَنِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِى الْبَيْعِ وَالْمُلاَمَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ، وَلاَ يُقَلِّبُهُ إِلاَّ بِذَلِكَ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ وَيَنْبِذَ الآخَرُ ثَوْبَهُ وَيَكُونَ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا عَنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلاَ تَرَاضٍ، وَاللِّبْسَتَيْنِ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ، وَالصَّمَّاءُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى أَحَدِ عَاتِقَيْهِ فَيَبْدُو أَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، وَاللِّبْسَةُ الأُخْرَى احْتِبَاؤُهُ بِثَوْبِهِ وَهْوَ جَالِسٌ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَىْءٌ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) الحافظ أبو زكريا المخزومي مولاهم المصري ونسبه لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عامر بن سعد) بسكون العين ابن أبي وقاص (أن أبا سعيد) سعد بن مالك (الخدري) -رضي الله عنه- (قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن لبستين) بكسر اللام وسكون الموحدة (وعن بيعتين) بفتح الموحدة (نهى عن الملامسة و) عن (المنابذة في البيع والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلاَّ بذاك) بغير لام فلا ينشره ولا ينظر إليه بل أقام اللمس مقام النظر (والمنابذة أن ينبذ) بكسر الموحدة يرمي (الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذلك بيعهما عن غير نظر) للثوب (ولا تراضٍ) أي لفظ يدل عليه وهو الإيجاب والقبول. قال الكرماني: والظاهر أن تفسير هاتين البيعتين بما ذكر إدراج من الزهري (واللبستين) بكسر الام والجر ولأبي ذر واللبستان بالرفع (اشتمال الصماء) بتشديد الميم

21 - باب الاحتباء فى ثوب واحد

(والصماء أن يجعل) الرجل (ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو) أي يظهر (أحد شقيه ليس عليه ثوب) غيره (واللبس الأخرى احتباؤه) بأن يجمع ظهره وساقيه (بثوبه وهو جالس) على أليتيه وساقاه منصوبتان (ليس على فرجه منه) أي من الثوب (شيء). وهذا الحديث سبق في باب بيع الملامسة من كتاب البيوع مختصرًا. 21 - باب الاِحْتِبَاءِ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ (باب الاحتباء في ثوب واحد). 5821 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ لِبْسَتَيْنِ: أَنْ يَحْتَبِىَ الرَّجُلُ فِى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَىْءٌ، وَأَنْ يَشْتَمِلَ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ، وَعَنِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: نهى رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن لبستبن: أن يحتبي الرجل في الثوب الواحد ليس على فرجه منه شيء) لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ربما يتحرك فتبدو عورته (وأن يشتمل بالثوب الواحد ليس على أحد شقيه) بكسر الشين المعجمة منه شيء وليس عليه ثوب غيره فتنكشف عورته، (وعن الملامسة) قال الشافعي هي أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول لصاحبه بعتك بكذا بشرط أن يقول لسك مقام نظره أي الثوب ولا تراضي (و) عن (المنابذة) بأن يقول الرجل لصاحبه انبذ إليّ الثوب أو أنبذه إليك فيجب البيع من غير تقليب للمبيع ولا عقد. 5822 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنِى مَخْلَدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نَهَى عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَأَنْ يَحْتَبِىَ الرَّجُلُ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَىْءٌ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام (قال: أخبرني) بالإفراد (مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة ابن يزيد من الزيادة الحراني قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن اشتمال الصماء) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال المظهري: أي نهى أن يشتمل الرجل على صورة الصماء وإنما قيل له ذلك لأنه يسد على يديه ورجليه المنافذ كلها كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق ولا صدع، وقد سبق قريبًا في الباب السابق تعريفه عند الفقهاء وغيرهم فتأمله (و) نهى أيضًا (أن يحتبي الرجل في الثوب لواحد ليس على فرجه منه شيء). 22 - باب الْخَمِيصَةِ السَّوْدَاءِ (باب الخميصة السوداء) بالخاء المعجمة المفتوحة وبعد الميم المكسورة والتحتية الساكنة صاد مهملة ثوب من حرير أو صوف معلم أو كساء مربع له علمان أو كساء رقيق من أي لون كان أو لا وتكون خميصة إلا إذا كانت سوداء معلمة. 5823 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ سَعِيدِ بْنِ فُلاَنٍ - هُوَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ قَالَتْ: أُتِىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيرَةٌ، فَقَالَ: «مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُو هَذِهِ»؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ قَالَ: «ائْتُونِى بِأُمِّ خَالِدٍ» فَأُتِىَ بِهَا تُحْمَلُ فَأَخَذَ الْخَمِيصَةَ بِيَدِهِ فَأَلْبَسَهَا وَقَالَ: «أَبْلِى وَأَخْلِقِى» وَكَانَ فِيهَا عَلَمٌ أَخْضَرُ أَوْ أَصْفَرُ فَقَالَ: «يَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَاهْ». وَسَنَاهْ بِالْحَبَشِيَّةِ، حَسَنٌ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه سعيد بن فلان) كذا بإبهام والد سعيد، وفي الفرع هو عمرو ورقم عليه علامة السقوط لأبي ذر، وعند أبي نعيم في مستخرجه من طريق أبي خيثمة زهير بن حرب عن الفضل بن دكين حدّثنا إسحاق بن عمرو (بن سعيد بن العاص عن أم خالد) أمة بفتح الهمزة والميم مخففًا أي ابن الزبير بن العوّام (بنت خالد) أي ابن سعيد بن العاص أنها (قالت: أتي النبي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة) قال في الفتح: لم أقف على تعيين الجهة التي حضرت منها الثياب المذكورة (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من ترون) بفتح التاء والراء (نكسو) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي أن نكسو (هذه) الخميصة (فسكت القوم) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تعيين أسمائهم (قال) ولأبي ذر: فقال (ائتوني بأم خالد. فأتي بها) حال كونها (تحمل) بضم الهمزة والفوقية بالبناء للمفعول فيهما وإنما حملت لصغرها حينئذٍ وفيه التفات، ولأبي ذر عن الكشميهني: تحتمل بفوقية قبل الميم (فأخذ) عليه الصلاة والسلام (الخميصة بيده فألبسها) أم خالد (وقال) لها: (أبلي) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وكسر اللام أمر بالإبلاء (وأخلقي) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها قاف وهي بمعنى الأولى دعاء لها بطول البقاء أي أنها تطول حياتها حتى تبلي الثوب وتخلقه، ولأبي زيد المروزي عن الفربري: وأخلفي بالفاء بدل القاف وهي أوجه إذ الإبلاء والأخلاق بمعنى والعطف لتغاير اللفظتين ورواية الفاء

23 - باب ثياب الخضر

تفيد معنى زائد، إلا أنها إن أبلت الثوب أخلفت غيره (وكان فيها) أي في الخميصة (علم أخضر أو أصفر) بالشك من الراوي في رواية ابن سعد أحمر بدل أخضر (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يا أم خالد هذا) أي علم الخميصة (سناه) بفتح السين المهملة والنون وبعد الألف هاء ساكنة قالت أم خالد كما عند ابن سعد (وسناه بالحبشية حسن) وكلمها عليه الصلاة والسلام بلسان الحبشة لأنها ولدت بأرض الحبشة، وسقط لأبي ذر قوله حسن. 5824 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: لَمَّا وَلَدَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قَالَتْ لِى: يَا أَنَسُ انْظُرْ هَذَا الْغُلاَمَ فَلاَ يُصِيبَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَنِّكُهُ فَغَدَوْتُ بِهِ فَإِذَا هُوَ فِى حَائِطٍ وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ حُرَيْثِيَّةٌ وَهْوَ يَسِمُ الظَّهْرَ الَّذِى قَدِمَ عَلَيْهِ فِى الْفَتْحِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) أبو موسى العنزي الحافظ (قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (ابن أبي عدي) محمد (عن ابن عون) عبد الله (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما ولدت أم سليم) بضم السين وفتح اللام زوج أبي طلحة أم أنس (قالت لي: يا أنس انظر هذا الغلام فلا يصبين شيئًا) ينزل في جوفه (حتى تغدو به إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحنكه) بأن يدلك حنكه بالتمر (فغدوت به) إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإذا هو في حائط) بستان (وعليه خميصة حريثية) بالحاء المهملة المضمومة والمثلثة مصغرًا آخره هاء تأنيث منسوبة إلى حريث رجل من قضاعة. وعند ابن السكن خيبرية بالخاء المعجمة والموحدة نسبة إلى خيبر البلد المعروف، ولبعضهم في روايات مسلم جونية بجيم مفتوحة وواو ساكنة بعدها نون نسبة إلى بني الجون أو إلى لونها من السواد أو الحمرة أو البياض. قال في الفتح: والذي يطابق الترجمة الجونية فإن الأشهر فيه أنه الأسود، وطرق الحديث يفسر بعضها بعضًا فيكون لونها أسود وهي منسوبة إلى صانعها (وهو) عليه الصلاة والسلام (يسم الظهر) أي يعلم الإبل بالكي (الذي قدم عليه في) زمان (الفتح) ليتميز عن غيره. 23 - باب ثِيَابِ الْخُضْرِ (باب ثياب الخضر) بإضافة ثياب لما بعدها، ولأبي ذر عن الكشميهني الثياب الخضر على الوصف. 5825 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ الْقُرَظِىُّ قَالَتْ عَائِشَةُ: وَعَلَيْهَا خِمَارٌ أَخْضَرُ فَشَكَتْ إِلَيْهَا وَأَرَتْهَا خُضْرَةً بِجِلْدِهَا، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنِّسَاءُ يَنْصُرُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا يَلْقَى الْمُؤْمِنَاتُ لَجِلْدُهَا أَشَدُّ خُضْرَةً مِنْ ثَوْبِهَا، قَالَ: وَسَمِعَ أَنَّهَا قَدْ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنَانِ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِى إِلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ إِلاَّ أَنَّ مَا مَعَهُ لَيْسَ بِأَغْنَى عَنِّى مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ ثَوْبِهَا فَقَالَ كَذَبَتْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى لأَنْفُضُهَا نَفْضَ الأَدِيمِ وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ تُرِيدُ رِفَاعَةَ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ تَحِلِّى لَهُ أَوْ لَمْ تَصْلُحِى لَهُ حَتَّى يَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِكِ». قَالَ: وَأَبْصَرَ مَعَهُ ابْنَيْنِ فَقَالَ: «بَنُوكَ هَؤُلاَءِ». قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «هَذَا الَّذِى تَزْعُمِينَ مَا تَزْعُمِينَ فَوَاللَّهِ لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنَ الْغُرَابِ بِالْغُرَابِ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: بالإفراد (محمد بن بشار) أبو بكر العبدي مولاهم الحافظ بندار قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (أخبرنا أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (أن رفاعة طلّق امرأته) تميمة بنت وهب (فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير) بفتح الزاي وكسر الموحدة (القرظي) بضم القاف والظاء المعجمة من بني قريظة (قالت عائشة: وعليها خمار أخضر فشكت إليها) إلى عائشة من زوجها عبد الرحمن (وأرتها خضرة بجلدها) من أثر ضربه لها وفيه التفات أو تجريد (فلما جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال عكرمة (والنساء ينصر بعضهن بعضًا) اعتراض بين السابق وبين قوله: (قالت عائشة): يا رسول الله (ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات) من المشقات (لجلدها أشد خضرة من ثوبها) الخمار الأخضر الذي عليها (قال) عكرمة (وسمع) زوجها (أنها قد أتت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تشكوه (فجاء) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ومعه ابنان له من غيرها) أي يسميا، وفي رواية وهيب في فوائد ابن السمان بنون والواو في ومعه للحال (قالت) أي تميمة (والله) يا رسول الله (ما لي إليه من ذنب) يكون سببًا لضربه لي (إلا أن ما معه) من آلة الجماع (ليس بأغنى عني من هذه الهدبة) أي ليس دافعًا عني شهوتي لقصور آلته أو استرخائها عن المجامعة كهذه الهدبة (وأخذت هدبة من ثوبها فقال) زوجها عبد الرحمن (كذبت والله يا رسول الله إني لأنفضها نفض الأديم) أي كنفض الأديم وهو كناية عن كمال قوة الجماع (ولكنها ناشز) بحذف التاء كحائض لأنها من خصائص النساء فلا حاجة إلى التاء الفارقة (تريد رفاعة فقال) لها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (فإن كان) الأمر (ذلك لم تحلي له أو لم تصلحي) ولأبي ذر عن الكشميهني: لا تحلين له أو لا تصلحين (له) لرفاعة والشك من الراوي (حتى يذوق) عبد الرحمن (من عسيلتك) شبه لذة الجماع بذوق العسيلة فاستعار لها ذوقًا وأنّث لإرادة قطعة من العسل إذ

24 - باب الثياب البيض

العسل في الأصل يذكر ويؤنث، والمراد الجماع سواء أنزل أو لم ينزل ولم بمعنى لا كما قاله الأخفش وأنشد: لولا فوارس من قيس وأسرتهم ... يوم الصليفاء لم يوفون بالجار (قال) عكرمة (وأبصر) عليه الصلاة والسلام (معه) أي مع عبد الرحمن (ابنين) زاد أبو ذر له فقال له مستفهمًا (بنوك هؤلاء)؟ بلفظ الجمع ففيه إطلاق لفظ الجمع على الاثنين لكن سبق أن في رواية وهيب بلفظ بنون (قال) عبد الرحمن (نعم. قال) عليه الصلاة والسلام لها (هذا الذي تزعمين ما تزعمين) من عنته (فوالله لهم) أي أولاده (أشبه به) في الخلق (من الغراب بالغراب). ومطابقة الحديث لما ترجم في قوله وعليها خمار أخضر. 24 - باب الثِّيَابِ الْبِيضِ (باب الثياب البيض). 5826 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ بِشِمَالِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِيَمِينِهِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ يَوْمَ أُحُدٍ مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (الحنظلي) بالحاء المهملة والظاء المعجمة المفتوحتين بينهما نون ساكنة قال: (أخبرنا محمد بن بشر) بالموحدة والمعجمة العبدي قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وبالسين الساكنة والعين المفتوحة المهملتين آخره راء ابن كدام الكوفي (عن سعد بن إبراهيم عن أبيه) إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن سعد) بن أبي وقاص أنه (قال: رأيت بشمال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويمينه) ملكين تشكلا بشكل (رجلين) وهما جبريل وميكائيل وقول الكرماني أو إسرافيل، تعقبه في الفتح بأن زاعم ذلك لم يصب كذا قال ولم يذكر لتعيين ميكائيل دون إسرافيل مستندًا هنا فالله أعلم (عليهما ثياب بيض يوم) وقعة (أُحُد ما رأيتهما قبل ولا بعد) بالبناء على الضم فيهما لقطعهما عن الإضافة أي قبل ذلك ولا بعده، ومراده من الحديث قوله ثياب بيض وأن البياض كان لباس الملائكة الذين نصروه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أُحُد وغيره، واكتفى بذلك لكونه فيما يظهر لم يثبت عنده على شرطه في ذلك شيء صريح، وفي حديث سمرة المروي عند الإمام أحمد والسنن وصححه الحاكم مرفوعًا: "عليكم بالثياب البيض فالبسوها فإنها أطيب وأطهر وكفنوا فيها موتاكم". قال في شرح المشكاة: وإنما كانت أطهر لأن البيض أكثر تأثرًا من الثياب الملوّنة فتكون البيض أكثر غسلاً منها. وحديث الباب سبق في غزوة أُحُد. 5827 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِىَّ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ - رضى الله عنه - حَدَّثَهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهْوَ نَائِمٌ ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ». قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ». قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ». قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِى ذَرٍّ». وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا قَالَ: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِى ذَرٍّ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ قَبْلَهُ إِذَا تَابَ وَنَدِمَ وَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ غُفِرَ لَهُ. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين وسكون العين المهملة بينهما عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المقعد البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التيمي مولاهم البصري التنوري (عن الحسين) بضم الحاء ابن ذكوان المعلم البصري الثقة (عن عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة ابن الحصيب الأسلم التابعي قاضي مرو وعالمها (عن يحيى بن يعمر) بفتح التحتية والميم بينهما عين مهملة ساكنة قاضي مرو التابعي أيضًا (حدّثه أن أبا الأسود الديلي) بكسر الدال المهملة بعدها تحتية ساكنة ولأبي ذر الدؤلي بضم الدال بعدها همزة مفتوحة التابعي الكبير قاضي البصرة (حدّثه أن أبا ذر) جندب بن جنادة (-رضي الله عنه- حدّثه قال: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعليه ثوب أبيض وهو نائم ثم أتيته وقد استيقظ). قال الكرماني: وفائدة ذكر الثوب والنوم تقرير التثبيت والإتقان فيما يرويه في آذان السامعين ليتمكن في قلوبهم (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة) قال أبو ذر (قلت) يا رسول الله (وإن زنى وإن سرق؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وإن زنى وإن سرق) لأن الكبيرة لا تسلب اسم الإيمان ولا تحبط الطاعة ولا تخلد صاحبها في النار بل عاقبته أن يدخل الجنة. قال أبو ذر (قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال) صلوات الله عليه وسلامه: (وإن زنى وإن سرق) قال أبو ذر (قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر) من رغم إذا لصق بالرغام وهو التراب ويستعمل مجازًا بمعنى كره أو ذلّ إطلاقًا لاسم السبب على المسبب، وتكرير أبي ذر قوله وإن زنى وإن سرق استعظامًا لشأن الدخول مع اقتراف الكبائر وتعجبه من ذلك، وتكرير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك لإنكاره

25 - باب لبس الحرير وافتراشه للرجال وقدر ما يجوز منه

استعظامه وتحجيره واسعًا فإن رحمة الله تعالى واسعة (وكان أبو ذر إذا حدّث بهذا) الحديث (قال) ولأبي ذر يقول بلفظ المضارع (وإن رغم) بكسر المعجمة وتفتح ذل (أنف أبي ذر) وأبدى صاحب الكواكب سؤالاً فقال: فإن قلت: مفهوم الشرط أن من لم يزن لم يدخل الجنة، وأجاب: بأن هذا الشرط للمبالغة والدخول له بالطريق الأولى نحو نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه. (قال أبو عبد الله) المصنف مفسرًا للحديث (هذا) الذي قاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو: ما من عبد قال لا إله إلا الله ... الخ ... إنما يكون (عند الموت أو قبله إذا تاب) من الذنوب (وندم) عليها (وقال: لا إله إلا الله غفر له). وأدخل الجنة. قال السفاقسي: وهذا الذي قاله مخالف لظاهر الحديث إذ لو كانت التوبة شرطًا لم يقل وإن زنى وإن سرق، والحديث على ظاهره أنه إذا مات مسلمًا دخل الجنة قبل النار أو بعدها وهذا في حقوق الله تعالى باتفاق أهل السُّنّة، أما حقوق العباد فلا بدّ من ردّها عند الأكثر أو أن الله تعالى يرضى صاحب الحق بما شاء وأما من مات مصرًّا على الذنب من غير توبة فمذهب أهل السُّنَّة أنه في مشيئة الله إن شاء عاقبة إن شاء عفا عنه لا يسأل عما يفعل أسأله العفو والعافية وأستعيذ بوجهه الكريم من النار إنه جوّاد كريم رؤوف رحيم. وهذا الحدث أخرجه مسلم في الإيمان. 25 - باب لُبْسِ الْحَرِيرِ وَافْتِرَاشِهِ لِلرِّجَالِ وَقَدْرِ مَا يَجُوزُ مِنْهُ (باب لبس الحرير و) حكم (افتراشه للرجال وقدر ما يجوز) استعماله (منه) في بعض الثياب وثبت قوله وافتراشه في فرع اليونينية لكن مرّ قوم عليه علامة السقوط لأبي ذر وهو الأولى لأنه ترجم للافتراش ترجمة مستقلة بعد أبواب، وقول الحافظ ابن حجر إنه وقع في شرح ابن بطال ومستخرج أبي نعيم زيادة افتراشه في الترجمة قد يفهم أنه ساقط في رواية البخاري فالله أعلم. 5828 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِىَّ قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ، وَنَحْنُ مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ بِأَذْرَبِيجَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الْحَرِيرِ، إِلاَّ هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ اللَّتَيْنِ تَلِيَانِ الإِبْهَامَ قَالَ: فِيمَا عَلِمْنَا أَنَّهُ يَعْنِى الأَعْلاَمَ. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (قال: سمعت أبا عثمان) عبد الرحمن بن ملّ (النهدي) بفتح النون وسكون الهاء. قال سليمان التيمي: إني لأحسبه كان لا يصيب ذنبًا ليله قائم ونهاره صائم كان يصلّي حتى يغشى عليه (قال: أتانا كتاب عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (ونحن مع عتبة بن فرقد) بضم العين المهملة وسكون الفوقية وفتح الموحدة، وفرقد بفتح الفاء والقاف بينهما راء ساكنة آخره دال مهملة السلمي الصحابي الكوفي، وكان أميرًا لعمر في فتح بلاد الجزيرة (بأذرييجان) بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة وفتح الراء وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة جيم فألف فنون. قال القاضي: وضبطه الأصيلي والمهلب بمدّ الهمزة قال: وضبطناه عن عبد الله بن سليمان بفتحها، وحكى السفاقسي كسر الهمزة إقليم معروف (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن) لبس (الحرير) نهي تحريم على الرجال وعلة التحريم إما الفخر والخيلاء أو كونه ثوب رفاهية وزينة يليق بالنساء لا الرجال أو التشبه بالمشركين أو السرف، وقد حكى القاضي عياض أن الإجماع انعقد بعد ابن الزبير وموافقيه على تحريم الحرير على الرجال (إلا هكذا وأشار) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بإصبعيه اللتين تليان الإبهام) وهما السبابة والوسطى (قال) أبو عثمان النهدي (فيما علمنا) أي الذي حصل في علمنا (أنه يعني) بالاستثناء في قوله إلا هكذا (الأعلام) بفتح الهمزة جمع علم مما جوّز من التطريف والتطريز، ورواية أبي عثمان النهدي لهذا الحديث عن عمر بطريق الوجادة أو بواسطة المكتوب إليه وهو عتبة بن فرقد قال الدارقطني: وهذا الحديث أصل في جواز الرواية بالمكاتبة عند الشيخين وذلك معدود عندهم في المتصل. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف وأبو داود وأخرجه النسائي في الزينة وابن ماجة في الجهاد واللباس. 5829 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إِلاَّ هَكَذَا وَصَفَّ لَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِصْبَعَيْهِ وَرَفَعَ زُهَيْرٌ الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةَ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي الكوفي الحافظ قال: (حدّثنا عاصم) هو ابن سليمان الأحول (عن أبي عثمان) عبد الرحمن النهدي أنه (قال: كتب إلينا) ولأبي ذر عن الكشميهني إليه

أي إلى عتبة بن فرقد لأنه الأمير الذي يخاطب وكتب إليهم كلهم بالحكم فالروايتان صواب (عمر) -رضي الله عنه- (ونحن بأذربيجان أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن لبس الحرير إلا هكذا وصف) بتشديد الفاء ولأبي ذر ووصف بزيادة واو مع التخفيف (لنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إصبعيه ورفع زهير الوسطى والسبابة) زاد مسلم وضمهما. 5830 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ التَّيْمِىِّ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ قَالَ: كُنَّا مَعَ عُتْبَةَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يُلْبَسُ الْحَرِيرُ فِى الدُّنْيَا إِلاَّ لَمْ يُلْبَسْ فِى الآخِرَةِ مِنْهُ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن التيمي) سليمان بن طرخان (عن أبي عثمان) النهدي أنه (قال: كنا مع عتبة) بن فرقد بأذربيجان (فكتب إليه عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه-) لما بعث إليه عتبة مع غلام له بسلال فيها خبيص فقال له عمر لما رآه: أيشبع المسلمون في رحالهم من هذا؟ قال: لا. فقال عمر: لا أريده، وكتب إلى عتبة أنه ليس من كدّك ولا كدّ أبيك فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك وإياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير، والحديث رواه مسلم وأبو عوانة، لكن انفرد أبو عوانة عن مسلم بذكر بعث الخبيص وفيه أنه كتب له (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يلبس الحرير) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول وللكشميهني: لا يلبس بفتحها للفاعل أي لا يلبس الرجل الحرير (في الدنيا إلا لم يلبس) بالبناء للمجهول وللكشميهني مبني للفاعل (منه شيء في الآخرة) وفي رواية غير الكشميهني تأخير منه بعد قوله الآخرة، وللمستملي هنا وأشار أبو عثمان أي النهدي بإصبعيه المسبحة والوسطى وذلك غير مخالف لما في رواية عاصم من أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشار لأنه لما أشار -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أولاً نقله عنه عمر ثم بيّن بعض الرواة صفة الإشارة. 0000 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ وَأَشَارَ أَبُو عُثْمَانَ بِإِصْبَعَيْهِ الْمُسَبِّحَةِ وَالْوُسْطَى. وبه قال: (حدّثنا الحسن بن عمر) بن شقيق الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء أبو علي البلخي كما جزم به الكلاباذي قال: (حدّثنا معتمر) قال: (حدّثنا أبي) سليمان التيمي قال: (حدّثنا أبو عثمان) النهدي (وأشار أبو عثمان بإصبعيه المسبحة والوسطى) ففي رواية الحموي والكشميهني تأخير قوله وأشار، وعند المستملي تقديمها كما مرّ، والحاصل أنه إنما زاد في هذه الرواية الإشارة وتسمية الإصبعين على الرواية التي قبلها. 5831 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى قَالَ: كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَايِنِ فَاسْتَسْقَى فَأَتَاهُ دِهْقَانٌ بِمَاءٍ فِى إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ فَرَمَاهُ بِهِ وَقَالَ: إِنِّى لَمْ أَرْمِهِ إِلاَّ أَنِّى نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْحَرِيرُ وَالدِّيبَاجُ هِىَ لَهُمْ فِى الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِى الآخِرَةِ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) أبو أيوب الواشحي البصري قاضي مكة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية مصغرًا (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن أنه (قال: كان حذيفة) بن اليمان (بالمدائن) اسم مدينة كانت دار مملكة الأكاسرة (فاستسقى) طلب ماء يشربه (فأتاه دهقان) بكسر الدال المهملة وتضم وسكون الهاء وبعد القاف ألف فنون زعيم الفلاحين أو زعيم القرية (بماء في إناء من فضة فرماه به) أي رمى الدهقان بالإناء (وقال) معتذرًا لمن حضر (إني لم أرمه) به (إلا أني نهيته) أن يسقيني فيه (فلم ينته. قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الذهب والفضة والحرير والديباج) ما غلظ وثخن من ثياب الحرير (هي) أي الثلاثة (لهم) أي شعار وزي للكفار (في الدنيا) وليس المراد الإذن لهم فيها إذ هم مكلفون (ولكم) أيها المؤمنون (في الآخرة) مكافأة لكم على تركها في الدنيا. وهذا الحديث سبق في كتاب الأشربة. 5832 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ: أَعَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: شَدِيدًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِى الدُّنْيَا فَلَنْ يَلْبَسَهُ فِى الآخِرَةِ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عبد العزيز بن صهيب) البناني الأعمى (قال: سمعت أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (قال شعبة) بن الحجاج (فقلت) لعبد العزيز بن صهيب مستفهمًا (أ) رواه أنس (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال) عبد العزيز حال كونه غضب غضبًا (شديدًا) من سؤال شعبة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يعني لا حاجة إلى هذا السؤال إذ القرينة أو السياق مُشعِر بذلك كذا قرره في الكواكب. قال الحافظ ابن حجر: ووجهه غير وجيه قال: ويحتمل أن يكون تقريرًا لكونه مرفوعًا أي إنما حفظه حفظًا شديدًا، ويحتمل أن يكون إنكارًا أي جزمي برفعه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقع شديدًا عليّ انتهى. ورأيت في حاشية الفرع قال الحافظ أبو ذر رحمه الله: يعني أن رفع شديد وهو يؤيد الاحتمال الأخير (فقال)

ولأبي ذر قال (من لبس الحرير) أي من الرجال (في الدنيا فلن يلبسه في الآخرة) لما حصل له من التنعيم في الدنيا، وقد قيل إنه محمول على الزجر واستبعد، وقيل على المستحل للبسه، وقال القاضي عياض: يحتمل أن يراد به كفار ملوك الأمم أو الفعل يقتضي ذلك وقد يتخلف لمقتض كالتوبة والحسنات التي توازن والمصائب التي تكفر وشفاعة من يؤذن له في الشفاعة أو يمنع منه بعد دخوله الجنة، لكن ينسبه الله ويشغله عنه أبدًا ويرضيه بحيث لا يجد ألمًا بتركه ولا رؤية نقص في نفسه إذ الجنة لا ألم فيها ولا حزن، ولذلك نظائر كثيرة تؤوّل كذلك وأعم من ذلك كله عفو أرحم الراحمين. 5833 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ يَقُولُ: قَالَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِى الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِى الآخِرَةِ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الأزدي أحد الأعلام (عن ثابت) البناني (قال: سمعت ابن الزبير) عبد الله حال كونه (يخطب) زاد النسائي وهو على المنبر (يقول: قال محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من لبس الحرير في الدنيا لم) بالميم (يلبسه في الآخرة) ولأبي ذر عن الكشميهني لن بالنون. قال في الفتح: وهو أوضح في النفي، وهذا الحديث من مرسل ابن الزبير وقد تبين من الروايتين الآتيتين إن شاء الله تعالى أن ابن الزبير إنما حمله عن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا الحديث قد أخرجه النسائي في الزينة وفي التفسير. 5834 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى ذُبْيَانَ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِى الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِى الآخِرَةِ». وَقَالَ لَنَا أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ يَزِيدَ، قَالَتْ مُعَاذَةُ: أَخْبَرَتْنِى أُمُّ عَمْرٍو بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ سَمِعَ عُمَرَ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ. وبه قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة بعدها دال مهملة ابن عبيد الجوهري البغدادي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي ذييان) بضم الذال المعجمة وكسرها وسكون الموحدة بعدها تحتية فألف فنون (خليفة بن كعب) التميمي البصري وليس له في البخاري إلا هذا وقد وثّقه النسائي أنه (قال: سمعت ابن الزبير) عبد الله (يقول: سمعت عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من لبس الحرير في الدنيا) من الرجال مستحلاًّ له (لم يلبسه في الآخرة) أو المراد لم يلبسه في الآخرة مدة عقابه إذا عوقب على معصيته بارتكاب النهي عن لبسه أو غير ذلك مما سبق قريبًا، وزاد النسائي في آخر الحديث من طريق جعفر بن ميمون ما يبين أنه مدرج من قول ابن الزبير ومن لم يلبسه في الآخرة لم يدخل الجنة. قال الله تعالى: {ولباسهم فيها حرير} [الحج: 23] وأخرجه أحمد والنسائي وصححه الحاكم من طريق داود السراج عن أبي سعيد بعد قوله: "لم يلبسه في الآخرة" وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو، وقال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون أيضًا مدرجًا وعلى تقدير أن يكون الرفع محفوظًا فهو من العام المخصوص بالمكلفين من الرجال للأدلة الأخرى بجوازه للنساء. قال البخاري: (وقال لنا أبو معمر): بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة عبد الله بن عمرو بن الحجاج في حالة المذاكرة وسقط لنا ولأبي ذر (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (عن يزيد) من الزيادة الضبعي المعروف بالرشك بكسر الراء وسكون الشين المعجمة بعدها كاف معناه القسام كان يقسم الدور (قالت معاذة) بنت عبد الله العدوية: (أخبرتني) بالإفراد (أم عمرو) بفتح العين (بنت عبد الله) بن الزبير كما جزم به الكلاباذي قالت (سمعت عبد الله بن الزبير) يقول إنه (سمع عمر) -رضي الله عنه- يقول (سمع النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يقول (نحوه) أي نحو الحديث السابق، وثبت قوله نحوه في رواية أبي ذر وحده. 5835 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنِ الْحَرِيرِ فَقَالَتِ: ائْتِ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَلْهُ قَالَ: فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: سَلِ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: فَسَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ فَقَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو حَفْصٍ يَعْنِى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِى الدُّنْيَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِى الآخِرَةِ». فَقُلْتُ: صَدَقَ وَمَا كَذَبَ أَبُو حَفْصٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ يَحْيَى حَدَّثَنِى عِمْرَانُ وَقَصَّ الْحَدِيثَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (محمد بن بشار) المعروف ببندار قال: (حدّثنا عثمان بن عمر) بن فارس البصري قال: (حدّثنا علي بن المبارك) الهمداني الموثق وليس له في البخاري إلا هذا وهو متابعة وآخر في باب نقض الصور (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن عمران بن حطان) بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين السدوسي وكان خارجيًّا مدح ابن ملجم قاتل علي بن أبي طالب لكن وثق أنه (قال: سألت عائشة) -رضي الله عنها- (عن) استعمال (الحرير فقالت: ائت ابن عباس فسله. قال) عمران فأتيته (فسألته

26 - باب مس الحرير من غير لبس. ويروى فيه عن الزبيدى عن الزهرى عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

فقال) لي (سل ابن عمر. قال: فسألت ابن عمر فقال: أخبرني) بالإفراد (أبو حفص يعني) أباه (عمر بن الخطاب أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة) أي لا حظّ له في نعيمها أو لا حظ له في اعتقاد أمر الآخرة أو لا نصيب له من لبس الحرير فيكون كناية عن عدم دخول الجنة لقوله تعالى: {ولباسهم فيها حرير} [الحج: 23] أما في حق الكافر فظاهر، وأما في حق المؤمن فعلى سبيل التغليظ. قال عمران بن حطان: (فقلت صدق وما كذب أبو حفص) عمر (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال عبد الله بن رجاء): بالجيم الغداني بضم المعجمة وتخفيف المهملة شيخ البخاري (حدّثنا جرير) بالجيم المفتوحة وكسر الراء الأولى ولأبي ذر حرب بالحاء المهملة المفتوحة وسكون الراء بعدها موحدة بدل جرير. قال في الفتح: وحرب هو ابن شداد (عن يحيى) بن أبي كثير أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عمران) بن حطان (وقصّ الحديث) موصولاً كما في النسائي عن عمرو بن منصور عن عبد الله بن رجاء عن حرب بن شداد بلفظ: "من لبس الحرير في الدنيا فلا خلاق له في الآخرة". وأراد البخاري بسياق هذه الرواية تصريح يحيى بتحديث عمران له بهذا الحديث. 26 - باب مَسِّ الْحَرِيرِ مِنْ غَيْرِ لُبْسٍ. وَيُرْوَى فِيهِ عَنِ الزُّبَيْدِىِّ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب مسّ الحرير) ولأبي ذر: من مسّ الحرير (من غير لبس) بضم اللام (ويروى) مبني للمجهول (فيه) في مسّ الحرير (عن الزبيدي) بضم الزاي محمد بن الوليد أبي الهذيل القاضي الحمصي (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وهذا وصله الطبراني في الكبير، وتمامه في فوائده. وقول المزي في أطرافه أن المؤلّف أراد حديث أبي داود والنسائي بلفظ: إنه رأى على أم كلثوم بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بردًا سيراء، تعقبه في الفتح فقال: وليس هذا مراد البخاري والرؤية لا يقال لها مسّ، وأيضًا فلو كان هذا الحديث مراده الجزم به لأنه صحيح عنده على شرطه، وقد أخرجه في باب الحرير للنساء من رواية شعيب عن الزهري كما سيأتي إن شاء الله تعالى. 5836 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضى الله عنه - قَالَ: أُهْدِىَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَوْبُ حَرِيرٍ فَجَعَلْنَا نَلْمُسُهُ وَنَتَعَجَّبُ مِنْهُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا»؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: «مَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِى الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا». وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن موسى) العبسي الحافظ أحد الأعلام على تشيعه وبدعته (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو السبيعي (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أهدي للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثوب حرير) بإضافة ثوب لتاليه أهداه له صاحب دومة (فجعلنا نلمسه) بضم الميم مصححًا عليه في الفرع، ولأبي ذر بفتحها وكسرها وجزم في المحكم بالضم في المضارع ولم يذكر غيره (ونتعجب منه، فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أتعجبون من هذا) الثوب؟ (قلنا: نعم. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا) الثوب. قال الخطابي: إنما ضرب المثل بالمناديل لأنها ليست من علية الثياب بل هي تتبذل في أنواع من المرافق فيمسح بها الأيدي وينفض بها الغبار عن البدن وغير ذلك فصار سبيلها سبيل الخادم وسائر الثياب سبيل المخدوم، فإذا كان أدناها كذلك فما ظنك بعليتها؟ وفي الكواكب وخصّ سعدًا لكونه سيد الأنصار فلعل اللامسين كانوا أنصارًا أو كان سعد يحب المناديل. وهذا الحديث مرّ في باب مناقب سعد. 27 - باب افْتِرَاشِ الْحَرِيرِ وَقَالَ عَبِيدَةُ هُوَ كَلُبْسِهِ. (باب) حكم (افتراش الحرير) حلاًّ وحرمة (وقال عبيدة) بفتح العين ابن عمرو بفتح العين السلماني بسكون اللام فيما وصله الحارث بن أبي أسامة من طريق محمد بن سيرين (هو) أي افتراش الحرير (كلبسه). 5837 - حَدَّثَنَا عَلِىٌّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِى نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ حُذَيْفَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: نَهَانَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَشْرَبَ فِى آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَنْ نَأْكُلَ فِيهَا وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن المديني قال: (حدّثنا وهب بن جرير) بفتح الجيم وكسر الراء الأولى قال: (حدّثنا أبي) جرير بن حازم (قال: سمعت ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم يسار (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن (عن حذيفة) بن اليمان (-رضي الله عنه-) أنه (قال: نهانا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تحريم (أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها و) نهانا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيضًا (عن لبس الحرير والديباج) أعجمي معرّب وهو ما غلظ من ثياب الحرير (وأن نجلس عليه) وقوله وأن نجلس

28 - باب لبس القسى

عليه زيادة لم يروها الشيخان إلا في هذه الرواية، وتمسك بها من قال بمنع الجلوس على الحرير. نعم يحلّ الجلوس على الحرير بحائل كما في الروضة وغيرها. قال الأذرعي: وصوّره بعضهم بما إذا اتفق في دعوة ونحوها، أما إذا اتخذ له حصيرًا من حرير فالوجه التحريم وإن بسط فوقها شيئًا لما فيه من السرف واستعمال الحرير لا محالة انتهى. والأوجه أنه لا فرق ما اقتضاه كلام الأصحاب والتقييد في الحديث بما ذكر من اللبس والجلوس جرى على الغالب فيحرم غيرهما من أنواع الاستعمال كستر وتدثر لحديث أبي داود بإسناد صحيح أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذ في يمينه قطعة حرير وفي شماله قطعة ذهب، وقال: "هذان حرام على ذكور أمتي حلٌّ لإناثهم". وألحق بالمذكور الخناثى احتياطًا، واستدلّ بحديث الباب على منع النساء افتراش الحرير وهو ضعيف لأن خطاب المذكور لا يتناول المؤنث على الراجح. وهذا الحديث سبق في الأطعمة والأشربة واللباس. 28 - باب لُبْسِ الْقَسِّىِّ وَقَالَ عَاصِمٌ: عَنْ أَبِى بُرْدَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِىٍّ مَا الْقَسِّيَّةُ؟ قَالَ: ثِيَابٌ أَتَتْنَا مِنَ الشَّامِ أَوْ مِنْ مِصْرَ، مُضَلَّعَةٌ فِيهَا حَرِيرٌ فِيهَا أَمْثَالُ الأُتْرُنْجِ وَالْمِيثَرَةُ كَانَتِ النِّسَاءُ تَصْنَعُهُ لِبُعُولَتِهِنَّ مِثْلَ الْقَطَائِفِ: يُصَفِّرْنَهَا. وَقَالَ جَرِيرٌ عَنْ يَزِيدَ فِى حَدِيثِهِ: الْقَسِّيَّةُ ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ يُجَاءُ بِهَا مِنْ مِصْرَ فِيهَا الْحَرِيرُ وَالْمِيثَرَةُ جُلُودُ السِّبَاعِ. قَالَ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ: عَاصِمٌ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ فِى الْمِيثَرَةِ. (باب لبس) الثوب (القسي) بفتح القاف وكسر المهملة والتحتية المشدّدتين. وقال أبو عبيد في غريب الحديث أهل الحديث يكسرون القاف وأهل مصر يفتحونها نسبة إلى بلدة على ساحل البحر يقال لها القس بالقرب من دمياط. (وقال عاصم) هو ابن كليب مما وصله مسلم من طريق عبد الله بن إدريس عن عاصم (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري أنه (قال: قلت) ولأبي ذر قلنا (لعلي) هو ابن أبي طالب لما قال: نهاني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن لبس القسي وعن المياثر (ما القسية؟ قال: ثياب أتتنا من الشام أو من مصر) وفي مسلم من مصر والشأم (مضلعة) فيها خطوط عريضة كالأضلاع (فيها حرير) يخالطه غيره (فيها) ولأبي ذر وفيها (أمثال الأترنج) بضم الهمزة وسكون الفوقية والنون بينهما راء مهملة يعني أن الأضلاع التي فيها غليظة (والميثرة) بكسر الميم بعدها تحتية ساكنة فمثلثة مفتوحة والمياثر من الوثار فقلبت الواو ياء في المفرد لسكونها وانكسار ما قبلها وطاء (كانت النساء تصنعه) من الحرير والديباج (لبعولتهن) لأزواجهن (مثل القطائف) جمع قطيفة وهي الكساء المخمل (يصفرنها) بكسر الفاء وبعدها راء ساكنة كذا في الفرع من الصفرة، وقال في الفتح وحكى عياض في رواية يضفرنها وأظنه تصحيفًا ولأبي ذر مما في هامش الفرع يصفونها بضم الصاد والفاء المشدّدة أي يجعلونها مصفوفة تحت السرج يوطئون بها تحت، وقيل هي أغشية السروج، وقيل هي كالفراش الصغير من حرير يحشى بقطن أو صوف يجعلها الراكب تحته فوق الرحل، وقيل تكون من غير الحرير كالصوف والقطن فالنهي وارد على الغالب وهو الحرير ولا كراهة في غيرها على الأصح والجمهور على جواز لبس ما خالطه الحرير إذا كان غير الحرير أكثر أو يستوي فيه الحرير وغيره لأنه لا يسمى ثوب حرير. (وقال جرير) هو ابن عبد الحميد فيما وصله إبراهيم الحربي في غريب الحديث له عن عثمان بن أبي شيبة عنه (عن يزيد) من الزيادة ابن أبي زياد (في حديثه) عن الحسن بن سهل (القسية ثياب مضلعة يجاء بها من مصر فيها الحرير والميثرة جلود السباع) قال النووي: هو تفسير باطل مخالف لما أطبق عليه أهل الحديث. وأجاب في فتح الباري: باحتمال أن تكون الميثرة وطاء صنعت من جلد ثم حشيت، وضبط الدمياطي يزيد في حاشية نسخته بالموحدة والراء مصغرًا ووهمه الحافظ ابن حجر كما وهم الكرماني في قوله: إنه يزيد بن رومان وأن جريرًا هو ابن أبي حازم، ثم قال: وقد أخرج ابن ماجة أصل هذا الحديث من طريق علي بن مسهر عن يزيد بن أبي زياد عن الحسن بن سهل عن ابن عمر. (قال أبو عبد الله) البخاري (عاصم) المذكور روايته (أكثر) طرقًا (وأصح في) تفسير (الميثرة) من تفسير جرير بجلود السباع وسقط قوله قال أبو عبد الله الخ عند أبي ذر. 5838 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِى الشَّعْثَاءِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ ابْنِ عَازِبٍ قَالَ: نَهَانَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْمَيَاثِرِ الْحُمْرِ وَالْقَسِّىِّ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري

29 - باب ما يرخص للرجال من الحرير للحكة

(عن أشعث) بالمعجمة والمثلثة بينهما عين مهملة (ابن أبي الشعثاء) سليم المحاربي قال: (حدّثنا معاوية بن سويد بن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وكسر الراء مشددة بعدها نون المزني (عن ابن عازب) ولأبي ذر عن البراء بن عازب أنه (قال: نهانا) ولأبي ذر عن المستملي: نهى (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) استعمال (المياثر الحمر و) استعمال (القسي) ولأبي ذر وعن القسي بفتح القاف وتشديد السين المهملة بعدها ياء نسبة، وضبطه بعض المحدثين بكسر القاف وتخفيف السين قال الخطابي: وهو غلط لأن ذاك جمع قوس، والقسي هو الذي يخالطه الحرير لا أنه الحرير الصرف، ومقتضاه تحريم لبس الثوب الذي خالطه الحرير وهو قول بعض الصحابة كابن عمر وبعض التابعين كابن سيرين والجمهور على خلافه كما مرّ. وهذا الحديث طرف من حديث يأتي إن شاء الله. 29 - باب مَا يُرَخَّصُ لِلرِّجَالِ مِنَ الْحَرِيرِ لِلْحِكَّةِ (باب ما يرخص للرجال من الحرير للكة) بكسر الحاء المهملة وتشديد الكاف نوع من الجرب أعاذنا الله منه ومن كل مكروه أي ما يرخص من استعمال الحرير لأجل الجرب وليس ذكر الحكة قيدًا بل مثالاً. 5839 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَخَّصَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِى لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحِكَّةٍ بِهِمَا. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام كما في رواية ابن السكن وجزم به المزي في أطرافه قال: (أخبرنا وكيع) هو ابن الجراح قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: رخص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للزبير) بن العوّام (وعبد الرحمن) بن عوف (في لبس الحرير لحكة بهما) أي لأجل حكّة حصلت بأبدانهما وفي رواية في السفر لحكة أو وجع كان بهما وأرخص لهما في لبسه للقمل رواها البخاري ومسلم والمعنى يقتضي عدم تقييد ذلك بالسفر وإن ذكره الراوي حكاية للواقعة. وقال السبكي: الروايات في الرخصة لعبد الرحمن والزبير يظهر أنها مرة واحدة اجتمع عليهما الحكة والقمل في السفر وكأن الحكة نشأت عن أثر القمل، وحينئذ فقد يقال المقتضي للترخيص إنما هو اجتماع الثلاثة وليس أحدها بمنزلتها، فينبغي اقتصار الرخصة على مجموعها ولا يثبت في بعضها إلا بدليل ويجاب بعد تسليم ظهور أنها مرة واحدة بمنع أن أحدها ليس بمنزلتها في الحالة التي عهد إناطة الحكم بها نظرًا لإفرادها في القوة والضعف، بل كثيرًا ما تكون الحاجة في أحدها لبعض الناس أقوى منها في الثلاثة لبعض آخر، أما استعمالها لغير حاجة في حق من ذكر فحرام كما مرّ ويلحق بما ذكر من الحكة وغيرها ما يقي من الحر والبرد حيث لا يوجد غيره إذا خشي منهما الضرر ولو في الحصر. وهذا الحديث مضى في الجهاد وأخرجه مسلم في اللباس. 30 - باب الْحَرِيرِ لِلنِّسَاء (باب) جواز استعمال (الحرير للنساء). 5840 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح، وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - قَالَ: كَسَانِى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُلَّةً سِيَرَاءَ فَخَرَجْتُ فِيهَا فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِى وَجْهِهِ فَشَقَّقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِى. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي المصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (ح) لتحويل السند قال البخاري: (وحدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) ولأبي ذر محمد بن جعفر وهو اسم غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك بن ميسرة) ضد الميمنة الهلالي (عن زيد بن وهب) الجهني (عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-) أنه (قال: كساني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلة سيراء) بكسر السين المهملة وفتح التحتية والراء ممدودًا وحلّة منونة فسيراء عطف بيان عليه أو صفة ولأبي ذر بالإضافة. قال عياض: وبذلك ضبطناه عن متقني شيوخنا، وقال النووي: إنه قول المحققين ومتقني العربية وأنه من إضافة الشيء إلى صفته كثوب خز، وقال الخليل: ليس في الكلام فعلاء بكسر أوله سوى سيراء وحولاء. وقال الأصمعي: هي ثياب فيها خطوط من حرير أو قز، وإنما قيل لها سيراء لتسير خطوط فيها، وفي الصحاح برد فيه خطوط صفر، وقال الخليل: ثوب مضلّع بالحرير (فخرجت فيها) أي لبستها (فرأيت الغضب في وجهه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزاد مسلم في روايته عن أبي صالح فقال: إني لم أبعثها إليك لتلبسها وإنما بعثت بها إليك لتقشها خمرًا بين النساء قال علي: (فشققتها) أي قطّعتها (بين نسائي) أي فرقتها عليهن أي على فاطمة الزهراء وفاطمة بنت أسد

31 - باب ما كان النبى -صلى الله عليه وسلم- يتجوز من اللباس والبسط

بن هاشم والدة عليّ، وعند الطحاوي وفاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب وكان المصنف كما في الفتح لم يثبت عنده الحديثان المشهوران في تخصيص النهي بالرجال صريحًا فاكتفى بما يدل على ذلك. وهذا الحديث مرّ في باب ما يكره لبسه في الهبة. 5841 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِى جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ - رضى الله عنه - رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ تُبَاعُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ ابْتَعْتَهَا تَلْبَسُهَا لِلْوَفْدِ إِذَا أَتَوْكَ، وَالْجُمُعَةِ قَالَ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ»، وَأَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ حُلَّةَ سِيَرَاءَ حَرِيرٍ كَسَاهَا إِيَّاهُ فَقَالَ عُمَرُ: كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ سَمِعْتُكَ تَقُولُ فِيهَا مَا قُلْتَ فَقَالَ: «إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتَبِيعَهَا أَوْ تَكْسُوَهَا». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثني) بالإفراد (جويرية) بن أسماء الضبعي (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر أن) أباه (عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- رأى حلّة) بالتنوين (سيراء) عطف أو صفة أو بإضافة حلة لسيراء كما مرّ قريبًا (تباع) في السوق وكانت لعطارد التميمي كساه إياها كسرى (فقال: يا رسول الله لو ابتعتها تلبسها) ولأبي ذر عن الكشميهني فلبستها (للوفد) من العرب (إذا أتوك والجمعة) وعند النسائي فتجملت بها لوفود العرب إذا أتوك وإذا خطبت الناس يوم عيد أو غيره (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنما يلبس هذه) وفي رواية جرير إنما يلبس الحرير (من لا خلاق له) زاد مالك في رواية في الآخرة أي من لا نصيب أو لا حظّ له في الآخرة (وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث بعد ذلك إلى عمر حلة سيراء حرير) بالجر ولأبي ذر: حريرًا بالنصب (كساها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إياه) أي عمر والمراد بقوله كساه أي أعطاه ما يصلح أن يكون كسوة أو الإطلاق باعتبار ما فهم عمر من ذلك وإلاّ فقد ظهر من بقية الحديث أنه لم يبعث بها إليه ليلبسها (فقال عمر): يا رسول الله (كسوتنيها وقد سمعتك تقول فيها ما قلت) من أنه إنما يلبسها من لا خلاق له (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنما بعثت إليك) أي بها (لتبيعها) فتنتفع بثمنها (أو تكسوها) غيرك من نساء وغيرهن لكنه يحرم على الرجال فانحصر في النساء، وعند الطحاوي إني لم أكسكها لتلبسها إنما أعطيتكها لتلبسها النساء، ولأبي ذر: لتكسوها بزيادة لام أولها وزاد مالك فكساها عمر أخًا له مشركًا، وعند النسائي أخًا له من أمّه وسماه ابن بشكوال عثمان بن حكيم، وقال الدمياطي: هو السلمي. وهذا الحديث سبق في الجمعة وأول العيدين. 5842 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّهُ رَأَى عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بُرْدَ حَرِيرٍ سِيَرَاءَ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أنه رأى على أم كلثوم) بضم الكاف وسكون اللام بعدها مثلثة (بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زوج عثمان بن عفان (برد حرير سيراء) ولا يلزم من رؤية أنس الثوب على أم كلثوم رؤيتها، فيحتمل أنه رأى ذيل القميص مثلاً أو كان ذلك قبل بلوغ أنس أو قبل الحجاب، واستدلّ به على جواز لبس الحرير للنساء. وهذا الحديث أخرجه النسائي في الزينة. 31 - باب مَا كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَجَوَّزُ مِنَ اللِّبَاسِ وَالْبُسْطِ (باب ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتجوّز) بالجيم من التجوّز أي يتوسع (من اللباس والبسط) فلا يضيق بالاقتصار على صنف بعينه، ولأبي ذر عن الكشميهني: يتحرى بحاء مهملة بعدها راء كذا في الفرع وقال في الفتح: وتبعه العيني بالجيم والزاي المفتوحة المشددة. قال العيني: وما أظنه صحيحًا إلاّ بالحاء المهملة والراء. 5843 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: لَبِثْتُ سَنَةً وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلْتُ أَهَابُهُ فَنَزَلَ يَوْمًا مَنْزِلاً فَدَخَلَ الأَرَاكَ فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلْتُهُ فَقَالَ: عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ ثُمَّ قَالَ: كُنَّا فِى الْجَاهِلِيَّةِ لاَ نَعُدُّ النِّسَاءَ شَيْئًا فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ وَذَكَرَهُنَّ اللَّهُ رَأَيْنَا لَهُنَّ بِذَلِكَ عَلَيْنَا حَقًّا مِنْ غَيْرِ أَنْ نُدْخِلَهُنَّ فِى شَىْءٍ مِنْ أُمُورِنَا، وَكَانَ بَيْنِى وَبَيْنَ امْرَأَتِى كَلاَمٌ، فَأَغْلَظَتْ لِى فَقُلْتُ لَهَا: وَإِنَّكِ لَهُنَاكِ قَالَتْ: تَقُولُ هَذَا لِى وَابْنَتُكَ تُؤْذِى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُ حَفْصَةَ فَقُلْتُ لَهَا: إِنِّى أُحَذِّرُكِ أَنْ تَعْصِى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَتَقَدَّمْتُ إِلَيْهَا فِى أَذَاهُ فَأَتَيْتُ أُمَّ سَلَمَةَ فَقُلْتُ لَهَا فَقَالَتْ: أَعْجَبُ مِنْكَ يَا عُمَرُ قَدْ دَخَلْتَ فِى أُمُورِنَا فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَزْوَاجِهِ، فَرَدَّدَتْ وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِذَا غَابَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَهِدْتُهُ أَتَيْتُهُ بِمَا يَكُونُ، وَإِذَا غِبْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَهِدَ أَتَانِى بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ مَنْ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِ اسْتَقَامَ لَهُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ مَلِكُ غَسَّانَ بِالشَّأْمِ كُنَّا نَخَافُ أَنْ يَأْتِيَنَا فَمَا شَعَرْتُ إِلاَّ بِالأَنْصَارِىِّ وَهْوَ يَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ، قُلْتُ لَهُ: وَمَا هُوَ أَجَاءَ الْغَسَّانِىُّ؟ قَالَ: أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِسَاءَهُ فَجِئْتُ فَإِذَا الْبُكَاءُ مِنْ حُجَرِهَا كُلِّهَا وَإِذَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ صَعِدَ فِى مَشْرُبَةٍ لَهُ وَعَلَى بَابِ الْمَشْرُبَةِ وَصِيفٌ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنْ لِى، فَدَخَلْتُ فَإِذَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِى جَنْبِهِ وَتَحْتَ رَأْسِهِ مِرْفَقَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وَإِذَا أُهُبٌ مُعَلَّقَةٌ، وَقَرَظٌ فَذَكَرْتُ الَّذِى قُلْتُ لِحَفْصَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَالَّذِى رَدَّتْ عَلَىَّ أُمُّ سَلَمَةَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَبِثَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ثُمَّ نَزَلَ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عبيد بن حنين) بضم العين والحاء المهملتين مصغرين مولى زيد بن الخطاب (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لبثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (عن المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تعاونتا عليه بما كسبتاه من الإفراط في الغيرة وإفشاء السر (فجعلت أهابه) زاد في التفسير حتى خرج حاجًّا فخرجت معه فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق (فنزل يومًا منزلاً) بمز الظهران (فدخل الأراك) لقضاء الحاجة (فلما خرج) بعد قضاء حاجته (سألته) عن ذلك (فقال) هما (عائشة وحفصة، ثم قال) عمر- رضي الله عنه- (كنا في الجاهلية لا نعدّ النساء شيئًا فلما جاء الإسلام وذكرهن الله) بنحو قوله: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء: 19] (رأينا لهن بذلك) الذي ذكرهن الله ولأبي ذر عن

الحموي والمستملي بذاك بغير لام (علينا حقًّا من غير أن ندخلهن في شيء من أمورنا وكان بيني وبين امرأتي كلام فأغلظت لي) بفتح الظاء المعجمة وسكون الفوقية (فقلت لها: وإنك لهناك) بكسر الكاف فيهما (قالت: تقول هذا لي وابنتك) حفصة (تؤذي النبي) ولأبي ذر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمراجعتها له حتى يظل يومه غضبان فقال عمر -رضي الله عنه- (فأتيت حفصة فقلت لها: إني أحذرك أن تعصي الله) من العصيان ولأبي ذر أن تغضبي الله (ورسوله) بضم الفوقية وبالغين والضاد المعجمتين من الإغضاب (وتقدمت إليها) أولاً قبل الدخول على غيرها (في) قصة (أذاه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو المعنى تقدمت في أذى شخصها وإيلام بدنها بالضرب ونحوه (فأتيت أم سلمة) زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقرابتي منها (فقلت لها) نحو ما قلته لحفصة (فقالت: أعجب منك يا عمر قد دخلت في أمورنا) وفي التفسير دخلت في كل شيء (فلم يبق إلا أن تدخل بين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأزواجه فرددت) بتشديد الدال الأولى وسكون الثانية من الترديد ولأبي ذر عن الكشميهني فردت بدال واحدة مشددة من الرد، وفي التفسير فأخذتني والله أخذًا كسرتني عن بعض ما كنت أجد (وكان رجل من الأنصار) هو أوس بن خولي أو عتبان بن مالك (إذا غاب عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشهدته أتيته بما يكون) من أمر الوحي وغيره (وإذا غبت عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشهد) هو (أتاني بما يكون من) خبر (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الوحي وغيره (وكان من حول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الملوك ونحوهم (قد استقام له فلم يبق إلا ملك غسان بالشام) وهو جبلة بن الأيهم (كنا نخاف أن يأتينا) ليغزونا (فما شعرت إلا بالأنصاري) كذا لأبي ذر عن الحموي والمستملي بتقديم إلا على قوله بالأنصاري وللكشميهني فما شعرت بالأنصاري إلا (وهو يقول): بتأخيرها. قال في الكواكب في جلّ النسخ أو في كلها وهو يقول بدون كلمة الاستثناء، ووجهه أن إلا مقدرة والقرينة تدل عليها أو كلمة ما زائدة أي شعرت بالأنصاري وهو يقول أو ما مصدرية، ويقول مبتدأ خبره بالأنصاري أي شعوري متلبس بالأنصاري قائلاً قوله أعظم وقال العيني: الأحسن أن يقال ما مصدرية والتقدير شعوري بالأنصاري حال كونه قائلاً أعظم. قال وقول الكرماني ويقول مبتدأ فيه نظر لأن الفعل لا يقع مبتدأ إلا بالتأويل، وقال في الفتح: ويحتمل أن تكون ما نافية على حالها بغير احتياج لحرف الاستثناء والمراد المبالغة في نفي شعوره بكلام الأنصاري من شدة ما دهمه من الخبر الذي أخبر به، ويكون قد استثبته فيه مرة أخرى، ولذلك نقله عنه لكن رواية الكشميهني ترجح الاحتمال الأول وتوضح أن قول الكرماني أو في كلها ليس كذلك (انه) أي الشأن (قد حدث أمر) بتخفيف الدال المهملة (قلت له: وما هو أجاء الغساني)؟ بهمزة الاستفهام الاستخباري (قال: أعظم من ذلك. طلّق رسول الله) ولأبي الوقت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نساءه) وإنما كان عنده أعظم لأن فيه مفارقة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحفصة ابنته مع ما في ذلك من مشقته عليه الصلاة والسلام التي كانت سبب ذلك وعبّر بالطلاق ظنًّا منه أن اعتزاله طلاق. قال عمر -رضي الله عنه- (فجئت فإذا البكاء من حجرها كلها) ولأبي ذر من حجرهن كلهن أي منازلهن -رضي الله عنه- (وإذا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد صعد) بكسر العين ارتقى (في مشربة) بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء غرفة (له وعلى باب المشربة وصيف) خادم لم يبلغ الحلم وفي التفسير غلام أسود وهو رباح (فأتيته فقلت استأذن لي) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدخول عليه فدخل فاستأذن (فأذن لي) عليه الصلاة والسلام (فدخلت) وثبت قوله فأذن لي في رواية أبي ذر

32 - باب ما يدعى لمن لبس ثوبا جديدا

(فإذا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على حصير) ما بينه وبينه شيء (قد أثّر) الحصير (في جنبه وتحت رأسه مرفقة) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الفاء والقاف (من أدم حشوها ليف) وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى (وإذا أهب معلقة) بفتح الهمزة والهاء لأبي ذر ولغيره بضمهما (وقرظ) بقاف وراء مفتوحتين وظاء معجمة ورق السلم الذي يدبغ فيه (فذكرت) له عليه الصلاة والسلام (الذي قلت لحفصة وأم سلمة والذي ردت علي أم سلمة فضحك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تبسمًا من غير صوت (فلبث) عليه الصلاة والسلام في المشربة (تسعًا وعشرين ليلة ثم نزل) من المشربة. وهذا الحديث سبق في سورة التحريم من التفسير. 5844 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَتْنِى هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنه- قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتَنِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ كَمْ مِنْ كَاسِيَةٍ فِى الدُّنْيَا عَارِيَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؟ قَالَ الزُّهْرِىُّ: وَكَانَتْ هِنْدٌ لَهَا أَزْرَارٌ فِى كُمَّيْهَا بَيْنَ أَصَابِعِهَا. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرتني) بالإفراد وتاء التأنيث (هند بنت الحارث عن أم سلمة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: استيقظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الليل وهو يقول): (لا إله إلا الله ماذا أنزل الليلة) ولأبي ذر عن المستملي: الليل (من الفتن) استفهام متضمن معنى التعجب (ماذا أنزل من الخزائن) كخزائن فارس والروم (من يوقظ) ينبه (صواحب الحجرات) يريد أمهات المؤمنين -رضي الله عنه- (كم من كاسية في الدنيا) أثوابًا رقيقة لا تمنع إدراك البشرة أو نفيسة (عارية) معاقبة (يوم القيامة) بفضيحة التعري أو عارية من الحسنات. (قال الزهري) بالسند السابق (وكانت هند) المذكورة (لها أزرار) بفتح الهمزة وسكون الزاي بعدها راء مفتوحة فألف فراء ثانية (في كميها بين أصابعها) فتزررها خشية أن يبدو من جسدها شيء بسبب سعة كمها فتدخل في قوله: كاسية عارية. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إنه حذر من لباس رقيق الثياب الواصفة للجسد. وهذا الحديث سبق في كتاب العلم. 32 - باب مَا يُدْعَى لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا (باب ما يدعى لمن لبس ثوبًا جديدًا). 5845 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ: حَدَّثَتْنِى أُمُّ خَالِدٍ بِنْتُ خَالِدٍ، قَالَتْ: أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، قَالَ: «مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُوهَا هَذِهِ الْخَمِيصَةَ». فَأُسْكِتَ الْقَوْمُ قَالَ: «ائْتُونِى بِأُمِّ خَالِدٍ». فَأُتِىَ بِى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَلْبَسَهَا بِيَدِهِ وَقَالَ: «أَبْلِى وَأَخْلِقِى» مَرَّتَيْنِ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ الْخَمِيصَةِ وَيُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَىَّ وَيَقُولُ: «يَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَا». وَالسَّنَا بِلِسَانِ الْحَبَشِيَّةِ الْحَسَنُ. قَالَ إِسْحَاقُ: حَدَّثَتْنِى امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِى أَنَّهَا رَأَتْهُ عَلَى أُمِّ خَالِدٍ. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال (حدّثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص) بفتح عين عمرو (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) سعيد بن عمرو (قال: حدّثتني) بتاء التأنيث والإفراد (أم خالد) أي ابن الزبير بن العوّام (بنت خالد) أي ابن سعيد بن العاص (قالت: أتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثياب فيها خميصة سوداء) بخاء معجمة وصاد مهملة كساء من صوف له أعلام (قال) ولأبي ذر: فقال: (من ترون نكسوها) ولأبي ذر نكسو (هذه الخميصة) بإسقاط لفظة ها (فأسكت القوم) بضم الهمزة من الإسكات (قال) عليه الصلاة والسلام، ولأبي ذر فقال: (ائتوني بأم خالد) قالت (فأتي) بضم الهمزة (بي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فألبسها) ولأبي ذر فألبسنيها بنون مكسورة بعد السين فتحتية ساكنة (بيده وقال: أبلي) بفتح الهمزة وسكون الموحدة وكسر اللام من الإبلاء (وأخلقي) قالهما (مرتين) وأخلقي بهمزة مفتوحة وسكون الخاء المعجمة وكسر اللام والقاف من الأخلاق، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وأخلفي بالفاء بدل القاف يقال خلف الله لك مالاً وأخلفه وهو الأشهر رباعي قالت (فجعل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ينظر إلى علم الخميصة وبشير بيده إليّ ويقول: يا أم خالد هذا) العلم (سنا) ولأبي ذر ويا أم خالد هذا سنا (والسنا) بفتح السين المهملة مقصورًا (بلسان الحبشة الحسن. قال إسحاق) بن سعيد المذكور بالسند السابق (حدّثتني) بالإفراد والتأنيث (امرأة من أهلي) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمها (أنها رأته) أي الثوب المذكور بلفظ الخميصة (على أم خالد) المذكورة. وفي الباب من حديث ابن عمر عند النسائي وصححه ابن حبان وأبي سعيد عند أبي داود والنسائي والترمذي وصححه. وعمر عند ابن ماجة، وصححه الحاكم ومعاذ بن أنس عند الترمذي وحسّنه وكأنها لم تثبت عند المؤلّف. 33 - باب التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَال (باب التزعفر للرجال) في الجسد وخرج بالرجال النساء، ولأبي ذر: باب النهي عن التزعفر للرجال.

34 - باب الثوب المزعفر

5846 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد البصري (عن عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يتزعفر الرجل) وعند النسائي نهى عن التزعفر والمطلق محمول على المقيد، وهل النهي لرائحته أو للونه؟ 34 - باب الثَّوْبِ الْمُزَعْفَرِ (باب) حكم (الثوب المزعفر) أي المصبوغ بالزعفران. 5847 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى اللهُ عنهما - قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِوَرْسٍ أَوْ بِزَعْفَرَانٍ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يلبس المحرم) بالحج أو العمرة أو بهما (ثوبًا مصبوغًا بورس) بفتح الواو وسكون الراء آخره سين مهملة نبت يصبغ به (أو بزعفران) ومفهومه جواز لبسهما لغير المحرم والمنصوص أنه يحرم على الرجل لبس المزعفر دون المعصفر. وهذا الحديث مرّ في الحج مطوّلاً. 35 - باب الثَّوْبِ الأَحْمَرِ (باب) حكم لبس (الثوب الأحمر). 5848 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، سَمِعَ الْبَرَاءَ - رضى الله عنه - يَقُولُ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرْبُوعًا وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِى حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْهُ. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه (سمع البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- يقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مربوعًا) بين الطويل والقصير (وقد رأيته في حلة حمراء ما رأيت شيئًا أحسن منه). وفي حديث هلال بن عامر عن أبيه رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب بمنى على بعير وعليه برد أحمر. رواه أبو داود بإسناد حسن، واختلف في لبس الثياب المصبوغة أحمر بالعصفر أو غيره فأباحها جماعة من الصحابة والتابعين، وبه قال الشافعي، ومنعها آخرون مطلقًا. قال البيهقي: والصواب تحريم المعصفر عليه أيضًا للأحاديث الصحيحة التي لو بلغت الشافعي لقال بها وقد أوصانا بالعمل بالحديث الصحيح ذكر ذلك في الروضة، وقيل: يكره لقصد الزينة والشهرة، ويجوز في المهنة والبيوت ونقل عن مالك، وقيل: يجوز لبس ما صبغ غزله ثم نسج ويمنع ما صبغ بعد النسيج، وقيل: النهي خاص بما صبغ بالعصفر لورود النهي عنه، وقيل المنع إنما هو في المصبوغ كله أما ما فيه لون آخر فلا وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة في الحلة الحمراء لأن الحلل اليمانية غالبًا ما تكون كذلك. 36 - باب الْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاء (باب) حكم استعمال (الميثرة) بكسر الميم وسكون التحتية وفتح المثلثة (الحمراء). 5849 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ عَنِ الْبَرَاءِ - رضى الله عنه - قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ: عِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَهَانَا عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، وَالْقَسِّىِّ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَمَيَاثِرِ الْحُمْرِ. وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أشعث) بن أبي الشعثاء (عن معاوية بن سويد بن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الراء المكسورة (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أمرنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسبع) أي بسبع خصال فتمييز العدد مخذوف (عيادة المريض) الأصل في عيادة عوادة لأنه من عافه يعوده فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها والمرض يكون في الجسم والقلب كالجهل والجبن والبخل والنفاق وغيرها من الرذائل وإطلاق المرض على ذلك مجاز والمراد هنا الأول وهو الحقيقي (واتّباع الجنائز) افتعال من اتبع يتبع ويكون تارة بالجسم وتارة بالارتسام والائتمار ومن المحتمل لهما قوله تعالى: {هل أتّبعك على أن تعلمني مما علمت رشدًا} [الكهف: 66] أي أتبعك بجسمي أو ألتزم ما تفعله وأقتفي نيه أثرك، والذي هنا يحتملهما أيضًا وعلى ذلك ينبني الخلاف في أن الأفضل المشي خلفها أو أمامها لأنه إن كان أمامها فهو تابع لها معنى (وتشميت العاطس) بالشين المعجمة وتهمل وهو أن يقول للعاطس: يرحمك الله وقيل: التشميت مأخوذ من شماتة العدو وهو فرحه بما يسوء، فإما أن يكون المراد هنا الدعاء له بأن لا يكون في حالة يشمت به فيها، وإما أن يكون أنك إذا دعوت له بالرحمة فقد أدخلت على الشيطان ما يسخطه ويسر العاطس بذلك فيكون شماتة بالشيطان، وقيل غير ذلك والأربع الباقية من السبع: إجابة الداعي، وإفشاء السلام، ونصر المظلوم، وإبرار القسم والأمر المذكور المراد به المطلق في الإيجاب والندب لأن بعضها إيجاب وبعضها ندب وليس ذلك من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه

37 - باب النعال السبتية وغيرها

لأن ذاك إنما هو في صيغة أفعل أما لفظ الأمر فيطلق عليهما حقيقة على المرجح لأنه حقيقة في القول المخصوص فاتباع الجنائز فرض كفاية وكذا إجابة الداعي لوليمة النكاح. (ونهانا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وزاد أبو ذر: عن سبع (عن لبس الحرير والديباج) ما رق من ثياب الحرير وعطفه على الحرير ليفيد النهي عنه بخصوصه لأنه صار جنسًا مستقلاًّ بنفسه (و) عن (القسي) بفتح القاف وتشديد السين المهملة مكسورة والتحتية والأصل القزي بالزاي بدل السين فأبدلت سينًا، والصواب تفسيرها بما في مسلم عن علي أنها ثياب مصبغة يؤتى بها من مصر والشام فيها شية، وفي البخاري حرير أمثال الأترج، وفي أبي داود من الشأم أو مصر مصبغة فيها أمثال الأترج (والاستبرق ومياثر الحمر) ولأبي ذر والمياثر الحمر وهذه المنهيات كلها للتحريم بخلاف الأوامر فإنها على ما سبق والتقييد بالحمر لا اعتبار بمفهومه إذا كانت من الحرير والاثنان المكملان للسبع خواتم الذهب وأواني الفضة. وهذا الحديث مرّ مختصرًا في باب لبس القسي ومطولاً في الجنائز. 37 - باب النِّعَالِ السِّبْتِيَّةِ وَغَيْرِهَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب النعال السبتية) بكسر السين المهملة وسكون الموحدة وكسر الفوقية وتشديد التحتية المدبوغة بالقرظ أو التي سبت ما عليها من الشعر أي حلق، والنعال جمع نعل وهو ما وقيت به القدم، وفي النهاية هي التي تسمى الآن تاسومة (وغيرها) أي وغير السبتية مما يشبهها وسقط قوله وغيرها لأبي ذر. 5850 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ سَعِيدٍ أَبِى مَسْلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا أَكَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّى فِى نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد) ولأبي ذر حماد بن زيد (عن سعيد) هو ابن يزيد من الزيادة (أبي سلمة) الأزد البصري أنه (قال: سألت أنسًا) - رضي الله عنه- (أكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي في نعليه؟ قال: نعم) أي إذا لم يكن فيهما نجاسة. وهذا الحديث سبق في الصلاة. 5851 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما -: رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا. قَالَ: مَا هِىَ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ لاَ تَمَسُّ مِنَ الأَرْكَانِ إِلاَّ الْيَمَانِيَيْنِ، وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ، وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْهِلاَلَ، وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كَانَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَمَّا الأَرْكَانُ فَإِنِّى لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمَسُّ إِلاَّ الْيَمَانِيَيْنِ، وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِى لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا، وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْبُغُ بِهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا، وَأَمَّا الإِهْلاَلُ فَإِنِّى لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي أحد الأعلام (عن مالك) إمام دار الهجرة (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن عبيد بن جريج) بضم العين والجيم بالتصغير فيهما (أنه قال لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: رأيتك تصنع أربعًا) أي أربع خصال (لم أر أحدًا من أصحابك) رضي الله عنهم (يصنعها) مجتمعة (قال: ما هي يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان) الأربعة التي للبيت الحرام (إلا) الركنين (اليمانيين) الركن الذي فيه الحجر الأسود والذي يليه من غير جهة الباب وهو من باب التغليب لأن الذي فيه الحجر الأسود عراقي (ورأيتك تلبس) بضم الفوقية الموحدة (النعال السبتية، ورأيتك تصبغ) ثوبك أو شعرك (بالصفرة ورأيتك إذا كنت بمكة أهلّ الناس) أي رفعوا أصواتهم بالتلبية للإحرام (إذا رأوا الهلال) هلال ذي الحجة (ولم تهل أنت) بضم الفوقية وكسر الهاء وتشديد اللام ولأبي ذر تهلل بسكون الهاء ولام مكسورة بعدها أخرى مخففة (حتى كان يوم التروية) ثامن الحجة تهل أنت (فقال له عبد الله بن عمر: أما الأركان فإني لم أر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمس منها إلا) الركنين (اليمانيين وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصبغ بها) ثيابه لحديث أبي داود أو شعره لحديث السنن، ورجح الأول وأجيب عن الثاني باحتمال أنه كان يتطيب به لا أنه كان يصبغ به (فأنا أحب أن أصبغ بها، وأما الأهلال فإني لم أر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يهل حتى تنبعث به راحلته) أي تستوي قائمة إلى طريقه. وهذا الحديث سبق في باب غسل الرجلين في النعلين من الطهارة. 5852 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَلْبَسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِزَعْفَرَانٍ، أَوْ وَرْسٍ، وَقَالَ: «مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الدمشقي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار) المدني (عن) مولاه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) وسقط لأبي ذر لفظ عبد الله أنه (قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يلبس المحرم ثوبًا مصبوغًا بزعفران

38 - باب يبدأ بالنعل اليمنى

أو ورس) بفتح الواو وسكون الراء نبت باليمن قيل إنه يزرع في الأرض سنة فيثبت في الأرض عشر سنين ينبت ويثمر ويقال إن الكركم عروقه وليس ذكرهما للتقييد بل لأنهما الغالب فيما يصبغ للزينة والترفه فيلحق بهما ما في معناهما والمعنى في ذلك لأنه طيب فيحرم كل طيب قاله الجمهور. (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من لم يجد نعلين) فيه حذف ذكره في الحج ولفظه لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس والخفاف إلا أحد لا يجد نعلين. (فليلبس خفين وليقطعهما) أي بشرط أن يقطعهما (أسفل من الكعبين) والأمر هنا للإباحة. 5853 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِزَارٌ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَعْلاَنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي الضبي مولاهم قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عمرو بن دينار) مولى قريش المكي (عن جابر بن زيد) أبي الشعثاء الأزدي الإمام (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من لم يكن له إزار فليلبس السراويل) أي فإنه يجوز له لبسها ولا فدية عليه (ومن لم يكن له نعلان فليلبس خفين) زاد ابن عمر في روايته السابقة وليقطعهما أسفل من الكعبين. قال إمامنا الشافعي رحمه الله: قبلنا زيادته في القطع كما قبلنا زيادة ابن عباس في لبس السراويل إذا لم نجد إزارًا ولم يرو أنه يقطع من السراويل شيئًا فقلنا بعمومه قال: وكلاهما صادق وحافظ وليس زيادة أحدهما على الآخر شيئًا لم يروه الآخر إما عزب عنه وإما شك فيه فلم يروه وإما سكت عنه وإما أدّاه فلم يرو عنه انتهى. ولا اعتبار بمن قال قطعهما فيه إضاعة مال لأن الإضاعة إنما تكون فيما لم يأذن فيه الشارع، والزيادة من الثقة مقبولة، وحمل المطلق على المقيد واجب على الأصح لا سيما مع اتحاد السبب. وسبق الحديث في الحج. 38 - باب يَبْدَأُ بِالنَّعْلِ الْيُمْنَى هذا (باب) بالتنوين (يبدأ) الرجل والمرأة (بالنعل اليمنى) لبسًا ولأبي ذر ضم المثناة التحتية من يبدأ مبنيًّا للمجهول. 5854 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ، سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِى طُهُورِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) الأنماطي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (أشعث بن سليم) بالشين المعجمة الساكنة بعد الهمزة المفتوحة وبعد العين المهملة مثلثة قال (سمعت أبي) سليمًا بضم المهملة مصغرًا الأزدي المحاربي (يحدّث عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب التيمن في طهوره) بضم الطاء والمراد التطهير ولأبي ذر بفتحها وهو ما يتطهر به كالماء (وترجله) أي تسريح شعره (وتنعله) أي لبسه النعل زاد في رواية في شأنه كله. قال النووي: وهذه قاعدة مستمرة في الشرع وهي أن ما كان من باب التكريم والتشريف فيستحب باليمين وما كان بضد ذلك فيستحب فيه التياسر وذلك لكرامة اليمين وشرفها. وقال في شرح المشكاة: قوله في طهوره وترجله وتنعله بدل من قوله في شأنه بإعادة العامل، ولعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما بدأ بذكر الطهور لأنه فتح لأبواب الطاعات كلها فبذكره يستغنى عنها وثنى بذكر الترجل وهو متعلق بالرأس وثلث بالتنعل وهو مختصر بالرجل ليشمل جميع الأعضاء والجوارح فيكون كبدل الكل من الكل انتهى. ولم يقل وتطهره كما قال في تنعله وترجله لأنه أراد الطهور الخاص المتعلق بالعبادة ولو قال وتطهره كما قال في تنعله وترجله لدخل فيه إزالة النجاسة وسائر النظافات بخلاف الأولين فإنهما خاصان بما وضعا له من لبس النعل وترجيل الرأس. والحديث سبق في باب التيمن والغسل. 39 - باب يَنْزِعُ نَعْلَ الْيُسْرَى هذا (باب) بالتنوين إذا أراد الرجل نزع نعليه (ينزع نعل) الرجل (اليسرى) ولأبي ذر نعله بإثبات الضمير فاليسرى صفة النعل. 5855 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ، وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ، لِتَكُنِ الْيُمْنَى أَوَّلَهُمَا تُنْعَلُ وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب (عن مالك) الإمام الأعظم (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا تنعّل أحدكم) أي لبس نعله (فليبدأ بـ) الرجل (اليمين) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي باليمنى أي بالنعل اليمنى (وإذا نزع)

40 - باب لا يمشى فى نعل واحد

ولأبي ذر انتزع (فليبدأ بالشمال لتكن اليمنى أوّلهما تنعل وآخرهما تنزع) تنعل وتنزع مبنيان للمفعول وأولهما وآخرهما بالنصب خبر كان. وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي في اللباس. 40 - باب لاَ يَمْشِى فِى نَعْلٍ وَاحِد هذا (باب) بالتنوين (لا يمشي) الرجل (في نعل واحد) ولأبي ذر والأصيلي: واحدة وتأنيث النعل غير حقيقي فيجوز فيه الوجهان. 5856 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَمْشِى أَحَدُكُمْ فِى نَعْلٍ وَاحِدَةٍ لِيُحْفِهِمَا جَمِيعًا أَوْ لِيَنْعَلْهُمَا جَمِيعًا». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبيّ (عن مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يمشي أحدكم في نعل واحدة) لمشقة المشي حينئذ وخوف العثار مع سماجة الماشي في الشكر وقبح منظره في العيون أو لأنها مشية الشيطان (ليحفهما) بالحاء المهملة من الإحفاء أي ليجردهما (جميعًا أو لينعلهما جميعًا) بضم التحتية في الفرع من أنعل، وبه ضبطه النووي، ورده الزين العراقي في شرح الترمذي بأن أهل اللغة قالوا نعل بفتح العين. وحكي كسرها وأجيب: بأن أهل اللغة قالوا أيضًا أنعل رجله ألبسها نعلاً وسقط قوله جميعًا لغير أبي ذر ويقاس بما ذكر كل لباس شفع كالخفين وإخراج اليدين من الكم والتردي على أحد المنكبين ونحو ذلك. وهذا الحديث أخرجه مسلم في اللباس وكذا أبو داود والترمذي. 41 - باب قِبَالاَنِ فِى نَعْلٍ وَمَنْ رَأَى قِبَالاً وَاحِدًا وَاسِعًا هذا (باب) بالتنوين (قبالان) كائنان (في نعل) أي في كل فردة (ومن رأى قبالاً واحدًا واسعًا) أي جائزًا والقبال بكسر القاف وتخفيف الموحدة آخره لام هو الزمام وهو السير الذي يعقد فيه الشسع وهو أحد سيور النعل الذي يدخل بين إصبعي الرجل ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل المشدود في الزمام. 5857 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ - رضى الله عنه - أَنَّ نَعْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لَهَا قِبَالاَن. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) الأنماطي قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى العوذي ولابن السكن عن الفربري هشام بدل همام. قال في الفتح: والذي عند الجماعة أولى (عن قتادة) بن دعامة أنه قال: (حدّثنا أنس رضي الله عنه أن نعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لها قبالان) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي نعلي بالتثنية وكذا قوله لهما. وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة في اللباس والنسائي في الزينة. 5858 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ بِنَعْلَيْنِ لَهُمَا قِبَالاَنِ فَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِىُّ: هَذِهِ نَعْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد) هو ابن مقاتل قال (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا عيسى بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء البصري نزيل الكوفة (قال: خرج إلينا أنس بن مالك) رضي الله (عنه (بنعلين) ولأبي ذر أخرج بهمزة قبل الخاء نعلين بإسقاط الموحدة (لهما قبالان) قال الكرماني أي لكل واحد من نعل كل رجل قبال واحد (فقال ثابت البناني: هذه نعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي يصرح ثابت بأن أنسًا أخبره بذلك فصورته صورة الإرسال، لكن سبق الحديث في الخمس من طريق أبي أحمد الزبيري عن عيسى بن طهمان بلفظ: أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان فحدّثني ثابت البناني بعد عن أنس أنهما نعلا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال في فتح الباري: وظهر بهذا أن رواية عيسى عن أنس إخراجه النعلين فقط وأن إضافتهما إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من رواية عيسى عن ثابت عن أنس، وعادة البخاري إذا صحّت الطريق موصولة لا يمتنع عن إيراد ما ظاهره الإرسال اعتمادًا على الموصول. 42 - باب الْقُبَّةِ الْحَمْرَاءِ مِنْ أَدَمٍ (باب القبة الحمراء من آدم) بفتحتين جلد دبغ وصبغ بحمرة. 5859 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ أَبِى زَائِدَةَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِى جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِى قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلاَلاً أَخَذَ وَضُوءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسُ يَبْتَدِرُونَ الْوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ شَيْئًا أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بن البرند بكسر الموحدة والراء وسكون النون السامي بالمهملة البصري (قال: حدّثني) بالإفراد (عمر بن أبي زائدة) بضم العين (عن عون بن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وسكون التحتية وفتح الفاء (عن أبيه) أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي أنه (قال: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بالأبطح في حجة الوداع (وهو في قبة حمراء من آدم) جلد (ورأيت بلالاً) المؤذن (أخذ وضوء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الواو الماء الذي توضأ به (والناس يبتدرون) يتسارعون ويتسابقون (الوضوء) الماء

43 - باب الجلوس على الحصير ونحوه

الذي توضأ به (فمن أصاب منه شيئًا تمسح به) تبركًا بالماء الذي مسّ أعضاءه الشريفة (ومن لم يصب منه شيئًا أخذ من بلل يد صاحبه) فتمسح به. والحديث سبق في باب الصلاة إلى العنزة وباب السترة بمكة من كتاب الصلاة. 5860 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ح. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه -، قَالَ: أَرْسَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الأَنْصَارِ، وَجَمَعَهُمْ فِى قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال (أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك ح) مهملة لتحويل السند (وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله الإسماعيلي من طريق الرمادي حدّثنا أبو صالح حدّثنا الليث (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: أرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الأنصار) لما بلغه أنهم قالوا لما أفاء الله على رسوله ما أفاء من أموال هوازن وأنه طفق يعطي رجالاً المائة من الإبل: يغفر الله لرسوله يعطي قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم (فجمعهم في قبة من آدم) ولم يدع معهم غيرهم الحديث السابق في باب غزوة الطائف من غير هذا الوجه وهو في الخمس بإسناد حديث الباب بعينه وفيه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لهم: "أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى رحالكم" وفيه أنهم قالوا: قد رضينا والمراد منه هنا قوله فجمعهم في قبة من أدم لكنه لا يدل على أن القبة حمراء فهو كما قال في الكواكب إنما يدل لبعض الترجمة وكثيرًا ما يفعل المصنف ذلك. قال في فتح الباري: ويمكن أن يقال لعله حمل المطلق على المقيد وذلك لقرب العهد فإن القصة التي ذكرها أنس كانت في غزوة حنين والتي ذكرها أبو جحيفة كانت في حجة الوداع وبينهما نحو سنتين، فالظاهر أنها هي تلك القبة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما كان يتألف في مثل ذلك حتى يستبدل وإذا وصفها أبو جحيفة بأنها حمراء في الوقت الثاني فلأن تكون حمرتها موجودة في الوقت الأول أولى انتهى. 43 - باب الْجُلُوسِ عَلَى الْحَصِيرِ وَنَحْوِه (باب الجلوس على الحصر) بضم الحاء والصاد المهملتين في الفرع وفي غيره على الحصير بكسر الصاد ثم تحتية على الإفراد وهو ما اتخذ من سعف وشبهه (ونحوه) ونحو الحصير مما يبسط وقدره غير رفيع. 5861 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها -، أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَحْتَجِرُ حَصِيرًا بِاللَّيْلِ، فَيُصَلِّى وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَثُوبُونَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ، حَتَّى كَثُرُوا فَأَقْبَلَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ وَإِنْ قَلَّ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن أبي بكر) المقدمي قال: (حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يحتجز حصيرًا) بالحاء المهملة والجيم بينهما فوقية آخره راء أي يتخذه كالحجرة وللكشميهني يحتجز بزاي أي يجعله حاجزًا بينه وبين غيره (بالليل فيصلّي) زاد أبو ذر عن الكشميهني عليه (ويبسطه بالنهار فيجلس عليه فجعل الناس يثوبون) بمثلثة وموحدة بينهما واو يرجعون (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيصلون بصلاته حتى كثروا فأقبل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الناس (فقال): (يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا) بفتح الميم وسابقها في الفعلين أي لا يقطع عنكم فضله حتى تتركوا سؤاله وأطلق على سبيل المشاكلة (وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام) ولأبي ذر عن الكشميهني ما داوم بزيادة واو بين الألف والميم زاد في الإيمان عليه صاحبه أي ما استمر في حياة العامل، وزاد هنا على رواية الإيمان (وإن قلّ) لأنه يستمر بخلاف الكثير الشاق. 44 - باب الْمُزَرَّرِ بِالذَّهَبِ (باب المزرر بالذهب) من الثياب. 5862 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّ أَبَاهُ مَخْرَمَةَ قَالَ لَهُ: يَا بُنَىَّ إِنَّهُ بَلَغَنِى أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمَتْ عَلَيْهِ أَقْبِيَةٌ فَهْوَ يَقْسِمُهَا، فَاذْهَبْ بِنَا إِلَيْهِ فَذَهَبْنَا فَوَجَدْنَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى مَنْزِلِهِ فَقَالَ لِى: يَا بُنَىَّ ادْعُ لِى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْظَمْتُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَدْعُو لَكَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: يَا بُنَىَّ إِنَّهُ لَيْسَ بِجَبَّارٍ، فَدَعَوْتُهُ فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرٌ بِالذَّهَبِ فَقَالَ: «يَا مَخْرَمَةُ هَذَا خَبَأْنَاهُ لَكَ» فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. (وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الإمام أحمد (حدّثني) بالإفراد (ابن أبي مليكة) عبد الله (عن المسور) بكسر الميم وسكون السين المهملة (ابن مخرمة) بفتح الميمين بينهما خاء معجمة ساكنة فراء مفتوحة (أن أباه مخرمة قال له: يا بني إنه بلغني أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قدمت عليه أقبية) جمع قباء جنس من الثياب ضيق من لباس العجم (فهو يقسمها) على أصحابه (فاذهب بنا إليه) زاد في الشهادات عسى أن يعطينا منها شيئًا قال المسور (فذهبنا فوجدنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

45 - باب خواتيم الذهب

منزله فقال لي) أبي (يا بني ادع لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال المسور (فأعظمت ذلك) أي قوله ادع لي النبي لأن رفيع مقامه وشريف منزلته لا يقتضي ذلك (فقلت) لأبي (أدعو لك رسول الله)؟ استفهام إنكاري (فقال) مخرمة مجيبًا له: (يا بني إنه) عليه الصلاة والسلام (ليس بجبار) قال المسور (فدعوته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فخرج وعليه قباء من ديباج مزرر بالذهب) وهذا يحتمل أن يكون قبل تحريم الحرير، ويحتمل أن يكون بعده وحينئذٍ فيكون إعطاؤه له لينتفع به بأن يبيعه أو يكسوه للنساء ويكون معنى قوله فخرج وعليه قباء أي على يده فيكون من إطلاق الكل على البعض (فقال): (يا مخرمة هذا خبأته لك فأعطاه إياه). وهذا الحديث سبق في الهبة واللباس. 45 - باب خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ (باب) حكم لبس (خواتيم الذهب) بتحتية ساكنة بعد الفوقية جمع خاتم ويجمع على خواتيم بإسقاط التحتية وخياتم بتحتية بدل الواو وبإسقاط التحتية أيضًا وفي الخاتم لغات ثمانية تأتي إن شاء الله تعالى. 5863 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: نَهَانَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ سَبْعٍ: نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، أَوْ قَالَ: حَلْقَةِ الذَّهَبِ. وَعَنِ الْحَرِيرِ وَالإِسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ، وَالْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ، وَالْقَسِّىِّ، وَآنِيَةِ الْفِضَّةِ، وَأَمَرَنَا بِسَبْعٍ: بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَرَدِّ السَّلاَمِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِى، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا أشعث بن) أبي الشعثاء (سليم) بضم المهملة وفتح اللام المحاربي (قال: سمعت معاوية بن سويد بن مقرّن) المزني (قال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما يقول: نهانا النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عن سبع) أي سبع خصار (نهى) ولأبي ذر نهانا (عن) لبس (خاتم الذهب أو قال حلقة الذهب) بالشك من الراوي (وعن) استعمال (الحرير و) استعمال (الإستبرق) بكسر الهمزة غليظ الديباج فارسي معرب قاله الجواليقي ويصغر على أبيرق ويكسر على أبارق بحذف السين والتاء معًا (والديباج) بكسر الدال المهملة. قال ابن الأثير: ثياب تتخذ من إبريسم فارسي معرب وقد تفتح داله ومجمع على دبابيج وديابيج بموحدة وتحتية (والميثرة الحمراء) بالمثلثة مفرد مياثر والأصل في الميثرة الواو فقلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها لأنها من الوثار وهو الفراش الوطيء (والقسي) بفتح القاف وتشديد السين المهملة المكسورة ونقل الفاكهاني عن بعض شيوخه أن السين مبدلة من الزاي أي القزي نسبة إلى القز (وآنية الفضة. وأمرنا بسبع) أي بسبع الخصال (بعيادة المريض) مصدر مضاف إلى مفعوله وأصل عيادة عوادة لأنه من عاد يعود فقلبت الواو ياء لكسرة العين (واتباع الجنائز) بالجمع مصدر مضاف إلى مفعوله كالسابق واللاحق (وتشميت العاطس) بأن يقول للعاطس إذا حمد الله تعالى يرحمك الله (وردّ السلام) اسم مصدر سلم تسليمًا مثل كلم تكليمًا أو كلامًا (وإجابة الداعي) إلى الوليمة وتكون واجبة كوليمة العرس بالشروط المعروفة ومندوبة في غيرها (وإبرار) يمين (المقسم) بضم الميم وكسر السين اسم فاعل من أقسم والأمر للندب إن حمل على إبرار قسم الغير (ونصر المظلوم) إغاثته ومنعه من الظالم وهو فرض كفاية مع القدرة عليه. وهذا الحديث مرّ في الجنائز عن الوليد عن شعبة لكن بتقديم الأوامر على النواهي وسقوط المياثر من النواهي، وقال فيه خاتم الذهب من غير شك، وذكره في المظالم عن سعيد بن الربيع عن شعبة ولم يذكر فيه المنهيات جملة، وفي الطب عن حفص بن عمر عن شعبة وأسقط من النواهي آنية الفضة، وذكر من الأوامر ثلاثة فقط: اتباع الجنائز وعيادة المريض وإفشاء السلام واختصر الباقي وقال فيه أيضًا خاتم الذهب. 5864 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ نَهَى عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ. وَقَالَ عَمْرٌو: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ سَمِعَ النَّضْرَ سَمِعَ بَشِيرًا مِثْلَهُ. وبه قال:. (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) ولأبي ذر محمد بن جعفر بدل قوله غندر فصرح باسمه قال (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السدوسي (عن النضر بن أنس) بسكون الضاد المعجمة ابن مالك الأنصاري (عن بشير بن نهيك) بفتح الموحدة في الأول والنون في الثاني وكسر ثانيهما السدوسي البصري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه نهى) أي الرجال نهي تحريم (عن) لبس (خاتم الذهب). وهذا الحديث أخرجه مسلم في اللباس والنسائي في الزينة.

46 - باب خاتم الفضة

(وقال عمرو) بفتح العين ابن مرزوق الباهلي فيما وصله أبو عوانة في صحيحه عن أبي قلابة الرقاشي عن عمرو بن مرزوق (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) أنه (سمع النضر) بن أنس أنه (سمع بشيرًا) عن أبي هريرة (مثله). أي مثل الحديث السابق، وإنما ذكر هذا لما فيه من بيان سماع قتادة من النضرة وسماع النضر من بشير. 5865 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِى نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِى كَفَّهُ فَاتَّخَذَهُ النَّاسُ فَرَمَى بِهِ وَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ أَوْ فِضَّةٍ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالمهملات ابن مسرهد قال (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (نافع عن) مولاه (عبد الله) بن عمر (رضي الله عنه) وعن أبيه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتخذ خاتمًا من ذهب) أي أمر بصياغته فصيغ له أو وجده مصوغًا فاتخذه ولبسه (وجعل فصه) بفتح الفاء على الأفصح (مما يلي كفه) مؤنثة وإنما سميت بذلك لأنها تكف أي تدفع عن البدن وإنما جعله مما يلي كفه لأنه أبعد من الزهو والإعجاب ليقتدى به لكن لما لم يأمر بذلك جاز جعله في ظاهر الكف وقد عمل السلف بالوجهين (فاتخذه الناس) أي صاغوا خواتم مثل خاتمه عليه الصلاة والسلام (فرمى به) أي بخاتمه الشريف فرمى الناس خواتيمهم (واتخذ) عليه الصلاة والسلام (خاتمًا من ورق) بكسر الراء (أو) من (فضة) وهما بمعنى واحد والشك من الراوي وقد جاء عن جماعة من الصحابة لبس خاتم الذهب لكن الذي استقر عليه الإجماع بعد التحريم، وقد قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الذهب والحرير: "هذان حرامان على رجال أمتي حلٌّ لإناثها". وفي حديث الباب حلٌّ استعمال الورق وعليه الإجماع. وهذا الحديث أخرجه مسلم في اللباس. 46 - باب خَاتَمِ الْفِضَّةِ (باب) جواز لبس (خاتم الفضة). 5866 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِى كَفَّهُ وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَاتَّخَذَ النَّاسُ مِثْلَهُ فَلَمَّا رَآهُمْ قَدِ اتَّخَذُوهَا رَمَى بِهِ، وَقَالَ: «لاَ أَلْبَسُهُ أَبَدًا». ثُمَّ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ الْفِضَّةِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَلَبِسَ الْخَاتَمَ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ حَتَّى وَقَعَ مِنْ عُثْمَانَ فِى بِئْرِ أَرِيسَ. وبه قال: (حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي ثم البغدادي وهو من أفراده قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا عبيد الله) العمري (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتخذ خاتمًا من ذهب أو من فضة) بالشك من الراوي (وجعل فصه) لما لبسه (مما يلي كفه) بالنصب وللكشميهني باطن كفه بألف قبل الطاء وللحموي والمستملي بطن بإسقاطها وكفه بالخفض على الروايتين (ونقش فيه) أي وأمر أن ينقش في فصه (محمد رسول الله) بالرفع على الحكاية (فاتخذ الناس) خاتمًا (مثله) من ذهب أو من فضة على صورة نقشه أو المراد مطلق الاتخاذ ورجح العيني كونه من ذهب (فلما رآهم) عليه الصلاة والسلام (قد اتخذوها) أي الخواتم التي اتخذوها من ذهب (رمى به) أي بخاتمه الشريف الذهب (وقال: لا ألبسه أبدًا) كراهة للمشاركة أو لما رأى من زهوهم بلبسه أو لكونه من ذهب وكان حينئذٍ وقت تحريم لبس الذهب على الرجال (ثم اتخذ خاتمًا من فضة فاتخذ الناس خواتيم الفضة. قال ابن عمر: فلبس الخاتم بعد النبي صلّى الله عليه أبو بكر ثم عمر ثم عثمان) ولأبي ذر بالواو بدل ثم فيهما (حتى وقع من عثمان في بئر أريس) بفتح الهمزة وكسر الراء فتحتية ساكنة فسين مهملة لا ينصرف على الأصح حديقة بالقرب من مسجد قباء. 47 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة فهو كالفصل لسابقه وسقط لأبي ذر. 5867 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَنَبَذَهُ فَقَالَ: «لاَ أَلْبَسُهُ أَبَدًا» فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) إمام الأئمة (عن عبد الله بن دينار) المدني (عن) مولاه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلبس خاتمًا من ذهب فنبذه) أي فطرحه (فقال): (لا ألبسه أبدًا) لكونه حرم بعد (فنبذ الناس خواتيمهم) تبعًا له. وهذا الحديث رواه سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار بأتم من هذا. 5868 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ رَأَى فِى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا وَاحِدًا ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اصْطَنَعُوا الْخَوَاتِيمَ مِنْ وَرِقٍ وَلَبِسُوهَا، فَطَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمَهُ فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَزِيَادٌ وَشُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ. وَقَالَ ابْنُ مُسَافِرٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ: أَرَى خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا الحافظ المخزومي مولاهم المصري ونسبه لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد (عن يونس) بن زيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: حدّثني) ولأبي ذر أخبرني بالإفراد فيهما (أنس بن مالك

48 - باب فص الخاتم

-رضي الله عنه- أنه رأى في يد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتمًا من ورق) من فضة (يومًا واحدًا ثم إن الناس اصطنعوا الخواتيم من ورق ولبسوها فطرح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتمه)، لما رآهم اتخذوا خواتيم للزينة أو لكونهم شاركوه، لكن المعروف أن الخاتم الذي طرحه إنما كان خاتم الذهب فقال عياض وتبعه النووي: إن جميع أهل الحديث قالوا إن قوله من ورق وهم من ابن شهاب. وقال الكرماني: لا يجوز توهيم الراوي إذا أمكن الجمع وليس في الحديث أن الخاتم المطروح كان من ورق بل هو مطلق فيحمل على خاتم الذهب أو على ما نقش عليه نقش خاتمه الذي اتخذه ليختم به كتبه إلى الملوك لئلا تفوت مصلحة نقش اسمه بوقوع الاشتراك ويحصل الخلل فيكون طرحه له غضبًا ممن تشبه به في ذلك النقش (فطرح الناس خواتيمهم) التي نقشوها على نقشه، وحينئذٍ عاد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلبس خاتم الفضة واستمر إلى أن مات فلبسه سنة. قال في الروضة كأصلها: ولو اتخذ خواتم كثيرة ليلبس الواحد منها بعد الواحد جاز على المذهب، وفيه كما قال الأذرعي وغيره رمز إلى منع لبسه أكثر من خاتم جملة وهو ما ذكره المحب الطبري تفقهًا وعلله بأن استعمال الفضة حرام إلا ما وردت الرخصة به ولم ترد إلا في خاتم واحد. قال الأذرعي: وهذا ينافيه قول الدارمي ويكره للرجل لبس فوق خاتمين وقول الخوارزمي يجوز للرجل لبس زوج خاتم في يده وفرد في كل يد وزوج في يد وفرد في أخرى وأن يلبس زوجين في كل يد قال الصيدلاني: لا يجوز إلا للنساء قال: وعلى قياسه لو تختم في غير الخنصر ففي حكمه وجهان. قلت: أصحهما التحريم للنهي الصحيح عنه ولما فيه من التشبه بالنساء انتهى. والذي في شرح مسلم عدم التحريم وفيه والسُّنّة للرجل جعل خاتمه في الخنصر. وهذا الحديث أخرجه مسلم في اللباس. (تابعه) أي تابع يونس (إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فيما وصله مسلم وأحمد وأبو داود (و) كذا تابعه (زياد) هو ابن سعد بن عبد الرحمن الخراساني نزيل مكة ثم اليمن فيما وصله مسلم أيضًا (و) كذا (شعيب) هو ابن أبي حمزة مما وصله الإسماعيلي في روايتهم (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب وألفاظهم متقاربة. (وقال ابن مسافر) عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي المصري واليها مولى الليث بن سعد الإمام فيما وصله الإسماعيلي (عن الزهري أرى خاتمًا من ورق) بكسر الراء أي فضة وليس في رواية الإسماعيلي لفظ أرى. قال في الفتح: فكأنها من البخاري وهذا التعليق ساقط من رواية أبي ذر ثابت لغيره قال الحافظ ابن حجر إلا النسفيّ. 48 - باب فَصِّ الْخَاتَمِ (باب فص الخاتم) بفتح الفاء قال في الصحاح والعامة تكسرها نعم أثبتها غيره لغة وزاد آخر ضمها. وقال به ابن مالك في مثلثته. 5869 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ هَلِ اتَّخَذَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا؟ قَالَ: أَخَّرَ لَيْلَةً صَلاَةَ الْعِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ قَالَ: «إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَنَامُوا وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِى صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة قال: (أخبرنا يزيد بن زريع) بضم الزاي مصغرًا قال: (أخبرنا حميد) الطويل (قال: سئل أنس) -رضي الله عنه- (هل اتخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتمًا؟ قال أخر) عليه الصلاة والسلام (ليلة صلاة العشاء إلى شطر الليل) أي إلى نصفه (ثم أقبل علينا بوجهه) الكريم (فكأني أنظر إلى وبيص خاتمه) بفتح الواو وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة صاد مهملة بريقه ولمعانه (قال): (إن الناس قد صلوا وناموا وإنكم لم) بالميم ولأبي ذر عن الكشميهني لن بالنون (تزالوا في) ثواب (صلاة ما) ولأبوي ذر والوقت منذ (انتظرتموها). وهذا الحديث سبق في باب وقت العشاء إلى نصف الليل من كتاب الصلاة. 5870 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدًا يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ وَكَانَ فَصُّهُ مِنْهُ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنِى حُمَيْدٌ سَمِعَ أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن إبراهيم المعروف بابن راهويه قال: (أخبرنا معتمر) هو ابن سليمان التيمي (قال: سمعت حميدًا) الطويل (يحدّث عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان خاتمه من فضة) ولأبي داود من طريق زهير بن معاوية عن حميد زيادة كله، وأما حديث أبي داود والنسائي من طريق إياس بن الحارث بن معيقيب عن جده قال: كان خاتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

49 - باب خاتم الحديد

وَسَلَّمَ- من حديد ملويًّا عليه فضة فيحمل على التعدد جميعًا بين الروايتين (وكان فصّه منه). وفي مسلم والسنن من طريق ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن أنس أنه كان من ورق وكان فصّه حبشيًّا حجرًا من الحبشة جزعًا أو عقيقًا وحينئذٍ فيحمل على التعدد جمعًا بينه وبين رواية الباب أو فصّه منه لكن صياغته أو نقشه صياغة الحبشة. (وقال يحيى بن أيوب) الغافقي المصري مما ورد في مسند حميد عن أنس للقاسم بن زكريا المطرز (حدّثني) بالإفراد (حميد) الطويل أنه (سمع أنسًا) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ومراده بسياق هذا التعليق الإعلام بسماع حميد للحديث من أنس والله أعلم. 49 - باب خَاتَمِ الْحَدِيدِ (باب خاتم الحديد). 5871 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلاً يَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: جِئْتُ أَهَبُ نَفْسِى، فَقَامَتْ طَوِيلاً فَنَظَرَ وَصَوَّبَ فَلَمَّا طَالَ مُقَامُهَا فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، قَالَ: «عِنْدَكَ شَىْءٌ تُصْدِقُهَا»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «انْظُرْ»، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنْ وَجَدْتُ شَيْئًا قَالَ: «اذْهَبْ فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ قَالَ: لاَ وَاللَّهِ وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ. وَعَلَيْهِ إِزَارٌ مَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ، فَقَالَ: أُصْدِقُهَا إِزَارِى. فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِزَارُكَ إِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَىْءٌ وَإِنْ لَبِسْتَهُ لَمَ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَىْءٌ»، فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فَجَلَسَ فَرَآهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِىَ فَقَالَ: «مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»؟ قَالَ: سُورَةُ كَذَا وَكَذَا لِسُوَرٍ عَدَّدَهَا قَالَ: «قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه) أبي حازم بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج القاصّ الزاهد (أنه سمع سهلاً) هو ابن عبد الله الأنصاري (يقول: جاءت امرأة) قيل هي خولة بنت حكيم وقيل أم شريك (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت): يا رسول الله (جئت أهب نفسي) لك أي أكون لك زوجة بلا مهر (فقامت) قيامًا أو زمنًا (طويلاً) فالموصوف محذوف وهو المفعول المطلق أو المفعول فيه (فنظر) إليها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وصوّب) أي خفض رأسه (فلما طال مقامها) بضم الميم في الفرع وقال العيني بفتحها أي قيامها (فقال رجل): لم يسم يا رسول الله (زوّجنيها) ولم يقل هبنيها لأن من خصائص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-انعقاد نكاحه من غير صداق حالاً ولا مآلاً لا بدخول ولا بموت وليس المراد حقيقة الهبة إذ الحر لا يملك نفسه وليس له فيها تصرف ببيع ولا هبة ولكونه من الخصائص عدل عن لفظة الهبة إلى قوله زوّجنيها (إن لم يكن لك بها حاجة) أي إذا لم لأنه لا يظن بالصحابي أن يسأل في مثل هذا إلا بعد أن يكون علم بقرينة الحال أنه لا حاجة له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بها (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عندك شيء تصدقها) بسكون الصاد المهملة أي تمهرها (قال: لا). شيء عندي (قال) عليه الصلاة والسلام له: (انظر) شيئًا تصدقها إياه (فذهب) الرجل (ثم رجع فقال: والله) يا رسول الله (إن) أي ما (وجدت شيئًا. قال) عليه الصلاة والسلام: (اذهب فالتمس) أي اطلب وحصل (ولو) كان الملتمس (خاتمًا من حديد) فاصدقها إياه أو فإنه حسن أو جائز بحذف كان واسمها وجواب لو أيضًا قيل، وفي ذكر الحديد دلالة على جواز التختم به وتعقب بأنه لا يلزم من جواز الاتخاذ جواز اللبس، فيحتمل أنه أراد وجوده لتنتفع المرأة بقيمته (فذهب ثم رجع قال: لا والله ولا خاتمًا من حديد) قال الزركشي: بنصب خاتمًا عطفًا على قوله التمس ولو خاتمًا أي ما وجدت شيئًا ولا خاتمًا، وتعقبه البدر الدماميني فقال: هذا كلام عجيب لا يحتاج رده إلى إيضاح وإنما خاتمًا معطوف على منصوب مقدر أي ما وجدت غير خاتم ولا خاتمًا (وعليه إزار ما عليه رداء فقال) يا رسول الله (أصدقها). بضم الهمزة والقاف بينهما صاد ساكنة فدال مكسورة (إزاري فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إزارك) رفع على الابتداء وخبره جملة قوله (إن لبسته) أي المرأة (لم يكن عليك منه شيء وإن لبسته) أنت (لم يكن عليها منه شيء. فتنحى الرجل فجلس فرأه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موليًا فأمر به فدُعِيَ فقال: ما معك من القرآن؟ قال: سورة كذا وكذا السور عددها) ولأبي ذر عدّها بإسقاط الدال الثانية في النسائي وأبي داود من حديث عطاء عن أبي هريرة البقرة أو التي تليها، وفي الدارقطني عن ابن مسعود البقرة وسور من المفصل، وإتمام الرازي عن أبي أمامة قال: زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً من الأنصار على سبع سور وفي رواية أبي عمرو بن حيوة عن ابن عباس قال: معي أربع سور أو خمس سور (قال) عليه الصلاة والسلام: (قد ملكتها بما معك من القرآن) بفتح الميم وكافين. قال الدارقطني: إنها وهم والصواب زوّجتكها كما في الرواية الأخرى، وجمع النووي باحتمال صحة اللفظين ويكون جرى

50 - باب نقش الخاتم

لفظ التزويج أولاً ثم لفظ التمليك ثانيًا أي لأنه ملك عصمتها بالتزويج السابق. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله ولو خاتمًا من حديد لكن لا دلالة فيه كما سبق وكأنه لم يثبت عنده شيء من ذلك على شرطه. قال النووي: ولا يكره لبس خاتم الرصاص والنحاس والحديد على الأصح لخبر الصحيحين: "التمس ولو خاتمًا من حديد". وأما حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رجلاً جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعليه خاتم من شبه فقال: ما لي أجد منك ريح الأصنام فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال: ما لي أرى عليك حلية أهل النار فطرحه. الحديث ففي سنده أبو طيبة بالمهملة المفتوحة والموحدة تكلم فيه، وضعفه النووي في شرحي المهذّب ومسلم وفي كتاب الأحجار للشاشي خاتم الفولاذ مطردة للشيطان إذا لوي عليه فضة. وحديث الباب سبق في النكاح والله الموفق. 50 - باب نَقْشِ الْخَاتَمِ (باب نقش الخاتم) وكيفيته. 5872 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى رَهْطٍ أَوْ أُنَاسٍ مِنَ الأَعَاجِمِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لاَ يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلاَّ عَلَيْهِ خَاتَمٌ، فَاتَّخَذَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَكَأَنِّى بِوَبِيصِ أَوْ بِبَصِيصِ الْخَاتَمِ فِى إِصْبَعِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ فِى كَفِّهِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن حماد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد أن يكتب إلى رهط) هو جمع لا واحد له، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إلى الرهط بالتعريف (أو) قال إلى (أناس من الأعاجم) والشك من الراوي (فقيل له) عليه الصلاة والسلام، وعند ابن سعد قالت قريش: (إنهم لا يقبلون) ولأبي ذر لا يقرؤون (كتابًا إلا عليه خاتم فاتخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتمًا من فضة نقشه) بسكون القاف (محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعند ابن سعد من مرسل ابن سيرين بسم الله محمد رسول الله. قال الحافظ ابن حجر: ولم يتابع على هذه الزيادة فكان يطبع به على الكتب حفظًا للأسرار أن تنتشر وسياسة للتدبير أن لا ينخرم قال أنس: (فكأني بوبيص) بفتح الواو بعدها موحدة مكسورة فتحتية ساكنة فصاد مهملة (أو ببصيص) بفتح الموحدة الثانية بعدها صادان مهملتان بينهما تحتية ساكنة أي ببريق (الخاتم) وتلألؤه (في إصبع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو في كفه) بالشك فيهما من الراوي، وقد ذكر عبد الرزاق آثارًا بجواز تماثيل في الخواتم أضربنا عنها لأنها ليست بصحيحة ولا فائدة في ذكرها تامة والله الموفق. والحديث أخرجه أبو داود في الخاتم. 5873 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ وَكَانَ فِى يَدِهِ ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِى يَدِ أَبِى بَكْرٍ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِى يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِى يَدِ عُثْمَانَ حَتَّى وَقَعَ بَعْدُ فِى بِئْرِ أَرِيسَ نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن سلام) البيكندي الحافظ قال: (أخبرنا عبد الله بن نمير) بضم النون وفتح الميم مصغرًا الهمداني (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما) أنه (قال: اتخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتمًا من ورق) فضة (وكان في يده) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم كان بعد) أي بعد الوفاة النبوية (في يد أبي بكر) -رضي الله عنه- زمن خلافته، (ثم كان بعد في يد عمر) زمن خلافته، (ثم كان بعد في يد عثمان) في خلافته، (حتى وقع بعد في بئر أريس) بالمدينة (نقشه) بسكون القاف (محمد رسول الله). والحديث سبق في باب خاتم الفضة. 51 - باب الْخَاتَمِ فِى الْخِنْصَرِ (باب) لبس (الخاتم في الخنصر) دون غيرها من الأصابع والخنصر بكسر المعجمة وفتح المهملة، وهذا الباب مؤخر بعد لاحقه في اليونينية. 5874 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: صَنَعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا قَالَ: «إِنَّا اتَّخَذْنَا خَاتَمًا وَنَقَشْنَا فِيهِ نَقْشًا فَلاَ يَنْقُشْ عَلَيْهِ أَحَدٌ». قَالَ: فَإِنِّى لأَرَى بَرِيقَهُ فِى خِنْصَرِهِ. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المنقري المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد العزيز بن صهيب) البناني الأعمى (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: صنع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر اصطنع بطاء مهملة مفتوحة بعد الصاد الساكنة افتعل من الصنع أي اتخذ فأبدل من تاء الافتعال طاء لتقاربهما في المخرج (خاتمًا قال): (إنّا اتخذنا خاتمًا) أي من فضة (ونقشنا) بفتح القاف وسكون المعجمة (فيه نقشًا) وهو محمد رسول الله (فلا ينقش) بالجزم على النهي ولأبي ذر عن الكشميهني فلا ينقش بنون التوكيد الثقيلة (عليه أحد). وفي رواية ابن عمر لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا وهو صفة لمصدر محذوف أي نقشًا كائنًا على نقش خاتمي ومماثلاً

52 - باب اتخاذ الخاتم ليختم به الشىء أو ليكتب به إلى أهل الكتاب وغيرهم

له قال النووي: وسبب النهي أنه إنما نقش على خاتمه محمد رسول الله ليختم به كتبه إلى الملوك فلو نقش غيره مثله لدخلت المفسدة وحصل الخلل وفات المقصود (قال) أنس: (فإني لأرى) بفتح الهمزة (بريقه) بفتح الموحدة وكسر الراء لمعانه (في خنصره). قال النووي في شرح مسلم: السُّنَّة للرجل جعل خاتمه في الخنصر لأنه أبعد من الامتهان فيما يتعاطى باليد لكونه طرفًا ولأنه لا يشغل اليد عما تناوله من أشغالها بخلاف غير الخنصر ويكره له جعله في الوسطى والسبابة للحديث وهي كراهة تنزيه. وحديث الباب أخرجه النسائي في الزينة. 52 - باب اتِّخَاذُ الْخَاتَمِ لِيُخْتَمَ بِهِ الشَّىْءُ أَوْ لِيُكْتَبَ بِهِ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ (باب اتخاذ الخاتم ليختم به الشيء أو ليكتب) أي أو لأجل ختم الكتاب الذي يكتب ويرسل. (به إلى أهل الكتاب وغيرهم) وهذا الباب مقدّم على سابقه في اليونينية وسقط لفظ باب لأبي ذر. 5875 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: لَمَّا أَرَادَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَنْ يَقْرَءُوا كِتَابَكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُومًا فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَنَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِى يَدِهِ. وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) العسقلاني قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما أراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يكتب إلى) أهل (الروم قيل له) سبق قريبًا أن القائل له قريش (إنهم لمن يقرؤوا كتابك إذا لم يكن مختومًا فاتّخذ خاتمًا من فضة ونقشه) بسكون القاف ولأبي ذر بفتحتين (محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال أنس: (فكأنما أنظر إلى بياضه في يده). وقد تمسك بهذا الحديث من يقول بمنع لبس الخاتم إلا لذي سلطان مع صريح حديث أبي ريحانة المروي في مسند أحمد وأبي داود والنسائي نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن لبس الخاتم إلاّ لذي سلطان، واحتج القائلون بالجواز بحديث أنس السابق. وأجيب عن حديث أبي ريحانة بأن مالكًا ضعّفه وعلى تقدير ثبوته فيحمل على أن لبسه لغير ذي سلطان خلاف الأولى لما فيه من التزين الذي لا يليق بالرجال والأدلة الدالة على الجواز صارفة للنهي عن التحريم، والمراد بالسلطان من له سلطنة على شيء ما بحيث يحتاج إلى الختم عليه لا السلطان الأكبر خاصة أما لبس خاتم من فضة للزينة وكان مما لا يختم به فلا يدخل في النهي. 53 - باب مَنْ جَعَلَ فَصَّ الْخَاتَمِ فِى بَطْنِ كَفِّهِ (باب من جعل فص الخاتم) إذا لبسه (في بطن كفه) ليعلم أنه لم يلبسه للزينة بل للختم ونحوه وسقط لفظ بال لأبي ذر. 5876 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ جَعَلَ فَصَّهُ فِى بَطْنِ كَفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ فَاصْطَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ فَرَقِىَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ: «إِنِّى كُنْتُ اصْطَنَعْتُه، ُ وَإِنِّى لاَ أَلْبَسُهُ» فَنَبَذَهُ فَنَبَذَ النَّاسُ. قَالَ جُوَيْرِيَةُ: وَلاَ أَحْسِبُهُ إِلاَّ قَالَ: فِى يَدِهِ الْيُمْنَى. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا جويرية) بن أسامة (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (حدّثه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اصطنع خاتمًا من ذهب) الأصل اصتنع بالمثناة الفوقية فلما جاورت التاء الصاد والتاء حرف مستقل والصاد مستعل مطبق منافر للفوقية أبدلوا منها حرفًا مناسبًا للصاد وكانت الطاء أولى من غيرها لأنها من مخرج الفوقية وإن كانت الدال أيضًا من ذلك المخرج لكن التاء إلى الطاء أقرب منها إلى الدال على ما هو مقرر عند النحاة (ويجعل) ولأبي ذر عن الكشميهني وجعل (فصه) بفتح الفاء (في بطن كفه إذا لبسه فاصطنع الناس خواتيم من ذهب) ولأبي ذر الخواتيم من ذهب (فرقي) بكسر القاف صعد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال) بعد ذلك: (إني كنت اصطنعته) يعني خاتم الذهب (وإني لا ألبسه) أبدًا لكونه حرّم حينئذ (فنبذه) أي طرحه (فنبذ الناس) خواتيمهم جملة من فعل وفاعل حذف مفعوله للعلم به. (قال جويرية) بن أسامة المذكور بالسند السابق: (ولا أحسبه) أي ولا أحسب نافعًا (إلا قال) وجعله (في يده اليمنى) أخرج الإسماعيلي عن الحسين بن سفيان عن عبد الله بن محمد بن أسماء وابن سعد عن مسلم بن إبراهيم كلاهما عن جويرية أنه لبسه في يده اليمنى ولم يشكا، وأخرجه مسلم كذلك أيضًا من طريق عقبة بن خالد عن عبيد الله بن عمر بن نافع عن ابن عمر، والترمذي وابن سعد من طريق موسى بن عقبة عن نافع بلفظ: صنع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتمًا من ذهب فتختم به في يمينه ثم جلس على المنبر فقال: إني كنت اتخذت هذا الخاتم في يميني ثم نبذه الحديث، وهذا صريح من لفظه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دافع للبس وموسى بن عقبة أحد الثقات

54 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا ينقش على نقش خاتمه»

الإثبات، والأفضل عند الشافعية جعل الخاتم في اليمين وجعل فصّه من باطن كفه ولم يعين البخاري موضع الخاتم من أي اليدين إلاّ في رواية جويرية هذه كما قاله الحافظ أبو ذر وقد جزم غيره كما مرّ باليمين وأما رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر المروية عند ابن عدي، ورواية عبد العزيز بن أبي داود عن نافع عن ابن عمر كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتختم في يساره فقال الحافظ: إنها شاذة ورواتها أقل عددًا وألين حفظًا ممن روى اليمين وورد عن جماعة من الصحابة والتابعين من أهل المدينة وغيرهم التختم في اليمين، وجمع البيهقي بينهما بأن الذي لبسه في اليمين هو خاتم الذهب كما صرح به في حديث ابن عمر، والذي لبسه في اليسار هو خاتم الفضة. وقال البغوي في شرح السُّنَّة: إنه تختم أوّلاً في يمينه ثم تختم في يساره وكان ذلك آخر الأمرين ويترجح جعله في اليمين مطلقًا بأن اليسار آلة للاستنجاء فيصان الخاتم إذا كان في اليمين عن أن تصيبه النجاسة، ونقل النووي الإجماع على الجواز ولا كراهة فيه عند الشافعية وإنما الخلاف عندهم في الأفضلية والله أعلم. 54 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَنْقُشُ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِهِ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا ينقش) بفتح أوله وضم القاف أحد (على نقش خاتمه) وضبط في الفتح ينقش بضم أوله. 5877 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ: «إِنِّى اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ وَنَقَشْتُ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَلاَ يَنْقُشَنَّ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد بن درهم (عن عبد العزيز بن صهيب) البناني الأعمى (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتخذ خاتمًا من فضة ونقش فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال): (إني اتّخذت خاتمًا من ورق) بكسر الراء فضة (ونقشت فيه محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا ينقشن) بنون التوكيد الثقيلة (أحد على نقشه). قال في شرح المشكاة: على نقش خاتمي يجوز أن يكون حالاً من الفاعل لأنه نكرة في سياق النفي أو صفة مصدر محذوف أي نقشًا كائنًا على نقش خاتمي ومماثلاً له، وسبب النهي كما قاله النووي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما نقش على خاتمه ذلك ليختم به كتبه إلى الملوك فلو نقش غيره مثله لحصل الخلل. 55 - باب هَلْ يُجْعَلُ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلاَثَةَ أَسْطُرٍ؟ هذا (باب) بالتنوين (هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر)؟ قال في الفتح: إنه الأولى لأنه إذا كان سطرًا واحدًا يكون السطر مستطيلاً ضرورة كثرة الأحرف بخلاف ما إذا تعددت الأسطر فإنه يكون مربعًا أو مستديرًا وكل منهما أولى من المستطيل. 5878 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىُّ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضى الله عنه - لَمَّا اسْتُخْلِفَ كَتَبَ لَهُ وَكَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلاَثَةَ أَسْطُرٍ: مُحَمَّدٌ سَطْرٌ وَرَسُولُ سَطْرٌ وَاللَّهِ سَطْرٌ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عبد الله المثنى بن عبد الله بن أنس (عن ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم بعدها ألف فميم ثانية ابن عبد الله بن أنس عم عبد الله بن المثنى الراوي عنه (عن أنس أن أبا بكر- رضي الله عنه- لما استخلف كتب له) أي لأنس مقادير الزكاة (وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر ورسول سطر، والله سطر) وفي رواية الإسماعيلي: محمد سطر والسطر الثاني رسول والسطر الثالث الله، وهذا يردّ قول بعضهم أن كتابته كانت من أسفل إلى فوق حتى أن الجلالة في أعلى الأسطر الثلاثة ومحمد في أسفلها، وكذا قال الأسنوي وابن رجب ولفظه: وروي أن أول الأسطر كان اسم الله، ثم في الثاني رسول، ثم في الثالث محمد. قال الحافظ ابن حجر: ولم أر التصريح بذلك في شيء من الأحاديث، وظاهر السياق يدل على أنه على الكتابة المعتادة لكن ضرورة الاحتياج إلى أن يختم به يقتضي أن تكون الأحرف المنقوشة مقلوبة ليخرج الختم مستويًا. وهذا الحديث أخرجه الترمذي في اللباس أيضًا. 5879 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَزَادَنِى أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِىُّ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى يَدِهِ، وَفِى يَدِ أَبِى بَكْرٍ بَعْدَهُ وَفِى يَدِ عُمَرَ بَعْدَ أَبِى بَكْرٍ، فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ جَلَسَ عَلَى بِئْرِ أَرِيسَ قَالَ: فَأَخْرَجَ الْخَاتَمَ فَجَعَلَ يَعْبَثُ بِهِ، فَسَقَطَ قَالَ: فَاخْتَلَفْنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مَعَ عُثْمَانَ فَنَنْزَحُ الْبِئْرَ فَلَمْ نَجِدْهُ. (قال أبو عبد الله) البخاري: (وزادني أحمد) هو الإمام ابن حنبل كما جزم به المزي في أطرافه وهو موصول بالسند السابق (حدّثنا الأنصاري) محمد بن عبد الله (قال: حدّثني بالإفراد (أبي) عبد الله بن المثنى (عن ثمامة) بن عبد الله (عن أنس) أنه (قال: كان خاتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في يده وفي يد أبي بكر بعده وفي يد عمر بعد أبي بكر فلما كان عثمان) في الخلافة وكان الخاتم في يده ست سنين (جلس على بئر أريس) في السن السابعة من خلافته (قال: فأخرج الخاتم فجعل يعبث به)

56 - باب الخاتم للنساء، كان على عائشة خواتيم ذهب

بفتح الموحدة بعدها مثلثة يحركه ويدخله ويخرجه (فسقط) من يده في البئر (قال) أنس (فاختلفنا) في الذهاب والرجوع والنزول إلى البئر والطلوع منها (ثلاثة أيام مع عثمان فننزح البئر فلم نجده) ولأبي ذر: فنزح أي عثمان البئر فلم يجده ومن يومئذ انتقض أمر عثمان وخرج عليه الخارجون وكان ذلك مبتدأ الفتنة التي أفضت إلى قتله واتصلت إلى آخر الزمان فكان في هذا الخاتم النبوي من السرّ شيء مما كان في خاتم سليمان عليه السلام لأن سليمان لما فقد خاتمه ذهب ملكه. 56 - باب الْخَاتَمِ لِلنِّسَاءِ، كَانَ عَلَى عَائِشَةَ خَوَاتِيمُ ذَهَبٍ (باب) حكم لبس (الخاتم للنساء وكان على عائشة) -رضي الله عنها- (خواتيم ذهب) ولأبي ذر الذهب أخرجه موصولاً ابن سعد من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب قال: سألت القاسم بن محمد فقال: لقد رأيت والله عائشة تلبس المعصفر وتلبس خواتيم الذهب. 5880 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَزَادَ ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فَأَتَى النِّسَاءَ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِى ثَوْبِ بِلاَلٍ. وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال: (أخبرنا الحسن بن مسلم) بن يناق المكي (عن طاوس) هو ابن كيسان الإمام أبو عبد الرحمن اليماني وكان اسمه فيما قيل ذكوان فلقّب بطاوس فاله ابن معين لأنه كان طاوس القراء (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه قال: (شهدت العيد) أي صلاة عيد الفطر (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصلّى) حال كون صلاته (قبل الخطبة) ثبت قوله قبل لأبي ذر عن الكشميهني، وفي باب الخطبة بعد العيد زيادة وأبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة. (قال أبو عبد الله)، البخاري: (وزاد ابن وهب) عبد الله (عن ابن جريج) عبد الملك بسنده السابق (فأتى) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (النساء) ومعه بلال (فأمرهن بالصدقة فجعلن يلقين الفتخ) بفتح الفاء والفوقية بعدها خاء معجمة الحلَق من الفضة لا فصّ فيها أو الكبار أو هي التي تلبسها النساء في أصابع الرجلين (والخواتيم في ثوب بلال) -رضي الله عنه-. 57 - باب الْقَلاَئِدِ وَالسِّخَابِ لِلنِّسَاءِ، يَعْنِى: قِلاَدَةً مِنْ طِيبٍ وَسُكٍّ (باب) حكم لبس (القلائد) جمع قلادة (و) لبس (السخاب) بكسر السين المهملة وبعد الخاء المعجمة ألف فموحدة (للنساء يعني قلادة من طيب وسكّ) بضم السين المهملة وتشديد الكاف طيب معروف يضاف إلى غيره من الطيب ويستعمل ولأبي ذر عن الكشميهني ومسك بميم مكسورة وسكون المهملة وتخفيف الكاف. 5881 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: خَرَجَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ عِيدٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ، قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تَصَدَّقُ بِخُرْصِهَا وَسِخَابِهَا. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بن البرند قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) الأنصاري (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى المصلّى (يوم عيد فصلّى ركعتين لم يصل قبل ولا بعد) نفلاً (ثم أتى النساء فأمرهن بالصدقة) لكونه رآهن أكثر أهل النار (فجعلت المرأة) منهن (تصدق) بحذف إحدى التاءين (بخرصها) بضم الخاء المعجمة وبعد الراء الساكنة صاد مهملة حلقتها الصغيرة التي تعلقها بأذنها (وسخابها) خيطان من خرز وفسره البخاري هنا بأنه قلادة من طيب وسك أو مسك وسمي به لتصويت خرزة عند الحركة من السخب وهو اختلاط الأصوات. 58 - باب اسْتِعَارَةِ الْقَلاَئِدِ (باب استعارة القلائد). 5882 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: هَلَكَتْ قِلاَدَةٌ لأَسْمَاءَ فَبَعَثَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى طَلَبِهَا رِجَالاً فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ وَلَيْسُوا عَلَى وُضُوءٍ، وَلَمْ يَجِدُوا مَاءً فَصَلَّوْا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ. زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ: اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم) قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة اسم سليمان قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: هلكت) أي ضاعت (قلادة لأسماء) ذات النطاقين في غزوة بني المصطلق بالبيداء أو بذات الجيش (فبعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طلبها رجالاً) وفي التيمم رجلاً بالإفراد وفسّر بأنه أسيد بن حضير (فحضرت الصلاة وليسوا على وضوء ولم يجدوا ماء فصلّوا وهم على غير وضوء فذكروا ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنزل الله) تعالى (آية التيمم) {ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} [المائدة: 6] آية سورة المائدة إلى آخرها (زاد ابن نمير) بضم النون وفتح الميم واسمه عبد الله (عن هشام عن أبيه) عروة (عن عائشة) أنها (استعارت) أي القلادة

59 - باب القرط للنساء

المذكورة (من) أختها (أسماء) وسبق في التيمم وسقط لأبي ذر قوله عن أبيه عن عائشة. والحديث سبق في باب إذا لم يجد ماءً ولا ترابًا. 59 - باب الْقُرْطِ لِلنِّساءِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَهُنَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالصَّدَقَةِ فَرَأَيْتُهُنَّ يَهْوِينَ إِلَى آذَانِهِنَّ وَحُلُوقِهِنَّ. (باب القرط) بضم القاف وسكون الراء بعدها طاء مهملة ما تحلّى به الإذن ذهبًا كان أو فضة معه غيره من نحو لؤلؤ أو لا، وزاد أبو ذر (للنساء). (وقال ابن عباس) فيما وصله المؤلّف في العيدين وغيره (أمرهن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالصدقة فرأيتهن يهوين) بفتح التحتية، وقال العيني بضمها من الإهواء (إلى آذانهن) ليأخذن الأقراط (وحلوقهن) ليأخذن القلائد وتمسك به من جوّز ثقب أذن المرأة ليجعل فيها القرط وغيره مما يجوز لها التزين به، وتعقب بأنه لم يتعين وضعه في ثقب الأذن بل يجوز أن يعلق في الرأس بسلسلة لطيفة حتى يحاذي الأذن. سلمنا ولكن إنما يؤخذ من ترك إنكاره عليهن، ويجوز أن يكون الثقب قبل مجيء الشرع فيغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء. 5883 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عَدِىٌّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضى الله عنهما- أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِى قُرْطَهَا. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون الأنماطي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (عدي) هو ابن ثابت الأنصاري (قال: سمعت سعيدًا) هو ابن جبير (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى يوم العيد) ولأبي ذر يوم عيد صلاته (ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما) شيئًا من النوافل (ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي) ترمي (قرطها) في ثوب بلال. 60 - باب السِّخَابِ لِلصِّبْيَانِ (باب السخاب للصبيان). 5884 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى يَزِيدَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِ الْمَدِينَةِ، فَانْصَرَفَ فَانْصَرَفْتُ فَقَالَ: «أَيْنَ لُكَعُ» ثَلاَثًا «ادْعُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ» فَقَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ يَمْشِى وَفِى عُنُقِهِ السِّخَابُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ هَكَذَا، فَقَالَ الْحَسَنُ: بِيَدِهِ هَكَذَا، فَالْتَزَمَهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّى أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ بَعْدَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا قَالَ. وبه قال: (حدّثني) ولأبي ذر: حدّثنا بالجمع (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (الحنظلي) بالحاء المهملة والظاء المعجمة المفتوحتين بينهما نون ساكنة المروزي الإمام الحافظ قال: (أخبرنا يحيى بن آدم) بن سليمان الكوفي قال: (حدّثنا ورقاء بن عمر) بفتح الواو وسكون الراء بعدها قاف فهمزة ممدودًا وعمر بضم العين اليشكري أبو بشر الكوفي المدائني (عن عبيد الله) بضم العين (ابن أبي يزيد) المكي (عن نافع بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة ابن مطعم (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سوق من أسواق المدينة) هو سوق بني قينقاع (فانصرف) عليه الصلاة والسلام (فانصرفت) معه (فقال): (أين) وفي البيع أثم ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أي (لكع) بصيغة النداء، ولكع بضم اللام وفتح الكاف بعدها عين مهملة من غير تنوين ومعناه الصغير قالها (ثلاثًا) أي (ادع) لي (الحسن بن عليّ فقام الحسن بن عليّ يمشي) بفتح الحاء فيهما (وفي عنقه السخاب) بكسر المهملة وبالخاء المعجمة الخفيفة القلادة من طيب ليس فيها ذهب ولا فضة أو هي من خرز أو قرنفل (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بيده هكذا) بسطها كما هو عادة من يريد المعانقة (فقال الحسن بيده هكذا) بسطها (فالتزمه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: اللهم إني أحبه فأحبه) بفتح الهمزة وتشديد الموحدة ولأبي ذر فأحببه بسكون الحاء وكسر الموحدة الأولى وسكون الثانية من الإحباب أي اجعله محبوبًا (وأحب) بكسر الحاء وتشديد الموحدة (من يحبه. قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (فما كان أحد أحب إليّ من الحسن بن عليّ) -رضي الله عنهما- (بعدما قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما قال). وهذا الحديث سبق في باب ما ذكر في الأسواق من البيع. 61 - باب الْمُتَشَبِّهُونَ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتُ بِالرِّجَالِ (باب) ذم الرجال (المتشبهين بالنساء) في اللباس والزينة كالمقانع والأساور والقرطة وكذا الكلام والمشي كالانخناث والتأنيث والتثني والتكسر إذا لم يكن خلقة فإن كان ذلك في أصل خلقته فإنما يؤمر بتكلف تركه والإدمان على ذلك بالتدريج (و) باب ذم النساء (المتشبهات بالرجال) في الزي وبعض الصفات ولغير أبي ذر باب بالتنوين المتشبهون والمتشبهات بالرفع فيهما بالواو والضمة. 5885 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ. تَابَعَهُ عَمْرٌو أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. [الحديث 5885 - طرفاه في: 5886، 6834]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) العبدي المعروف ببندار قال: (حدّثنا غندر) ولأبي ذر محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن عكرمة) مولى ابن عباس

62 - باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت

(عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لعن رسول الله) ولأبي ذر لعن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) لإخراجه الشيء عن الصفة التي وضعها عليه أحكم الحاكمين كما ورد ذلك في لعن الواصلات بقوله: المغيِّرات خلق الله. وهذا الحديث أخرجه أبو داود في اللباس والترمذي في الاستئذان وابن ماجة في النكاح. (تابعه) أي تابع غندرًا (عمرو) بفتح العين ابن مرزوق الباهلي البصري فيما وصله أبو نعيم في مستخرجه وكذا الطبراني في الدعاء كما أفاده شيخنا الحافظ السخاوي (أخبرنا شعبة) بن الحجاج والله أعلم. 62 - باب إِخْرَاجِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنَ الْبُيُوتِ (باب إخراج) الرجال (المتشبهين بالنساء من البيوت). 5886 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَعَنَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ وَقَالَ: «أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ». قَالَ: فَأَخْرَجَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فُلاَنًا وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلاَنًا. وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء البصري قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: لعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المخنثين من الرجال) بفتح النون المشدّدة في الفرع. قال الكرماني: وهو المشهور وبالكسر القياس وبالمثلثة مشتق من الانخناث وهو التثني والتكسر، فالمخنث هنا هو الذي في كلامه لين وفي أعضائه تكسّر وليس له جارحة تقوم وهو في عرف هذا الزمن من بلاط به. (و) لعن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (المترجلات) بكسر الجيم المشدّدة المتكلفات التشبه بالرجال (من النساء) كحمل السيف والرمح والسحاق (وقال) عليه الصلاة والسلام: (أخرجوهم من بيوتكم) لئلا يفضي الأمر بالتشبه إلى تعاطي منكر كالسحاق (قال) ابن عباس -رضي الله عنهما- (فأخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلانًا) هو أنجشة العبد الأسود الذي كان يتشبه بالنساء. أخرجه الإمام أحمد والطبراني وتمام في فوائده من حديث واثلة ولأبوي ذر والوقت فلانة بالتأنيث. قال الحافظ ابن حجر: فإن كان محفوظًا فيكشف عن اسمها ثم قال: وأما المرأة فهي بادية بنت غيلان (وأخرج عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (فلانًا) قال في المقدمة هو ماتع بقوقية وقيل هدم. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في المحاربين والترمذي في الاستئذان والنسائي في عِشرَة النساء. 5887 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، أَنَّ عُرْوَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِى سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عِنْدَهَا وَفِى الْبَيْتِ مُخَنَّثٌ فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ أَخِى أُمِّ سَلَمَةَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنْ فُتِحَ لَكُمْ غَدًا الطَّائِفُ فَإِنِّى أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيْلاَنَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ، فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَدْخُلَنَّ هَؤُلاَءِ عَلَيْكُنَّ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ يَعْنِى أَرْبَعَ عُكَنِ بَطْنِهَا فَهْىَ تُقْبِلُ بِهِنَّ، وَقَوْلُهُ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ: يَعْنِى أَطْرَافَ هَذِهِ الْعُكَنِ الأَرْبَعِ لأَنَّهَا مُحِيطَةٌ بِالْجَنْبَيْنِ حَتَّى لَحِقَتْ، وَإِنَّمَا قَالَ بِثَمَانٍ: وَلَمْ يَقُلْ بِثَمَانِيَةٍ وَوَاحِدُ الأَطْرَافِ وَهْوَ ذَكَرٌ لأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ثَمَانِيَةَ أَطْرَافٍ. وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) أبو غسان النهدي الحافظ قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية الجعفي قال: (حدّثنا هشام بن عروة أن) أباه (عروة) بن الزبير (أخبره أن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد (أخبرته أن) أمها (أم سلمة) هند بنت أمية زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أخبرتها أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان عندها وفي البيت مخنّث) بفتح النون وكسرها هو المؤنث من الرجال وإن لم تعرف منه الفاحشة فإن كان ذلك فيه خلقة فلا لوم عليه وعليه أن يتكلف إزالة ذلك وإن كان بقصد منه فهو المذموم كما مرّ قريبًا. واسم هذا المخنث هيت كما عند ابن حبان وأبوي يعلى وعوانة وغيرهم، وفي مغازي ابن إسحاق أن اسمه ماتع بالفوقية وقيل بنون (فقال) المخنث (لعبد الله أخي أم سلمة: يا عبد الله إن فتح لكم غدًا الطائف) بضم الفاء وكسر الفوقية من فتح ولأبي ذر عن الكشميهني إن فتح الله لكم غدًا الطائف (فإني أدلّك على بنت غيلان) اسمها بادية بموحدة فألف فدال مهملة مكسورة فتحتية أو بنون بدل التحتية واسم جدّها سلمة (فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يدخلن هؤلاء) المخنثون (عليكن) وفي رواية الحموي والمستملي عليكم بالميم ووجه بأنه جمع مع النساء المخاطبات من يلوذ بهن من صبي ووصيف فجاز التغليب، وأما قوله تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال ابن حبيب عن مالك: معناه أن أعكانها ينعطف بعضها على بعض وهي في بطنها أربع طرائق وتبلغ أطرافها إلى خاصرتها في كل جانب أربع ولإرادة العكن ذكر الأربع والثمان وإلاّ فلو أراد الأطراف لقال بثمانية. (قال أبو عبد الله) البخاري: (تقبل بأربع وتدبر يعني أربع عكن بطنها) جمع عكنة وهي الطيّ الذي في البطن من السمن (فهي تقبل بهن)

63 - باب قص الشارب وكان ابن عمر يحفي شاربه حتى ينظر إلى بياض الجلد، ويأخذ هذين يعني بين الشارب واللحية

من كل ناحية اثنتان (وقوله وتدبر بثمان يعني أطراف هذه العكن الأربع لأنها محيطة بالجنبين حتى لحقت وإنما قال بثمان) بالتذكير (ولم يقل بثمانية) بالتأنيث (وواحد الأطراف وهو) المميز (ذكر) أي مذكر (لأنه لم يقل بثمانية أطراف) أي لأنه إذا لم يكن المميز مذكورًا جاز في العدد التذكير والتأنيث، والحاصل أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يكون لبطنها عكن من سمنها. وهذا الحديث مرّ في أواخر كتاب النكاح في باب ما ينهى عن دخول المتشبهين بالنساء. ولما فرغ المصنف من اللباس شرع يذكر ما له تعلق به من جهة الاشتراك في الزينة وبدأ بالتراجم المتعلقة بالشعور وما أشبهها فقال: 63 - باب قَصِّ الشَّارِبِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى بَيَاضِ الْجِلْدِ، وَيَأْخُذُ هَذَيْنِ يَعْنِي بَيْنَ الشَّارِبِ وَاللِّحْيَةِ (باب) استحباب (قص الشارب وكان ابن عمر) -رضي الله عنهما- (يحفي) بضم التحتية وسكون المهملة وكسر الفاء يزيل (شاربه حتى ينظر) مضارع مبني للمفعول من النظر (إلى بياض الجلد) لمبالغته في استئصال الشعر. وهذا وصله الطحاوي (ويأخذ هذين، يعني بين الشارب واللحية) كذا وقع في تفسيره في جامع رزين من طريق نافع عن ابن عمر وعند البيهقي نحوه وقال الكرماني وهذين يعني طرفي الشفتين اللذين هما بين الشارب واللحية وملتقاهما كما هو العادة عند قص الشارب في أن ينظف الزاويتان أيضًا من الشعر قال ويحتمل أن يراد به طرفًا العنفقة ولغير أبي ذر كما في الفرع وغير النسفيّ كما في الفتح، وكان عمر وهو خطأ لأن المعروف عن عمر أنه كان يوفر شاربه. 5888 - حَدَّثَنَا الْمَكِّىُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ أَصْحَابُنَا عَنِ الْمَكِّىِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ». [الحديث 5888 - طرفه في: 5890]. وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير الحنظليّ البلخي (عن حنظلة) بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح الظاء المعجمة واللام بعدها هاء ابن أبي هانئ سفيان واسمه الأسود بن عبد الرحمن الجمحي القرشي (عن نافع) مولى ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال البخاري بعد تحديثه عن المكي (قال أصحابنا): إنهم رووه (عن المكي) عن حنظلة عن نافع (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من الفطرة) أي من السنة القديمة التي اختارها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام واتفقت عليها الشرائع فكأنها أمر جبلي فطروا عليه (قص الشارب). 5889 - حَدَّثَنَا عَلِىٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِىُّ: حَدَّثَنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رِوَايَةً الْفِطْرَةُ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالاِسْتِحْدَا، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ. [الحديث 5889 - طرفاه في: 5891، 6297]. وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب: (حدّثنا) أي قال: سفيان حدّثنا الزهري فهو من تقديم الراوي على الصيغة (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (رواية) أي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو كقول الراوي يبلغ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو كناية عن الرفع (الفطرة خمس أو خمس من الفطرة) بالشك. قال ابن حجر: وهو من سفيان، ورواه أحمد خمس من الفطرة بغير شك وقوله خمس صفة موصوف محذوف أي خصال خمس ثم فسرها أو على الإضافة أي خمس خصال أو الجملة خبر مبتدأ محذوف أي الذي شرع لكم خمس من الفطرة. أولها (الختان) بكسر الخاء المعجمة بعدها فوقية وهو قطع القلفة التي تغطي الحشفة من الرجل، وقطع بعض الجلدة التي في أعلى الفرج من المرأة كالنواة أو كعرف الديك ويسمى ختان الرجل إعذارًا بالعين المهملة والذال المعجمة، وختان المرأة خفضًا بالخاء والضاد المعجمتين بينهما فاء. (و) ثانيها (الاستحداد) وهو استعمال الموسى في حلق العانة كما وقع التصريح به في رواية النسائي. قال النووي: والمراد بالعانة الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه، وكذا الشعر الذي حوالى فرج المرأة، ونقل عن أبي العباس بن سريج أنه الشعر النابت حوالى حلقة الدبر. قال أبو شامة: ويستحب إماطة الشعر عن القبل والدبر بل هو عن الدبر أولى خوفًا من أن يتعلق به شيء من الغائط فلا يزيله المستنجي إلاّ بالماء ولا يتمكن من إزالته بالاستجمار. (و) ثالثها (نتف الإبط) بكسر الهمزة وسكون الموحدة يبدأ باليمين استحبابًا ويتأدّى أصل السُّنَّة بالحلق لا سيما من يؤله النتف. قال ابن دقيق العيد: من نظر إلى اللفظ وقف مع النتف ومن

64 - باب تقليم الأظفار

نظر إلى المعنى أجازه بكل مزيل لكن تبين أن النتف مقصود من جهة المعنى لأنه محل الرائحة الكريهة الناشئة من الوسخ المجتمع بالعرق فيه فيتلبد ويهيج فشرع النتف الذي يضعفه فتخف الرائحة به بخلاف الحلق فإنه يقوّي الشعر ويهيجه فتكثر الرائحة لذلك. (و) رابعها (تقليم الأظفار) جمع ظفر بضم الظاء والفاء وتسكن ويأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى في الباب اللاحق. (و) خامسها (قص الشارب) وهو الشعر النابت على الشفة، وهو عند النسائي بلفظ الحلق، لكن أكثر الأحاديث بلفظ القص، وعند النسائي من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ تقصير الشارب، نعم في حديث ابن عمر في الباب التالي: واحفوا الشوارب، وفي الباب الذي بعده أنهكوا الشوارب، وفي مسلم: جزّوا الشوارب وهي تدل على أن المطلوب المبالغة في الإزالة لأن الإحفاء الإزالة والاستقصاء والإنهاك المبالغة في الإزالة والجزّ قص الشعر إلى أن يبلغ الجلد. قال في شرح المهذّب: وهو مذهب الشافعية وكان المزني والربيع يفعلانه. قال الطحاوي: وما أظنهما أخذا ذلك إلاّ عنه. ونقل عن الإمام أحمد بن حنبل وأبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف واختاره النووي أنه يقصه حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفيه من أصله، ونقل ابن القاسم عن مالك أن إحفاء الشارب مثلة، وأن المراد بالحديث المبالغة في أخذ الشارب حتى يبدو طرف الشفة. وقال أشهب سألت مالكًا عمن يحفي شاربه فقال: أرى أن يوجع ضربًا. وقوله: الفطرة خمس ظاهره الحصر والحصر يكون حقيقيًا ومجازيًّا فالحقيقي كقوله العالم في البلد زيد إذا لم يكن فيه غيره ومن المجازي الدين النصيحة قاله ابن دقيق العيد، ودلالة من على التبعيض فيه أي في قوله أو خمس من الفطرة أظهر من دلالة الرواية الأولى على الحصر، فليس الحصر مرادًا هنا بدلالة حديث عائشة عند مسلم: عشر من الفطرة فذكر الخمسة التي في حديث الباب إلا الختان وزاد إعفاء اللحية والسواك والمضمضة والاستنشاق وغسل البراجم والاستنجاء. وعند أحمد وأبي داود وابن ماجة من حديث عمار بن ياسر مرفوعًا زيادة الانتضاح، وفي تفسير عبد الرزاق والطبري من طريقه بسند صحيح عن طاوس عن ابن عباس في قوله تعالى: {وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} [البقرة: 124] ذكر العشر، وعند ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس غسل الجمعة، ولأبي عوانة في مستخرجه زياد الاستنثار، وهذه الخصال منها ما هو واجب كالختان وما هو مندوب ولا مانع من اقتران الواجب بغيره كما قال تعالى: {كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده} [الأنعام: 141] فإيتاء الحق واجب والأكل مباح. وهنا الحديث أخرجه مسلم في الطهارة وأبو داود والنسائي وابن ماجة. 64 - باب تَقْلِيمِ الأَظْفَارِ (باب) سُنّة (تقليم الأظفار) تفعيل من القلم وهو القطع قال في الصحاح قفلّت ظفري بالتخفيف وقلّمت أظفاري بالتشديد للتكثير والمبالغة. 5890 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِى رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ حَنْظَلَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مِنَ الْفِطْرَةِ حَلْقُ الْعَانَةِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن أبي رجاء) بالجيم والمدّ واسمه عبد الله بن أيوب الحنفي الهروي قال: (حدّثنا إسحاق بن سليمان) الرازي (قال: سمعت حنظلة) بن أبي سفيان الجمحي (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من الفطرة) أي ثلاث (حلق العانة) بالموسى وفي معناه الإزالة بالنتف والنورة لكنه بالموسى أولى للرجل لتقويته للمحل بخلاف المرأة فإن الأولى لها الإزالة بالنتف واستشكله الفاكهاني فإن فيه ضررًا على الزوج باسترخاء المحل باتفاق الأطباء. اهـ. وقد يؤيده حديث جابر في الصحيح: إذا دخلت ليلاً فلا تدخل على أهلك حتى تستأذن المغيبة، ولابن العربي هنا تفصيل جيد فقال إن كانت شابة فالنتف في حقها أولى لأنه يربو فكان النتف وإن كانت كهلة فالأولى الحلق لأن النتف يرخي المحل ولو قيل في حقها بالتنوير مطلقًا لما كان بعيدًا وتجب عليها الإزالة إذا طلب الزوج منها ذلك على الأصح. (وتقليم الأظفار) وهو إزالة ما طال منها عن اللحم بمقص أو سكين أو غيرهما من الآلة ويكره بالأسنان، والمعنى فيه أن الوسخ يجتمع تحته

فيستقذر وقد ينتهي إلى حدّ يمنع من وصول الماء إلى ما يجب غسله في الطهارة وقد قطع المتولي فيه بعدم صحة الوضوء وفي الإحياء العفو عنه لأن غالب الأعراب كانوا لا يتعاهدون ذلك ولم يروا أنه عليه السلام أمرهم بإعادة الصلاة (وقص الشارب) واختلف هل السبالان وهما جانبا الشارب منه؟ فقيل: إنهما منه وإنه يشرع قصّهما معه وقيل هما من جملة شعر اللحية. 5891 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالاِسْتِحْدَادُ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَنَتْفُ الآبَاطِ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو ابن عبد الله بن يونس اليربوعي التميمي الكوفي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين الزهري العوفي أبو إسحاق المدني قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب) المخزومي أحد الأعلام (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه قال: (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (الفطرة خمس) قال صاحب العدة مبتدأ وخبر والمراد خصال الفطرة خمس أولاً تقدير لأنه جنس والجنس يجري مجرى الجمع يقال أعجبني الدينار الصفر والدرهم البيض أو يكون على النسب أي الفطرة ذات خصال خمس (الختان) وهو قطع القلفة بالضم يقال ختن الصبي يختنه ويختنه بكسر التاء وضمها ختنًا بإسكانها والاسم الختان والختانة وقد يطلق على موضع القطع ومنه إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل (و) الثاني من الفطرة (الاستحداد) وهو حلق شعر العانة بالحديد وهو الموسى كما مر (و) الثالث (قص الشارب) وسبق ما فيه من البحث (و) الرابع (تقليم الأظفار) وإنما جمع الأظفار ووحد السابق لأنها متعدّدة في اليدين والرجلين ويستحب الاستقصاء في إزالتها إلى حدّ لا يدخل منه ضرر على الإصبع، وجزم النووي في شرح مسلم باستحباب البداءة بمسبحة اليمنى ثم الوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم الإبهام وفي اليسرى يبدأ بخنصرها ثم بالبنصر إلى الإبهام وفي الرجلين بخنصر اليمنى إلى الإبهام وفي اليسرى بإبهامها إلى الخنصر، قال في الفتح: ولم يذكروا للاستحباب مستندًا. قال: وتوجيه البداءة باليمنى لحديث عائشة كان يعجبه التيمن في شأنه كله والبداءة بالمسبحة منها لكونها أشرف الأصابع لأنها آلة التشهد، وأما إتباعها بالوسطى فلأن غالب من يقلم أظفاره يقلمها قبل ظهر الكف فتكون الوسطى جهة يمينه فيستمر إلى أن يختم بالخنصر ثم يكمل اليد بقص الإبهام، وأما اليسرى فإذا بدأ بالخنصر لزم أن يستمر على جهة اليمنى إلى الإبهام لكن يعكر على هذا التوجيه ما ذكره في الرجلين إلا أن يقال غالب من يقلم رجليه يقلمهما من جهة باطن القدمين فيستمر التوجيه وذكر الدمياطي الحافظ أنه تلقى عن بعض المشايخ أن من قلّم أظفاره مخالفًا لم يصبه رمد وأنه جرّب ذلك خمسين سنة فلم يرمد، لكن قال ابن دقيق العيد كل ذلك لا أصل له واحدًاث استحباب لا دليل عليه وهو قبيح عندي بالعالم ولم يثبت أيضًا في استحباب قصها يوم الخميس حديث صحيح والمختار أنه يختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال والضابط الحاجة في هذا وفي جميع الخصال المذكورة (و) الخامس (نتف الآباط) بالجمع مقابلة الجمع من الناس أو يكون أوقع الجمع على التثنية كقوله تعالى: {إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان} [ص: 22] ولأبي ذر عن الحموي والمستملي الإبط بالإفراد والأفضل النتف لإضعاف المنبت فإن الإبط إذا قوي فيه الشعر وغلظ جرمه كان أفوح للرائحة الكريهة فناسب إضعافه بالنتف بخلاف العانة وقد سبق مزيد لذلك. 5892 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ. [الحديث 5892 - طرفه في: 5893]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن منهال) بكسر الميم وسكون النون البصري الضرير الحافظ قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا الخياط أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا عمر بن محمد بن زيد) بضم العين وزيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (خالفوا المشركين) أي المجوس كما صرح به عن مسلم من حديث أبي هريرة (وفروا اللحى) بتشديد الفاء أي اتركوها

65 - باب إعفاء اللحى، عفوا: كثروا وكثرت أموالهم

موفرة واللحى بكسر اللام وتضم جمع لحية بالكسر فقط اسم لما ينبت على العارضين والذقن (وأحفوا الشوارب) بالحاء المهملة وقطع الهمزة المفتوحة من الرباعي وحكى ابن دريد حفا شاربه يحفوه من الثلاثي فعلى هذا فهي همزة وصل أي استقصوا قصّها. (وكان ابن عمر) هو موصول بالسند إلى نافع (إذ حج واعتمر قبض على لحيته فما فضل) بفتح الفاء والضاد المعجمة كما في الفرع ويجوز كسرها أي زاد على القبضة (أخذه) بالمقص أو نحوه وروي مثل ذلك عن أبي هريرة وفعله عمر -رضي الله عنه- برجل وعن الحسن البصري يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش وحملوا النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتحفيفها وقال عطاء إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرّض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يستخف به وقال النووي المختار عدم التعرض لها بتقصير ولا غيره. وهذا الحديث لا تعلق له بما ترجم له كما لا يخفى ويمكن توجيهه بتعسف. 65 - باب إِعْفَاءِ اللِّحَى، عَفَوا: كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ (باب إعفاء اللحى) أي تركها من غير حلق ولا نتف ولا قصّ الكثير منها وإعفاء من مزيد الثلاثي (عفوا) في قوله تعالى في الأعراف: {حتى عفوا} [الأعراف: 95] معناه (كثروا وكثرت أموالهم) وقوله عفوا إلخ ثابت لأبي ذر فقط. 5893 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «انْهَكُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا عبدة) بن سليمان قال: (أخبرنا عبيد الله) بضم العين (ابن عمر) العمري (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (انهكوا الشوارب) أي بالغوا في قصها (وأعفو اللحى) بفتح الهمزة والمصدر الإعفاء وهو توفير اللحية وتكبيرها وهو من إقامة السبب مقام المسبب لأن حقيقة الإعفاء الترك وترك التعرض للحية يستلزم تكبيرها قاله ابن دقيق العيد. وهذا الحديث أخرجه مسلم بلفظ: "أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى" وفيه أنواع من البديع الجناس والمطابقة والموازنة. 66 - باب مَا يُذْكَرُ فِى الشَّيْبِ (باب ما يذكر في الشيب) هل يخضب أو يترك على حاله. 5894 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا أَخَضَبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: لَمْ يَبْلُغِ الشَّيْبَ إِلاَّ قَلِيلاً. وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بضم الميم وفتح العين المهملة واللام المشدّدة العمي البصري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد (عن أيوب) السختياني (عن محمد بن سيرين) أنه (قال: سألت أنسًا) -رضي الله عنه- (أخضب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)؟ بهمزة الاستفهاء الاستخباري أي أصبغ شعر لحيته الشريفة (قال: لم يبلغ) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الشيب إلا قليلاً) قيل تسع عشرة شعرة بيضاء، وقيل عشرون، وقيل خمس عشرة شعرة، وقيل سبع عشرة أو ثمان عشرة. وهذا الحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 5895 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: سُئِلَ أَنَسٌ عَنْ خِضَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَا يَخْضِبُ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتِهِ فِى لِحْيَتِهِ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي الإمام أبو أيوب البصري قال: (حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي أحد الأعلام (عن ثابت) البناني أنه (قال: سئل أنس) السائل له محمد بن سيرين كما في الحديث السابق (عن خضاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) شعر لحيته (فقال) أنس (إنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لم يبلغ ما يخضب) بفتح التحتية وكسر الضاد المعجمة ولمسلم فقال لم يبلغ الخضاب (لو شئت أن أعدّ شمطاته) بفتحات أي الشعرات البيض التي كانت يجاورها غيرها من الشعر الأسود (في لحيته) لفعلت. والحديث أخرجه مسلم في فضائله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 5896 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: أَرْسَلَنِى أَهْلِى إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ، وَقَبَضَ إِسْرَائِيلُ ثَلاَثَ أَصَابِعَ مِنْ فِضَّةٍ فِيهِ شَعَرٌ مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ إِذَا أَصَابَ الإِنْسَانَ عَيْنٌ أَوْ شَىْءٌ بَعَثَ إِلَيْهَا مِخْضَبَهُ، فَاطَّلَعْتُ فِى الْجُلْجُلِ فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرًا. [الحديث 5896 - طرفاه في: 5897، 5898]. وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) أبو غسان النهدي الحافظ قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن عثمان بن عبد الله بن موهب) بفتح الميم والهاء بينهما واو ساكنة آخره موحدة، التيمي مولى آل طلحة أنه (قال: أرسلني أهلي) آل طلحة أو امرأتي (إلى أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط قوله زوج النبي إلخ لغير أبي ذر (بقدح من ماء وقبض إسرائيل) بن يونس (ثلاث أصابع) إشارة إلى صغر القدح كما في الفتح أو إلى عدد إرسال عثمان إلى أم سلمة قاله الكرماني، واستبعده الحافظ ابن حجر، ورجحه العيني بأن القدح إذا كان قدر ثلاث أصابع يكون صغيرًا جدًّا فما يسع فيه

من الماء حتى يرسل به وبأن التصرف بالأصابع غالبًا يكون بالعدد (من قصة) بضم القاف وبالصاد المهملة المشدّدة (فيه) أي في القدح (شعر من شعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللكشميهني كما في الفرع فيها بالتأنيث يعني القدح لأنه إذا كان فيه ماء يسمى كأسًا والكأس مؤنثة وعزا في الفتح التذكير لرؤية الكشميهني، وعند أبي زيد من فضة بالفاء المكسورة والضاد المعجمة بيان لجنس القدح، ويحتمل كما قال الكرماني أنه كان مموّهًا بفضة لا أنه كان كله فضة أو أنه كان فضة خالصة وكانت أم سلمة تجيز استعمال الإناء الصغير في الأكل والشرب كجماعة من العلماء قاله في الفتح، وأما رواية القاف والمهملة فصفة للشعر على ما في التركيب من القلاقة ومن ثم قال في الكواكب عليك بتوجيهه اهـ. وقال عثمان بن عبد الله بن موهب: (وكان) الناس (إذا أصاب الإنسان) منهم (عين) أي أصيب بعين (أو) أصابه (شيء) من أي مرض كان (بعث إليها مخضبة فاطلعت) بسكون العين (في الحجل) كذا في الفرع بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم مضببًا عليها، وذكره في فتح الباري بلفظ وقيل إن في بعض الروايات بفتح الجيم وسكون المهملة ففيه تقديم الجيم على الحاء المهملة عكس ما في الفرع وفسر بالسقاء الضخم ولأبي ذر مما في الفرع وغيره ونسبه في الفتح للأكثر في الجلجل بجيمين مضمومتين بينهما لام ساكنة وآخره أخرى يشبه الجرس يوضع فيه ما يراد صيانته، وهذه الرواية هي المناسبة هنا لأنه إذا كان لصيانة الشعرات كما جزم به وكيع في مصنفه بعد ما رواه عن إسرائيل حيث قال: كان جلجلاً من فضة صيغ صونًا لشعرات كانت عند أم سلمة من شعر النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان المناسب لهن الظرف الصغير لا الضخم فالظاهر كما في الفتح أن الرواية الأولى تصحيف فقد وضح أن رواية من فضة أشبه وأولى من قوله من قصة بالقاف وإن رواها الأكثر فيما قاله ابن دحية لقوله بعد فاطلعت في الجلجل (فرأيت شعرات حمرًا). وهذا موضع الترجمة لأنه يدل على الشيب، والحاصل من معنى الحديث أنه كان عند أم سلمة شعرات من شعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حمر في شيء يشبه الجلجل وكان الناس يستشفون بها من المرض فتارة يجعلونها في قدح من ماء ويشربونه وتارة في إجانة من الماء فيجلسون في الماء الذي فيه الجلجل الذي فيه شعره الشريف. وهذا الحديث أخرجه ابن ماجة في اللباس أيضًا. 5897 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سَلاَّمٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا شَعَرًا مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَخْضُوبًا. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا سلام) بتشديد اللام اتفاقًا ابن أبي مطيع الخزاعي البصري كما عليه الجمهور وصرح به ابن ماجة في هذا الحديث من رواية يونس بن محمد عن سلام بن أبي مطيع (عن عثمان بن عبد الله بن موهب) بفتح الميم والهاء التيمي أنه (قال: دخلت على أم سلمة) -رضي الله عنها- (فأخرجت إلينا شعرًا) ولأبي ذر عن الكشميهني شعرات (من شعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخضوبًا) زاد يونس بالحناء والكتم ولأحمد من طريق أبي معاوية شعرًا أحمر مخضوبًا بالحناء والكتم وهذا يجمع بينه وبين ما في مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يخضب، ولكن خضب أبو بكر وعمر بأن شعره الشريف إنما احمرّ لما خالطه من طيف فيه صفرة كما سبق موصولاً في باب صفته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أنس، أو يقال المثبت للخضب حكى ما شاهده والنافي بالنظر إلى الأكثر الأغلب من حاله الشريف قال البخاري بالسند السابق إليه. 5898 - وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا نُصَيْرُ بْنُ أَبِى الأَشْعَثِ، عَنِ ابْنِ مَوْهَبٍ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَرَتْهُ شَعَرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْمَرَ. (وقال لنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (حدّثنا نصير بن أبي الأشعث) بضم النون وفتح الصاد أبي المهملة والأشعث بشين معجمة ومثلثة بينهما عين مهملة مفتوحة القرادي بالقاف المضمومة فالراء بعد الألف دال مهملة (عن ابن موهب) عثمان بن عبد الله نسبه لجده لشهرته به (أن أم سلمة) -رضي الله عنها- (أرته شعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحمر) لكثرة ما كانت أم سلمة تطيبه إكرامًا له لأن كثرة استعمال الطيب تغير سواده أو لما سبق قريبًا وليس لنصير

67 - باب الخضاب

في هذا الكتاب سوى هذا الحديث. 67 - باب الْخِضَابِ (باب الخضاب) لشيب شعر الرأس واللحية بنحو الحناء وهو من الزينة الملحقة باللباس. 5899 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ». وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله المكي الإمام قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (وسليمان بن يسار) بالتحتية والمهملة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن اليهود والنصارى لا يصبغون) شيب لحاهم (فخالفوهم) واصبغوا شيب الحاكم بالصفرة أو الحمرة وفي السنن. وصححه الترمذي من حديث أبي ذر مرفوعًا "إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم" وهو يحتمل أن يكون على التعاقب والجمع والكتم بفتح الكاف والفوقية يخرج الصبغ أسود يميل إلى الحمرة وصبغ الحناء أحمر فالجمع بينهما يخرج الصبغ بين السواد والحمرة، وأما الصبغ بالأسود البحت فممنوع لما ورد في الحديث من الوعيد عليه، وأول من خضب به من العرب عبد المطلب، وأما مطلقًا ففرعون لعنه الله تعالى. 68 - باب الْجَعْدِ (باب الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة بعدها دال مهملة أيضًا. 5900 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ، وَلَيْسَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ وَلَيْسَ بِالآدَمِ وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلاَ بِالسَّبْطِ بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً وَلَيْسَ فِى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال حدّثني) بالإفراد (مالك بن أنس) الإمام الأعظم (عن ربيعة) الرأي (ابن أبي عبد الرحمن) فروخ مولى آل المنكدر فقيه المدينة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه) أي أن ربيعة (سمعه) أي سمع أنسًا (يقول: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس بالطويل البائن) أي المفرط في الطول (ولا بالقصير وليس بالأبيض الأمهق) أي خالص البياض الذي لا تشوبه حمرة ولا غيرها وقيل بياض في زرقة يعني كان نيِّر البياض (وليس بالآدم وليس بالجعد) وهو المنقبض الشعر الذي يتجعد كهيئة الحبشة والزنج (القطط) بفتح القاف والطاء الشديد الجعودة بحيث يتفلفل (ولا بالسبط) بفتح السين المهملة وكسر الموحدة وهو الذي يسترسل فلا يتكسر منه شيء كشعر الهنود يريد أن شعره كان بين الجعودة والسبوطة (بعثه الله على رأس أربعين سنة) أي آخرها فهو كقوله وتوفاه الله على رأس ستين وفي باب صفته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنزل عليه وهو ابن أربعين وهذا إنما يستقيم على القول بأنه بعث في الشهر الذي ولد فيه وهو ربيع الأول، لكن المشهور عند الجمهور أنه بعث في شهر رمضان فيكون له حين بعث أربعون سنة ونصف وحينئذٍ فمن قال أربعين ألغى الكسر (فأقام بمكة عشر سنين) يوحى إليه يقظة (وبالمدينة عشر سنين) كذلك (وتوفاه الله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على رأس ستين سنة). قال في شرح المشكاة مجاز قوله على رأس ستين كمجاز قولهم رأس آية أي آخرها وفي مسلم من وجه آخر عن أنس أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عاش ثلاثًا وستين سنة وهو موافق لحديث عائشة وهو قول الجمهور وجمع بينه وبين حديث الباب بإلغاء الكسر (وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء) بل دون ذلك وأما ما عند الطبراني من حديث الهيثم بن زهر ثلاثون شعرة عددًا فإسناده ضعيف والمعتمد أنهن دون العشرين، وفي حديث ثابت عن أنس عند ابن سعد بإسناد صحيح قال ما كان في رأس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولحيته إلا سبع عشرة أو ثماني عشرة. وحديث الباب سبق في المناقب في باب صفته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 5901 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ فِى حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِى: عَنْ مَالِكٍ إِنَّ جُمَّتَهُ لَتَضْرِبُ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ مَا حَدَّثَ بِهِ قَطُّ إِلاَّ ضَحِكَ. تَابَعَهُ شُعْبَةُ شَعَرُهُ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) أبو غسان النهدي الحافظ قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه قال: (سمعت البراء) بن عازب -رضي الله عنه- (يقول ما رأيت أحدًا أحسن في حلة حمراء من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) واستدلّ به على جواز لبس الأحمر وأجيب بأنها لم تكن حمراء بحتًا لا يخالطها غيرها بل هي بردان يمانيان منسوجتان بخطوط حمر مع الأسود كسائر البرود اليمنية. ومباحث ذلك سبقت. قال البخاري (قال بعض أصحابي عن

مالك) هو ابن إسماعيل شيخه المذكور والبعض المذكور هو يعقوب بن سفيان (إن جمته) بضم الجيم وتشديد الميم (لتضرب قريبًا من منكبيه) أي شعر رأسه إذا تدلى يبلغ قريبًا من منكبيه (قال أبو إسحاق) عمرو السبيعي (سمعته) أي سمعت البراء (يحدّثه) أي الحديث (غير مرة ما حدّث به قطّ إلا ضحك). (تابعه) أي تابع أبا إسحاق السبيعي (شعبة) بن الحجاج ولأبي ذر قال شعبة فيما وصله المؤلّف في باب صف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من طريق شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن البراء فقال: (شعره يبلغ شحمة أذنه) بالإفراد وجمع ابن بطال بينه وبين الأول بأنه أخبار عن وقتين فكان إذا شغل عن تقصير شعره بلغ قريب المنكبين وإذا قصه لم يجاوز الأذنين وسبق في المناقب أن في رواية يوسف بن إسحاق ما يجمع الروايتين ولفظه له شعر يبلغ شحمة أذنيه إلى منكبيه وحاصله أن الطويل منه يصل إلى المنكبين وغيره إلى شحمة الأذن. 5902 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أُرَانِى اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فَرَأَيْتُ رَجُلاً آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ قَدْ رَجَّلَهَا فَهْىَ تَقْطُرُ مَاءً مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ -أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ- يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) أبو محمد الدمشقي ثم التنيسي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة ابن أنس الأصبحي (عن رافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (أراني) بضم الهمزة ولأبي ذر أراني بفتحها ذكره بلفظ المضارع مبالغة في استحضار صورة الحال (الليلة عند الكعبة فرأيت رجلاً آدم) بالمد أسمر (كأحسن ما أنت راءٍ من أدم الرجال) بضم الهمزة وسكون الدال (له لمة) بكسر اللام وتشديد الميم شعر جاوز شحمة الأذنين وألمّ بالمنكبين (كأحسن ما أنت راءٍ من اللمم) بكسر اللام (قد رجلها) أي سرحها (فهي تقطر ماء) من الماء الذي سرحها به أو هو استعارة كنى بها عن مزيد النظافة والنضارة حال كونه (متكئًا على رجلين أو على عواتق رجلين) حال كونه (يطوف بالبيت) العتيق (فسألت) الملك (من هذا فقيل) هو (المسيح) عيسى (ابن مريم) عليهما السلام (وإذا أنا برجل جعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة شعره (قطط) بفتح القاف والطاء الأولى وتكسر شديد الجعودة (أعود العين اليمنى كأنها) أي عينه (عنبة طافية) بالتحتية بعد الفاء من غير همز أي بارزة من طفا الشيء يطفو إذا علا على غيره (فسألت من هذا فقيل: المسيح الدجال). وهذا الحديث سبق في أحاديث الأنبياء. 5903 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُهُ مَنْكِبَيْهِ. [الحديث 5903 - طرفه في: 5904]. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن منصور كما في المقدمة أو ابن راهويه كما في الشرح قال: (أخبرنا حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن هلال أبو حبيب البصري قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر الذال المعجمة قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا أنس) ولأبي ذر عن أنس (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يضرب شعره منكبيه) بفتح الميم وكسر الكاف والتثنية. وهذا الحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 5904 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْكِبَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى (عن قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا أنس) ولأبي ذر عن أنس (كان يضرب شعر رأس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منكبيه) بالتثنية والاختلاف الواقع في قوله قال بعض أصحابي عن مالك أن جمته لتضرب قريبًا من منكبيه وقول شعبة يبلغ شحمة أذنيه وقوله يضرب شعره منكبيه هو باعتبار الأوقات والأحوال فتارة يتركه من غير تقصير فيبلغ منكبيه وتارة يقصره فيبلغ شحمة أذنيه أو قريبًا من منكبيه فأخبر كل واحد عما شاهده وعاينه. 5905 - حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - عَنْ شَعَرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: كَانَ شَعَرُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجِلاً لَيْسَ بِالسَّبِطِ وَلاَ الْجَعْدِ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ. [الحديث 5905 - طرفه في 5906]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عمرو بن علي) بفتح العين أبو حفص الفلاس الصيرفي أحد الأعلام قال: (حدّثنا وهب بن جرير. قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) جرير بفتح الجيم وكسر الراء ابن حازم الأزدي (عن قتادة) بن دعامة قال: (سألت أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن شعر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: كان شعر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً) بفتح الراء وكسر الجيم (ليس بالسبط) بفتح السين المهملة وكسر الموحدة (ولا الجعد)

أي فيه تكسر يسير فهو بين السبوطة والجعودة فقوله ليس بالسبط ولا الجعد كالتفسير لسابقه وكان (بين أذنيه وعاتقه) بالتثنية في الأول والإفراد في الثاني وهذا الحديث أخرجه النسائي في الزينة وابن ماجة في اللباس بألفاظ مختلفة. 5906 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَخْمَ الْيَدَيْنِ لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَكَانَ شَعَرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجِلاً لاَ جَعْدَ وَلاَ سَبِطَ. وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي بالفاء قال: (حدّثنا جرير) هو ابن حازم (عن قتادة عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضخم اليدين) أي غليظهما (لم أر بعده مثله وكان شعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً) بكسر الجيم (لا جعد ولا سبط) بكسر الموحدة وبالبناء على الفتح فيهما ولأبي ذر لا جعدًا ولا سبطًا بالتنوين فيهما والجعد ضد السبط، ويقال رجل الرجل شعره إذا مشطه يعني أنه بين الجعودة والسبوطة وقد مرّ قريبًا. 5907 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَخْمَ الْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَكَانَ بَسِطَ الْكَفَّيْنِ. [الحديث 5907 - أطرافه في: 5908، 5910، 5911]. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن أبي عارم بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا جرير بن حازم) الأزدي (عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضحم اليدين والقدمين) ولأبي ذر ضخم الرأس بدل اليدين وزاد غير أبي ذر حسن الوجه (لم أر قبله ولا بعده مثله وكان بسط الكفّين) بتقديم الموحدة على المهملة الساكنة أي مبسوطهما خلقة وصورة أو باسطهما بالعطاء لكن قيل الأول أنسب بالمقام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي سبط بتقديم السين على الموحدة وهو موافق لوصفهما باللين لكن نسب هذه الرواية في الفتح للكشميهني. 5908 - 5909 - حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هَانِئٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -أَوْ عَنْ رَجُلٍ- عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَخْمَ الْقَدَمَيْنِ حَسَنَ الْوَجْهِ لَمْ أَرَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم أبو حفص الفلاس قال: (حدّثنا معاذ بن هانئ) بهمزة البصري قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى قال: (حدّثنا قتادة عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أو عن رجل عن أبي هريرة) قال في فتح الباري: يحتمل أن يكون الرجل سعيد بن المسيب، فقد أخرج ابن سعد من روايته عن أبي هريرة نحوه وقتادة معروف بالرواية عن سعيد بن المسيب قال: ولا تأثير لهذه الزيادة في صحة الحديث لأن الذين جزموا بكون الحديث عن قتادة عن أنس أضبط وأتقن من معاذ بن هانئ وهم: حبان بن هلال، وموسى بن إسماعيل كما سبق هنا. وكذا جرير بن حازم كما مضى ومعمر كما سيأتي إن شاء الله تعالى حيث جزما به عن قتادة عن أنس ويحتمل أن يكون عند قتادة من الوجهين (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضخم القدمين حسن الوجه لم أر بعده مثله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يذكر في هذا الحديث كسابقه ما في الروايتين السابقتين من صفة الشعر الشريف. 5910 - وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ: عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَثْنَ الْقَدَمَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ. (وقال هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قاضيها مما وصله الإسماعيلي (عن معمر) هو ابن راشد (عن قتادة عن أنس) فجزم معمر بأنه من رواية قتادة عن أنس (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شثن القدمين والكفّين). بفتح الشين المعجمة وسكون المثلثة بعدها نون غليظهما وغليظ الأصابع والراحة مع لين من غير خشونة كما قال أنس فيما سبق في المناقب ما مسست حريرًا ألين من كف رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 5911 - 5912 - وَقَالَ أَبُو هِلاَلٍ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، أَوْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَخْمَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ لَمْ أَرَ بَعْدَهُ شَبَهًا لَهُ. (وقال أبو هلال) محمد بن سليم بضم السين الراسبي بالراء والمهملة والموحدة المكسورتين مما وصله البيهقي في الدلائل: (حدّثنا قتادة عن أنس أو جابر بن عبد الله) الأنصار -رضي الله عنهما- أنه قال: (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضخم الكفّين والقدمين لم أر بعده شبيهًا له). بفتح الشين المعجمة وبعد الموحدة تحتية ساكنة أي مثيلاً، وضبطه العيني بكسر المعجمة وسكون الموحدة أي مثلاً ولا تأثير في صحة الحديث بسبب شك أبي هلال وإن كان صدوقًا لأنه ضعف من قبل حفظه، ولا سيما وقد بينت إحدى روايات جرير بن حازم صحة الحديث بتصريح قتادة بسماعه له من أنس، والظاهر أن البخاري -رحمه الله- قصد بذكر هذه الطريق بيان الاختلاف فيه على قتادة وأنه لا تأثير له ولا يقدح في صحة الحديث. فإن قلت: هذه الروايات الواردة في صفة الكفّين والقدمين لا تعلق لها بالترجمة. أجيب: بأنها كلها حديث واحد واختلفت رواته بالزيادة والنقص والغرض

69 - باب التلبيد

منه بالأصالة صفة الشعر وما عدا ذلك فبالتبع. 5913 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - فَذَكَرُوا الدَّجَّالَ فَقَالَ: إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ أَسْمَعْهُ قَالَ ذَاكَ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: «أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ، وَأَمَّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمُ جَعْدٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ، كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذِ انْحَدَرَ فِى الْوَادِى يُلَبِّى». وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الحافظ (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن أبي عدي) هو محمد بن عثمان بن أبي عدي البصر (عن ابن عون) عبد الله مولى عبد الله بن مغفل المزني أحد الأعلام (عن مجاهد) هو ابن جبر مولى السائب بن أبي السائب المخزومي أنه (قال: كنّا عند ابن عباس -رضي الله عنهما- فذكروا الدجال) الأعور الكذاب (فقال) قائل: (إنه مكتوب بين عينيه كافر) للدلالة على كذبه دلالة قطعية بديهية يدركها كل أحد (وقال ابن عباس لم أسمعه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: ذاك) القول وهو أن الدجال مكتوب بين عينيه كافر (ولكنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال): (أما) بتشديد الميم (إبراهيم) الخليل (فانظروا إلى صاحبكم)، يريد نفسه الشريفة أي أنه شبيه بإبراهيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وأما موسى فرجل آدم) بالمد أسمر (جعد) شعره راكب (على جمل أحمر مخطوم بخلبة)، بضم الخاء المعجمة وسكون اللام وتضم حبل أجيد فتله من ليف أو قنب أو غير ذلك وقيل ليف المقل (كأني أنظر إليه) رؤيا حقيقة بأن جعل الله لروحه مثالاً والأنبياء أحياء عند ربهم يرزقون أو في المنام وبه صرح موسى بن عقبة في روايته عن نافع ورؤيا الأنبياء وحي وحق (إذا انحدر) بحذف الألف بعد الذال المعجمة وهي لمجرد الظرفية ولأبي ذر إذا انحدر (في الوادي) أي وادي الأزرق (يلبي) بالحج. وموضع الترجمة قوله جعد وجواب الاعتراض الذي أبداه المهلب من أن الصواب عيسى بدل موسى محتجًّا بحياة عيسى وأنه لم يمت بخلاف موسى سبق في الحج في باب التلبية إذا انحدر من الوادي. 69 - باب التَّلْبِيدِ (باب التلبيد) وهو أن يجمع شعر الرأس بما يلصق بعضه ببعض كالخطمي والصمغ عند الإحرام حتى يصير كاللبد لئلا يتشعث ويقمل في الإحرام. 5914 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ - رضى الله عنه - يَقُولُ: مَنْ ضَفَّرَ فَلْيَحْلِقْ، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالتَّلْبِيدِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُلَبِّدًا. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أن) أباه (عبد الله بن عمر) -رضي الله عنه- (قال: سمعت) أبي (عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- يقول من ضفر) بفتح الضاد المعجمة الغير المشالة والفاء المخففة وتشدد بأن أدخل شعر رأسه بعضه في بعض (فليحلق) شعر رأسه ولا يجزيه التقصير لأنه فعل ما يشبه التلبيد الذي يرى عمر فيه تعيين الحلق (ولا تشبهوا) بحذف إحدى التاءين (بالتلبيد) أي لا تضفروا شعوركم كالملبدين فإنه مكروه في غير الإحرام مندوب فيه (وكان ابن عمر) -رضي الله عنهما- (يقول: لقد رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ملبدًا) ظاهره أن ابن عمر فهم عن أبيه أنه كان يرى أن ترك التلبيد أولى فأخبر أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعله. وحديث ابن عمر هذا سبق في باب من أهل ملبدًا في الحج. 5915 - حَدَّثَنِى حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالاَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُهِلُّ مُلَبِّدًا يَقُولُ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ». لاَ يَزِيدُ عَلَى هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة (وأحمد بن محمد) السمسار المروزي (قالا: أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم عن ابن عمر) أبيه (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يهل) يرفع صوته بالتلبية حال كونه (ملبدًا) شعر رأسه حال كونه (يقول): (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك) أي إجابة بعد إجابة أو إجابة لازمة (إن الحمد والنعمة لك) بكسر الهمزة على الاستئناف وقد تفتح على التعليل والأوّل أجود لأنه يقتضي أن تكون الإجابة مطلقة غير معللة وإن الحمد والنعمة لله على كل حال والفتح يدل على التعليل فكأنه يقول أجبتك لهذا السبب والأول أعم فهو أكثر فائدة والنعمة بالنصب ويجوز الرفع على الابتداء والخبر محذوف أي أن الحمد والنعمة مستقرة لك (والملك) بالنصب وقد يرفع أي والملك كذلك (لا شريك لك. لا يزيد على هؤلاء الكلمات). وهذا الحديث سبق في باب التلبية من كتاب الحج. 5916 - حَدَّثَنِى إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ - رضى الله عنها - زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: «إِنِّى لَبَّدْتُ رَأْسِى، وَقَلَّدْتُ هَدْيِى فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسماعيل) بن أبي أويس قال:

70 - باب الفرق

(حدّثني) بالإفراد (مالك) إمام دار الهجرة الأصبحي (عن نافع عن عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- (عن حفصة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنها (قالت) في حجة الوداع (قلت: يا رسول الله ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (إني لبدت) شعر (رأسي) من إحرامي (وقلدت هديي) أي علقت في عنقه شيء ليعلم أنه هدي (فلا أحل) من إحرامي (حتى أنحر) الهدي وإنما حل الناس لأنهم كانوا متمتعين وكان ذلك سببًا لسرعة حلهم بخلاف من ساق الهدي فإنه لا يتحلل من العمرة حتى يهل بالحج ويفرغ منه لأنه جعل العلة في بقائه على إحرامه كونه أهدى، وأما كونه عليه الصلاة والسلام لبد رأسه فإنه استعد من أوّل الأمر بأن يدوم على الإحرام إلى أن يبلغ الهدي محله إذ التلبيد إنما يحتاج إليه من طال أمد إحرامه والحديث قد مر في باب التمتع والإقران من كتاب الحج. 70 - باب الْفَرْقِ (باب الفرق) بفتح الفاء وسكون الراء بعدها قاف أي قسمة شعر الرأس في المفرق وهو وسط الرأس. 5917 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ فَسَدَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَاصِيَتَهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب موافقة أهل الكتاب) اليهود استئلافًا لهم (فيما لم يؤمر فيه) بشيء (وكان أهل الكتاب يسدلون) بفتح التحتية وسكون السين وكسر الدال المهملتين أي يرسلون (أشعارهم) وضبطه الدمياطي في حاشية الصحيح بالضم يقال سدل ثوبه يسدله بالضم أي أرخاه وشعره منسدل وكذا ضبطه المنذري في حاشية السنن كما نبه عليه شيخنا (وكان المشركون) عبدة الأوثان من قريش (يفرقون) بفتح التحتية وسكون الفاء وضم الراء (رؤوسهم) يقسمون شعرها من وسطها (فسدل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ناصيته) موافقة لأهل الكتاب (ثم فرق بعد). وفي رواية معمر ثم أمر بالفرق ففرق فكان آخر الأمرين وروي أن الصحابة رضي الله عنهم كان منهم من يفرق ومنهم من كان يسدل ولم يعب بعضهم على بعض وصح أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت له لمة فإن انفرقت فرقها وإلاّ تركها قال النووي: الصحيح جواز الفرق والسدل. وهذا الحديث سبق في الهجرة. 5918 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِى مَفَارِقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُحْرِمٌ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فِى مَفْرِقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي (وعبد الله بن رجاء) ضد الخوف الغداني البصري (قالا: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كأني أنظر إلى وبيص الطيب) بفتح الواو وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة صاد مهملة بريق الطيب ولمعانه (في مفارق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو محرم) جمع مفرق وجمع باعتبار أن كل جزء منه كنه مفرق وكان استعماله لذلك قبل الإحرام. (قال عبد الله) بن رجاء المذكور (في مفرق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الميم وكسر الراء والإفراد على الأصل. 71 - باب الذَّوَائِبِ (باب الذوائب) جمع ذؤابة بالذال المعجمة وهو ما يتدلى من شعر الرأس. 5919 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَنْبَسَةَ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، خَالَتِى وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَهَا فِى لَيْلَتِهَا قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ: فَأَخَذَ بِذُؤَابَتِى فَجَعَلَنِى عَنْ يَمِينِهِ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا الفضل بن عنبسة) بفتح العين المهملة وسكون النون وبعد الموحدة المفتوحة سين مهملة فهاء تأنيث الواسطي الخزاز بمعجمات قال: (أخبرنا هشيم) هو ابن بشير بضم الهاء في الأول وفتح الموحدة في الثاني بوزن عظيم ابن القاسم بن دينار السلمي الواسطي قال: (أخبرنا أبو بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية إياس الواسطي (ح) مهملة للتحويل قال المؤلّف: (وحدّثنا قتيبة) بن سعيد أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: بتّ ليلة عند ميمونة) أم المؤمنين

72 - باب القزع

(بنت الحارث خالتي) -رضي الله عنها- (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندها في ليلتها قال) ابن عباس -رضي الله عنهما- (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي من الليل) تهجده (فقمت) أصلي خلفه (عن يساره. قال) ابن عباس (فأخذ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بذؤابتي) بالهمز بيده الشريفة (فجعلني عن يمينه) فيه تقريره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على اتخاذ الذؤابة. فإن قلت: الفضل بن عنبسة تكلم فيه فكيف أخرج له؟ أجيب: بأنه ثقة وانفراد ابن قانع بتضعيفه ليس بقادح وليس ابن قانع بمقنع وأورد المؤلّف الحديث من طريقه نازلاً ثم أردفها بروايته عاليًا عن هشيم لتصريح هشيم فيها بالإخبار ثم أردفه بروايته عاليًا أيضًا فقال بالسند إليه. 0000 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، بِهَذَا وَقَالَ: بِذُؤَابَتِى أَوْ بِرَأْسِى. (حدثنا عمرو بن محمد) بفتح العين الناقد البغدادي شيخ مسلم أيضًا قال (حدّثنا هشيم) الواسطي المذكور قال: (أخبرنا أبو بشر) جعفر (بهذا) الحديث (وقال بذؤابتي أو برأسي) بالشك من الراوي وصرح هشيم في هذا بالإخبار مع التعليق أيضًا واستظهر بذلك على رواية الفضل المذكور. وسبق الحديث في باب السمر في العلم من كتاب العلم وفي الصلاة. 72 - باب الْقَزَعِ (باب القزع) بفتح القاف والزاي بعدها عين مهملة والمراد به هنا ترك بعض الشعر وحلق بعضه تشبيهًا له بالسحاب المتفرق. 5920 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِى مَخْلَدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حَفْصٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ نَافِعٍ أَخْبَرَهُ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عَنِ الْقَزَعِ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: قُلْتُ وَمَا الْقَزَعُ؟ فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: إِذَا حَلَقَ الصَّبِىَّ وَتَرَكَ هَا هُنَا شَعَرَةً وَهَا هُنَا وَهَا هُنَا فَأَشَارَ لَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى نَاصِيَتِهِ وَجَانِبَىْ رَأْسِهِ، قِيلَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ: فَالْجَارِيَةُ وَالْغُلاَمُ قَالَ: لاَ أَدْرِى هَكَذَا قَالَ الصَّبِىِّ. قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وَعَاوَدْتُهُ فَقَالَ: أَمَّا الْقُصَّةُ وَالْقَفَا لِلْغُلاَمِ، فَلاَ بَأْسَ بِهِمَا وَلَكِنَّ الْقَزَعَ أَنْ يُتْرَكَ بِنَاصِيَتِهِ شَعَرٌ وَلَيْسَ فِى رَأْسِهِ غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ شَقُّ رَأْسِهِ هَذَا وَهَذَا. [الحديث 5920 - طرفه في: 5921]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام (قال: أخبرني) بالإفراد (مخلد) بفتح الميم واللام بينهما خاء معجمة آخره دال مهملة ابن يزيد الحراني (قال: أخبرني) بالإفراد أيضًا (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال: (أخبرني) بالإفراد أيضًا (عبيد الله بن حفص) بضم العين هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (أن عمر بن نافع أخبره عن) أبيه (نافع مولى عبد الله أنه سمع ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينهى عن القزع. قال عبيد الله) بن حفص العمري المذكور بالسند السابق: (قلت) لعمر بن نافع (وما القزع)؟ وعند مسلم من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر أخبرني عمر بن نافع عن أبيه فذكر الحديث قال: قلت لنافع وما القزع ففيه أن عبيد الله إنما سأل نافعًا (فأشار لنا عبيد الله) العمري (قال) نافع (إذا حلق الصبي) ولأبي ذر إذا حلق الصبي بضم الحاء مبنيًّا للمفعول والصبي رفع نائب الفاعل (وترك هاهنا شعرة) ولأبي ذر وترك هاهنا شعر بضم التاء مبنيًّا للمفعول وشعر بحذف التاء رفع نائب عن الفاعل (وهاهنا) شعرة (وهاهنا) شعرة (فأشار لنا عبيد الله) إلى تفسير هاهنا الأولى (إلى ناصيته و) إلى الثانية والثالثة بقوله (جانبي رأسه. قيل لعبيد الله): يحتمل أن يكون القائل ابن جريج وأنه أبهم نفسه (فالجارية) أي الأنثى (والغلام) والمراد به غالبًا المراهق في ذلك سواء (قال: لا أدري هكذا قال الصبي. قال عبيد الله) بالسند المذكور (وعاودته) أي وعاودت عمر بن نافع في ذلك (فقال: أما القصة) بضم القاف وتشديد الصاد المهملة المفتوحة وهي هنا شعر الصدغين (و) شعر (القفا للغلام فلا بأس بهما ولكن القزع) المكروه للتنزيه (أن يترك بناصيته شعر) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول وشعر نائب الفاعل (وليس في رأسه) شعر (غيره وكذلك شق رأسه) بكسر الشين المعجمة وفتحها (هذا وهذا) أي جانبيه ولا فرق في الكراهة بين الرجل والمرأة في ذكر الصبي قيد أو كرهه مالك في الجارية والغلام ووجه الكراهة لما فيه من تشويه الجلد أو لأنه زيّ الشيطان أو زي اليهود. وهذا الحديث أخرجه مسلم في اللباس وأبو داود في الترجل والنسائي في الزينة وابن ماجة في اللباس. 5921 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الْقَزَعِ. وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي بالفاء البصري قال: (حدّثنا عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك) الأنصاري البصري قال: (حدّثنا عبد الله بن دينار) المدني مولى ابن عمر (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن القزع) نهي تنزيه. نعم لا كراهة لمداواة ونحوها ولا بأس بحلق

73 - باب تطييب المرأة زوجها بيديهاا

الرأس كله للتنظيف قاله في الأحياء. 73 - باب تَطْيِيبِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا بِيَدَيْهَاا (باب تطييب المرأة زوجها بيديها) بالتثنية. 5922 - حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَيَّبْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِى لِحُرْمِهِ وَطَيَّبْتُهُ بِمِنًى قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (أحمد بن محمد) السمسار المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يحيى بن سعيد) الأنصاري قال: (أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (عن عائشة) -رضي الله عنه- أنها (قالت: طيبت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيدي) بالإفراد ولأبي ذر: بيديّ بالتثنية (لحرمه) بضم الحاء المهملة وسكون الراء أي لأجل إحرامه (وطيبته بمنى قبل لم يفيض) بضم الياء من الإفاضة إلى الطواف وهو عند التحلل الأول بعد رمي يوم النحر والحلق. وهذا الحديث أخرجه النسائي في اللباس. 74 - باب الطِّيبِ فِى الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ (باب) حكم (الطيب) أو مشروعية الطيب (في الرأس و) في (اللحية). 5923 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ حَتَّى أَجِدَ وَبِيصَ الطِّيبِ فِى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) هو ابن إبراهيم بن نصر السعدي بفتح السين وسكون العين المهملتين أو بضم الأول وسكون المعجمة البخاري ونسبه لجده لشهرته به قال: (حدّثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي مولاهم الكوفي أبو زكريا الحافظ قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) بن عبد الله السبيعي (عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه) الأسود بن يزيد النخعي (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: كنت أطيّب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأطيب ما يجد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر ما نجد بنون المتكلم ومعه غيره (حتى أجد وبيص الطيب) بالصاد المهملة بريقه ولمعانه (في رأسه ولحيته) ويؤخذ منه كما قال ابن بطال إن طيب الرجال لا يكون في الوجه بل في الرأس واللحية بخلاف النساء ففي وجوههن لتزينهن بذلك ولا يتشبه الرجل بالنساء. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الحج وكذا النسائي. 75 - باب الاِمْتِشَاطِ (باب) استحباب (الامتشاط) أي تسريح الشعر بالمشط. 5924 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ مِنْ جُحْرٍ فِى دَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحُكُّ رَأْسَهُ بِالْمِدْرَى فَقَالَ: «لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهَا فِى عَيْنِكَ إِنَّمَا جُعِلَ الإِذْنُ مِنْ قِبَلِ الأَبْصَارِ». وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) عبد الرحمن العسقلاني الخراساني الأصل قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سهل بن سعد) بسكون العين (أن رجلاً) قيل هو الحكم بن أبي العاص بن أمية والد مروان (اطّلع) بتشديد الطاء (من حجر) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة من ثقب (في دار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والنبي) أي والحال أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحك رأسه) بضم الحاء المهملة وتشديد الكاف (بالمدرى) بكسر الميم وفتح الراء بينهما دال مهملة ساكنة مقصورة عود تدخله المرأة في رأسها لتضم بعض شعرها إلى بعض أو هو المشط أوله أسنان يسيرة أو عود أو حديدة كالخلال لها رأس محدّد أو خشبة على شكل سنّ من أسنان المشط لها ساعد يحك بها الكبير ما لا تصل إليه يده من جسده (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للرجل المذكور: (لو علمت أنك تنظر) أي إليّ ولأبي ذر عن الحموي والمستملي تنتظر من الانتظار والأولى أوجه (لطعنت) بفتح العين (بها) أي بالمدرى (في عينيك وإنما جعل الإذن) بضم الجيم مبنيًّا للمفعول (من قِبل الأبصار) بكسر القاف وفتح الموحدة والأبصار بفتح الهمزة وسكون الموحدة جمع بصر أي إنما جعل الشارع الاستئذان في الدخول من جهة البصر أي لئلا يقع بصر أحدهم على عورة من في الدار فلو رماه صاحب الدار بنحو حصاة فأصابت عينه فعمي أو سرت إلى نفسه فتلف فهدر. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الاستئذان والدّيات ومسلم والترمذي في الاستئذان والنسائي في الدّيات. 76 - باب تَرْجِيلِ الْحَائِضِ زَوْجَهَا (باب ترجيل الحائض زوجها) أي تسريحها شعره. 5925 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا حَائِضٌ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كنت أرجل رأس رسول الله) أي أسرّح رأس رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا حائض) جملة اسمية حالية وسبق الحديث في باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله من كتاب الحيض. 0000 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله

77 - باب الترجيل

بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (مثله) أي مثل الحديث السابق. 77 - باب التَّرْجِيلِ (باب) استحباب (الترجيل) بكسر الجيم بعدها تحتية ساكنة ولأبي ذر زيادة والتيمن أي استحبابه في كل شيء إلا ما استثني. 5926 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ مَا اسْتَطَاعَ فِى تَرَجُّلِهِ وَوُضُوئِهِ. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أشعث) بهمزة مفتوحة فشين معجمة ساكنة بعدها عين مهملة فمثلثة (ابن سليم) بضم السين (عن أبيه) سليم بن الأسود المحاربي الكوفي (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان يعجبه التيمن) بالرفع على الفاعلية أي يحبه (ما) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني بما (استطاع في ترجله) بتشديد الجيم المضمومة أي تسريح شعره والتيمن فيه إما باليد اليمنى أو بالابتداء بالشق الأيمن (ووضوئه) بضم الواو فكل ما كان من باب التكريم كدخول المسجد فباليمين وما كان بضدّه كدخول الخلاء فباليسار كما مرّ، والترجيل من النظافة المندوب إليها. وحديث النهي عن الترجيل إلاّ غبًا محمول على المبالغة في الترفه والله الموفق والمستعان. 78 - باب مَا يُذْكَرُ فِى الْمِسْكِ (باب ما يذكر في المسك) بكسر الميم وسكون المهملة. 5927 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ». وبه قال: (حدّثني عبد الله بن محمد) الهمداني قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) أي عن الله تعالى أنه قال: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي) من بين سائر الأعمال لأنه ليس فيه رياء والإضافة للتشريف أو لأن الاستغناء عن الطعام وغيره من الشهوات من صفاته تعالى فلما تقرب الصائم إليه عز وجل بما يوافق صفاته أضافه إليه وقيل غير ذلك (وأنا أجزي به) بفتح الهمزة والله تعالى إذا تولى شيئًا بنفسه المقدسة دلّ على عظم ذلك الشيء وخطر قدره (ولخلوف) بفتح اللام وضم الخاء المعجمة ولأبي ذر: وخلوف (فم الصائم) تغير رائحة فمه (أطيب) أي أقبل (عند الله من) قبول (ريح المسك) عندكم أو المضاف محذوف أي عند ملائكة الله ويؤخذ منه أن الخلوف أعظم من دم الشهيد لأن دم الشهيد ريحه بريح المسك والخلوف وصف بأنه أطيب ولا يلزم من ذلك أن يكون الصيام أفضل من الشهادة، ولعل سبب ذلك النظر إلى أصل كلٍّ منهما فإن أصل الخلوف طاهر وأصل الدم بخلافه فكان ما أصله طاهر أطيب ريحًا قاله في فتح الباري، وسبق في الصيام ومزيد لذلك. 79 - باب مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الطِّيبِ (باب ما يستحب من الطيب). 5928 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كُنْتُ أُطَيِّبُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ إِحْرَامِهِ بِأَطْيَبِ مَا أَجِدُ. وبه قال: (حدّثنا موسى) أي ابن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد قال: (حدّثنا هشام) هو ابن عروة (عن) أخيه (عثمان بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كنت أطيّب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند إحرامه بأطيب ما أجد) وفي رواية أبي أسامة بأطيب ما أقدر عليه قبل أن يحرم ثم يحرم، وعند مسلم من طريق القاسم عن عائشة كنت أطيّب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بطيب فيه مسك، وعند مالك من حديث أبي سعيد رفعه قال: "المسك أطيب الطيب". وحديث الباب أخرجه مسلم والنسائي في الحج. 80 - باب مَنْ لَمْ يَرُدَّ الطِّيبَ (باب من لم يرد الطيب) بفتح التحتية وضم الراء وتشديد الدال. 5929 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِىُّ، قَالَ: حَدَّثَنِى ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرُدُّ الطِّيبَ وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لاَ يَرُدُّ الطِّيبَ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عزرة بن ثابت) بفتح العين المهملة وسكون الزاي بعدها راء فهاء تأنيث ابن أبي زيد عمرو بن أخطب (الأنصاري قال: حدّثني) بالإفراد (ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم (ابن عبد الله) بن أنس قاضي البصرة (عن) جده (أنس -رضي الله عنه- أنه كان لا يردّ الطيب) إذا أهدي إليه (وزعم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمس) أي قال إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كان لا يردّ الطيب) وعند الإسماعيلي من

81 - باب الذريرة

طريق وكيع عن عروة بسند حديث الباب نحوه وزاد قال: إذا عرض على أحدكم الطيب فلا يرده. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وهذه الزيادة لم يصرح برفعها، وعند أبي داود والنسائي، وصححه ابن حبان من رواية الأعرج عن أبي هريرة رفعه: "من عرض عليه طيب فلا يردّه فإنه طيب الريح خفيف المحمل" وأخرجه مسلم من هذا الوجه، لكن وقع عنده ريحان بدل طيب والريحان كل بقلة لها رائحة طيبة، وعند الترمذي من مرسل أبي عثمان النهدي: إذا أعطي أحدكم الريحان فلا يردّه فإنه خرج من الجنة. وحديث الباب سبق في الهبة. 81 - باب الذَّرِيرَةِ (باب الذريرة) بذال معجمة وراءين بينهما تحتية ساكنة نوع من الطيب مركب، وقال النووي وغيره إنها فتات قصب طيب يجُاء بها من الهند. 5930 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَوْ مُحَمَّدٌ عَنْهُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ، سَمِعَ عُرْوَةَ وَالْقَاسِمَ يُخْبِرَانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدَىَّ بِذَرِيرَةٍ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِلْحِلِّ وَالإِحْرَامِ. وبه قال: (حدّثنا عثمان بن الهيثم) المؤذن البصري (أو) حدّثنا (محمد) هو ابن يحيى الذهلي (عنه) أي عن عثمان بن الهيثم شك هل حدّث عن عثمان بواسطة الذهلي أو بدونها وهذا غير قادح إذ عثمان من شيوخ البخاري وروي عنه أحاديث بلا واسطة منها في أواخر الحج وفي النكاح (عن ابن جريج) عبد الملك أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عمر بن عبد الله بن عروة) بن الزبير ذكره ابن حبان في أتباع التابعين من الثقات وهو قليل الحديث ليس له في البخاري إلا هذا الحديث أنه (سمع عروة) بن الزبير (والقاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق حال كونهما (يخبران عن عائشة) -رضي الله عنها- ولأبي ذر عن الكشميهني يقسمان أن عائشة (قالت: طيبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيديّ) بالتثنية (بذريرة) فيها مسكة (في حجة الوداع للحل) أي حين تحلل من إحرامه (والإحرام) أي حين أراد أن يحرم، والحديث أخرجه مسلم. 82 - باب الْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ (باب) ذم النساء (المتفلجات) اللاتي لم يخلق الله فيهن فلجًا بل تعاطين إحداثه (للحُسن) أي لأجل الحسن والفلج تفريق ما بين الثنايا والرباعيات بالمبرد ونحوه وقد تفعله الكبيرة توهم أنها صغيرة. 5931 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى، مَا لِى لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِى كِتَابِ اللَّهِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}. وبه قال: (حدّثنا عثمان) أي ابن أبي شيبة قال: (حدّثنا جرير) أي ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه-، ولأبي ذر وقال عبد الله (لعن الله) النساء (الواشمات) جمع واشمة من الوشم بالشين المعجمة وهو أن تغرز إبرة أو نحوها في البدن حتى يسيل الدم ثم يحشى بالكحل أو النورة فيخضر (والمستوشمات) بكسر الشين المعجمة جمع مستوشمة وهي التي تطلب أن يفعل بها ذلك وهو حرام على الفاعلة والمفعول بها بدلالة اللعن عليه والموضع الذي وشم يصير نجسًا لانحباس الدم فيه فإن أمكن إزالته بالعلاج وجبت وإن لم يمكن إلا بالجرح فإن خاف منه التلف أو فوات عضو أو منفعة أو شيئًا فاحشًا في عضو ظاهر لم تجب وتكفي التوبة في سقوط الإثم وإن لم يخف شيئًا من ذلك لزمه إزالته وعصى بتأخيره (والمتنمصات) بضم الميم وفتح الفوقية والنون وتشديد الميم المكسورة وفتح الصاد المهملة وبعد الألف فوقية جمع متنمصة وهي التي تنتف الشعر من وجهها (والمتفلجات) جمع متفلجة التي تتكلف أن تفرق بين سنها من الثنايا والرباعيات (للحسن) اللام للتعليل والتنازع فيه بين الأفعال المذكورة والأظهر تعلقه بالأخير ومفهومه أن المفعول لطلب الحسن هو الحرام فلو احتيج إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس وبه التعليل للعن وقوله (المغيرات) بكسر التحتية المشددة والغين المعجمة (خلق الله تعالى) صفة لازمة لمن فعل الثلاثة المذكورة وهو كالتعليل لوجوب اللعن المستدل به على الحرمة وفي باب المتنمصات الآتي بعد باب إن شاء الله تعالى فقالت أم يعقوب ما هذا؟ فقال عبد الله (ما لي لا ألعن مَن لعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ما استفهامية واستبعد قول الكرماني أو نافية (وهو) ملعون (في كتاب الله) عز وجل في قوله تعالى في سورة الحشر: ({وما آتاكم الرسول فخذوه}) [الحشر: 7] زاد في باب المذكور: {وما نهاكم عنه فانتهوا} أي ما أمركم به فافعلوه وما نهاكم عنه فاجتنبوه.

83 - باب الوصل فى الشعر

وفي الحديث إشارة إلى أن لعن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الواشمات الخ كلعن الله تعالى فيجب أن يؤخذ به. ورواة الحديث إلى الصحابي كوفيون وسبق في تفسير سورة الحشر. 83 - باب الْوَصْلِ فِى الشَّعَرِ (باب) ذم (وصل الشعر) أي الزيادة فيه بشعر آخر. 5932 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ عَامَ حَجَّ وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهْوَ يَقُولُ: وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ كَانَتْ بِيَدِ حَرَسِىٍّ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ: «إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) أي ابن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام ابن أنس (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن حميد بن عبد الرحمن) بضم الحاء المهملة وفتح الميم (ابن عوف) الزهري المدني (أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج وهو على المنبر) بالمدينة الشريفة (وهو يقول وتناوله قصة) بضم القاف وتشديد الصاد المهملة خصلة (من شعر كانت) ذلك الشعر (بيد حرسي) بفتح الحاء والراء وكسر السين المهملات آخره تحتية مشددة من خدمه الذين يحرسونه. زاد الطبراني وجدت هذه عند أهلي وزعموا أن النساء يزدنه في شعورهن، وزاد سعيد بن المسيب في روايته ما كنت أرى يفعل ذلك إلا اليهود (أين علماؤكم) أي ليساعدوه على إنكار ذلك أو لينكر هو عليهم إهمالهم إنكار ذلك وعدم تغييرهم لذلك المنكر (سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينهى عن مثل هذه) القصة التي توصلها المرأة بشعرها (ويقول) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنما هلكت) ولمسلم في رواية معمر إنما عذّب (بنو إسرائيل حين اتخذ) مثل (هذه القصة ووصلها بالشعر (نساؤهم). وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. 5933 - وَقَالَ ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ». قال البخاري بالسند إليه: (وقال ابن أبي شيبة) أبو بكر عبد الله بن محمد فيما وصله أبو نعيم في مستخرجه (حدّثنا يونس بن محمد) المؤدب البغدادي قال: (حدّثنا فليح) بالفاء المضمومة وفتح اللام آخره مهملة واسمه عبد الملك بن سليمان وفليح لقبه (عن زيد بن أسلم) مولى عمر بن الخطاب (عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لعن الله الواصلة) التي تصل الشعر بشعر آخر (والمستوصلة) التي تطلب أن يفعل بها ذلك ويفعل بها (والواشمة) التي تغرز الإبرة في الجسد ثم يذر عليه كحل أو نحوه فيخضرّ (والمستوشمة) التي تطلب فعله ويُفعَل بها. 5934 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاقٍ، يُحَدِّثُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ جَارِيَةً مِنَ الأَنْصَارِ تَزَوَّجَتْ وَأَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَعَّطَ شَعَرُهَا، فَأَرَادُوا أَنْ يَصِلُوهَا فَسَأَلُوا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ». تَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) بفتح العين الجملي بفتح الجيم والميم أحد الأعلام أنه (قال: سمعت الحسن بن مسلم بن يناق) بفتح التحتية والنون المشددة وبعد الألف قاف التابعي الصغير الكوفي (يحدّث عن صفية بنت شيبة) بن عثمان القرشي الحجبي (عن عائشة -رضي الله عنها- أن جارية من الأنصار تزوجت) قال في المقدمة لم أعرف اسمها (وأنها مرضت فتمعط) بفتح الفوقية والميم والعين المهملة المشدّدة والطاء المهملة أي تناثر وتساقط (شعرها) بسبب ذلك المرض (فأرادوا أن يصلوها) أي يصلوا شعرها بشعر آخر (فسألوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن ذلك (فقال): (لعن الله الواصلة والمستوصلة) وهذا صريح في حكاية ذلك عن الله عز وجل إن كان خبرًا ويحتمل أنه دعاء منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على من فعل ذلك. (تابعه) أي تابع شعبة (ابن إسحاق) محمد (عن أبان بن صالح) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة القرشي (عن الحسن) بن مسلم بن يناق (عن صفية) بنت شيبة (عن عائشة) -رضي الله عنها- وهذه المتابعة وصلها المحاملي في أماليه من طريق الأصفهانيين عن ابن إسحاق. 5935 - حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَتْنِى أُمِّى عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: إِنِّى أَنْكَحْتُ ابْنَتِى ثُمَّ أَصَابَهَا شَكْوَى فَتَمَرَّقَ رَأْسُهَا وَزَوْجُهَا يَسْتَحِثُّنِى بِهَا أَفَأَصِلُ رَأْسَهَا فَسَبَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أحمد بن المقدام) بكسر الميم وسكون القاف وبعد الدال المهملة ألف فميم ابن سليمان أبو الأشعث العجلي البصري قال: (حدّثنا فضيل بن سليمان) بضم الفاء والسين مصغرًا ابن النميري بضم النون مصغرًا البصري تكلم فيه من قبل حفظه، لكن تابعه وهيب بن خالد عن منصور عند مسلم وأبو معشر البراء عند الطبراني قال: (حدّثنا منصور بن عبد الرحمن) بن طلحة بن الحارث العبدري الحجبي المكي ثقة أخطأ ابن حزم في تضعيفه قال: (حدّثتنى) بتاء التأنيث والإفراد (أمي)

صفية بنت شيبة (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما- أن امرأة) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمها (جاءت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت): يا رسول الله (إني أنكحت ابنتي) أي يعرف الحافظ ابن حجر اسمها أيضًا (ثم أصابها شكوى) أي مرض (فتمرق) بفتح الفوقية والميم والراء المشددة من المروق أي خرج من موضعه أو من المرق وهو نتف الصوف ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني فتمزق بالزاي بدل الراء المهملة (رأسها) أي تمزق شعر رأسها أي تقطّع (وزوجها يستحثني) أي يحضني على دخوله (بها أفأصل رأسها) وللكشميهني شعرها. وعند الطبراني من حديث محمد بن إسحاق عن فاطمة بنت المنذر فأصابتها الحصباء والجدري فسقط شعرها وقد صحّت وزوجها يستحدثنا وليس على رأسها شعر أفنجعل على رأسها شيئًا نجملها به؟ (فسبّ) بالسين المهملة والموحدة المشددة أي لعن كما في الرواية الأخرى (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الواصلة والمستوصلة). 5936 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنِ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ قَالَتْ: لَعَنَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن امرأته) بنت عمه (فاطمة) بنت المنذر بن الزبير بن العوّام الأسدية (عن) جدتها (أسماء بنت أبي بكر) ذات النطاقين -رضي الله عنها- أنها (قالت: لعن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الواصلة والمستوصلة). ورواية الطبري عن قيس بن أبي حازم بسند صحيح. قال في الفتح، قال أي قيس دخلت مع أبي على أبي بكر الصديق فرأيت يد أسماء موشومة قد تدل على أنها ما سمعت الزيادة التي في حديث ابن عمر وأبي هريرة الواشمة والمستوشمة، وقال الطبري: كأنها كانت صنعت الوشم قبل النهي فاستمر في يدها ولا يظن بها أنها فعلته بعد النهي، وقال في الفتح: أو كانت بيدها جراحة فداوتها فبقي الأثر مثل الوشم في يدها. 5937 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ». قَالَ نَافِعٌ: الْوَشْمُ فِى اللِّثَةِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الملك) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لعن الله الواصلة) لنفسها أو لغيرها (والمستوصلة) الطالبة ذلك المفعول بها (والواشمة) التي تشم نفسها أو غيرها (والمستوشمة) الطالبة ذلك المفعول بها (قال نافع: الوشم في اللثة) بكسر اللام وتخفيف المثلثة وأصلها لثي فحذفت لام الكلمة وعوض عنها هاء التأنيث على غير قياس وهي ما على الأسنان من اللحم وليس مراد نافع الحصر في اللثة بل قد يقع فيها. وهذا الحديث أخرجه الترمذي في اللباس وقال: حسن صحيح. 5938 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ آخِرَ قَدْمَةٍ قَدِمَهَا فَخَطَبَنَا فَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ قَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا غَيْرَ الْيَهُودِ إِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمَّاهُ الزُّورَ يَعْنِى الْوَاصِلَةَ فِى الشَّعَرِ. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عمرو بن مرة) الجملي بفتح الجيم والميم قال: (سمعت سعيد بن المسيب قال: قدم معاوية) بن أبي سفيان (المدينة آخر قدمة) بفتح القاف وسكون الدال (قدمها) سنة إحدى وخمسين (فخطبنا) على منبر المدينة (فأخرج كبة من شعر) بضم الكاف وتشديد الموحدة (قال: ما كنت أرى أحدًا يفعل هذا غير اليهود) ولمسلم من وجه آخر عن سعيد بن المسيب أن معاوية قال: أيكم أخذ زيّ سوء (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سماه الزور يعني الواصلة) من النساء (في الشعر) للزينة والزور والكذب والباطل وسمى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصل الشعر زور لأنه كذب وتغيير لخلق الله تعالى والأحاديث كما قال النووي صريحة في تحريم الوصل مطلقًا، وهذا هو الظاهر المختار وقد فصله أصحابنا فقالوا: إن وصلت بشعر آدمي فهو حرام بلا خلاف لأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته، وأما الشعر الطاهر من غير الآدمي فإن لم يكن لها زوج ولا سيد فهو حرام أيضًا وإن كان فثلاثة أوجه: أصحها إن فعلته بإذن الزوج أو السيد جاز، وقال مالك والطبري والأكثرون: الوصل ممنوع بكل شيء شعر أو صوف أو خرق أو غيرها، واحتجوا بالأحاديث، وعند مسلم من رواية قتادة عن سعيد ينهى عن الزور قال قتادة: يعني

84 - باب المتنمصات

ما يكثر به النساء أشعارهنّ من الخرق، ويؤيده حديث جابر عند مسلم زجر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تصل المرأة بشعرها شيئًا. وذهب الليث ونقله أبو عبيد عن كثير من الفقهاء أن الممتنع من ذلك وصل الشعر بالشعر أما إذا وصلت بغيره من خرقة وغيرها فلا يدخل في النهي، وعن سعيد بن جبير مما روي في سنن أبي داود قال: لا بأس به بالقرامل، وبه قال أحمد وكثير من العلماء وهي جمع قرمل بفتح القاف وسكون الراء نبات طويل الفروع لين، والمراد به هنا خيوط الشعر من حرير أو صوف تعمل ضفائر تصل بها المرأة شعرها وذلك لما لا يخفى أنها مستعارة فلا يظن بها تغيير الصورة وكما يحرم على المرأة الزيادة في شعر رأسها يحرم عليها حلقه لغير ضرورة. وهذا الحديث عليه رقم علامة السقوط لأبي ذر في الفرع. 84 - باب الْمُتَنَمِّصَاتِ (باب) ذمّ النساء (المتنمصات) بالصاد المهملة جمع متنمصة. قال القاضي عياض: النامصة التي تنتف الشعر من وجهها ووجه غيرها والمتنمصة التي تطلب أن يفعل بها ذلك والنماص إزالة شعر الوجه بالمنقاش ويسمى المنقاش منماصًا. 5939 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: لَعَنَ عَبْدُ اللَّهِ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ فَقَالَتْ أُمُّ يَعْقُوبَ: مَا هَذَا؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَمَا لِىَ لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِى كِتَابِ اللَّهِ قَالَتْ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُهُ قَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) هو النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي أنه (قال: لعن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- النساء (الواشمات) اللاتي يشمن أنفسهن أو غيرهن (و) النساء (المتنمصات) اللاتي يطلبن ذلك ويفعل بهن، وقيل إن النماص مختص بإزالة شعر الحاجبين ليرقهما أو ليسويهما. قال أبو داود في السنن: النامصة التي تنمص الحاجب حتى ترقه فلو كانت مقرونة الحواحب فأزالت ما بينهما توهم البلج أو عكسه، قال الطبري: لا يجوز، وقال النووي: يستثنى من النماص ما إذا نبت للمرأة لحية أو شارب أو عنفقة فلا يحرم إزالتها بل يستحب انتهى. لكن قيده بعضهم بما إذا كان بعلم الزوج وإذنه فمتى خلا عن ذلك منع للتدليس وقال بعض الحنابلة يجوز الحف والتحمير والنقش والتطريف إذا كان بعلم الزوج لأنه من الزينة. (و) لعن ابن مسعود أيضًا النساء (المتفلجات) اللاتي يطلبن تفريق ما بين الأسنان: الثنايا والرباعيات يفعل ذلك بهن (للحسن) أي لأجل الحسن (المغيرات خلق الله فقالت أمّ يعقوب) وهي من بني أسد بن خزيمة ولا يعرف اسمها (ما هذا) ولمسلم فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أمّ يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت ما حدثت بلغني أنك لعنت الواشمات إلى آخره (قال عبد الله) بن مسعود (وما لي لا ألعن من لعن رسول الله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وفي كتاب الله) تعالى لعنه (قالت) أم يعقوب (والله لقد قرأت ما بين اللوحين) تريد الدفتين وفي مسلم عن عثمان ما بين لوحي المصحف وكانوا يكتبون المصحف في رق ويجعلون له دفتين من خشب (فما وجدته) أي ما وجدت لعن المذكورات (قال) عبد الله (والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه) اللام في لئن موطئة للقسم والثانية لجواب القسم الذي سد مسد جواب الشرط والياء التحتية في قرأتيه ووجدتيه تولدت من إشباع كسرة التاء الفوقية أي لو قرأتيه بالتدبر والتأمل عرفتيه من قوله عز وجل: ({وما آتاكم الرسول فخذوه}) إذ فيه أن من لعنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فالعنوه ({وما نهاكم عنه فانتهوا}) [الحشر: 7] وقد نهى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك ففاعله ظالم وقد قال تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} [هود: 18]. وهذا الحديث سبق في باب المتفلجات للحسن. 85 - باب الْمَوْصُولَةِ (باب) ذم المرأة (الموصولة). 5940 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: لَعَنَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد) هو ابن سلام قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة ابن سليمان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الواصلة) التي تصل شعرها بشعر غيره (والمستوصلة) التي يفعل بها ذلك بطلبها (والواشمة والمستوشمة). وسبق مباحث ذلك ويأتي مزيد له إن شاء الله تعالى. 5941 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَنَّهُ سَمِعَ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ تَقُولُ: سَمِعْتُ أَسْمَاءَ قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِى أَصَابَتْهَا الْحَصْبَةُ فَامَّرَقَ شَعَرُهَا، وَإِنِّى زَوَّجْتُهَا أَفَأَصِلُ فِيهِ؟ فَقَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمَوْصُولَةَ». وبه قال: (حدّثنا الحميدي)

عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا هشام) هو ابن عروة بن الزبير (أنه سمع فاطمة بنت المنذر) بن الزبير (تقول: سمعت أسماء) بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- (قالت: سألت امرأة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله ان ابنتي أصابتها الحصبة) بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين بعدها موحدة بثرات حمر تخرج في الجسد متفرقة وهي نوع من الجدري ولأبي ذر عن الكشميهني أصابها بإسقاط المثناة الفوقية بالتذكير على إرادة الحب (فاْمرق) بهمزة وصل وميم مشدّدة وراء مفتوحة فقاف أصله انمرق فقلبت النون ميمًا وأدغمت في لاحقتها من المروق أي خرج شعرها من موضعه وللحموي والكشميهني فأمزق كذلك لكن بالزاي بدل الراء أي تمزق وتقطع (شعرها وإني زوّجتها) وزوجها يستحثني على الدخول بها (أفأصل فيه) غيره (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لعن الله الواصلة والموصولة). وقد سبق الحديث قريبًا وقال الحافظ ابن حجر في المقدمة لم أعرف أسماء الثلاثة المذكورين في هذا الحديث. 5942 - حَدَّثَنِى يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْوَاشِمَةُ وَالْمُسْنَوشِمَةُ وَالْوَاصِلَةُ وَالْمُسْتَوْصِلَةُ». يَعْنِى لَعَنَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي نزيل الري ثم بغداد قال: (حدّثنا الفضل بن دكين) بدال مهملة مضمومة وكاف مفتوحة وياء التصغير بعدها نون أبو نعيم شيخ البخاري حدّث عنه كثيرًا بغير واسطة وفي مواضع كثيرة بواسطة كما هنا، قال في فتح الباري: وفي رواية المستملي الفضل بن زهير أي بدل ابن دكين وكذا لبعض رواة الفربري أيضًا لكن شك فقال: أو ابن دكين وجزم مرة أخرى بالفضل بن زهير انتهى. ورأيت بهامش الفرع معزوًّا إلى أصل اليونينية، وقال أبو إسحاق يعني إبراهيم المستملي رأيت في أصل عتيق سمع من الإمام محمد بن إسماعيل يعني البخاري حدّثني يوسف بن موسى عن الفضل بن دكين، وكان في أصل محمد بن إسماعيل شيء فشك محمد بن يوسف يعني الفربري في دكين أو زهير ثم قال زهير قال الكلاباذي وهو الفضل بن دكين بن حماد بن زهير الملائي واسم دكين عمرو انتهى. قال الغساني فنسب مرة إلى جد أبيه قال: (حدّثنا صخر بن جويرية) بفتح الصاد المهملة وسكون الخاء المعجمة بعدها راء وجويرية بضم الجيم مصغرًا أبو رافع البصري مولى بني تميم أو بني هلال (عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالشك من الراوي. (الواشمة والمستوشمة) بضم الميم فواو ساكنة ففوقية مفتوحة فشين معجمة مكسورة (والواصلة والمستوصلة) بالسين بوزن المستفعلة وللنسائي من طريق محمد بن بشر عن عبيد الله الموتصلة وهي بمعناها قال ابن عمر (يعني لعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هذه الأربعة وفي رواية أبي ذر قبل الواشمة لعن الله ومقتضاه نصب الأربعة على المفعولية كما لا يخفى، لكن استشكل في فتح الباري تفسير ابن عمر حيث قال: يعني لعن النبي بعد قوله لعن الله فقال لم يتجه لي هذا التفسير إلا إن كان المراد لعن الله على لسان نبيه أو لعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للعن الله واعترضه بما خفي ولعله تحريف من ناسخ وسقط قوله يعني الخ في بعض النسخ وبإسقاط الأول لا إشكال والله أعلم. وهذا الحديث أخرجه مسلم في اللباس. 5943 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ. مَا لِى لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِى كِتَابِ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن ابن مسعود) عبد الله (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات) بالسين المهملة الساكنة بعد الميم المضمومة وبعد الفوقية واو ساكنة ولأبي ذر المتوشمات بإسقاط السين المهملة وفتح الواو وتشديد المعجمة المكسورة (والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) بكسر الياء التحتية (ما لي) بغير واو قبل ما الاستفهامية (لا ألعن من لعنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

86 - باب الواشمة

وَسَلَّمَ- وهو) ملعون (في كتاب الله) عز وجل في قوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه} [الحشر: 7] إذ معناه العنوا من لعنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يقع في هذه الرواية ذكر ما ترجم له فيحتمل أنه أشار إلى ما ورد في بعض طرقه من ذكر ذلك والله أعلم. 86 - باب الْوَاشِمَةِ (باب) ذم المرأة (الواشمة) التي تشم. 5944 - حَدَّثَنِى يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْعَيْنُ حَقٌّ». وَنَهَى عَنِ الْوَشْمِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (يحيى) قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحافظ أبو بكر الصنعاني قال العيني كالكرماني ويحيى، إما ابن موسى أي البلخي السختياني المعروف بخت، وإما ابن جعفر يعني الأزدي البيكندي الحافظ. وقال الحافظ ابن حجر في المقدمة نسبه ابن السكن يحيى بن موسى قال وقد روى البخاري أيضًا عن يحيى بن جعفر عن عبد الرزاق ولكنه ينسبه ووجدته كذلك في موضعين في أول كتاب الاستئذان وفي قوله تعالى: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} [البقرة: 267] من كتاب البيوع والأول يروى عنه ولا ينسبه (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (العين حق) أي الإصابة بالعين حق لها تأثير (ونهى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن الوشم) بفتح الواو وسكون المعجمة وهو كما مر أن يغرز في العضو نحو إبرة فإذا سال الدم حشاه بنحو نورة فيخضر وقد يكون في اليد وغيرها وقد يفعل نقشًا وقد يجعل دوائر وقد يكتب اسم المحبوب، والحديث سبق في الطب. 0000 - حَدَّثَنِى ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: ذَكَرْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ، حَدِيثَ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ أُمِّ يَعْقُوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَ حَدِيثِ مَنْصُورٍ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة محمد قال: (حدّثنا ابن مهدي) عبد الرحمن الحافظ أبو سعيد البصري قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (قال): لقد (ذكرت لعبد الرحمن بن عابس) بالموحدة المكسورة والسين المهملة ابن ربيعة النخعي (حديث منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (فقال: سمعته من أم يعقوب) الأسدية (عن عبد الله) بن مسعود (مثل حديث منصور) أي ابن المعتمر. 5945 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِى جُحَيْفَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبِى فَقَالَ: إِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَثَمَنِ الْكَلْبِ، وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ، وَالْوَاشِمَةِ وَالْمُسْتَوْشِمَةِ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) أبو أيوب الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عون بن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة السوائي بضم المهملة الكوفي (قال: رأيت أبي) أبا جحيفة وهب بن عبد الله (فقال) وفي باب ثمن الكلب من كتاب البيع قال رأيت أبي اشترى حجامًا فأمر بمحاجمه فكسرت فسألته عن ذلك فقال (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن ثمن الدم) أي عن أجرة الحجام فأطلق عليه الثمن تجوّزًا (و) عن (ثمن الكلب) مطلقًا لنجاسته (و) لعن عليه السلام (آكل الربا وموكله) لأنه يعين على أكل الحرام فهو شريك في الإثم كما أنه شريك في الفعل (و) لعن (الواشمة والمستوشمة) لما فيه من تغيير خلق الله مع الغش. 87 - باب الْمُسْتَوْشِمَةِ (باب) ذم المرأة (المستوشمة) الطالبة للوشم المفعول بها. 5946 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: أُتِىَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ تَشِمُ فَقَامَ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ مَنْ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْوَشْمِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُمْتُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا سَمِعْتُ. قَالَ: مَا سَمِعْتَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ تَشِمْنَ وَلاَ تَسْتَوْشِمْنَ». وبه قال: (حدّثنا زهير بن حرب) أبو خيثمة النسائي الحافظ نزل بغداد روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن عمارة) بن القعقاع (عن أبي زرعة) هرم أو عمرو أو عبد الله بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر الدوسي أنه (قال: أتي) بضم الهمزة (عمر) -رضي الله عنه- (بامرأة تشم فقام فقال) لمن حضره من الصحابة (أنشدكم) بفتح الهمزة وضم المعجمة أي سألتكم (بالله من سمع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) شيئًا (في الوشم) فليخبرني به (فقال أبو هريرة: فقمت فقلت يا أمير المؤمنين أنا سمعت) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول فيه (قال) عمر (ما سمعت قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا تشمن) بفتح الفوقية وكسر المعجمة وفتح الميم وتشديد النون خطابًا لجمع المؤنث بالنهي عن فعل الوشم (ولا تستوشمن) أي لا تطلبن ذلك. والحديث أخرجه النسائي في الزينة. 5947 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنِى نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَعَنَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيي بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بن عمر العمري قال: (أخبرني)

88 - باب التصاوير

بالإفراد (نافع عن ابن عمر) أنه (قال: لعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة). 5948 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ. مَا لِى لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِى كِتَابِ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي قال: (حدّثنا عبد الرحمن) بن مهدي (عن سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لعن الله) النساء (الواشمات والمستوشمات) بالسين بعد الميم ولأبي ذر والمستوشمات (و) النساء (المتنمصات) اللاتي يطلبن النماص أي إزالة شعر الوجه بالمنقاش (و) النساء (المتفلجات) بكسر اللام المشددة أسنانهن (للحسن) أي لأجل الحسن ولأبي ذر عن المستملي بالحسن بالموحدة بدل اللام أي بسبب الحسن (المغيرات خلق الله) عز وجل (ما لي لا ألعن من لعن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في كتاب الله) عز وجل {وما آتاكم الرسول فخذوه} [الحشر: 7] وسبب لعن المذكورات أن فعلهن تغيير لخلق الله وتزوير وتدليس وخداع ولو رخص فيه لاتخذه الناس وسيلة إلى أنواع الفساد ولعله قد يدخل في معناه صنعة الكيمياء فإن من تعاطاها إنما يروم أن يلحق الصنعة بالخلقة وكذلك كل مصنوع يشبه بمطبوع وهو باب عظيم من الفساد حكاه في الكواكب. 88 - باب التَّصَاوِيرِ (باب) حكم (التصاوير) من جهة مباشرة صنعتها واستعمالها أو اتخاذها. 5949 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِى طَلْحَةَ - رضى الله عنهم - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ تَصَاوِيرُ». وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن ابن عباس عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (-رضي الله عنهم-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تدخل الملائكة) الحفظة وغيرهم (بيتًا فيه كلب) أو المراد ملائكة الوحي كجبريل وإسرافيل لكن يلزم منه اقتصار النفي على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن الوحي انقطع بعده وبانقطاعه ينقطع نزولهم، فالمراد بالملائكة الذين ينزلون بالرحمة والمستغفرون للعبد أما الحفظة فإنهم لا يفارقون المكلف في كل حال كما جزم به الخطابي وغيره، وأجاب عن الأول بجواز أن لا يدخلوا بأن يكونوا على باب البيت مثلاً ويطلعهم الله تعالى على عمل العبد ويسمعهم قوله، والمراد بالبيت المكان الذي يستقر فيه الإنسان سواء كان بيتًا أو خيمة أو غيرهما وظاهر قوله كلب العموم لأنه نكرة في سياق النفي فيعم وإليه ذهب النووي والقرطبي واستثنى الخطاب وغيره الكلاب التي أذن الشارع في اتخاذها وهي التي للصيد والزرع والماشية وسبب عدم الدخول قيل لنجاسة عين الكلب، وعورض بأن الخنزير أشد نجاسة منه للنص الوارد فيه، وقيل لكونه يكثر أكل النجاسات، وعورض بأن السنور أيضًا يكثر أكلها وقيل لكونه من الشياطين وعورض بأنه لا يخلو بيت من الشياطين ومع هذا لم يرد امتناع الملائكة من الدخول في بيت فيه هرة ولا خنزير ولا غيرهما (ولا) تدخل الملائكة بيتًا فيه (تصاوير) مما يشبه الحيوان ما لم تقطع رأسه أو يمتهن أو عام في كل الصور وسبب الامتناع كونها معصية فاحشة إذ فيها مضاهاة لخلق الله وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله وفي بدء الخلق ولا صورة بالإفراد، وكان الأصل أن يقول لا تدخل بيتًا فيه كلب وتصاوير بغير إعادة حرف النفي لكنه أعاده للاحتراز من توهم القصر في عدم الدخول على اجتماع الكلب والصور نحو قولك ما كلمت زيدًا ولا عمرًا إذ لو حذفت لأجاز أن يكون كلم أحدهما لأن الواو للجمع فلما أعيد حرف النفي صار التقدير ولا تدخل الملائكة بيتًا فيه تصاوير كما سبق. وهذا الحديث سبق في بدء الخلق وفي المغازي وأخرجه مسلم في اللباس. (وقال الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري الإمام المشهور فيما وصله أبو نعيم في مستخرجه (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنه (سمع ابن عباس) يقول (سمعت أبا طلحة) يقول (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ووجه ذكر هذا

89 - باب عذاب المصورين يوم القيامة

التعليق تصريح ابن شهاب وشيخه عبيد الله ومن فوقهما بالتحديث في جميع الإسناد، ووقع في رواية الأوزاعي عن الزهري عن عبيد الله عن أبي طلحة لم يذكر ابن عباس بينهما، ورجح الدارقطني رواية من أثبته قاله في فتح الباري. 89 - باب عَذَابِ الْمُصَوِّرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (باب عذاب المصوّرين) الذين يصنعون الصور (يوم القيامة). 5950 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ مَسْرُوقٍ فِى دَارِ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ فَرَأَى فِى صُفَّتِهِ تَمَاثِيلَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ». وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن مسلم) أبي الضحى بن صبيح بضم الصاد المهملة مصغرًا الهمداني الكوفي أنه (قال: كنا مع مسروق) هو ابن الأجدع (في دار يسار بن نمير) بالتحتية والمهملة المخففة ونمير بضم النون وفتح الميم المدني الكوفي (فرأى) مسروق (في صفته) بضم الصاد المهملة وتشديد الفاء (تماثيل) جمع تمثال بكسر الفوقية وبعد الميم الساكنة مثلثة وهو الصورة والمراد بها صور الحيوان وفي مسلم قال لي مسروق هذه تماثيل كسرى فقلت لا هذه تماثيل مريم (فقال: سمعت عبد الله) يعني ابن مسعود (قال: سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقول): (إن أشد الناس عذابًا عند الله) أي في حكم الله تعالى (يوم القيامة المصورون) الذين يصورون أشكال الحيوانات التي تعبد من دون الله فيحكونها بتخطيط أو تشكيل عالمين بالحرمة قاصدين ذلك لأنهم يكفرون به فلا يبعد دخولهم مدخل آل فرعون أما من لا يقصد ذلك فإنه يكون عاصبًا بتصويره فقط كذا في الفرع، وفي عدة أصول معتمدة، والذي في فتح الباري: إن أشد الناس عذابًا عند الله المصورون بإسقاط يوم القيامة قال: ووقع في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان يوم القيامة بدل قوله عند الله قال: فلعل الحميدي حدّث به على الوجهين بدليل ما وقع في الترجمة أو لما حدّث به البخاري حدّث به بلفظ عند الله، والترجمة مطابقة للفظ الذي في حديث ابن عمر ثاني حديثي الباب انتهى. وفي عمدة القارئ للعلاّمة العيني: إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصوّرون بإسقاط عند الله وهو مطابق للترجمة وقال النووي قال العلماء: تصوير الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد وسواء صنعه لما يمتهن أم لغيره، وسواء كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها وأما تصوير ما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام. وهذا الحديث أخرجه في اللباس والنسائي في الزينة. 5951 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ». وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الأسدي الحزامي بالزاي قال: (حدّثنا أنس بن عياض) أي ابن ضمرة أو عبد الرحمن الليثي أبو ضمرة المدني (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن الذين يصنعون هذه الصور) الحيوانية قاصدين مضاهاة خلق الله (يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا) بفتح الهمزة وضم التحتية أي تعذيبهم أن يقال لهم إحيوا (ما خلفتم) أمر تعجيز أي انفخوا الروح في الصورة التي صوّرتموها وهم لا يقدرون على ذلك فيستمر في تعذيبهم. وهذا الحديث أخرجه مسلم. 90 - باب نَقْضِ الصُّوَرِ (باب نقض الصور) بفتح النون وسكون القاف بعدها ضاد معجمة والصور بضم الصاد المهملة وفتح الواو وتغيير هيئتها بنحو كسرها. 5952 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حِطَّانَ، أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِى بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلاَّ نَقَضَهُ. وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة الزهراني أبو زيد البصري (قال: حدّثنا هشام) هو ابن عبد الله الدستوائي (عن يحيى) بن كثير (عن عمران بن حطان) بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين وبعد الألف نون السدوسي (أن عائشة -رضي الله عنها- حدّثته أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن يترك في بيته شيئًا فيه تصاليب) أي تصاوير كصليب النصارى وقال في الفتح: التصاليب جمع صليب كأنهم سموا ما كانت فيه صورة الصليب تصليبًا تسمية بالمصدر. قال العيني: على ما ذكره تكون التصاليب جمع تصليب لا جمع صليب ولأبي ذر عن الكشميهني تصاوير (إلاّ نقضه) أي كسره وغيّر صورته. وهذا الحديث أخرجه أبو داود في اللباس والنسائي في الزينة.

91 - باب ما وطئ من التصاوير

5953 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ فَرَأَى أَعْلاَهَا مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِى، فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً»، ثُمَّ دَعَا بِتَوْرٍ مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ حَتَّى بَلَغَ إِبْطَهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَشَىْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: مُنْتَهَى الْحِلْيَةِ. وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف أبو سلمة التبوذكي بفتح التاء وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا عمارة) بضم العين ابن القعقاع (قال: حدّثنا أبو زرعة) هرم بن عمرو (قال: دخلت مع أبي هريرة) -رضي الله عنه- (دارًا بالمدينة) لمروان بن الحكم كما في مسلم (فرأى في أعلاها) أي في سقف الدار رجلاً (مصورًا) بكسر الواو المشددة (يصور) بلفظ المضارع (فقال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) أي قال الله تعالى: (ومن أظلم ممن ذهب) أي قصد (يخلق كخلقي) أي فعل الصورة وحدها لا من كل الوجوه إذ لا قدرة لأحد على خلق مثل خلقه تعالى فالتشبيه في الصورة وحدها وظاهره يتناول ما له ظل وما ليس له ظل فلذا أنكر أبو هريرة -رضي الله عنه- ما نقش في سقف الدار (فليخلقوا) فليوجدوا (حبة) من قمح زاد ابن فضل وليخلقوا شعيرة وهو قرينة تدل على أن المراد هنا حبة من قمح (وليخلقوا ذرة) بفتح المعجمة وتشديد الراء نملة والمراد تعجيزهم تارة بتكليفهم خلق حيوان وهو أشد وتارة بتكليفهم خلق جماد وهو أهون ومع ذلك لا قدرة لهم عليه (ثم دعا) أي طلب أبو هريرة (بتور) بموحدة مكسورة فمثناة فوقية مفتوحة وبعد الواو الساكنة راء إناء كطست (من ماء) فيه ماء فتوضأ منه (فغسل يديه) بالتثنية (حتى بلغ إبطه) بالإفراد زاد الإسماعيلي وغسل رجليه حتى بلغ ركبتيه قال أبو زرعة (فقلت يا أبا هريرة) تبليغ الماء إلى الإبط (شيء سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال) أبو هريرة التبليغ إلى الإبط (متتهى الحلية) في الجنة والحلية التحجيل من أثر الوضوء أو من التحلية المذكورة في قوله تعالى: {يحلون فيها أساور من ذهب} [الكهف: 31]. 91 - باب مَا وُطِئَ مِنَ التَّصَاوِيرِ (باب ما وطئ) بضم الواو وكسر الطاء المهملة بالقدم (من التصاوير) امتهانًا له. 5954 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ وَمَا بِالْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ أَفْضَلُ مِنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِى عَلَى سَهْوَةٍ لِى فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَتَكَهُ وَقَالَ: «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ». قَالَتْ: فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً، أَوْ وِسَادَتَيْنِ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت عبد الرحمن بن القاسم وما بالمدينة يومئذ أفضل منه قال: سمعت أبي) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (قال: سمعت عائشة -رضي الله عنها-) تقول (قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من سفر) هو غزوة تبوك كما في البيهقي، ولأبي داود والنسائي غزوة تبوك أو خيبر على الشك (وقد سترت بقرام) بكسر الموحدة والقاف بعدها راء فألف فميم ستر فيه رقم ونقش (لي على) باب (سهوة لي) بفتح السين المهملة وسكون الهاء وفتح الواو صفة في جانب البيت أو كوّة أو بيت صغير منحدر في الأرض كالخزانة الصغيرة يكون فيها المتاع (فيها) قطعة (تماثيل) أي تصاوير (فلما رآه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هتكه) أي نزعه (وقال): (أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون) يشابهون (بخلق الله. قالت) عائشة (فجعلناه وسادة أو وسادتين) أي مخدّة أو مخدّتين، وسبق في المظالم فاتخذت منه نمرقتين فكانتا في البيت نجلس عليهما، ولمسلم من طريق بكير بن الأشجّ فقطعته وسادتين فقال رجل في المجلس يقال له ربيعة بن عطاء: أنا سمعت أبا محمد بن القاسم بن محمد يذكر أن عائشة قالت: فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرتفق عليهما. قال ابن القاسم يعني عبد الرحمن: لا قال لكني سمعته. 5955 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَدِمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ سَفَرٍ وَعَلَّقْتُ دُرْنُوكًا فِيهِ تَمَاثِيلُ، فَأَمَرَنِى أَنْ أَنْزِعَهُ فَنَزَعْتُهُ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الله بن داود) الجرمي الهمداني الكوفي ثم البصري (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من سفر وعلقت درنوكًا) بضم الدال المهملة وسكون الراء وضم النون وبعد الواو كاف سترًا له خمر (فيه تماثيل فأمرني أن أنزعه) لأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة (فنزعته) قال النووي تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وأما اتخاذه فإن كان معلقًا على حائط سواء كان له ظل أم لا أو ثوبًا ملبوسًا أو عمامة أو نحو ذلك فهو حرام، وأما الوسادة ونحوها مما يمتهن فليس بحرام لكن هل يمنع

92 - باب من كره القعود على الصورة

دخول الملائكة أم لا؟ وقد سبق قريبًا أن المنع عام في كل صورة وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث قالت عائشة: 5956 - وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ. (وكنت أغتسل أنا والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من إناء واحد) وليس للترجمة تعلق بقولها: وكنت أغتسل إلى آخره؛ وقد ساقه المؤلّف في الطهارة مفردًا والظاهر أنه تحمله على هذه الصفة فساقه هنا كذلك. 92 - باب مَنْ كَرِهَ الْقُعُودَ عَلَى الصُّورَةِ (باب من كره القعود على الصور) بفتح الواو بلفظ الجمع ولأبي ذر الصورة بإسكانها على الإفراد. 5957 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها -، أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ فَقَامَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَقُلْتُ: أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِمَّا أَذْنَبْتُ قَالَ: «مَا هَذِهِ النُّمْرُقَةُ»؟ قُلْتُ: لِتَجْلِسَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا قَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورَةُ». وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) الأنماطي أبو محمد السلمي مولاهم البصري قال: (حدّثنا جويرية) بالجيم المضمومة ابن أسماء (عن نافع عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها اشترت نمرقة) بضم النون والراء وكسرها وضم النون وفتح الراء ثلاث لغات بينهما ميم ساكنة وبالقاف المفتوحة وسادة صغيرة (فيها تصاوير فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالباب فلم يدخل) فعرفت الكراهية في وجهه (فقلت: أتوب إلى الله) عز وجل (مما أذنبت) ولأبي ذر فما أذنبت بالفاء والميم المخففة بدل مما بالميمين الأخيرة مشددة على الاستفهام (قال) عليه الصلاة والسلام: (ما هذه النمرقة؟ قلت): اشتريتها (لتجلس عليها وتوسدها) أصلها وتتوسدها بمثناتين فوقيتين حذفت إحداهما للتخفيف (قال) عليه الصلاة والسلام: (إن أصحاب هذه الصور) الذين يصنعونها ليضاهوا بها خلق الله (يعذبون يوم القيامة) بفتح ذال يعذبون (يقال لهم أحيوا) بفتح الهمزة (ما خلقتم) ما صنعتم (وإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه الصور) بالجمع ولغير أبي ذر الصورة بالإفراد، ولم يذكر في هذه الطريق استعماله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النمرقة كما ذكر فيما سبق ووقع التصريح به في مسلم. قال في الفتح: فظاهره التعارض وقد يجاب بأنه لما قطع الستر وقع القطع في وسط الصور مثلاً فخرجت عن هيئتها فلذا صار يرتفق بها. وقال العيني لا تعارض بينهما أصلاً لأن حديث الباب وحديث مسلم المذكور فيه فجعلته مرفقتين فكان يرتفق بهما في البيت حديث واحد، لكن البخاري لم يذكر هذه الزيادة والله أعلم. 5958 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِى طَلْحَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورَةُ». قَالَ بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ فَعُدْنَاهُ فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ، فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الأَوَّلِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ: إِلاَّ رَقْمًا فِى ثَوْبٍ. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَهُ بُكَيْرٌ حَدَّثَهُ بُسْرٌ حَدَّثَهُ زَيْدٌ حَدَّثَهُ أَبُو طَلْحَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف ابن عبد الله بن الأشج بالمعجمة والجيم (عن بسر بن سعيد) بضم الموحدة وسكون المهملة وسعيد بكسر العين المدني (عن زيد بن خالد) الجهني الصحابي (عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (صاحب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وصحبته مشهورة لكن الراوي ذكر ذلك تعظيمًا له وإجلالاً واستلذاذًا وتبركًا أنه (قال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن الملائكة) الذين ينزلون بالرحمة (لا تدخل بيتًا فيه الصورة) بالتعريف والإفراد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي صورة بلفظ النكرة والإفراد ولأبي ذر عن الكشميهني صور بلفظ النكرة والجمع. (قال بسر): أي ابن سعيد الراوي بالسند المذكور (ثم اشتكى) أي مرض (زيد) أي ابن خالد المذكور (فعدناه فإذا على بابه ستر فيه صورة) بالإفراد وللكشميهني صور بالجمع قال بسر: (فقلت لعبيد الله) بضم العين ابن الأسود الخولاني بفتح المعجمة وسكون الواو وبالنون (ربيب ميمونة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): لأنها كانت ربته وكان من مواليها ولم يكن ابن زوجها (ألم يخبرنا زيد عن الصور) بالجمع (يوم الأول) من باب إضافة الموصوف إلى صفته والمراد به الوقت الماضي وللكشميهني يوم أول بإسقاط أبي (فقال عبيد الله) بن الأسود: (ألم تسمعه حين قال إلا رقمًا) أي نقشًا (في ثوب) زاد في رواية عمرو بن الحارث قلت: لا. قال: بلى. قال النووي: يجمع بين الأحاديث بأن المراد استثناء الرقم في الثوب ما كانت الصورة فيه من غير ذوات الأرواح كصورة الشجر ونحوها. وقال ابن العربي: حاصل ما في اتخاذ الصورة أنها إن كانت ذات أجسام حرم بالإجماع وإن كانت رقمًا فأربعة أقوال الجواز مطلقًا لظاهر حديث الباب والمنع مطلقًا حتى الرقم والتفصيل فإن

93 - باب كراهية الصلاة فى التصاوير

كانت الصورة باقية الهيئة قائمة الشكل حرم وإن قطعت الرأس وتفرقت الأجزاء جاز قال وهذا هو الأصح والرابع إن كان مما يمتهن جاز وإن كان معلمًا فلا انتهى. وهذا الإجماع محله في غير لعب البنات. وهذا الحديث سبق في بدء الخلق وأخرجه مسلم وأبو داود وأخرجه النسائي في الزينة. (وقال ابن وهب) عبد الله مما سبق موصولاً في بدء الخلق (أخبرنا عمرو) بفتح العين (هو ابن الحارث) أنه (حدّثه بكير) هو ابن عبد الله بن الأشج أنه (حدّثه بسر) أي ابن سعيد (حدّثه زيد) هو ابن خالد أنه قال: (حدّثه أبو طلحة) هو زيد بن سهل الأنصاري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 93 - باب كَرَاهِيَةِ الصَّلاَةِ فِى التَّصَاوِيرِ (باب كراهية الصلاة في التصاوير). 5959 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ قِرَاَمٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمِيطِى عَنِّى فَإِنَّهُ لاَ تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِى فِى صَلاَتِى». وبه قال: (حدّثنا عمران بن ميسرة) ضد الميمينة البصري يقال له صاحب الأديم قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التنوري بفتح الفوقية وتشديد النون المضمومة البصري قال: (حدّثنا عبد العزيز بن صهيب) بضم الصاد المهملة وفتح الهاء آخره موحدة البناني بضم الموحدة ونونين بينهما ألف البصري (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان قرام) بكسر القاف ستر به نقوش فيها تصاوير (لعائشة سترت به جانب بيتها) وفي حديث عائشة عند مسلم أنها كان لها ثوب فيه تصاوير ممدود إلى سهوة فكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي إليها (فقال لها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أميطي) بهمزة مفتوحة فميم وطاء مهملة مكسورتين بينهما تحتية ساكنة أزيلي (عني) قرامك (فإنه لا تزال تصاويره) المرقومة فيه (تعرض لي) بفتح الفوقية وكسر الراء أي أنظر إليها وأنا (في صلاتي) فتشغلني، وهذا تشريع وإذا كانت الصور تلهي المصلي وهي مقابله فأولى إذا كان لابسها. واستشكل هذا بحديث عائشة المذكور فيه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يدخل البيت الذي فيه الستر المصوّر أصلاً وأجيب: باحتمال أن يكون حديث عائشة كانت التصاوير فيه ذات أرواح وحديث الباب من غيرها. 94 - باب لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ هذا (باب) بالتنوين (لا تدخل الملائكة) المرسلون بالرحمة المستغفرون للمؤمنين (بيتًا فيه صورة) كصورة الحيوان من آدمي وغيره ما لم تقطع رأسه أو يمتهن، والمعنى فيه أن متخذها قد تشبّه بالكفار لأنهم يتخذون الصور في بيوتهم يعظمونها فكرهت الملائكة ذلك فلم تدخل بيته هجرًا له لذلك قاله القرطبي. 5960 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِى عُمَرُ هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَعَدَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِبْرِيلُ فَرَاثَ عَلَيْهِ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَقِيَهُ فَشَكَا إِلَيْهِ مَا وَجَدَ فَقَالَ لَهُ: «إِنَّا لاَ نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلاَ كَلْبٌ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) بن يحيى بن سعيد الجعفي أبو سعيد الكوفي نزيل مصر (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب قال: حدّثني) بالإفراد (عمر) بضم العين (هو ابن محمد) أي ابن زيد بن عبد الله بن عمر (عن) عم أبيه (سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر أنه (قال: وعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جبريل) رفع على الفاعلية زادت عائشة في روايتها عند مسلم في ساعة يأتيه فيها (فراث) بالمثلثة أي أبطأ (عليه حتى اشتد على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في حديث عائشة المذكور وقال: ما يخلف الله وعده ولا رسله، وفي حديث عائشة ثم التفت فإذا جرو كلب تحت سريره فقال: "يا عائشة متى دخل هذا الكلب"؟ فقالت: والله ما دريت فأمر به فأخرج (فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من بيته (فلقيه فشكا إليه ما وجد) من إبطائه (فقال له) جبريل: (إنّا) يعني الملائكة (لا ندخل بيتًا فيه صورة ولا كلب) قال النووي الأظهر أنه عام في كل صورة وكلب وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث، ولأن الجرو الذي كان في بيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحت السرير كان له فيه عذر ظاهر لأنه لم يعلم به ومع هذا امتنع جبريل عليه الصلاة والسلام من دخول البيت وعلله بالجرو انتهى. وفي السنن من حديث أبي هريرة وصححه الحاكم والترمذي وابن حبان: أتاني جبريل فقال أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل وكان في البيت كلب فأمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة ومرّ بالستر فليقطع

95 - باب من لم يدخل بيتا فيه صورة

فتجعل منه وسادتان منبوذتان توطآن ومر بالكلب فليخرج، ففعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي رواية النسائي إما أن تقطع رؤوسها أو تجعل بساطًا يوطأ ففيه ترجيح القول بأن الصورة التي تمتنع الملائكة من دخول البيت لأجلها هي التي تكون باقية على هيئتها مرتفعة غير ممتهنة. وحديث الباب سبق في بدء الخلق. 95 - باب مَنْ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ (باب من لم يدخل بيتًا فيه صورة). 5961 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ فَعَرَفَتْ فِى وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ قَالَ: «مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ»؟ فَقَالَتِ: اشْتَرَيْتُهَا لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ» وَقَالَ: «إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِى فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ الْمَلاَئِكَةُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي أحد الأعلام (عن مالك) هو ابن أنس إمام الأئمة (عن نافع عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق (عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها أخبرته أنها اشترت نمرقة) بضم النون والراء وكسرهما وسادة صغيرة (فيها تصاوير فلما رآها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قام على الباب فلم يدخل فعرفت) عائشة -رضي الله عنها- (في وجهه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الكراهية. قالت): ولأبوي الوقت وذر وقالت (يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله ماذا أذنبت) قال في شرح المشكاة: فيه حسن أدب من الصدّيقة -رضي الله عنها- حيث قدّمت التوبة قبل اطّلاعها على الذنب ونحوه قوله: {تعالى عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم} [التوبة: 43] فقدم العفو تلطفًا برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما قدّمت التوبة على عرفان الذنب ومن ثم قالت ماذا أذنبت أي ما اطّلعت على ذنب ومن ثم حسن قوله (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ما بال هذه النمرقة؟ فقالت: اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها) بحذف إحدى التاءين (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن أصحاب هذه الصور) الذين يصنعونها يضاهون بها خلق الله (يعذبون يوم القيامة ويقال لهم) تبكيتًا لهم (أحيوا) بقطع الهمزة المفتوحة (ما خلقتم) ما صوّرتم والأمر للتعجيز وفي دخول البيت الذي فيه الصورة وجهان الأكثرون على الكراهة. وقال أبو محمد بالتحريم فلو كانت الصورة في ممر الدار لا داخلها كما في ظاهر الحمامات ودهاليزها لا يمتنع الدخول لأن الصورة في الممر ممتهنة، وفي المجلس مكرمة، والحاصل مما سبق كراهة صورة حيوان منقوشة على سقف أو جدار أو وسادة منصوبة أو ستر معلق أو ثوب ملبوس وأنه يجوز ما على أرض وبساط يداس ومخدة يتكأ عليها ومقطوع الرأس وصورة شجر والفرق أن ما يوطأ ويطرح مهان مبتذل والمنصوب مرتفع يشبه الأصنام وأنه يحرم تصوير حيوان على الحيطان والسقوف والأرض ونسج الثياب. (وقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة) فمن اتخذها عوقب بحرمان دخول الملائكة بيته وصلاتها عليه واستغفارها له. 96 - باب مَنْ لَعَنَ الْمُصَوِّرَ (باب من لعن المصوّر) بكسر الواو المشددة الذي يصنع الصورة يضاهي بها خلق الله. 5962 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنِ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِى جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ اشْتَرَى غُلاَمًا حَجَّامًا فَقَالَ: إِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ وَثَمَنِ الْكَلْبِ، وَكَسْبِ الْبَغِىِّ وَلَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَالْمُصَوِّرَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن جعفر غندر) وثبت محمد بن جعفر لأبي ذر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عون بن أبي جحيفة) السوائي بضم السين المهملة الكوفي (عن أبيه) أبي جحيفة وهب بن عبد الله (أنه اشترى غلانًا حجامًا) لم يسم زاد في باب ثمن الكلب من كتاب البيع فأمر بمحاجمه فكسرت فسألته عن ذلك (فقال: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى) أمته (عن) تناول (ثمن الدم و) عن تناول (ثمن الكلب) وسماه ثمنًا باعتبار الصورة وهذا لا خلاف فيه عند الشافعية وأما حكاية القمولي في الجواهر وجهًا في بيع الكلب المقتنى فغريب (و) عن (كسب البغي) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتية ووزنه فعول لأن أصله بغوي، فلما اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت في التي تليها ولا يجوز عندهم على فعيل لأن فعيلاً بمعنى فاعل يكون بالهاء في المؤنث كرحيمة وكريمة وإنما يكون بغيرها إذا كان بمعنى مفعول كامرأة جريج وقتيل يقال بغَت المرأة تبغي بغيًا إذا زنت، وزاد في رواية وحلوان الكاهن وقوله: نهى عن ثمن الكلب خبر إن وما بعده معطوف عليه وهل هو من باب عطف المفردات أو من باب عطف الجمل

97 - باب من صور صورة كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ

الأكثرون على أنه من باب عطف المفردات فيكون كسب معطوفًا على ثمن وحلوان معطوفًا عليه وإن كان من عطف الجمل يكون التقدير نهى عن ثمن الدم، ونهى عن ثمن الكلب، ونهى عن كسب البغي، ونهى عن حلوان الكاهن، وعلى هذا الخلاف ينبني حكم العمل هل هو فيها كلها للعامل الأوّل أو لكل واحد من المعطوفات عامل يفسره الأول والتقدير نهى أمته عن كذا فالمفعول محذوف وحرف الجر يتعلق بنهي (ولعن) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (آكل الربا) آخذه (وموكله) مطعمه لأنه يعين على أكل الحرام فهو شريك في الإثم كما أنه شريك في الفعل (والواشمة والمستوشمة) لأن ذلك من عمل الجاهلية وفيه تغيير لخلق الله (والصور) للحيوان. وهذا الحديث سبق في البيع في باب ثمن الكلب. 97 - باب مَنْ صَوَّرَ صُورَةً كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ هذا (باب) بالتنوين (من صور صورة) حيوانية (كلف) بضم الكاف وتشديد اللام المكسورة (يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافع). 5963 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ: سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، يُحَدِّثُ قَتَادَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُمْ يَسْأَلُونَهُ وَلاَ يَذْكُرُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى سُئِلَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِى الدُّنْيَا كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ». وبه قال: (حدّثنا عياش بن الوليد) بالتحتية المشددة والشين المعجمة آخره الرقام قال: (حدّثنا عبد الأعلى) قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (قال: سمعت النضر) بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة (ابن أنس بن مالك يحدّث قتادة) بن دعامة. قال في فتح الباري: كان سعيد بن أبي عروبة كثير الملازمة لقتادة فاتفق أن قتادة والنضر اجتمعا فحدّث النضر قتادة فسمعه سعيد وهو معه وقع في رواية المستملي وغيره يحدّثه قتادة والضمير للحديث وقتادة نصب على المفعولية والفاعل النضر (قال) النضر (كنت عند ابن عباس) -رضي الله عنهما- (وهم يسألونه) أي يستفتونه وهو يجيبهم عما يستفتونه (ولا يذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما يجيبهم أي لا يذكر الدليل من السُّنّة (حتى سئل) أي يذكر ما سئل عنه نعم في مسلم عن النضر بن أنس بن مالك قال: كنت جالسًا عند ابن عباس فجعل يفتي ولا يقول قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى سأله رجل فقال: إني رجل أصوّر هذه الصور فقال له ابن عباس أدنه فدنا الرجل (فقال) ابن عباس -رضي الله عنهما-: (سمعت محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: مَن صوّر صورة) ذات روح (في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ) أبدًا فهو معذب دائمًا لأنه جعل غاية عذابه إلى أن ينفخ في تلك الصورة الروح وأخبر أنه ليس بنافخ فيها وهذا يقتضي تخليده في النار، وهذا في حق الذي يكفر بالتصوير أما في غيره وهو العاصي يفعل ذلك غير مستحل له ولا قاصد أن يعبد فيعذب عذابًا يستحقه ثم يخلص منه، وحينئذٍ يتعين تأويل الحديث على أن المراد به الزجر الشديد بالوعيد بعقاب الكافر ليكون أبلغ في الارتداع وظاهره غير مراد إلا أن حمله على ما ذكر أولى ولا تنافي بين قوله هنا كلف أن ينفخ وبين قوله إن الآخرة ليست دار تكليف، فإن المراد بالنفي في الثاني أنها ليست دار تكليف عمل يترتب عليه ثواب أو عقاب فأما مثل هذا التكليف فليس بممتنع لأنه نفسه عذاب نسأل الله العافية. 98 - باب الاِرْتِدَافِ عَلَى الدَّابَّةِ (باب) جواز (الارتداف) وهو أن يركب الراكب شخصًا خلفه (على الدابة). 5964 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكِبَ عَلَى إِكَافٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا أبو صفوان) عن عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان الأموي (عن يونس بن يزيد) الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركب على حمار على إكاف) بهمزة مكسورة وتخفيف الكاف وبعد الألف فاء برذعة (عليه قطيفة) كساء له خمل (فدكية) بقتح الفاء والدال المهملة وكسر الكاف وتشديد التحتية المفتوحة صفة قطيفة نسبة إلى فدك قرية بخيبر (وأردف أسامة) بن زيد بن الحارث (وراءه) ولم يظهر لي وجه دخول هذا الباب وما بعده بكتاب اللباس، لكن قال في الكواكب: الغرض منه الجلوس على لباس الدابة وإن تعدّد أشخاص الراكبين عليها، والتصريح بلفظ القطيفة

99 - باب الثلاثة على الدابة

مُشعِر بذلك كما قال فليتأمل. والحديث سبق طويلاً في العلم والله الموفق. 99 - باب الثَّلاَثَةِ عَلَى الدَّابَّةِ (باب) جواز ركوب الأشخاص (الثلاثة على الدابة) الواحدة. 5965 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ اسْتَقْبَلَهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَالآخَرَ خَلْفَهُ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء تصغير زرع أبو معاوية البصر قال: (حدّثنا خالد) هو ابن مهران الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة) في الفتح (استقبله أغيلمة بني عبد المطلب) بضم الهمزة وفتح المعجمة وسكون التحتية وكسر اللام بعدها ميم مفتوحة فهاء تأنيث جمع غلام على غير قياس والقياس غليمة. وقال السفاقسي: كأنهم صغّروا أغلمة على القياس، وإن كانوا لم ينطقوا بأغلمة قال ونظيره أصبية وأضافهم لعبد المطلب لأنهم من ذريته (فحمل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (واحدًا) منهم (بين يديه وآخر خلفه) هما الفضل وقثم ابنا العباس بن عبد المطلب كما عند المؤلّف في الباب الآتي لكنه تردد في أيهما كان قدّامه وكان حينئذٍ راكبًا على ناقته كما رواه الطبري في رواية ابن أبي مليكة عن ابن عباس. وأما الأحاديث المذكور فيها النهي عن ركوب الثلاثة على الدابة فتكلم في سندها، ولئن سلمنا الاحتجاج بها فيجمع بأن ما ورد فيه النهي محمول على ما إذا كانت الدابة غير مطيقة. قال النووي: مذهبنا ومذهب العلماء كافة جواز ركوب ثلاثة على الدابة إذا كانت مطيقة. وقال الدميري: وأفاد الحافظ ابن منده أن الذين أردفهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاثة وثلاثون نفسًا ولم يذكر منهم عقبة بن عامر الجهني ولم يذكر أحد من علماء الحديث والسِّيَر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أردفه. والحديث مضى في الحج في باب استقبال الحاج القادمين. 100 - باب حَمْلِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ غَيْرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صَاحِبُ الدَّابَّةِ أَحَقُّ بِصَدْرِ الدَّابَّةِ إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ (باب حمل صاحب الدابة غيره بين يديه. وقال بعضهم): هو عامر الشعبي فيما أخرجه ابن أبي شيبة عنه (صاحب الدابة أحق بصدر الدابة إلا أن يأذن له). وقد رواه على شرط البخاري، وله شاهد من حديث النعمان بن بشير عند الطبراني، وهذا التعليق ثبت في رواية المستملي زاد في الفتح والنسفيّ. وبه قال: 5966 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ قَالَ: ذُكِرَ الأَشَرُّ الثَّلاَثَةُ عِنْدَ عِكْرِمَةَ فَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَدْ حَمَلَ قُثَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْفَضْلَ خَلْفَهُ، أَوْ قُثَمَ خَلْفَهُ وَالْفَضْلَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَيُّهُمْ شَرٌّ أَوْ أَيُّهُمْ خَيْرٌ؟. (حدّثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بموحدة ومعجمة مشددة بندار العبدي قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني قال: (ذكر) بضم المعجمة وكسر الكاف (الأشرّ الثلاثة) على الدابة (عند عكرمة) مولى ابن عباس -رضي الله عنهما-، وقوله الأشر بالتعريف مع الإضافة وحكمه حكم الحسن الوجه والضارب الرجل، وفي الفرع التضبيب عليها، ولأبي ذر عن الكشميهني: أشر بإثبات الهمزة وحذف اللام وهي لغة فصيحة كما في حديث عبد الله بن سلام أخيرنا وابن أخيرنا وللأصيلي وأبي ذر عن المستملي شر وهي المشهور والمراد بلفظ الأشر الشر لأن أفعل التفضيل لا يستعمل على هذه الصورة إلا نادرًا (فقال) عكرمة (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أتى) أي جاء (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مكة في الفتح (وقد حمل قثم) بضم القاف وفتح المثلثة بعدها ميم ابن العباس (بين يديه و) أخاه (الفضل وخلفه أو) حمل (قثم خلفه والفضل بين يديه) على ناقته. قال عكرمة: يردّ على من ذكر شر الثلاثة (فأيهم شر أو أيّهم خير) بالشك من الراوي، ولأبي ذر: أشر أو أخير بزيادة همزة فيهما وحاصل المعنى أنهم ذكروا عند عكرمة أن ركوب الثلاثة على الدابة شر وظلم وأن المقدم شر أو المؤخر، فأنكر عكرمة ذلك مستدلاً بفعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ لا يجوز نسبة الظلم إلى أحدهما لأنهما ركبا بحمله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-إياهما. والحديث من أفراده. 101 - باب إِرْدَافِ الرَّجُلِ خَلْفَ الرَّجُلِ (باب) جواز (إرداف الرجل خلف الرجل) على الدابة وثبت قوله إرداف الخ لأبي ذر. 5967 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضى الله عنه - قَالَ: بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ إِلاَّ آخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ: «هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ»؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا». ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ»؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ». وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون المهملة وفتح الموحدة ابن الأسود القيسي البصري ويقال له هداب قال: (حدّثنا همام) بتشديد الميم الأولى وفتح الهاء ابن يحيى البصري قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (عن

102 - باب إرداف المرأة خلف الرجل

معاذ بن جبل -رضي الله عنه-) أنه (قال: بينا) بغير ميم (أنا رديف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الردف والرديف الراكب خلف الراكب بإذنه وردف كل شيء مؤخره، وأصله من الركوب على الردف وهو العجز، ولذا قيل للراكب الأصلي ركب صدر الدابة وردفت الرجل إذا ركبت وراءه وأردفته إذا أركبته وراءك (ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل) بفتح الهمزة الممدودة وكسر الخاء المعجمة وفتح الراء وهي التي يستند إليها الراكب والرحل بسكون الحاء المهملة أصغر من القتب، ومراده المبالغة في شدة قربه إليه ليكون أوقع في نفس السامع فيضبط (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يا معاذ) زاد أبو ذر عن المستملي ابن جبل (قلت: لبيك رسول الله) وللكشميهني: يا رسول الله (وسعديك، ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ، قلت: لبيك رسول الله) وللكشميهني: يا رسول الله (وسعديك ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ، قلت: لبيك رسول الله) وللكشميهني يا رسول الله (وسعديك) التكرير لتأكيد الاهتمام بما يخبره به (قال: "هل تدري ما حق الله على عباده؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا. ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ بن جبل) سقط ابن جبل لأبي ذر (قلت: لبيك يا رسول الله) وللكشميهني يا رسول الله (وسعديك. قال: هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه) أي حق الله تعالى وقوله حق العباد على الله هو من باب المشاكلة وهو نوع من أنواع البديع الذي يحسن به الكلام، أو المراد به أنه حق شرعي لا واجب بالعقل كما تقول المعتزلة وكأنه لما وعد به ووعده الصدق صار حقًّا من هذه الجهة (قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق العباد على الله) المفسر بما مر (أن لا يعذبهم). وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الرقاق والاستئذان، ومسلم في الإيمان، والنسائي في اليوم والليلة. 102 - باب إِرْدَافِ الْمَرْأَةِ خَلْفَ الرَّجُلِ (باب) جواز (إرداف المرأة خلف الرجل) على الدابة. 5968 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه -، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خَيْبَرَ وَإِنِّى لَرَدِيفُ أَبِى طَلْحَةَ وَهْوَ يَسِيرُ، وَبَعْضُ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَدِيفُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ عَثَرَتِ النَّاقَةُ فَقُلْتُ الْمَرْأَةَ، فَنَزَلْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّهَا أُمُّكُمْ» فَشَدَدْتُ الرَّحْلَ وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا دَنَا أَوْ رَأَى الْمَدِينَةَ قَالَ: «آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ». وبه قال: (حدّثنا الحسن بن محمد بن صباح) بالصاد المهملة المفتوحة والموحدة المشدّدة آخرها حاء مهملة ولأبي ذر الصباح بالتعريف البغدادي (قال: حدّثنا يحيى بن عباد) بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة الضبعي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني يحيى بن أبي إسحاق) النحوي الحضرمي (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قبلنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من خيبر وإني لرديف أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (وهو يسير وبعض نساء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهي صفية بنت حيي أم المؤمنين (رديف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ عثرت الناقة) التي عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصفية (فقلت: المرأة) بالنصب أي احفظ المرأة ويجوز الرفع أي فقلت وقعت المرأة (فنزلت) بسكون اللام وضم الفوقية بلفظ المتكلم (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنها) أي صفية (أمكم) ليذكرهم أنها واجبة التعظيم (فشددت الرحل) وظاهره أن الذي قال ذلك وفعله أنس، لكن مرّ في أواخر الجهاد من وجه آخر عن يحيى بن أبي إسحاق أن الذي فعل ذلك أبو طلحة وأن الذي قال المرأة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية أخرى عن يحيى بن أبي إسحاق نحو ذلك. قال في الفتح: وهو المعتمد فإن القصة واحدة. ومخرج الحديث واحد واتفاق اثنين أولى من انفراد واحد، لا سيما أن أنسًا كان إذ ذاك يصغر عن تعاطي ذلك الأمر، ولكن لا يمتنع أن يساعد أبا طلحة أنس على ذلك فيمتنع الإشكال (وركب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما دنا) أي قرب (أو رأى) بالشك ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ورأى (المدينة قال: آيبون) أي راجعون (تائبون عابدون لربنا حامدون) يحتمل أن يتعلق قوله لربنا بسابقه ولاحقه. 103 - باب الاِسْتِلْقَاءِ، وَوَضْعِ الرِّجْلِ عَلَى الأُخْرَى (باب الاستلقاء) على القفا (ووضع الرِّجل على الأخرى). 5969 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ أَبْصَرَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَضْطَجِعُ فِى الْمَسْجِدِ رَافِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبة إلى جده وإلاّ فاسم أبيه عبد الله الكوفي (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عباد

بن تميم) المازني الأنصاري المدني (عن عمه) عبد الله بن زيد الأنصاري (أنه أبصر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يضطجع) ولأبي ذر عن الكشميهني: مضطجعًا (في المسجد رافعًا إحدى رجليه على الأخرى) زاد الإسماعيلي في آخر الحديث: وأن أبا بكر كان يفعل ذلك وعمر وعثمان، وتمسك بذلك جماعة وخالفهم آخرون فقالوا بالكراهة محتجين بحديث جابر عند مسلم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وأن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلقٍ على قفاه. وأجيب: بأنه منسوخ بفعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورفع الخلفاء الثلاثة، ولا يجوز أن يخفى عليهم النسخ ودلالة الاستلقاء المترجم له من الحديث من جهة أن رفع إحدى الرِّجلين على الأخرى لا يتأتى إلا عند الاستلقاء، وستكون لنا عودة إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته إلى مباحث هذا الحديث في الاستئذان. وأما وجه دخول هذه الترجمة في اللباس فمن حيث إن الذي يفعل الاستلقاء لا يأمن الانكشاف لا سيما والاستلقاء يستدعي النوم والنائم لا يتحفظ فكأنه أشار إلى أن من فعل ذلك ينبغي له أن يتحفّظ لئلا ينكشف كذا قاله في الفتح وفي الكرماني نحوه. وهذا الحديث مرّ في باب الاستلقاء في المسجد من كتاب الصلاة، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والله الموفِّق، وهذا آخر كتاب اللباس تمّ.

78 - كتاب الأدب

بسم الله الرحمن الرحيم 78 - كتاب الأدب (بسم الله الرحمن الرحيم) قال في فتح الباري حذف بعضهم البسملة. وهو الأخذ بمكارم الأخلاق أو استعمال ما يحمد قولاً وفعلاً أو هو تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك أو الوقوف مع المستحسنات. 1 - باب البِرِّ وَالصِّلَةِ: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [العنكبوت: 8] (باب البر) للوالدين والأقربين وغيرهم (والصلة) للأرحام. قال القرطبي: الرحم اسم لكافة الأقارب من غير فرق بين المحرم وغيره، وأجمعوا على أن صلة الرحم واجبة في الجملة وأن قطيعتها معصية كبيرة، وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة فمنها واجب ومنها مستحب، ولو لم يصل غايتها لا يسمى قاطعًا ولو قصر عما يقدر عليه. والبر عمل كل خير يفضي بصاحبه إلى الجنة وحذف بعضهم لفظ البر والصلة، وفي الفرع كشط بعد قوله باب وكتب بعده ({ووصينا الإنسان بوالديه}) [العنكبوت: 8] وزاد في بعض النسخ {حسنًا} والمراد آية العنكبوت، والذي في اليونينية: بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الأدب باب قول الله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه} ولأبي ذر والأصيلي زيادة {حسنًا} ووصى حكمه حكم أمر في معناه وتصرفه. يقال: وصيت زيدًا بأن يفعل خيرًا كما تقول: أمرته بأن يفعل، ومنه قوله تعالى: {ووصى بها إبراهيم بنيه} [البقرة: 32] أي وصاهم بكلمة التوحيد وأمرهم بها، وكذلك معنى قوله: {ووصينا الإنسان بوالديه حسنًا} وصيناه بإيتاء والديه حسنًا أو بإيلاء والديه حسنًا أي فعلاً ذا حسن أو ما هو في ذاته حسن لفرط حسنه، ويجوز أن تجعل حسنًا من باب قولك: زيدًا بإضمار اضرب إذا رأيته متهيئًا للضرب فتنصبه بإضمار أولهما، أو الفعل بهما لأن التوصية بهما دالة عليه وما بعده مطابق له كأنه قال: أولهما معروفًا ولا تطعهما في الشرك إذا حملاك عليه.

2 - باب من أحق الناس بحسن الصحبة

5970 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عَيْزَارٍ: أَخْبَرَنِى قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِىَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَىُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا» قَالَ: ثُمَّ أَىُّ: قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ أَىّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ: حَدَّثَنِى بِهِنَّ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِى. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي الحافظ (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج الحافظ أبو بسطام العتكي (قال الوليد بن عيزار) وللأصيلي العيزار بفتح العين المهملة وسكون التحتية وفتح الزاي وبعد الألف راء ابن حريث العبدي (أخبرني) بالإفراد وهو من تقديم اسم الراوي على الصيغة وهو جائز، وكان شعبة يستعمله كثيرًا وليس في نسخة الفرع لفظ أخبرني وهو ثابت في أصله (قال: سمعت أبا عمرو) بفتح العين سعد بن إياس (الشيباني) بفتح المعجمة بعدها تحتية ساكنة فموحدة فألف فنون فياء نسبة (يقول: أخبرنا صاحب هذه الدار وأومأ) بهمز في اليونينية أي أشار (بيده إلى دار عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (قال: سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي العمل أحب إلى الله عز وجل)؟ مبتدأ وخبر والموضع معمول القول مقدرًا أي فقلت أي العمل وأحب أفعل تفضيل (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الصلاة على وقتها) (قال): عبد الله ثم قلت: يا رسول الله (ثم أي)؟ ولم يضبط في الفرع كأصله الياء وكتب فوقها في الفرع كذا. قال الفاكهاني: الصواب عدم تنوينه لأنه موقوف عليه في الكلام والسائل ينتظر الجواب والتنوين لا يوقف عليه إجماعًا فتنوينه ووصله بما بعده خطأ فيوقف عليه وقفة لطيفة، ثم يؤتى بما بعده (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم بر الوالدين) بالإحسان إليهما وفعل الجميل معهما وفعل ما يسرهما ويدخل فيه الإحسان إلى صديقهما كما في الصحيحين، وقال سفيان بن عيينة في قوله تعال: {أن اشكر لي ولوالديك} [لقمان: 14] من صلّى الصلوات الخمس فقد شكر الله، ومن دعا لوالديه عقب الصلوات فقد شكر لهما، وسقط قوله: "ثم" لأبي ذر (قال) عبد الله قلت (ثم أي؟ قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الجهاد في سبيل الله) عز وجل. (قال) عبد الله (حدثني) بالإفراد (بهن) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب وفيه تقرير وتأكيد لما سبق وأنه باشر السؤال وسمع الجواب (ولو استزدته) من هذا النوع وهو أفضل مراتب الأعمال أو من مطلق المسائل المحتاج إليها (لزادني). ووقع في باب الإيمان أوّل الكتاب أن إطعام الطعام خير الأعمال. واستشكل مع قوله هنا الصلاة على وقتها. وأجيب: بأن الجواب اختلف باختلاف أحوال السائلين فأعلم كل قوم بما يحتاجون إليه أو بمالهم فيه رغبة أو بما هو لائق بهم، أو كان الاختلاف باختلاف الأوقات بأن يكون العمل في ذلك الوقت أفضل منه في غيره فقد كان الجهاد في ابتداء الإسلام أفضل الأعمال لأنه وسيلة إلى القيام بها والتمكن من أدائها، وقد تضافرت النصوص على أن الصلاة أفضل من الصدقة، ومع ذلك ففي وقت مواساة المضطر تكون الصدقة أفضل أو أن أفضل ليست على بابها، بل المراد بها الفضل المطلق، فالمراد من أفضل الأعمال فحذفت من وهي مرادة والمراد الأعمال البدنية، فلا تعارض بين ذلك وبين حديث أبي هريرة: أفضل الأعمال إيمان بالله. وهذا الحديث سبق في الصلاة. 2 - باب مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ هذا (باب) بالتنوين (من أحق الناس بحسن الصحبة). 5971 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ شُبْرُمَةَ عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِى؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ». وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ .. مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) ولأبي ذر: حذف ابن سعيد قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن عمارة بن القعقاع بن شبرمة) بضم الشين المعجمة وسكون الموحدة وضم الراء وفتح الميم ابن أخي عبد الله بن شبرمة الضبي الكوفي، وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي: وابن شبرمة بزيادة واو. قال في الفتح: والصواب حذفها فإن رواية ابن شبرمة قد علقها المصنف عقب رواية عمارة (عن أبي زرعة) هرم (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: جاء رجل) قيل هو معاوية بن حيدة (إلى رسول الله) ولأبوي ذر والوقت: إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله من أحق بحسن صحابتي)؟ بفتح الصاد مصدر كالصحبة بمعنى المصاحبة ولأبي ذر من أحق الناس بحسن صحابتي (قال): أحق الناس بحسن صحابتك (أمك) (قال) الرجل يا رسول الله (ثم من؟ قال: أمك) ولأبي ذر قال: ثم أمك (قال) يا رسول الله

3 - باب لا يجاهد إلا بإذن الأبوين

(ثم من؟ قال: أمك) ولأبي ذر قال: ثم أمك كرر الأم ثلاثًا لمزيد حقها (قال) الرجل: (ثم من؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الرابعة (ثم أبوك) وفي تكرير ذكر الأم ثلاثًا إشارة إلى أن الأم تستحق على ولدها النصيب الأوفر من البر بل مقتضاه كما قال ابن بطال: أن يكون لها ثلاثة أمثال ما للأب من البر لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع، والذي ذهب إليه الشافعية أن برهما يكون سواء. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب وابن ماجة في الوصايا. (وقال ابن شبرمة) عبد الله قاضي الكوفة عم عمارة فيما وصله مسلم (ويحيى بن أيوب) حفيد أبي زرعة مما وصله المؤلّف في الأدب المفرد وأحمد قالا: (حدّثنا أبو زرعة) بن عمرو بن جرير (مثله) أي مثل الحديث السابق. 3 - باب لاَ يُجَاهِدُ إِلاَّ بِإِذْنِ الأَبَوَيْنِ هذا (باب) بالتنوين (لا يجاهد) بفتح الهاء في الفرع وفوقها علامة الأصيلي وبكسرها لأبي ذر (إلا بإذن الأبوين). 5972 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ قَالاَ: حَدَّثَنَا حَبِيبٌ ح قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ أَبِى الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُجَاهِدُ؟ قَالَ: «لَكَ أَبَوَانِ»؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) بمهملات ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد بكسر العين المهملة (عن سفيان) الثوري (وشعبة) بن الحجاج (قالا: حدّثنا حبيب) بفتح الحاء المهملة وكسر الموحدة الأولى ابن أبي ثابت (ح) مهملة للتحويل. (قال) المؤلّف (وحدّثنا محمد بن كثير) أبو عبد الله العبدي لم يصب من ضعفه قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن حبيب) هو ابن أبي ثابت (عن أبي العباس) بالمهملتين والموحدة السائب الشاعر المكي (عن عبد الله بن عمرو) بن العاصي -رضي الله عنهما- أنه (قال: قال رجل) أي يسم، ويحتمل أن يكون جاهمة بن العباس (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجاهد)؟ بضم الهمزة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (ألك أبوان) أي يسميا (قال: نعم قال) عليه الصلاة والسلام: إن كان لك أبوان (ففيهما فجاهد) أي ارجع فابلغ جهدك في برهما والإحسان إليهما فإن ذلك يكون لك مقام قتال الكفار. وهذا الحديث قد سبق في باب الجهاد بإذن الأبوين من كتاب الجهاد. 4 - باب لاَ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ هذا (باب) بالتنوين (لا يسب الرجل والديه) ولا أحدهما أي لا يكون سببًا لذلك فالإسناد مجازي. 5973 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أَمَّهُ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي ونسبه لجده قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه) سعد بن عبد الرحمن بن عوف (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف (عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاصي (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن من أكبر الكبائر) وللترمذي: من الكبائر والأولى تقتضي أن الكبائر متفاوتة بعضها أكبر من بعض، وإليه ذهب الجمهور، وإنما كان السب من أكبر الكبائر لأنه نوع من العقوق وهو إساءة في مقابلة إحسان الوالدين وكفران لحقوقهما (أن يلعن الرجل والديه) ترجم بلفظ السب وساقه بلفظ اللعن إشارة إلى ما وقع في بقية الحديث (قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه)؟ هو استبعاد من السائل لأن الطبع المستقيم يأبى ذلك (قال) عليه الصلاة والسلام (يسب الرجل) سقط لفظ الرجل للأصيلي ولأبي الوقت (أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه) زاد أبو ذر والأصيلي وأبو الوقت فيسب أمه فبين أنه وإن لم يتعاط السب بنفسه فقد يقع منه التسبب، فإذا كان التسبب في لعن الوالدين من أكبر الكبائر فالتصريح بلعنهما أشد. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الإيمان وأبو داود في الأدب والترمذي في البر. 5 - باب إِجَابَةِ دُعَاءِ مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ (باب إجابة دعاء من بر والديه). 5974 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَتَمَاشَوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ، فَمَالُوا إِلَى غَارٍ فِى الْجَبَلِ فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالاً عَمِلْتُمُوهَا لِلَّهِ صَالِحَةً فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يَفْرُجُهَا فَقَالَ أَحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِى وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَلِى صِبْيَةٌ صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ فَحَلَبْتُ بَدَأْتُ بِوَالِدَىَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ وَلَدِى وَإِنَّهُ نَأَى بِىَ الشَّجَرُ فَمَا أَتَيْتُ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ فَجِئْتُ بِالْحِلاَبِ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُؤُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَ بِالصِّبْيَةِ قَبْلَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَىَّ فَلَمْ يَزَلْ دَأْبِى وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللَّهُ لَهُمْ فُرْجَةً حَتَّى يَرَوْنَ مِنْهَا السَّمَاءَ، وَقَالَ الثَّانِى: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِى ابْنَةُ عَمٍّ أُحِبُّهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ، فَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَسَعَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ فَلَقِيتُهَا بِهَا فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفْتَحِ الْخَاتَمَ فَقُمْتُ عَنْهَا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا، فَفَرَجَ لَهُمْ فُرْجَةً وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّى كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِى حَقِّى فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَقَّهُ، فَتَرَكَهُ وَرَغِبَ عَنْهُ فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا فَجَاءَنِى فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَظْلِمْنِى وَأَعْطِنِى حَقِّى، فَقُلْتُ، اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَهْزَأْ بِى فَقُلْتُ: إِنِّى لاَ أَهْزَأُ بِكَ، فَخُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرَاعِيَهَا فَأَخَذَهُ فَانْطَلَقَ بِهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ مَا بَقِىَ فَفَرَجَ اللَّهُ عَنْهُمْ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم أبو محمد الجمحي مولاهم البصري قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة) الأسدي مولاهم أبو إسحاق المدني الثقة تكلم فيه بلا حجة (قال: أخبرني) بالإفراد ولأبي ذر أخبرنا (نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (بينما) بالميم (ثلاثة نفر) ممن كان قبلكم (يتماشون أخذهم المطر فمالوا) وللأصيلي فأووا (إلى غار في الجبل) وللأصيلي في جبل

(فانحطت) بالحاء والطاء المشددة المهملتين (على فم غارهم) ولأبي ذر عن الكشميهني: على باب غارهم (صخرة من الجبل فأطبقت) بهمزة قطع مفتوحة، ولأبي ذر عن الكشميهني: فتطابقت (عليهم) من أطبقت الشيء إذا غطيته (فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها لله صالحة) أي خالصة لوجهه لا رياء فيها ولا سمعة كما يدل عليه قوله بعد ابتغاء وجهك (فادعوا الله بها لعله يفرجها) بفتح أوله وسكون الفاء وضم الراء كذا في الفرع مصلحة على كشط لفتحة أوله وقال العيني: بكسر الراء قال، وقال ابن التين وكذا قرأناه. (فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ولي صبية صغار) بكسر الصاد جمع صبي (كنت أرعى عليهم) ضمن أرعى معنى الإنفاق وعداه بعلى أي أنفق عليهم راعيًا الغنيمات (فإذا رحت عليهم) أي إذا رددت الماشية من المرعى إلى موضع مبيتها فضمن رحت معنى رددت (فحلبت) عطف على رحت وجواب فإذا قوله (بدأت بوالدي) بفتح الدال على التثنية حال كوني (أسقيهما) أو أسقيهما استئناف بيان للعلة (قبل ولدي) بكسر الدال وتخفيف التحتية (وأنه نأى) بتقديم النون على الهمزة أي بعد (بي الشجر) التي ترعاه المواشي والشجر بالشين المعجمة والجيم، ولأبي ذر عن المستملي السحر بالسين والحاء المهملتين قال في الفتح: والأول أولى فإن في الخبر أنه رجع بعد أن ناما فأقام ينتظر استيقاظهما إلى الصباح حتى انتبها من قبل أنفسهما وزاد المستملي يومًا (فما أتيت) من المرعى (حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما فحلبت) بفتح اللام (كما كنت أحلب) بضم اللام (فجئت بالحلاب) بكسر الحاء المهملة أي الإناء الذي يحلب فيه أو باللبن المحلوب (فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما) بضم الهمزة (من نومهما وأكره أن أبدأ بالصبية) في السقي (قبلهما والصبية يتضاغون) بالضاد والغين المعجمتين المفتوحتين بينهما ألف وبعد الواو الساكنة نون يضجون ويصيحون من الجوع (عند قدمي) بلفظ التثنية، ولعل كان في شريعتهم تقديم نفقة الأصول على الفروع (فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم) أي دأب الوالدين والصبية (حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج) بضم الراء (لنا) في هذه الصخرة (فرجة) بضم الفاء وسكون الراء (نرى منها السماء ففرج الله) عز وجل بتخفيف الراء من ففرج الله (لهم فرجة حتى يرون منها السماء) بإثبات النون لأبي ذر عن الحموي والمستملي وبحذفها له عن الكشميهني وسقط للأصيلى لفظ فرجة. (وقال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم) ولأبي ذر بنت عم (أحبها) بضم الهمزة وكسر الحاء المهملة (كأشد ما يحب الرجال النساء) ولأبي ذر عن الكشميهني: الرجل بالإفراد وأشد صفة مصدر محذوف وما مصدرية أي أحبها حبًّا مثل أشد حب الرجال النساء (فطلبت إليها نفسها) قال في النهاية: يقال طلب إليّ فلان فأطلبته أي أسعفته بما طلب والطلبة الحاجة والاطلاب إنجازها، وقال في شرح المشكاة: يجوز أن يضمن فيه معنى الإرسال أي أرسلت إليها طالبًا نفسها (فأبت) أي فامتنعت (حتى آتيها بمائة دينار فسعيت حتى جمعت مائة دينار فلقيتها بها) بكسر القاف أي فلقيت ابنة عمي بالمائة دينار (فلما قعدت بين رجليها قالت: يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم) كناية عن البكارة (إلاّ بحقه فقمت عنها) وهي أحب الناس إليّ (اللهم فإن) قال في شرح المشكاة: عطف على مقدر أي اللهم فعلت ذلك فإن (كنت تعلم أني قد فعلت ذلك ابتغاء وجهك) وسقط قد للأصيلي وأبي ذر (فافرج لنا منها) من الصخرة فرجة (ففرج) الله (لهم فرجة). ويجوز أن تكون اللهم مقحمة بين المعطوف والمعطوف عليه لتأكيد الابتهال والتضرع إلى الله تعالى فلا يقدّر معطوف عليه، ويدل عليه القرينة السابقة واللاحقة، وإنما كرر اللهم في هذه القرينة دون أختيها لأن هذا المقام أصعب المقامات وأشقها فإنه ردع لهوى النفس خوفًا من الله تعالى ومقامه قال تعالى: {وأما

6 - باب عقوق الوالدين من الكبائر قاله ابن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

من خاف مقام ربهِ ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} [النازعات: 40] قال الشيخ أبو حامد: شهوة الفرج أغلب الشهوات على الإنسان وأعصاها عند الهيجان على العقل، فمن ترك الزنا خوفًا من الله مع القدرة وارتفاع الموانع وتيسر الأسباب لا سيما عند صدق الشهوة نال درجة الصديقين. (وقال الأخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيرًا) واحدًا (بفرق أرز) بفتح الهمزة وضم الراء وتشديد الزاي والفرق بفتح الراء مكيال يسع ستة عشر رطلاً وهي اثنا عشر مدًّا وثلاثة آصع عند أهل الحجاز (فلما قضى عمله قال: أعطني حقي) بقطع الهمزة (فعرضت عليه حقه فتركه ورغب عنه فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرًا وراعيها فجاءني فقال: اتق الله ولا تظلمني واعطني حقي) بفتح الهمزة (فقلت: اذهب إلى ذلك البقر) بالتذكير وللأصيلي وأبي ذر إلى تلك البقر اسم جمع يجوز تذكيره وتأنيثه (وراعيها فقال: اتق الله ولا تهزأ بي) بهمزة ساكنة مجزومًا على النهي (فقلت: إني لا أهزأ بك فخذ ذلك) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني: تلك (البقر وراعيها فأخذه فانطلق فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج) لنا (ما بقي) من هذه الصخرة (ففرج الله) عز وجل (عنهم) وسقط من قوله وقال الثاني إلى آخره لأبي ذر عن الحموي، وقال بعد قوله: يرون منها السماء، وقص الحديث بطوله. وهذا الحديث سبق في باب إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه من كتاب البيوع. 6 - باب عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْكَبَائِرِ قالَهُ ابْنُ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (عقوق الوالدين) وهو إيذاؤهما بأيّ نوع كان من أنواع الأذى قل أو كثر نهيا عنه أو لم ينهيا عنه أو مخالفتهما فيما يأمران أو ينهيان بشرط انتفاء المعصية في الكل (من الكبائر قاله) عبد الله (بن عمرو) بفتح العين في الفرع وعزاه في الفتح للأصيلي أي عبد الله بن عمرو بن العاصي ولأبي ذر كما قال الحافظ ابن حجر: عمر بضم العين. قال: وبالفتح لأبي ذر وفي بعض النسخ وهو المحفوظ، ووصله المؤلّف في الأيمان والنذور من رواية الشعبي عن عبد الله بن عمرو بن العاصي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بلفظ: "الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس". 5975 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ وَرَّادٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَمَنْعَ وَهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ». وبه قال: (حدّثنا سعد بن حفص) أبو محمد الطلحي من ولد طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي، وقيل هو مولى آل طلحة بن عبيد الله هو الكوفي الضخم، وسعد بسكون العين وفي الفرع بكسرها بعدها تحتية ولعله سبق قلم من ناسخه إذ ليس في مشايخ المؤلّف من اسمه سعيد بن حفص بالتحتية بعد الكسر. نعم سعيد بن حفص بالتحتية النفيلي بالنون والفاء مصغرًا أو عمرو الحراني يروي عن زهير ومعقل بن عبيد الله، وروى عنه بقي بن مخلد والحسن بن سفيان وهو صدوق، لكن اختلط في آخر عمره لم يرو عنه أحد من أصحاب الكتب الستة إلا النسائي فيما أعلم قال: (حدّثنا شيبان) بفتح الشين المعجمة وسكون التحتية بعدها موحدة فألف فنون ابن عبد الرحمن النحوي المؤدب التيمي مولاهم البصري أبو معاوية ولم يرو سعد بن حفص في البخاري عن غيره (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن المسيب) بفتح التحتية المشددة ابن رافع الكاهلي (عن ورّاد) بفتح الواو والراء المشددة كاتب المغيرة ومولاه (عن المغيرة) وللأصيلي زيادة ابن شعبة -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن الله) عز وجل (حرّم عليكم عقوق الأمهات) بضم العين المهملة من العق وهو القطع والشق فهو شق عصا الطاعة للوالدين وذكر الأمهات اكتفاء بذكرهن عن الآباء أو لأن عقوقهن فيه مزية في القبح أو لعجزهن غالبًا (ومنع) ما عليكم إعطاؤه، ولأبي ذر والأصيلي: ومنعا وفي بعضها بدون ألف بالتنوين على اللغة الربيعية (وهات) بكسر آخره فعل أمر من الإيتاء والأصل آت فقلبت الهمزة هاء أي: وحرّم عليكم طلب ما ليس لكم أخذه (و) حرم عليكم (وأد البنات) بفتح الواو وسكون الهمزة دفنهن في القبر إحياء لما فيه من قطع النسل الذي هو موجب خراب العالم. قيل: وأول من فعل ذلك قيس بن عاصم التميمي (وكره) تعالى (لكم قيل وقال) وهو ما يكون

من فضول المجالس مما يتحدث به فيها كقيل كذا وكذا مما لا يصح ولا تعلم حقيقته وربما جرّ إلى غيبة أو نميمة أما من قال: ما يصح وعرف حقيقته وأسنده إلى ثقة صدوق ولم يجر إلى منهي عنه فلا وجه لذمه، ولأبي ذر عن الكشميهني قيلاً وقالاً بالتنوين فيهما، والأشهر عدمه فيهما، وقول الجوهري أنهما اسمان مستدلاً بأنه يقال كثير القيل والقال بدخول الألف واللام عليهما متعقب بقول ابن دقيق العيد: لو كانا اسمين بمعنى واحد كالقول لم يكن لعطف أحدهما على الآخر فائدة. وقال في التنقيح: المشهور عند أهل اللغة فيهما أنهما اسمان معربان ويدخلهما الألف واللام والمشهور في هذا الحديث بناؤهما على الفتح على أنهما فعلان ماضيان، فعلى هذا يكون التقدير ونهى عن قول وقيل وقال وفيهما ضمير فاعل مستتر، ولو روي بالتنوين لجاز، قال في المصابيح: لا حاجة إلى ادعاء استتار ضمير فيهما بل هما فعلان ماضيان على رأي ابن مالك في جواز جريان الإسناد إلى الكلمة في أنواعها الثلاثة نحو زيد ثلاثي وضرب فعل ماض ومن حرف جر ولا شك أنهما مسند إليهما في التقدير إذ المعنى قيل وقال كرههما عليه الصلاة والسلام أو اسمان عند الجمهور والفتح على الحكاية وينكرون أن يكون غير الاسم مسندًا إليه كما هو مقرر في محله اهـ. (و) كره تعالى لكم (كثرة السؤال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن المسائل التي لا حاجة إليها كما قال تعالى: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101] أو المراد لا تسألوا في العلم سؤال امتحان ومراء وجدال، أو لا تسألوا عن أحوال الناس (و) كره لكم أيضًا (إضاعة المال) بإنفاقه في غير ما أذن فيه شرعًا لأن الله تعالى جعل المال قيامًا لمصالح العباد، وفي تبذيره تفويت لذلك، والذي صححه النووي أن صرفه في الصدقة ووجوه الخير والمطاعم والملابس التي لا تليق بحالة ليس بتبذير لأن المال يتخذ لينتفع به ويلتذ. وهذا الحديث سبق في باب قوله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافًا} [البقرة: 273] من كتاب الزكاة وفي الاستقراض أيضًا. 5976 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْوَاسِطِىُّ، عَنِ الْجُرَيْرِىِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ»؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ»، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: «أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ». فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ: لاَ يَسْكُتُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (إسحاق) بن شاهين بن الحارث الواسطي قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان (الواسطي عن الجريري) بضم الجيم وفتح الراء الأولى بعدها تحتية ساكنة سعيد بن إياس بن مسعود البصري والجريري نسبة إلى جرير بن عباد (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه) أبي بكرة نفيع (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ألا) بالتخفيف حرف استفتاح وضع لتنبيه المخاطب على ما يتكلم به من بعده (أنبئكم) أخبركم (بأكبر الكبائر) جمع كبيرة وأصله وصف مؤنث أي الفعلة الكبيرة ونحوها وكبرها باعتبار شدة مفسدتها وعظم إثمها (قلنا) ولأبي ذر فقلنا (بلى يا رسول الله) أخبرنا (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أحدها (الإشراك بالله) عز وجل غيره في العبادة والألوهية أو المراد مطلق الكفر على أي نوع كان وهو المراد هنا وحينئذ فالتعبير بالإشراك لغلبته في الوجود لا سيما في بلاد العرب ولو أريد الأول لكان محكومًا بأنه أعظم أنواع الكفر ولا ريب أن التعطيل أقبح منه وأشد لأنه نفي مطلق والإشراك إثبات (و) ثانيها (عقوق الوالدين) معطوف على سابقه وهو مصدر عن والده يعقه عقوقًا فهو عاق إذا أذاه وعصاه وهو ضد البر وأما العقوق المحرم شرعًا فقال ابن عبد السلام: لم أقف له على ضابط اعتمد عليه فإنه لا يجب طاعتهما في كل ما يأمران به وينهيان عنه اتفاقًا وقالوا: يحرم على الولد الجهاد بغير إذنهما لما يشق عليهما من توقع قتله أو قطع شيء منه. نعم في فتاوى ابن الصلاح العقوق المحرم كل فعل يتأذى به الوالد تأذيًا ليس بالهين مع كونه ليس من الأفعال الواجبة قال: وربما قيل طاعة الوالدين واجبة في كل ما ليس بمعصية ومخالفة ذلك عقوق (وكان) عليه الصلاة والسلام (متكئًا فجلس) جملة من كان واسمها وخبرها (فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور) من عطف التفسير، لأن قول الزور أعمّ من أن يكون كفرًا ومن أن يكون شهادة أو كذبًا آخر من الكذبات

أو من عطف الخاص على العام تعظيمًا لهذا النوع لما يترتب عليه من المفاسد، وقال الشيخ ابن دقيق العيد: ينبغي أن يحمل قول الزور على شهادة الزور فإنا لو حملناه على الإطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة مطلقًا كبيرة وليس كذلك وإن كانت مراتب الكذب متفاوتة بحسب تفاوت مفاسده (ألا وقول الزور وشهادة الزور) ذكرها مرتين، لكن في الفرع شطب على الثاني وهو ألا إلى آخره وعليه علامة السقوط لأبوي الوقت وذر والأصيلي قال أبو بكرة (فما زال) عليه الصلاة والسلام (يقولها) ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور فيعود الضمير عليها لا غير (حتى قلت لا يسكت) وكرر ألا تنبيهًا على استقباح الزور، وكرره دون الأولين لأن الناس يهون عليهم أمره فيظنون أنه دون سابقه فهوّل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره ونفر عنه حين كرره فحصل في مبالغة النهي عنه ثلاثة أشياء: الجلوس وكان متكئًا، واستفتاحه بألا التي تفيد تنبيه المخاطب، وإقباله على سماعه وتكرير ذكره مرتين، بل في رواية ثلاثًا ثم أكد تأكيدًا رابعًا بقوله: قول الزور وشهادة الزور وهما في المعنى واحد كما مرّ ذكر ما فيه، وقد قيل إنه يؤخذ من قوله: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر" انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر وهو قول عامة الفقهاء. وقال أبو إسحاق الإسفراييني: ليس في الذنوب صغيرة بل كل ما نهى عنه كبيرة وهو منقول عن ابن عباس وحكاه عياض عن المحققين. وقال إمام الحرمين في الإرشاد: والمرضي عندنا أن كل ذنب يعصى الله به كبيرة فرب شيء يعدّ صغيرة بالإضافة إلى الإفراد ولو كان في حق الملك لكان كبيرة والرب أعظم من عصى، فكل ذنب بالإضافة إلى مخالفته عظيم، ولكن الذنوب وإن عظمت فهي متفاوتة في رتبها وظن بعض الناس أن الخلاف لفظي فقال: التحقيق أن للكبيرة اعتبارين فبالنسبة إلى مقايسة بعضها بعض فهي تختلف قطعًا وبالنسبة إلى الآمر والناهي فكلها كبائر انتهى. فحقق -رحمه الله- المنقول عن الأشاعرة وبيّن أنه لا يخالف ما قاله الجمهور. وقال النووي: اختلفوا في ضبط الكبيرة اختلافًا كثيرًا منتشرًا فعن ابن عباس كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب وقيل ما أوعد الله عليه بنار في الآخرة أو أوجب فيه حدًّا في الدنيا انتهى. وليس قوله: أكبر الكبائر على ظاهره من الحصر بل فيه مقدرة فقد ثبت فى أشياء أُخر أنها من أكبر الكبائر كقتل النفس والزنا بحليلة الجار واليمين الغموس وسوء الظن بالله. والحديث مضى في الشهادات في باب ما قيل في شهادة الزور. 5977 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الْكَبَائِرَ أَوْ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ فَقَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» فَقَالَ: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ»؟ قَالَ: «قَوْلُ الزُّورِ -أَوْ قَالَ- شَهَادَةُ الزُّورِ»، قَالَ شُعْبَةُ: وَأَكْثَرُ ظَنِّى أَنَّهُ قَالَ: «شَهَادَةُ الزُّورِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن الوليد) بن عبد الحميد البسري بضم الموحدة وسكون المهملة القرشي البصري من ولد بسر بن أبي أرطأة الملقب بحمدان قال: (حدّثنا محمد بن جحفر) غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدثني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن أبي بكر) أي ابن أنس بن مالك (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: ذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكبائر أو سئل) بضم السين وكسر الهمزة (عن الكبائر) بالشك من الراوي (فقال) عليه الصلاة والسلام: هي (الشرك بالله وقتل النفس) التي حرم الله قتلها إلا بالحق كالقصاص والقتل على الردّة والرجم (وعقوق الوالدين فقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر) أكبر أفعل تفضيل استعمل هنا بالإضافة والتقدير ألا أنبئكم بخصال أكبر الكبائر زاد في الرواية السابقة فقلنا بلى (قال) عليه الصلاة والسلام هو (قول الزور أو قال شهادة الزور) وضابط الزور وصف الشيء على خلاف ما هو به وقد يضاف إلى القول فيشمل الكذب والباطل وقد يضاف إلى الشهادة فيختص بها وقد يضاف إلى الفعل ومنه لابس ثوبي زور. (وقال شعبة) بن الحجاج بالسند المذكور: (وأكثر ظني) بالمثلثة ولأبي ذر والأصيلي وأكبر بالموحدة (أنه قال: شهادة الزور) وقد وقع الجزم بذلك في رواية وهب بن جرير وعبد الملك بن إبراهيم في الشهادات قال فيه وشهادة الزور ولم يشك، ولمسلم من رواية ابن الحارث

7 - باب صلة الوالد المشرك

عن شعبة: وقول الزور ولم يشك أيضًا، وظاهر الحديث أنه خص أكبر الكبائر يقول الزور ولكن الرواية السابقة مؤذنة باشتراك الأربعة في ذلك. والحديث سبق في الشهادات. 7 - باب صِلَةِ الْوَالِدِ الْمُشْرِكِ (باب) مشروعية (صلة الوالد المشرك) من جهة ولده المؤمن. 5978 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِى أَبِى أَخْبَرَتْنِى أَسْمَاءُ ابْنَةُ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما - قَالَتْ: أَتَتْنِى أُمِّى رَاغِبَةً فِى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آصِلُهَا قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ} [الممتحنة: 8]. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا هشام بن عروة) قال: (أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير قال: (أخبرتني) بتاء التأنيث والإفراد (أسماء ابنة) ولأبي ذر والأصيلي بنت (أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما-) أنها (قالت: أتتني أمي) قيلة على الأصح بنت عبد العزى في مدّة صلح الحديبية، زاد الإمام أحمد وهي مشركة في عهد قريش حال كونها (راغبة) في بري وصلتي أو راغبة عن الإسلام كارهة له، ولأبي ذر: وهي راغبة (في عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آصلها)؟ بمدّ الهمزة على الاستفهام (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم) صليها (قال ابن عيينة) سفيان (فأنزل الله تعالى فيها: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين}) [الممتحنة: 8] وتمام الآية {ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} [الممتحنة: 8] وهي رخصة من الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم، وقيل إن هذا كان في أوّل الإسلام عند الموادعة وترك الأمر بالقتال، ثم نسخ بآية: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] وقيل: المراد بذلك النساء والصبيان لأنهم ممن لا يقاتل فأذن الله في برّهم، وقال أكثر أهل التأويل: هي محكمة، واحتجوا بحديث أسماء، بل قيل إنها نزلت كما ذكر هنا عن سفيان، وفي مسند أبي داود الطيالسي عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه أن أبا بكر الصديق طلّق امرأته قيلة في الجاهلية وهي أم أسماء بنت أبي بكر فقدمت عليهم في المدة التي كانت فيها المهادنة بين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين كفار قريش فأهدت إلى أسماء بنت أبي بكر قرطًا وأشياء فكرهت أن تقبل منها حتى أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكرت ذلك له فأنزل الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم} [الممتحنة: 8] الآية. وحديث الباب قد سبق في باب الهدية للمشركين من كتاب الهبة والله الموفق. 8 - باب صِلَةِ الْمَرْأَةِ أُمَّهَا وَلَهَا زَوْجٌ (باب صلة المرأة وأمها ولها) أي وللمرأة التي تصل أمها (زوج). 5979 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى هِشَامٌ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ: قَدِمَتْ أُمِّى وَهْىَ مُشْرِكَةٌ فِى عَهْدِ قُرَيْشٍ، وَمُدَّتِهِمْ إِذْ عَاهَدُوا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ أَبِيهَا فَاسْتَفْتَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّى قَدِمَتْ وَهْىَ رَاغِبَةٌ قَالَ: «نَعَمْ صِلِى أُمَّكِ». وبه قال: (وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله أبو نعيم في مستخرجه (حدثني) بالإفراد (هشام عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن أسماء) بنت أبي بكر -رضي الله عنها- أنها (قالت: قدمت) أي عليّ (أمي وهي مشركة في عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) على الصلح وترك المقاتلة (مع أبيها) أي أبي أم أسماء وللأصيلي مع ابنها أي ولدها قالت أسماء (فاستفتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فاستفتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: (إن أمي قدمت) عليّ (وهي راغبة) زاد أبو ذر والأصيلي: أفأصلها؟ (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم صلي أمك). ومطابقته للترجمة ظاهرة إذا قلنا إن الضمير في ولها راجع إلى المرأة إذ أسماء كانت زوجة للزبير وقت قدومها، وإن قلنا إنه راجع إلى الأم فذلك باعتبار أن يراد بلفظ أبيها زوج أم أسماء، ومثل هذا المجاز شائع وكونه كالأب لأسماء ظاهر قاله في الكواكب، وقال ابن بطال: في الحديث من الفقه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أباح لأسماء أن تصل أمها ولم يشترط في ذلك مشاورة زوجها وأن للمرأة أن تتصرف في مالها بدون إذن زوجها. 5980 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَعْنِى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: يَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْعَفَافِ، وَالصِّلَةِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن عبد الله بن بكير قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن عبد الله بن عباس) -رضي الله عنهما- (أخبره أن أبا سفيان) صخر بن حرب (أخبره أن هرقل) بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف بعدها لام قيصر ملك الروم (أرسل إليه) أي في ركب من قريش وكانوا تجارًا في المدة التي كان رسول الله

9 - باب صلة الأخ المشرك

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مادّ فيها أبا سفيان وكفار قريش الحديث فيه (فقال) أي هرقل (فما يأمركم؟ يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال) أبو سفيان (يأمرنا بالصلاة) المعهودة (والصدقة والعفاف) بفتح العين الكف عن المحارم وخوارم المروءة (والصلة). وهذا الحديث سبق في أوائل البخاري، وذكره هنا مختصرًا وغرضه هنا ذكر الصلة فيؤخذ منه الترجمة من عمومها وإطلاقها. 9 - باب صِلَةِ الأَخِ الْمُشْرِكِ (باب صلة الأخ المشرك) بالإضافة إلى المفعول وطيّ ذكر الفاعل أي صلة السلم لأخيه المشرك. 5981 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: رَأَى عُمَرُ حُلَّةَ سِيَرَاءَ تُبَاعُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ وَالْبَسْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِذَا جَاءَكَ الْوُفُودُ؟ قَالَ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ، مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ» فَأُتِىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهَا بِحُلَلٍ فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ بِحُلَّةٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَلْبَسُهَا وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ؟ قَالَ: «إِنِّى لَمْ أُعْطِكَهَا لِتَلْبَسَهَا، وَلَكِنْ تَبِيعُهَا أَوْ تَكْسُوهَا» فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي قال: (حدثنا عبد الله بن دينار) المدني مولى ابن عمر (قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: رأى عمر) بن الخطاب (حلة سيراء) بإضافة حلة لتاليها ولأبي ذر حلة بالتنوين والسيراء نوع من البرود فيه خطوط وكان من حرير (تباع فقال: يا رسول الله ابتع هذه) الحلة (والبسها) بهمزة الوصل وفتح الموحدة (يوم الجمعة وإذا جاءك الوفود قال) ولأبي ذر الوفد فقال: (إنما يلبس هذه) من الرجال (من لا خلاق له) أي من لا نصيب له من الذين أو في الآخرة وهذا إذا كان مستحلاً لذلك أو هو على سبيل التغليظ (فأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة وكسر الفوقية (منها بحلل فأرسل) عليه الصلاة والسلام (إلى عمر بحلة فقال: كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت) من أنه إنما يلبسها من لا خلاق له (قال) عليه الصلاة والسلام: (إني لم أعطكها لتلبسها ولكن تبيعها أو تكسوها) أي تعطيها غيرك ولأبي ذر عن الكشميهني لتبيعها أو تكسوها (فأرسل بها عمر إلى أخ له) من أمه اسمه عثمان بن حكيم أو هو أخو أخيه زيد بن الخطاب أمهما أسماء بنت وهب فهو من المجاز أو هو أخو عمر من الرضاعة ليبيعها أو يكسوها لامرأته وإلا فالكفار مخاطبون بالفروع وكان عثمان المذكور (من أهل مكة) والإرسال إليه (قبل أن يسلم). والحديث سبق في الهبة. 10 - باب فَضْلِ صِلَةِ الرَّحِمِ (باب فضل صلة الرحم) بفتح الراء وكسر الحاء المهملة أي الأقارب من بينه وبين الآخر نسب سواء كان يرثه أم لا ذا محرم أم لا. 5982 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ عُثْمَانَ، مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ عَنْ أَبِى أَيُّوبَ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِى بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِى الْجَنَّةَ ح. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج الحافظ أبو بسطام العتكي أمير المؤمنين في الحديث (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن عثمان) هو محمد بن عثمان بن عبد الله بن موهب التيمي مولاهم (قال: سمعت موسى بن طلحة) بن عبيد الله التيمي (عن أبي أيوب) خالد بن زيد الأنصاري أنه (قال: قيل يا رسول الله أخبرني) بالإفراد (بعمل يدخلني الجنة) برحمة الله. قال البخاري (ح). 5983 - حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، وَأَبُوهُ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمَا سَمِعَا مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ - رضى الله عنه أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِى بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِى الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: «مَا لَهُ مَا لَهُ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَرَبٌ مَا لَهُ» فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِى الزَّكَاةَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ ذَرْهَا» قَالَ: كَأَنَّهُ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ. (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: وحدثني بواو العطف (عبد الرحمن) ولأبي ذر عبد الرحمن بن بشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة النيسابوري قال: (حدّثنا بهز) ولأبي ذر بهز بن أسد البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا ابن عثمان بن عبد الله بن موهب) بفتح الميم وسكون الواو وفتح الهاء قال القطان وغيره: اسمه عمرو (وأبوه عثمان بن عبد الله) التيمي (أنهما سمعا موسى بن طلحة) بن عبيد الله التيمي (عن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رجلاً) قيل هو أبو أيوب وقيل غيره كما سبق أول الزكاة (قال: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة فقال القوم: ما له ما له)؟ استفهام كرره مرتين للتأكيد (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أرب ما له) بفتح الهمزة والراء بعدها موحدة منونة بالرفع أي له حاجة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أرب بفتح الهمزة وكسر الراء وفتح الموحدة من أرب في الشيء إذا صار ماهرًا فيه فيكون معناه التعجب من حسن فطنته والتهدي إلى موضع حاجته (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له (تعبد الله لا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة) المكتوبة (وتؤتي الزكاة) المفروضة (وتصل الرحم) قال النووي: أي تحسن إلى أقاربك بما تيسر على حسب حالك وحالهم من إنفاق أو سلام أو زيارة أو طاعة أو غير ذلك وكأن السائل كان لا يصل رحمه فأمره بذلك (ذرها) بفتح المعجمة وسكون الراء أي

11 - باب إثم القاطع

دع الراحلة تمشي إلى منزلك إذ لم تبق لك حاجة فيما قصدته (قال: كأنه) أي الرجل (كان على راحلته) أو كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- راكبًا على راحلته والرجل آخذ بزمامها فقال له-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد الجواب دع زمام الراحلة. وهذا الحديث سبق في أول الزكاة. 11 - باب إِثْمِ الْقَاطِعِ (باب إثم القاطع) للرحم. 5984 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: إِنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكر الحافظ المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن محمد بن جبير بن مطعم قال: إن) ولأبي ذر أخبره أن (جبير بن مطعم أخبره أنه سمع النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا يدخل الجنة قاطع) أي يذكر المفعول فيحتمل العموم، وفي الأدب المفرد عن عبد الله بن صالح (قاطع رحم) فالمراد المستحل للقطيعة بلا سبب ولا شبهة مع علمه بتحريمها أو لا يدخلها مع السابقين. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب وأبو داود في الزكاة والترمذي في البر. 12 - باب مَنْ بُسِطَ لَهُ فِى الرِّزْقِ بِصِلَةِ الرَّحِمِ (باب من بسط) بضم الموحدة وكسر المهملة (له في الرزق بصلة الرحم) أي بسبب صلة الرحم، ولأبي ذر: لصلة الرحم باللام بدل الموحدة أي لأجل صلتها. 5985 - حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) الحزامي المدني أحد الأعلام قال: (حدّثنا محمد بن معن) بفتح الميم وسكون العين المهملة بعدها نون الغفاري (قال: حدثني) بالإفراد (أبي) معن بن محمد بن معن بن نضلة الغفاري (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من سرّه أن يبسط في رزقه) بضم التحتية وسكون الموحدة وفتح السين المهملة (وأن ينسأ) بضم أوله وسكون ثانيه آخره همزة من النسأ وهو التأخير أي يؤخّر (له في أثره) أي أجله وسمي به لأنه يتبع العمر وأصله من أثر مشيه في الأرض فإن من مات لا يبقى له حركة فلا يبقى لأقدامه في الأرض أثر (فليصل رحمه) يقال: وصل رحمه يصلها وصلاً وصلة كأنه بالإحسان إليهم وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والزيادة في العمر بالبركة فيه بسبب التوفيق في الطاعات وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة وصيانتها عن الضياع في غير ذلك، أو المراد بقاء ذكره الجميل بعده كالعلم النافع ينتفع به والصدقة الجارية والولد الصالح فكأنه بسبب ذلك لم يمت ومنه قول الخليل عليه الصلاة والسلام {واجعل لي لسان صدق في الآخرين} [الشعراء: 84]. وفي المعجم الصغير للطبراني عن أبي الدرداء قال: ذكر عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من وصل رحمه أنسئ له في أجله فقال: ليس زيادة في عمره قال الله تعالى: {فإذا جاء أجلهم} [النحل: 61] الآية. ولكن الرجل يكون له الذرية الصالحة يدعون له من بعده أو المراد بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة في اللوح المحفوظ أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه فإن وصلها زيد له أربعون سنة، وقد علم الله سبحانه وتعالى بما سيقع من ذلك وهو من معنى قوله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت} [الرعد: 39] فبالنسبة إلى علم الله وما سبق به قدرته لا زيادة بل هي مستحيلة وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين تتصور الزيادة وهو مراد الحديث. وقال الكلبي والضحاك في الآية: إن الذي يمحوه ويثبته ما يصعد به الحفظة مكتوبًا على بني آدم فيأمر الله فيه أن يثبت ما فيه ثواب وعقاب ويمحي ما لا ثواب فيه ولا عقاب كقوله: أكلت شربت ودخلت ونحوها من الكلام. وهذا باب واسع المجال لأن علم الله تعالى لا نفاد له ومعلوماته سبحانه لا نهاية لها وكل يوم هو في شأن، ومن ثم كادت أقوال المفسرين فيه لا تحصر قال الإمام: يزيل ما يشاء ويثبت ما يشاء من حكمته ولا يطلع على غيبه أحدًا فهو المنفرد بالحكم والمستقل بالإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة والإغناء والإفقار وغير ذلك، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوًّا كبيرًا. 5986 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِى رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِى أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي المصري اسم أبيه عبد الله ونسبه إلى جده قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري

13 - باب من وصل وصله الله

أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك) رضى الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من أحب أن يبسط له في رزقه و) أن (ينسأ) أي يؤخر (له في أثره) أي في أجله (فليصل رحمه). وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب والله أعلم. 13 - باب مَنْ وَصَلَ وَصَلَهُ اللَّهُ هذا (باب) بالتنوين (من وصل) رحمه (وصله الله) بأن يتعطف عليه بفضله. 5987 - حَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِى مُزَرِّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمِّى سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ قَالَ: نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهْوَ لَكِ» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}» [محمد: 22]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (بشر بن محمد) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا معاوية بن أبي مزرّد) بضم الميم وفتح الزاي وتشديد الراء المكسورة بعدها دال مهملة عبد الرحمن مولى هاشم المدني (قال: سمعت عمي سعيد بن يسار) بالتحتية والمهملة المخففة أبا الحباب بضم الحاء المهملة وموحدتين بينهما ألف المدني اختلف في ولائه لمن هو (يحدث عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن الله) عز وجل (خلق الخلق) جميعهم أو المكلفين ويحتمل أن يكون بعد خلق السماوات والأرض وإبرازها في الوجود أو بعد خلقها كتبًا في اللوح المحفوظ أو بعد انتهاء خلق أرواح بني آدم عند قوله تعالى: {ألست بربكم} [الأعراف: 172] لما أخرجهم من صلب آدم مثل الذر (حتى إذا فرغ من خلقه) أي قضاهُ وأتمه ونحو ذلك مما يشهد بأنه مجاز. قال الزجاج: الفراغ في اللغة على ضربين. أحدهما: الفراغ من شغل، والآخر القصد لشيء تقول: قد فرغت مما كنت فيه أي قد زال شغلي به، وتقول: سأتفرغ لفلان أي سأجعله قصدي. قال الطيبي في حاشيته على الكشاف: فهو محمول على مجرد القصد فهو كناية عن التوفر على النكاية ثم استعيرت هذه العبارة للخالق جل جلاله وعز شأنه لذلك المعنى، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {سنفرغ لكم} [الرحمن: 31] مستعار من قول الرجل لمن يتهدد سأفرغ لك، والوجه الآخر منزل على الفراغ من الشغل لكن على سبيل التمثيل شبه تدبيره تعالى أمر الآخرة من الأخذ في الجزاء وإيصال الثواب والعقاب إلى المكلفين بعد تدبيره تعالى لأمر الدنيا بالأمر والنهي والإماتة والإحياء والمنع والعطاء، وأنه سبحانه وتعالى لا يشغله شأن عن شأن بحال من إذا كان في شغل يشغله عن شغل آخر إذا فرغ من ذلك الشغل شرع في آخر، وقد ألّم به صاحب المفتاح حيث قال: الفراغ الخلاص من المهامّ، والله تعالى لا يشغله شأن عن شأن وقع مستعارًا للأخذ في الجزاء وحده وهو المراد من قوله وفع ذلك فراغًا إلى طريق المثل. (قالت الرحم) بلسان الحال أو بلسان المقال وعلى الثاني هل يخلق الله فيها حياة وعقلاً، وحمله القاضي عياض على المجاز وأنه من ضرب المثل، لكن في حديث عبد الله بن عمر وعند أحمد أنها تكلمت بلسان طلق ذلق، وزاد في سورة القتال: قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن وهو استعارة أيضًا سبق ذكرها في السورة المذكورة، وزاد أيضًا في السورة فقال: مه. فقالت (هذا مقام العائذ) أي قيامي هذا قيام المستجير (بك من القطيعة قال) الله تعالى (نعم أما) بتخفيف الميم (ترضين أن أصل من وصلك) بأن أتعطف عليه وأرحمه (وأقطع من قطعك) فلا أرحمه (قالت: بلى يا رب) رضيت ولأبي ذر بلى وربي (قال) تعالى (فهو) أي قوله أصل من وصلك إلى آخره (لك) بكسر الكاف. قال أبو هريرة: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فاقرأوا إن شئتم {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}) [محمد: 22]. وهذا الحديث مر في تفسير سورة القتال. 5988 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الرَّحِمَ سُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ اللَّهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ». وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم واللام بينهما خاء معجمة ساكنة آخره دال مهملة أبو الهيثم البجلي الكوفي القطواني بفتح القاف والطاء المهملة قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال أبو محمد مولى الصديق قال: (حدّثنا عبد الله بن دينار) المدني (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن الرحم شجنة من الرحمن) بكسر الشين المعجمة مصححًا عليها في الفرع وسكون الجيم بعدها نون ويجوز فتح الأول وضمه. قال في الفتح: رواية ولغة وأصله عروق الشجر المشتبكة والشجن

14 - باب يبل الرحم ببلالها

بالتحريك واحد الشجون وهي طرق الأودية، ويقال الحديث شجون أي يدخل بعضه في بعض، وسقط قوله: "إن" لأبي ذر فالرحم رفع، وقوله من الرحمن أي اشتق اسمها من اسم الرحمن فلها به علقة. وعند النسائي من حديث عبد الرحمن بن عوف مرفوعًا "أنا الرحمن خلقت الرحم بيدي وشققت لها اسمًا من اسمي" والمعنى أنها أثر من آثار الرحمة مشتبكة بها فالقاطع لها منقطع من رحمة الله وليس المعنى أنها من ذات الله تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا (فقال الله) تعالى: زاد الإسماعيلي لها والفاء عطف على محذوف أي فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة فقال الله تعالى: "من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته". قال ابن أبي جمرة: الوصل من الله كناية عن عظيم إحسانه وإنما خاطب الناس بما يفهمونه ولما كان أعظم ما يعطيه المحبوب لمحبه الوصال وهو القرب منه وإسعافه بما يريد، وكانت حقيقة ذلك مستحيلة في حق الله تعالى عرف أن ذلك كناية عن عظيم إحسانه لعبده. قال: وكذا القول في القطع وهو كناية عن حرمانه الإحسان. وهذا الحديث من أفراده. 5989 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِى مُزَرِّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الرَّحِمُ شِجْنَةٌ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) مولى الصديق (قال: أخبرني) بالإفراد (معاوية بن أبي مزرد) عبد الرحمن السابق في هذا الباب (عن يزيد بن رومان) مولى الزبير المدني القاريّ (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط قوله زوج النبي إلى آخره لأبي ذر (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الرحم شجنة) بكسر الشين ولأبي ذر ضمها مصححًا عليهما في الفرع ولم يقل هنا من الرحمن لأن ذلك معلوم من الرواية السابقة (فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته) وفي ذلك تعظيم أمر الرحم وأن صلتها مندوب إليها وأن قطعها من الكبائر لورود الوعيد الشديد فيه. 14 - باب يَبُلُّ الرَّحِمَ بِبَلاَلِهَا (باب) بالتنوين (يبل) الشخص المكلف (الرحم) ولأبي ذر: قبل بضم الفوقية وفتح الموحدة الرحم (ببلالها) بكسر الموحدة الأولى وفتح الثانية وكسرها والبلال بمعنى البلل وهو النداوة وأطلق ذلك على الصلة كما أطلق اليبس على القطيعة. 5990 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ: «إِنَّ آلَ أَبِى»، قَالَ: عَمْرٌو فِى كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ: «بَيَاضٌ لَيْسُوا بِأَوْلِيَائِى إِنَّمَا وَلِيِّىَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ». زَادَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّهَا بِبَلاَلِهَا» يَعْنِى أَصِلُهَا بِصِلَتِهَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: بِبِلاهَا كَذَا وَقَعَ وَبِبِلاَهَا أَجْوَدُ وَأَصَحُّ وَبِِبِلاَهَا لاَ أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا, وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (عمرو بن عباس) بفتح العين وسكون الميم وعباس بالموحدة والمهملة أبو عثمان الباهلي البصري قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعد البجلي الكوفي (عن قيس بن أبي حازم) عوف البجلي (أن عمرو بن العاص) -رضي الله عنه- (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جهارًا) يتعلق بالمفعول أي كان المسموع في حال الجهر أو بالفاعل أي أقول ذلك جهارًا (غير سرّ) تأكيد لرفع توهم أنه جهر به مرة وأخفاه أخرى (يقول): (إن آل أبي) بحذف ما يضاف إلى أداة الكنية ولأبي ذر عن المستملي أبي فلان كناية عن اسم علم وجزم الدمياطي في حواشيه بأن المراد آل أبي العاص بن أمية، وفي سراج المريدين لابن العربي آل أبي طالب، وأيّده في الفتح بأنه في مستخرج أبي نعيم من طريق الفضل بن الموفق عن عنبسة بن عبد الواحد بسند البخاري عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص رفعه "إن لبني أبي طالب رحمًا" الحديث. (قال عمرو): هو ابن عباس شيخ البخاري فيه (في كتاب محمد بن جعفر) يعني غندرًا شيخ عمرو فيه (بياض) بالرفع على الصواب أي موضع أبيض بغير كتابة وضعف الجر إذ يكون المعنى في كتاب محمد بن جعفر أن آل أبي بياض لأنه لا يعرف في العرب قبيلة يقال لها أبو بياض فضلاً عن قريش، وسياق الحديث يشعر بأنهم من قبيلته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي قريش (ليسوا بأوليائي). قال في الفتح: وفي نسخة من رواية أبي ذر بأولياء، والمراد كما قال السفاقسي: من لم يسلم منهم فهو من إطلاق الكل وإرادة البعض، وحمله الخطابي على ولاية

15 - باب ليس الواصل بالمكافىء

القرب والاختصاص لا ولاية الدين (إنما وليي الله) بتشديد الياء مضافًا لياء المتكلم المفتوحة (وصالح المؤمنين) من صلح منهم أي من أحسن وعمل صالحًا وقيل من برئ من النفاق، وقيل الصحابة وهو واحد أريد به الجمع كقولك لا تقتل هذا الصالح من الناس تريد الجنس، وقيل أصله صالحو فحذفت الواو من الخط موافقة للفظ. وقال في شرح المشكاة: المعنى لا أوالي أحدًا بالقرابة وإنما أحب الله لما له من الحق الواجب على العباد وأحب صالح المؤمنين لوجه الله وأوالي من أوالي بالإيمان والصلاح سواء كان من ذوي رحمي أم لا، ولكن أراعي لذوي الرحم حقهم بصلة الرحم. (زاد عنبسة بن عبد الواحد) بفتح العين المهملة والموحدة بينهما نون ساكنة والسين مهملة مفتوحة وهو موثق عندهم وليس له في البخاري إلا هذا الحديث كان يعد من الإبدال (عن بيان) بالموحدة المفتوحة وتخفيف التحتية وبعد الألف نون ابن بشر بالشين المعجمة الأحمسي (عن قيس) هو ابن حازم (عن عمرو بن العاص) -رضي الله عنه- أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ولكن لهم) أي لآل أبي (رحم) قرابة (أبلها) بفتح الهمزة وضم الموحدة وتشديد اللام المضمومة (ببلالها). قال في شرح المشكاة فيه مبالغة بما عرف، واشتهر شبه الرحم بأرض إذا بلت بالماء حق بلالها أزهرت وأثمرت ورئي في أثمارها أثر النضارة وأثمرت المحبة والصفاء، وإذا تركت بغير سقي يبست وأجدبت فلم تثمر إلا العداوة والقطيعة (يعني أصلها بصلتها). وهذا التفسير سقط من رواية النسفيّ ولأبي ذر ببلائها بعد اللام ألف همزة. (قال أبو عبد الله). أي البخاري (ببلاها) أي بغير لام ثانية (كذا وقع وببلالها) أي بإثبات اللام (أجود وأصح وببلاها لا أعرف له وجهًا). قال في الكواكب: يحتمل أن يقال وجهه أن البلا جاء بمعنى المعروف والنعمة، وحيث كان الرحم مصرفها أضيف إليها بهذه الملابسة فكأنه قال: أبلها بمعروفها اللائق بها والله أعلم. وهذا الحديث أخرجه في الإيمان. 15 - باب لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِىء هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (ليس الواصل) التعريف كما نبه عليه في الكواكب للجنس أي ليس حقيقة الواصل (بالمكافئ) صاحبه بمثل ما فعله إذ ذاك نوع معاوضة. 5991 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو، وَفِطْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَقَالَ سُفْيَانُ: لَمْ يَرْفَعْهُ الأَعْمَشُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَرَفَعَهُ حَسَنٌ وَفِطْرٌ - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الْوَاصِلُ الَّذِى إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا». وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (والحسن بن عمرو) بفتح الحاء والعين الفقيمي بضم الفاء وفتح القاف (وفطر) بكسر الفاء وسكون الطاء المهملة بعدها راء ابن خليفة الحناط بالحاء المهملة والنون المشددة وبعد الألف طاء مهملة المخزومي مولاهم الثلاثة (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص -رضي الله عنه- (قال سفيان) الثوري بالسند السابق: (لم يرفعه) أي الحديث (الأعمش) سليمان (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورفعه الحسن وفطر) المذكوران (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال في الفتح: وهذا هو المحفوظ عن الثوري أنه (قال: ليس الواصل بالمكافئ) أي الذي يعطي لغيره نظير ما أعطاه ذلك الغير (ولكن الواصل) بتخفيف نون لكن مصححًا عليه في الفرع (الذي إذا قطعت) بفتحات، ولأبي ذر: قطعت بضم أوّله وكسر ثانيه مبنيًا للمجهول (رحمه وصلها) أي الذي إذا منع أعطى، والحاصل ثلاثة مواصل ومكافئ وقاطع، فالواصل من يتفضل ولا يتفضل عليه والمكافئ الذي لا يزيد في الإعطاء على ما يأخذ والقاطع الذي يتفضل عليه ولا يتفضل. والحديث أخرجه أبو داود في الزكاة والترمذي في البر. 16 - باب مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ فِى الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ (باب من وصل رحمه في الشرك ثم أسلم) بعد هل يثاب عليه. 5992 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صِلَةٍ وَعَتَاقَةٍ وَصَدَقَةٍ هَلْ لِى فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟ قَالَ حَكِيمٌ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ». وَيُقَالُ أَيْضًا عَنْ أَبِى الْيَمَانِ أَتَحَنَّثُ؟ وَقَالَ مَعْمَرٌ وَصَالِحٌ وَابْنُ الْمُسَافِرِ: أَتَحَنَّثُ؟ وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: التَّحَنُّثُ: التَّبَرُّرُ، وَتَابَعَهُمْ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن حكيم بن حزام) بكسر الحاء المهملة وفتح الزاي ابن خويلد الأسدي -رضي الله عنه- (أخبره أنه قال: يا رسول الله أرأيت أمورًا)

17 - باب من ترك صبية غيره حتى تلعب به، أو قبلها أو مازحها

أي أخبرني عن أمور (كنت أتحنث) بفتح الهمزة والنون المشددة المفتوحتين آخره مثلثة أتعبد (بها في الجاهلية من صلة) للرحم (وعتاقة) للرقيق (وصدقة هل لي) ولأبي ذر: هل كان لي (فيها من أجر)؟ وسقط حرف الجر لأبي ذر (قال حكيم: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أسلمت) أي يا حكيم (على ما سلف) منك في أيام الجاهلية (من خير). قال المؤلّف: (ويقال أيضًا عن أبي اليمان) الحكم بن نافع (أتحنت) بالمثناة الفوقية بدل المثلثة ولضعف المثناة عبّر بصيغة التمريض. قال في المقدمة: وهي رواية أبي زرعة الدمشقي عن أبي اليمان، وعند المؤلّف في باب شراء المملوك الحربي من كتاب الزكاة عن أبي اليمان بلفظ أتحنث أو أتحنت بالشك. قال في الفتح: وكأنه سمعه منه بالوجهين، لكن قال السفاقسي: بالمثناة لا أعلم له وجهًا. (وقال: معمر) هو ابن راشد فيما وصله المؤلّف في باب من تصدق في الشرك ثم أسلم من كتاب الزكاة (وصالح) وهو ابن كيسان مما وصله مسلم (وابن المسافر) بالألف واللام والمشهور حذفهما وهو عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي المصري أمير مصر فيما وصله الطبراني في الأوسط من طريق الليث بن سعد عنه (أتحنت) بالمثناة الفوقية أيضًا وهي مصحح عليها في الفرع (وقال ابن إسحاق) في السيرة النبوية (التحنث) بالمثلثة (التبرر) بالفوقية والموحدة والراءين أولاهما مضمومة مشددة من البر (وتابعهم) أي تابع هؤلاء المذكورين، ولأبي ذر: وتابعه بالإفراد أي تابع ابن إسحاق (هشام عن أبيه) عروة على خصوص تفسير التحنث بالتبرر وحينئذٍ فرواية الإفراد أرجح، ووصل هذه المؤلّف في العتق من طريق أبي أسامة عنه. 17 - باب مَنْ تَرَكَ صَبِيَّةَ غَيْرِهِ حَتَّى تَلْعَبَ بِهِ، أَوْ قَبَّلَهَا أَوْ مَازَحَهَا (باب من ترك صبية غيره حتى) أي إلى أن (تلعب به) أي ببعض جسده (أو قبلها) للشفقة (أو مازحها) أي مزح معها قصدًا لتأنيسها والممازحة المداعبة. 5993 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ أَبِى وَعَلَىَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَنَهْ سَنَهْ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَهْىَ بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنَةٌ، قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ فَزَجَرَنِى أَبِى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «دَعْهَا» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَبْلِى وَأَخْلِقِى، ثُمَّ أَبْلِى وَأَخْلِقِى، ثُمَّ أَبْلِى وَأَخْلِقِى». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَبَقِيَتْ حَتَّى ذَكَرَ يَعْنِى مِنْ بَقَائِهَا. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (حبان) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن موسى أبو محمد السلمي المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (عن خالد بن سعيد) بكسر العين (عن أبيه) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص القرشي الأموي (عن أم خالد) واسمها أمة (بنت خالد بن سعيد) -رضي الله عنها- أنها (قالت: أتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أبي) هو خالد بن سعيد (وعليّ قميص أصفر فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (سنه سنه) بالسين المهملة والنون المخففة المفتوحتين آخره ساكنة وذكرها مرتين (قال عبد الله) بن المبارك بالسند السابق (وهي) أي سنه (بـ) اللغة (الحبشية حسنة. قالت) أم خالد (فذهبت ألعب بخاتم النبوّة) الذي بين كتفيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فزبرني) بالزاي والموحدة المخففة والراء المفتوحات ثم النون المكسورة أي نهرني وزجرني ومنعني (أبي) من ذلك ثم (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعها) أي اتركها (ثم قال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبلي) بفتح المرّة وسكون الموحدة وكسر اللام (وأخلقي) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وكسر اللام والقاف أمر بالإبلاء أي البسي إلى أن يصير خلقًا باليًا. وفي رواية واخلفي بضم اللام وبالفاء بدل القاف ونسبها في المصابيح لأبي ذر أي واكتسي خلفه يقال خلف الله لك وأخلف (ثم) قال عليه الصلاة والسلام: (أبلي وأخلقي ثم) قال: (أبلي وأخلقي) كررها ثلاثًا. (قال عبد الله) بن المبارك بالسند السابق: (فبقيت) أم خالد (حتى ذكر) الراوي زمنًا طويلاً، ولأبي ذر عن الكشميهني: فبقي أي القميص دهرًا، ونسبها في الفتح لأبي علي بن السكن، لكنه قال: ذكر دهرًا بدل فبقي، وفي المصابيح ذكر بضم الذال المعجمة وكسر الكاف بعدها راء مبنيًّا للمفعول أي عمرت حتى طال عمرها بدعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقال في الكواكب: المعنى حتى صار القميص شيئًا مذكورًا عند الناس لخروج بقائه عن العادة. قال في الفتح: وكأنه أي صاحب الكواكب قرأ ذكر بضم أوله لكنه لم يقع عندنا في الرواية إلا بالفتح

18 - باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته وقال ثابت: عن أنس أخذ النبى -صلى الله عليه وسلم- إبراهيم فقبله وشمه

وتعقبه العيني بأن المعنى على ذكر مبنيًّا للمفعول وإلا فلو كان مبنيًّا للفاعل فما يكون فاعله اهـ. وفي رواية الكشميهني حتى دكن دهرًا بالدال المهملة بدل المعجمة آخره نون بدل الراء والكاف مفتوحة في الفرع وضبطه في الفتح بكسر الكاف أي صار أسود. (يعني من بقائها) من بقاء أم خالد أو الخميصة زمانًا طويًلا. ومطابقة الترجمة في قولها فذهبت ألعب. قال السفاقسي: ليس في حديث الباب للتقبيل ذكر فيحتمل أن يكون لما لم ينهها عن مس جسده صار كالتقبيل كذا قال فليتأمل. هذا الحديث سبق في الجهاد وهجرة الحبشة واللباس. 18 - باب رَحْمَةِ الْوَلَدِ وَتَقْبِيلِهِ وَمُعَانَقَتِهِ وَقَالَ ثَابِتٌ: عَنْ أَنَسٍ أَخَذَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ (باب) ذكر (رحمة الولد) أي رحمة الوالد ولده (و) ذكر (تقبيله ومعانقته. وقال ثابت): هو ابن أسلم البناني فيما وصله المؤلّف في الجنائز (عن أنس) -رضي الله عنه- (أخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولده (إبراهيم) -رضي الله عنه- (فقبله وشمه) وهذا التعليق ساقط للمستملي كما في الفرع. وقال في الفتح: ساقط لأبي ذر عن الكشميهني. 5994 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مَهْدِىٌّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى يَعْقُوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِى نُعْمٍ قَالَ: كُنْتُ شَاهِدًا لاِبْنِ عُمَرَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا يَسْأَلُنِى عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ، وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي قال: (حدّثنا مهدي) بفتح الميم وسكون الهاء ابن ميمون الأزدي قال: (حدّثنا ابن أبي يعقوب) هو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب الضبي البصري (عن ابن أبي نعم) بضم النون وسكون العين المهملة عبد الرحمن ولا يعرف اسم أبيه أنه (قال: كنت شاهدًا لابن عمر) -رضي الله عنه- أي حاضرًا عنده (وسأله رجل) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرفه (عن دم البعوض) زاد جرير بن حازم عن محمد بن أبي يعقوب عند الترمذي يصيب الجسد. وفي المناقب من البخاري سمعت عبد الله بن عمر وسأله عن المحرم قال شعبة: أحسبه يقتل الذباب. قال الكرماني: فلعله سأل عنهما معًا، وقال في الفتح: وأطلق الراوي الذباب على البعوض لقرب شبهه منه وإن كان في البعوض معنى زائد أي ما يلزم المحرم إذا قتله (فقال) له ابن عمر: (ممن) أي من أيّ البلاد (أنت؟ فقال) الرجل: (من أهل العراق. قال) ابن عمر لمن حضره: (انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن) ابنة (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الحسين بن علي (وسمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (هما) أي الحسن والحسين -رضي الله عنهما- (ريحانتاي) بالتثنية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ريحاني ولأبي ذر أيضًا عن الكشميهني ريحانتي بزيادة تاء التأنيث أي هما من رزق الله الذي رزقنيه (من الدنيا) أو أراد بالريحان المشموم أي أنهما مما أكرمني الله وحباني به لأن الأولاد يشمون ويقبلون فكأنهم من جملة الرياحين. 5995 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: جَاءَتْنِى امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِى فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِى غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ فَدَخَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ: «مَنْ يَلِى مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحافظ أبو بشر الحمصي مولى بني أمية (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: حدثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي بكر) أي ابن محمد بن عمرو بن حزم (أن عروة بن الزبير) بن العوّام (أخبره أن عائشة) -رضي الله عنها- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حدثته قالت: جاءتني امرأة معها) ولأبي ذر ومعها (ابنتان) لها قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على أسمائهن (تسألني فلم تجد عندي غير تمرة واحدة فأعطيتها) إياها (فقسمتها) بسكون المثناة الفوقية (بين ابنتيها). وفي رواية مسلم من طريق عراك بن مالك عن عائشة فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت تمرة إلى فيها لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها فيحتمل في طريق الجمع أن قولها في حديث عروة فلم تجد عندي غيرها أي في أول الحال سوى واحدة فأعطيتها، ثم وجدت اثنتين أو لم تجد عندي غير واحدة أخصها بها أو يحمل على التعدد (ثم قامت فخرجت) من عندي (فدخل) عليّ (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحدثته) بخبرها (فقال) عليه الصلاة والسلام: (من يلي) بالتحتية المفتوحة من الولاية (من هذه البنات شيئًا) ولأبي ذر عن الكشميهني من بلي بموحدة مضمومة من الابتلاء من هذه البنات بشيء. قال في شرح المشكاة: وهذه إشارة إلى جنسهن. وقال في فتح

الباري: واختلف في المراد بالابتلاء هل هو نفس وجودهن أو ابتلي بما يصدر منهن وهل هو على العموم في البنات، أو المراد من اتصف منهن بالحاجة إلى ما يفعل به. وقال النووي: إنما سماهن ابتلاء لأن الناس يكرهونهن في العادة قال تعالى: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم} [النحل: 58] (فأحسن إليهن) فيه إشعار بأن المراد من قوله من هذه أكثر من واحدة فالإشارة للجنس كما مرّ، وفي حديث ابن عباس عند الطبراني فقال رجل من الأعراب: واثنتين؟ فقال: واثنتين. وفي حديث أبي هريرة قلنا. وواحدة؟ قال: وواحدة. وزاد ابن ماجة "وأطعمهن وسقاهن وكساهن" وفي الطبراني من حديث ابن عباس "فأنفق عليهن وزوّجهن وأحسن أدبهن" وفي رواية عبد الحميد "فصبر عليهن" (كن له سترًا) أي حجابًا (من النار) وفيه تأكيد حقوق البنات لما فيهن من الضعف غالبًا عن القيام بمصالح أنفسهن بخلاف المذكور والحديث أخرجه مسلم في الأدب والترمذي في البر. 5996 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِىُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو قَتَادَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِى الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَصَلَّى، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَفَعَهَا. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي سعيد كيسان (المقبري) بضم الموحدة قال: (حدّثنا عمر بن سليم) بفتح العين وضم السين الأنصاري قال: (حدّثنا أبو قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري (قال: خرج علينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمامه) بضم الهمزة وتخفيف الميم (بنت أبي العاص) بن الربيع الأموي وهي ابنة زينب بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على عاتقه فصلّى) فرضًا وفي سنن أبي داود الظهر أو العصر، وفي المعجم الكبير للطبراني صلاة الصبح (فإذا ركع وضع) بحذف المفعول، ولأبي ذر عن الكشميهني: وضعها أي بالأرض خشية أي تسقط (وإذا رفع) رأسه من الركوع (رفعها) من الأرض، وفي أبواب سترة المصلي من أوائل الصلاة فإذا سجد وضعها ولا منافاة بينه وبين رواية الباب بل يحمل على أنه كان يفعل ذلك في الركوع والسجود، ولأي داود من طريق المقبري عن عمرو بن سليم حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده وقام أخذها فردها في مكانها وهذا صريح في أن الحمل والوضع كان منه لا منها. ومناسبة الحديث لما ترجم به من فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أمامة من الحمل المقتضي للشفقة والرحمة لابنة ابنته والحديث سبق في باب من حمل جارية صغيرة من كتاب الصلاة. 5997 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِىُّ جَالِسًا فَقَالَ الأَقْرَعُ: إِنَّ لِى عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: «مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (حدّثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قبّل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحسن بن علي) بفتح الحاء ابن بنته فاطمة -رضي الله عنهم- (وعنده الأقرع بن حابس التميمي) حال كونه (جالسًا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر جالس بالرفع وكان الأقرع من المؤلّفة وحسن إسلامه والواو في وعنده للحال (فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدًا فنظر إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قال): (من لا يرحم لا يُرحم) بفتح التحتية في الأوّل وضمها في الثاني والرفع والجزم في اللفظين فالرفع على الخبر. قال القاضي عياض: وعليه أكثر الرواة والجزم على أن من شرطية، لكن قال السهيلي: حمله على الخبر أشبه بسياق الكلام لأنه مردود على قول الرجل إن لي عشرة من الولد أي الذي يفعل هذا الفعل لا يرحم، ولو جعلت من شرطية لانقطع الكلام عما قبله بعض الانقطاع لأن الشرط وجوابه كلام مستأنف، ولأن الشرط إذا كان بعده فعل منفي فأكثر ما ورد منفيًا بلم لا بلا كقوله تعالى: {ومن لم يؤمن بالله} الفتح: 13] {ومن لم يتب} [الحجرات: 11] وإن كان الآخر جائزًا كقول زهير. ومن لا يظلم الناس يظلم اهـ. وتعقبه صاحب المصابيح فقال: تعليله انقطاع الكلام عما قبله على تقدير كون من شرطية بأن الشرط وجوابه كلام مستأنف غير ظاهر، فإن الجملة مستأنفة سواء جعلت من موصولة أو شرطية وتقديره الذي يفعل هذا الفعل ويتأتى مثله

على أن من شرطية أي من يفعل هذا الفعل فلا ينقطع الكلام ويصير مرتبطًا بما قبله ارتباطًا ظاهرًا. والرحمة من الخلق التعطف والرقة، وهذا لا يجوز على الله تعالى ومن الله تعالى الرضا عمن رحمه لأن من رق له القلب فقد رضي عنه أو الإنعام أو إرادة الخير لأن الملك إذا عطف على رعيته ورق لهم أصابهم بمعروفه وإنعامه، والحاصل أن الأولى على الحقيقة والثانية على المجاز. وقوله: من لا يرحم يشمل جميع أصناف الخلق فيرحم البر والفاجر والناطق والبهم والوحش والطير. وفي الحديث أن تقبيل الولد وغيره من المحارم وغيرهم إنما يكون للشفقة والرحمة لا للذة والشهوة وكذا الضم والشم والمعانقة، والحديث من أفراده. 5998 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن هشام عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت: (جاء أعرابي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال الحافظ: يحتمل أن يكون هو الأقرع بن حابس ووقع مثل ذلك لعيينة بن حصن أخرجه أبو يعلى الموصلي بسند رجاله ثقات، وفي كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني بإسناده عن أبي هريرة أن قيس بن عاصم دخل على النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر قصة شبيهة بلفظ حديث عائشة ويحتمل التعدد. (فقال: تقبلون) بحذف أداة الاستفهام وللكشميهني أتقبلون (الصبيان فما نقبلهم) وعند مسلم فقال: نعم قال: لكنا ما نقبل (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أو أملك لك) بفتح الواو والهمزة الأولى للاستفهام والواو للعطف على مقدّر بعد الهمزة نحو أو مخرجي هم (أن نزع الله من قلبك الرحمة) بفتح الهمزة مفعول أملك أي لا أقدر أن أجعل الرحمة في قلبك بعد أن نزعها الله منه. وقال الأشرف فيما نقله في شرح المشكاة: يروى أن بفتح الهمزة فهي مصدرية ويقدّر مضاف أي لا أملك لك دفع نزع الله من قلبك الرحمة. وقال الشيخ نور الدين البجيري: ويحتمل أن يكون مفعول أملك محذوفًا وأن نزع في موضع نصب على المفعول لأجله على أنه تعليل للنفي المستفاد من الاستفهام الإنكاري الإبطالي، والتقدير لا أملك وضع الرحمة في قلبك لأن نزعها الله منه أي انتفى ملكي لذلك لنزع الله إياها من قلبك اهـ. ويروى بكسر الهمزة شرطًا وجزاؤه محذوف وهو من جنس ما قبله أي إن نزع الله من قلبك الرحمة لا أملك ردها لك لكن قال الحافظ ابن حجر إنها بفتح الهمزة في الروايات كلها اهـ. وقول صاحب التنقيح والهمزة أي في أو أملك للاستفهام التوبيخي أي لا أملك لك، تعقبه في المصابيح بأنها لو كانت للتوبيخ لاقتضت وقوع ما بعدها لا نفيه أي نحو {أتعبدون ما تنحتون} [الصافات: 95] {أغير الله تدعون} [الأنعام: 40] وإنما هي هنا للإنكار الإبطالي المقتضي أن يكون ما بعدها غير واقع وأن مدعيه كاذب نحو: {أفاصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثًا} [الإسراء: 40] {فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون} [الصافات: 149] والمعنى هنا لا أملك لك جعل الرحمة فيك بعد أن نزعها الله من قلبك. وهذا الحديث من أفراده. 5999 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْىٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْىِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِى إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِى السَّبْىِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِى النَّارِ»؟ قُلْنَا لاَ وَهْىَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ فَقَالَ: «اللَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا». وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح. الغين المعجمة والسين المهملة المشددة محمد بن مطرف قال: (حدثني) بالإفراد (زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم مولى عمر (عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-) أنه (قال قدم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبي) من هوازن، وللكشميهني قدم بضم الفاف على صيغة المجهول بسبي بزيادة الجار (فإذا امرأة من السبي) أي يعرف ابن حجر اسمها (تحلب) بسكون الحاء المهملة وضم اللام (ثديها) بالإفراد والنصب مفعول، وفي نسخة قد تحلب، ولأبي ذر عن الكشميهني: قد تحلب بفتح الحاء واللام مشددة ثديها بالإفراد والرفع فاعل أي سأل منه اللبن ومنه سمي الحليب لتحلبه. وقال في فتح الباري: أي تهيأ لأن يحلب قال: ولغير الكشميهني ثدييها بالتثنية (تسقي) بفوقية مفتوحة وسكون المهملة وكسر القاف. قال الحافظ ابن حجر: وللكشميهني بسقي بموحدة مكسورة بل الفوقية وفتح المهملة

19 - باب جعل الله الرحمة مائة جزء

وسكون القاف وتنوين التحتية قال: وللباقين تسعى بفتح العين المهملة من السعي أي تمشي بسرعة تطلب ولدها الذي فقدته (إذا وجدت صبيًّا في السبي أخذته) أي فأرضعته ليخف عنها اللبن لكونها تضررت باجتماعه فوجدت ابنها فأخذته (فألصقته ببطنها وأرضعته) ولم يقف الحافظ ابن حجر على اسم ولدها. وقال العيني: إذا وجدت كلمة إذ ظرف، ويجوز أن تكون بدل اشتمال من امرأة قال: وفي بعض النسخ إذا أي بالإلف، لكن قال الحافظ ابن حجر: قوله إذا أي بالألف كذا للجميع (فقال لنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أترون) بضم الفوقية أي أتظنون (هذه) المرأة (طارحة ولدها) هذا (في النار قلنا لا) تطرحه (وهي تقدر على أن لا تطرحه) أي لا تطرحه مكرهة أبدًا (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لله) بفتح اللام للتأكيد وللإسماعيلي والله لله (أرحم بعباده) المؤمنين (من هذه) المرأة (بولدها). هذا وحكى الشيخ ابن أبي جمرة احتمال تعميمه حتى في الحيوانات، والحديث أخرجه مسلم في التوبة. 19 - باب جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (جعل الرحمة مائة جزء) ولأبي ذر: في مائة جزء. 6000 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ البَهْرانِيُّ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِى الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ». وبه قال: (حدّثنا الحكم) بفتحتين، ولأبي ذر: أبو اليمان الحكم (بن نافع البهراني) بفتح الموحدة وسكون الهاء نسبة إلى قبيلة من قضاعة ينتهي نسبهم إلى بهر بن عمرو بن الحاف بن قضاعة وهذه اللفظة ثابتة في رواية أبي ذر قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم قال: (أخبرنا سعيد بن المسيب) بفتح التحتية المشددة ابن حزن الإمام أبو محمد المخزومي أحد الأعلام وسيد التابعين (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (جعل الله الرحمة مائة جزء). وفي حديث سلمان عند مسلم: إن الله خلق مائة رحمة يوم خلق السماوات والأرض كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض الحديث. وخلق أي اخترع وأوجد بقوله كل رحمة طباق إلى آخره التعظيم والتكثير، ولأبي ذر في مائة جزء بزيادة في. قال في الكواكب: هي ظرفية يتم المعنى بدونها أو متعلقة بمحذوف وفيه نوع مبالغة حيث جعلها مظروفًا لها يعني بحيث لا يفوت منها شيء ورحمة الله غير متناهية لا مائة ولا مائتان لكنها عبارة عن القدرة المتعلقة بإيصال الخير والقدرة صفة واحدة والتعلق غير متناه فحصره في مائة في سبيل التمثيل تسهيلاً للفهم وتقليلاً لما عندنا وتكثيرًا لما عنده سبحانه وتعالى، وهل المراد بالمائة التكثير والمبالغة أو الحقيقة، فيحتمل أن تكون مناسبة لعدد درج الجنة والجنة هي على الرحمة فكانت كل رحمة بإزاء درجة، وقد ثبت أنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله فمن نالته منها رحمة واحدة كان أدنى أهل الجنة منزلة وأعلاهم من حصلت له جميع الأنواع من الرحمة (فأمسك) تعالى (عنده تسعة وتسعين جزءًا) ولمسلم من رواية عطاء عن أبي هريرة وأخّر عنده تسعة وتسعين رحمة (وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا) القياس وأنزل إلى الأرض لكن حروف الجرّ يقوم بعضها مقام بعض أو فيه تضمين فعل، والغرض منه المبالغة يعني أنزل رحمة واحدة منتشرة في جميع الأرض، وفي رواية عطاء أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم (فمن ذلك الجزء تتراحم الخلق) بالراء والحاء المهملة (حتى ترفع الفرس حافرها) هو كالظلف للشاة (عن ولدها خشية أن تصيبه) أي خشية الإصابة. وفي رواية عطاء: فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها يعطف الوحش على ولده، وفي حديث سلمان: فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض، وزاد أنه يكملها يوم القيامة مائة رحمة بالرحمة التي في الدنيا. وهذا الحديث أخرجه مسلم. 20 - باب قَتْلِ الْوَلَدِ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ (باب قتل الولد) أي قتل الرجل ولده (خشية أن يأكل معه) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني: باب التنوين أي الذنب أعظم. 6001 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ» ثُمَّ قَالَ: أَىُّ؟ قَالَ: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ» قَالَ: ثُمَّ أَىُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِىَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عمرو بن شرحبيل) بفتح العين وشرحبيل بضم الشين المعجمة

21 - باب وضع الصبى فى الحجر

وفتح الراء وسكون الحاء المهملة وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة لام بالصرف وعدمه في اليونينية الهمداني (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أن تجعل لله ندًّا) بكسر النون وتشديد الدال المهملة منوّنة أي شريكًا والند المثل ولا يقال إلا للمثل المخالف المنادد (وهو) أي والحال أنه (خلقك ثم قال): أي ابن مسعود ولأبي ذر قلت ثم (أي؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (أن تقتل ولدك خشية أن يأكل) ولأبي ذر عن الكشميهني: أن يطعم (معك) (قال) ابن مسعود (ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة) بالحاء المهملة أي زوجة (جارك) لأن فيه إساءة على من يستحق الإحسان (وأنزل الله تعالى تصديق قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في سورة الفرقان: ({والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر}) [الفرقان: 68] أي لا يشركون. زاد أبو ذر الآية. وهذا الحديث سبق في تفسير سورة الفرقان من كتاب التفسير. 21 - باب وَضْعِ الصَّبِىِّ فِى الْحِجْرِ (باب وضع الصبي في الحجر) شفقة وتعطفًا عليه، وسقط لأبي ذر لفظ باب فالتالي رفع. 6002 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَضَعَ صَبِيًّا فِى حِجْرِهِ يُحَنِّكُهُ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (محمد بن المثنى) أبو موسى العنزي قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن هشام) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وضع صبيًّا) هو عبد الله بن الزبير كما عند الدارقطني أو الحسين بن علي كما عند الحاكم (في حجره) بفتح الحاء المهملة وكسرها وسكون الجيم حال كونه (يحنكه) بأن ذلك حنكه بتمرة بعد أن مضغها (فبال) الصبي (عليه) أي على ثوبه (فدعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بماء فأتبعه) أي أتبع البول بالماء. وهذا الحديث قد سبق في باب بول الصبيان من كتاب الطهارة. 22 - باب وَضْعِ الصَّبِىِّ عَلَى الْفَخِذِ (باب وضع الصبي على الفخذ). 6003 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا تَمِيمَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ يُحَدِّثُهُ أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رضى الله عنهما- كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْخُذُنِى فَيُقْعِدُنِى عَلَى فَخِذِهِ وَيُقْعِدُ الْحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى ثُمَّ يَضُمُّهُمَا ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّى أَرْحَمُهُمَا». وَعَنْ عَلِىٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، قَالَ التَّيْمِىُّ: فَوَقَعَ فِى قَلْبِى مِنْهُ شَىْءٌ، قُلْتُ: حَدَّثْتُ بِهِ كَذَا وَكَذَا، فَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ أَبِى عُثْمَانَ فَنَظَرْتُ فَوَجَدْتُهُ عِنْدِى مَكْتُوبًا فِيمَا سَمِعْتُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد لأبي ذر ولغيره بالجمع (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عارم) بالعين المهملة وبعد الألف راء مكسورة فميم محمد بن الفضل السدوسي وهو من مشايخ المؤلّف روى عنه هنا بالواسطة قال: (حدّثنا المعتمر بن سليمان يحدث عن أبيه) سليمان بن طرخان التيمي أنه (قال: سمعت أبا تميمة) بفتح الفوقية طريف بفتح المهملة وكسر الراء آخره فاء ابن مجالد بالجيم الهجيمي بضم الهاء وفتح الجيم (يحدث عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل (النهدي) بفتح النون وسكون الهاء (يحدثه) أي يحدث أبا تميمة (أبو عثمان) النهدي (عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-) أنه قال: (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأخذني فيقعدني على فخذه) بالمعجمتين (ويقعد الحسن) بن علي (على فخذه الأخرى) بالتأنيث، ولأبي ذر: الآخر بالتذكير. واستشكل بأن أسامة أسنّ من الحسن بكثير لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره على جيش عند وفاته الشريفة وكان عمره فيما قيل عشرين سنة حينئذٍ وكان سن الحسن إذ ذاك ثمان سنين. وأجيب: باحتمال أن يكون أقعد أسامة على فخذه لنحو مرض أصابه فمرّضه بنفسه الشريفة لمزيد محبته له، وجاء الحسن فأقعده على الآخر أو أن إقعادهما ليس في وقت واحد أو عبّر عن إقعاده بحذاء فخذه لينظر في مرضه بقوله فيقعدني على فخذه مبالغة في شدة قربه منه (ثم يضمهما ثم يقول): (اللهم ارحمهما) بسكون الميم على الجزم أي صل خيرك إليهما (فإني أرحمهما) بضم الميم أي أرق لهما وأتعطف عليهما. والحديث سبق في فضائل أسامة وفضائل الحسن. (و) به قال: البخاري (عن علي) هو ابن المديني أنه (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا سليمان) بن طرخان (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل (قال التيمي) سليمان بن طرخان أبو المعتمر بالسند السابق (فوقع) أي لما حدثني به أبو تميمة وقع (في قلبي منه شيء) من شك هل سمعته من أبي تميمة عن أبي عثمان النهدي أو سمعته من أبي عثمان بغير واسطة (قلت) في نفسي (حدثت) بفتح الحاء والدال كذا في الفرع وأصله وفي نسخة حدثت بضم أوله وكسر ثانيه (به) بهذا الحديث (كذا وكذا) أي كثيرًا

23 - باب حسن العهد من الإيمان

(فلم أسمعه من أبي عثمان) النهدي (فنظرت) في كتابي (فوجدته) أي الحديث (عندي مكتوبًا) فيه (فيما سمعت) منه فزال الشك من عندي أي اعتمادًا على خطه وإن لم يتذكر، وهذا هو الراجح في الرواية. قال في فتح الباري فكأنه سمعه من أبي تميمة عن أبي عثمان، ثم لقي أبا عثمان فسمعه منه أو كان سمعه من أبي عثمان فثبته فيه أبو تميمة. 23 - باب حُسْنُ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ هذا (باب) بالتنوين (حسن العهد) وهو كما قال في النهاية الحفاظ ورعاية الحرمة أو حفظ الشيء ومراعاته حالاً بعد حال كما قال الراغب (من الإيمان) أي من كماله. 6004 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ وَلَقَدْ هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِى بِثَلاَثِ سِنِينَ لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِى الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ ثُمَّ يُهْدِى فِى خُلَّتِهَا مِنْهَا. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني (عبيد بن إسماعيل) الهباري قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: ما غرت) ما نافية (على امرأة ما غرت) موصولة أي الذي غرت (على) أي من (خديجة) رضي الله عنها (ولقد هلكت قبل أن يتزوجني) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بثلاث سنين لما) أي لأجل ما (كنت أسمعه يذكرها) ومن أحب شيئًا أكثر من ذكره (ولقد أمره ربه) عز وجل (أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب) من لؤلؤ مجوّف (وإن كان) مخففة من الثقيلة أي وإنه كان (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط ما بعد كان لأبي ذر (ليذبح الشاة) بلام التأكيد (ثم يهدي) بضم التحتية (في خلتها منها) أي من الشاة المذبوحة وزاد في فضل خديجة ما يسعهن، ولمسلم ثم يهديها إلى خلائلها وفي الصحاح الخلة الخليل يستوي فيه المذكر والمؤنث لأنه في الأصل مصدر قولك فلان خليل بين الخلة. والحاصل أن ما كان من المصادر اسمًا يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد وغيره، وجوز بعضهم أن يكون هذا من حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه أي ثم يهدي إلى أهل خلتها. فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟ أجيب: بأن لفظ الترجمة ورد في حديث عائشة عند الحاكم والبيهقي في الشعب من طريق صالح بن رستم عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: جاءت عجوز إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: كيف أنتم حالكم كيف كنتم بعدنا؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت قلت: يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال فقال: يا عائشة إنها كانت تأتينا زمان خديجة وإن حسن العهد من الإيمان، فاكتفى البخاري بالإشارة على عادته تشحيذًا للأذهان تغمده الله تعالى بالرحمة والرضوان. 24 - باب فَضْلِ مَنْ يَعُولُ يَتِيمًا (باب فضل من يعولُ يتيمًا) أي يربيه ويقوم بمصالحه من قوت وكسوة وغيرهما. 6005 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِى الْجَنَّةِ هَكَذَا»، وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري (قال: حدثني) بالإفراد (عبد العزيز بن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي (قال: حدثني) بالإفراد أيضًا (أبي) أبو حازم سلمة بن دينار (قال: سمعت سهل بن سعد) الساعدي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (أنا وكافل اليتيم) القائم بمصالحه (في الجنة هكذا وقال): أي أشار (بإصبعيه) بالتثنية (السبابة) بالموحدتين بينهما ألف والأولى مشددة ولأبي ذر عن الكشميهني السباحة بالحاء بدل الموحدة الثانية التي يشار بها في تشهد الصلاة وسميت بالسبابة أيضًا لأنه يسب بها الشيطان حينئذٍ (والوسطى) زاد في اللعان وفرج بينهما أي بين السبابة والوسطى قال ابن حجر: وفيه إشارة إلى أن بين درجة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى وهو نظير قوله "بعثت أنا والساعة كهاتين". والحديث سبق في الطلاق، وأخرجه أيضًا أبو داود والترمذي. 25 - باب السَّاعِى عَلَى الأَرْمَلَةِ (باب) فضل (الساعي على الأرملة) بفتح الميم. 6006 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «السَّاعِى عَلَى الأَرْمَلَةِ، وَالْمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ -أَوْ كَالَّذِى يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن صفوان بن سليم) بضم السين وفتح اللام مولى حميد بن عبد الرحمن المدني التابعي (يرفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). قال في الكواكب: هذا مرسل لأن صفوان تابعي لكن لما قال يرفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صار مسندًا مجهولاً لأنه لم يذكر شيخه فيها ما للنسيان

26 - باب الساعى على المسكين

أو لغرض آخر ولا قدح بسببه (قال): (الساعي على الأرملة) التي لا زوج لها سواء تزوجت قبل ذلك أم لا أو هي التي فارقها زوجها غنية كانت أو فقيرة وقال ابن قتيبة: سميت بذلك لما يحصل لها من الإرمال وهو الفقر وذهاب الزاد بفقد الزوج (والمسكين) والساعي هو الكاسب لهما العامل لمؤنتهما قاله النووي. قال في شرح المشكاة وإنما كان معنى الساعي على الأرملة ما قاله لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدّاه بعلى مضمنًا فيه معنى الإنفاق. وقوله (كالمجاهد في سبيل الله) أي في الأجر (أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل) متهجدًا والشك من الراوي وتعيينه يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى. 0000 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِىِّ، عَنْ أَبِى الْغَيْثِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .. مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن عبد الله الأويسي (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن ثور بن زيد) بالمثلثة وزيد من الزيادة (الديلي) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية بغير همز وكسر اللام المدني (عن أبي الغيث) بالمعجمة والمثلثة سالم (مولى) عبد الله (بن مطيع عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله) أي مثل الحديث السابق. 26 - باب السَّاعِى عَلَى الْمِسْكِينِ (باب) فضل (الساعي على المسكين) أي لأجل المسكين وهو الكاسب. 6007 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِى الْغَيْثِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «السَّاعِى عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ»، وَأَحْسِبُهُ قَالَ: يَشُكُّ الْقَعْنَبِىُّ: «كَالْقَائِمِ لاَ يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لاَ يُفْطِرُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا مالك) إمام الأئمة ابن أنس الأصبحي (عن ثور بن زيد) الديلي (عن أبي الغيث) سالم (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الساعي) الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفقه (على) المرأة (الأرملة) بفتح الميم التي لا زوج لها (والمسكين) في الثواب (كالمجاهد في سبيل الله) تعالى. قال عبد الله القعنبي: (وأحسبه) أي أحسب مالكًا (قال: يشك القعنبي) جملة معترضة بين القول ومقوله وهو قوله (كالقائم) الليل مجتهدًا (لا يفتر) أي لا يضعف عن التهجد (وكالصائم) النهار (لا يفطر) كقولهم نهاره صائم وليله قائم يريدون الديمومة. والألف واللام في قوله كالقائم وكالصائم غير معرفين ولذا وصف كل واحد بجملة فعلية بعده كقوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني 27 - باب رَحْمَةِ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ (باب رحمة الناس بالبهائم) كذا في الفرع وفي أصله وغيره الشراح بالواو بدل الموحدة وهو ظاهر من الأحاديث المسوقة في الباب وليس فيها ما يدل للأوّل. 6008 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِى سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً فَظَنَّ أَنَّا اشْتَقْنَا أَهْلَنَا وَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا فِى أَهْلِنَا فَأَخْبَرْنَاهُ، وَكَانَ رَفِيقًا رَحِيمًا فَقَالَ «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِى أُصَلِّى وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا إسماعيل) بن إبراهيم يعرف بأمه علية قال: (حدّثنا أيوب) بن أبي تميمة السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (عن أبي سليمان مالك بن الحويرث) الليثي نزيل البصرة أنه (قال: أتينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن شببة) جمع شاب مثل كتبة وكاتب (متقاربون) في السن (فأقمنا عنده عشرين ليلة فظن) عليه الصلاة والسلام (أنّا اشتقنا أهلنا) ولأبي ذر: إلى أهلينا بزيادة حرف الجرّ والتحتية الساكنة بعد اللام (وسألنا) بفتح اللام (عمن تركنا في أهلنا) ولأبي ذر في أهلينا (فأخبرناه) بذلك (وكان رفيقًا) بالفاء ثم القاف من الرفق، ولأبي ذر عن الكشميهني رقيقًا بقافين من الرقة (رحيمًا فقال) لهم: (ارجعوا إلى أهليكم) من المجموع النادرة حيث يجمع على الأهلين والأهلات والأهالي (فعلموهم) أي الشرع (ومروهم) بالمأمورات أو علموهم الصلاة وأمروهم بها (وصلوا كما رأيتموني أصلي وإذا) بالواو ولأبي ذر فإذا (حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم) ولأبي ذر وليؤمكم بالواو بدل ثم (أكبركم) سنًّا. والحديث قد مرّ في باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة من كتاب الصلاة. 6009 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ سُمَىٍّ مَوْلَى أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِى كَانَ بَلَغَ بِى، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ»، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِى الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ فَقَالَ، «فِى كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (مالك) إمام دار الهجرة (عن سميّ) بضم السين وفتح الميم وتشديد التحتية (مولى أبي بكر) أي ابن عبد الرحمن المخزومي (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بينما) بالميم (رجل) أي يسم (يمشي بطريق اشتد) ولأبي ذر واشتد (عليه العطش فوجد بئرًا فنزل فيها فشرب ثم خرج) منها (فإذا كلب يلهث) بالمثلثة يخرج لسانه من العطش (يأكل الثرى) بالمثلثة التراب

الندي (من العطش) الشديد الذي أصابه (فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب) بالنصب على المفعولية (من العطش مثل الذي كان بلغ بي فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه) أي بفمه (فسقى الكلب فشكر الله) عز وجل (له) ذلك أي جازاه عليه (فغفر له قالوا: يا رسول الله وإن لنا في) سقي (البهائم أجرًا؟ فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في) ولأبي ذر عن الكشمهني نعم في (كل ذات كبد رطبة) أي في سقي كل حيوان (أجر) والرطوبة كناية عن الحياة. وهذا الحديث سبق في باب فضل سقي الماء من الشرب. 6010 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى صَلاَةٍ وَقُمْنَا مَعَهُ فَقَالَ أَعْرَابِىٌّ وَهْوَ فِى الصَّلاَةِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِى وَمُحَمَّدًا وَلاَ تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِلأَعْرَابِىِّ: «لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا» يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صلاة وقمنا معه فقال أعرابي) قيل هو الخويصرة وقيل الأقرع بن حابس (وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا فلما سلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الصلاة (قال للأعرابي): (لقد حجرت) بفتح المهملة وتشديد الجيم وسكون الراء ضيقت (واسعًا) وخصصت ما هو عام (يريد) عليه الصلاة والسلام (رحمةَ الله) عز وجل التي وسعت كل شيء. والحديث من إفراده. 6011 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِى تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة (عن عامر) هو الشعبي أنه (قال: سمعته يقول: سمعت النعمان بن بشير) الأنصاري -رضي الله عنه- (يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ترى المؤمنين في تراحمهم) بأن يرحم بعضهم بعضًا بأخوة الإسلام لا بسبب آخر (وتوادّهم) بتشديد الدال وأصله بدالين فأدغمت الأولى في الثانية أي تواصلهم الجالب للمحبة كالتزاور والتهادي (وتعاطفهم) بأن يعين بعضهم بعضًا كما يعطف طرف الثوب عليه ليقويه (كمثل الجسد) بالنسبة إلى جميع أعضائه ومثل بفتحتين (إذا اشتكى عضوًا) منه (تداعى له سائر جسده) دعا بعضه بعضًا إلى المشاركة (بالسهر) لأن لم يمنع النوم (والحمى) لأن فقد النوم يثيرها، والحاصل أن مثل الجسد في كونه إذا اشتكى بعضه اشتكى كله كالشجرة إذا ضرب غصن من أغصانها اهتزت الأغصان كلها بالتحرك والاضطراب وفيه جواز التشبيه وضرب الأمثال لتقريب المعاني للأفهام. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب أيضًا. 6012 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ غَرَسَ غَرْسًا فَأَكَلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ أَوْ دَابَّةٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- سقط لأبي ذر ابن مالك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما من مسلم غرس غرسًا فأكل) بلفظ الماضي كغرس ولأبي ذر عن الكشميهني يأكل (منه إنسان أو دابة) من عطف العام على الخاص إن كان المراد ما دب على الأرض أو من عطف الجنس على الجنس إن كان المراد الدابة المعروفة (إلا كان له صدقة) ولأبي ذر له به صدقة وإن لم يقصد ذلك عينًا. والحديث سبق في المزارعة. 6013 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِى زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدثني) بالإفراد (زيد بن وهب) أبو سليمان الهمداني (قال: سمعت جرير بن عبد الله) البجلي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من لا يرحم) الخلق من مؤمن وكافر وبهائم مملوكة وغيرها كأن يتعاهدهم بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب في الدنيا (لا يرحم) في الآخرة ويرحم الأولى للفاعل والثانية للمفعول، وعند الطبراني: من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء. وقال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون المعنى من لا يرحم نفسه بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه لا يرحمه الله لأنه ليس له عنده عهد فتكون الرحمة الأولى بمعنى الأعمال والثانية بمعنى الجزاء أي لا يثاب إلا من عمل صالحًا، وفي إطلاق رحمة العباد في مقابلة رحمة

28 - باب الوصاءة بالجار وقول الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا} -إلى قوله- {مختالا فخورا} [النساء: 36]

الله نوع مشاكلة ويرحم مرفوع على أن من موصولة والجزم على تضمنها معنى الشرط. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد ومسلم في فضائله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 28 - باب الْوَصَاءَةِ بِالْجَارِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} -إِلَى قَوْلِهِ- {مُخْتَالاً فَخُورًا} [النساء: 36] (باب) وفي نسخة كتاب (الوصاءة بالجار) بفتح الواو والصاد المهملة المخففة بعدها همزة ممدودًا لغة في الوصية وكذا الوصاية بإبدال الهمزة ياء وفي نسخة كتاب البر والصلة (وقول الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا}) وأحسنوا بهما إحسانًا (إلى قوله: {مختالاً) تياهًا جهولاً يتكبر عن إكرام أقاربه وأصحابه ومماليكه فلا يلتفت إليهم ({فخورًا}) [النساء: 36] يفخر على عباد الله بما أعطاه من أنواع نعمه، وسقط لأبي ذر قوله إلى قوله {مختالاً فخورًا} وقال بعد قوله {إحسانًا} الآية، والمراد من الآية ما فيها من الإحسان بالجار والجار ذي القربى الذي قرب جواره والجار الجنب الذي بعد جواره أو الجار الأوّل القريب والنسب والآخر الأجنبي. 6014 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا زَالَ يُوصِينِى جِبْرِيلُ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو بكر بن محمد) أي ابن عمرو بن حزم (عن عمرة) بنت عبد الرحمن (عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما زال جبريل) عليه السلام (يوصيني بالجار) مسلمًا كان أو كافرًا عابدًا أو فاسقًا صديقًا أو عدوًّا غريبًا أو بلديًّا ضارًّا أو نافعًا قريبًا أو أجنبيًّا قريب الدار أو بعيدها (حتى ظننت أنه سيورثه) أي أنه يأمرني عن الله بتوريث الجار من جاره بأن يجعله مشاركًا في المال مع الأقارب بسهم يعطاه، وفي البخاري من حديث جابر بلفظ "حتى ظننت أنه يجعل له ميراثًا". وفي حديث جابر عند الطبراني رفعه: الجيران ثلاثة. جار له حق وهو المشرك له حق الجوار. وجار له حقان وهو المسلم له حق الجوار وحق الإسلام. وجار له ثلاثة حقوق جار مسلم له رحم له حق الجوار والإسلام والرحم. وحديث الباب أخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجة في الأدب والترمذي في البر. 6015 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِى بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن منهال) التميمي البصري الحافظ قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا عمر بن محمد) بضم العين (عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (عن ابن عمر) جده (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما زال جبربل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) ويحصل امتثال الوصية بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة كالهدية والسلام وطلاقة الوجه عند لقائه وتفقد حاله ومعاونته فيما يحتاج إليه، وكف أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه حسية كانت أو معنوية. 29 - باب إِثْمِ مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ يُوبِقْهُنَّ: يُهْلِكْهُنَّ. مَوْبِقًا: مَهْلِكًا (باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه) بموحدة فواو مفتوحتين وبعد الألف تحتية مكسورة فقاف فهاء جمع بائقة وهي الغائلة أي لا يأمن جاره غوائله وشره (يوبقهن) من قوله تعالى: ({أو يوبقهن بما كسبوا} [الشورى: 34] قال أبو عبيد (يهلكهن. موبقًا) من قوله تعالى: ({وجعلنا بينهم موبقًا} [الكهف: 52] (مهلكًا) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. 6016 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى شُرَيْحٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ» قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الَّذِى لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ» تَابَعَهُ شَبَابَةُ وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى. وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ: وَعُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ وَشُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ أَبِى ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِىِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. وبه قال: (حدّثنا عاصم بن علي) الواسطي قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن سعيد) المقبري (عن أبي شريح) بضم المعجمة وفتح الراء آخره حاء مهملة خويلد الخزاعي الصحابي -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن) بالتكرار ثلاثًا أي إيمانًا كاملاً أو هو في حق المستحل أو أنه لا يجازى مجازاة المؤمن فيدخل الجنة من أوّل وهلة مثلاً أو أنه خرج مخرج الزجر والتغليظ (قيل: ومن يا رسول الله)؟ أي ومن الذي لا يؤمن والواو في ومن عطف على مقدر أي سمعنا قولك وما سمعنا من هو أو الواو زائدة أو استئنافية. قال في الفتح: ولأحمد من حديث ابن مسعود أنه السائل عن ذلك قال: وذكره المنذري في ترغيبه بلفظ: قالوا يا رسول الله لقد خاب وخسر من هو؟ وعزاه للبخاري وحده وما رأيته فيه بهذه الزيادة ولا ذكرها الحميدي في الجمع (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الذي لا يأمن جاره بوائقه)

30 - باب لا تحقرن جارة لجارتها

بفتح التحتية من يأمن وفيه مع قوله لا يؤمن بالضم جناس التحريف والأول من الإيمان والثاني من الأمان وفي تكرير القسم ثلاثًا تأكيد حق الجار والحديث من إفراده. (تابعه) أي تابع عاصم بن علي (شبابة) بفتح المعجمة وبموحدتين بينهما ألف مخففًا ابن سوار بفتح المهملة والواو وبعد الألف راء الفزاري في روايته عن ابن أبي ذئب مما وصله الإسماعيلي الأموي أسد السنة في روايته عن ابن أبي ذئب أيضًا (و) تابعه أيضًا (أسد بن موسى) مما أخرجه الطبراني في مكارم الأخلاق (وقال حميد بن الأسود) بضم الحاء المهملة مصغرًا الكرابيسي وهذه الرواية قال في المقدمة: لم أرها (و) قال (عثمان بن عمر) بضم العين ابن فارس البصري مما وصله أحمد في مسنده عنه (وأبو بكر بن عياش) بالتحتية والمعجمة القاري راوي عاصم (وشعيب بن إسحاق) الدمشقي قال الحافظ ابن حجر لم أرها الأربعة (عن ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن المقبري) بضم الموحدة سعيد (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-، وقد اختلف أصحاب ابن أبي ذئب في صحابي هذا الحديث فقال سعيد المقبري وشبابة وأسد بن موسى عن أبي شريح. وقال الأربعة حميد وعثمان وابن عياش وشعيب عن أبي هريرة، فقال أحمد فيما روي عنه: من سمع من ابن أبي ذئب ببغداد يقول عن أبي شريح، ومن سمع منه بالمدينة يقول أبو هريرة. وصنيع البخاري يقتضي تصحيح الوجهين. 30 - باب لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا تحقرن) بكسر القاف (جارة لجارتها). 6017 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ هُوَ الْمَقْبُرِىُّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) الدمشقي ثم التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا سعيد هو المقبري) بضم الموحدة وسقطت لفظة هو لأبي ذر (عن أبيه) كيسان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يا نساء) الأنفس (المسلمات) من إضافة الموصوف إلى صفته أو تقديره يا فاضلات المسلمات كما يقال هؤلاء رجال القوم أي ساداتهم وأفاضلهم (لا تحقرن جارة) أن تهدي (لجارتها) شيئًا (ولو) أنها تهدي لها (فرسن شاة) بكسر الفاء والسين المهملة بينهما راء وهو ما فوق حافرها وهو كالقدم للإنسان أي ولو كان المهدي مما لا ينتفع به غالبًا ولتهد ما تيسر وإن كان قليلاً إذ هو خير من العدم، وخص النهي بالنساء لأنهن مواد المودة والبغضاء ولأنهن أسرع انفعالاً في كل منهما. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الزكاة. 31 - باب مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ هذا (باب) بالتنوين (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره). 6018 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِى حَصِينٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي وسقط لأبي ذر ابن سعيد قال: (حدّثنا أبو الأحوص) سلام بتشديد اللام ابن سليم الكوفي (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من كان يؤمن بالله) الذي خلقه إيمانًا كاملاً (واليوم الآخر) الذي إليه معاده وفيه مجازاته بعمله (فلا يؤذ جاره) فيه مع سابقه الأمر بحفظ الجار وإيصال الخير إليه وكف أسباب الضرر عنه. قال في بهجة النفوس: وإذا كان هذا في حق الجار مع الحائل بين الشخص وبينه فينبغي له أن يراعي حق الملكين الحافظين اللذين ليس بينه وبينهما جدار ولا حائل فلا يؤذيهما بإيقاع المخالفات في مرور الساعات، فقد جاء أنهما يسران بوقوع الحسنات ويحزنان بوقوع السيئات فينبغي مراعاة جانبهما وحفظ خواطرهما بالتكثير من عمل الطاعة والمواظبة على اجتناب المعصية فهما أولى برعاية الحق من كثير من الجيران (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه). قال الداودي فيما نقله عنه في المصابيح يعني يزيد في إكرامه على ما كان يفعل في عياله، وقال في الكواكب: الأمر بالإكرام يختلف بحسب المقامات فربما يكون فرض عين أو فرض كفاية وأقله أنه من باب مكارم الأخلاق (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا) ليغنم

32 - باب حق الجوار فى قرب الأبواب

(أو ليصمت) بضم الميم وقد تكسر أي ليسكت عن الشر ليسلم إذ آفات اللسان كثيرة فاحفظ لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك، وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم. قال ابن مسعود: ما شيء أحوج إلى طول سجن من لسان، ولبعضهما: اللسان حية مسكنها الفم. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الإيمان وابن ماجة في الفتن. 6019 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِى سَعِيدٌ الْمَقْبُرِىُّ، عَنْ أَبِى شُرَيْحٍ الْعَدَوِىِّ قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَاىَ، وَأَبْصَرَتْ عَيْنَاىَ حِينَ تَكَلَّمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ» قَالَ: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الكلاعي الحافظ قال: (حدثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدثني) بالإفراد (سعيد المقبري عن أبي شريح) بضم المعجمة وفتح الراء آخره مهملة خويلد (العدوي) الخزاعي الكعبي الصحابيّ -رضي الله عنه- (قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفائدة قوله سمعت وأبصرت التوكيد (فقال): (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) وفي مسلم من حديث أبي هريرة فليحسن إلى جاره (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته) نصب مفعول ثان ليكرم لأنه في معنى الإعطاء أو بنزع الخافض أي بجائزته والجائزة العطاء (قيل: وما جائزته يا رسول الله؟ فقال): جائزته (يوم وليلة) وجاز وقوع الزمان خبرًا عن الجثة إما باعتبار أن له حكم الظرف وإما مضاف مقدر أي زمان جائزته يوم وليلة (والضيافة ثلاثة أيام) باليوم الأول أو ثلاثة بعده والأول أشبه قال الخطابي: أي يتكلف له يومًا وليلة فيتحفه ويزيده في البر على ما يحضره في سائر الأيام وفي اليومين الأخيرين يقدم له ما حضر فإذا مضت الثلاثة فقد قضى حقه (فما كان) من البر (وراء ذلك) المذكور من الثلاثة (فهو صدقة عليه) وفي التعبير بالصدقة تنفير عنه لأن كثيرًا من الناس يأنفون غالبًا من أكل الصدقة وفي مسلم الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة وهو يدل على المغايرة أي قدر ما يجوز به المسافر ما يكفيه يومًا وليلة أو أن قوله وجائزته بيان لحالة أخرى وهو أن المسافر تارة يقيم عند من ينزل عليه فهذا لا يزاد على الثلاثة وتارة لا يقيم فهذا يعطي ما يجوز به قدر كفايته يومًا وليلة ومنه حديث أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسيكون لنا عودة إن شاء الله تعالى بعونه وقوّته إلى بقية مباحث هذا في باب إكرام الضيف. (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) بضم الميم. وقال الطوفي: بكسرها سمعناه وهو القياس كضرب يضرب يعني أن المرء إذا أراد أن يتكلم فليتفكّر قبل كلامه فإن علم أنه لا يترتب عليه مفسدة ولا يجرّ إلى محرم ولا مكروه فليتكلم وإن كان مباحًا فالسلامة في السكوت لئلا يجر المباح إلى محرم أو مكروه وقد اشتمل هذا الحديث من الطريقين على أمور ثلاثة تجمع مكارم الأخلاق الفعلية والقولية أما الأوّلان فمن الفعلية وأولهما يرجع إلى الأمر بالتخلي عن الرذيلة والثاني يرجع إلى الأمر بالتحلي بالفضيلة والحاصل أن من كان كامل الإيمان فهو متصف بالشفقة على خلق الله قولاً بالخير أو سكوتًا عن الشر أو فعلاً لما ينفع أو تركًا لما يضر. 32 - باب حَقِّ الْجِوَارِ فِى قُرْبِ الأَبْوَابِ (باب حق الجوار في قرب الأبواب) فمن كان أقرب كان الحق له. 6020 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو عِمْرَانَ قَالَ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِى جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِى قَالَ: «إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا». وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) الأنماطي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو عمران) عبد الملك الجوني بفتح الجيم وسكون الواو بعدها نون البصري (قال: سمعت طلحة) بن عبد الله بن عثمان بن عبيد الله التيمي القرشي (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي)؟ بضم الهمزة من الإِهداء (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إلى أقربهما منك بابًا) نصب على التمييز أي أشدهما قربًا لأنه يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوّف لها بخلاف الأبعد وروي عن عليّ من سمع النداء فهو جار، وعن عائشة حق الجوار أربعون دارًا من كل جانب وعن كعب بن مالك عند الطبراني بسند ضعيف مرفوعًا: ألا إن أربعين دارًا جار. وحديث الباب سبق في الشفعة. 33 - باب كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (كل معروف) يفعله

34 - باب طيب الكلام وقال أبو هريرة: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «الكلمة الطيبة صدقة»

الإنسان أو يقوله من الخير مما ندب إليه الشارع أو نهى عنه يكتب له به (صدقة). 6021 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عياش) بالتحتية والمعجمة الحمصي قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة المشددة المفتوحتين وبعد الألف نون محمد بن مطرف بكسر الراء المشددة (قال: حدثني) بالإفراد (محمد بن المنكدر) بضم الميم وسكون النون وفتح الكاف وكسر الدال بعدها راء ابن عبد الله التيمي المدني الحافظ (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (كل معروف صدقة) وزاد الدارقطني والحاكم من طريق عبد الحميد بن الحسن الهلالي عن ابن المنكدر "وما أنفق الرجل على أهله كتب له به صدقة وما وقى المرء به عرضه فهو صدقة" وأخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق ابن المنكدر عن أبيه وزاد: ومن المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق وأن تكفئ من دلوك في إناء أخيك ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري، لكن قال شيخنا الحافظ السخاوي: الذي رأيته في الأدب المفرد إنما هو من طريق أبي غسان الذي أخرجه في الصحيح من جهته ولفظهما سواء. نعم هو في مسند أحمد من طريق ابن المنكدر باللفظ المشار إليه اهـ. وحديث الباب من أفراد البخاري، وأخرجه مسلم من حديث حذيفة والله أعلم. 6022 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «فَيُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ: «فَيَأْمُرُ بِالْخَيْرِ أَوْ قَالَ: بِالْمَعْرُوفِ» قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قَالَ: «فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا سعيد بن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر (بن أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري) سقط لفظ الأشعري لأبي ذر (عن أبيه) أي بردة (عن جده) أبي موسى أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (على كل مسلم) في مكارم الأخلاق (صدقة) وليس ذلك فرضًا إجماعًا (قالوا: فإن لم يجد)؟ ما يتصدق به (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فيعمل بيديه) بالتثنية (فينفع نفسه) بما يكسبه من صناعة وتجارة ونحوهما بإنفاقه عليها ومن تلزمه نفقته ويستغني بذلك عن ذل السؤال لغيره (ويتصدق) فينفع غيره ويؤجر وقوله فيعمل فينفع ويتصدق بالرفع في الثلاثة خبر بمعنى الأمر قاله ابن مالك (قالوا: فإن لم يستطع) أي بأن عجز عن ذلك (أو لم يفعل)؟ ذلك كسلاً والشك من الراوي. (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فيعين) بالقول أو الفعل أو بهما (ذا الحاجة الملهوف) أي المظلوم المستغيث يقال: لهف الرجل إذا ظلم أو المحزون المكروب (قالوا: فإن لم يفعل)؟ ذلك عجرًا أو كسلاً (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فيأمر) ولأبي ذر فليأمر (بالخير أو قال بالمعروف) بالشك من الراوي أيضًا (قال: فإن لم يفعل؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (فيمسك) ولأبي ذر فليمسك (عن الشر فإنه) أي الإمساك عنه (له صدقة) يثاب عليها وتمسك به من قال: إن الترك عمل وكسب للعبد خلافًا لمن قال: إنه ليس بعمل. وسيكون لنا عودة إن شاء الله تعالى بقوّته وعونه إلى بقية مباحث ذلك في الرقاق، وسبق الحديث في الزكاة. 34 - باب طِيبِ الْكَلاَمِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ» (باب طيب الكلام. وقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الكلمة الطيبة صدقة) كإعطاء المال لأن إعطاءه يفرح به قلب من يعطاه ويذهب ما في قلبه وكذلك الكلمة الطيبة كما قال ابن بطال، وهذا التعليق طرف من حديث وصله المؤلّف في الصلح والجهاد. 6023 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِى عَمْرٌو، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: النَّارَ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا وَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ، -، قَالَ شُعْبَةُ: أَمَّا مَرَّتَيْنِ فَلاَ أَشُكُّ ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن مرة (عن خيثمة) بفتح الخاء المعجمة وبعد التحتية الساكنة مثلثة مفتوحة ابن عبد الرحمن (عن عدي بن حاتم) بالحاء المهملة الطائي أنه (قال: ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النار فتعوّذ منها) تعليمًا لأمته (وأشاح) بهمزة مفتوحة وشين معجمة بعدها ألف أي أعرض (بوجهه) فعل الحذر من الشيء الكاره له كأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يراها ويحذر وهجها فينحّي وجهه الكريم عنها (ثم ذكر النار فتعوّذ منها وأشاح بوجهه. قال شعبة) بن الحجاج بالسند السابق: (أما مرتين فلا أشك) وأما ثلاث مرات فأشك

35 - باب الرفق فى الأمر كله

وأما بفتح الهمزة (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اتقوا النار ولو بشق تمرة) بكسر الشين المعجمة نصف تمرة (فإن لم يجد) أحدكم شق تمرة والذي في اليونينية تجد بالفوقية (فبكلمة طيبة) وذكر الإفراد بعد الجمع من باب الالتفات. والحديث سبق في صفة النار. 35 - باب الرِّفْقِ فِى الأَمْرِ كُلِّهِ (باب) فضل (الرفق) بكسر الراء لين الجانب والأخذ بالأسهل (في الأمر كله). 6024 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَهْلاً يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِى الأَمْرِ كُلِّهِ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط قوله زوج النبي إلى آخره لأبي ذر (قالت: دخل رهط من اليهود) هو من الرجال ما دون العشرة (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: السام) بالمهملة وتخفيف أم الموت (عليكم. قالت عائشة) -رضي الله عنها- (ففهمتها فقلت) لهم (وعليكم السام واللعنة) سقطت الواو لأبي ذر (قالت: فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مهلاً) بفتح الميم وسكون الهاء منصوب على المصدرية يستوي فيه الواحد فأكثر والمذكر والمؤنث أي تأني وارفقي (يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله) ولمسلم من حديث أبي شريح بن هانئ عنها أن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شأنه (فقلت: يا رسول الله ولم تسمع ما قالوا)؟ ولأبي ذر: أولم بهمزة الاستفهام وواو العطف (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قد قلت) لهم (وعليكم) بواو العطف الساقطة لأبي ذر، واستشكل بأن العطف يقتضي التشريك وهو غير جائز. وأجيب: بأن المشاركة في الموت أي نحن وأنتم كلنا نموت أو أن الواو للاستئناف لا للعطف أو تقديره وأقول عليكم ما تستحقونه، وإنما اختار هذه الصيغة لتكون أبعد عن الإيحاش وأقرب إلى الرفق. والحديث أخرجه مسلم في الاستئذان والنسائي في التفسير وفي اليوم والليلة. 6025 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِى الْمَسْجِدِ فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لا تُزْرِمُوهُ» ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) أو محمد الحجبي البصري قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم (عن ثابت) هو ابن أسلم البناني ولأبي ذر قال: حدّثنا ثابت (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- وسقط لأبي ذر ابن مالك (أن أعرابيًّا بال في المسجد فقاموا) أي الصحابة (إليه) لينالوا منه ضربًا أو غيره (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لهم: (لا تزرموه) بضم الفوقية وسكون المعجمة وكسر الراء وضم الميم أي لا تقطعوا عليه بوله (ثم دعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بدلو من ماء فصب عليه) بضم الصاد المهملة أي محل البول. وسبق الحديث في باب ترك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد في كتاب الطهارة. 36 - باب تَعَاوُنِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا (باب) فضل (تعاون المؤمنين بعضهم بعضًا) بجرّ بعضهم بدلاً من المؤمنين بدل بعض من كل ويجوز الضم أيضًا، وقول الكرماني بعضًا نصب بنزع الخافض أي للبعض، وتعقبه العيني بأن الأوجه أن يكون مفعول المصدر المضاف إلى فاعله وهو لفظ التعاون لأن المصدر يعمل عمل فعله. 6026 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، بُرَيْدِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِى جَدِّى أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. وَكَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ» وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء (بريد) بن عبد الله (بن أبي بردة) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله وسقط لأبي ذر بردة الأولى (قال: أخبرني) بالإفراد (جدي أبو بردة) عامر (عن أبيه أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (المؤمن) أي بعض المؤمن (للمؤمن كالبنيان) فالألف واللام في المؤمن للجنس (يشدّ بعضه بعضًا) بيان لوجه التشبيه كقوله (ثم شبك بين أصابعه) أي شدًّا مثل هذا الشد (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالسًا إذ جاء رجل يسأل أو طالب حاجة) بالإضافة ولأبي ذر أو طالب بالتنوين حاجة نصب مفعول والشك من الراوي وإذ بسكون الذال المعجمة في الفرع وفيه وفي اليونينية بغير رقم إذا بألف، وقال في الفتح: كذا أي بالألف في النسخ من رواية محمد الفريابي عن سفيان

37 - باب

الثوري وفي تركيبه قلق ولعله كان الأصل كان إذا كان جالسًا إذا جاءه رجل فحذف اختصارًا أو سقط من الراوي لفظ إذا كان على أنني تتبعت ألفاظ الحديث من الطرق فلم أره في شيء منها بلفظ جالسًا، وتعقبه العيني بأنه لا قلق في التركيب أصلاً قال: وآفة هذا من ظن أن جالسًا خبر كان وليس كذلك، وإنما خبر كان قوله أقبل علينا وجالساً حال، وعند أبي نعيم من رواية إسحاق بن زريق عن الفريابي كان رسول اللهّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا جاءه السائل أو طالب الحاجة (أقبل علينا بوجهه) الشريف (فقال: اشفعوا) في قضاء حاجة السائل أو الطالب (فلتؤجروا) بسكون اللام في الفرع. وقال في الكواكب: الفاء للسببية التي ينصب بعدها الفعل المضارع واللام بالكسر بمعنى كي وجاز اجتماعهما لأنهما لأمر واحد أو هي زائدة على مذهب الأخفش كزيادتها في قوله قوموا فلأصلي لكم أي اشفعوا كي تؤجروا، ويحتمل أن تكون اللام لام الأمر والمأمور به التعرض للأجر بالشفاعة فكأنه قال: اشفعوا تتعرضوا بذلك للأجر وتكسر هذه اللام على أصل لام الأمر ويجوز تسكينها تخفيفًا لأجل الحركة التي قبلها، ولكريمة مما في الفتح تؤجروا والجزم بحذف النون على جواب الأمر المتضمن معنى الشرط وهو واضح، وللنسائي: اشفعوا تشفعوا (وليقض الله) بسكون اللام في الفرع، قال في الفتح: كذا في هذه الرواية باللام، وقال القرطبي: لا يصح أن تكون لام الأمر لأن الله لا يؤمر ولا لام كي لأنه ثبت في الرواية بغير ياء، ويحتمل أن تكون بمعنى الدعاء أي: اللهم اقض أو الأمر هنا بمعنى الخبر أي إن عرض المحتاج حاجة عليّ فاشفعوا له إليّ فإنكم إذا شفعتم حصل لكم الأجر سواء قبلت شفاعتكم أو لا، ويجري الله (على لسان نبيه ما شاء) من موجبات قضاء الحاجة أو عدمها. والحديث أخرجه النسائي. 37 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ مُقِيتًا} [النساء: 85] كِفْلٌ: نَصِيبٌ. قَالَ أَبُو مُوسَى كِفْلَيْنِ: أَجْرَيْنِ بِالْحَبَشِيَّةِ. (باب قول الله تعالى {من يشفع شفاعة حسنة}) وهي التي روعي بها حق مسلم ودفع بها عنه شر أو جلب إليه خير وابتغي وجه الله ولم يؤخذ عليها رشوة وكانت في أمر جائز لا في حدّ من حدود الله ولا في حق من الحقوق {يكن له نصيب منها} من ثواب الشفاعة {ومن يشفع شفاعة سيئة} هي خلاف الشفاعة الحسنة {يكن له كفل منها} نصيب قال في اللباب: الظاهر أن من فى قوله هنا منها سببية أي كفل بسببها ونصيب بسببها ويجوز أن تكون ابتدائية {وكان الله على كل شيء مقيتًا} [النساء: 85] مقتدرًا من أقات على الشيء اقتدر عليه أو حفيظًا من القوت لأنه يمسك النفس ويحفظها وسقط قوله: {ومن يشفع شفاعة سيئة} إلى آخره لأبي ذر. (كفل) أي (نصيب) قاله أبو عبيدة زاد غيره إلا أن استعماله في الشر أكثر عكس النصيب وإن كان قد استعمل الكفل في الخير (قال أبو موسى): عبد الله بن قيس الأشعري مما وصله ابن أبي حاتم (كفلين) من قوله تعالى: {يؤتكم كفلين من رحمته} [الحديد: 28] أي (أجرين بـ) ـاللغة (الحبشية) الموافقة للعربية وأراد البخاري أن الكفل يطلق على النصيب وعلى الأجر. قال ابن عادل: ولغلبة استعمال الكفل في الشر واستعمال النصيب في الأجر غاير بينهما في هذه الآية الكريمة إذ أتى بالكفل مع السيئة والنصيب مع الحسنة. 6028 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ أَوْ صَاحِبُ الْحَاجَةِ قَالَ: «اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) أبي بردة بن عبد الله (عن) جده (أبي بردة) عامر (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله الأشعري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان إذا أتاه السائل أو صاحب الحاجة) ولأبي ذر عن الكشميهني أو صاحب حاجة (قال) لمن حضره من أصحابه: (اشفعوا) في حاجته إليّ (فلتؤجروا) بسبب شفاعتكم (وليقض الله) عز وجل وللحموي والمستملي ويقضي الله بغير لام وإثبات الياء التحتية (على لسان رسوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ما شاء) وفيه الحث على الشفاعة إلى الكبير في كشف كربة ومعونة ضعيف على مقصد مأذون فيه من

38 - باب لم يكن النبى -صلى الله عليه وسلم- فاحشا ولا متفحشا

الشرع. 38 - باب لَمْ يَكُنِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لم يكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاحشًا) بالطبع (ولا متفحشًا) بالتكلف أي لا ذاتيًا ولا عرضيًّا. 6029 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، سَمِعْتُ مَسْرُوقًا قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ح حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حِينَ قَدِمَ مَعَ مُعَاوِيَةَ إِلَى الْكُوفَةِ فَذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنْ أَخْيَرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ خُلُقًا». وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش أنه قال: (سمعت أبا وائل) شقيق بن سلمة يقول: (سمعت مسروقًا) أي ابن الأجدع (قال: قال عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص (ح). قال المؤلّف: (وحدّثنا) بالواو ولأبي ذر (قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان (عن شقيق بن سلمة) أبي وائل (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: دخلنا على عبد الله بن عمرو) هو ابن العاص -رضي الله عنهما- (حين قدم مع معاوية) بن أبي سفيان -رضي الله عنه- (إلى الكوفة) سنة إحدى وأربعين (فذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: لم يكن فاحشًا ولا متفحشًا) بتشديد الحاء المهملة والفحش: كل ما خرج عن مقداره حتى يستقبح ويكون في القول والفعل والصفة يقال: طويل فاحش إذا أفرط في الطول لكن استعماله في القول أكثر (وقال) عبد الله بن عمرو (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن من أخيركم) بإثبات الهمزة بوزن أفضلكم على الأصل إلا أنهم تركوه غالبًا فيها وفي شر، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من خيركم (أحسنكم خلقًا) بضمتين والروايتان بمعنى يقال فلان خير من فلان أي أفضل منه. وقال في الفتح: ووقع في بعضها بلفظ متفاحشًا والخلق ملكة تصدر بها الأفعال بسهولة من غير تفكّر، والحديث مضى في باب صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 6030 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رضى الله عنها- أَنَّ يَهُودَ أَتَوُا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمْ وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، قَالَ: «مَهْلاً يَا عَائِشَةُ عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ» قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «أَوَلَمْ تَسْمَعِى مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ فَيُسْتَجَابُ لِى فِيهِمْ وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِىَّ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (محمد بن سلام) البيكندي قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (عن أيوب) السختياني (عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة -رضي الله عنها- أن يهودًا أتوا النبي) ولأبي ذر: أتوا رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: السام) أي الموت (عليكم) وكان قتادة يرويه بالمد من السآمة وهي الملل أي تسأمون دينكم وقيل كانوا يعنون أماتكم الله الساعة (فقالت عائشة) -رضي الله عنها- (عليكم) السام (ولعنكم الله وغضب الله عليكم قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مهلاً) بفتح الميم وسكون الهاء (يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف) بتثليث العين والضم أكثر وسكون النون وهو ضد الرفق (والفحش) التكلم بالقبيح (قالت): يا رسول الله (أو لم تسمع ما قالوا؟ قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أو لم تسمعي ما قلت) لهم؟ قال في المصابيح: وفي بعض النسخ أو لم تسمعين بإثبات النون على لغة من لم يجزم بها (رددت عليهم) دعاءهم (فيستجاب لي فيهم) لأنه دعاء بحق (ولا يستجاب لهم فيّ) لأنه دعاء بالباطل والظلم، وقوله فيّ بكسر الفاء وتشديد التحتية. والحديث سبق في باب الرفق في الأمر كله. 6031 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى هُوَ فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبَّابًا وَلاَ فَحَّاشًا وَلاَ لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ: «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ». [الحديث 6031 - طرفه في: 6046]. وبه قال: (حدّثنا أصبغ) بن الفرج المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرنا أبو يحيى فليح بن سليمان) ولأبي ذر هو فليح بن سليمان (عن هلال بن أسامة) هو هلال بن علي وهلال بن أبي ميمون وهو هلال بن أسامة نسب إلى جده (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: لم يكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبّابًا) بتشديد الموحدة (ولا فحّاشًا) بتشديد الحاء المهملة (ولا لعّانًا) بتشديد العين ولأبي ذر: ولا فاحشًا بدل فحاشًا المشددة. وفي الكواكب احتمال أن يكون السب يتعلق بالنسب كالقذف والفحش بالحسب واللعن بالآخرة لأنه البعد عن رحمة الله. واستشكل التعبير بصيغة فعال المشددة وهي تقتضي التكثير فهي أخص من فاعل ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم. فإذا قلت: زيد ليس بفحاش أي ليس بكثير الفحش مع جواز أن يكون فاحشًا، وإذا قلت: ليس بفاحش انتفى الفحش من أصله فكيف قال: ولا فحاشًا والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يتصف بشيء مما ذكر أصلاً ولا بقليل ولا كثير؟ أجيب: بأن فعالاً قد لا يراد بهما الكثير كقول طرفة:

39 - باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل

ولست بحلال التلاع مخافة ... ولكن متى يسترفد القوم أرفد لا يريد أنه قد يحل التلاع قليلاً لأن ذلك يدفعه آخر البيت الذي يدل على نفي الحل على كل حال أو هي للنسب أي ليس بذي فحش البتة وكذا باقيها كقول امرئ القيس: وليس بذي رمح فيطعنني به ... وليس بذي سيف وليس بنبال أي بذي نبل فينتفي أصل الفحش كما يدل عليه رواية ولا فاحشًا (كان يقول لأحدنا عند المعتبة) بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح المثناة الفوقية وكسرها بعدها موحدة مصدر عتب عليه يعتب عتبًا ومعتبة ومعاتبة قال الخليل: العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة. (ما له) استفهام (ترب جبينه) كلمة جرت على لسان العرب لا يريدون حقيقتها أو دعاء له بالطاعة أي يصلّي فيتترب جبينه أو عليه بأن يسقط على رأسة على الأرض من جهة جبينه وهذه الأخيرة أوجه. 6032 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ، وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِى وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِى فَحَّاشًا؟ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ» [الحديث 6032 - طرفاه في: 6054، 6131]. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عيسى) بفتح العين وسكون الميم أبو عثمان الضبعيّ البصري ثقة مستقيم الحديث وليس له في البخاري إلا هذا وآخر في الصلاة قال: (حدّثنا محمد بن سواء) بفتح المهملة وتخفيف الواو مهموز ممدود أبو الخطاب السدوسي المكفوف البصري ثقة له في البخاري هذا الحديث وآخر في المناقب قال: (حدّثنا روح بن القاسم) بفتح الراء وسكون الواو أبو غياث التميمي (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله التيمي المدني الحافظ (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن رجلاً) قال عبد الغني بن سعيد في المبهمات هو مخرمة بن نوفل والد المسوّر، وقيل عيينة بن حصن الفزاري وكان يقال له الأحمق المطاع، وفي حواشي نسخة الدمياطي من البخاري بخطه الجزم بأنه مخرمة (استأذن على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما رآه قال): (بئس أخو العشيرة) الجماعة أو القبيلة (وبئس ابن العشيرة) وكان يظهر الإسلام ويخفي الكفر فأراد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبين حاله وهذا من أعلام النبوّة لأنه ارتدّ بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجيء به أسيرًا إلى أبي بكر -رضي الله عنه- (فلما جلس تطلق) بفتح الفوقية والطاء المهملة واللام المشددة بعدها قاف أي انشرح وهشّ (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في وجهه وانبسط إليه) لما جبل عليه من حسن الخُلق ورجا بذلك تأليفه ليسلم قومه لأنه كان رئيسهم ولم يواجهه بذلك لتقتدي أمته به في اتقاء شر من هو بهذه الصفة ليسلم من شره (فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا) تعني قوله بئس أخو العشيرة إلى آخره (ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا عائشة متى عهدتني فحاشًا) بالتشديد ولأبي ذر عن الكشميهني فاحشًا بالتخفيف بدل التشديد (إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره) أي قبيح كلامه لأن المذكور كان من جفاة الأعراب، وفيه أن من اطّلع من حال شخص على شيء وخشي أن غيره يغتر بجميل ظاهره فيقع في محذور ما فعليه أن يطلعه على ما يحذر من ذلك قاصدًا نصيحته. وقد استشكل فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع الرجل بعد ذلك القول. وأجيب: بأنه لم يمدحه ولا أثنى عليه في وجهه فلا مخالفة بينهما، وقد قال الخطابي رحمه الله: ليس قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أمته بالأمور التي يضيفها إليهم من المكروه غيبة، وإنما يكون ذلك من بعضهم في بعض اهـ. وهذا ينبغي تقييده بما إذا لم يكن لغرض شرعي وإلاّ فلا يكون غيبة بل ينبغي ذكره على ما سبق. والحديث أخرجه البخاري أيضًا ومسلم وأبو داود في الأدب والترمذي في البرّ. 39 - باب حُسْنِ الْخُلُقِ وَالسَّخَاءِ وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الْبُخْلِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لَمَّا بَلَغَهُ مَبْعَثُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأَخِيهِ: ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِى فَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ، فَرَجَعَ فَقَالَ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ. (باب حسن الخلق) بضم الخاء المعجمة واللام وتسكن مع فتح المعجمة وهما بمعنى في الأصل لكن خصّ الذي بالفتح بالهيئات والصور المدركة بالبصر وخصّ الذي بالضم بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة. (والسخاء) وهو إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي وبذل ما يقتنى بغير عوض وعطفه على

سابقه من عطف الخاص على العام (وما يكره من البخل) وهو منع ما يطلب مما يقتنى وشره ما كان طالبه مستحقًا ولا سيما إن كان من غير مال المسؤول. وقوله: وما يكره من البخل يشير إلى أن بعض ما يطلق عليه اسم البخل قد لا يكون مذمومًا. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله المؤلّف في الإيمان (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجود الناس وأجود ما يكون) أي أجود أكوانه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاصل (في رمضان) لمجموع ما في بقية الحديث من نزول القرآن والنازل به وهو جبريل والمذاكرة وهي مدارسة القرآن مع الوقت وهو شهر رمضان. (وقال) ولأبي ذر عن الكشميهني وكان (أبو ذر) جندب الغفاري مما وصله المؤلّف بطوله في المبعث النبوي (لما بلغه مبعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأخيه) أنيس (اركب إلى هذا الوادي) وادي مكة (فاسمع من قوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأتى أنيس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسمع منه (فرجع) أي ثم رجع فالفاء فصيحة (فقال) لأخيه أبي ذر (رأيته) صلوات الله وسلامهُ عليه (يأمر بمكارم الأخلاق) جمع مكرمة بضم الراء وهي الكرم أي الفضائل والمحاسن. 6033 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ وَهْوَ يَقُولُ: «لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا» وَهْوَ عَلَى فَرَسٍ لأَبِى طَلْحَةَ عُرْىٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ فِى عُنُقِهِ سَيْفٌ فَقَالَ: «لَقَدْ وَجَدْتُهُ بَحْرًا أَوْ إِنَّهُ لَبَحْرٌ». وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عون) الواسطي قال: (حدّثنا حماد هو ابن زيد) أي ابن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي (عن ثابت) البناني (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحسن الناس) خلقًا وخُلقًا (وأجود الناس) أي أكثرهم إعطاءً لما يقدر عليه (وأشجع الناس) أي أكثرهم إقدامًا إلى العدوّ في الجهاد مع عدم الفرار وحسن الصورة تابع لاعتدال المزاج وهو مستتبع لصفاء النفس الذي به جودة القريحة ونحوها وهذه الثلاث هي أمهات الأخلاق (ولقد فزع) بكسر الزاي أي خاف (أهل المدينة) لما سمعوا صوتًا في الليل أن يهجم عليهم عدوّ (ذات ليلة) لفظ ذات مقحمة (فانطلق الناس قِبل الصوت) أي جهته (فاستقبلهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد سبق الناس إلى الصوت) واستكشف الخبر فلم يجد ما يخاف منه فرجع (وهو يقول): لهم تأنيسًا وتسكينًا لروعهم: (لن تراعوا لن تراعوا) مرتين ولأبي ذر لم تراعوا بالميم فيهما قال الكرماني وغيره: أي لا تراعوا جحد بمعنى النهي أي لا تفزعوا، وقال صاحب المصابيح في قول التنقيح: لم بمعنى لا ومعناه لا تفزعوا لا أعلم أحدًا من النحاة قال بأن لم ترد بمعنى لا الناهية فحرّره (وهو) أي والحال أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على فرس) اسمه مندوب (لأبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (عري ما عليه سرج) تفسير لسابقه (في عنقه سيف فقال: لقد وجدته) أي الفرس (بحرًا أو إنه لبحر) أي كالبحر في سعة جريه. والحديث سبق في الجهاد. 6034 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا - رضى الله عنه - يَقُولُ: مَا سُئِلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ شَىْءٍ قَطُّ فَقَالَ: لاَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن ابن المنكدر) محمد أنه (قال: سمعت جابرًا -رضي الله عنه- يقول: ما سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن شيء قط) أي ما طلب منه شيء. قال الكرماني: من أقوال الدنيا (فقال: لا) قال الفرزدق: ما قال لا قط إلا في تشهده ... لولا التشهد كانت لاءه نعم وعند ابن سعد من مرسل ابن الحنفية إذا سئل فأراد أن يفعل قال: نعم، وإذا لم يرد أن يفعل يسكت ففيه أنه لا ينطق بالرد، بل إن كان عنده وكان الإعطاء سائغًا أعطى وإلاّ سكت. وحديث الباب أخرجه في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والترمذي في الشمائل. 6035 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِى شَقِيقٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يُحَدِّثُنَا إِذْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث النخعي الكوفي قاضيها قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (قال: حدثني) بالإفراد (شقيق) هو ابن سلمة (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: كنا جلوسًا مع عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص -رضي الله عنه- حال كونه (يحدّثنا

إذ قال: لم يكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاحشًا) بالطبع (ولا متفحشًا) بالتكلف (وإنه) عليه الصلاة والسلام (كان يقول): (إن خياركم أحاسنكم) ولأبي ذر عن الكشميهني أحسنكم (أخلاقًا) وفي الرواية السابقة إن من خياركم بإثبات من التبعيضية وهي مرادة هنا، وفي حسن الخلق أحاديث كثيرة يطول إيرادها، واختلف هل حسن الخلق غريزة أو مكتسب واستدلّ للأول بحديث ابن مسعود: إن الله قسّم أخلاقكم كما قسم أرزاقكم. رواه البخاري في الأدب المفرد، وسيكون لنا عودة إلى الإلمام بشيء من مبحث ذلك إن شاء الله تعالى في كتاب القدر بعون الله تعالى وقوته. 6036 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبُرْدَةٍ فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: هِىَ شَمْلَةٌ فَقَالَ سَهْلٌ: هِىَ شَمْلَةٌ مَنْسُوجَةٌ فِيهَا حَاشِيَتُهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكْسُوكَ هَذِهِ؟ فَأَخَذَهَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحْتَاجًا إِلَيْهَا فَلَبِسَهَا فَرَآهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَحْسَنَ هَذِهِ فَاكْسُنِيهَا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ» فَلَمَّا قَامَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَمَهُ أَصْحَابُهُ قَالُوا: مَا أَحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ثُمَّ سَأَلْتَهُ إِيَّاهَا وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لاَ يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعَهُ فَقَالَ: رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَعَلِّى أُكَفَّنُ فِيهَا. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم أبو محمد الجمحي مولاهم البصري قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة المشددة وبعد الألف نون محمد بن مطرف (قال: حدثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي أنه (قال: جاءت امرأة) قال ابن حجر: لم أعرف اسمها (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ببردة فقال سهل) -رضي الله عنه- (للقوم) الحاضرين عنده (أتدرون) بهمزة الاستفهام (ما البردة؟ فقال القوم: هي شملة. فقال سهل: هي شملة منسوجة فيها حاشيتها) أي لم تقطع من ثوب فتكون بلا حاشية أو أنها جديدة لم يقطع هدبها، وفي تفسير البردة بالشملة تجوّز لأن البردة كساء والشملة ما يشتمل به لكن لما أكثر استعمالهم لها أطلقوا عليها اسمها (فقالت: يا رسول الله أكسوك هذه) البردة. (فأخذها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) منها حال كونه (محتاجًا إليها فلبسها فرآها عليه رجل من الصحابة) قال في المقدمة: هو عبد الرحمن بن عوف رواه الطبراني فيما أفاده المحب الطبري، لكن لم يقف على ذلك في معجم الطبراني بل فيه من مسند مسهل بن سعد نقلاً عن قتيبة أنه سعد بن أبي وقاص (فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه) البردة بنصب أحسن على التعجب (فاكسنيها. فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم. فلما قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لامه أصحابه فقالوا: ما أحسنت) نفي للإحسان والذي خاطبه بذلك منهم سهل بن سعد راوي الحديث كما بينه الطبراني من وجه آخر عنه. قال سهل: فقلت له ما أحسنت (حين رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذها محتاجًا إليها ثم سألته إياها) فيه استعمال ثاني الضميرين منفصلاً على ما قرر في محله من الموضوعات النحوية (وقد عرفت أنه) عليه الصلاة والسلام (لا يسأل شيئًا فيمنعه. فقال) الرجل: (رجوت بركتها حين لبسها النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعلّى أكفّن فيها). والحديث سبق في الجنائز في باب من استعدّ للكفن. 6037 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ» قَالُوا وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ الْقَتْلُ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) ولأبي ذر حدثني بالإفراد فيهما (حميد بن عبد الرحمن) بضم الحاء مصغرًا الحميري البصري (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يتقارب الزمان) نفسه في الشر حتى يشبه أوله آخره أو أحوال الناس في غلبة الفساد عليهم أو المراد قصر أعمار أهله أو تسارع الدول في الانقضاء والقرون إلى الانقراض فيتقارب زمانهم (وينقص العمل) بالطاعات لاشتغال الناس بالدنيا، ولأبي ذر عن الكشميهني وينقص العلم (ويلقى) مبني للمفعول ويطرح (الشح) وهو البخل مع الحرص بيّن الناس أو في قلوبهم (ويكثر الهرج) بفتح الهاء وسكون الراء بعدها جيم (قالوا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قال: (وما الهرج؟ قال): هو (القتل) وهو (القتل) بالتكرير مرتين. قال الخطابي: هو بلسان الحبشة. وقال ابن فارس: هو الفتنة والاختلاط. والحديث أخرجه البخاري أيضًا في الفتن ومسلم في القدر وأبو داود في الفتن. 6038 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، سَمِعَ سَلاَّمَ بْنَ مِسْكِينٍ قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ - رضى الله عنه - قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِى أُفٍّ وَلاَ لِمَ صَنَعْتَ وَلاَ أَلاَّ صَنَعْتَ؟. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي أنه (سمع سلام بن مسكين) بتشديد اللام النمري بالنون (قال: سمعت ثابتًا) البناني (يقول: حدّثنا أنس -رضي الله عنه- قال: خدمت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشر سنين)

40 - باب كيف يكون الرجل فى أهله؟

استشكل بما في مسلم من طريق إسحاق بن أبي طلحة عن أنس والله لقد خدمته تسع سنين. وأجيب: بأنه خدمه تسع سنين وأشهرًا وحينئذ ففي رواية عشر سنين جبر الكسر وفي رواية تسع ألغاه (فما قال لي أف) بضم الهمزة وكسر الفاء مشددة من غير تنوين، ولأبي ذر بفتحها وفيها أربعون لغة ذكرتها في كتابي الكبير في القراءات الأربعة عشر وهو صوت يدل على التضجر (ولا لم صنعت) كذا وكذا (ولا ألا) بفتح الهمزة وتشديد اللام أي هلا (صنعت) كذا وكذا وفيه تنزيه اللسان عن الزجر واستئلاف خاطر الخادم بترك معاتبته وهذا في الأمور المتعلقة بحظ الإنسان أما الأمور الشرعية فلا يتسامح فيها على ما لا يخفى. والحديث أخرجه مسلم. 40 - باب كَيْفَ يَكُونُ الرَّجُلُ فِى أَهْلِهِ؟ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (كيف يكون) حال (الرجل) إذا كان (في أهله). 6039 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ فِى أَهْلِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ فِى مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بضم العين (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد أنه (قال: سألت عائشة) -رضي الله عنها- (ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصنع) إذا كان (في أهله؟ قالت: كان في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة) بكسر الميم وفتحها وصحح عليه في الفرع وأنكر الأصمعي الكسر أي في خدمة أهله ليقتدى به في التواضع وامتهان النفس. والحديث سبق في أبواب صلاة الجماعة من كتاب الصلاة. 41 - باب الْمِقَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى (باب المقة) بكسر الميم وفتح القاف المخففة أي المحبة الثابتة. (من الله) تعالى. 6040 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِى جِبْرِيلُ فِى أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِى أَهْلِ الأَرْضِ». وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن بحر الباهلي البصري الصيرفي قال: (حدّثنا أبو عاصم) شيخ البخاري (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (موسى بن عقبة) بضم العين المهملة وإسكان القاف الأسدي مولى آل الزبير الفقيه الإمام في المغازي (عن نافع) مولى ابن عمر (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا أحب الله عبدًا) ولأبي ذر العبد (نادى جبريل: إن الله بحب فلانًا فأحبه) بفتح الهمزة وكسر المهملة بعدها موحدة مشددة مفتوحة وتضم وهو مذهب سيبويه والمحققين على الاتباع للهاء ولأبي ذر فأحببه بسكون المهملة فموحدة مكسورة فأخرى ساكنة بالفك، وفي حديث ثوبان عند أحمد والطبراني في الأوسط فيقول جبريل رحمة الله على فلان وتقول حملة العرش (فيحبه جبريل فينادي جبربل في أهل السماء إن الله يحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في) قلوب (أهل الأرض) فيحبونه ويميلون إليه ويرضون عنه، فمحبة الناس علامة محبة الله لعبده ومحبة الله لعبده إرادة الخير له ومحبة الملائكة استغفارهم له وإرادتهم الخير له لكونه مطيعًا، وسقط لأبي ذر لفظ أهل، وفي حديث ثوبان فينادي جبريل في أهل السماوات السبع ثم يوضع له القبول في الأرض. زاد الطبراني في حديث ثوبان ثم يهبط إلى الأرض، ثم قرأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {إن الدين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودًّا} [مريم: 96]. وحديث الباب سبق في باب ذكر الملائكة من بدء الخلق. 42 - باب الْحُبِّ فِى اللَّهِ (باب الحب في) ذات (الله) من غير أن يشوبه رياء أو هوى. 6041 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَجِدُ أَحَدٌ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَحَتَّى أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ وَحَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السدوسي (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء) بالنصب (لا يحبه إلا لله) قال الكرماني فإن قلت: الحلاوة إنما هي في المطعومات. وأجاب: بأنه شبه الإيمان بالعسل بجامع ميل القلوب إليهما وأسند إليه ما هو من خواص العسل فهو استعارة بالكناية (وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله) عز وجل أي منه وفصل بين الأحب وكلمة من لأن في الظرف توسعة (وحتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما). قال البيضاوي: إنما جعل هذه الأمور الثلاثة عنوانًا لكمال الإيمان

43 - باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم} -إلى قوله- {فأولئك هم الظالمون} [الحجرات: 11]

المحصل لتلك اللذة لأنه لا يتم إيمان المرء حتى يتمكن في نفسه أن المنعم والقادر على الإطلاق هو الله تعالى ولا مانح ولا مانع سواه وما عداه وسائط لها، فإن الرسول هو المعطوف الحقيقي الساعي في إصلاح شأنه وإعلاء مكانه، وذلك يقتضي أن يتوجه بشراشره نحوه ولا يحب ما يحبه إلا لكونه وسطًا بينه وبينه، فإن تيقن أن جملة ما وعد به وأوعد حق لا يحوم الريب حوله فيتيقن أن الموعود كالواقع وأن الاستقلال بما يؤول إليه الشيء كملابسته فيحسب مجالس الذكر رياض الجنة، وأكل مال اليتيم أكل النار، والعود إلى الكفر الإلقاء في النار فيكره الإلقاء في النار، وثنّى الضمير هنا في قوله سواهما، وردّ على الخطيب: ومن عصاهما فقد غوى وأمره بالإفراد إيماء إلى أن المعتبر هنا هو المجموع المركب من المحبتين لا كل واحدة فإنها وحدها ضائعة لاغية، وأمر الخطيب بالإفراد إشعارًا بأن كل واحد من العصيانين يستقل باستلزام الغواية، فإن قوله: ومن عصى الله ورسوله من حيث إن العطف في تقدير التكرير والأصل فيه استقلال كل من المعطوف والمعطوف عليه في الحكم في قوة قولنا ومن عصى الله فقد غوى ومن عصى الرسول فقد غوى. وقد سبق شيء من ذلك عند ذكر الحديث في باب الإيمان وبالله المستعان. 43 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11] (باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم} - إلى قوله- {فأولئك هم الظالمون}) وسقط قوله {عسى} إلى آخره لأبي ذر، وقال بعد {من قوم} الآية. نهى عن السخرية وهي أن لا ينظر الإنسان إلى أخيه المسلم بعين الإجلال ولا يلتفت إليه ويسقطه عن درجته والقوم الرجال خاصة لأنهم القوّام بأمور النساء وهو في الأصل جمع قائم كصوم وزور في جمع صائم وزائر لكن فعل ليس من أبنية التكسير إلا عند الأخفش نحو: ركب وصحب، واختصاص القوم بالرجال صريح في الآية إذ لو كانت النساء داخلة في قوم لم يقل ولا نساء وحقق ذلك زهير في قوله: وما أدري ولست أخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء فاختصاص القوم بالرجال في الآية من عطف ولا نساء على قوم، وفي الشعر من جعل أحد المتساويين يلي الهمزة والآخر يلي أم وتنكير القوم والنساء يحتمل معنيين أن يراد لا يسخر بعض المؤمنين والمؤمنات من بعض، وأن يقصد إفادة الشياع وأن يصير كل جماعة منهم منهية عن السخرية. قال في الانتصاف: لو عرّف المؤمنين فقال: لا يسخر المؤمنون والمؤمنات بعضهم من بعض لعمّ ومراده أن في التنكير يحصل أن كل جماعة منهية على التفصيل وهو واقع. وقال الطيبي: استغراق الجنس أيضًا يراد منه التفصيل. والمعرّف بتعرف العهد الذهني مفيد للتفصيل أيضًا كالنكرة إذ المعنى لا يسخر من هو مسمى بالقوم من قوم مثله. قال ابن جني: مفاد نكرة الجنس مفاد معرفته من حيث كان في كل جزء منه معنى ما في جملته انتهى. وقوله: {عسى أن يكونوا خيرًا منهم} كلام مستأنف ورد مورد جواب المستخبر عن علة النهي وإلاّ فقد كان حقه أن يوصل بما قبله بالفاء، والمعنى وجوب أن يعتقد كل واحد بأن المسخور منه ربما كان عند الله خيرًا من الساخر إذ لا اطّلاع للناس إلا على الظواهر ولا علم لهم بالسرائر، والذي يزن عند الله خلوص الضمائر فينبغي أن لا يجترئ أحد على الاستهزاء بمن تقتحمه عينه إذا رآه رثّ الحال أو ذا عاهة في بدنه أو غير لبيق أي غير حاذق في محادثته فلعله أخلص ضميرًا وأنقى قلبًا ممن هو على ضد صفته فيظلم نفسه بتحقير من وقّره الله تعالى. وعن ابن مسعود -رضي الله عنه-: البلاء موكّل بالقول لو سخرت من كلب لخشيت أن أحوّل كلبًا. وقوله: {ولا تلمزوا أنفسكم} فيه وجهان أحدهما: عيب الأخ إلى الأخ فإذا عابه فكأنه عاب نفسه، والثاني: أنه إذا عابه وهو لا يخلو عن عيب فيعيبه به المعاب فيكون هو بمعيبه حاملاً لغيره على عيبه فكأنه هو العائب نفسه، واللمز الطعن والضرب باللسان {ولا تنابزوا} ولا تدعوا {بالألقاب}

44 - باب ما ينهى من السباب واللعن

السيئة التي يساء بها الإنسان {بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} أي بئس الذكر المرتفع للمؤمنين بسبب ارتكاب هذه الجرائم أن يذكروا بالفسق، وقيل: أن يقول له يا يهودي يا فاسق بعدما آمن وبعد الإيمان استقباح للجمع بين الإيمان وبين الفسق، الذي يحظره الإيمان {ومن لم يتب} عما نهي عنه {فأولئك هم الظالمون} [الحجرات: 11]. 6042 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَضْحَكَ الرَّجُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الأَنْفُسِ وَقَالَ: «بِمَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْفَحْلِ، ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعَانِقُهَا» وَقَالَ الثَّوْرِىُّ: وَوُهَيْبٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ «جَلْدَ الْعَبْدِ» وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عبد الله بن زمعة) بفتح الزاي والميم وتسكن والعين المهملة المفتوحة القرشي أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يضحك الرجل مما يخرج من الأنفس) من الضراط لأنه قد يكون بغير الاختيار ولأنه أمر مشترك بين الكل. (وقال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بمَ) ولأبي ذر عن الكشميهني لم باللام بدل الموحدة (يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل) أي كضرب الفحل، ولأبي ذر أو العبد بالشك من الراوي (ثم لعله يعانقها. وقال الثوري) سفيان مما وصله المؤلّف في النكاح (ووهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد البصري مما وصله أيضًا في التفسير (وأبو معاوية) محمد بن خازم بالمعجمتين بينهما ألف آخره ميم مما وصله أحمد الثلاثة (عن هشام) بن عروة بلفظ (جلد العيد) بدل ضرب الفحل من غير شك. 6043 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بِمِنًى: «أَتَدْرُونَ أَىُّ يَوْمٍ هَذَا»؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَىُّ بَلَدٍ هَذَا»؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «بَلَدٌ حَرَامٌ أَتَدْرُونَ أَىُّ شَهْرٍ هَذَا»؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «شَهْرٌ حَرَام قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي الحافظ قال: (حدّثنا يزيد بن هارون) أبو خالد السلمي الواسطي أحد الأعلام قال: (أخبرنا عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه) محمد بن زيد (عن ابن عمر) جدّه (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمنى) في حجة الوداع: (أتدرون أيّ يوم هذا)؟ برفع هذا (قالوا: الله ورسوله أعلم) بذلك (قال: فإن هذا يوم حرام) حرّم الله فيه القتل (أتدرون أي بلد هذا)؟ (قالوا: الله ورسوله أعلم. قال): هو (بلد حرام. أتدرون) ولأبي ذر قال أتدرون (أي شهر هذا)؟ (قالوا: الله ورسوله أعلم. قال) هو (شهر حرام). وليس المراد بالحرام عين اليوم والبلد والشهر وإنما المراد ما يقع فيها من القتال ومراده عليه الصلاة والسلام أن يذكرهم حرمة ذلك وتقريرها في نفوسهم ليبني عليه ما أراد تقريره حيث (قال: فإن الله حرّم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا) يوم النحر (في شهركم هذا) ذي الحجة (في بلدكم هذا) مكة إلا بحقها، والحديث سبق في باب الخطبة أيام منى. 44 - باب مَا يُنْهَى مِنَ السِّبَابِ وَاللَّعْنِ (باب ما ينهى) عنه (من السباب) بكسر السين المهملة وتخفيف الموحدة من باب التفاعل أو بمعنى السب أي من الشتم (واللعن) وهو التبعيد من رحمة الله تعالى. 6044 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» تَابَعَهُ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاح (عن منصور) هو ابن المعتمر أنه (قال: سمعت أبا وائل) شقيق بن سلمة (يحدّث عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (سباب المسلم) مصدر مضاف للمفعول أي شتمه والتكلم في عرضه بما يعيبه ويؤلمه (فسوق) فجور (وقتاله) أي مقاتلته (كفر) وليس المراد حقيقة الكفر المخرج عن الإسلام، وإنما المراد المبالغة في التحذير أو المراد الكفر اللغوي الذي هو الستر كأنه بقتاله له ستر ما له عليه من حق الإعانة وكفّ الأذى أو المراد من قاتل مستحلاًّ. والحديث سبق في باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله من كتاب الإيمان. (تابعه) أي تابع سليمان بن حرب (غندر) فيما وصله أحمد ولأبي ذر محمد بن جعفر بدل قوله غندر (عن شعبة) بن الحجاج. 6045 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِىَّ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يَرْمِى رَجُلٌ رَجُلاً بِالْفُسُوقِ، وَلاَ يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلاَّ ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ». وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما مهملة ساكنة عبد الله بن عمرو المنقري المصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (عن الحسين) بن ذكوان المعلم (عن عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء ابن حصيب الأسلمي قاضي مرو قال: (حدثني) بالإفراد (يحيى بن يعمر) بفتح التحتية والميم بينهما مهملة ساكنة (أن أبا الأسود) ظالم بن عمرو (الديلي) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية ولأبي ذر الدؤلي بضم الدال بعدها همزة مفتوحة أوّل من تكلم بالنحو (حدّثه عن أبي ذر) جندب بن جنادة (-رضي الله عنه- أنه سمع النبي

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق) كأنه يقول له: يا فاسق (ولا يرميه بالكفر) كأن يقول له: يا كافر (إلا ارتدت عليه) الرمية فيصير فاسقًا أو كافرًا (إن لم يكن صاحبه) المرمي (كذلك) وإن كان موصوفًا بذلك فلا يرتد إليه شيء لكونه صدق فيما قاله فإن قصد بذلك تعييره وشهرته بذلك وأذاه حرم عليه لأنه مأمور بستره وتعليمه وموعظته بالحسنى، فمهما أمكنه ذلك بالرفق حرم عليه فعله بالعنف لأنه قد يكون سببًا لإغوائه وإصراره على ذلك الفعل كما في طبع كثير من الناس من الأنفة لا سيما إن كان الآمر دون المأمور في الدرجة فإن قصد نصحه أو نصح غيره ببيان حاله جاز له ذلك. والحديث أخرجه مسلم في الإيمان. 6046 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاحِشًا وَلاَ لَعَّانًا وَلاَ سَبَّابًا كَانَ يَقُولُ: عِنْدَ الْمَعْتَبَةِ «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ»؟. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) العوفي قال: (حدّثنا فليح بن سليمان) بضم الفاء وفتح اللام بعدها تحتية ساكنة فمهملة العدوي مولاهم المدني قال: (حدّثنا هلال بن علي) وهو هلال بن أبي ميمون وهو هلال بن أسامة نسب إلى جدّه (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: لم يكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاحشًا) بالطبع (ولا لعّانًا ولا سبّابًا) بتشديد العين والموحدة فيهما أي بالتكلف (كان يقول عند المعتبة): بفتح الميم والفوقية عند الموجدة والسخط. (ما له) استفهام (ترب) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: تربت (جبينه) أي لا أصاب خيرًا فهي دعاء عليه أو هي كلمة تقولها العرب لا يريدون بها ذلك. والحديث سبق قريبًا. 6047 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ فَهْوَ كَمَا قَالَ، وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَىْءٍ فِى الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهْوَ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهْوَ كَقَتْلِهِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار البصري قال (حدّثنا عثمان بن عمر) بن فارس البصري قال: (حدّثنا علي بن المبارك) الهنائي (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الإمام أبي نصر اليماني الطائي أحد الأعلام (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (أن ثابت بن الضحاك) الأنصاري الأشهلي (وكان من أصحاب الشجرة) شجرة الرضوان بالحديبية (حدّثه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من حلف على ملة غير الإسلام) بتنوين ملة فغير صفة وعلى بمعنى الباء، ويحتمل أن يكون التقدير من حلف على شيء بيمين فحذف المجرور وعدى الفعل بعلى بعد حذف الباء، والأوّل أقل في التعبير كأن يقول: إن فعل كذا فهو يهودي أو نصراني كاذبًا (فهو كما قال) الفاء جواب الشرط وهو مبتدأ أو كما يقول في محل الخبر أي فهو كائن كما قال، أو الكاف بمعنى مثل فتكون ما مع ما بعدها في موضع جر بالإضافة أي فهو مثل قوله فتكون ما مصدرية، ويحتمل أن تكون موصولة والعائد محذوف أي فهو كالذي قاله، والمعنى فمثله مثل قوله لأن هذا الكلام محمول على التعليق مثل أن يقول هو يهودي أو نصراني إن كان فعل كذا، والحاصل أنه يحكم عليه بالذي نسبه لنفسه وظاهره أنه يكفر أو هو محمول على من أراد أن يكون متصفًا بذلك إذا وقع المحلوف عليه لأن إرادة الكفر كفر فيكفر في الحال، أو المراد التهديد والمبالغة في الوعيد لا الحكم وإن قصد تبعيد نفسه عن الفعل فليس بيمين ولا يكفر به وإن قال: واللات والعزى وقصد التعظيم واعتقد فيها من التعظيم ما يعتقده في الله كفر وإلاّ فلا. قإل في الروضة: وليقل لا إله إلا الله محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي الحديث الصحيح عن أبي هريرة مرفوعًا: من حلف فقال في حلفه اللات والعزى فليقل لا إله إلا الله، ففيه دليل على أنه لا كفارة على من حلف بغير الإسلام بل يأثم وتلزمه التوبة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جعل عقوبته في دينه ولم يوجب في ماله شيئًا وإنما أمره بكلمة التوحيد لأن اليمين إنما تكون بالمعبود فإذا حلف باللات والعزى فقد ضاهى الكفار في ذلك فأمره أن يتداركه بكلمة التوحيد قاله البغوي في شرح السنّة. (وليس على ابن آدم نذر) أي ليس عليه وفاء نذر (فيما لا يملك) كأن يقول: إن شفى الله مريضي فعبد فلان حر أو أتصدق بدار زيد أما لو قال نحو: إن شفى الله مريضي فعلّي عتق رقبة ولا يملك شيئًا في تلك الحالة، فليس من النذر فيما لا يملك لأنه يقدر عليه في الجملة حالاً أو مالاً فهو يملكه بالقوة، وقوله نذر رفع اسم ليس وعلى ابن آدم

في موضع الخبر ويما يتعلق بنذر لأنه مصدر أو يتعلق بصفة لنذر أي نذر ثابت فيما لا يملك ولا يملك جملة في محل صلة ما وما صلتها في محل جر بفي (ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذّب به يوم القيامة) ليكون الجزاء من جنس العمل وإن كان عذاب الآخرة أعظم (ومن لعن مؤمنًا فهو كقتله) في التحريم أو في العقاب أو في الإبعاد لأن اللعن تبعيد من رحمة الله، والقتل تبعيد من الحياة والضمير للمصدر الذي دل عليه الفعل أي: فلعنه كقتله والتقييد بالمؤمن للتشنيع أو للاحتراز عن الكافر إذ لا خلاف في لعن الكافر جملة بلا تعيين، أما لعن العاصي المعين فالمشهور فيه المنع، ونقل ابن العربي الاتفاق عليه (ومن قذف مؤمنًا) رماه (بكفر فهو كقتله) لأن النسبة إلى الكفر الموجب للقتل كالقتل في أن المتسبب للشيء كفاعله. 6048 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِى عَدِىُّ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ صُرَدٍ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى انْتَفَخَ وَجْهُهُ وَتَغَيَّرَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّى لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِى يَجِدُ» فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: «تَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ» فَقَالَ: أَتُرَى بِى بَأْسٌ أَمَجْنُونٌ أَنَا اذْهَبْ. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث الكوفي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدثني) بالإفراد (عدي بن ثابت) بالمثلثة الأنصاري ثقة لكنه كان قاصّ الشيعة وإمام مسجدهم بالكوفة (قال: سمعت سليمان بن صرد) بضم المهملة وفتح الراء بعدها دال مهملة الخزاعي الكوفي (رجلاً من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال: استبّ رجلان) لم يعرفهما ابن حجر (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فغضب أحدهما فاشتدّ غضبه حتى انتفخ وجهه وتغير) وفي حديث معاذ بن جبل عند أحمد وأصحاب السنن حتى إنه ليخيل أن أنفه ليتمزع (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجده) من الغضب، وفي حديث معاذ: إني لأعلم كلمة لو يقولها هذا الغضبان لذهب عنه الغضب: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم (فانطلق إليه) أي إلى الذي غضب (الرجل) الذي سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: إني لأعلم الخ. وفي مسلم فقام إلى الرجل رجل ممن سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال في المقدمة لم أعرف اسمه، وقال في الشرح في الرواية المتقدمة فقالوا له فدلت هذه الرواية على أن الذي خاطبه منهم واحد وهو معاذ بن جبل كما بيّنه رواية أبي داود ولفظه قال: فجعل معاذ يأمره فأبى وجعل يزداد غضبًا (فأخبره بقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال: تعوّذ بالله من الشيطان فقال: أترى) بضم الفوقية أي أتظن (بي بأس) بالرفع مبتدأ خبره بي وهمزة أترى للاستفهام الإنكاري وللأصيلي: أترى بأسًا بالنصب مفعولاً ثانيًا لترى وهو أوجه (أمجنون أنا) أي: وهل بي من جنون (اذهب) خطاب من الرجل للرجل الذي أمره بالتعوّذ أي امض في شغلك، فتوهم لعدم معرفته أن الاستعاذة مختصة بالمجانين ولم يعرف أن الغضب من نزغات الشيطان كما في حديث عطية السعدي مرفوعًا عند أبي داود بلفظ: إن الغضب من الشيطان أو لعله كان منافقًا أو كافرًا أو غلب عليه الغضب حتى أخرجه من الاعتدال بحيث قال للناصح له ما قاله. وحديث الباب سبق في باب صفة إبليس وجنوده. 6049 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: قَالَ: أَنَسٌ حَدَّثَنِى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُخْبِرَ النَّاسَ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَرَجْتُ لأُخْبِرَكُمْ فَتَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَإِنَّهَا رُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ فَالْتَمِسُوهَا فِى التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون المعجمة والمفضل بالضاد المعجمة المشددة ابن لاحق الإمام أبو إسماعيل (عن حميد) الطويل وكان طوله في يديه أنه (قال: قال أنس) -رضي الله عنه- (حدثني) بالإفراد (عبادة بن الصامت) -رضي الله عنه- (قال: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليخبر الناس بليلة القدر) أي بتعيينها، ولأبي ذر عن الكشميهني: ليخبر الناس ليلة القدر (فتلاحى) بفتح الحاء المهملة أي تنازع وتخاصم (رجلان من المسلمين) عبد الله بن أبي حدرد وكعب بن مالك كما عند ابن دحية في المسجد (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (خرجت لأخبركم) بليلة القدر (فتلاحى فلان وفلان وإنها رفعت) من قلبي أي نسيتها (وعسى أن يكون) رفعها (خيرًا لكم) لاستلزامه مزيد الثواب بسبب زيادة الاجتهاد في التماسها. وفي مسلم من حديث أي سعيد في هذه القصة فجاء رجلان يحتقان بتشديد القاف أي يدعي كل منهما أنه المحق معهما الشيطان فنسيتها

45 - باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم الطويل والقصير

وقيل؛ رفعت معرفتها للتلاحي. قال الطيبي: لعل مقدر المضاف ذهب إلى أن رفع ليلة القدر مسبوق بوقوعها وحصولها فإذا حصلت لم يكن لرفعها معنى، ويمكن أن يقال إن المراد برفعها أنها شرعت أن تقع، فلما تلاحيا ارتفعت فنزل الشروع منزلة الوقوع ومن ثم عقبه بقوله: {فالتمسوها) أي اطلبوا ليلة القدر (في) الليلة (التاسعة) والعشرين من رمضان (و) في الليلة (السابعة) بالموحدة والعشرين منه (و) في الليلة (الخامسة) والعشرين منه، وقدّم التاسعة بالفوقية على السابعة بالموحدة على ترتيب التدلي. والمطابقة في قوله فتلاحى وهو التنازع والتخاصم كما مرّ وذلك يفضي إلى المساببة غالبًا. والحديث سبق في الإيمان والحج. 6050 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنِ الْمَعْرُورِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَيْهِ بُرْدًا وَعَلَى غُلاَمِهِ بُرْدًا، فَقُلْتُ لَوْ أَخَذْتَ هَذَا فَلَبِسْتَهُ كَانَتْ حُلَّةً وَأَعْطَيْتَهُ ثَوْبًا آخَرَ فَقَالَ كَانَ بَيْنِى وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلاَمٌ وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَنِلْتُ مِنْهَا فَذَكَرَنِى إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِى: «أَسَابَبْتَ فُلاَنًا»؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «أَفَنِلْتَ مِنْ أُمِّهِ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» قُلْتُ: عَلَى حِينِ سَاعَتِى هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ قَالَ: «نَعَمْ هُمْ إِخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ يُكَلِّفُهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (عن المعرور) بمهملات. زاد أبو ذر هو ابن سويد (عن أبي ذر) جندب بن جنادة -رضي الله عنه- (قال): أي المعرور بن سويد (رأيت عليه) أي على أبي ذر (بردًا) بضم الموحدة وسكون الراء (وعلى غلامه بردًا) أيضًا. قال في المقدمة: لم أعرف اسم الغلام، وقال في الفتح في كتاب الإيمان: يحتمل أنه أبو مراوح مولى أبي ذر (فقلت) له (لو أخذت هذا) البرد الذي على غلامك (فلبسته) مع الذي عليك (كانت حلة) إذ الحلة لا تكون إلا من ثوبين (وأعطيته ثوبًا آخر فقال) أبو ذر: (كان بيني وبين رجل) هو بلال المؤذن (كلام وكانت أمه أعجمية فنلت منها) أي تكلمت في عرضها، وفي رواية فقلت له: يا ابن السوداء (فذكرني إلى النبي) عداه بإلى لتضمنه معنى الشكاية، ولأبي ذر عن الكشميهني للنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لي): (أساببت فلانًا)؟ بالاستفهام الإنكاري التوبيخي (قلت: نعم قال أفنلت من) عرض (أمه) (قلت: نعم قال: إنك) في نيلك من أمه (امرؤ) رفع خبر إن وعين كلمته تابعة للامها في أحوالها الثلاثة (فيك جاهلية) أي أخلاق أهل الجاهلية والتنوين للتقليل، قال أبو ذر -رضي الله عنه- (قلت) يا رسول الله في جاهلية (على حين ساعتي هذه من كبر السن) وسقط لفظ حين لأبي ذر الهروي (قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نعم) وإنما وبخه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك مع عظم درجته تحذيرًا له أن يفعل مثل ذلك مرة أخرى (هم) الخدم سواء كانوا أرقّاء أو لا (إخوانكم) في الإسلام أو من أولاد آدم (جعلهم الله تحت أيديكم) بالملك والاستئجار (فمن جعل الله أخاه تحت يده) بالإفراد ولأبي ذر يديه (فليطعمه) ندبًا (مما يأكل وليلبسه) كذلك (مما يلبس) فلا يلزمه أن يطعمه ولا يلبسه من طيبات الأطعمة وفاخر اللباس (ولا يكلفه) وجوبًا (من العمل ما يغلبه) أي تعجز طاقته عنه (فإن كلفه) من العمل (ما يغلبه فليعنه عليه). والحديث سبق في الإيمان والعتق. 45 - باب مَا يَجُوزُ مِنْ ذِكْرِ النَّاسِ نَحْوَ قَوْلِهِمُ الطَّوِيلُ وَالْقَصِيرُ وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ وَمَا لاَ يُرَادُ بِهِ شَيْنُ الرَّجُلِ». (باب ما يجوز من ذكر) أوصاف (الناس نحو قولهم الطويل والقصير، وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يقول ذو اليدين) فذكره باللقب للتعريف، وهذا التعليق طرف من حديث وصله المؤلّف في باب تشبيك الأصابع في المسجد بلفظ: أكما يقول، ولمسلم ما يقول بلفظ الترجمة (و) في جواز (ما لا يراد به شين الرجل) كالأعرج والأعمش بل تمييز عن غيره وإن أراد تنقيصه حرم وإن كان مما يعجب الملقب ولا إطراء فيه مما يدخل في نهي الشرع فهو جائز أو مستحب. 6051 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ صَلَّى بِنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِى مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَفِى الْقَوْمِ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَالُوا: قَصُرَتِ الصَّلاَةُ وَفِى الْقَوْمِ رَجُلٌ كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُوهُ ذَا الْيَدَيْنِ فَقَالَ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتْ؟ فَقَالَ: «لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ» قَالَ: بَلْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «صَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ» فَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ ثُمَّ وَضَعَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الحوضي قال: (حدّثنا يزيد بن إبراهيم) التستري أبو سعيد قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: صلّى بنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أمَّنَا وفي رواية لنا باللام بدل الموحدة (الظهر ركعتين ثم سلّم ثم قام إلى خشبة) وكانت جذعًا من نخل (في مقدّم المسجد ووضع يده) بالإفراد، ولأبي ذر عن الكشميهني يديه (عليها وفي القوم يومئذ أبو بكر وعمر) -رضي الله عنهما- (فهابا أن يكلماه) في سبب تسليمه من الركعتين وروي فهاباه بإثبات المفعول وحذفه فإن يكلماه بدل من ضمير المفعول في هاباه وأن هي المصدرية الناصبة وعلامة النصب

46 - باب الغيبة وقول الله تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} [الحجرات: 12]

في يكلماه حذف النون، والجملة كلها في الحقيقة مفسرة لمعنى قوله: وفي القوم أبو بكر وعمر لأنه لو لم يقل فهاباه لقيل فما منعهما وهما أقرب من غيرهما وأدل عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وخرج) بلفظ الماضي، وللحموي والمستملي: ويخرج (سرعان الناس) بفتح السين المهملة والراء أوائلهم جمع سريع، وحكى المنذري تجويز كسر السين وسكون الراء عن بعضهم، وحكى ابن سيده عن ثعلب أنه إذا كان السرعان وصفًا في الناس فالتحريك أفصح من التسكين (فقالوا: قصرت الصلاة) بفتح القاف وضم الصاد المهملة مبنيًا للفاعل وبضم القاف وكسر الصاد للمفعول. أي قال بعضهم لبعض لما رأوا من فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأداة الاستفهام مقدرة (وفي القوم رجل) اسمه الخرباق بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة فألف فقاف (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعوه ذا اليدين) لطولهما (فقال: يا نبي الله أنسيت) الركعتين (أم قصرت)؟ بفتح القاف وضم الصاد للفاعل وللمفعول أيضًا (فقال) عليه الصلاة والسلام: (لم أنس) في ظني (ولم تقصر) بفتح أوّله وضم ثالثه أو مبنيًّا للمفعول وأم حرف عطف متصلة لأنها جاءت على شرطها من تقدم الاستفهام والسؤال بأي والجواب بأحد الشيئين المستفهم عنهما أو الأشياء، وجملة لم أنس ولم تقصر محكية بالقول، وجزم أن بحذف الألف وتقصر بالسكون ولما كانت أم هنا المتصلة لم يحسن في الجواب لا أو نعم (قالوا: بل نسيت يا رسول الله) لأنه لما نفى الأمرين وكان قد تقرر عندهم أن السهو غير جائز في الأمور البلاغية جزموا بوقوع النسيان لا القصر، وقوله بل بسكون اللام (قال: صدق ذو اليدين فقام فصلّى ركعتين) بانيًا على ما سبق بعد أن تذكر أنه لم يتمها إذ لم يطل الفصل (ثم سلّم ثم كبّر فسجد) للسهو سجودًا (مثل سجوده أو أطول) منه بالشك من الراوي (ثم رفع رأسه) من السجود (وكبّر ثم وضع) رأسه فكبّر فسجد سجودًا (مثل سجوده أو أطول) منه (ثم رفع رأسه) من السجود (وكبّر). ومطابقة الحديث في قوله يدعوه ذا اليدين لأنه إنما كان يعرف بذلك. والحديث سبق في الصلاة. 46 - باب الْغِيبَةِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12] (باب) تحريم (الغيبة) بكسر المعجمة وهي ذكر المسلم غير المعلن بفجوره في غيبته بما يكره ولو بغمز أو بكتابة أو إشارة. قال الثوري: وممن يستعمل التعريض في ذلك كثير من الفقهاء في التصانيف وغيرها كقولهم: قال بعض من يدعي العلم أو بعض من ينسب إلى الصلاح أو نحو ذلك مما يفهم السامع المراد به، ومنه قولهم عند ذكره الله يعافينا ونحوه إلا أن يكون ذلك نصحًا لطالب شيئًا لا يعلم عيبه ونحو ذلك. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على السابق: {ولا يغتب بعضكم بعضًا} نهي عن الغيبة نهي تحريم اتفاقًا وهل هي من الكبائر أو الصغائر؟ قال النووي في الروضة تبعًا للرافعي: من الصغائر، وتعقب بأن حدّ الكبيرة صادق عليها فهي منها {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا} تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفحش وجه وفيه مبالغات منها الاستفهام التقريري وجعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولاً بالمحبة، ومنها إسناده الفعل إلى أحدكم والإشعار بأن أحدًا من الأحدين لا يحب ذلك، ومنها أنه لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان حتى جعل الإنسان أخًا، ومنها لم يقتصر على لحم الأخ حتى جعله ميتًا. ووجه المناسبة أن إدارة حنكة بالغيبة كالأكل، وعن قتادة كما تكره إن وجدت جيفة مدودة أن تأكل منها كذلك فاكره لحم أخيك وهو حي، وانتصب ميتًا على الحال من اللحم أو من أخيه ولما قرر لهم بأن أحدًا منهم لا يحب أكل جيفة أخيه عقب ذلك بقوله {فكرهتموه} أي فتحققت كراهتكم له باستقامة العقل، فليتحقق أيضًا أن تكرهوا ما هو نظيره من الغيبة باستقامة الدين {واتقوا الله إن الله توّاب رحيم} [الحجرات: 12] التوّاب البليغ في قبول التوبة، والمعنى: واتقوا الله بترك ما أمرتم باجتنابه والندم على ما وجد منكم فإنكم إن اتقيتم تقبل الله توبتكم وأنعم عليكم

بثواب المتقين التائبين، وفي حديث أبي هريرة عند أبي يعلى مرفوعًا: من أكل لحم أخيه في الدنيا قرب له لحمه في الآخرة فيقال له كُلْه ميتًا كما أكلته حيًّا. قال: فيأكله ويكلح ويصيح وقال الحافظ ابن كثير: غريب جدًّا، وصح: دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام وسامعها شريكه ما لم ينكرها بلسانه ومع خوفه فبقلبه، وقيل غيبة الخلق إنما تكون بالغيبة عن الحق. عافانا الله من المكاره بمنّه وكرمه، وسقط لأبي ذر قوله: أيحب إلى آخره وقال بعد قوله {بعضًا} الآية. 6052 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِى كَبِيرٍ أَمَّا هَذَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ» ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ فَغَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ: «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا». وبه قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن موسى الحدّاني بضم الحاء وتشديد الدال المهملتين وبعد الألف نون أو هو ابن جعفر البلخي قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح (عن الأعمش) سليمان بن مهران أنه (قال: سمعت مجاهدًا) هو ابن جبر (يحدّث عن طاوس) اليماني (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: مرّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على) صاحبي (قبرين) عبر عن صاحبيهما بهما تسمية للحال باسم المحل (فقال): معطوف على مرّ أو على محذوف أي فوقف فقال: (إنهما) أي صاحبي المقبرين ولم يسميا (ليعذبان وما يعذبان في كبير) قال ابن مالك في هنا للتعليل أي لأجل كبير، والنفي يحتمل أن يكون باعتبار اعتقاد المعذبين أو أنه ليس بكبير على النفس بل هو سهل والاحتراز عنه هين أو ليس بأكبر الكبائر، وإن كان كبيرًا فالكبائر تتفاوت، وحينئذ فيه تنبيه على التحرز من ارتكاب غيره والزجر عنه، أو قاله قبل أن يطلع على أنه من الكبائر فلما اطّلع على ذلك قال: بلى إنه لكبير، وقيل غير ذلك مما سبق في الجنائز وغيرها (أما هذا) أي صاحب أحد المقبرين (فكان لا يستتر من بوله) بمثناتين فوقيتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة أي يستنزه بنون ساكنة بعدها زاي ثم هاء كما في مسلم وأبي داود. ووجه دلالة لا يستتر على هذا المعنى أن المستتر عن الشيء يبعد عنه ويحتجب منه فهو مجاز والحمل عليه أولى لأن البول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية فالحمل على ما يقتضيه الحديث المصرح بهذه الخصوصية أولى. (وأما) صاحب (هذا) القبر الآخر (فكان يمشي) في الناس متصفًا (بالنميمة) بأن ينقل كلام بعضهم لبعض على جهة الإفساد، وقيل النميمة كشف ما يكره كشفه وهذا شامل لما يكرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو غيرهما سواء كان بالقول أو الكتابة أو الرمز أو الايماء. فإن قلت: ليس في الحديث ذكر ما ترجم به وهو الغيبة. أجاب السفاقسي: بأن الجامع بينهما ذكر ما يكرهه المقول فيه بظهر الغيب. انتهى. وأشار إلى ما في بعض طرف الحديث بلفظ الغيبة رواه البخاري في الأدب المفرد من حديث جابر وأحمد والطبراني بإسناد صحيح من حديث أبي بكرة ولفظهما: وما يعذبان إلا في الغيبة، وأحمد والطبراني أيضًا من حديث يعلى بن شبابة بلفظ: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ على قبر يعذّب صاحبه فقال: "إن هذا كان يأكل لحوم الناس". (ثم دعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بعسيب رطب) بفتح العين وكسر السين المهملتين سعف لم ينبت عليه خوص ورطب بفتح الراء وسكون الطاء المهملة (فشقّه باثنين) الباء زائدة في الحال والحال هنا مقدرة كقوله تعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلّقين رؤوسكم} [الفتح: 27]. وعند الدخول لا يكونون محلّقين كما أن العصا عند شقها لا تكون نصفين (فغرس على هذا) القبر نصفًا (واحدًا وعلى هذا) القبر نصفًا (واحدًا ثم قال) عليه الصلاة والسلام بعد أن قالوا: لِمَ فعلت هذا يا رسول الله؟ (لعله يخفف) ولأبي ذر أن يخفف (عنهما) العذاب (ما لم ييبسا) وما ظرفية مصدرية أي مدة انتفاء يبسهما فحذف الظرف وخلفه ما وصلتها كما جاء في المصدر الصريح في قولهم: جئتك صلاة العصر وأتيتك قدوم الحاج، فقوله: لم ييبسا في موضع جر لأن التقدير مدة دوام رطوبتهما، فلو جاء الكلام لعله يخفف عنهما ما ييبسان لم يصح المعنى لأن التأقيت يصير مقدرًا بمدة اليبس وليس هو المراد لأن سر ذلك تسبيحهما ما داما رطبين. وسبق الحديث في الطهارة والجنائز مع مباحث

47 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- خير دور الأنصار

غير ما ذكرته هنا فليراجع. 47 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خير دور الأنصار) أي بنو النجار فحذف الخبر. 6053 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى أُسَيْدٍ السَّاعِدِىِّ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ». وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي أسيد) بضم الهمزة وفتح المهملة مالك بن ربيعة الأنصاري (الساعدي) -رضي الله عنه- أنه قال: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (خير دور الأنصار) أي قبائل الأنصار كما قاله ابن قتيبة (بنو النجار) لمسارعتهم إلى الإسلام كما أثنى الله تعالى عليهم بقوله: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} [التوبة: 100]. ومناسبة إيراد هذه الترجمة هنا ولم يذكر فيها شيء من الغيبة من جهة أن المفضل عليهم يكرهون ذلك فيستثنى ذلك من عموم قوله: ذكرك أخاك بما يكره إذ محل الزجر إذا لم يترتب عليه حكم شرعي، فإن ترتب فلا يكون غيبة ولو كرهه المحدث عنه قاله في الفتح. والحديث سبق في باب فضل دور الأنصار. 48 - باب مَا يَجُوزُ مِنِ اغْتِيَابِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَالرِّيَبِ (باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب) بكسر الراء وفتح التحتية بعدها موحدة جمع ريبة وهي التهمة. 6054 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، سَمِعْتُ ابْنَ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَخْبَرَتْهُ قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «ائْذَنُوا لَهُ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ، أَوِ ابْنُ الْعَشِيرَةِ» فَلَمَّا دَخَلَ أَلاَنَ لَهُ الْكَلاَمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ: الَّذِى قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْكَلاَمَ؟ قَالَ: «أَىْ عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ، أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ». وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي الحافظ قال: (أخبرنا ابن عيينة) سفيان قال: (سمعت ابن المنكدر) محمد أو قال: إنه (سمع عروة بن الزبير) بن العوّام (أن عائشة -رضي الله عنها- أخبرته قالت: استأذن رجل) اسمه عيينة بن حصن الفزاري أو هو مخرمة بن نوفل (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الدخول عليه (فقال): (ائذنوا له بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة) وفي رواية معمر: بئس أخو القوم وابن القوم (فلما دخل ألان له) لما جبل عليه صلوات الله وسلامه عليه (الكلام) استئلافًا وليقتدى به في المداراة، قالت عائشة: (قلت: يا رسول الله قلت الذي قلت) في الرجل من أنه بئس أخو العشيرة (ثم ألنت له الكلام. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أي عائشة إن شر الناس من تركه الناس أو) قال: (ودعه الناس اتقاء فحشه) بفتح الواو والدال المهملة المخففة بمعنى تركه فاللفظان مترادفان فإن قال الجوهري: وقولهم دع ذا أي اتركه وأصله ودع يدع وقد أميت ماضيه لا يقال ودعه على أصله. قال في المصابيح: والحديث يردّ عليه وقد قرئ خارج السبع ودعك بالتخفيف. وقوله: إن شر الناس استئناف كلام كالتعليل لتركه مواجهة عيينة بما ذكره، وقال الزركشي: قد ينازع في تسمية هذا غيبة بل هو نصيحة ليحذر السامع، وإنما لم يواجه المقول فيه بذلك لحسن خُلقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولو واجهه بذلك لكان حسنًا لكن حصل القول بدون مواجهة انتهى. وأجيب: بأن المراد أن صورة الغيبة موجودة فيه وإن لم يتناول الغيبة المذمومة شرعًا. والحديث مرّ عن قريب في باب لم يكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاحشًا. 49 - باب النَّمِيمَةُ مِنَ الْكَبَائِرِ هذا (باب) بالتنوين (النميمة من) الذنوب (الكبائر) وهي نقل مكروه بقصد الإفساد وضابطها كشف ما يكره من شيء بكل ما يفهم وهي أم الفتن، وقد قيل: إن التمام يفسد في ساعة ما لا يفسده الساحر في شهر وعلى سامعها إن جهل كونها نميمة أو نصحًا أن يتوقف حتمًا فإن تبين أنها نميمة فعليه أن لا يصدقه لفسقه بها ثم ينهاه عنها وينصحه ثم يبغضه في الله ما لم يتب ولا يظن بأخيه الغائب سوءًا ويحرم بحثه عنها وحكاية ما نقل إليه كي لا ينتشر التباغض ولم ينم على النمام فيصير نمامًا. قال النووي: وهذا إذا لم يكن في النقل مصلحة شرعية وإلاّ فهو مستحب أو واجب كمن اطّلع من شخص أنه يريد أن يؤذي شخصًا ظلمًا فحذره منه. 6055 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِى قُبُورِهِمَا فَقَالَ: «يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِى كَبِيرَةٍ، وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ» ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا بِكِسْرَتَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ فَجَعَلَ كِسْرَةً فِى قَبْرِ هَذَا وَكِسْرَةً فِى قَبْرِ هَذَا فَقَالَ: «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (ابن سلام) محمد قال: (أخبرنا عبيدة بن حميد) بفتح العين وكسر الموحدة وحميد بالتصغير ابن صهيب (أبو عبد الرحمن) الكوفي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بعض حيطان المدينة) أي بساتينها (فسمع صوت إنسانين يعذّبان في قبورهما) على حدّ قوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4] (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يعذّبان وما يعذّبان في كبيرة) بالتأنيث

50 - باب ما يكره من النميمة وقوله تعالى: {هماز مشاء بنميم} [القلم: 11] و {ويل لكل همزة لمزة} [الهمزة: 1] يهمز ويلمز: يعيب

ولأبي ذر عن الكشميهني في كبير بالتذكير أي لا يعذّبان في أمر يكبر ويشق عليهما الاحتراز عنه ولم يرد أن الأمر فيهما هين في أمر الدين ولذا قال: (وإنه لكبير) قال في النهاية وكيف لا يكون كبيرًا وهما يعذبان فيه (كان أحدهما لا يستتر من البول) أي لا يتنزه منه أو من الاستتار على ظاهره أي لا يحترز من كشف عورته والأول أوجه وإن كان مجازًا كما مرّ (وكان الآخر يمشي بالنميمة) ليفسد بين الناس (ثم دعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بجريدة) من جريد النخل وهي السعفة التي جرّد عنها الخوص أي قشّر (فكسرها بكسرتين) بكسر الكاف في الثانية (أو اثنتين فجعل كسرة في قبر هذا وكسرة) بكسر الكاف فيهما (في قبر هذا فقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا). قال النووي -رحمه الله تعالى-، قال العلماء: هو محمول على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سأل الشفاعة لهما. فأجيب: بالتخفيف عنهما إلى أن ييبسا أو لكون الجريد يسبح ما دام رطبًا وليس لليابس تسبيح. قال تعالى: {وإن من شيء إلاّ يسبح بحمده} [الإسراء: 44] قالوا: معناه وإن من شيء حي إلاّ يسبح وحياة كل شيء بحسبه فحياة الخشب ما لم ييبس والحجر ما لم يقطع، وذهب المحققون إلى أنه على عمومه، ثم اختلفوا هل يسبح حقيقة أم فيه دلالة على الصانع فيكون مسبحًا منزهًا بلسان حاله. والمحققون على أنه يسبح حقيقة. قال الله تعالى: {وإن منها لما يهبط من خشية الله} [البقرة: 74]. وإذا كان العقل لا يحيل التمييز فيها وجاء النص به وجب المصير إليه. والحديث سبق قريبًا. 50 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّمِيمَةِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: 11] وَ {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1] يَهْمِزُ وَيَلْمِزُ: يَعِيبُ (باب ما يكره من النميمة) قال في فتح الباري: كأنه أشار إلى أن بعض القول المنقول على جهة الإفساد يجوز إذا كان المقول فيه كافرًا مثلاً كما يجوز التجسس في بلاد الكفار ونقل ما يضرهم. (وقوله تعالى: {هماز مشاء بنميم}) [القلم: 11] (و) قوله تعالى: ({ويل لكل همزة لمزة}) [الهمزة: 1] قال البخاري -رحمه الله تعالى-: (يهمز ويلمز) أي (يعيب) بالعين المهملة فجعل معناهما واحدًا ولأبي ذر عن الكشميهني: ويغتاب بالغين المعجمة والفوقية بعدها ألف قال في الفتح: وأظنه تصحيفًا. لأبي الوقت: يهمز ويلمز ويعيب واحد. وقال ابن عباس: همزة لمزة طعان مغتاب. وقال الربيع بن أنس: الهمزة يهمزه في وجهه واللمزة من خلفه، وقال قتادة: يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه ويأكل لحوم الناس، وقال مجاهد: الهمز بالعين واليد واللمز باللسان. 6056 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ رَجُلاً يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (من إبراهيم) النخعي (من همام) هو ابن الحارث النخعي الكوفي أنه (قال: كنا مع حذيفة) بن اليمان -رضي الله عنه- (فقيل له إن رجلاً) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (يرفع الحديث إلى عثمان) بن عفان -رضي الله عنه- (فقال حذيفة) ولأبي ذر والمستملي: فقال له حذيفة (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا يدخل الجنة) دخول الفائزين (قتات) بقاف مفتوحة فمثناتين فوقيتين أولاهما مشددة بينهما ألف في قت الحديث يقته قتًّا والرجل قتات أي نمام. قال ابن الأعرابي: هو الذي يسمع الحديث وينقله، ووقع في رواية أبي وائل عن حذيفة عند مسلم بلفظ نمام. وقال القاضي عياض: القتات والنمام واحد، وفرق بعضهم بأن النمام الذي يحضر القصة وينقلها، والقتات التي يتسمع من حديث من لا يعلم به ثم ينقل ما سمعه وهل الغيبة والنميمة متغايران أو لا، والراجح التغاير وإن بينهما عمومًا وخصوصًا من وجه، لأن النميمة نقل حال الشخص لغيره على جهة الإفساد بغير رضاه سواء كان بعلمه أو بغير علمه والغيبة ذكره في غيبته بما يكره فامتازت النميمة بقصد الإفساد، ولا يشترط ذلك في الغيبة وامتازت الغيبة بكونها في غيبة المقول فيه واشتركتا فيما عدا ذلك. والحديث أخرجه مسلم في الإيمان وأبو داود في الأدب والترمذي في البر والنسائي في التفسير. 51 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30] (باب قول الله تعالى: {واجتنبوا قول الزور}) [الحج: 35] أي الكذب أو البهتان أو شهادة الزور لأنه من أعظم المحرمات وفي الصحيحين من حديث أبي بكرة قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ألا وقول الزور

52 - باب ما قيل فى ذى الوجهين

ألا وشهادة الزور) فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت. وعند الإمام أحمد قوله عليه الصلاة والسلام: (يا أيها الناس عدلت شهادة الزور إشراكًا بالله) ثلاثًا. ثم قرأ {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} [الحج: 30]. ومناسبة هذه السابقة من جهة أن القول المنقول بالنميمة يكون أعم من الصدق والكذب والكذب فيه أقبح كذا قاله في الفتح. 6057 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» قَالَ أَحْمَدُ: أَفْهَمَنِى رَجُلٌ إِسْنَادَهُ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن القرشي المدني (عن المقبري) بضم الموحدة سعيد بن أبي سعيد كيسان (عن أبيه) كذا في الفرع كأصله عن أبي ذر وسقط من غيرهما مما رأيته من الأصول (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من لم يدع) أي من لم يترك (قول الزور والعمل به) أي بمقتضاه من الفواحش وما نهى الله عنه (والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) قال التوربشتي: أي لا يبالي بعمله ذلك لأنه أمسك عما أبيح له في غير حين الصوم ولم يمسك عما حرم عليه في سائر الأحايين، وقال الطيبي: لما دل قوله: الصوم لي وأنا أجزي به على شدة اختصاص الصوم به من بين سائر العبادات وأنه مما يبالي ويحتفل به فرع عليه قوله: فليس لله حاجة في أن يترك صاحبه الطعام والشراب، وهو من الاستعارة التمثيلية شبه حالته عز وجل مع تلك المبالاة والاحتفال بالصوم بحالة من افتقر إلى أمر لا غنى له عنه ولا يتقوّم إلاَّ به ثم أدخل في المشبه به واستعمل في المشبه ما كان مستعملاً في المشبه به من لفظ الحاجة مبالغة لكمال الاعتناء والاهتمام. (قال أحمد) بن يونس المذكور لما حدثني ابن أبي ذئب لم أتيقن إسناده من لفظه حتى (أفهمني رجل) كان معي في المجلس (إسناده) وعند أبي داود قال أحمد: فهمت إسناده من ابن أبي ذئب فأفهمني الحديث رجل إلى جنبه أراه ابن أخيه، فمقتضى رواية البخاري أن المتن فهمه أحد من شيخه ولم يفهم الإسناد منه بخلاف رواية أبي داود فمقتضاها أنه فهم متن الحديث من ابن أبي ذئب، وإسناده من الرجل، والحديث سبق في الصوم. 52 - باب مَا قِيلَ فِى ذِى الْوَجْهَيْنِ (باب ما قيل في ذي الوجهين). 6058 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ، الَّذِى يَأْتِى هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا أبو صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (تجد من شر الناس) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من أشر بزيادة الهمزة بلفظ أفعل وهي لغة فصيحة وله عن الكشميهني من شرار بالجمع من غير همز وحمل الناس على العموم أبلغ في الذم من حمله على من ذكر من الطائفتين المتضادتين خاصة، وللإسماعيلي من طريق أبي شهاب عن الأعمش بلفظ من شر خلق الله (يوم القيامة عند الله ذا الوجهين) بنصب ذا مفعول تجد (الذي يأتي هؤلاء) القوم (بوجه وهؤلاء) القوم (بوجه). ويظهر عند كل أنه منهم ومخالف للآخرين مبغض لهم. وعند الإسماعيلي من طريق ابن نمير عن الأعمش الذي يأتي هؤلاء بحديث هؤلاء وهؤلاء بحديث هؤلاء، وإنما كان شر الناس لأن حاله حال المنافق إذ هو يتملق بالباطل ويدخل الفساد بين الناس، نعم لو أتى كل قوم بكلام فيه صلاح واعتذر عن كل قوم للآخرين ونقل ما أمكنه من الجميل وستر القبيح كان محمودًا. والحديث أخرجه في الأحكام. 53 - باب مَنْ أَخْبَرَ صَاحِبَهُ بِمَا يُقَالُ فِيهِ (باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه) للنصيحة مع تحري الصدق وتجنب الأذى. 6059 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِسْمَةً فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: وَاللَّهِ مَا أَرَادَ مُحَمَّدٌ بِهَذَا وَجْهَ اللَّهِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ وَقَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى لَقَدْ أُوذِىَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن ابن مسعود) عبد الله (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم حنين (قسمة فقال رجل من الأنصار): اسمه كما قال الواقدي: معتب بن قشير المنافق (والله ما أراد محمد بهذا) القسم الذي قسمه (وجه الله) وكان قد أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن حصن مثل ذلك وأعطى أناسًا من أشراف

54 - باب ما يكره من التمادح

العرب فآثرهم يومئذ في القسمة. قال ابن مسعود (فأتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته) بما قاله (فتمعر) بالعين المهملة المشددة (وجهه) أي تغير لونه ولأبي ذر عن الكشميهني فتمغر بالغين المعجمة بدل المهملة أي صار بلون المغرة من شدة الغضب المجبول عليه البشر لكنه صلوات الله وسلامه عليه صبر وحلم اقتداءً بالأنبياء قبله امتثالاً لقوله تعالى فبهداهم اقتده (و) لذا (قال) ولأبي ذر فقال: (رحم الله موسى) الكليم (لقد أُوذي بأكثر من هذا) الذي أوذيت به (فصبر) كقول قومه هو آدر ونحوه ومراد البخاري جواز النقل على وجه النصيحة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينكر على ابن مسعود نقل ما نقله بل غضب من قول المنقول عنه، ولم ينقل أنه عاقبه لأنه لم يطعن في النبوة، وأيضًا فلا يثبت حكم بشهادة واحد، ويفهم منه أن الكبراء من الخواص قد يعز عليهم ما يقال من الباطل لما في فطر البشر إلا أن أهل الفضل يتلقون ذلك بالصبر الجميل اقتداءً بالسلف ليتأسى بهم الخلف. والحديث سبق في باب ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطي المؤلّفة من الجهاد. 54 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّمَادُحِ (باب حال يكره من التمادح) بين الناس بما فيه الإطراء ومجاوزة الحد. 6060 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: سَمِعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً يُثْنِى عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِى الْمِدْحَةِ فَقَالَ: «أَهْلَكْتُمْ -أَوْ قَطَعْتُمْ- ظَهْرَ الرَّجُلِ». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (محمد بن صباح) بفتح الصاد المهملة وتشديد الموحدة وبعد الألف حاء مهملة البزار بزاي وبعد الألف راء وفي مسلم أبو جعفر محمد بن الصباح قال: (حدّثنا إسماعيل بن زكريا) الخلقاني بضم الخاء المعجمة وسكون اللام بعدها قاف فألف فنون قال: (حدّثنا بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء (ابن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء (عن) جده (أبي بردة) عامر، ولأبي ذر عن ابن أبي موسى بدل قوله عن أبي بردة (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- أنه (قال: سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً يثني على رجل ويطريه) بضم التحتية وسكون الطاء المهملة ويبالغ (في المدحة) بكسر الميم وزيادة الضمير (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أهلكتم أو قطعتم ظهر الرجل) حين وصفتموه بما ليس فيه فربما حمله ذلك على العجب والكبر وتضييع العمل وترك الازدياد من الفضل والشك من الراوي والرجلان. قال في الفتح: لم أقف على اسمهما صريحًا، ولكن أخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد من حديث محجن بن الأدرع السلمي قال: أخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيدي فذكر حديثًا قال فيه: فدخل المسجد فإذا رجل يصلّي فقال لي: من هذا؟ فأثنيت عليه خيرًا فقال: اسكت لا تسمعه فتهلكه. قال: والذي أثنى عليه محجن يشبه أن يكون هو عبد الله ذا البجادين المزني فقد ذكرت في ترجمته في الصحابة ما يقرب من ذلك. 6061 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ» يَقُولُهُ مِرَارًا: «إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا لاَ مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ وَحَسِيبُهُ اللَّهُ، وَلاَ يُزَكِّى عَلَى اللَّهِ أَحَدًا» قَالَ وُهَيْبٌ: عَنْ خَالِدٍ وَيْلَكَ. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن خالد) هو ابن مهران الحذاء (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه) أبي بكرة نفيع (أن رجلاً ذكر) بضم المعجمة (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأثنى عليه رجل خيرًا فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ويحك) كلمة ترحم وتوجع تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها (قطعت عنق صاحبك) أي أهلكته استعارة منقطع العنق الذي هو القتل لاشتراكهما في الهلاك (يقوله) أي يقول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا القول (مرارًا إن كان أحدكم مادحًا) أحدًا (لا محالة) بفتح الميم أي لا بدّ (فليقل أحسب كذا وكذا إن كان يرى) بضم أوّله أي يظن (أنه) أي الممدوح (كذلك وحسيبه الله) بفتح الحاء وكسر، السين المهملتين أي يحاسبه على عمله الذي يعلم حقيقته والجملة اعتراض. وقال شارح المشكاة: هي من تتمة القول والجملة الشرطية حال من فاعل فليقل، والمعنى فليقل أحسب أن فلانًا كذا إن كان يحسب ذلك منه والله يعلم سره لأنه هو الذي يجازيه إن خيرًا فخيرًا وإن شرًا فشرًّا ولا يقل أتيقن ولا أتحقق أنه محسن جازمًا به (ولا يزكي) أحد (على الله أحدًا) منع له الجزم، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ولا يزكى بفتح الكاف مبنيًّا للمفعول على الله أحد بالرفع

55 - باب من أثنى على أخيه بما يعلم وقال سعد: ما سمعت النبى -صلى الله عليه وسلم- يقول لأحد يمشى على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام

نائب الفاعل والمعنى لا يقطع على عاقبة أحد ولا على ما في ضميره لأن ذلك مغيب، وقوله: ولا يزكي خبر معناه النهي أي لا تزكوا أحدًا على الله لأنه أعلم بكم منكم. (قال وهيب): بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد البصري بالسند السابق (عن خالد: ويلك) بدل ويحك في الرواية السابقة، وويلك كلمة حزن وهلاك، ولأبي ذر فقال: ويلك. والحديث ذكر في الشهادات فيما سبق والله الموفق وبه المستعان. 55 - باب مَنْ أَثْنَى عَلَى أَخِيهِ بِمَا يَعْلَمُ وَقَالَ سَعْدٌ: مَا سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لأَحَدٍ يَمْشِى عَلَى الأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلاَّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ (باب من أثنى على أخيه) المسلم (بما يعلم) من الخير من غير إطراء ولا مبالغة مع الأمن من إعجاب الممدوح وعدم فتنته بذلك. (وقال سعد): هو ابن أبي وقاص مما سبق موصولاً في مناقب عبد الله بن سلام (ما سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول لأحد يمشي على الأرض: إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام) بالتخفيف. واستشكل الحصر بما ثبت من أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشر العشرة بذلك كما هو معروف وأجيب: بأن سعدًا لم يسمع ذلك منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 6062 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ ذَكَرَ فِى الإِزَارِ مَا ذَكَرَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ إِزَارِى يَسْقُطُ مِنْ أَحَدِ شِقَّيْهِ قَالَ: «إِنَّكَ لَسْتَ مِنْهُمْ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) صاحب المغازي (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين ذكر في الإزار ما ذكر) حيث قال: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه (قال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه-: (يا رسول الله إزاري يسقط) أي يسترخي (من أحد شقيه) بكسر الشين المعجمة وفتح القاف مشددة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنك لست منهم) أي لست ممن يصنعه خيلاء فمدحه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما فيه، والصديق بلا ريب يؤمن منه الإعجاب والكبر، ولا يدخل ذلك في المنع كما لا يخفى فيجوز الثناء على الإنسان بما فيه من الفضل على وجه الإعلام ليقتدى به فيه. والحديث مرّ في اللباس. 56 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90] وَقَوْلِهِ: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس: 23] {ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ} [الحج: 60] وَتَرْكِ إِثَارَةِ الشَّرِّ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ. (باب قول الله تعالى {إن الله يأمر بالعدل}) بالتسوية في الحقوق فيما بينكم وترك الظلم وإيصال كل ذي حق إلى حقه {والإحسان} إلى من أساء إليكم أو الفرض والندب لأن الفرض لا بدّ من أن يقع فيه تفريط فيجبره الندب {وإيتاء ذي القربى} وإعطاء ذي القرابة وهو صلة الرحم {وينهى عن الفحشاء} عن الذنوب المفرطة في القبح {والمنكر} ما تنكر العقول {والبغي} طلب التطوّل بالظلم والكبر {يعظكم} حال أو مستأنف {لعلكم تذكرون} [النحل: 90] أي تتعظون بمواعظ الله، وسقط لأبي ذر {وإيتاء ذي القربى} إلى آخره وقال بعد {والإحسان} الآية. (وقوله) تعالى: ({إنما بغيكم على أنفسكم}) [يونس: 23] أي ظلمكم يرجع عليكم كقوله تعالى من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها وقوله عز وجل: ({ثم بغي عليه لينصرنه الله}) [الحج: 60] عطف على سابقه أي من جازى بمثل ما فعل به من الظلم ثم ظلم بعد ذلك فحق على الله أن ينصره، ولأبي ذر: ومن بغي بالواو بدل ثم والأولى هي الموافقة للتنزيل فيحتمل أن تكون الواو سبق قلم من المصنف أو ممن بعده، وزاد أبو ذر لفظ: الآية. (وترك إثارة الشر) أي وباب تهييج الشر (على مسلم أو كافر). 6063 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَكَثَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَذَا وَكَذَا يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِى أَهْلَهُ وَلاَ يَأْتِى قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَالَ لِى ذَاتَ يَوْمٍ: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ أَفْتَانِى فِى أَمْرٍ اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، أَتَانِى رَجُلاَنِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رِجْلَىَّ، وَالآخَرُ عِنْدَ رَأْسِى فَقَالَ الَّذِى عِنْدَ رِجْلَىَّ لِلَّذِى عِنْدَ رَأْسِى: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، يَعْنِى مَسْحُورًا، قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ، قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِى جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ فِى مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ تَحْتَ رَعُوفَةٍ فِى بِئْرِ ذَرْوَانَ»، فَجَاءَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِى أُرِيتُهَا كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ» فَأَمَرَ بِهِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُخْرِجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَهَلاَّ تَعْنِى تَنَشَّرْتَ؟ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِى، وَأَمَّا أَنَا فَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا» قَالَتْ: وَلَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى زُرَيْقٍ حَلِيفٌ لِيَهُودَ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: مكث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الكاف وضمها (كذا وكذا) وقال العيني: أيامًا. وقال في المصابيح: فسر هذا في النسائي بشهرين وللإسماعيلي مما سبق في الطب أربعين ليلة وعند أحمد ستة أشهر، وفي موطأ مالك بإسناد صحيح سنة وهو المعتمد وهذا في حديث السحر الذي صنعه لبيد بن الأعصم (يخيل إليه أنه يأتي) أي يباشر (أهله ولا يأتي) ولا يباشر (قالت عائشة) رضي الله عنها (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لي ذات يوم) من إضافة المسمى إلى اسمه: (يا عائشة إن الله) عز وجل (أفتاني في أمر) أي في أمر التخييل (استفتيته فيه أتاني رجلان) هما جبريل وميكائيل كما عند ابن سعد في رواية منقطعة (فجلس أحدهما عند رجلي) بتشديد التحتية على التثنية (والآخر) وهو جبريل (عند

57 - باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر وقوله تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد} [الفلق: 5]

رأسي فقال الذي عند رجلي) بالتثنية وهو ميكائيل (للذي عند رأسي: ما بال الرجل) يريد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي الطب: ما وجع الرجل (قال: مطبوب) قال الراوي مما أدرجه (يعني مسحورًا قال): ميكائيل لجبريل (ومن طبه؟ قال: لبيد بن أعصم) وكان ساحرًا منافقًا وفي مسلم أنه كان كافرًا (قال) أي ميكائيل (وفيم)؟ سحره (قال): أي جبريل (في جف طلعة) بضم الجيم وتشديد الفاء مضافًا لطلعة وتنوينها (ذكر) صفة لجف وهو وعاء الطلع (في مشط ومشاطة تحت رعوفة) براء مفتوحة فعين مهملة مضمومة وبعد الواو الساكنة فاء وهو حجر يكون في قعر البئر يقعد عليه المائح بالتحتية ليملأ دلو الماتح كذا نقل عن الحافظ أبي ذر وقيل غير ذلك ما مر (في بئر ذروان) بفتح الذال المعجمة وسكون الراء (فجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في جماعة من أصحابه (فقال: هذه البئر التي أريتها) بهمزة مضمومة فراء مكسورة (كأن رؤوس نخلها) أي نخل البستان التي هي فيه (رؤوس الشياطين) في قبح منظرها (وكان ماءها نقاعة الحناء) في حمرة لونه ونقاعة بضم النون بعدها قاف والحناء ممدود أي أنه تغير لرداءته أو لما خالطه مما ألقي فيه (فأمر به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بصورة ما في الجف من المشط والمشاطة وما ربط فيه (فأخرج) من البئر (قالت عائشة) -رضي الله عنها-: (فقلت يا رسول الله فهلا تعني) عائشة (تنشرت) بتشديد الشين المعجمة والنشرة الرقية التي بها حل عقد الرجل عن مباشرة امرأته، ولغير أبي ذر يعني بالتحتية بدل الفوقية (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما الله) بتشديد الميم (فقد شفاني) منه (وأما أنا فأكره أن أثير) بضم الهمزة بعدها مثلثة (على الناس شرًّا) باستخراجه من الجف لئلا يروه فيتعلموه إن أرادوا السحر (قالت) عائشة -رضي الله عنها- (لبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف) بفتح الحاء المهملة وكسر اللام معاهد (اليهود) ولأبي ذر عن الكشميهني: لليهود بزيادة لام. ومطابقة الآيات المذكورة وترجمة الباب مع الحديث كما هو ملخص من قول الخطابي إن الله تعالى لما نهى عن البغي واعلم أن ضرر البغي إنما هو راجع إلى الباغي وضمن النصر لمن بغي عليه كان حق من بغي عليه أن يشكر الله على إحسانه إليه بأن يعفو عمن بغي عليه وقد امتثل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك فلم يعاقب الذي كاده بالسحر مع قدرته على ذلك، وقال في الفتح: ويحتمل أن تكون المطابقة من جهة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترك استخراج السحر خشية أن يثور على الناس منه شر فسلك مسلك العدل في أن لا يحصل لمن لم يتعاط السحر شيء من أثر الضرر الناشئ عن السحر وسلك مسلك الإحسان في ترك عقوبة الجاني. والحديث سبق في باب السحر من الطب والله الموفق والمعين. 57 - باب مَا يُنْهَى عَنِ التَّحَاسُدِ وَالتَّدَابُرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 5] (باب ما ينهى عن التحاسد) ولأبي ذر عن الكشميهني من التحاسد المذموم وهو تمني زوال النعمة عن المحسود وتكون للحاسد دونه (و) عن (التدابر) بضم الموحدة بأن يدبر كل واحد عن صاحبه بأن يعطيه دبره وقفاه فيعرض عنه ويهجره. (وقوله تعالى): ولأبي ذر وقول الله تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد} [الفلق: 5] أي إذا أظهر حسده وعمل بمقتضاه لأنه إذا لم يظهر فلا ضرر يعود منه على من حسده بل هو الضار لنفسه لاغتمامه بسرور غيره وهو الأسف على الخير عند الغير والاستعاذة من هذه مع سابقها بعد الاستعاذة من شر ما خلق إشعار بأن شر هؤلاء أشد، وختم بالحسد ليعلم أنه شرها وهو أول ذنب عصي الله به في السماء من إبليس وفي الأرض من قابيل، وأقوى أسباب الحسد العداوة، ومنها خوفه من تكبر غيره عليه بنعمة فيتمنى زوالها عنه ليقع التساوي بينه وبينه، ومنها حب الرياسة فمتى تفرد بفن وأحب الرياسة وصارت حالته إذا سمع في أقصى العالم بنظيره أحب موته أو زوال تلك النعمة عنه وآفاته كثيرة، وربما حسد عالمًا فأحب خطأه في دين الله وانكشافه أو بطلان علمه بخرس أو مرض

فليتأمل ما فيه من مشاركة أعداء الله بسخط قضائه وكراهة ما قسمه لعباده ومحبة زوالها عن أخيه المؤمن ونزول البلاء به. قال بعضهم: الحاسد جاحد لأنه لا يرضى بقضاء الواحد فالعجب من عاقل يسخط ربه بحسد يضره في دينه ودنياه بلا فائدة بل ربما يريد الحاسد زوال نعمة المحسود فتزول عن الحاسد فيزداد المسود نعمة إلى نعمته والحاسد شقاوة على شقاوته. نسأل الله العفو والعافية. 6064 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا». وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة أبو محمد السختياني المروزي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا معمر) بسكون العين المهملة ابن راشد (عن همام بن منبه) بكسر الموحدة المشددة وتشديد ميم همام بعد فتح (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إياكم والظن) أي اجتنبوه فلا تتهموا أحدًا بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها (فإن الظن أكذب الحديث) فلا تحكموا بما يقع منه كما يحكم بنفس العلم لأن أوائل الظنون خواطر لا يملك دفعها والمرء إنما يكلف بما يقدر عليه دون ما لا يملكه. واستشكل تسمية الظن كذبًا فإن الكذب من صفات الأقوال. وأجيب: بأن المراد عدم مطابقة الواقع سواء كان قولاً أو فعلاً أو المراد ما ينشأ عن الظن فوصف الظن به مجازًا (ولا تحسسوا) بالحاء المهملة (ولا تجسسوا) بالجيم وفي بعض النسخ وهو رواية أبي ذر بتقديم الجيم على الحاء وأصلهما بالتاءين الفوقيتين فحذف من كل منهما إحداهما تخفيفًا. قال الحربي فيما نقله عن السفاقسي: معناهما واحد وهو تطلب الإخبار فالثاني للتأكيد كما قاله ابن الأنباري، وقال الحافظ أبو ذر: بالحاء الطالب لنفسه وبالجيم لغيره، وقيل بالجيم البحث عن عورات الناس وبالحاء استماع حديثهم، وقيل بالجيم البحث عن بواطن الأمور وبالحاء البحث عما يدرك بحاسة العين أو الأذن، وقيل بالجيم الذي يعرف الخبر بتلطف ومنه الجاسوس وبالحاء الذي يطلب الشيء بحاسته كاستراق السمع وإبصار الشيء خفية. نعم لو تعين التجسس طريقًا إلى إنقاذ نفس من الهلاك أو منع من زنا ونحوهما شرع كما لا يخفى (ولا تحاسدوا) بإسقاط إحدى التاءين والتحاسد هو أعم من أن يسعى في إزالة تلك النعمة عن مستحقها أم لا فإن سعى كان باغيًا وإن لم يسع في ذلك ولا أظهره ولا تسبب فيه فإن كان المانع عجزه بحيث لو تمكن فعل فآثم، وإن كان المانع التقوى فقد يعذر لأنه لا يملك دفع الخواطر النفسانية فيكفيه في مجاهدة نفسه عدم العمل والعزم عليه، وفي حديث إسماعيل بن أمية عند عبد الرزاق مرفوعًا: "ثلاث لا يسلم منها أحد الطيرة والظن والحسد" قيل: فما المخرج منهن يا رسول الله؟ قال: "إذا تطيرت فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق ماذا حسدت فلا تبع" (ولا تدابروا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي لا تهاجروا فيولي كل واحد منكما دبره لصاحبه حين يراه لأن من أبغض أعرض ومن أعرض ولى دبره بخلاف من أحب (ولا تباغضوا) بحذف إحدى التاءين أي لا تتعاطوا أسباب البغض نعم إذا كان البغض لله عزّ وجل (وكونوا) يا (عباد الله إخوانًا) باكتساب ما تصيرون به كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والنصيحة. 6065 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ». [الحديث 6065 - طرفه في: 6076]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدثني) بالإفراد (أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تباغضوا) حقيقته أن يقع بين اثنين وقد يكون من واحد وكذا ما بعده وهو قوله (ولا تحاسدوا ولا تدابروا) قيل معناه لا يستأثر أحدكم على الآخر لأن المستأثر يولي دبره حين يستأثر بشيء دون الآخر، وقال إمام الأئمة مالك في موطئه: لا أحسب التدابر إلا الإعراض عن السلام يدبر عنه بوجهه (وكونوا عباد الله إخوانًا) قال في شرح المشكاة: إخوانًا يجوز أن يكون خبرًا بعد خبو وأن يكون بدلاً أو هو الخبر وقوله عباد الله منصوب على الاختصاص بالنداء

58 - باب {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا} [الحجرات: 2]

وهذا الوجه أوقع يعني أنتم مستوون في كونكم عبيد الله وملتكم ملة واحدة فالتباغض والتحاسد والتدابر مناف لحالكم، فالواجب عليكم أن تكونوا إخوانًا متواصلين متألفين (ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه) في الإسلام (فوق ثلاثة أيام) تخصيص الأخ بالذكر إشعار بالعلية ومفهومه أنه إن خالف هذه الشريطة وقطع هذه الرابطة جاز هجرانه فوق ثلاثة فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة على ممرّ الأوقات ما لم تظهر التوبة والرجوع إلى الحق. 58 - باب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 2] هذا (باب) بالتنوين وهو ساقط في رواية أي ذر {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن} يقال جنبه الشر إذا أبعده عنه وحقيقته جعله في جانب فيتعدى إلى مفعولين قال الله تعالى: {واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام} [إبراهيم: 35] ومطاوعة اجتنب الشر فنقص مفعولاً والمأمور باجتنابه هو بعض الظن وذلك البعض موصوف بالكثرة ألا ترى إلى قوله: {إن بعض الظن إثم} يستحق صاحبه العقاب. قال الفراء: هو ظنك بأهل الخير سوءًا فأما أهل الفسق فلنا أن نظن فيهم مثل الذي ظهر منهم، ويجوز أن يكون من مجاز الحذف تقديره اجتنبوا كثيرًا من اتباع الظن إن اتباع بعض الظن كذب {ولا تجسسوا} [الحجرات: 2] أي لا تتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم. 6066 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إياكم) كلمة تحذير (والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا) وقد فهم من الآية السابقة. وهذا الحديث الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة لتقديم النهي عن الخوض فيه بالظن فإن قال: الظان: أبحث لأتحقق قيل له {ولا تجسسوا} فإن قال: تحققته من غير تجسس قيل {ولا يغتب بعضكم بعضًا} (ولا تناجشوا) بالنون بعد الفوقية وبعد الألف جيم فشين معجمة مضمومة من النجش وهو أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها بل ليوقع غيره فيها (ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا). 59 - باب مَا يَكُونُ مِنَ الظَّنِّ (باب ما يكون) ولأبي ذر عن الكشميهني ما يجوز (من الظن). 6067 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا أَظُنُّ فُلاَنًا وَفُلاَنًا يَعْرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيْئًا». قَالَ اللَّيْثُ: كَانَا رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. [الحديث 6067 - طرفه في: 6068]. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء آخره راء هو سعيد بن كثير بن عفير بن مسلم الأنصاري مولاهم البصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما أظن فلانًا وفلانًا) قال: الحافظ ابن حجر لم أقف على تسميتهما (يعرفان من ديننا) دين الإسلام (شيئًا) (قال الليث) بن سعد (كانا رجلين من المنافقين) فالظن فيهما ليس من الظن المنهي عنه لأنه في مقام التحذير من مثل من كان حاله كحال الرجلين والنهي إنما هو عن ظن السوء بالمسلم السالم في دينه وعرضه فالنفي في الحديث لظن النفي لا لنفي للظن، وفي الترجمة إثبات الظن فلا تنافي بينه وبين الترجمة. 6068 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بِهَذَا، وَقَالَتْ: دَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا وَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ مَا أَظُنُّ فُلاَنًا وَفُلاَنًا يَعْرِفَانِ دِينَنَا الَّذِى نَحْنُ عَلَيْهِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي المصري قال: (حدثنا الليث) بن سعد (بهذا) الحديث المذكور (و) فيه (قالت) عائشة -رضي الله عنها- (دخل عليَّ) بتشديد الياء (النبي) رفع فاعل (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا) نصب على الظرف (وقال): (يا عائشة ما أظن فلانًا وفلانًا) بنفي الظن (يعرفان ديننا الذي نحن علينا) وهو دين الإسلام. 60 - باب سَتْرِ الْمُؤْمِنِ عَلَى نَفْسِهِ (باب ستر المؤمن على نفسه) إذا صدر منه ما يعاب. 6069 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ أَخِى ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «كُلُّ أُمَّتِى مُعَافًى، إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله بن مسلم الزهري (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب أنه (قال: سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (كل أمتي) المسلمون (معافى) بضم الميم وفتح الفاء

مقصورًا اسم مفعول من العافية أي يعفى عن ذنبهم ولا يؤاخذون به (إلا المجاهرون) بكسر الهاء إلا المعلنون بالفسق لاستخفافهم بحق الله تعالى ورسوله وصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم. وقوله: المجاهرون بالرفع وصحح عليه بالفرع وهو رواية النسفيّ، وشرح عليها ابن بطال والسفاقسي، وأجازه الكوفيون في الاستثناء المنقطع. وقال ابن مالك الأعلى هذا بمعنى لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون فالمجاهرون مبتدأ والخبر محذوف. قال في المصابيح: هذا الباب الذي فتحه ابن مالك يؤدي إلى جواز الرفع في كل مستثنى من كلام تام موجب مثل قام القوم إلا زيد إذ يكون الواقع بعد إلا مرفوعًا بالابتداء والخبر محذوف وهو مقدر بنفي الحكم السابق وينقلب كل استثناء متصل منقطعًا بهذا الاعتبار ومثله غير مستقيم على ما لا يخفى انتهى. وفي نسخة إلا المجاهرين بالنصب، وعزاها الحافظ ابن حجر لأكثر رواة البخاري ومستخرجي الإسماعيلي وأبي نعيم ومسلم وهو الصواب عند البصريين والمجاهر الذي يظهر معصيته ويكشف ما ستر الله عليه فيحدث به (وإن من المجانة) بفتح الميم والجيم وبعد الألف نون مخففة أي عدم المبالاة بالقول والفعل، ولأبي ذر عن الكشميهني: من المجاهرة بدل المجانة وقد ضبب على المجانة في الفرع. وقال القاضي عياض: إنها تصحيف وإن كان معناها لا يبعد هنا لأن الماجن هو الذي يستهتر في أموره وهو الذي لا يبالي بما قال وما قيل له، وتعقبه في فتح الباري فقال الذي يظهر رجحانه لأن الكلام المذكور بعده لا يرتاب أحد أنه من المجاهرة فليس في إعادة ذكره كبير فائدة، وأما الرواية بلفظ المجانة والمجانة مذمومة شرعًا وعرفًا فيكون الذي يظهر المعصية قد ارتكب محذورين إظهار المعصية وتلبسه بفعل المجان (أن يعمل الرجل بالليل عملاً) أي معصية (ثم يصبح) يدخل في الصباح (وقد) أي والحال أن قد (ستره الله) ولأبي ذر عن الكشميهني: وقد ستره الله عليه (فيقول) لغيره (يا فلان عملت) بضم التاء (البارحة) هي أقرب ليلة مضت من وقت القول وأصلها من برح إذا زال (كذا وكذا) من المعصية (وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه). وفي حديث ابن عمر مرفوعًا عند الحاكم: "اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله". 6070 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِى النَّجْوَى؟ قَالَ: «يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ: نَعَمْ. وَيَقُولُ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُقَرِّرُهُ ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّى سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِى الدُّنْيَا فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن قتادة عن صفوان بن محرز) بضم الميم وسكون المهملة بعدها راء مكسورة فزاي المازني البصري (أن رجلاً) أي يسم نعم في الطبراني أن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عمر حدثني فذكر الحديث، فيحتمل أن يكون هو الرجل المبهم (سأل ابن عمر) -رضي الله عنه- (كيف سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في النجوى) بالنون والجيم وهي المسارة التي تقع بين الله عز وجل وبين عبده المؤمن يوم القيامة وأصل ذلك أن يخلو في نجوة من الأرض أو من النجاة وهو أن تنجو بسرك من أن يطلع عليه أحد وأصله المصدر وقد يوصف به فيقال هو نجوى وهم نجوى (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يدنو) أي يقرب (أحدكم من ربه) قرب كرامة وعلو منزلة (حتى يضع كنفه) بفتح الكاف والنون والفاء أي ستره (عليه فيقول) عز وجل له (عملت كذا وكذا) وفي رواية همام السابقة في المظالم فيقول أتعرف ذنب كذا وكذا (فيقول: نعم، ويقول) عز وجل له (عملت كذا وكذا فيقول نعم فيقرره) بذنوبه وفي رواية سعيد بن جبير المذكور فيلتفت يمنة ويسرة فيقول لا بأس عليك إنك في ستري لا يطلع على ذنوبك غيري (ثم يقول: إني سترت عليك) سيئاتك (في الدنيا فأنا) بالفاء ولأبي ذر وأنا (أغفرها لك اليوم) زاد همام وسعيد وهشام فيعطى كتاب حسناته. والمراد هنا الذنوب التي بين الله وبين عبده دون مظالم العباد. وسيكون لنا عودة إلى مبحث ذلك مستوفى إن شاء الله تعالى بعون الله في موضعه. واستشكل إيراد هذا الحديث هنا

61 - باب الكبر وقال مجاهد: {ثانى عطفه} [الحج: 9] مستكبر فى نفسه. عطفه: رقبته

لعدم المطابقة لأن الترجمة لستر المؤمن على نفسه والذي في الحديث ستر الله على المؤمن. وأجيب: بأن ستر الله مستلزم لستر المؤمن على نفسه. والحديث سبق في المظالم والتفسير ويأتي إن شاء الله تعالى في التوحيد بعون الله. 61 - باب الْكِبْرِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ثَانِىَ عِطْفِهِ} [الحج: 9] مُسْتَكْبِرٌ فِى نَفْسِهِ. عِطْفُهُ: رَقَبَتُهُ (باب) ذم (الكبر) بكسر الكاف وسكون الموحدة وهو ثمرة العجب وقد هلك بهما كثير من العلماء والعباد والزهاد والكبر هو أن يرى نفسه خيرًا من غيره جهلاً بها وبقدر بارئها تعالى وبوعده ووعيده والتكبر منع الحق كمن ينصر باطلاً رياءً وازدراءً لخلق الله فكل معجب أو متكبر بنعمة يأنف ممن هو فقير منها كفرًا للنعمة والرحمة وأنفع شيء لدفعه التفكر في كونه لم يكون شيئًا وليس أخس من العدم وحيث صار شيئًا صار جمادًا لا يحس وكان إيجاده من تراب وطين منتن ونطفة بمكان قدّر فأوجد بسمع وبصر وعقل ليعرف به أوصافه وأخرجه تعالى ضعيفًا عاجزًا فرباه وقواه وعلمه إلى منتهاه ويلازمه مع ذلك مستقذرات كالبول والغائط والسقم والعجز لا يملك ضرًّا ولا نفعًا ولا شيئًا، ومع ذلك قد لا يشكر نعمه ولا يذكر عرض قبائحه وتفرده بقبر موحش عن محابه وأحبابه فيصير جيفة والأحداق سالت والألوان حالت والرؤوس تغيرت ومالت مع فتان يأتيه فيقعده يسأله عما كان يعتقده ثم يكشف له من الجنة أو النار مقعده ثم يقاسي أهوال القيامة ثم يصير إلى النار أن لم يرحمه ربه ومن هذه حالته فمن أين يأتيه الكبر، فالكبرياء والعظمة للرب القادر لا للعبد العاجز أشار إليه في قوت الأحياء. (وقال مجاهد): هو ابن جبر فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({ثاني عطفه}) [الحج: 9] أي (مستكبرًا في نفسه عطفه) أي (رقبته) وقال غيره: أي لاويًا عنقه عن طاعة الله كبرًا وخيلاء. 6071 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ الْقَيْسِىُّ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِىِّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) أبو عبد الله العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا معبد بن خالد القيسي) الجدلي بجيم ودال مهملة مفتوحتين الكوفي العابد (عن حارثة بن وهب الخزاعي) بتخفيف الزاي -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ألا) بالتخفيف (أخبركم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أغلب (أهل الجنة) هم (كل ضعيف) أي ضعيف الحال لا ضعيف البدن (متضاعف) بألف بعد الضاد وكسر العين أي متواضع، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: متضعف بتشديد العين من غير ألف، ومعنى الكل يستضعفه الناس ويحتقرونه لضعف حاله في الدنيا أو متواضع متذلل خامل الذكر (لو أقسم) ولأبي ذر لو يقسم (على الله) يمينًا طمعًا في كرم الله بإبراره (لأبره) وقيل لو دعاه لأجابه (ألا أخبركم بـ) أغلب (أهل النار) هم (كل عتل) بضم العين المهملة والفوقية وتشديد اللام غليظ جاف (جوّاظ) بفتح الجيم والواو المشددة وبعد الألف معجمة المنوع أو المختال في مشيته (مستكبر) بكسر الموحدة. والحديث سبق في تفسيره سورة ن. 6072 - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ. (وقال محمد بن عيسى) بن أبي نجيح المعروف بابن الطباع بمهملة مفتوحة فموحدة مشددة فألف فعين مهملة أبو جعفر البغدادي نزيل أذنة بفتح الهمزة والمعجمة والنون الثقة العالم. قال أبو داود: كان يحفظ أربعين ألف حديث، ويشبه أن يكون البخاري أخذ عنه مذاكرة قال: (حدّثنا هشيم) بضم مصغرًا ابن بشير أبو معاوية الواسطي قال: (أخبرنا حميد الطويل) قال: (حدّثنا أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (قال: كانت) ولأبي ذر عن الكشميهني: أن كانت بفتح الهمزة في اليونينية (الأمة) غير الحرّة (من إماء أهل المدينة) أي أيّ أمة كانت (لتأخذ) بلام التأكيد (بيد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتنطلق به حيث شاءت) من الأمكنة ولو كانت حاجتها خارج المدينة. زاد أحمد في حاجتها وفي أخرى له فيما ينزع يده حتى تذهب به حيث شاءت، والمراد بالأخذ باليد لازمه وهو الانقياد وفيه غاية تواضعه وبراءته من جميع أنواع الكبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثيرًا. 62 - باب الْهِجْرَةِ وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ» (باب) ذم (الهجرة) بكسر الهاء وسكون الجيم وهي مفارقة كلام أخيه المؤمن مع تلاقيهما واعراض كل واحد منهما

عن الآخر عند اجتماعهما لا مفارقة الوطن (وقول رسول الله) ولأبي ذر وقول النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث) ولأبي ذر: ثلاث ليال، وهذا وصله في هذا الباب عن أبي أيوب. 6073 - 6074 - 6075 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الطُّفَيْلِ هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ وَهْوَ ابْنُ أَخِى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأُمِّهَا أَنَّ عَائِشَةَ حُدِّثَتْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ فِى بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ، وَاللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ أَوْ لأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا فَقَالَتْ: أَهُوَ قَالَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَتْ: هُوَ لِلَّهِ عَلَىَّ نَذْرٌ أَنْ لاَ أُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَبَدًا فَاسْتَشْفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهَا حِينَ طَالَتِ الْهِجْرَةُ، فَقَالَتْ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أُشَفِّعُ فِيهِ أَبَدًا، وَلاَ أَتَحَنَّثُ إِلَى نَذْرِى فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ كَلَّمَ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ، وَهُمَا مِنْ بَنِى زُهْرَةَ وَقَالَ لَهُمَا: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ لَمَّا أَدْخَلْتُمَانِى عَلَى عَائِشَةَ فَإِنَّهَا لاَ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْذُرَ قَطِيعَتِى فَأَقْبَلَ بِهِ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُشْتَمِلَيْنِ بِأَرْدِيَتِهِمَا حَتَّى اسْتَأْذَنَا عَلَى عَائِشَةَ فَقَالاَ: السَّلاَمُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، أَنَدْخُلُ؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: ادْخُلُوا، قَالُوا: كُلُّنَا قَالَتْ: نَعَمِ ادْخُلُوا كُلُّكُمْ، وَلاَ تَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُمَا ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا دَخَلُوا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْحِجَابَ فَاعْتَنَقَ عَائِشَةَ وَطَفِقَ يُنَاشِدُهَا وَيَبْكِى، وَطَفِقَ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يُنَاشِدَانِهَا إِلاَّ مَا كَلَّمَتْهُ، وَقَبِلَتْ مِنْهُ وَيَقُولاَنِ: إِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ مِنَ الْهِجْرَةِ، فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَى عَائِشَةَ مِنَ التَّذْكِرَةِ وَالتَّحْرِيجِ طَفِقَتْ تُذَكِّرُهُمَا نَذْرَهَا وَتَبْكِى وَتَقُولُ: إِنِّى نَذَرْتُ، وَالنَّذْرُ شَدِيدٌ فَلَمْ يَزَالاَ بِهَا حَتَّى كَلَّمَتِ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَأَعْتَقَتْ فِى نَذْرِهَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً، وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَتَبْكِى حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدثني) بالإفراد (عوف بن مالك بن الطفيل) بالفاء والطفيل بضم الطاء المهملة وفتح الفاء وسكون التحتية بعدها لام (هو ابن الحارث) وسقط لأبي ذر لفظ ابن مالك ولفظ هو ابن الحارث كما في الفرع، وزاد في الفتح والنسفيّ أيضًا، وعند الإسماعيلي من طريق علي بن المديني من رواية صالح بن كيسان عن الزهري حدثني عوف بن الطفيل بن الحارث وفي رواية معمر عنده أيضًا عوف بن الحارث بن الطفيل قال ابن المديني: والصواب عندي وهو المعروف عوف بن الحارث بن الطفيل بن سخبرة (وهو ابن أخي عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأمها) أم رومان بنت عامر الكنانية (أن عائشة) -رضي الله عنها- (حدثت) بضم الحاء المهملة مبنيًّا للمفعول وللأصيلي كما في الفتح حدثته قال: والأوّل أصح ويؤيده أن في رواية الأوزاعي أن عائشة بلغها (أن عبد الله بن الزبير) بن العوّام (قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة): وللأوزاعي عند الإسماعيلي في دار لها باعتها فسخط عبد الله بن الزبير ببيع تلك الدار فقال: أما (والله لتنتهين عائشة) عن بيع رباعها (أو لأحجرن عليها) وفي مناقب قريش مما سبق من طريق عروة قال: كانت عائشة لا تمسك شيئًا فما جاءها من رزق الله تصدقت. قال في الفتح: وهذا لا يخالف الذي هنا لأنه يحتمل أن تكون باعت الرباع لتتصدق بثمنها (فقالت) عائشة: (أهو) أي عبد الله (قال هذا) القول؟ (قالوا نعم) قاله (قالت: هو) أي الشأن (لله عليّ نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدًا) وفي رواية الأوزاعي المذكورة بدل قوله أبدًا حتى يفرق الموت بيني وبينه قال السفاقسي قولها أن لا أكلمه تقديره عليّ نذر إن كلمته (فاستشفع ابن الزبير إليها) بالمهاجرين كما في رواية عبد الله بن خالد عند البخاري في الأدب المفرد (حين طالت الهجرة) منها له أن تعفو عنه وتكلمه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: حتى بدل حين والأول هو الصواب كما قاله في الفتح (فقالت: لا والله لا أشفع فيه أبدًا) بكسر الفاء المشددة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أحدًا بدل أبدًا (ولا أتحنث) بالمثلثة (إلى نذري) أي لا أقبل الشفاعة فيه ولا أتحنث في نذري أي يميني منتهيًا إليه (فلما طال ذلك) من هجرانها (على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة) بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح ميم مخرمة وسكون الخاء المعجمة (وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث) بفتح التحتية وضم المعجمة وبعد الواو مثلثة (وهما من بني زهرة قال لهما: أنشدكما) بفتح الهمزة وضم المعجمة والمهملة أسألكما (بالله لما أدخلتماني على عائشة) بتشديد الميم في الفرع وتخفف وما زائدة وهي بمعنى ألا أي لا أطلب إلا الإدخال عليها ولأبي ذر عن الكشميهني إلا بدل لما (فإنها) أي الحال، ولأبي ذر عن الكشميهني: فإنه أي الشأن (لا يحل لها أن تنذر) بكسر المعجمة وضمها (قطيعتي) أي قطع صلة رحمي لأنه كان ابن أختها وكانت تتولى تربيته غالبًا وللأوزاعي فسألهما أن يشتملا عليه بأرديتهما (فأقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين بأرديتهما حتى استأذنا على عائشة) -رضي الله عنها- (فقالا: السلام عليك ورحمة الله وبركاته أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا. قالوا: كلنا: قالت: نعم ادخلوا كلكلم و) هي (لا تعلم أن معهما ابن الزبير فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة وطفق) بالواو ولأبي ذر فطفق (يناشدها) الله والرحم (ويبكي) وفي رواية الأوزاعي فبكى إليها وبكت إليه وقبلها (وطفق) ولأبي ذر فطفق (المسور وعبد الرحمن يناشدانها إلا ما كلمته وقبلت منه) بسكون الفوقية فيهما وبكسرها

بعد سكون سابقها (ويقولان) لها (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عما قد علمت) بكسر اللام وسكون الميم (من الهجرة فإنه) وفي نسخة وإنه بالواو بدل الفاء (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه) المسلم (فوق ثلاث ليال) بأيامها والاعتبار بمضي الثلاث ملفقة فإذا ابتدأت مثلاً من الظهر يوم السبت كان آخرها الظهر يوم الثلاثاء أو يلغى الكسر ويكون أوّلها من ابتداء اليوم أو الليلة لكن الأول أحوط. وقال النووي، قال العلماء: تحرم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال بالنص ويباح في الثلاث بالمفهوم وإنما عفي عنه في ذلك لأن الآدمي مجبول على الغضب فسومح بذلك القدر ليرجع ويزول ذلك العارض عنه. (فلما أكثروا على عائشة من التذكرة) أي من التذكير بما جاء في فضل صلة الرحم والعفو وكظم الغيظ (والتحريج) بحاء مهملة آخره جيم أي الوقوع في الحرج لما ورد في القطيعة من النهي (طلّقت تذكرهما) بضم الفوقية وفتح المعجمة وكسر الكاف مشددة (وتبكي) ولأبي ذر: تذكرهما نذرها وتبكي (وتقول) لهما: (إني نذرت) أن لا أكلمه (والنذر شديد فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها) الذي يستر رأسها وهو بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الميم، واختلف في النذر إذا خرج مخرج اليمين مثل إن قال: إن كلمت فلانًا فلله عليّ عتق رقبة، فهذا نذر خرج مخرج اليمين لأنه قصد به منع نفسه عن الفعل، فإذا فعل ذلك وجبت عليه كفارة اليمين كما ذهب إليه الشافعي وأكثر السلف ويسمى نذر اللجاج، وقال المالكية: إنما ينعقد النذر إذا كان في طاعة كلله عليّ أن أعتق أو أصلي فإن كان في حرام أو مكروه أو مباح فلا، وحينيذٍ فنذر ترك الكلام الصادر من عائشة في حق ابن الزبير -رضي الله عنهما- يفضي إلى التهاجر وهو حرام أو مكروه. وأجيب: بأن عائشة رأت أن ابن الزبير ارتكب بقوله لأحجرن عليها أمرًا عظيمًا لما فيه من تنقيصها ونسبته لها إلى التبذير الموجب لمنعها من التصرف مع ما انضاف إلى ذلك من كونها أم المؤمنين وخالته أخت أمه فكأنها رأت الذي صدر منه نوع عقوق فهو في معنى نهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسلمين عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه لتخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر عقوبة لهم. 6076 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الكلاعي الدمشقي الأصل قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أنس بن مالك) - رضي الله عنه- سقط لأبي ذر ابن مالك (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تباغضوا) بأن تتعاطوا أسباب التباغض أو لا تفعلوا الأهواء المضلة المقتضية للتباغض (ولا تحاسدوا) بأن يتمنى أحدكم زوال النعمة عن أخيه (ولا تدابروا) بإسقاط إحدى التاءين في الثلاثة والتدابر التهاجر (وكونوا) يا (عباد الله إخوانًا) باكتساب ما تصيرون به إخوانًا (ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه) المسلم (فوق ثلاث ليال) بأيامها. والحديث سبق قريبًا في باب التحاسد. 6077 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِى يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ». [الحديث 6077 - طرفه في: 6237] وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عطاء بن يزيد الليثي) المديني نزيل الشام (عن أبي أيوب) خالد بن زيد (الأنصاري) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يحل لرجل أن يهجر أخاه) في الإسلام (فوق ثلاث ليال) بأيامها وظاهره كما مرّ إباحة ذلك في الثلاث لأن الغالب أن ما جبل عليه الإنسان من الغضب وسوء الخلق يزول من المؤمن أو يقل بعد الثلاث والتعبير بأخيه فيه إشعار بالعلية (يلتقيان) ولأبي ذر عن الكشميهني: فيلتقيان بزيادة فاء في أوّله (فيعرض هذا) عن أخيه المسلم (ويعرض هذا) الآخر كذلك ويعرض بضم التحتية فيهما والجملة استئنافية بيان لكيفية الهجران ويجوز أن يكون حالاً من فاعل يهجر ومفعوله معًا (وخيرهما

63 - باب ما يجوز من الهجران لمن عصى

الذي يبدأ) أخاه (بالسلام) عطف على الجملة السابقة من حيث المعنى لما يفهم منها أن ذلك الفعل ليس بخبر وعلى القول بأن الأولى حال، فهذه الثانية عطف على قوله لا يحل، وزاد الطبراني من طريق أخرى عن الزهري بعد قوله بالسلام يسبق إلى الجنة، ولأبي داود وبسند صحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: فإن مرت به ثلاث فلقيه فليسلم عليه فإن ردّ فقد اشتركا في الأجر وإن لم يرد فقد باء بالإثم وخرج المسلم من الهجرة. وقال في المصابيح: حاول بعض الناس أن يجعل هذا دليلاً على فرع ذكروا أنه مستثنى من القاعدة المشهورة وهي أن الفرض أفضل من النفل وهذا الفرع المستثنى هو الابتداء بالسلام فإنه سنة والرد واجب. قال بعض الناس: والابتداء أفضل لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" واعلم أنه ليس في الحديث أن الابتداء خير من الجواب وإنما فيه من المبتدئ خير من المجيب، وهذا لأن المبتدئ فعل حسنة وتسبب إلى فعل حسنة وهي الجواب مع ما دل عليه الابتداء من حسن طوية المبتدئ وترك ما يكرهه الشارع من الهجر والجفاء فإن الحديث ورد في المسلمين يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وكان المبتدئ خيرًا من حيث إنه مبتدئ بترك ما كرهه الشارع من التقاطع لا من حيث إنه يسلم انتهى. وقال الأكثرون: تزول الهجرة بمجرد السلام وردّه، وقال الإمام أحمد: لا يبرأ من الهجرة إلا بعوده إلى الحال التي كان عليها أوّلاً. 63 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الْهِجْرَانِ لِمَنْ عَصَى وَقَالَ كَعْبٌ حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا وَذَكَرَ خَمْسِينَ لَيْلَةً. (باب ما يجوز من الهجران لمن عصى) لينتهي عن عصيانه (وقال كعب) هو ابن مالك الأنصاري كما سبق موصولاً في حديثه الطويل في أواخر المغازي (حين تخلف) في غزوة تبوك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ونهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسلمين عن كلامنا) زاد في غزوة تبوك أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه فاجتنبنا الناس الحديث وسمى الاثنين فيه وهما مرارة بن الربيع وهلال بن أمية (وذكر) أن زمان هجرة المسلمين عنهم كان (خمسين ليلة). قال الطبري: وهذه القصة أصل في هجران أهل المعاصي أي نحو الفاسق والمبتدع وإنما لم يهجر الكافر مع كونه أشد جرمًا لأن الهجرة تكون بالقلب واللسان فالكافر بالقلب وترك التودد والتعاون والتناصر ولم يشرع هجرانه بالكلام لعدم ارتداعه به عن كفره بخلاف المسلم العاصي فإنه ينزجر بذلك غالبًا. 6078 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّى لأَعْرِفُ غَضَبَكِ وَرِضَاكِ». قَالَتْ: قُلْتُ: وَكَيْفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنَّكِ إِذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ» قَالَتْ: قُلْتُ أَجَلْ لَسْتُ أُهَاجِرُ إِلاَّ اسْمَكَ. وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضى الله عنها) أنها (قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إني لأعرف غضبك ورضاك قالت: قلت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وقلت (وكيف تعرف ذاك) الغضب والرضا مني (يا رسول الله؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنك إذا كنت راضية قلت بلى) ولأبي ذر لا (ورب محمد وإذا كنت ساخطة قلت لا ورب إبراهيم قالت: قلت أجل لست أهجر إلا اسمك) بفتح الهمزة والجيم وتخفيف اللام كنعم وزنًا ومعنى إلا أن نعم أحسن في جواب الاستفهام وأجل أحسن في التصديق قاله الأخفش. فإن قلت: الغضب على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معصية كبيرة. أجيب: بأن الحامل لعائشة على ذلك إنما هو الغيرة التي جبلت عليها النساء وهي لا تنشأ إلا عن فرط المحبة فلما كان غضبها ذلك لا يستلزم البغض اغتفر وقد دل قولها -رضي الله عنها- لا أهجر إلا اسمك على أن قلبها مملوء بمحبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. والحديث أخرجه مسلم في الفضائل. 64 - باب هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا؟ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (هل يزور) الشخص (صاحبه كل يوم أو) يزوره (بكرة) من طلوع الشمس إلى زوالها (وعشيًّا) من الزوال إلى العتمة، وقد قيل إلى الفجر وسقطت الهمزة من قوله، أو لأبي ذر فالواو مفتوحة وهذا لا يعارض حديث: "زر غبًّا تزدد حبًّا" المروي عند الحاكم في تاريخ نيسابور والخطيب في تاريخ بغداد وغيرهما من طرق لأن عمومه يقبل التخصيص فيحمل على من ليست له خصوصية ومودة ثابتة فلا تنقص

65 - باب الزيارة ومن زار قوما فطعم عندهم وزار سلمان أبا الدرداء فى عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فأكل عنده

كثرة زيارته من منزلته كالصديق الملاطف كما قال ابن بطال: لا تزيده كثرة الزيارة إلا محبة بخلاف غيره. 6079 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ ح وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَىَّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِمَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَرَفَىِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ فِى بَيْتِ أَبِى بَكْرٍ فِى نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا جَاءَ بِهِ فِى هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَمْرٌ؟ قَالَ: «إِنِّى قَدْ أُذِنَ لِى بِالْخُرُوجِ». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء أبو إسحاق الرازي الصغير وسقط قوله ابن موسى لغير أبي ذر قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف (عن معمر) هو ابن راشد (ح) لتحويل السند. (وقال الليث) بن سعد الإمام مما سبق موصولاً في باب الهجرة إلى المدينة وسقطت حاء التحويل من الفرع (حدثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين بن خالد الأيلي (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (فأخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن عائشة) -رضي الله عنها- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط قوله زوج الخ لأبي ذر أنها (قالت: لم أعقل) بكسر القاف (أبويّ) أبا بكر وأم رومان (إلا وهما يدينان الدين) بكسر الدال المهملة دين الإسلام (ولم يمر عليهما) على أبوي وفي نسخة علينا (يوم إلا يأتينا فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طرفي النهار بكرة وعشية). ولأبي ذر عن الكشميهني وعشيًّا وهذا موضع الترجمة كما لا يخفى وليس في الحديث ما يمنع أن أبا بكر -رضي الله عنه- كان يجيء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في النهار والليل أكثر مما كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأتيه، ولعل منزل أبي بكر كان بين منزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين المسجد فكان يمر به والمقصود المسجد (فبينما) بالميم ولأبي ذر فبينا (نحن جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة) بالحاء المهملة الساكنة أول الزوال عند شدة الحر (قال قائل): قيل مولى أبي بكر عامر بن فهيرة وفي الطبراني أسماء بنت أبي بكر (هذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ساعة لم يكن يأتينا فيها. قال أبو بكر) -رضي الله عنه-: (ما جاء به) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في هذه الساعة إلا أمر) حدث (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن دخل: (إني قد أذن لي) وسقط لفظ قد لأبي ذر (بالخروج) إلى المدينة ولأبي ذر في الخروج بدل الباء الموحدة، وفي فتح الباري: إن هذا السياق كأنه سياق معمر قال: وأما رواية عقيل فلفظه في باب الهجرة إلى المدينة عن ابن شهاب أخبرني عروة عن عائشة قالت: لم أعقل الخ. 65 - باب الزِّيَارَةِ وَمَنْ زَارَ قَوْمًا فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ وَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَكَلَ عِنْدَهُ (باب) مشروعية (الزيارة ومن زار قومًا فطعم) بكسر العين أي أكل (عندهم) ولو يسيرًا إذ فيه زيادة المحبة وثبوت المودة (وزار سلمان) الفارسي (أبا الدرداء) عويمر الأنصاري (في عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأكل عنده) وهذا طرف من حديث أبي جحيفة السابق موصولاً في الصيام. 6080 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضى الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَارَ أَهْلَ بَيْتٍ فِى الأَنْصَارِ فَطَعِمَ عِنْدَهُمْ طَعَامًا، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ أَمَرَ بِمَكَانٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَنُضِحَ لَهُ عَلَى بِسَاطٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَعَا لَهُمْ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: بالإفراد (محمد بن سلام) السلمي مولى البيكندي بكسر الموحدة وسكون التحتية وفتح الكاف بعدها نون ساكنة ودال مهملة مكسورة قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (عن خالد الحذاء) بفتح الحاء المهملة والذال المعجمة المشددة ممدودًا (عن أنس بن سيرين) أخي محمد بن سيرين (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زار أهل بيت في) ولأبي ذر من (الأنصار) هم أهل بيت عتبان مالك (فطعم) أكل (عندهم طعامًا فلما أراد أن يخرج) ولأبي ذر عن الكشميهني أراد الخروج (أمر) عليه الصلاة والسلام (بمكان من البيت فنضح) بضم النون وكسر الضاد المعجمة بعدها حاء مهملة رش (له) بالماء (على بساط) أي حصير كما في طريق أخرى (فصلّى) عليه الصلاة والسلام (عليه ودعا لهم) أي لأهل البيت، وفي الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه حديث أبي هريرة رفعه "من عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله ناداه مناد طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً". والحديث سبق في صلاة الضحى من كتاب الصلاة. 66 - باب مَنْ تَجَمَّلَ لِلْوُفُودِ (باب من تجمل) بالجيم والميم المشددة أي تحسن بأحسن الثياب والزي الحسن المباح (للوفود) بضم الواو أي لأجل الجماعة الواردين عليه. 6081 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى، قَالَ: حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ لِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: مَا الإِسْتَبْرَقُ؟ قُلْتُ: مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ وَخَشُنَ مِنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ: رَأَى عُمَرُ عَلَى رَجُلٍ حُلَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ فَأَتَى بِهَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْتَرِ هَذِهِ فَالْبَسْهَا لِوَفْدِ النَّاسِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: «إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ» فَمَضَى فِى ذَلِكَ مَا مَضَى ثُمَّ إِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ إِلَيْهِ بِحُلَّةٍ فَأَتَى بِهَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: بَعَثْتَ إِلَىَّ بِهَذِهِ وَقَدْ قُلْتَ فِى مِثْلِهَا مَا قُلْتَ قَالَ: «إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتُصِيبَ بِهَا مَالاً» فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ الْعَلَمَ فِى الثَّوْبِ لِهَذَا الْحَدِيثِ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الصمد قال: حدثني) بالإفراد (أبي) عبد الوارث (قال: حدثني) بالإفراد

67 - باب الإخاء والحلف

أيضًا (يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي البصري (قال: قال لي سالم بن عبد الله) بن عمر (ما الاستبرق؟ قلت: ما غلظ من الديباج وخشن منه) بالخاء المفتوحة والشين المضمومة المعجمتين ولأبي ذر عن الكشميهني وحسن بالمهملتين وفي الفرع بهامشه لعله وثخن بالمثلثة والخاء المعجمة فليحرر (قال: سمعت) أبي (عبد الله) بن عمر (يقول: رأى عمر) -رضي الله عنه- (على رجل) هو عطارد بن حاجب التيمي (حلة من استبرق فأتى بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله اشتر هذه) الحلة (فالبسها) بهمزة وصل وفتح الموحدة (لوفد الناس إذا قدموا عليك فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنما يلبس الحرير) مستحلاًّ له (من لا خلاق) أي نصيب (له) في الآخرة (فمضى في) ولأبي ذر من (ذلك ما مضى ثم إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث إليه) إلى عمر (بحلة) من استبرق (فأتى) عمر (بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: بعثت إليّ بهذه) الحلة (وقد قلت في مثلها ما قلت قال) عليه الصلاة والسلام: (إنما بعثت إليك) بها (لتصيب بها مالاً) بنحو البيع وثبت بها في قوله لتصيب بها للحموي والمستملي (فكان ابن عمر يكره العلم) بفتح العين واللام الحرير (في الثوب لهذا الحديث) ورعًا منه -رضي الله عنه-. والحديث سبق في اللباس في باب الحرير للنساء. 67 - باب الإِخَاءِ وَالْحِلْفِ وَقَالَ أَبُو جُحَيْفَةَ: آخَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِى الدَّرْدَاءِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ آخَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنِى وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ. (باب الإخاء) بكسر الهمزة أي المؤاخاة (والحلف) بكسر الحاء المهملة وسكون اللام بعدها فاء العهد يكون بين القوم. (وقال أبو جحيفة) بتقديم الجيم المضمومة على المهملة المفتوحة وهب بن عبد الله السوائي نزيل الكوفة (آخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين سلمان) الفارسي (و) بين (أبي الدرداء) عويمر الأنصاري أي جعلهما أخوين. وهذا التعليق طرف من حديث سبق في باب الهجرة إلى المدينة. (وقال عبد الرحمن بن عوف: لما قدمنا المدينة آخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيني وبين سعد بن الرببع) هو طرف من حديث سبق في فضائل الأنصار وذكر غير واحد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخى بين أصحابه مرتين مرة بين المهاجرين فقط وأخرى بين المهاجرين والأنصار. 6082 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَآخَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن حميد) الطويل (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: لما قدم علينا عبد الرحمن) بن عوف المدينة (فآخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينه وبين سعد بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة الأنصاري (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): لما جاءه عبد الرحمن وعليه أثر صفرة وقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تزوجت"؟ قال: نعم. (أولم) أي اتخذ وليمة للعرس ندبًا (ولو بشاة). والحديث سبق تامًّا في أوائل البيع. 6083 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَبَلَغَكَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ حِلْفَ فِى الإِسْلاَمِ»؟ فَقَالَ: قَدْ حَالَفَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالأَنْصَارِ فِى دَارِى. وبه قال: (حدّثنا محمد بن صباح) بفتح الصاد المهملة والموحدة المشددة وبعد الألف حاء مهملة الدولابي أبو جعفر البغدادي قال: (حدّثنا إسماعيل بن زكريا) بن مرة الخلقاني بضم الخاء المعجمة وسكون اللام بعدها قاف الكوفي لقبه شقوصًا بفتح الشين المعجمة وضم القاف الخفيفة وبعد الواو صاد مهملة فألف قال: (حدّثنا عاصم) هو ابن سليمان الأحول (قال: قلت لأنس بن مالك) رضي الله عنه (أبلغك) بهمزة الاستفهام (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا حلف في الإسلام) لأن الحلف للاتفاق والإسلام قد جمعهم وألف بين قلوبهم فلا حاجة إليه وكانوا في الجاهلية يتعاهدون على نصر الحليف ولو كان ظالمًا وعلى أخذ الثأر من القبيلة بسبب قتل واحد منها ونحو ذلك (فقال) أنس -رضي الله عنه- (قد حالف) أي آخى (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين قريش و) بين (الأنصار في داري) أن ينصروا المظلوم ويقيموا الدين، فالمنفي معاهدة الجاهلية والمثبت ما عداها من نصر المظلوم وغيره مما جاء به الشرع. فلا تعارض، وحديث لا حلف في الإسلام أخرجه مسلم في صحيحه عن جبير بن مطعم مرفوعًا بلفظ: "لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة". وحديث الباب

68 - باب التبسم والضحك

سبق في الكفالة. 68 - باب التَّبَسُّمِ وَالضَّحِكِ وَقَالَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ -: أَسَرَّ إِلَىَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَضَحِكْتُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى. (باب) إباحة (التبسم) وهو ظهور الأسنان بلا صوت (والضحك) وهو ظهورها مع صوت لا يسمع من بعد فإن سمع من بعد فقهقهة (وقالت فاطمة) الزهراء (عليها السلام: أسر إليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي في مرض موته أني أوّل أهله لحوقًا به (فضحكت) وهذا طرف من حديث سبق في الوفاة النبوية (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله في الجنائز: (إن الله) عز وجل {هو أضحك وأبكى} [النجم: 43] لأنه المؤثر في الوجود لا غيره. 6084 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِىَّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَبَتَّ طَلاَقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ فَجَاءَتِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَهَا آخِرَ ثَلاَثِ تَطْلِيقَاتٍ، فَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الزَّبِيرِ وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مَعَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ مِثْلُ هَذِهِ الْهُدْبَةِ، لِهُدْبَةٍ أَخَذَتْهَا مِنْ جِلْبَابِهَا قَالَ وَأَبُو بَكْرٍ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَابْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ بِبَابِ الْحُجْرَةِ، لِيُؤْذَنَ لَهُ فَطَفِقَ خَالِدٌ يُنَادِى أَبَا بَكْرٍ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلاَ تَزْجُرُ هَذِهِ عَمَّا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ وَمَا يَزِيدُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى التَّبَسُّمِ ثُمَّ قَالَ: «لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِى إِلَى رِفَاعَةَ، لاَ حَتَّى تَذُوقِى عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رفاعة القرظي) بكسر الراء وتخفيف الفاء والقرظي بضم القاف وفتح الراء وكسر الظاء المعجمة نسبة إلى قريظة بن الخزرج (طلق امرأته) تميمة بنت وهب وقيل سهيمة بالسين وقيل أميمة بنت الحارث وقيل عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك (فبت) بالموحدة والفوقية المشددة أي قطع (طلاقها) أي قطع عصمتها بأن طلقها ثلاثًا (فتزوّجها بعده عبد الرحمن بن الزبير) بفتح الزاي وكسر الموحدة بعدها تحتية ساكنة فراء ابن باطيا القرظي (فجاءت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إنها كانت عند رفاعة) القرظي (فطلقها ثلاث تطليقات فتزوّجها بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنه والله ما معه يا رسول الله) من الفرج (إلا مثل هذه الهدبة) بضم الهاء وسكون الدال المهملة (لهدبة أخذتها من) طرف (جلبابها) الذي لم ينسج شبه بهدب العين وهو شعر جفنها والتشبيه به لصغره أو لاسترخائه وعدم انتشاره وهو الظاهر (قال وأبو بكر) الصدّيق -رضي الله عنه- (جالس عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وابن سعيد بن العاص) خالد القرشي الأموي (جالس بباب الحجرة ليؤذن له) مبني للمفعول في الدخول (فطفق خالد) بن سعيد المذكور (ينادي أبا بكر يا أبا بكر ألا تزجر هذه عما تجهر به عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما يزيد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على التبسم) وهذا موضع الترجمة (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها: (لعلك تريدين أن ترجعي إلى) عصمة (رفاعة لا) رجوع لك إليه (حتى تذوقي عسيلته) أي عسيلة عبد الرحمن بن الزبير (ويذوق عسيلتك) إذا قدر والعسيلة الجماع شبه لذته بلذة العسل وحلاوته وليس الإنزال بشرط كما قرر في محله. 6085 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَسْأَلْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ وَالنَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَضْحَكُ فَقَالَ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى فَقَالَ: «عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللاَّتِى كُنَّ عِنْدِى لَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ تَبَادَرْنَ الْحِجَابَ» فَقَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِنَّ فَقَالَ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ أَتَهَبْنَنِى وَلَمْ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْنَ: إِنَّكَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِيهٍ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد (إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب) كان واليًا على الكوفة لعمر بن عبد العزيز (عن محمد بن سعد عن أبيه) سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه (قال: استأذن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعنده نسوة) من أزواجه (من قريش) عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب بنت جحش وغيرهن حال كونهن (يسألنه ويستكثرنه) أي يطلبن منه أكثر مما يعطيهن حال كونهن (عالية أصواتهن) ولأبي ذر: عالية بالرفع على الصفة أو خبر مبتدأ محذوف أي هن رافعة أصواتهن (على صوته) يحتمل أن يكون ذلك قبل النهي عن رفع الصوت على صوته أو كان ذلك من طبعهن (فلما استأذن عمر) -رضي الله عنه- في الدخول (تبادرن الحجاب) أي أسرعن إليه (فأذن له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخل والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يضحك) من فعلهن والواو للحال (فقال) له عمر: (أضحك الله سنك يا رسول الله) هو دعاء بالسرور الذي هو لازم الضحك لادعاء بالضحك (بأبي أنت وأمي) أفديك

(فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عجبت من هؤلاء) النسوة (اللاتي كن عندي) يرفعن أصواتهن (لما سمعن صوتك تبادرن) ولأبي ذر فتبادرن (الحجاب فقال: أنت أحق أن يهبن يا رسول الله ثم أقبل) عمر (عليهن فقال: يا عدوّات أنفسهن أتهبنني) بفتح الهمزة والفوقية والهاء وسكون الموحدة وفتح النون الأولى وكسر الثانية (ولم يهبن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلن) له: (إنك أفظ وأغلظ من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالظاء المعجمة فيهما وصيغة أفعل ليست على بابها لحديث ليس بفظ ولا غليظ وحينئذٍ فلا تعارض بين الحديث وقوله تعالى: {ولو كنت فظًّا غليظ القلب} [آل عمران: 159] ولا يشكل بقوله وأغلظ عليهم فالنفي بالنسبة لما جبل عليه والأمر محمول على المعالجة أو النفي بالنسبة إلى المؤمنين والأمر بالنسبة إلى الكفار والمنافقين (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إيه) بكسر الهمزة وسكون التحتية وتنوين الهاء حدّثنا ما شئت وأعرض عن الإنكار عليهن (يا ابن الخطاب) وقال الطيبي: إيه استزادة منه في طلب توقيره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتعظيم حاله (والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا) بالجيم المشدّدة طريقًا واسعًا (إلا سلك فجًّا غير فجك) الذي تسلكه فرفًا منك. والحديث سبق في باب صفة إبليس وجنوده وفي مناقب عمر. 6086 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِى الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لَمَّا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالطَّائِفِ قَالَ: «إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَقَالَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ نَبْرَحُ أَوْ نَفْتَحَهَا، فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَاغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ» قَالَ: فَغَدَوْا فَقَاتَلُوهُمْ قِتَالاً شَدِيدًا وَكَثُرَ فِيهِمُ الْجِرَاحَاتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» قَالَ: فَسَكَتُوا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ الْحُمَيْدِىُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ كُلَّهُ بِالْخَبَرِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي أبو رجاء البغلاني بالموحدة وسكون الغين المعجمة قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن أبي العباس) السائب الشاعر المكي (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص وللمستملي والكشميهني في رواية أبي ذر والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر عن عبد الله بن عمر بضم العين ابن الخطاب وهو الصواب أنه (قال: لما كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالطائف) في غزوتها (قال): (إنّا قافلون) أي راجعون (غدًا إن شاء الله) ولأبي ذر عن الكشميهني معًا (فقال ناس من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر من أصحاب النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا نبرح أو نفتحها) بنصب حاء نفتحها بالفرع أي لا نفارق إلى أن نفتحها قال السفاقسي: بالرفع ضبطناه والصواب النصب لأن أو إذا كانت بمعنى حتى أو إلى نصبت وهي هنا كذلك (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فاغدوا على القتال) بهمزة وصل وغين معجمة (قال: فغدوا فقاتلوهم قتالاً شديدًا وكثر فيهم) أي في المسلمين (الجراحات. فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنا قافلون غدًا إن شاء الله قال: فسكتوا فضحك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تعجبًا من قولهم الأول وسكوتهم في الثاني. (قال: الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي شيخ المؤلّف (حدّثنا سفيان) بن عيينة الحديث (كله بالخبر) أي بلفظ الأخبار في جميع السند لا بلفظ العنعنة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: بالخبر كله بتقديم الخبر على كله أي حدّثنا بجميعه مستوفى، وهذا وصله الحميدي في مسند عبد الله بن عمر من مسنده. 6087 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَلَكْتُ، وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِى فِى رَمَضَانَ، قَالَ: «أَعْتِقْ رَقَبَةً» قَالَ: لَيْسَ لِى قَالَ: «فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» قَالَ: لاَ أَسْتَطِيعُ قَالَ: «فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا» قَالَ: لاَ أَجِدُ فَأُتِىَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: الْعَرَقُ الْمِكْتَلُ فَقَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟ تَصَدَّقْ بِهَا» قَالَ: عَلَى أَفْقَرَ مِنِّى وَاللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ: «فَأَنْتُمْ إِذًا». وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي بفتح الفوقية وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة قال: (حدّثنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: أتى رجل) أعرابي (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: هلكت) أي فعلت ما هو سبب لهلاكي وذلك أني (وقعت على أهلي) أي وطئت امرأتي (في رمضان) وأنا صائم (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أعتق) بفتح الهمزة وكسر الفوقية (رقبة قال: ليس لي) ما أعتق به رقبة (قال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فصم شهرين متتابعين) ظرف زمان مفعول على السعة بتقدير زمن شهرين متتابعين صفته (قال: لا أستطيع) ذلك (قال) عليه الصلاة والسلام: (فأطعم ستين مسكينًا قال: لا أجد) ما أطعمهم (فأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بعرق) بفتح العين المهملة والراء وتسكن (فيه تمر. قال إبراهيم) بن سعد بالسند السابق: (العرق) هو (المكتل) بكسر الميم

وسكون الكاف وفتح الفوقية من الخوص وهو يجمع خمسة عشر صاعًا، وأخذ من ذلك أن إطعام كل مسكين مد لأن الصاع أربعة أمداد وقد أمر بصرف هذه الخمسة عشر صاعًا إلى ستين وقسمة خمسة عشر على ستين كل واحد ربع صاع وهو مد (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أين السائل)؟ قال: أنا. قال: (تصدق بها) أي الصيعان ولأبي ذر عن الكشميهني بهذا أي التمر على المساكين (قال) ولأبي ذر فقال: (على أفقر مني) متعلق بفعل محذوف يدل عليه الكلام أي أتصدق به على أفقر مني أي على أحد أفقر مني فهو قائم مقام موصوفه وحذف همزة الاستفهام كثير والفعل لدلالة تصدق بها عليه (والله) ولأبي ذر فوالله (ما بين لابتيها) تثنية لابة بتخفيف الموحدة من غير همزة يريد الحرّتين وهما أرض ذات حجارة سود للمدينة حرتان هي بينهما (أهل بيت أفقر منا) أهل بيت مبتدأ والخبر من بين والعامل في وأفقر صفة للمبتدأ أو خبر مبتدأ محذوف أي هم أفقر أهل بيت هذا على أن ما تميمية وإن جعلتها حجازية فأهل بيت اسمها وأفقر خبرها والظرف متعلق بالخبر وهو أفعل وذلك جائز في أفعل نحو قولك: زيد عندك أفضل من عمرو، ولا يبطل عمل ما بالفصل بمفعول الخبر نحو قولك: ما عندي زيد قائمًا قاله ابن مالك وغيره كما في العدّة لابن فرحون (فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تعجبًّا من حال الرجل لكونه جاء أوّلاً هالكًا ثم انتقل لطلب الطعام لنفسه وعياله أو من رحمة الله به وسعته عليه والضحك غير التبسم، وأما قوله فتبسم ضاحكًا فقال في الكشاف فتبسم شارعًا في الضحك، وقال أبو البقاء: ضاحكًا حال مؤكدة. وقال صاحب الكشف: هي حال مقدرة أي فتبسم مقدرًا الضحك ولا يكون محمولاً على الحال المطلق لأن التبسم غير الضحك فإنه ابتداء الضحك وإنما يصير التبسم ضحكًا إذا اتصل ودام فلا بدّ من هذا التقدير وأكثر ضحك الأنبياء التبسم، وسقط لأبي ذر قوله النبي الخ. (حتى بدت نواجذه) بالجيم والذال المعجمة وهي من الأسنان الضواحك، وهي التي تبدو عند الضحك، والأكثر الأشهر أنها أقصى الأسنان والمراد الأول لأنه ما كان يبلغ به الضحك حتى يبدو آخر أضراسه، ولو أريد الثاني لكان مبالغة في الضحك من غير أن يراد ظهور نواجذه في الضحك وهو أقيس لاشتهار النواجذ بأواخر الأسنان، وإليه الإشارة يقول الزمخشري والغرض المبالغة في وصف ما وجد من الضحك النبوي قاله الطيبي. (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للرجل: (فأنتم إذًا) جواب أي إن لم يكن أفقر منكم فكلوا أنتم حينئذٍ وهذا على سبيل الإنفاق على العيال إذ الكفارة إنما هي على سبيل التراخي أو هو على سبيل التكفير فهو خصوصية له. والحديث سبق في باب الجامع في رمضان من كتاب الصوم. 6088 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِىُّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِىٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِىٌّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، قَالَ أَنَسٌ: فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِى مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِى عِنْدَكَ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي) سقط الأويسي لأبي ذر قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن) عمه (أنس بن مالك) أنه (قال: كنت أمشي مع رسول الله) ولأبي ذر مع النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعليه برد) بضم الموحدة وسكون الراء نوع من الثياب ولمسلم من طريق الأوزاعي وعليه رداء (نجراني) بفتح النون وسكون الجيم بعدها راء فألف فنون منسوب إلى بلد بين الحجاز واليمن (غليظ الحاشية فأدركه أعرابي) من أهل البادية (فجبذ بردائه) بجيم فموحدة فمعجمة مفتوحات (جبذة شديدة. قال أنس: فنظرت إلى صفحة عاتق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد أثرت بها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فيها (حاشية الرداء) ولمسلم من طريق همام حتى انشق البرد وذهبت حاشيته (من شدة جبذته ثم قال: يا محمد مر لي) بضم الميم وسكون الراء وفي رواية الأوزاعي أعطنا (من مال الله الذي عندك فالتفت إليه) صلوات الله وسلامه عليه (فضحك) زاده الله شرفًا لديه (ثم أمر له بعطاء) وفيه بيان حلمه وصبره على الأذى في النفس والمال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. والحديث مضى في الخمس واللباس. 6089 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: مَا حَجَبَنِى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلاَ رَآنِى إِلاَّ تَبَسَّمَ فِى وَجْهِى. وبه قال:

(حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (ابن نمير) بضم النون وفتح الميم وسكون التحتية بعدها راء هو محمد بن عبد الله بن نمير قال: (حدّثنا ابن إدريس) عبد الله الأودي (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن جرير) هو ابن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- أنه (قال: ما حجبني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من دخولي على مجلسه المختص بالرجال (منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي) وفي المناقب: إلا ضحك. 6090 - وَلَقَدْ شَكَوْتُ إِلَيْهِ أَنِّى لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِى صَدْرِى وَقَالَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا». (ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل فضرب بيده في صدري وقال): (اللهم ثبته) لفظ شامل للثبات على الخيل وعلى غيرها (واجعله هاديًا) لغيره (مهديًّا) في نفسه بفتح الميم وسكون الهاء. والحديث سبق في الجهاد وفي فضل جرير. 6091 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِى مِنَ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ» فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: أَتَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «فَبِمَ شَبَهُ الْوَلَدِ»؟ وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدثني (محمد بن المثنى) العنزي الحافظ قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن زينب بنت أم سلمة) هند (عن) أمها (أم سلمة) زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن أم سليم) بضم السين وفتح اللام الرميصاء بالصاد المهملة مصغرًا وهي أم أنس وزوج أبي طلحة الأنصاري (قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق) بسكون الحاء بوزن يستفعل وماضيه استحيا ولم يستعمل مجرّدًا عن السين والتاء وقال الزمخشري: يقال منه حيي فعلى هذا يكون استفعل فيه موافقًا للفعل المجرد، وقد جاء استفعل لاثني عشر معنى، للطلب نحو نسعتين، وللإيجاد كاستبعده، وللتحويل كاستأنس. والجمهور في يستحيي بياءين وعليه أكثر القرّاء، وقرأ ابن محيصن بياء واحدة من استحى يستحي فهو مستح مثل استقى يستقي وهي لغة تميم وبكر بن وائل أصله يستحيي بياءين نقلت حركة الأولى إلى الحاء فسكنت ثم استثقلت الضمة على الثانية فسكنت فحذفت إحداهما للالتقاء والجمع مستحون ومستحين قاله الجوهري. ونقل بعضهم أن المحذوف هنا مختلف فيه فقيل عين الكلمة فوزنه يستفل وقيل لامها فوزنه يستفع ثم نقلت حركة اللام على القول الأوّل وحركة العين على القول الثاني إلى الفاء وهي الحاء ومن الحذف قوله: ألا يستحي منا المليك ويتقي ... محارمنا لا يتقي الدم بالدم والمعنى أن الله لا يمتنع من أجل بيان الحق أي وأنا أيضًا لا أمتغ من السؤال عما أنا محتاجة إليه مما يستحي النساء في العادة من السؤال عنه وذكره بحضرة الرجال والمستحي يمتنع من فعل ما استحيا منه فالامتناع من لوازم الحياء فيطلق الحياء على الامتناع إطلاقًا لاسم الملزوم على اللازم، والحياء هو خجل النفس وأصله الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفًا من مواقعة القبيح ولا ريب أن هذا محال على الله تعالى (هل) ولأبي ذر عن الكشميهني فهل (على المرأة غسل)؟ بفتح الغين المعجمة مصدر غسل يغسل وبالضم الاغتسال فيقرأ بالوجهين في كل موضع يقال فيه وجب أو يستحب أو من سنة الغسل والفتح أشهر، لكن قال النووي: سألت ابن مالك فقال: إذا أريد الاغتسال فالمختار ضمه ويجوز فتحه على إرادة أنه يغسل يديه غسلاً، وقد يطلق الغسل بالضم على الماء كما في حديث قيس بن سعد أتانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوضعنا له غسلاً فإنه بالضم بإجماع أهل الحديث والفقه وغيرهم لا بالكسر كما وقع لابن باطيش في كتاب ألفاظ التهذيب وهو غلط كما نبه عليه النووي لأن الغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من خطمي وسدر ونحوهما وعلى المرأة يتعلق بغسل أي فهل غسل على المرأة (إذا احتلمت) وفي باب الغسل إذا هي احتلمت (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم) إذا احتلمت فعليها الغسل والاحتلام افتعال من الحلم بضم الحاء وسكون اللام وهو ما يراه النائم في نومه (إذا رأت الماء) أي المني بعد استيقاظها من النوم (فضحكت أم سلمة) وهذا موضع الترجمة إذ وقع ذلك بحضرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم ينكره (فقالت: أتحتلم المرأة؟ فقال ا

69 - باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 119] وما ينهى عن الكذب

لنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبم شبه الولد) بفتح المعجمة والموحدة مضافًا لتاليه أي فبأي شيء وصل شبه الولد بالأم، ولأبي ذر عن الكشميهني: فبم يشبه الولد. والحديث سبق في باب إذا احتلمت المرأة في أبواب الغسل من الطهارة. 6092 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا، حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي الكوفي نزيل مصر (قال: حدثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله قال: (أخبرنا عمرو) بفتح العين ابن الحارث (أن أبا النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية المدني (حدثه عن سليمان بن يسار) مولى ميمونة أم المؤمنين (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: ما رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومستجمعًا) أي مجتمعًا (قط ضاحكًا) وهو منصوب على التمييز وإن كان مشتقًّا مثل لله دره فارسًا أي ما رأيته مستجمعًا من جهة الضحك بحيث يضحك ضحكًا تامًّا مقبلاً بكليته على الضحك ولأبي ذر عن الكشميهني ضحكًا أي مبالغًا في الضحك لم يترك منه شيئًا (حتى أرى منه لهواته) بفتح اللام والهاء جمع لهاة وهي اللحمة التي بأعلى الحنجرة من أقصى الفم (إنما كان يتبسم). ولا تضاد بين هذا وحديث أبي هريرة من خبر الأعرابي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضحك حتى بدت نواجذه لأن أبا هريرة أخبر بما شاهد، ولا يلزم من قول عائشة ما رأيت أن لا يكون غيرها رأى والمثبت مقدم على النافي. والحديث سبق في سورة الأحقاف. 6093 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، وَقَالَ لِى خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهْوَ يَخْطُبُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ: قَحَطَ الْمَطَرُ فَاسْتَسْقِ رَبَّكَ، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ وَمَا نَرَى مِنْ سَحَابٍ فَاسْتَسْقَى فَنَشَأَ السَّحَابُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ ثُمَّ مُطِرُوا حَتَّى سَالَتْ مَثَاعِبُ الْمَدِينَةِ، فَمَا زَالَتْ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ مَا تُقْلِعُ، ثُمَّ قَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ -أَوْ غَيْرُهُ- وَالنَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فَقَالَ: غَرِقْنَا فَادْعُ رَبَّكَ يَحْبِسْهَا عَنَّا، فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا فَجَعَلَ السَّحَابُ يَتَصَدَّعُ عَنِ الْمَدِينَةِ يَمِينًا وَشِمَالاً يُمْطَرُ مَا حَوَالَيْنَا وَلاَ يُمْطِرُ مِنْهَا شَىْءٌ يُرِيهِمُ اللَّهُ كَرَامَةَ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِجَابَةَ دَعْوَتِهِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن محبوب) أبو عبد الله البناني البصري وليس هو محمد بن الحسن الملقب بمحبوب قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- وقال البخاري: (وقال لي خليفة) بن خياط العصفري: (حدّثنا يزيد بن زريع) الخياط أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا سعيد) أي ابن أبي عروبة (عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه- أن رجلاً) أعرابيًّا (جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الجمعة وهو يخطب) على المنبر في مسجده الشريف (بالمدينة فقال): يا رسول الله (قحط المطر) بفتح القاف وكسر الحاء أي احتبس (فاستسق ربك) وفي الاستسقاء فادع الله أن يسقينا (فنظر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى السماء وما نرى من سحاب) مجتمع فيها (فاستسقى) قال: (اللهم اسقنا فنشأ السحاب بعضه إلى بعض ثم مطروا حتى سالت مثاعب المدينة) بفتح الميم والمثلثة وبعد الألف عين مهملة مكسورة فموحدة جمع مثعب أي مسايل الماء التي بالمدينة (فما زالت) تمطر (إلى الجمعة المقبلة ما تقلع) بضم الفوقية وسكون القاف وكسر اللام ما تكف (ثم قام ذلك الرجل) الذي قال: قحط المطر (أو) رجل (غيره) بالشك (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب) في يوم الجمعة الأخرى (فقال): يا رسول الله (غرقنا) من كثرة المطر (فادع ربك يحبسها عنا) بالجزم جواب الأمر (فضحك) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم قال): (اللهم حوالينا) منصوب على الظرفية وهو من الظروف المكانية المبهمة لأنه بمعنى الناحية ولا يخرجه عن الإبهام اختصاصه بالإضافة كما تقول جلست مكان زيد أي قعدت موضعه وهو مكان عبد الله وموضعه وهذا بخلاف الدار والمسجد فإنهما مختصان لأن ذلك لا يطلق على كل موضع بل هو بأصل وضعه لمعنى مخصوص والناصب لحوالينا مقدر أي اللهم اجعلها حوالينا (ولا) تجعلها (علينا) قال ذلك (مرتين أو ثلاثًا) فعلينا يتعلق بالمقدر كالظرف، والمراد بحوالي المدينة مواضع النبات والزرع لا في نفس المدينة وبيوتها ولا فيما حوالي المدينة من الطرق وإلاّ لم يزل بذلك شكواهم جميعًا (فجعل السحاب يتصدع) بوزن يتفعل أي يتفرق وفي الاستسقاء بلفظ يتقطع (عن المدينة) حال كونه (يمينًا وشمالاً يمطر ما حوالينا) من أهل اليمين والشمال (ولا يمطر فيها شيء) في المدينة (يريهم الله) عز وجل (كرامة نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عنده (وإجابة دعوته) وكم له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من دعوة مستجابة. والحديث سبق في باب الاستسقاء على المنبر. 69 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] وَمَا يُنْهَى عَنِ الْكَذِبِ (باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}) [التوبة: 119] في إيمانهم دون المنافقين أو مع الذين لم يتخلفوا

أو مع الذين صدقوا في دين الله نيَّةً وقولاً وعملاً، والآية تدل على أن الإيمان حجة لأنه أمر بالكون مع الصادقين فيلزم قبول قولهم (و) بيان (ما ينهى عن الكذب). 6094 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا». وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) أخو أبي بكر بن أبي شيبة قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن الصدق يهدي إلى البر) بكسر الموحدة وتشديد الراء أي يوصل إلى الخيرات كلها والصدق يطلق على صدق اللسان وهو نقيض الكذب، والصدق في النية وهو الإخلاص فيراعى معنى الصدق في مناجاته ولا يكن ممن قال: وجّهت وجهي لله وهو غافل كاذب، والصدق في العزم على خير نواه أي يقوي عزم أنه إذا ولي مثلاً لا يظلم، والصدق في الوفاء بالعزم أي حال وقوع الولاية مثلاً، والصدق في الأعمال وأقله استواء سريرته وعلانيته، والصدق في المقامات كالصدق في الخوف والرجاء وغيرهما فمن اتصف بالستة كان صديقًا أو ببعضها كان صادقًا. وقال الراغب: الصدق مطابقة القول الضمير والمخبر عنه فإن انخرم شرط لم يكن صدقًا بل يكون كذبًا أو مترددًا بينهما على اعتبارين كقول المنافق: محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإنه يصح أن يقال صدق لكون المخبر عنه كذلك ويصح أن يقال كذب لمخالفة قوله لضميره (وإن البر يهدي) يوصل (إلى الجنة وإن الرجل ليصدق) في السر والعلانية ويتكرر ذلك منه (حتى يكون صديقًا) بكسر الصاد والدال المشددة وهو من أبنية المبالغة ونظيره الضحيك والمراد فرط صدقه حتى يصدق قوله العمل فالتنكير للتعظيم والتفخيم أي بلغ في الصدق إلى غايته ونهايته حتى دخل زمرتهم واستحق ثوابهم (وإن الكذب يهدي) يوصل (إلى الفجور) الذي هو ضد البر (وإن الفجور هدي) يوصل (إلى النار) قال تعالى: {إن الإبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} [الانفطار: 14] (وإن الرجل ليكذب) ويتكرر ذلك منه (حتى يكتب) بضم أوّله مبنيًا للمفعول (عند الله كذابًا) أي يحكم له بذلك ويظهره للمخلوقين من الملأ الأعلى ويلقي ذلك في قلوب أهل الأرض وألسنتهم فيستحق بذلك صفة الكذابين وعقابهم، ولأبي ذر عن الكشميهني: حتى يكون بدل يكتب، وعن ابن مسعود مما ذكره الإمام مالك بلاغًا: لا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب فينكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه فيكتب عند الله من الكذابين. وحديث الباب أخرجه مسلم في الأدب أيضًا. 6095 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِى سُهَيْلٍ، نَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِى عَامِرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (ابن سلام) ولأبي ذر محمد بن سلام قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري (عن أبي سهيل) بضم السين المهملة (نافع بن مالك بن أبي عامر) الأصبحي (عن أبيه عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (آية المنافق) والنفق سرب في الأرض له مخلص إلى مكان والنافقاء إحدى حجرة اليربوع فإذا أتي من قبل القاصعات وهو حجره الذي يقصع فيه أي يدخل ضرب النافقاء برأسه فانتفق أي خرج تقول نافق اليربوع أي أخذ في نافقائه، ومنه اشتقاق المنافق وهو الذي يدخل في الشرع في باب ويخرج من باب أيضًا يكتم الكفر ويظهر الإيمان كما أن اليربوع يكتم النافقاء ويظهر القاصعاء والآية العلامة أي علامة المنافق (ثلاث إذا حدث كذب) فأخبر عن الشيء على خلاف ما هو به (وإذا وعد أخلف) فلم يف بما وعد به (وإذا اؤتمن) أمانة (خان) فلم يؤدّها إلى أهلها. قال التوربشتي: من اجتمعت فيه هذه الخصال واستمرّت أحواله عليها فبالحري أن يسمى منافقًا، وأما المؤمن المفتون بها فإنه إن فعلها مرة تركها أخرى وإن أصر عليها زمانًا أقلع عنها زمانًا آخر وإن وجدت فيه خلة عدمت منه أخرى، وقال الخطابي: هذا القول إنما خرج على سبيل الإنذار للمرء المسلم والتحذير له أن يعتاد هذه الخصال فتفضي به إلى النفاق لا أنه منافق إن ندرت منه هذه الخصال أو فعل شيئًا منها من غير اعتياد. والحديث سبق في باب علامة

70 - باب فى الهدى الصالح

المنافق من كتاب الإيمان. 6096 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رَأَيْتُ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِى قَالاَ الَّذِى رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يَكْذِبُ بِالْكَذْبَةِ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا جرير) هو ابن حازم قال: (حدّثنا أبو رجاء) بفتح الراء والجيم والهمز عمران العطاردي (عن سمرة بن جندب رضي الله عنه) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (رأيت) في المنام ملكين على صورة (رجلين) ولأبي ذر رأيت الليلة رجلين (أتياني قالا: الذي رأيته يشق شدقه) بضم أوله وفتح المعجمة. كذا أورده هنا مختصرًا ومطولاً في الجنائز فقال: رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي وأخرجاني إلى أرض مقدسة فإذا رجل قائم بيده كلوب من حديد يدخله في شدقه حتى يبلغ قفاه ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ويلتئم شدقه هذا فيعود فيصنع مثله فقلت: ما هذا؟ قالا: انطلق الحديث. وفيه فقلت لهما: طوفتماني الليلة فأخبراني عما رأيت. قالا: نعم أما الذي رأيته يشق شدقه (فكذاب يكذب بالكذبة) بفتح الكاف وتكسر وسكون المعجمة (تحمل عنه) بضم الفوقية وفتح الميم (حتى تبلغ الآفاق) بمد الهمزة (فيصنع به) ما رأيت من شق شدقه (إلى يوم القيامة) لما ينشأ عن تلك الكذبة من المفاسد وإنما جعل عذابه في الفم لأنه موضع المعصية، وقوله فكذاب بالفاء. استشكل بأن الموصول الذي يدخل خبره الفاء يشترط أن يكون مبهمًا عامًّا. وأجاب ابن مالك بأنه نزل المعين المبهم منزلة العام إشارة إلى اشتراك من يتصف بذلك من العقاب المذكور. 70 - باب فِى الْهَدْىِ الصَّالِحِ هذا (باب) بالتنوين (في) بيان (الهدي الصالح) بفتح الهاء وسكون المهملة، وسقط لأبي ذر لفظ في فباب مضاف إلى الهدي، وفي حديث ابن عباس المروي في الأدب المفرد للمؤلّف مرفوعًا "الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءًا من النبوّة" وكذا أخرجه الإمام أحمد وأبو داود بسند حسن. 6097 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِى أُسَامَةَ حَدَّثَكُمُ الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ شَقِيقًا، قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ دَلاًّ وَسَمْتًا وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَبْنُ أُمِّ عَبْدٍ مِنْ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِ لاَ نَدْرِى مَا يَصْنَعُ فِى أَهْلِهِ إِذَا خَلاَ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم) قال في الفتح: هو ابن راهويه (قال: قلت لأبي أسامة) حماد بن أسامة (أحدثكم الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (قال: سمعت شقيقًا) أبا وائل (قال: سمعت حذيفة) بن اليمان (يقول: إن أشبه) ولأبي ذر زيادة ناس (دلاًّ) بفتح الدال المهملة وتشديد اللام حسن الحركة في المشي والحديث وغيرهما (وسمتًا) بفتح السين المهملة وسكون الميم حسن النظر في أمر الدين (وهديًا) بفتح الهاء وسكون المهملة وهو قريب من معنى الدل. قال الكرماني: وهما من السكينة والوقار في الهيئة والمنظر والشمائل (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لابن أم عبد) عبد الله بن مسعود واللام في لابن مفتوحة تأكيدًا بعد التأكيد بإنّ المكسورة التي في أول الحديث (من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه) أي إلى بيته فإذا رجع (لا ندري ما يصنع في أهله إذا خلا) بهم إذ يجوز أن يكون انبساطه يزيد أو ينقص عن هيئة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أهله ولم يذكر جواب أبي أسامة في آخر الحديث. وأجيب: بأن السكوت عن الجواب قائم مقام التصديق عند القرائن، وفي مسند إسحاق بن راهويه أنه قال في آخره: فأقرّ به أبو أسامة وقال: نعم وحديث الباب من أفراده. 6098 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُخَارِقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ طَارِقًا قَالَ: قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَأَحْسَنَ الْهَدْىِ هَدْىُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 6098 - طرفه في: 7277]. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن مخارق) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وبعد الألف راء فقاف هو ابن عبد الله ويقال: ابن خليفة الأحمسي أنه (قال: سمعت طارقًا) هو ابن شهاب الأحمسي (قال: قال عبد الله) هو ابن مسعود لا عبد الله بن عمر: (إن أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هديُ محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة فيهما ويروى بضم الهاء وفتح الدال ضد الضلال زاد أبو نعيم في مستخرجه من طريق خليفة عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك وشر الأمور محدثاتها وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين. والحديث ورد موقوفًا في كثير من الطرق، وفي بعضها مرفوعًا من حديث جابر عند مسلم وأبي داود وغيرهما بألفاظ مختلفة، وحديث الباب من أفراده. 71 - باب الصَّبْرِ عَلَى الأَذَى وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]. (باب) فضيلة (الصبر) أي حبس النفس عن المجازاة (على الأذى) قولاً وفعلاً، ولأبي ذر في الأذى

72 - باب من لم يواجه الناس بالعتاب

(وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على المجرور السابق ({إنما يوفي الصابرون}) على تحمل المشاق من تجرع الغصص واحتمال البلايا في طاعة الله وازدياد الخير ({أجرهم بغير حساب}) [الزمر: 10] قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لا يهتدى إليه حساب الحساب ولا يعرف، وقال مالك بن أنس: هو الصبر على فجائع الدنيا وأحزانها، وقد ذكر الله تعالى الصبر في خمسة وتسعين موضعًا من القرآن. وفي الصحيحين حديث: ما أعطى أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر وهو عبارة عن ثبات باعث الذين في مقاومة باعث الهوى قاله في قوت الأحياء، وفي البلاء كتم الشكوى لغيره تعالى، والصبي والمجنون فيه مثابان إذ كسبهما التوجع ولا صبر عليهما فتأثير البلاء بلا صبر في التفكير غالبًا ومع الصبر فمزيد الأجر وجزاهم بما صبروا جنة وحريرًا. 6099 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِى الأَعْمَشُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىِّ، عَنْ أَبِى مُوسَى - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ أَحَدٌ -أَوْ لَيْسَ شَىْءٌ- أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) أنه (قال: حدثني) بالإفراد (الأعمش) سليمان بن مهران (عن سعيد بن جبير عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن حبيب (السلمي) بضم السين المهملة وفتح اللام وكسر الميم (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ليس أحد أو ليس شيء) بالشك من الراوي (أصبر) أفعل تفضيل من الصبر أي أحلم (على أذى سمعه من الله) عز وجل. قال الكرماني: صلة لقوله أصبر وأصبر بمعنى أحلم كما مرّ يعني حبس العقوبة عن مستحقها إلى زمان آخر يعني تأخيرها (إنهم ليدعون له) تعالى (ولدًا) بيان لسابقه واللام في ليدعون للتأكيد وداله ساكنة أي ينسبون إليه ما هو منزه عنه (وأنه) تعالى (ليعافيهم) في أنفسهم (ويرزقهم) صفة فعل من أفعاله تعالى فهو من صفات فعله لأن رازقًا يقتضي مرزوقًا، والله سبحانه وتعالى كان ولا مرزوق وكل ما لم يكن ثم كان فهو محدث والله تعالى موصوف بأنه الرزاق وصف نفسه بذلك قبل خلق الخلق يعني أنه تعالى سيرزق إذا خلق المرزوقين. وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في التوحيد ومسلم في التوبة والنسائي في النعوت. 6100 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ شَقِيقًا يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَسَمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِسْمَةً كَبَعْضِ مَا كَانَ يَقْسِمُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: وَاللَّهِ إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ قُلْتُ: أَمَّا أَنَا لأَقُولَنَّ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ وَهْوَ فِى أَصْحَابِهِ فَسَارَرْتُهُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَغَضِبَ حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّى لَمْ أَكُنْ أَخْبَرْتُهُ ثُمَّ قَالَ: «قَدْ أُوذِىَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَبَرَ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: سمعت شقيقًا) أبا وائل بن سلمة (يقول: قال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه-: (قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم حنين (قسمة كبعض ما كان يقسم) في غيرها من المغازي من تنفيل المؤلّفة (فقال رجل من الأنصار): اسمه معتب بن قشير المنافق كما قاله الواقدي (والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله) قال ابن مسعود (قلت: أما أنا) بفتح الهمزة وتشديد الميم ولأبي ذر عن الكشميهني أم بتخفيف الميم وحذف الألف بعدها (لأقولن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أما بتخفيف الميم وإثبات الألف بعدها حرف تنبيه لأقولن (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مقالته (فأتيته وهو في أصحابه فساررته) بذلك (فشق ذلك على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتغير وجهه وغضب حتى وددت أني لم أكن أخبرته) بذلك (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قد أوذي موسى) عليه السلام (بأكثر من ذلك) الذي قاله الرجل الأنصاري (فصبر) أشار إلى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالدين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا} [الأحزاب: 69] والمراد براءته عن مضمون القول ومؤداه وهو الأمر المعيب، وأذى موسى عليه السلام هو حديث المومسة التي أمرها قارون أن تزعم أن موسى عليه السلام راودها حتى كان ذلك سبب هلاك قارون، أو لاتهامهم إياه بقتل هارون فأحياه الله تعالى فأخبرهم ببراءة موسى، أو قولهم آدر. وهذا الحديث سبق في أحاديث الأنبياء، ويأتي إن شاء الله تعالى في الدعوات، وأخرجه مسلم في الزكاة. 72 - باب مَنْ لَمْ يُوَاجِهِ النَّاسَ بِالْعِتَابِ (باب من لم يواجه الناس بالعتاب) حياء منهم. 6101 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَتْ عَائِشَةُ: صَنَعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّىْءِ أَصْنَعُهُ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّى لأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا مسلم) قال الحافظ ابن حجر: هو ابن صبيح أو الضحى، ووهم من زعم أنه ابن عمران البطين

73 - باب من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال

(عن مسروق) أبي عائشة بن الأجدع أحد الأعلام أنه قال: (قالت عائشة) -رضي الله عنها-: (صنع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا) أي يقف على معرفته (فرخص فيه فتنزه عنه قوم) فاحترزوا عنه، ولم يعرف الحافظ ابن حجر أعيان القوم المذكورين (فبلغ ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخطب فحمد الله ثم قال): (ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه) ولم يقل ما بالك يا فلان على المواجهة (فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية) فجمع بين القوة العلمية والعملية. والحديث أخرجه في الاعتصام، ومسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والنسائي في اليوم والليلة. 6102 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ: هُوَ ابْنُ أَبِى عُتْبَةَ مَوْلَى أَنَسٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِى خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِى وَجْهِهِ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السدوسي الحافظ المفسر أنه قال: (سمعت عبد الله هو ابن أبي عتبة) بضم العين وسكون الفوقية (مولى أنس عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشدّ حياء) الحياء تغير وانكسار عند خوف ما يعاب أو يذم (من العذراء) بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة البكر لأن عذرتها وهي جلدة البكارة باقية إذا دخل عليها (في خدرها) بكسر الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة أي في سترها وهو من باب التفهيم لأن البكر في الخلوة يشتد حياؤها لأن الخلوة مظنّة وقوع الفعل بها (فإذا رأى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (شيئًا يكرهه عرفناه في وجهه) لتغيره بسبب ذلك. والحديث سبق في صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 73 - باب مَنْ كَفَّرَ أَخَاهُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ فَهْوَ كَمَا قَالَ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (من كفر) بتشديد الفاء ولأبي ذر من أكفر (أخاه) المسلم دعاه كافرًا أو نسبه إلى الكفر (بغير تأويل) في تكفيره (فهو) أي الذي أكفره (كما قال): لأخيه جواب الشرط في قوله: من كفر أي رجع عليه. 6103 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالاَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا». وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ: عَنْ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن يحيى الذهلي (وأحمد بن سعيد) أي ابن صخر الدارمي. قال في الفتح: جزم بذلك أبو نصر الكلاباذي، وقال في الكواكب، قال الغساني: محمد هو ابن بشار بإعجام الشين أو ابن المثنى ضد المفرد وأحمد بن سعيد الدارمي بالدال والراء (قالا: حدّثنا عثمان بن عمر) بضم العين ابن فارس العبدي البصري قال: (أخبرنا علي بن المبارك) الهنائي (عن يحيى بن أبي كثير) أبي نصر اليماني الطائي مولاهم أحد الأعلام (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا قال الرجل لأخيه) المسلم (يا كافر) ولأبي ذر قال الرجل لأخيه كافر بإسقاط حرف النداء وبالتنوين (فقد باء) بالموحدة والمد رجع (به) أي بالكفر (إحدهما) لأنه إن كان القائل صادقًا في نفس الأمر فالمرمي كافر وإن كان كاذبًا فقد جعل الرامي الإيمان كفرًا ومن جعل الإيمان كفرًا فقد كفر، كذا حمله البخاري على تحقق الكفر على أحدهما بمقتضى الترجمة ولذا ترجم عليه مقيدًا بغير تأويل، وحمله بعضهم على الزجر والتغليظ فيكون ظاهره غير مراد. والحديث من أفراده. (وقال عكرمة بن عمار) بتشديد الميم فيما وصله الحارث بن أبي أسامة وأبو نعيم في مستخرجه (عن يحيى) بن أبي كثير (عن عبد الله بن يزيد) من الزيادة مولى الأسود المخزومي وليس له في البخاري سوى هذا وآخر موصولاً في التفسير أنه (سمع أبا سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف أنه (سمع أبا هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 6104 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لأَخِيهِ: يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن عبد الله بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (أيما رجل قال لأخيه) المسلم (يا كافر) ولأبي ذر بإسقاط أداة النداء والتنوين (فقد باء) رجع (بها) بالكلمة أو بالخصلة (أحدهما) قيل المراد بأحدهما القائل خاصة

74 - باب من لم ير إكفار من قال: ذلك متأولا أو جاهلا

وهذا على مذهبهم في استعمال الكناية وترك التصريح بالسوء كقول الرجل لمن أراد أن يكذبه: والله إن أحدنا لكاذب ويريد خصمه على التعيين، وحمله بعضهم على المستحل لذلك إذ المسلم لا يكفر بالمعصية، أو المراد رجع عليه التكفير إذ كأنه كفر نفسه لأنه كفر من هو مثله، أو المراد أن ذلك يؤول به إلى الكفر لأن المعاصي بريد الكفر ويخاف على المكثر منها أن تكون عاقبة شؤمها المصير إليه. 6105 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ كَاذِبًا فَهْوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَىْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهْوَ كَقَتْلِهِ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء مصغرًا ابن خالد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (عن ثابت بن الضحاك) بن خليفة بن ثعلبة الأنصاري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من حلف بملّة غير) ملّة (الإسلام) كأن يقول: إن فعل كذا فهو يهودي (كاذبًا فهو كما قال). كاذب لا كافر لأنه ما تعمد الكذب الذي حلف عليه التزام الملة التي حلف بها بل كان ذلك على سبيل الخديعة للمحلوف له وأما من حلف بها وهو فيما حلف عليه صادق فهو لتصحيح براءته من تلك الملة مثل أن يقول: هو يهودي إن أكل اليوم ولم يأكل فيه فلم يتوجه عليه إثم لعقد نيته على نفيها شرطها لكنه لا يبرأ من الملامة لمخالفته حديث: من كان حالفًا فليحلف بالله. نعم يكفر إن أراد أن يكون متصفًا بذلك إذا وقع المحلوف عليه لأن إرادة الكفر كفر (ومن فتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم) فعذابه من جنس علمه (ولعن المؤمن كقتله) لأن اللعن تبعيد من رحمة الله والقتل تبعيد من الحياة (ومن رمى مؤمنًا بكفر) كان قال: يا كافر (فهو) أي الرمي (كقتله) في التحريم أو في التألم، ووجه المشابهة أن النسبة إلى الكفر الموجب للقتل كالقتل في أن المتسبب للشيء كفاعله. والحديث سبق في الجنائز. 74 - باب مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ مُتَأَوِّلاً أَوْ جَاهِلاً وَقَالَ عُمَرُ لِحَاطِبٍ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ». (باب من لم ير إكفار من قال ذلك) القول السابق في الترجمة المتقدمة حال كونه (متأولاً) بأن ظنه كذا (أو) قال حال كونه (جاهلاً) بحكم ذلك القول أو المقول فيه. (وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (لحاطب) بالحاء والطاء المهملتين بينهما ألف وآخره موحدة، ولأبي ذر بزيادة ابن أبي بلتعة مما سبق موصولاً في سورة الممتحنة لما ظن نفاقه بكتابه إلى أهل مكة يخبرهم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يغزوهم (أنه منافق) وللحموي والمستملي أنه نافق بصيغة الماضي (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لعمر: (وما يدريك لعل الله قد اطّلع الى) ولأبي ذر عن الكشميهني على (أهل بدر) الذين حضروا وقعتها (فقال: قد غفرت لكم) ومعنى الترجي راجع إلى عمر لأن وقوع هذا الأمر محقق عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 6106 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَادَةَ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا سَلِيمٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ - رضى الله عنه - كَانَ يُصَلِّى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ يَأْتِى قَوْمَهُ فَيُصَلِّى بِهِمُ الصَّلاَةَ فَقَرَأَ بِهِمُ الْبَقَرَةَ قَالَ: فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلاَةً خَفِيفَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَأَتَى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا وَنَسْقِى بِنَوَاضِحِنَا وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِنَا الْبَارِحَةَ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ فَتَجَوَّزْتُ فَزَعَمَ أَنِّى مُنَافِقٌ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ»؟ ثَلاَثًا «اقْرَأْ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس: 1]، وَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَنَحْوَهَا». وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبادة) الواسطي بفتح العين المهملة والموحدة المخففة كما ذكره الحفاظ الدارقطني وابن ماكولا وأبو علي الغساني والحافظ عبد الغني روى عنه البخاري هنا وفي كتاب الاعتصام قال: (أخبرنا يزيد) من الزيادة ابن هارون قال: (أخبرنا سليم) بفتح السين المهملة وكسر اللام ابن حبان الهذلي البصري قال: (حدّثنا عمرو بن دينار) قال: (حدّثنا جابر بن عبد الله) الأنصاري (أن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- كان يصلي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم يأتي قومه) بني سلمة (فيصلّي بهم الصلاة) التي صلاها مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي ذر: صلاة وكانت صلاة العشاء، ولأبي داود والنسائي: صلاة المغرب، لكن قال البيهقي: رواية العشاء أصح (فقرأ بهم البقرة) ولمسلم فافتتح سورة البقرة (قال) جابر: (فتجوّز رجل) هو حزم بن أبي بن كعب كما عند أبي داود وابن حبان، وعند الخطيب هو سلم بن الحارث ولابن الأثير حرام بن ملحان أي فخفف (فصلّى) منفردًا (صلاة خفيفة) بأن يكون قطع الصلاة أو قطع القدوة (فبلغ ذلك معاذًا فقال: إنه منافق) قال ذلك متأولاً ظانًّا أن التارك للجماعة منافق (فبلغ ذلك الرجل فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إنا قوم نعمل بأيدينا ونسقي بنواضحنا) جمع ناضح بالضاد المعجمة والحاء المهملة

75 - باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله عز وجل وقال الله تعالى: {جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} [التوبة: 73]

البعير الذي يسقى عليه (وإن معاذًا صلى بنا البارحة فقرأ البقرة فتجوّزت) في صلاتي (فزعم أني منافق فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا معاذ أفتان أنت) قال له ذلك (ثلاثًا). أي منفر عن الجماعة والهمزة للاستفهام الإنكاري (اقرأ) إذا كنت إمامًا (والشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى ونحوهما) من قصار المفصل. والحديث سبق في الصلاة في باب إذا طوّل الإمام وكان للرجل حاجة فخرج. 6107 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِى حَلِفِهِ: بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحق) بن راهويه كما عند ابن السكن وجزم به في الفتح وقال الكلاباذي: ابن منصور قال: (أخبرنا أبو المغيرة) عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي من شيوخ البخاري قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم (عن حميد) بضم الحاء المهملة وفتح الميم مصغرًا ابن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من حلف منكم فقال في حلفه) بفتح الحاء وكسر اللام ناسيًا أو جاهلاً (باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله) لأنه فعل صورة تعظيم الأصنام حين حلف بها فأمره أن يتدارك ذلك بكلمة التوحيد (ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك) بالجزم (فليتصدق) بما تيسر. والحديث سبق في تفسير سورة النجم. 6108 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضى الله عنهما- أَنَّهُ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِى رَكْبٍ وَهْوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ وَإِلاَّ فَلْيَصْمُتْ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الفهمي الإمام ولأبي ذر الليث (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه أدرك) أباه (عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (في ركب وهو يحلف بأبيه) الواو للحال (فناداهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ألا) بتخفيف اللام للتنبيه (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) لأن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به وحقيقة العظمة مختصة بالله تعالى فلا يضاهي بها غيره (فمن كان حالفًا فليحلف بالله وإلاّ فليصمت) ولأبي ذر عن الكشميهني: أو ليصمت بضم الميم فيهما ليسكت. قال في الفتح: وفي بعض طرق الحديث من حلف بغير الله فقد أشرك، لكن لما كان حلف عمر بذلك قبل أن يسمع النهي كان معذورًا. فلذا اقتصر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على نهيه ولم يؤاخذه لأنه تأوّل أن حق أبيه عليه يقتضي أنه يستحق أن يحلف به فبين له عليه الصلاة والسلام الحكم. وقال في المصابيح: وجه المطابقة أن عمر -رضي الله عنه- لما حلف بأبيه الخطاب ولم يكن الخطاب مؤمنًا والحلف فيه تعظيم للمحلوف به فيلزم أن يكون الحلف بالكافر تعظيمًا له لكن عذره بالتأويل فتأمله فإن فيه بحثًا على ما يظهر اهـ. والحديث سبق في سورة النجم. 75 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الْغَضَبِ وَالشِّدَّةِ لأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 73] (باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله) عز وجل (وقال الله تعالى: {جاهد الكفار}) بالسيف ({والمنافقين}) بالقول الغليظ والوعظ البليغ أو بإقامة الحدود عليهم ({واغلظ عليهم}) [التوبة: 73] على الفريقين فيما تجاهدهما به من القتال والمحاجّة باللسّان. 6109 - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: دَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِى الْبَيْتِ قِرَامٌ فِيهِ صُوَرٌ فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ وَقَالَتْ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ». وبه قال: (حدّثنا يَسَرة بن صفوان) بفتح التحتية والمهملة والراء اللخمي قال: (حدّثنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: دخل عليّ) بتشديد الياء (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي البيت قرام) بكسر القاف وتخفيف الراء ستر (فيه صور) بضم المهملة وفتح الواو وجمع صورة أي صور حيوانات (فتلون) أي تغيّر (وجهه) الشريف غضبًا لله تعالى (ثم تناول الستر) وهو القرام المذكور (فهتكه) أي جذبه فقطعه (وقالت) -رضي الله عنها-: (قال: النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من أشدّ) ولأبي ذر إن من أشد (الناس عذابًا يوم القيامة الذين يصوّرون هذه الصور). لأنهم يصوّرون الصور لتعبد أو لأنها صور ما كانوا يعبدونه فهم كفرة والكفرة أشد الناس عذابًا. والحديث سبق في اللباس. 6110 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّى لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلاَنٍ، مِمَّا يُطِيلُ بِنَا قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَطُّ أَشَدَّ غَضَبًا فِى مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ قَالَ: فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ فَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل بن أبي خالد) الكوفي الحافظ أنه قال: (حدّثنا قيس بن أبي حازم) البجلي التابعي الكبير (عن أبي مسعود) عقبة بن عامر البدري

(-رضي الله عنه-) أنه (قال: أتى رجل) اسمه حزم بن أبي بن كعب أو سليم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إني لأتأخر عن) حضور الجماعة في (صلاة الغداة) وهي الصبح (من أجل فلان) معاذ أو أبي بن كعب (مما يطيل بنا) الباء في بنا باء التعدية ومن في من أجل لابتداء الغاية أي ابتداء تأخري لأجل إطالة فلان وفلانة كناية عن العلم. قال ابن الحاجب: وفلان وفلانة كناية عن أسماء الأناسي وهي أعلام، والدليل على علميتها منع صرف فلانة وليس فيه إلا التأنيث والتأنيث لا يمنع إلا مع العلمية ولأنه يمتنع دخول الألف واللام عليه اهـ. وفلانة كما قال ممتنع وفلان منصرف وإن كان فيه العلمية لتخلف السبب الثاني والألف والنون فيه ليستا زائدتين بل هو موضوع هكذا. (قال) أبو مسعود (فما رأيت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قط) غضب غضبًا (أشد غضبًا في موعظة منه) أي أشد من غضبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يومئذ) وأشدّ لا ينصرف للوزن والصفة وقط بفتح القاف وضم الطاء مشددة ظرف زمان لاستغراق ما مضى يختص بالنفي، ولا يجوز دخولها على فعل الحال ولحن من قال: لا أفعله قط. وقال ابن مالك في شواهد التوضيح: قد تستعمل قط غير مسبوقة بنفي وهو مما خفي على كثير من النحويين لأن المعهود استعمالها لاستغراق الزمان الماضي بعد نفي نحو ما فعلته قط، وقد جاء في حديث حارثة بن وهب صلّى بنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن أكثر ما كنا قط قال في العمدة: ويحتمل أن يكون الكلام بمعنى النفي والتقدير: ونحن ما كنا قط أكثر منا يومئذ (قال) أبو مسعود (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يا أيها الناس إن منكم منفرين) للناس عن حضور الجماعة (فأيكم ما صلّى بالناس فليجوّز) أي فليخفف وما زائدة للتأكيد (فإن فيهم) في الناس (المريض) والشيخ (الكبير وذا الحاجة) أي صاحبها الذي يخشى فواتها لو طوّل فيصير ملتفتًا لحاجته فيتضرر إما بفواتها أو بترك الخشوع والخضوع. والحديث سبق في صلاة الجماعة. 6111 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: بَيْنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّى رَأَى فِى قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ نُخَامَةً فَحَكَّهَا بِيَدِهِ فَتَغَيَّظَ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِى الصَّلاَةِ فَإِنَّ اللَّهَ حِيَالَ وَجْهِهِ، فَلاَ يَتَنَخَّمَنَّ حِيَالَ وَجْهِهِ فِى الصَّلاَةِ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا جويرية) بضم الجيم مصغرًا ابن أسماء (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه (قال: بينا) بغير ميم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي رأى في) جدار (قبلة المسجد نخامة) بضم النون وفتح الخاء المعجمة وبعد الألف ميم ما يخرج من الصدر أو النخاعة بالعين من الصدر وبالميم من المعدة (فحكها) بالكاف أي النخامة (بيده فتغيظ) لله تعالى (ثم قال): (إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإن الله حيال وجهه) بكسر الحاء المهملة وتخفيف التحتية أي مقابل وجهه والله تعالى منزه عن الجهة والمكان فليس المراد ظاهر اللفظ إذ هو محال فيجب تأويله فقيل هو على التشبيه أي كأن الله في مقابلة وجهه وقيل غير ذلك مما يليق بالمقام العالي (فلا يتنخمن) أحدكم (حيال وجهه في الصلاة). والحديث سبق في حلّ البصاق من كتاب الصلاة والمطابقة هنا بينه وبين الترجمة في قوله: فتغيظ. 6112 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا رَبِيعَةُ بْنُ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ اللُّقَطَةِ؟ فَقَالَ: «عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: «خُذْهَا فَإِنَّمَا هِىَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ أَوِ احْمَرَّ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ: «مَالَكَ وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (محمد) هو ابن سلام قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) المدني الأنصاري الزرقي قال: (أخبرنا ربيعة بن أبي عبد الرحمن) فروخ مولى آل المنكدر أبو عثمان فقيه المدينة صاحب الرأي (عن يزيد) من الزيادة (مولى المنبعث) بضم الميم وسكون النون وفتح الموحدة وكسر المهملة بعدها مثلثة مدني (عن زيد بن خالد الجهني) أبي عبد الرحمن أو أبي زرعة أو أبي طلحة شهد الحديبية -رضي الله عنه- (أن رجلاً سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الرجل هو عمير أبو مالك رواه الإسماعيلي وأبو موسى في الذيل من طريقه، وفي الأوسط للطبراني أنه زيد بن خالد الجهني، وفي رواية سفيان الثوري عن ربيعة عند المصنف: جاء أعرابي، وعند ابن بشكوال أنه بلال، وتعقب بأنه لا يقال له أعرابي، ولكن الحديث في أبي داود، وفي رواية صحيحة: جئت أنا ورجل معي فيفسر الأعرابي بغير أبي مالك ويحتمل أنه زيد بن خالد سألا عن ذلك وكذا

بلال وفي معجم البغوي وغيره بسند جيد من طريق عقبة بن سويد عن أبيه قال: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن اللقطة) قال في المقدمة: وهو أولى ما فسر به المبهم الذي في الصحيح (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (عرفها سنة) ظرف أي في سنة (ثم اعرف وكاءها) بكسر الواو وبالهمز ممدودًا خيطها الذي تشد به والفاعل ضمير الملتقط السائل بمعنى إذا وجدتها (وعفاصها) بكسر العين المهملة وبالفاء والصاد المهملة الوعاء الذي تكون فيه النفقة جلدًا كان أو غيره (ثم استنفق) بكسر الفاء وجزم القاف أي استمتع (بها) وتصرف فيها (فإن جاء ربها) مالكها (فأدها إليه قال) الرجل: (يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فضالة الغنم) ما حكمها (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (خذها فإنما هي لك) إن أخذتها (أو لأخيك) يجدها فيأخذها أو مالكها (أو للذئب) إن لم تأخذها أنت أو غيرك أو مالكها والمراد التحريض على أخذها حفظًا لحق صاحبها (قال) الرجل: (يا رسول الله فضالة الإبل) ما حكمها؟ (قال) زيد بن خالد: (فغضب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى احمرّت وجنتاه) من شدة الغضب (أو احمرّ وجهه) بالشك من الراوي (ثم قال: ما لك ولها) استفهام إنكاري مبتدأ والخبر في المجرور رأى ما كائن لك ولها معطوف على ما لك أي لم تأخذها وهي مستقلة بمعيشتها (معها حذاؤها) بكسر الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة (وسقاؤها) بكسر السين المهملة ممددًا، وهذا من المجاز عبّر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للرجل بما يفهم منه المنع من أخذها لأجل الحفظ، والسقاء وهو خفها وكرشها مع صبرها (حتى يلقاها ربها) مالكها فهي لا تحتاج إلى حفظ لأنها محفوظة بما خلق الله فيها من القوة والمنعة وما يسر لها من الأكل والشرب. والحديث سبق في اللقطة. 6113 - وَقَالَ الْمَكِّىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رضى الله عنه - قَالَ: احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُجَيْرَةً مُخَصَّفَةً -أَوْ حَصِيرًا- فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّى فِيهَا فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ ثُمَّ جَاءُوا لَيْلَةً، فَحَضَرُوا وَأَبْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُمْ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا الْبَابَ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مُغْضَبًا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيْكُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلاَةِ فِى بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ خَيْرَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِى بَيْتِهِ إِلاَّ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ». (وقال المكي) بن إبراهيم شيخ المؤلّف فيما وصله الإمام أحمد والدارمي في مسنديهما والمكي: اسم له لا نسبة لمكة (حدّثنا عبد الله بن سعيد) بكسر العين ابن أبي هند الفزاري (ح). قال البخاري: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدثني بالواو (محمد بن زياد) الزيادي وليس له في البخاري إلا هذا الحديث قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) المعروف بغندر قال: (حدّثنا عبد الله بن سعيد) بكسر العين ابن أبي هند (قال: حدثني) بالإفراد (سالم أبو النضر) بالضاد المعجمة الساكنة (مولى عمر بن عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة (عن بسر بن سعيد) بضم الموحدة وسكون المهملة وسعيد بكسر العين المدني (عن زيد بن ثابت) الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: احتجر) بالحاء المهملة الساكنة وفتح الفوقية والجيم بعدها راء ولأبي ذر عن الكشميهني احتجز بالزاي بدل الراء (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حجيرة) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وسكون التحتية مصغرًا وللكشميهني حجيرة بفتح الحاء وكسر الجيم أي حوّط موضعًا من المسجد بحصير يستره ليصلّي فيه ولا يمر عليه أحد ومعنى التي بالزاي بناء حاجزًا أي مانعة بينه وبين الناس (مخصفة) بضم الميم وفتح المعجمة والمهملة المشددة بعدها فاء متخذة من سعف. قال ابن بطال: يقال خصفت على نفسي ثوبًا أي جمعت بين طرفيه بعود أو خيط وفي نسخة بخصفة بموحدة بدل الميم وتخفيف الصاد (أو حصيرًا) بالشك من الراوي وهما بمعنى واحد زاد في باب صلاة الليل في رمضان (فخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي إليها فتتبع) بفتح الفوقيتين والموحدة المشددة (إليه رجال) من التتبع وهو الطلب أي طلبوا موضعه (وجاؤوا يصلون بصلاته ثم جاؤوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنهم فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا) بالحاء والصاد المهملتين والموحدة رموا (الباب) بالحصاء وهي الحصاة الصغيرة تنبيهًا له لظنهم أنه نسي (فخرج اليهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حال كونه (مغضبًا) بفتح الضاد لكونهم اجتمعوا بغير أمره ولم يكتفوا بالإشارة منه لكونه لم يخرج إليهم بل بالغوا وحصبوا بابه أو لكونه تأخر إشفاقًا عليهم لئلا تفرض

76 - باب الحذر من الغضب لقول الله تعالى: {والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون والذين ينفقون فى السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}. [الشورى: 37]

عليهم وهم يظنون غير ذلك (فقال: لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما زال بكم) أي متلبسًا بكم (صنيعكم) أي مصنوعكم وهو صلاتكم (حنى ظننت) أي خفت (أنه سيكتب) أي سيفرض (عليكم فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة) المفروضة وما شرع جماعة. والحديث سبق في باب صلاة الليل من كتاب الصلاة. 76 - باب الْحَذَرِ مِنَ الْغَضَبِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. [الشورى: 37] (باب الحذر من الغضب) وهو شعلة نار صفة شيطانية وحقيقته غليان دم القلب بنار غضبه لإرادة الانتقام (لقول الله تعالى) في سورة الشورى: ({والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش}) أي الكبائر من هذا الجنس والكبيرة ما توعد عليه، وقرأ حمزة والكسائي كبير كقدير، ونقل الزمخشري عن ابن عباس أن الإثم هو الشرك، وتعقب بأنه تقدم ذكر الإيمان وهو يقتضي عدم الشرك، ولعل المراد بالكبائر ما يتعلق بالبدع والشبهات وبالفواحش ما يتعلق بالقوّة الشهوانية ({وإذا ما غضبوا}) من أمور دنياهم ({هم يغفرون}) [الشورى: 37] أي هم الأخصاء بالغفران في حال الغضب أي يحملون ويكظمون الغيظ، وخص الغضب بلفظ الغفران لأن الغضب على طبع النار واستيلاؤه شديد ومقاومته صعبة، فلهذا خصه الله بهذا اللفظ وإذا أنصب بيغفرون ويغفرون خبر لهم والجملة عطف على الصلة وهو يجتنبون ({والذين}) ولأبي ذر وقوله عز وجل: ({الذين}) ({ينفقون في السراء والضراء}) في حال اليسر والعسر وسواء كانوا في سرور أو حزن وسواء سرهم ذلك الإنفاق بأن كان على وفق طبعهم أو ساءهم بأن كان على خلافه فإنهم لا يتركونه ({والكاظمين الغيظ}) أي الممسكين الغيظ عن الإمضاء يقال: كظم القربة إذا ملأها وشدّ فاها، ومنه كظم الغيظ وهو أن يمسك على ما في نفسه منه بالصبر ولا يظهر أثرًا، والغيظ توقد حرارة القلب من الغضب. وقال ابن الأثير: كظم الغيظ تجرعه واحتمال سيئه والصبر عليه، وفي حديث سهل بن سعد عن أبيه عند أبي داود والترمذي وابن ماجة مرفوعًا من كظم غيطًا وهو يقدر أن ينفذهُ دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء وروي عن عائشة مما ذكره في الكشاف أن خادمًا لها غاظها فقالت: لله در التقوى ما تركت لذي غيظ شفاء. قال في فتوح الغيب: جعلت -رضي الله عنها- الانتقام شفاء للغيظ تنبيهًا على أن الغيظ مرض لأنه عرض نفساني يجده الإنسان عند غليان دم قلبه تريد أن المتقي إذا كظم غيظه لا يمرض قلبه فلا يحتاج إلى التشفي أي لا غيظ له حتى يتشفى بالانتقام ({والعافين عن الناس}) إذا جنى عليهم أحد لم يؤاخذوه، وفي شعب البيهقي عن عمرو بن الحصين مرفوعًا إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش ليقم الذين كانت أجورهم على الله فلا يقوم إلا من عفا ({والله يحب المحسنين}) [آل عمران: 134] اللام للجنس فيتناول كل محسن ويدخل تحته هؤلاء المذكورون أو للعهد فالإشارة إليهم والإحسان أن تحسن إلى المسيء فإن الإحسان إلى المحسن مكافأة، والآية كما في اللباب من أقوى الدلائل على أن الله تعالى يعفو عن العصاة لأنه مدح الفاعلين لهذه الخصال وهو أكرم الأكرمين والعفوّ الغفور الحليم الآمر بالإحسان. فكيف يمدح بهذا الخصال ويندب إليها ولا يفعلها إن ذلك لممتنع في العقول، وقد سقط في رواية أبي ذر قولها {والعافين} إلى آخرها. وقال بعد قوله {والكاظمين الغيظ} الآية. واستدلّ البخاري -رحمه الله- بآيتين للحذر من الغضب، لكن قال في فتح الباري: إنه ليس فيهما دليل على ذلك إلا أنه لما ضم من يكظم غيظه إلى من يجتنب الفواحش كان ذلك إشارة إلى المقصود، وتعقبه في عمدة القاري بأن في كل من الآيتين دلالة عليه لأن الأولى تمدح الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، وإذا كان مدحًا يكون ضده ذمًّا ومن المذموم عدم التجاوز عند الغضب فدلّ على التحذير من الغضب المذموم، وأما الآية الثانية ففي مدح المتقين الموصوفين بهذه الأوصاف فدلّ على أن ضدها

مذموم فعدم كظم الغيظ وعدم العفو عين الغضب فدلّ على التحذير منه والله الموفق. 6114 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) الدمشقي التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ليس التشديد بالصرعة إنما التشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) فلا يغضب والصرعة بضم المهملة وفتح الراء وهو من أبنية المبالغة وكل ما جاء بهذا الوزن بالضم والفتح كهمزة ولمزة وحفظة وضحكة، والمراد بالصرعة من يصرع الناس كثيرًا بقوته فنقل إلى الذي يملك نفسه عند الغضب فإنه إذا ملكها كان قد قهر أقوى أعدائه وشر خصومه، ولذا قيل: أعدى عدوّ لك نفسك التي بين جنبيك، وهذا من الألفاظ التي نقلت عن موضوعها اللغوي لضرب من التوسع والمجاز وهو من فصيح الكلام لأنه لما كان الغضبان بحالة شديدة من الغيظ وقد ثارت عليه شهوة الغضب فقهرها بحلمه وصرعها بثباته كان كالصرعة الذي يصرع الرجال ولا يصرعونه. وفي حديث ابن مسعود عند مسلم مرفوعًا "ما تعدون الصرعة فيكم"؟ قالوا: الذي لا يصرعه الرجال. وعند البزار بسند حسن عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ بقوم يصطرعون فقال (ما هذا) قالوا: فلان ما يصارع أحدًا إلا صرعه. قال: "أفلا أدلكم على من هو أشد منه رجل كلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه". وحديث الباب أخرجه مسلم في الأدب والنسائي في اليوم والليلة. 6115 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغْضَبًا قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّى لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلاَ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنِّى لَسْتُ بِمَجْنُونٍ. وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) أبو الحسن العبسي مولاهم الحافظ قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفيّ (عن عديّ بن ثابت) الأنصاري أنه قال: (حدّثنا سليمان بن صرد) بضم السين وصرد بضم الصاد وفتح الراء الخزاعي الكوفي الصحابي -رضي الله عنه- أنه (قال: استب رجلان) أي يسميا أي تشاتمًا (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه) يشتمه حال كونه (مغضبًا) بفتح الضاد المعجمة (قد احمرّ وجهه) من شدة الغضب (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد) من الغضب (لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) لأن الشيطان هو الذي يزيد للإنسان الغضب فالاستعاذة من أقوى السلاح على دفع كيده (فقالوا) أي الصحابة (للرجل) وفي سنن أبي داود إنه معاذ بن جبل (ألا تسمع ما يقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إني لست بمجنون) أي يعلم أن الغضب نوع من مس الشيطان ولعله كما قال النووي من المنافقين أو من جفاة الأعراب. والحديث سبق في صفة إبليس، وفي باب السباب واللعن، وفيه: أن الاستعاذة تعين على ترك الغضب، وكذا استحضار ما في كظم الغيظ من الفضل وما في عاقبة الغضب من الوعيد وأن يستحضر أن لا فاعل إلا الله وكل فاعل غيره فهو آلة له، فمن توجه إليه مكروه من غيره واستحضر أن لو شاء الله لم يمكن ذلك الغير منه اندفع غضبه لأنه لو غضب والحالة هذه كانت غضبه على ربه وهو خلاف العبودية، ولعل هذا هو السر في أمر الذي غضب بالاستعاذة لأنه إذا توجه إلى ربه حينئذ بالاستعاذة أمكنه استحضار ما ذكر والله الموفق. 6116 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ هُوَ ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِى حَصِينٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَوْصِنِى قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ» فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (يحيى بن يوسف) الزمي بكسر الزاي والميم المشددة قال: (أخبرنا أبو بكر هو ابن عياش) بالتحتية المشددة والشين المعجمة راوي عاصم أحد القرّاء السبعة (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً) اسمه جارية بالجيم ابن قدامة كما عند أحمد وابن حبان (قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أوصني قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (لا تغضب) زاد الطبراني من حديث سعد بن عبد الله الثقفي ولك الجنة (فردد مرارًا قال) (لا تغضب) زاد في رواية ثلاثًا قال الخطابي: أي اجتنب أسباب الغضب

77 - باب الحياء

ولا تتعرض لما يجلبه لأن نفس الغضب مطبوع في الإنسان لا يمكن إخراجه من جبلته. وقال ابن حبان: أراد لا تعمل بعد الغضب شيئًا مما نهيت عنه لا أنه نهاه عن شيء جبل عليه ولا حيلة له في دفعه، وقد اشتملت هذه الكلمة اللطيفة من الحكم واستجلاب المصالح والنعم ودرء المفاسد والنقم على ما لا يحصى بالعدو، وقد بين ذلك ما نقله في الفتح وأشار إليه في قوت الأحياء مع زيادة: وهو أن الله خلق الغضب من النار وجعله غريزة في الإنسان فمهما صدأ ونوزع في غرض ما اشتعلت نار الغضب وثارت حتى يحمر الوجه والعينان من الدم، لأن البشرة تحكي لون ما وراءها وهذا إذا غضب من دونه واستشعر القدرة عليه، وإن كان ممن فوقه تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب فيصفر اللون حزنًا، وإن كان على النظير تردد الدم بين انقباض وانبساط فيحمر ويصفر ويترتب على الغضب تغير الظاهر والباطن كتغير اللون والرعدة في الأطراف وخروج الأفعال على غير ترتيب واستحالة الخلقة حتى لو تراءى الغضبان نفسه في حال غضبه لسكن غضبه حياء من قبح صورته واستحالة خلقته هذا كله في الظاهر. وأما الباطن فقبحه أشد من الظاهر لأنه يولد الحقد في القلب والحسد وإضمار السوء ويزيد الشماتة وهجر المسلم ومصارمته والإعراض عنه والاستهزاء والسخرية ومنع الحقوق بل أوّل شيء يقبح منه باطنه وتغير ظاهره ثمرة تغير باطنه وهذا كله أثره في الجسد، وأما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش الذي يستحي منه العاقل ويندم قائله عند سكون الغضب ويظهر أثر الغضب أيضًا في الفعل بالضرب والقتل وإن فات بهرب المغضوب عليه رجع إلى نفسه فيمزق ثوب نفسه ويلطم خدّه وربما سقط صريعًا وربما أغمي عليه وربما كسر الآنية وضرب من ليس له في ذلك جريمة، وبالاعتدال تتم المصالح وشفاء كل علة ضدها بلا إسراف فاقمع أسباب الغضب من الكبر والفخر والهزء والمزح والتعيير والمماراة والغدر والحرص على فضول المال أو الجاه، فإذا أغضبت تثبت ثم تفكّر فضل كظم الغيظ ونحوه وأحسن تفز بما أخبر به تعالى: {إن الله مع المحسنين} [العنكبوت: 69] أو اعف ولا تقابل فتقابل وأطع الله فيمن أساء إليك وأنله فضلك يمنح بحسن خلقك حبك وأرغم الشيطان بالمبالغة في الإحسان، فإنه متى علم الشيطان منك أنه كلما وسوس إليك بجفاء بادرت الوفاء صار أكثر كيده أنه لا يأتيك كي يمنعك مخالفته، ومتى ضررت عدوّك بما ضر دينك فبنفسك بدأت فاختر لنفسك ما يحلو وبالله التوفيق والمستعان. والحديث أخرجه الترمذي في البر. 77 - باب الْحَيَاءِ (باب) فضل (الحياء) بالمد وهو تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم وفي الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق. 6117 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى السَّوَّارِ الْعَدَوِىِّ قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِى إِلاَّ بِخَيْرٍ» فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ، مَكْتُوبٌ فِى الْحِكْمَةِ إِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ وَقَارًا وَإِنَّ مِنَ الْحَيَاءِ سَكِينَةً، فَقَالَ لَهُ عِمْرَانُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتُحَدِّثُنِى عَنْ صَحِيفَتِكَ؟!. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي السوّار) بفتح السين المهملة والواو المشددة بعد الألف راء حسان بن حريث بضم الحاء المهملة آخره مثلثة مصغرًا (العدوي قال: سمعت عمران بن حصين) الخزاعي أبا نجيد أسلم مع أبي هريرة -رضي الله عنهما- (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الحياء لا يأتي إلا بخير) لأنه يحجز صاحبه عن ارتكاب المحارم ولذا كان من الإيمان كما في الحديث الآخر لأن الإيمان ينقسم إلى ائتمار بما أمر الله به وانتهاء عما نهى عنه وعند الطبراني من وجه آخر عن عمران بن حصين الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة. فإن قيل: الحياء من الغرائز فكيف جعل من الإيمان، أجيب: بأنه قد يكون غريزة وقد يكون تخلقًا ولكن استعماله على وفق الشرع يحتاج إلى اكتساب وعلم ونية فهو من الإيمان لهذا، ولكونه باعثًا على فعل الطاعة وحاجزًا من المعصية، ولا يقال رب حياء يمنع عن قول الحق أو فعل الخير لأن ذلك ليس شرعيًّا. (فقال بشير بن كعب) بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة مصغرًا العدوي البصري التابعي

78 - باب إذا لم تستح فاصنع ما شئت

الجليل: (مكتوب في الحكمة) قال في الكواكب: هي العلم الذي يبحث فيه عن أحوال حقائق الموجودات وقيل: العلم المتقن الوافي (إن من الحياء وقارًا) حلمًا ورزانة (وإن من الحياء سكينة) دعة وسكونًا، ولأبي ذر عن الكشميهني السكينة بزيادة الألف واللام (فقال له عمران: أحدثك عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتحدثني عن صحيفتك). وفي رواية أبي قتادة العدوي عن عمران أن منه سكينة ووقار الله، ومنه ضعف وهذه الزيادة متعينة ولأجلها غضب عمران كما قاله في الفتح. وقال في الكواكب: إنما غضب لأن الحجة إنما هي في سنة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا فيما يروى عن كتب الحكمة لأنه لا يدري ما في حقيقتها ولا يعرف صدقها، وقال القرطبي: إنما أنكر عليه من حيث إنه ساقه في معرض من يعارض كلام النبوّة بكلام غيره، وقيل لكونه خاف أن يخلط السنة بغيرها وإلاّ فليس في ذكر السكينة والوقار ما ينافي كونه خيرًا وفي رواية أبي قتادة فغضب عمران حتى احمرت عيناه وقال: ألا أراني أحدثك عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتعارض فيه. قال الحافظ ابن حجر: وقد ذكر مسلم في مقدمة صحيحه لبشير بن كعب هذا قصة مع ابن عباس تشعر بأنه كان يتساهل في الأخذ عن كل من لقيه اهـ. قلت: ولفظ مسلم عن مجاهد قال: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فجعل لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عباس ما لي لا أراك تسمع لحديثي أحدثك عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا تسمع. فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعبة والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف، وقوله فجعل لا يأذن لحديثه بفتح الذال المعجمة أي لا يسمع ولا يصغي وقوله مرة أي وقتًا ويعني به قبل ظهور الكذب والصعب والذلول في الإبل، فالصعب العسر المرغوب عنه، والذلول السهل الطيب المرغوب فيه أي سلك الناس كل مسلك مما يحمد ويذم وهيهات أي بعدت استقامتكم أو بعد أن يوثق بحديثكم. 6118 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضى الله عنهما- قَالَ: مَرَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَجُلٍ وَهْوَ يُعَاتَبُ فِى الْحَيَاءِ يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِى حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة) بفتح اللام الماجشون قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم عن) أبيه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: مرّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على رجل) زاد في الإيمان من الأنصار ولم يعرف اسمه ولا اسم أخيه الحافظ ابن حجر (وهو يعاتب أخاه) في النسب أو في الإسلام (في) شأن (الحياء) حال كونه (يقول: إنك لتستحي) بكسر الحاء وتحتية واحدة والذي في اليونينية بسكون الحاء وتحتيتين وللحموي والمستملي تستحيي بإسقاط اللام وسكون الحاء وتحتيتين (حتى كأنه يقول قد أضرّ بك) الحياء وكأنه كان كثير الحياء فكان ذلك يمنعه عن استيفاء حقوقه فعاتبه أخوه على ذلك (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (دعه) أي اتركه على هذا الخلق السني ثم زاده في ذلك ترغيبًا بقوله (فإن الحياء من الإيمان) أي شعبة منه فمن للتبعيض. 6119 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مَوْلَى أَنَسٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى عُتْبَةَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِى خِدْرِهَا. وبه قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة الجوهري الحافظ قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السدوسي (عن مولى أنس) هو ابن مالك الأنصاري (قال أبو عبد الله) البخاري (اسمه عبد الله بن أبي عتبة) بضم العين وسكون الفوقية وقيل عبيد الله بالتصغير وقيل عبد الرحمن قال: (سمعت أبا سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (يقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشد حياء من العذراء) بفتح العين المهملة وسكون الذال المعجمة البكر (في خدرها) بكسر الخاء المعجمة وسكون المهملة في سترها المعدّ لها في جانب البيت. والحديث مضى في باب من لم يواجه الناس بالعتاب قريبًا وفي باب صفته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 78 - باب إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا لم تستح) بكسر الحاء

79 - باب ما لا يستحيا من الحق للتفقه فى الدين

(فاصنع ما شئت). 6120 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحِى فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) اليربوعي واسم أبيه عبد الله ونسبه لجده لشهرته به قال: (حدّثنا زهير) أبو خيثمة بن معاوية الحافظ الجعفي الكوفي قال: (حدّثنا منصور) هو ابن المعتمر (عن ربعي بن حراش) بكسر الراء والعين المهملة بينهما موحدة ساكنة آخره تحتية مشددة وحراش بكسر الحاء المهملة وفتح الراء وبعد الألف معجمة أبي مريم العبسي الكوفي العابد المخضرم قال: (حدّثنا أبو مسعود) عقبة بن عامر البدري (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن مما أدرك الناس) بالرفع والعائد إلى ما محذوف أي ما أدركه الناس (من كلام النبوّة الأولى) بسكون الواو بعد الهمزة المضمومة أي من شرائع الأنبياء السابقين مما اتفقوا عليه ولم ينسخ ولم يبدل للعلم بصوابه واتفاق العقول على حسنه فالأوّلون والآخرون من الأنبياء على منهاج واحد في استحسانه (إذا لم تستح) بكسر الحاء أي إذا لم يكن معك حياء يمنعك من القبيح (فاصنع) وفي حديث بني إسرائيل فافعل (ما شئت) ما تأمرك به النفس من الهوى، وإذا أردت فعلاً ولم يكن مما يستحى من فعله شرعًا فافعل ما شئت فالأمر للإباحة وعلى الأوّل للتهديد كقوله تعالى: {اعملوا ما شئتم} [فصلت: 40] أو بمعنى الخبر أي إذا لم يكن لك حياء يمنعك من القبيح صنعت ما شئت. والحديث سبق في بني إسرائيل. 79 - باب مَا لاَ يُسْتَحْيَا مِنَ الْحَقِّ لِلتَّفَقُّهِ فِى الدِّينِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه بيان (ما لا يستحيا من الحق للتفقه في الدين) وهذا يخصص قوله في الحديث السابق الحياء خير كله إذا الحياء في السؤال عن الدين لا يجوز فهو مذموم كما لا يخفى وقوله يستحيا مبني للفعول. 6121 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِى مِنَ الْحَقِّ فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلٌ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة) عبد الله (عن أم سلمة) هند بنت أبي أمية زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (-رضي الله عنها-) أنها (قالت: جاءت أم سليم) بضم السين وفتح اللام أم أنس بن مالك (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحي) بكسر الحاء (من الحق) أي لا يمتنع منه ولا يتركه ترك الحيي منا قالته اعتذارًا عن تصريحها بما تنقبض عنه النفوس البشرية لا سيما بحضرة الرسالة أي إن الله تعالى بين لنا أن الحق ليس مما يستحيا منه وسؤالها هذا كان من الحق الذي ألجأت الضرورة إليه (فهل) يجب (على المرأة غسل) بغير زيادة من (إذا احتلمت) بغير زيادة هي أي وطئت في منامها (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم) يجب عليها الغسل (إذا رأت الماء) أي المني موجودًا فالرؤية علمية تتعدى إلى مفعولين الثاني مقدر كما مرّ أو غير ذلك. قال أبو حيان: وحذف أحد مفعولي رأى وأخواتها عزيز، وقد قيل في قوله تعالى: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم} [آل عمران: 18] أي البخل خيرًا والظاهر أن الرؤية هنا بصرية فتتعدى إلى واحد، وينبني على ذلك أن المرأة إذا علمت أنها أنزلت ولم تر ماء لا غسل عليها. والحديث سبق في الغسل. 6122 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ، لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَلاَ يَتَحَاتُّ» فَقَالَ الْقَوْمُ: هِىَ شَجَرَةُ كَذَا هِىَ شَجَرَةُ كَذَا فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِىَ النَّخْلَةُ وَأَنَا غُلاَمٌ شَابٌّ فَاسْتَحْيَيْتُ فَقَالَ: «هِىَ النَّخْلَةُ». وَعَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ وَزَادَ فَحَدَّثْتُ بِهِ عُمَرَ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا لَكَانَ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا محارب بن دثار) بكسر الدال المهملة وتخفيف المثلثة السدوسي قاضي الكوفة من جلة العلماء والزهاد (قال: سمعت ابن عمر) -رضي الله عنهما- (يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مثل المؤمن كمثل شجرة خضراء لا يسقط ورقها ولا يتحات) بتشديد المثناة الفوقية الأخيرة مرفوعًا لا يتناثر ولا يحتك بعض أوراقها ببعض فتسقط (فقال القوم): وفيهم العمران (هي شجرة كذا هي شجرة كذا) قال ابن عمر: (فأردت أو أقول هي النخلة وأنا غلام شاب) وفي رواية مجاهد فأردت أن أقول هي النخلة فإذًا أنا أصغر القوم وله في الأطعمة فإذًا أنا عاشر عشرة أنا أحدثهم (فاستحييت فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هي النخلة) وعند البزار من طريق سفيان بن حسين عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عمر بإسناد صحيح قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ

80 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يسروا ولا تعسروا»

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مثل المؤمن كمثل النخلة ما أتاك منها نفعك) ففيه الإيضاح بالمقصود بأوجز عبارة وأحسن إشارة، وأما من زعم أن موقع التشبيه بين المسلم والنخلة من جهة كون النخلة إذا قطع رأسها ماتت، وأنها لا تحمل حتى تلقح وأن لطلعها رائحة كرائحة مني الآدمي أو لأنها تعشق أو لأنها تشرب من أعلاها فكلها كما قال في الفتح ضعيفة. وسبق الحديث في كتاب العلم. (وعن شعبة) بن الحجاج بالإسناد السابق أنه قال: (حدّثنا خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأولى الأنصاري المدني (عن حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب (عن ابن عمر) عمه (مثله) أي مثل الحديث السابق (وزاد) فيه قال ابن عمر: (فحدثت به) أبي (عمر فقال: لو كنت قلتها لكان أحب إليّ من كذا وكذا) أي من حُمر النعم كما في الرواية الأخرى، ووجه تمني عمر ما طبع الإنسان عليه من محبة الخير لنسله ولتظهر فضيلة الولد في الفهم من صغره ليزداد من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حظوة. 6123 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا مَرْحُومٌ، سَمِعْتُ ثَابِتًا أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا - رضى الله عنه - يَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا فَقَالَتْ: هَلْ لَكَ حَاجَةٌ فِىَّ؟ فَقَالَتِ ابْنَتُهُ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا فَقَالَ: هِىَ خَيْرٌ مِنْكِ عَرَضَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفْسَهَا. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا مرحوم) بالحاء المهملة ابن عبد العزيز البصري العطار قال: (سمعت ثابتًا) البناني (أنه سمع أنسًا -رضي الله عنه- يقول: جاءت امرأة) لم أعرف اسمها (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تعرض عليه نفسها) ليتزوجها (فقالت): يا رسول الله (هل لك حاجة فيّ)؟ أن تتزوجني (فقالت ابنته): أي ابنة أنس أمينة بضم الهمزة وفتح الميم وبعد التحتية الساكنة نون مصغرًا (ما أقل حياءها. فقال) أنس: (هي خير منك عرضت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفسها) ليتزوّجها وتصير من أمهات المؤمنين. ومطابقة الحديث للترجمة من هنا إذ المرأة لم تستح فيما سألته لما ذكر من إرادتها قربها من الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ما لا يخفى. 80 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا» وَكَانَ يُحِبُّ التَّخْفِيفَ وَالْيُسْرَ عَلَى النَّاسِ. (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يسروا ولا تعسروا. وكان) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يحب التخفيف واليسر على الناس) ذكره في الموطأ من طريق الزهري عن عروة عن عائشة في حديث صلاة الضحى ولفظه: وكان يحب ما خف على الناس. 6124 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ لَهُمَا: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا» قَالَ أَبُو مُوسَى: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضٍ يُصْنَعُ فِيهَا شَرَابٌ مِنَ الْعَسَلِ يُقَالُ لَهُ الْبِتْعُ وَشَرَابٌ مِنَ الشَّعِيرِ يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق) هو ابن إبراهيم بن راهويه كما جزم به أبو نعيم وهو رواية ابن السكن أو ابن منصور وتردد الكلاباذي بينه وبين ابن راهويه وتبعه أبو علي الجياني قال: (حدّثنا النضر) بالنون والضاد المعجمة الساكنة ابن شميل قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه) أبي بردة عامر بن أبي موسى (عن جده) أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري أنه (قال: لما بعثه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعاذ بن جبل) إلى اليمن قبل حجة الوداع (قال لهما): (يسرا ولا تعسرا وبشرا) الناس بجزيل عطاء الله وسعة رحمته (ولا تنفرا) هم بذكر التخويف وأنواع الوعيد وفائدة قوله ولا تعسرا التصريح باللازم تأكيدًا ولأن المقام مقام إطناب لا إيجاز وقوله وبشرا بعد قوله ويسرا فيه الجناس الخطي (وتطاوعا) أي توافقا في الأمور (قال أبو موسى، الأشعري: (يا رسول الله إنا بأرض) أي أرض اليمن (يصنع فيها) ولأبي ذر عن المستملي بها (شراب من العسل يقال له البتع) بكسر الموحدة وسكون الفوقية وبالعين المهملة (وشراب من الشعير يقال له المزر) بكسر الميم وسكون الزاي (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كل مسكر حرام). والحديث سبق في آخر المغازي. 6125 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا وَسَكِّنُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي التياح) بفتح الفوقية وتشديد التحتية وبعد الألف حاء مهملة يزيد بن حميد الضبعي البصري أنه (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يسروا) أمر بالتيسير لينشطوا والمراد به فيما كان من النوافل شاقًّا لئلا يفضي بصاحبه إلى الملل فيتركه أصلاً وفيما رخص فيه من الفرائض كصلاة المكتوبة قاعدًا للعاجز والفطر في الفرض لمن سافر فشق عليه (ولا تعسروا) في الأمور (وسكنوا) أمر بالتسكين

(ولا تنفروا) هو كالتفسير لسابقه والسكون ضد النفور كما أن ضد البشارة النذارة، والمراد تأليف من قرب إسلامه وترك التشديد عليه في الابتداء، وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليقبل وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلاً حبب إلى من يدخل فيه وتلقاه بانبساط وكانت عاقبته في الغالب الازدياد بخلاف ضده. والحديث مضى في العلم في باب ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتخوّلنا بالموعظة. 6126 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِنَفْسِهِ فِى شَىْءٍ قَطُّ إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ بِهَا لِلَّهِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي الحارثي (عن مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: ما خير رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الخاء المعجمة وتشديد التحتية المكسورة (بين أمرين) من أمور الدنيا (قط إلاّ أخذ أيسرهما ما لم يكن) أيسرهما (إثمًا) أي يفضي إلى الإثم (فإن كان) الايسر (إثمًا كان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أبعد الناس منه) كالتخيير بين المجاهدة في العبادة والاقتصاد فيها فإن المجاهدة إن كانت بحيث تجرّ إلى الهلاك لا تجوز (وما انتقم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنفسه) خاصة (في شيء قط) كعفوه عن الذي جبذه بردائه حتى أثر في كتفه (إلا أن تنتهك) بضم الفوقية وسكون النون وفتح الفوقية والهاء لكن إذا انتهكت (حرمة الله فينتقم) ممن ارتكب ذلك (بها) أي بسببها (لله) عز وجل لا لنفسه. والحديث سبق في صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 6127 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كُنَّا عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ بِالأَهْوَازِ قَدْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ فَجَاءَ أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِىُّ عَلَى فَرَسٍ فَصَلَّى وَخَلَّى فَرَسَهُ، فَانْطَلَقَتِ الْفَرَسُ فَتَرَكَ صَلاَتَهُ وَتَبِعَهَا حَتَّى أَدْرَكَهَا، فَأَخَذَهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَضَى صَلاَتَهُ وَفِينَا رَجُلٌ لَهُ رَأْىٌ فَأَقْبَلَ يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخِ تَرَكَ صَلاَتَهُ مِنْ أَجْلِ فَرَسٍ، فَأَقْبَلَ فَقَالَ: مَا عَنَّفَنِى أَحَدٌ مُنْذُ فَارَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ إِنَّ مَنْزِلِى مُتَرَاخٍ فَلَوْ صَلَّيْتُ وَتَرَكْتُ لَمْ آتِ أَهْلِى إِلَى اللَّيْلِ وَذَكَرَ أَنَّهُ صَحِبَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَأَى مِنْ تَيْسِيرِهِ. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الأزدي الأزرق أحد الأعلام (عن الأزرق بن قيس) الحازمي البصري أنه (قال: كنا على شاطئ نهر بالأهواز) موضع بخوزستان بين العراق وفارس (قد نضب) بفتح النون والضاد المعجمة بعدها موحدة ذهب (عنه الماء فجاء أبو برزة) نضلة بن عبيد (الأسلمي) الصحابي (على فرس فصلّى وخلى فرسه) تركها (فانطلقت الفرس فترك صلاته وتبعها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فخلى صلاته واتبعها (حتى أدركها فأخذها ثم جاء فقضى صلاته) أي أدّاها (وفينا رجل له رأي) فاسد بالتنوين للتحقير وإن يرى رأي الخوارج لا يرى ما يرى المسلمون من الدين (فأقبل يقول): وفي أواخر الصلاة فجعل رجل من الخوارج يقول: (انظروا إلى هذا الشيخ ترك صلاته من أجل فرس فأقبل فقال: ما عنفني أحد منذ فارقت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال: إن منزلي متراخ) بالخاء المعجمة متباعد (فلو صليت وتركت) الفرس بحذف المفعول ولأبي ذر وتركته (لم آت أهلي إلى الليل وذكر أنه صحب) ولأبي ذر عن المستملي أنه قد صحب (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرأى) بالفاء ولأبي ذر عن المستملي والحموي ورأى (من تيسيره) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثيرًا ما حمله على فعله ذلك إذ لا يجوز له أن يفعله من تلقاء نفسه دون أن يشاهد مثله منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. والحديث سبق في باب إذ انفلتت الدابة في الصلاة من أواخر الصلاة. 6128 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ ح وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِى الْمَسْجِدِ فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ لِيَقَعُوا بِهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ -أَوْ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ- فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (ح) لتحويل السند. (وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الذهلي: (حدثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- أخبره أن أعرابيًا اسمه ذو الخويصرة اليماني (بال في المسجد) النبوي (فثار) بالمثلثة فهاج (إليه الناس ليقعوا به) ليؤذوه (فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (دعوه) اتركوه يبول في موضعه لأنه لو قطع عليه بوله لتضرر ولو أقاموه في أثنائه لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد (وأهريقوا) بهمزة قطع مفتوحة وسكون الهاء ولأبي ذر وهريقوا بحذف الهمزة وفتح الهاء أي صبوا (على بوله ذنوبًا من ماء)

81 - باب الانبساط إلى الناس

بفتح الذال المعجمة الدلو الملآن (أو سجلاً من ماء) بفتح السين المهملة وسكون الجيم دلوًا فيه الماء قل أو كثر (فإنما بعثتم) حال كونكم (ميسرين ولم تبعثوا) حال كونكم (معسرين) أسند البعث إلى الصحابة على طريق المجاز لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو المبعوث حقيقة لكنهم لما كانوا مبلغين عنه أطلق عليهم ذلك وأكد السابق وهو قوله ميسرين بنفي ضده في قوله: ولم تبعثوا معسرين تنبيهًا على المبالغة في التيسير. والحديث سبق في باب صب الماء على البول في المسجد من الطهارة. 81 - باب الاِنْبِسَاطِ إِلَى النَّاسِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: خَالِطِ النَّاسَ، وَدِينَكَ لاَ تَكْلِمَنَّهُ، وَالدُّعَابَةِ مَعَ الأَهْلِ. (باب) جواز (الانبساط إلى) ولأبي ذر عن الكشميهني مع (الناس. وقال ابن مسعود) عبد الله -رضي الله عنه-: (خالط الناس ودينك لا تكلمنه) بكسر اللام وفتح الميم والنون المشدّدة من الكلم بفتح الكاف وسكون اللام وهو الجرح ودينك بالنصب في الفرع أي لا تكلمن دينك ويجوز الرفع مبتدأ خبره لا تكلمنه أي خالط الناس لكن بشرط أن لا يحصل في دينك خلل وهذا الأثر وصله الطبراني في الكبير بلفظ خالطوا الناس وصافوهم بما يشتهون ودينكم فلا تكلمنه بضم الميم وزايلوهم (و) جواز (الدعابة) بضم الدال المهملة وتخفيف العين المهملة وبعد الألف موحدة الملاطفة في القول بالمزاح وغيره (مع الأهل) من غير إفراط ولا مداومة إذ ربما يؤول ذلك إلى القسوة والإيذاء والحقد وسقوط المهابة والوقار. نعم قد تكون الدعابة مستحبة كأن تكون لمصلحة كتطييب نفس المخاطب ومؤانسته. 6129 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - يَقُولُ: إِنْ كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيُخَالِطُنَا حَتَّى يَقُولَ لأَخٍ لِى صَغِيرٍ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ [الحديث 6129 - طرفه في: 6203]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا أبو التياح) يزيد بن حميد الضبعي (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: إن كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليخالطنا) بالملاطفة وطلاقة الوجه والمزاح (حتى يقول لأخ لي) من أمي (صغير) وهو ابن أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري: (يا أبا عمير) بضم العين مصغرًا (ما فعل النغير) بضم النون وفتح الغين المعجمة مصغر نغر بضم ثم فتح طير كالعصفور محمر المنقار وأهل المدينة يسمونه البلبل أي ما شأنه وحاله. وقال النووي: وفي الحديث جواز تكنية من لم يولد له وتكنية الطفل وأنه ليس كذبًا، وجواز المزح فيما ليس بإثم، وجواز السجع في الكلام الحسن بلا كلفة، وملاطفة الصبيان وتأنيسهم وبيان ما كان عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من حسن الخلق وكرم الشمائل والتواضع. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة والاستئذان وفضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخرجه الترمذي في الصلاة وفي البر والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجة في الأدب. 6130 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ لِى صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِى فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَىَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِى. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين بينهما ألف آخره ميم قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بالتماثيل المسماة بلعب البنات، وعند أبي عوانة من رواية جرير عن هشام كنت ألعب بالبنات وهن اللعب، وعند أبي داود والنسائي من وجه آخر عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غزوة تبوك أو حنين فذكر الحديث في هتكه الستر الذي نصبته على بابها قالت: فكشف الستر على بنات لعائشة لعب. فقال: "ما هذا يا عائشة"؟ قالت: بناتي. قالت: ورأى فرسًا مربوطًا له جناحان. فقال: "ما هذا" قلت: فرس. قال: "فرس له جناحان" قلت: ألم تسمع أنه كان لسليمان خيل لها أجنحة فضحك. فهذا صريح في أن المراد باللعب غير الآدميات خلافًا لمن زعم أن معنى الحديث اللعب مع البنات أي الجواري والباء هنا بمعنى مع، واستدل بالحديث على جواز اتخاذ اللعب من أجل لعب البنات بهن وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم القاضي عياض، ونقله عن الجمهور وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات

82 - باب المداراة مع الناس

لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن قالت عائشة -رضي الله عنها-: (وكان لي صواحب) أي جوار من أقراني (يلعبن معي) بهن (فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا دخل) على الحجرة (يتقمعن) بتحتية وفوقية وقاف وميم مشددة وعين مهملة ساكنة بوزن يتفعلن، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بإسقاط التحتية، وللكشميهني كما في الفتح ينقمعن بنون ساكنة بعد التحتية وكسر الميم أي يتغيبن (منه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدخلن وراء الستر وأصله من قمع الثمرة أي يدخلن في الستر كما تدخل الثمرة في قمعها (فيسربهن) بسين مهملة مفتوحة وراء مشدّدة مكسورة بعدها موحدة أي يبعثهن ويرسلهن (إليّ فيلعبن معي). والحديث أخرجه مسلم في الفضائل. 82 - باب الْمُدَارَاةِ مَعَ النَّاسِ وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ إِنَّا لَنَكْشِرُ فِى وُجُوهِ أَقْوَامٍ وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ. (باب) استحباب (المداراة مع الناس) وهي لين الكلام وترك الأغلاظ في القول وهي من أخلاق المؤمنين والفرق بينهما وبين المداهنة المحرمة أن المداراة الرفق بالجاهل في التعليم والفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه والإنكار عليه باللطف حتى يردّ عما هو مرتكبه والمداهنة معاشرة المعلن بالفسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه باللسان ولا بالقلب. (ويذكر) بضم التحتية وفتح الكاف (عن أبي الدرداء) عويمر بن مالك مما وصله ابن أبي الدنيا وإبراهيم الحربي في غريب الحديث والدينوري في المجالسة من طريق أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء (إنّا لنكشر) بفتح النون وسكون الكاف وكسر الشين المعجمة بعدها راء أي نضحك ونتبسم (في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم) بلام التأكيد وبالعين من اللعن، ولأبي ذر عن الكشميهني: لتقليهم بقاف ساكنة بعد الفوقية ثم لام مكسورة فتحتية ساكنة من القلى وهي البغض. 6131 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ حَدَّثَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ فَقَالَ: «ائْذَنُوا لَهُ فَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، أَوْ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ» فَلَمَّا دَخَلَ أَلاَنَ لَهُ الْكَلاَمَ فَقُلْتُ: لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ مَا قُلْتَ ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ فِى الْقَوْلِ فَقَالَ: «أَىْ عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ تَرَكَهُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن ابن المنكدر) محمد أنه (حدثه) أي أن ابن المنكدر حدث سفيان (عن عروة بن الزبير) ولغير أبي ذر عن ابن المنكدر حدثه عروة بن الزبير (أن عائشة) -رضي الله عنها- (أخبرته أنه استأذن) في الدخول (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بيته (رجل) هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري وكان يقال له الأحمق المطاع أو مخرمة بن نوفل (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ائذنوا له) في الدخول (فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة) بفتح العين المهملة وكسر الشين المعجمة فيهما والشك من الراوي والعشيرة الجماعة أو القبيلة أو الأدنى إلى الرجل من أهله وهم ولد أبيه وجده (فلما دخل) الرجل (ألان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لأن (له الكلام) ولأبي ذر في الكلام قالت عائشة (فقلت) له (يا رسول الله قلت ما قلت) في هذا الرجل (ثم) لما دخل (ألنت له في القول. فقال: أي عائشة) أي يا عائشة (إن شر الناس منزلة عند الله) يوم القيامة (من تركه أو) قال: (ودعه الناس اتقاء فحشه) بضم الفاء وسكون الحاء المهملة وقد كان الرجل من جفاة الأعراب. وقوله ودعه بتخفيف الدال. قال المازري: ذكر بعض النحاة أن العرب أماتوا مصدر يدع وماضيه والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفصح العرب وقد نطق بالمصدر في قوله: لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات وبماضيه في هذا الحديث، وأجاب القاضي عياض: بأن المراد بقولهم أماتوا أي تركوا استعماله إلا نادرًا قال: ولفظ أماتوا يدل عليه ويؤيد ذلك أنه لم ينقل في الحديث إلا هذين الحديثين مع شك الراوي في حديث الباب مع كثرة استعمال تركه ولم ينقل عن أحد من النحاة أنه لا يجوز. قال في فتح الباري: والنكتة في إيراد هذا الحديث هنا التلميح إلى ما وقع في بعض الطرق بلفظ المداراة وهو عند الحارث بن أبي أسامة من حديث صفوان بن عسال نحو حديث عائشة -رضي الله عنها- وفيه فقال: إنه منافق أداريه عن نفاقه وأخشى أن يفسد عليّ غيره.

83 - باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين وقال معاوية لا حكيم إلا ذو تجربة

وعند ابن عدي من حديث جابر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "مداراة الناس صدقة" وكذا أخرجه الطبراني في الأوسط وفي سنده يوسف بن محمد بن المنكدر ضعفوه وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وأخرجه ابن أبي عاصم في آداب الحكماء بسند أحسن منه. وفي حديث أبي هريرة: رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس أخرجه البزار بسند ضعيف، لكن قال شيخنا الحافظ السخاوي: لفظ رواية البزار التودد إلى الناس وهو باللفظ الذي نقله في فتح الباري في رواية مرسلة، وعند العسكر وغيره بل وفي رواية متصلة عند البيهقي في الشعب وبين أنها منكرة. 6132 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُهْدِيَتْ لَهُ أَقْبِيَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرَةٌ بِالذَّهَبِ، فَقَسَمَهَا فِى نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَعَزَلَ مِنْهَا وَاحِدًا لِمَخْرَمَةَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: «خَبَأْتُ هَذَا لَكَ» قَالَ أَيُّوبُ: بِثَوْبِهِ أَنَّهُ يُرِيهِ إِيَّاهُ وَكَانَ فِى خُلُقِهِ شَىْءٌ. رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ. وَقَالَ حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْبِيَةٌ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري قال: (أخبرنا ابن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام قال: (أخبرنا أيوب) السختياني (عن عبد الله بن أبي مليكة) اسمه زهير وعبد الله هذا تابعي فحديثه مرسل (أن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهديت له) بضم الهمزة وسكون الهاء (أقبية) جمع قباء (من ديباج) فارسي معرب أي ثوب يتخذ من إبريسم (مزررة بالذهب فقسمها) أي الأقبية (في) أي بين (أناس من أصحابه وعزل منها) ثوبًا (واحدًا لمخرمة) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة لأجل مخرمة والد المسور وكان مخرمة غائبًا (فلما جاء قال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (خبأت) ولأبي ذر عن الكشميهني قد خبأت (هذا) القباء (لك قال) أي أشار (أيوب) السختياني بالسند السابق: (بثويه) يستحضر فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند كلامه مخرمة (أنه) ولأبي ذر: وأنه (يريه) أي يري مخرمة (إياه) أي الثوب الذي خبأه له ليطيب قلبه به (وكان في خلقه) أي مخرمة (شيء) من الشدة، فلذا كان في لسانه بذاءة. (ورواه) أي الحديث (حماد بن زيد) فيما وصله المؤلّف في باب قسمة الإمام ما يقدم عليه (عن أيوب) السختياني عن عبد الله بن أبي مليكة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحديث. (وقال حاتم بن وردان) البصري مما وصله البخاري في شهادة الأعمى وأمره ونكاحه من الشهادات (حدّثنا أيوب) السختياني (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن المسور) بن مخرمة (قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقبية) الحديث. ومراد المؤلّف بسياق هذا التعليق الأخير الإعلام بوصله، وأن روايتي ابن علية وحماد وإن كانت صورتهما الإرسال، لكن الحديث في الأصل موصول والله الموفق والمعين. 83 - باب لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ مُعَاوِيَةُ لاَ حَكِيمَ إِلاَّ ذُو تَجْرِبَةٍ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. وقال معاوية) بن أبي سفيان: صخر بن حرب (لا حكيم) بالكاف المكسورة بوزن عظيم في الفرع (إلا ذو) أي صاحب (تجربة) وهذا لفظ أبي سعيد مرفوعًا أخرجه أحمد وصححه ابن حبان، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لا حلم بكسر الحاء المهملة وسكون اللام إلا بتجربة، ولأبي ذر عن الكشميهني: إلا لذي تجربة، والحلم التأني في الأمور المقلقة والمعنى أن المرء لا يوصف بالحلم حتى يجرب الأمور، وقيل المعنى لا يونس حليمًا كاملاً إلا من وقع في زلة وحصل منه خطأ فحينئذٍ يخجل. وقال ابن الأثير: معناه لا يحصل الحلم حتى يركب الأمور ويعثر فيها فيعتبر بها ويستبين مواضع الخطأ ويجتنبها، وقيل: المراد أن من جرب الأمور وعرف عواقبها آثر الحلم وصبر على قليل الأذى ليدفع به ما هو أكبر منه. وقال الطيبي: ويمكن أن يكون تخصيص الحليم بذي التجربة للإشارة إلى أن غير الحليم بخلافه فإن الحليم الذي ليس له تجربة قد يعثر في مواضع لا ينبغي له فيها الحلم بخلاف الحليم المجرب، وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة في مصنفه عن عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال معاوية: لا حلم إلا بالتجارب، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد من طريق علي بن مسهر عن هشام عن أبيه قال: كنت جالسًا عند معاوية فقال: لا حليم إلا ذو تجربة قالها ثلاثًا. وأخرج من حديث أبي سيد مرفوعًا: لا حليم إلا ذو عثرة ولا حكيم إلا ذو تجربة، وأخرجه أحمد وصححه ابن حبان ومرّ. 6133 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد البلخي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح

تنبيه:

القاف ابن خالد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة رضي الله عنه فإنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال): (لا يلدغ المؤمن) بالدال المهملة والغين المعجمة على صيغة المجهول وهو ما يكون من ذوات السموم وأما الذي بالذال المعجمة والعين المهملة فما يكون من النار والمؤمن مرفوع بيلدغ (من جحر) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة (واحد مرتين). وقوله: يلدغ بالرفع على صيغة الخبر ومعناه الأمر أي ليكن المؤمن حازمًا حذرًا لا يؤتي من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى وقد يكون ذلك في أمر الذين كما يكون في أمر الدنيا وهو أولاهما بالحذر، وروي بكسر الغين بلفظ النهي فيتحقق فيه معنى النهي على هذه الرواية قاله الخطابي. قال السفاقسي بعد ذكره له: وكذا قرأناه انتهى أي: لا يخدعن المؤمن ولا يؤتين من ناحية الغفلة فيقع في مكروه، لكن قال التوربشتي: أرى أن الحديث لم يبلغ الخطابي على ما كان عليه وهو مشهور عند أهل السير وذلك أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منّ على أبي عزة الشاعر الجمحي وشرط عليه أن لا يجلب عليه، فلما بلغ مأمنه عاد إلى ما كان فأسر مرة أخرى فأمر بضرب عنقه وكلمه بعض الناس في المنّ عليه فقال: (لا يلدغ المؤمن) الحديث. ونقل النووي عن القاضي عياض هذه القصة وقال: سبب هذا الحديث معروف وهو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسر أبا عزة الشاعر يوم بدر فمنّ عليه وعاهده أن لا يحرض عليه ولا يهجوه فأطلقه فلحق بقومه ثم رجع إلى التحريض والهجاء، ثم أسر يوم أُحد فسأله المنّ فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يلدغ المؤمن" الحديث: وهذا السبب يضعف الوجه الثاني. وأجاب في شرح المشكاة بأنه يوجه بأن يكون -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما رأى من نفسه الزكية الكريمة الميل إلى الحلم والعفو عنه جرد منها مؤمنًا كاملاً حازمًا ذا شهامة ونهاه عن ذلك يعني ليس من شيمة المؤمن الحازم الذي يغضب لله ويذب عن دين الله أن ينخدع من مثل هذا الغادر المتمرد مرة بعد أخرى، فانته عن حديث الحلم وامض لشأنك في الانتقام منه والانتصار من عدو الله فإن مقام الغضب لله يأبى الحلم والعفو ومن أوصافه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان لا ينتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لها، وقد ظهر من هذا أن الحلم مطلقًا غير محمود كما أن الحرد كذلك فمقام التحلم مع المؤمنين مندوب إليه مع الأولياء والغلظة مع الأعداء. قال تعالى في وصف الصحابة {أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح: 29] فظهر من هذا أن القول بالنهي أولى والمقام له أدعى، وسلوك ما ذهب إليه أبو سليمان الخطابي -رحمه الله- أوضح وأهدى وأحق أن يتبع وأحرى، وهذا الكلام منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأول ما قاله لأبي عزة المذكور، وأما قول السفاقسي وهذا مثل قديم تمثل به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثيرًا ما يتمثل بالأمثال القديمة، وأصل ذلك أن رجلاً أدخل يده في جحر لصيد أو غيره فلدغته حيّة في يده فضربته العرب مثلاً فقالوا: لا يدخل الرجل يده في جحر فيلدغ منه مرة ثانية، فتعقبه في المصابيح بأنه إذا كان المثل العربي على الصورة التي حكاها فالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يورده كذلك حتى يقال: إنه تمثل به. نعم أورد كلامًا بمعناه، وانظر فرق ما بين كلامه عليه الصلاة والسلام وبين لفظ المثل المذكور، فطلاوة البلاغة على لفظه عليه الصلاة والسلام وحلاوة العبارة فيه بادية يدركها ذو الذوق السليم عليه أفضل صلاة الله وأزكى التسنيم. تنبيه: قال شيخنا في الأحاديث المشتهرة، وسبقه إلى الإشارة لنحوه شيخه في فتح الباري: حديث لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين أخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجة والعسكري كلهم من حديث عقيل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به مرفوعًا، لكن ليس عند ابن ماجة والعسكري واحد، وهو عند مسلم أيضًا من طريق ابن أخي ابن شهاب الزهري عن عمه به مثله، وتابعهما سعيد بن عبد العزيز أن هشام بن عبد الملك قضى عن الزهري سبعة آلاف دينار فقال هشام للزهري: لا تعد لمثلها. فقال

84 - باب حق الضيف

الزهري: يا أمير المؤمنين حدثني سعيد وذكره بلفظ: لا يلسع المؤمن من جحر مرّتين، وكذا تابعهم يونس عن الزهري وهو الصواب وخالفهم زمعة بن صالح حيث رواه عن الزهري فقال عن سالم عن ابن عمر بلفظ: لا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين أخرجه القضاعي، وتابعه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري، لكن صالح وزمعة ضعيفان. وفي الباب عن عمرو بن عوف المزني عند الطبراني في الكبير والأوسط وإليه الإشارة يقول يعقوب في قصة ابنه عليهما الصلاة والسلام: {هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل} [يوسف: 64]. 84 - باب حَقِّ الضَّيْفِ (باب) بيان (حق الضيف). 6134 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ»، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «فَلاَ تَفْعَلْ قُمْ وَنَمْ وَصُمْ وَأَفْطِرْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّكَ عَسَى أَنْ يَطُولَ بِكَ عُمُرٌ، وَإِنَّ مِنْ حَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا فَذَلِكَ الدَّهْرُ كُلُّهُ»، قَالَ فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَىَّ فَقُلْتُ: فَإِنِّى أُطِيقُ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ: «فَصُمْ مِنْ كُلِّ جُمُعَةٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ» قَالَ: فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَىَّ قُلْتُ: إِنِّى أُطِيقُ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ: «فَصُمْ صَوْمَ نَبِىِّ اللَّهِ دَاوُدَ» قُلْتُ: وَمَا صَوْمُ نَبِىِّ اللَّهِ دَاوُدَ؟ قَالَ: «نِصْفُ الدَّهْرِ». وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) الكوسج الحافظ قال: (حدّثنا روح بن عبادة) بفتح الراء وسكون الواو بعدها حاء مهملة وعبادة بضم العين وتخفيف الدال المهملتين قال: (حدّثنا حسين) المعلم (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص -رضي الله عنه- أنه (قال: دخل عليّ) بتشدلد التحتية (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لي: (ألم أخبر) بهمزة الاستفهام وأخبر بضم الهمزة وفتح الموحدة مبنيًا للمفعول (إنك تقوم الليل) أي في الليل (وتصوم النهار قلت: بلى) يا رسول الله (قال: عليه الصلاة والسلام فلا تفعل قم ونم وصم وأفطر) بهمزة قطع مفتوحة وكسر الطاء (فإن لجسدك عليك حقًّا) فترفق به ولا تتعبه حتى تعجز عن القيام بالفرائض (وإن لعينك) بالإفراد (عليك حقًّا) من النوم (وإن لزورك) بفتح الزاي وسكون الواو ولضيفك (عليك حقًّا) وهذا موضع الترجمة (وإن لزوجك عليك حقًّا وإنك) بكسر الهمزة (عسى أن يطول بك عمر) بضمتين فتضعف فلا تستطيع المداومة على ذلك وخير العمل ما داوم عليه صاحبه وإن قل (وإن من حسبك) بسكون السين المهملة أي من كفايتك (أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام) أي يعينها (فإن بكل حسنة عشر أمثالها فذلك) أي صيام الثلاث من كل شهر هو (هو الدهر كله) في ثواب صيامه (قال) عبد الله بن عمرو (فشددت) على نفسي (فشدد عليّ) بتشديد التحتية وشدّد بضم الشين المعجمة مبنيًّا للمفعول (فقلت) يا رسول الله (فإني أطيق غير ذلك) أكثر منه (قال: فصم من كل جمعة ثلاثة أيام) أي يعينها (قال: فشددت) على نفسي (فشلد عليّ قلت إني أطيق غير ذلك) بإسقاط الفاء قبل قاف قلت ولفظة إني (قال) عليه الصلاة والسلام: (فصم صوم نبي الله داود. قلت: وما صوم نبي الله داود؟ قال: نصف الدهر) بأن تصوم يومًا وتفطر يومًا. والحديث سبق في الصوم. 85 - باب إِكْرَامِ الضَّيْفِ وَخِدْمَتِهِ إِيَّاهُ بِنَفْسِهِ وَقَوْلِهِ: {ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الحجرات: 51]، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ هُوَ زَوْرٌ، وَهَؤُلاَءِ زَوْرٌ وَضَيْفٌ وَمَعْنَاهُ أَضْيَافُهُ وَزُوَّارُهُ لأَنَّهَا مَصْدَرٌ مِثْلَ قَوْمٌ رِضًا وَعَدْلٌ وَيُقَالُ: مَاءٌ غَوْرٌ، وَبِئْرٌ وَمَاءَانِ غَوْرٌ وَمِيَاهٌ غَوْرٌ وَيُقَالُ الغَوْرُ: الغَائِرُ لاَ تَنَالُهُ الدَّلاَءُ، كُلُّ شَيْءٍ غُرْتَ فِيهِ فَهُوَ مَغَارَةً تَزَاوَرُ تَمِيلُ مِنَ الزَّوْرِ وَالأَزْوَرُ: الأَمْيَلُ. (باب) استحباب (إكرام الضيف) مصدر مضاف لمفعوله والفاعل محذوف أي إكرام المضيف (و) استحباب (خدمته إياه بنفسه) من عطف الخاص على العام إذ الإكرام أعم من أن يكون بالنفس أو بأحد (وقوله) بالجرّ عطفًا على السابق ({ضيف إبراهيم المكرمين} [الذاريات: 24]. (قال أبو عبد الله) المؤلّف: (يقال) في المفرد (هو زور و) في الجمع (هؤلاء زور) فيستوي فيه الجمع والمفرد (و) كذا (ضيف ومعناه أضيافه وزوَّاره لأنها مصدر مثل قوم رضا وعدل) يعني مرضيون وعدول فالمعنى جمع واللفظ مفرد (ويقال ماء غور وبئر غور وماءان غور ومياه غور) فهو وصف بالمصدر (ويقال الغور الغائر) الذي (لا تناله الدلاء كل شيء غرت فيه فهو مغارة تزاور تميل من الزور والأزور الأميل) ومنه زاره إذا مال إليه وكان أضياف إبراهيم اثني عشر ملكًا، وقيل تسعة عاشرهم جبريل وجعلهم ضيفًا لأنهم كانوا في صورة الضيف حيث أضافهم إبراهيم أو لأنهم كانوا في حسبانه كذلك قوله {المكرمين} أي عند الله كقوله {بل عباد مكرمون} [الأنبياء: 26] وقيل لأنه خدمهم بنفسه وأخدمهم امرأته وعجل لهم القرى وثبت قوله قال أبو عبد الله الخ للكشميهني والمستملي وسقط لغيرهما. 6135 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِى شُرَيْحٍ الْكَعْبِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهْوَ صَدَقَةٌ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِىَ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الكلاعي قال:

(أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن سعيد بن أبي سعيد المقبري) بضم الموحدة واسم أبي سعيد كيسان (عن أبي شريح) بضم الشين المعجمة وفتح الراء آخره حاء مهملة خويلد بن عمرو بن صخر (الكعبي) بفتح الكاف وكسر الموحدة الخزاعي أسلم قبل الفتح وتوفي بالمدينة -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من كان يؤمن بالله) الذي خلقه إيمانًا كاملاً (واليوم الآخر) الذي إليه معاده وفيه مجازاته (فليكرم ضيفه جائزته) بالرفع في الفرع مبتدأ خبره (يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام) أي تكلف يوم وليلة أو إتحاف يوم وليلة هذا إن قلنا إن اليوم والليلة من جملة أيام الضيافة الثلاثة، وإن قلنا بأنهما خارجان عنها فيقدر زيادة يوم وليلة بعد الضيافة، وبالنصب على أنه بدل الاشتمال أي: فليكرم جائزة ضيفه يومًا وليلة بنصب يومًا على الظرفية قاله السهيلي فيما حكاه الزركشي، وعند مسلم في رواية عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن أبي شريح: الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة انتهى. قال في المصابيح: ويشبه اختلافهم في أن يوم الجائزة وليلتها داخلان في أيام الضيافة الثلاثة أو خارجان عنها ما وقع لهم من التردد في قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من شهد الجنازة حتى يصلّي عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان" الحديث. وفي لفظ: "من صلّى على جنازة فله قيراط ومن اتبعها حتى توضع في القبر فله قيراطان" فلو اتبعها حتى توضع في القبر ولكن لم يصل عليها احتمل أن لا يحصل له شيء من القيراط إذ يحتمل أن يكون القيراط الثاني المزيد مرتبًا على وجود الصلاة قبله، ويحتمل أن يحصل له القيراط المزيد، وأما احتمال أن القيراطين يحصلان بالاتباع حتى توضع في القبر وإن لم يصل فهو هنا بعيد وأما احتمال أن من صلّى واتبع حتى تدفن يحصل له ثلاثة قراريط فمرتب على هذا الاحتمال، ونقل القاضي تاج الدين أن الشيخ أبا الحسن بن القزويني سأل أبا نصر بن الصباغ عن هذا؟ فقال: لا يحصل لمن صلّى واتبع إلا قيراطان، واستدلّ بقوله تعالى {أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادًا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام} [فصلت: 9، 10] قال: فاليومان من جملة الأربعة بلا شك انتهى. وعند مسلم في رواية عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن أبي شريح: الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة وهو يدل على المغايرة. (فما بعد ذلك) مما يحضره له بعد ثلاثة أيام (فهو صدقة) استدلّ به على أن الذي قبلها واجب لأن المراد بتسميته صدقة التنفير عنه لأن كثيرًا من الناس خصوصًا الأغنياء يأنفون غالبًا من أكل الصدقة، واستدلّ ابن بطال لعدم الوجوب بقوله جائزته، والجائزة تفضل وإحسان ليست واجبة عليه عامة الفقهاء وتأوّلوا الأحاديث أنها كانت في أول الإسلام إذ كانت المواساة واجبة (ولا يحل له) أي للضيف (أن يثوي) بفتح التحتية وسكون المثلثة وكسر الواو أن يقيم (عنده) عند من أضافه (حتى يحرجه) بضم التحتية وسكون الحاء المهملة وبعد الراء المكسورة جيم من الحرج وهو الضيق ولمسلم حتى يؤثمه أي يوقعه في الإثم لأنه قد يغتابه لطول إقامته أو يعرّض له بما يؤذيه أو يظن به ظنًّا سيئًا ويستفاد من قوله حتى يحرجه أنه إذا ارتفع الحرج جازت الإقامة بعد بأن يحنتار المضيف إقامة الضيف أو يغلب على ظن الضيف أن المضيف لا يكره ذلك. والحديث سبق في باب: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره من كتاب الأدب. 0000 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ مِثْلَهُ وَزَادَ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام بسنده السابق (مثله) أي مثل الحديث السابق (وزاد) ابن أبي أويس (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) إيمانًا كاملاً (فليقل خيرًا أو ليصمت) بضم الميم من باب نصر أو بكسرها من باب ضرب يضرب أي ليسكت. 6136 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِى حَصِينٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ. وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (عبد الله بن محمد)

المسندي الجعفي قال: (حدّثنا ابن مهدي) عبد الرحمن قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان الأسدي (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) إيمانًا كاملاً (فلا يؤذ جاره). وفي مسلم في حديث أبي هريرة من طريق الأعمش عن أنس صالح: فليحسن إلى جاره، وقد جاء تفسير الإكرام والإحسان إلى الجار وترك أذاه في عدة أحاديث رواها الطبراني من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، والخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأبو الشيخ في الثواب من حديث معاذ بن جبل قالوا: يا رسول الله ما حق الجار؟ قال: "إن استقرضك أقرضته وإن استعانك أعنته وإن مرض عدته وإن احتاج أعطيته وإن افتقر عدت عليه وإذا أصابه خير هنيته وإذا أصابته مصيبة عزيته وإذا مات اتبعت جنازته ولا تستطيل عليه بالبناء فيحجب عنه الريح إلا بإذنه ولا تؤذيه بريح قدرك إلا أن تغرف له منها وإن اشتريت فاكهة فأهدِ له وإن لم تفعل فادخلها سرًّا ولا تخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده". قال في الفتح: ألفاظهم متقاربة والسياق أكثره لعمرو بن شعيب، وفي حديث بهز بن حكيم: إن أعور سترته وأسانيدهم واهية، لكن اختلاف مخارجها يشعر بأن للحديث أصلاً. (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر) إيمانًا تامًّا (فليكرم ضيفه) بأن يزيد في قراه على ما كان يفعل في عياله (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر) إيمانًا كاملاً (فليقل خيرًا أو ليصمت). وفي حديث أبي أمامة عند الطبراني والبيهقي في الزهد فليقل خيرًا ليغنم أو ليسكت عن شر ليسلم، وفي معنى الأمر بالصمت أحاديث كثيرة كحديث ابن مسعود عند الطبراني قلت: يا رسول الله أي الإيمان أفضل؟ الحديث. وفيه: "أن يسلم المسلمون من لسانك" وفي حديث البراء عند أحمد وصححه ابن حبان مرفوعًا: "فكف لسانك إلا من خير" وحديث ابن عمر عند الترمذي "من صمت نجا" وعنده من حديث ابن عمر: كثرة الكلام بغير ذكر الله تقسي القلب. أسأل الله العافية. 6137 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ أَبِى الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلاَ يَقْرُونَنَا فَمَا تَرَى فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِى لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِى يَنْبَغِى لَهُمْ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يزيد بن أبي حبيب) المصري (عن أبي الخير) مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة آخره دال مهملة اليزني (عن عقبة بن عامر) الجهني (رضي الله عنه أنه قال: قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم فلا يقروننا) بنونين وفتح أوّله أي لا يضيفوننا (فما ترى فيه؟ فقال لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فأقبلوا) ذلك منهم (فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم) بضمير الجمع فهو على حد قوله {ضيف إبراهيم المكرمين} [الذاريات: 24] كما مر الضيف مصدر يستوي فيه الجمع والواحد وقد حمل الليث الحديث على الوجوب عملاً بظاهر الأمر وأن يؤخذ ذلك منهم إن امتنعوا قهرًا وقال أحمد: بالوجوب على أهل البادية دون القرى، وتأوّله الجمهور على المضطرين فإن ضيافتهم واجبة، أو المراد خذوا من أعراضهم أو هو محمول على من مرّ بأهل الذمة الذين شرط عليهم ضيافة من مرّ بهم من المسلمين وضعف هذا. وسبق مزيد لهذا في كتاب المظالم في باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه. 6138 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) أبو جعفر الجعفي الحافظ المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه) اختلف في حد الرحم التي يجب صلتها فقيل كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرًا والآخر أنثى حرمت مناكحتهما، فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام وأولاد الأخوال

86 - باب صنع الطعام، والتكلف للضيف

واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها في النكاح ونحوه، وجوّز ذلك في بنات الأعمام والأخوال، وقيل هو عام في كل رحم من ذوي الأرحام في الميراث يستوي فيه المحرم وغيره ويدل له قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أدناك أدناك" (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا) ليغنم (أو ليصمت) أي يسكت عن سوء ليسلم وهذا من جوامع الكلم وجواهر الحكم التي لا يعرف أحد ما في بحار معانيها إلا من أمدّه بفيض مدده، وذلك أن القول كله إما خير أو شر أو آيل إلى أحدهما فيدخل في الخير كل مطلوب من الأحوال فرضها وندبها فأذن فيه على اختلاف أنواعه، ودخل فيه ما يؤول إليه وما عدا ذلك مما هو شر أو يؤول إليه فأمر عند إرادة الخوض فيه بالصمت، ولا ريب أن خطر اللسان عظيم وآفاته كثيرة من الكذب والغيبة وتزكية النفس والخوض في الباطل، ولذلك حلاوة في القلب وعليه بواعث من الطبع ومن الشيطان، فالخائض في ذلك قلما يقدر على أن يزم لسانه ففي الخوض خطر وفي الصمت سلامة مع ما فيه من جمع الهمة ودوام الوقار والفراغ للعبادة والسلام من تبعات القول في الدنيا ومن الحساب في الآخرة قال تعالى: {ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد} [ق: 18] وقال عليه الصلاة والسلام: "أملك عليك لسانك" أي اجعله مملوكًا لك فيما عليك وباله وتبعته، وأمسكه عما يضرك وأطلقه فيما ينفعك. 86 - باب صُنْعِ الطَّعَامِ، وَالتَّكَلُّفِ لِلضَّيْفِ (باب صنع الطعام والتكلف) لمن قدر عليه (للضيف). 6139 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِى جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: آخَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِى الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِى الدُّنْيَا فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ: كُلْ فَإِنِّى صَائِمٌ قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ فَقَالَ: نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ. فَلَمَّا كَانَ آخِرُ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ قَالَ: فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِى حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «صَدَقَ سَلْمَانُ». أَبُو جُحَيْفَةَ وَهْبٌ السُّوَائِىُّ يُقَالُ: وَهْبُ الْخَيْرِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (محمد بن بشار) المعروف ببندار قال: (حدّثنا جعفر بن عون) بالنون أبو جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي قال: (حدّثنا أبو العميس) بضم العين المهملة وفتح الميم آخره مهملة مصغرًا عتبة بن عبد الله المسعودي الكوفي (عن عون بن أبي جحيفة) بالجيم المضمومة ثم الحاء المهملة والفاء مصغرًا وهب (عن أبيه) أنه (قال: آخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين سلمان) الفارسي (وأبي الدرداء) عويمر (فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء) زوجة أبي الدرداء واسمها خيرة بفتح الخاء وسكون التحتية بنت أبي حدرد الأسلمية صحابية بنت صحابي وليست هي زوجته أم الدرداء هجيمة التابعية (متبذلة) بفتح الفوقية والموحدة وكسر المعجمة المشددة أي لابسة ثياب البذلة بكسر الموحدة وسكون المعجمة المهنة وزنًا ومعنى أي أنها تاركة للباس الزينة (فقال لها: ما شأنك)؟ متبذلة يا أم الدرداء (قالت: أخوك أبو الدرداء لبس له حاجة في) نساء (الدنيا فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا) وقربه إليه ليأكل (فقال) أبو الدرداء لسلمان (كل فإني صائم. قال) سلمان لأبي الدرداء (ما أنا بأكل) من طعامك شيئًا (حتى تأكل منه) وغرضه بذلك صرف أبي الدرداء عما يصنعه من الجهد في العبادة وغير ذلك مما تضررت منه أم الدرداء زوجته (فأكل) أبو الدرداء معه (فلما كان الليل) أي في أوّله (ذهب أبو الدرداء يقوم) يتهجد (فقال) له سلمان (نم فنام، ثم ذهب) أبو الدرداء (يقوم فقال) له سلمان: (نم فلما كان آخر الليل) وعند الترمذي فلما كان عند الصبح وللدارقطني فلما كان في وجه الصبح، ولأبي ذر من آخر الليل (قال سلمان) له: (قم الآن قال): وللطبراني فقاما فتوضآ (فصليا فقال له سلمان: إن لربك عليك حقًّا ولنفسك) ولأبي ذر عن الكشميهني وإن لنفسك (عليك حقًّا ولأهلك عليك حقًّا فأعط) بهمزة قطع (كل ذي حق حقه فأتى) أبو الدرداء (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر ذلك) الذي قاله سلمان (له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) له (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (صدق سلمان). وعند الدارقطني ثم خرجا إلى المصلّى فدنا أبو الدرداء ليخبر النبي بالذي قال له سلمان فقال له: يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقًّا مثل ما قال سلمان، ففي هذه الرواية أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشار إليهما بأنه علم بطريق الوحي ما دار بينهما وليس ذلك في رواية محمد بن بشار، فيحتمل أنه كاشفهما بذلك

87 - باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف

أولاً ثم أطلعه أبو الدرداء على صورة الحال فقال له: صدق سلمان. وعند الطبراني من وجه آخر عن محمد بن سيرين مرسلاً قال: كان أبو الدرداء يحيي ليلة الجمعة ويصوم يومها فأتاه سلمان فذكر القصة مختصرة فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عويمر سلمان أفقه منك، وفيه تعيين الليلة التي بات سلمان فيها عند أبي الدرداء. (أبو جحيفة وهب السوائي) بضم السين المهملة وتخفيف الواو والمد (يقال) له: (وهب الخير) وقوله أبو جحيفة إلى آخره سقط لأبي ذر قال في فتح الباري: ووقع في التكلف للضيف حديث سلمان نهانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نتكلف للضيف أخرجه أحمد والحاكم، وفيه قصة سلمان مع ضيفه حيث طلب منه زيادة على ما قدم له فرهن مطهرته بسبب ذلك ثم قال الرجل لما فرغ: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا فقال له سلمان: لو قنعت ما كانت مطهرتي مرهونة انتهى. وقد كان سلمان إذا دخل عليه رجل دعا بما حضر خبزًا وملحًا وقال: لولا إنّا نهينا أن يتكلف بعضنا لتكلفت لك. 87 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الْغَضَبِ وَالْجَزَعِ عِنْدَ الضَّيْفِ (باب) بيان (ما يكره من الغضب) الذي هو غليان دم القلب للانتقام (و) ما يكره من (الجزع) الذي هو نقيض الصبر (عند الضيف). 6140 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِىُّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما أَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَضَيَّفَ رَهْطًا فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: دُونَكَ أَضْيَافَكَ فَإِنِّى مُنْطَلِقٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَافْرُغْ مِنْ قِرَاهُمْ قَبْلَ أَنْ أَجِىءَ، فَانْطَلَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَتَاهُمْ بِمَا عِنْدَهُ فَقَالَ: اطْعَمُوا فَقَالُوا: أَيْنَ رَبُّ مَنْزِلِنَا؟ قَالَ: اطْعَمُوا، قَالُوا: مَا نَحْنُ بِآكِلِينَ حَتَّى يَجِىءَ رَبُّ مَنْزِلِنَا؟ قَالَ: اقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُمْ فَإِنَّهُ إِنْ جَاءَ وَلَمْ تَطْعَمُوا لَنَلْقَيَنَّ مِنْهُ، فَأَبَوْا فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يَجِدُ عَلَىَّ فَلَمَّا جَاءَ تَنَحَّيْتُ عَنْهُ فَقَالَ: مَا صَنَعْتُمْ؟ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَسَكَتُّ ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَسَكَتُّ، فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَوْتِى لَمَّا جِئْتَ فَخَرَجْتُ، فَقُلْتُ: سَلْ أَضْيَافَكَ فَقَالُوا: صَدَقَ أَتَانَا بِهِ قَالَ: فَإِنَّمَا انْتَظَرْتُمُونِى وَاللَّهِ لاَ أَطْعَمُهُ اللَّيْلَةَ فَقَالَ الآخَرُونَ: وَاللَّهِ لاَ نَطْعَمُهُ حَتَّى تَطْعَمَهُ قَالَ: لَمْ أَرَ فِى الشَّرِّ كَاللَّيْلَةِ وَيْلَكُمْ مَا أَنْتُمْ لِمَ لاَ تَقْبَلُونَ عَنَّا قِرَاكُمْ، هَاتِ طَعَامَكَ فَجَاءَهُ فَوَضَعَ يَدَهُ فَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ الأُولَى لِلشَّيْطَانِ فَأَكَلَ وَأَكَلُوا. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (عياش بن الوليد) بالتحتية والشين المعجمة الرقام البصري قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي إياس (الجريري) بضم الجيم مصغرًا (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ النهدي بفتح النون (عن عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما- أن أبا بكر تضيف رهطًا) ثلاثة أي جعلهم أضيافًا له (فقال لعبد الرحمن): ابنه (دونك) أي الزم (أضيافك فإني منطلق إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فافرغ) بهمزة وصل (من قراهم) بكسر القاف من ضيافتهم (قبل أن أجيء) من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فانطلق عبد الرحمن فأتاهم بما عنده) من الطعام (فقال) لهم (اطعموا) بهمزة وصل وفتح العين (فقالوا: أين رب منزلنا) أي صاحبه يعنون أبا بكر -رضي الله عنه- (قال) لهم عبد الرحمن: (اطعموا، قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء رب منزلنا. قال) لهم: (أقبلوا) بهمزة وصل وفتح الموحدة (عنا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عني (قراكم فإنه) أي أبا بكر (إن جاء ولم تطعموا) بفتح الأول والثالث (لنلقين منه) الأذى وما نكره (فأبوا) فامتنعوا أن يأكلوا (فعرفت أنه يجد) أي يغضب (عليّ فلما جاء) أبو بكر -رضي الله عنه- (تنحيت عنه) أي جعلت نفسي في ناحية بعيدة عنه (فقال): ولأبي ذر قال: (ما صنعتم) بالأضياف؟ (فأخبروه) أنهم أبوا أن يأكلوا إلا إن حضر (فقال: يا عبد الرحمن) قال عبد الرحمن (فسكت) فرقًا منه (ثم قال) ثانيًا (يا عبد الرحمن) قال: عبد الرحمن (فسكت) فرقًا منه (فقال) في الثالثة (يا غنثر) بضم الغين المعجمة وسكون النون بعدها مثلثة مفتوحة فراء أي يا جاهل أو يا لئيم (أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما) بتشديد الميم أي إلا (جئت) كما عند سيبويه أي لا أطلب منك إلا مجيئك، ولأبي ذر عن الكشميهني: أجبت (فخرجت فقلت) له (سل أضيافك) فسألهم (فقالوا): ولأبي ذر قالوا (صدق أتانا به) أي بالقرى فلم نقبل (قال) أبو بكر: (فإنما انتظرتموني والله لا أطعمه الليلة) لأنه اشتد عليه تأخير عشائهم (فقال الآخرون): بفتح الخاء المعجمة (والله لا نطعمه حتى تطعمه قال) أبو بكر -رضي الله عنه-: (لم أر في الشر كالليلة) أي لم أر ليلة مثل هذه الليلة في الشر (ويلكم) أي يقصد بها الدعاء عليهم (ما أنتم) استفهام (لم لا) ولأبي ذر ألا (تقبلون عنا قراكم هات) يا عبد الرحمن (طعامك فجاءه) به ولأبي ذر فجاء به (فوضع) أبو بكر -رضي الله عنه- (يده) فيه (فقال: بسم الله) الحالة (الأولى) وهي حالة غضبه وحلفه أن لا يطعم في تلك الليلة (للشيطان) أو اللقمة التي أحنث نفسه بها وأكل. وقال في المصابيح: لا شك أن إحناثه وأكله مع الضيف خير من المحافظة على برّه المفضي إلى ضيق صدر الضيف وحصول الوحشة له

88 - باب قول الضيف لصاحبه: والله لا آكل حتى تأكل فيه حديث أبي جحيفة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-

والقلق فكيف يكون ما هو خير منسوبًا للشيطان فالظاهر هو القول الأول (فأكل) أبو بكر -رضي الله عنه- استمالة لقلوبهم (وأكلوا) أي الأضياف وقال ابن بطال: الأولى يعني اللقمة الأولى ترغيم للشيطان لأنه الذي حمله على الحلف وباللقمة الأولى وقع الحنث فيها. 88 - باب قَولِ الضيفِ لِصاحبِهِ: والله لا آكل حتى تأكل فيه حديث أبي جُحيفة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب قول الضيف لصاحبه والله لا أكل حتى تأكل فيه) أي في الباب (حديث أبي جحيفة) وهب السوائي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 6141 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ قَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما جَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِضَيْفٍ لَهُ أَوْ بِأَضْيَافٍ لَهُ، فَأَمْسَى عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا جَاءَ قَالَتْ أُمِّى احْتَبَسْتَ عَنْ ضَيْفِكَ - أَوْ أَضْيَافِكَ - اللَّيْلَةَ قَالَ: مَا عَشَّيْتِهِمْ فَقَالَتْ عَرَضْنَا عَلَيْهِ - أَوْ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا أَوْ - فَأَبَى فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ فَسَبَّ وَجَدَّعَ وَحَلَفَ لاَ يَطْعَمُهُ فَاخْتَبَأْتُ أَنَا فَقَالَ يَا غُنْثَرُ فَحَلَفَتِ الْمَرْأَةُ لاَ تَطْعَمُهُ حَتَّى يَطْعَمَهُ فَحَلَفَ الضَّيْفُ - أَوِ الأَضْيَافُ - أَنْ لاَ يَطْعَمَهُ أَوْ يَطْعَمُوهُ حَتَّى يَطْعَمَهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ كَأَنَّ هَذِهِ مِنَ الشَّيْطَانِ فَدَعَا بِالطَّعَامِ فَأَكَلَ وَأَكَلُوا فَجَعَلُوا لاَ يَرْفَعُونَ لُقْمَةً إِلاَّ رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا فَقَالَ: يَا أُخْتَ بَنِى فِرَاسٍ مَا هَذَا؟ فَقَالَتْ: وَقُرَّةِ عَيْنِى إِنَّهَا الآنَ لأَكْثَرُ قَبْلَ أَنْ نَأْكُلَ فَأَكَلُوا، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ أَنَّهُ أَكَلَ مِنْهَا. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي بفتح النون وبالزاي المعروف بالزمن قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) هو محمد بن أبي عدي واسمه إبراهيم البصري (عن سليمان) بن طرخان التيمي (عن أبي عثمان) عبد الرحمن النهدي أنه (قال: قال عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما-: جاء أبو بكر بضيف له أو بأضياف له) ثلاثة بالشك من الراوي وفي رواية أو أضياف بإسقاط الجار (فأمسى عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حتى صلّى العشاء (فلما جاء) أبو بكر (قالت له أمي) أم رومان ولأبي ذر قالت له أمي (احتبست عن ضيفك أو أضيافك) ولأبي ذر عن المستملي أو عن أضيافك (الليلة. قال) أبو بكر لأم رومان: (أوما عشيتهم) استفهام (فقالت) له: (عرضنا عليه) على الضيف الطعام (أو عليهم) على الأضياف (فأبوا) امتنعوا من الأكل (أو فأبى) فامتنع الضيف (فغضب أبو بكر) لذلك (فسبّ) أي شتم لظنه أنهم فرطوا في حق ضيفه (وجدع) بالجيم المفتوحة والدال المهملة المشددة وبعدها عين مهملة دعا بقطع الأنف أو الإذن أو الشفة ولأبي ذر عن الكشميهني وجزع (وحلف لا يطعمه) أي لا يأكله قال عبد الرحمن (فاختبأت أنا) فرقًا منه (فقال: يا غنثر) يا لئيم أو يا ثقيل (فحلفت المرأة) أم عبد الرحمن (لا تطعمه حتى يطعمه) أبو بكر (فحلف الضيف أو الأضياف أن لا يطعمه أو يطعموه حتى يطعمه) أبو بكر ولأبي ذر حتى تطعموه بالفوقية والجمع أي أبو بكر وزوجته وابنه (فقال أبو بكر: كأن هذه) الحالة أو اليمين (من الشيطان فدعا بالطعام فأكل وأكلوا فجعلوا لا يرفعون لقمة إلاّ ربا) زاد الطعام ولأبي ذر: إلاّ ربت أي اللقمة (من أسفلها أكثر منها) من اللقمة المرفوعة (فقال) أبو بكر لأم رومان: (يا أخت بني فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف سين مهملة وهو غنم بن مالك بن كنانة وأم رومان من ذرية الحارث بن غنم وهو أخو فراس فنسبها إلى بني فراس لكونهم أشهر من بني الحارث فالمعنى يا أخت القوم المنتسبين إلى بني فراس (ما هذا)؟ استفهام عن الزيادة الحاصلة في الطعام (فقالت: وقرة عيني) محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولعله كان قبل النهي عن الحلف بغير الله (إنها الآن لأكثر) منها (قبل أن نأكل) بالنون منها (فأكلوا وبعث بها) بالجفنة (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر أنه أكل منها) وهذه كرامة من آياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظهرت على يد أبي بكر -رضي الله عنه-. 89 - باب إِكْرَامِ الْكَبِيرِ، وَيَبْدَأُ الأَكْبَرُ بِالْكَلاَمِ وَالسُّؤَالِ (باب إكرام الكبير وببدأ الأكبر) في السن (بالكلام والسؤال) إذا تساويا في الفضل وإلاّ فيقدّم الفاضل. 6142 و 6143 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى الأَنْصَارِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، وَسَهْلَ بْنَ أَبِى حَثْمَةَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ، وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ أَتَيَا خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِى النَّخْلِ فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَكَلَّمُوا فِى أَمْرِ صَاحِبِهِمْ، فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَبِّرِ الْكُبْرَ» - قَالَ يَحْيَى: لِيَلِىَ الْكَلاَمَ الأَكْبَرُ فَتَكَلَّمُوا فِى أَمْرِ صَاحِبِهِمْ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتَسْتَحِقُّونَ قَتِيلَكُمْ -أَوْ قَالَ صَاحِبَكُمْ- بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ» قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْرٌ لَمْ نَرَهُ قَالَ: «فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ فِى أَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ» قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْمٌ كُفَّارٌ فَوَدَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ قِبَلِهِ. قَالَ سَهْلٌ: فَأَدْرَكْتُ نَاقَةً مِنْ تِلْكَ الإِبِلِ فَدَخَلَتْ مِرْبَدًا لَهُمْ فَرَكَضَتْنِى بِرِجْلِهَا. قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى يَحْيَى عَنْ بُشَيْرٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ يَحْيَى: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مَعَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ بُشَيْرٍ عَنْ سَهْلٍ وَحْدَهُ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي بشين معجمة فحاء مهملة قاضي مكة ثقة حافظ قال: (حدّثنا حماد هو ابن زيد) أي ابن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي الأزرق وسقط لفظ هو لأبي ذر (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة في الأول وفتح التحتية والسين المهملة المخففة في الثاني الحارثي (مولى الأنصار عن رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وبعد التحتية الساكنة جيم الأنصاري الحارثي الأوسي المدني (وسهل بن أبي حثمة) بفتح السين المهملة وسكون الهاء وأبو حثمة بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة واسمه عامر بن ساعدة الأنصاري الحارثي -رضي الله عنهما- (أنهما حدثاه) ولأبي الوقت أو حدثنا (أن عبد الله بن سهل) الأنصاري أخا عبد الرحمن بن سهل (ومحيصة) بضم الميم وفتح الحاء والصاد المهملتين بينهما تحتية مكسورة مشددة (ابن مسعود أتيا خيبر)

في أصحاب لهما يمتارون تمرًا (فتفرقا) أي عبد الله بن سهل ومحيصة (في النخل فقتل عبد الله بن سهل) فوجده محيصة في عين مطروحًا قد كسرت عنقه وهو يتشحط في دمه (فجاء عبد الرحمن بن سهل) أخو عبد الله المقتول (وحويصة) بضم الحاء المهملة وفتح الواو وتشديد التحتية المكسورة بعدها صاد مهملة (و) أخوه (محيصة ابنا مسعود إلى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتكلموا) أي الثلاثة (في أمر صاحبهم) عبد الله المقتول (فبدأ عبد الرحمن) أخوه بالكلام (وكان أصغر القوم فقال النبي) ولأبي ذر فقال له النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كبر الكبر) بهمزة وصل وضم الكاف وتسكين الموحدة جمع الأكبر أي قدم الأكبر سنًّا للتكلم لتحقق صورة القصة وكيفيتها إلا أنه يدعيها إذ حقيقة الدعوى إنما هي لأخيه عبد الرحمن (قال يحيى) بن سعيد الأنصاري (ليلي الكلام) ولأبي ذر يعني ليلي الكلام (الأكبر) سنًّا (فتكلموا في أمر صاحبهم) وفي الجهاد فسكت يعني عبد الرحمن فتكلما يعني حويصة ومحيصة (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تستحقون قتيلكم) أي ديته (أو قال صاحبكم بأيمان خمسين) رجلاً (منكم) (قالوا يا رسول الله أمر لم نره) فكيف نحلف عليه (قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فتبرئكم) بتشديد الراء المكسورة أي تخلصكم والذي في اليونينية فتبرئكم بسكون الباء الموحدة (يهود) من اليمين (في أيمان خمسين رجلاً منهم) وتبرأ إليكم من دعواكم (قالوا: يا رسول الله قوم كفار) كيف نأخذ أيمانكم؟ والحاصل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدأ بالمدعين في الأيمان فلما نكلوا ردها على المدعى عليهم فلم يرضوا بأيمانهم (فوداهم) بواو ودال مهملة مخففة مفتوحتين أعطاهم ديته ولأبي ذر ففداهم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قبله) بكسر القاف وفتح الموحدة من عنده أو من بيت المال ولأبي ذر عن الكشميهني من قتله بفتح القاف وفوقية ساكنة بدل الموحدة. (قال سهل): هو ابن أبي حثمة المذكور (فأدركت ناقة من تلك الإبل) التي وداها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في ديته (فدخلت) بفتح اللام وسكون الفوقية أي الناقة (مربدًا لهم) بفتح الميم في اليونينية وفي غيرها بكسرها وفتح الموحدة أي الموضع الذي تجتمع فيه الإبل (فركضتني) أي رفستني (برجلها) قال ذلك ليبين ضبطه للحديث ضبطًا شافيًا بليغًا. (قال الليث) بن سعد الإمام مما وصله مسلم والترمذي والنسائي (حدثني) بالإفراد (يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن بشير) هو ابن يسار الذكور (عن سهل) هو ابن أبي حثمة (قال يحيى) بن سعيد الأنصاري (حسبت أنه) أي بشيرًا (قال): عن سهل (مع رافع بن خديج). (وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله مسلم والنسائي (حدّثنا يحيى) بن سعيد (عن بشير عن سهل وحده) أي يقل ورافع بن خديج. 6144 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَخْبِرُونِى بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَلاَ تَحُتُّ وَرَقَهَا»، فَوَقَعَ فِى نَفْسِى أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ، وَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَلَمَّا لَمْ يَتَكَلَّمَا قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هِىَ النَّخْلَةُ» فَلَمَّا خَرَجْتُ مَعَ أَبِى قُلْتُ: يَا أَبَتَاهْ وَقَعَ فِى نَفْسِى أَنَّهَا النَّخْلَةُ قَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: مَا مَنَعَنِى إِلاَّ أَنِّى لَمْ أَرَكَ وَلاَ أَبَا بَكْرٍ تَكَلَّمْتُمَا فَكَرِهْتُ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد (عن عبيد الله) بضم العين أنه قال: (حدثني) ولأبي ذر أخبرني بالإفراد فيهما (نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لمن عنده من أصحابه: (أخبروني) وعند الإسماعيلي أنبؤوني (بشجرة) ولأبي ذر شجرة بإسقاط الجار والنصب (مثلها) بفتح الميم والمثلثة كقوله (مثل المسلم) في النفع العام في جميع الأحوال (تؤتي أكلها) تعطي ثمرها (كل حين) أقته الله لأثمارها (بإذن ربها) بتيسير خالقها وتكوينه (ولا تحت) بالبناء للفاعل والمفعول (ورقها) برفع القاف ونصبها في اليونينية قال ابن عمر (فوقع في نفسي النخلة) ولأبي ذر أنها النخلة (فكرهت أن أتكلم وثم) بفتح المثلثة وهناك (أبو بكر وعمر) -رضي الله عنهما- هيبة منهما وتوقيرًا (فلما لم يتكلما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هي النخلة فلما خرجت مع أبي قلت: يا أبتاه) بسكون الهاء في الفرع كأصله وفي غيرهما بالضم (وقع في نفسي النخلة) ولأبي ذر عن الكشميهني: إنها النخلة (قال:

90 - باب ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه. وقوله تعالى:

ما منعك أن تقولها لو كنت قلتها كان أحب إليّ من كذا وكذا) في الرواية الأخرى من حمر النعم (قال) ابن عمر قلت يا أبتاه (ما منعني إلا أني لم أرك ولا أبا بكر تكلمتما فكرهت) ذلك لذلك. قال في الفتح: وكأن البخاري أشار بإيراد هذا الحديث هنا إلى أن تقديم الكبير حيث يقع التساوي أما لو كان عند الصغير ما ليس عند الكبير فلا يمنع من الكلام بحضرة الكبير لأن عمر تأسف حيث لم يتكلم ولده مع أنه اعتذر له بكونه بحضوره وحضور أبي بكر ومع ذلك تأسف على كونه لم يتكلم اهـ. والحاصل أن الصغير إذا تخصص بعلم جاز له أن يتقدم به ولا يعدّ ذلك سوء أدب ولا تنقيصًا لحق الكبير، ولذا قال عمر: لو كنت قلتها كان أحب إليّ. وهذا الحديث قد سبق في مواضع. 90 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ الشِّعْرِ وَالرَّجَزِ وَالْحُدَاءِ وَمَا يُكْرَهُ مِنْهُ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِى كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ} [الشعراء: 224 - 227]. قَالَ ابْنُ عبَّاسٍ: فِي كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ. (باب ما يجوز) أن ينشد (من الشعر) وهو الكلام المقفى الموزون قصدًا والتقييد بالقصد مخرج ما وقع موزونًا اتفاقًا فلا يسمر شعرًا (و) ما يجوز من (الرجز) بفتح الراء والجيم بعدها زاي وهو نوع من الشعر عند الأكثر فعلى هذا يكون عطفه على الشعر من عطف الخاص على العام واحتج القائل بأنه ليس بشعر بأنه يقال فيه راجز لا شاعر وسمي رجزًا لتقارب أجزائه واضطراب اللسان به يقال: رجز البعير إذا تقارب خطوه واضطراب لضعف فيه (و) ما يجوز من (الحداء) بضم الحاء وتخفيف الدال المفتوحة المهملتين يمد ويقصر سوق الإبل بضرب مخصوص والغناء ويكون بالرجز ْغالبًا، وأول من حدا الإبل عبد لمضر بن نزار بن معد بن عدنان كان في إبل لمضر فقصر فضربه مضر على يده فأوجعه فقال: يا يداه يا يداه، وكان حسن الصوت فأسرعت الإبل لما سمعته في السير فكان ذلك مبدأ الحداء رواه ابن سعد بسند صحيح عن طاوس مرسلاً، وأورده البزار موصولاً عن ابن عباس دخل حديث بعضهم في بعض ويلحق به غناء الحجيج المشوق للحج بذكر الكعبة البيت الحرام وغيرها من المشاعر العظام وما يحرض أهل الجهاد على القتال ومنه غناء المرأة لتسكيت الولد في المهد (و) بيان (ما يكره) إنشاده (منه) من الشعر والجائز من الشعر ما لم يكثر منه في المسجد وخلا عن الهجو وعن الإغراق في المدح والكذب المحض فالتغزل بمعين لا يسوغ. (وقوله تعالى) بالجر عطفًا على السابق ({والشعراء}) مبتدأ خبره ({يتبعهم الغاوون}) أي لا يتبعهم على باطلهم وكذبهم وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب ومدح من لا يستحق المدح والهجاء ولا يستحسن ذلك منهم إلا الغاوون أي السفهاء أو الراوون أو الشياطين أو المشركون، وسمى الثعلبي من شعراء المشركين: عبد الله بن الزبعري، وهبيرة بن أبي وهب، ومسافع بن عمرو، وأمية بن أبي الصلت. قال: الزجاج إذا مدح أو هجا شاعر بما لا يكون وأحب ذلك قوم وتابعوه فهم الغاوون ({ألم تر}) ولأبي ذر وقوله ألم تر ({أنهم في كل واد}) من الكلام ({يهيمون}) خبر أن أي في كل فن من الكذب يتحدثون أو في كل لغو وباطل يخوضون، كما يأتي قريبًا عن ابن عباس إن شاء الله تعالى، والهائم الذاهب على وجهه لا مقصد له وهو تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول واعتسافهم حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة، وأبخلهم على حاتم، وعن الفرزدق أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله: فبتن بجانبي مصرعات ... وبت أفض أغلاق الختام فقال: قد وجب عليك الحدّ فقال: قد درأ الله الحدّ عني بقوله: ({وأنهم يقولون ما لا يفعلون}) حيث وصفهم بالكذب والخلف في الوعد ثم استثنى الشعراء المؤمنين الصالحين بقوله ({إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات}) كعبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، وكعب بن زهير، وكعب بن مالك ({وذكروا الله كثيرًا}) يعني كان ذكر الله وتلاوة القرآن أغلب عليهم من الشعر، وإذا قالوا شعرًا قالوه في توحيد الله والثناء عليه والحكمة والموعظة والزهد والأدب، ومدح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والصحابة وصلحاء الأمة ونحو ذلك مما ليس فيه ذنب ({وانتصروا}) وهجوا ({من بعد ما ظلموا}) هجوا

أي ردوا هجاء من هجا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلمين وأحق الخلق بالهجاء من كذب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهجاه. وعن كعب بن مالك أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: "اهجهم فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل" وكان يقول لحسان: "قل وروح القدس معك" وختم السورة بما يقطع أكباد المتدبرين وهو قوله: ({وسيعلم}) وما فيه من الوعيد البليغ وقوله ({الذين ظلموا}) وإطلاقه وقوله ({أي منقلب ينقلبون}) [الشعراء: 224 - 225 - 226 - 227] وإبهامه. قال ابن عطاء: سيعلم المعرض عنا ما الذي فاته منا، وقوله أي نصب بينقلبون على المصدر لا بسيعلم لأن أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها أي ينقلبون أي انقلاب، وسياق الآية إلى آخر السورة ثابت في رواية كريمة والأصيلي، ووقع في رواية أبي ذر بعد قوله {الغاوون} أن قال إلى آخر السورة. ثم قال: وقوله {وأنهم} وذكر إلى آخر السورة كذا في الفرع وأصله، وفيه أيضًا على قوله {وأنهم} إلى آخر السورة علامة السقوط لأبي ذر أيضًا. وقال الحافظ ابن حجر وتبعه العيني: ووقع في رواية أبي ذر بين قوله {يهيمون} وبين قوله {أنهم يقولون} لفظ وقوله وهي زيادة لا يحتاج إليها. (قال ابن عباس) في تفسير قوله {في كل واد يهيمون} فيما وصله ابن أبي حاتم والطبري (في كل لغو يخوضون). 6145 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحافظ أبو بشر الحمصي مولى بني أمية (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو بكر بن عبد الرحمن) بن الحارث بن هشام المخزومي (أن مروان بن الحكم) بن أبي العاص بن أمية أبا عبد الملك الأموي المدني ولي الخلافة في آخر سنة أربع وستين ومات سنة خمس في رمضان وله ثلاث أو إحدى وستون لا تثبت له صحبة (أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث) بن وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهري ولد على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أخبره أن أبي بن كعب) سيد القراء الأنصاري الخزرجي (أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن من الشعر حكمه) أي قولاً صادقًا مطابقًا للحق، وقيل كلامًا نافعًا يمنع من الجهل والسفه، وإذا كان في الشعر حكمة كالمواعظ والأمثال التي تنفع الناس فيجوز إنشاده بلا ريب. والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة في الأدب. 6146 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا يَقُولُ: بَيْنَمَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْشِى إِذْ أَصَابَهُ حَجَرٌ فَعَثَرَ فَدَمِيَتْ إِصْبَعُهُ فَقَالَ: هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصْبَعٌ دَمِيتِ ... وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأسود بن قيس) العبدي ويقال العجلي الكوفي أنه (قال: سمعت جندبًا) بضم الجيم وسكون النون ابن عبد الله بن سفيان البجلي الصحابي (يقول: بينما) بالميم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمشي) وفي رواية ابن عيينة عن الأسود عن جندب كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غار وفي رواية ابن شعبة عن الأسود عند الطيالسي وأحمد خرج إلى الصلاة (إذ أصابه حجر فعثر) بفتح العين المهملة والمثلثة أي سقط (فدميت) بفتح الدال المهملة وكسر الميم وفتح التحتية (إصبعه فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متمثلاً يقول عبد الله بن رواحة: (هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت) بكسر التاء الفوقية في آخر القسمين على وفق الشعر. وقال الكرماني والتاء في الرجز مكسورة. وفي الحديث ساكنة، وقال غيره: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تعمد إسكانها ليخرج القسمين عن الشعر، وردّ بأنه يصير من ضرب آخر من الشعر وهو من ضروب البحر الملقب بالكامل، وفي الثاني زحاف جائز، قال القاضي عياض: وقد غفل بعض الناس فروي دميت ولقيت بغير مدّ فخالف الرواية ليسلم من الإشكال فلم يصب، وقال في شرح المشكاة: قوله دميت صفة إصبع أي ما أنت يا إصبع موصوفة بشيء من الأشياء إلا بأن دميت كأنها لما توجعت خاطبها على سبيل الاستعارة أو الحقيقة معجزة مسليًا لها أي تثبتي على نفسك فإنك ما ابتليت بشيء من الهلاك والقطع سوى أنك دميت، ولم يكن ذلك هدرًا بل كان في سبيل الله ورضاه، وقد ذكر ابن أبي الدنيا في محاسبة النفس أن جعفر بن أبي طالب لما قتل في غزوة مؤتة بعد أن قتل زيد

بن الحارثة وأخذ اللواء عبد الله بن رواحة فقاتل فأصيبت إصبعه فارتجز وجعل يقول: هل أنت إلا إصبع الخ وزاد: يا نفس إلا تقتلي تموتي ... هذي حياض الموت قد صليت وما تمنيتِ فقد لقيت ... أن تفعلي فعلهما هديت والصحيح أنه يجوز له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يتمثل بالشعر وينشده حاكيًا له عن غيره. والحديث مضى في الجهاد. 6147 - حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ»: أَلاَ كُلُّ شَىْءٍ مَا خَلاَ اللَّهَ بَاطِلُ ... وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِى الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة المفتوحة والشين المعجمة المشدّدة ولأبي ذر حدثني بالإفراد محمد بن بشار قال: (حدّثنا ابن مهدي) عبد الرحمن قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الملك) بن عمير الكوفي قال: (حدّثنا أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه قال: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أصدق كلمة قالها الشاعر) ولمسلم من طريق شعبة وزائدة عن عبد الملك إن أصدق بيت وذلك من وصف المعاني بما توصف به الأعيان كقولهم: شعر شاعر وخوف خائف، ثم يصاغ منه أفعل باعتبار ذلك المعنى مبالغة بما يوصف به فيقال: شعري أشعر من شعره، وخوفي أخوف من خوفه (كلمة لبيد) بفتح اللام وكسر الموحدة ابن ربيعة بن عامر العامري الصحابي من فحول الشعراء (ألا) بالتخفيف استفتاحية (كل شيء) مبتدأ أو مضاف للنكرة مفيد لاستغراق أفرادها نحو كل نفس ذائقة الموت (ما خلا الله باطل) خبر المبتدأ أي فانٍ مضمحل وإنما كان أصدق لأنه موافق لأصدق الكلام وهو قولها {كل من عليها فان} [الرحمن: 6]. (وكاد) أي قارب (أمية بن أبي الصلت أن يسلم) بضم التحتية وسكون السين المهملة وكسر اللام أي في شعره وكان من شعراء الجاهلية، وأدرك مبادئ الإسلام، وبلغه خبر المبعث، لكنه لم يوفق للإيمان برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان يتعبد في الجاهلية وأكثر في شعره من التوحيد، وكان غوّاصًا على المعاني معتنيًا بالحقائق، ولذا استحسن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شعره واستزاد من إنشاده، ففي مسلم عن عمرو بن الشريد بفتح الشين المعجمة وكسر الراء وبعد التحتية الساكنة دال مهملة عن أبيه قال: ردفت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: (هل معك من شعر أمية شيء)؟ قلت: نعم قال: (هيه) فأنشدته بيتًا فقال (إن كاد ليسلم). وهيه: كلمة استزادة منوّنة وغير منوّنة مبنية على الكسر. قال ابن السكيت: إن وصلت نوّنت. قلت: هيه حدّثنا وأصله إيه فأبدل من الهمزة هاء. والحديث سبق في أيام الجاهلية. 6148 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ فَسِرْنَا لَيْلاً فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: لِعَامِرِ بْنِ الأَكْوَعِ أَلاَ تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ قَالَ: وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلاً شَاعِرًا فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا فَاغْفِرْ فِدَاءٌ لَكَ مَا اقْتَفَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا وَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ هَذَا السَّائِقُ»؟ قَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ. فَقَالَ: «يَرْحَمُهُ اللَّهُ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِىَّ اللَّهِ لَوْ أَمْتَعْتَنَا بِهِ. قَالَ: فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ الْيَوْمَ الَّذِى فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا هَذِهِ النِّيرَانُ عَلَى أَىِّ شَىْءٍ تُوقِدُونَ»؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمٍ قَالَ: «عَلَى أَىِّ لَحْمٍ»؟ قَالُوا: عَلَى لَحْمِ حُمُرٍ إِنْسِيَّةٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَهْرِقُوهَا وَاكْسِرُوهَا». فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا؟ قَالَ: «أَوْ ذَاكَ». فَلَمَّا تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ فَتَنَاوَلَ بِهِ يَهُودِيًّا لِيَضْرِبَهُ وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ فَأَصَابَ رُكْبَةَ عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلَمَةُ: رَآنِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَاحِبًا فَقَالَ لِى: «مَا لَكَ»؟ فَقُلْتُ: فِدًى لَكَ أَبِى وَأُمِّى زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ. قَالَ: «مَنْ قَالَهُ»؟ قُلْتُ: قَالَهُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ الأَنْصَارِىُّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَذَبَ مَنْ قَالَهُ إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ» وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ قَلَّ عَرَبِىٌّ نَشَأَ بِهَا مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي قال: (حدّثنا حاتم بن إسماعيل) بالحاء المهملة الكوفي (عن يزيد بن أبي عبيد) مولى سلمة بن الأكوع (عن سلمة بن الأكوع) - رضي الله عنه- أنه (قال: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خيبر فسرنا ليلاً فقال رجل من القوم) هو أسيد بن حضير (لعامر بن الأكوع) وهو عامر بن سنان بن عبد الله بن قشير الأسلمي المعروف بابن الأكوع عم سلمة بن الأكوع واسم الأكوع سنان ويقال أخوه: (لا تسمعنا من هنيهاتك)؟ بضم الهاء وفتح النون وسكون التحتية وبعد الهاء ألف ففوقية فكاف ولأبي ذر عن الكشميهني هنياتك بتحتية مشددة مفتوحة بدلاً من الهاء الثانية أي من كلماتك أو من أراجيزك (قال) سلمة بن الأكوع: (وكان عامر) أي ابن الأكوع (رجلاً شاعرًا فنزل يحدو بالقوم) حال كونه (يقول): قال في الأساس: حدا الإبل حدوًا وهو حادي الإبل وهم حداتها وحدا بها حداء إذا غنى لها. وقال في الفتح: يؤخذ منه جميع الترجمة لاشتماله على الشعر والرجز والحداء ويؤخذ منه أن الرجز من جملة الشعر وقول السفاقسي إن قوله: (اللهم لولا أنت ما اهتدينا) ليس بشعر ولا رجز لأنه ليس بموزون ليس كذلك بل هو رجز موزون، وإنما زيد في أوّله سبب خفيف ويسمى الخزم بالمعجمتين. وقال في الكواكب: الموزون

لا همّ وقوله لولا أنت ما اهتدينا كقوله وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله (ولا تصدقنا ولا صلينا ... فاغفر فداء لك) بكسر الفاء والمد مرفوع منوّن في الفرع. قال المازري: لا يقال لله فداء لك لأنها كلمة إنما تستعمل لتوقع مكروه بشخص فيختار شخص آخر أن يحل به دون ذلك الآخر ويفديه فهو مجاز عن الرضا كأنه قال: نفسي مبذولة لرضاك أو وقعت هنا مخاطبة لسامع الكلام وقوله: (ما اقتفينا). ما اتبعنا أثره. وقال ابن بطال: المعنى اغفر لنا ما ارتكبنا من الذنوب وفداء لك دعاء أي أفدنا من عقابك على ما اقترفنا من ذنوبنا كأنه قال: اغفر لنا وافدنا فداء لك أي من عندك فلا تعاقبنا به، وحاصله أن جعل اللام للتبيين مثل هيت لك (وثبت الإقدام إن لاقينا) العدوّ كقوله تعالى: {وثبت أقدامنا وانصرنا} [البقرة: 250] (وألقين سكينة علينا ... ) مثل قوله {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} [الفتح: 26] (إنا إذا صيح بنا}) بكسر الصاد المهملة وسكون التحتية بعدها حاء مهملة أي إذا دعينا للقتال (أتينا ... ) من الإتيان (وبالصياح) بالصوت العالي والاستغاثة (عوّلوا علينا ... ) لا بالشجاعة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من هذا السائق؟ قالوا: عامر بن الأكوع فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يرحمه الله. فقال رجل من القوم) هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (وجبت) له الشهادة (يا نبي الله) لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما كان يدعو لأحد بالرحمة يخصه بها إلا استشهد (لولا) هلا (أمتعتنا) أبقيته لنا لنتمتع (به) ولغير أبي ذر لو أمتعتنا (قال) سلمة: (فأتينا) أهل (خيبر فحاصرناهم حتى أصابتنا) ولأبي ذر عن الكشميهني فأصابتنا (مخمصة) مجاعة (شديدة ثم إن الله) تعالى (فتحها عليهم) حصنًا حصنًا (فلما أمسى الناس اليوم) ولأبي ذر عن الكشميهني مساء اليوم (الذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانًا كثيرة فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما هذه النيران على أي شيء توقدون؟ قالوا): نوقدها (على لحم. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (على أي لحم) أي على أي أنواع اللحوم (قالوا: على لحم حمر إنسية) بكسر الهمزة وسكون النون وللكشميهني الحمر ولأبي ذر الأنسية بإثبات ال فيهما وفتح نون الأنسية والهمزة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أهرقوها) بفتح الهمزة وسكون الهاء وبعد الراء المكسورة قاف من غير تحتية بينهما في الفرع وأصله، ولأبي ذر هريقوها بإسقاط الهمزة وفتح الهاء وإثبات تحتية ساكنة بعد الراء ففي الرواية الأولى الهاء زائدة وفي الأخرى منقلبة عن الهمزة أي صبوها (واكسروها. فقال رجل) أي يسم أو هو عمر (يا رسول الله أو) بسكون الواو (نهريقها) بضم النون وإثبات التحتية بعد الراء (ونغسلها؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أو ذاك) بسكون الواو أي الغسل (فلما تصاف القوم) للقتال (كان سيف عامر) أي ابن الأكوع (فيه قصر) بكسر القاف وفتح الصاد (فتناول به يهوديًا) وفي غزوة خيبر ساق يهودي (ليضربه ويرجع) بلفظ المضارع ولأبي ذر عن الكشميهني فرجع بالفاء ولفظ الماضي (ذباب سيفه) أي طرفه الأعلى أو حده (فأصاب ركبة عامر فمات منه فلما قفلوا) رجعوا من خيبر (قال سلمة) بن الأكوع (رآني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاحبًا) بالشين المعجمة وبعد الألف حاء مهملة مكسورة فموحدة متغير اللون (فقال لي: ما لك) متغيرًا (فقلت: فدى لك أبي وأمي زعموا أن عامرًا حبط عمله) بكسر الموحدة لكونه قتل نفسه (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من قاله؟ قلت: قاله فلان وفلان وفلان) ثلاثًا (وأسيد بن الحضير) بضم الهمزة والحضير بضم المهملة وفتح الضاد المعجمة ولأبي ذر حضير (الأنصاري، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كذب من قاله إن له لأجرين) أجر الجهد في الطاعة وأجر الجهاد في سبيل الله (وجمع) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بين إصبعيه إنه لجاهد مجاهد) بكسر الهاء فيهما (قلّ عربي نشأ) بالنون والشين المعجمة والهمزة، ولأبي ذر عن الكشميهني: مشى بالميم والمعجمة والقصر (بها) بالمدينة

أو الحرب أو الأرض (مثله) أي مثل عامر. والحديث سبق في غزوة خيبر. 6149 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: أَتَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ وَمَعَهُنَّ أُمُّ سُلَيْمٍ فَقَالَ: «وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ» قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: فَتَكَلَّمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكَلِمَةٍ لَوْ تَكَلَّمَ بَعْضُكُمْ لَعِبْتُمُوهَا عَلَيْهِ قَوْلُهُ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ. [الحديث 6149 - أطرافه في: 6161، 6202، 6209، 6210، 6211]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا إسماعيل) ابن علية قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بعض نسائه ومعهن أم سليم) أم أنس، وفي رواية حماد بن زيد في باب المعاريض أنه كان في سفر ومن طريق شعبة عند الإسماعيلي والنسائي وكان معهم سائق وحاد، وفي رواية وهيب وأنجشة غلام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسوق بهن (فقال): (ويحك يا أنجشة) بفتح الهمزة والجيم بينهما نون ساكنة وبعد الجيم شين معجمة فهاء تأنيث وكان حبشيًّا يكنى أبا مارية (رويدك سوقًا) ولأبي ذر عن الحموي سوقك (بالقوارير) وسقط من الفرع التنكزي لفظ سوقك وسوقًا وعلى إثباته الشراح وهو الذي في اليونينية ورويدك مصدر والكاف في موضع خفض أو اسم فعل والكاف حرف خطاب وسوقك بالنصب على الوجهين، والمراد حدوك إطلاقًا لاسم المسبب على السبب، وقال ابن مالك: رويدك اسم فعل بمعنى أرود أى أمهل والكاف المتصلة به حرف خطاب وفتحة داله بنائية، ولك أن تجعل رويدك مصدرًا مضافًا إلى الكاف ناصبًا سوقك وفتحة داله على هذا إعرابية، واختار أبو البقاء الوجه الأول، والقوارير جمع قارورة سميت بذلك لاستقرار الشراب فيها، وكنى عن النساء بالقوارير من الزجاج لضعف بنيتهن ورفتهن ولطافتهن، وقيل شبههن بالقوارير لسرعة انقلابهن عن الرضا وقلة دوامهن على الوفاء كالقوارير يسرع الكسر إليها ولا تقبل الجبر أي لا تحسن صوتك، فربما يقع في قلوبهن فكفه عن ذلك، وقيل أراد أن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي واشتدت فأزعجت الراكب ولم يؤمن على النساء السقوط، إذا مشت رويدًا أمن على النساء، وهذا من الاستعارة البديعة لأن القوارير أسرع شيء تكسرًا فأفادت الكناية من الحض على الرفق بالنساء في السير ما لم تفده الحقيقة لو قال: ارفق بالنساء. وقال في شرح المشكاة: هي استعارة لأن المشبه به غير مذكور والقرينة حالية لا مقالية ولفظ الكسر ترشيح لها. (قال أبو قلابة): عبد الله الجرمي بالسند السابق (فتكلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكلمة لو تكلم بها بعضكم لعبتموها عليه) ثبت لفظ بها لأبي ذر (قوله سوقك بالقوارير). قال في الكواكب فإن قلت: هذه استعارة لطيفة بليغة فلم تعاب؟ وأجاب: بأنه لعله نظر إلى أن شرط الاستعارة أن يكون وجه الشبه جليًا بين الأقوام وليس بين القارورة والمرأة وجه شبه ظاهر، والحق أنه كلام في غاية الحسن والسلامة عن العيوب، ولا يلزم في الاستعارة أن يكون جلاء وجه الشبه من حيث ذاتهما، بل يكفي الجلاء الحاصل من القرائن كما في المبحث فالعيب في العائب: وكم من عائب قولاً صحيحًا ... وآفته من الفهم السقيم قال: ويحتمل أن يكون قصد أبي قلابة أن هذه الاستعارة تحسن من مثل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في البلاغة ولو صدرت ممن لا بلاغة له لعبتموها قال: وهذا هو اللائق بمنصب أبي قلابة. وقال الداودي: هذا قاله أبو قلابة لأهل العراق لما كان عندهم من التكلف ومعارضة الحق بالباطل. ومطابقة الأحاديث لما ترجم عليه ظاهرة. فإن قلت: قد نفى الله تعالى عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كتابه أن يكون شاعرًا وفي الأحاديث أنه أنشد الشعر واستنشده. أجيب: بأن المنفي في الآية إنشاء الشعر لا إنشاده ويقال لمن قاله متمثلاً أو جرى على لسانه موزونًا من غير قصد أنه شاعر، وقد دل غير ما حديث على جواز وقوع الكلام منه منظومًا من غير قصد إلى ذلك، ولا يسمى مثل ذلك شعرًا ولا القائل به شاعرًا، وقد وقع كثير من ذلك في القرآن العظيم لكن غالبه أشطار أبيات، والقليل منه وقع وزن بيت تام وللعلامة الشهاب أبي الطيب الحجازي قلائد النحور في جواهر البحور

91 - باب هجاء المشركين

ذكر فيها ما استخرج من القرآن العزيز مما جاء على أوزان البحور اتفاقًا. فمن ذلك قوله مما هو من البحر الطويل: أيا من طويل الليل بالنوم قصروا ... أنيبوا وكونوا من أناس به تاهوا وإن شئتموا تحيوا أميتوا نفوسكم ... ولا تقتلوا النفس التي حرم الله ومن البحر الوافر: صدور الجيش يظفركم إله ... بوافر سهمكم بالكافرين ويخزهمو وينصركم عليهم ... ويشف صدور قوم مؤمنين ومن الكامل: مات ابن موسى وهو بحر كامل ... فهناكمو جمع الملائك مشترك يأتيكم التابوت فيه سكينة ... من ربكم وبقية مما ترك ومن الرمل: أيها الأرمل إن رمت عفافًا ... فتزوج من نساء خيرات مسلمات مؤمنات قانتات ... تائبات عابدات سائحات ومن مجزوّ الرمل: أسعدوا المرمل تجزوا ... ذاك أولى ما تعدون لن تنالوا البر حتى ... تنفقوا مما تحبون ومن السريع: يا أهل دين الله بشراكمو ... أقر مولاكم به عينكم إذ أنزل الله على المصطفى ... اليوم أكملت لكم دينكم ومن الخفيف: لا تدع اليتيم يومًا وكن في ... شأنه كله رؤوفًا رحيما أرأيت الذي يكذب بالدين ... فذلك الذي يدع اليتيما ومن المضارع: وضارع أهيل خير ... تنل من رب يقينا جنانًا مزخرفات ... وهم فيها خالدون ومن المجتث: اجتث قلبي بذنبي ... والله خيرًا يريد وكيف أخشى ذنوبي ... وهو الغفور الودود وفي فتح الباري: جملة من الآيات من هذا المعنى، وكان الأولى بي ترك ذلك لكن جرى القلم بما حكم والله أسأل الرشاد إلى طريق السداد، وأن يختم لي بالإسلام والسنّة في عافية بلا محنة وأن يفر كربي. 91 - باب هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ (باب) استحباب (هجاء المشركين) أي ذمهم في الشعر والهجاء والهجو بمعنى يقال هجوته بالواو ولا يقال هجيته بالياء. 6150 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَكَيْفَ بِنَسَبِى»؟ فَقَالَ حَسَّانُ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ الْعَجِينِ. وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: لاَ تَسُبُّهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة ابن سليمان قال: (أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: استأذن حسان بن ثابت) بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي ثم النجاري شاعر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأمه الفريعة بالفاء والعين المهملة مصغرًا خزرجية أيضًا أدركت الإسلام فأسلمت وبايعت. قال أبو عبيدة: فضل حسان الشعراء بثلاث: كان شاعر الأنصار في الجاهلية، وشاعر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيام النبوّة، وشاعر اليمن كلها في الإسلام، وكان يهجو الذين كانوا يهجون رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستأذن (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هجاء المشركين) ذمهم في شعره (فقال) له (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فكيف بنسبي) أي فكيف تهجوهم ونسبي فيهم فربما يصيبني شيء من الهجو (فقال حسان: لأسلنك منهم) لأتلطفن في تخليص نسبك من هجوهم بحيث لا يبقى جزء من نسبك فيما ناله الهجو (كما تسل الشعرة من العجين) فإنها لا يبقى عليها منه شيء وذلك بأن يهجوهم بأفعالهم وبما يختص عاره بهم. والحديث مرّ في المغازي، وأخرجه مسلم

في الفضائل. (وعن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بالسند السابق أنه (قال: ذهبت أسب حسان) بن ثابت (عند عائشة) -رضي الله عنها- لموافقته لأهل الإفك (فقالت: لا تسبه فإنه كان ينافح) بضم التحتية وفتح النون وبعد الألف فاء فحاء مهملة يدافع ويخاصم (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) والمراد بالمنافحة هنا هجاء المشركين ومجازاتهم على أشعارهم. 6151 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ الْهَيْثَمَ بْنَ أَبِى سِنَانٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ فِى قَصَصِهِ يَذْكُرُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ أَخًا لَكُمْ لاَ يَقُولُ: الرَّفَثَ» يَعْنِى بِذَاكَ ابْنَ رَوَاحَةَ قَالَ: فِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ ... إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الْفَجْرِ سَاطِعُ أَرَانَا الْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا ... بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ يَبِيتُ يُجَافِى جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ ... إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْكَافِرِينَ الْمَضَاجِعُ تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَقَالَ الزُّبَيْدِىُّ: عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدٍ وَالأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. وبه قال: (حدّثنا أصبغ) بالغين المعجمة ابن الفرج أبو عبد الله المصري وهو من إفراده قال: (أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن وهب) المصري قال: (أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن الهيثم بن أبي سنان) المدني (أخبره أنه سمع أبا هريرة) -رضي الله عنه- (في قصصه) بفتح القاف والصاد الاسم وبكسر القاف جمع قصة والقص في الأصل البيان (يذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: إن أخًا لكم لا يقول الرفث) بالمثلثة أي الفحش (يعني) أبو هريرة (بذلك ابن رواحة) وهو عبد الله بن رواحة بفتح الراء والواو وبعد الألف حاء مهملة ابن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو الأنصاري الخزرجي الشاعر المشهور وليس له عقب من السابقين الأوّلين من الأنصار وهو أحد النقباء ليلة العقبة شهد بدرًا وما بعدها إلى أن استشهد بمؤتة (قال) يمدح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فينا) ولأبي ذر: وفينا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (يتلو كتابه). القرآن. (إذا انشق معروف من الفجر ساطع) مرتفع صفة لمعروف أي أنه يتلو كتاب الله وقت انشقاق الوقت الساطع من الفجر (أرانا الهدى بعد العمى) بعد الضلالة (فقلوبنا به) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (موقنات أن ما قال) من أمور الغيب (واقع). (يبيت) حال كونه (يجافي) يرفع (جنبه عن فراشه) كناية عن تهجده (إذا استثقلت بالمشركين) ولغير الكشميهني بالكافرين (المضاجع) وهذه الأبيات من البحر الطويل. والحديث سبق في باب فضل من تعارّ من الليل من التهجد. (تابعه) أي تابع يونس (عقيل) بضم العين ابن خالد في روايته (عن الزهري) محمد بن مسلم فيما وصله الطبراني في الكبير (وقال الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة محمد بن الوليد الشامي (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سعيد) بكسر العين ابن المسيب (والأعرج) عبد الرحمن بن هرمز كلاهما (عن أبي هريرة) فيما وصله البخاري في تاريخه الصغير والطبراني أيضًا. 6152 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ ح وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى أَخِى عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِىَّ يَسْتَشْهِدُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَيَقُولُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَا حَسَّانُ أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري ح) كذا في بعض الفروع المعتمدة. (وحدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (أخي) أبو بكر واسمه عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن محمد بن أبي عتيق) هو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق التيمي القرشي وأبو عتيق كنية جده محمد (عن ابن شهاب) كذا في بعض الفروع المعتمدة (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري) -رضي الله عنه- حال كونه (يستشهد أبا هريرة) -رضي الله عنه- يطلب منه الإخبار (فيقول: يا أبا هريرة نشدتك بالله) بنون وشين معجمة مفتوحتين من غير ألف ولأبي ذر عن الحموي والمستملي نشدتك الله بإسقاط حرف الجرّ من الجلالة الشريفة والنصب أي أقسمت عليك بالله (هل سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يا حسان أجب) دافعًا أو أجب الكفار (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إذ هجوه وأصحابه ولما كان الهجو في المشركين والطعن في أنسابهم مظنة الفحش في الكلام وبذاءة اللسان، وذلك يؤدي أن يتكلم بما يكون عليه لأنه احتاج للتأييد من الله وأن يطهره من ذلك فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اللهم أيّده) قوّه (بروح القدس) جبريل عليه السلام (قال أبو هريرة: نعم) سمعته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول ذلك. والحديث سبق في باب الشعر في المسجد من كتاب الصلاة. 6153 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِحَسَّانَ: «اهْجُهُمْ» أَوْ قَالَ: «هَاجِهِمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) الأنصاري

92 - باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعلم والقرآن

(عن البراء) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لحسان) بن ثابت: (اهجهم) بهمزة وصل وسكون الهاء وضم الجيم ثم الهاء (أو قال): (هاجهم) بفتح الهاء وألف بعدها وكسر الجيم والهاء بالشك من الراوي (وجبريل معك) بالتأييد والمعاونة. والحديث سبق في بدء الخلق. 92 - باب مَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى الإِنْسَانِ الشِّعْرُ حَتَّى يَصُدَّهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ (باب ما يكره أن يكون الغالب) بالنصب كما في الفرع خبر كان (على الإنسان الشعر) بالرفع اسمها ويجوز العكس (حتى يصده) أي الشعر (عن ذكر الله والعلم والقرآن). 6154 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا». وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين ابن باذام العبدي الكوفي قال: (أخبرنا حنظلة) بن أبي سفيان الجمحي القرشي (عن سالم) هو ابن عبد الله (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لأن يمتلئ) بلام التأكيد وأن المصدرية في موضع رفع على الابتداء (جوف أحدكم قيحًا) نصب على التمييز والقيح المدة لا يخالطها دم وخبر المبتدأ قوله (خير له من أن يمتلئ شعرًا) ظاهره العموم في كل شعر لكنه مخصوص بما لم يكن حقًّا، وأما الحق فلا. كمدح الله ورسوله وما يشتمل على الذكر والزهد وسائر المواعظ مما لا إفراط فيه، وحمله ابن بطال على الشعر الذي هجي به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وتعقبه أبو عبيد بأن الذي هجي به النبي لو كان شطر بيت كان كفرًا قال: والوجه عندي أن يمتلئ قلبه منه حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن والذكر فأما إذا كان الغالب القرآن والذكر عليه فليس جوفه بممتلئ من الشعر. نعم أخرج أبو يعلى الموصلي عن جابر مرفوعًا "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا أو دمًا خير له من أن يمتلئ شعرًا هجيت به" وفي سنده راوٍ لم يعرف، وأخرجه الطحاوي وابن عدي من رواية الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة مثل حديث الباب. قال: فقالت عائشة لم يحفظ إنما قال: أن يمتلئ شعرًا هجيت به. قال في الفتح: وابن الكلبي واهي الحديث وشيخه أبو صالح ليس هو السمان المتفق على تخريجه في الصحيح عن أبي هريرة بل هو آخر ضعيف يقال له باذان فلم تثبت هذه الزيادة. وقال السهيلي: إن قلنا بما قالته عائشة من تخصيص النهي بمن يمتلئ جوفه من شعر هجي به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فليس في الحديث إلا عيب امتلاء الجوف منه فلا يدخل في النهي رواية اليسير على سبيل الحكاية ولا الاستشهاد به في اللغة، وحينئذٍ فلا يكفر قائله ولا فرق بينه وبين الكلام الذي ذموا به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 6155 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحًا يَرِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (قال: سمعت أبا صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لأن يمتلئ جوف رجل قيحًا يريه) ظاهره كما في بهجة النفوس أن المراد الجوف كله وما فيه من القلب وغيره، أو المراد القلب خاصة وهو الأظهر لأن أهل الطب يزعمون أن القيح إذا وصل إلى القلب شيء منه وإن كان يسيرًا فإن صاحبه يموت لا محالة بخلاف غير القلب مما في الجوف من الكبد والرئة. وعند الطحاوي والطبراني من حديث عوف بن مالك: لأن يمتلئ جوف أحدكم من عانته إلى لهاته قيحًا يتخضخض خير له من أن يمتلئ شعرًا وسنده حسن، ويريه بفتح التحتية وكسر الراء بعدها تحتية ساكنة، ولأبي ذر عن الكشميهني: حتى يريه بزيادة حتى، ونسبها بعضهم للأصيلي فعلى حذف حتى مرفوع وعلى ثبوتها بالنصب. وذكر ابن الجوزي أن جماعة من المبتدئين يقرؤونها بالنصب مع إسقاط حتى جريًا على المألوف وهو غلط إذ ليس هنا ما ينصب، وقال الزركشي: رواه الأصيلي بالنصب على بدل الفعل من الفعل وأجرى إعراب يمتلئ على يريه ومعناه كما في الصحاح يأكله، وقيل معناه أن القيح يأكل جوفه، وقيل يصيب رئته. وتعقب بأن الرئة مهموزة العين. وأجيب: بأنه لا يلزم من كون الأصل مهموزًا أن لا يستعمل مسهلاً قال: في الفتح: ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم لهذا

93 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- تربت يمينك وعقرى حلقى

الحديث سبب ولفظه: بينما نحن نسير مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعرج إذ عرض لنا شاعر ينشد فقال: أمسكوا الشيطان لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا (خير من) ولأبي ذر عن الكشميهني له من (أن يمتلئ شعرًا) وهذا الزجر إنما هو لمن أقبل على الشعر وتشاغل له عن تلاوة القرآن والذكر والعبادة وألحق أبو عبد الله بن أبي جمرة بامتلاء الجوف بالشعر المذموم المشغل عن الواجبات والمستحبات الامتلاء من السجع مثلاً ومن كل علم مذموم كالسحر وغيره من العلوم. والحديث أخرجه مسلم في الطب وابن ماجة في الأدب. 93 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرِبَتْ يَمِينُكَ وَعَقْرَى حَلْقَى (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تربت) أي افتقرت (يمينك) أو هي كلمة يراد بها التحريض على الفعل لا الدعاء أو يراد بها المبالغة في المدح كقولهم للشاعر قاتله الله لقد أجاد (وعقرى) أي عقرها الله (حلقى) أصابها وجع في حلقها. 6156 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِى الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ عَلَىَّ بَعْدَ مَا نَزَلَ الْحِجَابُ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ آذَنُ لَهُ، حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ أَخَا أَبِى الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِى، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِى امْرَأَةُ أَبِى الْقُعَيْسِ، فَدَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِى وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِى امْرَأَتُهُ قَالَ: «ائْذَنِى لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ تَرِبَتْ يَمِينُكِ» قَالَ عُرْوَةُ: فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: حَرِّمُوا مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير الحافظ المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: إن أفلح أخا أبي القعيس) بضم القاف وفتح العين المهملة وبعد التحتية الساكنة سين مهملة عم عائشة من الرضاعة وفي رواية لمسلم أفلح بن أبي قعيس وكذا عند البغوي من وجه آخر (استأذن) أن يدخل (علي) بتشديد التحتية (بعد ما نزل) ولأبي ذر بعدما أنزل (الحجاب فقلت: والله لا آذن له) أن يدخل عليّ (حتى أستأذن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيه (فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني) بالفوقية الساكنة قبل النون (امرأة أبي القعيس) قال في الفتح: لم أعرف اسمها (فدخل عليّ) بتشديد التحتية (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت) له: (يا رسول الله إن الرجل) أخا أبي القعيس (ليس هو) الذي (أرضعني ولكن أرضعتني امرأته قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ائذني له) في الدخول عليك (فإنه عمك) من الرضاعة (تربت يمينك) فأثبت -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمومة الرضاع وألحقها بالنسب. ومطابقة الحديث لبعض الترجمة ظاهرة لا خفاء فيها، والحديث سبق في النكاح. (قال عروة) بن الزبير بالسند السابق: (فبذلك) أي بسبب ما ذكر في هذا الحديث (كانت عائشة) -رضي الله عنها- (تقول: حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب) ومبحث هذا سبق. 6157 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: أَرَادَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَنْفِرَ فَرَأَى صَفِيَّةَ عَلَى بَابِ خِبَائِهَا كَئِيبَةً حَزِينَةً لأَنَّهَا حَاضَتْ فَقَالَ: «عَقْرَى حَلْقَى -لُغَةُ قُرَيْشٍ- إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا» ثُمَّ قَالَ: «أَكُنْتِ أَفَضْتِ يَوْمَ النَّحْرِ» -يَعْنِى الطَّوَافَ- قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ: «فَانْفِرِى إِذًا». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا الحكم) بن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية وبعد التحتية الساكنة موحدة الكندي مولاهم فقيه الكوفة (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي الكوفي (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: أراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ينفر) بكسر الفاء يرجع من الحج (فرأى صفية) بنت حيي (على باب خبائها) بكسر الخاء المعجمة وبعد الموحدة ألف فهمزة ممدودًا أي خيمتها (كئيبة) من الكآبة أي سيئة الحال (حزينة لأنها حاضت) ولم تطف طواف الوداع فظنت أنه كطواف الزيارة في تمام الحج أنه لا يجوز تركه مع العذر وظن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها لم تطف الزيارة (فقال) لها: (عقر حلقى) على وزن فعلى بفتح الفاء مقصورًا وحقهما التنوين ليكونا مصدرين أي عقرها الله عقرًا وحلقها حلقًا وهو دعاء لكنه (لغة قريش) يطلقونه ولا يريدون وقوعه بل عادتهم التكلم بمثله على سبيل التطلف وضبطه أبو عبيد في غريب الحديث بالقصر وبالتنوين، وذكر في الأمثال أنه في كلام العرب بالمدّ وفي كلام المحدثين بالقصر ولأبي ذر عن المستملي لفظة بالفاء والمعجمة منوّنًا بدل قوله لغة ولأبي ذر لقريش (إنك لحابستنا) عن الرحلة إلى المدينة (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مستفهمًا (أكنت أفضت يوم النحر يعني) عليه الصلاة والسلام (الطواف) للزيارة؟ (قالت: نعم) أفضت (قال) عليه الصلاة والسلام: (فانفري إذًا) بالتنوين لأن حجك قد تم. والحديث سبق في باب

94 - باب ما جاء فى زعموا

إذا حاضت المرأة بعدما أفاضت من كتاب الحج وبالله المستعان على التكميل والتوفيق للصواب. 94 - باب مَا جَاءَ فِى زَعَمُوا (باب ما جاء في زعموا) في حديث أبي قلابة عند أحمد وأبي داود بإسناد رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعًا قال: قيل لأبي مسعود ما سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في زعموا؟ قال: بئس مطية الرجل، وفي المثل زعموا مطية الكذب، والأصل فيها أن تقال في الأمر الذي يعلم حقيقته فمن أكثر الحديث بما لا يتحقق حقيقته لم يؤمن عليه الكذب. 6158 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى النَّضْرِ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِى طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِى طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ»؟ فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِى طَالِبٍ فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ» فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غَسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِىَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّى أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً قَدْ أَجَرْتُهُ فُلاَنُ بْنُ هُبَيْرَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ» قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَاكَ ضُحًى. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي ولأبي ذر عن المستملي ابن يوسف بدل قوله ابن مسلمة وعبد الله بن يوسف هو أبو محمد الدمشقي ثم التنيسي الحافظ (عن مالك) الإمام (عن أبي النضر) بفتح النون وسكون المعجمة سالم بن أبي أمية (مولى عمر بن عبيد الله) المدني (أن أبا مرة) بضم الميم وتشديد الراء يزيد (مولى أم هانئ) فاختة (بنت أبي طالب أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب) -رضي الله عنها- (تقول: ذهبت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الفتح) بمكة (فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره فسلمت عليه فقال): (من هذه فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب فقال): (مرحبًا بأم هانئ) أي لاقت رحبًا وسعة (فلما فرغ) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من غسله) بفتح الغين ولأبي ذر بضمها (قام فصلّى ثماني ركعات) حال كونه (ملتحفًا في ثوب واحد، فلما انصرف) من صلاته (قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي) علي بن أبي طالب وهي شقيقته لكنها خصت الأم لاقتضاء مزيد الشفقة والرعاية وقولها زعم أي: قال ومثله قول سيبويه في كتابه في أشياء يرتضيها زعم الخليل، والحاصل أنها قد تطلق ويراد بها القول وقد أطلقت ذلك أم هانئ في حق علي ولم ينكر عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أنه قاتل) بالتنوين اسم فاعل بمعنى الاستقبال (رجلاً) ففيه إطلاق اسم الفاعل على من عزم على التلبس بالفعل (قد أجرته) بالراء أي أمنته هو (فلان ابن هبيرة) ويجوز النصب قيل اسمه الحارث بن هشام المخزومي أو عبد الله بن أبي ربيعة أو زهير بن أبي أمية كما عند الزبير بن بكار في النسب (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قد أجرنا من أجرت) أمّنا من أمّنت (يا أم هانئ) فليس لعلي قتله (قالت أم هانئ: وذاك) أي صلاته الثمان ركعات، ولأبي ذر عن الكشميهني وذلك باللام (ضحى) أي وقت ضحى. والحديث سبق في باب الصلاة في الثوب الواحد ملتحقًا به من كتاب الصلاة. 95 - باب مَا جَاءَ فِى قَوْلِ الرَّجُلِ وَيْلَكَ (باب ما جاء في قول الرجل) لغيره (ويلك) كلمة عذاب نصب على المصدر بفعل ملاق له في المعنى دون الاشتقاق ومثله ويحه وويسه أو على المفعول بتقدير ألزمك الله ويلك، وقيل أصلها وي كلمة تاؤه فلما أكثر قولهم وي لفلان وصلوها باللام وقدّروا أنها منها فأعربوها. 6159 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه- أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ: «ارْكَبْهَا»، قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: «ارْكَبْهَا» قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: «ارْكَبْهَا وَيْلَكَ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ابن يحيى بن دينار العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة البصري (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس رضي الله عنه أن النبي رأى رجلاً) أي يسم (يسوق بدنة) ناقة تنحر بمكة يعني أنها هدي تساق إلى المحرم (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (اركبها) (قال) الرجل: (إنها بدنة. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اركبها) (قال) الرجل: (إنها بدنة. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اركبها ويلك) بتكرير ذلك ثلاثًا. وقال له: ويلك تأديبًا له لأجل مراجعته له مع عدم خفاء الحال عليه أو لم يرد بها موضوعها الأصلي بل جرت على لسانه في المخاطبة من غير قصد، وقيل غير ذلك كما مرّ في الحج. 6160 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلاً يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ لَهُ: «ارْكَبْهَا» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: «ارْكَبْهَا وَيْلَكَ» فِى الثَّانِيَةِ أَوْ فِى الثَّالِثَةِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط لأبي ذر بن سعد (عن مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلاً) أي يسم (يسوق بدنة) زاد مسلم مقلدة (فقال له): (اركبها قال: يا رسول الله إنها بدنة) أي هدي (قال اركبها ويلك) قالها (في) المرة (الثانية أو في) المرة (الثالثة) بالشك من الراوي. والحديث سبق في الحج. 6161 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَيُّوبَ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى سَفَرٍ وَكَانَ مَعَهُ غُلاَمٌ لَهُ: أَسْوَدُ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ يَحْدُو فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ بِالْقَوَارِيرِ». وبه قال:

(حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن ثابت البناني) بضم الموحدة (عن أنس بن مالك) سقط ابن مالك لأبي ذر قال: حماد أيضًا (وأيوب) السختياني وفي بعض النسخ ح للتحويل وأيوب (عن أبي قلابة) عبد الله الجرمي (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر وكان معه غلام له أسود) اللون حبشيًّا حسن الصوت بالحداء (يقال: أنجشة يحدو) ببعض أمهات المؤمنين ومعهن أم أنس أم سليم (فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ويحك) بالحاء المهملة كلمة رحمة نصب بإضمار فعل كأنه قال: ألزمه الله ويحًا ولأبي ذر عن الحموي ويلك كلمة عذاب كما مرّ. وقال الترمذي: إنهما بمعنى واحد تقول ويح لزيد وويل لزيد، لكن عند الخرائطي في مساوئ الأخلاق بسند واه عن عائشة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها في قصة: لا تجزعي من الويح فإنها كلمة رحمة ولكن اجزعي من الويل (يا أنجشة رويدك بالقوارير) أي ارفق بالنساء في السير لئلا يسقطن من شدة الإسراع. والحديث سبق قريبًا. 6162 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَثْنَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «وَيْلَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ أَخِيكَ ثَلاَثًا مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا لاَ مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسِبُ فُلاَنًا وَاللَّهُ حَسِيبُهُ وَلاَ أُزَكِّى عَلَى اللَّهِ أَحَدًا إِنْ كَانَ يَعْلَمُ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو ابن خالد (هو خالد) هو ابن مهران الحذاء (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه) أبي بكرة بفتح الموحدة وسكون الكاف نفيع بن الحارث أنه (قال: أثنى رجل على رجل) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرفهما (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) خيرًا (فقال) عليه الصلاة والسلام له: (ويلك قطعت عنق أخيك) بثنائك عليه لأنه أوقعه في الإعجاب بنفسه الموجب لهلاك دينه وقطع العنق مجاز عن القتل فهما مشتركان في الهلاك إلا أن هذا ديني قال له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ويلك الخ (ثلاثًا) ثم قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من كان منكم مادحًا) أحدًا (لا محالة) بفتح الميم والحاء المهملة وتخفيف اللام لا بدّ (فليقل أحسب فلانًا) كذا وكذا (والله حسيبه) محاسبه على عمله (ولا أزكي) بهمزة مضمومة (على الله أحدًا) أي لا أشهد على الله جازمًا أنه عنده كذا وكذا لأنه لا يعرف باطنه أو لا يقطع به لأن عاقبة أمره لا يعلمها إلا الله والجملتان اعتراض وقوله (إن كان يعلم) متعلق بقوله فليقل. والحديث سبق في الشهادات، وفي باب ما يكره من التمادح. 6163 - حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنِ الأَوْزَاعِىِّ، عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، وَالضَّحَّاكِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: بَيْنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْسِمُ ذَاتَ يَوْمٍ قِسْمًا فَقَالَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ: رَجُلٌ مِنْ بَنِى تَمِيمٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ فَقَالَ: «وَيْلَكَ مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ» فَقَالَ عُمَرُ: ائْذَنْ لِى فَلأَضْرِبْ عُنُقَهُ قَالَ: «لاَ إِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمُرُوقِ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ إِحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثَدْىِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَشْهَدُ أَنِّى كُنْتُ مَعَ عَلِىٍّ، حِينَ قَاتَلَهُمْ فَالْتُمِسَ فِى الْقَتْلَى فَأُتِىَ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِى نَعَتَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن إبراهيم) بن ميمون أبو سعيد المعروف بدحيم بن اليتيم قال: (حدّثنا الوليد) بن مسلم أبو العباس الدمشقي (عن الأوزاعي) عبد الرحمن (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (والضحاك) بن شراحيل ويقال شرحبيل المشرقي بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الراء بعدها قاف الهمداني ومشرق بطن من همدان (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) -رضي الله عنه- أنه (قال: بينا) بغير ميم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقسم ذات يوم قسمًا) بكسر القاف مصححًا عليه في الفرع كأصله وسكون السين المهملة وكان تبرًا بعثه علي بن أبي طالب (فقال ذو الخويصرة) بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وكسر الصاد المهملة مصغرًا نافع أو حرقوص بن زهير (رجل من بني تميم: يا رسول الله اعدل) في القسمة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ويلك) دعاء عليه (من يعدل إذا لم أعدل فقال عمر) -رضي الله عنه-: يا رسول الله (ائذن لي فلأضرب عنقه) بكسر اللام والجزم جواب الشرط ولأبي ذر فلأضرب بالنصب فالفاء سببية ينصب بعدها المضارع (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا) تضرب عنقه (إن له أصحابًا) يصومون النهار ويقومون الليل (يحقر) بفتح أوّله وكسر القاف (أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون) يخرجون سريعًا (من الدين) الإسلامي من غير حظ ينالهم منه أو المراد بالدين الطاعة للإمام (كمروق السهم من الرمية) الصيد المرمي ولشدة سرعة خروج السهم من الرمية لقوة ساعد الرامي لا يعلق بالسهم من جسد الصيد شيء (ينظر) مبني للمفعول (إلى نصله) أي إلى حديده

(فلا يوجد فيه) في النصل (شيء) من الصيد ولا غيره (ثم) ولأبي ذر (ينظر إلى نضيه) بفتح النون وكسر الضاد المعجمة وتشديد التحتية وهي القدح أي عود السهم (فلا يوجد فيه شيء) من الدم ولا غيره (ثم ينظر إلى قذذه) بضم القاف وفتح الذال المعجمة الأولى ريشه (فلا يوجد فيه شيء سبق) ولأبي ذر قد سبق أي السهم (الفرث) بالفاء المفتوحة والراء الساكنة والمثلثة ما يجتمع في الكرش (والدم) فلم يظهر أثرهما فيه كما أن هؤلاء لا يتعلقون من الإسلام بشيء (يخرجون على حين فرقة) بكسر الحاء المهملة وسكون التحتية بعدها نون وفرقة بضم الفاء أي على زمان افتراق، ولأبي ذر عن الكشميهني: على خير فرقة بالخاء المعجمة المفتوحة وبعد التحتية الساكنة راء أي أفضل فرقة بكسر الفاء طائفة (من الناس) علي بن أبي طالب وأصحابه (آيتهم) بمد الهمزة علامتهم (رجل) اسمه نافع أو ذو الخويصرة (إحدى يديه) بالتحتية أوّله تثنية يد (مثل ثدي المرأة) بالمثلثة وسكون الدال المهملة (أو) قال: (مثل البضعة) بفتح الموحدة وسكون الضاد المعجمة وفتح العين المهملة القطعة من اللحم (تدردر) بفتح الفوقية والدالين المهملتين بينهما راء ساكنة وآخره راء أيضًا وأصله تتدردر فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا أي تتحرك. (قال أبو سعيد) الخدري بالسند السابق (أشهد لسمعته) أي الحديث (من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأشهد أني كنت مع علي) -رضي الله عنه- (حين قاتلهم) بالنهروان بقرب المدائن (فالتمس) بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول أي طلب الرجل المذكور (في القتلى) فوجد (فأتي به) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول إلى عليّ فإذا هو (على النعت الذي نعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي على الوصف الذي وصفه به، والفرق بين الصفة والنعت أن النعت يكون بالحلية كالطويل والقصير والصفة بالأفعال نحو ضارب وخارج، وحينئذٍ لا يقال الله منعوت بل يقال موصوف، وقيل: النعت ما كان لشيء خاص كالعرج والعمى والعور لأن ذلك يخص موضعًا من الجسد والصفة ما لم تكن لشيء مخصوص كالعظيم والكريم فلذلك قال أبو سعيد هنا على نعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فافهم فإن فيه دقة. وقال الجوهري والمجد الشيرازي: الصفة كالعلم والسواد وأما النحويون فلا يريدون بالصفة هذا لأن الصفة عندهم هي النعت والنعت هو اسم الفاعل نحو ضارب، والمفعول نحو مضروب وما يرجع إليهما من طريق المعنى. والحديث سبق في علامات النبوّة. 6164 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنِى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ: «وَيْحَكَ» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِى فِى رَمَضَانَ قَالَ: «أَعْتِقْ رَقَبَةً» قَالَ: مَا أَجِدُهَا قَالَ: «فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» قَالَ: لاَ أَسْتَطِيعُ قَالَ: «فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا» قَالَ: مَا أَجِدُ فَأُتِىَ بِعَرَقٍ فَقَالَ: «خُذْهُ فَتَصَدَّقْ بِهِ» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَى غَيْرِ أَهْلِى فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا بَيْنَ طُنُبَىِ الْمَدِينَةِ أَحْوَجُ مِنِّى فَضَحِكَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ قَالَ: «خُذْهُ». تَابَعَهُ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ وَيْلَكَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا الأوزاعي) عبد الرحمن قال: (حدثني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً) قيل هو سلمة بن صخر أو سلمان بن صخر أو أعرابي (أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله هلكت) أي فعلت ما هو سبب هلاكي (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (ويحك) مالك (قال: وقعت على أهلي) أي جامعت زوجتي (في رمضان. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أعتق رقبة. قال: ما أجدها قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فصم شهرين متتابعين. قال: لا أستطيع. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فأطعم ستين مسكينًا) بهمزة قطع مفتوحة وكسر العين أعم من الفقير (قال: ما أجد) وفي حديث ابن عمر قال: والذي بعثك بالحق ما أشبع أهلي (فأتي) بضم الهمزة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بعرق) بفتح العين والراء بعدها قاف والعرق المكتل يسع خمسة عشر صاعًا (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (خذه فتصدق به) أي بالتمر الذي فيه (فقال: يا رسول الله أعلى غير أهلي فوالذي نفسي بيده ما بين طنبي) بطاء مهملة ونون مضمومتين وموحدة مفتوحة تثنية طنب واحد أطناب الخيمة فاستعاره للطرف وللناحية. وقال في الكواكب: شبه المدينة بفسطاط مضروب وحرتيها بالطنبين أراد ما بين لابتي (المدينة أحوج)

ولأبي ذر عن الكشميهني أفقر (مني فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدت أنيابه) تعجبًا وهي وسط الأسنان، ولا منافاة بين قوله في الرواية الأخرى نواجذه لظهورها عند الضحك وقد يطلق كل منهما على الآخر (قال): ولأبي ذر وقال: (خذه) وله عن الكشميهني ثم قال: أطعمه أهلك أي من تلزمك نفقته أو زوجتك أو مطلق أقاربك. والحديث سبق في الصيام. (تابعه) أي تابع الأوزاعي (يونس) بن يزيد الأيلي في روايته (عن الزهري) محمد بن مسلم فيما وصله البيهقي وقال: ويحك وما ذاك. (وقال عبد الرحمن بن خالد) الفهمي أمير مصر لهشام بن عبد الملك في روايته (عن الزهري) وقال: (ويلك) بدل (ويحك). وهذا وصله الطحاوي من طريق الليث حدثني عبد الرحمن فذكره. 6165 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الأَوْزَاعِىُّ حَدَّثَنِى ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِىُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ -رضى الله عنه- أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِى عَنِ الْهِجْرَةِ؟ فَقَالَ «وَيْحَكَ إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ»؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَهَلْ تُؤَدِّى صَدَقَتَهَا»؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن عبد الرَّحمن) بن عيسى الدمشقي ابن بنت شرحبيل أبو أيوب قال: (حدّثنا الوليد) بن مسلم الدمشقي قال: (حدّثنا أبو عمرو) بفتح العين عبد الرحمن (الأوزاعي) بالزاي قال: (حدثني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم (الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي) المدني نزيل الشام (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن أعرابيًّا قال: يا رسول الله أخبرني عن الهجرة) وفي باب الهجرة إلى المدينة أن أعرابيًّا سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الهجرة أي أن يبايعه على الإقامة بالمدينة ولم يكن الأعرابي من أهل مكة الذين وجبت عليهم الهجرة قبل الفتح (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (ويحك إن شأن الهجرة) أي القيام بحقها (شديد) لا يقدر عليه (فهل لك من إبل قال: نعم. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فهل تؤدي صدقتها)؟ زكاتها (قال: نعم قال: فاعمل من وراء البحار) من وراء القرى والمدن سواء كنت مقيمًا في بلدك أو غيرها من أقصى بلاد الإسلام، وإن كنت أبعد من المدينة والقرية يقال لها البحرة لاتساعها، وقال في الفتح: ووقع في رواية الكشميهني من وراء التجار بفوقية ثم جيم قال: وهو تصحيف (فإن الله لن يترك) بكسر الفوقية أي لن ينقصك (من) ثواب (عملك شيئًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لم يترك بالجازم بدل الناصب وسكون الراء للجزم وفي رواية ذكرها في الفتح لن يترك بفتح التحتية وسكون الفوقية من الترك والكاف أصلية. والحديث سبق في الزكاة والهجرة. 6166 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَيْلَكُمْ» -أَوْ وَيْحَكُمْ- قَالَ شُعْبَةُ: شَكَّ هُوَ «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». وَقَالَ النَّضْرُ: عَنْ شُعْبَةَ وَيْحَكُمْ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَيْلَكُمْ أَوْ وَيْحَكُمْ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري قال: (حدّثنا خالد بن الحارث) الهجيمي بالجيم أبو عثمان المصري الحافظ قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام الواسطي ثم البصري كان سفيان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث (عن واقد بن محمد بن زيد) بالقاف والدال المهملة ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني أنه (قال: سمعت أبي) محمد بن زيد (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ويلكم أو ويحكم قال شعبة) بن الحجاج: (شك هو) أي شيخه واقد بن محمد هل قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويلكم أو ويحكم (لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض) لا تكن أفعالكم تشبه أفعال الكفار في ضرب رقاب المسلمن مستحلين. (وقال النضر) بالمعجمة الساكنة ابن شميل بضم المعجمة (عن شعبة) بن الحجاج بالسند السابق (ويحكم) بالحاء ولم يشك. (وقال عمر بن محمد) بضم العين أخو واقد المذكور مما وصله في أواخر المغازي من طريق ابن وهب عن عمر (عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن جده ابن عمر (ويلكم أو ويحكم) كقول أخيه واقد قال في الفتح: فدلّ على أن الشك فيه من محمد بن زيد أو ممن فوقه والله أعلم. 6167 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ؟ قَالَ: «وَيْلَكَ وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا»؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا إِلاَّ أَنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: «إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ» فَقُلْنَا: وَنَحْنُ كَذَلِكَ قَالَ: «نَعَمْ». فَفَرِحْنَا يَوْمَئِذٍ فَرَحًا شَدِيدًا فَمَرَّ غُلاَمٌ لِلْمُغِيرَةِ وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِى فَقَالَ: «إِنْ أُخِّرَ هَذَا، فَلَنْ يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ». وَاخْتَصَرَهُ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عاصم) بفتح العين وسكون الميم القيسي البصري الكلابي قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى العوذي (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- (أن رجلاً من أهل البادية) قال في المقدمة لم أعرف اسمه، لكن في الدارقطني ما يدل على أنه ذو الخويصرة اليماني وهو الذي بال في المسجد (أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله متى الساعة قائمة)؟ برفع قائمة على أنه خبر

96 - باب علامة حب الله عز وجل لقوله تعالى: {إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله} [آل عمران: 31]

الساعة فمتى ظرف متعلق به وبنصبه على الحال من الضمير المستكن في متى إذ هو على هذا التقدير خبر عن الساعة فهو ظرف مستقر، ولما كان سؤال الرجل يحتمل أن يكون على وجه التعنت وأن يكون على وجه الخوف فامتحنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث (قال) له: (ويلك ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها) زاد مسلم من طريق معمر عن الزهري عن أنس من كبير عمل أحمد عليه نفسي (إلا أني أحب الله ورسوله قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنك مع من أحببت) لما امتحنه وظهر من جوابه إيمانه ألحقه بمن ذكر، وليس المراد بالمعية التساوي فإنه يقتضي التسوية في الدرجة بين الفاضل والمفضول وذلك لا يجوز، بل المراد كونهم في الجنة بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر وإن بَعُدَ المكان لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضًا وإذا أرادوا الرؤية والتلاقي قدروا على ذلك. قال أنس (فقلنا) ولأبي ذر عن الكشميهني فقالوا (ونحن كذلك) نكون مع من أحببنا (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نعم ففرحنا) بذلك (يومئذ فرحًا شديدًا) وحق لهم ذلك (فمرّ غلام للمغيرة) بن شعبة الثقفي واسم الغلام محمد كما في مسلم وقيل سعيد كما عند الباوردي في الصحابة، وعند ابن سعد الدوسي، وفي مسلم أنه غلام من أزد شنوءة. قال في الفتح: فيحتمل التعدد أو اسم الغلام سعد ويدعى محمدًا، وبالعكس، ودوس من أزد شنوءة فيحتمل أن يكون حالف الأنصار قال أنس: (وكان) الغلام (من أقراني) مثلي في السن (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن أخر هذا) الغلام بأن يمت في صغره (فلن يدركه الهرم) بنصب يدركه بلن، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فلم يدره بالجزم بلم وأسند الإدراك للهرم إشارة إلى أن الأجل كالقاصد للشخص (حتى تقوم الساعة) أي ساعدة الحاضرين عنده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الداودي: لأنهم كانوا أعرابًا فلو قال لهم: لا أدري لارتابوا فكلمهم بالمعاريض، وفي مسلم عن عائشة: كان الأعرابي إذا قدموا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سألوه عن الساعة متى الساعة فينظر إلى أحدث إنسان منهم سنًّا فيقول: إن يعش هذا حتى يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم، وهذه الرواية كما قال القاضي عياض رواية واضحة يفسر بها كل ما ورد من الألفاظ المشكلة في غيرها، أو المراد المبالغة في تقريبها لا التحديد بأنها تقوم عند بلوغ المذكور الهرم، وفي رواية البارودي المذكورة بدل قوله حتى تقوم الساعة لا يبقى منكم عين تطرف وبهذا كما في الفتح يتضح المراد. (واختصره) أي هذا الحديث (شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة قال: (سمعت أنسًا عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وصله مسلم من رواية محمد بن جعفر عن شعبة ولم يسق لفظه، بل أحال على رواية سالم بن أبي الجعد عن أنس، وساقها أحمد في مسنده عن محمد بن جعفر بلفظ: جاء أعرابي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال: متى الساعة: قال: (ما أعددت لها)؟ قال: حب الله ورسوله. قال: (أنت مع من أحببت) ولم يقل ما زاده همام. فقلنا: ونحن كذلك؟ قال: (نعم) ففرحنا يومئذ فرحًا شديدًا فمرّ غلام الخ .. بل اختصره كما قال المؤلّف. ومطابقة الأحاديث للترجمة ظاهرة وفيها ما اختلف الرواة في لفظه هل هو ويل أو ويح؟ وفيها ما جزم فيه بأحدهما ومجموعها يدل على أن كلاًّ منهما مرجعه ذلك أي أنه يعرف إن كان المراد الذم أو غيره من السياق لأن في بعضها الجزم بويل وليس حمله على العذاب بظاهر، والحاصل أن الأصل في كل منهما ما ذكر وقد يستعمل أحدهما موضع الآخر. 96 - باب عَلاَمَةِ حُبِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] (باب) بيان (علامة حب الله) ولأبي ذر الحب في الله (عز وجل لقوله) تعالى ({إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}) [آل عمران: 31] محبة العبد لله إيثاره طاعته على غير ذلك ومحبة الله للعبد أن يرضى عنه ويحمده على فعله، وعن الحسن فيما أخرجه ابن أبي حاتم قال: كان قوم يزعمون أنهم يحبون الله فأراد الله أن يجعل لقولهم تصديقًا من عمل، فأنزل هذه الآية فمن ادّعى محبته تعالى وخالف سنّة رسوله فهو كذّاب وكتاب الله يكذبه، وقيل محبة الله معرفته ودوام

خشيته ودوام اشتغال القلب به وتذكره ودوام الإنس به، وقيل هي اتّباع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أقواله وأفعاله وأحواله إلا ما خص به، وقال في الكواكب: يحتمل أن يراد بالترجمة محبة الله للعبد فهو المحب أو محبته لله فهو المحبوب أو المحبة بين العباد في ذات الله بحيث لا يشوبها شيء من الرياء، والآية مساعدة للأولين إذ اتباع الرسول علامة للأولى لأنها مسببة للاتباع وللثانية لأنها سببية له. 6168 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ». [الحديث 6168 - طرفه في: 6169]. وبه قال: (حدّثنا بشر بن خالد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة العسكري الفرضي قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أو هو عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال): (المرء مع من أحب) في الجنة بحسن نيته من غير زيادة عمل لأن محبته لهم كطاعتهم والمحبة من أفعال القلوب فأثيب على معتقده لأن النية الأصل والعمل تابع لها وليس من لازم المعية الاستواء في الدرجات. والحديث أخرجه مسلم في الأدب. 6169 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه -: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِى رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ». تَابَعَهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ، وَأَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) شقيق أنه (قال: قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- جاء رجل إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الرجل هو أبو ذر رواه أحمد من حديثه أو أبو موسى كما قال في المقدمة (فقال: يا رسول الله كيف تقول في رجل أحب قومًا ولم يلحق بهم)؟ في العمل والفضل (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (المرء) رجل أو امرأة (مع من أحب) في الجنة مع رفع الحجب حتى تحصل الرؤية والمشاهدة وكل في درجته. (تابعه) أي تابع جرير بن عبد الحميد (جرير بن حازم) البصري فيما وصله أبو نعيم في كتاب المحبين (و) تابعه أيضًا (سليمان بن قرم) بفتح القاف وسكون الراء فيما وصله مسلم (و) كذا تابعه (أبو عوانة) الوضاح فيما وصله أبو عوانة يعقوب في صحيحه فيما رواه الثلاثة (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) شقيق (عن عبد الله) ولم ينسبه كل من أبي نعيم في كتاب المحبين ولا من بعده (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 6170 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ قَالَ: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ». تَابَعَهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان ولأبي ذر: حدّثنا الأعمش (عن أبي وائل عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- كذا صرح به أبو نعيم بأن عبد الله هو أبو موسى. قال في فتح الباري: وهذا يؤيد قول بندار أن عبد الله حيث لم ينسبه، فالمراد به في هذا الحديث أبو موسى وأن من نسبه ظن أنه ابن مسعود لكثرة مجيء ذلك على هذه الصورة في رواية أبي وائل، ولكنه هنا خرج عن القاعدة وتبين برواية من صرح بأنه أبو موسى الأشعري أن المراد بعبد الله عبد الله بن قيس وهو أبو موسى الأشعري ولم أر من صرح في روايته عن الأعمش بأنه عبد الله بن مسعود إلا ما وقع في رواية جرير بن عبد الحميد هذه يعني السابقة في هذا الباب عند البخاري عن قتيبة عنه. (قال) أي أبو موسى (قيل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يا رسول الله (الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم) بالألف بعد الميم المشددة وهي أبلغ من لم فإن النفي بلما أبلغ لأنه يستمر إلى الحال كقوله: فإن كنت مأكولاً فكن خير آكل ... وإلاّ فأدركني ولما أمزق فيؤخذ منه هنا أن الحكم ثابت ولو بعد اللحاق. وقال في الكواكب: وفي كلمة لما إشعار بأنه يتوقع اللحوق يعني هو قاصد لذلك ساع في تحصيل تلك المرتبة له، وعند مسلم ولما يلحق بعملهم، وفي حديث صفوان بن عسال عند أبي نعيم ولم يعمل بمثل عملهم (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (المرء مع من أحب) إذ لكل امرئ ما نوى. قال في الفتح: جمع أبو نعيم الحافظ طرق هذا الحديث في كتاب المحبين مع المحبوبين وبلغ عدد الصحابة فيه نحو العشرين، وفي رواية أكثرهم بهذا اللفظ يعني المرء مع من أحب

97 - باب قول الرجل للرجل اخسأ

وفي بعضها بلفظ حديث أنس مع من أحببت (تابعه) أي تابع سفيان الثوري (أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين (ومحمد بن عبيد) بضم العين بن نمير كلاهما عن الأعمش فيما وصله مسلم. 6171 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا أَبِى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَتَّى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا»؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاَةٍ وَلاَ صَوْمٍ، وَلاَ صَدَقَةٍ وَلَكِنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي قال: (أخبرنا أبي) عثمان بن جبلة (عن شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) بضم الميم وتشديد الراء المفتوحة وفتح عين عمرو (عن سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة بعدها دال مهملة واسمه رافع الكوفي (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن رجلاً سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متى الساعة) قائمة (يا رسول الله)؟ قال في الفتح: الرجل هو ذو الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد وحديثه في ذلك مخرج عند الدارقطني ومن زعم أنه أبو موسى أو أبو ذر فقد وهم فإنهما وإن اشتركا في معنى الجواب وهو أن المرء مع من أحب فقد اختلف سؤالهما فإن كلاًّ من أبي موسى أو أبي ذر إنما سأل عن الرجل يحب القوم ولم يلق بهم وهذا سأل متى الساعة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ما أعددت لها)؟ قال في شرح المشكاة: سلك مع السائل طريق الأسلوب الحكيم لأنه سأل عن وقت الساعة وأيان مرساها فقيل له: فيم أنت من ذكراها وإنما يهمك أن تهتم بأهبتها وتعتني بما ينفعك عند إرسائها من العقائد الحقية، والأعمال الصالحة المرضية. فأجاب حيث (قال: ما أعددت لها من كثير صلاة) بالمثلثة (ولا صوم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولا صيام (ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله قال: أنت مع من أحببت) أي ملحق بهم وداخل زمرتهم وزاد أبو نعيم الأصبهاني من طريق سلام بن أبي الصهباء عن ثابت عن أنس ولك ما احتسبت. 97 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ اخْسَأْ (باب) بيان (قول الرجل للرجل اخسأ) بسكون الخاء المعجمة وفتح السين المهملة بعدها همزة ساكنة زجر وإبعاد لمن قال أو فعل ما لا ينبغي له مما يسخط الله تعالى أي اسكت سكوت ذل وهوان. 6172 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاِبْنِ صَائِدٍ «قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا فَمَا هُوَ»؟ قَالَ: الدُّخُّ قَالَ: «اخْسَأْ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا سلم بن زرير) بفتح السين المهملة وسكون اللام وزرير بفتح الزاي وكسر الراء بعدها تحتية ساكنة فراء أخرى العطاردي قال: (سمعت أبا رجاء) بالجيم عمران بن ملحان بكسر الميم وسكون اللام وبالحاء المهملة العطاردي مشهور بكنيته قال: (سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما-) يقول (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لابن صائد) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لابن صياد بالتحتية المشددة. (قد خبأت لك خبيئًا) ولأبي ذر خبأ أي أضمرت لك في صدري وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أضمر له في صدره الشريف يوم تأتي السماء بدخان مبين كما هو عند الإمام أحمد (فما هو)؟ (قال) ابن صياد هو (الدخ) أراد أن يقول: الدخان فلم يستطع أن يتمها على عادة الكهان من اختطاف بعض الكلمات من أوليائهم من الجن (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (اخسأ) وهي كلمة يزجر بها الكلب ويطرد أي اسكت صاغرًا مطرودًا. والحديث من أفراده. 6173 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ انْطَلَقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدَهُ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فِى أُطُمِ بَنِى مَغَالَةَ، وَقَدْ قَارَبَ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظَهْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: «أَتَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ»؟ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: أَتَشْهَدُ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ فَرَضَّهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: «آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ» ثُمَّ قَالَ لاِبْنِ صَيَّادٍ: «مَاذَا تَرَى»؟ قَالَ: يَأْتِينِى صَادِقٌ وَكَاذِبٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خُلِّطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّى خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا» قَالَ هُوَ الدُّخُّ؟ قَالَ: «اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ» قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَأْذَنُ لِى فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنْ يَكُنْ هُوَ لاَ تُسَلَّطُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِى قَتْلِهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أن) أباه (عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- (أخبره أن) أباه (عمر بن الخطاب انطلق مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رهط) دون العشرة (من أصحابه) -رضي الله عنهم- (قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة جهة (ابن صياد) لما ذكر أن عينه ممسوحة والأخرى ناتئة فأشفق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يكون هو الدجال (حتى وجده يلعب مع الغلمان في أطم) بضم الهمزة وسكون الطاء المهملة حصن (بني مغالة) بفتح الميم والغين المعجمة وبعد الألف لام مفتوحة مخففة قبيلة من الأنصار (وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم فلم يشعر) أي ابن صياد (حتى ضرب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظهره بيده ثم قال) له: (أتشهد أني رسول الله؟ فنظر إليه) ابن صياد (فقال: أشهد أنك رسول الأميين) العرب (ثم قال ابن صياد) لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ- (أتشهد أني رسول الله فرضّه) بالضاد المعجمة المشددة فدفعه (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حتى وقع فتكسر يقال رض الشيء فهو رضيض ومرضوض وقال الخطابي: الصواب الصاد المهملة أي قبض عليه بثوبه فضم بعضه إلى بعض (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (آمنت بالله ورسله ثم قال لابن صياد) ليظهر كذبه المنافي لدعواه الرسالة (ماذا ترى؟ قال: يأتيني صادق وكاذب. قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خلط عليك الأمر) بضم الخاء المعجمة وتشديد اللام المكسورة أي خلط عليك شيطانك ما يلقي إليك (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني خبأت) أي أضمرت (لك خبيئًا) شيئًا في صدري، ولأبي ذر: خبأ بسكون الموحدة وإسقاط التحتية، وعند الطبراني في الأوسط أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان خبأ له سورة الدخان وكأنه أطلق السورة وأراد بعضها (قال) ابن صياد (هو الدخ) فنطق ببعض الكلمة (قال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اخسأ) بهمزة وصل (فلن تعدو قدرك) بالفوقية في تعدو فقدرك منصوب به أي لا تتجاوز قدرك وقدر أمثالك من الكهان الذين يحفظون من إلقاء الشيطان كلمة واحدة من جمل كثيرة أو بالتحتية فمرفوع أي لا يبلغ قدرك أن تطالع بالغيب من قبل الوحي المخصوص بالأنبياء ولا من قبل الإلهام، وإنما قال ابن صياد: هو الدخ بما ألقاه الشيطان إما لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تكلم بذلك بينه وبين نفسه فسمعه الشيطان أو حدّث به بعض أصحابه (قال عمر) -رضي الله عنه-: (يا رسول الله أتأذن لي فيه أضرب عنقه) بالجزم في أضرب مصححًا عليه في الفرع كأصله جواب الطلب. (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن يكن هو) الدجال، ولأبي ذر عن الكشميهني أن يكنه بوصل الضمير وعلى رواية الفصل فهو تأكيد للضمير المستتر وكان تامة أو وضع هو موضع إياه أي إن يكن إياه (لا تسلط عليه) لأن الذي يقتله إنما هو عيسى صلوات الله وسلامه عليه (وإن لم يكن هو) بفصل الضمير ووصله كما مرّ (فلا خير لك في قتله) ولم يأذن في قتله مع ادّعائه النبوّة لأنه كان غير بالغ أو لأنه كان في أيام مهادنة اليهود أو كان يرجو إسلامه. 6174 - قَالَ سَالِمٌ: فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِىُّ يَؤُمَّانِ النَّخْلَ الَّتِى فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ حَتَّى إِذَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَّقِى بِجُذُوعِ النَّخْلِ، وَهْوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ وَابْنُ صَيَّادٍ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ فِى قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْرَمَةٌ -أَوْ زَمْزَمَةٌ- فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يَتَّقِى بِجُذُوعِ النَّخْلِ فَقَالَتْ لاِبْنِ صَيَّادٍ: أَىْ صَافِ وَهْوَ اسْمُهُ هَذَا مُحَمَّدٌ فَتَنَاهَى ابْنُ صَيَّادٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ». (قال سالم): هو ابن عبد الله بن عمر بالإسناد المتقدم (فسمعت عبد الله بن عمر يقول: انطلق بعد ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي بعد انطلاقه هو وعمر في رهط (وأبي بن كعب الأنصاري) سقط الأنصاري لأبي ذر حال كونهما (يؤمّان) يقصدان (النخل التي فيها ابن صياد حتى إذا دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طفق) بكسر الفاء جعل (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتقي) يخفي نفسه (بجذوع النخل) بالذال المعجمة حتى لا يراه (وهو) أي والحال أنه (يختل) بفتح التحتية وسكون الخاء المعجمة وكسر الفوقية بعدها لام يستغفل (أن يسمع من ابن صياد شيئًا) من كلامه الذي يقوله في خلوته (قبل أن يراه) ابن صياد كي يعلم هو وأصحابه أهو كاهن أو ساحر (وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة) كساء له خمل (له فيها) في القطيفة (رمرمة) براءين مهملتين وميمين صوت خفي (أو زمزمة) بزايين معجمتين وميمين أيضًا ومعناهما واحد أو صوت تديره العلوج في خياشيهما وحلوقها من غير استعمال لسان ولا شفة فيفهم بعضها عن بعض والشك من الراوي (فرأت أم ابن صياد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يتقي بجذوع النخل فقالت لابن صياد: أي صاف وهو اسمه هذا محمد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فتناهى) عما كان فيه وسكت (ابن صياد. قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لو تركته) أمه بحيث إنه لا يعلم بي (بين) لكم باختلاف كلماته ما يهون عليكم شأنه أو بيّن ما في نفسه. 6175 - قَالَ سَالِمٌ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: «إِنِّى أُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِىٍّ إِلاَّ وَقَدْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّى سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلاً لَمْ يَقُلْهُ نَبِىٌّ لِقَوْمِهِ، تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: خَسَأتُ الكَلْبَ بَعَّدْتُهُ، خَاسِئِينَ مُبْعَدِينَ. (قال سالم): بالسند المذكور أولاً (قال عبد الله) بن عمر: قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الناس خطيبًا (فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال): (إني أنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذر قومه) ولأبي ذر أنذره قومه بإثبات الضمير (لقد أنذره نوح قومه) خصّه بعد التعميم لأن نوحًا أبو البشر الثاني وذريته هم الباقون في الدنيا (ولكني) بالتحتية بعد النون وسقطت الواو

98 - باب قول الرجل مرحبا

لأبي ذر وللكشميهني ولكن بحذف التحتية (سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه تعلمون) بالخبر الصدق (أنه أعور) عين اليمنى (وأن الله ليس بأعور) واختلف السلف في أمر ابن صياد بعد كبره فروي أنه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة، وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى يراه الناس، وقيل لهم اشهدوا. وكان ابن عمر وجابر يحلفان أن ابن صياد هو الدجال لا يشكان فيه فقيل لجابر إنه أسلم فقيل إنه دخل مكة وكان بالمدينة فقال: وإن دخل مكة. وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن جابر قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرة وهذا يبطل رواية من روى أنه مات بالمدينة وصلي عليه قاله الخطابي. (قال أبو عبد الله) المؤلّف (خسأت الكلب) أي (بعدته) بتشديد العين المهملة (خاسئين) أي (مبعدين) بضم الميم وسكون الموحدة وفتح العين قاله أبو عبيدة وهو ثابت في رواية المستملي والكشميهني. 98 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ مَرْحَبًا وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ: «مَرْحَبًا بِابْنَتِى» وَقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ». (باب قول الرجل) لآخر (مرحبًا) بفتح الميم والحاء المهملة بينهما راء ولأبي ذر عن المستملي باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرحبًا. (وقالت عائشة) -رضي الله عنها- (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لفاطمة عليها السلام) (مرحبًا بابنتي) أي لاقيت رحبًا وسعة وهذا طرف من حديث وصله من علامات النبوّة (وقالت أم هانئ) فاختة بنت أبي طالب فيما سبق موصولاً في باب ما جاء في زعموا (جئت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط لفظ إلى لأبي ذر (فقال: مرحبًا بأم هانئ) بالموحدة قبل الهمزة ولأبي ذر عن الكشميهني يا أم هانئ منادى مضاف. 6176 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَبِى جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ الَّذِينَ جَاءُوا غَيْرَ خَزَايَا، وَلاَ نَدَامَى» فَقَالُوا، يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا حَىٌّ مِنْ رَبِيعَةَ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مُضَرُ وَإِنَّا لاَ نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِى الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ وَنَدْعُو بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا فَقَالَ: «أَرْبَعٌ وَأَرْبَعٌ: أَقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَآتُوا الزَّكَاةَ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَعْطُوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَلاَ تَشْرَبُوا فِى الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُزَفَّتِ». وبه قال: (حدّثنا عمران بن ميسرة) ضد الميمنة قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد الثقفي قال: (حدّثنا أبو التياح) يزيد بن حميد الضبعي البصري (عن أبي جمرة) بالجيم والراء نضر بن عمران الضبعي البصري (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما قدم وفد عبد القيس) بن أفصى بن دعمي وهو أبو قبيلة كانوا ينزلون البحرين (على النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكانوا أربعة عشر رجلاً (قال) لهم: (مرحبًا بالوفد الذين جاؤوا) حال كونهم (غير خزايا) غير أذلاء ومرحبًا نصب على المصدرية بفعل مضمر أي صادفوا رحبًا بالضم أي سعة (ولا ندامى) جمع نادم على غير قياس أو ندمان لغة في نادم فجمعه المذكور على القياس (فقالوا: يا رسول الله إنّا حي من ربيعة) بن نزار بن معد بن عدنان (وبيننا وبينك مضر) وفي الإيمان هذا الحي من كفار مضر (وإنا لا نصل إليك إلا في الشهر الحرام) لحرمة القتال فيه عندهم (فأمرنا بأمر فصل) بالصاد المهملة يفصل بين الحق والباطل (ندخل به) بسببه (الجنة) إذا قبله الله برحمته (وندعو به من) بفتح الميم أي الذي استقر (وراءنا) أي خلفنا من قومنا (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الذي آمركم به (أربع و) الذي أنهاكم عنه (أربع أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) المفروضتين (وصوم رمضان) ولأبي ذر وصوموا رمضان (وأعطوا) بهمزة قطع (خمُس ما غنمتم) لأنهم كانوا أصحاب غنائم (ولا تشربوا) ما انتبذ (في الدباء) اليقطين (والحنتم) الجرار الخضر (والنقير) ما ينقر في أصل النخلة فيوعى فيه (والمزفت) المطلي بالزفت لأنه يسرع إليها الإسكار فربما شرب منها من لا يشعر بذلك ثم ثبتت الرخصة في الانتباذ في كل وعاء مع النهي عن شرب كل مسكر. والحديث سبق في الإيمان في باب أداء الخُمس من الإيمان. 99 - باب مَا يُدْعَى النَّاسُ بِآبَائِهِمْ (باب ما يدعى الناس بآبائهم) أي دعاء الداعي الناس بأسماء آبائهم يوم القيامة فما مصدرية والمصدر مضاف إلى مفعوله والفاعل محذوف. 6177 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْغَادِرُ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن الغادر) الناقض للعهد الغير الوافي به وثبت لفظ إن لأبي ذر (يرفع) بضم أوله ولأبي ذر عن الكشميهني ينصب (له لواء) علم (يوم القيامة) ليعرف به (يقال هذه غدرة) بفتح الغين المعجمة وسكون الدال المهملة (فلان بن فلان) باسمه واسم أبيه لأنه أشد في التعريف وأبلغ في التمييز وفيه

100 - باب لا يقل خبثت نفسى

رد على من قال إنه لا يدعى الناس يوم القيامة إلا بأمهاتهم سترًا على آبائهم قاله الخطابي. نعم روي ذلك في حديث ابن عباس عند الطبراني لكن بسند ضعيف جدًّا. والحديث أخرجه مسلم في المغازي. 6178 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ، هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب أبو عبد الرحمن الحارثي أحد الأعلام (عن مالك) هو أنس الأصبحي إمام دار الهجرة (عن عبد الله بن دينار) المدني مولى ابن عمر (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال هذه غدرة فلان بن فلان) قال في بهجة النفوس: الغدر على عمومه في الجليل والحقير، وفيه أن لصاحب كل ذنب من الذنوب التي يريد إظهارها علامة يعرف بها صاحبها. ويؤيده قوله تعالى: {يعرف المجرمون بسيماهم} [الرحمن: 41] وظاهر الحديث أن لكل غدرة لواء فعلى هذا يكون للشخص الواحد عدة ألوية بعدد غدراته، والحكمة في نصب اللواء أن العقوبة تقع غالبًا بضد الذنب، فلما كان الغدر من الأمور الخفية ناسب أن تكون عقوبته بالشهرة ونصب اللواء أشهر الأشياء عند العرب اهـ. وقال غيره وفيه العمل بظواهر الأمور قال في فتح الباري: وهو يقتضي حمل الآباء على من كان ينسب إليه في الدنيا لا على من هو في نفس الأمر وهو المعتمد. 100 - باب لاَ يَقُلْ خَبُثَتْ نَفْسِى هذا (باب) بالتنوين (لا يقل) أحدكم (خبثت نفسي) بفتح الخاء المعجمة وضم الموحدة بالمثلثة. 6179 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِى، وَلَكِنْ لِيَقُلْ، لَقِسَتْ نَفْسِى». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ولكن ليقل لقست نفسي) بفتح اللام والسين المهملة بينهما قاف مكسورة وهي بمعنى خبثت لكنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كره لفظ الخبث واختار اللفظ السالم من البشاعة وقد كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعجبه الاسم الحسن ويتفاءل به ويكره الاسم القبيح ويغيره. قال في المصابيح: إن صح هذا قدح في قولهم إنه يجوز في كل لفظين مترادفين أن يوضع أحدهما مكان الآخر. والحديث أخرجه مسلم في الأدب والنسائي في اليوم والليلة. 6180 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِى، وَلَكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِى». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي أمامة) أسعد (بن سهل عن أبيه) سهل بن حنيف الأنصاري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يقولن أحدكم خبثت نفسي ولكن ليقل لقست نفسي). وعند أبي داود من طريق حماد بن سلمة عن هشام بلفظ جاشت بجيم وشين معجمة بدل خبثت ومعناها غثت بغين معجمة ثم مثلثة وهو يرجع إلى معنى خبثت، وهذا النهي محمول على الأدب لا على الإيجاب وكذلك الأمر يقول لقست فإن عبر بما يؤدي معناه كفى ولكن ترك الأولى. (تابعه) أي تابع يونس بن يزيد (عقيل) بضم العين وفتح القاف بالسند المذكور والمتن، ووصلها الطبراني من طريق نافع بن يزيد عن عقيل بضم العين وفتح القاف بالسند المذكور والمتن، وهذه المتابعة ساقطة لأبي ذر. والحديث أخرجه مسلم في الأدب أيضًا وكذا أبو داود، وأخرجه النسائي في اليوم والليلة. 101 - باب لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ هذا (باب) بالتنوين (لا تسبوا الدهر) رواه مسلم بهذا اللفظ وزاد فإن الله هو الدهر. 6181 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ اللَّهُ: يَسُبُّ بَنُو آدَمَ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِى اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي مولاهم المصري واسم أبيه عبد الله ونسبه لجده لشهرته به قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال: قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قال الله) تعالى (يسب بنو آدم الدهر) الليل والنهار بأن يقولوا نحو يا بؤس الدهر أو يا خيبة الدهر لأنهم كانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس وينكرون ملك الموت وقبضه الأرواح بأمر الله ويضيفون كل حادث

102 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنما الكرم قلب المؤمن»

يحدث إلى الدهر والزمان وأشعارهم ناطقة بشكوى الزمان، وهذا مذهب الدهرية من الكفار والدهرية المنكرون للصانع المعتقدون أن في كل ثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه، ويزعمون أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى فكابروا العقول وكذبوا المنقول ووافقهم مشركو العرب، وإليه ذهب آخرون ولكنهم معترفون ْبوجود الصانع الإله الحق جل وعز، ولكنهم كانوا ينزهون أن تنسب إليه المكاره ويضيفونها إلى الدهر فكانوا كذلك يسبون الدهر، وفي تفسير سورة الجاثية قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر (وأنا الدهر) أي خالقه أو المدبر للأمور أو مقلب الدهر ولذلك عقبه بقوله (بيدي الليل والنهار). وعند أحمد من وجه آخر بسند صحيح عن أبي هريرة: "لا تسبوا الدهر فإن الله تعالى، قال: أنا الدهر الأيام والليالي إليّ أجدّدها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك" فإذا سب ابن آدم الدهر على أنه فاعل هذه الأمور عاد السب إلى الله لأنه هو الفاعل والدهر إنما هو ظرف لمواقع هذه الأمور فالمعنى أنا مصرف الدهر فحذف اختصارًا للفظ واتساعًا في المعنى. والمطابقة بين الحديث والترجمة في قوله: يسب بنو آدم الدهر لأن المعنى في الحقيقة يرجع إلى لا تسبوا الدهر وصرح بذلك في مسلم، والحديث أخرجه مسلم أيضًا. 6182 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ، وَلاَ تَقُولُوا: خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ». [الحديث 6182 - طرفه في: 6183]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (عياش بن الوليد) بالتحتية والشين المعجمة الرقام البصري قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا تسموا العنب الكرم) بفتح الكاف وسكون الراء لأنه يتخذ منه الخمر فكره تسميته به لأن فيها تقريرًا لما كانوا يتوهمونه من تكريم شاربها (ولا تقولوا خيبة الدهر) بالخاء المعجمة والموحدة المفتوحتين بينهما تحتية ساكنة نصب على الندبة كأنه فقد الدهر لما يصدر عنه مما يكرهه فندبه متفجعًا عليه أو متوجعًا منه أو هو دعاء عليه بالخيبة. وعند مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة وادهراه وادهراه والخيبة الحرمان والخسران وقد خاب يخيب وهو من إضافة المصدر إلى الفاعل (فإن الله هو الدهر) أي الفاعل لما يحدث فيه. قال في بهجة النفوس: لا يخفى أن من سب الصنعة فقد سب صانعها فمن سب الليل والنهار أقدم على أمر عظيم بغير معنى ومن سب ما يقع فيهما من الحوادث وذلك أغلب ما يقع من الناس فلا شيء في ذلك اهـ. وقال جماعة من المحققين: من نسب شيئًا من الأفعال إلى الدهر حقيقة كفر ومن جرى هذا اللفظ على لسانه غير معتقد لذلك فليس بكافر لكن يكره له ذلك لتشبهه بأهل الكفر في الإطلاق. وقال القاضي عياض: زعم بعض من لا تحقيق عنده أن الدهر من أسماء الله وهو غلط فإن الدهر مدة زمان الدنيا. 102 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ» وَقَدْ قَالَ: «إِنَّمَا الْمُفْلِسُ الَّذِى يُفْلِسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» كَقَوْلِهِ: «إِنَّمَا الصُّرَعَةُ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» كَقَوْلِهِ: «لاَ مُلْكَ إِلاَّ لِلَّهِ فَوَصَفَهُ بِانْتِهَاءِ الْمُلْكِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُلُوكَ أَيْضًا فَقَالَ: «{إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا}» [النمل: 34]. (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي حديث الباب عن أبي هريرة (إنما الكرم قلب المؤمن) يقال رجل كرم وامرأة كرم ورجلان كرم ونسوة كرم كله بفتح الراء وإسكانها بمعنى كريم وصف بالمصدر كعدل وضيف وليس الحصر في قوله إنما الكرم على ظاهره وإنما المعنى أن الأحق باسم الكرم قلب المؤمن ولم يرد أن غيره لا يسمى كرمًا (وقد قال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنما المفلس الذي يفلس يوم القيامة) رواه الترمذي لكن بلفظ أتدرون من المفلس قالوا: المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار. وليس المراد أن من يفلس في الدنيا لا يسمى مفلسًا وذلك (كقوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث أبي هريرة السابق (إنما الصرعة الذي يملك نفسه عند الغضب) و (كقوله لا ملك)

103 - باب قول الرجل فداك أبى وأمى

بضم الميم وسكون اللام (إلا الله) ولا صريح في النفي وإلاّ في الإثبات فيقتضي الحصر ولأبي ذر عن الكشميهني لا ملك إلا الله تعالى بفتح الميم وكسر اللام (فوصفه بانتهاء الملك) بضم الميم وهو عبارة عن انقطاع الملك عنده أي لا ملك بعده فالملك الحقيقي لله تعالى وقد يطلق على غيره مجازًا كما قال: (ثم ذكر الملوك أيضًا فقال: {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها}) [النمل: 34] وهو جمع ملك. 6183 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَيَقُولُونَ الْكَرْمُ إِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ويقولون) الواو عاطفة على محذوف أي لا يقولون الكرم قلب المؤمن ويقولون (الكرم) شجر العنب فالكرم مبتدأ محذوف الخبر ويجوز أن يكون خبرًا أي يقولون شجر العنب الكرم (إنما الكرم قلب المؤمن) لما فيه من نور الإيمان وتقوى الإسلام، وليس المراد حقيقة النهي عن تسمية العنب كرمًا بل المراد بيان المستحق لهذا الاسم المشتق من الكرم، وفي حديث سمرة عند البزار والطبراني مرفوعًا: إن اسم الرجل المؤمن في الكتب الكرم من أجل ما كرمه الله على الخليقة وأنكم تدعون الحائط من العنب الكرم الحديث. وقال ابن الأنباري: إنهم سموا العنب كرمًا لأن الخمر المتخذ منه يحث على السخاء ويأمر بمكارم الأخلاق حتى قال شاعرهم: والخمر مشتقة المعنى من الكرم فلهذا نهى عن تسمية العنب بالكرم حتى لا يسمى أصل الخمر باسم مأخوذ الكرم، وجعل المؤمن الذي يتقي شربها ويرى الكرم في تركها أحق بهذا الاسم الحسن. والحديث أخرجه مسلم في الأدب أيضًا. 103 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ فَدَاكَ أَبِى وَأُمِّى فِيهِ الزُّبَيْرُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب قول الرجل) لغيره (فداك) بفتح الفاء والقصر (أبي وأمي. فيه) أي في هذا القول ما رواه (الزيير) بن العوّام (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) السابق موصولاً في مناقبه بلفظ جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة يوم الأحزاب في النساء الحديث، وفيه قول الزبير فلما رجعت جمع لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبويه فقال: فداك أبي وأمي أي تفدى بهما، وسقط قوله عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لغير أبي ذر. 6184 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِى سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - قَالَ: مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُفَدِّى أَحَدًا غَيْرَ سَعْدٍ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «ارْمِ فَدَاكَ أَبِى وَأُمِّى» أَظُنُّهُ يَوْمَ أُحُدٍ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) بضم الميم وفتح المهملة ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدثني) بالإفراد (سعد بن إبراهيم) بسكون العين ابن عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الله بن شداد) بالشين المعجمة وتشديد الدال الأولى المهملة ابن الهاد الليثي المدني (عن علي رضي الله عنه) أنه (قال: ما سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفدي) بضم التحتية وفتح الفاء وكسر الدال المهملة المشددة ولأبي ذر عن الكشميهني يفدي بفتح أوّله وسكون الفاء (أحدًا غير سعد) هو ابن أبي وقاص -رضي الله عنه- (سمعته يقول) له: (ارم) قريشًا بالنبل (فداك أبي وأمي) وهذا لا يناف سماع غيره ففي غيره فقد صح أنه فدى الزبير كما مر لكنه لا يرد على عليّ -رضي الله عنه- لأنه إنما نفى سماعه لنفي تفدية غير سعد (أظنه) أي صدور هذا كان (يوم) غزوة (أُحُد) وذاك في المغازي يوم أحد بالجزم من غير شك. والحديث قد سبق في المغازي والجهاد. 104 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ: جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاكَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا. (باب) جواز (قول الرجل) لمن يحبه من عالم أو غيره (جعلني الله فداءك) بكسر الفاء والمدّ. (وقال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- فيما سبق موصولاً في الهجرة من حديث أبي سعيد (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما قال: إن عبدًا خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله (فديناك بآبائنا وأمهاتنا). 6185 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ أَقْبَلَ هُوَ وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَفِيَّةُ مُرْدِفَهَا عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَثَرَتِ النَّاقَةُ، فَصُرِعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمَرْأَةُ وَأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: أَحْسِبُ اقْتَحَمَ عَنْ بَعِيرِهِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاءَكَ هَلْ أَصَابَكَ مِنْ شَىْءٍ؟ قَالَ: «لاَ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْمَرْأَةِ» فَأَلْقَى أَبُو طَلْحَةَ ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَصَدَ قَصْدَهَا فَأَلْقَى ثَوْبَهُ عَلَيْهَا فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ، فَشَدَّ لَهُمَا عَلَى رَاحِلَتِهِمَا فَرَكِبَا فَسَارُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ أَوْ قَالَ: أَشْرَفُوا عَلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ» فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُهَا حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ. وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا بشر بن المفضل) بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة والمفضل بفتح الضاد المعجمة المشددة ابن لاحق البصري قال: (حدّثنا يحيى بن أبي إسحاق) مولى الحضارمة (عن أنس بن مالك أنه أقبل هو وأبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري عن عسفان إلى المدينة (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صفية) بنت حييّ أم المؤمنين حال كونه (مردفها) ولأبي ذر مردفها بالرفع

105 - باب أحب الأسماء إلى الله عز وجل

خبر مبتدأ محذوف (على راحلته، فلما كانوا) ولأبي ذر عن الكشميهني كان (ببعض الطريق عثرث الناقة) بفتح العين المهملة والمثلثة (فصرع) بضم الصاد المهملة أي سقط (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمرأة) صفية (وأن) بفتح الهمزة (أبا طلحة قال) أنس: (أحسب اقتحم عن بعيره) بالقاف الساكنة والحاء المهملة رمى نفسه من غير روية (فأتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا نبي الله جعلني الله فداءك) بكسر الفاء والهمزة (هل أصابك من شيء؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا ولكن عليك بالمرأة) صفية فاحفظها وانظر في أمرها (فألقى أبو طلحة) -رضي الله عنه- (ثوبه على وجهه) حتى لا يرى صفية، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فألوى بثوبه (فقصد قصدها) أي نحا نحوها ومشى إلى جهتها (فألقى ثوبه عليها) ليسترها به (فقامت المرأة) صفية (فشدّ لهما على راحلتهما فركبا) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصفية (فساروا) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه (حتى إذا كانوا بظهر المدينة) أي بظاهرها (أو قال: أشرفوا) بالشين المعجمة والفاء (على المدينة قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (آيبون) جمع آيب راجعون إلى الله (تائبون) راجعون عما هو مذموم شرعًا إلى ما هو محمود قاله تعليمًا لأمته أو تواضعًا (عابدون لربنا حامدون فلم يزل يقولها) أي هذه الكلمات (حتى دخل المدينة). ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: جعلني الله فداءك على ما لا يخفى، وفيه دليل على جواز ذلك إذ لو كان غير سائغ لنهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائله ولأعلمه قيل لا يلزم من تسويغ قول ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يسوغ ذلك لغيره لأن نفسه الشريفة أعز من أنفس القائلين وآبائهم. وأجيب: بأن الأصل عدم الخصوصية. وفي حديث ابن عمر أنه قال لفاطمة: (فداك أبوك). وفي حديث ابن مسعود أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأصحابه: (فداكم أبي وأمي). وحديث أنس أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال مثل ذلك للأنصار رواها ابن أبي عاصم، وأما ما رواه مبارك بن فضالة عن الحسن قال: دخل الزبير على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو شاك قال: كيف تجدك جعلني الله فداءك قال ما تركت أعرابيتك بعد؟ فقال الطبري: لا حجة فيه على المنع لأنه لا يقاوم تلك الأحاديث في الصحة وعلى تقدير ثبوت ذلك فليس فيه صريح المنع بل فيه إشارة إلى أنه ترك الأولى في القول للمريض إما بالتأنيس والملاطفة وإما بالدعاء والتوجع. والحديث سبق في الجهاد. 105 - باب أَحَبِّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (باب) بيان (أحب الأسماء إلى الله عز وجل). 6186 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ - رضى الله عنه - قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلاَمٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ فَقُلْنَا: لاَ نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ، وَلاَ كَرَامَةَ فَأَخْبَرَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «سَمِّ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ». وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي الحافظ قال: (أخبرنا ابن عيينة) سفيان قال: (حدّثنا ابن المنكدر) محمد (عن جابر) الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: ولد) بضم الواو (لرجل) لم أقف على اسمه (منا غلام فسماه القاسم فقلنا لا نكنيك) فتح النون وسكون الكاف (أبا القاسم ولا كرامة) نصب أي لا نكرمك كرامة (فأخبر) بفتح الهمزة والموحدة الرجل (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية قال في الفتح إنها للأكثر فأخبر بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول النبي (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (سم ابنك عبد الرحمن). وفي حديث مسلم عن ابن عمر مرفوعًا: "إن أحب الأسماء إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن" وإنما كانا أحب لتضمنهما ما هو واجب لله تعالى ووصف للإنسان وواجب له وهو العبودية ثم أضيف العبد إلى الرب إضافة حقيقية فصدقت أفراد هذين الاسمين وما يلحق بهما كعبد الرحيم وعبد القادر وشرفت بهذا التركيب فحصلت لها هذه الفضيلة. والحديث أخرجه مسلم في الاستئذان. 106 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَمُّوا بِاسْمِى وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِى» قَالَهُ أَنَسٌ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سموا) أبناءكم (باسمي) محمد أو أحمد (ولا تكتنوا) بسكون الكاف وفتح الفوقية وضم النون ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولا تكنوا بفتح الكاف والنون المشدّدة على حذف إحدى التاءين (بكنيتي) بالياء. قال في الفتح: وللأصيلي بكنوتي بالواو بدل التحتية وهي بمعناها

تقول كنيته وكنوته معنى والكنية ما أوله أب أو أم كأبي القاسم وأبي عبد الله وأم الخير والاسم ما عري عنه (قاله) بالهاء أي ما سبق لأبي الوقت قال بإسقاط الضمير ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيه (أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما سبق موصولاً في البيوع وصفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلفظ سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي. 6187 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ - رضى الله عنه - قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلاَمٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ فَقَالُوا: لاَ نَكْنِيهِ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «سَمُّوا بِاسْمِى وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِى». وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالسين المهملة ابن مسرهد بن مسربل الأسدي الحافظ البصري أبو الحسن قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الواسطي الطحان أحد الأعلام يقال إنه اشترى نفسه من الله ثلاث مرات بوزنه فضة قال: (حدّثنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي أبو هذيل الكوفي (عن سالم) هو ابن أبي الجعد (عن جابر) الأنصاري (رضي الله عنه) أنه (قال ولد لرجل منا) أي أعرف اسمه (غلام فسماه القاسم فقالوا: لا نكنيه) بفتح النون وسكون الكاف بأبي القاسم (حتى نسأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن حكم ذلك فسألوه (فقال): (سموا باسمي ولا تكنوا) بسكون الكاف وضم النون ولأبي ذر تكنوا بفتح الكاف والنون المشددة (بكنيتي) أبي القاسم والحديث مر في الخمس. 6188 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «سَمُّوا بِاسْمِى وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِى». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أيوب) السختياني (عن ابن سيرين) محمد أنه قال: (سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- يقول: (قال: قال أبو القاسم-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سموا باسمي ولا تكنوا) بإسكان الكاف ولأبي ذر ولا تكنوا بفتح الكاف والنون المشدد: (بكنيتي). 6189 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلاَمٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ فَقَالُوا: لاَ نَكْنِيكَ بِأَبِى الْقَاسِمِ وَلاَ نُنْعِمُكَ عَيْنًا فَأَتَى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «أَسْمِ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت ابن المنكدر) محمدًا (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) يقول (ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم) بفتح السين والميم المشددة ولأبي ذر فأسماه بزيادة همزة مفتوحة وسكون السين (فقالوا) له: (لا نكنيك بأبي القاسم) بفتح النون وسكون الكاف (ولا ننعمك عينًا) بضم النون الأولى وسكون الثانية وكسر العين المهملة أي لا نقر عينك بذلك (فأتى) الرجل (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر ذلك) الذي قالوه (له) ولأبي ذر عن الكشميهني فذكروا (فقال) له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أسم ابنك عبد الرحمن) بهمزة قطع وسكون السين وقد اختلف في التكني بأبي القاسم فقيل لا يجوز مطلقًا سواء كان اسمه محمدًا أو أحمد أو لم يكن لظاهر الحديث، وذلك لأنه لما كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكنى أبا القاسم لأنه يقسم بين الناس من قِبل الله تعالى ما يوحى إليه وينزلهم منازلهم التي يستحقولها في الشرف والفضل وقسم الغنائم، ولم يكن أحد منهم يشاركه في هذا المعنى منع أن يكنى به غيره لهذا المعنى. قال البيضاوي: هذا إذا أريد به المعنى المذكور، وأما لو كني به أحد للنسبة إلى ابن له اسمه قاسم أو للعلمية المجردة جاز ويدل له التعليل المذكور. الثاني: إن هذا كان في بدء الأمر ثم نسخ فيجوز التكني به اليوم لكل أحد مطلقًا اسمه محمد وغيره وعلته التباس خطابه بخطاب غيره ويدل عليه نهيه عنه في حديث أنس المروي في البيع من البخاري عقب ما سمع رجلاً يقول: يا أبا القاسم فالتفت إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: لم أعنك. قال القاضي عياض: وهذا مذهب جمهور السلف وفقهاء الأمصار. الثالث: أنه ليس بمنسوخ وإنما كان النهي للتنزيه والأدب لا للتحريم. الرابع: أن النهي عن الجمع فلا بأس بالكنية وحدها لمن لا يسمى باسمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحديث جابر: "من تسمى باسمي فلا يكتني بكنيتي ومن اكتنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي" رواه أبو داود وهو كقولهم: اشرب اللبن ولا تأكل السمك أي حين شربه فيكون النهي عن الجمع بينهما. الخامس: المنع من التسمية بمحمد مطلقًا لحديث أنس تسمونهم محمدًا ثم تلعنونهم رواه البزار وأبو يعلى بسند لين وكتب عمر إلى أهل الكوفة لا تسموا أحدًا باسم نبي، وإنما فعل ذلك إعظامًا لاسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لئلا ينتهك وكان سمع رجلاً يقول لمحمد بن زيد بن الخطاب: يا محمد

107 - باب اسم الحزن

فعل الله بك وفعل فدعاه وقال: لا أرى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسب بك فغيّر اسمه، لكن ورد ما يدل على أن عمر -رضي الله عنه- رجع عن ذلك وكره مالك التسمية بأسماء الملائكة كجبريل. 107 - باب اسْمِ الْحَزْنِ (باب) ذكر (اسم الحزن) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي بعدها نون ضد السهل واستعمل في الخلق يقال في فلان حزونة أي في خلقه غلظ وقساوة. 6190 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَا اسْمُكَ»؟ قَالَ: حَزْنٌ قَالَ: «أَنْتَ سَهْلٌ» قَالَ: لاَ أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِى قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتِ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر أبو إبراهيم السعدي المروزي وقيل البخاري قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام اليماني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن ابن المسيب) سعيد التابعي الكبير (عن أبيه) المسيب ممن بايع تحت الشجرة (أن أباه) حزن بن أبي وهب القرشي المخزومي من المهاجرين (جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (ما اسمك؟ قال: حزن. قال: أنت سهل) وعند الإسماعيلي بل اسمك سهل (قال: لا أغير اسمًا سمانيه أبي) وفي رواية أحمد بن صالح عند أحمد فقال: لا السهل يوطأ ويمتهن وجمع بينهما في الفتح أن كلاًّ منهما فنقل بعض الرواة ما لم ينقله الآخر (قال ابن المسيب: فما زالت الحزونة) أي الصعوبة (فينا بعد) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بعده أي بعد قول جده ذلك، والمعنى كما قال السفاقسي امتناع التسهيل فيما يريدونه أو الصعوبة في أخلاقهم، قال الداودي: إلا أن سعيدًا أفضى به ذلك إلى الغضب في الله. والحديث من أفراده. 0000 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَمَحْمُودٌ قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ .. بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (ومحمود) هو ابن غيلان (قالا: حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد (عن ابن المسيب) سعيد (عن أبيه) المسيب (عن جده) حزن (بهذا) الحديث السابق. قال في الكواكب: والأمر بتغيير الاسم أي من حزن إلى سهل لم يكن على وجه الوجوب لأن الأسماء لم يسم بها لوجود معانيها في المسمى وإنما هي للتمييز ولو كان للوجوب لم يسغ له أن يثبت عليه وأن لا يغير. نعم الأولى التسمية بالاسم الحسن وتغيير القبيح إليه كذلك الأولى أن لا يسمى بما معناه التزكية والمذمة بل يسمى بما كان صدقًا وحقًّا كعبد الله ونحوه. 108 - باب تَحْوِيلِ الاِسْمِ إِلَى اسْمٍ أَحْسَنَ مِنْهُ (باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه). 6191 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: أُتِىَ بِالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِى أُسَيْدٍ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ وُلِدَ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ، وَأَبُو أُسَيْدٍ جَالِسٌ فَلَهَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَىْءٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَمَرَ أَبُو أُسَيْدٍ بِابْنِهِ فَاحْتُمِلَ مِنْ فَخِذِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَفَاقَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَيْنَ الصَّبِىُّ»؟ فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ: قَلَبْنَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «مَا اسْمُهُ»؟ قَالَ: فُلاَنٌ. قَالَ: «وَلَكِنْ أَسْمِهِ الْمُنْذِرَ» فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ الْمُنْذِرَ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة المشدّدة وبعد الألف نون محمد بن مطرّف بكسر الراء المشددة (قال: حدثني) بالإفراد (أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج (عن سهل) بفتح السين المهملة وسكون الهاء ابن سعد الساعدي (قال: أُتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية (بالمنذر) بضم الميم وسكون النون وكسر المعجمة (ابن أبي أسيد) بضم الهمزة وفتح المهملة وسكون الياء مالك بن ربيعة الساعدي الأنصاري (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين ولد) ليحنكه ويبارك عليه (فوضعه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على فخذه) بالذال المعجمة إكرامًا لأبيه (وأبو أسيد) والده (جالس فلها) بفتح الهاء في الفرع كأصله وهي لغة طيىء وبكسرها بوزن علم وهي اللغة المشهورة أي اشتغل (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشيء بين يديه) عن الصبي فنسيه (فأمر أبو أسيد بابنه فاحتمل) بضم الفوقية وكسر الميم فرفع (من فخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستفاق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هو استفعل من أفاق إذا رجع إلى ما كان قد شغل عنه وعاد إلى نفسه فلم ير الصبي (فقال): (أين الصبي)؟ (فقال): أبوه (أبو أسيد قلبناه) بفتح القاف وتخفيف اللام بعدها موحدة ولأبي ذر عن الكشميهني أقلبناه بزيادة همزة قبل القاف. قال السفاقسي: والصواب حذفها لكن أثبتها غيره لغة أي رددناه إلى المنزل (يا رسول الله. قال: ما اسمه؟ قال: فلان) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تعيينه فكأنه كان سماه اسمًا ليس مستحسنًا فسكت عن تعيينه أو سماه فنسيه بعض الرواة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ليس هذا الاسم الذي سميته به اسمه الذي

109 - باب من سمى بأسماء الأنبياء

يليق به (ولكن) ولأبي ذر قال: لا ولكن (اسمه المنذر فسماه) عليه الصلاة والسلام (يومئذ المنذر) تفاؤلاً أن يكون له علم ينذر به قاله الداودي ومثله قول الطيبي لعله عليه الصلاة والسلام تفاءل به ولمح إلى معنى التفقه في الدين في قوله تعالى: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} إلى قوله: {ولينذروا قومهم} [التوبة: 122] وسقطت الواو من قوله: ولكن في رواية أبي ذر. ومطابقته للترجمة واضحة والحديث أخرجه مسلم في الأدب. 6192 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ زَيْنَبَ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ فَقِيلَ: تُزَكِّى نَفْسَهَا فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: زَيْنَبَ. وبه قال (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي الحافظ قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) غندر (عن شعبة) بن الحجاج (عن عطاء بن أبي ميمونة) مولى أنس بن مالك (عن أبي رافع) نفيع المدني ثم البصري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن زينب) هي بنت جحش أم المؤمنين كما في مسلم وأبي داود أو هي زينب بنت أم سلمة ربيبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما رواه ابن مردويه في تفسير سورة الحجرات من طريقها (كان اسمها برّة) بفتح الموحدة والراء المشدّدة (فقيل تزكي نفسها) لأن لفظ برة مشتق من البر (فسماها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زينب) وقد وقع مثل ذلك لجويرية بنت الحارث أم المؤمنين. رواه مسلم وأبو داود والبخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس بلفظ: كان اسم جويرية برة فحوّل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسمها فسماها جويرية كره أن يقال خرج من عند برة. وحديث الباب أخرجه مسلم في الاستئذان وابن ماجة في الأدب. 6193 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، فَحَدَّثَنِى أَنَّ جَدَّهُ حَزْنًا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَا اسْمُكَ»؟ قَالَ: اسْمِى حَزْنٌ قَالَ: «بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ» قَالَ: مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِى قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتْ فِينَا الْحُزُونَةُ بَعْدُ. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء الرازي الصغير قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الحميد بن جبير بن شيبة) بفتح الشين المعجمة والموحدة بينهما تحتية ساكنة ابن عثمان الحجبي (قال: جلست إلى سعيد بن المسيب فحدثني) بالإفراد (أن جدّه حزنًا قدم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تقدم في الباب السابق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبيه أن أباه جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرواه موصولاً عن أبيه عن جدّه ورواه هنا عن جده مرسلاً فأسقط أباه وقاعدة البخاري أن الاختلاف في الوصل والإرسال لا يقدح المرسل في الموصول إذا كان الذي وصل أحفظ من الذي أرسل كما هنا، فإن الزهري أحفظ من عبد الحميد والقاعدة عند إمامنا الشافعي أن المرسل إذا جاء موصولاً من وجه آخر تبين صحة مخرج المرسل (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحزن: (ما اسمك؟ قال: اسمي حزن. قال: بل أنت سهل قال: ما أنا بمغير اسمًا سمانيه أبي. قال ابن المسيب: فما زالت فينا الحزونة بعد) وفي الحديث أن التغيير ليس على وجه المنع من التسمي بالقبيح بل على وجه الاختيار فيجوز تسمية الرجل القبيح بحسن والفاسق بصالح لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يلزم حزنًا لما امتنع من تحويل اسمه إلى سهل بذلك ولو كان ذلك لازمًا لما أقره على قوله: ما أنا بمغير اسمًا سمانيه أبي. والله الموفق للصواب. والحديث سبق قبل هذا الباب. 109 - باب مَنْ سَمَّى بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ وَقَالَ أَنَسٌ: قَبَّلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِبْرَاهِيمَ، يَعْنِى ابْنَهُ. (باب من سمى) ابنه أو غيره (بأسماء الأنبياء) عليهم الصلاة والسلام كإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (وقال أنس) فيما سبق موصولاً في الجنائز: (قبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إبراهيم يعني ابنه) وهذا التعليق ثابت في رواية الكشميهني ساقط في غيرها. 6194 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قُلْتُ لاِبْنِ أَبِى أَوْفَى: رَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ ابْنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَاتَ صَغِيرًا وَلَوْ قُضِىَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبِىٌّ عَاشَ ابْنُهُ وَلَكِنْ لاَ نَبِىَّ بَعْدَهُ. وبه قال: (حدّثنا ابن نمير) بضم النون وفتح الميم هو محمد بن عبد الله بن نمير فنسبه لجده قال: (حدّثنا محمد بن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة العبدي قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد البجلي قال: (قلت لابن أبي أوفى) بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح الفاء عبد الله الصحابي ابن الصحابي واسم أبي أوفى علقمة: (رأيت إبراهيم) أي هل رأيت إبراهيم (ابن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال): نعم رأيته، وعند ابن منده والإسماعيلي قال: نعم كان أشبه الناس به لكنه (مات صغيرًا) ثم ذكر السبب فقال: (ولو قضي) بضم القاف وكسر الضاد المعجمة (أن يكون بعد محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نبي عاش ابنه) إبراهيم (ولكن لا نبي بعده) لأنه خاتم النبيين، وعند ابن ماجة من

حديث ابن عباس لما مات إبراهيم ابن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى عليه وقال: "إن له مرضعًا في الجنة ولو عاش لكان صديقًا نبيًّا" وفي إسناده أبو شيبة إبراهيم بن عثمان الواسطي وهو ضعيف، ومن طريقه أخرجه ابن منده في المعرفة وقال: إنه غريب، وعند أحمد وابن منده من طريق السدي عن أنس قال: إن إبراهيم قد ملأ المهد ولو بقي لكان نبيًّا لكنه لم يكن ليبقى فإن نبيكم آخر الأنبياء ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي وقد توارد عليه جماعة من الصحابة. وأما استنكار ابن عبد البر حديث أنس حيث قال بعد إيراده في التمهيد: لا أدري ما هذا فقد ولد لنوح غير نبي ولو لم يلد النبي الأنبياء لكان كل أحد نبيًا لأنهم من ولد نوح ولا يلزم من الحديث المذكور ما ذكره لما لا يخفى، وكأنه سلف النووي -رضي الله عنه- في قوله في تهذيب الأسماء واللغات، وأما ما روي عن بعض المتقدمين لو عاش إبراهيم لكان نبيًّا فباطل وجسارة على الكلام على المغيبات ومجازفة وهجوم على عظيم من الزلل. قال الحافظ ابن حجر: في الإصابة وغيرها: وهو عجيب مع وروده عن ثلاثة من الصحابة وكأنه لم يظهر له وجه تأويله فأنكره، وقال في الفتح: ويحتمل أن لا يكون استحضر ذلك عن الصحابة المذكورين فرواه عن غيرهم ممن تأخر عنهم فقال ذلك، وجوابه أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع ولا يظن بالصحابي أن يهجم على مثل هذا بظنه والله أعلم. والحديث أخرجه ابن ماجة. 6195 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ قَالَ: لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِى الْجَنَّةِ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قاضي مكة قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) الأنصاري أنه (قال: سمعت البراء) بن عازب -رضي الله عنه- (قال: لما مات إبراهيم عليه السلام قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن له مرضعًا) بضم الميم وكسر الضاد المعجمة تتم إرضاعه (في الجنة) لأنه لما مات كان ابن ستة عشر شهرًا رواه ابن منده أو ثمانية عشر شهرًا رواه أحمد في مسنده عن عائشة، وقيل عاش سبعين يومًا حكاه البيهقي وكانت وفاته في ربيع الأول، وقيل في رمضان، وقيل في ذي الحجة، وهذا القول الثالث باطل على القول بأنه مات سنة عشر لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في حجة الوداع إلا إن كان مات في آخر ذي الحجة وعلى القول بأنه عاش سبعين يومًا يكون مات سنة ثمان والله أعلم. والحديث سبق في الجنائز. 6196 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَمُّوا بِاسْمِى، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِى، فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ». وَرَوَاهُ أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن حصين بن عبد الرحمن) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين السلمي أبي الهذيل الكوفي (عن سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة الأشجعي مولاهم الكوفي (عن جابر بن عبد الله الأنصاري) -رضي الله عنه- وسقط قوله ابن عبد الله الأنصاري لأبي ذر أنه (قال: قال رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (سموا باسمي) محمد أو أحمد (ولا تكتنوا) بسكون الكاف بعدها فوقية مفتوحة ولأبي ذر: ولا تكنوا بفتح الكاف بعدها نون مفتوحة مشددة (بكنيتي) أبي القاسم، ولأبي ذر عن الكشميهني بكنوتي بالواو بدل الياء ومعناهما واحد (فإنما أنا قاسم أقسم بينكم) مال الله أي وغيري ليس بهذه المنزلة فالكنية إنما تكون سبب وصف صحيح في المكني به والحصر هنا ليس بحصر مطلق بل بالحصر المقيد. ومباحث الحديث سبقت قريبًا في باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سموا باسمي. (ورواه) أي الحديث (أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله في البيوع وفي صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من طريق حميد عن أنس بلفظ: (سموا اسمي ولا تكتنوا بكنيتي). 6197 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سَمُّوا بِاسْمِى، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِى، وَمَنْ رَآنِى فِى الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِى، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُ صُورَتِى، وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو موسى التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري قال: (حدّثنا أبو حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين بعدها تحتية ساكنة فنون عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (سموا) أبناءكم (باسمي ولا تكتنوا) بسكون الكاف، ولأبي ذر ولا تكنوا بفتح الكاف بعدها نون مشددة

110 - باب تسمية الوليد

وأصله تتكنوا فحذفت إحدى التاءين (بكنيتي) ولأبي ذر عن الكشميهني بكنوتي بالواو (ومن رآني) أي رأى مثال صورتي (في المنام فقد رآني) قال في شرح المشكاة: الشرط والجزاء اتحدا فدل على التناهي في المبالغة أي من رآني فقد رأى حقيقتي على كمالها لا شبهة ولا ارتياب فيما رأى. وقال غيره: فقد رآني ليس بجزاء الشرط حقيقة بل لازمه نحو: فليستبشر فإنه قد رآني والحق أن ما يراه مثال حقيقة روحه المقدسة التي هي محل النبوّة وما يراه من الشكل ليس هو روح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا شخصه بل هو مثال له على التحقيق (فإن الشيطان لا يتمثل) لا يتصوّر (صورتي) هذا كالتتميم للمعنى والتعليل للحكم، ولأبي ذر عن الكشميهني في صورتي. وبقية المباحث المتعلقة بهذا تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته في كتاب التعبير: وقوله: ومن رآني الخ حديث آخر جمعه مع سابقه ولاحقه بالإسناد السابق (ومن) ولأبي ذر فمن بالفاء بدل الواو (كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده) أي فليتخذ موضعًا لمقامه (من النار) وتقدّم في كتاب العلم شيء من مباحثه والله الموفق. 6198 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: وُلِدَ لِى غُلاَمٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَدَفَعَهُ إِلَىَّ. وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِى مُوسَى. وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بن دكين أبو كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء وبعد التحتية الساكنة دال مهملة (ابن أبي بردة عن) جدّه (أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر وقيل الحارث (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- أنه (قال: ولد لي غلام فأتيت به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسماه إبراهيم فحنكه) أي دلك سقف فمه (بتمرة) بعد أن مضغها عقب تسميته إبراهيم كاسم خليل الله (ودعا له بالبركة ودفعه إليّ) بتشديد التحتية (وكان) إبراهيم هذا (أكبر ولد أبي موسى) قال في الفتح: وهذا يشعر بأن أبا موسى كني قبل أن يولد له وإلاّ فلو كان الأمر على ذلك لكني بابنه إبراهيم المذكور ولم ينقل أنه كان يكنى أبا إبراهيم، والحديث مرّ في العقيقة. 6199 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلاَقَةَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ قَالَ: انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ. رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا زائدة حدّثنا زياد بن علاقة) بكسر العين المهملة وتخفيف اللام وبالقاف الثعلبي قال: (سمعت المغيرة بن شعبة) الثقفي شهد الحديبية وولي الكوفة غير مرة -رضي الله عنه- (قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم) ابن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سنة عشر كما جزم به الواقدي وقال: يوم الثلاثاء لعشر خلون من ربيع الأول (رواه) أي هذا الحديث (أبو بكرة) نفيع (عن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما سبق موصولاً في الكسوف لكن ليس فيه يوم مات إبراهيم، وفي هذه الأحاديث جواز التسمية بأسماء الأنبياء، وقد ثبت عن سعيد بن المسيب أنه قال: أحب الأسماء إلى الله تعالى أسماء الأنبياء. 110 - باب تَسْمِيَةِ الْوَلِيدِ (باب) حكم (تسمية الوليد) بفتح الواو وكسر اللام بعدها تحتية ساكنة فدال مهملة. 6200 - أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا رَفَعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِى يُوسُفَ». وبه قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (أبو نعيم الفضل بن دكين) سقط لأبي ذر الفضل بن دكين قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد) أي ابن المسيب (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: لما) بتشديد الميم (رفع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأسه من الركعة قال) بعد قوله سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد: (اللهم أنج الوليد) بقطع همزة أنج مفتوحة مجزوم بالطلب وكسر للساكنين (ابن الوليد) بن المغيرة المخزومي (و) أنج (سلمة بن هشام) أخا أبي جهل بن هشام (و) أنج (عياش بن أبي ربيعة) أخا أبي جهل لأمه (و) أنج (المستضعفين بمكة من المؤمنين) من عطف العام على الخاص وسقط قوله من المؤمنين من اليونينية: (اللهم اشدد) بهمزة وصل (وطأتك) بفتح الواو وسكون الطاء المهملة ثم همزة أي اشدد بأسك أو عقوبتك (على) كفار قريش أولاد (مضر) بن نزار بن معد بن عدنان (اللهم اجعلها) أي الموطأة أو الأيام أو السنين وقد نصوا على جواز عود الضمير على المتأخر لفظًا ورتبة إذا كان مخبرًا عنه بخبر يفسره كقوله: {إن هي إلا حياتنا الدنيا} [الأنعام: 29]

111 - باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفا

وما نحن فيه من هذا القبيل أي واجعل السنين (عليهم سنين كسني يوسف) الصديق عليه الصلاة والسلام في القحط وبلوغ غاية الجهد والضراء، وموضع الترجمة قوله: الوليد بن الوليد على ما لا يخفى. وأما حديث ابن مسعود عند الطبراني نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يسمي الرجل عبده أو ولده حربًا أو برة أو وليدًا فسنده ضعيف جدًّا. وفي حديث معاذ بن جبل عند الطبراني أيضًا قال: خرج علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر حديثًا فيه قال الوليد: اسم فرعون هادم شرائع الإسلام يبوء بدمه رجل من أهل بيته وسنده ضعيف جدًّا وفسر بالوليد بن يزيد بن عبد الملك لفتنة الناس به حتى خرجوا عليه فقتلوه وانفتحت الفتن على الأمة بسبب ذلك وكثر فيهم القتل. وحديث الباب مرّ في باب يهوي بالتكبير من كتاب الصلاة. 111 - باب مَنْ دَعَا صَاحِبَهُ فَنَقَصَ مِنِ اسْمِهِ حَرْفًا وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: لِى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أَبَا هِرٍّ». (باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفًا) بتخفيف قاف فنقص (وقال أبو حازم) سلمان الأشجعي الكوفي مما وصله المؤلّف في الأطعمة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال لي النبي) ولأبي ذر عن أبي هريرة عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يا أبا هرّ) بكسر الهاء وتشديد الراء وفي اليونينية بفتحها فنقل اللفظ من التصغير والتأنيث إلى التكبير والتذكير فهو وإن كان نقصانًا من اللفظ ففيه زيادة في المعنى قاله ابن بطال. 6201 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا عَائِشَ هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ» قُلْتُ وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، قَالَتْ: وَهْوَ يَرَى مَا لاَ نَرَى. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (حدثني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام) بفتح الشين من عائش ويجوز ضمها وبإسقاط هاء التأنيث على الترخيم، وهذا ونحوه يجوز ترخيمه مطلقًا مما هو علم كفاطمة أو غير علم كجارية زائدًا على ثلاثة أحرف أو كان على ثلاثة فقط كشاة تقول: يا فاطم ويا جاري ويا شا، ومنه قاله يا شا ادجني بحذف ياء التأنيث للترخيم، وأما ما ليس بمؤنث بالهاء فلا يرخم إلا بشرط أن يكون رباعيًّا فأكثر وأن يكون علمًا وأن لا يكون مركبًا تركيب إضافة ولا إسناد، وذلك كعثمان وجعفر فنقول: يا عمّ ويا جعف فلا يرخم نحو زيد وقائم وقاعد وعبد شمس وشاب قرناها وما ركب تركيب مزج فيرخم بحذف عجزه فتقول فيمن اسمه معد يكرب يا معدي (قلت) ولأبي ذر قالت (وعليه السلام ورحمة الله. قالت: وهو) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يرى ما لا ترى) ولأبي ذر: أرى بالهمز بدل النون والرؤية أمر يخلقه الله في الرائي فإن خلقها فيه رأى، وإلاّ فلا فلذا اختص بها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رؤية جبريل حينئذ دون عائشة. والحديث مرّ في المناقب. 6202 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ فِى الثَّقَلِ وَأَنْجَشَةُ غُلاَمُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسُوقُ بِهِنَّ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أَنْجَشَ، رُوَيْدَكَ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد قال: (حدّثنا أيوب) هو السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: كانت أم سليم) هي أم أنس (في الثقل) بفتح المثلثة والقاف متاع المسافر (وأنجشة) الحبشي (غلام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسوق بهن) بالنساء (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا أنجش) بإسقاط الهاء وفتح الشين المعجمة وضمها مرخمًا (رويدك سوقك بالقوارير) أي لا تعجل في سوق النساء فإنهن كالقوارير في سرعة الانفعال والتأثر. والحديث مرّ في باب ما يجوز من الشعر. 112 - باب الْكُنْيَةِ لِلصَّبِىِّ وَقَبْلَ أَنْ يُولَدَ لِلرَّجُلِ (باب) جواز (الكنية للصبي) وسقط باب لغير أبي ذر فالكنية رفع (و) جواز الكنية (قبل أن يولد للرجل) ولأبي ذر عن الكشميهني قبل أن يلد الرجل. 6203 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِى أَخٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَيْرٍ قَالَ أَحْسِبُهُ فَطِيمٌ، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ»؟ نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاَةَ وَهُوَ فِى بَيْتِنَا فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِى تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّى بِنَا. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن عبد الحميد الثقفي (عن أبي التياح) يزيد بن حميد (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحسن الناس خلقًا) بضم الخاء المعجمة وقال: هذا توطئة لقوله (وكان لي أخ) من أمه أم سليم (يقال له أبو عمير) بضم العين وفتح الميم ابن أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري وكان اسمه عبد الله فيما جزم به الحاكم أبو أحمد، وقيل اسمه حفص

113 - باب التكنى بأبى تراب وإن كانت له كنية أخرى

كما عند ابن الجوزي في الكنى مات على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعن أنس قال: كان لأبي طلحة ابن يشتكي فخرج أبو طلحة في بعض حاجاته فقبض الصبي الحديث وهذا هو الصبي المقبوض قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "بارك الله لكما في ليلتكما" فولدت له بعد ذلك عبد الله بن أبي طلحة فبورك فيه وهو والد إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الفقيه وإخوته كانوا عشرة كلهم حمل عنه العلم (قال: أحسبه) أظنه (فطيم) بالرفع صفة لقوله لي أخ وأحسبه اعتراض بين الصفة والموصوف أي مفطوم بمعنى فصل رضاعه ولأبي ذر فطيمًا بالنصب مفعولاً ثانيًا لأحسب (وكان) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إذا جاء) إلى أم سليم (قال) لأبي عمير يمازحه: (يا أبا عمير ما فعل النغير) تصغير نغر بضم النون وفتح النون المعجمة (كان يلعب) أي يتلهى (به) أبو عمير وكان قد مات وحزن عليه والنغير طائر يشبه العصفور وقيل فراخ العصافير قال عياض والراجح أنه طائر أحمر المنقار وفي رواية ربعي فقالت أم سليم: ماتت صعوته التي كان يلعب بها فقال النبي: يا أبا عمير ما فعل النغير قال أنس: (فربما حضر) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط) بكسر الموحدة (الذي تحته فيكنس وينضح) مبنيان للمفعول والنضح بالضاد المعجمة ثم الحاء المهملة الرش بالماء (ثم يقوم) عليه الصلاة والسلام (ونقوم خلفه فيصلّي بنا). وفي الحديث جواز تكنية الصغير، والحديث مطابق للجزء الأول من الترجمة، وقول صاحب الفتح والركن الثاني مأخوذ بالإلحاق بطريق الأولى، تعقبه في عمدة القاري فقال: هذا كلام غير موجه لأن جواز التكني للصبي لا يستلزم التكني للرجل قبل أن يولد له فكيف يصح الإلحاق به فضلاً عن الأولوية؟ والظاهر أنه لم يظفر بحديث على شرطه مطابق للجزء الثاني فلذلك لم يذكر له شيئًا. وقال ابن بطال: بناء اللقب والكنية إنما هو على معنى التكرمة والتفاؤل له أن يكون أبًا وأن يكون له ابن وإذا جاز للصبي في صغره فالرجل قبل أن يولد له أولى بذلك اهـ. وفي حديث صهيب عند أحمد وابن ماجة وصححه الحاكم أن عمر قال له: مالك تكنى أبا يحيى وليس لك ولد قال: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كناني وعن علقمة عن ابن مسعود عند الطبراني بسند صحيح أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كناه أبا عبد الرحمن، وقال بعضهم: بادروا أبناءكم بالكنى قبل أن تغلب عليها الألقاب. وحديث الباب فيه فوائد جمعها أبو العباس بن القاص من الشافعية في جزء مفرد وسبقه إلى ذلك أبو حاتم الرازي أحد أئمة الحديث ثم الترمذي في الشمائل ثم الخطابي. 113 - باب التَّكَنِّى بِأَبِى تُرَابٍ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ كُنْيَةٌ أُخْرَى (باب) جواز (التكني بأبي تراب وإن كانت له كنية أخرى) سابقة قبل ذلك. 6204 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: إِنْ كَانَتْ أَحَبَّ أَسْمَاءِ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - إِلَيْهِ لأَبُو تُرَابٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ أَنْ يُدْعَى بِهَا، وَمَا سَمَّاهُ أَبُو تُرَابٍ إِلاَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَاضَبَ يَوْمًا فَاطِمَةَ فَخَرَجَ فَاضْطَجَعَ إِلَى الْجِدَارِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَجَاءَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتْبَعُهُ فَقَالَ: هُوَ ذَا مُضْطَجِعٌ فِى الْجِدَارِ فَجَاءَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَامْتَلأَ ظَهْرُهُ تُرَابًا فَجَعَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ يَقُولُ: «اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ». وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام البجلي الكوفي قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال قال: (حدثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي الأنصاري أنه (قال: إن كانت أحب أسماء عليّ -رضي الله عنه- إليه لأبو تراب) إن مخففة من الثقيلة ولفظ كانت زائدة كقوله: وجيران لنا كانوا كرام وأحب منصوب اسم إن وإن كانت مخففة لأن تخفيفها لا يوجب إلغاءها قاله في الكواكب، وأنث كانت باعتبار الكنية. وقال السفاقسي: أنث على تأنيث الأسماء مثل: {وجاءت كل نفس} [ق: 21] وفيه إطلاق الاسم على الكنية واللام في لأبو تراب للتأكيد (وإن كان ليفرح) بلام التأكيد أيضًا وإن مخففة من الثقيلة أيضًا والضمير لعلي (أن يدعى بها) بضم أوله وفتح العين أن ينادى بها ولأبي الوقت أن يدعاها، وللحموي والمستملي أن يدعوها بضم العين بعدها واو فهاء أي يذكرها وفي الفتح عن رواية النسفيّ أن ندعوها بنون بدل الياء أي نذكرها (وما سماه أبو تراب إلا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) برفع أبو على الحكاية وصوّب النصب السفاقسي على المفعولية وهو ظاهر نعم قيل إن في بعض النسخ بالنصب كذلك وسبب تكنيته بها أنه (غاضب يومًا فاطمة) زوجته -رضي الله عنهما- (فخرج) من عندها خشية أن

114 - باب أبغض الأسماء إلى الله

يبدو منه في حالة الغيظ ما لا يليق بجناب فاطمة فحسم مادة الكلام إلى أن تسكن فورة الغضب من كل منهما (فاضطجع إلى الجدار إلى المسجد) كذا في رواية النسفيّ كما قاله في الفتح، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إلى الجدار في المسجد بلفظ في بدل إلى في الثاني، وللكشميهني في جدار المسجد (فجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتبعه) بسكون الفوقية مخففًا كذا في فرع اليونينية كهي قال في الفتح قوله يتبعه بتشديد المثناة من الإتباع، وقال العيني: ويروى من الثلاثي، ولأبي ذر عن الكشميهني: يبتغيه بموحدة ساكنة فمثناة فوقية فغين معجمة من الابتغاء أي يطلبه (فقال): (هوذا) أي عليّ (مضطجع في الجدار فجاءه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) الحال أنه قد (امتلأ ظهره ترابًا فجعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمسح التراب عن ظهره ويقول: اجلس يا أبا تراب) فاشتق له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من حالته هذه الكنية. قال الخليل: يقال لمن كان قائمًا اقعد ولمن كان نائمًا أجلس، وتعقبه ابن دحية بحديث الموطأ حيث قال للقائم اجلس، وفيه كرم خلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه توجه نحو علي ليترضاه ومسح التراب عن ظهره ليبسطه وداعبه بالكنية المذكورة ولم يعاتبه على مغاضبته لابنته مع رفيع منزلتها عنده ففيه استحباب الرفق بالأصهار وترك معاتبتهم إبقاء لمودتهم، وفيه أيضًا أن أهل الفضل قد يقع بينهم وبين أزواجهم ما جبل الله عليه البشر من الغضب وليس ذلك بعيب وفيه جواز تكنية الشخص بأكثر من كنية فإن عليًّا كانت نيته أبا الحسن. 114 - باب أَبْغَضِ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ (باب أبغض الأسماء إلى الله) عز وجل. 6205 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَخْنَى الأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أخنى) بهمزة مفتوحة فخاء معجمة ساكنة فنون مفتوحة بعدها ألف مقصورة أي أفحش من الخنى وهو الفحش، ولأبي ذر عن المستملي: أخنع بالعين المهملة بدل الألف أي أذل وأوضع (الأسماء) وفي مسلم عن أبي هريرة من وجه بلفظ أبغض، وفي لفظ أبغض، وفي لفظ أخبث الأسماء (يوم القيامة عند الله رجل تسمى ملك الأملاك) بكسر اللام والأملاك جمع ملك بالكسر وبالفتح جمع مليك، ولأبي ذر بملك الأملاك بزيادة موحدة أي سمى نفسه بذلك أو سمي بذلك فرضي به، واستمر عليه وذلك لأن هذا من صفات الحق جل جلاله وذلك لا يليق بمخلوق والعباد إنما يوصفون بالذل والخضوع والعبودية. قال في المصابيح، فإن قلت: كيف جاز جعل رجل خبرًا عن أخنى الأسماء؟ وأجاب: بأنه على حذف مضاف أي اسم رجل تسمى ملك الأملاك اهـ. وزاد في شرح المشكاة أن يراد بالاسم المسمى مجازًا أي أخنى الرجال رجل كقوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] وفيه من المبالغة أنه إذا قدس اسمه عما لا يليق به فكان ذاته بالتقديس أولى وهنا إذا كان الاسم محكومًا عليه بالهوان والصغار فكيف بالمسمى، وإذا كان حكم المسمى ذلك فكيف بالمسمي. والحديث من أفراده. 6206 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رِوَايَةً قَالَ: «أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ، وَقَالَ سُفْيَانُ: غَيْرَ مَرَّةٍ أَخْنَعُ الأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكِ الأَمْلاَكِ». قَالَ سُفْيَانُ: يَقُولُ غَيْرُهُ تَفْسِيرُهُ شَاهَانْ شَاهْ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (رواية) نصب على التمييز أي من حيث الرواية عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال): (أخنع اسم) بالعين أي أشدّ ذلاًّ (عند الله) وفي الرواية السابقة يوم القيامة والتقييد بيوم القيامة مع أن حكمه في الدنيا كذلك للإشعار بترتب ما هو مسبب عنه من إنزال الهوان وحلول العقاب. (وقال سفيان) بن عيينة بالسند السابق: (غير مرة أخنع الأسماء) بالعين (عند الله رجل تسمى بملك الأملاك) بكسر اللام وزاد ابن أبي شيبة في روايته عند مسلم لا مالك إلا الله وهو استئناف لبيان تعليل تحريم التسمية بهذا الاسم فنفى جنس الملاك بالكلية لأن المالك الحقيقي ليس إلا هو ومالكية الغير

115 - باب كنية المشرك

عارية مستردة إلى مالك الملوك فمن تسمى بهذا الاسم نازع الله في رداء كبريائه واستنكف أن يكون عبد الله فيكون له الخزي والنكال (قال سفيان) أيضًا (يقول غيره). أي غير أبي الزناد (تفسيره) بالفارسية أي ملك الأملاك (شاهان) لين معجمة مفتوحة فألف فنون ساكنة (شاه) بشين معجمة فألف فهاء ساكنة وليست هاء تأنيث، وعند أحمد قال: سفيان مثل شاهان شاه، وزاد الإسماعيلي من رواية محمد بن الصباح عن سفيان مثل ملك الصين وقد كانت التسمية بذلك كثرت في ذلك الزمان فنبه سفيان على أن الاسم الذي ورد الخبر بذمه لا ينحصر في ملك الأملاك بل كل ما أدى إلى معناه بأي لسان كان فهو مراد بالذم، وزعم بعضهم أن الصواب شاه شاهان بالتقديم والتأخير، وليس كذلك لأن قاعدة العجم تقديم المضاف إليه على المضاف فإذا أرادوا قاضي القضاة بلسانهم؟ قالوا: موبذان موبذ فموبذ هو القاضي وموبذان جمعه، وكذا شاه هو الملك وشاهان هو الملوك، ويؤخذ من الحديث تحريم التسمي بهذا الاسم لورود الوعيد التشديد ويلحق به ما في معناه كأحكم الحاكمين وسلطان السلاطين وأمير الأمراء، وهل يلحق به من تسمى بأقضى القضاة؟ فقال الزمخشري في كشافه عند قوله تعالى: {أحكم الحاكمين} [هود: 45] بالمنع من أن يلقب بأقضى القضاة وتعقبه ابن المنير بحديث "أقضاكم عليّ وقد وجدت التسمية بقاضي القضاة في العصر القديم من عهد أبي يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وكان الماوردي يلقب بأقضى القضاة مع منعه من تلقيب الملك الذي كان في زمانه بملك الملوك. وقال العيني: يمتنع أن يقال أقضى القضاة لأن معناه أحكم الحاكمين، وهذا أبلغ من قاضي القضاة لأنه أفعل تفضيل قال: ومن جهل أهل زماننا من مسطري سجلات القضاة يكتبون للنائب أقضى القضاة وللقاضي الكبير قاضي القضاة. 115 - باب كُنْيَةِ الْمُشْرِكِ وَقَالَ مِسْوَرٌ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِى طَالِبٍ». (باب) حكم (كنية المشرك. وقال مسور): بكسر الميم وسكون السين المهملة ابن مخرمة ومما وصله البخاري في أواخر كتاب النكاح في باب ذب الرجل عن ابنته (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) وهو على المنبر إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن (إلا أن يريد ابن أبي طالب) أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم الحديث. فذكر أبا طالب المشرك بكنيته في غيبته وكان اسمه عبد مناف. 6207 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى أَخِى، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - رضى الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأُسَامَةُ وَرَاءَهُ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِى بَنِى حَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، فَسَارَا حَتَّى مَرَّا بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ ابْنُ سَلُولَ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ فَإِذَا فِى الْمَجْلِسِ أَخْلاَطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ وَفِى الْمُسْلِمِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ، خَمَّرَ ابْنُ أُبَىٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ وَقَالَ: لاَ تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا، فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِمْ ثُمَّ وَقَفَ، فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَيُّهَا الْمَرْءُ لاَ أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ إِنْ كَانَ حَقًّا فَلاَ تُؤْذِنَا بِهِ فِى مَجَالِسِنَا فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاغْشَنَا فِى مَجَالِسِنَا، فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ، حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْفِضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَابَّتَهُ فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَىْ سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ» يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: أَىْ رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ، فَوَالَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ الَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ، وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبَحْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ وَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِى أَعْطَاكَ شَرِقَ بِذَلِكَ فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ وَيَصْبِرُونَ عَلَى الأَذَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [آل عمران: 186] الآيَةَ وَقَالَ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [البقرة: 109] فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَأَوَّلُ فِى الْعَفْوِ عَنْهُمْ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ حَتَّى أَذِنَ لَهُ فِيهِمْ، فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَدْرًا فَقَتَلَ اللَّهُ بِهَا مَنْ قَتَلَ مِنْ صَنَادِيدِ الْكُفَّارِ وَسَادَةِ قُرَيْشٍ، فَقَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ مَنْصُورِينَ غَانِمِينَ مَعَهُمْ أُسَارَى مِنْ صَنَادِيدِ الْكُفَّارِ وَسَادَةِ قُرَيْشٍ قَالَ ابْنُ أُبَىٍّ ابْنُ سَلُولَ: وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ فَبَايِعُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الإِسْلاَمِ فَأَسْلَمُوا. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم قال البخاري: (حدّثنا) ولأبي ذر وحدّثنا بواو العطف على السند السابق (إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (أخي) عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن محمد بن أبي عتيق) هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق واسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (أن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أخبره أن رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركب على حمار عليه قطيفة) كساء (فدكية) بفتح الفاء والدال المهملة وبالكاف والتحتية المشدّدة نسبة لقرية قرب المدينة تسمى فدك ولأبي ذر على قطيفة فدكية (وأسامة) بن زيد (وراءه) حال كونه (يعود سعد بن عبادة في) منازل (بني حارث بن الخزرج) بغير ألف ولام في حارث (قبل وقعة بدر فسارا) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأسامة (حتى مرّا بمجلس فيه عبد الله بن أبي) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتية منوّنة (ابن سلول) برفع ابن صفة لعبد الله لأن سلول أم عبد الله وهي بفتح السين المهملة (وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي) بضم التحتية وسكون السين المهملة أي قبل أن يظهر إسلامه ولم يسلم قط (فإذا في المجلس أخلاط) بالخاء المعجمة الساكنة أنواع (من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان) بالمثلثة وجر عبدة بدلاً مما قبله (واليهود) عطف على عبدة أو على المشركين (وفي المسلمين) ولأبي ذر عن الكشميهني وفي المجلس بدل وفي المسلمين (عبد الله بن رواحة) بفتح الراء والواو المخففة والحاء المهملة الخزرجي الأنصاري الشاعر

فلما غشيت المجلس (عجاجة الدابة) بفتح العين المهملة والجيمين بينهما ألف مخففًا أي غبارها (خمر) بفتح الخاء المعجمة والميم المشدّدة بعدها راء غطى (ابن أبي) عبد الله (أنفه بردائه وقال: لا تغبروا علينا) بالموحدة بعد المعجمة أي لا تثيروا علينا الغبار (فسلم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليهم) ناويًا المسلمين (ثم وقف فنزل) عن الدابة (فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فقال له عبد الله بن أبي ابن سلول) للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أيها المرء لا) شيء (أحسن مما تقول) بفتح الهمزة والسين المهملة بينهما حاء مهملة ساكنة أفعل تفضيل اسم لا وخبرها شيء المقدر (إن كان حقًّا) ويجوز أن تكون إن كان حقًّا شرطًا ولأبي ذر عن الكشميهني لا أحسن بضم الهمزة وكسر السين ما تقول بإسقاط الميم الأولى (فلا تؤذنا) مجزوم بحذف حرف العلة وعلى القول بأن إن كان حقًّا شرط فجزاؤه فلا تؤذنا (به) بقولك (في مجالسنا) بالجمع (فمن جاءك فاقصص عليه. قال عبد الله بن رواحة) -رضي الله عنه- (بلى يا رسول الله فاغشنا) بهمزة وصل وفتح الشين المعجمة زاد أبو ذر عن الكشميهني به أي بقولك (في مجالسنا) بالجمع (فإنا نحب ذلك، فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون) بالتحتية ثم الفوقية ثم المثلثة المفتوحات أي قاربوا أن يثب بعضهم على بعضهم فيقتتلوا (فلم يزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخفضهم) بالخاء والضاد المعجمتين بينهما فاء مشددة مكسورة وفي اليونينية بفتح التحتية وسكون الخاء المعجمة يسكتهم (حتى سكتوا) بالفوقية من السكوت وللحموي والمستملي سكنوا بالنون بدل الفوقية (ثم ركب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دابته فسار حتى دخل على سعد بن عبادة) يعوده (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أي سعد) وفي تفسير آل عمران يا سعد (ألم تسمع ما قال أبو حباب) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة الأولى المخففة (يريد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عبد الله بن أبي) وهذا موضع الترجمة لأن عبد الله لم يكن يظهر الإسلام فذكره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكنيته في غيبته (قال: كذا وكذا فقال سعد بن عبادة: أي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأبي أنت) أي مفدي بأبي (اعف عنه واصفح فو) الله (الذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك) بفتح الهمزة والزاي (ولقد اصطلح أهل هذه البحرة) بفتح الموحدة وسكون الحاء المهملة البلدة وهي المدينة النبوية ولأبي ذر عن الكشميهني البحيرة بضم الموحدة مصغرًا (على أن يتوّجوه) بتاج الملك (ويعصبوه بالعصابة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بعصابة أي بعصابة الملك (فلما ردّ الله ذلك) الذي اصطلحوا عليه (بالحق الذي أعطاك رق) غص ابن أبي (بذلك) الحق الذي أعطاك (فذلك) الحق الذي (فعل به ما رأيت) من فعله وقوله القبيح (فعفا عنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) -رضي الله عنهم- (يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى. قال الله تعالى: {ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب}) [آل عمران: 186] يعني اليهود والنصارى (الآية. وقال) تعالى: ({ودّ كثير من أهل الكتاب}) [البقرة: 109] الآية (فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتأول في العفو عنهم ما أمره الله به) والتأويل تفسير ما يؤول إليه الشيء (حتى أذن) تعالى (له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فيهم) بالقتال فترك العفو عنهم بالنسبة للقتال (فلما غزا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدرًا فقتل الله بها من قتل من صناديد الكفار وسادة قريش) جمع صنديد وهو السيد الشجاع (فقفل) بالفاء أي رجع (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) من بدر (منصورين) على الكفار (غانمين معهم أسارى) بضم الهمزة (من صناديد الكفار وسادة قريش قال ابن أبي) بالتنوين (ابن سلول) برفع ابن (ومن معه من المشركين عبدة الأوثان) لما رأوا نصر المسلمين ومغنمهم: (هذا أمر قد توجه) أي ظهر وجهه (فبايعوا) بكسر التحتية (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الإسلام فأسلموا) بفتح اللام، ولأبي ذر: وأسلموا بالواو وكسر اللام. والحديث مرّ في تفسير

116 - باب المعاريض مندوحة عن الكذب

سورة آل عمران. 6208 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَىْءٍ؟ فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ، قَالَ: «نَعَمْ هُوَ فِى ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، لَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِى الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري قال: (حدّثنا عبد الملك) بن عمير (عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عباس بن عبد المطلب) -رضي الله عنه- أنه (قال: يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك) بفتح التحتية وضم الحاء المهملة وسكون الواو وبالطاء المهملة يحفظك ويرعاك (ويغضب لك)؟ لأجلك (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم) نفعته (هو في ضحضاح) بضادين معجمتين وحاءين مهملتين (من نار) موضع قريب القعر خفيف العذاب (لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) أي في الطبق الذي في قعر جهنم والنار سبع دركات سميت بذلك لأنها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض. وفي هذا الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سمع تكنية أبي طالب من العباس فأقره، وقد جوّزوا ذكر الكافر بكنيته إذا كان لا يعرف إلا بها كما في أبي طالب، أو كان على سبيل التألف رجاء إسلامهم، أو تحصيل منفعة منهم لا على سبيل التكريم فإنا مأمورون بالإغلاظ عليهم، وأما ذكر أبي لهب بالكنية دون اسمه عبد العزى فقيل لاجتناب نسبته إلى عبودية الصنم وقيل للإشارة إلى أنه سيصلّى نارًا ذات لهب. والحديث سبق في ذكر أبي طالب. 116 - باب الْمَعَارِيضُ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْكَذِبِ وَقَالَ إِسْحَاقُ: سَمِعْتُ أَنَسًا مَاتَ ابْنٌ لأَبِى طَلْحَةَ فَقَالَ: كَيْفَ الْغُلاَمُ؟ قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: هَدَأَ نَفَسُهُ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاحَ وَظَنَّ أَنَّهَا صَادِقَةٌ. هذا (باب) بالتنوين (المعاريض) من التعريض خلاف التصريح (مندوحة) بفتح الميم وسكون النون وضم الدال وبالحاء المهملتين أي في المعاريض من الاتساع ما يغني (عن الكذب. وقال إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة زيد الأنصاري مما سبق موصولاً في الجنائز (سمعت أنسًا) -رضي الله عنه- يقول (مات ابن لأبي طلحة فقال: كيف الغلام)؟ وكان جاهلاً بموته (قالت أم سليم): أم الغلام (هدأ نفسه) بفتح الهاء والدال المهمملة بعدها همزة ونفسه بفتح الفاء واحد الأنفاس أي سكن نفسه وانقطع بالموت (وأرجو أن يكون قد استراح) من بلاء الدنيا وألم أمراضها (وظن) أبو طلحة (أنها صادقة) باعتبار ما فهمه من كلامها لأن مفهومه أن الصبي تعافى لأن النفس إذا سكن أشعر بالنوم والعليل إذا نام أشعر بزوال مرضه أو خفته، فالمرأة صادقة باعتبار مرادها وأما خبرها بذلك فهو غير مطابق للأمر الذي فهمه أبو طلحة، فمن ثم قال الراوي: وظن أنها صادقة ومثل ذلك لا يسمى كذبًا على الحقيقة بل مندوحة عن الكذب. 6209 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى مَسِيرٍ لَهُ فَحَدَا الْحَادِى فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ارْفُقْ يَا أَنْجَشَةُ وَيْحَكَ بِالْقَوَارِيرِ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن ثابت البناني) بضم الموحدة (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مسير له فحدا الحادي) أنجشة الحبشي والحدو سوق الإبل والغناء لها (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ارفق يا أنجشة ويحك بالقوارير) متعلق بقوله ارفق، ولأبي ذر: ويحك القوارير بإسقاط الجار ونصب القوارير أي النساء فهو من المعاريض وهي التورية بالشيء عن الشيء كما مر معناه. والحديث سبق قريبًا. 6210 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ وَأَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ فِى سَفَرٍ، وَكَانَ غُلاَمٌ يَحْدُو بِهِنَّ يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ، فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ» قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: يَعْنِى النِّسَاءَ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد) بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم ابن زيد (عن ثابت) البناني (عن أنس و) عن حماد بن زيد عن (أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد (عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في سفر وكان غلام يحدو بهن) أي بالنساء (يقال له أنجشة فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (رويدك) نصب على الإغراء أو مفعول بفعل مضمر أي الزم رويدك أو المصدر أي أرود رويدك أي أمهل (يا أنجشة سوقك) نصب على الظرفية أي في سوقك (بالقوارير قال أبو قلابة) بالسند (يعني) بالقوارير (النساء). 6211 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَادٍ يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ لاَ تَكْسِرِ الْقَوَارِيرَ» قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِى ضَعَفَةَ النِّسَاءِ. وبه قال: (حدّثنا إسحاق أخبرنا حبان) قال في المقدمة: قال أبو علي الجياني: لم أجد إسحاق هذا منسوبًا عن أحد من رواة الكتاب، ولعله إسحاق بن منصور فإن مسلمًا قد روى في صحيحه عن حبان بن هلال. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: رأيته في رواية أبي على محمد بن عمر الشبوي في باب البيعان بالخيار قد قال فيه: حدّثنا

117 - باب قول الرجل للشىء ليس بشىء وهو ينوى أنه ليس بحق

إسحاق بن منصور حدّثنا حبان فهذه قرينة تقوّي ما ظنه أبو علي اهـ. وحبان بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة آخره نون ابن هلال الباهلي قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى بن دينار قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (قال: كان لنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاد) بالتنوين من غير تحتية (يقال له أنشجة وكان حسن الصوت فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقد سمعه يحدو بالنساء: (رويدك يا أنجشة لا تكسر القوارير) بجزم تكسر على النهي كسر للساكنين (قال قتادة) بالسند (يعني) بالقوارير (ضعفة النساء) لسرعة التأثر فيهن. 6212 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِى قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَسًا لأَبِى طَلْحَةَ فَقَالَ: «مَا رَأَيْنَا مِنْ شَىْءٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا». وبه قال: (حدّثنا مسدد) بضم الميم وفتح السين وتشديد الدال الأولى المهملة ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج أنه (قال: حدثني) بالإفراد (قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان بالمدينة فزع) بفتح الفاء والزاي بعدها مهملة خوف فاستغاثوا (فركب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرسًا) اسمه مندوب (لأبي طلحة) زيد بن سهل زوج أم سليم واستبرأ الخبر (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما رجع: (ما رأينا من شيء) يقتضي نوعًا (وإن وجدناه) أي الفرس (لبحرًا) بلام التأكيد وإن مخففة من الثقيلة وبحرًا المفعول الثاني لوجدنا وشبه الفرس بالبحر لسعة خطوه وسرعة جريه. قال في فتح الباري: وكأن البخاري استشهد بحديثي أنس لجواز التعريض والجامع بين التعريض وبين ما دلا عليه استعمال اللفظ في غير ما وضع له لمعنى جامع بينهما. وقال ابن المنير في شرح التراجم: حديث القوارير والفرس ليسا من المعاريض بل من المجاز فكان البخاري لما رأى ذلك جائزًا قال: فالمعاريض التي هي حقيقة أولى بالجواز اهـ. ومحل جواز استعمال المعاريض إذا كانت فيما يخلص من الظلم أو يحصل الحق وأما استعمالها في إبطال حق أو تحصيل باطل فلا يجوز. والحديث سبق في الجهاد. 117 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلشَّىْءِ لَيْسَ بِشَىْءٍ وَهْوَ يَنْوِى أَنَّهُ لَيْسَ بِحَقٍّ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لِلْقَبْرَيْنِ: "يُعَذَّبَانِ بِلاَ كَبِيرٍ وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ". (باب قول الرجل للشيء) الموجود (ليس بشيء وهو) أي والحال أنه (ينوي أي ليس بحق. وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله المؤلّف في كتاب الطهارة (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للقبرين: يعذبان) بفتح الذال المعجمة المشدّدة (بلا كبير) نفي (وإنه لكبير) إثبات فكأنه قال لشيء ليس بشيء وهذا التعليق ثابت لأبوي الوقت وذر ساقط لغيرهما. 6213 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ يَقُولُ: قَالَتْ عَائِشَةُ سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسُوا بِشَىْءٍ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا بِالشَّىْءِ يَكُونُ حَقًّا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّىُّ فَيَقُرُّهَا فِى أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (محمد بن سلام) السلمي مولاهم البخاري البيكندي قال: (أخبرنا مخلد بن يزيد) بفتح الميم واللام بينهما خاء معجمة ساكنة ويزيد من الزيادة الحرّاني قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أخبرني) بالإفراد (يحيي بن عروة) بن الزبير بن العوّام (أنه سمع) أباه (عروة يقول: قالت عائشة) -رضي الله عنها- (سأل أناس) ذكر في مسلم ممن سأل معاوية بن الحكم السلمي (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الكهان) بضم الكاف وتشديد الهاء جمع كاهن وهو من يدعي علم الأخبار المستقبلة (فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ليسوا بشيء) فيما يتعاطونه من علم الغيب أي ليس قولهم بصحيح يعتمد عليه كما يعتمد قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي يخبر عن الوحي (قالوا: يا رسول الله فإنهم يحدثون أحيانًا بالشيء) من الغيب (يكون حقًّا فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تلك الكلمة من الحق يخطفها) بكسر الطاء في الفرع مصلحة والمشهور فتحها وفي اليونينية كشط الخفضة ولم يضبط الطاء أي يأخذها (الجني) بسرعة (فيقرها) بفتح التحتية وضم القاف مصححًا عليها في الفرع كأصله وبتشديد الراء أي يصوّت بها (في أذن وليه) الكاهن (قرّ الدجاجة) بتثليث الدال المهملة حكاه ابن معين الدمشقي وابن مالك وغيرهما، وقرّ الدجاجة صوتها إذا قطعته ويروى بالزاي بدل الدال واختارها التوربشتي وردّ رواية الدال. قال في شرح المشكاة: لا ارتياب أن قرّ الدجاجة مفعول مطلق وفيه

118 - باب رفع البصر إلى السماء

معنى التشبيه فكما يصح أن يشبه إيراد ما اختطفه من الكلام في أذن الكاهن بصب الماء في القارورة يصح أن يشبه ترديد كلام الجني في أذن الكاهن بترديد الدجاجة صوتها في أذن صواحبها كما نشاهد الذيكة إذا وجدت شيئًا فتقرّ وتسمع صواحبها فيجتمعن عليها وباب التشبيه باب واسع لا يفتقر إلا إلى العلاقة على أن الاختطاف هاهنا مستعار للكلام من خطف الطير فتكون الدجاجة أنسب من القارورة لحصول الترشيح في الاستعارة. قال: ويؤيد ما ذهبنا إليه قول ابن الصلاح أن الأصل قرّ الدجاجة بالدال فصحف إلى قرّ الزجاجة بالزاي (فيخلطون فيها) في الكلمة التي سمعها استراقًا من الوحي (أكثر من مائة كذبة) بفتح الكاف وسكون المعجمة وقوله فيخلطون جمع بعد الإفراد نظرًا إلى الجنس. والحديث مرّ في باب الكهانة من الطب. 118 - باب رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} [الغاشية: 17 - 18]، وَقَالَ أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ: عَنْ عَائِشَةَ رَفَعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ. (باب) جواز (رفع البصر إلى السماء) وقوله تعالى: ({أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت}) طويلة ثم تبرك حتى تركب ويحمل عليها ثم تقوم ({وإلى السماء كيف رفعت}) [الغاشية: 17 - 18] رفعًا بعيد المدى بلا مساك ولا عمد ثم نجومها تكثر حتى لا تدخل في حساب الخلق، وتخصيص هذين والآيتين بعدهما وهما الجبال والأرض باعتبار أن هذا خطاب للعرب وحث لهم على الاستدلال والمرء إنما يستدل بما تكثر مشاهدته له والعرب تكون في البوادي ونظرهم فيها إلى السماء والأرض والجبال والإبل فهي أعز أموالهم وهم لها أكثر استعمالاً منهم لسائر الحيوانات، ولأنها مجمع جميع المآرب المطلوبة من الحيوان وهي الغسل والدر والحمل والركوب والأكل بخلاف غيرها، ولأن خلقها أعجب من غيرها فإنه سخرها منقادة لكل من اقتادها بأزمتها لا تمانع صغيرًا وبرأها طوال الأعناق لتنوء بالأوقار، وجعلها بحيث تبرك حتى تحمل عن قرب ويسر، ثم تنهض بما حملت وتجرّه إلى البلاد الشاسعة، وصبرها على احتمال العطش حتى أن أظماءها لترتفع إلى العشر فصاعدًا، وجعلها ترعى كل نابت في البراري ما لا يرعاه سائر البهائم. وغرض البخاري من هذه الآية ذكر السماء لينص على جواز رفع البصر إليها، وأما النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة فخاص بها لما هو مطلوب فيها من الخشوع وجمع الهمة وتطهير السر من السوى بحيث لا يكون فيه متسع لغيرها إذ المصلي يناجي ربه. (وقال أيوب) بن أبي تميمة السختياني (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن عائشة) -رضي الله عنها-: (رفع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأسه إلى السماء) وصله أحمد وهو طرف من حديث أوّله مات رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيتي ويومي وبين سحري ونحري الحديث وفيه فرفع بصره إلى السماء وقال: "الرفيق الأعلى" وهو عند البخاري في الوفاة النبوية من طريق حماد بن زيد عن أيوب بلفظ فرفع رأسه إلى السماء. وهذا التعليق ثبت في رواية المستملي والكشميهني وسقط لغيرهما. 6214 - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «ثُمَّ فَتَرَ عَنِّى الْوَحْىُ، فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِى، سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِى إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِى جَاءَنِى بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِىٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ». وبه قال: (حدّثنا ابن بكير) ولأبي ذر: يحيى بن بكير قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (يقول: أخبرني) بالإفراد (جابر بن عبد الله) -رضي الله عنهما- (أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: ثم فتر عني الوحي) احتبس بعد نزول {اقرأ باسم ربك} [الأعلى: 1] ثلاث سنين أو سنتين ونصفًا (فبينما) بالميم وفي اليونيية بإسقاطها (أنا أمشي) وجواب بينما (سمعت صوتًا من السماء) في أثناء أوقات المشي (فرفعت بصري إلى السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء) هو جبريل (قاعد على كرسي بين السماء والأرض) الحديث. وسبق في بدء الوحي أول الكتاب. 6215 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِى شَرِيكٌ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: بِتُّ فِى بَيْتِ مَيْمُونَةَ وَالنَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَهَا فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ أَوْ بَعْضُهُ قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَرَأَ: {إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِى الأَلْبَابِ} [آل عمران: 190]. وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير المدني قال: (أخبرني) بالإفراد (شريك) بفتح الشين المعجمة ابن عبد الله بن أبي نمر (عن كريب) بضم الكاف ابن أبي مسلم مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: بت في بيت ميمونة) أم المؤمنين خالته -رضي الله عنها- (والنبي

119 - باب نكت العود فى الماء والطين

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندها) في نوبتها (فلما كان ثلث الليل الآخر) بمد الهمزة ولأبي ذر عن الكشميهني الأخير بقصر الهمزة وزيادة تحتية بعد المعجمة (أو بعضه) شك من الراوي (قعد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فنظر إلى السماء فقرأ عشر آيات من سورة آل عمران ({إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات}) لأدلة واضحة على صانع قديم عليم حكيم قادر ({لأولي الألباب}) [آل عمران: 190] لمن خلص عقله عن الهوى خلوص اللب عن القشر فيرى أن العرض المحدث في الجواهر يدل على حدوث الجواهر لأن جوهرًا ما لا يخلو عن عرض حادث وما لا يخلو عن الحادث فهو حادث، ثم حدوثها يدل على محدثها وذا قديم وإلا لاحتاج إلى محدث آخر إلى ما لا يتناهى وحسن صنعه يدل على علمه وإتقانه يدل على حكمته وبقاؤه يدل على قدرته قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ويل لمن قرأها ولم يتفكّر فيها" رواه (¬1) ويحكى أن في بني إسرائيل من إذا عبد الله ثلاثين سنة أظلته سحابة فعبدها فتى فلم تظله فقالت له أمه: لعل فرطة فرطت منك في مدتك قال: ما أذكر. قالت: لعلك نظرت مرة إلى السماء ولم تعتبر. قال: لعل. قالت: فما أتيت إلا من ذاك. والحديث مرّ في أبواب الوتر وتفسير سورة آل عمران، ومطابقته للترجمة لا خفاء فيها، وسقط لأبي ذر ({واختلاف الليل والنهار}) الخ. وقال: بعد قوله ({والأرض}) الآية. 119 - باب نَكْتِ الْعُودِ فِى الْمَاءِ وَالطِّينِ (باب) ذكر (نكت العود) بفتح النون وبعد الكاف الساكنة فوقية يقال نكت في الأرض إذا ضرب فأثر فيها ولأبي ذر من نكت العود (في الماء والطين). 6216 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى مُوسَى أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى حَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ وَفِى يَدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُودٌ يَضْرِبُ بِهِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَفْتِحُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «افْتَحْ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» فَذَهَبْتُ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ: «افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» فَإِذَا عُمَرُ فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ آخَرُ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: «افْتَحْ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ -أَوْ تَكُونُ-» فَذَهَبْتُ فَإِذَا عُثْمَانُ فَفَتَحْتُ لَهُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِى قَالَ: قَالَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عثمان بن غياث) بكسر الغين المعجمة آخره مثلثة البصري قال: (حدّثنا أبو عثمان) عبد الرحمن بن ملّ (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (أنه كان مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حائط من حيطان المدينة) في بستان من بساتينها وكان فيه بئر أريس كما في الرواية الأخرى (وفي يد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عود يضرب به بين الماء والطين) ويحتمل أن يكون هذا العود هو المحضرة التي كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتوكأ عليها ولأبي ذر عن الكشميهني في الماء والطين (فجاء رجل يستفتح) يطلب أن يفتح له باب الحائط ليدخل فيه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد أن استأذنه (افتح) زاد أبو ذر عن الكشميهني له (وبشره بالجنة فذهبت فإذا أبو بكر) الصديق ولأبي ذر عن الكشميهني فإذا هو أبو بكر (ففتحت له وبشرته بالجنة فاستفتح رجل آخر فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (افتح له وبشره بالجنة فإذا) هو (عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (ففتحت له وبشرته بالجنة ثم استفتح وجل آخر وكان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (متكئًا فجلس فقال: افتح) زاد أبو ذر له (وبشره بالجنة على بلوى) غير منوّن أي مع بلوى (تصيبه) هي قتله في الدار (أو تكون فذهبت فإذا) هو (عثمان ففتحت) ولأبي ذر فقمت ففتحت (له وبشرته بالجنة فأخبرته) بالفاء ولأبي ذر وأخبرته (بالذي قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بلوى تصيبه (قال) عثمان (الله المستعان) أي على مرارة الصبر على ما أنذر به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من البلاء. وفيه علم من أعلام نبوّته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث وقع ما أشار إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وموافقة الحديث للترجمة لا تخفى، والنكت بالعصا يقع كثيرًا عند التفكّر في شيء لكن لا يسوغ استعماله إلا فيما لا يضر فلو ضر بجدار أو غيره منع. والحديث مرّ في المناقب والله الموفق. 120 - باب الرَّجُلِ يَنْكُتُ الشَّىْءَ بِيَدِهِ فِى الأَرْضِ (باب) ذكر (الرجل ينكت الشيء بيده في الأرض) ينكت بالفوقية. 6217 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ وَمَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىِّ عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى جَنَازَةٍ فَجَعَلَ يَنْكُتُ الأَرْضَ بِعُودٍ فَقَالَ: «لَيْسَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ فُرِغَ مِنْ مَقْعَدِهِ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ» فَقَالُوا: أَفَلاَ نَتَّكِلُ؟ قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: 5] الآيَةَ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة بندار قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد واسم أبي عدي إبراهيم البصري (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) هو الأعمش لا التيمي (ومنصور) هو ابن المعتمر (عن سعد بن عبيدة) بسكون العين في الأول وضمها في الثاني الكوفي السلمي ختن أبي ¬

(¬1) هكذا بيض له المؤلف، ويؤخذ من تفسير ابن كثير أن الراوي هو عبد بن حميد وابن حبان ا. هـ.

121 - باب التكبير والتسبيح عند التعجب

عبد الرحمن السلمي (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن حبيب (السلمي) المقري الكوفي (عن عليّ -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جنازة) في البقيع (فجعل ينكت الأرض) بالفوقية ولأبي ذر في الأرض (بعود) وفي الجنائز فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته وهذا الفعل يقع غالبًا ممن يتفكّر في شيء يريد استحضار معانيه (فقال): (ليس منكم من أحد إلا وقد فرغ) بضم الفاء وكسر الراء (من مقعده من الجنة والنار) ومن بيانية (فقالوا): وفي الجنائز فقال رجل، وفسر بعلي وبسراقة بن جعشم وبعمر (أفلا نتكل) نعتمد زاد في الجنائز على كتابنا وندع العمل فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة وأما من كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اعملوا فكل) من أهل السعادة والشقاوة (ميسر) أي لما خلق له ({فأما من أعطى واتقى}) [الليل: 5] الآية) واستدلّ بذلك على إمكان معرفة الشقي من السعيد في الدنيا لأن العمل علامة على الجزاء فيحكم بظاهر الأمر وأمر الباطن إلى الله تعالى. 121 - باب التَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ عِنْدَ التَّعَجُّبِ (باب التكبير والتسبيح عند التعجب). 6218 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَتْنِى هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ - رضى الله عنها - قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ؟ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ؟ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجَرِ»؟ يُرِيدُ بِهِ أَزْوَاجَهُ «حَتَّى يُصَلِّينَ رُبَّ كَاسِيَةٍ فِى الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِى الآخِرَةِ» وَقَالَ ابْنُ أَبِى ثَوْرٍ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَلَّقْتَ نِسَاءَكَ؟ قَالَ: «لاَ». قُلْتُ اللَّهُ أَكْبَرُ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (حدثتني) بالفوقية بعد المثلثة مع الإفراد (هند بنت الحارث) الفراسية بكسر الفاء وبالسين المهملة بعد الراء والألف (أن أم سلمة) هند بنت أبي أمية أم المؤمنين (رضي الله عنها قالت: استيقظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليلة (فقال): (سبحان الله ماذا أنزل من الخزائن) أي خزائن الرحمة (وماذا أنزل من الفتن) من العذاب، وقيل المراد بالخزائن إعلامه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما سيفتح على أمته من الأموال بالغنائم من البلاد التي يفتحونها وأن الفتن تنشأ عن ذلك، ماذا استفهام متضمن معنى التعجب، ولأبي ذر: من الفتنة بالإفراد (من يوقظ صواحب الحجر يريد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (به أزواجه) -رضي الله عنهن- (حتى يصلّين رب كاسية) عرفتها (في الدنيا) ثيابًا رقيقة لا تمنع إدراك البشرة (عارية) معاقبة (في الآخرة) بفضيحة التعري (وقال ابن أبي ثور): بالمثلثة هو عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور مما وصله المؤلّف في العلم (عن ابن عباس عن عمر) -رضي الله عنهم- أنه (قال: قلت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طلقت نساءك)؟ بإسقاط أداة الاستفهام (قال: لا) لم أطلقهن قال عمر: (قلت) متعجبًا (الله أكبر). 6219 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ ح وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَخِى عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزُورُهُ وَهْوَ مُعْتَكِفٌ فِى الْمَسْجِدِ فِى الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً مِنَ الْعِشَاءِ ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ مَعَهَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ الَّذِى عِنْدَ مَسْكَنِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِهِمَا رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ نَفَذَا، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِىَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ» قَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا مَا قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنِ ابْنِ آدَمَ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّى خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِى قُلُوبِكُمَا». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب قال البخاري (ح). (وحدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (أخي) عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن علي بن الحسين) بضم الحاء وفتح السين زين العابدين (أن صفية بنت حييّ زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته أنها جاءت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونها (تزوره وهو) أي والحال أنه (معتكف في المسجد في العشر الغوابر) بفتح الغين المعجمة والواو وبعد الألف موحدة فراء البواقي (من رمضان) وتطلق الغوابر على المواضي وهو من الأضداد (فتحدثت عنده ساعة من العشاء ثم قامت تنقلب) تنصرف إلى بيتها (فقام معها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد الذي عند مسكن أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ بهما رجلان من الأنصار) أي يسميا (فسلما على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم نفذا) بفتح النون والفاء والذال المعجمة مضيا (فقال لهما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (على رسلكما) بكسر الراء وسكون السين المهملة هينتكما (إنما هي صفية بنت حييّ فقالا: سبحان الله يا رسول الله) أي تنزه الله أن يكون رسوله متهمًا بما لا ينبغي أو كناية عن تعجبهما من هذا القول المذكور بقرينة قوله (وكبر عليهما) بضم الموحدة أي عظم وشق (ما قال) وسقط لغير أبي ذر قوله ما قال: (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن

122 - باب النهى عن الخذف

الشيطان يجري) بالجيم والراء (من ابن آدم) ولأبي ذر يبلغ من الإنسان (مبلغ الدم) أي كمبلغ الدم ووجه التشبيه كما في الكواكب عدم المفارقة وكمال الاتصال (وإني خشيت) عليكما (أن يقذف) الشيطان (في قلوبكما) شيئًا تهلكان بسببه، وأشار المصنف بسياق ما ذكره هنا إلى الرد على من منع استعمال ذلك عند التعجب وقد وردت أحاديث كثيرة صحيحة في قوله: سبحان الله عند التعجب، وقد وقع حديث صفية هذا مؤخرًا في رواية غير أبي ذر آخر هذا الحديث كما ترى والله أعلم. وقد سبق في الاعتكاف في باب هل يخرج المعتكف لحوائجه وفي صفة إبليس وفي الخمس. 122 - باب النَّهْىِ عَنِ الْخَذْفِ (باب) بيان (النهي عن الخذف) بفتح الخاء وسكون الذال المعجمتين وبالفاء وهو رمي الحصى بالأصابع. 6220 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ صُهْبَانَ الأَزْدِىَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِىِّ قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْخَذْفِ، وَقَالَ: «إِنَّهُ لاَ يَقْتُلُ الصَّيْدَ وَلاَ يَنْكَأُ الْعَدُوَّ، وَإِنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ وَيَكْسِرُ السِّنَّ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: سمعت عقبة بن صهبان) بضم العين وسكون القاف في الأول وضم الصاد المهملة وسكون الهاء في الثاني (الأزدي) بفتح الهمزة وسكون الزاي والدال مهملة نسبة إلى أزد بن الغوث قبيلة (يحدث عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء المشددة (المزني) نسبة إلى مزينة بنت كلب قبيلة كبيرة أنه (قال): (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الخذف) قال ابن بطال: هو الرمي بالسبابة والإبهام (وقال) عليه الصلاة والسلام (إنه لا يقتل الصيد) بل ربما تلف لغير مأكلة وذلك منهي عنه (ولا ينكأ العدوّ) بالهمز وفتح أوله وللأربعة ولا ينكى بغير همز مع كسر الكاف وقال: القاضي عياض في مشارقه الرواية بفتح الكاف مهموز الآخر وهي لغة والأشهر ينكى أي بغير همز مع كسر الكاف ومعناه المبالغة في الأذى (وإنه يفقأ العين) أي يقلعها (وبكسر السن) والغرض النهي عن أذى المسلمين وهو من آداب الإسلام. والحديث مرّ في الصيد وغيره. 123 - باب الْحَمْدِ لِلْعَاطِسِ (باب) مشروعية (الحمد للعاطس) والحكمة فيه كما قاله الحليمي أن العطاس يدفع الأذى عن الدماغ الذي فيه قوّة الفكر، ومنه منشأ الأعصاب التي هي معدن الحس وبسلامته تسلم الأعضاء فيظهر بهذا أنه نعمة جليلة يناسب أن تقابل بالحمد لما فيه من الإقرار لله بالحق والقدرة وإضافة الخلق إليه لا إلى الطبائع. 6221 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: عَطَسَ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ فَقِيلَ لَهُ: فَقَالَ: «هَذَا حَمِدَ اللَّهَ وَهَذَا لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ». [الحديث 6221 - طرفه في: 6225]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (حدّثنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا سليمان) بن طرخان التيمي (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: عطس) بفتح الطاء المهملة (رجلان) هما عامر بن الطفيل وابن أخيه كما في الطبراني من حديث سهل بن سعد (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فشمت أحدهما) فقال له: يرحمك الله (ولم يشمت الآخر) بالشين المعجمة والميم المشددة في الكلمتين وأصله إزالة شماتة الأعداء والتفعيل للسلب نحو: جلدت البعير أي أزلت جلده فاستعمل للدعاء بالخير لتضمنه ذلك فكأنه دعا له أن لا يكون في حالة من يشمت به، أو أنه إذا حمد الله أدخل على الشيطان ما يسوءه فشمت هو بالشيطان، وفي اليونينية فسمت أحدهما ولم يسمت الآخر بالسين المهملة فيهما. قال أبو ذر: بالسين المهملة في كل موضع عند الحموي أي دعا له بأن يكون لم سمت حسن، وقيل إنه أفصح. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: المعنى في اللفظين بديع وذلك أن العاطس ينحل كل عضو في رأسه وما يتصل به من العنق ونحوه فكأنه إذا قيل له يرحمك الله كان معناه أعطاك الله رحمة يرجع بها بدنك إلى حاله قبل العطاس ويقيم على حاله من غير تغيير، فإن كان السمت بالمهملة فمعناه رجع كل عضو إلى سمته الذي كان عليه، وإن كان بالمعجمة فمعناه صان الله شوامته أي قوائمه التي بها قوام بدنه عن خروجها عن الاعتدال. قال: وشوامت كل شيء قوائمه التي بها قوامه فقوام الدابة بسلامة قوائمها التي ينتفع بها إذا سلمت وقوام الآدمي بسلامة قوائمه التي بها قوامه وهو رأسه وما يتصل به من عنق وصدر اهـ. وفي اليونينية لأبي ذر عن الحموي فسمت بالمهملة ولم يشمت بالمعجمة اهـ. وفي الأدب المفرد للمؤلّف وصححه ابن حبان

تنبيه:

من حديث أبي هريرة: عطس رجلان عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحدهما أشرف من الآخر وإن الشريف لم يحمد الله فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر (فقيل له): يا رسول الله شمت هذا ولم تشمت الآخر (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هذا حمد الله) فشمته (وهذا لم يحمد الله) فلم أشمته، ولأبي ذر عن الكشميهني لم يحمد بحذف الجلالة. وفي حديث أبي هريرة المذكور أن هذا ذكر الله فذكرته وأنت نسيت الله فنسيتك، والنسيان يطلق على الترك أيضًا والسائل هو العاطس الذي لم يحمد الله كما سيأتي إن شاء الله تعالى بما فيه من البحث قريبًا بعد ثلاثة أبواب بعون الله وقوّته. وفي الحديث مشروعية الحمد، وقوله في حديث أبي هريرة الآتي إن شاء الله تعالى بعد بابين فليقل الحمد لله ظاهر في الوجوب، لكن نقل النووي الاتفاق على استحبابه، وأما لفظه فنقل ابن بطال وغيره عن طائفة أنه لا يزيد على الحمد لله كما في حديث أبي هريرة المذكور، وفي حديث أبي مالك الأشعري رفعه: "إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال ومثله في حديث علي عند النسائي، وحديث ابن عمر عند الترمذي والبزار والطبراني. وفي حديث ابن مسعود في الأدب المفرد للبخاري يقول: الحمد لله رب العالمين، وعن علي موقوفًا مما رواه في الأدب المفرد برجال ثقات من قال عند عطسة سمعها: الحمد لله رب العالمين على كل حال ما كان لم يجد وجع الضرس ولا الأذن أبدًا وحكمه الرفع لأن مثله لا يقال من قبل الرأي، وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن علي مرفوعًا بلفظ: "من بادر العاطس بالحمد لله عوفي من وجع الخاصرة ولم يشك ضرسه أبدًا" وسنده ضعيف. وعن ابن عباس مما في الأدب المفرد والطبراني بسند لا بأس به: إذا عطس الرجل فقال: الحمد لله. قال الملك: رب العالمين فإن قال: رب العالمين. قال الملك: يرحمك الله. وعن أم سلمة مما أخرجه أبو جعفر الطبري في التهذيب بسند لا بأس به: عطس رجل عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: الحمد لله، فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "يرحمك الله" وعطس آخر فقال: الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فقال: "ارتفع هذا على تسع عشرة درجة". تنبيه: قال الحافظ ابن حجر: لا أصل لما اعتاده الناس من استكمال قراءة الفاتحة بعد العطاس، وكذا العدول عن الحمد إلى أشهد أن لا إله إلا الله أو تقديمها على الحمد فمكروه. والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب، وأبو داود في الأدب، والترمذي في الاستئذان، والنسائي في اليوم والليلة، وابن ماجة في الأدب. 124 - باب تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ اللَّهَ فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ. (باب) مشروعية (تشميت العاطس إذا حمد الله فيه) أي في تشميت العاطس حديث رواه (أبو هريرة) -رضي الله عنه- وهذا ثابت لأبي ذر. 6222 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضى الله عنه - قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِى، وَرَدِّ السَّلاَمِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ -أَوْ قَالَ حَلْقَةِ الذَّهَبِ-، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالسُّنْدُسِ، وَالْمَيَاثِرِ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأشعث) باللام والمعجمة آخره مثلثة ولأبي ذر أشعث (بن سليم) بضم السين مصغرًا أبي الشعثاء المحاربي أنه (قال: سمعت معاوية بن سويد بن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وكسر الراء مشددة بعدها نون المزني (عن البراء) بن عازب (رضي الله عنه) أنه (قال: أمرنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسبع ونهانا عن سبع) بالموحدة بعد السين فيهما (أمرنا بعيادة المريض) أي زيارته سواء كان مسلمًا أو ذميًّا قريبًا كان للعائد أو جارًا له وفاء بصلة الرحم وحق الجوار (واتباع الجنازة) بكسر الجيم في الفرع بالمشي خلفها، وبه قال الحنفية. وعند الشافعية الأفضل المشي أمامها وحملوا قوله: اتباع الجنازة على الأخذ في طريقها والسعي لأجلها، وإنما ألجأهم لذلك حديث ابن عمر عند أبي داود أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة (وتشميت العاطس) أي إذا حمد الله كما قال في حديث الباب التالي، فإذا عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته وهو كقوله: أمرنا ظاهر في الوجوب بل عند البخاري من حديث أبي هريرة خمس تجب على المسلم للمسلم فذكر فيها التشميت وهو عند مسلم أيضًا، وقال به جمهور أهل الظاهر، وقال أبو عبد الله في بهجة النفوس، قال جماعة من علمائنا أي

125 - باب ما يستحب من العطاس، وما يكره من التثاؤب

المالكية أنه فرض عين وقوّاه ابن القيم في حواشي السنن بأنه جاء بلفظ الوجوب الصريح وبلفظ الحق الدال عليه وبصيغة الأمر التي هي حقيقة فيه، ويقول الصحابي أمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ولا ريب أن الفقهاء يثبتون وجوب أشياء كثيرة بدون مجموع هذه الأشياء، وقال قوم: هو فرض كفاية يسقط بفعل البعض، ورجحه أبو الوليد بن رشد، وقال به الحنفية وجمهور الحنابلة. وقال الشافعية: مستحب على الكفاية وقد خص من عموم الأمر من لم يحمد كما يأتي إن شاء الله تعالى، والكافر كما في أبي داود وصححه الحاكم عن أبي موسى أن اليهود كانوا يتعاطسون عنده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجاء أن يقول: يرحمكم الله فكان يقول يهديكم الله ويصلح بالكم، وإذا تكرر منه العطاس فزاد على الثلاث ففي حديث أبي هريرة عند البخاري في الأدب المفرد قال: يشمته واحدة واثنتين وثلاثًا فما كان بعد ذلك فهو زكام. وروي مرفوعًا عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه مرفوعًا أخرجه في الموطأ وهل يقول لمن تتابع عطاسه أنت مزكوم في الثانية أو في الثالثة أو الرابعة؟ أقوال. والصحيح في الثالثة، ومعناه أنك لست ممن يشمت بعدها لأن الذي بك مرض وليس من العطاس المحمود الناشئ عن خفة البدن فيدعى له بالعافية، وكذا يخص من العموم من كره التشميت ويطرد ذلك في السلام والعيادة، وفيه تفصيل لابن دقيق العيد فلا يمتنع إلا ممن خاف منه ضررًا كعادة سلاطين مصر لا يشمت أحدهم إذا عطس، ولا يسلم عليه إذا دخل عليه، وكذا عند الخطبة يوم الجمعة لأن التشميت يخل بالإنصات المأمور به ومن عطس وهو يجامع أو في الخلاء فيؤخر ثم يحمد ويشمته من سمعه. (وإجابة الداعي) إلى وليمة النكاح إلا لمانع شرعي كفرش حرير (وردّ السلام ونصر المظلوم) سواء كان مسلمًا أو ذميًّا بالقول أو بالفعل (وإبرار المقسم) بميم مضمومة وكسر السين أي تصديق من أقسم عليك وهو أن تفعل ما سأله الملتمس وأقسم عليه أن يفعله، ولأبي ذر عن الكشميهني القسم وبإسقاط الميم وفتحتين. (ونهانا عن سبع عن) لبس (خاتم الذهب أو قال: حلقة الذهب) بسكون اللام والشك من الراوي (وعن لبس الحرير) للرجال وسقط لفظ لبس لأبي ذر (والديباج) المتخذ من الإبريسم (والسندس) ما رق من الديباج (والمياثر) بالمثلثة جمع ميثرة بكسر الميم مفعلة من الوثار وأصلها موثرة فقلبت الواو ياء لكسرة الميم، وهي مراكب العجم تعمل من حرير أو ديباج وتتخذ كالفراش الصغير وتحشى بنحو قطن يجعلها الراكب تحته على السرج، فإن كانت من حرير أو ديباج حرمت، والمناهي سبعة ذكر منها خمسة وأسقط منها القسي وآنية الفضة وسبقا في اللباس. والحديث مضى في الجنائز والمظالم واللباس والطب والنكاح ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته في النذور. 125 - باب مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الْعُطَاسِ، وَمَا يُكْرَهُ مِنَ التَّثَاؤُبِ (باب ما يستحب من العطاس) بضم العين (وما يكره من التثاوب) بالفوقية ثم المثلثة والواو بغير همز في الفرع وأصله. قال في الكواكب؛ وهو بالهمز على الأصح وهو تنفس ينفتح منه الفم من الامتلاء وثقل النفس وكدورة الحواس. 6223 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِىُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ، وَأَمَّا التَّثَاوُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِذَا قَالَ: هَا ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ». وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي اياس) بكسر الهمزة وتخفيف التحتية العسقلاني أصله خراساني يكنى أبا الحسن ونشأ ببغداد قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب واسمه هشام بن سعد المدني قال: (حدّثنا سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن أبيه) كيسان المدني مولى أم شريك (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن الله يحب العطاس) الذي لا ينشأ عن زكام لأنه يكون من خفة البدن وانفتاح السدد وذلك مما يقتضي النشاط لفعل الطاعة والخير (ويكره التثاؤب) لأنه يكون عن غلبة امتلاء البدن والإكثار من الأكل والتخليط فيه فيؤدي إلى الكسل والتقاعد عن العبادة وعن

126 - باب إذا عطس كيف يشمت؟

الأفعال المحمودة فالمحبة والكراهة المذكوران منصرفان إلى ما ينشأ عن سببهما (فإذا عطس) بفتح الطاء (فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته) احتج به من قال بالوجوب وسبق ما فيه في الباب قبله (وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان) لأنه الذي يزين للنفس شهوتها من امتلاء البدن بكثرة المآكل (فليرده) الذي يتثاوب (ما استطاع) إما بوضع يده على فمه أو بتطبيق الشفتين (فإذا قال ها) هي حكاية صوت المتثاوب (ضحك منه الشيطان) فرحًا بتشويه صورته. والحديث سبق في بدء الخلق. 126 - باب إِذَا عَطَسَ كَيْفَ يُشَمَّتُ؟ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا عطس) أحد (كيف يشمت) بفتح الميم المشددة على صيغة المجهول. 6224 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ -أَوْ صَاحِبُهُ- يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ». وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) أبو غسان الهندي الحافظ قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة) هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون بكسر الجيم بعدها شين معجمة مضمومة المدني نزيل بغداد قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن دينار) المدني العدوي مولاهم أبو عبد الرحمن مولى ابن عمر (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله) وعند أبي داود عن موسى بن إسماعيل عن عبد العزيز المذكور بلفظ فليقل الحمد لله على كل حال (وليقل له أخوه) في الإسلام (أو صاحبه) شك من الراوي (يرحمك الله) يحتمل أن يكون دعاء بالرحمة وأن يكون خبرًا على طريق البشارة قاله ابن دقيق العيد. قال: فكأن المشمت بشر العاطس بحصول الرحمة له في المستقبل بسبب حصولها له في الحال لكونها دفعت ما يضره، وفي الحديث أنه يخصه بالدعاء، وفي شعب الإيمان للبيهقي وصححه ابن حبان من طريق حفص بن عاصم عن أبي هريرة رفعه: لما خلق الله آدم عطس فألهمه ربه أن قال: الحمد لله، فقال له ربه: يرحمك ربك. وأخرج الطبري عن ابن مسعود قال: يقول يرحمنا الله وإياكم، وأخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عمر بنحوه، وفي الأدب المفرد بسند صحيح عن أبي جمرة بالجيم عن ابن عباس: إذا شمت يقول عافانا الله وإياكم من النار يرحمكم الله. قال ابن دقيق العيد: ظاهر الحديث يقتضي أن السُّنّة لا تتأدى إلا بالمخاطبة، وأما ما اعتاده كثير من الناس من قولهم للرئيس يرحم الله سيدنا فخلاف السُّنّة، وبلغني عن بعض الفضلاء أنه شمت رئيسًا فقال: يرحمك الله يا سيدنا فجمع الأمرين وهو حسن (فإذا قال له: يرحمك الله فليقل) له جوابًا عن التشميت (يهديكم الله ويصلح بالكلم) حالكم أو شأنكم. قال في الكواكب: اعلم أن الشارع إنما أمر العاطس بالحمد لما حصل له من المنفعة بخروج ما احتقن في دماغه من الأبخرة. قال الأطباء: العطسة تدل على قوة طبيعة الدماغ وصحة مزاجه فهي نعمة، وكيف لا وهي جالبة للخفة المؤدّية إلى الطاعات فاستدعى الحمد عليها، ولما كان ذلك بغير الوضع الشخصي لحصول حركات غير مضبوطة بغير اختيار، ولهذا قيل إنها زلزلة البدن أريد إزالة ذلك الانفعال عنه بالدعاء له والاشتغال بجوابه ولما دعا له كان مقتضى {وإذا حييتم بتحية فحيّوا بأحسن منها} [النساء: 86] أن يكافئه بأكثر منها فلهذا أمر بالدعوتين الأولى لفلاح الآخرة وهو الهداية المقتضية له، والثانية لصلاح حاله في الدنيا وهو إصلاح البال فهو دعاء له بخير الدارين وسعادة المنزلتين، وعلى هذا قس أحكام الشريعة وآدابها اهـ. وقد ذهب الكوفيون إلى أنه يقول: يغفر الله لنا ولكم، وهذا أخرجه الطبري عن ابن مسعود وابن عمر وغيرهما. قال ابن بطال: ذهب مالك والشافعي إلى أن يتخير بين اللفظتين. وقال ابن رشد: الثاني أولى لأن المكلف محتاج إلى طلب المغفرة والجمع بينهما أحسن إلا للذمي. والحديث أخرجه أبو داود في الأدب والنسائي في اليوم والليلة. 127 - باب لاَ يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ إِذَا لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ هذا (باب) بالتنوين (لا يشمت العاطس إذا لم يحمد الله) بفتح ميم يشمت على صيغة المجهول وسقط باب لأبي ذر. 6225 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِىُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضى الله عنه - يَقُولُ: عَطَسَ رَجُلاَنِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ شَمَّتَّ هَذَا وَلَمْ تُشَمِّتْنِى؟ قَالَ: «إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ وَلَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ». وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) العسقلاني قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا سليمان)

(لطيفة):

بن طرخان (التيمي) أبو المعتمر نزل البصرة (قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- يقول: عطس) بفتح الطاء (رجلان عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر فقال الرجل) العاطس الذي لم يشمت (يا رسول الله شمّت هذا ولم تشمتني. قال): (إن هذا حمد الله ولم تحمد الله). وفي الطبراني من حديث سهل أن الرجلين هما عامر بن الطفيل بن مالك وابن أخيه، وكان عامر قدم المدينة ووقع بينه وبين ثابت بن قيس بحضرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلام، ثم عطس ابن أخيه فحمد فشمته النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم عطس عامر فلم يحمد فلم يشمته فسأله، ومات عامر هذا كافرًا فكيف يخاطب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله: يا رسول الله فيحتمل كما قال في الفتح: أن يكون قالها غير معتقد بل باعتبار ما يخاطبه المسلمون، وأشار المصنف -رحمه الله- بهذه الترجمة إلى أن الحكم عام وليس مخصوصًا بالرجل الذي وقع له ذلك وإن كانت واقعة حال لا عموم فيها، لكن ورد الأمر بذلك فيما أخرجه مسلم من حديث أبي موسى بلفظ: إذا عطس أحدكم فشمّتوه، وإن لم يحمد الله فلا تشمتوه، وهل هذا النهي للتحريم أو التنزيه؟ الجمهور على أنه للتنزيه. قال النووي: يستحب لمن حضر من عطس فلم يحمد أن يذكره الحمد ليحمد فيشمته. (لطيفة): أخرج ابن عبد البر بسند جيد عن أبي داود صاحب السنن أنه كان في سفينة فسمع عاطسًا على الشط حمد فاكترى قاربًا بدرهم حتى جاء إلى العاطس فشمّته ثم رجع فسئل عن ذلك فقال: لعله يكون مجاب الدعوة فلما رقدوا سمعوا قائلاً يقول: يا أهل السفينة إن أبا داود اشترى الجنة من الله بدرهم ذكره في الفتح. 128 - باب إِذَا تَثَاوَبَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا تثاوب) بالواو، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي تثاءب بالهمز (فليضع يده على فيه) ليغطي بها ما انفتح منه حفظًا له عن الانتفاح بسبب ذلك ويحصل ذلك بنحو الثوب أيضًا مما يحصل به الغرض. 6226 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ». وبه قال: (حدّثنا عاصم بن علي) الواسطي التيمي مولاهم قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن سعيد المقبري عن أبيه) كيسان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب) بالهمزة مصححًا عليه في الفرع وأصله، وقد أنكر الجوهري كونه بالواو فقال: تقول تثاءبت على تفاعلت ولا تقل تثاوبت. وقال غير واحد: إنهما لغتان وبالهمز والمد أشهر (فإذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقًّا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله) أي حقًّا في حسن الآداب ومكارم الأخلاق (وأما التثاؤب) بالواو (فإنما هو من الشيطان) قال ابن العربي: كل فعل مكروه نسبه الشرع إلى الشيطان لأنه بواسطته وذلك بالامتلاء من الأكل الناشئ عنه التكاسل وهو بواسطة الشيطان (فإذا تثاءب أحدكم فليردّه ما استطاع) أي يأخذ في أسباب رده وليس المراد أنه يملك دفعه لأنه الذي وقع لا يرد حقيقة أو المعنى إذا أراد أن يتثاوب (فإن أحدكم إذا تثاءب) بالهمز مصححًا عليه في الفرع (ضحك منه الشيطان) حقيقة أو مجازًا عن الرضا به، والأصل الأول إذ لا ضرورة تدعو إلى العدول عن الحقيقة، وفي مسلم من حديث أبي سعيد: فإن الشيطان يدخل، وهذا يحتمل أن يراد الدخول حقيقة وهو وإن كان يجري من الإنسان مجرى الدم لكنه لا يتمكن منه ما دام ذاكرًا لله تعالى والمتثاوب في تلك الحالة غير ذاكر فيتمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقة، ويحتمل أن يكون أطلق الدخول وأراد التمكن منه لأن من شأن من دخل في شيء أن يكون تمكن منه. وفي حديث أبي سعيد المقبري عن أبيه عند ابن ماجة: إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه ولا يعوي فإن الشيطان يضحك منه. ويعوي بالعين المهملة فشبه التثاؤب الذي يسترسل معه بعواء الكلب تنفيرًا عنه واستقباحًا له، فإن الكلب يرفع رأسه ويفتح فاه ويعوي، والمتثاوب إذا أفرط في التثاؤب شابهه، ومن ثم تظهر النكتة في كونه يضحك منه لأنه صيره ملعبة له بتشويه خلقته في تلك الحالة

79 - كتاب الاستئذان

ولم يتعرض لأبي اليدين يضعها، وقع في صحيح أبي عوانة أنه قال عقب الحديث: ووضع سهيل يعني راويه عن أبي سعيد عن أبيه يده اليسرى على فيه، وهو محتمل لإرادة التعليم خوف إرادة وضع اليمنى بخصوصها، وفي حديث أبي هريرة من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه التثاؤب في الصلاة من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع، فقيّد بحالة الصلاة فيحتمل أن يحمل المطلق على المقيد وللشيطان غرض قوي في التشويش على المصلي في صلاته، ويحتمل أن تكون كراهته في الصلاة أشد، ولا يلزم من ذلك أن لا يكره في غير حالة الصلاة ويؤيد كراهته مطلقًا كونه مطلقًا وبذلك صرح النووي. بسم الله الرحمن الرحيم 79 - كتاب الاستئذان وهو طلب الإذن في الدخول لمحل لا يملكه المستأذن وقد أجمعوا على مشروعيته وتظاهرت به دلائل القرآن والسنّة. 1 - باب بَدْءِ السَّلاَمِ (باب بدء السلام) بفتح الباء الموحدة وسكون الدال المهملة وبالواو من غير همز، ولأبي ذر بدء بالهمز بمعنى الابتداء أي أوّل ما وقع السلام، وأشار بالترجمة للسلام مع الاستئذان إلى أنه لا يؤذن لمن لم يسلم كما سيأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته في الباب التالي مبحثه. 6227 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن جعفر) البيكندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحافظ الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد البصري (عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (خلق الله آدم على صورته) الضمير عائد على آدم أي خلقه تمامًا مستويًا (طوله ستون ذراعًا) لم يتغير عن حاله ولا كان من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم جنينًا ثم طفلاً ثم رجلاً حتى تم طوله فلم يتنقل من الأطوار كذريته، وفيه كما قال ابن بطال: إبطال قول الدهرية أنه لم يكن قط إنسان إلا من نطفة ولا نطفة إلا من إنسان، وقيل: إن لهذا الحديث سببًا حذف من هذه الرواية وإن أوله قصة الذي ضرب عبده فنهاه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك وقال له: "إن الله خلق آدم على صورته". رواه (¬1). وللبخاري في الأدب المفرد وأحمد من طريق ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعًا: لا يقولن قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته وهو ظاهر في عود الضمير على المقول له ذلك، وقيل الضمير لله لما في بعض الطرق على صورة الرحمن أي على صفته من العلم والحياة والسمع والبصر وغير ذلك، وإن كانت صفات الله تعالى لا يشبهها شيء وقال التوربشتي: وأهل الحق في ذلك طبقتين. إحداهما المتنزهون عن التأويل مع نفي التشبيه وإحالة العلم إلى علم الله تعالى الذي أحاط بكل شيء علمًا وهذا أسلم الطريقتين. والطبقة الأخرى يرون الإضافة فيها إضافة تكريم وتشريف وذلك أن الله تعالى خلق آدم على صورة لم يشاكلها شيء من الصور في الجمال والكمال وكثرة ما احتوت عليه من الفوائد الجليلة. وقال الطيبي: تأويل الخطابي في هذا المقام حسن يجب المصير إليه لأن قوله طوله بيان لقوله على صورته كأنه قيل خلق آدم على ما عرف من صورته الحسنة وهيئته من الجمال والكمال وطول القامة، وإنما خص الطول منها لأنه لم يكن متعارفًا بين الناس، وقال القرطبي: كأن من رواه على صورة الرحمن أورده بالمعنى متمسكًا بما توهمه فغلط في ذلك، وقوله ستون ذراعًا يحتمل أن يريد بقدر ذراع نفسه أو الذراع المتعارف يومئذ عند المخاطبين والأول أظهر لأن ذراع كل أحد ربعه، فلو كان بالذراع المعهود كانت يده قصيرة في جنب طول جسده. (فلما خلقه قال) ولأبي ذر خلقه الله قال: (اذهب فسلّم على أولئك النفر) عدة من الرجال من ثلاثة إلى عشرة. وقال في شرح المشكاة: وتخصيص السلام بالذكر لأنه فتح باب المودّات وتأليف القلوب المؤدي إلى استكمال الإيمان، كما ورد: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا إلى قوله: أفشوا السلام ¬

(¬1) هكذا بياض بالأصل في أكثر النسخ وفي بعضها رواه أبو داود اهـ.

2 - باب قول الله تعالى:

والسلام هو اسم الله فالمعنى اسم الله عليك أي أنت في حفظه وقيل السلامة أي السلامة مستعلية عليك ملازمة لك ولأبي ذر نفر (من الملائكة جلوس) قال في الفتح: ولم أقف على تعيينهم (فاستمع) بالفوقية وكسر الميم ولأبي ذر عن الكشميهني فاسمع بإسقاط الفوقية وفتح الميم (ما يحيونك) بالحاء المهملة بين التحتيتين ولأبي ذر كما في الفتح يجيبونك بالجيم المكسورة والتحتية الساكنة بعدها موحدة من الجواب (فإنها) أي الكلمات التي يحيون أو يجيبون بها (تحيتك وتحية ذريتك) المسلمين شرعًا لكن في حديث عائشة مرفوعًا: "ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدوكم على السلام والتأمين" أخرجه ابن ماجة وصححه ابن خزيمة وهو يدل على أنه شرع لهذه الأمة دونهم (فقال) لهم آدم (السلام عليكم) واستدلّ بهذا على أن هذه الصيغة هي المشروعة لابتداء السلام لقوله فهي تحيتك وتحية ذريتك فلو حذف اللام جاز. قال تعالى: ({سلام عليكم}) [الرعد: 24] لكن اللام أولى لأنها للتفخيم، وقال النووي ولو قال: وعليكم السلام بالواو لا يكون سلامًا ولا يستحق جوابًا لأنها لا تصلح للابتداء قاله المتولي، فلو أسقط الواو أجزأ ويجب الجواب لأنه سلام، وكرهه الغزالي في الإحياء، وعن بعض الشافعية فيما نقله ابن دقيق العيد أن المبتدئ لو قال: عليكم السلام لم يجز لأنها صيغة جواب قال: والأولى الجواز لحصول مسمى السلام (فقالوا) له الملائكة (السلام عليك) استدلّ به على جواز أن يقع الرد باللفظ الذي ابتدئ به كما مر ويأتي مزيد لذلك قريبًا إن شاء الله تعالى، ولأبي ذر عن الكشميهني عليك السلام (ورحمة الله فزادوه) الملائكة (ورحمة الله) وهو مستحب اتفاقًا، فلو زاد المبتدئ رحمة الله استحب أن يزاد وبركاته ولو زاد وبركاته فهل تشرع الزيادة في الردّ؟ وكذا لو زاد المبتدئ على بركاته هل يشرع له ذلك؟ عن ابن عباس مما في الموطأ قال: انتهى السلام إلى البركة، وعن ابن عمر الجواز ففي الموطأ عنه أنه زاد في الجواب والغاديات والرائحات، وفي الأدب المفرد عن سالم مولى ابن عمر أنه أتى ابن عمر مرة فقال: السلام عليكم، فقال السلام عليكم ورحمة الله، ثم أتيته فزدته وبركاته فردّ وزادني وطيب صلواته واتفقوا على وجوب الرد على الكفاية. قال الحليمي: وإنما كان الرد واجبًا لأن السلام معناه الأمان فإذا ابتدأ به المسلم أخاه فلم يجبه فإنه يتوهم منه الشر فيجب عليه دفع ذلك التوهم عنه (فكل من يدخل الجنة) هو مرتب على ما سبق من قوله خلق الله آدم على صورته فالفاء فصيحة ولأبي ذر والأصيلي يعني الجنة. قال في الفتح: كأن لفظ الجنة سقط فزيد فيه يعني (على صورة أم) خبر المبتدأ الذي هو فكل من (فلم يزل الخلق ينقص) من طوله وجماله (بعد) أي بعد آدم (حتى الآن) فإذا دخلوا الجنة عادوا إلى ما كان عليه أبوهم من الحسن والجمال وطول القامة. قيل: وقوله فلم يزل الخ هو معنى قوله تعالى: ({لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين}) [التين: 5] قيل إن في الحديث أن الملائكة يتكلمون بالعربية وعورض باحتمال أن يكون بغير اللسان العربي ثم لما خلق العرب ترجم بلسانهم. والحديث سبق في بدء الخلق وأخرجه مسلم. 2 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَّكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} [النور: 27، 28، 29] وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِى الْحَسَنِ لِلْحَسَنِ إِنَّ نِسَاءَ الْعَجَمِ يَكْشِفْنَ صُدُورَهُنَّ وَرُءُوسَهُنَّ قَالَ: اصْرِفْ بَصَرَكَ عَنْهُنَّ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهْمَ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30] وَقَالَ قَتَادَةُ: عَمَّا لاَ يَحِلُّ لَهُمْ {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31] خَائِنَةَ الأَعْيُنِ مِنَ النَّظَرِ إِلَى مَا نُهِىَ عَنْهُ وَقَالَ الزُّهْرِىُّ: فِى النَّظَرِ إِلَى الَّتِى لَمْ تَحِضْ مِنَ النِّسَاءِ لاَ يَصْلُحُ النَّظَرُ إِلَى شَىْءٍ مِنْهُنَّ مِمَّنْ يُشْتَهَى النَّظَرُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً، وَكَرِهَ عَطَاءٌ النَّظَرَ إِلَى الْجَوَارِى يُبَعْنَ بِمَكَّةَ إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَشْتَرِىَ. (باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم}) [النور: 27] أي بيوتًا لستم تملكونها ولا تسكنونها، وهذا مما أدّب الله تعالى به عباده ({حتى تستأنسوا}) تستأذنوا. كذا روي عن ابن عباس أخرجه سعيد بن منصور وقرأ به، وأخرج البيهقي في الشعب بسند صحيح عن إبراهيم النخعي قال في مصحف ابن مسعود: حتى تستأذنوا، وعن سعيد بن منصور عن إبراهيم قال في مصحف عبد الله: حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا، وأخرجه إسماعيل بن إسحاق في أحكام القرآن عن ابن عباس واستشكله. وأجيب: بأن ابن عباس بناه على قراءته التي تلقاها عن أبيّ بن كعب، وأما اتفاق الناس على قراءتها بالسين فلموافقة خط المصحف الذي وقع على عدم الخروج عما يوافقه وكانت قراءة أبي

من الأحرف التي تركت القراءة بها والاستئناس في الأصل الاستعلام والاستكشاف استفعال من آنس الشيء إذا أبصره ظاهرًا مكشوفًا أي تستعلموا أيطلق لكم الدخول أم لا. وذلك بتسبيحة أو بتكبيرة أو تنحنح ما في حديث أبي أيوب عند أبي حاتم بسند ضعيف قال: قلت يا رسول الله هذا السلام فما الاستئناس؟ قال: "يتكلم الرجل بتسبيحة أو تكبيرة ويتنحنح فيؤذن أهل البيت" وأخرج الطبري من طريق قتادة قال: الاستئناس هو الاستئذان ثلاثًا، فالأولى ليسمع والثانية ليتأهبوا له والثالثة إن شاؤوا أذنوا له وإن شاؤوا ردّوا. وقال البيهقي: معنى حتى تستأنسوا تستبصروا ليكون الدخول على بصيرة فلا يصادف حالة يكره صاحب المنزل أن تطلعوا عليها. ({وتسلموا على أهلها}) بأن تقولوا السلام عليكم أأدخل ثلاث مرات، فإن أذن وإلاّ رجع، وهل يقدم السلام أو الاستئذان؟ الصحيح تقديم الاستئذان. وأخرج أبو داود وابن أبي شيبة بسند جيد عن ربعي بن حراش حدثني رجل أنه استأذن على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في بيته فقال: أألج؟ فقال لخادمه: أخرج إلى هذا فعلمه. فقال: قل السلام عليكم أألج؟ الحديث. وصححه الدارقطني، وعن الماوردي إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قدّم السلام وإلاّ قدّم الاستئذان. ({ذلكم}) أي الاستئذان والتسليم ({خير لكم}) من تحية الجاهلية والدخول بغير إذن وكان الرجل من أهل الجاهلية إذا دخل بيت غيره يقول: حييتم صباحًا وحييتم مساء ثم يدخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد ({لعلكم تذكرون}) أي قيل لكم هذا لكي تذكروا وتتعظوا وتعملوا بما أمرتم به في باب الاستئذان، وينبغي للمستأذن أن لا يقف تلقاء الباب بوجهه، ولكن ليكن الباب عن يمينه أو يساره لحديث أن عند أبي داود قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر فيقول: السلام عليكم السلام عليكم، وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور تفرد به أبو داود ({فإن لم تجدوا فيها}) في البيوت ({أحدًا}) من الآذنين ({فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم}) حتى تجدوا من يأذن لكم أو فإن لم تجدوا فيها أحدًا من أهلها ولكم فيها حاجة فلا تدخلوها إلا بإذن أهلها لأن التصرف في ملك الغير لا بدّ من أن يكون برضاه ({وإن قيل لكم ارجعوا}) أي إذا كان فيها قوم فقالوا ارجعوا ({فارجعوا}) ولا تلجوا في إطلاق الإذن، ولا تلحوا في تسهيل الحجاب، ولا تقفوا على الأبواب لأن هذا مما يجلب الكراهة، وإذا نهي عن ذلك لأدائه إلى الكراهة وجب الانتهاء عن كل ما أدى إليها من قرع الباب بعنف والتصييح بصاحب الدار وغير ذلك، وعن أبي عبيد ما قرعت بابًا على عالم قط ({هو أزكى لكم}) أي الرجوع أطيب لكم وأطهر لما فيه من سلامة الصدور والبعد عن الريبة أو أنفع وأنمى خيرًا ({والله بما تعملون عليم}) وعيد للمخاطبين بأنه عالم بما يأتون وما يذرون وبما خوطبوا به فموف جزاءه عليه ({ليس عليكم جناح أن تدخلوا}) في أن تدخلوا ({بيوتًا غير مسكونة}) استثنى من البيوت التي يجب الاستئذان على داخلها ما ليس بمسكون منها كالخانات والربط ({فيها متاع لكم}) أي منفعة كاستكنان من الحر والبرد وإيواء الرحال والسلع وقيل الخربات يتبرز فيها والمتاع التبرز ({والله يعلم ما تبدون وما تكتمون}) [النور: 27 - 29] وعيد للذين يدخلون الدور والخربات الخالية من أهل الريب، وسقط في رواية الأصيلي من قوله {ذلكم خير لكم} إلى قوله: {متاع لكم} وقال في فتح الباري: وساق البخاري في رواية كريمة والأصيلي الآيات الثلاث اهـ. ولأبي ذر مما في الفرع وأصله باب قوله {لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم} إلى قوله {وما تكتمون}. (وقال سعيد بن أبي الحسن) البصري التابعي (للحسن) البصري أخيه (إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن. قال) الحسن لأخيه سعيد: (اصرف بصرك عنهن) يدل له (قول الله) ولأبي ذر عن الكشميهني يقول الله (عز وجل) ولأبي ذر تعالى ({قل

للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}) من للتبعيض والمراد غضّ البصر عما يحرم ({ويحفظوا فروجهم}) عن الزنا (وقال قتادة) فيما أخرجه ابن أبي حاتم في قوله: ويحفظوا فروجهم قال: ({عما لا يحل لهم وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن}) [النور: 30، 31] فلا يحل للمرأة أن تنظر من الأجنبي إلى ما تحت سرته وربته وإن اشتهت غضت بصرها رأسًا ولا تنظر إلى المرأة إلا إلى مثل ذلك، وغضها بصرها من الأجانب أصلاً أولى بها، وقدم غض الأبصار على حفظ الفروج، لأن النظر بريد الزنا ورائد الفجور ووجه ذكر المؤلّف هذا عقب ذكر الآيات الثلاث المذكورة الإشارة إلى أن أصل مشروعية الاستئذان الاحتراز من وقع النظر إلى ما لا يريد صاحب المنزل النظر إليه لو دخل بلا إذن وأعظم ذلك النظر إلى النساء الأجنبيات. وسقط جميع ذلك من رواية النسفيّ فقال بعد قوله: {حتى تستأنسوا} الآيتين وقول الله عز وجل {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} الآية. وقل للمؤمنات يغضضن. (خائنة الأعين من النظر إلى ما نهي عنه) بضم النون نهي، ولكريمة ما نهى الله عنه، وسقط لأبي ذر لفظ من، وعن ابن عباس مما عند ابن أبي حاتم في قوله تعالى: {يعلم خائنة الأعين} [غافر: 19] قال: هو الرجل ينظر إلى المرأة الحسناء تمر به أو يدخل بيتًا هي فه فإذا فطن له غض بصره، وقد علم الله تعالى أنه يودّ أن لو اطّلع على فرجها وإذا قدر عليها زنى بها. (وقال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (في النظر إلى التي لم تحض من النساء) ولأبي ذر عن الكشميهني: إلى ما لا يحل من النساء (لا يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يشتهى النظر إليه) ولأبي ذر عن الكشميهني إليهن (وإن كانت صغيرة. وكره عطاء) هو ابن أبي رباح مما وصله ابن أبي شيبة (النظر إلى الجواري يبعن) ولأبي ذر: اللاتي يبعن (بمكة إلا أن يريد أن يشتري) منهن فيسوغ، وهذا الأثر وسابقه سقطا للنسفي. 6228 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: أَرْدَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ يَوْمَ النَّحْرِ خَلْفَهُ عَلَى عَجُزِ رَاحِلَتِهِ وَكَانَ الْفَضْلُ رَجُلاً وَضِيئًا فَوَقَفَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلنَّاسِ يُفْتِيهِمْ، وَأَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ وَضِيئَةٌ تَسْتَفْتِى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا، فَالْتَفَتَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَأَخْلَفَ بِيَدِهِ فَأَخَذَ بِذَقَنِ الْفَضْلِ فَعَدَلَ وَجْهَهُ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِى الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِى شَيْخًا كَبِيرًا، لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِىَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِى عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ قَالَ: «نَعَمْ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سليمان بن يسار) بالتحتية والمهملة المخففة قال: (أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: أردف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الفضل بن عباس) أركبه (يوم النحر خلفه على عجز راحلته) في حجة الوداع وعجز بفتح العين المهملة وضم الجيم بعدها زاي أي مؤخرها (وكان الفضل) -رضي الله عنه- (رجلاً وضيئًا) من الوضاءة وهي الجمال والحسن (فوقف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للناس يفتيهم وأقبلت امرأة من خثعم) بفتح الخاء المعجمة والعين المهملة بينهما مثلثة ساكنة قبيلة مشهورة (وضيئة) لحسنها وجمالها (تستفتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فطفق الفضل) فجعل الفضل (ينظر إليها وأعجبه حسنها فالتفت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والفضل ينظر إليها فأخلف) عليه الصلاة والسلام (بيده) بهمزة مفتوحة وخاء معجمة ساكنة وبعد اللام فاء أي مدها إلى خلفه (فأخذ بذقن الفضل) بفتح الذال المعجمة والقاف (فعدل) بتخفيف الدال (وجهه عن النظر إليها) حين علم بإدامة نظره إليها أنه أعجبه حسنها فخشي عليه فتنة الشيطان ففيه حرمة النظر إلى الأجنبيات (فقالت: يا رسول الله إن فريضة الحج على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة) أي وجب عليه الحج بأن أسلم وهو بهذه الصفة وزاد في حديث أبي هريرة عند ابن خزيمة وإن شددته على الراحلة خشيت أن أقتله (فهل يقضي) يجزي (عنه) الحج (أن أحج عنه) نيابة (قال): (نعم) يجزي، وفي الحديث غض البصر خشية الفتنة ومقتضاه أنه إذا أمنت الفتنة لم يمتنع لأنه لم يحوّل وجه الفضل حتى أدمن النظر إليها لإعجابه بها فخشي عليه الفتنة. والحديث سبق في الحج في باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة. 6229 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا؟ فَقَالَ: «إِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ». قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (أخبرنا أبو عامر)

3 - باب السلام اسم من أسماء الله تعالى {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} [النساء: 86]

عبد الملك العقدي قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي مصغرًا ابن محمد التيمي الخراساني (عن زيد بن أسلم) مولى عمر بن الخطاب (عن عطاء بن يسار) بالتحتية والمهملة (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إياكم) للتحذير (والجلوس) بالنصب (بالطرقات) ولأبي ذر عن الكشميهني في الطرقات (فقالوا: يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بدّ) فراق منها (نتحدث فيها) فيه دليل على أن أمره لهم لم يكن للوجوب بل على طريق الترغيب والأولى إذ لو فهموا الوجوب لم يراجعوه هذه المراجعة قاله القاضي عياض (فقال: إذ) بسكون المعجمة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فإذا (أبيتم) بالموحدة امتنعتم (إلا المجلس) بفتح اللام مصدر ميمي إلا الجلوس في مجالسكم وفي اليونينية بكسر اللام (فأعطوا) بهمزة قطع (الطريق حقه قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال): حق الطريق (غض البصر) عن كل محرم (وكفّ الأذى) عن الخلق (وردّ السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) مع القدرة عليهما. وزاد عمر في حديثه عند أبي داود: وتغيثوا الملهوف وتهدوا الضال، وفي حديث أبي طلحة: وإرشاد ابن السبيل وتشميت العاطس إذا حمد، وعند البزار وأعينوا على المحمولة، والبراء عند الترمذي: اهدوا السبيل وأعينوا المظلوم وأفشوا السلام، وسهل بن حنيف عند الطبراني: ذكر الله كثيرًا، ووحشي بن حرب عند الطبراني: واهدوا الأغبياء وأعينوا المظلوم. وحديث الباب سبق في المظالم ومناسبته لما ترجم به هنا لا خفاء بها. 3 - باب السَّلاَمُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] هذا (باب) بالتنوين (السلام اسم من أسماء الله تعالى، وإذا حييتم) أي سلم عليكم فإن التحية في ديننا بالسلام في الدارين فسلّموا على أنفسكم تحية من عند الله ({تحيتهم يوم يلقونه سلام} [الأحزاب: 44] (بتحية) هي تفعلة من حيا يحيي تحية ({فحيّوا بأحسن منها}) أي قولوا وعليكم السلام ورحمة الله إذا قال: السلام عليكم وزيدوا وبركاته إذا قال: ورحمة الله كما مرّ ({أو ردّوها}) أو أجيبوها بمثلها فردّ السلام جوابه بمثله لأن المجيب يرد قول المسلم ففيه حذف مضاف أي ردوا مثلها. وروي: ما من مسلم يمر على قوم مسلمين فيسلم عليهم ولا يردون عليه إلا نزع عنهم روح القدس وردت عليه الملائكة، وسقط لأبي ذر: أو ردوها. 6230 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِى شَقِيقٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْنَا: السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ، السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلاَمُ عَلَى مِيكَائِيلَ، السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ، فَإِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِى الصَّلاَةِ فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِىُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ ذَلِكَ: أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرْ بَعْدُ مِنَ الْكَلاَمِ مَا شَاءَ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدثني) بالإفراد (شقيق) هو ابن سلمة أبو وائل (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا إذا صلينا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلنا) في التشهد (السلام على الله قبل عباده) أي قبل السلام على عباده (السلام على جبريل السلام على ميكائيل السلام على فلان) ولأبي ذر زيادة وفلان، وفي رواية عبد الله بن نمير عن الأعمش عند ابن ماجة يعنون الملائكة، وللإسماعيلي من رواية علي بن مسهر فعند الملائكة (فلما انصرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي فرغ من الصلاة (أقبل علينا بوجهه فقال): (إن الله هو السلام) قال النووي: السلام اسم من أسماء الله يعني السالم من النقائص، ويقال المسلم أولياءه وقيل المسلم عليهم اهـ. فهو مصدر نعت به والمعنى ذو السلامة من كل آفة ونقيصة. وقد ثبت في القرآن في أسمائه تعالى السلام المؤمن، وفي الأدب المفرد من حديث أنس بسند حسن: السلام من أسماء الله وضعه الله في الأرض فأفشوه بينكم، وأخرجه البزار من حديث ابن مسعود مرفوعًا وموقوفًا، والبيهقي في شعبه من حديث أبي هريرة مرفوعًا بسند ضعيف، وعن ابن عباس موقوفًا السلام اسم الله وهو تحية أهل الجنة. أخرجه البيهقي في الشعب، والظاهر أن البخاري أخذ بعض الحديث لما لم يجد شيئًا صريحًا على شرطه فجعله ترجمة وأورد ما يؤدي معناه على شرطه هو حديث التشهد. قال في شرح المشكاة: ووظيفة العارف من قوله السلام أن يتخلق به بحيث يسلم قلبه من الحقد والحسد وإرادة الشر وجوارحه عن ارتكاب المحظورات واقتراف الآثام ويكون مسالمًا

4 - باب تسليم القليل على الكثير

لأهل الإسلام ساعيًا في ذبّ المضارّ عنهم ومسلمًا على كل من يراه عرفه أو لم يعرفه (فإذا جلس أحدكم) في الصلاة فليقل (التحيات لله) جمع تحية وهي الملك الحقيقي التام (والصلوات) قيل المراد الصلوات المعهودات في الشرع فيقدر واجبة لله وإن أريد بها رحمته التي تفضل بها على عباده فيقدر كائنة أو ثابتة لعباد الله فيقدر مضاف محذوف (والطيبات) أي الكلمات الطيبات وهي ذكر الله تعالى كلها مستحقة لله (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) السلام مبتدأ وعليك في موضع خبره وبه يتعلق حرف الجر والألف واللام للجنس ويدخل فيه المعهود والمعنى السلام عليك ولك أو معناه التسليم أو التعوّذ أي الله معك أي متوليك وكفيل بك أو معناه الانقياد، لكن قال الشيخ تقي الدين: وليس يخلو بعض هذا من ضعف لأنه لا يتعدى السلام لبعض هذه المعاني بعلى اهـ. قال ابن فرحون: ويحتمل أن يكون السلام عليك مبتدأ خبره محذوف أي السلام عليك موجود ويتعلق حرف الجر بالسلام لأنه فيه معنى الفعل (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) أعاد حرف الجر ليصح العطف على الضمير المجرور (فإنه إذا قال ذلك) أي وعلى عباد الله الصالحين (أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض) اعتراض بين قوله الصالحين وبين قوله (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ثم يتخير) المصلي (بعد من الكلام) من الدعاء (ما شاء). والحديث سبق في باب التشهد من الصلاة. 4 - باب تَسْلِيمِ الْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ (باب تسليم القليل) من الناس (على الكثير) منهم الشامل للواحد بالنسبة إلى الاثنين فأكثر والاثنين بالنسبة إلى الثلاثة فأكثر. 6231 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ». [الحديث 6231 - أطرافه في: 6232، 6233، 6234]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) المروزي المجاور بمكة وسقط أبو الحسن لأبي ذر قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) بسكون العين المهملة ابن راشد (عن همام بن منبه) بكسر الموحدة المشددة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يسلّم الصغير) بلفظ الخبر ومعناه الأمر كما عند أحمد من طريق عبد الرزاق عن معمر ليسلم بلام الأمر (على الكبير) ندبًا للتوقير والتعظيم (و) يسلّم (المارّ على القاعد) بكل حال سواء كان صغيرًا أو كبيرًا قليلاً أو كثيرًا قاله النووي (و) يسلّم (القليل على الكثير) وهو من باب التواضع لأن حق الكثير أعظم. فإن قلت: المناسب أن يسلّم الكثير على القليل لأن الغالب أن القليل يخاف من الكثير. أجاب في الكواكب: بأن الغالب في المسلمين أمن بعضهم من بعض فلوحظ جانب التواضع الذي هو لازم السلام وحيث لم يظهر رجحان أحد الطرفين باستحقاق التواضع له اعتبر الإعلام بالسلامة والدعاء له رجوعًا إلى ما هو الأصل من الكلام ومقتضى اللفظ اهـ. وقال الماوردي من الشافعية: لو دخل شخص مجلسًا فإن كان الجمع قليلاً يعمهم بسلام واحد فسلم كفاه فإن زاد فخصص بعضهم فلا بأس وإن كانوا كثيرًا بحيث لا ينتشر فيهم فيبتدئ أول دخوله إذا شاهدهم وتتأدى سنّة السلام في حق جميع من سمعه، وإذا جلس سقط عنه سنّة السلام فيمن لم يسمعه من الباقين، وهل يستحب أن يسلّم على من جلس عندهم ممن لم يسمعه وجهان. أحدهما لا لأنهم جمع واحد والثاني نعم. والحديث أخرجه الترمذي في الاستئذان. 5 - باب تَسْلِيمِ الرَّاكِبِ عَلَى الْمَاشِى (باب تسليم الراكب) ولأبي ذر عن الكشميهني: باب التنوين يسلّم الراكب (على الماشي) بلفظ المضارع ورفع الراكب. 6232 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى زِيَادٌ أَنَّهُ سَمِعَ ثَابِتًا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِى، وَالْمَاشِى عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (محمد) ولأبي ذر محمد بن سلام بتخفيف اللام على الأصح قال: (أخبرنا مخلد) بفتح الميم وسكون المعجمة وفتح اللام ابن يزيد الحراني قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (زياد) بكسر الزاي وتخفيف التحتية ابن سعد الخراساني ثم المكي (أنه سمع ثابتًا) هو ابن عياض الأحنف الأعرج العدوي (مولى عبد الرحمن بن زيد) أي ابن الخطاب أخي عمر بن الخطاب وليس لثابت في البخاري غير هذا الحديث وآخر في المصراة من كتاب البيوع (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه-

6 - باب تسليم الماشى على القاعد

يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يسلّم) أي ليسلم (الراكب على الماشي) قال في شرح المشكاة: وإنما استحب ابتداء السلام للراكب لأن وضع السلام إنما هو لحكمة إزالة الخوف من الملتقيين إذا التقيا أو من أحدهما في الغالب أو لمعنى التواضع المناسب لحال المؤمن، أو للتعظيم لأن السلام إنما يقصد به أحد أمرين إما اكتساب ودّ أو استدفاع مكروه قاله الماوردي، وقال ابن بطال: تسليم الراكب لئلا يتكبر بركوبه فيرجع إلى التواضع، وقال الماوردي: لأن للراكب مزية على الماشي فعوّض الماشي بأن يبدأه الراكب احتياطًا على الراكب من الزهو (والماشي) يسلّم (على القاعد) للإيذان بالسلامة وإزالة الخوف (والقليل) كالواحد يسلّم (على الكثير) كالاثنين فأكثر على ما سبق في الباب قبله لفضيلة الجماعة، ولأن الجماعة لو ابتدؤوا الواحد لزها فاحتيط له ولم يذكر في الرواية المذكورة في الباب السابق تسليم الراكب على الماشي، ولا في رواية هذا الباب الصغير على الكبير كما ذكرها في رواية همام فكان كلاًّ منهما حفظ ما لم يحفظه الآخر، واشتمل الحديثان على أربعة اجتمعت في رواية الحسن عن أبي هريرة فيما رواه الترمذي قاله في الفتح. والحديث أخرجه مسلم في الأدب. 6 - باب تَسْلِيمِ الْمَاشِى عَلَى الْقَاعِدِ (باب تسليم الماشي على القاعد) ولأبي ذر باب بالتنوين يسلّم بصيغة المضارع. 6233 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى زِيَادٌ أَنَّ ثَابِتًا أَخْبَرَهُ، وَهْوَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِى، وَالْمَاشِى عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدثني (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (أخبرنا روح بن عبادة) بفتح الراء وسكون الواو وبعدها حاء مهملة وعبادة بضم العين وتخفيف الموحدة قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك (قال: أخبرني) بالإفراد (زياد) هو ابن سعد (أن ثابتًا) هو ابن عياض (أخبره وهو مولى عبد الرحمن بن زيد) وأما ما حكاه أبو علي الجياني أن في رواية الأصيلي عن الجرجاني عن عبد الرحمن بن يزيد بزيادة تحتية في أوله فقال الحافظ ابن حجر: إنه وهم (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال): (يسلّم الراكب على الماشي و) يسلّم (الماشي على القاعد و) يسلّم (القليل على الكثير) وقد أبدى صاحب الكواكب سؤالاً فقال: فإن قلت إذا كان المشاة كثيرًا والقاعدون قليلاً فباعتبار المشي السلام على الماشي وباعتبار القلة على القاعد فهما متعارضان فما حكمه؟ وأجاب: بأنه يتساقط الجهتان ويكون حكم ذلك حكم رجلين التقيا معًا فأيهما ابتدأ بالسلام فهو خير أو يرجح ظاهر أمر الماشي وكذا الراكب فإنه يوجب الأمان لتسلطه وعلوّه. 7 - باب تَسْلِيمِ الصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ (باب تسليم الصغير على الكبير) ولأبي ذر: باب بالتنوين يسلم بلفظ المضارع فالصغير رفع. 6234 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ». (وقال إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء أبو سعيد الخراساني من أئمة الإسلام لكن فيه إرجاء وثبت قوله ابن طهمان لأبي ذر (عن موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم) الزهري مولاهم المدني الإمام القدوة ومن يستسقى بذكره (عن عطاء بن يسار) الهلالي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يسلّم الصغير على الكبير) تعظيمًا له وتوقيرًا ولم يقع تسليم الصغير على الكبير في صحيح مسلم. قال في الفتح: وكأنه لمراعاة حق السن فإنه معتبر في أمور كثيرة في الشرع، فلو تعارض الصغر المعنوي والحسي كأن يكون الأصغر أعلم مثلاً لم أر فيه نقلاً، والذي يظهر اعتبار السن لأنه الظاهر كما تقدم الحقيقة على المجاز، ونقل ابن دقيق العيد عن ابن رشد أن محل الأمر بتسليم الصغير على الكبير إذا التقيا فإن كان أحدهما ماشيًا والآخر راكبًا بدأ الراكب وإن كانا راكبين أو ماشيين بدأ الصغير (و) يسلم (المار) ماشيًا كان أو راكبًا صغيرًا أو كبيرًا قليلاً أو كثيرًا (على القاعد) تشبيهًا بالداخل على أهل المنزل. وفي حديث فضالة بن عبيد عند البخاري في الأدب المفرد والترمذي وصححه النسائي، وصححه ابن حبان: يسلم الفارس على الماشي والماشي على القائم الحديث. ولو تلاقى مارّان راكبان أو ماشيان؟ قال المازري: يبدأ الأدنى منهما الأعلى قدرًا في الذين إجلالاً لفضله

8 - باب إفشاء السلام

لأن فضيلة الدين مرغب فيها في الشرع، وعلى هذا لو التقى راكبان ومركوب أحدهما أعلى في الحسن من مركوب الآخر كالجمل والفرس يبدأ صاحب الفرس أو يكتفي بالنظر إلى أعلاهما قدرًا في الدين فيبدأ الذي دونه، وهذا الثاني أظهر كما لا نظر إلى من يكون أعلاهما قدرًا من جهة الدنيا إلا أن يكون سلطانًا يخشى منه (و) يسلّم (القليل على الكثير) لفضل الجماعة كما مرّ. وهذا التعليق وصله البخاري في الأدب المفرد وأبو نعيم والبيهقي، وقول الكرماني عبّر البخاري بقوله وقال إبراهيم لأنه سمع منه في مقام الذاكرة ردّه الحافظ ابن حجر بأنه غلط عجيب، فإن البخاري لم يدرك ابن طهمان فضلاً عن أن يسمع منه لأنه مات قبل مولد البخاري بست وعشرين سنة. 8 - باب إِفْشَاءِ السَّلاَمِ (باب إفشاء السلام) أي إظهاره بين الناس ليحيوا سنته وسقط لفظ باب لأبي ذر. 6235 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِى الشَّعْثَاءِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ: بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَصْرِ الضَّعِيفِ، وَعَوْنِ الْمَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ، وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ، وَنَهَى عَنِ الشُّرْبِ فِى الْفِضَّةِ، وَنَهَانَا عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، وَعَنْ رُكُوبِ الْمَيَاثِرِ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالدِّيبَاجِ، وَالْقَسِّىِّ، وَالإِسْتَبْرَقِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن الشيباني) بالشين المعجمة المفتوحة والتحتية الساكنة والموحدة وبعد الألف نون أبي إسحاق سليمان بن فيروز الكوفي الحافظ (عن أشعث بن أبي الشعثاء) سليم بن أسود (عن معاوية بن سويد بن مقرن) بالقاف المفتوحة وكسر الراء المشددة (عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-) وسقط ابن عازب لأبي ذر أنه (قال: أمرنا رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسبع) أي بسبع خصال أو نحو ذلك فحذف مميز العدد (بعيادة المريض) مصدر مضاف إلى مفعوله كاللواحق (واتباع الجنائز) افتعال من تبع يتبع (وتشميت العاطس) بالمعجمة ويجوز بالمهملة بأن يقول له يرحمك الله إذا حمد (ونصر الضعيف) وفي باب تشميت العاطس ونصر المظلوم أي إغاثته ومنعه من الظالم (وعون المظلوم). قال في الفتح: الذي يظهر أن نصر الضعيف المراد به عون المظلوم (وإفشاء السلام) انتشاره وإظهاره وأقله كما قال النووي: أن يرفع صوته به بحيث يسمع المسلم عليه فإن لم يسمعه لم يكن آتيًا بالسنة. قال: ويستحب أن يرفع صوته بقدر ما يتحقق أنه سمعه فإن شك استظهر، وقد أخرج المؤلّف في الأدب المفرد بسند صحيح عن ابن عمر: إذا سلمت فأسمع فإنها تحية من عند الله لكن يستثنى من رفع الصوت ما إذا كان بحضرة نيام فقد كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الليل فيسلم تسليمًا لا يوقظ نائمًا ويسمع اليقظان. رواه مسلم في صحيحه من حديث المقداد، ومن فوائد إفشاء السلام حصول المحبة بين المتسالمين، وفي مسلم عن أبي هريرة: ألا أدلكم على ما تحابون به أفشوا السلام بينكم (و) من المأمورات وهو سابعها لفظًا (إبرار المقسم}) بضم الميم وكسر السين اسم فاعل من أقسم أي إبرار يمين المقسم، والمراد بالأمر هنا المطلق في الإيجاب والندب لأن بعضها إيجاب وبعضها ندب، وليس ذلك من استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه لأن ذاك إنما هو في صيغة أفعل أما لفظ الأمر فيطلق عليهما حقيقة على المرجح لأنه حقيقة في القول المخصوص. (ونهى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن الشرب في) إناء (الفضة) والذهب من باب أولى والتعبير بالشرب خرج مخرج الغالب (ونهانا) ولأبي ذر ونهى (عن تختم الذهب) لبسًا وكذا اتخاذًا (وعن ركوب المياثر) بالمثلثة جمع ميثرة بكسر الميم وسكون التحتية من غير همز وطاء في السروج يكون من الحرير والديباج (وعن لبس الحرير والديباج) وهو ما غلظ وثخن من ثياب الحرير (والقسي) بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة ثياب مضلعة بالحرير تعمل بالقس قرية على ساحل البحر قريبة من تنيس ببلاد مصر، وقيل غير ذلك مما سبق في موضعه (والاستبرق) بهمزة قطع مكسورة. قال أبو البقاء: أصل استبرق فعل على استفعل فلما سمي به قطعت همزته وهو غليظ الديباج وكل ذلك سبق غير مرة. والحديث سبق في الجنائز واللباس والأدب والطب والأشربة وأخرجه في النذور. 9 - باب السَّلاَمِ لِلْمَعْرِفَةِ وَغَيْرِ الْمَعْرِفَةِ (باب) مشروعية (السلام للمعرفة وغير المعرفة).

10 - باب آية الحجاب

6236 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى يَزِيدُ، عَنْ أَبِى الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَىُّ الإِسْلاَمِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ، وَعَلَى مَنْ لَمْ تَعْرِفْ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الأصل الدمشقي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الفهمي الإمام قال: (حدثني) بالإفراد (يزيد) بن أبي حبيب (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن العاص -رضي الله عنهما- (أن رجلاً) لم يسم أو هو أبو ذر (سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيّ) خصال (الإسلام خير؟ قال): (تطعم) الخلق (الطعام وتقرأ) بفتح الفوقية وضم الهمزة مضارع قرأ (السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف) أي من المسلمين للتأنيس ليكون المؤمنون كلهم إخوة فلا يستوحش أحد من أحد فلا حجة فيه لمن أجاز ابتداء الكافر بالسلام لأن أصل مشروعيته للمسلم فيحمل قوله: من عرفت عليه وأما من لم تعرف فلا دلالة فيه بل إن عرف إسلامه سلم وإلاّ فلا. ولو سلم احتياطًا لم يمتنع حتى يعرف أنه كافر وسقط لأبي ذر لفظ على من قوله وعلى من لم تعرف. والحديث سبق في كتاب الإِيمان. 6237 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِى يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ». وَذَكَرَ سُفْيَانُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عطاء بن يزيد الليثي) المدني نزيل الشام (عن أبي أيوب) خالد بن زيد الأنصاري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه) المسلم (فوق ثلاث) أي ثلاث ليال بأيامهن (يلتقيان فيصد هذا ويصدّ هذا) بيان لكيفية الهجران أي فيعرض كل منهما عن الآخر يقال صد عنه يصد صدودًا أي أعرض وصده عن الأمر صدًّا منعه وصرفه (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) لأنه فعل حسنة وتسبب في فعل حسنة وهي الجواب مع ما دل عليه الابتداء من حسن طوية المبتدئ وترك ما يكره الشارع من الهجر والجفاء. وفي حديث ابن مسعود مرفوعًا عند الطبراني والبيهقي في شعبه: إن من أشراط الساعة أن يمر الرجل بالمسجد لا يصلّي فيه وأن لا يسلم إلاّ على من يعرفه. والحديث سبق في باب الهجرة من كتاب الأدب (وذكر سفيان) بن عيينة بالسند السابق (أنه سمعه) أي الحديث (منه) أي من الزهري (ثلاث مرات). 10 - باب آيَةِ الْحِجَابِ (باب) ذكر نزول (آية الحجاب) في أمر نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالاحتجاب من الرجال ولأبي ذر عن الكشميهني علامة الحجاب بدل آية الحجاب. 6238 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ مَقْدَمَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ فَخَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرًا حَيَاتَهُ وَكُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِشَأْنِ الْحِجَابِ حِينَ أُنْزِلَ وَقَدْ كَانَ أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ يَسْأَلُنِى عَنْهُ وَكَانَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ فِى مُبْتَنَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، أَصْبَحَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَا عَرُوسًا فَدَعَا الْقَوْمَ فَأَصَابُوا مِنَ الطَّعَامِ، ثُمَّ خَرَجُوا وَبَقِىَ مِنْهُمْ رَهْطٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَطَالُوا الْمُكْثَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ كَىْ يَخْرُجُوا فَمَشَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَشَيْتُ مَعَهُ، حَتَّى جَاءَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، ثُمَّ ظَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُمْ خَرَجُوا فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ، فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَتَفَرَّقُوا فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَجَعْتُ مَعَهُ، حَتَّى بَلَغَ عَتَبَةَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَظَنَّ أَنْ قَدْ خَرَجُوا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ فَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا فَأُنْزِلَ آيَةُ الْحِجَابِ فَضَرَبَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ سِتْرًا. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي نزيل مصر قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله قال: (أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أنه كان ابن عشر سنين مقدم رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي وقت قدومه (المدينة) قال: (فخدمت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشرًا) من السنين (حياته) أي بقية حياته إلى أن مات (وكنت أعلم الناس بشأن) سبب نزول (الحجاب حين أنزل) بضم الهمزة (وقد كان أبي بن كعب يسألني عنه) أي عن سبب نزوله (وكان أول ما نزل في مبتنى) بضم الميم وسكون الموحدة وفتح الفوقية والنون من الابتناء أي زفاف (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بزينب ابنة) ولأبي ذر بنت (جحش) الأسدية (أصبح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بها عروسًا) نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ما داما في إعراسهما (فدعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (القوم) لوليمته وجاؤوا (فأصابوا) فأكلوا (من الطعام ثم خرجوا وبقي منهم رهط) ثلاثة لم يسموا (عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الحجرة (فأطالوا المكث فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخرج) من الحجرة ليخرجوا (وخرجت معه كي يخرجوا فمشى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومشيت معه حتى جاء عتبة حجرة عائشة) -رضي الله عنها-، وفي تفسير سورة الأحزاب من غير هذا الوجه فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: "السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله" فقالت: وعليك السلام

ورحمة الله كيف وجدت أهلك بارك الله لك. فتعهد حجر نسائه كلهن يقول لهن كما يقول لعائشة ويقلن له كما قالت عائشة (ثم ظن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنهم خرجوا فرجع ورجعت معه حتى دخل على زينب فإذا هم جلوس لم يتفرقوا فرجع رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورجعت معه حتى بلغ عتبة حجرة عائشة فظن أن قد خرجوا فرجع ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا فأنزل) بضم الهمزة (آية الحجاب) {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي} [الأحزاب: 53] الآية وسقط للحموي والمستملي لفظ آية (فضرب) عليه الصلاة والسلام (بيني وبينه سترًا). والحديث مضى في تفسير سورة الأحزاب. 6239 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، أَبِى حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْنَبَ دَخَلَ الْقَوْمُ فَطَعِمُوا، ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ فَأَخَذَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ، فَلَمْ يَقُومُوا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ، فَلَمَّا قَامَ قَامَ مَنْ قَامَ مِنَ الْقَوْمِ، وَقَعَدَ بَقِيَّةُ الْقَوْمِ وَإِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ لِيَدْخُلَ فَإِذَا الْقَوْمُ جُلُوسٌ، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا فَانْطَلَقُوا فَأَخْبَرْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ، فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ فَأَلْقَى الْحِجَابَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} [الأحزاب: 53] الآيَةَ. قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: فِيهِ مِنَ الفِقْهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُمْ حِينَ قَامَ وَخَرَجَ، وَفِيهِ أَنَّهُ تَهَيَّأَ لِلْقِيَامِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَقُومُوا. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل عارم قال: (حدّثنا معتمر قال أبي) سليمان التيمي (حدّثنا أبو مجلز) بكسر الميم وسكون الجيم بعدها لام مفتوحة فزاي لاحق بن حميد (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما تزوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زينب) بنت جحش (دخل القوم) حجرتها بعد أن دعاهم لوليمتها (فطعموا) من الخبز واللحم (ثم جلسوا يتحدثون فأخذ) أي جعل وشرع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كأنه يتهيّأ للقيام) ليقوموا (فلم يقوموا فلما رأى ذلك قام) ثبت لفظ ذلك للأصيلي (فلما قام قام من قام من القوم وقعد بقية القوم وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الهمزة وكسرها مصححًا عليها في الفرع (جاء ليدخل فإذا القوم جلوس ثم إنهم قاموا) لما فهموا المراد (فانطلقوا فأخبرت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجاء حتى دخل) الحجرة (فذهبت أدخل فألقى الحجاب) أي الستر (بيني وبينه وأنزل الله تعالى {يا أيها الدين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي} الآية) [الأحزاب: 53] إلى آخرها. (وقال أبو عبد الله) البخاري: (فيه) أي الحديث (من الفقه أنه لم يستأذنهم) أي لم يستأذن القوم الذين تخلفوا (حين قام وخرج) فلا يحتاج في القيام والخروج إلى إذن الأضياف (وفيه أنه تهيأ للقيام وهو يريد أن يقوموا) ففيه جواز التعريض بذلك، وقول البخاري هذا ثابت في رواية أبي الوقت وأبي ذر عن المستملي وسقط للباقين. قال في الفتح: وهو أولى فإنه أفرد لذلك ترجمة تأتي بعد اثنين وعشرين بابًا إن شاء الله تعالى. 6240 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: احْجُبْ نِسَاءَكَ قَالَتْ: فَلَمْ يَفْعَلْ، وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْرُجْنَ لَيْلاً إِلَى لَيْلٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، خَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهْوَ فِى الْمَجْلِسِ فَقَالَ: عَرَفْتُكِ يَا سَوْدَةُ حِرْصًا عَلَى أَنْ يُنْزَلَ الْحِجَابُ قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آيَةَ الْحِجَابِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني (إسحاق) هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في مستخرجه قال: (أخبرنا يعقوب بن إبراهيم) ثبت ابن إبراهيم لأبي ذر قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط زوج النبي الخ لأبي ذر (قالت: كان عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (يقول لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): يا رسول الله (احجب نساءك) فإنه يدخل عليك البر والفاجر (قالت: فلم يفعل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وكان أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخرجن) للبراز للبول والغائط (ليلاً إلى ليل قبل المناصع) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة المناصع موضع معروف بالمدينة (خرجت) ولأبي ذر فخرجت (سودة بنت زمعة) القرشية أم المؤمنين -رضي الله عنها- ليلة من الليالي. وثبت بنت زمعة في رواية أبي ذر (وكانت امرأة طويلة فرآها عمر بن الخطاب وهو في المجلس فقال) لها: (عرفتك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: عرفناك (يا سودة حرصًا) نصب مفعولاً له لقوله عرفتك (على أن ينزل الحجاب قالت) عائشة: (فأنزل الله عز وجل آية الحجاب) سقط لفظ آية لأبي ذر. واستشكل بأنه ثبت أن قصة زينب كان سببًا لنزول آية الحجاب فتعارضا. وأجيب: بأن عمر حرض على ذلك حتى قال لسودة ما قال. فوقعت القصة المتعلقة بزينب فنزلت الآية، فكان كل من الأمرين سببًا لنزولها

11 - باب الاستئذان من أجل البصر

أو أن عمر تكرر منه هذا القول قبل الحجاب وبعده أو أن بعض الرواة ضم قصة إلى أخرى، وقد سبق موافقات عمر -رضي الله عنه- في سورة الأحزاب. 11 - باب الاِسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ هذا (باب) بالتنوين (الاستئذان) شرع (من أجل البصر) لأن المستأذن لو دخل بغير إذن لرأى بعض ما يكره من يدخل إليه أن يطلع عليه. 6241 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِىُّ: حَفِظْتُهُ كَمَا أَنَّكَ هَا هُنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِى حُجَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ فَقَالَ: «لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ لَطَعَنْتُ بِهِ فِى عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الاِسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال الزهري): محمد بن مسلم ليس فيه التصريح بأن سفيان سمعه نعم أخرج الحديث مسلم والترمذي من طرق عن سفيان وفيها عن الزهري ورواه الحميدي وابن أبي عمر في مسنديهما فقالا حدّثنا الزهري قال سفيان (حفظته) أي الحديث من الزهري (كما أنك هاهنا) أي حفظًا ظاهرًا كالمحسوس من غير شك ولا شبهة فيه (عن سهل بن سعد) الساعدي -رضي الله عنه- أنه (قال: اطلع رجل) قيل هو الحكم بن أبي العاص بن أمية (من جحر) بتقديم الجيم المضمومة على الحاء المهملة الساكنة ثقب مستدير (في حجر النبي) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم بلفظ الجمع ولأبي ذر عن الكشميهني في حجرة النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مدرى) بكسر الميم وسكون الدال المهملة وتنوين الراء بوزن مفعل حديدة يسرح بها الشعر، وقال الجوهري: شيء كالمسلة يكون مع الماشطة تصلح بها قرون النساء والمدرى يذكر ويؤنث (يحك به رأسه فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (لو أعلم أنك تنظر) أي إليّ ولأبي ذر عن الحموي والمستملي تنتظر بوزن تفتعل والأول أوجه (لطعنت به) بالمدرى (في عينك إنما جعل الاستئذان) بضم الجيم وكسر العين أي شرع الاستئذان في الدخول (من أجل البصر) لئلا يقع على عورة أهل البيت ويطلع على أحوالهم. والحديث سبق في باب الامتشاط من كتاب اللباس. 6242 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ مِنْ بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ إِلَيْهِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِشْقَصٍ أَوْ بِمَشَاقِصَ فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَخْتِلُ الرَّجُلَ لِيَطْعُنَهُ. [الحديث 6242 - طرفاه في: 6889، 6900]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) بضم الميم وفتح السين والدال الأولى المشددة المهملات ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي أضر وكان يحفظ حديثه كالماء (عن عبيد الله) بضم العين (ابن أبي بكر عن) جده (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- وسقط لأبي ذر ابن مالك (أن رجلاً اطلع من بعض حجر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الحاء وفتح الجيم بلفظ الجمع (فقام إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمشقص) بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح القاف بعدها مهملة نصل سهم إذا كان طويلاً غير عريض (أو) قال: (بمشاقص) بلفظ الجمع والشك من الراوي قال: أنس (فكأني أنظر إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يختل الرجل) بفتح أوله وسكون الخاء المعجمة وكسر الفوقية بعدها لام يأتيه من حيث لا يشعر (ليطعنه) بضم العين في عينه وهو غافل والحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الدّيات ومسلم في الاستئذان وأبو داود في الأدب. 12 - باب زِنَا الْجَوَارِحِ دُونَ الْفَرْجِ (باب زنا الجوارح) كاللسان والعين (دون الفرج). 6243 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: لَمْ أَرَ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِنْ قَوْلِ أَبِى هُرَيْرَةَ، حَدَّثَنِى مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِى، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ» [الحديث 6343 - طرفه في: 6612]. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس بن كيسان (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال): وسقط لفظ قال لأبي ذر (لم أر شيئًا أشبه باللمم من قول أبي هريرة) -رضي الله عنه- بفتح اللام المشددة والميم الأولى أي بالصغائر كالنظرة والقبلة واللمسة والغمزة وأصل اللمم ما قل وصغر، وقيل إن يلم بشيء من غير أن يركبه يقال: ألم بكذا أي قاربه ولم يخالطه، وقال سعيد بن المسيب: ما لمّ على القلب أي خطر، واقتصر البخاري من هذا الحديث من طريق سفيان على هذا القدر موقوفًا على أبي هريرة ثم عطف عليه رواية عمر عن ابن طاوس فساقه مرفوعًا بتمامه فقال: (وحدثني) بالإفراد وسقطت الواو لغير أبي ذر (محمود) هو ابن غيلان قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: ما رأيت شيئًا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة) ولأبي ذر عن الكشميهني: من قول أبي هريرة (عن النبي

13 - باب التسليم والاستئذان ثلاثا

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الله كتب) قدر (على ابن آدم حظه) بالحاء المهملة والظاء المعجمة نصيبه بما قدر عليه (من الزنا أدرك ذلك لا محالة) بفتح الميم والحاء المهملة واللام المخففة لا حيلة له في التخلص من إدراك ما كتب عليه ولا بد له منه (فزنا العين) بالإفراد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي العينين (النظر) بشهوة (وزنا اللسان المنطق) بالميم ولأبي ذر عن الكشميهني النطق أي فيما يستلذ به من محادثة ما لا يحل له وفي حديث أبي الضحى عن ابن مسعود عند ابن جرير قال: زنا العينين النظر وزنا الشفتين التقبيل وزنا اليدين البطش وزنا الرجلين المشي (والنفس تمنى) بحذف إحدى التاءين، ولأبي ذر عن الكشميهني تتمنى بإثباتها (وتشتهي) قال ابن بطال: سمي النظر والنطق زنا لأنه يدعو إلى الزنا الحقيقي ولذا قال: (والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه) ولأبي ذر عن الكشميهني: أو يكذبه واستدلّ به من قال: إنه إذا قال لرجل: زنت يدك أو رجلك أنه لا يكون قذفًا فلا حدّ، وبه قال أشهب من أئمة المالكية. وفي الروضة إذا قال: زنى يدك أو عينك أو رجلك فكناية على المذهب. وقال ابن القاسم: يحد ووجه بأن الأفعال: من فاعلها تضاف إلى الأيدي قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} [الشورى: 30] فكأنه إذا قال: زنت يدك ووصف ذاته بالزنا لأنه الزنا لا يتبعض، وقال في الكواكب فإن قلت: التصديق والتكذيب من صفات الأخبار فما معناهما هنا؟ وأجاب: بأنه لما كان التصديق هو الحكم بمطابقة الخبر للواقع والتكذيب الحكم بعدمها فكأنه هو الموقع أو الواقع فهو تشبيه أو لما كان الإيقاع مستلزمًا للحكم بهما عادة فهو كناية. 13 - باب التَّسْلِيمِ وَالاِسْتِئْذَانِ ثَلاَثًا (باب) استحباب (التسليم والاستئذان ثلاثًا) سواء اجتمعا أو انفردا. 6244 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلاَثًا وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلاَثًا. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن منصور الكوسج الحافظ قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (عبد الصمد) بن عبد الوارث قال: (حدّثنا عبد الله بن المثنى) أي ابن عبد الله بن أنس واختلف فيه فوثقه العجلي واليزيدي. وقال أبو زرعة وابن معين: ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بالقوي، قال ابن حجر: لعله أراد في بعض حديثه، وقد تقرر أن البخاري حيث يخرج لبعض من فيه مقال يخرج شيئًا مما أنكر عليه، وقول ابن معين ليس بشيء أراد به في حديث بعينه سئل عنه، والرجل إذا ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح إلا مفسرًا بأمر فادح وذلك غير موجود في عبد الله بن المثنى هذا وقال ابن حبان لما ذكره في الثقات: ربما أخطأ والذي أنكر عليه إنما هو من روايته عن غير عمه ثمامة وإنما أخرج له عن عمه هذا الحديث قال: (حدّثنا ثمامة بن عبد الله) بضم المثلثة وتخفيف الميم الأولى ابن أنس بن مالك قاضي البصرة وهو عم عبد الله بن المثنى (عن) جده (أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا سلم) على أناس (سلم) عليهم (ثلاثًا) أي ثلاث مرات وهذه الصيغة كما قال في الكواكب تشعر بالاستمرار عند الأصوليين، وتعقب بأن صيغة كان بمجردها لا تقتضي مداومة ولا تكثيرًا فإذا شرط جوابه سلم. وقال الإسماعيلي يشبه أن يكون ذلك كان إذا سلم سلام الاستئذان على ما رواه أبو موسى وغيره أي التالي لهذا الحديث، وأما أن يمر المار مسلمًا فالمعروف عدم التكرار، والظاهر أن البخاري فهم هذا المعنى بعينه فأورد هذا الحديث مقرونًا بحديث أبي موسى في قصته مع عمر، لكن يحتمل أن يكون ذلك كان يقع منه أيضًا إذا خشي أن لا يسمع سلامه وقد يشرع تكراره إذا كان الجمع كثيرًا ولم يسمع بعضهم وقصد الاستيعاب، وهل إذا سلم ثلاثًا فظن أنه لم يسمع فقال مالك: يزيد حتى يتحقق، وقال الجمهور: إنه لا يزيد عملاً بالحديث (وإذا تكلم بكلمة) بجملة مفيدة (أعادها ثلاثًا) زاد في كتاب العلم حتى تفهم وللترمذي والحاكم حتى تعقل عنه. والحديث سبق في باب من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم في كتاب العلم، وقدم هنا السلام على الكلام كالحديث الأول من الباب المسوق في العلم، وعكس في الحديث الثاني منه فقدم الكلام على السلام، وقد نبهت هناك

14 - باب إذا دعى الرجل فجاء هل يستأذن؟

على أن الحديث الأول من الباب المذكور ساقط في رواية ابن عساكر وأبي ذر. 6245 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: كُنْتُ فِى مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ، فَقَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِى، فَرَجَعْتُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ؟ قُلْتُ اسْتَأْذَنْتُ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِى فَرَجَعْتُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ»، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ: وَاللَّهِ لاَ يَقُومُ مَعَكَ إِلاَّ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، فَكُنْتُ أَصْغَرَ الْقَوْمِ فَقُمْتُ مَعَهُ فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنِى ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنِى، يَزِيدُ عَنْ بُسْرٍ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا يزيد بن خصيفة) هو يزيد بن عبد الله بن خصيفة بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة وبعد التحتية الساكنة فاء الكندي (عن بسر بن سعيد) بكسر العين وبسر بضم الموحدة وسكون المهملة المدني (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) -رضي الله عنه- أنه (قال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاه أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري وإذ كلمة مفاجأة (كأنه مذعور) يقال أذعرته لم أفزعته (فقال: استأذنت على عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (ثلاثًا) وكان قد أرسل إليه أن يأتيه كما في مسلم عن عمرو الناقد عن سفيان (فلم يؤذن لي) بضم التحتية وفتح المعجمة وكأنه كان مشغولاً (فرجعت) وفي البيوع ففرغ عمر فقال: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس ائذنوا له فقيل له أنه رجع وعند مسلم من رواية بكر بن الأشج عن بسر استأذنت على عمر أمس ثلاث مرات فلم يؤذن لي فرجعت ثم جئت اليوم فدخلت عليه فأخبرته أني جئت أمس (فقال) ولأبي ذر قال: (ما منعك) أن تأتينا (قلت استأذنت ثلاثًا فلم يؤذن لي فرجعت و) قد (قال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يؤذن له فليرجع فقال) عمر -رضي الله عنه- (والله لتقيمن عليه) أي على ما رويته (بينة) ولغير أبي ذر ببينة. وزاد مسلم: وإلاّ أوجعتك. فقال أبو موسى: (أمنكم) بهمزة الاستفهام الاستخباري (أحد سمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)؟ فيشهد عند عمر بذلك (فقال أبيّ بن كعب): سقط ابن كعب لأبي ذر (والله لا يقوم معك) إلى عمر يشهد عنده بذلك (إلا أصغر القوم) وفي رواية بكر بن الأشج فوالله لا يقوم معك إلا أحدّثنا سنًّا قم يا أبا سعيد قال: (فكنت) بالفاء ولأبي ذر وكنت (أصغر القوم فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ذلك). وفيه دليل على أن العلم الخاص قد يخفى على الأكابر فيعلمه من دونهم. ألا ترى أن عمر -رضي الله عنه- خفي عليه علم الاستئذان ثلاثًا، وعلمه أبو موسى وأبو سعيد وغيرهما. قال ابن دقيق العيد: وذلك يصد في وجه من يطلق من المقلدين إذا استدلّ عليه بحديث فيقول: لو كان صحيحًا لعلمه فلان مثلاً فإن ذلك إذا خفي على أكابر الصحابة فهو على غيرهم أولى، وقول عمر -رضي الله عنه-: لتقيمن عليه بيّنة يتعلق به من يرى اعتبار العدد وليس قول عمر ذلك ردًّا لخبر الواحد بل خاف مسارعة الناس إلى القول على النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما لم يقل كما يفعله المبتدعون والكذابون، فأراد -رضي الله عنه- سدّ الباب لا شكًّا في الرواية، وفي الموطأ أن عمر قال لأبي موسى: أما إني لا أتهمك ولكني أردت أن لا يتجرأ الناس على الحديث عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وحديث الباب أخرجه مسلم في الاستئذان وأبو داود في الأدب. (وقال ابن المبارك): عبد الله مما وصله أبو نعيم في مستخرجه (أخبرني) بالإفراد (ابن عيينة) سفيان قال: (حدثني) بالإفراد أيضًا (يزيد بن خصيفة) وثبت ابن خصيفة لأبي ذر (عن بسر) ولأبي ذر زيادة ابن سعيد أنه قال: (سمعت أبا سعيد) الخدري (بهذا) الحديث. وغرضه من ساق هذا التعليق بيان سماع بسر له من أبي سعيد والله الموفق والمعين لا إله غيره. 14 - باب إِذَا دُعِىَ الرَّجُلُ فَجَاءَ هَلْ يَسْتَأْذِنُ؟ قَالَ سَعِيدٌ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «هُوَ إِذْنُهُ». هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا دعي الرجل) إلى منزل (فجاء هل يستأذن) قبل أن يدخل أم لا؟ (قال) ولأبي ذر وقال: (سعيد): هو ابن أبي عروبة ولأبي ذر عن الكشميهني شعبة أن ابن الحجاج قال: في الفتح والأول هو المحفوظ (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي رافع) نفيع البصري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (هو) أي الدعاء (إذنه) فلا يحتاج إلى تجديده. وهذا التعليق وصله المؤلّف في الأدب المفرد وأبو داود من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة، وزاد أبو داود إلى طعام ثم قال: لم يسمع قتادة من أبي رافع كذا

15 - باب التسليم على الصبيان

في رواية اللؤلؤي عن أبي داود قال في الفتح: وقد ثبت سماعه منه في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى في كتاب التوحيد من رواية سليمان التيمي عن قتادة أن أبا رافع حدثه .. 6246 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، أَخْبَرَنَا مُجَاهِدٌ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَ لَبَنًا فِى قَدَحٍ فَقَالَ: «أَبَا هِرٍّ الْحَقْ أَهْلَ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ إِلَىَّ»، قَالَ: فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا فَأُذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عمر بن ذر) بضم العين في الأول وفتح الذال المعجمة وتشديد الراء الهمداني (وحدّثنا) وفي نسخة ح للتحويل وحدّثنا ولأبي ذر وحدثني بالإفراد (محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا عمر بن ذر) المذكور قال: (أخبرنا مجاهد) هو ابن جبر (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: دخلت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) منزله (فوجد لبنًا في قدح فقال): (أبا هرّ) بكسر الهاء وتشديد الراء منونة زاد في الرقاق قلت لبيك يا رسول الله قال: (الحق) بهمزة وصل وفتح الحاء المهملة (أهل الصفة) سقيفة كانت بالمسجد ينزل فيها فقراء الصحابة -رضي الله عنهم- (فادعهم إليّ) بتشديد الياء (قال) أبو هريرة -رضي الله عنه-: (فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا) في الدخول (فأذن لهم) بضم الهمزة وكسر المعجمة (فدخلوا) الحديث. ويأتي بتمامه إن شاء الله تعالى في باب كيف كان عيش النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه وتخليهم عن الدنيا من كتاب الرقاق. واستشكل قوله فاستأذنوا مع قوله في السابق هو إذنه إذ ظاهره التعارض. وأجيب: بأنه يختلف بطول العهد وقصره فإن طال العهد بين الطلب والمجيء احتاج إلى استئناف الإذن، وإلاّ فلا وقيده السفاقسي بمن علم أنه ليس عنده من يستأذن لأجله قال: والاستئذان على كل حال أحوط. 15 - باب التَّسْلِيمِ عَلَى الصِّبْيَانِ (باب) مشروعية (التسليم على الصبيان) وسقط لفظ باب لأبي ذر فالتسليم مرفوع. 6247 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفْعَلُهُ. وبه قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين بعدها دال مهملتين الجوهري البغدادي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن سيار) بفتح السين المهملة والتحتية وبعد الألف راء أبي الحكم بن وردان العنزي الواسطي (عن ثابت البناني) بضم الموحدة نسبة إلى بنانة امرأة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه مرّ على صبيان) قال ابن حجر: لم أقف على أسمائهم (فسلّم عليهم وقال: كان) ولأبي ذر قال: وكان (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعله) أي السلام على الصبيان تدريبًا لهم على آداب الشريعة وفيه سلوك التواضع ولين الجانب. نعم لو كان الصبي وضيئًا يخشى من السلام عليه الفتنة فلا يشرع، ولو سلم على صبي لم يجب عليه الرد لأن الصبي ليس من أهل الفرض ولو سلم على جماعة فيهم صبي فردّ دونهم لم يسقط الفرض عنهم ولو سلم الصبي على البالغ وجب عليه الرد. والحديث أخرجه مسلم في الاستئذان وكذا الترمذي وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة. 16 - باب تَسْلِيمِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ، وَالنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ (باب) مشروعية (تسليم الرجال على النساء و) تسليم (النساء على الرجال) عند أمن الفتنة. 6248 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: كُنَّا نَفْرَحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قُلْتُ لِسَهْلٍ: وَلِمَ قَالَ كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تُرْسِلُ إِلَى بُضَاعَةَ قَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ: نَخْلٍ بِالْمَدِينَةِ، فَتَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السِّلْقِ فَتَطْرَحُهُ فِى قِدْرٍ وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا وَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ إِلَيْنَا فَنَفْرَحُ مِنْ أَجْلِهِ وَمَا كُنَّا نَقِيلُ وَلاَ نَتَغَدَّى إِلاَّ بَعْدَ الْجُمُعَةِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا ابن أبي حازم) عبد العزيز (عن أبيه) أبي حازم واسمه سلمة بن دينار (عن سهل) بفتح السين وسكون الهاء ابن سعد الساعدي الأنصاري أنه (قال: كنا نفرح يوم الجمعة) ولأبي ذر عن الكشميهني: بيوم الجمعة بزيادة الجار. قال أبو حازم: (قلت لسهل) مستفهمًا (ولم) كنتم تفرحون به؟ (قال: كانت لنا عجوز) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمها (ترسل إلى بضاعة) بضم الموحدة وحكي كسرها وفتح المعجمة المخففة وبعد الألف عين مهملة (قال ابن مسلمة): عبد الله شيخ المؤلّف مفسرًا لبضاعة (نخل) بستان (بالمدينة) ولغير أبي ذر نخل بالجر عطف بيان لبضاعة أو بدلاً منها. وقال غير ابن مسلمة: إن بضاعة دور بني ساعدة وبها بئر مشهورة (فتأخذ) العجوز (من أصول السلق) بكسر السين المهملة وسكون اللام بعدها قاف (فتطرحه في قدر) بكسر القاف وسكون المهملة ولأبي ذر عن الكشميهني في القدر (وتكركر) بضم الفوقية وفتح الكاف وسكون الراء بعدها كاف أخرى مكسورة فراء أيضًا تطحن (حبات من شعير)

17 - باب إذا قال: من ذا؟ فقال: أنا

والكركرة كما قال الخطابي الطحن والجش وأصله الكر فضوعف لتكرار عود الرحى في الطحن مرة بعد أخرى (فإذا صلينا الجمعة انصرفنا ونسلم عليها) وسقطت الواو من ونسلم لأبي ذر (فتقدمه) أي الطعام المذكور (إلينا فنفرح من أجله) أي الطعام (وما كنا نقيل) بفتح النون وكسر القاف من القيلولة أي نستريح نصف النهار (ولا نتغدى) بالغين المعجمة أي لا نأكل أوّل النهار (إلا بعد) صلاة (الجمعة). وهذا الحديث سبق في باب قول الله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة} [الجمعة: 10] من صلاة الجمعة. 6249 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا عَائِشَةُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلاَمَ» قَالَتْ: قُلْتُ وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ تَرَى مَا لاَ نَرَى تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. تَابَعَهُ شُعَيْبٌ وَقَالَ يُونُسُ وَالنُّعْمَانُ: عَنِ الزُّهْرِىِّ وَبَرَكَاتُهُ. وبه قال: (حدّثنا ابن مقاتل) محمد المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): لي (يا عائشة هذا جبريل) عليه الصلاة والسلام (يقرأ) بفتح أوله وثالثه (عليك السلام قالت: قلت وعليه السلام ورحمة الله) وقد كان جبريل عليه السلام يأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صورة دحية وحينئذٍ فتحصل المطابقة بين الترجمة والحديث ويزول الإشكال (ترى ما لا نرى تريد) عائشة -رضي الله عنها- (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ومنع الكوفيون ابتداء النساء بالسلام على الرجال لأنهن منعن من الأذان والإقامة والجهر واستثنوا المحرم فجوّزوا لها السلام على محرمها، وفرق المالكية بين الشابة والعجوز سدًّا للذريعة ومنع منه ربيعة مطلقًا. (تابعه) أي تابع معمرًا (شعيب) هو ابن أبي حمزة في روايته عن الزهري في قول عائشة ورحمة الله، وهذه المتابعة وصلها البخاري في الرقاق. (وقال يونس) بن يزيد: مما وصله في المناقب (والنعمان) بن راشد مما وصله الطبراني في الكبير كلاهما (عن الزهري وبركاته). وحديث الباب سبق في بدء الخلق وفضل عائشة والأدب ويأتي إن شاء الله تعالى في الرقاق بعون الله. 17 - باب إِذَا قَالَ: مَنْ ذَا؟ فَقَالَ: أَنَا هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا قال) صاحب المنزل لمن طرق الباب: (من ذا) الذي يطرق (فقال: أنا) ما حكمه وسقط لفظ باب لأبي ذر. 6250 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا - رضى الله عنه - يَقُولُ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِى فَدَقَقْتُ الْبَابَ فَقَالَ «مَنْ ذَا»؟ فَقُلْتُ: أَنَا فَقَالَ: «أَنَا أَنَا» كَأَنَّهُ كَرِهَهَا. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك) الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله الهدير التيمي المدني (قال: سمعت جابرًا) ولأبي ذر جابر بن عبد الله (-رضي الله عنه- يقول: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في دين كان على أبي) لأبي الشحم اليهودي وكان ثلاثين وسقًا من التمر (فدققت الباب) بقافين الثانية ساكنة من الدق وعند الإسماعيلي فضربت ولمسلم استأذنت، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فدفعت بالفاء ثم العين المهملة من الدفع (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من ذا)؟ الذي يدق الباب أو يضربه أو يدفعه أو استأذن (فقلت) له: (أنا. فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أنا أنا) الثانية تأكيد لسابقتها (كأنه كرهها) أي لفظة أنا، ولأبي داود الطيالسي في مسنده عن شعبة كره ذلك بالجزم وكره ذلك لأنه أجابه بغير ما يفيد علم ما سأل عنه فإنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد أن يعرف من ضرب الباب بعد أن عرف أن ثم ضاربًا فأخبره أنه ضارب فلم يستفد منه المقصود. والحديث أخرجه مسلم في الاستئذان أيضًا وأبو داود في الأدب والترمذي في الاستئذان والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجة في الأدب. 18 - باب مَنْ رَدَّ فَقَالَ: عَلَيْكَ السَّلاَمُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رَدَّ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى آدَمَ السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ». (باب من ردّ) على المسلم (فقال: عليك السلام) بغير واو العطف والإفراد وتأخير السلام عن قوله عليك (وقالت عائشة) -رضي الله عنها- لما قال لها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام" (وعليه السلام ورحمة الله وبركاته) بالواو، وقد مرّ موصولاً في الباب السابق. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): فيما سبق موصولاً في بدء السلام (رد الملائكة على آدم السلام عليك ورحمة الله). 6251 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ فِى نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ، ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ فَارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» فَقَالَ فِى الثَّانِيَةِ: أَوْ فِى الَّتِى بَعْدَهَا عَلِّمْنِى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِىَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِى صَلاَتِكَ كُلِّهَا» وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ فِى الأَخِيرِ حَتَّى تَسْتَوِىَ قَائِمًا. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) الكوسج قال: (أخبرنا عبد الله بن نمير) بضم النون وفتح الميم الهمداني أبو هشام الكوفي قال: (حدّثنا عبيد الله)

بضم العين ابن عمر بن حفص العمري (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان (المقبري) بضم الموحدة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً) هو خلاد بن رافع (دخل المسجد ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس في ناحية المسجد فصلّى) أي ركعتين كما عند النسائي من رواية داود بن قيس ففيه كما في الفتح إشعار بأنه صلّى نفلاً والأقرب أنها تحية المسجد (ثم جاء) أصله جيأ تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا (فسلّم عليه) أي على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (وعليك السلام) بالواو والإفراد وتأخير السلام وهذا الغرض من الترجمة (ارجع فصل) أمر من رجع ويأتي لازمًا ومتعديًا فمن اللازم هذا ومن المتعدي قوله تعالى: {فإن رجعك الله} [التوبة: 83] لكن مصدر اللازم رجوعًا ومصدر المتعدي رجعًا. وعند ابن أبي شيبة من رواية محمد بن عجلان فقال: أعد صلاتك (فإنك لم تصل) صلاة صحيحة نفي للحقيقة الشرعية ولا شك في انتفائها بانتفاء ركن أو شرط منها أو لم تصل صلاة كاملة إذا كان بسبب الطمأنينة وهي سنة عند قوم (فرجع فصلّى ثم جاء فسلم) على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) له: (وعليك السلام فارجع فصل فإنك لم تصل فقال) الرجل (في الثانية أو في التي بعدها علمني يا رسول الله فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء) بهمزة قطع وعند النسائي من رواية إسحاق بن أبي طلحة أنها لم تتم صلاة أحدكم حتى يتم الوضوء كما أمره الله فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين (ثم استقبل القبلة فكبّر) تكبيرة الإحرام (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) ما هاهنا موصولة أو موصوفة ومعك متعلق بتيسر أو حال من القرآن ومن تبعيضية ويبعد أن يتعلق من القرآن باقرأ لأنه لا يجب عليه ولا يستحب أن يقرأ جميع ما تيسر له من القرآن قاله ابن فرحون، وهو محمول على الفاتحة بأدلة أخرى على اشتراط قراءتها أو على من لم يحفظ الفاتحة فإنه يقرأ ما تيسر من غيرها (ثم اركع حتى تطمئن راكعًا) حتى هنا مقدرة بإلى أن وراكعًا نصب على الحال من الضمير في تطمئن (ثم ارفع حتى تستوي قائمًا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا) نصب على الحال كسابقها من ضمائر الأفعال قبلها (ثم افعل ذلك في صلاتها كلها) أكد الصلاة بكلها لأنها أركان متعددة ويحتمل أن يريد بقوله في صلاتك جنس جميع الصلوات على اختلاف أوقاتها وأسمائها. (وقال أبو أسامة): حماد بن أسامة مما وصله في كتاب الأيمان والنذور (في) اللفظ (الأخير) وهو حتى تطمئن جالسًا (حتى تستوي قائمًا) وأراد المؤلّف بهذا الإشارة إلى أن راوي الأولى خولف وأن الثانية عنده أرجح. 6252 - حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِى سَعِيدٌ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا». وبه قال: (حدّثنا ابن بشار) بالمعجمة محمد قال: (حدثني) بالإفراد (يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين العمري أنه قال: (حدثني) بالإفراد (سعيد) المقبري (عن أبيه) كيسان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا) كذا ساقه هنا مختصرًا وأورده في الصلاة بتمامه، واستدلّ به كثيرون على وجوب الطمأنينة لأنه لما علمه صفة الصلاة صرح له بالطمأنينة فدلّ على اعتبارها وأمره بها فدلّ على وجوبها. قال في العمدة: ولا علقة لمن منع وجوب الطمأنينة بجعل الطمأنينة غاية في الركوع والسجود وغيرهما مما ذكر في الحديث في الدلالة على دعواه، فإن الغاية في دخولها أقوال مشهورة فمن يقول الغاية لا تدخل مطلقًا ولو كانت من جنس ما قبلها كإمامنا الشافعي أن يقول: الطمأنينة ليست واجبة لأنا نقول هذه مغالطة وبيانه من وجوه. أحدها: أنه قيد بالحال وهو راكعًا وساجدًا وجالساً فالغاية داخلة قطعًا بصريح التقييد لفظًا بالحال. الثاني: أنه لو لم يقيده بالحال كان داخلاً باللازم

(تنبيه):

لأنه أمر مغيا بفعل آخر من المأمور فلا بد من وجوده لتحقق الغاية. الثالث: أن الغاية هنا صدق الطمأنينة وإنما تصدق بوجودها اهـ. وقد سبق في الصلاة مزيد مباحث للحديث، والغرض هنا ما يتعلق بالترجمة، وغرض البخاري أن رد السلام ثبت بتقديم السلام على عليك فيقال في الابتداء والرد السلام عليك لأن السلام اسم الله فينبغي أن لا يقدم عليه شيء، وعن بعض الشافعية أن المبتدئ لو قال: عليك السلام لم يجز، وثبت أيضًا فيقول عليك السلام وبلفظ الإفراد. وقال بعضهم: لا يقتصر على الإفراد بل يأتي بصيغة الجمع ففي الأدب المفرد من طريق معاوية بن قرة قال لي أبي: إذا مرّ بك الرجل فقال: السلام عليكم فلا تقل وعليك السلام فتخصهُ وحده وسنده صحيح، ولو وقع الابتداء بلفظ الجمع فلا يكفي الرد بالإفراد لأن صيغة الجمع تقتضي التعظيم فلا يكون امتثل الرد بالمثل فضلاً عن الأحسن كما نبه عليه الشيخ تقيّ الدين. وقال آخرون: لا يحذف الواو في الردّ بل يجيب بواو العطف فيقول: وعليك. وقال قوم: يكفي في الجواب أن يقتصر على عليك بغير لفظ السلام. قال النووي: الأفضل أن يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فيأتي بضمير الجمع وإن كان المسلّم عليه واحدًا ويقول المجيب وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ويأتي بواو العطف في قوله وعليكم، وأقل السلام أن يقول السلام عليكم فإن قال: السلام عليك حصل أيضًا، وأما الجواب فأقله وعليك السلام أو وعليكم السلام، فإذا حذف الواو أجرأه واتفقوا على أنه لو قال في الجواب: عليكم لم يكن جوابًا فلو قال: وعليكم بالواو فهل يكون جوابًا؟ فيه وجهان. وقال الواحدي في تعريف السلام وتنكيره بالخيار، وقال النووي: بالألف واللام أولى، ولو تلاقى رجلان وسلم كل واحد منهما على صاحبه دفعة واحدة أو أحدهما بعد الآخر فقال القاضي حسين وأبو سعيد المتولي: يصير كل واحد منهما مبتدئًا بالسلام فيجب على كل واحد أن يرد على صاحبه. وقال الشاشي: فيه نظر فإن هذا اللفظ يصلح للجواب فإذا كان أحدهما بعد الآخر كان جوابًا وإن كان دفعة واحدة لم يكن جوابًا قال: وهو الصواب فإذا قال المبتدئ: وعليكم السلام قال المتولي لا يكون ذلك سلامًا فلا يستحق جوابًا، ولو قال بغير واو فقطع الواحدي بأنه سلام يتحتم على المخاطب به الجواب وإن كان قد قلب اللفظ المعتاد وهو الظاهر وقد جزم به إمام الحرمين اهـ. فإن قلت: ما الفرق بين قولك سلام عليكم والسلام عليكم؟ أجيب: بأنه لا بدّ للمعرف باللام من معهود إما بخارجي أو ذهني، فإن قيل بالأول كان المراد الذي سلمه آدم عليه السلام على الملائكة في قوله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لآدم: اذهب فسلم على أولئك النفر فإنها تحيتك وتحية ذريتك، وإن قيل بالثاني كان من جنس السلام الذي يعرف كل واحد من المسلمين أنه هو فيكون تعريضًا للفرق بين توارد السلامين معًا وبين ترتب أحدهما على الآخر، وذلك أنه إذا تواردا كان الإشارة منهما إلى أحد المعنيين المذكورين فلا يحصل الردّ وإذا تأخر كان المشار إليه ما تلفظ به المبتدئ فيصح الرد وكأنه قال: السلام الذي وجهته إليَّ فقد رددته عليك، وقد ذهب إلى مثل هذا الفرق في التعريف والتنكير الزمخشري في سورة مريم في قول عيسى {والسلام عليّ} وقد جرت عادة بعضهم بالسلام عند المفارقة فهل يجب الرد أم لا؟ قال القاضي حسين والمتولي: يستحب لأنه دعاء ولا يجب لأن التحتية إنما تكون عند اللقاء لا عند الانصراف، وأنكره الشاشي وقال: السلام سنّة عند الانصراف كما هو سنّة عند اللقاء فكما يجب الردّ عند اللقاء كذلك عند الانصراف وهذا هو الصحيح. (تنبيه): إذا سلم على أصم فيتلفظ بالسلام لقدرته عليه ويشير باليد ليحصل الإفهام ويستحق الجواب، فلو لم يجمع بينهما لا يستحق الجواب، ولو سلم عليه أصم فيتلفظ بالرد ويشير باليد، ولو سلم على أخرس وأشار الأخرس باليد سقط الفرض لأن إشارته قائمة مقام العبارة، وكذا لو سلم عليه أخرس بالإشارة يستحق الجواب،

19 - باب إذا قال فلان يقرئك السلام

ولو سلم على صبي لا يجب على الصبي الردّ لأنه ليس من أهل الفرض، ولو سلم الصبي على البالغ وجب الرد على الصحيح، ولو سلم بالغ على جماعة فيهم صبي فردّ الصبي وحده لا يسقط به عن الباقين، وإذا سلم عليه إنسان ثم لقيه عن قرب سن له أن يسلم عليه ثانيًا وثالثًا فأكثر لحديث المسيء صلاته، ويكره السلام إذا كان المسلم عليه مشتغلاً بالبول والجماع ونحوهما، ولو سلم لا يستحق جوابًا، وكذا إن كان ناعسًا أو نائمًا أو مصليًّا أو في حال الأذان والإقامة أو في حمام أو نحو ذلك، أو في فمه لقمة يأكلها، ولو سلم على أجنبية جميلة يخاف الافتتان بها لو سلم عليها لم يجز لها رد الجواب ولا تسلم هي عليه فإن سلمت لا يرد عليها فإن أجابها كره له اهـ ملخصًا من أذكار النووي. 19 - باب إِذَا قَالَ فُلاَنٌ يُقْرِئُكَ السَّلاَمَ هذا (باب) بالتنوين (إذا قال) شخص لآخر: (فلان يقرئك السلام) بضم التحتية من أقرأ، ولأبي ذر عن الكشميهني: يقرأ عليك السلام بفتح التحتية. 6253 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا يَقُولُ: حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا: «إِنَّ جِبْرِيلَ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ» قَالَتْ وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة الكوفي (قال: سمعت عامرًا) الشعبي (يقول: حدثني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن عائشة -رضي الله عنها- حدثته أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها): يا عائشة (إن جبريل يقرؤك السلام) بضم التحتية ولأبي ذر يقرأ بفتحها عليك السلام. قال النووي: يعني يقرأ السلام عليك وقال غيره: كأنه حين يبلغه سلامه يحمله على أن يقرأ السلام ويرده (قالت: وعليه السلام ورحمة الله). ولما بلغ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خديجة عن جبريل سلام الله تعالى عليها قالت: إن الله هو السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام رواه الطبراني، وزاد النسائي من حديث أنس وعليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، ففيه استحباب الردّ على المبلغ، وفي النسائي عن رجل من بني تميم أنه بلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سلام أبيه فقال له: وعليك وعلى أبيك السلام. قال الحافظ ابن حجر: لم أر في شيء من طرق حديث عائشة أنها ردت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدلّ على أنه غير واجب. وقال النووي: في هذا الحديث مشروعية إرسال السلام ويجب على الرسول تبليغه لأنه أمانة، وعورض بأنه بالوديعة أشبه، والتحقيق أن الرسول إن التزمه أشبه الأمانة وإلاّ فوديعة والوديع إذا لم يقبل لم يلزمه شيء. قال: وفيه أن من أتاه شخص بسلام شخص أو في ورقة وجب الرد على الفور. والحديث سبق قريبًا. 20 - باب التَّسْلِيمِ فِى مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاَطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ (باب) حكم (التسليم في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين). 6254 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: أَخْبَرَنِى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكِبَ حِمَارًا عَلَيْهِ إِكَافٌ تَحْتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، وَهْوَ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِى بَنِى الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، وَذَلِكَ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ، حَتَّى مَرَّ فِى مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلاَطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ وَفِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ ابْنُ سَلُولَ، وَفِى الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَمَّا غَشِيَتِ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قَالَ: لاَ تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ ابْنُ سَلُولَ، أَيُّهَا الْمَرْءُ لاَ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَلاَ تُؤْذِنَا فِى مَجَالِسِنَا وَارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ فَمَنْ جَاءَكَ مِنَّا فَاقْصُصْ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ: اغْشَنَا فِى مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَتَوَاثَبُوا فَلَمْ يَزَلِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخَفِّضُهُمْ ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ: «أَىْ سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ»؟ يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَىٍّ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: اعْفُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاصْفَحْ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَاكَ اللَّهُ الَّذِى أَعْطَاكَ، وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبَحْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُونَهُ بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِى أَعْطَاكَ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ فَعَفَا عَنْهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة بن الزبير) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أسامة بن زيد) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركب حمارًا عليه إكاف) بكسر الهمزة كالبرذعة ونحوها لذوات الحافر (تحته قطيفة) بفتح القاف كساء له خمل (فدكية) بالفاء والدال المهملة نسبة إلى فدك بفتحتين مدينة بعيدة عن المدينة بيومين (وأردف وراءه أسامة بن زيد وهو يعود سعد بن عبادة) من مرض كان به (في بني الحارث بن الخزرج وذلك قبل وقعة بدر حتى مرّ في مجلس فيه أخلاط) ناس مختلطون (من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان) بالمثلثة (واليهود) بالجر عطفًا على سابقه (وفيهم عبد الله بن أبي) بضم الهمز والتنوين (ابن سلول) بفتح المهملة اسم أمه فلا ينصرف (وفي المجلس عبد الله بن رواحة) بفتح الراء والحاء المهملة (فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة) غبارها الذي تثيره (خمّر) غطى (عبد الله بن أبي أنفه بردائه ثم قال) عبد الله بن أبي: (لا تغبروا) بالموحدة لا تثيروا الغبار (علينا فسلم عليهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي ابن سلول) للنبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أيها المرء لا) شيء (أحسن من هذا) الذي تدعو إليه (إن كان ما تقول حقًّا فلا تؤذنا) به

21 - باب من لم يسلم على من اقترف ذنبا ولم يرد سلامه حتى تتبين توبته وإلى متى تتبين توبة العاصى؟

(في مجالسنا وارجع) بالواو ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ارجع (إلى رحلك) بالحاء المهملة منزلك (فمن جاءك منا فاقصص عليه. قال ابن رواحة): ولأبي الوقت قال عبد الله بن رواحة (اغشنا) بالغين والشين المفتوحة المعجمتين أي باشرنا به يا رسول الله (في مجالسنا فإنا نحب ذلك فاستب المسلمون والمشركون واليهود) لذلك (حتى هموا) قصدوا (أن يتواثبوا) بالمثلثة بعدها موحدة يتحاربوا ويتضاربوا (فلم يزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخفضهم) يسكتهم (حتى سكتوا ثم ركب) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (دابته) فسار (حتى دخل على سعد بن عبادة) لعيادته (فقال): (أي سعد ألم تسمع ما) ولأبي ذر: إلى ما (قال أبو حباب): بضم المهملة وتخفيف الموحدة (يريد) عليه الصلاة والسلام (عبد الله بن أبي قال: كذا وكذا. قال) سعد: (اعف عنه يا رسول الله واصفح فوالله لقد أعطاك الله الذي أعطاك) من الرسالة (ولقد اصطلح أهل هذه البحرة) بفتح الموحدة وسكون المهملة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي البحيرة بضم الموحدة وفتح المهملة القرية والعرب تسمي القرى البحار وقال الجوهري: البحرة دون الوادي والمراد طيبة (على أن يتوّجوه) أي عبد الله بن أبي بتاج الملك (فيعصبونه) بالفاء والنون ولأبي ذر فيعصبوه (بالعصابة) حقيقة أو كناية عن جعله ملكًا وهما ملازمان للملكية (فلما ردّ الله ذلك) الذي اصطلحوا عليه (بالحق الذي أعطاك شرق) بفتح المعجمة وكسر الراء غص ابن أبي (بذلك) الحق (فذلك) الحق الذي (فعل به ما رأيت) من فعله (فعفا عنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الحديث. وسبق بأتمّ من هذا قريبًا، والغرض منه قوله: أنه مرّ في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين واليهود وأنه سلم عليهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يرد أنه خصّ المسلمين باللفظ ففيه أنه يسلم بلفظ التعميم ويقصد به المسلم، وقد اختلف في حكم ابتداء الكافر بالسلام هل يمنع منه، ففي مسلم من حديث أبي هريرة: لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام واضطروهم إلى أضيق الطرق، وفي النسائي عن أبي بصرة الغفاري بفتح الموحدة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إني راكب غدًا إلى يهود فلا تبدؤوهم بالسلام" وقال: يجوز ابتداؤهم به لما عند الطبري من طريق ابن عيينة قال: يجوز ابتداء الكافر بالسلام لقوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} [الممتحنة: 8] وقول إبراهيم لأبيه: سلام عليك، والمعتمد الأول وأن النهي للتحريم. وأجيب: بأنه ليس المراد بسلام إبراهيم على أبيه التحية بل المتاركة والمباعدة وقال ابن كثير: هو كما قال الله تعالى في صفة المؤمنين {إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} [الفرقان: 63] فمعنى قول إبراهيم لأبيه سلام عليك أي أمان فلا ينالك مني مكروه ولا أذى وذلك لحرمة الأبوّة اهـ. لكن المراد منع ابتدائهم بالسلام المشروع فلو سلّم عليهم بلفظ يقتضي خروجهم عنه كأن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فسائغ كما كتب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى هرقل: سلام على من اتّبع الهدى، ونقل ابن العربي عن مالك إذا ابتدأ شخصًا بالسلام وهو يظنه مسلمًا فبان كافرًا قال ابن عمر: يسترد منه سلامه، وقال مالك: لا، قال ابن العربي: لأن الاسترداد حينئذ لا فائدة له لأنه لم يحصل له منه شيء لكونه قصد السلام على المسلم، وقال غيره: له فائدة وهي إعلام الكافر بانه ليس أهلاً للابتداء بالسلام. وحديث الباب سبق في الأدب وغيره. 21 - باب مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَى مَنِ اقْتَرَفَ ذَنْبًا وَلَمْ يَرُدَّ سَلاَمَهُ حَتَّى تَتَبَيَّنَ تَوْبَتُهُ وَإِلَى مَتَى تَتَبَيَّنُ تَوْبَةُ الْعَاصِى؟ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: لاَ تُسَلِّمُوا عَلَى شَرَبَةِ الْخَمْرِ. (باب من لم يسلم على من اقترف ذنبًا) اكتسبه (ومن لم يرد سلامه) وهو مذهب الجمهور. نعم إن خاف ترتب مفسدة في دين أو دنيا إن لم يسلم سلم كذا قال النووي، قال ابن العربي: وينوي أن السلام اسم من أسماء الله فكأنه قال: الله رقيب عليهم وألحق بعض الحنفية بأهل المعاصي من يتعاطى خوارم المروءة ككثرة المزاح وفحش القول فلا يرد على أحد سلامه (حتى تتبين توبته) تأديبًا له (وإلى متى تتبين توبة العاصي) المعتمد أن ذلك ليس فيه حدّ محدود وليس

22 - باب كيف يرد على أهل الذمة السلام؟

يظهر من يومه ولا ساعته بل حتى يمر عليه ما يدل لذلك. (وقال عبد الله بن عمرو): بفتح العين مما وصله في الأدب المفرد (لا تسلموا على شربة الخمر) بفتح المعجمة والراء والموحدة واعترضه السفاقسي بأن اللغويين لم يسمعوه كذلك بل شارب وشرب كصاحب وصحب. وأجيب: بأنهم قالوا: فسقة وكذبة في جمع فاسق وكاذب، وعند سعيد بن منصور عن ابن عمر: لا تسلموا على من يشرب الخمر ولا تعودهم إذا مرضوا ولا تصلّوا عليهم إذا ماتوا، لكن سنده ضعيف وهو عند ابن عدي بسند أضعف منه عن ابن عمر مرفوعًا. 6255 - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍؤ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ كَلاَمِنَا وَآتِى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَأَقُولُ فِى نَفْسِى هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ أَمْ لاَ؟ حَتَّى كَمَلَتْ خَمْسُونَ لَيْلَةً، وَآذَنَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى الْفَجْرَ. وبه قال: (حدّثنا ابن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين المهملة وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن عبد الرحمن بن عبد الله) ولأبي ذر زيادة ابن كعب (أن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك) حال كونه (يحدث حين تخلّف عن تبوك) أي من غزوتها (ونهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المسلمين (عن كلامنا وآتي) بمدّ الهمزة وكسر الفوقية (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) معطوف على جملة من الكلام حذفها لروايته له كذا أو لغرض الاختصار والإتيان بالمراد منه (فأسلم عليه فأقول في نفسي هل حرك شفتيه بردّ السلام) عليّ (أم لا)؟ لأنه لم يكن يديم النظر إليه من كثرة حيائه (حتى كملت) بفتح الميم (خمسون ليلة) من حين نهى-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن كلامنا (وآذن) بمدّ الهمزة وفتح المعجمة أعلم، وللكشميهني وأذن بالقصر وكسر المعجمة (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتوبة علينا حين صلّى الفجر) الحديث. وسبق بتمامه في المغازي والغرض منه ما ترجم له، وهو ترك السلام تأديبًا وترك الردّ أيضًا وهو ما يخص به عموم الأمر بإفشاء السلام. 22 - باب كَيْفَ يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ السَّلاَمُ؟ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (كيف يردّ) بضم التحتية وفتح الراء (على أهل الذمة) بالمعجمة اليهود والنصارى (السلام) ولأبي ذر: كيف الردّ بالسلام. 6256 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَهْلاً يَا عَائِشَةُ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِى الأَمْرِ كُلِّهِ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَقَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (أن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: السام عليك) ولم يعرف الحافظ ابن حجر أسماء اليهود المذكورين لكنه قال: أخرج الطبراني بسند ضعيف عن زيد بن أرقم قال: بينا أنا عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ أقبل رجل من اليهود اسمه ثعلبة بن الحارث فقال: السام عليك يا محمد فإن كان محفوظًا احتمل أن يكون أحد الرهط المذكورين وكان هو الذي باشر السلام عنهم كما جرت العادة من نسبة القول إلى الجماعة والمباشر له واحد منهم لأن اجتماعهم ورضاهم به في قوة مشاركته في النطق والسام بالمهملة والألف الساكنة وتخفيف الميم الموت وألفه منقلبة عن واو. وقالت عائشة: (ففهمتها فقلت: عليكم السام واللعنة) أطلقت اللعنة عليهم إما لأنها ترى جواز لعن الكافر المعين باعتبار الحالة الراهنة وإما لأنها تقدم لها علم بأن المذكورين يموتون على الكفر (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مهلاً يا عائشة) وزعم بعضهم أن أصله مه زيدت فيه لا (فإن الله يحب الرفق في الأمر كله فقلت: يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا)؟ بفتح واو أو لم (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد قلت وعليكم) بإثبات الواو والجمع دون لفظ السلام والمعنى وعليكم أيضًا أي نحن وأنتم فيه سواء كلنا نموت فهو عطف على قولهم أو الواو للاستئناف أي وعليكم ما تستحقونه من الذم ومباحث ذلك في التالي لهذا. وقال النووي: اتفقوا على الردّ على أهل الكتاب إذا سلموا لكن لا يقال لهم وعليكم السلام بل يقال لهم عليكم فقط أو عليكم. والحديث سبق في كتاب الأدب في باب لم يكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاحشًا. 6257 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُولُ أَحَدُهُمُ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَقُلْ: وَعَلَيْكَ». [الحديث 6258 - طرفه في: 6926]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا سلّم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك فقل) في الرد (وعليك) بالإفراد فيهما وبإثبات الواو في الثاني، وسقطت عند جميع رواة الموطأ. نعم أخرجه المؤلّف في استتابة المرتدين من طريق يحيى القطان عن مالك والثور جميعًا عن عبد الله بن دينار بلفظ: قل عليك بغير واو، ولكن وقع في رواية السرخسي وحده فقل عليكم بصيغة الجمع بغير واو وأيضًا وهو عند النسائي من طريق ابن عيينة عن عبد الله بن دينار بغير واو بصيغة الجمع، وقال النووي: وقد جاءت الأحاديث في مسلم بالحذف والإثبات وأكثر بالإثبات، ويحتمل أن تكون للعطف وأن تكون للاستئناف كما مرّ واختار بعضهم الحذف لأن العطف يقتضي التشريك، وتقريره أن الواو في مثل هذا التركيب تقتضي تقرير الجملة الأولى وزيادة الثانية عليها كمن قال: زيد كاتب فقلت وشاعر فإنه يقتضي ثبوت الوصفين لزيد. قال النووي: والصواب أن الحذف والإثبات جائزان والإثبات أجود ولا مفسدة فيه لأن السام الموت وهو علينا وعليهم فلا ضرر فيه. وقال البيضاوي: في العطف مقدر لم وأقول عليكم ما تريدون بنا أو ما تستحقون وليس عطفًا على عليكم في كلامهم وإلاّ لتضمن ذلك تقرير دعائهم، ولذا قال: فقل عليك بغير واو، وقد روي بالواو أيضًا. قال الطيبي: سواء عطف على عليكم أو على الجملة من حيث هي لأن المعنى يدور مع إرادة المتكلم فإذا أردت الاشتراك كان ذلك وإن لم ترد حملت على معنى الحصول والوجود كأنه قيل حصل منهم ذاك ومني هذا. قال ابن الحاجب: حروف العطف هي الحروف التي يشرك بها بين المتبوع والتابع في الإعراب فإذا وقعت بعدها المفردات فلا إشكال وإذا وقعت الجمل بعدها، فإن كانت من الجمل التي هي صالحة لمعمول ما تقدم كان حكمها حكم المفرد في التشريك كقولك: أصبح زيد قائمًا وعمرو قاعدًا وشبهه، وإن كانت الجمل معطوفة على غير ذلك كقولك: قام زيد وخرج عمرو فمثل ذلك المراد به حصول مضمون الجملتين حتى كأنه قال: حصل قيام زيد وخروج عمرو وبهذا يتبين أن معنى الواو على ما ذكرناه من تقدير حصول الأمرين ثم كلامه هذا على تقدير أن يكونا جملتين وعطفت إحداهما على الأخرى وإذا عطفت على الخبر نظرًا إلى عطف الجملة لا على الاشتراك جاز أيضًا. قال ابن جني في قوله تعالى: {والنجم والشجر يسجدان} [الرحمن: 6] أن قوله والسماء رفعها عطف على يسجدان وهو جملة من فعل وفاعل نحو قولك: قام زيد وعمرًا ضربته. وقال ابن الحاجب: في الأمالي في قوله تعالى {تقاتلونهم أو يسلمون} [الفتح: 16] الرفع فيه وجهان. أحدهما أن يكون مشتركًا بينه وبين تقاتلونهم في العطف، والآخر أن تكون جملة مستقلة معطوفة على الجملة التي قبلها باعتبار الجملة لا باعتبار الإفراد. وقال في الشرح: الرفع على الاشتراك أو على الابتداء بجملة معربة إعراب نفسها غير مشترك بينها وبين ما قبلها في عامل واحد إذ الجملة الاسمية لا تكون معطوفة على جملة فعلية باعتبار التشريك ولكن باعتبار الاستقلال ذكره في شرح المشكاة. 6258 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ». وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) أبو الحسن العبسي مولاهم الكوفي الحافظ قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير الواسطي السلمي حافظ بغداد قال: (أخبرنا عبد الله) بضم العين (ابن أبي بكر بن أنس حدّثنا أنس بن مالك) يعني جدّه (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا سلّم عليكم أهل الكتاب) اليهود والنصارى (فقولوا) لهم في الردّ (وعليكم) وروي هذا الحديث بأتمّ منه عن قتادة عن أنس من طريق شعبة عند مسلم وأبي داود والنسائي بلفظ: إن أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالوا: إن أهل الكتاب يسلّمون علينا فكيف نرد عليهم؟ قال: قولوا وعليكم. وفي مسلم من حديث جابر قال: سلّم ناس من اليهود على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: السام عليكم. قال: وعليكم. قالت عائشة: وغضبت أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: بلى قد رددت عليهم نجاب فيهم ولا يجابون فينا. وقال بعضهم: يقول في

23 - باب من نظر فى كتاب من يحذر على المسلمين ليستبين أمره

الرد عليهم السلام بكسر السين، واعترضه أبو عمر بأنه لم يشرع لنا سب أهل الذمة. والحديث من أفراده. 23 - باب مَنْ نَظَرَ فِى كِتَابِ مَنْ يُحْذَرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِيَسْتَبِينَ أَمْرُهُ (باب من نظر في كتاب من يحذر) مبني للمفعول (على المسلمين) منه (ليستبين أمره). 6259 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ حَدَّثَنِى حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىِّ، عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - قَالَ: بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِىَّ وَكُلُّنَا فَارِسٌ فَقَالَ «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا صَحِيفَةٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِى بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ» قَالَ: فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ: لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: قُلْنَا أَيْنَ الْكِتَابُ الَّذِى مَعَكِ؟ قَالَتْ: مَا مَعِى كِتَابٌ فَأَنَخْنَا بِهَا فَابْتَغَيْنَا فِى رَحْلِهَا، فَمَا وَجَدْنَا شَيْئًا قَالَ صَاحِبَاىَ: مَا نَرَى كِتَابًا قَالَ: قُلْتُ لَقَدْ عَلِمْتُ مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالَّذِى يُحْلَفُ بِهِ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لأُجَرِّدَنَّكِ قَالَ: فَلَمَّا رَأَتِ الْجِدَّ مِنِّى أَهْوَتْ بِيَدِهَا إِلَى حُجْزَتِهَا وَهْىَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ، فَأَخْرَجَتِ الْكِتَابَ قَالَ: فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَا حَمَلَكَ يَا حَاطِبُ عَلَى مَا صَنَعْتَ»؟ قَالَ: مَا بِى إِلاَّ أَنْ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَا غَيَّرْتُ وَلاَ بَدَّلْتُ، أَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لِى عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِى وَمَالِى، وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكَ هُنَاكَ إِلاَّ وَلَهُ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، قَالَ: «صَدَقَ فَلاَ تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا» قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِى فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ قَالَ فَقَالَ «يَا عُمَرُ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الْجَنَّةُ» قَالَ: فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. وبه قال: (حدّثنا يوسف بن بهلول) بضم الموحدة وسكون الهاء التيمي الكوفي قال: (حدّثنا ابن إدريس) عبد الله الأودي قال: (حدثني) بالإفراد (حصين بن عبد الرحمن) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (عن سعد بن عبيدة) بضم العين وفتح الموحدة ختن أبي عبد الرحمن السلمي (عن أبي عبد الرحمن السلمي) بضم السين وفتح اللام (عن علي -رضي الله عنه-) أنه (قال: بعثني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والزبير بن العوّام وأبا مرثد) بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة (الغنوي) بفتح الغين المعجمة والنون وكسر الواو وسبق في الجهاد بدل قوله هنا أبا مرثد والمقداد ولا منافاة لاحتمال اجتماعهما إذ التخصيص بالذكر لا ينفي الغير (وكلنا فارس فقال): (انطلقوا) بكسر اللام (حتى تأتوا روضة خاخ) بمعجمتين بينهما ألف موضع بين مكة والمدينة (فإن بها امرأة من المشركين) اسمها سارة (معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين) أي إلى ناس من المشركين ممن بمكة كما في رواية سورة الممتحنة (قال) علي رضي الله عنه: (فأدركنها تسير على جمل لها حيث قال لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال قلنا) لها (أين الكتاب الذي معك؟ قالت: ما معي كتاب فأنخنا بها) جملها (فابتغينا) فطلبنا الكتاب (في رحلها) بالحاء المهملة في متاعها (فما وجدنا شيئًا. قال صاحباي): الزبير وأبو مرثد (ما نرى كتابًا. قال) عليّ (قلت لقد علمت ما كذب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والذي يحلف به لتخرجنّ الكتاب) بضم الفوقية وكسر الراء والجيم وتشديد النون (أو لأجردنك) من ثيابك (قال) عليّ -رضي الله عنه- (فلما رأت الجدّ مني) بكسر الجيم وتشديد المهملة (أهوت بيدها إلى حجزتها) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم بعدها زاي معقد إزارها (وهي محتجزة بكساء فأخرجت الكتاب). فإن قلت: سبق في باب الجاسوس من كتاب الجهاد أنها أخرجته من عقاصها أي شعرها وهنا قال: من حجزتها. أجيب: بأنه ربما كان في الحجزة أولاً فأخرجته وأخفته في العقاص فأخرج منها ثانيًا أو بالعكس. (قال: فانطلقنا به إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لحاطب: (ما حملك يا حاطب على ما صنعت؟ قال: ما بي إلا أن كون مؤمنًا بالله ورسوله) بكسر الهمزة وتشديد اللام على الاستئناف وللكشميهني أن لا بفتح الهمزة (وما غيّرت) ديني يريد أنه لم يرتد عن الإسلام (وما بدلت) بتشديد المهملة (أردت أن تكون لي عند القوم يد) منّة ونعمة (يدفع الله بها عن أهلي ومالي) الذي بمكة (وليس من أصحابك) أحد له (هناك) أهل ومال (إلا وله من يدفع الله به عن أهله وماله قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (صدق فلا تقولوا له إلاّ خيرًا قال: فقال عمر بن الخطاب: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فأضرب عنقه) بالنصب والفاء أوله وللكشميهني أضرب بإسقاط الفاء والجزم (قال) علي -رضي الله عنه-: (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يا عمر وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر) الذين شاهدوا وقعتها (فقال) مخاطبًا لهم خطاب تكريم (اعملوا ما شئتم ففد وجبت لكم الجنة) بالمغفرة في الآخرة وإلاّ فلو توجه على أحد منهم حدّ أو حق استوفي منه في الدنيا (قال: فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم). وقول عمر -رضي الله عنه- مع قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تقولوا إلا خيرًا يحمل على أنه لم يسمع ذلك، أو كان قوله قبل قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاله السفاقسي ويحتمل أن يكون عمر لشدته في أمر الله وحمل النهي على ظاهره من منع القول السيئ له ولم في ذلك مانعًا من إقامة ما وجب عليه من العقوبة للذنب الذي ارتكبه فبين -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه صادق في اعتذاره فإن الله عفا عنه، وفيه جواز النظر في كتاب الغير إذا كان طريقًا إلى دفع

24 - باب كيف يكتب الكتاب إلى أهل الكتاب؟

مفسدة هي أكبر من مفسدة النظر، فحديث ابن عباس المروي عند أبي داود بسند ضعيف من نظر في كتاب أخيه بغير إذنه فكما ينظر في النار إنما هو في حق من لم يكن متهمًا على المسلمين، وأما من كان متهمًا فلا حرمة له، والحاصل أنه يخص منه ما يتعين طريقًا إلى دفع المفسدة كما مرّ والحديث مرّ مرارًا. 24 - باب كَيْفَ يُكْتَبُ الْكِتَابُ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ؟ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (كيف يكتب الكتاب إلى أهل الكتاب) اليهود والنصارى وسقط لفظ الكتاب الأول لأبي ذر. 6260 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّامِ، فَأَتَوْهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُرِئَ فَإِذَا فِيهِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ السَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي (أبو الحسن) قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس أخبره أن أبا سفيان) صخر (بن حرب أخبره أن هرقل) لقبه قيصر (أرسل إليه) حال كونه (في) أي مع (نفر من قريش وكانوا تجارًا) بكسر الفوقية وتخفيف الجيم (بالشام فأتوه فذكر الحديث) السابق في أول هذا الجامع وفي مواضع أُخر إلى أن (قال: ثم دعا) هرقل من يأتيه (بكتاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرئ فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم) أهل (الروم السلام على من اتبع الهدى أما بعد) الحديث إلى آخره وليس المراد منه التحية لأنه لم يسلم فليس هو ممن اتبع الهدى فهو سلام مقيد لا تمسك به لمن أجاز مكاتبة أهل الكتاب بالسلام عند الحاجة، وفيه جواز كتابة البسملة إلى أهل الكتاب وتقديم اسم الكاتب على المكتوب إليه. 25 - باب بِمَنْ يُبْدَأُ فِى الْكِتَابِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (بمن يبدأ في الكتاب) بضم التحتية وسكون الموحدة وفتح المهملة أي بنفسه أو بالمكتوب إليه. 6261 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِى سَلَمَةَ: عَنْ أَبِيهِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نَجَرَ خَشَبَةً فَجَعَلَ الْمَالَ فِى جَوْفِهَا وَكَتَبَ إِلَيْهِ صَحِيفَةً مِنْ فُلاَنٍ إِلَى فُلاَنٍ». (وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله المؤلّف في الأدب المفرد (حدثني) بالإفراد (جعفر بن ربيعة) الكندي (عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ذكر رجلاً من بني إسرائيل) سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار إلى أجل فقال: ائتني بكفيل قال: الله فأعطاه الألف فلما بلغ الأجل وأراد الخروج إليه وحبسه الريح (أخذ خشبة فنقرها) أي فحفرها (فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه) الذي أقرضه وهو النجاشي كما مرّ في الكفالة (وقال عمر بن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبيه) أنه (سمع أبا هريرة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عن أبي هريرة يقول: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (نجر خشبة) بالنون والجيم المفتوحتين والراء ولأبي ذر عن الكشميهني: نقر خشبة بالقاف (فجعل المال) وهو الألف دينار (في جوفها وكتب إليه صحيفة من فلان إلى فلان) فقدم الكاتب اسمه على المكتوب له، ولعل البخاري خصّ سياق هذا الحديث لعدم وجدانه ما هو على شرطه وهو على قاعدته في الاحتجاج بشرع من قبلنا إذ لم ينكر ولا سيما إذا ذكر في مقام المدح لفاعله، وعند أبي داود من طريق ابن سيرين عن أبي العلاء بن الحضرمي عن العلاء أنه كتب إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبدأ بنفسه. 26 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قوموا إلى سيدكم). 6262 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّ أَهْلَ قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ فَأَرْسَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِ فَجَاءَ فَقَالَ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ -أَوْ قَالَ- خَيْرِكُمْ» فَقَعَدَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ قَالَ: «فَإِنِّى أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ» فَقَالَ: لَقَدْ حَكَمْتَ بِمَا حَكَمَ بِهِ الْمَلِكُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: أَفْهَمَنِى بَعْضُ أَصْحَابِى عَنْ أَبِى الْوَلِيدِ مِنْ قَوْلِ أَبِى سَعِيدٍ إِلَى حُكْمِكَ. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قاضي المدينة (عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف) بضم الحاء المهملة وفتح النون وبعد التحتية الساكنة فاء الأنصاري (عن أبي سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (أن أهل قريظة) بضم القاف وفتح الراء وبالظاء المعجمة قبيلة من يهود (نزلوا) من حصنهم بعد أن حاصرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على حكم سعد) هو ابن معاذ (فأرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليه) وكان وجعًا لما رمي في أكحله (فجاء فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للأنصار خاصة أو لجميع من حضر من المهاجرين معهم: (قوموا إلى سيدكم أو قال خيركم) توقيرًا وإكرامًا ففيه إكرام أهل الفضل من علم أو صلاح أو شرف بالقيام لهم أو المراد قوموا إليه

لتعينوه على النزول عن الحمار وترفقوا به فلا يصيبه ألم وحذرًا من انفجار عرقه قاله التوربشتي. قال: ولو أراد الإكرام لقال لسيدكم باللام بدل إلى. وأجاب الطيبي بأن إلى في هذا المقام أفخم من اللام كأنه قيل: قوموا واذهبوا إليه تلقيًا وكرامة يدل عليه ترتب الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية فإن قوله: إلى سيدكم علة للقيام له وليس ذلك إلا لكونه شريفًا كريمًا عليّ القدر اهـ. نعم في مسند أحمد عن عائشة من طريق علقمة بن وقاص عنها في قصة غزوة بني قريظة وقصة سعد بن معاذ فلما طلع قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قوموا إلى سيدكم فأنزلوه" وسنده حسن، وهذه الزيادة تخدش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه وقد منع قوم القيام تمسكًا بحديث أبي أمامة: خرج علينا النبي متوكئًا على عصا فقمنا له فقال: "لا تقوموا كما تقوم الأعاجم بعضهم لبعض" وأجيب بضعفه واضطراب سنده وفيه من لا يعرف، وفي حديث عبد الله بن بريدة عن معاوية عند الحاكم: ما من رجل يكون على الناس يقوم على رأسه الرجال يحب أن تكثر عنده الخصوم فيدخل الجنة. وعند أبي داود عن معاوية سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "من أحب أن يتمثل له الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار" وسئل مالك عن المرأة تبالغ في إكرام زوجها فتتلقاه وتنزع ثيابه وتقف حتى يجلس فقال: أما التلقي فلا بأس به، وأما القيام حتى يجلس فلا، فإن هذا فعل الجبابرة. وأجاب الخطابي عن قوله: من أحب أن يقام له أي بأن يلزمهم بالقيام له صفوفًا على طريق الكبر. وقال غيره: إن المنهي عنه أن يقام عليه وهو جالس. وعورض بأن سياق حديث معاوية على خلاف ذلك وإنما يدل على أنه كره القيام له لما خرج تعظيمًا له وبأن هذا لا يقال له القيام للرجل، وإنما هو القيام على رأس الرجل أو عند الرجل. اهـ. وفي حديث أنس عند الطبراني وقال: إنما هلك من كان قبلكم فإنهم عظموا ملوكهم بأن قاموا وهم قعود، وعن أبي الوليد بن رشد أن القيام يكون على أربعة أوجه: محظور لمن يريد أن يقام له تكبرًا وتعظيمًا على القائمين له، ومكروه لمن لا يتكبر ولا يتعاظم ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر ولما فيه من التشبه بالجبابرة، وجائز على سبيل الاحترام والإكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة، ومندوب لمن قدم من سفره فرحًا بقدومه ليسلم عليه أو إلى من تجددت له نعمة فيهنئه بحصولها أو مصيبة فيعزيه بسببها أو لحاكم في محل ولايته كما دلّ عليه قصة سعد فإنه لما استقدمه النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاكمًا في بني قريظة فرآه مقبلاً قال: قوموا إلى سيدكم وما ذاك إلا ليكون أنفذ لحكمه، فأما اتخاذه ديدنًا فمن شعار العجم، وقد جاء في السنن أنه لم يكن أحب إليهم من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان إذا جاء لا يقومون له لما يعلمون من كراهيته لذلك والله الموفق. ومباحث المسألة فيها طول يخرج عن الغرض، ولشيخ الإسلام النووي جزء في ذلك، ولأبي عبد الله بن الحاج في ذلك كلام متين جليل والله يهدينا سواء السبيل، والشك في قوله أو قال خيركم من الراوي. (فقعد) سعد (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) له: يا سعد (هؤلاء) أهل قريظة (نزلوا) من حصنهم (على حكمك قال) سعد (فإني أحكم) فيهم (أن تقتل مقاتلتهم) أي الطائفة المقاتلة من الرجال (وتسبى ذراريهم) بالمعجمة التحتية وتخفف جمع ذرية أي النساء والصبيان (فقال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لقد حكمت) فيهم (بما حكم به الملك) جل وعلا بكسر اللام وهو الله، وروي بفتحها أي بحكم جبريل الذي جاء به من عند الله. (قال أبو عبد الله) المؤلّف -رحمه الله- (أفهمني بعض أصحابي) قال في فتح الباري: يحتمل أن يكون محمد بن سعد كاتب الواقدي فإنه أخرجه في الطبقات (عن أبي الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ المؤلّف في هذا الحديث بسنده (من قول أبي سعيد) الخدري من أول الحديث

27 - باب المصافحة

(إلى) قوله فيه على (حكمك) وقال في الكواكب أي قال البخاري: سمعت أنا من أبي الوليد على حكمك، وبعض الأصحاب نقلوا عنه إلى بحرف الانتهاء بدل حرف الاستعلاء، والحديث مضى في الجهاد وفضل سعد في المغازي. 27 - باب الْمُصَافَحَةِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: عَلَّمَنِى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التَّشَهُّدَ وَكَفِّى بَيْنَ كَفَّيْهِ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ إِلَىَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِى وَهَنَّأَنِى. (باب) مشروعية (المصافحة) وهي الإفضاء بصفحة اليد إلى صفحة اليد (وقال ابن مسعود) عبد الله -رضي الله عنه- (علمني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التشهد وكفي بين كفيه) وصله المؤلّف في الباب الذي بعد وسقط هذا لأبي ذر (وقال كعب بن مالك): في قصة تخلفه عن تبوك (دخلت المسجد) أي بعد أن تيب عليه (فإذا برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقام إليّ) بتشديد الياء (طلحة بن عبيد الله) حال كونه (يهرول حتى صافحني وهنأني) بتوبة الله عليّ. وهذا قطعة من حديث سبق موصولاً في غزوة تبوك. 6263 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ: أَكَانَتِ الْمُصَافَحَةُ فِى أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عاصم) بفتح العين وسكون الميم ابن عبد الله البصري قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: قلت لأنس) -رضي الله عنه- (أكانت المصافحة في أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: نعم). وعن أبي أمامة عند الترمذي بسند فيه ضعف تمام تحيتكم بينكم المصافحة، وفي الأدب المفرد بسند صحيح عن أنس رفعه: قد أقبل أهل اليمن وهم أول من جاء بالمصافحة، وفي حديث أنس قيل: يا رسول الله الرجل يلقى أخاه أينحني له؟ قال: "لا" قال: فيأخذه بيده ويصافحه؟ قال: "نعم" أخرجه الترمذي وقال: حسن. وعن البراء عند أبي داود والترمذي رفعه: "ما من مسلمَين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرّقا". وزاد فيه ابن السني وتكاشرا بودّ ونصيحة، وفي رواية لأبي داود وحمدا الله واستغفراه فالمصافحة سنّة مجمع عليها عند التلاقي كما قاله النووي، لكن يستثنى من ذلك المرأة الأجنبية والأمرد الحسن. والحديث أخرجه الترمذي في الاستئذان. 6264 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى حَيْوَةُ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي نزيل مصر (قال: حدثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد أيضًا (حيوة) بفتح الحاء المهملة والواو بينهما تحتية ساكنة ابن شريح البصري (قال: حدثني) بالإفراد أيضًا (أبو عقيل) بفتح العين المهملة وكسر القاف (زهرة بن معبد) بضم الزاي وسكون الهاء ومعبد بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة أنه (سمع جدّه عبد الله بن هشام) أي ابن زهرة بن عثمان من بني تميم بن مرّة (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو آخذ) بمدّ الهمزة (بيد عمر بن الخطاب) الحديث اقتصر منه على الغرض هنا لأن الأخذ باليد يستلزم التقاء صفحة اليد بصفحة اليد غالبًا، وساقه بتمامه في الأيمان والنذور. 28 - باب الأَخْذِ بِالْيَدَيْنِ وَصَافَحَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ابْنَ الْمُبَارَكِ بِيَدَيْهِ. (باب الأخذ باليدين) بالتثنية، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بالإفراد، ولما كان الأخذ باليد يجوز أن يقع من غير حصول مصافحة أفرده بهذا الباب (وصافح حماد بن زيد ابن المبارك) عبد الله المروزي (بيديه) بالتثنية وصله غنجار في تاريخ بخارى من طريق إسحاق بن خلّف. 6265 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَيْفٌ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ أَبُو مَعْمَرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: عَلَّمَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَفِّى بَيْنَ كَفَّيْهِ التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنِى السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ «التَّحِيَّاتُ لِلَّه، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِىُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»، وَهْوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا: السَّلاَمُ، يَعْنِى عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سيف) بسين مهملة مفتوحة وتحتية ساكنة بعدها فاء ابن سليمان أو ابن أبي سليمان المخزومي (قال: سمعت مجاهدًا) هو ابن جبر (يقول: حدثني) بالإفراد (عبد الله بن سخبرة) بفتح المهملة والموحدة بينهما معجمة ساكنة وبعد الراء هاء تأنيث (أبو معمر) بفتح الميمين بينهما مهملة ساكنة الأزدي الكوفي (قال: سمعت ابن مسعود) عبد الله -رضي الله عنه- (يقول: علمني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكفّي بين كفيه) بالتثنية وهو الأخذ باليدين، فيطابق الترجمة. والجملة حالية من ضمير المفعول في علمني معترضة بين الفاعل والمفعول الثاني وهو قوله (التشهد) وعند ابن أبي شيبة بتقديم التشهد على الجملة الحالية (كما يعلمني السورة) ما مصدرية والكاف نعت لمصدر محذوف أي يعلمني التشهد تعليمًا مثل تعليم السورة واختار ابن مالك أن تكون الكاف حالاً من المصدر المفهوم من

29 - باب المعانقة وقول الرجل كيف أصبحت؟

الفعل المتقدم المحذوف بعد الاِضمار على طريق الاتساع تقديره يعلمني التعليم مثل ما يعلمني السورة (من القرآن) من للتبعيض أو لبيان الجنس لأن كل سورة منه قرآن ويتعلق حرف الجر بحال من السورة أي السورة كائنة من القرآن (التحيات لله) جمع تحية تفعلة من الحياة بمعنى الإحياء والتبقية الدائمة، والتحيات مبتدأ، ولله الخبر والجملة إلى آخرها محكية بدلاً من التشهد أعني مفعول علمني أو مفعولاً بفعل مقدر على الحكاية يدل عليه ما قبله أي علمني التحيات لله إلى آخره أي هذا اللفظ أو يقدر قال: قبل التحيات لله فتكون الجملة إلى آخر الحديث معمولة للقول المقدر (والصلوات) قبل المعهودات في الشرع فيقدر واجبة لله وإن أريد بها رحمته التي تفضل بها على عباده فيقدر كائنة أو ثابتة لعباد الله فيقدر مضاف محذوف (والطيبات) بحرف العطف وقدم لله عليهما، فيحتمل أن يكونا معطوفين على التحيات، ويحتمل أن تكون الصلوات مبتدأ وخبرها محذوف، والطيبات عطف عليها والواو الأولى لعطف الجملة على الجملة التي قبلها، ولأبي ذر حذف الواو من والطيبات فتكون صفة للصلوات (السلام عليك أيها النبي) بالألف واللام للجنس ويدخل فيه المعهود (ورحمة الله وبركاته) معطوفان على السلام (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله) جملة في محل نصب أو جر على تقدير الباء أي بأن لا وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير منصوب محذوف والجملة بعدها خبرها والتقدير أشهد أنه لا إله إلا الله (وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) عطف على سابقه ورسول فعول بمعنى مرسل وفعول بمعنى مفعل قليل. قال ابن عطية: العرب تجري رسول مجرى المصدر فتصف به الجمع والواحد والمؤنث، ومنه: أنا رسول رب العالمين. (وهو) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بين ظهرانينا) بفتح النون وسكون التحتية بعدها نون أخرى بالتثنية أي ظهري المتقدم والمتأخر أي كائن بيننا فزيدت الألف والنون للتأكيد (فلما قبض) توفي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قلنا السلام) قال البخاري (يعني على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يعني تركوا الخطاب وذكروه بلفظ الغيبة، وفي الحديث الأخذ باليد وهو مبالغة في المصافحة وهو مستحب. واختلف في تقبيل اليد فأنكره مالك وأجازه آخرون وحملوا إنكار مالك له على ما إذا كان على وجه التكبر فإن كان لزهد أو صلاح أو علم أو شرف فجائز بل مستحب، وفي حديث أسامة بن شريك عند أبي داود بسند قوي قال: قمنا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقبلنا يده، وفي حديث يزيد عنده في قصة الأعرابي والشجرة فقال: يا رسول الله ائذن لي أن أقبّل رأسك ورجليك فأذن له، فلو كان التقبيل لغنى أو وجاهة في الدنيا كره. وقال المتولي: لا يجوز، وللحافظ أبي بكر بن المقري جزء في تقبيل اليد، وفي الغرض جمع كتاب حافل في السلام والقيام والمصافحة والتقبيل والمعانقة أعانني الله عليه في عافية. والحديث سبق في الصلاة. 29 - باب الْمُعَانَقَةِ وَقَوْلِ الرَّجُلِ كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ (باب) حكم (المعانقة) وهي مفاعلة من عانق الرجل الرجل إذا جعل يديه على عنقه وضمّه إلى نفسه وليس في حديث الباب ذكر للمعانقة. نعم سبق ذكرها في البيوع في معانقته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للحسن فيحتمل كما نقله ابن بطال عن المهلب أنه قصد أن يسوقه هنا فلم يستحضر له غير السند السابق وليس من عادته غالبًا إعادة السند الواحد فأدركه الموت قبل أن يقع له ما يوافق ذلك، فصار ما ترجم له بالمعانقة خاليًا من الحديث، وبعده باب قول الرجل كيف؟ فظن الكاتب الأول لما لم يجد بينهما حديثًا أن الباب معقود لهما فجمعهما لكن لفظ المعانقة والواو بعدها إنما ثبت لأبي ذر عن الكشميهني وسقط لغيره، وفي نسخة الحافظ عبد المؤمن الدمياطي مضروب عليهما، وعلى هذا فلا إشكال كما لا يخفى. (وقول الرجل) بالجر عطفًا على السابق الآخر (كيف أصبحت)؟. 6266 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنِى أَبِى عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا يَعْنِى ابْنَ أَبِى طَالِبٍ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ - رضى الله عنه - خَرَجَ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى وَجَعِهِ الَّذِى تُوُفِّىَ فِيهِ فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا حَسَنٍ كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا، فَأَخَذَ بِيَدِهِ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: أَلاَ تَرَاهُ أَنْتَ وَاللَّهِ بَعْدَ الثَّلاَثِ عَبْدُ الْعَصَا، وَاللَّهِ إِنِّى لأُرَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَيُتَوَفَّى فِى وَجَعِهِ، وَإِنِّى لأَعْرِفُ فِى وُجُوهِ بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْمَوْتَ، فَاذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَسْأَلَهُ فِيمَنْ يَكُونُ الأَمْرُ فَإِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِى غَيْرِنَا أَمَرْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا قَالَ عَلِىٌّ: وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَمْنَعُنَا لاَ يُعْطِينَاهَا النَّاسُ أَبَدًا، وَإِنِّى لاَ أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَدًا. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن راهويه كما جزم به في الفتح أو ابن منصور كما قاله الكرماني بلفظ لعله قال: (أخبرنا بشر بن شعيب)

بكسر الموحدة وسكون المعجمة قال: (حدثني) بالإفراد (أبي) شعيب بن أبي حمزة دينار القرشي الحمصي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن كعب) أي ابن مالك الأنصاري (أن عبد الله بن عباس) -رضي الله عنهما- (أخبره أن عليًّا يعني ابن أبي طالب) -رضي الله عنه- (خرج من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط قوله قال أخبرني عبد الله بن كعب إلى هنا لأبي ذر. قال البخاري (ح). (وحدّثنا) بإثبات واو العطف على السابق لأبي ذر (أحمد بن صالح) أبو جعفر بن الطبري المصري الثقة الحافظ قال: (حدّثنا عنبسة) بعين مهملة وموحدة مفتوحتين بينهما نون ساكنة وبالسين المهملة آخره تاء تأنيث ابن خالد الأيلي قال: (حدّثنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن كعب بن مالك) الأنصاري، وقد ثبت سماع الزهري من عبد الله بن كعب كما مرّ في الوفاة النبوية (أن عبد الله بن عباس أخبره أن عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- خرج من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس) له: (يا أبا حسن كيف أصبح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: أصبح بحمد الله بارئًا) بالهمز في الفرع كأصله. قال ثابت: هذا على لغة أهل الحجاز يقولون برأت من المرض، وتميم يقولون بريت بالكسر يعني بغير همز كما يروى باريًا بغير همز فيصح أن يكون على اللغتين جميعًا (فأخذ بيده) بيد علي (للعباس فقال) له: (ألا تراه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي ميتًا أي فيه علامة الموت أو الضمير للشأن لأن الرؤية ليست بصرية (أنت والله بعد الثلاث) ولأبي ذر بعد ثلاث أي بعد ثلاثة أيام (عبد العصا) أي تصير مأمور الغير بموته في وولاية غيره (والله إني لأرى) بضم الهمزة لأظن (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سيتوفى) على صيغة المجهول (في وجعه) هذا (وإني لأعرف في وجوه بني عبد المطلب الموت) أي علامته (فاذهب بنا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنسأله فيمن يكون الأمر) أي الخلافة بعده (فإن كان فينا علمنا ذلك وإن كان في غيرنا آمرناه). قال السفاقسي آمرناه بمدّ الهمزة أي شاورناه. قال: والمشهور القصر أي طلبنا منه، وفيه أن الأمر لا يشترط فيه العلوّ ولا الاستعلاء. قال في الفتح: ولعله أراد أن يؤكد عليه في السؤال حتى يصير كأنه آمر له بذلك (فأوصى بنا) الخليفة بعده (قال عليّ: والله لئن سألناها) أي الخلافة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيمنعنا) بلفظ المضارع، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فمنعناها أي الخلافة (لا يعطيناها الناس أبدًا وإني لا أسألها رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبدًا). ولم يقع في الحديث أن اثنين تلاقيا فقال أحدهما للآخر: كيف أصبحت؟ بل فيه أن من حضر عند بابه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سأل عليًّا لما خرج من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن حاله عليه الصلاة والسلام فأخبر بقوله: بارئًا. نعم أخرج البخاري في الأدب المفرد من حديث جابر قال: قيل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كيف أصبحت؟ قال: "بخير". وأما المعانقة ففي حديث أبي ذر من طريق رجل من عنزة لم يسم قال: قلت هل كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيته قط إلاّ صافحني، وبعث إليّ ذات يوم فلم أكن في أهلي فلما جئت أخبرت أنه أرسل إليّ فأتيته وهو على سريره فالتزمني فكان أجود وأجود، رواه الإمام أحمد ورجاله ثقات إلا الرجل المبهم، وفي الأوسط للطبراني من حديث أنس: كانوا إذا تلاقوا تصافحوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا. وفي حديث عائشة لما قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيتي فقرع الباب فقام إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عريانًا يجرّ ثوبه فاعتنقه وقبّله. قال الترمذي: حديث حسن، وعن أبي الهيثم بن التيهان أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقيه فاعتنقه وقبّله. رواه قاسم بن أصبغ وسنده ضعيف. وأما حديث طاوس عن ابن عباس لما قدم جعفر من الحبشة اعتنقه النبي -صَلَّى اللَّهُ

30 - باب من أجاب بلبيك وسعديك

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال الذهبي في ميزانه: هذه الحكاية باطلة وإسنادها مظلم. وحديث الباب سبق في أواخر المغازي في باب مرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 30 - باب مَنْ أَجَابَ بِلَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ (باب من أجاب) من ناداه أو سأله (بلبيك) أي أنا مقيم على طاعتك (وسعديك) إسعادًا لك بعد إسعاد. 6267 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ قَالَ مِثْلَهُ ثَلاَثًا، «هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ»؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: «حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» ثُمَّ سَارَ سَاعَةً فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ قَالَ: «هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا همام) بالتشديد ابن يحيى البصري (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) هو ابن مالك (عن معاذ) هو ابن جبل -رضي الله عنه- أنه (قال: أنا رديف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (يا معاذ قلت لبيك وسعديك) يا رسول الله (ثم قال مثله ثلاثًا) تأكيدًا للاهتمام بما يخبر به ثم قال: (هل تدري ما حق الله على العباد)؟ قال معاذ: (قلت: لا) وفي باب إرداف الرجل خلف الرجل من أواخر اللباس قلت الله ورسوله أعلم (قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا ثم سار ساعة فقال يا معاذ قلت لبيك وسعديك) يا رسول الله (قال: هل تدري ما حق العباد على الله)؟ عز وجل وهو من باب المشاكلة كقوله: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى: 40] فالأولى حقيقة والثانية لا، وإنما سميت سيئة لأنها مجازاة لسوء أو لأنه لما وعد به تعالى ووعده الصدق صار حقًّا من هذه الجهة (إذا فعلوا ذلك) الحق الذي له تعالى عليهم المفسر بأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا. زاد في رواية الباب المذكورة قلت الله ورسوله أعلم. قال: حق العباد على الله (أن لا يعذبهم) أي هو أن لا يعذبهم. ومطابقة الحديث لما ترجم له لا خفاء فيها. 0000 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ مُعَاذٍ بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا هدبة) بن خالد قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس بن معاذ بهذا) الحديث السابق. 6268 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا وَاللَّهِ أَبُو ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى حَرَّةِ الْمَدِينَةِ عِشَاءً اسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ مَا أُحِبُّ أَنَّ أُحُدًا لِى ذَهَبًا يَأْتِى عَلَىَّ لَيْلَةٌ أَوْ ثَلاَثٌ عِنْدِى مِنْهُ دِينَارٌ إِلاَّ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ إِلاَّ أَنْ أَقُولَ بِهِ فِى عِبَادِ اللَّهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» وَأَرَانَا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الأَكْثَرُونَ هُمُ الأَقَلُّونَ إِلاَّ مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا» ثُمَّ قَالَ لِى: «مَكَانَكَ لاَ تَبْرَحْ يَا أَبَا ذَرٍّ حَتَّى أَرْجِعَ» فَانْطَلَقَ حَتَّى غَابَ عَنِّى فَسَمِعْتُ صَوْتًا فَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عُرِضَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَرَدْتُ أَنْ أَذْهَبَ ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَبْرَحْ» فَمَكُثْتُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْتُ صَوْتًا خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عُرِضَ لَكَ ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَكَ، فَقُمْتُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَانِى فَأَخْبَرَنِى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِى لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، دَخَلَ الْجَنَّةَ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ؛ «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» قُلْتُ لِزَيْدٍ: إِنَّهُ بَلَغَنِى أَنَّهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَقَالَ: أَشْهَدُ لَحَدَّثَنِيهِ أَبُو ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ. قَالَ الأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنِى أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ نَحْوَهُ. وَقَالَ أَبُو شِهَابٍ: عَنِ الأَعْمَشِ يَمْكُثُ عِنْدِى فَوْقَ ثَلاَثٍ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا زيد بن وهب) الجهني أبو سليمان الكوفي هاجر ففاتته رؤية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأيام قال: (حدّثنا والله أبو ذر) جندب الغفاري (بالربذة) بفتح الراء والموحدة والمعجمة موضع على ثلاث مراحل من المدينة وذكر زيد القسم تأكيدًا ومبالغة دفعًا لما قيل له أن الراوي لهذا الحديث أبو الدرداء لا أبو ذر كما يشعر به آخر الحديث (قال: كنت أمشي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حرّة المدينة عشاء) أرض ذات حجارة سود بها (استقبلنا أُحد) بفتح اللام مسندًا إلى أُحد وأُحد رفع على الفاعلية جبل بالمدينة، وللأصيلي استقبلنا بسكون اللام مسندًا إلى ضمير المتكلمين وأُحدًا نصب على المفعولية (فقال): (يا أبا ذر ما أحب أن أُحُدًا) الجبل المذكور (لي ذهبًا) نصب على التمييز (تأتي عليّ) بتشديد التحتية (ليلة أو ثلاث) بالشك من الراوي (عندي منه دينار) ولأبي ذر دينارًا بالنصب (إلا أرصدهُ) بفتح الهمزة وضم الصاد ولأبي ذر بضم الهمزة وكسر الصاد من الرباعي والاستثناء مفرغ، وللأصيلي لا أرصده بكسر الصاد أي لا أعده (لدين) صفة لدينار (إلا أن أقول به) أي أصرفه (في عباد الله) أي أنفقه عليهم (هكذا وهكذا وهكذا) يمينًا وشمالاً وقدّامًا (وأرانا) أبو ذر (ببده) ذلك (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يا أبا ذر قلت: لبيك وسعديك يا رسول الله قال: الأكثرون) مالاً (هم الأقلون) ثوابًا (إلا من قال) صرف المال في عباده (هكذا وهكذا ثم قال لي) الزم (مكانك لا تبرح) منه (يا أبا ذر حتى أرجع) إليك (فانطلق) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى غاب عني فسمعت صوتًا فخشيت) ولأبي ذر عن الحموي فتخوّفت (أن يكون عرض) مبني للمفعول مصححًا عليه في الفرع كأصله الرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي ظهر عليه أو أصابه آفة (فأردت أن أذهب ثم ذكرت قول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تبرح فمكثت) فلما جاء -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قلت: يا رسول الله سمعت صوتًا خشيت) بالمعجمتين أي خفت، ولأبي ذر عن الحموي حسبت بالحاء والسين المهملتين والموحدة

31 - باب لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه

(أن يكون عرض لك) بضم العين (ثم ذكرت قولك) لا تبرح (فقمت) أي فوقفت أو فأقمت موضعي (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ذاك) الذي سمعت (جبريل أتاني فأخبرني، أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة) قال أبو ذر (قلت: يا رسول الله) يدخل الجنة (وإن زنى وإن سرق؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدخلها (وإن زنى وإن سرق) قال الأعمش بالإسناد السابق (قلت لزيد) أي ابن وهب المذكور (أنه بلغني أنه) أي راوي الحديث (أبو الدرداء فقال) زيد (أشهد لحدثنيه) أي الحديث المذكور (أبو ذر) جندب (بالربذة) وأدخل اللام في لحدثنيه لأن الشهادة في حكم القسم. (قال الأعلم) سليمان بن مهران بالسند المذكور (وحدثني) بالواو والإفراد (أبو صالح) ذكوان السمان (عن أبي الدرداء) عويمر (نحوه) أي نحو الحديث الماضي (وقال أبو شهاب) عبد ربه الحناط بالمهملتين والنون المشدّدة مما سبق موصولاً في الاستقراض (عن الأعمش) أي عن زيد بن وهب عن أبي ذر (يمكث عندي فوق ثلاث) بدل قوله تأتي عليّ ليلة أو ثلاث عندي منه دينار. والحديث سبق في الاستقراض. 31 - باب لاَ يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ هذا (باب) بالتنوين (لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه) خبر معناه النهي. 6269 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه) وفي رواية الليث عند مسلم بلفظ النهي المؤكد بالنون وظاهر النهي التحريم فلا يصرف عنه إلا بدليل، وزاد ابن جريج عن نافع مما في كتاب الجمعة قلت لنافع: الجمعة؟ قال: الجمعة وغيرها، ولفظ الحديث وإن كان عامًّا لكنه مخصوص بالمجالس المباحة إما على العموم كالمساجد ومجالس الحكام والعلم، وإما على الخصوص كمن يدعو قومًا بأعيانهم إلى منزله لوليمة ونحوها، وأما المجالس التي ليس للشخص فيها ملك ولا أذن له فيها فإنه يقام ويخرج منها ثم هو في المجالس العامة ليس عامًّا في الناس بل خاص بغير المجانين ومن يحصل منه الأذى كأكل الثوم النيء إذا دخل المسجد، والحكمة في هذا النهي منع استنقاص حق المسلم المقتضي للضعائن، ولأن الناس في المباح كلهم سواء فمن سبق إلى مباح استحقه ومن استحق شيئًا فأخذ منه بغير حق فهو غصب والغصب حرام. قاله في بهجة النفوس. والحديث سبق في الجمعة. 32 - باب {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِى الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشِزُوا فَانْشِزُوا} الآيَةَ [المجادلة: 11] هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله تعالى: ({إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس}) توسعوا فيه. وقرأ عاصم في المجالس بالجمع اعتبارًا بأن لكل واحد مجلساً، والمراد مجلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: نزلت يوم جمعة وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومئذٍ في الصفة وفي المكان ضيق وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء أناس من أهل بدر وقد سبقوا إلى المجالس فقاموا حيال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسح لهم فشق ذلك على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال لمن حوله من غير أهل بدر: "قم يا فلان وأنت يا فلان وأجلسهم في أماكنهم" فشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكراهة في وجوههم وتكلم في ذلك المنافقون، فبلغنا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "رحم الله رجلاً يفسح لأخيه" فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعًا فيفسح القوم لإخوانهم ونزلت هذه الآية يوم الجمعة وعن ابن عباس هي مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب قال الحسن: كانوا يتشاحون على الصف الأوّل فلا يوسع بعضهم لبعض رغبة في الشهادة فنزلت، والظاهر أن الحكم يطرد في مجالس الطاعات وإن كان السبب خاصًا ({فافسحوا}) فوسعوا ({يفسح الله لكم}) يوسع الله عليكم في الدنيا والآخرة لأن الجزاء من جنس العمل وهو يطلق في كل ما ينبغي للناس الفسحة فيه من المكان والرزق والقبر وغير ذلك ({وإذا قيل انشزوا}) انهضوا

33 - باب من قام من مجلسه أو بيته ولم يستأذن أصحابه أو تهيأ للقيام ليقوم الناس

للتوسعة على المقبلين أو انهضوا عن مجلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أمرتم بالنهوض عنه أو انهضوا إلى الصلاة والجهاد وأعمال الخير ({فانشروا}) [المجادلة: 11] فانهضوا في المجلس للتفسح لأن مزيد التوسعة على الواردين يقع إلى فوق فيتسع الموضع أمروا أوّلاً بالتفسح ثم ثانيًا بامتثال الأمر فيه (الآية). وبقيتها {يرفع الله الذين آمنوا منكم} [المجادلة: 11] أي بامتثال أوأمره وأوامر رسوله {والذين أوتوا العلم} [المجادلة: 11] أي والعالمين منهم خاصة {درجات والله بما تعملون خبير} [المجادلة: 11]. قال صاحب الانتصاف: وقع في الجزاء رفع الدرجات مناسبة للعمل لأن المأمور به تفسيح المجالس لئلا يتنافسوا في القرب من المكان المرتفع بحلول الرسول فيه، فالمفسح حابس لنفسه عما يتنافس فيه من الرفعة تواضعًا فجوزي بالرفعة لقوله: من تواضع لله رفعه الله، ثم لما علم أن أهل العلم يستوجبون رفع المجلس خصهم بالذكر ليسهل عليهم ترك ما لهم من الرفعة في المجلس تواضعًا لله يريد أنه من باب ملائكته وجبريل، وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال: يا أيها الناس افهموا هذه الآية لترغبكم في العلم، وسقط من قوله يفسح الله لكم إلى آخرها لأبي ذر. 6270 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ آخَرُ، وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ يُجْلِسَ مَكَانَهُ. وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان السلمي الكوفي نزيل مكة قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبيد الله) بضم العين هو العمري (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه نهى) نهي تحريم (أن يقام الرجل من مجلسه) إذا كان في موضع مباح (ويجلس فيه آخر ولكن تفسحوا وتوسعوا) هو عطف تفسير، وعند ابن مردويه من رواية قبيصة عن سفيان ولكن ليقل افسحوا وتوسعوا قال في الكواكب: وتفسحوا أمر فكيف يكون الأمر استدراكًا من الخبر؟ وأجاب: بأنه يقدر لفظ قال بعد لكن أو يقال نهى أن يقيم في تقدير لا يقيمن، ويحتمل أن لا يكون من تتمة الحديث فهو من كلام ابن عمر اهـ. وأشار مسلم إلى أن قوله ولكن ليقل تفرد بها عبيد الله عن نافع وأن مالكًا والليث وأيوب وابن جريج رووه عن نافع بدونها وأن ابن جريج زاد قلت لنافع في الجمعة: قال: وفي غيرها. (وكان ابن عمر) -رضي الله عنهما- بالسند السابق (يكره أن يقوم الرجل من مجلسه ثم يجلس مكانه) بضم التحتية مصححًا عليها في الفرع كأصله وكسر اللام من يجلس. قال ابن حجر الحافظ في روايتنا بالفتح، وضبطه أبو جعفر الغرناطي بالضم على وزن يقام، وفي الأدب المفرد عن قبيصة عن الثوري، وكان ابن عمر إذا قام له الرجل من مجلسه لم يجلس فيه وهذا محمول من ابن عمر على الورع لاحتمال أن يكون الذي قام لأجله استحى منه فقام عن غير طيب قلب فسدّ الباب ليسلم من هذا. 33 - باب مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ أَوْ بَيْتِهِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ أَصْحَابَهُ أَوْ تَهَيَّأَ لِلْقِيَامِ لِيَقُومَ النَّاسُ (باب من قام من مجلسه أو بيته ولم يستأذن أصحابه أو تهيّأ للقيام ليقوم الناس). 6271 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِى يَذْكُرُ عَنْ أَبِى مِجْلَزٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ دَعَا النَّاسَ طَعِمُوا ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ، قَالَ: فَأَخَذَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ، فَلَمَّا قَامَ، قَامَ مَنْ قَامَ مَعَهُ مِنَ النَّاسِ، وَبَقِىَ ثَلاَثَةٌ وَإِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ لِيَدْخُلَ، فَإِذَا الْقَوْمُ جُلُوسٌ ثُمَّ إِنَّهُمْ قَامُوا فَانْطَلَقُوا قَالَ: فَجِئْتُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُمْ قَدِ انْطَلَقُوا، فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ فَذَهَبْتُ أَدْخُلُ فَأَرْخَى الْحِجَابَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} -إِلَى قَوْلِهِ- {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53]. وبه قال (حدّثنا الحسن بن عمر) بن شقيق البصري قال: (حدّثنا معتمر) قال: (سمعت أبي) سليمان بن طرخان البصري (يذكر عن أبي مجلز) بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي لاحق بن حميد السدوسي البصري (عن أنس بن مالك رضي الله عنه) أنه (قال: لما تزوج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (جحش دعا الناس طعموا) بكسر العين من وليمته (ثم جلسوا يتحدثون قال) أنس: (فأخذ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كأنه يتهيّأ للقيام) ليقوموا استحياء أن يقول لهم ذلك (فلم يقوموا فلما رأى ذلك) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قام فلما قام قام من قام معه من الناس وبقي ثلاتة وإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاء ليدخل فإذا القوم جلوس ثم إنهم قاموا فانطلقوا قال) أنس: (فجئت فأخبرت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل) حجرته قال أنس: (فذهبت أدخل) معه (فأرخى الحجاب بيني وبينه وأنزل الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} [الأحزاب: 53] إلى قوله {إن ذلكم كان عند الله عظيمًا} [الأحزاب: 53] أي ذنبًا عظيمًا، وفيه أنه لا ينبغي لأحد أن يطيل الجلوس بعد قضاء حاجته التي دخل لها، ولصاحب الدار أن يظهر له أن يقوم من عنده ويظهر التثاقل به. والحديث سبق قريبًا في باب

34 - باب الاحتباء باليد وهو القرفصاء

آية الحجاب وسورة الأحزاب. 34 - باب الاِحْتِبَاءِ بِالْيَدِ وَهُوَ الْقُرْفُصَاءُ (باب) حكم (الاحتباء) بالحاء المهملة الساكنة والفوقية المكسورة والموحدة بعدها ألف مهموز (باليد) أي الاحتباء، ولأبي ذر عن الكشميهني: وهو أي صفة الاحتباء (القرفصاء) بضم القاف والفاء بينهما راء ساكنة وبعد الصاد المهملة ألف مهموز وهو أن يجلس على إليتيه ويلصق فخذيه ببطنه ويحتبي بيديه فيضعهما على ساقيه. وقال ابن فارس وغيره: الاحتباء أن يجمع ثوبه لظهره وركبتيه وقيل القرفصاء الاعتماد على عقبيه ومس إليتيه بالأرض. 6272 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى غَالِبٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ مُحْتَبِيًا بِيَدِهِ هَكَذَا. وبه قال (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (محمد بن أبي غالب) الواصلي نزيل بغداد القومسي بالقاف المضمومة وبعد الواو الساكنة ميم فمهملة قال: (أخبرنا إبراهيم بن المنذر) بكسر المعجمة (الحزامي) بكسر الحاء المهملة وبالزاي قال: (حدّثنا محمد بن فليح) بضم الفاء وفتح اللام آخره مهملة مصغرًا الأسلمي المدني (عن أبيه) فليح بن سليمان المدني (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بفناء الكعبة) بكسر الفاء ما امتد من جانبها من قبل بابها (محتبيًا بيده) بالإفراد (هكذا) زاد في الجزء السادس من فوائد أبي محمد بن صاعد فأرانا فليح موضع يمينه على يساره موضع الرسغ، وفي حديث أبي هريرة عند البزار أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جلس عند الكعبة فضمّ رجليه فأقامهما واحتبى بيديه، وفي حديث أبي سعيد عند أبي داود أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا جلس احتبى بيديه زاد البزار ونصب ركبتيه. 35 - باب مَنِ اتَّكَأَ بَيْنَ يَدَىْ أَصْحَابِهِ قَالَ خَبَّابٌ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً قُلْتُ: أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ؟ فَقَعَدَ. (باب من اتكأ بين يدي أصحابه) قال الخطابي كل معتمد على شيء متمكن منه فهو متكئ. (وقال خباب) بفتح المعجمة والموحدة المشددة وبعد الألف موحدة ثانية ابن الأرتّ الصحابي مما مر موصولاً في علامات النبوّة (أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو متوسد بردة) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني ببرده بالهاء (قلت: ألا تدعو الله فقعد). 6273 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِىُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ»؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون المعجمة والمفضل بالضاد المعجمة المفتوحة ابن لاحق البصري قال: (حدّثنا الجريري) بضم الجيم وفتح الراء سعيد بن إياس (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه) أبي بكرة نفيع -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ألا) بالتخفيف استفتاحية (أخبركم بأكبر الكبائر) جمع كبيرة (قالوا: بلى) أخبرنا (يا رسول الله. قال) هو (الإشراك بالله) عز وجل بأن يتخذ معه إلهًا آخر أو مطلق الكفر فالجار والمجرور متعلق بالمصدر (وعقوق الوالدين) ضدّ برهما وعطفه على سابقه تعظيمًا لأمر الوالدين وتغليظًا على العاق. 6274 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ مِثْلَهُ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: «أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر) المذكور بسنده (مثله) أي مثل الحديث السابق وقال: (وكان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (متكئًا فجلس) اهتمامًا وتعظيمًا لقبح ما سيقوله (فقال: ألا) بالتخفيف (وقول الزور) الباطل الشامل للكفر والشهادة والكذب الكثير (فما زال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يكررها) أي قول الزور (حتى قلنا) أي إلى أن قلنا (ليته سكت) لما حصل لهم من الخوف. والحديث سبق في الأدب وساقه هنا من طريقين لقوله فيه وكان متكئًا فجلس، وفي حديث أنس في قصة ضمام بن ثعلبة قال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقالوا: ذلك الأبيض المتكئ. وفي حديث سمرة رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متكئًا على وسادة رواه الدارميّ وصححه الترمذي وابن عوانة وابن حبان، وفيه كما قاله المهلب أنه يجوز للعالم والإمام الاتكاء في مجلسه بحضرة جلسائه لاستراحة أو ألم في بعض أعضائه. 36 - باب مَنْ أَسْرَعَ فِى مَشْيِهِ لِحَاجَةٍ أَوْ قَصْدٍ (باب من أسرع في مشيه) بفتح الميم في الفرع (لحاجة) أي لأجل سبب من الأسباب (أو قصد) أي لأمر مقصود. 6275 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ قَالَ: صَلَّى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَصْرَ فَأَسْرَعَ ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ. وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل البصري (عن عمر بن سعيد) بضم العين في الأول وبكسرها في الثاني القرشي النوفلي المكي (عن ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبد الرحمن (أن عقبة بن الحارث) بن عامر بن نوفل بن عبد مناف (حدثه قال:

37 - باب السرير

صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العصر فأسرع) في مشيه بعد فراغه من الصلاة (ثم دخل البيت) زاد في الصلاة في باب من صلّى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم ففزع الناس من سرعته فخرج عليهم فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته فقال: ذكرت شيئًا من تبر عندنا فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمه، وفي باب من أحب تعجيل الصدقة من الزكاة فلم يلبث أن خرج فقلت أو قيل له فقال: كنت خلفت في البيت تبرًا من الصدقة فكرهت أن أبيته فقسمته، وفي قوله ففزع الناس من سرعته إشعار بأن مشيه لغير حاجة كان على هينته ففيه أن الإسراع في المشي إن كان لحاجة فلا بأس به، إلا فلا. نعم روي عن ابن عمر أنه كان يسرع المشي ويقول هو أبعد من الزهو وأسرع في الحاجة أخرجه ابن المبارك في الاستئذان. 37 - باب السَّرِيرِ (باب) حكم اتخاذ (السرير) قال الراغب: إنه مأخوذ من السرور لأنه في الغالب يكون لأهل النعمة وقد يعبر به عن الملك. 6276 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّى وَسْطَ السَّرِيرِ، وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، تَكُونُ لِىَ الْحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَقُومَ فَأَسْتَقْبِلَهُ فَأَنْسَلُّ انْسِلاَلاً. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان الكوفي (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي وسط السرير) بسكون سين وسط في الفرع ولم يضبطها في اليونينية. وقال السفاقسي: قرأناه بسكون السين المهملة والمشهور في اللغة فتحها. قال في الصحاح: يقال جلست وسط القوم بالتسكين لأنه ظرف وجلست وسط الدار بالتحريك لأنه اسم وكل موضع صلح فيه بين فهو بالتسكين وإلا فهو بالتحريك (وأنا مضطجعة) جملة حالية (بينه وبين القبلة تكون لي الحاجة فأكره أن أقوم فأستقبله) بهمزة قطع وكسر الموحدة والنصب (فأنسل) بقطع الهمزة والرفع (انسلالاً). 38 - باب مَنْ أُلْقِىَ لَهُ وِسَادَةٌ (باب من ألقي) بضم الهمزة (له وسادة) رفع نائب عن الفاعل والوسادة ما يتكأ عليه. 6277 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ ح وَحَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو الْمَلِيحِ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِيكَ زَيْدٍ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَحَدَّثَنَا أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذُكِرَ لَهُ صَوْمِى فَدَخَلَ عَلَىَّ فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ وَصَارَتِ الْوِسَادَةُ بَيْنِى وَبَيْنَهُ، فَقَالَ لِى: «أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ»؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «خَمْسًا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «سَبْعًا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «تِسْعًا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِحْدَى عَشْرَةَ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لاَ صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ، شَطْرَ الدَّهْرِ صِيَامُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (إسحاق) بن شاهين الواسطي قال: (حدّثنا خالد) الطحان قال: البخاري (ح). (وحدثني) بالواو والإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عمرو بن عون) بفتح العين فيهما ابن أوس السلمي من شيوخ البخاري قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان (عن خالد) الحذاء (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو المليح) بفتح الميم وكسر اللام وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة عامر وقيل زيد بن أسامة الهذلي (قال) يخاطب أبا قلابة: (دخلت مع أبيك زيد) الجرمي (على عبد الله بن عمرو) بفتح العين بن العاصي (فحدّثنا) بفتح المثلثة (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر) بضم المعجمة (له صومي فدخل عليّ) بتشديد التحتية -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فألقيت له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وسادة من أدم) جلد (حشوها ليف) هو ما يخرج في أصول سعف النخل تحشى به الوسائد وتفتل منه الحبال (فجلس) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على الأرض) تواضعًا (وصارت الوسادة بيني وبينه فقال لي: أما) بتخفيف الميم (يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام) تصومها برفع ثلاثة (قلت: يا رسول الله) أطيق أكثر من ذلك (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صم (خمسًا) أي خمسة أيام (قلت: يا رسول الله) أطيق أكثر (قال) صم (سبعًا) أي سبعة أيام (قلت: يا رسول الله) أطيق أكثر (قال) صم (تسعًا قلت: يا رسول الله) أطيق أكثر (قال) صم (إحدى عشرة قلت: يا رسول الله) أطيق أكثر (قال: لا صوم فوق صوم داود شطر الدهر) بنصب شطر على الاختصاص (صيام يوم وإفطار يوم) بالرفع في صيام وإفطار بتقدير هو، ولأبي ذر بالنصب على الاختصاص. 6278 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ قَدِمَ الشَّامَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ذَهَبَ عَلْقَمَةُ إِلَى الشَّامِ فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِى جَلِيسًا، فَقَعَدَ إِلَى أَبِى الدَّرْدَاءِ فَقَالَ؛ مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: أَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِى كَانَ لاَ يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ يَعْنِى حُذَيْفَةَ أَلَيْسَ فِيكُمْ أَوْ كَانَ فِيكُمُ الَّذِى أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الشَّيْطَانِ يَعْنِى عَمَّارًا، أَوَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّوَاكِ وَالْوِسَادِ يَعْنِى ابْنَ مَسْعُودٍ كَيْفَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْرَأُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] قَالَ: {وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى} [النجم: 45] فَقَالَ: مَا زَالَ هَؤُلاَءِ حَتَّى كَادُوا يُشَكِّكُونِى وَقَدْ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: بالإفراد (يحيى بن جعفر) أي ابن أعين أبو زكريا البخاري البيكندي قال: (حدّثنا يزيد) هو ابن هارون الواسطي (عن شعبة) بن الحجاج (عن مغيرة) بن مقسم الضبي بالضاد المعجمة والموحدة (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي (أنه قدم الشام ح). قال البخاري: (وحدّثنا) بالواو (أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج

39 - باب القائلة بعد الجمعة

(عن مغيرة) بن مقسم (عن إبراهيم) النخعي ورأيت في حاشية الفرع ما نصه من قوله عن إبراهيم عن علقمة إلى قوله عن إبراهيم. كل هذا مكتوب في حاشية اليونينية، وفي آخره صح بالسواد مشعر بأنه من الأصل كما هنا وتحته مكتوب. قال أبو ذر: زائد هذا فليعلم وكذا رأيته في اليونينية (قال: ذهب علقمة) بن قيس (إلى الشام فأتى المسجد فصلّى ركعتين فقال: اللهم ارزقني جليسًا) زاد في مناقب عمار صالحًا (فقعد) علقمة (إلى أبي الدرداء) عويمر (فقال) أبو الدرداء لعلقمة (ممن أنت؟ قال) علقمة: (من أهل الكوفة. قال) أبو الدرداء: (أليس فيكم صاحب السر) أي سر النفاق لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عين له أسماء المنافقين ولم يطلع غيره عليها كما قال (الذي كان لا يعلمه غيره يعني حذيفة) بن اليمان (أليس فيكم أو كان فيكم الذي أجاره الله على لسان رسوله من الشيطان) لأنه دعا له بأمانه من الشيطان وقال: إنه طيب مطيب والشك في قوله أو كان فيكم من شعبة (يعني عمارًا، أو ليس) بالواو المفتوحة (فيكم صاحب السواك والوساد) بكسر الواو ولأبي ذر عن الكشميهني والوسادة بتاء التأنيث (يعني ابن مسعود) عبد الله -رضي الله عنه- (كيف كان عبد الله) ابن مسعود (يقرأ: {والليل إذا يغشى}؟ قال) علقمة: يقرأ عبد الله بن مسعود (والذكر والأنثى) بدون وما خلق، وكان أبو الدرداء يقرأ كذلك وأهل الشام يناظرونه على القراءة المتواترة وهي وما خلق الذكر والأنثى ويشككونه في قراءته الشاذة (فقال) أبو الدرداء (ما زال هؤلاء حتى كادوا يشككوني) ولأبي ذر: يشككونني (وقد سمعتها) أي بدون وما خلق (من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كما يقرؤها ابن مسعود. والحديث سبق في مناقب عمار والغرض منه هنا قوله والوساد والمراد أن ابن مسعود كان يتولى أمر سواكه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووساده ويتعاهد خدمته في ذلك بالإصلاح وغيره والله الموفق والمعين لا إله سواه. 39 - باب الْقَائِلَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةَ (باب القائلة بعد) صلاة (الجمعة) بأن يستريح بالنوم أو غيره وسقط لفظ باب لأبي ذر فلفظ القائلة رفع. 6279 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كُنَّا نَقِيلُ وَنَتَغَدَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي البصري قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (سفيان) الثوري (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي أنه (قال: كنا نقيل) ننام (ونتغدى) بالغين المعجمة والدال المهملة (بعد) صلاة (الجمعة) وفيه إشعار بأن هذا كان عادتهم. والحديث سبق في أواخر الجمعة. 40 - باب الْقَائِلَةِ فِى الْمَسْجِدِ (باب) حكم (القائلة في المسجد). 6280 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: مَا كَانَ لِعَلِىٍّ اسْمٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَبِى تُرَابٍ، وَإِنْ كَانَ لَيَفْرَحُ بِهِ إِذَا دُعِىَ بِهَا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْتَ فَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِى الْبَيْتِ فَقَالَ: «أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ»؟ فَقَالَتْ: كَانَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ شَىْءٌ فَغَاضَبَنِى فَخَرَجَ، فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لإِنْسَانٍ: «انْظُرْ أَيْنَ هُوَ»؟ فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِى الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ فَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَهْوَ يَقُولُ: «قُمْ أَبَا تُرَابٍ قُمْ أَبَا تُرَابٍ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن) أبيه (أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي أنه (قال: ما كان لعلي) -رضي الله عنه- (اسم أحب إليه من أبي تراب وإن كان ليفرح به) باسم أبي تراب وإن مخففة من الثقيلة وسقط لفظ به لأبي ذر (إذا دعي بها) بالكنية (جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيت فاطمة عليها السلام فلم يجد عليًّا في البيت فقال) لفاطمة -رضي الله عنها-: (أين ابن عمك فقالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج) حسمًا لمادة الكلام ولأن يسكن سورة غضبهما (فلم يقل) بفتح التحتية وكسر القاف أي فلم ينم (عندي فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لإنسان: انظر أين هو فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد فجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو) أي والحال أن عليًّا (مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه) بكسر المعجمة (فأصابه تراب فجعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمسحه عنه وهو يقول: قم) يا (أبا تراب قم) يا (أبا تراب) مرتين. والحديث مر قريبًا في باب التكني بأبي تراب قبل كتاب الاستئذان. 41 - باب مَنْ زَارَ قَوْمًا فَقَالَ عِنْدَهُمْ (باب من زار قومًا فقال) أي نام (عندهم) نصف النهار. 6281 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىُّ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ تَبْسُطُ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نِطَعًا فَيَقِيلُ عِنْدَهَا عَلَى ذَلِكَ النِّطَعِ قَالَ: فَإِذَا نَامَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَتْ مِنْ عَرَقِهِ وَشَعَرِهِ فَجَمَعَتْهُ فِى قَارُورَةٍ، ثُمَّ جَمَعَتْهُ فِى سُكٍّ قَالَ: فَلَمَّا حَضَرَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْوَفَاةُ أَوْصَى أَنْ يُجْعَلَ فِى حَنُوطِهِ مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ قَالَ: فَجُعِلَ فِى حَنُوطِهِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي أبو رجاء قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله) بن المثنى (الأنصاري) قاضي البصرة روى عنه المؤلّف كثيرًا بلا واسطة (قال: حدثني) بالإفراد (أبي) عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك (عن ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم ابن عبد الله بن أنس بن مالك وهو عم عبد الله

بن المثنى (عن أنس) -رضي الله عنه- وهو جد ثمامة، وسقط لأبي ذر عن أنس كما في الفرع وأصله (أن أم سليم) الغميصاء أو الرميصاء بنت ملحان بن خالد الأنصارية وهي أم أنس، وعلى رواية أبي ذر بإسقاط أن يكون الحديث مرسلاً لأن ثمامة لم يدرك جدة أبيه أم سليم. قال في الفتح: لكن دل قوله في أواخره فلما حضر أنس بن مالك الوفاة أوصى إليّ أن يجعل في حنوطه على أن ثمامة حمله عن أنس فليس مرسلاً ولا من مسند أم سليم بل من مسند أنس، وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية ابن السني عن محمد بن عبد الله الأنصاري فقال في روايته عن ثمامة عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهذا يشعر بأن أنسًا إنما حمله عن أمه اهـ. قلت: والظاهر أن الحافظ ابن حجر لم يقف على ثبوت ذلك لغير أبي ذر أو لم يصح عنده، فلذا جعل الحديث من مسند أنس بطريق المفهوم كما قرّره ونقلته عنه. نعم ثبت عن أنس في كل ما رأيته من النسخ الصحيحة وعليه شرح العيني وبه صرح المزي في أطرافه فقال في مسند أنس ما نصه ثمامة بن أنس بن مالك الأنصاري عن جده أنس قال: حدثت أن أم سليم كانت تبسط للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نطعًا فإذا قام أخذت عرقه الحديث أخرجه البخاري في الاستئذان عن قتيبة عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن أبيه عنه به اهـ. وقد وقع ما يشعر بأن أنسًا حمله عن أمه أيضًا ففي مسلم من رواية أبي قلابة عن أنس عن أم سليم (كانت تبسط للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نطعًا) بكسر النون وفتح الطاء المهملة (فيقيل) فينام (عندها على ذلك النطع قال) أنس: (فإذا نام) ولأبي ذر فإذا قام (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذت) أم سليم (من عرقه) وكان كثير العرق (و) تناثر من (شعره) عند الترجل (فجمعته) مع عرته (في قارورة) من زجاج (ثم جمعته في سك) بضم السين المهملة وتشديد الكاف طيب مركب، وليس المراد أنها كانت تأخذ من شعره وهو نائم، وعند ابن سعد بسند صحيح عن ثابت عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما حلق شعره بمنى أخذ أبو طلحة شعره فأتى به أم سليم فجعلته في سكها. قالت أم سليم: وكان يجيء ويقيل عندي على نطع فجعلت أسلت العرق، ففيه أنها لما أخذت العرق وقت قيلولته أضافته إلى الشعر الذي عندها لا أنها أخذت من شعره لما نام، وفي رواية ثابت عن أنس عند مسلم دخل علينا النبي فقال عندنا فعرق وجاءت أم سليم بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ فقال: "يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين"؟ قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا إذ هو من أطيب الطيب (قال) ثمامة (فلما حضر أنس بن مالك الوفاة أوصى أن) ولأبي ذر أوصى إلى أن (يجعل في حنوطه) بفتح الحاء المهملة وهو الطيب الذي يصنع للميت خاصة وفيه الكافور يجعل في أكفانه (من ذلك السك) الذي فيه من عرقه وشعره (قال: فجعل) بضم الجيم (في حنوطه) كما أوصى تبركًا به وعوذة من المكاره. والحديث من أفراده. 6282 - 6283 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ذَهَبَ إِلَى قُبَاءٍ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ، وَكَانَتْ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَدَخَلَ يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَضْحَكُ قَالَتْ: فَقُلْتُ مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِى عُرِضُوا عَلَىَّ غُزَاةً فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ» -أَوْ قَالَ: «مِثْلُ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ» شَكَّ إِسْحَاقُ قُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ؟ فَدَعَا ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِى عُرِضُوا عَلَىَّ غُزَاةً فِى سَبِيلِ اللَّهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ- أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ» - فَقُلْتُ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ؟ قَالَ: «أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ» فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ زَمَانَ مُعَاوِيَةَ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن) عمه (أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه سمعه يقول: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا ذهب إلى قباء) بالمد والصرف (يدخل على أم حرام) بالحاء المهملة المفتوحة والراء الرميصاء (بنت ملحان) بكسر الميم وسكون اللام وفتح الحاء المهملة وبعد الألف نون خالة أنس (فتطعمه وكانت تحت عبادة بن الصامت) ظاهره أنها كانت إذ ذاك زوجته لكن سبق في باب غزو المرأة في البحر من طريق أبي طوالة عن أنس أن تزوج عبادة لها بعد دخوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندها وفي مسلم فتزوج بها عبادة بعد وجمع بأن المراد بقوله هنا وكانت تحت عبادة الأخبار عما آل إليه الحال بعد ذلك (فدخل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليها (يومًا فأطعمته) لم أقف على تعيين ما أكل عندها (فنام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقت القائلة (ثم استيقظ)

42 - باب الجلوس كيفما تيسر

حال كونه (يضحك) إعجابًا وفرحًا بما رأى من المنزلة الرفيعة (قالت) أم حرام: (فقلت ما يضحكك يا رسول الله؟ فقال): (ناس من أمتي عرضوا علي) بتشديد التحتية (غزاة في سبيل الله) عز وجل (يركبون ثبج هذا البحر) بفتح المثلثة والموحدة والجيم هوله أو معظمه أو وسطه ولمسلم يركبون ظهر البحر أي يركبون السفن التي تجري على ظهره ولما كان جري السفن غالبًا إنما يكون في وسطه. قيل المراد وسطهِ وإلا فلا اختصاص لوسطه بالركوب (ملوكًا) نصب. قال في العمدة: بنزع الخافض أي مثل ملوك ولأبي ذر ملوك بالرفع أي هم ملوك (على الأسرة) في الجنة ورؤياه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحي، وقال الله تعالى في صفة أهل الجنة {على سرر متقابلين} [الحجر: 47] (أو قال مثل الملوك على الأسرة شك) ولأبي ذر يشك بلفظ المضارع (إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة المذكور. قال في الفتح: والإتيان بالتمثيل في معظم طرق الحديث يدل على أنه رأى ما يؤول إليه أمرهم لا أنهم نالوا ذلك في تلك الحالة أو موضع التشبيه أنهم فيما هم فيه من النعيم الذي أثيبوا به على جهادهم مثل ملوك الدنيا على أسرتهم والتشبيه بالمحسوس أبلغ في نفس السامع (قالت) ولأبي ذر فقلت يا رسول الله (ادع الله أن يجعلني منهم فدعا) ليس فقال: "اللهم اجعلها منهم" وفي رواية حماد بن زيد في الجهاد فقال: أنت منهم (ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ) حال كونه (يضحك) إعجابًا وفرحًا بما رآه من النعيم (فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله يركبون ثبج) ظهر (هذا البحر ملوكًا على الأسرة أو) قال: (مثل الملوك على الأسرة - فقلت) يا رسول الله (ادع الله أن يجعلني منهم قال: أنت من الأولين) زاد أبو عوانة من طريق الدراوردي عن أبي طوالة ولست من الآخرين وفي رواية عمير بن الأسود في باب ما قيل في قتال الروم أنه قال: في الأولى يغزون هذا البحر وفي الثانية يغزون قيصر فيدل على أن الثانية إنما غزت في البر. (فركبت البحر) أم حرام (زمان) ولأبي ذر في زمان إمرة (معاوية) بن أبي سفيان على الشام في خلافة عثمان (فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت) أي ماتت وفي رواية الليث في الجهاد، فلما انصرفوا من غزوهم قافلين إلى الشام قربت لها دابة لتركبها فصرعت عنها فماتت، وفي الحديث جواز ركوب البحر الملح وكان عمر يمنع منه ثم أذن فيه عثمان. قال ابن العربي: ثم منع منه عمر بن عبد العزيز ثم أذن فيه من بعده واستقر الأمر عليه، ونقل عن عمر أنه إنما منع من ركوبه لغير الحج والعمرة ونحو ذلك، ونقل ابن عبد البر أنه يحرم ركوبه عند ارتجاجه اتفاقًا، وكره مالك ركوب النساء البحر لما يخشى من اطلاعهن على عورات الرجال إذ يعسر الاحتراز من ذلك، وخص أصحابه ذلك بالسفن الصغار وأما الكبار التي يمكن فيها الاستتار بأماكن تخصهن فلا حرج ومشروعية القائلة لما فيها من الإعانة على قيام الليل، وفيه علم من أعلام نبوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو الأخبار بما سيقع فوقع كما قال. والحديث سبق في الجهاد. 42 - باب الْجُلُوسِ كَيْفَمَا تَيَسَّرَ (باب الجلوس كيفما تيسر). 6284 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ لِبْسَتَيْنِ، وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ: اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَالاِحْتِبَاءِ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِ الإِنْسَانِ مِنْهُ شَىْءٌ، وَالْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ. تَابَعَهُ مَعْمَرٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِى حَفْصَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عطاء بن يزيد الليثي) بالمثلثة (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن لبستين) بكسر اللام (وعن بيعتين) بفتح الموحدة (اشتمال الصماء) بتشديد الميم بعد الصاد المهملة وهو أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب واشتمال جر بدلاً من سابقه كقوله (والاحتباء في ثوب واحد ليس على فرج الإنسان منه شيء والملامسة) بضم الميم والخفض عطفًا على سابقه وهو لمس الرجل ثوب الآخر بيده (والمنابذة) بالذال المعجمة وهي أن ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذلك بهما من غير نظير. ومطابقة الحديث لما ترجم من حيث إنه خص النهي بحالتين فيفهم منه أن ما عداهما ليس منهيًّا عنه لأن الأصل عدم النهي فالأصل الجواز. نعم نقل

43 - باب من ناجى بين يدى الناس ومن لم يخبر بسر صاحبه فإذا مات أخبر به

ابن بطال عن ابن طاوس أنه كان يكره التربع ويقول: هي جلسة مهلكة، لكن عورض بأن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا صلّى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس رواه مسلم وغيره من حديث جابر بن سمرة. (تابعه) أي تابع سفيان بن عيينة في روايته عن الزهري (معمر) هو ابن راشد مما وصله المؤلّف في البيوع (ومحمد بن أبي حفصة) بالحاء والصاد المهملتين بينهما فاء ساكنة البصري مما وصله ابن عدي (وعبد الله بن بديل) بضم الموحدة وفتح الدال المهملة وبعد التحتية الساكنة لام الخزاعي المكي مما وصله الذهلي في الزهريات كما جزم به في المقدمة. وقال في الشرح: أظنها فيها الثلاثة (عن الزهري) محمد بن مسلم. 43 - باب مَنْ نَاجَى بَيْنَ يَدَىِ النَّاسِ وَمَنْ لَمْ يُخْبِرْ بِسِرِّ صَاحِبِهِ فَإِذَا مَاتَ أَخْبَرَ بِهِ (باب من ناجى) أي خاطب غيره وتحدث معه (بين يدي الناس ولم يخبر) أحدًا (بسر صاحبه فإذا مات أخبر به) الغير. 6285 - 6286 - حَدَّثَنَا مُوسَى، عَنْ أَبِى عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا فِرَاسٌ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، حَدَّثَتْنِى عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: إِنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَهُ جَمِيعًا لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - تَمْشِى لاَ وَاللَّهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ: «مَرْحَبًا بِابْنَتِى» ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ سَارَّهَا فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، إِذَا هِىَ تَضْحَكُ فَقُلْتُ لَهَا: أَنَا مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالسِّرِّ مِنْ بَيْنِنَا، ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلْتُهَا عَمَّا سَارَّكِ قَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُفْشِىَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّىَ قُلْتُ لَهَا: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِى عَلَيْكِ مِنَ الْحَقِّ لَمَّا أَخْبَرْتِنِى قَالَتْ: أَمَّا الآنَ، فَنَعَمْ. فَأَخْبَرَتْنِى قَالَتْ: أَمَّا حِينَ سَارَّنِى فِى الأَمْرِ الأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِى «أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَنِى بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلاَ أَرَى الأَجَلَ إِلاَّ قَدِ اقْتَرَبَ فَاتَّقِى اللَّهَ وَاصْبِرِى، فَإِنِّى نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكَ» قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِى الَّذِى رَأَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِى سَارَّنِى الثَّانِيَةَ قَالَ: «يَا فَاطِمَةُ أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِى سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ» وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي (عن أبي عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري أنه قال: (حدّثنا فراس) بكسر الفاء بعدها راء فألف فسين مهملة ابن يحيى المكتب الكوفي (عن عامر) أي ابن شراحيل الشعبي (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه قال: (حدثتني) بتاء التأنيث والإفراد (عائشة أم المؤمنين) -رضي الله عنها- أنها (قالت: إنا كنا أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ورضي عنهن (عنده) في مرض موته (جميعًا لم تغادر) بضم الفوقية وفتح المعجمة وبعد الألف مهملة مفتوحة فراء مبنيًّا للمجهول لم تترك (منا واحدة فأقبلت فاطمة) ابنته (عليها السلام تمشي لا) ولأبي ذر عن الكشميهني ولا (والله ما تخفى مشيتها) بفتح الميم وكسرها مصححًا على الفتح (من مشية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسرها بوزن فعلة وهي للنوع أي كان مشيها مماثلاً لمشيه (فلما رآها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رحّب) بتشديد المهملة (قال): (مرحبًا) ولأبي ذر وقال مرحبًا (بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله) بالشك من الراوي (ثم سارّها) بتشديد الراء أي كلمها سرًّا (فبكت بكاءً شديدًا فلما رأى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حزنها سارّها الثانية إذا) ولأبي ذر: فإذا (هي تضحك) قالت عائشة -رضي الله عنها- (فقلت لها: أنا من بين نسائه خصك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالسر من بيننا ثم أنت تبكين فلما قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سألتها عما) بالألف بعد الميم ولأبي ذر عن الكشميهني: عم (سارك)؟ بإسقاط الألف (قالت: ما كنت لأفشي) بضم الهمزة (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سرّه فلما توفي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قلت لها: عزمت) أقسمت (عليك بما لي عليك من الحق) والباء في بما لي للقسم (لما) بفتح اللام وتشديد الميم مصححًا على كل منهما في الفرع كأصله بمعنى ألا (أخبرتني) وهي لغة مشهورة في هذيل تقول: أقسمت عليك لما فعلت كذا أي ألا فعلت قاله الأخفش ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أخبرتني بإثبات التحتية بعد الفوقية (قالت) فاطمة -رضي الله عنها-: (أما الآن فنعم) أخبرك قالت عائشة: (فأخبرتني قالت) فاطمة -رضي الله عنها- (أما حين سارّني في الأمر الأول فإنه أخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة وأنه قد عارضني به) هذا (العام مرتين ولا أرى) بفتح الهمزة (الأجل إلا قد اقترب فاتقي الله واصبري فإني نعم السلف أنا لك) بكسر الكاف (قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت) بكسر الفوقية (فلما رأى جزعي) عدم صبري (سارّني الثانية قال: يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين) ولأبي ذر عن الكشميهني المؤمنات (أو سيدة نساء هذه الأمة). 44 - باب الاِسْتِلْقَاءِ (باب) جواز (الاستلقاء) وهو الاضطجاع على القفا ووضع الظهر على الأرض سواء كان معه نوم أم لا. 6287 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ قَالَ: أَخْبَرَنِى عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْمَسْجِدِ مُسْتَلْقِيًا وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (عباد بن تميم) بفتح العين والموحدة المشدّدة المازني الأنصاري

45 - باب لا يتناجى اثنان دون الثالث

(عن عمه) عبد الله بن زيد الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد) حال كونه (مستلقيًا) على قفاه حال كونه (واضعًا إحدى رجليه على الأخرى) فيه كما قال الخطابي: إن النهي الوارد في مسلم عن ذلك منسوخ أو محمول على أنه حيث يخشى أن تبدو العورة والجواز حيث يؤمن ذلك، ورجح الثاني إذ النسخ لا يثبت بالاحتمال وعلى هذا فيجمع بينهما بما ذكر، وجزم به البغوي والبيهقي وغيرهما، والظاهر أن فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لبيان الجواز كان في وقت الاستراحة لا عند مجتمع الناس لما عرف من عادته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الجلوس بينهم بالوقار التام، وعند البيهقي عن محمد بن نوفل أنه رأى أسامة بن زيد في مسجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مضطجعًا إحدى رجليه على الأخرى. والحديث سبق في أبواب المساجد وفي آخر اللباس وأخرجه مسلم في اللباس أيضًا وأبو داود والترمذي. 45 - باب لاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المجادلة: 9] إِلَى قَوْلِهِتَعَالَى: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51] وَقَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} -إِلَى قَوْلِهِ- {وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المجادلة: 12، 13]. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يتناجى اثنان دون الثالث) إلا بإذنه وسقط باب لأبي ذر (وقوله تعالى) ولأبي ذر وقال عز وجل: ({يا أيها الذين آمنوا}) بألسنتهم وهو خطاب للمنافقين والظاهر أنه خطاب للمؤمنين ({إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإِثم والعدوان ومعصية الرسول}) أي إذا تناجيتم فلا تشبهوا باليهود والمنافقين في تناجيهم بالشر وهو من التجوز بلفظ المراد عن الإرادة المعنى إذا أردتم التناجي ومنه {إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون} [آل عمران: 47] أي إذا أراد قضاء أمر، ومنه {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} [المائدة: 42] معناه وإن أردت الحكم فاحكم بينهم بالقسط وفيه مجاز من وجهين أحدهما التعبير بالحكم عن الإِرادة والثاني التعبير بالماضي عن المستقبل ({وتناجوا بالبر}) بأداء الفرائض والطاعات ({والتقوى} إلى قوله تعالى: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون}) [المجادلة: 9 - 10] أي يكلون أمرهم إلى الله ويستعيذون به من الشيطان وسقط لأبي ذر قوله: ({بالإثم والعدوان} إلى {فليتوكل}. (وقوله) تعالى: ({يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول}) أي إذا أردتم مناجاته ({فقدموا بين يدي نجواكم صدقة}) أي قبل نجواكم وهي استعارة ممن له يدان كقول عمر -رضي الله عنه-: من أفضل ما أوتيت العرب الشعر يقدمه الرجل أمام حاجته فيستمطر به الكريم ويستنزل به اللئيم قبل حاجته ({ذلك}) التقديم ({خير لكم}) في دينكم ({وأطهر}) لأن الصدقة طهرة ({فإن لم تجدوا}) ما تتصدقون به ({فإن الله غفور رحيم}) في ترخيص المناجاة من غير صدقة. وقد نسخ وجوب ذلك عنهم وقيل إنه لم يعمل بها قبل نسخها إلا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-. وقال معمر عن قتادة: ما كانت إلا ساعة من نهار، وعن ابن عباس لما أكثر المسلمون المسائل على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى شقوا عليه فأراد الله أن يخفف عن نبيه فقال لهم: {إذا ناجيتم الرسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقة} [المجادلة: 12] فضنّ كثير من الناس وكفوا عن المسائلة فأنزل الله تعالى {أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإن لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [المجادلة: 13] فوسع الله عليهم ولم يضيق (إلى قوله: {والله خبير بما تعملون}) [المجادلة: 12 - 13] ولأبي ذر {فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} إلى قوله: {بما تعملون} وأشار بالآيتين الأوليين إلى أن التناجي الجائز مقيد بأن لا يكون في الإِثم والعدوان. 6288 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا كَانُوا ثَلاَثَةٌ فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) الإمام قال البخاري (ح). (وحدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الأصبحي الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) بن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا كانوا ثلاثة) بالرفع مصححًا عليه في الفرع كأصله، ولأبي ذر ثلاثة بالنصب وصحح عليه أيضًا خبر كان، والأول على أنها تامة، ونسب في فتح الباري وتبعه العيني الرفع لحديث مسلم ولعله لم يقف عليه في رواية البخاري (فلا يتناجى) بألف لفظًا مقصورة ثابتة

46 - باب حفظ السر

في الكتابة تحتية وتسقط في الدرج للساكنين بلفظ الخبر ومعناه النهي، وللكشميهني فلا يتناج بإسقاطها بلفظ النهي ومعناه (اثنان دون الثالث) لأنه ربما يتوهم أنهما يريدان به غائلة. وفي مسلم عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا: "إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه". 46 - باب حِفْظِ السِّرِّ (باب حفظ السر) وهو ترك إفشائه لأنه أمانة وحفظها واجب. وعند ابن أبي شيبة من حديث جابر مرفوعًا: إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة. وعند عبد الرزاق من مرسل أبي بكر بن حزم إنما يتجالس المتجالسان بالأمانة فلا يحل لأحد أن يفشي على صاحبه ما يكره. 6289 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: أَسَرَّ إِلَىَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِرًّا فَمَا أَخْبَرْتُ بِهِ أَحَدًا بَعْدَهُ، وَلَقَدْ سَأَلَتْنِى أُمُّ سُلَيْمٍ فَمَا أَخْبَرْتُهَا بِهِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن صباح) بفتح الصاد آخره حاء مهملتين بينهما موحدة مشددة فألف العطار البصري قال: (حدّثنا معتمر بن سليمان قال: سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي (قال: سمعت أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول: أسرّ إليّ) بتشديد الياء (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سرًّا فما أخبرت به أحدًا بعده) أي بعد وفاته عليه الصلاة والسلام (ولقد سألتني أم سليم) عن ذلك (فما أخبرتها به). وفي مسلم عن ثابت عن أنس فبعثني في حاجة فأبطأت على أمي فلما جئت قالت: ما حبسك؟ قلت بعثني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحاجة. قالت: ما حاجته؟ قلت: إنه سر. قالت: لا تخبر بسر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحدًا الحديث. قال بعضهم: كان هذا السر يختص بنساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإلاّ فلو كان من العلم ما وسع أنسًا كتمانه. وفي الفتح انقسام كتمان السر بعد صاحبه إلى ما يباح وقد يستحب ذكره، ولو كرهه صاحبه كأن يكون فيه تزكية له من كرامة أو منقبة وإلى ما يكره مطلقًا وقد يحرم، وهو ما إذا كان على صاحبه منه ضرر وغضاضة وقد يجب ذكره كحق عليه كان يعذر بترك القيام به فيرجى بعده إذا ذكر لمن يقوم به عنه. والحديث أخرجه مسلم في الفضائل. 47 - باب إِذَا كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةٍ فَلاَ بَأْسَ بِالْمُسَارَّةِ وَالْمُنَاجَاةِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارة) بتشديد الراء (والمناجاة) مع بعض دون بعض لعدم التوهم الحاصل بين الثلاثة وسقط لفظ باب لأبي ذر. 6290 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى رَجُلاَنِ دُونَ الآخَرِ، حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ أَجْلَ أَنْ يُحْزِنَهُ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (عثمان) بن أبي شيبة قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا كنتم ثلاثة) بالنصب مصححًا عليه في الفرع كأصله (فلا يتناجى رجلان دون الآخر) بالياء والألف بعد جيم يتناجى في الفرع كأصله ولأبي ذر عن الكشميهني: فلا يتناج بجيم فقط من غير شيء بعدها (حتى تختلطوا بالناس) بالفوقية قبل الخاء المعجمة الساكنه في الفرع مصلحة على كشط بالتحتية أي حتى يختلط الثلاثة بغيرهم وهو أهم من أن يكون واحدًا فأكثر (أجل) بفتح الهمزة وسكون الجيم بعدها لام مفتوحة كذا استعملته العرب فقالوا: أجل قد فضلكم بحذف من أي من أجل (أن يحزنه) بضم التحتية وكسر الزاي وبفتح ثم ضم من أحزن وحزن والعلة ظاهرة لأن الواحد إذا بقي فردًا وتناجى من عداه دونه أحزنه ذلك إما لظنه احتقارهم إياه عن أن يدخلوه في نجواهم، وإما لأنه قد يقع في نفسه أن سرهم في مضرته، وهذا المعنى مأمون عند الاختلاط وعدم إفراده من بين القوم بترك المناجاة فلا يتناجى ثلاثة دون واحد ولا عشرة كما نقل عن أشهب لأنه قد نهى أن يترك واحدًا لأن المعنى في ترك الجماعة للواحد كترك الاثنين للواحد ومهما وجد المعنى فيه ألحق به في الحكم. والحديث أخرجه مسلم في الاستئذان. 6291 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِى حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَسَمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا قِسْمَةً فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ قُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ لآتِيَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَيْتُهُ وَهْوَ فِى مَلأٍ فَسَارَرْتُهُ فَغَضِبَ، حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ ثُمَّ قَالَ: «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى مُوسَى أُوذِىَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي (عن أبي حمزة) بالمهملة والزاي محمد بن ميمون السكري (عن الأعمش) سليمان (عن شقيق) أبي وائل بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا قسمة) هو يوم حنين فآثر ناسًا فأعطى الأقرع مائة من الإبل وأعطى عيينة مثل ذلك وأعطى ناسًا

49 - باب لا تترك النار فى البيت عند النوم

(فقال رجل من الأنصار) هو معتب (إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله) ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي به قال ابن مسعود (قلت: أما) بالتخفيف وهي ثابتة للحموي والمستملي (والله لآتين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأتيته وهو في ملأ) من الناس (فساررته) يقول الرجل (فغضب حتى احمرّ وجهه) من شدة غضبه لله (ثم قال): (رحمة الله على موسى) أي الكليم (أوذي) بضم الهمزة وكسر الذال المعجمة (بأكثر من هذا) الذي أوذيت (فصبر). والغرض من الحديث قوله: فأتيته وهو في ملأ فساررته لأن فيه دلالة على أن أصل المنع يرتفع إذا بقي جماعة لا يتأذون بالسرار. نعم إذا أذن من بقي ارتفع المنع وظاهر الإطلاق أنه لا فرق في المنع بين السفر والحضر وهو قول الجمهور، وخص ذلك بعضهم بالسفر في الموضع الذي لا يأمن فيه الرجل على نفسه فأما في الحضر والعمارة فلا بأس، وقيل: إن هذا كان في أول الإسلام فلما فشا الإسلام وأمن الناس سقط هذا الحكم، والصحيح بقاء الحكم والتعميم والله أعلم. 48 - باب طُولِ النَّجْوَى {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} [المجادلة: 7] مَصْدَرٌ مِنْ نَاجَيْتُ فَوَصَفَهُمْ بِهَا وَالْمَعْنَى يَتَنَاجَوْنَ. (باب طول النجوى) قال في اللباب: النجوى يكون اسمًا ومصدرًا قال تعالى: ({وإذ هم نجوى}) أي متناجون. وقال: ({ما يكون من نجوى ثلاثة}) [المجادلة: 7] وقال في المصدر (إنما النجوى من الشيطان) وسقط لفظ باب لأبي ذر (وإذ هم نجوى) ولأبي ذر وقوله: وإذ هم نجوى هو (مصدر من ناجيت فوصفهم بها والمعنى يتناجون) وقال الأزهري: أي هم ذو نجوى وهذا كله ثابت في رواية المستملي. 6292 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَرَجُلٌ يُنَاجِى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا زَالَ يُنَاجِيهِ حَتَّى نَامَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة المعروف ببندار قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) المعروف بغندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: أقيمت الصلاة) أي صلاة العشاء كما في مسلم (ورجل يناجي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يتحدث معه ولم أعرف اسم الرجل (فما زال يناجيه حتى نام أصحابه) -رضي الله عنهم-، وعند إسحاق بن راهويه في مسنده حتى نعس بعض القوم (ثم قام -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فصلّى). والحديث سبق في باب الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة بلفظ حتى نام القوم كذا في الفرع وسائر ما وقفت عليه من الأصول، وفي النسخة التي شرح عليها الحافظ ابن حجر في الباب المذكور في الصلاة حتى نام بعض القوم، وقال في هذا الباب: فيحمل حديث الإطلاق أي في حديث هذا الباب على ذلك أي المقيد في ذلك الباب والله الموفق للصواب. 49 - باب لاَ تُتْرَكُ النَّارُ فِى الْبَيْتِ عِنْدَ النَّوْمِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا تترك النار) بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول والنار رفع نائب عن الفاعل أي لا يترك أحد (في البيت عند النوم). 6293 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَتْرُكُوا النَّارَ فِى بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا تتركوا النار) على أي صفة كانت كالسراج وغيره (في بيوتكم حين تنامون) قيد به لحصول الغفلة به غالبًا. نعم إذا أمن الضرر كالقناديل المعلقة فلا بأس. والحديث أخرجه مسلم في الأشربة وأبو داود في الأدب والترمذي في الأطعمة وابن ماجة في الأدب. 6294 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى - رضى الله عنه - قَالَ: احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِىَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ» وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) أبو كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء (عن) جده (أبي بردة) عامر وقيل الحارث (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: احترق بيت بالمدينة) الشريفة (على أهله) لم أقف على تسميتهم (من الليل فحدّث) بضم الحاء المهملة مبنيًّا للمفعول (بشأنهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن هذه النار إنما هي عدوّ لكم) أي لأنها كما قال ابن العربي تنافي أبداننا وأموالنا منافاة العدوّ وإن كانت لنا بها منفعة فأطلق عليها العداوة لوجود معناها (فإذا نمتم فأطفئوها عنكم). 6295 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ كَثِيرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَمِّرُوا الآنِيَةَ وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ، فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا جَرَّتِ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن كثير) زاد أبو ذر هو ابن شنظير بكسر

فائدة:

المعجمتين بينهما نون ساكنة وبعد الظاء مثناة تحتية ساكنة فراء الأزدي البصري (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (خمّروا الآنية) أي غطّوها (وأجيفوا) بفتح الهمزة وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة فاء مضمومة أي أغلقوا (الأبواب وأطفئوا المصابيح) التي لا يؤمن معها الإِحراق (فإن الفويسقة) بضم الفاء وفتح الواو وبالسين المهملة وبالقاف الفارة المأمور بقتلها في الحل والمحرم والفسق الخروج عن الاستقامة وسميت بذلك على الاستعارة لخبثها، وقيل لأنها عمدت إلى حبال السفينة فقطعتها وليس في الحيوان أفسد منها لا تأتي على حقير ولا جليل إلا أهلكته وأتلفته (ربما جرت الفتيلة) التي في نحو السراج (فأحرقت أهل البيت). وفي حديث يزيد بن أبي نعيم عند الطحاوي أنه سأل أبا سعيد الخدري: لَم سميت الفأرة الفويسقة؟ قال: استيقظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات ليلة وقد أخذت فأرة فتيلة لتحرق على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البيت فقام إليها وقتلها وأحلّ قتلها للحلال والمحرم. وعن ابن عباس قال: جاءت فأرة فأخذت تجرّ الفتيلة فذهبت الجارية تزجرها فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "دعيها" فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الخمرة التي كان قاعدًا عليها فأحرقت منها موضع درهم، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذا نمتم فأطفئوا سرجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم" ففيه بيان سبب الأمر بالإطفاء، وبيان السبب الحامل للفأرة على جرّ الفتيلة وهو الشيطان فيستعين وهو عدوّ الإنسان بعدوّ آخر وهي النار أعاذنا الله منها بوجهه الكريم دنيا وأخرى. قال النووي: وهذا الأمر عام يدخل فيه نار السراج وغيرها، وأما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر، وإن أمن ذلك كما هو الغالب فالظاهر أنه لا بأس بهما لانتفاء العلة التي علل بها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإذا انتفت العلة زال المنع. فائدة: ذكر أصحاب الكلام في الطبائع أن الله تعالى جمع في النار الحركة والحرارة واليبوسة واللطافة والنور، وهي تفعل بكل صورة من هذه الصور خلاف ما تفعل بالأخرى، فبالحركة تغلي الأجسام، وبالحرارة تسخن، وباليبوسة تجفف وباللطافة تنفذ، وبالنور تضيء ما حولها. ومنفعة النار تختص بالإنسان دون سائر الحيوان فلا يحتاج إليها شيء سواه وليس له غنى عنها في حال من الأحوال ولذا عظّمها المجوس. والحديث سبق في كتاب بدء الخلق، وأخرجه أبو داود في الأشربة والترمذي في الاستئذان. 50 - باب إِغْلاَقِ الأَبْوَابِ بِاللَّيْلِ (باب) مشروعية (إغلاق الأبواب) بهمزة مكسورة، ولأبي ذر غلق الأبواب (بالليل) بإسقاط الهمزة في لغة قليلة. 6296 - حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ أَبِى عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ بِاللَّيْلِ إِذَا رَقَدْتُمْ، وَغَلِّقُوا الأَبْوَابَ وَأَوْكُوا الأَسْقِيَةَ، وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ» قَالَ هَمَّامٌ، وَأَحْسِبُهُ قَالَ: «وَلَوْ بِعُودٍ». وبه قال: (حدّثنا حسان بن أبي عباد) بفتح الحاء والسين المشددة المهملتين في الأول وفتح العين والموحدة المشددة في الثاني واسمه حسان أيضًا البصري ثم المكي قال: (حدثنا همام) هو ابن يحيى (عن عطاء) هو ابن أبي رباح ولأبي ذر حدّثنا عطاء (عن جابر) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (أطفئوا المصابيح بالليل إذا رقدتم) إذ هو الغفلة فربما سقط منها شيء على متاع البيت أو جرّت الفويسقة الفتيلة فيقع الحريق (وغلّقوا) بفتح المعجمة وكسر اللام المشددة، ولأبي ذر عن الكشميهني: وأغلقوا (الأبواب) حراسة للأنفس والأموال من أهل الفساد ولا سيما الشيطان (وأوكئوا الأسقية) أي اربطوا فم القُرب وشدوه صيانة من الشيطان فإنه لا يكشف غطاء ولا يحل سقاء واحترازًا من الوباء الذي ينزل في ليلة من السنة من السماء، كما روي، وقيل إنها في كانون الأول (وخمّروا الطعام والشراب) بالخاء المعجمة أي غطوهما (قال همام) هو ابن يحيى السابق (وأحسبه) أي أظن عطاء (قال): وخمروا الطعام والشراب (ولو بعود) زاد أبو ذر عن الكشميهني يعرضه أي أحدكم عليهما. 51 - باب الْخِتَانِ بَعْدَ الْكِبَرِ وَنَتْفِ الإِبْطِ (باب) ذكر

مشروعية (الختان بعد الكبر) بكسر الكاف وفتح الموحدة والختان بكسر الخاء المعجمة قطع القلفة التي تغطي الحشفة في فرج الرجل، وقطع بعض الجلدة التي في أعلى فرج المرأة ويسمى ختان الرجل إعذارًا بالعين المهملة والذال المعجمة، وختان المرأة خفضًا بالخاء والضاد المعجمتين بينهما فاء ساكنة (و) ذكر مشروعية (نتف الإِبط). 6297 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قُزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ: الْخِتَانُ، وَالاِسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بالقاف والزاي والعين المهملة المفتوحات المكي المؤذن قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الفطرة) أي خصال الفطرة التي هي سنّة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين أمرنا بالاقتداء بهم (خمس الختان) وهو واجب عند الشافعية وقال مالك وأبو حنيفة: سنّة (و) ثانيها (الاستحداد) وهو حلق شعر العانة (و) ثالثها (نتف) شعر (الإِبط و) رابعها (قصّ الشارب و) خامسها (تقليم الأظفار) وسبق في أواخر اللباس مبحث ذلك. والغرض منه هنا ذكر الختان وهو واجب الأربعة والأخرى سنّة، فالمراد بالفطرة السنّة التي هي الطريقة الأعم من المندوب. 6298 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِى حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ -عليه السلام- بَعْدَ ثَمَانِينَ سَنَةً، وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ» مُخَفَّفَةً. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ وَقَالَ: «بِالْقَدُّومِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب بن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (اختتن إبراهيم) خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام (بعد ثمانين سنة) من مولده (واختتن بالقدُوم) بفتح القاف وضم الدال المهملة (مخففة) بعدها واو فميم. (قال أبو عبد الله) البخاري (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا المغيرة) بن عبد الله الحزامي بالحاء المهملة المكسورة والزاي المخففة المدني. (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان الحديث (وقال: بالقدوم وهو موضع مشدد) داله وسقط لغير أبي ذر وهو موضع مشدد وفي المتفق للجوزقي بسند صحيح عند عبد الرزاق قال: القدوم قرية، وفي تاريخ أبي العباس السراج عن عبيد الله بن سعيد عن يحيى بن سعيد عن أبي عجلان عن أبيه عن أبي هريرة رفعه: "اختتن إبراهيم بالقدوم" قال: فقلت ليحيى ما القدوم؟ قال: الفأس. وقال ابن القيم: الأكثر أن القدوم الذي اختتن به إبراهيم هو الآلة ويقال بالتشديد والتخفيف والأفصح التخفيف، وأنكر ابن السكيت التشديد مطلقًا، وقيل: قدوم كانت قرية عند حلب، وقيل، كانت مجلس إبراهيم. وقال المهلب بالتخفيف الآلة وبالتشديد الموضع. قال: وقد يتفق لإبراهيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأمر أن يعني أنه اختتن بالآلة وفي الموضع، وفي الموطأ من رواية أبي الزناد عن الأَعرج عن أبي هريرة موقوفًا عليه أن إبراهيم أول من اختتن وهو ابن عشرين ومائة واختتن بالقدوم وعاش بعد ذلك ثمانين سنة، وهو في فوائد ابن السماك من طريق أبي أويس عن أبي الزناد بهذا السند مرفوعًا، لكن أبو أويس فيه لين وأكثر الروايات أنه اختتن وهو ابن ثمانين كحديث الباب، وجمع في الفتح بينهما على تقدير تساوي الحديثين في الرتبة باحتمال أن يكون المراد بقوله: وهو ابن ثمانين سنة من وقت فراق قومه وهاجر من العراق إلى الشام، وأن الرواية الأخرى وهي ابن مائة وعشرين أي من مولده، وأن بعض الرواة رأى مائة وعشرين فظنها مائة إلا عشرين أو بالعكس، وليس المراد تأخير الاختتان لما ذكر كما لا يخفى، والذي ينبغي المبادرة به عند بلوغ السن الذي يؤمر فيه الصبي بالصلاة، وثبت لأبي ذر قوله: قال أبو عبد الله، وقوله وهو موضع مشدد. 6299 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلُ مَنْ أَنْتَ حِينَ قُبِضَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: أَنَا يَوْمَئِذٍ مَخْتُونٌ، قَالَ: وَكَانُوا لاَ يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ. [الحديث 6299 - طرفه في: 6300]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإِفراد (محمد بن عبد الرحيم) صاعقة البغدادي قال: (أخبرنا عباد بن موسى) بتشديد الموحدة بعد فتح المهملة الختلي بضم الخاء المعجمة وتشديد الفوقية المفتوحة بعدها لام من شيوخ المؤلّف قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري الزرقي (عن إسرائيل)

52 - باب كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله

بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: سئل ابن عباس) -رضي الله عنهما- (مثل) بكسر الميم وسكون المثلثة (من أنت حين قبض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: أنا يومئذٍ) يوم قبض (مختون قال) أبو إسحاق أو إسرائيل أو من دونه (وكانوا لا يختنون الرجل) بفتح التحتية وكسر الفوقية أي كانت عادتهم لا يختنون الصبي (حتى يدرك) الحلم. 6300 - وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ: عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قُبِضَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا خَتِينٌ. (وقال ابن إدريس): هو عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن بن الأسود الأودي الكوفي فيما وصله الإِسماعيلي (عن أبيه) إدريس (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (قبض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا ختين) بفتح المعجمة وكسر الفوقية، والصحيح أن ابن عباس ولد بالشعب قبل الهجرة بثلاث سنين فيكون له عند الوفاة النبوية ثلاث عشرة سنة فيكون أدرك فختن قبل الوفاة النبوية وبعد حجة الوداع، والختان إنما يجب بعد البلوغ ويندب قبله. ووجه مناسبة الترجمة لكتاب الاستئذان كما قال الكرماني: إن الختان يستدعي الاجتماع في المنازل غالبًا. 52 - باب كُلُّ لَهْوٍ بَاطِلٌ إِذَا شَغَلَهُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: 6]. هذا (باب) بالتنوين (كل لهو باطل إذا شغله) أي شغل اللاهي به (عن طاعة الله) ولو كان مأذونًا فيه كمن اشتغل بصلاة نافلة أو تلاوة أو ذكر أو تفكّر في معاني القرآن حتى خرج وقت المفروضة عمدًا (و) حكم (من قال لصاحبه: تعال أقامرك) بالجزم (وقوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث}) [لقمان: 6]. قال ابن مسعود فيما رواه ابن جرير: هو الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات. وبه قال ابن عباس وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير، وقال الحسن: أنزلت في الغناء والمزامير، وعند الإمام أحمد عن وكيع قال: حدّثنا خلاّد الصفار عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن هو أبو عبد الرحمن مرفوعًا: "لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن ولا التجارة فيهن وأكل أثمانهن حرام". ورواه ابن أبي شيبة بالسند المذكور إلى القاسم عن أبي أمامة مرفوعًا بلفظ أحمد، وزاد وفيه أنزلت هذه الآية {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} ورواه الترمذي من حديث القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام في مثل هذا أنزلت هذه الآية {ومن الناس من يشتري لهو الحديث} الآية". وقال: حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه قال: وسألت البخاري عن إسناد هذا الحديث فقال: علي بن يزيد ذاهب الحديث ووثق عبيد الله والقاسم بن عبد الرحمن، ورواه ابن ماجة في التجارات من حديث عبيد الله الأفريقي عن أبي أمامة قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بيع المغنيات وعن شرائهن وعن كسبهن وعن أكل أثمانهن. ورواه الطبراني عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ثمن القينة سحت وغناؤها حرام والنظر إليها حرام وثمنها من ثمن الكلب وثمن الكلب سحت ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به". ورواه البيهقي عن أبي أمامة من طريق ابن زحر مثل رواية الإمام أحمد، وفي معجم الطبراني الكبير من حديث أبي أمامة الباهلي أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَم قال: "ما رفع رجل بعقيرته غناء إلا بعث الله شيطانين يجلسان على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يسكت متى سكت". وقيل الغناء مفسدة للقلب منفذة للمال مسخطة للرب، وفي ذلك الزجر الشديد للأشقياء المعرضين عن الانتفاع بسماع كلام الله المقبلين على استماع المزامير والغناء بالألحان وآلات الطرب وإضافة اللهو إلى الحديث للتبيين بمعنى "من" لأن اللهو يكون من الحديث وغيره فبين بالحديث أو للتبعيض كأنه قيل: ومن الناس من يشتري بعض الحديث الذي هو اللهو منه ({ليضل}) أي ليصد الناس ({عن سبيل الله}) دين الإِسلام والقرآن وسقط لأبي ذر قوله {ليضل عن سبيل الله} وقال بدلها: الآية. 6301 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِى حَلِفِهِ: بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير)

53 - باب ما جاء فى البناء

هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري الإمام المشهور (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي الأموي مولاهم (عن ابن شهاب) الزهري أَنه (قال: أخبرني) بالإفراد (حميد بن عبد الرحمن) بضم الحاء المهملة وفتح الميم ابن عوف الزهري المدني (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من حلف منكم) بغير الله (فقال في حلفه) يمينه (باللات) بالموحدة أوله (والعزى) كما يحلف المشركون (فليقل لا إله إلا الله) المبرأ من الشرك فإنه قد شابه الكفار حيث حلف بآلهتهم فكفارته كلمة التوحيد (ومن قال لصاحبه تعال) بفتح اللام (أقامرك) الهمزة والجزم جواب الأمر (فليتصدق) بما يطلق عليه اسم الصدقة فإنه يكفر عنه إثم دعائه صاحبه إلى القمار المحرم اتفاقًا وفيه أن القمار من جملة اللهو. وجه تعلق هذا الحديث بالترجمة والترجمة. بالاستئذان كما قاله في الكواكب أن الداعي إلى القمار لا ينبغي أن يؤذن له في دخول المنزل، ثم لكونه يتضمن اجتماع الناس، ومناسبة بقية حديث الباب للترجمة أن الحلف باللات لهو يشغل عن الحق بالخلق فهو باطل. والحديث سبق في تفسير سورة النجم. 53 - باب مَا جَاءَ فِى الْبِنَاءِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ إِذَا تَطَاوَلَ رِعَاءُ الْبَهْمِ فِى الْبُنْيَانِ». (باب ما جاء في البناء) من إباحة ومنع. (وقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- مما سبق موصولاً في كتاب الأيمان (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في سؤال جبريل إياه متى الساعة قال: (من أشراط الساعة) أي علاماتها السابقة عليها أو مقدماتها (إذا تطاول رعاء البهم في البنيان) بكسر الراء وبعد الألف همزة ممدودًا والبهم بفتح الموحدة وسكون الهاء، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: رعاة بضم الراء وبعد الألف هاء تأنيث أي وقت تفاخرهم في طول بيوتهم ورفعتها تطاول الرجل إذا تكبر. قال في الفتح: وأشار المؤلّف بهذه القطعة من الحديث إلى ذم التطاول في البنيان وفي الاستدلال بذلك نظر، وقد ورد في ذم تطويل البناء صريحًا ما أخرج ابن أبي الدنيا بسند ضعيف مع كونه موقوفًا من رواية عمارة بن عامر: إذا رفع الرجل بناء فوق سبعة أذرع نودي يا فاسق إلى أين تذهب؟ وفي ذمه مطلقًا حديث خباب يرفعه: "يؤجر الرجل في نفقته كلها إلا التراب" أو قال: "البناء" صححه الترمذي، وأخرج له شاهدًا عن أنس بلفظ: إلا البناء فلا خير فيه، وفي المعجم الأوسط من حديث أبي بشير الأنصاري إذا أراد الله بعبد سوءًا أنفق ماله في البنيان وهو محمول على ما لا تمس الحاجة إليه مما لا بدّ منه للتوطن وما يكن من البرد والحرّ. 6302 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: رَأَيْتُنِى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَنَيْتُ بِيَدِى بَيْتًا يُكِنُّنِى مِنَ الْمَطَرِ، وَيُظِلُّنِى مِنَ الشَّمْسِ مَا أَعَانَنِى عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا إسحاق هو ابن سعيد) بكسر العين ابن عمرو بن سعيد بن العاصي الأموي القرشي (عن) أبيه (سعيد عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: رأيتني) بضم الفوقية أي رأيت نفسي (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في زمنه (بنيت بيدي بيتًا يكنني) بضم التحتية والنون الأولى المشددة بينهما كاف مكسورة من أكن أي يقيني (من المطر ويظلني من الشمس ما أعانني عليه) أي على بنائه (أحد من خلق الله) عز وجل تأكيد لقوله بنيت بيدي. والحديث أخرجه ابن ماجة في الزهد. 6303 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ، وَلاَ غَرَسْتُ نَخْلَةً مُنْذُ قُبِضَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ سُفْيَانُ: فَذَكَرْتُهُ لِبَعْضِ أَهْلِهِ، قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ بَنَى قَالَ سُفْيَانُ: قُلْتُ فَلَعَلَّهُ قَالَ: قَبْلَ أَنْ يَبْنِىَ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال عمرو) بفتح العين ابن دينار (قال ابن عمر) عبد الله -رضي الله عنهما-: (والله ما وضعت لبنة على لبنة) بفتح اللام وكسر الموحدة فيهما ويجوز الكسر ثم السكون (ولا غرست نخلة منذ قبض النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال سفيان) بن عيينة (فذكرت) أي الحديث (لبعض أهله) أي أهل ابن عمر، ولم يقف الحافظ ابن حجر على تسميته (قال: والله لقد بنى) ابن عمر زاد أبو ذر عن الكشميهني بيتًا. (قال سفيان: قلت) لبعض أهله (فلعله قال) ما وضعت لبنة على لبنة (قبل أن يبني) البيت الذي

80 - كتاب الدعوات

بناه بيده وهو اعتذار حسن من سفيان -رحمه الله تعالى-. هذا آخر كتاب الاستئذان ولله الحمد والمنّة فرغ في رابع عشر جمادى الأولى سنة أربع عشرة وتسعمائة وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. بسم الله الرحمن الرحيم 80 - كتاب الدعوات قوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]. (بسم الله الرحمن الرحيم). (كتاب الدعوات) بفتح الدال والعين المهملتين جمع دعوة بفتح أوله مصدر يراد به الدعاء يقال دعوت الله أي سألته (قوله) بالرفع على الاستئناف ولأبي ذر: وقول الله (تعالى) بالجرّ عطفًا على السابق {ادعوني أستجب لكم} لما كان من أشرف أنواع الطاعات الدعاء والتضرع أمر الله تعالى به فضلاً وكرمًا وتكفل لهم بالإجابة، وعن سفيان الثوري فيما رواه ابن أبي حاتم أنه كان يقول: يا من أحب عباده إليه من سأله فأكثر سؤاله ويا من أبغض عباده إليه من لم يسأله وليس أحد كذلك غيرك يا رب وفي معناه قال القائل: الله يغضب إن تركت سؤاله ... وترى ابن آدم حين يسأل يغضب وفي حديث أنس بن مالك عند أبي يعلى في مسنده عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما يروي عن ربه عز وجل وأما التي بيني وبينك فمنك الدعاء وعليّ الإِجابة. وفي حديث النعمان بن بشير عند الإِمام أحمد مرفوعًا: إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ: {ادعوني أستجب لكم} الآية. ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجة. وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا: من لم يدع الله غضب الله عليه، رواه أحمد منفردًا به بإسناد لا بأس به، وقيل المراد بقوله: ({ادعوني أستجب لكم}) الأمر بالعبادة بدليل قوله بعد: ({إن الدين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}) [غافر: 60] صاغرين ذليلين والدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن كقوله: {إن يدعون من دونه إلاّ إناثًا} [النساء: 117] وأجاب الأوّلون بأن هذا ترك للظاهر فلا يصار إليه إلا بدليل وقال العلامة تقي الدين السبكي: الأولى حمل الدعاء في الآية على ظاهره، وأما قوله بعد ذلك عن عبادتي فوجه الربط أن الدعاء أخص من العبادة فمن استكبر عن العبادة استكبر عن الدعاء، وعلى هذا فالوعيد إنما هو في حق من ترك الدعاء استكبارًا ومن فعل ذلك كفر اهـ. وتخلف الدعاء عن الإِجابة إنما هو لفقد شرطه، وفي قوله تعالى: {ادعوني أستجب لكم} [غافر: 65] إشارة إلى أن من دعا الله وفي قلبه ذرة من الاعتماد على ماله أو جاهه أو أصدقائه أو اجتهاده فهو في الحقيقة ما دعا الله إلاّ باللسان، وأما القلب فإنه يعوّل في تحصيل ذلك المطلوب على غير الله، وأما إذا دعا الله تعالى في وقت لا يكون القلب فيه متلفتًا إلى غير الله فالظاهر أنه يستجاب له. واستشكل حديث من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين المقتضي لأفضلية ترك الدعاء حينئذ مع الآية المقتضية للوعيد الشديد على تركه. وأجيب: بأن العقل إذا كان مستغرقًا في الثناء كان أفضل من الدعاء لأن الدعاء طلب الجنة والاستغراق في معرفة جلال الله أفضل من الجنة أما إذا لم يحصل الاستغراق كان الاشتغال بالدعاء أولى لأن الدعاء يشتمل على معرفة عز الربوبية وذل العبودية والصحيح استحباب الدعاء، ورجح بعضهم تركه استسلامًا للقضاء، وقيل: إن دعا لغيره فحسن وإن خصّ نفسه فلا، وقيل: إن وجد في نفسه باعثًا للدعاء استحب وإلاّ فلا، وسقط لأبي ذر قولها {إن الذين يستكبرون} الخ، وقال بدله الآية. 1 - باب وَلِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ (ولكل نبي) ولأبي ذر باب بالتنوين لكل نبي (دعوة مستجابة). 6304 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِهَا، وَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِئَ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأُمَّتِى فِى الآخِرَةِ» [الحديث 6304 - طرفه في: 7474]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله المدني إمام دار الهجرة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لكل نبي دعوة يدعو) ولأبي ذر: دعوة مستجابة يدعو (بها) أي بهذه الدعوة على أمته مقطوع فيها بالإِجابة وما عداها على رجاء الإِجابة (وأريد أن أختبئ) بخاء معجمة ساكنة وفوقية مفتوحة فموحدة مكسورة فهمزة أي أدّخر (دعوتي) المقطوع

2 - باب أفضل الاستغفار

بإجابتها (شفاعة لأمتي في الآخرة) في أهم أوقات حاجاتهم وهذا من كمال شفقته على أمته ورأفته بهم واعتنائه بالنظر في أحوالهم جزاه الله عنا أفضل ما جازى نبيًّا عن أمته وصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثيرًا دائمًا أبدًا. والحديث من أفراده. 6305 - وَقَالَ مُعْتَمِرٌ: سَمِعْتُ أَبِى، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كُلُّ نَبِىٍّ سَأَلَ سُؤْلاً» أَوْ قَالَ: «لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ قَدْ دَعَا بِهَا فَاسْتُجِيبَ فَجَعَلْتُ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأُمَّتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ». (وقال معتمر): هو ابن سليمان التيمي ولغير أبي ذر وقال لي خليفة هو ابن خياط قال معتمر: (سمعت أبي) سليمان (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (كل في سأل سؤلاً) بضم السين وسكون الهمزة مطلوبًا (أو قال لكل نبي دعوة) في حق أمته والشك من الراوي (قد دعا بها فاستجيب) له في الدنيا وفي نسخة فاستجيبت بزيادة تاء التأنيث الساكنة آخره (فجعلت دعوتي) المجابة جزمًا (شفاعة لأمتي يوم القيامة). قال ابن الجوزي رحمه الله: هذا من حسن تصرفه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث اختار أن تكون فيما يبقى ومن كثرة كرمه أن آثر أمته على نفسه، ومن صحة نظره أن جعلها للمذنبين لكونهم أحوج إليها من الطائعين. والحديث رواه مسلم موصولاً. 2 - باب أَفْضَلِ الاِسْتِغْفَارِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10]. {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [نوح: 10]. (باب) بيان (أفضل الاستغفار) الاستغفار استفعال من الغفران وأصله من الغفر وهو إلباس الشيء بما يصونه من الدنس، ومنه قيل اغفر ثوبك في الوعاء فإنه أغفر للوسخ والغفران والمغفرة من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب، وسقط لفظ باب لأبي ذر فأفضل رفع وإلاّ فضل الأكثر ثوابًا عند الله فالثواب للمستغفر لا للاستغفار فهو نحو: مكة أفضل من المدينة أي ثواب العابد فيها أفضل من ثواب العابد في المدينة فالمراد المستغفر بهذا النوع من الاستغفار أكثر ثوابًا من المستغفر بغيره قاله في الكواكب. (وقوله تعالى): بالجر عطفًا على المجرور قبله ({استغفروا ربكم}) أي سلوه المغفرة لذنوبكم بإخلاص الإِيمان ({إنه كان غفارًا}) أي يزل غفار الذنوب من ينيب إليه ({يرسل السماء}) المطر قال: إذا نزل السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا أو فيه إضمار أي يرسل ماء السماء. ({عليكم مدرارًا}) يحتمل أن يكون حالاً من السماء ولم يؤنث لأن مفعالاً يستوي فيه المذكر والمؤنث فتقول: رجل مخدام ومطراب وامرأة مطراب ومخدام وأن يكون نعتًا لمصدر محذوف أي إرسالاً مدرارًا، وجزم يرسل جوابًا للأمر ومعنى مدرارًا ذا غيث كثير ({ويمددكم بأموال وبنين}) يزدكم أموالاً وبنين ({ويجعل لكم جنات}) بساتين ({ويجعل لكم أنهارًا}) [نوح: 10 - 12] جارية لمزارعكم وبساتينكم قال مقاتل: لما كذبوا نوحًا عليه السلام زمانًا طويلاً حبس الله عنهم المطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة فهلكت مواشيهم وزروعهم فساروا إلى نوح عليه السلام واستغاثوا به فقال: {استغفروا ربكم إنه كان غفارًا} [نوح: 10]. وفي هذه الآية دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والمطر. قال الشعبي: خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فأمطروا فقالوا: ما رأيناك استسقيت. فقال: لقد استسقيت بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر ثم قرأ: {استغفروا ربكم إنه كان غفارًا} إلى آخر ذلك، وشكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال: استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر فقال: استغفر الله وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولدًا فقال له استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بساتينه فقال له: استغفر الله فقلنا له في ذلك فقال: ما قلت من عندي شيئًا إن الله تعالى يقول في سورة نوح: {استغفروا ربكم} إلى آخر ذلك. وسياق الآية إلى آخر قوله: {أنهارًا} لغير رواية أبي ذر وله إلى قوله: {غفارًا} ثم قال: الآية. ({والذين إذا فعلوا فاحشة}) فعلة متزايدة القبح خارجة عما أذن الله فيه أو الفاحشة الزنا ({أو ظلموا أنفسهم}) باكتساب أيّ ذنب كان مما يؤاخذ الإنسان به أو الفاحشة الكبيرة وظلم النفس هي الصغيرة كالقبلة واللمسة والنظرة، وقيل فعلوا فاحشة فعلاً أو ظلموا أنفسهم قولاً ({ذكروا الله}) بلسانهم أو بقلوبهم ليبعثهم على التوبة أو ذكروا وعبد الله أو عقابه فهو من باب حذف

المضاف أو ذكروا العرض الأكبر على الله ({فاستغفروا لذنوبهم}) فتابوا عنها لقبحها نادمين على فعلها، وهذا حقيقة التوبة فأما الاستغفار باللسان فلا أثر له في إزالة الذنب، وقوله لذنوبهم أي لأجل ذنوبهم: ({ومن يغفر الذنوب إلا الله}) من مبتدأ ويغفر خبره وفيه ضمير يعود إلى من وإلاّ الله بدل من الضمير في يغفر والاستفهام بمعنى النفي، والتقدير ولا أحد يغفر الذنوب إلا الله وفيه تطييب لنفوس العباد وتنشيط للتوبة وبعث عليها وردع عن اليأس والقنوط وبيان لسعة رحمته وقرب مغفرته من التائب وإشعار بأن الذنوب وإن جلت فإن عفوه أجل وكرمه أعظم، وفي إسناده غفران الذنوب إلى نفسه المقدسة سبحانه وإثباته لذاته المقدسة بعد وجود الاستغفار وتنصل عبيده دلالة على وجوب ذلك قطعًا بحسب الوعد الذي لا خلف له ({ولم يصروا على ما فعلوا}) جملة حالية من فاعل استغفروا أي استغفروا غير مصرين أو الجملة منسوقة على فاستغفروا أي: ترتب على فعلهم الفاحشة ذكر الله تعالى والاستغفار لذنوبهم وعم الإِصرار عليها، وتكون الجملة من قوله: ({ومن يغفر الذنوب إلا الله}) على هذين الوجهين معترضة بين المتعاطفين على الوجه الثاني وبين الحال وذي الحال على الأول والمعنى ولم يقيموا على قبيح فعلهم ({وهم يعلمون}) [آل عمران: 135] حال من فاعل استغفروا أو من فاعل يصروا أي ولم يصروا على ما فعلوا من الذنوب حال ما كانوا عالمين بكونها محرمة لأنه قد يعذر من لا يعلم حرمة الفعل، أما العالم بالحرمة فلا يعذر ومفعول يعلمون محذوف للعلم به تقديره يعلمون أن الله يتوب على من تاب أو تركه أولى أو أنها معصية أو أن الإصرار ضار أو أنهم إذا استغفروا غفر لهم، وسقط لأبي ذر من قولها {ذكروا الله} الخ وقال الآية بدل ذلك. 6306 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ الْعَدَوِىِّ، قَالَ: حَدَّثَنِى شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّى لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَنِى وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَىَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِى فَاغْفِرْ لِى فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، قَالَ: «وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ، قَبْلَ أَنْ يُمْسِىَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ». وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج التيمي المقعد المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا الحسين) بضم الحاء ابن ذكوان المعلم قال: (حدّثنا عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة ابن الحصيب الأسلمي أبو سهل المروزي قاضيها (عن بشير بن كعب) بضم الموحدة وفتح المعجمة (العدوي) ولأبي ذر قال: حدثني بالإفراد بشير بن كعب العدوي (قال: حدثني) بالإفراد (شداد بن أوس) الأنصاري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (سيد الاستغفار) ترجم البخاري بالأفضلية، والحديث بلفظ السيادة فكأنه كما في الفتح أشار إلى أن المراد بالسيادة الأفضلية والسيد هنا مستعار من الرئيس المقدم الذي يعتمد عليه في الحوائج ويرجع إليه في الأمور كهذا الدعاء الذي هو جامع لمعاني التوبة كلها (أن تقول) بصيغة المخاطب في الفرع. وقال في الفتح: أن يقول العبد وثبت في رواية أحمد والنسائي: إن سيد الاستغفار أن يقول العبد: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني) كذا في الفرع وأصله أنت مرة واحدة. وقال الحافظ ابن حجر: أنت أنت بالتكرير مرتين وسقطت الثانية من معظم الروايات (وأنا عبدك) قال في شرح المشكاة: يجوز أن تكون حالاً مؤكدة وأن تكون مقدرة أي أنا عابد لك كقوله تعالى: {وبشرناه بإسحق نبيًّا من الصالحين} [الصافات: 112] وينصره عطف قوله: (وأنا على عهدك ووعدك) أي ما عاهدتك عليه وواعدتك من الإيمان بك وإخلاص الطاعة لك (ما استطعت) من ذلك. وفيه إشارة إلى الاعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب من حقه تعالى. وقد يكون المراد كما قاله ابن بطال بالعهد العهد الذي أخذه الله على عباده حيث أخرجهم أمثال الذر وأشهدهم على أنفسهم {ألست بربكم} [الأعراف: 172] فأقروا له بالربوبية وأذعنوا له بالوحدانية وبالوعد كما قال على لسان نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن من مات لا يشرك بالله شيئًا وأدى ما افترض عليه أن يدخله الجنة. (أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء) بضم الموحدة وسكون الواو بعدها همزة ممدودًا أعترف (لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي) أعترف به أو أحمله برغمي فلا أستطيع صرفه عني، ولأبي ذر عن الكشميهني وأبوء لك بذنبي (اغفر لي) ولأبي ذر

3 - باب استغفار النبي -صلى الله عليه وسلم- فى اليوم والليلة

فاغفر لي بزيادة فاء (فإنه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت). قال في شرح المشكاة: اعترف أولاً بأنه أنعم عليه ولم يقيده ليشمل كل النعم، ثم اعترف بالتقصير وأنه لم يقم بأداء شكرها وعدّه ذنبًا مبالغة في التقصير وهضم النفس اهـ. قال في الفتح: ويحتمل أن يكون قوله: وأبوء لك بذنبي اعترافًا بوقوع الذنب مطلقًا ليصح الاستغفار منه لا أنه عدّ ما قصر فيه من أداء النعم ذنبًا. (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ومن قالها) أي الكلمات (من النهار موقنًا) مخلصًا (بها) من قلبه مصدقًا بثوابها (فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة) الداخلين لها ابتداء من غير دخول النار لأن الغالب أن المؤمن بحقيتها المؤمن بمضمونها لا يعصي الله تعالى أو أن الله يعفو عنه ببركة هذا الاستغفار قاله في الكواكب. (ومن قالها من الليل وهو موقن) مخلص (بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة) ويحتمل أن يكون هذا فيمن قالها ومات قبل أن يفعل ما يغفر له به ذنوبه. وقال في بهجة النفوس: من شروط الاستغفار صحة النية والتوجه والأدب فلو أن أحدًا حصل الشروط واستغفر بغير هذا اللفظ الوارد واستغفر آخر بهذا اللفظ الوارد لكن أخلّ بالشروط هل يتساويان؟ والذي يظهر أن اللفظ المذكور إنما يكون سيد الاستغفار إذا جمع الشروط المذكورة قال: وقد جمع هذا الحديث من بديع المعاني وحسن الألفاظ ما يحق له أن يسمى سيد الاستغفار ففيه الإِقرار لله وحده بالإلهية والعبودية والاعتراف بأنه الخالق والإِقرار بالعهد الذي أخذه عليه والرجاء بما وعده به والاستعاذة من شر ما جنى العبد على نفسه وإضافة النعماء إلى موجدها إضافة الذنب إلى نفسه ورغبته في المغفرة واعترافه بأنه لا يقدر أحد على ذلك إلا هو وفي ذلك الإشارة إلى الجمع بين الشريعة والحقيقة وأن تكاليف الشريعة لا تحصل إلا إذا كان في ذلك عون من الله تعالى اهـ. وقال في الكواكب: لا شك أن في الحديث ذكر الله تعالى بأكمل الأوصاف وذكر العبد نفسه بأنقص الحالات وهي أقصى غاية التضرع ونهاية الاستكانة لمن لا يستحقها إلا هو، أما الأول فلما فيه من الاعتراف بوجود الصانع وتوحيده الذي هو أصل الصفات العدمية المسماة بصفات الجلال والاعتراف بالصفات السبعة الوجودية المسماة بصفات الإكرام وهي القدرة اللازمة من الخلق الملزومة للإرادة والعلم والحياة والخامسة الكلام اللازم من الوعد والسمع والبصر اللازمان من المغفرة إذ المغفرة للمسموع والمبصر لا يتصور إلا بعد السماع والإِبصار، وأما الثاني فلما فيه أيضًا من الاعتراف بالعبودية وبالذنوب في مقابلة النعمة التي تقتضي نقيضها وهو الشكر انتهى. والحديث أخرجه النسائي في الاستعاذة وفي اليوم والليلة. 3 - باب اسْتِغْفَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ (باب) مقدار (استغفار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في اليوم والليلة). 6307 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «وَاللَّهِ إِنِّى لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِى الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (قال: قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (والله إني لأستغفر الله وأتوب) زاد أبو ذر عن الكشميهني إليه (في اليوم أكثر من سبعين مرة) أي أفعل ذلك الاستغفار إظهارًا للعبودية وافتقارًا لكرم الربوبية أو تعليمًا منه لأمته أو من ترك الأولى أو قاله تواضعًا أو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما كان دائم الترقي في معارج القرب كان كلما ارتقى درجة ورأى ما قبلها دونها استغفر منها، لكن قال في الفتح: إن هذا مفرع على أن العدد المذكور في استغفاره كان مفرقًا بحسب تعدد الأحوال وظاهر ألفاظ الحديث يخالف ذلك، وفي حديث أنس: إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة والتعبير بالسبعين قيل هو على ظاهره، وقيل المراد التكثير والعرب تضع السبع والسبعين والسبعمائة موضع الكثرة، وقوله في حديث الباب أكثر مبهم يحتمل أن يفسر بحديث أبي هريرة لأستغفر الله في اليوم مائة مرة، وفي حديث الأعزّ عند مسلم

4 - باب التوبة

مرفوعًا "إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة". وقد ذكروا في الغين وجوهًا ذكرت منها جملة في كتابي المواهب وأحق من يعبر عن هذا أو يعرب كما قال في شرح المشكاة مشايخ الصوفية الذين نازل الحق أسرارهم ووضع الذكر أوزارهم قال: ومن كلمات شيخنا شيخ الإسلام أبي حفص السهروردي: لا ينبغي أن يعتقد أن الغين نقص في حاله صلوات الله عليه وسلامه بل كمال أو تتمة كمال، وهذا سر دقيق لا ينكشف إلا بمثال وهو أن الجفن المسبل على حدقة البصر وإن كانت صورته صورة نقصان من حيث هو إسبال وتغطية على ما من شأنه أن يكون باديًا مكشوفًا فإن المقصود من خلق العين إدراك المدركات الحسية وذلك لا يتأتى إلا بانبعاث الأشعة الحسية من داخل العين واتصالها بالمرئيات على مذهب قوم وبانطباع صور المدركات في الكرة الجليدية على مذهب آخر فكيفما قدر لا يتم المقصود إلا بانكشاف العين عما يمنع من انبعاث الأشعة عنها، ولكن لما كان الهواء المحيط بالأبدان الحيوانية قلما يخلو من الأغبرة الثائرة بحرة الرياح فلو كانت الحداقة دائمة الانكشاف لاستضرب بملاقاتها وتراكمها عليها فأسبلت أغطية الجفون وقاية لها ومصقلة لتنصقل الحدقة بسبال الأهداب ورفعها لخفة حركة الجفن فيدوم جلاؤها ويحتدّ نظرها، فالجفن وإن كان نقصًا ظاهرًا فهو كمال حقيقة فهكذا لم تزل بصيرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معترضة لأن تصدأ بالأغبرة الثائرة من أنفاس الأغيار فلا جرم دعت الحاجة إلى إسبال جفن من الغين على حدقة بصيرته سترًا لها ووقاية وصقالاً عن تلك الأغبرة المثارة برؤية الأغيار وأنفاسها، فيصح أن الغين إن كانت صورته نقصًا فمعناه كمال وصقال حقيقة، ثم قال أيضًا: إن روح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم تزل في الترقي إلى مقامات القرب مستتبعة للقلب في رقيها إلى مركزها وهكذا القلب كان يستتبع نفسه الزكية ولا خفاء أن حركة الروح والقلب أسرع وأتمّ من نهضة النفس وحركتها فكانت خطى النفس تقصر عن مدى الروح والقلب في العروج والولوج في حرم القرب ولحوقها بهما فاقتضت العواطف الربانية على الضعفاء من الأمة إبطاء حركة القلب بلقاء الغين عليه لئلا يسرع القلب ويسرح في معارج الروح ومدارجها فتنقطع علاقة النفس عنه لقوة الانجذاب فتبقي العباد مهملين محرومين عن الاستنارة بأنوار النبوة والاستضاءة بمشكاة مصباح الشريعة، وحيث كان يرى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إبطاء القلب بالغين الملقى عليه وقصور النفس عن شأو ترقي الروح إلى الرفيق الأعلى كان يفزع إلى الاستغفار إذ لم تف قواها في سرعة اللحوق بها، وهذا من أعز مقول في هذا المعنى وأحسن مشروح فيه. 4 - باب التَّوْبَةِ قَالَ قَتَادَةُ: {تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا}: [التحريم: 8]: الصَّادِقَةُ النَّاصِحَةُ. (باب التوبة) سقط لفظ باب لأبي ذر فالتوبة رفع وهي في الشرع ترك الذنب لقبحه والندم على ما فرط منه والعزم على ترك المعاودة وتدارك ما أمكنه أن يتداركه من الأعمال بالأعمال بالإِعادة وردّ الظلامات لذويها أو تحصيل البراءة منهم، وزاد عبد الله بن المبارك: إن يعمد إلى البدن الذي رباه بالسحت فيذيبه بالهم والحزن حتى ينشأ له لحم طيب وأن يذيق نفسه ألم الطاعة كما أذاقها لذة المعصية اهـ. والتوبة أهم قواعد الإِسلام وهي أول مقامات سالكي الآخرة وبها سعادة الأبد. (قال): ولأبي ذر: وقال (قتادة) فيما وصله عبد بن حميد في تفسير قوله تعالى: ({توبوا إلى الله توبة نصوحًا}) [التحريم: 8] أي (الصادقة الناصحة) وقيل هي التي لا عود بعدها كما لا يعود اللبن إلى الضرع وقيل الخالصة وقال الحسن: النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره وقيل نصوحًا من نصاحة الثوب أي توبة ترفو خروقك في دينك وترم خللك ويجوز أن يراد توبة تنصح الناس أي تدعوهم إلى مثلها لظهور أثرها في صاحبها واستعماله الجد والعزيمة في العمل على مقتضاها، وسقط توبوا إلى الله لأبي ذر. 6308 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ، يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ» فَقَالَ: بِهِ هَكَذَا قَالَ أَبُو شِهَابٍ بِيَدِهِ فَوْقَ أَنْفِهِ ثُمَّ قَالَ: «لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلاً وَبِهِ مَهْلَكَةٌ، وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِى فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ». تَابَعَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَجَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَارِثَ وَقَالَ شُعْبَةُ: وَأَبُو مُسْلِمٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي. الكوفي قال: (حدّثنا أبو

شهاب) عبد ربه بن نافع الحناط بالحاء المهملة والنون المشددة وبعد الألف مهملة الصغير لا الكبير (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن عمارة بن عمير) بضم العين فيهما والثاني مصغر التيمي من بني تيم اللات بن ثعلبة الكوفي (عن الحارث بن سويد) التيمي أيضًا التابعي الكبير كالسابقين لكن أولهما صغير من صغارهم والذي بعده من أوساطهم: (حدّثنا عبد الله بن مسعود) وسقط لغير أبي ذر ابن مسعود -رضي الله عنه- (حديثين أحدهما عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والآخر عن نفسه قال): وهو الحديث الموقوف. (إن المؤمن يرى ذنوبه) مفعول يرى الثاني محذوف أي كالجبال بدليل قوله في الآخر كذباب مرّ أو هو قوله (كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه) لقوّة إيمانه وشدة خوفه فلا يأمن العقوبة بسبب ذنوبه والمؤمن دائم الخوف والمراقبة يستصغر عمله الصالح ويخاف من صغير عمله (وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب) بالمعجمة الطير المعروف (مرّ على أنفه) فلا يبالي به لاعتقاده عدم حصول كبير ضرر بسببه (فقال به) بالذباب (هكذا) أي نحاه بيده أو دفعه وهو من إطلاق القول على الفعل، فالفاجر لقلة عمله يقل خوفه فيستهين بالمعصية ودل التمثيل الأول على غاية الخوف والاحتراز من الذنوب والثاني على نهاية قلة المبالاة والاحتفال بها. (قال أبو شهاب): الحناط المذكور بالسند السابق في تفسير قوله: فقال به أي (بيده فوق أنفه) والتعبير بالذباب لكونه أخف الطير وأحقره ولأنه يدفع بالأقل وبالأنف للمبالغة في اعتقاده خفة الذنب عنده لأن الذباب قلما ينزل على الأنف، وإنما يقصد غالبًا العين وباليد تأكيدًا للخفة. (ثم) قال ابن مسعود (قال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لله) بلام التأكيد المفتوحة (أفرح) أرضى (بتوبة عبده) وأقبل لها والفرح المتعارف في نعوت بني آدم غير جائز على الله تعالى لأنه اهتزاز طرب يجده الشخص في نفسه عند ظفره بغرض يستكمل به نقصانه أو يسدّ به خلته أو يدفع به عن نفسه ضررًا أو نقصًا، وإنما كان غير جائز عليه تعالى لأنه الكامل بذاته الغني بوجوده الذي لا يلحقه نقص ولا قصور وإنما معناه الرضا والسلف فهموا منه ومن أشباهه ما وقع الترغيب فيه من الأعمال والإِخبار عن فضل الله، وأثبتوا هذه الصفات له تعالى ولم يشتغلوا بتفسيرها مع اعتقادهم تنزيهه تعالى عن صفات المخلوقين، وأما من اشتغل بالتأويل فله طريقان: أحدهما أن التشبيه مركب عقلي من غير نظر إلى مفردات التركيب بل تؤخذ الزبدة والخلاصة من المجموع وهي غاية الرضا ونهايته، وإنما أبرز ذلك في صورة التشبيه تقرير المعنى الرضا في نفس السامع وتصويرًا لمعناه وثانيهما تمثيلي وهو أن يتوهم للمشبه الحالات التي للمشبه به وينتزع له منها ما يناسبه حالة حالة بحيث لم يختلط منها شيء، والحاصل أن إطلاق الفرح في حقه تعالى مجاز عن رضاه وقد يعبر عن الشيء بسببه أو عن ثمرته الحاصلة عنه فإن من فرح بشيء جاد لفاعله بما سأل وبذل له ما طلب فعبّر عن عطائه تعالى وواسع كرمه بالفرح، وزاد الإِسماعيلي بعد قوله عبد المؤمن وكذا عند مسلم، ولأبي ذر: لله أفرح بتوبة العبد (من رجل نزل منزلاً) بكسر الزاي في الثاني (وبه) أي بالمنزل، وعند الإِسماعيلي بدوية بموحدة مكسورة فدال مفتوحة فواو مكسورة فتحتية مشددة مفتوحة فهاء تأنيث، وهو كذا عند مسلم والسنن أي مقفرة (مهلكة) بفتح الميم واللام تهلك سالكها أو من حصل فيها، وفي بعض النسخ كما في الفتح مهلكة بضم الميم وكسر اللام من مزيد الرباعي أي تهلك هي من حصل بها، وفي مسلم في أرض دوية مهلكة (ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ) من نومه (وقد ذهبت راحلته) فخرج في طلبها (حتى اشتدّ) ولأبي ذر: حتى إذا اشتدّ (عليه الحرّ والعطش أو ما شاء الله) شك من أبي شهاب قاله في الفتح وفي رواية أبي معاوية حتى إذا أدركه الموت (قال: أرجع إلى مكاني)

(تنبيه)

بقطع الهمزة الذي كنت فيه فأنام (فرجع) إليه (فنام نومة ثم رفع رأسه) بعد أن استيقظ (فإذا راحلته عنده) عليها زاده طعامه وشرابه كذا في رواية عند مسلم. (تابعه) أي تابع أبا شهاب الحناط (أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري فيما وصله الإِسماعيلي (و) تابعه أيضًا (جرير) بفتح الجيم فيما وصله البزار (عن الأعمش) سليمان بن مهران. (وقال أبو أسامة): حماد بن أسامة فيما وصله مسلم (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا عمارة) بن عمير (قال: سمعت الحارث بن سويد) يعني عن ابن مسعود بالحديثين، ومراده كما في الفتح أن هؤلاء الثلاثة وافقوا أبا شهاب في إسناد هذا الحديث إلا أن الأولين عنعناه. (وقال شعبة) بن الحجاج: (وأبو مسلم) بضم الميم وسكون المهملة زاد أبو ذر عن المستملي اسمه عبيد الله بضم العين ابن سعيد بن مسلم كوفيّ قائد الأعمش سليمان وقد ضعفه جماعة لكن لما وافقه شعبة أخرج له البخاري، وقال في تاريخه: في حديثه نظر (عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد) أي عن ابن مسعود ففيه أن شعبة وأبا مسلم خالفًا أبا شهاب الحناط ومن وافقه في تسمية شيخ الأعمش فقال الأوّلون: عمارة وقال هذان: إبراهيم التيمي. (وقال أبو معاوية) محمد بن خازم بالمعجمتين (حدّثنا الأعمش) سليمان (عن عمارة) بضم العين وتخفيف الميم ابن عمير (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن عبد الله) أي ابن مسعود وغرض المؤلف الإعلام بأن أبا معاوية خالف الجميع فجعل الحديث عن الأعمش عن عمارة بن عمير (وعن إبراهيم التيمي) جميعًا لكنه عند عمارة عن الأسود بن يزيد وعند إبراهيم التيمي (عن الحارث بن سويد عن عبد الله) يعني ابن مسعود وأبو شهاب ومن تبعه جعلوه عند عمارة عن الحارث بن سويد. قال في الفتح: ورواية أبي معاوية لم أقف عليها في شيء من السنن والمسانيد على هذين الوجهين ثم قال: وفي الجملة فقد اختلف فيه عمارة في شيخه هل هو الحارث بن سويد أو الأسود واختلف على الأعمش في شيخه هل هو عمارة أو إبراهيم التيمي، والراجح من الاختلاف كله ما قاله أبو شهاب ومن تبعه ولذا اقتصر عليه مسلم وصدر به البخاري كلامه فأخرجه موصولاً وذكر الاختلاف معلقًا كعادته في الإِسناد للإشارة إلى أن مثل هذا الاختلاف غير قادح والله أعلم. (تنبيه). قوله: حدّثنا عبد الله حديثين أحدهما عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والآخر عن نفسه أي نفس ابن مسعود ولم يصرح بالمرفوع. قال النووي: قالوا المرفوع لله أفرح الخ والأوّل قول ابن مسعود وكذا جزم ابن بطال بأن الأول هو الموقوف، والثاني هو المرفوع قال الحافظ ابن حجر: وهو كذلك. 6309 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح. وَحَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ وَقَدْ أَضَلَّهُ فِى أَرْضِ فَلاَةٍ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (إسحاق) هو ابن منصور كما قال: الجياني ولفظه يحتمل أن يكون ابن منصور فإن مسلمًا أخرج عن إسحاق بن منصور عن حبان حديثًا غير هذا وقوّاه الحافظ ابن حجر بما في باب البيعان بالخيار في رواية أبي علي بن شبويه حدّثنا إسحاق بن منصور حدّثنا حبان فذكر حديثًا غير هذا قال: (أخبرنا حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن هلال الباهلي البصري قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة ولأبي ذر عن قتادة قال: (حدّثنا أنس بن مالك) -رضي الله عنه- وسقط لأبي ذر ابن مالك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال البخاري (ح): (وحدّثنا) ولأبي ذر: وحدثني بالإفراد (هدبة) بن خالد قال: (حدّثنا همام) قال: (حدّثنا قتادة عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الله) بهمزة وصل (أفرح) أرضى (بتوبة عبده) وهو من باب التمثيل كما مرّ وهو أن يشبه الحال الحاصلة بتنجيز الرضا والإِقبال على العبد التائب بحال من كان في المفازة على الصورة المذكورة في الحديث ثم يترك المشبه ويذكر المشبه به، وفي مسلم من رواية أبي هريرة وغيره: لله أفرح بتوبة عبده المؤمن

5 - باب الضجع على الشق الأيمن

(من أحدكم سقط على بعيره) أي صادفه وعثر عليه من غير قصد فظفر به (وقد أضله) ذهب منه بغير قصده (في أرض فلاة) بالإِضافة أي مفازة ليس فيها ما يؤكل ولا ما يشرب. قال في الفتح: إلى هنا انتهت رواية قتادة. وزاد إسحاق بن أبي طلحة عن أنس فيه عند مسلم فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فآيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها فنام فبينما هو كذلك إذا بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال: من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح، وفيه كما قال القاضي عياض: إن مثل هذا إذا صدر في حال الدهشة والذهول لا يؤاخذ به الإِنسان وكذا حكايته عنه على وجه العلم أو الفائدة الشرعية لا على سبيل الهزء والعبث والله تعالى بمنه وكرمه يعافينا من كل مكروه. 5 - باب الضَّجْعِ عَلَى الشِّقِّ الأَيْمَنِ (باب) استحباب (الضجع) بفتح المعجمة وسكون الجيم (على الشق الأيمن) بكسر الشين المعجمة. 6310 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها- قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَجِىءَ الْمُؤَذِّنُ فَيُؤْذِنَهُ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني (عبد الله بن محمد) المسند قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني قاضيها قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد عالم اليمن (من الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (من عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي من الليل إحدى عشرة ركعة فإذا طلع الفجر صلّى ركعتين خفيفتين) سنة الفجر (ثم اضطجع على شقه الأيمن) لأنه كان يحب التيمن (حتى يجيء المؤذن فيؤذنه) بسكون الواو وكسر الذال المعجمة مخففة يعلمه بصلاة الصبح قال في الكواكب فإن قلت: ما وجه تعلق هذا بكتاب الدعوات؟ وأجاب بأنه يعلم من سائر الأحاديث أنه كان عليه الصلاة والسلام يدعو عند الاضطجاع، وقال في الفتح: وذكر المصنف هذا الباب والذي بعده توطئة لما يذكره بعدهما من القول عند النوم اهـ. والحديث أخرجه في أبواب الوتر. 6 - باب إِذَا بَاتَ طَاهِرًا هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه الشخص (إذا بات طاهرًا) ولأبي ذر زيادة وفضله. 6311 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ مَنْصُورًا، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وَضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، وَقُلِ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِى إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِى إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِى إِلَيْكَ، رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِى أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِى أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ»؟ فَقُلْتُ: أَسْتَذْكِرُهُنَّ وَبِرَسُولِكَ الَّذِى أَرْسَلْتَ قَالَ: «لاَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِى أَرْسَلْتَ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان (قال: سمعت منصورًا) هو ابن المعتمر (عن سعد بن عبيدة) بسكون العين في الأول وضمها في الثاني وآخره تأنيث الكوفي قال: (حدثني) بالإفراد (البراء بن عازب -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله) ولأبي ذر والأصيلي قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا أتيت مضجعك) بفتح الجيم إذا أردت أن تأتي موضع نومك (فتوضأ وضوءك) كوضوئك (للصلاة) والأمر للندب لئلا يأتيه الموت بغتة فيكون على هيئة كاملة قال مجاهد: قال لي ابن عباس: لا تبيتن إلا على وضوء فإن الأرواح تبعث على ما قبضت عليه. رواه عبد الرزاق بسند رجاله ثقات إلا يحيى القتات وهو صدوق فيه كلام ولتصدق رؤياه وليكون أبعد من تلاعب الشيطان به (ثم اضطجع على شقك) بكسر الشين المعجمة جانبك (الأيمن) لأنه أسرع للاستيقاظ لتعلق القلب إلى جهة اليمين فلا يثقل بالنوم (وقل اللهم أسلمت نفسي إليك) ولأبي ذر وجهي بدل نفسي قيل ذاتي أي جعلت نفسي منقادة لك تابعة لحكمك إذ لا قدرة لي على تدبيرها ولا على جلب ما ينفعها إليها ولا على دفع ما يضرها عنها (وفوّضت أمري إليك) أي توكلت عليك في أمري كله لتكفيني همه وتتولى صلاحه (وألجأت ظهري إليك) أي اعتمدت في أموري عليك لتعينني على ما ينفعني لأن من استند إلى شيء تقوّى به (رهبة) خوفًا من أليم عقابك (ورغبة إليك) أي طمعًا في رفدك وثوابك وهما متعلقان بالإِلجاء وأسقط من مع ذكر الرهبة وأعمل إلى مع ذكر الرغبة على طريق الاكتفاء (لا ملجأ) بالهمز أي لا مهرب (ولا منجى) بالقصر لا مخلص (منك (لا إليك) ويجوز همز منجأ للازدواج وأن يترك الهمز فيهما وأن يهمز المهموز ويترك الآخر. وقال في الكواكب، في أواخر الوضوء هذان اللفظان إن كانا مصدرين يتنازعان في منك وإن كانا ظرفين فلا إذ اسم المكان لا يعمل وتقديره لا ملجأ منك إلى أحد إلا إليك

7 - باب ما يقول إذا نام

ولا منجى إلا إليك (آمنت بكتابك) القرآن (الذي أنزلتـ) ـه على رسولك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يتضمن الإيمان بجميع كتب الله المنزلة (وبنبيك) محمد (الذي أرسلتـ) ـه والإيمان به مستلزم للإيمان بكل الأَنبياء (فإن مت) زاد في الوضوء من ليلتك (مت على الفطرة) أي دين الإِسلام قال الشيخ أكمل الدين الحنفي في شرحه لمشارق الأنوار. فإن قلت: إذا مات الإِنسان على إسلامه ولم يكن ذكر من هذه الكلمات شيئًا فقد مات على الفطرة لا محالة فما فائدة ذكر هؤلاء الكلمات؟ أجيب: بتنويع الفطرة ففطرة القائلين فطرة المقربين الصالحين وفطرة الآخرين فطرة عامة المؤمنين وردّ بأنه يلزم أن يكون للقائلين فطرتان فطرة المؤمنين وفطرة المقربين. وأجيب: بأنه لا يلزم ذلك بل إن مات القائلون فهم على فطرة المقربين وغيرهم لهم فطرة غيرهم اهـ. وعند أحمد من رواية حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة بني له بيت في الجنة بدل قوله مات على الفطرة (واجعلهن) أي الكلمات ولأبي ذر فاجعلهن بالفاء بدل الواو (آخر ما تقول) تلك الليلة قال البراء: (فقلت استذكرهن) أي الكلمات (وبرسولك الذي أرسلـ) ـه (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لا) تقل ورسولك بل قل (ونبيك الذي لـ) ـه لأنه ذكر ودعاء فينبغي أن يقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه لأن الإجابة ربما تعلقت بتلك الحروف أو لعله أوحي إليه بها فتعين أداؤها بلفظها. والحديث سبق في آخر كتاب الوضوء قبل الغسل. 7 - باب مَا يَقُولُ إِذَا نَامَ (باب ما يقول) الشخص (إذا نام). 6312 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: «بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا» وَإِذَا قَامَ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ». تُنْشِرُهَا: تُخْرِجُهَا. وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة صاد مهملة ابن عقبة الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الملك) بن عمير (عن ربعي بن حراش) بكسر الراء وسكون الموحدة وكسر العين المهملة وتشديد التحتية وحراش بالحاء المهملة المكسورة وبعد الراء ألف فشين معجمة (عن حذيفة) -رضي الله عنه- ولأبي ذر زيادة ابن اليمان أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أوى) بقصر الهمزة (إلى فراشه) دخل فيه (قال): (باسمك) بوصل الهمزة (أموت وأحيا) بفتح الهمزة أي بذكر اسمك أحيا ما حييت وعليه أموت أو المراد باسمك المميت أموت وباسمك المحيي أحيا إذ معاني الأسماء الحسنى ثابتة له تعالى فكل ما ظهر في الوجود فهو صادر عن تلك المقتضيات (وإذا قام) من النوم (قال: الحمد لله الذي أحيانًا بعدما أماتنا) قال ابن الأثير: سمي النوم موتًا لأنه يزول معه العقل والحركة تمثيلاً وتشبيهًا اهـ. قال الله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها} أي يسلب ما هي به حية حساسة دراكة {والتي لم تمت في منامها} [الزمر: 42] أي: ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها أي يتوفاها حين تنام تشبيهًا للنائمين بالموتى حيث لا يميزون ولا يتصرّفون كما أن الموتى كذلك، وقيل يتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها هي أنفس التمييز فالتي تتوفى في المنام هي نفس التمييز لا نفس الحياة لأن نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس والنائم يتنفس ولكل إنسان نفسان نفس الحياة التي تفارقه عند الموت، والأخرى نفس التمييز التي تفارقه إذا نام. وعن ابن عباس في ابن آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس فالنفس التي بها العقل والتمييز والروح التي بها النفس والتحرك فإذا نام الإِنسان قبض الله نفسه ولم يقبض روحه (وإليه) تعالى (النشور) الإحياء للبعث يوم القيامة. فإن قيل: ما سبب الشكر على الانتباه من النوم؟ أجاب في شرح المشكاة: بأن انتفاع الإِنسان بالحياة إنما هو بتحري رضا الله عنه وتوخي طاعته والاجتناب عن سخطه وعقابه فمن نام زال عنه هذا الانتفاع ولم يأخذ نصيب حياته وكان كالميت فكان قوله الحمد لله شكرًا لنيل هذه النعمة وزوال ذلك المانع. (تنشرها): بالفوقية المضمومة أوّله أي (تخرجها) كذا في الفرع وأصله وهو ثابت

8 - باب وضع اليد اليمنى تحت الخد الأيمن

في رواية الحموي والذي في القرآن ننشرها بالنون ورواه الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد. والحديث أخرجه البخاري أيضًا في التوحيد، وأبو داود في الأدب، والترمذي، وأخرجه النسائي في اليوم والليلة، وابن ماجة في الدعاء. 6313 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، قَالاَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، سَمِعَ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ رَجُلاً وَحَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِىُّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْصَى رَجُلاً فَقَالَ: «إِذَا أَرَدْتَ مَضْجَعَكَ فَقُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِى إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِى إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِى إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِى إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِى أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِى أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ، مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ». وبه قال: (حدّثنا سعد بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة وسعد في الفرع بسكون العين والذي في اليونينية وهو الصواب سعيد بكسرها ثم تحتية البصري (ومحمد بن عرعرة) بفتح فسكون ففتح مهملات (قالا: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه (سمع) ولأبي ذر: سمعت (البراء بن عازب) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر رجلاً) زاد أحمد: من الأنصار. قال البخاري: (وحدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله (الهمداني) بفتح الهاء وسكون الميم بعدها دال مهملة السبيعي (عن البراء بن عازب) -رضي الله عنه- ولأبي ذر عن الحموي عن أبي إسحاق سمعت البراء بن عازب. قال في الفتح: والأول أصوب وإلاّ لكان موافقًا للرواية الأولى من كل وجه (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوصى رجلاً) هو البراء راوي الحديث (فقال): (إذا أردت مضجعك فقل اللهم أسلمت نفسي إليك) جعلتها منقادة لك (وفوّضت أمري إليك) لتتولى صلاحه (ووجهت وجهي) أي ذاتي (إليك) وهذه ليست في الرواية السابقة في الباب قبل هذا (وألجأت) أسندت (ظهري إليك) قال في شرح المشكاة: في قوله أسلمت نفسي إليك إشارة إلى أن جوارحه منقادة لله تعالى في أوامره ونواهيه وقوله وجهت وجهي إليك إلى أن ذاته مخلصة له تعالى بريئة من النفاق، وفوضت إلى أن أموره الخارجة والداخلة مفوّضة إليه لا مدبر لها غيره، وألجأت بعد قوله وفوضت تفويض أموره التي هو مفتقر إليها وبها معاشه وعليها مدار أمره (رغبة ورهبة إليك) منصوبان على المفعول له على طريقة اللف والنشر أي فوّضت أمري إليك رغبة وألجأت ظهري من المكاره والشدائد إليك رهبة منك لأنه (لا ملجأ ولا منجا) بالقصر فيهما في الفرع كأصله للازدواج (منك) إلى أحد (إلا إليك آمنت بكتابك) القرآن المستلزم الإِيمان به الإِيمان بسائر الكتب السماوية (الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فإن مت) من ليلتك (مت على الفطرة) الإِسلامية. وسبق هذا الحديث قريبًا وفي الوضوء. 8 - باب وَضْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى تَحْتَ الْخَدِّ الأَيْمَنِ (باب) استحباب (وضع اليد اليمنى تحت الخد الأيمن) ولأبي ذر: اليمنى على تأنيث الخد لغة فيه لكن رأيت في حاشية الفرع كأصله. قال ابن سيده في المحكم، قال الجياني: وهو مذكر لا غير وسقط لأبي ذر قوله اليمنى من قوله اليد اليمنى. 6314 - حَدَّثَنِى مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ رِبْعِىٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا»، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله (عن عبد الملك) بن عمير (عن ربعي) بكسر الراء وسكون الموحدة ابن حراش (عن حذيفة) بن اليمان (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أخذ مضجعه) بفتح الجيم (من الليل) صلة لأخذ على طريق الاستعارة لأن لكل أحد حظًّا منه وهو السكون والنوم فكأنه يأخذ منه حظه ونصيبه قال الله تعالى: {جعل لكم الليل لتسكنوا فيه} [يونس: 67] فالمضجع على هذا يكون مصدرًا (وضع يده) زاد أحمد من طريق شريك عن عبد الملك بن عمير اليمنى (تحت خده) وبهذه الزيادة يحصل الغرض من الترجمة وجرى المؤلّف على عادته في الإِشارة إلى ما وقع في بعض طرق الحديث (ثم يقول): (اللهم باسمك) بذكر اسمك (أموت وأحيا) بفتح الهمزة (وإذا استيقظ قال) الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا) أي رد أنفسنا بعد أن قبضها عن التصرف بالنوم والنوم أخو الموت (وإليه النشور) الإِحياء بعد الإِماتة والبعث يوم القيامة. والحديث سبق قريبًا. 9 - باب النَّوْمِ عَلَى الشِّقِّ الأَيْمَنِ (باب) استحباب (النوم على الشق الأيمن).

10 - باب الدعاء إذا انتبه بالليل

6315 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا الْعَلاَءُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَامَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِى إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِى إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِى إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِى إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِى أَنْزَلْتَ وَنَبِيِّكَ الَّذِى أَرْسَلْتَ» وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قَالَهُنَّ ثُمَّ مَاتَ تَحْتَ لَيْلَتِهِ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ». {اسْتَرْهَبُوهُمْ} [الأعراف: 116] مِنَ الرَّهْبَةِ مَلَكُوتٌ: مُلْكٌ مَثَلُ رَهَبُوتٌ خَيْرٌ مِنْ رَحَمُوتٍ تَقُولُ: تَرْهَبُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرْحَمَ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري قال: (حدّثنا العلاء بن المسيب) بفتح التحتية ابن رافع الأسدي (قال: حدثني) بالإفراد (أبي) المسيب بن رافع الكاهلي (عن البراء بن عازب) -رضي الله عنهما- أنه (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أوى) بقصر الهمزة (إلى فراشه) دخل فيه (نام على شقه الأيمن) بكسر الشين المعجمة (ثم قال): (اللهم أسلمت نفسي) ذاتي (إليك ووجهت وجهي) قصدي (إليك وفوضت أمري إليك) إذ لا قدرة لي على صلاحه (وألجأت ظهري إليك) أي توكلت عليك واعتمدتك في أمري كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده (رغبة) طمعًا في ثوابك (ورهبة إليك) خوفًا من عقابك وأخرج النسائي وأحمد من طريق حصين بن عبد الرحمن عن سعيد بن عبيدة عن البراء بن عازب رهبة منك ورغبة إليك (لا ملجأ) بالهمز (ولا منجا) بغير همز وفتح الميم فيهما (منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت) اسم جنس شامل لكل كتاب سماوي (ونبيك) ولأبي ذر وبنبيك (الذي أرسلت) وفي رواية أبي زيد المروزي أرسلته وأنزلته بزيادة الضمير فيما (وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من قالهن ثم مات تحت ليلته). قال في شرح المشكاة فيه إشارة إلى وقوع ذلك قبل أن ينسلخ النهار من الليل وهو تحته، أو المعنى بالتحت أنه مات تحت نازل ينزل عليه في ليلته (مات على الفطرة) أي على الدين القويم ملة إبراهيم فإنه عليه الصلاة والسلام أسلم واستسلم. وقال جماعة: دين الإِسلام، وقد تكون الفطرة بمعنى الخلقة كقوله تعالى {فطرة الله التي فطر الناس عليها} [الروم: 30] قال الكرماني: وهذا الذكر مشتمل على الإِيمان بكل ما يجب به الإِيمان إجمالاً من الكتب والرسل من الإِلهيات والنبوّات وعلى إسناد الكل إلى الله من الذوات ويدل عليه الوجه، ومن الصفات، ويدل عليه الأمور ومن الأفعال ويدل عليه إسناد الظهر مع ما فيه من التوكل على الله والرضا بقضائه وهذا بحسب المعاش وعلى الاعتراف بالثواب والعقاب خيرًا وشرًّا وهذا بحسب المعاد. ({استرهبوهم}) [الأعراف: 116] في سورة الأعراف هو (من الرهبة) وهي الخوف (ملكوت) تفسيره (ملك) بضم الميم وسكون اللام (مثل رهبوت) بفتح الميم والمثلثة مصححًا عليه في اليونينية (خير من رحموت) في الوزن (تقول: ترهب خير من أن ترحم) بفتح الأول والثالث فيهما كذا في الفرع وأصله بفتح المثناة الفوقية فيهما مصلحًا على كشط وفي غيرهما بضمها أي لأن ترهب خير من أن ترحم، وسقط قوله استرهبوهم الخ لأبي ذر كذا في الفرع وأصله. وقال الحافظ: وقع في مستخرج أبي نعيم في هذا الفرع ما نصه استرهبوهم الخ ولم أره لغيره هنا. وقال العيني: هذا لم يقع في بعض النسخ وليس لذكره مناسبة هنا، وإنما وقع هذا في مستخرج أبي نعيم. 10 - باب الدُّعَاءِ إِذَا انْتَبَهَ بِاللَّيْلِ (باب) استحباب (الدعاء إذا انتبه بالليل) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من الليل. 6316 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: بِتُّ عِنْدَ مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَى حَاجَتَهُ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ فَأَتَى الْقِرْبَةَ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا بَيْنَ وُضُوءَيْنِ لَمْ يُكْثِرْ وَقَدْ أَبْلَغَ فَصَلَّى فَقُمْتُ فَتَمَطَّيْتُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَنِّى كُنْتُ أَتَّقِيهِ فَتَوَضَّأْتُ فَقَامَ يُصَلِّى، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِأُذُنِى فَأَدَارَنِى عَنْ يَمِينِهِ، فَتَتَامَّتْ صَلاَتُهُ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ اضْطَجَعَ، فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ فَآذَنَهُ بِلاَلٌ بِالصَّلاَةِ، فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَكَانَ يَقُولُ فِى دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِى قَلْبِى نُورًا، وَفِى بَصَرِى نُورًا، وَفِى سَمْعِى نُورًا، وَعَنْ يَمِينِى نُورًا، وَعَنْ يَسَارِى نُورًا، وَفَوْقِى نُورًا، وَتَحْتِى نُورًا، وَأَمَامِى نُورًا، وَخَلْفِى نُورًا، وَاجْعَلْ لِى نُورًا»، قَالَ كُرَيْبٌ: وَسَبْعٌ فِى التَّابُوتِ فَلَقِيتُ رَجُلاً مِنْ وَلَدِ الْعَبَّاسِ فَحَدَّثَنِى بِهِنَّ، فَذَكَرَ عَصَبِى وَلَحْمِى وَدَمِى وَشَعَرِى وَبَشَرِى وَذَكَرَ خَصْلَتَيْنِ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا ابن مهدي) بفتح الميم عبد الرحمن (عن سفيان) الثوري (عن سلمة) بن كهيل (عن كريب) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: بت عند ميمونة) بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين خالة ابن عباس رضي الله عنهم (فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأتى حاجته غسل) ولأبي ذر: فغسل (وجهه ويديه ثم نام ثم قام فأتى القِربة فأطلق شناقها) بكسر الشين المعجمة وبعد النون ألف فقاف رباطها (ثم توضأ وضوءًا بين وضوءَين) بضم الواو، ولأبي ذر بفتحها من غير تقتير ولا تبذير كما فسره بقوله (لم يكثر) بأن اكتفى بأقل من الثلاث في الغسل (وقد أبلغ) أوصل الماء إلى ما يجب إيصاله إليه (فصلّى فقمت فتمطيت) بالمثناة التحتية الساكنة وأصله تمطط أي تمدد وقيل هو من المطا وهو الظهر لأن المتمطي يمدّ مطاه أي ظهره (كراهية أن يرى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أني كنت أنقيه) بهمزة مفتوحة فنون ساكنة

فقاف مكسورة فتحتية ساكنة كذا في الفرع مصلحة على كشط، ولأبي ذر في هامشه كأصله أرقبه براء ساكنة بعد همزة مفتوحة وبعد القاف موحدة ولم يرقم عليه في اليونينية، وفي الفتح أتقيه بمثناة فوقية مشددة وقاف مكسورة كذا للنسفي وطائفة. وقال الخطابي: أي أرتقبه. وفي رواية أتنقبه بتخفيف النون وتشديد القاف ثم موحدة من التنقيب وهو التفتيش، وفي رواية القابسي أبغيه بموحدة ساكنة بعدها غين معجمة مكسورة ثم تحتية أي أطلبه قال: والأكثر أرقبه وهي أوجه (فتوضأت فقام) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يصلّي فقمت عن يساره فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه فتتامّت) بمثناتين تفاعل وهو لا يجيء إلا لازمًا أي تكاملت (صلاته ثلاث عشرة ركعة ثم اضطجع فنام حتى نفخ وكان) عليه الصلاة والسلام (إذا نام نفخ فآذنه) بالمد أي أعلمه (بلال بالصلاة فصلّى ولم يتوضأ) لأنه تنام عينه ولا ينام قلبه ليعي الوحي إذا أوحي إليه في منامه (وكان يقول في) جملة (دعائه): (اللهم اجعل في قلبي نورًا) يكشف لي عن المعلومات (وفي بصري نورًا) يكشف المبصرات (وفي سمعي نورًا) مظهرًا للمسموعات (وعن يميني نورًا وعن يساري) ولأبي ذر عن الكشميهني وعن شمالي (نورًا) وخص القلب والبصر والسمع بفي الظرفية لأن القلب مقر الفكرة في آلاء الله والبصر مسارح آيات الله المصونة والأسماع مراسي أنوار وحي الله ومحط آياته المنزلة وخص اليمين والشمال بعن إيذانًا بتجاوز الأنوار عن قلبه وسمعه وبصره إلى من عن يمينه وشماله من أتباعه قاله الطيبي (وفوقي نورًا وتحتي نورًا وأمامي نورًا وخلفي نورًا) ثم أجمل ما فصله بقوله (واجعل لي نورًا) فذلك لذلك وتوكيدًا له، وقد سأل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النور في أعضائه وجهاته ليزداد في أفعاله وتصرفاته ومتقلباته نورًا على نور فهو دعاء بدوام ذلك، فإنه كان حاصلاً له لا محالة أو هو تعليم لأمته. وقال الشيخ أكمل الدين: أما النور الذي عن يمينه فهو المؤيد له والمعين على ما يطلبه من النور الذي بين يديه، والذي عن يساره نور الوقاية، والذي خلفه فهو النور الذي يسعى بين يدي من يقتدي به ويتبعه فهو لهم من بين أيديهم وهو له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من خلفه فيتبعونه على بصيرة، كما أن المتبع على بصيرة قال الله تعالى {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن} [يوسف: 108] وأما النور الذي فوقه فهو تنزل نور إلهي قدسي بعلم غريب لم يتقدمه خبر ولا يعطيه نظر وهو الذي يعطي من العلم بالله ما ترده الأدلة العقلية إذا لم يكن لها إيمان فإن كان لها إيمان نوراني قبلته بتأويل لتجمع بين الأمرين وقوله: واجعل لي نورًا يجوز أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد نورًا عظيمًا جامعًا للأنوار كلها يعني التي ذكرها هنا والتي لم يذكرها كأنوار السماء الإِلهية وأنوار الأرواح وغير ذلك. وتحقيق هذا المقام يقتضي بسطًا يخرج عن غرض الاختصار. (قال كريب): مولى ابن عباس بالسند المذكور (وسبع) من الكلمات أو الأنوار (في التابوت) الصدر الذي هو وعاء القلب تشبيهًا بالتابوت الذي يحرز فيه المتاع أو التابوت الذي كان لبني إسرائيل فيه السكينة أو الصندوق أي سبع مكتوبة عند كريب لم يحفظها ذلك الوقت أو المراد بالتابوت حينئذٍ أن السبعة بجسد الإنسان لا بالمعاني كالجهات الست قال كريب، أو سلمة بن كهيل: (فلقيت رجلاً من ولد العباس) هو عليّ بن عبد الله بن العباس -رضي الله عنهم- (فحدثني بهن فذكر عصبي) بفتح العين والصاد المهملتين ثم موحدة أطناب المفاصل (ولحمي ودمي وشعري وبشري) ظاهر جلده الشريف (وذكر خصلتين) أي العظم والمخ كما قاله السفاقسي والداودي، وقال في الكواكب: لعلهما الشحم والعظم وفي مسلم من طريق عقيل عن سلمة بن كهيل فدعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتسع عشرة كلمة حدثنيها كريب فحفظت منها عشرًا ونسيت ما بقي فذكر ما في رواية الثوري

11 - باب التكبير والتسبيح عند المنام

وزاد: في لساني نورًا بعد قوله في قلبي، وقال في آخره: واجعل لي في نفسي نورًا وأعظم لي نورًا. وعند الترمذي وقال: غريب من طريق داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده سمعت نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة حين فرغ من صلاته يقول: "اللهم إني أسألك رحمة من عندك" الحديث. وفيه "اللهم اجعل لي نورًا في قبري" ثم ذكر القلب ثم الجهات الست والسمع والبصر ثم الشعر والبشر ثم اللحم والدم ثم العظام ثم قال في آخره "اللهم أعظم لي نورًا وأعطني نورًا واجعل لي نورًا". وعند ابن أبي عاصم في كتاب الدعاء من طريق عبد الحميد بن عبد الرَّحمن عن كريب في آخر الحديث "وهب لي نورًا على نور". والحديث أخرجه مسلم في الصلاة وفي الطهارة وأبو داود في الأدب والنسائي في الصلاة وابن ماجة في الطهارة. 6317 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِى مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَوْ لاَ إِلَهَ غَيْرُكَ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت سليمان بن أبي مسلم) الأحول (عن طاوس) هو ابن كيسان (عن ابن عباس) أنه قال: (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قام من الليل يتهجد) حال من الضمير في قام (قال): في موضع نصب خبر كان أي كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند قيامه متهجدًا يقول: (اللهم لك الحمد) وفي رواية مالك عن أبي الزبير عن طاوس إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل. وظاهر السياق أنه كان يقوله أول ما يقوم إلى الصلاة والتهجد التيقظ من النوم والهجود النوم فمعناه التجنب عن النوم والحمد الوصف بالجميل على التفضيل والألف واللام فيه للاستغراق (أنت نور السماوات والأرض) منوّرهما (و) منوّر (من فيهن) بنور هدايتك وعبر بمن دون ما تغليبًا للعقلاء على غيرهم (ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن) المدبر لهم في جميع أحوالهم فلا يتصور وجود موجود إلا به (ولك الحمد أنت الحق) أي المتحقق الوجود الثابت بلا شك فيه (ووعدك حق) ثابت لا يدخله شك في وقوعه وتحققه، ولأبي ذر: الحق بالتعريف (وقولك حق) أي مدلوله ثابت، وفي رواية أبي ذر بالتعريف كالسابقة (ولقاؤك) بعد الموت في القيامة (حق والجنة حق والنار حق والساعة) وهو قيامها (حق) فلا بد منه وهو مما يجب الاِيمان به فمنكره كافر ثبتنا الله على ذلك وعلى تصديق كل ما جاءت به الرسل صلوات الله وسلامه عليهم (والنبيون حق) لا يجوز إنكار واحد منهم (ومحمد حق) عطفه عليهم إيذانًا بالتغاير إذ إنه فائق عليهم بخصوصيات اختص بها دونهم وجرده عن ذاته كأنه غيره ووجب عليه الإِيمان به وتصديقه مبالغة في إثبات نبوته وهذه كلها وسائل قدمت لتحقق المطلوب من قوله (اللهم لك أسلمت) انقدت لأمرك ونهيك (وعليك توكلت) أي فوضت الأمر إليك قاطعًا النظر عن الأسباب العادية (وبك آمنت) صدقت بك وبما أنزلت (وإليك أنبت) رجعت مقبلاً بالقلب وعليك (وبك) بما أعطيتني من البرهان والسنان (خاصمت) الخصم المعاند وقمعته بالحجة والسيف (وإليك حاكمت) كل من جحد (فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت) أخفيت وأظهرت أو ما تحرك به لساني أو حدثت به نفسي قال: ذلك مع القطع له بالمغفرة تواضعًا وتعظيمًا لله تعالى وتعليمًا وإرشادًا للأمة (أنت المقدم) لي في البعث في القيامة (وأنت المؤخر) لي في البعث في الدنيا (لا إله إلا أنت أو لا إله غيرك) ولأبي ذر عن الكشميهني بإسقاط الألف من أو. والحديث سبق في أول التهجد في آخر كتاب الصلاة. 11 - باب التَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ عِنْدَ الْمَنَامِ (باب) استحباب (التكبير والتسبيح) وكذا التحميد للشخص (عند المنام). 6318 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ عَلِىٍّ أَنَّ فَاطِمَةَ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - شَكَتْ مَا تَلْقَى فِى يَدِهَا مِنَ الرَّحَى فَأَتَتِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَسْأَلُهُ خَادِمًا فَلَمْ تَجِدْهُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ قَالَ: فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ أَقُومُ فَقَالَ: «مَكَانَكِ» فَجَلَسَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِى، فَقَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكُمَا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ؟ إِذَا أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا أَوْ أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَكَبِّرَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، فَهَذَا خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ»، وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: التَّسْبِيحُ أَرْبَعٌ وَثَلاَثُونَ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة (عن ابن أبي ليلى) عبد الرَّحمن (عن عليّ) أي ابن أبي طالب -رضي الله عنه- (أن فاطمة عليها السلام شكت) بالتخفيف (ما تلقى في يدها من الرحى) من أثر إدارة الرحى وهي بالقصر لطحن البر والشعير (فأتت النبي تسأله خادمًا) جارية تخدمها ويطلق على الذكر وكان

12 - باب التعوذ والقراءة عند المنام

قد بلغها أنه جاءه رقيق كما في النفقات من طريق يحيى القطان عن شعبة (فلم تجده فذكرت ذلك لعائشة) -رضي الله عنها- (فلما جاء أخبرته) عائشة -رضي الله عنها- (قال) عليّ -رضي الله عنه-: (فجاءنا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت أقوم فقال): (مكانك) الزمه وفي اليونينية كشط نصبة الكاف ولم يضبطها نعم في آل ملك كسرها فليتأمل (فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه) بالتثنية (على صدري) زاد مسلم هنا أني أخبرت أنك جئت تطلبيني فما حاجتك؟ قالت: بلغني أنه قدم عليك خدم فأحببت أن تعطيني خادمًا يكفيني الخبز والعجن فمانه قد شق عليّ (فقال: ألا) بالتخفيف وفتح الهمزة (أدلكما على ما هو خير لكما من خادم) في الآخرة أو أنه يحصل لكما بسبب ذلك قوة تقدران بها على الخدمة أكثر مما يقدر الخادم عليه قالا بلى فقال: كلمات علمنيهن جبريل (إذا أويتما إلى فراشكما أو أخذتما مضاجعكما) بالشك من الراوي سليمان بن حرب كما في الفتح (فكبرا ثلاثًا وثلاثين) مرة (وسبحا ثلاثًا وثلاثين واحمدا ثلاثًا وثلاثين فهذا) التكبير وما بعده إذا قلتماه في الوقت المذكور (خير لكما من خادم) فأحب لابنته وزوجها ما أحب لنفسه من إيثار الفقر وتحمل شدته بالصبر عليه تعظيمًا للأجر وآثر أهل الصفة لوقفهم أنفسهم على سماع العلم المقتضي لعدم التكسب. وقال الطيبي: وهذا من باب تلقي المخاطب بغير ما يتطلب إيذانًا بأن الأهم من المطلوب هو التزود للمعاد والتجافي من دار الغرور. (وعن شعبة) بن الحجاج بالسند السابق (عن خالد) الحذاء (عن ابن سيرين) محمد موقوفًا عليه أنه (قال: التسبيح أربع وثلاثون) ووقع في مرسل عروة عند جعفر أن التحميد أربع واتفاق الرواة على أن الأربع للتكبير أرجح. والحديث سبق في باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من كتاب الخمس. 12 - باب التَّعَوُّذِ وَالْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْمَنَامِ (باب التعوذ والقراءة عند المنام) مصدر ميمي ولأبي ذر عند النوم. 6319 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ نَفَثَ فِى يَدَيْهِ وَقَرَأَ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَمَسَحَ بِهِمَا جَسَدَهُ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) أبو محمد الكلاعي الدمشقي ثم التنيسي الحافظ قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري محمد أنه (قال: أخبرني) بالإِفراد (عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا أخذ مضجعه) بفتح الجيم (نفث في يديه) بالمثلثة نفخ كالذي يبصق فقيل لا بصاق فيه فإن كان فهو التفل وقيل هما بمعنى ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في يده بالإفراد (وقرأ بالمعوّذات) بكسر الواو المشددة وبالذال المعجمة {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] والسورتين بعدها وعبر بالمعوذات تغليبًا (ومسح بهما) بيديه (جسده) ما استطاع منه والنفث بعد القراءة والواو لا تقتضي الترتيب. والحديث مرّ في آخر فضائل القرآن. 13 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة وهو ساقط لبعضهم. 6320 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ أَبِى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىُّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِى وَبِكَ أَرْفَعُهُ إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِى فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ». تَابَعَهُ أَبُو ضَمْرَةَ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ وَقَالَ يَحْيَى: وَبِشْرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَابْنُ عَجْلاَنَ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس مشهور بجده قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية الجعفي قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن عمر) بضم العين العمري قال: (حدثني) بالإفراد (سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه) أبي سعيد كيسان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا أوى أحدكم) بقصر همزة أوى (إلى فراشه) أتى إليه لينام عليه (فلينفض) بضم الفاء (فراشه) قبل أن يدخل إليه (بداخلة إزاره) طرفه الذي يين جسده وحكمة ذلك لعله لسر طبيّ يمنع من قرب بعض الحيوانات استأثر الشارع بعلمه. وقال البيضاوي: وإنما أمرنا بالنفض بها لأن المتحول إلى فراشه يحل بيمينه خارجة إزاره وتبقى الداخلة معلقة فينفض بها. وقال الكرماني: ولينفض ويده مستورة بطرف إزاره لئلا يحصل في يده مكروه إن كان شيء هناك (فإنه لا يدري ما خلفه) بفتح المعجمة واللام (عليه) من المؤذيات كعقرب أو حيّة أو المستقذرات (ثم يقول باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه) أي بك أستعين على وضع جنبي وعلى رفعه فالباء للاستعانة

14 - باب الدعاء نصف الليل

(إن أمسكت نفسي) توفيتها (فارحمها وإن أرسلتها) رددتها (فاحفظها بما تحفظ به الصالحين) ولأبوي الوقت وذر: به عبادك الصالحين، وعند النسائي وصححه ابن حبان من حديث ابن عمر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر رجلاً إذا أخذ مضجعه أن يقول: "اللهم أنت خلقت نفسي وأنت تتوفاها لك موتها ومحياها إن أحييتها فاحفظها وإن أمتها فاغفر لها". (تابعه) أي تابع زهير بن معاوية (أبو ضمرة) أنس بن عياض فيما وصله في الأدب المفرد ومسلم في صحيحه (وإسماعيل بن زكريا) أبو زياد الكوفي مما وصله الحارث بن أبي أسامة في مسنده كلاهما (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري السابق في إدخال الواسطة بين سعيد المقبري وأبي هريرة. (وقال يحيى) بن سعيد القطان مما وصله النسائي: (وبشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن المفضل فيما وصله مسدد في مسنده الكبير كلاهما (عن عبيد الله) العمري (عن سعيد) المقبري (عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بدون الواسطة بين سعيد وأبي هريرة. (ورواه) أي الحديث المذكور (مالك) إمام دار الهجرة فيما وصله المؤلّف في التوحيد (وابن عجلان) بفتح العين وسكون الجيم محمد الفقيه فيما وصله أحمد وغيره كلاهما (عن سعيد) المقبري (عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من غير واسطة أيضًا. وفي حديث الباب ثلاثة من التابعين على نسق واحد، وأخرجه مسلم في الدعوات وأبو داود في الأدب والنسائي في اليوم والليلة. 14 - باب الدُّعَاءِ نِصْفَ اللَّيْلِ (باب) فضل (الدعاء نصف الليل) على غيره إلى طلوع الفجر لتخصيصه بالتنزل الإلهي والتفضل بإجابة الدعاء وغيره. 6321 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ، وَأَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) العامري الأويسي الفقيه قال: (حدّثنا مالك) الإمام الأعظم (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي عبد الله) سلمان (الأغرّ) بفتح الغين المعجمة وتشديد الراء الجهني المدني (وأبي سلمة بن عبد الرَّحمنِ) بن عوف كلاهما (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يتنزل) بالفوقية بعد التحتية وفتح الزاي المشددة وللكشميهني ينزل (ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا) هذا من المتشابهات وحظ السلف من الراسخين في العلم أن يقولوا آمنا به كل من عند ربنا، ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث، ومنهم من أوّل على وجه يليق مستعمل في كلام العرب ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد أن يخرج إلى نوع من التحريف ومنهم من فصل بين ما يكون تأويله قريبًا مستعملاً في كلام العرب وما يكون بعيدًا مهجورًا فأوّل في بعض وفوّض في آخر ونقل هذا عن مالك. قال البيهقي: وأسلمها الإيمان بلا كيف والسكوت عن المراد إلا أن يردد ذلك عن الصادق فيصار إليه، ونقل عن مالكَ أنه أول النزول هنا بنزول رحمته تعالى وأمره أو ملائكته كما يقال فعل الملك كذا أي أتباعه بأمره ومنهم من أوله على الاستعارة والمعنى الإِقبال على الداعي باللطف والإجابة، وقد سبق في التهجد من أواخر كتاب الصلاة مباحثه، ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله غير ذلك في كتاب التوحيد. وقال البيضاوي لما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه فالمراد دنوّ رحمته أي ينتقل من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرحمة والرأفة (حين يبقى ثلث الليل الآخر) بكسر المعجمة والرفع صفة لثلث لأنه وقت خلوة ومناجاة وتضرع وخلو النفس من خواطر الدنيا وشواغلها. وساق المؤلّف الترجمة بلفظ نصف الليل والحديث مصرح أن التنزل ثلث الليل فيحتمل أنه جرى على عادته بالإشارة إلى حديث أحمد عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ: ينزل الله إلى سماء الدنيا نصف الليل الآخر أو ثلث الليل الآخر، وأخرجه الدارقطني عن الأغرّ عن أبي هريرة بلفظ: شطر الليل من غير تردد، وقد اختلفت

15 - باب الدعاء عند الخلاء

الروايات في تعيين الوقت على ستة الثلث الأخير كما هنا أو الثلث الأوّل أو الإطلاق فيحمل المطلق على المقيد، والذي بأوان كان للشك المجزوم به مقدم على المشكوك فيه وإن كان للتردد بين حالين فيجمع بذلك بين الروايات بأن ذلك يقع بحسب اختلاف الأحوال لكون أوقات الليل تختلف في الزمان والأوقات باختلاف تقدم دخول الليل عند قوم وتأخره عند قوم أو يكون النزول يقع في الثلث الأول والقول يقع في النصف وفي الثلث الثاني أو أنه يقع في جميع الأوقات التي وردت به، ويحمل على أنه أعلم بأحدها في وقت فأخبر به ثم الآخر فأخبر به فنقلت الصحابة ذلك عنه. (يقول) ولأبي ذر فيقول: (من يدعوني فأستجيب له) فأجيب دعاءه (من يسألني فأعطيه) سؤاله (من يستغفرني فأغفر له) ذنوبه وقوله فأستجيب وفأعطيه وفأغفر نصب على جواب الاستفهام ويجوز الرفع على تقدير مبتدأ أي فأنا أغفر فأنا أستجيب فأنا أعطيه، وفي الحديث أن الدعاء في هذا الوقت مجاب ولا يعكر عليه تخلفه عن بعض الداعين، فقد يكون لخلل في شرط من شروط الدعاء كالاحتراز في المطعم والمشرب والملبس أو لاستعجال الداعي أو بأن يكون الدعاء بإثم أو قطيعة رحم أو تحصل الإجابة ويتأخر وجود المطلوب لمصلحة العبد أو لأمر يريده الله تعالى. والحديث سبق في باب التهجد ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته في كتاب التوحيد. 15 - باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الْخَلاَءِ (باب الدعاء عند) إرادة دخول (الخلاء) وهو بفتح الخاء المعجمة ممدودًا وأصله المكان الخالي كانوا يقصدونه لقضاء الحاجة ثم غلب في الكنيف. 6322 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ الْخَلاَءَ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بن البرند قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد العزيز بن صهيب) البناني الأعمى (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان النبي إذا دخل الخلاء) أراد دخوله (قال): (اللهم إني أعوذ بك) أستجير بك والباء في بك للإلصاق وهو إلصاق معنوي لأنه لا يلتصق شيء بالله ولا بصفاته لكنه التصاق تخصيص كأنه خص الرب سبحانه بالاستعاذة (من الخبث والخبائث) بضم الموحدة وبالمثلثة فيهما يريد ذكران الشياطين وإناثهم، ويروى بسكون الموحدة. وذكر الخطابي التسكين في أغاليط المحدثين ويراد به الكفر والخبائث الشياطين، وقيل الخبث الشياطين والخبائث البول والغائط استعاذ من شر الأوّل وضرر الآخرين. وقال التوربشتي: الخبث ساكن الباء مصدر خبث الشيء يخبث خبثًا، وفي إيراد الخطابي هذا اللفظ في جملة الألفاظ التي يرويها الرواة ملحونة نظر لأن الخبث إذ جمع يجوز أن تسكن الباء للتخفيف كما يفعل في سبل وسبل ونظائرها من المجموع، وهذا الباب مستفيض في كلامهم غير نادر ولا يسمع من أحد مخالفته إلا أن يزعم أن ترك التخفيف فيه أولى لئلا يشتبه بالخبث الذي هو المصدر ومن للتبعيض والتقدير من كيدهم وشرهم أو للابتداء إذا فسرا بذكور الجن وإناثهم وخص الخلاء لأن الشياطين تحضر الأخلية لأنه يهجر فيها ذكر الله تعالى واستعاذته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لإظهار العبودية وتعليم الأمة وإلا فهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معصوم من ذلك كله. والحديث سبق في الطهارة. 16 - باب مَا يَقُولُ إِذَا أَصْبَحَ (باب ما يقول) الشخص (إذا أصبح). 6323 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سَيِّدُ الاِسْتِغْفَارِ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّى لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَنِى، وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِى، فَاغْفِرْ لِى فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ إِذَا قَالَ حِينَ يُمْسِى فَمَاتَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِذَا قَالَ حِينَ يُصْبِحُ فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ مِثْلَهُ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالسين بعدها دالان مهملتان ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا حسين) بضم الحاء وفتح السين ابن ذكوان المعلم البصري قال: (حدّثنا عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء (عن بشير بن كعب) بضم الموحدة وفتح الشين المعجمة العدوي (عن شداد بن أوس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (سيد الاستغفار) أي أفضله وأعظمه نفعًا (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك) الذي عاهدتك عليه (ووعدك) الذي واعدتك من الإِيمان بك والإِخلاص (ما استطعت أبوء) أعترف (لك بنعمتك وأبوء) أعترف (لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب

17 - باب الدعاء فى الصلاة

إلا أنت أعوذ بك من شر ما صنعت إذا قال) ذلك (حين يمسي فمات دخل الجنة أو) قال (كان من أهل الجنة) من غير أن يدخل النار (وإذا قال) ذلك (حين يصبح فمات من يومه مثله). وسبق الحديث قريبًا في باب أفضل الاستغفار. 6324 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَالَ: «بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ أَمُوتُ وَأَحْيَا»، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عبد الملك بن عمير) بضم العين وفتح الميم (عن ربعي بن حراش) بكسر الراء وسكون الموحدة وكسر العين المهملة وحراش بكسر الحاء المهملة وفتح الراء المخففة وبعد الألف شين معجمة (عن حذيفة) بن اليمان -رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أراد أن ينام قال): (باسمك اللهم أموت وأحيا) بفتح الهمزة. قال القرطبي: فيه أن الاسم عين المسمى فهو كقوله: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] أي سبح ربك اهـ. والمعنى نزّه تسمية ربك بأن تذكره وأنت له معظم ولذكره محترم فالاسم يكون بمعنى التسمية، وقال الإِمام: كما يجب تنزيه ذاته وصفاته عن النقائص يجب تنزيه الألفاظ الموضوعة لها عن الرفث وسوء الأدب، وقال آخرون: المعنى نزه ربك فالاسم صلة لأن أحدًا لا يقول سبحان اسم الله بل سبحان الله وقد سمى الله تعالى نفسه بالأسماء الحسنى ومعانيها ثابتة له فكل ما ظهر في الوجود فهو صادر عن تلك المقتضيات فكأنه قال: باسمك المحيي أحيا وباسمك المميت أموت. وقال بعضهم: المحيي من أحيا قلوب العارفين بأنوار معرفته وأرواحهم بلطائف مشاهدته والمميت من أمات القلوب بالغفلة والنفوس باستيلاء الزلة والعقول بالشهوة. (و) كان-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إذا استيقظ من منامه قال: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا) أطلق الموت على النوم لما بينهما من الشبه بجامع ما بينهما من عدم الإدراك والانتفاع بما شرع من القربات فحمد الله تعالى شكرًا على ردّ ذلك لينال ذلك وهذا صدر منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على جهة العبودية والتعليم (وإليه النشور) الإِحياء للبعث أو المرجع في نيل الثواب مما نكتسبه في حياتنا هذه. والحديث مرّ في باب ما يقول إذا نام. 6325 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِى حَمْزَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: «اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا»، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان المروزي (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن ربعي بن حراش) أبي مريم العبسي الكوفي ثقة عابد مخضرم (عن خرشة بن الحرّ) بفتح الخاء المعجمة والراء والشين المعجمة والحر بالحاء المهملة المضمومة والراء المشددة الفزاري بالفاء والزاي بعدها راء مكسورة (عن أبي ذر) جندب الغفاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أخذ مضجعه) بفتح الجيم (من الليل قال): (اللهم باسمك أموت و) باسمك (أحيا فإذا استيقظ) فإذا بالفاء هنا وفي السابق بالواو بدلها (قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور) ولم يحصل في حديث حذيفة الماضي وحديث أبي ذر هذا اختلاف في المتن إلا في الفاء والواو كما ذكرته وقد ظهر أن لربعي فيه طريقين، وقد وافق أبا حمزة على الإسناد شيبان النحوي فيما أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيه من طريقه وفي الباب أحاديث أُخر. 17 - باب الدُّعَاءِ فِى الصَّلاَةِ (باب الدعاء في الصلاة). 6326 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِى يَزِيدُ، عَنْ أَبِى الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَلِّمْنِى دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِى صَلاَتِى قَالَ: «قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ فَاغْفِرْ لِى مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِى إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». وَقَالَ عَمْرٌو: عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِى الْخَيْرِ إِنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو: قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (الليث) بن سعد الإِمام قال: (حدثني) بالإفراد (يزيد) بن أبي حبيب (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني المصري (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاصي -رضي الله عنهما- (عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: علمني) قال ابن فرحون: أي حفظني (دعاء) مفعول ثان لعلم (أدعو به في صلاتي) جملة في محل نصب صفة لدعاء والعائد قوله به والضمير يعود على دعاء وفي صلاتي متعلق بأدعو لا يعلمني لفساد المعنى (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا) بملابسة ما يوجب عقوبتها أو ينقص حظها وأصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه والنفس المراد بها هنا الذات المشتملة على الروح وإن كان بين العلماء خلاف في

(تنبيه):

أن النفس الروح أو غيرها حتى قيل إن فيها ألف قول وظلمًا مصدر وكثيرًا بالمثلثة نعت له لا بالمنعوت (ولا يغفر الذنوب إلا أنت) فليس لي حيلة في دفعها فأنا المفتقر إليك المضطر الموعود بالإِجابة (فاغفر لي مغفرة من عندك) الفاء للسببية واغفر لفظه لفظ الأمر ومعناه الدعاء وإلاّ إيجاب للنفي. وفائدة قوله: من عندك وإن كان الكل من عند الله أن فضل الله ومغفرته لا في مقابلة عمل ولا بإيجاب على الله وتفيد العندية معنى القرب في المنزلة (وارحمني) عطف على سابقه (إنك أنت الغفور) فعول بمعنى فاعل (الرحيم) بمعنى راحم، وفي الكلام لف ونشر مرتب لأن طلب المغفرة بقوله: اغفر لي وطلب الرحمة بقوله: ارحمني، فالتقدير اغفر لي إنك أنت الغفور وارحمني إنك أنت الرحيم، وفي الكلام حذف لدلالة ما تقدم عليه والتقدير ولا يغفر الذنوب إلا أنت ولا يرحم العباد إلا أنت فحذف ولا يرحم العباد إلا أنت لدلالة وارحمني، ويحتمل أن يكون التقدير ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي ولا يرحم العباد إلا أنت فارحمني. وهذا الدعاء من أحسن الأدعية لا سيما في ترتيبه فإن فيه تقديم نداء الرب واستغاثته بقوله: اللهم ثم الاعتراف بالذنب في قوله: ظلمت نفسي ثم الاعتراف بالتوحيد إلى غير ذلك مما لا يخفى مع ما اشتمل عليه من التأكيد بقوله: إنك أنت الغفور الرحيم بكلمة إن وضمير الفصل وتعريف الخبر باللام وبصيغة المبالغة. (تنبيه): الأمر في قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قل يقتضي جواز الدعاء به في الصلاة من غير تعيين محله، لكنه يخصص بالموضع اللائق بالدعاء، وعينه بعضهم في السجود لحديث: فأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء، وعينه آخرون بعد التشهد لحديث: ثم ليتخير بعد ذلك في المسألة ما شاء، وهذا الأخير رجحه ابن دقيق العيد، ويؤيده أن الأئمة كالبخاري والنسائي والبيهقي وغيرهم احتجوا بهذا الحديث للدعاء في آخر الصلاة، وقال النووي: إنه استدلال صحيح. وقال الفاكهاني: الجمع بينهما في المحلين أولى. وحديث الباب سبق في أواخر صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة. (وقال عمرو): بفتح العين ولأبي ذر عمرو بن الحارث فيما وصله البخاري في التوحيد (عن يزيد) بن حبيب (عن أبي الخير) مرثد (أنه سمع عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص (قال أبو بكر -رضي الله عنه- للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وثبت قوله إنه لأبي ذر عن الكشميهني. 6327 - حَدَّثَنَا عَلِىٌّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ سُعَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] أُنْزِلَتْ فِى الدُّعَاءِ. وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن سلمة اللبقي بفتح اللام والموحدة بعدها قاف مكسورة كما قاله الكلاباذي قال: (حدّثنا مالك بن سعير) بضم السين وفتح العين المهملتين وبعد التحتية الساكنة راء ابن الخمس بكسر الخاء المعجمة وسكون الميم بعدها سين مهملة قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) -رضي الله عنها- ({ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} أنزلت في الدعاء) وقال به ابن عباس فيما رواه عنه عكرمة، وقال به مجاهد وسعيد بن جبير ومكحول وعروة بن الزبير، وقال آخرون: ولا تجهر بصلاتك أي بقراءة صلاتك على حذف مضاف لأنه يلتبس إذ الجهر والمخافتة يعتقبان على الصوت لا غير والصلاة أفعال وأذكار، وسبق في تفسير سورة الإِسراء حديث ابن عباس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمعه المشركون سبّوا فنزلت الآية. وحديث عائشة ظاهره العموم في الصلاة وخارجها لكن روى حديثها هذا ابن خزيمة والحاكم، وزاد فيه التشهد فهو مخصص لإِطلاقه كما مرّ في آخر الإِسراء والله أعلم. 6328 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِى الصَّلاَةِ السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ فَقَالَ لَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِى الصَّلاَةِ فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ -إِلَى قَوْلِهِ- الصَّالِحِينَ فَإِذَا قَالَهَا أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ فِى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ صَالِحٍ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الثَّنَاءِ مَا شَاءَ». وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي أخو أبي بكر والقاسم قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد الرازي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا نقول في الصلاة: السلام على الله) زاد يحيى في روايته عند المؤلّف في باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد من عباده، وأخرجه أبو داود عن مسدد

18 - باب الدعاء بعد الصلاة

شيخ البخاري فقال: قبل عباده (السلام على فلان) مرة في الصلاة على فلان وفلان، وفي ابن ماجة يعنون الملائكة (فقال لنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات يوم): لفظ ذات مقحم أو هو من إضافة المسمى إلى اسمه. (إن الله هو السلام) فكل سلام منه هو مالكه ومعطيه، وقال الخطابي: المراد أن الله هو ذو السلام فلا تقولوا السلام على الله فإن السلام منه إليه يعود ومرجع الأمر في إضافته إليه أنه ذو السلام من كل آفة وعيب (فإذا قعد أحدكم في) تشهد (الصلاة) في وسطها وآخرها (فليقل التحيات لله) أي أنواع التعظيم له (إلى قوله الصالحين) القائمين بما يجب عليهم من حقوق الله وحقوق عباده وتتفاوت درجاتهم (فإذا قالها) أي وعلى عباد الله الصالحين (أصاب كل عبد لله في السماء والأرض صالح) بالجر صفة لعبد (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ثم يتخير من الثناء) على الله (ما شاء) وفي كتاب الصلاة في باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد من الدعاء بدل قوله هنا من الثناء. والحديث سبق في الصلاة. 18 - باب الدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلاَةِ (باب) مشروعية (الدعاء بعد الصلاة). 6329 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ سُمَىٍّ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، قَالَ: «كَيْفَ ذَاكَ»؟ قَالَ: صَلَّوْا كَمَا صَلَّيْنَا وَجَاهَدُوا كَمَا جَاهَدْنَا وَأَنْفَقُوا مِنْ فُضُولِ أَمْوَالِهِمْ وَلَيْسَتْ لَنَا أَمْوَالٌ قَالَ: «أَفَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَمْرٍ تُدْرِكُونَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَتَسْبِقُونَ مَنْ جَاءَ بَعْدَكُمْ وَلاَ يَأْتِى أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا جِئْتُمْ إِلاَّ مَنْ جَاءَ بِمِثْلِهِ، تُسَبِّحُونَ فِى دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ عَشْرًا، وَتَحْمَدُونَ عَشْرًا، وَتُكَبِّرُونَ عَشْرًا». تَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ سُمَىٍّ وَرَوَاهُ ابْنُ عَجْلاَنَ عَنْ سُمَىٍّ وَرَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ، وَرَوَاهُ جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ، وَرَوَاهُ سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق) هو ابن منصور أو ابن راهويه قال: (أخبرنا يزيد) من الزيادة ابن هارون بن زاذان السلمي مولاهم الواسطي أحد الأعلام قال: (أخبرنا ورقاء) بفتح الواو وسكون الراء بعدها قاف ممدودًا ابن عمر أبو بشر اليشكري الحافظ (عن سمي) بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية مولى أبي بكر بن عبد الرَّحمن بن الحارث بن هشام (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (قالوا) أي فقراء المهاجرين، وسمى منهم النسائي في اليوم والليلة: أبا الدرداء من طريق أبي عمر الضبي وأبي صالح كلاهما عن أبي الدرداء بلفظ قلت: يا رسول الله. وأبو داود والطبراني في الأوسط من وجه آخر عن أبي هريرة أبا ذر، وأخرجه الإمام أحمد وابن خزيمة وابن ماجة من حديث أبي ذر نفسه (يا رسول الله ذهب أهل الدثور) بضم الدال المهملة والمثلثة جمع دثر والدثر المال الكثير والدثور الدروس يقال دثر كقعد الرسم وتداثر الدثور بالفتح الرجل الخامل النؤوم وفي رواية عبيد الله العمري عن سمي في الصلاة وذهب أهل الدثور من الأموال (بالدرجات والنعيم المقيم) الذي لا انقطاع له، والنعيم ما يتنعم به من مطعم وملبس وعلوم ومعارف وغيرها والباء في بالدرجات بمعنى المصاحبة أي ذهب أهل الدثور بالدرجات واستصحبوها معهم في الدنيا والآخرة ومضوا بها ولم يتركوا لنا شيئًا فما حالنا (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كيف ذاك) استفهام والكاف للخطاب وحقها في خطاب الجماعة ذاكم بالكاف والميم، ولكنه أراد خطاب واحد منهم لأن الكلام قد يكون من واحد لمصلحة جماعة (قال) أحد الفقراء من المهاجرين، ولأبي ذر عن الكشميهني قالوا: (صلوا كما صلينا) أي كانوا يصلون كما نصلي وما مصدرية والكاف نعت لمصدر محذوف عند الفارسي ومن تبعه واختار ابن مالك أن تكون حالاً من المصدر المفهوم من الفعل المتقدم بعد الإِضمار على طريق الاتساع أي يصلون الصلاة في حال كونها مثل ما نصلي (وجاهدوا) في سبيل الله (كما جاهدنا وأنفقوا من فضول أموالهم) أي من زيادتها صدقات ومبرّات (وليست لنا أموال) ننفق منها كما أنفقوا (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أفلا أخبركم) ألا حرف عرض والفاء عاطفة وكان حقها أن تتقدم على همزة الاستفهام إلا أن الاستفهام له الصدر، وقيل الفاء زائدة مؤكدة، وقيل يقدّر في مثل هذا محذوف من معنى الجملة قبلها فيعطف عليه والمعنى هنا إذا قلتم ذلك فأعلمكم (بأمر تدركون) أي به (من كان قبلكم) من هذه الأمة المحمدية لأن فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم ثابت وإن لم يذكروا هذا الذكر (وتسبقون) به (من جاء بعدكم) من أهل الأموال (ولا يأتي أحد بمثل ما جئتم) زاد أبو ذر به: (إلا من جاء بمثله)

بمثل ما جئتم به (تسبحون في دبر كل صلاة) مكتوبة (عشرًا) بعد السلام، إجماعًا فليس المراد بدبرها قرب آخرها وهو التشهد كما قال بعضهم. قال ابن الأعرابي: دبر الشيء بالضم والفتح. وقال المطرزي في اليواقيت: دبر كل شيء بفتح الدال آخر أوقاته من الصلاة وغيرها قال: وهذا هو المعروف في اللغة، وأما الدبر الذي هو الجارحة فبالضم، والمراد بالدبر في الحديث عقب السلام والصلاة فهو مخالف لكلام أهل اللغة قالوا: إلا أن يكون مراد أهل اللغة بآخر أوقات الشيء الفراغ منه فيطابق تفسيرهم (وتحمدون عشرًا وتكبّرون عشرًا تابعه) أي تابع ورقاء (عبيد الله بن عمر) العمري فيما رواه مسلم في روايته (عن سمي) عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- وهذه المتابعة في إسناد الحديث وأصله لا في العدد المذكور وقد خالف ورقاء غيره في قوله عشرًا. قال في الفتح الباري: لم أقف في شيء من طرق حديث أبي هريرة على من تابع ورقاء على ذلك لا عن سمي ولا عن غيره ثم قال: وجدت لرواية العشر شواهد منها عن علي عند أحمد وعن سعد بن أبي وقاص عند النسائي. وعن عبد الله بن عمرو عنده وعند أبي داود والترمذي وعن أم سلمة عند البزار وعن أم مالك الأنصارية عند الطبراني، وفي حديث زيد بن ثابت وابن عمر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرهم أن يقولوا كل ذكر منها خمسًا وعشرين ويزيدوا فيها لا إله إلا الله خمسًا وعشرين أخرجه النسائي. وفي حديث ابن عمر عند البزار بإسناد فيه ضعف إحدى عشرة إحدى عشرة. وسبق في باب الذكر بعد الصلاة بلفظ: تسبحون وتحمدون وتكبّرون خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وجمع البغوي في شرح السنّة بين هذا الاختلاف باحتمال أن يكون ذلك صدر في أوقات متعددة أولها عشرًا ثم إحدى عشرة الخ. ويحتمل أن يكون على سبيل التخيير. (ورواه) أي حديث الباب (ابن عجلان) بفتح العين المهملة وسكون الجيم محمد (عن سمي و) عن (رجاء بن حيوة) بفتح الراء والجيم ممدودًا وحيوة بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية وفتح الواو بعدها هاء تأنيث وهذا وصله مسلم قال: حدّثنا قتيبة، حدّثنا الليث عن ابن عجلان فذكره مقرونًا برواية عبيد الله العمري كلاهما عن أبي صالح به، ووصله الطبراني من طريق حيوة بن شريح عن محمد بن عجلان عن رجاء بن حيوة وسمي كلاهما عن أبي صالح عن أبي هريرة وفيه: تسبحون الله دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين وتحمدونه ثلاثًا وثلاثين وتكبّرونه أربعًا وثلاثين. (ورواه) أيضًا (جرير) أي ابن عبد الحميد (عن عبد العزيز بن رفيع) بضم الراء وفتح الفاء الأسدي المكي (عن أبي صالح) السمان (عن أبي الدرداء) عويمر الأنصاري فيما وصله أبو يعلى في مسنده لكن في سماع أبي صالح من أبي الدرداء نظر. (ورواه) أيضًا (سهيل) بضم السين المهملة وفتح الهاء (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان (عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) رواه مسلم، لكن قال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين. قال سهيل: إحدى عشرة وإحدى عشرة وإحدى عشرة فذلك كله ثلاث وثلاثون. وأخرجه النسائي من رواية الليث عن ابن عجلان عن سهيل بهذا الإِسناد وقال فيه: من قال خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين تكبيرة وثلاثًا وثلاثين تسبيحة وثلاثًا وثلاثين تحميدة ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له يعني تمام المائة غفرت له خطاياه، وهذا اختلاف شديد على سهيل والمعتمد فى ذلك رواية سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قاله في الفتح. وحديث الباب سبق في الصلاة. 6330 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كَتَبَ الْمُغِيرَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ فِى دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ إِذَا سَلَّمَ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ». وَقَالَ شُعْبَةُ: عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُسَيَّبَ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (من منصور) هو ابن المعتمر (عن المسيب) بفتح الياء التحتية المشددة (ابن رافع) الكاهلي (عن وراد) بفتح الواو والراء المشددة وبعد الألف دال مهملة (مولى المغيرة بن شعبة) وكاتبه أنه (قال: كتب المغيرة إلى معاوية بن أبي سفيان) لما كتب له معاوية اكتب لي بحديث سمعته من رسول الله

19 - باب

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول في دبر كل صلاة) مكتوبة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي صلاته (إذا سلم) منها. (لا إله إلا الله وحده لا شريك له) تأكيد لسابقه مع ما فيه من تكثير حسنات الذاكر (له الملك وله الحمد) زاد الطبراني من طريق آخر عن المغيرة "يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير" (وهو على كل شيء قدير) هذا معدود من العمومات التي لم يطرقها تخصيص، ونازع بعضهم فيه من جهة تخصيصه بالمستحيل لكنه مبني على أن لفظة شيء تطلق على المستحيل بل على المعدوم وفيه خلاف مشهور ومذهب أهل السنّة المنع (اللهم لا مانع) يمنع من كل أحد (لما أعطيت) أي لما أردت إعطاءه وإلاّ فبعد الإِعطاء من كل أحد لا مانع له إذ الواقع لا يرتفع بخلاف قوله (ولا معطي لما منعت) فإنه لا يحتاج إلى هذا التأويل والرواية بفتح مانع ومعطي. واستشكل لأن اسم إذا كان شبيهًا بالمضاف يعرف فما وجه ترك التنوين؟ وأجيب: بأن الفارسي حكى لغة بإجراء الشبيه بالمضاف مجرى المفرد فيكون مبنيًّا، وجوّز ابن كيسان في المطوّل بالتنوين وتركه وقال: تركه أحسن (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) بفتح الجيم قال ابن دقيق العيد: الذي ينبغي أن يضمن ينفع معنى يمنع أو ما يقاربه ولا يعود منك إلى الجد على الوجه الذي يقال فيه حظي منك كثير أو قليل بمعنى عنايتك بي أو رعايتك لي فإن ذلك نافع. قال ابن فرحون: وإنما قال ذلك لأن العناية من الله تعالى تنفع ولا بد، وأما الجد الثاني فإنه فاعل ينفع أي لا ينفع صاحب الحظ من نزول عذابك حظه وإنما ينفعه عمله الصالح فالألف واللام في الجد الثاني عوض عن الضمير وقد سوّغ الزمخشري ذلك وكذا اختار كثير من البصريين والكوفيين في نحو قوله تعالى: {فإن الجنة هي المأوى} [النازعات: 41] اهـ. والجمهور على أن الجد معناه الحظ والغنى أي لا ينفع ذا الغنى والحظ منك غناه وحظّه وإنما ينفعه العمل الصالح، وقيل أراد بالجد أبا الأب وأبا الأم أي لا ينفع أحدًا نسبه، وضبطه بعضهم بالكسر وهو الاجتهاد أي لا ينفع ذا الاجتهاد منك اجتهاده وإنما ينفعه رحمتك. (وقال شعبة) بن الحجاج بالسند المذكور (عن منصور) أي ابن المعتمر (قال: سمعت المسيب) بن رافع ووصله أحمد عن محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة به بلفظ: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا سلم قال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" الحديث. وحديث الباب سبق في الصلاة. 19 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] وَمَنْ خَصَّ أَخَاهُ بِالدُّعَاءِ دُونَ نَفْسِهِ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى: قَالَ النَّبِىُّ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِى عَامِرٍ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ». (باب) ذكر (قول الله تعالى: {وصلّ عليهم}) [التوبة: 103] أي اعطف عليهم بالدعاء لهم والترحم (و) ذكر (من خصّ أخاه) المسلم أو من النسب (بالدعاء دون نفسه) فيه رد لما في حديث ابن عمر عند ابن أبي شيبة: ابدأ بنفسك. (وقال أبو موسى): عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- فيما وصله المؤلّف في غزوة أوطاس (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما قال له أبو موسى: إن أبا عامر قال: قل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستغفر لي ودعا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بماء فتوضأ به ثم رفع يديه (اللهم اغفر لعبيد) بالتنوين (أبي عامر) وهو عم أبي موسى وفيه فقلت: ولي فاستغفر فقال: (اللهم اغفر لعبد الله بن قيس) الأشعري (ذنبه) وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريمًا. 6331 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ مَوْلَى سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَيَا عَامِرُ لَوْ أَسْمَعْتَنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ فَنَزَلَ يَحْدُو بِهِمْ يُذَكِّرُ (تَاللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا) وَذَكَرَ شِعْرًا، غَيْرَ هَذَا وَلَكِنِّى لَمْ أَحْفَظْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ هَذَا السَّائِقُ»؟ قَالُوا: عَامِرُ بْنُ الأَكْوَعِ قَالَ: «يَرْحَمُهُ اللَّهُ» وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْلاَ مَتَّعْتَنَا بِهِ فَلَمَّا صَافَّ الْقَوْمَ قَاتَلُوهُمْ فَأُصِيبَ عَامِرٌ بِقَائِمَةِ سَيْفِ نَفْسِهِ فَمَاتَ، فَلَمَّا أَمْسَوْا أَوْقَدُوا نَارًا كَثِيرَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا هَذِهِ النَّارُ عَلَى أَىِّ شَىْءٍ تُوقِدُونَ»؟ قَالُوا: عَلَى حُمُرٍ إِنْسِيَّةٍ فَقَالَ: «أَهْرِيقُوا مَا فِيهَا وَكَسِّرُوهَا». قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نُهَرِيقُ مَا فِيهَا وَنَغْسِلُهَا قَالَ: «أَوْ ذَاكَ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن يزيد بن أبي عبيد) أبي خالد (مولى سلمة) بن الأكوع قال: (حدّثنا سلمة بن الأكوع) -رضي الله عنه- أنه (قال: خرجنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خيبر قال): ولأبي ذر فقال (رجل من القوم) لم يعرف اسمه لعامر بن الأكوع وهو عم سلمة (أبا عامر) وفي نسخة أي عامر (لو اسمعتنا من هنيهاتك) بضم الهاء وفتح النون وبعد التحتية الساكنة هاء أخرى جمع هنيهة ولأبي ذر والأصيلي هنياتك بتشديد التحتية بعد النون من غير هاء ثانية من أراجيزك القصار (فنزل) عامر (يحدو بهم يذكر) بفتح الذال المعجمة وتشديد الكاف المكسورة (تالله لولا الله ما اهتدينا) يقول ذلك وما بعده من المصاريع الأخرى نحو:

ولا تصدقنا ولا صلينا قال يحيى القطان (وذكر) يزيد بن أبي عبيد (شعرًا غير هذا)، ولكني لم أحفظه قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من هذا السائق)؟ للإِبل (قالوا: عامر بن الأكوع. قال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يرحمه الله) وكانوا قد عرفوا أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما استرحم لإنسان قط في غزاة يخصه إلا استشهد (وقال): ولأبى ذر فقال (رجل من القوم) وهو عمر بن الخطاب (يا رسول الله: لولا) هلا (متعتنا به) أي وجبت له الجنة بدعائك وهلا تركته لنا (فلما صاف) المسلمون (القوم قاتلوهم فأصيب عامر) الحادي (بقائمة سيف نفسه) لأنه كان قصيرًا فتناول به ساق يهودي ليضربه فرجع ذباب السيف فأصاب عين ركبة نفسه (فمات) -رضي الله عنه- (فلما أمسوا) مساء اليوم الذي فتحت عليهم خيبر (أوقدوا نارًا كثيرة فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما هذه النار على أي شيء توقدون؟ قالوا) نوقدها (على) لحم (حمر أنسية فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أهريقوا) بهمزة مفتوحة وسكون الهاء أي أريقوا (ما فيها وكسروها) بتشديد السين المهملة، ولأبي ذر هريقوا بإسقاط الهمزة وفتح الهاء وأكسروها بهمزة قطع مفتوحة (قال رجل) لم يسم أو هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (يا رسول الله) ولأبي ذر يا نبي الله (ألا) بالتخفيف (نهريق) بضم النون وفتح الهاء أي نريق (ما فيها ونغسلها؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أو ذاك) بإسكان الواو في الفرع حرف عطف والمعطوف عليه محذوف أي افعلوا الإِراقة والغسل ولا تكسروا القدور لأنها تطهر بالغسل. وقال في التنقيح: أو ذاك بفتح الواو على معنى التقرير. والحديث سبق في غزوة خيبر وغيرها. 6332 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِى أَوْفَى - رضى الله عنهما- قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَتَاهُ رَجُلٌ بِصَدَقَةٍ قَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلاَنٍ» فَأَتَاهُ أَبِى فَقَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِى أَوْفَى». وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين ولأبي ذر هو ابن مرة بضم الميم وتشديد الراء المفتوحة بعدها هاء تأنيث أنه (قال: سمعت ابن أبي أوفى) عبد الله الصحابي ابن الصحابي (-رضي الله عنهما-) قال: (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أتاه رجل بصدقة) بزكاة ماله ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بصدقته (قال): (اللهم صلّ على آل فلان) امتثالاً لقوله تعالى: {وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم} [التوبة: 103] وفيه مشروعية الدعاء لدافع الزكاة والجمهور على سنية ذلك خلافًا لمن أخذ بظاهر الأمر وسقط لأبي ذر لفظ آل (فأتاه أبي) أبو أوفى علقمة بصدقته (فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى) أي عليه نفسه فآل مقحم أو عليه وعلى أتباعه ولا يحسن هذا من غيره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ هو معدود من خصائصه. نعم يجوز الصلاة لنا على غير الأنبياء تبعًا، والمراد بالصلاة هنا معناها اللغوي وهو الدعاء. والحديث سبق في الزكاة والله أعلم. 6333 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرًا قَالَ: قَالَ: لِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ تُرِيحُنِى مِنْ ذِى الْخَلَصَةِ»؟ وَهْوَ نُصُبٌ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ يُسَمَّى: الْكَعْبَةَ الْيَمَانِيَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى رَجُلٌ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَصَكَّ فِى صَدْرِى وَقَالَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا» قَالَ: فَخَرَجْتُ فِى خَمْسِينَ مِنْ أَخْمَسَ مِنْ قَوْمِى وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: فَانْطَلَقْتُ فِى عُصْبَةٍ مِنْ قَوْمِى فَأَتَيْتُهَا فَأَحْرَقْتُهَا، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَاللَّهِ مَا أَتَيْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا مِثْلَ الْجَمَلِ الأَجْرَبِ فَدَعَا لأَحْمَسَ وَخَيْلِهَا. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي الكوفي (عن قيس) هو ابن أبي حازم أنه (قال: سمعت جريرًا) بفتح الجيم وكسر الراء ابن عبد الله الأحمسي الكوفي البجلي -رضي الله عنه- (قال: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ألا) بالتخفيف (تريحني) بالراء والحاء المهملتين من الإِراحة (من ذي الخلصة) بالخاء المعجمة واللام والصاد المهملة المفتوحات (وهو نصب) بضم النون والصاد المهملة صنم أو حجر (كانوا يعبدونه) من دون الله (يسمى الكعبة اليمانية) بالتخفف، ولأبي ذر عن الكشميهني كعبة اليمانية (قلت: يا رسول الله إني رجل لا أثبت على الخيل) أي أسقط لعدم اعتيادي ركوبها أو كان يخاف السقوط عنها حالة جريها (فصكّ) بالصاد المهملة المفتوحة فضرب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في صدري وقال: اللهم ثبّته) فدعا له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأكثر مما طلب وهو الثبوت مطلقًا (واجعله هاديًا) لغيره حال كونه (مهديًّا) في نفسه (قال) جرير (فخرجت في خمسين) زاد أبو ذر عن الكشميهني فارسًا (من أحمس من قومي) قال علي بن المديني: (وربما قال سفيان) بن عيينة: (فانطلقت في عصبة) ما بين عشرة إلى أربعين رجلاً (من قومي) أحمس (فأتيتها) أي ذا الخلصة

20 - باب ما يكره من السجع فى الدعاء

(فأحرقتها) وكان ذلك أول ما استجيب من دعائه له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذلك أنه عمل في ذلك هو والخمسون ما لا يعمله خمسة آلاف (ثم أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: يا رسول الله والله ما أتيتك حتى تركتها) أي ذا الخلصة (مثل الجمل الأجرب) أي المطلي بالقطران، فكان التشبيه باعتبار السواد الحاصل بالإِحراق (فدعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لأحمس وخيلها) وفي المغازي فبرك على خيل أحمس ورجالها خمس مرات. والحديث سبق في المغازي. 6334 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَسٌ خَادِمُكَ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن الربيع) أبو زيد الهروي البصري وكان يتجر في الثياب الهروية قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أنه (قال: سمعت أنسًا) -رضي الله عنه- (قال: قالت) أمي (أم سليم) -رضي الله عنها- (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يا رسول الله (أنس خادمك) ادع له (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللهم أكثر) بهمزة مفتوحة وكسر المثلثة (ماله وولده وبارك له فيما أعطيته) فكثر ماله وكان له بالبصرة بستان يثمر في السنة مرتين، وكان فيه ريحان ريحه ريح المسك، وكان له مائة وعشرون ولدًا، وقيل: إنه كان يطوف بالكعبة ومعه من ذريته أكثر من سبعين نفسًا وطال عمره، فقيل عاش تسعة وتسعين سنة، وقيل مائة سنة وثلاثين سنة، وقيل مائة وعشرين، وقيل مائة وسبعًا، وفي صحيح مسلم قال أنس: فوالله إن مالي لكثير وإن ولدي وولد ولدي ليعادّون على نحو المائة. وحديث الباب أخرجه مسلم في الفضائل. 6335 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً يَقْرَأُ فِى الْمَسْجِدِ فَقَالَ: «رَحِمَهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِى كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهَا فِى سُورَةِ كَذَا وَكَذَا». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدثني (عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد ونسبه لجده أبي شيبة إبراهيم لشهرته به قال: (حدّثنا عبدة) بفتح المهملة وسكون الموحدة آخرها هاء تأنيث ابن سليمان (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً) هو عبد الله بن زيد الأنصاري (يقرأ في المسجد فقال): (رحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها) أي نسيتها بعد تبليغها (في سورة كذا وكذا) قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على تعيين الآيات المذكورة. والحديث سبق في فضائل القرآن، وأخرجه مسلم في الصلاة والنسائي في فضائل القرآن. 6336 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَسَمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَسْمًا فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ فَأَخْبَرْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِى وَجْهِهِ وَقَالَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَقَدْ أُوذِىَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ» وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين ابن الحارث بن سخبرة الأزدي الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرني) بالإفراد (سليمان) بن مهران الأعمش (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: قسّم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قسمًا) بفتح القاف وسكون السين غنائم حنين فآثر ناسًا في القسمة أعطى الأقرع بن حابس مائة من الإِبل وأعطى عيينة بن حصن مائة من الإبل وأعطى ناسًا من العرب استئلافًا لهم (فقال رجل) اسمه معتب بن قشير المنافق كما عند الواقدي (إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله) بضم همزة أريد مبنيًّا للمفعول. قال ابن مسعود -رضي الله عنه- (فأخبرت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بذلك (فغضب حتى رأيت الغضب) أي أثره (في وجهه) وفي باب الصبر على الأذى من كتاب الأدب وتغيّر وجهه (وقال): (برحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا) الذي قاله هذا الرجل (فصبر) وأشار بقوله لقد أوذي بأكثر من هذا إلى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى} [الأحزاب: 69] وأذى موسى عليه السلام هو حديث المومسة التي راودها قارون على قذفه بنفسها حتى كان سبب ذلك هلاك قارون أو اتهامهم إياه بقتل هارون فأحياه الله فأخبرهم ببراءة موسى أو قولهم: هو آدر. وفي الحديث أن أهل الفضل قد يغضبهم ما يقال فيهم مما ليس فسهم ومع ذلك فيتلقونه بالحلم كما فعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اقتداء بموسى عليه السلام، والمراد من الحديث هنا قوله يرحم الله موسى فخصه بالدعاء فهو مطابق لأحد جزأي الترجمة والله أعلم. 20 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ السَّجْعِ فِى الدُّعَاءِ (باب ما يكره من السجع في الدعاء) وهو بفتح السين المهملة وسكون الجيم بعدها عين مهملة كلام مقفى من غير وزن. 6337 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّكَنِ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلاَلٍ أَبُو حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا هَارُونُ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْخِرِّيتِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدِّثِ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فَإِنْ أَبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ، فَإِنَّ أَكْثَرْتَ فَثَلاَثَ مِرَارٍ، وَلاَ تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا الْقُرْآنَ وَلاَ أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِى الْقَوْمَ، وَهُمْ فِى حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ، فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ، وَلَكِنْ أَنْصِتْ فَإِذَا أَمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ فَانْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ، فَاجْتَنِبْهُ فَإِنِّى عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابَهُ لاَ يَفْعَلُونَ إِلاَّ ذَلِكَ يَعْنِى لاَ يَفْعَلُونَ إِلاَّ ذَلِكَ الاِجْتِنَابَ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن محمد بن السكن)

21 - باب ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له

بفتح السين المهملة والكاف بعدها نون ابن حبيب القرشي البزار بالموحدة والمعجمة البصري نزيل بغداد قال: (حدّثنا حبان بن هلال) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة (أبو حبيب) الباهلي قال: (حدّثنا هارون) بن موسى (المقرئ) بالهمزة النحوي قال: (حدّثنا الزبير بن الخريت) بكسر الخاء المعجمة والراء المشددة بعدها تحتية ساكنة ثم مثناة البصري (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال): آمرًا أمر إرشاد (حدث الناس كل جمعة مرة فإن أبيت) امتنعت (فمرتين) في كل جمعة (فإن أكثرت فثلاث مرار) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: مرات (ولا تمل الناس هذا القرآن) بضم الفوقية وكسر الميم وتشديد اللام المفتوحة من الإِملال وهي السآمة والناس نصب على المفعولية وهو كالبيان لحكمة الأمر بعدم الإِكثار والقرآن مفعول ثان أو بنزع الخافض أي لا تملهم عن القرآن (ولا) بالواو ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بالفاء (ألفينك) بضم الهمزة وسكون اللام وكسر الفاء وفتح التحتية وتشديد النون المؤكدة أي لا أصادفنك ولا أجدنك (تأتي القوم وهم) والحال أنهم (في حديث من حديثهم فتقص عليهم فتقطع عليهم حديثهم فتملهم) بضم الفوقية وكسر الميم والرفع، ويجوز النصب بتقدير فإن تملهم (ولكن أنصت) بهمزة قطع مفتوحة وكسر الصاد اسكت مع الإِصغاء (فإذا أمروك) التمسوا منك أن تقص عليهم وتحدثهم (فحدّثهم وهم) والحال أنهم (يشتهونه فانظر) بالفاء ولأبي ذر وانظر (السجع من الدعاء) المتكلف المانع من الخشوع المطلوب فيه أو المستكره من السجع أو الاستكثار منه (فاجتنبه) ولا تشغل فكرك به لما ذكر (فإني عهدت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك) ولفظة إلا ثابتة في رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي كما في الفرع وأصله، فتكون ساقطة عند الكشميهني، وحينئذ فيكون موافقًا لما عند الإِسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن يحيى بن محمد شيخ البخاري بسنده فيه حيث قال: لا يفعلون ذلك بإسقاط إلا وذلك واضح كما لا يخفى، وفسره في غير رواية أبي ذر على وجه إثبات لفظ إلا بقوله (يعني لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب) وقوله يعني ساقط لأبي ذر قال في الإحياء: المكروه من السجع هو المتكلف لأنه لا يلائم الضراعة والذلة فإن وقع من غير قصد فلا بأس به، وفي الألفاظ النبوية كثير من ذلك كقوله: اللهم منزّل الكتاب مجري السحاب هازم الأحزاب، وكقوله: صدق وعده وأعزّ جنده، وقوله: أعوذ بك من عين لا تدمع ونفس لا تشبع وقلب لا يخشع. 21 - باب لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ، فَإِنَّهُ لاَ مُكْرِهَ لَهُ هذا (باب) بالتنوين (ليعزم) الشخص (المسألة) لربه تعالى (فإنه لا مكره له) بكسر الراء. 6338 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ، وَلاَ يَقُولَنَّ: اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِى فَإِنَّهُ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا إسماعيل) ابن علية قال: (أخبرنا عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة) أي فليقطع بالسؤال، ولأحمد الدعاء بدل المسألة (ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني) بقطع الهمزة أي فلا يشك في القبول بل يستيقن وقوع مطلوبه ولا يعلق ذلك بمشيئة الله وإن كان مأمورًا في جميع ما يريد فعله بمشيئة الله (فإنه لا مستكره له) بكسر الراء فينبغي الاجتهاد في الدعاء وأن يكون الداعي على رجاء الإجابة ولا يقنط من -رحمه الله تعالى- فإنه يدعو كريمًا ويلح فيه ولا يستثني بل يدعو دعاء البائس الفقير. وفي الترمذي وقال: حديث غريب عن أبي هريرة مرفوعًا: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإِجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه" قال التوربشتي: أي كونوا عند الدعاء على حالة تستحقون فيها الإجابة وذلك بإتيان المعروف واجتناب المنكر وغير ذلك من مراعاة أركان الدعاء وآدابه حتى تكون الإجابة على القلب أغلب من الردّ أو المراد ادعوه معتقدين وقوع الإجابة لأن الداعي إذا لم يكن متحققًا في الرجاء لم يكن رجاؤه صادقًا وإذا لم يكن الرجاء صادقًا لم يكن الرجاء خالصًا والداعي

22 - باب يستجاب للعبد ما لم يعجل

مخلصًا فإن الرجاء هو الباعث على الطلب ولا يتحقق الفرع إلا بتحقيق الأصل. والحديث أخرجه مسلم في الدعوات والنسائي في اليوم والليلة. 6339 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى اللَّهُمَّ ارْحَمْنِى إِنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لاَ مُكْرِهَ لَهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي القعنبي (عن مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت) لأن هذا التعليق صورته صورة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه، وقوله: إن شئت ثبت في رواية أبي ذر عن الحموي في الأولى، وأما في الثانية فثابت اتفاقًا وزاد في رواية همام عن أبي هريرة في كتاب التوحيد: اللهم ارزقني إن شئت (ليعزم المسألة) ولا يقل إن شئت كالمستثني فلو قال ذلك للتبرك لا للاستثناء فلا يكره (فإنه لا مكره له) تعالى، وهل النهي للتحريم أو للتنزيه خلاف. وحمله النووي على الثاني. والحديث أخرجه أبو داود في الصلاة والترمذي في الدعوات. 22 - باب يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَعْجَلْ هذا (باب) بالتنوين (يستجاب للعبد) دعاؤه (ما لم يعجل). 6340 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِى». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي عبيد) بضم العين وتنوين الدال (مولى ابن أزهر) بفتح الهمزة والهاء بينهما زاي ساكنة آخره راء عبد الرَّحمن (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل) بفتح التحتية والجيم بينهما عين ساكنة وقال في الكواكب: يستجاب من الاستجابة بمعنى الإِجابة. إلى الشاعر: فلم يستجبه عند ذاك مجيب وقوله: لأحدكم أي يجاب دعاء كل واحد منكم إذ المفرد المضاف يفيد العموم على الأصح (يقول) بيان لقوله: ما لم يعجل، ولأبي ذر مما في الفتح فيقول بالفاء والنصب (دعوت فلم يستجب لي) بضم التحتية وفتح الجيم، وفي رواية أبي إدريس الخولاني عن أبي هريرة عند مسلم والترمذي: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم وما لم يستعجل، قيل: وما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء، وقوله فيستحسر بمهملات استفعال من حسر إذا أعيا وتعب وتكرار دعوت للاستمرار أي دعوت مرارًا كثيرة. قال المظهري: من كان له ملالة من الدعاء لا يقبل دعاؤه لأن الدعاء عبادة حصلت الإجابة أو لم تحصل فلا ينبغي للمؤمن أن يمل من العبادة وتأخير الإجابة إما لأنه لم يأت وقتها فإن لكل شيء وقتًا وإما لأنه لم يقدر في الأزل قبول دعائه في الدنيا ليعطى عوضه في الآخرة، وإما أن يؤخر القبول ليلح ويبالغ في ذلك فإن الله تعالى يحب الإلحاح في الدعاء مع ما في ذلك من الانقياد والاستسلام وإظهار الافتقار ومن يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له، ومن يكثر الدعاء يوشك أن يستجاب له. وللدعاء آداب. منها تقديم الوضوء والصلاة والتوبة والإخلاص واستقبال القبلة وافتتاحه بالحمد والثناء والصلاة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأن يختتم الدعاء بالطابع وهو آمين وأن لا يخص نفسه بالدعاء، بل يعم ليدرج دعاءه وطلبه في تضاعيف دعاء الموحدين ويخلط حاجته بحاجتهم لعلها أن تقبل ببركتهم وتجاب وأصل هذا كله ورأسه اتقاء الشبهات فضلاً عن الحرام، وفي حديث مالك بن يسار مرفوعًا: إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم. رواه أبو داود ومن عادة من يطلب شيئًا من غيره أن يمدّ كفه إليه فالداعي يبسط كفه إلى الله متواضعًا متخشعًا وحكمة مسح الوجه بهما التفاؤل بإصابة ما طلب. وتبركًا بإيصاله إلى وجهه الذي هو أعلى الأعضاء وأولاها فمنه يسري إلى سائر الأعضاء. والحديث أخرجه مسلم في الدعوات أيضًا، وأبو داود في الصلاة والترمذي وابن ماجة في الدعاء. 23 - باب رَفْعِ الأَيْدِى فِى الدُّعَاءِ وَقَالَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِىُّ، دَعَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: رَفَعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّى أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ». (باب) مشروعية (رفع الأيدي في الدعاء) وسقط لفظ باب لأبي ذر. (وقال أبو موسى) عبد الله

24 - باب الدعاء غير مستقبل القبلة

بن قيس (الأشعري) -رضي الله عنه- فيما سبق موصولاً في غزوة حنين (دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم رفع يديه) في قصة قتل أبي عامر عم أبي موسى (ورأيت بياض إبطيه) بكسر الهمزة وسكون الموحدة (وقال ابن عمر) -رضي الله عنهما- مما وصله المؤلّف في غزوة بني جذيمة بجيم ومعجمة بوزن عظيمة (رفع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديه): (اللهم) ولأبي ذر عن الكشميهني وقال اللهم (إني أبرأ إليك مما صنع خالد) أي ابن الوليد -رضي الله عنه- من قتله لهم بعد قولهم صبأنا يريدون خرجنا من ديننا إلى دين الإسلام ولم يحسنوا أن يقولوا ذلك ولم يتثبت في أمرهم ولم يرو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوجب عليه القود لأنه متأول. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ الأُوَيْسِىُّ حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَشَرِيكٍ سَمِعَا أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ. (قال أبو عبد الله) البخاري -رحمه الله- (وقال الأويسي): عبد العزيز بن عبد الله (حدثني) بالإفراد (محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (وشريك) بفتح الشين المعجمة ابن أبي نمير أنهما (سمعا أنسًا) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه). وهذا طرف من حديث سبق في الاستسقاء معلقًا ووصله أبو نعيم، وفي حديث أبي هريرة قدم الطفيل بن عمرو على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إن دوسًا عصت فادع الله عليها فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال: "اللهم اهد دوسًا" رواه البخاري في الأدب، وفي حديث عائشة عند مسلم أنها رأت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعو رافعًا يديه. وفي الباب أحاديث كثيرة يطول سردها وفيها ردّ على القائل بعدم الرفع إلا في الاستسقاء لحديث أنس الصحيح لم يكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء. وأجيب: بأن المنفي صفة خاصة لا أصل الرفع فالرفع في الاستسقاء يخالف غيره إما بالمبالغة إلى أن تصير اليدان في حذو الوجه مثلاً، وفي الدعاء إلى المنكبين ويكون رؤية بياض إبطيه في الاستسقاء أبلغ منها في غيره أو أن الكفّين في الاستسقاء يليان الأرض وفي الدعاء يليان السماء. 24 - باب الدُّعَاءِ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةِ (باب الدعاء) حال كون الداعي (غير مستقبل القبلة). 6342 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: بَيْنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَسْقِيَنَا؟ فَتَغَيَّمَتِ السَّمَاءُ وَمُطِرْنَا حَتَّى مَا كَادَ الرَّجُلُ يَصِلُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَلَمْ تَزَلْ تُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ، فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنَّا فَقَدْ غَرِقْنَا فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا» فَجَعَلَ السَّحَابُ يَتَقَطَّعُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَلاَ يُمْطِرُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن محبوب) بالحاء المهملة البناني البصري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: بينا) بغير ميم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب يوم الجمعة فقام رجل) أعرابي (فقال: يا رسول الله ادع الله أن يسقينا فتغيمت السماء) الفاء هي الفصيحة الدالة على محذوف أي فدعا فاستجاب الله دعاءه فتغيمت السماء (ومطرنا حتى ما كاد الرجل يصل إلى منزله) من كثرة المطر، ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني إلى المنزل (فلم نزل نمطر) بضم النون وفتح الطاء من الجمعة (إلى الجمعة المقبلة) والذي في الفرع وأصله فلم تزل تمطر بالفوقية فيهما (فقام ذلك الرجل أو غيره فقال): يا رسول الله (ادع الله أن يصرفه) أي المطر (عنا فقد غرقنا فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللهم) أنزل المطر (حوالينا ولا) تنزله (علينا. فجعل السحاب يتقطع حول المدينة ولا يمطر) بضم أوله وكسر ثالثه السحاب (أهل المدينة) نصب ولأبي ذر ولا يمطر بفتح الطاء مبنيًّا للمفعول وأهل رفع. ومناسبة الحديث للترجمة من جهة أن الخطيب من شأنه أن يكون مستدبر القبلة وأنه لم ينقل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما دعا في المرتين استدار. والحديث سبق في الاستسقاء على المنبر. 25 - باب الدُّعَاءِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ (باب الدعاء) حال كون الداعي (مستقبل القبلة). 6343 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى هَذَا الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِى فَدَعَا وَاسْتَسْقَى ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد قال: (حدّثنا عمرو بن يحيى) بفتح العين المازني الأنصاري (عن عبادة بن تميم) بفتح العين وتشديد الموحدة الأنصاري المازني (عن عبد الله بن زيد) الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: خرج النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى هذا المصلّى) بفتح اللام المشددة (يستسقي فدعا واستسقى ثم استقبل القبلة وقلب رداءه) فقدم الدعاء قبل الاستقبال، وحينئذ فلا مطابقة بين الترجمة والحديث، لكن قال

26 - باب دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- لخادمه بطول العمر، وبكثرة ماله

الإِسماعيلي: يحتمل أن البخاري أراد أنه لما تحوّل وقلب رداءه دعا حينئذ أيضًا، ويحتمل أنه أشار كعادته لما ورد في بعض طرق الحديث مما سبق في كتاب الاستسقاء أنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة وحوّل رداءه وقد ورد في استقبال القبلة عند الدعاء من فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدّة أحاديث. 26 - باب دَعْوَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِخَادِمِهِ بِطُولِ الْعُمُرِ، وَبِكَثْرَةِ مَالِهِ (باب) ذكر (دعوة) وفي نسخة دعاء (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لخادمه) أنس بن مالك -رضي الله عنه- (بطول العمر وبكثرة ماله). 6344 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حَرَمِىٌّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَتْ أُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ خَادِمُكَ أَنَسٌ ادْعُ اللَّهَ لَهُ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) نسبه لجده واسم أبيه محمد واسم أبي الأسود حميد قال: (حدّثنا حرمي) بفتح الحاء المهملة والراء وكسر الميم وتشديد التحتية ابن عمارة العتكي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السدوسي (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قالت أمي) أم سليم الرميصاء (يا رسول الله خادمك أنس ادع الله له) سقط أنس لأبي ذر (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته) زاد مسلم من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس في آخر هذا الحديث قال أنس: فوالله إن مالي لكثير وإن ولدي وولد ولدي ليعادّون على نحو المائة اليوم، وثبت في الصحيح أنه كان في الهجرة ابن تسع سنين وكانت وفاته سنة إحدى وتسعين فيما قيل، وقيل سنة ثلاث وله مائة وثلاث سنين. قال خليفة: وهو المعتمد وأما طول عمره فلم يذكر في حديث الباب وكان المؤلّف أشار لما في بعض طرق الحديث عن أنس قال: قالت أم سليم خويدمك ألا تدعو له؟ فقال: اللهم أكثر ماله وولده وأطل حياته واغفر له. رواه البخاري في الأدب المفرد وفيه دلالة على إباحة الاستكثار من المال والولد والعيال لكن إذا لم يشغله ذلك عن الله والقيام بحقوقه. قال الله تعالى: {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} [التغابن: 15] ولا فتنة أعظم من شغلهم العبد عن القيام بحقوق المولى ولولا دعوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنس لخيف عليه. 27 - باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الْكَرْبِ (باب) ذكر (الدعاء عند الكرب) بفتح الكاف وسكون الراء بعدها موحدة وهو ما يدهم الإنسان فيأخذ بنفسه فيغمه ويحزنه. 6345 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِى الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو عِنْدَ الْكَرْبِ يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ». وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي الفراهيدي بالفاء البصري قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة السدوسي الحافظ المفسر (عن أبي العالية) رفيع الرياحي (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعو عند) حلول (الكرب) ولمسلم من رواية يوسف بن عبد الله بن الحارث عن أبي العالية كان إذا حزبه أمر وهو بفتح الحاء المهملة والزاي وبالموحدة أي هجم عليه أو غلبه (يقول): (لا إله إلا الله العظيم) المطلق البالغ أقصى مراتب العظمة الذي لا يتصوّره عقل ولا يحيط بكنهه بصيرة (الحليم) الذي لا يستفزه غضب ولا يحمله غيظ على استعجال العقوبة والمسارعة إلى الانتقام وسقط لغير أبي ذر لفظ يقول (لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش العظيم) بالجر صفة للعرش ووصف العرش بالعظيم لأنه أعظم خلق الله مطافًا لأهل السماء وقبلة للدعاء، وضبطه الداودي فيما نقله عنه ابن التين السفاقسي بالرفع وبه قرأ ابن محيصن آخر التوبة نعتًا للرب قال أبو بكر الأصم: جعل العظيم صفة لله أولى من جعله صفة للعرش وثبتت الواو في قوله ورب العرش لأبي ذر. 6346 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ». وَقَالَ وَهْبٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام بن أبي عبد الله) الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي العالية) رفيع (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول عند) حلول (الكرب): ولمسلم من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة كان يدعو بهن ويقولهن عند الكرب. (لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم) وصف العرش بالكرم لأن الرحمة تنزل منه أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين وقرئ في آية المؤمنين بالرفع صفة للرب تعالى كما مرّ، وقد صدر

28 - باب التعوذ من جهد البلاء

هذا الثناء بذكر الرب ليناسب كشف الكرب لأنه مقتضى التربية ووصف الرب تعالى بالعظمة والحلم وهما صفتان مستلزمتان لكمال القدرة والرحمة والإحسان والتجاوز ووصفه بكمال ربوبيته الشاملة للعالم العلوي والسفلي، والعرش الذي هو سقف المخلوقات وأعظمها وحلمه يستلزم كمال رحمته وإحسانه إلى خلقه فعلم القلب ومعرفته بذلك يوجب محبته وإجلاله وتوحيده فيحصل له من الابتهاج واللذة والسرور ما يدفع عنه ألم الكرب والهم والغم، فإذا قابلت بين ضيق الكرب وسعة هذه الأوصاف التي تضمنها هذا الحديث وجدته في غاية المناسبة لتفريج هذا الضيق وخروج القلب منه إلى سعة البهجة والسرور، وإنما يصدق هذه الأمور من أشرقت فيه أنوارها وباشر قلبه حقائقها أشار إليه في زاد المعاد. وقال في الكواكب فإن قلت: هذا ذكر لا دعاء. قلت: هو ذكر يستفتح به الدعاء بكشف كربه وعن سفيان بن عيينة أما علمت أن الله قال: من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين. ومن دعوات الكرب ما رواه أبو داود وصححه ابن حبان عن أبي بكرة رفعه: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت. ومنها الله الله ربي لا أشرك به شيئًا رواه أصحاب السنن إلا الترمذي من حديث أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب". ولابن أبي الدنيا كتاب الفرج عند الشدة فائق في معناه. (وقال وهب): بفتح الواو وسكون الهاء وللمستملي وهيب بضم الواو وفتح الهاء لكن قال أبو ذر الهروي: الصواب وهب يعني بفتح الواو وهو وهب بن جرير بن حازم قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) السدوسي (مثله) أي مثل الحديث السابق، وأشار المؤلّف بهذا التعليق إلى رد قول القائل إن قتادة لم يسمع من أبي العالية إلا أربعة أحاديث حديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث القضاة ثلاثة، وحديث ابن عباس شهد عندي رجال مرضيون لأن شعبة ما كان يحدث عن أحد من المدلسين إلا بما يكون ذلك المدلس قد سمعه من شيخه وقد حدث شعبة بهذا الحديث عن قتادة فانتفت ريبة تدليس قتادة في هذا الحديث حيث رواه بالعنعنة، لا سيما وقد أخرجه مسلم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن أبا العالية حدثه فصرح بسماعه له منه. 28 - باب التَّعَوُّذِ مِنْ جَهْدِ الْبَلاَءِ (باب التعوّذ) بالله (من جهد البلاء) بفتح الجيم وضمها. 6347 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِى سُمَىٌّ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ الْبَلاَءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ. قَالَ سُفْيَانُ: الْحَدِيثُ ثَلاَثٌ زِدْتُ أَنَا وَاحِدَةً لاَ أَدْرِى أَيَّتُهُنَّ هِىَ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدثني) بالإفراد (سمي) بضم السين وفتح الميم وتشديد التحتية مولى أبي بكر بن عبد الرَّحمن (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتعوّذ) تعبدًا وتواضعًا وتعليمًا لأمته (من جهد البلاء) بفتح الموحدة مع المد ويجوز الكسر مع القصر وهو الحالة التي يمتحن بها الإنسان وتشق عليه بحيث يتمنى فيها الموت ويختاره عليها وعن ابن عمر جهد البلاء قلة المال وكثرة العيال (و) من (درك الشقاء) بفتح الدال والراء المهملتين وقد تسكن الراء اللحاق والوصول إلى الشيء والشقاء بالشين المعجمة والقاف الهلاك وقد يطلق على السبب المؤدي إلى الهلاك (و) من (سوء القضاء) ما يسوء الإنسان ويوقعه في المكروه ولفظ السوء ينصرف إلى المقضي عليه دون القضاء وهو كما قال النووي شامل للسوء في الدين والدنيا والبدن والمال والأهل وقد يكون في الخاتمة أسأل الله تعالى العافية وأسأله بوجاهة وجهه الكريم أن يختم لي وللمسلمين بخاتمة الحسنى ويرفعنا إلى المحل الأسنى بمنه وكرمه (و) من (شماتة الأعداء) وهي فرح العدو ببلية تنزل بمن يعاديه. (قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق: (الحديث) مذكور فيه (ثلاث زدت أنا واحدة) من قبل نفسي (لا أدري أيتهن هي) وقد أخرج الإسماعيلي

29 - باب دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم الرفيق الأعلى»

الحديث من طريق ابن أبي عمر عن سفيان فبين فيه أن الخصلة المزيدة هي شماتة الأعداء، ولعل سفيان كان إذا حدث ميزها ثم طال الأمر فطرأ عليه النسيان فحفظ بعض من سمع تعيينها منه قبل أن يطرأ عليه النسيان ثم كان بعد أن خفي عليه تعيينها يذكر كونها مزيدة مع إبهامها. والحديث أخرجه البخاري أيضًا في القدر ومسلم في الدعوات والنسائي في الاستعاذة. 29 - باب دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى» (باب دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عند موته بقوله (اللهم الرفيق الأعلى) قال في فتح الباري: وتبعه العيني وفي رواية الأكثرين باب بغير ترجمة. 6348 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِى رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ وَهْوَ صَحِيحٌ: «لَنْ يُقْبَضَ نَبِىٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ». فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِى غُشِىَ عَلَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى» قُلْتُ: إِذًا لاَ يَخْتَارُنَا، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِى كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهْوَ صَحِيحٌ، قَالَتْ: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا: «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) نسبه لجده عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء وبعد التحتية الساكنة راء واسم أبيه محمد (قال: حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (الليث) بن سعد إمام المصريين صاحب المكارم العظيمة (قال: حدثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب) أحد الأعلام وسيد التابعين (وعروة بن الزبير) بن العوّام الأسدي المدني ولد في أوائل خلافة عثمان وتوفي سنة أربع وتسعين على الصحيح (في رجال من أهل العلم) أي أخبراه في جملة طائفة أخرى أخبروه أيضًا بذلك أو في حضور طائفة مستمعين له. وقال في الفتح: لم أقف على تعيين أحد منهم صريحًا، وقد روى أصل الحديث المذكور عن عائشة ابن أبي مليكة وذكوان مولى عائشة وأبو سلمة بن عبد الرَّحمن والقاسم بن محمد، فيحتمل أن يكون الزهري عناهم أو بعضهم (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول وهو صحيح): (لن يقبض نبي قط) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني لم يقبض بلم الجازمة ويقبض بضم أوّله وفتح ثالثه للمفعول فيهما (حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخبر) على صيغة المجهول بين الموت والحياة (فلما نزل به) بفتح النون والزاي في الفرع كأصله حضره الموت (ورأسه) والحال أن رأسه (على فخذي) بالمعجمتين (غشي عليه ساعة ثم أفاق فأشخص) بفتح الهمزة والخاء أي رفع (بصره إلى السقف ثم قال: اللهم الرفيق الأعلى) بنصب الرفيق أي اخترت الرفيق الأعلى وهو اسم جاء على فعيل ومعناه الجماعة كالصديق والخليط. قيل: وهو الذي جاء مبنيًّا في الحديث من قوله: مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وقيل هم المقربون من الملائكة، وقيل ليس الأعلى من الصفات الموضحة فلا يتوهم أن ثمة رفيقًا ليس بأعلى بل هو من الصفات المادحة من باب قوله تعالى: {يحكم بها النبيون الذين أسلموا} [المائدة: 44] قالت عائشة: (قلت إذًا لا يختارنا وعلمت أنه الحديث الذي كان يحدّثنا) به (وهو صحيح) نعني قوله لن يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير (قالت: فكانت تلك آخر كلمة تكلم بها اللهم الرفيق الأعلى). والحديث يأتي إن شاء الله تعالى في الرقاق وسبق في مواضع وأخرجه مسلم في الفضائل. 30 - باب الدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ (باب) ذكر كراهية (الدعاء بالموت والحياة) إذا كانت الحياة شرًّا للداعي. 6349 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: أَتَيْتُ خَبَّابًا وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعًا، قَالَ: لَوْلاَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) أي ابن أبي حازم أنه (قال: أتيت خبابًا) بالخاء المعجمة والموحدة المشددة المفتوحتين وبعد الألف موحدة أخرى ابن الأرتّ (وقد اكتوى سبعًا) لوجع كان به (قال): وللكشميهني وقال: (لولا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به) على نفسي. والحديث مرّ في الطب. 6350 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِى قَيْسٌ قَالَ: أَتَيْتُ خَبَّابًا وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعًا فِى بَطْنِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوْلاَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ، لَدَعَوْتُ بِهِ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (محمد بن المثنى) العنزي الحافظ قال: (حدّثنا يحيى) القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد أنه (قال: حدثني) بالإفراد (قيس) هو ابن أبي حازم (قال: أتيت خبابًا وقد اكتوى سبعًا في بطنه) لم يقل في الأولى في بطنه، فلذا أورد هذا الحديث أيضًا (فسمعته يقول: لولا أن النبي) وفي نسخة أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهانا أن ندعو بالموت

31 - باب الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رءوسهم

لدعوت به). 6351 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِى مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِى، وَتَوَفَّنِى إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِى». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (ابن سلام) بتخفيف اللام وتشديدها (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (ابن سلام) بتخفيف اللام وتشديدها محمد قال: (أخبرنا إسماعيل ابن علية) بضم العين وفتح اللام والتحتية المشددة هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم البصري (عن عبد العزيز بن صهيب) البناني الأعمى (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مخاطبًا للصحابة ومن بعدهم من المسلمين عمومًا. (لا يتمنين) بنون التأكيد الثقيلة (أحد منكم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أحدكم (الموت لضر) أي لأجل مرض أو غيره (نزل به فإن كان) من نزل به الضر (لا بدّ متمنيًّا للموت فليقل أللهم) بقطع الهمزة كهمزة (أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي) وقوله لا يتمنّين نهي خرج في صورة النفي للتأكيد وإنما نهى عن ذلك لأنه في معنى التبرم عن قضاء الله في أمر منفعته عائدة على العبد في آخرته نعم لو كان التمني خوف فساد الدين ساغ له ذلك وقوله: فليقل ليس للوجوب لأن الأمر بعد الحظر لا يبقى على حقيقته. والحديث أخرجه مسلم في الدعوات أيضًا والترمذي في الجنائز والنسائي في الطب: والله أسأل أن يطيل عمري في طاعته، ويلبسني أثواب عافيته، ويقبضني على الإسلام والسنة، من غير فتنة ولا محنة في طيبة الطيبة، وأن يرد ضالتي، ويصلح لي ديني ودنياي وآخرتي، والحمد لله وصلّى الله على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. 31 - باب الدُّعَاءِ لِلصِّبْيَانِ بِالْبَرَكَةِ وَمَسْحِ رُءُوسِهِمْ وَقَالَ أَبُو مُوسَى: وُلِدَ لِى غُلاَمٌ وَدَعَا لَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَرَكَةِ. (باب الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رؤوسهم وقال أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- مما سبق موصولاً في العقيقة (ولد لي غلام) ولأبي ذر عن الكشميهني مولود (ودعا له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) معطوف على محذوف ذكره في العقيقة ولفظه ولد لي غلام فأتيت به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة ودعا له (بالبركة). 6352 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنِ الْجَعْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: ذَهَبَتْ بِى خَالَتِى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِى وَجِعٌ، فَمَسَحَ رَأْسِى وَدَعَا لِى بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة وبعد الألف فوقية ابن إسماعيل المدني أبو إسماعيل الحافظ الحارثي مولاهم (عن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة (ابن عبد الرَّحمن) ويدعى الجعيد بن أوس وقد ينسب إلى جده أنه (قال: سمعت السائب بن يزيد) بن سعيد الكندي صحابي صغير له أحاديث قليلة وحج به في حجة الوداع وهو ابن سبع سنين وهو آخر من مات من الصحابة بالمدينة -رضي الله عنهم- (يقول: ذهبت بي خالتي) لم تسم (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إن ابن أختي) علية بنت شريح (وجع) بفتح الواو وكسر الجيم أي مريض قال: السائب (فمسح) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رأسي) بيده (ودعا لى بالبركة). وهذا من غرض بعض الترجمة. (ثم توضأ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فشرِبتُ من وضوئه) بفتح الواو من الماء المتقاطر من أعضائه المقدسة (ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتمه) الذي كان يعرف به عند أهل الكتاب (بين كتفيه) بالتثنية إلى جهة كتفه الأيسر (مثل زر الحجلة) بكسر الميم وسكون المثلثة مفعول نظرت وزر بكسر الزاي وتشديد الراء والحجلة بفتح الحاء المهملة والجيم واحدة الحجال بيوت تزين لها عرى وأزرار. والحديث سبق في باب خاتم النبوّة قبل المبعث وفي باب استعمال وضوء الناس من كتاب الطهارة. 6353 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى عَقِيلٍ، أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ مِنَ السُّوقِ أَوْ إِلَى السُّوقِ فَيَشْتَرِى الطَّعَامَ فَيَلْقَاهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ عُمَرَ فَيَقُولاَنِ: أَشْرِكْنَا فَإِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ دَعَا لَكَ بِالْبَرَكَةِ، فَيُشْرِكُهُمْ فَرُبَّمَا أَصَابَ الرَّاحِلَةَ كَمَا هِىَ فَيَبْعَثُ بِهَا إِلَى الْمَنْزِلِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله أحد الأعلام قال: (حدّثنا سعيد بن أبي أيوب) الخزاعي مولاهم المصري أبو يحيى بن مقلاص (عن أبي عقيل) بفتح العين المهملة وكسر القاف زهرة بن معبد بن عبد الله بن هشام القرشي المصري (أنه كان يخرج به جدّه عبد الله بن هشام) التيميّ من بني تيم بن مرة (من السوق أو إلى السوق) قال الكرماني: من السوق أي من جهة دخول السوق والمعاملة فيه بالشك من الراوي وفي باب الشركة في الطعام

32 - باب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-

إلى السوق بالجزم من غير شك (فيشتري الطعام فيلقاه ابن الزبير) عبد الله (وابن عمر) عبد الله (فيقولان) له (أشركنا) بقطع الهمزة مفتوحة وكسر الراء في الطعام الذي اشتريته (فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد دعا لك بالبركة) وذلك أن أمه زينب بنت حميد ذهبت به إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمسح رأسه ودعا له كما في رواية الباب المذكور (فيشركهم) بفتح التحتية والراء لأبي ذر وبالضم ثم الكسر لغيره وعبر بالجمع باعتبار أن أقل الجمع اثنان (فربما أصاب) ابن هشام من الربح (الراحلة كما هي) أي بتمامها (فيبعث بها إلى المنزل) ببركة دعوة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له. وفي الحديث ما ترجم له من الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رؤوسهم كما في رواية باب الشركة المذكورة وإجابة دعائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 6354 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَهُوَ الَّذِى مَجَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى وَجْهِهِ وَهْوَ غُلاَمٌ مِنْ بِئْرِهِمْ. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي الفقيه قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف الزهري المدني (عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف المدني أبي محمد أو أبي الحارث مؤدّب ولد عمر بن عبد العزيز (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (محمود بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة الأنصاري الجزري المدني (وهو الذي مج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في وجهه وهو غلام) ابن خمس سنين (من) ماء (بئرهم) التي في دارهم وكان فعله لذلك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للتبريك على عادته الشريفة مع أولاد أصحابه والدعابة معهم لطفًا ورحمة وتشريعًا جزاه الله عنا أفضل ما جازى نبيًّا عن أمته وصلّى عليه وسلم كثيرًا. والحديث مرّ في العلم وغيره. 6355 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيَدْعُو لَهُمْ فَأُتِىَ بِصَبِىٍّ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روّاد العتكي المروزي الحافظ أبو عبد الرَّحمن قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يؤتى بالصبيان فيدعو لهم) فأتي بصبي لم يأكل ولم يشرب غير اللبن للتغذي وهو ابن قيس أو الحسن أو الحسين كما فى الأوسط للطبراني (فبال) الصبي (على ثوبه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فدعا بماء فأتبعه إياه) بقطع الهمزة وسكون الفوقية صبه عليه حتى غمره من غير إسالة بدليل قوله (ولم يغسله). وسبق الحديث في الوضوء. 6356 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللَّهُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ مَسَحَ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن ثعلبة) بفتح المثلثة والعين المهملة الساكنة الصحابي (ابن صعير) بضم الصاد وفتح العين المهملتين الصحابي أيضًا (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد مسح عينه) سبق معلقًا في غزوة الفتح من طريق يونس عن الزهري مسح وجهه عام الفتح (أنه رأى سعد بن أبي وقاص يوتر بركعة) واحدة وحمل الطحاوي هذا ومثله على أن الركعة مضمومة إلى الركعتين قبلها ولم يتمسك في دعوى ذلك إلا بالنهي عن البتيراء مع احتمال أن يكون المراد بالبتيراء أن يوتر بواحدة فردة ليس قبلها شيء، ولا يخفى مطابقة الحديث لما ترجم له والله الموفق. 32 - باب الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب الصلاة على النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الصلاة لغة الدعاء قال: تعالى: {وصل عليهم} [التوبة: 103] أي ادع لهم والدعاء نوعان دعاء عبادة ودعاء مسألة فالعابد داع كالسائل وبهما فسر قوله تعالى: {ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60] فقيل أطيعوني أثبكم، وقيل سلوني أعطكم وقد يستعمل بمعنى الاستغفار ومنه قوله عليه الصلاة والسلام إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم فقد فسر في الرواية الأخرى أمرت أن أستغفر لهم وبمعنى القراءة ومنه قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك} [الإسراء: 110] وإذا علم هذا فليعلم أن الصلاة يختلف حالها بحسب حال المصلي والمصلّى له والمصلّى عليه. وقد سبق نقل البخاري في تفسير سورة الأحزاب عن أبي العالية أن معنى صلاة الله تعالى على نبيه ثناؤه عليه عند ملائكته ومعنى صلاة الملائكة عليه الدعاء له، ورجح القرافي المالكي أن الصلاة من الله المغفرة

وقال الإمام فخر الدين والآمدي: إنها الرحمة وتعقب بأن الله تعالى غاير بين الصلاة والرحمة في قوله: {أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة} [البقرة: 157] وقال ابن الأعرابي: الصلاة من الله الرحمة، ومن الآدميين وغيرهم من الملائكة والجن الركوع والسجود والدعاء والتسبيح، ومن الطير والهوام التسبيح قال تعالى: {كل قد علم صلاته وتسبيحه} [النور: 41]. 6357 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى لَيْلَى قَالَ: لَقِيَنِى كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلاَ أُهْدِى لَكَ هَدِيَّةً؟ إِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ عَلَيْنَا فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّى عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَقُولُوا: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا الحكم) بفتح الحاء المهملة والكاف ابن عتيبة بضم العين المهملة وفتح الفوقية وسكون التحتية بعدها موحدة فقيه الكوفة في عصره (قال: سمعت عبد الرَّحمن بن أبي ليلى) بفتح اللامين مقصور الأنصاري عالم الكوفة (قال: لقيني كعب بن عجرة) بضم العين المهملة وسكون الجيم بعدها راء مفتوحة فهاء تأنيث المدني الأنصاري بالحلف من أصحاب الشجرة وعند الطبري من طريق المحاربي عن مالك بن مغول أن ذلك كان وهو يطوف بالبيت الحرام (فقال) لي: (ألا) بالتخفيف وتكون للعرض والتحضيض والفرق بينه وبين العرض أن العرض معه لين بخلاف التحضيض فإنه بحث فقوله هنا ألا (أهدي) بضم الهمزة (لك هدية) عرض والهدية اسم مصدر والمصدر إهداء لأنه من أهدى والهدية ما يتقرب به إلى المهدي إليه توددًا وإكرامًا، وزاد فيه بعضهم من غير قصد نفع عوض دنيوي بل لقصد ثواب الآخرة وأكثر ما يستعمل في الأجسام لا سيما والهدية فيها نقل من مكان إلى آخر وقد يستعمل في المعاني كالعلوم والأدعية مجازًا لما يشتركان فيه من قصد المواددة والتواصل في إيصال ذلك إليه، وفي رواية شبابة وعفان عن شعبة عند الخلعي في فوائده قلت بلى (إن) بكسر الهمزة على الاستئناف ويجوز الفتح بتقدير هي أن فتكون معمولة أو بتقدير فعل أي أهدي لك أن (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج علينا فقلنا: يا رسول الله) عطف على خرج وجملة يا رسول الله معمولة للقول، وقوله قلنا بصيغة الجمع يحتمل أنه أراد نفسه وغيره من الصحابة ممن كان حاضرًا. قال في الفتح: وقد وقفت من تعيين من باشر السؤال على جماعة منهم أبي بن كعب عند الطبراني وبشير بن سعد والد النعمان في حديث ابن مسعود عند مالك ومسلم وزيد بن خارجة الأنصاري عند النسائي وطلحة بن عبيد الله عند الطبري، وحديث أبي هريرة عند الشافعي وعبد الرَّحمن بن بشير عند إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلاة فإن ثبت أن السائل كان متعددًا فواضح وإن ثبت أنه كان واحدًا فالحكمة في التعبير بصيغة الجمع الإِشارة إلى أن السؤال لا يختص به بل يريد نفسه ومن يوافقه على ذلك ولا يقال هو من باب التعبير عن البعض بالكل، بل حمله على ظاهره من الجمع هو المعتمد لما ذكر. وعند البيهقي والخلعي من طريق الأعمش ومسعر ومالك بن مغول عن الحكم عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة لما نزلت {إن الله وملائكته يصلون على النبي} [الأحزاب: 56] الآية قلنا يا رسول الله (قد علمنا كيف نسلم عليك) بما علمتنا من أن نقول السلام عليك أيها النبي وقد أمرنا الله تعالى بالصلاة والسلام عليك في الآية (فكيف نصلي عليك)؟ أي فعلمنا كيف اللفظ اللائق بالصلاة عليك (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فقولوا) والأمر هنا للوجوب اتفاقًا نعم اختلف هل تتعدد أم لا فقيل في العمر مرة واحدة وقيل في كل تشهد يعقبه سلام قاله الشافعي وفيه مباحث سبقت في سورة الأحزاب وقيل تجب كلما ذكر لحديث رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ وفي كتاب المواهب اللدنية من ذلك ما يكفي ويشفي ولأبي ذر فقال: قولوا (اللهم صل على محمد) قال الحليمي: أي عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته وإبداء فضيلته بالمقام المحمود، ولما كان البشر عاجزًا عن أن يبلغ قدر الواجب له من ذلك شرع لنا أن نحيل أمر ذلك على الله تعالى بأن نقول: اللهم صل على محمد أي لأنك أنت العليم بما يليق به من ذلك

33 - باب هل يصلى على غير النبي -صلى الله عليه وسلم- وقول الله تعالى: {وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} [التوبة: 103]

(وعلى آل محمد) من حرمت عليه الصدقة (كما صليت على آل إبراهيم) وعند البيهقي من وجه آخر عن آدم بن أبي إياس شيخ المؤلّف على إبراهيم ولم يقل على آل إبراهيم قال: في الفتح والحق أن ذكر محمد وإبراهيم وذكر آل محمد وآل إبراهيم ثابت في أصل الخبر وإنما حفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر (إنك حميد) محمود (مجيد) ماجد وصفان بنيًا للمبالغة (اللهم بارك على محمد) أي أثبت له وأدم له ما أعطيته من التشريف والكرامة وزده من الكمالات ما يليق بك وبه (وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد). قال في شرح المشكاة: هذا تذييل للكلام السابق وتقرير له على سبيل العموم أي أنك حميد فاعل ما تستوجب به الحمد من النعم المتكاثرة والآلاء المتعاقبة المتوالية مجيد كريم الإِحسان إلى جميع عبادك الصالحين ومن محامدك وإحسانك أن توجه صلواتك وبركاتك وترحمك على حبيبك نبي الرحمة وآله، وللحافظ أبي الحسن بن المفضل المقدسي جزء جمع فيه طرق حديث عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة. 6358 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِىُّ عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا السَّلاَمُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّى؟ قَالَ: قُولُوا «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ». وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي ابن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوّام أبو إسحاق القرشي الأسدي الزبيري المدني والد مصعب بن إبراهيم قال: (حدّثنا ابن أبي حازم) عبد العزيز واسم أبي حازم سلمة بن دينار المدني (والدراوردي) بفتح الدّال المهملة والراء وبعد الألف واو مفتوحة فراء ساكنة فدال مهملة مكسورة عبد العزيز بن محمد (عن يزيد) من الزيادة بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي (عن عبد الله بن خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة ويعد الألف موحدة أخرى الأنصاري (عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- أنه (قال: قلنا يا رسول الله هذا السلام عليك) أي قد عرفناه (فكيف نصلي) أي عليك (قال): (قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم) بإسقاط على في آل في الموضعين وإثبات إبراهيم في الموضعين. نعم الذي في اليونينية في قوله: وبارك على محمد وعلى آل محمد بإثبات على بخلاف الحديث الأول فأسقطها في الموضعين، وسبق أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظه الآخر فلا حاجة إلى القول بأن ذكر الآل مقحم على رواية الحديث الأول كما لا يخفى. فإن قلت: لم قال: كما صليت على إبراهيم ولم يقل على موسى؟ أجاب المرجاني: بأن موسى كان التجلي له بالجلال فخرّ موسى صعقًا، والخليل كان التجلي له بالجمال لأن المحبة والخلة من آثار التجلي بالجمال فلذا أمر نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نصلي عليه كما صلّى الله على إبراهيم لنسأل له التجلي بالجمال، وهذا لا يقتضي التسوية بينه وبين الخليل في الوصف الذي هو التجلي بالجمال فإن الحق سبحانه يتجلى بالجمال لشخصين بحسب مقامهما وإن اشتركا في وصف التجلي بالجمال فيتجلى لكل واحد منهما بحسب مقامه عنده ومكانته. 33 - باب هَلْ يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103] هذا (باب) بالتنوين (هل يصلّى) بفتح اللام (على غير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الأنبياء والملائكة والمؤمنين استقلالاً أو تبعًا (وقول الله) ولأبي ذر وقوله (تعالى) لنبيه عليه الصلاة والسلام ({وصلّ عليهم}) أي العطف عليهم بالدعاء لهم ({إن صلاتك سكن لهم}) (التوبة: 103] يسكنون إليها وتطمئن قلوبهم بها ولغير أبي ذر صلاتك بالتوحيد وفتح التاء نصب بإن وبها قرأ حفص وحمزة والكسائي قيل وهي أكثر من الصلوات لأن المصدر بلفظه يدل على الكثرة. 6359 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِى أَوْفَى قَالَ: كَانَ إِذَا أَتَى رَجُلٌ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِصَدَقَتِهِ قَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ» فَأَتَاهُ أَبِى بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِى أَوْفَى». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) الجملي بالجيم أحد الأعلام (عن ابن أبي أوفى) بفتح الهمزة وسكون الواو بعدها فاء مفتوحة مقصورة عبد الله الأسلمي له صحبة أنه (قال: كان إذا أتى رجل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بصدقته) المفروضة (قال): (اللهم صل عليه) أي اغفر له وارحمه (فأتاه أبي) أبو أوفى (بصدقته) المفروضة وللحموي والمستملي بصدقة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (اللهم صل على آل أبي أوفى) امتثالاً لقوله تعالى:

{وصل عليهم} [التوبة: 103]. وفي حديث قيس بن سعد بن عبادة أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رفع يديه وهو يقول: "اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة" رواه أبو داود والنسائي وسنده جيد، وتمسك بذلك من جوّز الصلاة على غير الأنبياء استقلالاً وهو مقتضى صنيع المصنف -رحمه الله تعالى- لأنه صدّر بالآية ثم بالحديث الدال على الجواز مطلقًا وقال قوم: لا تجوز مطلقًا استقلالاً وتجوز تبعًا فيما ورد به النص أو ألحق به لقوله تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضًا} [النور: 63] لأنه لما علمهم السلام قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ولما علمهم الصلاة قصر ذلك عليه وعلى أهل بيته، وقال آخرون: تجوز تبعًا مطلقًا ولا تجوز استقلالاً. وأجابوا عن حديث ابن أبي أوفى ونحوه بأن لله ورسوله أن يخصا من شاءا بما شاءا وليس ذلك لغيرهما وثبت عن ابن عباس اختصاص الصلاة بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعند ابن أبي شيبة بسند صحيح من طريق عثمان بن حكيم عن عكرمة عنه ما أعلم الصلاة تنبغي على أحد من أحد إلا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وحكي القول به عن مالك وقال: ما تعبدنا به ونحوه عن عمر بن عبد العزيز وعن مالك يكره، وقال القاضي عياض: عامة أهل العلم على الجواز، وقال سفيان: يكره إلا على نبي، ووجدت بخط بعض شيوخ مذهب مالك لا يجوز أن يصلّى إلا على محمد وهذا غير معروف من مذهب مالك وإنما قال: أكره الصلاة على غير الأنبياء وما ينبغي لنا أن نتعدى ما أمرنا به، وعند الترمذي والحاكم من حديث عليّ في الذي يحفظ القرآن وصل عليّ وعلى سائر النبيين، وعند إسماعيل القاضي بسند ضعيف من حديث أبي هريرة رفعه: "صلوا على أنبياء الله". وقال ابن القيم: المختار أن يصلّى على الأنبياء والملائكة وأزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وآله وذريته وأهل الطاعة على سبيل الإجماع ويكره في غير الأنبياء لشخص مفرد بحيث يصير شعارًا. 6360 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِىِّ أَخْبَرَنِى أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِىُّ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّى عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإِمام (عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه) أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري (عن عمرو بن سليم) بفتح العين (الزرقي) بضم الزاي وفتح الراء وكسر القاف أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو حميد) بضم الحاء المهملة مصغرًا عبد الرَّحمن (الساعدي) -رضي الله عنه- (أنهم) أي الصحابة (قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال): (قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته) بضم الذال المعجمة نسله وعند عبد الرزاق من طريق ابن طاوس عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن رجل من الصحابة صل على محمد وأهل بيته وأزواجه وذريته (كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم) وآل ثابتة في الموضعين وهم إبراهيم وذريته من إسماعيل وإسحاق كما جزم به غير واحد وإن ثبت أن إبراهيم كان له أولاد من غير سارة وهاجر فهم داخلون والمراد المسلمون منهم بل المتقون دون من عداهم (إنك حميد) محمود بتعجيل النعم (مجيد) ظاهر الكرم بتأجيل النقم، ومناسبة ختم الدعاء بهذين الاسمين العظيمين أن المطلوب تكريم الله تعالى لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وثناؤه عليه والتنويه به وزيادة تقريبه وذلك مما يستلزم طلب الحمد والمجد: واستشكل قوله كما صليت على إبراهيم بأن المقرر أن المشبه دون المشبه به والواقع هنا عكسه لأن محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفضل من إبراهيم وآل إبراهيم وقضية كونه أفضل أن تكون الصلاة المطلوبة له أفضل من كل صلاة حصلت أو تحصل لغيره. وأجاب الشيخ عز الدّين بن عبد السلام: بأن المشبه أصل الصلاة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وآله بالصلاة على إبراهيم وآله أي المجموع بالمجموع ومعظم الأنبياء هم آل إبراهيم اهـ. وهذا غير متأت في هذه الرواية فإنه اقتصر فيها على إبراهيم فقط دون آله بالنسبة إلى الصلاة، وقد أجيب عن الاستشكال المذكور بأجوبة أخرى: منها أنه تشبيه لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا القدر بالقدر وهذا كما اختاروا في قوله تعالى: {كتب عليكم الصيام كما كتب

34 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من آذيته فاجعله له زكاة ورحمة»

على الذين من قبلكم} [البقرة: 183] أن المراد أصل الصيام لا كميته ووقته ومنها أن هذه الصلاة الأمر بها للتكرار بالنسبة إلى كل صلاة في حق كل مصل فإذا اقتصر في حق كل على حصول صلاة مساوية للصلاة على إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان الحاصل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنسبة إلى مجموع الصلوات أضعافًا مضاعفة لا ينتهي إليها الإحصاء، وأورد ابن دقيق العيد هنا سؤالاً فقال: التشبيه حاصل بالنسبة إلى أصل هذه الصلاة والفرد منها فإذن الإِشكال وارد، وأجاب بأن الإشكال إنما يرد على تقدير أن الأمر ليس للتكرار وهو هنا للتكرار بالاتفاق فالمطلوب من المجموع مقدار ما لا يحصى من الصلوات بالنسبة إلى المقدار الحاصل لإبراهيم عليه صلوات الله وسلامه. 34 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ آذَيْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من آذيته فاجعله له زكاة ورحمة). 6361 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري المعروف بابن الطبراني كان أبوه من أهل طبرستان قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله قال: (أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (اللهم فأيما مؤمن سببته) الفاء جزائية والشرط محذوف يدل عليه السياق أي إن كنت سببت مؤمنًا، وفي مسلم من طريق ابن أخي ابن شهاب عن عمه بهذا الإسناد: اللهم إني اتخذت عندك عهدًا لن تخلفنيه فأيما مؤمن سببته أو جلدته، ومن طريق أبي صالح عن أبي هريرة: اللهم إنما أنا بشر فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته، ومن طريق الأعرج عن أبي هريرة مثل رواية ابن أخي ابن شهاب قال: فأي مؤمن آذيته شتمته لعنته جلدته، ومن طريق سالم عن أبي هريرة: اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وإني قد اتخذت عندك عهدًا الحديث وفيه: فأيما مؤمن آذيته، ومن حديث عائشة قالت: دخل على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلان فكلماه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه فسبهما ولعنهما فلما خرجا قلت له فقال: "أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو شتمته أو سببته" (فاجعل ذلك) السب أو غيره مما ذكر (له قربة) تقربه بها (إليك يوم القيامة) وفي رواية ابن أخي الزهري: فاجعل ذلك كفارة له يوم القيامة، وفي رواية أبي صالح عن أبي هريرة: فاجعلها له زكاة ورحمة، وفي رواية الأعرج فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة. وفي حديث عائشة فاجعلها له زكاة وأجرًا. وفي حديث أنس عند مسلم أيضًا: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورًا وزكاة وقربة تقربه بها يوم القيامة، وقوله ليس لها بأهل أي عندك في باطن أمره لا في ظاهر ما يظهر منه حين دعائي عليه لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان متعبدًا بالظواهر وحساب الناس في البواطن إلى الله تعالى. وفي الحديث كمال شفقته على أمته وجميل خلقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجزاه عنا أفضل الجزاء بمنه وكرمه وأماتنا على محبته وسنته. والحديث أخرجه مسلم في الأدب. 35 - باب التَّعَوُّذِ مِنَ الْفِتَنِ (باب التعوّذ من الفتن) جمع فتنة وهي اسم للامتحان والاختبار. 6362 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَحْفَوْهُ الْمَسْأَلَةَ فَغَضِبَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: «لاَ تَسْأَلُونِى الْيَوْمَ عَنْ شَىْءٍ إِلاَّ بَيَّنْتُهُ لَكُمْ». فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالاً فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ لاَفٌّ رَأْسَهُ فِى ثَوْبِهِ يَبْكِى فَإِذَا رَجُلٌ كَانَ إِذَا لاَحَى الرِّجَالَ يُدْعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبِى؟ قَالَ: «حُذَافَةُ» ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَسُولاً، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا رَأَيْتُ فِى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَالْيَوْمِ قَطُّ، إِنَّهُ صُوِّرَتْ لِى الْجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهُمَا وَرَاءَ الْحَائِطِ». وَكَانَ قَتَادَةُ يَذْكُرُ عِنْدَ الْحَدِيثِ هَذِهِ الآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا، عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الحوضي الأزدي البصري قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه قال: (سألوا) أي الصحابة (رسول الله) وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي سئل بضم السين مبنيًّا للمفعول رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أحفوه المسألة) بحاء مهملة ساكنة وفتح الفاء وسكون الواو ألحوا عليه فيها (فغضب) عليه الصلاة والسلام لتعنتهم وتكلفهم بما لا حاجة لهم به (فصعد) بكسر العين المهملة رقي (المنبر فقال): (لا تسألوني) بحذف نون الوقاية ولأبي ذر لا تسألونني (اليوم عن شيء) من الغيب (إلا بينته لكم) قال أنس: (فجعلت أنظر يمينًا

36 - باب التعوذ من غلبة الرجال

وشمالاً فإذا كل رجل) حاضر من الصحابة (لاف رأسه في ثوبه يبكي) بألف بعد لام ففاء مشددة مرفوعة ولأبي ذر وابن عساكر لافًا بالنصب أي حال كونه لافًا وفي تفسير المائدة من وجه آخر لهم خنين وهو بالخاء المعجمة المفتوحة والنون المكسورة صوت مرتفع من الأنف بالبكاء (فإذا رجل كان إذا لاحى) بالحاء المهملة المفتوحة أي خاصم (الرجال يدعى) بضم التحتية وسكون الدال وفتح العين المهملتين ينسب (لغير أبيه فقال: يا رسول الله من أبي؟ قال) عليه الصلاة والسلام له أبوك (حذافة) بضم الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة المخففة وبعد الألف فاء وعند أحمد عن أبي هريرة فقال عبد الله بن حذافة من أبي يا رسول الله فقال: حذافة بن قيس وقيل الرجل هو خارجة أخو عبد الله والمعروف السابق (ثم أنشأ عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- لما رأى بوجهه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أثر الغضب (فقال): شفقة على المسلمين (رضينا بالله ربا وبالإسلام دينًا وبمحمد-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رسولاً) قال في الكواكب: أي رضينا بما عندنا من كتاب الله وسنة نبينا واكتفينا به عن السؤال (نعوذ بالله من الفتن) جمع فتنة (فقال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما رأيت في الخير والشر كاليوم) يومًا مثل هذا اليوم (قط إنه) بكسر الهمزة (صورت) بضم المهملة وكسر الواو المشددة (لي الجنة والنار حتى رأيتهما) رؤيا عين صورتا له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وراء الحائط) أي حائط محرابه الشريف كانطباع الصورة في المرآة فرأى جميع ما فيهما لا يقال الانطباع إنما يكون في الأجسام الصقيلة لأن ذلك شرط عادي فيجوز انخراق العادة خصوصًا له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (وكان قتادة) بن دعامة السدوسي (يذكر عند هذا الحديث هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء}) قال الخليل وسيبويه وجمهور البصريين: أصله شيآء بهمزتين بينهما ألف وهي فعلاء من لفظ شيء وهمزتها الثانية للتأنيث ولذا لم تنصرف كحمراء وهي مفردة لفظًا جمع معنى ولما استثقلت الهمزتان المجتمعتان قدمت الأولى التي هي لام فجعلت قبل الشين فصار وزنها لفعاء والجملة الشرطية في قوله ({إن تبد لكم تسؤكم}) [المائدة: 101] صفة لأشياء في محل جر وكذا الشرطية المعطوفة أيضًا والحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الفتن وسبق مختصرًا في كتاب العلم، وأخرجه مسلم في الفضائل. 36 - باب التَّعَوُّذِ مِنْ غَلَبَةِ الرِّجَالِ (باب التعوذ من غلبة الرجال) أي قهرهم. 6363 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِى طَلْحَةَ: «الْتَمِسْ لَنَا غُلاَمًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِى»؟ فَخَرَجَ بِى أَبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِى وَرَاءَهُ فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلَّمَا نَزَلَ فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ» فَلَمْ أَزَلْ أَخْدُمُهُ حَتَّى أَقْبَلْنَا مِنْ خَيْبَرَ وَأَقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَىٍّ، قَدْ حَازَهَا فَكُنْتُ أَرَاهُ يُحَوِّى وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ أَوْ كِسَاءٍ ثُمَّ يُرْدِفُهَا وَرَاءَهُ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ صَنَعَ حَيْسًا فِى نِطَعٍ، ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَدَعَوْتُ رِجَالاً فَأَكَلُوا، وَكَانَ ذَلِكَ بِنَاءَهُ بِهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى بَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ: «هَذَا جُبَيْلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ» فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّى أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا مِثْلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِى مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي وسقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) المدني ابن أبي كثير الأنصاري الزرقي (عن عمرو بن أبي عمرو) بفتح العين فيهما واسم الثاني ميسرة (مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب) بفتح المهملتين بينهما نون ساكنة آخره باء موحدة المخزومي القرشي (أنه سمع أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول: قال رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم أم أنس. (التمس لنا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لي (غلامًا من غلمانكم يخدمني) بالرفع أي هو يخدمني (فخرج بي أبو طلحة) حال كونه (يردفني وراءه) على الدابة (فكنت أخدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما خرج إلى غزوة خيبر (كلما نزل فكنت أسمعه يكثر أن يقول اللهم إني أعوذ بك من الهم و) من (الحزن) بفتح المهملة والزاي وفرق بينهما لأن الهم إنما يكون في الأمر المتوقع والحزن فيما قد وقع (و) من (العجز) بسكون الجيم وأصله التأخر عن الشيء مأخوذ من العجز وهو مؤخر الشيء وللزوم الضعف والقصور عن الإِتيان بالشيء استعمل في مقابلة القدرة واشتهر فيها (والكسل) هو التثاقل عن الشيء مع وجود القدرة عليه والداعية إليه (والبخل) هو ضد الكرم (والجبن) ضد الشجاعة (وضلع الدين) بفتح المعجمة واللام والدين بفتح الدال المهملة ثقله حتى يميل صاحبه عن الاستواء لثقله وذلك حيث لا يجد منه وفاء ولا سيما مع المطالبة (وغلبة الرجال) تسلطهم واستيلائهم هرجًا ومرجًا وذلك كغلبة القوّام قاله

37 - باب التعوذ من عذاب القبر

الكرماني وعن بعضهم قهر الرجال هو جور السلطان (فلم أزل أخدمه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى أقبلنا من خيبر وأقبل بصفية بنت حيي قد حازها) بالحاء المهملة والزاي بينهما ألف أخذها لنفسه من الغنيمة (فكنت أراه) بفتح الهمزة أنظر إليه (يحوي) بضم التحتية وفتح الحاء المهملة وكسر الواو المشددة بعدها تحتية ساكنة أي يجمع ويدوّر (وراءه بعباءة) هي ضرب من الأكسية (أو كساء) بالمد بالشك من الراوي نحو سنام الراحلة (ثم يردفها) أي صفية (وراءه) وإنما كان يحوّي لها خشية أن تسقط (حتى إذا كنا بالصهباء) بالصاد المهملة والموحدة المفتوحتين بينهما هاء ساكنة ممدودًا اسم موضع وحلت صفية بطهرها من الحيض (صنع حيسًا) بحاء وسين مهملتين بينهما تحتية ساكنة طعامًا من تمر وأقط وسمن (في نطع ثم أرسلني فدعوت رجالاً فأكلوا وكان ذلك بناءه بها) زفافه بصفية (ثم أقبل) إلى المدينة (حتى بدا) ظهر ولأبي ذر حتى إذا بدا (له أُحد) بضم الهمزة والمهملة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هذا جبيل) بالتصغير ولأبي ذر جبل (يحبنا) حقيقة أو مجازًا أو أهله والمراد بهم أهل المدينة (ونحبه فلما أشرف على المدينة قال: اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة) في حرمة الصيد لا في الجزاء ونحوه ومثل نصب بنزع الخافض (اللهم بارك لهم) لأهل المدينة (في مدهم وصاعهم). وسبق الحديث في باب من غزا بصبي من كتاب الجهاد. 37 - باب التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ (باب التعوّذ من عذاب القبر). 6364 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ خَالِدٍ بِنْتَ خَالِدٍ قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرَهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير بن عيسى قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف مولى آل الزبير (قال: سمعت أم خالد) اسمها أمة بتخفيف الميم (بنت خالد) أي ابن سعيد الأموي الصحابية ولدت بالحبشة (قال) موسى: (ولم أسمع أحدًا سمع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غيرها قالت: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتعوّذ) تعليمًا لأمته (من عذاب القبر) العذاب اسم للعقوبة والمصدر التعذيب فهو مضاف إلى الفاعل على طريق المجاز أو الإِضافة من إضافة المظروف إلى ظرفه فهو على تقدير في أي يتعوّذ من عذاب القبر، وفيه إثبات عذاب القبر فالإِيمان به واجب. باب التَّعَوُّذِ مِنَ البُخْلِ (باب التعوّذ من البخل) قال الواحدي: البخل في كلام العرب عبارة عن منع الإحسان، وفي الشرع منع الواجب والباب مع تاليه ثابت في رواية أبي ذر عن المستملي ساقط لغيره وهو الوجه لأنه ذكره قريبًا بعد ثلاثة أبواب. 6365 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ مُصْعَبٍ، قَالَ: كَانَ سَعْدٌ يَأْمُرُ بِخَمْسٍ وَيَذْكُرُهُنَّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِهِنَّ «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا -يَعْنِى فِتْنَةَ الدَّجَّالِ- وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عبد الملك) بن عمير بن سويد بن حارثة الكوفي (عن مصعب) بضم الميم وسكون الصاد وفتح العين المهملتين ابن سعد بن أبي وقاص (قال: كان سعد) أي ابن أبي وقاص (يأمر) ولأبي ذر عن الكشميهني: يأمرنا (بخمس ويذكرهن عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان يأمر بهن). (اللهم إني أعوذ بك من البخل) ضد الكرم وأعوذ لفظه لفظ الخبر ومعناه الدعاء قالوا: وفي ذلك تحقيق الطلب كما قيل في غفر الله لك بلفظ الماضي والباء للإلصاق وهو إلصاق معنوي لأنه لا يلتصق شيء بالله ولا بصفاته لكنه التصاق تخصيص كأنه خص الرب بالاستعاذة. قال الإمام فخر الدين: جاء الحمد لله ولله الحمد وتقديم المعمول يفيد الحصر عند طائفة فما الحكمة في أنه جاء أعوذ بالله ولم يسمع بالله أعوذ لأن الإتيان بلفظ الاستعاذة امتثال الأمر، وقال بعضهم: تقديم المعمول في الكلام تفنن وانبساط والاستعاذة هرب إلى الله وتذلل فقبض عنان الانبساط والتفنن فيه لائق لأنه لا يكون إلا حالة خوف وقبض والحمد حالة شكر وتذكر إحسان ونعم (وأعوذ بك من الجبن) ضد الشجاعة وهي فضيلة قوّة الغضب وانقيادها للعقل (وأعوذ بك أن أرد) بضم الهمزة وفتح الراء والدال المهملة المشدّدة (إلى أرذل العمر) أخسه يعني الهرم والخوف (وأعوذ بك من فتنة الدنيا يعني) بفتنة الدنيا (فتنة الدجال) قال الكرماني: إن قوله يعني فتنة الدجال

38 - باب التعوذ من فتنة المحيا والممات

من زيادات شعبة بن الحجاج ورده في فتح الباري بما في حديث الإِسماعيلي أنه من كلام عبد الملك بن عمير (وأعوذ بك من عذاب القبر) الواقع على الكفار ومن شاء الله من عصاة الموحدين أعاذنا من كل مكروه. والحديث أخرجه المؤلّف أيضًا والنسائي في الاستعاذة واليوم والليلة. 6366 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَىَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ فَقَالَتَا لِى: إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِى قُبُورِهِمْ فَكَذَّبْتُهُمَا، وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا فَخَرَجَتَا وَدَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَجُوزَيْنِ وَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: «صَدَقَتَا إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ كُلُّهَا» فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِى صَلاَةٍ إِلاَّ تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني (عثمان بن أبي شيبة) قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: دخلت عليّ عجوزان) بالتثنية لم يسميا (من عجز يهود المدينة) بضم العين والجيم جمع عجوز كعمود وعُمد ويجمع أيضًا على عجائز، والعجوز المرأة المسنّة ولا يقال عجوزة بهاء التأنيث أو هي لغة رديئة (فقالتا لي: إن أهل القبور يعذّبون في قبورهم فكذبتهما ولم أنعم) بضم الهمزة وكسر العين بينهما ساكنة نون أي ولم أحسن (أن أصدقهما فخرجتا) من عندي (ودخل عليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: يا رسول الله إن عجوزين) من يهود المدينة دخلتا عليّ (وذكرت له) ما قالتا والراء في ذكرت ساكنة، وعند الإِسماعيلي عن عمران بن موسى عن عثمان بن أبي شيبة دخلتا عليّ فزعمتا أن أهل القبور يعذّبون في قبورهم (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (صدقتا إنهم) أي أهل القبور المعذّبين (يعذبون عذابًا تسمعه البهائم كلها) والعذاب ليس مسموعًا فالمسموع صوت المعذب أو بعض العذاب مسموع كالضرب قاله الكرماني (فما رأيته) عليه الصلاة والسلام (بعد في صلاة إلا تعوّذ) بلفظ الماضي ولأبي ذر عن الكشميهني إلا يتعوّذ (من عذاب القبر) وقوله عجوزان بالتثنية لا ينافي قوله في الحديث المروي في الجنائز أن يهودية دخلت عليها لاحتمال أن إحداهما تكلمت وأقرّتها الأخرى على ذلك فنسبت عائشة القول إليهما مجازًا والإِفراد يحمل على المتكلمة. 38 - باب التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ (باب التعوّذ من فتنة المحيا والممات). 6367 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - يَقُولُ: كَانَ نَبِىُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا المعتمر قال: سمعت أبي) سليمان بن طرخان (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: كان نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): تشريعًا لأمته وتعليمًا لهم صفة المهم من الأدعية. (اللهم إني أعوذ بك من العجز) وهو عدم القدرة (والكسل) وهو التثاقل والفتور والتواني عن الأمر (والجبن) ضد الشجاعة، ولأبي ذر زيادة والبخل بدل والجبن (والهرم) وهو أقصى الكبر (وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المحيا) مما يعرض للإنسان في مدة حياته من الافتتان بالدنيا وشهواتها وجهالاتها وأعظمها والعياذ بالله أمر الخاتمة عند الموت (و) فتنة (الممات) قيل فتنة القبر كسؤال الملكين والمراد من شر ذلك وإلاّ فأصل السؤال واقع لا محالة فلا يدعى برفعه فيكون عذاب القبر مسببًا عن ذلك والسبب غير المسبب، وقيل المراد الفتنة قبيل الموت وأضيفت إلى الموت لقربها منه، وحينئذ تكون فتنة المحيا قبل ذلك، وقيل غير ذلك، والمحيا والممات مصدران بالإِضافة على وزن مفعل ويصلحان للزمان والمكان والمصدر. والحديث سبق في الجهاد بهذا الإِسناد والمتن. 39 - باب التَّعَوُّذِ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ (باب التعوّذ من المأثم) بفتح الميم والمثلثة بينهما همزة ساكنة (والمغرم) بفتح الميم والراء بينهما غين معجمة ساكنة. 6368 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ عَنِّى خَطَايَاىَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِى مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِى وَبَيْنَ خَطَايَاىَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ». وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بضم الميم وفتح العين واللام المشددة قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد البصري (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول): تعليمًا لأمته وعبودية منه. (اللهم إني أعوذ بك من الكسل) وهو الفتور عن الشيء مع القدرة على عمله إيثارًا لراحة البدن على التعب (و) من (الهرم) وهو الزيادة في كبر السن المؤدية إلى ضعف الأعضاء (والمأثم) ما يوجب الإِثم (والمغرم) أي الذين فيما لا يجوز (ومن فتنة القبر) سؤال منكر ونكير (وعذاب القبر) وهو ما يترتب بعد فتنته على المجرمين فالأول كالمقدمة

40 - باب الاستعاذة من الجبن والكسل

للثاني وعلامة عليه (ومن فتنة النار) هي سؤال الخزنة على سبيل التوبيخ وإليه الإشارة بقوله تعالى: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير} [الملك: 8] (وعذاب النارَ) بعد فتنتها (ومن شرّ فتنة الغنى) كالبطر والطغيان وعدم تأدية الزكاة (وأعوذ بك من فتنة الفقر) كأن يحمله الفقر على اكتساب الحرام أو التلفظ بكلمات مؤدية إلى الكفر. قال في الكواكب: فإن قلت: لِمَ زاد لفظ الشرّ في الغنى ولم يذكره في الفقر ونحوه؟ وأجاب: بأنه تصريح بما فيه من الشر وأن مضرّته أكثر من مضرّة غيره أو تغليظًا على الأغنياء حتى لا يغترّوا بغناهم ولا يغفلوا عن مفاسده أو إيماء إلى أن صورة أخواته لا خير فيها بخلاف صورته فإنها قد تكون خيرًا اهـ. وتعقبه في الفتح بأن هذا كله غفلة عن الواقع فإن الذي ظهر لي أن لفظة شرّ في الأصل ثابتة في الموضعين، وإنما اختصره بعض الرواة فسيأتي بعد قليل في باب الاستعاذة من أرذل العمر من طريق وكيع وأبي معاوية مفرّقًا عن هشام بسنده هذا بلفظ: وشرّ فتنة الغنى وشر فتنة الفقر، ويأتي بعد أبواب أيضًا إن شاء الله تعالى من رواية سلام بن أبي مطيع عن هشام بإسقاط شر من الموضعين والتقييد في الغنى والفقر لا بدّ منه لأن كلاًّ منهما فيه خير باعتبار فالتقييد في الاستعاذة منه بالشر يخرج ما فيه من الخير سواء قلّ أم أكثر اهـ. وتعقبه العيني فقال: هذا غفلة منه حيث يدعي اختصار بعض الرواة بغير دليل على ذلك قال: وأما قوله وسيأتي بعد لفظة شر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر فلا يساعده فيما قاله لأن للكرماني أن يقول: يحتمل أن يكون لفظ شر فتنة الفقر مدرجًا من بعض الرواة على أنه لم ينف مجيء لفظ شر في غير الغنى ولا يلزمه هذا لأنه في بيان هذا الموضع الذي وقع هنا خاصة اهـ. قال الحافظ ابن حجر في انتقاض الاعتراض: حكاية هذا الكلام أي الذي قاله العيني تغني العارف عن التشاغل بالردّ عليه. (وأعوذ بك من فتنة المسيح) بفتح الميم وكسر السين آخره حاء مهملتين (الدجال) بتشديد الجيم الأعور الكذاب وهذه الفتنة وإن كانت من جملة فتنة المحيا لكن أعيدت تأكيدًا لعظمها وكثرة شرها أو لكونها تقع في محيا أناس مخصوصين وهم الذين في زمن خروجه وفتنة المحيا عامة لكل أحد فتغايرا (اللهم اغسل عني خطاياي) جمع خطيئة (بماء الثلج) بالمثلثة (والبرد) بفتح الموحدة والراء هو حب الغمام، وفي باب ما يقول بعد التكبير في أوائل صفة الصلاة بالماء والثلج والبرد، وقال التوربشتي: ذكر أنواع المطهرات المنزلة من السماء التي لا يمكن حصول الطهارة الكاملة إلا بها تبيانًا لأنواع المغفرة التي لا يخلص من الذنوب إلا بها أي طهرني من الخطايا بأنواع مغفرتك التي هي في تمحيص الذنوب بمثابة هذه الأنواع الثلاثة في إزالة الأرجاس والأوصاب ورفع الجنابة والأحداث. وقال الطيبي: ويمكن أن يقال ذكر الثلج والبرد بعد ذكر الماء المطلوب منهما شمول أنواع الرحمة بعد المغفرة لإطفاء حرارة عذاب النار التي هي في غاية الحرارة لأن عذاب النار يقابله الرحمة فيكون التركيب من باب قوله متقلدًا سيفًا ورمحًا. أي اغسل خطاياي بالماء أي اغفرها وزد على الغفران شمول الرحمة. (ونق) بفتح النون وتشديد القاف (قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس) أي الوسخ ونقيت بفتح المثناة الفوقية وهو تأكيد للسابق ومجاز عن إزالة الذنوب ومحو أثرها (وباعد) أبعد (بيني وبين خطاياي كما باعدت) أي كتبعيدك (بين المشرق والمغرب) أي حل بيني وبينها حتى لا يبقى لها مني اقتراب الكلية. وسبق الحديث في صفة الصلاة. 40 - باب الاِسْتِعَاذَةِ مِنَ الْجُبْنِ وَالْكَسَلِ كُسالى وَكَسالى واحِدٌ. (باب الاستعاذة من الجبن) بضم الجيم وسكون الموحدة (و) الاستعاذة من (الكسل) بفتح الكاف والمهملة (كسالى) بضم الكاف (وكسالى) بفتحها (واحد) وبالأول قرأ الجمهور وبالآخر قرأ الأعرج وهو لغة تميم وهذا ثابت هنا لأبي ذر وأبي الوقت عن المستملي. 6369 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ أَبِى عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ». وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم بينهما معجمة ساكنة

41 - باب التعوذ من البخل

القطواني الكوفي قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال (قال: حدثني) بالإفراد (عمرو بن أبي عمرو) بفتح العين فيهما مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب (قال: سمعت أنسًا) ولأبي ذر أنس بن مالك (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن) بفتح الحاء المهملة والزاي (والعجز والكسل) قال الزركشي: قال صاحب تثقيف اللسان: العجز ما لا يستطيعه الإِنسان والكسل أن يترك الشيء ويتراخى عنه وإن كان يستطيعه (و) أعوذ بك من (الجبن) وهو الخور عن تعاطي الحرب ونحوها خوفًا على المهجة (و) أعوذ بك من (البخل) ضد الكرم (و) أعوذ بك من (ضلع الدين) بفتح الضاد المعجمة واللام ثقله (و) من (غلبة الرجال) تسلطهم. والحديث سبق قريبًا. 41 - باب التَّعَوُّذِ مِنَ الْبُخْلِ الْبُخْلُ وَالْبَخَلُ وَاحِدٌ مِثْلُ الْحُزْنِ وَالْحَزَنِ. (باب التعوّذ من البخل) بسكون الخاء المعجمة (البخل) بضم الموحدة وسكون المعجمة (والبخل) بفتحهما (واحد) في المعنى وبالثاني قرأ حمزة والكسائي (مثل الحزن) بضم الحاء وسكون الزاي (والحزن) بفتحهما وزنًا وهذا ثابت في رواية المستملي هنا وقد تكرر ذم البخل في الحديث، وصح: خصلتان لا يجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخُلق، وقال سلمان: إذا مات البخيل قالت الأرض والحفظة: اللهم احجب هذا العبد عن الجنة كما حجب عبادك عما في يده من الدنيا. 6370 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِى غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ - رضى الله عنه - كَانَ يَأْمُرُ بِهَؤُلاَءِ الْخَمْسِ وَيُحَدِّثُهُنَّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي قال: (حدثني) بالإفراد (غندر) محمد بن جعفر (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك بن عمير) الكوفي (عن مصعب بن سعد عن) أبيه (سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-) أنه (كان يأمر بهؤلاء الخمس ويحدثهن) ولأبي ذر عن الكشميهني ويخبر بهن (عن النبي) وهي: (اللهم إني أعوذ بك من البخل) بأي شيء من الخير سواء كان مالاً أو علمًا (وأعوذ بك من الجبن) ضد الشجاعة (وأعوذ بك أن) ولأبي ذر عن الحموي: من أن (أردّ إلى أرذل العمر) بالذال المعجمة الهرم الشديد (وأعوذ بك من فتنة الدنيا) سبق قريبًا أنها الدجال وفي إطلاق الدنيا على الدجال إشارة إلى أن فتنته أعظم الفتن الكائنة في الدنيا (وأعوذ بك من عذاب القبر). من إضافة المظروف إلى ظرفه وسبق. 42 - باب التَّعَوُّذِ مِنْ أَرْذَلِ الْعُمُرِ أَرَاذِلُنَا: أَسْقَاطُنَا. (باب التعوّذ من أرذل العُمُر أراذلنا) في قوله تعالى: ({إلا الذين هم أراذلنا} [هود: 27] أي (أسقاطنا) وللمستملي والكشميهني سقاطنا بضم السين وتشديد القاف تقول قوم سقطى وأسقاط وسقّاط والساقط اللئيم في حسبه ونسبه. 6371 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَوَّذُ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَرَمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ». وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما مهملة ساكنة المنقري المقعد البصري الحافظ قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد البصري (عن عبد العزيز بن صهيب) البناني الأعمى (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتعوّذ) حال كونه (يقول): (اللهم إني أعوذ بك من الكسل) سقط من أصل اليونينية بك من قوله أعوذ بك من الكسل (وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من الهرم وأعوذ بك من البخل) وليس في هذا الحديث ما ترجم به لكنه كما قال في الفتح أشار بذلك إلى أن المراد بأرذل العمر في حديث سعد بن أبي وقاص السابق في الباب قبله الهرم الذي في هذا الحديث المفسر بالشيخوخة، وضعف القوّة والعقل والفهم وتناقص الأحوال من الخرف وضعف الفكر. قال في شرح المشكاة: المطلوب عند المحققين من العمر التفكّر في آلاء الله ونعمائه تعالى من خلق الموجودات فيقوموا بواجب الشكر بالقلب والجوارح والخرف الفاقد لهما فهو كالشيء الرديء الذي لا ينتفع به فينبغي أن يستعاذ منه. 43 - باب الدُّعَاءِ بِرَفْعِ الْوَبَاءِ وَالْوَجَعِ (باب الدعاء برفع الوباء) بفتح الواو والموحدة والمد مرض عام ينشأ عن فساد الهواء وقد يسمى طاعونًا بطريق المجاز. (و) برفع (الوجع) الشامل لكل مرض وهو من عطف العام على الخاص. 6372 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ، كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِى مُدِّنَا وَصَاعِنَا». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) بن واقد الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-)

أنها (قالت: قال النبي): (اللهم حبّب إلينا المدينة) طيبة وسبب ذلك أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما قدم المدينة كانت أوبأ أرض الله، ووعك أبو بكر وبلال -رضي الله عنهما- قالت عائشة: دخلت عليهما فقلت: يا أبت كيف تجدك، ويا بلال كيف تجدك؟ وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته فيقول: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل وهل يردن يومًا مياه مجنة ... وهل يبدون لي شامة وطفيل فجئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته فقال: اللهم حبب إلينا المدينة (كما حببت إلينا مكة أو أشد) حبًّا من حبنا لمكة (وانقل حماها إلى الجحفة) بضم الجيم وسكون المهملة ميقات مصر وكانت مسكن يهود فنقلت إليها (اللهم بارك لنا في مدّنا وصاعنا) يريد كثرة الأقوات من الثمار والغلات. والحديث سبق. 6373 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ: عَادَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ شَكْوَى أَشْفَيْتُ مِنْهَا عَلَى الْمَوْتِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَ بِى مَا تَرَى مِنَ الْوَجَعِ وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلاَ يَرِثُنِى إِلاَّ ابْنَةٌ لِى وَاحِدَةٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَىْ مَالِى؟ قَالَ: «لاَ» قُلْتُ: فَبِشَطْرِهِ قَالَ: «الثُّلُثُ كَثِيرٌ إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِى بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِى فِى امْرَأَتِكَ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِى قَالَ: «إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ، فَتَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِى بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ ازْدَدْتَ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِى هِجْرَتَهُمْ، وَلاَ تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ»، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ. قَالَ سَعْدٌ: رَثَى لَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَنْ تُوُفِّىَ بِمَكَّةَ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف (قال أخبرنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عامر بن سعد أن أباه) سعد بن أبي وقاص (قال: عادني) بالدال المهملة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حجة الوداع من شكوى) بغير تنوين مرض (أشفيت) بالمعجمة الساكنة وبعد الفاء تحتية ساكنة أشرفت (منه على الموت) ولأبي ذر عن الكشميهني منها أي من الشكوى واتفق أصحاب الزهري على أن ذلك كان في حجة الوداع إلا ابن عيينة فقال: في فتح مكة: أخرجه الترمذي وغيره من طريقه واتفق الحفاظ على أنه وهم فيه. نعم ورد عند أحمد والبزار والطبراني والبخاري في تاريخه وابن سعد من حديث عمرو بن القاري ما يدل لرواية ابن عيينة ويمكن الجمع بينهما بالتعدد مرتين مرة في عام الفتح وأخرى في حجة الوداع (فقلت: يا رسول الله بلغ بي ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني) من أرباب الفروض أو من الأولاد (إلا ابنة) ولأبي ذر بنت (لي واحدة) تكنى أم الحكم الكبرى (أفأتصدق بثلثي مالي)؟ بفتح المثلثة الثانية وسكون التحتية والتعبير بقوله: أفأتصدق يحتمل التنجيز والتعليق بخلاف أفأوصي، لكن المخرج متحد فيحمل على التعليق جمعًا بين الروايتين (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا قلت) يا رسول الله (فبشطره)؟ أي فبنصفه (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الثلث) كاف وهو (كثير) بالمثلثة (إنك أن تذر) بفتح الهمزة والذال المعجمة أن تدع (ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم) ولأبي ذر عن الكشميهني تدعهم (عالة) بالعين المهملة وتخفيف اللام فقراء (يتكففون) يسألون (الناس) بأكفهم أو يسألون ما يكف عنهم الجوع (وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله) تعالى (إلا أجرت) أي عليها والجملة عطف على قوله: إنك أن تذر وهو علة للنهي عن الوصية بأكثر من الثلث كأنه قيل لا تفعل لأنك إن مت وتذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم فقراء، وإن عشت وتصدقت بما بقي من الثلث وأنفقت على عيالك يكن خيرًا لك (حتى ما تجعل في في امرأتك) في فمها. قال سعد (قلت يا رسول الله أخلف بعد أصحابي)؟ بضم همزة أخلف وفوقها مدّة في اليونينية (قال) عليه الصلاة والسلام: (إنك لن تخلف) بفتح اللام المشددة كالسابق بعد أصحابك (فتعمل) نصب عطفًا على سابقه (عملاً) صالحًا (تبتغي به وجه الله) تعالى (إلا ازددت) أي بالعمل الصالح (درجة ورفعة ولعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام) من المسلمين (ويضر) بفتح الضاد (بك آخرون) من المشركين (اللهم أمض) بقطع الهمزة أي أتمم (لأصحابي هجرتهم) من مكة إلى المدينة (ولا تردهم

44 - باب الاستعاذة من أرذل العمر ومن فتنة الدنيا وفتنة النار

على أعقابهم) بترك هجرتهم. قال إبراهيم بن سعد فيما قال الزهري (لكن البائس) الذي عليه أثر البؤس وهو الفقر والحاجة (سعد بن خولة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو (قال سعد رثى) بفتح الراء والمثلثة بلفظ الماضي أي تحزن وتوجع (له النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أن توفي) في حجة الوداع (بمكة) التي هاجر منها وحرم ثواب الهجرة. وقوله: قال سعد رثى له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صريح في وصل قوله: لكن البائس فلا يكون مدرجًا من قول الزهري كما ادّعاه ابن الجوزي وغيره، وفي الحديث جواز إخبار المريض بشدة مرضه وقوّة ألمه إذا لم يقترن به ما يمنع كعدم الرضا وغير ذلك مما لا يخفى. وسبق الحديث في كتاب الوصايا. 44 - باب الاِسْتِعَاذَةِ مِنْ أَرْذَلِ الْعُمُرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَفِتْنَةِ النَّارِ (باب الاستعاذة من أرذل العمر) وسبق قبل بباب باب التعوّذ من أرذل العمر (ومن فتنة الدنيا وفتنة النار) ولأبي ذر عن الكشميهني وعذاب النار بدل قوله وفتنة النار. 6374 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ مُصْعَبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تَعَوَّذُوا بِكَلِمَاتٍ كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَوَّذُ بِهِنَّ: «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (أخبرنا الحسين) بضم الحاء ابن علي الجعفي الزاهد المشهور (عن زائدة) بن قدامة الكوفي (عن عبد الملك) بن عمير (عن مصعب بن سعد) وثبت ابن سعد لأبي ذر (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص أنه (قال: تعوّذوا بكلمات) خمس (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتعوّذ بهن) عبودية وإرشادًا لأمته: (اللهم إني أعوذ بك) أستجير وأعتصم وأصله أعوذ بسكون العين فنقلت حركة الواو تخفيفًا إليها (من الجبن) ضد الشجاعة (وأعوذ بك من البخل) ضد الكرم، ولما كان الجود إما بالنفس وإما بالمال ويسمى الأول شجاعة ويقابلها الجبن والثاني سخاوة ويقابلها البخل ولا تجتمع السخاوة والشجاعة إلا في نفس كاملة ولا ينعدمان إلا من متناه في النقص. استعاذ منهما لما لا يخفى (وأعوذ بك من أن أردّ إلى أرذل العمر) إلى أسفله وهو الهرم الشديد حتى لا يعلم ما كان قبل يعلم وهو أسوأ العمر أعاذنا الله من البلايا بمنّه وكرمه (وأعوذ بك من فتنة الدنيا) وأعظمها فتنة الدجال (و) من (عذاب القبر) ما فيه من الأهوال والشدائد. 6375 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْهَرَمِ وَالْمَغْرَمِ وَالْمَأْثَمِ، اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ النَّارِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَاىَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِى مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِى وَبَيْنَ خَطَايَاىَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن موسى) البلخي المعروف بخت قال: (حدّثنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجرّاح أبو سفيان الرؤاسي أحد الأعلام قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول): (اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم) المفسر بأرذل العمر فيما مر (و) أعوذ بك من (المغرم) مصدر وضع موضع الاسم يراد به مغرم الذنوب والمعاصي، وقيل كالغرم وهو الدين ويريد به ما استدين فيما يكرهه الله أو فيما يجوز ثم عجز. قال بعضهم: ما دخل همّ الدين قلبًا إلا أذهب من العقل ما لا يعود إليه فأما دين احتاج إليه وهو قادر على أدائه فلا يستعاذ منه (والمأثم) الأمر الذي يأثم به الإنسان أو هو الإثم نفسه وضعًا للمصدر موضع الاسم (اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار وفتنة النار) بسؤال الخزنة على سبيل التوبيخ (وفتنة القبر) سؤال منكر ونكير مع الخوف وهذه ثابتة هنا لأبي ذر ساقطة لغيره (و) من (عذاب القبر) ومن (شر فتنة الغنى) من البطر والطغيان والتفاخر به وصرف المال في المعاصي وما أشبه ذلك (وشر فتنة الفقر) بإثبات لفظ شر، وسبق أن هذه ثابتة في رواية أبي ذر بعد قوله وفتنة النار (ومن شر فتنة المسيح الدجال) سمي مسيحًا لأن إحدى عينيه ممسوحة فعيلاً بمعنى مفعول أو لأنه يمسح الأرض يقطعها في أيام معلومة بمعنى فاعل (اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد) بفتح الموحدة والراء حب الغمام. قال في الكواكب: العادة أنه إذا أريد المبالغة في الغسل يغسل بالماء الحار لا بالبارد. قال الخطابي: هذه أمثال لم يرد بها أعيانها بل التأكيد في التطهير والمبالغة في محوها والثلج والبرد ماءان مقصوران على الطهارة لم تمسهما الأيدي ولم يمتهنهما الاستعمال فكان ضرب المثل بها أوكد في المراد (ونق قلبي من الخطايا كما ينقى) بضم التحتية

45 - باب الاستعاذة من فتنة الغنى

وفتح القاف المشددة مبنيًّا للمفعول (الثوب الأبيض من الدنس) أي الوسخ (وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب). والحديث سبق قريبًا. 45 - باب الاِسْتِعَاذَةِ مِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى (باب الاستعاذة من فتنة الغنى). 6376 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سَلاَّمُ بْنُ أَبِى مُطِيعٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالَتِهِ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَتَعَوَّذُ: «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا سلام بن أبي مطيع) بتشديد اللام الخزاعي البصري (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن خالته) عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يتعوذ): (اللهم) معمول لقول مقدر أي يقول: اللهم (إني أعوذ بك من فتنة النار) أي من فتنة تؤدي إلى عذاب النار (ومن عذاب النار وأعوذ بك من فتنة القبر) من فتنة تؤدي إلى عذاب القبر (وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة الغنى) كصرف المال في المعاصي (وأعوذ بك من فتنة الفقر) كالطمع في مال الغير وغير ذلك مما سيذكر في الباب اللاحق (وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال) بدل من المسيح أو نعت أو عطف بيان. 46 - باب التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ (باب التعوّذ من فتنة الفقر). 6377 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ قَلْبِى بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قَلْبِى مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنِى وَبَيْنَ خَطَايَاىَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ». وبه قال: (حدّثنا محمد) بن سلام قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (أبو معاوية) محمد بن خازم بالمعجمتين بينهما ألف قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (هشام بن عروة) سقط لأبي ذر: ابن عروة (عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار وعذاب النار وفتنة القبر وعذاب القبر وشر فتنة الغنى وشر فتنة الفقر) بإثبات لفظة شر في الغنى كما مرّ التنبيه عليه محققًا، والمراد الفقر المدقع لأنه الذي يخاف من فتنته كحسد الغنيّ والتذلل له بما يتدنس به عرضه وينثلم به دينه وتسخطه وعدم رضاه بما قسم الله له إلى غير ذلك مما يذم فاعله ويأثم عليه (اللهم إني أعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل قلبي بماء الثلج والبرد ونقّ قلبي في الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم إني أعوذ بك من الكسل والمأثم والمغرم). 47 - باب الدُّعَاءِ بِكَثْرَةِ الْمَالِ مَعَ الْبَرَكَةِ (باب الدعاء بكثرة المال والولد مع البركة) ثبت هذا الباب مع ترجمته في رواية المستملي والكشميهني وسقط للحموي، والصواب كما قال الحافظ ابن حجر إثباته. 6378 - 6379 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسٌ خَادِمُكَ ادْعُ اللَّهَ لَهُ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ». وَعَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ مِثْلَهُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة ابن عثمان العبدي مولاهم الحافظ بندار قال: (حدّثنا غندر) بضم المعجمة وسكون النون وفتح المهملة آخره راء محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت قتادة) بن دعامة (عن أنس عن أم سليم) وهي أم أنس -رضي الله عنهم- (أنها قالت: يا رسول الله أنس خادمك ادع الله له. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللهم أكثر ماله وولده) فكان أكثر الصحابة أولادًا قاله النووي، وقال ابن قتيبة في المعارف كان بالبصرة ثلاثة ما ماتوا حتى رأى كل واحد منهم من ولده مائة ذكر لصلبه: أبو بكرة، وأنس، وخليفة بن بدر، وزاد غيره رابعًا وهو المهلب بن أبي صفرة (وبارك له فيما أعطيته) هذا أعم من المال والولد فيتناول العلم والدين، وعند الترمذي بإسناد رجاله ثقات أنه كان له بستان تأتي منه في كل سنة الفاكهة مرتين وكان فيه ريحان يجيء منه ريح المسك. (وعن هشام بن زيد) أي ابن أنس أي بالسند المذكور إلى قتادة فالواو عطف عليه قال: (سمعت أنس بن مالك مثله) أي الحديث السابق، وأخرجه الإِسماعيلي من رواية حجاج بن محمد عن شعبة عن قتادة عن هشام بن زيد جميعًا عن أنس، ولأبي ذر بمثله بزيادة الموحدة فغندر عن شعبة جعل الحديث من مسند أم سليم، وكذا هو عند الترمذي عن محمد بن بشار عن غندر وقال: حسن صحيح. وكذا عند الإمام أحمد عن حجاج بن محمد، وعن محمد بن جعفر كلاهما عن شعبة، وأخرجه المؤلّف في باب دعوة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لخادمه بطول العمر من طريق حرمي بن عمارة عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: قالت أمي أم سليم

باب الدعاء بكثرة الولد مع البركة

فظاهره أنه من مسند أنس وهذا الاختلاف لا يضر فإن أنسًا حضر ذلك. والحديث سبق قريبًا. باب الدُّعَاءِ بِكِثْرَةِ الْوَلَدِ مَعَ الْبَرَكَةِ (باب الدعاء بكثرة الولد مع البركة) ثبت الباب وما بعده لأبي ذر. 6380 - 6381 - حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ أَنَسٌ خَادِمُكَ ادْعُ اللهُ لَهُ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ». وبه قال: (حدّثنا أبو زيد سعيد بن الربيع) الهروي نسبة لبيع الثياب الهروية قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السدوسي أنه (قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- قال: قالت أم سليم) -رضي الله عنها- أي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أنس خادمك ادع الله له قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته) فيه دليل لتفضيل الغنى على الفقر. وأجيب: بأنه يختص بدعائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنه بارك فيه ومتى بارك فيه لم يكن فيه فتنة ولم يحصل بسببه ضرر وفيه استحباب أنه إذا دعا بشيء يتعلق بالدنيا أن يضم إلى دعائه طلب البركة فيه والصيانة. 48 - باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الاِسْتِخَارَةِ (باب الدعاء عند الاستخارة) أي طلب الخيرة بكسر الخاء وفتح التحتية بوزن العنبة اسم من قولك اختار الله له. وقال في النهاية: الاستخارة طلب الخير في الشيء وهي استفعال من الخير ضد الشر فالمراد طلب خير الأمرين لمن احتاج إلى أحدهما. 6382 - حَدَّثَنَا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو مُصْعَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى الْمَوَالِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِى الأُمُورِ كُلِّهَا، كَالسُّورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ إِذَا هَمَّ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِى فِى دِينِى وَمَعَاشِى وَعَاقِبَةِ أَمْرِى -أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِى وَآجِلِهِ- فَاقْدُرْهُ لِى، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِى فِى دِينِى وَمَعَاشِى وَعَاقِبَةِ أَمْرِى -أَوْ قَالَ فِى عَاجِلِ أَمْرِى وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّى وَاصْرِفْنِى عَنْهُ وَاقْدُرْ لِىَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِى بِهِ وَيُسَمِّى حَاجَتَهُ». وبه قال: (حدّثنا مطرف بن عبد الله) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء مشددة بعدها فاء (أبو مصعب) بضم الميم وسكون الصاد وفتح العين المهملتين الأصم مولى ميمونة بنت الحارث قال: (حدّثنا عبد الرَّحمن بن أبي الموال) بفتح الميم وتخفيف الواو وبعد الألف لام من غير ياء جمع مولى واسمه زيد ويقال زيد جدّ عبد الرَّحمن وأبوه لا يعرف اسمه وثّقه ابن معين وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله التيمي المدني الحافظ (عن جابر -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها) خصّه في بهجة النفوس بغير الواجب والمستحب فلا يستخار في فعلهما والمحرم والمكروه لا يستخار في تركهما فانحصر الأمر في المباح أو المستحب إذا تعارض فيه أمران أيهما يبدأ به أو يقتصر عليه وألحق به في الفتح الواجب والمستحب المخير وفيما إذا كان موسعًا قال: ويتناول العموم العظيم والحقير، فرب حقير يترتب عليه الأمر العظيم (كالسورة) كما يعلمنا السورة (من القرآن) قال في البهجة: التشبيه في تحفظ حروفه وترتيب كلماته ومنع الزيادة والنقص منه والدرس له والمحافظة عليه. (إذا همّ) فيه حذف تقديره يقول: إذا همّ (بالأمر) قال الشيخ عبد الله بن أبي جمرة: ترتيب الوارد على القلب على مراتب الهمّة ثم اللمة ثم الخطرة ثم النية ثم الإرادة ثم العزيمة فالثلاثة الأول لا يؤاخذ بها بخلاف الثلاثة الآخر فقوله: إذا همّ يشير إلى أول ما يرد على القلب (فليركع ركعتين) أي من غير الفريضة في غير وقت كراهة (ثم يقول) دعاء الاستخارة فيظهر لم إذ ذاك ببركة الصلاة والدعاء ما هو خير بخلاف ما إذا تمكن الأمر عنده وقويت فيه عزيمته وإرادته فإنه يصير له إليه ميل وحب فيخشى أن يخفى عنه وجه الأرشدية لغلبة ميله إليه قال: ويحتمل أن يكون المراد بالهم العزيمة لأن الخاطر لا يثبت فلا يستمر إلا على ما يقصد التصميم على فعله وإلا لو استخار في كل خاطر لاستخار فيما لا يعبأ به فتضيع عليه أوقاته اهـ. وقوله: فليركع جواب إذا المتضمن معنى الشرط ولذا دخلت فيه الفاء واحترز بقوله في الرواية الأخرى من غير الفريضة عن صلاة الصبح مثلاً، وذكر النووي أنه يقرأ فيهما بسورة الكافرون والإِخلاص، لكن قال الحافظ زين الدين العراقي: لم أقف لذلك على دليل ولعله ألحقهما بركعتي الفجر. قال: ولهما مناسبة بالحال لما فيهما من الإِخلاص والتوحيد والمستخير يحتاج لذلك فقال: ومن المناسب أن يقرأ مثل قوله: {وربك يخلق ما يشاء ويختار} [القصص: 68] وقوله: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة} [الأحزاب: 36] والأكمل أن يقرأ في كل منهما السورة والآية الأوليين في الأولى والأخريين في الثانية، وهل يقدم الدعاء على الصلاة الظاهر لا للإتيان بثم

49 - باب الدعاء عند الوضوء

المقتضية للترتيب في قوله ثم يقول: (اللهم إني أستخيرك بعلمك) أطلب منك الخيرة (وأستقدرك بقدرتك) أي أطلب منك أن تجعل لي على ذلك قدرة أو أطلب منك أن تقدّره لي إذ المراد بالتقدير التيسير والباء في بعلمك وبقدرتك للتعليل أي لأنك أعلم ولأنك قادر أو للاستعانة كقوله: {بسم الله مجراها} [هود: 41] أو للاستعصاف كقوله: {رب بما أنعمت عليّ} [القصص: 17] (وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر) إلا بك (وتعلم ولا أعلم) إلا بك فيما فيه خيرتي فالقدرة والعلم لك وحدك وليس للعبد إلا ما قدرته له (وأنت علاّم الغيوب) فيه لف ونشر غير مرتب (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي) قال في الكواكب فإن قلت: كلمة إن للشك ولا يجوز الشك في كون الله عالمًا؟ وأجاب بأن الشك في أن العلم يتعلق بالخير أو الشر لا في أصل العلم، وفي رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي تعلم هذا الأمر خيرًا لي (في ديني ومعاشي) بالشين المعجمة وفتح الميم حياتي أو ما يعاش فيه، وفي الأوسط للطبراني عن ابن مسعود في ديني ودنياي وعنده من حديث أبي أيوب دنياي وآخرتي (وعاقبة أمري) أو قال: (في عاجل أمري وآجله فاقدره لي) بوصل الهمزة وضم الدال وتكسر أي اجعله مقدورًا لي أو قدره أو يسره (وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري) أو قال: (في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه) حتى لا يبقى قلبي بعد صرفه عني متعلقًا به ثم عمم الطلب بقوله (واقدر لي الخير حيث كان) ثم ختم بقوله (ثم رضني) بتشديد المعجمة لأن رضا الله ورضا العبد متلازمان بل رضا العبد مسبوق برضا الله وهو جماع كل خير واليسير منه خير من الجنان، ولأبي ذر عن الكشميهني ثم أرضني (به) وهو جماع كل خير واليسير منه خير من الجنان، ولأبي ذر عن الكشميهني ثم أرضني (به) بالهمز قبل الراء والذي في اليونينية لأبي ذر عن الكشميهني ورضني أي اجعلني به راضيًا (ويسمي حاجته) أي ينطق بها بعد الدعاء أو يستحضرها بقلبه عند الدعاء أي فليدع مسميًا حاجته فالجملة حالية والشك في قوله أو قال في الموضعين من الراوي. قال في الكواكب: ولا يخرج الداعي به عن العهدة حتى يكون جازمًا بأنه كما قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يدعو به ثلاث مرات يقول تارة في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري وأخرى في عاجلي وآجلي وثالثة في ديني وعاجلي وآجلي اهـ. وينبغي أن يفتتح الدعاء ويختمه بالحمد لله والصلاة على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأن يستخير الله سبعًا، ففي حديث أنس عند ابن السني إذا هممت بأمر فاستخر ربك سبعًا ثم انظر إلى الذي يسبق في قلبك فإن الخير فيه، لكن سنده واهٍ جدًّا، وليشرع في حاجته فإن كان له فيها خيرة يسّر الله له أسبابها وكانت عاقبتها محمودة. وقد أورد المحاملي في اللباب حديثًا لأبي أيوب الأنصاري في استخارة التزويج عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: اكتم الخطبة ثم توضأ فأحسن الوضوء ثم صلّ ما كتب الله لك ثم احمد ربك ومجّده ثم قل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم إنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب فإن رأيت لي في فلانة وتسميها باسمها خيرًا لي في ديني ودنياي وآخرتي فاقضها لي أو قال: اقدرها لي وإن كان غيرها خيرًا لي منها في ديني ودنياي وآخرتي فاصرفها عني أي فلانة المسماة وفي نسخة فاقضها لي أو قال: قدّرها واقسمها لي أي غير فلانة. 49 - باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الْوُضُوءِ (باب الدعاء عند الوضوء). 6383 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: دَعَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِى عَامِرٍ» وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (محمد بن العلاء) بفتح العين والمدّ أبو كريب الهمداني الحافظ قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء (عن) جدّه (أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- أنه (قال): كما سبق معناه في المغازي لما رمى رجل جشمي أبا عامر يعني عمه في ركبته بسهم فأثبته وأنه قال له: يا ابن أخي اقرئ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السلام وقل له يستغفر لي ثم مات (دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حين

50 - باب الدعاء إذا علا عقبة

بلغه ذلك (بماء فتوضأ ثم) ولأبي ذر عن الكشميهني فتوضأ به ثم (رفع يديه فقال): (اللهم اغفر لعبيد) بضم العين وفتح الموحدة (أبي عامر) الأشعري قال أبو موسى: (ورأيت بياض إبطيه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس) بيان لما قبله لأن الخلق أعمّ والحديث مرّ في غزوة أوطاس وساقه هنا مختصرًا. 50 - باب الدُّعَاءِ إِذَا عَلاَ عَقَبَةً (باب الدعاء إذا علا) صعد الإِنسان (عقبة) بفتح العين والقاف. 6384 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى مُوسَى - رضى الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى سَفَرٍ فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، وَلَكِنْ تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا» ثُمَّ أَتَى عَلَىَّ وَأَنَا أَقُولُ فِى نَفْسِى لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ -أَوْ قَالَ- أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ هِىَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) أبو أيوب الواشحي الأزدي البصري قاضي مكة (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم أحد الأئمة الأعلام (عن أيوب) السختياني (عن أبي عثمان) عبد الرَّحمن بن مل النهدي (عن أبي موسى) الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تعيينه (فكنا إذا علونا) شرفًا (كبّرنا) الله تعالى فرفعنا أصواتنا (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أيها الناس أربعوا) بالوصل وفتح الموحدة (على أنفسكم) أي ارفقوا بها ولا تبالغوا في الجهر (فإنكم لا تدعون أصم) قال الكرماني: ويروى أصمًّا بالألف قال: لعله باعتبار مناسبته لقوله (ولا غائبًا ولكن) بتخفيف النون (تدعون سميعًا بصيرًا) كالتعليل لقوله: لا تدعون أصم، وفي الجهاد إنه معكم إنه سميع قريب. قال أبو موسى: (ثم أتى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عليّ) بتشديد التحتية (وأنا أقول في نفسي لا حول ولا قوّة إلا بالله فقال) لي: (يا عبد الله بن قيس قل لا حول ولا قوّة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة) أو قال: (ألا أدلك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة) بالشك من الراوي. قال في الكواكب: أي كالكنز في كونه نفيسًا مدخرًا مكنونًا عن أعين الناس. قال في شرح المشكاة: هذا التركيب ليس باستعارة لذكر المشبه وهو الحوقلة والشبه به وهو الكنز ولا التشبيه الصرف لبيان الكنز بقوله من كنوز الجنة، بل هو إدخال الشيء في جنس وجعله أحد أنواعه على التغليب، فالكنز إذًا نوعان. الأول: المتعارف وهو المال الكثير يجعل بعضه فوق بعض ويحفظ، والثاني: غير المتعارف وهو هذه الكلمة الجامعة المكتنزة بالمعاني الإِلهية لما أنها محتوية على التوحيد الخفي لأنه إذا نفيت الحيلة والاستطاعة عما من شأنه ذلك وأثبتت لله على سبيل الحصر بإيجاده واستعانته وتوفيقه لم يخرج شيء من ملكه وملكوته، ومن الدليل على أنها دالة على التوحيد الخفي قوله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي موسى: ألا أدلك على كنز مع أنه كان يذكرها في نفسه والدلالة إنما يستقيم على ما لم يكن عليه وهو أنه لم يعلم أنه توحيد خفي وكنز من الكنوز ولأنه لم يقل له ما ذكرته كنز من الكنوز بل صرح بها فقال: (لا حول ولا قوة إلا بالله) تنبيهًا على هذا السر اهـ. فإن قلت: ما مناسبة الحديث للترجمة فإنه ترجم بالدعاء والذي في الحديث التكبير؟ وأجيب: باحتمال أن يكون أخذه من قوله فيه فإنكم لا تدعون أصم. 51 - باب الدُّعَاءِ إِذَا هَبَطَ وَادِيًا. فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ -رضي الله عنه- (باب الدعاء إذا هبط) نزل (واديًا فيه) أي في الباب (حديث جابر) الأنصاري (رضي الله عنه) السابق في باب التسبيح إذا هبط واديًا من كتاب الجهاد بلفظ: حدّثنا محمد بن يوسف، حدّثنا سفيان بن حصين بن عبد الرَّحمن عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنا إذا صعدنا كبّرنا وإذا نزلنا سبّحنا. هذا آخر الحديث، وحكمة التكبير عند الصعود الاستشعار بكبرياء الله تعالى عندما يقع البصر على الأمكنة العالية، والتسبيح عند الهبوط استنباط من قصة يونس وتسبيحه في بطن الحوت لينجو من بطن الأودية كما نجا يونس من بطن الحوت، وقيل غير ذلك مما ذكرته في الباب المذكور. وهذا الباب والترجمة وقوله فيه حديث جابر -رضي الله عنه- ثابتة في رواية المستملي والكشميهني ساقطة لغيرهما. 52 - باب الدُّعَاءِ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا، أَوْ رَجَعَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أََنَسٍ. (باب الدعاء إذا أراد) الإنسان (سفرًا أو رجع) منه (فيه) أي في الباب (يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي (عن أنس) -رضي الله عنه- مما وصله في الجهاد في باب ما يقول إذا رجع من الغزو وفيه فلما أشرفنا على المدينة قال: آيبون

53 - باب الدعاء للمتزوج

تائبون عابدون لربنا حامدون، وثبت الباب وما بعده إلى هنا في رواية أبي ذر عن الحموي. 6385 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الأَرْضِ ثَلاَثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإِمام (عن نافع عن عبد الله بن عمر) سقط لأبي ذر لفظ عبد الله (-رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا قفل) رجع (من غزوة أو حج أو عمرة) أو غيرها من الأسفار (يكبّر على كل شرف) بفتح الشين المعجمة والراء بعدها فاء مكان عال (من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول): عقب التكبير وهو على الشرف أو بعده: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون) بمدّ الهمزة أي نحن راجعون إلى الله نحن (تائبون) قاله تعليمًا لأمته أو تواضعًا منه عليه الصلاة والسلام نحن (عابدون لربنا حامدون) له وقوله لربنا متعلق بعابدون أو بحامدون أو بهما أو بالثلاثة السابقة أو بالأربعة على طريق التنازع (صدق الله وعده) فيما وعد به من إظهار دينه (ونصر عبده) محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وهزم الأحزاب) الذين تحزّبوا لحربه عليه الصلاة والسلام (وحده) أفنى السبب فناء في المسبب. قال تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} [الأنفال: 17] ولم يذكر المؤلّف الدعاء إذا أراد سفرًا ولعله يشير إلى نحو ما وقع عند مسلم في رواية علي بن عبد الله الأزدي عن ابن عمر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبّر ثلاثًا ثم قال: "سبحان الذي سخّر لنا هذا" الحديث، وفيه: وإذا رجع قال: (آيبون تائبون) ولا اختصاص للحج والعمرة والغزو عند الجمهور، بل يشرع ذلك في كل سفر. 53 - باب الدُّعَاءِ لِلْمُتَزَوِّجِ (باب الدعاء للمتزوّج). 6386 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: رَأَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ فَقَالَ: «مَهْيَمْ أَوْ مَهْ» قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم (عن ثابت) البناني (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عبد الرَّحمن بن عوف) -رضي الله عنه- (أثر صفرة) من الطيب الذي استعمله عند الزفاف (فقال) له: (مهيم) بفتح الميم والتحتية بينهما هاء ساكنة آخره ميم ساكنة على البناء قال ابن السيد: كلمة يمانية يقيمونها مقام حرف الاستفهام والشيء المستفهم عنه وهل هي بسيطة أو مركبة؟ استبعد الثاني بأنه لا يكاد يوجد اسم مركب على أربعة أحرف أي ما شأنك (أو) قال (مه) بفتح الميم وسكون الهاء فما استفهامية قلبت ألفها هاء والشك من الراوي (قال) عبد الرَّحمن (تزوجت امرأة على وزن نواة) اسم لقدر معروف عندهم فسروه بخمسة دراهم (من ذهب) صفة لنواة (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (بارك الله لك) واللام هنا لام الاختصاص (أولم ولو بشاة) أمر من أولم والوليمة فعيلة من الولم وهو الجمع لأن الزوجين يجتمعان ثم نقلت في الشرع لطعام العرس ولو كان قال ابن دقيق العيد تفيد التقليل أي اصنع وليمة وإن قلّت، وقيل بمعنى التمني. والحديث سبق في البيع والنكاح وغيرهما. 6387 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ - رضى الله عنه - قَالَ: هَلَكَ أَبِى وَتَرَكَ سَبْعَ أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا»؟ قُلْتُ: ثَيِّبًا قَالَ: «هَلاَّ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ، أَوْ تُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ» قُلْتُ: هَلَكَ أَبِى فَتَرَكَ سَبْعَ أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ قَالَ: «فَبَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ» لَمْ يَقُلِ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرٍو بَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل المشهور بعارم قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم (عن عمرو) بفتح العين بن دينار (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه (قال: هلك أبي وترك سبع أو تسع بنات) لم أقف على أسمائهن (فتزوجت امرأة فقال) لي (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (تزوجت يا جابر)؟ استفهام محذوف الأداة (قلت نعم) يا رسول الله (قال) عليه الصلاة والسلام (بكرًا) استفهام محذوف الأداة منصوب بتقدير تزوجت؛ ولأبي ذر: أبكرًا (أم) تزوجت (ثيبًا؟ قلت: ثيبًا) كذا في اليونينية بالنصب وفي نسخة بالرفع أي التي تزوجتها ثيب. قال في الفتح: قيل كان الأحسن النصب على نسق الأول أي تزوجت ثيبًا لكن لا يمتنع أن يكون منصوبًا فكتب بغير الألف على تلك اللغة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هلا) تزوجت (جارية) بكرًا (تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك) كذا في الفرع وقال العيني كابن حجر: أو تضاحكها بالشك من الراوي كذا وجدته في نسخة أخرى معتمدة وهو الذي في اليونينية والتلاعب هل هو من اللعب أو من اللعاب سبق في محله (قلت) يا رسول الله

54 - باب ما يقول إذا أتى أهله

(هلك أبي فترك) بالفاء ولأبي ذر وترك (سبع أو تسع بنات فكرهت أن أجيئهن بمثلهن) صغيرة لا تجربة لها بالأمور (فتزوجت امرأة) قد جربت الأمور وعرفتها (تقوم عليهن) وتصلح شأنهن (قال) صلوات الله وسلامه عليه (فبارك الله عليك) دعاء له بالبركة واستعلائها عليه وهي النماء والزيادة يقال: بارك الله لك وفيك وعليك. فإن قلت: قال لعبد الرَّحمن بارك الله لك ولجابر عليك فهل بينهما فرق؟ أجيب: بأن المراد بالأول اختصاصه بالبركة في زوجته كما مرّ أن اللام فيه للاختصاص والثاني شمول البركة له في جودة عقله حيث قدّم مصلحة أخواته على حظ نفسه فعدل لأجلهن عن تزوّج البكر مع كونها أرفع رتبة للمتزوج الشاب من الثيب غالبًا، ويحتمل أن يكون قوله: فبارك الله عليك خبرًا والفاء سببية أي بسبب تزوجك الثيب لما ذكرت يبارك لك وعليك. (لم يقل ابن عيينة) سفيان فيما سبق موصولاً في المغازي والنفقات (و) لا (محمد بن مسلم) الطائفي فيما سبق أيضًا في المغازي في روايتهما (عن عمرو) أي ابن دينار عن جابر (بارك الله عليك). 54 - باب مَا يَقُولُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ (باب ما يقول) الرجل (إذا أتى أهله) إذا أراد أن يجامع امرأته. 6388 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِىَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِى ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني بالإفراد (عثمان بن أبي شيبة) أبو الحسن العبسي مولاهم الكوفي الحافظ قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم بن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سالم) هو ابن أبي الجعد (عن كريب) بضم الكاف آخره موحدة مصغر ابن أبي مسلم الهاشمي مولاهم المدني مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله) يجامع امرأته أو سريته (قال: بسم الله اللهم جنبنا) بالجمع (الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتنا) وأطلق ما على من يعقل لأنها بمعنى شيء كقوله: {والله أعلم بما وضعت} [آل عمران: 36] (فإنه إن يقدر) بفتح الدال المشددة (بينهما ولد في ذلك) الجماع المقول فيه ذلك (لم يضره شيطان) بإضراره في دينه أو بدنه (أبدًا). والحديث سبق في باب ما يقول الرجل إذا أتى أهله من كتاب النكاح. 55 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً» [البقرة: 201] (باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {رَبَّنَا آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً}). 6389 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُمَّ {آتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}» [البقرة: 201]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد البصري (عن عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان أكثر دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اللهم آتنا) وللكشميهني: اللهم ربنا آتنا ({في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة}) الجار في قوله في الدنيا يتعلق بآتنا أو بمحذوف على أنه حال من حسنة لأنه كان في الأصل صفة لها فلما قدم عليها انتصب حالاً والواو في قوله: وفي الآخرة عاطفة شيئين على شيئين متقدمين، ففي الآخرة عطف على في الدنيا بإعادة العامل وحسنة عطف على حسنة والواو تعطف شيئين فأكثر على شيئين فأكثر تقول: أعلم الله زيدًا عمرًا فاضلاً وبكرًا خالدًا صالحًا. اللهم إلا أن ينوب عن عاملين ففيها خلاف، وتفصيل مذكور في محله، واختلف في الحسنتين فعن الحسن مما أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح: العلم والعبادة في الدنيا، وعنه عند عبد الرزاق: الرزق الطيب والعلم النافع وفي الآخرة الجنة، وعن قتادة: العافية في الدنيا والآخرة، وعن محمد بن كعب القرظي: الزوجة الصالحة من الحسنات، وعن عطية: حسنة الدنيا العلم والعمل به وحسنة الآخرة تيسير الحساب ودخول الجنة ومن عوف قال: من آتاه الله الإسلام والقرآن والأهل والمال والولد فقد آتاه الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقيل: الحسنة في الدنيا الصحة والأمن والكفاية والولد الصالح والزوجة الصالحة والنصرة على الأعداء، وفي الآخرة الفوز بالثواب والخلاص من العقاب ومنشأ الخلاف كما قال الإمام فخر الدين: إنه لو قيل آتنا في الدنيا الحسنة وفي الآخرة الحسنة لكان ذلك متناولاً لكل الحسنات، لكنه نكرة في محل الإثبات فلا يتناول إلا حسنة واحدة، فلذلك اختلف المفسرون فكل واحد منهم حمل اللفظ على ما رآه أحسن أنواع الحسنة وهذا بناءً منه

56 - باب التعوذ من فتنة الدنيا

على أن المفرد المعرّف بالألف واللام يعم، وقد اختار في المحصول خلافه. ثم قال: فإن قيل: أليس لو قيل آتنا الحسنة في الدنيا والحسنة في الآخرة لكان متناولاً لكل الأقسام فلِم ترك ذلك وذكره منكرًا؟ وأجاب بأن قال: إنّا بيّنا أنه ليس للداعي أن يقول: اللهم أعطني كذا وكذا بل يجب أن يقول: اللهم إن كان كذا وكذا مصلحة لي موافقة لقضائك وقدرك فأعطني ذلك فلو قال: اللهم أعطني الحسنة في الدنيا لكان ذلك جزمًا، وقد بيّنّا أن ذلك غير جائز فلما ذكره على سبيل التنكير كان المراد منه حسنة واحدة هي التي توافق قضاءه وقدره فكان ذلك أقرب إلى رعاية الأدب ({وقنا عذاب النار}) قِنا مما حذفت منه فاؤه ولامه لأنه من وقى يقي وقاية أما حذف فائه فبالحمل على المضارع لوقوع الواو بين ياء وكسرة، وأما حذف لامه فلأن الأمر جارٍ مجرى الفعل المضارع المجزوم وجزمه بحذف حرف العلة فكذلك الأمر منه فوزن قنا عنا، والأصل أوقنا فلما حذفت الفاء استغنى عن همزة الوصل فحذفت، والمعنى احفظنا من عذاب جهنم أو عذاب النار المرأة السوء. وهذا الحديث سبق في تفسير سورة البقرة. 56 - باب التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا (باب التعوّذ من فتنة الدنيا) سقط لفظ باب لأبي ذر فالتعوّذ رفع. 6390 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِى الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُنَا هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا تُعَلَّمُ الْكِتَابَةُ «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ نُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ». وبه قال: (حدّثنا فروة بن أبي المغراء) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة بعدها راء ممدودًا وفروة بفتح الفاء وسكون الراء أبو القاسم الكندي الكوفي قال: (حدّثنا عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة (ابن) ولأبي ذر هو ابن (حميد) بضم الحاء المهملة مصغرًا الضبي (عن عبد الملك بن عمير) بضم العين المهملة مصغرًا (عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه) سعد بسكون العين (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعلمنا هؤلاء الكلمات) أي الخمس (كما تعلم الكتابة) بضم الفوقية وفتح العين واللام المشددة ولأبي ذر عن الكشميهني الكتاب بإسقاط هاء التأنيث وهي: (اللهم إني أعوذ بك من البخل) الذي هو ضد الكرم (وأعوذ بك من الجبن) الذي هو ضد الشجاعة (وأعوذ بك أن) ولأبي ذر: من أن (نردّ) بالنون وفي باب الاستعاذة من أرذل العمر من أن أردّ بالهمزة بدل النون (إلى أرذل العمر) وهو الهرم المؤدي إلى الخرف (وأعوذ بك من فتنة الدنيا) فتنة المسيح الدجال أو أعم (و) من (عذاب القبر). وسبق الحديث قريبًا في الباب المذكور. 57 - باب تَكْرِيرِ الدُّعَاءِ (باب تكرير الدعاء) مرة بعد أخرى لإظهار الفقر والحاجة إلى الرب تعالى وخضوعًا وتذللاً له. 6391 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُنْذِرٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طُبَّ حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ قَدْ صَنَعَ الشَّىْءَ وَمَا صَنَعَهُ، وَإِنَّهُ دَعَا رَبَّهُ ثُمَّ قَالَ: «أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِى فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ»؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «جَاءَنِى رَجُلاَنِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِى، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَىَّ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ قَالَ: فَبِمَاذَا؟ قَالَ: فِى مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِى ذَرْوَانَ وَذَرْوَانُ»، بِئْرٌ فِى بَنِى زُرَيْقٍ. قَالَتْ: فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ: «وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ» قَالَتْ: فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهَا عَنِ الْبِئْرِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَهَلاَّ أَخْرَجْتَهُ؟ قَالَ: «أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِى اللَّهُ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا». زَادَ عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَاللَّيْثُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَعَا وَدَعَا وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) الحزامي المدني أحد الأعلام قال: (حدّثنا أنس بن عياض) أبو ضمرة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طبّ) بضم الطاء المهملة وتشديد الموحدة: سحر (حتى إنه ليخيل إليه) مبني للمفعول واللام للتأكيد أي يظهر له من نشاطه وسابق عادته (أنه قد صنع الشيء وما صنعه) أي جامع نساءه وما جامعهن فإذا دنا منهنّ أخذته أخذة السحر فلم يتمكن من ذلك ولم يكن ذلك إلا في أمر زوجاته فلا ضرر فيه على نبوّته إذ هو معصوم (وأنه) عليه الصلاة والسلام (دعا ربه) عز وجل، وفي كتاب الطب من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة دعا الله ودعاه (ثم قال): (أشعرت) أعلمت (أن الله) تعالى (أفتاني) ولأبي ذر عن الكشميهني: قد أفتاني (فيما استفيته فيه فقالت عائشة) -رضي الله عنها- (فما) بالفاء، ولأبي ذر: وما (ذاك يا رسول الله؟ قال: جاءني رجلان) أي ملكان في صفة رجلين (فجلس أحدهما) وهو جبريل (عند رأسي والآخر) وهو ميكائيل (عند رجليّ) بتشديد التحتية على التثنية (فقال أحدهما لصاحبه): وفي الرواية المذكورة فقال الذي عند رأسي للآخر. وعند الحميدي فقال الذي عند رجليّ للذي عند رأسي، قال الحافظ ابن حجر: وكأنها أصوب (ما وجع الرجل)؟ يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: مطبوب) أي مسحور (قال: من طبّه)؟ من سحره (قال)

58 - باب الدعاء على المشركين

سحره (لبيد بن الأعصم) بفتح الهمزة وسكون العين وفتح الصاد المهملتين، وزاد في الرواية المذكورة رجل من بني زريق حليف اليهود وكان منافقًا (قال: فبماذا؟) سحره (قال: في مشط) الآلة المعروفة (ومشاطة) بضم الميم وبالطاء ما يخرج من الشعر بالمشط، وفي رواية ابن جريج عن آل عروة عن عروة في الطب في مشاقة بالقاف (وجف طلعة) بضم الجيم وتشديد الفاء وإضافتها لتاليها وعاء طلع النخل وقيّده في أخرى بذكر (قال: فأين هو؟ قال في ذروان) بالذال المعجمة المفتوحة وسكون الراء (وذروان بئر في بني زريق قالت) عائشة -رضي الله عنها- (فأتاها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في أناس من أصحابه فنظر إليها وعليها نخل (ثم رجع إلى عائشة) -رضي الله عنها- (فقال) لها: (والله لكأن ماءها) يعني البئر (نقاعة الحناء) بضم النون بعدها قاف أي في حمرة لونه (ولكأن نخلها) أي نخل البستان الذي هي فيه (رؤوس الشياطين) في بشاعة منظرها وخبثها، ويحتمل أن يراد برؤوس الشياطين رؤوس الحيات إذ العرب تسمي بعض الحيات شيطانًا (قالت) عائشة -رضي الله عنها- (فأتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرها عن البئر) قالت عائشة (فقلت يا رسول الله فهلا أخرجته) أي الجف (قال) عليه الصلاة والسلام (أمّا أنا) بتشديد الميم (فقد شفاني الله) منه (وكرهت أن أثير على الناس شرًّا) باستخراجه فيتعلمونه ويضرون به المسلمين. (زاد عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي على الحديث المذكور مما وصله في الطب (والليث بن سعد) مما سبق في بدء الخلق كلاهما (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: سحر النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم السين مبنيًّا للمفعول (فدعا ودعا) بتكرير دعا مرتين (وساق الحديث) إلى آخره، ولم يذكر في رواية أنس بن عياض المسوقة في هذا الباب تكرير الدعاء، وفي رواية عبد الله بن نمير عن هشام عند مسلم في هذا الحديث فدعا ثم دعا وبالتكرير تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة. 58 - باب الدُّعَاءِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ»، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِى جَهْلٍ» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: دَعَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الصَّلاَةِ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا» حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ} [آل عمران: 128]. (باب الدعاء على المشركين) قيد هذه الترجمة في الجهاد بالهزيمة والزلزلة والتبويب هنا ثابت لأبي ذر عن المستملي. (وقال ابن مسعود) عبد الله -رضي الله عنه- مما سبق موصولاً في الاستسقاء (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اللهم أعني عليهم) على كفار قريش (بسبع) من السنين مقحطة (كسبع يوسف) عليه السلام (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مما رواه عنه ابن مسعود -رضي الله عنه- وسبق موصولاً في آخر كتاب الطهارة في قصة سلى الجزور (اللهم عليك بأبي جهل) دعا عليه بالهلاك. (وقال ابن عمر) -رضي الله عنهما- مما سبق موصولاً في غزوة أُحد وتفسير سورة آل عمران (دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في القنوت (في الصلاة اللهم العين فلانًا وفلانًا حتى أنزل الله عز وجل) ولأبي ذر تعالى ({ليس لك من الأمر شيء}) [آل عمران: 128] اسم ليس شيء والخبر لك ومن الأمر حال من شيء لأنها صفة متقدمة. 6392 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنِ ابْنِ أَبِى خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِى أَوْفَى - رضى الله عنهما - قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الأَحْزَابِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمِ الأَحْزَابَ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (ابن سلام) بتخفيف اللام محمد قال: (أخبرنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح (عن ابن أبي خالد) هو إسماعيل واسم أبيه سعيد أو هرمز أو كثير البجلي الأحمسي الكوفي أنه (قال: سمعت ابن أبي أوفى) عبد الله واسم أبي أوفى علقمة وهو بفتح الهمزة والفاء بينهما واو ساكنة وهما صحابيان (-رضي الله عنهما- قال: دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الأحزاب) الذين اجتمعوا يوم الخندق بالهزيمة والزلزلة (فقال): (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب) أي سريعًا فيه أو أن مجيء الحساب سريع (اهزم الأحزاب اهزمهم وزلزلهم) أي اجعل أمرهم مضطربًا متقلقلاً غير ثابت فاستجاب الله تعالى دعاءه عليهم فأرسل عليهم ريحًا وجنودًا لم يروها فهزمهم. 6393 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فِى الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنْ صَلاَةِ الْعِشَاءِ، قَنَتَ اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِى يُوسُفَ». وبه قال: (حدثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة المخففة البصري قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي ولأبي ذر هشام بن عبد الله (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة)

بن عبد الرَّحمن (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا قال: سمع الله لمن حمده في الركعة الآخرة من صلاة العشاء قنت) قبل أن يسجد يقول: (اللهم أنج) بقطع الهمزة (عياش بن أبي ربيعة) أخا أبي جهل لأمه (اللهم أنج الوليد بن الوليد) بن المغيرة أخا خالد بن الوليد (اللهم أنج سلمة بن هشام) أخا أبي جهل (اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين) عام بعد خاص (اللهم اشدد وطأتك) عقوبتك (على) كفار قريش أولاد (مضر) القبيلة المشهورة التي منها جميع بطون قريش وغيرهم (اللهم اجعلها) أي وطأتك (سنين) مجدبة ولأبي ذر عن المستملي عليهم سنين (كسني يوسف) المذكورة في سورته. والحديث سبق في النساء وغيرها. 6394 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: بَعَثَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً يُقَالُ لَهُمُ: الْقُرَّاءُ فَأُصِيبُوا، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَدَ عَلَى شَىْءٍ مَا وَجَدَ عَلَيْهِمْ فَقَنَتَ شَهْرًا فِى صَلاَةِ الْفَجْرِ وَيَقُولُ: «إِنَّ عُصَيَّةَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ». وبه قال: (حدّثنا الحسن بن الربيع) البجلي الكوفي قال: (حدّثنا أبو الأحوص) بالحاء والصاد المهملتين سلام بتشديد اللام ابن سليم (عن عاصم) هو ابن سليمان الأحول (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سرية يقال لهم القراء) لأنهم كانوا أكثر دراسة للقرآن من غيرهم وكانوا سبعين إلى أهل نجد ليدعوهم إلى الإسلام فلما نزلوا بئر معونة قصدهم عامر بن الطفيل في جماعة فقتلوهم وهو معنى قوله (فأصيبوا) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (فما رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجد) بفتح الواو والجيم حزن (على شيء ما وجد) ما حزن (عليهم فقنت شهرًا في صلاة الفجر) و (يقول): (إن عصية) بضم العين وفتح الصاد تصغير العصا قبيلة معروفة (عصوا الله) ولأبي ذر عن الكشميهني عصت الله (ورسوله) والحديث سبق في الوتر والمغازي. 6395 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَانَ الْيَهُودُ يُسَلِّمُونَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُونَ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَفَطِنَتْ عَائِشَةُ إِلَى قَوْلِهِمْ فَقَالَتْ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَهْلاً يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِى الأَمْرِ كُلِّهِ»، فَقَالَتْ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا يَقُولُونَ؟ قَالَ: «أَوَ لَمْ تَسْمَعِى أَنِّى أَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ؟ فَأَقُولُ: وَعَلَيْكُمْ». وبه قال: (حدثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان) ولأبي ذر عن الكشميهني كانت (اليهود يسلمون على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقولون) ولأبي ذر تقول (السام) يعنون الموت (عليك ففطنت عائشة) -رضي الله عنها- (إلى قولهم فقالت: عليكم السام واللعنة) وفي رواية باب كيف الردّ ففهمتها فقلت: عليكم السام واللعنة (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مهلاً) بفتح الميم وإسكان الهاء أي رفقًا (يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله فقالت: يا نبي الله أو لم) بفتح الواو (تسمع ما يقولون؟ قال: أو لم تسمعي أردّ) ولأبي ذر: أني أردّ (ذلك عليهم فأقول وعليكم) بواو العطف وإسقاط لفظ السام وسقطت الواو لأبي ذر. وسبق الحديث في السلام. 6396 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَنْصَارِىُّ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، حَدَّثَنَا عَبِيدَةُ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَالَ: «مَلأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا، كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلاَةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ» وَهْىَ صَلاَةُ الْعَصْرِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) أبو موسى العنزي الحافظ قال: (حدّثنا الأنصاري) هو محمد بن عبد الله قاضي البصرة شيخ البخاري روى عنه بالواسطة قال: (حدّثنا هشام بن حسان) الأزدي مولاهم الحافظ قال: (حدّثنا محمد بن سيرين) أبو بكر أحد الأعلام قال: (حدّثنا عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة السلماني بن عمرو، وقيل عبيدة بن قيس الكوفي أحد الأئمة أسلم في حياة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (حدّثنا علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الخندق) وهي غزوة الأحزاب (فقال): (ملأ الله قبورهم) أمواتًا (وبيوتهم) أحياء (نارًا كما شغلونا عن صلاة الوسطى) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عن الصلاة الوسطى (حتى غابت الشمس وهي صلاة العصر) وفي مسلم من رواية أبي أسامة ومن رواية المعتمر بن سليمان، ومن رواية يحيى بن سعيد ثلاثتهم عن هشام: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، وأخرج أيضًا من حديث حذيفة مرفوعًا: (شغلونا عن صلاة العصر) وهذا ظاهر في أن قوله وهي صلاة العصر من نفس الحديث، وهو يرد على قوله في الكواكب أنه هنا مدرج في الخبر من قول بعض الرواة على ما لا يخفى، وهشام بن حسان وإن تكلم فيه من قبل حفظه فقد صرح غير واحد

59 - باب الدعاء للمشركين

بأنه ثبت في محمد بن سيرين حتى قال سعيد بن أبي عروبة: ما كان أحد أحفظ عن ابن سيرين من هشام بن حسان. وقال يحيى القطان: هشام بن حسان ثقة في محمد بن سيرين. والحديث سبق في غزوة الخندق. 59 - باب الدُّعَاءِ لِلْمُشْرِكِينَ (باب الدعاء للمشركين) زاد في الجهاد بالهدى ليتألفهم. 6397 - حَدَّثَنَا عَلِىٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَدِمَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ دَوْسًا قَدْ عَصَتْ، وَأَبَتْ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا فَظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهِمْ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ». وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قدم الطفيل بن عمرو) بضم الطاء المهملة وفتح الفاء وسكون التحتية بعدها لام وعين عمرو مفتوحة الدوسي (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إن دوسًا) بفتح الدال المهملة وسكون الواو بعدها سين مهملة وهي قبيلة أبي هريرة (قد عصت) أي عصت الله (وأبت) امتنعت عن الإِسلام (فادع الله عليها فظنّ الناس أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يدعو عليهم فقال): (اللهم اهد دوسًا) للإسلام (وائت بهم) مسلمين وكان الطفيل قدم مكة وأسلم وقال: يا رسول الله إني امرؤ مطاع في قومي وإني راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام، فلما قدم على أهله دعا أباه وصاحبته إلى الإسلام فأجاباه ثم دعا دوسًا فأبطأوا عليه فجاء إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إنه قد غلبني على دوس الزنا فادع الله عليهم فقال: "اللهم اهد دوسًا" ثم قال: ارجع إلى قومك فادعهم إلى الله وارفق بهم قال: فرجعت إليهم فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الله، ثم قدمت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بخيبر فنزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتًا من دوس، ثم لحقنا برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسهم لنا مع المسلمين، وقد استشكل قوله باب الدعاء على المشركين وباب الدعاء للمشركين. وأجيب: بأنه باعتبار حالين فالدعاء عليهم لتماديهم على كفرهم وإيذائهم للمسلمين والدعاء لهم بالهداية ليتألفهم للإِسلام، والحديث سبق في الجهاد. 60 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عبودية وتعليمًا لأمته (اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت). 6398 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكَ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ «رَبِّ اغْفِرْ لِى خَطِيئَتِى وَجَهْلِى وَإِسْرَافِى فِى أَمْرِى كُلِّهِ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى خَطَايَاىَ وَعَمْدِى وَجَهْلِى وَهَزْلِى، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِى اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ» وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، وَحَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ أَبِى مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 6398 - طرفه في: 6399]. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (محمد بن بشار) بندار قال: (حدّثنا عبد الملك بن صباح) بفتح المهملة وتشديد الموحدة وبعد الألف حاء مهملة المصري قال أبو حاتم الرازي صالح وهي من ألفاظ التوثيق لكنها في الرتبة الأخيرة عنده فيكتب حديثه للاعتبار وحينئذٍ فليس عبد الملك هذا من شرط الصحيح. وأجيب: بأن اتفاق الشيخين على التخريج له يدل على أنه أرفع رتبة من ذلك لا سيما وقد تابعه معاذ بن معاذ وهو من الإثبات وليس لعبد الملك في الصحيح إلا هذا الموضع قاله في الفتح قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن ابن أبي موسى) أبي بردة (عن أبيه) أبي موسى عبد الله بن قيس (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان يدعو بهذا الدعاء): (رب اغفر لي خطيئتي) ذنبي (وجهلي) ضد العلم (وإسرافي) مجاوزتي الحد (في أمري كله وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي خطاياي) جمع خطيئة (وعمدي) ضد السهو (وجهلي) ضد العلم كما مر (وهزلي) ضد الجد وعطف العمد على الخطأ من عطف الخاص على العام باعتبار أن الخطيئة أعم من التعمد أو من عطف أحد المتقابلين على الآخر بأن تحمل الخطيئة على ما وقع على سبيل الخطأ، وفي مسلم اغفر لي هزلي وجدي. قال في الفتح: وهو أنسب وهو بالكسر ضد الهزل (وكل ذلك عندي) موجود أو ممكن كالتذييل للسابق أي أنا متصف بهذه الأشياء فاغفرها لي قاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متواضعًا وهضمًا لنفسه أو عد فوات الكمال وترك الأولى ذنوبًا أو أراد ما كان عن سهو أو ما كان قبل النبوة (اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت) وهذان شاملان لجميع ما سبق كقوله (وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم) لمن تشاء من خلقك بتوفيقك إلى رحمتك (وأنت المؤخر) لمن تشاء عن ذلك (وأنت على كل شيء قدير) جملة مؤكدة لمعنى ما قبلها وعلى كل شيء متعلق بقدير وهو فعيل بمعنى فاعل مشتق من القدرة

61 - باب الدعاء فى الساعة التى فى يوم الجمعة

وهي القوة والاستطاعة وهل يطلق الشيء على المعدوم والمستحيل خلاف. والحديث أخرجه مسلم في الدعوات (وقال عبيد الله بن معاذ) بضم العين مصغرًا ومعاذ بضم الميم آخره معجمة العنبري التيمي البصري شيخ المؤلّف (وحدّثنا أبي) معاذ وسقطت الواو لأبي ذر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه) أبي موسى (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد أبو ذر عن الكشميهني هنا بنحوه أي بنحو السابق. 6399 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَبِى مُوسَى وَأَبِى بُرْدَةَ أَحْسِبُهُ عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى خَطِيئَتِى وَجَهْلِى وَإِسْرَافِى فِى أَمْرِى، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى هَزْلِى وَجِدِّى وَخَطَاىَ وَعَمْدِى، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِى». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن عبد المجيد) بفتح الميم بعدها جيم الحنفي البصري قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (أبو إسحاق) هو السبيعي جد إسرائيل (عن أبي بكر بن أبي موسى و) أخيه (أبي بردة) بن أَبي موسى (أحسبه عن) أبيهما (أبي موسى الأشعري) -رضي الله عنه- وسقط الأشعري لأبي ذر (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان يدعو): (اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي هزلي وجدي) بكسر الجيم (وخطئي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وخطاي بغير همز (وعمدي وكل ذلك) المذكور (عندي) قاله على سبيل التواضع والشكر لربه لما علم أنه قد غفر له. 61 - باب الدُّعَاءِ فِى السَّاعَةِ الَّتِى فِى يَوْمِ الْجُمُعَةِ (باب الدعاء في الساعة التي) ترجى إجابة الدعاء فيها (في يوم الجمعة). 6400 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فِى الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّى يَسْأَلُ خَيْرًا إِلاَّ أَعْطَاهُ» وَقَالَ بِيَدِهِ «قُلْنَا يُقَلِّلُهَا يُزَهِّدُهَا». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) هو ابن علية قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه (قال: قال أبو القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (في الجمعة) ولأبي ذر في يوم الجمعة (ساعة لا يوافقها مسلم) أو مسلمة (وهو قائم يصلّي يسأل خيرًا) ثلاثة أحوال متداخلة أو مترادفة ولأبي ذر عن الكشميهني يسأل الله خيرًا (إلا أعطاه) وقيد بالخير ليخرج نحو الدعاء بإثم أو قطيعة رحم (وقال): أي أشار عليه الصلاة والسلام (بيده) إلى أنها ساعة لطيفة (قلنا يقللها) أي الساعة (يزهدها) بضم التحتية وفتح الزاي وتشديد الهاء المكسورة تأكيد إذ معناه يقللها أيضًا. واختلف في تعيينها فقيل ساعة الصلاة، وقيل آخر ساعة عند الغروب، وسبق مزيد لذلك في كتاب الجمعة، والحاصل أنه اختلف في ذلك على أكثر من أربعين قولاً كليلة القدر. وفي حديث أبي سلمة عند أحمد وصححه ابن خزيمة أن أبا هريرة -رضي الله عنه- سأل عن ساعة الجمعة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "إني كنت أعلمها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر" قال في الفتح: ففي هذا الحديث إشارة إلى أن كل رواية جاء فيها تعيين وقت الساعة المذكورة مرفوعًا وهم فالله أعلم والحكمة في إخفائها استمرار الطاعة في يومها. والحديث سبق في الصلاة وأخرجه النسائي فيه. 62 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُسْتَجَابُ لَنَا فِى الْيَهُودِ وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِينَا» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستجاب لنا) الدعاء (في اليهود) لأنا لا ندعو عليهم إلا بالحق (ولا يستجاب لهم فينا) لأنهم يدعون علينا بالظلم. 6401 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها- أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوُا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ قَالَ: «وَعَلَيْكُمْ» فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ وَلَعَنَكُمُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَهْلاً يَا عَائِشَةُ عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ أَوِ الْفُحْشَ» قَالَتْ: أَوَ لَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «أَوَ لَمْ تَسْمَعِى مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِى فِيهِمْ وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِىَّ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط لأبي ذر ابن سعيد قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بن عبد الرَّحمن بن أبي مليكة (عن عائشة -رضي الله عنها- أن اليهود أتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا السام) بغير همزة (عليك. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهم: (وعليكم) بواو التشريك أي وعليكم الموت إذ كل أحد يموت أو هي للاستئناف أي عليكم ما تستحقونه من الذم (فقالت عائشة) -رضي الله عنها- لهم: (السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مهلاً يا عائشة عليك بالرفق) فالزميه (وإياك والعنف) وهو ضد الرفق فاحذريه والعين مثلثة (أو الفحش) بالشك ولأبي ذر والفحش بإسقاط الألف من أو (قالت) يا رسول الله (أو لم تسمع) بفتح الواو (ما قالوا؟ قال) عليه الصلاة والسلام: ({أو لم)

63 - باب التأمين

بفتح الواو أيضًا (تسمعي ما قلت رددت عليهم) قولهم (فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم فيّ) بتشديد التحتية والحديث سبق في الاستئذان وفي باب الدعاء على المشركين. 63 - باب التَّأْمِينِ (باب التأمين) وهو قول آمين عقب الدعاء ومعناها اللهم اسمع واستجب. وقال ابن عباس وقتادة: كذلك يكون فهي اسم فعل مبني على الفتح وقيل ليس باسم فعل بل هو من أسماء الله تعالى والتقدير يا آمين، وضعفه أبو البقاء بوجهين. أحدهما: أنه لو كان كذلك لكان ينبغي أن يُبنى على الضم لأنه منادى مفرد معرفة، والثاني: أن أسماء الله تعالى توقيفية ووجه الفارسي قول من جعله اسمًا لله تعالى على معنى أن فيه ضميرًا يعود على الله تعالى لأنه اسم فعل وهو توجيه حسن نقله صاحب المغرب، وفي آمين لغتان المد والقصر فمن الأول قوله: آمين آمين لا أرضى بواحدة ... حتى أبلغها ألفين آمينا وقال آخر: يا رب لا تسلبني حبها أبدًا ... ويرحم الله عبدًا قال آمينا ومن الثاني قوله: تباعد مني فطحل إذ رأيته ... أمين فزاد الله ما بيننا بُعدا وفطحل بفتح الحاء المهملة بينهما طاء مهملة ساكنة اسم رجل، وقيل الممدود اسم أعجمي لأنه بزنة قابيل وهابيل، وقال النووي في تهذيبه، قال عطية العوفي: آمين كلمة عبرانية أو سريانية وليست عربية، وقال جماعة: إن أمين المقصورة لم تجيء عن العرب، والبيت الذي ينشد مقصورًا لا يصح على هذا الوجه، وإنما هو فآمين زاد الله ما بيننا بعدًا وهل يجوز تشديد الميم المشهور أنه خطأ نقله الجوهري، لكنه روي عن الحسن البصري وجعفر الصادق التشديد وهو قول الحسن بن الفضل من أم إذا قصد أي نحن قاصدون نحوك وعند أبي داود من حديث أبي زهير النمري قال: وقف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على رجل قد ألح في الدعاء فقال: أوجب إن ختم فقيل بأي شيء؟ قال: بآمين فأتاه الرجل فقال: يا فلان اختم بآمين وأبشر، فكان أبو زهير يقول آمين مثل الطابع على الصحيفة فآمين طابع الدعاء وخاتم الله على عباده يدفع به الآفات عنهم، كما أن خاتم الكتاب يمنعه من ظهور ما فيه على غير من كتب إليه وهو الفساد كذلك الختم في الدعاء يمنعه من الفساد الذي هو الخيبة كما في مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا: إذا دعا أحدكم لا يقل اللهم اغفر لي إن شئت ولكن ليعزم وليعظم الرغبة أي في الإجابة. وقال عبد الرَّحمن بن زيد: آمين كنز من كنوز الجنة وقال غيره: آمين درجة في الجنة تجب لقائلها. 6402 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِىُّ: حَدَّثَنَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَمَّنَ الْقَارِئُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تُؤَمِّنُ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: الزهري) محمد بن مسلم (حدّثناه) أي الحديث (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (فإذا أمّن القارئ) الإِمام في الصلاة أو أعم (فأمّنوا فإن الملائكة تؤمّن فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة) في الصفة كالخشوع أو في الوقت (غفر له ما تقدم من ذنبه) الذي بينه وبين الله تعالى. وفي حديث حبيب بن مسلمة الفهري عند الحاكم سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم ويؤمّن بعضهم إلا أجابهم الله تعالى". وحديث الباب سبق في الصلاة. 64 - باب فَضْلِ التَّهْلِيلِ (باب فضل التهليل) اعلم أن العرب إذا أكثر استعمالهم لكلمتين ضموا بعض حروف إحداهما إلى بعض حروف الأخرى مثل الحوقلة والبسملة فالتهليل مأخوذ من قول لا إله إلا الله يقال: هيلل الرجل وهلل إذا قالها وهي الكلمة العليا التي يدور عليها رحى الإِسلام والقاعدة التي تبنى عليها أركان الدين وانظر إلى العارفين وأرباب القلوب كيف يستأثرونها على سائر الأذكار وما ذاك إلا لما رأوا فيها من الخواص التي لم يجدوها في غيرها. 6403 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَىٍّ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ فِى يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ، حَتَّى يُمْسِىَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن

مالك) الإِمام الأعظم (عن سمي) بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد التحية مولى أبي بكر بن عبد الرَّحمن المخزومي (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من قال لا إله إلا الله) قيل التقدير لا إله لنا أو في الوجود قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد: وهذا أنكره بعض المتكلمين على النحويين بأن نفي الحقيقة مطلقة أعم من نفيها مقيدة فإنها إذا نفيت مقيدة كان دالاًّ على سلب الماهية مع القيد وإذا نفيت غير مقيدة كان نفيًا للحقيقة وإذا انتفت الحقيقة انتفت مع كل قيد أما إذا نفيت مقيدة بقيد مخصوص لم يلزم نفيها مع قيد آخر اهـ. وقال أبو حيان: لا إله مبني مع لا في موضع رفع على الابتداء وبني الاسم مع لا لتضمنه معنى من أو للتركيب الزجاج هو معرب منصوب بها وعلى البناء فالخبر مقدر قال أبو حيان: واعترض صاحب المنتخب على النحويين في تقديرهم الخبر في لا إله إلا الله وذكر ما ذكره الشيخ تقي الدين قال: وأجاب أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي في ري الظمآن فقال: هذا كلام من لا يعرف لسان العرب فإن إله في موضع المبتدأ على قول سيبويه وعند غيره اسم لا، وعلى التقديرين فلا بد من خبر للمبتدأ أو للا فما قاله من الاستغناء عن الإِضمار فاسد، وأما قوله إذا لم يضمر كان نفيًا للإلهية فليس بشيء لأن نفي الماهية هو نفي الوجود لأن الماهية لا تتصور عندنا إلا مع الوجود فلا فرق بين لا ماهية ولا وجود وهذا مذهب أهل السنة خلافًا للمعتزلة فإنهم يثبتون الماهية عرية عن الوجود وهو فاسد، وقولهم في كلمة الشهادة إلا الله هو في موضع رفع بدلاً من لا إله ولا يكون خبرًا للا لأن لا لا تعمل في المعارف ولو قلنا إن الخبر للمبتدأ وليس للا فلا يصح أيضًا لما يلزم عليه من تنكير المبتدأ وتعريف الخبر. قال صاحب المجيد السفاقسي: قد أجاز الشلوبين في تقييد له على المفصل أن الخبر للمبتدأ يكون معرفة وسوغ الابتداء بالنكرة النفي ثم أكد الحصر المستفاد من قوله لا إله إلا الله بقوله: (وحده لا شريك له) مع ما فيه من تكثير حسنات الذاكر فقوله وحده حال مؤكدة وتؤوّل بمنفرد لأن الحال لا تكون معرفة ولا شريك له حال ثانية مؤكدة لمعنى الأولى ولا نافية وشريك مبني مع لا على الفتح وخبر لا متعلق له (له الملك وله الحمد) بضم الميم (وهو على كل شيء قدير) جملة حالية أيضًا ومن منع تعدد الحال جعل لا شريك له حالاً من ضمير وحده المؤول بمنفرد وكذلك له الملك حال من ضمير المجرور في له وما بعد ذلك معطوفات (في يوم مائة مرة كانت له عدل) بفتح العين أي أن مثل ثواب إعتاق (عشر رقاب) بسكون الشين (وكتبت) بالتأنيث وللكشميهني كما في الفتح واليونينية وكتب (له) بالقول المذكور (مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزًا) بكسر الحاء أي حصنًا (من الشيطان يومه ذلك) بنصب يوم على الظرفية (حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء) وفي رواية عبد الله بن يوسف في باب صفة إبليس مما جاء به (إلا رجل عمل أكثر منه) الاستثناء منقطع أي لكن رجل عمل أكثر مما عمل فإنه يزيد عليه أو الاستثناء متصل بتأويل. 6404 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِى زَائِدَةَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: مَنْ قَالَ عَشْرًا كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ. قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِى زَائِدَةَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ مِثْلَهُ فَقُلْتُ لِلرَّبِيعِ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ: مِنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ فَأَتَيْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ فَقُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ: مِنِ ابْنِ أَبِى لَيْلَى، فَأَتَيْتُ ابْنَ أَبِى لَيْلَى فَقُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ فَقَالَ: مِنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ يُحَدِّثُهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ قَوْلَهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلَهُ: وَقَالَ آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ، سَمِعْتُ هِلاَلَ بْنَ يَسَافٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَوْلَهُ. وَقَالَ الأَعْمَشُ: وَحُصَيْنٌ، عَنْ هِلاَلٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَوْلَهُ وَرَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِىُّ، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: وَالصَّحِيحُ قَوْلُ عَمْرٍو قَالَ الحَافِظُ أَبُو ذَرٍّ الهَرَوِيُّ: صَوَابُهُ عُمَرَ وَهُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قُلْتُ: وَعَلَى الصَّوَابِ ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ فِي الأَصْلِ كَمَا تَرَاهُ لاَ عَمْرٌو. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الملك بن عمرو) بفتح العين أبو عامر العقدي قال: (حدّثنا عمر بن أبي زائدة) بضم العين واسم أبي زائدة خالد أو ميسرة وهو أخو زكريا بن أبي زائدة الهمداني (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي التابعي الصغير (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين الأودي التابعي الكبير المخضرم أنه (قال: من قال عشرًا) أي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل). وعند مسلم كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل صفة رقبة أي حصل له من الثواب ما لو اشترى ولدًا من أولاد إسماعيل عليه الصلاة والسلام وأعتقه وإنما خصه لأنه أشرف الناس (قال عمر بن أبي زائدة) بالسند السابق وعمر

بضم العين، وسقط لأبي ذر ابن أبي زائدة حدثنا أبو إسحاق. (وحدّثنا عبد الله بن أبي السفر) بفتح المهملة والفاء واسمه سعيد بن محمد الثوري الهمداني الكوفي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن ربيع بن خثيم) بضم الخاء وفتح المثلثة بعدها تحتية ساكنة فميم ولأبي ذر عن الربيع بن خثيم (مثله) أي مثل رواية أبي إسحاق (فقلت للربيع) بن خثيم (ممن سمعته فقال: من عمرو بن ميمون) الأودي (فأتيت عمرو بن ميمون فقلت: ممن سمعته؟ فقال: من ابن أبي ليلى) عبد الرَّحمن (فأتيت ابن أبي ليلى فقلت) له: (ممن سمعته؟ فقال: من أبي أيوب) خالد (الأنصاري) الخزرجي (يحدثه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وحاصله أن عمر بن أبي زائدة أسنده عن شيخين أحدهما أبو إسحاق عن عمرو بن ميمون موقوفًا والثاني عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن الربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون عن ابن أبي ليلى عن أبي أيوب مرفوعًا. (وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يوسف بن إسحاق (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو السبيعي أنه قال: (حدثني) بالإفراد (عمرو بن ميمون) الأودي (عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب) الأنصاري (قوله عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط عن النبي الخ لأبي ذر، وأفادت هذه الرواية التصريح بتحديث عمرو لأبي إسحاق وأفادت أيضًا زيادة ذكر عبد الرَّحمن بن أبي ليلى وأبي أيوب في السند. (وقال موسى) بن إسماعيل المنقري التبوذكي شيخ المؤلّف مما وصله أبو بكر بن أبي خيثمة في تاريخه (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد (عن داود) بن أبي هند دينار القشيري البصري (عن عامر) الشعبي (عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب) خالد الأنصاري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولفظ رواية ابن أبي خيثمة كان له من الأجر مثل من أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل. (وقال إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي البجلي (عن الشعبي) عامر (عن الربيع) بن خثيم (وقوله) أي موقوف قال في الفتح: واقتصار البخاري على هذا القدر يوهم أنه خالف داود في وصله وليس كذلك، وإنما أراد أنه جاء في هذه الطريق عن الربيع من قوله ثم لما سئل عنه وصله قال: وقد وقع لنا ذلك واضحًا في زيادات الزهد لابن المبارك رواية الحسين بن الحسن المروزي قال الحسين: حدّثنا المعتمر بن سليمان سمعت إسماعيل بن أبي خالد يحدث عن عامر الشعبي سمعت الربيع بن خثيم يقول من قال: لا إله إلا الله فذكره بلفظ فهو عدل أربع رقاب فقلت: عمن ترويه فقال: عن عمرو بن ميمون فلقيت عمرًا فقلت: عمن ترويه فقال: عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى فلقيت عبد الرَّحمن فقلت: عمن ترويه فقال: عن أبي أيوب عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (وقال آدم) بن أبي إياس شيخ المؤلّف وعند الدارقطني حدّثنا آدم بدل قوله وقال آدم (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عبد الملك بن ميسرة) الهلالي الكوفي الزراد (سمعت هلال بن يساف) بفتح التحتية والمهملة مخففة وبعد الألف فاء الأشجعي (عن الربيع بن خثيم وعمرو بن ميمون) كلاهما (عن ابن مسعود) عبد الله -رضي الله عنه- (قوله) أي من قوله موقوفًا عليه، وعند النسائي من رواية محمد بن جعفر عن شعبة بسنده السابق هنا عن ابن مسعود قال: لأن أقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث وفيه أحب إليّ من أن أعتق أربع رقاب وزاد من طريق منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن الربيع وحده عن عبد الله بن مسعود بيده الخير وقال: في آخره كان له عدل أربع رقاب من ولد إسماعيل. (وقال الأعمش) سليمان بن مهران مما وصله النسائي من طريق وكيع عنه (وحصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرَّحمن السلمي الكوفي مما وصله محمد بن الفضل في كتاب الدعاء له كلاهما (عن هلال) هو ابن يساف (عن الربيع) بن خثيم (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (قوله) أي من قوله ولفظ الأوّل عند النسائي عن عبد الله بن مسعود

65 - باب فضل التسبيح

قال: من قال لا إله إلا الله وفيه كان له عدل أربع رقاب من ولد إسماعيل، ولفظ ابن الفضل قال عبد الله: من قال: أوّل النهار لا إله إلا الله وفيه كنّ له كعدل أربع رقاب محررين من ولد إسماعيل وقد وقع قوله قال عمر بن أبي زائدة وحدّثنا عبد الله بن أبي السفر عقب رواية أبي إسحاق عند غير أبي ذر في جميع الروايات عن الفربري وكذا في رواية إبراهيم بن أبي معقل النسقي عن البخاري وهو الصواب، وأما في رواية أبي ذر فتأخرت بعد رواية الأعمش وحصين فصار ذلك مشكلاً لا يظهر منه وجه الصواب كما قاله في الفتح. (ورواه) أي الحديث المذكور (أبو محمد الحضرمي) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة ولا يعرف اسمه وكان خادمًا لأبي أيوب، وقال المزي: اسمه أفلح مولى أبي أيوب وقال الدارقطني لا يعرف إلا في هذا الحديث وليس له في الصحيح غيره، وقد وصله أحمد والطبراني من طريق سعيد بن أبي إياس الجريري عن أبي الورد ثمامة بن حزن القشيري عن أبي محمد الحضرمي (عن أبي أيوب) الأنصاري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقال فيه: (كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل) وهذا أعني كان كمن الخ ثابت في رواية أبي ذر كما في الفرع وأصله ولفظ رواية الإِمام أحمد والطبراني. قال أبو أيوب: لما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة نزل عليّ فقال: "يا أبا أيوب ألا أعلمك"؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: "ما من عبد يقول إذا أصبح لا إله إلا الله" فذكره "إلا كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه بها عشر سيئات وإلاّ كن له عند الله عدل عشر رقاب محررين وإلاّ كان في جنة من الشيطان حتى يمسي ولا قالها حين يمسي إلا كان كذلك" قال: فقلت لأبي محمد أنت سمعتها من أبي أيوب؟ قال: الله لسمعته من أبي أيوب. ورواه الإمام أحمد أيضًا من طريق عبد الله بن يعيش عن أبي أيوب رفعه: "من قال إذا صلّى الصبح لا إله إلا الله" فذكره بلفظ "عشر مرات كن له كعدل أربع رقاب وكتب له بهن عشر حسنات ومحي عنه بهن عشر سيئات ورفع له بهن عشر درجات وكن له حرزًا من الشيطان حتى يمسي وإذا قالها بعد المغرب فمثل ذلك". وسنده حسن قال الحافظ ابن حجر: واختلاف الروايات في عدد الرقاب مع اتحاد المخرج يقتضي الترجيح بينها فالأكثر على ذكر أربعة ويجمع بينه وبين حديث أبي هريرة بذكر عشرة كقولها مائة فيكون مقابل كل عشر مرات رقبة من قبل المضاعفة فيكون لكل مرة بالمضاعفة رقبة وهي مع ذلك لمطلق الرقاب ومع وصف كون الرقبة من ولد إسماعيل يكون مقابل العشرة من غيرهم أربعة منهم لأنهم أشرف من غيرهم من العرب فضلاً عن العجم، وأما ذكر رقبة بالإفراد في حديث أبي أيوب فشاذ والمحفوظ أربعة كما مرّ. (قال أبو عبد الله) البخاري: (والصحيح قول عمرو) بفتح العين (قال الحافظ أبو ذر الهروي: صوابه عمر) بضم العين (وهو ابن أبي زائدة) وفي اليونينية عقب قول أبي ذر قلت وعلى الصواب ذكره أبو عبد الله البخاري في الأصل أي لما قال قال عمر بن أبي زائدة وحدّثنا عبد الله بن أبي السفر (كما تراه) في محله المذكور (لا عمرو) بفتح العين. قال في فتح الباري: وعند أبي زيد المروزي في روايته الصحيح قول عبد الملك بن عمرو، وقال الدارقطني: الحديث حديث ابن أبي السفر عن الشعبي وهو الذي ضبط الإسناد، ومراد البخاري ترجيح رواية عمر بن أبي زائدة عن أبي إسحاق على رواية غيره عنه، وقوله قال أبو عبد الله الخ ثبت لأبي ذر عن المستملي وهو في الفرع كأصله على هامشه مخرج له في الفرع بعد قوله، وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه الخ قبل قوله، وقال موسى: حدّثنا وهيب ولم يخرج له في اليونينية. 65 - باب فَضْلِ التَّسْبِيحِ (باب فضل التسبيح) يعني قول سبحان الله وهو اسم مصدر وهو التسبيح وقيل بل سبحان مصدر لأنه سمع له فعل ثلاثي وهو من الأسماء اللازمة للإضافة وقد يفرد، وإذا أفرد منع الصرف للتعريف وزيادة الألف والنون كقوله:

66 - باب فضل ذكر الله عز وجل

أقول لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر وجاء منونًا كقوله: سبحانه ثم سبحانا يعود له ... وقبلنا سبح الجودي والجمد فقيل صرف ضرورة وقيل هو بمنزله قبل وبعد أن نوى تعريفه بقي على حاله وإن نكر أعرب منصرفًا. وهذا البيت يساعد على كونه مصدرًا لا اسم مصدر لوروده منصرفًا، ولقائل القول الأول أن يجيب عنه بأن هذا نكرة لا معرفة وهو من الأسماء اللازمة النصب على المصدرية فلا يتصرف والناصب له فعل مقدّر لا يجوز إظهاره، وعن الكسائي أنه منادى تقديره يا سبحانك ومنعه جمهور النحويين وهو مضاف إلى المفعول أي سبحت الله ويجوز أن يكون مضافًا إلى الفاعل أي نزه الله نفسه والأول هو المشهور ومعناه تنزيه الله عما لا يليق به من كل نقص. 6405 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ سُمَىٍّ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِى يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن سميّ) مولى أبي بكر بن عبد الرَّحمن المخزومي (عن أبي صالح) ذكوان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من قال: سبحان الله وبحمده) الواو للحال أي سبحان الله متلبسًا بحمدي له من أجل توفيقه لي للتسبيح (في يوم مائة مرة) متفرقة بعضها أول النهار وبعضها آخره أو متوالية وهو أفضل خصوصًا في أوله (حطت عنه خطاياه) التي بينه وبين الله (وإن كانت مثل زبد البحر). وهذا وأمثاله نحو ما طلعت عليه الشمس كنايات عبّر بها عن الكثرة، وقد يشعر هذا بأن التسبيح أفضل من التهليل من حيث إن عدد زبد البحر أضعاف أضعاف المائة المذكورة في مقابلة التهليل. وأجيب: بأن ما جعل في مقابلة التهليل من عتق الرقاب يزيد على فضل التسبيح وتكفير الخطايا إذ ورد أن من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوًا منه من النار فحصل بهذا العتق تكفير جميع الخطايا عمومًا بعدما ذكره خصوصًا مع زيادة مائة درجة، ويؤيده حديث: أفضل الذكر التهليل وأنه أفضل ما قاله هو والنبيون من قبله، ولأن التهليل صريح في التوحيد والتسبيح متضمن له ومنطوق سبحان الله تنزيه ومفهومه توحيد ومنطوق لا إله إلا الله توحيد ومفهومه تنزيه، فيكون أفضل من التسبيح لأن التوحيد أصل والتنزيه ينشأ عنه. والحديث أخرجه الترمذي في الدعوات والنسائي في اليوم والليلة، وابن ماجة في ثواب التسبيح. 6406 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِى الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ». [الحديث 6406 - طرفاه في: 6682، 7563]. وبه قال: (حدّثنا زهير بن حرب) أبو خيثمة النسائي بالنون والمهملة الحافظ نزيل بغداد قال: (حدّثنا ابن فضيل) تصغير فضل محمد الضبي (عن عمارة) بضم المهملة وتخفيف الميم ابن القعقاع (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير البجلي الكوفي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (كلمتان خفيفتان) أي كلامان من إطلاق الكلمة على الكلام والخفة مستعارة من السهولة (على اللسان ثقيلتان) حقيقة (في الميزان) لأن الأعمال تجسم أو الموزون صحائفها لحديث البطاقة المشهور (حبيبتان) أي محبوبتان (إلى الرحمن) أي يحب قائلهما فيجزل له من مكارمه ما يليق بفضله وخص لفظ الرحمن إشارة إلى بيان سعة رحمته حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل (يسبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده) كذا هنا بتقديم سبحان الله العظيم على سبحان الله وبحمده وكرر التسبيح طلبًا للتأكيد واعتناء بشأنه. ومباحث هذا الحديث من الإِعراب والبديع والمعاني وغير ذلك من اللطائف والأسرار الشريفة تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وتوفيقه في آخر الكتاب. والحديث أخرجه أيضًا في الأيمان والنذور وآخر الكتاب ومسلم في الدعوات والترمذي فيه أيضًا والنسائي في اليوم والليلة وابن ماجة في ثواب التسبيح. 66 - باب فَضْلِ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (باب فضل ذكر الله عز وجل) باللسان بالأذكار المرغب فيها شرعًا والإكثار منها كالباقيات الصالحات والحوقلة والحسبلة والبسملة والاستغفار وقراءة القرآن، بل هي أفضل والحديث ومدارسة

العلم ومناظرة العلماء، وهل يشترط استحضار الذاكر لمعنى الذكر أم لا؟ المنقول أنه يؤجر على الذكر باللسان وإن لم يستحضر معناه نعم يشترط أن لا يقصد به غير معناه والأكمل أن يتفق الذكر بالقلب واللسان وأكمل منه استحضار معنى الذكر وما اشتمل عليه من تعظيم المذكور ونفي النقائص عنه تعالى، وقسم بعض العارفين الذكر إلى أقسام سبعة: ذكر العينين بالبكاء، والأذنين بالإصغاء، واللسان بالثناء، واليدين بالعطاء، والبدن بالوفاء، والقلب بالخوف والرجاء، والروح بالتسليم والرضا ذكره في الفتح. 6407 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الَّذِى يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِى لاَ يَذْكُرُ مَثَلُ الْحَىِّ وَالْمَيِّتِ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (محمد بن العلاء) أبو كريب الهمداني الحافظ قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء (عن) جده (أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر) زاد أبو ذر بعد هذه ربه (مثل الحي والميت) بفتح الميم والمثلثة في مثل في الموضعين شبه الذاكر بالحي الذي يزين ظاهره بنور الحياة وإشراقها فيه وبالتصرف التام فيما يريده وباطنه بنور العلم والفهم والإدراك كذلك الذاكر مزين ظاهره بنور العلم والطاعة وباطنه بنور العلم والمعرفة فقلبه مستقر في حظيرة القدس وسره في مخدع الوصل وغير الذاكر عاطل ظاهره وباطل باطنه قاله في شرح المشكاة. والحديث رواه مسلم عن أبي كريب وهو محمد بن العلاء شيخ البخاري فيه بسنده المذكور بلفظ مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت، وكذا أخرجه الإسماعيلي وابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى عن أبي كريب، فلعل البخاري رواه بالمعنى فإن الذي يوصف بالحياة والموت حقيقة هو الساكن لا المسكن فهو من باب ذكر المحل وإرادة الحال. 6408 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِى الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ وَهْوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِى؟ قَالُوا: يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِى؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ لاَ وَاللَّهِ، مَا رَأَوْكَ قَالَ: فَيَقُولُ وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِى؟ قَالَ: يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا، قَالَ: يَقُولُ فَمَا يَسْأَلُونِى؟ قَالَ: يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ قَالَ: يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ: يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ مِنَ النَّارِ، قَالَ: يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْهَا قَالَ: يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً، قَالَ: فَيَقُولُ فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّى قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ: يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ». رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَرَوَاهُ سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان (عن أبي صالح) ذكوان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن لله ملائكة) زاد الإِسماعيلي وابن حبان ومسلم فضلاً بسكون الضاد وضم الفاء جمع فاضل كنزل ونازل، وقيل بفتح الفاء وسكون الضاد أي زيادة على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق لا وظيفة لهم إلا حلق الذكر، وقيل في ضبطها غير ذلك، وهذه اللفظة ليست في صحيح البخاري هنا في جميع الروايات ولمسلم سيارة فضلاً (يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر) ولمسلم من رواية سهيل يبتغون مجالس الذكر (فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله) عز وجل (تنادوا هلموا) أي تعالوا (إلى حاجتكم قال: فيحفونهم) بفتح التحتية وضم الحاء المهملة يطوفون ويدورون حولهم (بأجنحتهم إلى السماء الدنيا) قال المظهري: الباء للتعدية يعني يديرون أجنحتهم حول الذاكرين، وقال الطيبي: الظاهر أنها للاستعانة كما في قولك: كتبت بالقلم لأن حفهم الذي ينتهي إلى السماء إنما يستقيم بواسطة الأجنحة، ولأبي ذر عن الكشميهني: إلى سماء الدنيا (قال: فيسألهم ربهم عز وجل وهو أعلم منهم) أي أعلم من الملائكة بحال الذاكرين، ولأبي ذر عن الكشميهني أعلم بهم أي بالذاكرين والجملة حالية. قال في شرح المشكاة: والأحسن أن تكون معترضة أو تتميمًا صيانة عن التوهم وفائدة السؤال مع العلم بالمسؤول التعريض بالملائكة وبقولهم في بني آدم أتجعل فيها من يفسد فيها الخ (ما يقول عبادي؟ قالوا: يقولون) ولأبي ذر قال: تقول أي الملائكة (يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك) يقولون سبحان الله والله أكبر والحمد لله (ويمجدونك) بالجيم وزاد في رواية سهيل ويهللونك وفي حديث البزار عن أنس يعظمون آلاءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك ويسألونك (قال: فيقول) عز وجل (هل رأوني؟ قال: فيقولون لا والله ما رأوك. قال فيقول) تعالى (كيف)؟ ولغير أبي ذر وكيف

67 - باب قول لا حول ولا قوة إلا بالله

(لو رأوني قال: يقولون لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تمجيدًا) وزاد أبو ذر عن الكشميهني وتحميدًا (وأكثر لك تسبيحًا) وزاد الإسماعيلي وأشد لك ذكرًا (قال: يقول فما يسألوني)؟ ولأبي ذر فيقول فما يسألونني بزيادة الفاء والنون (قال: يسألونك الجنة. قال: يقول) تعالى (وهل رأوها؟ قال يقولون لا والله يا رب ما رأوها. قال: يقول) ولأبي ذر فيقول (فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصًا وأشد لها طلبًا وأعظم فيها رغبة قال) تعالى (فممّ يتعوذّون؟ قال يقولون من النار قال يقول) تعالى (وهل رأوها؟ قال: يقولون لا والله ما) ولأبي ذر لا والله يا رب ما (رأوها. قال: يقول) تعالى (فكيف لو رأوها؟ قال يقولون لو رأوها كانوا أشد منها فرارًا وأشد لها مخافة) وهذا كله فيه تقريع للملائكة وتنبيه على أن تسبيح بني آدم وتقديسهم أعلى وأشرف من تقديسهم لحصول هذا في عالم الغيب مع وجود الموانع والصوارف وحصول ذلك للملائكة في عالم الشهادة من غير صارف (قال فيقول) تعالى (فأشهدكم أني قد غفرت لهم) زاد في رواية سهيل وأعطيتهم ما سألوا (قال: يقول ملك من الملائكة فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة) وفي رواية سهيل قال: يقولون رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم وزاد قال وله قد غفرت. قال في شرح المشكاة قوله، إنما مرّ مشكل لأن إنما توجب حصر ما بعدها في آخر الكلام كما تقول إنما يجيء زيد أو إنما زيد يجيء ولم يصرح هنا غير كلمة واحدة، وكذلك قوله وله قد غفرت يقتضي تقديم الظرف على عامله اختصاص الغفران بالمارّ دون غيره وليس كذلك. وأجاب: بأن في التركيب الأول تقديمًا وتأخيرًا أي إنما فلان مر أي ما فعل فلان إلا المرور والجلوس عقبه يعني ما ذكر الله تعالى، ثم قال فإن قلت: لم لم يجعل الضمير في مر بارزًا ليكون الحصر فيه؟ وأجاب: بأنه لو أريد هذا لوجب الإبراز، ولئن سلم لأدى إلى خلاف المقصود وأن المرور منحصر في فلان لا يتعدى إلى غيره وهو خلف، وفي التركيب الثاني الواو للعطف وهو يقتضي معطوفًا عليه أي قد غفرت لهم وله ثم أتبع غفرت تأكيدًا وتقريرًا. (قال) تعالى (هم المجلساء لا يشقى بهم جليسهم). وسقط لفظ بهم لأبي ذر يعني أن مجالستهم مؤثرة في الجليس ولمسلم هم القوم لا يشقى بهم جليسهم وتعريف الخبر يدل على الكمال أي هم القوم كل القوم الكاملون فيما هم فيه من السعادة فيكون قوله لا يشقى بهم جليسهم استئنافًا لبيان الموجب، وفي هذه العبارة مبالغة في نفي الشقاء عن جليس الذاكرين، فلو قيل يسعد بهم جليسهم لكان ذلك في غاية الفضل لكن التصريح بنفي الشقاء أبلغ في حصول المقصود رواه أي الحديث المذكور (شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان بن مهران بسنده المذكور (ولم يرفعه) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هكذا وصله أحمد (ورواه سهيل) بضم السين وفتح الهاء (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وصله مسلم وأحمد. 67 - باب قَوْلِ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ (باب) فضل (قول لا حول ولا قوّة إلا بالله) في إعرابه ونحوه مما تكررت فيه لا النافية للجنس مع اسمها الوجوه الخمسة المقررة في كتب العربية فتح الأول، وفي الثاني وهو اسم لا الثانية ثلاثة أوجه: الفتح بناء والنصب والرفع إعرابًا فالفتح على أنه ركب مع لا كالأول والرفع على إهمال لا الثانية أو إعمالها عمل ليس والنصب على العطف على على اسم لا الأولى، وإهمال الثانية ورفع الأول فيمتنع النصب في الثاني ويجوز فيه الفتح بناء بإعمال لا الثانية أو الرفع بإهمالها أو إعمالها عمل ليس فهي خمسة فتح الأول والثاني معًا ورفعهما معًا وفتح الأول ورفع الثاني وعكسه وفتح الأول ونصب الثاني. 6409 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِىُّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ: أَخَذَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى عَقَبَةٍ أَوْ قَالَ: فِى ثَنِيَّةٍ قَالَ: فَلَمَّا عَلاَ عَلَيْهَا رَجُلٌ نَادَى فَرَفَعَ صَوْتَهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَغْلَتِهِ قَالَ: «فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا» ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا مُوسَى أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزِ الْجَنَّةِ»؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا سليمان) بن طرخان (التيمي) البصري (عن أبي عثمان) عبد الرَّحمن بن ملّ النهدي (عن أبي موسى الأشعري) -رضي الله عنه- أنه (قال: أخذ النبي

68 - باب لله مائة اسم غير واحد

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يمشي (في عقبة أو قال: في ثنية) أي عقبة والشك من الراوي في أي اللفظين قال: وسقط لفظ في لأبي ذر (قال) أبو موسى: (فلما علا عليها) على العقبة أو الثنية (رجل نادى فرفع صوته لا إله إلا الله والله أكبر قال) أبو موسى: (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بغلته) قال: (فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا) في إعرابه الوجوه الخمسة في نحو لا حول ولا قوة وزاد في أخرى فإنكم تدعون سميعًا بصيرًا وهو معكم والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته (ثم قال: يا أبا موسى أو) قال: (يا عبد الله) هو اسم أبي موسى (ألا) بالتخفيف (أدلك على كلمة من كنز الجنة)؟ أي كالكنز في كونها ذخيرة نفيسة يتوقع الانتفاع منها قال أبو موسى: (قلت: بلى) يا رسول الله (قال: لا حول ولا قوة إلا بالله). والحديث سبق في باب الدعاء إذا علا عقبة ويأتي إن شاء الله تعالى بقوة الله ومعونته في كتاب القدر. 68 - باب لِلَّهِ مِائَةُ اسْمٍ غَيْرَ وَاحِدٍ هذا (باب) بالتنوين (لله عز وجل مائة اسم غير واحد) بالتذكير ولأبي ذر واحدة بالتأنيث باعتبار معنى التسمية. 6410 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رِوَايَةً قَالَ: لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ إِلاَّ وَاحِدًا، لاَ يَحْفَظُهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهْوَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حفظناه) أي الحديث (من أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان وفي رواية الحميدي في مسنده عن سفيان حدّثنا أبو الزناد (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) حال كونه (رواية) أي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعنه الحميدى قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وكذا لمسلم عن عمرو الناقد عن سفيان، وللمؤلّف في التوحيد من رواية شعيب عن أبي الزناد بسنده أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال): (لله) عز وجل (تسعة وتسعون اسمًا) بالنصب على التمييز وتسعة مبتدأ قدم خبره (مائة) رفع على البدل (إلا واحدًا) بالتذكير، ولأبي ذر إلا واحدة بالتأنيث. قال ابن بطال: ولا يجوز في العربية، ووجهها ابن مالك باعتبار معنى التسمية أو الصفة أو الكلمة، والحكمة في الإتيان بهذه الجملة بعد السابقة أن يتقرر ذلك في نفس السامع جمعًا بين جهتي الإجمال والتفصيل ودفعًا للتصحيف خطأ لاشتباه تسعة وتسعين بسبعة وسبعين. وقال في فتوح الغيب: قوله مائة إلا واحدًا تأكيد وفذلكة لئلا يزاد على ما ورد كقوله تعالى: {تلك عشرة كاملة} [البقرة: 196] (لا يحفظها) لا يقرؤها (أحد) عن ظهر قلبه والحفظ يستلزم التكرار أي تكرار مجموعها وفي الشروط من أحصاها أي ضبطها أو علمها أو قام بحقها وعمل بمقتضاها بأن يعتبر معانيها فيطالب نفسه بما تضمنته من صفات الربوبية وأحكام العبودية فيتخلق بها (إلا دخل الجنة) ذكر الجزاء بلفظ الماضي تحقيقًا لوقوعه وتنبيهًا على أنه وإن لم يقع فهو في حكم الواقع لأنه كائن لا محالة (وهو) تعالى (وتر) بفتح الواو وكسرها أي فرد ومعناه في حق الله تعالى أنه الواحد الذي لا نظير له في ذاته (يحب الوتر) من كل شيء أو كل وتر شرعه وأثاب عليه. وقال التوربشتي: أي يثيب على العمل الذي أتى به وترًا ويقبله من عامله لما فيه من التنبيه على معاني الفردانية قلبًا ولسانًا وإيمانًا وإخلاصًا ثم إنه أدعى إلى معاني التوحيد. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الدعوات أيضًا وكذا الترمذي لكن من حديث ابن عمر وسردها ثم قال: هذا حديث غريب حدّثنا به غير واحد عن صفوان ولا نعرفه إلا من حديث صفوان وهو ثقة، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة ولا يعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذه الطريق، وقد روي بإسناد آخر عن أبي هريرة فيه ذكر الأسماء وليس له إسناد صحيح اهـ. ولم ينفرد به صفوان فأخرجه البيهقي في طريق موسى بن أيوب النصيبي وهو ثقة عن الوليد أيضًا وسرد الترمذي للأسماء معروف محفوظ، وقد أخرج الحديث الطبراني عن أبي زرعة الدمشقي عن صفوان بن صالح فخالف في عدة أسماء فقال: القائم الدائم بدل القابض الباسط والشديد بدل الرشيد والأعلى المحيط مالك يوم الدين بدل الودود المجيد الحكيم، وعند ابن حبان عن الحسن بن سفيان عن صفوان الرافع بدل المانع، وعند ابن خزيمة

في رواية صفوان أيضًا الحاكم بدل الحكم والقريب بدل الرقيب والمولى بدل الوال والأحد بدل المغني. وعند البيهقي وابن منده من طريق موسى بن أيوب عن الوليد المغيث بالمعجمة والمثلثة بدل المقيت بالقاف والمثناة، ووقع بين رواية زهير عن موسى بن عقبة عن الأعرج عن أبي هريرة عند أبي الشيخ وابن ماجة وابن أبي عاصم والحاكم وبين رواية صفوان عن الوليد مخالفة في ثلاثة وعشرين اسمًا. فليس في رواية زهير الفتاح القهار الحكم العدل الحسيب الجليل المحصي المقتدر المقدم المؤخر البر المنتقم الغني النافع الصبور البديع الغفار الحفيظ الكبير الواسع الأحد مالك الملك ذو الجلال والإكرام، وذكر بدلها الرب الفرد الكافي القاهر المبين بالموحدة الصادق الجميل البادئ بالدال القديم البارّ بتشديد الراء الوفي البرهان الشديد الواقي بالقاف القدير الحافظ العادل العلي العالم الأحد الأبد الوتر ذو القوّة. ولم يقع في شيء من طرف الحديث سرد الأسماء إلا في رواية الوليد بن مسلم عند الترمذي، وفي رواية زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عند ابن ماجة والطريقان يرجعان إلى رواية الأعرج وفيها اختلاف شديد في سرد الأسماء والزيادة والنقص. ووقع سرد الأسماء أيضًا في طريق ثالثة عند الحاكم في مستدركه وجعفر الفريابي في الذكر من طريق عبد العزيز بن الحصين عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، واختلف العلماء في سرد الأسماء هل هو مرفوع أو مدرج في الخبر من بعض الرواة فذهب إلى الأخير جماعة مستدلين بخلو أكثر الروايات عنه مع الاختلاف والاضطراب. قال البيهقي: ويحتمل أن يكون التعيين وقع من بعض الرواة في الطريقين معًا ولذا وقع الاختلاف الشديد بينهما، ولذا ترك الشيخان تخريج التعيين. وقال الترمذي بعد أن أخرجه من طريق الوليد: هذا حديث غريب حدّثنا به غير واحد عن صفوان ولا نعرفه إلا من حديث صفوان وهو ثقة. وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة ولا نعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذه الطريق، وقد روي بإسناد آخر عن أبي هريرة فيه ذكر الأسماء وليس له سند صحيح. وقال الداودي: ولم يثبت أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عين الأسماء المذكورة وليس المراد من الحديث حصر الأسماء في التسعة والتسعين، ففي حديث ابن مسعود عند أحمد وصححه ابن حبان أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به علم الغيب عندك. قال القرطبي: ويدل على عدم الحصر أن أكثرها صفات وصفات الله لا تتناهى وهل الاقتصار على العدد المذكور معقول أو تعبد لا يعقل معناه، وقيل إن أسماءه تعالى مائة استأثر الله تعالى بواحد منها وهو الاسم الأعظم فلم يطلع عليه أحدًا فكأنه قيل مائة لكن واحد منها عند الله وجزم السهيلي بأنها مائة على عدد درج الجنة، والذي يكمل المائة الله. واستدلّ بهذا الحديث على أن الاسم عين المسمى أو غيره وهي مسألة مشهورة سبق القول فيها أول هذا المجموع ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد لذلك في محله بعون الله. واختلف هل الأسماء الحسنى توقيفية بمعنى أنه لا يجوز لأحد أن يشتق من الأفعال الثابتة لله اسمًا إلا إذا ورد نص به في الكتاب والسنة؟ فقال الإمام فخر الدين: المشهور عن أصحابنا أنها توقيفية. وقال القاضي أبو بكر والغزالي الأسماء توقيفية دون الصفات قال: وهذا هو المختار، وقال الشيخ أبو القاسم القشيري في كتاب مفاتيح الحج ومصابيح النهج: أسماء الله تعالى تؤخذ توقيفًا ويراعى فيها الكتاب والسُّنّة والإجماع فكل اسم ورد في هذه الأصول وجب إطلاقه في وصفه تعالى وما لم يرد فيها لا يجوز إطلاقه في وصفه وإن يصح معناه، وقال الزجاج: لا ينبغي لأحد أن يدعوه بما لم يصف به نفسه فيقول يا رحيم لا يا رفيق ويقول يا قوي لا يا جليد، وقال الإمام، قال أصحابنا: كل ما صح معناه جاز إطلاقه عليه سبحانه وتعالى فإنه الخالق للأشياء كلها، ولا يجوز أن يقال يا خالق الذئب والقردة

69 - باب الموعظة ساعة بعد ساعة

وورد وعلم آدم الأسماء كلها وعلمك ما لم تكن تعلم ولا يجوز يا معلم قال: ولا يجوز عندي يا محب وقد ورد: {يحبهم ويحبونه} [المائدة: 54]. فإن قلت: ما ورد في شرح السنة عن أبي أمية قال: إنه رأى الذي بظهر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: دعني أعالجه فإني طبيب فقال: أنت رفيق والله هو الطبيب هل هو إذن منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تسمية الله تعالى بالطبيب؟ فالجواب: لا لوقوعه مقابلاً لقوله: فإني طبيب مشاكلة وطباقًا للجواب على السؤال كقوله تعالى: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} [المائدة: 116] وهل يجوز تفضيل بعض أسماء الله تعالى على بعض، فمنع من ذلك أبو جعفر الطبري وأبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر الباقلاني لما يؤدي ذلك إلى اعتقاد نقصان المفضول عن الأفضل وحملوا ما ورد من ذلك على أن المراد بالأعظم العظيم وأن أسماء الله تعالى عظيمة. وقال ابن حبان: الأعظمية الواردة المراد بها مزيد ثواب الداعي بها، وقيل الأعظم كل اسم دعا العبد ربه به مستغرقًا بحيث لا يكون في فكره حالتئذ غير الله فإنه يستجاب له، وقيل الاسم الأعظم ما استأثر الله به وأثبته آخرون معينًا، واختلفوا فيه فقيل: هو لفظة هو نقله الفخر الرازي عن بعض أهل الكشف، وقيل: الله، وقيل الله الرحمن الرحيم، وقيل الرحمن الرحيم الحي القيوم، وقيل الحي القيوم، وقيل الحنان المنان بديع السماوات، والأرض ذو الجلال والإكرام رآه رجل مكتوبًا في الكواكب في السماء، وقيل ذو الجلال والإكرام، وقيل الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًّا أحد، وقيل رب رب، وقيل دعوة ذي النون لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وقيل هو الله الله الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم. نقله الفخر الرازي عن زين العابدين أنه سأل الله أن يعلمه الاسم الأعظم فعلمه في النوم، وقيل هو مخفي في الأسماء الحسنى، وقيل وهو الرابع عشر كلمة التوحيد نقله القاضي عياض اهـ. ملخصًا من الفتح وبالله التوفيق. 69 - باب الْمَوْعِظَةِ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ (باب الموعظة ساعة بعد ساعة) خوف السآمة. 6411 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِى شَقِيقٌ، قَالَ: كُنَّا نَنْتَظِرُ عَبْدَ اللَّهِ إِذْ جَاءَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فَقُلْنَا: أَلاَ تَجْلِسُ؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ أَدْخُلُ فَأُخْرِجُ إِلَيْكُمْ صَاحِبَكُمْ وَإِلاَّ جِئْتُ أَنَا فَجَلَسْتُ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِهِ فَقَامَ عَلَيْنَا فَقَالَ: أَمَا إِنِّى أَخْبَرُ بِمَكَانِكُمْ، وَلَكِنَّهُ يَمْنَعُنِى مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِى الأَيَّامِ كَرَاهِيَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدثني) بالإفراد (شقيق) أبو وائل بن سلمة (قال: كنا ننتظر عبد الله) يعني ابن مسعود -رضي الله عنه- (إذ جاء يزيد بن معاوية) العبسي الكوفي التابعي وليس له في الصحيحين ذكر إلا في هذا الموضع (فقلنا) له: (ألا) بالتخفيف (تجلس) يا يزيد (قال: لا ولكن أدخل) منزل ابن مسعود (فأخرج إليكم صاحبكم) عبد الله بن مسعود (وإلاّ) أي وإن لم أخرجه (جئت أنا فجلست) معكم، وفي مسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن شقيق فقلنا أعلمه بمكاننا فدخل عليه (فخرج عبد الله) بن مسعود (وهو آخذ بيده) بيد يزيد (فقام علينا فقال): جوابًا لقولهم وددنا أنك لو ذكرتنا كل يوم كما مرّ في العلم (أما) بالتخفيف (إني أخبر) بفتح الهمزة والموحدة (بمكانكم ولكنه يمنعني من الخروج إليكم) للموعظة (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يتخوّلنا) بالخاء المعجمة يتعهدنا (بالموعظة في الأيام) يعني يذكرنا أيامًا ويتركنا أيامًا (كراهية السآمة علينا) أي أن تقع منا السآمة رفقًا منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنا وحسنًا في التوصل إلى تعليمنا لنأخذ عنه بنشاط فإن التعليم بالتدريج أدعى إلى الثبات وضمن السآمة معنى المشقّة فعداها بعلى والله الموفق. هذا آخر كتاب الدعاء فرغ منه موّلفه أحمد القسطلاني بعد صلاة العشاء في الليلة المفسر صباحها عن يوم الأربعاء الثامن والعشرين من جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وتسعمائة أعانه الله على إتمامه ونفع به والحمد لله وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. بسم الله الرحمن الرحيم 81 - كتاب الرقاق بكسر الراء وبالقافين بينهما ألف جمع رقيق وهو الذي فيه رقة وهي الرحمة ضدّ الغلظة قال

1 - باب ما جاء فى الرقاق وأن لا عيش إلا عيش الآخرة

في الكواكب: أي كتاب الكلمات المرققة للقلوب، ويقال للكثير الحياء رق وجهه أي استحيا. وقال الراغب: متى كانت الرقة في جسم فضدها الصفاقة كثوب صفيق وثوب رقيق، ومتى كانت في نفس فضدها القسوة كرقيق القلب وقاسيه، وعبّر جماعة منهم النسائي في سننه الكبرى بقولهم: كتاب الرقائق وكذا في نسخة معتمدة من رواية النسفيّ عن البخاري والمعنى واحد، وسميت أحاديث الباب بذلك لأن فيها من الوعظ والتنبيه ما يجعل القلب رقيقًا ويحدث فيه الرقة. 1 - باب مَا جَاءَ فِى الرِّقَاقِ وَأَنْ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَةِ (الصحة والفراغ ولا عيش إلا عيش الآخرة) كذا لأبي ذر عن الحموي وسقط عنده عن الكشميهني والمستملي الصحة والفراغ، ولأبي الوقت كما في الفتح: باب لا عيش إلا عيش الآخرة ولكريمة عن الكشميهني (ما جاء في الرقاق وأن لا عيش إلا عيش الآخرة) وزاد في الفرع كأصله باب ما جاء في الرقاق وأن لا عيش إلا عيش الآخرة وفيهما أيضًا باب لا عيش إلا عيش الآخرة. (بسم الله الرحمن الرحيم) وفي الفتح كاليونينية تقديم البسملة على الكتاب. 6412 - حَدَّثَنَا الْمَكِّىُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ هُوَ ابْنُ أَبِى هِنْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغُ». قَالَ عَبَّاسٌ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِنْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) التميمي البلخي كذا للأكثر بالألف في أوله وهو اسم بلفظ النسب وهو من الطبقة العليا من شيوخ البخاري قال: (أخبرنا عبد الله بن سعيد) بكسر العين (هو) أي سعيد (بن أبي هند) الفزاري مولى سمرة بن جندب (عن أبيه) سعيد بن أبي هند (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (نعمتان) تثنية نعمة وهي الحالة الحسنة وقال الإمام فخر الدين المنفعة المفعولة على جهة الإِحسان إلى الغير وزاد الدارمي من نعم الله (مغبون فيهما) أي في النعمتين (كثير من الناس) رفع بالابتداء وخبره مغبون مقدمًا والجملة خبر نعمتان وهما (الصحة) في البدن (والفراغ) من الشواغل بالمعاش المانع له عن العبادة والغبن بفتح الغين المعجمة وسكون الموحدة النقص في البيع وبتحريكها في الرأي أي ضعف الرأي قال في الكواكب: فكأنه قال هذان الأمران إذا لم يستعملا فيما ينبغي فقد غبن صاحبهما فيهما أي باعهما ببخس لا تحمد عاقبته أو ليس له رأي في ذلك البتة فقد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا للعبادة لاشتغاله بالمعاش وبالعكس، فإذا اجتمع الصحة والفراغ وقصر في نيل الفضائل فذلك الغبن كل الغبن لأن الدنيا سوق الأرباح ومزرعة للآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة مولاه فهو المغبوط ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون لأن الفراغ يعقبه الشغل والصحة يعقبها السقم ولو لم يكن إلا الهرم. والحديث أخرجه الترمذي في الزهد، والنسائي في الرقائق، وابن ماجة في الرقائق. (قال عباس) بالموحدة المشددة آخره مهملة ابن عبد العظيم (العنبري) البصري الحافظ أحد شيوخ البخاري (حدّثنا صفوان بن عيسى) الزهري (عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند) ولأبي ذر هو ابن أبي هند (عن أبيه) سعيد السابق أنه (قال: سمعت ابن عباس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله) أي مثل الحديث السابق. ورواه ابن ماجة عن العباس العنبري. 6413 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَهْ ... فَأَصْلِحِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ» وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة المفتوحتين بندار قال: (حدّثنا غندر) ولأبي ذر محمد بن جعفر بدل قوله غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن معاوية بن قرّة) بن أبي إياس المزني (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي) ولأبي ذر عن المستملي أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): عند حفر الخندق متمثلاً يقول ابن رواحة: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخره ... فأصلح الأنصار والمهاجره) بكسر الجيم وسكون الهاء كهاء الآخرة. 6414 - حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِىُّ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْخَنْدَقِ وَهْوَ يَحْفِرُ وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ وَيَمُرُّ بِنَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ تَابَعَهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أحمد بن المقدام) بكسر الميم وسكون القاف وبعد الدال المهملة ألف فميم العجلي قال: (حدّثنا الفضيل) بضم الفاء وفتح الضاد مصغرًا (ابن سليمان) النميري بضم النون وفتح الميم بعدها تحتية ساكنة مصغرًا قال: (حدّثنا أبو حازم)

2 - باب مثل الدنيا فى الآخرة

بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار قال: (حدّثنا سهل بن سعد الساعدي) -رضي الله عنه- (قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالخندق) ولغير أبي الوقت في الخندق (وهو يحفر) بكسر الفاء فيه (ونحن ننقل التراب) زاد في مناقب الأنصار على أكتادنا وفسر ثم بما بين الكاهل إلى الظهر (ويمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المرور ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وبصر (بنا فقال): (اللهم لا عيش إلا عيش الأخره ... فاغفر للأنصار والمهاجره) الرواية الأولى فأصلح الأنصار وهذه فاغفر، وفي أخرى فأكرم، ومطابقته للترجمة ظاهرة وفيه إشارة إلى تحقير عيش الدنيا لما يعرض له من التكدير والتنغيص وسرعة الزوال. والحديث سبق في مناقب الأنصار. (تابعه سهل بن سعد عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله). وهذا ثابت في رواية غير أبي ذر ساقط منها ويحتاج كما قال صاحب التلويح فيما نقله عنه في عمدة الفاري إلى نظر طويل. قال غيره: إنه ليس بموجود في نسخ البخاري قال: فينبغي إسقاطه اهـ. 2 - باب مَثَلِ الدُّنْيَا فِى الآخِرَةِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِى الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد: 20]. (باب مثل الدنيا في الآخرة) الجار والمجرور يتعلق بمحذوف تقديره مثل الدنيا بالنسبة إلى الآخرة وكلمة في بمعنى إلى كقوله تعالى: {فردّوا أيديهم في أفواههم} [إبراهيم: 9] والخبر محذوف تقدير كمثل لا شيء وفي حديث المستورد المروي في مسلم مرفوعًا: ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع. قال الطيبي: أي مثل الدنيا في جنب الآخرة وهو تمثيل على سبيل التقريب وإلاّ فأين المناسبة بين المتناهي وغير المتناهي؟ (وقوله تعالى: {إنما الحياة الدنيا لعب}) كعب الصبيان ({ولهو}) كلهو القيان ({وزينة}) كزينة النسوان ({وتفاخر بينكم}) كتفاخر الأقران ({وتكاثر}) كتكاثر الرهبان ({في الأموال والأولاد}) أي مباهاة بهما التكاثر ادّعاء الاستكثار ({كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرًّا) بعد خضرته ({ثم يكون حطامًا}) متفتتًا شبه حال الدنيا وسرعة تقضيها مع قلة جدواها بنبات أنبته الغيث فاستوى وقوي وأعجب به الكفار الجاحدون لنعمة الله فيما رزقهم من الغيث والنبات فبعث عليه العاهة فهاج واصفرّ وصار حطامًا عقوبة لهم على جحودهم كما فعل بالصحابي الجنة وصاحب الجنتين، وقيل الكفار الزراع. وقال العماد بن كثير: أي أعجب الزراع نبات ذلك الزرع الذي نبت بالغيث وكما يعجب الزراع ذلك كذلك تعجب الحياة الدنيا الكفار فإنهم أحرص شيء عليها وأميل الناس إليها ثم يهيج فتراه مصفرًّا ثم يكون حطامًا أي يهيج ذلك الزرع فتراه مصفرًّا بعدما كان أخضر نضرًا ثم يصير يبسًا متحطمًا هكذا الحياة الدنيا تكون أولاً شابّة ثم تكتهل ثم تكون عجوزًا شوهاء، والإِنسان كذلك يكون في أول عمره وعنوان شبابه غضًّا طريًّا لين الأعطاف بهيّ المنظر، ثم إنه يشرع في الكهولة فتتغير طباعه ويفقد بعض قواه ثم يكبر فيصير شيخًا كبيرًا ضعيف القوى قليل الحركة يعجز عن المشي اليسير ولما كان هذا المثل دالاًّ على زوال الدنيا وانقضانها والآخرة كائنة لا محالة حذّر من أمرها ورغّب فيما فيها من الخيرات فقال: ({وفي الآخرة عذاب شديد}) للكفار ({ومغفرة من الله ورضوان}) للمؤمنين ({وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}) [الحديد: 20] لمن ركن إليها واعتمد عليها قال ذو النون المصري: يا معشر المريدين لا تطلبوا الدنيا وإن طلبتموها فلا تحبوها فإن الزاد منها والمقيل في غيرها وسقط من قوله وزينة الخ في رواية أبي ذر وقال عقب قوله {ولهو} إلى قوله {متاع الغرور}. 6415 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِى الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَغَدْوَةٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ -أَوْ رَوْحَةٌ- خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار (عن سهل) بفتح السين ابن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ولغدوة) بلام التأكيد (في سبيل الله) شامل للجهاد وغيره (أو روحة) للتنويع لا للشك (خير من الدنيا وما فيها). 3 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «كُنْ فِى الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كن في الدنيا كأنك

4 - باب فى الأمل وطوله

غريب أو عابر سبيل) سقط لأبي ذر أو عابر سبيل. 6416 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو الْمُنْذِرِ الطُّفَاوِىُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، حَدَّثَنِى مُجَاهِدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَنْكِبِى فَقَالَ: «كُنْ فِى الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرَّحمن أبو المنذر الطفاوي) بضم الطاء المهملة بعدها فاء فألف فواو فتحتية نسبة إلى بني طفاوة أو موضع بالبصرة (عن سليمان الأعمش) سقط سليمان لأبي ذر أنه قال: (حدثني) بالإفراد (مجاهد) هو ابن جبر المفسر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) سقط عبد الله لأبي ذر أنه (قال: أخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمنكبي) كسر الكاف والموحدة وتخفيف التحتية مجمع العضد والكتف قال في الفتح: وضبط في بعض الأصول بمنكبي بلفظ التثنية (فقال): (كن في الدنيا كأنك غريب) قدم بلدًا لا مسكن له فيها يؤويه ولا سكن يسليه خال عن الأهل والعيال والعلائق التي هي سبب الاشتغال عن الخالق ولما شبه الناسك السالك بالغريب الذي ليس له مسكن ترقى وأضرب عنه بقوله (أو عابر سبيل) لأن الغريب قد يسكن في بلاد الغربة ويقيم فيها بخلاف عابر السبيل القاصد للبلد الشاسع وبينه وبينها أودية مردية ومفاوز مهلكة وهو بمرصد من قطاع الطريق فهل له أن يقيم لحظة أو يسكن لمحة، ومن ثم عقبه بقوله: (وكان ابن عمر) -رضي الله عنهما- (يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء) أي سر دائمًا ولا تفتر عن السير ساعة فإنك إن قصرت في السير انقطعت عن المقصود وهلكت في تلك الأودية هذا معنى المشبه به وأما المشبه فهو قوله (وخذ من) زمن (صحتك لمرضك) وفي رواية ليث بن أبي سليم عن مجاهد عند أحمد والترمذي لسقمك أي سر سيرك القصد في حال صحتك بل لا تقنع به، وزد عليه بقدر قوتك ما دامت فيك قوة بحيث يكون ما بك من تلك الزيادة قائمًا مقام ما لعله يفوت حال المرض والضعف أو اشتغل في الصحة بالطاعة بحيث لو حصل تقصير في المرض لانجبر بذلك وفي قوله (ومن حياتك لموتك) إشارة إلى أخذ نصيب الموت وما يحصل فيه من الفتور من السقم يعني لا تقعد في المرض عن السير كل القعود بل ما أمكنك منه فاجتهد فيه حتى تنتهي إلى لقاء الله وما عنده من الفلاح والنجاح وإلاّ خبت وخسرت، وزاد ليث فإنك لا تدري يا عبد الله ما اسمك غدًا أي هل يقال لك شقي أم سعيد؟ أو هل يقال لك حي أو ميت؟ وفي حديث ابن عباس عند الحاكم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لرجل وهو يعظه: "اغتنم خمسًا قبل خمس. شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك" فالعاقل إذا أمسى لا ينتظر الصباح وإذا أصبح لا ينتظر المساء بل يظن أن أجلهُ يدركه قبل ذلك فيعمل ما يلقى نفعه بعد موته ويبادر أيام صحته بالعمل الصالح فإن المرض قد يطرأ فيمنع من العمل فيخشى على من فرط من ذلك أن يصل إلى المعاد بغير زاد فمن لم ينتهز الفرصة يندم وما أحسن قول من قال: إذا هبت رياحك فاغتنمها ... فإن لكل خافقة سكون ولا تغفل عن الإحسان فيها ... فما تدري السكون متى يكون إذا ظفرت يداك فلا تقصر ... فإن الدهر عادته يخون والحديث أخرجه الترمذي. 4 - باب فِى الأَمَلِ وَطُولِهِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185] بِمُزَحْزِحِهِ: بِمُبَاعِدِهِ، وَقَوْلِهِ: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر: 3] وَقَالَ عَلِىٌّ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ، وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابَ وَغَدًا حِسَابٌ وَلاَ عَمَلَ .. (باب) بالتنوين (في الأمل وطوله) بفتح الهمزة والميم وهو الرجاء فيما تحبه النفس من طول عمر وزيادة غنى يقال أمل خيره يأمله أملاً، وكذلك التأميل ومعناه قريب من التمني، وقيل الفرق بينهما أن الأمل ما تقدم سببه والتمني بخلافه، وقيل الأمل إرادة الشخص تحصيل شيء يمكن حصوله فإذا فاته تمناه والرجاء تعليق القلب بمحبوب ليحصل في المستقبل والفرق بين الرجاء والتمني أن التمني يورث صاحبه الكسل ولا يسلك طريق الجهد والجد وبعكسه صاحب الرجاء فالرجاء محمود والتمني معلول كالأمل إلا للعالم في العلم فلولا طول أمله ما صنف ولا ألّف، وفي الأمل سر لطيف لأنه لولا الأمل ما تهنى أحد بعيش ولا طابت نفسه

أن يشرع في عمل من أعمال الدنيا، وإنما المذموم منه الاسترسال فيه وعدم الاستعداد لأمر الآخرة. (وقول الله تعالى) ولأبي ذر وقوله تعالى: ({فمن زحزح}) بعد ({عن النار وأدخل الجنة فقد فاز}) ظفر بالخير، وقيل فقد حصل له الفوز المطلق، وقيل الفوز نيل المحبوب والبعد عن المكروه ({وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}) [آل عمران: 185] المتاع ما يتمتع به وينتفع والغرور يجوز أن يكون مصدرًا من قولك غررت فلانًا غرورًا شبه الدنيا بالمتاع الذي يدل به على المستام ويغر حتى يشتريه ثم يتبين له فساده ورداءته والشيطان هو المدلس الغرور، وقرأ عبد الله بفتح الغين وفسّر بالشيطان، ويجوز أن يكون فعولاً بمعنى مفعول أي متاع الغرور أي المخدوع وأصل الغرر الخدع. قال سعيد بن جبير: هذا في حق من آثر الدنيا على الآخرة وأما من طلب متاع الدنيا للآخرة فإنها نعم المتاع، وعن الحسن كخضرة النبات ولعب البنات لا حاصل لها فينبغي للإنسان أن يأخذ من هذا المتاع بطاعة الله تعالى ما استطاع (بمزحزحه) أي (بمباعده) بكسر العين يعني أن معنى قوله فمن زحزح بوعد وأصل الزحزحة الإِزالة ومن أزيل عن شيء فقد بوعد منه وهذا ثابت هنا لأبي ذر عن المستملي والكشميهني، وسقط لأبي ذر من قوله {وما الحياة الدنيا} إلى قوله {الغرور}. (وقوله) تعالى ({ذرهم}) أمر إهانة أي اقطع طمعك من ارعوائهم ودع عنك النهي عما هم عليه بالتذكرة والنصيحة وخلهم ({يأكلوا ويتمتعوا}) بدنياهم فهي خلاقهم ولا خلاف لهم في الآخرة ({ويلههم الأمل}) يشغلهم الأمل عن الأخذ بحظهم من الإِيمان والطاعة ({فسوف يعلمون}) [الحجر: 3] إذا وردوا القيامة وذاقوا وبال صنيعهم وفيه تنبيه على أن إيثار التلذذ والتنعم وما يؤدي إليه طول الأمل ليس من أخلاق المؤمنين وهذا تهديد ووعيد، وقال بعض العلماء: ذرهم تهديد وسوف يعلمون تهديد آخر فمتى يهنأ العيش بين تهديدين والآية نسختها آية القتال، وسقط لأبي ذر ويلههم الخ وقال بعد قوله: {ويتمتعوا} الآية. (وقال علي) -رضي الله عنه- من قوله موقوفًا ولأبي ذر: علي بن أبي طالب (ارتحلت الدنيا) حال كونها (مدبرة وارتحلت الآخرة) حال كونها (مقبلة ولكل واحدة منهما) من الآخرة والدنيا ولأبي ذر عن المستملي منها (بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل). قال في الكواكب فإن قلت: اليوم ليس عملاً بل فيه العمل ولا يمكن تقدير في وإلا وجب نصب عمل. وأجاب: بأنه جعله نفس العمل مبالغة كقولهم أبو حنيفة فقه ونهاره صائم (ولا حساب) فيه (وغدًا حساب) بالرفع (ولا عمل) فيه أي فإنه على أن اسم إن ضمير شأن حذف وهو عندهم قليل أو هو على حذف مضاف إما من الأول وإما من الثاني أي فإن حال اليوم عمل ولا حساب، أو فإن اليوم يوم عمل ولا حساب. وهذا رواه ابن المبارك في الزهد من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد وزبيد الأيامي عن رجل من بني عامر وسمي في رواية لابن أبي شيبة مهاجرًا العامري، وكذا في الحلية لأبي نعيم من طريق أبي مريم عن زبيد عن مهاجر بن عمير قال: قال علي: إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة، ألا وإن الدنيا ارتحلت مدبرة الحديث. وقال بعض الحكماء: مما أخذه من قول عليّ هذا: الدنيا مدبرة والآخرة مقبلة فعجب لمن يقبل على المدبرة ويدبر عن المقبلة. 6417 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ مُنْذِرٍ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: خَطَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِى الْوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطُطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِى فِى الْوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِى فِى الْوَسَطِ، وَقَالَ: «هَذَا الإِنْسَانُ وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ -أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ- وَهَذَا الَّذِى هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ وَهَذِهِ الْخُطُطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا». وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي الحافظ قال: (أخبرنا يحيى بن سعيد) القطان وسقط لغير أبي ذر: ابن سعيد (عن سفيان) أنه (قال: حدثني) بالإفراد (أبي) سعيد بن مسروق الثوري (عن منذر) بضم الميم وسكون النون وكسر الذال المعجمة بعدها راء ابن يعلى الثوري الكوفي (عن ربيع بن خثيم) بضم المعجمة وفتح المثلثة وربيع بفتح الراء وكسر الموحدة الثوري (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: خطّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطًّا مربعًا)

5 - باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه فى العمر

مستوي الزوايا (وخط خطًّا في الوسط خارجًا منه) أي من الخط المربع (وخط خططًا) بضم الخاء مصححًا عليها في الفرع وأصله وتكسر وبضم الطاء الأولى وتفتح وهي عن أبي الوقت في نسخة أي خططًا (صغارًا إلى) جانب (هذا) الخط (الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط). وصورته التي يتنزل سياق لفظ الحديث عليها. (صورة) هكذا وقيل هكذا (صورة) وقيل هكذا (صورة) (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولأبي ذر فقال بالفاء بدل الواو: (هذا الإِنسان) مبتدأ وخبر أي هذا الخط هو الإِنسان على سبيل التمثيل (وهذا أجله محيط به) إشارة إلى المربع (أو) قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قد أحاط به) بالشك من الراوي (وهذا) الخط المستطيل المنفرد (الذي هو خارج) من وسط الخط المربع (أمله وهذه الخطط) بضم الخاء والطاء الأولى، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي الخطوط (الصغار) أي الشطبات التي في الخط الخارج من وسط المربع من أسفله أو من أسفله وأعلاه (الأعراض) بالعين المهملة والضاد المعجمة أي الآفات العارضة له كمرض أو فقد مال أو غيرهما أو المراد بالخطوط المثال لا عدد مخصوص معين (فإن أخطأه) أي فإن تجاوز عنه (هذا) العرض وسلم منه، ولأبي ذر أخطأ بحذف الضمير وله عن الحموي والمستملي هذه بالتأنيث (نهشه) بالشين المعجمة أصابه وأخذه (هذا وإن أخطأه هذا) العرض (نهشه) أخذه (هذا) العرض الآخر وهو الموت، فمن لم يمت بالسبب مات بالأجل، والحاصل أن الإنسان يتعاطى الأمل ويختلجه الأجل دون الأمل، وسقط لأبي الوقت الهاء من أخطأه في الموضعين، وعبّر بالنهش وهو لدغ ذوات السم مبالغة في الأخذ. والحديث أخرجه الترمذي في الزهد والنسائي في الرقاق وابن ماجة في الزهد. 6418 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَطَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خُطُوطًا فَقَالَ: «هَذَا الأَمَلُ وَهَذَا أَجَلُهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُ الْخَطُّ الأَقْرَبُ». وبه قال: (حدّثنا مسلم) الفراهيدي بالفاء المفتوحة ابن إبراهيم الحافظ البصري قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: خط النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطوطًا فقال): (هذا الأمل) الذي يؤمله الإِنسان (وهذا أجله) والخط الآخر الإِنسان والخطوط الآخر الآفات التي تعرض له (فبينما) بالميم (هو كذلك) طالب لأمله البعيد (إذ جاءه الخط) الأوسط (الأقرب) وهو الأجل المحيط به إذ لا شك أن الخيط المحيط هو أقرب من الخط الخارج عنه، وعند البيهقي في الزهد من وجه آخر عن إسحاق خطّ خطوطًا وخط خطًّا ناحية ثم قال: هل تدرون ما هذا؟ هذا مثل ابن آدم ومثل التمني، وذلك الخط الأمل بينما يؤمل إذ جاءه الموت. وعند الترمذي من رواية حماد بن سلمة عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بلفظ: هذا ابن آدم وهذا أجله ووضع يده عند قفاه ثم بسطها فقال: وثمّ أمله وثمّ أجله أي أن أجله أقرب إليه من أمله. والحديث أخرجه النسائي في الرقاق. 5 - باب مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً فَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِى الْعُمُرِ لِقَوْلِهِ: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37]. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (من بلغ) من العمر (ستين سنة فقد أعذر الله) عز وجل (إليه في العمر) وأعذر بالعين المهملة والذال المعجمة والهمزة فيه للإِزالة أي أزال الله عذره فلم يبق له اعتذار كأن يقول: لو مدّ لي في الأجل لفعلت ما أمرت به يقال أعذر إليه إذا بلغه أقصى الغاية

في العذر ومكنه منه، إذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار والطاعة والإقبال على الآخرة بالكلية ونسبة الاعتذار إلى الله مجازية، والمعنى أن الله تعالى لم يترك للعبد سببًا في الاعتذار يتمسك به (لقوله) عز وجل: ({أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر}) توبيخ من الله أي فيقول الله تعالى لهم توبيخًا. قال الزجاج: أي أو لم نعمركم العمر الذي يتذكر فيه من تذكر. وقال أبو البركات النسفيّ: يجوز أن تكون ما نكرة موصوفة أي تعميرًا يتذكر فيه من تذكر. وقال ابن الحاجب: ما لا يستقيم أن تكون نافية من حيث اللفظ ومن حيث المعنى، أما اللفظ فلأنها يجب قطعها عن نعمركم لأنه لا يجوز أن يكون النفي من معموله، وأيضًا فإن الضمير في فيه يرجع إلى غير مذكور، وأما المعنى فلأن قوله: {أو لم نعمركم} إنما سيق لإثبات التعمير وتوبيخهم على تركهم التذكير فيه، فإذا جعل نفيًا كان فيه إخبار عن نفي تذكر متذكر فيه فظاهره على ذلك نفي التعمير لأنه إذا كان زمانًا لا يتذكر فيه متذكر لزم أن لا يكون تعميرًا وهو خلاف قوله: {أو لم نعمركم} اهـ. وقوله {أو لم نعمركم} متناول لكل عمر تمكن فيه المكلف من إصلاح شأنه وإن قصر إلا أن التوبيخ في المتطاول أعظم، واختلف في مقدار العمر المراد هنا فعن علي بن الحسين زيد العابدين سبع عشرة سنة. وعن وهب بن منبه أربعون سنة. وقال مسروق: إذا بلغ أحدكم أربعين سنة فليأخذ حذره من الله عز وجل، وعن ابن عباس ستون سنة وهو الصحيح كما سيأتي في حديث أبي هريرة أول أحاديث هذا الباب، وعن ابن عباس مما رواه ابن مردويه سبعون سنة، فالإِنسان لا يزال في ازدياد إلى كمال الستين ثم يشرع بعد ذلك في النقص والهرم. إذا بلغ الفتى ستين عامًّا ... فقد ذهب المسرة والهناء ولما كان هذا هو العمر الذي يعذر الله إلى عباده به ويزيح عنهم العلل كان هذا هو الغالب على أعمار هذه الأمة، فعند أبي يعلى من طريق إبراهيم بن الفضل عن سعيد عن أبي هريرة معترك المنايا ما بين ستين وسبعين، لكن إبراهيم بن الفضل ضعيف، وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك". رواه الترمذي في كتاب الزهد. ({وجاءكم النذير}) [فاطر: 37] زاد أبو ذر يعني الشيب وهو مروي عن ابن عباس وغيره. وقال السدي وعبد الرَّحمن بن زيد بن أسلم: المراد به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو الصحيح عن قتادة فيكون احتج عليهم بالعمر والرسل. 6419 - حَدَّثَنِى عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ مُطَهَّرٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ مَعْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْغِفَارِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً». تَابَعَهُ أَبُو حَازِمٍ وَابْنُ عَجْلاَنَ عَنِ الْمَقْبُرِىِّ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر بالجمع (عبد السلام بن مطهر) بضم الميم وفتح الطاء المهملة والهاء المشددة المفتوحة ابن حسام أبو ظفر الأزدي البصري قال: (حدّثنا عمر بن عليّ) بضم العين وفتح الميم ابن عطاء بن مقدّم المقدّمي البصري (عن معن بن محمد) بفتح الميم وسكون العين المهملة (الغفاري) بكسر الغين المعجمة نسبة إلى غفار، وعمر بن علي مدلس وقد رواه عن معن بالعنعنة، لكن أخرج الحديث أحمد بن عبد الرزاق عن معمر عن رجل من بني غفار عن سعيد فصرح فيه بالسماع والمبهم هو معن بن محمد الغفاري (عن سعيد بن أبي سعيد) ذكوان (المقبري) بضم الموحدة نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان يسكن عندها وسقط المقبري لأبي ذر (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): كذا لأبي ذر ولغيره فقال: بفاء قبل القاف. (أعذر الله إلى امرئ أخّر أجله) أي أطال حياته (حتى بلغه ستين سنة) أي لم يبق فيه موضعًا للاعتذار حيث أمهله إلى طول هذه المدة ولم يعتذر يقال أعذر الرجل إذا بلغ أقصى الغاية في العذر. وقال التوربشتي: ومنه قولهم أعذر من أنذر أي أن بالعذر وأظهره وهو مجاز عن القول فإن العذر لا يتوجه على الله، وإنما يتوجه له على العبيد وحقيقة المعنى فيه أن الله لم يترك شيئًا

في الاعتذار يتمسك به، قال ابن بطال: إنما كانت الستون حدًّا لهذا لأنها قريبة من معترك المنايا وهي سن الإنابة والخشوع وترقب المنية فهذا إعذار بعد إعذار لطفًا من الله تعالى بعباده حتى نقلهم من حالة الجهل إلى حالة العلم ثم أعذر إليهم فلم يعاقبهم إلا بعد الحجج الواضحة وإن كانوا فطروا على حب الدنيا وطول الأمل لكنهم أمروا بمجاهدة النفس في ذلك ليمتثلوا ما أمروا به من الطاعة وينزجروا عما نهوا عنه من المعصية، قال بعض الحكماء: الأسنان أربعة سن الطفولية ثم الشباب ثم الكهولة ثم الشيخوخة وهي آخر الأسنان، وغالب ما يكون بين الستين إلى السبعين فحينئذ يظهر ضعف القوة بالنقص والانحطاط فينبغي له الإِقبال على الآخرة بالكلية لاستحالة أن يرجع إلى الحالة الأولى من النشاط والقوّة. قلت: ورأيت لأبي الفرج بن الجوزي الحافظ جزءًا لطيفًا سماه تنبيه الغمر بمواسم العمر ذكر فيه أنها خمسة: الأول من وقت الولادة إلى زمن البلوغ، والثاني إلى نهاية شبابه خمس وثلاثين، والثالث إلى تمام الخمسين وهو الكهولة قال: وقد يقال له كهل لما قبل ذلك، والرابع إلى تمام السبعين وذلك زمان الشيخوخة، والخاص إلى آخر العمر قال: وقد يتقدم ما ذكرنا من السنين ويتأخر. (تابعه) أي تابع معن بن محمد (أبو حازم) سلمة بن دينار مما رواه النسائي عن يعقوب بن عبد الرَّحمن عن أبي حازم (و) تابع معنا أيضًا (ابن عجلان) محمد فيما رواه الطبراني في الأوسط عن عبد الرزاق عن معمر عن منصور بن المعتمر عن محمد بن عجلان كلاهما (عن المقبري) أبي سعيد ذكوان عن أبي هريرة بلفظ: من أتت عليه ستون سنة فقد أعذر الله إليه في العمر. 6420 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يَزَالُ قَلْبُ الْكَبِيرِ شَابًّا فِى اثْنَتَيْنِ: فِى حُبِّ الدُّنْيَا، وَطُولِ الأَمَلِ». قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى يُونُسُ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى سَعِيدٌ وَأَبُو سَلَمَةَ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا أبو صفوان عبد الله بن سعيد) الأموي نزل مكة قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا يزال قلب) المرء (الكبير) أي الشيخ (شابًّا) قويًا (في اثنتين) أي خصلتين (في حب الدنيا) المال (و) محبة (طول الأمل) أي العمر كما فسرا في الحديث اللاحق وأشار إلى قوة استحكام حبه للمال أو هو من باب المشاكلة والمطابقة. وقال في المصابيح: فيه إيهام الطباق بين الكبير والشاب والاستعارة في شابًّا والتوشيع في قوله: في اثنتين الخ إذ هو عبارة عن أن يأتي في عجز الكلام بمثنى مفسر بمعطوف ومعطوف عليه كقوله: إذا أبو قاسم جادت لنا يده ... لم يحمد الأجودان البحر والمطر والحديث أخرجه مسلم في الزكاة والنسائي في الرقائق. (قال الليث) ولأبي ذر: قال ليث بن سعد الإِمام مما وصله الإِسماعيلي من طريق أبي صالح كاتب الليث عنه (حدثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (و) قال (ابن وهب) عبد الله مما وصله مسلم عن حرملة عنه (عن يونس) أيضًا (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد) هو ابن المسيب (وأبو سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف ولفظ الأول كلفظ حديث الباب إلا أنه قال: المال بدل الدنيا ولفظ الآخر: قلب الشيخ شاب على حب اثنتين طول الحياة وحب المال، وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن أبي هريرة وزاد في أوله أن ابن آدم يضعف جسمه وينحل لحمه من الكبر وقلبه شاب. 6421 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ وَيَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَانِ: حُبُّ الْمَالِ وَطُولُ الْعُمُرِ». رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا هشام) الدستواني قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) وسقط ابن مالك لغير أبي ذر (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يكبر ابن آدم) بفتح الموحدة أي يطعن في السن (ويكبر) بفتح الموحدة أيضًا في الفرع فيهما كأصله وتضم أي ويعظم فعبّر عن الكثرة وهي كثرة عدد السنين بالعظم (معه اثنان حب المال وطول العمر) وفي رواية أبي عوانة عن قتادة عند مسلم يهرم ابن آدم ويشب معه اثنان الحرص على المال والحرص على العمر.

6 - باب العمل الذى يبتغى به وجه الله. فيه سعد

قال القرطبي: فيه كراهة الحرص على طول العمر وكثرة المال وأن ذلك ليس بمحمود. وقال غيره: الحكمة في التخصيص بهذين الأمرين أن أحب الأشياء إلى ابن آدم نفسه فهو راغب في بقائها فأحب لذلك طول العمر وأحب المال لأنه أعظم في دوام الصحة التي ينشأ عنها غالبًا طول العمر فكلما أحس بقرب نفاد ذلك اشتدّ حبه له ورغبته له في دوامه. والكرى عند الصباح يطيب والمرء ما عاش ممدود له أمل ... لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأثر (رواه) أي الحديث (شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة عن أنس وصله مسلم من رواية محمد بن جعفر عن شعبة بلفظ: سمعت قتادة عن أنس بنحوه، وأخرجه أحمد عن محمد بن جعفر بلفظ: يهرم ابن آدم ويشب معه اثنتان، وأراد المؤلّف بإيراد هذا التعليق دفع توهم الانقطاع فيه لكون قتادة مدلسًا، وقد عنعنه لكن شعبة لا يحدث عن المدلسين إلا بما علم أنه داخل في سماعهم فيستوي في ذلك التصريح والعنعنة بخلاف غيره. 6 - باب الْعَمَلِ الَّذِى يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ. فِيهِ سَعْدٌ (باب العمل الذي يبتغى به وجه الله تعالى) بضم التحتية وفتح الغين المعجمة أي يطلب به ذات الله عز وجل لا الرياء والسمعة (فيه سعد) بسكون العين أي في الباب حديث سعد بن أبي وقاص السابق في الجنائز في باب رثاء النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سعد بن خولة وفيه فقلت: يا رسول الله أخلف بعد أصحابي؟ قال: "إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلاّ ازددت به درجة". 6422 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ وَزَعَمَ مَحْمُودٌ أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا مِنْ دَلْوٍ كَانَتْ فِى دَارِهِمْ. وبه قال: (حدّثنا معاذ بن أسد) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (محمود بن الربيع) الأنصاري (وزعم محمود أنه) أي قال محمود: إنه (عقل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالعين المهملة والقاف المفتوحتين (وقال: وعقل مجة مجها) بفتح الميم والجيم المشددة فيهما (من دلو كانت في دارهم) وسقط لأبي ذر وقال وإنما قال: عقل لأنه كان صغيرًا حين دخل دارهم وشرب ماء ومجّ من ذلك الماء مجّة على وجهه. 6423 - قَالَ: سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصَارِىَّ ثُمَّ أَحَدَ بَنِى سَالِمٍ قَالَ: غَدَا عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَنْ يُوَافِىَ عَبْدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِى بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ». (قال: سمعت عتبان بن مالك الأنصاري) بكسر عين عتبان وسكون المثناة الفوقية (ثم أحد بني سالم) بالنصب عطفًا على الأنصاري (قال: غدا) بالغين المعجمة (عليّ) بتشديد التحتية (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): بعد دخوله المنزل وصلاته فيه والسؤال أن يتأخر حتى يطعم وسؤاله عليه الصلاة والسلام عن مالك بن الدخشن وكلام من وقع في حقه والمراجعة في ذلك. (لن يوافي) أي لن يأتي (عبد يوم القيامة) حال كونه (يقول: لا إله إلا الله يبتغي به) بالقول ولأبي ذر عن الكشميهني بها بكلمة لا إله إلا الله (وجه الله) عز وجل أي ذاته المقدسة (إلاّ حرّم الله عليه النار). 6424 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِى الْمُؤْمِنِ عِنْدِى جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا؟ ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلاَّ الْجَنَّةُ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرَّحمن) الفارسي المدني نزيل الإسكندرية (عن عمرو) بن أبي عمرو بفتح العين وسكون الميم فيهما مولى المطلب (عن سعيد المقبري عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن عندي جزاء) أي ثواب (إذا قبضت صفيه) أي روح صفيه وهو بفتح الصاد وكسر الفاء وتشديد التحتية الحبيب المصافي كالولد والأخ وكل من أحبه الإنسان (من أهل الدنيا ثم احتسبه) أي صبر راجيًا الثواب من الله (إلا الجنة) متعلق بقوله: ما لعبدي المؤمن. والحديث من أفراده. 7 - باب مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَالتَّنَافُسِ فِيهَا (باب ما يحذر) بضم التحتية وسكون المهملة، ولأبي ذر يحذر بفتح المهملة وتشديد الذال المعجمة (من زهرة الدنيا) بسكون الهاء وفتحها بهجتها ونضارتها وحسنها (و) من (التنافس) أي الرغبة (فيها). 6425 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىٍّ كَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِى بِجِزْيَتِهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِىِّ فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِهِ فَوَافَتْهُ صَلاَةَ الصُّبْحِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآهُمْ وَقَالَ: «أَظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ بِقُدُومِ أَبِى عُبَيْدَةَ، وَأَنَّهُ جَاءَ بِشَىْءٍ»؟ قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال: حدثني) بالإفراد (إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة) بضم العين وسكون القاف (عن) عمه (موسى بن عقبة) أنه قال: (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (حدثني) بالإفراد

(عروة بن الزبير) بن العوّام (أن المسور بن مخرمة) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة (أخبره أن عمرو بن عوف) بالفاء الأنصاري (وهو حليف) بفتح الحاء المهملة وكسر اللام (لبني عامر بن لؤي كان) عمرو بن عوف (شهد بدرًا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث أبا عبيدة بن الجراح) زاد أبو ذر عن الكشميهني إلى البحرين البلد المشهور (يأتي بجزيتها) أي بجزية أهلها (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو صالح أهل البحرين وأمّر عليهم) بتشديد الميم (العلاء بن الحضرمي) عبد الله بن مالك بن ربيعة وكان من أهل حضرموت سنة تسع من الهجرة (فقدم أبو عبيدة) بن الجراح سنة عشر (بمال من البحرين) وكان مائة ألف وثمانين ألف درهم، وقيل ثمانين ألفًا (فسمعت الأنصار بقدومه فوافته) بفاءين بينهما واو فألف ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني فوافت بحذف الضمير وهما من الموافاة ولأبي ذر عن الحموي فوافقت بالقاف بين الفاء والفوقية (صلاة الصبح مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما انصرف) عليه الصلاة والسلام (تعرّضوا له فتبسّم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وثبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي ذر (حين رآهم وقال): (أظنكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة وأنه جاء بشيء) من الدراهم؟ (قالوا: أجل) نعم (يا رسول الله قال: فأبشروا) بقطع الهمزة وكسر المعجمة (وأمّلوا) بقطع الهمزة وكسر الميم المشددة (ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم) بنصب الفقر بتقدير ما أخشى الفقر وحذف لأن أخشى عليكم مفسر له، ويجوز الرفع بتقدير ضمير أي: ما الفقر أخشاه عليكم. قال في الفتح: والأول هو الراجح. وقال في التنقيح: والرفع ضعيف لأنه يحتاج إلى ضمير يعود عليه وإنما يجوز ذلك في الشعر اهـ. وتعقبه في المصابيح فقال: ضعف ذلك مذهب كوفي قال في التسهيل: ولا يختص بالشعر خلافًا للكوفيين، وقال في شرح المشكاة: فائدة تقديم المفعول هنا الاهتمام بشأن الفقر لأن الوالد المشفق إذا حضره الموت كان اهتمامه بحال ولده في المال فأعلم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه أنه وإن كان لهم في الشفقة عليهم كالأب لكن حاله في أمر المال يخالف حال الوالد، وأنه لا يخشى عليهم الفقر كما يخشاه الوالد، ولكن يخشى عليهم من الغنى الذي هو مطلوب الوالد لولده كما قال: (ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها) بحذف إحدى التاءين فيهما أي فترغبوا فيها كما رغبوا فيها (وتلهيكم) عن الآخرة (كما ألهتهم) عنها. فإن قلت: تقديم المفعول هنا يؤذن بأن الكلام في المفعول لا في الفعل كقولك ما زيدًا ضربت فلا يصح أن يعقب المنفي بإثبات ضده فتقول ولكن أكرمته لأن المقام يأباه إذ الكلام في المفعول هل هو زيد أو عمرو مثلاً لا في الفعل هل هو إكرام أو إهانة والحديث قد وقع في الاستدراك بإثبات هذا الفعل المنفي فقال: ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم الخ فكيف يتأتى هذا؟ فالجواب: أن المنظور إليه في الاستدراك هو المنافسة في الدنيا عند بسطها عليهم فكأنه قال: ما الفقر أخشى عليكم ولكن المنافسة في الدنيا فلم يقع الاستدراك إلا في المفعول كقولك: ما زيدًا ضربت ولكن عمرًا ثم الفعل المثبت ثانيًا ليس ضد الفعل المنفي أو لا يحسب الوضع وإنما اختلفا بالمتعلق فذكره لا يضر لأنه في الحقيقة استدراك بالنسبة إلى المفعول لا إلى الفعل قاله في المصابيح. والحديث فيه ثلاثة من التابعين على نسق موسى وابن شهاب وعروة وصحابيان المسور وعمرو وكلهم مدنيون، وسبق في الجزية والموادعة مع أهل الذمة. 6426 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ عَنْ أَبِى الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «إِنِّى فَرَطُ لَكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّى وَاللَّهِ لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِى الآنَ، وَإِنِّى قَدْ أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ -أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ- وَإِنِّى وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِى، وَلَكِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط لأبي ذر: ابن سعيد قال: (حدّثنا الليث) ولأبي ذر: ليث بن سعد (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد الأزدي عالم أهل مصر (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله (عن عقبة بن عامر) الجهني -رضي الله عنه- (أن رسول الله) ولأبي ذر

أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج يومًا فصلّى على أهل) وقعة (أُحد) الذين استشهدوا بها (صلاته على الميت) أي دعا لهم بدعاء صلاة الميت بعد ثمان سنين (ثم انصرف إلى المنبر) كالمودّع للأحياء والأموات (فقال): (إني فرطكم) ولأبي ذر فرط لكم بفتح الفاء والراء على الروايتين سابقكم إلى الحوض أهيئه لكم لأن الفارط هو الذي يتقدم الوارد ليصلح له الحياض والدلاء والأرشية وغيرها من أمور الاستقاء (أنا شهيد عليكم) بأعمالكم (وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن) نظرًا حقيقيًا بطريق الكشف (وإني قد أعطيت مفاتيح) بالتحتية بعد الفوقية ولأبي ذر مفاتح (خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض) يريد ما فتح على أمته من الملك والخزائن بعده والشك من الراوي (وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا) بالله (بعدي ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فبها) أي في الدنيا ولأبي ذر عن الكشميهني: ولكن أخاف بحذف التحتية من لكني. والحديث سبق في الجنائز في باب الصلاة على الشهيد. 6427 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَكْثَرَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ» قِيلَ: وَمَا بَرَكَاتُ الأَرْضِ؟ قَالَ: «زَهْرَةُ الدُّنْيَا» فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: هَلْ يَأْتِى الْخَيْرُ بِالشَّرِّ؟ فَصَمَتَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ عَنْ جَبِينِهِ فَقَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ»؟ قَالَ أَنَا قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لَقَدْ حَمِدْنَاهُ حِينَ طَلَعَ ذَلِكَ قَالَ: «لاَ يَأْتِى الْخَيْرُ إِلاَّ بِالْخَيْرِ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ مَا أَنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ إِلاَّ آكِلَةَ الْخَضِرَةِ أَكَلَتْ حَتَّى إِذَا امْتَدَّتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتِ الشَّمْسَ فَاجْتَرَّتْ وَثَلَطَتْ وَبَالَتْ، ثُمَّ عَادَتْ فَأَكَلَتْ وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوَةٌ مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِى حَقِّهِ، فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ الَّذِى يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) الفقيه العمري (عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد) ولأبي ذر زيادة الخدري -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله) عز وجل بضم الياء من الإِخراج (لكم من بركات الأرض قيل): يا رسول الله (وما بركات الأرض؟ قال: زهرة الدنيا) بفتح الزاي وسكون الهاء وزاد هلال وزينتها وهو عطف تفسيري والزهرة مأخوذة من زهرة الشجرة وهو نورها بفتح النون والمراد ما فيها من أنواع المتاع والعين والنبات والزرع وغيرها مما يغتر الناس بحسنه مع قلة بقائه (فقال له رجل): لم أعرف اسمه (هل يأتي الخير الشر)؟ أي هل تصير النعمة عقوبة لأن زهرة الدنيا نعمة من الله فهل تعود هذه النعمة نقمة والاستفهام للإرشاد (فصمت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى ظننا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي حتى ظننت (أنه ينزل عليه) الوحي (ثم جعل يمسح عن جبينه) العرق من ثقل الوحي (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أين السائل؟ قال: أنا) يا رسول الله (قال أبو سعيد) الخدري: (لقد حمدناه) أي حمدنا الرجل (حين طلع ذلك) أي ظهر ولأبي ذر عن الكشميهني اطلع لذلك وفي رواية هلال وكأنه حمده وظاهره أنهم لاموه أولاً حيث رأوا سكوت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فظنوا أنه أغضبه ثم حمدوه لما رأوا مسألته سببًا لاستفادة ما قاله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا يأتي الخير إلا بالخير) وإنما يعرض له الشر بعارض البخل به عمن يستحقه والإسراف في إنفاقه فيما لم يشرع (إن هذا المال خضرة) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين أي الحياة بالمال أو المعيشة به خضرة في المنظر (حلوة) في الذوق أو المراد التشبيه أي المال كالبقلة الخضرة الحلوة أو أنث باعتبار ما يشتمل عليه المال من زهرة الدنيا أو المراد بالمال هنا الدنيا لأنه من زينتها كما قال تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا} [الكهف: 46] (وإن كل ما أنبت الربيع) أي الجدول وهو النهر الصغير وإسناد الإنبات إليه مجاز إذ المنبت حقيقة هو الله تعالى (يقتل حبطًا) بفتح الحاء المهملة والموحدة والطاء المهملة المنوّنة انتفاخ بطن من كثرة الأكل يقال حبطت الدابة تحبط حبطًا إذا أصابت مرعى طيبًا فأمعنت في الأكل حتى تنتفخ فتموت (أو يلم) بضم التحتية وكسر اللام وتشديد الميم يقرب من الهلاك والمعنى يقتل أو يقارب القتل (إلا) بتشديد اللام (آكلة الخضرة) من بهيمة الأنعام وشبه بها لأنها التي ألف المخاطبون أحوالها في سومها ورعيها وما يعرض لها من البشم وغيره وآكلة بمد الهمزة وكسر الكاف والخضرة بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين ضرب من الكلإ تحبه الماشية وتستلذ منه فتستكثر منه. قال في المصابيح: إن الاستثناء منقطع أي لكن آكلة الخضرة لا يقتلها أكل الخضرة ولم يلم بقتلها وإنما قلنا إنه منقطع لفوات شرط الاتصال ضرورة كون الأول غير شامل

له على تقدير عدم الثنيا وذلك لأن من فيه تبعيضية فكأنه يقول: إن شيئًا مما ينبت يقتل حبطًا أو يلم وهذا لا يشمل مأكول آكلة الخضرة ظاهرًا لأنه نكرة في سياق الإثبات. نعم في هذا اللفظ الثابت في الطريق المذكورة هنا وهو قوله وإن كل ما أنبت الربيع يقتل حبطًا أو يلم يتأتى جعل الاستثناء متصلاً لدخول المستثنى في عموم المستثنى منه وليس المستثنى في الحقيقة هو الآكلة نفسها وإلاّ كان منقطعًا وإنما المستثنى محذوف تقديره مأكول آكلة الخضرة فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه اهـ. ولأبي ذر عن الكشميهني: الخضر بغير هاء وله عن الحموي والمستملي الخضرة بضم الخاء وسكون الضاد، وفي بعض النسخ ألا بتخفيف اللام وفتح الهمزة على أنها استفتاحية كأنه قال: ألا انظروا آكلة الخضرة واعتبروا بشأنها (أكلت) ولأبي ذر عن الكشميهني تأكل (حتى إذا امتدت خاصرتاها) بالتثنية أي جنباها أي امتلات شبعًا وعظم جنباها ولأبي ذر عن الكشميهني خاصرتها بالإفراد (استقبلت الشمس) فتحمى فيسهل خروج ما ثقل عليها مما أكلته (فاجترت) بالجيم الساكنة والتاء الفوقية المفتوحة والراء المشددة استرجعت ما أدخلته في كرشها من العلف فمضعته ثانيًا ليزداد نعومة وسهولة لإخراجه (وثلطت) بالمثلثة واللام والطاء المهملة المفتوحات وضبط السفاقسي اللام بالكسر ألقت ما في بطنها من السرقين رقيقًا (وبالت) فارتاحت بما ألقته من السرقين والبول وسلمت من الهلاك (ثم عادت فأكلت) وهذا بخلاف ما لم تتمكن من ذلك فإن الانتفاخ يقتلها سريعًا (وإن هذا المال) في الرغبة والميل إليه وحرص النفوس عليه كالفاكهة خضرة في المنظر (حلوة) في الذوق (من أخذه بحقه ووضعه في حقه) بأن أخرج منه حقه الواجب شرعًا كالزكاة (فنعم المعونة هو) لصاحبه على اكتساب الثواب إن عمل فيه بالحق (ومن أخذه) ولأبي ذر عن الحموي وإن أخذه (بغير حقه) بأن جمعه من الحرام أو من غير احتياج إليه (كان كالذي) والذي في اليونينية حذف الكاف من قوله كالذي (يأكل ولا يشبع) أي كذي الجوع الكاذب بسبب سقم الآخذ ويسمى جوع الكلب كلما ازداد أكلاً ازداد جوعًا وكان مآله إلى الهلاك. قال ابن المنير: في هذا الحديث وجوه من التشبيهات بديعة تشبيه المال ونموّه بالنبات وظهوره وتشبيه المنهمك في الاكتساب والأسباب بالبهائم المنهمكة في الأعشاب وتشبيه الاستكثار منه والادّخار له بالشره في الأكل والامتلاء منه وتشبيه المال مع عظمته في النفوس حتى أدى إلى المبالغة في البخل به بما تطرحه البهيمة من السلح، ففيه إشارة بديعة إلى استقذاره شرعًا وتشبيه القاعد عن جمعه وضمه بالشاة إذا استراحت وحطت جانبها مستقبلة الشمس فإنها من أحسن حالاتها سكونًا وسكينة، وفيه إشارة إلى إدراكها لمصالحها وتشبيه موت الجامع المانع بموت البهيمة الغافلة عن دفع ما يضرها وتشبيه المال بالصاحب الذي لا يؤمن أن ينقلب عدوًّا فإن المال من شأنه أن يحرز ويشدّ وثاقه حبًّا له، وذلك يقتضي منعه من مستحقيه فيكون سببًا لعقاب مقتنيه وتشبيه آخذه بغير حق بالذي يأكل ولا يشبع فهي ثمانية. والحديث سبق في باب الصدقة على اليتامى من كتاب الزكاة. 6428 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَمْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِى زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُكُمْ قَرْنِى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» قَالَ عِمْرَانُ: فَمَا أَدْرِى قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ قَوْلِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، «ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلاَ يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة الثقيلة المعروف ببندار قال: (حدّثنا غندر) ولأبي ذر محمد بن جعفر بدل قوله غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت أبا جمرة) بالجيم المفتوحة والميم الساكنة نصر بن عمران الضبعي (قال: حدثني) بالإفراد (زهدم بن مضرب) بفتح الزاي وسكون الهاء بعدها دال مهملة فميم ومضرب بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وكسر الراء المشددة بعدها موحدة (قال: سمعت عمران بن حصين -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (خيركم قرني) المراد

الصحابة (ثم الذين يلونهم) يقربون منهم وهم التابعون وزاد أبو ذر مرتين وزاد الكشميهني والمستملي ثم الذين يلونهم وهم اتباع التابعين وهذه الثالثة ساقطة للحموي (قال عمران) بن الحصين -رضي الله عنه- بالسند المذكور (فما أدري قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد قوله): خيركم قرني (مرتين أو ثلاثًا ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون) أي يتحملون الشهادة من غير تحميل أو يؤدونها من غير أن يطلب ذلك منهم (ويخونون ولا يؤتمنون) لخيانتهم الظاهرة (وينذرون) بفتح أوّله وضم المعجمة وكسرها (ولا يفون) بنذرهم ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولا يوفون بضم التحتية وبعدها واو ساكنة (ويظهر فيهم السمن) بسبب توسعهم في المآكل والمشارب، وعند الترمذي من طريق هلال بن يساف عن عمران بن حصين ثم يجيء قوم يتسمنون ويحبون السمن. والحديث سبق في الشهادات ومناقب الصحابة. 6429 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِى حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِىءُ مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَتُهُمْ أَيْمَانَهُمْ، وَأَيْمَانُهُمْ شَهَادَتَهُمْ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة وبعد الميم زاي محمد بن ميمون السكري (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن إبراهيم) النخعي (عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة ابن قيس السلماني بفتح السين وسكون اللام (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (خير الناس) أهل (قرني ثم الذين يلونهم) يقربون منهم (ثم الذين يلونهم) بالنون في الذين، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ثم الذي بإسقاطها واتفقوا في هذه على إسقاط الثالثة في الرواية السابقة وللكشميهني والمستملي (ثم يجيء من بعدهم قوم تسبق شهادتهم أيمانهم وأيمانهم شهادتهم) بالإفراد فيهما وفتح همزة أيمانهم والمعنى أن ذلك يقع في حالين فيحلفون تارة قبل أن يشهدوا ويشهدون تارة قبل أن يحلفوا حرصًا على ترويج شهادتهم. وقال ابن الجوزي: المراد أنهم لا يتورعون ويستهينون بأمر الشهادة واليمين ولأبي ذر شهاداتهم بالجمع. والحديث سبق في الشهادات أيضًا. 6430 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَبَّابًا وَقَدِ اكْتَوَى يَوْمَئِذٍ سَبْعًا فِى بَطْنِهِ وَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِالْمَوْتِ، إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَضَوْا وَلَمْ تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا بِشَىْءٍ، وَإِنَّا أَصَبْنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا لاَ نَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا إِلاَّ التُّرَابَ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (يحيى بن موسى) بن عبد ربه المعروف بخت قال: (حدّثنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد الكوفي الحافظ (عن قيس) هو ابن أبي حازم البجلي أنه (قال: سمعت خبابًا) بالخاء المعجمة المفتوحة والموحدة المشددة ابن الأرت (وقد اكتوى يومئذٍ سبعًا في بطنه) من مرض كان به (وقال: لولا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهانا أن ندعو بالموت لدعوت بالموت) على نفسي (إن أصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مضوا) أي ماتوا (ولم تنقصهم الدنيا بشيء) من أجورهم فلم يستعجلوها فيها بل صارت مدخرة لهم في الآخرة (وإنا أصبنا من الدنيا ما لا نجد له موضعًا) نصرفه فيه (إلا التراب) أي البنيان. 6431 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِى قَيْسٌ، قَالَ: أَتَيْتُ خَبَّابًا وَهْوَ يَبْنِى حَائِطًا لَهُ فَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابَنَا الَّذِينَ مَضَوْا لَمْ تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا شَيْئًا وَإِنَّا أَصَبْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ شَيْئًا لاَ نَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا إِلاَّ التُّرَابَ. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدثني (محمد بن المثنى) أبو موسى العنزي الحافظ قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد أنه (قال: حدثني) بالإفراد (قيس) هو ابن أبي حازم (قال: أتيت خبابًا) أي ابن الأرتّ (وهو يبني حائطًا له فقال: إن أصحابنا) -رضي الله عنهم- (الذين مضوا) درجوا بالوفاة (لم تنقصهم الدنيا شيئًا) قال: في الكواكب أي لم تدخل الدنيا فيهم نقصانًا بوجه من الوجوه أي لم يشتغلوا بجمع المال بحيث يلزم في كمالهم نقصان (وإنا أصبنا من بعدهم شيئًا لا نجد له موضعًا) نصرفه فيه (إلا التراب) ولأبي ذر عن الكشميهني إلا في التراب أي البنيان بقرينة البناء. 6432 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ خَبَّابٍ - رضى الله عنه - قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي (عن سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن خباب -رضي الله عنه-) أنه (قال: هاجرنا مع رسول الله) ولأبي ذر مع النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وزاد أبو ذر قصه بفتح القاف والصاد المهملة وبعدها ضمير أي قص الراوي الحديث المذكور بتمامه في أول الهجرة إلى المدينة بلفظ: فوقع أجرنا على الله فمنا من مضى لم يأخذ من أجره شيئًا

8 - باب

منهم مصعب بن عمير الحديث ويأتي إن شاء الله تعالى قريبًا في باب فضل الفقر بعون الله تعالى. 8 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 5 - 6] جَمْعُهُ سُعُرٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ: الْغَرُورُ الشَّيْطَانُ. (باب) قول الله تعالى: ({يا أيها الناس إن وعد الله) بالبعث والجزاء ({حق}) كائن ({فلا تغرنكم الحياة الدنيا}) فلا تخدعنكم الدنيا ولا يذهلنكم التمتع والتلذذ بزهرتها ومنافعها عن العمل للآخرة وطلب ما عند الله ({ولا يغرنكم بالله الغرور}) وهو الشيطان لأن ذلك ديدنه فإنه يمنيكم الأماني الكاذبة ويقول إن الله غني عن عبادتك وعن تعذيبك ({إن الشيطان لكم عدو}) ظاهر العداوة وفعل بأبيكم آدم ما فعل وأنتم تعاملونه معاملة من لا علم له بأحواله ({فاتخذوه عدوًّا}) في عقائدكم وأفعالكم ولا يوجدن منكم إلا ما يدل على معاداته ومغاضبته في سركم وجهركم فهذا هو العدوّ المبين فنسأل الله القوي العزيز أن يجعلنا أعداء الشيطان وأن يرزقنا اتباع كتابه والاقتفاء برسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنه على ما يشاء قدير ثم لخص سر أمره وخطأ من اتبعه بأن غرضه الذي يؤمه في دعوة شيعته هو أن يوردهم مورد الهلاك بقوله ({إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير}) [فاطر: 5 - 6] والسعير (جمعه سعر) بضمتين وسقط لأبي ذر فلا تغرنكم إلى آخر قوله السعير وقال: بعد قوله {حق} الآية إلى قوله {السعير}. (قال مجاهد): مما وصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد (الغرور) بفتح الغين (الشيطان) قال الراغب: غررت فلانًا أصبت غرته ونلت منه ما أريده فالغرة غفلة في يقظة والغرار غفلة مع غفوة وأصل ذلك من الغرّ وهو الأثر الظاهر من الشيء ومنه غرة الفرس وغرار السيف حده وغرّ الثوب أثر كسره وقيل اطوه على غرّه وغرّه كذا غرورًا قال تعالى: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم} [الانفطار: 6] فالغرور كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان. وقد فسر بالشيطان إذ هو أخبث الغارين وقرئ بضم الغين وهو مصدر وعن بعضهم الغرور بالضم الأباطيل وثبت قوله. قال مجاهد: الخ للكشميهني وسقط لغيره. 6433 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِىِّ أَخْبَرَنِى مُعَاذُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ ابْنَ أَبَانَ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بِطَهُورٍ وَهْوَ جَالِسٌ عَلَى الْمَقَاعِدِ، فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَوَضَّأَ وَهْوَ فِى هَذَا الْمَجْلِسِ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الْوُضُوءِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» قَالَ: وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَغْتَرُّوا». وبه قال: (حدّثنا سعد بن حفص) بسكون العين الطلحي مولاهم الكوفي المعروف بالضخم قال: (حدّثنا شيبان) بالشين المعجمة ابن عبد الرَّحمن أبو معاوية النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث (القرشي) قال: (أخبرني) بالإفراد (معاذ بن عبد الرَّحمن) بن عثمان التيمي (أن ابن أبان) ولأبي ذر: أن حمران بن أبان بضم الحاء المهملة وسكون الميم مولى عثمان بن عفان اشتراه في زمن أبي بكر الصديق (أخبره) أي أخبر معاذ بن عبد الرَّحمن (قال: أتيت عثمان) ولأبي ذر عثمان بن عفان -رضي الله عنه- (بطهور) بفتح الطاء بماء يتطهر به (وهو جالس على المقاعد) موضع بالمدينة (فتوضأ فأحسن الوضوء ثم قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توضأ) بلفظ الماضي ولأبي ذر يتوضأ (وهو في هذا المجلس فأحسن الوضوء ثم قال): (من توضأ) وضوءًا (مثل هذا الوضوء) وسبق في الطهارة بلفظ من توضأ نحو وضوئي هذا ونحو إن قدرت بمعنى قريب فتكون ظرفًا على التوسع في المكان أي قارب فعلي فعله بمعنى أن من قاربته فقد قاربك، وإن قدرت بمعنى مثل كان فيه تجوّز أيضًا لأنه لا يقدر أحد على مثل وضوء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من كل وجه لا في نيته ولا في إخلاصه ولا في عمله بكمال طهارته واستيعاب غسل أعضائه والنحو لغة القصد، والمثل تقول: هذا نحو زيد أي مثل زيد ومتى قدرتها بمعنى مثل كان نعتًا لمصدر محذوف أي توضأ وضوءًا مثل وضوئي، واختار سيبويه أن تكون حالاً لأن حذف الموصوف دون الصفة لا يجوز إلا في مواضع معدودة وتقدير الحال هنا من محذوف أي توضأ الوضوء مثل وضوئي فإن قدرت نحو بمعنى قريبًا كانت ظرفًا ويكون قربًا مجازيًا وفي ورود الرواية هنا بلفظ مثل رد على نافيها (ثم أتى المسجد فركع ركعتين). ولمسلم من طريق نافع بن جبير عن حمران ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة فصلاها مع الناس أو في المسجد وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه عن حمران عنده أيضًا

9 - باب ذهاب الصالحين

فيصلّي صلاة وفي أخرى له عنه فيصلّي الصلاة المكتوبة (ثم جلس غفر له ما تقدم من ذنبه) وفي مسلم رواية هشام إلا غفر له ما بينها وبين الصلاة التي تليها أي التي سبقتها. وأصرح منه رواية أي صخر عن حمران عند مسلم أيضًا فيصلّي هذه الصلوات الخمس إلا كانت كفارة لما بينهن (قال) عثمان: (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تغتروا) لا تحملوا الغفران على عمومه في جميع الذنوب فتسترسلوا في الذنوب اتكالاً على غفرانها بالصلاة فإن الصلاة التي تكفر الذنوب هي المقبولة ولا اطلاع لأحد عليه أو أن المكفر بالصلاة الصغائر فلا تغتروا فتعملوا الكبائر بناء على تكفير الذنوب بالصلاة فإنه خاص بالصغائر. والمطابقة في قوله لا تغتروا وأخرج الحديث مسلم في الطهارة والنسائي في الصلاة. 9 - باب ذَهَابِ الصَّالِحِينَ وَيُقالُ: الذِّهَابُ: المَطَرُ. (باب ذهاب الصالحين) بالموت (ويقال الذهاب) بكسر المعجمة (المطر) قال في المحكم: والذهبة المطرة الضعيفة وقيل الجود والجمع ذهاب بالكسر قال ذو الرمة يصف روضة: قرحاء حواء أشراطية وكفت ... فيها الذهاب وحفتها البراعيم والبراعيم رمال فيها دارات تنبت البقل، وقوله: ويقال الذهاب المطر ثابت لأبي ذر عن الحموي فقط. 6434 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ مِرْدَاسٍ الأَسْلَمِىِّ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَذْهَبُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ، وَيَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ الشَّعِيرِ -أَوِ التَّمْرِ- لاَ يُبَالِيهِمُ اللَّهُ بَالَةً». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يُقَالُ: حُفَالَةٌ وَحُثَالَةٌ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى بن حماد) الشيباني البصري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن بيان) بفتح الموحدة والتحتية المخففة ابن بشر بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة الأحمسي (عن قيس بن أبي حازم) بالمهملة وبعد الألف زاي (عن مرداس) بكسر الميم وسكون الراء وبعد الدال المهملة ألف فسين مهملة ابن مالك (الأسلمي) ممن بايع تحت الشجرة أنه قال: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يذهب الصالحون) عند الإسماعيلي يقبض الصالحون أي تقبض أرواحهم (الأول فالأول ويبقى حفالة) بضم الحاء المهملة وفتح الفاء مخففة (كحفالة الشعير أو التمر) الرديء من كل أو ما يتساقط من قشورهما أو ما يسقط من الشعير عند الغربلة ويبقى من التمر بعد الأكل وأو للشك أو للتنويع (لا يباليهم الله) بتحتية ساكنة بعد اللام (بالة) بتخفيف اللام أي لا يرفع الله لهم قدرًا ولا يقيم لهم وزنًا وبالة مصدر بالبيت وأصله بالية فحذفت لامه قيل لكراهية ياء قبلها كسرة فيما أكثر استعماله، وذلك لكثرة استعمال هذه اللفظة في كل ما لا يحتفل به، لكن قال في المصابيح: لا يحسن التعليل بمجرد هذا ولو أضيف إليه ما قاله بعض المتأخرين من أن المعنى على حذف لام الكلمة فيه لشذوذ فاعله في المصادر فحولوه بالحذف المذكور عن بنية الشذوذ لكان حسنًا. (وقال أبو عبد الله) البخاري: (يقال حفالة) بالفاء (وحثالة) بالمثلثة بدلها يعني بمعنى واحد وهذا ساقط في رواية أبي ذر واستنبط من الحديث جواز خلوّ الأرض من عالم حتى لا يبقى إلا أهل الجهل صرفًا. وسبق الحديث في المغازي. 10 - باب مَا يُتَّقَى مِنْ فِتْنَةِ الْمَالِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 28] (باب ما يتقى) بضم التحتية وفتح الفوقية المشددة والقاف (من فتنة المال. وقول الله) ولأبي ذر وقوله (تعالى {إنما أموالكم وأولادكم فتنة}) [التغابن: 15] بلاء ومحنة يوقعون في الإثم والعقوبة ولا بلاء أعظم منهما. 6435 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِى حَصِينٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِىَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (يحيى بن يوسف) الزميّ بكسر الزاي والميم المشددة الخراساني نزيل بغداد ويقال له ابن أبي كريمة فقيل هي كنية أبيه وقيل هو جدّه واسمه كنيته قال: (أخبرنا أبو بكر) هو ابن عياش بالشين المعجمة (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (تعس) بفتح الفوقية وكسر العين المهملة وبعدها سين مهملة أيضًا وتفتح العين هلك (عبد الدينار) وهو طالبه وخادمه والحريص على جمعه وقال: في شرح المشكاة قيل خص العبد بالذكر ليؤذن بانغماسه في محبة الدنيا وشهواتها كالأسير الذي لا يجد خلاصًا (و) تعس عبد (الدرهم و) عبد (القطيفة) الدثار الذي له خمل (و) عبد (الخميصة) بالخاء المعجمة والصاد المهملة

المفتوحتين الكساء الأسود المربع (إن أعطي) بضم الهمزة وكسر الطاء (رضي وإن لم يعط لم يرض) قال تعالى: {فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} [التوبة: 58] وفيه إيذان بشدة الحرص على ذلك وجعله عبدًا لها لشغفه وحرصه فمن كان عبدًا لهواه لم يصدق في حقه إياك نعبد ولا يكون من اتصف بذلك صدّيقًا والظاهر أن الجملة تفسير لمعنى عبوديته للدينار والدرهم فلا محل لها من الإعراب. والحديث سبق في الجهاد في باب الحراسة في الغزو وأخرجه ابن ماجة. 6436 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى ثَالِثًا، وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ». وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل البصري (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن عطاء) هو ابن أبي رباح أنه (قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لو كان لابن آدم واديان من مال) تثنية واد وهو معروف وربما اكتفوا بالكسرة عن الياء كما قال: قرقر قمر الواد بالشاهق والجمع الأودية على غير قياس كأنه جمع ودي مثل سري وأسرية للنهر. وفي حديث ابن الزبير المذكور هنا لو أن ابن آدم أعطي واديًا من ذهب (لا ينبغي) بالغين المعجمة لطلب (ثالثًا) وفي حديث ابن الزبير أحب إليه ثانيًا (ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب) كناية عن الموت لاستلزامه الامتلاء كأنه قال: لا يشبع من الدنيا حتى يموت (ويتوب الله على من تاب) من المعصية ورجع عنها أي يوفقه للتوبة أو يرجع عليه من التشديد إلى التوفيق أو يرجع عليه بقبوله، والمراد من الحديث ذم الحرص على الدنيا والشره على الازدياد، وأخرجه مسلم في الزكاة. 6437 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَخْلَدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَوْ أَنَّ لاِبْنِ آدَمَ مِثْلَ وَادٍ مَالاً لأَحَبَّ أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ مِثْلَهُ، وَلاَ يَمْلأُ عَيْنَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلاَ أَدْرِى مِنَ الْقُرْآنِ هُوَ أَمْ لاَ. قَالَ: وَسَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: ذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام وفي اليونينية محمد بن المثنى ألحق ابن المثنى بين محمد وبين قوله أخبرنا بكتابة رفيعة (قال: أخبرنا مخلد) بفح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام ابن يزيد من الزيادة الحراني قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك (قال: سمعت عطاء) هو ابن أبي رباح (يقول: سمعت ابن عباس) -رضي الله عنهما- (يقول: سمعت رسول الله) ولأبي ذر نبي الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لو أن لابن آدم مثل واد) بكسر الميم وسكون المثلثة بعدها لام ولأبي ذر عن الكشميهني ملء بحذف المثلثة وزيادة همزة بعد اللام الساكنة قال في الصحاح: هو اسم ما يأخذه الإناء إذا امتلأ (مالاً) وفي حديث زيد بن أرقم عند أحمد من ذهب وفضة (لأحب أن له إليه مثله ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب). قال الطيبي: وقع قوله ولا يملأ الخ موقع التذييل والتقرير للكلام السابق كأنه قيل ولا يشبع من خلق من تراب إلا التراب (وبتوب الله على من تاب) أي يقبل توبة الحريص كما يقبلها من غيره (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: (فلا أدري من القرآن) المنسوخ تلاوته (هو) أي الحديث المذكور (أم لا) ومبحث ذلك يأتي في هذا الباب إن شاء الله تعالى. (قال) عطاء بالسند السابق (وسمعت ابن الزبير) عبد الله (يقول: ذلك) الحديث باللفظ المذكور بغير زيادة ابن عباس فلا أدري من القرآن هو أم لا. وقال في الكواكب: ويحتمل أن يراد به قول لا أدري أيضًا (على المنبر) بمكة المشرفة. 6438 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْغَسِيلِ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِمَكَّةَ فِى خُطْبَتِهِ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ: «لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ أُعْطِىَ وَادِيًا مَلأً مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ ثَانِيًا، وَلَوْ أُعْطِىَ ثَانِيًا أَحَبَّ إِلَيْهِ ثَالِثًا، وَلاَ يَسُدُّ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عبد الرَّحمن بن سليمان بن الغسيل) بفتح المعجمة وكسر المهملة أي مغسول الملائكة حين استشهد وهو جنب وهو حنظلة بن أبي عامر الأوسي وهو جد سليمان المذكور لأنه ابن عبد الله بن حنظلة ولعبد الله صحبة وعبد الرَّحمن من صغار التابعين (عن عباس بن سهل بن سعد) بسكون العين والهاء وعباس بالموحدة المشددة آخره مهملة أنه (قال: سمعت ابن الزبير) عبد الله (على المنبر بمكة) ولأبي ذر على منبر مكة (في خطبته يقول: يا أيها الناس إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول): (لو أن ابن آدم أعطي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (واديًا ملأ) بفتح الميم وسكون اللام بعدها همزة منونًا ولأبي ذر ملآن (من ذهب أحب إليه ثانيًا ولو أعطي ثانيًا أحب إليه ثالثًا ولا يسدّ جوف) وفي رواية أبي عاصم عن ابن جريج السابقة في هذا الباب ولا يملأ جوف (ابن آدم إلا التراب) قال

النووي: معناه أنه لا يزال حريصًا على الدنيا حتى يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره. وهذا الحديث خرج على حكم غالب بني آدم في الحرص على الدنيا ويؤيده قوله: (ويتوب الله على من تاب) وهو متعلق بما قبله ومعناه أن الله يقبل التوبة من الحرص المذموم وغيره من المذمومات. 6439 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْ أَنَّ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَادِيَانِ، وَلَنْ يَمْلأَ فَاهُ إِلاَّ التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين المهملة بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن رسول الله) ولأبي ذر أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لو أن لابن آدم واديًا من ذهب أحب) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لأحب (أن يكون له واديان) أي من ذهب (ولن يملأ) ولأبي ذر عن الكشميهني ولا يملأ (فاه) أي فمه (إلا التراب) عبر في الأولى والثالثة بالجوف وفي الثانية بالعين وفي الأخيرة بفاه، وعند الإِسماعيلي من رواية حجاج بن محمد عن ابن جريج بالنفس، وعند أحمد من حديث أبي واقد بالبطن قال في الكواكب: ليس المراد الحقيقة في عضو بعينه بقرينة عدم الانحصار في التراب إذ غيره يملؤه أيضًا بل هو كناية عن الموت لأنه مستلزم للامتلاء فكأنه قال: لا يشبع من الدنيا حتى يموت فالغرض من العبارات كلها واحد وليس فيها إلا التفنن من الكلام اهـ. قال في الفتح: وهذا يحسن فيما إذا اختلفت مخارج الحديث، وأما إذا اتحدت فهو من تصرف الرواة ثم نسبة الامتلاء للجوف واضحة والبطن بمعناه وأما النفس فعبر بها عن الذات وأطلق الذات وأراد البطن من باب إطلاق الكل وإرادة البعض، ويحتمل أن يكون المراد بالنفس العين وأما النسبة إلى الفم فلكونه طريق الوصول إلى الجوف وأما العين فلأنها الأصل في الطلب لأنه يرى ما يعجبه فيطلبه ليحوزه إليه وخص البطن في أكثر الروايات لأن أكثر ما يطلب المال لتحصيل المستلذات وأكثرها تكرار إلى والشرب. (ويتوب الله على من تاب). قال في شرح المشكاة: يمكن أن يقال معناه أن بني آدم مجبولون على حب المال والسعي في طلبه وأن لا يشبع منه إلا من عصمه الله تعالى ووفقه لإزالة هذه الجبلة عن نفسه وقليل ما هم فوضع ويتوب الله على من تاب موضعه إشعارًا بأن هذه الجبلة المذكورة فيه مذمومة جارية مجرى الذنب، وأن إزالتها ممكنة، ولكن بتوفيق الله تعالى وتسديده ونحوه قوله تعالى {ومن يوق شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون} [الحشر: 19؛ والتغابن: 16] أضاف الشح إلى النفس دلالة على أنه غريزة فيها وبين إزالته بقوله (يوق) ورتب عليه قوله: ({فأولئك هم المفلحون}). وهاهنا نكتة دقيقة فإن في ذكر بني آدم تلويحًا إلى أنه مخلوق من التراب ومن طبعه القبض واليبس فيمكن إزالته بأن يمطر الله سبحان وتعالى عليه السحاب من غمائم توفيقه فيثمر حينئذ الخلال الزكية والخصال المرضية والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا فمن لا يتداركه التوفيق وتركه وحرصه لم يزدد إلا حرصًا وتهالكًا على جمع المال قال: وموقع قوله: ويتوب الله على من تاب موقع الرجوع يعني أن ذلك لعسير صعب، ولكن يسير على من يسره الله عليه فحقيق أن لا يكون هذا من كلام البشر بل هو من كلام خالق القوى والقدر اهـ. وفي الحديث ذم الحرص والشره، ولذا آثر أكثر السلف التقلل من الدنيا والقناعة والرضا باليسير قال البخاري بالسند السابق إليه: 6440 - وَقَالَ لَنَا أَبُو الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أُبَىٍّ قَالَ: كُنَّا نَرَى هَذَا مِنَ الْقُرْآنِ حَتَّى نَزَلَتْ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر: 1]. (وقال لنا أبو الوليد): هشام بن عبد الملك الطيالسي وهذا ظاهره الوصل وليس للتعليق وإن قيل إنه للإجازة أو للمناولة أو للمذاكرة لأن ذلك في حكم الموصول نعم الذي يظهر بالاستقراء من صنيع المؤلف أنه لا يأتي بهذه الصيغة إلا إذا كان المتن ليس على شرطه في أصل موضوع كتابه كأن يكون ظاهره الوقف أو في السند من ليس على شرطه في الاحتجاج قاله في الفتح (حدّثنا حماد بن سلمة) بفتحتين (عن ثابت) البناني (عن أنس عن أبي) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد

11 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «هذا المال خضرة حلوة»

التحتية ابن كعب الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا نرى) بفتح النون أي نعتقد ولأبي ذر نرى بضمها أي نظن (هذا) الحديث لو كان لابن آدم واديان من مال لتمنى واديًا ثالثًا كما عند الإِسماعيلي (من القرآن حتى نزلت {ألهاكم التكاثر} [التكاثر: 1] السورة التي هي بمعنى الحديث فيما تضمنه من ذم الحرص على الاستكثار من جمع المال والتقريع بالموت الذي يقطع ذلك ولا بد لكل أحد منه، فلما نزلت هذه السورة وتضمنت معنى ذلك مع الزيادة عليه علموا أن الحديث من كلامه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنه ليس قرآنًا وقيل إنه كان قرانًا فلما نزلت ({ألهاكم التكاثر}) نسخت تلاوته دون حكمه ومعناه. 11 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَذَا الْمَالُ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ» وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [آل عمران: 14] قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ إِلاَّ أَنْ نَفْرَحَ بِمَا زَيَّنْتَهُ لَنَا، اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ أَنْ أُنْفِقَهُ فِى حَقِّهِ. (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذَا الْمَالُ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ) التاء للمبالغة أو باعتبار أنواع المال أو صف لمحذوف كالبقلة. (وقال الله) ولأبي ذر وقوله (تعالى: {زين للناس حب الشهوات}) المزين هو الله تعالى عند الجمهور للابتلاء لقوله تعالى: {إنّا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً} [الكهف: 7] وعن الحسن الشيطان، وقد يجمع بين القولين بأن نسبة ذلك إلى الله تعالى لأنه هو الفاعل حقيقة فهو الذي أوجد الدنيا وما فيها وجعل القلوب مائلة إليها، وإلى ذلك أشار بالتزيين ليدخل فيه حديث النفس ووسوسة الشيطان فنسبة ذلك إليه تعالى باعتبار الخلق والتقدير إلى الشيطان باعتبار ما أقدره الله تعالى عليه من التسلط على الآدمي بالوسوسة الناشئ عنها حديث النفس وقرأ مجاهد زين للناس مبنيًّا للفاعل حب مفعول به، والفاعل ضمير الله تعالى لتقدّم ذكره الشريف في قوله والله يؤيد بنصره من يشاء أو ضمير الشيطان أضمر وإن لم يجر له ذكر لأنه أصل ذلك فذكر هذه الأشياء مؤذن بذكره وأضاف المصدر لمفعوله في حب الشهوات وهي جمع شهوة بسكون العين فحرّكت في الجمع ولا يجوز التسكين إلا في ضرورة كقوله: وحملت زفرات الضحى فأطقتها ... ومالي بزفرات العشيّ يدان بتسكين الفاء والشهوة مصدر يراد به اسم المفعول أي المشتهيات فهو من باب رجل عدل حيث جعلت نفس المصدر مبالغة والشهوة ميل النفس إلى الشيء فجعل الأعيان التي ذكرها شهوات مبالغة في كونها مشتهاة كأنه أراد تخسيسها بتسميتها شهوات إذ الشهوة مسترذلة عند الحكماء مذموم من اتبعها شاهد على نفسه بالبهيمية فكأن المقصود من ذكر هذا اللفظ التنفير عنها ولفظ الناس عام دخله حرف التعريف فيفيد الاستغراق، فظاهر اللفظ يقتضى أن هذا المعنى حاصل لجميع الناس والعقل أيضًا يدل عليه لأن كل ما كان لذيذًا ونافعًا فهو مخبوب ومطلوب لذاته والمنافع قسمان جسماني وروحاني فالجسماني حاصل لكل أحد في أوّل الأمر فلا جرم كان الغالب على الخلق هو الميل الشديد إلى اللذات الجسمانية ({من النساء}) والإماء داخلة فيها ({والبنين}) جمع ابن وقد يقع في غير هذا الموضع على المذكور والإناث وهنا أريد المذكور لأنهم المشتهون في الطباع والمعدون في الدفاع وقدّم النساء لأن الالتذاذ بهن أكثر والاستئناس بهن أتم والفتنة بهن أشد ولله تعالى في إيجاد حب الزوجة والولد في قلب الإنسان حكمة بالغة لولا هذا الحب لما حصل التوالد والتناسل ({والقناطير}) جمع قنطار وهو المال الكثير أو سبعون ألف دينار أو سبعة آلاف دينار أو مائة وعشرون رطلاً أو مائة رطل أو ألف ومائتا أوقية ({المقنطرة}) مفعللة من القنطار وهو للتأكيد كقولهم ألوف مؤلفة ودراهم مدرهمة وقال قتادة: الكثير بعضها فوق بعض وقال: وقيل المدفونة ({من الذهب والفضة}) وإنما كانا محبوبين لأنهما ثمن الأشياء فمالكهما كالمالك لجميع الأشياء ({والخيل المسوّمة}) المعلمة أو المرعية من أسام الدابة وسوّمها ({والأنعام}) جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم ({والحرث}) مصدر واقع المفعول به فلذلك وحد ولم يجمع

كما جمعت أخواته ({ذلك}) المذكور ({متاع الحياة الدنيا}) [آل عمران: 14] يتمتع به في الدنيا وقد تضمنت هذه الآية الكريمة أنواعًا من الفصاحة والبلاغة منها الإتيان بها مجملة ومنها جعله لها نفس الشهوات مبالغة في التنفير عنها كما مر ومنها البداءة بالأهم فذكر أوّلاً النساء لأنهن أكثر امتزاجًا ومخالطة بالإنسان وهن حبائل الشيطان وقيل فيهن فتنتان وفي البنين فتنة واحدة لأنهن يقطعن الأرحام والصلات بين الأهل غالبًا وهن سبب في جمع المال من حرام وحلال غالبًا والأولاد يجمع لأجلهم المال فلذلك ثنى بهم، ولأنهم فروع منهن وثمرات نشأت عنهن، وفي كلامهم المرء مفتون بولده وقدمت على الأموال لأنها أحب إلى المرء من ماله، وأما تقديم المال على الولد في بعض المواضع فإنما ذلك في سياق امتنان وإنعام أو نصرة ومعاونة لأن الرجال تستمال بالأموال، ثم ذكر تمام اللذة وهو المركوب البهيّ من بين سائر الحيوانات ثم أتى بما يحصل به جمال {حين يريحون وحين يسرحون} [النحل: 6] كما تشهد به الآية الأخرى ثم ذكر ما به قوامهم وحياة بنيتهم وهو الزرع والثمار ومنها الإتيان بلفظ يشعر بشدة حب هذه الأشياء بقوله زين والزينة محبوبة في الطباع ومنها التجنيس في القناطير المقنطرة، ومنها الجمع بين ما يشبه المطابقة في قوله الذهب والفضة لأنهما صارا متقابلين في غالب العرف وغير ذلك وسقط لأبي ذر قوله والقناطير الخ. (قال) ولأبي ذر وقال (عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- في الآية المذكورة (اللهم إنّا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته) بإثبات الضمير ولأبي ذر بما زينت (لنا) في آية زين للناس حب الشهوات ثم لما رأى أن فتنة المال مسلطة على من فتحه الله عليه لتزيين الله تعالى له دعا الله تعالى بقوله (اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه) لأن من أخذ المال من حقه ووضعه في حقه فقد سلم من فتته. وهذا الأثر وصله الدارقطني في غرائب مالك من طريق إسماعيل بن أبي أويس عم مالك عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري أن عمر بن الخطاب أتي بمال من الشرق يقال له نفل كسرى فأمر به فصب وغطي، ثم دعا الناس فاجتمعوا ثم أمر به فكشف عنه فإذا حلي وجوهر ومتاع فبكى عمر -رضي الله عنه- وحمد الله عز وجل فقالوا له، ما يبكيك يا أمير المؤمنين هذه غنائم غنمها الله لنا ونزعها من أهلها؟ فقال: ما فتح الله من هذا على قوم إلا سفكوا دماءهم واستحلوا حرمهم. قال: فحدثني زيد بن أسلم أنه بقي من ذلك المال مناطق وخواتم فرفع فقال له عبد الله بن أرقم حتى متى تحبسه لا تقسمه قال: بلى إذا رأيتني فارغًا فآذني به فلما رآه فارغًا بسط شيئًا في حش نخلة ثم جاءه به في مكتل فصبه فكأنه استكثره ثم قال: اللهم أنت قلت {زين للناس حب الشهوات} فتلا الآية حتى فرغ منها ثم قال: لا نستطيع إلا أن نحب ما زينت لنا فقني شره وارزقني أن أنفقه في حقه فما قام حتى ما بقي منه شيء. 6441 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِىَّ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْطَانِى ثُمَّ سَأَلْتُهُ، فَأَعْطَانِى ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِى، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا الْمَالُ» وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ لِى: «يَا حَكِيمُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِى يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم (يقول: أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (وسعيد بن المسيب) كلاهما (عن حكيم بن حزام) بكسر الحاء المهملة وفتح الزاي الأسدي أنه (قال: سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني) بتكرير لفظ الإعطاء ثلاثًا (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن هذا المال) قال ابن المديني (وربما قال سفيان) بن عيينة (قال) حكيم قال: (لي) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يا حكيم) بالرفع من غير تنوين منادى مفرد. قال في الفتح: وظاهر السياق أن حكيمًا قال لسفيان: وليس كذلك لأنه لم يدركه فإن بين وفاة حكيم ومولد سفيان نحو الخمسين سنة، وإنما المراد أن سفيان رواه مرة بلفظ ثم قال: أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن هذا المال ومرة بلفظ ثم قال لي: يا حكيم (إن هذا المال) في الرغبة والميل إليه كالفاكهة (خضرة) في المنظر (حلوة) في الذوق (فمن أخذه بطيب نفس) من غير حرص عليه

12 - باب ما قدم من ماله فهو له

أو بسخاوة نفس المعطي (بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس) بالشين المعجمة بأن تعرض له بنحو بسط اليد (لم يبارك له فيه وكان كالذي) به الجوع الكاذب (يأكل ولا يشبع) كلما ازداد أكلاً ازداد جوعًا (واليد العليا) بضم العين مقصورًا المنفقة أو المتعففة (خير من اليد السفلى) الآخذة. والحديث سبق في الوصايا والخمس. 12 - باب مَا قَدَّمَ مِنْ مَالِهِ فَهْوَ لَهُ (باب ما قدم) الإنسان المكلف في حال صحته وحرصه (من ماله) في وجوه الخيرات وأنواع القربات (فهو) خير (له) عند الله من تركه بعد موته. 6442 - حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِىُّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ قَالَ: «فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر بالجمع (عمر بن حفص) قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدثني) بالإفراد (إبراهيم) بن يزيد بن شريك (التيمي) تيم الرباب يكنى أبا أسماء الكوفي العابد الثقة إلا أنه يرسل ويدلس (عن الحارث بن سويد) التيمي الكوفي أنه قال: (قال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه-: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله). قال في الفتح: يعني أن الذي يخلفه الإنسان من المال وإن كان هو في الحال منسوبًا إليه فإنه باعتبار انتقاله إلى وارثه يكون منسوبًا للوارث فنسبته للمالك في حياته حقيقة ونسبته للوارث في حياة المورث مجازية ومن بعد موته حقيقة (قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه) من مال وارثه (قال) عليه الصلاة والسلام: (فإن ماله) الذي يضاف إليه في الحياة (ما قدم) بأن أنفقه في وجوه الخيرات (ومال) بالرفع في اليونينية وغيرها (وارثه ما أخر) بعد موته ولم ينفقه في وجوهه وفيه الحث على تقديم ما يمكن تقديمه من المال في وجوه الميرات وأنواع القربات لينتفع به في الآخرة. 13 - باب الْمُكْثِرُونَ هُمُ الْمُقِلُّونَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15 - 16]. هذا (باب) بالتنوين (المكثرون) من المال (هم المقلون) في الثواب، ولأبي ذر عن الكشميهني: هم الأقلون. (وقوله تعالى {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون}) نوصل إليهم أجور أعمالهم وافية كاملة من غير بخس في الدنيا وهو ما يرزقون فيها من الصحة والرزق وهم الكفار أو المنافقون ({أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها}) وحبط في الآخرة ما صنعوا أو صنيعهم أي لم يكن لهم ثواب لأنهم لم يريدوا به الآخرة وإنما أرادوا به الدنيا وقد وفى لهم ما أرادوا ({وباطل ما كانوا يعملون}) [هود: 15 - 16] أي كان عملهم في نفسه باطلاً لأنه لم يعمل لغرض صحيح والعمل الباطل لا ثواب له وسقط لأبي ذر قوله نوف إليهم الخ وقال: قبلها الآيتين. 6443 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِى ذَرٍّ - رضى الله عنه - قَالَ: خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِى فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْشِى وَحْدَهُ، وَلَيْسَ مَعَهُ إِنْسَانٌ قَالَ: فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَمْشِىَ مَعَهُ أَحَدٌ قَالَ: فَجَعَلْتُ أَمْشِى فِى ظِلِّ الْقَمَرِ فَالْتَفَتَ فَرَآنِى فَقَالَ: «مَنْ هَذَا»؟ قُلْتُ: أَبُو ذَرٍّ، جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ تَعَالَهْ» قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً فَقَالَ: «إِنَّ الْمُكْثِرِينَ هُمُ الْمُقِلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلاَّ مَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، فَنَفَحَ فِيهِ يَمِينَهُ وَشِمَالَهُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ وَوَرَاءَهُ وَعَمِلَ فِيهِ خَيْرًا» قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً فَقَالَ لِى: «اجْلِسْ هَا هُنَا» قَالَ: فَأَجْلَسَنِى فِى قَاعٍ حَوْلَهُ حِجَارَةٌ فَقَالَ لِى: «اجْلِسْ هَا هُنَا حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ» قَالَ: فَانْطَلَقَ فِى الْحَرَّةِ حَتَّى لاَ أَرَاهُ فَلَبِثَ عَنِّى فَأَطَالَ اللُّبْثَ، ثُمَّ إِنِّى سَمِعْتُهُ وَهْوَ مُقْبِلٌ وَهْوَ يَقُولُ: «وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى» قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ لَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَعَلَنِى اللَّهُ فِدَاءَكَ مَنْ تُكَلِّمُ فِى جَانِبِ الْحَرَّةِ؟ مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرْجِعُ إِلَيْكَ شَيْئًا قَالَ: «ذَلِكَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - عَرَضَ لِى فِى جَانِبِ الْحَرَّةِ، قَالَ: بَشِّرْ أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ. وَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ». قَالَ النَّضْرُ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، وَحَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِى ثَابِتٍ، وَالأَعْمَشُ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ بِهَذَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: حَدِيثُ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ مُرْسَلٌ لاَ يَصِحُّ إِنَّمَا أَرَدْنَا لِلْمَعْرِفَةِ وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ أَبِى ذَرٍّ قِيلَ لأَبِى عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثُ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ: مُرْسَلٌ أَيْضًا لاَ يَصِحُّ، وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ أَبِى ذَرٍّ وَقَالَ: اضْرِبُوا عَلَى حَدِيثِ أَبِى الدَّرْدَاءِ هَذَا إِذَا مَاتَ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي وسقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن عبد العزيز بن رفيع) بضم الراء وفتح الفاء بعدها تحتية ساكنة فعين مهملة الأسدي المكي ثم الكوفي من صغار التابعين (عن زيد بن وهب) أبي سليمان الهمداني (عن أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمشي وحده وليس) سقط لأبي ذر الواو من وليس (معه إنسان) هو توكيد لقوله وحده (قال: فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد قال) أبو ذر: (فجعلت أمشي في ظل القمر) أي في المكان الذي ليس للقمر فيه ضوء ليختفي شخصه وإنما مشى خلفه لاحتمال أن يطرأ له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاجة فيكون قريبًا منه (فالتفت) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فرآني فقال): (من هذا)؟ كأنه رأى شخصه ولم يتميز له (قلت) ولأبي ذر فقلت: أنا (أبو ذر جعلني الله فداءك) بكسر الفاء ممدودًا (قال: يا أبا ذر تعاله) بهاء السكت ولأبي ذر عن الحموي والمستملي تعال بإسقاطها (قال: فمشيت معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ساعة فقال: إن المكثرين) من المال (هم المقلّون) من الأجر (يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرًا) مالاً (فنفح) بالفاء المخففة بعدها حاء مهملة (فيه) أي أعطى (يمينه وشماله وبين يديه ووراءه وعمل فيه) في المال (خيرًا قال): أبو ذر (فمشيت معه) -صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ساعة فقال لي: اجلس هاهنا قال) أبو ذر: (فأجلسني) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في قاع) أرض سهلة مطمئنة انفرجت عنها الجبال (حوله حجارة فقال لي: اجلس هاهنا حتى أرجع إليك قال) أبو ذر: (فانطلق) عليه الصلاة والسلام (في الحرّة) بالحاء المهملة المفتوحة والراء المشددة أرض ذات حجارة سود (حتى لا أراه) بفتح الهمزة (فلبث) بكسر الموحدة (عني فأطال الليث) بفتح اللام وضمها (ثم إني سمعته) عليه الصلاة والسلام (وهو مقبل) بكسر الموحدة والواو للحال كهي في قوله: (وهو يقول: وإن سرق وإن زنى قال) أبو ذر: (فلما جاء) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لم أصبر حتى قلت يا نبي الله جعلني الله فداءك) بالهمز (من تكلم)؟ بضم الفوقية وكسر اللام أنت أو بفتحهما وكذا الميم، أي من تكلم معك (في جانب الحرة ما سمعت أحدًا يرجع) ولأبي ذر عن الكشميهني يردّ (إليك شيئًا؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ذلك) باللام ولأبي ذر ذاك بإسقاطها أي الذي سمعته (جبريل عليه السلام عرض) أي ظهر (لي: في جانب الحرّة قال) لي (بشّر أمتك أنه من مات) منهم (لا يشرك بالله) عز وجل (شيئًا دخل الجنة) جواب الشرط (قلت): ولأبي ذر فقلت: (يا جبريل وإن سرق وإن زنى)؟ دخل الجنة (قال) جبريل (نعم) أي كان مصيره إلى الجنة وإن ناله عقوبة (قال) عليه الصلاة والسلام: (قلت) يا جبريل وسقط لأبي ذر قال قلت (وإن سرق وإن زنى؟ قال) جبريل (نعم قلت) يا جبريل (وإن سرق أو زنى؟ قال: نعم) كذا لأبي ذر بتكرير وإن سرق وإن زنى مرتين وللمستملي ثلاثًا، وزاد بعد الثالثة وإن شرب الخمر. والحديث سبق بزيادة ونقصان في الاستقراض والاستئذان، وأخرجه مسلم في الزكاة والترمذي في الإيمان والنسائي في اليوم والليلة. (قال النضر) بن شميل (أخبرنا شعبة) بن الحجاج قال: (وحدّثنا) وسقطت لأبي ذر الواو (حبيب بن أبي ثابت والأعمش) سليمان (وعبد العزيز بن رفيع) قالوا: (حدّثنا زيد بن وهب بهذا) الحديث فصرح الثلاثة بالتحديث عن زيد بن وهب فأمن تدليس الأولين على أنه لو روي من رواية شعبة بغير تصريح لأمن فيه من التدليس لأنه كان لا يحدث عن شيوخه إلا بما لا تدليس فيه، ولأبي ذر عن زيد بن وهب وقوله بهذا أي الحديث المذكور، واعترضه الإسماعيلي بأنه ليس في حديث شعبة قصة المكثرين والمقلين، وإنما فيه قصة من مات لا يشرك بالله شيئًا. وأجيب: بأنه واضح على طريقة أهل الحديث لأن مراده أصل الحديث فإن الحديث المذكور في الأصل مشتمل على ثلاثة أشياء ما يسرني أن لي أُحدًا ذهبًا، وحديث المكثرين والمقلين، ومن مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، فيجوز إطلاق الحديث على كل واحد من الثلاثة إذا أفرد، فقول البخاري بهذا أي بأصل الحديث لا خصوص اللفظ المسوق وتعقبه العيني بأن الإطلاق في موضع التقييد غير جائز، وقوله بهذا أي بأصل الحديث غير سديد لأن الإِشارة بلفظ هذا تكون للحاضر والحاضر هو اللفظ السوق. (قال أبو عبد الله) البخاري -رحمه الله تعالى-: (حديث أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي الدرداء) عويمر بن مالك (مرسل لا يصح إنما أردنا) ذكره (للمعرفة) بحاله (والصحيح حديث أبي ذر) قال صاحب التلويح: فيه نظر فإن النسائي أخرجه بسند صحيح على شرط مسلم (قيل لأبي عبد الله) البخاري (حديث عطاء بن يسار) أي المروي عند النسائي من رواية محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار (عن أبي الدرداء) بلفظ أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يقص على المنبر يقول: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمن: 46] فقلت: إن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال: "وإن زنى وإن سرق" فأعدت فأعاد فقال في الثالثة قال: نعم وإن رغم أنف أبي الدرداء. (قال) أبو عبد الله البخاري هو (مرسل أيضًا لا يصح والصحيح حديث أبي ذر) لأنه من المسانيد (وقال): أي البخاري (اضربوا على حديث أبي الدرداء) لأنه من المراسيل. قال الحافظ ابن حجر: قد

14 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما أحب أن لى مثل أحد ذهبا»

وقع التصريح بسماع عطاء بن يسار له من أبي الدرداء في رواية ابن أبي حاتم في تفسيره والطبراني في معجمه والبيهقي في شعبه، قال البيهقي: حديث أبي الدرداء هذا غير حديث أبي ذر وإن كان فيه بعض معناه (هذا) الحديث المروي عن أبي الدرداء (إذا مات قال: لا إله إلا الله عند الموت) مات الميت من باب المجاز باعتبار ما يؤول فإن الميت لا يموت بل الحي هو الذي يموت، وقد سقط قوله قال أبو عبد الله حديث أبي صالح إلى آخر قوله: إذا مات قال: لا إله إلا الله عند الموت لأبي ذر كأكثر الأصول، وذكره الحافظ ابن حجر عقب الحديث الأول من الباب اللاحق قال: وثبت ذلك في نسخة الصغاني. 14 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا أُحِبُّ أَنَّ لِى مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما أحب أن لي مثل أُحد) ولأبي ذر: أن لي أُحدًا (ذهبًا) وفي فتح الباري باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما يسرني أن عندي مثل أُحد هذا ذهبًا وقال: لم أر لفظ هذا في رواية الأكثر لكنه ثابت في لفظ الخبر الأول. 6444 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ كُنْتُ أَمْشِى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى حَرَّةِ الْمَدِينَةِ فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «مَا يَسُرُّنِى أَنَّ عِنْدِى مِثْلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَبًا تَمْضِى عَلَىَّ ثَالِثَةٌ وَعِنْدِى مِنْهُ دِينَارٌ إِلاَّ شَيْئًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ إِلاَّ أَنْ أَقُولَ بِهِ فِى عِبَادِ اللَّهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ» ثُمَّ مَشَى فَقَالَ: «إِنَّ الأَكْثَرِينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلاَّ مَنْ قَالَ: هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَاعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَقَلِيلٌ مَا هُمْ» ثُمَّ قَالَ لِى: «مَكَانَكَ لاَ تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ»، ثُمَّ انْطَلَقَ فِى سَوَادِ اللَّيْلِ حَتَّى تَوَارَى، فَسَمِعْتُ صَوْتًا قَدِ ارْتَفَعَ فَتَخَوَّفْتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَضَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ، فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لِى: «لاَ تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ» فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى أَتَانِى قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتًا تَخَوَّفْتُ فَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: «وَهَلْ سَمِعْتَهُ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَانِى فَقَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ». وبه قال: (حدّثنا الحسن بن ربيع) البوراني بضم الموحدة وسكون الواو وفتح الراء بعد الألف نون البجلي أبو علي الكوفي قال: (حدّثنا أبو الأحوص) سلام بتشديد اللام ابن سليم (عن الأعمش) سليمان (عن زيد بن وهب) الجهني أنه (قال: قال أبو ذر) أبو جندب بن جنادة الغفاري -رضي الله عنه- (كنت أمشي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حرة المدينة فاستقبلنا) بفتح اللام (أُحد) الجبل المعروف (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يا أبا ذر قلت) ولأبي ذر فقلت (لبيك يا رسول الله قال: ما يسرني أن عندي مثل أُحد هذا ذهبًا تمضي عليّ) بالتشديد ليلة (ثالثة وعندي منه دينار) الواو للحال (إلا شيئًا) استثناء من دينار ولأبي ذر شيء بالرفع (أرصده) بفتح الهمزة وضم الصاد أو بضم الهمزة وكسر الصاد أعده أو أحفظه (لدين) بفتح الدال المهملة صاحبه غير حاضر فيأخذه إذا حضر أو لوفاء دين مؤجل حلّ وفيته وللحموي والمستملي لديني (إلا أن أقول به) استثناء بعد استثناء فيفيد الإثبات فيؤخذ منه أن نفي محبة المال مقيدة بعدم الإنفاق فيلزم محبة وجوده مع الإنفاق فما دام الإنفاق مستمرًا لا يكره وجود المال وإذا انتفى الإنفاق ثبتت كراهية وجود المال ولا يلزم كراهية حصول شيء آخر ولو كان قدر أحد أو أكثر مع استمرار الإنفاق قاله في الفتح وقوله أقول به أي أصرفه وأنفقه (في عباد الله) عز وجل (هكذا وهكذا وهكذا) بالتكرار ثلاثًا صفة لمصدر محذوف أي أشار إشارة مثل هذه الإشارة (عن يمينه وعن شماله ومن خلفه) اقتصر على هذه الثلاثة، وحمل على المبالغة لأن العطية لمن بين يديه هي الأصل وفي الجزء الثالث من البشرانيات من رواية أحمد بن ملاعب عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا وهكذا وأرانا بيده فكرر لفظ هكذا أربعًا فعمّ الجهات الأربع (ثم مشى فقال) ولأبي ذر ثم قال (إن الأكثرين) مالاً (هم الأقلون) ثوابًا (يوم القيامة إلاّ من قال) صرف المال في مصرفه (هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه) وقيل المراد بالأخير الوصية وقيل ليس قيدًا فيه بل قد يقصد الصحيح الإخفاء فيدفع لمن وراءه مالاً يعطي به من هو أمامه (وقليل ما هم) ما زائدة مؤكدة للقلة أو موصوفة ولفظ قليل هو الخبر وهم مبتدأ أو قدم الخبر للمبالغة في الاختصاص (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لي) الزم (مكانك لا تبرح) تأكيد (حتى آتيك) غاية للزوم المكان المذكور (ثم انطلق في سواد الليل حتى توارى) غاب شخصه الشريف عني (فسمعت صوتًا قد ارتفع فتخوفت أن يكون قد عرض) ولأبي ذر أن يكون أحد عرض (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بسوء (فأردت أن آتيه فذكرت قوله لي لا تبرح حتى آتيك فلم أبرح) من مكاني (حتى أتاني قلت: يا رسول الله لقد سمعت صوتًا تخوفت) عليك (فذكرت له) ذلك (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وهل سمعته؟ قلت: نعم) يا رسول الله (قال: ذاك) الذي سمعته يخاطبني هو (جبريل أتاني

15 - باب الغنى غنى النفس

فقال) لي (من مات من أمتك لا يشرك بالله) عز وجل (شيئًا دخل الجنة) هو جواب الشرط (قلت) يا جبريل (وإن رنى وإن سرق) يدخل الجنة (قال: إن زنى وإن سرق) يدخلها أي إذا تاب عند الموت كما حمله المؤلّف فيما مضى في اللباس، وحمله غيره على أن المراد بدخول الجنة أعمّ من أن يكون ابتداء أو بعد المجازاة على المعصية للجمع بين الأدلة، وفيه ردّ على من زعم من الخوارج والمعتزلة أن صاحب الكبيرة إذا مات من غير توبة يخلّد في النار ولم يتكرر هنا قوله: وإن زنى وإن سرق كما تكرر في الرواية السابقة في الباب قبل هذا، واقتصر على هاتين الكبيرتين لأنهما كالمثالين فيما يتعلق بحق الله وحق العباد وأشار في الرواية السابقة في الباب الذي قبل هذا بقوله: وإن شرب الخمر إلى فحشه لأنه يؤدي إلى خلل في العقل الذي شرف به الإنسان على البهائم. 6445 - حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ يُونُسَ، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ كَانَ لِى مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا لَسَرَّنِى أَنْ لاَ تَمُرَّ عَلَىَّ ثَلاَثُ لَيَالٍ وَعِنْدِى مِنْهُ شَىْءٌ إِلاَّ شَيْئًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدثني (أحمد بن شبيب) بفتح الشين المعجمة وكسر الموحدة بعدها تحتية ساكنة فموحدة ثانية الحبطي بفتح الحاء المهملة والموحدة وكسر الطاء المهملة نسبة إلى الحبطات من تميم البصري الثقة الصدوق قال: (حدّثنا أبي) شبيب بن سعيد (عن يونس) بن يزيد الأيلي (وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الذهلي في الزهريات (حدثني) بالإفراد (يونس) المذكور ومراد المؤلّف بسياق هذا التعليق أن يقوي رواية أحمد بن شبيب فقد ضعفه ابن عبد البر تبعًا لأبي الفتح الأزدي، لكن الأزدي غير مرضي فلا يتبع في ذلك شبيب وثقه ابن المديني (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود أنه قال (قال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو كان لي مثل أُحد) الجبل (ذهبًا) وجواب لو قوله (لسرني) باللام قبل السين (أن لا تمر عليّ) ولأبي ذر: أن لا تمر بي (ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيئًا) بالنصب، ولأبي ذر إلا شيء بالرفع فالنصب لأن المستثنى منه مطلق عام والمستثنى مقيد خاص والرفع لأن المستثنى منه في سياق النفي ووقع تفسير الشيء في رواية بالدينار (أرصده) بفتح الهمزة وضم الصاد المهملة أو بضم ثم كسر أي أعدّه (لدين) بفتح الدال وفيه الحث على الإنفاق في وجوه الخيرات، وأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في أعلى درجات الزهد في الدنيا بحيث إنه لا يحب أن يبقى في يده شيء من الدنيا إلا لإنفاقه فيمن يستحقه وإما لإرصاده لمن له حق، وإما لتعذر من يقبل ذلك منه لتقييده في رواية همام عن أبي هريرة الآتية إن شاء الله تعالى في كتاب التمني بقوله: أجد من يقبله. والحديث مضى في الاستقراض. 15 - باب الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {أَيَحْسِبُونَ أَنَّ مَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ} [المؤمنون: 55] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} [المؤمنون: 63] قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ يَعْمَلُوهَا لاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْمَلُوهَا. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (الغنى غنى النفس) بكسر الغين المعجمة مقصورًا سواء كان المتصف به قليل المال أو كثيره. (وقول الله تعالى) ولأبي ذر وقال الله تعالى ({أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين}) [المومنون: 55] ما بمعنى الذي وخبر أن نسارع لهم في الخيرات والعائد من خبر أن إلى اسمها محذوف تقديره نسارع لهم به، والمعنى أن هذا الإمداد ليس إلا استدراجًا لهم في المعاصي وهم يحسبونه مسارعة لهم في الخيرات ومعالجة بالثواب جزاء على حسن صنيعهم، وهذه الآية حجة على المعتزلة في مسألة الأصلح لأنهم يقولون: إن الله تعالى لا يفعل بأحد من الخلق إلا ما هو أصلح له في الدين وقد أخبر أن ذلك ليس بخير لهم في الدين ولا أصلح، وقوله: بل لا يشعرون استدراك لقوله: أيحسبون أي بل هم أشباه البهائم لا شعور لهم حتى يتأملوا في ذلك أنه استدراج (إلى قوله تعالى: {من دون ذلك هم لها عاملون}) [المؤمنون: 63] وهذا رأس الآية التاسعة من ابتداء الآية المبتدأ بها هنا، والآيات التي بين الأولى والثانية وبين الأخيرة والتي قبلها معترضة في وصف المؤمنين، وقوله: {مشفقون} [المؤمنون: 57] أي خائفون وقوله: {والذين هم بآيات ربهم} [المؤمنون: 58] أي بكتبه كلها يؤمنون ولا يفرقون، وقوله: {والذين يؤتون ما آتوا} [المؤمنون: 60] أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقات وقلوبهم وجلة خائفة أن لا يقبل منهم لتقصيرهم وخبر إن الذين أولئك يسارعون في الخيرات أي

16 - باب فضل الفقر

يرغبون في الطاعات فيبادرونها والكتاب اللوح المحفوظ أو صحيفة الأعمال وقوله: ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون أي ما يستقبلون من الأعمال كما (قال ابن عيينة) سفيان في تفسيره: (لم يعملوها لا بدّ من أن يعملوها) قبل موتهم لا محالة لتحق عليهم كلمة العذاب، وفي حديث ابن مسعود: فوالذي لا إله غيره إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. 6446 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي قال: (حدّثنا أبو بكر) هو ابن عياش بالتحتية المشددة آخره شين معجمة راوي قراءة عاصم أحد القراء السبعة قال: (حدّثنا أبو حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ليس الغنى عن) سبب (كثرة العرض) بفتح العين والراء وبالضاد المعجمة ما ينتفع به من متع الدنيا سوى النقدين. وقال أبو عبيد: الأمتعة وهي ما سوى الحيوان والعقار وما لا يدخله كيل ولا وزن، وقال في المشارق مما نقله عنه في التنقيح: قال ابن فارس في المقاييس: وذكر هذا الحديث إنما سمعناه بسكون الراء وهو كل ما كان من المال غير نقد وجمعه عروض وأما العرض بفتح الراء فما يصيبه الإنسان من حظه في الدنيا. قال الله تعالى: {تريدون عرض الدنيا} [الأنفال: 67] {وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه} [الأعراف: 169] اهـ. أي: ليس الغنى الحقيقي المعتبر كثرة المال لأن كثيرًا ممن وسع عليه في المال لا يقنع بما أوتي فهو يجتهد في الازدياد ولا يبالي من أين يأتيه فكأنه فقير من شدة حرصه. (ولكن) بتشديد النون ولأبي ذر بتخفيفها (الغنى) الحقيقي المعتبر الممدوح (غنى النفس) بما أوتيت وقنعها به ورضاها وعدم حرصها على الازدياد والإلحاح في الطلب لأنها إذا استغنت كفت عن المطامع فعزت وعظمت وحصل لها من الحظوة والنزاهة والشرف والمدح أكثر من الغنى الذي يناله من يكون فقير النفس بحرصه فإنه يورطه في رذائل الأمور وخسائس الأفعال لدناءة همته وبخله ويكثر ذامه من الناس ويصغر قدره عندهم فيكون أحقر من كل حقير، وأذل من كل ذليل، وهو مع ذلك كأنه فقير من المال لكونه لم يستغن بما أعطي فكأنه ليس بغني ولو لم يكن في ذلك إلا عدم رضاه بما قضاه الله لكفاه. فإن قلت: ما وجه مناسبة الآيات للحديث؟ قال في الفتح: لأن خيرية المال ليست بذاته بل بحسب ما يتعلق به وإن كان يسمى خيرًا في الجملة وكذلك صاحب المال الكثير ليس غنيًّا لذاته بل بحسب تصرفه فيه، فإن كان في نفسه غنيًّا لم يتوقف في صرفه في الواجبات والمستحبات من وجوه البر والقربات وإن كان في نفسه فقيرًا أمسكه وامتنع من بذله فيما أمر به خشية من نفاده فهو في الحقيقة فقير صورة، ومعنى وإن كان المال تحت يده لكونه لا ينتفع به لا في الدنيا ولا في الآخرة بل ربما كان وبالاً عليه. والحديث أخرجه الترمذي في الزهد. 16 - باب فَضْلِ الْفَقْرِ (باب فضل الفقر) سقط لفظ باب لأبي ذر ففضل مرفوع على ما لا يخفى. 6447 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: «مَا رَأْيُكَ فِى هَذَا»؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ: هَذَا، وَاللَّهِ حَرِىٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا رَأْيُكَ فِى هَذَا»؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِىٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ: أَنْ لاَ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين (الساعدي) -رضي الله عنه- (أنه قال: مرّ رجل) لم يسم (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) عليه الصلاة والسلام (لرجل عنده جالس) هو أبو ذر الغفاري كما رواه ابن حبان في صحيحه من طريقه وفي باب الاكفاء في الدين من كتاب النكاح: ما تقولون في هذا؟ وهو خطاب لجماعة فيجمع بأن الخطاب وقع لجماعة منهم أبو ذر ووجه إليه: (ما رأيك في هذا) الرجل المارّ (فقال) المسؤول هذا (رجل من أشراف الناس هذا والله حري) بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وتشديد التحتية جدير أو حقيق وَزْنًا ومعنى (إن خطب) امرأة (أن ينكح) بضم أوله وفتح الكاف أي تجاب خطبته (وإن شفع) في أحد (أن يشفع) بضم أوله

وتشديد الفاء المفتوحة تقبل شفاعته (قال) سهل: (فسكت رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وزاد إبراهيم بن حمزة في روايته في النكاح وإن قال أن يسمع (ثمّ مرّ رجل) قيل هو جعيل بن سراقة كما في مسند الفريابي ولأبي ذر عن الكشميهني رجل آخر (فقال له) أي للرجل المسؤول أولاً (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما رأيك في هذا)؟ الرجل المارّ (فقال: يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلم بن هذا حري) جدير (إن خطب) امرأة (أن لا ينكح وإن شفع) في أحد (أن لا يشفع) فيه (وإن قال أن لا يسمع لقوله) لفقره (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هذا) الرجل الفقير (خير من ملء الأرض من مثل هذا) الرجل الغني. زاد أحمد وابن حبان عند الله يوم القيامة، وقوله ملء بكسر الميم وسكون اللام بعدها همزة ومثل بكسر ثم سكون وثبت من في قوله من مثل هذا في رواية أبي ذر عن الكشميهني. والحديث سبق في النكاح. 6448 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، قَالَ: عُدْنَا خَبَّابًا فَقَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْخُذْ مِنْ أَجْرِهِ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ نَمِرَةً، فَإِذَا غَطَّيْنَا رَأْسَهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ بَدَا رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نُغَطِّىَ رَأْسَهُ وَنَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدُبُهَا. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير ونسب إلى أحد أجداده حميد قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (قال: سمعت أبا وائل) شقيق بن سلمة (قال: عدنا خبابًا) بفتح المعجمة والموحدة المشددة وبعد الألف موحدة أخرى ابن الأرتّ من مرض (فقال: هاجرنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى المدينة بأمره أو بإذنه، والمراد بالمعية الاشتراك في حكم الهجرة إذ لم يكن معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا أبو بكر وعامر بن فهيرة (نريد وجه الله) أي ما عنده تعالى من الثواب لا الدنيا (فوقع أجرنا) أي إثابتنا وجزاؤنا (على الله تعالى) فضلاً منه سبحانه (فمنا) من الذين هاجروا (من مضى) مات (لم يأخذ من أجره) من الغنائم لكونه مات قبل الفتوح (شيئًا منهم: مصعب بن عمير قُتل يوم أُحد) شهيدًا قتله عبد الله بن قميئة (وترك نمرة) فلم نجد ما نكفنه به سواها (فإذا غطينا) بها (رأسه بدت) ظهرت (رِجلاه وإذا غطينا) بها (رِجله) بالإفراد والذي في اليونينية رجله بالتثنية (بدا رأسه) لقصرها (فأمرنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نغطي رأسه) بطرفها (ونجعل على رجليه) بالتثنية وزاد أبو ذر شيئًا (من الإِذخر) بكسر الهمزة وسكون الذال وكسر الخاء المعجمتين النبت الحجازي المعروف، ومن أهل الهجرة من عاش إلى أن فتح عليهم الفتوح وهم أقسام منهم من أعرض عنه وواسى به المحاويج أولاً فأولاً وهم قليل، ومنهم أبو ذر، ومنهم من تبسط في بعض المباح فيما يتعلق بكثرة النساء والسراري والخدم والملابس ونحو ذلك ولم يستكثر وهم كثير، ومنهم ابن عمر، ومنهم من زاد فاستكثر بالتجارة وغيرها مع القيام بالحقوق الواجبة والمندوبة وهم كثير أيضًا منهم عبد الرَّحمن بن عوف، إلى هذين القسمين الأخيرين أشار خباب بقوله (ومنا) أي من المهاجرين (من أينعت) بفتح الهمزة وسكون التحتية وفتح النون والعين المهملة انتهت وأدركت (له ثمرته فهو يهدبها) بفتح التحتية وسكون الهاء وكسر الدال المهملة وتضم يقطفها. وفي الحديث فضيلة مصعب بن عمير وأنه لم ينقص له من ثوابه في الآخرة شيء وقد كان مصعب بمكة في ثروة ونعمة فلما هاجر صار في قلّة. وهذا الحديث سبق في الجنائز. 6449 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اطَّلَعْتُ فِى الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِى النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ». تَابَعَهُ أَيُّوبُ وَعَوْفٌ وَقَالَ صَخْرٌ وَحَمَّادُ بْنُ نَجِيحٍ عَنْ أَبِى رَجَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا سلم بن زرير) بفتح السين وسكون اللام وزرير بفتح الزاي وكسر الراء الأولى بعدها تحتية ساكنة فراء ثانية بوزن عظيم العطاردي البصري قال: (حدّثنا أبو رجاء) بفتح الراء والجيم المخففة وبالهمزة عمران بن تميم العطاردي (عن عمران بن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (اطّلعت في الجنة) بتشديد الطاء أي أشرفت ليلة الإسراء (فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطّلعت في النار) أشرفت عليها (فرأيت أكثر أهلها النساء) لما يغلب عليهن من الهوى والميل إلى عاجل زينة الدنيا والإعراض عن الآخرة لنقص عقلهن، والحديث فيه التحريض على ترك التوسع من الدنيا كما أن فيه تحريض النساء على المحافظة على أمر الدين

لئلا يدخلن النار. والحديث قد سبق في باب كفران العشير في أول الكتاب وفي بدء الخلق ويأتي إن شاء الله تعالى في باب صفة الجنة والنار من كتاب الرقاق بعون الله وتوفيقه. (تابعه) أي تابع أبا رجاء (أيوب) السختياني فيما وصله النسائي (وعوف) بالفاء الأعرابي فيما وصله البخاري في النكاح (وقال صخر): هو ابن جويرة فيما وصله النسائي (وحماد بن نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة الإسكاف البصري فيما وصله النسائي أيضًا (عن أبي رجاء) عمران بن تميم (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما-. 6450 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: لَمْ يَأْكُلِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى خِوَانٍ حَتَّى مَاتَ، وَمَا أَكَلَ خُبْزًا مُرَقَّقًا حَتَّى مَاتَ. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة آخره راء هو عبد الله بن محمد بن عمرو بن الحجاج قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا سعيد بن أبي عروبة) بفتح العين المهملة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: لم يأكل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على خوان حتى مات) بكسر الخاء المعجمة هو ما يؤكل عليه الطعام وهو من دأب المترفين وصنع الجبابرة المنعمين لئلا يفتقروا إلى التطأطؤ عند أكل (وما أكل خبزًا مرققًا) ملينًا محسنًا كخبز الحواري (حتى مات) زهدًا في الدنيا وتركًا للتنعيم. والحديث أخرجه الترمذي في الزهد والنسائي في الوليمة وابن ماجة في الأطعمة. 6451 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: لَقَدْ تُوُفِّىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا فِى رَفِّى مِنْ شَىْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إِلاَّ شَطْرُ شَعِيرٍ فِى رَفٍّ لِى فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَىَّ فَكِلْتُهُ فَفَنِىَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي شيبة) هو ابن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: لقد توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما في رفي) بفتح الراء وتشديد الفاء مكسورة خشب يرفع عن الأرض في البيت يوضع فيه ما يراد حفظه قاله عياض، وقال في الصحاح: شبه الطاق في الحائط (من شيء يأكله ذو كبد) شامل لكل حيوان (إلا شطر شعير) بعض شعير أو نصف وسق منه (في رف لي فأكلت منه حتى طال عليّ) بتشديد التحتية (فكلته) بكسر الكاف (ففني). قال الكرماني، فإن قلت: سبق في البيع كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه، وتعقيب لفظ فني بعد كلته هنا مشعر بأن الكيل سبب عدم البركة. وأجاب: بأن البركة عند البيع وعدمها عند النفقة أو المراد أن يكيله بشرط أن يبقي الباقي مجهولاً، وقال غيره: لأن الكيل عند المبايعة مطلوب من أجل تعلق المتبايعين فلهذا القصد يندب وأما الكيل عند الإنفاق فقد يبعث عليه الشح فلذلك كره، وقال القرطبي: سبب رفع النماء والله أعلم الالتفات بعين الحرص مع معاينة إدرار نعم الله ومواهب كراماته وكثرة بركاته والغفلة عن الشكر عليها والثقة بالذي وهبها والميل إلى الأسباب المعتادة عند مشاهدة خرق العادة، وفي الحديث فضل الفقر من المال واختلف في التفضيل بين الغني والفقير وكثر النزاع في ذلك. وقال الداودي: السؤال أيهما أفضل لا يستقيم لاحتمال أن يكون لأحدهما من العمل الصالح ما ليس للآخر فيكون أفضل وإنما يقع السؤال عنهما إذا استويا بحيث يكون لكل منهما من العمل ما يقاوم به عمل الآخر قال: فعلم أيهما أفضل عند الله، وكذا قال ابن تيمية، لكن قال: إذا استويا في التقوى فهما في الفضل سواء. وقال ابن دقيق العيد: إن حديث أهل الدثور يدل على تفضيل الغني على الفقير لما تضمنه من زيادة الثواب بالقرب المالية إلا أن فسر الأفضل بمعنى الأشرف بالنسبة إلى صفات النفس، فالذي يحصل للنفس من التطهير للأخلاق والرياضة لسوء الطباع بسبب الفقر أشرف فيترجح الفقر، ولهذا المعنى ذهب جمهور الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر لأن مدار الطريق على تهذيب النفس ورياضتها وذلك مع الفقر أكثر منه في الغنى. وقال بعضهم: اختلف هل التقلل من المال أفضل ليتفرغ قلبه من الشواغل وينال لذة المناجاة ولا ينهمك في الاكتساب ليستريح من طول الحساب أو التشاغل باكتساب المال أفضل ليستكثر به من التقرب بالبر والصلة والصدقة لما في ذلك من النفع المتعدي. قال: وإذا

17 - باب كيف كان عيش النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وتخليهم من الدنيا

كان الأمر كذلك فالأفضل ما اختاره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجمهور أصحابه من التقلل في الدنيا والبعد عن زهرتها. وقال أحمد بن نصر الداودي: الفقر والغنى محنتان من الله يختبر بهما عباده في الشكر والصبر كما قال تعالى: {إنّا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً} [الكهف: 7]. 17 - باب كَيْفَ كَانَ عَيْشُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ وَتَخَلِّيهِمْ مِنَ الدُّنْيَا (باب) بالتنوين (كيف كان عيش النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) في حياته (وتخليهم من) التبسط في (الدنيا) وشهواتها وملاذها. 6452 - حَدَّثَنِى أَبُو نُعَيْمٍ بِنَحْوٍ مِنْ نِصْفِ هَذَا الْحَدِيثِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ: اللَّهِ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنْ كُنْتُ لأَعْتَمِدُ بِكَبِدِى عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ وَإِنْ كُنْتُ لأَشُدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِى مِنَ الْجُوعِ، وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِى يَخْرُجُونَ مِنْهُ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ إِلاَّ لِيُشْبِعَنِى فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِى عُمَرُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ إِلاَّ لِيُشْبِعَنِى فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِى أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِى وَعَرَفَ مَا فِى نَفْسِى وَمَا فِى وَجْهِى ثُمَّ قَالَ: «أَبَا هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الْحَقْ» وَمَضَى فَتَبِعْتُهُ فَدَخَلَ فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لِى فَدَخَلَ فَوَجَدَ لَبَنًا فِى قَدَحٍ فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ»؟ قَالُوا: أَهْدَاهُ لَكَ فُلاَنٌ أَوْ فُلاَنَةُ قَالَ: «أَبَا هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الْحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِى» قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الإِسْلاَمِ لاَ يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلاَ مَالٍ، وَلاَ عَلَى أَحَدٍ إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا، فَسَاءَنِى ذَلِكَ فَقُلْتُ: وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِى أَهْلِ الصُّفَّةِ كُنْتُ أَحَقُّ أَنَا أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا فَإِذَا جَاءَ أَمَرَنِى فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِى مِنْ هَذَا اللَّبَنِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بُدٌّ، فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ قَالَ: «يَا أَبَا هِرٍّ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «خُذْ فَأَعْطِهِمْ» قَالَ: فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ثُمَّ يَرُدُّ عَلَىَّ الْقَدَحَ فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ثُمَّ يَرُدُّ عَلَىَّ الْقَدَحَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَىَّ الْقَدَحَ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ رَوِىَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ فَنَظَرَ إِلَىَّ فَتَبَسَّمَ فَقَالَ: «أَبَا هِرٍّ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ» قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «اقْعُدْ فَاشْرَبْ» فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ فَقَالَ: «اشْرَبْ» فَشَرِبْتُ فَمَا زَالَ يَقُولُ: «اشْرَبْ» حَتَّى قُلْتُ: لاَ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا قَالَ: فَأَرِنِى فَأَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر بالجمع (أبو نعيم) الفضل بن دكين (بنحو) بالتنوين (من نصف هذا الحديث) قال في التنقيح: هذا الموضع من عقد الكتاب فإنه لم يذكر من حدثه بالنصف الآخر ويمكن أن يقال اعتمد على السند الآخر الذي تقدم له في كتاب الاستئذان اهـ. ويأتي ما في ذلك آخر الكلام على الحديث قال: (حدّثنا عمر بن ذر) بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء ابن زرارة الهمداني بسكون الميم المرهبي الكوفي قال: (حدّثنا مجاهد) هو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة أبو الحجاج المخزومي مولاهم المكي الإمام في التفسير والعلم (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (كان يقول: الله) بحذف حرف الجرّ ومد الهمزة وجر الهاء في الفرع كأصله مصححًا عليها. قال في الفتح: كذا للأكثر بالحذف وفي روايتنا بالخفض وعن أبي ذر مما رأيته بهامش الفرع كأصله الهمزة بمنزلة واو القسم اهـ. وجوّز بعضهم النصب بل قال السفاقسي: إنه رواه به، وقال ابن جني: إذا حذف حرف القسم نصب الاسم بعده بتقدير الفعل ومن العرب من يجر اسم الله وحده مع حذف حرف الجر فيقول الله لأقومن وذلك لكثرة ما يستعملونه، وفي بعض الأصول الله إسقاط الأداة والرفع، وفي رواية روح بن عباد عن عمر بن ذر عند أحمد والله (الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض) أي لألصق بطني بالأرض (من الجوع) أو هو كناية عن سقوطه على الأرض مغشيًا كما صرح به في الأطعمة فلقيت عمر فاستقرأته آية فمشيت غير بعيد فخررت على وجهي من الجهد والجوع (وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع) لتقليل حرارة الجوع ببرد الحجر أو المساعدة على الاعتدال والانتصاب لأن البطن إذا خوى لم يمكن معه الانتصاب فكان أهل الحجاز يأخذون صفائح رقاقًا في طول الكف أو أكبر من الحجارة فيربطها الواحد على بطنهِ وتشد بعصابة فتعدل القامة بعض الاعتدال (ولقد قعدت يومًا على طريقهم) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبعض أصحابه (الذي يخرجون منه) من منازلهم إلى المسجد (فمرّ أبو بكر) -رضي الله عنه- (فسألته عن آية من كتاب الله) عز وجل (ما سألته) عنها (إلا ليشبعني) بالشين المعجمة والموحدة من الإشباع، ولأبي ذر عن الكشميهني إلا ليستتبعني بسين مهملة ساكنة ففوقية مفتوحة فأخرى ساكنة فموحدة مكسورة فعين مهملة مفتوحة فنون مكسورة أي يطلب مني أن أتبعه ليطعمني (فأمر) بي (ولم يفعل) أي الإشباع أو الاستتباع، (ثم مرّ بي عمر) -رضي الله عنه- (فسألته عن آية من كتاب الله) عز وجل (ما سألته) عنها (إلا ليشبعني) من الإشباع أو ليستتبعني من الاستتباع كما مر عن الكشميهني (فأمر فلم) بالفاء ولأبي ذر ولم (يفعل، ثم مرّ بي أبو القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتبسم حين رآني وعرف ما في نفسي) من الجوع والاحتياج إلى ما يسد الرمق (وما في وجهي) من التغير وكأنه عرف من تغير وجهه ما في نفسه، واستدلّ أبو هريرة بتبسمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أنه عرف ما به لأن التبسم يكون للتعجب ولإيناس من يتبسم إليه وحال أبي هريرة لم تكن معجبة فيترجح الحمل على الإيناس قاله في الفتح (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أبا هر) بإسقاط أداة النداء وكسر الهاء وتشديد الراء رد المؤنث إلى المذكر والمصغر إلى المكبر ولأبي ذر يا أبا هر (قلت لبيك يا رسول الله قال: الحق) بفتح الحاء أي اتبع (ومضى عليه الصلاة والسلام فتبعته) ولأبي ذر فاتبعته

(فدخل) زاد علي بن مسهر عند الإسماعيلي وابن حبان في صحيحه إلى أهله (فاستأذن) بهمزة وصل وفتح النون بلفظ الماضي في الفرع وغيره، وقال في الفتح: فأستأذن بهمزة بعد الفاء والنون مضمومة فعل المتكلم وعبر عنه بذلك مبالغة في التحقق، وقال العيني على صيغة المتكلم من المضارع ولابن مسهر فاستأذنت (فأذن لي فدخل) كذا الرواية بتكرار دخل قال في الكواكب: الثاني تكرار للأول أو دخل الأول بمعنى أراد الدخول فالاستئذان يكون لنفسه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال في الفتح: إما تكرار لوجود الفصل أو التفات ولعلي بن مسهر فدخلت قال في الفتح وهي واضحة: (فوجد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في منزله (لبنًا في قدح فقال: من أين هذا اللبن قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة) بالشك ولم يقف ابن حجر على اسم من أهداه ولأبي ذر عن الكشميهني أهدته بالتأنيث ثم (قال) عليه الصلاة والسلام: (أبا هر) إسقاط أداة النداء (قلت لبيك يا رسول الله) ولأبي ذر رسول الله بإسقاط يا (قال: الحق) أي انطلق (إلى أهل الصفة فادعهم لي قال) أي أبو هريرة (وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي على (أهل ولا مال ولا على أحد) تعميم بعد تخصيص شامل للأقارب وغيرهم وعند ابن سعد من مرسل يزيد بن عبد الله بن قسط كان أهل الصفة ناسًا فقراء لا منازل لهم فكانوا ينامون في المسجد لا مأوى لهم غيره (إذا أتته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (صدقة بعث بها إليهم) يخصهم بها (ولم يتناول منها شيئًا وإذا أتته هدية أرسل إليهم) ليحضروا عنده (وأصاب منها وأشركهم فيها) لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة قال أبو هريرة: (فساءني ذلك) أي قوله ادعهم لي (فقلت) في نفسي هذا قليل (وما هذا اللبن) أي وما قدر هذا اللبن (في أهل الصفة) والواو عاطفة على محذوف تقديره هذا قليل أو نحوه ولعلي بن مسهر وأين يقع هذا اللبن من أهل الصفة وأنا ورسول الله (كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها) زاد روح يومي وليلتي وسقط لأبي ذر لفظ أنا (فإذا جاء) من أمرني بطلبه ولأبي ذر عن الكشميهني جاؤوا (أمرني) عليه الصلاة والسلام (فكنت أنا أعطيهم) فكنت عطف على جزاء فإذا جاؤوا فهو بمعنى الاستقبال داخل تحت القول والتقدير عند نفسه قاله في الكواكب وإنما كان أبو هريرة يفعل ذلك لأنه كان يخدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن) أي يصل إليّ بعد أن يكتفوا منه وقال: في الكواكب وما عسى أي قائلاً في نفسي وما عسى والظاهر أن كلمة عسى مقحمة (ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدّ فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا) في الدخول (فأذن لهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وأخذوا مجالسهم من البيت) أي وجلس كل واحد منهم في المجلس الذي يليق به قال في الفتح ولم أقف على عددهم إذ ذاك (قال) عليه الصلاة والسلام: (يا أبا هر) بكسر الهاء وتشديد الراء (قلت لبيك يا رسول الله قال: خذ) أي هذا القدح (فأعطهم) بهمزة قطع القدح الذي فيه اللبن (فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل) بضم همزة أعطيه (فيشرب حتى يروى) بفتح الواو (ثم يردّ عليّ القدح فأعطيه الرجل) الذي يليه ولأبي ذر عن الكشميهني ثم أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يردّ عليّ القدح فيشرب حتى يروى ثم يردّ عليّ القدح بتكرار فيشرب ثلاثًا وسقط قوله حتى يروى ثم يرد عليّ القدح هذه في رواية أبي ذر، وقال في الكواكب فإن قلت: الرجل الثاني معرفة معادة فتكون هي الأول بعينه على القاعدة النحوية لكن المراد غيره. وأجاب؛ أن ذلك حيث لا قرينة ولفظ (حتى انتهيت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد روي القوم كلهم) قرينة المغايرة لأنه يدل على أنه أعطاهم واحدًا بعد واحد إلى أن كان آخرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأخذ القدح) وقد بقيت فيه فضلة (فوضعه على يده) الكريمة (فنظر إليّ) بتشديد التحتية (فتبسم) إشارة

(تنبيه)

إلى أنه لم يفته شيء مما كان يظن فواته من اللبن (فقال أبا هر) بحذف أداة النداء ولأبي ذر عن الحموي يا أبا هر (قلت لبيك يا رسول الله قال: بقيت أنا وأنت قلت صدقت يا رسول الله. قال: اقعد فاشرب فقعدت فشربت فقال: اشرب فشربت فما زال يقول اشرب حتى قلت لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكًا قال: فأرني فأعطيته القدح فحمد الله) عز وجل على البركة وظهور المعجزة في اللبن المذكور حيث روي القوم كلهم وأفضلوا (وسمى) الله (وشرب الفضلة) وفي رواية روح فشرب من الفضلة، وفيها كما قال في الفتح إشعار بأنه بقي بعد شربه شيء فإن كانت محفوظة فلعله أعدها لمن بقي بالبيت من أهله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وفي الحديث فوائد كثيرة لا تخفى على المتأمل والله الموفق. (تنبيه). قوله في السند: حدّثنا أبو نعيم بنحو من نصف هذا الحديث استشكل من حيث إنه يستلزم أن يكون النصف بلا إسناد غير موصول إذ النصف المذكور مبهم لا يدرى أهو الأول أو الثاني واحتمال كون القدر المسموع له منه هو المذكور في كتاب الاستئذان في باب إذا دعي الرجل فجاء فهل يستأذن بلفظ: حدّثنا أبو نعيم حدّثنا عمر بن ذر وحدّثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد الله، أخبرنا عمر بن ذر، أخبرنا مجاهد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: دخلت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوجد لبنًا في قدح فقال: "أبا هريرة الحق أهل الصفة فادعهم إليّ" قال: فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذن لهم فدخلوا. عورض بأنه ليس ثلث الحديث ولأربعة فضلاً عن نصفه. وقول الحافظ زين الدين العراقي في نكته على ابن الصلاح أن القدر المذكور في الاستئذان بعض الحديث المذكور في الرقاق هو القول المعتبر المحرر قال: ويكون البخاري حدث به عن أبي نعيم بطريق الوجادة أو الإجازة أو حمله عن شيخ آخر غير أبي نعيم اهـ. وقال الحافظ ابن حجر أو سمع بقية الحديث من شيخ سمعه من أبي نعيم اهـ. 6453 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُ: إِنِّى لأَوَّلُ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، وَرَأَيْتُنَا نَغْزُو وَمَا لَنَا طَعَامٌ، إِلاَّ وَرَقُ الْحُبْلَةِ، وَهَذَا السَّمُرُ وَإِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَّاةُ مَا لَهُ خِلْطٌ، ثُمَّ أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِى عَلَى الإِسْلاَمِ، خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ سَعْيِى. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد أنه قال: (حدّثنا قيس) هو ابن أبي حازم (قال: سمعت سعدًا) بسكون العين ابن أبي وقاص -رضي الله عنه- (يقول: إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله) عز وجل واللام في الأول للتأكيد (ورأيتنا) بضم التاء الفوقية أي ورأيت أنفسنا (نغزو) في سبيل الله عز وجل (وما لنا طعام إلا ورق الحبلة) بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة مصححًا عليها في الفرع وتضم أيضًا ثمر السلم أو ثمر عامة العضاة وهو بكسر العين المهملة وتخفيف الضاد المعجمة آخره هاء شجر الشوك كالطلح والعوسج (وهذا السمر) بفتح السين المهملة وضم الميم شجره وفي مسلم من حديث عتبة بن غزوان لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا (وإن أحدنا ليضع) الذي يخرج منه عند التغوط مثل البعر (كما تضع الشاة) زاد الترمذي من طريق بيان عن قيس والبعير (ما له خلط) بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام بعدها طاء مهملة لا يختلط بعضه ببعض لجفافه ويبسه بسبب قشف العيش (ثم أصبحت بنو أسد تعزرني) بضم الفوقية وفتح العين المهملة وكسر الزاي المشددة بعدها راء فنون فتحتية تقومني بالتعليم (على) أحكام (الإسلام خبت) من الخيبة وهي الخسران (إذًا) بالتنوين (وضلّ) أي ضاع (سعيي) فيما مضى حيث تعلمني بنو أسد أحكام الدين مع سابقتي في الإسلام وقدم صحبتي وبنو أسد أي ابن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر وكان بنو أسد ممن ارتد بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتبعوا طليحة بن خويلد الأسدي لما ادّعى النبوّة، ثم قاتلهم خالد بن الوليد في عهد أبي بكر وكسرهم ورجع بقيتهم إلى الإسلام وتاب طليحة وحسن إسلامه وسكن معظمهم الكوفة ثم كانوا ممن شكا سعد بن أبي وقاص وهو أمير الكوفة إلى عمر حتى عزله. والحديث سبق في فضل سعد وفي الأطعمة، وأخرجه

مسلم في آخر الكتاب. 6454 - حَدَّثَنِى عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ بُرٍّ ثَلاَثَ لَيَالٍ تِبَاعًا حَتَّى قُبِضَ. وبه قال: (حدثني) ولأبي ذر بالجمع (عثمان) بن أبي شيبة قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: ما شبع آل محمد) وفي رواية الأعمش عن منصور ما شبع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر الموحدة من شبع (منذ قدم المدينة من طعام بر) من الإضافة البيانية (ثلاث ليال) بأيامهن (تباعًا) بكسر الفوقية بعدها موحدة متتابعة متوالية (حتى قبض) بضم القاف أي توفي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولمسلم من رواية عبد الرَّحمن بن عابس عن أبيه عن عائشة ما شبع آل محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من خبز بن مأدوم، ومن رواية عبد الرَّحمن بن يزيد عن الأسود عنها ما شبع آل محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض وإنما كان يفعل ذلك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للإِيثار أو لكراهة الشبع وكان يفعل ذلك مع إمكان حصول التوسع له فقد عرض عليه ربه عز وجل أن يجعل له بطحاء مكة ذهبًا فاختار الجوع يومًا والشبع يومًا للتضرع والشكر. والحديث سبق في الأطعمة. 6455 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ هُوَ الأَزْرَقُ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ، عَنْ هِلاَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَا أَكَلَ آلُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكْلَتَيْنِ فِى يَوْمٍ إِلاَّ إِحْدَاهُمَا تَمْرٌ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن) البغوي يقال له لؤلؤ قال: (حدثنا إسحاق) بن يوسف بن يعقوب (هو الأزرق) بتقديم الزاي على الراء (عن مسعر بن كدام) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين بعدها راء وكدام بكسر الكاف بعدها دال مهملة مخففة العامري (عن هلال) هو ابن حميد ولأبي ذر زيادة الوزان الكوفي (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: ما أكل آل محمد) وعند أحمد بن منيع عن إسحاق الأزرق بالسند المذكور ما شبع محمد (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكلتين) بفتح الهمزة (في يوم إلا إحداهما تمر) ولأبي ذر تمرًا بالنصب. قال في المصابيح: أما على تقدير إلا كانت إحداهما تمرًا أو إلا جعل إحداهما تمرًا. والحديث أخرجه مسلم. 6456 - حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ أَبِى رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَدَمٍ وَحَشْوُهُ مِنْ لِيفٍ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (أحمد بن رجاء) بفتح الراء والجيم والمد هو أحمد بن عبد الله بن أيوب بن رجاء الهروي ولأبي ذر أحمد بن أبي رجاء قال: (حدّثنا النضر) هو ابن شميل بالشين المعجمة المضمومة مصغرًا (عن هشام) قال: (أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: كان فراش رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من آدم) بفتح الهمزة والدال المهملة جلد مدبوغ (وحشوه من ليف) بالواو وسقط لأبي ذر لفظ من فالتالي رفع. 6457 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: كُنَّا نَأْتِى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَخَبَّازُهُ قَائِمٌ، وَقَالَ: كُلُوا فَمَا أَعْلَمُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَغِيفًا مُرَقَّقًا حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ وَلاَ رَأَى شَاةً سَمِيطًا بِعَيْنِهِ قَطُّ. وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون الدال المهملة بعدها موحدة القيسي البصري الحافظ المسند قال: (حدّثنا همام بن يحيى) العوذي الحافظ قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (قال: كنا نأتي أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (وخبازه) أي يعرف اسمه (قائم) عنده (وقال) أنس: (كلوا فما أعلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رغيفًا مرققًا) قال في النهاية مرققًا هو الأرغفة الواسعة الرقيقة (حتى لحق بالله) عز وجل (ولا رأى شاة سميطًا بعينه قط) بإفراد بعينه والسميط ما نزع صوفه ثم شوي لأنه من مآكل المترفين. والحديث سبق في الأطعمة. 6458 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَانَ يَأْتِى عَلَيْنَا الشَّهْرُ مَا نُوقِدُ فِيهِ نَارًا، إِنَّمَا هُوَ التَّمْرُ وَالْمَاءُ إِلاَّ أَنْ نُؤْتَى بِاللُّحَيْمِ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (محمد بن مثنى) بن عبيد أبو موسى العنزي الزمن البصري قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا هشام) قال: (أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارًا إنما) ولأبي ذر وإنما (هو) أي طعامنا (التمر والماء إلا أن نؤتى) بضم نون الجماعة مبنيًّا للمفعول (باللحيم) بضم اللام مصغرًا إشارة إلى قتله وللكشميهني باللحم مكبرًا والحديث من إفراده. 6459 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِىُّ، حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: ابْنَ أُخْتِى إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلاَلِ ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِى شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ فِى أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَارٌ، فَقُلْتُ: مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ قَالَتِ: الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ، كَانَ لَهُمْ مَنَائِحُ وَكَانُوا يَمْنَحُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَبْيَاتِهِمْ فَيَسْقِينَاهُ. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي) قال: (حدثني) بالإفراد (ابن أبي حازم) عبد العزيز (عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار (عن يزيد بن رومان) بضم الراء الأسدي مولى آل الزبير بن العوّام (عن عروة) بن الزبير

18 - باب القصد والمداومة على العمل

بن العوّام (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أنها قالت لعروة) بن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر أخت عائشة: يا (ابن أختي) بحذف أداة النداء أي يا ابن أختي كما سبق (إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين) والمراد بالهلال الثالث هلال الشهر الثالث وهو يرى عند انقضاء الشهرين وبرؤيته يدخل أول الشهر الثالث وعند ابن سعد في رواية سعيد عن أبي هريرة كان يمر برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هلال ثم هلال ثم هلال (وما أوقدت) بضم الهمزة وكسر القاف (في أبيات رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نار) قال ابن الزبير: (فقلت) لعائشة (ما كان يعيشكم) بضم التحتية وكسر العين المهملة مضارع أعاشه كذا إذا أقام عيشه قال ابن أبي داود وسأله أبوه: ما الذي أعاشك؟ فأجابه أعاشني بعدك واد مبقل آكل من حوذانه وأنسل أي ما كان طعامكم (قالت: الأسودان التمر والماء) نعتتهما نعتًا واحدًا تغليبًا وإذا اقترن الشيئان سميا باسم أشهرهما (إلا أنه) الضمير للشأن (قد كان لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جيران من الأنصار) أي أعرف أسماءهم (كان لهم منائح) جمع منيحة بنون وحاء مهملة وهي الناقة (وكانوا يمنحون) يعطون (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أبياتهم فيسقيناه) أي اللبن الذي يعطونه. والحديث سبق في الهبة وهو ساقط هنا من رواية أبي ذر. 6460 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتًا». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدثني محمد بن فضيل) بضم الفاء وفتح المعجمة مصغرًا (عن أبيه) فضيل بن غزوان الضبي الكوفي (عن عمارة) بضم العين المهملة وتخفيف الميم وبعد الألف راء ابن القعقاع (عن أبي زرعة) هرم بفتح الهاء ابن عمرو بن جرير (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اللهم ارزق آل محمد قوتًا) ولمسلم والترمذي والنسائي: اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا. قال في الفتح: وهو المعتمد فإن اللفظ الأول صالح لأن يكون دعاء بطلب القوت في ذلك اليوم وأن يكون طلب لهم القوت دائمًا بخلاف اللفظ الثاني فإنه يعين الاحتمال الثاني وهو الدال على الكفاف وفيه كما قال في الكواكب فضل الكفاف وأخذ البلغة من الدنيا والزهد فيما فوق ذلك رغبة في توفير نعم الآخرة. والحديث أخرجه مسلم في الزكاة والترمذي في الزهد والنسائي في الرقائق. 18 - باب الْقَصْدِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ (باب) استحباب (القصد) بفتح القاف وسكون الصاد المهملة وهو سلوك الطريق المعتدلة (والمداومة على العمل) الصالح وإن قلّ. 6461 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا أَبِى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَشْعَثَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى قَالَ: سَمِعْتُ مَسْرُوقًا قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَىُّ الْعَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتِ: الدَّائِمُ، قَالَ: قُلْتُ فَأَىَّ حِينٍ كَانَ يَقُومُ؟ قَالَتْ: كَانَ يَقُومُ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر بالإفراد (أبي) عثمان (عن شعبة) بن الحجاج (عن أشعث) بالمعجمة والمثلثة بينهما مهملة مفتوحة (قال: سمعت أبي) أبا الشعثاء سليم بن الأسود المحاربي (قال: سمعت مسروقًا) هو ابن الأجدع (قال: سألت عائشة -رضي الله عنها- أي العمل كان أحب إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قالت الدائم) الذي يستمر عليه عامله (قال) مسروق (قلت) لها: (فأي حين) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في أيّ حين (كان يقوم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي من الليل (قالت: كان يقوم) من النوم (إذا سمع الصارخ) وهو الديك وهو يصرخ نصف الليل غالبًا وقال ابن بطال عند ثلث الليل. وسبق الحديث في باب من نام عند السحر من كتاب التهجد. 6462 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِى يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (عن مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) -رضي الله عنها- (أنها قالت: كان أحب العمل إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي يدوم عليه صاحبه) هو تفسير للحديث الذي سبق. 6463 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَنْ يُنَجِّىَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِى اللَّهُ بِرَحْمَةٍ سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاغْدُوا وَرُوحُوا، وَشَىْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس واسمه عبد الرَّحمن قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرَّحمن (عن سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لن ينجي) بفتح النون وكسر الجيم المشددة لن يخلص (أحدًا منكم عمله) فاعل

(قالوا: ولا أنت يا رسول الله. قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله) بالغين المعجمة وبعد الميم دال مهملة أي أن يسترني الله (برحمة) منه والاستثناء منقطع ويحتمل أن يكون متصلاً من قبيل قوله تعالى {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} [الدخان: 56] وقال الرافعي في أماليه: كما كان أجر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الطاعة أعظم وعمله في العبادة أقوم قيل له ولا أنت أي لا ينجيك عملك مع عظم قدرك فقال لا إلا برحمة الله (سددوا) بالسين المهملة المفتوحة وكسر الدال المهملة الأولى اقصدوا السداد أي الصواب ولمسلم من رواية بسر بن سعيد عن أبي هريرة ولكن سددوا ومعنى الاستدراك أنه قد يفهم من النفي المذكور نفي فائدة العمل فكأنه قيل بل له فائدة وهو أن العمل علامة على وجود الرحمة التي تدخل الجنة فاعملوا واقصدوا بعملكم الصواب وهو اتباع السنة من الإخلاص وغيره ليقبل عملكم فتنزل عليكم الرحمة (وقاربوا) لا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال فتتركوا العمل (واغدوا) بالغين المعجمة الساكنة والدال المهملة سيروا من أول النهار (وروحوا) سيروا من أول النصف الثاني من النهار (وشيء) بالرفع في الفرع كأصله مصححًا عليه وقال: في الفتح وشيئًا بالنصب بفعل محذوف أي افعلوا شيئًا (من الدلجة) بضم الدال المهملة وسكون اللام وتفتح بعدها جيم سير الليل يقال سار دلجة من الليل أي ساعة. (والقصد القصد) بالنصب على الإغراء أي الزموا الطريق الوسط المعتدل (تبلغوا) المنزل الذي هو مقصدكم والقصد الثاني تأكيد وقد شبه التعبدين بالمسافرين لأن العابد كالسافر إلى محل إقامته وهو الجنة وكأنه قال: لا تستوعبوا الأوقات كلها بالسير بل اغتنموا أوقات نشاطكم وهو أول النهار وآخره وبعض الليل وارحموا أنفسكم فيما بينهما لئلا ينقطع بكم والحديث من أفراده. 6464 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، وَأَنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ أَدْوَمُهَا إِلَى اللَّهِ وَإِنْ قَلَّ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزير عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال (عن موسى بن عقبة) بسكون القاف الأسدي المدني (عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن) بن عوف (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (سددوا) بمهملات (وقاربوا) لا تبلغوا النهاية بل تقربوا منها (واعلموا أن) ولأبي ذر عن الكشميهني أنه (لن يدخل) بضم أوّله من الإِدخال (أحدكم) بالنصب مفعول قوله (عمله الجنة) نصب على الظرفية (وإن أحب الأعمال أدومها إلى الله) عز وجل (وإن قلّ) أي إن كثر وإن قل والمراد بالدوام المواظبة العرفية وهي الإتيان بذلك في كل شهر أو كل يوم بقدر ما يطلق عليه اسم الداومة عرفًا لا شمول الأزمنة إذ هو غير مقدور. والحديث أخرجه مسلم في التوبة والنسائي في الرقائق. 6465 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَىُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ، -وَقَالَ-: اكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن عرعرة) بن البرند قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد بن إبراهيم) بسكون العين ابن عبد الرَّحمن بن عوف الزهري قاضي المدينة (عن) عمه (أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم السين مبنيًّا للمفعول ولم أعرف اسم السائل (أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال): (أدومها وإن قلّ). فإن قلت: المسؤول عنه أحب الأعمال وظاهره السؤال عن ذات العمل والجواب ورد بأدوم وهو صفة العمل فلم يتطابقا. أجيب: باحتمال أن يكون هذا السؤال وقع بعد قوله في الحديث السابق في الصلاة والحج وفي بر الوالدين حيث أجاب بالصلاة ثم بالبر الخ، ثم ختم ذلك بأن المداومة على عمل من أعمال البر ولو كان مفضولاً أحب إلى الله من عمل يكون أعظم أجرًا لكن ليس فيه مداومة قاله في الفتح. (وقال) عليه الصلاة والسلام بالسند السابق (اكلفوا) بهمزة وصل وفتح اللام في الفرع وتضم (من الأعمال) كالصلاة والصيام وغيرهما من العبادات ولأبي ذر عن المستملي من العمل (ما تطيقون) ما مصدرية أي قدر طاقتكم أو موصولة أي الذي تطيقونه أي ابلغوا بالعمل غايته التي تطيقونها مع الدوام من غير عجز

في المستقبل، ولا ريب أن المديم للعمل ملازم للخدمة فيكثر ترداده إلى باب الطاعة في كل وقت فيجازى بالبر لكثرة تردده فليس هو كمن لازم الخدمة مثلاً ثم انقطع، وأيضًا فإن العامل إذا ترك العمل صار كالمعرض بعد الوصل فيتعرض للذم والجفاء. 6466 - حَدَّثَنِى عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ كَانَ عَمَلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الأَيَّامِ؟ قَالَتْ: لاَ، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَطِيعُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عثمان بن أبي شيبة) قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن) خاله (علقمة) بن قيس أنه (قال: سألت أم المؤمنين عائشة) -رضي الله عنها- (قلت) ولأبي ذر فقلت (يا أم المؤمنين كيف كان عمل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هل كان يخص شيئًا من الأيام) بعبادة مخصوصة لا يفعل مثلها في غيره (قالت: لا) وهذا لا يعارضه قولها إن أكثر صيامه كان في شعبان لأنه كان يوعك كثيرًا ويكثر السفر فيفطر بعض الأيام التي كان يصومها ولا يتمكن من قضاء ذلك إلا في شعبان فصيامه فيه بحسب الصورة أكثر من صيامه في غيره (كان عمله) عليه الصلاة والسلام (ديمة) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية أي دائمًا والديمة في الأصل المطر المستمر مع سكون بلا رعد ولا برق ثم استعمل في غيره وأصلها الواو لأنها من الدوام فانقلبت لسكونها وانكسار ما قبلها ياء. وقال في المصابيح: كان عمله ديمة فلا جرم أن سحائب نفعه على الخلق مستمرة بالانصباب بالرحمة عليهم مخصبة لأرض قلوبهم بربيع محبته جزاه الله أحسن ما جزى نبيًّا عن أمته وقد شبهت عمله في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر (وأيكم يستطيع) في العبادة (ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستطيع) من الهيئة أو الكيفية من الخشوع والخضوع والإخبات والإخلاص. والحديث سبق في الصوم. 6467 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا فَإِنَّهُ لاَ يُدْخِلُ أَحَدًا الْجَنَّةَ عَمَلُهُ»، قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِى اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ». قَالَ: أَظُنُّهُ عَنْ أَبِى النَّضْرِ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ. وَقَالَ عَفَّانُ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا». وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قَوْلاً سَدِيدًا: وَسَدَادًا صِدْقًا. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا محمد بن الزبرقان) بكسر الزاي والراء بينهما موحدة ساكنة وبعد القاف ألف فنون الأهوازي أبو همام وثقه الدارقطني وابن المديني وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وقد توبع فيه قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) المدني (عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن) بن عوف (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (سددوا) أي اقصدوا السداد وهو الصواب (وقاربوا) أي اقصدوا الأمور التي لا غلو فيها ولا تقصير (وأبشروا) بالثواب على العمل وإن قل وهمزة أبشروا قطع (فإنه لا يدخل) بضم التحتية وكسر المعجمة (أحد الجنة عمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة) منه (ورحمة). قال الرافعي: فيه أن العامل لا ينبغي أن يتكل على عمله في طلب النجاة ونيل الدرجات لأنه إنما عمل بتوفيق الله وإنما ترك المعصية بعصمة الله فكل ذلك بفضله ورحمته. واستشكل قوله: لن يدخل أحدًا الجنة عمله مع قوله تعالى: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} [الزخرف: 72] وأجيب: بأن أصل الدخول إنما هو برحمة الله واقتسام المنازل فيها بالأعمال فإن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال، فإن قلت: قوله تعالى {سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} [النحل: 32] مصرح بأن دخول الجنة أيضًا بالأعمال أجيب: بأنه لفظ مجمل بينه الحديث والتقدير ادخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون، فليس المراد بذلك أصل الدخول، وفي كتاب المواهب اللدنية بالمنح المحمدية مزيد لذلك والله الموفق والمعين. (قال) علي بن عبد الله المديني: (أظنه عن أبي النضر) بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة سالم بن أبي أمية المدني التيمي (عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن (عن عائشة) -رضي الله عنها- وكأن ابن المديني جوز أن يكون موسى بن عقبة لم يسمع هذا الحديث من أبي سلمة وأن بينهما فيه واسطة وهو أبو النضر بخلاف الطريق الأولى فإنها بلا واسطة لكن ظهر من وجه آخر أن لا واسطة ويدل له قوله: {وقال عفان) بن مسلم الصفار أي فيما رواه عنه المؤلّف مذاكرة (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد (عن موسى بن عقبة) أنه (قال: سمعت أبا سلمة) بن عبد الرَّحمن فصرح وهيب عن موسى

19 - باب الرجاء مع الخوف

بالسماع بقوله سمعت أبا سلمة وهذا هو النكتة في إيراد هذه الرواية المعلقة وهي موصولة عند أحمد في مسنده قال: حدّثنا عفان بسنده (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (سددوا وأبشروا) بالجنة. قال ابن حزم: معنى الأمر بالسداد أنه عليه الصلاة والسلام أشار بذلك إلى أنه بعث ميسرًا مسهلاً فأمر أمته بأن يقتصدوا في الأمور لأن ذلك يقتضي الاستدامة عادة، وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند ابن حبان أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ على رهط من أصحابه وهم يضحكون فقال: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا" فأتاه جبريل فقال: إن ربك يقول لك لا تقنط عبادي فرجع إليهم فقال: "سددوا وقاربوا" فهذا يحتمل أن يكون سببًا لقوله سددوا الخ. (وقال مجاهد) هو ابن جبر: (سدادًا) بفتح السين المهملة القول المعتدل الكافي كذا عند الفريابي والطبراني من طريق أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: ({قولاً سديدًا} [النساء: 9] وعند الطبراني عن قتادة سديدًا عدلاً يعني في منطقه وفي عمله وعند ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله (سديدًا) قال: (صدقًا) وهذا ساقط هنا لأبي ذر نعم ثبت في رواية الحموي والكشميهني عقب قوله قال: أظنه عن أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة بلفظ وقال مجاهد قولا سديدًا وسدادًا صدقًا. 6468 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِىٍّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى لَنَا يَوْمًا الصَّلاَةَ ثُمَّ رَقِىَ الْمِنْبَرَ فَأَشَارَ بِيَدِهِ قِبَلَ قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: «قَدْ أُرِيتُ الآنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ لَكُمُ الصَّلاَةَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مُمَثَّلَتَيْنِ فِى قُبُلِ هَذَا الْجِدَارِ، فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إبراهيم بن المنذر) الحزامي المدني أحد الأعلام قال: (حدّثنا محمد بن فليح) بضم الفاء آخره مهملة مصغرًا قال: (حدثني) بالإفراد (أبي) فليح بن سليمان (عن هلال بن علي) وهو هلال بن أبي ميمونة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال): أي هلال (سمعته) أي أنسًا (يقول: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى لنا) إمامًا (يومًا للصلاة) أي صلاة الظهر (ثم رقي المنبر) بفتح الراء وكسر القاف أي صعد وَزْنًا ومعنى (فأشار بيده قِبَل قبلة المسجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها (فقال): (قد رأيت) بضم الهمزة (الآن منذ صليت لكم الصلاة الجنة والنار ممثلتين) أي مصورتين (في قبل هذا الجدار) بضم القاف والموحدة أي قدامه ولأبي ذر عن الكشميهني هذا الحائط أي جدار المسجد أو حائطه (فلم أر) يومًا (كاليوم) أي كهذا اليوم (في الخير والشر فلم أر) يومًا (كاليوم في الخير والشر) وكرر فلم أر كاليوم مرتين للتأكيد. وفي هذا الحديث تنبيه المصلي على أن يمثل الجنة والنار بين عينيه ليكونا شاغلين له عن الأفكار الحادثة عن تذكر الشيطان ومن مثلهما بين يديه بعثه ذلك على المواظبة على الطاعة والكف عن المعصية، وبهذا تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة. والحديث سبق في باب رفع البصر إلى الإمام من كتاب الصلاة، وأحاديث هذا الباب أكثرها مكرر وفي بعضها زيادة على بعض والله الموفق. 19 - باب الرَّجَاءِ مَعَ الْخَوْفِ وَقَالَ سُفْيَانُ: مَا فِى الْقُرْآنِ آيَةٌ أَشَدُّ عَلَىَّ مِنْ {لَسْتُمْ عَلَى شَىْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [المائدة: 68]. (باب) استحباب (الرجاء مع الخوف) فلا يقتصر على أحدهما دون الآخر فربما يفضي الرجاء إلى المكر والخوف إلى القنوط وكل منهما مذموم، وقد روينا عن أبي علي الروذباري أنه قال: الخوف والرجاء كجناحي الطائر إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص، وإذا ذهبا صار الطائر في حد الموت اهـ فمتى استقام العبد في أحواله استقام في سلوكه في طاعاته باعتدال رجائه وخوفه ومتى قصر في طاعاته ضعف رجاؤه ودنا منه الاختلال ومتى قل خوفه وحذره من مفسدات الأعمال تعرض للهلاك ومتى عدم الرجاء والخوف تمكن منه عدوّه وهواه وبعد عن حزب من حفظه ربه وتولاه وبذلك علم وجه الشبه بينهما وبين جناحي الطائر. وقال بعضهم: المؤمن يتردد بين الخوف والرجاء لخفاء السابقة وذلك لأنه تارة ينظر إلى عيوب نفسه فيخاف وتارة ينظر إلى كرم الله فيرجو وقيل يجب أن يزيد خوف العالم على رجائه لأن خوفه يزجره عن المناهي ويحمله على الأوامر، ويجب أن يعتدل خوف العارف ورجاؤه لأن عينه ممتدة إلى السابقة ورجاء المحب يجب أن يزيد على خوفه لأنه على بساط الجمال والرجاء بالمد وهو تعليق القلب بمحبوب من جلب

نفع أو دفع ضرر سيحصل في المستقبل وذلك بأن يغلب على القلب الظن بحصوله في المستقبل، والفرق بينه وبين التمني وهو طلب ما لا مطمع في وقوعه كليت الشباب يعود أن التمني يصاحبه الكسل ولا يسلك صاحبه طريق الجهد والجد في الطاعات وبعكسه صاحب الرجاء فإنه يسلك طريق ذلك فالتمني معلول والرجاء محمود، ومن علامته حسن الطاعة. قال حجة الإسلام: الراجي من بث بذر الإيمان وسقاه بماء الطاعات ونقى القلب من شوك المهلكات وانتظر من فضل الله أن ينجيه من الآفات فأما المنهمك في الشهوات منتظر للمغفرة فاسم المغرور به أليق وعليه أصدق، وأما الخوف فهو فزع القلب من مكروه يناله أو محبوب يفوته وسببه تفكّر العبد في المخلوقات كتفكّره في تقصيره وإهماله وقلة مراقبته لما يرد عليه وكتفكّره فيما ذكره الله عز وجل في كتابه من إهلاك من خالفه وما أعده له في الآخرة. وقال القشيري: الخوف معنى متعلقه في المستقبل لأن العبد إنما يخاف أن يحل به مكروه أو يفوته محبوب ولا يكون هذا إلا لشيء يحصل في المستقبل. (وقال سفيان) بن عيينة: (ما في القرآن آية أشد عليّ من) قوله تعالى: ({لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم}) [المائدة: 69] يعني القرآن وذلك لما فيها من التكليف من العمل بأحكامها. ووجه المناسبة للترجمة أن الآية تدل على أن من لم يعمل بما تضمنه الكتاب الذي أنزل عليه لم تحصل له النجاة ولا ينفعه رجاؤه من غير عمل ما أمر به. 6469 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِى خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِى عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِى عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرَّحمن) الفارسي المدني نزيل الاسكندرية (عن عمرو بن أبي عمرو) بفتح العين فيهما مولى المطلب التابعي الصغير (عن سعيد بن أبي سعيد) بكسر العين فيهما (المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن الله) عز وجل (خلق الرحمة) التي يرحم بها عباده (يوم خلقها مائة رحمة) أي مائة نوع أو مائة جزء (فأمسك عنده) تعالى (تسعًا وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة) والرحمة في الأصل بمعنى الرقة الطبيعية والميل الجبلي، وهذا من صفات الآدميين فهو من الباري تعالى مؤوّل، وللمتكلمين في تأويل ما لا تسوغ نسبته إلى الله تعالى على حقيقته اللغوية وجهان: الحمل على الإرادة فيكون من صفات الذات والآخر الحمل على فعل الإكرام فيكون من صفات الأفعال كالرحمة فمنهم من يحملها على إرادة الخير ومنهم من يحملها على فعل الخير، ثم بعد ذلك يتعين أحد التأويلين في بعض السياقات لمانع يمنع من الآخر فهاهنا يتعين تأويل الرحمة بفعل الخير لتكون صفة فعل فتكون حادثة عند الأشعري فيتسلط الخلق عليها، ولا يصح هنا تأويلها بالإرادة لأنها إذ ذاك من صفات الذات فتكون قديمة فيمتنع تعلق الخلق بها ويتعين تأويلها بالإرادة في قوله تعالى: {لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} [هود: 43] لأنك لو حملتها على الفعل لكانت العصمة بعينها فيكون استثناء الشيء من نفسه وكأنك قلت لا عاصم إلا العاصم فتكون الرحمة الإرادة والعصمة على بابها بمعنى المنع من المكروهات كأنه قال: لا يمنع من المحذور إلا من أراد السلامة. (فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة) الواسعة (لم ييأس) أي يقنط (من الجنة) بل يحصل له الرجاء فيها لأنه يغطي عليه ما يعلمه من العذاب العظيم، وعبر بالمضارع في قوله يعلم دون الماضي إشارة إلى أنه لم يقع له علم ذلك ولا يقع لأنه إذا امتنع في المستقبل كان ممتنعًا فيما مضى وقال الكرماني: لو هنا لانتفاء الثاني، وقال: فلو بالفاء إشارة إلى ترتيب ما بعدها على ما قبلها. واستشكل التركيب في قوله بكل الذي لأن كل إذا أضيفت إلى الموصول كانت إذ ذاك لعموم الأجزاء لا لعموم الأفراد والمراد من سياق الحديث تعميم الأفراد، وأجيب: بأنه وقع في بعض طرقه أن الرحمة قسمت مائة جزء فالتعميم حينئذٍ لعموم الأجزاء في الأصل أو نزلت الأجزاء منزلة الأفراد

20 - باب الصبر عن محارم الله

مبالغة (ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله) عز وجل (من العذاب لم يأمن من النار). ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أنه اشتمل على الوعد والوعيد المقتضيين للرجاء والخوف. 20 - باب الصَّبْرِ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]. وَقَالَ عُمَرُ وَجَدْنَا خَيْرَ عَيْشِنَا بِالصَّبْرِ. (باب الصبر على محارم الله) عز وجل والصبر على المواظبة على فعل الواجبات، والصبر حبس النفس على المكروه وعقد اللسان عن الشكوى والمكابدة في تحمله وانتظار الفرج. وقال ذو النون: الصبر التباعد عن المخالفات والسكون عند تجرع غصص البلية وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة، وقال ابن عطاء الله: الصبر الوقوف مع البلاء بحسن الأدب ({إنما}) ولأبي ذر وقول الله عز وجل إنما ({يوفى الصابرون}) على تجرع الغصص واحتمال البلايا في طاعة الله وازدياد الخير ({أجرهم بغير حساب}) [الزمر: 10] قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: لا يهتدي إليه حساب الحساب ولا يعرف وهو حال من الأجر أي موفرًا وذكر في القرآن في خمسة وتسعين موضعًا. (وقال عمر) بن الخطاب: (وجدنا خير عيشنا بالصبر) ولأبي ذر عن الكشميهني الصبر بإسقاط الخافض والنصب. وهذا وصله أحمد في كتاب الزهد بسند صحيح عن مجاهد عن عمر. 6470 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَسْأَلْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، إِلاَّ أَعْطَاهُ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُمْ حِينَ نَفِدَ كُلُّ شَىْءٍ أَنْفَقَ بِيَدَيْهِ «مَا يَكُنْ عِنْدِى مِنْ خَيْرٍ، لاَ أَدَّخِرْهُ عَنْكُمْ وَإِنَّهُ مَنْ يَسْتَعِفَّ يُعِفُّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَلَنْ تُعْطَوْا عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عطاء بن يزيد الليثي) سقط الليثي لغير أبي ذر (أن أبا سعيد) سعد بن مالك زاد أبو ذر الخدري (أخبره أن أناسًا) بهمزة مضمومة ولأبي ذر: ناسًا بإسقاطها (من الأنصار) قال في الفتح: لم أقف على أسمائهم وقد سبق في الزكاة من طريق مالك عن ابن شهاب الإشارة إلى أن منهم أبا سعيد (سألوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يسأله) وللحموي والمستملي فلم يسأل (أحد منهم إلا أعطاه حتى نفد ما عنده) بفتح النون وكسر الفاء بعدها دال مهملة فرغ (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لهم حين نفد كل شيء أنفق) بفتحات (بيديه) بالتثنية ولأبي ذر بيده بالإفراد. (ما يكن عندي من خير) أي مال (لا أدخره عنكم) بتشديد الدال على الإدغام أي أجعله ذخيرة لغيركم معرضًا عنكم ولأبي ذر ما يكون بالواو فما موصولة وعلى الأولى شرطية (وإنّه من يستعف) بتشديد الفاء يكف عن الحرام والسؤال (يعفه الله) بتشديد الفاء يرزقه الله العفة بأن يعطيه ما يستغني به عن السؤال ويخلق في قلبه الغنى، ولأبي ذر عن الكشميهني مما في الفرع يستعف بسكون العين بعدها فاء خفيفة من الاستعفاء وفي الفتح وتبعه العيني عن الكشميهني يستعفف بزيادة فاء أخرى وكذا هو في اليونينية (ومن يتصبر) يتكلف الصبر (يصبره الله) بالجزم فيهما يرزقه الله الصبر (ومن يستغن) أي يظهر الغنى أو يستغن بالله عمن سواه (يغنه الله) أي يرزقه الغنى عن الناس (ولن تعطوا) بضم الفوقية وسكون العين وفتح الطاء المهملتين (عطاء خيرًا وأوسع من الصبر) لأنه جامع لمكارم الأخلاق على ما لا يخفى. والحديث سبق في الزكاة وأخرجه مسلم والنسائي. 6471 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عِلاَقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّى حَتَّى تَرِمَ أَوْ تَنْتَفِخَ قَدَمَاهُ فَيُقَالُ لَهُ: فَيَقُولُ: «أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»؟. وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان السلمي الكوفي سكن مكة قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون المهملة ابن كدام الكوفي قال: (حدّثنا زياد بن علاقة) بكسر العين المهملة وتخفيف اللام وبالقاف (قال: سمعت المغيرة بن شعبة) -رضي الله عنه- (يقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي حتى ترم) بكسر الراء وتخفيف الميم من ورم يرم مثل ورث يرث وهو على خلاف القياس وقياسه تورم بفتح الراء وإثبات الواو مثل وجل يوجل (أو تنتفخ قدماه) بالشك من الراوي وهما بمعنى (فيقال له) قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر وفي حديث عائشة أنها قالت لم تصنع هذا وقد غفر الله لك فظهر أن القائل عائشة (فيقول): (أفلا) أي أأترك قيامي وتهجدي لما غفر لي فلا (أكون عبدًا شكورًا) من أبنية المبالغة. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صبر على الطاعة حتى تورمت قدماه والصبر يكون على ثلاثة أقسام صبر عن المعصية

21 - باب {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق: 3]

فلا يرتكبها وصبر على الطاعة حتى يؤديها وصبر على البلية فلا يشكو ربه فيها، وعن علي -رضي الله عنه- من إجلال الله ومعرفة حقه أن لا تشكو وجعك ولا تذكر مصيبتك لغيره، وقيل ذهبت عين الأحنف منذ أربعين سنة ما ذكرها وقال: شقيق البلخي من شكا ما نزل به لغير الله لم يجد لطاعة الله في قلبه حلاوة أبدًا وما أحسن قول ابن عطاء: سأصبر كي ترضى وأتلف حسرة ... وحسبي أن ترضى ويتلفني صبري والحديث سبق في كتاب التهجد. 21 - باب {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ: مِنْ كُلِّ مَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ. هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ومن يتوكل على الله}) يكل أمره إليه عن طمع غيره وتدبير نفسه ({فهو حسبه}) [الطلاق: 3] كافيه في الدارين جميع ما أهمه (قال): ولأبي ذر وقال: (الربيع بن خثيم) بضم الخاء المعجمة وفتح المثلثة وسكون التحتية التابعي الكبير فيما وصله الطبراني وابن أبي حاتم في قوله تعالى {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا} [الطلاق: 2] الآية. قال: (من كل ما ضاق على الناس) وقال العيني: أراد من يتوكل على الله فهو حسبه من كل ما ضاق على الناس. 6472 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ حُصَيْنَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق) هو كما قال الحافظ ابن حجر: ابن منصور قال: وغلط من قال: إنه ابن إبراهيم قال: (حدثنا روح بن عبادة) بفتح الراء في الأول وضم العين وتخفيف الموحدة في الثاني القيسي الحافظ البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (سمعت حصين بن عبد الرَّحمن) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين السلمي الكوفي (قال: كنت قاعدًا عند سعيد بن جبير فقال: عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب) زاد في الطب ثم دخل ولم يبين لهم فأفاض القوم، وقالوا نحن الذين آمنا بالله واتبعنا رسوله فنحن هم أو أولادنا الذين ولدوا في الإسلام فإنا ولدنا في الجاهلية فبلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخرج فقال: (هم الذين لا يسترقون) بسكون الراء أي لا يسترقون مطلقًا أو لا يسترقون برقى الجاهلية (ولا يتطيرون) ولا يتشاءمون بالطيور ونحوها كعادتهم قبل الإسلام (وعلى ربهم يتوكلون) يفوّضون إليه والتوكل هو الاعتماد على الله تعالى وقطع النظر عن الأسباب مع تهيئتها، ولهذا قال-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اعقل وتوكل" ويقال هو كلة الأمر كله إلى مالكه والتعويل على وكالته يعني عملاً بقوله تعالى {فاتخذه وكيلاً} [المزمل: 9] وهو فرض على المكلف قال الله تعالى: {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} [المائدة: 23] وقضية هذا أن التوكل من لوازم الإيمان فينتفي بانتفائه إذ الإيمان هو التوحيد ومن اعتمد على غير الله لم يوحده بالحقيقة وإن وحده باللسان، وليس المراد من التوكل ترك التسبب والاعتماد على ما يأتي من المخلوقين لأن ذلك قد يجرّ إلى ضد ما يراد من التوكل وقد كان الصحابة يتجرون ويعملون في نخيلهم وهم القدوة وبهم الأسوة. والحديث سبق في الطب مطوّلاً وفي أحاديث الأنبياء مختصرًا. 22 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ قِيلَ وَقَالَ (باب ما يكره من قيل وقال) بفتحهما في الفرع كأصله. 6473 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُغِيرَةُ وَفُلاَنٌ وَرَجُلٌ ثَالِثٌ أَيْضًا، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى الْمُغِيرَةِ أَنِ اكْتُبْ إِلَىَّ بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمُغِيرَةُ أَنِّى سَمِعْتُهُ يَقُولُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلاَةِ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ» ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَالَ: وَكَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ، وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَمَنْعٍ وَهَاتِ وَعُقُوقِ الأُمَّهَاتِ وَوَأْدِ الْبَنَاتِ. وَعَنْ هُشَيْمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ وَرَّادًا يُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا) وللكشميهني وقال (علي بن مسلم) الطوسي ثم البغدادي قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير الواسطي قال: (أخبرنا غير واحد منهم مغيرة) بن مقسم بكسر الميم وسكون القاف وفتح المهملة الضبي (وفلان) هو مجالد بن سعيد كما في صحيح ابن خزيمة (ورجل ثالث أيضًا) داود بن أبي هند كما في صحيح ابن حبان أو زكريا بن أبي زائدة أو إسماعيل بن أبي خالد كما في الطبراني من طريق الحسن بن علي بن راشد الواسطي عن هشيم عن مغيرة عن زكريا بن أبي زائدة ومجالد وإسماعيل بن أبي خالد كلهم (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن وراد) بفتح الواو والراء المشددة وبعد الألف دال مهملة (كاتب المغيرة بن شعبة) ومولاه (أن معاوية) بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- (كتب إلى المغيرة) بن شعبة -رضي الله عنه- (أن اكتب إليّ بحديث سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: فكتب إليه المغيرة) أي

23 - باب حفظ اللسان

أمر المغيرة ورّادًا فقال له: اكتب كما عند ابن حبان (إني) بكسر الهمزة كما في اليونينية (سمعته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول عند انصرافه من الصلاة) المكتوبة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ثلاث مرات) سقط ثلاث مرات لأبي ذر (قال: وكان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ينهى عن قيل وقال) بفتحهما فعلان ماضيان الأول مجهول وأصل قال: قول بفتحتين تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا وأصل قيل قول بضم القاف وكسر الواو نقلت حركة الواو إلى القاف بعد سلب حركتها ثم قلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها وهو حكاية أقاويل الناس قال: فلان كذا وفلان كذا، وقيل كذا وكذا، ولأبي ذر قيل وقال بالتنوين فيهما اسمان يقال قال قولاً وقيلاً وقالاً: أي نهى عن الإكثار مما لا فائدة فيه من الكلام. وقال ابن دقيق العيد: الأشهر فيه فتح اللام فيهما على سبيل الحكاية وهو الذي يقتضيه المعنى لأن القيل والقال إذا كانا اسمين كانا بمعنى واحد كالقول فلا يكون في عطف أحدهما على الآخر كبير فائدة بخلاف ما إذا كانا فعلين، وقال في المصابيح: وعلى أنهما اسمان فالفتح للحكاية بل ولا يسوغ ادعاء فعليتهما في هذا التركيب البتة عند المحققين وكيف وحرف الجر الذي هو من خصائص الأسماء قد دخل عليهما وإنما يجوّز فعليتهما في مثل هذا ابن مالك ولم يتابعه عليه أحد من الحذاق (و) نهى عن (كثرة السؤال) عن المسائل التي لا حاجة إليها (وإضاعة المال) في غير محله وحقه (ومنع) أي منع ما شرع إعطاؤه (وهات) أي طلب ما منع أخذه شرعًا (وعقوق الأمهات ووأد البنات) بالهمزة الساكنة دفنهن بالحياة. والحديث سبق في الصلاة والاعتصام والقدر والدعوات. (وعن هشيم) الواسطي المذكور بالسند السابق أنه قال: (أخبرنا عبد الملك بن عمير) بضم العين الكوفي (قال: سمعت ورادًا) كاتب المغيرة (يحدث هذا الحديث) السابق (عن المغيرة) بن شعبة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وظاهره أنه كلفظ الحديث السابق وكذا هو عند الإسماعيلي. 23 - باب حِفْظِ اللِّسَانِ وَقَوْلِ النبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ: خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]. (باب) مشروعية (حفظ اللسان) عن النطق بما لا يسوغ شرعًا قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما شيء أحوج إلى طول سجن من اللسان، وقال بعضهم: اللسان حيّة مسكنها الفم (وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من كان) وسقط لغير أبي ذر وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال ومن كان (يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) بكسر الميم في اليونينية وتضم أي ليسكت وهذا قد وصله في هذا الباب. (وقوله) ولأبي ذر وقول الله (تعالى: {ما يلفظ}) ابن آدم ({من قول}) ما يتكلم به وما يرمي به من فيه ({إلا لديه رقيب}) حافظ ({عتيد}) [ق: 18] حاضر يكتبه لا يترك كلمة ولا حركة وهل يكتب كل شيء ظاهر الآية العموم وقال به الحسن وقتادة: أو إنما يكتب ما فيه ثواب أو عقاب، وبه قال ابن عباس: نعم روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية قال: يكتب كل ما يتكلم به من خير أو شر حتى إنه ليكتب قوله أكلت شربت ذهبت جئت رأيت حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان من خير أو شر وألقى سائره وذلك قوله {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} [الرعد: 39] وقال الحسن البصري، وتلا هذه الآية {عن اليمين وعن الشمال قعيد} [ق: 17] يا ابن آدم بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك فاملك ما شئت أقل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك وجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة، فعند ذلك يقول: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا} [الإسراء: 13، 14] ثم يقول عدل والله من جعلك حسيب نفسك. 6474 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِىٍّ سَمِعَ أَبَا حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِى مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (محمد بن أبي بكر المقدمي) بفتح الدال المهملة المشددة نسبة إلى أحد

أجداده قال: (حدّثنا عمر بن علي) بضم العين وفتح الميم وهو عم محمد الراوي عنه وعمر مدلس لكنه صرح بالسماع حيث قال: إنه (سمع أبا حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين فيهما الساعدي -رضي الله عنه- (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من يضمن لي) بجزم يضمن (ما بين لحييه) بفتح اللام وسكون الحاء الله والتثنية العظمان في جانبي الفم النابت عليهما الأسنان علوًّا وسفلاً والمراد اللسان وما ينطق به (وما بين رجليه) وهو الفرج (أضمن له الجنة) بالجزم على جواب الشرط والمراد بالضمان لازمه وهو أداء الحق أي من أدّى الحق الذي على لسانه من النطق بما يجب عليه أو الصمت عما لا يعنيه وأدى الحق الذي على فرجه من وضعه في الحلال وكفه عن الحرام جازيته بالجنة. وقال الطيبي: أصل الكلام من يحفظ ما بين لحييه من اللسان والفم مما لا يعنيه من الكلام والطعام يدخل الجنة، وأراد أن يؤكد الوعيد تأكيدًا بليغًا فأبرزه في صورة التمثيل ليشير بأنه واجب الأداء فشبه صورة حفظ المؤمن نفسه بما وجب عليه من أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونهيه وشبه ما يترتب عليه من الفوز بالجنة، وأنه واجب على الله تعالى بحسب الوعد أداؤه وأن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الواسطة والشفيع بينه وبين الله تعالى بصورة شخص له حق واجب الأداء على آخر فيقوم به ضامن يتكفل له بأداء حقه، وأدخل المشبه في جنس صورة المشبه به وجعله فردًا من أفراده ثم ترك المشبه به وجعل القرينة الدالة عليه ما يستعمل فيه من الضمان ونحوه في التمثيل: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} [التوبة: 111] اهـ. وخصّ اللسان والفرج لأنهما أعظم البلاء على الإنسان في الدنيا فمن وقي شرهما وقي أعظم الشر. والحديث أخرجه أيضًا في المحاربين والترمذي في الزهد وقال حسن صحيح غريب. 6475 - حَدَّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (عبد العزيز بن عبد الله) العامري الأويسي الفقيه قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين الزهري العوفي أبو إسحاق المدني (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) بضم الميم ليسكت عن الشر (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره) وفي مسلم فليحسن إلى جاره (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) أي يزد في إكرامه على ما كان يفعل في عياله. 6476 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِىُّ، عَنْ أَبِى شُرَيْحٍ الْخُزَاعِىِّ قَالَ: سَمِعَ أُذُنَاىَ وَوَعَاهُ قَلْبِى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، جَائِزَتُهُ» قِيلَ: مَا جَائِزَتُهُ؟ قَالَ: «يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ» قَالَ: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَسْكُتْ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام قال: (حدّثنا سعيد المقبري عن أبي شريح) بضم الشين المعجمة وفتح الراء وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة خويلد (الخزاعي) بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي وبعد الألف عين مهملة مكسورة العدوي -رضي الله عنه- (قال: سمع أذناي ووعاه قلبي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (الضيافة ثلاثة أيام جائزته) بالرفع في الفرع كأصله. قال في المصابيح: على أنه مبتدأ حذف خبره أي منها جائزته ويكون هذا على رأي من يرى أن الجائزة داخلة في الضيافة لا خارجة عنها، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله، والإمام العيني كالكرماني: المعنى أعطوا جائزته فإن الرواية بالنصب وإن جاءت بالرفع فالمعنى متوجه عليكم جائزته (قيل) يا رسول الله (ما جائزته؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يوم) أي زمان جائزته يوم (وليلة) ولا بد من تقدير هذا المضاف إذ لا يجوز أن يكون الزمان خبرًا عن الجثة وهذا يدل على أن الجائزة بعد الضيافة وهو أن يقري ثلاثة أيام ثم يعطي ما يجوز به مسافة ثلاثة أيام أو قوله جائزته الخ جملة مستأنفة مبينة الأولى أي بره وإلطافه يوم وليلة وفي اليومين الأخيرين يكون كالقوم يقدم له ما حضر وسبق ما في ذلك (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل

24 - باب البكاء من خشية الله

خيرًا أو ليسكت) عن الشر وما يجر إليه. والحديث سبق في الأدب. 6477 - حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِى النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي الأسدي قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع أيضًا (ابن أبي حازم) عبد العزيز بن سلمة بن دينار. قال الحافظ: وقع عند أبي نعيم في المستخرج من طريق إسماعيل القاضي عن إبراهيم بن حمزة شيخ البخاري فيه أن عبد العزيز بن أبي حازم وعبد العزيز بن محمد الدراوردي حدثاه عن يزيد، فيحتمل أن يكون إبراهيم لما حدث به البخاري ذكر عبد العزيز الدراوردي وعلى الأول لا إشكال وعلى الثاني يتوقف الجواز على أن اللفظ للاثنين سواء أو أن المذكور ليس هو لفظ المحذوف، وأن المعنى عليهما متحد تفريعًا على جواز الرواية بالمعنى، ويؤيد الأول أن البخاري أخرج بهذا الإسناد بعينه إلى محمد بن إبراهيم حديثًا جمع فيه بين ابن أبي حازم والدراوردي وهو في باب فضل الصلاة انتهى من الفتح (عن يزيد) من الزيادة ابن عبد الله المعروف بابن الهاد (عن محمد بن إبراهيم) التيمي (عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي) وثبت ابن عبيد الله في رواية أبي ذر (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن العبد ليتكلم) ولأبي ذر يتكلم بإسقاط اللام (بالكلمة) أي بالكلام فهو من إطلاق الكلمة على الكلام (ما يتبين) يتدبر ما (فيها) ولا يتفكر في قبحها وما يترتب عليها ولأبي ذر عن الكشميهني ما يتقي بدل ما يتبين فيها ثابت للحموي والكشميهني (يزل) بفتح التحتية وكسر الزاي بعدها لام مشددة (بها) بتلك الكلمة (في النار أبعد ما بين المشرق). قال في الكواكب: لفظ بين يقتضي دخوله على المتعدد والمشرق متعدد لأن مشرق الصيف غير مشرق الشتاء وبينهما بعد كثير أو اكتفى بأحد المتقابلين عن الآخر مثل {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81] وزاد مسلم والإسماعيلي من رواية بكر بن نصر عن يزيد بن الهاد والمغرب. ورجال الإسناد مدنيون وفيه ثلاثة من التابعين في نسق واحد، وأخرجه مسلم في (¬1) والترمذي في الزهد وقال: حسن غريب والنسائي في الرقائق وفي رواية أبي ذر تأخير هذا الحديث عن لاحقه، وسقط الأول وهو حديث عيسى بن طلحة من رواية النسفيّ. 6478 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، يَعْنِى ابْنَ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِى جَهَنَّمَ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون وبعد التحتية الساكنة راء المروزي أنه (سمع أبا النضر) بالضاد المعجمة هاشم بن أبي القاسم التميمي الخراساني قال: (حدّثنا عبد الرَّحمن بن عبد الله يعني ابن دينار) سقط لأبي ذر يعني ابن دينار (عن أبيه) عبد الله (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن العبد ليتكلم بالكلمة) بالكلام المفهم المفيد (من رضوان الله) ما يرضي الله (لا يلقي) بضم التحتية وكسر القاف (لها) للكلمة (بالاً) أي قلبًا (يرفع الله) به (بها درجات) كأن يحصل بها دفع مظلمة عن مسلم أو تفريج كربة ولأبي ذر عن الكشميهني يرفعه الله بها درجات (وإن العبد ليتكلم بالكلمة) عند ذي سلطان جائر يريد بها هلاك مسلم أو المراد أنه يتكلم بكلمة خنا أو يعرض بمسلم بكبيرة أو بمجون أو استخفاف بشريعة وإن كان غير معتقد أو غير ذلك (من سخط الله) أي ما لا يرضى الله تعالى به ومن سخط الله حال من الكلمة أو صفة لأن اللام جنسية فلك اعتبار المعنى واعتبار اللفظ والجملة الفعلية إما حال من ضمير العبد المستكن في ليتكلم أو صفة لها بالاعتبارين المذكورين قاله في المصابيح (لا يلقي لها بالاً) أي يتكلم بها على غفلة من غير تثبت ولا تأمل (يهوي) بفتح التحتية وسكون الهاء وكسر الواو (بها في جهنم) قال ابن عبد البر: هي كلمة السوء عند السلطان الجائر، وقال ابن عبد السلام: هي الكلمة التي لا يعرف حسنها من قبحها فيحرم على الإنسان أن يتكلم بما لا يعرف حسنه من قبحه. 24 - باب الْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (باب) فضل (البكاء من خشية الله) عز وجل. 6479 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِى خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (محمد بن بشار) بالشين ¬

(¬1) بيّض له الشارح وهو في أواخر الكتاب في أواخر الزهد وترجم له النووي بباب حفظ اللسان اهـ. من هامش نسخة

25 - باب الخوف من الله

المعجمة المشددة بندار قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري قال: (حدثني) بالإفراد (خبيب بن عبد الرَّحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأولى الخزرجي عن (حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (سبعة يظلهم الله) عز وجل أي في ظله يوم لا ظل إلا ظله، والمراد ظل العرش كما في حديث سلمان عند سعيد بن منصور منهم (رجل ذكر الله) زاد في الزكاة خاليًا وهو يحتمل أن يكون المعنى خاليًا من الناس أو من الالتفات إلى غير الله تعالى وإن كان في ملأ (ففاضت) أي سألت (عيناه) زاد الجوزقي من خشية الله وأسند الفيض إلى العين مع أن الفائض هو الدمع لا العين مبالغة لأنه يدل على أن العين صارت دمعًا فياضًا، واقتصر من الحديث هاهنا على موضع الحاجة منه وقد سبق في الزكاة وغيرها تامًّا، وقد ورد في البكاء أحاديث منها حديث أبي ريحانة مرفوعًا: "حرمت النار على عين بكت من خشية الله" رواه أحمد وصححه الحاكم ورواه النسائي أيضًا. والحديث (¬1). 25 - باب الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ (باب) فضل (الخوف من الله) عز وجل وسبق تعريفه قريبًا. 6480 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِىٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يُسِىءُ الظَّنَّ بِعَمَلِهِ، فَقَالَ لأَهْلِهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَخُذُونِى فَذَرُّونِى فِى الْبَحْرِ فِى يَوْمٍ صَائِفٍ، فَفَعَلُوا بِهِ فَجَمَعَهُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى الَّذِى صَنَعْتَ؟ قَالَ: مَا حَمَلَنِى إِلاَّ مَخَافَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ». وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم العبسي الكوفي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد الرازي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن ربعي) بكسر الراء وسكون الموحدة وكسر العين المهملة وتشديد التحتية ابن حراش بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وبعد الألف شين معجمة (عن حذيفة) بن اليمان -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (كان رجل ممن كان قبلكم) من بني إسرائيل (يسيء الظن بعمله) في صحيح ابن حبان من طريق ربعي بن حراش أنه كان نباشًا للقبور يسرق أكفان الموتى وعند أبي عوانة من حديث حذيفة عن أبي بكر الصديق أنه آخر أهل الجنة دخولاً فيكون آخر من يخرج من النار، وفي المصابيح أنه كان يقول: أجرني من النار مقتصرًا على ذلك (فقال لأهله) وفي الآتية بنيه (إذا أنا مت فخذوني فذروني) بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء ثلاثي مضاعف من التذرية وبضمها من الذر وهو التفريق (في البحر في يوم صائف) حار بحاء مهملة فألف فراء مشددة (ففعلوا به) ذلك (فجمعه الله) عز وجل (ثم قال) تعالى له: (ما حملك على الذي صنعت؟ قال: ما حملني) عليه (إلا مخافتك فغفر له). والحديث سبق في ذكر بني إسرائيل. 6481 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ رَجُلاً «فِيمَنْ كَانَ سَلَفَ أَوْ قَبْلَكُمْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً وَوَلَدًا يَعْنِى أَعْطَاهُ، قَالَ: فَلَمَّا حُضِرَ قَالَ لِبَنِيهِ: أَىَّ أَبٍ كُنْتُ قَالُوا خَيْرَ أَبٍ قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا»، فَسَّرَهَا قَتَادَةُ لَمْ يَدَّخِرْ «وَإِنْ يَقْدَمْ عَلَى اللَّهِ يُعَذِّبْهُ فَانْظُرُوا فَإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِى حَتَّى إِذَا صِرْتُ فَحْمًا فَاسْحَقُونِى أَوْ قَالَ: فَاسْهَكُونِى، ثُمَّ إِذَا كَانَ رِيحٌ عَاصِفٌ فَأَذْرُونِى فِيهَا، فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَرَبِّى فَفَعَلُوا فَقَالَ اللَّهُ: كُنْ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ» ثُمَّ قَالَ: أَىْ عَبْدِى مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ أَوْ فَرَقٌ مِنْكَ، فَمَا تَلاَفَاهُ أَنْ رَحِمَهُ اللَّهُ» فَحَدَّثْتُ أَبَا عُثْمَانَ فَقَالَ: سَمِعْتُ سَلْمَانَ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ فَأَذْرُونِى فِى الْبَحْرِ أَوْ كَمَا حَدَّثَ. وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ عُقْبَةَ، سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا معتمر) بضم الميم وسكون العين المهملة بعدها فوقية مفتوحة ميم مكسورة فراء قال: (سمعت أبي) سليمان التيمي يقول: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن عقبة بن عبد الغافر) الأزدي العوذي أبي بهار البصري (عن أبي سعيد) سعد بن مالك ولأبي ذر زيادة الخدري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (ذكر رجلاً) لم يسم (فيمن كان سلف) أي من بني إسرائيل (أو) قال في زمن من كان (قبلكم) بالشك من الراوي عن قتادة (آتاه الله مالاً وولدًا) بمدّ آتاه (يعني أعطاه) الله وزاد أبو ذر عن الكشميهني مالاً قال في الفتح: ولا معنى لإعادة مالاً بمفردها (قال: فلما حضر) بضم الحاء المهملة أي حضره أوان الموت (قال لبنيه: أيّ أب كنت لكم)؟ بنصب أي خبر كان تقدم وجوبًا للاستفهام وسقط لفظ لكم لغير أبي ذر (قالوا): كنت (خير أب) ويجوز الرفع أي أنت خير أب (قال: فإنه لم يبتئر) بفتح التحتية وسكون الموحدة بعدها فوقية مفتوحة فهمزة مكسورة فراء (عند الله خيرًا. فسرها قتادة) بن دعامة أي (لم يدخر) عند الله خيرًا (وإن يقدم على الله) بفتح التحتية وسكون القاف وفتح المهملة مجزوم على الشرطية (يعذبه) بالجزم أيضًا جزاؤه (فانظروا فإذا مت فأحرقوني) بهمزة قطع (حتى إذا صرت فحمًا فاسحقوني) بالحاء المهملة والقاف (أو قال فاسهكوني) بالهاء والكاف بدلهما بالشك من الراوي قيل والسحق الدق ناعمًا والسهك دونه (ثم) ولأبي ذر عن الكشميهني حتى (إذا كان ريح عاصف ¬

(¬1) كذا بياض بالأصل.

26 - باب الانتهاء عن المعاصى

فأذروني) بقطع الهمزة المفتوحة في الفرع كأصله من الثلاثي المزيد أي طيروني (فيها فأخذ مواثيقهم) عهودهم (على) أن يفعلوا به (ذلك) أي الذي قال لهم (وربي) أي قال لمن أوصاه: قل وربي لأفعلن ذلك أو هو قسم من المخبر بذلك عنهم ليصح خبره، وفي مسلم ففعلوا به ذلك وربي فتعين أنه قسم من الخبر (ففعلوا) به ما قال لهم (فقال الله) تعالى له (كن فإذا رجل قائم) مبتدأ وخبر وجاز وقوع المبتدأ نكرة محضة بعد إذا المفاجأة لأنها من القرائن التي تتحصل بها الفائدة كقولك انطلقت فإذا سبع في الطريق قاله ابن مالك (ثم قال) الله تعالى له: (أي عبدي ما حملك على ما فعلت) من أمرك بنيك بإحراقك وتذريتك (قال) حملني عليه (مخافتك أو فرق) بفتح الراء خوف (منك) شك الراوي أي اللفظين قال (فما تلافاه) بالفاء أي تداركه (أن رحمه الله) سقطت الجلالة لأبي ذر. واستشكل إعرابه إذ مفهومه عكس المقصود وأجيب: بأن ما موصولة أي تلافاه هو الرحمة أو نافية وأداة الاستفهام محذوفة لقيام القرينة كما هو رأي السهيلي أي فما تداركه إلا بأن رحمه. قال سليمان التيمي أو قتادة: (فحدثت أبا عثمان) عبد الرَّحمن بن مل النهدي (فقال: سمعت سلمان) الفارسي أي يحدث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمثل هذا الحديث (غير أنه زاد فأذروني في البحر) بهمزة قطع مفتوحة ولأبي ذر فاذروني بهمزة وصل يقال: ذرت الريح التراب وغيره ذروًا وأذرته وذرته أطارته وأذهبته، وقال في المشارق يقال: ذريت الشيء وذروته ذريًا وذروا وأذريت أيضًا رباعي وذريت بالتشديد إذا بددته وفرقته وقيل إذا طرحته مقابل الريح كذلك (أو كما حدث) شك الراوي يريد أنه بمعنى حديث أبي سعيد لا بلفظه كله. (وقال معاذ): هو ابن معاذ التميمي فيما وصله مسلم (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة أنه قال: (سمعت عقبة) بن عبد الغافر قال: (سمعت أبا سعيد) زاد أبو ذر الخدري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). والحديث سبق في بني إسرائيل ويأتي إن شاء الله تعالى في التوحيد وأخرجه مسلم في التوبة. 26 - باب الاِنْتِهَاءِ عَنِ الْمَعَاصِى (باب) وجوب (الانتهاء عن المعاصي). 6482 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلِى وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِى اللَّهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ: رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَىَّ وَإِنِّى أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَا النَّجَاءَ فَأَطَاعَتْهُ طَائِفَةٌ فَأَدْلَجُوا عَلَى مَهْلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْهُ طَائِفَةٌ فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَاجْتَاحَهُمْ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (محمد بن العلاء) بفتح العين ممدودًا ابن كريب الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة) اسمه عامر أو الحارث (عن) جده (أبي بردة عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مثلي) بفتح الميم والمثلثة والمثل الصفة العجيبة الشأن يوردها البليغ على سبيل التشبيه لإرادة التقريب (ومثل ما بعثني الله) عز وجل أي به إليكم فالعائد محذوف (كمثل رجل أتى قومًا) بالتنكير للشيوع (فقال) لهم إني (رأيت الجيش) المعهود (بعيني) بتشديد التحتية بالتثنية، ولأبي ذر عن الكشميهني بعيني بالإفراد كذا في الفرع وأصله. وقال الحافظ ابن حجر: وبعيني بالتثنية للكشميهني (وإني أنا النذير العريان) بضم العين المهملة وسكون الراء بعدها تحتية من التعري قيل الأصل فيه أن رجلاً لقي جيشًا فسلبوه وأسروه فانفلت إلى قومه فقال: إني رأيت الجيش وسلبوني فرأوه عريانًا فتحققوا صدقه لأنهم كانوا يعرفونه ولا يتهمونه في النصيحة ولا جرت عادته بالتعري فقطعوا بصدقه لهذه القرائن فضرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنفسه ولما جاء به مثلاً بذلك لما أبداه من الخوارق والمعجزات الدالة على القطع بصدقه تقريبًا لإفهام المخاطبين بما يألفونه ويعرفونه، وقيل المراد المنذر الذي تجرد عن توبه وأخذ يرفعه ويديره حول رأسه إعلامًا لقومه بالغارة وكان من عادتهم أن الرجل إذا رأى الغارة فجأتهم وأراد إنذار قومه يتعرى من ثيابه ويشير بها ليعلم أن قد فجأهم أمر مهم ثم صار مثلاً لكل ما يخاف مفأجاته (فالنجاء النجاء) بالمد والهمز فيهما في الفرع وبالقصر فيهما وبمد الأولى وقصر الثانية تخفيفًا ولأبي ذر فالنجاة بهاء التأنيث بعد

الألف بالنصب في الكل على الإغراء أي اطلبوا النجاء أو النجاة بأن تسرعوا الهرب فإنكم لا تطيقون مقاومة ذلك الجيش (فأطاعته طائفة) ولأبي ذر فأطاعه بالتذكير لأن المراد بعض القوم (فأدلجوا) بهمزة قطع وسكون الدال المهملة وبعد اللام المفتوحة جيم مضمومة ساروا أول الليل أو كله (على مهلهم) بفتحتين بالسكينة والتأني وفي الفرع كأصله بسكون الهاء وهو الإمهال لكن قال: في الفتح إنه ليس مرادًا هنا (فنجوا) من العدوّ ولأبي ذر فادّلجوا بالوصل وتشديد المهملة ساروا آخر الليل لكن قال في الفتح: إنه لا يناسب هذا المقام (وكذبته طائفة فصبحهم الجيش) أتاهم صباحًا (فاجتاحهم) بجيم ساكنة بعدها فوقية فألف فحاء مهملة استأصلهم أي أهلكهم. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الاعتصام ومسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 6483 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّمَا مَثَلِى وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِى تَقَعُ فِى النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَقْتَحِمُونَ فِيهَا». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن عبد الرَّحمن) بن هرمز الأعرج (أنه حدثه) حدث أبا الزناد (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إنما مثلي ومثل الناس) المراد بضرب المثل زيادة الكشف والتبيين ولضرب الأمثال في إبراز خفيات المعاني ورفع الأستار عن الحقائق تأثير ظاهر واستعير المثل للحال أو الصفة أو القصة إذا كان لها شأن وفيها غرابة كأنه قيل حال الناس العجيبة الشأن في دعائي إياهم إلى الإسلام المنقذ لهم من النار ومثل ما زينت لهم أنفسهم من التمادي على الباطل (كمثل رجل) كحال رجل (استوقد) أوقد (نارًا) المثل في الثلاث بفتح الميم والمثلثة ووقود النار سطوعها وهو جوهر لطيف مضيء حار محرق واشتقاقها من نار ينور إذا نفر لأن فيها حركة واضطرابًا {فلما أضاءت ما حوله} الإضاءة فرط الإنارة ومصداقه قوله تعالى: {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورًا} [يونس: 5] وأضاءت متعدية فما موصولة مفعول به أي أضاءت النار ما حول المستوقد، ويجوز أن تكون متعدية فيسند الفعل إلى ما على تأويل أضاءت الأماكن التي حول المستوقد أو يسند إلى ضمير النار فعلى هذا ينتصب ما حوله على الظرفية أي أضاءت النار في الأمكنة التي حول المستوقد وإنما أضاء إشراق النار في حولها لا هي نفسها، لكن يجعل إشراق ضوء النار بمنزلة إشراق النار في نفسها لأن ضوء النار لما كان محيطًا بالمستوقد مشرقًا فيما حوله غاية الإشراق أسند الفعل إلى النار نفسها إسنادًا للفعل إلى الأصل كقولهم بنى الأمير المدينة قاله في فتوح الغيب وجواب فلما قوله (جعل الفراش) بفتح الفاء والراء المخففة وبعد الألف معجمة دواب مثل البعوض في الأصل واحدتها فراشة وهي التي تطير وتتهافت في السراج بسبب ضعف أبصارها فهي بسبب ذلك تطلب ضوء النهار فإذا رأت السراج بالليل ظنت أنها في بيت مظلم وأن السراج كوّة في البيت المظلم إلى الموضع المضيء ولا تزال تطلب الضوء وترمي بنفسها إلى الكوة فإذا جاوزتها ورأت الظلام ظنت أنها لم تصب الكوة ولم تقصدها على السداد فتعود إليها حتى تحترق (وهذه الدواب) جمع دابة (التي تقع في النار) كالبرغش والبعوض والجندب ونحوها (يقعن فيها فجعل الرجل) ولأبي ذر عن الكشميهني وجعل بالواو بدل الفاء (ينزعهن) بنون قبل الزاي وفي رواية يزعهن بإسقاط النون من وزعه يزعه وزعًا فهو وازع إذا كفه ومنعه (ويغلبنه) بسكون الغين المعجمة والموحدة (فيقتحمن فيها) فيدخلن في النار (فأنا آخذ بحجزكم) بضم الخاء المعجمة وبحجزكم بضم الحاء المهملة وفتح الجيم بعدها زاي جمع حجزة وهي معقد الإزار. قيل صوابه حجزهم بالهاء المهملة لأن السابق إنما مثلي ومثل الناس. وأجيب: بأنه التفات من الغيبة إلى الخطاب اعتناء بشأن الحاضرين في وقوع الموعظة من قلوبهم أتم موقع ومثل ذلك من محاسن الكلام، فكيف يدعي أن الصواب خلافه وفيه التفات من الغيبة في قوله: ومثل الناس

27 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:

إلى الخطاب في قوله وأنا آخذ بحجزكم (عن) المعاصي التي هي سبب للولوج في (النار) فهو من وضع المسبب موضع السبب (وهم) التفات من الخطاب في قوله بحجزكم إلى الغيبة ولأبي ذر عن الكشميهني وأنتم (يقتحمون) يدخلون (فيها). قال في شرح المشكاة: تحقيق التشبيه الواقع في هذا الحديث يتوقف على معرفة معنى قوله {ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} [البقرة: 229] وذلك أن حدود الله هي محارمه ونواهيه كما في الصحيح إلا أن حمى الله محارمه ورأس المحارم حب الدنيا وزينتها واستيفاء لذتها وشهواتها فشبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إظهار تلك الحدود من الكتاب والسنّة باستنقاذ الرجال من النار وشبه فشوّ ذلك في مشارق الأرض ومغاربها بإضاءة تلك النار ما حول المستوقد وشبه الناس وعدم مبالاتهم بذلك البيان وتعديهم حدود الله وحرصهم على استيفاء تلك اللذات والشهوات ومنعه إياهم عن ذلك بأخذ حجزهم بالفراش التي يقتحمن في النار ويغلبن المستوقد على دفعهن عن الاقتحام كما أن المستوقد كان غرضه من فعله انتفاع الخلق به من الاستضاءة والاستدفاء وغير ذلك والفراش لجهلها جعلته سببًا لهلاكها، فكذلك القصد بتلك البيانات اهتداء الأمة واجتنابها ما هو سبب هلاكهم وهم مع ذلك لجهلهم جعلوها مقتضية لتردّيهم وفي قوله: آخذ بحجزكم استعارة مثل حالة منعه الأمة عن الهلاك بحالة رجل أخذ بحجرة صاحبه الذي كان يهوي في مهواة مهلكة اهـ. وهذا الحديث سبق في باب قول الله تعالى {ووهبنا لداود سليمان} [ص: 30] مختصرًا. 6484 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ، عَنْ عَامِرٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة (عن عامر) الشعبي أنه قال: (سمعت عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص -رضي الله عنه- (يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: المسلم) الكامل (من سلم المسلمون) والمسلمات (من لسانه ويده) إلا في حد أو تعزير أو تأديب مع انضمام باقي الصفات التي هي أركان الإسلام وعبّر باللسان دون القول ليدخل فيه من أخرج لسانه استهزاء بصاحبه وخص اليد لأن سلطنة الأفعال إنما تظهر بها (والمهاجر) أي المهاجر حقيقة (من هجر) ترك (ما نهى الله عنه) على لسان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام وفيه تطييب قلب من لم يهاجر إلى المدينة لفوات ذلك بفتح مكة أو قاله تنبيهًا للمهاجر أن لا يتكل على مجرد الهجرة ويقصر في العمل. والحديث سبق في الإيمان. 27 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا). 6485 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين المهملة وفتح القاف بن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب) بفتح الياء التحتية المشددة (أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو تعلمون ما أعلم) من عقاب الله للعصاة وشدة مناقشته للعباد وكشف السرائر وجواب لو قوله (لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا) فكل من كان بربه أعرف كان من ربه أخوف ومن علامة شدة الخوف دوام انزعاج القلب لتوقع ما يستوجبه من العقوبة لما يأتيه من الجرم ونحول البدن والخشية والبكاء. 6486 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قاضي مكة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن موسى بن أنس) الأنصاري قاضي البصرة (عن) أبيه (أنس) أي ابن مالك (رضي الله عنه) أنه (قال: قال النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا) قال الشيخ أبو حامد: هذا الحديث من الأسرار التي أودعها الله قلب الأمين الصادق محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا يجوز إفشاء سرها فإن صدور الأحرار قبور الأسرار، بل كان يذكر لهم

28 - باب حجبت النار بالشهوات

ذلك حتى يبكوا ولا يضحكوا فإن البكاء ثمرة شجرة حياة القلب الحي بذكر الله واستشعار عظمته وهيبته وجلاله والضحك نتيجة القلب الغافل عن ذلك اهـ. وفي الحديث كما قال في الكواكب: من البديع مقابلة الضحك بالبكاء والقلة بالكثرة ومطابقة كل منهما بالآخر. 28 - باب حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ هذا (باب) بالتنوين (حجبت النار بالشهوات) فمن هتك الحجاب بارتكاب الشهوات المحرمة كالزنا وغيره مما منع الشرع منه كان ذلك سببًا لوقوعه في النار أعاذنا الله من ذلك ومن سائر المهالك بمنه وكرمه. 6487 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام ابن أنس بن مالك الأصبحي أبو عبد الله المدني (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (حجبت النار بالشهوات) المستلذة مما منع الشارع من تعاطيه بالأصالة كالخمر والزنا والملاهي وإما لكون فعله يستلزم ترك شيء من الواجبات ويلتحق بذلك الشبهات والإكثار مما أبيح خشية أن يوقع في المحرم، والمعنى لا توصل إلى النار إلا بتعاطي الشهوات إذ هي محجوبة بها فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب ومثل ذلك ابن العربي هذا المتعاطي للشهوات الأعمى عن التقوى الذي قد أخذت الشهوات بسمعه وبصره فهو يراها ولا يرى النار التي هي فيها لاستيلاء الجهالة والغفلة على قلبه بالطائر الذي يرى الحبة في داخل الفخ وهي محجوبة به، ولا يرى الفخ لغلبة شهوة الحبة على قلبه وتعلق باله بها (وحجبت الجنة بالمكاره) مما أمر المكلف به كمجاهدة نفسه في العبادات والصبر على مشاقها والمحافظة عليها وكظم الغيظ والعفو والإحسان إلى المسيء والصبر على المصيبة والتسليم لأمر الله فيها واجتناب المنهيات، وأطلق عليها مكاره لمشقتها على العامل وصعوبتها عليها، ولمسلم "حفت" بالحاء المهملة المضمومة والفاء المفتوحة المشدّدة في الموضعين من الحفاف وهو ما يحيط بالشيء حتى لا يتوصل إليه إلا بتخطيه فالجنة لا يتوصل إليها إلا بقطع مفاوز المكاره والنار لا ينجى منها إلا بترك الشهوات. وهذا الحديث من جوامع كلمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبديع بلاغته في ذم الشهوات وإن مالت إليها النفوس والحض على الطاعات وإن كرهتها النفوس وشقت عليها. والحديث من أفراده وليس هو في الموطأ. 29 - باب الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ هذا (باب) بالتنوين (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله) وهو السير الذي يدخل فيه إصبع الرجل ويطلق أيضًا على كل سير وقي به القدم من الأرض (والنار مثل ذلك). 6488 - حَدَّثَنِى مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالأَعْمَشِ عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (موسى بن مسعود) النهدي بفتح النون أبو حذيفة البصري قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (والأعمش) سليمان كلاهما (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الجنة أقرب إلى أحدكم) إذا أطاع ربه (من شراك نعله والنار) إذا عصاه (مثل ذلك) فلا يزهدن في قليل من الخير فلعله يكون سببًا لرحمة الله به ولا فى قليل من الشر أن يجتنبه فربما يكون فيه سخط الله تعالى أسأل الله تعالى العافية. والحديث من أفراده. 6489 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَصْدَقُ بَيْتٍ قَالَهُ الشَّاعِرُ: أَلاَ كُلُّ شَىْءٍ مَا خَلاَ اللَّهَ بَاطِلُ» وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي بفتح النون بعدها زاي البصري المعروف بالزمن قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك بن عمير) بضم العين مصغرًا (عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (أصدق بيت قاله الشاعر) لبيد بن ربيعة العامري ثم الكلابي ثم الجعفري يكنى أبا عقيل ذكره البخاري وابن خيثمة وغيرهما في الصحابة سكن الكوفة ومات بها في خلافة عثمان وعاش مائة وخمسين سنة وقيل أكثر (ألا كلّ شيء ما خلا الله) أي ما عداه تعالى وعدا صفاته الذاتية والفعلية

30 - باب لينظر إلى من هو أسفل منه، ولا ينظر إلى من هو فوقه

(باطل) أي هالك وكل شيء سوى الله جائز عليه الفناء وإن خلق فيه البقاء بعد ذلك كالجنة والنار، وأطلق البيت وأراد به البعض فإن الذي ذكره هنا نصفه وهو المصراع الأول، أو المراد هو ومصراعه الآخر وهو: وكل نعيم لا محالة زائل. وفي رواية شريك عند مسلم أشعر كلمة تكلمت بها العرب. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن كل شيء ما خلا الله في الدنيا الذي لا يؤول إلى طاعة الله ولا يقرب منه إذا كان باطلاً يكون الاشتغال به مبعدًا من الجنة مع كونها أقرب إليه من شراك نعله والاشتغال بالأمور التي هي داخلة في أمر الله تعالى يكون مبعدًا من النار مع كونها أقرب إليه من شراك نعله قاله في عمدة القاري، وقال: إنه من الفيض الإلهي الذي وقع في خاطره، وقال في فتح الباري: مناسبة الحديث الثاني للترجمة خفية وكأن الترجمة لما تضمنت ما في الحديث الأول من التحريض على الطاعة، ولو قلت والزجر عن المعصية، ولو قلت تضمنت أن من خالف ذلك إنما يخالفه لرغبة في أمر من أمور الدنيا وكل ما في الدنيا باطل كما صرح به الحديث الثاني فلا ينبغي للعاقل أن يؤثر الفاني على الباقي. والحديث سبق في أيام الجاهلية. 30 - باب لِيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَلاَ يَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لينظر) أي الإنسان (إلى من هو أسفل منه) من الناس في الدنيا (ولا ينظر إلى من هو فوقه) فيها ليشكر الله على ما أنعم به عليه. 6490 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِى الْمَالِ وَالْخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأصبحي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه) بضم الفاء وكسر الضاد المعجمة المشددة (في المال والخلق) بفتح الخاء المجمة أي الصورة ويحتمل أن يدخل فيه الأولاد والأتباع وكل ما يتعلق بزينة الحياة الدنيا قال: في الفتح ورأيته في نسخة معتمدة في الغرائب للدارقطني والخلق بضم المعجمة واللام (فلينظر إلى من هو أسفل منه) فيهما وأسفل بفتح اللام مصححًا عليها في الفرع ويجوز الرفع. وزاد مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم، وفي حديث عبد الله بن الشخير رفعه أقلوا الدخول على الأغنياء فإنه أحرى أن لا تزدروا نعمة الله عليكم رواه الحاكم، والازدراء الاحتقار والانتقاص، ولا ريب أن الشخص إذا نظر إلى من هو فوقه لم يأمن أن يؤثر ذلك فيه فدواؤه أن ينظر إلى من هو أسفل منه ليكون ذلك داعيًا إلى الشكر وقال: ابن بطال لا يكون أحد على حالة سيئة من الدنيا إلا يجد من أهلها ما هو أسوأ حالاً منه فإذا تأمل ذلك علم أن نعمة الله وصلت إليه دون كثير ممن فضل عليه بذلك من غير إبراز حبه فيعظم اغتباطه بذلك نعم ينظر إلى من فوقه في الدين فيقتدي به فيه، وفي نسخة عمرو بن أبي شعيب عن أبيه عن جده رفعه خصلتان من كانتا فيه كتبه الله شاكرًا صابرًا من نظر في دنياه إلى من هو دونه فحمد الله على ما فضله به عليه ومن نظر في دينه إلى من هو فوقه فاقتدى به. 31 - باب مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ أَوْ بِسَيِّئَةٍ (باب من همّ بحسنة أو بسيئة). 6491 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا جَعْدٌ أَبُو عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِىُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَرْوِى عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً». وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة عبد الله بن عمرو بن الحجاج المنقري بكسر الميم وفتح القاف بينهما نون ساكنة قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا جعد) بفتح الجيم وسكون العين بعدها دال مهملتين ولأبي ذر جعد بن دينار (أبو عثمان) الرازي التابعي الصغير قال: (حدّثنا أبو رجاء) عثمان بن تميم (العطاردي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما يروي عن ربه عز وجل) مما تلقاه بلا واسطة أو بواسطة الملك وهو الراجح أنه (قال): (قال: إن الله) عز وجل (كتب الحسنات والسيئات) أي قدرهما في علمه على وفق الواقع أو أمر الحفظة أن تكتب ذلك (ثم بين) أي فصل (ذلك) الذي أجمله في قوله كتب الحسنات والسيئات بقوله (فمن همّ بحسنة) زاد خريم بن فاتك في حديثه

المرفوع المروي في سنن أحمد وصححه ابن حبان يعلم الله أنه قد أشعر بها قلبه وحرص عليها (فلم يعملها) بفتح الميم (كتبها الله) قدرها أو أمر الملائكة الحفظة. بكتابتها (له) أي للذي هم (عنده) تعالى (حسنة كاملة) لا نقص فيها فلا يتوهم نقصها لكونها نشأت عن الهم المجرد، ولا يقال إن التعبير بكاملة يدل على أنها تضاعف إلى عشر لأن ذلك هو الكمال لأنه يلزم منه مساواة من نوى الخير بمن فعله والتضعيف مختص بالعامل قال تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] والمجيء بها هو العمل بها والعندية هنا للشرف، ويحتمل أن يكتبها تعالى بمجرد الهم وإن لم يعزم عليها زيادة في الفضل، وقيل إنما تكتب الحسنة بمجرد الإرادة لأن إرادة الخير سبب إلى العمل وإرادة الخير خير لأن إرادة الخير من عمل القلب وقوله فلم يعملها ظاهره حصول الحسنة بمجرد الترك لمانع أو لا، ويتجه أن يتفاوت عظم الحسنة بحسب المانع فإن كان خارجيًّا قصد الذي هم مستمر فهي عظيمة القدر وإن كان الترك من قبل الذي هم فهي دون ذلك فإن قصد الإعراض عنها جملة، فالظاهر أن لا يكتب له حسنة أصلاً لا سيما إن عمل بخلافها كأن هم أن يتصدق بدرهم مثلاً فصرفه بعينه في معصية فإن قلت كيف اطلع الملك على قلب الذي يهم به العبد أجيب بأن الله تعالى يطلعه على ذلك ويخلق له علمًا يدرك به ذلك، ويدل للأوّل حديث أبي عمران الجوني عند ابن أبي الدنيا قال: ينادي الملك اكتب لفلان كذا وكذا فيقول: يا رب إنه لم يعمله فيقول إنه نواه وقيل بل يجد الملك للهم بالحسنة رائحة طيبة والسيئة رائحة خبيثة (فإن هو همّ بها) بالحسنة وسقط لفظ هو لأبي ذر (فعملها) بكسر الميم ولأبي ذر وعملها بالواو بدل الفاء (كتبها الله) قدرها أو أمر الحفظة بكتابتها الله) للذي عملها (عنده) تعالى اعتناء بصاحبها وتشريفًا له (عشر حسنات) قال تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] وهذا أقل ما وعد به من الأضعاف (إلى سبعمائة ضعف) بكسر الضاد مثل (إلى أضعاف كثيرة) بحسب الزيادة في الإخلاص وصدق العزم وحضور القلب وتعدي النفع قال في الكشاف: ومضاعفة الحسنات فضل ومكافأة السيئات عدل، ونقل صاحب فتوح الغيب عن الزجاج أنه قال: المعنى غامض لأن المجازاة من الله تعالى على الحسنة بدخول الجنة شيء لا يبلغ وصف مقداره فإذا قال: عشر أمثالها أو سبعمائة أو أضعافًا كثيرة فمعناه أن جزاء الله تعالى على التضعيف للمثل الواحد الذي هو النهاية في التقدير وفي النفوس. قال الطيبي: فعلى هذا لا يتصوّر في الحسنات إلا الفضل (ومن همّ بسيئة فلم يعملها) بفتح الميم خوفًا من الله تعالى كما في حديث أبي هريرة من طريق الأعرج الآتي إن شاء الله تعالى في التوحيد (كتبها الله) عز وجل قدرها أو أمر الحفظة بكتابتها (له) للذي هم بها (عنده حسنة كاملة) غير ناقصة ولا مضاعفة إلى العشر. وحديث ابن عباس هذا مطلق قيد بحديث أبي هريرة أو يقال حسنة من ترك بغير استحضار الخوف دون حسنة الآخر، أو يحمل كتابة الحسنة على الترك أن يكون التارك قد قدر على الفعل ثم تركه لأن الإنسان لا يسمى تاركًا إلا مع القدرة، فإن حال بينه وبين حرصه على الفعل مانع فلا. وذهب القاضي الباقلاني وغيره إلى أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن عليها نفسه أنه يأثم، وحمل الأحاديث الواردة في العفو عمن هم بسيئة ولم يعملها على الخاطر الذي يمرّ بالقلب ولا يستقر. قال الماوردي: وخالفه كثير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين، ونقل ذلك عن نص الشافعي ويدل له حديث أبي هريرة عند مسلم بلفظ: فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإن الظاهر أن المراد العمل هنا عمل الجارحة بالمعصية المهموم بها وتعقبه القاضي عياض بأن عامة السلف على ما قاله ابن الباقلاني لاتفاقهم على المؤاخذة بأعمال القلوب، لكنهم قالوا: إن العزم على السيئة يكتب سيئة مجرّدة لا السيئة التي هم أن يعملها كمن يأمر بتحصيل معصية ثم لا يفعلها بعد حصولها فإنه يأثم

32 - باب ما يتقى من محقرات الذنوب

بالأمر المذكور لا بالمعصية وقد تظاهرت نصوص الشريعة بالمؤاخذة على عزم القلب المستقر كقوله تعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم} [النور: 19]. والحاصل أن كثيرًا من العلماء على المؤاخذة بالعزم المصمم، وافترق هؤلاء فمنهم من قال يعاقب عليه في الدنيا بنحو الهم والغم، ومنهم من قال: يوم القيامة لكن بالعتاب لا بالعقاب واستثنى قوم ممن قال: بعدم المؤاخذة على الهم بالمعصية ما وقع بحرم مكة ولو لم يصمم لقوله تعالى {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} [الحج: 25] لأن الحرم يجب اعتقاد تعظيمه فمن همّ بالمعصية فيه خالف الواجب بانتهاك حرمته وانتهاك حرمة المحرم بالمعصية يستلزم انتهاك حرمة الله على ما لا يخفى فصارت المعصية في الحرمة أشد من المعصية في غيره ومن هم بالمعصية قاصدًا الاستخفاف بالحرم عصى ومن همّ بمعصية الله قاصدًا الاستخفاف بالله كفر وإنما العفو عنه الهم بالمعصية مع الذهول عن قصد الاستخفاف اهـ ملخصًا من الفتح. (فإن هو همّ بها) أي بالسيئة وثبت لفظ هو لأبي ذر عن الحموي والمستملي (فعملها) بكسر الميم (كتبها الله له) للذي عملها (سيئة واحدة) من غير تضعيف ولمسلم من حديث أبي ذر فجزاؤه بمثلها أو يغفر له، وله في آخر حديث ابن عباس أو يمحها أي يمحها بالفضل أو بالتوبة أو بالاستغفار أو بعمل الحسنة التي تكفر السيئة، واستثنى بعضهم وقوع المعصية في حرم مكة لتعظيمها والجمهور على التعميم في الأزمنة والأمكنة لكن قد تتفاوت بالعظم. وفي الحديث بيان سعة فضل الله على هذه الأمة إذ لولا ذلك كاد أن لا يدخل أحد الجنة لأن عمل العباد للسيئات أكثر من عملهم للحسنات. والحديث أخرجه مسلم في الإيمان والنسائي في القنوت والرقائق. 32 - باب مَا يُتَّقَى مِنْ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ (باب ما يتقى) بضم أوله وفتح ثالثه أي ما يجتنب (من محقرات الذنوب) بفتح الفاف المشددة وهي التي يحتقرها فاعلها. 6492 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مَهْدِىٌّ، عَنْ غَيْلاَنَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالاً هِىَ أَدَقُّ فِى أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ، إِنْ كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُوبِقَاتِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَعْنِى بِذَلِكَ الْمُهْلِكَاتِ. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا مهدي) بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الدال المهملة بعدها تحتية مشددة ابن ميمون الأزدي (عن غيلان) بفتغ الغين المعجمة وسكون التحتية بوزن عجلان. قال في المقدمة: هو ابن جرير، وقال في الفتح: هو ابن جامع والسند كله بصريون اهـ. وما في المقدمة هو الصواب فإن ابن جامع وهو المحاربي كوفيّ قاضيها يروي عن قتادة وسماك وابن جرير وهو الأزدي المعولي بصري يروي (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: إنكم لتعملون) بلام التأكيد (أعمالاً هي أدق) بفتح الهمزة والدال المهملة وتشديد القاف أفعل تفضيل من الدقة بكسر الدال أي أحقر وأهون (في أعينكم من الشعر) بفتح المعجمة والمهملة (إن كنا نعدّ) إن مخففة من الثقيلة وحذف الضمير من نعدّ واللام وهو رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي قال ابن مالك: جاز استعمال إن المخففة بدون اللام الفارقة بينها وبين النافية عند الأمن من الالتباس وللكشميهني نعدها أي الأعمال ولغيره كما قال: في الفتح إنه للأكثر لنعدها (على عهد النبيّ) أي زمنه وأيامه ولأبي ذر على عهد رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الموبقات) بموحدة وقاف وللكشميهني من الموبقات. (قال أبو عبد الله) البخاري: (يعني بذلك) أي بالموبقات (المهلكات) بكسر اللام وسقط لفظ بذلك لأبي ذر قال الكرماني ومعنى الحديث راجع إلى قوله تعالى {وتحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم} [النور: 15] اهـ. وقد جزع بعضهم عند الموت فقيل له في ذلك فقال: إني أخاف ذنبًا لم يكن مني على بال وهو عند الله عظيم، وعن أبي أيوب الأنصاري إن الرجل ليعمل الحسنة فيثق بها وينسى المحقرات فيلقى الله وقد أحاطت به، وإن الرجل ليعمل السيئة فلا يزال منها مشفقًا حتى يلقى الله آمنًا أخرجه أسد بن موسى في الزهد. 33 - باب الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ وَمَا يُخَافُ مِنْهَا هذا (باب) بالتنوين (الأعمال بالخواتيم) جمع خاتمة أي الأعمال التي يختم بها عمل الإنسان عند موته (وما يخاف منها) بضم التحتية وفتح المعجمة. 6493 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَيَّاشٍ الأَلْهَانِي الحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ قَالَ: نَظَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنْهُمْ، فَقَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا»، فَتَبِعَهُ رَجُلٌ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَقَالَ بِذُبَابَةِ سَيْفِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ فَتَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا». وبه قال: (حدّثنا علي بن عياش) بالتحتية والمعجمة

34 - باب العزلة راحة من خلاط السوء

(الألهاني) بفتح الهمزة وسكون اللام وبعد الهاء ألف فنون (الحمصي) بكسر المهملتين بينهما ميم ساكنة وسقط قوله الألهاني وما بعده لغير أبي ذر قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح الغين المعجمة والمهملة المشددة محمد بن مطرف (قال: حدثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد الساعدي) -رضي الله عنه- أنه (قال: نظر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهو في غزوة خيبر (إلى رجل) اسمه قزمان بقاف مضمومة فزاي ساكنة فميم فألف فنون (يقاتل المشركين) من يهود خيبر (وكان من أعظم المسلمين غناء عنهم) بفتح الغين المعجمة وبعد النون ألف فهمزة كفاية وأغنى فلان عن فلان ناب عنه وجرى مجراه (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا) الرجل (فتبعه رجل) اسمه أكثم بن أبي الجون (فلم يزل على ذلك) من قتال المشركين (حتى جرح) بضم الجيم مبنيًّا للمفعول جرحًا شديدًا وجد ألمه (فاستعجل الموت فقال بذبابة سيفه) طرفه (فوضعه بين ثدييه فتحامل) اتكأ (عليه حتى خرج) السيف (من بين كتفيه) فقتل نفسه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن العبد ليعمل فيما يرى) يظن (الناس عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار ويعمل فيما يرى الناس عمل أهل النار وهو من أهل الجنة) فيه أن ظاهر الأعمال من السيئات والحسنات أمارات وليست بموجبات فإن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به القدر في البداية (وإنما الأعمال بخواتيمها) هو تذييل للكلام السابق مشتمل على معناه لمزيد التقرير كقولهم فلان ينطق بالحق والحق أبلج وفيه أن العمل السابق لا عبرة به، وإنما المعتبر العمل الذي ختم به وفيه حث على مواظبة الطاعات ومراقبة الأوقات وعلى حفظها عن معاصي الله خوفًا أن يكون ذلك آخر عمره وفيه زجر عن العجب والفرح بالأعمال، فرب متكل هو مغرور فإن العبد لا يدري ماذا يصيبه في العاقبة. والحديث سبق في الجهاد في باب لا يقال فلان شهيد ويأتي إن شاء الله تعالى في كتاب القدر بعون الله وتوفيقه. 34 - باب الْعُزْلَةُ رَاحَةٌ مِنْ خُلاَّطِ السُّوءِ هذا (باب) بالتنوين (العزلة) أي الانفراد (راحة من خلاط السوء) بضم الخاء المعجمة وتشديد اللام جمع خليط وهو جمع مستغرب والسوء بفتح السين. 6494 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ حَدَّثَنِى عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَهُ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «رَجُلٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَرَجُلٌ فِى شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ». تَابَعَهُ الزُّبَيْدِىُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَالنُّعْمَانُ عَنِ الزُّهْرِىِّ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَطَاءٍ أَوْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ يُونُسُ وَابْنُ مُسَافِرٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدّثنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (حدثني) بالإفراد (عطاء بن يزيد) الليثي (أن أبا سعيد) سعد بن مالك الخدري (حدثه قال: قيل يا رسول الله. وقال محمد بن يوسف) الفريابي (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرَّحمن بن عمرو الحافظ الفقيه الزاهد قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم (عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- أنه (جاء) ولأبي ذر قال: جاء (أعرابي) لم أقف على اسمه ولا يقال إنه أبو ذر إذ لا يحسن أن يقال إنه أعرابي (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيرهم: (رجل جاهد) في سبيل الله (بنفسه وماله ورجل في شعب من الشعاب) بكسر الشين المعجمة فيهما طريق في الجبل (يعبد ربه) فيه (ويدع الناس) يتركهم (من شره) زاد مسلم من وجه آخر ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة حتى يأتيه اليقين (تابعه) أي تابع شعيبًا (الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة محمد بن الوليد السامي فيما رواه مسلم (وسليمان بن كثير) العبدي فيما رواه أبو داود (والنعمان) بن راشد الجزري فيما وصله أحمد (عن الزهري) محمد بن مسلم (وقال معمر) هو ابن راشد (عن الزهري عن عطاء) هو ابن يزيد (أو) عن (عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أو للشك (عن أبي سعيد) الخدري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا أخرجه أحمد عن عبد الرزاق، وقال: يشك أحمد. وأخرجه مسلم عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن عطاء بغير شك. (وقال يونس) بن يزيد الأيلي فيما وصله الذهلي في الزهريات (وابن مسافر) عبد الرَّحمن بن خالد بن مسافر فيما وصله

35 - باب رفع الأمانة

الذهلي في الزهريات (ويحيى بن سعيد) الأنصاري فيما وصله الذهلي أيضًا (عن ابن شهاب) الزهري (عن عطاء) أي ابن يزيد (عن بعض أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال الكرماني: لعله أبو سعيد الخدري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 6495 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الْمَاجِشُونُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَأْتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ خَيْرُ مَالِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ الْغَنَمُ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ، وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا الماجشون) بكسر الجيم وضم الشين المعجمة ورفع النون عبد العزيز بن عبد الله (عن عبد الرَّحمن بن أبي صعصعة) هو عبد الرَّحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة (عن أبيه) عبد الله بن أبي صعصعة (عن أبي سعيد) ولأبي الوقت زيادة الخدري (أنه سمعه يقول: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يأتي على الناس زمان خير مال الرجل المسلم الغنم) فيه حذف تقديره يكون فيه خير الخ وسقط لفظ الرجل لأبي ذر (يتبع) بسكون الفوقية (بها) بالغنم (شعف الجبال) بفتح الشين المعجمة والعين المهملة بعدها فاء رؤوس الجبال (ومواقع القطر) بطون الأودية إذ هما أماكن الرعي (يفر بدينه) بسبب دينه (من الفتن) وفي قوله: يأتي على الناس زمان الخ إشارة إلى أن خيرية العزلة تكون في آخر الزمان أما زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكان الجهاد فيه مطلوبًا، وأما بعده فتختلف باختلاف الأحوال كما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى بعون الله في كتاب الفتن، وقد قال أبو القاسم القشيري رحمه الله: الخلوة صفة أهل الصفوة، والعزلة من أمارات الموصلة، ولا بدّ للمريد في ابتداء حاله من العزلة عن أبناء جنسه ثم في نهايته من الخلوة لتحققه بأنسه ومن حق العبد إذا آثر العزلة أن يعتقد باعتزاله عن الخلق سلامة الناس من شره اهـ. وفي العزلة فوائد: التفرغ للعبادة وانقطاع طمع الناس عنه وعتبهم عليه والخلاص من مشاهدة الثقلاء والحمقى ويحصل بالمخالطة غالبًا الغيبة والرياء والمخاصمة وسرقة الطبع الرذائل. قال الجنيد: مكابدة العزلة أيسر من مداراة الخلطة اهـ. وإنما كان ذلك لأن مكابدة العزلة اشتغال بالنفس خاصة وردّ لها عما تشتهيه بخلاف مداراة الخلطة بالناس مع اختلاف أخلاقهم وشهواتهم وأغراضهم وما يبدو منهم من الأذى وما يحتاج إليه من الحلم والصفح. نعم قد تجب الخلطة لتحصيل علم أو عمل. 35 - باب رَفْعِ الأَمَانَةِ (باب رفع الأمانة) من الناس حتى يكون الأمين كالمعدوم أو معدومًا. 6496 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر المهملة وتخفيف النون العوفي قال: (حدّثنا فليح بن سليمان) العدوي مولاهم المدني قال: (حدّثنا هلال بن علي) ويقال له هلال بن أبي ميمونة وهلال بن أبي هلال وقد يظن ثلاثة وهو واحد من صغار التابعين (عن عطاء بن يسار) مولى ميمونة بنت الحارث (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة) بضم الضاد المعجمة وكسر التحتية المشددة وهو جواب عن سؤال الأعرابي حيث قال: متى الساعة كما في الحديث المذكور في أول كتاب العلم؟ (قال) الأعرابي (كيف إضاعتها يا رسول الله. قال) عليه الصلاة والسلام: (إذا أسند) بضم الهمزة وسكون المهملة وكسر النون أي فوّض (الأمر) المتعلق بالدين كالخلافة والإمارة والقضاء وغيرها (إلى غير أهله). قال في الكواكب: يأتي بإلى بدل اللام ليدل على تضمين معنى الإسناد أي فوض المناصب كما مر (فانتظر الساعة) الفاء للتفريع أو جواب شرط محذوف أي إذا كان الأمر كذلك فانتظر الساعة. والحديث سبق في أول العلم. 6497 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثَيْنِ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا «أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِى جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ» وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَىْءٌ فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّى الأَمَانَةَ فَيُقَالُ: إِنَّ فِى بَنِى فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِينًا وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ وَمَا فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَقَدْ أَتَى عَلَىَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِى أَيَّكُمْ بَايَعْتُ لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ الإِسْلاَمُ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَىَّ سَاعِيهِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلاَّ فُلاَنًا وَفُلاَنًا». قَالَ الْفِرَبْرِىُّ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: حَدَّثْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَاصِمٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ يَقُولُ: قَالَ الأَصْمَعِىُّ: وَأَبُو عَمْرٍو وَغَيْرُهُمَا جَذْرُ قُلُوبِ الرِّجَالِ، الْجَذْرُ الأَصْلُ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ، وَالْوَكْتُ أَثَرُ الشَّىْءِ الْيَسِيرُ مِنْهُ، وَالْمَجْلُ أَثَرُ الْعَمَلِ فِى الْكَفِّ إِذَا غَلُظَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي البصري قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (سفيان) الثوري قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن زيد بن وهب) الجهني هاجر ففاتته رؤية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأيام أنه قال: (حدّثنا حذيفة) بن اليمان -رضي الله عنه- (قال: حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثين) في ذكر نزول الأمانة وفي ذكر رفعها (رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدّثنا أن الأمانة) التي هي ضد الخيانة أو هي التكاليف (نزلت في جذر قلوب الرجال) بفتح الجيم وسرها وسكون الذال المعجمة الأصل

(ثم علموا) بفتح العين وكسر اللام المخففة بعد نزولها في أصل قلوبهم (من القرآن ثم علموا من السنة) أي أن الإمامة لهم بحسب الفطرة ثم بطريق الكسب من الشريعة، والظاهر أن المراد من الأمانة التكليف الذي كلف الله تعالى به عباده والعهد الذي أخذه عليهم، وقال صاحب التحرير: المراد ها هنا الأمانة المذكورة في قوله تعالى {إنّا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها} [الأحزاب: 72] قال في فتوح الغيب: شبه حالة الإنسان وهي ما كلفه من الطاعة بحالة معروضة لو عرضت على السماوات والأرض والجبال لأبت حملها وأشفقت منها لعظمها وثقل محملها، وحملها الإنسان على ضعفه ورخاوة قوّته إنه ظلوم على نفسه جاهل بأحوالها حيث قبل ما لم تطق حمله هذه الأجرام العظام فقوله حملها على حقيقته، والمراد بالأمانة التكليف. وروى محيي السُّنّة عرض الله الأمانة على أعيان السماوات والأرض والجبال فقال لهن أتحملن هذه الأمانة بما فيها قلن ما فيها؟ قال: إن أحسنتن جوزيتن وإن عصيتن عوقبتن قلن لا يا رب لا نريد ثوابًا ولا عقابًا خشية وتعظيمًا لدين الله، وكان هذا العرض تخييرًا لا إلزامًا أو شبهت هذه الأجرام حال انقيادها وأنها لم تمتنع عن مشيئة الله وإرادته إيجادًا وتكوينًا وتسوية بهيئات مختلفة بحال مأمور مطيع لا يتوقف عن الامتثال إذا توجه إليه أمر آمره المطاع كالأنبياء وأفراد المؤمنين، وعلى هذا فمعنى {فأبين أن يحملنها} أنها بعدما انقادت وأطاعت ثبتت عليها وأدت ما التزمت من الأمانة وخرجت عن عهدتها سوى الإنسان فإنه ما وفى بذلك وخان إنه كان ظلومًا جهولاً. وقال الزجاج: أعلمنا الله تعالى أنه ائتمن بني آدم على ما افترضه عليهم من طاعته وائتمن السماوات والأرض والجبال على طاعته والخضوع له فأما هذه الأجرام فأطعن الله ولم تحمل الأمانة أي أدتها وكل من خان الأمانة فقد احتملها. (وحدّثنا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن رفعها) أي الأمانة (قال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة) بضم الفوقية وفتح الموحدة (من قلبه فيظل أثرها) بالرفع (مثل أثر الوكت) بفتح الواو وبعد الكاف الساكنة فوقية النقطة في الشيء من غير لونه أو هو السواد اليسير أو اللون المحدث المخالف للون الذي كان قبله (ثم ينام النومة فتقبض) الأمانة (فيبقى أثرها مثل المجل) بفتح الميم وسكون الجيم بعدها لام النفاخات التي تخرج في الأيدي عند كثرة العمل بنحو الفأس (كجمر دحرجته على رجلك فنفط) بكسر الفاء (فتراه منتبرًا) بضم الميم وسكون النون وفتح الفوقية وكسر الموحدة مفتعلاً أي مرتفعًا وقال أبو عبيد: منتبرًا منقطعًا (وليس فيه شيء). والمعنى أن الأمانة تزول عن القلوب شيئًا فشيئًا فإذا زال أوّل جزء منها زال نورها وخلفته ظلمة كالوكت وهو اعتراض لون مخالف للون الذي قبله، فإذا زال شيء آخر صار كالمجل وهو أثر محكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة، وهذه الظلمة فوق التي قبلها وشبه زوال ذلك النور بعد وقوعه في القلب وخروجه بعد استقراره فيه واعتقاب الظلمة إياه بجمر يدحرجه على رجله حتى يؤثر فيها ثم يزول الجمر ويبقى النفط قاله صاحب التحرير، وذكر النفط اعتبارًا بالعضو وثم في قوله ثم ينام النومة للتراخي في الرتبة وهي نقيضة ثم في قوله ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة (فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أحدهم (يؤدي الأمانة فيقال إن في بني فلان رجلاً أمينًا ويقال للرجل ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان) ذكر الإيمان لأن الأمانة لازمة الإيمان وليس المراد هنا أن الأمانة هي الإيمان قال: حذيفة (ولقد أتى عليّ زمان وما) ولأبي ذر ولا (أبالي أيكم بايعت) أي مبايعة البيع والشراء (لئن كان مسلمًا رده عليّ الإسلام) بتشديد ياء عليّ لغير أبي ذر ولأبي ذر عن المستملي بالإسلام (وإن كان نصرانيًّا ردّه عليّ ساعيه) وإليه الذي أقيم عليه بالأمانة فينصفني منه

36 - باب الرياء والسمعة

ويستخرج حقي منه أو المراد الذي يتولى قبض الجزية أنه كان يعامل من شاء غير باحث عن حاله وثوقًا بأمانته فإنه إن كان مسلمًا فدينه يمنعه من الخيانة ويحمله على أداء الأمانة (فأما اليوم) فذهبت الأمانة فلست أثق اليوم بأحد أأتمنه (فما كنت أبايع إلا فلانًا وفلانًا) أي أفرادًا من الناس قلائل وذكر النصراني على سبيل التمثيل وإلاّ فاليهودي أيضًا كما صرح بهما في مسلم. والحديث أخرجه بسنده ومتنه في كتاب الفتن وأخرجه مسلم في الإيمان وكذا ابن ماجة. (قال الفربري) محمد بن يوسف (قال أبو جعفر) محمد بن حاتم وراق المؤلّف أي الذي يكتب له كتبه (حدثت أبا عبد الله) محمد بن إسماعيل البخاري وحذف ما حدثه به لعدم احتياجه له إذ ذاك (فقال) البخاري (سمعت أبا أحمد بن عاصم) البلخي (يقول: سمعت أبا عبيد) بضم العين هو القاسم بن سلام (يقول: قال الأصمعي) عبد الملك بن قريب (وأبو عمرو) بفتح العين ابن العلاء القارئ (وغيرهما) هو سفيان الثوري كما عند الإسماعيلي (جذر قلوب الرجال الجذر الأصل من كل شيء) كذا فسروه لكنهم اختلفوا فعند أبي عمرو بكسر الجيم وعند الأصمعي بفتحها (والوكت: أثر الشيء اليسير منه والمجل أثر العمل في الكف إذا غلظ) وهذا كلام أبي عبيد أيضًا وهذا ثابت في رواية أبي ذر عن المستملي وحده. 6498 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ الْمِائَةُ لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أن) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إنما الناس) في أحكام الدين سواء لا فضل فيها لشريف على مشروف ولا لرفيع على وضيع (كالإبل المائة) التي (لا تكاد تجد فيها راحلة) وهي التي ترحل لتركب والراحلة فاعلة بمعنى مفعولة والهاء فيها للمبالغة أي كلها حمولة تصلح للحمل ولا تصلح للرحل والركوب عليها، أو المعنى أن الناس كثير والمرضى منهم قليل، أو المعنى أن الزاهد في الدنيا الكامل فيه الراغب في الآخرة قليل كقلة الراحلة في الإبل والعرب تقول للمائة من الإبل إبل فيقولون لفلان إبل أي مائة بعير، ولفلان إبلان أي مائتان ولما كان لفظ مجرد الإبل ليس مشهور الاستعمال في المائة ذكر المائة للتوضيح وقوله كالإبل المائة فيه كما قال ابن مالك النعت بالعدد، وقد حكى سيبويه عن بعض العرب أخذوا من بني فلان إبلاًً مائة. ومناسبة الحديث للترجمة من حيث إن الناس كثيرون والمرضي منهم قليل كالراحلة في المائة من الإبل وغير المرضي هو من ضيع الفرائض وقد فسر ابن عباس الأمانة بالفرائض. والحديث بهذا السند من إفراده ورواه مسلم من طريق معمر عن الزهري بلفظ تجدون الناس كإبل مائة لا تجدون فيها راحلة. 36 - باب الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ (باب) ذم (الرياء) وهو بكسر الراء وبعد التحتية المخففة ألف فهمزة إظهار العبودية للناس ليحمدوه والمرائي العابد والمراءى له هو الناس والمراءى به هو الخصال الحميدة والرياء هو قصد إظهار ذلك (والسمعة) بضم السين المهملة وسكون الميم وهي التنويه بالعمل ليسمعه الناس فمتعلق الرياء البصر والسمعة السمع. 6499 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِى سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ. وَحَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا يَقُولُ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: غَيْرَهُ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ وَمَنْ يُرَائِى يُرَائِى اللَّهُ بِهِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدثني) بالإفراد (سلمة بن كهيل) بضم الكاف وفتح الهاء ابن يحيى الحضرمي من علماء الكوفة قال البخاري: (وحدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن سلمة) بن كهيل أنه (قال: سمعت جندبًا) بضم الجيم وسكون النون وضم المهملة وفتحها ابن عبد الله البجلي (يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). قال سلمة بن كهيل (ولم أسمع أحدًا) من الصحابة (يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غيره) غير جندب أو مراده كما قال الكرماني ولم يبق من الصحابة حينئذٍ غيره في ذلك المكان، لكن تعقبه في الفتح بأنه كان بالكوفة

37 - باب من جاهد نفسه فى طاعة الله

حينئذٍ أبو جحيفة السوائي وعبد الله بن أبي أوفى وقد روى سلمة عن كل منهما فتعين أن يكون مراده أنه لم يسمع منهما ولا من أحدهما ولا من غيرهما ممن كان موجودًا من الصحابة بغير الكوفة بعد أن سمع من جندب الحديث المذكور عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا (فدنوت) قربت (منه فسمعته يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من سمع سمع الله به) بفتح المهملة والميم المشددة فيهما. قال الحافظ المنذري: أي من أظهر عمله للناس رياء أظهر الله نيته الفاسدة في عمله يوم القيامة وفضحه على رؤوس الأشهاد، وقال في المصابيح: هو على المجازاة من جنس العمل أي من شهر عمله سمعه الله ثوابه ولم يعطه إياه، وقيل من أسمع الناس عمله سمعهم الله إياه وكان ذلك حظه من الثواب، وقال غيره أي من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله فإن الله يجعله حديثًا عند الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم ولا ثواب له في الآخرة (و) كذلك (من يرائي يرائي الله به) بضم التحتية وكسر الهمزة بعدها تحتية للإشباع فيهما فلا يظفر من ريائه إلا بفضيحته وإظهار ما كان يبطنه من سوء الطوية نعود بالله من ذلك، ولابن المبارك في الزهد من حديث ابن مسعود: من سمع سمع الله به ومن راءى راءى الله به ومن تطاول تعاظمًا خفضه الله ومن تواضع تخشعًا رفعه الله، وفي حديث جابر عند الطبراني من طريق محمد بن جحادة عن سلمة بن كهيل في آخر هذا الحديث ومن كان ذا لسانين في الدنيا جعل الله له لسانين من نار يوم القيامة، وليعلم أن الرياء يكون بالبدن كإطراقه رأسه ليرى أنه متخشع، والهيئة في كإبقاء أثر السجود، والثياب كلبسه خشنها وقصيرها جدًّا، والقول كالوعظ وحفظ علوم الجدل وتحريك شفتيه بحضور الناس وكل واحد منها قد يراءى به باعتبار الدين وباعتبار الدنيا وحكم الرياء بغير العبادات حكم طالب المال والجاه وحكم محض الرياء بالعبادة إبطالها وإن اجتمع قصد الرياء وقصد العبادة أعطي الحكم للأقوى، فيحتمل الوجهين في إسقاط الفرض به والمصر على إطلاع الغير على عبادته إن كان لغرض دنيوي كإفضائه إلى الاحترام أو شبهه فهو مذموم وإن كان لغرض أخروي كالفرح بإظهار الله جميله وستره قبيحه أو لرجاء الاقتداء به فممدوح وعليه يحمل ما يحدث به الأكابر من الطاعات، وليس من الرياء ستر المعصية بل ممدوح وإن عرض له الرياء في أثناء العبادة ثم زال قبل فراغها لم يضر، ومتى علم من نفسه القوّة أظهر القربة، وقد قيل: العمل ولو خفت عجبًا مستغفرًا منه. والحديث أخرجه مسلم في آخر الكتاب وابن ماجة في الزهد والله الموفق. 37 - باب مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِى طَاعَةِ اللَّهِ (باب) فضل (من جاهد نفسه في طاعة الله) عز وجل. 6500 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رضى الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ إِلاَّ آخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ: «هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ»؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ» قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: «هَلْ تَدْرِى مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ»؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ». وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون المهملة بعدها موحدة ابن الأسود القيسي البصري ويقال له هداب بفتح أوله وتشديد ثانيه قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى بن دينار العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة البصري قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا أنس بن مالك عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه-) أنه (قال: بينما) بالميم ولأبي ذر بينا بإسقاطها (أنا رديف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) راكب خلفه (ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل) بمد الهمزة وكسر الخاء المعجمة والرحل بالحاء المهملة الساكنة العود الذي يستند إليه الراكب من خلفه، وذكره للمبالغة في شدة قربه ليكون أوقع في نفس سامعه أنه ضبطه وفي رواية عمرو بن ميمون عن معاذ كنت ردف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على حمار يقال له عفير فيحتمل أن يكون المراد بآخرة الرحل موضع آخرة الرحل للتصريح بأنه كان على حمار (فقال) لي: (يا معاذ قلت: لبيك يا رسول الله) لبيك بالتثنية أي إجابة بعد إجابة وهو نصب على المصدر (وسعديك) أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة وإسعادًا بعد إسعاد منصوب أيضًا كلبيك ولأبي ذر رسول الله بحذف أداة النداء (ثم سار) عليه الصلاة والسلام (ساعة ثم قال: يا معاذ قلت لبيك رسول الله

38 - باب التواضع

وسعديك) بحذف حرف النداء كالثالثة (ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ ابن جبل قلت: لبيك رسول الله وسعديك) بتكرار ندائه ثلاثًا للتأكيد (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لي: (هل تدري ما حق الله) عز وجل أي ما يستحقه تعالى (على عباده) مما حتمه عليهم (قلت: الله ورسوله أعلم قال) صلوات الله عليه وسلامه: (حق الله) عز وجل (على عباده أن يعبدوه) أن يطيعوه ويجتنبوا معاصيه (ولا يشركوا به شيئًا) عطف على السابق لأنه تمام التوحيد والجملة حالية أي يعبدونه في حال عدم الإشراك به (ثم سار) عليه الصلاة والسلام (ساعة ثم قال: يا معاذ بن جبل قلت لبيك رسول الله وسعديك) بحذف حرف النداء أيضًا (قال: هل تدري ما حق العباد على الله) تعالى الذي وعدهم به من الثواب والجزاء المتحقق الثابت وقوعه إذ لا خلف لوعده (إذا فعلوه) أي المذكور من العبادة وعدم الإشراك (قلت الله ورسوله أعلم قال: حق العباد على الله أن لا يعذبهم) وفي رواية ابن حبان من طريق عمرو بن ميمون أن يغفر لهم ولا يعذبهم، وفي رواية أبي عثمان يدخلهم الجنة أي لا يعذبهم إذا اجتنبوا الكبائر والمناهي وأتوا بالمأمورات. والحديث هنا رواه همام عن أنس عن معاذ فهو من مسند معاذ وخالفه هشام الدستوائي عن قتادة فقال: عن أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيكون من مسند أنس. قال في الفتح: والمعتمد الأول وهو من الأحاديث التي أخرجها البخاري في ثلاثة مواضع عن شيخ واحد بسند واحد وهي قليلة جدًّا في كتابه وأضاف إليه في الاستئذان موسى بن إسماعيل وقد تتبع بعضهم ما أخرجه في موضع واحد فبلغ عدتها زيادة على العشرين وفي بعضها تصرف في المتن بالاختصار منه. ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن فيه مجاهدة النفس في التوحيد وجهاد المرء نفسه هو الجهاد الأكبر قال تعالى: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} [النازعات: 40] أي علم أن له مقامًا يوم القيامة لحساب ربه ونهى النفس الأمارة بالسوء عن الهوى المردي أي زجرها عن اتباع الشهوات فالمجاهدة تزيل الأخلاق الذميمة وتحصل الأخلاق الحميدة قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت: 69] أي مناهجنا الحميدة واصل المجاهدة وملاكها فطم النفس عن المألوفات وحملها على خلاف هواها في عموم الأوقات. قال أبو علي الدقاق: من زين ظاهره بالمجاهدة حسن الله سرائره بالمشاهدة. والحديث سبق في اللباس. 38 - باب التَّوَاضُعِ (باب) فضل (التواضع) بضم المعجمة وهو من الضعة بكسر أوّله وهي الهوان المراد به إظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه وقال: الجنيد هو خفض الجناح ولين الجانب وفي حديث أبي سعيد رفعه من تواضع لله رفعه الله حتى يجعله في أعلى عليين أخرجه ابن ماجة وصححه ابن حبان، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم والترمذي مرفوعًا: وما تواضع أحد لله إلا رفعه، وفي حديث عياض بن حماد رفعه: إن الله تعالى أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد أخرجه مسلم وأبو داود. 6501 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - كَانَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَاقَةٌ. قَالَ: وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا الْفَزَارِىُّ وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ نَاقَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ، وَكَانَتْ لاَ تُسْبَقُ، فَجَاءَ أَعْرَابِىٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ فَسَبَقَهَا، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَالُوا: سُبِقَتِ الْعَضْبَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ». وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد النهدي الكوفي قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي وفتح الهاء ابن معاوية قال: (حدّثنا حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ناقة قال) البخاري: (وحدثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام كما جزم به الكلاباذي قال: (أخبرنا الفزاري) بفتح الفاء والزاي المخففة وبعد الألف راء مكسورة مروان بن معاوية (وأبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان بالمهملة والتحتية المشدّدة الأزدي كلاهما (عن حميد الطويل عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: كانت ناقة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تسمى العضباء) بفتح المهملة وسكون المعجمة بعدها موحدة ممدودة وصف للمشقوقة الأذن لكن ناقته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم تكن مشقوقة الأذن لكنه صار لقبًا لها (وكانت لا تسبق) بضم الفوقية وفتح الموحدة (فجاء أعرابي على قعود له) بفتح القاف بكر له من الإبل أمكن ظهره من الركوب (فسبقها

فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا: سبقت العضباء) بضم السين والعضباء رفع (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن حقًّا على الله) بتشديد النون (أن لا يرفع شيئًا) ولأبي ذر أن لا يرفع مبنيًّا للمفعول شيء (من الدنيا إلاَّ وضعه) وفي بعض طرق الحديث عند النسائي حق على الله أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا إلاّ وضعه، وبه تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة إذ فيه الحض على التواضع وذم الترفع. وحديث الباب سبق في باب ناقة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من كتاب الجهاد. 6502 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، حَدَّثَنِى شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطُشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَىْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِى، عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (محمد بن عثمان بن كرامة) بفتح الكاف وتخفيف الراء العجلي بكسر العين المهملة وسكون الجيم الكوفي وثبت ابن كرامة لأبي ذر قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة القطواني الكوفي قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) أبو أيوب التميمي قال: (حدثني) بالإفراد (شريك بن عبد الله بن أبي نمر) بفتح النون وكسر الميم القرشي (عن عطاء) هو ابن يسار (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الله) عز وجل (قال: من عادى لي وليًّا) فعيلاً بمعنى مفعول وهو من يتولى الله سبحانه وتعالى أمره قال الله تعالى: {وهو يتولى الصالحين} [الأعراف: 196] ولا يأكله إلى نفسه لحظة بل يتولى الحق رعايته أو هو فعيل مبالغة من الفاعل وهو الذي يتولى عبادة الله وطاعته فعباداته تجري على التوالي من غير أن يتخللها عصيان، وكلا الوصفين واجب حتى يكون الولي وليًّا بحسب قيامه بحقوق الله على الاستقصاء والاستبقاء ودوام حفظ الله إياه في السراء والضراء، ومن شرط الولي أن يكون محفوظًا كما أن من شرط النبي أن يكون معصومًا فكل من كان للشرع عليه اعتراض فهو مغرور مخادع. قال القشيري: والمراد بكون الولي محفوظًا أن يحفظه الله تعالى من تماديه في الزلل والخطأ إن وقع فيهما بأن يلهمه التوبة فيتوب منهما وإلاّ فهما لا يقدحان في ولايته وقوله لي هو في الأصل صفة لقوله وليًّا لكنه لما تقدم صار حالاً، وفي رواية أحمد: من آذى لي وليًّا (فقد آذنته) بمدّ الهمزة وفتح المعجمة وسكون النون أي أعلمته (بالحرب) أي أعمل به ما يعمله العدوّ المحارب من الإيذاء ونحوه، فالمراد لازمه وفيه تهديد شديد لأن من حاربه أهلكه. قال الفاكهاني: وهو من المجاز البليغ لأن من كره من أحب الله خالف الله، ومن خالف الله عانده ومن عانده أهلكه، وإذا ثبت هذا في جانب المعاداة ثبت ضده في جانب الموالاة فمن والى أولياء الله أكرمه الله، ولأبي ذر عن الكشميهني بحرب بإسقاط الألف واللام (وما تقرّب إليّ عبدي) ولأبي ذر عن الكشميهني عبد بحذف التحتية (بشيء أحب إليّ) بفتح أحب صفة لقوله بشيء فهو مفتوح في موضع جر وبالرفع بتقدير هو أحب إليّ (مما افترضت عليه) سواء كان عينًا أو كفاية وظاهر قوله افترضته الاختصاص بما ابتدأ الله فرضيته وهل يدخل ما أوجبه المكلف على نفسه (وما يزال) بلفظ المضارع، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وما زال (عبدي يتقرب إليّ بالنوافل) مع الفرائض كالصلاة والصيام (حتى أحبه فإذا أحببته كنت) ولأبي ذر حتى حببته فكنت (سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها) بضم الطاء في اليونينية وبكسرها في غيرها (ورِجله التي يمشي بها) وزاد عبد الواحد بن ميمون عن عروة عن عائشة عند أحمد والبيهقي في الزهد وفؤاده الذي يعقل به ولسانه الذي يتكلم به. وفي الحديث أنس: ومن أحببته كنت له سمعًا وبصرًا ويدًا ومؤيدًا وهو مجاز وكناية عن نصرة العبد وتأييده وإعانته حتى كأنه سبحانه ينزل نفسه من عبده منزلة الآلات التي يستعين بها، ولذا وقع في رواية: فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي، قاله العوفي، أو أن سمعه بمعنى مسموعه لأن المصدر قد جاء بمعنى المفعول مثل: فلان أملي بمعنى مأمولي، والمعنى أنه لا يسمع إلا ذكري، ولا يلتذ إلا بتلاوة كتاب، ولا يأنس إلا بمناجاتي، ولا ينظر إلا في عجائب ملكوتي، ولا يمدّ يده إلا فيما فيه رضاي

ورِجله كذلك قاله الفاكهاني. وقال الاتحادية: إنه على حقيقته وإن الحق عين العبد محتجين بمجيء جبريل في صورة دحية وللشيخ قطب الدين القسطلاني كتاب بديع في الردّ على أصحاب هذه المقالة أثابه الله، وعن أبي عثمان الحيري أحد أئمة الصوفية مما أسنده عنه البيهقي في الزهد قال: معنى الحديث كنت أسرع إلى قضاء حوائجه من سمعه في الاستماع، وعينه في النظر، ويده في اللمس، ورِجله في المشي (وإن سألني) زاد عبد الواحد عبدي (لأعطينه) ما سأل (ولئن استعاذني) بالنون بعد الذال المعجمة في الفرع كأصله وبالموحدة في غيرهما (لأعيذنه) أي مما يخاف. وفي حديث أبي أمامة عند الطبراني والبيهقي في الزهد وإذا استنصرني نصرته. وفي حديث حذيفة عند الطبراني: ويكون من أوليائي وأصفيائي، ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة (وما ترددت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس المؤمن) أي ما ردّدت رسلي في شيء أنا فاعله كترديدي إياهم في نفس المؤمن كما في قصة موسى عليه السلام وما كان من لطمه عين ملك الموت وتردّده إليه مرة بعد أخرى، وأضاف تعالى ذلك لنفسه لأن ترددهم عن أمره (يكره الموت) لما فيه من الألم العظيم (وأنا أكره مساءته) بفتح الميم والمهملة بعدها همزة ففوقية. وقال الجنيد: الكراهة هنا لما يلقى المؤمن من الموت وصعوبته، وليس المعنى أني أكره له الموت لأن الموت يورده إلى رحمة الله تعالى ومغفرته، وقال غيره: لما كانت مفارقة الروح الجسد لا تحصل إلا بألم عظيم جدًّا والله تعالى يكره أذى المؤمن أطلق على ذلك الكراهة، ويحتمل أن تكون المساءة بالنسبة إلى طول الحياة لأنها تؤدي إلى أرذل العمر وتنكيس الخلق والردّ إلى أسفل سافلين، وفي ذلك دلالة على شرف الأولياء ورفعة منزلتهم حتى لو تأتى أنه تعالى لا يذيقهم الموت الذي حتمه على عباده لفعل، ولهذا المعنى ورد لفظ التردّد كما أن العبد إذا كان له أمر لا بدّ له أن يفعله بحبيبه لكنه يؤلمه، فإن نظر إلى ألمه انكف عن الفعل، وإن نظر إلى أنه لا بدّ له منه أن يفعله لمنفعته أقدم عليه فيعبر عن هذه الحالة في قلبه بالتردّد فخاطب الله الخلق بذلك على حسب ما يعرفون ودلهم به على شرف الوليّ عنده ورفعة درجته. وهذا الحديث في سنده خالد بن مخلد القطواني، قال الذهبي في الميزان، قال أبو داود: صدوق، وقال أحمد: له مناكير، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال ابن سعد: منكر الحديث مفرط التشيع، وذكره ابن عدي ثم ساق له عشرة أحاديث استنكرها، ومما انفرد به ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن كرامة عنه، وذكر حديث الباب: من عادى لي وليًّا الخ ثم قال: فهذا حديث غريب جدًّا لولا هيبة الجامع الصحيح لعدّوه في منكرات خالد وذلك لغرابة لفظه ولأنه مما ينفرد به شريك وليس بالحافظ، ولم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد، ولا خرّجه ما عدا البخاري ولا أظنه في مسند أحمد اهـ. وتعقبه الحافظ ابن حجر فقال: إنه ليس في مسند أحمد جزمًا وإطلاق أنه لم يرو إلا بهذا الإسناد مردود وبأن شريكًا شيخ شيخ خالد فيه مقال أيضًا، لكن للحديث طرق يدل مجموعها على أن له أصلاً منها عن عائشة أخرجه أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الزهد من طريق عبد الواحد بن ميمون عن عروة عنها، وذكر ابن حبان وابن عدي أنه تفرد به وقد قال البخاري: إنه منكر الحديث لكن أخرجه الطبراني من طريق يعقوب بن مجاهد عن عروة وقال: لم يروه عن عروة إلا يعقوب وعبد الواحد، ومنها عن أبي أمامة أخرجه الطبراني والبيهقي في الزهد بسند ضعيف، ومنها عن علي عند الإسماعيلي في مسند علي، وعن ابن عباس أخرجه الطبراني وسنده ضعيف، وعن أنس أخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني وفي سنده ضعف، وعن حذيفة أخرجه الطبراني مختصرًا وسنده حسن غريب، وعن معاذ بن جبل أخرجه ابن ماجة وأبو نعيم في الحلية مختصرًا وسنده ضعيف أيضًا، وعن وهب بن منبه مقطوعًا أخرجه أحمد في الزهد

39 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بعثت أنا والساعة كهاتين» {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شىء قدير} [النحل: 77]

وأبو نعيم في الحلية اهـ. ومناسبة الحديث للترجمة تستفاد من لازم قوله: من عادى لي وليًّا لأنه يقتضي الزجر عن معاداة الأولياء المستلزم لموالاتهم وموالاة جميع الأولياء لا تتأتى إلا بغاية التواضع إذ منهم الأشعث الأغبر الذي لا يؤبه له أو أن التقرب بالنوافل لا يكون إلا بغاية التواضع لله والتذلل له تعالى. 39 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ» {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} [النحل: 77] (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بُعثت أنا والساعة) بالنصب (كهاتين) أي كما بين هاتين الأصبعين السبابة والوسطى، وقوله تعالى: ({وما أمر الساعة}) أي وما أمر قيام الساعة في سرعته وسهولته ({إلا كلمح البصر}) إلا كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها ({أو هو أقرب}) أو أمرها أقرب منه بأن يكون في زمان نصف تلك الحركة بل في الآن الذي تبتدئ فيه فإنه تعالى يحيي الخلائق دفعة وما يوجد دفعة كان في آن وأو للتخيير بمعنى بل قاله البيضاوي كالزمخشري، وتعقبه أبو حيان بأن الاضراب على قسمين وكلاهما لا يصح هنا؛ أما أحدهما بأن يكون إبطالاً للإسناد السابق وأنه ليس هو المراد فهذا يستحيل هنا لأنه يؤول إلى إسناد غير مطابق، والثاني أن يكون انتقالاً من شيء إلى شيء من غير إبطال لذلك الشيء السابق وهذا مستحيل هنا أيضًا للتنافي الذي بين الإخبار بكونه مثل لمح البصر في السرعة والإخبار بالأقربية فلا يمكن صدقهما معًا اهـ. وقيل: المعنى أن قيام الساعة وإن تراخى فهو عند الله كالشيء الذي يقولون فيه هو كلمح البصر أو هو أقرب مبالغة في استقرابه ({إن الله على كل شيء قدير}) (النحل: 77] وسقط لأبي ذر قوله {أو هو أقرب} الخ. وقال بعد قوله: {إلا كلمح البصر} الآية. 6503 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ» هَكَذَا وَيُشِيرُ بِإِصْبَعَيْهِ فَيَمُدُّ بِهِمَا. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح الغين المعجمة والمهملة محمد بن مطرف قال: (حدّثنا أبو حازم) بالحاء والزاي سلمة بن دينار (عن سهل) هو ابن سعد الساعدي الأنصاري أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بُعثث) بضم الموحدة (أنا والساعة) بالرفع في الفرع كأصله. قال القاضي عياض: عطف على الضمير المجهول في بعثت، وقال أبو البقاء العكبري: في إعراب المسند بالنصب والواو معنى مع قال: ولو قرئ بالرفع لفسد المعنى لأنه لا يقال بعثت الساعة ولا هو في موضع المرفوع لأنها لم توجد بعد، وأجيب: بأنها نزلت منزلة الموجودة مبالغة في تحقق مجيئها، وأجاز غيره الوجهين بل جزم القاضي عياض بأن الرفع أحسن لما مر والمعنى بعثت ويوم القيامة (هكذا) ولأبي ذر عن الكشميهني كهاتين (ويشير) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بإصبعيه) السبابة والوسطى (فيمدّ بهما) ليميزهما عن سائر الأصابع، ولأبي ذر فيمدهما بإسقاط الموحدة، وفي رواية سفيان عن أبي حازم في اللعان وقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى، وفي رواية أبي ضمرة عن أبي حازم عند ابن جرير وضم بين إصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام، وقال: "ما مثلي ومثل الساعة إلا كفرسي رهان" وعند أحمد والطبراني بسند حسن في حديث بريدة: "بعثت أنا والساعة إن كادت لتسبقني". 6504 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ وَأَبِى التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي وزاد غير أبي ذر هو الجعفي بضم الجيم وسكون العين المهملة قال: (حدّثنا وهب بن جرير) بفتح الجيم ابن حازم الأزدي الحافظ قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (وأبي التياح) بفتح الفوقية والتحتية المشددتين وبعد الألف حاء مهملة يزيد من الزيادة الضبعي بالضاد المعجمة المفتوحة وضم الموحدة بعدها مهملة مكسورة كلاهما (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (بعثت والساعة) أي معها ولأبي ذر: أنا والساعة (كهاتين) وفي مسلم من طريق خالد بن الحارث عن شعبة هكذا، وقرن شعبة المسبحة والوسطى، ولمسلم أيضًا من طريق غندر عن شعبة عن قتادة قال شعبة: وسمعت قتادة يقول في قصصه: كفضل إحداهما على الأخرى فلا أدري أذكره عن أنس أو قاله قتادة أي من قِبل نفسه، قال القاضي البيضاوي: معنى الحديث أن نسبة تقدم بعثه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قيام

الساعة كنسبة فضل إحدى الإصبعين على الأخرى. وقال التوربشتي: ويحتمل وجهًا آخر وهو أن يكون المراد منه ارتباط دعوته بالساعة لا تفترق إحداهما عن الأخرى، كما أن السبابة لا تفترق عن الوسطى، وقال الطيبي: قوله كفضل إحداهما بدل من قوله كهاتين وموضح له وهو يؤيد الوجه الأول والرفع على العطف، والمعنى بعثت أنا والساعة بعثًا متفاضلاً مثل فضل إحداهما على الأخرى ومعنى النصب لا يستقيم على هذا انتهى. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفتن. 6505 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ أَبِى حَصِينٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ»، يَعْنِى إِصْبَعَيْنِ. تَابَعَهُ إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِى حَصِينٍ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (يحيى بن يوسف) أبو زكريا الزمي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (أبو بكر) هو ابن عياش بالتحتية المشددة آخره شين معجمة (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (بعثت أنا والساعة) بالرفع في اليونينية (كهاتين يعني إصبعين) وعند الطبراني عن هناد بن السري عن أبي بكر بن عياش وأشار بالسبابة والوسطى بدل قوله يعني إصبعين (تابعه) أي تابع أبا بكر (إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبي حصين) يعني سندًا ومتنًا وقد وصلها الإسماعيلي. قال الكرماني: قيل هو إشارة إلى قرب المجاورة، وقيل إلى تقارب ما بينهما طولاً وفضل الوسطى على السبابة لأنها أطول منها بشيء يسير، فالوجه الأول بالنظر إلى العرض، والثاني بالنظر إلى الطول، وقيل أي ليس بينه وبين الساعة نبي غيره مع التقريب لحينها اهـ. والذي يتجه القول بأنه إشارة إلى قرب ما بينهما ولو كان المراد قرب المجاورة لقامت الساعة لاتصال إحدى الإصبعين بالأخرى. قال السفاقسي: قيل قوله كما بين السبابة والوسطى أي في الطول وقال في المفهم على رواية نصب والساعة يكون التشبيه وقع بالانضمام وعلى الرفع بالتفاوت، وفي تذكرة القرطبي المعنى تقريب أمر الساعة قال: ولا منافاة بينه وبين قوله في الحديث الآخر "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" فإن المراد بحديث الباب أنه ليس بينه وبينها نبي كما ليس بين السبابة والوسطى إصبع أخرى ولا يلزم منه علم وقتها بعينه. نعم سياقه يفيد قربها وأن أشراطها متتابعة. وقال الضحاك: أول أشراطها بعثة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد قيل إن نسبة ما بين الأصبعين كنسبة ما بقي من الدنيا إلى ما مضى وأن جملتها سبعة آلاف سنة كما قال ابن جرير في مقدمة تاريخه عن ابن عباس من طريق يحيى بن يعقوب عن حماد بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير عنه: الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة بالموحدة بعدها عين مهملة وقد مضى ستة آلاف ومائة سنة ويحيى هو القاضي الأنصاري. قال البخاري: منكر الحديث وشيخه هو فقيه الكوفة وفيه مقال، وفي حديث أبي داود: والله لا يعجز هذه الأمة من نصف يوم ورواته ثقات لكن رجح البخاري وقفه، وعند أبي داود أيضًا مرفوعًا لأرجو أن لا يعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم، وفسره بخمسمائة سنة، فيؤخذ من ذلك أن الذي بقي نصف سبع وهو قريب ما بين السبابة والوسطى في الطول، لكن الحديث وإن كان رواته موثقين إلا أن فيه انقطاعًا وقد ظهر عدم صحة ذلك على ما لا يخفى لوقوع خلافه ومجاوزة هذا المقدار ولو كان ذلك ثابتًا لم يقع خلافه. وقال ابن العربي: قيل الوسطى تزيد على السبابة نصف سبعها وكذلك الباقي من الدنيا من البعثة إلى قيام الساعة وهذا بعيد ولا يعلم مقدار الدنيا فكيف يتحصل لنا سبع أمد مجهول. وفي الصحيحين من حديث ابن عمر مرفوعًا: أجلكم في أجل من كان قبلكم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس، وعند أحمد بسند حسن من طريق مجاهد عن ابن عمر كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والشمس على قعيقان مرتفعة بعد العصر فقال: "ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من هذا النهار فيما مضى منه". قال في الفتح: وحديث ابن عمر صحيح متفق عليه فالصواب الاعتماد عليه وله محملان. أحدهما: أن المراد بالتشبيه

(تنبيه):

التقريب ولا يراد حقيقة المقدار فيه، والثاني أن يحمل على ظاهره فيكون فيه دلالة على أن مدة هذه الأمة قدر خمس النهار تقريبًا. وقال صاحب الكشف: إن الذي دلت عليه الآثار أن مدة هذه الأمة تزيد على ألف سنة ولا تبلغ الزيادة عليها خمسمائة سنة، وذلك أنه ورد من طرق أن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بعث في آخر الألف السادسة، وورد أن الدجال يخرج على رأس مائة وينزل عيسى عليه السلام فيقتله ثم يمكث في الأرض أربعين سنة وأن الناس يمكثون بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة وأن بين النفختين أربعين سنة فهذه المائتا سنة لا بدّ منها والباقي الآن من الألف سنة وسنتان، وإلى الآن لم تطلع الشمس من مغربها ولا خرج الدجال الذي خروجه قبل طلوع الشمس بعدّة سنين، ولا ظهر المهدي الذي ظهوره قبل الدجال بسبع سنين ولا وقعت الأشراط التي قبل ظهور المهدي، ولا بقي يمكن خروج الدجال عن قرب لأنه إنما يخرج عند رأس مائة وقبله مقدمات تكون في سنين كثيرة فأقل ما يكون أنه يجوز خروجه على رأس الألف إن لم يتأخر إلى مائة بعدها، وإن اتفق خروجه على رأس الألف مكثت الدنيا بعده أكثر من نحو مائتي سنة المائتين المشار إليهما والباقي ما بين خروج الدجال وطلوع الشمس من مغربها، ولا ندري كم هو، وإن تأخر الدجال عن رأس الألف إلى مائة أخرى كانت المدة أكثر، ولا يمكن أن تكون المدة ألفًا وخمسمائة أصلاً، واستدلّ بأحاديث ضعيفة على عادته قال: إنه اعتمد عليها في أن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث في آخر الألف السادسة منها: حديث الضحاك بن زمل الجهني قال: رأيت رؤيا فقصصتها على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحديث وفيه: فإذا أنا بك يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات وأنت في أعلاها درجة فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما المنبر الذي رأيت فيه سبع درجات وأنا في أعلاها درجة فالدنيا سبعة آلاف وأنا في آخرها ألفًا رواه البيهقي في دلائله، فقوله وأنا في آخرها ألفًا أي معظم المدة في الألف السابعة ليطابق أن بعثته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أواخر الألف السادسة ولو كان بعث أول الألف السابعة كانت الأشراط الكبرى كالدجال وجدت قبل اليوم بأكثر من مائة سنة لتقوم الساعة عند تمام الألف ولم يوجد شيء من ذلك فدلّ على أن الباقي من الألف السابعة أكثر من ثلاثمائة سنة اهـ. قلت: قال الحافظ ابن حجر: إن سند هذا الحديث ضعيف جدًّا، وأخرجه ابن السكن في الصحابة وقال: إسناده مجهول وليس ابن زمل بمعروف في الصحابة وابن قتيبة في غريب الحديث، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال ابن الأثير: ألفاظه مصنوعة، وقد أخبر معمر في الجامع عن ابن نجيح عن مجاهد قال معمر: وبلغني عن عكرمة في قوله تعالى: {في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} [المعارج: 4] قال: الدنيا من أولها إلى آخرها يوم كان مقداره خمسين ألف سنة لا يدري كم مضى ولا كم بقي إلا الله تعالى. (تنبيه): وأما ما اشتهر على الألسنة من أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يمكث في قبره ألف سنة فباطل لا أصل له كما صرح به الشيخ عبد العزيز الديريني في الدرر الملتقطة في المسائل المختلطة لكنه قال: إنه مما نقل عن علماء أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار اهـ. ولا يصح ذلك بل كل ما ورد فيه تحديد إما أن يكون لا أصل له أو لا يثبت. وقال الحافظ عماد الدين بن كثير في البداية بعد أن ذكر حديث: ألا أن مثل آجالكم في آجال الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس هذا يدل على أن ما بقي بالنسبة إلى ما مضى كالشيء اليسير لكن لا يعلم مقدار ما مضى إلا الله عز وجل ولم يجيء فيه تحديد يصح سنده عن المعصوم حتى يصار إليه ويعلم نسبة ما بقي بالنسبة إليه، ولكنه قليل جدًّا بالنسبة إلى الماضي، وتعيين وقت الساعة لم يأت به حديث صحيح

40 - باب

بل الآيات والأحاديث دالة على أن علم ذلك مما استأثر الله به دون أحد من خلقه، وقد قال تعالى: {قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو} [الأعراف: 187] وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" فالخوض في ذلك لا يجدي نفعًا ولا يأتي بطائل والله الموفق. 40 - باب هذا (باب) بالتنوين بلا ترجمة فهو كالفصل من الباب السابق، ولأبي ذر عن الكشميهني باب طلوع الشمس من مغربها. 6506 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ فَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَانِهَا خَيْرًا، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلاَنِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلاَ يَتَبَايَعَانِهِ وَلاَ يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلاَ يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهْوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ فَلاَ يَسْقِى فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلاَ يَطْعَمُهَا». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني (عن عبد الرَّحمن) بن هرمز الأعرج (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها) قال في الكواكب: فإن قلت: أهل الهيئة بينوا أن الفلكيات بسيطة لا تختلف مقتضياتها ولا يتطرق إليها خلاف ما هي عليه. قلت: قواعدهم منقوضة ومقدماتهم ممنوعة، ولئن سلمنا صحتها فلا امتناع في انطباق منطقة البروج على معدل النهار بحيث يصير المشرق مغربًا والمغرب مشرقًا اهـ. (فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون فذلك) باللام ولأبي ذر عن الكشميهني فذاك (حين لا ينفع نفسًا إيمانها) كالمختصر إذا صار الأمر عيانًا والإيمان برهانًا (لم تكن آمنت من قبل) صفة نفسًا (أو كسبت في إيمانها خيرًا) عطف على آمنت والمعنى لا ينفع الإيمان حينئذ نفسًا غير مقدمة إيمانها أو مقدمة إيمانها غير كاسبة في إيمانها خيرًا، وسقط لأبي ذر قوله لم تكن آمنت الخ. وقال بعد قوله إيمانها الآية. وفي صحيح مسلم من طريق أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعًا: "ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل طلوع الشمس من مغربها والدجال والدابة". قال في الفتح: والذي يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغيير الأحوال العامة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى عليه السلام وأن طلوع الشمس من مغربها هو أوّل الآيات العظام المؤذنة بتغيير أحوال العالم العلوي وينتهي ذلك بقيام الساعة. وفي مسلم من طريق أبي زرعة عند عبد الله بن عمرو بن العاصي رفعه: "أوّل الآيات طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى فأيهما خرجت قبل الأخرى فالأخرى منها قريب". قال الحاكم أبو عبد الله: الذي يظهر أن طلوع الشمس يسبق خروج الدابة ثم تخرج الدابة في ذلك اليوم أو الذي يقرب منه. قال الحافظ ابن حجر: والحكمة في ذلك أن عند طلوع الشمس من مغربها يغلق باب التوبة فتخرج الدابة تميز المؤمن من الكافر تكميلاً للمقصود من إغلاق باب التوبة، وأوّل الآيات المؤذنة بقيام الساعة النار تحشر الناس كما سبق حديث أنس في بدء الخلق في مسائل عبد الله بن سلام، وفي حديث عائشة المروي عند عبد بن حميد والطبراني بسند صحيح من طريق عامر الشعبي عنها: إذا خرجت أوّل الآيات طرحت الأقلام وطويت الصحف وخلصت الحفظة وشهدت الأجسام على الأعمال، وهذا وإن كان موقوفًا فحكمهُ الرفع. (ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبيهما بينهما) بياء تحتية بعد الموحدة في الفرع وبإسقاطها في اليونينية وهو الظاهر والواو في وقد للحال (فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته) بكسر اللام وسكون القاف بعدها حاء مهملة ذات الدر من النوق (فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه) بفتح المثناة التحتية في الفرع كأصله مصححًا عليه، وفي الفتح بضمها يقال: لاط حوضه إذا مدره أي جمع حجارة فصيّرها كالحوض ثم سدّ ما بينها من الفرج بالمدر ونحوه لينحبس الماء (فلا يسقى فيه ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته) ولأبي ذر وقد رفع أحدكم أكلته بضم الهمزة لقمته (إلى فيه فلا يطعمها) بفتح أوّله وثالثه والمراد أن قيام الساعة يكون بغتة. وهذا الحديث مختصر من حديث يأتي إن شاء الله تعالى

41 - باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

أواخر كتاب الفتن بعون الله وقوته. 41 - باب مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه). 6507 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ، أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَىْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَىْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ». اخْتَصَرَهُ أَبُو دَاوُدَ وَعَمْرٌو، عَنْ شُعْبَةَ، وَقَالَ سَعِيدٌ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا حجاج) بفتح الحاء المهملة والجيم المشددة وبعد الألف جيم أخرى ابن المنهال قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء والميم المشددة ابن يحيى قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس) هو ابن مالك الصحابي -رضي الله عنه- (عن عبادة بن الصامت) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) قال الخطابي: محبة اللقاء إيثار العبد الآخرة على الدنيا ولا يحب طول القيام فيها لكن يستعد للارتحال عنها واللقاء على وجوه منها: الرؤية، ومنها البعث كقوله تعالى: {قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله} [الأنعام: 31] أي بالبعث ومنها الموت كقوله: {من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت} [العنكبوت: 5] اهـ. وقال ابن الأثير: المراد باللقاء المصير إلى الدار الآخرة وطلب ما عند الله وليس الغرض به الموت لأن كلاًّ يكرهه فمن ترك الدنيا وأبغضها أحب لقاء الله ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله ومحبة الله لقاء عبده إرادة الخير له وإنعامه عليه. وقال في الكواكب: فإن قلت: الشرط ليس سببًا للجزاء بل الأمر بالعكس، قلت: مثله يؤوّل بالإخبار أي من أحب لقاء الله أخبره الله بأن الله أحب لقاءه وكذلك الكراهة. وقال في الفتح: وفي قوله أحب الله لقاءه العدول عن الضمير إلى الظاهر تفخيمًا وتعظيمًا ودفعًا لتوهم عود الضمير على الموصول لئلا يتحد في الصورة المبتدأ والخبر ففيه إصلاح اللفظ لتصحيح المعنى، وأيضًا فعود الضمير على المضاف إليه قليل، وقال ابن الصائغ في شرح المشارق: يحتمل أن يكون لقاء الله مضافًا للمفعول فأقامه مقام الفاعل ولقاءه إما مضاف للمفعول والفاعل الضمير أو للموصوف لأن الجواب إذا كان شرطًا فالأولى أن يكون فيه ضمير نعم هو موجود هنا ولكن تقديرًا. (قالت عائشة أو بعض أزواجه:) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورضي الله عنهنّ بأو للشك وجزم سعد بن هشام في روايته عن عائشة بأنها هي التي قالت ذلك ولم يتردّد (إنا لنكره الموت) ظاهره أن المراد بلقاء الله في الحديث الموت وليس كذلك لأن لقاء الله غير الموت يدل عليه قوله في الرواية الأخرى والموت دون لقاء الله، لكن لما كان الموت وسيلة إلى لقاء الله عبرّ عنه بلقاء الله لأنه لا يصل إليه إلا بالموت. قال حسان بن الأسود: الموت جسر يوصل الحبيب إلى حبيبه (قال) عليه الصلاة والسلام: (ليس ذاك) بغير لام مع كسر الكاف ولأبي ذر ذلك (ولكن المؤمن) بتشديد نون لكن ولأبي ذر ولكن المؤمن بالتخفيف ورفع المؤمن (إذا حضره الموت بشّر برضوان الله) عز وجل (وكرامته) بضم الموحدة وكسر الشين المعجمة المشددة (فليس شيء أحب إليه مما أمامه) بفتح الهمزة أي مما يستقبله بعد الموت (فأحب لقاء الله) عز وجل (وأحب الله لقاءه). وفي حديث حميد عن أنس المروي عند أحمد والنسائي والبزار: ولكن المؤمن إذا حضر جاءه البشير من الله وليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي الله فأحب الله لقاءه. وفي رواية عبد الرَّحمن بن أبي ليلى حدثني فلان ابن فلان أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحديث. وفيه: "ولكنه إذا حضر فإما أن يكون من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم فإذا بشر بذلك أحب لقاء الله والله للقائه أحب" رواه أحمد بسند قوي وإبهام الصحابي لا يضر. (وإن الكافر إذا حضر بشر) بضم أولهما وكسر ثانيهما (بعذاب الله وعقوبته فليس شيء أكره إليه مما أمامه) مما يستقبل (كره) بكسر الراء ولأبي ذر فكره (لقاء الله) عز وجل (وكره الله) عز وجل (لقاءه). وفي حديث عائشة عند عبد بن حميد مرفوعًا: "إذا أراد الله بعبد خيرًا قيّض الله قبل موته بعام ملكًا يسدده ويوفقه حتى يقال مات بخير ما كان فإذا حضر ورأى ثوابه اشتاقت نفسه فذلك حين أحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإذا أراد الله بعبد شرًّا

42 - باب سكرات الموت

قيّض الله له قبل موته بعام شيطانًا فأضلّه وفتنه حتى يقال مات بشرّ ما كان عليه فإذا حضر ورأى ما أعدّ الله له من العذاب جزعت نفسه فذلك حين كره لقاء الله وكره الله لقاءه". وحديث الباب أخرجه مسلم في الدعوات والترمذي في الزهد والجنائز والنسائي فيها. (اختصره) أي الحديث (أبو داود) سليمان الطيالسي مما أخرجه الترمذي موصولاً عن محمود بن غيلان عنه (وعمرو) بفتح العين ابن مرزوق مما أخرجه الطبراني في الكبير موصولاً عن أبي مسلم الكجي ويوسف بن يعقوب القاضي كلاهما عن عمرو (عن شعبة) بن الحجاج حيث اقتصر على أصل الحديث ولم يقل فقالت عائشة الخ ... (وقال سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة مما وصله مسلم (عن قتادة) بن دعامة (عن زرارة) بضم الزاي وتكرير الراء بينهما ألف آخره هاء تأنيث ابن أبي أوفى العامري (عن سعد) بسكون العين ابن هشام الأنصاري ابن عمر أنس بن مالك (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 6508 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن العلاء) أبو كريب الهمداني الحافظ قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله بن أبي بردة (عن) جده (أما بردة) بضم الموحدة وسكون الراء الحارث أو عامر (عن) جده (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من أحبّ لقاء الله) عز وجل (أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) فيه أن محبة لقاء الله لا تدخل في النهي عن تمني الموت لأنها ممكنة مع عدم تمنيه لأن النهي محمول على حال الحياة المستمرة أما عند الاختصار والمعاينة فلا تدخل تحت النهي بل هي مستحبة. 6509 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فِى رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ وَهْوَ صَحِيحٌ: «إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِىٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ» فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِى غُشِىَ عَلَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى» قُلْتُ: إِذًا لاَ يَخْتَارُنَا وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِى كَانَ يُحَدِّثُنَا بِهِ قَالَتْ: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْلُهُ: «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (يحيى بن بكير) الحافظ أبو زكريا المخزومي مولاهم المصري نسبه لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين بن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير) بن العوّام (في) جملة (رجال من أهل العلم) أُخر رووا ذلك (أن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) -رضي الله عنها- وسقط قوله زوج النبي الخ لأبي ذر أنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (وهو صحيح إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير) بضم أوله مبنيًّا للمفعول كيقبض أي يخير بين الحياة والموت (فلما نزل به) الموت (ورأسه على فخذي) بكسر الخاء والذال المعجمتين وجواب لما قوله (غشي) بضم الغين المعجمة (عليه ساعة ثم أفاق فأشخص) بفتح الهمزة والخاء المعجمة أي رفع (بصره إلى السقف ثم قال: اللهم) أختار أو أريد (الرفيق الأعلى) أي مرافقة الملائكة أو الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين. قالت عائشة (قلت: إذًا) يعني حينئذ (لا يختارنا) بالنص أي حين اختار مرافقة أهل السماء لا يبتغي أن يختار مرافقتنا من أهل الأرض وبالرفع (وعرفت أنه) أي الأمر الذي حصل له هو (الحديث الذي كان يحدّثنا به) وهو صحيح أنه لم يقبض نبي قط حتى يخير (قالت) عائشة: (فكانت تلك) الكلمة التي هي قوله: اللهم الرفيق الأعلى (آخر كلمة تكلم بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قوله) بالرفع في اليونينية وبالنصب في غيرها على الاختصاص أي أعني قوله (اللهم الرفيق الأعلى). ومطابقة الحديث للترجمة من جهة اختيار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للقاء الله بعد أن خيّر بين الموت والحياة فاختار الموت فينبغي الاستنان به في ذلك، والحديث سبق في الدعوات. 42 - باب سَكَرَاتِ الْمَوْتِ (باب سكرات الموت) جمع سكرة وهي شدته الذاهبة بالعقل. 6510 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ -أَوْ عُلْبَةٌ- فِيهَا مَاءٌ، يَشُكُّ عُمَرُ فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِى الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَيَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ»، ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: «فِى الرَّفِيقِ الأَعْلَى» حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن عبيد بن ميمون) التبان المدني قال: (حدثني عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق أحد الأعلام (عن عمر بن سعيد) بضم العين في الأولى وكسرها في الثانية ابن أبي حسين المكي أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن أن مليكة)

هو عبد الله بن عبد الرَّحمن بن أبي مليكة واسمه زهير (أن أبا عمرو) فتح العين (ذكوان) بفتح الذال المعجمة (مولى عائشة أخبره أن عائشة -رضي الله عنها- كانت تقول: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان بين يديه) في مرض موته (ركوة) بفتح الراء إناء صغير من جلد متخذ للشرب (أو علبة) بضم العين المهملة وسكون اللام بعدها موحدة قدح من خشب ضخم يحلب فيه قاله ابن فارس في المجمل (فيها ماء يشك) بلفظ المضارع، ولأبي ذر شك بلفظ الماضي (عمر) بن سعيد المذكور هل قال: ركوة أو علبة (فجعل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يدخل يديه في الماء فيمسح بهما) بالتثنية فيهما وللحموي والمستملي يده فيمسح بها (وجهه يقول): (لا إله إلا الله إن للموت سكرات) نصب بالكسرة أي شدائد وكان ذلك تكميلاً لفضائله ورفعة لدرجاته (ثم نصب) عليه الصلاة والسلام (يده) بالإفراد (فجعل يقول: في الرفيق) أي أدخلني في جملة الرفيق (الأعلى) أي اخترت الموت (حتى قبض ومالت يده) وقد وصف الله تعالى شدة الموت في أربع آيات {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19] {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت} [الأنعام: 93]. و {إذا بلغت الحلقوم} [الواقعة: 83] و {كلاًّ إذا بلغت التراقي} [القيامة: 26]. وفي حديث جابر بن عبد الله عند ابن أبي شيبة في سننه مرفوعًا: إن طائفة من بني إسرائيل أتوا مقبرة من مقابرهم فقالوا: لو صلينا ركعتين وسألنا الله تعالى يخرج لنا بعض الأموات يخبرنا عن الموت قال: ففعلوا فبينما هم كذلك إذ أطلع لهم رجل رأسه من قبره أسود اللون خلا شيء بين عينيه من أثر السجود فقال: يا هؤلاء ما أردتم إليّ لقد من منذ مائة سنة فما سكنت عني مرارة الموت إلى الآن. وفي الحلية عن مكحول عن واثلة مرفوعًا: "والذي نفسي بيده لمعاينة ملك الموت أشد من ألف ضربة بالسيف" الحديث، فالموت هو الخطب الأفظع، والأمر الأشنع، والكأس التي طعمها أكره وأبشع. وحديث الباب مختصر من حديث مرّ في المغازي وزاد أبو ذر والوقت عن المستملي قال أبو عبد الله أي البخاري: العلبة متخذة من الخشب والركوة من الأدم، وقال اللغوي أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل في كتابه التلخيص مما وجدته في التذكرة: والعلبة قدح الأعراب مثل العس يتخذ من جنب جلد البعير والجمع علاب، وقيل أسفله جلد وأعلاه خشب مدوّر. 6511 - حَدَّثَنِى صَدَقَةُ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأَعْرَابِ جُفَاةً يَأْتُونَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَسْأَلُونَهُ مَتَى السَّاعَةُ؟ فَكَانَ يَنْظُرُ إِلَى أَصْغَرِهِمْ فَيَقُولُ: «إِنْ يَعِشْ هَذَا لاَ يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ». قَالَ هِشَامٌ، يَعْنِى مَوْتَهُمْ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (صدقة) بن الفضل المروزي قال: (أخبرنا عبدة) بفتح المهملة وسكون الموحدة ابن سليمان (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: كان رجال من الأعراب) أي أعرف أسماءهم (جفاة) بالجيم والنصب في اليونينية خبر كان ولأبي ذر: حفاة بالحاء المهملة والرفع لعدم اعتنائهم بالملابس، وقال في الفتح؛ بالجيم للأكثر لأن سكان البوادي يغلب عليهم خشونة العيش فتجفو أخلاقهم غالبًا (يأتون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيسألونه متى الساعة) تقوم (فكان) عليه الصلاة والسلام (ينظر إلى أصغرهم) أحدثهم سنًّا كما في مسلم بمعناه، وفي مسلم أيضًا من حديث أنس وعنده غلام من الأنصار يقال له محمد وفي أخرى له وعنده غلام من أزد شنوءة وفي أخرى له غلام للمغيرة بن شعبة وكان من أقراني. قال في الفتح: ولا تغاير في ذلك وطريق الجمع أنه كان من أزد شنوءة وكان حليفًا للأنصار وكان يخدم المغيرة، وقوله: وكان من أقراني في رواية له من أتراب يريد في السن، وكان سن أنس حينئذ نحو سبع عشرة سنة (فيقول) عليه الصلاة والسلام: (إن يعش هذا) الأحدث سنًّا (لا يدركه الهرم) بجزم يدركه جواب الشرط (حتى تقوم عليكم ساعتكم قال هشام): هو ابن عروة راوي الحديث بالسند السابق إليه (يعني) بقوله ساعتكم (موتهم) لأن ساعة كل إنسان موته فهي الساعة الصغرى لا الكبرى التي هي بعث الناس للمحاسبة، ولا الوسطى التي هي موت أهل القرن الواحد. وقال الداودي مما نقله في الفتح: هذا الجواب من معاريض الكلام لأنه لو قال لهم لا أدري ابتداء مع ما هم فيه من الجفاء

(تنبيه):

وقبل تمكّن الإيمان في قلوبهم لارتابوا فعدل إلى إعلامهم بالوقت الذي ينقرضون فيه، ولو كان الإيمان تمكّن في قلوبهم لأفصح لهم بالمراد، وقال في الكواكب: هذا الجواب من باب أسلوب الحكيم أي دعوا السؤال عن وقت القيامة الكبرى فإنه لا يعلمها إلا الله، واسألوا عن الوقت الذي يقع فيه انقراض عصركم فهو أولى لكم لأن معرفتكم به تبعثكم على ملازمة العمل الصالح قبل فوته لأن أحدكم لا يدري من الذي يسبق الآخر. والحديث من أفراده ومطابقته للترجمة غير ظاهرة. نعم قيل يحتمل أن تكون من قوله موتهم لأن كل موت فيه سكرة. 6512 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِىٍّ الأَنْصَارِىِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: «الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلاَدُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ». [الحديث 6512 - طرفه في: 6513]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (مالك) إمام الأئمة (عن محمد بن عمرو بن حلحلة) بفتح العين، وحلحلة بحاءين مهملتين مفتوحتين ولامين أولاهما ساكنة (عن معبد بن كعب بن مالك) بفتح ميم معبد وسكون عينه بعدها موحدة الأنصاري (عن أبي قتادة) الحارث (بن ربعي) بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها عين مهملة مكسورة (الأنصاري أنه كان يحدث أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ عليه بجنازة) بضم ميم مر وتشديد رائها (فقال): (مستريح ومستراح منه) قال في النهاية: يقال أراح الرجل واستراح إذا رجعت إليه نفسه بعد الإعياء. اهـ. والواو في قوله ومستراح بمعنى أو فهي تنويعية أي لا يخلو ابن آدم عن هذين المعنيين فلا يختص بصاحب الجنازة (قالوا: يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه)؟ وفي رواية الدارقطني إعادة ما (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (للعبد المؤمن) التقي خاصة أو كل مؤمن (يستريح من نصب الدنيا) تعبها ومشقتها (وأذاها) ذاهبًا (إلى رحمة الله) عز وجل. قال مسروق: ما غبطت شيئًا لشيء كمؤمن في لحده أمن من عذاب الله، واستراح من الدنيا وعطف الأذى من عطف العام على الخاص (والعبد الفاجر) الكافر أو العاصي (يستريح منه العباد) لما يأتي به من المنكر لأنهم إن أنكروا عليه آذاهم وإن تركوه أثموا أو لما يقع لهم من ظلمه (والبلاد) بما يأتي به من المعاصي فإنه يحصل به الجدب فيقتضي هلاك الحرث والنسل أو لما يقع له من غصبها ومنعها من حقها (والشجر) لقلعه إياها غصبًا أو غصب ثمرها، وفي شرح المشكاة: وأما استراحة البلاد والأشجار فإن الله تعالى بفقده يرسل السماء عليكم مدرارًا ويحيي به الأرض والشجر والدواب بعدما حبس بشؤم ذنوبه الأمطار، لكن إسناد الراحة إليها مجاز إذ الراحة إنما هي لمالكها (والدواب) لاستعماله لها فوق طاقتها وتقصيره في علفها وسقيها. والحديث أخرجه مسلم والنسائي في الجنائز. 6513 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، حَدَّثَنِى ابْنُ كَعْبٍ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبد ربه بن سعيد) الأنصاري (عن محمد بن عمرو بن حلحلة) أنه قال: (حدثني) بالإفراد (ابن كعب) هو معبد بن كعب بن مالك (عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) لما مُرّ عليه بجنازة: (مستريح ومستراح منه المؤمن يستريح) أي من نصب الدنيا كما مرّ، وقد أورده مختصرًا لم يذكر السؤال والجواب. فإن قلت: ما وجه مناسبة هذا الحديث وسابقه للترجمة؟ أجيب: بأن الميت لا يعدو أحد القسمين إما مستريح أو مستراح منه وكل منهما يجوز أن يشدد عليه عند الموت وأن يخفف، والأول هو الذي يحصل له سكرات الموت ولا يتعلق ذلك بتقواه ولا فجوره، بل إن كان متقيًا ازداد ثوابًا وإلاّ فيكفر عنه بقدر ذلك ثم يستريح من أذى الدنيا الذي هو خاتمته. (تنبيه): وقع هنا في رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة الحموي والمستملي والكشميهني يحيى وهو ابن سعيد عن عبد ربه بن سعيد، وفي مسلم عن يحيى بن عبد الله بن سعيد بن أبي هند قال الغساني: عبد ربه بن سعيد وهم، والصواب المحفوظ عبد الله، وكذا رواه ابن السكن عن الفربري فقال في روايته: عبد الله بن سعيد هو ابن أبي هند، والحديث محفوظ له لا لعبد ربه قال في الفتح، وقال: إن التصريح بابن أبي هند لم يقع في شيء من نسخ البخاري

43 - باب نفخ الصور

والله الموفق. 6514 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاَثَةٌ فَيَرْجِعُ اثْنَانِ، وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيَبْقَى عَمَلُهُ». وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم) بفتح عين عمرو وحاء حزم المهملتين وسكون الزاي أنه (سمع أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يتبع الميت) بسكون الفوقية وفتح الموحدة ولأبي ذر يتبع بتشديد الفوقية وكسر الموحدة وله عن الكشميهني المؤمن وعن المستملي المرء بدل قوله الميت وهذه هي المشهورة (ثلاثة فيرجع اثنان) منها (ويبقى معه واحد يتبعه أهله) حقيقة (وماله) كرقيقه (وعمله) غالبًا فرب ميت لا يتبعه أهل ولا مال (فيرجع أهله وماله) إذا انقضى أمر الحزن عليه سواء أقاموا بعد الدفن أم لا (ويبقى عمله) فيدخل معه القبر، وفي حديث البراء بن عازب عند أحمد ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب حسن الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك. فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح، وقال في حق الكافر: ويأتيه رجل قبيح الوجه فيقول: أنا عملك الخبيث الحديث. قيل ومطابقة الحديث للترجمة في قوله يتبع الميت لأن كل ميت يقاسي سكرة الموت كما سبق. والحديث أخرجه مسلم والترمذي في الزهد والنسائي في الرقائق والجنائز. 6515 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ غُدْوَةً وَعَشِيًّا، إِمَّا النَّارُ وَإِمَّا الْجَنَّةُ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى تُبْعَثَ». وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي يقال له عارم قال: (حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا مات أحدكم عرض عليه) بضم العين وكسر الراء (مقعده) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي على مقعده من باب القلب نحو عرض الناقة على الحوض، والأولى هي الأصل وهذا العرض يقع على الروح حقيقة على ما يتصل به من البدن الاتصال الذي يمكن به إدراك التنعيم أو التعذيب (غدوة) بضم الغين المعجمة أول النهار (وعشيا) آخره بالنسبة إلى أهل الدنيا ولأبي ذر وعشية (إما النار وإما الجنة) بكسر الهمزة فيهما (فيقال) له (هذا مقعدك حتى تبعث) زاد الكشميهني إليه وحينئذٍ فيزداد المؤمن غبطة وسرورًا والكافر حسرة وثبورًا أسأل الله العفو والعافية. والحديث من أفراده. 6516 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدثني (علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة الجوهري البغدادي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا) أي وصلوا (إلى) جزاء (ما قدّموا) من أعمالهم من الخير والشر. ومناسبة الحديث هنا لكونه في أمر الأموات الذين ذاقوا سكرات الموت، ومضى في آخر الجنائز في باب ما ينهى عن سب الأموات. 43 - باب نَفْخِ الصُّورِ قَالَ مُجَاهِدٌ: الصُّورُ كَهَيْئَةِ الْبُوقِ. زَجْرَةٌ: صَيْحَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ النَّاقُورُ: الصُّورُ، الرَّاجِفَةُ: النَّفْخَةُ الأُولَى، وَالرَّادِفَةُ: النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ. (باب نفخ الصور) بضم الصاد المهملة وسكون الواو وليس هو جمع صورة كما زعم بعضهم أي ينفخ في الصور الموتى والتنزيل يدل عليه قال تعالى: {ثم نفخ فيه أخرى} [الزمر: 69] ولم يقل فيها فعلم أنه ليس جمع صورة. (قال مجاهد) هو ابن جبر المفسر فيما وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه (الصور) من قوله تعالى {ونفخ في الصور} [الزمر: 68] هو (كهيئة البوق) الذي يزمر به وقال مجاهد أيضًا (زجرة) أي من قوله {فإنما هي زجرة واحدة} أي (صيحة) وهي عبارة عن نفخ الصور النفخة الثانية كما عبر عنها عن النفخة الأولى في قوله تعالى: {ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم} [يس: 49] الآية. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة (الناقور) من قوله تعالى {فإذا نقر في الناقور} [المدثر: 8] (الصور) أي نفخ فيه والناقور فاعول من النقر بمعنى التصويت وأصله القرع الذي هو سبب الصوت. وقال ابن عباس أيضًا مما وصله ابن أبي حاتم والطبري في قوله تعالى في سورة النازعات {يوم ترجف} [النازعات: 16] {الراجفة} [النازعات: 6] هي (النفخة الأولى) لموت الخلق {والرادفة} [النازعات: 7] هي (النفخة الثانية) للصعق والبعث. وقال في شرح المشكاة، الراجفة الواقعة التي ترجف عندها الأرض والجبال وهي النفخة

الأولى وصفت بما يحدث بحدوثها والرادفة الواقعة التي تردف الأولى وهي النفخة الثانية واختار ابن العربي أنها ثلاث. نفخة الفزع لقوله تعالى {ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض} [النمل: 87] الآية. ونفخة الصعق والبعث لقوله تعالى {ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون} [الزمر: 68] واستدلّ لابن العربي بما في حديث الصور الطويل من قوله ثم ينفخ في الصور ثلاث نفخات نفخة الفزع فيفزع أهل السماء والأرض بحيث تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ثم نفخة الصعق، ثم نفخة القيام لرب العالمين. أخرجه الطبري لكن سنده ضعيف ومضطرب، وصحح القرطبي أنهما نفختان فقط فالأوليان عائدتان إلى واحدة فزعوا إلى أن صعقوا، وفي مسلم عن عبد الله بن عمرو ثم ينفخ في الصور فلا يسمع أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا، ثم يرسل الله مطرًا كأنه الطل فينبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم ينظرون ففيه التصريح بأنهما نفختان فقط. 6517 - حَدَّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالأَعْرَجِ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ: رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِى اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ، فَقَالَ الْيَهُودِىُّ: وَالَّذِى اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ، قَالَ: فَغَضِبَ الْمُسْلِمُ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَطَمَ وَجْهَ الْيَهُودِىِّ، فَذَهَبَ الْيَهُودِىُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُخَيِّرُونِى عَلَى مُوسَى، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلِ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ فَلاَ أَدْرِى أَكَانَ مُوسَى فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِى أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (عبد العزيز بن عبد الله) العامري الأويسي الفقيه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن سعد) بسكون العين الزهري العوفي أبو إسحاق المدني (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن) بن عوف (وعبد الرَّحمن) بن هرمز (الأعرج أنهما حدثاه أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: استبّ رجلان رجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال المسلم: والذي اصطفى محمدًا على العالمين) الملائكة والإنس والجن (فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين قال) أبو هريرة: (فغضب المسلم عند ذلك) القول المستلزم لتفضيل موسى على نبينا صلّى الله عليهما وسلم (فلطم وجه اليهودي فذهب اليهودي إلى رسول الله) ولأبي ذر إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تخيروني) أي لا تفضلوني (على موسى) قاله تواضعًا وإرداعًا لمن يخير بين الأنبياء من قبل نفسه، فإن ذلك يؤدّي إلى العصبية المفضية إلى الإفراط والتفريط فيطرون الفاضل فوق حقه ويبخسون المفضول حقه فيقعون في مهواة الغي، والمعنى لا تخيروني بحيث يؤدّي إلى الخصومة أو لا تفضلوني عليه في العمل فلعلهُ أكثر عملاً مني والثواب بفضل الله لا بالعمل (فإن الناس يصعقون) بفتح العين يغشى عليهم (يوم القيامة) من نفخة البعث (فأكون أوّل) وللكشميهني في أوّل (من يفيق) من الصعق (فإذا موسى) عليه الصلاة والسلام (باطش) بكسر الطاء (بجانب العرش فلا أدري كان موسى فيمن صعق) بكسر العين (فأفاق قبلي) بالتحتية بعد اللام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قبل لعله قال: ذلك قبل أن يعلم أنه أوّل من تنشق عنه الأرض (أو كان ممن استثنى الله) عز وجل الأنبياء أو موسى أو الشهداء أو الموتى كلهم لأنهم لا إحساس لهم فلا يصعقون أو جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت أو الأربعة وحملة العرش أو الملائكة كلهم. قال ابن حزم في الملل: لأنهم أرواح لا أرواح فيها فلا يموتون أصلاً، أو الولدان الذين في الجنة والحور العين أو خزان الجنة والنار وما فيها من الحياة والعقارب. وقال البيهقي: استضعف أهل النظر أكثر هذه الأقوال لأن الاستثناء وقع من سكان السماوات والأرض وهؤلاء ليسوا من سكانهما لأن العرش فوق السماوات فحملته ليسوا من سكانها وجبريل وميكائيل من الصافين حول العرش ولأن الجنة فوق السماوات، والجنة والنار عالمان بانفرادهما خلقتا للبقاء. والحديث سبق في باب ما يذكر في الأشخاص. 6518 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَصْعَقُ النَّاسُ حِينَ يَصْعَقُونَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ قَامَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ، فَمَا أَدْرِى أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ» رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يصعق الناس حين يصعقون فأكون أول من قام فإذا موسى آخذ العرش

44 - باب يقبض الله الأرض

فما أدري أكان فيمن صعق)؟ وتمامه أم لا كما أورده الإسماعيلي ولا يلزم من فضل موسى من هذه الجهة أفضليته مطلقًا. (رواه) أي أصل الحديث المذكور (أبو سعيد) الخدري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كما سبق موصولاً في كتاب الأشخاص. 44 - باب يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ رَوَاهُ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. هذا (باب) بالتنوين (يقبض الله) عز وجل (الأرض) زاد أبو ذر يوم القيامة (رواه) أي قوله يقبض الله الأرض (نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله في التوحيد وهو ثابت هنا في رواية المستملي كما في الفرع كأصله. وقال في الفتح: هذا التعليق سقط هنا في رواية بعض شيوخ أبي ذر. 6519 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِىِّ حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ وَيَطْوِى السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ»؟. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (حدثني) بالإفراد (سعيد بن المسيب) بن حزن الإمام أبو محمد المخزومي أحد الأعلام وسيد التابعين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يقبض الله الأرض) يوم القيامة أي يضم بعضها إلى بعض ويبيدها (ويطوي السماء) أي يذهبها ويفنيها (بيمينه) بقدرته. قال البيضاوي: عبر بذلك عن إفناء الله تعالى هذه المقلة والمظلة ورفعهما من البين وإخراجهما من أن يكونا مأوى ومنزلاً لبني آدم بقدرته الباهرة التي تهون عليها الأفعال العظام التي تتضاءل دونها القوى والقدر وتتحير فيها الأفهام والفكر على طريقة التمثيل والتخييل (ثم يقول) جل وعلا (أنا الملك) بكسر اللام أي ذو الملك على الإطلاق (أين ملوك الأرض) العبد إذا وصف بالملك فوصف الملك في حقه مجاز والله تعالى مالك الملك فالملك مملوك المالك، فإذًا لا ملك ولا مالك إلا هو وكل ملك في الدنيا ملكة عارية منه تعالى مستعار مردود إليه، وإليه الإشارة بقوله في المحشر: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} [غافر: 16] ومن ثم سمى نفسه مالك يوم الدين لأن العارية من الملك والملك عادت وردت إلى مالكها ومعيرها وقوله تعالى: أين ملوك الأرض هو عند انقطاع زمن الدنيا وبعده يكون البعث. والحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد ومسلم في التوبة والنسائي في البعث والتفسير وابن ماجة في السنة. 6520 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلاَلٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَكُونُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِى السَّفَرِ نُزُلاً لأَهْلِ الْجَنَّةِ»، فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ: بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، أَلاَ أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «بَلَى» قَالَ: تَكُونُ الأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً كَمَا قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَنَظَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِلَيْنَا ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ»؟ قَالَ: «إِدَامُهُمْ بَالاَمٌ وَنُونٌ»؟ قَالُوا: وَمَا هَذَا؟ قَالَ: «ثَوْرٌ وَنُونٌ يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير بضم الموحدة وفتح الكاف المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد أبو الحارث الإمام مولى بني فهم وهو من نظراء مالك قال كان مغله فى العام ثمانين ألف دينار فيما وجبت عليه زكاة (عن خالد) هو ابن يزيد من الزيادة الجمحي بضمّ الجيم وفتح الميم وكسر الحاء المهملة (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم أبي العلاء المدني (عن زيد بن أسلم) الفقيه العمري (عن عطاء بن يسار) بالتحتية والمهملة المخففة الهلالي القاص مولى ميمونة (عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (تكون الأرض) أي أرض الدنيا (يوم القيامة خبزة واحدة) بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة وفتح الزاي بعدها هاء تأنيث وهي الطلمة بضم الطاء المهملة وسكون اللام التي توضع في الملة بفتح الميم واللام المشددة الحفرة بعد إيقاد النار فيها. قال النووي: ومعنى الحديث أن الله تعالى يجعل الأرض كالطلمة والرغيف العظيم اهـ. وحمله بعضهم على ضرب المثل فشبهها بذلك في الاستدارة والبياض والأولى حمله على الحقيقة مهما أمكن وقدرة الله صالحة لذلك بل اعتقاد كونه حقيقة أبلغ، وقد أخرج الطبري عن سعيد بن جبير قال: تكون الأرض خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه، ومن طريق أبي معشر عن محمد بن كعب أو محمد بن قيس ونحوه للبيهقي سند ضعيف عن عكرمة: تبدل الأرض مثل الخبزة يأكل منها أهل الإسلام حتى يفرغوا من الحساب، ويستفاد منه أن المؤمنين لا يعاقبون بالجوع في طول زمان الموقف بل يقلب الله بقدرته طبع الأرض حتى يأكلوا منها من تحت أقدامهم ما شاء الله من غير علاج ولا كلفة، وإلى هذا القول ذهب ابن برّجان في كتاب

الإرشاد كما نقله عنه القرطبي في تذكرته. (يتكفؤها) بفتح التحتية ثم الفوقية والكاف والفاء المشددة بعدها همزة أي يقلبها ويميلها (الجبار) تعالى (بيده) بقدرته من هاهنا إلى هاهنا (كما يكفأ) بفتح التحتية وسكون الكاف يقلب (أحدكم خبزته) من يد إلى يد بعد أن يجعلها في الملة بعد إيقاد النار فيها حتى تستوي (في السفر) بفتح المهملة والفاء (نزلاً) بضم النون والزاي وإسكانها مصدر في موضع الحال (لأهل الجنة) يأكلونها في الموقف قبل دخولها أو بعده (فأتى رجل من اليهود) أي أعرف اسمه إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي ذر عن الكشميهني: فأتاه رجل من اليهود (فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم ألا) بالتخفيف (أخبرك) بضم الهمزة وكسر الموحدة (بنزل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بلى) أخبرني (قال) اليهودي: (تكون الأرض خبزة واحدة كما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فنظر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلينا ثم ضحك حتى بدت) ظهرت (نواجذه) إذ أعجبه إخبار اليهودي عن كتابهم بنظير ما أخبر به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من جهة الوحي، وقد كان يعجبهُ موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه فكيف بموافقتهم فيما أنزل عليه والنواجذ بالنون والجيم والذال المعجمة جمع ناجذ وهو آخر الأضراس وقد يطلق عليها كلها وعلى الأنياب (ثم قال) اليهودي وللكشميهني فقال: (ألا أخبرك)؟ يا أبا القاسم ولمسلم أخبركم (بإدامهم) بكسر الهمزة الذي يأكلون به الخبز (قال: أدامهم با) بفتح الموحدة من غير همز (لام) بتخفيف الميم والتنوين مرفوعة (ونون) بلفظ حرف الهجاء التالي منوّنة مرفوعة (قالوا): أي الصحابة (وما) تفسير (هذا؟ قال) اليهودي بل لام (ثور ونون) أي حوت كما حكى النووي اتفاق العلماء عليه. قال: وأما بالام ففي معناه أقوال، والصحيح منها ما اختاره المحققون أنها لفظة عبرانية معناها بها الثور كما فسرها اليهودي، ولو كانت عربية لعرفها الصحابة ولم يحتاجوا إلى سؤاله عنها (يأكل من زائدة كبدهما) القطعة المنفردة المتعلقة بكبدهما وهي أطيبه (سبعون ألفًا) الذي يدخلون الجنة بغير حساب خصوا بأطيب النزل أو لم يرد الحصر بل أراد العدد الكثير قاله القاضي عياش. والحديث أخرجه مسلم في التوبة. 6521 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ نَقِىٍّ» قَالَ سَهْلٌ: أَوْ غَيْرُهُ «لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لأَحَدٍ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) الحكم بن محمد الحافظ أبو محمد الجمحي مولاهم قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير المدني قال: (حدثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار (قال: سمعت سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين فيهما الساعدي -رضي الله عنه- (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقول): (يحشر الناس) بضم التحتية من يحشر مبنيًّا للمفعول أي يحشر الله الناس (يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء) بفتح العين المهملة وسكون الفاء بعدها راء فهمزة ليس بياضها بالناصع أو تضرب إلى الحمرة قليلاً أو خالصة البياض أو شديدته والأوّل هو المعتمد (كقرصة) خبز (نقي) سالم دقيقه من الغش والنخال (قال سهل) هو ابن سعد المذكور بالسند السابق (أو غيره) بالشك. قال في الفتح: ولم أقف على اسم الغير (ليس فيها) أي في الأرض المذكورة (معلم) فتح الميم واللام بينهما عين مهملة ساكنة علامة (لأحد) يستدل بها على الطريق. وقال عياض: ليس فيها علامة سكنى ولا أثر ولا شيء من العلامات التي يهتدى بها في الطرقات كالجبل والصخرة البارزة، وفيه تعريض بأن أرض الدنيا ذهبت وانقطعت العلاقة منها. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والطبري في تفاسيرهم والبيهقي في الشعب من طريق عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى {يوم تبدل الأرض غير الأرض} [إبراهيم: 48] الآية. قال: تبدل الأرض أرضًا كأنها فضة لم يسف فيها دم حرام ولم يعمل عليها خطيئة ورجاله رجال الصحيح وهو موقوف. نعم أخرجه البيهقي من طريق آخر مرفوعًا لكنه قال: الموقوف أصح. وعند الطبري

45 - باب كيف الحشر

من طريق سنان بن سعد عن أنس مرفوعًا: يبدّل الله الأرض بأرض من فضة لم يعمل عليها الخطايا، وعن علي موقوفًا نحوه، ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد أرض كأنها فضة والسماوات كذلك، وعند عبد من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة قال: بلغنا أن هذه الأرض يعني أرض الدنيا تطوى وإلى جنبها أخرى يحشر الناس منها إليها والحكمة في ذلك كما في بهجة النفوس أن ذلك اليوم يوم عدل وظهور حق فاقتضت الحكمة أن يكون المحل الذي يقع فيه ذلك طاهرًا عن عمل المعصية والظلم، وليكون تجليه سبحانه على عباده المؤمنين على أرض تليق بعظمته ولأن الحكم فيه إنما يكون لله وحده فناسب أن يكون المحل خالصًا له وحده اهـ. والحديث أخرجه مسلم في التوبة. 45 - باب كَيْفَ الْحَشْرُ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه بيان (كيف الحشر) وهو الجمع. 6522 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلاَثِ طَرَائِقَ رَاغِبِينَ رَاهِبِينَ، وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ وَثَلاَثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَيَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا: وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِى مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا». وبه قال: (حدّثنا معلى) بضم الميم وفتح العين المهملة واللام المشددة (ابن أسد) البصري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد (عن ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس بن كيسان اليماني (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يحشر الناس) قبيل الساعة إلى الشام (على ثلاث طرائق) أي فرق فرقة (راكبين راهبين) بغير واو في الفرع كأصله في راهبين. وقال في الفتح وراهبين بالواو وفي مسلم بغير واو وهذه الفرقة هي التي اغتنمت الفرصة وسارت على فسحة من الظهر ويسرة من الزاد راغبة فيما تستقبله راهبة فيما تستدبره (و) الفرقة الثانية تقاعدت حتى قل الظهر وضاق عن أن يسعهم لركوبهم فاشتركوا فركب منهم (اثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة) يعتقبون (على بعير) بإثبات الواو في الأربعة في فرع اليونينية كهي وقال الحافظ ابن حجر: بالواو في الأول فقط وفي رواية مسلم والإسماعيلي بالواو في الجميع ولم يذكر الخمسة والستة إلى العشرة اكتفاء بما ذكر (ويحشر) بالتحتية ولأبي ذر بالفوقية (بقيتهم النار) لعجزهم عن تحصيل ما يركبونه وهي الفرقة الثالثة والمراد بالنار هنا نار الدنيا لا نار الآخرة وقيل المراد نار الفتنة وليس المراد نار الآخرة قال الطيبي: لقوله ويحشر بقيتهم النار فإن النار هي الحاشرة ولو أريد ذلك المعنى لقال إلى النار ولقوله: (تقيل) من القيلولة أي تستريح (معهم حيث قالوا: وتبيت) من البيتوتة (معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا) فإنها جملة مستأنفة بيان للكلام السابق فإن الضمير في تقيل راجع إلى النار الحاشرة وهو من الاستعارة فيدل على أنها ليست النار الحقيقية بل نار الفتنة، كما قال تعالى: {كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله} [المائدة: 64] ولا يمتنع إطلاق النار على الحقيقية وهي التي تخرج من عدن وعلى المجازية وهي الفتنة إذ لا تنافي بينهما. وفي حديث حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة عند مسلم المذكور فيه الآيات الكائنة قبل يوم الساعة كطلوع الشمس من مغربها، وفيه: وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس وفي رواية له تطرد الناس إلى حشرهم، وفي حديث معاوية بن حيدة جدّ بهز بن حكيم رفعه: إنكم تحشرون ونحا بيده نحو الشام رجالاً وركبانًا وتجرّون على وجوهكم رواه الترمذي والنسائي بسند قويّ، وعند أحمد بسند لا بأس به حديث: ستكون هجرة بعد هجرة وينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم ولا يبقى في الأرض إلا شرارها تلفظهم أرضوهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وفي حديث أبي ذر عند أحمد والنسائي والبيهقي حدثني الصادق المصدوق أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج. فوج طاعمين كاسين راكبين، وفوج يمشون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم الحديث وفيه: أنهم سألوا عن السبب في مشي المذكورين فقال: يلقي الله الآفة على الظهر حتى لا يبقى ذات ظهر حتى أن الرجل ليعطى الحديقة المعجبة بالشارف ذات القتب أي يشتري الناقة المسنة

لأجل ركوبها تحمله على القتب بالبستان الكريم لهوان العقار الذي عزم على الرحيل عنه وعزة الظهر الذي يوصله إلى مقصوده، وهذا لائق بأحوال الدنيا، لكن استشكل قوله فيه يوم القيامة. وأجيب: بأنه مؤوّل على أن المراد بذلك أن يوم القيامة يعقب ذلك فيكون من مجاز المجاورة ويتعين ذلك لما وقع فيه أن الظهر يقل لما يلقى عليه من الآفة، وأن الرجل يشتري الشارف الواحدة بالحديقة المعجبة فإن ذلك ظاهر جدًّا في أنه من أحوال الدنيا لا بعد البعث، ومن أين للذين يبعثون بعد الموت حفاة عراة حدائق يدفعونها في الشوارف، ومال الحليمي وغيره إلى أن هذا الحشر يكون عند الخروج من القبور، وجزم به الغزالي، وذهب إليه التوربشتي في شرح المصابيح له وأشبع الكلام في تقريره بما يطول ذكره. والحديث أخرجه مسلم في باب يحشر الناس على طرائق. 6523 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِىُّ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ الَّذِى أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِى الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنَّ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؟ قَالَ قَتَادَةُ: بَلَى، وَعِزَّةِ رَبِّنَا. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدثني (عبد الله بن محمد) أبو جعفر الحافظ الجعفي المسندي قال: (حدّثنا يونس بن محمد البغدادي) المؤدّب الحافظ قال: (حدّثنا شيبان) بالشين المعجمة والموحدة المفتوحتين بينهما تحتية ساكنة وبعد الألف نون ابن عبد الرَّحمن النحوي المؤدّب التميمي مولاهم (عن قتادة) بن دعامة أنه قال: (حدّثنا أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رجلاً) قال الحافظ ابن حجر: لم أعرف اسمه (قال: يا نبي الله كيف يحشر الكافر) ماشيًا يوم القيامة (على وجهه) وهذا السؤال مسبوق بمثل قوله: يحشر بعض الناس يوم القيامة على وجوههم، وسقط لأبي ذر لفظ كيف فيصير استفهامًا حذف أداته، وعند الحاكم من وجه آخر عن أنس كيف يحشر أهل النار على وجوههم وحكمته المعاقبة على عدم سجوده لله تعالى في الدنيا فيسحب على وجهه أو يمشي عليه إظهارًا لهوانه في ذلك المحشر العظيم جزاء وفاقًا. (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرًا على أن يمشيه) بضم التحتية وسكون الميم حقيقة (على وجهه يوم القيامة) وفي مسند أحمد من حديث أبي هريرة: أما أنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك، وقوله: قادرًا نصب في الفرع مصحح عليه وهو خبر أليس، وأعربه الطيبي بالرفع خبر الذي واسم ليس ضمير الشأن. (قال قتادة) بن دعامة بالسند السابق (بلى وعزة ربنا) قادر على ذلك. والحديث سبق في التفسير وأخرجه مسلم في التوبة والنسائي في التفسير. 6524 - حَدَّثَنَا عَلِىٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّكُمْ مُلاَقُو اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً، مُشَاةً غُرْلاً». قَالَ سُفْيَانُ: هَذَا مِمَّا نَعُدُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال عمرو) بفتح العين ابن دينار (سمعت سعيد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة يقول: (سمعت ابن عباس) -رضي الله عنهما- يقول: (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إنكم ملاقو الله) عز وجل في الموقف بعد البعث حال كونكم (حفاة) بضم المهملة وتخفيف الفاء بلا خف ولا نعل (عراة) بضم العين المهملة، وهذا ظاهره يعارض حديث أبي سعيد المروي عند أبي داود وصححه ابن حبان أنه لما حضره الموت دعا بثياب جُدد فلبسها وقال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها" لكن جمع بينها بأنهم يخرجون من القبور بأثوابهم التي دفنوا فيها ثم يتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة، وحمله بعضهم على العمل كقوله تعالى: {ولباس التقوى} [الأعراف: 26] (مشاة) بضم الميم بعدها معجمة غير راكبين (غرلاً) بضم المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الأقلف والغرلة القلفة وهو ما يقطع من فرج الذكر. (قال سفيان) بن عيينة بالإسناد السابق (هذا) الحديث (مما نعدّ) بنون مفتوحة وضم العين ولابن عساكر يعدّ بتحتية مضمومة وفتح العين (أن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (سمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقد ضبطه غندر فقال: إنه عشرة أحاديث. وعن أبي داود صاحب السنن ويحيى بن معين ويحيى القطان تسعة، وقال الحافظ ابن حجر: إنها تزيد على الأربعين ما بين صحيح وحسن خارجًا عن الضعيف وزائدًا أيضًا

على ما هو في حكم السماع كحكايته حضور شيء فعل بحضرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 6525 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: «إِنَّكُمْ مُلاَقُو اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي، وسقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) أي ابن دينار (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يخطب على المنبر يقول): (إنكم ملاقو الله) أصله ملاقون فسقطت النون لإضافته للاسم الشريف (حفاة عراة غرلاً) وسقطت في رواية قتيبة هذه مشاة وثبتت عنه في مسلم لكنه لم يقل على المنبر. 6526 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَامَ فِينَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً، {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}» [الأنبياء: 104] الآيَةَ «وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلاَئِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِى فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ يَا رَبِّ أُصَيْحَابِى؟ فَيَقُولُ اللهُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِى مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} [المائدة: 117] إِلَى قَوْلِهِ {الْحَكِيمُ} قَالَ: فَيُقَالُ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولابن عساكر حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة المفتوحة بعدها معجمة مشددة الملقب ببندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة بعدها راء محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن المغيرة بن النعمان) النخعي ولابن عساكر يعني ابن النعمان (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: قام فينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب فقال) في خطبته: (إنكم محشورون) بميم مفتوحة اسم مفعول من حشر ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي تحشرون بفوقية مضمومة مبنيًّا للمفعول من المضارع (حفاة عراة) زاد أبو ذر غرلاً ولم يقل هنا أيضًا مشاة قال ابن عبد البر: يحشر الآدمي عاريًا ولكل من الأعضاء ما كان له يوم ولد فمن قطع منه شيء يردّ إليه حتى الأقلف ({كما بدأنا أول خلق نعيده}) [الأنبياء: 104] (الآية) بأن نجمع أجزاءهُ المتبددة أو نعيد ما خلقناه مبتدأ إعادة مثل بدئنا إياه في كونهما إيجادًا عن العدم، والمقصود بيان صحة الإعادة بالقياس على الإبداء لشمول الإمكان الذاتي المصحح للمقدورية وتناول القدرة القديمة لهما على السواء. فإن قلت: سياق الآية في إثبات الحشر والنشر لأن المعنى يوجدكم من العدم كما مرّ، فكيف يستشهد بها للمعنى المذكور؟ أجاب الطيبي: بأن سياق الآية دل على إثبات الحشر وإشارتها على المعنى المراد من الحديث فهو من باب الإدماج. (وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم) لأنه أول من عري في ذات الله حين أرادوا إلقاءه في النار، وقيل لأنه أول من استنّ التستر بالسراويل، وقيل لأنه لم يكن في الأرض أخوف لله منه فعجلت له كسوته أمانًا له ليطمئن قلبه واختار هذا الأخير الحليمي، وقد أخرج ابن منده من حديث معاوية بن حيدة رفعه: أول من يكسى إبراهيم يقول الله اكسوا خليلي ليعلم الناس فضله عليهم، وقول أبي العباس القرطبي يجوز أن يراد بالخلائق ما عدا نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يدخل في عموم خطاب نفسه، تعقبه في التذكرة بحديث علي عند ابن المبارك في الزهد: أول من يكسى يوم القيامة خليل الله قبطيتين ثم يكسى محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلّة حبرة عن يمين العرش اهـ. ولا يلزم من تخصيص إبراهيم عليه السلام بأنه أول من يكسى أن يكون أفضل من نبينا على ما لا يخفى وكم لنبينا من فضائل مختصة به لم يسبق إليها ولم يشارك فيها وإذا بدئ الخليل بالكسوة وثني بنبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتي نبينا بحلّة لا يقوم لها البشر ليخبر التأخير بنفاسة الكسوة فيكون كأنه كسي مع الخليل قاله الحليمي. (وأنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال) أي جهة جهنم (فأقول يا رب) هؤلاء (أصيحابي) بضم الهمزة مصغرًا خبر مبتدأ محذوف أي هؤلاء كما مرّ ولأبي ذر وابن عساكر أصحابي أي أمتي أمة الدعوة (فيقول الله) عز وجل: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح) عيسى ابن مريم: ({وكنت عليهم شهيدًا}) رقيبًا ({ما دمت فيهم}) إلى قوله ({الحكيم}) [المائدة: 117] قال (فيقال إنهم لم) وللكشميهني لن (يزالوا مرتدين على أعقابهم) زاد في ترجمة مريم من أحاديث الأنبياء. قال الفربري ذكر عن أبي عبد الله البخاري عن قبيصة قال: هم الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر يعني حتى قتلوا وماتوا على الكفر وقد وصله

الإسماعيلي ويحتمل أن يكونوا منافقين، وقال البيضاوي: ليس قوله مرتدين نصًّا في كونهم ارتدوا عن الإسلام، بل يحتمل ذلك ويحتمل أن يراد أنهم عصاة مرتدون عن الاستقامة يبدلون الأعمال الصالحة بالسيئة. 6527 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِى صَغِيرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ: حَدَّثَنِى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً» قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ فَقَالَ: «الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ». وبه قال: (حدّثنا قيس بن حفص) الدارمي البصري قال: (حدّثنا خالد بن الحارث) الهجيمي البصري قال: (حدّثنا حاتم بن أبي صغيرة) بفتح الصاد المهملة وكسر الغين المعجمة مسلم القشيري يكنى أبا موسى (عن عبد الله بن أبي مليكة) هو عبيد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بضم الميم وفتح اللام واسمه زهير المكي (قال: حدثني) بالإفراد (القاسم بن محمد بن أبي بكر) الصديق التيمي (أن عائشة) -رضي الله عنها- (قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (تحشرون حفاة عراة غرلاً) جمع أغرل وهو الأقلف وزنًا ومعنى وهو من بقيت غرلته وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر. قال أبو هلال العسكري: لا تلتقي اللام مع الراء في كلمة إلا في أربع: أرل اسم جبل، وورل اسم حيوان، وحرل ضرب من الحجارة، والغرلة وزاد غيره هرل ولد الزوجة ويرل الديك الذي يستدبر بعنقه. (قالت عائشة) -رضي الله عنها-: (فقلت: يا رسول الله الرجال والنساء) مبتدأ خبره (ينظر بعضهم إلى) سوأة (بعض) وفيه معنى الاستفهام ولذا أجابها (فقال): (الأمر أشد من أن يهمهم ذاك) بغير لام وكسر الكاف وضم تحتية يهمهم وكسر الهاء من الرباعي، وجوّز السفاقسي الفتح ثم الضم من همه الشيء إذا أذاه. قال في الفتح: والأول أولى، وعند الترمذي والحاكم من طريق عثمان بن عبد الرَّحمن القرظي قرأت عائشة {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة} [الأنعام: 94] فقالت: واسوأتاه الرجال والنساء يحشرون جميعًا ينظر بعضهم إلى سوأة بعض! فقال: لكل امرئ شأن يغنيه، وزاد لا ينظر الرجال إلى النساء ولا النساء إلى الرجال. والحديث أخرجه مسلم في صفة الحشر، والنسائي في الجنائز والتفسير، وابن ماجة في الزهد. 6528 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى قُبَّةٍ، فَقَالَ «أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: «تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: «أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: «وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّى لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لاَ يَدْخُلُهَا إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أَنْتُمْ فِى أَهْلِ الشِّرْكِ إِلاَّ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِى جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ -أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ- فِى جِلْدِ الثَّوْرِ الأَحْمَرِ». [الحديث 6528 - طرفه في 6642]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين الأودي (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد مسلم عن محمد بن المثنى نحوًا من أربعين رجلاً (في قبة) من أدم كما عند الإسماعيلي وغيره (فقال) عليه الصلاة والسلام: (أترضون) بهمزة الاستفهام (أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قلنا نعم قال: ترضون) بغير همزة الاستفهام ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر أترضون (أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قلنا: نعم قال: أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة) أي نصف أهلها (قلنا: نعم) وسقط قوله قال: أترضون أن تكونوا شطر الخ. لأبي ذر وابن عساكر والأصيلي قال السفاقسي: ذكره بلفظ الاستفهام لإرادة تقرير البشارة بذلك وذكره بالتدريج ليكون أعظم لسرورهم، وعند أحمد وابن أبي حاتم من حديث أبي هريرة قال: لما نزلت: {ثلة من الأولين وقليل من الآخرين} [الواقعة: 13] شق ذلك على الصحابة فنزلت: {ثلة من الأولين وثلة من الآخرين} [الواقعة: 40] فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة بل ثلث أهل الجنة بل أنتم نصف أهل الجنة وتقاسمونهم في النصف الثاني". (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء) بالهمز (في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر) وفي رواية أبي أحمد الجرجاني عن الفربري الأبيض بدل الأحمر. والحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في النذور ومسلم في الإيمان والترمذي في صفة الجنة وابن ماجة في الزهد. 6529 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى أَخِى عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِى الْغَيْثِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ آدَمُ فَتَرَاءَى ذُرِّيَّتُهُ، فَيُقَالُ: هَذَا أَبُوكُمْ آدَمُ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ جَهَنَّمَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ كَمْ أُخْرِجُ؟ فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا أُخِذَ مِنَّا مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَمَاذَا يَبْقَى مِنَّا؟ قَالَ: «إِنَّ أُمَّتِى فِى الأُمَمِ كَالشَّعَرَةِ الْبَيْضَاءِ فِى الثَّوْرِ الأَسْوَدِ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (أخي) عبد الحميد أبو بكر (عن سليمان) بن بلال (عن ثور) بالمثلثة المفتوحة

46 - باب قوله عز وجل:

ابن زيد الأيلي (عن أبي الغيث) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية بعدها مثلثة سالم مولى عبد الله بن مطيع (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن النبي) ولأبي ذر عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (أول من يدعى) بضم أوله وفتح ثالثه أي يطلب (يوم القيامة آدم) عليه السلام (فتراءى ذريته) كذا في الفرع كأصله مكتوبة بألفين بعد الراء مصححًا عليه قال في الفتح: وهو بمثناة واحدة ومدّة ثم همزة مفتوحة ممالة، وأصله فتتراءى فحذفت إحدى التاءين، وتراءى الشخصان تقابلا بحيث صار كل منهما يتمكن من رؤية الآخر وللإسماعيلي من طريق الدراوردي عن ثور فتتراءى له ذريته على الأصل (فيقال) لهم: (هذا أبوكم آدم فيقول) آدم: (لبيك) رب (وسعديك فيقول) الله تعالى له: (أخرج) بفتح الهمزة وكسر الراء فعل أمر (بعث جهنم من ذريتك) أي الذين استحقوا أن يبعثوا إليها من جملة الناس وميزهم وابعثهم إلى النار وخص آدم بذلك لأنه والد الجميع، ولكونه كان قد عرف أهل السعادة من أهل الشقاء كما في حديث المعراج أنه عن يمينه أسودة وعن شماله أسودة الحديث .. وظاهر هذا كما قال في الفتح: إن خطاب آدم بذلك أول شيء يقع يوم القيامة (فيقول) آدم: (يا رب كم أخرج) بضم الهمزة وكسر الراء منهم (فيقول) الله عز وجل: (أخرج) بفتح الهمزة وكسر الراء (من كل مائة) من الناس (تسعة وتسعين) نفسًا (فقالوا): أي الصحابة (يا رسول الله إذا أخذ منا) بضم الهمزة وكسر المعجمة (من كل مائة تسعة وتسعون فماذا يبقى منا؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود) قال السفاقسي: أطلق الشعرة وليس المراد حقيقة الواحد لأنه لا يكون ثور ليس في جلدهِ غير شعرة واحدة من غير لونه. ومطابقة الحديث للترجمة يحتمل أن تكون من جهة أن الذي تضمنه إنما يكون بعد الحشر يوم القيامة ورواته كلهم مدنيون وهو من أفراده. 46 - باب قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1] أَزِفَتِ الآزِفَةُ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: 1]. (باب قوله عز وجل: ({إن}) ولأبي ذر باب بالتنوين: إن ({زلزلة الساعة}) أي تحريكها للأشياء على الإسناد المجازي أو تحريك الأشياء فيها فأضيفت إليها إضافة معنوية بتقدير في أو من إضافة المصدر إلى الفاعل والمحذوف المفعول وهو الأرض يدل عليه {إذا زلزلت الأرض زلزالها} [الزلزلة: 1] وقيل هي زلزلة تكون قبيل طلوع الشمس من مغربها وإضافتها إلى الساعة لأنها من أشراطها ({شيء عظيم}) [الحج: 1] هائل ومفهومه جواز إطلاق الشيء على المعدوم لأن الزلزلة لم تقع بعد ومن منع إيقاعه على المعدوم قال: جعل الزلزلة شيئًا لتيقن وقوعها وصيرورتها إلى الوجود (أزفت الآزفة) دنت الساعة الموصوفة بالدنوّ في نحو قوله: {اقتربت الساعة} [القمر: 1] قال الزجاج: يعني الساعة التي تقوم فيها القيامة. 6530 - حَدَّثَنِى يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَقُولُ اللَّهُ يَا آدَمُ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِى يَدَيْكَ، قَالَ: يَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، {وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ» [الحج: 2] فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ» فَقَالُوا: يَا رَسُولُ اللَّهِ أَيُّنَا الرَّجُلُ؟ قَالَ: «أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفٌ، وَمِنْكُمْ رَجُلٌ ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِى نَفْسِى فِى يَدِهِ إِنِّى لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»، قَالَ: فَحَمِدْنَا اللَّهَ وَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِى نَفْسِى فِى يَدِهِ إِنِّى لأَطْمَعُ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، إِنَّ مَثَلَكُمْ فِى الأُمَمِ كَمَثَلِ الشَّعَرَةِ الْبَيْضَاءِ فِى جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ -أَوِ الرَّقْمَةِ فِى ذِرَاعِ الْحِمَارِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر وابن عساكر: حدّثنا (يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي المتوفى ببغداد سنة اثنتين وخمسين ومائتين قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يقول الله) عز وجل وسقط لأبي ذر قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيكون الحديث غير مرفوع، وبه جزم أبو نعيم في مستخرجه قال في الفتح: وفي رواية بإثبات قوله قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكذا في مسلم عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير بسند البخاري فيه (يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك) في الاقتصار على الخير نوع تعطف ورعاية للأدب وإلاّ فالشر أيضًا بتقديره كالخير (قال: يقول أخرج بعث النار) ميزهم من الناس (قال) آدم: سمعت يا رب وأطعت (وما بعث النار)؟ فالواو عاطفة على محذوف أي وما مقدار مبعوث النار (قال) الله تعالى: {من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين) فالمتأخر من الألف واحد ولا معارضة بينه وبين الرواية الأولى من كل مائة تسعة وتسعين لأن مفهوم العدد لا اعتبار له، فالتخصيص بعدد لا يدل على نفي الزائد

أو المقصود من العددين هو تقليل عدد المؤمنين وتكثير عدد الكافرين قاله صاحب الكواكب. وتعقبه صاحب الفتح فقال: مقتضى كلامه الأول تقديم حديث أبي هريرة على حديث أبي سعيد فإنه يشتمل على زيادة، فإن حديث أبي سعيد يدل على أن نصيب أهل الجنة من كل ألف واحد، وحديث أبي هريرة يدل على أنه عشرة فالحكم للزائد ومقتضى كلامه الأخير أن لا ينظر إلى العدد أصلاً بل القدر المشترك منهما ما ذكره من تقليل العدد، ثم أجاب بحمل حديث أبي سعيد ومن وافقه على جميع ذرية آدم فيكون من كل ألف واحد، وحمل حديث أبي هريرة ومن وافقه على من عدا يأجوج ومأجوج، فيكون من كل ألف عشرة ويقرب ذلك أن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة، ويحتمل أن يكون الأول يتعلق بالخلق أجمعين، والثاني بخصوص هذه الأمة ويقربه قوله في حديث أبي هريرة: إذا أخذ منا واحد ومرة من هذه الأمة فقط فيكون من كل ألف، ويحتمل أن تقع القسمة مرتين مرة من جميع الأمة لكن قيل في حديث ابن عباس إنما أنتم جزء من ألف جزء ويحتمل أن يكون المراد ببعث النار الكفار ومن يدخلها من العصاة فيكون من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كافرًا ومن كل مائة تسعة وتسعون عاصيًا اهـ. (فذاك) بدون لام (حين) أي الوقت الذي من شدة هوله (يثيب) فيه (الصغير) {وتضع كل ذات حمل حملها} جنينها {وترى الناس سكرى} بفتح السين وسكون الكاف كأنهم سكرى {وما هم بسكرى} على الحقيقة {ولكن عذاب الله شديد} [الحج: 2] ولابن عساكر سكارى بضم السين وفتح الكاف فيهما وبها قرأ غير حمزة والكسائي في الحج، وهذا وقع على سبيل الفرض أو التمثيل والتقدير أن الحال ينتهي إلى أنه لو كانت النساء حينئذٍ حوامل لوضعت أو يحمل على الحقيقة، فإن كان أحد يبعث على ما مات عليه فتبعث الحامل حاملاً والطفل طفلاً فإذا وقعت زلزلة الساعة وقيل ذلك لآدم حل بهم من الرجل ما تسقط معه الحامل ويشيب له الطفل (فاشتد ذلك عليهم) على الصحابة (فقالوا: يا رسول الله أينا ذلك الرجل) الذي يبقى من الألف (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أبشروا) قال الطيبي: يحتمل أن يكون الاستفهام على حقيقته فكان حق الجواب أن ذلك الواحد فلان أو من يتصف بالصفة الفلانية، ويحتمل أن يكون استعظامًا لذلك الأمر واستشعار الخوف منه فلذلك وقع الجواب بقوله أبشروا (فإن من يأجوج ومأجوج ألف) بالرفع مصححًا عليه في الفرع كأصله بتقدير فإنه فحذفت الهاء وهي ضمير الشأن والجملة الاسمية بعده خبر إن ولأبي ذر ألفًا بالنصب اسم إن (ومنكم رجل). وظاهر قوله: فإن من يأجوج ومأجوج ألف بزيادة واحد عما ذكر من تفصيل الألف فيحتمل كما في الفتح أن يكون من جبر الكسر، والمراد أن من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين أو ألفًا إلا واحدًا، وأما قوله: ومنكم رجل فتقديره والمخرج منكم رجل أو منكم رجل مخرج. وقال القرطبي: قوله من يأجوج ومأجوج ألف أي منهم وممن كان على الشرك مثلهم، وقوله ومنكم رجل يعني من أصحابه ومن كان مؤمنًا مثلهم، وحاصلهم كما في الفتح أن الإشارة بقوله منكم إلى المسلمين من جميع الأمم، وقد أشار إلى ذلك في حديث ابن مسعود بقوله: إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة. قال في الفتح: ووقع في بعض الشروح أن لبعض الرواة فإن منكم رجلاً ومن يأجوج ومأجوج ألفًا بالنصب فيهما. قلت: وكذا هو في المصابيح كالتنقيح وقال الزركشي؟ إنه مفعول بأخرج المذكور في أول الحديث أي فإنه يخرج منكم كذا قال البدر الدماميني، ومراده أنه مفعول بفعل يدل عليه أخرج المذكور أولاً إذ لا يتصوّر أن يكون مفعولاً بنفس ذلك الفعل ففي عبارته تساهل ظاهر ثم إعرابه على هذا الوجه يقتضي حذف الضمير المنصوب بأن وهو

47 - باب قول الله تعالى:

عندهم قليل، وابن الحاجب صرح بضعفه مع أنه لا داعي إلى ارتكابه وإنما الإعراب الظاهر فيه أن يكون رجلاً اسم إن ومنكم خبرها متعلق بيخرج أي فإن رجلاً يخرج منكم ومن يأجوج ومأجوج معطوف على منكم وألفًا معطوف على رجلاً. ثم قال: فإن قلت: إنما يقدر متعلق الظرف والجار والمجرور والمخبر بهما مثلاً كونًا مطلقًا كالحصول والوجود كما قدره النحاة فكيف قدرته كونًا خاصًّا وهل هذا إلا عدول عن طريقتهم فما السبب فيه؟ وأجاب: بأن تمثيل النحاة بالكون والحصول إنما كان لأن غرضهم لم يتعلق بعامل بعينه، وإنما تعلق بالعامل من حيث هو عامل وإلا فلو كان المقام يقتضي تقدير خاص لقدرناه. ألا ترى أنه لو قيل زيد على الفرس لقدرت راكب وهو أمس من تقدير حاصل ولا يتردد في جواز مثله من له ممارسة بفن العربية. قال: ويروى ألف بالرفع ومنكم رجلاً بالنصب وهي رواية الأصيلي ووجهها أن يكون ألف رفعًا على اسم إن باعتبار المحل وهو هنا جائز بالإجماع لأنه بعد مضي الخبر ويحتمل أن يكون مبتدأ وخبره الجار والمجرور المتقدم عليه والجملة معطوفة على الجملة المتقدمة المصدرة بإن اهـ. (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (والذي نفسي في يده) ولأبي ذر بيده (إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة) وسبق في حديث ابن مسعود أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة وحملوه على تعدد القصة (قال) أبو سعيد: (فحمدنا الله) تعالى على ذلك (وكبرنا) وفيه دلالة على أنهم استبشروا بما بشرهم به فحمدوا الله على نعمته العظمى وكبروه استعظامًا لنعمته بعد استعظامهم لنقمته (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (والذي نفسي بيده) ولغير أبي ذر في يده (إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة) نصف أهلها (إن مثلكم) بفتح الميم والمثلثة (في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو الرقمة) بفتح الراء وسكون القاف ولأبي ذر أو كالرقمة وهي قطعة بيضاء أو شيء مستدير لا شعر فيه يكون (في ذراع الحمار). والحديث سبق في باب قصة يأجوج ومأجوج. 47 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 4 - 6] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البقرة: 169] قَالَ: الْوُصُلاَتُ فِى الدُّنْيَا. (باب قول الله تعالى: {ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون}) فيسألون عما فعلوا في الدنيا فإن من ظن ذلك لم يتجاسر على قبائح الأفعال ({ليوم عظيم}) يوم القيامة وعظمه لعظم ما يكون فيه ({يوم يقوم الناس لرب العالمين}) [المطففين: 4 - 5] لفصل القضاء بين يدي ربهم ويتجلى سبحانه وتعالى بجلاله وهيبته وتظهر سطوات قهره على الجبارين روي أن ابن عمر قرأ سورة التطفيف حتى بلغ هذه الآية فبكى بكاء شديدًا ولم يقرأ ما بعدها ويوم نصب بمبعوثون. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: وسقطت الواو لأبي ذر في تفسير قوله تعالى: {(وتقطعت بهم الأسباب}) [البقرة: 166] (قال): أي (الوصلات) بضم الواو والصاد المهملة وفتحها وسكونها التي كانت بينهم من الاتباع (في الدنيا). أخرجه موصولاً عبد بن حميد وابن أبي حاتم بسند ضعيف عنه بلفظ المودة. نعم أخرجه بلفظ التواصل والمواصلة عبد وابن أبي حاتم أيضًا لكن من طريق عبيد المكتب عن مجاهد قال: تواصلهم في الدنيا ولعبد من طريق سفيان عن قتادة قال: الأسباب المواصلة التي كانت بينهم في الدنيا يتواصلون بها ويتحابون فصارت عداوة يوم القيامة، وأصل السبب الحبل لأن كل ما يتوصل به إلى شيء يسمى سببًا. 6531 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] قَالَ: «يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِى رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة الوراق قال: (حدّثنا عيسى بن يونس) بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي أحد الأعلام في الحفظ والعبادة قال: (حدّثنا ابن عون) هو عبد الله بن عون بن أرطبان البصري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: في قوله تعالى ({يوم يقوم الناس لرب العالمين}) [المطففين: 6] (قال): (يقوم أحدهم في رشحه) بفتح الراء وسكون الشين المعجمة بعدها حاء مهملة في عرق نفسه من شدة الخوف (إلى أنصاف أذنيه) قال: في الكواكب هو كقوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4] ويمكن الفرق بأنه لما كان لكل شخص أذنان

48 - باب القصاص يوم القيامة

فهو من باب إضافة الجمع إلى مثله بناء على أن أقل الجمع اثنان اهـ. وشبه برشح الإناء لكونه يخرج من البدن شيئًا فشيئًا. والحديث أخرجه مسلم في صفة النار والترمذي في الزهد والتفسير والنسائي في (¬1) وابن ماجة في الزهد. 6532 - حَدَّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِى الْغَيْثِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِى الأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدثني) بالإفراد (سليمان) بن بلال (عن ثور بن زيد) بالمثلثة الديلي (عن أبي الغيث) سالم مولى عبيد الله بن مطيع (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يعرق الناس) بفتح الراء (يوم القيامة) بسبب تراكم الأهوال ودنوّ الشمس من رؤوسهم والازدحام (حتى يذهب عرقهم) يجري سائحًا (في) وجه (الأرض) ثم يغوص فيها (سبعين ذراعًا) أي بالذراع المتعارف أو الذراع الملكي وللإسماعيلي من طريق ابن وهب عن سليمان بن بلال سبعين باعًا (ويلجمهم) بضم التحتية وسكون اللام وكسر الجيم من ألجمه الماء إذ بلغ فاه (حتى يبلغ آذانهم) وظاهره استواء الناس في وصول العرق إلى الآذان، وهو مشكل بالنظر إلى العادة فإنه قد علم أن الجماعة إذا وقفوا في ماء على أرض مستوية تفاوتوا في ذلك بالنظر إلى طول بعضهم وقصر بعضهم. وأجيب: بأن الإشارة بمن يصل إلى أذنيه إلى غاية ما يصل الماء ولا ينفي أن يصل إلى دون ذلك. ففي حديث عقبة ابن عامر مرفوعًا: فمنهم من يبلغ عرقه عقبه، ومنهم من يبلغ نصف ساقه، ومنهم من يبلغ ركبتيه، ومنهم من يبلغ فخذيه، ومنهم من يبلغ خاصرته، ومنهم من يبلغ فاه، ومنهم من يغطيه عرقه وضرب بيده فوق رأسه، رواه الحاكم، وظاهر قوله الناس التعميم لكن في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: يشتد كرب الناس ذلك اليوم حتى يلجم الكافر العرق قيل له فأين المؤمنون؟ قال: على كراسي من ذهب وتظلل عليهم الغمام. وقال الشيخ عبد الله بن أبي جمرة: هو مخصوص وإن كان ظاهره التعميم بالبعض وهم الأكثر قيل له فأين المؤمنون؟ قال: على كراسي من ذهب وتظلل عليهم الغمام. وقال الشيخ عبد الله بن أبي جمرة: هو مخصوص وإن كان ظاهره التعميم بالبعض وهم الأكثر ويستثنى الأنبياء والشهداء ومن شاء الله، فأشدهم في العرق الكفار ثم أصحاب الكبائر ثم من بعدهم والمسلمون منهم في بالنسبة إلى الكفار، وعن سلمان مما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه واللفظ له بسند جيد وابن المبارك في الزهد قال: تعطي الشمس يوم القيامة حرّ عشر سنين ثم تدنو من جماجم الناس حتى تكون قاب قوس فيعرقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة، ثم يرتفع حتى يغرغر الرجل. زاد ابن المبارك في روايته. ولا يضر حرّها يومئذٍ مؤمنًا ولا مؤمنة، والمراد كما قال القرطبي: من يكون كامل الإيمان لما ورد أنهم يتفاوتون في ذلك بحسب أعمالهم وفي رواية صححها ابن حبان أن الرجل ليلجمه العرق يوم القيامة حتى يقول: يا رب أرحني ولو إلى النار. وحديث الباب أخرجه مسلم في صفة النار أعاذنا الله منها ومن كل مكروه بمنه وكرمه. 48 - باب الْقِصَاصِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهْىَ الْحَاقَّةُ لأَنَّ فِيهَا الثَّوَابَ، وَحَوَاقَّ الأُمُورِ. الْحَقَّةُ وَالْحَاقَّةُ وَاحِدٌ، وَالْقَارِعَةُ وَالْغَاشِيَةُ وَالصَّاخَّةُ. وَالتَّغَابُنُ: غَبْنُ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَهْلَ النَّارِ. (باب) كيفية (القصاص) بكسر القاف (يوم القيامة وهي) أي يوم القيامة (الحاقة لأن فيها الثواب وحواق الأمور الحقة والحاقة) بفتح الحاء المهملة وتشديد القاف في الكل (واحد) في المعنى قاله الفرّاء في معاني القرآن. وقال غيره: الحاقة التي يحق وقوعها أو التي تحق فيها الأمور أي تعرف حقيقتها أو تقع حواق الأمور من الحساب والجزاء على الإسناد المجازي (والقارعة) من أسماء يوم القيامة أيضًا لأنها تقرع القلوب بأهوالها (و) كذا من أسمائها (الغاشية) لأنها تغشى الناس بشدائدها (والصاخة) مأخوذة من قوله صخ فلان فلانًا إذا أصمه وسميت بذلك لأن صيحة القيامة مسمعة لأمور الآخرة ومصمة عن أمور الدنيا (والتغابن غبن) بسكون الموحدة (أهل الجنة من أهل النار) لنزول السعداء منازل الأشقياء لو كانوا سعداء وبالعكس مستعار من تغابن التجار ومن أسمائها أيضًا يوم الحسرة ويوم التلاق إلى غير ذلك مما جمعه الغزالي والقرطبي فبلغ نحو الثمانين اسمًا. 6533 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِى شَقِيقٌ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ بِالدِّمَاءِ». [الحديث 6533 - طرفه في 6864]. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) بضم العين قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال: (حدثني) بالإفراد (شقيق) ¬

(¬1) كذا بياض بالأصل.

هو ابن سلم (قال: سمعت عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) يقول: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أول ما يقضى بين الناس) بضم التحتية يوم القيامة (بالدماء) التي جرت بينهم في الدنيا ولأبي ذر عن الكشميهني وابن عساكر في نسخة في الدماء بلفظ في بدل الموحدة وفيه تعظيم أمر الدماء فإن البداءة تكون بالأهم فالأهم وهي حقيقة بذلك، فإن الذنوب تعظم بحسب عظم المفسدة الواقعة بها أو بحسب فوات المعصية المتعلقة بعدمها وهدم البنية الإنسانية من أعظم المفاسد. قال بعض المحققين: ولا ينبغي أن يكون بعد الكفر بالله تعالى أعظم منه، ثم يحتمل من حيث اللفظ أن تكون الأولية مخصوصة بما يقع فيه الحكم بين الناس، وأن تكون عامّة في أولية ما يقضى فيه مطلقًا، ومما يقوي الأول حديث أبي هريرة المروي في السنن الأربعة مرفوعًا "إن أول ما يحاسب العبد عليه يوم القيامة صلاته" الحديث وقد جمع النسائي في روايته في حديث ابن مسعود بين الخبرين ولفظه: أول ما يحاسب العبد عليه صلاته وأول ما يقضى بين الناس في الدماء". ورجال حديث الباب كلهم كوفيون وأخرجه المؤلّف أيضًا في الديات ومسلم في الحدود والترمذي في الديات والنسائي في المحاربة وابن ماجة في الديات. 6534 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن أبي هريرة) عبد الرَّحمن بن صخر -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من كانت عنده مظلمة) بفتح اللام وكسرها والكسر هو الذي في اليونينية وهو الأشهر وهو اسم لما أخذه المرء بغير حق (لأخيه) المسلم ولأبي ذر عن الكشميهني من أخيه (فليتحلله منها) أي ليسأله أن يجعله في حل وليطلب منه براءة ذمته قبل يوم القيامة (فإنه) أي الشأن (ليس ثم) بفتح المثلثة أي ليس هناك يعني يوم القيامة (دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من) أصل ثواب (حسناته) ما يوازي العقوبة عن السيئة فيزاد على ثواب المظلوم وما زاد مما تفضل الله به من مضاعفة الحسنة إلى عشرة إلى ما شاء الله فإنه يبقى لصاحبه (فإنه لم يكن له) للظالم (حسنات أخذ) بضم الهمزة وكسر المعجمة (من) عقوبة (سيئات أخيه فطرحت عليه). وفي حديث ابن مسعود عند أبي نعيم يؤخذ بيد العبد فينصب على رؤوس الناس وينادى عليه. هذا فلان ابن فلان فمن كان له حق فليأت فيأتون فيقول الرب آت هؤلاء حقوقهم فيقول: يا رب فنيت الدنيا فمن أين أوتيهم؟ فيقول للملائكة: خذوا من أعماله الصالحة وأعطوا كل إنسان بقدر طلبته فإن كان ناجيًا وفضل من حسناته مثقال حبة من خردل ضاعفها الله تعالى حتى يدخله بها الجنة. وحديث الباب أخرجه الترمذي. 6535 - حَدَّثَنِى الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِىِّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِى الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِى دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِى الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِى الدُّنْيَا». وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر وابن عساكر: حدّثنا (الصلت بن محمد) بفتح الصاد المهملة وسكون اللام بعدها فوقية ابن محمد بن عبد الرَّحمن الخاركي بالخاء المعجمة والراء والكاف قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا أبو معاوية البصري وقرأ هذه الآية: {ونزعنا ما في صدورهم من غل} [الأعراف: 43] من حقد كان في القلب أي إن كان لأحدهم في الدنيا غل على آخر نزع الله ذلك من قلوبهم وطيب نفوسهم أي طهر قلوبهم من أن يتحاسدوا على الدرجات في الجنة ونزع منها كل غل وألقى فيها التوادّ والتحابب، وذكر هذه الآية بين رجال الإسناد ليبين أن متن الحديث كالتفسير لها (قال) يزيد بن زريع: (حدّثنا سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي المتوكل) علي بن داود (الناجي) بالنون وبعد الألف جيم مكسورة نسبة إلى بني ناجية بن سامة بن لؤي قبيلة (أن أبا سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعند الإسماعيلي من طريق محمد بن المنهال عن يزيد بن زريع بهذا السند إلى أبي سعيد الخدري عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

49 - باب من نوقش الحساب عذب

في هذه الآية {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا على سرر متقابلين} قال: (يخلص المؤمنون من النار) بفتح التحتية وضم اللام من يخلص أي ينجون من السقوط فيها بعدما يجوزون الصراط (فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار) قيل إنها صراط آخر، وقيل إنها من تتمة الصراط وإنها طرفه الذي يلي الجنة. قال القرطبي: وهؤلاء المؤمنون هم الذين علم الله أن القصاص لا يستنفد حسناتهم، وقال في الفتح: ولعل أصحاب الأعراف منهم على القول الراجح قال: وخرج من هذا صنفان من دخل الجنة بغير حساب ومن أوبقه عمله من الموحدين، وأما الناجون فقد يكون عليهم تبعات فيخلصون ولهم حسنات توازنها أو تزيد عليها (فيقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا) بضم التحتية وفتح القاف من يقص مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر عن الكشميهني فيقتص بضم التحتية وسكون القاف وزيادة فوقية مفتوحة بعدها كذا في الفرع بضم التحتية. وقال الحافظ ابن حجر، وتبعه العيني: بفتحها فتكون اللام على هذه الرواية زائدة والفاعل محذوف وهو الله تعالى أو من أقامه في ذلك، وفي رواية شيبان عن قتادة السابقة في المظالم فيقتص بعضهم من بعض (حتى إذا هذبوا) بضم الهاء وكسر الذال المعجمة المشددة بعدها موحدة من التهذيب (ونقوا) بضم النون والقاف المشددة من التنقية وأصله نقيوا استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى سابقتها بعد حذف حركتها. وقال الجوهري: التهذيب كالتنقية ورجل مهذب أي مطهر الأخلاق، فعلى هذا قوله ونقوا تفسير لقوله هذبوا وأدخل واو العطف بين المفسر والمفسر، والمراد التخليص من التبعات فإذا خلصوا منها (أذن لهم) بضم الهمزة وكسر المعجمة (في دخول الجنة) وليس في قلوب بعضهم على بعض غل أي حقد كامن في قلوبهم بل ألقى الله فيها التواد والتحاب (فو) الله (الذي نفس محمد بيده لأحدهم) بفتح اللام للتأكيد واحد مبتدأ خبره قوله (أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله) الذي كان (في الدنيا). قال في شرح المشكاة فيما قرأته: فيه هدى لا يتعدى بالباء بل باللام وإلى فالوجه أن يضمن معنى اللصوق أي ألصق بمنزله هاديًا إليه قال: وفي معناه قوله تعالى {يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار} [يونس: 9] أي يهديهم في الآخرة بنور إيمانهم إلى طريق الجنة فجعل تجري من تحتهم الأنهار بيانًا له وتفسيرًا لأن التمسك بسبب السعادة كالوصول إليها، وأما ما أخرجه عبد الله بن المبارك في الزهد وصححه الحاكم عن عبد الله بن سلام أن الملائكة تدلهم على طريق الجنة يمينًا وشمالاً فهو محمول على من لم يحبس بالقنطرة أو على الجميع والمراد أن الملائكة تقول لهم ذلك قبل دخول الجنة فمن دخل كانت معرفته بمنزله فيها كمعرفته بمنزله في الدنيا لأن منازلهم تعرض عليهم غدوًّا وعشيًّا. وحديث الباب مرّ في المظالم. 49 - باب مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (من نوقش الحساب عذب). 6536 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ» قَالَتْ: قُلْتُ: أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] قَالَ: «ذَلِكِ الْعَرْضُ». وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين ابن باذام الكوفي (عن عثمان بن الأسود) بن موسى المكي (عن أبي مليكة) عبد الله (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من) مبتدأ (نوقش) بضم أوله وكسر القاف صلته (الحساب) نصب بنزع الخافض (عذب) بضم أوله وكسر المعجمة خبر المبتدأ أي من استقصى في محاسبته وحوقق عذب في النار جزاء على سيئاته وأصل المناقشة من نقش الشوكة إذا استخرجها من جسمه وقد نقشها وانتقشها (قالت) عائشة (قلت) يا رسول الله (أليس يقول الله تعالى: {فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا}) [الانشقاق: 8] أي سهلاً هينًا بأن يجازي على الحسنات ويتجاوز عن السيئات (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ذلك) بكسر القاف وتفتح أي الحساب المذكور في الآية (العرض) أي عرض أعمال المؤمن عليه حتى يعرف منة الله عليه في سترها عليه في الدنيا وفي عفوه عنها في الآخرة. والحديث مرّ في العلم في باب من سمع شيئًا فراجعه.

0000 - حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِى مُلَيْكَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ. وَتَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ وَأَيُّوبُ وَصَالِحُ بْنُ رُسْتُمٍ عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن بحر أبو حفص الباهلي قال: (حدّثنا يحيى) هو القطان ولأبي ذر يحيى بن سعيد (عن عثمان بن الأسود) المكي مولى بني جمح وهو السابق قريبًا أنه قال: (سمعت ابن أبي مليكة) عبد الله (قال: سمعت عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله) وتقدم في تفسير سورة الانشقاق بهذا السند ولم يذكر متنه. نعم ذكره الإسماعيلي من رواية أبي بكر بن خلاد عن يحيى بن سعيد فقال مثل حديث عبد الله بن موسى سواء (وتابعه) سقطت الواو لأبي ذر أي تابع عثمان بن الأسود (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (ومحمد بن سليم) بضم السين المهملة وفتح اللام أبو عثمان المكي فيما وصله عنهما أبو عوانة في صحيحه (و) تابعه أيضًا (أيوب) السختياني فيما وصله المؤلّف في التفسير لكنه لم يذكر لفظه نعم أخرجها أبو عوانة في صحيحه عن إسماعيل القاضي عن سليمان شيخ البخاري فيه بلفظ: "من حوسب عذب" قالت عائشة: فقلت يا رسول الله فأين قول الله {فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا} [الانشقاق: 8] قال: ذلك العرض ولكنه من نوقش الحساب عذب (و) تابعه أيضًا (صالح بن رستم) بضم الراء والفوقية بينهما سين مهملة ساكنة آخره ميم أبو عامر الخزاز بمعجمات فيما وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عن النضر بن شميل عند الأربعة (عن ابن أبي مليكة عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) 6537 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ أَبِى صَغِيرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ، حَدَّثَنِى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَتْنِى عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ هَلَكَ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا ذَلِكِ الْعَرْضُ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ عُذِّبَ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق بن منصور) الكوسج المروزي قال: (حدّثنا روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان القيسي أبو محمد البصري قال: (حدّثنا حاتم بن أبي صغيرة) بالحاء المهملة بعدها ألف ففوقية وصغيرة بفتح الصاد المهملة وكسر الغين المعجمة وبعد التحتية الساكنة راء فهاء تأنيث أبو يونس البصري واسم أبي صغيرة مسلم وهو جده لأمه وقيل زوج أمه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي مليكة) هو عبد الله بن أبي مليكة بن عبد الله بن جدعان يقال اسم أبي مليكة زهير التيمي المدني أدرك ثلاثين من الصحابة قال: (حدثني) بالإفراد (القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: (حدثتني عائشة) -رضي الله عنها- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك) قالت عائشة: (فقلت يا رسول الله قد قال الله تعالى) في كتابه العزيز: ({فأما من أوتي كتابه بيمينه}) أي كتاب عمله ({فسوت يحاسب حسابًا يسيرًا} [الانشقاق: 8] أي سهلاً من غير تعسير أي لا يحقق عليه جميع دقائق أعماله (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وإنما ذلك) ولأبي ذر ذاك بإسقاط اللام وكسر الكاف فيهما المذكور في الآية (العرض وليس أحد يناقش الحساب) في الحساب (يوم القيامة إلاّ عذّب). قال القاضي عياض: عذب له معنيان. أحدهما أن نفس مناقشة الحساب وعرض الذنوب والتوقيف على قبيح ما سلف والتوبيخ تعذيب، والثاني أنه يفضي إلى استحقاق العذاب إذ لا حسنة للعبد إلا من عند الله لإقداره عليها وتفضله عليها بها وهدايته لها اهـ. وتعقب الأول بأن قوله من نوقش الحساب عذّب لا يدل على أن المناقشة والحساب نفسهما عذاب بل المعهود خلافه فإن الجزاء لا بدّ وأن يكون مسببًا عن الشرط. وأجيب: بأن التألم الحاصل للنفس بمطالبة الحساب غير الحساب ومسبب عنه فجاز أن يكون بذلك الاعتبار جزاء. وقال بعضهم لفظ الحديث عام في تعذيب كل من حوسب ولفظ الآية دال على أن بعضهم لا يعذب. وأجيب: بأن المراد بالحساب في الآية العرض وهو إبراز الأعمال وإظهارها فيعرف صاحبها بذنوبه ثم يتجاوز عنه. 6538 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ: «يُجَاءُ بِالْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا أَكُنْتَ تَفْتَدِى بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ كُنْتَ سُئِلْتَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا معاذ بن هشام) قال: (حدثني) بالإفراد (أبي) هشام الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر: حدّثنا أنس بن مالك أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد أبو ذر

كان يقول، ولفظ رواية هشام هذه أخرجه مسلم والإسماعيلي من طرق يقال للكافر والباقي مثل الآتية. قال البخاري (ح). (وحدثني) بالإفراد (محمد بن معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة آخره راء القيسي البصري البحراني بالموحدة والحاء المهملة قال: (حدّثنا روح بن عُبَادة) بضم العين وتخفيف الموحدة قال: (حدّثنا سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة واللفظ لسعيد (عن قتادة) بن دعامة أنه قال: (حدّثنا أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول): (يجاء) بضم التحتية (بالكافر يوم القيامة فيقال له) أي فيقول الله له (أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبًا أكنت) بهمزة الاستفهام (تفتدي به) بالفاء من النار (فيقول: نعم) يا رب (فيقال له) زاد مسلم كذبت (قد كنت سئلت) بضم السين (ما هو أيسر من ذلك) وهو التوحيد كما سيأتي بعد باب إن شاء الله تعالى. والحديث سبق في باب قول الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة: 30] من كتاب الأغنياء. 6539 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنِى الأَعْمَشُ حَدَّثَنِى خَيْثَمَةُ عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَسَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ فَلاَ يَرَى شَيْئًا قُدَّامَهُ ثُمَّ يَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِىَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (الأعمش) سليمان قال: (حدثني) بالإفراد (خيثمة) بالخاء المعجمة والمثلثة المفتوحتين بينهما ياء تحتية ساكنة ابن عبد الرَّحمن الجعفي (عن عدي بن حاتم) بالحاء المهملة الطائي -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما منكم من أحد إلاّ وسيكلمه الله) عز وجل والواو عطف على محذوف تقديره إلا سيخاطبه وسيكلمه ولأبي ذر إلا سيكلمه الله (يوم القيامة ليس بين الله وبينه) ولأبي ذر ليس بينه وبينه (ترجمان) بضم الفوقانية وفتحها وضم الجيم يفسر الكلام بآخر، وسبق في الزكاة ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له ثم ليقولن له: ألم أوتك مالاً؟ فليقولن: بلى (ثم ينظر فلا يرى شيئًا قدامه) بضم القاف وتشديد الدال أي أمامهُ (ثم ينظر بين يديه) ولمسلم فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، قال ابن هبيرة: نظر اليمين والشمال هنا كالمثل لأن الإنسان من شأنه إذا دهمه أمر أن يلتفت يمينًا وشمالاً يطلب الغوث، وقال صاحب الفتح: أو يكون سبب الالتفات أنه يترجى أن يجد طريقًا يذهب فيها للنجاة من النار (فتستقبله النار) لأنها تكون في ممره فلا يمكنه أن يحيد عنها إذ لا بدّ له من المرور على الصراط (فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة) أي فليفعل. قال المظهري: يعني إذا عرفتم ذلك فاحذروا من النار فلا تظلموا أحدًا ولو بمقدار شق تمرة. وقال الطيبي: ويحتمل أن يراد إذا عرفتم أنه لا ينفعكم في ذلك اليوم شيء من الأعمال غير الصالحة وأن أمامكم النار فاجعلوا الصدقة جنة بينكم وبينها ولو بشق تمرة. والحديث مرّ في الزكاة. 6540 - قَالَ الأَعْمَشُ: حَدَّثَنِى عَمْرٌو عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اتَّقُوا النَّارَ» ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ» ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ ثَلاَثًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ». (قال الأعمش): سليمان بالسند السابق إليه (حدثني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن مرة (عن خيثمة) بن عبد الرَّحمن (عن عدي بن حاتم) -رضي الله عنه-، وسقط لأبي ذر: ابن حاتم أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اتقوا النار ثم أعرض) عن النار لما ذكرها كأنه ينظر إليها (وأشاح) بهمزة مفتوحة فشين معجمة وبعد الألف حاء مهملة. قال الخليل: أشاح بوجهه عن الشيء نحّاه عنه، وقال الفراء: المشيح الحذر والجادّ في الأمر والمقبل في خطابه. قال الحافظ ابن حجر: فيصحح أخذ هذه المعاني كلها أي حذر النار كأنه ينظر إليها أوجد على الوصية باتقائها أو أقبل على أصحابه في خطابه بعد أن أعرض عن النار (ثم قال: اتقوا النار ثم أعرض وأشاح) قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك وفعله (ثلاثًا) ووقع هنا تكرير ثم ثلاثًا (حتى ظننا أنه) عليه الصلاة والسلام (ينظر إليها) أي إلى النار (ثم قال: اتقوا النار ولو بشق تمرة) من كسب طيب (فمن لم يجد) ما يتصدق به (فبكلمة طيبة) كالدلالة على هدى والصلح بين اثنين وفصل بين متنازعين وحل مشكل وكشف غامض وتسكين غضب قاله ابن هبيرة فيما نقله في الفتح. وفي الحديث فوائد لا تخفى والله الموفق.

50 - باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب

50 - باب يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ هذا (باب) بالتنوين (يدخل الجنة) من هذه الأمة المحمدية (سبعون ألفًا بغير حساب). 6541 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، وَحَدَّثَنِى أَسِيدُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عُرِضَتْ عَلَىَّ الأُمَمُ، فَأَخَذَ النَّبِىُّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ، وَالنَّبِىُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ، وَالنَّبِىُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْعَشَرَةُ وَالنَّبِىُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْخَمْسَةُ وَالنَّبِىُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ هَؤُلاَءِ أُمَّتِى؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ، قَالَ: هَؤُلاَءِ أُمَّتُكَ، وَهَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ، وَلاَ عَذَابَ، قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: كَانُوا لاَ يَكْتَوُونَ وَلاَ يَسْتَرْقُونَ وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»، فَقَامَ إِلَيْهِ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ، قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ» ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ قَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ قَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ». وبه قال: (حدّثنا عمران بن ميسرة) ضد الميمنة المنقري قال: (حدّثنا ابن فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة محمد واسم جده غزوان الضبي الكوفي قال: (حدّثنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرَّحمن الواسطي السلمي الكوفي أبو الهذيل (وحدثني) بالواو والإفراد ولأبي ذر قال أبو عبد الله أي البخاري: وحدثني (أسيد بن زيد) بفتح الهمزة وكسر السين المهملة أبو محمد الجمال بالجيم مولى علي بن صالح القرشي الكوفي وهو من أفراد البخاري ضعيف وليس له في البخاري إلا هذا الموضع ولقد قرنه بعمران بن ميسرة قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير الواسطي (عن حصين) بضم الحاء وهو ابن عبد الرَّحمن أنه (قال: كنت عند سعيد بن جبير) الوالبي (فقال: حدثني) بالإفراد (ابن عباس) -رضي الله عنهما- (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (عرضت) بضم العين مبنيًّا للمفعول (عليّ الأمم) بالرفع وتشديد ياء عليّ أي ليلة الإسراء كما عند الترمذي والنسائي من رواية عبثر بن القاسم بموحدة فمثلثة بوزن جعفر في روايته عن حصين بن عبد الرَّحمن وهو يدل على تعداد الإسراء وأنه وقع بالمدينة غير الذي وقع بمكة (فأخذ النبي) بخاء وذال معجمتين مفتوحتين بلفظ الفعل الماضي والنبي رفع فاعل، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فأجد بجيم مكسورة فدال مهملة بلفظ المضارع النبي نصب مفعول (يمر معه الأمة) أي العدد الكثير (والنبي يمر معه النفر) اسم جمع يقع على جماعة الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ولغير الكشميهني والنبي معه النفر (والنبي يمر معه العشرة) بفتح الشين ولأبي ذر عن المستملي العشيرة بكسر الشين وزيادة تحتية ساكنة القبيلة (والنبي يمر معه الخمسة والنبي يمر وحده) وسقط لأبي ذر لفظ يمر (فنظرت فإذا سواد كثير) شخص يرى من بعيد ووصفه بالكثرة إشارة إلى أن المراد الجنس لا الواحد، وزاد في رواية حصين بن نمير السابقة في الطب سد الأفق وهو ناحية السماء (قلت: يا جبريل هؤلاء أمتي؟ قال: لا) في رواية حصين بن نمير فرجوت أن تكون أمتي فقال هذا موسى في قومه (ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد كثير) زاد في رواية سعيد بن منصور فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر مثله، وفي رواية أحمد فرأيت أمتي قد ملؤوا السهل والجبل فأعجبني كثرتهم (قال) جبريل: (هؤلاء أمتك) زاد في رواية أحمد فقيل أرضيت يا محمد؟ قلت: نعم يا رب (وهؤلاء سبعون ألفًا قدامهم) ولسعيد بن منصور معهم بدل قدامهم (لا حساب عليهم ولا عذاب) والمراد بالمعية المعية المعنوية فإن السبعين ألفًا المذكورين من جملة أمته لم يكونوا في الذين عرضوا إذ ذاك فأريد الزيادة في تكثير أمته بإضافة السبعين ألفًا إليهم (قلت: ولِمَ)؟ بكسر اللام وفتح الميم وتسكن يستفهم بها عن السبب (قال) جبريل: (كانوا لا يكتوون ولا يسترقون) بغير القرآن كعزائم أهل الجاهلية (ولا يتطيّرون) ولا يتشاءمون بالطيور (وعلى ربهم يتوكلون) وقيل إن استعمال الرقى والكي قادح في التوكل إذ البرء فيهما متوهم بخلاف غيرهما من أنواع الطب فإنه محقق كالأكل والشرب فلا يقدح. وأجيب: بأن أكثر أنواع الطب موهوم والرقى بأسماء الله مقتض للتوكل عليه والالتجاء إليه والرغبة فيما لديه ولو قدح هذا في التوكل قدح فيه الدعاء إذ لا فرق، وفي حديث أحمد وصححه ابنا خزيمة وحبان عن رفاعة الجهني مرفوعًا: وعدني ربي أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفًا بغير حساب وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تبوّؤوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة إذ مزية السبعين بالدخول بغير حساب لا يستلزم أنهم أفضل من غيرهم بل فيمن يحاسب في الجملة من يكون أفضل منهم، وهل المراد بالعدد المذكور التكثير أو حقيقته. وفي حديث

أبي هريرة عند أحمد والبيهقي في البعث قال: سألت ربي عز وجل فوعدني أن يدخل الجنة من أمتي زمرة هم سبعون ألفًا وزاد فاستزدت ربي فزادني مع كل ألف ألفًا وسنده جيد، وفي الترمذي وحسنه عن أبي أمامة رفعه: وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفًا مع كل ألف سبعين ألفًا لا حساب عليهم ولا عذاب وثلاث حثيات من حثيات ربي. وفي حديث أبي بكر الصديق عند أحمد وأبي يعلى أعطاني مع كل واحد من السبعين ألفًا سبعين ألفًا، لكن في سنده راو ضعيف الحفظ وآخر لم يسم، وعند الكلاباذي في معاني الأخبار بسند واه عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إن آتيًا أتاني من ربي فبشرني أن الله يدخل من أمتي سبعين ألفًا بغير حساب ولا عذاب، ثم أتاني فبشرني أن الله يدخل من أمتي مكان كل واحد من السبعين ألفًا سبعين ألفًا بغير حساب ولا عذاب، ثم أتاني فبشرني أن الله يدخل من أمتي مكان كل واحد من السبعين المضاعفة سبعين ألفًا بغير حساب ولا عذاب، فقلت يا رب لا تبلغ هذا أمتي" قال: "أكملهم لك من الأعراب ممن لا يصوم ولا يصلّي". قال الكلاباذي: المراد بالأمة أولاً أمة الإجابة وبقوله آخرًا أمتي أمة الاتباع فإن أمته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ثلاثة أقسام: أحدها أخص من الآخر أمة الاتباع ثم أمة الإجابة ثم أمة الدعوة فالأولى أهل العمل الصالح، والثانية مطلق المسلمين، والثالثة من عداهم ممن بعث إليهم. (فقام إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عكاشة بن محصن) بضم العين المهملة وفتح الكاف مشددة وتخفف ومحصن بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين آخره نون ابن حرثان بضم الحاء المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة من بني أسد بن خزيمة وكان عكاشة من السابقين (فقال): يا رسول الله (ادع الله أن يجعلني منهم. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اللهم اجعله منهم ثم قام إليه رجل آخر) هو سعد بن عبادة كما عند الخطيب في المبهمات واستبعد هذا من جهة جلالة سعد بن عبادة (قال) يا رسول الله (ادع الله أن يجعلني منهم. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سبقك بها) بالصفات التي هي التوكل وسابقه (عكاشة) أو أراد بذلك حسم المادة إذ لو أجاب الثاني لقام ثالث ورابع وهلمّ جرًّا، وليس كل أحد يصلح لذلك أو أنه أجاب عكاشة بوحي ولم يوح إليه في غيره أو أن الساعة التي سأل فيها عكاشة ساعة إجابة. ثم انقضت وهذا أولى من قول إنه كان منافقًا لأن الأصل في الصحابة عدم النفاق، وأيضًا فإن مثل هذا السؤال قلّ أن يصدر إلا عن قصد صحيح، وفي حديث جابر عند الحاكم والبيهقي في الشعب رفعه: من زادت حسناته على سيئاته فذلك الذي يدخل الجنة بغير حساب ومن استوت حسناته وسيئاته فذلك الذي يحاسب حسابًا يسيرًا ومن أوبق نفسه فهو الذي يشفع فيه بعد أن يعذب. 6542 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِى زُمْرَةٌ هُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا تُضِىءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ». وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِىُّ يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ» ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ فَقَالَ: «سَبَقَكَ عُكَّاشَةُ». وبه قال (حدّثنا معاذ بن أسد) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدثني) بالإفراد (سعيد بن المسيب) أبو محمد المخزومي أحد الأعلام وسيد التابعين (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (حدثه قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يدخل من) ولأبي ذر يدخل الجنة من (أمتي زمرة هم سبعون ألفًا تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر) ليلة أربعة عشر (وقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- وسقطت واو وقال لأبي ذر بالسند المذكور (فقام عكاشة بن محصن الأسدي يرفع نمرة عليه) كساء فيه خطوط بيض وسود كأنها أخذت من جلد النمر (فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم. قال): ولأبي ذر فقال (اللهم اجعله منهم ثم قام رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سبقك عكاشة) أي بها وفي التقييد بقوله: من أمتي إخراج غير هذه الأمة المحمدية من العدد المذكور، وليس فيه نفي دخول أحد من غير هذه الأمة على الصفة المذكورة من التشبيه بالقمر ومن الأولية وغير ذلك كالأنبياء

51 - باب صفة الجنة والنار

والشهداء والصديقين والصالحين. والحديث أخرجه مسلم في الإيمان. 6543 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَلْفًا -أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ- شَكَّ فِى أَحَدِهِمَا مُتَمَاسِكِينَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمُ الْجَنَّةَ وَوُجُوهُهُمْ عَلَى ضَوْءِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم أبو محمد الجمحي مولاهم البصري قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة المشددة وبعد الألف نون محمد بن مطرف الليثي المدني إمام سكن عسقلان قال: (حدثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفًا أو) قال (سبعمائة ألف شك) أبو حازم (في أحدهما) قال حال كونهم (متماسكين آخذ بعضهم ببعض) على هيئة الوقار فلا يسابق بعضهم بعضًا أو معترضين صفًا واحدًا بعضهم بجنب بعض (حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة) غاية للتماسك والأخذ بالأيدي (ووجوههم) بواو الحال مصححًا عليها بالفرع كأصله. (على ضوء القمر) ولأبي ذر عن الكشميهني على صورة القمر (ليلة البدر) عند تمامه. والحديث مرّ في ذكر الجنة من بدء الخلق. 6544 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ يَا أَهْلَ النَّارِ لاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لاَ مَوْتَ خُلُودٌ». [الحديث 6544 - طرفه في 6548]. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان أنه قال: (حدّثنا نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا دخل) ولأبي ذر: يدخل (أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم) أي أقف على اسمه يقول (يا أهل النار لا موت ويا أهل الجنة لا موت) بالبناء على الفتح فيهما (خلود) بالرفع والتنوين مصدر أو جمع خالد أي الشأن أو هذا الحال خلود أي مستمر أو أنتم خالدون في الجنة. والحديث أخرجه مسلم في صفة النار. 6545 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُقَالُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ خُلُودٌ لاَ مَوْتَ، وَلأَهْلِ النَّارِ يَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ لاَ مَوْتَ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يقال لأهل الجنة خلود) ولأبي ذر عن الكشميهني يا أهل الجنة خلود (لا موت ولأهل النار) يا أهل النار (خلود لا موت) زاد الإسماعيلي فيه. 51 - باب صِفَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ زِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ». عَدْنٌ: خُلْدٍ عَدَنْتُ بِأَرْضٍ أَقَمْتُ، وَمِنْهُ الْمَعْدِنُ فِى مَعْدِنِ صِدْقٍ فِى مَنْبِتِ صِدْقٍ. (باب صفة الجنة والنار) الجنة هي دار النعيم في الدار الآخرة والجنة البستان، والعرب تسمي النخيل جنة قال زهير: كأن عيني في غربي مقتله ... من النواضح تسقي جنة سحقا فهي من الاجتنان وهو الستر لتكاثف أشجارها وتظليلها بالتفاف أغصانها وسميت بالجنة وهي المرة الواحدة من مصدر جنه جنّا إذا ستره فكأنها سترة واحدة لشدة التفافها وإظلالها. (وقال أبو سعيد) سعد بن مالك الخدري -رضي الله عنه- مما سبق موصولاً في باب يقبض الله الأرض يوم القيامة (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد الحوت) ولأبي ذر كبد الحوت وزيادة الكبد هي قطعة من اللحم متعلقة بالكبد وهي ألذ الأطعمة وأهنؤها. {عدن} في قوله {جنات عدن} [التوبة: 72] أي (خلد) بضم الخاء المعجمة وسكون اللام وهو دوام البقاء يقال (عدنت بأرض) أي (أقمت) بها (ومنه المعدن) الذي يستخرج منه الجواهر كالذهب والفضة والنحاس والحديد (في معدن صدق) بكسر دال معدن أي (في منبت صدق) بكسر الموحدة، ولأبي ذر في مقعد بالقاف والعين بدل معدن والصواب الأول. قال في الفتح: وكان سبب الوهم أنه لما رأى أن الكلام في صفة الجنة وأن من أوصافها مقعد صدق كما في آخر سورة القمر ظنه هنا كذلك، وقد ذكره أبو عبيدة بلفظ معدن صدق. نعم قوله {مقعد صدق} [القمر: 55] معناه مكان القعود وهو يرجع إلى معنى المعدن. 6546 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِى رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اطَّلَعْتُ فِى الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِى النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ». وبه قال: (حدّثنا عثمان بن الهيثم) بفتح الهاء والمثلثة بينهما تحتية ساكنة ابن الجهم أبو عمرو العبدي البصري المؤذن بجامعها قال: (حدّثنا عوف) بالفاء وفتح العين ابن أبي جميلة الأعرابي (عن أبي رجاء) بالجيم عمران العطاردي (عن عمران) بن الحصين -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (اطّلعت) بتشديد الطاء (في الجنة) ليلة الإسراء أو في المنام (فرأيت أكثر أهلها الفقراء) قال الطيبي: ضمن اطلعت معنى تأملت ورأيت بمعنى علمت ولذا عداه إلى مفعولين ولو كان الاطّلاع بمعناه الحقيقي لكفاه مفعول واحد (واطّلعت في النار) في صلاة الكسوف فهو غير وقت رؤية الجنة قال في الفتح: ووهم من وحدهما قال: وقال الداودي: إن ذلك ليلة الإسراء وحين خسفت الشمس كذا قال (فرأيت أكثر أهلها النساء) لما يغلب عليهن من الهوى والميل إلى عاجل زينة الدنيا والإعراض عن الآخرة لنقص عقلهن وسرعة انخداعهن. والحديث رواته كلهم بصريون وسبق في صفة الجنة من بدء الخلق وفي النكاح. 6547 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِىُّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينَ، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا النِّسَاءُ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا إسماعيل) بن إبراهيم ابن علية الإمام قال: (أخبرنا سليمان) بن طرخان أبو المعتمر (التيمي عن أبي عثمان) عبد الرَّحمن بن مل النهدي (عن أسامة) بن زيد بن حارثة -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين) وفي الحديث السابق الفقراء وكل منهما يطلق على الآخر وضبط في اليونينية المساكين بفتح النون وهو سهو على ما لا يخفى (وأصحاب الجد) بفتح الجيم وتشديد الدال الغنى (محبوسون) ممنوعون من دخول الجنة مع الفقراء لأجل الحساب وكأن ذلك عند القنطرة التي يتعاقبون فيها بعد الجواز على الصراط (غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار) وغير بمعنى لكن، والمراد الكفار أي يساق الكفار إلى النار ويقف المؤمنون في العرصات للحساب والفقراء هم السابقون إلى الجنة لفقرهم (وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء). وهذا الحديث والذي قبله مسطوران بهامش الفرع لا رقم عليهما. وقال في الفتح: إنهما سقطًا من كثير من النسخ ومن مستخرجي الإسماعيلي وأبي نعيم ولا ذكر المزي في الأطراف طريق عثمان ولا طريق مسدد في كتاب الرقاق وهما ثابتان في رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة. 6548 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ جِىءَ بِالْمَوْتِ، حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ يُذْبَحُ، ثُمَّ يُنَادِى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لاَ مَوْتَ، يَا أَهْلَ النَّارِ لاَ مَوْتَ، فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ، وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ». وبه قال: (حدّثنا معاذ بن أسد) المروزي كاتب ابن المبارك قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا عمر بن محمد بن زيد) بضم العين (عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (أنه حدثه عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيء بالموت) الذي هو عرض من الأعراض مجسمًا كما في تفسير سورة مريم في هيئة كبش أملح. قال التوربشتي: ليشاهدوه بأعينهم فضلاً أن يدركوه ببصائرهم، والمعاني إذا ارتفعت عن مدارك الأفهام واستعلت عن معارج النفوس لكبر شأنها صيغت لها قوالب من عالم الحس حتى تتصور في القلوب وتستقر في النفوس، ثم إن المعاني في الدار الآخرة تنكشف للناظرين انكشاف الصورة في هذه الدار الفانية فلذا جيء بالموت في هيئة كبش (حتى يجعل بين الجنة والنار) وفي الترمذي من حديث أبي هريرة فيوقف على السور الذي بين الجنة والنار (ثم يذبح) أي يذكر الذابح فقيل فيما نقله القرطبي عن بعض الصوفية أنه يحيى بن زكريا بحضرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إشارة إلى دوام الحياة وعن بعض التصانيف. قال في الفتح: وهو في تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي أحد الضعفاء في آخر حديث الصور الطويل أنه جبريل عليه السلام. قال في المصابيح: على تقدير كونه الموت وليس فيهم من اسمه يحيى غيره، فالمناسبة فيه ظاهرة وعلى تقدير كونه جبريل فالمناسبة لاختصاصه بذلك لائحة أيضًا من حديث هو معروف بالروح الأمين، وليس في الملائكة من يطلق عليه ذلك غيره فجعل أمينًا على هذه القضية المهمة وتولى الذبح فكان في ذبح الروح للموت المضادّ لها مناسبة حسنة يمكن رعايتها والإشارة بها إلى بقاء كل روح من غير طروّ الموت عليها بشارة

للمؤمنين وحسرة على الكافرين (ثم ينادي منادٍ) أي أعرف اسمه (يا أهل الجنة لا موت يا) وللكشميهني ويا (أهل النار لا موت) بالبناء على الفتح فيهما (فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنًا إلى حزنهم) بضم الحاء المهملة وسكون الزاي فيهما، ولأبي ذر حزنًا إلى حزنهم بفتح الحاء والزاي فيهما. والحديث أخرجه مسلم في صفة أهل الجنة والنار. 6549 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَبِّ وَأَىُّ شَىْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِى، فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا». [الحديث 6549 - طرفه في: 7518]. وبه قال: (حدّثنا معاذ بن أسد) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا مالك بن أنس) الأصبحي إمام دار الهجرة وسقط ابن أنس لأبي ذر (عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر أبي عبد الله وأبي أسامة المدني (عن عطاء بن يسار) الهلالي مولى ميمونة (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الله يقول) ولأبي ذر إن الله تبارك وتعالى يقول: (لأهل الجنة يا أهل الجنة يقولون) ولأبي ذر عن الكشميهني فيقولن (لبيك ربنا وسعديك فيقول) جل وعلا (هل رضيتم؟ فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك فيقول) سبحانه وتعالى (أنا أعطيكم أفضل من ذلك. قالوا: يا رب وأيّ شيء أفضل من ذلك؟ فيقول) جل جلاله: (أحل) بضم الهمزة وكسر المهملة وتشديد اللام أي أنزل (عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا) وفي حديث جابر عند البزار قال: رضواني أكبر. قال في الفتح: وفيه تلميح بقوله تعالى: {ورضوان من الله أكبر} [التوبة: 72] لأن رضاه سبب كل فوز وسعادة وكل من علم أن سيده راض عنه كان أقر لعينه وأطيب لقلبه من كل نعيم لما في ذلك من التعظيم والتكريم انتهى. وهذا معنى ما قاله في الكشاف. وقال الطيبي: أكبر أصناف الكرامة رؤية الله تعالى ونكر رضوان في التنزيل إرادة التقليل ليدل على أن شيئًا يسيرًا من الرضوان خير من الجنات وما فيها. قال صاحب المفتاح: والأنسب أن يحمل على التعظيم وأكبر على مجرد الزيادة مبالغة لوصفه بقوله من الله أي ورضوان عظيم يليق أن ينسب إلى من اسمه الله معطي الجزيل ومن عطاياه الرؤية وهي أكبر أصناف الكرامة، فحينئذ يناسب معنى الحديث الآية حيث أضافه إلى نفسه وأبرزه في صورة الاستعارة وجعل الرضوان كالجائزة للوفود النازلين على الملك الأعظم. والحديث أخرجه البخاري أيضًا في التوحيد ومسلم والترمذي في صفة الجنة والنسائي في النعوت. 6550 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: أُصِيبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وَهْوَ غُلاَمٌ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ مِنِّى فَإِنْ يَكُ فِى الْجَنَّةِ أَصْبِرْ وَأَحْتَسِبْ وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى تَرَى مَا أَصْنَعُ؟ فَقَالَ: «وَيْحَكِ أَوَ هَبِلْتِ؟ أَوَ جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِىَ؟ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّهُ لَفِى جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) الجعفي البخاري يقال: إنه مولى المؤلّف ويعرف بالمسندي قال: (حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين ابن المهلب الأزدي يعرف بابن الكرماني المعنى بفتح الميم وسكون العين المهملة البغدادي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد الفزاري (عن حميد) بضم الحاء المهملة ابن أبي حميد الطويل البصري اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال، ثقة مدلس توفي وهو قائم يصلّي أنه (قال: سمعت أنسًا) -رضي الله عنه- (يقول: أصيب) بضم الهمزة (حارثة) بحاء مهملة ومثلثة بن سراقة بن الحارث الأنصاري (يوم) وقعة (بدر وهو غلام فجاءت أمه) الربيع بالتشديد بنت النضر عمة أنس (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني فإن يك في الجنة أصبر وأحتسب) بالجزم فيهما (وإن تكن الأخرى) بالفوقية وثبوت النون أي وإن لم يكن في الجنة (ترى ما أصنع)؟ من الحزن الشديد وترى بإشباع الراء وبعدها تحتية في الكتابة، ولأبي ذر عن الكشميهني: تر بغير تحتية مع القصر مجزوم (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها: (ويحك) بفتح الواو وسكون التحتية بعدها حاء مهملة كلمة ترحم وإشفاق (أوَهبلتِ) بهمزة الاستفهام وواو العطف على مقدر وفتح الهاء وكسر الموحدة وسكون اللام أي أفقدت عقلك مما أصابك من الثكل بابنك حتى جهلت الجنة (أوَجنة واحدة هي)؟ بهمزة وواو العطف على مقدر أيضًا (إنها جنان كثيرة) في الجنة (وإنه) أي حارثة (لفي) ولأبي ذر عن الكشميهني في (جنة الفردوس) وهي

أعلاها درجة. والفردوس البستان الذي فيه الكروم والأشجار والجمع فراديس. والحديث سبق بسنده ومتنه في باب فضل من شهد بدرًا من المغازي. 6551 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا الْفُضَيْلُ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا بَيْنَ مَنْكِبَىِ الْكَافِرِ مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ». وبه قال: (حدّثنا معاذ بن أسد) المروزي قال: (أخبرنا الفضل بن موسى) السيناني بكسر المهملة وسكون التحتية وبنونين بينهما ألف أبو عبد الله المروزي قال: (أخبرنا الفضيل) بضم الفاء وفتح المعجمة هو ابن غزوان كما نسبه ابن السكن في روايته وليس هو الفضيل بن عياض وإن وقع في رواية أبي الحسن القابسي عن أبي زيد المروزي لأن ابن عياض لا رواية له عن أبي حازم راوي هذا الحديث ولا أدركه كما قاله أبو علي الجياني (عن أبي حازم) سليمان الأشجعي الكوفي مولى عزة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما بين منكبي الكافر) بفتح الميم وسكون النون وكسر الكاف وفتح الموحدة تثنية منكب مجتمع العضد والكتف (مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع) ليعظم عذابه ويضاعف ألمه، وفي مسند الحسن بن سفيان من طريق يوسف بن عيسى عن الفضل بن موسى بسنده المذكور هنا خمسة أيام، وعند أحمد من حديث ابن عمر مرفوعًا: يعظم أهل النار في النار حتى أن بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام، وفي الزهد لابن المبارك بسند صحيح عن أبي هريرة: ضرس الكافر يوم القيامة أعظم من أُحد يعظمون لتمتلئ منهم وليذوقوا العذاب وحكمه الرفع لأنه لا مجال للرأي فيه والأخبار في ذلك كثيرة لا نطيل بسردها. وحديث الباب أخرجه مسلم في صفة النار أعاذنا الله منها بوجهه الكريم، ومطابقته لما ترجم به البخاري هنا للجزء الثاني من كون منكبي الكافر وهذا المقدار في النار إذ هو نوع وصف من أوصافها باعتبار ذكر الحمل وإرادة الحال. 6552 - وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ فِى الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِى ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا». (قال) المؤلّف بالسند السابق إليه (وقال إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (أخبرنا المغيرة بن سلمة) المخزومي البصري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري (عن أبي حازم) هو سلمة بن دينار الأعرج المدني القاص مولى الأسود بن سفيان، وأما أبو حازم في الحديث السابق هو سليمان الأشجعي وهما مدنيان تابعيان ثقتان لكن سلمة أصغر من سلمان (عن سهل بن سعد) الساعدي -رضي الله عنه- (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن في الجنة لشجرة) بلام التأكيد وفي الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد أنها سدرة المنتهى (يسير الراكب في ظلها) في ذراها وناحيتها (مائة عام لا يقطعها) أي لا ينتهي إلى آخر ما يميل من أغصانها. 6553 - قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَحَدَّثْتُ بِهِ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِى عَيَّاشٍ فَقَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ فِى الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا». (قال أبو حازم) سلمة بن دينار بالسند المذكور (فحدثت به) بالحديث المذكور (النعمان بن أبي عياش) بالتحتية والمعجمة الزرقي التابعي المدني (فقال: حدثني) ولأبي ذر أخبرني بالخاء المعجمة وبالإفراد فيهما (أبو سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن في الجنة لشجرة يسير الراكب) الفرس (الجواد) بفتح الجيم والواو المخففة لأنه يحوز بالركض يقال: جاد الفرس إذا صار فائقًا والجمع جياد وأجواد، وقيل الجياد الطويلة الأعناق من الجيد، ولأبي ذر الجواد بالرفع صفة لراكب (المضمر) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة والميم المشددة الذي يعلف حتى يسمن ثم يرد إلى القوت وذلك في أربعين ليلة ولأبي ذر أو المضمر بزيادة أو (السريع) في جريه (مائة عام ما يقطعها) والجواد وما بعده نصب في الفرع كأصله فالأول منصوب باسم الفاعل والمضمر اسم مفعول منصوب صفة للجواد وكذا السريع، وقال في الفتح: والجواد وما بعده في روايتنا بالرفع صفة للراكب، وضبط في صحيح مسلم بنصب الثلاثة على المفعولية، وقال في المصابيح وعند الأصيلي برفعها. 6554 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَوْ سَبْعُمِائَةِ أَلْفٍ» لاَ يَدْرِى أَبُو حَازِمٍ أَيُّهُمَا قَالَ: «مُتَمَاسِكُونَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لاَ يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد العزيز عن) أبيه (أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ليدخلن الجنة من أمتي سبعون)

زاد أبو ذر ألفًا (أو) قال (سبعمائة ألف لا يدري أبو حازم) سلمة بن دينار (أيهما) بالرفع ولأبي ذر بالنصب أي سبعون ألفًا أو سبعمائة ألف (قال) سهل بن سعد: (متماسكون آخذ بعضهم بعضًا) معترضين صفًّا واحدًا (لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم) وتقدير معترضين صفًّا واحدًا مزيل لما استشكل من قوله لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم لاستلزامه الدور لأن دخول الأول موقوف على دخول الآخر وبالعكس، نعم هو على تقدير معترضين الخ، دور معية لكنه لا محذور فيه كما قاله في الكواكب، وفيه إشارة إلى سعة الباب الذي يدخلون منه (وجوههم على صورة القمر) المراد بالصورة الصفة أي أنهم في إشراق وجوههم على صفة القمر (ليلة البدر) عند تمامه وهي ليلة أربعة عشر ولأبي ذر عن الكشميهني على ضوء القمر. والحديث سبق في الباب السابق قبل هذا. 6555 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْغُرَفَ فِى الْجَنَّةِ كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِى السَّمَاءِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا عبد العزيز عن أبيه) أبي حازم سلمة بن دينار (عن سهل) هو ابن الساعدي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): 6556 - قَالَ أَبِى فَحَدَّثْتُ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِى عَيَّاشٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يُحَدِّثُ وَيَزِيدُ فِيهِ كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الْغَارِبَ فِى الأُفُقِ الشَّرْقِىِّ وَالْغَرْبِىِّ. (إن أهل الجنة ليتراءون) بفتح اللام والتحتية والفوقية والهمزة لينظرون (الغرف في الجنة) بضم الغين المعجمة وفتح الراء جمع غرفة بضم ثم سكون (كما تتراءون) أنتم في الدنيا (الكوكب) زاد الإسماعيلي الدري (في السماء قال) عبد العزيز: قال (أبي) أبو حازم (فحدثت النعمان) ولأبي ذر: فحدثت به النعمان (بن أبي عياش) بالتحتية والمعجمة الزرقي (فقال: أشهد) والله (لسمعت أبا سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (يحدث) ولأبي ذر عن الكشميهني يحدثه أي الحديث المذكور (ويزيد فيه: كما تراءون) بفوقية واحدة مفتوحة والهمزة (الكوكب الغارب) بتقديم الراء على الموحدة، ولأبي ذر عن الكشميهني: الغابر بتأخير الراء من الغبور يقال غبر الشيء غبورًا بقي. قال الأزهري: الغابر من الأضداد يطلق على الماضي والباقي والمعروف الكثير أنه بمعنى الباقي ومن معنى الباقي قوله في الحديث: إنه اعتكف العشر الغوابر من رمضان أي البواقي، وقال في المطالع: الغابر البعيد أو الذاهب الماضي كما في الرواية الأخرى الغارب والمعنى هنا كما تراءون الكوكب الباقي (في الأفق) وهو طرف السماء (الشرقي والغربي) بعد انتشار ضوء الفجر فإنما ينتشر في ذلك الوقت الكوكب المضيء، وضبطه بعضهم الغائر بتحتية مهموزة بين الألف والراء من الغور يريد انحطاطه في الجانب الغربي، وروي العازب بالعين المهملة والزاي ومعناه البعيد في الأفق وكلها راجعة إلى معنى واحد، وفائدة تقييد الكوكب بالدري ثم بالغابر في الأفق كما قال في شرح المشكاة: الإيذان بأنه من باب التمثيل منتزع من عدة أمور متوهمة في المشبه شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المستضيء الباقي في جانب المغرب والشرق في الاستضاءة مع البعد والرفعة، فلو قال: الغائر بالهمز لم يصح لأن الإشراق يفوت عند الغور اللهم إلا أن يؤول بالمستشرف على الغور كما في قوله تعالى: {فإذا بلغن أجلهن} [البقرة: 234] أي شارفن بلوغ الأجل، لكن لا يصح هذا المعنى في الجانب الشرقي نعم يصح إذا اعتبرته على طريقة علفتها تبنًا وماء باردًا أي طالعًا في الأفق من المشرق وغائرًا في المغرب، قال: وذكر الشرق والغرب، ولم يقل في السماء أي في كبدها لبيان الرفعة وشدة البعد. 6557 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى عِمْرَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِى الأَرْضِ مِنْ شَىْءٍ أَكُنْتَ تَفْتَدِى بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِى صُلْبِ آدَمَ أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِى شَيْئًا فَأَبَيْتَ إِلاَّ أَنْ تُشْرِكَ بِى». وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالشين المعجمة المشددة المعروف ببندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي عمران) عبد الملك بن حبيب الجوني بفتح الجيم وسكون الواو بعدها نون مكسورة أنه (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه-) سقط لأبي ذر: ابن مالك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابًا يوم القيامة) بكسر لام لأهون وقيل إن أهون أهل النار هذا هو أبو طالب (لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت) بهمزة الاستفهام الاستخباري

وفتح التاء ولأبي ذر بضمها "تفتدي به" بالفاء من العذاب (فيقول نعم فيقول) الله تعالى (أردت منك أهون) أي أسهل (من هذا وأنت في صلب آدم) حين أخذت الميثاق (أن لا تشرك بي شيئًا فأبيت) فامتنعت حين أبرزتك إلى الدنيا (إلا أن تشرك بي) الاستثناء مفرّغ وإنما حذف المستثنى منه مع أنه كلام موجب لأن في الإباء معنى الامتناع فيكون نفيًا معنى أي ما اخترت إلا الشرك وظاهر قوله أردت منك يوافق مذهب المعتزلة لأن المعنى أردت منك التوحيد فخالفت مرادي وأتيت بالشرك. وأجيب: بأن الإرادة هنا بمعنى الأمر أي أمرتك فلم تفعل لأنه سبحانه وتعالى لم يكن في ملكه إلا ما يريد، وقال الطيبي: والأظهر أن تحمل الإرادة هنا على أخذ الميثاق في آية {وإذ أخذ ربك من بني آدم} [الأعراف: 172] لقرينة وأنت في صلب آدم ويحمل الإباء على نقض العهد. والحديث سبق في باب قول الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة} [البقرة: 30] من خلق آدم وفي باب من نوقش الحساب. 6558 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ، كَأَنَّهُمُ الثَّعَارِيرُ» قُلْتُ: مَا الثَّعَارِيرُ؟ قَالَ: «الضَّغَابِيسُ» وَكَانَ قَدْ سَقَطَ فَمُهُ فَقُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: أَبَا مُحَمَّدٍ سَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَخْرُجُ بِالشَّفَاعَةِ مِنَ النَّارِ» قَالَ: نَعَمْ. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي الحافظ عارم قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد بن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يخرج من النار بالشفاعة) بحذف الفاعل. قال في الفتح: وثبت في رواية أبي ذر عن السرخسي يخرج قوم ولمسلم عن أبي الربيع الزهراني عن حماد بن زيد يخرج الله قومًا من النار بالشفاعة (كأنهم الثعارير) بمثلثة مفتوحة فعين مهملة وبعد الألف راءان بينهما تحتية ساكنة جمع ثعرور بضم أوله كعصفور صغار القثاء شبهوا بها لأن القثاء تمنى سريعًا وقيل هو رؤوس الطراثيث تكون بيضاء شبهوا ببياضها واحدها طرثوث وهو نبت يؤكل قال حماد (قلت) لعمرو: (ما) ولأبي ذر عن الكشميهني وما (الثعارير؟ قال) عمرو: (الضغابيس) بالضاد والغين المعجمتين المفتوحتين وبعد الألف موحدة مكسورة فتحتية ساكنة فسين مهملة وهي صغار القثاء واحدتها ضعبوس، وقيل هي نبت ينبت في أصول الثمام يشبه الهليون يسلق بالخل والزيت ويؤكل، وقال أبو عبيد: ويقال الشعارير بالشين المعجمة بدل المثلثة، قال في الفتح: وكان هذا هو السبب في قول الراوي (وكان) عمرو (قد سقط فمه) أي سقطت أسنانه فنطق بها مثلثة وهي شين معجمة. قال الكرماني: ولذا لقب بالأثرم بالمثلثة وفتح الراء إذ الثرم انكسار الأسنان انتهى. وهذا التشبيه لصفتهم بعد أن ينبتوا وأما في أول خروجهم من النار فإنهم يكونون كالفحم كما يأتي إن شاء الله تعالى بعد، وقال حماد أيضًا (فقلت لعمرو بن دينار: أبا محمد) بحذف أداة النداء ولأبي ذر عن الكشميهني يا أبا محمد (سمعت) بهمزة الاستفهام المقدّرة أي أسمعت (جابر بن عبد الله) -رضي الله عنهما- (يقول: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يخرج بالشفاعة من النار) قوم؟ (قال: نعم) سمعته يقول ذلك وفيه إبطال مذهب المعتزلة القائلين بنفي الشفاعة للعصاة متمسكين بقوله تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} [المدثر: 48] وأجيب: بأنها في الكفار وقد تواترت الأحاديث في إثباتها. والحديث أخرجه مسلم في الإيمان. 6559 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بَعْدَ مَا مَسَّهُمْ مِنْهَا سَفْعٌ، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَيُسَمِّيهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَهَنَّمِيِّينَ». [الحديث 6559 - طرفه في 7450]. وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون الدال المهملة بعدها موحدة مفتوحة فهاء تأنيث القيسي البصري الحافظ هداب قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم بعدها ألف فميم ابن يحيى العوذي الحافظ (عن قتادة) بن دعامة أنه قال: (حدّثنا أنس بن مالك) -رضي الله عنه- ولأبي ذر عن أنس (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يخرج قوم من النار بعد ما مسهم منها سفع) بفتح السين المهملة وسكون الفاء بعدها عين مهملة سواد فيه زرقة أو صفرة يقال: سفعته النار إذا لفحته فغيرت لون بشرته والسوافع لوائح السموم (فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة الجهنميين) بالتحتيتين بعد الميم، ولأبي ذر بتحتية واحدة، وفي حديث جابر عند ابن حبان والبيهقي فكتب في رقابهم عتقاء الله

من النار فيسمون فيها الجهنميين وقول بعض الشراح إن هذه التسمية ليست تنقيصًا لهم بل للاستذكار لنعمة الله ليزدادوا بذلك شكرًا يعارضه ما في مسلم من حديث أبي سعيد فيدعون الله فيذهب عنهم هذا الاسم. وحديث الباب أخرجه أيضًا المؤلّف في التوحيد. 6560 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ يَقُولُ اللَّهُ: مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرَجُونَ قَدِ امْتُحِشُوا وَعَادُوا حُمَمًا، فَيُلْقَوْنَ فِى نَهَرِ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِى حَمِيلِ السَّيْلِ» -أَوْ قَالَ حَمِيَّةِ السَّيْلِ - وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلَمْ تَرَوْا أَنَّهَا تَنْبُتُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً». وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي الحافظ قال: (حدثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد الباهلي مولاهم الكرابيسي الحافظ قال: (حدّثنا عمرو بن يحيى) بفتح العين (عن أبيه) يحيى بن عمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم المازني (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه أن النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا دخل أهل الجنة الجنة) أي فيها وعبّر بالمضارع العاري عن سين الاستقبال المتمحض للحال لتحقق وقوع الإدخال (و) يدخل (أهل النار النار) ثم بعد دخولهم فيها (يقول الله) تبارك وتعالى لملائكته (من كان في قلبه) زيادة على أصل التوحيد (مثقال حبة) أي مقدار حبة حاصلة (من خردل) حاصل (من إيمان) بالتنكير ليفيد التقليل والقلة هنا باعتبار انتفاء الزيادة على ما يكفي لا لأن الإيمان ببعض ما يجب الإيمان به كاف لأنه علم من عرف الشرع أن المراد الحقيقة المعهودة والإيمان ليس بجسم فيحصره الوزن، والمراد أنه يجعل عمل العبد وهو عرض في جسم على مقدار العمل عنده تعالى ثم يوزن أو تمثل الأعمال جواهر (فأخرجوه) من النار (فيخرجون) منها حال كونهم (قد امتحشوا) بضم الفوقية وكسر المهملة وضم المعجمة احترقوا (وعادوا حممًا) بضم الحاء المهملة وفتح الميم فحمًا (فيلقون) بضم التحتية وسكون اللام وفتح القاف (في نهر الحياة) بالفوقية بعد الألف ونهر الحياة هو الذي من غمس فيه حيي (فينبتون) بضم الموحدة ثانيًا (كما تنبت الحبة) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة بزر العشب أو البقلة الحمقاء لأنها تنبت سريعًا (في حميل السيل) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم وسكون التحتية آخره لام فعيل بمعنى مفعول وهو ما جاء به من طين أو غثاء وغيره فإذا كانت فيه حبة واستقرت على شط بحر السيل فإنها تنبت في يوم وليلة فشبه بها سرعة عود أبدانهم وأجسامهم إليهم بعد إحراق النار لها (أو قال حمية) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم وتشديد التحتية كذا في الفرع أي معظم جري السيل واشتداده، وقال الكرماني: الحمأة بالفتح وسكون الميم وبكسرها وبالهمزة الطين الأسود المنتن والشك من الراوي (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ألم تروا) خطاب لكل من يتأتى منه الرؤية (أنها تنبت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي تخرج حال كونها (صفراء) تسر الناظرين وحال كونها (ملتوية) أي منعطفة. وهذا مما يزيد الرياحين حسنًا باهتزازه وتميله والمعنى فمن كان في قلبه مثقال حبة من إيمان يخرج من ذلك الماء نضرًا متبخترًا كخروج هذه من جانب السيل صفراء متميلة. وقال النووي: لسرعة نباته يكون ضعيفًا ولضعفه يكون أصفر ملتويًا ثم بعد ذلك تشتد قوته. والحديث مضى في باب تفاضل أهل الإيمان من كتاب الإيمان. 6561 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ، سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَةٌ يَغْلِى مِنْهَا دِمَاغُهُ». [الحديث 6561 - طرفه في: 6562]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة ابن عثمان العبدي مولاهم الحافظ بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر الهذلي مولاهم البصري الحافظ قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج الحافظ أبو بسطام العتكي (قال: سمعت أبا إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سمعت النعمان) بن بشير الأنصاري -رضي الله عنه- يقول (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة لرجل) في مسلم إنه أبو طالب واللام بالفتح للتأكيد (توضع في أخمص قدميه) بضم الفوقية من توضع وفتح الهمزة والميم والصاد مهملة من أخمص وقدميه بالتثنية باطن قدميه الذي لا يصل إلى الأرض عند المشي (جمرة) في كل قدم (يغلي) بفتح التحتية وسكون المعجمة وكسر اللام (منها) من الجمرة (دماغه)

وفي مسلم من رواية الأعمش عن أبي إسحاق منه له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه بالتثنية. والحديث أخرجه مسلم في الإيمان والترمذي في صفة جهنم. 6562 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِى مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِى الْمِرْجَلُ وَالْقُمْقُمُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني البصري قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو السبيعي (عن النعمان بن بشير) الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة رجل) هو أبو طالب كما في مسلم وسبق (على أخمص قدميه) بالتثنية (جمرتان يغلي منهما دماغه) من حرارتهما (كما يغلي المرجل) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الجيم بعدها لام القدر من النحاس أو من أي صنف كان (والقمقم) بقافين مضمومتين وميمين من آنية العطار أو إناء ضيق الرأس يسخن فيه الماء من نحاس وغيره فارسي معرّب، ولأبي ذر والأصيلي بالقمقم بالموحدة بدل واو العطف وصوب القاضي عياض كونه بالواو لا بالموحدة، وقال غيره: يحتمل أن تكون الباء بمعنى مع، وعند الإسماعيلي كما يغلي المرجل أو القمقم بالشك، وقال السهيلي: من باب النظر في حكمة الله تعالى ومشاكلة الجزاء للعمل أن أبا طالب كان مع رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بجملته متحزبًا له إلا أنه كان متثبتًا بقدمه على ملّة عبد المطلب حتى قال عند الموت: إنه على ملة عبد المطلب فسلّط الله تعالى العذاب على قدميه خاصة لتثبيته إياهما على ملة آبائه وسند هذا المتن أعلى من سند السابق، لكن في العالي عنعنة أبي إسحاق السبيعي، وفي النازل تصريحه بالسماع فانجبر ما فاته من العلو الحسي بالعلو المعنوي. 6563 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ النَّارَ فَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ فَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) أبو أيوب الواشحي البصري قاضي مكة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين ابن مرة بضم الميم وتشديد الراء ابن عبد الله بن طارق الجملي بفتح الجيم والميم الكوفي الأعمى (عن خيثمة) بخاء معجمة مفتوحة فتحتية ساكنة فمثلثة مفتوحة فتاء تأنيث ابن عبد الرَّحمن الجعفي (عن عدي بن حاتم) الطائي الجواد ابن الجواد الصحابي الشهير -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر النار فأشاح) بالفاء والهمزة والشين المعجمة بعدها ألف فحاء مهملة (بوجهه) صرفه أو حذر منها كأنه ينظر إليها (فتعوّذ منها ثم ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوّذ منها ثم قال): (اتقوا النار) بالتصدّق (ولو بشق تمرة) بكسر الشين المعجمة (فمن لم يجد) صدقة (فبكلمة طيبة). وسبق الحديث في باب من نوقش الحساب عذب. 6564 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِىُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ: لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلُ فِى ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِى مِنْهُ أُمُّ دِمَاغِهِ. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي أبو إسحاق الزبيري بالراء المدني قال: (حدّثنا ابن أبي حازم) هو عبد العزيز بن أبي حازم سلمة بن دينار (والدراوردي) بفتح الدال والراء بعد الألف واو مفتوحة فراء ساكنة فدال مهملة مكسورة فتحتية مشددة عبد العزيز بن محمد ودراورد قرية من قرى خراسان (عن يزيد) بن عبد الله بن الهاد (عن عبد الله بن خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى بعدها ألف الأنصاري (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر) ولأبي ذر يقول وذكر (عنده عمه أبو طالب) عبد مناف شقيق عبد الله أبي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل) بالرفع والنصب (في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه) بالتثنية والضحضاح بضادين معجمتين مفتوحتين وحاءين مهملتين أولاهما ساكنة ما رق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين فاستعير للنار (يغلي منه) من الضحضاح ولأبي ذر عن الكشميهني منها أي من النار (أمّ دماغه) أصله وما به قوامه أو جلدة رقيقة تحيط بالدماغ. واستشكل قوله عليه الصلاة والسلام تنفعه شفاعتي مع قوله تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} [المدثر: 48] وأجيب: بأن منفعة الآية بالإخراج من النار وفي الحديث بالتخفيف أو يخص عموم الآية بالحديث، أو أن أبا طالب لما بالغ في إكرام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والذب عنه جوزي بالتخفيف وأطلق على ذلك

شفاعة أو أن جزاء الكافر من العذاب يقع على كفره وعلى معاصيه، فيجوز أن يضع الله عن بعض الكفار بعض جزاء معاصيه تطييبًا لقلب الشافع لا ثوابًا للكافر لأن حسناته صارت بموته على الكفر هباء منثورًا لكنهم قد يتفاوتون فمن كانت له حسنات من عتق أو مواساة مسلم ليس كمن ليس له ذلك، فيحتمل أن يجازى بالتخفيف بمقدار ما عمل لكنه معارض بقوله تعالى: {ولا يخفف عنهم من عذابها} [فاطر: 36]. والحديث سبق في باب قصة أي طالب. 6565 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ، لَوِ اسْتَشْفَعْنَا عَلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ الَّذِى خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّنَا فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ وَيَقُولُ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ، ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ الَّذِى اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلاً، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ، ائْتُوا مُوسَى الَّذِى كَلَّمَهُ اللَّهُ فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ، ائْتُوا عِيسَى فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ ائْتُوا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَيَأْتُونِى فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ وَقُلْ يُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِى فَأَحْمَدُ رَبِّى بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِى، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِى حَدًّا ثُمَّ أُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَعُودُ، فَأَقَعُ سَاجِدًا مِثْلَهُ فِى الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ حَتَّى مَا بَقِىَ فِى النَّارِ، إِلاَّ مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ» وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: عِنْدَ هَذَا أَىْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يجمع الله الناس يوم القيامة) ولأبي ذر عن المستملي: جمع الله بلفظ الماضي والأول هو المعتمد وفي حديث أبي هريرة يجمع الله الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم الصبر وتدنو الشمس من رؤوسهم فيشتد عليهم حرّها (فيقولون) من الضجر والجزع مما هم فيه (لو استشفعنا على) بالعين ضمن استشفع معنى الاستعانة يعني لو استعنا على (ربنا) لأن الاستشفاع طلب الشفاعة وهي انضمام الأدنى إلى الأعلى ليستعين به على ما يرويه وفي رواية هشام الدستوائي السابقة في سورة البقرة إلى ربنا (حتى يريحنا) بالحاء المهملة من الإراحة أي يخلصنا (من مكاننا) وما فيه من الأهوال ولو هي المتضمنة للتمني والطلب فلا تحتاج إلى جواب أو جوابها محذوف (فيأتون آدم) عليه السلام وقدموه لأنه الأول (فيقولون) له بعثًا له على أن يشفع لهم (أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه) زاد همام في روايته الآتية إن شاء الله تعالى في كتاب التوحيد وأسكنك جنته وعلمك أسماء كل شيء ووضع شيء موضع أشياء أي المسميات كقوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها} [البقرة: 31] أي أسماء المسميات (وأمر الملائكة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: وأمر ملائكته (فسجدوا لك) سجود خضوع لا سجود عبادة (فاشفع لنا عند ربنا) حتى يريحنا من مكاننا هذا (فيقول) آدم (لست هناكم) بضم الهاء وتخفيف النون أي لست في المكان والمنزل الذي تحسبونني يريد به مقام الشفاعة (ويذكر خطيئته التي أصابها) وهي أكله من الشجرة التي نهي عنها قاله تواضعًا واعتذارًا من التقاعد عن الإجابة وإعلامًا بأنها لم تكن له (ويقول) لهم (ائتوا نوحًا) عليه السلام وسقط ويقول لأبي ذر (أول رسول بعثه الله) أي بعد آدم وشيث إدريس أو الثلاثة كانوا أنبياء ولم يكونوا رسلاً نعم كان آدم مرسلاً وأنزل على شيث الصحف وهو من علامة الإرسال أو رسالة آدم لبنيه وهم موحدون ليعلمهم شريعته ورسالة نوح للكفار ليدعوهم إلى التوحيد (فيأتونه فيقول) لهم (لست هناكم ويذكر خطيئته) وهي سؤاله ربه ما ليس له به علم وهو قوله: {رب إن ابني من أهلي} [هود: 45] (ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلاً فيأتونه فيقول) لهم (لست هناكم ويذكر خطيئته) زاد مسلم التي أصاب فيستحيي من ربه وفي رواية همام: إني كذبت ثلاث كذبات وزاد سفيان قوله {إني سقيم} [الصافات: 89] وقوله: {بل فعله كبيرهم} [الأنبياء: 63] قوله لامرأته: أخبريه أني أخوك، وهذه الثلاثة من المعاريض إلا أنهما لما كانت صورتها صورة الكذب أشفق منها (ائتوا موسى الذي كلمه الله) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي كلم الله (فيأتونه فيقول) لهم (لست هناكم) وسقط لأبي ذر قوله فيقول لست هناكم (فيذكر خطيئته) وهي أنه قتل نفسًا لم يؤمر بقتلها (ائتوا عيسى فيأتونه فيقول) لهم (لست هناكم) ولم يذكر ذنبًا لكن وقع في رواية أبي نضرة عن أبي سعيد: إني عبدت من دون الله رواه مسلم (ائتوا محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي كشف علوم الآخرة للغزالي: إن بين إتيان أهل الموقف آدم وإتيانهم نوحًا ألف سنة وكذا بين

كل نبي ونبي. قال في الفتح: ولم أقف لذلك على أصل ولقد أكثر من هذا الكتاب من إيراد أحاديث لا أصل لها فلا يغتر بشيء منها انتهى. وتعقبه العيني بأن جلالة قدر الغزالي تنافي ما ذكره وعدم وقوفه على أصل لذلك لا يستلزم نفي وقوف غيره لذلك على أصل فإنه لم يحط علمًا بكل ما ورد حتى يدعي هذه الدعوى انتهى. وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن جلالة الغزالي لا تنافي أنه يحسن الظن ببعض الكتب فينقل منها ويكون ذلك المنقول غير ثابت كما وقع له ذلك في الإحياء في نقله من قوت القلوب كما نبه على ذلك غير واحد من الحفّاظ وقد اعترف هو بأن بضاعته في الحديث مزجاة. قال ابن حجر: ولم أدّع أني أحطت علمًا وإنما نفيت اطّلاعي وإطلاقي في الثاني محمول على تقييدي في الأول والحكم لا يثبت بالاحتمال فلو كان هذا المعترض يعني العيني اطّلع على شيء من ذلك يخالف قولي لأبرزه وتبجح به انتهى. وقد ألهم الله تعالى الناس سؤال آدم ومن بعده في الابتداء ولم يلهموا سؤال نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أن فيهم من سمع هذا الحديث منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتحقق اختصاصه بذلك إظهارًا لفضيلة نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورفعة منزلته وكمال قربه وتفضيله على جميع المخلوقين. (فقد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر) ما وقع عن سهو وتأويل أو ما كان الأولى تركه أو أنه مغفور له غير مؤاخذ لو وقع منه. قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فيأتوني) زاد في رواية سعيد بن أبي هلال المذكورة في التوحيد فأقول أنا لها أنا لها (فأستأذن على ربي) زاد همام في داره فيؤذن لي أي في دخول الدار وهي الجنة وأضيفت إليه تعالى إضافة تشريف (فإذا رأيته) تعالى (وقعت) له حال كوني (ساجدًا) وفي رواية أبي بكر عند أبي عوانة فآتي تحت العرش فأقع ساجدًا لربي (فيدعني) في السجود (ما شاء الله) زاد مسلم أن يدعني وسقطت الجلالة الشريفة لأبي ذر وفي حديث عبادة بن الصامت عند الطبراني فإذا رأيته خررت له ساجدًا شكرًا له (ثم يقال ارفع) ولأبي ذر ثم يقال لي ارفع (رأسك) وفي رواية النضر بن أنس عند أحمد فأوحى الله إلى جبريل أن اذهب إلى محمد فقل له ارفع رأسك (سل تعطه) بغير واو ولا همز (قل يسمع) بغير واو أيضًا نعم في اليونينية وقل بإثباتها (واشفع تشفع) أي تقبل شفاعتك (فأرفع رأسي فأحمد رب بتحميد يعلمني) وفي رواية ثابت عند أحمد بمحامد لم يحمده بها أحد قبلي ولا يحمده أحد بعدي (ثم اشفع) في الإراحة من كرب الموقف ثم في الإخراج من النار بعد التحوّل من الموقف والمرور على الصراط وسقوط من يسقط حينئذ في النار (فيحدّ لي) بفتح التحتية وضم الحاء المهملة أي يبين لي كل طور من أطوار الشفاعة (حدًّا) أقف عنده فلا أتعداه مثل أن يقول شفعتك فيمن أخلّ بالجماعة ثم فيمن أخلّ بالصلاة ثم فيمن شرب الخمر ثم فيمن زنى وعلى هذا الأسلوب قاله في شرح المشكاة عن التوربشتي. قال في الفتح: والذي يدل عليه سياق الأخبار أن المراد به تفصيل مراتب المخرجين في الأعمال الصالحة كما وقع عند أحمد عن يحيى القطان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في هذا الحديث بعينه (ثم أخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود فأقع) حال كوني (ساجدًا مثله) أي مثل الأول (في) المرة (الثالثة أو الرابعة) بالشك من الراوي (حتى) أقول يا رب (ما بقي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ما يبقى (في النار إلا من حبسه) فيها (القرآن وكان) بالواو ولأبي ذر فكان (قتادة) بن دعامة (يقول عند هذا) القول وهو من حبسه القرآن (أي وجب عليه الخلود) بنحو قول الله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به} [النساء: 48] والحديث سبق في أول سورة البقرة. 6566 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ - رضى الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن الحسن بن ذكوان) أبي سلمة البصري صدوق يخطئ ورمي بالقدر لكنه ليس له في البخاري سوى هذا الحديث من رواية يحيى القطان عنه مع تعنته في الرجال ومع ذلك فهو

متابعة قال: (حدّثنا أبو رجاء) عمران العطاردي قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (عمران بن حصين -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يخرج قوم من النار بشفاعة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيدخلون الجنة يسمون) بفتح الميم المشددة (الجهنميين) في حديث أبي سعيد فيخرجون كاللؤلؤ وفي رقابهم الخواتم فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل. وحديث الباب أخرجه الترمذي في صفة النار وأبو داود في السُّنّة وابن ماجة في الزهد. 6567 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُمَّ حَارِثَةَ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَدْ هَلَكَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ غَرْبُ سَهْمٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتَ مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنْ قَلْبِى، فَإِنْ كَانَ فِى الْجَنَّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ سَوْفَ تَرَى مَا أَصْنَعُ، فَقَالَ لَهَا: «هَبِلْتِ أَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِىَ؟ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ فِى الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) أي ابن أبي كثير الأنصاري الزرقي أبو إسحاق القاري (عن حميد) الطويل البصري مولى طلحة الطلحات (عن أنس) -رضي الله عنه- (أن أم حارثة) الربيع بالتصغير بنت النضر عمة أنس بن مالك وحارثة هو ابن سراقة بن الحارث بن عدي الأنصاري (أتت رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد هلك حارثة يوم بدر) وقال ابن منده: يوم أُحد والأول هو المشهور المعتمد (أصابه غرب سهم) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء مضافًا لسهم، ولأبي ذر عن الكشميهني سهم غرب بتقديم سهم مع التنوين على الصفة أي لا يدرى من رماه (فقالت: يا رسول الله قد علمت موقع حارثة) ولأبي ذر عن الكشميهني موضع حارثة (من قلبي فإن كان في الجنة لم أبك عليه وإلاّ سوف ترى ما أصنع فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لها): 6568 - وَقَالَ: «غَدْوَةٌ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَا فِيهَا وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ، أَوْ مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الأَرْضِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا وَلَنَصِيفُهَا يَعْنِى الْخِمَارَ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». (هبلت) في اليونينية بكسر الهاء ولأبي ذر بضمها وفتحها وكسر الموحدة وسكون اللام: فقدت عقلك استفهام حذفت منه الأداة (أجنة واحدة هي إنها جنان كثيرة وإنه في) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لفي (الفردوس الأعلى وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (غدوة) بفتح الغين (في سبيل الله أو روحة) بفتح الراء (خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم) بلام مفتوحة للتأكيد والقاف بعدها ألف فموحدة أي قدر قوس أحدكم (أو موضع قدم من الجنة) ولأبي ذر عن الكشميهني: قدمه بالإضافة، وله عن الحموي والمستملي قدمه بكسر القاف وفتحها وتشديد الدال المهملة أي مقدار سوطه لأنه يقد أي يقطع طولاً (خير من الدنيا وما فيها) من متاعها (ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطّلعت) بهمزة الوصل وتشديد الطاء المهملة (إلى الأرض لأضاءت ما بينهما) بين السماء والأرض (ولملأت ما بينهما ريحًا) طيبة (ولنصيفها) بفتح اللام للتأكيد والنون وكسر الصاد المهملة بعدها تحتية ساكنة ثم فاء قال قتيبة راويه: (-يعني الخمار-) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الميم ما تغطي به رأسها (خير من الدنيا وما فيها) من متاعها وقيل النصيف المعجز وهو بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الجيم وهو ما تلويه المرأة على رأسها، وقال الأزهري: هو كالعصابة تلفه على استدارة رأسها، وعند ابن أبي الدنيا من حديث ابن عباس، ولو أخرجت نصيفها لكانت الشمس عند حسنها مثل الفتيلة من الشمس لا ضوء لها ولو أطلعت وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء والأرض، ولو أخرجت كفها لافتتن الخلائق بحسنها. فإن قلت: ما وجه الربط بين قوله غدوة في سبيل الله أو روحة وبين قوله: ولقاب قوس أحدكم الخ؟ أجيب: بأن المراد أن ثواب غدوة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها لأن ثوابها جنة نصيف امرأة منها خير من الدنيا وما فيها. 6569 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ إِلاَّ أُرِىَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، لَوْ أَسَاءَ لِيَزْدَادَ شُكْرًا وَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ إِلاَّ أُرِىَ مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، لَوْ أَحْسَنَ لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةً». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يدخل أحد الجنة إلا أري) بضم الهمزة وكسر الراء (مقعده) بالنصب مفعول أري (من النار ولو أساء) أي ولو عمل في الدنيا عملاً سيئًا بأن كفر (ليزداد شكرًا). واستشكل بأن الجنة ليست دار شكر بل دار جزاء. وأجيب: بأن الشكر ليس على سبيل التكليف بل على سبيل التلذذ أو المراد ليزداد فرحًا ورضًا فعبّر عنه بلازمه

لأن الراضي بالشيء يشكر من فعل له ذلك. (ولا يدخل النار أحد) ولأبي ذر عن الكشميهني: أحد النار (إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن) لو عمل عملاً حسنًا وهو الإسلام (ليكون عليه حسرة) زيادة على تعذيبه. قال في الفتح: وقع عند ابن ماجة بسند صحيح من طرق أخرى عن أبي هريرة أن ذلك يقع عند المسألة في القبر وفيه: فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها فيقال له: انظر إلى ما وقال الله. وفي حديث أبي سعيد عند الإمام أحمد يفتح له باب إلى النار فيقول: هذا منزلك لو كفرت بربك فأما إذا آمنت فهذا منزلك فيفتح له باب إلى الجنة فيريد أن ينهض إليه فيقول له: اسكن ويفسح له في قبره. ومطابقة حديث الباب لما ترجم له من حيث كون المقعدين فيهما نوع صفة لهما. 6570 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلَنِى عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ، لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط لأبي ذر ابن سعيد قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الزرقي الأنصاري أبو إسحاق القاري (عن عمرو) بفتح العين ابن أبي عمرو بفتح العين أيضًا مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب (عن سعيد بن أبي سعيد) بكسر العين فيهما واسم أبي سعيد كيسان (المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة)؟ قال في فتح الباري: لعل أبا هريرة سأل عن ذلك عند قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وأريد أن أختبئ دعوتي لأمتي في الآخرة (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: والله (لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني) أن هي المخففة من الثقيلة (عن هذا الحديث أحد أول منك) برفع أول صفة لأحد أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هو أول وبفتحها لأبي ذر على الظرفية وقال العيني على الحال (لما رأيت) للذي رأيته (من حرصك على الحديث) من بيانية أو لرؤيتي بعض حرصك فمن تبعيضية (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا) من الشرك (من قبل نفسه) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة نفسه مختارًا طائعًا وأسعد هنا هل هي على بابها من التفضيل أو هي بمعنى فعيل يعني سعيد الناس، وعلى الأول فالمعنى سعد ممن لم يكن في هذه المرتبة من الإخلاص المؤكد البالغ غايته لقوله من قلبه إذ الإخلاص معدنه القلب ففائدته التأكيد لأن إسناد الفعل إلى الجارحة أبلغ في التأكيد تقول: إذا أردت التأكيد أبصرته عيني وسمعته أذني، والمراد بالشفاعة هنا بعض أنواعها وهي التي يقول فيها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أمتي أمتي" فيقال له أخرج من في قلبه وزن كذا من إيمان فأسعد الناس بهذه الشفاعة من يكون إيمانه أكمل ممن دونه، وأما الشفاعة العظمى في الإراحة من كرب الموقف فأسعد الناس بها من سبق إلى الجنة وهم الذين يدخلونها بغير حساب ثم الذين يدخلونها بغير عذاب بعد الحساب واستحقاق العذاب، ثم من يصيبهم لفح من النار ولا يسقطون فيها. والشفاعات كما قال عياض خمس: الأولى: العظمى وهي لإراحة الناس من هول الموقف وهي مختصة بنبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال النووي: قيل وهي المقام المحمود، وقال الطبراني: قال أكثر أهل التأويل: المقام المحمود هو الذي يقومه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليريحهم من كرب الموقف لحديث ابن عباس المقام المحمود الشفاعة، وحديث أبي هريرة في قوله تعالى: {عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79] قال: سئل عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: هي الشفاعة. الثانية: في إدخال قوم الجنة بغير حساب، وهذه وردت أيضًا في نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، واستدلّ لها بقوله تعالى في جواب قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمتي أمتي أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه، أو الدليل عليها سؤاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزيادة على السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب فأجيب. الثالثة: في إدخال قوم حوسبوا فاستحقوا العذاب أن لا يعذبوا. الرابعة: فيمن دخل النار من المذنبين فقد جاءت الأحاديث بإخراجهم من النار بشفاعته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وغيره. الخامسة: في زيادة الدرجات في الجنة

لأهلها، وأشار النووي في روضته إلى أن هذه من خصائصه وزاد عياض سادسة وهي التخفيف عن أبي طالب كما سبق وزاد غيره سابعة وهي الشفاعة لأهل المدينة لحديث الترمذي عن أبي هريرة رفعه: "من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل فإني أشفع لمن مات بها". قال في الفتح: وهذه غير واردة لأن متعلقها لا يخرج عن واحدة من الخمس الأول، وفي العروة الوثقى للقزويني شفاعته لجماعة من الصلحاء في التجاوز عن تفصيرهم ولعلها تندرج في الخامسة، وزاد القرطبي أنه أول شافع في دخول أمته الجنة قبل الناس، وزاد صاحب الفتح الشفاعة فيمن استوت حسناته وسيئاته أن يدخل الجنة لحديث ابن عباس عند الطبراني قال: السابق يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد برحمة الله، والظالم لنفسه، وأصحاب الأعراف يدخلونها بشفاعة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم على الأرجح وشفاعته فيمن قال: لا إله إلا الله ولم يعمل خيرًا قط. قال: فالوارد على الخمسة أربعة وما عداها لا يرد كما لا ترد الشفاعة في التخفيف عن صاحبي المقبرين وغير ذلك لكونه من جملة أحوال الدنيا اهـ ملخصًا. وحديث الباب سبق في باب الحرص على الحديث في كتاب العلم. 6571 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّى لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ كَبْوًا، فَيَقُولُ اللَّهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا أَوْ إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: تَسْخَرُ مِنِّى أَوْ تَضْحَكُ مِنِّى وَأَنْتَ الْمَلِكُ؟ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَكَانَ يُقَالُ ذَلِكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً». [الحديث 6571 - طرفه في: 7511]. وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي أخو أبي بكر والقاسم قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد الرازي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة ابن عمر السلماني (عن عبد الله) يعني ابن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه قال: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إني لأعلم) بلام التأكيد (آخر أهل النار خروجًا منها) من النار نفسها أو من مروره على الصراط المنصوب عليها (وآخر أهل الجنة دخولاً رجل يخرج من النار كبوًا) بفتح الكاف وسكون الموحدة لكنه مضبب عليها في الفرع وفي الهامش حبوًا بالحاء المهملة وعليها علامة أبي ذر أي زحفًا وزنًا ومعنى، وفي رواية أنس عن ابن مسعود عند مسلم: آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة فإذا جاوزها التفت إليها فقال: تبارك الذي نجاني منك (فيقول الله) عز وجل له: (اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى) بفتح الميم والهمزة بينهما لام ساكنة (فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى فيقول) الله تعالى له: (اذهب فادخل الجنة فيخيل إليه أنها ملأى فيأتيها فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى فيقول اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا فيقول) الرجل (تسخر مني) بفتح الفوقية والمعجمة استفهام محذوف الأداة ولأبي ذر عن الكشميهني بي بالموحدة والتحتية بدل مني (أو) قال (تضحك مني) بالشك (وأنت الملك) بكسر اللام، ولمسلم من رواية أنس عن ابن مسعود أتستهزئ عليّ وأنت رب العالمين، وهذا وارد منه على سبيل الفرح غير ضابط لما ناله من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله فلم يضبط لسانه دهشة وفرحًا، وجرى على عادته في الدنيا من مخاطبة المخلوق ونحوه في حديث التوبة قول الرجل عند وجدان زاده مع راحلته من شدة الفرح أنت عبدي وأنا ربك قال عبد الله بن مسعود: (فلقد رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضحك) أي تعجبًا وسرورًا مما رأى من كمال رحمة الله ولطفه بعبده المذنب وكمال رضاه عنه (حتى بدت) ظهرت (نواجذه) بنون فواو مفتوحتين وبعد الألف جيم مكسورة فذال معجمة فهاء جمع ناجذة قال ابن الأثير النواجد من الأسنان الضواحك وهي التي تبدو عند الضحك قال الراوي نقلاً عن الصحابة أو عن غيرهم: (وكان يقال ذلك) ولأبي ذر وكان يقول ذاك بغير لام (أدنى) أقل (أهل الجنة منزلة) ذكر الكرماني أن هذه المقالة ليست من تتمة كلامه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بل من كلام الراوي نقلاً عن الصحابة أو غيرهم. وقال في الفتح: قائل

52 - باب الصراط جسر جهنم

وكان يقال الراوي كما قال الكرماني، وأما المقالة فهي من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في أول حديث أبي سعيد عند مسلم بلفظ: أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار وساق الحديث إلى آخره، واعترضه العيني بأنه لا يلزم من كونها في آخر حديث ابن مسعود أن تكون من كلامه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وأجاب في الانتقاض فقال: إن أراد الاستلزام العقلي فليس مرادًا هنا بل يكفي الظن القوي الناشئ عن الاستدلال لأن هذا الأمر ليس مرجعه العقل والصحابي إذا لم يكن ينظر في كتب أهل الكتاب ولا ينقل عنهم كابن مسعود انحصر أنه نقل عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-سواء كان ذلك بواسطة أم لا فبطل الاعتراض اهـ. ورواته كلهم كوفيون. والحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد ومسلم والترمذي في صفة جهنم وابن ماجة في الزهد. 6572 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَىْءٍ؟. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن عبد الملك بن عمير) بضم العين وفتح الميم الكوفي اللخمي حليف بني عدي ويقال له الفرسي بفتح الفاء والراء ثم سين مهملة نسبة إلى فرس له سابق (عن عبد الله بن الحارث بن نوفل) بفتح النون وسكون الواو بعدها فاء فلام ابن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي أبي محمد المدني أمير البصرة يلقب ببة بتشديد الموحدة الثانية له رؤية ولأبيه ولجده صحبة (عن العباس) بن عبد المطلب (-رضي الله عنه- أنه قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هل نفعت أبا طالب بشيء) لم يذكر الجواب اختصارًا، وساقه في كتاب الأدب عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة بهذا السند بلفظ فإنه كان يحوطك ويغضب لك. قال: "نعم هو في ضحضاح من النار لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار". وسبق مبحثه والله الموفق وبه المستعان. 52 - باب الصِّرَاطُ جَسْرُ جَهَنَّمَ هذا (باب) بالتنوين (الصراط جسر جهنم) بضم الجيم وتكسر أي منصوب عليها لعبور المسلمين عليه إلى الجنة. قال أبو سعيد فيما رواه مسلم: بلغني أن الصراط أحدّ من السيف وأدق من الشعرة. وقال سعيد بن أبي هلال عند ابن منده بلغني فذكره، ووصله البيهقي عن أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مجزومًا به لكن في سنده لين وفي مرسل عبيد بن عمير عند ابن المبارك أن الصراط مثل السيف وبجنبتيه كلاليب إنه ليؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة ومضر، وعند ابن عساكر عن الفضيل بن عياض قال: بلغنا أن الصراط مسيرة خمسة عشر ألف سنة خمسة آلاف صعود وخمسة آلاف هبوط وخمسة آلاف مستوى أدق من الشعرة وأحدّ من السيف على متن جهنم، ولا يجوز عليه إلا ضامر مهزول من خشية الله وهذا معضل لا يثبت، وعند ابن المبارك وابن أبي الدنيا عن سعيد بن أبي هلال: بلغنا أن الصراط أدق من الشعرة على بعض الناس، ولبعض الناس مثل الوادي الواسع وهو مرسل أو معضل فتأمل نفسك إذا صرت على الصراط ووقع بصرك على جهنم من تحته ثم قرع سمعك شهيق النار وزفيرها وسوادها وسعيرها، وكيف بك إذا وضعت إحدى رجليك عليه فأحسست بحدّه واضطررت إلى أن ترفع القدم الثاني والخلائق بين يديك يزلون ويعشرون، والزبانية تلتقطهم بالخطاطيف والكلاليب وأنت تنظر إلى ذلك فيا له من منظر ما أفظعه ومرتقى ما أصعبه ومجاز ما أضيقه. نسأل الله السلامة والإعانة والعافية. رأى يحيى بن اليمان رجلاً نائمًا وهو أسود الرأس واللحية شاب فاستيقظ وهو أبيض شعر الرأس واللحية فأخبره أنه رأى في منامه كأن الناس قد حشروا وإذا بنهر من نار وجسر يمر عليه الناس فدعي فدخل الجسر فإذا هو كحدّ السيف يمر به يمينًا وشمالاً فشاب من ذلك. 6573 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى سَعِيدٌ وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُمَا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَدَّثَنِى مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِى الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ»؟ قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هَلْ تُضَارُّونَ فِى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ»؟ قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِى غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِى يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِى الصُّورَةِ الَّتِى يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وَبِهِ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ»؟ قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهَا لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلاَّ اللَّهُ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ مِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ، مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ أَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلاَمَةِ آثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنِ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ فَيُخْرِجُونَهُمْ قَدِ امْتُحِشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ فِى حَمِيلِ السَّيْلِ وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ قَدْ قَشَبَنِى رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِى ذَكَاؤُهَا فَاصْرِفْ وَجْهِى عَنِ النَّارِ، فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ فَيَقُولُ: لَعَلَّكَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ، فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: يَا رَبِّ قَرِّبْنِى إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلْنِى غَيْرَهُ وَيْلَكَ ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو فَيَقُولُ: لَعَلِّى إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ فَيُعْطِى اللَّهَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهُ، فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا رَأَى مَا فِيهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ: رَبِّ أَدْخِلْنِى الْجَنَّةَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَوَ لَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ، وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِى أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ، أَذِنَ لَهُ بِالدُّخُولِ فِيهَا، فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا قِيلَ تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى حَتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الأَمَانِىُّ فَيَقُولُ: لَهُ هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سعيد) بكسر العين ابن المسيب (وعطاء بن يزيد) الليثي (أن أبا هريرة أخبرهما عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). قال البخاري (وحدثني) بالإفراد (محمود) هو ابن غيلان المروزي الحافظ قال:

(حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد واللفظ لروايته (عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال أناس) وفي التوحيد قلنا: (يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هل تضارون) بضم الفوقية وفتح الضاد المعجمة وبعد الألف راء مشددة بصيغة المفاعلة من الضر وأصله تضارون فأسكنت الراء الأولى وأدغمت في الثانية أي هل تضرون أحدًا أو يضركم بمنازعة أو مجادلة أو مضايقة (في) رؤية (الشمس ليس دونها سحاب) يحجبها (قالوا: لا يا رسول الله. قال: هل تضارون) بالراء المشددة أيضًا (في) رؤية (القمر ليلة البدر) عند تمام نوره (ليس دونه سحاب) يحجبه (قالوا: لا يا رسول الله قال: فإنكم ترونه) إذا تجلى لكم (يوم القيامة كذلك) بحيث لا يججب بعضكم بعضًا ولا يضره ولا يجادله ولا يزاحمه كما يفعل عند رؤية الأهلة بل كالحال عند رؤية الشمس والقمر ليلة البدر، وقد روي ولا تضامون بالضاد المعجمة وتشديد الميم من الضم وهو الازدحام أيضًا أي لا تزدحمون عند رؤيته تعالى كما تزدحمون عند رؤية الأهلة، وروي بتخفيف الميم من الضيم الذي هو الذل أي لا يذل بعضكم بعضًا بالمزاحمة، والمنافسة والمنازعة، وفي البخاري لا تضامون أو تضاهون بالهاء على الشك كما في فضل صلاة الفجر ومعنى الذي بالهاء لا يشتبه عليكم ولا ترتابون فيه فيعارض بعضكم بعضًا، وفي باب فضل السجود من البخاري: هل تمارون بضم الفوقية وتخفيف الراء أي تجادلون في ذلك أو يدخلكم فيه شك من المرية وهي الشك وروي بفتح أوله وبفتح الراء على حذف إحدى التاءين وفي رواية البيهقي تتمارون بإثباتهما والكاف في قوله كذلك ليست لتشبيه المرئي وإنما هي لتشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح وهي فعل الرائي ومعناه إنها رؤية يزاح عنها الشك. وقال الصعلوكي فيما سمعه منه البيهقي في تضامون المضموم الأول المشدد الميم يريد لا تجتمعون لرؤيته في جهة ولا يضم بعضكم إلى بعض فإنه تعالى لا يرى في جهة ومعناه على فتح أوله لا تتضامون في رؤية بالاجتماع في جهة وهو بغير تشديد من الضيم معناه لا تظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض وأنكم ترونه في جهاتكم كلها وهو متعال عن الجهة فالتشبيه برؤية القمر ليقين الرؤية دون تشبيه المرئي سبحانه وتعالى، وخص الشمس والقمر بالذكر مع أن رؤية السماء بغير سحاب أكبر آية وأعظم خلقًا من مجرد الشمس والقمر لما خصّا به من عظيم النور والضياء بحيث صار التشبيه بهما فيمن يوصف بالجمال والكمال سائغًا شائعًا في الاستعمال (يجمع الله) عز وجل (الناس) الأولين والآخرين في صعيد واحد بحيث لا يخفى منهم أحد حتى لو دعاهم داع لسمعوه ولو نظر إليهم ناظر لأدركهم وزاد في رواية العلاء بن عبد الرَّحمن عند الترمذي فيطلع عليهم رب العالمين أن يعلمهم باطلاعه عليهم حينئذٍ (فيقول) جل وعلا (من كان يعبد شيئًا فليتبعه) بسكون اللام وتشديد الفوقية وكسر الموحدة ولأبي ذر فليتبعه بسكون الفوقية وفتح الموحدة (فيتبع) بسكون الفوقية وفتح الموحدة أيضًا (من كان يعبد الشمس) الشمس (ويتبع من كان يعبد القمر) القمر (ويتبع من كان يعبد الطواغيت) الطواغيت جمع طاغوت بالمثناة الفوقية وهو الشيطان والصنم، وصوب الطبري أنه كل طاغ طغى على الله فعبد من دونه ومفعول يتبع محذوف في الثلاثة واتباعهم لمن يعبدونه حينئذٍ باستمرارهم على الاعتقاد فيهم أو بأن يساقوا إلى النار قهرًا (وتبقى هذه الأمة) المحمدية أو أعم (فيها) بغير واو (منافقوها فيأتيهم الله) عز وجل إتيانًا لا نكيفه عار عن الحركة والانتقال إذ ذلك من نعوت الحدوث المتعالي عنه ربنا علوًّا كبيرًا وطريقة السلف المشهورة في هذا ونحوه أسلم والله تعالى بحقيقة المراد بذلك أعلم، وقيل معناه هنا أن يشهدهم رؤيته إذ العادة أن كل من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته إلا بالمجيء إليه فعبر عن الرؤية بالإتيان مجازًا أي يتجلى لهم تعالى حتى يروه (في غير

الصورة التي يعرفون) لأجل من معهم من المنافقين الذين لا يستحقون الرؤية وهم عن ربهم محجوبون أو أن ذلك ابتلاء والدنيا وإن كانت دار ابتلاء فقد يتحقق فيها الجزاء في بعض الأحوال كما قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} [الشورى: 30] فكذا الآخرة وإن كانت دار جزاء فقد يقع فيها الابتلاء بدليل أن القمر وهو أوّل منازل الآخرة يجري فيها الابتلاء بالسؤال وغيره وآثار التكاليف لا تنقطع إلا بعد الاستقرار في الجنة أو النار والتحقيق أن التكليف خاص بالدنيا وما يقع في القبر والموقف آثار ذلك (فيقول) الله لهم (أنا ربكم فيقولون: نعوذ بالله منك) لأنه أتاهم بصورة الأمر باتباع الباطل فلذا يقولون (هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا أتانا ربنا عرفناه) بما سبق لنا من معرفته عز وجل أنه لا يأمرنا بباطل وأنه منزه عن صفات هذه الصورة إذ سماتها سمات المحدثات، ورجح القاضي عياض أن في قوله: فيأتيهم الله محذوفًا تقديره فيأتيهم بعض ملائكة الله. قال: ولعل هذا الملك جاءهم في صورة أنكروها لما فيها من سمة الحدوث الظاهرة لأنه مخلوق. وقال القرطبي: هذا مقام الامتحان يمتحن الله به عباده ليميز المحق من المبطل وذلك أنه لما بقي المنافقون والمراؤون مختلطين بالمؤمنين والمخلصين زاعمين أنهم منهم وأنهم عملوا مثل عملهم وعرفوا الله مثل معرفتهم ظانين أن ذلك يجوز في ذلك الوقت كما جاز في الدنيا امتحنهم الله بأن أتاهم بصورة هائلة قال للجميع: أنا ربكم فأجابه المؤمنون بإنكار ذلك حتى أن بعضهم ليكاد أن ينقلب أي يزل فيوافق المنافقين، وقال في المفهم: وهذا لمن لا يكون له رسوخ العلماء ولا علمهم الذين اعتقدوا الحق وحوّموا عليه من غير بصيرة ولذا كان اعتقادهم قابلاً للانقلاب، وأما قولهم: نعوذ بالله منك، فقال الخطابي: يحتمل أن يكون صدر من المنافقين وتعقب بأنه لا يصح ولا يستقيم. (فيأتيهم الله) فيتجلى للمسلمين بعد تمييز المنافقين (في الصورة التي يعرفون) أي في صفته التي هو عليها من الجلال والكمال والتعالي عن صفات الحدوث بعد أن عرفهم بنفسه الشريفة ورفع الموانع عن أبصارهم (فيقول) لهم: (أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه) بتشديد الفوقية ولم يضبط الفوقية في اليونينية بتشديد ولا غيره أي أمر الله أو ملائكته الذين وكلوا بذلك (ويضرب) بضم أوّله وفتح ثالثه (جسر جهنم) بفتح الجيم وكسرها وهو الصراط (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فأكون أول من يجيز) زاد شعيب في روايته الماضية في فضل السجود يجوز بأمته. وقال النووي: أكون أنا وأمتي أول من يجوز على الصراط ويقطعه وإذا كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو وأمته أوّل من يجوز على الصراط لزم تأخير غيرهم عنهم حتى يجوزوا (ودعاء الرسل) عليهم السلام (يومئذٍ اللهم سلم سلم) بتكرير سلم مرتين (وبه) بالصراط (كلاليب) معلقة مأمورة بأحد من أمرت به. قال ابن العربي: وهذه الكلاليب هي الشهوات المشار إليها في حديث حفت النار بالشهوات فالشهوات موضوعة على جوانبها فمن اقتحم الشهوة سقط في النار لأنها خطاطيفها اهـ. والكلاليب المذكورة (مثل شوك السعدان) بفتح السين وسكون العين وفتح الدال المهملات وبعد الألف نون جمع سعدانة نبات ذو شوك (أما) بالتخفيف (رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: بلى) رأيناها، ولأبي ذر قالوا نعم (يا رسول الله: فإنها مثل شوك السعدان غير أنها) أي الشوكة (لا يعلم) ولأبي ذر عن الكشميهني أنه بضمير الشأن لا يعرف (قدر عظمها إلا الله) بكسر العين وفتح المعجمة وقال السفاقسي ضبطناه بضم العين وسكون الظاء والأول أشبه لأنه مصدر لا يعلم قدر كبرها إلا الله (فتخطف الناس بأعمالهم) بسبب أعمالهم القبيحة وتخطف بفتح الطاء وكسرها وتشبيه الكلاليب بشوك السعدان خاص بسرعة اختطافها وكثرة الانتشاب فيها مع التحرز والتصوّن تمثيلاً لهم بما عرفوه في الدنيا وألفوه بالمباشرة، ثم استثنى إشارة إلى أن التشبيه لم يقع في مقدارهما

قاله الزين بن المنير (منهم الموبق) بضم الميم وسكون الواو وفتح الموحدة بعدها قاف الهالك (بعلمه) وهو الكافر (ومنهم المخردل) بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة بينهما راء ساكنة وهو المؤمن العاصي. قال في الفتح: ووقع في رواية الأصيلي هنا المجردل بالجيم والجردلة الإشراف على السقوط، ووهاها القاضي عياض، ورجح ابن قرقول رواية الخاء المعجمة. قال الهروي: المعنى أن كلاليب النار تقطعه فيهوي في النار أو من الخردل أن تجعل أعضاءه كالخردل أو المخردل المصروع، ورجحه السفاقسي وقال: هو أنسب بسياق الخبر. (ثم ينجو) من ذلك. وعن أبي سعيد مما رواه ابن ماجة مرفوعًا: يوضع الصراط بين ظهراني جهنم على حسك كحسك السعدان ثم يستجيز الناس فناج مسلم ومخدوش به ثم ناج ومحتبس به ومنكوس فيها، وفي حديث أي سعيد فناج مسلم ومخدوش مكدوس في جهنم حتى يمر آخرهم فيسحب سحبًا والمكدوس بالمهملة في مسلم وروي بالمعجمة ومعناه السوق الشديد ويؤخذ منه كما في بهجة النفوس أي المارين على الصراط ثلاثة أصناف: ناج بلا خدش، وهالك من أوّل وهلة، ومتوسط بينهما يصاب ثم ينجو، وكل قسم منهما ينقسم أقسامًا كما يعرف من قوله بقدر أعمالهم، وفيه مما ذكره في بهجة النفوس أن الصراط مع دقته وحدّته يسع جميع المخلوقين منذ آدم إلى قيام الساعة (حتى إذا فرغ الله) عز وجل (من القضاء بين عباده) أي حل قضاؤه بهم (وأراد أن يخرج) بضم أوله وكسر ثانيه (من النار من أراد أن يخرج) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أن يخرجه (ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله) وأن محمدًا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويدخله الجنة بشفاعة نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في حديث عمران بن الحصين السابق، أو إبراهيم كما في حديث حذيفة عند البيهقي، وأبي عوانة وابن حبان أو آدم كما في حديث عبد الله بن سلام عند الحاكم أو المؤمنين كما في حديث أبي سعيد في التوحيد ويجمع بأنهم كلهم شفعوا. وفي حديث أبي بكرة عند ابن أبي عاصم والبيهقي مرفوعًا: يحمل الناس على الصراط ثم ينجي الله من يشاء برحمته ثم يؤذن في الشفاعة للملائكة والنبيين والشهداء والصالحين فيشفعون ويخرجون (أمر) الله تعالى (الملائكة أن يخرجوهم) من النار (فيعرفونهم بعلامة آثار السجود) بجمع آثار (وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود) بتوحيد أثر وهذا جواب عن سؤال مقدر كأنه قيل كيف تعرف الملائكة أثر السجود مع قول أبي سعيد عند مسلم فأماتهم الله حتى إذا كانوا فحمًا أذن بالشفاعة فإذا صاروا فحمًا كيف يتميز على السجود من غيره حتى يعرف أثره وحاصل الجواب تخصيص أعضاء السجود من عموم الأعضاء التي دل عليها خبر أبي سعيد وأن الله منع النار أن تحرق أثر السجود، وهل المراد أعضاء السجود السبعة الجبهة واليدان والركبتان والقدمان أو الجبهة خاصة. قال النووي: المختار الأول واستنبط صاحب بهجة النفوس منه أن كل من كان مسلمًا ولكنه لا يصلّي لا يخرج إذ لا علامة له، ولكنه يحتمل أن يخرج في القبضة لعموم قوله لم يعمل خيرًا قط كما في حديث أبي سعيد في التوحيد وفي حديث معبد عن الحسن البصري عن أنس في التوحيد فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله. قال: ليس ذلك لك، ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي وجبروتي لأخرجن من قال: لا إله إلا الله. قال البيضاوي: أي أنا أفعل ذلك تعظيمًا لاسمي وإجلالاً لتوحيدي وهو مخصص لعموم حديث أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله، وحمله في الفتح على أن المراد ليس لك مباشرة الإخراج لا أصل الشفاعة وتكون هذه الشفاعة الأخيرة وقعت في إخراج المذكورين. فأجيب إلى أصل الإخراج ومنع من مباشرته فنسبت إلى شفاعته (فيخرجونهم) من النار حال كونهم (قد امتحشوا) بضم الفوقية وكسر المهملة وضم المعجمة في الفرع قال

في المطالع: وهي لأكثرهم. وعند أبي ذر والأصيلي امتحشوا بفتحهما يقال محشته النار وامتحش هو قال يعقوب بن السكيت: لا يقال محشته إنما هو أمحشته والصحيح أنهما لغتان والرباعي أكثر وامتحش غضبًا أي احترق قال الداودي: معناه انتحضوا واسودّوا اهـ. وقال في النهاية: والمحش احتراق الجلد وظهور العظم (فيصب) بضم التحتية وفتح الصاد المهملة (عليهم ماء يقال له ماء الحياة) بتاء التأنيث في آخره ضد الموت (فينبتون نبات الحبة) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة من بروز الصحراء (في حميل السيل) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم أي ما يحمله وذلك أن الغثاء الذي يجيء به السيل تكون فيه الحبة فنقع في جانب الوادي فتصبح من يومها نابتة شبه بها لأنها أسرع في النبات من غيرها وفي السيل أسرع لما يجتمع فيه من الطين الرخو الحادث مع الماء (ويبقى رجل مقبل) ولأبي ذر عن الكشميهني ويبقى رجل منهم مقبل (بوجهه على النار) وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة وفي حديث حذيفة في أخبار بني إسرائيل أنه كان نباشًا وأنه قال لأهله: أحرقوني، وفي غرائب مالك للدارقطني من طريق عبد الملك بن الحكم وهو واهٍ عن مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا بأن آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له جهينة فيقول أهل الجنة عند جهينة الخبر اليقين وحكى السهيلي أنه جاء أن اسمه هناد وجوّز غيره أن يكون أحد الاسمين لأحد المذكورين والآخر للآخر وفي نوادر الأصول للترمذي الحكيم من حديث أبي هريرة بسند واهٍ أن أطول أهل النار فيها مكثًا من يمكث سبعة آلاف سنة (فيقول: يا رب قد قشبني) بفتح القاف والمعجمة والموحدة وكسر النون مخففًا أي آذاني وأهلكني (ريحها) أي النار (وأحرقني ذكاؤها) بفتح الذال المعجمة وبالهمز والمد. قال في الفتح: كذا للأصيلي وكريمة ولأبي ذر ذكاها بالقصر وهو الأشهر في اللغة أي لهبها واشتعالها وشدة وهجها (فاصرف وجهي عن النار) واستشكل بأنه ممن يمرّ على الصراط طالبًا الجنة فوجهه إلى الجنة. وأجيب: بأنه سأل أن يديم عليه صرف وجهه عنها (فلا يزال يدعو الله) تعالى أن يصرف وجهه عن النار (فيقول) تعالى له: (لعلك إن أعطيتك) ذلك (أن تسألني غيره) استفهام تقرير لأن ذلك من عادة بني آدم والترجي راجع إلى المخاطب لا إلى الرب تعالى (فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره فيصرف) الله تعالى (وجهه عن النار). قال في الفتح: فيصرف بضم أوله على البناء للمجهول، وفي رواية شعيب فيصرف الله وجهه عن النار قلت: والأول هو الذي في الفرع (ثم يقول: بعد ذلك: يا رب قربني إلى باب الجنة فيقول) الله تعالى (أليس قد زعمت) وفي رواية شعيب السابقة في فضل السجود أليس قد أعطيت العهد والميثاق (أن لا تسألني غيره) أي غير صرف وجهك عن النار (ويلك ابن آدم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يا ابن آدم (ما أغدرك) بالغين المعجمة والدال المهملة فعل تعجب من الغدر ونقض العهد وترك الوفاء (فلا يزال يدعو) الله تعالى (فيقول) تعالى له (لعلي إن أعطيتك). بتحتية ثم فوقية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إن أعطيتك بضم الهمزة (ذلك) الذي طلبته (تسألني غيره. فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره فيعطي الله) عز وجل (من عهود ومواثيق) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني وميثاق بالإفراد (أن لا يسأله غيره فيقربه إلى باب الجنة فإذا رأى ما فيها) في رواية شعيب فإذا بلغ بابها ورأى زهرتها وما فيها من النضرة ورؤيته لها يحتمل أن تكون بمعنى العلم بسطوع ريحها الطيب وأنوارها المضيئة كما كان يحصل له أذى لفح النار وهو من خارجها أو لأن جدارها شفاف فيرى ظاهرها من باطنها كما روي في غرفها (سكت ما شاء الله) عز وجل (أن يسكت ثم يقول) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ثم قال: (رب أدخلني الجنة، ثم يقول) الله تعالى له: (أوليس) بواو بعد الهمزة ولأبي ذر أولست بالمثناة الفوقية بعد السين (قد زعمت أن لا تسألني

53 - باب فى الحوض

غيره ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول: يا رب لا تجعلني أشقى خلقك) ممن دخل الجنة فهو لفظ عام أريد به الخاص ومراده أنه يصير إذا استمر خارجًا عن الجنة أشقاهم وكونه أشقاهم ظاهر لو استمرّ خارج الجنة وهم من داخلها (فلا يزال يدعو حتى يضحك) الله عز وجل منه وهو مجاز عن لازمه وهو الرضا (فإذا ضحك) رضي (منه أذن) بفتح الهمزة (له بالدخول فيها فإذا دخل فيها قيل تمنّ) ولأبي ذر قيل له تمنّ (من كذا) أي من الجنس الفلاني وقال المظهري من فيه للبيان يعني تمن من كل جنس ما تشتهي منه. قال الطيبي ونحوه يغفر لكم من ذنوبكم، ويحتمل أن تكون من زائدة في الإثبات على مذهب الأخفش (فيتمنى ثم يقال له: تمن من كذا فيتمنى حتى تنقطع به الأماني) وفي رواية أبي سعيد عند أحمد فيسأل ويتمنى مقدار ثلاثة أيام من أيام الدنيا وفي رواية التوحيد حتى إن الله ليذكره كذا من كذا (فيقول) أي الله (هذا) وللشكميهني فيقول له هذا (لك ومثله معه). 6574 - قَالَ عَطَاءٌ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ جَالِسٌ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ لاَ يُغَيِّرُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ قَالَ: أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ»، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: حَفِظْتُ مِثْلُهُ مَعَهُ. (قال أبو هريرة) بالسند السابق (وذلك الرجل) المذكور (آخر أهل الجنة دخولاً) الجنة (قال عطاء) بن يزيد الراوي (وأبو سعيد الخدري) سقط لأبي ذر الخدري (جالس مع أبي هريرة) وهو يحدث بهذا الحديث (لا يغير عليه شيئًا من حديثه) ولا يردّه عليه (حتى انتهى إلى قوله هذا لك ومثله معه. قال أبو سعيد: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويقول هذا لك وعشرة أمثاله. قال أبو هريرة: حفظت مثله معه) أي هذا لك ومثله معه وجمع القاضي عياض بينهما باحتمال أن يكون أبو هريرة سمع أولاً قوله ومثله معه فحدث به ثم إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حدث بالزيادة فسمعه أبو سعيد والله أعلم. والحديث أخرجه أيضًا في التوحيد ومسلم في الإيمان والنسائي في الصلاة والتفسير. 53 - باب فِى الْحَوْضِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِى عَلَى الْحَوْضِ». هذا (باب) بالتنوين (في الحوض) الذي لنبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الآخرة قال في الصحاح: الحوض واحد الأحواض والحياض وحضت أحوض اتخذت حوضًا واستحوض الماء اجتمع والمحوض بالتشديد شيء كالحوض يجعل للنخلة تشرب منه. وقال ابن قرقول: والحوض حيث تستقر المياه أي تجتمع لتشرب منها الإبل، واختلف في حوضه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هل هو قبل الصراط أبو بعده؟ قال أبو الحسن القابسي: الصحيح أن الحوض قبل. قال القرطبي في تذكرته: والمعنى يقتضيه فإن الناس يخرجون عطاشًا من قبورهم، واستدلّ بما في البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعًا: بينا أنا قائم على الحوض إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم. فقلت: أين؟ قال: إلى النار الحديث. ويأتي إن شاء الله تعالى في هذا الباب. قال القرطبي: فهذا الحديث يدل على أن الحوض يكون في الموقف قبل الصراط لأن الصراط إنما هو جسر على جهنم ممدود يجاز عليه فمن جازه سلم من النار اهـ. وقال آخرون: إنه بعد الصراط، وصنيع البخاري في إيراده لأحاديث الحوض بعد أحاديث الشفاعة بعد نصب الصراط مشعر بذلك، وفي حديث أنس عند الترمذي ما يدل له ولفظه: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يشفع لي فقال: "أنا فاعل". فقلت: أين أطلبك؟ قال: "اطلبني أوّل ما تطلبني على الصراط". قلت: فإن لم ألقك؟ قال: "أنا عند الميزان" قلت: فإن لم ألقك؟ قال "أنا عند الحوض". ويؤيده ظاهر قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث الحوض: "من شرب منه لم يظمأ أبدًا" لأنه يدل على أن الشرب منه يكون بعد الحساب والنجاة من النار لأن ظاهر حال من لا يظمأ أن لا يعذب بالنار. وأما حديث أبي هريرة السابق المستدل به على القبلية: فأجيب عنه: باحتمال أنهم يقربون من الحوض بحيث يرونه ويرون فيدفعون في النار قبل أن يخلصوا من بقية الصراط فليتأمل. وأما قول صاحب التذكرة والصحيح أن له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حوضين أحدهما في الموقف قبل الصراط، والآخر داخل الجنة وكلاهما يسمى كوثرًا متعقب بأن الكوثر نهر داخل الجنة وماؤه يصب في الحوض، ويطلق على الحوض كوثر لكونه يمدّ منه، وفي

حديث أبي ذر عند مسلم أن الحوض يشخب فيه ميزابان من الجنة، وقد سبق أن الصراط جسر جهنم، وأنه بين الجنة والموقف فلو كان الحوض دونه لحالت النار بينه وبين الماء الذي يصب من الكوثر في الحوض والله أعلم. وفي الترمذي عن سمرة رفعه: إن لكل نبيّ حوضًا وأشار إلى أنه اختلف في وصله وإرساله وأن المرسل أصح والمرسل أخرجه ابن أبي الدنيا بسند صحيح عن الحسن قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إن لكل نبي حوضًا وهو قائم على حوضه بيده عصا يدعو من عرف من أمته ألا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعًا وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعًا" وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن سمرة موصولاً مرفوعًا مثله وفي سنده لين، وعند ابن أبي الدنيا عن أبي سعيد رفعه: وكل نبي يدعو أمته ولكل نبي حوض الحديث وفي إسناده لين، فالمختص به نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكوثر الذي يصب من مائه في حوضه ولم ينقل نظيره لغيره، ولذا امتنّ الله تعالى عليه به في التنزيل. (وقول الله تعالى {إنا أعطيناك الكوثر}) [التكوير: 1] وهو فوعل من الكثرة وهو المفرط الكثرة، واختلف في تفسيره فقيل: نهر في الجنة وهو المشهور والمستفيض عند السلف والخلف، وقيل أولاده لأن السورة نزلت ردًّا على من عابه بعدم الأولاد وقيل الخير الكثير وقيل غير ذلك مما ذكرته في كتابي المواهب اللدنية بالمنح المحمدية. وقال: إنّا أعطيناك بلفظ الماضي ولم يقل سنعطيك ليدل على أن هذا الإعطاء حصل في الزمن الماضي ولم يقل أعطيناك مكتفيًا بنون العظمة بل قال: إنّا أعطيناك ليشعر بتوليته تعالى الإعطاء على وجه الاختصاص به دون غيره، وفي ذلك من الفخامة المبهجة ما فيه، وقد تواتر حديث الكوثر من طرق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث وكذلك أحاديث الحوض. (وقال عبد الله بن زيد) المازني مما وصله البخاري في حديث طويل بغزوة حنين (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اصبروا) أي على ما ترون بعدي من الأثرة (حتى تلقوني على الحوض). 6575 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (يحيى بن حماد) الشيباني البصري قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن شقيق) بالشين المعجمة المفتوحة والقافين بينهما تحتية ساكنة أبي وائل بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (أنا فرطكم) بفتح الفاء والراء بعدها طاء مهملة (على الحوض) سابقكم إليه لأصله وأهيئه لكم فهنيئًا لوارديه جعلنا الله منهم بوجهه الكريم من غير عذاب إنه كريم وهاب قال: 6576 - وَحَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، وَلَيُرْفَعَنَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِى، فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِى؟ فَيُقَالُ إِنَّكَ لاَ تَدْرِى مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ». تَابَعَهُ عَاصِمٌ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ وَقَالَ حُصَيْنٌ: عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (وحدثني) بالإفراد ولأبي ذر بإسقاط الواو (عمرو بن علي) أبو حفص الباهلي الصيرفي الفلاس البصري قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر الهذلي مولاهم البصري الحافظ قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن المغيرة) بن مقسم الضبي أنه (قال: سمعت أبا وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (أنا فرطكم على الحوض) فيه بشارة عظيمة لهذه الأمة المحمدية زادها الله شرفًا (وليرفعنّ) بفتح اللام وضم التحتية وسكون الراء وفتح الفاء المهملة وتشديد النون ليظهرنّ لي (رجال منكم) حتى أراهم ولأبي ذر وليرفعن معي رجال منكم (ثم ليختلجن دوني) بفتح اللام وضم التحتية وسكون المعجمة وفتح الفوقية واللام وضم الجيم مبنيًّا للمفعول مسندًا إلى ضمير الجماعة مؤكدًا بالنون الثقيلة أي يجتذبون ويقتطعون عني (فأقول يا رب أصحابي) أي من أمتي (فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) من الردة عن الإسلام أو المعاصي (تابعه) أي الأعمش (عاصم) هو ابن أبي النجود الكوفي أحد القراء السبعة (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود وهذا وصله الحارث بن أبي أسامة في مسنده من طريق سفيان الثوري عن عاصم (وقال حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرَّحمن الواسطي (عن أبي وائل) شقيق (عن حذيفة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فخالف حصين الأعمش وعاصمًا

وهذا وصله مسلم من طريق حصين. 6577 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَمَامَكُمْ حَوْضٌ كَمَا بَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالميم والمهملات ثانيها مشدد ابن مسرهد بن مسربل البصري الحافظ أبو الحسن قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمر أنه قال: (حدثني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (أمامكم) بفتح الهمزة قدامكم (حوض) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني حوضي بزيادة ياء الإضافة (كما بين جرباء) بفتح الجيم والموحدة بينهما راء ساكنة آخره همزة ممدود في الفرع. وقال أبو عبيد البكري وعياض بالقصر. قال اليونيني: وكذا رأيته في أصل صحيح مقروء من رواية الحافظ أبي ذر ومن رواية الأصيلي اهـ. وصوّبه النووي في شرح مسلم وقال: إن المد خطأ وهو في البخاري بالمد، وقال الرشاطي: الجرباء على لفظ تأنيث الأجرب قرية بالشام (وأذرح) بفتح الهمزة وسكون الذال المعجمة وضم الراء بعدها حاء مهملة. قال ابن الأثير في نهايته: هما يعني جرباء وأذرح قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاث ليال، وهذا الذي قاله ابن الأثير تعقبه الصلاح العلائي فقال: هذا غلط بل بينهما غلوة سهم وهما معروفتان بين القدس والكرك ولا يصح التقدير بالثلاث بمخالفتها الروايات الآتية، لا سيما وقد قال الحافظ الضياء المقدسي في جزئه في الحوض: إن في سياق لفظها غلطًا لاختصار وقع في سياق الحديث من بعض الرواة، ثم ساقه من حديث أبي هريرة وأخرجه من فوائد عبد الكريم الديرعاقولي بسند حسن إلى أبي هريرة مرفوعًا في ذكر الحوض فقال فيه: عرضه مثل ما بينكم وبين جرباء وأذرح. قال الضياء: فظهر بهذا أنه وقع في حديث ابن عمر حذف تقديره كما بين مقامي وبين جرباء وأذرح فسقط مقامي وبين. وقال العلائي: ثبت المقدر المحذوف عند الدارقطني وغيره بلفظ ما بين المدينة وجرباء وأذرح اهـ. وقد اختلفت الروايات في ذلك ففي حديث ابن عمرو بفتح العين حوضي مسيرة شهر في هذا الباب، وحديث أنس فيه كما بين أيلة وصنعاء من اليمن، وحديث حارثة بن وهب فيه أيضًا كما بين المدينة وصنعاء، وفي حديث أبي هريرة أبعد من أيلة إلى عدن وهي تسامت صنعاء وكلها متقاربة لأنها كلها نحو شهر أو تزيد أو تنقص، وفي حديث عقبة بن عامر عند أحمد كما بين أيلة إلى الجحفة، وفي حديث جابر كما بين صنعاء إلى المدينة وكلها متقاربة ترجع إلى نحو نصف شهر أو تزيد على ذلك قليلاً أو تنقص، وأقل ما ورد في ذلك عند مسلم قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاثة أيام فقيل في الجمع إن هذه الأقوال صارت على وجه بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاطب أهل كل جهة بما يعرفون من المواضع وهو تمثيل وتقريب لكل أحد ممن خاطبه بما يعرفه من تلك الجهات وبأنه ليس في ذكر المسافة القليلة ما يدفع الكثيرة فالأكثر ثابت بالحديث الصحيح فلا معارضة، فأخبر أولاً بالمسافة اليسيرة ثم أعلمه الله بالطويلة فأخبر بما تفضل الله به عليه باتساعه شيئًا فشيئًا فالاعتماد على أطولها. وأما قول بعضهم: الاختلاف إنما هو بالنظر إلى الطول والعرض فمردود بحديث ابن عمرو وزواياه سواء وحديث النواس وغيره طوله وعرضه سواء ومنهم من حمله على السير المسرع والبطيء، لكن في حمله على أقلها وهو الثلاث نظر إذ هو عسر جدًّا لا سيما مع ما سبق والله الموفق. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل. 6578 - حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: الْكَوْثَرُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِى أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ قَالَ أَبُو بِشْرٍ: قُلْتُ لِسَعِيدٍ إِنَّ أُنَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَرٌ فِى الْجَنَّةِ فَقَالَ سَعِيدٌ: النَّهَرُ الَّذِى فِى الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِى أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (عمرو بن محمد) بفتح العين الناقد بالنون والقاف وهو شيخ مسلم بن الحجاج قال: (أخبرنا) وفي اليونينية حدّثنا (هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة بوزن عظيم بن القاسم بن دينار السلمي أبو معاوية بن خازم بالمعجمتين الواسطي حافظ بغداد قال: (أخبرنا أبو بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس (وعطاء بن السائب) الكوفي من صغار التابعين صدوق لكنه اختلط آخر عمره وهشيم سمع منه بعد اختلاطه ولذا أخرج المؤلّف هنا مقرونًا بأبي بشر

(عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه) من النبوة والقرآن والخلق الحسن العظيم وكثرة الاتباع والعلم والشفاعة والمقام المحمود وغيرها مما أنعم الله تعالى به عليه (قال أبو بشر) جعفر بن أبي وحشية (قلت) ولأبي ذر فقلت (لسعيد) هو ابن جبير (إن أناسًا) بهمزة مضمومة ولأبي ذر ناسًا بحذفها وسبق في التفسير من ذكر الناس أبو إسحاق وقتادة (يزعمون أنه) أي الكوثر (نهر في الجنة فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه) وهذا كما سبق تأويل من سعيد جمع فيه بين حديثي عائشة وابن عباس فلا تنافي بينهما لأن النهر فرد من أفراد الخير الكثير. والحديث مرّ في تفسير سورة الكوثر. 6579 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «حَوْضِى مَسِيرَةُ شَهْرٍ مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ، وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلاَ يَظْمَأُ أَبَدًا». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي قال: (حدّثنا نافع بن عمر) بن عبد الله الجمحي المكي الحافظ (عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بالتصغير ابن عبد الله بن جدعان ويقال اسم أبي مليكة زهير التيمي المدني أدرك ثلاثين من الصحابة أنه (قال: قال عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاصي -رضي الله عنهما- (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (حوضي مسيرة شهر) زاد مسلم من هذا الوجه زوايا سواء أي لا يزيد طوله على عرضه وفيه رد على من جمع بين اختلاف الأحاديث في تقدير مسافة الحوض باختلاف العرض والطول كما سبق قريبًا (ماؤه أبيض من اللبن) فيه حجة للكوفيين على إجازة أفعل التفضيل من اللون. وقال البصريون: لا يصاغ منه ولا من غير الثلاثي فقيل لأن اللون الأصل في أفعاله الزيادة على ثلاثة، وقيل لأنه خلق ثابت في العادة وإنما يتعجب مما يقبل الزيادة والنقصان فجرت ذلك مجرى الأجسام الثابتة على حال واحد قالوا: وإنما يتوصل إلى التفضيل فيه وفيما زاد على الثلاثي بأفعل مصوغًا من فعل دال على مطلق الرجحان، والزيادة نحو أكبر وأزيد وأرجح وأشد. قال الجوهري تقول: هذا أشد بياضًا من كذا ولا تقل أبيض منه وأهل الكوفة يقولونه ويحتجون يقول الراجز: جارية في دعها الفضفاض ... أبيض من أخت بني أباض قال المبرد ليس البيت الشاذ بحجة على الأصل المجمع عليه وأما قول الراجز طرفة: إذا الرجال شتوا واشتد أكلهم ... فأنت أبيضهم سربال طباخ فيحتمل أن لا يكون بمعنى أفعل الذي تصحبه من للمفاضلة، وإنما هو بمنزلة قولك هو أحسنهم وجهًا وأكرمهم أبًا تريد حسنهم وجهًا وكريمهم أبًا فكأنه قال: فأنت مبيضهم سربالاً، فلما أضافه انتصب ما بعده على التمييز وجعل ابن مالك قوله أبيض من المحكوم بشذوذه. وقال النووي: هي لغة وإن كانت قليلة الاستعمال والحديث يدل على صحتها، وفي مسلم من رواية أبي ذر وابن مسعود عند أحمد بلفظ أشد بياضًا من اللبن (وريحه أطيب) ريحًا (من المسك). وزاد مسلم من حديث أبي ذر وثوبان وأحلى من العسل، وزاد أحمد من حديث ابن مسعود وأبرد من الثلج (وكيزاته كنجوم السماء) أي في الإشراق والكثرة ولأحمد من رواية الحسن عن أنس أكثر من عدد نجوم السماء (من شرب) بفتح الشين وكسر الراء (منها) من الكيزان، ولأبي ذر عن الكشميهني: من يشرب بلفظ المضارع والجزم على أن من شرطية ويجوز الرفع على أنها موصولة، ولأبي ذر منه أي من الحوض (فلا يظمأ أبدًا). وعند ابن أبي الدنيا عن النواس بن سمعان أول من يرد عليه من يسقي كل عطشان. وحديث الباب أخرجه مسلم في الحوض أيضًا. 6580 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ. حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ قَدْرَ حَوْضِى كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مِنَ الْيَمَنِ، وَإِنَّ فِيهِ مِنَ الأَبَارِيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء بعدها تحتية ساكنة فراء المصري قال: (حدثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي أنه قال: (قال ابن شهاب) محمد

بن مسلم الزهري (حدثني) بالإفراد (أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن قدر حوضي كما بين أيلة) بهمزة مفتوحة فتحتية ساكنة فلام مفتوحة بعدها هاء تأنيث مدينة كانت عامرة بطرف بحر القلزم من طرف الشام وهي الآن خراب يمر بها الحاج من مصر فتكون عن شمالهم ويمر بها الحاج من غزة وغيرها فتكون أمامهم وإليها تنسب العقبة المشهورة عند أهل مصر (وصنعاء من اليمن) بفتح الصاد والعين المهملتين بينهما نون ساكنة ممدود والتقييد باليمن يخرج صنعاء الشام (وأن فيه) أي الحوض (من الأباريق كعدد نجوم السماء) فيه أن الزهري سمع أنسًا وهو يرد على من أعلّ الحديث بأنه لم يسمع منه، وقد ذكر ابن أبي عاصم أسماء من رواه عن ابن شهاب عن أنس بلا واسطة فزادوا على عشرة قاله في الحج. والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 6581 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَحَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِى الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ، قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِى أَعْطَاكَ رَبُّكَ، فَإِذَا طِينُهُ أَوْ طِيبُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ». شَكَّ هُدْبَةُ. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى الأزدي (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال البخاري: (وحدّثنا) ولأبي ذر: بإسقاط الواو (هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون الدال المهملة وفتح الموحدة القيسي البصري الحافظ المسند هداب قال: (حدّثنا همام) قال: (حدّثنا قتادة) قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (بينما) بالميم (أنا أسير في الجنة) ليلة الإسراء كما في سورة الكوثر بلفظ عن أنس قال: لما عرج بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى السماء (إذا أنا بنهر حافتاه) بالحاء المهملة وتخفيف الفاء جانباه (قباب الدر المجوّف) بكسر القاف وتخفيف الموحدة جمع قبة (قلت: ما هذا يا جبريل قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك فإذا طينه) بالنون بعد التحتية (أو طيبه) بالموحدة (مسك أذفر) بالمعجمة الساكنة (شك هدبة) شيخ البخاري هل هو بالنون أو الموحدة. ولم يشك أبو الوليد أنه بالنون وهو المعتمد، وفي المبعث للبيهقي من طريق عبد الله بن مسلم عن أنس بلفظ ترابه مسك. 6582 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيَرِدَنَّ عَلَىَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِى الْحَوْضَ حَتَّى عَرَفْتُهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِى فَأَقُولُ أَصْحَابِى؟ فَيَقُولُ: لاَ تَدْرِى مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ». وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي الأزدي مولاهم البصري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد بن عجلان أبو بكر البصري قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن صهيب البصري (عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ليردن) باللام المفتوحة للتأكيد وتثقيل النون (عليّ) بتشديد الياء (ناس من أصحابي) من أمتي (الحوض حتى إذا عرفتهم اختلجوا) بسكون الخاء المعجمة وضم الفوقية وكسر اللام وضم الجيم جذبوا (دوني) بالقرب مني (فأقول: أصحابي) بالتكبير ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أصيحابي بالتصغير (فيقول): وله عن الكشميهني أصحابي بالتكبير فيقال: (لا تدري ما أحدثوا بعدك) من المعاصي التي هي سبب الحرمان من الشرب من الحوض. والحديث أخرجه مسلم في المناقب. 6583 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّى فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَىَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَىَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِى ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ». [الحديث 6583 - طرفه في 7050]. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم أبو محمد الجمحي قال: (حدّثنا محمد بن مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء المشددة بعدها فاء أبو غسان الليثي المدني قال: (حدثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إني) ولأبي ذر عن الكشميهني أنا (فرطكم) بفتحتين (على الحوض) الفرط الذي يتقدم الواردين ليصلح لهم الحياض (من مرّ علي) بتشديد الياء أي من مر به فمكن من شربه فشرب أو من مكن من المرور به (شرب) منه ولأبي ذر يشرب بلفظ المضارع، وزاد ابن أبي عاصم ومن صرف عنه لم يرد أبدًا (ومن شرب) بكسر الراء منه (لم يظمأ) أي يعطش (أبدًا ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني) ولأبي ذر: ويعرفونني بنونين (ثم يحال) بضم التحتية بعدها حاء مهملة مبنيًّا للمجهول (بيني وبينهم). 6584 - قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِى النُّعْمَانُ بْنُ أَبِى عَيَّاشٍ فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ مِنْ سَهْلٍ فَقُلْتُ: نَعَمْ فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ لَسَمِعْتُهُ، وَهْوَ يَزِيدُ فِيهَا فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّى فَيُقَالُ: «إِنَّكَ لاَ تَدْرِى مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِى». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سُحْقًا: بُعْدًا. يُقَالُ سَحِيقٌ: بَعِيدٌ. وَأَسْحَقَهُ: أَبْعَدَهُ. [الحديث 6584 - طرفه في: 7051]. (قال أبو حازم): سلمة بالسند السابق (فسمعني النعمان بن أبي عياش) بالتحتية والمعجمة آخره الزرقي

وأنا أحدث بهذا الحديث (فقال: هكذا سمعت من سهل) استفهام حذفت منه الأداة. قال أبو حازم: (فقلت) له: (نعم. فقال) النعمان: (أشهد على أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- وسقط لأبي ذر الخدري (لسمعته) بفتح اللام للتأكيد (وهو يزيد فيها) في هذه المقالة قوله: (فأقول: إنهم) أي الذين يحال بيني وبينهم (مني) من أمتي (فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) من المعصية الموجبة لبعدهم عنك (فأقول سحقًا سحقًا) بضم السين وسكون الحاء المهملتين وبالقاف والنصب فيهما على المصدر أي بعدًا بعدًا وكررها ثنتين تأكيدًا (لمن غير عدي) أي دينه لأنه لا يقول في العصاة بغير الكفر سحقًا سحقًا بل يشفع لهم ويهتم بأمرهم كما لا يخفى. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم عنه من رواية علي بن أبي طلحة عنه (سحقًا) أي (بعدًا يقال سحيق) أي (بعيد) هو كلام أبي عبيدة في تفسير قوله تعالى {أو تهوي به الريح في مكان سحيق} [الحج: 31] (سحاقه وأسحقه أبعده) وهذا ثابت في رواية الكشميهني وهو من كلام أبي عبيدة أيضًا. قال المؤلّف: 6585 - وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ الْحَبَطِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَرِدُ عَلَىَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِى فَيُحَلَّئُونَ عَنِ الْحَوْضِ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِى فَيَقُولُ: إِنَّكَ لاَ عِلْمَ لَكَ بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ؟ إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى». (وقال أحمد بن شبيب بن سعيد): بفتح الشين المعجمة وكسر الموحدة وسكون التحتية بعدها موحدة ثانية (الحبطي) بفتح الحاء المهملة والموحدة وكسر الطاء المهملة نسبة إلى الحبطات من تميم مما وصله أبو عوانة عن أبي زرعة الرازي وأبي الحسن الميموني قالا: حدّثنا أحمد بن شبيب قال: (حدّثنا أبي) شبيب (عن يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب) سيد التابعين (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أنه كان يحدث أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يرد عليّ) بتشديد الياء (يوم القيامة رهط) من الرجال ما دون العشرة أو إلى الأربعين (من أصحابي فيجلون) بضم التحتية وسكون الجيم وفتح اللام وسكون الواو أي يصرفون كذا لأبي ذر عن المستملي، وفي رواية الكشميهني فيحلؤون بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام بعدها همزة مضمومة فواو أي يطردون (عن الحوض) وحكى السفاقسي عن بعضهم ضبطه بغير همز قال: وهو في الأصل مهموز فكأنه سهله (فأقول يا رب أصحابي) بالتكبير (فيقول) الله تعالى، ولأبي ذر عن الكشميهني فيقال (إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى) فتح القافين بينهما هاء ساكنة والراء مفتوحة مصدر في موضع نصب على المصدرية من غير لفظه كقولك: قعدت جلوسًا ورجعت القهقرى وهو الرجوع إلى خلف فكأنك رجعت الرجوع الذي يعرف بهذا الاسم. 6586 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَرِدُ عَلَى الْحَوْضِ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِى فَيُحَلَّؤُونَ عَنْهُ، فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِى فَيَقُولُ: إِنَّكَ لاَ عِلْمَ لَكَ بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ؟ إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى». وَقَالَ شُعَيْبٌ: عَنِ الزُّهْرِىِّ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُجْلَوْنَ، وَقَالَ عُقَيْلٌ: فَيُحَلَّؤُونَ، وَقَالَ الزُّبَيْدِىُّ: عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى رَافِعٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري المعروف بابن الطبراني كان أبوه من أهل طبرستان قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله قال: (أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن ابن المسيب) سعيد (أنه كان يحدث عن أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يقل عن أبي هريرة كما في الطريق الأولى وحاصله أن ابن وهب وشبيب بن سعيد اتفقا في روايتهما عن يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب ثم اختلفا فقال: شبيب عن أبي هريرة وقال ابن وهب: عن أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا لا يضرّ لأن أبا هريرة منهم (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يرد عليّ) بتشديد الياء (الحوض رجال من أصحابي فيحلؤون) بالحاء المهملة واللام المشددة والهمزة المضمومة بعدها واو يطردون، ولأبي ذر فيجلون بالجيم والواو الساكنتين بينهما لام مفتوحة يصرفون (عنه فأقول يا رب أصحابي فيقول) الله تعالى (إنك) ولأبي ذر عن الكشميهني إنه (لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى). قال ابن الأثير في نهايته القهقرى المشي إلى خلف من غير أن يعيد وجهه إلى جهة مشيه قيل إنه من باب القهر. وقوله: إنهم كانوا يمشون بعدك القهقرى قال: الأزهري معناه الارتداد عما كانوا عليه وقد قهقر وتقهقر والقهقرى مصدر. (وقال شعيب) وابن أبي حمزة الحمصي مما وصله الذهلي في الزهريات

(عن الزهري) محمد بن مسلم بسنده (كان أبو هريرة) -رضي الله عنه- (يحدث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (فيجلون) بكسر الجيم وفتح اللام وسكون الواو من جلاء الوطن. وقال في الفتح: وقيل بالخاء المعجمة المفتوحة بعدها لام ثقيلة وواو ساكنة. قال: وهو تصحيف، والزهري لم يسمع من أبي هريرة بل كان ابن ست أو سبع عند وفاة أبي هريرة. وقال الذهبي: كان الزهري يروي عن أبي هريرة مرسلاً. وقال الحافظ ابن حجر: قوله وقال شعيب عن الزهري يعني بسنده. (وقال عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي يعني عن الزهري بسنده (فيحلؤون) بفتح الحاء المهملة واللام المشددة والهمز. (وقال الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة وكسر الدال المهملة محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل الشامي الحمصي فيما وصله الدارقطني في الأفراد من رواية عبد الله بن سالم عنه (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن محمد بن علي) أي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي المدني أي جعفر الباقر (عن عبيد الله) بضم العين (ابن أبي رافع) مولى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكان كاتب عليّ بن أبي طالب واسم أبيه أسلم، وفي الفرع كأصله. مضبب على أبي من قوله أبي رافع وهي ثابتة في غيره من الأصول التي وقفت عليها وكتب الرجال وذكر الجياني أن في رواية القابسي والأصيلي عن المقبري عبد الله بفتح العين وسكون الموحدة وهو خطأ (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). قال في الكواكب: الزهري روى في هذا الحديث عن أبي هريرة بواسطتين، وفي السابق بلا واسطة، فالظاهر أن روايته عنه في السابق على سبيل التعليق اهـ. وقد مرّ ما فيه والحاصل من رواية عقيل وشعيب المخالفة في بعض الألفاظ وخالف الجميع الزبيدي في السند. قال في الفتح: فيحمل على أنه كان عند الزهري بسندين فإنه حافظ وصاحب حديث ودلت رواية الزبيدي على أن شبيب بن سعيد حفظ فيه أبا هريرة. 6587 - حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنِى هِلاَلٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ، إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِى وَبَيْنِهِمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ فَقُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ، قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهُمْ؟ قَالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى، ثُمَّ إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِى وَبَيْنِهِمْ فَقَالَ: هَلُمَّ، قُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ، قُلْتُ: مَا شَأْنُهُمْ؟ قَالَ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى، فَلاَ أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلاَّ مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إبراهيم بن المنذر الحزامي) بالحاء المهملة والزاي الأسدي أحد الأعلام وثبت لأبي ذر الحزامي قال: (حدّثنا محمد بن فليح) بضم الفاء آخره حاء مهملة قال: (حدّثنا أبي) فليح بن سليمان العدوي مولاهم المدني قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (هلال) ولأبي ذر هلال بن علي وهو هلال بن أبي ميمونة وهو هلال بن أسامة نسبة لجده (عن عطاء بن يسار) بالتحتية والمهملة المخففة الهلالي أبي محمد المدني مولى ميمونة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (بينا) بغير ميم (أنا قائم) بالقاف أي على الحوض (فإذا) بالفاء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي نائم بالنون إذا بإسقاط الفاء ورواية الكشميهني بالقاف في قائم أوجه ويحتمل أن توجه رواية النون أنه رأى في المنام ما سيقع في الآخرة أي بينا أنا نائم إذا (زمرة) بضم الزاي وسكون الميم أي جماعة (حتى إذا عرفتهم خرج رجل) أي ملك موكل بذلك لم يسم (من بيني وبينهم فقال) لهم: (هلم) أي. تعالوا قال النبي: (فقلت أين) تذهب بهم (قال) الملك اذهب بهم (إلى النار والله) بالخفض بواو القسم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قلت) له: (وما شأنهم)؟ حتى تذهب بهم إلى النار (قال) الملك (أنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى) مقصور هو الرجوع إلى خلف، وفي العيني الرجوع على الدبر. وحكى أبو عبيد عن أبي عمرو بن العلاء القهقرى الإحصار كذا رواه ابن دريد في المصنف، وفي رواية غير ابن دريد القهقرى قال أبو علي: وهو الصواب، وقيل إنه من باب القهر (ثم إذا زمرة) جماعة (حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال) لهم (هلمّ) تعالوا (قلت) له (أين) تذهب بهم (قال إلى النار والله قلت) له (ما شأنهم. قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى) هو رجوع مخصوص كما مر وقيل هو العدو الشديد (فلا أراه) بضم الهمزة فلا أظن أنه (يخلص) بالخاء المعجمة وضم اللام (منهم) بالميم والنون من هؤلاء الذين دنوا من الحوض وكادوا يردونه فصدوا

عنه عن النار ولأبي ذر فيهم بالفاء والتحتة (إلا مثل) بضم اللام (همل النعم) بفتح الهاء والميم ضوال الإبل واحدها هامل أو الإبل بلا راع ولا يقال ذلك في الغنم يعني أن الناجي منهم قليل في قلة النعم الضالة وهذا يشعر بأنهم صنفان كفار وعصاة. 6588 - حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ خُبَيْبٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِى وَمِنْبَرِى رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِى عَلَى حَوْضِى». وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إبراهيم بن المنذر) الحزامي قال: (حدّثنا أنس بن عياض) الليثي أبو ضمرة المدني (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن خبيب) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة ولأبي ذر زيادة ابن عبد الرَّحمن (عن حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) أي تقتطع منها أو تنقل إليها فتكون من رياضها (ومنبري) الذي في الدنيا يوضع بعينه يوم القيامة (على حوضي) أو أن المراد أن له عليه الصلاة والسلام في القيامة منبرًا على حوضه يدعو الناس عليه إلى الحوض. والحديث سبق في آخر الصلاة وآخر الحج وأخرجه مسلم في الحج. 6589 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكَ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان قال: (أخبرني) بالإفراد (أبي) عثمان بن جبلة بن أبي روّاد (عن شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك) بن عمير الكوفي أنه (قال: سمعت جندبًا) بضم الجيم والدال ابن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (أنا فرطكم على الحوض) قال في المطالع: الفرط الذي يتقدم الواردين فيهيئ لهم ما يحتاجون إليه وهو في هذه الأحاديث الثواب والشفاعة والنبي يتقدّم أمته ليشفع لهم. والحديث سبق قريبًا وأخرجه مسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 6590 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِى الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «إِنِّى فَرَطٌ لَكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّى وَاللَّهِ لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِى الآنَ، وَإِنِّى أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ -أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ- وَإِنِّى وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِى، وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا». وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين الجزري بالجيم والزاي والراء الحراني سكن مصر قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يزيد) بن أبي حبيب أبي رجاء المصري (عن أبي الخير) مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة آخره دال مهملة (عن عقبة) بن عامر بن عبس أبي الأسود الجهني (-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج يومًا) إلى البقيع (فصلّى على أهل أُحد) الذين استشهدوا في وقعته (صلاته على الميت) أي دعا لهم بدعاء صلاة الميت لا الصلاة على الميت المعهودة (ثم انصرف) فصعد (على المنبر) كالمودع للأحياء والأموات (فقال): (إني فرط لكم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فرطكم سابقكم وفيه إشارة إلى قرب وفاته وتقدمه على أصحابه (وأنا شهيد عليكم) أشهد عليكم بأعمالكم تعرض عليّ أعمالكم (وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن) نظرًا حقيقًا كشف لي عنه وقال السفاقسي: النكتة في ذكره عقب التحذير أي في قوله وأنا شهيد عليكم الإشارة إلى تحذيرهم من فعل ما يقتضي إبعادهم عن الحوض (وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض) بالشك من الراوي والمراد ما يفتح على أمته من الملك والكنوز من بعده (وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي) أي ما أخاف على جميعكم الإشراك بل على مجموعهم لأن ذلك قد وقع من بعض (ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها) في الخزائن المذكورة أو في الدنيا كما في مسلم والتنافس الرغبة في الشيء وأصله تتنافسوا فسقطت إحدى التاءين. والحديث سبق في الجنائز. 6591 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حَرَمِىُّ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ سَمِعَ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرَ الْحَوْضَ فَقَالَ: «كَمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَصَنْعَاءَ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا حرمي بن عمارة) بفتح المهملة والراء وكسر الميم وعمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم وبعد الألف راء أبو روح البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن معبد بن خالد) بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة الجدلي بفتح الجيم والدال المهملة الكوفي (أنه سمع حارثة بن وهب) بالحاء المهملة والمثلثة الخزاعي الصحابي نزيل مكة وهو أخو عبيد الله بضم العين ابن عمر بن الخطاب لأمه -رضي الله عنهم- (يقول: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر الحوض فقال): قدره (كما بين المدينة) طيبة (وصنعاء) سبق تقييده

82 - كتاب القدر

بصنعاء اليمن فيحمل هذا المطلق على المقيد. 6592 - وَزَادَ ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَارِثَةَ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْلَهُ حَوْضُهُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَوْرِدُ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ؟ قَالَ: الأَوَانِى قَالَ: لاَ، قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ: تُرَى فِيهِ الآنِيَةُ مِثْلَ الْكَوَاكِبِ. (وزاد ابن أبي عدي) هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي البصري مما وصله مسلم والإسماعيلي من طريقه (عن شعبة) بن الحجاج (عن معبد بن خالد عن حارثة) بن وهب -رضي الله عنه- أنه (سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قوله) ولأبي ذر قال: (حوضه ما بين صنعاء والمدينة فقال له المستورد) بوزن المستفعل بكسر الراء ابن شداد بن عمرو القرشي الفهري الصحابي ابن الصحابي -رضي الله عنهما- (ألم تسمعه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: الأواني) قال: الكرماني فيه تكون كذا وكذا (قال) حارثة (لا. قال المستورد: ترى) بضم الفوقية وفتح الراء (فيه الآنية مثل الكواكب) كثرة وضياء يعني أنا سمعته قال ذلك وهذا مرفوع وإن لم يصرح به إذ سياقه يدل على رفعه، وفي حديث أحمد من رواية الحسن عن أنس أكثر من عدد نجوم السماء ولمسلم عن ابن عمر فيه أباريق كنجوم السماء. 6593 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما - قَالَتْ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّى عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرُ مَنْ يَرِدُ عَلَىَّ مِنْكُمْ، وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِى فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مِنِّى وَمِنْ أُمَّتِى فَيُقَالُ: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ وَاللَّهِ مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ»؟ فَكَانَ ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا. أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ: تَرْجِعُونَ عَلَى الْعَقِبِ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي بالولاء أبو محمد المصري (عن نافع بن عمر) بن عبد الله الجمحي المكي أنه (قال: حدثني) بالإفراد (ابن أبي مليكة) عبد الله (عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-) أنها (قالت: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إني على الحوض) يوم القيامة (حتى أنظر) بالرفع ولأبي ذر بالنصب أي حتى أن أنظر (من يرد عليّ) بتشديد الياء (منكم ويؤخذ ناس من دوني) بالقرب مني (فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال) له: (هل شعرت) هل علمت (ما عملوا بعدك والله ما برحوا) ما زالوا (يرجعون على أعقابهم) مرتدين (فكان ابن أبي مليكة يقول: اللهم إنّا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا) وقوله: فكان ابن أبي مليكة الخ موصول بالسند، وفيه إشارة إلى أن الرجوع على العقب كناية عن مخالفة الأمر الذي تكون الفتنة بسببه فاستعاذ منهما جميعًا. وقال أبو عبيدة مفسرًا لقوله تعالى (أعقابكم) ولغير أبي ذر أعقابهم بالهاء (تنكصون) أي (ترجعون على العقب) بكسر القاف. قال في التذكرة، قال علماؤنا: كل من ارتد عن دين أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله ولم يأذن فيه فهو من المطرودين عن الحوض المبعدين عنه وأشدّهم طردًا من خالف جماعة المسلمين كالخوارج على اختلاف فرقها والروافض على تباين ضلالها والمعتزلة على أصناف أهوائها فهؤلاء كلهم مبدلون وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وطمس الحق وقتل أهله وإذلالهم والمعلنون الكبائر المستخفون بالمعاصي، وفي حديث كعب بن عجرة عند الترمذي قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون من بعدي فمن غشيهم في أبوابهم فصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولا يرد عليّ الحوض، ومن غشي أبوابهم ولم يصدقهم على كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وسيرد عليّ الحوض" والحديث. اللهم لا تمكر بنا عند الخاتمة يا كريم، واجعلنا من الفائزين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، واسقنا من حوض نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برحمتك يا أرحم الراحمين يا رب العالمين. بسم الله الرحمن الرحيم 82 - كتاب القدر (كتاب القدر) زاد أبو ذر عن المستملي فقال: باب بالتنوين في القدر وهو بفتح القاف والدال المهملة وقد تسكن. قال الراغب فيما رأيته في فتوح الغيب: القدر هو التقدير والقضاء هو التفصيل والقطع فالقضاء أخص من القدر لأن الفصل بين التقدير فالقدر كالأساس والقضاء هو التفصيل والقطع وذكر بعضهم أن القدر بمنزلة المعدّ للكيل والقضاء بمنزلة الكيل، ولهذا لما قال أبو عبيدة لعمر -رضي الله عنه- لما أراد الفرار من الطاعون بالشأم أتفرّ من القضاء؟ قال: أفرّ من قضاء الله إلى قدر الله تنبيهًا على أن القدر لم يكن قضاء فمرجوّ أن يدفعه الله فإذا قضى فلا مدفع له ويشهد لذلك قوله تعالى: {وكان أمرًا مقضيًّا} [مريم: 21] {وكان على ربك حتمًا مقضيًّا} [مريم: 71] تنبيهًا على أنه صار

1 - باب في القدر

بحيث لا يمكن تلافيه. ويذكر أن عبد الله بن طاهر دعا الحسين بن الفضل فقال: أشكل عليّ قوله تعالى: {كل يوم هو في شأن} [الرحمن: 29] وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "جف القلم بما أنت لاقيه". وقال أهل السنة: إن الله تعالى قدّر الأشياء أي علم مقاديرها وأحوالها وأزمانها قبل إيجادها ثم أوجد منها ما سبق في علمه فلا محدث في العالم العلوي والسفلي إلا وهو صادر عن علمه تعالى وقدرته وإرادته دون خلقه، وأن الخلق ليس لهم فيها إلا نوع اكتساب ومحاولة ونسبة وإضافة وأن ذلك كله إنما حصل لهم بتيسير الله وبقدرة الله وإلهامه لا إله إلا هو ولا خالق غيره كما نص عليه القرآن والسُّنّة. وقال ابن السمعاني: سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس والعقل فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة ولم يبلغ شفاء ولا ما يطمئن به القلب، لأن القدر سرّ من أسرار الله تعالى اختص العليم الخبير به وضرب دونه الأستار وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم لما علمه من الحكمة فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب قيل إن القدر ينكشف لهم إذا دخلوا الجنة ولا ينكشف قبل دخولها. 1 - باب في القدر 6594 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَنْبَأَنِى سُلَيْمَانُ الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِى بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ: بِرِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَشَقِىٌّ، أَوْ سَعِيدٌ، فَوَاللَّهِ إِنَّ أَحَدَكُمْ أَوِ الرَّجُلَ يَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ بَاعٍ أَوْ ذِرَاعٍ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذِرَاعٍ، أَوْ ذِرَاعَيْنِ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا». قَالَ آدَمُ: إِلاَّ ذِرَاعٌ. وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك) الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أنبأني) بالإفراد من الأنباء (سليمان الأعمش) الكوفي (قال: سمعت زيد بن وهب) الجهني أبًا سليمان الكوفي مخضرم (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو الصادق) المخبر بالقول الحق (المصدوق) الذي صدقه الله وعده، والجملة كما قال في شرح المشكاة الأولى أن تكون اعتراضية لا حالية ليعم الأحوال كلها وأن يكون من عادته ودأبه ذلك فما أحسن موقعه هنا (قال): (إن أحدكم) في اليونينية مضبوطة أن بفتح الهمزة وقبلها قال مخرجة مصحح عليها فالله أعلم هل الضبط قبل تخريج قال أم بعده؟ كذا رأيته في الفرع كأصله. وقال أبو البقاء. لا يجوز إلا الفتح لأنه مفعول حدّثنا، فلو كسر لكان منقطعًا عن قوله حدثنا وجزم النووي في شرح مسلم بأنه بالكسر على الحكاية، وحجة أبي البقاء أن الكسر على خلاف الظاهر ولا يجوز العدول عنه إلا لمانع ولو جاز من غير أن يثبت به النقل لجاز في مثل قوله تعالى {أيعدكم أنكم إذا متم} [المؤمنون: 35] وقد اتفق القراء على أنها بالفتح لكن تعقبه الخويي بأن الرواية جاءت بالفتح والكسر فلا معنى للرد قال: ولو لم تجيء به الرواية لما امتنع جوازًا على طريق الرواية بالمعنى. وأجاب عن الآية بأن الوعد مضمون الجملة وليس بخصوص لفظها، فلذلك اتفقوا على الفتح، وأما هنا فالتحديث يجوز أن يكون بلفظه وبمعناه اهـ. من فتح الباري، وهذا مبني على حذف قال وعلى تقدير حذفها في الرواية فهي مقدرة إذ لا يتم المعنى بدونها، ولأبي ذر عن الكشميهني إن خلق أحدكم أي ما يخلق منه أحدكم (يجمع) بضم أوّله وسكون الجيم وفتح الميم أي يحزن (في بطن أمه). قال في النهاية: ويجوز أن يريد بالجمع مكث النطفة في الرحم أي تمكث النطفة في الرحم (أربعين يومًا) تتخمر فيها حتى تتهيأ للخلق. وقال القرطبي أبو العباس المراد أن المنيّ يقع في الرحم حين انزعاجه بالقوّة الشهوانية الدافعة مبثوبًا متفرفًا فيجمعه في محل الولادة من الرحم، وفي رواية آدم في التوحيد: إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا أو أربعين ليلة بالشك، وزاد أبو عوانة من رواية وهب بن جرير عن شعبة نطفة بين قوله أحدكم وبين قوله أربعين فبين أن الذي يجمع هو النطفة والنطفة المني فإذا لاقى مني الرجل مني المرأة بالجماع وأراد الله تعالى أن يخلف من ذلك جنينًا هيأ أسباب ذلك لأن في رحم المرأة قوّتين قوّة انبساط عند مني الرجل حتى ينتشر في جسدها وقوّة انقباض بحيث لا يسيل من فرجها مع كونه منكوسًا ومع كون المني ثقيلاً بطبعه، وفي مني الرجل قوّة الفعل، وفي مني المرأة قوّة الانفعال فعند الامتزاج يصير مني الرجل كالأنفحة للبن، وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره من رواية الأعمش عن خيثمة

بن عبد الرَّحمن عن ابن مسعود أن النطفة إذا وقعت في الرحم فأراد الله أن يخلق منها بشرًا طارت في جسد المرأة تحت كل ظفر وشعر ثم تمكث أربعين يومًا ثم تنزل دمًا في الرحم. قال في شرح المشكاة: والصحابة أعلم الناس بتفسير ما سمعوه وأحقهم بتأويله وأولاهم بالصدق وأكثرهم احتياطًا فليس لمن بعدهم أن يردّ عليهم اهـ. وفيه أن ابتداء جمعه من ابتداء الأربعين، وعند أبي عوانة اثنتان وأربعون، وعند الفريابي من طريق محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن الحارث خمسة وأربعين ليلة. (ثم يكون علقة) دمًا غليظًا جامدًا تحوّل من النطفة البيضاء إلى العلقة الحمراء وسمي بذلك للرطوبة التي فيه وتعلقه ما مرّ به (مثل ذلك) الزمان وهو الأربعون (ثم يكون) يصير (مضغة) بضم الميم وسكون المعجمة قطعة لحم قدر ما يمضع (مثل ذلك) الزمان وهو أربعون (ثم) في الطور الرابع حين يتكامل بنيانه وتتشكل أعضاؤه (يبعث الله ملكًا) موكلاً بالرحم، وعند الفريابي من رواية أبي الزبير أتى ملك الأرحام ولأبي ذر عن الكشميهني يبعث بضم أوّله مبنيًّا للمفعول إليه ملك لتصويره وتخليقه وكتابة ما يتعلق به فينفخ فيه الروح كما أمر بذلك، وفي حديث علي عند ابن أبي حاتم إذا تمت النطفة أربعة أشهر بعث الله إليها ملكًا فينفخ فيها الروح وإسناد النفخ إلى الملك مجاز عقلي لأن ذلك من أفعال الله كالخلق (فيؤمر بأربع) بالتذكير، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: بأربعة والمعدود إذا أبهم جاز تذكيره وتأنيثه أي يؤمر بكتابة أربعة أشياء من أحوال الجنين (برزقه) أي غذائه حلالاً أو حرامًا قليلاً أو كثيرًا وكل ما ساقه الله تعالى إليه فيتناول العلم ونحوه (وأجله) طويل أو قصير (وشقي) باعتبار ما يختم له (أو سعيد) كذلك وكل من اللفظين مرفوع مصحح عليه بالفرع كأصله خبر مبتدأ محذوف ويجوز الجر، وتعقب العيني الرفع فقال ليس كذلك لأنه معطوف على المجرور السابق، وقال في شرح المشكاة: كان حق الظاهر أن يقول تكتب سعادته وشقاوته فعدل عن ذلك لأن الكلام مسوق إليهما والتفصيل وارد عليهما. (فوالله إن أحدكم أو الرجل) بالشك من الراوي (يعمل بعمل أهل النار) من المعاصي والباء في بعمل زائدة للتأكيد أي يعمل عمل أهل النار أو ضمن معنى يعمل معنى يتلبس أن يتلبس بعمل أهل النار (حتى ما يكون) نصب بحتى وما نافية غير مانعة لها من العمل وجوز بعضهم كون حتى ابتدائية فيكون رفع وهو الذي في اليونينية (بينه وبينها غير باع أو ذراع) برفع غير (فيسبق عليه) ما تضمنه (الكتاب) بفاء التعقيب المقتضية لعدم المهلة وضمن يسبق معنى يغلب وعليه في موضع نصب على الحال أي يسبق المكتوب واقعًا عليه (فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) والمعنى أنه يتعارض عمله في اقتضاء الشقاوة والمكتوب في اقتضاء السعادة فيتحقق مقتضى المكتوب فعبر عن ذلك بالسبق لأن السابق يحصل مراده دون المسبوق (وإن الرجل) ولم يقل وإن أحدكم أو الرجل على الشك كما سبق (ليعمل) بلام التأكيد (بعمل أهل الجنة) من الطاعات (حتى ما يكون بينه وبينها) أي الجنة (غير ذراع) برفع غير (أو ذراعين) ولأبي ذر أو باع بدل ذراعين والباع قدر مد اليدين "فيسبق عليه الكتاب" أي مكتوب الله وهو القضاء الأزلي (فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها قال) ولأبوي ذر والوقت وقال (آدم) بن أبي إياس مما وصله في التوحيد (إلا ذراع) فلم يشك، ولأبي ذر عن المستملي والحموي: إلا باع بدل ذراع والتعبير بالذراع تمثيل بقرب حاله من الموت فيحال بينه وبين المقصود بمقدار ذراع أو باع من المسافة وضابط ذلك الحسي الغرغرة التي جعلت علامة لعدم قبول التوبة، وقد ذكر في هذا الحديث أهل الخير صرفًا إلى الموت لا الذين خلطوا وماتوا على الإسلام فلم يقصد تعميم أحوال المكلفين بل أورده لبيان أن الاعتبار بالخاتمة ختم الله أعمالنا بالصالحات بمنه وكرمه. وفي مسلم من حديث أبي هريرة: إن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل

2 - باب جف القلم على علم الله

أهل النار ثم يختم له بعمل أهل الجنة، وعند أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة سبعين سنة، وعنده أيضًا عن عائشة مرفوعًا: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة وهو مكتوب في الكتاب الأول من أهل النار فإذا كان قبل موته تحوّل فعمل عمل أهل النار فمات فدخلها الحديث، وفيه أن في التقدير الأعمال ما هو سابق ولاحق فالسابق ما في علم الله تعالى واللاحق ما يقدر على الجنين في بطن أمه كما في هذا الحديث وهذا هو الذي يقبل النسخ. 6595 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَكَّلَ اللَّهُ بِالرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ نُطْفَةٌ؟ أَىْ رَبِّ عَلَقَةٌ؟ أَىْ رَبِّ مُضْغَةٌ؟ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَقْضِىَ خَلْقَهَا قَالَ: أَىْ رَبِّ ذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى أَشَقِىٌّ أَمْ سَعِيدٌ، فَمَا الرِّزْقُ فَمَا الأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِى بَطْنِ أُمِّهِ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الإمام أبو أيوب الواشحي البصري قاضي مكة قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن عبيد الله) بضم العين (ابن أبي بكر بن أنس عن) جده (أنس بن مالك -رضي الله عنه-) سقط لأبي ذر ابن أنس وابن مالك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (وكل الله) عز وجل بتشديد الكاف (بالرحم ملكًا) وفي الحديث السابق ثم يبعث الله ملكًا (فيقول) عند نزول النطفة في الرحم التماسًا لإتمام الخلقة (أي) بسكون الياء أي يا (رب) هذه (نطفة أي رب) هذه (علقة أي رب) هذه (مضغة) ويجوز النصب فيها على إضمار فعل أي خلقت أو صار، والمراد أنه يقول كل كلمة من ذلك الوقت الذي يصير فيه كذلك، فبين قوله أي رب نطفة وقوله علقة أربعون يومًا كقوله يا رب مضغة لا في وقت واحد إذ لا تكون النطفة علقة مضعة في ساعة واحدة. وحديث ابن مسعود السابق يدل على أن الجنين يتقلب في مائة وعشرين يومًا في ثلاثة أطوار كل طور منها في أربعين ثم بعد تكملتها ينفخ فيه الروح، وقد ذكر الله تعالى هذه الأطوار الثلاثة من غير تقييد بمدة في سورة الحج، وزاد في سورة المؤمنين بعد المضعة {فخلقنا المضعة عظامًا فكسونا العظام لحمًا} [المؤمنون: 14] الآية ويؤخذ منها، ومن حديث الياب أن تصير المضعة عظامًا بعد نفخ الروح. (فإذا أراد الله) عز وجل (أن يقضي خلقها) أي يأذن فيها أو يتمها (قال: أي) ولأبوي ذر والوقت يا (رب ذكر) ولأبي ذر أذكر (أم أنثى) وفي حديث حذيفة بن أسيد عند مسلم إذا مر بالنطفة ثلاث وأربعون وفي نسخة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكًا فصوّرها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ثم قال: أذكر أم أنثى فيقضي ربك ما يشاء ويكتب الملك، وعند الفريابي عن حذيفة بن أسيد إذا وقعت النطفة في الرحم ثم استقرت أربعين ليلة قال: فيجيء ملك الرحم فيدخل فيصور له عظمه ولحمه وشعره وبشره وسمعه وبصره ثم يقول: أي رب ذكر أو أنثى الحديث وهذا كما قال عياض: ليس على ظاهره لأن التصوير إنما يقع في آخر الأربعين الثالثة، فالمعنى في قوله فصوّرها كتب الله ذلك ثم يفعله بعد بدليل قوله بعد ذلك أذكر أم أنثى (أشقي أم سعيد فما الرزق فما الأجل فيكتب) بصيغة المبني للمفعول أي فيكتب الملك (كذلك) المذكور من الشقاء والسعادة والرزق والأوجل على جبهته أو رأسه مثلاً وهو (في بطن أمه). وفي الحديث أن خلق السمع والبصر يقع والجنين في بطن أمه وهو محمول جزمًا على الأعضاء ثم على القوة الباصرة والسامعة لأنها مودعة فيهما وأما الإدراك، فالذي يترجح أنه يتوقف على زوال الحجاب المانع. وقال المظهري إن الله تعالى يحوّل الإنسان في بطن أمه حالة بعد حالة مع أنه تعالى قادر على أن يخلقه في لمحة وذلك أن في التحويل فوائد وعبرًا منها أنه لو خلقه دفعة لشق على الأم لأنها ما تكن معتادة لذلك فجعل أولاً نطفة لتعتاد بها مدة ثم علقة مدة وهلم جرا إلى الولادة ومنها إظهار قدرة الله تعالى ونعمته ليعبدوه ويشكروا له حيث قلبهم من تلك الأطوار إلى كونهم إنسانًا حسن الصورة متحليًا العقل والشهامة متزينًا بالفهم والفطانة، ومنها إرشاد الناس وتنبيههم على كمال قدرته على الحشر والنشر لأن من قدر على خلق الإنسان من ماء مهين ثم من علقة ومضعة مهيأة لنفخ الروح فيه يقدر على صيرورته ترابًا ونفخ الروح فيه وحشره في المحشر للحساب والجزاء. 2 - باب جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية: 23]. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ: لِى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاَقٍ». قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {لَهَا سَابِقُونَ} سَبَقَتْ لَهُمُ السَّعَادَةُ. هذا (باب) بالتنوين في فرع اليونينية كهي قال الحافظ ابن حجر: خبر مبتدأ محذوف أي هذا باب وتعقبه

العيني فقال: هذا قول من لم يمس شيئًا من الإعراب والتنوين يكون في المعرب ولفظ باب هنا مفرد فكيف ينون والتقدير هذا باب يذكر فيه (جف القلم على علم الله) عز وجل. وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن الكرماني قد جوز في كل ما لم يكن مضافًا التنوين والجزم على قصد السكون لأنه للتعداد، وقد أكثر المصنفون من الفقهاء والعلماء حتى النحاة وغيرهم في تصانيفهم ذكر باب بغير إضافة، وكذا ذكر فصل وفرع وتنبيه ونحو ذلك وكله يحتاج إلى تقدير، وقول الشارح باب هو بالتنوين لا يستلزم نفي التقدير، وقد سلم العيني هذا المقدر فقال في باب المحاربين باب بالتنوين لا يكون إلا بالتقدير، لأن المعرب هو جزء المركب والمفرد وحده لا ينون انتهى. وجفاف القلم كناية عن الفراغ من الكتابة فهو كما قال الطيبي: من إطلاق اللازم على الملزوم لأن الفراغ من الكتابة يستلزم جفاف القلم عن مداده مخاطبة لنا بما نعهد، وقوله على علمه أي حكمه لأن معلومه لا بدّ أن يقع فعلمه بمعلومه يستلزم الحكم بوقوعه. وفي حديث عبد الله بن عمر عند أحمد وصححه ابن حبان من طريق عبد الله بن الديلمي عنه مرفوعًا: إن الله عز وجل خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه من نوره يومئذٍ اهتدى، ومن أخطأه ضل، فلذلك أقول جف القلم على علم الله، والقائل أقول هو عبد الله بن عمر كما عند أحمد وابن حبان من طريق أخرى عن ابن الديلمي، ويذكر أن عبد الله بن طاهر أمير خراسان للمأمون سأل الحسين بن الفضل عن قوله تعالى: {كل يوم هو في شأن} [الرحمن: 29] وقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: جف القلم فقال هي شؤون يبديها لا شؤون يبتديها فقام إليها وقبل رأسه. (وقوله) تعالى: ({وأضله الله على علم}) [الجاثية: 23] حال من الجلالة أي كائنًا على علم منه أو حال من المفعول أي أضله وهو عالم وهذا أشنع له فعلى الأول المعنى أضله الله تعالى على علمه في الأزل وهو حكمه عند ظهوره وعلى الثاني أضله بعد أن أعلمه وبين له فلم يقبل. (وقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- مما وصله المؤلّف في أوائل النكاح (قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: جف القلم بما أنت لاق) وعند الطبراني من حديث ابن عباس: واعلم أن القلم قد جف بما هو كائن، وفي حديث الحسن بن علي عند الفريابي رفع الكتاب وجف القلم. (قال): ولأبي ذر وقال (ابن عباس) -رضي الله عنهما- في تفسير قوله تعالى ({لها سابقون}) من قوله تعالى: {أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} [المؤمنون: 61] مما وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه أي (سبقت لهم السعادة) أي يرغبون في الطاعات فيبادرونها بما سبق لهم من السعادة بتقدير الله. قال الكرماني: فإن قلت: تفسير ابن عباس يدل على أن السعادة سابقة والآية على أن السعادة مسبوقة. وأجاب: بأن معنى الآية أنهم سبقوا لأجل السعادة لا أنهم سبقوا السعادة. 6596 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ الرِّشْكُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ يُحَدِّثُ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُعْرَفُ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: فَلِمَ يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ؟ قَالَ: «كُلٌّ يَعْمَلُ لِمَا خُلِقَ لَهُ أَوْ لِمَا يُسِّرَ لَهُ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا يزيد) من الزيادة (الرشك) بكسر الراء وسكون المعجمة والكاف رفع صفة ليزيد لقب به قيل لكبر لحيته وهو بالفارسية ويقال إنه بلغ من طول لحيته إلى أن دخلت فيها عقرب ومكثت ثلاثة أيام لا يدري بها، ورجح في الفتح قول أبي حاتم الرازي أنه كان غيورًا فقيل له: ارشك بالفارسية فمضى عليه الرشك. وقال الكرماني: هو بالفارسية القمل الصغير الملتصق بأصول شعر اللحية (قال: سمعت مطرف بن عبد الله) بكسر الراء المشددة (ابن الشخير) بكسر الشين والخاء المشددة المعجمتين (يحدث عن عمران بن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (قال: قال رجل) هو عمران بن حصين كما بينه مسدد في مسنده: (يا رسول الله أيعرف) بفتخ الهمزة وضم التحتية وفتح الراء (أهل الجنة من أهل النار) أي أيميز ويفرق بينهما بحسب قضاء الله وقدره (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم قال) عمران: يا رسول الله (فلم يعمل العاملون) أي إذا سبق القلم بذلك فلا يحتاج العامل إلى العمل لأنه سيصير إلى ما قدر له (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كل يعمل لما) للذي (خلق له) بضم الخاء وكسر اللام (ولما) بالواو

3 - باب الله أعلم بما كانوا عاملين

المفتوحة وفي الفتح أو لما (يسر له) بضم أوله وكسر السين المهملة المشددة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ييسر له بتحتيتين وفتح السين، فعلى المكلف أن يدأب في الأعمال الصالحة فإن عمله أمارة إلى ما يؤول إليه أمره غالبًا وربك يفعل ما يشاء، فالعبد ملكه يتصرف فيه بما شاء لا يسأل عما يفعل لا إله إلا هو عليه توكلت وبوجهه الكريم أستجير من عذابه الأليم، وأسأله جنات النعيم إنه الجواد الرحيم، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أفضل الصلاة وأزكى التسليم. وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد ومسلم في القدر وأبو داود في السنة والنسائي في التفسير. 3 - باب اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ هذا (باب) التنوين (الله أعلم بما كانوا) أي أولاد المشركين (عاملين). 6597 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: سُئِلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَوْلاَدِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بشر) بكسر الباء الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري الواسطي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم السين وكسر الهمزة (عن أولاد المشركين) أي أيدخلون الجنة (فقال): (الله أعلم بما كانوا عاملين) فيه إشعار بالتوقف أي أنه علم أنهم لا يعملون ما يقتضي تعذيبهم ضرورة أنهم غير مكلفين، وقيل: قال ذلك قبل أن يعلم أنهم من أهل الجنة، وفي حديث عائشة عند أبي داود وأحمد أنها قالت قلت: يا رسول الله ذراريّ المسلمين الحديث. وعند عبد الرزاق بسند فيه ضعيف عن عائشة أيضًا سألت خديجة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أولاد المشركين ففيه التصريح بالسائل. والحديث سبق في الجنائز. 6598 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِى عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَرَارِىِّ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسب لجده واسم أبيه عبد الله المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: وأخبرني) بالإفراد والعطف على محذوف كأنه حدث قبل ذلك بشيء ثم قال: وأخبرني (عطاء بن يزيد) الليثي (أنه سمع أبا هريرة) -رضي الله عنه- (يقول: سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذراريّ المشركين) بفتح الذال المعجمة والراء وبعد الألف راء أخرى مكسورة وتشديد التحتية وتخفف أي أولادهم الذين لم يبلغوا الحلم (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الله أعلم بما كانوا عاملين) أي إن الله يعلم ما لا يكون أن لو كان كيف يكون فأحرى أن يعلم ما يكون وما قدره وقضاه في كونه، وهذا يقوي مذهب أهل السنّة أن القدر هو علم الله وغيبه الذي استأثر فلم يطلع عليه أحدًا من خلقه. 6599 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ، كَمَا تُنْتِجُونَ الْبَهِيمَةَ هَلْ تَجِدُونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا»؟. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ مَنْ يَمُوتُ وَهْوَ صَغِيرٌ قَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (إسحاق) ولأبي ذر إسحاق بن إبراهيم. قال في فتح الباري: هو ابن راهويه واعترضه العيني فقال: جوّز الكلاباذي أن يكون ابن إبراهيم بن نصر السعدي وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي وإسحاق بن إبراهيم الكوسج، فالجزم بأنه ابن راهويه من أين؟ وأجاب في انتقاض الاعتراض: بأنه من القرينة الظاهرة في قوله أخبرنا فإنه لا يقول حدّثنا كما أن إسحاق بن منصور الكوسج يقول حدّثنا ولا يقول أخبرنا وهذا يعرف بالاستقراء قال: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام) بفتح الميم المشددة ابن منبه (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما من مولود إلا يولد على الفطرة) الإسلامية ففيه القابلية للدين الحق فلو ترك وطبعه لما اختار دينًا غيره، وما من مولود مبتدأ ويولد خبره لأن من الاستغراقية في سياق النفي تفيد العموم كقولك: ما أحد خير منك والتقدير هنا ما من مولود يولد على أمر من الأمور إلا على الفطرة (فأبواه يهوّدانه) يجعلانه يهوديًّا إذا كانا من اليهود (وينصرانه) يجعلانه نصرانيًّا إذا كانا من النصارى والفاء في فأبواه للتعقيب أو للتسبب أي إذا تقرر ذلك فمن تغير كان بسبب أبوه (كما) حال من الضمير المنصوب في يهودانه مثلاً أي يهودان المولود بعد أن خلق على الفطرة كما (تنتجون البهيمة) سليمة بضم الفوقية الأولى

4 - باب {وكان أمر الله قدرا مقدورا}

وكسر الثانية بينهما نون ساكنة وضم الجيم من الإنتاج يقال أنتجت الناقة إذا أعنتها على النتاج. وقال في المغرب: نتج الناقة ينتجها نتجًا إذا ولى نتاجها حتى وضعت فهو ناتج وهو للبهائم كالقابلة للنساء أو كما صفة مصدر محذوف أي يغيرانه تغييرًا مثل تغييرهم البهيمة السليمة فيهودانه وينصرانه تنازعًا في كما على التقديرين (هل تجدون فيها) في البهيمة (من جدعاء) بفتح الجيم وسكون الدال المهملة والمد مقطوعة الأطراف أو أحدها في موضع الحال على التقديرين أي بهيمة سليمة مقولاً في حقها هذا القول، وفيه نوع من التأكيد يعني أن كل من نظر إليها قال هذا القول لسلامتها (حتى تكونوا أنتم تجدعونها) بفتح الفوقية والدال المهملة بينهما جيم ساكنة أي تقطعون أطرافها أو شيئًا منها وشبه بالمحسوس المشاهد ليفيد أن ظهوره بلغ في الكشف والبيان مبلغ هذا المحسوس المشاهد، ومحصله أن العالم إما عالم الغيب أو عالم الشهادة، فإذا نزل الحديث على عالم الغيب أشكل معناه وإذا صرف إلى عالم الشهادة سهل تعاطيه فإذا نظر الناظر إلى المولود نفسه من غير اعتبار عالم الغيب وأنه ولد على الفطرة من الاستعداد للمعرفة وقبول الحق والتأبي عن الباطل والتمييز بين الخطأ والصواب حكم أنه لو ترك على ما هو عليه ولم يعتوره من الخارج ما يصد استمر على ما هو عليه من الفطرة السليمة، وانظر قتل الخضر الغلام إذ كان باعتبار النظر إلى عالم الغيب، وإنكار موسى عليه كان باعتبار عالم الشهادة، وظاهر الشرع فلما اعتذر الخضر بالعلم الخفي الغائب أمسك موسى عليه السلام عن الإنكار فلا عبرة بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المكتسب بالإرادة والفعل اهـ. ملخصًا من شرح المشكاة. (قالوا: يا رسول الله أفرأيت) أي أخبرنا من إطلاق السبب على المسبب لأن مشاهدة الأشياء طريق إلى الإخبار عنها والهمزة فيه مقررة أي قد رأيت ذلك فأخبرنا (من يموت وهو صغير)؟ لم يبلغ الحلم أيدخل الجنة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الله أعلم بما كانوا عاملين). قال البيضاوي: فيه إشارة إلى أن الثواب والعقاب لا لأجل الأعمال وإلاّ لزم أن يكون ذراري المسلمين والكافرين لا من أهل الجنة ولا من أهل النار بل الموجب لهما اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهما في الأزل، فالأولى فيهما التوقف وعدم الجزم بشيء فإن أعمالهم موكولة إلى علم الله فيما يعود إلى أمر الآخرة من الثواب والعقاب. وقال النووي: أجمع من يعتبر به من علماء المسلمين أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفًا وتوقف فيهم بعض من لا يعتد به لحديث عائشة في مسلم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعي لجنازة صبي من الأنصار فقلت: طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه فقال: أو غير ذلك يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وأجابوا عن هذا بأنه لعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع أو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة، وأما أطفال المشركين ففيهم ثلاثة مذاهب: فالأكثرون على أنهم في النار، وتوقفت طائفة، والثالث وهو الصحيح أنهم من أهل الجنة. والحديث سبق في الجنائز وفيه أو يمجسانه وأخرجه مسلم في القدر والله الموفق. 4 - باب {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} هذا (باب) بالتنوين في اليونينية أي في قوله تعالى ({وكان أمر الله}) الذي يريد أن يكوّنه ({قدرًا مقدورًا}) [الأحزاب: 38] قضاء مقضيًا وحكمًا مبتوتًا لا محيد عنه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. 6601 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا، وَلْتَنْكِحْ فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تسأل المرأة) في باب الشروط التي لا تحل في النكاح من كتابه لا يحل لامرأة تسأل (طلاق أختها) من نسب

أو رضاع أو دين أو في البشرية فيعم لكن عند ابن حبان عن أبي هريرة لا تسأل المرأة طلاق أختها فإن المسلمة أخت المسلمة (لتستفرغ صحفتها) تجعلها فارغة لتفوز بحظها (ولتنكح) بإسكان اللام والجزم أي ولتنكح هذه المرأة من خطبها. وقال الطيبي: ولتنكح عطف على لتستفرغ وكلاهما علة للنهي أي لا تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها وتنكح زوجها نهى المرأة أن تسأل الرجل طلاق زوجته لينكحها ويصير لها من نفقته ومعاشرته ما كان للمطلقة فعبر عن ذلك باستفراغ الصحفة مجازًا ولتنكح الزوج المذكور من غير أن تشترط طلاق التي قبلها (فإن لها) للتي تسأل طلاق أختها (ما قدر لها) أي لن يعدو ذلك ما قسم لها ولن تستزيد به شيئًا. وقال أبو عمر بن عبد البر: هذا الحديث من أحسن أحاديث القدر عند أهل العلم لما دل عليه من أن الزوج لو أجابها وطلق من تظن أنها تزاحمها في رزقها فإنه لا يحصل لها من ذلك إلا ما كتب الله لها سواء أجابها أم لم يجبها. والحديث سبق في النكاح. 6602 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ وَعِنْدَهُ سَعْدٌ وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذٌ أَنَّ ابْنَهَا يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَبَعَثَ إِلَيْهَا لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلِلَّهِ مَا أَعْطَى كُلٌّ بِأَجَلٍ فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ». وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) أبو غسان النهدي الحافظ قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق (عن عاصم) هو ابن سليمان الأحول (عن أبي عثمان) عبد الرَّحمن النهدي (عن أسامة) بن زيد بن حارثة -رضي الله عنه- أنه (قال: كنت عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ جاءه رسول إحدى بناته) هي زينب كما عند ابن أبي شيبة ولم يسم الرسول (وعنده سعد) هو ابن عبادة (وأبي بن كعب ومعاذ) هو ابن جبل (أن ابنها) علي بن أبي العاص بن الربيع (يجود بنفسه) أي في سياق الموت. واستشكل كونه علي بن أبي العاص مع قوله في آخر الحديث كما في الجنائز فرفع إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصبي بأن المذكور عاش إلى أن ناهز الحلم فلا يقال فيه صبي عرفًا، فيحتمل أن يكون عبد الله بن عثمان بن عفان من رقية بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعند البلاذري في الأنساب أنه لما توفي وضعه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجره وقال: إنما يرحم الله من عباده الرحماء أو هو محسن كما عند البزار من حديث أبي هريرة لما ثقل ابن لفاطمة فبعثت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر نحو حديث الباب وقيل غير ذلك مما سبق في الجنائز. (فبعث) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إليها) يقرئها السلام ويقول (لله ما أخذ ولله ما أعطى) أي الذي أراد أن يأخذه هو الذي كان أعطاه فإن أخذه أخذ ما هو له أو ما مصدرية أي لله الأخذ والإِعطاء (كل بأجل فلتصبر ولتحتسب) يجوز أن يكون أمرًا للغائب المؤنث أو الحاضر على قراءة من قرأ فبذلك فلتفرحوا بالمثناة الفوقية على الخطاب وهي قراءة رويس. قال الزمخشري وهي الأصل والقياس، وقال أبو حيان: إنها لغة قليلة يعني أن القياس أن يؤمر المخاطب بصيغة افعل وبهذا الأصل قرأ أبي فافرحوا موافقة لمصحفه وهذه قاعدة كلية وهي أن الأمر باللام يكثر في الغائب والمخاطب المبني للمفعول مثال الأول ليقم زيد وكالآية الكريمة، ومثال الثاني لتعن بحاجتي لا إن كان مبنيًّا للفاعل كقراءة روش هذه بل الكثير في هذا النوع الأمر بصيغة افعل نحو: قم يا زيد وقوموا وكذلك يضعف الأمر باللام للمتكلم وحده أو ومعه غيره نحو: لأقم تأمر نفسك بالقيام، ومثال الثاني لنقم أي نحن وكذلك النهي، والمراد بالاحتساب أن تجعل الولد في حسابه لله فتقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون وهو معنى قوله السابق: لله ما أخذ ولله ما أعطى. 6603 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزٍ الْجُمَحِىُّ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَ رَجُلٌ مِنِ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُصِيبُ سَبْيًا وَنُحِبُّ الْمَالَ كَيْفَ تَرَى فِى الْعَزْلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوَ إِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا، فَإِنَّهُ لَيْسَتْ نَسَمَةٌ كَتَبَ اللَّهُ أَنْ تَخْرُجَ إِلاَّ هِىَ كَائِنَةٌ». وبه قال: (حدّثنا حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (حدّثنا) وفي اليونينية أخبرنا (يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن محيريز) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وسكون التحتية بعدها راء فتحتية أخرى فزاي (الجمحي) بضم الجيم وفتح الميم وكسر الحاء المهملة بعدها تحتية مشددة (أن) بفتح الهمزة (أبا سعيد الخدري) -رضي الله عنه- (أخبره أنه بينما) بالميم ولأبي ذر

عن الكشميهني بينا (هو جالس عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاء رجل من الأنصار) هو أبو صرمة بن قيس أو هو أبو سعيد كما عند المصنف في المغازي أو مجري بن عمرو الضمري كما عند ابن منده في المعرفة (فقال: يا رسول الله إنّا نصيب) في المغازي (سببًا) أي جواري مسبيات (ونحب المال كيف ترى في العزل)؟ وهو أن يجامع فإذا قارب الإنزال نزع وأنزل خارج الفرج وهو مكروه عندنا لأنه طريق إلى قطع النسل، ولذا ورد العزل الوأد الخفي قال: أصحابنا لا يحرم في مملوكته ولا زوجته الأمة سواء رضيت أم لا لأن عليه ضررًا في مملوكته بأن يصيرها أم ولد لا يجوز بيعها وفي زوجته الرقيقة يصير ولده رقيقًا تبعًا لأمه، أما زوجته الحرّة فإن أذنت فيه لم يحرم وإلا فوجهان أصحهما لا يحرم (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أو إنكم) بفتح الواو وكسر الهمزة بعدها (تفعلون) ولأبي ذر لتفعلون (ذلك) العزل (لا عليكم أن لا تفعلوا) ولأبي ذر أن تفعلوا أي لا بأس عليكم أن تفعلوا ولا مزيدة فيجوز العزل أو غير زائدة فهو نهي عنه وقال لا لما سألوه وقوله عليكم أن لا تفعلوا كلام مستأنف مؤكد له (فإنه ليست نسمة) بفتح النون والمهملة والميم نفس (كتب الله) عز وجل أي قدر (أن تخرج) من العدم إلى الوجود (إلا هي كائنة). 6604 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: لَقَدْ خَطَبَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خُطْبَةً مَا تَرَكَ فِيهَا شَيْئًا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلاَّ ذَكَرَهُ عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، إِنْ كُنْتُ لأَرَى الشَّىْءَ قَدْ نَسِيتُ فَأَعْرِفُ مَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ إِذَا غَابَ عَنْهُ فَرَآهُ فَعَرَفَهُ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن مسعود) أبو حذيفة النهدي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن حذيفة) بن اليمان (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لقد خطبنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطبة ما ترك فيها) في الخطبة (شيئًا) هو كائن من الأمور المقدرة (إلى قيام الساعة إلا ذكره علمه من علمه وجهله من جهله). ولمسلم من رواية جرير عن الأعمش حفظه من حفظه ونسيه من نسيه (إن كنت) هي المخففة من الثقيلة (لأرى الشيء قد نسيت) بفتح همزة لأرى وحذف المفعول من نسيت ولأبي ذر عن الكشميهني نسيته ثم أتذكره (فأعرف) ولأبي ذر فأعرفه (ما) وفي نسخة كما (يعرف الرجل) أي الرجل فحذف المفعول وفي رواية بإثباته (إذا غاب عنه فرآه فعرفه). وعند الإسماعيلي من رواية محمد بن يوسف عن سفيان كما يعرف الرجل وجه الرجل غاب عنه ثم رآه فعرفه أي الذي كان غاب عنه فنسي صورته ثم إذا رآه عرفه. والحديث أخرجه مسلم في العتق وأبو داود (¬1). 6605 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِى حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىِّ، عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ فِى الأَرْضِ وَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنَ الْجَنَّةِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَلاَ نَتَّكِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لاَ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}» [الليل: 5] الآيَةَ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة العتكي المروزي (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري (عن الأعمش) سليمان (عن سعد بن عبيدة) بضم العين وبسكونها في الأول السلمي الكوفي (عن) ضمرة (أبي عبد الرَّحمن) عبد الله بن حبيب التابعي الكبير (السلمي) بضم السين وفتح اللام (عن علي -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا جلوسًا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي الجنائز في موعظة المحدث عند القبر من طريق منصور عن سعد بن عبيدة كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقعد وقعدنا حوله (ومعه عود ينكت) بفتح التحتية وسكون النون وبعد الكاف المضمومة مثناة فوقية أي يضرب به (في الأرض) كما هي عادة من يتفكر في شيء يهمه (وقال) بالواو وسقطت لأبي ذر وفي الجنائز ثم قال: (ما منكم من أحد) وزاد في رواية منصور ما من نفس منفوسة (إلا قد كتب مقعده) موضع قعوده (من النار أو من الجنة) فأو للتنويع أو بمعنى الواو ويؤيده رواية منصور إلا كتب مكانها من الجنة والنار وفي رواية سفيان إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار وفي حديث ابن عمر عند المؤلّف الدلالة على أن لكل أحد مقعدين (فقال رجل من القوم) في مسلم أنه سراقة بن مالك بن جعشم (ألا) بالتخفيف (نتكل) أي نعتمد زاد منصور على كتابنا وندع العمل (يا رسول الله؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا) تتركوا العمل بل (اعملوا) امتثالاً لأمر المولى وعبودية له ولقوله تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56] ¬

(¬1) بياض بأصله.

5 - باب العمل بالخواتيم

(فكل ميسر) بفتح السين المشدّدة زاد في رواية شعبة عن الأعمش السابقة في سورة الليل لما خلق له (ثم قرأ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({فأما من أعطى واتقى} [الليل: 5] الآية). قال الخطابي رحمه الله: إن قول الصحابي هذا مطالبة بأمر يوجب تعطيل العبودية فلم يرخص له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن إخبار الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن سابق الكتاب إخبار عن غيب علم الله تعالى فيهم وهو حجة، عليهم، فرام أن يتخذه حجة لنفسه في ترك العمل فأعلمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن هاهنا أمرين محكمين لا يعطل أحدهما بالآخر: باطن وهو الحكمة الموجبة في حكم الربوبية، وظاهر وهو السمة اللازمة في حق العبودية وهي أمارة ومخيلة غير مفيدة حقيقة العلم، ويشبه أن يكون والله أعلم إنما عوملوا بهذه المعاملة وتعبدوا بهذا التعبد ليتعلق خوفهم رجاؤهم بالباطن وذلك من صفة الإيمان وبين -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن كلاًّ ميسر لما خلق له وأن عمله في العاجل دليل مصيره في الآجل، وهذه الأمور في حكم الظاهر ومن وراءه ذلك حكم الله تعالى وهو الحكيم الخبير لا يسأل عما يفعل واطلب نظيره من الرزق المقسوم مع الأمر بالكسب، ومن الأجل المضروب مع المعالجة بالطب المأمور بها. والحديث سبق في باب موعظة المحدث عند القبر من الجنائز ولما كان ظاهر هذا الحديث يقتضي اعتبار العمل الظاهر أردفه بما يدل على أن الاعتبار بالخاتمة فقال: 5 - باب الْعَمَلُ بِالْخَوَاتِيمِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (العمل بالخواتيم) جمع خاتمة. 6606 - حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِرَجُلٍ مِمَّنْ مَعَهُ يَدَّعِى الإِسْلاَمَ: «هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ». فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ مِنْ أَشَدِّ الْقِتَالِ، وَكَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحُ فَأَثْبَتَتْهُ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الَّذِى تَحَدَّثْتَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ قَدْ قَاتَلَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَشَدِّ الْقِتَالِ، فَكَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ» فَكَادَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَرْتَابُ فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ إِذْ وَجَدَ الرَّجُلُ أَلَمَ الْجِرَاحِ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانَتِهِ فَانْتَزَعَ مِنْهَا سَهْمًا فَانْتَحَرَ بِهَا، فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ، قَدِ انْتَحَرَ فُلاَنٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا بِلاَلُ قُمْ فَأَذِّنْ، لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ». وبه قال: (حدّثنا حبان بن موسى) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: شهدنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر) أي فتح معظمها لأنه لم يحضر وقعتها (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لرجل) عن رجل منافق (ممن معه يدعي الإسلام) اسمه قزمان بضم القاف وسكون الزاي الظفري بفتح المعجمة والفاء. (هذا من أهل النار) لنفاقه أو لأنه سيرتد ويقتل نفسه مستحلاًّ لذلك (فلما حضر القتال) لم يضبط اللام في اليونينية نعم ضبطها في المغازي بالرفع مصححًا عليها وهو على الفاعلية ويجوز النصب على المفعولية أي فلما حضر الرجل القتال (قاتل الرجل من أشد القتال) ولفظ من ساقط في المغازي (وكثرت) بالواو وضم المثلثة ولأبي ذر عن المستملي فكثرت (به الجراح) بكسر الجيم (فأثبتته) فأثخنته وجعلته ساكنًا غير متحرّك (فجاء رجل من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله أرأيت الذي) ولأبي ذر أرأيت الرجل الذي (تحدّثت) بفتح الفوقية والدال بعدها مثلثة ساكنة ففوقية ولأبي ذر عن الكشميهني تحدث بضم الفوقية وكسر الدال وإسقاط الفوقية بعد المثلثة (إنه من أهل النار قاتل في سبيل الله) عز وجل (من أشد القتال فكثرت به الجراح فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم (إنه من أهل النار فكاد) أي قارب (بعض المسلمين يرتاب) يشك فيما قاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فبينما) بالميم (هو على ذلك إذ وجد الرجل) قزمان المذكور (ألم الجراح فأهوى بيده إلى كنانته فانتزع منها سهمًا) نشابة (فانتحر) نحر (بها) نفسه (فاشتد) أسرع (رجال من المسلمين) المشي (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا يا رسول الله صدّق الله حديثك قد انتحر فلان) الذي قلت إنه من أهل النار (فقتل نفسه فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا بلال قم فأذن) بتشديد المعجمة المكسورة أي أعلم الناس أنه (لا يدخل الجنة، إلا مؤمن وإن الله ليؤيد) بلام التأكيد (هذا الدين بالرجل الفاجر) ال للجنس فيعم كل فاجر أو المراد الرجل الذي قتل نفسه وهو قزمان. والحديث سبق في الجهاد. 6607 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِى غَزْوَةٍ غَزَاهَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَظَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا» فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ وَهْوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَجَعَلَ ذُبَابَةَ سَيْفِهِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسْرِعًا فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ»؟ قَالَ: قُلْتَ لِفُلاَنٍ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَيْهِ» وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِنَا غَنَاءً عَنِ الْمُسْلِمِينَ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لاَ يَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ فَلَمَّا جُرِحَ اسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ ذَلِكَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم أبو محمد الجمحي مولاهم قال: (حدّثنا أبو غسان) بفتح الغين المعجمة والسين

6 - باب إلقاء النذر العبد إلى القدر

المهملة المشدّدة وبعد الألف نون محمد بن مطرف الليثي قال: (حدثني) بالإفراد (أبو حازم) سلمة بن دينار (عن سهل) ولأبي ذر زيادة ابن سعد الأنصاري -رضي الله عنه- (أن رجلاً) اسمه قزمان (من أعظم المسلمين غناء) بفتح الغين المعجمة والنون والمد يقال أغنى عنه أي أجزأ وناب (عن المسلمين في غزوة غزاها مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هي غزوة خيبر (فنظر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إليه (فقال): (من أحب أن ينظر إلى الرجل) ولأبي ذر إلى رجل (من أهل النار فلينظر إلى هذا) الرجل أي قزمان (فاتبعه رجل من القوم) اسمه أكثم بن أبي الجون الخزاعي (وهو) أي الرجل (على تلك الحال من أشد الناس على المشركين) قتالاً (حتى جرح فاستعجل الموت فجعل ذبابة سيفه) طرفه (بين ثدييه) بالتثنية (حتى خرج) السيف (من بين كتفيه) واستشكل قوله هنا فجعل ذبابة سيفه مع قوله في السابق أنه نحر نفسه بالسهم، فقيل بالتعدد وإنهما قصتان متغايرتان في موطنين لرجلين أو إنهما قصة واحدة ونحر نفسه بهما معًا (فأقبل الرجل) أكثم بن أبي الجون (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مسرعًا فقال: أشهد أنك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وما ذاك؟ قال: قلت) بفتح التاء (لفلان) أي عن فلان (من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين فعرفت أنه لا يموت على ذلك فلما جرح استعجل الموت فقتل نفسه، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند ذلك: إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة وبعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار وإنما الأعمال) أي اعتبار الأعمال (بالخواتيم). والحديث مر في الجهاد. 6 - باب إِلْقَاءِ النَّذْرِ الْعَبْدَ إِلَى الْقَدَرِ (باب إلقاء النذر العبد إلى القدر) بنصب العبد على أنه مفعول بالمصدر المضاف إلى الفاعل ولأبي ذر الحموي والمستملي: إلقاء العبد النذر بالرفع على أنه فاعل بالمصدر المضاف إلى المفعول. 6608 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ النَّذْرِ قَالَ: «إِنَّهُ لاَ يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ». [الحديث 6608 - طرفاه في: 6692، 6693]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن عبد الله بن مرة) الهمداني الخارقي بمعجمة وراء مكسورة وفاء الكوفي (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تنزيه لا تحريم (عن النذر) أي عن عقد النذر أو التزام النذر (قال) ولأبي الوقت وقال: (إنه لا يردّ شيئًا) أي من القدر، ولمسلم: لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئًا والمعنى لا تنذروا على أنكم تصرفون به ما قدر عليكم أو تدركون به شيئًا لم يقدره الله لكم (إنما) وللكشميهني وإنما (يستخرج به) بالنذر (من البخيل) لأنه لا يتصدق إلا بعوض يستوفيه أوّلاً، والنذر قد يوافق القدر فيخرج من البخيل ما لولاه لم يكن يريد أن يخرجه، وفي قوله يستخرج دلالة على وجوب الوفاء به. واستشكل كونه نهى عن النذر مع وجوب الوفاء به عند الحصول. وأجيب: بأن المنهي عنه النذر الذي يعتقد أنه يغني عن القدر بنفسه كما زعموا وكم من جماعة يعتقدون ذلك لما شاهدوا من غالب الأحوال حصول المطالب بالنذر وأما إذا نذر واعتقد أن الله تعالى هو الضار والنافع، والنذر كالوسائل والذرائع فالوفاء به طاعة وهو غير منهي عنه. والحديث أخرجه أيضًا في الأيمان والنذور، ومسلم وأبو داود والنسائي في النذور، وابن ماجة في الكفارات. 6609 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَأْتِى ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَىْءٍ لَمْ يَكُنْ قَدْ قَدَّرْتُهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ الْقَدَرُ وَقَدْ قَدَّرْتُهُ لَهُ أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ». [الحديث 6609 - طرفه في: 6694]. وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة السختياني أبو محمد المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام بن منبه) بكسر الموحدة المشددة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يأت ابن آدم النذر بشيء لم يكن قد قدرته) صفة لقوله بشيء ويأت بغير تحتية بعد الفوقية في الفرع على الوصل كقوله تعالى {سندع الزبانية} [العلق: 18] بغير واو وفي غيره بإثباتها على الأصل وهو من أتى بمعنى جاء يتعدى لواحد بخلاف آتي (ولكن) بالتخفيف (يلقيه) من الإلقاء (القدر) أي إلى النذر، ولا مطابقة بين هذا

7 - باب لا حول ولا قوة إلا بالله

وبين الترجمة كما لا يخفى، فالظاهر كما قاله في الكواكب أن الترجمة مقلوبة إذ القدر هو الذي يلقي بالحقيقة إلى النذر كما في الحديث، فكان الأولى أن يقول يلقيه القدر بالقاف إلى النذر بالنون ليطابق الحديث. وأجاب بأنهما صادقان إذ الذي يلقي بالحقيقة هو القدر وهو الموصل، وبالظاهر هو النذر، نعم في رواية الكشميهني في متن الحديث مما ذكره في الفتح يلقيه النذر بالنون والذال المعجمة وبها تحصل المطابقة ونسبة الإلقاء إلى النذر مجازية وسوّغ ذلك كونه سببًا إلى الإلقاء فنسب الإلقاء إليه (وقد قدرته له أستخرج) بلفظ المتكلم من المضارع (به من البخيل) الباء في به باء الآلة قاله ابن فرحون في إعراب العمدة والحديث من أفراده. 7 - باب لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ (باب) بغير تنوين في الفرع كأصله للإضافة إلى قوله (لا حول ولا قوّة إلا بالله) وقال في الفتح: بالتنوين. 6610 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ، عَنْ أَبِى مُوسَى، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى غَزَاةٍ، فَجَعَلْنَا لاَ نَصْعَدُ شَرَفًا وَلاَ نَعْلُو شَرَفًا، وَلاَ نَهْبِطُ فِى وَادٍ إِلاَّ رَفَعْنَا أَصْوَاتَنَا بِالتَّكْبِيرِ قَالَ: فَدَنَا مِنَّا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا»، ثُمَّ قَالَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَةً هِىَ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن مقاتل أبو الحسن) الكسائي نزيل بغداد ثم مكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا خالد الحذاء) بالحاء المهملة والذال المعجمة (عن أبي عثمان) عبد الرَّحمن بن مل (النهدي) بفتح النون وسكون الهاء (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزاة) هي غزوة خيبر كما سبق في المغازي (فجعلنا لا نصعد شرفًا) بفتح الشين المعجمة والراء والفاء موضعًا عاليًا (ولا نعلو شرفًا ولا نهبط في واد إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير قال) أبو موسى (فدنا) أي قرب (منا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم) بهمزة وصل وفتح الموحدة وضم العين المهملة ارفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم (فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا). قال الكرماني وتبعه العيني: أصمًّا ولعله باعتبار التناسب وأطلق على التنكير دعاء لأنه بمعنى النداء إذ الذاكر يريد إسماع من ذكره والشهادة له (إنما تدعون سميعًا بصيرًا ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي موسى: (يا عبد الله بن قيس ألا) بالتخفيف (أعلمك كلمة) من باب إطلاق الكلمة على الكلام (هي من كنوز الجنة) أي من ذخائر الجنة وقال النووي أي إن قولها يحصل ثوابًا نفيسًا يدخر لصاحبه في الجنة (لا حول ولا قوّة إلا بالله) أي لا تحوّل للعبد عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوّة له على طاعة الله إلا بتوفيق الله فهي كما قال النووي كلمة استسلام وتفويض يشير إلى أن العبد لا يملك لنفسه شيئًا وأنه لا قدرة له على دفع ضرر ولا قوّة له على جلب خير إلا بقدر الله تعالى وإرادته. والحديث أخرجه في آخر كتاب الدعوات. 8 - باب الْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ عَاصِمٌ: مَانِعٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ: سُدًا عَنِ الْحَقِّ يَتَرَدَّدُونَ فِى الضَّلاَلَةِ. دَسَّاهَا: أَغْوَاهَا. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (المعصوم من عصم الله) بإسقاط ضمير المفعول (عاصم) في قوله تعالى {لا عاصم اليوم} [هود: 43] أي (مانع) كذا فسره عكرمة فيما أخرجه الطبري من طريق الحكم بن أبان عنه. (قال مجاهد): هو ابن جبر (سدّا) بألف بعد الدال المنوّنة أي من غير تشديد في الفرع كأصله وقال في الفتح بالتشديد والألف أي (عن الحق يترددون في الضلالة) وهذا وصله ابن أبي حاتم من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه في قوله تعالى {وجعلنا من بين أيديهم سدّا} [يس: 9] قال: عن الحق، ووصله عبد بن حميد من طريق شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى {وجعلنا من بين أيديهم سدًّا} قال: عن الحق وقد يترددون، ورأيته في بعض النسخ سدي بتحتية بعد الدال مخففًا وعليها شرح الكرماني قال في الفتح: فزعم الكرماني أنه وقع هنا أيحسب الإنسان أن يترك سدى أي مهملاً مترددًا في الضلالة ولم أر في شيء من نسخ البخاري إلا اللفظ الذي أوردته ولم أر في شيء من التفاسير التي تساق بالأسانيد لمجاهد في قوله {أيحسب الإنسان أن يترك سدى} [القيامة: 36] كلامًا ولم أر في قوله في الضلالة في شيء من المنقول بالسند عن مجاهد اهـ. وتعقبه العينى فقال: هذا الكلام ينقض آخره أوله لأنه قال أولاً: ورأيته في بعض نسخ البخاري سدى بتخفيف الدال ثم قال: ولم أر في شيء من نسخ البخاري إلا الذي أوردته، ومع هذا

9 - باب {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} [الأنبياء: 95]

فإنه لم يطلع على جميع النسخ إذ لم يطلع إلا على النسخ التي في مدينته، وأما النسخ التي في كرمان وبلخ وخراسان فلا وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن الذي نفى رؤيته قول الكرماني قوله وقال: {أيحسب الإنسان أن يترك سدى} [القيامة: 36] أي مهملاً مترددًا في الضلالة، وأما الذي ذكر أنه رآه في بعض النسخ فهو مجرد لفظ سدي بالتخفيف وبالتحتية آخره فأين التناقض. {دساها} من قوله تعالى: {وقد خاب من دساها} [الشمس: 10] قال مجاهد فيما رواه الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه (أغواها) قال: وأنت الذي دسست عمرًا فأصبحت ... حلائله منه أرامل ضيعا وأصلها دسسها من التدسيس فكثرت الأمثال فأبدل من ثالثها حرف علة والتدسية الإخفاء يعني أخفى الفجور، وقال ابن الأعرابي {وقد خاب من دساها} أي دس نفسه في جملة الصالحين وليس منهم. 6611 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا اسْتُخْلِفَ خَلِيفَةٌ إِلاَّ لَهُ بِطَانَتَانِ، بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْخَيْرِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ». [الحديث 6611 - طرفه في: 7198]. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: حدثني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما استخلف) بضم الفوقية وسكون المعجمة وكسر اللام (خليفة إلا له بطانتان بطانة) بكسر بطانة فيهما اسم جنس يشمل الواحد والجماعة وبطانة الرجل خاصته الذين يباطنهم في الأمور ولا يظهر غيرهم عليها مشتقة من البطن والباطن دون الظاهر، وهذا كما استعاروا الشعار والدثار في ذلك ويقال بطن فلان بفلان بطونا وبطانة وقال: أولئك خلصاني نعم وبطانتي ... وهم عيبتي من دون كل قريب فبطانة (تأمره بالخير وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه) بضم الحاء المهملة والضاد المعجمة (والمعصوم من عصم الله) بإسقاط ضمير المفعول أي من عصمه الله بأن حماه من الوقوع في الهلاك أو ما يجر إليه. والحدث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأحكام والنسائي في البيعة والسير. 9 - باب {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95] {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود: 36]. {وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 27]. وَقَالَ مَنْصُورُ بْنُ النُّعْمَانِ: عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحِرْمٌ بِالْحَبَشِيَّةِ وَجَبَ. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله تعالى ({وحرام}) ولأبوي الوقت وذر وابن عساكر وحرم بكسر الحاء وسكون الراء وهي قراءة أبي بكر وحمزة والكسائي وهما لغتان كالحل والحلال وَزْنًا وضده معنى أي وممتنع ({على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون}) قال في الكشاف: استعير الحرام الممتنع وجوده، ومنه قوله تعالى {إن الله حرمهما على الكافرين} [الأعراف: 55] أي منعهما منهم وأبى أن يكونا لهم، ومعنى أهلكناها عزمنا على إهلاكها أو قدرنا إهلاكها، ومعنى الرجوع الرجوع من الكفر إلى الإسلام والإنابة، ومجاز الآية أن قومًا عزم الله على إهلاكهم غير متصوّر أن يرجعوا وينيبوا إلى أن تقوم القيامة فحينئذٍ يرجعون اهـ. والظاهر كما قال بعضهم: إن المعنى وحرام على قرية أهلكناها عدم رجوعهم إلينا في القيامة، فتكون الآية واردة في تقرير أمر البعث والتفخيم لشأنه وهذا يتعين المصير إليه لأوجه: أحدها: أنه ليس فيه مخالفة للأصول بخلاف غيره مما يدعى فيه زيادة لا وكونه في طائفة مخصوصة وكون حرام معنى ممتنع أو بمعنى واجب كما قيل في قوله: وإن حرامًا لا أرى الدهر باكيًا ... على شجره إلا بكيت على عمرو الثاني: أن سياق الآية قبلها وبعدها وارد في أمر البعث وهو قوله {كل إلينا راجعون} [الأنبياء: 93] وقوله: حتى إذا فتحت. الثالث: أن حملها على الرجوع إلى الدنيا لا كبير فائدة فإنه معلوم عند المخاطبين من الموافقين والمخالفين وحملها على الرجوع إلى القيامة أكثر فائدة فإن الكفار ينكرونه فأكد وفخم تهديدًا لهم وزجرًا وقوله تعالى في سورة هود: ({إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن}) [هود: 36] إقناط من إيمانهم وأنه غير متوقع، وقوله تعالى: ({ولا يلدوا إلا فاجرًا كفارًا}) [نوح: 27] إلا من بلغ فجر وكفر وإنما قال ذلك لأن الله أخبره إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ودخول ذلك في أبواب

القدر ظاهر فإنه يقتضي سبق علم بما يقع من العبد. (وقال منصور بن النعمان) اليشكري بفتح التحتية وسكون الشين المعجمة وضم الكاف البصري، وفي حاشية الفرع كأصله صوابه منصور بن المعتمر قال: وفي حاشية أصل أبي ذر صوابه منصور بن النعمان وكذا في أصل الأصيلي وابن عساكر وقال الحافظ ابن حجر: وقد زعم بعض المتأخرين أن الصواب منصور بن المعتمر والعلم عند الله (عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (وحرم) بكسر الحاء وسكون الراء (بالحبشية) أي (وجب) أخرجه عبد بن حميد من طريق عطاء عن عكرمة عنه. 6612 - حَدَّثَنِى مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِى، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ». وَقَالَ شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبوي ذر والوقت بالجمع (محمود بن غيلان) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية أبو حامد المروزي الحافظ قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: ما رأيت شيئًا أشبه باللمم) بفتح اللام والميم الأولى وأصل ما قل وصغر ومنه اللمم وهو المس من الجنون وألم بالمكان قلّ لبثه فيه، وألم بالطعام قلّ أكله منه، وقال أبو العباس: أصل اللمم أن يلم بالشيء من غير أن يرتكبه يقال ألم بكذا إذا قاربه ولم يخالطه وقال جرير: بنفسي من تجنبه عزيز ... عليّ ومن زيارته لمام وقال آخر: متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبًا جزلاً ونارًا تأججا واللمم: صغار الذنوب أي ما رأيت شيئًا أشبه بصغار الذنوب (مما قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن الله) عز وجل (كتب على ابن آدم حظه) نصيبه (من الزنا) بالقصر ومن بيانية (أدرك) أصاب (ذلك) المكتوب عليه (لا محالة) بفتح الميم والحاء المهملة لا بدّ له منه لأن ما كتبه الله لا بد أن يقع وكتب يحتمل أن يراد به أثبت أي أثبت فيه الشهوة والميل إلى النساء وخلق فيه العينين والأذن والقلب وهي التي تجد لذة الزنا، ويحتمل أن يراد به قدّر أي قدّر في الأزل أن يجري على ابن آدم الزنا فإذا قدّر في الأزل أدرك ذلك لا محالة (فزنا العين النظر) إلى ما لا يحل للناظر (وزنا اللسان المنطق) بميم مفتوحة فنون ساكنة فطاء مهملة مكسورة ولأبي ذر عن الكشميهني النطق بلا ميم وضم النون وسكون الطاء. وقال ابن مسعود: العينان تزنيان بالنظر، والشفتان تزنيان وزناهما التقبيل، واليدان تزنيان وزناهما اللمس، والرجلان تزنيان وزناهما المشي (والنفس تمنى) فعل مضارع أصله تتمنى حذفت منه إحدى التاءين (وتشتهي والفرج يصدق ذلك) النظر والتمني بأن يقع في الزنا بالوطء (ويكذبه) بأن يمتنع من ذلك خوفًا من ربه تعالى، ولأبي ذر: أو يكذبه وسمى ما ذكر من نظر العين وغيره زنا لأنها مقدمات له مؤذنة بوقوعه ونسب التصديق والتكذيب للفرج لأنه منشؤه ومكانه. وقال في شرح المشكاة: شبه صورة حالة الإنسان من إرسال الطرف الذي هو رائد القلب إلى النظر إلى المحارم وإصغائه بالأذن إلى السماع ثم انبعاث القلب إلى الاشتهاء والتمني ثم استدعائه منه، فصار ما يشتهي ويتمنى باستعمال الرجلين في المشي واليدين في البطش والفرج في تحقيق مشتهاه، فإذا مضى الإنسان على ما استدعاه القلب حقق متمناه فإذا امتنع من ذلك خيبه فيه بحال رجل يخبره صاحبه بما يزينه له ويغويه عليه فهو إما يصدقه ويمضي على ما أراده منه أو يكذبه، ثم استعمل في حال المشبه ما كان مستعملاً في جانب المشبه به من التصديق والتكذيب ليكون قرينة للتمثيل أو الإسناد في قوله: والفرج يصدق ذلك ويكذبه مجازي لأن الحقيقي هو أن يسند للإنسان فأسند إلى الفرج لأنه مصدر الفعل والسبب القوي. (وقال شبابة): بفتح الشين المعجمة والموحدتين بينهما ألف مع التخفيف ابن سوّار بفتح المهملة والواو المشددة (حدّثنا ورقاء) بفتح الواو والقاف بينهما راء ساكنة آخره همزة ممدود ابن عمر

10 - باب {وما جعلنا الرؤيا التى أريناك إلا فتنة للناس} [الإسراء: 60]

أبو بشر الحافظ (عن ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال في الفتح: كأن طاوسًا سمع من ابن عباس عن أبي هريرة، أو سمعه من أبي هريرة بعد أن سمعه من ابن عباس. قال: ولم أقف على رواية شبابة هذه موصولة. ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الزنا ودواعيه مكتوبة مقدرة على العبد غير خارجة عن سابق القدر. 10 - باب {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] (باب) قوله تعالى: ({وما جعلنا الرؤيا التي أريناك) ليلة المعراج ({إلا فتنة للناس}) [الإسراء: 60] أي اختبارًا وامتحانًا، ولذا ارتد من استعظم ذلك وبه تعلق من قال: كان الإسراء في المنام، ومن قال: كان في اليقظة فسر الرؤيا بالرؤية، وإنما سماها رؤيا على قول المكذبين حيث قالوا: لعلها رؤيا رأيتها استبعادًا منهم لها ويمكن أن يكون هاهنا من باب المشاكلة أو هي أنه سيدخل مكة والفتنة الصد بالحديبية أو أراه مصارع القوم بوقعة بدر في منامه فكان يقول حين ورد ماء بدر والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم وهو يومئ إلى الأرض ويقول: هذا مصرع فلان. 6613 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِى أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ} قَالَ: هِىَ رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَالَ: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِى الْقُرْآنِ} قَالَ: هِىَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) بضم الحاء المهملة وفتح الميم عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه قال في تفسير قوله تعالى: ({وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} [الإسراء: 60] (قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة وكسر الراء من الإراءة (ليلة أسري به) أي في طريقه (إلى بيت المقدس) هذا من البخاري كما في اليونينية وغيرها كما عند سعيد بن منصور (قال) ابن عباس (والشجرة الملعونة في القرآن قال: هي شجرة الزقوم). فإن قلت: ليس في القرآن ذكر لعن شجرة الزقوم. أجيب: بأن المعنى والشجرة الملعون آكلوها وهم الكفرة لأنه قال: {فإنهم لآكلون منها فمالؤون منها البطون} [الصافات: 66] فوصفت بلعن أهلها على المجاز، ولأن العرب تقول لكل طعام مكروه وضار ملعون، ولأن اللعن هو الإبعاد من الرحمة وهي في أصل الجحيم في أبعد مكان من الرحمة. ومطابقة الحديث لما ترجم له خفية، لكن قال السفاقسي: وجه دخول هذا الحديث في كتاب القدر الإشارة إلى أن الله قدر على المشركين التكذيب لرؤيا نبيه الصادق فكان ذلك زيادة في طغيانهم حيث قالوا: كيف يسير إلى بيت المقدس في ليلة واحدة ثم يرجع فيها، وكذلك جعل الشجرة الملعونة زيادة في طغيانهم حيث قالوا: كيف يكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر؟ والجواب عن شبهتهم أن الله خلق الشجرة المذكورة من جوهر لا تأكله النار كخزنتها وحياتها وعقاربها وأحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا. والحديث مرّ في تفسير سورة الإسراء وأخرجه الترمذي والنسائي في التفسير. 11 - باب تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسَى عِنْدَ اللَّهِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (تحاج) بفتح الفوقية والمهملة وتشديد الجيم وأصله تحاجج بجيمين أدغمت أولاهما في الأخرى (آدم وموسى) عليهما الصلاة والسلام (عند الله عز وجل) والعندية للاختصاص والتشريف لا عندية مكان كما لا يخفى. 6614 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ لَهُ مُوسَى: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُونَا خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ، قَالَ لَهُ آدَمُ: يَا مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلاَمِهِ وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ، أَتَلُومُنِى عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَ اللَّهُ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِى بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى ثَلاَثًا». قَالَ سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حفظناه) أي الحديث (من عمرو) بفتح العين ابن دينار وعند الحميدي في مسنده عن سفيان حدّثنا عمرو بن دينار (عن طاوس) هو ابن كيسان الإمام أبو عبد الرَّحمن أنه قال: (سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (احتج آدم وموسى) صلّى الله عليهما وسلم أي تحاجا وتناظرا وفي رواية همام عند مسلم تحاج كما في الترجمة وهي أوضح (فقال له): أي لآدم (موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا) أي أوقعتنا في الخيبة وهي الحرمان (وأخرجتنا) أي كنت سببًا لإخراجنا (من الجنة) دار النعيم والخلود إلى دار البؤس والفناء والجملة مبنية للسابقة ومفسرة لما أجمل (قال له) لموسى (آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه)

12 - باب لا مانع لما أعطى الله

أي جعلك خالصًا صافيًا عن شائبة ما لا يليق بك وقوله بكلامه فيه تلميح إلى قوله: {وكلم الله موسى تكليمًا} [النساء: 164] وقوله: {تلك الرسل فضلنا} [البقرة: 253] الآية (وخط لك) ألواح التوراة (بيده) بقدرته (أتلومني على أمر قدّر الله عليّ) بتشديد الياء وحذف ضمير المفعول ولأبي ذر عن الكشميهني قدّره الله عليّ (قبل أن يخلقني بأربعين سنة) أي ما بين قوله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة: 30] إلى نفخ الروح فيه أو هي مدة لبثه طينًا إلى أن نفخت فيه الروح، ففيه مسلم أن بين تصويره طينًا ونفخ الروح فيه كان أربعين سنة أو المراد إظهاره للملائكة، وفي رواية أبي صالح السمان عند الترمذي وابن خزيمة من طريق الأعمش فتلومني على شيء كتبه الله عليّ قبل خلقي، وفي حديث أبي سعيد عند البزار: أتلومني على أمر قدّره الله تعالى عليّ قبل أن يخلق السماوات والأرض وجمع بحمل المقيد بالأربعين على ما يتعلق بالكتابة والآخر على ما يتعلق بالعلم (فحج آدم) بالرفع على الفاعلية (موسى) نصب مفعولاً (فحج آدم موسى) قالها (ثلاثًا) والملفوظ به هنا ثنتان أي غلبه بالحجة بأن ألزمه أن ما صدر عنه لم يكن هو مستقلاًّ به متمكنًا من تركه، بل كان قدرًا من الله تعالى لا بدّ من إمضائه، والجملة مقررة لما سبق وتأكيد له وتثبيت للأنفس على توطين هذا الاعتقاد أي أن الله أثبته في أمّ الكتاب قبل كوني، وحكم بأنه كائن لا محالة فكيف تغفل عن العلم السابق وتذكر الكسب الذي هو السبب وتنسى الأصل الذي هو القدر وأنت من المصطفين الأخيار الذين يشاهدون سرّ الله تعالى من وراء الأستار، وهذه المحاجة لم تكن في عالم الأسباب الذي لا يجوز فيه قطع النظر عن الوسائط والاكتساب، وإنما كانت في العالم العلوي عند ملتقى الأرواح واللوم وإنما يتوجه على المكلف ما دام في دار التكليف أما بعدها فأمره إلى الله تعالى لا سيما وقد وقع ذلك بعد أن تاب الله عليه، فلذا عدل إلى الاحتجاج بالقدر السابق فالتائب لا يلام على ما تيب عليه منه ولا سيما إذا انتقل عن دار التكليف. واختلف في وقت هذه المحاجة فقيل يحتمل أنه في زمان موسى فأحيا الله له آدم معجزة له فكلمه، أو كشف له عن قبره فتحدثا، أو أراه الله روحه كما أري النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة المعراج أرواح الأنبياء، أو أراه الله له في المنام ورؤيا الأنبياء وحي، أو كان ذلك بعد وفاة موسى فالتقيا في البرزخ أول ما مات موسى فالتقت أرواحهما في السماء. وبذلك جزم ابن عبد البر والقابسي أو أن ذلك لم يقع بعد وإنما يقع في الآخرة والتعبير عنه في الحديث بلفظ الماضي لتحقق وقوعه. والحديث أخرجه مسلم في القدر أيضًا وأبو داود في السنة والنسائي في التفسير وابن ماجة في السنة أيضًا. (قال سفيان) بن عيينة ولأبي الوقت، وقال سفيان بواو العطف على قوله حفظناه من عمرو فهو موصول (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله) أي مثل الحديث السابق. 12 - باب لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَى اللَّهُ هذا (باب) بالتنوين (لا مانع لما أعطى الله). 6615 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ أَبِى لُبَابَةَ، عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ اكْتُبْ إِلَىَّ مَا سَمِعْتَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ خَلْفَ الصَّلاَةِ، فَأَمْلَى عَلَىَّ الْمُغِيرَةُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ خَلْفَ الصَّلاَةِ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ». وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِى عَبْدَةُ أَنَّ وَرَّادًا أَخْبَرَهُ بِهَذَا، ثُمَّ وَفَدْتُ بَعْدُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَسَمِعْتُهُ يَأْمُرُ النَّاسَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون العوقي قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء عبد الملك بن سليمان قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة (ابن أبي لبابة) بضم اللام وتخفيف الموحدة الأسدي الكوفي سكن دمشق (عن وراد) بفتح الواو والراء المشددة (مولى المغيرة بن شعبة) وكاتبه أنه (قال: كتب معاوية) بن أبي سفيان (إلى المغيرة) بن شعبة (اكتب إلي) بتشديد الياء (ما) ولأبي ذر بما (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: خلف الصلاة) المكتوبة (فأملى عليّ المغيرة) بفتح الهمزة واللام بينهما ميم ساكنة وعلي بتشديد الياء (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: خلف الصلاة) المكتوبة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له) ذكره بعد استفادة الحصر من الذي قبله وهو لا إله إلا الله تأكيد مع ما فيه من تكثير حسنات الذاكر (اللهم

13 - باب من تعوذ بالله من درك الشقاء وسوء القضاء. وقوله تعالى: {قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق}

لا مانع لما أعطيت) أي لما أردت إعطاءه وإلا فبعد الإعطاء من كل أحد لا مانع له إذ الواقع لا يرتفع (ولا معطي لما منعت) ما موصول وجملة أعطيت صلتها والعائد محذوف أي لما أعطيته. وقال في العدة: ولا مانع اسم نكرة مبني مع لا وخبر لا الاستقرار المتعلق به المجرور أو الخبر محذوف وجوبًا على لغة بني تميم ووافقهم كثير من الحجازيين فيتعلق حرف الجر بمانع، قيل فيجب نصبه وتنوينه لأنه مطوّل والرواية على بنائه من غير تنوين فيحتمل له بأن يعلق بخبر لمانع محذوف أي لا مانع لنا لما أعطيت فيتعلق بالكون المقدر لا بمانع ما قيل في قوله تعالى {لا غالب لكم اليوم} [الأنفال: 48]. ويحتمل أن يكون أصله لا مانعًا بالتنوين ثم حذف التنوين بعد أن أبدل منه ألف ثم حذفت الألف فصار على صورة المبني، ويجوز أن يكون لما أعطيت في محل صفة لمانع والخبر محذوف، ويحتمل أن يقدر لا مانع لما أعطيت يمنع فيتعلق بيمنع ويكون يمنع خبر لا على إحدى اللغتين، واختار الزمخشري في قوله تعالى: {لا تثريب عليكم اليوم} [يوسف: 92] إن اليوم معمول بتثريب، وردّ عليه أبو حيان لأجل الفصل بين المصدر ومعموله بعليكم وهو إما خبر أو صفة وأيًّا ما كان فلا يجوز وكان يلزم تنوين تثريب (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) بفتح الجيم فيهما على المشهور ومنك يتعلق بينفع أي لا ينفع صاحب الحظ من نزول عذابك حظه وإنما ينفعه عمله الصالح. وقال في الكواكب: ومن هي البدلية أي المحظوظ لا ينفعه بذلك أي بدل طاعتك. والحديث سبق في الصلاة والدعوات. (وقال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز فيما وصله الإمام أحمد ومسلم (أخبرني) بالإفراد (عبدة) بن أبي لبابة (أن ورادًا) مولى المغيرة (أخبره بهذا) الحديث قال عبدة (ثم وفدت) بالفاء من الوفود (بعد إلى معاوية) لما كان بالشام (فسمعته يأمر الناس بذلك القول) وهو لا إله إلا الله إلى آخره، ومراد المؤلّف من سياق هذا التعليق التصريح بأن ورادًا أخبر به عبدة لأنه رواه في الرواية السابقة بالعنعنة. 13 - باب مَنْ تَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنْ دَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} (باب من تعوذ بالله من درك الشقاء وسوء القضاء)، وقوله تعالى ({قل أعوذ برب الفلق}) أي الصبح أو الخلق أو هو واد في جهنم أوجب فيها ({من شر ما خلق}) [الفلق: 1] الشيطان خاصة لأن الله تعالى لم يخلق خلقًا أشر منه، وقيل جهنم وما خلق فيها، وقيل عام أي من شر كل ذي شر خلقه الله وما موصولة والعائد محذوف أو مصدرية ويكون الخلق بمعنى المخلوق، وقرأ بعض المعتزلة الذين يرون أن الله لم يخلق الشر من شر بالتنوين ما خلق على النفي وهي قراءة مردودة مبنية على مذهب باطل، وهذه السورة دالة على أن الله تعالى خالق كل شيء ففيها الرد على من زعم أن العبد يخلق فعل نفسه لأنه لو كان السوء المأمور بالاستعاذة منه مخلوقًا لفاعله لما كان للاستعاذة بالله منه معنى لأنه لا يصح التعوذ إلا بمن قدر على إزالة ما استعيذ به منه. 6616 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُمَىٍّ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلاَءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن سمي) بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد التحتية مولى أبي بكر المخزومي (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (تعوذوا بالله من جهد البلاء) بفتح الجيم وسكون الهاء الحالة التي يختار عليها الموت أو قلة المال وكثرة العيال (ودرك الشقاء) بفتح الدال المهملة والراء اللحاق، والشقاء بفتح الشين المعجمة والقاف ممدودًا الشدة والعسر (وسوء القضاء) أي المقضي (وشماتة الأعداء) وهو فرح العدوّ ببلية تنزل بمن يعاديه. والحديث سبق في باب التعوّذ من جهد البلاء من كتاب الدعوات. 14 - باب يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({يحول بين المرء وقلبه}) [الأنفال: 24] قال الواحدي: حكاية عن ابن عباس والضحاك يحول بين المرء الكافر وطاعته ويحول بين المطيع ومعصيته، فالسعيد من أسعده الله، والشقي من أضله الله والقلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء. وقال السدي: يحول بين الإنسان وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن

ولا أن يكفر إلا بإذنه. 6617 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَثِيرًا مِمَّا كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْلِفُ: «لاَ وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ». [الحديث 6617 - طرفاه في: 6628، 7391]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف (عن سالم عن) أبيه (عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- أنه (قال: كثيرًا) نصب صفة لمصدر محذوف أي يحلف حلفًا كثيرًا (ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحلف) أي يريد أن يحلف من ألفاظ الحلف (لا) أفعل أو لا أترك (و) حتى (مقلب القلوب) وهو الله عز وجل. قال في الفتح: وكان البخاري أشار إلى تفسير الحيلولة التي في الآية بالتقلب الذي في الحديث أشار إلى ذلك الراغب، وقال: المراد أنه يلقي في قلب الإنسان ما يصرفه عن مراده لحكمة تقتضي ذلك وحقيقة القلوب لا تتقلب، فالمراد تقلب أعراضها وأحوالها من الإرادة وغيرها. وقال ابن بطال: الآية نص في أن الله تعالى خلق الكفر والإيمان وأنه يحول بين قلب الكافر وبين الإيمان الذي أمره به فلا يكسبه إن لم يقدره عليه بل أقدره على ضده وهو الكفر، وكذا في المؤمن بعكسه فتضمنت الآية أنه خالق جميع أفعال العبد خيرها وشرها وهو معنى قوله: مقلب القلوب لأن معناه تقليب قلب العبد عن إيثار الإيمان إلى إيثار الكفر وعكسه، وكل فعل لله عدل فيمن أضله وخذله لأنه لم يمنعهم حقًّا وجب لهم عليه اهـ. والحديث أخرجه أيضًا في التوحيد والأيمان والنذور والترمذي في الإيمان والنسائي في (¬1) وابن ماجة في الكفارات. 6618 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حَفْصٍ، وَبِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالاَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاِبْنِ صَيَّادٍ: «خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا» قَالَ: الدُّخُّ قَالَ: «اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ» قَالَ عُمَرُ: ائْذَنْ لِى فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، قَالَ: «دَعْهُ إِنْ يَكُنْ هُوَ فَلاَ تُطِيقُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِى قَتْلِهِ». وبه قال: (حدّثنا علي بن حفص) المروزي (وبشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة السختياني المروزي (قالا: أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سالم) هو ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لابن صياد) صاف (خبأت لك خبيئًا) بفتح المعجمة وكسر الموحدة بعدها تحتية ساكنة، ولأبي ذر خبأ بسكون الموحدة من غير تحتية (قال) ابن صياد هو (الدخ) بضم الدال المهملة والخاء المعجمة المشددة أراد أن يقول: الدخان فلم يستطع أن يقول ذلك تامًّا على عادة الكهان من اختطاف بعض الكلمات من أوليائهم من الجن (قال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له خطاب زجر وإهانة (اخسأ) بالخاء المعجمة والهمزة الساكنة بينهما سين مهملة مفتوحة أي اسكت صاغرًا مطرودًا (فلن تعدو قدرك) بالعين المهملة (قال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- يا رسول الله (ائذن لي فأضرب عنقه قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (دعه) اتركه (إن يكن هو) الدجال (فلا تطيقه) لأنه إن كان سبق في علم الله تعالى أنه يخرج ويفعل ما يفعل فإنه الله تعالى لا يقدرك على قتل من سبق في علمه أنه سيحيا إلى أن يفعل ما يفعل، إذ لو أقدرك على ذلك لكان فيه انقلاب علمه والله تعالى منزه عن ذلك قاله ابن بطال. وفي الجنائز فلن تسلط عليه بالجزم على لغة من يجزم بلن (وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله) ويكن هو بالضمير المنفصل في الموضعين، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يكنه بالضمير المتصل واختار الأول ابن مالك في التسهيل، والثاني في الخلاصة. فعلى الأولى لفظ هو تأكيد للضمير المستتر وكان تامة وقول الزركشي في التنقيح أن يكنه استدلّ به ابن مالك على اتصال الضمير إذا وقع خبرًا لكان لكن في رواية إن يكن هو فلا دليل فيه تعقبه في المصابيح فقال: هذا من أعجب ما يسمع كيف تكون الرواية الثانية مقتضية لعدم الدليل في الرواية الأولى، والفرض أن الضمير المنفصل المرفوع في الثانية تأكيد للضمير المستكن في يكن وهو اسم كان وخبرها محذوف أي إن يكن هو الدجال والضمير المتصل في الرواية الأخرى خبر كان فبهذا وقع الاستدلال في محل النزاع وهو هل الأولى في خبر كان إذا وقع ضميرًا أن يكون متصلاً أو منفصلاً. فهذا الحديث شاهد لاختيار الاتصال، وأما إن يكن هو فليست من محل النزاع في شيء إذ ليس الضمير فيها خبر كان قطعًا. والحديث سبق في باب ¬

(¬1) بيّض المؤلّف بعد قوله والنسائي في والذي في الأطراف أي في الإيمان اهـ. من هامش

15 - باب {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} [التوبة: 51]: قضى. قال مجاهد: بفاتنين بمضلين إلا من كتب الله أنه يصلى الجحيم {قدر فهدى} [الأعلى: 3] قدر الشقاء والسعادة وهدى الأنعام لمراتعها

إذا أسلم الصبي فمات هل يصلّى عليه من كتاب الجنائز. 15 - باب {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51]: قَضَى. قَالَ مُجَاهِدٌ: بِفَاتِنِينَ بِمُضِلِّينَ إِلاَّ مَنْ كَتَبَ اللَّهُ أَنَّهُ يَصْلَى الْجَحِيمَ {قَدَّرَ فَهَدَى} [الأَعلى: 3] قَدَّرَ الشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ وَهَدَى الأَنْعَامَ لِمَرَاتِعِهَا هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله تعالى ({قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا}) [التوبة: 51] أي (قضى) لنا من خير أو شر كما قدر في الأزل وكتب في اللوح المحفوظ، ولنا مفيدة معنى الاختصاص كأنه قيل لن يصيبنا إلا ما اختصنًا الله بإثباته وإيجابه. وقال الراغب: عبّر بقوله لنا ولم يعبر بقوله علينا تنبيهًا على أن الذي يصيبنا نعده نعمة لا نقمة. (قال مجاهد) في تفسير قوله تعالى: {ما أنتم عليه} ({بقانتين}) [الصافات: 162] أي ما أنتم (بمضلين إلا من كتب الله) عليه في السابقة (أنه يصلّى الجحيم) أي يدخل النار وهذا وصله عبد بن حميد بمعناه. وقال مجاهد أيضًا في تفسير قوله تعالى: {والذي} ({قدر فهدى}) [الأعلى: 3] أي (قدر الشقاء والسعادة وهدى الأنعام لمراتعها) وهذا وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وقيل قدر أقواتهم وأرزاقهم وهداهم لمعائهم إن كانوا أناسًا ولمراعيهم إن كانوا وحشًا، وعن ابن عباس والسدي ومقاتل والكلبي في قوله {فهدى} قال: عرف خلقه كيف يأتي الذكر الأنثى كما قال في طه {أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} [طه: 50] أي الذكر للأنثى: وقال عطاء: جعل لكل دابة ما يصلحها وهداها له، وقيل: قدر فهدى قدر لكل حيوان ما يصلحه فهداه إليه وعرفه وجه الانتفاع به، يقال: إن الأفعى إذا أتت عليها ألف سنة عميت وقد ألهمها الله تعالى أن مسح العينين بورق الرازيانج الغض يرد إليها بصرها فربما كانت في برية بينها وبين الريف مسيرة أيام فتطوي تلك المسافة على طولها وعماها حتى تهجم في بعض البساتين على الرازيانج لا تخطئها فتحك به عينها فترجع باصرة بإذن الله تعالى وهدايات الإنسان إلى مصالحه من أغذيته وأدويته وأمور دنياه ودينه والهامات البهائم والطيور وهوام الأرض أمر ثابت واسع فسبحان ربي الأعلى وبحمده. 6619 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِى الْفُرَاتِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الطَّاعُونِ فَقَالَ: «كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، مَا مِنْ عَبْدٍ يَكُونُ فِى بَلَدٍ يَكُونُ فِيهِ وَيَمْكُثُ فِيهِ لاَ يَخْرُجُ مِنَ الْبَلَدِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (الحنظلي) بفتح الحاء المهملة والظاء المعجمة بينهما نون ساكنة نسبة إلى حنظلة بن مالك قال: (أخبرنا النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل بضم الشين المعجمة قال: (حدّثنا داود بن أبي الفرات) بضم الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف فوقية المروزي ثم البصري واسم أي الفرات عمرو (عن عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء الأسلمي قاضي مرو (عن يحيى بن يعمر) بفتح التحتية والميم والعين المهملة ساكنة قاضي مرو أيضًا (أن عائشة -رضي الله عنها- أخبرته أنها سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الطاعون) وهو بثر مؤلمة جدًّا تخرج من الآباط والمراق غالبًا مع اسوداد حواليه وخفقان في القلب (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كان) أي الطاعون (عذابًا يبعثه الله) عز وجل (على من يشاء) من عباده (فجعله الله رحمة للمؤمنين) أي سبب الرحمة لهم لتضمنه مثل أجر الشهداء (ما من عبد يكون في بلد) بفتح اللام وفي نسخة باليونينية بلدة بسكونها وهاء تأنيث آخره (يكون فيه) في البلد أو فيها (ويمكث فيه) أو فيها (لا) ولأبي ذر عن الكشميهني فلا (يخرج من البلدة) أو البلد حال كونه (صابرًا) على ما يصيبه (محتسبًا) أجره عند الله (يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له) وقدره في الأزل (إلا كان له مثل أجر شهيد) وإن لم يصبه طعن، وهذا هو المراد من الحديث هنا وقد سبق في كتاب الطب. 16 - باب {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43] {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِى لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الزمر: 57] هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله تعالى: ({وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}) [الأعراف: 43] اللام في لنهتدي لتوكيد النفي وأن وما في حيزها في محل رفع بالابتداء والخبر محذوف وجواب لولا مدلول عليه بقوله وما كنا تقديره لولا هدايته لنا موجودة لشقينا أو ما كنا مهتدين، وقد دلت على أن المهتدي من هداه الله وأن من لم يهده الله لم يهتد ومذهب المعتزلة أن كل ما فعل الله في حق الأنبياء والأولياء من أنواع الهداية والإرشاد فقد فعله في حق جميع الكفار والفساق، وإنما حصل الامتياز بين المؤمن والكافر والمحق والمبطل بسعي نفسه واختيار نفسه فكان يجب

83 - كتاب الأيمان والنذور

عليه أن يحمد نفسه لأنه هو الذي حصل لنفسه الإيمان وهو الذي أوصل نفسه إلى درجات الجنة وخلصها من دركات النيران فلما لم يحمد نفسه البتة إنما حمد الله تعالى فقط علمنا أن الهادي ليس إلا الله تعالى، وقوله تعالى: ({لو أن الله هداني}) أعطاني الهداية ({لكنت من المتقين}) [الزمر: 57] من الذين يتقون الشرك. قال الشيخ أبو منصور -رحمه الله تعالى-: وهذا الكافر أعرف بالهداية من المعتزلة وكذا أولئك الكفرة الذين قالوا لأتباعهم: لو هدانا الله لهديناكم يقولون لو وفقنا الله للهداية وأعطانا الهدى لدعوناكم إليه، ولكن علم منا اختيار الضلالة والغواية فخذلنا ولم يوفقنا والمعتزلة يقولون: بل هداهم وأعطاهم التوفيق لكنهم لم يهتدوا، والحاصل أن عند الله لطفًا من أعطى ذلك اهتدى وهو التوفيق والعصمة ومن لم يعطه ضل وغوى، وكان استيجابه العذاب وتضييعه الحق بعدما تمكن من تحصيله لذلك. والحاصل من مذهب أهل السنة أن الله تعالى أقدر العباد على اكتساب ما أراد منهم من إيمان وكفر وأن ذلك ليس بخلق للعباد كما زعمت القدرية. 6620 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ وَهْوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ صُمْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (أخبرنا جرير) بفتح الجيم (هو ابن حازم) بالحاء المهملة والزاي (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء بن عازب) -رضي الله عنهما- أنه (قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الخندق ينقل معنا التراب) من حفر الخندق (وهو يقول) رجزًا من كلام عبد الله بن رواحة. (والله لولا الله ما اهتدينا). وهذا موضع الترجمة. (ولا صمنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا). (وثبت الأقدام إن لاقينا) العدوّ (والمشركون قد بغوا علينا) أي ظلموا (إذا أرادوا فتنة أبينا) بالموحدة أي الفرار. والحديث أخرجه في الجهاد. بسم الله الرحمن الرحيم 83 - كتاب الأيمان والنذور (كتاب الأيمان) بفتح الهمزة جميع يمين واليمين خلاف اليسار وأطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل يمين صاحبه، وقيل لحفظها المحلوف عليه كحفظ اليمين وتسمى ألية وحلفًا، وفي الشرع تحقيق الأمر المحتمل أو توكيده بذكر اسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته. هذا إن قصد اليمين الموجبة للكفارة وإلاّ فيزاد أو ما أقيم مقامه ليدخل نحو الحلف بالطلاق أو العتق وهو ما فيه حث أو منع أو تصديق، وخرج بالتحقيق لغو اليمين بأن سبق لسانه إلى ما لم يقصده بها أو إلى لفظها كقوله في حال غضبه أو صلة كلام لا والله تارة وبلى والله أخرى، وبالمحتمل غيره كقوله: والله لأموتن أو لا أصعد إلى السماء فليس بيمين لامتناع الحنث فيه بذاته بخلاف والله لأصعدن السماء فإنه يمين تلزم به الكفارة حالاً (و) كتاب (النذور) جمع نذر وهو مصدر نذر بفتح الذال المعجمة ينذر بضمها وكسرها والنذر في اللغة الوعد بخير أو شر وشرعًا التزام قربة غير لازمة بأصل الشرع، وزاد بعضهم مقصودة، وقيل إيجاب ما ليس بواجب لحدوث أمر، ومنهم من قال: إن يلزم نفسه بشيء تبرعًا من عبادة أو صدقة أو نحوهما. وأما قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من نذر أن يعصي الله فلا يعصه فإنما سماه نذرًا باعتبار الصورة كما قال في الخمر وبائعها مع بطلان البيع، ولذا قال في الحديث الآخر: لا نذر في معصية. 1 - باب 1 - باب قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 89]. (قول الله تعالى) بالرفع وفي نسخة باب قول الله تعالى: ({لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}) مصدر لغًا يلغو لغوًا والباء فيه متعلقة بيؤاخذكم ومعناها السببية، واللغو الساقط الذي لا يعتد به من كلام وغيره ولغو اليمين الساقط الذي لا يعتد به في الأيمان. قال: إمامنا الشافعي وغيره: هو قول الرجل في عرض حديثه لا والله وبلى والله من غير قصد لها، وقيل هو أن يحلف على شيء يرى أنه صادق ثم يظهر أنه خلاف ذلك، وبه قال أبو حنيفة: والمعنى لا يعاقبكم بلغو اليمين الذي يحلفه أحدكم ({ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}) أي بتعقيدكم الأيمان وهو توثيقها، والمعنى ولكن يؤاخذكم بما عقدتم إذا حنثتم فحذف وقت المؤاخذة لأنه كان معلومًا عندهم أو بنكث ما عقدتم فحذف

المضاف ({فكفارته}) أي فكفارة الحنث الدال عليه سياق الكلام وإن لم يجر له ذكر، أو فكفارة نكثه فتكون ما موصولة اسمية وهو على حذف مضاف كما قدره الزمخشري والكفارة الفعلة التي من شأنها أن تستر الخطيئة ({إطعام عشرة مساكين}) إطعام مصدر مضاف لمفعوله، وهو أن يملك كل واحد منهم مدًّا من حب من غالب قوت بلده ({من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم}) عطف على إطعام، والمراد ما يسمى كسوة مما يعتاد لبسه كعرقية ومنديل ولو ملبوسًا لم تذهب قوّته ولو لم يصلح للمدفوع إليه كقميص صغير وعمامته وإزاره وسراويله الكبير وكحرير لرجل لا نحو خف مما لا يسمى كسوة كدرع من حديد ونحوه ({أو تحرير رقبة}) عطف على إطعام وهو مصدر مضاف لمفعوله أي أو إعتاق رقبة مؤمنة بلا عيب يخل بالعمل والكسب وأو للتخيير ({فمن لم يجد}) إحدى الثلاث أو كان غير رشيد ({فصيام ثلاثة أيام}) ولو مفرّقة ({ذلك}) المذكور ({كفارة أيمانكم إذا حلفتم}) وحنثتم ({واحفظوا أيمانكم}) فبرّوا فيها ولا تحنثوا إذا لم يكن الحنث خيرًا أو فلا تحلفوا أصلاً ({كذلك}) مثل ذلك البيان ({يبين الله لكم آياته}) أعلام شريعته وأحكامه ({لعلكم تشكرون}) [المائدة: 89] نعمته فيها يعلمكم ويسهل عليكم المخرج منه، وسقط لأبي ذر قوله {ولكن يؤاخذكم} الخ وقال: الآية إلى قوله {لعلكم تشكرون}. 6621 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رضى الله عنه - لَمْ يَكُنْ يَحْنَثُ فِى يَمِينٍ قَطُّ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ وَقَالَ: لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتُ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِى. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) بكسر الفوقية (أبو الحسن) المروزي المجاور قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن أبا بكر) الصديق -رضي الله عنه- (لم يكن يحنث) أي لم يكن من شأنه أن يحنث (في يمين قط) سبق في تفسير المائدة حديث ابن حبان كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا حلف على يمين لم يحنث فرفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وذكره الترمذي في العلل المفرد وقال: سألت محمدًا يعني البخاري عنه فقال: هذا خطأ، والصحيح كان أبو بكر وكذلك رواه سفيان ووكيع عن هشام بن عروة (حتى أنزل الله) عز وجل في كتابه العزيز (كفارة اليمين) أي آيتها وهي قوله تعالى: {فكفارته إطعام عشرة مساكين} [المائدة: 89] إلى آخرها (وقال: لا أحلف على يمين) أي محلوف يمين فسماه يمينًا مجازًا للملابسة بينهما، والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه وإلاّ هو قبل اليمين ليس محلوفًا عليه فيكون من مجاز الاستعارة، وفي مسلم لا أحلف على أمر (فرأيت غيرها خيرًا منها) الرؤية هنا علمية وغيرها مفعولها الأوّل وخيرًا الثاني، ومنها متعلق بخيرًا وأعاد الضمير مؤنفثًا مع كون المحلوف مذكرًا باعتبار المذكور لفظًا وهو اليمين، والمعنى لا أحلف على أمر فيظهر لي بالعلم أو بغلبة الظن أن غير المحلوف عليه خير منه (إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني) عن حكمها وما يترتب عليها من الإثم. قيل هذا قاله الصديق -رضي الله عنه- لما حلف لا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة بعدما قال في عائشة ما قال، وأنزل الله براءتها وطابت نفوس المؤمنين وتاب الله على من كان خاض في حديث الإفك وأنزل الله تعالى {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة} [النور: 22] الآية أي لا يحلف أولو الفضل منكم أن لا يصلوا قراباتهم المساكين المهاجرين فرجع الصديق إلى مسطح ما كان يصله به من النفقة. والحديث من أفراده. 6622 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ، وَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ». [الحديث 6622 - أطرافه في: 6677، 7146، 7147]. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان محمد بن الفضل) عارم السدوسي قال: (حدّثنا جرير بن حازم) الأزدي قال: (حدّثنا الحسن) البصري قال: (حدّثنا عبد الرَّحمن بن سمرة) بفتح السين المهملة والراء بينهما ميم مضمومة ابن حبيب، وقيل كان اسمه عبد كلال فغيره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال البخاري له: صحبة وكان إسلامه يوم الفتح وشهد غزوة تبوك وافتتح سجستان وغيرها في خلافة عثمان ثم نزل البصرة وليس له في البخاري إلا هذا الحديث -رضي الله عنه- أنه (قال: قال) لي (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا عبد الرَّحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة) بكسر الهمزة

مصدر أمر ولا ناهية، وتسأل مجزوم بالنهي والإمارة مفعول به والفاعل مستتر يعود على عبد الرَّحمن وكسرت اللام لالتقاء الساكنين أي لا تسأل الولاية (فإنك إن أوتيتها) الفاء للعطف (عن مسألة) وجواب الشرط قوله (وكلت إليها) بضم الواو وكسر الكاف وسكون اللام يقال وكله إلى نفسه وكلاً ووكولاً وهذا الأمر موكول إليّ ومنه قول النابغة: كليني لهمّ يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب أي أن الإمارة أمر شاق لا يخرج عن عهدتها إلا أفراد من الرجال فلا تسألها عن تشوّف نفس فإنك إن سألتها تركت معها فلا يعينك الله عليها وحينئذٍ فلا يكون فيه كفاية لها ومن كان هذا شأنه لا يولى (وإن أوتيتها من) ولأبي ذر عن الكشميهني وإنك إن أوتيتها عن (غير مسألة أعنت عليها) وعن يحتمل أن تكون بمعنى الباء أي بمسألة أي بسبب مسألة قال امرؤ القيس: تصدّ وتبدي عن أسيل وتتقي ... بناظرة من وحش وجرة مطفل أي بأسيل (وإذا حلفت على) محلوف (يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فكفّر عن يمنيك وائت الذي هو خير) ظاهره تقديم التكفير على إتيان المحلوف عليه والرواية السابقة تأخيره، ومذهب إمامنا الشافعي ومالك والجمهور جواز التقديم على الحنث لكن يستحب كونه بعده، واستثنى الشافعي التكفير بالصوم لأنه عبادة بدنية فلا تقدم قبل وقتها كصوم رمضان، واستثنى بعض أصحابه حنث المعصية كأن حلف لا يزني لما في التقديم من الإعانة على المعصية والجمهور على الإجزاء لأن اليمين لا يحرم ولا يحلل، ومنع أبو حنيفة وأصحابه وأشهب من المالكية التقديم. لنا قوله فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير. فإن قيل: الواو لا تدل على الترتيب. أجيب: برواية أبي داود والنسائي فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير. فإن قلت: ما مناسبة هذه الجملة للسابقة؟ أجيب: بأن الممتنع من الإمارة قد يؤدي به الحال إلى الحلف على عدم القبول مع كون المصلحة في ولايته. والحديث أخرجه البخاري أيضًا في الأحكام وفي الكفارات، ومسلم في الأيمان، وأبو داود في الخراج، والترمذي في الأيمان، وأخرج النسائي قصة الإمارة في القضاء والسير وقصة اليمين في الأيمان. 6623 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى رَهْطٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ: «وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِى مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ» قَالَ: ثُمَّ لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ نَلْبَثَ ثُمَّ أُتِىَ بِثَلاَثِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى فَحَمَلَنَا عَلَيْهَا، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا: أَوْ قَالَ: بَعْضُنَا، وَاللَّهِ لاَ يُبَارَكُ لَنَا أَتَيْنَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا ثُمَّ حَمَلَنَا، فَارْجِعُوا بِنَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنُذَكِّرُهُ فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ: «مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ، بَلِ اللَّهُ حَمَلَكُمْ وَإِنِّى وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِى وَأَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ، أَوْ أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِى». وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد عارم بن الفضل قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الأزدي الأزرق أحد الأعلام (عن غيلان بن جرير) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية وفتح جيم جرير الأزدي البصري من صغار التابعين (عن أبي بردة) بضم الموحدة اسمه الحارث أو عامر (عن أبيه) أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري أنه (قال: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رهط) رجال دون العشرة (من الأشعريين) جمع أشعري نسبة إلى الأشعر بن ادد بن يشجب، وقيل له الأشعر لأن أمه ولدته أشعر (أستحمله) أي أطلب منه ما يحملنا من الإبل ويحمل أثقالنا لأجل غزوة تبوك (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم عليه قال) أبو موسى: (ثم لبثنا ما شاء الله أن نلبث ثم أتي) بضم الهمزة أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بثلاث ذود) بفتح الذال المعجمة وسكون الواو بعدها دال مهملة ما بين الثلاث إلى العشر. وقال أبو عبيد: هي من الإناث فلذا قال: بثلاث ذود ولم يقل بثلاثة ذود (غر الذرى) بضم الغين المعجمة وتشديد الراء جمع أغر وهو الأبيض الحسن والذرى بضم الذال المعجمة وفتح الراء جمع ذروة بالكسر والضم وذروة كل شيء أعلاه والمراد هنا الأسنمة (فحملنا) بفتح الفاء والحاء والميم واللام (عليها فلما انطلقنا قلنا أو قال بعضنا والله لا يبارك لنا) فيها (أتينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نستحمله فحلف أن لا يحملنا ثم حملنا) بفتح اللام (فارجعوا بنا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنذكره) بضم النون وكسر الكاف مشددة بيمينه (فأتيناه) فذكرنا له (فقال: ما أنا حملتكم بل الله) عز وجل (حملكم) أي إنما أعطيتكم من مال الله أو بأمر الله لأنه كان يعطي بالوحي

(وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير) منها (أو أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني) أي لا أحلف على موجب يمين لأن اليمين توجبه والموجب هو الذي انعقد عليه الحلف وخبر إن جملة لا أحلف وجواب القسم محذوف سد مسد خبر إن، ويحتمل أن يكون لا أحلف جواب القسم، وخبر إن القسم، وجوابه إن شاء الله جملة معترضة لا محل لها وقدم استثناء المشيئة وكان موضعه عقب جواب القسم، وذلك أن جواب القسم جاء بلا وعقبه الاستثناء بإلاّ فلو تأخر استثناء المشيئة حتى يجيء الكلام والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير إن شاء الله لاحتمل أن يرجع إلى قوله أتيت أو إلى قوله هو خير، فلما قدّمه انتفى هذا التخيل، وأيضًا ففي تقديمه اهتمام به لأنه استثناء مأمور به شرعًا، وينبغي أن يبادر بالمأمور به والتعليق بالمشيئة هنا الظاهر أنه للتبرك، وإلاّ فحقيقته ترفع القسم المقصود هنا لتأكيد الحكم وتقرير وهل يحكم على اليمين المقيدة بتعليق المشيئة إذا قصد بها التعليق أنها منعقدة أو لم تنعقد أصلاً فيه خلاف لأصحابنا. وقوله: أو أتيت إما شك من الراوي في تقديم أتيت على كفرت والعكس، وإما تنويع من الشارع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إشارة إلى جواز تقديم الكفارة على الحنث وتأخيرها. والحديث أخرجه البخاري أيضًا في كفارات الأيمان، وسبق مطوّلاً في كتاب الخمس، وأخرجه مسلم في الأيمان وكذا أبو داود والنسائي وأخرجه ابن ماجة في الكفارات. 6624 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن إبراهيم) هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في مستخرجه أو هو ابن نصر قال: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع أحد الأعلام قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين ابن راشد (عن همام بن منبه) الصنعاني أنه (قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة) -رضي الله عنه- ولأبي ذر به أبو هريرة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (نحن الآخرون) المتأخرون وجودًا في الدنيا (السابقون) الأمم (يوم القيامة) حسابًا ودخولاً للجنة. 6625 - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَاللَّهِ لأَنْ يَلِجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِى أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِىَ كَفَّارَتَهُ الَّتِى افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ». (فقال) بالفاء، ولأبي ذر عن الكشميهني: وقال (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: والله لأن) بفتح اللام وهي لتأكيد القسم (يلج) بفتح التحتية واللام والجيم المشددة من اللجاج وهو الإصرار على الشيء مطلقًا أي لأن يتمادى (أحدكم بيمينه) الذي حلفه (في) أمر بسبب (أهله) وهم يتضررون بعدم حنثه ولم يكن معصية (آثم له) بفتح الهمزة الممدودة والمثلثة أشد إثمًا للحالف المتمادي (عند الله من أن) يحنث و (يعطي كفارته التي افترضـ) ـها (الله) عز وجل (عليه) فينبغي له أن يحنث ويفعل ذلك ويكفر فإن تورع عن ارتكاب الحنث خشية الإثم أخطأ بإدامة الضرر على أهله لأن الإثم في اللجاج أكثر منه في الحنث على زعمه أو توهمه. وقال ابن المنير: وهذا من جوامع الكلم وبدائعه، ووجهه أنه إنما تحرجوا من الحنث والحلف بعد الوعد المؤكد باليمين، وكان القياس يقتضي أن يقال لجاج أحدكم آثم له من الحنث، ولكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدل عن ذلك إلى ما هو لازم الحنث وهو الكفارة لأن المقابلة بينها وبين اللجاج أفحم للخصم وأدل على سوء نظر المتنطع الذي اعتقد أنه تحرج من الإِثم، وإنما تحرج من الطاعة والصدقة والإحسان وكلها تجتمع في الكفارة ولهذا عظم شأنها بقوله التي افترض الله عليه، وإذا صح أن الكفارة خير له ومن لوازمها الحنث صح أن الحنث خير له، ولأن يلج أحدكم بيمينه في أهله أي لأن يصمم أحدكم في قطيعة أهله ورحمة بسبب يمينه التي حلفها على ترك برهم آثم له عند الله من كذا انتهى. وفي هذا الحديث أن الحنث في اليمين أفضل من التمادي إذا كان في الحنث مصلحة ويختلف باختلاف حكم المحلوف عليه، فإن حلف على ارتكاب معصية كترك واجب عيني وفعل حرام عصى بحلفه ولزمه حنث وكفارة إذا لم يكن له طريق سواه، وإلاّ فلا كما لو حلف لا ينفق على زوجته فإن له طريقًا بأن يعطيها من صداقها أو يقرضها ثم يبرئها لأن

2 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «وايم الله»

الغرض حاصل مع بقاء التعظيم وإن حلف على ترك مباح أو فعله كدخول دار وأكل طعام ولبس ثوب سن ترك حنثه لما فيه من تعظيم اسم الله نعم إن تعلق بتركه أو عله غرض ديني كأن حلف أن لا يمس طيبًا ولا يلبس ناعمًا فقيل: يمين مكروهة، وقيل: يمين طاعة اتباعًا للسلف في خشونة العيش، وقيل: يختلف باختلاف أحوال الناس وقصودهم وفراغهم. قال الرافعي والنووي: وهو الأصوب وإذا حلف على ترك مندوب كسنة ظهر أو فعل مكروه كالالتفات في الصلاة سنّ حنثه وعليه الكفارة أو على فعل مندوب أو ترك مكروه كره حنثه وعليه بالحنث كفارة. ومناسبة الحديث لما ترجم له في قوله: لأن يلج الخ، وقوله: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة طرف من حديث سبق من غير هذا الوجه عن أبي هريرة في أول كتاب الجمعة، وقد كرر البخاري هذا القدر في بعض الأحاديث التي أخرجها من صحيفة همام من رواية معمر عنه وهو أول حديث في النسخة، وكان همام يعطف عليه بقية الأحاديث بقوله وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 6626 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ يَعْنِى ابْنَ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اسْتَلَجَّ فِى أَهْلِهِ بِيَمِينٍ، فَهْوَ أَعْظَمُ إِثْمًا لِيَبَرَّ» يَعْنِى الْكَفَّارَةَ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق يعني ابن إبراهيم) وسقط لأبي ذر يعني ابن إبراهيم: وقال في الفتح: جزم أبو علي الغساني بأنه ابن منصور وصنيع أبي نعيم في مستخرجه يقتضي أنه إسحاق بن إبراهيم المذكور قبله. وقال العيني: وأما النسخة التي فيها يعني ابن إبراهيم فما أزالت الإبهام لأن في مشايخ البخاري إسحاق بن إبراهيم بن نصر وإسحاق بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن وإسحاق بن إبراهيم الصوّاف وإسحاق بن إبراهيم المعروف بابن راهويه فالصواب أنه ابن منصور قال: (حدّثنا يحيى بن صالح) الوحاظي بتخفيف الحاء المهملة وبعد الألف ظاء مشالة معجمة، وقد حدث عنه البخاري بلا واسطة في كتاب الصلاة وبواسطة في كتاب الحج وغيره قال: (حدّثنا معاوية) بن سلام بتشديد اللام الحبشي الأسود (عن يحيى) بن أبي كثير بالمثلثة (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من استلج) بسين مهملة ساكنة ففوقية ثم لام مفتوحتين ثم جيم مشدّدة استفعل من اللجاج أي من استدام (في أهله بيمين) حلفه في أمر يتعلق بهم يضرهم به (فهو) أي استدامته على اليمين مع تضرر أهله (أعظم إثمًا) من حنثه (ليبر) بكسر اللام وفتح التحتية بعدها موحدة فراء مشددة واللام للأمر بلفظ أمر الغائب من البرّ أي ليترك اللجاج ويفعل المحلوف عليه ويبر (يعني) بالبر (الكفارة) عن اليمين الذي حلفه ويفعل المحلوف عليه إذ الإضرار بالأهل أعظم إثمًا من حنث اليمين، وذكر الأهل في الحديثين خرج مخرج الغالب وإلاّ فالحكم يتناول غير الأهل إذا وجدت العلة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ليس بفتح اللام وسكون التحتية بعدها سين مهملة تغني الكفارة بضم الفوقية وسكون الغين المعجمة بعدها نون مكسورة، والكفارة رفع أي أن الكفارة لا تغني عن ذلك وهو خلاف المراد، فالأولى أوضح. وقيل في توجيه هذه الأخيرة أن المفضل عليه محذوف، والمعنى أن الاستلجاج أعظم إثمًا من الحنث، والجملة استئنافية، المراد أن ذلك الإثم لا تغني عنه كفارة. وقال ابن حزم: لا جائز أن يحمل على اليمين الغموس لأن الحالف بها لا يسمى مستلجًا في أهله بل صورته أن يحلف أن يحسن إلى أهله ولا يضرهم، ثم يريد أن يحنث ويلج في ذلك فيضرهم ولا يحسن إليهم ويكفر عن يمينه فهذا مستلج بيمينه في أهله آثم، ومعنى قوله لا تغني الكفارة أن الكفارة لا تحبط عنه إثم إساءته إلى أهله ولو كانت واجبة عليه، وإنما هي متعلقة باليمين التي حلفها. قال ابن الجوزي: قوله ليس تغني الكفارة كأنه أشار به إلى أن إثمه في قصده أن لا يبر ولا يفعل الخير فلو كفر لم ترفع الكفارة سبق ذلك القصد. 2 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَايْمُ اللَّهِ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في يمينه (وايم الله) من ألفاظ القسم كقوله لعمر الله وعهد الله وهو مرفوع بالابتداء وخبره محذوف أي قسمي أو يميني أو لازم لي وفيها لغات كثيرة

3 - باب كيف كانت يمين النبي -صلى الله عليه وسلم-؟

وتفتح همزتها وتكسر وهمزتها همزة وصل وقد تقطع ونحاة الكوفة يقولون إنها جمع يمين وغيرهم يقولون هي اسم موضوع للقسم. وقال المالكية والحنفية: إنها يمين، وقال الشافعية: إن نوى اليمين انعقد وإن نوى غير اليمين لم ينقعد يمينًا وإن أطلق فوجهان أصحهما لا ينقعد، وعن أحمد روايتان أصحهما الانعقاد، وحكى الغزالي في معناها وجهين: أحدهما أنه كقوله بالله، والثاني وهو الراجح أنه كقوله: أحلف بالله. 6627 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِى إِمْرَتِهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِنْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِى إِمْرَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِى إِمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ بَعْدَهُ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي (عن إسماعيل بن جعفر) وفي نسخة باليونينية: حدّثنا إسماعيل بن جعفر المدني (عن عبد الله بن دينار) المدني (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثًا) وهو البعث الذي أمر بتجهيزه عند موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنفذه أبو بكر -رضي الله عنه- بعده (وأمّر عليهم) بتشديد الميم جعل عليهم أميرًا (أسامة بن زيد فطعن بعض الناس في إمرته) بكسر الهمزة وسكون الميم، ولأبي ذر عن الكشميهني في إمارته وكان أشدهم في ذلك كلامًا عياش بن أبي ربيعة المخزومي فقال: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين وكان فيهم أبو بكر وعمر فسمع عمر ذلك فأخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (إن كنتم تطعنون في إمرته) بضم العين وفتحها في الفرع كأصله قيل وهما لغتان (فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه) زيد بن حارثة (من قبل) في غزوة مؤتة (وايم الله) أي أحلف بالله (إن كان) زيد (لخليقًا) بفتح اللام والخاء المعجمة وبالقاف لجديرًا (للإمارة) بكسر الهمزة (وإن كان لمن أحب الناس إليّ) بتشديد الياء (وإن هذا) أسامة ابنه (لمن أحب الناس إلي بعده). والحديث سبق في مناقب زيد. 3 - باب كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ وَقَالَ سَعْدٌ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ». وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ هَا اللَّهِ إِذًا يُقَالُ وَاللَّهِ وَبِاللَّهِ وَتَاللَّهِ. هذا (باب) بالتنوين (كيف كانت يمين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) التي كان يواظب على القسم بها أو يكثر. (وقال سعد) بسكون العين ابن أبي وقاص مما وصله المؤلّف في مناقب عمر -رضي الله عنه- (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أيها يا ابن الخطاب (والذي نفسي بيده) أي قدرته وتصريفه: (ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا قط إلا سلك فجًّا غير فجك). (وقال أبو قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري مما سبق موصولاً في باب من لم يخمس الأسلاب من كتاب الخمس (قال أبو بكر) -رضي الله عنه- (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عام حنين (لاها الله) بالوصل أي لا والله (إذًا) بالتنوين جواب وجزاء أي لا والله إذا صدق لا يكون كذا، وتمامه لا يعمد يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيعطيك سلبه فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صدق فاعطه الحديث، وسبق في الباب المذكور قال البخاري: (يقال والله) بالواو (وبالله) بالموحدة (وتالله) بالفوقية يريد أنها حروف قسم فالأولان يدخلان على كل ما يقسم به والثالث لا يدخل إلا على الجلالة الشريفة. نعم سمع شاذًا ترب الكعبة وتالرحمن. ونقل الماوردي أن أصل حروف القسم الواو ثم الموحدة ثم المثناة، ونقل ابن الصباغ عن أهل اللغة أن الموحدة هي الأصل وأن الواو بدل منها وأن المثناة بدل من الواو، وقوّاه ابن الرفعة بأن الباء تعمل في الضمير بخلاف الواو، ولو قال الله مثلاً بتثليث آخره أو تسكينه لأفعلن كذا فكناية إن نوى بها اليمين فيمين وإلاّ فلا واللحن لا يمنع الانعقاد، ولو قال: أقسمت أو قسم أو حلفت أو أحلف بالله لأفعلن كذا فيمين لأنه عرف الشرع. قال تعالى: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} [الأنعام: 109] إلا إن نوى خبرًا ماضيًا في صيغة الماضي أو مستقبلاً في المضارع فلا يكون يمينًا لاحتمال ما نواه. 6628 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) بن واقد الفريابي (عن سفيان) الثوري (عن موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف (عن سالم عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه (قال: كانت يمين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) التي يحلف بها (لا ومقلب القلوب) بالإعراض والأحوال. قال الراغب: تقليب الله القلوب والأبصار صرفها عن رأي إلى رأي

والتقليب الصرف وسمي قلب الإنسان لكثرة تقلبه ويعبر بالقلب عن المعاني التي تختص به من الروح والعلم والشجاعة. وقال القاضي أبو بكر بن العربي: القلب جزء من البدن خلقه الله وجعله للإنسان محل العلم والكلام وغير ذلك من الصفات الباطنة وجعل ظاهر البدن محل التصرفات الفعلية والقولية ووكل به ملكًا يأمره بالخير وشيطانًا يأمره بالشر فالعقل بنوره يهديه والهوى بظلمته يغويه والقضاء والقدر مسيطر على الكل والقلب يتقلب بين الخواطر الحسنة والسيئة والمحفوظ من حفظه الله تعالى، وقد تمسك بهذا الحديث من أوجب الكفارة على من حلف بصفة من صفات الله تعالى فحنث ولا نزاع في أصل ذلك، وإنما اختلف في أي صفة تنعقد بها اليمين، والتحقيق أنها مختصة بالصفة التي لا يشاركه فيها غيره كمقلب القلوب. والحديث سبق في باب: يحول بين المرء وقلبه. 6629 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن عبد الملك) بن عمير الكوفي (عن جابر بن سمرة) بفتح المهملة وضم الميم -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا هلك) أي مات (قيصر) وهو هرقل ملك الروم (فلا قيصر بعده) يملك مثل ما ملك (وإذا هلك) أي مات (كسرى) أنوشروان بن هرمز ملك الفرس (فلا كسرى بعده والذي نفسي بيده) أي بقدرته يصرفها كيف يشاء أو الذي أعبده وهذا موضع الترجمة (لتنفقن كنوزهما في سبيل الله) عز وجل وفيه علم من أعلام النبوة إذ وقع كما أخبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. والحديث سبق في الجهاد. 6630 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده) في العراق (وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده) في الشام وهذا قاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تطييبًا لقلوب أصحابه من قريش وتبشيرًا لهم بأن ملكهما سيزول عن الإقليمين المذكورين لأنهم كانوا يأتونهما للتجارة، فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليها فأما كسرى فقد مزق الله ملكه بدعائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما مزق كتابه ولم يبق له بقية وزال ملكه من جميع الأرض، وأما قيصر فإنه لما ورد عليه كتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكرمه ووضعه في المسك فدعا له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يثبت الله ملكه فثبت ملكه في الروم وانقطع عن الشام (والذي نفس محمد بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله) عز وجل بفتح قاف تنفقن أي مالهما المدفون أو الذي جمع وادخر، وقد وقع ذلك كما أخبر الصادق -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقال أهل التاريخ: كان في القصر الأبيض لكسرى ثلاثة آلاف ألف ألف ألف ثلاث مرّات غير أن رستم لما مرّ منهزمًا حمل معه نصف ما كان في بيوت الأموال وترك النصف فنقله المسلمون فأصاب الفارس اثني عشر ألفًا. والحديث سبق في علامات النبوّة. 6631 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا عبدة) بفتح المهملة وسكون الموحدة وبعد المهملة هاء تأنيث ابن سليمان (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال): (يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم) من أمور الآخرة وشدّة أهوالها وما أعدّ في النار لمن دخلها وما في الجنة من الثواب (لبكيتم) لذلك بكاء (كثيرًا ولضحكتم) ضحكًا (قليلاً) جواب القسم السادّ مسدّ جواب لو لبكيتم الخ وفيه كما في الفتح دلالة على اختصاصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمعارف بصري وقلبية قد يطلع الله تعالى غيره عليها من المخلصين من أمته، لكن بطريق الإجمال وأما تفاصيلها فمما اختص به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجمع الله له بين علم اليقين وعين اليقين مع الخشية القلبية استحضار العظمة الإلهية على وجه لم يكن لغيره زاده الله تعالى شرفًا.

فإن قلت: الخطاب إما أن يكون للمؤمنين خاصة أو عامًّا فإن كان الأول فليس ثمة ما يوجب تقليل الضحك وتكثير البكاء لأن المؤمن وإن دخل النار فعاقبته الجنة لا محالة مخلدًا فيها فمدة ما يوجب البكاء بالنسبة إلى ما يوجب الضحك والسرور نسبة شيء يسير إلى شيء لا يتناهى، وذلك يوجب العكس، وإن كان الثاني فليس للكافر ما يوجب الضحك أصلاً. أجيب: بأن الخطاب للمؤمنين وخرج في مقام ترجيح الخوف على الرجاء إخافة على الخاتمة. والحديث سبق في الرقاق. 6632 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى حَيْوَةُ، حَدَّثَنِى أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ، إِلاَّ مِنْ نَفْسِى فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ: «لاَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ»، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ وَاللَّهِ لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ نَفْسِى فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الآنَ يَا عُمَرُ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي قال: (حدثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله قال: (أخبرني) بالإفراد (حيوة) بفتح الحاء المهملة والواو بينهما تحتية ساكنة آخره هاء تأنيث ابن شريح قال: (حدثني) بالإفراد (أبو عقيل) بفتح العين وكسر القاف (زهرة بن معبد) بضم الزاي وسكون الهاء بعدها راء مفتوحة ومعبد بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة (أنه سمع جده عبد الله بن هشام) -رضي الله عنه- القرشي التيمي له ولأبيه صحبة. قال البغوي: سكن المدينة (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (فقال له عمر: يا رسول الله) والله (لأنت أحب إليّ) بتشديد الياء واللام لتأكيد القسم المقدر (من كل شيء إلا من نفسي) ذكر حبه لنفسه بحسب الطبع (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: لا) يكمل إيمانك (والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عمر) -رضي الله عنه- لما علم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو السبب في نجاة نفسه من الهلكات (فإنه الآن والله) يا رسول الله (لأنت أحب إليّ من نفسي) فأخبر بما اقتضاه الاختيار بسبب توسط الأسباب (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له: (الآن) عرفت فنطقت بما يجب عليك (ياعمر). وهذا الحديث ذكره في مناقب عمر بعين هذا السند لكنه اقتصر منه على قوله: وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقط، وهو مما انفرد البخاري بإخراجه. 6633 و 6634 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَحَدُهُمَا: اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَقَالَ الآخَرُ وَهْوَ أَفْقَهُهُمَا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَائْذَنْ لِى أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ: «تَكَلَّمْ» قَالَ: إِنَّ ابْنِى كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، قَالَ مَالِكٌ: وَالْعَسِيفُ: الأَجِيرُ، زَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُونِى أَنَّ عَلَى ابْنِى الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَجَارِيَةٍ، ثُمَّ إِنِّى سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِى أَنَّ مَا عَلَى ابْنِى جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَا وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ» وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأُمِرَ أُنَيْسٌ الأَسْلَمِىُّ أَنْ يَأْتِىَ امْرَأَةَ الآخَرِ، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) هو الإمام الأعظم (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بضم العين وسكون الفوقية وفتح الموحدة (ابن مسعود عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (وزيد بن خالد) الجهني المدني من مشاهير الصحابة -رضي الله عنه- (أنهما أخبراه أن رجلين) لم يسميا (اختصما إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله) تعالى (وقال الآخر وهو أفقههما) جملة معترضة لا محل لها من الإعراب وإنما كان أفقه لحسن أدبه باستئذانه أوّلاً أو أفقه في هذه القصة لوصفها على وجهها أو كان أكثر فقهًا في ذاته (أجل) بفتح الهمزة والجيم وسكون اللام مخففة أي نعم (يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله) عز وجل (وائذن لي أن أتكلم قال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تكلم) بما في نفسك (قال: إن ابني كان عسيفًا) بالعين المفتوحة والسين المكسورة المهملتين وبعد التحتية الساكنة فاء فعيل بمعنى مفعول (على هذا) وعلى بمعنى اللام أي أجيرًا لهذا أو بمعنى عند أي أجيرًا عند هذا أو أجيرًا على خدمة هذا فحذف المضاف (قال مالك) الإمام -رحمه الله- (والعسيف الأجير، زنى بامرأته فأخبروني) أي العلماء (أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وجارية) فمن للبدلية زاد أبو ذر عن الكشميهني لي (ثم إني سألت أهل العلم) كان يفتي في الزمن النبوي الخلفاء الأربعة وأبي ومعاذ وزيد بن ثابت الأنصاريون فيما ذكره العذري بلاغًا (فأخبروني أن ما على ابني) ما موصول بمعنى الذي والصلة على ابني أي الذي استقرّ على ابني (جلد مائة وتغريب عام) أي ولاء لمسافة القصر لأن المقصود إيحاشه بالبعد عن الأهل والوطن (وإنما الرجم على امرأته. فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (أما) بتخفيف الميم وهي ساقطة للكشميهني (والذي) أي وحق الذي (نفسي بيده) فالذي مع صلته وعائده مقسم به وجواب القسم (لأقضين بينهما

بكتاب الله) أي بما تضمنه كتاب الله أو بحكم الله وهو أولى لأن الحكم فيه التغريب والتغريب ليس مذكورًا في القرآن (أما غنمك وجاريتك فردّ عليك) أي فمردودة فأطلق المصدر على المفعول نحو ثوب نسج اليمين أن منسوج اليمن (وجلد ابنه) بالنصب على المفعولية وفي نسخة وجلد بضم الجيم مبنيًّا للمفعول ابنه رفع نائب عن الفاعل (مائة وغربه عامًا وأمر) بضم الهمزة (أنيس) بضم الهمزة وفتح النون والرفع نائب عن الفاعل ابن الضحاك (الأسلمي) صفة لأبي ذر أمر بفتح الهمزة أنيسًا نصب على المفعولية الأسلمي (أن يأتي امرأة الآخر) فيعلمها بأن هذا الرجل قذفها بابنه فلها عليه حدّ القذف فتطالبه به أو تعفو (فإن اعترفت) بالزنا (رجمها) لأنها محصنة وللكشميهني فارجمها فذهب إليها أنيس فسألها (فاعترفت) به فأخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك (فرجمها) أي فأمر برجمها فرجمت. وفيه أن مطلق الاعتراف يوجب الحدّ وهو مذهب مالك والشافعي لقوله لأنيس: "فإن اعترفت فارجمها" فعلق الرجم على مجرد الاعتراف وإنما كرّره على ماعز كما في حديثه لأنه شك في عقله، ولهذا قال له: أبك جنون، وقال الحنفية: لا يجب إلا بالاعتراف في أربعة مجالس، وقال أحمد: أربع في مجلس أو مجالس والغرض من حديث الباب قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أما والذي نفسي بيده لأقضين" ويأتي إن شاء الله تعالى في الحدود، وقد ذكره المؤلّف في مواضع كثيرة مختصرًا في الصلح والأحكام والوكالة والشروط والشهادات وغيرها. 6635 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى يَعْقُوبَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ خَيْرًا مِنْ تَمِيمٍ وَعَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَغَطَفَانَ وَأَسَدٍ خَابُوا وَخَسِرُوا» قَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنَّهُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: بالجمع (عبد الله بن محمد) الجعفي المسندي قال: (حدّثنا وهب) بفتح الواو وسكون الهاء ابن جرير بن حازم الأزدي الحافظ قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج الحافظ أبو بسطام العتكي أمير المؤمنين في الحديث (عن محمد بن أبي يعقوب) هو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب الضبي ونسبه لجده (عن عبد الرَّحمن بن أبي بكرة) بفتح الموحدة وسكون الكاف وبعد الراء تاء تأنيث الثقفي (عن أبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث بضم النون وفتح الفاء وسكون التحتية بعدها عين مهملة ابن كلدة بفتحتين أسلم بالطائف ثم نزل البصرة رضى الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (أرأيتم) أي أخبروني (إن كان أسلم) بن أفصى (وغفار) بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء (ومزينة) بضم الميم وفتح الزاي (وجهينة) بضم الجيم وفتح الهاء وبعد التحتية الساكنة نون الأربعة قبائل مشهورة (خير من تميم وعامر بن صعصعة) وفي أوائل المبعث من بني تميم وبني عامر (وغطفان) بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة والفاء (وأسد) وخبر إن قوله (خابوا) بالخاء المعجمة والموحدة من الخيبة (وخسروا) والضمير كما قال في الكواكب راجع إلى الأربعة الأقرب وهم تميم الخ (قالوا: نعم) خابوا وخسروا وفي أوائل المبعث أن القائل هو الأقرع بن حابس (فقال: والذي نفسي بيده إنهم) أي أسلم وغفار ومزينة وجهينة (خير منهم) أي من تميم ومن بعدهم والمراد خيرية المجموع على المجموع وإن جاز أن يكون من المفضولين فرد أفضل من فرد الأفضلين. والحديث سبق في المبعث. 6636 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِىِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَعْمَلَ عَامِلاً فَجَاءَهُ الْعَامِلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِىَ لِى فَقَالَ لَهُ: «أَفَلاَ قَعَدْتَ فِى بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لاَ»؟ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ الْعَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ: هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ وَهَذَا أُهْدِىَ لِى، أَفَلاَ قَعَدَ فِى بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ؟ فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَغُلُّ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا جَاءَ بِهِ لَهُ رُغَاءٌ، وَإِنْ كَانَتْ بَقَرَةً جَاءَ بِهَا لَهَا خُوَارٌ، وَإِنْ كَانَتْ شَاةً جَاءَ بِهَا تَيْعَرُ، فَقَدْ بَلَّغْتُ» فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ حَتَّى إِنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى عُفْرَةِ إِبْطَيْهِ قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: وَقَدْ سَمِعَ ذَلِكَ مَعِى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلُوهُ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (عن أبي حميد) بضم الحاء المهملة قيل اسمه عبد الرَّحمن وقيل المنذر (الساعدي) -رضي الله عنه- (أنه أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استعمل عاملاً) هو عبد الله بن اللتبية بضم اللام وسكون الفوقية وكسر الموحدة وتشديد التحتية على الصدقة (فجاءه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (العامل) ابن اللتبية (حين فرغ من عمله) فحاسبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: يا رسول الله هذا لكم وهذا أهدي لي فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (له): (أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فنظرت أيهدى) بهمزة الاستفهام وضم التحتية وفتح الدال المهملة (لك أم لا.

ثم قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشية بعد الصلاة فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول هذا من عملكم وهذا أهدي ليس أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فنظر هل يهدى له أم لا فوالذي نفس محمد بيده) وهذا موضع الترجمة (لا يغل) بضم الغين المعجمة وتشديد اللام لا يخون (أحدكم منها) من الصدقة (شيئًا إلا جاء به يوم القيامة) حال كونه (يحمله على عنقه إن كان) الذي غله (بعيرًا جاء به) حال كونه (له رغاء) بضم الراء وفتح الغين المعجمة ممدودًا صفة لبعير أي صوت (وإن كانت) المغلولة (بقرة جاء بها) يوم القيامة يحملها على عنقه (لها خوار) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو صوت (وإن كانت شاة جاء بها) يوم القيامة يحملها على عنقه (تيعر) بفتح الفوقية وسكون التحتية وفتح العين المهملة بعدها راء تصوّت (فقد بلغت) ما أمرت به (فقال أبو حميد) الساعدي -رضي الله عنه- (ثم رفع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده) بالإفراد (حتى إنا لننظر إلى عفرة إبطيه) بضم العين المهملة وسكون الفاء وبالراء بياضهما المشوب بالسمرة. (قال أبو حميد) الساعدي -رضي الله عنه- بالسند المذكور (وقد سمع ذلك) الحديث (معي زيد بن ثابت) أبو سعيد الأنصاري كاتب الوحي (من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلوه) بفتح السين من غير همز. والحديث سبق في باب من لم يقبل الهدية لعلة من كتاب الهبة. 6637 - حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ هُوَ ابْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إبراهيم بن موسى) الفراء أبو إسحاق الرازي المعروف بالصغير قال: (أخبرنا هشام هو ابن يوسف) الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال أبو القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (والذي نفس محمد بيده لو تعلمون ما أعلم) من أهوال يوم القيامة (لبكيتم) بفتح الكاف (كثيرًا ولضحكتم قليلاً) وكل من كان لله أعرف كان أخوف. وسبق متن الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- في هذا الباب. 6638 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْمَعْرُورِ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ: «هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، هُمُ الأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ»، قُلْتُ: مَا شَأْنِى أَيُرَى فِىَّ شَىْءٌ مَا شَأْنِى؟ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ وَهْوَ يَقُولُ فَمَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَسْكُتَ وَتَغَشَّانِى مَا شَاءَ اللَّهُ فَقُلْتُ: مَنْ هُمْ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الأَكْثَرُونَ أَمْوَالاً إِلاَّ مَنْ قَالَ: هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث النخعي الكوفي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن المعرور) بفتح الميم وسكون العين المهملة وراءين مهملتين بينهما واو ساكنة ابن سويد الأسدي (عن أبي ذر) جندب بن جنادة الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: انتهيت إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وهو يقول في ظل الكعبة): كذا في اليونينية وفي نسخة: وهو في ظل الكعبة يقول: (هم الأخسرون ورب الكعبة هم الأخسرون ورب الكعبة) مرتين، وهذا موضع الترجمة. قال أبو ذرة (قلت ما شأني)؟ ما حالي (أيرى) بضم التحتية (فيّ) بتشديد الياء (شيء) أيظن في نفسي شيء يوجب الأخسرية وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي أيرى بالتحتية المفتوحة يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيّ بتشديد الياء شيئًا (ما شأني) ما حالي (فجلست إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وهو يقول فما استطعت أن أسكت وتغشاني) بفتح الغين والشين المشددة المعجمتين (ما شاء الله فقلت: من هم بأبي أنت وأمي) مفدّي (يا رسول الله؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الأكثرون أموالاً إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا) ثلاث مرات أي إلاّ من أنفق ماله أمامًا ويمينًا وشمالاً على المستحقين فعبّر عن الفعل بالقول. والحديث أخرجه البخاري مقطعًا في الزكاة بلفظ انتهيت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: والذي نفسي بيده أو والذي لا اله غيره أو كما حلف ما من رجل يكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها إلا أتي بها يوم القيامة الحديث، وأخرجه مسلم في الزكاة والترمذي وقال: حسن صحيح. 6639 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ سُلَيْمَانُ لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً كُلُّهُنَّ تَأْتِى بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلاَّ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَايْمُ الَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ: لَجَاهَدُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قال سليمان) بن داود عليهما السلام (لأطوفن) والله لأطوفن (الليلة على تسعين امرأة)

أي لأجامعهن، وتسعين بفوقية قبل السين، وفي رواية في كتاب الأنبياء سبعين بموحدة بعد السين، وفي مسلم ستون ويروى مائة ولا منافاة لأنه مفهوم عدد (كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله) عز وجل. وفي رواية أخرى. فتحمل كل واحدة وتلد غلامًا فارسًا يقاتل في سبيل الله، وحينئذٍ فيكون في هذه الرواية حذف أو لا حذف فيها ويكون قوله فتأتي مسببًا عن الطوفان لأنه مسبب عن الحمل والحمل عن الوطء، وسبب السبب سبب وإن كان بواسطة. وجزم بذلك لغلبة رجائه لقصد الأجر (فقال له صاحبه) قرينه أو الملك (إن شاء الله) ولأبي ذر قل إن شاء الله (فلم يقل إن شاء الله) نسيانًا (فطاف عليهن) جامعهن (جميعًا فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل) بكسر الشين بنصف ولد وعبر بالرجل بالنظر إلى ما يؤول إليه قيل إنه الجسد الذي ذكره الله أنه ألقي على كرسيه (وايم الذي نفس محمد بيده) فيه جواز إضافة ايم إلى غير لفظ الجلالة ولكنه نادر (لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله) عز وجل حال كونهم (فرسانًا أجمعون) تأكيد لضمير الجمع في قوله: لجاهدوا، وقد أنسى الله تعالى سليمان عليه السلام الاستثناء ليمضي قدره السابق. والحديث سبق في الجهاد في باب من طلب الولد للجهاد، وباب قول الله {ووهبنا لداود سليمان} [ص: 30] في كتاب الأنبياء. 6640 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: أُهْدِىَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرَقَةٌ مِنْ حَرِيرٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَدَاوَلُونَهَا بَيْنَهُمْ وَيَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنِهَا وَلِينِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتَعْجَبُونَ مِنْهَا»؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ فِى الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا». لَمْ يَقُلْ شُعْبَةُ وَإِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ. وبه قال: (حدّثنا محمد) قال الغساني هو ابن سلام قال: (حدّثنا أبو الأحوص) بالحاء الساكنة والصاد المهملتين بينهما واو مفتوحة سلام بالتشديد ابن سليم (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء بن عازب) -رضي الله عنه- أنه (قال: أهدي) بضم الهمزة (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سرقة) بفتح السين المهملة والراء والقاف وبالرفع مفعول ناب عن فاعله قطعة (من حرير) أبيض جيد وفي المناقب من طريق شعبة عن أبي إسحاق أهديت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلة حرير وفي حديث أنس في الهبة أهداها له أكيدر دومة (فجعل الناس يتداولونها بينهم ويعجبون من حسنها ولينها فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لهم (أتعجبون منها)؟ قالوا: (نعم يا رسول الله قال: والذي نفسي بيده لمناديل سعد) بسكون العين ابن معاذ بن النعمان الأشهلي سيد الأوس -رضي الله عنه- (في الجنة خير منها) من سرقة الحرير، وللكشميهني من هذا، ولعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ذلك استمالة لقلب سعد أو أن المتعجبين من الأنصار فقال لهم: منديل سيدكم خير منه وفيه منقبة له لا تخفى وقد سبق الحديث في الهبة والمناقب واللباس (لم يقل شعبة) بن الحجاج فيما رواه في المناقب (و) كذا (إسرائيل) فيما رواه في اللباس كلاهما (عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي (والذي نفسي بيده) فانفرد أبو الأحوص في روايته عن أبي إسحاق السبيعي بها. 6641 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: إِنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ مِمَّا عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ أَخْبَاءٍ -أَوْ خِبَاءٍ- أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ أَخْبَائِكَ -أَوْ خِبَائِكَ- شَكَّ يَحْيَى، ثُمَّ مَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ أَهْلُ أَخْبَاءٍ -أَوْ خِبَاءٍ- أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ أَخْبَائِكَ -أَوْ خِبَائِكَ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَأَيْضًا وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ فَهَلْ عَلَىَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنَ الَّذِى لَهُ، قَالَ: «لاَ إِلاَّ بِالْمَعْرُوفِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف اسم جده واسم أبيه عبد الله المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري محمد بن مسلم أنه قال: (حدثني) بالإفراد (عروة بن الزبير أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: إن هند بنت عتبة بن ربيعة) بضم عين عتبة وسكون الفوقية القرشية أم معاوية بن أبي سفيان أسلمت يوم الفتح -رضي الله عنها- (قالت: يا رسول الله ما كان مما على ظهر الأرض أهل أخباء) بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وتخفيف الموحدة ممدودًا (أو خباء) بكسر الخاء بالشك هل هو بصيغة الجمع أو الإفراد، والخباء أحد بيوت العرب من وبر أو صوف لا من شعر ويكون على عمودين أو ثلاثة (أحب) نصب خبر كان (إليّ) بتشديد الياء (من أن يذلوا) بفتح التحتية وكسر الذال المعجمة وسقط لفظ من في نسخة وعليها ضرب في اليونينية (من أهل أخبائك) بفتح الهمزة (أو خبائك) بإسقاطها (شك يحيى) بن بكير شيخ البخاري (ثم ما أصبح اليوم أهل أخباء أو خباء أحب إليّ أن) ولأبي ذر عن الكشميهني من أن (يعزوا) بفتح التحتية وكسر العين (من أهل أخبائك) بالخاء المعجمة والموحدة

كالسابق وفي اليونينية هذه أحيائك بالمهملة والتحتية (أو خبائك) بالشك كذلك وأن في الموضعين مصدرية أي من ذلهم ومن عزهم (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (وأيضًا) ستريدين من ذلك (والذي نفس محمد بيده) لأن الإيمان إذا تمكن في القلب زاد الحب لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه، أو وأنا أيضًا بالنسبة إليك مثل ذلك والأول أوجه (قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان) بن حرب تعني زوجها (رجل مسّيك) بكسر الميم والسين المهملة المشددة وبفتح الميم وتخفيف السين وهو أصح عند أهل العربية، والأول أشهر عند المحدثين أي بخيل يمسك ما في يده لا يخرجه لأحد. قال القرطبي: وبخله إنما هو بالنسبة إلى امرأته وولده لا مطلقًا لأن الإنسان قد يفعل هذا مع أهل بيته لأنه يرى غيرهم أحوج وأولى، وإلاّ فأبو سفيان لم يكن معروفًا بالبخل فلا دلالة في هذا الحديث على بخله مطلقًا (فهل عليّ) بتشديد الياء (حرج) إثم (أن أطعم) بضم الهمزة وكسر العين (من الذي له؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا) حرج عليك (إلا) بالتشديد أن تطعمي من ماله (بالمعروف) أي القدر الذي عرف بالعادة أنه كفاية ويفسر المعروف في كل موضع بحسبه، ولأبي ذر لا بالمعروف فتكون الباء متعلقة بالإنفاق لا بالنفي. والحديث مرّ في باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها من كتاب النفقات. 6642 - حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُضِيفٌ ظَهْرَهُ إِلَى قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ يَمَانٍ إِذْ قَالَ لأَصْحَابِهِ: «أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «أَفَلَمْ تَرْضَوْا أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ»؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّى لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (أحمد بن عثمان) الأودي الكوفي قال: (حدّثنا شريح بن مسلمة) بضم الشين المعجمة وفتح الراء بعدها تحتية ساكنة فمهملة ومسلمة بفتح الميمين الكوفي قال: (حدّثنا إبراهيم عن أبيه) يوسف بن إسحاق (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه (قال: سمعت عمرو بن ميمون) بفتح العين الأودي المخضرم (قال: حدثني) بالإفراد (عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: بينما) بالميم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مضيف) بضم الميم وكسر الضاد المعجمة بعدها تحتية ساكنة ففاء أي مسند (ظهره إلى قبة من ادم) جلد (يمان) أصله يمني فقدم إحدى الياءين على النون وقلب ألفًا فصار مثل قاض، ولأبي ذر يماني على الأصل (إذ قال لأصحابه): (أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا: بلى) فيه أن بلى يجاب بها في الاستفهام كما في مسلم أنت الذي لقيتني بمكة فقال له المجيب بلى، ولكن هذا عندهم قليل فلا يقاس عليه (قال: أفلم ترضوا) ولأبي ذر: أفلا ترضون (أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قالوا: بلى قال) عليه الصلاة والسلام: (فوالذي نفس محمد بيده) ولأبي ذر عن الكشميهني في يده في تصريفه (إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة) ذكر ذلك بالتدريج ليكون أعظم لسرورهم. والحديث سبق في باب كيف الحشر من الرقاق. 6643 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلاً سَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام الأعظم (عن عبد الرحمن عن أبيه) عبد الله بن أبي صعصعة (عن أبي سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (أن رجلاً) هو أبو سعيد نفسه (سمع رجلاً) هو قتادة بن النعمان (يقرأ {قل هو الله أحد} يرددها فلما أصبح) أبو سعيد (جاء إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر ذلك) الذي سمعه من قتادة (له وكان الرجل) بالهمز وتشديد النون (يتقالها) بتشديد اللام يعتقد أنها قليلة في العمل (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن) لأنه قصص وأخبار وصفات لله تعالى، وسورة الإخلاص متمحضة لله تعالى وصفاته فهي ثلثه فقارئها له ثواب قراءة ثلث القرآن وقراءة الثلث لها عشرة أمثالها والثواب بقدر النصب والفضل لله، وظاهر الأحاديث أن من قرأها حصل له ثواب مثل من قرأ ثلث القرآن، وفي باب فضل {قل هو الله أحد} بعد التفسير الإشارة لذلك. 6644 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنِّى لأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِ ظَهْرِى إِذَا مَا رَكَعْتُمْ وَإِذَا مَا سَجَدْتُمْ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (إسحاق) هو ابن راهويه قال: (أخبرنا حبان) بفتح الحاء المهملة والموحدة المشددة ابن هلال الباهلي قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى العوذي فال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا أنس بن مالك -رضي الله عنه-

4 - باب لا تحلفوا بآبائكم

أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (أتموا الركوع والسجود فو) الله (الذي نفسي بيده إني لأراكم) بفتح الهمزة (من بعد) أي من وراء (ظهري إذا ما ركعتم وإذا ما سجدتم) أي إذا ركعتم وإذا سجدتم فما زائدة فيهما والرؤية هنا رؤية إدراك وهي لا تتوقف على وجود آلتها التي هي العين ولا شعاع ولا مقابلة وهذا بالنسبة إلى القديم العالي أما المخلوق فتتوقف صفة الرؤية في حقه على الحاسة والمقابلة والشعاع، ومن ثم كان خرق عادة في حقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخالق البصر في العين قادر على خلقه في غيرها. وفي المواهب اللدنية مما جمعته ما يكفي ويشفي، والحديث سبق في الصلاة. 6645 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ أَتَتِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَهَا أَوْلاَدٌ لَهَا فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ» قَالَهَا ثَلاَثَ مِرَارٍ. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن راهويه قال: (حدّثنا وهب بن جرير) الأزدي الحافظ قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام بن زيد عن) جده (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن امرأة من الأنصار) قال في الفتح: لم أقف على اسمها (أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونها (معها أولاد لها) لم يعرف ابن حجر أسماءهم، ولأبي ذر عن الكشميهني أولادها (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (والذي نفسي بيده إنكم لأحب الناس إليّ) بتشديد الياء (قالها ثلاث مرار) قال في الكواكب الخطاب في قوله إنكم لجنس المرأة وأولادها يعني الأنصار وهو عام مخصص بدلائل أخر فلا يلزم منه أن يكون الأنصار أفضل من المهاجرين عمومًا ومن المعمرين خصوصًا. والحديث سبق في فضل الأنصار. 4 - باب لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ هذا (باب) بالتنوين قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لا تحلفوا بآبائكم). 6646 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهْوَ يَسِيرُ فِى رَكْبٍ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ: «أَلاَ إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام ابن أنس الأصبحي (عن نافع) أبي عبد الله الفقيه (عن) مولاه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أدرك عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (وهو يسير في ركب) راكبي الإبل عشرة فصاعدًا حال كونه (يحلف بأبيه) الخطاب (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ألا) بالتخفيف (إن الله) عز وجل (ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) وفي مصنف ابن أبي شيبة من طريق عكرمة قال: قال عمر -رضي الله عنه-: حدث قومًا حديثًا فقلت لا وأبي فقال رجل من خلفي: لا تحلفوا بآبائكم فالتفت فإذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "لو أن أحدكم حلف بالمسيح هلك والمسيح خير من آبائكم" قال الحافظ ابن حجر: وهذا مرسل يتقوى بشواهد، وأما قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفلح وأبيه إن صدق، فقال ابن عبد البر إن هذه اللفظة منكرة غير محفوظة تردّها الآثار الصحاح، وقيل إنها مصحفة من قوله والله وهو محتمل، ولكن مثل هذا لا يثبت بالاحتمال لا سيما وقد ثبت مثل ذلك من لفظ أبي بكر الصديق في قصة السارق الذي سرق حلي ابنته فقال: وأبيك ما ليلك بليل سارق أخرجه في الموطأ وغيره، وفي مسلم مرفوعًا أن رجلاً سأله أي الصدقة أفضل؟ فقال: وأبيك لأنبئنك أو لأحدّثنك وأحسن الأجوبة ما قاله البيهقي وارتضاه النووي وغيره أن هذا اللفظ كان يجري على ألسنتهم من غير أن يقصدوا به القسم والنهي إنما ورد في حق من قصد حقيقة الحلف أو أن في الكلام حذفًا أي أفلح ورب أبيه قاله البيهقي أيضًا (من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) بضم الميم ومن شرطية في موضع رفع بالابتداء وكان واسمها وخبرها في محل الخبر، والمعنى من كان مريدًا للحلف فليحلف بالله لا بغيره من الآباء وغيرهم، وحكمته أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه والعظمة في الحقيقة إنما هي لله تعالى وحده وظاهره تخصيص الحلف بالله خاصة لكن اتفقوا على أنه ينعقد بما اختص الله تعالى به ولو مشتقًا ولو من غير أسمائه الحسنى كوالله ورب العالمين والحي الذي لا يموت ومن نفسي بيده إلا أن يريد به غير اليمين فيقبل منه كما في الروضة كأصلها أو بما هو فيه تعالى عند الإِطلاق أغلب كالرحيم والخالق والرزاق والرب ما لم يرد بها غيره تعالى لأنها تستعمل في غيره مقيدة كرحيم القلب وخالق الإفك ورازق الجيش ورب الإِبل أو بما هو فيه تعالى، وفي غيره سواء كالموجود والعالم والحي إن أراده تعالى

بها بخلاف ما إذا أراد بها غيره أو أطلق لأنها لما أطلقت عليهما سواء أشبهت الكنايات وبصفته الذاتية كعظمته وعزته وكبريائه وكلامه ومشيئته وعلمه وقدرته وحقه إلا أن يريد بالحق العبادات أو بعلمه وقدرته المعلوم والمقدور وظاهر قوله فليحلف بالله الإذن في الحلف، ولكن قال الشافعية: يكره لقوله تعالى {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} [البقرة: 224] إلا في طاعة من فعل واجب أو مندوب وترك حرام أو مكروه فطاعة، وفي دعوى عند حاكم، وفي حاجة كتوكيد كلام كقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فوالله لا يمل الله حتى تملوا" أو تعظيم أمر كقوله: "والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا" فلا يكره فيهما. 6647 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ سَالِمٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ سَمِعْتُ عُمَرَ: يَقُولُ: قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاكِرًا وَلاَ آثِرًا. قَالَ مُجَاهِدٌ: {أَوْ أَثَرَةٍ مِنْ عِلْمٍ} يَأْثُرُ عِلْمًا. تَابَعَهُ عُقَيْلٌ وَالزُّبَيْدِىُّ وَإِسْحَاقُ الْكَلْبِىُّ عَنِ الزُّهْرِىِّ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ سَمِعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمَرَ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء مولى الأنصار المصري قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: قال سالم) هو ابن عبد الله بن عمر (قال ابن عمر: سمعت عمر) -رضي الله عنه- (يقول: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) جملة ينهاكم في محل رفع خبر إن وأن مصدرية في محل نصب أو جرّ بتقدير حرف الجر أي ينهاكم عن أن تحلفوا الأوّل للخليل والكسائي والثاني لسيبويه وحكم غير الآباء من سائر الخلق كحكم الآباء في النهي، وفي حديث ابن عمر عند الترمذي وقال حسن وصححه الحاكم أنه سمع رجلاً يقول: لا والكعبة. فقال: لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" والتعبير بذلك للمبالغة في الزجر والتغليظ وهل النهي للتحريم أو التنزيه المشهور عند المالكية الكراهة وعند الحنابلة التحريم وجمهور الشافعية أنه للتنزيه. وقال إمام الحرمين: الذهب القطع بالكراهة. وقال غيره بالتفصيل فإن اعتقد فيه من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به وكفر بذلك الاعتقاد أما إذا حلف بغير الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا يكفر بذلك ولا تنعقد يمينه. (قال عمر) -رضي الله عنه-: (فوالله ما حلفت بها) أي بأبي (منذ سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ومنذ ظرف مضاف إلى الجملة بتقدير زمان أي ما حلفت بها منذ زمن سماعي للنهي عنها حال كوني (ذاكرًا) أي عامدًا (ولا آثرًا) بهمزة ممدودة فمثلثة مكسورة أي حاكيًا عن غيري أي ما حلفت بها ولا حكيت ذلك عن غيري واستشكل هذا التفسير لتصدير الكلام بحلفت والحاكي عن غيره لا يسمى حالفًا. وأجيب: باحتمال أن يكون العامل فيه محذوفًا أي ولا ذكرتها آثرًا عن غيري أن يكون ضمن حلفت معنى تكلمت أو معناه يرجع إلى معنى التفاخر بالآباء والإكرام لهم فكأنه قال: ما حلفت بآبائي ذاكرًا لمآثرهم. (قال مجاهد) فيما وصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن ابن أبي نجيح في تفسير قوله تعالى ({أو أثارة من علم}) [الأحقاف: 4] وفي نسخة أو أثرة بإسقاط الألف بعد المثلثة وفي هامش الفرع كأصله قرئ بضم الهمزة وسكون المثلثة وبفتحهما أي (يأثر علمًا) بضم المثلثة واختلف في معنى هذه اللفظة ومحصل ما ذكر في ذلك ثلاثة أقوال أحدها البقية والأصل أثرت الشيء آثره أثارة كأنها بقية تستخرج فتثار الثاني من الأثر وهو الرواية الثالث من الأثر وهي العلامة (تابعه) أي تابع يونس (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد مما رواه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم (والزبيدي) محمد بن الوليد مما وصله النسائي (وإسحاق) بن يحيى (الكلبي) الحمصي مما هو في مشيخته المروية من طريق أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان الثلاثة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله الحميدي في مسنده (ومعمر) هو ابن راشد مما وصله أبو داود كلاهما (عن الزهري عن سالم عن ابن عمر) أنه (سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمر). وفي هذا الحديث الزجر عن الحلف بغير الله، وإنما خص في حديث ابن عمر بالآباء لوروده على سببه المذكور

أو خص لكونه كان غالبًا عليهم لقوله في الرواية الأخرى: وكانت قريش تحلف بآبائها، ويدل على التعميم قوله: من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله فلو حلف بغيره تعالى سواء كان المحلوف به يستحق التعظيم كالأنبياء والملائكة والعلماء والصلحاء والملوك والآباء والكعبة أو كان لا يستحق التعظيم كالآحاد أو يستحق التحقير والإِذلال كالشياطين والأصنام لم تنعقد يمينه. قال الطبري: من حلف بالكعبة أو آدم أو جبريل ونحو ذلك لم تنعقد يمينه ولزمه الاستغفار لإقدامه على ما نهي عنه ولا كفارة في ذلك نعم استثنى بعض الحنابلة من ذلك الحلف بنبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: تنعقد به اليمين وتجب الكفارة بالحنث به لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحد ركني الشهادة الذي لا تتم إلا به، ولله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه كالليل والنهار ليعجب بها المخلوقين ويعرفهم قدرته لعظم شأنها عندهم ولدلالتها على خالقها، وأما المخلوق فلا يقسم إلا بالخالق قال: ويقبح من سواك الشيء عندي ... وتفعله فيحسن منك ذاك 6648 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي قال: (قال: حدّثنا عبد الله بن دينار) أنه (قال: سمعت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول): ولأبي ذر قال (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تحلفوا بآبائكم) قال المهلب: كانت العرب في الجاهلية تحلف بآبائهم وآلهتهم فأراد الله تعالى أن ينسخ من قلوبهم وألسنتهم ذكر كل شيء سواه ويبقي ذكره تعالى لأنه الحق المعبود. 6649 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ وَالْقَاسِمِ التَّمِيمِىِّ، عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ هَذَا الْحَىِّ مِنْ جَرْمٍ وَبَيْنَ الأَشْعَرِيِّينَ وُدٌّ وَإِخَاءٌ فَكُنَّا عِنْدَ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ، فَقُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنَ الْمَوَالِى فَدَعَاهُ إِلَى الطَّعَامِ فَقَالَ: إِنِّى رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ أَنْ لاَ آكُلَهُ فَقَالَ: قُمْ فَلأُحَدِّثَنَّكَ عَنْ ذَاكَ، إِنِّى أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ، فَقَالَ: «وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِى مَا أَحْمِلُكُمْ»، فَأُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَهْبِ إِبِلٍ فَسَأَلَ عَنَّا فَقَالَ: «أَيْنَ النَّفَرُ الأَشْعَرِيُّونَ»؟ فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا حَلَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَحْمِلُنَا وَمَا عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا، ثُمَّ حَمَلَنَا تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمِينَهُ، وَاللَّهِ لاَ نُفْلِحُ أَبَدًا فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ إِنَّا أَتَيْنَاكَ لِتَحْمِلَنَا فَحَلَفْتَ أَنْ لاَ تَحْمِلَنَا، وَمَا عِنْدَكَ مَا تَحْمِلُنَا، فَقَالَ: «إِنِّى لَسْتُ أَنَا حَمَلْتُكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ، وَاللَّهِ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف وفتح الموحدة عبد الله بن زيد الجرمي (والقاسم) بن عاصم (التيمي) البصري كلاهما (عن زهدم) بفتح الزاي وسكون الهاء بعدها دال مهملة مفتوحة ثم ميم بوزن جعفر بن مضرب الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء أبي مسلم البصري أنه (قال: كان بين هذا الحي من جرم) بفتح الجيم وسكون الراء قبيلة من قضاعة (وبين الأشعريين ودّ) بضم الواو وتشديد المهملة محبة (وإخاء) بكسر الهمزة وتخفيف المعجمة والمدّ (فكنا عند أبي موسى الأشعري) -رضي الله عنه- (فقرب إليه طعام فيه لحم دجاج) ليأكل منه (وعنده رجل من بني تيم الله أحمر) اللون (كأنه من الموالي) وتيم بفتح الفوقية وسكون التحتية حي من بني بكر وثبت لفظ بني لأبي ذر عن الحموي والمستملي (فدعاه) أبو موسى (إلى الطعام فقال: إني رأيته) يعني جنس الدجاج (يأكل شيئًا) قذرًا (قذرته) بكسر الذال المعجمة أي كرهت أكله (فحلفت أن لا آكله) وفي الترمذي عن قتادة عن زهدم قال: "دخلت على أبي موسى وهو يأكل دجاجًا فقال: ادن فكل فإني رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكله"، ففيه أن الرجل المبهم هو زهدم نفسه (فقال) له أبو موسى (قم فلأحدثنك) بنون التوكيد أي فوالله لأحدثنك (عن ذاك) ولأبي ذر عن ذلك باللام (إني أتيت رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نفر) جماعة من الرجال ما بين الثلاثة إلى العشرة (من الأشعرين نستحمله) نطلب منه إبلاً تحملنا وأثقالنا (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم) زاد أبو ذر عليه (فأتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة فأتي (بنهب إبل) إضافة نهب لتاليه أي من غنيمة (فسأل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عنا فقال أين النفر الأشعريون) فحضرنا (فأمر لنا بخمس ذود) بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة مجرور بالإضافة من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر (غر الذرى) بضم الذال المعجمة وفتح الراء والغر بالغين المعجمة المضمومة وتشديد الراء بيض الأسنمة (فلما انطلقنا) من عنده بها (قلنا ما صنعنا حلف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يحملنا) وللكشميهني أن لا يحملنا (وما عنده ما يحملنا ثم حملنا) بفتحات (تغفلنا) بسكون اللام (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ

5 - باب لا يحلف باللات والعزى، ولا بالطواغيت

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه) أي طلبنا غفلته في يمينه الذي حلف لا يحملنا (والله لا نفلح أبدًا فرجعنا إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقلنا له) يا رسول الله وسقط لأبي ذر لفظ له (إنا أتيناك لتحملنا فحلفت أن لا تحملنا وما عندك ما تحملنا فقال: إني لست أنا حملتكم ولكن الله حملكم والله لا أحلف على يمين) على محلوف يمين (فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير) من الذي حلفت عليه (وتحللتها) بالكفارة. قال في المصابيح: الظاهر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يحلف على عدم حملانهم مطلقًا لأن مكارم أخلاقه ورأفته ورحمته بالمؤمنين تأبى ذلك، والذي يظهر لي أن قوله: وما عندي ما أحملكم جملة حالية من فاعل الفعل المنفي بلا أو مفعوله أي لا أحملكم في حالة عدم وجداني لشيء أحملكم عليه أي: أنه لا يتكلف حملهم بقرض أو غيره لما رآه من المصلحة المقتضية لذلك فحمله لهم على ما جاءه من مال الله لا يكون مقتضيًا لحنث فيكون قوله: إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها إلى آخره تأسيس قاعدة في الأيمان لا أنه ذكر ذلك لبيان أنه حنث في يمينه وأنه يكفرها اهـ. وفيه بحث يأتي إن شاء الله تعالى في باب اليمين فيما لا يملك. ومطابقة الحديث للترجمة قال الكرماني: من حيث إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلف في هذه القصة مرتين أوّلاً عند الغضب ومرة عند الرضا ولم يحلف إلا بالله، فدلّ على أن الحلف إنما هو بالله على الحالتين وستكون لنا عودة إن شاء الله تعالى بعون الله إلى بقية مباحث هذا الحديث في كفارات الأيمان وغيرها. 5 - باب لاَ يُحْلَفُ بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى، وَلاَ بِالطَّوَاغِيتِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يحلف) بضم أوّله وفتح ثالثه (باللات) بتشديد اللام (والعزى) بضم العين المهملة وتشديد الزاي المفتوحة (ولا يحلف بالطواغيت) بالمثناة الفوقية جمع طاغوت صنم، وقيل شيطان وأصله طغيوت قدمت الياء على الغين فصار طيغوت ثم قلبت الياء ألفًا لتحركها وانتاح ما قبلها، والألف واللام في اللات زائدة لازمة فأما قوله إلى لاتها فحذفت للإِضافة، وهي هي والعزى علمان بالوضع أو صفتان غالبتان خلاف ويترتب على ذلك جواز حذف أل وعدمه. فإن قلنا: إنهما ليسا وصفين في الأصل فلا تحذف منهما أل، وإن قلنا إنهما صفتان وأن أل للمح الصفة جاز، وبالتقديرين فأل زائدة. واختلف في تاء اللات فقيل أصل وأصله من لات يليت فألفها عن ياء، وقيل زائدة وهي من لوى يلوي لأنهم كانوا يلوون أعناقهم إليها أو يلتوون أي يعتكفون عليها، وأصلها لوية فحذفت لامها فألفها على هذا من واو وهو اسم صنم كان لثقيف بالطائف، وقيل بعكاظ والعزى فعلى من العز وهي تأنيث الأعز كالفضلى والأفضل وهو اسم صنم، وقيل شجرة كانت تعبد فبعث -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليها خالد بن الوليد فقطعها فجعل يضربها بالفأس ويقول: يا عز كفرانك لا سبحانك ... إني رأيت الله قد أهانك 6650 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِى حَلِفِهِ بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) أبو عبد الرَّحمن قاضي صنعاء قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن حميد بن عبد الرَّحمن عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من حلف) بغير الله (فقال في حلفه) بكسر اللام (باللات والعزى) بموحدة في الأولى وواو في الثانية، ولأبي ذر: بواو بدل الموحدة أي في الأولى كيمين المشركين (فليقل لا إله إلا الله) قال في شرح المشارق: لأن الحلف إنما هو بالله فإذا حلف باللات والعزى فقد ساوى الكفار في ذلك فأمر أن يتدارك ذلك بكلمة التوحيد كذا في بعض الشروح، ومقتضاه أنه يكفر بذلك وهو كذلك إن كان حلفه به لكونه معبودًا ويكون الأمر للوجوب وإن كان لغير ذلك كما يقول الرجل وحياتك لأفعلن كذا، فأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما يكون لشبهه بمن يعبدهما وهل يكفر بذلك فيباح دمه وتبين امرأته ويبطل حجه فيه كلام اهـ. (ومن قال لصاحبه تعال) بفتح اللام (أقامرك) بالجزم جواب الأمر

6 - باب من حلف على الشىء وإن لم يحلف

(فليتصدق) ندبًا بشيء تكفيرًا للخطيئة التي قالها ودعا إليها لأنه وافق الكفار في لعبهم ويتأكد ذلك في حق من لعب بطريق الأولى. والحديث سبق في تفسير سورة النجم بلفظ الأسناذ والمتن وسبق أيضًا في الأدب والاستئذان. 6 - باب مَنْ حَلَفَ عَلَى الشَّىْءِ وَإِنْ لَمْ يُحَلَّفْ (باب من حلف على الشيء) يفعله أو لا يفعله حلف على ذلك (وإن لم يحلف) بضم التحتية وفتح اللام المشددة مبنيًّا للمجهول. 6651 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ وَكَانَ يَلْبَسُهُ فَيَجْعَلُ فَصَّهُ فِى بَاطِنِ كَفِّهِ، فَصَنَعَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ ثُمَّ إِنَّهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَعَهُ فَقَالَ: «إِنِّى كُنْتُ أَلْبَسُ هَذَا الْخَاتِمَ وَأَجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ دَاخِلٍ» فَرَمَى بِهِ ثُمَّ قَالَ: «وَاللَّهِ لاَ أَلْبَسُهُ أَبَدًا» فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) عبد الله -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اصطنع) أي أمر أن يصنع له (خاتمًا من ذهب وكان يلبسه فيجعل) ولأبي ذر فجعل (فصه) بفتح الفاء أفصح وبالصاد المهملة (في باطن كفه فصنع الناس) زاد أبو ذر عن الكشميهني خواتيم أي من ذهب (ثم إنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (جلس على المنبر فنزعه) جملة جلس في موضع خبر إن وجملة نزعه معطوفة على التي قبلها (فقال): عطف أو في موضع الحال أي جلس وقد قال: فيكون قوله قبل جلوسه أو مع جلوسه ومعمول القول: (إني كنت ألبس هذا الخاتم وأجعل فصه من داخل) أي من داخل كفي (فرمى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (به) بالخاتم ولم يستعمله (ثم قال: والله لا ألبسه أبدًا) لأنه حرم يومئذٍ (فنبذ الناس) فطرحوا (خواتيمهم) وأراد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحلفه تأكيد الكراهة في نفوس أصحابه وغيرهم ممن بعدهم. وقال المهلب: إنما كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحلف في تضاعيف كلامه وكثير من فتواه متبرعًا بذلك لنسخ ما كانت عليه الجاهلية في الحلف بآبائهم وآلهتهم ليعرفهم أن لا محلوف به سوى الله تعالى، وليتدربوا على ذلك حتى ينسوا ما كانوا عليه من الحلف بغيره تعالى. وقال ابن المنير: مقصود الترجمة أن يخرج مثل هذا من قوله تعالى {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} [الأحقاف: 4] يعني على أحد التأويلات فيها لئلا يتخيل أن الحالف قبل أن يستحلف يرتكب النهي فأشار إلى أن النهي يختص بما ليس فيه قصد صحيح كتأكيد الحكم كالذى ورد في حديث الباب في منع لبس خاتم الذهب اهـ. وإطلاق بعض الشافعية كراهية الحلف من غير استحلاف فيما لم يكن طاعة ينبغي أن يقال فيما لم يكن مصلحة بدل قوله طاعة كما لا يخفى. والحديث سبق في كتاب اللباس. 7 - باب مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى مِلَّةِ الإِسْلاَمِ وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَلَفَ بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ» وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى الْكُفْرِ. (باب من حلف بملة) بكسر الميم وتشديد اللام دين وشريعة (سوى الإسلام) ولغير أبي ذر سوى ملة الإسلام كاليهودية والنصرانية والمجوسية والصابئة وأهل الأديان والدهرية والمعطلة وعبدة الشياطين والملائكة هل يكفر الحالف بذلك أم لا؟ (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الحديث السابق قبل: (من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ولم ينسبه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى الكفر) لأنه اقتصر على الأمر بقوله: لا إله إلا الله ولو كان ذلك يقتضي الكفر لأمره بتمام الشهادتين. 6652 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الإِسْلاَمِ فَهْوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَىْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ، فَهْوَ كَقَتْلِهِ». وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بضم الميم وفتح العين المهملة واللام المشددة العمي أبو الهيثم الحافظ أخو بهز قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد البصري (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف وتخفيف اللام وبالموحدة عبد الله بن زيد الجرمي (عن ثابت بن الضحاك) الأنصاري وهو ممن بايع تحت الشجرة -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من حلف بغير ملة الإسلام) كان يقول إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام أو من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولمسلم: من حلف على يمين بملة غير الإسلام وعلى بمعنى الباء أو التقدير من حلف على شيء بيمين فحذف المجرور وعدى الفعل بعلى بعد حذف الباء وفي كتاب الجنائز من البخاري من طريق خالد الحذاء عن أبي قلابة: من حلف بملة غير الإسلام كاذبًا متعمدًا وجواب الشرط قوله (فهو كما قال) وهو مبتدأ، وكما قال في موضع الخبر أي فهو كائن كما قال وظاهره أنه يكفر بذلك، ويحتمل أن يكون المراد التهديد والمبالغة في الوعيد لا الحكم كأنه قال: فهو مستحق مثل عذاب من اعتقد ما قال والتحقيق أنه لا تنعقد يمينه ولا يكفر

إن قصد تبعيد نفسه عن الفعل أو أطلق كما اقتضاه كلام النووي في الأذكار وليقل لا إله إلا الله ويستغفر ولا كفارة عليه، وهل يحرم ذلك عليه أو يكره تنزيهًا؟ المشهور الثاني وإن قصد الرضا بذلك إذا فعله فهو كافر في الحال، وقوله: كاذبًا متعمدًا يستفاد منه أن الحالف المتعمد إن كان مطمئن القلب بالإِيمان وهو كاذب في تعظيم ما لا يعتقد تعظيمه لم يكفر وإن قاله معتقدًا لليمين بتلك الملة لكونها حقًّا كفر، وإن قاله لمجرد التعظيم لها باعتبار ما كان قبل النسخ فلا يكفر. (ومن قتل نفسه بشيء) ولمسلم بحديدة (عذب به) بذلك الذي قتل نفسه به (في نار جهنم) قال الشيخ تقي الدين: وهو من باب مجانسة العقوبات الأخروية للجنايات الدنيوية وفيه أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم لأن نفسه ليست له ملكًا مطلقًا بل هي لله فلا يتصرف فيها إلا فيما أذن فيه (ولعن المؤمن) بأن يدعو عليه باللعن (كقتله) في التحريم أو العقاب، وأبدى الشيخ تقي الدين في ذلك سؤالاً وهو أن يقال إما أن يكون كقتله في أحكام الدنيا أو في أحكام الآخرة لا سبيل إلى الأول لأن قتله يوجب القصاص ولعنه لا يوجب ذلك، وأما أحكام الآخرة فإما أن يراد التساوي في الإثم أو في العقاب وكلاهما مشكل لأن الإثم يتفاوت بتفاوت مفسدة الفعل وليس إذهاب الروح في المفسدة كمفسدة الأذى باللعن وكذلك العقاب يتفاوت بحسب تفاوت الجرائم. وقال المازري فيما نقله عنه القاضي عياض: الظاهر من الحديث تشبيهه في الإثم وهو تشبيه واقع لأن اللعنة قطع عن الرحمة والموت قطع عن التصرف. قال القاضي عياض: وقيل لعنه يقتضي قصد إخراجه من المسلمين ومنعهم منافعه وتكثير عددهم به كما لو قتله وقيل لعنه يقتضي قطع منافعه الأخروية عنه وبعده بإجابة لعنه وهو كمن قتل في الدنيا وقطعت منافعه فيها وقيل معناه استواؤهما في التحريم. قال في المصابيح: هذا يحتاج إلى تخليص ونظر فأما ما حكاه عن المازري من أن الظاهر من الحديث تشبيهه في الإِثم وكذلك ما حكاه من أن معناه استواؤهما في التحريم، فهذا يحتمل أمرين. أحدهما: أن يقع التشبيه والاستواء في أصل التحريم والإثم، والثاني: أن يقع في مقدار الإثم، فأما الأول فلا ينبغي أن يحمل عليه لأن كل معصية قلت أو عظمت فهي مشابهة ومساوية للقتل في أصل التحريم ولا يبقى في الحديث كبير فائدة مع أن المفهوم منه تعظيم أمر اللعنة بتشبيهها بالقتل، وأما الثاني فقد بيّنا ما فيه من الإِشكال وهو التفاوت في المفسدة بين إزهاق الروح وبين الأذى باللعنة. وأما ما حكاه المازري من أن اللعنة قطع الرحمة والموت قطع التصرف فالكلام عليه من وجهين. أحدهما: بأن نقول اللعنة قد تطلق على نفس الإبعاد الذي هو فعل الله وعلى هذا يقع في التشبيه، والثاني أن تطلق اللعنة على فعل اللاعن وهو طلبه لذلك الإبعاد فقوله لعنه الله مثلاً ليس بقطع عن الرحمة بنفسه ما لم تتصل به إجابة، فيكون حينئذٍ سببًا إلى قطع التصرف ويكون نظيره التسبب إلى القتل غير أنهما يفترقان في أن التسبب إلى القتل بمباشرة مقدمات تفضي إلى الموت بمطرد العادة فلو كانت مباشرة اللعنة مفضية إلى الإبعاد الذي هو اللعن دائمًا لاستوى اللعن مع مباشرة مقدمات القتل أو زاد عليها، وبهذا يتبين لك الإيراد على ما حكاه القاضي من أن لعنه له يقتضي قصد إخراجه عن جماعة المسلمين كما لو قتله فإن قصد إخراجه لا يستلزم إخراجه كما تستلزم مقدمات القتل، وكذلك أيضًا ما حكاه من أن لعنه يقتضي قطع منافعه الأخروية عنه إنما يحصل ذلك بإجابة الدعوة، وقد لا يجاب في كثير من الأوقات فلا يحصل انقطاعه عن منافعه كما يحصل بقتله ولا استواء القصد إلى القطع بطلب الإجابة مع مباشرة مقدمات القتل المفضية إليه في مطرد العادة، والذي يمكن أن يقرر به ظاهر الحديث في استوائهما في الإِثم أنا نقول لا نسلم أن مفسدة اللعنة مجرد أذاه بل فيها مع ذلك تعريضه لإجابة الدعوة فيه بموافقة ساعة لا يسأل الله فيها شيئًا

8 - باب لا يقول: ما شاء الله وشئت، وهل يقول أنا بالله ثم بك؟

إلا أعطاه كما دل عليه الحديث من قوله عليه الصلاة والسلام "لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أموالكم ولا تدعوا على أولادكم لا توافقون ساعة" الحديث: وإذا كان عرّضه باللعنة لذلك ووقعت الإجابة وإبعاده من رحمة الله كان ذلك أعظم من قتله لأن القتل تفويت الحياة الفانية قطعًا والإبعاد من رحمة الله أعظم ضررًا بما لا يحصى، وقد يكون أعظم الضررين على سبيل الاحتمال مساويًا أو مقاربًا لأخفهما على سبيل التحقيق ومقادير المصالح والمفاسد وأعدادهما أمر لا سبيل للبشر إلى الاطّلاع على حقائقه اهـ. وزاد في الأدب من البخاري من طريق علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك، ولمسلم ومن حلف على يمين صبر وهو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان ومن ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها لم يزده الله إلا قلة (ومن رمى مؤمنًا بكفر فهو كقتله). 8 - باب لاَ يَقُولُ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ، وَهَلْ يَقُولُ أَنَا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ؟ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يقول) الشخص في كلامه (ما شاء الله وشئت) بفتح التاء في الفرع كأصله وفي غيرهما بضمها على صيغة المتكلم من الماضي وإنما منع من ذلك لأن فيه تشريكًا في مشيئة الله تعالى وهي منفردة بالله سبحانه وتعالى بالحقيقة وإذا نسبت لغيره فبطريق المجاز، وفي حديث النسائي وابن ماجة من رواية يزيد بن الأصم عن ابن عباس رفعه: "إذا حلف أحدكم فلا يقل ما شاء الله وشئت ولكن يقول: ما شاء الله ثم شئت" قال الخطابي: أرشدهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الأدب في تقديم مشيئة الله على مشيئة من سواه واختارها بثم التي هي للنسق والتراخي بخلاف الواو التي هي للاشتراك (وهل يقول) الشخص (أنا بالله ثم بك) نعم يجوز لأن ثم اقتضت سبقية مشيئة الله على مشيئة غيره. 6653 - وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى عَمْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ ثَلاَثَةً فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ مَلَكًا فَأَتَى الأَبْرَصَ فَقَالَ: تَقَطَّعَتْ بِى الْحِبَالُ فَلاَ بَلاَغَ لِى إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. (وقال عمرو بن عاصم): بفتح العين وسكون الميم مما وصله في ذكر بني إسرائيل فقال: حدّثنا أحمد بن إسحاق حدّثنا عمرو بن عاصم قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى العوذي قال: (حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) اسمه زيد الأنصاري وثبت ابن أبي طلحة لغير أبي ذر قال: (حدّثنا عبد الرَّحمن بن أبي عمرة) بفتح العين المهملة وسكون الميم واسمه عمرو الأنصاري قاضي أهل المدينة (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (حدثه أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن ثلاثة في بني إسرائيل) أبرص وأقرع وأعمى لم يسموا (أراد الله) عز وجل (أن يبتليهم) أي يختبرهم (فبعث إليهم ملكًا فأتى الأبرص) الذي ابيض جسده بعد مسح الملك فذهب عنه البرص وأعطي لونًا حسنًا وجلدًا حسنًا وإبلاً أو بقرًا (فقال) له: إني رجل مسكين (تقطعت بي الحبال) بحاء مهملة مكسورة ثم موحدة مخففة جمع حبل أي الأسباب التي يقطعها في طلب الرزق ولأبي ذر عن الكشميهني الجبال بالجيم وهو تصحيف (فلا بلاغ) فلا كفاية (لي إلا بالله) الذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال (ثم بك فذكر الحديث) السابق بتمامه. وقال المهلب: إنما أراد البخاري أن قوله ما شاء الله ثم شئت جائزًا استدلالاً بقوله أنا بالله ثم بك، وأخرج عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي أنه كان لا يرى بأسًا أن يقول: ما شاء الله ثم شئت، وكان يقول أعوذ بالله وبك ويجيز أعوذ بالله ثم بك. 9 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّى بِالَّذِى أَخْطَأْتُ فِى الرُّؤْيَا قَالَ: «لاَ تُقْسِمْ». هذا (باب قول الله تعالى {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} [الأنعام: 109] أي حلف المنافقون بالله وهو جهد اليمين لأنهم بذلوا فيها مجهودهم وجهد يمينه مستعار من جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها، وذلك إذا بالغ في اليمين وبلغ غاية شدتها ووكادتها. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: من قال بالله فقد جهد بيمينه، وأصل أقسم جهد اليمين أقسم يجهد اليمين جهدًا فحذف الفعل وقدم المصدر فوضع موضعه مضافًا إلى المفعول كقوله: {فضرب الرقاب} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 4] وحكم هذا المنصوب حكم الحال كأنه قال: جاهدين أيمانهم. (وقال ابن عباس) مما وصله المؤلّف مطوّلاً في كتاب التعبير بلفظ: إن رجلاً أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إني رأيت الليلة في المنام عكة تنظف من السمن والعسل الحديث، وفيه تعبير أبي بكر

لها، وقوله للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرني يا رسول الله أصبت أم أخطأت؟ فقال: أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا (قال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه-: (فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت في) تعبير (الرؤيا) أي يشدّد في اليونينية نون لتحدثني (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لا تقسم) وقوله هنا في الرؤيا من كلام البخاري إشارة إلى ما اختصره من الحديث، والغرض منه قوله: لا تقسم إشارة إلى الردّ على من قال إن من قال: أقسمت انعقد يمينًا وقد أمر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإبرار المقسم، فلو كانت أقسمت يمينًا لأبرّ أبا بكر حين قالها. وقال في الكواكب: إنما يندب إبرار المقسم عند عدم المانع فكان له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مانع منه وقيل كان في بيان مفاسد كما يأتي إن شاء الله تعالى في التعبير بمعونة الله تعالى. وقال الشافعية: لو قال أقسمت أو أقسم أو حلفت أو أحلف بالله لأفعلن كذا فهو يمين لأنه عرف الشرع قال تعالى: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} [الأنعام: 109] إلا إن نوى خبرًا ماضيًا في صيغة الماضي أو مستقبلاً في المضارع فلا يكون يمينًا لاحتمال ما نواه، وأما قوله لغيره: أقسم عليك بالله أو أسألك بالله لتفعلن كذا فيمين إن أراد يمين نفسه فيسن للمخاطب إبراره فيها بخلاف ما إذا لم يردها ويحمل على الشفاعة في فعله. 6654 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضى الله عنه - قَالَ: أَمَرَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ. وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة صاد مهملة ابن عقبة العامري السوائي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أشعث) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح العين المهملة بعدها مثلثة ابن أبي الشعثاء سليم بن الأسود الكوفي (عن معاوية بن سويد) بضم السين المهملة وفتح الواو (ابن مقرن) بضم الميم وفتح القاف وكسر الراء مشددة بعدها نون الكوفي وسقط ابن مقرن لأبي ذر (عن البراء) بن عازب رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح). قال البخاري: (وحدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) الملقب ببندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أشعث عن معاوية بن سويد بن مقرن من البراء -رضي الله عنه-) أنه (قال: أمرنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بإبرار المقسم) بكسر السين وضم الميم في الفرع اسم فاعل أي بفعل ما أراده الحالف ليصير بذلك بارًّا، وقيل السين مفتوحة أي الأقسام والمصدر قد يأتي للمفعول مثل أدخلته مدخلاً بمعنى الإِدخال. وهذا طرف من حديث أورده البخاري في اللباس والاستئذان والجنائز والمظالم والطب والنذور والنكاح والأشربة. 6655 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أُسَامَةَ أَنَّ ابْنَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ، وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَسَعْدٌ وَأُبَىٌّ: إِنَّ ابْنِى قَدِ احْتُضِرَ فَاشْهَدْنَا، فَأَرْسَلَ يَقْرَأُ السَّلاَمَ وَيَقُولُ: «إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَمَا أَعْطَى وَكُلُّ شَىْءٍ عِنْدَهُ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وَتَحْتَسِبْ» فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ فَلَمَّا قَعَدَ رُفِعَ إِلَيْهِ فَأَقْعَدَهُ فِى حَجْرِهِ وَنَفْسُ الصَّبِىِّ تَقَعْقَعُ فَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ سَعْدٌ: مَا هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «هَذَا رَحْمَةٌ يَضَعُهَا اللَّهُ فِى قُلُوبِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ». وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرنا) ولأبي ذر أخبرني بالإفراد (عاصم الأحول) بن سليمان أبو عبد الرَّحمن البصري الحافظ قال: (سمعت أبا عثمان) عبد الرَّحمن النهدي (يحدث عن أسامة) بن زيد -رضي الله عنهما- (أن ابنة) اسمها زينب، ولأبي ذر عن الكشميهني أن بنتا (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أرسلت إليه ومع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسامة بن زيد) وسقط لأبي ذر: ابن زيد وكان الأصل أن يقول وأنا معه لكنه من باب التجريد (وسعد) بسكون العين ابن عبادة الخزرجي (وأبي) بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتية ابن كعب الأنصاري، وفي نسخة الحافظ أبي ذر وأبي بفتح الهمزة وكسر الموحدة مضافًا إلى ياء المتكلم أو أبي بضم الهمزة وفتح الموحدة على الشك والصواب الثاني من غير شك (إن ابني) هو علي بن أبي العاص بن الربيع أو عبد الله بن عثمان بن عفان من رقية بنته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو هو محسن ابن فاطمة الزهراء أو هي أمامة بنت زينب لأبي العاص بن الربيع ومبحث ذلك سبق في الجنائز (قد احتضر) بضم الفوقية أي حضره الموت وسقط لفظ قد لأبي ذر (فاشهدنا) بهمزة وصل وفتح الهاء (فأرسل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقرأ) بفتح الياء عليها (السلام ويقول): (إن لله ما أخذ) أي الذي أراد أن يأخذه (وما أعطى وكل شيء عنده مسمى) أي مؤجل مقدر (فلتصبر وتحتسب) أي تنوي بصبرها طلب الثواب من ربها ليحتسب لها ذلك من عملها الصالح

10 - باب إذا قال: أشهد بالله أو شهدت بالله

(فأرسلت إليه تقسم عليه) ليأتينها (فقام) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وقمنا معه فلما قعد رفع إليه) الصبي أو الصبية (فأقعده) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في حجره ونفس الصبي) أو الصبية (تقعقع) بحذف إحدى التاءين أي تضطرب وتتحرك (ففاضت عينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالبكاء (فقال سعد) أي ابن عبادة (ما هذا) البكاء (يا رسول الله) وأنت تنهى عنه وهو استفهام عن الحكمة لا إنكار (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هذا) البكاء ولأبي ذر هذه الدمعة (رحمة يضعها الله في قلوب من يشاء من عباده وإنما يرحم الله) عز وجل (من عباده الرحماء) نصب على أن ما كافة. والحديث سبق في الجنائز. 6656 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَمُوتُ لأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ تَمَسُّهُ النَّارُ إِلاَّ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (مالك) إمام دار الهجرة (عن ابن شهاب) الزهري (عن ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد) زاد في الجنائز من حديث أنس لم يبلغوا الحنث (تمسه النار إلا تحلة القسم) بفتح الفوقية وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام المفتوحة أي تحليلها قال في الكواكب: والمراد بالقسم ما هو مقدر في قوله تعالى {وإن منكم إلا واردها} [مريم: 71] أي والله ما منكم والمستثنى منه تمسه لأنه في حكم البدل من لا يموت فكأنه قال: لا تمس النار من مات له ثلاثة إلا بقدر الورود. والحديث مرّ في الجنائز. 6657 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنِى غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ وَأَهْلِ النَّارِ كُلُّ جَوَّاظٍ عُتُلٍّ مُسْتَكْبِرٍ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن معبد بن خالد) بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة الجدلي القيسي الكوفي القاص أنه قال: (سمعت حارثة بن وهب) بالحاء المهملة والمثلثة الخزاعي -رضي الله عنه- (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (ألا) بالتخفيف (أدلكم على أهل الجنة) هم (كل ضعيف) فقير (متضعف) بكسر العين أي متواضع وبالفتح ضبطها الدمياطي. وقال النووي: إنه رواية الأكثرين أي يستضعفه الناس ويحتقرونه لضعف حاله في الدنيا ولم يضبطه في اليونينية ولا في الفرع وكتب فوقه كذا، وفي علوم الحديث للحاكم عن ابن خزيمة أنه سئل عن المراد بالضعيف هنا فقال: الذي يبرئ نفسه من الحول والقوة في اليوم عشرين مرة إلى خمسين مرة (لو أقسم على الله لأبرّه) أي لو حلف على شيء أن يقطع طمعًا في كرم الله بإبراره لأبره وأوقعه لأجله (وأهل النار) هم (كل جوّاظ) بفتح الجيم والواو المشددة وبعد الألف ظاء معجمة الكثير اللحم الغليظ الرقبة المختال في مشيته (عتل) بضم العين المهملة والفوقية وتشديد اللام فظ غليظ أو شديد الخصومة أو المجموع المنوع (مستكبر) عن الحق. والحديث سبق في تفسير سورة ن من التفسير. 10 - باب إِذَا قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَوْ شَهِدْتُ بِاللَّهِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا قال) الشخص: (أشهد بالله أو شهدت بالله) لأفعلن كذا أو لا أفعل كذا هل يكون يمينًا نعم هو يمين عند الحنفية والحنابلة ولو لم يقل بالله لقوله تعالى {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله} [المنافقون: 1] ثم قال تعالى: {اتخذوا أيمانهم جنة} [المجادلة: 16] فدلّ على أنهم استعملوا ذلك في اليمين وعند الشافعية إذا لم يرد بالمضارع الوعد بالحلف وبالماضي الإخبار عن حلف ماض فإن أراد ذلك لم يكن يمينًا فإن لم يذكر الله تعالى يعني اسمه أو صفته فليس بيمين لفقد المحلوف به وأجيب عن آية المنافقين بأنها ليست صريحة لاحتمال أن يكونوا حلفوا مع ذلك. 6658 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سُئِلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَىُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «قَرْنِى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِىءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ» قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَكَانَ أَصْحَابُنَا يَنْهَوْنَا وَنَحْنُ غِلْمَانٌ أَنْ نَحْلِفَ بِالشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ. وبه قال: (حدّثنا سعد بن حفص) بسكون العين أبو محمد الطلحي الكوفي قال: (حدّثنا شيبان) بفتح المعجمة ابن عبد الرَّحمن النحوي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة السلماني (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم السين وكسر الهمزة ولم يعين السائل (أي الناس خير؟ قال) أهل: (قرني) الذين أنا فيهم (ثم) أهل القرن (الذين يلونهم ثم) أهل القرن (الذين يلونهم) مرتين (ثم يجيء قوم

11 - باب عهد الله عز وجل

تسبق شهادة أحدهم) برفع شهادة على الفاعلية (يمينه) نصب على المفعولية (و) تسبق (يمينه) رفع (شهادته) نصب قال القاضي البيضاوي: أي يحرصون على الشهادات مشغوفين بترويجها يحلفون على ما يشهدون به فتارة يحلفون قبل أن يأتوا بالشهادة وتارة يعكسون، ويحتمل أن يكون مثلاً في سرعة الشهادة واليمين وحرص الرجل عليهما والتسرع فيهما حتى لا يدري بأيهما يبتدئ وكأنهما يتسابقان لقلة مبالاته بالدين وقال الطحاوي: أي يكثرون الإيمان في كل شيء حتى يصير لهم عادة فيحلف أحدهم حيث لا يراد منه اليمين ومن قبل أن يستحلف، وقال بعضهم أي يحلف على تصديق شهادته، وقال النووي: واحتج به المالكية في رد شهادة من حلف معها والجمهور على أنها لا ترد. والحديث مضى في الشهادات والرقاق. (قال إبراهيم) النخعي بالسند السابق: (وكان أصحابنا) أي مشايخنا (ينهونا) ولأبي ذر ينهوننا بنونين بعد الواو (ونحن غلمان) وفي الفضائل ونحن صغار (أن نحلف بالشهادة والعهد) أي عن أن يقول أحدنا أشهد بالله أو عليّ عهد الله ما كان كذا حتى لا يكون ذلك لهم عادة فيحلفون في كل ما يصلح وما لا يصلح. 11 - باب عَهْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (باب عهد الله عز وجل) أي قول الشخص عليّ عهد الله لأفعلن كذا. 6659 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ وَمَنْصُورٍ عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ -أَوْ قَالَ- أَخِيهِ لَقِىَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ». فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 77]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة ابن عثمان أبو بكر العبدي مولاهم الحافظ بندار قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد واسم أبي عدي إبراهيم البصري (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (ومنصور) هو ابن المعتمر كلاهما (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من حلف على يمين) على محلوف يمين ويحتمل أن تكون على بمعنى الباء كقوله تعالى: {حقيق علي} [الأعراف: 105] بتشديد الياء (كاذبة) صفة ليمين (ليقتطع) ليؤخذ (بها مال رجل مسلم) أو ذمي أو معاهد ونحوه أو امرأة (أو قال: أخيه) في الإسلام أو البشرية والشك من الراوي بغير حق بل بمجرد يمينه المحكوم بها في ظاهر الشرع وجواب من قوله (لقي الله) عز وجل (وهو عليه غضبان) لا ينصرف للصفة وزيادة الألف والنون وهو اسم فاعل من غضب يقال رجل غضبان وامرأة غضبى وغضابى، والغضب من المخلوقين هو شيء يداخل قلوبهم ويكون محمودًا كالغضب لله ومذمومًا وهو ما يكون لغير الله، وإطلاقه على الله يحتمل أن يراد به آثاره ولوازمه كالعذاب فيكون من صفات الأفعال أو هو على إرادة الانتقام فيكون من صفات الذات (أنزل الله) عز وجل (تصديقه {إن الذين يشترون بعهد الله}) [الأعراف: 77] المصدر مضاف إلى الفاعل أي بما عهد الله إليهم أو إلى المعول أي إن الذين يستبدلون بما عاهدوا عليه من الأيمان. 6660 - قَالَ سُلَيْمَانُ فِى حَدِيثِهِ فَمَرَّ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ؟، قَالُوا لَهُ: فَقَالَ الأَشْعَثُ: نَزَلَتْ فِىَّ وَفِى صَاحِبٍ لِى فِى بِئْرٍ كَانَتْ بَيْنَنَا. (قال سليمان) بن مهران الأعمش (في حديثه: فأمر الأشعث بن قيس) الكندي وعبد الله يحدثهم (قال: ما يحدثكم عبد الله) بن مسعود (قالوا له): كان يحدّثنا بكذا وكذا (فقال الأشعث نزلت فيّ) بتشديد الياء هذه الآية (وفي صاحب لي في بئر كانت بيننا) وفي حديث الأشعث بن قيس قال: كان بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي مسلم في أرض باليمن ولا يمتنع أن تكون المخاصمة في المجموع فمرة ذكرت الأرض لأن البئر داخلة فيها ومرة ذكرت البئر هي المقصودة لسقي الأرض. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله بعهد الله فمن حلف بالعهد حنث لزمته كفارة عند مالك والكوفيين وأحمد، وقال الشافعي: لا يكون يمينًا إلا إن نواه قاله ابن المنذر. والحديث سبق في كتاب الشرب في باب الخصومة في البئر. 12 - باب الْحَلِفِ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَكَلِمَاتِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ» وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «يَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِى عَنِ النَّارِ، لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا» وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ» وَقَالَ أَيُّوبُ: «وَعِزَّتِكَ لاَ غِنَى بِى، عَنْ بَرَكَتِكَ». (باب الحلف بعزة الله) عز وجل (وصفاته) كالخالق والسميع والبصير والعليم (وكلماته) ولأبي ذر وكلامه كالقرآن أو بما أنزل الله وفيه عطف العام على الخاص والخاص على العام لأن الصفات أعم من العزة والكلام والإيمان تنقسم إلى صريح

13 - باب قول الرجل: لعمر الله

وكناية ومتردد بينهما وهو الصفات وهل تلتحق الكناية بالصريح فلا تحتاج إلى قصد أم لا والراجح أن صفات الذات منها ما يلتحق بالصريح فلا تنفع معها التورية إذا تعلق به حق آدمي وصفات الفعل تلتحق بالكناية فعزة الله من صفات الذات وكذا جلاله وعظمته. (وقال ابن عباس) مما وصله المؤلّف في التوحيد (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول أعوذ بعزتك) استدل به على الحلف بعزة الله لأنه وإن كان بلفظ الدعاء لكنه لا يستعاذ إلا بالله أو بصفة من صفاته كذا قال في الفتح. وقال ابن المنير في حاشيته أعوذ بعزتك دعاء وليس بقسم ولكنه لما كان المقرر أنه يستعاذ إلا بالقديم ثبت بهذا أن العزة من الصفات القديمة لا من صفات العل فتنعقد اليمين بها. (وقال أبو هريرة) مما سبق في صفات الحشر من كتاب الرقاق (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبقى رجل بين الجنة والنار فيقول يا رب اصرف وجهي عن النار لا وعزتك لا أسألك غيرها) ذكره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقررًا له فيكون حجة في الحلف به. (وقال أبو سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الله) عز وجل (لك ذلك وعشرة أمثاله وقال أيوب) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وعزتك لا غنى لي عن بركتك) بكسر المعجمة وفتح النون مقصورًا أي لا استغناء أو لا بد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لا غناء بفتح الغين المعجمة والمد والأول أولى لأن معنى الممدود الكفاية يقال ما عند فلان غناء أي لا يغتنى به. 6661 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ، وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ». رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال (حدّثنا شيبان) بفتح الشين المعجمة والموحدة بينهما تحتية ساكنة ابن عبد الرَّحمن النحوي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وسقط ابن مالك لأبي ذر أنه قال: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تزال جهنم تقول) بلسان القال مستفهمة (هل من مزيد) في أي لا أسع غير ما امتلأت به أو هل من زيادة فأزاد (حتى يضع رب العزة) جل وعلا (فيها قدمه) هو من المتشابه وقيل فيه هم الذين قدمهم الله لها من شرار خلقه فهم قدم الله للنار كما أن المسلمين قدمه للجنة، والقدم كل ما قدمت من غير أو شر وتقدمت لفلان فيه قدم أي تقدم من خير أو شر، وقيل وضع القدم على الشيء مثل للردع والقمع فكأنه قال: يأتيها أمر الله فيكفها من طلب المزيد، وقيل أراد به تسكين فورتها كما يقال للأمر تريد إبطاله وضعته تحت قدمي (فتقول) جهنم إذا وضع فيها قدمه (قط قط) بسكون الطاءين وكسرهما مع التخفيف فيهما والتكرار للتأكيد أي حسب حسب قد اكتفيت (وعزتك ويزوى) بضم التحتية وسكون الزاي وفتح الواو يجمع ويقبض (بعضها إلى بعض رواه) أي الحديث (شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة. قال الحافظ أبو الفضل بن حجر العسقلاني: وأصله روايته في تفسير سورة ق، وأشار بذلك إلى أن الرواية الموصولة عن أنس بالعنعنة لكن شعبة ما كان يأخذ عن شيوخه الذين ذكر عنهم التدليس إلا ما صرحوا فيه بالتحديث. والحديث أخرجه مسلم في صفة النار والترمذي في التفسير والنسائي في النعوت. 13 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ: لَعَمْرُ اللَّهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَعَمْرُكَ لَعَيْشُكَ. (باب قول الرجل لعمر الله) لأفعلن كذا لعمرك مبتدأ محذوف الخبر وجوبًا ومثله لأيمن الله ولأفعلنّ جواب القسم وتقديره لعمرك قسمي أو يميني والعمر والعمر بالفتح والضم هو البقاء إلا أنهم التزموا الفتح في القسم. قال الزجاج لأنه أخف عليهم وهم يكثرون القسم بلعمري ولعمرك وله أحكام منها: أنه متى اقترن بلام الابتداء لزم فيه الرفع بالابتداء وحذف خبره لسدّ جواب القسم مسدّه، ومنها أنه يصير صريحًا في القسم أي يتعين فيه بخلاف غيره نحو عهد الله وميثاقه، ومنها أنه يلزم فتح عينه فإن لم يقترن به لام الابتداء جاز نصبه بفعل مقدر نحو عمر الله لأفعلن ويجوز حينئذٍ في الجلالة الشريفة وجهان النصب والرفع فالنصب على أنه مصدر مضاف لفاعله وفي ذلك معنيان. أحدهما: أن الأصل أسألك بتعميرك الله أي بوصفك الله تعالى بالبقاء ثم حذف زوائد

14 - باب {لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم} [البقرة: 225].

المصدر، والثاني أن المعنى عبادتك الله والعمر العبادة وأما الرفع فعلى أنه مضاف لمفعوله قال الفارسي معناه عمرك الله تعميرًا وجاز أيضًا ضم عينه وينشد بالوجهين قوله: أيها المنكح الثريا سهيلاً ... عمرك الله كيف يلتقيان ويجوز دخول باء الجر نحو بعمرك لأفعلن قال: رقي بعمركم لا تهجرينا ... ومنينا المنى ثم امطلينا وهو من الأسماء اللازمة للإضافة فلا يقطع عنها وزعم بعضهم أنه لا يضاف إلى الله تعالى وقد سمعت قال الشاعر: إذا رضيت عليّ بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها ومنع بعضهم إضافته إلى ياء المتكلم لأنه حلف بحياة المقسم وقد ورد ذلك قال النابغة: لعمري وما عمري عليّ بهين ... لقد نطقت بطلاً عليَّ الأقارع وقد اختلف هل تنعقد بها اليمين فعن المالكية والحنفية تنعقد لأن بقاء الله من صفات ذاته. وعن مالك لا يعجبني اليمين بذلك، وقال الشافعي: لا يكون يمينًا إلا بالنية لأنه يطلق على العلم وعلى الحق وقد يراد بالعلم المعلوم وبالحق ما أوجبه الله وعن أحمد في الراجح كالشافعي. وأجيب عن الآية بأن لله أن يقسم من خلقه بما يشاء وليس ذلك لهم لثبوت النهي عن الحلف بغير الله. (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله ابن أبي حاتم (لعمرك) أي (لعيشك) والحياة والعيش واحد. 6662 - حَدَّثَنَا الأُوَيْسِىُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ح وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِىَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللَّهُ وَكُلٌّ حَدَّثَنِى طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ فَقَامَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَىٍّ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ. وبه قال: (حدّثنا الأويسي) بضم الهمزة وفتح الواو وسكون التحتية وكسر السين المهملة بعدها تحتية مشددة عبد العزيز المدني قال: (حدّثنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (ح) لتحويل السند قال البخاري: (وحدّثنا حجاج بن منهال) الأنماطي قال: (حدّثنا عبد الله بن عمر النميري) بضم النون وفتح الميم مصغرًا قال: (حدّثنا يونس) بن يزيد الأيلي (قال: سمعت الزهري قال: سمعت عروة بن الزبير) بن العوّام (وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص) الليثي (وعبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الأربعة يحدثون (عن حديث عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قال لها أهل الإفك) بكسر الهمزة (ما قالوا فبرأها الله) تعالى بما أنزله في سورة النور (وكل) من الأربعة عروة ومن بعده (حدثني) بالإفراد (طائفة) قطعة (من الحديث) زاد أبو ذر عن الكشميهني وفيه أي في الحديث المروي طويلاً في المغازي (فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستعذر) طلب من يعذره (من عبد الله بن أبي) بضم الهمزة وفتح الموحدة ابن سلول أي من ينصف منه (فقام أسيد بن حضير) بالتصغير فيهما (فقال لسعد بن عبادة) سيد الخزرج: (لعمر الله لنقتلنه) بالنون المفتوحة وسكون القاف ولام التأكيد والنون المشدّدة. والحديث سبق في المغازي والتفسير والغرض منه قول أسيد لعمر الله لنقتلنه. 14 - باب {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 225]. هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى في سورة البقرة ({لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}) ما يجري على اللسان من غير قصد للحلف نحو لا والله وبلى والله ({ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}) يعاقبلم بما اقترفته قلوبكم من إثم القصد إلى الكذب في اليمين وهو أن يحلف على ما يعلم أنه خلاف ما يقوله وهو اليمين الغموس، وتمسك الشافعي -رحمه الله- بهذا النص على وجوب الكفارة في اليمين الغموس لأن كسب القلب العزم والقصد فذكر المؤاخذة بكسب القلب. وقال: في آية المائدة {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} [المائدة: 89] وعقد اليمين محتمل لأن يكون المراد منه عقد القلب به ولأن يكون المراد به العقد الذي يضاده الحل فلما ذكر هنا قوله {بما كسبت قلوبكم} علمنا أن المراد من ذلك العقد هو عقد القلب، وأيضًا ذكر

15 - باب إذا حنث ناسيا فى الأيمان. وقول الله تعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} [الأحزاب: 5] وقال {لا تؤاخذنى بما نسيت} [الكهف: 73]

المؤاخذة هنا ولم يبين تلك المؤاخذة ما هي وبينها في آية المائدة بقوله (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) فكفارته فبين أن المؤاخذة هي الكفارة فكل مؤاخذة من هاتين الآيتين مجملة من وجه مبينة من وجه آخر فصارت كل واحدة منهما مفسرة للأخرى من وجه وحصل من كل واحدة منهما أن كل يمين ذكرت على سبيل الجدّ وربط القلب بها، فالكفارة فيها ويمين الغموس كذلك كانت الكفارة واجبة فيها ({والله غفور حليم}) [البقرة: 225] حيث لم يؤاخذكم باللغو في أيمانكم، وسقط لأبي ذر من قوله (ولكن) الخ وقال الآية: 6663 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ} [البقرة: 225] قَالَ: قَالَتْ: أُنْزِلَتْ فِى قَوْلِهِ لاَ وَاللَّهِ بَلَى وَاللَّهِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (محمد بن المثنى) العنزي الحافظ قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام) أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت في قوله تعالى ({لا يؤاخذكم الله باللغو}) [البقرة: 225] زاد أبو ذر فى أيمانكم (قال: قالت أنزلت في قوله لا والله وبلى والله) وبه تمسك الشافعي أيضًا لكونها شهدت التنزيل فهي أعلم من غيرها بالمراد وقد جزمت بأنها نزلت في قول لا والله وبلى والله، وقد صرح برفعه عن عائشة في حديثها المروي في سنن أبي داود من طريق إبراهيم الصائغ عن عطاء عنها أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لغو اليمين هو كلام الرجل في يمين كلا والله وبلى والله". وأشار أبو داود إلى أنه اختلف على عطاء وعلى إبراهيم في رفعه ووقفه. 15 - باب إِذَا حَنِثَ نَاسِيًا فِى الأَيْمَانِ. وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5] وَقَالَ {لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ} [الكهف: 73] هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا حنث) بكسر النون وبالمثلثة الحالف حال كونه (ناسيًا في الأيمان) هل تجب عليه الكفارة أو لا (وقول الله تعالى {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به}) [الأحزاب: 5] أي لا إثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين جاهلين قبل ورود النهي وسقطت الواو لأبي ذر (وقال) تعالى: ({لا تؤاخذني بما نسيت}) [الكهف: 73] بالذي نسيته أو بنسياني ولا مؤاخذة على الناسي. 6664 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِى عَمَّا وَسْوَسَتْ أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ». وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) السلمي بضم السين قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين ابن كدام بكسر الكاف وتخفيف المهملة قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا زرارة بن أوفى) بضم الزاي وتخفيف الراء وأوفى بالفاء وفتح الهمزة العامري قاضي البصرة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (يرفعه) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسبق في العتق من رواية سفيان من مسعر بلفظ عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدل قوله هنا يرفعه (قال): (إن الله) عز وجل (تجاوز لأمتي عما وسوست أو) قال (حدثت به أنفسها) بالنصب للأكثر وبالرفع لبعضهم أي بغير اختيارها كقوله تعالى: {ونعلم ما توسوس به نفسه} [ق: 16] (ما لم تعمل به) بالذي وسوست أو حدّثت (أو تكلم) بفتح الميم بلفظ الماضي. وقال الكرماني، وتبعه العيني بالجزم قال: وأراد أن الوجود الذهني لا أثره له وإنما الاعتبار بالوجود القولي في القوليات والعملي في العمليات. فإن قلت: ليس في الحديث ذكر النسيان الذي ترجم به. أجيب: بأن مراد البخاري إلحاق ما يترتب على النسيان بالتجاوز لأنه من متعلقات عمل القلب، وظاهر الحديث أن المراد بالعمل عمل الجوارح لأن المفهوم من لفظ ما لم تعمل يشعر بأن كل شيء في الصدر لا يؤاخذ به سواء توطن أو لم يتوطن، وفي الحديث إشارة إلى عظم قدر الأمة المحمدية لأجل نبيها لقوله: تجاوز لأمتي واختصاصها بذلك. والحديث سبق في الطلاق والعتاق. 6665 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَوْ مُحَمَّدٌ عَنْهُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِى عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: كُنْتُ أَحْسِبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَذَا وَكَذَا قَبْلَ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتُ أَحْسِبُ كَذَا وَكَذَا لِهَؤُلاَءِ الثَّلاَثِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ لَهُنَّ كُلِّهِنَّ يَوْمَئِذٍ فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَىْءٍ إِلاَّ قَالَ: افْعَلْ افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ». وبه قال: (حدّثنا عثمان بن الهيثم) بفتح الهاء والمثلثة المؤذن البصري (أو) حدّثنا (محمد) هو ابن يحيى الذهلي (عنه) عن عثمان بن الهيثم وكل من عثمان بن الهيثم ومحمد الذهلي شيخ البخاري وكذا وقع مثل هذا في باب الذريرة أواخر كتاب اللباس (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه (قال: سمعت ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (يقول: حدثني) بالإفراد (عيسى بن طلحة) بن عبيد الله بضم العين التيمي (أن عبد الله بن عمرو بن العاص) -رضي الله عنهما- (حدّثه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينما) بالميم (هو يخطب يوم النحر) بمنى على ناقته (إذ قام إليه

رجل) لم يسم (فقال: كنت أحسب يا رسول الله كذا وكذا قبل كذا وكذا) أي حلقت قبل أن أنحر نحرت قبل أن أرمي كما في مسلم من رواية يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج (ثم قام آخر فقال: يا رسول الله كنت أحسب كذا وكذا لهؤلاء) لأجل هؤلاء (الثلاث) الحلق والنحر والرمي (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لكل من الرجلين (افعل ولا حرج) لا إثم ولا فدية في التقديم والتأخير (لهن) لأجل هؤلاء الثلاث (كلهن يومئذٍ فما سئل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يومئذٍ عن شيء) من الرمي والنحر والحلق قدم ولا أخر (إلا قال افعل افعل) كذا بالتكرار مرتين لأبي ذر عن الحموي وسقط الثاني لغيره أي افعل ذلك التقديم والتأخير (ولا حرج) عليك مطلقًا. والحديث سبق في العلم بلفظ: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاءه رجل فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح فقال: "اذبح ولا حرج" فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي قال: (ارم ولا حرج) وكذا هو في باب الفتيا على الدابة عند الجمرة من كتاب الحج. 6666 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زُرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِىَ قَالَ: «لاَ حَرَجَ» قَالَ آخَرُ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ: «لاَ حَرَجَ» قَالَ آخَرُ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِىَ قَالَ: «لاَ حَرَجَ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس الحافظ أبو عبد الله اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا أبو بكر) ولأبي ذر أبو بكر بن عياش بالمثناة التحتية والشين المعجمة ابن سالم الأزدي الكوفي المقرئ الحناط بالحاء المهملة والنون المشدّدة مشهور بكنيته والأصح أنها اسمه ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح (عن عبد العزيز بن رفيع) بضم الراء وفتح الفاء بعدها تحتية ساكنة فعين مهملة أبي عبد الله الأسدي المكي سكن الكوفة (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رجل) أي يسم (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زرت) أي طفت طواف الزيارة (قبل أن أرمي) الجمرة (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا حرج) لا إثم عليك (قال آخر) لم يسم: (حلقت) شعر رأسي (قبل أن أذبح) هديي (قال لا حرج) عليك (قال آخر) ثالث لم يسم (ذبحت) هديي (قبل أن أرمي) الجمرة (قال: لا حرج) عليك. والحديث سبق بالحج. 6667 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً دَخَلَ الْمَسْجِدَ يُصَلِّى وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَجَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ سَلَّمَ فَقَالَ: «وَعَلَيْكَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» قَالَ فِى الثَّالِثَةِ: فَأَعْلِمْنِى قَالَ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ، وَاقْرَأْ بِمَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِىَ وَتَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِىَ قَائِمًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِى صَلاَتِكَ كُلِّهَا». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن منصور) أبو يعقوب الكوسج المروزي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن عمر) العمري (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رجلاً) اسمه خلاد بن رافع (دخل المسجد يصلّي) ولأبي ذر عن الكشميهني فصلّى بالفاء بدل التحتية (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ناحية المسجد فجاء) الرجل (فسلم عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال له) بعدما ردّ عليه السلام: (ارجع صل فإنك لم تصل) نفي للحقيقة الشرعية ولا شك في انتفائها بانتفاء ركن أو شرط منها وفي رواية أعد صلاتك (فرجع) الرجل (فصلّى ثم سلم) عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) له (وعليك) السلام (ارجع فصل فإنك لم تصل) فرجع فصلّى ثم (قال) الرجل (في الثالثة فأعلمني) بقطع الهمزة ولأبي ذر عن الكشميهني في الثانية أو الثالثة فأعلمني أي يا رسول الله (قال) عليه الصلاة والسلام: (إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء) بهمزة قطع مفتوحة (ثم استقبل القبلة فكبر) تكبيرة الإحرام (واقرأ بما تيسر معك من القرآن) ما موصولة ومعك متعلق بتيسر أو بحال من القرآن ومن تبعيضية ويبعد أن يتعلق من القرآن باقرأ لأنه لا يجب عليه ولا يستحب له أن يقرأ جميع ما تيسر له من القرآن ولأحمد وابن حبان ثم اقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت (ثم اركع حتى) إلى أن (تطمئن) أي تسكن حال كونك (راكعًا ثم ارفع رأسك حتى تعتدل) حال كونك (قائمًا ثم اسجد حتى تطمئن) حال كونك (ساجدًا ثم ارفع حتى تستوي وتطمئن) حال كونك (جالساً ثم اسجد حتى تطمئن) حال كونك (ساجدًا ثم ارفع حتى تستوي) حال كونك (قائمًا ثم افعل ذلك) المذكور من التكبير وما بعده (في صلاتك كلها) فرضًا ونفلاً على اختلاف أوقاتها وأسمائها أو أكد الصلاة بكل لأنها أركان

متعددة. والحديث سبق في باب وجوب القراءة للإمام والمأموم وليس فيه مطابقة لما ترجم له هنا نعم في باب وجوب القراءة والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فبذا تحصل المطابقة، وأورد المصنف هذه الرواية هنا العارية عن هذه الزيادة تشحيذًا للأذهان -رحمه الله تعالى- ما أدق نظره. 6668 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِى الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ هَزِيمَةً تُعْرَفُ فِيهِمْ، فَصَرَخَ إِبْلِيسُ أَىْ عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِىَ وَأُخْرَاهُمْ فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ فَقَالَ: أَبِى أَبِى قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا انْحَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ، قَالَ عُرْوَةُ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ فِى حُذَيْفَةَ مِنْهَا بَقِيَّةٌ حَتَّى لَقِىَ اللَّهَ. وبه قال: (حدّثنا فروة بن أبي المغراء) بالفاء المفتوحة والراء الساكنة والمغراء بفتح الميم وسكون الغين المعجمة والراء ممدود الكندي الكوفي قال: (حدّثنا علي بن مسهر) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء القرشي الكوفي (عن هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: هزم) بضم الهاء وكسر الزاي (المشركون يوم) وقعة (أُحُد هزيمة تعرف فيهم فصرخ إبليس) يخاطب المسلمين (أي عباد الله) احذروا (أخراكم) الذين من ورائكم فاقتلوهم أراد أن يقتل المسلمون بعضهم بعضًا ولأبي ذر: آخركم (فرجعت أولاهم) لقتال أخراهم ظانين أنهم من المشركين (فاجتلدت) بالجيم فاقتتلت (هي وأخراهم فنظر حذيفة بن اليمان فإذا هو بأبيه) اليمان يقتله المسلمون يظنونه من المشركين (فقال) حذيفة لهم: هذا (أبي) هذا (أبي) لا تقتلوه (قالت) عائشة: (فوالله ما انحجزوا) بالنون الساكنة والحاء المهملة والجيم المفتوحتين والزاي المضمومة كذا في اليونينية وفي غيرها ما احتجزوا بفوقية بين الحاء والجيم من غير نون أي ما انفصلوا عنه (حتى قتلوه) وعند ابن إسحاق: وأما اليمان فاختلفت أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه فقال حذيفة: قتلتم أبي، قالوا: والله ما عرفناه (فقال حذيفة) معتذرًا عنهم: (غفر الله لكم. قال عروة) بن الزبير: (فوالله ما زالت في حذيفة منها) من قتلة أبيه (بقية حتى لقي الله) عز وجل أي بقية من حزن وتحسر من قتل أبيه كذا قرره الكرماني، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بقية خير بالإضافة إلى خير الساقطة من الرواية الأخرى أي: استمر الخير فيه من الدعاء والاستغفار لقاتل أبيه، واعترض في الفتح على الكرماني في تفسيره بقية بالحزن والتحسر فقال: إنه وهم سبقه غيره إليه، وإن الصواب أن المراد أنه حصل له خير بقوله للمسلمين الذين قتلوا أباه خطأ غفر الله لكم فاستمر ذلك الخير فيه إلى أن مات، وتعقبه العيني قال: إن نسبة الكرماني إلى الوهم وهم لأن الكرماني إنما فسره على رواية الكشميهني والأقرب فيها ما فسره لأنه تحسر على قتل أبيه على يد المسلمين غاية التحسر. وأجاب في انتقاض الاعتراض بأنه لم ينكر أنه تحسر وإنما تفسير خير بالتحسر. قيل مطابقة الحديث للترجمة من حيث إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينكر على الذين قتلوا اليمان لجهلهم فجعل الجهل هنا كالنسيان فمن ثم ناسب دخول الحديث هنا مع أنه فيه اليمين وهو قول حذيفة فوالله. والحديث سبق في باب ذكر حذيفة من آخر المناقب. 6669 - حَدَّثَنِى يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنِى عَوْفٌ، عَنْ خِلاَسٍ وَمُحَمَّدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهْوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدثني) بالإفراد (عوف) بفتح العين المهملة وسكون الواو بعدها فاء الأعرابي (عن خلاس) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام وبعد الألف سين مهملة ابن عمرو الهجري (ومحمد) هو ابن سيرين كلاهما (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من أكل) حال كونه (ناسيًا وهو) أي والحال أنه (صائم فليتم صومه) الفاء جواب الشرط واللام لام الأمر وهي بعد الواو والفاء ساكنة ويتم من أتم مضاعف الآخر مفتوح ويجوز كسره على التقاء الساكنين وتسميته صومًا والأصل الحقيقة الشرعية دليل على عدم القضاء (فإنما أطعمه الله) عز وجل (وسقاه) فليس له مدخل بوجه بخلاف المعتمد وفيه دلالة على عدم تكليف الناسي. ومرّ الحديث في باب الصائم إذا أكل أو شرب من كتاب الصوم. 6670 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ فِى الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ فَمَضَى فِى صَلاَتِهِ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ انْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ وَسَجَدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَسَلَّمَ. وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة وتخفيف التحتية عبد الرَّحمن العسقلاني الخراساني الأصل قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب)

محمد بن عبد الرَّحمن بن الحارث بن أبي ذئب (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن عبد الله ابن بحينة) بضم الموحدة وفتح الحاء المهملة وسكون التحتية بعدها نون فهاء تأنيث اسم أمه واسم أبيه مالك بن القشب بكسر القاف وسكون الشين المعجمة بعدها موحدة الأزدي حليف بني المطلب -رضي الله عنه- أنه (قال: صلّى بنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الظهر (فقام في الركعتين الأوليين قبل أن يجلس) معطوف على صلّى وفي في قوله في الركعتين بمعنى من كقوله: ثلاثين شهرًا في ثلاثة أحوال. ويحتمل أن تكون على بابها أي قام في جلوس الركعتين قبل أن يتمهما والأوليين بضم الهمزة وسكون الواو وتحتيتين (فمضى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في صلاته فلما قضى صلاته) أي قارب ذلك وإلا فالتسليمة الأولى من نفس الصلاة عند الجمهور وكذا الثانية على المرجح عندنا وقرينة المجاز قوله (انتظر الناس تسليمه فكبّر وسجد) بالواو ولأبي ذر فسجد بالفاء للسهو (قبل أن يسلم ثم رفع رأسه) من السجود (ثم كبّر وسجد) ثانيًا (ثم رفع رأسه) من السجود (وسلم). ومطابقة الحديث من حيث أن فيه ترك القعدة الأولى ناسيًا. والحديث مرّ في سجود السهو من أواخر كتاب الصلاة. 6671 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، سَمِعَ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِهِمْ صَلاَةَ الظُّهْرِ فَزَادَ أَوْ نَقَصَ مِنْهَا قَالَ مَنْصُورٌ: لاَ أَدْرِى إِبْرَاهِيمُ وَهِمَ أَمْ عَلْقَمَةُ، قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقَصُرَتِ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيتَ؟ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ»؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: فَسَجَدَ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: «هَاتَانِ السَّجْدَتَانِ لِمَنْ لاَ يَدْرِى زَادَ فِى صَلاَتِهِ أَمْ نَقَصَ فَيَتَحَرَّى الصَّوَابَ فَيُتِمُّ مَا بَقِىَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه أنه (سمع عبد العزيز بن عبد الصمد) العمي بفتح العين المهملة وتشديد الميم المكسورة وسقط لفظ أنه اختصارًا على عادتهم قال: (حدّثنا منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن ابن مسعود) عبد الله (-رضي الله عنه- أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى بهم صلاة الظهر فزاد أو نقص منها. قال منصور) هو ابن المعتمر المذكور (لا أدري إبراهيم) النخعي (وهم) بفتح الواو وكسر الهاء أي غلط وسها في الزيادة والنقصان (أم علقمة) بن قيس وهم وجزم في رواية جرير عن منصور المذكورة في أبواب القبلة بأن إبراهيم هو الذي تردد ولفظه قال: قال إبراهيم لا أدري زاد أو نقص (قال: قيل) له لما سلم (يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت) بهمزة الاستفهام الإخباري (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وما ذاك قالوا: صليت كذا وكذا) كناية عما وقع إما زائد على المعهود أو ناقص منه (قال) ابن مسعود: (فسجد بهم سجدتين) لما تذكر أنه نسي (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (هاتان السجدتان لمن لا يدري زاد في صلاته أم نقص فيتحرى) بإثبات الياء خطًّا ولأبي ذر فيتحر (الصواب) بإسقاطها أي يجتهد في تحقيق الحق بأن يأخذ بالأقل (فيتم) بضم الميم مشددة ولأبي ذر مفتوحة ولأبي الوقت ثم يتم (ما بقي) عليه (ثم يسجد سجدتين) للسهو ندبًا. قيل والمطابقة بين الحديث والترجمة من قوله: أنسيت ولا يخفى ما فيه وقيل ذكر هذا الحديث استطرادًا بعد الحديث السابق. وقال في الكواكب بعد قوله وهم: أي في الزيادة والنقصان لفظ أقصرت صريح في أنه نقص ولكنه وهم من الراوي، والصواب ما تقدم في الصلاة بلفظ أحدث في الصلاة شيء قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا الخ وقال في باب سجود السهو عن أبي هريرة: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت قال: ويحتمل أن يجاب بأن المراد من القصر لازمه وهو التغيير فكأنه قال: أغيرت الصلاة عن وضعها. والحديث سبق في باب التوجه نحو القبلة وفي باب سجود السهو. 6672 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: حَدَّثَنَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْرًا} قَالَ: «كَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا». وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو بن دينار) بفتح العين قال: (حدثني) بالإفراد (سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس) -رضي الله عنهما- (فقال: حدّثنا أبي بن كعب) حذف مقول سعيد بن جبير وهو ثابت في تفسير سورة الكهف وغيرها بلفظ قلت لابن عباس إن نوفًا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل فقال ابن عباس: كذب

عدوّ الله حدثني أبي بن كعب (أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): كذا لأبي ذر عن الحموي والمستملي وله عن الكشميهني يقول: (لا تؤاخذني) فيه حذف أيضًا كثير يطول ذكره وتقديره يقول في تفسير قوله تعالى ({لا تؤاخدني بما نسيت}) أي من وصيتك ({ولا ترهقني من أمري عسر}) [الكهف: 73] لا تضايقني بهذا القدر فتعسر مصاحبتك (قال): ولأبي ذر فقال: أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كانت الأولى من موسى نسيانًا) أي عند إنكار خرق السفينة كان ناسيًا لما شرط عليه الخضر في قوله: {فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرًا} [الكهف: 70] وإنما أخذه بالنسيان مع عدم المؤاخذة به شرعًا عملاً بعموم شرطه فلما اعتذر بالنسيان علم أنه خارج بحكم الشرع من عموم الشرط وبهذا التقرير يتجه إيراد هذا الحديث في هذه الترجمة قاله في فتح الباري. 6673 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: كَتَبَ إِلَىَّ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ قَالَ: قَالَ: الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَكَانَ عِنْدَهُمْ ضَيْفٌ لَهُمْ فَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يَذْبَحُوا قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ لِيَأْكُلَ ضَيْفُهُمْ، فَذَبَحُوا قَبْلَ الصَّلاَةِ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الذَّبْحَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِى عَنَاقٌ جَذَعٌ عَنَاقُ لَبَنٍ، هِىَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَىْ لَحْمٍ، فَكَانَ ابْنُ عَوْنٍ يَقِفُ فِى هَذَا الْمَكَانِ عَنْ حَدِيثِ الشَّعْبِىِّ، وَيُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَيَقِفُ فِى هَذَا الْمَكَانِ وَيَقُولُ: لاَ أَدْرِى أَبَلَغَتِ الرُّخْصَةُ غَيْرَهُ أَمْ لاَ. رَوَاهُ أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (قال أبو عبد الله) البخاري بالسند السابق إليه وسقط ذلك لأبي ذر (كتب إليّ) بتشديد الياء (محمد بن بشار) بالشين المعجمة المشددة المعروف ببندار، ولأبي ذر: كتب إليّ من محمد بن بشار فزاد لفظة من، وقد أورده بصيغة المكاتبة ولعله لم يسمع منه هذا الحديث فرواه عنه بالمكاتبة وقد أخرج أصل الحديث من عدة طرق أخرى موصولة كما تقدم في العيدين وغيره ولم يقع له صيغة المكاتبة في صحيحه الجامع عن أحد من مشايخه إلا في هذا الموضع نعم أخرج بصيغة المكاتبة كثيرًا من رواية التابعي عن الصحابي ومن رواية غير التابعي عن التابعي ونحو ذلك، وقد ذكرت حكم المكاتبة ومبحثها في الفصل الثالث من مقدمة هذا الشرح، وقد أخرج الحديث أبو نعيم من رواية الحسين بن محمد قال: حدّثنا محمد بن بشار بندار قال: (حدّثنا معاذ بن معاذ) التميمي العنبري الحافظ قاضي البصرة قال: (حدّثنا ابن عون) بفتح العين المهملة وسكون الواو محمد (عن الشعبي) عامر بن شراحيل أنه (قال: قال البراء بن عازب) -رضي الله عنهما- (وكان عندهم ضيف لهم) بإثبات الواو قبل كان وعند الإِسماعيلي بإسقاطها (فأمر أهله أن يذبحوا قبل أن يرجع) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قبل أن يرجعهم بفتح الياء أي قبل أن يرجع إليهم وظاهره أن ذلك وقع للبراء لكن المشهور أن ذلك لخاله أبي بردة بن نيار كما في الأضاحي من طريق زبيد عن الشعبي عن البراء قال في الكواكب: أبو بردة هو خاله وكانوا أهل بيت واحد فتارة نسب إلى نفسه وأخرى إلى خاله (ليأكل ضيفهم فذبحوا قبل الصلاة) أي قبل صلاة العيد (فذكروا ذلك) الذبح قبل الصلاة (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمره أن يعيد الذبح فقال: يا رسول الله عندي عناق) بفتح العين المهملة وتخفيف النون أنثى من أولاد المعز (جذع) بفتح الجيم والمعجمة طعنت في السنة الثالثة صفة لعناق (عناق لبن) بالإضافة بدل من عناق الأول (هي خير من شاتي لحم) بالتثنية زاد في رواية فرخص له في ذلك وفي رواية الإِسماعيلي قال البراء: يا رسول الله وهذا صريح في أن القصة وقعت للبراء. قال ابن حجر: فلولا اتحاد المخرج لأمكن التعدد، لكن القصة متحدة والسند متحد من رواية الشعبي عن البراء والاختلاف من الرواة عن الشعبي فكأنه وقع في هذه الرواية اختصار وحذف، ويحتمل أن يكون البراء شارك خاله في سؤال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن القصة فنسبت كلها إليه تجوّزًا (وكان ابن عون) محمد الراوي (يقف في هذا المكان عن حديث الشعبي) عامر (ويحدث عن محمد بن سيرين بمثل هذا الحديث ويقف في هذا المكان) أي يترك تكملته (ويقول): ولأبي ذر فيقول (لا أدري أبلغت الرخصة) وهي قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضح بالعناق الذي عندك (غيره أم لا لله)؟ أي غير البراء (رواه أيوب) السختياني (عن ابن سيرين) محمد (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وهذا وصله المؤلّف في أوائل الأضاحي ومطابقة الحديث للترجمة لم أفقهها والله الموفق. 6674 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَبًا قَالَ: شَهِدْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى يَوْمَ عِيدٍ، ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ قَالَ: «مَنْ ذَبَحَ فَلْيُبَدِّلْ مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي البصري قاضي مكة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن

16 - باب اليمين الغموس

الأسود بن قيس) العبدي الكوفي أنه (قال: سمعت جندبًا) بضم الجيم وفتح الدال المهملة وبالباء الموحدة ابن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- أنه (قال: شهدت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم عيد) أي عيد الأضحى (ثم خطب ثم قال): (من ذبح) أي قبل الصلاة (فليبدل مكانها) بضم التحتية وفتح الموحدة وتشديد الدال كذا في اليونينية وفي نسخة فليبدل بسكون الموحدة وتخفيف الدال أي فليذبح غيرها (ومن لم يكن ذبح) قبل الصلاة (فليذبح) بعدها (باسم الله) وهذا ثابت في رواية أبي ذر. ومناسبة الحديث والذي قبله للترجمة قال الكرماني وتبعه العيني وابن حجر الإشارة إلى التسوية بين الجاهل بالحكم والناسي في وقت الذبح فليتأمل. 16 - باب الْيَمِينِ الْغَمُوسِ {وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ، عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} النحل: 94] دَخَلاً مَكْرًا وَخِيَانَةً. (باب) حكم (اليمين الغموس) بفتح الغين المعجمة وضم الميم وبعد الواو الساكنة سين مهملة فعول بمعنى فاعل لأنها تغمس صاحبها في الإِثم ثم في النار وقول الله تعالى في سورة النحل: ({ولا تتخذوا أيمانكم دخلاً بينكم}) دخلاً مفعول ثان لتتخذوا والدخل الفساد والدغل وقال: الواحدي الغش والخيانة وقيل ما أدخل في الشيء على فساد ({فتزل قدم}) أي فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام ({بعد ثبوتها وتذوقوا السوء}) في الدنيا ({بما صددتم}) بصدودكم ({عن سبيل الله}) وخروجكم عن الدين ({ولكم عذاب عظيم}) [النحل: 94] في الآخرة قال في الكشاف: وحدت القدم ونكرت لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق بعد أن ثبتت عليه فكيف فأقدام كثيرة. قال أبو حيان: الجمع تارة يلحظ فيه المجموع من حيث هو مجموع وتارة يلحظ فيه اعتبار كل فرد فرد فإذا لوحظ فيه المجموع كان الإِسناد معتبرًا فيه الجمعية، إذا لوحظ فيه كل فرد فرد كان الإسناد مطابقًا للفظ الجمع كثيرًا فيجمع ما أسند إليه ومطابقًا لكل فرد فرد فيفرد كقوله تعالى {وأعتدت لهن متكأ وآتت} [يوسف: 31] أفرد متكأ لما كان لوحظ في قوله لهن معنى لكل واحدة، ولو جاء مرادًا به الجمعية أو على الكثير في الوجه الثاني لجمع المتكأ وعلى هذا المعنى يحمل قول الشاعر: فإني رأيت الضامرين متاعهم ... يموت ويفنى فارضخي من وعائيا أي: رأيت كل ضامر ولذلك أفرد الضمير في يموت ويفنى ولما كان المعنى لا يتخذ كل واحد واحد منكم جاء فتزل قدم مراعاة لهذا المعنى، ثم قال: وتذوقوا السوء مراعاة للمجموع أو للفظ الجمع على الوجه الكثير إذا قلنا إن الإسناد لكل فرد فرد فتكون الآية قد تعرضت للنهي عن اتخاذ الإيمان دخلاً باعتبار المجموع وباعتبار كل فرد فرد ودل على ذلك بإفراد قدم وبجمع الضمير في تذوقوا وتعقبه تلميذه شهاب الدين السمين فقال بهذا التقرير الذي ذكره يفوت المعنى الجزل الذي اقتنصه الزمخشري من تنكير قدم وإفرادها وأما البيت المذكور فإن النحويين خرجوه على أن المعنى يموت من ثم ومن ذكر فأفرد الضمير لذلك لا لما ذكر اهـ. ولم يذكر في غير رواية أبي ذر الآية كلها بل إلى قوله بعد ثبوتها كذا في الفرع وأصله وقال في الفتح وساق في رواية كريمة إلى عظيم (دخلاً) قال قتادة أي: (مكرًا وخيانة) أخرجه عبد الرزاق ومناسبة الآية لليمين الغموس ورود الوعيد على من حلف كاذبًا متعمدًا. 6675 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا فِرَاسٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِىَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْكَبَائِرُ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» [الحديث 6675 - طرفاه في: 6870 و 6920]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) أبو الحسن المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (النضر) بالضاد المعجمة الساكنة ابن شميل بضم الشين المعجمة قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف سين مهملة ابن يحيى المكتب (قال: سمعت الشعبي) عامرًا يحدث (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الكبائر) جمع كبيرة وهي ما توعد عليها (الإشراك بالله) باتخاذ إله غيره (وعقوق الوالدين) بعصيان أمرهما وترك خدمتهما (وقتل النفس) التي حرم الله إلا بالحق (واليمين الغموس) بأن يحلف على الماضي متعمدًا للكذب كأن يقول: والله ما فعلت كذا أو فعلت كذا نفيًا وإثباتًا وهو يعلم أنه ما فعله أو فعله أو الغموس

17 - باب قول الله تعالى:

أن يحلف كاذبًا ليذهب بمال أحد ويأتي إن شاء الله تعالى عدّ الكبائر ومباحثها في كتاب الحدود بعون الله تعالى. والحديث أخرجه أيضًا في الدّيات واستتابة المرتدين والترمذي في التفسير والنسائي فيه وفي القصاص والمحاربة. 17 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِى الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77] وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلاَ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلاَ تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً إِنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [النحل: 95] {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً} [النحل: 91]. (باب قول الله تعالى) في سورة آل عمران: ({إن الذين يشترون}) يستبدلون ({بعهد الله}) بما عاهدون عليه من الأيمان بالرسول ({وأيمانهم}) وبما حلفوا به من قولهم لنؤمنن به ولننصرنه ({ثمنًا قليلاً}) متاع الدنيا ({أولئك لا خلاق لهم}) لا نصيب لهم ({في الآخرة}) ونعيمها وهذا مشروط بالإجماع بعدم التوبة فإن تاب سقط الوعيد ({ولا يكلمهم الله}) كلامًا يسرهم ({ولا ينظر إليهم يوم القيامة}) نظر رحمة ولا ينيلهم خيرًا وليس المراد منه النظر بتقليب الحدقة إلى المرئي تعالى الله عن ذلك ({ولا يزكيهم}) ولا يطهرهم من دنس الذنوب بالمغفرة أو لا يثني عليهم كما يثني على أوليائه كثناء المزكي للشاهد والتزكية من الله قد تكون على ألسنة الملائكة كما قال تعالى: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} [الرعد: 24] وقد تكون بغير واسطة إما في الدنيا كما قال تعالى {التائبون العابدون} [التوبة: 112] وأما في الآخرة كما قال تعالى {سلام قولاً من رب رحيم} [يس: 58]. ثم لما بين تعالى حرمانهم مما ذكر من الثواب بين كونهم في العقاب فقال: ({ولهم عذاب أليم}) [آل عمران: 77] مؤلم كذا في رواية كريمة سياق الآية إلى آخرها وقال في رواية أبي ذر: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم} الآية. واستفيد من الآية أن العهد غير اليمين لعطف العهد عليه. (وقوله) ولأبي ذر وقول الله تعالى (جل ذكره {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم}) فعلة بمعنى المفعولة كالقبضة والغرفة أي لا تجعلوه معرضًا للحلف من قولهم فلان عرضة لكذا أي معرّض. قال كعب: من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت ... عرضتها طامس الأعلام مجهول وقال حسان: هم الأنصار عرضتها اللقاء وهما بمعنى معرّض لكذا أو اسم لما تعرضه على الشيء فيكون من عرض العود على الإناء فيعترض دونه ويصير حاجزًا ومانعًا، والمعنى على هذا النهي أن يحلفوا بالله على أنهم لا يبرون ولا يتقون ويقولون لا نقدر نفعل ذلك لأجل حلفنا أو من العرضة وهي القوّة والشدة يقال جمل عرضة للسفر أي قويّ عليه وقال الزبير: فهذي لأيام الحروب وهذه ... للهوى وهذي عرضة لارتحالنا أي قوّة وعدة أي لا تجعلوا اليمين بالله قوّة لأنفسكم في الامتناع من البر وقوله ({أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس}) عطف بيان لأيمانكم أي للأمور المحلوف عليها التي هي البر والتقوى والإِصلاح بين الناس واللام تتعلق بالفعل أي ولا تجعلوا الله لأيمانكم برزخًا، ويجوز أن تكون اللام تعليلية ويتعلق أن تبروا بالفعل أو بالعرضة أي ولا تجعلوا الله لأجل أيمانكم عرضة لأن تبروا وفي ذلك نهي عن الجراءة على الله بكثرة الحلف به، وذلك لأنه من أكثر ذكر شيء في معنى من المعاني فقد جعله عرضة له يقول الرجل: قد جعلتني عرضة للومك. قال الشاعر: ولا تجعليني عرضة للوائم وقد ذم الله من أكثر الحلف بقوله {ولا تطع كل حلاف مهين} وقال تعالى {واحفظوا أيمانكم} [المائدة: 89] وكان الخلف يمدحون بالإقلال من الحلف والحكمة في الأمر بتقليل الإيمان أن من حلف في كل قليل وكثير بالله انطلق لسانه بذلك ولا يبقى لليمين في قلبه وقع فلا يؤمن من إقدامه على الإيمان الكاذبة فيختل ما هو الغرض الأصلي من اليمين، وأيضًا كلما كان الإنسان أكثر تعظيمًا لله تعالى كان أكمل في العبودية ومن كمال التعظيم أن يكون ذكر الله تعالى أجل وأعظم وأعلى عنده من أن يستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية ({والله سميع}) لأيمانكم ({عليم}) [البقرة: 224] بنياتكم، وسقط لأبي ذر من قوله (أن تبروا) إلى آخر الآية. (وقوله جل

ذكره {ولا تشتروا بعهد الله ثمنًا قليلاً}) عرضًا من الدنيا يسيرًا ({إن ما عند الله}) من ثواب الآخرة ({هو خير لكم إن كنتم تعلمون}) [النحل: 95] وقوله تعالى: ({وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم}) هي البيعة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الإسلام إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ((ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها}) بعد توثيقها باسم الله ({وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً}) [النحل: 91] شاهدًا ورقيبًا، وفي رواية أبي ذر {ولا تشتروا بعهد الله ثمنًا قليلاً} إلى قوله {ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً} قال في الفتح: وسقط ذلك لجميعهم ووقع فيه تقديم وتأخير والصواب قوله {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً} إلى قوله {ولا تشتروا بعهد الله ثمنًا قليلاً} ووقع في رواية النسفيّ بعد قوله عز وجل {عرضة لأيمانكم} ما نصه وقوله {ولا تشتروا يعده الله ثمنًا قليلاً} الآية وقوله {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} الآية. 6676 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِىَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} [آل عمران: 77] إِلَى آخِرِ الآيَةِ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن الأعمش) سليمان الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من حلف على) موجب (يمين صبر) بإضافة يمين لصبر مصححًا عليها في الفرع كأصله لما بينهما من الملابسة والأكثر على تنوين يمين فيكون صبر صفة له مصدر بمعنى المفعول أي مصبورة كما في الرواية الأخرى على يمين مصبورة فيكون على التجوّز بوصف اليمين بذلك لأن اليمين الصبر هي التي يلزم الحاكم الخصم بها والمصبور في الحقيقة الحالف لا اليمين، أو المراد أن الحالف هو الذي صبر نفسه وحبسها على هذا الأمر العظيم الذي لا يصبر أحد عليه فالحالف هو الصابر واليمين مصبورة أي مصبور عليها. وزاد المؤلّف في الأشخاص من رواية أبي معاوية وفي الشرب من رواية أبي حمزة كلاهما عن الأعمش هو فيها فاجر لكن رواية أبي معاوية هو عليها فاجر وكأن فيها حذفًا تقديره هو في الإقدام عليها كاذب حال كونه (يقتطع بها) بسبب اليمين (مال امرئ مسلم) أو ذمي ونحوه وفي صحيح مسلم حق امرئ مسلم بيمينه (لقي الله وهو عليه غضبان) جواب من وغضبان لا ينصرف لزيادة الألف والنون أي فيعامله معاملة المغضوب عليه فيعذبه (أنزل الله) عز وجل (تصديق ذلك) {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانكم ثمنًا قليلاً} [آل عمران: 77] (إلى آخر الآية) ليس في رواية أبي ذر إلى آخر الآية. وفي مسلم والترمذي: عن أبي وائل عن عبد الله من طريق جامع بن أبي راشد وعبد الملك بن أعين مرفوعًا: "من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه" الحديث. ثم قرأ علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وظاهره أن الآية نزلت قبل وسبق في تفسير سورة آل عمران أنها نزلت فيمن أقام سلعته بعد العصر فحلف كاذبًا فيحتمل أنها نزلت في الأمرين معًا. 6677 - فَدَخَلَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالُوا: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فِىَّ أُنْزِلَتْ كَانَتْ لِى بِئْرٌ فِى أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِى فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ» قُلْتُ: إِذًا يَحْلِفُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، لَقِىَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ». (فدخل الأشعث بن قيس) المكان الذي كانوا به (فقال: ما حدثكم أبو عبد الرَّحمن) عبد الله بن مسعود (فقالوا) ولأبي ذر قالوا (كذا وكذا. قال) الأشعث (في) بتشديد التحتية (أنزلت) هذه الآية (كانت) وللحموي والمستملي كان (لي بئر في أرض ابن عم لي) اسمه معدان وقيل جرير بن الأسود الكندي ولقبه الجفشيش بفتح الجيم وسكون الفاء وبالشينين المعجمتين بينهما تحتية ساكنة، وفي رواية أبي معاوية كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني ولا تضاد بين قوله ابن عم لي وقوله من اليهود لأن جماعة من أهل اليمن كانوا تهودوا وقد ذكر أنه أسلم فيقال إنما وصفه الأشعث بذلك باعتبار ما كان عليه أولاً (فأتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي فادعيت عليه (فقال) لي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بينتك أو يمينه) بالرفع فيهما إما فاعل بفعل مقدر أي تحضر بينتك تشهد لك أو فحقك يمينه فيمينه خبر مبتدأ محذوف أو لك يمينه فيكون مبتدأ والخبر في الجار والمجرور، ويحتمل أن يكون بينتك خبر مبتدأ محذوف أي الواجب بينتك أو يمينه إن لم يكن لك بيّنة. قال الأشعث: (فقلت: إذًا يحلف عليها)

18 - باب اليمين فيما لا يملك وفى المعصية، وفى الغضب

على البئر (يا رسول الله) وإذا حرف جواب ينصب الفعل المضارع بشروط ثلاثة: أن يكون أوّلاً فلا يعتمد ما بعدها على ما قبلها كما تقول في جواب من قال: أزورك إذًا أكرمك بالنصب فإن اعتمد ما بعدها على ما قبلها رفعت نحو قولك: أنا إذًا أكرمك. الثاني: أن يكون مستقلاً فلو كان حالاً وجب الرفع نحو قولك لمن قال: جاء الحاج إذًا أفرح تريد الحالة التي أنت فيها. الثالث: أن لا يفصل بينهما وبين الفعل بفاصل ما عدا القسم والنداء ولا، فإن دخل عليها حرف عطف جاز في الفعل الرفع والنصب والرفع أكثر نحو قوله تعالى: ({وإذًا لا يلبثون خلافك إلا قليلاً} [الإسراء: 76] والفعل هنا في الحديث إن أريد به الحال فهو مرفوع وإن أريد به الاستقبال فهو منصوب وكلاهما في الفرع كأصله والرفع رواية غير أبي ذر وفي رواية أبي معاوية إذن يحلف ويذهب بمالي، وفي رواية أبي معاوية قال: ألك بيّنة؟ فقلت: لا فقال لليهودي احلف وفي رواية أي حمزة فقال لي: شهودك؟ قلت: ما لي شهود. قال: فيمينه، وفي رواية أي وائل من طريق ولده علقمة فانطلق ليحلف (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من حلف على يمين صبر) بالإضافة أو بالتنوين كما مر (وهو) أي والحال أنه (فيها فاجر) أي كاذب وقيد به ليخرج الجاهل والناسي والمكره (يقتطع بها) أي بسبب يمينه (مال امرئ مسلم) ويقتطع يفتعل من القطع كأنه قطعه عن صاحبه أو أخذ قطعة من ماله بالحلف المذكور (لقي الله) تعالى (يوم القيامة وهو عليه غضبان). وفي الحديث سماع الحاكم الدعوى فيما لم يره إذا وصف وحدد وعرفه المتداعيان لكن لم يقع في الحديث تصريح بوصف ولا تحديد، فاستدلّ به القرطبي على أن الوصف والتحديد ليسا بلازمين لذاتهما بل يكفى في صحة الدعوى تمييز المدعى به تمييزًا ينضبط به. قال في الفتح: ولا يلزم من ترك ذكر التحديد والوصف في الحديث أن لا يكون ذلك وقع ولا يستدل بسكوت الراوي عنه بأنه لم يقع بل يطالب من جعل ذلك شرطًا بدليله فإذا ثبت حمل على أنه ذكر في الحديث ولم ينقله الراوي. وسبق كثير من فوائد هذا الحديث في الشرب والأشخاص ويأتي في الأحكام إن شاء الله تعالى. 18 - باب الْيَمِينِ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ وَفِى الْمَعْصِيَةِ، وَفِى الْغَضَبِ (باب) حكم (اليمين فيما لا يملك) الحالف (و) اليمين (في المعصية و) اليمين (في) حالة (الغضب) وسقط لأبي ذر لفظة في. 6678 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: أَرْسَلَنِى أَصْحَابِى إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْأَلُهُ الْحُمْلاَنَ فَقَالَ: «وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَىْءٍ» وَوَافَقْتُهُ وَهْوَ غَضْبَانُ، فَلَمَّا أَتَيْتُهُ قَالَ: «انْطَلِقْ إِلَى أَصْحَابِكَ فَقُلْ: إِنَّ اللَّهَ أَوْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْمِلُكُمْ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن العلاء) بفتح العين المهملة والمد ابن كريب أبو كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله (عن) جده (أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر أو الحارث (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- أنه (قال: أرسلني أصحابي) الأشعريون (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عند إرادة غزوة تبوك (أسأله الحملان) بضم الحاء المهملة وسكون الميم أي أن يحملنا على إبل (فقال): (والله لا أحملكم على شيء) زاد في باب الكفارة وما عندي ما أحملكم وكذا هو في باب لا تحلفوا بآبائكم كما سبق (ووافقته) عليه الصلاة والسلام (وهو غضبان) وفي غزوة تبوك وهو غضبان ولا أشعر ورجعت حزينًا من منع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن مخافة أن يكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجد في نفسه في فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم الذي قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم ألبث إلا سويعة إذ سمعت بلالاً أي عبد الله بن قيس فأجبته فقال: أجب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعوك (فلما أتيته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: انطلق إلى أصحابك فقل) لهم (إن الله) عز وجل (أو إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحملكم) وفي غزوة تبوك فلما أتيتيه قال: خذ هذين القرينين وهذين القرينين لستة أبعرة ابتاعهن حينئذٍ من سعد فانطلق بهن إلى أصحابك فقل إن الله أو إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحملكم على هؤلاء الأبعرة الحديث بتمامه في المغازي بالسند المذكور هنا، وقد فهم ابن بطال

-رحمه الله تعالى- عن البخاري أنه نحا بهذه الترجمة لجهة تعليق الطلاق قبل ملك العصمة أو الحرية قبل ملك الرقبة ونحو ذلك كأن حلف على أن لا يهب أو لا يتصدق أو لا يعتق، وهو في هذه الحالة لا يملك شيئًا من ذلك، ثم حصل له فوهب أو تصدق أو أعتق فعند جماعة الفقهاء تلزمه الكفارة كما في قصة الأشعريين، ولو حلف أن لا يهب أو لا يتصدق ما دام معدمًا وجعل العدم علة لامتناعه من ذلك، ثم حصل له مال بعد ذلك لم تلزمه كفارة إن وهب أو تصدق لأنه إنما أوقع يمينه على حالة العدم لا على حالة الوجود ولو حلف أن يعتق ما لا يملكه إن ملكه في المستقبل فقال مالك: إن عين أحدًا أو قبيلة أو جنسًا لزمه العتق وإن قال كل مملوك أملكه أبدًا حر لم يلزمه عتق وكذلك في الطلاق إن عين قبيلة أو بلدة أو صفة ما لزمه الحنث وإن لم يعين لم يلزمه. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يلزمه الطلاق والعتق عمم أو خصص وقال الشافعي لا يلزمه لا ما خص ولا ما عم. ويأتي مزيد بحث لهذا الحديث إن شاء الله تعالى في آخر هذا الباب بعون الله تعالى. 6679 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ح. وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الأَيْلِىُّ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِىَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِمَّا قَالُوا كُلٌّ حَدَّثَنِى طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ} [النور: 11] الْعَشْرَ الآيَاتِ كُلَّهَا فِى بَرَاءَتِى فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَاللَّهِ لاَ أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِى قَالَ لِعَائِشَةَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِى الْقُرْبَى} [النور: 22] الآيَةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّى لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِى فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِى كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ وَاللَّهِ لاَ أَنْزِعُهَا عَنْهُ أَبَدًا. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن عبد الله الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن صالح) أي ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (ح) لتحويل السند قال البخاري بالسند السابق أول هذا المجموع إليه. (وحدّثنا الحجاج) بن منهال قال: (حدّثنا عبد الله بن عمر النميري) بضم النون وفتح الميم قال: (حدّثنا يونس بن يزيد الأيلي) بفتح الهمزة وسكون التحتية وكسر اللام نسبة إلى مدينة إيلة على ساحل بحر القلزم (قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: سمعت عروة بن الزبير) بن العوّام (وسعيد بن المسيب) المخزومي (وعلقمة بن وقاص) الليث (وعبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بضم العين وسكون الفوقية ابن مسعود الفقيه الأعمى (عن حديث عائشة) -رضي الله عنها- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله) عز وجل (مما قالوا) بما أنزله في التنزيل (كل) من الأربعة (حدثني) بالإفراد (طائفة من الحديث) قطعة منه (فأنزل الله) عز وجل ({إن الذين جاؤوا بالإفك}) [النور: 11] والإفك أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء والمراد ما أفك به على عائشة -رضي الله عنها-، والعصبة الجماعة من العشرة إلى الأربعين واعصوصبوا اجتمعوا وقوله منكم أي من المسلمين (العشر الآيات كلها في براءتي. فقال أبو بكر الصديق) -رضي الله عنه- (وكان ينفق على مسطح لقرابته منه) وكان ابن خالته (والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا) سقط أبدًا لغير أبي ذر (بعد الذي قال لعائشة) عن عائشة من الإفك (فأنزل الله) عز وجل ({ولا يأتل}) ولا يحلف من ائتلى إذا حلف افتعال من الألية ({وأولو الفضل منكم}) في الدين ({والسعة}) في الدنيا ({أن يؤتوا}) أي لا يؤتوا ({أولي القربى}) [النور: 22] (الآية) كذا رأيته في الفرع وفي القربى وفي هامشه ما نصه في اليونينية مكتوب القربة وليس عليها تمريض ولا ضبة ومضبوطة بفتح التاء المنقلبة عن الهاء فالله أعلم أنه سهو فليحرّر اهـ. قلت وكذا رأيته في اليونينية وهذا مخالف للتلاوة وفي كثير من الأصول القربى كالتنزيل وهو الصواب (قال أبو بكر) -رضي الله عنه-: (بل والله إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفقـ) ـها (عليه وقال: والله لا أنزعها عنه أبدًا). وهذا موضع الترجمة لأن الصديق -رضي الله عنه- كان حالفًا على ترك طاعة فنهي عن الاستمرار على ما حلف عليه فيكون النهي عن الحلف على فعل المعصية أولى، والظاهر من حاله عند الحلف أن يكون قد غضب على مسطح من أجل خوضه في الإفك. 6680 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ فَوَافَقْتُهُ وَهْوَ غَضْبَانُ فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا ثُمَّ قَالَ: «وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ، فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا». وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين وسكون العين بينهما عبد الله بن عمرو المقعد التميمي المنقري مولاهم البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن القاسم) بن عاصم

19 - باب إذا قال والله لا أتكلم اليوم فصلى أو قرأ أو سبح أو كبر أو حمد أو هلل فهو على نيته

التميمي ويقال الكليني بنون بعد التحتية (عن زهدم) بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة ابن مضرب الجرمي أنه (قال: كنا عند أبي موسى الأشعري) -رضي الله عنه- (فقال أتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نفر من الأشعريين فوافقته) بالقاف بعد الفاء (وهو غضبان فاستحملناه) طلبنا أن يحملنا وأثقالنا على إبل لغزوة تجوك (فحلف) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن لا يحملنا ثم قال) أي بعد أن أتي بنهب إبل من غنيمة وأمر لهم بخمس ذود وانطلقوا فقالوا: تغفلنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه ورجعوا إليه وذكروا له ذلك وقال: إني لست أنا أحملكم ولكن الله حملكم (والله إن شاء الله لا أحلف على يمين) أي محلوف يمين (فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير) من الذي حلفت عليه (وتحللتها) بالكفارة وقوله وهو غضبان مطابق لبعض الترجمة ووافق أنه حلف على شيء ليس عنده. وقال ابن المنير: لم يذكر البخاري في الباب ما يناسب ترجمة اليمين على المعصية إلا أن يريد يمين أبي بكر على قطيعة مسطح وليست بقطيعة، بل هي عقوبة له على ما ارتكبه من المعصية بالقذف، ولكن يمكن أن يكون حلف على خلاف الأولى فإذا نهى عن ذلك حتى أحنث نفسه وفعل ما فعل على تركه فمن حلف على المعصية يكون أولى قال: ولهذا يقضى بحنث من حلف على معصية من قبل أن يفعلها فالحديث مطابق للترجمة. قال ابن بطال: لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلف حين لم يملك ظهرًا يحملهم عليه فلما طرأ الملك حملهم. قال ابن المنير: وفهم ابن بطال عن البخاري أنه نحا لجهة تعليق الطلاق قبل ملك العصمة أو الحرية قبل ملك الرقبة، والظاهر من قصد البخاري غير هذا وهو: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلف أن لا يحملهم فلما حملهم وراجعوه في يمينه قال: ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم فبين أن يمينه إنما انعقدت فيما يملكه فلو حملهم على ما يملكه لحنث وكفر ولكنه حملهم على ما لا يملك ملكًا خاصًّا وهو مال الله، وبهذا لا يكون عليه الصلاة والسلام قد حنث في يمينه. وأما قوله في عقب ذلك: لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها فتأسيس قاعدة مبتدأة كأنه يقول ولو كنت حلفت ثم رأيت ترك ما حلفت عليه خيرًا منه لأحنثت نفسي وكفرت عن يميني. قال: وهم إنما سألوه ظنًّا أنه يملك حملانًا فحلف لا يحملهم على شيء يملكه لكونه كان حينئذٍ لا يملك شيئًا من ذلك قال: ولا خلاف أن من حلف على شيء وليس في ملكه أنه لا يفعل فعلاً معلقًا بذلك الشيء مثل قوله: والله لئن ركبت هذا البعير لأفعلن ذا لبعير لا يملكه فلو ملكه وربه حنث وليس هذا من تعليق اليمين على الملك ولو قال: والله لا وهبتك هذا الطعام وهو لغيره فملكه فوهبه له فإنه يحنث ولا يجري فيه الخلاف الذي جرى في تعليق الطلاق على الملك، وإن كان ظاهر ترجمة البخاري أن من حلف على ما لا يملك مطلقًا نوى أو لم ينو ثم ملكه لم يلزمه اليمين اهـ. قال في فتح الباري: وليس ما قاله ابن بطال ببعيد بل هو أظهر أي مما قاله ابن المنير، وذلك أن الصحابة الذين سألوا الحملان فهموا أنه حلف، وأنه فعل خلاف ما حلف أنه لا يفعله فلذلك لما أمر لهم بالحملان بعد قالوا: تغفلنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه وظنوا أنه نسي حلفه الماضي فأجابه بأنه لم ينس ولكن الذي فعله خير مما حلف عليه، وأنه إذا حلف فرأى خيرًا من يمينه فعل الذي حلف أن لا يفعله وكفر عن يمينه والله الموفق. 19 - باب إِذَا قَالَ وَاللَّهِ لاَ أَتَكَلَّمُ الْيَوْمَ فَصَلَّى أَوْ قَرَأَ أَوْ سَبَّحَ أَوْ كَبَّرَ أَوْ حَمِدَ أَوْ هَلَّلَ فَهْوَ عَلَى نِيَّتِهِ وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَفْضَلُ الْكَلاَمِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ» قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: كَتَبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى هِرَقْلَ: «تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ»، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «كَلِمَةُ التَّقْوَى لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا قال) شخص (والله لا أتكلم اليوم) مثلاً (فصلّى) فرضًا أو نفلاً (أو قرأ) القرآن (أو سبح أو كبر أو حمد أو هلّل) قال: لا إله إلا الله (فهو على نيته) فإن قصد الكلام العرفي لا يحنث وإن قصد التعميم حنث فإن لم ينو فالجمهور على عدم الحنث. قال في الروضة: حلف لا يتكلم حنث بترديد الشعر على نفسه لأن الشعر كلام ولا يحنث بالتسبيح والتهليل والدعاء على الصحيح لأن اسم الكلام عند الإطلاق ينصرف إلى كلام الآدميين في محاوراتهم، وقيل يحنث لأنه يباح للجنب فهو كسائر الكلام

ولا يحنث بقراءة القرآن. وقال القفال في شرح التلخيص: لو قرأ التوراة الموجودة اليوم لم يحنث لأنا نشك في أن الذي قرأه مبدل أم لا. اهـ. وعن الحنفية يحنث، وقال ابن المنير: معنى قول البخاري فهو على نيته أي العرفية. قال: ويحتمل أن يكون مراده أنه لا يحنث بذلك إلا إن نوى إدخاله في نيته فيؤخذ منه حكم الإطلاق قال: ومن فروع المسألة لو حلف لا كلمت زيدًا ولا سلمت عليه فصلّى خلفه فسلم الإمام فسلم المأموم التسليمة التي يخرج بها من الصلاة فلا يحنث بها جزمًا بخلاف التسليمة التي يرد بها على الإمام فلا يحنث أيضًا لأنها ليست مما ينويه الناس عرفًا وفيه الخلاف اهـ. وقال النووي: ولو صلّى الحالف خلف المحلوف عليه فسبح لسهوه أو فتح عليه القراءة لم يحنث ولو قرأ آية فهم المحلوف عليه سنها مقصوده فإن قصد القراءة لم يحنث وإلاّ فيحنث. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فضل الكلام أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) أخرجه النسائي موصولاً من حديث أبي هريرة وغرض البخاري من سياق هذا التعليق بيان أن الأذكار ونحوها كلام فيحنث بها. (وقال أبو سفيان) صخر بن حرب مما سبق موصولاً في حديث هرقل في أوائل الصحيح (كتب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى هرقل: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) لفظ كلمة من باب إطلاق البعض على الكل. (وقال مجاهد) فيما وصله عبد بن حميد من طريق منصور بن المعتمر عنه موقوفًا (كلمة التقوى لا إله إلا الله) فسماها كلمة مع اشتمالها على كلمات. 6681 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «قُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب عن أبيه) المسيب بن حزن بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي المخزومي أنه (قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) له: (قل لا إله إلا الله كلمة) بالنصب من موضع لا إله إلا الله ويجوز الرفع بتقدير هو (أحاج) بضم الهمزة وفتح الحاء المهملة وبعد الألف جيم مشددة أصله أحاجج أي أظهر (لك بها) الحجة (عند الله) يوم القيامة فيه أيضًا إطلاق الكلمة على الكلام. والحديث سبق في قصة أبي طالب في آخر فضائل الصحابة. 6682 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِى الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ. سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني قال: (حدّثنا محمد بن فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة ابن غزوان بفتح المعجمة وسكون الزاي الضبي مولاهم أبو عبد الرَّحمن الكوفي قال: (حدّثنا عمارة بن القعقاع) بضم العين المهملة وتخفيف الميم والقعقاع بقافين مفتوحتين وعينين مهملتين أولاهما ساكنة ابن شبرمة بضم الشين المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة الضبي بالمعجمة والموحدة المشددة الكوفي (عن أبي زرعة) هرم البجلي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كلمتان خفيفتان على اللسان) للين حروفهما (ثقيلتان في الميزان) حقيقة إذ الأعمال عند أهل السنة تجسم حينئذٍ وفيه تحريض وتعريض بأن سائر التكاليف صعبة شاقة على النفس ثقيلة وهذه خفيفة سهلة عليها مع أنها تثقل في الميزان ثقل غيرها من التكاليف فلا تتركوها (حبيبتان إلى الرَّحمن) محبوبتان أي يحب قائلهما فيجزل له من الثواب ما يليق بكرمه (سبحان الله وبحمده) أي أنزه الله تعالى تنزيهًا عما لا يليق به سبحانه وتعالى متلبسًا بحمدي له من أجل توفيقه لي للسبيح (سبحان الله العظيم) ذكر أوّلاً لفظ الجلالة الذي هو اسم للذات المقدسة الجامعة لجميع الصفات العليا والأسماء الحسنى، ثم وصفه بالعظيم الذي هو شامل لسلب ما لا يليق به وإثبات ما يليق به إذ العظمة المطلفة الكاملة مستلزمة لعدم الشريك والتجسم ونحوه وللعلم بكل المعلومات والقدرة على كل المقدورات إلى غير ذلك، وإلاّ لم يكن عظيمًا مطلقًا وكرر التسبيح للإشعار بتنزيهه على الإطلاق وتأتي بقية مباحث ذلك إن شاء الله تعالى

20 - باب من حلف أن لا يدخل على أهله شهرا، وكان الشهر تسعا وعشرين

في آخر الكتاب بعون الله ومنه وكرمه. وسبق الحديث في كتاب الدعوات. 6683 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَلِمَةً وَقُلْتُ أُخْرَى: «مَنْ مَاتَ يَجْعَلُ لِلَّهِ نِدًّا أُدْخِلَ النَّارَ» وَقُلْتُ أُخْرَى: «مَنْ مَاتَ لاَ يَجْعَلُ لِلَّهِ نِدًّا أُدْخِلَ الْجَنَّةَ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري البصري التبوذكي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال (حدّثنا الأعمش) سليمان (عن شقيق) بفتح الشين وكسر القاف أبي وائل بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلمة وقلت) أنا (أخرى) قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من مات يجعل الله ندًّا) بكسر النون وتشديد الدال المهملة مثلاً ونظيرًا وشريكًا (أدخل النار) بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة أي وخلد فيها (وقلت) أنا كلمة (أخرى من مات لا يجعل لله فإذا أدخل الجنة) وإن دخل النار لذنب فدخوله الجنة محقق لا بدّ منه، وإنما قال: ابن مسعود ذلك لأنه إذا انتفى الشرك انتفى دخول النار بسببه. والحديث سبق في الجنائز فيه كالسابق إطلاق الكلمة على بالكلام. 20 - باب مَنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ عَلَى أَهْلِهِ شَهْرًا، وَكَانَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ (باب) حكم (من حلف أن لا يدخل على أهله) زوجته أو أعم (شهرًا) وهو في أوّل جزء منه (وكان الشهر تسعًا وعشرين) ثم دخل فإنه لا يحنث اتفاقًا فإن كان حلفه في أثناء الشهر ونقص هل يجب تلفيق الشهر ثلاثين أو يكتفي بتسع وعشرين الجمهور على الأول. 6684 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نِسَائِهِ وَكَانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ فَأَقَامَ فِى مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتَ شَهْرًا فَقَالَ: «إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى بن عمرو بن أويس قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) المدني (عن حميد) الطويل البصري مولى طلحة الطلحات (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: آلى) بمد الهمزة المفتوحة وفتح اللام مخففة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من نسائه) أي حلف لا يدخل عليهن شهرًا (وكانت انفكت رجله) الكريمة (فأقام في مشربة) بفتح الميم وسكون الشين المعجمة وضم الراء بعدها موحدة مفتوحة غرفة (تسعًا وعشرين ليلة) بأيامها (ثم نزل) عليه الصلاة والسلام من المشربة، وفي حديث أم سلمة في الصوم فلما مضى تسعة وعشرون يومًا غدا وهو بالمعجمة أي ذهب أول النهار (فقالوا): وفي مسلم فقالت عائشة: (يا رسول الله آليت) أي حلفت أن لا تدخل علينا (شهرًا فقال): (إن الشهر يكون تسعًا وعشرين) يومًا. والحديث سبق في الصوم والإيلاء. 21 - باب إِنْ حَلَفَ أَنْ لاَ يَشْرَبَ نَبِيذًا فَشَرِبَ طِلاَءً أَوْ سَكَرًا أَوْ عَصِيرًا لَمْ يَحْنَثْ فِى قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ بِأَنْبِذَةٍ عِنْدَهُ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا حلف) شخص (أن لا يشرب نبيذًا) بالذال المعجمة متخذًا من تمر أو زبيب أو نحوهما بأن وضع عليه ماء وترك حتى خرجت حلاوته أسكر أم لا (فشرب طلاء) بكسر الطاء المهملة وتخفيف اللام وبالمد ولأبي ذر عن الكشميهني الطلاء بالتعريف ما طبخ من عصير العنب زاد الحنفية وذهب ثلثه فإن ذهب نصفه فهو المنصف وإن طبخ أدنى طبخ فهو الباذق (أو) شرب (سكرًا) بفتح المهملة والكاف خمرًا معتصرًا من العنب هكذا رواه الإثبات ومنهم من يرويه بضم السين وسكون الكاف يريد حالة السكر فيجعلون التحريم للسكر لا لنفس المسكر فيبيحون قليله الذي لا يسكر والمشهور الأول (أو) شرب (عصيرًا) ما عصر من العنب (لم يحنث في قول بعض الناس) أي أبي حنيفة وأصحابه (وليست) بالفوقية بعد السين ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وليس (هذه) المذكورات الطلاء والسكر والعصير (بأنبذة عنده) عند أبي حنيفة وأصحابه لأن النبيذ في الحقيقة ما نبذ في الماء ونقع فيه ومنه سمي المنبوذ منبوذًا لأنه نبذ أي طرح واعترضه العيني بأنه يحتاج إلى دليل ظاهر أن هذا نقل عن أبي حنيفة، ولئن سلمنا ذلك فمعناه أن كل واحد من الثلاثة يسمى باسم خاص كما مرّ، وإن كان يطلق عليها اسم النبيذ في الأصل. 6685 - حَدَّثَنِى عَلِىٌّ سَمِعَ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِى حَازِمٍ، أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ صَاحِبَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْرَسَ فَدَعَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعُرْسِهِ فَكَانَتِ الْعَرُوسُ خَادِمَهُمْ فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: هَلْ تَدْرُونَ مَا سَقَتْهُ؟ قَالَ: أَنْقَعَتْ لَهُ تَمْرًا فِى تَوْرٍ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى أَصْبَحَ عَلَيْهِ فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (علي) هو ابن عبد الله المديني أنه (سمع عبد العزيز بن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي يقول (أخبرني) بالإفراد (أبي) حازم سلمة بن دينار الأعرج (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين فيهما الساعدي الأنصاري (أن أبا أسيد) بضم الهمزة وفتح السين مالك بن ربيعة الساعدي البدري (صاحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال إنه (أعرس) بهمزة مفتوحة وسكون المهملة وبعد الراء سين مهملة أيضًا أي

22 - باب إذا حلف أن لا يأتدم فأكل تمرا بخبز، وما يكون من الأدم

لما اتخذ عروسًا ولأبي ذر عن الكشميهني عرّس بتشديد الراء من غير همز (فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي وأصحابه (لعرس فكانت العروس) أي الزوجة (خادمهم) بغير مثناة فوقية يطلق على الذكر والأنثى والعروس هي أم أسيد بنت وهب بن سلامة (فقال سهل) الساعدي (للقوم) الذين حدثهم: (هل تدرون ما سقته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر عن الكشميهني ماذا سقته (قال: أنقعت له تمرًا في تور) بفتح المثناة الفوقية إناء من صفر أو حجر (من الليل حتى أصبح عليه فسقته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إياه) أي نقيع التمر وفيه الرد على بعض الناس لأنه يقتضي تسمية ما قرب عهده بالانتباذ نبيذًا، وإن خلّ شربه فالنقيع في حكم النبيذ الذي لم يبلغ السكر والعصير من العنب الذي بلغ حد السكر في معنى نبيذ التمر الذي بلغ حد السكر، والحاصل أن كل شيء يسمى في العرف نبيذًا يحنث به إلا أن ينوي شيئًا بعينه فيختص به والطلاء يطلق على المطبوخ من عصير العنب، وهذا قد ينعقد فيكون دبسًا وربًا فلا يسمى نبيذًا أصلاً وقد يستمر مائعًا ويسكر كثيره فيسمى في العرف نبيذًا، وكذلك السكر يطلق على العصير قبل أن يتخمر. والحديث سبق في باب الانتباذ من الأشربة. 6686 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما -، عَنْ سَوْدَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: مَاتَتْ لَنَا شَاةٌ فَدَبَغْنَا مَسْكَهَا ثُمَّ مَا زِلْنَا نَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى صَارَتْ شَنًّا. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا إسماعيل عن أبي خالد) سعد أو هرمز البجلي (عن الشعبي) عامر (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن سودة) بنت زمعة بن قيس (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنها (قالت: ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها) بفتح الميم وسكون السين المهملة جلدها (ثم ما زلنا ننبذ) ننقع (فيه) التمر (حتى صارت) ولأبي ذر صار (شنًّا) بفتح الشين المعجمة وتشديد النون قربة خلقة ولم يكونوا ينبذون إلا ما يحل شربه ومع ذلك كان يطلق عليه اسم النبيذ. والحديث من إفراده. 22 - باب إِذَا حَلَفَ أَنْ لاَ يَأْتَدِمَ فَأَكَلَ تَمْرًا بِخُبْزٍ، وَمَا يَكُونُ مِنَ الأُدْمِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا حلف) شخص (أن لا يأتدم فأكل تمرًا بخبز) هل يكون مؤتدمًا فيحنث أم لا (و) باب (ما يكون منه الأدم) بضم الهمزة وسكون المهملة ولغير أبي الوقت من الأدم. 6687 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) أبو أحمد البخاري البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عبد الرَّحمن بن عابس) بموحدة مكسورة وسين مهملة (عن أبيه) عابس بن ربيعة النخعي (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: ما شبع آل محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من خبز برّ مأدوم) مأكول بالأدم (ثلاثة أيام) متوالية (حتى لحق بالله) أي توفي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال في الكواكب: فإن قلت: كيف دل الحديث على الترجمة؟ وأجاب: بأنه لما كان التمر غالب الأوقات موجودًا في بيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكانوا شباعى منه علم أنه ليس أكل الخبز به ائتدامًا أو ذكر هذا الحديث في هذا الباب بأدنى ملابسة وهو لفظ المأدوم ولم يذكر غيره لأنه لم يجد حديثًا على شرطه يدل على الترجمة أو يكون من جملة تصرفات النقلة على الوجه الذي ذكروه فهي ثلاثة. وتعقبه في الفتح: بأن الثالث بعيد جدًّا والأول مباين لمراد البخاري والثاني هو المراد لكن بأن ينضم إليه ما ذكره ابن المنير وهو أنه قال: مقصود البخاري الرد على من زعم أنه لا يقال ائتدم إلا إذا أكل بما اصطبع أي بالصاد والطاء المهملتين والموحدة والغين المعجمة أي ائتدم به قال: ومناسبته لحديث عائشة أن المعلوم أنها أرادت نفي الأدام مطلقًا بقرينة ما هو معروف من شظف عيشهم فدخل فيه التمر وغيره، وتعقبه العيني فقال: لم يبين أي في الفتح المراد ما هو والحديث لا يدل أصلاً على رد الزاعم بهذا لأن لفظ مأدوم أعم من أن يكون الأدام فيه ما يصطبغ به أو لا يصطبغ به. والحديث مرّ في الأطعمة بأتم من هذا. (وقال ابن كثير) محمد أبو عبد الله العبدي البصري شيخ المؤلّف (أخبرنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا عبد الرَّحمن عن أبيه) عابس (أنه قال لعائشة) -رضي الله عنها-: (بهذا). وأشار المؤلّف بهذا الحديث

23 - باب النية فى الأيمان

إلى أن عابسًا لقي عائشة وسألها لرفع ما يتوهم في العنعنة في الطريق التي قبلها من الانقطاع. 6688 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَىْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ. فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمَّ أَرْسَلَتْنِى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَهَبْتُ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَأَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ» فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَنْ مَعَهُ: «قُومُوا» فَانْطَلَقُوا وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنَ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ، فَقَالَتِ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِىَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو طَلْحَةَ حَتَّى دَخَلاَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلُمِّى يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ» فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ قَالَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ الْخُبْزِ فَفُتَّ وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتْهُ ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ» فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلاً. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (عن مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع) عمه (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (لأم سليم) زوجته أم أنس (لقد سمعت صوت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضعيفًا أعرف فيه الجوع) وفي مسلم فوجدته قد عصب بطنه بعصابة فسألت بعض أصحابه فقالوا من الجوع (فهل عندك من شيء؟ فقالت: نعم فأخرجت أقراصًا من شعير ثم أخذت خمارًا) بكسر الخاء المعجمة أي نصيفًا (لها فلفت الخبز ببعضه) ببعض الخمار (ثم أرسلتني إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذهبت) بالخبز (فوجدت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال) لي (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أأرسلك أبو طلحة) بهمزة الاستفهام الاستخاري (فقلت نعم فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن معه قوموا فانطلقوا) ولأبي الوقت قال أي أن فانطلقوا (وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته) بمجيئهم (فقال أبو طلحة) لأمي (يا أم سليم: قد جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليس) ولأبي ذر عن الكشميهني والناس وليس (عندنا من الطعام ما نطعمهم) أي قدر ما يكفيهم (فقالت) أم سليم (الله ورسوله أعلم) بقدر الطعام فهو أعلم بالمصلحة ولو لم يعلم بالمصلحة ما فعل ذلك (فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأقبل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو طلحة معه حتى دخلا) على أم سليم (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لها: (هلمي) بفتح الهاء وضم اللام وكسر الميم مشددة هات (يا أم سليم ما عندك فأتت بذلك الخبز) الذي كانت أرسلته مع أنس (قال) أنس: (فأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك الخبز ففت) بفتح الفاء الأولى وضم الثانية وتشديد الفوقية (وعصرت أم سليم عكة لها) من جلد فيها سمن (فآدمته) بمد الهمزة المفتوحة جعلته إدامًا للمفتوت بأن خلطت ما حصل من السمن بالخبز المفتوت (ثم قال فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما شاء الله أن يقول) وعند أحمد قال: بسم الله اللهم أعظم فيه البركة (ثم قال) لأبي طلحة (ائذن لعشرة) أي من أصحابه بالدخول لأن الإناء الذي فيه الطعام لا يتحلق عليه أكثر من عشرة إلا بعسر وضرر (فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال: ائنذن لعشرة فأذن لهم فأكل القوم) ولأبي ذر فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال: (ائذن لعشرة) فأكل القوم (كلهم وشبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً) بالشك من الراوي وعند مسلم من رواية سعد بن سعيد ثم أخذ ما بقي فجمعه ثم دعا فيه بالبركة فعاد كما كان، ولا يخفى أن المراد من الحديث هنا قوله فأمر بالخبز ففت وعصرت أم سليم عكة لها فآدمته. وفي حديث أبي داود والترمذي بسند حسن عن يوسف بن عبد الله بن سلام رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة وقال: هذه إدام هذه. قال ابن المنير: قصة أم سليم هذه ظاهرة المناسبة لأن السمن اليسير الذي فضل في قعر العكة لا تصطبغ به الأقراص التي فتتها وإنما غايته أن يصير في الخبز من طعم السمن فأشبه ما إذا خالط التمر عند الأكل ويؤخذ منه أن كل شيء يسمى عند الإطلاق إدامًا فإن الحالف أن لا يأتدم يحنث إذا أكله مع الخبز وهذا قول الجمهور. والحديث علم من أعلام النبوّة وفيه منقبة لأم سليم وسبق في علامات النبوّة. 23 - باب النِّيَّةِ فِى الأَيْمَانِ (باب النية في الأيمان) بفتح الهمزة لا بالكسر. 6689 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (قال: سمعت يحيى بن سعيد) الأنصاري (يقول: أخبرني) بالتوحيد (محمد بن إبراهيم) التيمي (أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):

(إنما الأعمال بالنية) بالإفراد وأفردها لأن المصدر المفرد يقوم مقام الجمع، وإنما يجمع لاختلاف الأنواع وأصلها نوية فقلبت الواو ياء ثم أدغمت في الياء بعدها وجملة إنما في محل مفعول بالقول وجملة سمعت مثلها ليقول وسمع من الأفعال الصوتية إن تعلق بالأصوات تعدى إلى مفعول واحد وإن تعلق بالذوات تعدى إلى اثنين. الثاني: جملة مصدرة بفعل مضارع من الأفعال الصوتية هذا اختيار الفارسي ومن وافقه، واختار ابن مالك ومن وافقه أن تكون الجملة الفعلية في محل حال إن كان المتقدم معرفة كما وقع هنا أو صفة إن كان المتقدم نكرة قالوا: ولا يجوز سمعت زيدًا يضرب أخاك وإن تعدى إلى ذات لعدم المسموع نعم قد يجوز بتقدير سمعت صوت ضرب زيد وقد الممت بشيء من هذا المبحث أوّل الكتاب وذكرته هنا لبعد العهد به والألف واللام في الأعمال للعهد أي العبادات المفتقرة إلى نيّة فيخرج من ذلك نحو إزالة النجاسة والتروكات كلها والأعمال مبتدأ بتقدير مضاف أي إنما صحة الأعمال والخبر والاستقرار الذي يتعلق به حرف الجرّ والباء في بالنية للتسبب أي إنما الأعمال ثابت ثوابها بسبب النيات، ويحتمل أن تكون للإلصاق لأن كل عمل تلتصق به نيته (وإنما لامرئ) رجل أو امرأة (ما نوى) وفي رواية لكل امرئ، وما موصولة بمعنى الذي وجملة نوى صلة لا محل لها والعائد ضمير مفعول محذوف تقديره ما نواه وإنما حذف لأنه ضمير منصوب متصل بالفعل ليس في الصلة ضمير غيره، ويجوز أن تكون ما موصوفة فيكون التقدير وإنما لامرئ جزاء شيء نواه فترجع الصلة صفة والعائد على حاله، ويجوز أن تكون مصدرية حرفًا على المختار فلا تحتاج إلى عائد على الصحيح والتقدير لكل امرئ جزاء نيته والفاعل المقدر في نوى ضمير مرفوع متصل مستتر تقديره لكل امرئ الذي نواه هو. (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله) ولأبي ذر: وإلى رسوله من شرطية موضعها رفع بالابتداء وبنيت لتضمنها معنى حرف الشرط وخبرها في فعلها وقيل في جوابها وقيل حيث كان الضمير العائد وقيل في فعلها وجوابها معًا وكان ناقصة اسمها هجرته أي في تبين أو ظهر في الوجود أن هجرته لله وإلى لانتهاء الغاية أي إلى رضا الله ورسوله (فهجرته إلى الله ورسوله) ولأبي ذر وإلى رسوله الفاء سببية وهي جواب الشرط وجواب الشرط إذا كان جملة اسمية فلا بد من الفاء أو إذا كقوله تعالى {وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون} [الروم: 36] وقاعدة الشرط وجوابه اختلافهما فيكون الجزاء غير الشرط نحو من أطاع أثيب ومن عصى عوقب ووقع هنا جملة الشرط هي جملة الجزاء بعينها فهي بمثابة قولك من أكل أكل ومن شرب شرب وذلك غير مفيد لأنه من تحصيل الحاصل. وأجيب: بأنه وإن اتحدا في اللفظ لم يتحدا في المعنى، والتقدير فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله قصدًا فهجرته إلى الله ورسوله ثوابًا وأجرًا قال ابن مالك من ذلك قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث حذيفة ولو مت مت على غير الفطرة وجاز ذلك لتوقف الفائدة على الفضلة ومنه قوله تعالى {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} [الإسراء: 7] فلولا قوله في الأوّل على غير الفطرة وفي الثاني لأنفسكم ما صح ولم يكن في الكلام فائدة. (ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) فهجرته جواب الشرط ولم يقل فهجرته إلى دنيا كما قال في الشرط والجزاء الأوّل إشارة إلى تحقير الدنيا. قال في الفتح: ومناسبة ذكر الحديث هنا أن اليمين من جملة الأعمال فيستدل به على تخصيص الألفاظ بالنية زمانًا ومكانًا وإن لم يكن في اللفظ ما يقتضي ذلك فمن حلف أن لا يدخل دار زيد في شهر أو سنة مثلاً أو حلف أن لا يكلم زيدًا مثلاً، وأراد في منزله دون غيره فلا يحنث إذا دخل بعد شهر أو سنة في الأولى ولا إذا كلمه في دار أخرى في الثانية ولو أحلفه الحاكم على حق ادّعى عليه به انعقدت يمينه على ما نواه الحاكم ولا تنفعه التورية اتفاقًا فإن حلف بغير استحلاف حاكم نفعته التورية لكنه إن

24 - باب إذا أهدى ماله على وجه النذر والتوبة

أبطل بها حق غيره أثم وإن لم يحنث ولو حلف بالطلاق نفعته التورية وإن حلفه الحاكم لأن الحاكم ليس له أن يحلفه بذلك قاله النووي والحديث سبق في مواضع. ولما فرغ من ذكر الإيمان شرع يذكر أبواب النذور فقال: 24 - باب إِذَا أَهْدَى مَالَهُ عَلَى وَجْهِ النَّذْرِ وَالتَّوْبَةِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا أهدى) شخص (ماله) أي تصدق به (على وجه النذر والتوبة) بالمثناة الفوقية والموحدة المفتوحتين بينهما واو ساكنة وللكشميهني والقربة بالقاف المضمومة والراء الساكنة بدل الفوقية والواو والجواب محذوف تقديره هل ينفذ ذلك إذا أنجزه أو علقه والنذر بالذال المعجمة هو لغة الوعد بشرط أو التزام ما ليس بلازم أو الوعد بخير أو شر وشرعًا التزام قربة لم تتعين وأركانه صيغة ومنذور وناذر وشرطه في الناذر إسلام واختيار ونفوذ تصرف فيما ينذره فيصح من السكران لا من الكافر لعدم أهليته للقربة ولا من مكره ولا ممن لا ينفذ تصرفه. وفي الصيغة لفظ يشعر بالالتزام كلّله عليّ كذا أو عليّ كذا كعتق وصوم وصلاة فلا يصح إلا بالنية كسائر العقود، وفي النذور كونه قربة لم تتعين نفلاً كانت أو فرض كفاية لم يتعين كعتق وعبادة فلو نذر غير القربة من واجب عيني كصلاة الظهر مثلاً أو معصية كشرب خمر أو مكروه صوم الدهر لمن خاف به الضرر أو فوت حق أو مباح كقيام وقعود سواء نذر فعله أو تركه لم يصح نذره ولم يلزمه بمخالفته كفارة والنذر ضربان نذر لجاج وهو التمادي في الخصومة ويسمى نذر اللجاج والغضب بأن يمنع نفسه أو غيرها من شيء أو يحث عليه أو يحقق خبرًا غضبًا بالتزام قربة كإن كلمته أو إن لم أكلمه أو إن لم يكن الأمر كما قلته فعليَّ كذا، وفيه عند وجود الصفة ما التزمه أو كفارة يمين ونذر تبرر بأن يلتزم قربة بلا تعليق كعليّ كذا، وكقول من شفي من مرضه لله عليّ كذا لما أنعم الله عليّ من شفائي من مرضي أو يتعلق بحدوث نعمة أو ذهاب نقمة كإن شفى الله مريضي فعليّ كذا فيلزمه ذلك حالاً إن لم يعلقه أو عند وجود الصفة إن علقه. 6690 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِىَ - قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فِى حَدِيثِهِ: {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118] فَقَالَ فِى آخِرِ حَدِيثِهِ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِى أَنِّى أَنْخَلِعُ مِنْ مَالِى صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن صالح) المصري المعروف بابن الطبراني كان أبوه من طبرستان قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبد الرَّحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك) الأنصاري أبو الخطاب المدني ولأبي ذر كما في اليونينية أخبرني عبد الرَّحمن بن عبد الله عن عبد الله بن كعب بن مالك (وكان) عبد الله (قائد كعب) أبيه (من) بين (بنيه حين عمي) وكان بنوه أربعة عبد الله وعبد الرَّحمن ومحمد وعبيد الله (قال: سمعت) أبي (كعب بن مالك في حديثه) الطويل في قصة تخلفه عن غزوة تبوك السوق هنا مختصرًا ({وعلى الثلاثة الذين خلفوا}) [التوبة: 118] (فقال في آخر حديثه إنّ من) شكر (توبتي أن أنخلع) أي أن أعرى (من مالي) كما يعرى الإنسان إذا خلع ثوبه (صدقة إلى الله ورسوله) إلى بمعنى اللام أي صدقة خالصة لله ورسوله أو تتعلق بصفة مقدّرة أي صدقة واصلة إلى الله أي إلى ثوابه وجزائه وإلى رسوله أي إلى رضاه وحكمه وتصرفه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (امسك) بكسر المهملة (عليك بعض مالك فهو خير لك) فى سنن أبي داود من توبتي إلى الله أن أخرج من مالي كله إلى الله وإلى رسوله صدقة قال: لا. قلت فثلثه قال: نعم والضمير عائد على المصدر المستفاد من أمسك أي إمساكك بعض مالك خير لك من أن تتضرر بالفقر والفاء في فهو جواب شرط مقدّر أي أن تمسك فهو خير لك. واستشكل إيراد هذا الحديث في النذور لأن كعبًا لم يصرح بلفظ النذر ولا بمعناه والانخلاع الذي ذكره ليس بظاهر في صدور النذر منه، وإنما الظاهر أنه يؤكد أمر توبته بالتصدق بجميع ماله شكرًا لله تعالى على ما أنعم به عليه. وأجيب: بأن المناسبة للترجمة أن معنى الترجمة أن من أهدى أو تصدق بجميع ماله إذا تاب من ذنب أو إذا نذر هل ينفذ ذلك إذ أنجزه أو علقه. وقصة كعب هذه منطبقة على التنجيز لكنه لم يصدر منه تنجيز وإنما استشار

25 - باب إذا حرم طعامه

فأشير عليه فإمساك البعض، واختلف في هذه المسألة فقيل يلزمه الثلث إذا نذر التصدق بجميع ماله، وقيل يلزمه جميع ماله، وقيل إن علقه بصفة فالقياس إخراجه كله قاله أبو حنيفة، وقال إن كان نذر تبرر كإن شفى الله مريضي لزمه كله وإن كان لجاجًا وغضبًا فهو بالخيار بين أن يفي بذلك كله أو يكفر كفارة يمين وهو قول الشافعي. 25 - باب إِذَا حَرَّمَ طَعَامَهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِى مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 1، 2] وَقَوْلُهُ: {لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87]. هذا (باب) بالتنوين (إذا حرم) شخص (طعامه) ولأبي ذر طعامًا كأن يقول طعام كذا حرام عليّ أو نذرت لله أو لله عليّ أن لا آكل كذا أو لا أشرب كذا وهذا من نذر اللجاج والراجح عدم الانعقاد إلا أن قرنه بحلف فيلزمه كفارة يمين. (وقوله تعالى: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك}) من شرب العسل أو مارية القبطية ({تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم}) قال في فتوح الغيب. تبتغي إما تفسير لتحرم أو حال أو استئناف والفرق أنه على التفسير ابتغاء مرضاتهنّ عين التحريم ويكون هو المنكر وإنما ذكر التحريم للإبهام تفخيمًا وتهويلاً فإن ابتغاء مرضاتهنّ عين التحريم ويكون هو المنكر وإنما ذكر التحريم للإبهام تفخيمًا وتهويلاً فإن ابتغاء مرضاتهن من أعظم الشؤون وعلى الحال الإنكار وارد على المجموع دفعة واحدة، ويكون هذا التقييد مثل التقييد في قوله {لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة} [آل عمران: 130] وعلى الاستئناف لا يكون الثاني عين الأول لأنه سؤال عن كيفية التحريم كأنه لما قيل له {لم تحرم ما أحل الله لك} قال: كيف أحرّم؟ فأجيب تبتغي مرضاة أزواجك وفيه تكرير الإنكار والتفسير الأول يعني التفسير هو التفسير لما جمع من التفخيم والتعظيم ولذلك أردفه بقوله: ({والله غفور رحيم}) جبرانًا له. فإن قلت: تحريم ما أحل الله غير ممكن فكيف قال لم تحرم ما يحل الله لك؟ أجيب بأن المراد بهذا التحريم هو الامتناع من الانتفاع لا اعتقاد كونه حرامًا بعدما أحله الله ({قد فرض الله لكم}) أي بين الله لكم ({تحلة أيمانكم}) [التحريم: 1، 2] بالكفاءة أو شرع لكم الاستثناء في أيمانكم وذلك أن يقول إن شاء الله عقبها حتى لا يحنث وسقط لأبي ذر من قوله {والله غفور رحيم} الخ. (وقوله) تعالى: ({لا تحرّموا طيبات ما أحل الله لكم}) [المائدة: 87] ما طاب ولذ من الحلال أي لا تمنعوا أنفسكم كمنع التحريم أو لا تقولوا حرمناها على أنفسنا مبالغة منكم في العزم على تركها تزهدًا منكم وتقشفًا. 6691 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَزْعُمُ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلاً، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلْتَقُلْ: إِنِّى أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «لاَ بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ» فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} [التحريم: 4] لِقَوْلِهِ «بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً». وَقَالَ لِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ «وَلَنْ أَعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلَفْتُ فَلاَ تُخْبِرِى بِذَلِكَ أَحَدًا». وبه قال: (حدّثنا الحسن بن محمد) أي ابن الصباح الزعفراني قال: (حدّثنا الحجاج بن محمد) المصيصي (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه (قال: زعم عطاء) هو ابن أبي رباح (أنه سمع عبيد بن عمير) بالتصغير فيهما الليثي (يقول: سمعت عائشة) -رضي الله عنها- (تزعم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يمكث عند) أم المؤمنين (زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلاً فتواصيت أنا وحفصة) أم المؤمنين بنت عمر (أن أيتنا) ولأبي ذر أن بتخفيف النون أيتنا بالرفع (دخل عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلتقل) له (إني أجد منك ريح مغافير) بفتح الميم والغين المعجمة وبعد الألف فاء مكسورة فتحتية ساكنة فراء صمغ له رائحة كريهة ينضجه شجر يسمى العرفط (أكلت مغافير) استفهام محذوف الأداة (فدخل على إحداهما) قال ابن حجر: لم أقف على تعيينها ويحتمل أن تكون حفصة (فقالت ذلك له) أي إني أجد منك ريح مغافير أكلت مغافير (فقال) عليه الصلاة والسلام: (لا) ما أكلت مغافير وكان يكره الرائحة الخبيثة (بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود له فنزلت {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} {إن تتوبا إلى الله}) [التحريم: 1 - 4] خطاب (لعائشة وحفصة) على طريق الالتفات ليكون أبلغ في معاتبتهما وجواب الشرط محذوف والتقدير إن تتوبا إلى الله فهو الواجب ({وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه}) حفصة ({حديثًا}) [التحريم: 3] سقط قوله حديثًا من اليونينية وثبت في غيرها (لقوله) عليه الصلاة والسلام (بل شربت عسلاً) أي الحديث المسر كان ذلك القول قال البخاري بالسند إليه: (وقال لي إبراهيم بن موسى): أبو إسحاق الرازي الصغير وسبق في التفسير بلفظ حدّثنا إبراهيم بن موسى (عن هشام) أي ابن يوسف عن ابن جريج بالسند المذكور إلى قوله: (ولن أعود له) للشرب فزاد قوله (وقد حلفت)

26 - باب الوفاء بالنذر

على عدم شرب العسل (فلا تخبري بذلك أحدًا). وسبق الحديث في الطلاق بعين هذا الإسناد والمتن. 26 - باب الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7]. (باب) حكم (الوفاء بالنذر) أي فعله (وقوله) تعالى ({يوفون بالنذر} [الإنسان: 70] أي بما أوجبوا على أنفسهم مبالغة في وصفهم بالتوفر على أداء الواجبات لأن من وفى بما أوجبه هو على نفسه لوجه الله كان بما أوجبه الله عليه أوفى ويؤخذ منه أن الوفاء بالنذر قربة للثناء على فاعله لكنه مخصوص بنذر التبرر. 6692 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْحَارِثِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: أَوَلَمْ يُنْهَوْا عَنِ النَّذْرِ؟ إِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ النَّذْرَ لاَ يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلاَ يُؤَخِّرُ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنَ الْبَخِيلِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن صالح) الوحاظي بضم الواو وفتح الحاء المهملة المخففة وبعد الألف ظاء معجمة مكسورة قال: (حدّثنا فليح بن سليمان) بضم الفاء وفتح اللام آخره حاء مهملة قال (حدّثنا سعيد بن الحارث) الأنصاري قاضي المدينة (أنه سمع ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: أو لم ينهوا عن النذر) بضم التحتية وفتح الهاء وفيه حذف ذكره الحاكم في المستدرك من طريق المعافى بن سليمان، والإسماعيلي من طريق أبي عامر العقدي ومن طريق أبي داود واللفظ له قالا: حدّثنا فليح عن سعيد بن الحارث قال: كنت عند ابن عمر فأتاه مسعود بن عمرو أحد بني عمرو بن كعب فقال: يا أبا عبد الرَّحمن إن ابني كان مع عمر بن عبيد الله بن معمر بأرض فارس فوقع فيها وباء وطاعون شديد فجعلت على نفسي لئن الله سلم ابني ليمشين إلى بيت الله تعالى فقدم علينا وهو مريض ثم مات فما تقول؟ فقال ابن عمر: أو لم تنهوا عن النذر ثم قال: (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن النذر لا يقدم شيئًا) من قدر الله ومشيئته (ولا يؤخر) بحذف ضمير النصب أي لا يؤخره (وإنما يستخرج بالنذر من البخيل) أي لا يأتي بهذه القربة تطوعًا ابتداء بل مقابلة لشفاء المريض ونحوه ذكره النووي وغيره، والحديث من أفراده. 6693 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ النَّذْرِ وَقَالَ: «إِنَّهُ لاَ يَرُدُّ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ». وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان الكوفي سكن مكة قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر أنه قال: (أخبرنا عبد الله بن مرة) بضم الميم وتشديد الراء الخارفي بالخاء المعجمة والراء والفاء الهمداني بسكون الميم الكوفي (عن عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- أنه قال: (نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن النذر) أي عن عقد النذر (وقال): (إنه لا يرد شيئًا) تعليل للنهي وصرح في هذا الحديث بالنهي بخلاف السابق وهل النهي للتحريم على الأصل أو لا فمنهم من تأوّله على الكراهة لأنه لو كان المراد به التحريم لبطل حكمه وسقط لزوم الوفاء به لأنه بالنهي للتحريم يصير معصية ولا يلزم وأيضًا فلو كان كذلك ما أمر الله أن يوفى به، ولأحمد به فاعله لكنه ورد النهي عنه تعظيمًا لشأنه لئلا يستهان به فيفرط في الوفاء به، وحمله القرطبي على التحريم في حق من يخاف عليه أن يعتقد أن النذر يوجب ذلك الغرض أو أن الله تعالى يفعله لذلك قال: والأول يقارب الكفر، والثاني خطأ صراح وأما من لا يعتقد ذلك فهو محمول على التنزيه فيكون مكروهًا وهو ما نص عليه الشافعي، لكن قال القاضي حسين والمتولي والغزالي والرافعي: إنه قربة لقوله تعالى {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر} [البقرة: 27] الآية. ولأنه وسيلة إلى القربة فيكون قربة. قال في الفتح: وذهب أكثر الشافعية ونقله أبو علي السنجي عن نص الشافعي إلى أنه مكروه لثبوت النهي عنه، وكذا نقل عن المالكية وجزم به عنهم ابن دقيق العيد، وأشار ابن العربي إلى الخلاف عنهم والجزم عن الشافعية بالكراهة قال: واحتجوا بأنه ليس طاعة محضة لأنه لم يقصد به خالص القربة وإنما قصد أن ينفع نفسه أو يدفع عنها ضررًا بما التزم وجزم الحنابلة بالكراهة وعندهم رواية في أنها كراهة تحريم وتوقف بعضهم في صحتها انتهى. والذي رأيته في شرح مختصر الشيخ خليل للشيخ بهرام المالكي: إن النذر المطلق وهو الذي يوجبه الإنسان على نفسه ابتداء شكرًا له تعالى مندوب قال ابن رشد: وهو مذهب مالك، وأما المكرر وهو ما إذا نذر صوم كل خميس أو كل اثنين أو نحو ذلك فمكروه قال في المدونة: مخافة التفريط في الوفاء به واختلف في النذر المعلق في شرط كقوله إن شفى الله مريضي أو نجاني من كذا أو رزقني كذا فعليّ المشي إلى مكة أو صدقة كذا أو نحو

27 - باب إثم من لا يفى بالنذر

ذلك هل هو مكروه، وإليه ذهب الباجي وابن شاس وغيرهما أو لا وإليه ذهب صاحب البيان انتهى. وفرق بغضهم بين نذر اللجاج والغضب فحمل النهي الوارد عليه وبين نذر التبرر إذ هو كما مرّ وسيلة إلى طاعة وإذا كانت وسيلة الطاعة فيشكل القول بالكراهة على ما لا يخفى، ويحتمل أن يكون سبب ذلك أن الناذر لما لم يبذل القربة إلا بشرط أن يفعل له ما يريد صار كالمعارضة التي تقدح في نيّة المتقرب ويشير إلى هذا التأويل قوله إنه لا يرد شيئًا (ولكنه يستخرج به) أي بالنذر (من البخيل ما لم يكن يريد أن يخرجه). والحديث مضى في القدر. 6694 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَأْتِى ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَىْءٍ لَمْ يَكُنْ قُدِّرَ لَهُ، وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إِلَى الْقَدَرِ قَدْ قُدِّرَ لَهُ فَيَسْتَخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ فَيُؤْتِى عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُؤْتِى عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يأتي ابن آدم النذر بشيء) بنصب ابن على المفعولية والنذر بالرفع على الفاعلية (لم يكن قدر له) بضم القاف مبنيًّا للمفعول والجملة صفة لقوله بشيء وفي نسخة بغير الفرع وعليها شرح في فتح الباري وهو في اليونينية لأبي ذر لم أكن قدرته قال: وهذا من الأحاديث القدسية لكن سقط منه التصريح بنسبته إلى الله تعالى (ولكن يلقيه النذر إلى القدر قد قدر له) بضم القاف وكسر المهملة المشددة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر قدرته له (فيستخرج الله به) بالنذر (من البخيل) فيه التفات على رواية لم أكن قدرته إذ كان نسق الكلام أن يقال فأستخرج به ليوافق قوله قدرته (فيؤتي) بكسر المثناة الفوقية، ولأبي ذر: فيؤتيني وله عن الحموي والمستملي يؤتيني بحذف الفاء وله أيضًا عن الكشميهني يؤتني بحذف الياء للجزم بدل من قوله يكن المجزوم بلم أي يعطني (عليه) أي على ذلك الأمر الذي بسببه نذر كالشفاء (ما لم يكن يؤتى) يعطي (عليه من قبل) أي من قبل النذر. 27 - باب إِثْمِ مَنْ لاَ يَفِى بِالنَّذْرِ (باب إثم من لا يفي بالنذر) قال في الفتح وسقط لغير أبي ذر لفظ إثم: 6695 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنِى أَبُو جَمْرَةَ، حَدَّثَنَا زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُكُمْ قَرْنِى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَالَ عِمْرَانُ: لاَ أَدْرِى ذَكَرَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا بَعْدَ قَرْنِهِ: «ثُمَّ يَجِىءُ قَوْمٌ يَنْذُرُونَ وَلاَ يَفُونَ، وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ، وَيَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (عن يحيى) القطان ولأبي ذر عن يحيى بن سعيد (عن شعبة) بن الحجاج أنه قال: (حدثني) بالإفراد (أبو جمرة) بالجيم والراء المفتوحة بينهما ميم ساكنة نصر بن عمران قال: (حدّثنا زهدم بن مضرب) بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة بعدها ميم ومضرب بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وكسر الراء المشددة بعدها موحدة (قال: سمعت عمران بن حصين) الخزاعي أسلم مع أبي هريرة وكانت الملائكة تسلم عليه -رضي الله عنه- (يحدّث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (خيركم) أهل (قرني) الذين أنا فيهم وهم الصحابة (ثم الذين يلونهم) وهم التابعون (ثم الدين يلونهم) وهم أتباع التابعين (قال عمران) بن حصين -رضي الله عنه-: (لا أدري ذكر) عليه الصلاة والسلام (ثنتين أو ثلاثًا) ولأبي ذر اثنتين أو ثلاثة (بعد قرنه ثم يجيء قوم ينذرون) بفتح أوّله وكسر المعجمة وضمها (ولا يفون) بفتح التحتية بالنذر ولأبي ذر عن الكشميهني يوفون بضم أوّله وواو قبل الفاء (ويخونون ولا يؤتمنون) لأنهم يخونون خيانة ظاهرة بحيث لا يأمنهم أحد بعد ذلك (ويشهدون ولا يستشهدون) أي يتحملون الشهادة بدون التحميل أو يؤدّونها بدون الطلب (ويظهر فيهم السمن) بكسر المهملة وفتح الميم يتكثرون بما ليس فيهم من الشرف أو يجمعون الأموال أو يغفلون عن أمر الدين أو هو على حقيقته في معناه لكن إذا كان مكتسبًا لا خلقيًّا. والحديث سبق في الشهادات وفضائل الصحابة والرقاق. 28 - باب النَّذْرِ فِى الطَّاعَةِ {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [البقرة: 270] (باب) حكم (النذر في الطاعة) وقوله تعالى ({وما أنفقتم من نفقة}) في سبيل الله أو في سبيل الشيطان ({أو نذرتم من نذر}) في طاعة الله أو معصيته ({فإن الله يعلمه}) لا يخفى عليه وهو مجازيكم عليه. والجملة جواب الشرط إن كانت ما شرطية أو زائدة في الخبر إن كانت موصولة ووحد الضمير في قوله يعلمه والسابق شيئان النفقة والنذر لأن العطف بأو وهي لأحد الشيئين تقول زيد أو عمرو

29 - باب إذا نذر أو حلف أن لا يكلم إنسانا فى الجاهلية ثم أسلم

أكرمته ولا يجوز كرمتهما بل يجوز أن تراعي الأول نحو زيد أو هند منطلق أو الثاني نحو زيد أو هند منطلقة، والآية من هذا ولا يجوز أن تقول منطلقان ({وما للظالمين}) الذين يمنعون الصدقات أو ينفقون أموالهم في المعاصي أو ينذرون في المعاصي أو لا يفون بالنذور ({من أنصار}) [البقرة: 270] من ينصرهم من الله ويمنعهم من عقابه وسقط لأبي ذر قوله {فإن الله يعلمه} إلى آخر الآية. 6696 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ». [الحديث 6696 - طرفه في 6700]. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا مالك) إمام دار الهجرة (عن طلحة بن عبد الملك) الأيلي بفتح الهمزة وسكون التحتية (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- (عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من نذر أن يطيع الله) عز وجل كأن يصلّي الظهر مثلاً في أول وقته أو يصوم نفلاً كيوم الخميس ونحوه من المستحب من العبادات البدنية والمالية (فليطعه) بالجزم جواب الشرط والأمر للوجوب ومقتضاه أن المستحب ينقلب بالنذر واجبًا ويتقيد بما قيده به الناذر (ومن نذر أن يعصيه) ولأبي ذر: أن يعصي الله كشرب الخمر (فلا يعصه) والمعنى من نذر طاعة الله وجب عليه الوفاء بنذره ومن نذر أن يعصيه حرم عليه الوفاء بنذره لأن النذر مفهومه الشرعي إيجاب المباح وهو إنما يتحقق في الطاعات، وأما المعاصي فليس فيها شيء مباح حتى يجب بالنذر فلا يتحقق فيها النذر. والحديث أخرجه أبو داود في النذر وكذا الترمذي والنسائي وأخرجه ابن ماجة في الكفارات. 29 - باب إِذَا نَذَرَ أَوْ حَلَفَ أَنْ لاَ يُكَلِّمَ إِنْسَانًا فِى الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا نذر) شخص (أو حلف أن لا يكلم إنسانًا في الجاهلية) قبل الإسلام (ثم أسلم) الناذر هل يجب عليه الوفاء أو لا؟ 6697 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى نَذَرْتُ فِى الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا عبيد الله بن عمر) بضم العين فيهما العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر أن) أباه (عمر) -رضي الله عنهما- (قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية) أي الحال التي كنت عليها قبل الإِسلام من الجهل بالله ورسوله وشرائع الدين وغير ذلك (أن أعتكف) أي الاعتكاف (ليلة) لا يعارضه رواية يوفما لأن اليوم يطلق على مطلق الزمان ليلاً كان أو نهارًا أو أن النذر كان ليوم وليلة، ولكن يكتفى بذكر أحدهما عن ذكر الآخر فرواية يوم أي بليلته ورواية ليلة أي مع يومها، فعلى الأول يكون حجة على من شرط الصوم في الاعتكاف لأن الليل ليس محلاًّ للصوم (في المسجد الحرام) حول الكعبة ولم يكن إذ ذاك جدار يحوط عليها (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (أوف بنذرك) بفتح الهمزة وهذا تمسك به من قال بصحة نذر الكافر ومن منع وهو الصحيح يحمل الحديث على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يأمره بالاعتكاف إلا تشبيهًا بما نذر لا عين ما نذر وتسميته بالنذر من مجاز التشبيه أو من مجاز الحذف. والحديث سبق في آخر الاعتكاف وسبق في غزوة حنين تعيين زمن سؤال عمر ولفظه لما قفلنا من حنين سأل عمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن نذر كان نذره في الجاهلية اعتكاف وفي فرض الخمس قال عمر: فلم أعتكف حتى كان بعد حنين. 30 - باب مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ وَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَةً جَعَلَتْ أُمُّهَا عَلَى نَفْسِهَا صَلاَةً بِقُبَاءٍ فَقَالَ: صَلِّى عَنْهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. (باب) حكم (من مات وعليه نذر) هل يقضى عنه أم لا (وأمر ابن عمر) -رضي الله عنهما- (امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة بقباء) بالصرف (فقال) لها: (صلي عنها. وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- (نحوه) أي نحو قول ابن عمر مما وصله مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمته أنها حدثته عن جدته أنها كانت جعلت على نفسها مشيًا إلى مسجد قباء فماتت ولم تقضه فأتى عبد الله بن عباس ابنتها أن تمشي عنها. وأخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال مرة عن ابن عباس قال: إذا مات وعليه نذر قضى عنه وليه، ومن طريق عون بن عبد الله بن عتبة أن امرأة نذرت أن تعتكف عشرة أيام فماتت ولم تعتكف فقال ابن عباس: اعتكفي عن أمك، لكن في الموطأ قال مالك: إنه بلغه أن ابن عمر كان يقول: لا يصلّي أحد عن أحد

31 - باب النذر فيما لا يملك وفى معصية

ولا يصوم أحد عن أحد، وأخرج النسائي نحوه عن ابن عباس وجمع بأن الإِثبات في حق من مات والنفي في حق الحيّ. 6698 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ الأَنْصَارِىَّ اسْتَفْتَى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ، فَأَفْتَاهُ أَنْ يَقْضِيَهُ عَنْهَا فَكَانَتْ سُنَّةً بَعْدُ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) ولأبي ذر زيادة ابن عتبة (أن عبد الله بن عباس) -رضي الله عنهما- (أخبره أن سعد بن عبادة الأنصاري) -رضي الله عنه- (استفتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نذر كان على أمه) عمرة (فتوفيت قبل أن تقضيه) والنذر المذكور قيل كان صيامًا وقيل كان عتقًا وقيل صدقة وقيل نذرًا مطلقًا أو كان معينًا عند سعد (فأفتاه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن يقضيه عنها) قال الزهري (فكانت سنة بعد) أي صار قضاء الوارث ما على الموروث طريقة شرعية وهو أعم من أن يكون وجوبًا أو ندبًا كذا قاله في الفتح تبعًا للكواكب. قال العيني: معنى التركيب ليس كذلك وإنما معناه فكانت فتوى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سنة يعمل بها بعد إفتائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك، والضمير في كانت يرجع إلى الفتوى بدليل قوله فأفتاه وهو من قبيل قوله {اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8] أي فإن العدل يدل عليه قوله اعدلوا والجمهور على أن من مات وعليه نذر ماليّ أنه يجب قضاؤه من رأس ماله وإن لم يوص إلا إن وقع النذر في مرض الموت فيكون من الثلث، ويحتمل أن يكون سعد قضى نذر أمه من تركتها إن كان ماليًا أو تبرع به. والحديث يأتي في الحيل أيضًا إن شاء الله تعالى. 6699 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أُخْتِى نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ»؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَاقْضِ اللَّهَ فَهْوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة جعفر بن أبي وحشية إياس اليشكري أنه (قال: سمعت سعيد بن جبير) يحدث (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أتى رجل) هو عقبة بن عامر الجهني -رضي الله عنه- (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال له): يا رسول الله (إن أختي) لم تسم (نذرت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قد نذرت (أن تحج وإنها ماتت) ولم تف بنذرها (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو كان عليها دين) لمخلوق (أكنت قاضيه)؟ عنها (قال: نعم قال: فاقض الله) حقه (فهو أحق بالقضاء). من الخلق وسبق في باب الحج عن الميت بلفظ أنّ امرأة قالت إن أمي نذرت الخ ولا منافاة لاحتمال وقوع الأمرين معًا كما قاله الكرماني وسبق ذلك في الباب المذكور. 31 - باب النَّذْرِ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ وَفِى مَعْصِيَةٍ (باب) حكم (النذر فيما لا يملك) الناذر (و) حكم النذر (في معصية) ولأبي ذر عن المستملي ولا في معصية. 6700 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد البصري (عن مالك) الإمام (عن طلحة بن عند الملك) الأيلي (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من نذر أن يطيع الله) عز وجل (فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه). فيه دليل على أن من نذر طاعة يلزمه الوفاء به ولا يلزمه الكفارة فلو نذر صوم العيد لا يجب عليه شيء ولو نذر نحر ولده فباطل وإليه ذهب مالك والشافعي فأما إذا نذر مطلقًا كان قال: علي نذر ولم يسم شيئًا فعليه كفارة اليمين وكذا إن نذر شيئًا لم يطقه. ومطابقة الحديث للترجمة في الجزء الثاني لا في الأول، وقبل يؤخذ وسبق الحديث قريبًا. 6701 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ». وَرَآهُ يَمْشِى بَيْنَ ابْنَيْهِ. وَقَالَ الْفَزَارِىُّ: عَنْ حُمَيْدٍ حَدَّثَنِى ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن حميد) الطويل البصري (عن ثابت) البناني ولأبي ذر حدثني بالإفراد ثابت (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) لشيخ قيل هو أبو إسرائيل كما نقله مغلطاي عن الخطيب: (إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه ورآه يمشي بين ابنيه) لم يسميا قال: ما بال هذا قالوا: نذر أن يمشي فأمره أن يركب لعجزه عن المشي (وقال الفزاري): بفتح الفاء والزاي المخففة وبعد الألف راء مكسورة مروان بن معاوية مما وصله في الحج (عن حميد) الطويل أنه قال: (حدثني) بالإفراد (ثابت) البناني (عن أنس) -رضي الله عنه- وأشار بهذا إلى أن

32 - باب من نذر أن يصوم أياما فوافق النحر أو الفطر

حميدًا صرح بالتحديث كما في رواية أبي ذر في الطريق الأولى. 6702 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَجُلاً يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِزِمَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَطَعَهُ. وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) النبيل (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن سليمان) بن أبي مسلم (الأحول) المكي (عن طاوس) هو ابن كيسان الإمام أبو عبد الرَّحمن اليماني من أبناء الفرس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى رجلاً يطوف بالكعبة) وآخر يقوله (بزمام أو غيره) أو غير زمام (فقطعه) والشك من الراوي. 6703 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ أَنَّ طَاوُسًا أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ وَهْوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ بِإِنْسَانٍ يَقُودُ إِنْسَانًا بِخِزَامَةٍ فِى أَنْفِهِ فَقَطَعَهَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَقُودَهُ بِيَدِهِ. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف (أن ابن جريج) عبد الملك (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (سليمان الأحول أن طاوسًا أخبره عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ وهو) أي والحال أنه (يطوف بالكعبة بإنسان) حال كونه (يقود إنسانًا بخزامة في أنفه) بكسر الخاء المعجمة وفتح الزاي المخففة حلقة من شعر أو وبر تجعل في الحاجز الذي بين منخري البعير يشدّ بها الزمام ليسهل انقياده إذا كان صعبًا ولم يسم واحد من الإنسانين المذكورين، ويحتمل أن يكونا بشرًّا وابنه طلقًا كما في الطبراني كما سبق في باب الكلام في الطواف من الحج (فقطعها) أي الخزامة (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده ثم أمره) أي القائد (أن يقوده بيده). فإن قلت: ما المطابقة بين هذا الحديث والترجمة؟ أجيب: بأن في رواية النسائي من وجه آخر عن ابن جريج التصريح بأنه نذر ذلك. والحديث سبق في الحج وذكره هنا من وجهين الأول بعلوّ والثاني بنزول كما ترى. 6704 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلاَ يَقْعُدَ وَلاَ يَسْتَظِلَّ وَلاَ يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ». قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: بينا) بغير ميم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب) أي يوم الجمعة كما عند الخطيب في المبهمات وجواب بينا قوله (إذا هو برجل قائم) زاد أبو داود في الشمس (فسأل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عنه) أي عن اسمه أو عن حاله (فقالوا): هو (أبو إسرائيل) قيل اسمه قشير بقاف وشين معجمة مصغر، وقيل يسير بتحتية ثم مهملة مصغر أيضًا وقيل قيصر بقاف وصاد مهملة باسم ملك الروم وقيل بالسين المهملة مصغر أيضًا وقيل بغير راء في آخره. وزاد الخطيب في مبهماته فقال: إنه رجل من قريش وقال ابن الأثير في الصحابة كغيره أنه أنصاري. قال في الفتح: والأوّل أولى يعني كونه قرشيًّا ولا يشاركه أحد من الصحابة في كنيته (نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل) من الشمس (ولا يتكلم ويصوم فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مره) أي مر أبا إسرائيل ولأبي داود مروه (فليتكلم وليستظل) من الشمس (وليقعد وليتم صومه) لأنه قربة بخلاف البواقي والظاهر أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علم منه أن الصوم لا يشق عليه. والحديث أخرجه أبو داود في الأيمان وابن ماجة في الكفارات. (قال عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن عكرمة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مرسلاً لم يذكر ابن عباس. قال في الفتح: تمسك بهذا من يرى أن الثقات إذا اختلفوا في الوصل والإرسال يرجح قول من وصل لما معه من زيادة العلم إلا أن وهيبًا وعبد الوهاب ثقتان، وقد وصله وهيب وأرسله عبد الوهاب وصححه البخاري مع ذلك، والذي عرفناه بالاستقراء من صنيع البخاري أنه لا يعمل في هذه الصورة بقاعدة مطردة بل يدور مع الترجيح إلا إن استووا فيقدم الوصل، والواقع هنا أن من وصله أكثر ممن أرسله. قال الإسماعيلي: وصله مع وهيب عاصم بن هلال والحسن بن أبي جعفر وأرسله مع عبد الوهاب خالد الواسطي. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وخالد متقن وفي عاصم والحسن مقال فيستوي الطرفان فيرجح الوصل، وقد جاء الحديث المذكور من وجه آخر فازداد قوّة أخرجه عبد الرزاق عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي إسرائيل. 32 - باب مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ أَيَّامًا فَوَافَقَ النَّحْرَ أَوِ الْفِطْرَ (باب) حكم (من نذر أن يصوم أيامًا) معينة (فوافق النحر أو الفطر) هل يجوز له الصيام أو البدل أو الكفارة. 6705 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ أَبِى حُرَّةَ الأَسْلَمِىُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ لاَ يَأْتِىَ عَلَيْهِ يَوْمٌ إِلاَّ صَامَ فَوَافَقَ يَوْمَ أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ فَقَالَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} لَمْ يَكُنْ يَصُومُ يَوْمَ الأَضْحَى وَالْفِطْرِ، وَلاَ يَرَى صِيَامَهُمَا. وبه قال:

33 - باب هل يدخل فى الأيمان والنذور الأرض والغنم والزروع والأمتعة؟

(حدّثنا محمد بن أبي بكر) بن علي بن عطاء بن مقدم (المقدمي) بضم الميم وفتح القاف والدال المهملة المشددة الثقفي مولاهم البصري قال: (حدّثنا فضيل بن سليمان) النميري بالنون مصغرًا أبو سليمان البصري قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) مولى آل الزبير قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (حكيم بن أبي حرة) بضم الحاء المهملة وفتح الراء المشددة (الأسلمي) المدني وأبو حرة لا يعرف اسمه وليس له في البخاري إلا هذا الحديث أورده متابعة لزياد بن جبير في الطريق التي بعد (أنه سمع عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) حال كونه (سئل) بضم السين وكسر الهمزة مبنيًّا للمفعول لم يسم السائل فيحتمل أن يكون رجلاً وأن يكون امرأة (عن رجل نذر أن لا يأتي عليه يوم إلا صام فوافق يوم أضحى) بفتح الهمزة (أو فطر) تحتمل أو الشك أو التقسيم (فقال) ابن عمر -رضي الله عنهما-: ({لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}) [الأحزاب: 21] قدوة (لم يكن) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يصوم يوم الأضحى و) لا يوم (الفطر ولا يرى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (صيامهما). وقال في الكواكب قوله: ولا نرى بلفظ المتكلم فيكون من جملة مقول عبد الله أي المخبر به عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي بعضها يرى بلفظ الغائب وفاعله عبد الله وقائله حكيم. قال الحافظ ابن حجر: وقع في رواية يوسف بن يعقوب القاضي بلفظ لم يكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصوم يوم الأضحى ولا يوم الفطر ولا يأمر بصيامهما فتعين الاحتمال الأول يعني أنه من مقول ابن عمر اهـ. وقد أجمعوا على أنه لا يجوز صوم يوم عيد الفطر ولا عيد النحر لا تطوّعًا ولا نذرًا ولو نذر لم ينعقد نذره عند الجمهور وعند الحنابلة روايتان في وجوب القضاء. وقال أبو حنيفة: لو أقدم فصام وقع ذلك عن نذره. 6706 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: نَذَرْتُ أَنْ أَصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثَلاَثَاءَ، أَوْ أَرْبِعَاءَ مَا عِشْتُ فَوَافَقْتُ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنُهِينَا أَنْ نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ مِثْلَهُ، لاَ يَزِيدُ عَلَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي أحد الأعلام قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء آخره عين مهملة مصغرًا البصري (عن يونس) بن عبيد أحد أئمة البصرة (عن زياد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة ابن حية بالتحتية المشددة ابن مسعود بن معتب البصري أنه (قال: كنت مع ابن عمر) -رضي الله عنهما- (فسأله رجل) أي يسم (فقال: نذرت أن أصوم كل يوم ثلاثاء أو أربعاء ما عشت) بكسر الموحدة في أربعاء والمدّ مع الهمزة لا ينصرف كسابقه لألف التأنيث فيهما كحمراء ويجمعان على ثلاثاوات وأربعاوات ويوم بغير تنوين لإضافته لما بعده (فوافقت هذا اليوم يوم النحر فقال) ابن عمر: (أمر الله) عز وجل (بوفاء النذر) حيث قال تعالى: {وليوفوا نذورهم} [الحج: 29] (ونهينا) بضم النون وكسر الهاء (أن نصوم) هذا اليوم (يوم النحر) وفي باب صوم يوم النحر من كتاب الصيام: ونهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صوم هذا اليوم (فأعاد عليه) أي فأعاد الرجل السؤال على ابن عمر (فقال مثله) أي مثل القول الأول (لا يزيد عليه) ورعًا منه حيث توقف في الجزم بأحد الجوابين لتعارض الدليلين عنده لكن سياق الكلام يقتضي ترجيحه للمنع. وبقية مبحث ذلك سبقت في الصيام من الباب المذكور. 33 - باب هَلْ يَدْخُلُ فِى الأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ الأَرْضُ وَالْغَنَمُ وَالزُّرُوعُ وَالأَمْتِعَةُ؟ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ عُمَرُ: لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ، أَنْفَسَ مِنْهُ. قَالَ: «إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا» وَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَحَبُّ أَمْوَالِى إِلَىَّ بَيْرُحَاءَ لِحَائِطٍ لَهُ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ. هذا (باب) بالتنوين (هل يدخل في الأيمان والنذور الأرض والغنم والزروع) بلفظ الجمع، ولأبي ذر: والزرع (والأمتعة). (وقال ابن عمر، قال عمر) -رضي الله عنه- فيما وصله المؤلّف في الوصايا (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصبت أرضًا) وكان بها نخل، وعند أحمد من رواية أيوب أن عمر أصاب من يهود بني حارثة أرضًا يقال لها ثمغ بفتح المثلثة وسكون الميم بعدها غين معجمة أرض تلقاء المدينة (لم أصب مالاً قط أنفس) أجود (منه) والنفيس الجيد المغتبط به وسمي نفيسًا لأنه يأخذ بالنفس وفيه إطلاق المال على الأرض فيطلق على كل متمول كما هو المعروف من كلام العرب قال تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} [النساء: 5] فلم يخص شيئًا دون شيء وقال بعضهم: هو العين كالذهب والفضة وقيل غير ذلك (قال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر بعد أن قال له فكيف تأمرني به كما في الوصايا: (إن شئت حبست) بالتخفيف وفي اليونينية بالتشديد أي

84 - كتاب كفارات الأيمان

وقفت (أصلها وتصدقت بها) أي بثمرها. (وقال أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري -رضي الله عنه- مما وصله أيضًا في الوصايا (للنبي: -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحب أموالي إليّ) بتشديد الياء (بيرحاء) بفتح الموحدة وسكون التحتية وضم الراء وفتحها بالصرف، ولأبي ذر بعدمه وفيها لغات أخرى كثيرة سبقت في الزكاة وهذا الاسم (لحائط له) فاللام للتبيين كهي في نحو: (هيت لك} [يوسف: 23] والحائط البستان (مستقبلة المسجد) أنث باعتبار البقعة. 6707 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِىِّ، عَنْ أَبِى الْغَيْثِ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ خَيْبَرَ، فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً إِلاَّ الأَمْوَالَ وَالثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ، فَأَهْدَى رَجُلٌ مِنْ بَنِى الضُّبَيْبِ يُقَالُ لَهُ: رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُلاَمًا يُقَالُ لَهُ: مِدْعَمٌ، فَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى وَادِى الْقُرَى، حَتَّى إِذَا كَانَ بِوَادِى الْقُرَى بَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلاً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَهْمٌ عَائِرٌ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَلاَّ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِى أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا» فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ النَّاسُ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (مالك) إمام الأئمة (عن ثور بن زيد) بالمثلثة (الديلي) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية (عن أبي الغيث) سالم (مولى ابن مطيع) بضم الميم وكسر الطاء المهملة بعدها تحتية ساكنة فعين مهملة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم خيبر) أي يحضر أبو هريرة غزوة خيبر إلا بعد الفتح (فلم نغنم ذهبًا ولا فضة إلا الأموال والثياب والمتاع) كذا في الفرع وأصله وغيرهما مما وقفت عليه من الأصول المعتمدة والثياب بإثبات الواو كالذي بعده. وقال في الفتح: إلاّ الأموال المتاع والثياب كذا للأكثر أي بحذف الواو من المتاع قال ولابن القاسم والقعنبي والمتاع بالعطف قال وقال بعضهم في تنزيل ذلك على لغة دوس أي القائلين أن المال غير العين كالعروض والثياب نظر لأنه استثنى الأموال من الذهب والفضة فدلّ على أنه منها إلا أن يكون منقطعًا فتكون إلا بمعنى لكن كذا قال الحافظ ابن حجر، والذي يظهر أن الاستثناء من الغنيمة التي في قوله: فلم نغنم فنفى أن يكونوا غنموا وأثبت أنهم غنموا المال فدلّ على أن المال عنده غير العين وهو المطلوب (فأهدى رجل من بني الضبيب) بضاد مضمومة معجمة وباءين موحدتين أولاهما مفتوحة بينهما تحتية ساكنة (يقال له رفاعة بن زيد) بكسر الراء وتخفيف الفاء ابن وهب الجذامي ثم الضبيبي ممن وفد على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غلامًا يقال له مدعم) بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملتين وكان أسود (فوجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح واو فوجه، وقال العيني كالكرماني بالبناء للمجهول، وفي غزوة خيبر من المغازي ثم انصرفنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى وادي القرى) بضم القاف وفتح الراء مقصورًا موضع بقرب المدينة (حتى إذا كان بوادي القرى بينما) بميم بلا فاء (مدعم يحط رحلاً لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سهم عائر) بالعين المهملة وبعد الألف همزة فراء لا يدرى راميه فأصابه (فقتله فقال الناس: هنيئًا له الجنة) وفي المغازي هنيئًا له الشهادة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كلاًّ والذي نفسي بيده إن الشملة) بفتح الشين المعجمة وسكون الميم الكساء (التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم) وإنما غلّها (لتشتعل) بنفسها (عليه نارًا) تعذيبًا له لغلوله أو أنها سبب لعذابه في النار (فلما سمع ذلك الناس جاء رجل) أي أعرف اسمه (بشراك أو شراكين) بكسر الشين فيهما سير أو سيرين يكونان على ظهر القدم عند لبس النعل (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) عليه الصلاة والسلام: (شراك من نار أو شراكان من نار). والحديث مرّ في المغازي. بسم الله الرحمن الرحيم 84 - كتاب كفارات الأيمان 1 - باب وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] وَمَا أَمَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ نَزَلَتْ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ. مَا كَانَ فِى الْقُرْآنِ أَوْ أَوْ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ وَقَدْ خَيَّرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَعْبًا فِى الْفِدْيَةِ. (باب كفارات الأيمان) سقط لأبي ذر لفظ باب وثبت للكشميهني والحموي كتاب الخ ولأبي ذر عن المستملي كتاب الكفارات جمع كفارة من الكفر وهو الستر لأنها تستر الذنب ومنه الكافر لأنه يستر الحق ويسمى الليل كافرًا لأنه يستر الأشياء عن العيون (وقول الله تعالى: {فكفارته}) أي فكفارة معقود الأيمان ({إطعام عشرة مساكين}) [المائدة: 89] بإعطاء كل مسكين مدًّا من جنس الفطرة أو مسمى كسوة مما يعتاد لبسه كمقنعة ومنديل أو إعتاق رقبة مؤمنة فإن عجز عن كلٍّ من الثلاثة لزمه صوم ثلاثة أيام ولو مفرقة (وما أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بن كعب بن عجرة كما في الحديث اللاحق (حين نزلت: {فدية من صيام}) أي إذا حلق رأسه وهو محرم فعليه

2 - باب قوله تعالى: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم}

صيام ثلاثة أيام ({أو صدقة}) على ستة مساكين نصف صاع من بر ({أو نسك) [البقرة: 196] شاة مصدر أو جمع نسيكة. (ويذكر عن ابن عباس) رضى الله عنهما فيما وصله سفيان الثوري في تفسيره عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس (وعطاء) هو ابن أبي رباح مما وصله الطبري أيضًا من طريق ابن جريج (وعكرمة) مولى ابن عباس مما وصله الطبري أيضًا من طريق داود بن أبي هند عنه (ما كان في القرآن أو أو) بفتح الهمزة وسكون الواو فيهما نحو قوله تعالى: {ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} (فصاحبه بالخيار وقد خير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كعبًا في الفدية) على ما يأتي إن شاء الله تعالى الآن. 6708 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: أَتَيْتُهُ، يَعْنِى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «ادْنُ» فَدَنَوْتُ فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «{فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}». [البقرة: 196] وَأَخْبَرَنِى ابْنُ عَوْنٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: صِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَالنُّسُكُ شَاةٌ، وَالْمَسَاكِينُ سِتَّةٌ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا أبو شهاب) عبد ربه بن نافع الأصغر الحناط بالمهملة والنون الأسدي ويقال له الهذلي البصري (عن ابن عون) بفتح العين المهملة وسكون الواو عبد الله واسم جده ارطبان الأنصاري (عن مجاهد) أي ابن جبر (عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى) بفتح اللامين الأنصاري المدني ثم الكوفي (عن كعب بن عجرة) بضم العين المهملة وسكون الجيم وفتح الراء -رضي الله عنه- أنه (قال: أتيته يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (ادن) أي اقرب (فدنوت فقال: أيؤذيك) ولأبي ذر أتؤذيك بالفوقية بدل التحتية (هوامّك) بتشديد الميم للساكنين جمع هامة بالتشديد تطلق على كل ما يدب من الحيوان كالقمل وشبهه وكان القمل يتناثر على وجهه (قلت) ولأبي ذر قلت: (نعم. قال): احلق رأسك وعليك ({فدية}) مرفوع مبتدأ خبره محذوف أي عليك فدية أو خبر مبتدأ محذوف أي فالواجب عليك فدية ({من صيام أو صدقة أو نسك}). قال أبو شهاب بالسند الأول: (وأخبرني) بالإفراد (ابن عون) عبد الله (عن أيوب) السختاني أنه (قال: الصيام ثلاثة أيام والنسك شاة والمساكين ستة) إي إطعام ستة مساكين قال ابن بطال: وإنما ذكر البخاري حديث كعب هنا من أجل التخيير فإنها وردت في كفارة اليمين كما وردت في كفارة الأذى. وقال ابن المنير: يحتمل أن يكون البخاري أدخل حديث كعب هنا موافقة لمن قال إن الإطعام نصف صاع في الكفارة كالفدية فنبه على حمل المطلق على المقيد لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نص في الفدية على أنها نصف صاع ولم يثبت عنه نص في قدر طعام الكفارة وهذا من أنصاف البخاري لأنه كثيرًا ما يخالف الكوفيين إلا أن يظهر الحق معهم. اهـ. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن فيه التخيير كما في كفارة الأيمان. والحديث سبق في الحج. 2 - باب قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهْوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: 2] مَتَى تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْغَنِىِّ وَالْفَقِيرِ؟. (باب قوله تعالى: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم}) ما تحللونها به وهو الكفارة ({والله مولاكم}) سيدكم ومتولي أموركم وقيل مولاكم أولى بكم من أنفسكم فكانت نصيحته أنفع لكم من نصائحكم لأنفسكم ({وهو العليم}) ما يصلحكم فيشرعه لكم ({الحكيم}) [التحريم: 2] فيما أحل وحرم. (متى تجب الكفارة على الغني والفقير) ولأبي ذر باب متى تجب الكفارة على الغني والفقير، وقول الله تعالى: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} إلى قوله {العليم الحكيم}. 6709 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ فِيهِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَلَكْتُ قَالَ: «مَا شَأْنُكَ»؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِى فِى رَمَضَانَ قَالَ: «تَسْتَطِيعُ تُعْتِقُ رَقَبَةً»؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «اجْلِسْ» فَجَلَسَ فَأُتِىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ الضَّخْمُ قَالَ: «خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ» قَالَ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَضَحِكَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ: «أَطْعِمْهُ عِيَالَكَ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال) سفيان بن عيينة (سمعته من فيه) أي من فم الزهري أي ليس معنعنًا موهمًا للتدليس (عن حميد بن عبد الرَّحمن) بن عوف الزهري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: جاء رجل) قيل هو سلمة بن صخر البياضي (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: هلكت) أي فعلت ما هو سبب لهلاكي (قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له): (ما) ولأبي ذر: وما (شأنك قال: وقعت على امرأتي في رمضان) أي وطئتها كما في حديث آخر (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له (تستطيع تعتق) بضم الفوقية ولأبي ذر عن الكشميهني أن تعتق (رقبة قال: لا) أستطيع (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال: لا) أستطيع (قال) عليه الصلاة

3 - باب من أعان المعسر فى الكفارة

والسلام (فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا قال: لا، قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له (أجلس فجلس فأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعرق) بفتح العين المهملة والراء (فيه تمر والعرق المكتل الضخم) بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الفوقية يسع خمسة عشر صافعا (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له (خذ هذا) العرق بتمره (فتصدق به) بالتمر (قال) أتصدق به (على) شخص (أفقر منا) ولأبي ذر مني (فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدت) ظهرت (نواجذه) بالذال المعجمة آخر الأسنان أو هي الأضراس تعجبًا من حاله ثم (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اطعمه عيالك). وفي الحديث أن كفارة الوقاع مرتبة إعتاق ثم صوم ثم إطعام وتجب نيتها بأن ينوي الإعتاق، وكذا باقيها عن الكفارة لتتميز عن غيرها كنذر فلا يكفي الإعتاق الواجب عليه مثلاً وإن لم يكن عليه غيرها، ومراد البخاري كما قال ابن المنير التنبيه على أن الكفارة إنما تجب بالحنث كما أن كفارة المواقع في نهار رمضان إنما كانت باقتحام الذنب، وأشار إلى أن الفقير لا يسقط عنه إيجاب الكفارة لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علم فقره وأعطاه مع ذلك ما يكفر به كما لو أعطى الفقير ما يقضي به دينه قال: ولعله كما نبه على احتجاج الكوفيين بالفدية نبه هنا على ما احتج به من خالفهم من إلحاقها بكفارة المواقع وأنها مدّ لكل مسكين. اهـ. ومذهب الشافعي أن له تقديم الكفارة بلا صوم على أحد سببيها لأنه حق مالي تعلق بسببين فجاز تقديمها على أحدهما كالزكاة فتقدم على الحنث ولو كان حرامًا كالحنث بترك واجب أو فعل حرام وعلى عود في ظهار كأن ظاهر من رجعية ثم كفر ثم راجعها وكأن طلق رجعيًّا عقب ظهاره ثم كفر ثم راجع، وأما الصوم فلا يقدم لأنه عبادة بدنية فلا تقدم على وقت وجوبها بغير حاجة كصوم رمضان. والحديث سبق في الصوم. 3 - باب مَنْ أَعَانَ الْمُعْسِرَ فِى الْكَفَّارَةِ (باب من أعان المعسر في الكفارة) الواجبة عليه. 6710 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَلَكْتُ فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ»؟ قَالَ: وَقَعْتُ بِأَهْلِى فِى رَمَضَانَ قَالَ: «تَجِدُ رَقَبَةً»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِعَرَقٍ، وَالْعَرَقُ: الْمِكْتَلُ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ: «اذْهَبْ بِهَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ» قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا، ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن محبوب) البصري قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي قال: (حدّثنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن حميد بن عبد الرَّحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: جاء رجل) اسمه كما سبق سلمة بن صخر أو هو سلمان بن صخر أو هما واقعتان سبق ذلك في الصيام (إلى رسول الله) ولأبي ذر إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: هلكت) وفي بعض الطرق أهلكت (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (وما ذاك)؟ الذي أهلكك (قال: وقعت بأهلي) جامعت امرأتي (في) نهار (رمضان. قال) عليه الصلاة والسلام: (تجد رقبة) تعتقها استفهام محذوف الأداة والمراد الوجود الشرعي فيدخل فيه القدرة بالشراء (قال: لا) أجد (قال هل) ولأبي ذر فهل (تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا) وعند البزار من رواية إسحاق وهل لقيت ما لقيت إلا من الصوم (قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا؟ قال: لا) وهل هذه الخصال على الترتيب أو التخيير؟ قال البيضاوي: رتب الثاني بالفاء على فقد الأول ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني فدلّ على عدم التخيير مع كونها في معرض البيان وجواب السؤال فتنزل منزلة الشرط وقال مالك: بالتخيير (قال: فجاء رجل من الأنصار) لم أقف على اسمه (بعرق والعرق) بفتح العين المهملة والراء آخره قاف (المكتل) بكسر الميم وفتح الفوقية بينهما كاف ساكنة (فيه تمر فقال) عليه الصلاة والسلام له (اذهب بهذا) التمر (فتصدق به قال) ولأبي ذر عن الكشميهني فقال (على) ولأبي ذر أعلى أي أتصدق به على أحد (أحوج منا يا رسول الله، والذي بعثك بالحق ما بين لابتها أهل بيت أحوج منا) ولابتيها بغير همز تثنية لابة يريد الحرتين أرضًا ذات حجارة سود والمدينة بينهما وزاد في الرواية السابقة قريبًا فضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدت نواجذه (ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك) بقطع همزة فأطعمه أي أطعم ما في المكتل من التمر من تلزمك نفقته أو زوجك أو مطلق أقاربك.

4 - باب يعطى فى الكفارة عشرة مساكين قريبا كان أو بعيدا

ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة فكما جاز إعانة المعسر بالكفارة عن وقاعه في نهار رمضان كذلك يجوز إعانة المعسر بالكفارة عن يمينه إذا حنث فيه، وقد قيل إن هذا الحديث استنبط منه بعضهم ألف مسألة وأكثر. 4 - باب يُعْطِى فِى الْكَفَّارَةِ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا هذا (باب) بالتنوين (يعطي) الشخص الذي وجبت عليه الكفارة (في الكفارة) إذا كانت عن يمين (عشرة مساكين) كما في القرآن (قريبًا كان) المسكين (أو بعيدًا) فالتذكير في قريبًا وبعيدًا باعتبار لفظ مسكين ولذا قال: كان دون كانت ولا كانوا أو لأن فعيلاً يستوي فيه التذكير والتأنيث كما في قوله: {إن رحمة الله قريب من المحسنين} [الأعراف: 56]. 6711 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: هَلَكْتُ قَالَ: «وَمَا شَأْنُكَ»؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِى فِى رَمَضَانَ قَالَ: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا» قَالَ: لاَ أَجِدُ، فَأُتِىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ: «خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ» فَقَالَ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا؟ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَفْقَرُ مِنَّا، ثُمَّ قَالَ: «خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن حميد) بالتصغير ابن عبد الرَّحمن (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: جاء رجل) من بني بياضة اسمه سلمة بن صخر أو أعرابي (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) يا رسول الله (هلكت) وفي رواية عائشة في الصوم أنه احترق وأطلق ذلك لاعتقاده أن مرتكب الإثم يعذب بالنار فهو مجاز عن العصيان (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وما شأنك؟ قال: وقعت على امرأتي) جامعتها (في) نهار (رمضان. قال): ولأبي ذر فقال (هل تجد ما تعتق)؟ بضم الفوقية (رقبة قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا) سقط قوله قال فهل إلى آخره (قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا؟ قال: لا أجد) قال أبو هريرة: (فأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعرق فيه تمر فقال خد هذا) التمر (فتصدق به) على ستين مسكينًا (فقال: أعلى) أي أتصدق به على أحد (أفقر منا ما بين لابتيها) حرتي المدينة (أفقر منا. ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (خذه) أي التمر (فأطعمه أهلك). قال ابن المنير: ليس في الحديث إلا قوله اطعمه أهلك لكن إذا جاز إعطاء الأقرباء فالبعداء أجوز وقاس كفارة اليمين على كفارة الجماع في الصيام في إجازة الصرف إلى الأقرباء اهـ. وهو على رأي من حمل قوله أطعمه أهلك على أنه في الكفارة، وأما من حمله على أنه أعطاه التمر المذكور في الحديث لينفقه على أهله وتستمر الكفارة في ذمته إلى أن يحصل له اليسار فلا يتجه الإلحاق وكذا على قول من يقول بالإسقاط عن المعسر مطلقًا قاله في الفتح، وفي رواية ابن إسحاق خذها وكلها وأنفقها على عيالك أي لا عن الكفارة بل هي تمليك مطلق بالنسبة إليه وإلى عياله وكان ذلك من مال الصدقة وأما حديث عليّ فكله أنت وعيالك فقد كفر الله عنك فضعيف لا يحتج به، وقد ورد الأمر بالقضاء كما في حديث عند البيهقي. 5 - باب صَاعِ الْمَدِينَةِ وَمُدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَرَكَتِهِ وَمَا تَوَارَثَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذَلِكَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ (باب) بيان (صاع المدينة) الذي يجب الإخراج به في الواجبات لأن التشريع وقع أولاً على ذلك (و) بيان (مد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبركته) أي المد أو كل منهما أو المراد بركته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في دعائه حيث دعا: اللهم بارك لهم في مكيالهم ومدّهم وصاعهم. (وما توارث أهل المدينة من ذلك قرنًا بعد قرن). 6712 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِىُّ، حَدَّثَنَا الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ الصَّاعُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُدًّا وَثُلُثًا بِمُدِّكُمُ الْيَوْمَ، فَزِيدَ فِيهِ فِى زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي قال: (حدّثنا القاسم بن مالك المزني) بضم الميم وفتح الزاي وكسر النون قال: (حدّثنا الجعيد بن عبد الرَّحمن) بضم الجيم وفتح العين المهملة بعدها تحتية ساكنة فدال مهملة الكندي (عن السائب بن يزيد) الكندي ويقال الليثي ويقال الأزدي المدني أنه (قال: كان الصاع على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مدًّا وثلثًا بمدكم اليوم فزيد فيه) في الصاع (في زمن عمر بن عبد العزيز) قال ابن بطال: فيما نقله في الفتح: هذا يدل على أن مدهم حين حدّث به السائب كان أربعة أرطال فإذا زيد عليه ثلثه وهو رطل وثلث قام منه خمسة أرطال وثلث وهو الصاع بدليل أن مدّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رطل وثلث وصاعه أربعة أمداد، ثم قال: وأما مقدار ما زيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز فلا نعلمه وإنما الحديث يدل على أن مدّهم ثلاثة أمداد بمدّه اهـ. قال الحافظ ابن حجر: ومن لازم ما قال

6 - باب قول الله تعالى: {أو تحرير رقبة} [المائدة: 98] وأى الرقاب أزكى؟

أن يكون صاعهم ستة عشر رطلاً لكنه لعله لم يعلم مقدار الرطل عندهم إذ ذاك اهـ. والمدّ كما مرّ رطل وثلث بالبغدادي وهو مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم، وحينئذ فيكون الصاع ستمائة درهم وخمسة وثمانين وخمسة أسباع درهم كما صححه النووي، وعند أبي حنيفة أن الصاع ثمانية أرطال لنا ما نقل الخلف عن السلف بالمدينة وهم أعرف بمثل ذلك كما قال مالك مستدلاًّ به على أبي يوسف في مناظرته له بحضرة الرشيد فرجع أبو يوسف في ذلك إليه. والحديث يأتي إن شاء الله تعالى في الاعتصام، وأخرجه النسائي في الزكاة. 6713 - حَدَّثَنَا مُنْذِرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْجَارُودِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ وَهْوَ سَلْمٌ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِى زَكَاةَ رَمَضَانَ بِمُدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُدِّ الأَوَّلِ وَفِى كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِمُدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ أَبُو قُتَيْبَةَ: قَالَ لَنَا مَالِكٌ: مُدُّنَا أَعْظَمُ مِنْ مُدِّكُمْ، وَلاَ نَرَى الْفَضْلَ إِلاَّ فِى مُدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ لِى مَالِكٌ: لَوْ جَاءَكُمْ أَمِيرٌ فَضَرَبَ مُدًّا أَصْغَرَ مِنْ مُدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَىِّ شَىْءٍ كُنْتُمْ تُعْطُونَ؟ قُلْتُ: كُنَّا نُعْطِى بِمُدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَفَلاَ تَرَى أَنَّ الأَمْرَ إِنَّمَا يَعُودُ إِلَى مُدِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟. وبه قال: (حدّثنا منذر بن الوليد الجارودي) بالجيم قال: (حدّثنا أبو قتيبة وهو سلم) بفتح السين المهملة وسكون اللام الشعيري بفتح المعجمة وكسر المهملة البصري أصله من خراسان قال: (حدّثنا مالك) إمام الأئمة ابن أنس الأصبحي (عن نافع) مولى ابن عمر أنه (قال: كان ابن عمر) -رضي الله عنه- (يعطي زكاة رمضان) أي صدقة الفطر منه (بمدّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهو رطل وثلث بالبغدادي وهو مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم كما مرّ (المد الأول) بالجر صفة لازمة لمدّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأراد نافع بذلك أنه كان لا يعطي بالمد الذي أحدثه هشام وهو أكبر من مدّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثلثي مدّ إذ مدّ هشام رطلان والصاع منه ثمانية أرطال (وفي كفارة اليمين بمدّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يكن للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا مدّ واحد. (وقال أبو قتيبة): سلم المذكور بالسند السابق (قال لنا مالك) الإمام: (مدنا) المدني وإن كان دون مد هشام في القدر فإنه (أعظم من مدكم) في البركة الحاصلة فيه بدعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ولا نرى الفضل إلا في مدّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وإن كان مد هشام أفضل بحسب الوزن قال أبو قتيبة سلم أيضًا (وقال لي مالك) الإمام: (لو جاءكم أمير فضرب مدًّا أصغر من مد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأي شيء كنتم تعطون)؟ الفطرة والكفارة قال أبو قتيبة: (قلت) له: (كنا نعطي) ذلك (بمد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) مالك: (أفلا ترى أن الأمر إنما يعود إلى مد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأنه إذا تعارضت الأمداد الثلاثة الأوّل والحادث وهو الهشامي وهو زائد عليه والثالث المفروض وقوعه وإن لم يقع وهو دون الأوّل كان الرجوع إلى الأوّل أولى لأنه الذي تحققت شرعيته لنقل أهل المدينة له قرنًا بعد قرن وجيلاً بعد جيل وقد رجع أبو يوسف بمثل هذا إلى قول مالك كما مرّ. والحديث من أفراده وهو غريب ما رواه عن مالك إلا أبو قتيبة ولا عنه إلا المندر. 6714 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِى مِكْيَالِهِمْ وَصَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (اللهم بارك لهم) أي أهل المدينة (في مكيالهم وصاعهم ومدهم) البركة بمعنى النماء والزيادة قال الإمام أبو زكريا النووي الظاهر أن المراد البركة في نفس المكيل بالمدينة بحيث يكفي المد فيها من لا يكفيه في غيرها. قلت: وقد رأيت من ذلك في سنة خمس وتسعين وثمانمائة العجب العجاب فالله تعالى لوجهه الكريم يردني إليها ردًّا جميلاً ويجعل وفاتي بها على الكتاب والسنّة في عافية بلا محنة ويعتق رقبتي من النار بمنه وكرمه. 6 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 98] وَأَىُّ الرِّقَابِ أَزْكَى؟ هذا (باب قول الله تعالى) في آية كفارة اليمين من سورة المائدة ({أو تحرير رقبة}) [المائدة: 89] قال الحنفية: مؤمنة أو كافرة لإطلاق النص إلا في كفارة القتل فإن الله قيد الرقبة فيها بالإيمان وشرط الشافعي -رحمه الله- الإيمان لجميع الكفارات مثل كفارة القتل والظهار والجماع في نهار رمضان حملاً للمطلق على المقيد كما أن الله تعالى قيد الشهادة بالعدالة في موضع فقال {وأشهدوا ذوي عدل منكم} [الطلاق: 2] وأطلق في موضع فقال: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [البقرة: 282] ثم العدالة شرط في جميعها حملاً للمطلق على المقيد كذلك هذا (وأي الرقاب أزكى) فيه إيماء إلى حديث أبي ذر السابق في أوائل

7 - باب عتق المدبر وأم الولد والمكاتب فى الكفارة وعتق ولد الزنا وقال طاوس: يجزئ المدبر وأم الولد

العتق. قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمنًا وأنفسها عند أهلها، وكأن المؤلّف أشار بذلك إلى موافقة الحنفية لأن أفعل التفضيل يقتضي الاشتراك في أصل الحكم، وقال ابن المنير: لم يترجم على عتق الرقبة في الكفارة لأنه لم يجد نصًّا في اشتراط الإيمان في كفارة الإيمان فأورد الترجمة محتملة، وذكر أن الفضل والمزية لعتق المؤمنة فنبه على مجال النظر فلقائل أن يقول: إذا تفاوت العتق وكان أفضله عتق المؤمنة، ووجب علينا عتق الرقبة في اليمين كان الأخذ بالأفضل أحوط للذمة وإلاّ كان المكفر بغير المؤمن على شك في براءة الذمة. قال: وهذا أوضح من الاستشهاد بحمل المطلق على المقيد في كفارة القتل لظهور الفرق بالتغليظ هنالك. 6715 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِى غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ سَعِيدٍ ابْنِ مَرْجَانَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنَ النَّارِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال: (حدّثنا داود بن رشيد) بضم الراء وفتح الشين المعجمة البغدادي قال: (حدّثنا الوليد بن مسلم) القرشي الأموي الدمشقي (عن أبي غسان) بفتح الغين المعجمة والسين المهملة المشددة (محمد بن مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء المشددة (عن زيد بن أسلم) أبي أسامة العدوي مولى عمر بن الخطاب (عن علي بن حسين) بضم الحاء ابن علي بن أبي طالب المعروف بزين العابدين (عن سعيد بن مرجانة) بفتح الميم وسكون الراء وفتح الجيم وبعد الألف نون اسم أمه واسم أبيه عبد الله العامري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من أعتق رقبة مسلمة) وفي العتق أيما رجل أعتق امرأ مسلمًا (أعتق منه عضوًا من النار) سقط منه الثانية هنا وفي مسلم عضوًا منه من النار (حتى فرجه بفرجه) حتى هنا عاطفة بمنزلة الواو إلا أنها تفارقها من ثلاثة أوجه. أحدها أن المعطوف حتى ثلاثة شروط أن يكون ظاهرًا لا مضمرًا وأن يكون إما بعضًا من جمع قبلها كقدم الحاج حتى المشاة أو جزءًا من كل نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، أو كجزء نحو: أعجبتني الجارية حتى حديثها ويمتنع حتى ولدها، والذي يضبط ذلك أنها تدخل حيث يصح دخول الاستثناء وتمتنع حيث يمتنع ولذا يمتنع ضربت الرجلين حتى أفضلهما وإنما جاز حتى نعله ألقاها لأن الصحيفة والزاد في معنى ألقى ما يثقله وأن يكون غاية لما قبلها إما زيادة أو نقص فالأوّل نحو مات الناس حتى الأنبياء والثاني نحو زارك الناس حتى الحجامون قاله في المغني، والشروط الثلاثة موجودة في هذا الحديث فقوله رقبة ظاهر منصوب، وقوله فرجه جزء مما قبله وهو غاية لما قبلها وخص الفرج بالذكر لأنه على أكبر الكبائر بعد الشرك. والحديث سبق في أوائل العتق. 7 - باب عِتْقِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ فِى الْكَفَّارَةِ وَعِتْقِ وَلَدِ الزِّنَا وَقَالَ طَاوُسٌ: يُجْزِئُ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ (باب) حكم (عتق المدبر وأم الولد والمكاتب في الكفارة و) حكم (عتق ولد الزنا. وقال طاوس): هو ابن كيسان (يجزئ المدبر وأم الولد) وهذا وصله ابن أبي شيبة من طريقه بلفظ يجزئ عتق المدبر في الكفارة وأم الولد في الظهار اهـ. وقال مالك: لا يجزئ في الكفارة مدبر ولا أم ولد ولا معلق عتقه لأنه ثبت لهم عقد حرية لا سبيل إلى رفعه والواجب في الكفارة تحرير رقبة وهو قول الكوفيين. وقال الشافعي: يجزئ عتق المدبر وعند البيهقي بسند صحيح عن الزهري أخبرني أبو حسن مولى عبد الله بن الحارث، وكان من أهل العلم والصلاح أنه سمع امرأة تقول لعبد الله بن نوفل تستفتيه في غلام لها ابن زنية تعتقه في رقبة كانت عليها فقال: لا أراه يجزئك سمعت عمر يقول لأن أحمل على نعلين في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق ابن زنية لكن في الموطأ عن أبي هريرة أنه أفتى بعتق ولد الزنا وعن ابن عمر أنه أعتق ابن زنا. وقال الجمهور: يجزئ عتقه وكرهه علي وابن عباس وابن عمرو بن العاص أخرجه ابن أبي شيبة عنهم بأسانيد لينة. 6716 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ دَبَّرَ مَمْلُوكًا لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَبَلَغَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّى»؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَسَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: عَبْدًا قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ أَوَّلَ. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي عارم قال: (أخبرنا ابن زيد) أي ابن درهم (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن جابر) أي ابن عبد الله الأنصاري (أن رجلاً من الأنصار) هو أبو مذكور (دبر مملوكًا له) اسمه يعقوب أي علق عتقه بموته (ولم يكن له مال

8 - باب إذا أعتق فى الكفارة لمن يكون ولاؤه

غيره فبلغ) ذلك (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (من يشتريه مني فاشتراه نعيم بن النحام) بضم النون وفتح العين المهملة والنحام بفتح النون والحاء المهملة المشددة (بثمانمائة درهم) قال عمرو بن دينار وكان بيعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له بحكم ولايته على الرعية والنظر في مصالحهم (فسمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (يقول): كان المدبر (عبدًا قبطيًا) بكسر القاف وسكون الموحدة نسبة إلى قبط مصر (مات عام أول) بفتح اللام على البناء وهو من إضافة الموصوف لصفته وله نظائر والبصريون يقدّرونه عام الزمن الأول أو نحوه ووجه المطابقة، قال الكرماني: لأنه إذا جاز بيع المدبر جاز إعتاقه وقاس الباقي عليه. والحديث أخرجه أيضًا في الإكراه وسبق في البيع والعتق وأخرجه مسلم في الأيمان والنذور. 8 - باب إِذَا أَعْتَقَ فِى الْكَفَّارَةِ لِمَنْ يَكُونُ وَلاَؤُهُ هذا (باب) بالتنوين (إذا أعتق عبدًا بينه وبين آخر) أي في الكفارة وهذا الباب وترجمه ثبتا في رواية أبي ذر عن المستملي وحده من غير ذكر آية ولا حديث ويحتمل أنه لم يجد حديثًا في الباب على شرطه أو غير ذلك وحكم الباب أنه إذا أعتق عبدًا بينه وبين آخر عن الكفارة فإن كان موسرًا أجزاه وضمن لشريكه حصته بخلاف ما إذا كان معسرًا وهو قول أبي يوسف ومحمد والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يجزئه مطلقًا. ومباحث المسألة في كتب الفقه فلتراجع. 8 - باب إِذَا أَعْتَقَ فِى الْكَفَّارَةِ لِمَنْ يَكُونُ وَلاَؤُهُ؟ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا أعتق) شخص (في الكفارة) رقيقًا (لمن يكون ولاؤه)؟ بفتح الواو والمدّ وهو في الشرع عصوبة سببها زوال الملك عن الرقيق بالحرية. 6717 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِىَ بَرِيرَةَ فَاشْتَرَطُوا عَلَيْهَا الْوَلاَءَ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «اشْتَرِيهَا إِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بن عتيبة بضم العين مصغرًا (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد خال إبراهيم النخعي (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أنها أرادت أن تشتري بريرة) بفتح الموحدة (فاشترطوا) أي أهلها (عليها) على عائشة (الولاء) أي أن يكون الولاء لهم (فذكرت) عائشة (ذلك) الاشتراط (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لها: (اشتريها) فأعتقيها (إنما) ولأبي ذر فإنما (الولاء أعتق) يستفاد من التعبير بإنما إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه فمن أعتق من به رق ولو بكتابة أو تدبير أو سراية فولاؤه له ولعصبته بنفسه لقوله هنا: إنما الولاء لمن أعتق. وقيس عليه غيره ويقدم منهم بفوائد من الإِرث وولاية التزويج الأقرب فالأقرب كما في النسب، وفي صحيح ابن حبان وصححه الحاكم الولاء لحمة كلحمة النسب ويدخل في قوله: إنما الولاء لمن أعتق ما لو أعتق العبد المشترك فإنه إن كان موسرًا صح وضمن لشريكه حصته، ولا فرق بين أن يعتقه مجانًا أو عن الكفارة وعن أبي حنيفة لا يجزئه عتق المشترك عن الكفارة. والحديث سبق في الطلاق وغيره ويأتي إن شاء الله تعالى في الفرائض، وأخرجه النسائي في الزكاة والطلاق والفرائض. 9 - باب الاِسْتِثْنَاءِ فِى الأَيْمَانِ (باب) بيان أحكام (الاستثناء في الأيمان) والمراد به هنا التعليق على المشيئة كأن يقول والله لأفعلن كذا إن شاء الله أو لا أفعل كذا إن شاء الله أو إلا أن يشاء الله. 6718 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ أَبِى مُوسَى، عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى رَهْطٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ: «وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ مَا عِنْدِى مَا أَحْمِلُكُمْ» ثُمَّ لَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ فَأُتِىَ بِإِبِلٍ فَأَمَرَ لَنَا بِثَلاَثَةِ ذَوْدٍ، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: لاَ يُبَارِكُ اللَّهُ لَنَا أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا فَحَمَلَنَا فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَأَتَيْنَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ بَلِ اللَّهُ حَمَلَكُمْ، إِنِّى وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلاَّ كَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِى وَأَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن غيلان بن جرير) بفتح الغين المعجمة وسكون التحتية الأزدي (عن أبي بردة بن أبي موسى عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري) -رضي الله عنه- أنه (قال: أتيت رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رهط) قال أبو عبيدة ما دون العشرة (من الأشعريين أستحمله) أي أطلب منه ما يحملنا وأثقالنا لغزوة تبوك (فقال): (والله) ولأبي ذر عن الكشميهني لا والله (لا أحملكم ما) ولأبي ذر وما (عندي ما أحملكم) عليه (ثم لبثنا) بكسر الموحدة مكثنا (ما شاء الله) عز وجل (فأتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بإبل) وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي بشائل بشين معجمة وبعد الألف همزة فلام قطيع من الإِبل (فأمر لنا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بثلاثة ذود) بالإِضافة وفتح الذال المعجمة وسكون الواو بعدها دال مهملة

من الثلاث إلى العشر من النوق، وسبق في المغازي بلفظ خمس ذود وجمع باحتمال أنه أمر لهم أولاً بثلاث ذود ثم زادهم اثنين، ولأبي ذر: بثلاث ذود وهو الصواب لأن الذود مؤنث والتذكير باعتبار لفظ ذود (فلما انطلقنا) بها (قال بعضنا لبعض: لا يبارك الله لنا أتينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نستحمله فحلف لا يحملنا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أن لا يحملنا (فحملنا) بفتحات زاد فيما سبق تغفلنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه والله لا نفلح أبدًا (فقال أبو موسى: فأتينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكرنا ذلك له) سقط لأبي ذر لفظ له (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ما أنا حملتكم بل الله حملكم) أي شرع لكم ما حصل به الحمل بعد اليمين وهو الكفارة أو أتاني بما حملتكم عليه ولولا ذلك لم يكن عندي ما أحملكم عليه. قال المازري: (إني والله إن شاء الله) وجواب القسم قوله (لا أحلف على يمين) وإن شاء الله معترض والقسمية خبر إن وقوله: على يمين أي محلوف يمين (فأرى) بفتح الهمزة (غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير) زاد الحموي والمستملي بعد قوله هو خير وكفرت فكرر لفظ التكفير وإثباته في الأول قد يفيد جواز تقديم الكفارة على الحنث. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: إني والله إن شاء الله، لكن قال أبو موسى المديني في كتابه الثمين في استثناء اليمين فيما نقله في فتح الباري: لم يقع قوله إن شاء الله في أكثر الطرق لحديث أبي موسى. قال الحافظ ابن حجر: وسقط لفظ والله من نسخة ابن المنير فاعترض بأنه ليس في حديث أبي موسى يمين وليس كما ظن بل هي ثابتة في الأصول، وإنما أراد البخاري بإيراده بيان صيغة الاستثناء بالمشيئة قال: وأشار أبو موسى المديني في الكتاب المذكور إلى أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالها للتبرك لا للاستثناء وهو خلاف الظاهر واشترط في الاستثناء أن يتصل بالمستثنى منه عرفًا فلا يضر سكتة تنفس وعي وتذكر وانقطاع صوت بخلاف الفصل بسكوت طويل وكلام أجنبي ولو يسيرًا ونقل ابن المنذر الاتفاق على اشتراط التلفظ بالاستثناء وأنه لا يكفي القصد إليه بغير لفظ، وعن الحسن وطاوس أن له أن يستثني ما دام في المجلس، وعن الإمام أحمد نحوه، وقال: ما دام في ذلك الأمر، وعن إسحاق مثله وقال: إلا أن يقع سكوت، وعن سعيد بن جبير إلى أربعة أشهر، وعن ابن عباس شهر، وعن سنة وعنه أبدًا. قال أبو البركات النفسي في مختصر الكشاف له: وهذا محمول على تدارك التبرك بالاستثناء فأما الاستثناء المغير حكمًا فلا يصح إلا متصلاً. ويحكى أنه بلغ المنصور أن أبا حنيفة -رحمه الله- خالف ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في الاستثناء المنفصل فاستحضره لينكر عليه، فقال أبو حنيفة: هذا يرجع عليك أنك تأخذ البيعة بالأيمان أفترضى أن يخرجوا من عندك فيستثنوا فيخرجوا عليك؟ فاستحسن كلامه وأمر بإخراج الطاعن فيه اهـ. وقال ابن جرير: معنى قول ابن عباس أنه يستثني ولو بعد سنة أي إذا نسي أن يقول في حلفه أو كلامه إن شاء الله وذكر ولو بعد سنة فالسنة له أن يقول ذلك ليكون آتيًا بسنة الاستثناء، حتى ولو كان بعد الحنث وليس مراده أن ذلك رافع لحنث اليمين ومسقط للكفارة. قال ابن كثير: وهذا الذي قاله ابن جرير -رحمه الله- هو الصحيح وهو الأليق بحمل كلام ابن عباس عليه السلام والله أعلم وقال أبو عبيد: وهذا لا يؤخذ على ظاهره لأنه يلزم منه أنه لا يحنث أحدًا في يمينه وأن لا تتصور الكفارة التي أوجبها الله تعالى على الحالف، ولكن وجه الخبر سقوط الإثم عن الحالف لتركه الاستثناء لأنه مأمور به في قوله تعالى: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا إلا أن يشاء الله} [الكهف: 23] فقال ابن عباس إذا نسي أن يقول إن شاء الله يستدركه ولم يرد أن الحالف إذا قال ذلك بعد أن انقضى كلامه أن ما عقده باليمين ينحل. وحاصله حمل الاستثناء المنقول عنه على لفظ إن شاء الله فقط، وحمل إن شاء الله على التبرك، ومما يدل على اشتراط الاستثناء بالكلام قوله في حديث الباب فليكفر عن يمينه فإنه لو كان

10 - باب الكفارة قبل الحنث وبعده

الاستثناء يفيد بعد قطع الكلام لقال فليستثن لأنه أسهل من التفكير. والحديث سبق في النذور. 6719 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، وَقَالَ: إِلاَّ كَفَّرْتُ يَمِينِى وَأَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ أَوْ أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل عارم قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد بالسند السابق (وقال) فيه: (إلاّ كفرت يميني) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عن يميني (وأتيت الذي هو خير) بتقديم كفرت (أو أتيت الذي هو خير وكفرت) بتأخيرها فزيادة الترديد في هذه الطريق في تقديم الكفارة وتأخيرها وكذا أخرجه أبو داود عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد بالترديد فيه أيضًا. 6720 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ، عَنْ طَاوُسٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً كُلٌّ تَلِدُ غُلاَمًا يُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِى الْمَلَكَ، قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَنَسِىَ، فَطَافَ بِهِنَّ فَلَمْ تَأْتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ بِوَلَدٍ إِلاَّ وَاحِدَةٌ بِشِقِّ غُلاَمٍ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ قَالَ: لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ دَرَكًا فِى حَاجَتِهِ وَقَالَ مَرَّةً: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوِ اسْتَثْنَى» وَحَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن هشام بن حجير) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وسكون التحتية بعدها راء المكي (عن طاوس) هو ابن كيسان الإمام أبو عبد الرَّحمن اليماني أنه (سمع أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال سليمان) بن داود عليهما السلام والله (لأطوفن الليلة) جواب القسم والنون للتأكيد وفي بعض طرق الحديث التصريح بالقسم والليلة نصب على الظرفية (على تسعين امرأة) يقال طاف به يعني ألم به وقاربه يعني لأجامعهن (كل) بالتنوين مشددًا أي منهن (تلد) فيه حذف تقديره فتعلق فتحمل فتلد (غلامًا) ينشأ فيتعلم الفروسية و (يقاتل في سبيل الله) عز وجل (فقال له صاحبه) الملك أو قرينه أو صاحبه من البشر أو وزيره من الإنس أو من الجن (قال سفيان) بن عيينة (يعني الملك قل إن شاء الله فنسي) بفتح النون مخففًا لسابق القدر أن يقول إن شاء الله (فطاف بهن) أي جامعهن (فلم تأت امرأة منهن بولد إلا واحدة بشق غلام) بكسر الشين المعجمة وفي رواية للبخاري إلا واحدة ساقط أحد شقيه (فقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- بالإسناد السابق (يرويه) أي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال لو قال) سليمان (إن شاء الله لم يحنث) قيل هذا خاص بسليمان وأنه لو قالها لحصل مقصوده وليس المراد أن كل من قالها وقع له أراد فقد قال: موسى عليه السلام فى قصة الخضر ستجدني إن شاء الله صابرًا ولم يصبر (وكان) قوله إن شاء الله (دركًا في حاجته) بفتح الدال المهملة والراء أي لحاقًا لها وهو تأكيد لقوله لم يحنث ولأبي ذر له في حاجته (وقال) أبو هريرة (مرة قال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لو استثنى) بدل قوله في الرواية الأولى إن شاء الله فاللفظ مختلف والمعنى واحد وجواب لو محذوف أي لو استثنى لم يحنث قال سفيان بن عيينة بالسند المذكور (وحدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (مثل حديث أبي هريرة) الذي ساقه من طريق طاوس عن أبي هريرة ففيه أن لسفيان فيه سندين إلى أبي هريرة هشام عن طاوس وأبو الزناد عن الأعرج. والحديث سبق في الجهاد وغيره لكن بغير هذا السند. 10 - باب الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ (باب) جواز (الكفارة قبل الحنث وبعده). 6721 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ الْقَاسِمِ التَّمِيمِىِّ، عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِىِّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِى مُوسَى وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا الْحَىِّ مِنْ جَرْمٍ إِخَاءٌ وَمَعْرُوفٌ قَالَ: فَقُدِّمَ طَعَامٌ قَالَ: وَقُدِّمَ فِى طَعَامِهِ لَحْمُ دَجَاجٍ قَالَ: وَفِى الْقَوْمِ رَجُلٌ مِنْ بَنِى تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ، كَأَنَّهُ مَوْلًى قَالَ: فَلَمْ يَدْنُ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: ادْنُ فَإِنِّى قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُ مِنْهُ، قَالَ: إِنِّى رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا قَذِرْتُهُ فَحَلَفْتُ أَنْ لاَ أَطْعَمَهُ أَبَدًا، فَقَالَ: ادْنُ أُخْبِرْكَ عَنْ ذَلِكَ، أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى رَهْطٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَسْتَحْمِلُهُ وَهْوَ يُقْسِمُ نَعَمًا مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ، قَالَ أَيُّوبُ: أَحْسِبُهُ قَالَ وَهْوَ غَضْبَانُ، قَالَ: «وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِى مَا أَحْمِلُكُمْ» قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَأُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَهْبِ إِبِلٍ فَقِيلَ: «أَيْنَ هَؤُلاَءِ الأَشْعَرِيُّونَ أَيْنَ هَؤُلاَءِ الأَشْعَرِيُّونَ»؟ فَأَتَيْنَا فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى قَالَ: فَانْدَفَعْنَا فَقُلْتُ لأَصْحَابِى: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَسْتَحْمِلُهُ، فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْنَا فَحَمَلَنَا نَسِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمِينَهُ وَاللَّهِ لَئِنْ تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمِينَهُ لاَ نُفْلِحُ أَبَدًا ارْجِعُوا بِنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلْنُذَكِّرْهُ يَمِينَهُ، فَرَجَعْنَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْنَاكَ نَسْتَحْمِلُكَ فَحَلَفْتَ أَنْ لاَ تَحْمِلَنَا، ثُمَّ حَمَلْتَنَا فَظَنَنَّا أَوْ فَعَرَفْنَا أَنَّكَ نَسِيتَ يَمِينَكَ قَالَ: «انْطَلِقُوا فَإِنَّمَا حَمَلَكُمُ اللَّهُ إِنِّى وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا». تَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ وَالْقَاسِمِ بْنِ عَاصِمٍ الْكُلَيْبِىِّ. وبه قال: (حدّثنا علي بن بحجر) بحاء مهملة مضمومة فجيم ساكنة فراء السعدي قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) المعروف بأمه علية (عن أيوب) السختياني (عن القاسم) بن عاصم (التميمي عن زهدم) بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة بعدها ميم (الجرمي) بفتح الجيم وسكون الراء أنه (قال: كنا عند أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (وكان بيننا وبين هذا الحي من جرم) بفتح الجيم وسكون الراء والحي بالفتح ولغير أبي ذر بالكسر (إخاء) بكسر الهمزة في أوله وفتح الخاء المعجمة والمدّ أي صداقة (ومعروف) أي إحسان ولأبي ذر عن الكشميهني: وكان بيننا وبينهم هذا الحي فزاد الضمير وقدمه على ما يعود عليه. وقال في الكواكب، فإن قلت: الظاهر أن يقال بينه يعني أبا موسى أي لأن زهدمًا من جرم فلو كان من الأشعريين لاستقام الكلام قال: وقد تقدم على الصواب في باب: لا تحلفوا بآبائكم حيث قال كان بين هذا الحي وبين الأشعريين ودّ. وأجاب: باحتمال أنه جعل نفسه من أتباع أبي موسى كواحد من الأشاعرة فأراد بقوله بيننا أبا موسى وأتباعه وكأنه مولى أي لم يكن من العرب الخلص. (قال)

زهدم (فقدم طعام) بين يدي أبي موسى ولأبي ذر عن الحموي والمستملي طعامه أي طعام أبي موسى (قال: وقدم في طعامه لحم دجاج قال: وفي القوم رجل من بني تيم الله) قبيلة معروفة من قضاعة (أحمر كأنه مولى) قال الحافظ ابن حجر في المقدمة: لم أعرف اسمه، وقد قيل إنه زهدم الراوي (قال: فلم يدن) أي فلم يقرب من الطعام (فقال له أبو موسى) الأشعري: (إذن) أقرب (فإني قد رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل منه) أي من جنس الدجاج (قال) الرجل (إني رأيته يأكل شيئًا) قذرًا (قذرته) بكسر الذال المعجمة أي كرهته (فحلفت أن لا أطعمه أبدًا فقال) أبو موسى للرجل: (ادن) اقرب (أخبرك) بضم الهمزة والجزم جواب الأمر (عن ذلك) أي عن الطريق في حل اليمين (أتينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رهط من الأشعريين أستحمله) أطلب منه ما يحملنا وأثقالنا لغزوة العسرة (وهو يقسم نعمًا من نعم الصدقة) بفتح النون والعين المهملة فيهما. (قال أيوب) السختياني بالسند السابق (أحسبه) أي أحسب القاسم التيمي (قال: وهو) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (غضبان قال): (والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم) زاد الكشميهني عليه (قال) أبو موسى: (فانطلقنا فأتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنهب إبل) بإضافة نهب لما بعده من غنيمة، وفي رواية أبي بردة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابتاع الإبل التي حملهم عليها من سعد فيجمع باحتمال أن تكون الغنيمة لما حصلت حصل لسعد منها ذلك فاشتراه منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحملهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقيل أين هؤلاء الأشعريون أين هؤلاء الأشعريون) بالتكرار مرتين في رواية أبي ذر وفي رواية أبي يزيد فلم ألبث إلا سويعة إذ سمعت بلالاً ينادي أي عبد الله بن قيس فأجبته فقال: أجب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعوك (فأتينا فأمر لنا) عليه الصلاة والسلام (بخمس ذود) بالإضافة وفي المغازي بستة أبعرة وذكر القليل لا ينفي الكثير (غر الذرى) بضم الذال المعجمة وفتح الراء أي الأسنمة (قال: فاندفعنا) أي سرنا مسرعين (فقلت لأصحابي أتينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نستحمله فحلف أن لا يحملنا ثم يرسل إلينا فحملنا) بفتحات (نسي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه والله لئن تغفلنا) بسكون اللام (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه) أي أخذنا منه ما أعطانا في حال غفلته عن يمينه من غير أن نذكره بها (لا نفلح أبدًا ارجعوا بنا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلنذكره) بسكون اللام والجزم (يمينه فرجعنا) إليه (فقلنا: يا رسول الله أتيناك نستحملك فحلفت أن لا تحملنا ثم حملتنا فظننا أو فعرفنا) بالشك من الراوي (أنك نسيت يمينك) ولأبي يعلى من رواية مطر عن زهدم فكرهنا أن تنسيكها فقال: والله إني ما نسيتها وأخرجه مسلم عن الشيخ الذي أخرجه عنه أبو يعلى ولم يسق منه إلا قوله قال والله ما نسيتها (قال: انطلقوا فإنما حملكم الله) عز وجل فيه إزالة المنة عنهم وإضافة النعمة لمالكها الأصلي ولم يرد أنه لا صنع له أصلاً فى حملهم لأنه لو أراد ذلك ما قال: (إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين) أي على محلوف يمين كما مر فأطلق عليه لفظ يمين للملابسة والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه فهو من مجاز الاستعارة ويجوز أن يكون فيه تضمين ففي النسائي إذا حلفت بيمين ورجح الأول بقوله (فأرى غيرها خيرًا منها) لأن الضمير في غيرها لا يصح عوده على اليمين. وأجيب: بأنه يعود على معناها المجازي للملابسة أيضًا وقال: في النهاية الحلف هو اليمين فقوله أحلف أي اعقد شيئًا بالعزم وقوله على يمين تأكيد لعقده وإعلام بأنها ليست لغوًا. قال في شرح المشكاة: ويؤيده رواية النسائي ما على الأرض يمين احلف عليها الحديث قال: فقوله احلف عليها صفة مؤكدة لليمين قال: والمعنى لا أحلف يمينًا جزمًا لا لغو فيها ثم يظهر لي أمر آخر يكون فعله خيرًا من المضي في اليمين المذكور (إلا أتيت الذي هو

خير وتحللتها) أي كفرتها. واختلف هل كفر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن يمينه المذكورة كما اختلف هل كفر في قصة حلفه على شرب العسل أو على غشيان مارية فعن الحسن البصري أنه لم يكفر أصلاً لأنه مغفور له وإنما نزلت كفارة اليمين تعليمًا للأمة، وتعقب بحديث الترمذي عن عمر في قصة حلفه على العسل أو مارية فعاتبه الله وجعل له كفارة يمين، وهذا ظاهر في أنه كفر وإن كان ليس نصًّا في ردّ ما ادعاه الحسن ودعوى أن ذلك كله تشريع بعيدة، وفي تفسير القرطبي عن زيد بن أسلم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كفر بعتق رقبة، وعن مقاتل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعتق رقبة في تحريم مارية، وقد اختلف لفظ الحديث فقد لفظ الكفارة مرة وأخرها أخرى لكن بحرف الواو الذي لا يوجب ترتيبًا نعم ورد في بعض الطرق بلفظ ثم التي تقتضي الترتيب عند أبي داود والنسائي في حديث الباب، ولفظ أبي داود من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير وفي حديث عائشة عند الحاكم بلفظ ثم، وفي حديث أم سلمة عند الطبراني نحوه ولفظه فليكفر عن يمينه ثم ليفعل الذي هو خير وإذا علم هذا فليعلم أن للكفارة ثلاث حالات. إحداها: قبل الحلف فلا يجزئ اتفاقًا. ثانيتها: بعد الحلف والحنث فتجزئ اتفاقًا. ثالثتها بعد الحلف وقيل الحنث فاختلف فيها فقال مالك وسائر فقهاء الأمصار: إلا أبا حنيفة تجزئ قبله، لكن استثنى الشافعي الصيام فقال لا يجزئ إلا بعد الحنث لأن الصيام من حقوق الأبدان، ولا يجوز تقديمها قبل وقتها كالصلاة بخلاف العتق والكسوة والإطعام فإنها من حقوق الأموال فيجوز تقديمها كالزكاة واحتج للحنفية بأنها لما لم تجب صارت كالتطوّع والتطوع لا يجزئ عن الواجب وبقوله تعالى {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} [المائدة: 89] فإن المراد إذا حلفتم فحنثتم وأجاب المخالفون بأن التقدير فإذا أردتم الحنث والخلاف كما قال القاضي عياض مبني على أن الكفارة لحل اليمين أو لتكفير مأثمها بالحنث فعند الجمهور أنها رخصة شرعها الله لحل ما عقد من اليمين فلذلك تجزئ قبل وبعد. نعم استحب مالك والشافعي تأخيرها. والحديث مرّ في مواضع كثيرة كالخمس والمغازي والذبائح، ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في التوحيد. (تابعه) أي تابع إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية (حماد بن زيد) فيما وصله المؤلّف في فرض الخمس (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (والقاسم بن عاصم الكليبي) بضم الكاف وفتح اللام قال: في الفتح وهذه المتابعة وقعت في الرواية عن القاسم فقط، ولكن زاد حماد ذكر أبي قلابة مضمومًا إلى القاسم قال: والبخاري لم يدرك حمادًا فالحديث من المعلقات. 0000 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ وَالْقَاسِمِ التَّمِيمِىِّ، عَنْ زَهْدَمٍ بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) الجرمي (والقاسم التيمي عن زهدم بهذا) الحديث السابق. 0000 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ زَهْدَمٍ بِهَذَا. (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة قال: (حدّثنا عبد الوارث) قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن القاسم) التيمي (عن زهدم بهذا) الحديث أيضًا. 6722 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ، عَنْ يَمِينِكَ». تَابَعَهُ أَشْهَلُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ. وَتَابَعَهُ يُونُسُ وَسِمَاكُ بْنُ عَطِيَّةَ، وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، وَحُمَيْدٌ وَقَتَادَةُ، وَمَنْصُورٌ وَهِشَامٌ، وَالرَّبِيعُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (محمد بن عبد الله) هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي النيسابوري الحافظ المشهور قال: (حدّثنا عثمان بن عمر بن فارس) بضم عين عمر البصري قال: (أخبرنا ابن عون) عبد الله (عن الحسن) البصري (عن عبد الرَّحمن بن سمرة) بفتح المهملة وضم الميم القرشي سكن البصرة ومات بالكوفة -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تسأل الإمارة) بكسر الهمزة الإمرة (فإنك إن أعطيتها) بضم الهمزة (عن غير مسألة أعنت عليها وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها) بضم الواو وكسر الكاف مخففة وضم همزة أعطيتها وأعنت أي وكلت إلى نفسك وعجزت (وإذا حلفت على يمين) محلوف يمين (فرأيت غيرها خيرًا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك). والحديث سبق

85 - كتاب الفرائض

في أول كتاب الأيمان والنذور. (تابعه) أي تابع عثمان بن عمر فيما وصله أبو عوانة والحاكم والبيهقي (أشهل) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الهاء وبعدها لام الجمحي مولاهم أبو عمرو وقيل أبو حاتم مصري ولأبي ذر أشهل بن حاتم (عن ابن عون) عبد الله (وتابعه) أي تابع عبد الله بن عون (يونس) بن عبيد بن دينار العبدي البصري مما وصله المؤلّف في كتاب الأحكام في باب من سأل الإمارة وكل إليها (وسماك بن عطية) بكسر السين المهملة وتخفيف الميم وبعد الألف كاف ابن عطية المربدي من أهل البصرة مما وصله مسلم (وسماك بن حرب) أبو المغيرة الكوني مما وصله عبد الله ابن الإمام أحمد في زياداته والطبراني في الكبير (وحميد) بضم الحاء ابن أبي حميد الطويل مما وصله مسلم (وقتادة) بن دعامة مما وصله مسلم (ومنصور) هو ابن المعتمر مما وصله مسلم أيضًا (وهشام) هو ابن حسان القردوسي مما وصله أبو نعيم في مستخرج مسلم (والربيع) هو ابن مسلم الجمحي البصري كما جزم به الدمياطي. وقال ابن حجر الحافظ: والذي يغلب على ظني أنه صبيح ثم ذكر عدة أحاديث من طرق تدل له ووقع في نسخة من رواية أبي ذر وهو مكتوب في فرع اليونينية، وحميد عن قتادة وهو خطأ والصواب وحميد وقتادة بالواو كما سبق. بسم الله الرحمن الرحيم 85 - كتاب الفرائض (كتاب الفرائض) أي مسائل قسمة المواريث جمع فريضة بمعنى مفروضة أي مقدرة لما فيها من السهام المقدّرة فغلبت على غيرها، والفرض لغة التقدير وشرعًا هنا نصيب مقدّر شرعًا للوارث، ثم قيل للعلم بمسائل الميراث علم الفرائض والعالم به فرضي، وفي الحديث أفرضكم زيد أي أعلمكم بهذا النوع، وعلم الفرائض كما نقل عن أصحاب الشافعي ينقسم إلى ثلاثة علوم. علم الفتوى وعلم النسب وعلم الحساب والأنصباء المقدرة في كتاب الله تعالى ستة النصف ونصفه ونصف نصفه والثلثان ونصفه ونصف نصفه. 1 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِى الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء الآيتان: 11 - 12]. (باب قول الله تعالى: {يوصيكم الله}) يعهد إليكم ويأمركم ({في أولادكم}) في شأن ميراثهم وهذا إجمال تفصيله ({للذكر مثل حظ الأنثيين}) أي للذكر مهم أي من أولادكم فحذف الراجع إليه لأنه مفهوم كقوله السمن منوان بدرهم وبدأ بذكر ميراث الأولاد لأن تعلق الإنسان بولده أشد التعلقات وبدأ بحظ الذكر، ولم يقل للأنثيين مثل حظ الذكر، أو للأنثى نصف حظ الذكر لفضله كما ضوعف حظه لذلك ولأنهم كانوا يورثون المذكور دون الإِناث وهو السبب لورود الآية فقيل كفى المذكور أن ضوعف لهم نصيب الإناث فلا يتمادى في حظهم حتى يحرمن مع إدلائهن من القرابة بمثل ما يدلون به والمراد به حال الاجتماع أي إذا اجتمع الذكر والأنثيان كان له سهمان كما أن لهما سهمين، وأما في حال الانفراد فالابن يأخذ المال كله والبنتان يأخذان الثلثين والدليل عليه أنه اتبعه حكم الانفراد بقوله ({فإن كن نساء}) أي فإن كانت الأولاد نساء خلصًا يعني بنات ليس معهن ابن ({فوق اثنتين}) خبر ثان لكان أو صفة لنساء أي نساء زائدات على ثنتين ({فلهن ثلثا ما ترك}) أي الميت ({وإن كانت واحدة فلها النصف}) أي وإن كانت المولودة منفردة. وفي الآية دلالة على أن المال كله للذكر إذا لم يكن معه أنثى لأنه جعل للذكر مثل حظ الأنثيين وقد جعل للأنثى النصف إذا كانت منفردة فعلم أن للذكر في حال الانفراد ضعف النصف وهو الكل والضمير في قوله ({ولأبويه}) للميت والمراد الأب والأم إلا أنه غلب المذكر ({لكل واحد منهما السدس}) بدل من أبويه بتكرير العامل وفائدة هذا البدل أنه لو قيل ولأبويه السدس لكان ظاهره اشتراكهما فيه ولو قيل ولأبويه السدسان لأوهم قسمة السدسين عليهما على السوية وعلى خلافها، ولو قيل لكل واحد من أبويه السدس لذهبت فائدة التأكيد وهو التفصيل بعد الإجمال والسدس مبتدأ خبره لأبويه والبدل متوسط بينهما للبيان ({مما ترك إن كان له ولد}) ذكر أو أنثى ({فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث}) مما ترك والمعنى وورثه أبواه فحسب لأنه إذا

ورثه أبواه مع أحد الزوجين كان للأم ثلث ما يبقى بعد إخراج نصيب الزوج لا ثلث ما ترك لأن الأب أقوى من الأم في الإرث بدليل أن له ضعف حظها إذا خلصا فلو ضرب لها الثلث كاملاً لأدّى إلى حط نصيبه عن نصيبها فإن امرأة لو تركت زوجًا وأبوين فصار للزوج النصف وللأم الثلث والباقي للأب حازت الأم سهمين والأب سهمًا واحدًا فينقلب الحكم إلى أن يكون للأنثى مثل حظ المذكرين ({فإن كان له}) أي للميت ({إخوة فلأمه السدس}) إخوة: أعم من أن يكونوا ذكورًا أو إناثًا أو بعضهم ذكورًا وبعضهم إناثًا فهو من باب التغليب والجمهور على أن الأخوة، وإن كان بلفظ الجمع يقعون على الاثنين فيحجب الأخوان أيضًا الأم من الثلث إلى السدس خلافًا لابن عباس ولا يحجب الأخ الواحد ({من بعد وصية}) متعلق بما سبق من قسمة المواريث كلها لا بما يليه وحده كأنه قيل قسمة هذه الأنصباء من بعد وصية ({يوصي بها أو دين}). واستشكل بأن الدين مقدم على الوصية في الشرع وقدمت الوصية على الدين في التلاوة، وأجيب: بأن أو لا تدل على الترتيب فتقدير من بعد وصية يوصي بها أو دين من بعد أحد هذين الشيئين الوصية أو الدين ولما كانت الوصية تشبه الميراث لأنها صلة بلا عوض فكان إخراجها مما يشق على الورثة، وكان أداؤها مظنة للتفريط بخلاف الدين قدمت على الدين ليسارعوا إلى إخراجها مع الدين. ({آباؤكم}) مبتدأ ({وأبناؤكم}) عطف عليه والخبر ({لا تدرون}) وقوله ({أيهم}) مبتدأ خبره ({أقرب لكم}) والجملة نصب بتدرون ({نفعًا}) تمييز والمعنى فرض الله الفرائض على ما هو عنده حكمة ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم لكم أنفع فوضعتم أنتم الأموال على غير حكمة والتفاوت في السهام بتفاوت المنافع، وأنتم لا تدرون تفاوتها فتولى الله ذلك فضلاً منه ولم يكلها إلى اجتهادكم لعجزكم عن معرفة المقادير، والجملة اعتراض مؤكدة لا موضع لها من الإعراب ({فريضة}) نصب نصب المصدر المؤكد أي فرض ذلك فرضًا ({من الله إن الله كان عليمًا}) بالأشياء قبل خلقها ({حكيمًا}) في كل ما فرض وقسم من المواريث وغيرها. ({ولكم نصف ما ترك أزواجكم}) أي زوجاتكم ({وإن لم يكن لهن ولد}) ابن أو بنت ({فإن كان لهن ولد}) منكم أو من غيركم ({فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين}) والواحدة والجماعة سواء في الربع والثمن جعل ميراث الزوج ضعف ميراث الزوجة لدلالة قوله للذكر مثل حظ الأنثيين ({وإن كان رجل}) يعني الميت ({يورث}) أي يورث منه صفة لرجل ({كلالة}) خبر كان أي وإن كان رجل موروث منه كلالة أو يورث خبر كان وكلالة حال من الضمير في يورث والكلالة تطلق على من لم يخلف ولدًا ولا والدًا وعلى من ليس بولد ولا والد من المخلفين وهو في الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوّة من الإعياء فكأنه يصير الميراث للوارث من بعد إعيائه ({أو امرأة}) عطف على رجل ({وله أخ أو أخت}) أي لأم ({فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك}) من واحد ({فهم شركاء في الثلث}) لأنهم يستحقون بقرابة الأم وهي لا ترث أكثر من الثلث، ولهذا لا يفضل الذكر منهم على الأنثى ({من بعد وصية يوصي بها أو دين}) وكرّرت الوصية لاختلاف الموصين فالأول الوالدان والأولاد والثاني الزوجة والثالث الزوج والرابع الكلالة ({غير مضار}) حال أي يوصي بها وهو غير مضار لورثته وذلك بأن يوصي زيادة على الثلث أو لوارث ({وصية من الله}) مصدر مؤكد أي يوصيكم بذلك وصية ({والله عليم}) بمن جار أو عدل في وصيته ({حليم}) [النساء: 11 - 12] على الجائر لا يعاجله بالعقوبة وسقط في رواية أبي ذر من قوله للذكر الخ وقال: بعد قوله {في أولادكم} إلى قوله {وصية من الله والله عليم حليم}. 6723 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ. سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: مَرِضْتُ فَعَادَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا مَاشِيَانِ، فَأَتَانِى وَقَدْ أُغْمِىَ عَلَىَّ فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَبَّ عَلَىَّ وَضُوءَهُ، فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ فِى مَالِى كَيْفَ أَقْضِى فِى مَالِى؟ فَلَمْ يُجِبْنِى بِشَىْءٍ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمَوَارِيثِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن محمد بن المنكدر). الهدير التيمي المدني الحافظ أنه (سمع) ولأبي ذر عن الحموي

2 - باب تعليم الفرائض وقال عقبة بن عامر: تعلموا قبل الظانين، يعنى الذين يتكلمون بالظن

والمستملي قال: سمعت (جابر بن عبد الله الأنصاري) -رضي الله عنهما- (يقول: مرضت فعادني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر) -رضي الله عنه- (وهما ماشيان) الواو فيه للحال (فأتاني) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر عن الكشميهني فأتياني أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر (وقد أغمي عليّ) بتشديد الياء (فتوضأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصبّ عليّ) بتشديد الياء (وضوءه) بفتح الواو أي ماء وضوئه (فأفقت) من إغمائي (فقلت: يا رسول الله كيف أصنع في مالي كيف أقضي) بفتح الهمزة وكسر الضاد المعجمة (في مالي فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية المواريث) بالجمع ولأبي ذر الميراث بالإفراد وهي {يوصيكم الله في أولادكم} إلى الآخر وزاد مسلم عن عمرو الناقد عن سفيان بن عيينة في آخر الحديث {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} [النساء: 176] وهذه الزيادة مدرجة في الحديث. وحديث الباب سبق في الطب. 2 - باب تَعْلِيمِ الْفَرَائِضِ وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: تَعَلَّمُوا قَبْلَ الظَّانِّينَ، يَعْنِى الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِالظَّنِّ (باب تعليم الفرائض: وقال عقبة بن عامر) الجهني -رضي الله عنه-: (تعلموا) أي العلم فيدخل فيه علم الفرائض (قبل الظانين يعني الذين يتكلمون بالظن) ويحتمل أن يكون مراد عقبة بقوله: تعلموا علم الفرائض المخصوص لشدة الاهتمام به، وفي حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا: تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما. أخره أحمد والترمذي والنسائي وصححه الحاكم، وعند الترمذي من حديث أبي هريرة: تعلموا الفرائض فإنها نصف العلم وأنه أول ما ينزع من أمتي، قيل لأن للإنسان حالتين حالة حياة وحالة موت والفرائض تتعلق بأحكام الموت. 6724 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري البصري ويقال له التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد البصري قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس اليماني (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إياكم والظن) أي احذروا الظن المنهي عنه الذي لا يستند إلى أصل أو الظن السوء بالمسلمين لا ما يتعلق بالأحكام (فإن الظن أكذب الحديث). واستشكل بأن الكذب لا يقبل الزيادة والنقصان فكيف عبر بأفعل التفضيل؟ وأجيب: بأن معناه الظن أكثر كذبًا من سائر الأحاديث. فإن قلت: الظن ليس بحديث أجيب: بأنه حديث نفساني والمعنى الحديث الذي منشؤه الظن أكثر كذبًا من غيره. (ولا تحسسوا) بالحاء المهملة (ولا تجسسوا) بالجيم ما تطلبه لغيرك والأول ما تطلبه لنفسك أو بالجيم البحث عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر أو بالجيم في الخير وبالحاء في الشر أو معناهما واحد وهو تطلب الأخبار (ولا تباغضوا ولا تدابروا) بحذف إحدى التاءين فيهما أي لا تقاطعوا ولا تهاجروا (وكونوا عباد الله إخوانًا). ومطابقة هذا الحديث لأثر عقبة ظاهرة، والحديث سبق في باب لا يخطب على خطبة أخيه من كتاب النكاح. 3 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا نورث) أي معاشر الأنبياء (ما تركنا صدقة) ما موصول وتركنا صلته وصدقة بالرفع خبر ما أو يقدر فيه هو أي الذي تركناه هو صدقة. 6725 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ وَالْعَبَّاسَ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَيْهِمَا مِنْ فَدَكَ وَسَهْمَهُمَا مِنْ خَيْبَرَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف اليماني قاضيها قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن فاطمة) الزهراء البتول (والعباس) بن عبد المطلب (عليهما السلام أتيا أبا بكر) الصديق -رضي الله عنه- بعد وفاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يلتمسان) يطلبان منه (ميراثهما من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهما حينئذٍ يطلبان) منه (أرضيهما من فدك) بفتح الفاء والدال المهملة بالصرف وعدمه بلد بينها وبين المدينة ثلاث مراحل (وسهمهما) ولأبي ذر عن الكشميهني وسهمه بالإفراد (من خيبر) بعدم الصرف مما ترك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 6726 - فَقَالَ لَهُمَا أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ» قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لاَ أَدَعُ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُهُ فِيهِ إِلاَّ صَنَعْتُهُ قَالَ: فَهَجَرَتْهُ فَاطِمَةُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى مَاتَتْ. (فقال لهما أبو بكر) -رضي الله عنه-:

(سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: لا نورث) بضم النون وفتح الراء مخففة وعند النسائي من حديث الزبير إنّا معاشر الأنبياء لا نورث (ما تركنا صدقة) بالرفع خبر ما الموصول كما مرّ وجوّز بعضهم النصب، وفيه بحث سبق في الخمس فلا نطيل به فليراجع، وفي العلل للدارقطني من رواية أم هانئ عن فاطمة عليها السلام عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-: الأنبياء لا يورثون والحكمة في أن لا يورثوا أن الله بعثهم مبلغين رسالته وأمرهم أن لا يأخذوا على ذلك أجرًا قال تعالى {قل لا أسألكم عليه أجرًا} [الأنعام: 90] وقال نوح وهود وغيرهما نحو ذلك فكانت الحكمة أن لا يورثوا لئلا يظن أنهم جمعوا المال لوارثهم، وأما قوله تعالى {وورث سليمان داود} [النمل: 16] فحملوه على العلم والحكمة وكذا قول زكريا فهب لي من لدنك وليًّا يرثني (إنما يأكل آل محمد) عليه الصلاة والسلام (من) بعض (هذا المال) بقدر حاجتهم وما بقي منه للمصالح وليس المراد أنهم لا يأكلون إلا منه ومن للتبعيض. (قال أبو بكر: والله لا أدع) لا أترك (أمرًا رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصنعه فيه) في المال (إلا صنعته. قال: فهجرته فاطمة) -رضي الله عنها- أي هجرت أبا بكر -رضي الله عنه- (فلم تكلمه حتى ماتت) قريبًا من ذلك بنحو ستة أشهر وليس المراد الهجران المحرّم من ترك السلام ونحوه، بل المراد أنها انقبضت عن لقائه قاله في الكواكب. والحديث سبق في الخمس. 6727 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبان) بفتح الهمزة والموحدة المخففة وبعد الألف نون أبو إسحاق الوراق الأزدي قال: (أخبرنا ابن المبارك) عبد الله المروزي (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا نورث ما تركنا) هو (صدقة). قال ابن المنير في الحاشية: يستفاد منه أن من قال: داري مثلاً صدقة لا تورث أنها تكون حبسًا ولا يحتاج إلى التصريح بالوقف والحبس قال في الفتح: وهو حسن لكن هل يكون ذلك صريحًا أو كناية يحتاج إلى نيّة. 6728 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِى مِنْ حَدِيثِهِ ذَلِكَ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ، فَأَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأُ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِى عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِى عَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِى وَبَيْنَ هَذَا؟ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِى بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفْسَهُ فَقَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ذَلِكَ؟ قَالاَ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّى أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى هَذَا الْفَىْءِ بِشَىْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} -إِلَى قَوْلِهِ- {قَدِيرٌ} [الحشر: 6] فَكَانَتْ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهُ وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِىَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ فَكَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ هَذَا الْمَالِ نَفَقَةَ سَنَتِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِىَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيَاتَهُ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ، قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ. فَتَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِىُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَبَضَهَا، فَعَمِلَ بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: أَنَا وَلِىُّ وَلِىِّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ أَعْمَلُ فِيهَا مَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جِئْتُمَانِى وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ جِئْتَنِى تَسْأَلُنِى نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ وَأَتَانِى هَذَا يَسْأَلُنِى نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّى قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَوَاللَّهِ الَّذِى بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ أَقْضِى فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا فَادْفَعَاهَا إِلَىَّ فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا ونسبه لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (مالك بن يوسف بن الحدثان) بفتح الحاء والدال المهملتين والمثلثة قال ابن شهاب (وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكرًا من حديثه) أي من حديث مالك بن أوس (ذلك) الآتي ذكره (فانطلقت حتى دخلت عليه) أي على مالك بن أوس حتى أسمع منه بلا واسطة (فسألته) عن ذلك الحديث (فقال: انطلقت حتى ادخل على عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (فأتاه حاجبه يرفى) بفتح الياء التحتية وسكون الراء وفتح الفاء بعدها تحتية خطأ، ولأبي ذر بالألف بدل التحتية بغير همز في الفرع كأصله. وقال العيني كالكرماني بالهمز وغيره، وقال الحافظ ابن حجر: وبالهمز روايتنا من طريق أبي ذر (فقال) له: (هل لك) رغبة (في) دخول (عثمان) بن عفان عليك (وعبد الرَّحمن) بن عوف (والزبير) بن العوّام (وسعد) بسكون العين ابن أبي وقاص وزاد النسائي على الأربعة طلحة بن عبيد الله (قال: نعم فأذن لهم) فدخلوا فسلموا وجلسوا (ثم قال): يرفى لعمر -رضي الله عنه- (هل لك) رغبة (في علي) أي ابن أبي طالب (وعباس)؟ أي ابن عبد المطلب (قال: نعم) فأذن لهما فدخلا فسلما فجلسا (قال عباس) لعمر: (يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا) أي عليّ زاد في الخمس وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بني النضير فقال الرهط عثمان وأصحابه يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر (قال) عمر: (أنشدكم) بفتح الهمزة وضم الشين المعجمة أي أسألكم (بالله الذي بإذنه تقوم السماء) فوق رؤوسكم بلا محمد (والأرض) على الماء تحت أقدامكم (هل تعلمون أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا نورث ما تركنا صدقة)

بالرفع خبر الموصول (يريد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفسه) الزكية وكذا غيره لقوله في الحديث الآخر "إنّا معاشر الأنبياء لا نورث" فليس ذلك من الخصائص، وقيل إن قول عمر يريد نفسه أشار به إلى أن النون في قوله: لا نورث للمتكلم خاصة لا للجميع، وحكى ابن عبد البر أن للعلماء في ذلك قولين وأن أكثر على أن الأنبياء لا يورثون. وأخرج الطبري من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله تعالى حكاية عن زكريا {وإني خفت الموالي} [مريم: 5] قال: العصبة. وفي قوله {فهب لي من لدنك وليًّا يرثني} [مريم: 6] قال يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوّة. ومن طريق قتادة عن الحسن نحوه لكن لم يذكر المال، ومن طريق مبارك بن فضالة عن الحسن رفعه مرسلاً رحم الله أخي زكريا ما كان عليه من يرث ماله فيكون ذلك مما خصه الله به، ويؤيده قول عمر يريد نفسه أي يريد اختصاصه بذلك. (فقال الرهط) عثمان وأصحابه (قد قال) عليه الصلاة والسلام (ذلك فأقبل) عمر -رضي الله عنه- (على عليّ وعباس) -رضي الله عنهما- (فقال: هل تعلمان أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك). أي لا نورث ما تركنا صدقة. (قالا: قد قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ذلك. قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر أن الله) تعالى (قد كان خص رسوله) ولأبي ذر قد خص لرسوله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا الفيء) أي الغنيمة (بشيء لم يعطه أحدًا غيره) حيث خصصه كله به أو حيث حلل له الغنيمة ولم تحل لغيره من الأنبياء (فقال عز وجل {ما أفاء الله على رسوله}) إلى قوله ({قدير}) [الحشر: 6] (فكانت) بنو النضير وخيبر وفدك (خالصة) ولأبي ذر عن الحموي خاصة (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لا حق لأحد فيها غيره (والله) ولأبي ذر ووالله (ما احتازها) بحاء مهملة وزاي مفتوحة من الحيازة ما جمعها (دونكم ولا استأثر) ما تفرد (بها عليكم لقد أعطاكموه) أي الفيء ولأبي ذر عن الكشميهني أعطاكموها أي أموال الفيء (وبثها) بالموحدة والمثلثة المفتوحتين فرقها (فيكم حتى بقي منها هذا المال) الذي تطلبان حصتكما منه (فكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينفق على أهله من هذا المال نفقة سنته ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل) بفتح الميم والعين بينهما جيم ساكنة أي يصرفه مصرف (مال الله) أي مما هو في جهة مصالح المسلمين (فعمل بذاك) بغير لام ولأبي ذر فعمل بذلك (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حياته أنشدكم بالله) بحرف الجر (هل تعلمون ذلك؟ قالوا) أي عثمان وأصحابه: (نعم) نعلمه. (ثم قال) عمر: (لعليّ وعباس) -رضي الله عنهم- (أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم) قال عمر: (فتوفى الله) عز وجل (نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال أبو بكر) -رضي الله عنه-: (أنا وليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقبضها) أي الخالصة (فعمل) فيها (بما عمل به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيها (ثم توفى الله) عز وجل (أبا بكر فقلت: أنا وليّ وليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لأبي ذر وليّ الثانية (فقبضتها سنتين أعمل فيها ما) بغير موحدة (عمل) فيها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر) -رضي الله عنه- (ثم جئتماني وكلمتكما واحدة) متفقان لا نزاع بينكما (وأمركما جميع. جئتني) يا عباس (تسألني نصيبك من ابن أخيك) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وأتاني هذا) عليّ (يسألني نصيب امرأته) فاطمة -رضي الله عنها- (من أبيها) صلوات الله وسلامه عليه (فقلت) لكما (إن شئتما دفعتهما إليكما بذلك) أي بأن تعملا فيها كما عمل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر (فتلتسمان) بحذف أداة الاستفهام أي أفتطلبان (مني قضاء غير ذلك، فوالله الذي) ولأبي ذر عن الكشميهني فوالذي (بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما) عنها (فادفعاها إليّ) بتشديد الياء (فأنا كفيكماها) بفتح الهمزة. فإن قلت: إذا كان عليّ وعباس أخذاها على الشرط المذكور فيكف يطلبان بعد ذلك من عمر؟ أجيب: بأنهما اعتقدا أن عموم قوله

4 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من ترك مالا فلأهله»

لا نورث مخصوص ببعض ما يخلفه، وأما مخاصمتها فلم تكن في الميراث بل طلبا أن تقسم بينهما ليستقل كل منهما بالتصرف فيما يصير إليه فمنعهما عمر لأن القسمة إنما تقع في الاملاك، وربما تطاول الزمان فيظن أنه ملكهما قاله الكرماني، وسبق مزيد لذلك في فرض الخمس. 6729 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَقْتَسِمُ وَرَثَتِى دِينَارًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِى وَمُؤْنَةِ عَامِلِى فَهْوَ صَدَقَةٌ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرَّحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يقتسم) بتحتية ثم فوقية مفتوحتين بينهما قاف ساكنة ولأبي ذر عن الكشميهني لا يقسم بإسقاط الفوقية (ورثتي دينارًا) ولا غيره وميم يقتسم على الروايتين رفع خبر أي ليس يقسم ورواه بعضهم بالجزم كأنه نهاهم أن خلف شيئًا لا يقسم بعده فلا تعارض بين هذا وبين ما تقدم في الوصايا من حديث عمرو بن الحارث الخزاعي ما ترك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دينارًا ولا درهمًا ويحتمل أن يكون الخبر بمعنى النهي فيتحد معنى الروايتين ويستفاد من غيرهما لا يقسم أيضًا بطريق الإرث بل تقسم منافعه لمن ذكر وقوله: ورثتي أي بالقوّة أي لو كنت ممن يورث، أو المراد لا يقسم مال تركه لجهة الإرث فأتى بلفظ ورثتي ليكون الحكم معللاً بما به الاشتقاق وهو الإرث فالمنفي اقتسامهم بالإرث عنه قاله الشيخ تقي الدين السبكي (ما تركت بعد نفقة نسائي) قال السبكي: ويدخل فيه كسوتهن وسائر اللوازم أي كالمساكن (ومؤونة عاملي) على الصدقات أو الخليفة بعدي أو الناظر في الصدقات أو حافر قبره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فهو) أي المتروك بعدما ذكر (صدقة) والصدقة لا تحل لآله. فإن قلت: ما وجه تخصيص النساء بالنفقة والمؤونة بالعمال وهل بينهما فرق؟ أجاب الشيخ تقي الدين السبكي كما في الفتح: بأن المؤونة في اللغة القيام بالكفاية والإنفاق بذل القوت قال: وهذا يقتضي أن النفقة دون المؤونة والسرّ في التخصيص المذكور الإشارة إلى أن أزواجه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما اخترن الله ورسوله والدار الآخرة كان لا بدّ لهن من القوت فاقتصر على ما يدل عليه والعامل لما كان في صورة الأجير فيحتاج إلى ما يكفيه اقتصر على ما يدل عليه اهـ ملخصًا. والحديث سبق في الوصايا والخمس. 6730 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَيْسَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) إمام الأئمة (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أردن أن يبعثن عثمان) بن عفان (إلى أبي بكر) -رضي الله عنه- (يسألنه ميراثهن) أي من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالت عائشة: أليس قال) ولأبي ذر قد قال: (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا نورث ما تركنا صدقة) بالرفع كما مرّ، وقيل إن الحكمة في كونه لا يورث حسم المادة في تمني الوارث موت المورث من أجل المال، وقيل لكون النبي كالأب لأمته فيكون ميراثه للجميع وهو معنى الصدقة العامة. وهذا الحديث أخرجه مسلم في المغازي وأبو داود في الخراج والنسائي في الفرائض. 4 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأَهْلِهِ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من ترك مالاً فلأهله). 6731 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَعَلَيْنَا قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (حدثني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم) أي أحق بهم في كل شيء من أمور الدين والدنيا وحكمه أنفذ عليهم من حكمها (فمن مات) منهم (وعليه دين) الواو للحال (ولم يترك) له (وفاء) أي ما يفي بدينه (فعلينا قضاؤه). وهل هذا من خصائصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

5 - باب ميراث الولد من أبيه وأمه

أو يجب على ولاة الأمر بعده الراجح الاستمرار، لكن وجوب الوفاء إنما هو من مال المصالح. قال ابن بطال: فإن لم يعط الإمام عنه من بيت المال لم يحبس عن دخول الجنة لأنه يستحق القدر الذي عليه في بيت المال إلا إن كان دينه أكثر من القدر الذي في بيت المال مثلاً (ومن ترك مالاً فلورثته) وهذا بالإجماع ولأبي ذر عن الكشميهني فهو لورثته. والحديث أخرجه مسلم أيضًا في الفرائض. 5 - باب مِيرَاثِ الْوَلَدِ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: إِذَا تَرَكَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ بِنْتًا فَلَهَا النِّصْفُ، وَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ بُدِئَ بِمَنْ شَرِكَهُمْ فَيُؤْتَى فَرِيضَتَهُ فَمَا بَقِىَ فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ. (باب ميراث الولد) ذكرًا كان أو أنثى ولدًا أو ولد ولد وإن سفل (من أبيه وأمه وقال زيد بن ثابت) الأنصاري المدني -رضي الله عنه- مما وصله سعيد بن منصور: (إذا ترك رجل أو امرأة بنتًا فلها) أي للبنت (النصف) مما ترك أو تركت (وإن كانتا اثنتين أو أكثر فلهن) الثلاث فأكثر أو البنتين الثلثان (وإن كان معهن) أي البنات أو البنتين أخ (ذكر) من أبيهن فلا فريضة لأحد منهم و (بدئ) بضم الموحدة وكسر الدال المهملة بعدها همزة (بمن شركهم) بفتح المعجمة وكسر الراء مخففة أي بمن شرك البنات والذكر فغلب التذكير على التأنيث ممن له فرض مسمى كالأب (فيؤتي) ولأبي ذر فيعطي (فريضته فما بقي) بعد فرض الأب مثلاً (فللذكر) أي يقسم بين الابن والبنات للذكر (مثل حظ الأنثيين). 6732 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِىَ فَهْوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ». [الحديث 6732 - أطرافه في: 6735، 6737، 6746]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس اليماني (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ألحقوا) بفتح الهمزة وكسر الحاء المهملة (الفرائض) جمع فريضة فعيلة بمعنى مفعولة وهي الأنصباء المقدّرة في كتاب الله وهي النصف ونصفه ونصف نصفه والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما كما مرّ (بأهلها) المستحقين لها بنص القرآن أي أوجبوا الفرائض لأهلها واحكموا بها لهم وجاءت العبارة في أعلى درجات الفصاحة وأسنى غايات البلاغة مع استعمال المجاز فيها لأن المعنى نيطوها بهم وألصقوها بمستحقيها (فما) شرطية في موضع رفع على الابتداء والخبر قوله (بقي فهو لأولى) بفتح الهمزة واللام بينهما واو ساكنة والفاء جواب الشرط ولأبي ذر عن الكشميهني فلأولى (رجل ذكر) أقرب في النسب إلى المورث دون الأبعد والوصف بالمذكورة مع أن الرجل لا يكون إلا ذكرًا للتوكيد، وتعقب بأن العرب إنما تؤكد حيث يفيد فائدة أما تعيين المعنى في النفس وأما رفع توهم المجاز، وليس موجودًا هنا وقيل هذا التوكيد لمتعلق الحكم وهو المذكورة لأن الرجل قد يراد به معنى النجدة والقوّة في الأمر، فقد حكى سيبويه: مررت برجل رجل أبوه فلذا احتاج الكلام لزيادة التوكيد بذكر حتى لا يظن أن المراد به خصوص البالغ أو المراد به الاحتراز عن الخنثى، وتعقب بأنه لا يخرج عن كونه ذكرًا أو أنثى أو للتنبيه على أن الرجولية ليست هي المعتبرة بل مطلق المذكورة حتى يدخل الصغير قاله في أساس البلاغة، أو للتنبيه على سبب الاستحقاق بالعصوبة، والترجيح في الإرث بكون الذكر له مثل حظ الأنثيين لأن الرجال تلحقهم مؤن كثيرة بالقتال والقيام بالضيفان والعيال ونحو ذلك أو للتنبيه على نفي توهم اشتراك الأنثى ولا يخفى بعده أو أنه خرج مخرج الغالب ولا يخفى فساده لأن الرجل ذكر لا أن الغالب فيه المذكورة والحديث أخرجه مسلم في الفرائض أيضًا وكذا أبو داود والترمذي والنسائي. 6 - باب مِيرَاثِ الْبَنَاتِ (باب ميرات البنات). 6733 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ أَخْبَرَنِى عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرِضْتُ بِمَكَّةَ مَرَضًا فَأَشْفَيْتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ فَأَتَانِى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُنِى فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِى مَالاً كَثِيرًا وَلَيْسَ يَرِثُنِى إِلاَّ ابْنَتِى أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَىْ مَالِى؟ قَالَ: «لاَ»، قَالَ: قُلْتُ فَالشَّطْرُ قَالَ: «لاَ». قُلْتُ: الثُّلُثُ قَالَ: «الثُّلُثُ كَبِيرٌ إِنَّكَ إِنْ تَرَكْتَ وَلَدَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَتْرُكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً إِلاَّ أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَرْفَعُهَا إِلَى فِى امْرَأَتِكَ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُخَلَّفُ عَنْ هِجْرَتِى فَقَالَ: «لَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِى فَتَعْمَلَ عَمَلاً تُرِيدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ ازْدَدْتَ بِهِ رِفْعَةً وَدَرَجَةً، وَلَعَلَّ أَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِى حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ» يَرْثِى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ. قَالَ سُفْيَانُ: وَسَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىٍّ». وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم قال: (أخبرني) بالإفراد (عامر بن سعد بن أبي وقاص) بسكون عين سعد (عن أبيه) سعد -رضي الله عنه- أنه (قال: مرضت بمكة مرضًا فأشفيت) بهمزة قطع مفتوحة وسكون المعجمة بعدها فاء أي فأشرفت (منه على الموت فأتاني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في عام حجة الوداع أو عام الفتح حال كونه (يعودني) مضارع عاد المريض إذا زاره (فقلت) له: (يا رسول الله إن لي مالاً كثيرًا) بالمثلثة

(وليس يرثني إلا ابنتي) أم الحكم الكبرى والحصر هنا حصر خاص فقد كان له ورثة بالتعصيب من بني عمه فالتقدير ولا يرثني بالفرض إلا ابنتي فإن كان له زوجة، فالتقدير ولا يرثني من الأولاد إلا ابنتي (أفأتصدق بثلثي مالي)؟ الهمزة للاستفهام والفعل معها مستفهم عنه والفاء عاطفة وكان حقها أن تتقدم فعارضها الاستفهام وله صدر الكلام ومبحثه سبق في أوائل هذا الشرح في أو مخرجيّ هم وبثلثي يتعلق بأتصدّق (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا) حرف جواب وهي بمعناها تسدّ مسدّ الجملة أي لا تتصدق بكل الثلثين (قال) سعد: (قلت) يا رسول الله (فالشطر)؟ بالرفع لأبي ذر على الابتداء والخبر محذوف أي فالشطر أتصدق به وبالجر كما في الفرع كأصله عطفًا على قوله بثلثي وقال ابن فرحون كما في قوله خير من جواب كيف أصبحت وفي الحديث صلاة الرجل في الجماعة، وفي رواية جماعة تضعف على صلاته في بيته خمس وعشرين ضعفًا أي بخمس وعشرين، وفيه أيضًا أن لي جارين إلى من أهدي فقال أقربهما منك بابًا أي إلى أقربهما، وضبطه الزمخشري في الفائق بالنصب بفعل مضمر أي أوجب الشطر، وقال السهيلي في أماليه: الخفض أظهر من النصب لأن النصب بإضمار فعل والخفض مردود على قوله بثلثي، وقال في العدة ولو روي بالنصب صح بتقدير أفأتصدق بالشطر ثم حذف حرف الجرّ والمراد بالشطر النصف (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا قلت: الثلث)؟ بالرفع أو الجرّ كما مر ويجوز النصب لكن المرجع الرواية (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الثلث كبير) بالموحدة أجره (إنك) بكسر الهمزة على الاستئناف والجملة معلل بها كما في قوله تعالى {إن النفس لأمّارة بالسوء} [يوسف: 53] يجوز الفتح بتقدير حرف الجر أي لأنك (إن تركت ولدك أغنياء خير من أن تتركهم عالة) بتخفيف اللام فقراء (يتكففون الناس) يسألونهم بأكفهم، وهمزة إن تركت مكسورة على الشرطية وجزاء الشرط قوله خير أي فهو خير فيكون قد حذف المبتدأ مقرونًا بالفاء وأبقى الخبر (وإنك لن تنفق نفقة) بمعنى منفقًا اسم مفعول كالخلق بمعنى المخلوق وزاد في رواية تبتغي بها وجه الله أي ثوابه (إلا أجرت عليها) بضم الهمزة وكسر الجيم فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله (حتى اللقمة ترفعها إلى فيّ امرأتك) تؤجر عليها (فقلت: يا رسول الله أخلف) بحذف همزة الاستفهام أي أأبقى بمكة متخلفًا (عن هجرتي) قاله إشفاقًا من موته بمكة بعد أن هاجر منها وتركها لله فخاف أن يقدح ذلك في هجرته أو في ثوابها أو خاف من مجرّد تخلفه عن أصحابه بسبب مرضه (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لن تخلف بعدي فتعمل عملاً تريد به وجه الله) عز وجل (إلا ازددت به رفعة ودرجة) فتعمل منصوب عطفًا على تخلف. ويجوز أن يكون منصوبًا بإضمار أن في جواب النفي لأن الفاء فيها معنى السببية، فالتقدير أنك إن تخلف يكن ذلك التخلف سببًا لفعل خير وهو زيادة الرفعة والدرجة ويحسن ذلك مع تقدير الشرط ويجوز أن يكون في الكلام شرط مقدر لأنه لما سأل فقال أأخلف فتبطل هجرتي قال له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنك إن تخلف بسبب المرض ويكون علمًا من أعلام النبوة ثم حذف إن تخلف وعطف عليه فتعمل عملاً تريد به وجه الله إلا ازددت به رفعة ودرجة ويدل على هذا الحذف قوله (ولعل) ولأبي ذر ولعلك (أن تخلف بعدي) بأن يطول عمرك (حتى) حرف غاية ونصب أي إلى أن (ينتفع بك أقوام) بفتح التحتية وكسر الفاء (ويضرّ بك آخرون) بضم التحتية وفتح الضاد المعجمة، وقوله: ولعل وإن كانت هنا بمعنى عسى لكن وقع ذلك يقينًا علم من أعلام نبوّته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن سعدًا -رضي الله عنه- عاش بعد ذلك نيفًا وأربعين سنة حتى فتح العراق وغيره وانتفع به أقوام في دينهم ودنياهم وتضرر به الكفار في دينهم ودنياهم فإنهم قتلوا وسبيت نساؤهم وأولادهم وغنمت أموالهم. قال الزهري فيما رواه أبو داود والطيالسي عن إبراهيم بن سعد عنه (لكن) ولأبي ذر ولكن (البائس) الشديد الفقر والحاجة

7 - باب ميراث ابن الابن إذا لم يكن ابن

(سعد بن خولة) والبائس مبتدأ وسعد بدل منه أو عطف بيان وابن خولة صفة لسعد وخبر المبتدأ محذوف أن أتوجع له أو يغفر الله له، ثم فسر الراوي ما حذفه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: (يرثي له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح التحتية وسكون الراء وكسر المثلثة من يرثي له (أن مات بمكة) بفتح الهمزة وأن معمولة ليرثي على أن المحل مجرور بلام التعليل أي لأجل موته بالأرض التي هاجر منها فهو مفعول له. (قال سفيان: وسعد بن خولة رجل من بني عامر بن لؤي) هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية بدري توفي بمكة في حجة الوداع في الأصح والحديث سبق في الجنائز. 6734 - حَدَّثَنِى مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ شَيْبَانُ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: أَتَانَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِالْيَمَنِ مُعَلِّمًا وَأَمِيرًا، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ رَجُلٍ تُوُفِّىَ وَتَرَكَ ابْنَتَهُ وَأُخْتَهُ فَأَعْطَى الاِبْنَةَ النِّصْفَ وَالأُخْتَ النِّصْفَ. [الحديث 6734 - طرف في: 6741]. وبه قال: (حدّثنا) بالجمع لأبي ذر ولغيره بالإفراد (محمود) ولأبي ذر محمود بن غيلان المروزي قال: (حدّثنا أبو النضر) بالضاد المعجمة هاشم التميمي الملقب بقيصر قال: (حدّثنا أبو معاوية شيبان) بالشين المعجمة ابن عبد الرَّحمن النحوي المؤدّب التميمي مولاهم البصري (عن أشعث) بالشين المعجمة والعين المهملة والمثلثة ابن أبي الشعثاء (عن الأسود بن يزيد) بن قيس النخعي أنه (قال: أتانا معاذ بن جبل) -رضي الله عنه- (باليمن معلمًا) بكسر اللام (وأميرًا فسألناه عن رجل توفي وترك ابنته وأخته فأعطى الابنة النصف والأخت النصف) وهذا إجماع من العلماء وهو نص القرآن. والحديث أخرجه أبو داود في الفرائض. 7 - باب مِيرَاثِ ابْنِ الاِبْنِ إِذَا لَمْ يَكُنِ ابْنٌ وَقَالَ زَيْدٌ: وَلَدُ الأَبْنَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُمْ وَلَدٌ ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ، وَأُنْثَاهُمْ كَأُنْثَاهُمْ يَرِثُونَ كَمَا يَرِثُونَ، وَيَحْجُبُونَ كَمَا يَحْجُبُونَ وَلاَ يَرِثُ وَلَدُ الاِبْنِ مَعَ الاِبْنِ. (باب) بيان (ميراث ابن الابن إذا لم يكن ابن) للميت. (وقال): سقطت الواو لأبي ذر (زيد) هو ابن ثابت الأنصاري مما وصله سعيد بن منصور (ولد الأبناء بمنزلة الولد) للصلب (إذا لم يكن دونهم) أي بينهم وبين الميت (ولد) للصلب (ذكر) كذا في رواية أبي ذر عن الكشميهني واحترز به عن الأنثى (ذكرهم) أي ذكر ولد الأبناء (كذكرهم) كذكر (الأبناء وأنثاهم) أي وأنثى ولد الأبناء (كأنثاهم) كأنثى الأبناء (يرثون) أولاد الأبناء (كما يرثون) الأبناء (ويحجبون) من دونهم في الطبقة (كما يحجبون) الأولاد من دونهم (ولا يرث ولد الابن مع الابن) تأكيد لسابقه، فإن حجب ولد الابن مع الابن مفهوم من قوله: إذا لم يكن دونهم الخ. 6735 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِىَ فَهْوَ لأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ». وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) أبو عمرو الفراهيدي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو ابن خالد بن عجلان البصري قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ألحقوا الفرائض بأهلها) أي أعطوها لهم فأعطوا كل ذي فرض فرضه المسمى له في الكتاب والسنة (فما بقي) بعد الفرائض (فلأولى رجل ذكر) أولى من الولي بسكون اللام وهو القرب أي فما بقي فلأقرب أقارب الميت إذا كان ذلك الأقرب رجلاً ذكرًا، وسبق ما فيه قريبًا. وقيل الوصف بالمذكورة إشعار بأنها المعتبر في العصوبة لا الرجولية بمعنى البلوغ على ما كان عليه أهل الجاهلية وعن بعض العلماء أن ذكر صفة أولى لا صفة رجل والأولى بمعنى القريب الأقرب فكأنه قال: هو لقريب الميت ذكر من جهة رجل وصلب لا من جهة رحم وبطن، فالأولى من حيث المعنى مضاف إلى الميت ومن حيث اللفظ مضاف إلى رجل، وقد أشير بذكر الرجل إلى جهة الأولوية كما يقال هو أخوك أخو الرخاء لا أخو الشدة، والمقصود نفي الميراث عن الأولى الذي هو من جهة الأم كالخال فأفاد بوصف الأولى بذكر نفي الميراث عن النساء بالعصوبة من الأوليين للميت من جهة الصلب ذكره في المصابيح وهو ملخص من كلام السهيلي وتعقب لما يطول ذكره. والحديث سبق ذكره قريبًا والله الموفق والمعين. قال العيني: وفائدة إعادته هنا الإشارة إلى أن ولد الأبناء بمنزلة الولد وأنه روى هذا الحديث عن شيخين موسى بن إسماعيل عن وهيب والآخر مسلم بن إبراهيم عن وهيب أيضًا. 8 - باب مِيرَاثِ ابْنَةِ ابْنٍ مَعَ ابْنَةٍ (باب) بيان (ميراث ابنة ابن) ولأبي ذر ابنة الابن (مع) وجود (ابنة) ولأبي ذر عن الكشميهني مع بنت. 6736 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو قَيْسٍ، سَمِعْتُ هُزَيْلَ بْنَ شُرَحْبِيلَ قَالَ: سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ فَقَالَ: لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ، وَلِلأُخْتِ النِّصْفُ، وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِى فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِى مُوسَى فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ أَقْضِى فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ، وَلاِبْنَةِ ابْنٍ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِىَ فَلِلأُخْتِ، فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: لاَ تَسْأَلُونِى مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ. [الحديث 6736 - طرفه في: 6742]. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا أبو قيس) عبد الرَّحمن

9 - باب ميراث الجد مع الأب والإخوة

بن ثروان بفتح المثلثة وسكون الراء بعدها واو فألف فنون قال: (سمعت هزيل بن شرحبيل) بضم الهاء وفتح الزاي وسكون التحتية بعدها لام وشرحبيل بضم الشين المعجمة وفتح الراء بعدها حاء مهملة ساكنة فموحدة مكسورة فتحتية ساكنة فلام الأودي الكوفي المخضرم (قال): ولأبي ذر يقول (سئل) بضم السين (أبو موسى) الأشعري رضي الله تعالى عنه (عن ابنة) ولأبي ذر عن بنت (وابنة ابن وأخت فقال) مجيبًا: (للابنة) ولأبي ذر للبنت (النصف، وللأخت النصف، وائت ابن مسعود) عبد الله -رضي الله عنه- فسله وقال ذلك استثباتًا (فسيتابعني) على ذلك قاله ظنًّا منه لأنه اجتهد في ذلك (فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى) بضم سين سئل وضم همزة أخبر مبنيين للمفعول (فقال) مجيبًا: (لقد ضللت إذًا) إن قلت بحرمان بنت الابن (وما أنا من المهتدين) وما أنا من الهدى في شيء (أقضي) بفتح الهمزة وكسر المعجمة (فيها بما قضى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للابنة النصف ولابنة الابن) والذي في اليونينية ولابنة ابن (السدس تكملة الثلثين وما بقي) وهو الثلث (فللأخت) قال هزيل: (فأتينا أبا موسى) الأشعري (فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم) بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة ورجح الجوهري كسر الحاء وبه جزم الفراء وقال: إنه يسمى باسم الحبر الذي يكتب به. وقال أبو عبيد الهروي: هو العالم بتحبير الكلام وتحبير الكلام تحسينه وهو بالفتح في رواية جمع المحدثين وأنكر الكسر أبو الهيثم ولا خلاف بين الفقهاء فيما رواه ابن مسعود، وفي جواب أبي موسى هذا إشعار بأنه رجع عما قاله. والحديث أخرجه أبو داود في الفرائض وكذا الترمذي والنسائي وابن ماجة. 9 - باب مِيرَاثِ الْجَدِّ مَعَ الأَبِ وَالإِخْوَةِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ الْجَدُّ أَبٌ وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يَا بَنِى آدَمَ} {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: 38] وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ أَحَدًا خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ فِى زَمَانِهِ وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَوَافِرُونَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَرِثُنِى ابْنُ ابْنِى دُونَ إِخْوَتِى، وَلاَ أَرِثُ أَنَا ابْنَ ابْنِى وَيُذْكَرُ، عَنْ عُمَرَ وَعَلِىٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدٍ أَقَاوِيلُ مُخْتَلِفَةٌ. (باب) بيان حكم (ميراث الجد) من قبل الأب (مع الأب والأخوة) الأشقاء ومن الأب. (وقال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- مما وصله الدارمي بسند على شرط مسلم عن أبي سعيد الخدري (وابن عباس) -رضي الله عنهما- مما أخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب الفرائض من طريق عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس والدارمي بسند صحيح عن طاوس عنه (وابن الزبير) عبد الله مما سبق موصولاً في المناقب: (الجد أب) أي حكمه حكمه عند عدمه فكما أن الأب يرث بالفرض مع وجود فرع ذكر وارث وفرضه السدس، ويرث بتعصيب مع فقد فرع وارث، ويرث بالفرض والتعصيب معًا مع فرع أنثى وارث فله السدس فرضًا والباقي بعد فرضها يأخذه بالتعصيب كذلك الجد للأب إلا في مسائل وهي أن بني العلات والأعيان يسقطون بالأب ولا يسقطون بالجد إلا عند أبي حنيفة والأم مع أحد الزوجين والأب تأخذ ثلث ما يبقى ومع الجد ثلث الجميع لأنه لا يساويها في الدرجة بخلاف الأب إلا عند أبي يوسف فإن عنده الجد كالأب وأم الأب وإن علت تسقط بالأب ولا تسقط بالجد لأنها لم تدل به بخلافها في الأب، وإن تساويا في أن كلاًّ منهما يسقط أم نفسه والمعتق إذا ترك أبا المعتق وابنه فسدس الولاء للأب والباقي للابن عند أبي يوسف وعندهما كله للابن ولو ترك ابن المعتق وجده فالولاء كله للابن. (وقرأ ابن عباس) -رضي الله عنهما- مستدلاً لقوله الجد أبي قوله تعالى: ({يا بني آدم}) فأطلق على آدم أبًا وهو جدنا الأعلى فإطلاقه على أبي الأب أولى وقوله تعالى: ({واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب}) [يوسف: 38] فأطلق عليهم آباؤهم أجداد (ولم يذكر) بفتح التحتية بالبناء للفاعل وقال في الفتح للمجهول قلت وهو الذي في اليونينية: {إن أحدًا خالف أبا بكر} -رضي الله عنه- فيما قاله إن الجد حكمه حكم الأب (في زمانه وأصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متوافرون) فيهم كثرة وهو إجماع سكوتي فيكون حجة ونقل أيضًا ذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله سعيد بن منصور من طريق عطاء عنه: (يرثني ابن ابني دون إخوتي ولا أرث أنا ابن ابني) أي

فلم لا يرث الجد فهو رد على من حجب الجد بالأخوة أو المعنى فلم لا يرث الجد وحده دون الأخوة كما في العكس فهو رد على من قال: بالشركة بينهما. وقال ابن عبد البر: أي لما كان ابن الابن كالابن عند عدم الابن كان أبو الأب عند عدم الابن كالأب. (ويذكر) بضم أوّله للمجهول بصيغة التمريض (عن عمر) بن الخطاب (وعلي) هو ابن أبي طالب (وابن مسعود) عبد الله (وزيد) أي ابن ثابت -رضي الله عنهم- (أقاويل) بالرفع مفعول ناب عن الفاعل (مختلفة) فكان عمر يقاسم الجد مع الأخ والأخوين فإذا زادوا أعطاه الثلث وكان يعطيه مع الولد السدس رواه الدارمي. وأخرج البيهقي بسند صحح أن عمر قضى أن الجد يقاسم الأخوة للأب والأخوة للأم ما كانت القاسمة خيرًا له من الثلث، فإن كثرت الأخوة أعطى الجد الثلث، وفي فوائد أبي جعفر الرازي بسند صحيح إلى ابن عون عن محمد بن سيرين سألت عبيدة بن عمرو عن الجد فقال: قد حفظت عن عمر في الجد مائة قضية مختلفة، لكن استبعد بعضهم هذا عن عمر، وتأول البزار صاحب المسند قوله قضية مختلفة على اختلاف حال من يرث مع الجد كأن يكون أخ واحد أو أكثر أو أخت واحدة أو أكثر، ويرد هذا التأويل ما أخرجه يزيد بن هارون في كتاب الفرائض عن عبيدة بن عمرو قال: إني لأحفظ عن عمر في الجد مائة قضية كلها ينقض بعضها بعضًا، وأما علي فأخرج ابن أبي شيبة ومحمد بن نصر بسند صحيح عن الشعبي كتب ابن عباس إلى علي يسأله عن ستة أخوة وجد فكتب إليه أن اجعله كأحدهم وامح كتابي، وعند ابن أبي شيبة عن علي أنه أفتى في جد وستة أخوة فأعطى الجد السدس، وأما عبد الله بن مسعود فأخرج الدارمي بسند صحيح إلى أبي إسحاق السبيعي قال: دخلت على شريح وعنده عامر يعني الشعبي في فريضة امرأة منا تسمى العالية تركت زوجها وأمها وأخاها لأبيها وجدها فذكر قصة وفيها أن ابن مسعود جعل للزوج ثلاثة أسهم النصف وللأم ثلث ما بقي وهو السدس من رأس المال، وللأخ سهمًا وللجد سهمًا. وفي كتاب الفرائض لسفيان الثوري كان عمر وابن مسعود يكرهان أن يفضلا أبًا على جد، وأما زيد فروى عبد الرزاق من طريق إبراهيم قال: كان زيد بن ثابت يشرك الجد مع الأخوة إلى الثلث فإذا بلغ الثلث أعطاه إياه وللأخوة ما بقي ويقاسم الأخ للأب ثم يرد على أخيه ويقاسم بالأخوة من الأب مع الأخوة الأشقاء ولا يورث الأخوة للأب شيئًا ولا يعطي أخًا لأم مع الجد شيئًا. قال ابن عبد البر: تفرد زيد من بين الصحابة في معادلته الجد بالأخوة للأب مع الأخوة الأشقاء وخالفه كثير من الفقهاء القائلين بقوله في الفرائض في ذلك لأن الأخوة من الأب لا يرثون مع الأشقاء فلا معنى لإدخالهم معهم لأنه حيف على الجد في المقاسمة قال: وقد سأل ابن عباس زيدًا عن ذلك فقال: إنما أقول في ذلك برأيي كما تقول أنت برأيك اهـ. وهو محجوب بالأب لإدلائه به ويرث مع الابن وابن الابن وإن سفل السدس فرضًا ومع البنتين أو بنتي الابن وإن سفل فصاعدًا السدس فرضًا وما بقي تعصيبًا ولا ترث معه الأخوة والأخوات لأم فإن كانوا للأم وأب أو لأب وليس معهم صاحب فرض فله الأحظّ من مقاسمتهم وأخذ جميع الثلث فالقسمة لأنه كالأخ في إدلائه بالأب والثلث لأنه إذا اجتمع مع الأم أخذ ضعفها فله الثلثان ولها الثلث والأخوة لا ينقصونها عن السدس، فوجب أن لا ينقصوا الجد عن ضعفه وهو الثلث وبعد الأخوة والأخوات لأب وأم عليه الأخوة والأخوات لأب في الحساب ولا يرث معهم إلا إذا تمحض أولاد الأبوين إناثًا فما زاد على فرضهن لأولاد الأب، فلو كان مع الجد شقيقة وأخ وأخت لأب فتعد الشقيقة الأخ والأخت على الجد فتستوي له المقاسمة وثلث الباقي فله سهمان من ستة وتأخذ الشقيقة النصف ثلاثة يبقى واحد على ثلاثة لا يصح ولا يوافق تضرب ثلاثة في ستة فتصح من ثمانية عشر، فإن كان معهم صاحب

فرض فللجد الأحظّ من المقاسمة وثلث الباقي وسدس التركة وقد لا يبقى بعد الفرض شيء كبنتين وأم وزوج فيفرض للجد سدس، ويزاد في العول فتعول هذه المسألة إلى خمسة عشر، وقد يبقى سدس كبنتين وأم فيفوز الججد به لأنه لا ينقص عنه إجماعًا إذا ورث، وتسقط الأخوة والأخوات في هذه الأحوال الثلاث لاستغراق ذوي الفروض التركة، وقد أجمعوا على أن الجد لا يرث مع وجود الأب ولا ينقص عن السدس إلا في الأكدرية وهي زوج وأم وأخت لغير أم وجد، فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وللأخت النصف بتعول المسألة من ستة إلى تسعة، ثم يقسم للجد والأخت نصيباهما وهما أربعة أثلاثًا له الثلثان ولها الثلث، فيضرب مخرجه في التسعة فتصح المسألة من سبعة وعشرين فللزوج تسعة وللأم ستة وللأخت أربعة وللجد ثمانية، وإنما فرض للأخت مع الجد ولم يعصبها فيما بقي لنقصه بتعصيبها فيه عن السدس فرضه واقتسام فرضيهما كما تقدم بالتعصيب ولو كان بدل الأخت أخ سقط أو أختان فللأم السدس ولهما السدس الباقي، وسميت الأكدرية لأنها كدرت على زيد مذهبه لمخالفتها القواعد وقيل لأن سائلها اسمه أكدر. 6737 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِىَ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وابن خالد (عن ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ألحقوا) بكسر الحاء المهملة (الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر). قال الطيبي: أوقع الموصوف مع الصفة موقع العصبة كأنه قيل فما بقي فهو لأقرب عصبة والعصبة يسمى بها الواحد والجمع والمذكر والمؤنث كما قاله المطرّزي وغيره وسموا عصبة لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم أي يحيطون به ويشتد بهم، والعصبة الأقارب من جهة الأب من لا مقدر له من الورثة ويدخل فيه من يرث بالفرض، والتعصيب كالأب والجد من جهة التعصيب فيرث التركة أو ما فضل عن الفرض إن كان معه ذو فرض، وجملة عصبات النسب الابن والأب ومن يدلي بهم ويقدم منهم الأبناء ثم بنوهم وإن سفلوا ثم الأب ثم الجد والأخوة للأبوين أو للأب وهم في درجتهم. وقال البغوي: في الحديث دليل على أن بعض الورثة يحجب البعض والحجب نوعان. حجب نقصان وحجب حرمان ووجه دخوله في هذا الباب أنه دل على أن الذي يبقى بعد الفرض يصرف لأقرب الناس إلى الميت فكان الجد أقرب فيقدم. وقال: الكرماني، فإن قلت: حق الترجمة أن يقال ميراث الجد مع الأخوة إذ لا دخل لقوله مع الأب فيها. قلت: غرضه بيان مسألة أخرى وهي أن الجد لا يرث مع الأب وهو محجوب به كما يدل عليه قوله فلأولى رجل. والحديث سبق قريبًا. 6738 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَمَّا الَّذِى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُهُ، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ -أَوْ قَالَ خَيْرٌ فَإِنَّهُ أَنْزَلَهُ أَبًا -أَوْ قَالَ- قَضَاهُ أَبًا». وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: أما الذي قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيه: (لو كنت متخذًا من هذه الأمة خليلاً) أرجع إليه في الحاجات وأعتمد عليه في المهمات (لاتخذته) يعني أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- وإنما الذي ألجأ إليه وأعتمد في كل الأمور عليه هو الله تعالى (ولكن أخوة الإسلام أفضل). فإن قلت: كيف تكون أخوة الإسلام أفضل والخلة تستلزمها وتزيد عليها؟ أجيب: بأن المراد أن مودة الإسلام مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفضل من مودته مع غيره والذي في اليونينية خلة الإِسلام أفضل (أو قال خير) شك من الراوي (فإنه) يعني أبا بكر (أنزله) أي أنزل الجد (أبًا) في استحقاق الميراث (أو قال قضاه أبًا) بالشك من الراوي أي حكم بأنه كالأب. والحديث سبق في باب الخوخة والممر في المسجد وفي المناقب، لكن ليس بلفظ أما الذي قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا قوله فإنه أنزله أبًا. نعم في المناقب من طريق أيوب

10 - باب ميراث الزوج مع الولد وغيره

عن عبد الله بن أبي مليكة قال: كتب أهل الكوفة إلى ابن الزبير في الجد فقال أما الذي قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لو كنت متخذًا من هذه الأمة خليلاً لاتخذته" أنزله أبًا يعني أبا بكر. 10 - باب مِيرَاثِ الزَّوْجِ مَعَ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ (باب ميراث الزوج مع الولد وغيره) من الوارثين. 6739 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِى نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ، فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلَ لِلأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ، وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) بن واقد أبو عبد الله الفريابي من أهل خراسان سكن قيسارية من أرض الشأم (عن ورقاء) بن عمر بن كليب اليشكري (عن ابن أبي نجيح) عبد الله واسم أبي نجيح يسار المكي (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان المال) المخلف عن الميت (للولد) ميراثًا (وكانت الوصية) في أوّل الإسلام واجبة (للوالدين) على ما يراه الموصي (فنسخ الله) عز وجل (من ذلك) بآية الفرائض (ما أحب) أي ما أراد (فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين) لفضله واختصاصه بلزوم ما لا يلزم الأنثى من الجهاد وغيره {وجعل للأبوين} مع وجود الولد (لكل واحد منهما السدس وجعل للمرأة) مع وجود الولد (الثمن و) عند عدمه (الربع وللزوج) عند عدم الولد (الشطر) وهو النصف (و) عند وجوده (الربع) قال ابن المنير: استشهاد البخاري بحديث ابن عباس هذا مع أن الدليل من الآية واضح إشارة منه إلى تقرير سبب نزول الآية وأنها على ظاهرها غير مؤوّلة ولا منسوخة انتهى وولد الابن وإن نزل كالولد في قوله تعالى {ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد} [النساء: 12] جماعًا أو لفظ الولد يشمله بناء على إعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ولو كان للزوجة فرع غير وارث كرقيق أو وارث بعموم القرابة لا بخصوصها كفرع بنت فللزوج النصف أيضًا واتفق على أن الزوج لا يحجب حجب حرمان بل حجر نقصان. 11 - باب مِيرَاثِ الْمَرْأَةِ وَالزَّوْجِ مَعَ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ (باب) حكم (ميراث المرأة) أي الزوجة (والزوج مع الولد وغيره) من الوارثين. 6740 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِى لَحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِى قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ذو المكارم والأخلاق الحميدة (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أنه قال: قضى رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جنين امرأة من بني لحيان) بجيم مفتوحة ونونين بينهما تحتية ساكنة بوزن عظيم حمل المرأة ما دام في بطنها سمي بذلك الاستتارة فإن خرج حيًّا فهو ولد أو ميتًا فهو سقط، وقد يطلق عليه جنين ولحيان بكسر اللام وفتحها وسكون المهملة بعدها تحتية واسم المرأة قيل مليكة بنت عويم أو عويمر بالراء ضربتها امرأة يقال لها أم عفيفة بنت مروح بحجر أو بعمود فسطاط ضربة أو أكثر (سقط) جنينها حال كونه (ميتًا بغرة) بضم الغين المعجمة وتشديد الراء (عبد أو أمة) أو للتنويع لا للشك (ثم إن المرأة التي قضى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عليها) ولأبي ذر عن الكشميهني لها (بالغرة توفيت) وفي رواية بالديات من طريق يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأن ميراثها لبنيها) بتحتية ساكنة بعد النون المكسورة (وزوجها) لا لعصبتها الذين عقلوا عنها فللزوج الربع ولبنيها ما بقي (و) قضى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن العقل) أي الدّية وهي الغرة (على عصبتها) لأن الإجهاض كان منها خطأ أو شبه عمد. ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الدّيات بعون الله تعالى، والحديث أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي. 12 - باب مِيرَاثِ الأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةً (باب ميراث الأخوات) للأبوين أو لأبي (مع البنات عصبة) كالأخوة حتى لو خلف بنتًا وأختًا فللبنت النصف وللأخت الباقي ولو خلف بنتين فصاعدًا وأختًا أو أخوات فللبنات الثلثان، والباقي للأخت أو الأخوات ولو كان معهن زوج فللبنتين الثلثان وللزوج الربع، والباقي للأخت أو الأخوات وقوله عصبة بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هن عصبة ويجوز النصب على الحال، وضبب في الفرع كأصله

12 - باب ميراث الأخوات مع البنات عصبة

على قوله عصبة. 6741 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: قَضَى فِينَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النِّصْفُ لِلاِبْنَةِ، وَالنِّصْفُ لِلأُخْتِ، ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ: قَضَى فِينَا وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا بشر بن خالد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة العسكري قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد خال إبراهيم الراوي عنه أنه (قال: قضى فينا معاذ بن جبل) وهو في اليمن (على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكان عليه الصلاة والسلام أرسله إليهم أميرًا ومعلمًا (النصف للابنة والنصف) الباقي (للأخت) قال شعبة (ثم قال سليمان) بن مهران الأعمش بالسند السابق: (قضى فينا) أي معاذ (ولم يذكر) قوله السابق (على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). والحاصل أن سليمان الأعمش رواه بإثبات قوله على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيكون له حكم الرفع على الراجح في المسألة كما مرّ في الفصل الثالث من مقدمة هذا الشرح وبحذف ذلك فيكون موقوفًا. 6742 - حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى قَيْسٍ، عَنْ هُزَيْلٍ قَالَ: قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ: لأَقْضِيَنَّ فِيهَا بِقَضَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ قَالَ: قَالَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لاِبْنَةِ النِّصْفُ، وَلاِبْنَةِ الاِبْنِ السُّدُسُ، وَمَا بَقِىَ فَلِلأُخْتِ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (عمرو بن عباس) بفتح العين وعباس بالموحدة البصري قال: (حدّثنا عبد الرَّحمن) بن مهدي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أبي قيس) عبد الرَّحمن بن غزوان (عن هزيل) بضم الهاء وفتح الزاي ابن شرحبيل أنه (قال: قال عبد الله) يعني ابن مسعود في ابنة وابنة ابن وأخت (لأقضين فيها بقضاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (للابنة النصف ولابنة الابن السدس وما بقي) وهو الثلث (فللأخت) بالتعصيب وثبت لأبي ذر أو قال قال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. والحديث سبق قريبًا. 12 - باب مِيرَاثِ الأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةً (باب ميراث الأخوات والإخوة) الإناث والمذكور. 6743 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا - رضى الله عنه - قَالَ: دَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا مَرِيضٌ، فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ نَضَحَ عَلَىَّ مِنْ وَضُوئِهِ، فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا لِى أَخَوَاتٌ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عثمان) بن جبلة الملقب بعبدان المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن المنكدر) أنه (قال: سمعت جابرًا) الأنصاري (-رضي الله عنه- قال: دخل عليّ) بتشديد الياء (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يعودني (وأنا مريض فدعا بوضوء) بفتح الواو بماء يتوضأ به (فتوضأ ثم نضح) بالنون والضاد المعجمة والحاء المهملة رش (علي) بتشديد الياء (من وضوئه) الماء الذي توضأ به (فأفقت فقلت: يا رسول الله إنما لي أخوات فنزلت آية الفرائض). ومطابقة الحديث فى قوله: إنما لي أخوات فإنه يقتضي أنه لم يكن له ولد واستنبط منه المؤلّف الإخوة بطريق الأولى وقدم الأخوات في الذكر للتصريح بهن في الحديث، وأما الإخوة والأخوات من الأبوين إذا انفردوا فكأولاد الصلب للذكر جميع المال وكذا للجماعة وللأخت الفردة النصف وللأختين فصاعدًا الثلثان، فإن اجتمع الإخوة والأخوات فـ {للذكر مثل حظ الأنثيين} بنص القرآن. وأما الإخوة والأخوات للأب عند انفرادهم فكالإخوة والأخوات للأبوين إلا في المشتركة وهي زوج وأم وأخوان لأم وأخوان لأبوين المسألة من ستة للزوج النصف ثلاثة وللأم السدس سهم واحد وللأخوين من الأم الثلث سهمان يشاركهما فيه الأخوان للأبوين، وأما الإخوة والأخوات للأم فللواحدة منهن السدس سواء كان ذكرًا أو أنثى وللأثنين فأكثر الثلث بينهم بالسوية سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا ولا يفضل الذكر منهم على الأنثى. والحديث سبق في أول الفرائض. 14 - باب {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176]. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله تعالى: ({يستفتونك}) أي يستخبرونك في الكلالة والاستفتاء طلب الفتوى يقال استفتيت الرجل في المسألة فأفتاني إفتاءً وفتيًا وهما اسمان وضعا موضع الإِفتاء ويقال أفتيت فلانًا في رؤيا رآها قال تعالى {يوسف أيها الصدّيق أفتنا في سبع بقرات} [يوسف: 46] ومعنى الإِفتاء إظهار المشكل ({قل الله يفتيكم في الكلالة}) متعلق بيفتيكم على إعمال الثاني وهو اختيار البصريين ولو أعمل الأول لأضمر في الثاني، وله نظائر في القرآن كقوله تعالى {هاؤم اقرؤوا كتابيه} [الحاقة: 19] والكلالة الميت الذي لا ولد له ولا والد وهو قول جمهور اللغويين، وقال به علي وابن مسعود، أو الذي لا والد له فقط وهو قول عمر، أو الذي لا ولد له فقط وهو قول بعضهم أو من لا يرثه أبي ولا أم

15 - باب ابنى عم أحدهما أخ للأم، والآخر زوج

وعلى هذه الأقوال، فالكلالة اسم للميت وقيل الكلالة اسم للورثة ما عدا الأبوين والولد قاله قطرب، واختاره أبو بكر -رضي الله عنه- وسموا بذلك لأن الميت بذهاب طرفيه تكلله الورثة أي أحاطوا به من جميع جهاته. وفي المراسيل لأبي داود عن أبي إسحاق عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن جاء رجل فقال: يا رسول الله ما الكلالة؟ قال: "من لم يترك ولدًا ولا والدًا فتوريثه كلالة". وفي مدارك التنزيل كان جابر بن عبد الله مريضًا فعاده رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إني كلالة فكيف أصنع في مالي؟ فنزلت ({وإن امرؤ هلك ليس له ولد}) رفع على الصفة أي إن هلك امرؤ غير ذي ولد والمراد بالولد الابن وهو مشترك يقع على الذكر والأنثى لأن الابن يسقط الأخت ولا تسقطها البنت ({وله أخت}) لأبي وأم أو لأب ({فلها نصف ما ترك}) أي الميت والفاء جواب إن ({وهو يرثها}) جملة لا محل لها من الإعراب لاستئنافها وهي دالة على جواب الشرط وليست جوابًا خلافًا للكوفيين وأبي زيد والضميران في قوله وهو يرثها عائدان على لفظ امرؤ وأخت دون معناهما فهو من باب قوله: وكل أناس قاربوا قيد فحلهم ... ونحن خلعنا قيده فهو سارب والهالك: لا يرث فالمعنى وامرؤ آخر غير الهالك يرث أختًا له أخرى ({إن لم يكن لها ولد}) أي ابن أي أن الأخ يستغرق ميراث الأخت إن لم يكن للأخت ابن فإن كان لها ابن فلا شيء للأخ وإن كان ولدها أنثى فللأخ ما فضل عن فرض البنات وهذا في الأخ للأبوين أو للأب فأما الأخ من الأم فإنه لا يستغرق الميراث ويسقط بالولد ({فإن كانتا}) أي الأختان يدل عليه قوله وله أخت أي فإن كانت الأختان ({اثنتين}) أي فصاعدًا ({فلهما}) أو فلهن ({الثلثان مما ترك}) أي الميت ({وإن كانوا إخوة}) أي وإن كان من يرث بالإخوة والمراد بالإخوة الإخوة والأخوات تغليبًا لحكم المذكورة ({رجالاً ونساء}) ذكورًا وإناثًا ({فللذكر}) منهم ({مثل حظ الأنثيين}) حذف منهم لدلالة المعنى عليه ({يبين الله لكم}) أي الحق فمفعول يبين محذوف ({أن تضلوا}) مفعول من أجله على حذف مضاف تقديره يبين الله لكم أمر الكلالة كراهة أن تضلوا فيها أي في حكمها هذا تقدير المبرّد. وقال الكسائي والمبرد وغيرهما من الكوفيين: أن لا محذوفة بعد أن والتقدير لئلا تضلوا قالوا وحذف لا شائع ذائع كقوله: رأينا ما رأى البصراء منها ... فآلينا عليها أن تباعا أي أن لا تباعا ({والله بكل شيء عليم}) [النساء: 176] يعلم الأشياء بكنهها قبل كونها وبعده وسقط لأبي ذر من قوله أن امرؤ إلى الآخر، وقال بعد قوله في الكلالة الآية. 6744 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ - رضى الله عنه - قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ خَاتِمَةُ سُورَةِ النِّسَاءِ: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى الْكَلاَلَةِ}. وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن موسى) بن باذام الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو السبيعي (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: آخر آية نزلت) عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (خاتمة سورة النساء: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة}) [النساء: 176] وروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- آخر آية نزلت آية الربا وآخر سورة نزلت {إذا جاء نصر الله والفتح} [النصر: 1] وروي بعدما نزلت سورة النصر عاش رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عامًا ونزلت بعدها براءة وهي آخر سورة نزلت كاملة فعاش رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعدها ستة أشهر ثم نزلت في طريق حجة الوداع ({يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة}) [النساء: 176] فسميت آية الصيف لأنها نزلت فى الصيف، ثم نزل وهو واقف بعرفات {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] فعاش بعدها أحدًا وثمانين يومًا ثم نزلت آية الربا ثم نزلت {واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله} فعاش بعدها أحدًا وعشرين يومًا. وحديث الباب سبق في المغازي. 15 - باب ابْنَىْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِلأُمِّ، وَالآخَرُ زَوْجٌ وَقَالَ عَلِىٌّ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلأَخِ مِنَ الأُمِّ السُّدُسُ، وَمَا بَقِىَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. (باب) حكم امرأة توفيت عن (ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج) وذلك أن يتزوج رجل امرأة فأتت منه بابن ثم تزوج أخرى فأتت منه بابن آخر ثم فارق الثانية فتزوجها أخوه فأتت منه ببنت فهي أخت

16 - باب ذوى الأرحام

الثاني لأمه وابنة عمه فتزوجت هذه البنت الابن الأول وهو ابن عمها ثم ماتت عن ابني عمها أحدهما أخوها لأمها والآخر زوجها. (وقال علي): هو ابن أبي طالب مما وصله سعيد بن منصور (للزوج النصف وللأخ من الأم السدس وما بقي) وهو الثلث (بينهما نصفان) بالسوية بالعصوبة فيكون للأوّل الثلثان بالفرض والتعصيب وللآخر الثلث بالفرض والتعصيب، وقد وافق عليًّا زيد بن ثابت والجمهور، وقال عمر وابن مسعود جميع المال يعني الذي يبقى بعد نصيب الزوج للذي جمع القرابتين فله السدس بالفرض والثلث الباقي بالتعصيب. قال في الروضة: ولو تركت ثلاثة بني أعمام أحدهم زوج والثاني أخ لأم فعلى المذهب للزوج النصف وللأخ للأم السدس والباقي بينهم بالسوية وإن رجحنا الأخ للأم فللزوج النصف والباقي للأخ. 6745 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِى حَصِينٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالاً فَمَالُهُ لِمَوَالِى الْعَصَبَةِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلاًّ أَوْ ضَيَاعًا فَأَنَا وَلِيُّهُ فَلأُدْعَى لَهُ». الكَلُّ: العِيَالُ. وبه قال: (حدّثنا محمود) هو ابن غيلان قال: (أخبرنا عبيد الله) بضم العين ابن موسى وهو أيضًا شيخ البخاري (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم) أي أتولى أمورهم بعد وفاتهم (فمن مات) منهم (وترك مالاً) الفاء في فمن تفسيرية مفصلة لما أجمل من قوله أنا أولى بالمؤمنين (فماله لموالي العصبة) الإضافة للبيان نحو شجر الأراك أي الموالي الذين هم عصبة (ومن ترك كلاًّ) بفتح الكاف وتشديد اللام ثقلاً كالدين والعيال (أو ضياعًا) بفتح الضاد المعجمة مصدر بمعنى الضائع كالطفل الذي لا شيء له (فأنا وليه) أقوم بمصالحه (فلأدعى له) بلفظ أمر الغائب المجهول واللام مكسورة وقد تسكن مع الفاء والواو غالبًا فيهما وإثبات الألف بعد العين جائز والأصل عدم الإِشباع للجزم والمعنى فادعوني له أقوم بكله وضياعه قال في الفتح والمراد بموالي العصبة: بنو العم فسوى بينهم ولم يفضل أحدًا على أحد فهو حجة للجمهور في التسوية بين بني العم (الكل العيال) كذا في رواية المستملي كما في الفرع وأصله وزاد في الفتح وللكشميهني قال: وأصله الثقل ثم استعمل في كل أمر يصعب والعيال فرد من أفراده. 6746 - حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ رَوْحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ، فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ». وبه قال: (حدّثنا أمية بن بسطام) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية وبسطام بكسر الموحدة وتفتح وسكون المهملة البصري قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء آخره عين مهملة (عن روح) بفتح الراء آخره مهملة ابن القاسم العنبري (عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ألحقوا الفرائض بأهلها فما تركت الفرائض فلأولى) بفتح الهمزة فلأقرب (رجل ذكر) ووصف الرجل بالذكر تنبيهًا على سبب استحقاقه وهو المذكورة التي هي سبب العصوبة، وسبب الترجيح في الإرث، ولذا جعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وحكمته أن الرجال يلحقهم مؤن كثيرة كالقيام بالعيال والضيفان وإرفاد القاصدين ومواساة السائلين وتحمل الغرامات إلى غير ذلك. والحديث مرّ قريبًا والله الموفق. 16 - باب ذَوِى الأَرْحَامِ (باب) حكم (ذوي الأرحام) وهم كل قريب ليس بذي سهم ولا عصبة واختلف هل يرثون أم لا وبالأول قال الكوفيون وأحمد محتجين بقوله تعالى {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} [الأنفال: 75] وذو الأرحام هم أصناف جد وجدة ساقطان كأبي أم وأم أبي أم وأن عليًّا وأولاد بنات لصلب أو لابن من ذكور وإناث وبنات أخوة لأبوين أو لأب أو لأم وأولاد أخوات كذلك وبنو أخوة لأم وعم لأم أي أخو الأب لأمه وبنات أعمام لأبوين أو لأب أو لأم وعمات وأخوال وخالات ومدلون بهم أي ما عدا الأول إذ لم يبق في الأول من يدلي به فمن انفرد منهم على القول بتوريثهم إذ لم يوجد أحد من ذوي الفروض الذين يرد عليهم حاز جميع المال ذكرًا كان أو أنثى، وفي كيفية توريثهم مذهبان. أحدهما: وهو الأصح مذهب أهل التنزيل وهو أن ينزل كل منهم من يدلي به، والثاني مذهب أهل القرابة وهو

17 - باب ميراث الملاعنة

تقويم الأقرب منهم إلى الميت ففي بنت بنت وبنت بنت ابن المال على الأول بينهما أرباعًا وعلى الثاني لبنت البنت لقربها إلى الميت. 6747 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِى أُسَامَةَ حَدَّثَكُمْ إِدْرِيسُ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ} {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 33] قَالَ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الأَنْصَارِىُّ الْمُهَاجِرِىَّ دُونَ ذَوِى رَحِمِهِ لِلأُخُوَّةِ الَّتِى آخَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ} قَالَ: نَسَخَتْهَا {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (قال: قلت لأبي أسامة) حماد بن أسامة (حدثكم إدريس) بن يزيد من الزيادة ابن عبد الرَّحمن الأودي قال: (حدّثنا طلحة) بن مصرف بكسر الراء بعدها فاء (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه قال في قوله تعالى: ({ولكل}) أي ولكل أحد أو ولكل مال ({جعلنا موالي}) وراثًا يلونه ويحوزونه فالمضاف إليه محذوف وحذف البخاري تاليه وهو قوله مما ترك الوالدان والأقربون ({والذين عاقدت أيمانكم}) المعاقدة المحالفة والأيمان جمع يمين من اليد والقسم وذلك أنهم كانوا عند المحالفة يأخذ بعضهم يد بعض على الوفاء والتمسك بالعهد والمراد عقد الموالاة وهي مشروعة والوراثة بها ثابتة عند عامة الصحابة -رضي الله عنهم- (قال) أي ابن عباس: (كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث الأنصاري المهاجري) برفع الأنصاري على الفاعلية ونصب المهاجري على المفعولية وفي سورة النساء بالعكس والمراد بيان الوراثة بينهما في الجملة قاله في الكواكب. وقال في الفتح: والأولى أن يقرأ الأنصاري بالنصب مفعول مقدم فتتحد الروايتان (دون ذوي رحمه) أي أقاربه (للأخوة التي آخى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينهم فلما نزلت {ولكل جعلنا موالي}) [النساء: 33] (قال) ابن عباس (نسختها {والذين عاقدت أيمانكم}) كذا في جميع الأصول نسختها {والذين عاقدت أيمانكم} والصواب كما قاله ابن بطال أن المنسوخة {والذين عاقدت أيمانكم} والناسخة {ولكل جعلنا موالي} وكذا وقع في الكفالة، والتفسير من رواية الصلت بن محمد عن أبي أسامة فلما نزلت {ولكلٍّ جعلنا موالي} نسخت. وقال ابن المنير في الحاشية: الضمير في قوله نسختها عائد على المؤاخاة لا على الآية والضمير في نسختها وهو الفاعل المستتر يعود على قوله: {ولكل جعلنا موالي} وقوله: {والذين عاقدت أيمانكم} بدل من الضمير وأصل الكلام لما نزلت {ولكل جعلنا موالي} نسخت (والذين عاقدت أيمانكم) وقال الكرماني: فاعل نسختها آية جعلنا والذين عاقدت منصوب بإضمار أعني اهـ. والمراد بإيراد الحديث هنا أن قوله تعالى: ({ولكل جعلنا}) نسخ حكم الميراث الذي دل عليه ({والذين عاقدت أيمانكم}) وقال ابن الجوزي: مراد الحديث المذكور أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان آخى بين المهاجرين والأنصار فكانوا يتوارثون تلك الأخوة ويرونها داخلة في قوله تعالى: {والذين عاقدت أيمانكم} فلما نزل قوله تعالى: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} نسخ الميراث بين المتعاقدين وبقي النصرة والرفادة وجواز الوصية لهم. والحديث أخرجه النسائي وأبو داود جميعًا في الفرائض. 17 - باب مِيرَاثِ الْمُلاَعَنَةِ (باب ميراث الملاعنة). بفتح العين في الفرع كأصله وقال الحافظ ابن حجر: بفتح العين المهملة ويجوز كسرها، وقال العيني بكسرها وهي التي وقع اللعان بينها وبين زوجها قال وقول بعضهم يعني الحافظ ابن حجر بالفتح ويجوز الكسر الأمر بالعكس اهـ. والمراد بيان ما ترثه من ولدها الذي لاعنت عليه. 6748 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما أَنَّ رَجُلاً لاَعَنَ امْرَأَتَهُ فِى زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة الحجاز قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً) اسمه عويمر (لا عن امرأته) خولة بنت قيس (في زمن النبي) بغير ألف بعد الميم في زمن ولأبي ذر في زمان النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وانتفى من ولدها ففرق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينهما) بين المتلاعنين (وألحق الولد بالمرأة) فترثه أمه وإخوته منها فإن فضل شيء فهو لبيت المال وهذا قول زيد بن ثابت وجمهور العلماء وأكثر فقهاء الأمصار. قال الإمام مالك وعلى ذلك أدركت أهل العلم، وعند أبي داود من مرسل مكحول من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها، وعند

18 - باب الولد للفراش حرة كانت أو أمة

أصحاب السنن الأربعة وحسنه الترمذي وصححه الحاكم عن واثلة رفعه: تحوز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه، وفيه عمر بن روبة بضم الراء وسكون الواو بعدها موحدة مختلف فيه ووثقه أحمد وله شاهد من حديث ابن عمر عند ابن المنذر، وفي اللعان من حديث سهل بن سعد ثم جرت السنة في ميراثها أنها ترثه ويرث منها ما فرض الله له. وحديث الباب سبق في مواضع كالتفسير والملاعنة. 18 - باب الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (الولد للفراش) بكسر الفاء أي لصاحب الفراش (حرة كانت) أي المستفرشة (أو أمة). 6749 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّى فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ، فَلَمَّا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ فَقَالَ ابْنُ أَخِى عَهِدَ إِلَىَّ فِيهِ، فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ: أَخِى وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِى وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِى قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَىَّ فِيهِ، فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِى وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِى وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»، ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: «احْتَجِبِى مِنْهُ» لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِىَ اللَّهَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) أبو محمد الدمشقي ثم التنيسي الكلاعي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: كان عتبة) بضم العين وسكون الفوقية وفتح الموحدة ابن أبي وقاص (عهد إلى أخيه سعد) اختلف في صحبته وجزم السفاقسي والدمياطي أنه مات كافرًا وقوله عهد بفتح العين وكسر الهاء أي أوصاه (أن ابن وليدة زمعة) بفتح الواو وكسر اللام أي جارية زمعة بفتح الزاي وسكون الميم وقد تفتح ابن قيس ولم تسم الوليدة نعم ذكر مصعب الزبيري وابن أخيه الزبيري في نسب قريش أنها كانت أمة يمانية وأما ولدها فعبد الرَّحمن (مني) أي ابني (فاقبضه إليك) بكسر الموحدة (فلما كان عام الفتح) بنصب عام بتقدير في وبالرفع اسم كان (أخذه سعد فقال) هذا (ابن أخي) عتبة (عهد إليّ فيه) بتشديد الياء من إليّ (فقام عبد بن زمعة فقال) هو (أخي وابن وليدة أبي) أي جارية أبي زمعة (ولد على فراشه) من أمته المذكورة، وقد كانت عادة الجاهلية إلحاق النسب بالزنا، وكانوا يستأجرون الإماء للزنا فمن اعترفت الأم أنه له ألحق به ولم يقع إلحاق بأن وليدة زمعة في الجاهلية، وقيل كانت موالي الولائد يخرجونهن للزنا ويضربون عليهن الضرائب وكانت وليدة زمعة كذلك. قال في الفتح: والذي يظهر في سياق القصة أنها كانت أمة مستفرشة لزمعة فزنى بها عتبة، وكانت عادة الجاهلية في مثل ذلك أن السيد إن استحلقه لحقه وإن نفاه انتفى عنه وإن ادعاه غيره كان مردّ ذلك إلى السيد أو القافة فظهر بها حمل كان يظن أنه من عتبة فاختصم فيه (فتساوقا) أي تماشيا وتلازما بحيث أن كلاًّ منهما كان كالذي يسوق الآخر (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال سعد: يا رسول الله) هذا (ابن أخي قد كان) أخي عتبة (عهد إليّ فيه) أنه ابنه (فقال عبد بن زمعة) هو (أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه) سقط قوله فقال سعد الخ لأبي ذر (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هو) أي الولد (لك يا عبد) بالضم ويفتح (ابن زمعة) بنصب ابن أبي هو أخوك إما بالاستلحاق وإما بالقضاء بعلمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن زمعة كان صهره أو هو لك ملكًا لأنه ابن وليدة أبيه من غيره لأن زمعة لم يقربه ولا شهدت به القافة عليه، والأصول تدفع قول ابنه فلم يبق إلا أنه عبد تبعًا لأمه قاله ابن جرير: وقال الطحاوي: معناه هو بيدك تدفع بها غيرك حتى يأتي صاحبه لا أنه ملك لك بدليل أمر سورة بالاحتجاب، ويؤيد الأول رواية البخاري في المغازي هو لك فهو أخوك يا عبد لكن في مسند أحمد وسنن النسائي ليس لك بأخ لكن أعلها البيهقي. وقال المنذري إنها زيادة غير ثابتة. وقال البيهقي: معنى قوله ليس لك بأخ أي شبيهًا فلا يخالف قوله لعبد هو أخوك. وقال في الفتح: أو معنى قوله ليس لك بأخ بالنسبة للميراث من زمعة لأن زمعة مات كافرًا وخلف عبد بن زمعة والولد المذكور وسودة فلا حق لسودة في إرثه بل حازه عبد قبل الاستلحاق فإذا استلحق الابن المذكور شاركه في الإرث دون سودة فلذا قال لعبد: هو أخوك، وقال لسودة ليس لك بأخ (الولد للفراش) أي لصاحب الفراش فهو على حذف مضاف أي زوجًا كان أو مولى حرة كانت أو أمة (وللعاهر) وللزاني (الحجر) أي لا حق له في النسب كقولهم له التراب

19 - باب الولاء لمن أعتق وميراث اللقيط

عبر به عن الخيبة أي لا شيء له وقيل معناه وللزاني الرجم بالحجر واستبعد بأن ذلك ليس لجميع الزناة بل للمحصن بخلاف حمله على الخيبة فإنه على عمومه وأيضًا الحديث إنما هو في نفي الولد عنه لا في رجمه (ثم قال) صلوات الله وسلامه عليه: (لسودة بنت زمعة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- (احتجبي منه) أي من عبد الرَّحمن استحبابًا للاحتياط (لما رأى) بكسر اللام وتخفيف الميم أي لأجل ما رأى (من شبهه) البين (بعتبة فلما رآها) عبد الرَّحمن (حتى لقي الله) عز وجل. وفي الحديث أن الاستلحاق لا يختص بالأب بل للأخ أن يستحلق وهو قول الشافعية وجماعة بشرط أن يكون الأخ حائزًا أو يوافقه باقي الورثة وإمكان كونه من المذكور وأن يكون يوافق على ذلك إن كان بالغًا وعاقلاً وأن لا يكون معروف الأب. والحديث سبق في البيوع والوصايا والمغازي ويجيء في الأحكام إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته وكرمه. 6750 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ». [الحديث 6750 - طرفه في: 6818]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد البصري قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن زياد) القرشي الجمحي مولاهم (أنه سمع أبا هريرة) -رضي الله عنه- يقول (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الولد لصاحب الفراش) كذا في هذه الرواية، وللحديث سبب غير قصة ابن زمعة، فقد أخرجه أبو داود وغيره من رواية حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قام رجل فقال لما فتحت مكة إن فلانًا ابني فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا دعوة في الإسلام ذهب أمر الجاهلية الولد للفراش وللعاهر الأثلب" قيل: ما الأثلب؟ قال: "الحجر". وقد دل حديث ابن زمعة على أن الأمة تصير فراشًا بالوطء فإذا اعترف السيد بوطء أمته أو ثبت ذلك بطريق شرعيّ ثم أتت بولد لمدة الإمكان بعد الوطء لحقه من غير استلحاق كما في الزوجة، لكن الزوجة تصير فراشًا بمجرد العقد فلا يشترط في الاستلحاق إلا الإمكان لأنها تراد للوطء، فجعل العقد عليها كالوطء بخلاف الأمة فإنها تراد لمنافع أخرى فاشترط في حقها هذا قول الجمهور، وعن الحنفية لا تصير الأمة فراشًا إلا إذا ولدت من السيد ولدًا ولحق به فمهما ولدت بعد ذلك لحقه إلا أن ينفيه، وعن الحنابلة من اعترف بالوطء فأتت منه لمدة الإمكان لحقه وإن ولدت منه أولاً فاستحلقه لم يلحقه ما بعده إلا بإقرار مستأنف على الراجح عندهم، ونقل عن الشافعي رحمة الله تعالى عليه أنه قال: إن لقوله الولد للفراش معنيين أحدهما ما لم ينفه فإذا نفاه بما شرع له كاللعان انتفى عنه، والثاني إذا تنازع رب الفراش والعاهر فالولد لرب الفراش. قال في فتح الباري: الثاني ينطبق على خصوص الواقعة، والأول أعمّ قال: وحديث الولد للفراش قال ابن عبد البر: من أصح ما يروى عن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد جاء عن بضعة وعشرين نفسًا من الصحابة والله الموفق. 19 - باب الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَمِيرَاثُ اللَّقِيطِ وَقَالَ عُمَرُ: اللَّقِيطُ حُرٌّ. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (الولاء لمن أعتق و) باب ذكر فيه (ميراث اللقيط) وهو صغير أو مجنون منبوذ لا كافل له. (وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (اللقيط حر) لأن غالب الناس أحرار إلا أن تقام بينة برقه متعرضة لسبب الملك كإرث وشراء فلا يكفي مطلق الملك لأنا لا نأمن أن يعتمد الشاهد ظاهر اليد وفارق غيره كثوب ودار بأن أمر الرق خطر فاحتيط فيه وولاؤه لبيت المال عند مالك والشافعي وأحمد لحديث: "إنما الولاء لمن أعتق" إذ مقتضاه أن من لم يعتق لا ولاء له إذ العتق يقتضي سبق ملك واللقيط من دار الإسلام لا يملكه الملتقط، وعن عليّ اللقيط يوالي من شاء، وبه قال الحنفية فإن عقل الذي والاه عن جناية لم يكن له أن ينقل عنه ويرثه. وأثر عمر هذا سبق معلمًا بتمامه في أوائل الشهادات. 6751 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اشْتَرِيهَا فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَأُهْدِىَ لَهَا شَاةٌ فَقَالَ: «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ» قَالَ الْحَكَمُ: وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا، وَقَوْلُ الْحَكَمِ مُرْسَلٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَأَيْتُهُ عَبْدًا. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) أبو عمر الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية مصغرًا (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد والثلاثة تابعيون كوفيون (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت

20 - باب ميراث السائبة

اشتريت بريرة) بفتح الموحدة وكسر الراء الأولى (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اشتريها فإن الولاء لمن أعتق) فلا ولاية لملتقط كما مرّ، وأما قول عمر -رضي الله عنه- لأبي جميلة في الذي التقطه اذهب فهو حرّ وعلينا نفقته ولك ولاؤه فمراده أنت الذي تتولى تربيته والقيام بأمره فهي ولاية الإسلام لا ولاية العتق (وأهدي) بضم الهمزة (لها) أي لبريرة (شاة) سقط قوله لأبي ذر (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هو) أي لحم الشاة (لها صدقة ولنا هدية قال الحكم) بن عتيبة بالسند السابق (وكان زوجها) مغيث (حرًّا) قال البخاري: (وقول الحكم مرسل) ليس بمسند إلى عائشة راوية الخبر، وقال الإسماعيلي هو مدرج (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما سبق موصولاً في الطلاق في ابن خيار الأمة تحت العبد (رأيته عبدًا) وهذا أصح من السابق لأنه حضر ذلك فيرجح على قول من لم يحضره ولم يولد الحكم إلا بعد ذلك بدهر طويل. 6752 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أويس ابن أخت إمام الأئمة مالك (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الأصبحي إمام دار الهجرة (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إنما الولاء لمن أعتق) الولاء مبتدأ خبره لمن أعتق أي كائن أو مستقر لمن أعتق ومن موصولة وأعتق في محل الصلة والعائد ضمير الفاعل. 20 - باب مِيرَاثِ السَّائِبَةِ (باب ميراث السائبة) بسين مهملة بعدها ألف فهمزة فموحدة بوزن فاعلة العبد الله يقول له سيده: لا ولاء لأحد عليك أو أنت سائبة يريد بذلك عتقه وأن لا ولاء لأحد عليه، وقد يقول له أعتقتك سائبة أو أنت حرّ سائبة ففي الصيغتين الأوليين يفتقر في عتقه إلى نية وفي الأخيرتين يعتق والجمهور على كراهته. 6753 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِى قَيْسٍ، عَنْ هُزَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الإِسْلاَمِ لا يُسَيِّبُونَ، وَإِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُسَيِّبُونَ. وبه قال: (حدّثنا قبيصة بن عقبة) السوائي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أبي قيس) عبد الرَّحمن بن ثروان بالمثلثة المفتوحة والراء الساكنة وبعد الواو ألف فنون الأودي (عن هزيل) بضم الهاء وفتح الزاي ابن شرحبيل (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- زاد الإسماعيلي بسنده إلى هزيل قال: جاء رجل إلى عبده الله فقال: إني أعتقت عبدًا لي سائبة فمات فترك مالاً ولم يدع وارثًا فقال عبد الله (قال: إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون) وزاد الإسماعيلي أيضًا وأنت ولي نعمته فلك ميراثه فإن تأثمت أو تحرجت في شيء فنحن نقبله ونجعله في بيت المال وبهذا الحكم في السائبة قال الشافعي. 6754 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ لِتُعْتِقَهَا وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلاَءَهَا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ لأُعْتِقَهَا، وَإِنَّ أَهْلَهَا يَشْتَرِطُونَ وَلاَءَهَا فَقَالَ: «أَعْتِقِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» أَوْ قَالَ: «أَعْطَى الثَّمَنَ» قَالَ: فَاشْتَرَتْهَا فَأَعْتَقَتْهَا قَالَ: وَخُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَقَالَتْ: لَوْ أُعْطِيتُ كَذَا وَكَذَا مَا كُنْتُ مَعَهُ، قَالَ الأَسْوَدُ: وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا. قَوْلُ الأَسْوَدِ: مُنْقَطِعٌ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَأَيْتُهُ عَبْدًا أَصَحُّ. وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (أن عائشة رضي الله عنها اشترت بريرة لتعتقها) بضم الفوقية الأولى (واشترط أهلها ولاءها) أن يكون لهم (فقالت: يا رسول الله إني اشتريت بريرة لأعتقها وإن أهلها يشترطون ولاءها فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أعتقيها) بعد أن تشتريها (فإنما الولاء لمن أعتق) سواء كان سائبة أو غيرها (أو قال) عليه الصلاة والسلام لها (أعطى الثمن) بالشك من الراوي (قال: فاشترتها فأعتقتها قال وخيرت) بضم الخاء المعجمة لما عتقت ولأبي ذر عن الحموي والمستملي نفسها أي خيرت لما عتقت بين فسخ نكاحها وإمضاء النكاح واختيار الزوج (فاختارت نفسها وقالت: لو أعطيت) بضم الهمزة وكسر الطاء المهملة أي لو أعطاني مغيث (كذا وكذا) من المال (ما كنت معه) أي ما كنت أصحبه ولا أقمت عنده. (قال الأسود) بن يزيد: (وكان زوجها حرًّا) قال البخاري: (قول الأسود) هذا (منقطع) أي لم يصله بذكر عائشة فيه وفيه جواز إطلاق المنقطع في موضع المرسل خلافًا لما اشتهر في الاستعمال من تخصيص المنقطع بما يسقط منه من أثناء السند واحد إلا في صورة سقط الصحابي بين التابعي والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن ذلك يسمى المرسل، (وقول ابن عباس) -رضي الله عنهما- (رأيته عبدًا أصح) إذ كان حضر القصة وشاهدها بخلاف الأسود فإنه لم يدخل المدينة في عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ

21 - باب إثم من تبرأ من مواليه

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وحديث الباب سبق في مواضع كثيرة والله الموفق والمعين. 21 - باب إِثْمِ مَنْ تَبَرَّأَ مِنْ مَوَالِيهِ (باب إثم من تبرأ من مواليه). 6755 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِىٌّ - رضى الله عنه - مَا عِنْدَنَا كِتَابٌ نَقْرَؤُهُ إِلاَّ كِتَابُ اللَّهِ غَيْرَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قَالَ: فَأَخْرَجَهَا فَإِذَا فِيهَا أَشْيَاءُ مِنَ الْجِرَاحَاتِ وَأَسْنَانِ الإِبِلِ قَالَ: وَفِيهَا الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ، وَمَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم التيمي عن أبيه) يزيد بن شريك بن طارق التيمي أنه (قال: قال علي -رضي الله عنه-: ما عندنا كتاب نقرؤه) وفي باب حرم المدينة من آخر كتاب الحج ما عندنا شيء (إلا كتاب الله) عز وجل (غير هذه الصحيفة) قال في الكواكب: غير حال أو استثناء آخر وحرف العطف مقدر كما قال الشافعي -رحمه الله- عليه التحيات المباركات الصلوات تقديره والصلوات (قال) يزيد بن شريك: (فأخرجها) أي الصحيفة (فإذا فيها أشياء) جمع شيء لا ينصرف. قال الكسائي: لكثرة استعمالها (من الجراحات) بكسر الجيم أي من أحكام الجراحات (وأسنان الإبل) بفتح همزة أسنان أي إبل الديات أو الزكاة أو أعمّ (قال): ولأبي ذر وقال (وفيها المدينة) طيبة (حرم) بفتحتين محرمة (ما بين عير) بفتح العين المهملة وسكون التحتية بعدها راء جبل بالمدينة (إلى ثور) بفتح المثلثة قيل إنه اسم جبل بها أيضًا وإن كان المشهور أنه بمكة، وقيل الصحيح أن بدله أُحد أي ما بين -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أُحد ولأبي ذر إلى كذا بدل قوله إلى ثور (فمن أحدث فيها حدثًا) مخالفًا لما جاء به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أو آوى) بمدّ الهمزة (محدثًا) بضم الميم وكسر الدال المهملة أي من نصر جانيًا وآواه وأجاره من خصمه أو حال بينه وبين أن يقتص منه (فعليه لعنة الله) أي البعد من الجنة التي هي دار الرحمة في أول أمره لا مطلقًا (و) لعنة (الملائكة والناس أجمعين لا يقبل) بضم التحتية وفتح الموحدة (منه يوم القيامة صرف) فرض (ولا عدل) نفل أو بالعكس أو غير ذلك مما سبق في الحج (ومن والى) بفتح اللام اتخذ (قومًا) موالي (بغير إذن مواليه) ليس الإذن لتقييد الحكم بعدم الإذن والقصر عليه وإنما ورد الكلام بذلك على أنه الغالب (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل) بضم التحتية (منه يوم القيامة صرف ولا عدل) ولأبي ذر لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلاً (وذمة المسلمين واحدة) أي أمان المسلم للكافر صحيح والمسلمون كنفس واحدة فيه (يسعى بها أدناهم) كالعبد والمرأة فإذا أمن أحدهم حربيًّا لا يجوز لأحد أن ينقض ذمته (فمن أخفر) بخاء معجمة ساكنة وفتح الفاء (مسلمًا) أي نقض عهده (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل). وصحح ابن حبان من حديث عائشة مرفوعًا: "من تولى إلى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار" قال ابن بطال فيما ذكره عنه في فتح الباري: وفي الحديث أنه لا يجوز للمعتق أن يكتب فلان ابن فلان بل يقول فلان مولى فلان، ويجوز له أن ينسب إلى نسبه كالقرشي، وقال غيره: الأولى أن يفصح بذلك أيضًا كأن يقول القرشي بالولاء أو مولاهم قال: وفيه إن من علم ذلك وفعله سقطت شهادته لما يترتب عليه من الوعيد وتجب عليه التوبة والاستغفار. 6756 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: نَهَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِهِ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن بيع الولاء وعن هبته) لأنه حق إرث المعتق من العتيق وذلك لأنه غير مقدور التسليم قاله في الكواكب. 22 - باب إِذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَكَانَ الْحَسَنُ لاَ يَرَى لَهُ وِلاَيَةً. وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَيُذْكَرُ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ رَفَعَهُ قَالَ: هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِى صِحَّةِ هَذَا الْخَبَرِ. هذا (باب) بالتنوين (إذا أسلم على يديه) وللفربري والأكثر رجل وللكشميهني الرجل بالتعريف والتنكير أولى والمعنى إذا أسلم رجل على يدي رجل (وكان الحسن) البصري (لا يرى له) للذي أسلم على يديه (ولاية) بكسر الواو ولأبي ذر بفتحها لغتان ولأبي ذر عن الكشميهني ولاء بفتح الواو والهمزة بدل الياء وبالمد وهذا الأثر وصله سفيان الثوري في جامعه، وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان ورواه الدارمي عن أبي نعيم عن سفيان، وأخرج ابن أبي شيبة أيضًا من طريق يونس عن الحسن لا يرثه إلا إن شاء أوصى له بماله. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الولاء لمن أعتق)

فخرج به من أسلم على يديه رجل لما في الرواية الأخرى إنما الولاء لمن أعتق كما لا يخفى وسبق موصولاً قريبًا. (ويذكر) بضم أوله وفتح ثالثه (عن تميم) هو ابن أوس بن خارجة بن سواد اللخمي (الداري) نسبة إلى بني الدار ابن لخم وكان من أهل الشأم أسلم سنة تسع من الهجرة وكان من أفاضل الصحابة وله مناقب وفي العزم إفرادها بالتأليف أعانني الله على ذلك على أحسن المسالك (رفعه) بالحركات ولأبي ذر رفعه بسكون الفاء وضم العين أي رفع تميم الحديث إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد وصله البخاري في تاريخه وأبو داود وابن أبي عاصم والطبراني والباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز تأليفه كلهم من طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: سمعت عبيد الله بن موهب يحدث عن عمر بن عبد العزيز بن قبيصة بن ذؤيب عن تميم الداري أنه قال: قلت يا رسول الله ما السنة في رجل يسلم على يد رجل من المسلمين؟ (قال: هو أولى الناس بمحياه ومماته). قال البخاري رحمه الله: (واختلفوا في صحة هذا الخبر) قال بعضهم عن ابن موهب سمع تميمًا ولا يصح لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الولاء لمن أعتق"، وقال الشافعي: هذا الحديث ليس بثابت إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن ابن موهب وابن موهب ليس بالمعروف ولا نعلمه لقي تميمًا ومثل هذا لا يثبت، وقال الترمذي: إسناده ليس بمتصل قال: وأدخل بعضهم بين ابن موهب وبين تميم قبيصة رواه يحيى بن حمزة وقيل إنه تفرّد فيه بذكر قبيصة، ورواه أبو إسحاق السبيعي بدون ذكر تميم أخرجه النسائي وقال ابن المنذر: الحديث مضطرب هل هو عن ابن موهب عن تميم أو بينهما قبيصة وقال بعض الرواة فيه عن عبد الله بن موهب وبعضهم ابن موهب وعبد العزيز راويه ليس بالحافظ. قال في الفتح: هو من رجال البخاري كما في الأشربة لكنه ليس بالمكثر، وأما ابن موهب فلم يدرك تميمًا، وأشار النسائي إلى أن الرواية التي وقع التصريح فيها بسماعه من تميم خطأ ولكنه وثّقه بعضهم، نعم صحح هذا الحديث أبو زرعة الدمشقي وقال: إنه حديث حسن صحيح المخرج ومتصل، وجزم البخاري في التاريخ بأنه لا يصلح لمعارضة حديث "إنما الولاء لمن أعتق" ويؤخذ منه أنه لو صح لما قاوم هذا الحديث وعلى التنزل فيتردد في الجمع هل يخص عموم الحديث المتفق على صحته بهذا فيستثنى منه من أسلم أو تؤوّل الأولوية في قوله أولى الناس بمعنى النصر والمعاونة وما أشبه ذلك لا بالميراث ويبقى الحديث المتفق على صحته على عمومه جنح الجمهور إلى الثاني وبه جزم ابن القصار، وقال أبو حنيفة وأصحابه: إنه يستمر إن عقل عنه وإن لم يعقل عنه فله أن يتحول عنه لغيره قاله في الفتح الباري. 6757 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِىَ جَارِيَةً تُعْتِقُهَا فَقَالَ أَهْلُهَا: نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلاَءَهَا لَنَا، فَذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لاَ يَمْنَعُكِ ذَلِكِ، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي (عن مالك) هو ابن أنس الأصبحي إمام الأئمة (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أن عائشة أم المؤمنين) -رضي الله عنها- وسقط أم المؤمنين لأبي ذر (أرادت أن تشتري جارية) هي بريرة (تعتقها) أي لأن تعتقها وهو بضم الفوقية (فقال أهلها: نبيعكها على أن ولاءها لنا فذكرت لرسول الله) أي ذكرت عائشة قولهم نبيعكها على أن ولاءها لنا ولأبي ذر فذكرت ذلك لرسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (لا يمنعك ذلك) بكسر الكاف ولأبي ذر عن الكشميهني لا يمنعنك بالنون الثقيلة بعد العين (فإنما الولاء لمن أعتق) اللام للاختصاص كما قاله الكرماني يعني أن الولاء مختص بمن أعتق وبذل المال في إعتاقه. قال العيني: ويجوز أن تكون للاستحقاق كهي في قوله تعالى: {ويل للمطففين} [المطففين: 1] واستحقاق المعتق الولاء لا ينافي استحقاق غيره ويجوز أن تكون للصيرورة وصيرورة الولاء للمعتق لا تنافي صيرورته لغيره. 6758 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتِ: اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ فَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلاَءَهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَعْتِقِيهَا فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ» قَالَتْ: فَأَعْتَقْتُهَا قَالَتْ: فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَيَّرَهَا مِنْ زَوْجِهَا فَقَالَتْ: لَوْ أَعْطَانِى كَذَا وَكَذَا مَا بِتُّ عِنْدَهُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا. وبه قال: (حدّثنا محمد) غير منسوب. قال الحافظ ابن حجر: وقع في رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري محمد بن سلام وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني محمد بن يوسف يعني البيكندي قال: (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) أي ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد خال إبراهيم

23 - باب ما يرث النساء من الولاء

(عن عائشة -رضي الله عنها-) أنه (قالت: اشتريت بريرة فاشترط أهلها ولاءها) أن يكون لهم (فذكرت ذلك) الاشتراط (للنبي) وتاء ذكرت ساكنة ففيه التفات أي ذكرت عائشة ذلك للنبي ولأبي ذر لرسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (أعتقيها فإن الولاء لمن أعطى الورق) بفتح الواو وكسر الراء الفضة (قالت) عائشة (فأعتقتها قالت) عائشة أيضًا (فدعاها) أي فدعا بريرة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخيّرها من زوجها) بين المقام معه أو المفارقة (فقالت: لو أعطاني كذا وكذا) من المال (ما بت عنده فاختارت) بالفاء ولأبي ذر واختارت (نفسها) وزاد أبو ذر في روايته قال: وكان زوجها حرًّا، وقد سبق قبل باب من وجه آخر أن القائل هو الأسود راويه عن عائشة وفي الباب الذي قبله أن الحكم. 23 - باب مَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنَ الْوَلاَءِ (باب ما يرث النساء من الولاء). 6759 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنْ تَشْتَرِىَ بَرِيرَةَ فَقَالَتْ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ الْوَلاَءَ؟ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اشْتَرِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ». وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى العوذي الحافظ (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أرادت عائشة) -رضي الله عنها- (أن تشتري بريرة) فاشترط أهلها أن يكون ولاؤها لهم (فقالت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنهم يشترطون الولاء) لهم (فقال النبي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها: (اشتريها فإنما الولاء لمن أعتق) فيه دلالة على أن النساء إذا أعتقن يستحققن الولاء. 6760 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ وَوَلِىَ النِّعْمَةَ». وبه قال: (حدّثنا ابن سلام) بتخفيف اللام على الأشهر واسمه محمد قال: (أخبرنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح أحد الأعلام (عن سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الولاء لمن أعطى الورق) الفضة ثمنًا (وولي النعمة) بكسر اللام المخففة بالاعتاق بعد إعطاء الثمن لأن ولاية النعمة التي يستحق بها الميراث لا تكون إلا بالعتق والحديث كما قاله ابن بطال يقتضي أن الولاء لكل معتق ذكرًا كان أو أنثى، وهو مجمع عليه وليس بين الفقهاء خلف أنه ليس للنساء من الولاء إلا ما أعتقن أو جره إليهن من أعتق بولادة أو عتق، وأشار بقوله لمن أعطى الورق إلى أن المراد بقوله لمن أعتق أن يكون من عتق في ملكه حين العتق لا لمن باشر العتق فقط. وقوله: وولي النعمة هو لفظ وكيع عن سفيان الثوري عن منصور تفرّد بها الثوري كما نبه عليه في الفتح والله الموفق والمعين. 24 - باب مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَابْنُ الأُخْتِ مِنْهُمْ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (مولى القوم) أي عتيقهم (من أنفسهم) في النسبة إليهم والميراث منه (وابن الأخت منهم) لأنه ينسب إلى بعضهم وهي أمه فيرثهم توريث ذوي الأرحام على القول به وثبت قوله منهم لأبي ذر عن الكشميهني. 6761 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ وَقَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» أَوْ كَمَا قَالَ. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا معاوية بن قرة) بضم القاف وفتح الراء المشددة ابن إياس بن هلال المدني البصري (وقتادة) بن دعامة السدوسي كلاهما (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (مولى القوم من أنفسهم أو كما قال). 6762 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ابن أخت القوم منهم أو) قال (من أنفسهم) في المعاونة والانتصار والبر والشفقة ونحو ذلك لا في الميراث، وتمسك به من قال: بأن ذوي الأرحام يرثون كما ترث العصبات وهو قول الحنفية وغيرهم، والشك من الراوي، وأورد الحديث هنا مختصرًا وتامًّا في مناقب قريش في باب ابن أخت القوم منهم. 25 - باب مِيرَاثِ الأَسِيرِ قَالَ: وَكَانَ شُرَيْحٌ يُوَرِّثُ الأَسِيرَ فِى أَيْدِى الْعَدُوِّ وَيَقُولُ: هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَجِزْ وَصِيَّةَ الأَسِيرِ وَعَتَاقَهُ، وَمَا صَنَعَ فِى مَالِهِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ دِينِهِ، فَإِنَّمَا هُوَ مَالُهُ يَصْنَعُ فِيهِ مَا يَشَاءُ. (باب) حكم (ميراث الأسير) في يد العدوّ وسواء عرف خبره أم لا. (قال) أي البخاري (وكان شريح) بضم الشين المعجمة وفتح الراء آخره حاء مهملة ابن الحارث القاضي الكندي الكوفي (يورث الأسير) بفتح الواو وكسر الراء مشددة (في أيدي العدوّ ويقول هو أحوج إليه) أي إلى ميراثه وهذا وصله ابن أبي شيبة والدارمي (وقال عمر بن عبد العزيز) مما وصله عبد الرزاق لإسحاق بن راشد فيما كتب إليه (أجز) بهمزة مفتوحة فجيم مكسورة فزاي

26 - باب لا يرث المسلم الكافر

مجزوم بالأمر (وصية الأسير) بنصب وصية على المفعولية (وعتاقه) بفتح العين وبعد القاف هاء ولأبي ذر وعتاقته بفوقية بعد القاف (وما صنع في ماله ما لم يتغير عن دينه) دين الإسلام إلى غيره طائعًا (فإنما هو ماله يصنع فيه ما يشاء). بلفظ المضارع، ولأبي ذر عن الكشميهني ما شاء بلفظ الماضي. 6763 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِىٍّ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلاًّ فَإِلَيْنَا». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي) هو ابن ثابت الأنصاري (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان الأشجعي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من ترك مالاً) بعد وفاته (فلورثته ومن ترك كلاًّ) بفتح الكاف واللام المشددة عيالاً (فإلينا). وهذا الحديث يؤيد قول الجمهور أن الأسير إذا وجب له ميراث يوقف له لأنه إذا كان مسلمًا دخل تحت عموم قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من ترك مالاً فلورثته" وعن سعيد بن المسيب أنه لم يورث الأسير في أيدي العدوّ. والحديث مرّ في الاستقراض. 26 - باب لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَإِذَا أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ الْمِيرَاثُ فَلاَ مِيرَاثَ لَهُ. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم وإذا أسلم) الكافر (قبل أن يقسم الميراث) المخلف عن أبيه أو أخيه (فلا ميراث له) لأن الاعتبار بوقت الموت لا بوقت القسمة عند الجمهور. 6764 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ». وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن علي بن حسين) المشهور بزين العابدين (عن عمر) بضم العين (ابن عثمان) بن عفان القرشي العدوي، ولأبي ذر عن عمرو بفتح العين بدل عمر ضمها وكلاهما ولد لعثمان واتفق الرواة عن الزهري أن عمرو بن عثمان بفتح العين وسكون الميم إلا أن مالكًا وحده قال عمر بضم أوله وفتح الميم (عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يرث المسلم الكافر) وذهب معاذ بن جبل ومعاوية وسعيد بن المسيب ومسروق إلى أنه يرث منه لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه" وحجة الجمهور هذا الحديث الصحيح. وأجابوا عن حديث: الإسلام يعلو بأن معناه فضل الإِسلام وليس فيه تعرض للإِرث فلا يترك النص الصريح لذلك (ولا) يرث (الكافر المسلم) إجماعًا ولا يرث نحو مرتد كيهودي تنصّر أحدًا إذ ليس بينه وبين أحد موالاة في الدين لأنه ترك دينًا يقر عليه ولا يقر على دينه الذي انتقل إليه، ولا يورث لذلك كزنديق وهو من لا يتدين بدين فلا يرث ولا يورث لذلك، وأما المسلم من المرتد فقال مالك والشافعي: لا يرث المسلم المرتد، وقال أبو حنيفة والثوري: يرثه، لكن قال أبو حنيفة: ما اكتسبه في ردته لبيت المال وما اكتسبه في الإسلام فهو لورثته المسلمين، وأما الكافران فيتوارثان وإن اختلفت ملتهما كيهودي ونصراني أو مجوسي أو وثني، لأن الملل في البطلان كالملة الواحدة ومن به رق ولو مدبرًا أو مكاتبًا فلا يرث ولا يورث لنقصه ولأنه لو ورث الملك واللازم باطل إلا مبعضًا فيورث ما ملكه بحريته لتمام ملكه عليه ولا شيء لسيده منه لاستيفاء حقه مما اكتسبه بالرقية ولا يرث قاتل من مقتوله وإن لم يضمن بقتله لحديث: ليس للقاتل شيء أي من الميراث. رواه الترمذي بسند صحيح، ولأن الإرث للموالاة والقاتل قطعها ومن فقد وقف ماله حتى تقوم بيّنة بموته أو يحكم بموته قاض بعد مضي مدة من ولادته لا يعيش فوقها ظنًّا فيعطى ماله من يرثه حينئذ. والحديث سبق في المغازي والله أعلم. 27 - باب مِيرَاثِ الْعَبْدِ النَّصْرَانِىِّ وَمُكَاتَبِ النَّصْرَانِىِّ وَإِثْمِ مَنِ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهِ (باب ميراث العبد النصراني ومكاتب النصراني) ولأبي ذر والمكاتب (وإثم من انتفى من ولده) ولأبي ذر باب من انتفى من ولده ومذهب العلماء أن العبد النصراني إذا مات فماله لسيده بالرق ولأن ملك العبد غير صحيح فيستحقه السيد لا بطريق الميراث، وأما المكاتب فإن مات قبل أداء كتابته وكان في ماله وفاء لباقي كتابته أخذ ذلك في كتابته فما فضل فلبيت المال وأما إثم من انتفى من ولده ففي حديث أبي هريرة مرفوعًا عند أبي داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم

28 - باب من ادعى أخا أو ابن أخ

أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله عنه، وفي سنده عبد الله بن يونس حجازي ما روى عنه سوى يزيد بن الهاد، ولم يذكر المؤلّف حديثًا هنا، ولعله أراد أن يلحق فيه ما هو على شرطه فاخترمته المنية قبل. 28 - باب مَنِ ادَّعَى أَخًا أَوِ ابْنَ أَخٍ (باب) حكم (من ادّعى أخًا أو ابن أخ). 6765 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّهَا قَالَتِ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِى غُلاَمٍ فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِى عُتْبَةَ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَىَّ أَنَّهُ ابْنُهُ انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِى يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِى مِنْ وَلِيدَتِهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَاحْتَجِبِى مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ» قَالَتْ: فَلَمْ يَرَ سَوْدَةَ قَطُّ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: اختصم سعد بن أبي وقاص) مالك بن وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهري شهد المشاهد كلها وهو أحد العشرة (وعبد بن زمعة) بن قيس بن عبد شمس القرشي العامري أخو سودة بنت زمعة أم المؤمنين -رضي الله عنهما- (في غلام) اسمه عبد الرَّحمن (فقال سعد: هذا) الغلام عبد الرَّحمن (يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص) ذكره ابن منده في الصحابة مستدلاً بقول أخيه سعد هنا (عهد إليّ أنه ابنه انظر إلى شبهه) وليس في ذلك ما يدل على إسلامه وقد اشتد إنكار أبي نعيم على ابن منده في ذلك وقال: إنه الذي كسر رباعية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما علمت له إسلامًا اهـ. وبالجملة فليس في شيء من الآثار ما يدل على إسلامه بل فيها ما يصرح بموته على الكفر والله أعلم. (وقال عبد بن زمعة: هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي) زمعة (من وليدته) أي أمته (فنظر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى شبهه فرأى شبهًا بيّنًا بعتبة فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هو) أي الغلام أخ (لك يا عبد) ولأبي ذر: يا عبد بن زمعة فألحقه عليه الصلاة والسلام به لما استلحقه لأن إقراره قائم مقام الأب الميت في حياته فيثبت نسبه وقال مالك وأبو حنيفة: لا يثبت. (الولد للفراش وللعاهر الحجر) أي الخيبة (واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة) تورعًا واحتياطًا (قالت: فلم ير سودة) الغلام (قط) ولأبي ذر عن الكشميهني بعد قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: احتجبي منه. ورأيت في هامش فرع اليونينية وقال: إنه منقول منها هذا الباب في نسخة أبي ذر قبل باب ميراث العبد النصراني، ويليه أعني باب ميراث العبد النصراني باب إثم من انتفى من ولده ورقّم على باب من ادّعى أخًا أو ابن أخ علامة المستملي والكشميهني انتهى. 29 - باب مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ (باب من ادّعى) أي انتسب (إلى غير أبيه). 6766 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ سَعْدٍ - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهْوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا خالد هو ابن عبد الله) الطحان الواسطي قال: (حدّثنا خالد) هو ابن مهران الحذاء (عن أبي عثمان) عبد الرَّحمن النهدي (عن سعد) بسكون العين ابن أبي وقاص (-رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من ادعى إلى غير أبيه وهو) أي والحال أنه (يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام) إن استحل ذلك أو هو محمول على الزجر والتغليظ للتنفير عنه، واستشكل بأن جماعة من خيار الأمة انتسبوا إلى غير آبائهم كالمقداد بن الأسود إذ هو ابن عمرو. وأجيب: بأن الجاهلية كانوا لا يستنكرون أن يتبنى الرجل غير أبيه الذي خرج من صلبه فينسب إليه ولم يزل ذلك في أول الإسلام حتى نزل {وما جعل أدعياءكم أبناءكم} ونزل: {ادعوهم لآبائهم} [الأحزاب: 5] فغلب على بعضهم النسب الذي كان يدعى به قبل الإسلام فصار إنما يذكر للتعريف بالأشهر من غير أن يكون من المدعو وتحول عن نسبه الحقيقي فلا يقتضيه الوعيد إذ الوعيد المذكور إنما تعلق بمن انتسب إلى غير أبيه على علم منه بأنه ليس أباه. 6767 - فَذَكَرْتُهُ لأَبِى بَكْرَةَ فَقَالَ: وَأَنَا سَمِعَتْهُ أُذُنَاىَ وَوَعَاهُ قَلْبِى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال أبو عثمان النهدي (فذكرته) أي الحديث (لأبي بكرة) نفيع (فقال: وأنا سمعته أذناي) بفتح العين وسكون الفوقية (ووعاه قلبي من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). والحديث تقدّم في غزوة حنين. 6768 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ فَهُوَ كُفْرٌ». وبه قال: (حدّثنا أصبغ) بالصاد المهملة والغين المعجمة بينهما موحدة مفتوحة (ابن الفرج) بالفاء والجيم الفقيه قال ابن معين: كان أعلم خلق الله برأي مالك قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن الحارث المصري (عن جعفر بن ربيعة) الكندي (عن عراك) بكسر العين المهملة وتخفيف الراء وبعد الألف كاف ابن مالك

30 - باب إذا ادعت المرأة ابنا

الغفاري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه) وانتسب لغيره (فهو كفر) ولأبي ذر عن الكشميهني فقد كفر أي كفر النعمة، فليس المراد الكفر الذي يستحق عليه الخلود في النار بل كفر حق أبيه أي ستر حقه أو المراد التغليظ والتشنيع عليه إعظامًا لذلك، وإلاّ فكل حق شرعي إذا ستر فستره كفر ولم يعبر في كل ستر على حق بهذا اللفظ، وإنما عبّر به في المواضع التي يقصد فيها الذم البليغ وتعظيم الحق الستور. والحديث سبق في مناقب قريش. 30 - باب إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ ابْنًا هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا ادعت المرأة ابنًا) بتشديد الدال المهملة من ادعت. 6769 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ لِصَاحِبَتِهَا: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ وَقَالَتِ الأُخْرَى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - فَأَخْبَرَتَاهُ فَقَالَ: ائْتُونِى بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لاَ تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ هُوَ ابْنُهَا، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ قَطُّ، إِلاَّ يَوْمَئِذٍ وَمَا كُنَّا نَقُولُ: إِلاَّ الْمُدْيَةَ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن) عبد الرَّحمن بن هرمز (الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (كانت امرأتان) أي يسميا (معهما ابناهما) أي يسميا أيضًا (جاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت لصاحبتها إنما ذهب) الذئب (بابنك وقالت) ولأبي ذر فقالت (الأخرى إنما ذهب بابنك فتحاكما) أي المرأتان وذكر باعتبار الشخصين ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فتحاكمتا (إلى داود عليه السلام فقضى به) بالولد الباقي (للكبرى) للمرأة الكبرى منهما لكونه كان في يدها وعجزت عن إقامة البيّنة (فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه) بالقصة (فقال: ائتوني بالسكين) بكسر السين وسميت سكينًا لأنها تسكن حركة الحيوان (أشقه) أي الولد (بينهما) نصفين، وفي سنن النسائي الكبرى فقالت الكبرى نعم اقطعوه (فقالت الصغرى) منهما له (لا تفعل) ذلك (يرحمك الله هو ابنها) أي ابن الكبرى (فقضى به للصغرى) لجزعها الدال على عظيم شفقتها، ولم يعمل بإقرارها بأنه لصاحبتها. واستشكل نقض سليمان حكم أبيه داود. وأجيب: بأنهما حكما بالوحي وحكم سليمان كان ناسخًا أو كان بالاجتهاد، وجاز النقض لدليل أقوى، وتعقب الأول بأن سليمان حينئذ لم يكن يوحى إليه إذ كان عمره حينئذ إحدى عشرة سنة. (قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- بالسند السابق: (والله إن سمعت) بكسر الهمزة أي ما سمعت (بالسكين قط إلا يومئذ وما كنا نقول إلاّ المدية) بضم الميم وتكسر وتفتح وقيل لها مدية لأنها تقطع مدى حياة الحيوان. والحديث سبق في ترجمة سليمان من أحاديث الأنبياء. 31 - باب الْقَائِفِ (باب) حكم (القائف) بالقاف وآخره فاء وهو الذي يعرف الشبه ويميز الأثر. 6770 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَىَّ مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ: «أَلَمْ تَرَىْ أَنَّ مُجَزِّزًا نَظَرَ آنِفًا إِلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء قال: (حدّثنا الليث) بن سعد إمام المصريين (عن ابن شهاب) محمد الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عليّ) بتشديد الياء البيت حال كونه (مسرورًا) حال كونه (تبرق) تضيء وتستنير من السرور (أسارير وجهه) وهي الخطوط التي في الجبهة واحدها سر وسرر وجمعها أسرار وأسرة وجمع الجمع أسارير (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ألم تري) حرف جزم ومعه همزة التقرير وتري مجزوم به بحذف النون والرؤية علمية وسدت إن في قوله (أن مجززًا) مسدّ مفعوليها ولذا فتحت أن ومجززًا بضم الميم وفتح الجيم وكسر الزاي الأولى المشددة وتفتح اسم إن وسمي مجززًا لأنه كان يجز ناصية الأسير في زمن الجاهلية ويطلقه وهو ابن الأعور بن جعدة المدلجي (نظر آنفًا) خبر إن وآنفًا بالمدّ ويقصر زمان أي الساعة (إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن هذه الأقدام عضها من) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لمن (بعض) أي لكائنة من بعض أو مخلوقة من بعض كقوله تعالى: {بعضكم من بعض} [النساء: 25] أي مخلوقون من بعض وسبب سروره عليه الصلاة والسلام أن الجاهلية كانت تقدح في نسب أسامة لكونه أسود شديد السواد لكون أمه كانت سوداء وزيد أبيض من القطن، فلما قال مجزز ما قال مع اختلاف اللون سر

86 - كتاب الحدود

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك لكونه كافأ لهم عن الطعن فيه لاعتقادهم ذلك. والحديث أخرجه مسلم في النكاح وأبو داود في الطلاق والترمذي في الولاء والنسائي في الطلاق. 6771 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ وَهْوَ مَسْرُورٌ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَلَمْ تَرَىْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِىَّ دَخَلَ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا؟ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: دخل عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات يوم) أي يومًا البيت وهو من إضافة المسمى إلى اسمه أو ذات مقحم (وهو مسرور فقال): (يا) ولأبي ذر: أي (عائشة ألم تري أن مجززًا المدلجي) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر اللام والجيم بعدها تحتية نسبة إلى مدلج بن مرّة بن عبد مناف بن كنانة وكانت القيافة فيهم، وفي بني أسد والعرب تعترف لهم بذلك وليس ذلك خاصًّا بهم على الصحيح، فرُوِيَ أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان فائقًا وقد كان قرشيًّا لا مدلجيًّا ولا أسديًّا (دخل عليّ) بتشديد الياء وسقط لغير أبي ذر عليّ (فرأى أسامة) زاد أبو ذر: ابن زيد (وزيدًا) أي ابن حارثة (وعليهما قطيفة) أي كساء (قد غطيا رؤوسهما) بها (وبدت أقدامهما) أي ظهرت (فقال: إن هذه الأقدام بعضها) كائنة أو مخلوقة (من بعض). وفي الحديث العمل بالقافة لتقريره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد. وقال الحنفية: الحكم بها باطل لأنها حدس، وذلك لا يجوز في الشريعة، وليس في حديث الباب حجة في إثبات الحكم بها لأن أسامة كان قد ثبت نسبه قبل ذلك فلم يحتج الشارع في إثبات ذلك إلى قول احد، وإنما تعجب من إصابه مجزز. ووجه إدخال هذا الحديث في كتاب الفرائض الردّ على من زعم أن القائف لا يعتبر بقوله فإن من اعتبر قوله فعمل به لزم منه حصول التوارث بين الملحق والملحق به. بسم الله الرحمن الرحيم 86 - كتاب الحدود (كتاب الحدود) جمع حد وهو الحاجز بين الشيئين يمنع اختلاط أحدهما بالآخر، وحدّ الزنا والخمر سمي به لكونه مانعًا لمتعاطيه عن معاودة مثله مانعًا لغيره أن يسلك مسلكه، وفي رواية أبي ذر تأخير البسملة عن لفظ كتاب. (وما يحذر من الحدود) أي كتاب بيان أحكام الحدود وبيان الحدود وبيان ما يحذر من الحدود ولأبي ذر عن المستملي باب ما يحذر من الحدود وتطلق الحدود ويراد بها نفس المعاصي ولم يذكر البخاري هنا حديثًا. 1 - باب لاَ يُشْرَبُ الْخَمْرُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُنْزَعُ مِنْهُ نُورُ الإِيمَانِ فِى الزِّنَا هذا (باب) بالتنوين (لا يشرب الخمر) بضم التحتية وفتح الراء مبنيًّا للمفعول والخمر رفع نائب الفاعل وللمستملي فيما ذكره في الفتح وهو في اليونينية لأبي ذر باب الزنا وشرب الخمر أي التحذير من تعاطيهما، وسقط لأبي ذر لا يشرب الخمر (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: مما وصله ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان (ينزع منه) بضم أوله وفتح الزاي والضمير في منه للزاني (نور الإيمان في الزنا). ورواه أبو جعفر الطبري من طريق مجاهد عن ابن عباس سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "من زنى نزع الله منه نور الإِيمان من قلبه فإن شاء أن يرده إليه ردّه". وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا عند أبي داود: "إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان عليه كالظلة فإذا أقلع رجع إليه الإيمان". ويحتمل أن يكون الذي نقص منه الحياء المعبر عنه بالنور والحياء من الإِيمان. 6772 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَزْنِى الزَّانِى حِينَ يَزْنِى وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ وَهْوَ مُؤْمِنٌ». وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِهِ إِلاَّ النُّهْبَةَ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف المخزومي مولاهم المصري وبكير اسم جده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي بكر بن عبد الرَّحمن) بن الحارث بن هشام المخزومي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) إذا استحله مع العلم بتحريمه أو يسلب الإيمان حال تلبسه بالكبيرة فإذا فارقها عاد إليه أو هو من باب التغليظ للتنفير عنه أو معناه نفي الكمال وإلا فالمعصية لا تخرج المسلم عن الإيمان خلافًا للمعتزلة المكفرين بالذنب القائلين بتخليد العاصي في النار (ولا يشرب الخمر حين يشربـ) ـه (وهو مؤمن) إذا استحله كما مرّ

2 - باب ما جاء فى ضرب شارب الخمر

(ولا يسرق حين يسرق) ولأبي ذر ولا يسرق السارق حين يسرق (وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة) بضم النون مالاً منهوبًا جهرًا قهرًا ظلمًا لغيره (يرفع الناس إليه) إلى الناهب (فيها أبصارهم) لا يقدرون على دفعه ولو تضرعوا إليه (وهو مؤمن) أو هو كناية عن عدم التستر بذلك فيكون صفة لازمة للنهب بخلاف السرقة والاختلاس فإنه يكون في خفية والانتهاب أشدّ لما فيه من مزيد الجراءة وعدم المبالاة ولم يذكر الفاعل في الشرب وما بعده ففيه كما قال ابن مالك حذف الفاعل لدلالة الكلام عليه والتقدير: ولا يشرب الشارب الخمر الخ .. ولا يرجع الضمير إلى الزاني لئلا يختص به بل هو عام في كل من شرب، وكذا في الباقي وقد ذكر الفاعل في لا يسرق في رواية أبي ذر كما مرّ. والحديث أخرجه مسلم في الأشربة وابن ماجة في الفتن. (وعن ابن شهاب) الزهري بالسند السابق (عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف كلاهما (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمثله) أي بمثل حديث أبي بكرة عن أبي هريرة رضي الله عنه هذا (إلا النهبة) فليست فيه. 2 - باب مَا جَاءَ فِى ضَرْبِ شَارِبِ الْخَمْرِ (باب ما جاء في ضرب شارب الخمر). 6773 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَرَبَ فِى الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ. [الحديث 6773 - طرفه في: 6776]. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الأزدي الحوضي قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح) للتحويل. قال البخاري بالسند إليه: (وحدّثنا آدم) ولأبي ذر: ابن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا قتادة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضرب) أي أمر بالضرب (في الخمر بالجريد والنعال) الباء في بالجريد باء الآلة والجريد سعف النخل وسمي به لأنه جرد عن الخوص (وجلد) أي أمر بالجلد فيه (أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- في خلافته (أربعين) جلدة، وهذا لفظ طريق هشام عن قتادة وأما لفظ طريق شعبة فأخرجه البيهقي في الخلافيات من طريق جعفر بن محمد القلانسي عن آدم شيخ البخاري فيه بلفظ: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتي برجل شرب الخمر فضربه بجريدتين نحوًا من أربعين، ثم صنع أبو بكر مثل ذلك فلما كان عمر استشار الناس فقال له عبد الرَّحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون ففعله عمر. وأخرجه مسلم والنسائي أيضًا من طريق محمد بن جعفر عن شعبة مثل رواية آدم إلا أنه قال: وفعله أبو بكر فلما كان عمر أي في خلافته استشار الناس فقال عبد الرَّحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون، وأمر به عمر ولم يقل عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعين، نعم في رواية مسلم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين، وقوله في الرواية السابقة: نحوًا من أربعين قيل لا بدّ من تأويله بأنه إنما عبر بنحو لعدم التساوي في الضرب والآلة، وإلاّ فالحدود إنما تكون محدودة وكون الراوي حاكيًا ذلك عن واقعة لا يلزم منه أن يكون تقريبًا بل تحديدًا وإن كان الراوي لم يحرر التحديد فيه فغايته أن يكون أربعين فوجب القول بأنها الحد، لا سيما وانضم إليها رواية مسلم السابقة ونحوها مما فيه الجزم بالأربعين ونحو قد تأتي بمعنى مثل، وفي مسلم أيضًا من طريق معاذ بن هشام عن أبيه ثم جلد أبو بكر أربعين فلما كان عمر ودنا الناس من الريف والقرى قال: ما ترون في جلد الخمر؟ فقال عبد الرَّحمن بن عوف: أرى أن تجعلها كأخف الحدود قال: فجلد عمر ثمانين والريف بكسر الراء كل أرض فيها زرع ونخل أو ما قارب المياه من أرض العرب وغيرها، أو ما فيه زرع وخصب أو هو الخصب والسعة في المأكل والمشرب، وعند النسائي من طريق يزيد بن هارون عن شعبة فضربه بالنعال نحوًا من أربعين ثم أتى به أبو بكر فصنع به مثل ذلك، ورواه همام عن قتادة بلفظ. فأمر قريبًا من عشرين رجلاً فجلده كل رجل جلدتين بالجريد أخرجه أحمد والبيهقي. قال في الفتح: وبهذا يجمع بين ما اختلف فيه على شعبة وأن جملة الضربات كانت نحو أربعين بجريدتين فتكون الجملة ثمانين.

3 - باب من أمر بضرب الحد فى البيت

وفي مسلم من طريق حضين بحاء مهملة وضاد معجمة مصغرًا ابن المنذر أن عثمان أمر عليًّا بجلد الوليد بن عقبة في الخمر فقال لعبد الله بن جعفر: اجلده فجلده فلما بلغ أربعين قال: أمسك جلد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين وكل سنّة. وهذا أحبّ إليّ ففيه الجزم بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جلد أربعين، وسائر الأخبار ليس فيه عدد إلا بعض الروايات عن أنس ففيه نحو الأربعين والجمع بينهما أن عليًّا أطلق الأربعين فهو حجة على من ذكرها بلفظ التقريب، فمذهب الشافعية أن حدّ الحرّ أربعون جلدة لما سبق، وحدّ غيره ولو مبعضًا عشرون على النصف من الحر كنظائره متوالية في كل من الأربعين والعشرين بحيث يحصل بها زجر وتنكيل فلا تفرق على الأيام والساعات لعدم الإِيلام، وللإِمام زيادة على الحدّ إن رآه فيبلغ الحد ثمانين وغيره أربعين كما فعله عمر -رضي الله عنه- ورآه عليّ -رضي الله عنه- قال: لأنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى، وحدّ الافتراء ثمانون. رواه الدارقطني فجعل سبب السبب سببًا وأجرى على الأول ما أجرى على الآخر، والزيادة على الحدّ تعازير لا حدّ وإلاّ لما جاز تركها. واعترض بأن وضع التعزير النقص عن الحد فكيف يساويه؟ وأجيب: بأن ذلك تعازير لأن ذلك لجنايات تولدت من الشارب. قال الرافعي: وليس شافيًا فإن الجناية لم تتحقق حتى يعزر والجنايات التي تتولد من الخمر لا تنحصر فلتجز الزيادة على الثمانين وقد منعوها قال: وفي قصة تبليغ الصحابة الضرب ثمانين ألفاظ مشعرة بأن الكل حد وعليه فحد الشارب مخصوص من بين سائر الحدود بأن يتحتم بعضه ويتعلق بعضه باجتهاد الإمام، ومذهب الحنفية والمالكية أن الثمانين حد وكذا عند الحنابلة على الصحيح عندهم، وقد اختلف النقل عن الصحابة في التحديد والتقدير في الحد، والذي تحصل من ذلك ستة. أحدها: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يجعل في ذلك حدًّا معلومًا بل كان يقتصر على ضرب الشارب على ما يليق به. الثاني: أنه أربعون بغير زيادة. الثالث: مثله لكن للإمام أن يبلغ به ثمانين وهل الزيادة من تمام الحد أو تعزير قولان: الرابع: أنه ثمانون بغير زيادة عليها. الخامس: كذلك وتجوز الزيادة تعزيرًا. السادس: إن شرب فجلد ثلاث مرات فعاد فى الرابعة وجب قتله، وقيل إن شرب أربعًا فعاد في الخامسة وجب قتله وهو قول شاذ. والحديث أخرجه مسلم في الحدود وكذا الترمذي وابن ماجة. 3 - باب مَنْ أَمَرَ بِضَرْبِ الْحَدِّ فِى الْبَيْتِ (باب من أمر بضرب الحد في البيت). 6774 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: جِىءَ بِالنُّعَيْمَانِ أَوْ بِابْنِ النُّعَيْمَانِ شَارِبًا فَأَمَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ كَانَ بِالْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوهُ قَالَ: فَضَرَبُوهُ فَكُنْتُ أَنَا فِيمَنْ ضَرَبَهُ بِالنِّعَالِ. وبه قال: (حدثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (عن أيوب) السختياني (عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بن عبيد الله واسم أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان (عن عقبة بن الحارث) بن عامر بن نوفل أبي سروعة القرشي المكي هو من أفراد البخاري أنه (قال: جيء بالنعيمان) بالتصغير (أو بابن النعيمان) بالشك من الراوي وجيء بالبناء للمجهول وسبق في الوكالة أن الذي جاء به هو عقبة بن الحارث -رضي الله عنه- كما رواه الإسماعيلي ولفظه جئت بالنعيمان (شاربًا) نصب على الحال أي شاربًا مسكرًا أي متصفًا بالسكر لأنه حين جيء به لم يكن شاربًا حقيقة بل كان سكران (فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من كان بالبيت) وفي نسخة من كان في البيت (أن يضربوه قال) عقبة: (فضربوه فكنت أنا فيمن ضربه بالنعال) بكسر النون. وفي الحديث جواز ضرب الحدّ في البيوت سرًّا خلافًا لمن منعه محتجًا بظاهر ما روي عن عمر في قصة ولده عبد الرَّحمن أبي شحمة لما شرب بمصر فحدّه عمرو بن العاص في البيت أن عمر -رضي الله عنه- أنكر عليه، وأحضر ولده أبا شحمة وضربه الحد جهرًا كما رواه ابن سعد، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن عمر مطوّلاً والجمهور على الاكتفاء وحملوا صنيع عمر على المبالغة في تأديب ولده لا أن إقامة الحد لا تصح إلا جهرًا. والحديث سبق في الوكالة. 4 - باب الضَّرْبِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ (باب الضرب بالجريد والنعال) في شرب الخمر. 6775 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِىَ بِنُعَيْمَانَ أَوْ بِابْنِ نُعَيْمَانَ وَهْوَ سَكْرَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ مَنْ فِى الْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوهُ، فَضَرَبُوهُ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَكُنْتُ فِيمَنْ ضَرَبَهُ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قاضي مكة قال:

(حدّثنا وهيب بن خالد) بضم الواو ابن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري (عن أيوب) السختياني (عن عبد الله بن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام وهو جده (عن عقبة بن الحارث) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتي بنعيمان) بضم النون (أو بابن نعيمان) بضم النون أيضًا بالشك هل الذي أتي به نعيمان أو ابنه ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بالنعيمان أو بابن النعيمان بزيادة ألف ولام فيهما (وهو سكران) بعدم الصرف (فشق) ذلك (عليه) زاده الله شرفًا لديه وعند النسائي فشق على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مشقة شديدة (وأمر من في البيت أن يضربوه) الحد (فضربوه بالجريد والنعال) قال عقبة (وكنت) بالواو ولأبي ذر فكنت (فيمن ضربه) وفيه أن الحد يحصل بالضرب بالجريد والنعال وكذا بالعصا المعتدلة وأطراف الثياب بعد فتلها حتى تشتد إذ القصد الإيلام وكذا بالسوط وتمسك به من قال: يجوز إقامة الحد على السكران في حال سكره، والجمهور على خلافه، وأولوا الحديث بأن المراد ذكر سبب الضرب لا أن ذلك الوصف استمر به في حال ضربه لأن المقصود بالضرب في الحد الإيلام ليحصل الردع به. وسبق في الباب الذي قبل هذا أن في كتاب الوكالة أن في رواية للإسماعيلي جئت بالنعيمان من غير شك، وكذا عند الزبير بن بكار وابن منده بغير شك أيضًا وهو النعيمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري شهد العقبة وبدرًا والمشاهد كلها، وكان كثير المزاح يضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مزاحه وهو صاحب سويبط بن حرملة فقال يومًا له: لأغيظنك فجاء إلى أناس جلبوا ظهرًا فقال: ابتاعوا منا غلامًا عربيًّا فارهًا وهو ذو لسان، ولعله يقول: أنا حرّ فإن كنتم تاركيه لذلك فدعوه لا تفسدوا عليّ غلامي فقالوا بل نبتاعه منك بعشر قلائص فأقبل بها يسوقها وأقبل بالقوم حتى عقلوه ثم قال: دونكم هذا هو فجاء القوم فقالوا قد اشتريناك فقال سويبط: هو كاذب أنا رجل حرّ فقالوا قد أخبرنا خبرك فطرحوا الحبل في رقبته وذهبوا به وجاء أبو بكر فأخبر به فذهب هو وأصحاب له فردوا القلائص وأخذوه، فلما عادوا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخبروه الخبر ضحك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه حولاً. وروي أنه جاء أعرابي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخل المسجد وأناخ ناقته بفنائه فقال بعض أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنعيمان لو نحرتها فأكلناها فإنا قد قرمنا إلى اللحم ويغرم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثمنها قال: فنحرها نعيمان ثم خرج الأعرابي فصاح به واعقرياه يا محمد، فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال "من فعل هذا": قالوا نعيمان فأتبعه يسأل عنه فوجدوه في دار ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب مستخفيًا فأشار إليه رجل ورفع صوته يقول: ما رأيته يا رسول الله وأشار بإصبعه حيث هو فأخرجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال له: "ما حملك على هذا"؟ قال: الذين دلوك عليّ يا رسول الله هم الدين أمروا فجعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمسح وجهه ويضحك وغرم ثمنها وكان يشرب الخمر فلما كثر ذلك منه قال له رجل من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعنك الله فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تفعل فإنه يحب الله ورسوله". 6776 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَلَدَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ. وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي البصري قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة السدوسي (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: جلد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر) -رضي الله عنه- (أربعين) ولا منافاة بين قوله ضرب وجلد لأن المراد من قوله جلد ضرب فأصاب جلده وليس المراد ضربه بالجلد. 6777 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أُتِىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ قَالَ: «اضْرِبُوهُ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه -: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ قَالَ: لاَ تَقُولُوا هَكَذَا لاَ تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ. [الحديث 6777 - طرفه في: 6781]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا أبو ضمرة أنس) أي ابن عياض (عن يزيد بن الهاد) هو يزيد من الزيادة ابن عبد الله بن أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد نسبه إلى جده الأعلى (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد التيمي (عن أبي سلمة)

بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: أُتي) بضم الهمزة (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برجل) يحتمل أن يكون هو النعيمان أو عبد الله الذي كان يلقب حمارًا والثاني أقرب (قد شرب) خمرًا (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اضربوه) أي يذكر عددًا فقيل لأنه لم يكن محدودًا بعدد مخصوص حينئذٍ (قال أبو هريرة رضي الله عنه فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه) أي بعد فتله للإيلام (فلما انصرف) من الضرب (قال بعض القوم) قيل إنه عمر -رضي الله عنه- (أخزاك الله قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا تقولوا هكذا) أي لا تدعوا عليه بالخزي وهو الذل والهوان (لا تعينوا عليه الشيطان) لأن الشيطان يريد بتزيينه له المعصية أن يحصل له الخزي فإذا دعوا عليه بالخزي فكأنهم قد حصلوا مقصود الشيطان وقال البيضاوي: لا تدعوا عليه بهذا الدعاء، فإن الله إذا أخزاه استحوذ عليه الشيطان أو لأنه إذا سمع منكم انهمك في المعاصي وحمله اللجاج والغضب على الإصرار فيصير الدعاء وصلة ومعونة في إغوائه وتسويله. والحديث أخرجه أبو داود في الحدود. 6778 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ سَمِعْتُ عُمَيْرَ بْنَ سَعِيدٍ النَّخَعِىَّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ - رضى الله عنه - قَالَ: مَا كُنْتُ لأُقِيمَ حَدًّا عَلَى أَحَدٍ، فَيَمُوتَ فَأَجِدَ فِى نَفْسِى إِلاَّ صَاحِبَ الْخَمْرِ، فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ وَذَلِكَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَسُنَّهُ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي بفتح المهملة والجيم ثم موحدة البصري قال: (حدّثنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سالم الهجيمي البصري قال: (حدّثنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا أبو حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي قال: (سمعت عمير بن سعيد) بضم العين وفتح الميم في الأول وكسر العين في الثاني (النخعي قال: سمعت علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-) أنه (قال: ما كنت لأقيم) اللام لتأكيد النفي (حدًّا على أحد فيموت فأجد في نفسي) أي فأحزن عليه والفعلان بالنصب كذا في الفرع ونص عليه في الفتح وقال الكرماني فيموت بالنصب فأجد بالرفع وقوله فيموت مسبب عن أقيم وأجد مسبب عن السبب والمسبب معًا والاستثناء في قوله (إلا صاحب الخمر) منقطع فصاحب يجب نصبه إلا عند تميم أي لكن أجد من حد صاحب الخمر إذا مات شيئًا، ويجوز أن يقدر ما أجد من موت أحد يقام عليه الحد شيئًا إلا من موت صاحب الخمر فيكون متصلاً قاله في شرح المشكاة وصاحب الخمر أي شارب الخمر (فإنه لو مات وديته) بتخفيف الدال المهملة أعطيت ديته لمن يستحقها. وعند النسائي وابن ماجة من رواية الشعبي عن عمير بن سعيد قال: سمعت عليًّا يقول: من أقمنا عليه حدًّا فمات فلا دية له إلا من ضربناه في الخمر. وقال في المصابيح: فإن قلت: لا شك أن الاستثناء المتقدم متصل وحكمه نقيض الحكم الثابت للمستثنى منه ضرورة أن الاستثناء من النفي إثبات وبالعكس وحكم المستثنى منه عدم الوجدان في النفس والثابت للمستثنى كونه يودى وليس نقيضًا للأول. وأجاب: بأنه يلزم من القيام بديته ثبوت الوجدان في النفس من أمره ولذلك يديه على تقدير موته فهو حينئذٍ جار على القاعدة والمعنى فإنه لو مات وجدت في نفسي منه فوديته فحذف السبب وأقام المسبب مقامه. (وذلك) إشارة إلى قوله ما كنت لأقيم الخ (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يسنه) أي لم يقدر فيه حدًّا مضبوطًا وقد اتفقوا على أن من وجب عليه حد فجلده الإمام أو جلاده الحد الشرعي فمات فلا دية فيه ولا كفارة على الإمام ولا على جلاده ولا في بيت المال إلا في حد الخمر فعن عليّ ما تقدم، وقال الشافعي: إن ضرب بغير السوط فلا ضمان وإن شرب بالسوط ضمن قبل الدّية وقيل قدر تفاوت ما بين الجلد بالسوط وبغيره والدية في ذلك على عاقلة الإمام، وكذلك لو مات فيما زاد على الأربعين. وقال الطيبي: ويحتمل أن يراد بقوله لم يسنه الحد الذي يؤدّي إلى التعزير كما في حديث أنس ومشاورة عمر عليًّا -رضي الله عنهما- قال: وتلخيص المعنى أنه إنما خاف من سنة سنها عمر وقوّاها برأي عليّ لا ما سنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. والحديث أخرجه مسلم في الحدود وكذا أبو داود وابن ماجة. 6779 - حَدَّثَنَا مَكِّىُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْجُعَيْدِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِمْرَةِ أَبِى بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ، فَنَقُومُ إِلَيْهِ بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا، حَتَّى كَانَ آخِرُ إِمْرَةِ عُمَرَ فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ حَتَّى إِذَا عَتَوْا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ. وبه قال:

5 - باب ما يكره من لعن شارب الخمر وإنه ليس بخارج من الملة

(حدّثنا مكي بن إبراهيم) البلخي (عن الجعيد) بضم الجيم وفتح العين المهملة ابن عبد الرَّحمن التابعي الصغير (عن يزيد بن خصيفة) بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة بعدها تحتية ساكنة ثم فاء الكوفي وهو يزيد بن عبد الله بن خصيفة (عن السائب) بالهمزة بعد الألف (ابن يزيد) من الزيادة الكندي -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا نؤتى) بضم النون وفتح الفوقية (بالشارب) الخمر (على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقد كان السائب صغيرًا جدًّا في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه كان ابن ست سنين فبعد أن يشارك من كان يجالس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما ذكر من ضرب الشارب فمراده بقوله كنا أي الصحابة -رضي الله عنهم- ويحتمل أن يحضر مع أبيه أو غيره فيشاركهم في ذلك فيكون الإسناد على حقيقته (وإمرة أبي بكر) بكسر الهمزة وسكون الميم أي خلافته رضي الله عنه (وصدرًا من خلافة عمر) -رضي الله عنه- أوائل خلافته (فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا) فنضربه بها (حتى كان آخر إمرة عمر) بنصب آخر لأبي ذر وبالرفع لغيره (فجلد أربعين حتى إذا عتوا) بفتح العين المهملة والفوقية تجبروا وانهمكوا في الطغيان وبالغوا في الفساد في شرب الخمر (وفسقوا) أي خرجوا عن الطاعة (جلد ثمانين) سوطًا زاد عبد الرَّزاق. وقال: هذا أدنى الحدود. واستشكل قوله: حتى كان آخر إمرة عمر الخ هذا بما في سنن أبي داود والنسائي من حديث عبد الرَّحمن بن أزهر في قصة الشارب الذي ضربه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحنين وفيه: فلما كان عمر كتب إليه خالد بن الوليد أن الناس قد انهكموا في الشرب وتحاقروا العقوبة قال: وعنده المهاجرون والأنصار فسألهم واجتمعوا على أن يضربه ثمانين فإنه يدل على أن أمر عمر بجلد ثمانين كان في وسط إمارته فإن خالدًا مات في وسط خلافة عمر وظاهر قوله حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين أن التحديد بها إنما وقع في آخر خلافة عمر وليس كذلك لما في قصة خالد المذكورة. وأجيب: بأن المراد بالغاية المذكورة استمرار الأربعين. 5 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ لَعْنِ شَارِبِ الْخَمْرِ وَإِنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنَ الْمِلَّةِ (باب ما يكره من لعن شارب الخمر) بسكون العين والكراهة للتنزيه عند قصد محض السب وللتحريم عند قصد معناه الأصلي وهو الإِبعاد من رحمة الله (وأنه) أي الشارب (ليس بخارج) بمعصيته بشربه (من الملة) الإسلامية فالنفي في حديث لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن السابق نفي للكمال. 6780 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِى اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلاَلٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ جَلَدَهُ فِى الشَّرَابِ فَأُتِىَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَلْعَنُوهُ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة ويحيى هو ابن عبد الله بن بكير المصري المخزومي قال: (حدثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدثني) بالإفراد أيضًا (خالد بن يزيد) البجلي (عن سعيد بن أبي هلال) بكسر العين الليثي المدني (عن زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم الحبشي مولى عمر بن الخطاب (عن عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (أن رجلاً كان على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي زمنه (كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارًا) باسم الحيوان المعروف (وكان يضحك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم التحتية وسكون الضاد المعجمة وكسر المهملة بأن يفعل أو يقول: في حضرته المقدسة ما يضحك منه، وعند أبي يعلى من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم بسند الباب أن رجلاً كان يلقب حمارًا وكان يهدي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العكة من السمن والعسل، فإذا جاء صاحبه يتقاضاه جاء به إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أعط هذا متاعه فما يزيد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أن يتبسم ويأمر به فيعطى وفي حديث عبد الله بن عمرو بن حزم وكان لا يدخل المدينة طرفة إلا اشترى منها ثم جاء فقال: يا رسول الله هذا أهديته لك فإذا جاء صاحبه يطلب ثمنه. فقال: اعط هذا الثمن فيقول ألم تهده لي فيقول ليس عندي فيضحك ويأمر لصاحبه بثمنه قال: وقد وقع نحو هذا لنعيمان فيما ذكره الزبير بن بكار في كتاب الفكاهة والمزاح. (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد جلده في الشراب) أي بسبب شربه الشراب المسكر (فأتي) بضم الهمزة (به يومًا) وقد شرب المسكر وكان في غزوة خيبر كما قاله

6 - باب السارق حين يسرق

الواقدي (فأمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (به فجلد) وللواقدي فأمر به فخفق بالنعال وحينئذٍ فيكون معنى فجلد أي ضرب ضربًا أصاب جلده (فقال) ولأبي ذر قال: (رجل من القوم) وعند الواقدي فقال عمر -رضي الله عنه-: (اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به) بضم التحتية وفتح الفوقية وما مصدرية أي ما أكثر إتيانه وللواقدي ما أكثر ما يضرب وفي رواية معمر ما أكثر ما يشرب وما أكثر ما يجلد (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تلعنوه فوالله ما علمت) أي الذي علمت (أنه) بفتح همزة أن واسمها الضمير وخبرها (يحب الله ورسوله) وأن مع اسمها وخبرها سد مسد مفعولي علمت لكونه مشتملاً على المنسوب والمنسوب إليه، والضمير في أنه يعود إلى الموصول والموصول مع صلته خبر مبتدأ محذوف تقديره هو الذي علمت والجملة جواب القسم، قاله المظهري. قال الطيبي: وفيه تعسف، وقال صاحب المطالع: ما موصولة وأنه بكسر الهمزة مبتدأ وقيل بفتحها وهو مفعول علمت. قال الطيبي: فعلى هذا علمت بمعنى عرفت وأنه خبر الموصول قال: وجعل ما نافية أظهر لاقتضاء القسم أن يتلقى بحرف النفي وبأن وباللام بخلاف الموصول ولأن الجملة القسمية جيء بها مؤكدة لمعنى النهي مقررة للإنكار، ولأبي ذر عن الكشميهني إلا أنه بزيادة إلا وفتح همزة أنه ولأبي ذر إنه بكسر الهمزة ورواية الكشميهني مؤيدة لقول الطيبي إن جعلت ما نافية الخ كما قال بعد ذلك، ويؤيده أنه وقع في شرح السنة فوالله ما علمت إلا أنه في رواية الواقدي فإنه يحب الله ورسوله ولا إشكال فيها لأنها جاءت تعليلاً لقوله لا تفعل. وفي الحديث الرد على من زعم أن مرتكب الكبيرة كافر لثبوت النهي عن لعنه وأنه لا تنافي بين ارتكاب النهي وثبوت محبة الله ورسوله في قلب المرتكب لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبر أن المذكور يحب الله ورسوله مع ما صدر منه وكراهة لعن شارب الخمر، وقيل المنع في حق من أقيم عليه الحد لأن الحد كفر عنه الذنب، وقيل المنع مطلقًا في حق ذي الزلة والجواز مطلقًا في حق المهاجرين، وصوّب ابن المنير أن المنع مطلقًا في حق المعين والجواز في حق غير المعين لأنه في حق غير المعين زجر عن تعاطي ذلك الفعل، واحتج الإمام البلقيني على جواز لعن المعين بالحديث الوارد في المرأة إذا دعاها زوجها إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح وتعقبه بعضهم بأن اللاعن لها الملائكة فيتوقف الاستدلال به على جواز التأسي بهم، ولئن سلمنا فليس في الحديث تسميتها. وأجيب: بأن الملك معصوم والتأسي بالمعصوم مشروع. والحديث من إفراده. 6781 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: أُتِىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ، فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ، وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَجُلٌ: مَا لَهُ أَخْزَاهُ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله بن جعفر) المديني قال: (حدّثنا أنس بن عياض) أبو ضمرة قال: (حدّثنا ابن الهاد) هو عبد الله بن شداد بن الهاد (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث التيمي (عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: أتي) بضم الهمزة (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسكران) تقدم أنه النعيمان أو ابن النعيمان بالتصغير فيهما وبالشك (فأمر بضربه) ولأبي ذر عن المستملي فقام ليضربه قال في الفتح: وهو تصحيف (فمنا من يضربه بيده ومنا من يضربه بنعله ومنا من يضربه بثوبه فلما انصرف قال رجل) قيل إنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ما له أخزاه الله) أي أذله (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم) المسلم لأن الله إذا أخزاه استحوذ عليه الشيطان، وقيل غير ذلك مما سبق قريبًا في باب الضرب بالجريد والنعال. وفي الحديث كلما قال القرطبي إن السكر بمجرده موجب للحدّ لأن الفاء للتعليل كقوله: سها فسجد ولم يفصل هل سكر من ماء عنب أو غيره ولا هل شرب قليلاً أو كثيرًا ففيه حجة للجمهور على الكوفيين في التفرقة. 6 - باب السَّارِقِ حِينَ يَسْرِقُ (باب السارق حين يسرق) بكسر الراء. 6782 - حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَزْنِى الزَّانِى حِينَ يَزْنِى وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ». [الحديث 6782 - طرفه في: 6809]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (عمرو بن علي) بفتح العين أي ابن بحر الصيرفي قال: (حدّثنا عبد الله بن داود) بن عامر الكوفي قال: (حدّثنا فضيل بن غزوان) بضم الفاء وفتح المعجمة مصغرًا وغزوان بفتح العين المعجمة

7 - باب لعن السارق إذا لم يسم

وسكون الزاي الكوفي (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يزني الزانمي حين يزني وهو مؤمن) إيمانًا كاملاً أو يحمل على المستحل منع العلم بالحرمة في الشرع (ولا يسرق حين يسرق) في يسرق ضمير مستتر مرفوع راجع إلى السارق الدال عليه قوله يسرق بالالتزام لأن يسرق يستلزم سارقًا وحسن ذلك تقدم نظيره وهو لا يزني الزاني وليس يرجع إلى الزاني لفساد المعنى ولأبي ذر ولا يسرق السارق حين يسرق (وهو مؤمن) وسبق في كتاب المظالم عن الفربري أنه قال وجدت بخط أبي جعفر يعني وراق البخاري قال أبو عبد الله البخاري: تفسيره أن ينزع منه يريد نور الإيمان اهـ. والإيمان هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان ونوره الأعمال الصالحة واجتناب المناهي فإذا زنى أو شرب الخمر أو سرق ذهب نوره وبقي في الظلمة فإن تاب رجع إلى الله. والحدي مرّ في المظالم والحدود وغيرهما. 7 - باب لَعْنِ السَّارِقِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ (باب) حكم (لعين السارق إذا لم يسم) أي لم يعين. 6783 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» قَالَ الأَعْمَشُ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ بَيْضُ الْحَدِيدِ وَالْحَبْلُ، كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْهَا مَا يَسْوَى دَرَاهِمَ. [الحديث 6783 - طرفه في: 6799]. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: (حدثني) بالإفراد (أبي) حفص النخعي الكوفي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: سمعت أبا صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده) فيه جواز لعن غير المعين من العصاة لأنه لعن الجنس مطلقًا ويحتمل أن يكون خبرًا ليرتدع من سمعه عن السرقة ويحتمل أن لا يراد به حقيقة اللعن بل التنفير فقط وقال في شرح المشكاة: لعل المراد باللعن هنا الإهانة والخذلان كأنه قيل لما استعمل أعز شيء عنده في أحقر شيء خذله الله حتى قطع (ويسرق الحبل) بالحاء المهملة المفتوحة والموحدة الساكنة (فتقطع يده). (قال الأعمش) بالسند السابق (كانوا) أي الراوون لهذا الحديث (يرون) بفتح التحتية من الرأي ولأبي ذر بضمها من الظن (أنه بيض الحديد) ولأبي ذر عن الكشميهني بيضة الحديد أي التي تكون على رأس المقاتل (والحبل كانوا يرون) بفتح أوله وضمه ما مر (أنه) أي الحبل المذكور (منها) أي من الحبال (ما يسوى) بفتح التحتية والواو بينهما سين مهملة ساكنة ولأبي ذر ما يساوي بضم ففتح فألف فكسر (دراهم). قال في الكواكب: أي ثلاثة كأنه نظر إلى أن أقل الجمع ثلاثة وتعقب الأعمش ابن قتيبة فقال قوله في هذا الحديث أن البيضة بيضة الحديد التي تجعل في الرأس في الحرب، وإن الحبل من حبال السفن تأويل لا يجوز عند من يعرف صحيح كلام العرب لأن كل واحد من هذين يبلغ دنانير كثيرة، وهذا ليس موضع تكثير لما يسرقه السارق ولا من عادة العرب والعجم أن يقولوا قبح الله فلانًا عرض نفسه للضرب في عقد جوهر وتعرض للعقوبة بالغلول في جراب مسك وإنما العادة في مثل هذا أن يقال لعنه الله تعرض لقطع اليد في حبل رث أو في كبة شعر أو رداء خلق وكل ما كان نحو ذلك كان أبلغ اهـ. وتبعه الخطابي وعبارته تأويل الأعمش هذا غير مطابق للحديث ومخرج الكلام وإنما وجه الحديث وتأويله ذم السرقة وتهجين أمرها وتحذير سوء عاقبتها فيما قل وكثر من المال يقول إن سرقة الشيء اليسير الذي لا قيمة له كالبيضة المذرة والحبل الخلق الذي لا قيمة له إذا تعاطاها فاستمرت به العادة لم ينشب أن يؤديه ذلك إلى سرقة ما فوقهما حتى يبلغ قدر ما تقطع فيه اليد فتقطع يده يقول فليحذر هذا الفعل وليتوقه قبل أن تملكه العادة ويتمرن عليها ليسلم من عاقبته اهـ. لكن أخرج ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي أنه قطع يد سارق في بيضة حديد ثمنها ربع دينار قال في الفتح: رجاله ثقات مع انقطاعه ولعل هذا مستند التأويل الذي أشار إليه الأعمش: وقال الكرماني: غرض الأعمش أنه لا قطع في الشيء القليل بل النصاب كربع دينار. والحديث أخرجه مسلم في الحدود والنسائي في

8 - باب الحدود كفارة

القطع وابن ماجة في الحدود. 8 - باب الْحُدُودُ كَفَّارَةٌ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (الحدود كفارة). 6784 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضى الله عنه - قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى مَجْلِسٍ فَقَالَ: «بَايِعُونِى عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا وَلاَ تَزْنُوا». وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ كُلَّهَا. «فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فَهْوَ كَفَّارَتُهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) غير منسوب وجزم أبو نعيم في المستخرج أنه الفريابي أو هو البيكندي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي إدريس) عائذ الله بالذال المعجمة (الخولاني) بالخاء المعجمة (عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مجلس فقال): (بايعوني) بكسر التحتية أي عاقدوني (على) التوحيد (أن لا تشركوا بالله شيئًا و) على أن (لا تسرقوا) حذف المفعول ليدل على العموم (ولا تزنوا وقرأ هذه الآية كلها) وهي قوله تعالى في سورة الممتحنة: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} [الممتحنة: 12] الآية (فيمن وفي منكم) بتخفيف الفاء (فأجره على الله) فضلاً (ومن أصاب من ذلك شيئًا) غير الشرك (فعوقب به) أي بسببه (فهو) أي العقاب (كفارته) فلا يعاقب عليه في الآخرة زاد الترمذي من حديث علي وصححه: فالله أكرم من أن يثني العقوبة على عبده في الآخرة واستشكل بحديث أبي هريرة عند البزار وصححه الحاكم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لا أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا وأجيب بأن حديث الباب أصح إسنادًا، وبأن الحاكم لا يخفى تساهله في التصحيح وسبق في كتاب الإيمان مزيد بحث لذلك فليراجع (ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله عليه إن شاء غفر له) بفضله (وإن شاء عذبه) بعدله. والحديث سبق في الإِيمان ما مرّ. 9 - باب ظَهْرُ الْمُؤْمِنِ حِمًى، إِلاَّ فِى حَدٍّ أَوْ حَقٍّ هذا (باب) بالتنوين (ظهر المؤمن حمى) أي محمي محفوظ عن الإيذاء (إلا في حدّ) وجب عليه (أو حق) لآدمي. 6785 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ أَبِى قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «أَلاَ أَىُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً»؟ قَالُوا: أَلاَ شَهْرُنَا هَذَا؟ قَالَ: «أَلاَ أَىُّ بَلَدٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً»؟ قَالُوا: أَلاَ بَلَدُنَا هَذَا؟ قَالَ: «أَلاَ أَىُّ يَوْمٍ تَعْلَمُونَهُ أَعْظَمُ حُرْمَةً»؟ قَالُوا: أَلاَ يَوْمُنَا هَذَا؟ قَالَ: «فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ حَرَّمَ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِى بَلَدِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ»؟ ثَلاَثًا كُلُّ ذَلِكَ يُجِيبُونَهُ أَلاَ نَعَمْ. قَالَ: «وَيْحَكُمْ -أَوْ وَيْلَكُمْ- لاَ تَرْجِعُنَّ بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (محمد بن عبد الله) قال الحاكم: هو الذهلي فيكون نسبه لجدّه واسم أبيه يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس أو هو محمد بن عبد الله بن أبي الثلج بالمثلثة والجيم قال: (حدّثنا عاصم بن علي) الواسطي قال: (حدّثنا عاصم بن محمد عن) أخيه (واقد بن محمد) بالقاف أنه قال: (سمعت أبي) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (قال عبد الله) بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع) بمنى في خطبته التي خطبها يوم النحر: (ألا) بالتخفيف للتنبيه (أيّ شهر تعلمونه أعظم حرمة)؟ برفع أي (قالوا: ألا) بالتخفيف (شهرنا هذا) الحجة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ألا أي بلد تعلمونه أعظم حرمة قالوا: ألا بلدنا هذا) البلد الحرام (قال: ألا أي يوم تعلمونه أعظم حرمة؟ قالوا: ألا يومنا هذا). يوم النحر في الكواكب: فإن قلت: صح إن أفضل الأيام يوم عرفة. وأجاب بأن المراد باليوم وقت أداء المناسك وهما في حكم شيء واحد (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فإن الله تبارك وتعالى) سقط لأبي ذر ما بعد الجلالة الشريفة (قد حرم دماءكم) ولأبي ذر قد حرم عليكم ودماءكم (وأموالكم وأعراضكم) بفتح الهمزة (ألا بحقها كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا) بالتخفيف (هل بلغت) قال ذلك (ثلاثًا كل ذلك يجيبونه) أي الصحابة (ألا نعم) بلغت (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ويحكم) بالحاء المهملة كلمة رحمة (أو) قال (ويلكم) كلمة عذاب (لا ترجعن) بضم العين وبالنون الثقيلة خطاب للجماعة ولمسلم لا ترجعوا (بعدي) بعد موقفي هذا أو بعد وفاتي (كفارًا) أي لا يكفر بعضكم بعضًا فتستحلوا القتال أو لا تكن أفعالكم أفعال الكفار (يضرب بعضكم رقاب بعض) برفع يضرب جملة مستأنفة مبنية لقوله: لا ترجعوا بعدي كفارًا. والحديث سبق في الحج في باب الخطبة أيام منى والله أعلم. 10 - باب إِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالاِنْتِقَامِ لِحُرُمَاتِ اللَّهِ (باب) وجوب (إقامة الحدود و) وجوب (الانتقام لحرمات الله). 6786 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَا خُيِّرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَأْثَمْ، فَإِذَا كَانَ الإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ، وَاللَّهِ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِى شَىْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ، حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو ابن عبد الله بن بكير المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: ما خير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الخاء

11 - باب إقامة الحدود على الشريف والوضيع

المعجمة وتشديد التحتية المكسورة (بين أمرين) من أمور الدنيا (إلاّ اختار أيسرهما ما لم يكن إثم) ولغير الكشميهني ما لم يأثم. قال الكرماني فإن قلت: كيف يخير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أمرين أحدهما إثم؟ وأجاب: بأن التخيير إن كان من الكفار فظاهر وإن كان من الله والمسلمين فمعناه ما لم يؤد إلى إثم كالتخيير في المجاهدة في العبادة والاقتصاد فيها فإن المجاهدة بحيث تجر إلى الهلاك لا تجوز اهـ. ونحوه أجاب به ابن بطال والأقرب كما قال في الفتح إن فاعل التخيير الآدمي وهو ظاهر وأمثلته كثيرة ولا سيما إذ صدر من كافر. (فإذا كان الإثم كان أبعدهما) أي أبعد الأمرين (منه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (والله ما انتقم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لنفسه في شي له يؤتى إليه قط) بضم التحتية وفتح الفوقية (حتى تنتهك) بضم الفوقية الأولى وفتح الثانية بينهما نون ساكنة (حرمات الله) بارتكاب معاصيه (فينتقم لله) بالرفع أي فهو ينتقم، ولأبي ذر فينتقم بالنصب عطفًا على تنتهك. والحديث سبق في باب صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 11 - باب إِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ (باب) وجوب (إقامة الحدود على الشريف والوضيع). 6787 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُسَامَةَ كَلَّمَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى امْرَأَةٍ فَقَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا يُقِيمُونَ الْحَدَّ عَلَى الْوَضِيعِ، وَيَتْرُكُونَ الشَّرِيفَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ فَاطِمَةُ فَعَلَتْ ذَلِكَ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن أسامة) بن زيد (كلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) للشفاعة (في امرأة) اسمها فاطمة المخزومية وكانت سرقت حليًّا فقالوا من يكلم فيها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى لا تقطع يدها لم يجسر أحد أن يكلمه في ذلك فكلمه أسامة بن زيد (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنما هلك من كان قبلكم إنهم) أي لأنهم (كانوا يقيمون الحد على الوضيع ويتركون الشريف) فلا يقيمون عليه الحد، ولأبي ذر عن الكشميهني ويتركون على الشريف أي يتركون إقامة الحد على الشريف (والذي نفسي بيده لو) فعلت (فاطمة) -رضي الله عنها- بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لو أن فاطمة (فعلت ذلك لقطعت يدها). والحديث سبق في بني إسرائيل والمناقب وأخرجه أصحاب السنن الأربعة ومسلم. 12 - باب كَرَاهِيَةِ الشَّفَاعَةِ فِى الْحَدِّ إِذَا رُفِعَ إِلَى السُّلْطَانِ (باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان). 6788 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِى سَرَقَتْ فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَتَشْفَعُ فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ»؟ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن سليمان) بفتح السين في الأول وضمها في الثاني البزاز بزايين أولاهما مشددة البغدادي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن قريشًا) أي من أدرك ذلك منهم بمكة عام الفتح والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقيم بمكة مما في مسلم وقريشًا بالتنوين مصروفًا على إرادة الحي ولو أريد القبيلة منع (أهمتهم المرأة) فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وهي بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد الصحابي الجليل الذي كان زوج أم سلمة أم المؤمنين قتل أبوها كافرًا يوم بدر قتله حمزة ووهم من زعم أن له صحبة (المخزومية) نسبة إلى مخزوم بن يقظة بفتح التحتية والقاف بعدها ظاء معجمة مشالة ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ومخزوم أخو كلاب بن مرة الذي ينسب إليه بنو عبد مناف (التي سرقت) وفي ابن ماجة: أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعند ابن سعد من مرسل حبيب بن أبي ثابت أنها سرقت حليًّا وجمع بينهما بأن الحلي كان في القطيفة، وفي مسلم أنها كانت تستعير المتاع وتجحده لكن القطع بالسرقة لا بجحد المتاع خلافًا للإمام أحمد والجمهور على أن جحد المتاع ذكر للتعريف جميعًا للروايات أو رواية الجحد شاذة لا يعمل بها لمخالفتها الباقي، ولذا لم يذكرها البخاري وإنما انفرد بها مسلم ومعنى أهمتهم أي صيرتهم ذوي هم خوفًا من لحوق العار وافتضاحهم بها بين القبائل وظنوا إمكان الشفاعة في مثل ذلك فلما جاء أهلها إلى من يشفع لهم فيها عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (فقالوا: من يكلم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي يشفع أن لا تقطع إما عفوًا وإما بفداء (ومن

يجترئ) بالجيم والهمزة أي من يتجاسر (عليه) بطريق الإدلال (إلا أسامة) ولأبي ذر إلا أسامة بن زيد وأسامة بالرفع على الفاعلية فيحتاج إلى ضمير من جملة يجترئ يعود على من لأن من مبتدأ والخبر الجملة فلا بدّ من ضمير يعود على المبتدأ وهو الضمير المجرور والتقدير وأي شخص يجترئ كما يجترئ أسامة عليه، والمعنى لا يجترئ عليه منا أحد لمهابته ولما لا تأخذه في دين الله رأفة وما يجترئ عليه إلا أسامة وعليه يتعلق بيجترئ ونظير هذا التركيب هنا قوله تعالى {ومن يغفر الذنوب إلا الله} [آل عمران: 135] قال أبو البقاء: من مبتدأ ويغفر خبره وإلاّ الله فاعل يغفر أو بدل من المضمر فيه وهو الوجه لأنك إذا جعلت الله فاعلاً احتجت إلى تقدير ضمير أي ومن يغفر الذنوب غير الله، لكن قال في الدر: جعله الجلالة فاعلاً يقرب من الغلط فإن الاستفهام هنا لا يراد به حقيقته إنما يراد به النفي، والوجه أن الجلالة بدل من الضمير ويصح أن يكون أسامة مرفوعًا على أنه بدل من فاعل يجترئ وهو وجه الإعراب كما قال أبو البقاء، ويجوز النصب على الاستثناء ووقع في حديث مسعود بن الأسود فجئنا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلنا نحن نفديها بأربعين أوقية فقال تطهر خير لها فلما سمعنا لين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتينا أسامة، وفي رواية يونس السابقة في الفتح ففزع قومها إلى أسامة، وفي رواية أيوب بن موسى في الشهادات فلم يجترئ أحد أن يكلمه إلا أسامة (حب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر الحاء المهملة أي محبوبه ويجري عليه إعراب أسامة إن كان مرفوعًا فنعته مرفوع وإن كان منصوبًا فنعته منصوب ويجوز البدل (فكلم) أسامة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (أتشفع) بهمزة الاستفهام وفيها معنى الإنكار والجملة معمولة للقول، وفي رواية يونس فكلمه فتلوّن وجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال أتشفع (في) ترك (حدّ من حدود الله ثم قام) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فخطب فقال: يا أيها الناس إنما ضلّ من قبلكم) وفي رواية أبي الوليد هلك وفي رواية سفيان عند النسائي إنما هلك بنو إسرائيل ولأبي ذر عن الكشميهني من كان قبلكم (إنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه) فلا يحدونه (وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد) قال ابن دقيق العيد الظاهر أن هذا الحصر ليس عامًّا فإنّ بني إسرائيل كانت فيهم أمور كثيرة تقتضي الإهلاك، فيحمل ذلك على حصر مخصوص وهو الإهلاك بسبب المحاباة في الحدود فلا ينحصر في حد السرقة (وأيم الله) مرفوع بالابتداء وخبره محذوف أي قسمي أو يميني أو لازم لي (لو أن فاطمة) -رضي الله عنها- (بنت محمد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سرقت لقطع محمد يدها). وعند ابن ماجة عن محمد بن رمح شيخه في هذا الحديث سمعت الليث يقول: عقب هذا الحديث قد أعاذها الله من أن تسرق، وكل مسلم ينبغي له أن يقول مثل هذا فينبغي أن لا يذكر هذا الحديث في الاستدلال ونحوه إلا بهذه الزيادة، ووقع للشافعي رحمة الله عليه أنه لما ذكر هذا الحديث قال: فذكر عضوًا شريفًا من امرأة شريفة فاستحسنوا ذلك منه لما فيه من الأدب البالغ، وفي قوله لقطع محمد يدها التجريد، وإنما خص -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاطمة بالذكر لأنها أعز أهله عنده فأراد المبالغة في تثبيت إقامة الحدّ على كل مكلف وترك المحاباة في ذلك ولأن اسم السارقة وافق اسمها -رضي الله عنها- فناسب أن يضرب المثل بها. وزاد في رواية يونس السابقة في غزوة الفتح ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها. وفي حديث ابن عمر عند النسائي: قم يا بلال فخذ بيدها فاقطعها وزاد أبو داود في تعليقه عن محمد بن عبد الرَّحمن فشهد عليها وزاد يونس أيضًا. قالت عائشة: فحسنت توبتها بعد وتزوجت، وفي الحديث منع الشفاعة في الحدود وهو مقيد في الترجمة بما إذا رفع إلى السلطان، وفي مرسل حبيب بن أبي ثابت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأسامة لما شفع: "أتشفع في حدّ فإن الحدود إذا انتهت فليس لها مترك". وعند الدارقطني من حديث الزبير مرفوعًا اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي

13 - باب

فإذا وصل إلى الوالي فعفا فلا عفا الله عنه قال ابن عبد البر: لا أعلم خلافًا أن الشفاعة في ذوي الذنوب حسنة جميلة ما لم تبلغ السلطان وإن على السلطان إذا بلغته أن يقيمها. 13 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وَفِى كَمْ يُقْطَعُ؟ وَقَطَعَ عَلِىٌّ مِنَ الْكَفِّ وَقَالَ قَتَادَةُ فِى امْرَأَةٍ سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ شِمَالُهَا: لَيْسَ إِلاَّ ذَلِكَ. (باب قول الله تعالى {والسارق والسارقة}) ارتفعا بالابتداء والخبر محذوف تقديره فيما يتلى عليكم السارق والسارقة أو الخبر ({فاقطعوا أيديهما}) [المائدة: 38] أي يديهما. والمراد اليمينان بدليل قراءة عبد الله والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم رواه الترمذي ودخول الفاء لتضمنهما معنى الشرط لأن المعنى، والذي سرق والذي سرقت فاقطعوا أيديهما والاسم الموصول تضمن معنى الشرط وبدأ بالرجل لأن السرقة من الجراءة وهي في الرجال أكثر وقدمت الزانية على الزاني لأن داعية الزنا في الإناث أكثر، ولأن الأنثى سبب في وقوع الزنا إذ لا يتأتى غالبًا إلا بطواعيتها وأتى بصيغة الجمع ثم التثنية إشارة إلى أن المراد جنس السارق فلوحظ فيه المعنى فجمع والتثنية بالنظر إلى الجنسين المتلفظ بهما. وقال القرطبي أبو عبد الله: أوّل من حكم بقطع السارق في الجاهلية الوليد بن المغيرة وأمر الله تعالى بقطعه في الإسلام فكان أوّل سارق قطعه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الإسلام من الرجال الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، ومن النساء مرة بنت سفيان بن عبد الأسد من بني مخزوم، وقطع أبو بكر يد الفتى الذي سرق العقد وقطع عمر يد ابن سمرة أخي عبد الرَّحمن بن سمرة والسرقة بفتح السين وكسر الراء ويجوز إسكانها مع فتح السين وكسرها، والأصل في القطع بها قبل الإجماع الآية السابقة، وأركان السرقة الموجبة للقطع سرقة وسارق ومسروق فأما السرقة فهي أخذ مال خفية ليس للآخذ أخذه من حرز مثله فلا يقطع مختلس ومنتهب وجاحد لنحو وديعة وعند الترمذي مما صححه ليس على المختلس والمنتهب والخائن قطع وأما السارق فشرطه أن يكون ملتزمًا للأحكام عالمًا بالتحريم مختارًا بغير إذن وأصالة فلا يقطع حربي ولو معاهدًا ولا صبي ومجنون ومكره ومأذون له وأصيل وجاهل بالتحريم قرب عهده بالإسلام أو بعد عن العلماء ويقطع مسلم وذمي بمال مسلم وذمي. (و) أما المسروق فاختلف (في كم يقطع) فعند الشافعية في ربع دينار خالص أو قيمته، وعند المالكية يقطع بسرقة طفل من حرز مثله بأن يكون في دار أهله أو بربع دينار ذهبًا فصاعدًا أو ثلاثة دراهم فضة فأكثر فإن نقص فلا قطع وعند الحنفية عشر دراهم أو ما قيمته عشرة دراهم مضروبة. وقال الحنابلة يقطع بجحد عارية وسرقة ملح وتراب وأحجار ولبن وكلا وسرجين طاهر وثلج وصيد لا بسرقة ماء وسرجين نجس ويقطع طرار وهو الذي يبط الجيب وغيره ويأخذ منه أو بعد سقوطه نصابًا وبسرقة مجنون ونائم وأعجمي لا يميز ولو كان كبيرًا. (وقطع عليّ) -رضي الله عنه- (من الكف) وفي الفتح أن في نسخة من البخاري وقطع عليّ الكف بإسقاط حرف الجرّ وعند الدارقطني موصولاً أن عليًّا قطع من المفصل، وذكر الشافعي رحمه الله في كتاب الاختلاف أن عليًّا كان يقطع من يد السارق الخنصر والبنصر والوسطى خاصة ويقول: أستحيي من الله أن أتركه بلا عمل، وعند الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر بقطع السارق الذي سرق رداء صفوان من المفصل أي مفصل الكوع قال ابن الرفعة: وادعى الماوردي أنه فعل مجمع عليه والمعنى فيه أن البطش بالكف وما زاد من الذراع تابع ولذا يجب في الكف دية اليد وفيما زاد حكومة. (وقال قتادة) فيما وصله الإمام أحمد في تاريخه كما قاله مغلطاي في شرحه: (في امرأة سرقت فقطعت شمالها ليس إلا ذلك) فلا يقطع بعد ذلك يمينها والجمهور على أن أوّل شيء يقطع من السارق اليد اليمنى لقراءة ابن مسعود شاذة فاقطعوا أيمانهما والقراءة الشاذة كخبر الواحد في الاحتجاج بها فالقول بإجزاء لشمال مطلقًا شاذ كما هو ظاهر ما نقل هنا عن قتادة، وفي الموطأ إن كان عمدًا أوجب القصاص على القاطع ووجب قطع اليمنى

وإن كان خطأ وجبت الدّية وتجزئ عن السارق، وكذا قال أبو حنيفة: وعن الشافعية لو قال: مستحق يمين للجاني فقطعها المستحق فمهدرة سواء علم القاطع أنها اليسار أم لا أو قصد جعلها عنها ظانًّا إجزاءها أو أخرجها دهشًا وظناها اليمين أو ظن القاطع الأجزاء فدية لليسار لأنه لم يبذلها مجانًا فلا قود لها لتسليط مخرجها بجعلها عوضًا في الأولى وللدهشة القريبة في مثل ذلك في الثانية بقسميها، ويبقى قود اليمين في المسائل الثلاث لأنه لم يستوفه ولا عفا عنه لكنه يؤخر حتى تندمل يساره إلا في ظن القاطع الأجزاء عنها فلا قود لها بل يجب لها دية وهذا كله في القصاص، فلو كان إخراج اليسار وقطعها في حد السرقة أجزأت عن اليمين إذا فعل المقطوع ذلك لدهشة أو لظن إجزائها عن اليمين، فلو قصد بإخراجها إباحتها لم تقع حدًّا. كذا استدركه القاضي حسين على الأصحاب وحمل إطلاقهم عليه وتبعه عليه في الوجيز والحاوي وإطلاق الأصحاب يقتضي وقوعه حدًّا مطلقًا لأن القصد منه التنكيل، وقد حصل بخلاف القصاص فإن مبناه على المماثلة. 6789 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تُقْطَعُ الْيَدُ فِى رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا». تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ وَابْنُ أَخِى الزُّهْرِىِّ وَمَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ. [الحديث 6789 - طرفاه في: 6790، 6791]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن ابن شهاب) الزهري (عن عمرة) بنت عبد الرَّحمن الأنصارية (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (تقطع اليد) السارقة (في) سرقة (ربع دينار) ذهبًا (فصاعدًا) نصب على الحال المؤكدة. والحديث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة في الحدود والنسائي في القطع. (تابعه) ولأبي ذر وتابعه أي تابع إبراهيم بن سعد (عبد الرَّحمن بن خالد) الفهمي المصري مما وصله الذهلي في الزهريات (وابن أخي الزهري) محمد بن عبد الله بن مسلم مما وصله أبو عوانة في صحيحه من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه (ومعمر) بفتح الميمين ابن راشد مما وصله الإمام أحمد عن عبد الرزاق عنه الثلاثة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب. 6790 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى أُوَيْسٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِى رُبُعِ دِينَارٍ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس) واسم أبي أويس عبد الله بن عبد الله الأصبحي ابن أخت الإمام مالك بن أنس وصهره على ابنته (عن ابن وهب) عبد الله المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (وعمرة) بنت عبد الرَّحمن كلاهما (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال: تقطع يد السارق في ربع دينار) وهذا مما يحتج به للشافعية في التحديد بربع الدينار. 6791 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَنْصَارِىِّ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَتْهُ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - حَدَّثَتْهُمْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يُقْطَعُ فِى رُبُعِ دِينَارٍ». وبه قال: (حدّثنا عمران بن ميسرة) ضد الميمنة البصري يقال له صاحب الأديم قال: (حدّثنا بعد الوارث) بن سعيد البصري قال: (حدّثنا الحسين) بن ذكوان المعلم البصري (عن يحيى) ولأبي ذر عن يحيى بن أبي كثير بالمثلثة (عن محمد بن عبد الرَّحمن الأنصاري عن عمرة بنت عبد الرَّحمن) أنها (حدثته أن عائشة -رضي الله عنها- حدثتهم عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يقطع) بالتحتية ولأبي ذر تقطع اليد بالفوقية وبزيادة اليد (في ربع دينار). كذا رواه مختصرًا. وأخرجه أبو داود عن أحمد بن صالح عن ابن وهب بلفظ القطع في ربع دينار فصاعدًا والنسائي من طريق عبد الله بن المبارك عن يونس بلفظ يد السارق في ربع دينار فصاعدًا، وأخرجه الطحاوي من رواية جماعة عن عمرة موقوفًا على عائشة قال ابن عيينة: ورواية يحيى مشعرة بالرفع ورواية الزهري صريحة فيه وهو أحفظهم، وكأن البخاري أراد الاستظهار لرواية الزهري عن عمرة بموافقة محمد بن عبد الرَّحمن الأنصاري عنها لما وقع في رواية ابن عيينة عن الزهري من الاختلاف في لفظ المتن هل هو من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو من فعله؟ وفي رواية يحيى بن يحيى وجماعة عن ابن عيينة كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقطع

السارق في ربع دينار فصاعدًا. ورواه الشافعي والحميدي وجماعة عن ابن عيينة بلفظ قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "تقطع اليد" الحديث قاله في الفتح. 6792 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخْبَرَتْنِى عَائِشَةُ أَنَّ يَدَ السَّارِقِ لَمْ تُقْطَعْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ فِى ثَمَنِ مِجَنٍّ حَجَفَةٍ أَوْ تُرْسٍ. وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم العبسي الكوفي أخو أبو بكر بن أبي شيبة قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان (عن هشام) ولأبي ذر زيادة ابن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير أنه (قال: أخبرتني) بتاء التأنيث والإفراد (عائشة) -رضي الله عنها- (أن يد السارق لم تقطع على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا في ثمن مجن) بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون مفعول من الاجتنان وهو الاستتار والاختفاء مما يحاذره المستتر وكسرت ميمه لأنه آلة في ذلك قال عمر بن أبي ربيعة: فكان مجني دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر وفيه شاهد على حذف الهاء في ثلاثة لأنه عدد شخوص فحمله على المعنى لأنه أراد بالشخوص المرأة فأنث العدد لذلك وصف أنه استتر بثلاث نسوة عن أعين الرقباء واستظهر في محل التخلص منهم بهن والكاعب التي نهد ثديها والمعصر الداخلة في عصر شبابها (حجفة) بحاء مهملة فجيم ففاء مفتوحات عطف بيان للمجن وهي الدرقة وتكون من خشب أو من عظم وتغلف بالجلد (أو ترس) بضم الفوقية وسكون الراء بعدها مهملة هو كالحجفة إلا أنه يطابق فيه بين جلدين والشك من الراوي والغالب أن ثمنه لا ينقص عن ربع دينار. والحديث أخرجه مسلم في الحدود. 0000 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ. [الحديث 6792 - طرفاه في: 6793، 6794]. وبه قال: (حدّثنا عثمان) هو ابن أبي شيبة قال: (حدّثنا حميد بن عبد الرَّحمن) بن حميد الرؤاسي قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (مثله) أي مثل الحديث السابق عن عثمان. 6793 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمْ تَكُنْ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِى أَدْنَى مِنْ حَجَفَةٍ، أَوْ تُرْسٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذُو ثَمَنٍ. رَوَاهُ وَكِيعٌ وَابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلاً. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: لم تكن تقطع يد السارق في أدنى) أي في أقل (من) سرقة (حجفة أو ترس) بالشك (كل واحد منهما) من الحجفة والترس (ذو ثمن) رفع خبر المبتدأ الذي هو كل واحد والتنوين في ثمن للتنكير أي ثمن يرغب فيه احترازًا عن الشيء التافه وليس المراد ترسًا بعينه ولا حجفة بعينها، وإنما المراد الجنس والقطع كان يقع في كل شيء يبلغ قدر ثمن المجن سواء كان ثمن المجن كثيرًا أو قليلاً والاعتماد إنما هو على الأقل فيكون نصابًا فلا تقطع فيما دونه. (رواه) أي الحديث المذكور (وكيع) هو ابن الجراح الكوفي فيما رواه ابن أبي شيبة (وابن إريس) عبد الله الأودي الكوفي فيما وصله الدارقطني والبيهقي كلاهما (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (مرسلاً) ولفظ الأول عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان السارق في عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقطع في ثمن المجن وكان المجن يومئذٍ له ثمن ولم يكن يقطع في الشيء التافه، والثاني مثل سياق أبي سلمة الآتي بعد. 6794 - حَدَّثَنِى يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَخْبَرَنَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: لَمْ تُقْطَعْ يَدُ سَارِقٍ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى أَدْنَى مِنْ ثَمَنِ الْمِجَنِّ تُرْسٍ أَوْ حَجَفَةٍ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَا ثَمَنٍ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي سكن بغداد قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (قال هشام بن عروة: أخبرنا) أي قال: أخبرنا هشام بن عروة (عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: لم تقطع يد سارق على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أدنى) أقل (من ثمن المجن ترس) بيان (أو حجفة) بتقديم الحاء المهملة على الجيم والفتح فيهما وتاليهما (وكان كل واحد منهما ذا ثمن) بنصب ذا فيما وقفت عليه من الأصول المعتمدة وهي مصلحة في الفرع على كشط، وقال في فتح الباري: أنه كذا ثبت في الأصول قال: وأفاد الكرماني أنه وقع في بعض النسخ وكان كل واحد منهما ذو ثمن بالرفع وخرجه على تقدير ضمير الشأن في كان اهـ. قلت: وظن العيني أن قول الحافظ ابن حجر ذلك في رواية عبدة عن هشام فقال متعقبًا له بما نصه

وقال بعضهم: وكان كل واحد منهما ذا ثمن فزاد لفظ وكان ونصب ذا ثم قال: كذا ثبت في الأصول ثم قال: وأفاد الكرماني الخ ثم قال: قلت هذا التصرف منهما ما أبعده أما قول هذا القائل كذا ثبت في الأصول فغير مسلم بل الذي ثبت في الأصول هو العبارة التي ذكرتها يعني لفظ رواية عبدة لأنها على القاعدة السالمة عن الزيادة فيه المؤدية إلى تقدير شيء قال: وأما كلام الكرماني بأنه وقع في بعض النسخ فغير مسلم أيضًا لأن مثل هذا الذي يحتاج فيه إلى تأويل غالبًا من النساخ الجهلة اهـ. وهذا ذهول لأن الحافظ ابن حجر إنما قال ذلك في رواية أبي أسامة لا في رواية عبدة. ولفظه: ورواية أبي أسامة عن هشام جامعة بين الروايتين المذكورتين أولاً وقوله فيها وكان كل واحد منهما ذا ثمن الخ وفد ذكر العيني -رحمه الله- رواية أبي أسامة بلفظها على عادته وفيها وكان كل واحد منهما ذا ثمن بالنصب كما مر ثم قال بعد تعريف الرواة: وبقية الشرح قد مرت عن قريب. والحديث رواه مسلم وقوله ورواه وكيع وابن إدريس مؤخر عن طريق أبي أسامة عند غير أبي ذر. 6795 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَطَعَ فِى مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ. تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ قِيمَتُُه. [الحديث 6795 - أطرافه في: 6796، 6797، 6798]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني) بالإفراد (مالك بن أنس) الأصبحي أمام الأئمة (عن نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطع) أمر بقطع يد سارق بحذف المفعول (في) سرقة (مجن) حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وفي معناها السببية (ثمنه) مبتدأ خبره (ثلاثة دراهم) أي فضة وأدخل التاء في ثلاثة لأنه عدد مذكر. وقال ابن حجر -رحمه الله- أورد هذا الحديث من حديث مالك قال ابن حزم: لم يروه عن ابن عمر غير نافع وقال ابن عبد البر: هو أصح حديث روي في ذلك (تابعه محمد بن إسحاق) عن نافع في قوله ثمنه وروايته موصولة عند الإسماعيلي من طريق عبد الله بن المبارك عن مالك ومحمد بن إسحاق وعبيد الله بن عمر ثلاثتهم عن نافع عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم. (وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله مسلم عن قتيبة محمد بن رمح عنه (حدثني) بالإفراد (نافع) كالجماعة لكنه قال: (قيمته) بدل قولهم ثمنه وقيمة الشيء ما تنتهي إليه الرغبة في شراء الشيء وهذه المتابعة، وقول الليث الخ ثابتان لأبي ذر هنا. 6796 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَطَعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى مِجَنٍّ قِمَتُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا جويرية) بضم الجيم وفتح الواو مصغرًا ابن أسماء الضبعي (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه (قال قطع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أمر بقطع يد سارق (في) سرقة (مجن ثمنه ثلاثة دراهم) وقد روي أن بلالاً هو الذي باشر قطع يد فاطمة المخزومية فيحتمل أنه كان موكلاً بذلك ويحتمل غيره ولم يكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باشر القطع بنفسه. والحديث من أفراده. 6797 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِى نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَطَعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر بن حفص بن عمر بن الخطاب أنه (قال: حدثني) بالإفراد (نافع عن) مولاه (عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- أنه (قال: قطع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أمر بقطع يد سارق (في) سرقة (مجن ثمنه ثلاثة دراهم). 6798 - حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَطَعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَ سَارِقٍ فِى مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ. تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى نَافِعٌ قِيمَتُهُ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (إبراهيم بن المنذر) الحزامي قال: (حدّثنا أبو ضمرة) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم أنس بن عياض قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف (عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قطع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يد سارق في) سرقة (مجن ثمنه ثلاثة دراهم) والثمن في الأصل ما يقابل به الشيء في عقد البيع، وله ضابط في الفقه مشهور، وليس المراد به حقيقته بل ما ذكر في الرواية الأخرى وهو القيمة وأطلق عليها ثمنًا مجازًا أو لتساويهما في ذلك الوقت أو في ظن الراوي أو باعتبار الغلبة والدراهم جمع درهم بكسر الدال وفيه ثلاث لغات أفصحها فتح الهاء، والثاني كسرها، والثالث درهام بزيادة ألف بعد الهاء قال الشاعر:

14 - باب توبة السارق

لو أن عند مائتي درهام ... لجاز في إنفاقها خاتامي واختلف في القدر الذي يقطع به السارق على مذاهب، فقيل في كل قليل وكثير تافه وغير تافه ونقل عن ابن بنت الشافعي، وقيل في كل قليل وكثير إلا في التافه فلا وقيل لا يجب إلا في أربعين درهمًا أو أربعة دنانير، وقيل في درهمين وقيل فيما زاد على درهمين ولم يبلغ الثلاثة، وقيل في ثلاثة دراهم ويقوّم ما عداها بها وهو رواية عن أحمد، وحكاه الخطابي عن مالك، وقيل مثله إلا أنه إن كان المسروق ذهبًا فنصابه ربع دينار وإن كان غيرهما فإن بلغت قيمته ثلاثة دراهم قطع به إلا لم يقطع ولو كان نصف دينار وهو قول مالك المعروف عند أصحابه وهو رواية عن أحمد، وقيل مثله إلا إن كان المسروق غيرهما قطع به إذا بلغت قيمة أحدهما وهو المشهور عن أحمد. وقيل مثله لكن لا يكتفى بأحدهما إذا كانا غالبين فلو كان أحدهما غالبًا فالمعوّل عليه وهو قول بعض المالكية، وقيل ربع دينار أو ما بلغ قيمته من فضة أو عرض وهو مذهب الشافعية، وقيل أربعة دراهم نقله القاضي عياض عن بعض الصحابة، وقيل ثلث دينار، وقيل خمسة دراهم وقيل عشرة دراهم أو ما بلغ قيمتها من ذهب أو عرض وهو قول الحنفية، وقيل دينار أو ما بلغ قيمته من فضة أو عرض، وقيل ربع دينار فصاعدًا من الذهب ويقطع في القليل والكثير من الفضة والعروض، واحتج له بأن التحديد في الذهب ثبت صريحًا في حديث عائشة ولم يثبت التحديد صريحًا في غيره فبقي عموم الآية على حاله فيقطع فيما قلّ أو كثر إلا في التافه وهو موافق للشافعي إلا في قياس أحد النقدين على الآخر، وأيّده الشافعي بأن الصرف يومئذٍ كان موافقًا لذلك، واستدلّ بأن الدّية على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الفضة اثنا عشر ألف درهم (تابعه محمد بن إسحاق. وقال الليث: حدثني نافع قيمته) سبق هذا عقب حديث إسماعيل عن مالك عن نافع وأنه ثابت عقبه لأبي ذر وهو ساقط له هنا ثابت لغيره. 6799 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (قال: سمعت أبا صالح) ذكوان الزيات (قال: سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لعن الله السارق) فيه جواز لعن غير المعين من العصاة لأنه لعن الجنس مطلقًا أو المراد منه الإهانة والخذلان كأنه لما استعمل أعز شيء عنده في أحقر شيء خذله الله حتى قطع (يسرق البيضة) من الحديد التي تبلغ قيمتها ربع دينار فصاعدًا (فتقطع يده وشرق الحبل) الذي تبلغ قيمته ربع دينار فصاعدًا (فتقطع يده) ففيه إشارة إلى ترجيح تأويل الأعمش السابق في باب لعن السارق إذا لم يسم. 14 - باب تَوْبَةِ السَّارِقِ (باب توبة السارق) إذا تاب. 6800 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَطَعَ يَدَ امْرَأَةٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَتْ تَأْتِى بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَابَتْ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال: حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطع يد امرأة) أي أمر بقطع يدها واسمها فاطمة المخزومية كما مر (قالت عائشة) -رضي الله عنها- بالسند المذكور: (وكانت) -رضي الله عنها- (تأتي بعد ذلك) إليّ (فأرفع حاجتها إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتابت) من السرقة (وحسنت توبتها) ووصف التوبة بالحسن يقتضي رفع الفسوق عنه وقبول شهادته. والحديث سبق في الشهادات مطوّلاً. 6801 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِىُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضى الله عنه - قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى رَهْطٍ فَقَالَ: «أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُونِى فِى مَعْرُوفٍ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُخِذَ بِهِ فِى الدُّنْيَا، فَهْوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَطَهُورٌ، وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ فَذَلِكَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إِذَا تَابَ السَّارِقُ بَعْدَ مَا قُطِعَ يَدُهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَكُلُّ مَحْدُودٍ كَذَلِكَ إِذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد الجعفي) المسندي قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني قاضيها قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن أبي إدريس) عائذ الله بن عبد الله (عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-) أنه (قال: بايعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رهط) قال أبو عبيد: ما دون العشرة وقيل إلى ثلاثة (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا) حذف المفعول ليعم (ولا تقتلوا أولادكم)

يريد وأد البنات ولأبي ذر ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم (ولا تأتوا ببهتان) بكذب يبهت سامعه أي يدهشه لفظاعته كالرمي بالزنا (تفترونه بين أيديكم وأرجلكم) أي من قبل أنفسكم فكنى باليد والرجل عن الذات لأن معظم الأفعال بهما (ولا تعصوني) ولأبي ذر ولا تعصوا (في معروف) وهو ما عرف من الشارع حسنه نهيًا وأمرًا (فمن وفى) بالتخفيف ويشدد أي ثبت على العهد (منكم فأجره على الله) فضلاً ووعدًا بالجنة (ومن أصاب) منكم أيها المؤمنون (من ذلك شيئًا) غير الشرك (فأخذ به) أي فعوقب به (في الدنيا) بأن أقيم عليه الحد (فهو) أي العقاب (كفارة له) فلا يعاقب عليه في الآخرة (وطهور) يطهره الله به من دنس المعصية وإذا وصف بالتطهير مع التوبة عاد إلى ما كان عليه قبل فتقبل شهادته (ومن ستره الله فذلك) مفوّض (إلى الله إن شاء عذبه) بعدله (وإن شاء غفر له) بفضله. (قال أبو عبد الله) البخاري -رحمه الله تعالى-: (إذا تاب السارق بعدما قطع) ولأبي ذر عن الكشميهني وقطعت (يده قبلت شهادته وكل محدود كذلك إذا تاب قبلت شهادته): ولأبي ذر عن الكشميهني: وكذلك كل الحدود إذا تاب أصحابها قبلت شهادتهم، وقول البخاري هذا ثابت في رواية الكشميهني ساقط في رواية غيره، والله الموفق والمعين.

15 - باب المحاربين من أهل الكفر والردة

15 - باب المحاربين من أهل الكفر والردة (باب المحاربين) بكسر الراء (من أهل الكفر والردة) زاد النسفيّ في روايته ومن يجب عليه الحدّ في الزنا. قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33]. (وقول الله تعالى): بثبوت الواو والجرّ لأبي ذر ولغيره قول الله تعالى بالحذف والرفع على الاستئناف ({إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله}) يحاربون الله أي يحاربون أولياءه كذا قرّره الجمهور، وقال الزمخشري: يحاربون رسول الله ومحاربة المسلمين في حكم محاربته أي المراد الإخبار بأنهم يحاربون رسول الله وإنما ذكر اسم الله تعالى تعظيمًا وتفخيمًا لمن يحارب ({ويسعون في الأرض فسادًا}) مصدر واقع موقع الحال أي يسعون في الأرض مفسدين أو مفعول من أجله أي يحاربون ويسعون لأجل الفساد وخبر جزاء قوله: ({أن يقتلوا}) وما عطف عليه قصاصًا من غير صلب إن أفردوا القتل ({أو يصلبوا}) مع القتل إن جمعوا بين القتل وأخذ المال وهل يقتل ويصلب أو يصلب حيًّا وينزل ويطعن حتى يموت خلاف ({أو تقطع أيديهم وأرجلهم}) إن أخذوا المال ولم يقتلوا ({من خلاف}) حال من الأيدي والأرجل أي مختلفة فتقطع أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى ({أو ينفوا من الأرض}) [المائدة: 33] ينفوا من بلد إلى آخر وفسر أبو حنيفة رحمة الله عليه النفي بالحبس وأو للتنويع أو للتخيير، فالإمام مخيّر بين هذه العقوبات في قاطع الطريق، وسقط لأبي ذر من قوله {ويسعون} الخ وقال بعد قوله: {ورسوله} الآية، والجمهور على أن هذه الآية نزلت فيمن خرج من المسلمين يسعى في الأرض بالفساد ويقطع الطريق، وهو قول مالك والشافعي والكوفيين. وقال الضحاك: نزلت في قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عهد فنقضوا العهد وقطعوا السبيل وأفسدوا. وقال الكلبي: نزلت في قوم هلال بن عويمر وذلك أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وادع هلال بن عويمر وهو أبو بردة الأسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه، ومن مرّ بهلال بن عويمر إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو آمن لا يهاج فمرّ قوم من بني كنانة يريدون الإسلام بناس من أسلم من قوم هلال

16 - باب لم يحسم النبى -صلى الله عليه وسلم- المحاربين من أهل الردة حتى هلكوا

بن عويمر ولم يكن هلال شاهدًا فنهدوا إليهم فقتلوهم وأخذوا أموالهم فنزل جبريل بالقضية، ولهذا ذهب البخاري إلى أن الآية نزلت في أهل الكفر والردة. 6802 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى أَبُو قِلاَبَةَ الْجَرْمِىُّ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ فَأَسْلَمُوا، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَفَعَلُوا فَصَحُّوا فَارْتَدُّوا وَقَتَلُوا رُعَاتَهَا وَاسْتَاقُوا فَبَعَثَ فِى آثَارِهِمْ فَأُتِىَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا الوليد بن مسلم) الأموي قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرَّحمن قال: (حدثني) بالإفراد (يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة قال: (حدثني) بالإفراد أيضًا (أبو قلابة) عبد الله بن زيد (الجرميّ) بفتح الجيم وسكون الراء (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قدم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سنة ست (نفر) من الثلاثة إلى العشرة من الرجال (من عكل) بضم العين المهملة وسكون الكاف قبيلة معروفة (فأسلموا فاجتووا المدينة) بالجيم الساكنة وفتح الفوقية والواو الأولى وضم الثانية أي أصابهم الجوى وهو داء الجوف إذا تطاول أو كرهوا الإقامة بها لسقم أصابهم (فأمرهم) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا أبوالها وألبانها) للتداوي (ففعلوا) الشرب المذكور (فصحوا) من ذلك الداء (فارتدوا) عن الإسلام (وقتلوا رعاتها) أي رعاة الإبل، وسبق في الوضوء وقتلوا راعي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنه يسار النوبي (واستاقوا) بحذف المفعول ولأبي ذر واستاقوا الإبل (فبعث) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في آثارهم) بمدّ الهمزة أي وراءهم الطلب عشرين أميرهم كرز فأدركوهم فأخذوا (فأتي بهم) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسارى (فقطع أيديهم وأرجلهم) من خلاف (وسمل) بفتح المهملة والميم واللام فقأ (أعينهم) أي أمر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك لأنه باشر ذلك بنفسه الزكية (ثم لم يحسمهم) بسكون الحاء وكسر السين المهملتين أي لم يكوِ مواضع القطع لينقطع الدم بل تركهم (حتى ماتوا). وزاد عبد الرزاق في آخر هذا الحديث قال: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} [المائدة: 33] الآية. وأخرج الطبري من طريق ابن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس في آخر قصة العرنيين قال: فذكر لنا هذه الآية نزلت فيهم {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} وعند الإسماعيلي من طريق مروان بن معاوية عن معاوية بن أبي العباس عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} قال: هم من عكل، وفي الصحيحين أنهم كانوا من عكل وعرينة. والحديث سبق في باب أبوال الإِبل في كتاب الوضوء. 16 - باب لَمْ يَحْسِمِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ حَتَّى هَلَكُوا هذا (باب) بالتنوين (لم يحسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يكوِ موضع القطع من (المحاربين من أهل الردّة حتى هلكوا) لأنه أراد إهلاكهم فأما من قطع في سرقة مثلاً فإنه يجب حسمه لأنه لا يؤمن معه التلف غالبًا ينزف الدم قاله ابن بطال. 6803 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنِى الأَوْزَاعِىُّ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَطَعَ الْعُرَنِيِّينَ وَلَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا. وبه قال: (حدّثنا محمد بن الصلت) بفتح الصاد المهملة وسكون اللام بعدها فوقية (أبو يعلى) التوزي بفتح الفوقية وتشديد الواو بعدها زاي قال: (حدّثنا الوليد) بن مسلم (قال: حدثني) ولأبي ذر أخبرني بالإفراد فيهما (الأوزاعي) عبد الرَّحمن (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي قلابة) عبد الله الجرمي (عن أنس) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطع) أي أمر بقطع أيدي (العرنيين) وأرجلهم لما قتلوا راعي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستاقوا الإبل (ولم يحسمهم) لم يكوِ مواضع القطع (حتى ماتوا) والعرنيون منسوبون إلى عرينة قبيلة. وسبق في الباب الذي قبل هذا الباب أنهم من عكل وفي المغازي أن ناسًا من عكل وعرينة، وإنما لم يحسمهم لأنهم كانوا كفارًا والله أعلم. 17 - باب لَمْ يُسْقَ الْمُرْتَدُّونَ الْمُحَارِبُونَ حَتَّى مَاتُوا هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لم يسق) بضم التحتية وفتح القاف مبنيًّا للمفعول (المرتدون) رفع نائب عن الفاعل (المحاربون) أي لم يسق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المرتدين من المحاربين (حتى ماتوا). 6804 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانُوا فِى الصُّفَّةِ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْغِنَا رِسْلاً فَقَالَ: «مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلاَّ أَنْ تَلْحَقُوا بِإِبِلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-» فَأَتَوْهَا فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا وَقَتَلُوا الرَّاعِىَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَأَتَى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّرِيخُ فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِى آثَارِهِمْ فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ حَتَّى أُتِىَ بِهِمْ، فَأَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ بِهَا، وَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَمَا حَسَمَهُمْ، ثُمَّ أُلْقُوا فِى الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَمَا سُقُوا حَتَّى مَاتُوا. قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (عن وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله الجرمي (عن أنس

18 - باب سمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أعين المحاربين

-رضي الله عنه-) أنه (قال: قدم رهط) رجال دون العشرة (من عكل) القبيلة المشهورة (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سنة ست من الهجرة (كانوا في الصفة) وهي السقيفة التي كانت في المسجد النبوي يأوي إليها الغرباء وفقراء المهاجرين (فاجتووا المدينة) استوخموها (فقال) قائل منهم وفي نسخة فقالوا: (يا رسول الله أبغنا) بهمزة قطع مفتوحة وسكون الموحدة وكسر الغين المعجمة اطلب لنا (رسلاً) بكسر الراء وسكون السين المهملة لبنًا (فقال): ولأبي ذر قال: (ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بإبل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر قال في الفتح: فيه تجريد، وسياق الكلام يقتضي أن يقول بإبلي، ولكنه كقول كبير القوم يقول لكم الأمير مثلاً، ومنه قوله الخليفة يقول لكم أمير المؤمنين، وتعقبه العيني بأنه التفات لا تجريد (فأتوها) أي أتى العكليون الإبل (فشربوا ألبانها وأبوالها حتى صحّوا) من الدواء (وسمنوا) بعد الهزال (وقتلوا) ولأبي ذر عن الكشميهني فقتلوا (الراعي) يسارًا النوبي (واستاقوا الذود) بفتح الذال المعجمة وسكون الواو بعدها دال مهملة ما بين الثلاثة إلى العشرة من الإبل (فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصريخ) بالصاد المهملة آخره خاء معجمة والرفع على الفاعلية أي مستغيث (فبعث الطلب) بفتحتين جمع الطالب (في آثارهم فما ترجل) بالراء والجيم فما ارتفع (النهار حتى أتي بهم) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأمر بمسامير فأحميت) بالنار (فكحلهم بها وقطع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم) بالحاء والسين المهملتين ما كوى مواضع القطع من أيديهم وأرجلهم لأنهم كانوا كفارًا (ثم ألقوا في الحرة) بفتح الحاء المهملة والراء المشددة أرض ذات حجارة سود (يستسقون) يطلبون الماء يشربونه (فما سقوا حتى ماتوا) بضم السين المهملة والقاف لأنهم كفار أو لكفرهم نعمة السقي التي أنعشتهم من المرض الذي كان بهم (قال أبو قلابة) عبد الله الجرمي بالسند السابق (سرقوا) الإبل (وقتلوا) الراعي (وحاربوا الله ورسوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 18 - باب سَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْيُنَ الْمُحَارِبِينَ (باب سمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح السين المهملة وسكون الميم مصدر مضاف لفاعله وهو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقوله (أعين المحاربين) نصب على المفعولية، ولأبي ذر باب بالتنوين أي هذا باب يذكر فيه سمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بفتح السين والميم بلفظ الماضي والنبي فاعله وتاليه مفعوله. 6805 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَهْطًا مِنْ عُكْلٍ -أَوْ قَالَ عُرَيْنَةَ- وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ: مِنْ عُكْلٍ، قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ لَهُمُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلِقَاحٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَشَرِبُوا حَتَّى إِذَا بَرِئُوا قَتَلُوا الرَّاعِىَ، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ فَبَلَغَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُدْوَةً، فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِى إِثْرِهِمْ، فَمَا ارْتَفَعَ النَّهَارُ حَتَّى جِىءَ بِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ فَأُلْقُوا بِالْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلاَ يُسْقَوْنَ. قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: هَؤُلاَءِ قَوْمٌ سَرَقُوا وَقَتَلُوا وَكَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين ابن جميل بن طريف أبو رجاء الثقفي مولاهم قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله الجرمي (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن رهطًا) بفتح الراء وسكون الهاء دون العشرة (من عكل) بضم العين المهملة وسكون الكاف قبيلة مشهورة (أو قال: عرينة) بضم العين المهملة وفتح الراء وسكون التحتية وفتح النون قبيلة أيضًا ولأبي ذر أو قال: من عرينة (ولا أعلمه إلا قال: من عكل قدموا المدينة) سنة ست فاستوخموها (فأمر لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلقاح) بكسر اللام بعدها قاف وبعد الألف حاء مهملة جمع لقحة وهي الناقة الحلوب وكانت خمس عشرة لقحة (وأمرهم أن يخرجوا) إليها (فيشربوا من أبوالها وألبانها) ليتداووا بذلك من داء بطونهم (فشربوا) من أبوالها وألبانها (حتى إذا برؤوا) بكسر الراء وتفتح من ذلك الداء (قتلوا الراعي) يسارًا النوبي (واستاقوا النعم) بفتح النون والعين واحد الأنعام أي الإبل (فبلغ النبي) ولأبي ذر فبلغ ذلك النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غدوة) بضم الغين المعجمة وسكون الدال المهملة (فبعث الطلب) أي سرية أميرها كرز بن جابر لطلبهم (في أثرهم) بكسر الهمزة وسكون المثلثة (فما ارتفع النهار حتى جيء بهم) ولأبي ذر عن الكشميهني حتى أتي بهم إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأمر بهم فقطع أيديهم وأرجلهم) بفتح القاف والطاء وأيديهم نصب على المفعولية وأرجلهم عطف عليه، ولأبي ذر عن الكشميهني فقطع بضم القاف وكسر

19 - باب فضل من ترك الفواحش

الطاء أيديهم مفعول نائب عن فاعله وتاليه عطف عليه (وسمر) بفتحتين وتخفيف الميم (أعينهم) نصب مفعول، ولأبي ذر وسمر بضم السين وكسر الميم مشددة أعينهم رفع نائب فاعل. قال القاضي عياض: سمر العين بالتخفيف كحلها بالمسمار الحديد المحمى وبالتشديد في بعض النسخ والأول أوجه (فألقوا) بضم الهمز بعد الفاء (بالحرة) الأرض المعروفة خارج المدينة حال كونهم (يستسقون فلا يسقون) وقال في الكواكب: وكانت قصتهم قبل نزول الحدود والنهي عن المثلة، وقيل ليس منسوخًا وإنما فعل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما فعل قصاصًا، وقيل النهي عن المثلة نهي تنزيه (قال أبو قلابة: هؤلاء) أي العكليون أو العرنيون (قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله). 19 - باب فَضْلِ مَنْ تَرَكَ الْفَوَاحِشَ (باب فضل من ترك الفواحش) جمع فاحشة وهي كل ما اشتدّ قبحه من الذنوب فعلاً أو قولاً ويطلق في الغالب على الزنا. قال تعالى: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة} [الإسراء: 32]. 6806 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِى عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ فِى خَلاَءٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِى الْمَسْجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِى اللَّهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا قَالَ: إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) بالتخفيف ولأبي ذر بالتشديد كذا نسبه في الفرع كأصله وقال في الفتح: حدّثنا محمد غير منسوب فقال أبو علي الغساني وقع في رواية الأصيلي محمد بن مقاتل، وفي رواية القابسي محمد بن سلام والأول هو الصواب لأن محمد مقاتل معروف بالرواية عن عبد الله بن المبارك. قال الحافظ ابن حجر: ولا يلزم من ذلك أن لا يكون هذا الحديث الخاص عند ابن سلام، والذي أشار إليه الجياني قاعدة في تفسير من أبهم واستمر إبهامه فيكون كثرة أخذه وملازمته قرينة في تعيينه، أما إذا ورد التنصيص عليه فلا وقد صرح أيضًا بأنه محمد بن سلام أبو ذر في روايته عن شيوخه الثلاثة وكذا هو في معظم النسخ من رواية كريمة وأبي الوقت قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك (عن عبيد الله بن عمر) بضم العين فيهما ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن خبيب بن عبد الرَّحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الأولى الأنصاري المدني (عن حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (سبعة) أي من الأشخاص ليدخل النساء فيما يمكن أن يدخلن فيه شرعًا والتقييد بالسبعة لا مفهوم له فقد روي غيرها والذي تحصل من ذلك اثنان وتسعون سبقت الإشارة إليها في الزكاة وقوله سبعة مبتدأ خبره (يظلهم الله يوم القيامة في ظله) أي ظل عرشه (يوم لا ظل إلا ظله) ظل العرش. أحدها (إمام عادل) يضع الشيء في محله، وعادل اسم فاعل من عدل يعدل فهو عادل (و) ثانيها (شاب نشأ في عبادة الله) زاد الجوزقي من رواية حماد بن زيد حتى توفي على ذلك لأن عبادته أشق من غيره لغلبة شهوته (و) ثالثها (رجل ذكر الله في خلاء) بفتح الخاء المعجمة فلام فألف فهمزة ممدودًا في موضع وحده إذ لا يكون ثمّ شائبة رياء وفي نسخة خاليًا أي من الناس أو من الالتفات إلى غير المذكور وإن كان في ملأ (ففاضت) بفاءين فألف فضاد معجمة أي سألت (عيناه) من خشية الله كما زاده الجوزقي في روايته أو من الشوق إليه تعالى وإسناد الفيض إلى العين مع أن الفائض هو الدمع لا العين مبالغة لأنه يدل على أن العين صارت دمعًا فياضًا (و) رابعها (رجل قلبه معلق في المسجد) بالإفراد ولأبي ذر في المساجد أي من شدة حبه لها وإن كان خارجًا عنها وهو كناية عن انتظاره أوقات الصلاة (و) خامسها (رجلان تحابّا في الله) أي بسببه لا لغرض دنيوي ولم يقل في هذه الرواية اجتمعا عليه وتفرقا عليه (و) سادسها (رجل دعته) طلبته (امرأة ذات منصب) بفتح الميم وسكون النون وكسر الصاد المهملة صاحبة نسب شريف (وجمال إلى نفسها) إلى الزنا (قال) ولأبي ذر فقال (إني أخاف الله) وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى (و) سابعها (رجل تصدّق) بصدقة تطوعًا (فأخفاها) ولأبي ذر تصدق فأخفى (حتى لا تعلم شماله ما صنعت) وفي الزكاة وغيرها ما تنفق (يمينه) كأن يتصدق على الضعيف في صورة المشتري منه فيدفع له مثلاً درهمًا فيما يساوي نصف درهم فهي في الصورة مبايعة وفي

20 - باب إثم الزناة

الحقيقة صدقة. والحديث سبق في الصلاة والزكاة والرقاق. 6807 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِىٍّ ح وَحَدَّثَنِى خَلِيفَةُ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ تَوَكَّلَ لِى مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَمَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ، تَوَكَّلْتُ لَهُ بِالْجَنَّةِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن أبي بكر) المقدّمي قال: (حدّثنا عمر بن علي) بضم عين الأول عم محمد الراوي عنه وهو مدلس لكنه صرح بالتحديث (ح). قال البخاري (وحدثني) بالإفراد (خليفة) بن خياط واللفظ له قال: (حدّثنا عمر بن علي) بضم عين عمر قال: (حدّثنا أبو حازم) سلمة بن دينار الأعرج (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين فيهما (الساعدي) -رضي الله عنه- أنه قال (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من توكل) أي من تكفل (لي ما بين رجليه) فرجه (وما بين لحييه) بفتح اللام وسكون الحاء المهملة منبت اللحية والأسنان وثني باعتبار أن له أعلى وأسفل أي لسانه إذ أكثر بلاء الإنسان من الفرج واللسان (توكلت) تكفلت (له بالجنة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: الجنة بإسقاط حرف الجر أي ضمنت له الجنة. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن من حفظ لسانه وفرجه يكون له فضل من ترك الفواحش أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب. 20 - باب إِثْمِ الزُّنَاةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ يَزْنُونَ وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}. (باب إثم الزناة) بضم الزاي جمع زانٍ كعصاة جمع عاصٍ (قول الله) بالرفع على الاستئناف، ولأبي ذر وقول الله (تعالى) بالجر عطفًا على المجرور السابق في سورة الفرقان ({ولا يزنون}) [الفرقان: 68] وأولها: {والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون} [الفرقان: 68] قال القاضي ناصر الدين: نفى عنهم أمهات المعاصي بعد ما أثبت لهم أصول الطاعات إظهارًا لكمال إيمانهم وإشعارًا بأن الأجر المذكور موعود للجامع بين ذلك وتعريضًا للكفرة بأضداده، وقول الله تعالى في سورة الإسراء: {ولا تقربوا الزنا}) بالقصر على الأكثر والمدّ لغة وهي نهي عن دواعي الزنا كالمس والقبلة ونحوهما ولو أريد النهي عن نفس الزنا لقال: ولا تزنوا ({إنه كان فاحشة}) معصية مجاوزة حدّ الشرع والعقل ({وساء سبيلاً}) [الإسراء: 32] وبئس طريقًا طريقه، وسقط لأبي ذر وساء سبيلاً. 6808 - أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَخْبَرَنَا أَنَسٌ قَالَ: لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لاَ يُحَدِّثُكُمُوهُ أَحَدٌ بَعْدِى سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ -وَإِمَّا قَالَ- مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، أَنَّ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا وَيَقِلَّ الرِّجَالُ وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِلْخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ». وبه قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (داود بن شبيب) بفتح المعجمة وكسر الموحدة الأولى أبو سليمان الباهلي البصري قال: (حدّثنا همام) أبو يحيى البصري (عن قتادة) بن دعامة أنه قال (أخبرنا أنس) هو ابن مالك -رضي الله عنه- (قال: لأحدثنكم حديثًا لا يحدثكموه أحد بعدي) لأنه كان آخر الصحابة موتًا بالبصرة (سمعته من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا تقوم الساعة وإما) بكسر الهمزة وتشديد الميم (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من أشراط الساعة) أي من علاماتها (أن يرفع العلم) بموت العلماء (ويظهر الجهل) بفتح التحتية (ويشرب الخمر) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول أي يكثر شربه (ويظهر الزنا) أي يفشو (ويقل الرجال) لكثرة القتل فيهم بسبب الفتن (ويكثر النساء حتى يكون للخمسين) بلامين أولاهما مكسورة، ولأبي ذر لخمسين (امرأة القيّم الواحد) هل المراد بالخمسين الحقيقة أو المجاز عن الكثرة سبق الإلمام بذلك في كتاب العلم، ويحتمل أن يكون المراد بالقيّم من يقوم عليهن سواء كنّ موطوءات أم لا، أو أن ذلك يكون في الزمان الذي لا يبقى فيه من يقول الله الله فيتزوج الواحد بغير عدد جهلاً بالحكم الشرعي. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: ويظهر الزنا لأن معناه أنه يشتهر بحيث لا يتكاتم به لكثرة من يتعاطاه، والحديث من أفراده. 6809 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَزْنِى الْعَبْدُ حِينَ يَزْنِى وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَقْتُلُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ». قَالَ عِكْرِمَةُ: قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ يُنْزَعُ الإِيمَانُ؟ مِنْهُ قَالَ: هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَإِنْ تَابَ عَادَ إِلَيْهِ هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي بالنون المفتوحة والزاي البصري المعروف بالزمن قال: (أخبرنا إسحاق بن يوسف) الواسطي الأزرق قال: (أخبرنا الفضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة (ابن غزوان) بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يزني العبد حين يزني وهو مؤمن) فيه نفي الإيمان في حالة ارتكاب الزنا ومقتضاه أنه يعود إليه الإيمان بعد فراغه وهذا هو الظاهر أو أنه يعود إليه إذا أقلع الإقلاع الكلي فلو فرغ مصرًّا على تلك المعصية فهو كالمرتكب فيتجه أن نفي الإيمان عنه مستمر

ويؤيده قول ابن عباس الآتي في هذا الباب إن شاء الله تعالى (ولا يسرق) السارق (حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب) الشارب (حين يشرب) المسكر (وهو مؤمن ولا يقتل) القاتل مؤمنًا بغير حق (وهو مؤمن). (قال عكرمة) بالسند السابق: (قلت لابن عباس) -رضي الله عنهما-: (كيف ينزع) بضم التحتية وفتح الزاي (منه الإيمان)؟ عند ارتكابه الزنا والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس (قال: هكذا وشبك بين أصابعه ثم أخرجها) وفي حديث أبي داود والحاكم بسند صحيح من طريق سعيد المقبري أنه سمع أبا هريرة رفعه: إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان عليه كالظلة فإذا أقلع رجع إليه الإيمان. وعند الحاكم من طريق ابن حجيرة أنه سمع أبا هريرة رفعه: من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان قميصه عن رأسه (فإن تاب) المرتكب من ذلك (عاد إليه) الإيمان (هكذا وشبك بين أصابعه). وأخرج الطبري من طريق نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن فإذا زايل رجع إليه الإيمان ليس إذا تاب منه ولكن إذا تأخر عن العمل به، ويؤيده أن المصرّ وإن كان إثمه مستمرًا لكن ليس إثمه كمن باشر العمل كالسرقة مثلاً. وقال الطيبي: يحتمل أن يكون الذي نقص من الإيمان المذكور الحياء وهو المعبر عنه في الحديث الآخر بالنور، وقد سبق حديث الحياء من الإيمان فيكون التقدير: لا يزني حين يزني الخ .. وهو يستحيي من الله لأنه لو استحيا منه وهو يعرف أنه شاهد حاله لم يرتكب ذلك وإلى ذلك تصح إشارة ابن عباس بتشبيك أصابعه ثم إخراجها منها ثم إعادتها إليها. 6810 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَزْنِى الزَّانِى حِينَ يَزْنِى وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن ذكوان) بالذال المعجمة أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) كامل أو محمول على المستحل مع العلم بالتحريم أو هو خبر بمعنى النهي أو أنه شابه الكافر في عمله وموقع التشبيه أنه مثله في جواز قتاله في تلك الحالة ليكف عن المعصية ولو أدى إلى قتله (ولا يسرق) السارق (حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب) أي الخمر (حين يشربها وهو مؤمن والتوبة معروضة) على فاعلها (بعد) أي بعد ذلك. وقد تضمن الحديث التحري من ثلاثة أمور هي أعظم أصول المفاسد وأضدادها من أصول المصالح وهي استباحة الفروج المحرمة، وما يؤدي إلى اختلال العقل، وخص الخمر بالذكر في الرواية الأخرى لكونها أغلب الوجوه في ذلك، والسرقة لكونها أعلى الوجوه التي يؤخذ بها مال الغير بغير حق. 6811 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِى مَنْصُورٌ وَسُلَيْمَانُ عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ أَبِى مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ، قُلْتُ: ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» قُلْتُ: ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِىَ حَلِيلَةَ جَارِكَ». قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِى وَاصِلٌ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِثْلَهُ، قَالَ عَمْرٌو: فَذَكَرْتُهُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ حَدَّثَنَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ وَوَاصِلٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ أَبِى مَيْسَرَةَ قَالَ: دَعْهُ دَعْهُ. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم الفلاس قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا سفيان) الثوري قال: (حدثني) بالإفراد (منصور) هو ابن المعتمر (وسليمان) بن مهران الأعمش كلاهما (عن أن وائل) شقيق بن سلمة (عن أن ميسرة) عمرو بن شرحبيل (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم)؟ عند الله، وعن أحمد أي الذنب أكبر؟ (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أن تجعل لله ندًّا) بكسر النون وتشديد الدال المهملة مثلاً وشريكًا (وهو خلقك) الواو للحال. قال المظهري: أكبر الذنوب أن تدعو لله شريكًا مع علمك بأنه لم يخلقك أحد غير الله (قلت): يا رسول الله (ثم أي)؟ بالتنوين عوضًا عن المضاف إليه وأصله: ثم أي شيء من الذنوب أكبر بعد الكفر؟ (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أن تقتل ولدك من أجل أن يطعم معك) بفتح التحتية والعين ولغير الكشميهني أن تقتل ولدك أجل بإسقاط حرف الجر ونصب أجل على نزع الخافض ولا خلاف أن أكبر الذنوب بعد الكفر قتل النفس المسلمة بغير حق لا سيما قتل الولد خصوصًا قتله خوف الإطعام فإنه ذنب آخر أيضًا لأنه بفعله لا يرى الرزق في الله تعالى (قلت: ثم أي)؟ أعظم عند الله (قال: أن تزاني حليلة جارك) بضم الفوقية

21 - باب رجم المحصن

وبعد الزاي ألف، وللمستملي والكشميهني أن تزني بحليلة جارك. والحليلة بحاء مهملة زوجة جارك التي يحل له وطؤها أو التي تحل معه في فراشه، فالزنا ذنب كبير خصوصًا من سكن جوارك والتجأ بأمانتك وثبت بينك وبينه حق الجوار، وفي الحديث: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه، فالزنا بزوجة الجار يكون زنا وإبطال حق الجوار والخيانة معه فيكون أقبح وإذا كان الذنب أقبح يكون الإثم أعظم. والحديث سبق في التفسير ويأتي إن شاء الله تعالى في التوحيد. (قال يحيى) بن سعيد القطان (وحدّثنا سفيان) الثوري قال: (حدثني) بالإفراد (واصل) هو ابن حيان بالتحتية المشددة المعروف بالأحدب (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود أنه قال (قلت: يا رسول الله) فذكر (مثله) أي مثل الحديث السابق. (قال عمرو) بفتح العين ابن علي الفلاس (فذكرته) أي الحديث المذكور (لعبد الرَّحمن) بن مهدي (وكان) أي والحال أن عبد الرَّحمن كان (حدّثنا) بهذا الحديث (عن سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان (و) عن (منصور) أي ابن المعتمر (و) عن (واصل) الأحدب الثلاثة (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن أبي ميسرة) عمرو بن شرحبيل (قال) عبد الرَّحمن بن مهدي: (دعه دعه) مرتين أي اترك هذا الإسناد الذي ليس فيه ذكر أبي ميسرة بين أبي وائل وبين عبد الله بن مسعود. قال في الفتح: والحاصل أن الثوري حدّث بهذا الحديث عن ثلاثة أنفس حدثوه به عن أبي وائل فأما الأعمش ومنصور فأدخلا بين أبي وائل وبين ابن مسعود أبا ميسرة، وأما وأصل فحذفه فضبطه يحيى القطان عن سفيان هكذا مفصلاً، وأما عبد الرَّحمن فحدّث به أولاً بغير تفصيل فحمل رواية واصل على رواية منصور والأعمش فجمع الثلاثة وأدخل أبا ميسرة في السند، فلما ذكر له عمرو بن علي أن يحيى فصله كأنه تردّد فيه فاقتصر على التحديث به عن سفيان عن منصور والأعمش حسب وترك طريق واصل، وهذا معنى قوله: دعه دعه أي اتركه والضمير للطريق التي اختلفا فيها وهي رواية واصل، وقد زاد الهيثم بن خلف في روايته فيما أخرجه الإسماعيلي عنه عن عمرو بن علي بعد قوله: دعه فلم يذكر فيه واصلاً بعد ذلك فعرف أن معنى قوله دعه أي اترك السند الذي ليس فيه ذكر أبي ميسرة. وقال في الكواكب: حاصله أن أبا وائل وإن كان قد روى كثيرًا عن عبد الله فإن هذا الحديث لم يروه عنه. قال: وليس المراد بذلك الطعن عليه لكن ظهر له ترجيح الرواية بإسقاط الواسطة لموافقة الأكثرين، والذي جنح إليه في فتح الباري أنه إنما تركه لأجل التردد فيه في كلام يطول ذكره والله الموفق والمعين. 21 - باب رَجْمِ الْمُحْصَنِ وَقَالَ الْحَسَنُ مَنْ زَنَى بِأُخْتِهِ حَدُّهُ حَدُّ الزَّانِى. (باب رجم المحصن). إذا زنى، والمحصن بفتح الصاد من الإحصان وهو من الثلاثة التي جئن نوادر. يقال: أحصن فهو محصن وأسهب فهو مسهب وألقح فهو ملقح وتكسر الصار على القياس فمعنى المفتوح أحصن نفسه بالتزوّج عن عمل الفاحشة والمحصن المتزوّج والمراد به من جامع في نكاح صحيح. (وقال الحسن) البصري، ولأبي ذر عن المستملي كما في الفرع كأصله، وقال في الفتح عن الكشميهني وحده وقال منصور: دل الحسن وزيفوه (من زنى بأخته حده حدّ الزاني) ولأبي ذر عن الكشميهني حدّ الزنا أي كحدّ الزنا وهو الجلد، وعند ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث قال: سألت عمرًا ما كان الحسن يقول فيمن تزوّج ذات محرم وهو يعلم؟ قال: عليه الحدّ. 6812 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِىَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَلِىٍّ رضى الله عنه حِينَ رَجَمَ الْمَرْأَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ: قَدْ رَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا سلمة بن كهيل) بضم الكاف وفتح الهاء الحضرمي أبو يحيى الكوفي (قال: سمعت الشعبي) عامر بن شراحيل (يحدّث عن علي -رضي الله عنه- حين رجم المرأة) شراحة الهمدانية بضم الشين المعجمة وتخفيف الراء بعدها حاء مهملة والهمدانية بفتح الهاء وسكون الميم بعدها دال مهملة (يوم الجمعة) وفي رواية علي بن الجعد أن عليًّا أتي بامرأة زنت فضربها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة

22 - باب لا يرجم المجنون والمجنونة

وكذا عند النسائي من طريق بهز بن أسد عن شعبة (وقال: قد رجمتها بسنّة رسول الله) ولأبي ذر لسنّة رسول الله بلام بدل الموحدة (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد علي بن الجعد عن شعبة عن سلمة عند الإسماعيلي وجلدتها بكتاب الله وتمسك به من قال: إن الزاني المحصن يجلد ثم يرجم، وإليه ذهب أحمد في رواية عنه. وقال الجمهور: لا يجمع بينهما وهو رواية عن أحمد قال المرداوي في تنقيح المقنع: ولا يجلد قبل الرجم، وقد ثبت في قصة ماعز أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجمه ولم يذكر الجلد قال إمامنا الشافعي رحمه الله: فدلت السُّنّة على أن الجلد ثابت على البكر وساقط عن الثيب، وقيل إن الجمع بين الجلد والرجم خاص بالشيخ والشيخة لحديث: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة. والحديث أخرجه النسائي في الرجم. 6813 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ الشَّيْبَانِىِّ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى هَلْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ: قَبْلَ سُورَةِ النُّورِ أَمْ بَعْدُ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِى. [الحديث 6813 - طرفه في: 6840]. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق) هو ابن شاهين الواسطي قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان (عن الشيباني) بفتح الشين المعجمة سليمان أبي إسحاق بن أبي سليمان فيروز أنه قال: (سألت عبد الله بن أبي أوفى) اسمه علقمة الأسلمي -رضي الله عنه- (هل رجم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال نعم. قلت: قبل) نزول (سورة النور) يريد قوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} [النور: 2] (أم بعد)؟ ولأبي ذر عن الكشميهني أم بعدها؟ (قال) ابن أبي أوفى: (لا أدري) رجم قبل نزولها أم بعده وقد قام الدليل على أن الرجم وقع بعد نزول سورة النور، لأن نزولها كان في قصة الإفك سنة أربع أو خمس أو ست، والرجم كان بعد ذلك لأن أبا هريرة حضره، وإنما أسلم سنة سبع وابن عباس إنما جاء مع أمه إلى المدينة سنة تسع، وفائدة هذا السؤال أن الرجم إن كان وقع قبلها فيحتمل أن يدعي نسخه بالتنصيص فيها على أن حدّ الزاني الجلد، وإن كان بعدها فيستدل به على نسخ الجلد في حق المحصن، لكن عورض بأنه من نسخ الكتاب والسنّة وفيه خلاف. وأجيب: بأن الممنوع نسخ الكتاب بالسنّة إذا جاءت من طريق الآحاد وأما السُّنّة المشهورة فلا، وأيضًا فلا نسخ وإنما هو مخصص بغير المحصن. والحديث أخرجه مسلم في الحدود. 6814 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىِّ، أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَدَّثَهُ أَنَّهُ قَدْ زَنَى فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُجِمَ وَكَانَ قَدْ أُحْصِنَ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: حدثني) ولأبي ذر أخبرني بالإفراد فيهما (أبو سلمة بن عبد الرَّحمن) بن عوف (عن جابر بن عبد الله الأنصاري) -رضي الله عنهما- (أن رجلاً من أسلم) اسمه ماعز بن مالك الأسلمي (أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحدثه أنه) ولأبي ذر عن الكشميهني أن (قد زنى فشهد) أي أقرّ (على نفسه) بالزنا (أربع شهادات فأمر به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرجم وكان قد أحصن) بالبناء للمفعول فيهما، ولأبي ذر أحصن بفتح الهمزة والصاد. والحديث أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي في الحدود والنسائي في الجنائز. 22 - باب لاَ يُرْجَمُ الْمَجْنُونُ وَالْمَجْنُونَةُ وَقَالَ عَلِىٌّ لِعُمَرَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يُدْرِكَ وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ؟. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يرجم) الرجل (المجنون و) لا المرأة (المجنونة) إذا زنيا في حالة الجنون إجماعًا فلو طرأ الجنون بعده، فالجمهور أنه لا يؤخر إلى الإقامة لأنه يراد به التلف فلا معنى للتأخير بخلاف الجلد فإنه يراد به الإيلام فيؤخر. (وقال علي) هو ابن أبي طالب (لعمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما- وقد أتي بمجنونة وهي حبلى فأراد أن يرجمها (أما علمت أن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق) من جنونه (وعن الصبي حتى يدرك) الحلم (وعن النائم حتى يستيقظ) من نومه وصله البغوي في الجعديات موقوفًا وهو مرفوع حكمًا، وهو عند أبي داود والنسائي وابن حبان مرفوعًا عن ابن عباس: مرّ علي بن أبي طالب بمجنونة بني فلان قد زنت فأمر عمر برجمها فردّها عليّ وقال لعمر: أما تذكر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله وعن الصبي حتى يحتلم وعن النائم حتى يستيقظ" قال: صدقت فخلى عنها. هذه رواية جرير بن حازم عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن

عباس عند أبي داود، وسندها متصل، لكن أعلّه النسائي بأن جرير بن حازم حدث بمصر أحاديث غلط فيها، لكن له شاهد من حديث أبي إدريس الخولاني أخبرني غير واحد من الصحابة منهم شداد بن أوس وثوبان أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "رفع القلم في الحد عن الصغير حتى يكبر وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق وعن المعتوه الهالك" أخرجه الطبراني، وقد أخذ العلماء بمقتضى ذلك لكن ذكر ابن حبان أن المراد برفع القلم ترك كتابة الشر عنهم دون الخير قال الحافظ زين الدين العراقي: هو ظاهر في الصبي دون المجنون والنائم لأنهما في حيز من ليس قابلاً لصحة العبادة منه لزوال الشعور فالذي ارتفع عن الصبي قلم المؤاخذة لا قلم الثواب لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمرأة لما سألته ألهذا حج؟ قال: نعم ولك أجر. 6815 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِى الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى زَنَيْتُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَبِكَ جُنُونٌ»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «فَهَلْ أَحْصَنْتَ»؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف (وسعيد بن المسيب) بن حزم الإمام أبي محمد المخزومي أحد الأعلام وسيد التابعين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: أتى رجل) هو ماعز بن مالك (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في المسجد) حال من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والجملة التالية معطوفة على أتى (فناداه فقال: يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه) عليه الصلاة والسلام (حتى ردّد عليه أربع مرات) بدالين أولهما مشددة ولأبي ذر عن الكشميهني حتى رد لإسقاط الدال الثانية (فلما شهد) أقرّ (على نفسه أربع شهادات) ولأبي ذر: أربع مرات وجواب لما قوله (دعاه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) له: (أبك جنون) بهمزة الاستفهام وجنون مبتدأ أو الجار متعلق بالخبر والمسوّغ للابتداء بالنكرة تقدم الخبر في الظرف وهمزة الاستفهام (قال: لا) ليس بي جنون (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فهل أحصنت)؟ تزوجت (قال: نعم) أحصنت (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اذهبوا به) الباء للتعدية أو الحال أي اذهبوا مصاحبين له (فارجموه) وقد تمسك بهذا الحنفية والحنابلة في اشتراط الإقرار أربع مرات، أنه لا يكتفي بما دونها قياسًا على الشهود. وأجيب: عن المالكية والشافعية في عدم اشتراط ذلك بما فى حديث العسيف من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" ولم يقل فإن اعترفت أربع مرات، وبحديث رجم الغامدية بالغين المعجمة والميم المكسورة بعدها دال مهملة إذ لم ينقل أنه تكرر إقرارها وأما التكرار هنا فإنما كان للاستثبات والتحقيق والاحتياط في درء الحد بالشبه كقوله "أبك جنون" فإنه من التثبت ليتحقق حاله أيضًا فإن الإنسان غالبًا لا يصر على إقرار ما يقتضي هلاكه من غير سؤال مع أن له طريقًا إلى سقوط الإثم بالتوبة. وفي حديث أبي سعيد عند مسلم ثم سأل قومه فقالوا: ما نعلم به بأسًا إلا أنه أصاب شيئًا لا يرى أنه لا يخرجه منه إلا أن من يقام فيه الحدّ، وهذا مبالغة في تحقيق حاله وفي صيانة دم المسلم فيبنى الأمر عليه لا على مجرد إقراره بعدم الجنون فإنه لو كان مجنونًا لم يفد قوله إنه ليس به جنون لأن إقراره المجنون غير معتبر، فهذه هي الحكمة في سؤاله عنه قومه وقال القرطبي: إن ذلك قاله لما ظهر عليه من الحال الذي يشبه حال المجنون وذلك أنه دخل منتفش الشعر ليس عليه رداء يقول: زنيت فطهرني كما في صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة، واسم المرأة التي زنى بها فاطمة فتاة هزال، وقيل منيرة، وفي طبقات ابن سعد مهيرة. 6816 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِى مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ هَرَبَ فَأَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ. (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم بالسند السابق: (فأخبرني) بالإفراد (من سمع جابر بن عبد الله) قال في الفتح: صرح يونس ومعمر في روايتهما بأنه أبو سلمة بن عبد الرَّحمن فكأن الحديث كان عند أبي سلمة عن أبي هريرة كما عند سعيد بن المسيب وعنده زيادة عليه عن جابر (قال: فكنت فيمن ربه فرجناه بالمصلّى) مكان صلاة العيد والجنائز وخبر كان في المجرور ومن بمعنى الذي وصلتها جملة

23 - باب للعاهر الحجر

رجمه والمعنى في جماعة من رجمه، وأعاد الضمير على لفظ من ولو أعاده على معناها لقال فيمن رجموه. وفي الكلام تقديم وتأخير أي: فرجمناه بالمصلّى فكنت فيمن رجمه أو يقدر فكنت فيمن أراد حضور رجمه فرجمناه (فلما أذلقته الحجارة) بالذال المعجمة والقاف أصابته بحدّها وبلغت منه الجهد حتى قلق وجواب لما قوله (هرب فأدركناه بالحرة) الحاء المهملة المفتوحة والراء المشدّدة موضع ذو حجارة سود ظاهر المدينة (فرجمناه) زاد معمر في روايته الآتية إن شاء الله تعالى قريبًا حتى مات قال في مقدمة الفتح: والذي رجمه لما هرب فقتله عبد الله بن أنيس، وحكى الحاكم عن ابن جريج أنه عمر، وكان أبو بكر الصديق رأس الذين رجموه ذكره ابن سعد، وفي حديث نعيم بن هزال: هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه أخرجه أبو داود وصححه الحاكم والترمذي وهو حجة للشافعي ومن وافقه أن الهارب من الرجم إذا كان بالإقرار يسقط عن نفسه الرجم، وعند المالكية لا يترك إذا هرب بل يتبع ويرجم لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يلزمهم ديته مع أنهم قتلوه بعد هربه. وأجيب: بأنه لم يصرح بالرجوع وقد ثبت عليه الحدّ، وعند أبي داود من حديث بريدة قال: كنا أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نتحدّث أن ماعزًا والغامدية لو رجعا لم يطلبهما. وحديث الباب أخرجه مسلم في الحدود والنسائي في الرجم. 23 - باب لِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (للعاهر) أي للزاني (الحجر). 6817 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتِ: اخْتَصَمَ سَعْدٌ وَابْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَاحْتَجِبِى مِنْهُ يَا سَوْدَةُ». زَادَ لَنَا قُتَيْبَةُ عَنِ اللَّيْثِ: وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: اختصم سعد) بسكون العين ابن أبي وقاص (وابن زمعة) عبد في ابن وليدة زمعة وكان عتبة عهد إلى أخيه سعد أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك فلما كان عام الفتح أخذه سعد فقال: ابن أخي عهد إليّ فيه فتساوقا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال سعد: يا رسول الله إن أخي كان عهد إليّ فيه فقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هو لك يا عبد بن زمعة) بضم عبد ونصب ابن (الولد للفراش) أي لصاحب الفراش (واحتجبي منه) من ابن وليدة زمعة واسمه عبد الرَّحمن (يا سودة) استحبابًا للاحتياط، وسودة هي بنت زمعة أم المؤمنين -رضي الله عنها-. قال البخاري بالسند إليه: (زاد لنا قتيبة) بن سعيد، وسقط لنا لأبي ذر، وقال في البيوع: حدّثنا قتيبة (عن الليث) بن سعد (وللعاهر الحجر). 6818 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ». وبه قال: (حدّثنا آدَمُ) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- يقول (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الولد للفراش) حرة كانت أو أمة (وللعاهر الحجر) سبق في الفرائض وغيرها أن المراد بقوله الحجر الخيبة أي لا حق له في النسب، وقيل معناه وللزاني الرجم بالحجر وأنه استبعد بأن ذلك ليس لجميع الزناة بل للمحصن، لكن في ترجمة البخاري هنا إيماء إلى ترجيح القول بأن الرجم بالحجر فيكون المراد منه أن الرجم مشروع للزاني المحصن والله أعلم. والحديث سبق في مواضع. 24 - باب الرَّجْمِ فِى الْبَلاَطِ (باب الرجم في البلاط) ولأبي ذر عن الكشميهني، وفي الفتح وتبعه في العمدة عن المستملي بالبلاط بالموحدة بدل في والباء ظرفية أيضًا موضع معروف عند باب المسجد النبوي وكان مفروشًا بالبلاط وليس المراد الآلة التي يرجم بها. 6819 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: أُتِىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَهُودِىٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَدْ أَحْدَثَا جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُمْ: «مَا تَجِدُونَ فِى كِتَابِكُمْ»؟ قَالُوا: إِنَّ أَحْبَارَنَا أَحْدَثُوا تَحْمِيمَ الْوَجْهِ وَالتَّجْبِيَةَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: ادْعُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِالتَّوْرَاةِ، فَأُتِىَ بِهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ وَجَعَلَ يَقْرَأُ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ سَلاَمٍ: ارْفَعْ يَدَكَ فَإِذَا آيَةُ الرَّجْمِ تَحْتَ يَدِهِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُجِمَا. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَرُجِمَا عِنْدَ الْبَلاَطِ فَرَأَيْتُ الْيَهُودِىَّ أَجْنَأَ عَلَيْهَا. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عثمان) ولأبي ذر زيادة ابن كرامة العجلي الكوفي وهو من أفراده قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم واللام المخففة بينهما خاء معجمة ساكنة القطواني الكوفي أحد مشايخ البخاري روى عنه هنا بالواسطة (عن سليمان) بن بلال أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن دينار) المدني (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بيهودي) أي يسم (ويهودية) اسمها بسرة كما ذكره ابن العربي في أحكام القرآن (وقد أحدثنا جميعًا)

25 - باب الرجم بالمصلى

أي فعلاً أمرًا فاحشًا وهو الزنا (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لهم) أي لليهود: (ما تجدون في) التوراة (كتابكم قالوا: إن أحبارنا) بالحاء المهملة والموحدة أي علماءنا (أحدثوا) ابتكروا (تحميم الوجه) أي تسويده بالفحم (والتجبية) بالفوقية المفتوحة والجيم الساكنة والموحدة المكسورة هو الإركاب معكوسًا وقيل أن يحمل الزانيان على حمار مخالفًا بين وجوههما، وقال في الفتح: المعتمد ما قاله أبو عبيدة التجبية أن يضع اليدين على الركبتين وهو قائم فيصير كالراكع، وقال الفارابي: جبّى بفتح الجيم وتشديد الموحدة قام قيام الراكع وهو عريان. (قال عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام (ادعهم يا رسول الله بالتوراة فأتي بها) بضم الهمزة (فوضع أحدهم) هو عبد الله بن صوريا (يده على آية الرجم) المكتوبة في التوراة (وجعل يقرأ ما قبلها وما بعدها فقال ابن سلام: ارفع يدك) عنها فرفعها (فإذا آية الرجم تحت يده فأمر بهما رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أن يرجما (فرجما) بعد إخراجهما إلى محل الرجم وإنما فعل ذلك إقامة للحجة عليهم وإظهارًا لما كتموه وبدلوه لا ليعرف الحكم ولا لتقليدهم. (قال ابن عمر) -رضي الله عنهما- بالسند السابق: (فرجما عند البلاط) بين السوق والمسجد النبوي وفائدة ذكر البلاط الإشارة إلى جواز الرجم من غير حفيرة لأن المواضع المبلطة لم تحفر غالبًا أو أن الرجم يجوز في الأبنية ولا يختص بالمصلّى ونحوه مما هو خارج المدينة (فرأيت اليهودي أجنأ عليها) بفتح الهمزة والنون بينهما جيم ساكنة آخره همزة مفتوحة أي أكب، ولأبي ذر: أحنى بالحاء المهملة مقصورًا ومعناهما واحد يعني أكب عليها يقيها الحجارة. والحديث أخرجه مسلم. 25 - باب الرَّجْمِ بِالْمُصَلَّى (باب الرجم بالمصلّى) أي عند مصلّى العيد والجنائز وهي من جهة بقيع الغرقد. 6820 - حَدَّثَنِى مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ جَاءَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاعْتَرَفَ بِالزِّنَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَبِكَ جُنُونٌ»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «آحْصَنْتَ» قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ بِالْمُصَلَّى فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ فَرَّ، فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ. لَمْ يَقُلْ يُونُسُ وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ فَصَلَّى عَلَيْهِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمود) وللنسفي محمود بن غيلان وهو المروزي قال: (حدّثنا عبد الرَّزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- (أن رجلاً من أسلم) اسمه ماعز بن مالك (جاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاعترف بالزنا فأعرض عنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى شهد) أقر (على نفسه) به (أربع مرات، فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أبك جنون قال: لا قال: آحصنت) بمد الهمزة أي أتزوجت ودخلت بها وأصبتها (قال: نعم فأمر به) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فرجم بالمصلّى) أي عندها (فلما أذلقته) بالذال المعجمة والقاف أوجعته (الحجارة) أي حجارة الرمي فأل للعهد (فرّ) بالفاء المفتوحة والراء المشددة أي هرب (فأدرك) بضم الهمزة بالحرة (فرجم حتى مات فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيرًا) أي ذكره بخير وفي حديث بريدة عند مسلم فكان الناس فيه فريقين قائل يقول هلك لقد أحاطت به خطيئته وقائل يقول ما توبة أفضل من توبة ماعز، وفيه: لقد تاب توبة لم قسمت على أمة لوسعتهم. وفي حديث أبي عزيزة عند النسائي: لقد رأيته بين أنهار الجنة ينغمس. قال: يعني يتنعم، وفي حديث أبي ذر عند أحمد قد غفر له وأدخله الجنة (وصلّى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عليه) خالف محمود بن غيلان عن عبد الرزاق محمد بن يحيى الذهلي وجماعة عن عبد الرزاق فقالوا في آخره لم يصل عليه (و) قال البخاري: (لم يقل يونس) بن يزيد الأيلي فيما وصله المؤلّف في باب رجم المحصن (وابن جريج) فيما وصله مسلم في روايتهما (عن الزهري) محمد بن مسلم (فصلّى عليه). وزاد في رواية المستملي وحده عن الفربري. سئل أبو عبد الله البخاري هل قوله فصلّى عليه يصح أم لا؟ قال: رواه معمر أي ابن راشد قيل للبخاري أيضًا هل رواه غير معمر قال: لا. قال الحافظ ابن حجر: واعترض على البخاري في جزمه بأن معمرًا روى هذه الزيادة مع أن المنفرد بها إنما هو محمود بن غيلان عن عبد الرزاق، وقد خالفه العدد الكثير من

26 - باب من أصاب ذنبا دون الحد فأخبر الإمام

الحفاظ فصرحوا بأنه لم يصلِّ عليه، لكن ظهر لي أن البخاري قويت عنده رواية محمود بالشواهد، فقد أخرج عبد الرزاق أيضًا وهو في السنن لأبي قرة من وجه آخر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قصة ماعز قال: فقيل يا رسول الله أتصلي عليه؟ قال: لا. فلما كان من الغد قال: "صلوا على صاحبكم" فصلّى عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والناس. قال الحافظ ابن حجر: فهذا الخبر يجمع الاختلاف فتحمل رواية النفي على أنه لم يصل عليه حين رجم ورواية الإثبات على أنه صلّى في اليوم الثاني، وقد اختلف في هذه المسألة فالمعروف عن مالك أنه يكره للإمام وأهل الفضل الصلاة على المرجوم ردعًا لأهل المعاصي وهو قول أحمد، وعند الشافعي لا يكره وهو قول الجمهور. وحديث الباب أخرجه مسلم في الحدود وأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي. 26 - باب مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا دُونَ الْحَدِّ فَأَخْبَرَ الإِمَامَ فَلاَ عُقُوبَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ إِذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا قَالَ عَطَاءٌ: لَمْ يُعَاقِبْهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَلَمْ يُعَاقِبِ الَّذِى جَامَعَ فِى رَمَضَانَ، وَلَمْ يُعَاقِبْ عُمَرُ صَاحِبَ الظَّبْىِ. وَفِيهِ عَنْ أَبِى عُثْمَانَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب من أصاب ذنبًا دون الحد) أي ارتكب ذنبًا لا حد له شرعًا كالقبلة والغمرّة (فأخبر الإمام) به (فلا عقوبة عليه بعد التوبة إذا جاء) إلى الإمام حال كونه (مستفتيًا) بسكون الفاء طالبًا جواب ذلك، ولأبي ذر عن الكشميهني مستعتبًا بالعين المهملة الساكنة بدل الفاء وبعد الفوقية موحدة بدل التحتية من الاستعتاب وهو طلب الرضا وإزالة العتب. وقال في العمدة وللكشميهني: مستغيثًا بالغين المعجمة المكسورة والمثلثة بعد التحتية من الاستغاثة وهي طلب الغوث، وزاد في الفتح عن الكشميهني مستعينًا بالسين المهملة والنون قبل الألف، وفي نسخة مما في الفرع كأصله مستقيلاً بالقاف بدل الفوقية وبعدها تحتية فلام ألف أي طالبًا للإقالة، وغرض البخاري أن الصغيرة بالتوبة يسقط عنها التعزير. (قال عطاء): هو ابن أبي رباح (لم يعاقبه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لم يعاقب الذي أخبره أنه وقع في معصية بل أمهله حتى صلّى معه ثم أخبره أن صلاته كفرت ذنبه (وقال ابن جريج) عبد الملك: (ولم يعاقب) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الذي جامع) أهله (في) نهار (رمضان) بل أعطاه ما يكفر به (ولم يعاقب عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (صاحب الظبي) قبيصة بن جابر إذ اصطاد ظبيًا وهو محرم وإنما أمره بالجزاء ولم يعاقبه عليه وهذا وصله سعيد بن منصور بسند صحيح عن قبيصة (وفيه) أي وفي معنى الحكم المذكور في الترجمة (عن أبي عثمان) عبد الرَّحمن بن مل النهدي (عن ابن مسعود) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر عن أبي مسعود قال الحافظ ابن حجر: وهو غلط والصواب ابن مسعود وزاد أبو ذر عن الكشميهني بعد قوله وسلم مثله وهي زيادة لا حاجة إليها لأنه يصير ظاهره أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يعاقب صاحب الظبي، وهذا وصله المؤلّف في باب الصلاة كفارة في أوائل كتاب المواقيت من رواية سليمان التيمي عن أبي عثمان عن ابن مسعود بلفظ: إن رجلاً أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره فأنزل الله تعالى {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} [هود: 114] فقال: يا رسول الله ألي هذا؟ قال: "لجميع أمتي كلهم". 6821 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَجُلاً وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِى رَمَضَانَ فَاسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ صِيَامَ شَهْرَيْنِ»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن حميد بن عبد الرَّحمن) بن عوف الزهري (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً) اسم سلمة بن صخر فيما رواه ابن أبي شيبة وابن الجارود وبه جزم عبد الغني، وتعقب بأن سلمة هو المظاهر في رمضان، وإنما أتى أهله في الليل رأى خلخالها في القمر. قال الحافظ ابن حجر: والسبب في ظنهم أنه المحترق أن ظهاره من امرأته كان شهر رمضان وجامع ليلاً كما هو صريح في حديثه، وأما المحترق ففيه رواية أبي هريرة أنه أعرابي وأنه جامع نهارًا فتغايرا نعم اشتركا في قدر الكفارة وفي الإتيان بالتمر وفي الإعطاء وفي قول كل منهما على أفقر منا (وقع بامرأته في) نهار (رمضان فاستفتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن ذلك (فقال) له: (هل تجد رقبة) تعتقها (قال: لا) أجدها (قال: هل تستطيع صيام شهرين قال: لا) أستطيع (قال: فأطعم ستين

27 - باب إذا أقر بالحد

مسكينًا). 6822 - وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَتَى رَجُلٌ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْمَسْجِدِ قَالَ: احْتَرَقْتُ قَالَ: «مِمَّ ذَاكَ»؟ قَالَ: وَقَعْتُ بِامْرَأَتِى فِى رَمَضَانَ قَالَ لَهُ: «تَصَدَّقْ» قَالَ: مَا عِنْدِى شَىْءٌ فَجَلَسَ وَأَتَاهُ إِنْسَانٌ يَسُوقُ حِمَارًا وَمَعَهُ طَعَامٌ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: مَا أَدْرِى مَا هُوَ، إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ»؟ فَقَالَ: هَا أَنَا ذَا قَالَ: «خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ» قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ مِنِّى مَا لأَهْلِى طَعَامٌ قَالَ: «فَكُلُوهُ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الْحَدِيثُ الأَوَّلُ أَبْيَنُ قَوْلُهُ أَطْعِمْ أَهْلَكَ. (وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله المؤلّف في التاريخ الصغير والطبراني في الأوسط (عن عمرو بن الحارث) بفتح العين ابن يعقوب أبي أيوب الأنصاري مولاهم أحد الأعلام (عن عبد الرَّحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر التيمي أبي محمد الفقيه ابن الفقيه (عن محمد بن جعفر بن الزبير) بن العوّام (عن عباد بن عبد الله بن الزبير) هو ابن عم محمد بن جعفر (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها قالت: (أتى رجل) هو سلمة بن صخر إن صح (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد) بطيبة في رمضان (قال) ولأبي ذر فقال: (احترقت) أطلق على نفسه أنه احترق لاعتقاده أن مرتكب الإثم يعذب بالنار فهو مجاز عن العصيان أو أنه يحترق يوم القيامة فجعل المتوقع كالواقع وعبّر عنه بالماضي (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (مم ذاك)؟ بغير لام (قال: وقعت بامرأتي) وطئتها (في) نهار (رمضان. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (له تصدّق) فيه اختصار إذ الكفارة مرتبة فإن التصدق بعد الإعتاق والصيام (قال: ما عندي شيء) أتصدق به (فجلس) الرجل (فأتاه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إنسان) أي أعرف اسمه (يسوق حمارًا ومعه طعام قال): ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فقال (عبد الرَّحمن) بن القاسم: (ما أدري ما هو) أي الطعام في رواية أبي هريرة التصريح بأنه تمر في مكتل (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أين المحترق)؟ أثبت له وصف الاحتراق إشارة إلى أنه لو أصر على ذلك لاستحق ذلك (فقال: ها أنا ذا) يا رسول الله (قال: خذ هذا) الطعام (فتصدق به) كفارة (قال: على أحوج مني)؟ استفهام محذوف الأداة (ما لأهلي طعام. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فكلوه). سقطت الهاء من فكلوه لأبي ذر (قال أبو عبد الله) المؤلّف: (الحديث الأول) المروي عن أبي عثمان النهدي (أبين قوله أطعم أهلك) وسقط قوله: قال أبو عبد الله الخ لأبي ذر. 27 - باب إِذَا أَقَرَّ بِالْحَدِّ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ لِلإِمَامِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ؟. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا أقرّ) شخص (بالحدّ) عند الإمام (ولم يبين) كأن قال: إن أصبت ما يوجب الحدّ فأقمه عليّ (هل للإمام أن يستر عليه)؟ أم لا. 6823 - حَدَّثَنِى عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلاَبِىُّ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَىَّ قَالَ: وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ قَالَ: وَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا قَضَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّلاَةَ قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْ فِىَّ كِتَابَ اللَّهِ. قَالَ: «أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا»؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ -أَوْ قَالَ- حَدَّكَ». وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدثنا (عبد القدوس بن محمد) أي ابن عبد الكبير بن شعيب بن الحبحاب بالحاءين المهملتين والموحدتين البصري العطار من أفراد المؤلّف ليس له في البخاري غير هذا الحديث قال: (حدثني) بالإفراد (عمرو بن عاصم) بفتح العين وسكون الميم (الكلابي) بكسر الكاف وبالموحدة الحافظ قال: (حدّثنا همام بن يحيى) العوذي الحافظ قال: (حدّثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن) عمه (أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجاءه رجل) هو أبو اليسر بن عمرو واسمه كعب قاله في المقدمة (فقال: يا رسول الله إني أصبت) فعلاً يوجب (حدًّا فأقمه عليّ. قال) أنس: (ولم يسأله) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عنه) أي لم يستفسره لأنه قد يدخل في التجسس المنهي عنه أو إيثارًا للستر (قال) أنس: (وحضرت الصلاة فصلّى) الرجل (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما قضى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصلاة قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدًّا فأقم فيّ كتاب الله) أي ما حكم به تعالى في كتابه من الحدّ (قال): (أليس قد صليت معنا؟ قال: نعم. قال: فإن الله قد غفر لك ذنبك -أو قال- حدّك) أي ما يوجب حدّك، والشك من الراوي، ويحتمل أن يكون -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اطلع بالوحي على أن الله قد غفر له لكونها واقعة عين وإلاّ لكان يستفسره عن الحد ويقيمه عليه قاله الخطابي، وجزم النووي وجماعة أن الذنب الذي فعله كان من الصغائر بدليل قوله: إنه كفرته الصلاة بناء على أن الذي تكفره الصلاة من الذنوب الصغائر لا الكبائر. 28 - باب هَلْ يَقُولُ الإِمَامُ لِلْمُقِرِّ: لَعَلَّكَ لَمَسْتَ أَوْ غَمَزْتَ؟ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (هل يقول الإمام للمقر) بالزنا (لعلك لمست) المرأة (أو غمزتـ) ـها بعينك أو بيدك. 6824 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِىُّ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِى قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ: «لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ»؟ قَالَ: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَنِكْتَهَا»؟ لاَ يَكْنِى قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ. وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا بالجمع (عبد الله بن محمد الجعفي) المسندي قال: (حدّثنا وهب بن جرير)

29 - باب سؤال الإمام المقر هل أحصنت؟

بفتح الجيم قال: (حدّثنا أبي) جرير بن حازم بن زيد البصري (قال: سمعت يعلى بن حكيم) الثقفي مولاهم البصري (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما أتى ماعز بن مالك) الأسلمي (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقال: إنه زنى فأعرض عنه فأعاد عليه مرارًا فسأل قومه: أمجنون هو؟ قالوا: ليس به بأس. أخرجه أحمد وأبو داود عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس بسند على شرط البخاري (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (له): (لعلك قبّلت) المرأة فالمفعول محذوف للعلم به (أو غمزتـ) ـها بعينك أو بيدك وعند الإِسماعيلي بلفظ لعلك قبلت أو لمست (أو نظرت) إليها فأطلق على كل ذلك زنا لكنه لا حد في ذلك (قال: لا يا رسول الله. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أنكتها)؟ بهمزة استفهام فنون مكسورة فكاف ساكنة ففوقية فهاء فألف من النيك (لا يكنى) بفتح التحتية وسكون الكاف وكسر النون من الكناية أي أنه ذكر هذا اللفظ صريحًا ولم يكنّ عنه بلفظ آخر كالجماع لأن الحدود لا تثبت بالكنايات، وفي حديث نعيم بن هزال عند أبي داود هل ضاجعتها؟ قال: نعم قال: فهل باشرتها؟ قال: نعم قال: هل جامعتها؟ قال: نعم (قال) ابن عباس (فعند ذلك) الإقرار بصريح الزنا (أمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (برجمه) وفيه جواز تلقين المقر في الحدود والتصريح بما يستحيا من التلفظ به للحاجة الملجئة لذلك. 29 - باب سُؤَالِ الإِمَامِ الْمُقِرَّ هَلْ أَحْصَنْتَ؟ (باب سؤال الإمام) الأعظم أو نائبه (المقر) بالزنا (هل أحصنت) أي تزوجت ووطئت. 6825 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِى سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ وَهْوَ فِى الْمَسْجِدِ، فَنَادَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى زَنَيْتُ يُرِيدُ نَفْسَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِى أَعْرَضَ قِبَلَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَجَاءَ لِشِقِّ وَجْهِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِى أَعْرَضَ عَنْهُ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ «أَبِكَ جُنُونٌ»؟ قَالَ: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: «أَحْصَنْتَ»؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «اذْهَبُوا فَارْجُمُوهُ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء وبعد التحتية الساكنة راء جد سعيد واسم أبيه كثير أبو عثمان الأنصاري المصري الحافظ (قال: حدثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدثني) بالإفراد أيضًا (عبد الرَّحمن بن خالد) أمير مصر (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن ابن السيب) سعيد (وأبي سلمة) بن عبد الرَّحمن بن عوف (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل من الناس) ليس من أكابرهم ولا بالمشهور فيهم (وهو) أي والحال أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في المسجد فناداه يا رسول الله: إني زنيت يريد نفسه) ليبين أنه لم يكن مستفتيًا من جهة الغير بل مسند ذلك لنفسه (فأعرض عنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتنحى) بالحاء المهملة أي انتقل الرجل (لشق وجهه) بكسر الشين المعجمة للجانب (الذي أعرض قبله) بكسر القاف وفتح الموحدة مقابلاً له (فقال: يا رسول الله إني زنيت فأعرض) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عنه فجاء لشق وجه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي أعرض عنه فلما شهد على نفسه أربع شهادات) أنه زنى وجواب لما قوله (دعاه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (أبك جنون) الهمزة للاستفهام وجنون مبتدأ والجار متعلق بالخبر والمسوغ للابتداء بالنكرة تقدم الخبر في الظرف وهمزة الاستفهام (قال: لا) ليس بي جنون (يا رسول الله. فقال: أحصنت)؟ استفهام حذفت منه الأداة (قال: نعم) أحصنت (يا رسول الله. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اذهبوا فارجموه). ولأبي ذر: اذهبوا به والباء باء التعدية، ويحتمل الحال أي اذهبوا مصاحبين له فارجموه. 6826 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى مَنْ سَمِعَ جَابِرًا قَالَ: فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ جَمَزَ حَتَّى أَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ. (قال ابن شهاب) الزهري بالسند السابق: (أخبرني) بالإفراد (من سمع جابرًا) هو أبو سلمة بن عبد الرَّحمن (قال): وفي نسخة يقول (فكنت فيمن رجمه) سبق أن تعلقت بالذوات كما هنا تعدت إلى مفعولين الثاني فعل مضارع من الأفعال الصوتية، وقيل هو في محل حال إن كان الأوّل معرفة أو في محل صفة إن كان نكرة وخبر كان في المجرور ومن بمعنى الذي وصلتها جملة رجمه والمعنى في جماعة من رجمه وأعاد على لفظ ولو أعاد على معناها لقال فيمن رجموه (فرجمناه بالمصلّى) أي عند مصلّى الجنائز بالبقيع وفي الكلام تقديم وتأخير أي: فرجمناه بالمصلّى فكنت فيمن رجمه أو كنت فيمن أراد حضور رجمه

30 - باب الاعتراف بالزنا

فرجمناه (فلما أذلقته) بالذال المعجمة الساكنة والقاف أقلقته أو أوجعته. وقال النووي: أي أصابته بحدّها (الحجارة جمز) بفتح الجيم والميم والزاي وثب مسرعًا وليس بالشديد العدو بل كالقفز، وفي حديث أبي سعيد فاشتد واشتددنا خلفه (حتى أدركناه بالحرة) خارج المدينة (فرجمناه) زاد في الرواية السابقة في باب الرجم بالمصلّى حتى مات. وعند الترمذي من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة: في قصة ماعز: فلما وجد مسّ الحجارة فرّ يشتد حتى مرّ برجل معه لحي جمل فضربه به وضربه الناس حتى مات. وعند أبي داود والنسائي من رواية يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه في هذه القصة وجد مسّ الحجارة فخرج يشتد فلقيه عبد الله بن أنيس وقد عجز أصحابه فنزع له وظيف بعير فرماه به فقتله. قال في الفتح: وظاهر هذا يخالف رواية أبي هريرة أنهم ضربوه معه ويجمع بأن قوله فقتله أي كان سببًا في قتله. وفي هذا الحديث منقبة عظيمة لماعز لأنه استمر على طلب إقامة الحدّ عليه مع توبته ليتم تطهيره ولم يرجع عن إقراره مع أن الطبع البشري يقتضي أن لا يستمر، على الإقرار بما يقتضي إزهاق نفسه فجاهد نفسه على ذلك وقوي عليها، وفيه التثبت في إزهاق نفس المسلم والمبالغة في صيانته لما وقع في هذه القصة من ترديده والإيماء إليه بالرجوع والإشارة إلى قبول دعواه إن ادعى خطأ في معنى الزنا ومباشرة دون الفرج مثلاً وأن إقرار المجنون لاغ. 30 - باب الاِعْتِرَافِ بِالزِّنَا (باب) بيان حكم (الاعتراف بالزنا). 6827 و 6828 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنْ فِى الزُّهْرِىِّ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَزَيْدَ بْنَ خَالِدٍ قَالاَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلاَّ قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَامَ خَصْمُهُ، وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ فَقَالَ: اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِى قَالَ: «قُلْ» قَالَ: إِنَّ ابْنِى كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِى أَنَّ عَلَى ابْنِى جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَعَلَى امْرَأَتِهِ الرَّجْمَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ، الْمِائَةُ شَاةٍ وَالْخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا قُلْتُ لِسُفْيَانَ: لَمْ يَقُلْ فَأَخْبَرُونِى أَنَّ عَلَى ابْنِى الرَّجْمَ فَقَالَ: أَشُكُّ فِيهَا مِنَ الزُّهْرِىِّ فَرُبَّمَا قُلْتُهَا وَرُبَّمَا سَكَتُّ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حفظناه) أي الحديث (من في الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أي من فمه وعند الحميدي عن سفيان حدّثنا الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود (أنه سمع أبا هريرة وزيد بن خالد) الجهني -رضي الله عنهما- (قالا: كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهو جالس في المسجد (فقام رجل) أي من الأعراب كما في الشروط ولم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه ولا على اسم خصمه (فقال): يا رسول الله (أنشدك الله) بفتح الهمزة وسكون النون وضم الشين المعجمة والدال المهملة أي أسألك الله أي بالله ومعنى السؤال هنا القسم كأنه قال: أقسمت عليك بالله أو معناه ذكرتك بتشديد الكاف وحينئذٍ فلا حاجة لتقدير حرف الجر فيه، ولذا قال الفارسي: أجروه مجرى ذكرتك وإذا قلنا معناه سأل كان متعديًا لمفعولين ليس ثانيهما المجرور بالباء لفظًا أو تقديرًا كما يتوهمه كثير بل مفعوله الثاني ما يأتي بعده فإذا قلت: أنشدك الله أن تكرمني فالمصدر المؤوّل من أن تكرمني هو مفعوله الثاني وقس على ذلك، ولو قلنا معناه ذكرتك الله فالمراد به الإِقسام عليه فهذان مفعولاه، وحينئذٍ فما بعد على تقدير حرف جر. فإذا قيل: نشدتك الله أن تكرمني كان معناه ذكرتك الله في إكرامي، ثم إن العرب تأتي بعد هذا التركيب بإلاّ مع أن صورة لفظه إيجاب ثم يأتون بعده بفعل ولا يستثنى فيقولون: أنشدك الله إلا فعلت كذا، وذلك لأن المعنى على النفي والحصر فحسن الاستثناء، وأما وقوع الفعل بعد إلا فعلى تأويله بالمصدر وإن لم يكن فيه حرف مصدري لضرورة افتقار المعنى إلى ذلك وهو من المواضع التي يقع فيها الفعل موقع الاسم كما قاله صاحب المفصل. قال: وقد أوقع الفعل المتعدي موقع الاسم المستثنى في قوله: أنشدك الله إلا ما فعلت، وتعقبه البرماوي بأن تقييده بالفعل المتعدي لا معنى له. قال أبو حيان: فهو كلام يعنون به النفي المحصور فيه المفعول. قال: وقد صرح بما المصدرية مع الفعل بعد إلا يعني كما وقع في هذا الحديث بعد أنشدك (إلا ما قضيت بيننا بكتاب الله) أي لا أسألك بالله إلا القضاء بيننا بكتاب الله. قال في العدّة في المسألة مذهبان آخران حكاهما أبو حيان. أحدهما أن إلا جواب القسم لأنها في الكلام على معنى الحصر فدخلت هنا لذلك المعنى كأنك قلت: نشدتك بالله لا تفعل شيئًا إلا كذا فحذف الجواب وترك ما يدل عليه، والثاني قاله في البسيط أن إلا أيضًا جواب

للقسم، لكن على أن الأصل نشدتك الله لتفعلنّ كذا ثم أوقعوا موقع المضارع الماضي ولم يدخلوا لام التوكيد لأنها لا تدخل على الماضي فجعلوا بدلها إلا وحملوها عليها فتلخص أن الاستثناء في هذا التريب مفرّغ، وقوله بكتاب الله أي بما تضمنه كتاب الله أو أن المراد به حكم الله المكتوب على المكلفين من الحدود والأحكام إذا الرجم ليس في القرآن، ويحتمل أن يراد به القرآن وكان ذلك قبل أن تنسخ آية الرجم لفظًا وإنما سألا أن يحكم بينهما بحكم الله، وهما يعلمان أنه لا يحكم إلا بحكم الله ليفصل بينهما بالحكم الصرف لا بالنصائح والترغيب فيما هو الأرفق بهما إذ للحاكم أن يفعل ولكن برضا الخصمين. (فقام خصمه وكان أفقه منه) يحتمل كما قال الحافظ الزين العراقي أن يكون الراوي كان عارفًا بهما قبل أن يتحاكما فوصف الثاني بأنه أفقه من الأول مطلقًا أو في هذه القضية الخاصة أو استدل بحسن أدبه في استئذانه أوّلاً وترك رفع صوته إن كان الأوّل رفعه، والخصم في الأول مصدر خصمه يخصمه إذا نازعه وغالبه، ثم أطلق على المخاصم وصار اسمًا له فلذا يطلق على الواحد والاثنين والأكثر بلفظ واحد مذكرًا كان المخاصم أو مؤنثًا لأنه بمعنى ذو كذا على قول البصريين في رجل عدل ونحوه قال تعالى: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب} [ص: 21] وربما ثني وجمع للتنبيه على فائدة تراد في الكلام نحو لا تخف خصمان ونحو ذلك (فقال): يا رسول الله (افض بيننا بكتاب الله وائذن لي) أي في أن أتكلم وفي رواية ابن أبي شيبة عن سفيان حتى أقول (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قل قال: إن ابني كان عسيفًا) بفتح العين وكسر السين المهملتين وبالفاء أجيرًا (على هذا) أبي عنده أو على بمعنى اللام كقوله تعالى: {وإن أسأتم فلها}. قال الكرماني، وتبعه العيني والبرماوي: وهذا القول الخ من جملة كلام الرجل أي الأول لا الخصم ولعله تمسك بقوله في الصلح، فقال الأعرابي إن ابني بعد قوله في أول الحديث جاء أعرابي، وتعقبه في فتح الباري كما سبق في الصلح بأن هذه الزيادة شاذة والمحفوظ ما في سائر الطرق كما في رواية سفيان هنا فالاختلاف فيه على ابن أبي ذئب (فزنى بامرأته) أي يعرف الحافظ ابن حجر اسمها ولا اسم الابن (فافتديت منه بمائة شاة وخادم) بمائة شاة يتعلق بافتديت، ومنه أي الرجم والشاة تذكر وتؤنث وأصلها شاهة لأن تصغيرها شويهة وشوية والجمع شياه بالهاء تقول ثلاث شياه إلى العشرة فإذا جاوزت فالتاء فإذا كثرت قلت هذه شاء كثير بالهمزة ومن للبدلية كقوله تعالى: ({أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} [التوبة: 38] أي بدل الآخرة (ثم سألت رجالاً من أهل العلم) قال في الفتح: لم أقف على أسمائهم ولا على عددهم (فأخبروني أن على ابني جلد مائة) بإضافة جلد للاحقه كقوله: (وتغريب عام وعلى امرأته الرجم) لإِحصانها (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: و) حق (الذي نفسي بيده) فالذي مع صلته وعائده مقسم به ونفسي مبتدأ وبيده في محل الخبر وبه متعلق حرف الجر وجواب القسم قوله: (لأقضين بينكما بكتاب الله جل ذكره) بتشديد النون للتأكيد ولأبي ذر بينكم بالجمع (المائة شاة والخادم ردّ عليك) وفي الصلح الوليدة ولا تنافي بينهما لأن الخادم يطلق على الذكر والأنثى، وقوله ردّ من إطلاق المصدر على المفعول أي مردود نحو نسج اليمن أي منسوجة لذلك كان بلفظ واحد للواحد والمتعدّد، وقوله المائة شاة هو على مذهب الكوفيين والمعنى أنه يجب رد ذلك إليك وفيه دليل على أن المأخوذ بالعقود الفاسدة كما في هذا الصلح الفاسد لا يملك بل يجب رده على صاحبه. قال في العدة: وهو أجود مما استدل به البخاري من حديث بلال أوّه عين الربا لا تفعل فإن ذاك الحديث ليس فيه أمر بالرد إنما فيه النهي عن مثل هذا (وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام) وهذا يتضمن أن ابنه كان بكرًا وأنه اعترف بالزنا فإن إقرار الأب عليه لا يقبل أو يكون أضمر اعترافه أي إن كان ابنك اعترف بالزنا فعليه جلد مائة وتغريب عام والسابق أوجه لأنه في مقام الحكم وقرينة اعترافه

31 - باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت

حضوره مع أبيه كما في الرواية الأخرى إن ابني هذا وسكوته على ما نسبه إليه وفي رواية عمر بن شعيب كان ابني أجيرًا لامرأة هذا وابني لم يحصن فصرح بكونه بكرًا وفيه التغريب للبكر الزاني وبه تمسك الشافعية خلافًا لأبي حنيفة فلا يقول به لأن إيجابه زيادة على النص والزيادة على النص بخبر الواحد نسخ فلا يجوز (واغد يا أنيس) بضم الهمزة وفتح النون آخره سين مهملة مصغرًا ابن الضحاك الأسلمي على الأصح (على امرأة هذا فإن اعترفت) بالزنا (فارجمها فغدا عليها فاعترفت فرجمها). والمراد بالغدوّ الذهاب كما يطلق الرواح على ذلك وليس المراد حقيقة الغدوّ وهو التبكير في أوّل النهار كما لا يراد بالرواح التوجه نصف النهار، ويدل له رواية مالك ويونس وصالح بن كيسان وأمر أنيسًا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر وإنما بعثه لإِعلام المرأة بأن هذا الرجل قذفها بابنه فلها عليه حدّ القذف فتطالبه به أو تعفو إلا أن تعترف بالزنا فلا يجب عليه حدّ القذف بل عليها حد الزنا وهو الرجم لأنها كانت محصنة فذهب إليها أنيس فاعترفت به فأمر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برجمها فرجمت. قال النووي: كذا أوّله العلماء من أصحابنا وغيرهم ولا بدّ منه لأن ظاهره أنه بعث لطلب إقامة حدّ الزنا وهو غير مراد لأن حدّ الزنا لا يتجسس له بل يستحب تلقين المقر به الرجوع فيتعين التأويل المذكور وفي الحديث أنه يستحب للقاضي أن يصبر على قول أحد الخصمين احكم بيننا بالحق ونحوه إذا تعدى عليه خصمه ونظير ذلك قوله تعالى حكاية عن قول الخصمين اللذين دخلا على داود {فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط} [ص: 22] ويحتمل أن يكون ذلك على حد قوله تعالى: قل رب احكم بالحق في أن المراد التعريض بأن خصمه على الباطل وأن الحكم بالحق سيظهر باطله قال عليّ بن المديني: (قلت لسفيان) بن عينة: (لم يقل) أي الرجل الذي قال إن ابني كان عسيفًا في كلامه (فأخبروني أن على ابني الرجم فقال) سفيان (أشك فيها) أي في سماعها وللمستملي الشك فيها (من الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (فربما قلتها وربما سكت) عنها. والحديث مضى في الوكالة والشروط والنذور وغيرها وأخرجه بقية الستة. 6829 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ عُمَرُ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ: لاَ نَجِدُ الرَّجْمَ فِى كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ أَلاَ وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أَحْصَنَ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَمْلُ أَوْ الاِعْتِرَافُ قَالَ سُفْيَانُ: كَذَا حَفِظْتُ أَلاَ وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) مصغرًا ابن عبد الله بن عتبة (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (لقد خشيت) بفتح الخاء وكسر الشين المعجمتين خفت (أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا) بفتح التحتية وكسر الضاد المعجمة من الضلال (بترك فريضة أنزلها الله) تعالى في كتابه العزيز في قوله: والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة كما روي من طرق عدة متعاضدة أنها كانت متلوّة فنسخت تلاوتها وبقي حكمها معمولاً به (ألا) بالتخفيف (وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن) بفتح الهمزة والصاد والواو وفي وقد للحال (إذا قامت البيّنة) بزناه (أو كان الحمل) بالميم الساكنة ثابتًا ولأبي ذر الحبل بالموحدة المفتوحة بدل الميم (أو الاعتراف) من الزاني أنه زنى. (قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (كذا حفظت) جملة معترضة بين قوله أو الاعتراف وقوله {ألا} بالتخفيف وقد رجم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورجمنا بعده وهذا من قول عمر -رضي الله عنه-. ومطابقة الحديث لما ترجم به من قوله وإن الرجم حق الخ. 31 - باب رَجْمِ الْحُبْلَى مِنَ الزِّنَا إِذَا أَحْصَنَتْ (باب رجم الحبلى من الزنا) ولأبي ذر في الزنا (إذا أحصنت) بأن تزوّجت واتفقوا على أنها لا ترجم إلا بعد الوضع. 6830 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَبَيْنَمَا أَنَا فِى مَنْزِلِهِ بِمِنًى وَهْوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِى آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا إِذْ رَجَعَ إِلَىَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتَ رَجُلاً أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ لَكَ فِى فُلاَنٍ يَقُولُ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلاَنًا فَوَاللَّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِى بَكْرٍ إِلاَّ فَلْتَةً فَتَمَّتْ، فَغَضِبَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ: إِنِّى إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِى النَّاسِ فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ، حِينَ تَقُومُ فِى النَّاسِ وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وَأَنْ لاَ يَعُوهَا وَأَنْ لاَ يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا فَيَعِى أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِى عَقِبِ ذِى الْحَجَّةِ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَجَّلْنَا الرَّوَاحَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، حَتَّى أَجِدَ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِسًا إِلَى رُكْنِ الْمِنْبَرِ فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ تَمَسُّ رُكْبَتِى رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبِلاً قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ: لَيَقُولَنَّ الْعَشِيَّةَ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ فَأَنْكَرَ عَلَىَّ وَقَالَ: مَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّى قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِى أَنْ أَقُولَهَا لاَ أَدْرِى لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَىْ أَجَلِى فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَمَنْ خَشِىَ أَنْ لاَ يَعْقِلَهَا فَلاَ أُحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَىَّ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِى كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وَالرَّجْمُ فِى كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى، إِذَا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الاِعْتِرَافُ ثُمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَنْ لاَ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ أَوْ إِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ أَلاَ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ تُطْرُونِى كَمَا أُطْرِىَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ثُمَّ إِنَّهُ بَلَغَنِى أَنَّ قَائِلاً مِنْكُمْ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَوْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلاَنًا فَلاَ يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِى بَكْرٍ فَلْتَةً، وَتَمَّتْ أَلاَ وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّهَا وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِى بَكْرٍ مَنْ بَايَعَ رَجُلاً عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلاَ يُبَايَعُ هُوَ وَلاَ الَّذِى بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلاَ وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ أَنَّ الأَنْصَارَ، خَالَفُونَا وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِى سَقِيفَةِ بَنِى سَاعِدَةَ، وَخَالَفَ عَنَّا عَلِىٌّ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمَا وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ: فَقُلْتُ لأَبِى بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلاَءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهُمْ لَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلاَنِ صَالِحَانِ فَذَكَرَا مَا تَمَالَى عَلَيْهِ الْقَوْمُ فَقَالاَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْنَا: نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلاَءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالاَ: لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَقْرَبُوهُمُ اقْضُوا أَمْرَكُمْ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِى سَقِيفَةِ بَنِى سَاعِدَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقُلْتُ: مَا لَهُ؟ قَالُوا: يُوعَكُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا قَلِيلاً تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَكَتِيبَةُ الإِسْلاَمِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ

عبد الرَّحمن بن عوف) ولم يعرف الحافظ ابن حجر اسم أحد منهم غيره (فبينما) بالميم (أنا في منزله بمنى) بالتنوين وكسر الميم (وهو عند عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (في آخر حجة حجها) عمر -رضي الله عنه- سنة ثلاث وعشرين وجواب بينما قوله (إذ رجع إليّ) بتشديد الياء (عبد الرَّحمن) بن عوف (فقال: لو رأيت رجلاً) قال في الفتح: لم أقف على اسمه (أتى أمير المؤمنين اليوم) لرأيت عجبًا فالجواب محذوف أو كلمة لو للتمني فلا تحتاج إلى الجواب (فقال: يا أمير المؤمنين هل لك في فلان) لم يسم (يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانًا) قال في في مسند البزار والجعديات بإسناد ضعيف: إن المراد بالذي يبايع له طلحة بن عبيد الله ولم يسم القائل ولا الناقل قال: ثم وجدته في الأنساب للبلاذري بإسناد قوي من رواية هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري بالإسناد المذكور في الأصل ولفظه: قال عمر بلغني أن الزبير قال: لو قد مات عمر لبايعنا عليًّا الحديث وهذا أصح. وقال في الشرح: قوله لقد بايعت فلانًا هو طلحة بن عبيد الله أخرجه البزار من طريق أبي معشر عن زيد بن أسلم عن أبيه، وعن عمر مولى غفرة بضم الغين المعجمة وسكون الفاء قالا قدم على أبي بكر مال فذكر قصة طويلة في قسم الفيء ثم قال: حتى إذا كان من آخر السنة التي حج فيها عمر قال بعض الناس: لو قد مات أمير المؤمنين أقمنا فلانًا يعنون طلحة بن عبيد الله، ونقل ابن بطال عن المهلب أن الذي عنوا أنهم يبايعونه رجل من الأنصار ولم يذكر مستنده، وأبدى الكرماني سؤالاً هنا فقال فإن قلت: لو حرف لازم أن يدخل على الفعل وهاهنا دخل على الحرف. وأجاب: بأن قد هاهنا في تقدير الفعل إذ معناه لو تحقق موته أو قد مقحم. (فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلاّ فلتة) بفتح الفاء وسكون اللام بعدها فوقية ثم تاء تأنيث أي فجأة أي من غير تدبر (فتمت) أي المبايعة بذلك (فغضب عمر) -رضي الله عنه- زاد ابن إسحاق عند ابن أبي شيبة غضبًا ما رأيته غضب مثله منذ كان (ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم) بالميم في اليونينية وفي غيرها بالنون (هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم) بفتح التحتية وسكون الغين المعجمة وكسر الصاد المهملة منصوب بحذف النون، وفي رواية مالك يغتصبوهم بزيادة تاء الافتعال، ويروى أن يغضبونهم بالنون بعد الواو وهي لغة كقوله تعالى: {أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} [البقرة: 238] بالرفع وهو تشبيههم أن بما المصدرية فلا ينصبون بها أي الذين يقصدون أمورًا ليست من وظيفتهم ولا مرتبتهم فيريدون أن يباشروها بالظلم والغضب ولأر ذر عن الكشميهني: أن يعضبوهم بالعين المهملة والضاد المعجمة وفتح أوّله. (قال عبد الرَّحمن) بن عوف -رضي الله عنه- (فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل) ذلك فيه جواز الاعتراض على الإمام في الرأي إذا خشي من ذلك الفتنة واختلاف الكلمة (فإن الموسم يجمع رعاع الناس) براء مفتوحة وعينين مهملتين بينهما ألف الجهلة الأراذل أو الشباب منهم (وغوغائهم) بغينين معجمتين مفتوحتين بينهما واو ساكنة ممدودًا الكثير المختلط من الناس، وقال في الفتح: أصله صغار الجراد حين يبدأ في الطيران ويطلق على السفلة المسرعين إلى الشر (فإنهم هم الذين يغلبون على قربك) بضم القاف وسكون الراء بعدها موحدة أي المكان الذي يقرب منك. قال في الفتح: ووقع في رواية الكشميهني وابن زيد المروزي على قرنك بكسر القاف وبعد الراء نون بدل الموحدة قال: وهو خطأ انتهى. وعزاها في المصابيح للأصيلي وقال: إن الأولى هي الظاهرة انتهى. والذي في حاشية فرع اليونينية كأصلها معزوًّا لأبي ذر عن الكشميهني قومك بالميم بدل النون، وفي رواية ابن وهب عن مالك على مجلسك (حين تقوم في الناس) للخطبة لغلبتهم ولا يتركون المكان القريب إليك لأولي النهي من الناس (وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها) بضم التحتية وفتح الطاء المهملة بعدها تحتية مكسورة مشددة من أطار الشيء إذا أطلقه ولأبي ذر عن الحمويّ يطير بها بفتح التحتية وكسر الطاء

وسكون التحتية (عنك كل مطير) وفي نسخة كل مطير بفتح الميم وكسر الطاء أي يحملونها على غير وجهها (وأن لا يعوها) لا يعرفوا المراد منها (وأن لا يضعوها على مواضعها) وقال في الكواكب وفي بعض الروايات: وأن لا يضعونها بإثبات النون. قال: وترك النصب جائز مع النواصب لكنه خلاف الأفصح وفيه أنه لا يوضع دقيق العلم إلا عند أهل الفهم له والمعرفة بمواضعه دون العام (فأمهل) بقطع الهمزة وكسر الهاء (حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسُّنّة فتخلص) بضم اللام بعدها صاد مهملة مضمومة والذي في الفرع وأصله فتخلص بالنصب مصححًا عليه أي تصل (بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول) بالنصب وصحح عليه في الفرع كأصله (ما قلت) حال كونك (متمكنًا) بكسر الكاف منه (فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها، فقال عمر) -رضي الله عنه- (أما) بتخفيف الميم وألف بعدها حرف استفتاح ولأبي ذر عن الكشميهني أم (والله) بحذف الألف (إن شاء لأقومن بذلك أوّل مقام أقومه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أقوم (بالمدينة) بحذف الضمير (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: (فقدمنا المدينة) من مكة (في عقب ذي الحجة) بفتح العين وكسر القاف عند الأصيلي وعنده غيره بضم فسكون والأوّل أولى لأن الثاني يقال لما بعد التكملة والأوّل لما قرب منها يقال جاء عقب الشهر بالوجهين إذا جاء وقد بقيت منه بقية، وجاء عقبة بضم العين إذا جاء بعد تمامه والواقع لأن قدوم عمر -رضي الله عنه- كان قبل أن ينسلخ ذو الحجة في يوم الأربعاء. (فلما كان يوم الجمعة) برفع يوم أو بالنصب على الظرفية (عجلنا الرواح) بنون الجمع وللأصيلي وأبي ذر وأبي الوقت عجلت بتاء المتكلم وللكشميهني بالرواح، وزاد سفيان فيما رواه البزار وجاءت الجمعة وذكرت ما حدثني عبد الرَّحمن بن عوف فهجرت إلى المسجد (حين زاغت الشمس) زالت عند اشتداد الحرّ (حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) بضم النون وفتح الفاء أحد العشرة (جالساً إلى ركن المنبر) وقوله: حتى أجد بالنصب مصلحة على كشط في الفرع وكذا رأيت النصب في اليونينية. وقال في الكواب: بالرفع. قال ابن هشام: لا يرفع الفعل بعد حتى إلا إذا كان حالاً ثم إن كانت حاليته بالنسبة إلى زمن التكلم فالرفع واجب كقوله: سرت حتى أدخلها إذا قلت ذلك وأنت في حالة الدخول، وإن كانت حاليته ليست حقيقية بل كانت محكية جاز نصبه إذا لم تقدر الحكاية نحو: وزلزلوا حتى يقول الرسول: وقراءة نافع بالرفع بتقدير حتى حالتهم حينئذٍ أن الرسول والذين آمنوا معه يقولون كذا وكذا (فجلست حوله) وفي رواية الإسماعيلي حذوه وفي رواية معمر فجلست إلى جنبه (تمس ركبتي ركبته فلم أنشب) بفتح الهمزة والشين المعجمة بينهما نون ساكنة آخره موحدة أي أمكث (أن خرج عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- بفتح همزة إن أي خرج من مكانه إلى جهة المنبر (فلما رأيته مقبلاً قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل): ليستعد ويحضر فهمه (ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف) وفي رواية مالك لم يقلها أحد (قط قبله فأنكر عليّ) بتشديد الياء استبعادًا لذلك منه لأن الفرائض والسنن قد تقرّرت، وزاد سفيان فغضب سعيد (وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله) وكان القياس كما نبه عليه الكرماني وتبعه البرماوي أن يقول ما عسى أن يقول فكأنه في معنى رجوت وتوقعت (فجلس عمر) -رضي الله عنه- (على المنبر فلما سكت المؤذنون) بالفوقية بعد الكاف من السكوت ضد النطق وضبطها الصغاني سكب بالموحدة بدل الفوقية أي أذنوا فاستعير السكب للإِضافة في الكلام كما يقال أفرغ في أذني كلامًا أي ألقى وصب (قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدّر لي) بضم القاف مبنيًّا للمفعول (أن أقولها لا أدري لعلها بين أيدي أجلي) بقرب وفاتي وهذا من موافقات عمر -رضي الله عنه- التي جرت على لسانه فوقعت كما قال

وفي رواية أبي معشر عند البزار أنه قال في خطبته هذه: فرأيت رؤيا وما ذاك إلا عند اقتراب أجلي رأيت ديكًا نقرني، وفي مرسل سعيد بن المسيب مما في الموطأ أن عمر لما صدر من الحج دعا الله أن يقبضه إليه غير مضيع ولا مفرط. وقال في آخر القصة: فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر -رضي الله عنه- (فمن عقلها) بفتح العين المهملة والقاف (ووعاها) حفظها (فليحدث بها حيث انتهت به راحلته) فيه الحض لأهل العلم والضبط على التبليغ والنشر في الأسفار (ومن خشي أن لا يعقلها) بكسر الشن والقاف (فلا أحل) بضم الهمزة وكسر الحاء المهملة (لأحد) كان الأصل أن يقول لا أحل له ليرجع الضمير إلى الموصول لكن لما كان القصد الربط قام عموم أحد مقام الضمير (أن يكذب علي) بتشديد الياء (إن الله) عز وجل بعث محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحق وأنزل عليه الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه قال ذلك توطئة لما سيقوله رفعًا للريبة ودفعًا للتهمة (فكان مما) ولأبي ذر عن الكشميهني: فيما بالفاء بدل الميم (أنزل الله) في الكتاب (آية الرجم) وهي الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة وآية بالنصب والرفع في اليونينية وقال الطيبي بالرفع اسم كان وخبرها من التبعيضية في قوله مما ففيه تقديم الخبر على الاسم وهو كثير (فقرأناها وعقلناها ووعيناها) ثم نسخ لفظها وبقي حكمها (فلذا رجم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أمر برجم المحصنين (ورجمنا بعده فأخشى) فأخاف (إن) بكسر الهمزة (طال بالناس زمان أن يقول) بفتح الهمزة (قائل) منهم: (والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا) بفتح التحتية (بترك فريضة أنزلها الله) تعالى في كتابه في الآية المذكورة المنسوخة (والرجم في كتاب الله حق) في قوله تعالى {أو يجعل الله لهن سبيلاً} [النساء: 15] بين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن المراد به رجم الثيب وجلد البكر ففي مسند أحمد من حديث عبادة بن الصامت قال: أنزل الله تعالى على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات يوم فلما أسري عنه قال: خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً الثيب بالثيب والبكر بالبكر. الثيب: جلد مائة ورجم بالحجارة، والبكر: جلد مائة ثم نفي سنة ورواه مسلم وأصحاب السنن من طرق بلفظ: خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً. البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب جلد مائة، والرجم قال في شرح المشكاة: التكرير في قوله: خذوا عني يدل على ظهور أمر قد خفي شأنه وأبهم فإن قوله قد جعل الله لهن سبيلاً مبهم في التنزيل ولم يعلم ما تلك السبيل أي الحدّ الثابت في حق المحصن وغيره، وقوله: البكر بالبكر بيان للمبهم وتفصيل للمجمل مصداقًا لقوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل: 44] وقد ذهب الإمام أحمد إلى القول بمقتضى هذا الحديث وهو الجمع بين الجلد والرجم في حق الثيب، وذهب الجمهور إلى أن الثيب الزاني إنما يرجم فقط من غير جلد لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجم ماعزًا والغامدية واليهوديين ولم يجلدهم فدلّ على أن الجلد ليس بمحتم بل هو منسوخ، فعلم أن الرجم في كتاب الله حق (على من رنى إذا أحصن) بضم الهمزة أي تزوّج وكان بالغًا عاقلاً (من الرجال والنساء إذا قامت البيّنة) بالزنا بشرطها المقرر في الفروع (أو كان الحبل) بفتح الحاء المهملة والموحدة أي وجدت المرأة الخلية من زوج أو سيد حبلى ولم تذكر شبهة ولا إكراهًا (أو) كان (الاعتراف) أي الإقرار بالزنا والاستمرار عليه (ثم إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله) عز وجل مما نسخت تلاوته وبقي حكمه (أن لا ترغبوا عن آبائكم) فتنتسبوا إلى غيرهم (فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم) إن استحللتموه أو هو للتغليظ (أو إن كفرًا بكم أن ترغبوا عن آبائكم) بالشك فيما كان من القرآن (ألا) بالتخفيف حرف استفتاح كلام غير السابق (ثم) وفي رواية مالك ألا و (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لا تطروني) بضم الفوقية وسكون المهملة لا تبالغوا في مدحي بالباطل (كما أطري) بضم الهمزة (عيسى ابن مريم) وفي رواية سفيان

كما أطرت النصارى عيسى في جعله إلهًا مع الله أو ابن الله (وقولوا عبد الله ورسوله) وفي رواية مالك: فإنما أنا عبد الله فقولوا عبد الله ورسوله، ووجه إيراد عمر ذلك هنا أنه خاف على من لا قوّة له في الفهم أن يظن بشخص استحقاقه الخلافة فيقوم في ذلك مع أن المذكور لا يستحق فيظن به ما ليس فيه فيدخل في النهي، أو أن الذي وقع منه في مدح أبي بكر ليس من الإِطراء المنهي عنه، ولذا قال: ليس فيكم مثل أبي بكر. (ثم إنه بلغني أن قائلاً منكم يقول والله لو مات) ولأبي ذر: لو قد مات (عمر بايعت فلانًا فلا يغترن) بتشديد الراء والنون (امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة) أي فجأة من غير مشورة مع جميع من كان ينبغي أن يشاوروا، أو المراد أن أبا بكر ومن معه تفلتوا في ذهابهم إلى الأنصار فبايعوا أبا بكر بحضرتهم، وقال ابن حبان: إنما كانت فلتة لأن ابتداءها كان من غير ملأ كثير (وتمت ألا) بالتخفيف (وإنها كانت كذلك) أي فلتة (ولكن الله) بتشديد النون أو تخفيفها (وقى) بتخفيف القاف أي دفع (شرها وليس منكم) ولأبي ذر فيكم (من تقطع الأعناق) أي أعناق الإبل من كثرة السير (إليه مثل أبي بكر) في الفضل والتقدم لأنه سبق كل سابق فلا يطمع أحد أن يقع له مثل ما وقع لأبي بكر رضي الله عنه من المبايعة له أوّلاً في الملأ اليسير ثم اجتماع الناس إليه وعدم اختلافهم عليه لما تحققوا من استحقاقه لما اجتمع فيه من الصفات المحمودة من قوّته في الله ولين جانبه للمسلمين وحسن خلقه وورعه التام فلم يحتاجوا في أمره إلى نظر ولا إلى مشاورة أخرى وليس غيره في ذلك مثله (من بايع رجلاً عن) ولأبي ذر عن الكشميهني كما في الفرع وأصله: من (غير مشورة من المسلمين) بفتح الميم وضم الشين المعجمة وسكون الواو وبسكون الشين وفتح الواو (فلا يبايع هو ولا الذي بايعه) بالموحدة وفتح الياء قبل العين فيهما كذا في الفرع وأصله، وفي فتح الباري فلا يبايع بالموحدة وجاء بالمثناة الفوقية وهو أولى لقوله هو ولا الذي تابعه اهـ. أي من الأتباع (تغرة أن يقتلا) أي المبايع والمبايع، وقوله: تغرة بمثناة فوقية مفتوحة وغين معجمة مكسورة وراء مشددة بعدها هاء تأنيث مصدر غررته إذا ألقيته في الغرر. قال في المصابيح: والذي يظهر لي في إعرابه أن يكون تغرة حالاً على المبالغة أو على حذف مضاف أي: ذا تغرة أي مخافة أن يقتلا فحذف المضاف الذي هو مخافة وأقيم المضاف إليه مقامه وهو تغرة، والمعنى أن من فعل ذلك فقد غرر بنفسه وبصاحبه وعرضهما للقتل (وأنه) بكسر الهمزة (قد كان من خبرنا) بموحدة مفتوحة (حين توفى الله نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الأنصار خالفونا) بفتح الهمزة خبر كان وفي رواية أبي ذر عن المستملي من خيرنا بالتحتية الساكنة بدل الموحدة يعني أبا بكر رضي الله عنه أن الأنصار بكسر الهمزة على أن ابتداء كلام آخر، وفي الفرع كأصله إلا أن الأنصار بكسر الهمزة وتشديد اللام، وقال العيني: إنها بالتخفيف لافتتاح الكلام ينبه بها المخاطب على ما يأتي وأنها على رواية غير المستملي معترضة بين خبر كان واسمها، وسقطت لفظة ألا لأبي ذر كما في الفرع وأصله. (واجتمعوا بأسرهم) بأجمعهم (في سقيفة بني ساعدة) بفتح السين وكسر العين وفتح الدال المهملات أي صفتهم وكانوا يجتمعون عندها لفصل القضايا وتدبير الأمور (وخالف عنا عليّ والزبير ومن معهما) فلم يجتمعوا معنا عندها حينئذٍ (واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار) وفي رواية جويرية عن مالك: فبينا نحن في منزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا برجل ينادي من وراء الجدار: أخرج إليّ يا ابن الخطاب. فقلت: إليك إني مشغول. قال: أخرج إليّ إنه قد حدث أمر إن الأنصار اجتمعوا فأدركهم قبل أن يحدثوا أمرًا يكون بينكم فيه حرب، فقلت لأبي بكر: انطلق (فانطلقنا نريدهم) زاد جويرية فلقينا أبا عبيدة بن الجراح فأخذ أبو بكر بيده يمشي بيني وبينه (فلما دنونا) قربنا (منهم لقينا) بكسر القاف وفتح الياء منهم

(رجلان صالحان) عويم بن ساعدة ومعن بن عدي الأنصاري كما سماهما المصنف في غزوة بدر، وكذا رواه البزار في مسند عمر. قال في المقدمة: وفيه ردّ على من زعم أن عويم بن ساعدة مات في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فذكرا ما تمالى) ولأبي ذر: ما تمالأ بالهمزة أي اتفق (عليه القوم) من أنهم يبايعون لسعد بن عبادة (فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم) لا بعد أن زائدة (اقضوا أمركم) وفي رواية سفيان: أمهلوا حتى تقضوا أمركم (فقلت: والله لنأتينهم فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا رجل مزمّل) بتشديد الميم الثانية مفتوحة أي متلفف بثوبه (بين ظهرانيهم) بفتح الظاء المعجمة والنون في وسطهم (فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا سعد بن عبادة. فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك) بضم التحتية وفتح العين المهملة أي يحصل له الوعك وهو حمى بنافض ولذا زمّل في ثوب. (فلما جلسنا قليلاً تشهد خطيبهم) قال في المقدمة: قيل هو ثابت بن قيس بن شماس وهو الظاهر لأنه خطيب الأنصار (فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فنحن أنصار الله) لدينه (وكتيبة الإسلام) بمثناة فوقية فموحدة وفتح الكاف بوزن عظيمة الجيش المجتمع (وأنتم معشر المهاجرين) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي معاشر المهاجرين (رهط) من ثلاثة إلى عشرة أي فأنتم قليل بالنسبة إلى الأنصار (وقد دفت) بفتح الدال المهملة والفاء المشددة سارت (دافة) بزيادة ألف بين الدال والفاء رفقة قليلة من مكة إلينا من الفقر (من قومكم) أيها المهاجرون (فإذا هم يريدون أن يختزلونا) بفتح التحتية وسكون الخاء المعجمة وفتح الفوقية وكسر الزاي بعدها لام يقطعونا (من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر) أي من الإمارة ويستأثروا بها علينا ويحضنونا بالحاء المهملة الساكنة وضم الضاد المعجمة وتكسر، ولأبي ذر عن المستملي: أي يخرجونا قاله أبو عبيدة كذا في الفرع وأصله أي يخرجونا مع قوله قاله أبو عبيدة يقال: حضنه واحتضنه عن الأمر أخرجه في ناحية عنه واستبد به أو حبسه عنه، وفي رواية أبي عليّ بن السكن مما في فتح الباري يحتصونا بمثناة فوقية قبل الصاد المهملة المشدّدة. قال: وللكشميهني يحصونا بإسقاط الفوقية وهي بمعنى الاقتطاع والاستئصال قال عمر -رضي الله عنه-: (فلما سكت) خطيب الأنصار (أردت أن أتكلم وكنت زوّرت) بفتح الزاي والواو المشددة بعدها ساكنة هيأت وحسنت ولأبي ذر قد زوّرت (مقالة أعجبتني أريد) ولأبي ذر عن الكشميهني أردت (أن أقدمها بين يدي أبي بكر) قال الزهري فيما رأيته في اللامع: أراد عمر بالمقالة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يمت (وكنت أداري) بضم الهمزة وكسر الراء بعدها تحتية وللأصيلي أدارئ بالهمز أدافع (منه بعض) ما يعتريه من (الحدّ) بالحاء المفتوحة والدال المشددة المهملتين أي الحدّة كالغضب ونحوه (فلما أردت أن أتكلم. قال أبو بكر) رضي الله- عنه: (على رسلك) بكسر الراء وسكون السين المهملة أي استعمل الرفق والتؤدة (فكرهت أن أغضبه) بضم الهمزة وسكون الغين وكسر الضاد المعجمتين وبالموحدة، ولأبي ذر عن الكشميهني: أن أعصيه بفتح الهمزة وبالعين والصاد المهملتين ثم التحتية (فتكلم أبو بكر) -رضي الله عنه- (فكان هو أحلم مني) أحلم بالحاء المهملة الساكنة واللام المفتوحة من الحلم وهو الطمأنينة عند الغضب (وأوقر) بالقاف من الوقار التأني في الأمور والرزانة عند التوجه إلى المطالب (والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل) زاد الكشميهني منها (حتى سكت فقال: ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل) زاد ابن إسحاق في روايته عن الزهري أنا والله يا معشر الأنصار ما ننكر فضلكم ولا بلاءكم في الإسلام ولا حقكم الواجب علينا (ولن يعرف) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول (هذا الأمر) أي الخلافة (إلا لهذا الحيّ من قريش هم) أي قريش، ولأبي ذر عن الكشميهني: هو أي

الحي (أوسط العرب) أعدلها وأفضلها (نسبًا ودارًا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا) بكسر المثناة التحتية (أيهما شئتم) فإن قلت: كيف جاز لأبي بكر أن يقول ذلك وقد جحله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إمامًا في الصلاة وهي عمدة الإسلام؟ أجيب: بأنه قاله تواضعًا وأدبًا وعلمًا منه أن كلاًّ منهما لا يرى نفسه أهلاً لذلك مع وجوده وأنه لا يكون للمسلمين إلا إمام واحد. قال عمر: (فأخذ) أبو بكر (بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو) أي أبو بكر (جالس بيننا فلم أكره مما قال) أي أبو بكر (غيرها كان والله أن أقدم) بضم الهمزة وفتح الدال المشددة (فتضرب عنقي لا يقرّبني) بضم أوله وفتح القاف (ذلك) الضرب لعنقي (من إثم) أي ضربًا لا أعصي الله به (أحب إلي) بتشديد الياء (من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر) -رضي الله عنه- (اللهم إلا أن تسوّل) بكسر الواو المشددة أي تزين (إليّ) بالهمزة وتشديد الياء ولأبي ذر لي (نفسي عند الموت شيئًا لا أجده الآن فقال قائل الأنصار): حباب بن المنذر بضم الحاء المهملة وتخفيف الموحدة الأولى البدري، ولأبي ذر عن الكشميهني من الأنصار (أنا جذيلها المحكك) بضم الجيم وفتح الذال المعجمة مصغر الجذل بفتح الجيم وكسرها وسكون المعجمة وهو أصل الشجر ويراد به هنا الجذع الذي تربط إليه الإبل الجرباء وتنضم إليه لتحتك والتصغير للتعظيم والمحكك بضم الميم وفتح الحاء وفتح الكاف الأولى مشددة اسم مفعول ووصفه بذلك لأنه صار أملس لكثرة ذلك يعني أنا ممن يستشفى به كما تستشفي الإبل الجرباء بهذا الاحتكاك (وعذيقها) بالذال المعجمة والقاف مصغر عذق بفتح العين وسكون المعجمة النخلة وبالكسر العرجون (المرجّب) بضم الميم وفتح الراء والجيم المشدّدة بعدها موحدة اسم مفعول من قولك رجبت النخلة ترجيبًا إذا دعمتها ببناء أو غيره خشية عليها لكرامتها وطولها وكثرة حملها أن تقع أو ينكسر شيء من أغصانها أو يسقط شيء من حملها، وقيل هو ضم أعذاقها إلى سعفها وشدها بالخوص لئلا تنفضها الريح أو هو وضع الشوك حولها لئلا تصل إليها الأيدي المتفرقة (منا) معشر الأنصار (أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فكثر اللغط) بفتح اللام والغين المعجمة الصوت والجلبة (وارتفعت الأصوات حتى فرقت) بكسر الراء خفت (من الاختلاف فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر) أبايعك (فبسط يده). وأخرج النسائي من طريق عاصم عن زر بن حبيش بسند حسن أن عمر قال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر أبا بكر أن يؤم بالناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر. وعند الترمذي وحسنه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد قال: قال أبو بكر: ألست أحق الناس بهذا الأمر؟ ألست أول من أسلم؟ ألست صاحب كذا؟ وأخرج الذهلي في الزهريات بسند صحيح عن ابن عباس عن عمر قال: قلت يا معشر الأنصار إن أولى الناس بنبي الله ثاني اثنين إذ هما في الغار ثم أخذت بيده (فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار) بفوقية ساكنة بعد العين (ونزونا) بنون وزاي مفتوحتين وثبنا (على سعد بن عبادة فقال قائل منهم): لم يسم (قتلتم سعد بن عبادة) أي صيرتموه بالخذلان وسلب القوة كالمقتول قال عمر (فقلت: قتل الله سعد بن عبادة) إخبار عما قدره الله تعالى من منعه الخلافة أو دعاء عليه لكونه لم ينصر الحق، واستجيب له فقيل إنه تخلف عن البيعة وخرج إلى الشأم فوجد ميتًا في مغتسله وقد اخضرّ جسده ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلاً يقول ولا يرونه: قد قتلنا سيد الخز ... رج سعد بن عبادة فرميناه بسهمين ... فلم نخط فؤاده (قال عمر) -رضي الله عنه-: (وإنا) بكسر الهمزة وتشديد النون (والله ما وجدنا فيما حضرنا) بسكون الراء. قال الكرماني، وتبعه البرماوي والعيني: أي من دفن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

32 - باب البكران يجلدان وينفيان {الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين * الزانى لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين} [النور: 2 - 3]

(من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر) -رضي الله عنه- لأن إهمال أمر المبايعة كان يؤدي إلى الفساد الكليّ، وأما دفنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكان العباس وعلي وطائفة مباشرين لذلك. وقال في الفتح: فيما حضرنا بصيغة الفعل الماضي ومن أمر في موضع المفعول أي حضرنا في تلك الحالة أمور فما وجدنا منها أقوى من مبايعة أبي بكر، والأمور التي حضرت حينئذٍ الاشتغال بالمشاورة واستيعاب من يكون أهلاً لذلك قال: وجعل بعض الشراح فيها الاشتغال بتجهيزه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مشكل بدفنه وهو محتمل، لكن ليس في سياق القصة إشعار به بل تعليل عمر يرشد إلى الحصر فيما يتعلق بالاستخلاف وهو قوله: (خشينا) أي خفنا (إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا فإما بايعناهم) بالموحدة أوله وللكشميهني تابعناه بالمثناة الفوقية والموحدة قبل الغين (على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فساد) ولأبي ذر والأصيلي فسادًا بالنصب خبر كان (فمن بايع رجلاً على غير مشورة) بضم المعجمة (من المسلمين فلا يتابع) بضم التحتية وفتح الفوقية وبعد الألف موحدة والجزم على النهي وفي اليونينية بالرفع (هو ولا الذي بايعه) بالموحدة وبعد الألف تحتية (تغرّة) بفتح الفوقية وكسر المعجمة وتشديد الراء مفتوحة بعدها هاء تأنيث منونة مخافة (أن يقتلا) فلا يطمعن أحد أن يبايع وتتم له المبايعة كما وقع لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه-. ومطابقة الحديث لما ترجم به في قوله: إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البيّنة. 32 - باب الْبِكْرَانِ يُجْلَدَانِ وَيُنْفَيَانِ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِى لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2 - 3] قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: رَأْفَةٌ: فِى إِقَامَةِ الْحُدُودِ. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (البكران) بكسر الموحدة من الرجال والنساء وهما من لم يجامع في نكاح صحيح إذا زنيا (يجلدان) خبر المبتدأ الذي هو البكران (وينفيان {الزانية والزاني}) مرفوعان على الابتداء والخبر محذوف أي فيما فرض عليكم الزانية والزاني أي جلدهما أو الخبر ({فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}) ودخلت الفاء في فاجلدوا لتضمنهما معنى الشرط إذ اللام بمعنى الذي وتقديره: التي زنت والذي زنى فاجلدوهما والخطاب للأئمة لأن إقامة الحدّ من الدين وهو على الكل، وقدم الزانية لأن الزنا في الأغلب يكون بتعريضها للرجل وعرض نفسها عليه والجلد حكم يخص من ليس بمحصن لما دلّ على أن حدّ المحصن هو الرجم وزاد الشافعي عليه تغريب الحر سنة للحديث وليس في الآية ما يدفعه لينسخ أحدهما الآخر ({ولا تأخذكم بهما رأفة}) رحمة ({في دين الله}) في طاعته إقامة حدوده فتعطلوه أو تسامحوا فيه ({إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}) يوم البعث فإن الإيمان يقتضي الجد في طاعة الله والاجتهاد في إقامة أحكامه ({وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}) ثلاثة أو أربعة عدد شهود الزنا زيادة في التنكيل فإن التفضيح قد ينكل أكثر ما ينكل التعذيب ({الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك}) أي المناسب لكل منهما ما ذكر لأن المشاكلة علة الإلفة ({وحرم ذلك}) أي نكاح الزواني ({على المؤمنين}) [النور: 2، 3] الأخيار نزل ذلك في ضعفة المهاجرين لما هموا أن يتزوجوا بغايا يكرين أنفسهن لينفقن عليهم من اكتسابهن على عادة الجاهلية فقيل التحريم خاص بهم، وقيل عام ونسخ بقوله: {وانكحوا الأيامى منكم} [النور: 32] وسقط لأبي ذر من قوله (إن كنتم تؤمنون) إلخ وقال بعد قوله: {في دين الله} الآية. (قال ابن عيينة) سفيان في تفسير قوله: (رأفة: إقامة الحدود) ولأبي ذر: في إقامة الحدّ. 6831 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُ فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ: جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ. وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم أبو غسان الكوفي قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن سلمة قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن زيد بن خالد الجهني) -رضي الله عنه- أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمر فيمن زنى) رجل أو امرأة (ولم يحصن) بضم أوّله وفتح الصاد (جلد مائة) بنصب جلد على نزع الخافض (وتغريب عام) ولاء إلى مسافة القصر لأن المقصود إيحاشه بالبعد

33 - باب نفى أهل المعاصى والمخنثين

عن الأهل والوطن فأكثر إن رآه الإمام لأن عمر غرّب إلى الشأم، وعثمان إلى مصر، وعليًّا إلى البصرة، ولا يكفي تغريبه إلى ما دون مسافة القصر إذ لا يتم الإيحاش المذكور به لأن الأخبار تتواصل إليه حينئذٍ. وحكى ابن نصر في كتاب الإجماع: الاتفاق على نفي الزاني إلا عند الكوفيين وعليه الجمهور، وادعى الطحاوي أنه منسوخ، واختلف القائلون بالتغريب فقال الشافعي بالتعميم للرجل والمرأة، وفي قول له لا ينفى الرقيق، وخص مالك النفي بالرجل وقيده بالحر، وعن أحمد روايتان واحتج من شرط الحرية بأن في نفي العبد عقوبة لمالكه لمنعه منفعته مدة نفيه وتصرف الشرع يقتضي أن لا يعاقب غير الجاني. وهذا الحديث سبق في الشهادات في باب شهادة القاذف واختصر عبد العزيز من السند ذكر أبي هريرة ومن المتن سياق قصة العسيف واقتصر منها على ما ذكره، ويحتمل أن يكون ابن شهاب اختصره لما حدث به عبد العزيز قاله في الفتح. 6832 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِى عُرْوَةَ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غَرَّبَ، ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تِلْكَ السُّنَّةَ. (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم بالسند السابق (وأخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوام (أن عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (غرّب) وهذا منقطع لأن عروة لم يسمع من عمر لكنه ثبت عن عمر من وجه آخر أخرجه النسائي والترمذي وصححه ابن خزيمة والحاكم من رواية عبيد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضرب وغرب، وأن أبا بكر ضرب وغرب، وأن عمر ضرب وغرب (ثم لم تزل) بفتح الفوقية والزاي (تلك السُّنة) بضم السين المهملة زاد عبد الرزاق في روايته عن مالك حتى غرب مروان ثم ترك الناس ذلك. 6833 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ بِنَفْىِ عَامٍ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي سيد التابعين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى فيمن زنى ولم يحصن) بفتح الصاد مبنيًّا للمفعول (بنفي عام بإقامة الحدّ عليه) أي ملتبسًا بها جامعًا بينهما فالباء بمعنى مع، وفي رواية النسائي أن ينفى عامًّا مع إقامة الحد عليه، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق حجاج بن محمد عن الليث، والمراد بإقامة الحد ما ذكر في رواية عبد العزيز جلد المائة، وأطلق عليها الحدّ لكونها بنص القرآن، وقد تمسك بهذه الرواية من ذهب إلى أن النفي تعزير وأنه ليس جزءًا من الحد. وأجيب: بأن الحديث يفسر بعضه بعضًا وقد وقع التصريح في قصة العسيف من لفظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن عليه جلد مائة وتغريب عام وهو ظاهر في كون الكل حده ولم يختلف على رواته في لفظه فهو أرجح من حكاية الصحابي مع الاختلاف. وهذا الحديث أخرجه النسائي في الرجم. 33 - باب نَفْىِ أَهْلِ الْمَعَاصِى وَالْمُخَنَّثِينَ (باب نفي أهل المعاصي والمخنثين) بفتح الخاء المعجمة والنون. 6834 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: لَعَنَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالْمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ وَقَالَ: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ وَأَخْرَجَ فُلاَنًا وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلاَنًا. وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا يحيى) بن أبي كثير (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المخنثين من الرجال) وهم المتشبهون في كلامهم بالنساء تكسرًا وتعطفًا لا من يؤتى (و) لعن (المترجلات من النساء) اللاتي يتشبهن بالرجال تكلفًا. (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أخرجوهم من بيوتكم وأخرج) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلانًا) هو أنجشة العبد الحادي، وعند أبي داود من طريق أبي هاشم عن أبي هريرة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتي بمخنث قد خضب يديه ورجليه فقال: ما بال هذا؟ قيل: يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع يعني بالنون (وأخرج عمر) -رضي الله عنه- (فلانًا). هو ماتع بفوقية بعد الألف وقيل إنه بالنون، وسقط لغير أبي ذرّ لفظ عمر، وحينئذٍ فالعامل في الأول والثاني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال الكرماني: هما يعني اللذين أخرجهما -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ماتع وهيت بكسر الهاء وسكون التحتية بعدها فوقية. وفي كتاب المغرّبين لأبي الحسن المدايني من طريق الوليد بن سعد قال: سمع عمر قومًا

34 - باب من أمر غير الإمام بإقامة الحد غائبا عنه

يقولون أبو ذؤيب أحسن أهل المدينة فدعا به فقال: أنت لعمري فأخرج من المدينة فقال: إن كنت مخرجي فإلى البصرة حيث أخرجت ابن عمر نصر بن حجاج وساق قصة جعدة السلمي وأنه كان يخرج مع النساء إلى البقيع ويتحدث إليهن حتّى كتب بعض الغزاة إلى عمر يشكو ذلك فأخرجه، وإذا ثبت النفي في حق من لم يقع منه كبيرة فوقوعه فيمن أتى بكبيرة أولى، وعن مسلمة بن محارب عن إسماعيل بن مسلم أن أمية بن يزيد الأسدي ومولى مزينة كانا يحتكران الطعام بالمدينة فأخرجهما عمر -رضي الله عنه-. والحديث سبق في اللباس وأخرجه أبو داود في الأدب وأخرجه الترمذي والنسائي أيضًا. 34 - باب مَنْ أَمَرَ غَيْرَ الإِمَامِ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ غَائِبًا عَنْهُ (باب من أمر غير الإمام) الأوجه كلما نبه عليه في الكواكب أن يقول من أمره الإمام (بإقامة الحد) على مستحقه حال كون الغير أو المقام عليه الحدّ (غائبًا عنه) عن الإمام. وقول الكرماني: إن في قول البخاري من أمر غير الإمام تعجرفًا. قال البرماوي: لا عجرفة فيه إذ عادة البخاري التعميم في المعنى فيقول: باب من فعل كذا فيكون الفاعل لذلك معينًا إشارة إلى أن الحكم عام فقوله من أمر هو الإمام، وقوله غير الإمام أي غيره فأقام الظاهر مقام المضمر لأنه لم يكن قد صرّح به ولكن التركيب غير واضح. 6835 - 6836 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ جَالِسٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ اقْضِ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِكِتَابِ اللَّهِ إِنَّ ابْنِى كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُونِى أَنَّ عَلَى ابْنِى الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ بِمِائَةٍ مِنَ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَزَعَمُوا أَنَّ مَا عَلَى ابْنِى جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ فَقَالَ: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا الْغَنَمُ وَالْوَلِيدَةُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا» فَغَدَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا. وبه قال: (حدّثنا عاصم بن عليّ) الواسطي قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عتبة ابن مسعود (عن أبي هريرة وزيد بن خالد) الجهني -رضي الله عنهما- (أن رجلاً من الأعراب) لم يسم (جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو جالس) في المسجد (فقال: يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اقض) أي بيننا (بكتاب الله) أي بحكم الله الذي قضى به على المكلفين (فقام خصمه) لم يسم (فقال: صدق اقض له يا رسول الله بكتاب الله ان ابني كان عسيفًا) أجيرًا (على هذا) أي له فعلى بمعنى اللام، وهذا من قول الخصم لا من قول الأعرابي خلافًا لما قرره الكرماني وتبعه العيني والبرماوي كما نبه عليه في الفتح وسبق قريبًا في باب الاعتراف بالزنا (فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت) أي منه (بمائة من الغنم ووليدة) وفي باب الاعتراف بالزنا وخادم (ثم سألت أهل العلم فزعموا) وفي الباب المذكور فأخبروني (أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام) لأنه كان بكرًا وأقرّ بالزنا (فقال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (و) الله (الذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما الغنم والوليد فردّ) فمردود (عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، وأما أنت يا أنيس) بضم الهمزة وفتح النون مصغرًا (فاغد على امرأة هذا) فاذهب إليها فإن اعترفت بالزنا (فارجمها فغدا) فذهب (أنيس) إليها فاعترفت بالزنا (فرجمها) لأنها كانت محصنة ولم يكن بعثه إليها لطلب إقامة حدّ الزنا لأن حدّ الزنا لا يتجسس له بل يستحب تلقين المقر الرجوع عنه وإنما بعثه ليعلمها بأن الرجل قذفها بابنه فلها عليه حدّ القذف فتطالبه به أو تعفو عنه والله أعلم. والحديث أخرجه في مواضع كثيرة كالأحكام والوكالة والشروط وأخرجه بقية أصحاب الكتب الستة. 35 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النساء: 25]. (باب قول الله تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولاً}) غنى واعتلاء وأصله الفضل والزيادة وهو مفعول يستطع ({أن ينكح المحصنات المؤمنات}) في موضع نصب بطولاً أو بفعل يقدر صفة له أي ومن لم يستطع منكم أن يعتلي نكاح المحصنات أو من لم يستطع غنى يبلغ به نكاح المحصنات يعني الحرائر لقوله: ({فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات}) إمائكم المؤمنات وفي ظاهره حجة للشافعي حيث حرّم نكاح الأمة على من ملك صداق حرة ومنع نكاح الأمة الكتابية مطلقًا، وجوّزه أبو حنيفة وأوّل التقييد في النص للاستحباب، واستدلّ بأن الإيمان ليس بشرط في الحرائر اتفاقًا مع التقييد به ({والله أعلم بإيمانكم}) فاكتفوا بظاهر الإيمان فإنه العالم بالسرائر وبتفاضل ما بينكم في الأيمان فرب أمة تفضل الحرّة فيه فمن حقكم أن تعتبروا فضل الإيمان فضل النسب، والمراد تأنيسهم

باب إذا زنت الأمة

بنكاح الإماء ومنعهم عن الاستنكاف عنه ويؤيده ({بعضكم من بعض}) أي أنتم وأرقاؤكم متناسبون نسبكم من آدم ودينكم الإسلام ({فانكحوهن بإذن أهلهن}) أي أربابهن واعتبار إذنهنّ مطلقًا لا إشعار له على أن لهنّ أن يباشرن العقد بأنفسهن حتى يحتج به الحنفية فالسيد هو ولي أمته لا تزوّج إلا بإذنه وكذلك هو ولي عبده ليس له أن يتزوّج بغير إذنه كما في الحديث: أيما عبد تزوّج بغير إذن مواليه فهو مجاهر أي زان. وفي الحديث أيضًا: لا تزوّج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها ({وأتوهن أجورهن بالمعروف}) وأدوا إليهنّ مهورهن بغير مطل وضرار وملاك مهورهنّ مواليهنّ فكان أداؤها إليهنّ أداء إلى الموالي لأنهنّ وما في أيديهنّ مال الموالي إذ التقدير فآتوا مواليهنّ فحذف المضاف ({محصنات}) عفائف حال من المفعول في وآتوهن ({غير مسافحات}) زوان علانية ({ولا متخذات أخدان}) زوان سرًّا والأخدان الأخلاء في السر ({فإذا أحصنّ}) بالتزويج ({فإن أتين بفاحشة}) زنا ({فعليهنّ نصف ما على المحصنات}) الحرائر ({من العذاب}) من الحدّ وهو يدل على أن حدّ العبد نصف حدّ الحرّ وأنه لا يرجم لأن الرجم لا يتنصف ({ذلك}) أي نكاح الإماء ({لمن خشي العنت منكم}) لمن خاف الإثم الذي يؤدي إليه غلبة الشهوة ({وإن تصبروا}) أي وصبركم عن نكاح الإماء متعففين ({خير لكم والله غفور}) لمن يصبر ({رحيم}) [النساء: 25] بأن رخص له وسقط لأبي ذر من قوله: ({المؤمنات}) إلى آخره وقال بعد: ({المحصنات}) الآية، وسقط أيضًا للأصيلي من قوله: ({والله أعلم}) إلخ وقال بعد قوله: ({من فتياتكم المؤمنات}) إلى قوله: ({وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم}) وزاد أبو ذر عن المستملي غير مسافحات زواني ولا متخذات أخدان أخلاء، وسبق ولم يذكر في هذا الباب حديثًا كما صرح به الإسماعيلي بل اقتصر على الآية اكتفاء بها عن الحديث المرفوع، نعم أدخل ابن بطال فيه حديث أبي هريرة التالي لهذا الباب. باب إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا زنت الأمة) ما حكمها؟ وسقط الباب والترجمة للأصيلي وعليه شرح ابن بطال كما مرّ. 6837 - 6838 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رضى الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ قَالَ: «إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لاَ أَدْرِى بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الدمشقي الأصل قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) ولأبي ذر زيادة ابن عتبة (عن أبي هريرة وزيد بن خالد) الجهني (-رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سئل عن الأمة إذا زنت) تحدّ أم لا. (ولم تحصن) بفتح الصاد في محل الحال من فاعل زنت وصحبت الواو على المختار عندهم وقد جاءت بغير واو في قوله تعالى: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء} [آل عمران: 174] وسئل مبني لما لم يسم فاعله وسئل يتعدى بعن وتقييد حدها بالإحصان ليس بقيد وإنما هو حكاية حال والمراد بالإحصان هنا ما هي عليه من عفة وحرية لا الإحصان بالتزويج لأن حدّها الجلد سواء تزوّجت أم لا (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذا) ولأبي الوقت: إن (زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها) إنما أعاد الزنا في الجواب غير مقيد بالإحصان للتنبيه على أنه لا أثر له، وأن الموجب في الأمة مطلق الزنا والخطاب في فاجلدوها لملاك الأمة فيدل على أن السيد يقيم على عبده وأمته الحدّ ويسمع البيّنة عليهما، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد والجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم خلافًا لأبي حنيفة في آخرين، واستثنى مالك القطع في السرقة لأن في القطع مثلة فلا يؤمن السيد أن يريد أن يمثل بعبده فيخشى أن يتصل الأمر بمن يعتقد أنه يعتق بذلك فيمنع من مباشرته القطع سدًّا للذريعة (ثم بيعوها) وأتى بثم لأن الترتيب مطلوب لمن يريد التمسك بأمته الزانية وأما من يريد بيعها من أول مرة فله ذلك ولو في قوله: (ولو بضفير) شرطية بمعنى أن أي وإن كان بضفير فيتعلق بضفير بخبر كان المقدرة وحذف كان بعد لو هذه كثير، ويجوز أن يكون التقدير ولو تبيعونها بضفير فيتعلق حرف الجر بالفعل والضفير

36 - باب لا يثرب على الأمة إذا زنت ولا تنفى

بالضاد المعجمة والفاء فعيل بمعنى مفعول وهو الحبل المضفور، وعبّر بالحبل للمبالغة في التنفير عنها وعن مثلها لما في ذلك من الفساد والأمر ببيعها للندب عند الشافعية والجمهور ولا يضر عطفه على الأمر بالحدّ مع كونه للوجوب لأن دلالة الاقتران ليست بحجة عند غير المزني وأبي يوسف، وزعم ابن الرفعة أنه للوجوب ولكن نسخ. (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري بالسند السابق: (لا أدري بعد الثالثة) وفي رواية أبعد بهمزة التسوية وأصلها الاستفهام لكن لما كان المستفهم يستوي عنده الوجود والعدم وكذا المستفهم سميت بذلك أي لا أدري هل يجلدها ثم يبيعها ولو بضفير بعد الزنية الثالثة (أو الرابعة). وفي الحديث أن الزنا عيب يرد به الرقيق للأمر بالحط من قيمة المرقوق إذا وجد منه الزنا كما جزم به النووي، وتوقف فيه ابن دقيق العيد لجواز أن يكون المقصود الأمر بالبيع ولو انحطت القيمة فيكون ذلك متعلقًا بأمر وجودي لا إخبارًا عن حكم شرعي إذ ليس في الحديث تصريح بالأمر بالحط من القيمة انتهى. والحديث سبق في البيع في باب بيع العبد الزاني. 36 - باب لاَ يُثَرَّبُ عَلَى الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلاَ تُنْفَى هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يثرب على الأمة) بضم التحتية وفتح المثلثة وكسر الراء المشددة بعدها موحدة كذا لأبي ذر بكسرها ولغيره بفتحها أي لا يعنفها ولا يوبخها (إذا زنت ولا تنفى) بضم الفوقية وسكون النون وفتح الفاء صيانة لحق مالكها. 6839 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ». تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن سعيد المقبري عن أبيه) كيسان مولى بني ليث (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أنه) أي كيسان (سمعه) أي سمع أبا هريرة (يقول: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا زنت الأمة فتبين) أي تحقق (زناها) وثبت (فليجلدهما) أي سيدها الحدّ الواجب المعروف من صريح الآية. {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} [النساء: 25] (ولا يثرب) أي لا يعيرها. قال البيضاوي: كان تأديب الزناة قبل مشروعية الحدّ التثريب وحده فأمرهم بالحدّ ونهاهم عن الاقتصار على التثريب، وقيل: المراد به النهي عن التثريب بعد الجلد فإنه كفارة لما ارتكبته فلا يجمع عليها العقوبة بالحدّ والتعبير (ثم إن زنت) أي الثانية (فليجلدها ولا يثرب ثم إن زنت الثالثة فليبعها) ندبًا (ولو بحبل من شعر) قيد بالشعر لأنه كان الأكثر في حبالهم. واستنبط من قوله فليبعها عدم النفي لأن المقصود من النفي الإبعاد عن الوطن الذي وقعت فيه المعصية وهو حاصل بالبيع (تابعه) أي تابع الليث (إسماعيل بن أمية عن سعيد) المقبري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في المتن فقط لا في السند لأنه نقص منه قوله عن أبيه ورواية إسماعيل وصلها النسائي من طريق بشر بن المفضل عن إسماعيل بن أمية، ولفظه مثل لفظ الليث إلا أنه قال إن عادت فزنت فليبعها والباقي سواء. وحديث الباب سبق في البيوع والله أعلم. 37 - باب أَحْكَامِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِحْصَانِهِمْ إِذَا زَنَوْا وَرُفِعُوا إِلَى الإِمَامِ (باب) بيان (أحكام أهل الذمة) اليهود والنصارى (و) بيان (إحصانهم إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام) بأنفسهم أو جاء بهم غيرهم للدعوى عليهم. 6840 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِىُّ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى عَنِ الرَّجْمِ فَقَالَ: رَجَمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: أَقَبْلَ النُّورِ أَمْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِى. تَابَعَهُ عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَخَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْمُحَارِبِىُّ وَعَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الشَّيْبَانِىِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمَائِدَةُ. وَالأَوَّلُ أَصَحُّ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري البصري ويقال له التبوذكي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا الشيباني) بفتح الشين المعجمة وسكون التحتية بعدها موحدة فألف فنون فتحتية سليمان بن أبي سليمان فيروز الكوفي قال: (سألت عبد الله بن أبي أوفى) واسمه علقمة بن خالد الأسلمي (عن الرجم) أي عن حكم رجم من ثبت أنه زنى وهو محصن (فقال: رجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: أقبل) نزول آية سورة (النور) الزانية والزاني (أم) رجم (بعده؟) بعد النزول، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بعد بضم الدال من غير ضمير (قال: لا أدري) فيه دلالة على أن الصحابي الجليل قد يخفى عليه بعض الأمور الواضحة وأن الجواب بلا أدري من العالم لا عيب عليه فيه بل يدل على تحريه وتثبته (تابعه) أي تابع عبد الواحد (علي بن مسهر) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء بعدها راء أبو الحسن القرشي

الكوفي فيما وصله ابن أبي شيبة (وخالد بن عبد الله) الطحان فيما وصله المؤلّف في باب رجم المحصن (والمحاربي) بضم الميم بعدها حاء مهملة وبعد الألف راء مكسورة فموحدة عبد الرحمن بن محمد الكوفي (وعبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة وسكون التحتية (ابن حميد) بضم الحاء المهملة وفتح الميم الضبي الكوفي فيما وصله الإسماعيلي الأربعة (عن الشيباني) سليمان في روايته عن عبد الله بن أبي أوفى (وقال بعضهم): هو عبيدة بن حميد أحد المذكورين (المائدة) بدل سورة النور والمائدة رفع في رواية أبي ذر ولغيره بالجر بتقدير سورة المائدة (والأول) القائل سورة النور (أصح). 6841 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا تَجِدُونَ فِى التَّوْرَاةِ فِى شَأْنِ الرَّجْمِ؟» فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ قَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُجِمَا فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَحْنِى عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس بن عبد الله أبو عبد الله الأصبحي ابن أخت مالك وصهره على ابنته قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: إن اليهود) من خيبر وذكر ابن العربي عن الطبري والثعلبي عن المفسرين منهم كعب بن الأشرف، وكعب بن أسعد، وسعيد بن عمرو، ومالك بن الصيف، وكنانة بن أبي الحقيق، وشاس بن قيس، ويوسف بن عازوراء (جاؤوا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في السنة الرابعة في ذي القعدة (فذكروا له أن رجلاً) لم يسم وفتحت أن لسدّها مسدّ المفعول (منهم وامرأة) تسمى بسرة بضم الموحدة وسكون المهملة (زنيا) وقوله منهم يتعلق بمحذوف صفة لرجل وصفة المرأة محذوفة لدلالة ما تقدم عليه فالتقدير وامرأة منهم، ويجوز أن يتعلق منهم بحال من ضمير الرجل والمرأة في زنيا والتقدير أن رجلاً وامرأة زنيا منهم أي في حال كونهما من اليهود، وعند أبي داود من طريق الزهري سمعت رجلاً من مزينة ممن تتبع العلم وكان عند سعيد بن المسيب يحدّث عن أبي هريرة قال: زنى رجل من اليهود بامرأة فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه بعث بالتخفيف فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله وقلنا فتيا نبي من أنبيائك قال: فأتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا (فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما تجدون في التوراة) ما مبتدأ من أسماء الاستفهام وتجدون جملة في محل الخبر والمبتدأ والخبر معمول للقول وتقدير الاستفهام أي شيء تجدونه في التوراة فيتعلق حرف الجر بمفعول ثان لتجدون (في شأن الرجم) إنما سألهم إلزامًا لهم بما يعتقدونه في كتابهم الموافق لحكم الإسلام إقامة للحجة عليهم. وإظهارًا لما كتموه وبدّلوه من حكم التوراة فأرادوا تعطيل نصّها ففضحهم الله وذلك إما بوحي من الله إليه أنه موجود في التوراة لم يغير وإما بإخبار من أسلم منهم كعبد الله بن سلام كما يأتي (فقالوا: نفضحهم ويجلدون) بفتح النون والمعجمة بينهما فاء ساكنة أي نجد أن نفضحهم ويجلدوا فيكون نفضحهم معمولاً على الحكاية لنجد المقدّر أي ادعوا أن ذلك في التوراة على زعمهم وهم كاذبون، ويحتمل أن يكون ذلك مما فسروا به التوراة ويكون مقطوعًا عن الجواب أي الحكم عندنا أن نفضحهم ويجلدوا فيكون خبر مبتدأ محذوف بتقدير أن وإنما أتى بأحد الفعلين مبنيًّا للفاعل والآخر مبنيًّا للمفعول إشارة إلى أن الفضيحة موكولة إليهم إلى اجتهادهم أي نكشف مساوئهم، وفي رواية أيوب عن نافع في التوحيد قالوا: نسخم وجوههما ونخزيهما. وفي رواية عبيد الله بن عمر قالوا: نسوّد وجوههما ونحممهما ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما. (قال عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام (كذبتم إن فيها الرجم) فائتوا بالتوراة (فأتوا بالتوراة فنشروها) أي فتحوا التوراة وبسطوا (فوضع أحدهم) هو عبد الله بن صوريا (يده على آية الرجم) منها (فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم) وقد وقع بيان ما في التوراة من آية الرجم في رواية أبي هريرة ولفظه: المحصن والمحصنة إذا

38 - باب إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنا عند الحاكم والناس هل على الحاكم أن يبعث إليها فيسألها عما رميت به؟

زنيا فقامت عليهما البيّنة رجما وإن كانت المرأة حبلى تربّص بها حتى تضع ما في بطنها. وعند أبي داود من حديث جابر: إنا نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما. زاد البزار من هذا الوجه فإن وجدوا الرجل مع المرأة في بيت أو في ثوب أو على بطها فهي ريبة وفيها عقوبة (قالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم) وفي رواية البزار قال يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فما منعكم أن ترجموهما؟ قالوا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل، وفي حديث البراء نجد الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحدّ فقلنا تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم (فأمر بهما) بالزانيين (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرجما) قال ابن عمر (فرأيت الرجل يحني) بفتح التحتية وسكون الحاء المهملة وكسر النون بعدها تحتية والرؤية بصرية فيكون يحني في موضع الحال وقوله (على المرأة) يتعلق به أي يعطف عليها (يقيها الحجارة) يحتمل أن تكون الجملة بدلاً من يحني أو حالاً أخرى وأل في الحجارة للعهد أي حجارة الرمي، ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني: يجنأ بجيم بدل الحاء المهملة وفتح النون بعدها همزة. قال ابن دقيق العيد: إنه الراجح في الرواية أي أكبّ عليها. وغرض المؤلّف أن الإسلام ليس شرطًا في الإحصان وإلاّ لم يرجم اليهوديين، وإليه ذهب الشافعي وأحمد. وقال المالكية ومعظم الحنفية: شرط الإحصان الإسلام وأجابوا عن حديث الباب بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنما رجمهما بحكم التوراة وليس هو من حكم الإسلام في شيء وإنما هو من باب تنفيذ الحكم عليهم بما في كتابهم فإن في التوراة الرجم على المحصن وغير المحصن. وأجيب: بأنه كيف يحكم عليهم بما لم يكن في شرعه مع قوله تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} [المائدة: 49] وفي قولهم وإن في التوراة الرجم على من لم يحصن نظر لما تقدم من رواية المحصن والمحصنة الخ ... ويؤيده أن الرجم جاء ناسخًا للجلد كما تقدم تقريره ولم يقل أحد أن الرجم شرع ثم نسخ بالجلد، وإذا كان أصل الرجم باقيًا منذ شرع فما حكم عليهما بالرجم بمجرد حكم التوراة بل يشرعه الذي استمر حكم التوراة عليه. والحديث سبق في باب علامات النبوة. 38 - باب إِذَا رَمَى امْرَأَتَهُ أَوِ امْرَأَةَ غَيْرِهِ بِالزِّنَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالنَّاسِ هَلْ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهَا فَيَسْأَلَهَا عَمَّا رُمِيَتْ بِهِ؟ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا رمى) الرجل (امرأته وامرأة غيره بالزنا عند الحاكم و) عند (الناس) كان يقول: امرأتي أو امرأة فلان زنت (هل على الحاكم أن يبعث إليها) أي إلى المرأة المرمية بالزنا (فيسألها عما رميت به) من الزنا وجواب الاستفهام محذوف لم يذكره اكتفاء بما في الحديث تقديره فيه خلاف والجمهور على أن ذلك بحسب ما يراه الحاكم. 6842 - 6843 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَحَدُهُمَا: اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَقَالَ الآخَرُ وَهْوَ أَفْقَهُهُمَا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِى أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ: «تَكَلَّمْ» قَالَ: إِنَّ ابْنِى كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا -قَالَ: مَالِكٌ وَالْعَسِيفُ: الأَجِيرُ- فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُونِى أَنَّ عَلَى ابْنِى الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَبِجَارِيَةٍ لِى ثُمَّ إِنِّى سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ، فَأَخْبَرُونِى أَنَّ مَا عَلَى ابْنِى جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَا وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ» وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأَمَرَ أُنَيْسًا الأَسْلَمِىَّ أَنْ يَأْتِىَ امْرَأَةَ الآخَرِ فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) إمام الأئمة، (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد) الجهني -رضي الله عنهما- (أنهما أخبراه أن رجلين) أي يسميا (اختصما إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال أحدها): يا رسول الله (اقض بيننا بكتاب الله) بحكم الله الذي قضى به على المكلفين (وقال الآخر وهو أفقههما: أجل) بفتح الهمزة والجيم وتخفيف اللام أي نعم (يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي) ولأبي ذر وأذن لي بإسقاط الياء التي بعد الهمزة (أن أتكلم) استدلّ به على كونه أفقه من الآخر (قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (تكلم قال: إن ابني كان عسيفًا على هذا -قال مالك والعسيف الأجير- فزنى بامرأته فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لى) ولأبي ذر عن الكشميهني وجارية لي بإسقاط الموحدة، وفي رواية عمرو بن شعيب فسألت من لا يعلم فأخبرني أن على ابنك الرجم فافتديت منه (ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام وإنما الرجم على امرأته فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما) بالتخفيف (و) الله (الذي نفسي بيده لأقضين

39 - باب من أدب أهله أو غيره دون السلطان

بينكما بكتاب الله أما غنمك) المائة (وجاريتك فردّ عليك) فمردودة عليك (وجلد ابنه مائة) أي أمر من يجلده فجلده (وغرّبه) من موطن الجناية (عامًّا وأمر أنيسًا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر) ليعلمها أن الرجل قذفها بابنه فلها عليه حدّ القذف فتطالبه أو تعفو عنه (فإن اعترفت) أنه زنى بها (فارجمها) أي بعد إعلامي أو فوّض إليه الأمر فإذا اعترفت بحضرة من يثبت ذلك بقولهم يحكم، وقد دلّ قوله فأمر بها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرجمت أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الذي حكم فيها بعد أن أعلمه أنيس باعترافها قاله عياض، ولأبي ذر رجمها فأتاها أنيس فاعلمها وكان لقوله فإن اعترفت مقابلاً يعني فإن أنكرت فاعلمها أن لها مطالبة بحدّ القذف فحذف لوجود الاحتمال فلو أنكرت وطلبت لأجيبت (فاعترفت) بالزنا (فرجمها) بعد أن أعلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باعترافها مبالغة في الاستثبات مع أنه كان علق له رجمها على اعترافها. وفي الحديث أن الصحابة كانوا يفتون في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي بلده. وذكر محمد بن سعد في طبقاته أن منهم أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا وعبد الرحمن بن عوف وأبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وفيه أن الحدّ لا يقبل الفداء وهو مجمع عليه في الزنا والسرقة والحرابة وشرب المسكر، واختلف في القذف والصحيح أنه كغيره. وإنما يجري الفداء في البدن كالقصاص في النفس والأطراف. ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة فيمن قذف امرأة غيره أما من قذف امرأته فمأخوذ من كون زوج المرأة كان حاضرًا ولم ينكر ذلك كذا في الفتح قال: وقد صحح النووي وجوب إرسال الإمام إلى المرأة ليسألها عما رميت به، واحتج ببعث أنيس إلى المرأة وتعقب بأنه فعل وقع في واقعة حال لا دلالة فيه على الوجوب لاحتمال أن يكون سبب البعث ما وقع بين زوجها وبين والد العسيف من الخصام والمصالحة على الحدّ واشتهار القصة حتى صرح والد العسيف بما صرح به ولم ينكر عليه زوجها فالإرسال إلى هذه يختص بمن كان على مثلها من التهمة القوية بالفجور والله أعلم. 39 - باب مَنْ أَدَّبَ أَهْلَهُ أَوْ غَيْرَهُ دُونَ السُّلْطَانِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِذَا صَلَّى فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ وَفَعَلَهُ أَبُو سَعِيدٍ. (باب من أدّب أهله) كزوجته وأرقائه (أو) أدّب (غيره) أي غير أهله (دون) إذن (السلطان) له في ذلك. (وقال أبو سعيد) سعد بن مالك بسكون العين الخدري فيما سبق موصولاً في باب يردّ المصلي من مرّ بين يديه من كتاب الصلاة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إذا صلى فأراد أحد أن يمر بين يديه فليدفعه فإن أبى) امتنع إلا أن يمر (فليقاتله. وفعله) أي دفع المارّ بين يديه حالة صلاته (أبو سعيد) الخدري -رضي الله عنه-، وفعله مذكور في الباب المذكور بلفظ: رأيت أبا سعيد يصلّي فأراد شاب أن يجتاز بين يديه فدفعه أبو سعيد في صدره من غير استئذان حاكم، ولذا لم ينكر عليه مروان بل استفهمه عن السبب فلما ذكره له أقرّه عليه. 6844 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَ أَبُو بَكْرِ - رضى الله عنه - وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِى فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ فَعَاتَبَنِى وَجَعَلَ يَطْعُنُ بِيَدِهِ فِى خَاصِرَتِى وَلاَ يَمْنَعُنِى مِنَ التَّحَرُّكِ إِلاَّ مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: جاء أبو بكر -رضي الله عنه-) في تفسير سورة المائدة بهذا السند أنها قالت: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبالناس وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واضع رأسه على فخدي) بالذال المعجمة قد نام (فقال: حبست رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) حبست (الناس وليسوا على ماء) وليس معهم ماء (فعاتبني) أبو بكر (وجعل يطعن) بضم العين (بيده في خاصرتي ولا يمنعني من التحرك) ولأبي ذر عن الكشميهني من التحوّل بالواو واللام بدل الراء والكاف (إلا مكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) على فخذي (فأنزل الله) تعالى (آية التيمم) في سورة المائدة. وهذا

40 - باب من رأى مع امرأته رجلا فقتله

الحديث سبق في التفسير. 6845 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَكَزَنِى لَكْزَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: حَبَسْتِ النَّاسَ فِى قِلاَدَةٍ فَبِى الْمَوْتُ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ أَوْجَعَنِى نَحْوَهُ، لَكَزَ وَوَكَزَ: وَاحِدٌ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الكوفي نزيل مصر قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن الحارث المصري (أن عبد الرحمن بن القاسم حدّثه عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: أقبل أبو بكر) -رضي الله عنه- أي لما فقدت قلادتها وأقاموا على غير ماء (فلكزني لكزة شديدة) بالزاي فيهما أي ضربني ضربة شديدة (وقال: حبست الناس في قلادة) بكسر القاف (فبي الموت) أي فالموت ملتبس بي (لمكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) على فخذي أخاف انتباهه من نومه (وقد أوجعني) لكز أبي بكر إياي وقوله (نحوه) أي نحو الحديث السابق وزاد أبو ذر عن المستملي (لكز ووكز): بالواو بدل اللام (واحد). في المعنى وهو من كلام أي عبيدة قال: اللكز الضرب بالجمع على الصدر، وقال أبو زيد في جميع الجسد والجمع بضم الجيم وسكون الميم الضرب بجميع الأصابع المضمومة يقال ضربه بجُمع كفه. 40 - باب مَنْ رَأَى مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً فَقَتَلَهُ (باب) حكم (من رأى مع امرأته رجلاً فقتله). 6846 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ وَرَّادٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِى لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّى». وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري قال: (حدّثنا عبد الملك) بن عمير (عن وراد) بفتح الواو والراء المشددة وبعد الألف دال مهملة وللمستملي زيادة كاتب المغيرة (عن المغيرة) بن شعبة أنه (قال: قال سعد بن عبادة) الأنصاري -رضي الله عنه- (لو رأيت رجلاً مع امرأتي) أي غير محرم لها (لضربته بالسيف غير مصفح) بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح الفاء بعدها حاء مهملة غير ضارب بعرضه بل بحدّه للقتل والإهلاك (فبلغ ذلك) الذي قاله سعد (النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (أتعجبون من غيرة سعد) بفتح الغين المعجمة. قال في الصحاح: مصدر قولك غار الرجل على أهله يغار غيرًا وغيرة وغارًا أو ورجل غيور وغيران وجمع غيور غير وجمع غيران غيارى وغيارى ورجل مغيار وقوم مغايير، وامرأة غيور ونسوة غير، وامرأة غيرى ونسوة غيارى، وقال الكرماني: الغيرة المنع أي تمنع من التعلق بأجنبي بنظر أو غيره، وقال في النهاية: الغيرة الحمية والأنفة يقال رجل غيور وامرأة غيور بلا تاء مبالغة كشكور لأن فعولاً يستوي فيه الذكر والأنثى (لأنا أغير منه) بلام التأكيد (والله أغير مني) وغيرة الله تعالى منعه عن المعاصي، وقد اختلف في حكم من رأى مع امرأته رجلاً فقتله فقال الجمهور: عليه القود، وقال الإمام أحمد: إن أقام بيّنة أنه وجده مع امرأته فدمه هدر، وقال إمامنا الشافعي: يسعه فيما بينه وبين الله قتل الرجل إن كان ثيبًا وعلم أنه نال منها ما يوجب الغسل، ولكن لا يسقط عنه القود في ظاهر الحكم، وقال الداوديّ الحديث دال على وجوب القود فيمن قتل رجلاً وجده مع امرأته لأن الله عز وجل وإن كان أغير من عباده فإنه أوجب الشهود في الحدود فلا يجوز لأحد أن يتعدى حدود الله ولا يسقط الدم بدعوى. وقال ابن حبيب: إن كان المقتول محصنًا فالذي ينجي قاتله من القتل أن يقيم أربعة شهداء أنه فعل بامرأته وإن كان غير محصن فعلى قاتله القود وإن أتى بأربعة شهداء. والحديث سبق في أواخر النكاح في باب الغيرة. 41 - باب مَا جَاءَ فِى التَّعْرِيضِ (باب ما جاء في التعريض) بالعين المهملة آخره ضاد معجمة وهو ضد التصريح. 6847 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَاءَهُ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِى وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ فَقَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «مَا أَلْوَانُهَا؟» قَالَ: حُمْرٌ قَالَ: «فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ؟» قَالَ: أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ قَالَ: «فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) إمام دار الهجرة (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاءه أعرابي) اسمه ضمضم بن قتادة رواه عبد الغني بن سعيد في المبهمات وابن فتحون من طريقه وأبو موسى في الذيل، وعند أبي داود من رواية ابن وهب أن أعرابيًّا من فزارة وكذا عند بقية أصحاب الكتب الستة (فقال: يا رسول الله إن امرأتي) لم أقف على اسمها (ولدت غلامًا) لم أقف على اسمه أيضًا (أسود) صفة لغلام وهو لا ينصرف للوزن والصفة أي وأنا أبيض، فكيف يكون ابني فعرض بأن

42 - باب كم التعزير والأدب؟

أمه أتت به من الزنا (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (هل لك من إبل قال) الرجل: (نعم، قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ما ألوانها؟) ما مبتدأ من أسماء الاستفهام وألوانها الخبر (قال) الرجل ألوانها (حمر) جمع أحمر وأفعل فعلاء لا يجمع إلا على فعل (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فيها) ولأبي ذر هل فيها أي جمل (أورق) لا ينصرف كأسود في لونه بياض إلى سواد من الورقة وهو اللون الرمادي ومنه قيل للحمامة ورقاء، ولأبي ذر عن الحموي من أورق بزيادة من في اسم كان الذي هو أورق وزيدت هنا لتقدم الاستفهام الذي هو بمعنى النفي وصح ذلك فيها كما صح في قوله تعالى: {أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر} [الأحقاف: 33] قالوا الباء زائدة في خبر إن لتقدم معنى النفي على الجملة (قال) الرجل (نعم) فيها أورق (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأنّى) بفتح الهمزة والنون المشددة أي من أين (كان ذلك) اللون الأورق وأبواها ليسا بهذا اللون (قال) الرجل (أراه) بضم الهمزة أي أظنه (عرق) بكسر العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف أي أصل من النسب ومنه فلان معرق في النسب والحسب، وفي المثل: العرق نزّاع، والعرق الأصل مأخوذ من عرق الشجر (نزعه) بفتح النون والزاي والعين جذبه إليه وقلبه، وأخرجه من لون أبويه والمعنى أن ورقها إنما جاء لأنه كان في أصولها البعيدة ما كان في هذا اللون (قال) عليه الصلاة والسلام (فلعل ابنك هذا نزعه عرق). قال الخطابي: وإنما سأله عن ألوان الإبل لأن الحيوانات تجري طباع بعضها على مشاكلة بعض في اللون والخلقة وقد يندر منها شيء لعارض فكذلك الآدمي يختلف بحسب نوادر الطباع ونوازع العروق انتهى. وفائدة الحديث المنع عن نفي الولد بمجرد الأمارات الضعيفة بل لا بدّ من تحقق وظهور دليل قويّ كأن لا يكون وطئها أو أتت بولد قبل ستة أشهر من مبدأ وطئها، واستدلّ به الشافعي على أن التعريض بالقذف لا يعطى حكم التصريح فتبعه البخاري حيث أورد هذا الحديث فليس التعريض قذفًا وإلاّ لما كان تعريضًا. وقال المالكية: التعريض من غير الأب إذا أفهم الرمي بالزنا أو اللواط أو نفي النسب كالتصريح في ترتب الحدّ كقوله لمن يخاصمه: أما أنا فلست بزان أو لست بلائط أو أبي معروف وهو ثمانون جلدة والحديث سبق في الطلاق. 42 - باب كَمِ التَّعْزِيرُ وَالأَدَبُ؟ هذا (باب) بالتنوين (كم التعزير والأدب) تنقسم كم إلى استفهامية بمعنى أيّ عدد قليلاً كان أو كثيرًا وإلى خبرية بمعنى عدد كثير والمراد هنا الأول والتعزير مصدر عزر. قال في الصحاح: التعزير التأديب ومنه سمي الضرب دون الحدّ تعزيرًا، وقال في المدارك: وأصل العزر المنع ومنه التعزير لأنه منع من معاودة القبيح انتهى. ومنه عزره القاضي أي أدّبه لئلا يعود إلى القبيح ويكون بالقول والفعل بحسب ما يليق به، وأما الأدب فبمعنى التأديب وهو أعمّ من التعزير لأن التعزير يكون بسبب المعصية بخلاف الأدب ومنه تأديب الوالد وتأديب المعلم. 6848 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إِلاَّ فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ». [الحديث 6848 - طرفاه في: 6849، 6850]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (يزيد بن أبي حبيب) أبو رجاء المصري واسم أبي حبيب سويد (عن بكير بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الكاف ابن الأشج (عن سليمان بن يسار) ضد اليمين (عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله) الأنصاري (عن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء هانئ بن نيار بكسر النون وتخفيف التحتية الأوسي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا يجلد) بضم التحتية وسكون الجيم وفتح اللام جملة معمولة للقول خبر بمعنى الأمر والفعل مبني لما لم يسم فاعله والمفعول محذوف يدل عليه السياق أي لا يجلد أحد (فوق عشر جلدات) بفتحات مصححًا عليه في الفرع كأصله (إلا في حدّ من حدود الله). عز وجل والمجرور متعلق بيجلد فيكون الاستثناء مفرغًا لأن ما قبل إلا عمل فيما بعدها ومن حدود الله متعلق بصفة لحد والتقدير إلاّ في موجب حدّ من حدود الله تعالى. قال في الفتح: ظاهره أن المراد بالحدّ ما ورد فيه

فائدة:

من الشارع عدد من الجلد أو الضرب مخصوص أو عقوبة مخصوصة والمتفق عليه من ذلك أصل الزنا والسرقة وشرب المسكر والحرابة والقذف بالزنا والقتل والقصاص في النفس والأطراف والقتل في الارتداد، واختلف في تسمية الأخيرين حدًّا، واختلف في مدلول هذا الحديث فأخذ بظاهره الإمام أحمد في المشهور عنه، وبعض الشافعية. وقال مالك والشافعي وصاحبا أبي حنيفة: تجوز الزيادة على العشرة، ثم اختلفوا فقال الشافعي لا يبلغ أدنى الحدود وهل الاعتبار بحدّ الحر أو العبد؟ قولان: وقال الآخرون هو إلى رأي الإمام بالغًا ما بلغ وأجابوا عن ظاهر الحديث بوجوه. منها الطعن فيه فإن ابن المنذر ذكر في إسناده مقالاً، وقال الأصيلي اضطرب إسناده فوجب تركه وتعقب بأن عبد الرحمن ثقة، وقد صرح بسماعه في الرواية الآتية وإبهام الصحابي لا يضر، وقد اتفق الشيخان على تصحيحه وهما العمدة في التصحيح، ومنها أن عمل الصحابة بخلافه يقتضي نسخه، فقد كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري أن لا تبلغ بنكال أكثر من عشرين سوطًا، وعن عثمان ثلاثين وضرب عمر أكثر من الحدّ أو من مائة وأقره الصحابة. وأجيب: بأنه لا يلزم في مثل ذلك النسخ. ومنها حمله على واقعة عين بذنب معين أو رجل معين قاله الماوردي وفيه نظر. والحديث أخرجه مسلم في الحدود وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. 6849 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ عَمَّنْ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ عُقُوبَةَ فَوْقَ عَشْرِ ضَرَبَاتٍ، إِلاَّ فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عليّ) بفتح العين وسكون الميم الباهلي البصري الصيرفي قال: (حدّثنا فضيل بن سليمان) بضم الفاء وفتح المعجمة وسليمان بضم السين وفتح اللام النميري الصيرفي البصري قال: (حدّثنا مسلم بن أبي مريم) السلمي قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن جابر) الأنصاري (عمن سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أبهم الصحابي وقد سماه حفص بن ميسرة وهو أوثق من فضيل بن سليمان فيما أخرجه الإسماعيلي فقال عن مسلم بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه، وقال الإسماعيلي: ورواه إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق عن ابن جريج عن مسلم بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن جابر عن رجل من الأنصار قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وهذا لا يعين أحد التفسيرين فإن كلاًّ من جابر وأبي بردة أنصاري قال الإسماعيلي: لم يدخل الليث عن يزيد بين عبد الرحمن وأبي بردة أحدًا وقد وافقه سعيد بن أبي أيوب عن يزيد كذلك، وحاصل الاختلاف هل هو صحابي مبهم أو مسمى الراجح الثاني ثم الراجح أنه أبو بردة بن نيار وهل بين عبد الرحمن وأبي بردة واسطة وهو أبو جابر أو لا. الراجح الثاني أيضًا أنه (قال): (لا عقوبة فوق عشر ضربات) بسكون الشين وضربات بفتح الراء (إلا في حدّ من حدود الله) عز وجل. فائدة: قال بعض المالكية في مؤدب الأطفال لا يزيد على ثلاث. قال ابن دقيق العيد: وهذا تحديد يبعد إقامة الدليل المبين عليه، ولعله أخذه من أن الثلاث اعتبرت في مواضع وفي ذلك ضعف وقد يؤخذ هذا من حديث أول نزول الوحي فإن فيه أن جبريل عليه السلام قال: اقرأ فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما أنا بقارئ" فغطّه ثلاث مرات فأخذ منه أن تنبيه المعلم للمتعلم لا يكون بأكثر من ثلاث. 6850 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، إِذْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ، فَحَدَّثَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ فَقَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَابِرٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بُرْدَةَ الأَنْصَارِىَّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ، إِلاَّ فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الكوفي نزيل مصر قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله قال: (أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن الحارث المصري (أن بكيرًا) بضم الموحدة ابن عبد الله بن الأشجّ (حدّثه قال: بينما) بالميم (أنا جالس عند سليمان بن يسار) ضد اليمين (إذ جاء عبد الرحمن بن جابر فحدّث سليمان بن يسار) نصب على المفعولية (ثم أقبل علينا سليمان بن يسار فقال: حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن جابر أن أباه) جابر بن عبد الله الأنصاري (حدّثه أنه سمع أبا بردة الأنصاري) -رضي الله عنه- (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا تجلدوا) بلفظ الجمع ولأبي الوقت لا يجلد مبنيًّا للمفعول أحد (فوق عشرة أسواط) فوق ظرف وهو نعت لمصدر محذوف أي جلدًا فوق عشرة مضاف إليه وأسواط جمع سوط أي فوق ضربات سوط كما

تقول ضربته عشرة أسواط أي ضربات بسوط فأقيمت الآلة مقام الضرب في ذلك، ومعنى الحديث بطرقه الثلاثة واحد لكن ألفاظه مختلفة، ففي الأول عشر جلدات، وفي الثاني عشر ضربات، وفي الثالث عشرة أسواط. (إلا في حدّ من حدود الله) عز وجل. 6851 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْوِصَالِ فَقَالَ لَهُ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: فَإِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوَاصِلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَيُّكُمْ مِثْلِى إِنِّى أَبِيتُ يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِ» فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنِ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا، ثُمَّ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَوُا الْهِلاَلَ فَقَالَ: «لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ» كَالْمُنَكِّلِ بِهِمْ حِينَ أَبَوْا. تَابَعَهُ شُعَيْبٌ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَيُونُسُ عَنِ الزُّهْرِىِّ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير بضم الموحدة وفتح الكاف المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تحريم أو تنزيه أو ليس نهيًا بل إرشادًا راجعًا إلى مصلحة دنيوية (عن الوصال) في الصوم فرضًا أو نفلاً وهو صوم يومين فصاعدًا من غير أكل وشرب بينهما فإنه وصل الصوم بالصوم ولو قلنا إنه بالليل يصير مفطرًا حكمًا (فقال له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رجال من المسلمين) ولأبي ذر عن الكشميهني رجل بالإفراد ولم يسم (فإنك يا رسول الله تواصل، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أيكم مثلي) بكسر الميم وسكون المثلثة (إني أبيت يطعمني ربي ويسقين) كذا بغير ياء بعد النون في الفرع كالمصحف العثماني في سورة الشعراء وجملة يطعمني حالية أي يجعل فيه قوة الطاعم والشارب أو هو على ظاهره بأن يطعم من طعام الجنة ويسقى من شرابها والصحيح الأول لأنه لو كان حقيقة لم يكن مواصلاً (فلما أبوا) امتنعوا (أن ينتهوا عن الوصال) لظنهم أن النهي للتنزيه (واصل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بهم يومًا ثم يومًا) أي يومين ليبين لهم الحكمة في ذلك (ثم رأوا الهلال فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لو تأخر) الشهر (لزدتكم) في الوصال إلى أن تعجزوا عنه (كالمنكل بهم) بضم الميم وفتح النون وكسر الكاف مشددة أي المعاقب لهم ولأبي ذر لهم باللام بدل الموحدة (حين أبوا) امتنعوا عن الانتهاء عن الوصال. وهذا موضع الترجمة وفيه كما قال المهلب أن التعزير موكول إلى رأي الإمام لقوله: لو امتد الشهر لزدتكم فدلّ أن للإمام أن يزيد على التعزير ما يراه لكن الحديث ورد في عدد من الضرب متعلق بشيء محسوس، وهذا يتعلق بشيء متروك وهو الإمساك عن المفطرات والألم فيه يرجع إلى التجويع والتعطيش وتأثيرهما في الأشخاص متفاوت جدًّا، والظاهر أن الذين واصل بهم كان لهم إقتدار على ذلك في الجملة فأشار إلى أن ذلك لو تمادى حتى ينتهي إلى عجزهم عنه لكان هو المؤثر في زجرهم، فيستفاد منه أن المراد من التعزير ما يحصل به الردع قاله في الفتح. قال في عمدة القارئ: والحديث بهذا الوجه من أفراده. (تابعه) أي تابع عقيلاً (شعيب) هو ابن أبي حمزة فيما رواه المؤلّف في باب التنكيل من كتاب الصيام (ويحيى بن سعيد) الأنصاري فيما وصله الذهلي في الزهريات (ويونس) بن يزيد فيما وصله مسلم الثلاثة في روايتهم (عن الزهري) محمد بن مسلم (وقال عبد الرحمن بن خالد) الفهمي أمير مصر لهشام بن عبد الملك بن مروان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن سعيد) بكسر العين ابن المسيب (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فخالفهم عبد الرحمن فقال: عن سعيد بن المسيب، وسيأتي الكلام على رواية عبد الرحمن هذه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته. 6852 - حَدَّثَنِى عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اشْتَرَوْا طَعَامًا جِزَافًا أَنْ يَبِيعُوهُ فِى مَكَانِهِمْ حَتَّى يُئْوُوهُ إِلَى رِحَالِهِمْ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عياش بن الوليد) بفتح العين المهملة والتحتية المشددة وبعد الألف شين معجمة الرقام البصري قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي قال: (حدّثنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سالم عن) أبيه (عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- (أنهم كانوا يضربون) بضم أوله وفتح ثالثه (على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا اشتروا طعامًا جزافًا) بكسر الجيم وفتحها وضمها وفتح الزاي والكسر هو الذي في اليونينية فقط أي من غير كيل ولا وزن والنصب

43 - باب من أظهر الفاحشة واللطخ والتهمة بغير بينة

بتقدير شراء مجازفة أو على الحال (أن يبيعوه) أي أن لا يبيعوه أو أن مصدرية أي يضربون لبيعهم إياه (في مكانهم حتى يؤووه) حتى للغاية وأن مقدرة بعدها أي إلى إيوائهم إياه (إلى رحالهم) أي منازلهم والمراد به النهي عن بيع المبيع حتى يقبضه وفيه جواز تأديب من خالف الأمر الشرعي بتعاطي العقود الفاسدة ومشروعية إقامة المحتسب في الأسواق قاله في فتح الباري. والحديث سبق في البيوع. 6853 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِنَفْسِهِ فِى شَىْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ حَتَّى تُنْتَهَكَ مِنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة العتكي المروزي الحافظ أبو عبد الرحمن وعبدان لقبه قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: ما انتقم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ما عاقب أحدًا (لنفسه في شيء يؤتى إليه) بضم التحتية وفتح الفوقية بل يعفو عنه كعفوه عن الذي جبذ بردائه حتى أثر في كتفه الشريف (حتى ينتهك) بضم أوله وسكون النون وفتح الفوقية والهاء أي يرتكب شيء (من حرمات الله) عز وجل (فينتقم لله). لا لنفسه ممن ارتكب تلك الحرمة وينتقم نصب عطف على المنصوب السابق. والحديث مطابقته للترجمة من حيث إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ينتقم إذا انتهكت حرمة من حرم الله إما بالضرب أو بغيره فهو داخل في باب التعزير والتأديب، وسبق في صفته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخرجه مسلم في الفضائل. 43 - باب مَنْ أَظْهَرَ الْفَاحِشَةَ وَاللَّطْخَ وَالتُّهَمَةَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ (باب من أظهر الفاحشة) بأن يتعاطى ما يدل عليها عادة (و) من أظهر (اللطخ) بفتح اللام وسكون الطاء المهملة بعدها خاء معجمة قال الجوهري لطخه بكذا فتلطخ به أي لوّثه به فتلوّث ولطخ فلان بشر أي رمي به (و) من أظهر (التهمة) بضم الفوقية وفتح الهاء في الفرع وبسكونها (بغير بيّنة) ولا إقرار ما حكمه؟. 6854 - حَدَّثَنَا عَلِىٌّ بْنُ عَبدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ الزُّهْرِىُّ: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: شَهِدْتُ الْمُتَلاَعِنَيْنِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ زَوْجُهَا: كَذَبْتُ عَلَيْهَا إِنْ أَمْسَكْتُهَا. قَالَ: فَحَفِظْتُ ذَاكَ مِنَ الزُّهْرِىِّ، إِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهْوَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَهُوَ، وَسَمِعْتُ الزُّهْرِىَّ يَقُولُ: جَاءَتْ بِهِ لِلَّذِى يُكْرَهُ. وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني وثبت ابن عبد الله لأبي ذر قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال الزهري) محمد بن مسلم (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء في الأول والعين في الثاني الساعدي -رضي الله عنه- أنه (قال: شهدت المتلاعنين) بفتح النون الأولى عويمر العجلاني وزوجته خولة (وأنا ابن خمس عشرة) زاد أبو ذر سنة فذكر التمييز والواو في وأنا للحال (فرّق) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بينهما فقال زوجها: كذبت عليها) يا رسول الله (إن أمسكتها) فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بطلاقها (قال) سفيان (فحفظت ذاك) بغير لام المذكور بعد (من الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (إن جاءت به) بالولد (كذا وكذا) أي أسود أعين ذا إليتين (فهو) صادق عليها (وإن جاءت به كذا وكذا) أحمر قصيرًا (كأنه وحرة) بفتح الواو والحاء المهملة والراء دويبة كسام أبرص أو دويبة حمراء تلصق بالأرض كالوزغة تقع في الطعام فتفسده فيقال طعام وحر (فهو) كاذب ففيه الكناية والاكتفاء قال سفيان (وسمعت الزهري يقول: جاءت به) أي بالولد (للذي يكره) بضم أوله وفتح ثالثه وهو شبهه بمن رميت به. والحديث سبق في الطلاق. 6855 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُتَلاَعِنَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: هِىَ الَّتِى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا امْرَأَةً عَنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ» قَالَ: لاَ تِلْكَ امْرَأَةٌ أَعْلَنَتْ. وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق أنه (قال: ذكر ابن عباس) -رضي الله عنهما- (المتلاعنين) بلفظ التثنية (فقال عبد الله بن شداد) بالمعجمة والمهملتين الأولى مشدّدة بينهما ألف الليثي (هي التي قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ولو كنت راجمًا امرأة عن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من بالميم المكسورة بدل العين (غير بيّنة). لرجمتها. (قال) ابن عباس (لا تلك امرأة أعلنت) بالفجور والحديث مر في اللعان. 6856 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: ذُكِرَ التَّلاَعُنُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِىٍّ: فِى ذَلِكَ قَوْلاً ثُمَّ انْصَرَفَ، وَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ أَهْلِهِ فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا إِلاَّ لِقَوْلِى فَذَهَبَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِى وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْمِ، سَبِطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ الَّذِى ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ آدَمَ خَدْلاً كَثِيرَ اللَّحْمِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُمَّ بَيِّنْ» فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِى ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَهَا، فَلاَعَنَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَهُمَا فَقَالَ رَجُلٌ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِى الْمَجْلِسِ: هِىَ الَّتِى قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، رَجَمْتُ هَذِهِ» فَقَالَ: لاَ، تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ فِى الإِسْلاَمِ السُّوءَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الفهمي إمام المصريين قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق

44 - باب رمى المحصنات

كذا بإثبات قوله عن القاسم بن محمد في رواية أبي ذر، وقال الحافظ ابن حجر: ووقع لبعضهم بإسقاط القاسم بن محمد من السند وهو غلط وقد أسقطه العيني (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: ذكر التلاعن) بضم الذال المعجمة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر عن الحموي والمستملي المتلاعنان (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال عاصم بن عدي) بفتح العين المهملة وكسر الدال المهملة وتشديد التحتية العجلاني ثم البلوي (في ذلك قولاً ثم انصرف فأتاه) أي أتى عاصمًا (رجل من قومه) هو عويمر (يشكو أنه وجد مع أهله) امرأته (رجلاً) كذا لأبي ذر بإثبات المفعول ولغيره بحذفه (فقال عاصم: ما ابتليت) بضم الفوقية الأولى مبنيًّا للمفعول من الابتلاء (بهذا إلا لقولي فذهب) عاصم (به) بالرجل الذي شكا له (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره بالذي وجد عليه امرأته وكان ذك الرجل مصفرًا) لونه (قليل اللحم سبط العشر) بفتح السين المهملة وسكون الموحدة وكسرها وصحح عليه في الفرع كأصله نقيض الجعد (وكان الذي ادعى عليه أنه وجده عند أهله آدم) بمد الهمزة اسمر شديد السمرة (خدلاً) بفتح الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة وللأصيلي خدلاً بكسرها مع تخفيف اللام فيهما ممتلئ الساق غليظه (كثير اللحم، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اللهم بيّن فوضعت) ولدًا (شبيهًا بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده عندها فلاعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينهما فقال رجل) هو عبد الله بن شداد (لابن عباس في المجلس) مستفهمًا (هي) المرأة (التي قال النبي) ولأبوي ذر والوقت قال رسول الله: (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولو رجمت أحدًا بغير بيّنة رجمت هذه؟ فقال) ابن عباس (لا تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء) لأنه لم يقم عليها البيّنة بذلك ولا اعترفت فدلّ على أن الحد لا يجب بالاستفاضة قال في الفتح ولم أعرف اسم هذه المرأة وكأنهم تعمدوا إبهامها سترًا عليها وعند ابن ماجة بسند صحيح من حديث ابن عباس لو كنت راجمًا أحدًا بغير بيّنة لرجمت فلانة فقد ظهر فيها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها. 44 - باب رَمْىِ الْمُحْصَنَاتِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور الآيتان: 4 - 5] {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23] [النور: 6] {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا} [النور: 4] الآية. (باب) حكم (رمي المحصنات) أي قذف الحرائر العفيفات (وقول الله عز وجل: ({والذين يرمون المحصنات}) يقذفون بالزنا الحرائر العفيفات المسلمات المكلفات والقذف يكون بالزنا وبغيره والمراد هنا قذفهن بالزنا بأن يقولوا يا زانية لذكر المحصنات عقب الزواني ولاشتراط أربعة شهداء بقوله: ({ثم لم يأتوا بأربعة شهداء}) على زناهن برؤيتهم ({فاجلدوهم}) أي كل واحد منهم ({ثمانين جلدة}) إن كان القاذف حرًّا ونصب ثمانين نصب المصادر وجلدة على التمييز ({ولا تقبلوا لهم شهادة}) في شيء ({أبدًا}) ما لم يتب وعند أبي حنيفة إلى آخر عمره ({وأولئك هم الفاسقون}) لإتيانهم كبيرة ({إلا الذين تابوا}) عن القذف ({من بعد ذلك وأصلحوا}) أعمالهم ({فإن الله غفور}) لهم قذفهم ({رحيم}) [النور: 4، 5] بهم بإلهامهم التوبة فيها ينتهي فسقهم وتقبل شهادتهم، وسقط لأبي ذر من قوله: ({ثمانين جلدة}) إلى آخره وقال بعد قوله: ({فاجلدوهم}) الآية. ({إن الذين يرمون}) بالزنا ({المحصنات}) العفائف ({الغافلات}) السليمات الصدور النقيات القلوب اللاتي ليس فيهن دهاء ولا مكر لأنهن لم يجربن الأمور ({المؤمنات}) بما يجب الإيمان به ({لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم}) [النور: 23] جعل القذفة ملعونين في الدارين وتوعدهم بالعذاب الأليم العظيم في الآخرة إن لم يتوبوا وقيل مخصوص بمن قذف أزواجه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسقط لأبي ذر من قوله لعنوا إلى آخر الآية وقال بعد المؤمنات الآية. (وقول الله) تعالى: {والذين يرمون أزواجهم}) بالزنا ({ثم لم يأتوا} الآية}). قال الحافظ أبو ذر الهروي: كذا وقع في البخاري ثم لم والتلاوة ({ولم يكن}) وهذا ثابت في رواية أبي ذر. 6857 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِى الْغَيْثِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّى يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (سليمان) بن بلال (عن ثور بن زيد) بالمثلثة المدني (عن أبي الغيث) بالمعجمة والمثلثة سالم مولى ابن مطيع (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي

45 - باب قذف العبيد

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (اجتنبوا السبع الموبقات) بضم الميم وسكون الواو وكسر الموحدة بعدها قاف فألف ففوقية المهلكات وسميت بذلك لأنها سبب لإهلاك مرتكبها قاله المهلب والمراد بها الكبائر (قالوا: يا رسول الله وما هن؟) الموبقات (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هن (الشرك بالله) بأن تتخذ معه إلهًا غيره (والسحر) بكسر السين وسكون المهملتين وهو أمر خارق للعادة صادر عن نفس شريرة والذي عليه الجمهور أن له حقيقة تؤثر بحيث تغير المزاج (وقتل النفسى التي حرم الله) قتلها (إلا بالحق) كالقصاص والقتل على الردة والرجم (وأكل الربا) وهو في اللغة الزيادة (وأكل مال اليتيم) بغير حق (والتولي يوم الزحف) أي الإعراض والفرار يوم القتال في الجهاد (وقذف المحصنات) بفتح الصاد جمع محصنة مفعولة أي التي أحصنها الله من الزنا وبكسرها اسم فاعلة أي التي حفظت فرجها من الزنا (المؤمنات) فخرج الكافرات (الغافلات) بالغين المعجمة والفاء كناية عن البريئات لأن البريء غافل عما بهت به من الزنا والتنصيص على عدد لا ينفي غيره، إذ ورد في أحاديث أخر كاليمين الفاجرة وعقوق الوالدين والإلحاد في المحرم والتعرب بعد الهجرة وشرب الخمر وقول الزور والغلول والأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله والسرقة وترك التنزه. من البول وشتم أبي بكر وعمر والنميمة ونكث العهد والصفقة وفراق الجماعة. واختلف في حدّ الكبيرة فقيل: كل ما أوجب الحد من المعاصي، وقيل: ما توعد عليه بنص الكتاب أو السنة. وقال الشيخ عز الدّين بن عبد السلام: لم أقف على ضابط للكبيرة يعني يسلم من الاعتراض والأولى ضبطها بما يشعر بتهاون مرتكبها إشعار أصغر الكبائر المنصوص عليها. قال: وضبطها بعضهم بكل ذنب قرن به وعيد أو لعن، وقال ابن الصلاح: لها أمارات منها إيجاب الحد، ومنها الإيعاد عليها بالعذاب بالنار ونحوها في الكتاب والسنة، ومنها وصف فاعلها بالفسق، ومنها اللعن. وقال أبو العباس القرطبي: كل ذنب أطلق عليه بنص كتاب أو سنة أو إجماع أنه كبيرة أو عظيم أو أخبر فيه بشدة العقاب أو علق عليه الحد أو شدة النكير عليه فهو كبيرة. وقال ابن عبد السلام أيضًا: إذا أردت معرفة الفرق بين الصغائر والكبائر فأعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها فإن نقصت عن أقل مفاسد الكبائر فهي من الصغائر وإن ساوت أدنى مفاسد الكبائر فهي من الكبائر، فحكم القاضي بغير الحق كبيرة فإن شاهد الزور متسبب متوسل فإذا جعل السبب كبيرة فالمباشرة أكبر من تلك الكبيرة، فلو شهد اثنان بالزور على قتل موجب للقصاص فسلمه الحاكم إلى الوليّ فقتله وكلهم عالمون بأنهم باطلون فشهادة الزور كبيرة والحكم بها أكبر منها ومباشرة القتل أكبر من الحكم. وحديث الباب سبق في الوصايا والطب. 45 - باب قَذْفِ الْعَبِيدِ (باب) حكم (قذف العبيد) الأرقاء والإضافة فيه إلى المفعول وطوي ذكر الفاعل أو إلى الفاعل. 6858 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِى نُعْمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ وَهْوَ بَرِىءٌ مِمَّا قَالَ: جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن فضيل بن غزوان) بضم الفاء وفتح المعجمة في الأوّل وبفتح المعجمة وسكون الزاي وبعد الواو المفتوحة ألف فنون في الثاني الضبي مولاهم (عن ابن أبي نعم) بضم النون وسكون العين المهملة عبد الرحمن البجلي الزاهد (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت أبا القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من قذف مملوكه) وعند الإسماعيلي من قذف عبده بشيء (وهو) أي والحال أنه (بريء مما قال) سيده عنه (جلد) السيد (يوم القيامة) يوم الجزاء عند زوال ملك السيد المجازي وانفراد الباري تعالى بالملك الحقيقي والتكافؤ في الحدود ولا مفاضلة حينئذٍ إلا بالتقوى (إلا أن يكون) المملوك (كما قال) السيد عنه فلا يجلد، وعند النسائي من حديث ابن عمر: من قذف مملوكه كان لله في ظهره حدّ يوم القيامة إن شاء أخذه إن شاء عفا عنه، وظاهره أنه لا حدّ على السيد في الدنيا إذ لو وجب عليه لذكره. وهذا الحديث

46 - باب هل يأمر الإمام رجلا فيضرب الحد غائبا عنه وقد فعله عمر

أخرجه مسلم في الأيمان والنذور وأبو داود في الأدب والترمذي في البر والنسائي في الرجم. 46 - باب هَلْ يَأْمُرُ الإِمَامُ رَجُلاً فَيَضْرِبُ الْحَدَّ غَائِبًا عَنْهُ وَقَدْ فَعَلَهُ عُمَرُ هذا (باب) بالتنوين (هل يأمر الإمام رجلاً فيضرب الحد) رجلاً وجب عليه الحدّ حال كونه (غائبًا عنه) عن الإمام بأن يقول له اذهب إلى فلان الغائب فأقم عليه الحدّ (وقد فعله عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح عنه ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وفعله عمر بإسقاط قد، وقال في الفتح: ثبت هذا الأثر في رواية الكشميهني. 6859 - 6860 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ قَالاَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلاَّ قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَامَ خَصْمُهُ وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ، فَقَالَ صَدَقَ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «قُلْ» فَقَالَ: إِنَّ ابْنِى كَانَ عَسِيفًا فِى أَهْلِ هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ، وَإِنِّى سَأَلْتُ رِجَالاً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِى أَنَّ عَلَى ابْنِى جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ فَقَالَ: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، الْمِائَةُ وَالْخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَيَا أُنَيْسُ اغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَسَلْهَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) بن واقد الفريابي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني) -رضي الله عنهما- أنهما (قالا: جاء رجل) من الإعراب لم يسم (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): يا رسول الله (أنشدك الله) فعل ومفعول ونصب الجلالة بإسقاط الخافض أي أقسم عليك بالله (إلا قضيت بيننا بكتاب الله) الجملة من قضيت في محل الحال وشرط الفعل الواقع حالاً بعد إلا أن يكون مقترنًا بقد أو يتقدم إلا فعل منفي كقوله تعالى: {وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين} [الأنعام: 4] ولما لم يأت هنا شرط الحال. قال ابن مالك: التقدير ما أسألك إلا فعلك فهي في معنى كلام آخر. قال ابن الأثير: المعنى أسألك وأقسم عليك أن ترفع نشيدتي أو صوتي بأن تلبي دعوتي وتجيبني. وقال ابن مالك في شواهد التوضيح: التقدير ما نشدتك إلا الفعل وبتقدير ابن مالك هنا وفي التسهيل يحصل شرط الحال بعد إلا، وقوله بكتاب الله أي بحكم الله (فقام خصمه) لم يسم (وكان أفقه منه) جملة معترضة لا محل لها من الإعراب (فقال: صدق) يا رسول الله (اقض بيننا بكتاب الله وأذن لي يا رسول الله) أن أقول (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قل) ما في نفسك أو ما عندك (فقال: إن ابني كان عسيفًا) بالعين والسين المهملتين وبالفاء أجيرًا (في) خدمة (أهل هذا فزنى بامرأته) معطوف على كان عسيفًا (فافتديت منه بمائة شاة وخادم وإني سألت رجالاً من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وإن على امرأة هذا الرجم فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (والذي نفسي بيده) أي وحق الذي نفسي بيده فالذي مع صلته وعائده مقسم به ونفسي مبتدأ وبيده في محل الخبر وبه يتعلق حرف الجر وجواب القسم قوله: (لأقضين بينكما بكتاب الله) أي بما تضمنه كتاب الله أو بحكم الله وهو أولى لأن الحكم فيه التغريب والتغريب ليس مذكورًا في القرآن (المائة) شاة (والخادم ردّ) أي مردود (عليك وعلى ابنك جلد مائة) جلد مبتدأ والخبر في المجرور (وتغريب عام) مصدر غرب وهو مضاف إلى ظرفه لأن التقدير أن يجلد مائة وأن يغرب عامًا وليس هو ظرفًا على ظاهره مقدّرًا بفي لأنه ليس المراد التغريب فيه حتى يقع في جزء منه بل المراد أن يخرج فيلبث عامًا فيقدّر يغرب بيغيب أي يغيب عامًا (ويا أنيس) هو رجل من أسلم (اغدُ على امرأة هذا) اذهب إليها متأمرًا عليها وحاكمًا عليها واغد مضمن معنى اذهب لأنهم يستعملون الرواح والغدو بمعنى الذهاب يقولون رحت إلى فلان وغدوت إلى فلان فيعدونها بإلى بمعنى الذهاب، فيحتمل أن يكون أتى بعلى لفائدة الاستعلاء (فسلها) بفتح السين وسكون اللام بلا همز هل تعفو عن الرجل فيما ذكر عنها من القذف أو لا (فإن اعترفت) بالزنا (فارجمها) فذهب أنيس إليها (فاعترفت) بالزنا (فرجمها) بعد أن راجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو بما له من التأمر عليها والحكم من قبله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنما خص أنيسًا لأنه أسلميّ والمرأة أسلمية والحديث سبق. بسم الله الرحمن الرحيم 87 - كتاب الدّيات (كتاب الدّيات) بتخفيف التحتية جمع دية وهي المال الواجب بالجناية على الحرّ في نفس أو فيما دونها وهاؤها عوض عن فاء الكلمة وهي مأخوذة من الودي وهو دفع الدّية يقال وديت القتيل أديه وديًا (وقول الله تعالى): بالرفع قال في الفتح سقطت

1 - باب قول الله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم} [النساء: 93]

الواو لأبي ذر والنسفيّ اهـ. قلت والذي في الفرع كأصله علامة أبي ذر على الواو من غير علامة السقوط وفي مثلها يشير إلى ثبوتها عند من رقم علامته. 1 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] ({ومن يقتل مومنًا متعمدًا}) حال من ضمير القاتل أي قاصدًا قتله لإيمانه وهو كفر أو قتله مستحلاً لقتله وهو كفر أيضًا ({فجزاؤه جهنم}) [النساء: 93] إن جازاه والخلود المذكور بعد المراد به طول المقام. 6861 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ» قَالَ: ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» قَالَ: ثُمَّ أَىٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تُزَانِىَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَصْدِيقَهَا {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أثامًا} [الفرقان: 68]. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد الضبي القاضي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عمرو بن شرحبيل) بفتح العين وسكون الميم في الأول وضم المعجمة وفتح الراء وسكون المهملة وكسر الموحدة آخره لام الهمداني الكوفي أنه (قال: قال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (قال رجل: يا رسول الله) هو عبد الله بن مسعود كما في باب إثم الزناة بلفظ عن عبد الله قال قلت: يا رسول الله (أي الذنب أكبر عند الله؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أن تدعو لله ندًّا) بكسر النون وتشديد المهملة مثلاً وشريكًا (وهو) أي والحال أنه (خلقك قال) ابن مسعود (ثم أيّ؟) قال الزركشي بالتنوين والتشديد على رأي ابن الخشاب قال في المصابيح: بل وعلى قول كل ذي فطرة سليمة وقد سبق الردّ على من أوجب الوقف عليه بالسكون ولم يجز تنوينه بما فيه مقنع في كتاب الصلاة أي أيّ شيء أكبر من الذنوب بعد الكفر (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ثم أن تقتل ولدك أن) ولأبي ذر عن الكشميهني خشية أن (يطعم معك) لأنك لا ترى الرزق من الله وقول الكرماني لا مفهوم له لأن القتل مطلقًا أعظم تعقبه في الفتح بأن لا يمتنع أن يكون الذنب أعظم من غيره وبعض أفراده أعظم من بعض (قال) ابن مسعود: يا رسول الله (ثم أيّ؟) كذا في اليونينية وسبق توجيهه (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ثم إن تزاني بحليلة) بالموحدة ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر حليلة (جارك) بالحاء المهملة أي زوجة جارك (فأنزل الله عز وجل تصديقها) أي تصديق المسألة أو الأحكام أو الواقعة وتصديقها مفعول له: ({والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله}) قتلها ({إلا بالحق}) متعلق بالفعل المحذوف أو بلا يقتلون ({ولا يزنون ومن يفعل ذلك}) أي ما ذكر من الثلاثة ({يلق أثامًا}) [الفرقان: 68] أي عقوبة، وسقط لابن عساكر من قوله: ({ولا يزنون وقال بعد {إلا بالحق} الآية. ولأبي ذر {ولا يزنون} الآية وثبت {يلق أثامًا} للأصيلي ولغير من ذكر بعد قوله: {ومن يفعل ذلك} الآية. 6862 - حَدَّثَنَا عَلِىٌّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِى فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا». [الحديث: 6862 - طرفه في: 6863]. وبه قال: (حدّثنا عليّ) غير منسوب وهو ابن الجعد الجوهري الحافظ وليس هو ابن المديني لأنه لم يدرك إسحاق بن سعيد قال: (حدّثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لن يزال) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لا يزال (المؤمن في فسحة) بضم الفاء وسكون السين وفتح الحاء المهملتين أي سعة (من دينه) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية بعدها نون من الدين (ما لم يصب دمًا حرامًا) بأن يقتل نفسًا بغير حق فإنه يضيق عليه دينه لما أوعد الله على القتل عمدًا بغير حق بما توعد به الكافر. وفي معجم الطبراني الكبير من حديث ابن مسعود بسند رجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعًا مثل حديث ابن عمر موقوفًا، وزاد في آخره: فإذا أصاب دمًا حرامًا نزع منه الحياء، ولأبي ذر عن الكشميهني: لن يزال المؤمن في فسحة من ذنبه بذال معجمة مفتوحة فنون ساكنة بعدها موحدة أي يصير في ضيق بسبب ذنبه لاستبعاده العفو عنه لاستمراره في الضيق المذكور والفسحة في الذنب قبوله للغفران بالتوبة، فإذا وقع القتل ارتفع القبول قاله ابن العربي. قال في الفتح: وحاصله أنه فسره على رأي ابن عمر في عدم قبول توبة القاتل انتهى. والحديث من أفراده. 6863 - حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ مِنْ وَرْطَاتِ الأُمُورِ الَّتِى لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (أحمد بن يعقوب) المسعودي الكوفي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (إسحاق) ولأبي ذر والأصيلي وابن

عساكر إسحاق بن سعيد قال: (سمعت أبي) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص (يحدث عن عبد الله بن عمر) -رضي الله عنه- موقوفًا (قال: إن من ورطات الأمور) بفتح الواو وسكون الراء من ورطات مصححًا عليه في الفرع كأصله وقال ابن مالك صوابه تحريكها مثل تمرة وتمرات وركعة وركعات وهي جمع ورطة بسكون الراء وهي (التي لا مخرج) بفتح الميم والراء بينهما معجمة آخره جيم (لمن أوقع نفسه فيها) بل يهلك فلا ينجو (سفك الدم) نصب بأن أي إراقة الدم (الحرام بغير حله) أي بغير حق من الحقوق المحلة للسفك، وقوله: بغير حله بعد قوله الحرام للتأكيد والمراد بالسفك القتل بأيّ صفة كانت لكن لما كان الأصل إراقة الدم عبر به، وفي الترمذي وقال حسن عن عبد الله بن عمر وزوال الدنيا كلها أهون عند الله من قتل رجل مسلم. 6864 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِى الدِّمَاءِ». وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين ابن باذام العبسي الكوفي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أول) بالرفع مبتدأ (ما يقضى) بضم أوّله وفتح الضاد المعجمة مبنيًّا للمفعول في محل الصفة وما نكرة موصوفة والعائد الضمير في يقضي أي أول قضاء يقضى (بين الناس) أي يوم القيامة كما في مسلم (في الدماء). قال ابن فرحون: في الدماء في محل رفع خبر عن أول فيتعلق حرف الجر بالاستقرار المقدّر فيكون التقدير أول قضاء يقضى كائن أو مستقر في الدماء قال: ولا يصح أن يكون يوم في محل الخبر لأن التقدير يصير أوّل قضاء يقضى كائن يوم القيامة لعدم الفائدة فيه ولا منافاة بين قوله هنا أول ما يقضى في الدماء وبين قوله في حديث النسائي عن أبي هريرة مرفوعًا: أول ما يحاسب به العبد الصلاة، لأن حديث الباب فيما بينه وبين غيره من العباد والآخر فيما بينه وبين ربه تعالى. 6865 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِىٍّ حَدَّثَهُ أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو الْكِنْدِىَّ حَلِيفَ بَنِى زُهْرَةَ حَدَّثَهُ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَقِيتُ كَافِرًا فَاقْتَتَلْنَا فَضَرَبَ يَدِى بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لاَذَ بِشَجَرَةٍ وَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ آقْتُلُهُ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقْتُلْهُ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُ طَرَحَ إِحْدَى يَدَىَّ ثُمَّ قَالَ: بَعْدَ مَا قَطَعَهَا أَأَقْتُلُهُ قَالَ: «لاَ تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِى قَالَ:». وَقَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِى عَمْرَةَ: عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْمِقْدَادِ «إِذَا كَانَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ يُخْفِى إِيمَانَهُ مَعَ قَوْمٍ كُفَّارٍ فَأَظْهَرَ إِيمَانَهُ فَقَتَلْتَهُ فَكَذَلِكَ كُنْتَ أَنْتَ تُخْفِى إِيمَانَكَ بِمَكَّةَ مِنْ قَبْلُ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روّاد العتكي المروزي الحافظ قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (عطاء بن يزيد) الليثي (أن عبيد الله) يضم العين (ابن عديّ) بفتح العين وكسر الدال المهملتين آخره تحتية مشددة ابن الخيار بكسر المعجمة وتخفيف التحتية النوفلي (حدّثه أن المقداد بن عمرو) بفتح العين (الكندي) المعروف بابن الأسود (حليف بني زهرة) بضم الزاي وسكون الهاء (حدّثه وكان) المقداد -رضي الله عنه- (شهد بدرًا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: يا رسول الله أن) حرف شرط (لقيت كافرًا) ولأبي ذر والأصيلي أني بصيغة الإخبار عن الماضي فيكون سؤاله عن شيء وقع قالوا والذي في نفس الأمر بخلافه وإنما سأل عن حكم ذلك إذا وقع ويؤيده رواية غزوة بدر بلفظ أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار (فاقتتلنا فضرب يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ) بمعجمة أي التجأ (بشجرة) مثلاً ولأبي ذر عن الكشميهني ثم لاذ مني بشجرة أي منع نفسه مني بها (وقال: أسلمت لله) أي دخلت في الإسلام (أأقتله بعد أن قالها؟) أي كلمة أسلمت لله (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تقتله) بالجزم بعد أن قالها (قال: يا رسول الله فإنه طرح) أي قطع بالسيف (إحدى يدي) بتشديد الياء (ثم قال ذلك) القول وهو أسلمت لله (بعدما قطعها أأقتله؟) بهمزة الاستفهام كالسابق (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله) قال الكرماني فيما نقله عنه في الفتح: القتل ليس سببًا لكون كل منهما بمنزلة الآخر لكنه مؤوّل عند النجاة بالإخبار أي هو سبب لإخباري لك بذلك وعند البيانيين المراد لازمه كقوله يباح دمك إن عصيت والمعنى أنه بإسلامه معصوم الدم فلا تقطع يده بيدك التي قطعها في حال كفره (وأنت بمنزلته

2 - باب قول الله تعالى: {ومن أحياها} قال ابن عباس: من حرم قتلها إلا بحق حيى الناس منه جميعا

قبل أن يقول كلمته) أسلمت لله (التي قالها)، والمعنى كما قاله الخطابي إن الكافر مباح الدم بحكم الدين قبل أن يسلم فإذا أسلم صار مصون الدم كالمسلم فإن قتله المسلم بعد ذلك صار دمه مباحًا بحق القصاص كالكافر بحق الدين، وليس المراد إلحاقه به في الكفر كما تقول الخوارج من تكفير المسلم بالكبيرة، وحاصله اتحاد المنزلتين مع اختلاف المأخذ فالأول أنه مثلك في صون الدم، والثاني أنك مثله في الهدر، وقيل معناه أنه مغفور له بشهادة التوحيد كما أنك مغفور لك بشهود بدر، وفي مسلم من رواية معمر عن الزهري في هذا الحديث أنه قال: لا إله إلا الله. وحديث الباب أخرجه مسلم في الأيمان وأبو داود في الجهاد والنسائي في السير. (وقال حبيب بن أبي عمرة) بفتح العين وسكون الميم القصاب الكوفي لا يعرف اسم أبيه (عن سعيد) بكسر العين ابن جبير (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمقداد) المعروف بابن الأسود: (إذا كان رجل مؤمن) ولأبي ذر عن الكشميهني رجل ممن (يخفي إيمانه مع قوم كفار فأظهر إيمانه فقتلته) قال في الكواكب فإن قلت: كيف يقطع يده وهو ممن يكتم إيمانه؟ وأجاب: بأنه فعل ذلك دفعًا للصائل قال أو السؤال كأنه على سبيل الفرض والتمثيل لا سيما وفي بعضها إن لقيت بحرف الشرط (فكذلك كنت أنت تخفي إيمانك بمكة قبل) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من قبل. وهذا التعليق وصله البزار والطبراني في الكبير. 2 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ حَرَّمَ قَتْلَهَا إِلاَّ بِحَقٍّ حَيِىَ النَّاسُ مِنْهُ جَمِيعًا (باب قول الله تعالى) سقط ما بعد الباب لأبي ذر ({ومن أحياها} قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- معناها فيما وصله ابن أبي حاتم (من حرم قتلها إلا بحق) من قصاص ({فكأنما أحيا الناس جميعًا}) [المائدة: 32] لسلامتهم منه ولغير الأصيلي وأبي ذر عن المستملي حيي الناس منه جميعًا، والمراد من هذه الآية قوله: {من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا} [المائدة: 32] كما يدل عليه ما في أول حديث الباب من قوله: إلا كان على ابن آدم الأوّل كفل منها وفيها تغليظ أمر القتل والمبالغة في الزجر عنه من جهة أن قتل الواحد وقتل الجميع سواء في استيجاب غضب الله وعقابه. وقال الحسن: المعنى أن قاتل النفس الواحدة يصير إلى النار كما لو قتل الناس جميعًا. وقال في المدارك: ومن أحياها ومن استنقذها من بعض أسباب الهلكة من قتل أو غرق أو حرق أو هدم أو غير ذلك وجعل قتل الواحد كقتل الجميع وكذلك الإحياء ترغيبًا وترهيبًا لأن المتعرض لقتل النفس إذا تصوّر أن قتلها كقتل الناس جميعًا عظم ذلك عليه فثبطه وكذا الذي أراد إحياءها إذا تصور أن حكمه حكم إحياء جميع الناس رغب في ذلك. 6867 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا». وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وفتح الصاد المهملة ابن عقبة أبو عامر السوائي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن عبد الله بن مرة) بضم الميم وفتح الراء مشددة الخارفي بالخاء المعجمة والراء والفاء المكسورتين الكوفي (عن مسروق) هو ابن الأجدع الهمداني أحد الأعلام (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا تقتل نفس) أي ظلمًا كما في رواية حفص بن غياث (إلا كان على ابن آدم الأول) قابيل (كفل) بكسر الكاف وسكون الفاء نصيب (منها) زاد في الاعتصام: وربما قال سفيان من دمها وزاد في آخره لأنه أول من سن القتل. والحديث سبق في خلق آدم وأخرجه مسلم في الحدود. 6868 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَخْبَرَنِى عَنْ أَبِيهِ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال واقد بن عبد الله): بالقاف نسبه أبو الوليد شيخ المؤلّف لجده فقول أبي ذر وقع هنا واقد بن عبد الله والصواب واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر هو كذلك لكن لما وقع وجه وهو نسبته لجده ووقع للمصنف في الأدب من رواية خالد بن الحارث عن شعبة فقال عن واقد بن محمد (أخبرني) بالإفراد (عن أبيه) محمد بن زيد وهذا من تقديم الاسم على الصيغة والتقدير حدّثنا شعبة أخبرني واقد بن عبد الله عن أبيه محمد أنه (سع عبد الله بن عمر)

-رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) في حجة الوداع عند جمرة العقبة واجتماع الناس للرمي وغيره: (لا ترجعوا بعدي) لا تصيروا بعد موقفي أو موتي (كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض) مستحلين لذلك أو لا تكن أفعالكم شبيهة بأفعال الكفار في ضرب رقاب المسلمين أو المراد الزجر عن الفعل وليس ظاهره مرادًا وقوله يضرب بالرفع على الاستئناف بيانًا لقوله لا ترجعوا أو حالاً من ضمير لا ترجعوا أو صفة ويجوز جزمه بتقدير شرط أي فإن ترجعوا يضرب. والحديث سبق في العلم ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته في كتاب الفتن. 6869 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ مُدْرِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ اسْتَنْصِتِ النَّاسَ: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة ابن عثمان أبو بكر العبدي مولاهم الحافظ بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عليّ بن مدرك) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الراء النخعي الكوفي أنه (قال: سمعت أبا زرعة) هرمًا بفتح الهاء وكسر الراء (ابن عمرو بن جرير عن) جده (جرير) بفتح الجيم بن عبد الله أسلم في رمضان سنة عشر -رضي الله عنه- أنه (قال: قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع): (استنصت الناس) أي اطلب منهم الإنصات ليسمعوا الخطبة ثم قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن أنصتوا (لا ترجعوا بعدي كفارًا) أي كالكفار (يضرب بعضكم رقاب بعض) فيه استعمال رجع كصار معنى وعملاً قال ابن مالك -رحمه الله- وهو مما خفي على أكثر النحويين (رواه) أي قوله في الحديث لا ترجعوا بعدي كفارًا (أبو بكرة) نفيع الثقفي الصحابي -رضي الله عنه- فيما سبق مطوّلاً في الحج (وابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما سبق أيضًا في الحج كلاهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 6870 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْكَبَائِرُ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ - أَوْ قَالَ- الْيَمِينُ الْغَمُوسُ» شَكَّ شُعْبَةُ، وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: «الْكَبَائِرُ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ -أَوْ قَالَ- وَقَتْلُ النَّفْسِ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) المعروف ببندار قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) المعروف بغندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن فراس) بفاء مكسورة فراء بعدها ألف فسين مهملة ابن يحيى الخارفي بالخاء المعجمة وبعد الألف راء ففاء (عن الشعبي) بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة بعدها موحدة مكسورة عامر (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): ولأبي ذر عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وللأصيلي قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الكبائر) وهي كل ما توعد عليه بعقاب (الإشراك بالله) أي اتخاذ الله غيره تعالى (وعقوق الوالدين) بعصيان أمرهما وترك خدمتهما (أو قال: اليمين الغموس) بفتح الغين المعجمة وهو الحلف على ماض متعمدًا للكذب أو أن يحلف كاذبًا ليذهب بمال غيره وسمي غموسًا لأنه يغمس صاحبه في الإثم أو النار أو الكفارة (شك شعبة) بن الحجاج وفي الأيمان والنذور واليمين الغموس بالواو من غير شك. (وقال معاذ) بضم الميم آخره ذال معجمة ابن معاذ أيضًا العنبري (حدّثنا شعبة) بن الحجاج فيما وصله الإسماعيلي (قال: الكبائر) هي (الإشراك بالله واليمين الغموس وعقوق الوالدين أو قال وقتل النفس). بدل عقوق الوالدين شك شعبة أيضًا، وجوّز الكرماني أن يكون هذا التعليق من مقول ابن بشار فيكون موصولاً. 6871 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ سَمِعَ أَنَسًا - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْكَبَائِرُ» وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ ابْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ -أَوْ قَالَ- وَشَهَادَةُ الزُّورِ». وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) الكوسج أبو يعقوب المروزي قال: (حدّثنا ولأبي ذر أخبرنا (عبد الصمد) بن عبد الوارث العنبري البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن أبي بكر) أي ابن أنس أنه (سمع) جده (أنسًا) ولأبي ذر أنس بن مالك (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الكبائر) قال البخاري بالسند إليه: (وحدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (عمرو) بفتح العين زاد أبو ذر وهو ابن مرزوق قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (شعبة) بن الحجاج (عن ابن أبي بكر) هو عبيد الله (عن) جده (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النفس) بغير حق (وعقوق الوالدين وقول الزور -أو قال- وشهادة الزور) بالشك من الراوي وفي الحديث دلالة على انقسام

الكبائر في عظمها إلى كبير وأكبر ويؤخذ منه ثبوت الصغائر لأن الكبيرة بالنسبة إليها أكبر منها، ولا يلزم من كون هذه المذكورات أكبر الكبائر استواء رتبتها في نفسها فالإشراك أكبر الذنوب ولا يقال كيف عدّ الكبائر أربعًا أو خمسًا وهي أكثر لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يتعرض للحصر بل ذكر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كل مجلس ما أوحي إليه أو سنح له باقتضاء حال السائل وتفاوت الأوقات. والحديث سبق في الشهادات والأدب وأخرجه مسلم في الأيمان والترمذي في البيوع والتفسير والنسائي في القضاء والتفسير والقصاص. 6872 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ، حَدَّثَنَا أَبُو ظَبْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ - رضى الله عنهما - يُحَدِّثُ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ قَالَ: فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ قَالَ: وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، قَالَ: فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ قَالَ: فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِىُّ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِى حَتَّى قَتَلْتُهُ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَقَالَ لِى: «يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا، قَالَ: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ» قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَىَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّى لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين وسكون الميم وزرارة بضم الزاي وفتح الراءين بينهما ألف مخففًا ابن واقد الكلابي النيسابوري قال: (حدّثنا) ولأبي ذر والأصيلي أخبرنا (هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير بضم الموحدة وفتح المعجمة الواسطي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر والأصيلي أخبرنا (حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن الواسطي التابعي الصغير قال: (حدّثنا أبو ظبيان) بفتح الظاء المعجمة وسكون الموحدة وتخفيف التحتية حصين أيضًا ابن جندب المذحجي بضم الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة بعدها جيم التابعي الكلبير (قال: سمعت أسامة بن زيد بن حارثة) بالمثلثة مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رضي الله عنهما يحدث قال: بعثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الحرقة) بضم الحاء المهملة وفتح الراء والقاف قبيلة (من جهينة) في رمضان سنة سبع أو ثمان (قال: فصبحنا القوم) أتيناهم صباحًا بغتة قبل أن يشعروا بنا فقاتلناهم (فهزمناهم قال) أسامة: (ولحقت أنا ورجل من الأنصار) قال الحافظ ابن حجر لم أقف على اسمه (رجلاً منهم) اسمه مرداس بن عمرو الفدكي أو مرداس بن نهيك الفزاري (قال) أسامة: (فلما غشيناه) بفتح الغين وكسر الشين المعجمتين لحقناه (قال: لا إله إلا الله قال) أسامة (فكف عنه الأنصاري فطعنته) ولأبى ذر والأصيلي وابن عساكر وطعنته بالواو بدل الفاء (برمحي حتى قتلته قال: فلما قدمنا) المدينة (بلغ ذلك) أي قتلي له بعد قوله لا إله إلا الله (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) أسامة (فقال لي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يا أسامة أقتلته بعدما) ولأبي ذر عن الكشميهني بعد أن (قال لا إله إلا الله قال) أسامة (قلت: يا رسول الله وإنما كان متعوّذًا) بكسر الواو المشددة بعدها معجمة أي لم يكن قاصدًا للإيمان بل كان غرضه التعوّذ من القتل (قال: أقتلته بعد أن) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر بعدما (قال لا إله إلا الله). وفي مسلم من حديث جندب بن عبد الله أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة (قال) أسامة (فما زال) (يكرّرها) أي يكرّر مقالته أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله (علي) بتشديد الياء (حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم) لآمن من جريرة هذه الفعلة ولم يتمن أن لا يكون مسلمًا قبل ذلك، وإنما تمنى أن يكون إسلامه ذلك اليوم لأن الإسلام يجبّ ما قبله. 6873 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ أَبِى الْخَيْرِ، عَنِ الصُّنَابِحِىِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضى الله عنه - قَالَ: إِنِّى مِنَ النُّقَبَاءِ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لاَ نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ نَزْنِىَ، وَلاَ نَسْرِقَ، وَلاَ نَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ، وَلاَ نَنْتَهِبَ وَلاَ نَعْصِىَ بِالْجَنَّةِ إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ فَإِنْ غَشِينَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَانَ قَضَاءُ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (يزيد) بن أبي حبيب المصري (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله (عن الصنابحي) بضم الصاد المهملة بعدها نون فألف فموحدة فحاء مهملة مكسورتين عبد الرحمن بن عسيلة بمهملتين مصغرًا (عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه) أنه (قال: إني من النقباء الذين بايعوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليلة العقبة بمنى وكانوا اثني عشر نقيبًا (بايعناه على) التوحيد (أن لا نشرك بالله شيئًا ولا نزني ولا نسرق) أي شيئًا ففيه حذف المفعول ليدل على العموم (ولا نقتل النفس التي حرم الله) إلا بالحق (ولا ننتهب) بفوقية قبل الهاء المكسورة من الانتهاب، ولأبي ذر عن الكشميهني: ولا ننهب بإسقاط الفوقية وفتح الهاء من النهب كذا في الفرع، والذي في اليونينية ولا نبهت بنون مفتوحة

3 - باب قول الله تعالى:

فموحدة ساكنة فهاء مفتوحة ففوقية (ولا نعصي) بالعين والصاد المهملتين أي في المعروف كما في الآية (بالجنة) متعلق بقوله بايعناه أي بايعناه بالجنة، ولأبي ذر عن الكشميهني ولا نقضي بالقاف والضاد المعجمة بدل المهملتين بالجنة يتعلق بقوله ولا نقضي بالقاف أي ولا نحكم بالجنة من قبلنا، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فالجنة بالفاء بدل الموحدة والرفع أي فلنا الجنة إن تركنا ما ذكر من الإشراك وما بعده (إن غشينا) بفتح الغين وكسر الشين المعجمة كذا في الفرع وفي اليونينية وغيرها وعليه شرح الكرماني وتبعه العيني إن فعلنا ذلك أي ترك الإشراك وما بعده (فإن غشينا) بزيادة الفاء أي فعلنا (من ذلك) المبايع على تركه (شيئًا كان قضاء ذلك) أي حكمه (إلى الله) إن شاء عاقب إن شاء عفا عنه. قال في الفتح وظاهر الحديث أن هذه البيعة على هذه الكيفية كانت ليلة العقبة وليس كذلك وإنما كانت ليلة العقبة على المنشط والمكره في العسر واليسر إلى آخره. وأما البيعة المذكورة هنا فهي التي تسمى بيعة النساء وكانت بعد ذلك بمدة فإن آية النساء التي فيها البيعة المذكورة نزلت بعد عمرة الحديبية في زمن الهدنة وقبل فتح مكة فكأن البيعة التي وقعت للرجال على وفقها كانت عام الفتح انتهى. وقد وقع الإلمام بشيء من هذا في كتاب الإيمان من هذا الشرح فليراجع. 6874 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا». رَوَاهُ أَبُو مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 6874 - طرفه في: 7070]. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي قال: (حدّثنا جويرية) بضم الجيم وفتح الواو مخففًا ابن أسماء (عن نافع عن) مولاه (عبد الله رضي الله عنه) ولأبي ذر زيادة ابن عمر -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من حمل علينا السلاح) أي قاتلنا (فليس منا) إن استباح ذلك أو أطلق ذلك اللفظ مع احتمال إرادة أنه ليس على الملة للمبالغة في الزجر والتخويف وقوله علينا يخرج به ما إذا حمله للحراسة لأنه يحمله لهم لا عليهم (رواه) أي الحديث المذكور (أبو موسى) عبد الله بن قيس (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كما سيأتي إن شاء الله تعالى موصولاً في كتاب الفتن بعون الله وقوّته. 6875 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَيُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: ذَهَبْتُ لأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ فَلَقِيَنِى أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ: قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ قَالَ: ارْجِعْ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِى النَّارِ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن المبارك) العيشي البصري قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الأزدي الأزرق قال: (حدّثنا أيوب) بن أبي تميمة أبو بكر السختياني الإمام (ويونس) بن عبيد بضم العين أحد أئمة البصرة كلاهما (عن الحسن) البصري (عن الأحنف) بالحاء المهملة بعدها نون ففاء (ابن قيس) السعدي البصري واسمه الضحاك والأحنف لقبه أنه (قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل) أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- في وقعة الجمل وكان الأحنف تخلف عنه (فلقيني أبو بكرة) نفيع بن الحارث (فقال) لي: (أين تريد؟ قلت) له (أنصر هذا الرجل) عليًّا رضي الله عنه (قال: ارجع فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إذا التقى المسلمان بسيفيهما) بالتثنية فضرب كل واحد منهما الآخر ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بسيفهما بالإفراد (فالقاتل) بالفاء جواب إذا، ولأبي ذر: القاتل بإسقاطها نحو: من يفعل الحسنات الله يشكرها. (والمقتول في النار). إذا كان قتالهما بلا تأويل بل على عداوة دنيوية أو طلب ملك مثلاً فأما من قاتل أهل البغي أو دفع الصائل فقتل فلا أما إذا كانا صحابيين فأمرهما عن اجتهاد لإصلاح الدين وحمل أبو بكرة الحديث على عمومه حسمًا للمادة قال أبو بكرة (قلت: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أنه) أي المقتول (كان حريصًا على قتل صاحبه). فيه أن من عزم على المعصية يأثم ولو لم يفعلها كما استدلّ به الباقلاني وأتباعه. وأجيب: بأن هذا شرع في الفعل والاختلاف إنما هو فيمن عزم ولم يفعل شيئًا. وهذا الحديث سبق في كتاب الإيمان. 3 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِى الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178] (باب قول الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا كتب}) أي فرض ({عليكم القصاص في القتلى}) جمع قتيل والمعنى فرض عليكم اعتبار المماثلة والمساواة

4 - باب سؤال القاتل حتى يقر والإقرار فى الحدود

بين القتلى ({الحرّ بالحرّ}) مبتدأ وخبر أي الحرّ مأخوذ أو مقتول بالحر ({والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من}) جهة ({أخيه شيء}) من العفو لأن عفا لازم وفائدته الإشعار بأن بعض العفو كالعفو التام في إسقاط القصاص والأخ ولي المقتول وذكره بلفظ الأخوة بعثًا له على العطف لما بينهما من الجنسية والإسلام ({فاتباع}) أي فليكن اتباع أو فالأمر اتباع ({بالمعروف}) أي يطالب العافي القاتل بالدّية مطالبة جميلة ({وأداء}) وليؤدّ القاتل بدل الدم ({إليه}) إلى العافي ({بإحسان}) بأن لا يمطله ولا يبخسه ({ذلك}) الحكم المذكور من العفو وأخذ الدّية ({تخفيف من ربكم ورحمة}) فإنه كان في التوراة القتل لا غير وفي الإنجيل العفو لا غير وأبيح لنا القصاص والعفو وأخذ المال بطريق الصلح توسعة وتيسيرًا ({فمن اعتدى بعد ذلك}) التخفيف فتجاوز ما شرع له من قتل غير القاتل أو القتل بعد أخذ الدّية أو العفو ({فله عذاب أليم}) [البقرة: 178] في الآخرة، وسقط لأبي ذر من قوله: (الحرّ بالحرّ) إلى آخرها وقال بعد قوله: {في القتلى} الآية وسقط للأصيلي من قوله: {الحرّ بالحرّ} وقال إلى قوله: ({أليم}) وقال ابن عساكر في روايته {إلى عذاب أليم} وزاد الأصيلي في الترجمة، وإذا لم يزل يسأل القاتل بضم التحتية من يسأل حتى أقر والإقرار في الحدود ولم يذكر المؤلّف حديثًا في هذا الباب. 4 - باب سُؤَالِ الْقَاتِلِ حَتَّى يُقِرَّ وَالإِقْرَارِ فِى الْحُدُودِ (باب سؤال) الإمام (القاتل) أي المتهم به ولم تقم عليه به بيّنة (حتى يقر) فيقيم عليه الحدّ (والإقرار في الحدود) قال في الفتح كذا للأكثر، ووقع للنسفي وكريمة وأبي نعيم في المستدرك بحذف الباب وبعد قوله عذاب أليم وإذا لم يزل يسأل القاتل حتى أقر والإقرار في الحدود قال: وصنيع الأكثر أشبه. 6876 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا أَفُلاَنٌ أَوْ فُلاَنٌ؟ حَتَّى سُمِّىَ الْيَهُودِىُّ فَأُتِىَ بِهِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَقَرَّ بِهِ فَرُضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون الأنماطي البصري قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى الحافظ (عن قتاة) بن دعامة أما الخطاب السدوسي الأعمى الحافظ المفسر (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن يهوديًّا) لم يسم (رضّ) بفتح الراء والضاد المعجمة المشددة رضخ ودق (رأس جارية) أمة أو حرة لم تبلغ وفي بعض طرق الحديث أنها كانت من الأنصار (بين حجرين فقيل لها) أي قال لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من فعل بك هذا؟) الرض (أ) فعله (فلان أو فلان) ومن استفهامية محلها رفع بالابتداء وخبرها في فعلها والعائد الضمير في فعل وهذا مفعول به ولا يظهر إعراب في المبتدأ لأنه من أسماء الاستفهام التي بنيت لتضمنها معنى حرف الاستفهام وكذا لا يظهر إعراب في المفعول لأنه من أسماء الإشارة وبك يتعلق بفعل وفلان مصروف. قال ابن الحاجب: فلان وفلانة كناية عن أسماء الأناسي وهي أعلام، والدليل على علميتها منع صرف فلانة وليس فيه إلا التأنيث والتأنيث لا يمنع إلا مع العلمية ولأنه يمتنع من دخول الألف واللام عليه انتهى. قال ابن فرحون: وفلانة كما قال ممتنع وفلان منصرف وإن كان فيه العلمية لتخلف السبب الثاني والألف والنون فيه ليستا زائدتين بل هو موضوع هكذا، وقال في المجيد: وقل كناية عن نكرة نحويًّا رجل وهو مختص بالنداء وفلة بمعنى يا امرأة ولام فل ياء أو واو وليس مرخمًا من فلان خلافًا للفراء ووهم ابن عصفور وابن مالك وصاحب البسيط قولهم: فل كناية عن العلم لفلان، وفي كتاب سيبويه أنه كناية عن النكرة بالنقل عن العرب انتهى. ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر فلان أو فلان بحذف همزة الاستفهام، ولأبي ذر عن الكشميهني أفلان بهمزة الاستفهام أم فلان بالميم بدل الواو (حتى) أي تكرر ذلك حتى (سمي) لها (اليهودي) بضم السين وكسر الميم مشددة فاليهودي رفع نائب عن الفاعل ولأبي ذر بفتح السين والميم مبنيًّا للفاعل فاليهودي نصب على المفعولية زاد في الأشخاص والوصايا فأومأت برأسها (فأتي به) بضم الهمزة وكسر الفوقية أي اليهودي (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يزل به حتى أقر) زاد أبو ذر عن الكشميهني به أي بالفعل (فرضّ) بضم الراء أي دق (رأسه بالحجارة). وفي الأشخاص فرضخ رأسه

5 - باب إذا قتل بحجر أو بعصا

بين حجرين. والحديث مضى في الأشخاص والوصايا. 5 - باب إِذَا قَتَلَ بِحَجَرٍ أَوْ بِعَصًا هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا قتل) شخص شخصًا (بحجر أو بعصا) هل يقتل بما قتل به أو بالسيف. 6877 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ شُعْبَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ جَدِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَرَجَتْ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: فَرَمَاهَا يَهُودِىٌّ بِحَجَرٍ قَالَ: فَجِىءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِهَا رَمَقٌ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فُلاَنٌ قَتَلَكِ» فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا فَأَعَادَ عَلَيْهَا قَالَ: «فُلاَنٌ قَتَلَكِ؟» فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا فَقَالَ لَهَا فِى الثَّالِثَةِ: «فُلاَنٌ قَتَلَكِ؟» فَخَفَضَتْ رَأْسَهَا فَدَعَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَتَلَهُ بَيْنَ الْحَجَرَيْنِ. وبه قال: (حدّثنا محمد) قال الكلاباذي هو محمد بن عبد الله بن نمير وقال أبو علي بن السكن هو محمد بن سلام (قال: أخبرنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي أبو محمد أحد الأعلام (عن شعبة) بن الحجاج الحافظ أبي بسطام العتكي أمير المؤمنين في الحديث (عن هشام بن زيد بن أنس عن جده أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: خرجت جارية) أمة أو حرة لم تبلغ كالغلام في الذكر الذي لم يبلغ (عليها أوضاح) بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح الضاد المعجمة وبعد الألف حاء مهملة جمع وضح قال أبو عبيد حليّ الفضة (بالمدينة. قال) أنس: (فرماها يهودي) لم يسم (بحجر قال) أنس: (فجيء بها إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبها رمق) بفتح الراء والميم بعدها قاف أي بقية من الحياة (فقال لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (فلان قتلك فرفعت) أي المرأة (رأسها) أشارت بها لا (فأعاد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عليها قال: فلان قتلك فرفعت) أي المرأة (رأسها) أن لا (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لها: في الثالثة فلان قتلك فخفضت رأسها) أي نعم فلان قتلني (فدعا به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فسأله فاعترف (فقتله بين الحجرين) بالألف واللام ويحتمل الجنسية والعهد وهو حجة للجمهور أن القاتل يقتل بما قتل به ويؤيده قوله تعالى: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [النحل: 126] وقوله تعالى: {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194] وخالف الكوفيون محتجين بحديث البزار لا قول إلا بالسيف وضعف، وقد ذكر البزار الاختلاف فيه مع ضعف إسناده. وقال ابن عدي طرقه كلها ضعيفة وعلى تقدير ثبوته فإنه على خلاف قاعدتهم في أن السنة لا تنسخ الكتاب ولا تخصصه. والحديث أخرجه مسلم في الحدود وأبو داود في الدّيات وكذا النسائي وابن ماجة. 6 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]. (باب قول الله تعالى: {أن النفس بالنفس}) أول الآية وكتبنا عليهم فيها أي وفرضنا على اليهود في التوراة أن النفس مأخوذة بالنفس مقتولة بها إذا قتلتها بغير حق ({والعين}) مفقوءة ({بالعين والأنف}) مجدوع ({بالأنف والأذن}) مقطوعة ({بالأذن والسن}) مقلوعة ({بالسن والجروح قصاص}) أي ذات قصاص ({فمن تصدق}) من أصحاب الحق ({به}) بالقصاص وعفا عنه ({فهو كفارة له}) فالتصدق به كفارة للمتصدق بإحسانه ({ومن لم يحكم بما أنزل الله}) من القصاص وغيره ({فأولئك هم الظالمون}) [المائدة: 45] بالامتناع عن ذلك وهذه الآية الكريمة وإن وردت في اليهود فإن حكمها مستمر في شريعة الإسلام لما ذهب إليه أكثر الأصوليين والفقهاء إلى أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا حكي متقررًا ولم ينسخ، وقد احتج الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالمرأة بعموم هذه الآية، واحتج أبو حنيفة أيضًا بعمومها على قتل المسلم بالكافر الذمي وعلى قتل الحر بالعبد وخالفه الجمهور فيهما لحديث الصحيحين لا يقتل مسلم بكافر، وقد حكي الإمام الشافعي الإجماع على خلاف قول الحنفية في ذلك. قال ابن كثير: ولكن لا يلزم من ذلك بطلان قولهم إلا بدليل مخصص للآية، وسقط لأبي ذر والأنف إلى آخرها وقال بعد بالعين الآية. وقال ابن عساكر إلى آخره وسقط للأصيلي من قوله والعين. 6878 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِى، وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ الْجَمَاعَةَ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن عبد الله بن مرة) الخارقي (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله) أن هي المخففة من الثقيلة بدليل أنه عطف عليها الجملة التالية ولأن الشهادة بمعنى العلم لأن شرطها أن يتقدمها علم أو ظن فالتقدير أشهد أنه لا إله إلا الله فحذف اسمها وبقيت الجملة في محل الخبر (وأني رسول الله) صفة ثانية ذكرت لبيان أن المراد بالمسلم هو الآتي بالشهادتين، وقال

7 - باب من أقاد بالحجر

في شرح المشكاة: الظاهر أن يشهد حال جيء به مقيدًا للموصوف مع صفته إشعارًا بأن الشهادة هي العمدة في حقن الدم (إلا بإحدى) خصال (ثلاث): وحرف الجر متعلق بحال والتقدير إلا متلبسًا بفعل إحدى ثلاث فيكون الاستثناء مفرغًا لعمل ما قبل إلا فيما بعدها ثم إن المستثنى منه يحتمل أن يكون من الدم فيكون التقدير لا يحل دم امرئ مسلم إلا دمه متلبسًا بإحدى الثلاث ويحتمل أن يكون الاستثناء من امرئ فيكون التقدير لا يحل دم امرئ مسلم إلا أمرًا متلبسًا بإحدى ثلاث خصال فمتلبسًا حال من امرئ وجاز لأنه وصف (النفس بالنفس) بالجر والرفع فيحل قتلها قصاصًا بالنفس التي قتلتها عدوانًا وظلمًا وهو مخصوص بولي الدم لا يحل قتله لأحد سواه فلو قتله غيره لزمه القصاص والباء في بالنفس للمقابلة (والثيب) أي المحصن المكلف الحر ويطلق الثيب على الرجل والمرأة بشرط التزوّج والدخول (الزاني) يحل قتله بالرجم فلو قتله مسلم غير الإمام فالأظهر عند الشافعية لا قصاص على قاتله لإباحة دمه والزاني بالياء على الأصل ويروى بحذفها اكتفاء بالكسر كقوله تعالى: {الكبير المتعال} [الرعد: 9] (والمارق) الخارج (من الدين) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني والمفارق لدينه التارك له (التارك الجماعة) من المسلمين، ولأبي ذر وابن عساكر: للجماعة بلام الجر، وفي شرح المشكاة: والتارك للجماعة صفة مؤكدة للمارق أي الذي ترك جماعة المسلمين وخرج من جملتهم وانفرد عن زمرتهم، واستدلّ بهذا الحديث على أن تارك الصلاة لا يقتل بتركها لكونه ليس من الأمور الثلاثة وقد اختلف فيه والجمهور على أنه يقتل حدًّا لا كفرًا بعد الاستتابة "فإن تاب وإلاّ قتل". وقال أحمد وبعض المالكية وابن خزيمة من الشافعية: إنه يكفر بذلك ولو لم يجحد وجوبها، وقال الحنفية: لا يكفر ولا يقتل لحديث عبادة عند أصحاب السنن وصححه ابن حبان مرفوعًا: خمس صلوات كتبهن الله على العباد الحديث. وفيه: ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذّبه وإن شاء أدخله الجنة والكافر لا يدخل الجنة. وتمسك الإمام أحمد بظواهر أحاديث وردت في تكفيره وحملها من خالفه على المستحل جمعًا بين الأخبار واستثنى بعضهم مع الثلاثة قتل الصائل فإنه يجوز قتله للدفع. والحديث أخرجه مسلم وأبو داود في الحدود والترمذي في الدّيات والنسائي في المحاربة. 7 - باب مَنْ أَقَادَ بِالْحَجَرِ (باب من أقاد) أي اقتص (بالحجر). 6879 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا، فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ فَجِىءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِهَا رَمَقٌ فَقَالَ: «أَقَتَلَكِ فُلاَنٌ؟» فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لاَ، ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةَ، فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ لاَ، ثُمَّ سَأَلَهَا الثَّالِثَةَ فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا أَنْ نَعَمْ، فَقَتَلَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَجَرَيْنِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة بندار قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام بن زيد عن) جده (أنس -رضي الله عنه- أن يهوديًّا) لم يسم (قتل جارية على أوضاح) بضاد محجمة وحاء مهملة حلي من فضة (لها فقتلها بحجر فجيء بها إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبها رمق) بعض الحياة (فقال) لها: (أقتلك) بهمزة الاستفهام أي فلان وأسقطه للعلم به. نعم ثبت في اليونينية (فأشارت برأسها أن لا) بنون بدل الياء وكلاهما يجيء لتفسير سابقه والمراد أنها أشارت إشارة مفهمة يستفاد منها لو نطقت لقالت لا (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الثانية) ولأبي ذر وابن عساكر في الثانية أي أقتلك فلان (فأشارت برأسها أن لا ثم سألها) س (الثالثة فأشارت برأسها) إشارة مفهمة (إن نعم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أي نعم بالتحتية بدل النون وكلاهما كما مر تفسير لما قبله والباء في برأسها في الثلاثة باء الآلة (فقتله) فأمر بقتله بعد اعترافه (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقتل (بحجرين) وفي الباب السابق بين الحجرين. 8 - باب مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (من قتل) بضم الأول وكسر الثاني (له قتيل) قال في الكواكب فإن قلت: الحي يقتل لا القتيل لأن قتل القتيل محال؟ وأجاب: بأن المراد القتيل بهذا القتل لا بقتل سابق قال ومثله يذكر في علم الكلام على سبيل المغلطة قالوا: لا يمكن إيجاد موجود لأن الموجود إما يوجده في حال وجوده فهو تحصيل الحاصل وأما حال العدم فهو جمع بين النقيضين فيجاب

باختيار الشق الأوّل إذ ليس إيجادًا للموجود بوجود سابق ليكون تحصيل الحاصل بل إيجاد له بهذا الوجود وكذا حديث من قتل قتيلاً فله سلبه (فهو) أي ولي القتيل (بخير النظرين) أما الدّية وأما القصاص. 6880 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلاً. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ: حَدَّثَنَا حَرْبٌ، عَنْ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ قَتَلَتْ خُزَاعَةُ رَجُلاً مِنْ بَنِى لَيْثٍ بِقَتِيلٍ لَهُمْ فِى الْجَاهِلِيَّةِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ أَلاَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِى وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِى، أَلاَ وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِى سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، أَلاَ وَإِنَّهَا سَاعَتِى هَذِهِ حَرَامٌ لاَ يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلاَ يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَهَا إِلاَّ مُنْشِدٌ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إِمَّا يُودَى وَإِمَّا يُقَادُ» فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاهٍ فَقَالَ: اكْتُبْ لِى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اكْتُبُوا لأَبِى شَاهٍ» ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ الإِذْخِرَ فَإِنَّمَا نَجْعَلُهُ فِى بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِلاَّ الإِذْخِرَ». وَتَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ شَيْبَانَ فِى الْفِيلِ قَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِى نُعَيْمٍ: الْقَتْلَ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: إِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا شيبان) بفتح الشين المعجمة وبعد التحتية الساكنة موحدة فألف فنون ابن عبد الرحمن النحوي البصري نزيل الكوفة (عن يحيى) بن أبي كثير الطائي واسم أبي كثير صالح (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن خزاعة) بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي المخففة وبعد الألف عين مهملة القبيلة المشهورة (قتلوا رجلاً) وكانت خزاعة قد غلبوا على مكة وحكموا فيها ثم أخرجوا منها فصاروا في ظاهرها ورواية شيبان في باب كتابة العلم من كتاب العلم قال المؤلّف محوّلاً للسنة. (وقال عبد الله بن رجاء) ضد الخوف ابن المثنى شيخ المؤلّف ووصله البيهقي من طريق هشام بن علي السيرافي عنه قال: (حدّثنا حرب) بفتح المهملة وسكون الراء بعدها موحدة ابن شداد ولفظ الحديث له (عن يحيى) بن أبي كثير أنه قال: (حدّثنا أبو سلمة) بن عبد الرحمن قال: (حدّثنا أبو هريرة) -رضي الله عنه- (أنه) أي أن الشأن (عام فتح مكة قتلت خزاعة رجلاً) لم يسم (من بني ليث) بالمثلثة القبيلة المشهورة المنسوبة إلى ليث بن بكر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر (بقتيل لهم في الجاهلية) اسمه أحمر واسم الخزاعي الذي قتل خراش بالخاء والشين المعجمتين بينهما راء بألف ابن أمية وذكر ابن هشام أن المقتول من بني ليث اسمه جندب بن الأكوع. قال في الفتح: ورأيت في الجزء الثالث من فوائد أبي علي بن خزيمة أن اسم الخزاعي القاتل هلال بن أمية فإن ثبت فلعل هلالاً لقب خراش. وفي مغازي ابن إسحاق حدّثني سعيد بن أي سندر الأسلمي عن رجل من قومه قال: كان معنا رجل يقال له أحمر وكان شجاعًا وكان إذا نام غطّ فإذا طرقهم شيء صاحوا به فيثور مثل الأسد فغزاهم قوم من هذيل في الجاهلية فقال لهم ابن الأثوع: بالثاء المثلثة والعين المهملة لا تعجلوا حتى أنظر فإن كان أحمر فيهم فلا سبيل إليهم فاستمع إليهم فإذا غطيط أحمر فمشى إليه حتى وضع السيف في صدره فقتله وأغاروا على الحيّ فلما كان عام الفتح، وكان الغد من يوم الفتح أتى ابن الأثوع الهذلي حتى دخل مكة وهو على شركه فرأته خزاعة فعرفوه فأقبل خراش بن أمية فقال افرجوا عن الرجل فطعنه بالسيف في بطنه فوقع قتيلاً (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): وفي رواية شيبان في العلم فأخبر بذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فركب راحلته فخطب فقال: (إن الله حبس) منع (عن مكة الفيل) بالفاء والتحتية الحيوان المعروف المشهور في قصة أبرهة وهي أنه لما غلب على اليمن وكان نصرانيًّا بنى كنيسة وألزم الناس بالحج إليها فاستغفل بعض العرب الحجبة وتغوط فيها وهرب فغضب أبرهة وعزم على تخريب الكعبة فتجهز في جيش كثيف واستصحب معه فيلاً عظيمًا فلما قرب من مكة قدم الفيل فبرك الفيل وكانوا كلما قدموه نحو الكعبة تأخر وأرسل الله عليهم طيرًا مع كل واحد ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره ألقوها عليهم فلم يبق أحد منهم إلا أصيب وأخذته الحكة فكان لا يحك أحد منهم جلده إلا تساقط لحمه (وسلط عليهم) على أهل مكة (رسوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (والمؤمنين) رضي الله عنهم (ألا) بالتخفيف إن الله قد حبس عنها (وأنها لم تحل) بفتح فكسر (لأحد قبلي) الجار يتعلق بتحل وقيل يتعلق بخبر كان تقديره أي لا تحل لأحد كان كائنًا (ولا تحل لأحد من بعدي) برفع تحل وزيادة من قبل بعدي والذي في اليونينية ولا تحل لأحد بعدي بإسقاط من (ألا) بالتخفيف وفتح الهمزة (وإنما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إنها بالهاء بدل الميم (أحلت لي) أن أقاتل فيها (ساعة من نهار) ما بين طلوع الشمس وصلاة العصر (ألا) بالتخفيف (وإنها ساعتي هذه حرام) قوله وإنها ساعتي إن

واسمها وساعتي الخبر وهذه يحتمل أن تكون بدلاً من ساعتي أو عطف بيان ويحتمل أن يكون الكلام تم عند قوله ساعتي ثم ابتدأ فقال هذه أي مكة حرام ويكون قد حذف صفة ساعتي أي إنها ساعتي التي أنا فيها وعلى الأول يكون قوله حرام خبر مبتدأ محذوف أي هي حرام (لا يختلى) بضم التحتية وسكون المعجمة وفتح الفوقية واللام لا يجز (شوكها) إلا المؤذي (ولا يعضد) بالضاد المعجمة مبنيًّا للمفعول لا يقطع (شجرها ولا يلتقط) بفتح التحتية مبنيًّا للفاعل (ساقطتها) نصب مفعول أي ما سقط فيها بغفلة مالكه (إلا منشد) فليس لواجدها سوى التعريف فلا يملكها عند الشافعية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولا تلتقط بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول ساقطتها رفع نائب عن الفاعل إلا لمنشد بزيادة لام قبل الميم والاستثناء مفرغ لأنه متعلق بتلتقط ساقطتها فتلتقط بمعنى تباح أي لا تباح لقطتها أو لا تجوز إلا لمنشد فهو ملموح منه معنى فعل آخر (ومن قتل قتيل) أي ومن قتل له قريب كان حيًّا فصار قتيلاً بذلك القتل. وقال في العمدة: قتيل فعيل بمعنى مفعول سمي بما آل إليه حاله وهو في الأصل صفة لمحذوف أي لوليّ قتيل ويحتمل أن يضمن قتل معنى وجد له قتيل. قال: ولا يصح هذا التقدير في قوله عليه السلام من قتل قتيلاً فله سلبه، والأول من قبيل تسمية العصير خمرًا وجواب من الشرطية قوله (فهو) أي المقتول له (بخير النظرين إما يودى) بضم التحتية وسكون الواو وفتح الدال المهملة أي يعطي القاتل أو أولياؤه لأولياء المقتول الدّية (وإما يقاد) بضم أوله والرفع أي يقتل قال المهلب وغيره يستفاد منه أن الولي إذا سئل في العفو على مال إن شاء قبل ذلك وإن شاء اقتص وعلى الولي اتباع الأولى في ذلك وليس فيه ما يدل على إكراه القاتل على بذل الدّية ولأبي ذر إما أن يودي بزيادة أن قوله اما أن يقاد (فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه) بالشين المعجمة بعدها ألف فهاء وهو في محل صفة ثانية وتركيبه تركيب إضافي كأبي هريرة (فقال اكتب لي يا رسول الله) الخطبة التي سمعتها منك (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اكتبوا) الخطبة (لأبي شاه) قال ابن دقيق العيد كان قد وقع الاختلاف في الصدر الأول في كتابة غير القرآن وورد فيه نهي ثم استقرّ الأمر بين الناس على الكتابة لتقييد العلم بها وهذا الحديث يدل على ذلك لإذنه عليه الصلاة والسلام لأبي شاه (ثم قام رجل من قريش) هو العباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه- (فقال: يا رسول الله): (إلا الإذخر) بكسر الهمزة وبالمعجمتين الحشيش المعروف ذا العرف الطيب (فإنما) بالميم بعد النون (نجعله في بيوتنا) للسقف فوق الخشب (وقبورنا) لنسد به فرج اللحد المتخللة بين اللبنات والاستثناء من محذوف يدل عليه ما قبله تقديره حرم الشجر والخلا إلا الإذخر فيكون استثناء متصلاً (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بما أوحي إليه (إلا الإذخر وتابعه) أي تابع حرب بن شداد (عبيد الله) بضم العين ابن موسى بن باذام الكوفي شيخ المؤلّف في روايته (عن شيبان) بن عبد الرحمن عن يحيى عن أبي سلمة (في الفيل) بالفاء وهذه المتابعة وصلها مسلم (قال): ولأبي ذر وقال: (بعضهم) هو الإمام محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري (عن أبي نعيم) الفضل بن دكين (القتلى) بالقاف والفوقية. (وقال عبيد الله) بضم العين ابن موسى بن باذام في روايته عن شيبان بالسند المذكور: (إما أن يقاد) بضم التحتية (أهل القتيل) أي يؤخذ لهم بثأرهم. وهذا وصله مسلم بلفظ إما أن يعطي الدّية وإما أن يقاد أهل القتيل. 6881 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: كَانَتْ فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ قِصَاصٌ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ، فَقَالَ اللَّهُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِى الْقَتْلَى} [البقرة: 178] إِلَى هَذِهِ الآيَةِ {فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌ}. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَالْعَفْوُ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِى الْعَمْدِ قَالَ: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} أَنْ يَطْلُبَ بِمَعْرُوفٍ وَيُؤَدِّىَ بِإِحْسَانٍ. وبه قال: (حدّثنا قنية بن سعيد) قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كانت في بني إسرائيل قصاص) قال في الفتح: أنث كانت باعتبار معنى القصاص وهو المماثلة والمساواة وقال العيني باعتبار معنى المقاصة: (ولم تكن فيهم الدّية) وكانت في شريعة عيسى عليه السلام الدّية فقط ولم يكن فيها قصاص فإن ثبت

تنبيه:

ذلك امتازت شريعة الإسلام بأنها جمعت الأمرين فكانت وسطى لا إفراط ولا تفريط (فقال الله) تعالى في كتابه: (لهده الأمة {كتب عليكم القصاص في القتلى}) [البقرة: 178] إلى هذه الآية ({فمن عفي له من أخيه شيء}) [البقرة: 178] (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مفسرًا لقوله تعالى: {فمن عفي} (فالعفو أن يقبل) وليّ المقتول (الدية في العمد) ويترك الدم (قال) ابن عباس أيضًا: {فاتباع بالمعروف} [البقرة: 178] هو (أن يطلب) ولي المقتول الدّية من القاتل (بمعروف) ولأبي ذر أن يطلب بضم التحتية وفتح اللام مبنيًّا للمفعول (ويؤدّي) القاتل الدّية (بإحسان). وذكر الطبري عن الشعبي أن هذه الآية نزلت في حيّين من العرب كان لأحدهما طول على الآخر في الشرف فكانوا يتزوجون من نسائهم بغير مهر وإذا قتل منهم عبد قتلوا به حرًّا أو امرأة قتلوا بها رجلاً. تنبيه: قال في الفتح قوله فقال الله لهذه الأمة: {كتب عليكم القصاص في القتلى} إلى هذه الآية {فمن عفي له من أخيه شيء} كذا وقع في رواية قتيبة ووقع هنا عند أبي ذر وأكثر ووقع هنا في رواية النسفيّ والقابسي إلى قوله: {فمن عفي له من أخيه شيء} ووقع في رواية ابن أبي عمر في مسنده ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج إلى قوله في هذه الآية، وبهذا يظهر المراد وإلا فالأول يوهم أن قوله فمن عفي له في آية تلي الآية المبدوء بها وليس كذلك انتهى. 9 - باب مَنْ طَلَبَ دَمَ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ (باب) حكم (من طلب دم امرئ بغير حق). 6882 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاَثَةٌ: مُلْحِدٌ فِى الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن عبد الله بن أبي حسين) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين بضم الحاء المهملة النوفلي نسبه إلى جده قال: (حدّثنا نافع بن جبير) بضم الجيم مصغرًا ابن مطعم القرشي (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (أبغض الناس إلى الله) أبغض أفعل التفضيل بمعنى المفعول من البغض وهو شاذ ومثله أعدم من العدم إذا افتقر وإنما يقال أفعل من كذا للمفاضلة في الفعل الثاني وقال في الصحاح وقولهم ما أبغضه لي شاذ لا يقاس عليه والبغض من الله إرادة إيصال المكروه والمراد بالناس المسلمون (ثلاثة) امرؤ (ملحد) بضم الميم وسكون اللام وكسر الحاء بعدها دال مهملتين مائل عن القصد (في الحرام) المكي. قال سفيان الثوري في تفسيره عن السدي عن مرة عن عبد الله يعني ابن مسعود: ما من رجل يهم بسيئة فتكتب عليه ولو أن رجلاً بعدن أبين همّ أن يقتل رجلاً بهذا البيت لأذاقه الله من عذاب أليم، وفي تفسير ابن أبي حاتم: حدّثنا أحمد بن سنان حدّثنا يزيد بن هارون أخبرنا شعبة عن السدّي أنه سمع مرّة يحدث عن عبد الله يعني ابن مسعود في قوله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} [الحج: 25] قال لو أنّ رجلاً أراد فيه بإلحاد بظلم وهو بعدن أبين لأذاقه الله من العذاب الأليم. قال شعبة: هو رفعه لنا وأنا لا أرفعه لكم. قال يزيد: هو قد رفعه، ورواه أحمد عن يزيد بن هارون به. قال الحافظ ابن كثير: هذا الإسناد صحيح على شرط البخاري. ووقفه أشبه من رفعه ولهذا صمم شعبة على وقفه من كلام ابن مسعود وكذا رواه إسباط وسفيان الثوري عن السدي عن مرّة عن ابن مسعود انتهى. واستشكل فإن ظاهره أنّ فعل الصغيرة في المحرم المكي أشدّ من فعل الكبيرة في غيره. وأجيب: بأن الإلحاد في العرف مستعمل في الخارج عن الدين فإذا وصف به من ارتكب معصية كان في ذلك إشارة إلى عظمها وقد يؤخذ ذلك من سياق قوله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} [الحج: 25] فإن الإتيان بالجملة الاسمية يفيد ثبوت الإلحاد ودوامه والتنوين للتعظيم فيكون إشارة إلى عظم الذنب، وقال ابن كثير: أي يهتم فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار، وقوله: (بظلم) أي عامدًا قاصدًا أنه ظلم ليس بمتأوّل، وقال ابن عباس فيما رواه عنه عليّ بن أبي طلحة (بظلم) بشرك. وقال مجاهد: أن يعبد غير الله وهذا من خصوصيات المحرم فإنه يعاقب الناوي فيه الشر إذا كان عازمًا عليه ولو لم يوقعه. (و) ثاني الثلاثة الذين هم أبغض الناس إلى الله (مبتغ) بضم الميم وسكون الموحدة وبعد الفوقية غين معجمة طالب (في الإسلام

10 - باب العفو فى الخطإ بعد الموت

سنة الجاهلية) اسم جنس يعم جميع ما كان عليه أهل الجاهلية من الطيرة والكهانة والنوح وأخذ الجار بجاره وأن يكون له الحق عند شخص فيطلبه من غيره، (ومطلب دم امرئ بغير حق) بضم الميم وتشديد الطاء وكسر اللام بعدها موحدة مفتعل من الطلب أي متطلب فأبدلت التاء طاء وأدغمت في الطاء أي المتكلف للطلب المبالغ فيه (ليهريق دمه) بضم التحتية وفتح الهاء وتسكن وخرج بقوله بغير حق من طلب بحق كالقصاص مثلاً. وقال الكرماني، فإن قلت: الإهراق هو المحظور المستحق لمثل هذا الوعيد لا مجرد الطلب. وأجاب: بأن المراد الطلب المترتب عليه المطلوب أو ذكر الطلب ليلزم في الإهراق بالطريق الأولى ففيه مبالغة. والحديث من أفراده. 10 - باب الْعَفْوِ فِى الْخَطَإِ بَعْدَ الْمَوْتِ (باب العفو) من وليّ المقتول عن القاتل (في) القتل (الخطأ) بأن لم يقصد كأن زلق فوقع عليه (بعد الموت) يتعلق بالعفو أي بعد موت المقتول وليس المراد عفو المقتول إذ هو محال كما لا يخفى. 6883 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ، حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ. وَحَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِى زَكَرِيَّا، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: صَرَخَ إِبْلِيسُ يَوْمَ أُحُدٍ فِى النَّاسِ يَا عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ حَتَّى قَتَلُوا الْيَمَانَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَبِى أَبِى فَقَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ قَالَ: وَقَدْ كَانَ انْهَزَمَ مِنْهُمْ قَوْمٌ حَتَّى لَحِقُوا بِالطَّائِفِ. وبه قال: (حدّثنا فروة) بفتح الفاء وسكون الراء ولأبي ذر وابن عساكر فروة بن أبي المغراء بفتح الميم وسكون الغين المعجمة بعدها راء ممدودًا الكندي الكوفي قال: (حدّثنا عليّ بن مسهر) بضم الميم وسكون السين المهملة وبعد الهاء المكسورة راء أبو الحسن الكوفي الحافظ (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها قالت (هزم المشركون يوم) وقعة (أحد) بضم الهاء وكسر الزاي وسقط لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر من قوله عن أبيه إلخ، ولفظ عليّ بن مسهر سبق في باب من حنث ناسيًا من كتاب الأيمان والنذور وحوّل المصنف السند فقال. (وحدّثني) بالإفراد (محمد بن حرب) الواسطي النشائي بالنون المكسورة والشين المعجمة بعدها مدّة كان يبيع النشاء قال: (حدّثنا أبو مروان يحيى بن أبي زكريا) وزاد ابن عساكر وأبو ذر عن المستملي يعني الواسطي واللفظ له لا لعلي بن مسهر (عن هشام عن) أبيه (عروة عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: صرخ إبليس) بفتح الصاد المهملة والراء المخففة بعدها معجمة (يوم) وقعة (أحد في الناس) الذين يقاتلون (يا عباد الله) احذروا أو اقتلوا (أخراكم) بضم الهمزة وسكون الخاء المعجمة (فرجعت أولاهم على أخراهم) بضم الهمزة فيهما (حتى قتلوا اليمان) بفتح التحتية والميم المخففة وبعد الألف نون مكسورة مصحح عليها في الفرع وفي غيره بفتحها مصححًا عليها أيضًا أي قتل المسلمون اليمان والد حذيفة (فقال حذيفة): هذا (أبي أبي) مرتين لا تقتلوه فلم يسمعوا منه (فقتلوه) خطأ ظانين أنه من المشركين (فقال حذيفة: غفر الله لكم). قال في الكواكب: فدعا لهم وتصدق بديته على المسلمين (قال: وقد كان انهزم منهم) أي من المشركين (قوم حتى لحقوا بالطائف). البلد المشهور. والحديث سبق في باب صفة إبليس من كتاب بدء الخلق. 11 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92]. (باب قول الله تعالى) في سورة النساء: ({وما كان لمؤمن}) وما صح له ولا استقام وليس من شأنه ({أن يقتل مؤمناً}) ابتداء بغير حق ({إلاَّ خطأ}) صفة مصدر محذوف أي قتلاً خطأ أو على الحال أي لا يقتله في شيء من الأحوال إلا حال الخطأ أو مفعول له أي لا يقتله لعلة إلا للخطأ ({ومن قتل مؤمنًا}) قتلاً ({خطأ فتحرير رقبة}) مبتدأ والخبر محذوف أي فعليه تحرير رقبة أي عتقها والرقبة النسمة ({مؤمنة}) محكوم بإسلامها قيل لما أخرج نفسًا مؤمنة من جملة الإحياء لزمه أن يدخل نفسًا مثلها في جملة الأحرار لأن إطلاقها من قيد الرقّ كإحيائها من قبل أن الرقيق ملحق بالأموات إذ الرق أثر من آثار الكفر والكفر موت حكمًا أو من كان ميتًا فأحييناه وإنما وجب عليه ذلك لما ارتكبه من الذنب العظيم وإن كان خطأ ({ودية مسلمة إلى أهله}) مؤدّاة إلى ورثته عوضًا عما فاتهم من قريبهم يقتسمونها كما يقتسمون الميراث لا فرق بينها وبين سائر التركات فيقضى منها الدين وتنفذ الوصية إلى آخره وإنما تجب على عاقلة القاتل لا في ماله ({إلا أن يصدّقوا}) أي يتصدقوا عليه بالدّية أي يعفوا عنه فلا تجب

12 - باب إذا أقر بالقتل مرة قتل به

({فإن كان}) المقتول خطأ ({من قوم عدوّ لكم}) أعداء لكم أي كفرة محاربين والعدوّ يطلق على الجمع ({وهو}) أي المقتول (مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة}) فعلى قاتله الكفارة دون الدّية لأهله إذ لا وراثة بينه وبينهم لأنهم محاربون ({وإن كان}) أي المقتول ({من قوم بينكم}) بين المسلمين ({وبينهم ميثاق}) عهد ذمة أو هدنة ({فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة}) كالمسلم ولعله فيما إذا كان المقتول معاهدًا أو كان له وارث مسلم ({فمن لم يجد}) رقبة بأن لم يملكها ولا ما يتوصل به إليها ({فصيام شهرين}) فعليه صيام شهرين ({متتابعين}) لا إفطار بينهما بل يسرد صومهما إلى آخرهما فإن أفطر من غير عذر من مرض أو حيص أو نفاس استأنف ({توبة من الله}) أي قبولاً من الله ورحمة منه من تاب الله عليه إذا قبل توبته يعني شرع ذلك توبة منه أو فليتب توبة فهو نصب على المصدر ({وكان الله عليمًا}) بما أمر ({حكيمًا}) [النساء: 92] فيما قدر وسقط لأبي ذر وابن عساكر من قوله: ({ومن قتل مؤمنًا}) خطأ إلى ({حكيمًا}) وقالا بعد قوله: {إلا خطأ) الآية وهذه الآية أصل في الدّيات فذكر فيها ديتين وثلاث كفارات ذكر الدّية والكفارة بقتل المؤمن في دار الإسلام والكفارة دون الدّية في قتل المؤمن في دار الحرب في صف المشركين إذا حضر معهم الصف فقتله مسلم، وذكر الدّية والكفارة في قتل الذمي في دار الإسلام، ولم يذكر المؤلّف في هذا الباب حديثًا عند الأكثر. 12 - باب إِذَا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ مَرَّةً قُتِلَ بِهِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا أقر) شخص (بالقتل مرة) واحدة (قتل به) أي بذلك الإقرار وسقط لفظ باب للنسفي وقال بعد قوله خطأ الآية وإذا أقر إلى آخره ثم ذكر الحديث كغيره وحينئذٍ فيحتاج إلى مناسبة بين الآية والحديث ولم تظهر أصلاً فالصواب كما في الفتح إثبات الباب كما في رواية غير النسفيّ. 6884 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا أَفُلاَنٌ أَفُلاَنٌ؟ حَتَّى سُمِّىَ الْيَهُودِىُّ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا فَجِىءَ بِالْيَهُودِىِّ فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ وَقَدْ قَالَ هَمَّامٌ: بِحَجَرَيْنِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (إسحاق) غير منسوب. قال أبو علي الجياني: يشبه أن يكون ابن منصور قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (حبان). وقال الحافظ ابن حجر: ولا يبعد أن يكون إسحاق هذا ابن راهويه فإنه كثير الرواية عن حبان أي بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن هلال الباهلي قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى بن دينار البصري قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة ولأبي ذر عن قتادة أنه قال: (حدّثنا أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن يهوديًّا رضّ رأس جارية) دق رأسها (بين حجرين فقيل) مبني لما لم يسم فاعله والقائم مقام الفاعل ضمير المصدر أي قيل قول فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لها): (من فعل بك هذا؟) استفهام ليعرف المتهم من غيره فيطالب فإن اعترف أقيم عليه الحكم (أفلان أفلان) فعل بك ذلك (حتى سمي اليهودي) بضم السين مبنيًّا للمفعول واليهودي رفع نائب الفاعل (فأومأت) بالهمز بعد الميم (برأسها) أن نعم (فجيء باليهودي) فسئل (فاعترف) بذلك فاعترف معطوف على محذوف (فأمر به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرض رأسه بالحجارة) بضم الراء من فرض مبنيًّا للمفعول والحجارة بالجمع (وقد قال همام بحجرين) بالتثنية. ومطابقة الحديث للترجمة مأخوذة من إطلاق قوله فجيء باليهودي فاعترف فإنه لم يذكر فيه عددًا والأصل عدمه. والحديث سبق في الأشخاص والوصايا والدّيات في باب من أقاد بالحجر وأخرجه بقية الجماعة والله الموفق. 13 - باب قَتْلِ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ (باب قتل الرجل بالمرأة). 6885 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَتَلَ يَهُودِيًّا بِجَارِيَةٍ قَتَلَهَا عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) ضم الزاي وفتح الراء آخره مهملة مصغرًا قال: (حدّثنا سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة (عن قتاة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قتل يهوديًّا بجارية) بسببها (قتلها على أوضاح لها) بفتح الهمزة وسكون الواو بعدها ضاد معجمة فألف فحاء مهملة حلي من الدراهم الصحاح قاله الجوهري وسمي به لأنه من الفضة وهي بيضاء والواضح البياض وصرح في رواية بالحلي بدل الأوضاح. ومطابقة الحديث للترجمة واضحة

14 - باب القصاص بين الرجال والنساء فى الجراحات

وفيه دليل على أن القتل بالحجر والمثقل الذي يحصل به القتل غالبًا يوجب القصاص وهو قول أكثر أهل العلم كمالك والشافعي ولم ير بعضهم القصاص إذا كان القتل بالمثقل وهو قول أصحاب أبي حنيفة. 14 - باب الْقِصَاصِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِى الْجِرَاحَاتِ وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَيُذْكَرُ، عَنْ عُمَرَ تُقَادُ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ فِى كُلِّ عَمْدٍ يَبْلُغُ نَفْسَهُ فَمَا دُونَهَا مِنَ الْجِرَاحِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَإِبْرَاهِيمُ وَأَبُو الزِّنَادِ عَنْ أَصْحَابِهِ وَجَرَحَتْ أُخْتُ الرُّبَيِّعِ إِنْسَانًا فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْقِصَاصُ». (باب القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات. وقال أهل العلم): أي جمهورهم (يقتل الرجل بالمرأة. ويذكر) بضم أوّله (عن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (تقاد المرأة من الرجل) بضم الفوقية بعدها قاف أي يقتص منها إذا قتلت الرجل (في كل) قتل (عمد يبلغ نفسه) نفس الرجل (فما دونها) دون النفس (من الجراح) في كل عضو من أعضائها عند قطعها من أعضائه وهذا وصله سعيد بن منصور من طريق النخعي قال كان فيما جاء به عروة البارقي إلى شريح من عند عمر قال: جرح الرجال والنساء سواء وسنده صحيح لكن لم يصح سماع النخعي من شريح، فلذا ذكر المؤلّف أثر عمر بصيغة التمريض. (وبه) أي بما رواه عمر -رضي الله عنه- (قال عمر بن عبد العزيز وإبراهيم) النخعي أخرج ابن أبي شيبة من طريق الثوري عن جعفر بن برقان عن عمر بن عبد العزيز عن مغيرة عن إبراهيم النخعي قال القصاص بين الرجل والمرأة في العمد سواء (وأبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن أصحابه) كعبد الرحمن بن هرمز الأعرج والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير أخرج البيهقي من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: وكل من أدركت من فقهائنا وذكر السبعة في مشيخة سواهم أهل فقه وفضل ودين أنهم كانوا يقولون: المرأة تقاد بالرجل عينًا بعين وأذنًا بأذن وكل شيء من الجوارح على ذلك وإن قتلها قتل بها. (وجرحت) بالجيم المفتوحة (أخت الربيع) بضم الراء وفتع الموحدة وتشديد التحتية المكسورة بعدها عين مهملة بنت النضر بنون مفتوحة فمعجمة ساكنة (إنسانًا فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: القصاص). بالرفع في الفرع وفي غيره بالنصب على الإغراء، وللنسفي كتاب الله القصاص. وهذا طرف من حديث أخرجه مسلم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن أخت الربيع أم حارثة جرحت إنسانًا قال أبو ذر: كذا وقع هنا، والصواب الربيع بنت النضر عمة أنس، وقيل: الصواب وجرحت الربيع بحذف لفظ أخت وهو موافق لما في البقرة من وجه آخر عن أنس أن الربيع بنت النضر عمته كسرت ثنية جارية، وقد جزم ابن حزم بأنهما قضيتان صحيحتان وقعتا لامرأة واحدة إحداهما أنها جرحت إنسانًا فقضي عليها بالضمان والأخرى أنها كسرت ثنية جارية فقضي عليها بالقصاص. 6886 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِى عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: لَدَدْنَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى مَرَضِهِ فَقَالَ: «لاَ تَلُدُّونِى» فَقُلْنَا: كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: «لاَ يَبْقَى أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلاَّ لُدَّ غَيْرَ الْعَبَّاسِ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ». وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ولأبي ذر زيادة ابن بحر الباهلي الصيرفي البصري قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا سفيان) الثوري قال: (حدّثنا موسى بن أبي عائشة) الهمداني الكوني (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: لددنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح اللام والدال المهملة بعدها أخرى ساكنة ثم نون من اللدود أي جعلنا في أحد شقي فمه بغير اختياره دواء (في مرضه) الذي توفي فيه (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا تلدوني) بضم اللام (فقلنا) امتناعه (كراهية المريض للدواء) فرفع كراهية خبر مبتدأ محذوف ولأبي ذر كراهية بالنصب مفعولاً له أي نهانا لكراهته الدواء أي لم ينهنا نهي تحريم، بل كرهه كراهية المريض للدواء، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: الدواء بالألف واللام بدل لام الجر (فلما أفاق) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: لا يبقى أحد منكم إلا لد) قصاصًا لفعلهم وعقوبة لهم لتركهم امتثال نهيه عن ذلك، وفيه إشارة إلى مشروعية القصاص من المرأة بما جنته على الرجل لأن الذين لدوه كانوا رجالاً ونساء وقد ورد التصريح في بعض طرقه بأنهم لدوا ميمونة وهي صائمة من أجل عموم الأمر (غير العباس) بنصب غير ولأبي ذر بالرفع فلا تلدوه (فإنه لم يشهدكم) أي يحضركم حالة اللدود. وفي الحديث أخذ الجماعة بالواحد، وسبق في باب

15 - باب من أخذ حقه أو اقتص دون السلطان

مرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووفاته. 15 - باب مَنْ أَخَذَ حَقَّهُ أَوِ اقْتَصَّ دُونَ السُّلْطَانِ (باب من أخذ حقه) من جهة غريمه (أو اقتص) منه في نفس أو طرف (دون السلطان). 6887 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (أن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (حدّثه أنه سمع أبا هريرة) -رضي الله عنه- (يقول: إنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (نحن الآخرون) في الدنيا (السابقون) وزاد أبو ذر يوم القيامة. 6888 - وَبِإِسْنَادِهِ «لَوِ اطَّلَعَ فِى بَيْتِكَ أَحَدٌ، وَلَمْ تَأْذَنْ لَهُ خَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْكَ مِنْ جُنَاحٍ» [الحديث 6888 - طرفه في: 6902]. (وبإسناده) أي الحديث السابق إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: (لو اطلع) بتشديد الطاء (في بيتك أحد ولم تأذن له) أن يطلع فيه (خذفته) بالخاء والذال المعجمتين المفتوحتين ففاء رميته (بحصاة) أي بأن جعلها بين إبهامه وسبابته (ففقأت عينه) فقلعتها أو أطفأت ضوءها ولأبي ذر حذفته بالحاء المهملة بدل المعجمة قال القرطبي الرواية بالمهملة خطأ لأن في نفس الخبر أنه الرمي بالحصاة وهو بالمعجمة جزمًا (ما كان عليك من جناح). بضم الجيم من إثم ولا مؤاخذة. وفي رواية صححها ابن حبان والبيهقي: فلا قول ولا دية وهذا مذهب الشافعية، وعبارة النووي ومن نظر إلى حرمه في داره من كوّة أو ثقب فرماه بخفيف كحصاة فأعماه أو أصاب قرب عينه فجرحه فمات فهدر بشرط عدم محرم وزوجة للناظر اهـ. والمعنى فيه المنع من النظر وإن كانت حرمه مستورة أو منعطفة لعموم الأخبار ولأنه لا يدري متى تستتر وتنكشف فيحسم باب النظر وخرج بالدار المسجد والشارع ونحوهما، وبالثقب الباب والكوّة الواسعة، والشباك الواسع العيون ويقرب عينه ما لو أصاب موضعًا بعيدًا عنها فلا يهدر في الجميع. وقال المالكية الحديث خرج مخرج التغليظ وقوله في الحديث ولم يأذن احتراز عمن اطلع بإذن. 6889 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ فِى بَيْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَدَّدَ إِلَيْهِ مِشْقَصًا فَقُلْتُ مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن حميد) الطويل (أن رجلاً) هو الحكم بن أبي العاص (اطلع) بتشديد الطاء (في بيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسدد) بالسين المهملة وتشديد الدال المهملة الأولى كذا لأبي ذر والأصيلي أي صوّب (إليه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مشقصًا) بكسر الميم وسكون الشين المعجمة بعدها قاف مفتوحة فصاد مهملة منصوب على المفعولية النصل العريض ولأبي ذر عن الحموي والباقين فشدد بالشين المعجمة قال عياض هو وهم قال يحيى (فقلت) لحميد (من حدثك بهدا) الحديث؟ (قال): حدّثني به (أنس بن مالك) -رضي الله عنه-. وهذا الحديث صورته في الأول مرسل لأن حميدًا لم يدرك القصة. وقوله: فقلت من حدثك بهذا؟ قال: أنس يدل على أنه مسند موصول. 16 - باب إِذَا مَاتَ فِى الزِّحَامِ أَوْ قُتِلَ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا مات) شخص (في الزحام أو قتل) ولابن بطال زيادة به أي بالزحام. 6890 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ هِشَامٌ: أَخْبَرَنَا عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ فَصَاحَ إِبْلِيسُ أَىْ عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِىَ وَأُخْرَاهُمْ فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ فَقَالَ: أَىْ عِبَادَ اللَّهِ أَبِى أَبِى قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ قَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَمَا زَالَتْ فِى حُذَيْفَةَ مِنْهُ بَقِيَّةٌ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد وللأصيلي حدّثنا ولأبي ذر أخبرنا (إسحاق بن منصور) الكوسج الحافظ قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (أبو أسامة) حماد بن أسامة (قال هشام: أخبرنا) هو من تقديم اسم الراوي على الصيغة وهو جائز أي قال أبو أسامة أخبرنا هشام (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: لما كان يوم) وقعة (أُحُد هزم المشركون) بضم الهاء وكسر الزاي مبنيًّا للمفعول (فصاح إبليس) في المسلمين (أي عباد الله) قاتلوا (أخراكم فرجعت أولاهم) لأجل قتال أخراهم ظانين أنهم من المشركين (فاجتلدت) بالجيم الساكنة فالفوقية فاللام فالدال المهملة المفتوحات ففوقية فاقتتلت (هي وأخراهم، فنظر حذيفة) بن اليمان (فإذا هو بأبيه اليمان) يقتله المسلمون يظنونه من المشركين (فقال: أي عباد) هذا (أبي) هذا (أبي) لا تقتلوه (قالت) عائشة (فوالله ما احتجزوا) بالحاء المهملة الساكنة ثم الفوقية والجيم المفتوحتين والزاي أي ما انفصلوا أو ما انكفوا عنه أو ما تركوه (حتى قتلوه. فقال حذيفة) معتذرًا عنهم لكونهم قتلوه ظانين أنه من المشركين (غفر الله لكم. قال عروة) بالسند المذكور (فما زالت في حذيفة منه) أي من ذلك

17 - باب إذا قتل نفسه خطأ فلا دية له

الفعل وهو العفو أو من قتلهم لأبيه (بقية) أي من حزن على أبيه ولأبي ذر والأصيلي بقية خير أي من دعاء واستغفار لقاتل أبيه (حتى لحق بالله) عز وجل. وعند السراج في تاريخه من طريق عكرمة أن والد حذيفة قتل يوم أحد قتله بعض المسلمين وهو يظن أنه من المشركين فوداه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورجاله ثقات مع إرساله، وفي المسألة مذاهب فقيل تجب ديته في بيت المال لأنه مات بفعل قوم من المسلمين فوجبت ديته في بيت مال المسلمين، وقيل تجب على جميع من حضر لأنه مات بفعلهم فلا يتعداهم إلى غيرهم. وقال الشافعي: يقال لوليه ادّع على من شئت واحلف فإن حلفت استحقيت الدّية، وإن نكلت حلف المدعى عليه على النفي وسقطت المطالبة وتوجيهه أن الدم لا يجب إلا بالطلب. وقال مالك دمه هدر لأنه إذا لم يعلم قاتله بعينه استحال أن يؤخذ به أحد. 17 - باب إِذَا قَتَلَ نَفْسَهُ خَطَأً فَلاَ دِيَةَ لَهُ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا قتل) شخص (نفسه خطأ فلا دية له) قال الإسماعيلي ولا إذا قتلها عمدًا أي فلا مفهوم لقوله خطأ. قال في الفتح: والذي يظهر أن البخاري إنما قيد بالخطأ لأنه على الخلاف. 6891 - حَدَّثَنَا الْمَكِّىُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَسْمِعْنَا يَا عَامِرُ مِنْ هُنَيْهَاتِكَ فَحَدَا بِهِمْ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَنِ السَّائِقُ»؟ قَالُوا: عَامِرٌ فَقَالَ: «رَحِمَهُ اللَّهُ» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلاَّ أَمْتَعْتَنَا بِهِ فَأُصِيبَ صَبِيحَةَ لَيْلَتِهِ فَقَالَ الْقَوْمُ: حَبِطَ عَمَلُهُ قَتَلَ نَفْسَهُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ وَهُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ فَدَاكَ أَبِى وَأُمِّى زَعَمُوا أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ، فَقَالَ: «كَذَبَ مَنْ قَالَهَا، إِنَّ لَهُ لأَجْرَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ وَأَىُّ قَتْلٍ يَزِيدُهُ عَلَيْهِ». وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) الحنظلي البلخي الحافظ قال: (حدّثنا يزيد بن أبي عبيد) بضم العين مولى سلمة بن الأكوع (عن) مولاه (سلمة) بن الأكوع أبي مسلم واسم الأكوع سنان بن عبد الله -رضي الله عنه- أنه (قال: خرجنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خيبر) قرية كانت لليهود على نحو أربع مراحل من المدينة (فقال رجل منهم): هو أسيد بن حضير (أسمعنا) بكسر الميم (يا عامر) هو ابن سنان عم سلمة بن الأكوع (من هنيهاتك) بضم الهاء وفتح النون وسكون التحتية بعدها هاء فألف ففوقية فكاف أراجيزك ولابن عسكر وأبي ذر عن الكشميهني من هنياتك بتحتية مشددة بدل الهاء الثانية تصغير هناتك واحدة هناة وتقلب الياء هاء كما في الرواية الأولى (فحدا) عامر (بهم) أي ساقهم منشدًا للأراجيز يقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا إلى آخر الأبيات. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من السائق؟ قالوا) هو (عامر. فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رحمه الله قالوا: يا رسول الله هلا أمتعتنا به؟) بهمزة مفتوحة وسكون الميم بحياة عامر قبل إسراع الموت له لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما قال مثل ذلك لأحد ولا استغفر لإنسان قط يخصه بالاستغفار عند القتال إلا استشهد، وفي غزوة خيبر قال رجل من القوم: وجبت يا نبي الله لولا أمتعتنا به، ووقع في مسلم أن هذا الرجل هو عمر بن الخطاب (فأصيب) عامر (صبيحة ليلته) تلك وذلك أن سيفه كان قصيرًا فتناول به يهوديًا ليضربه به فرجع ذبابه فأصاب ركبته، ولم يذكر في هذه الطريق كيفية قتله على عادته -رحمه الله- في ذكر الترجمة بالحكم، ويكون قد أورد ما يدل على ذلك صريحًا في مكان آخر حرصًا على عدم التكرار بغير فائدة وليبعث الطالب على تتبع طرق الحديث والاستكثار منها ليتمكن من الاستنباط (فقال القوم): ومنهم أسيد بن حضير كما عند المؤلّف في الأدب (حبط عمله) بكسر الموحدة أي بطل لأنه (قتل نفسه فلما رجعت وهم يتحدثون أن عامرًا حبط عمله) قال سلمة (فجئت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: يا نبي الله) ولأبي ذر يا رسول الله (فداك) بفتح الفاء (أبي وأمي زعموا أن عامرًا حبط عمله. فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كذب من قالها) أي كلمة حبط عمله (إن له لأجرين) أجر الجهد في الطاعة وأجر الجهاد في سبيل الله واللام في لأجرين للتأكيد (اثنين) تأكيد لأجرين (إنه لجاهد) مرتكب للمشقة في الخير (مجاهد) في سبيل الله عز وجل (وأي قتل) بفتح القاف وسكون الفوقية (يزيده عليه) أي يزيد الأجر على أجره، ولأبي ذر عن الكشميهني: وأي قتيل بكسر الفوقية وزيادة تحتية ساكنة يزيد عليه بإسقاط الهاء من يزيده، وللأصيلي وأي قتيل يزيده. وهذا الحديث حجة لجمهور أن من قتل نفسه لا يجب فيه شيء إذ لم ينقل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوجب في هذه القصة شيئًا وقال الكرماني: والظاهر أن قوله أي في الترجمة فلا دية له لا وجه له

18 - باب إذا عض رجلا فوقعت ثناياه

وموضعه اللائق به الترجمة السابقة أي إذا مات في الزحام فلا دية له على المزاحمين لظهور أن قاتل نفسه لا دية له، ولعله من تصرفات النقلة عن نسخة الأصل. وهذا الحديث هو التاسع عشر من ثلاثيات البخاري، وسبق في المغازي والأدب والمظالم والذبائح والدعوات، وأخرجه مسلم وابن ماجة. 18 - باب إِذَا عَضَّ رَجُلاً فَوَقَعَتْ ثَنَايَاهُ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا عض) رجل (رجلاً فوقعت ثناياه) ثنايا العاضّ. 6892 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ زُرَارَةَ بْنَ أَوْفَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلاً عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فَمِهِ فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتَاهُ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «يَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ لاَ دِيَةَ لَكَ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (قال: حدّثنا قتادة) بن دعامة (قال: سمعت زرارة بن أوفى) العامري (عن عمران بن حصين) -رضي الله عنه- (أن رجلاً) اسمه يعلى بن أمية (عضّ يد رجل) هو أجير يعلى العاض كما عند النسائي مصرحًا به من رواية يعلى نفسه ولم يسم الأجير (فنزع) المعضوض (يده من فمه) من فم العاض وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي من فيه بالتحتية بدل الميم وهو أكثر في اللغة وإن كانت الأولى فاشية كثيرة (فوقعت ثنيتاه) بالفوقية بعد التحتية بالتثنية، وللأصيلي وأبي ذر ثناياه بلفظ الجمع على رأي من يجيز في الاثنين صيغة الجمع وليس للإنسان إلا ثنيتان (فاختصموا) بلفظ الجمع لأن لكل مخاصم جماعة يخاصمون معه أو لأن ضمير الجمع يقع على المثنى كقوله تعالى: {إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان} [ص: 22] (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يتعلق باختصموا وتعدى بإلى وإن كان اختصم لا يتعدى بإلى لأنه ملموح فيه معنى تحاكموا (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يعض أحدكم أخاه) بحذف همزة الاستفهام والأصل أيعض على طريق الإنكار وحذفت كما حذفت من قوله تعالى: {وتلك نعمة تمنّها عليّ} [الشعراء: 22] التقدير أو تلك نعمة والمعنى أيعض أحدكم يد أخيه (كما يعض الفحل) الذكر من الإبل والكاف نعت لمصدر محذوف أي أيعض أحدكم أخاه عضًّا مثل ما يعض الفحل (لا دية لك) لا نافية ودية مبني مع لا ومحل لا مع اسمها رفع بالابتداء والخبر في المجرور أو محذوف على مذهب الأكثرين، فيكون لك في محل صفة والتقدير لا دية كائنة لك موجودة وفي رواية ابن عساكر في نسخة وأبي ذر عن الحموي والمستملي له بالهاء بدل كاف لك. قال النووي: ولو عضت يده خلصها بالأسهل من فك لحييه وضرب شقه فإن عجز فسلّها فندرت أسنانه أي سقطت فهدر أي لأن العض لا يجوز بحال. والحديث أخرجه مسلم في الدّيات والنسائي في القصاص وابن ماجة في الدّيات أيضًا. 6893 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ فِى غَزْوَةٍ فَعَضَّ رَجُلٌ فَانْتَزَعَ ثَنِيَّتَهُ فَأَبْطَلَهَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز المكي (عن عطاء) هو ابن أبي رباح المكي (عن صفوان بن يعلى عن أبيه) يعلى بن منية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية اسم أمه واسم أبيه أمية بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية التميمي الحنظلي -رضي الله عنه- أنه (قال: خرجت في غزوة) بسكون الزاي بعدها واو أي غزوة تبوك ولأبي ذر عن الكشميهني في غزاة بفتح الزاي بعدها ألف بدل الواو (فعضّ رجل) أي رجلاً آخر (فانتزع) أي يده فأندر (ثنيته فأبطلها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي حكم أن لا ضمان على المعضوض بشرط تألمه وأن لا يمكنه تخليص يده بغير ذلك من ضرب أو فك لحييه ليرسلها ومهما أمكن التخلص بدون ذلك فعدل عنه إلى الأثقل لم يهدر. 19 - باب السِّنِّ بِالسِّنِّ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (السن) تقلع (بالسن) وفي نسخة بإضافة الباب لتاليه. 6894 - حَدَّثَنَا الأَنْصَارِىُّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ ابْنَةَ النَّضْرِ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا فَأَتَوُا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَ بِالْقِصَاصِ. وبه قال: (حدّثنا الأنصاري) محمد بن عبد الله المثنى البصري قال: (حدّثنا حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه- أن ابنة النضر) بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة واسمها الربيع بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد التحتية المكسورة وهو جدّ أنس (لطمت جارية) وفي رواية الفزاري السابقة في سورة المائدة جارية من الأنصار، وفي رواية معتمر عند أبي داود امرأة بدل جارية، وفيه أن المراد بالجارية المرأة الشابة لا الأمة الرقيقة (فكسرت ثنيتها) فعرضوا عليهم الارش فأبوا فطلبوا العفو فأبوا (فأتوا) أي أتى أهلها (النبي

20 - باب دية الأصابع

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يطلبون القصاص (فأمر بالقصاص) وهو محمول على أن الكسر كان منضبطًا وأمكن القصاص بأن ينشر بمنشار بقول أهل الخبرة وهذا بخلاف غير السن من العظام لعدم الوثوق بالمماثلة فيها. قال الشافعي: ولأن دون العظم حائلاً من جلد ولحم وعصب تتعذر معه المماثلة، وهذا مذهب الشافعية والحنفية، وقال المالكية: بالقود في العظام إلا ما كان مخوفًا أو كان كالمأمومة والمنقلة والهاشمة ففيها الدّية. وهذا الحديث العشرون من الثلاثيات. 20 - باب دِيَةِ الأَصَابِعِ (باب دية الأصابع) هل هي مستوية أو مختلفة؟. 6895 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ يَعْنِى الْخِنْصَرَ وَالإِبْهَامَ. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (هذه وهذه سواء) في الدّية (يعني الخنصر) بكسر المعجمة وفتح المهملة (والإبهام) وفي رواية النسائي بحذف يعني، وعند الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي عن شعبة: الأصابع والأسنان سواء الثنية والضرس سواء، ولأبي داود والترمذي أصابع اليدين والرجلين سواء، ولابن ماجة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه: الأصابع سواء كلهنّ فيه عشر عشر من الإبل أي فلا فضل لبعض الأصابع على بعض وأصابع اليد والرجل سواء كما عليه أئمة الفتوى، وفي حديث عمرو بن حزم عند النسائي: وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل. قال الخطابي: وهذا أصل في كل جناية لا تضبط كميتها فإذا فات ضبطها من جهة المعنى اعتبرت من حيث الاسم فتتساوى ديتها وإن اختلف كمالها ومنفعتها ومبلغ فعلها فإن للإبهام من القوة ما ليس للخنصر ومع ذلك فديتهما سواء ولو اختلفت المساحة وكذلك الأسنان نفع بعضها أقوى من بعض وديتها سواء نظرًا للاسم فقط. والحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في الدّيات. 0000 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة بندار قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) عمد واسم أبي عدي إبراهيم (عن شعبة) بن الحجاج (عن قتاة عن عكرمة عن ابن عباس) أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه). فعند ابن ماجة والإسماعيلي من رواية ابن أبي عدي المذكورة بلفظ الأصابع سواء، وكذا أخرجاه من رواية ابن أبي عدي أيضًا، لكن مقرونًا به غندر والقطان بلفظ الرواية الأولى لكن بتقديم الإبهام على الخنصر. وهذا الحديث الذي ساقه المؤلّف نزل به درجة لأجل وقوع التصريح فيه بسماع ابن عباس من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخرجه ابن ماجة. 21 - باب إِذَا أَصَابَ قَوْمٌ مِنْ رَجُلٍ هَلْ يُعَاقِبُ أَوْ يَقْتَصُّ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ؟. وَقَالَ مُطَرِّفٌ عَنِ الشَّعْبِىِّ فِى رَجُلَيْنِ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ فَقَطَعَهُ عَلِىٌّ ثُمَّ جَاءَا بِآخَرَ وَقَالاَ: أَخْطَأْنَا فَأَبْطَلَ شَهَادَتَهُمَا وَأُخِذَا بِدِيَةِ الأَوَّلِ وَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُكُمَا. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا أصاب قوم من رجل هل يعاقب) بفتح القاف مبنيًّا للمفعول، وفي رواية يعاقبون بلفظ الجمع وفي أخرى يعاقبوا بحذف النون لغة ضعيفة أي هل يكافأ الذين أصابوه ويجازون على فعلهم كما وقع في اللدود (أو يقتص) بالبناء للمفعول وفي اليونينية للفاعل فيهما (منهم كلهم؟) إذا قتلوه أو جرحوه أو يتعين واحد ليقتص منه ويؤخذ من الباقين الدّية والأول مذهب جمهور العلماء، وروي الثاني عن عبد الله بن الزبير ومعاذ فلو قتله عشرة فله أن يقتل واحد منهم ويأخذ من التسعة تسعة أعشار الدّية. (وقال مطرف): بضم الميم وفتح المهملة وكسر الراء مشددة بعدها فاء ابن طريف فيما رواه إمامنا الشافعي -رحمه الله- عن سفيان بن عيينة عن مطرف (عن الشعبي) عامر (في رجلين) لم يسميا (شهدا على رجل) لم يسم أيضًا (أنه سرق فقطعه) أي فقطع يده (عليّ) -رضي الله عنه- لثبوت سرقته عنده بشهادتهما (ثم جاءا) أي الشاهدان (بآخر) برجل آخر إلى علي -رضي الله عنه- (وقالا): ولأبي ذر فقالا بالفاء بدل الواو هذا الذي سرق وقد (أخطأنا) على الأول (فأبطل) علي -رضي الله عنه- (شهادتهما) على الآخر كما في رواية الشافعي، وفيه ردّ على من حمل الإبطال في قوله فأبطل شهادتهما على إبطال شهادتيهما معًا الأولى لإقرارهما فيها بالخطأ، والثانية لكونهما صارا متهمين فاللفظ وإن كان محتملاً، لكن رواية

الشافعي عينت أحد الاحتمالين (وأخذا) بضم الهمزة وكسر المعجمة بلفظ التثنية (بدية) يد الرجل (الأول) ولفظ رواية الشافعي وأغرمهما دية الأول (وقال: لو علمت أنكما تعمدتما) في شهادتكما الكذب (لقطعتكما) أي لقطعت أيديكما. قال البخاري: 6896 - وَقَالَ لِى ابْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ غُلاَمًا قُتِلَ غِيلَةً فَقَالَ عُمَرُ: لَوِ اشْتَرَكَ فِيهَا أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ، وَقَالَ مُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ: إِنَّ أَرْبَعَةً قَتَلُوا صَبِيًّا فَقَالَ عُمَرُ مِثْلَهُ، وَأَقَادَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعَلِىٌّ وَسُوَيْدُ بْنُ مُقَرِّنٍ مِنْ لَطْمَةٍ وَأَقَادَ عُمَرُ مِنْ ضَرْبَةٍ بِالدِّرَّةِ وَأَقَادَ عَلِىٌّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَسْوَاطٍ، وَاقْتَصَّ شُرَيْحٌ مِنْ سَوْطٍ وَخُمُوشٍ. (وقال لي ابن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة محمد المعروف ببندار (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر رضي الله عنهما أن غلامًا) اسمه أصيل كما رواه البيهقي (قتل) بضم القاف مبنيًّا للمفعول (غيلة) بكسر الغين المعجمة وسكون التحتية بعدها لام مفتوحة فهاء تأنيث أي سرًّا أو غفلة وخديعة. قال في المقدمة: والقاتل أربعة المرأة أم الصبي وصديقها وجاريتها ورجل ساعدهم ولم يسموا (فقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه-: (لو اشترك فيها) أي في هذه الفعلة أو التأنيث على إرادة النفس ولأبي ذر عن الكشميهني فيه أي في قتله (أهل صنعاء لقتلتهم) صنعاء بالمدّ بلد باليمن معروف. قال في الفتح: وهذا الأثر موصول إلى عمر بأصح إسناد، وقد أخرجه ابن أبي شيبة عن عبد الله بن نمير عن يحيى القطان من وجه آخر عن نافع بلفظ أن عمر قتل خمسة أو ستة برجل قتلوه غيلة، وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعًا. (وقال مغيرة بن حكيم) الصنعاني: (عن أبيه) حكيم (أن أربعة) بكسر الهمزة وتشديد النون (قتلوا صبيًّا فقال عمر مثله) مثل قوله لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم، وهذا مختصر من أثر وصله ابن وهب ومن طريقه قاسم بن أصبغ والطحاوي والبيهقي، قال ابن وهب: حدّثني جرير بن حازم أن المغيرة بن حكيم الصنعاني حدثه عن أبيه أن امرأة بصنعاء غاب عنها زوجها وترك في حجرها ابنًا له من غيرها غلامًا يقال له أصيل فاتخذت المرأة بعد زوجها خليلاً فقالت له: إن هذا الغلام يفضحنا فاقتله فأبى فامتنعت منه فطاوعها فاجتمع على قتل الغلام الرجل ورجل آخر والمرأة وخادمها فقتلوه ثم قطّعوه أعضاء وجعلوه في عيبة بفتح العين وسكون التحتية بعدها موحدة وعاء من أدم وطرحوه في ركية بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتية بئر لم تطو في ناحية القرية ليس فيها ماء فأخذ خليلها فاعترف ثم اعترف الباقون فكتب يعلى وهو يومئذٍ أمير بشأنهم إلى عمر فكتب عمر بقتلهم جميعًا. وقال: والله لو أن أهل صنعاء اشتركوا في قتله لقتلتهم أجمعين. (وأفاد) بالقاف (أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- فيما وصله ابن أبي شيبة (وابن الزبير) عبد الله فيما وصله ابن أبي شيبة ومسدد جميعًا (وعليّ) هو ابن أبي طالب مما وصله ابن أبي شيبة (وسويد بن مقرّن) بضم الميم وفتح القاف وكسر الراء مشددة بعدها نون المزني مما وصله ابن أبي شيبة (من لطمة وأقاد عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (من ضربة بالدرة) بكسر الدال المهملة وتشديد الراء آلة يضرب بها (وأقاد عليّ) بن أبي طالب -رضي الله عنه- (من ثلاثة أسواط) أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور من طريق فضيل بن عمرو عن عبد الله بن معقل بكسر القاف قال: كنت عند عليّ فجاءه رجل فسارّه فقال: يا قنبر بفتح القاف والموحدة بينهما نون ساكنة آخره راء أخرج فاجلد هذا فجاء المجلود فقال: إنه زاد عليّ ثلاثة أسواط فقال: صدق فقال: خذ السوط فاجلده ثلاثة أسواط ثم قال: يا قنبر إذا جلدت فلا تتعد الحدود. (واقتص شريح) بضم الشين المعجمة وفتح الراء بعدها تحتية ساكنة فمهملة ابن الحارث القاضي (من سوط وخموش) بضم الخاء المعجمة والميم وبعد الواو معجمة الخدوش زنة ومعنى وهذا وصله سعيد بن منصور في السوط وابن أبي شيبة في الخموش. 6897 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِى عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ لَدَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى مَرَضِهِ، وَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا لاَ تَلُدُّونِى قَالَ: فَقُلْنَا كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ بِالدَّوَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: «أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِى»؟ قَالَ: قُلْنَا كَرَاهِيَةٌ لِلدَّوَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَبْقَى مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ لُدَّ، وَأَنَا أَنْظُرُ، إِلاَّ الْعَبَّاسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدّثنا موسى بن أبي عائشة) الهمداني (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود أنه (قال: قالت عائشة) -رضي الله عنها- (لددنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بدالين مهملتين جعلنا له دواء في أحد جانبي فمه بغير اختياره

22 - باب القسامة

(في مرضه) الذي توفي فيه (وجعل يشير إلينا لا تلدوني قال فقلنا) نهيه هذا ليس للإيجاب بل كرهه (كراهية) ولغير أبي ذر كراهية بالرفع أي بل هو كراهية (المريض بالدواء) بالموحدة (فلما أفاق) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال): (ألم أنهكم) ولأبي ذر عن الكشميهني أنهكنّ بنون جمع الأناث بدل ميم جمع الذكور (أن تلدوني) بضم اللام (قال: قلنا كراهية للدواء) بالنصب وبالرفع منوّنًا، وللكشميهني كراهية المريض للدواء (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يبقى منكم أحد) من الرجال والنساء (إلا لد) بضم اللام وتشديد المهملة (وأنا أنظر إلا العباس) -رضي الله عنه- (فإنه لم يشهدكم). قيل هذا الحديث لا يناسب الترجمة لأنه غير ظاهر في القصاص لاحتمال أن يكون عقوبة لهم حيث خالفوا أمره عليه الصلاة والسلام، وقال شارح التراجم أما القصاص من اللطمة والدرة والأسواط فليس من الترجمة لأنه من شخص واحد وقد يجاب عنه بأنه إذا كان القود يؤخذ من هذه المحقرات فكيف لا يقاد من الجمع من الأمور العظائم كالقتل والقطع وما أشبه ذلك. والحديث سبق قريبًا في باب القصاص بين الرجال والنساء. 22 - باب الْقَسَامَةِ وَقَالَ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» وَقَالَ ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ: لَمْ يُقِدْ بِهَا مُعَاوِيَةُ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِىِّ بْنِ أَرْطَاةَ وَكَانَ أَمَّرَهُ عَلَى الْبَصْرَةِ فِى قَتِيلٍ وُجِدَ عِنْدَ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ السَّمَّانِينَ إِنْ وَجَدَ أَصْحَابُهُ بَيِّنَةً، وَإِلاَّ فَلاَ تَظْلِمِ النَّاسَ، فَإِنَّ هَذَا لاَ يُقْضَى فِيهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. (باب القسامة) بفتح القاف مأخوذة من القسم وهو اليمين، وقال الأزهري: القسامة اسم للأولياء الذين يحلفون على استحقاق دم المقتول، وقيل: مأخوذة من القسمة لقسمة الأيمان على الورثة واليمين فيها من جانب المدعي لأن الظاهر معه بسبب اللوث المقتضي لظن صدقه وفي غير ذلك الظاهر مع المدعى عليه فلذا خرج هذا عن الأصل. (وقال الأشعث بن قيس) بالمثلثة الكندي مما وصله في الشهادات وغيرها (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: شاهداك أو يمينه) برفع شاهداك خبر مبتدأ محذوف أي المثبت لدعواك شاهداك أو يمينه عطف عليه. (وقال ابن أبي مليكة): هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بضم الميم واسمه زهير مما وصله حماد بن سلمة في مصنفه ومن طريقه ابن المنذر (لم يقد) بضم الياء التحتية وكسر القاف من أقاد أي لم يقتص (بها) بالقسامة (معاوية) بن أبي سفيان، وتوقف ابن بطال في ثبوته فقال: قد صح عن معاوية أنه أقاد بها ذكر ذلك عنه أبو الزناد في احتجاجه على أهل العراق. قال في الفتح: هو في صحيفة عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه ومن طريقه أخرجه البيهقي وجمع بأن معاوية لم يقد بها لما وقعت له وكان الحكم في ذلك ولما وقعت لغيره وكل الأمر في ذلك إليه فلفظ البيهقي عن خارجة بن زيد بن ثابت قال: قتل رجل من الأنصار رجلاً من بني العجلان ولم يكن في ذلك بيّنة ولا لطخ فأجمع رأي الناس على أن تحلف ولاة المقتول ثم يسلم إليهم فيقتلوه فركبت إلى معاوية في ذلك، فكتب إلى سعيد بن العاص إن كان ما ذكره حقًّا فافعل ما ذكروه فدفعت الكتاب إلى سعيد فأحلفنا خمسين يمينًا ثم أسلمه إلينا انتهى. فنسب إلى معاوية أنه أقاد بها لكونه أذن في ذلك، ويحتمل أن يكون معاوية كان يرى القود بها ثم رجع عن ذلك أو بالعكس. (وكتب عمر بن عبد العزيز) -رحمه الله تعالى- (إلى عديّ بن أرطأة) بفتح الهمزة والطاء المهملة بينهما راء ساكنة وبعد الألف هاء تأنيث غير منصرف الفزاريّ (وكان) ابن عبد العزيز (أمّره) جعله أميرًا (على البصرة) سنة تسع وتسعين (في) أمر (قتيل وجد) بضم الواو وكسر الجيم (عند بيت من بيوت السمانين) الذين يبيعون السمن (إن وجد أصحابه) أي أصحاب القتيل (بيّنة) يحكم بها (وإلاّ) أي وإن لم يجد أصحابه بيّنة (فلا تظلم الناس) بالحكم في ذلك بغير بيّنة (فإن هذا لا يفضي) بضم التحية وفتح الضاد المعجمة أي لا يحكم (فيه إلى يوم القيامة) قال في الفتح: وقد اختلف على عمر بن عبد العزيز في القود بالقسامة كما اختلف على معاوية فذكر ابن بطال أن في مصنف حماد بن سلمة عن ابن أبي مليكة أن عمر بن عبد العزيز أقاد بالقسامة في إمرته على المدينة فيجمع بأنه وإن يرى ذلك لما كان أميرًا على المدينة ثم رجع لما ولي الخلافة. 6898 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ زَعَمَ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: سَهْلُ بْنُ أَبِى حَثْمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ نَفَرًا مِنْ قَوْمِهِ انْطَلَقُوا إِلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقُوا فِيهَا، وَوَجَدُوا أَحَدَهُمْ قَتِيلاً، وَقَالُوا لِلَّذِى وُجِدَ فِيهِمْ: قَتَلْتُمْ صَاحِبَنَا، قَالُوا: مَا قَتَلْنَا وَلاَ عَلِمْنَا قَاتِلاً، فَانْطَلَقُوا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ انْطَلَقْنَا إِلَى خَيْبَرَ فَوَجَدْنَا أَحَدَنَا قَتِيلاً فَقَالَ: «الْكُبْرَ الْكُبْرَ» فَقَالَ لَهُمْ: «تَأْتُونَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ» قَالُوا: مَا لَنَا بَيِّنَةٌ قَالَ: «فَيَحْلِفُونَ». قَالُوا: لاَ نَرْضَى بِأَيْمَانِ الْيَهُودِ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن

دكين قال: (حدّثنا سعيد بن عبيد) أبو الهذيل الطائي الكوفي (عن بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح المعجمة وشار بالتحتية وتخفيف المهملة المدني أنه (زعم أن رجلاً) أي قال إن رجلاً (من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة وهو كما قال المزي سهل بن عبد الله بن أبي حثمة واسم أبي حثمة عامر بن ساعدة الأنصاري وعند مسلم من طريق ابن نمير عن سعيد بن بشير عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري أنه (أخبره أن نفرًا من قومه) اسم جمع يقع على جماعة الرجال خاصة من الثلاثة إلى العشرة لا واحد له من لفظه، والمراد بهم هنا محيصة بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية المكسورة بعدها صاد مهملة وأخوه حويصة بضم الحاء المهملة وفتح الواو وتشديد التحتية المكسورة بعدها صاد مهملة ولدًا مسعود وعبد الله وعبد الرحمن ولدا سهل (انطلقوا إلى خيبر) وفي رواية ابن إسحاق عند ابن أبي عاصم فخرج عبد الله بن سهل في أصحاب له يمتارون تمرًا. زاد سليمان بن بلال عند مسلم في زمن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي يومئذٍ صلح وأهلها يهود الحديث والمراد أن ذلك وقع بعد فتحها (فتفرّقوا فيها ووجدوا) بالواو ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فوجدوا (أحدهم قتيلاً) هو عبد الله بن سهل وفي رواية بشر بن المفضل السابقة في الجزية فأتي محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلاً فدفنه (وقالوا) أي النفر (للذي) أي لأهل خيبر الذين (وجد) بضم الواو وكسر الجيم (فيهم) عبد الله بن سهل قتيلاً: (قتلتم) ولأبي ذر عن الحموي قد قتلتم (صاحبنا) وقوله للذي بحذف النون فهو كقوله تعالى: {وخضتم كالذي خاضوا} [التوبة: 69] (قالوا) أي أهل خيبر: (ما قتلنا) صاحبكم (ولا علمنا قاتلاً) له (فانطلقوا) أي عبد الرحمن بن سهل وحويصة ومحيصة ابنا مسعود (إلى النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: يا رسول الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا) فيها (قتيلاً) وفي الأحكام وأقبل أي محيصة هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن بن سهل فذهب ليتكلم وهو الذي كان بخيبر وفي رواية يحيى بن سعيد فبدأ عبد الرحمن يتكلم وكان أصغر القوم وزاد حماد بن زيد عن يحيى عند مسلم في أمر أخيه (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الكبر الكبر) بضم الكاف وسكون الموحدة والنصب فيهما على الإغراء وفي رواية الليث عند مسلم فسكت وتكلم صاحباه وتكرير الكبر للتأكيد أي ليبدأ الأكبر بالكلام أو قدموا الأكبر إرشادًا إلى الأدب في تقديم الأسن وحقيقة الدعوى إنما هي لعبد الرحمن أخي القتيل لاحق فيها لابني عمه، وإنما أمر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يتكلم الأكبر وهو حويصة لأنه لم يكن المراد بكلامه حقيقة الدعوى بل سماع صورة القصة وعند الدعوى يدّعي المستحق أو المعنى ليكن الكبير وكيلاً له (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لهم) أي للثلاثة: (تأتون) بفتح النون من غير تحتية ولأبي ذر عن المستملي تأتوني (بالبينة على من قتله قالوا: ما لنا بيّنة). وعند النسائي من طريق عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه وإن ابن محيصة الأصغر أصبح قتيلاً على أبواب خيبر فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في: "أقم شاهدين على قتله أدفعه إليك برمته" قال: يا رسول الله إني أصيب شاهدين وإنما أصبح قتيلاً على أبوابهم، وقول بعضهم إن ذكر البيّنة وهم لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد علم أن خيبر حينئذٍ لم يكن بها أحد من المسلمين أجيب عنه بأنه وإن سلم أنه لم يسكن مع اليهود فيها من المسلمين أحد لكن في القصة أن جماعة من المسلمين خرجوا يمتارون تمرًا فيجوز أن تكون طائفة أخرى خرجوا لمثل ذلك. فإن قلت: كيف عرضت اليمين على الثلاثة والوارث هو عبد الرحمن خاصة واليمين عليه؟ أجيب: بأنه إنما أطلق الجواب لأنه غير ملبس أن المراد به الوارث فكما سمع كلام الجميع في صورة القتل وكيفيته كذلك أجابهم الجميع. (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فيحلفون) أي اليهود أنهم ما قتلوه وفي رواية ابن عيينة عن يحيى تبرئكم يهود بخمسين يحلفون

أي يخلصونكم من الأيمان بأن تحلفوهم فإذا حلفوا انتهت الخصومة فلم يجب عليهم شيء وخلصتم أنتم من الأيمان وفيه البداءة بالمدعى عليهم (قالوا): يا رسول الله (لا نرضى بأيمان اليهود) وفي رواية يحيى أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم بأيمان خمسين منكم، فيحتمل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طلب البيّنة أولاً فلم يكن لهم بيّنة فعرض عليهم الأيمان فامتنعوا فعرض عليهم تحليف المدعى عليهم فأبوا، وقد سقط من رواية حديث الباب تبدئة المدعين باليمين واشتملت رواية يحيى بن سعيد على زيادة من ثقة حافظ فوجب قبولها وهي تقضي على من لم يعرفها وإلى البداءة بالمدعين ذهب الشافعي وأحمد فإن أبوا ردت على المدعى عليهم وقال بعكسه أهل الكوفة وكثير من البصرة (فكره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبطل دمه) بضم أوله وكسر الطاء من أبطل أي كره أن يهدر دمه (فوداه) بلا همز مع التخفيف (مائة) وللكشميهني بمائة (من إبل الصدقة). وفي رواية يحيى بن سعيد من عنده فيحتمل أن يكون اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده، أو المراد بقوله من عنده أي من بيت المال المرصد للمصالح وأطلق عليه صدقة باعتبار الانتفاع به مجانًا لما في ذلك من قطع المنازعة وإصلاح ذات البين. قال أبو العباس القرطبي: ورواية من قال من عنده أصح من رواية من قال من إبل الصدقة، وقد قيل إنها غلط والأولى أن لا يغلط الراوي ما أمكن، فيحتمل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تسلف ذلك من إبل الصدقة ليدفعه من مال الفيء. وفي الحديث مشروعية القسامة وبه أخذ كافة الأئمة والسلف من الصحابة والتابعين وعلماء الأمة كمالك والشافعي في أحد قوليه وأحمد، وعن طائفة التوقف في ذلك فلم يروا القسامة ولا أثبتوا فها في الشرع حكمًا وإليه نحا البخاري. قال العيني: ذكر الحديث مطابقًا لما قبله في عدم القود في القسامة وأن الحكم فيها مقصور على البيّنة واليمين كما في حديث الأشعث. والحديث سبق في الصلح والجزية. 6899 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَسَدِىُّ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَبِى عُثْمَانَ، حَدَّثَنِى أَبُو رَجَاءٍ مِنْ آلِ أَبِى قِلاَبَةَ، حَدَّثَنِى أَبُو قِلاَبَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبْرَزَ سَرِيرَهُ يَوْمًا لِلنَّاسِ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِى الْقَسَامَةِ؟ قَالَ: نَقُولُ الْقَسَامَةُ الْقَوَدُ بِهَا حَقٌّ، وَقَدْ أَقَادَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ قَالَ لِى: مَا تَقُولُ يَا أَبَا قِلاَبَةَ؟ وَنَصَبَنِى لِلنَّاسِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَكَ رُءُوسُ الأَجْنَادِ وَأَشْرَافُ الْعَرَبِ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ مُحْصَنٍ بِدِمَشْقَ أَنَّهُ قَدْ زَنَى لَمْ يَرَوْهُ أَكُنْتَ تَرْجُمُهُ؟ قَالَ: "لاَ" قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِحِمْصَ أَنَّهُ سَرَقَ أَكُنْتَ تَقْطَعُهُ وَلَمْ يَرَوْهُ؟ قَالَ: "لاَ" قُلْتُ: فَوَاللَّهِ مَا قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَدًا قَطُّ، إِلاَّ فِى إِحْدَى ثَلاَثِ خِصَالٍ: رَجُلٌ قَتَلَ بِجَرِيرَةِ نَفْسِهِ فَقُتِلَ، أَوْ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانٍ، أَوْ رَجُلٌ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَارْتَدَّ عَنِ الإِسْلاَمِ. فَقَالَ الْقَوْمُ: أَوَ لَيْسَ قَدْ حَدَّثَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَطَعَ فِى السَّرَقِ، وَسَمَرَ الأَعْيُنَ ثُمَّ نَبَذَهُمْ فِى الشَّمْسِ؟ فَقُلْتُ: أَنَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثَ أَنَسٍ، حَدَّثَنِى أَنَسٌ أَنَّ نَفَرًا مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَايَعُوهُ عَلَى الإِسْلاَمِ فَاسْتَوْخَمُوا الأَرْضَ فَسَقِمَتْ أَجْسَامُهُمْ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَفَلاَ تَخْرُجُونَ مَعَ رَاعِينَا فِى إِبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا». قَالُوا: بَلَى، فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَصَحُّوا فَقَتَلُوا رَاعِىَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَطْرَدُوا النَّعَمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَرْسَلَ فِى آثَارِهِمْ فَأُدْرِكُوا فَجِىءَ بِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ ثُمَّ نَبَذَهُمْ فِى الشَّمْسِ، حَتَّى مَاتُوا قُلْتُ: وَأَىُّ شَىْءٍ أَشَدُّ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ؟ ارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلاَمِ، وَقَتَلُوا وَسَرَقُوا فَقَالَ عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ: وَاللَّهِ إِنْ سَمِعْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ فَقُلْتُ: أَتَرُدُّ عَلَىَّ حَدِيثِى يَا عَنْبَسَةُ قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ جِئْتَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ وَاللَّهِ لاَ يَزَالُ هَذَا الْجُنْدُ بِخَيْرٍ مَا عَاشَ هَذَا الشَّيْخُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ فِى هَذَا سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَتَحَدَّثُوا عِنْدَهُ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَقُتِلَ فَخَرَجُوا بَعْدَهُ فَإِذَا هُمْ بِصَاحِبِهِمْ يَتَشَحَّطُ فِى الدَّمِ، فَرَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَاحِبُنَا كَانَ تَحَدَّثَ مَعَنَا فَخَرَجَ بَيْنَ أَيْدِينَا فَإِذَا نَحْنُ بِهِ يَتَشَحَّطُ فِى الدَّمِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «بِمَنْ تَظُنُّونَ أَوْ تَرَوْنَ قَتَلَهُ؟» قَالُوا: نَرَى أَنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْيَهُودِ فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: «اْنْتُمْ قَتَلْتُمْ هَذَا؟» قَالُوا: لاَ. قَالَ: «أَتَرْضَوْنَ نَفَلَ خَمْسِينَ مِنَ الْيَهُودِ مَا قَتَلُوهُ؟» فَقَالُوا: مَا يُبَالُونَ أَنْ يَقْتُلُونَا أَجْمَعِينَ ثُمَّ يَنْتَفِلُونَ، قَالَ: «أَفَتَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ؟» قَالُوا: مَا كُنَّا لِنَحْلِفَ فَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ قُلْتُ: وَقَدْ كَانَتْ هُذَيْلٌ خَلَعُوا خَلِيعًا لَهُمْ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، فَطَرَقَ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَ الْيَمَنِ بِالْبَطْحَاءِ فَانْتَبَهَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَحَذَفَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ فَجَاءَتْ هُذَيْلٌ فَأَخَذُوا الْيَمَانِىَ فَرَفَعُوهُ إِلَى عُمَرَ بِالْمَوْسِمِ، وَقَالُوا: قَتَلَ صَاحِبَنَا فَقَالَ: إِنَّهُمْ قَدْ خَلَعُوهُ، فَقَالَ يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْ هُذَيْلٍ مَا خَلَعُوهُ، قَالَ: فَأَقْسَمَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلاً، وَقَدِمَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنَ الشَّأْمِ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يُقْسِمَ فَافْتَدَى يَمِينَهُ مِنْهُمْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَدْخَلُوا مَكَانَهُ رَجُلاً آخَرَ، فَدَفَعَهُ إِلَى أَخِى الْمَقْتُولِ، فَقُرِنَتْ يَدُهُ بِيَدِهِ، قَالُوا: فَانْطَلَقَا وَالْخَمْسُونَ الَّذِينَ أَقْسَمُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِنَخْلَةَ أَخَذَتْهُمُ السَّمَاءُ، فَدَخَلُوا فِى غَارٍ فِى الْجَبَلِ فَانْهَجَمَ الْغَارُ عَلَى الْخَمْسِينَ الَّذِينَ أَقْسَمُوا، فَمَاتُوا جَمِيعًا وَأَفْلَتَ الْقَرِينَانِ وَاتَّبَعَهُمَا حَجَرٌ، فَكَسَرَ رِجْلَ أَخِى الْمَقْتُولِ، فَعَاشَ حَوْلاً ثُمَّ مَاتَ، قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ أَقَادَ رَجُلاً بِالْقَسَامَةِ، ثُمَّ نَدِمَ بَعْدَ مَا صَنَعَ، فَأَمَرَ بِالْخَمْسِينَ الَّذِينَ أَقْسَمُوا، فَمُحُوا مِنَ الدِّيوَانِ وَسَيَّرَهُمْ إِلَى الشَّأْمِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا أبو بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (إسماعيل بن إبراهيم) المشهور بابن علية اسم أمه (الأسدي) بفتح السين المهملة نسبة إلى بني أسد بن خزيمة قال: (حدّثنا الحجاج بن أبي عثمان) ميسرة أو سالم البصري المعروف بالصواف قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو رجاء) سلمان (من) موالي (آل أبي قلابة) بكسر القاف وتخفيف اللام عبد الله بن زيد الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو قلابة) عبد الله (أن عمر بن عبد العزيز) -رحمه الله- في زمن خلافته (أبرز) أظهر (سريره) الذي جرت عادة الخلفاء بالاختصاص بالجلوس عليه إلى ظاهر داره (يومًا للناس ثم أذن لهم) في الدخول عليه ظاهر داره (فدخلوا) عليه (فقال) لهم (ما تقولون في القسامة؟ قال) قائل منهم كذا في الفرع كأصله وفي غيرهما قالوا (نقول القسامة القود بها حق) أي واجب (وقد أفادت بها الخلفاء) كمعاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان قال أبو قلابة (قال لي ما تقول يا أبا قلابة)؟ فيها (ونصبني للناس) أي أبرزني لمناظرتهم أو لكونه كان خلف السرير فأمره أن يظهر (فقلت: يا أمير المؤمنين عندك رؤوس الأجناد) بفتح الهمزة وسكون الجيم بعدها نون، ولابن ماجة وصححه ابن خزيمة في غسل الأعقاب. قال أبو صالح فقلت لأبي عبد الله: من حدثك؟ قال: أمراء الأجناد خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل ابن حسنة وعمرو بن العاص، والجند في الأصل الأنصار والأعوان ثم اشتهر في المقاتلة، وكان عمر قسم الشام بعد موت أبي عبيدة ومعاذ على أربعة أمراء مع كل أمير جند (وأشراف العرب) أي رؤساؤهم (أرأيت) أي أخبرني (لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل محصن) بفتح الصاد وكان (بدمشق أنه قد زنى لم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ولم (يروه أكنت ترجمه؟ قال: لا. قلت: أرأيت لو أن خمسين منهم شهدوا على رجل بحمص أنه سرق أكنت

تقطعه ولم يروه؟ قال: لا. قلت: فوالله ما قتل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحدًا قط إلا في إحدى ثلاث خصال رجل) بالرفع مصححًا عليه في الفرع كأصله (قتل) بفتحات متلبسًا (بجريرة نفسه) بفتح الجيم أي بما يجرّه إلى نفسه من الذنب أو من الجناية أي فقتل ظلمًا (فقتل) قصاصًا بضم القاف وكسر الفوقية بالبناء للمفعول (أو رجل زنى بعد إحصان) وكذا امرأة (أو رجل حارب الله ورسوله وارتدّ عن الإسلام، فقال القوم: أوليس قد حدث أنس بن مالك) وعند مسلم من طريق ابن عون فقال عنبسة بن سعيد قد حدّثنا أنس (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطع في السرق) بفتح السين والراء جمع السارق أو مصدر (وسمر) بالتخفيف كحل (الأعين) بالمسامير المحماة ولأبي ذر والأصيلي بالتشديد. قال القاضي عياض: والتخفيف أوجه (ثم نبذهم) بالذال المعجمة طرحهم (في الشمس) قال أبو قلابة (فقلت: أنا أحدثكم حديث أنس، حدّثني) بالإفراد (أنس أن نفرًا من عكل) بضم العين المهملة وسكون الكاف (ثمانية) نصب بدلاً من نفرًا (قدموا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبايعوه على الإسلام فاستوخموا الأرض) أرض المدينة فلم توافقهم وكرهوها لسقم أجسامهم (فسقمت أجسامهم) بكسر القاف وفتح السين قبلها (فشكوا ذلك) السقم وعدم موافقة أرض المدينة لهم (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فلما شكوا (قال) لهم: (أفلا فخرجوا مع راعينا) يسار النوبي (في إبله) التي يرعاها لنا (فتصيبون من ألبانها وأبوالها قالوا: بلى فخرجوا فشربوا من ألبانها وأبوالها فصحوا) بتشديد الحاء (فقتلوا راعي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يسارًا (وأطردوا) بهمزة مفتوحة وسكون الطاء وفي آل ملك بتشديد الطاء أي ساقوا (النعم، فبلغ ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأرسل في آثارهم) شبابًا من الأنصار قريبًا من عشرين وكان أميرهم كرز بن جابر في السنة السادسة (فأدركوا) بضم الهمزة (فجيء بهم فأمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم) بتشديد الطاء في الفرع (وسمر) بالتخفيف ولأبي ذر بالتشديد كحل (أعينهم). وفي مسلم فاقتص منهم بمثل ما فعلوا. وقال الشافعي: إنه منسوخ، وتقرير ذلك أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما فعل ذلك بالعرنيين كان بحكم الله وحيًا أو باجتهاد مصيب فنزلت آية المحاربة {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} [المائدة: 33] الآية ناسخة لذلك (ثم نبذهم) طرحهم (في الشمس حتى ماتوا) قال أبو قلابة (قلت: وأي شيء أشد مما صنع هؤلاء ارتدوا عن الإسلام وقتلوا) الراعي يسارًا (وسرقوا) النعم؟ (فقال عنبسة بن سعيد) بفتح العين المهملة وسكون النون وبعد الموحدة سين مهملة الأموي أخو عمرو بن سعيد الأشدق (والله إن سمعت كاليوم قط) بكسر الهمزة وتخفيف النون بمعنى ما النافية والمفعول محذوف أي ما سمعت قبل اليوم مثل ما سمعت منك اليوم قال أبو قلابة (فقلت: أترد علي) بتشديد الياء (حديثي بل عنبسة؟ قال: لا) أرد عليك (ولكن جئت بالحديث على وجهه: والله لا يزال هذا الجند) أي أهل الشأم (بخبر ما عاش هذا الشيخ) أبو قلابة (بين أظهرهم) قال أبو قلابة (قلت: وقد كان في هذا) قال في الكواكب: أي في مثله (سنة من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهي أنه لم يحلف المدعي للدم بل حلف المدعى عليه أوّلاً (دخل عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نفر من الأنصار) يحتمل أنهم عبد الله بن سهل ومحيصة وأخوه (فتحدثوا عنده فخرج رجل منهم) إلى خيبر (بين أيديهم؟ هو عبد الله بن سهل (فقتل) بها (فخرجوا بعده) إلى خيبر (فإذا هم بصاحبهم) عبد الله بن سهل (يتشحط) بفتح التحتية والفوقية والشين المعجمة والحاء المشددة المهملة بعدها طاء مهملة أيضًا يضطرب (في الدم) ولأبي ذر عن الكشميهني في دمه (فرجعوا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالوا: يا رسول الله صاحبنا) عبد الله بن سهل الذي (كان يتحدث) والذي في اليونينية تحدث (معنا) عندك (فخرج بين أيدينا) إلى خيبر

(فإذا نحن به) عندها (يتشحط في الدم فخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من بيته أو من مسجده إليهم (فقال) لهم: (بمن تظنون أو ترون) بفتح الفوقية أو بضمها وهو بمعنى تظنون والشك من الراوي ولأبي ذر أو من ترون (قتله قالوا: نرى) بفتح النون أو بضمها أي نظن (أن اليهود قتلته) بتاء التأنيث. قال العيني: كذا في رواية المستملي وفي رواية غيره قتله بدونها بلفظ الماضي. قال: وقوله في فتح الباري وفي رواية المستملي قتلته بصيغة المسند إلى الجمع المستفاد من لفظ اليهود لأن المراد قتلوه غلط فاحش لأنه مفرد مؤنث ولا يصح أن نقول قتلته بالنون بعد اللام لأنه صيغة جمع المؤنث (فأرسل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى اليهود فدعاهم فقال) لهم مستفهمًا: (آنتم) بمدّ الهمزة (قتلتم هذا؟ قالوا: لا. قال) عليه الصلاة والسلام للمدعين: (أترضون نفل) بفتح النون والفاء مصححًا عليها في الفرع كأصله وقال في الفتح بسكونها. وقال الكرماني بالفتح والسكون الحلف وأصله النفي وسمي اليمين في القسامة نفلاً لأن القصاص ينفي بها أي أترضون بحلف (خمسين) رجلاً (من اليهود) إنهم (ما قتلوه فقالوا) إنهم (ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم ينتفلون) بفتح التحتية وسكون النون وفتح الفوقية وكسر الفاء وفي نسخة ينفلون بضم التحتية ولأبي ذر والأصيلي ينفلون بضم التحتية وفتح النون وتشديد الفاء مكسورة أي يحلفون (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمدعين (أفتستحقون الدّية) بهمزة الاستفهام (بأيمان خمسين منكم) بالإضافة (قالوا: ما كنا لنحلف) بالنصب أي لأن نحلف (فوداه) النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من عنده) وفي رواية سعيد بن عبيد فوداه مائة من إبل الصدقة وسبق أنه جمع بينهما باحتمال أن يكون اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده. وفى الحديث أن اليمين توجه أولاً على المدعى عليه لا على المدعي كما في قصة النفر الأنصاريين، واستدلّ بإطلاق قوله خمسين منكم على أن من يحلف في القسامة لا يشترط أن يكون رجلاً ولا بالغًا، وبه قال أحمد. وقال مالك: لا تدخل النساء في القسامة، وقال إمامنا الشافعي: لا يحلف في القسامة إلا الوارث البالغ لأنها يمين في دعوى حكمية فكانت كسائر الإيمان ولا فرق في ذلك بين الرجال والنساء، وقد نبه ابن المنير في الحاشية على النكتة في كون البخاري لم يورد في هذا الباب الطريق الدالة على تحليف المدعي وهي مما تخالف فيه القسامة بقية الحقوق، وقال مذهب البخاري: تضعيف القسامة فلهذا صدر الباب بالأحاديث الدالة على أن اليمين في جانب المدعى عليه، وأورد طريق سعيد بن عبيد وهو جار على القواعد وإلزام المدعى عليه البيّنة ليس من خصوص القسامة في شيء ثم ذكر حديث القسامة الدال على خروجها عن القواعد بطريق العرض في كتاب الموادعة والجزية فرارًا من أن يذكرها هنا فيغلط المستدل بها على اعتقاد البخاري. قال الحافظ ابن حجر بعد أن نقل ذلك: والذي يظهر لي أن البخاري لا يضعف القسامة من حيث هي بل يوافق الشافعي في أنه لا قول فيها ويخالفه في أن الذي يحلف فيها هو المدعي بل يرى أن الروايات اختلفت في ذلك في قصة الأنصار ويهود خيبر فيرد المختلف إلى المتفق عليه من أن اليمين على المدعى عليه فمن ثم أورد رواية سعيد بن عبيد في باب القسامة وطريق يحيى بن سعيد في باب آخر وليس في شيء من ذلك تضعيف أصل القسامة. وقال القرطبي الأصل في الدعاوى أن اليمين على المدعى عليه وحكم القسامة أصل بنفسه لتعذر إقامة البيّنة على القتل فيها غالبًا فإن القاصد للقتل يقصد الخلوة ويترصد الغفلة وتأيدت بذلك الرواية الصحيحة المتفق عليها وبقي ما عدا القسامة على الأصل ثم ليس ذلك خروجًا عن الأصل بالكلية بل لأن المدعى عليه إنما كان القول قوله لقوّة جانبه بشهادة الأصل له بالبراءة مما ادعى عليه وهو موجود في القسامة في جانب المدعي لقوّة جانبه باللوث الذي يقوي دعواه. قال أبو قلابة بالسند. (قلت: وقد كانت هذيل) بالذال المعجمة القبيلة المشهورة المنسوبة

إلى هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر (خلفوا خليعًا لهم في الجاهلية) بفتح الخاء المعجمة فيهما وكسر اللام في الثاني فعيلاً بمعنى مفعول. قال في المقدمة: ولم أقف على أسماء هؤلاء، ولأبي ذر عن الكشميهني حليفًا بالحاء المهملة والفاء بدل المعجمة والعين. قال في الصحاح: يقال تخالع القوم إذا نقضوا الحلف بينهم اهـ. وقد كانت العرب يتعاهدون على النصرة وأن يؤخذ كل منهم بالآخر فإذا أرادوا أن يتبرؤوا من الذي حالفوه أظهروا ذلك للناس وسموا ذلك الفعل خلعًا والمبرأ منه خليعًا أي مخلوعًا فيؤخذون بجنايته ولا يؤخذ بجنايتهم فكأنهم قد خلعوا اليمين التي كانت قد التمسوها معه ومنه سمي الأمير إذا عزل خليعًا ومخلوعًا مجازًا واتساعًا، ولم يكن ذلك في الجاهلية يختص بالحليف بل كانوا ربما خلفوا الواحد من القبيلة ولو كان من صميمها إذا صدرت منه جناية تقتضي ذلك وهذا مما أبطله الإسلام من حكم الجاهلية ومن ثم قيده في الخبر بقوله في الجاهلية. قال في الفتح: ولم أقف على اسم الخليع المذكور ولا على اسم أحد ممن ذكر في القصة. (فطرق) الخليع (أهل بيت) وفي نسخة فطرق بضم الطاء وكسر الراء مبنيًّا للمفعول أهل بيت (من اليمن بالبطحاء) وادي مكة أي هجم عليهم ليلاً في خفية ليسرق منهم (فانتبه له رجل منهم) من أهل البيت (فحذفه) بالحاء المهملة والذال المعجمة رماه (بالسيف فقتله فجاءت هذيل فأخذو) الرجل (اليماني) بالتخفيف وفي الملكية بالتشديد الذي قتل الخليع (فرفعوه إلى عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (بالموسم) الذي يجتمع فيه الحاج كل سنة (وقالوا: اقتل صاحبنا. فقال) القاتل إنه لص و (إنهم) يعني قومه (قد خلعوه) وفي نسخة قد خلعوا بحذف الهاء (فقال) عمر -رضي الله عنه- (يقسم) بضم أوله أي يحلف (خمسون من هذيل) أنهم (ما خلعوه) وفي نسخة بحذف الهاء (قال: فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلاً) كاذبين أنهم ما خلعوه (وقدم رجل منهم) أي من هذيل (من الشام فسألوه أن يقسم) كقسمهم (فافتدى يمينه منهم بألف درهم فأدخلوا) بفتح الهمزة (مكانه رجلاً آخر فدفعه إلى أخي المقتول فقرنت) بضم القاف (يده بيده قالوا): ولأبي ذر قال قالوا: (فانطلقنا) نحن (والخمسون) والذي في اليونينية فانطلقا والخمسون (الذين أقسموا) أنهم ما خلعوه وهو من إطلاق الكل وإرادة الجزء إذ الذين أقسموا إنما هم تسعة وأربعون (حتى إذا كانوا بنخلة) بفتح النون وسكون الخاء المعجمة موضع على ليلة من مكة لا ينصرف (أخذتهم السماء) أي المطر (فدخلوا في غار في الجبل فانهجم) بسكون النون وفتح الهاء والجيم أي سقط وللأصيلي فانهدم (الغار على الخمسين الذين أقسموا فماتوا جميعًا. وأفلت) بضم الهمزة والذي في اليونينية بفتحها (القرينان) أخو المقتول والرجل الذي جعلوه مكان الرجل الشامي أي تخلصًا (واتبعهما) بتشديد الفوقية بعد همزة الوصل وبالموحدة (حجر) وقع عليهما بعد أن تخلصًا وخرجا من الغار (فكسر رجل أخي المقتول فعاش حولاً ثم مات) وغرض المؤلّف من هذه القصة أن الحلف توجه أوّلاً على المدعى عليه لأجل المدعي كقصة النفر من الأنصار. قال أبو قلابة بالسند السابق موصولاً لأنه أدرك ذلك. (قلت: وقد كان عبد الملك بن مروان أقاد رجلاً) قال في الفتح: لم أقف على اسمه (بالقسامة ثم ندم بعدما صنع فأمر بالخمسين الذين أقسموا) من باب إطلاق الكل على البعض كما مر (فمحوا) بضم الميم والحاء المهملة (من الديوان) بفتح الدال وكسرها الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأصل العطاء فارسي معرب وأوّل من دوّن الدواوين عمر -رضي الله عنه- (وسيّرهم) أي نفاهم (إلى الشام) وفي رواية أحمد بن حرب عند أبي نعيم في مستخرجه من الشام بدل إلى. قال في الفتح: وهذه أولى لأن إقامة عبد الملك كانت بالشام، ويحتمل أن يكون ذلك وقع بالعراق عند محاربته مصعب بن الزبير ويكونوا من أهل العراق فنفاهم إلى الشام اهـ. وقد تعجب القابسي بالقاف والموحدة من عمر بن عبد العزيز

23 - باب من اطلع فى بيت قوم ففقئوا عينه فلا دية له

كيف أبطل حكم القسامة الثابت بحكم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعمل الخلفاء الراشدين بقول أبي قلابة وهو من بله التابعين وسمع منه في ذلك قولاً مرسلاً غير مسند مع أنه انقلب عليه قصة الأنصار إلى قصة خيبر، فركب إحداهما مع الأخرى لقلة حفظه وكذا سمع حكاية مرسلة مع أنها لا تعلق لها بالقسامة إذ الخلع ليس قسامة وكذا محو عبد الملك لا حجة فيه. 23 - باب مَنِ اطَّلَعَ فِى بَيْتِ قَوْمٍ فَفَقَئُوا عَيْنَهُ فَلاَ دِيَةَ لَهُ (باب) بالتنوين (من اطلع في بيت قوم) بغير إذنهم (ففقؤوا عينه) أي شقوها (فلا دية له). 6900 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ فِى بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ إِلَيْهِ بِمِشْقَصٍ أَوْ بِمَشَاقِصَ وَجَعَلَ يَخْتِلُهُ لِيَطْعُنَهُ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع، ولأبوي الوقت وذر والأصيلي وابن عساكر: أبو النعمان أبي محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد عن عبيد الله) بضم العين (ابن أبي بكر بن أنس عن) جده (أنس -رضي الله عنه- أن رجلاً) قال في فتح الباري: وهذا الرجل لم أعرف اسمه صريحًا، لكن نقل ابن بشكوال عن أبي الحسن بن الغيث أنه الحكم بن أبي العاص بن أمية والد مروان وإن لم يذكر لذلك مستندًا، وذكر الفاكهي في كتاب مكة من طريق أبي سفيان عن الزهري وعطاء الخراساني أن أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخلوا عليه وهو يلعن الحكم بن أبي العاص ويقول: اطلع عليّ وأنا مع زوجتي فلانة فكلح في وجهي وهذا ليس صريحًا في المقصود هنا. وفي سنن أبي داود من طريق هذيل بن شرحبيل قال: جاء سعد فوقف على باب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقام يستأذن على الباب ولم ينسب هذا في رواية أبي داود، وفي الطبراني أنه سعد بن عبادة (اطّلع) بتشديد الطاء نظر (من جحر) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة (في حجر النبي) بضم الحاء المهملة ثم الجيم المفتوحة وسقط لغير أبي ذر من حجر وثبت لأبي ذر عن الكشميهني في بعض حجر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بعض منازله (فقام إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بمشقص) بكسر الميم وسكون الشين المعجمة بعدها قاف مفتوحة فصاد مهملة نصل عريض (أو بمشاقص) جمع مشقص والشك من الراوي ولأبي ذر أو مشاقص بحذف الموحدة (وجعل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يختله) بفتح التحتية وكسر الفوقية بينهما خاء معجمة ساكنة بعد اللام هاء يستغفله ويأتيه من حيث لا يراه (ليطعنه) بضم العين المهملة في الفرع كأصله، ولم يصرح في هذا الحديث بأن لا دية له فلا مطابقة. نعم في بعض طرقه التصريح بذلك فحصلت المطابقة كما هي عادة المؤلّف في كثير من ذلك. 6901 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِىَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ فِى جُحْرٍ فِى بَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْ أَعْلَمُ أَنْ تَنْتَظِرَنِى لَطَعَنْتُ بِهِ فِى عَيْنَيْكَ» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِذْنُ مِنْ قِبَلِ الْبَصَرِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين فيهما (الساعدي) -رضي الله عنه- (أخبره أن رجلاً اطلع في جحر) بجيم مضمومة فحاء مهملة ساكنة (في) ولأبي ذر عن الكشميهني من حجر من (باب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مدرى) بكسر الميم وسكون الدال المهملة بعدها راء منوّنة حديدة يسوى بها شعر الرأس المتلبد كالخلال لها رأس محدّد وقيل هو شبيه بالمشط له أسنان من حديد وقال في الأولى مشقص وفسر بالنصل العريض فيحتمل التعدد أو أن رأس المدى كان محدّدًا فالشبه النصل (يحك به رأسه، فلما رآه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لو أعلم أن) بالتخفيف (تنتظرني) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أنك بتشديد النون بعدها كاف تنتظرني أي تنظرني (لطعنت به في عينيك) بالتثنية، وللكشميهني في عينك بالإفراد يعني وإنما لم أطعنك لأني كنت مترددًا بين نظرك ووقوفك غير ناظر (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنما جعل الإذن) أي الاستئذان في دخول الدار (من قبل البصر) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة البصر لئلا يطلع على عورة أهلها ولولاه لما شرع، ولأبي ذر عن الكشميهني من قبل النظر بالنون والظاء المعجمة بدل الموحدة والصاد، وقال في شرح المشكاة قوله: لو أعلم أنك تنتظرني بعد قوله اطلع يدل على أن الإطلاع مع غير قصد النظر لا يترتب هذا الحكم عليه فلو قصد النظر، ورماه صاحب الدار بنحو حصاة فأصابت عينه فعمي أو سرت إلى نفسه فتلف فهدر. والحديث مرّ

24 - باب العاقلة

في باب الاستئذان وغيره. 6902 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَخَذَفْتَهُ بِعَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني سقط ابن عبد الله لأبي ذر قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال أبو القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو أن امرأً اطّلع عليك) بتشديد الطاء في منزلك (بغير إذن) منك له (فخذفته) بالخاء والذال المعجمتين أي رميته (بحصاة) بين اصبعيك (ففقأت عينه) شققتها (لم يكن عليك جناح) أي حرج، وعند ابن أبي عاصم من وجه آخر عن ابن عيينة بلفظ: ما كان عليك من حرج، وفي مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه. قال في فتح الباري: فيه ردّ على من حمل الجناح هنا على الإثم ورتب على ذلك وجوب الدّية إذ لا يلزم من رفع الإثم رفعها لأن وجوب الدّية من خطاب الوضع ووجه الدلالة أن إثبات الحل يمنع ثبوت القصاص والدّية، وعند الإمام أحمد وابن أبي عاصم والنسائي وصححه ابن حبان والبيهقي كلهم من رواية بشير بن نهيك عن أبي هريرة رضي الله عنه من اطّلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقؤوا عينه فلا دية ولا قصاص وهذا صريح في ذلك. وفي هذا الحديث فوائد كثيرة. واستدلّ به على جواز رمي من يتجسس فلو لم يندفع بالشيء الخفيف جاز بالثقيل وإنه إن أصيبت نفسه أو بعضه فهو هدر، وقال المالكية بالقصاص وإنه يجوز قصد العين ولا غيرها واعتلوا بأن المعصية لا تدفع بالمعصية. وأجاب الجمهور: بأن المأذون فيه إذا ثبت الإذن لا يسمى معصية وإن كان الفعل لو تجرد عن هذا السبب يعدّ معصية، وقد اتفق على جواز دفع الصائل ولو أتى على نفس المدفوع وهو بغير السبب المذكور معصية فهذا يلتحق به مع ثبوت النص فيه وأجابوا عن الحديث بأنه ورد على سبيل التغليظ والإرهاق وهل يشترط الإنذار قبل الرمي؟ الأصح عند الشافعية لا. وفي حكم التطلع من خلل الباب النظر من كوة من الدار، وكذا من وقف في الشارع فنظر إلى حريم غيره ولو رماه بحجر ثقيل أو سهم مثلاً تعلق به القصاص، وفي وجه لا ضمان مطلقًا ولو لم يندفع إلا بذلك جاز. والحديث سبق في كتاب بدء السلام. 24 - باب الْعَاقِلَةِ (باب العاقلة) بكسر القاف جمع عاقل وعاقلة الرجل قراباته من قبل الأب وهم عصبته وسموا عاقلة لعقلهم الإبل بفناء دار المستحق، ويقال لتحملهم عن الجاني العقل أي الدّية ويقال لمنعهم عنه والعقل المنع ومنه سمي العقل عقلاً لمنعه من الفواحش وتحمل العاقلة الدّية ثابت بالسنة وأجمع عليه أهل العلم وهو مخالف لظاهر قوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: 164] لكنه خص من عمومها ذلك لما فيه من المصلحة لأن القاتل لو أخذ بالدّية لأوشك أن يأتي على جميع ماله لأن تتابع الخطأ منه لا يؤمن ولو ترك بغير تغريم لأهدر دم المقتول. 6903 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِىَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا - رضى الله عنه - هَلْ عِنْدَكُمْ شَىْءٌ مَا لَيْسَ فِى الْقُرْآنِ؟ وَقَالَ مَرَّةً: مَا لَيْسَ عِنْدَ النَّاسِ فَقَالَ: وَالَّذِى فَلَقَ الْحَبَّ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا إِلاَّ مَا فِى الْقُرْآنِ، إِلاَّ فَهْمًا يُعْطَى رَجُلٌ فِى كِتَابِهِ وَمَا فِى الصَّحِيفَةِ قُلْتُ: وَمَا فِى الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الأَسِيرِ وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ. وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي الحافظ قال (أخبرنا ابن عيينة) سفيان الهلالي مولاهم الكوفي أحد الأعلام قال: (حدّثنا مطرف) بضم الميم وفتح الطاء المهملة وكسر الراء المشددة بعدها فاء ابن طريف الكوفي (قال: سمعت الشعبي) عامر بن شراحيل (قالت سمعت أبا جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وبعد التحتية ساكنة فاء فهاء تأنيث وهب بن عبد الله السوائي (قال: سألت عليًّا) هو ابن أبي طالب (-رضي الله عنه- هل عندكم) أهل البيت النبويّ أو الميم للتعظيم (شيء ما) ولأبي ذر مما (ليس في القرآن؟ وقال) أبي سفيان (مرة ما ليس عند الناس) خصكم به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) علي -رضي الله عنه- (و) الله (الذي فلق الحب) ولأبي ذر الحبة أي شقها (وبرأ النسمة) خلق الإنسان (ما عندنا) شيء (إلا ما في القرآن إلا فهمًا يعطى) بضم التحتية وفتح الطاء (رجل في كتابه) تعالى، والاستثناء منقطع أي لكن الفهم عندنا هو الذي أعطيه الرجل في القرآن والفهم بسكون الهاء ما يفهم من فحوى كلامه تعالى ويستدركه من باطن معانيه التي هي الظاهر من نصه، وفي رواية الحميدي إلا

25 - باب جنين المرأة

أن يعطي الله عبدًا فهمًا في كتابه (وما في الصحيفة) وفي كتاب العلم وما في هذه الصحيفة وقد سبق فيه أنها كانت معلقة في قبضة سيفه وعند النسائي فأخرج كتابًا من قراب سيفه قال أبو جحيفة (قلت) لعلي -رضي الله عنه- (وما في الصحيفة؟ قال) عليّ -رضي الله عنه- فيها (العقل) أي الدّية ومقاديرها وأصنافها وأسنانها (وفكاك الأسير) بفتح الفاء وتكسر ما يحصل به خلاصه (وأن لا يقتل مسلم بكافر) وبه قال مالك والشافعي وأحمد في آخرين، وقال أبو حنيفة وصاحباه رحمهم الله: يقتل المسلم بالكافر وحملوا قوله: يقتل مسلم بكافر على غير ذي عهد انتهى. وظاهر قوله تعالى: {النفس بالنفس} [المائدة: 45] وإن كان عامًّا في قتل المسلم بالكافر لكنه خص بالسنّة. والحديث سبق في باب كتابة العلم من كتاب العلم. 25 - باب جَنِينِ الْمَرْأَةِ (باب جنين المرأة) بفتح الجيم بوزن عظيم حمل المرأة ما دام في بطنها سمي بذلك لاستتاره. 6904 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) الإمام. وقال البخاري أيضًا (وحدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى) في مسند أحمد الرامية هي أم عفيف بنت مسروح، والأخرى مليكة بنت عويمر، وفي رواية البيهقي وأبي نعيم في المعرفة عن ابن عباس أن المرأة الأخرى أم عطيف وهاتان المرأتان كانتا ضرتين وكانتا عند حمل ابن النابغة الهذلي كما عند الطبراني من طريق عمر أن ابن عويمر قال: كانت أختي مليكة وامرأة منا يقال لها أم عفيف بنت مسروح تحت حمل بن النابغة فضربت أم عفيف مليكة وحمل بفتح الحاء المهملة والميم، وفي رواية الباب التالي لهذا فرمت إحداهما الأخرى بحجر وزاد عبد الرحمن فأصاب بطنها وهي حامل (فطرحت جنينها) ميتًا فاختصموا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها بغرّة عبد أو أمة) بالجر بدلاً من الغرة، وروي بإضافة غزة لتاليه. قال عياض: والتنوين أوجه لأنه بيان للغِرة ما هي وعلى الإضافة تكون من إضافة الشيء إلى نفسه ولا يجوز إلا بتأويل وأو للتنويع على الراجح، والغرة بضم الغين المعجمة وتشديد الراء مفتوحة مع تنوين التاء وهي في الأصل بياض في الوجه واستعمل هنا في العبد والأمة ولو كانا أسودين واشترط الشافعية كونهما مميزين بلا عيب لأن الغرة الخيار وغير المميز والمعيب ليسا من الخيار وأن لا يكونا هرمين وأن تبلغ قيمتهما عشر دية الأم. والحديث مرّ في كتاب الطب. 6905 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ عُمَرَ - رضى الله عنه - أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ فِى إِمْلاَصِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: قَضَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. قَالَ: ائْتِ مَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ، فَشَهِدَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى بِهِ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري ويقال له التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن المغيرة بن شعبة عن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- أنه استشارهم) أي الصحابة ولمسلم استشار الناس أي طلب ما عندهم من العلم في ذلك وهل سمع أحد منهم من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك شيئًا كما صرح بذلك في بعض الطرق ولا يعارض هذا ما في بعض الطرق أنه استشار بعض أصحابه وفسر بأنه عبد الرحمن بن عوف فيكون من إطلاق الناس عليه كقوله تعالى: {إن الناس قد جمعوا لكم} [آل عمران: 173] فإنه أريد به نعيم بن مسعود الأشجعي أو أربعة كما نص عليه الشافعي في الرسالة أو أنه استشار الناس عمومًا واستشار عبد الرحمن خصوصًا (في إملاص المرأة) بكسر الهمزة وسكون الميم آخره صاد مهملة مصدر أملص يأتي متعديًا كأملصت الشيء أي أزلقته فسقط ويأتي قاصرًا كأملص الشيء إذا تزلق وسقط يقال أملصت المرأة ولدها وأزلقته بمعنى وضعته قبل أوانه فالمصدر هنا مضاف إلى فاعله والمفعول به محذوف يعني أي فيما يجب على الجاني في إجهاض المرأة الجنين أو بالجنين على تقديري التعدي واللزوم ونسب الفعل إليها لأن بالجناية عليها كأنها الفاعلة لذلك (فقال المغيرة) بن شعبة وفيه تجريد إذ الأصل أن يقول

26 - باب جنين المرأة وأن العقل على الوالد

فقلت كما هو في رواية المصنف في الاعتصام من طريق أبي معاوية (قضى) أي حكم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ويحتمل أن يكون المراد الإخبار عن حكم الله والإفتاء به (بالغرة) في الجنين (عبدًا أو أمة) بالجر فيهما على البدلية بدل كل من كل والغرة بضم الغين المعجمة وتشديد الراء. قال الجوهري: في صحاحه عبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الجسم كله بالغرة. قال أبو عمرو بن العلاء: المراد الأبيض لا الأسود ولولا أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد بالغرة معنى زائدًا على شخص العبد والأمة لما ذكرها. قال النووي: وهو خلاف ما اتفق عليه الفقهاء من إجزاء الغرة السوداء أو البيضاء. قال أهل اللغة: الغرة عند العرب أنفس الشيء أطلقت هنا على الإنسان لأن الله تعالى خلقه في أحسن تقويم فهو من أنفس المخلوقات قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء: 70]. (قال: ائت من) وعند الإسماعيلي من طريق سفيان بن عيينة فقال عمر: من (يشهد معك) وفي رواية وكيع عند مسلم فقال ائتني بمن يشهد معك (فشهد محمد بن مسلمة) الخزرجي البدري -رضي الله عنه- (أنه شهد) أي حضر (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى به). ولفظ الشهادة في قوله فشهد المراد به الرؤية وقد شرط الفقهاء في وجوب الغرة انفصال الجنين ميتًا بسبب الجناية فإن انفصل حيًّا فإن مات عقب انفصاله أو دام ألمه ومات فدية لأنا تيقنا حياته وقد مات بالجنايةان بقي زمنًا ولا ألم به ثم مات فلا ضمان فيه لأنا لم نتحقق موته بالجناية. والحديث أخرجه أبو داود في الدّيات أيضًا. 6907 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنْ عُمَرَ نَشَدَ النَّاسَ مَنْ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى فِى السِّقْطِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: أَنَا سَمِعْتُهُ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن موسى) أبو محمد العبسي الحافظ أحد الأعلام على تشيعه وبدعته (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (أن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (نشد الناس) بفتح الشين المعجمة استحلف الصحابة (من سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى في السقط) بتثليث السين والضم رواية أبي ذر (وقال) بالواو ولأبي ذر فقال (المغيرة) بن شعبة: (أنا سمعته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قضى فيه) في السقط (بغرة) بالتنوين (عبد أو أمة) بالجر فيهما بدل كل من كل ونكرة من نكرة. 6908 - قَالَ: ائْتِ مَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ عَلَى هَذَا فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا أَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِ هَذَا. (قال: ائت من يشهد معك على هذا) الذي ذكرته وأت بهمزة ساكنة فعل أمر من الإتيان وحذفت الموحدة من بمن في الفرع، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي آنت بهمزة الاستفهام ثم نون ساكنة فمثناة فوقية استفهامًا على إرادة الاستئناف للمخاطب أي أانت تشهد ثم استفهمه ثانيًا فقال (من يشهد معك على هذا؟ فقال محمد بن مسلمة: أنا أشهد على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمثل) ما شهد (هذا) أي المغيرة. قال في الفتح: وهذا الحديث في حكم الثلاثيات لأن هشامًا تابعي، وقوله عن أبيه أن عمر صورته صورة الإرسال لأن عروة لم يسمع عمر لكن تبين من الرواية السابقة واللاحقة أن عروة حمله عن المغيرة وإن لم يصرح به في هذه الرواية. 6908 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ فِى إِمْلاَصِ الْمَرْأَةِ مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: بالجمع (محمد بن عبد الله) هو محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي قال: (حدّثنا محمد بن سابق) الفارسي البغدادي روى عنه البخاري بغير واسطة في باب الوصايا فقط قال: (حدّثنا زائدة) بن قدامة بضم القاف قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه أنه سمع المغيرة بن شعبة يحدث عن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (أنه استشارهم) أي الصحابة (في إملاص المرأة مثله) أي مثل رواية وهيب المذكورة في هذا الباب. قال ابن دقيق العيد: واستشارة عمر في ذلك أصل في سؤال الإمام عن الحكم إذا كان لا يعلمه أو كان عنده شك أو أراد الاستثبات، وفيه أن الوقائع الخاصة قد تخفى على الأكابر ويعلمها من هو دونهم. 26 - باب جَنِينِ الْمَرْأَةِ وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى الْوَالِدِ وَعَصَبَةِ الْوَالِدِ لاَ عَلَى الْوَلَدِ. (باب) بيان حكم (جنين المرأة و) بيان (أن العقل) أي دية المرأة المقتولة (على الوالد) أي والد القاتلة (و) على (عصبة الوالد لا على الولد) إذا لم يكن من عصبتها لأن العقل على العصبة دون ذوي الأرحام ولذا لا يعقل الأخوة من الأم. 6909 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى فِى جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِى لِحْيَانَ بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِى قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب) بن حزن

27 - باب من استعان عبدا أو صبيا

الإمام أبي محمد المخزومي أحد الأعلام وسيد التابعين (عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضى في جنين امرأة من بني لحيان) بكسر اللام وفتحها بطن من هذيل والمرأة قبل اسمها مليكة بنت عويمر ضربتها امرأة يقال لها أم عفيف بنت مسروح بحجر فسقط جنينها ميتًا (بغرة) بالتنوين (عبد أو أمة) بالجر على البدل كما مر في الباب السابق (ثم إن المرأة التي قضى عليها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بالغرة توفيت فقضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ميراثها لبنيها) بتحتية ساكنة بعد النون المكسورة (وزوجها) فله الربع ولبنيها ما بقي فهذا شخص يورث ولا يرث ولا يعرف له نظير إلا من بعضه حر وبعضه رقيق فنه لا يرث عندنا ولكن يورث على الأصح (و) قضى عليه الصلاة والسلام (أن العقل) أي الدّية (على عصبتها) أي عصبة المرأة المتوفاة حتف أنفها التي قضى عليها بالغرة لأن الإجهاض كان منها خطأ أو شبه عمد، واتفقوا على أن دية الجنين هي الغرة سواء كان الجنين ذكرًا أو أنثى وسواء كان كامل الخلقة أو ناقصها إذا تصوّر فيها خلق آدمي وإنما كان كذلك لأن الجنين قد يخفى فيكثر فيه النزاع فضبطه الشرع بما يقطع النزاع فإن كان ذكرًا وجب مائة بعير وإن كان أنثى فخمسون، وليس في الحديث هنا إيجاب العقل على الوالد فلا مطابقة وأجيب بأنه ورد في بعض طرق القصة بلفظ الوالد كما جرت عادة المؤلّف بمثل ذلك ليحض الطالب على البحث على جميع الطرق. والحديث سبق في الفرائض. 6910 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ قَتَلَتْهَا وَمَا فِى بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ: عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري يعرف بابن الطبراني كان أبوه من طبرستان قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرني بالتوحيد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن ابن المسيب) سعيد (وأبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: اقتتلت امرأتان من هذيل) التاء في اقتتلت لتأنيث الفاعل ولو قال اقتتل امرأتان جاز (فرمت إحداهما الأخرى بحجر قتلتها) ولأبي ذر فقتلتها بفاء العطف (وما في بطنها) عطف على ضمير المفعول وما موصول وصلتها في المجرور وبالاستقرار يتعلق حرف الجر أو والواو في وما بمعنى مع أي قتلتها مع ما في بطنها وهو الجنين فتكون الصلة والموصول في محل نصب (فاختصموا) أي أهل المقتولة مع القاتلة وأهلها (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقضى أن دية جنينها غرة) رفع خبر أن بالتنوين (عبد) رفع بدل من غرة (أو وليدة) عطف عليه أي أمة وإن في قوله أن دية في محل نصب أو جر على الخلاف في الاسم بعد حذف حرف الجر وأو للتنويع لا للشك (وقضى) عليه الصلاة والسلام (دية المرأة) ولأبي ذر أن دية المرأة (على عاقلتها) أي على عاقلة القاتلة وهي عصبتها. 27 - باب مَنِ اسْتَعَانَ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا وَيُذْكَرُ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ بَعَثَتْ إِلَى مُعَلِّمِ الْكُتَّابِ ابْعَثْ إِلَىَّ غِلْمَانًا يَنْفُشُونَ صُوفًا وَلاَ تَبْعَثْ إِلَىَّ حُرًّا. (باب من استعان عبدًا أو صبيًّا) بالنون في استعان وللنسفي والإسماعيلي استعار بالراء بدل النون فهلك في الاستعمال وجبت دية الحر وقيمة العبد، فإن استعان حرًّا بالغًا متطوّعًا أو بإجارة وأصابه شيء فلا ضمان عليه عند الجميع إن كان ذلك العمل لا غرر فيه. (وذكر) مبني للمفعول (أن أم سليم) والدة أنس ولأبي ذر أن أم سلمة هند زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بعثت إلى معلم الكُتّاب) بكسر اللام المشددة وللنسفي إلى معلم كتاب بضم الكاف وتشديد الفوقية فيهما. قال الجوهري: الكُتَّاب الكتبة (ابعث إلي) بتشديد الياء (غلمانًَا) أي يبلغوا الحلم (ينفشون صوفًا) بضم الفاء والشن المعجمة (ولا تبعث إلي حرًّا) بتشديد الياء أيضًا. قال في الكواكب: لعل غرضها من منع بعث الحر التزام الجبر وإيصال العوض لأنه على تقدير هلاكه في ذلك العمل لا تضمنه بخلاف العبد فإن الضمان عليها لو هلك به، وفي الفتح: وإنما خصت أم سلمة العبيد لأن العرف جرى برضا السادة باستخدام عبيدهم في الأمر اليسير الذي لا مشقة فيه بخلاف الأحرار، وهذا الأثر وصله الثوري في جامعه وعبد الرزاق في مصنفه عنه عن محمد بن المنكدر

28 - باب المعدن جبار والبئر جبار

عن أم سلمة. قال في الفتح: وكأنه منقطع بين ابن المنكدر وأمّ سلمة ولذلك لم يجزم به البخاري فذكره بصيغة التمريض. 6911 - حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ أَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِى فَانْطَلَقَ بِى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَنَسًا غُلاَمٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ، قَالَ: فَخَدَمْتُهُ فِى الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَوَاللَّهِ مَا قَالَ لِى لِشَىْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا وَلاَ لِشَىْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا؟. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (عمرو بن زرارة) بفتح العين في الأوّل وضم الزاي بعدها راءان بينهما ألف آخره هاء تأنيث في الثاني النيسابوري قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (إسماعيل بن إبراهيم) هو ابن علية (عن عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: لما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) من مكة مهاجرًا وليس له خادم يخدمه (أخذ أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس (بيدي فانطلق بي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إن أنسًا غلام كيس) أي عاقل (فليخدمك) بسكون اللام والجزم على الطلب (قال) أنس (فخدمته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في الحضر والسفر فوالله ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا، ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا) أي لم يعترض عليه لا في فعل ولا ترك ففيه حسن خلقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لعلى خلق عظيم واعلم أن ترك اعتراضه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أنس -رضي الله عنه- إنما هو فيما يتعلق بالخدمة والآداب لا فيما يتعلق بالتكاليف الشرعية فإنه لا يجوز ترك الاعتراض فيها. ومطابقة ذلك للترجمة من جهة أن الخدمة مستلزمة للاستعانة أو اعتمد على ما في سائر الروايات أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له: التمس لي غلامًا يخدمني، وقد كان أنس في كفالة أمه فأحضرته إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان زوجها معها فنسب الإحضار إليها تارة وإليه أخرى، وهذا صدر من أم سليم أوّل قدومه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة. وكانت لأبي طلحة في إحضاره أنسًا قصة أخرى وذلك عند إرادته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخروج إلى خيبر كما سبق في المغازي. 28 - باب الْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (المعدن جبار والبئر جبار) بضم الجيم وتخفيف الموحدة. 6912 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِى الرِّكَازِ الْخُمُسُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب) المخزومي (وأبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (العجماء جرحها جبار) بضم جيم جرحها في الفرع. وقال في الفتح: بفتحها لا غير كما نقله في النهاية عن الأزهري والعجماء بفتح العين المهملة وسكون الجيم ممدودًا البهيمة سميت عجاء لأنها لا تتكلم وجبار هدر والجملة مبتدأ وخبر أي جرح العجماء هدر لا شيء فيه، وسقط في رواية لفظ جرحها، وحينئذٍ فالمراد أن البهيمة إذا أتلفت شيئًا ولم يكن معها قائد ولا سائق وكان نهارًا فلا ضمان فإن كان معها أحد ولو مستأجرًا أو مستعيرًا أو غاضبًا ضمن ما أتلفته نفسًا ومالاً ليلاً أو نهارًا سواء كان سائقها أم راكبها أم قائدها لأنها في يده وعليه تعهدها وحفظها. نعم لو أركبها أجنبي بغير إذن الولي صبيًّا أو مجنونًا لا يضبطها مثلهما أو نخسها إنسان بغير إذن من صحبها أو غلبته فاستقبلها إنسان فردها فأتلفت شيئًا في انصرافها فالضمان على الأجنبي والناخس والرادّ. وقال الحنفية: لا ضمان مطلقًا سواء فيه الجرح وغيره والليل والنهار معها أحد أو لا إلا أن يحملها الذي معها على الإتلاف أو يقصده فيضمن لتعديه (والبئر) بكسر الموحدة بعدها ياء ساكنة مهموزة وتسهل وهي مؤنثة وتذكر على معنى القليب والجمع أبؤر وآبار بالمد والتخفيف وبهمزتين بينهما موحدة ساكنة إذا حفرها إنسان في ملكه أو في موات فوقع فيها إنسان أو غيره فتلف فهو (جبار) لا ضمان فيه وكذا لو استأجر إنسانًا ليحفرها فانهارت عليه نعم لو حفرها في طريق المسلمين أو في ملك غيره بلا إذن منه فتلف بها إنسان فإنه يجب ضمانه على عاقلة الحافر والكفارة في ماله، وإن تلف بها غير آدمي وجب ضمانه في مال الحافر، ويلتحق بالبئر كل حفرة على التفصيل المذكور (والمعدن) بفتح الميم وسكون العين وكسر الدال المهملتين المكان من الأرض يخرج منه شيء من الجواهر

29 - باب العجماء جبار

والأجساد كالذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والكبريت وغيرها من عدن بالمكان إذا أقام به يعدن بالكسر عدونًا سمي به لعدون ما أنبته الله فيه كما قال الأزهري إذا انهار على من حفر فيه فهلك فدمه (جبار) لا ضمان فيه كالبئر (وفي الركاز) بكسر الراء آخره زاي بمعنى مركوز ككتاب بمعنى مكتوب وهو دين الجاهلية مما تجب فيه الزكاة من ذهب أو فضة إذا بلغ النصاب (الخمس) والقول بأن الركاز دفين الجاهلية هو قول مالك والشافعي وأحمد وهو حجة على أبي حنيفة وغيره من العراقيين حيث قالوا: الركاز هو المعدن وجعلوهما لفظين مترادفين، وقد عطف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحدهما على الآخر وذكر لهذا حكمًا غير حكم الأوّل والعطف يقتضي التغاير، وقال الأزهري: يطلق على الأمرين. قال وقيل: إن الركاز قطع الفضة تخرج من المعدن وقيل من الذهب أيضًا. وهذا الحديث أخرجه مسلم وأصحاب السنن الأربعة. 29 - باب الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانُوا لاَ يُضَمِّنُونَ مِنَ النَّفْحَةِ وَيُضَمِّنُونَ مِنْ رَدِّ الْعِنَانِ وَقَالَ حَمَّادٌ: لاَ تُضْمَنُ النَّفْحَةُ إِلاَّ أَنْ يَنْخُسَ إِنْسَانٌ الدَّابَّةَ، وَقَالَ شُرَيْحٌ: لاَ تُضْمَنُ مَا عَاقَبَتْ أَنْ يَضْرِبَهَا فَتَضْرِبَ بِرِجْلِهَا، وَقَالَ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ: إِذَا سَاقَ الْمُكَارِى حِمَارًا عَلَيْهِ امْرَأَةٌ فَتَخِرُّ لاَ شَىْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ الشَّعْبِىُّ: إِذَا سَاقَ دَابَّةً فَأَتْعَبَهَا فَهْوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ وَإِنْ كَانَ خَلْفَهَا مُتَرَسِّلاً لَمْ يَضْمَنْ. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (العجماء جبار). (وقال ابن سيرين) محمد مما وصله سعيد بن منصور (كانوا) أي علماء الصحابة أو التابعين (لا يضمنون) بتشديد الميم (من النفحة) بفتح النون وسكون الفاء بعدها حاء مهملة من الضربة الصادرة من الدابة برجلها (ويضمنون) بتشديد الميم أيضًا (من ردّ العنان) بكسر العين المهملة وتخفيف النون وهو ما يوضع في فم الدابة ليصرفها الراكب لما يختاره يعني أن الدابة إذا كانت مركوبة فلفت الراكب عنانها فأصابت برجلها شيئًا ضمنه الراكب. (وقال حماد): هو ابن أبي سليمان مسلم الأشعري فيما وصله ابن أبي شيبة (لا تضمن النفحة) بالحاء المهملة رفع نائب عن الفاعل (إلا أن ينخس) مثلثة الخاء المعجمة (إنسان الدابة) بعود ونحوه فيضمن. (وقال شريح) بضم الشين المعجمة وفتح الراء آخره حاء مهملة ابن الحارث الكندي القاضي المشهور مما وصله ابن أبي شيبة أيضًا (لا تضمن) بضم الفوقية أو التحتية مبنيًّا للمفعول (ما عاقبت) أي الدابة. وقال في الكواكب: بلفظ الغيبة لا يضمن ما كان على سبيل المكافأة منها (أن يضربها) أي بأن يضربها فهو مجرور بمقدر أو وهو أن يضربها فمرفوع خبر مبتدأ محذوف وإسناد الضمان إلى الدابة من باب المجاز أو المراد ضار بها وهذا كالتفسير للمعاقبة (فتضرب برجلها) بنصب فتضرب عطفًا على المنصوب السابق، ولفظ ابن أبي شيبة لا يضمن السائق والراكب ولا تضمن الدابة إذا عاقبت. قالت: وما عاقبت قال: إذا ضربها رجل فأصابته. (وقال الحكم) بن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية أحد فقهاء الكوفة (وحماد) هو ابن أبي سليمان أحد فقهاء الكوفة أيضًا (إذا ساق المكاري) بكسر الراء في الفرع أصله (حمارًا عليه امرأة فتخر) بكسر الخاء المعجمة أي تسقط (لا شيء عليه) لا ضمان على المكاري. (وقال الشعبي) عامر بن شراحيل الكوفي فيما وصله ابن أبي شيبة (إذا ساق دابة فأتعبها) من الأتعاب (فهو ضامن لما أصابت) أي الدابة (وإن كان خلفها) وراءها (مترسلاً) بضم الميم وتشديد السين المهملة منصوب خبر كان متسهلاً في السير لا يسوقها ولا يتعبها (لم يضمن) شيئًا مما أصابته. 6913 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْعَجْمَاءُ عَقْلُهَا جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِى الرِّكَازِ الْخُمُسُ». وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الأزدي القصاب قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن زياد) الجمحي البصري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (العجماء) قال الجوهري: سميت عجماء لأنها لا تتكلم وكل ما لا يتكلم أصلاً فهو أعجم مستعجم والأعجم الذي لا يفصح ولا يبين كلامه وإن كان من العرب ويقال أعجم وإن أفصح إذا كان في لسانه عجمة، وقال ابن دقيق العيد: العجماء الحيوان البهيم، وقال الترمذي: فسر بعض أهل العلم قالوا العجماء الدابة المنفلتة من صاحبها فما أصابت في انفلاتها فلا غرم على صاحبها، وقال أبو داود: العجماء التي تكون منفلتة ولا يكون معها أحد ويكون بالنهار ولا يكون بالليل، وعند ابن ماجة في آخر حديث عبادة

30 - باب إثم من قتل ذميا بغير جرم

بن الصامت والعجماء البهيمة من الأنعام (عقلها) أي ديتها (جبار) لا دية فيما أهلكته وفي رواية الأسود بن العلاء عند مسلم العجماء جرحها جبار (والبئر) حيث جاز حفرها وسقط فيها أحد أو انهدمت على من استؤجر فهلك (جبار) هدر أيضًا (والمعدن) إذا انهار على حافره فقتله (جبار) هدر أيضًا لا قول فيه ولا دية (وفي الركاز) دفين الجاهلية (الخمس) زكاة إذا بلغ النصاب. 30 - باب إِثْمِ مَنْ قَتَلَ ذِمِّيًّا بِغَيْرِ جُرْمٍ (باب إثم من قتل ذميًّا) يهوديًا أو نصرانيًّا (بغير جرم) بضم الجيم وسكون الراء بعدها ميم أي بغير حق. 6914 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا». وبه قال: (حدّثنا قيس بن حفص) أبو محمد الدارمي البصري من أفراد المؤلّف قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا الحسن) بفتح الحاء ابن عمرو بفتح العين الفقيمي بضم الفاء وفتح القاف التيمي وهو أخو فضيل بن عمرو توفي في خلافة أبي جعفر، وقال خليفة توفي سنة اثنتين وأربعين ومائة بالكوفة قاله ابن طاهر وقال الحافظ أبو محمد عبد الغني المقدسي قال ابن معين: ثقة حجة، وقال يحيى بن زيد القطان وقد سئل عنه وعن الحسن بن عبد الله فقال: هو أثبتهما قال: (حدّثنا مجاهد) هو ابن جبر (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين -رضي الله عنهما-. قال في الفتح: كذا في جميع الطرق بالعنعنة ووقع في رواية مروان بن معاوية عن الحسن بن عمرو عن مجاهد عن جنادة بن أبي أمية عن عبد الله بن عمرو فزاد فيه رجلاً بين مجاهد وعبد الله أخرجه النسائي وابن أبي عاصم من طريقه وجزم أبو بكر البندنيجي في كتابه في بيان المرسل أن مجاهدًا لم يسمع من عبد الله بن عمر ونعم ثبت أن مجاهدًا ليس مدلساً وأنه سمع من عبد الله بن عمرو فرجحت رواية عبد الواحد لأنه توبع وانفرد مروان بالزيادة (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من قتل نفسًا معاهدًا) بفتح الهاء له عهد مع المسلمين بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو أمان من مسلم، وفي حديث أبي هريرة عند الترمذي من قتل نفسًا معاهدًا له ذمة الله وذمة رسوله (لم يرح) بفتح التحتية والراء وتكسر لم يشم (رائحة الجنة) وعموم هذا النفي مخصوص بزمان ما للأدلة الدالة على أن من مات مسلمًا وكان من أهل الكبائر غير مخلد في النار ومآله إلى الجنة (وأن ريحها يوجد) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ليوجد بزيادة اللام (من مسيرة أربعين عامًا). وعند الإسماعيلي سبعين عامًا، وفي الأوسط للطبراني من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة من مسيرة مائة عام، وفي الطبراني عن أبي بكرة خمسمائة عام وفي الفردوس من حديث جابر من مسيرة ألف عام. قال في الفتح: والذي يظهر لي في الجمع أن الأربعين أقل زمن يدرك به ريح الجنة في الموقف والسبعين فوق ذلك أو ذكرت للمبالغة والخمسمائة والألف أكثر من ذلك ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأعمال، فمن أدركه من المسافة البعدى أفضل ممن أدركه من المسافة القربى وبين ذلك، والحاصل أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص بتفاوت منازلهم ودرجاتهم، وقال ابن العربي: ريح الجنة لا يدرك بطبيعة ولا عادة وإنما يدرك بما خلق الله من إدراكه فتارة يدركه من شاء الله من مسيرة سبعين وتارة من مسيرة خسمائة. والحديث سبق في الجزية والله الموفق. 31 - باب لاَ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يقتل المسلم بالكافر) بضم التحتية وفتح الفوقية. 6915 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ أَنَّ عَامِرًا حَدَّثَهُمْ، عَنْ أَبِى جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِىٍّ: وَحَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِىَّ يُحَدِّثُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا - رضى الله عنه - هَلْ عِنْدَكُمْ شَىْءٌ مِمَّا لَيْسَ فِى الْقُرْآنِ؟ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَرَّةً مَا لَيْسَ عِنْدَ النَّاسِ فَقَالَ: وَالَّذِى فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، مَا عِنْدَنَا إِلاَّ مَا فِى الْقُرْآنِ، إِلاَّ فَهْمًا يُعْطَى رَجُلٌ فِى كِتَابِهِ، وَمَا فِى الصَّحِيفَةِ قُلْتُ: وَمَا فِى الصَّحِيفَةِ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية الكوفي قال: (حدّثنا مطرف) بكسر الراء المشددة ابن طريف بوزن كريم الكوفي (أن عامرًا) هو ابن شراحيل الشعبي (حدّثهم عن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وبعد التحتية الساكنة فاء وهب بن عبد الله السوائي أنه (قال: قلت لعلي) -رضي الله عنه- وسقط من قوله حدّثنا أحمد بن يونس إلى قوله قلت لعليّ لأبي ذر كما في الفرع كأصله قال في الفتح والصواب ما عند الجمهور يعني من السقوط قال: وطريق أحمد بن يونس تقدمت في الجزية قال المؤلّف بالسند إليه: (وحدّثنا) بواو العطف على

32 - باب إذا لطم المسلم يهوديا عند الغضب

السابق ولأبي ذر سقوطها كالجمهور (صدقة بن الفضل) أبو الفضل المروزي قال: (أخبرنا ابن عيينة) سفيان قال: (حدّثنا مطرف) هو ابن طريف (قال: سمعت الشعبي) عامرًا (يحدث) كذا في اليونينية يحدث (قال: سمعت أبا جحيفة) وهب بن عبد الله (قال: سألت عليًّا) هو ابن أبي طالب (-رضي الله عنه- هل عندكم شيء مما ليس في القرآن؟ وقال ابن عيينة) سفيان (مرة ما ليس عند الناس) بدل قوله مما ليس في القرآن (فقال) عليّ -رضي الله عنه- (و) الله (الذي فلق الحبة) أي شقها (وبرأ النسمة) خلق الإنسان (ما عندنا) شيء (إلا ما في القرآن إلا فهمًا يعطى) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول (رجل في كتابه) جل وعلا (وما في الصحيفة) أي التي كانت معلقة في قبضة سيفه قال أبو جحيفة (قلت) له: (وما في الصحيفة)؟ سقط لأبي ذر من قوله وقال ابن عيينة إلى هنا (قال: العقل) أي الدّية (وفكاك الأسير) ما يخلص به من الأسر (وأن لا يقتل مسلم بكافر). وقال الحنفية يقتل المسلم بالذميّ إذا قتله بغير حق ولا يقتل بالمستأمن، وعن الشعبي والنخعي يقتل باليهودي والنصراني دون المجوسي لحديث أبي داود من طريق الحسن عن قيس بن عباد عن عليّ: لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده أي: ولا يقتل ذو عهد في عهده بكافر قالوا: وهو من عطف الخاص على العام فيقتضي تخصيصه لأن الكافر الذي لا يقتل به ذو العهد هو الحربي دون المساوي له والأعلى فلا يبقى من يقتل بالمعاهد إلا الحربي، فيجب أن يكون الكافر الذي لا يقتل به المسلم هو الحربي لتسويته بين المعطوف والمعطوف عليه، وقال الطحاوي: لو كانت فيه دلالة على نفي قتل المسلم الذمي لكان وجه الكلام أن يقول ولا ذي عهد في عهده وإلاّ لكان لحنًا والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يلحن، فلما لم يكن كذلك علمنا أن ذا العهد هو المعني بالقصاص وصار التقدير لا يقتل مؤمن ولا ذمي ولا ذو عهد في عهده بكافر وتعقب بأن الأصل عدم التقدير والكلام مستقيم بغيره إذا جعلنا الجملة مستأنفة، ويؤيده اقتصار الحديث الصحيح على الجملة الأولى ذكره في فتح الباري. قال: وقد أبدى الشافعي له مناسبة فقال يشبه أن يكون لما أعلمهم أن لا قول بينهم وبين الكفار أعلمهم أن دماء الجاهلية محرمة عليهم بغير حق فقال لا يقتل مسلم بكافر ولا يقتل ذو عهد في عهده، ومعنى الحديث لا يقتل مسلم بكافر قصاصًا ولا يقتل من له عهد ما دام عهده باقيًا انتهى. والحديث سبق في العاقلة. 32 - باب إِذَا لَطَمَ الْمُسْلِمُ يَهُودِيًّا عِنْدَ الْغَضَبِ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا لطم المسلم يهوديًا عند الغضب) أي يجب عليه شيء (رواه) أي لطم المسلم اليهودي (أبو هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما سبق موصولاً في قصة موسى في أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. 6916 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عمرو بن يحيى عن أبيه) يحيى بن عمارة بن أبي الحسن المازني الأنصاري (عن أبي سعيد) بكسر العين سعد بسكونها ابن مالك الخدري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا تخيروا بين الأنبياء) تخييرًا يوجب نقصًا أو يؤدي إلى الخصومة. والحديث سبق في مواضع. 6917 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ لُطِمَ وَجْهُهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِكَ مِنَ الأَنْصَارِ لَطَمَ فِى وَجْهِى قَالَ: «ادْعُوهُ» فَدَعَوْهُ قَالَ: «لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى مَرَرْتُ بِالْيَهُودِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَالَّذِى اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، قَالَ: قُلْتُ وَعَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَأَخَذَتْنِى غَضْبَةٌ فَلَطَمْتُهُ قَالَ: «لاَ تُخَيِّرُونِى مِنْ بَيْنِ الأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِى أَفَاقَ قَبْلِى أَمْ جُزِىَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه) يحيى (عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- أنه (قال: جاء رجل من اليهود إلى النبي) ولأبي ذر إلى رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد لطم وجهه) بضم اللام وكسر الطاء مبنيًّا للمفعول ووجهه نائب الفاعل (فقال: يا محمد وإن رجلاً من أصحابك من الأنصار) لم يسم (لطم) ولأبي ذر عن الحموي قد لطم (وجهي قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر فقال: (ادعوه) أي ادعوا الأنصاري (فدعوه. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (لم لطمت) ولأبي ذر عن الحموي المستملي ألطمت (وجهه؟ قال: يا رسول الله إني مررت باليهود فسمعته) أي اليهوديّ (يقول) في قسمه (والذي اصطفى موسى على البشر. قال) الأنصاري:

88 - كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم

(قلت وعلى محمد) ولأبي ذر فقلت أعلى محمد (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية لأبي ذر (قال الأنصاري: (فأخذتني غضبة فلطمته. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا تخيروني من بين الأنبياء) قاله تواضعًا أو قبل أن يعلم أنه سيد البشر أو غير ذلك مما سبق (فإن الناس يصعقون يوم القيامة) يغشى عليهم من الفزع (فأكون أول من يفيق) من الغشي (فإذا أنا بموسى أخذ بقائمة من قوائم العرض فلا أدري أفاق قبلي أم جزي) بجيم مضمومة فزاي مكسورة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي جوزي بواو ساكنة بينهما (بصعقة الطور) التي صعقها لما سأل رؤية الله وقوله فلا أدري أفاق قبلي لعله قاله قبل أن يعلم أنه أول من تنشق عنه الأرض. بسم الله الرحمن الرحيم 88 - كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (كتاب استتابة المرتدين والمعاندين) بالنون بعد الألف أي الجائرين عن القصد الباغين الذين يردون الحق مع العلم به (وقتالهم وإثم من أشرك بالله وعقوبته في الدنيا والآخرة) وسقط لفظ كتاب في رواية المستملي قاله في الفتح وفي الفرع كأصله ثوبته فيها، وفي رواية النسفيّ: كتاب المرتدين بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال: باب استتابة المرتدين إلى آخر قوله والآخرة وفي رواية غير القابسي بعد قوله وقتالهم باب إثم من أشرك إلى آخره. 1 - باب إِثْمِ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65]. (قال الله تعالى): ولأبي ذر عز وجل ({إن الشرك لظلم عظيم}) [لقمان: 13] لأنه تسوية بين من لا نعمة إلا وهي منه وبين من لا نعمة منه أصلاً ({و}) قال الله تعالى ({لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين}) [الزمر: 65] وسقطت واو ولئن لغير أبي ذر وإنما قال: لئن أشركت على التوحيد والموحى إليهم جماعة في قوله تعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك} [الزمر: 65] لأن معناه أوحي إليك لئن أشركت ليحبطن عملك وإلى الذين من قبلك مثله واللام الأولى موطئة للقسم المحذوف والثانية لام الجواب وهذا الجواب ساد مسد الجوابين أعني جوابي القسم والشرط، وإنما صحّ هذا الكلام مع علمه تعالى بأن رسله لا يشركون لأن الخطاب للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمراد به غيره أو لأنه على سبيل الفرض والمحالات يصح فرضها. 6918 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّهُ لَيْسَ بِذَاكَ أَلاَ تَسْمَعُونَ إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين قال: (أخبرنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد الرازي الكوفي الأصل (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لما نزلت هذه الآية {الذين آمنوا ولم يلبسوا}) ولم يخلطوا ({إيمانهم بظلم}) [الأنعام: 82] (شق ذلك على أصحاب النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنه ليس بذاك) ولأبي ذر عن الكشميهني بذلك بزيادة لام قبل الكاف أي ليس بالظلم مطلقًا بل المراد الشرك (ألا) بالتخفيف (تسمعون إلى قول لقمان) المذكور في سورته: ({إن الشرك}) أي بالله ({لظلم عظيم}) والمراد بالذين آمنوا أعم من المؤمن الخالص وغيره، واحتج له في فتوح الغيب كما قرأته فيه بأن اسم الإشارة الواقع خبرًا للموصول مع صلته يشير إلى أن ما بعده ثابت لما قبله لاكتسابه ما ذكر من الصفة ولا ارتياب أن الأمن المذكور قبل هو الأمن الحاصل للموحدين في قوله تعالى أحق بالأمن لأن المعرف إذ أعيد كان الثاني عين الأول، فيجب أن يكون الظلم عين الشرك ليسلم النظم فإذا ليس الكلام في المعصية والفسق، وأما معنى اللبس فهو كما قال القاضي لبس الإيمان بالظلم أن يصدق بوجود الله ويخلط به عبادة غيره ويؤيده قوله تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} [يوسف: 106]. والحديث سبق في الإيمان. 6919 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِىُّ، وَحَدَّثَنِى قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ ثَلاَثًا -أَوْ- قَوْلُ الزُّورِ» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا بشر بن المفضل) بضم الميم والضاد المعجمة المشددة قال: (حدثنا الجريري) بضم الجيم وفتح الراء نسبة إلى جرير بن عباد بضم العين وتخفيف الموحدة واسمه سعيد بن إياس البصري قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد (قيس بن حفص) أبو محمد الدارمي مولاهم البصري قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) المعروف بابن علية

قال: (أخبرنا سعيد الجريري) قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفيّ (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أكبر الكبائر) جمع كبيرة وأصله وصف مؤنث أي الفعلة الكبيرة أو نحو ذلك وكبرها باعتبار شدة مفسدتها وعظم إثمها ويؤخذ منه انقسام الذنوب إلى كبائر وصغار وردّ على من يجعل المعاصي كلها كبار، وبه قال ابن عباس وأبو إسحاق الإسفراييني والقاضي أبو بكر القشيري، ونقله ابن فورك عن الأشاعرة، واختاره الشيخ تقي الدين السبكي، وكأنهم أخذوا الكبيرة باعتبار الوضع اللغوي ونظروا في ذلك إلى عظمة جلال من عصي بها وخولف أمره ونهيه لكن جمهور السلف والخلف وهو مرويّ عن ابن عباس أيضًا (الإشراك بالله) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هي الإشراك بالله والجار والمجرور متعلق بالمصدر والإشراك أن تجعل لله شريكًا أو هو مطلق الكفر على أي نوع كان وهو المراد هنا (وعقوق الوالدين) عطف على سابقه مصدر عن يقال عق والده يعقه عقوقًا فهو عاق إذا آذاه وعصاه وخرج عليه وهو ضد البر به وأصله من العق الذي هو الشق والقطع (وشهادة الزور وشهادة الزور) قال ذلك (ثلاثًا أو) قال (قول الزور) بالشك من الراوي (فما زال) عليه الصلاة والسلام (يكررها) أي يكرر وشهادة الزور فالضمير للخصلة (حتى قلنا) أي إلى أن قلنا (ليته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سكت) جملة في محل خبر ليت والجملة معمولة للقول وليت حرف تمن يتعلق بالمستحيل غالبًا وبالممكن قليلاً وإنما قالوا ذلك تعظيمًا لما حصل لمرتكب هذا الذنب من غضب الله ورسوله ولما حصل للسامعين من الرعب والخوف من هذا المجلس. والحديث سبق في الأدب وغيره. 6920 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضى الله عنهما - قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ؟ قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ» قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «الْيَمِينُ الْغَمُوسُ» قُلْتُ: وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ؟ قَالَ: «الَّذِى يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (محمد بن الحسين) بضم الحاء (ابن إبراهيم) المعروف بابن اشكاب أخو علي وهو من أقران البخاري لكنه سمع قبله قليلاً ومات بعده قال: (أخبرنا عبيد الله) بضم العين (ابن موسى) العبسي الكوفي وهو أحد مشايخ المؤلّف روى عنه في الإيمان بلا واسطة وسقط ابن موسى لغير أبي ذر قال: (أخبرنا شيبان) بالمعجمة ابن عبد الرحمن النحوي (عن فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف سين مهملة ابن يحيى (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: جاء إعرابي) قال الحافظ أبو الفضل العسقلاني: لم أقف على اسمه (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟) أي من الذنوب (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الإشراك بالله) أي الكفر به تعالى (قال) الأعرابي (ثم ماذا؟) يا رسول الله (قال: ثم عقوق الوالدين) بإيذائهما (قال) الإعرابي (ثم ماذا؟) يا رسول الله زاد أبو ذر في روايته عن الحموي والمستملي قال ثم عقوق الوالدين ثم ماذا (قال: اليمين الغموس) بفتح الغين المعجمة آخره سين مهملة التي تغمس صاحبها في الإثم (قلت): إما من مقول عبد الله بن عمرو أو راو عنه (وما اليمين الغموس؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الذي يقتطع) بها (مال امرئ مسلم) أي يأخذ بها قطعة من ماله لنفسه (هو فيها كاذب) وقد سبق أن من الكبائر القتل والزنا فذكر-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كل مكان ما يقتضي المقام وما يناسب حال المكلفين الحاضرين لذلك فربما كان فيهم من يجترئ على العقوق أو شهادة الزور فزجره بذلك. 6921 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ: رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِى الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: «مَنْ أَحْسَنَ فِى الإِسْلاَمِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا عَمِلَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَسَاءَ فِى الإِسْلاَمِ أُخِذَ بِالأَوَّلِ وَالآخِرِ». وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان أبو محمد السلمي الكوفي نزيل مكة قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (والأعمش) سليمان بن مهران الكوفي كلاهما (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن ابن مسعود) عبد الله (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رجل) لم أعرف اسمه (يا رسول الله أنؤاخذ) بهمزة الاستفهام وفتح الخاء المعجمة مبنيًّا للمفعول أنعاقب (بما عملنا في الجاهلية؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من أحسن في الإسلام) بالاستمرار عليه وترك المعاصي

2 - باب حكم المرتد والمرتدة

(لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية) قال الله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} [الأنفال: 38] أي من الكفر والمعاصي، وبه استدلّ أبو حنيفة على أن المرتد إذا أسلم لم يلزمه قضاء العبادات المتروكة (ومن أساء في الإسلام) بأن ارتدّ عن الإسلام ومات على كفره (أخذ بالأول) الذي عمله في الجاهلية (والآخر) بكسر الخاء الذي عمله من الكفر فكأنه لم يسلم فيعاقب على جميع ما أسلفه، ولذا أورد المؤلّف هذا الحديث بعد حديث أكبر الكبائر الشرك وأوردهما في أبواب المرتدّين، ونقل ابن بطال عن جماعة من العلماء أن الإساءة هنا لا تكون إلا الكفر للإجماع على أن المسلم لا يؤاخذ بما عمل في الجاهلية فإن أساء في الإسلام غاية الإساءة وركب أشد المعاصي وهو مستمر على الإسلام فإنه إنما يؤاخذ بما جناه من المعصية في الإسلام. والحديث سبق في الإيمان. 2 - باب حُكْمِ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالزُّهْرِىُّ وَإِبْرَاهِيمُ: تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ، وَاسْتِتَابَتِهِمْ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَيْفَ يَهْدِى اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} [آل عمران: 86 - 90] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران: 100] وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} [النساء: 137] وَقَالَ: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ، عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54] {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ * لاَ جَرَمَ} [النحل الآيات: 106 - 109] يَقُولُ حَقًّا: {أَنَّهُمْ فِى الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} إِلَى قَوْلِهِ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ. . . مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ، عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217]. (باب حكم) الرجل (المرتد و) حكم المرأة (المرتدّة) هل هما سواء؟ (وقال ابن عمر) عبد الله -رضي الله عنهما- فيما أخرجه ابن أبي شيبة (والزهري) محمد بن مسلم فيما أخرجه عبد الرزاق (وإبراهيم) النخعي فيما أخرجه عبد الرزاق أيضًا (تقتل) المرأة (المرتدة) إن لم تتب وعن ابن عباس فيما رواه أبو حنيفة عن عاصم عن أبي رزين عنه لا تقتل النساء إذا هنّ ارتددن أخرجه ابن أبي شيبة والدارقطني وخالفه جماعة من الحفاظ في لفظ المتن، وأخرج الدارقطني من طرق عن ابن المنكدر عن جابر أن امرأة ارتدّت فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقتلها قال في الفتح وهو يعكر على ما نقله ابن الطلاع في الأحكام أنه لم ينقل عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قتل مرتدّة (واستتابتهم) كذا ذكره بعد الآثار المذكورة وقدم ذلك في رواية أبي ذر على ذكر الآثار وللقابسي واستتابتهما بالتثنية وهو أوجه ووجه الجمع قال في فتح الباري: على إرادة الجنس، وتعقبه العيني فقال: ليس بشيء بل هو على قول من يرى إطلاق الجمع على التثنية. (وقال الله تعالى) في سورة آل عمران ({كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم}) استبعاد لأن يهديهم الله فإن الحائد عن الحق بعد ما وضح له منهمك في الضلال بعيد عن الرشاد، وقيل نفي وإنكار له وذلك يقتضي أن لا تقبل توبة المرتدّ والآية نزلت في رهط أسلموا ثم رجعوا عن الإسلام ولحقوا بمكة. وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- كان رجل من الأنصار أسلم ثم ارتدّ ثم ندم فأرسل إلى قومه فقالوا يا رسول الله هل له من توبة فنزلت ({كيف يهدي الله قومًا}) إلى قوله: ({إلا الذين تابوا}) فأسلم رواه النسائي وصححه ابن حبان والواو في قوله تعالى: ({وشهدوا أن الرسول حق}) للحال وقد مضمرة أي كفروا وقد شهدوا أن الرسول أي محمدًا حق أو للعطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل لأن معناه بعد أن آمنوا ({وجاءهم البينات}) أي الشواهد كالقرآن وسائر المعجزات ({والله لا يهدي القوم الظالمين}) ما داموا مختارين الكفر أو لا يهديهم طريق الجنة إذا ماتوا على الكفر ({أولئك}) مبتدأ ({جزاؤهم}) مبتدأ ثان خبره ({أن عليهم لعنة الله}) وهما خبر أولئك أو جزاؤهم بدل اشتمال من أولئك ({والملائكة والناس أجمعين خالدين}) حال من الهاء والميم في عليهم ({فيها}) في اللعنة أو العقوبة أو النار وإن لم يجر ذكرهما لدلالة الكلام عليهما وهو يدل بمنطوقة على جواز لعنهم وبمفهومه ينفي جواز لعن غيرهم ولعل الفرق أنهم مطبوعون على الكفر ممنوعون من الهدى مأيوسون من الرحمة بخلاف غيرهم والمراد بالناس المؤمنون أو العموم فإن الكافر أيضًا يلعن منكر الحق والمرتدّ عنه ولكن لا يعرف الحق بعينه قاله القاضي: ({لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك}) الارتداد ({وأصلحوا}) ما أفسدوا أو دخلوا في الصلاح ({فإن الله غفور}) لكفرهم ({رحيم}) بهم ({إن الذين كفروا}) بعيسى والإنجيل ({بعد إيمانهم}) بموسى والتوراة ({ثم ازدادوا كفرًا}) بمحمد والقرآن أو كفروا بمحمد بعدما كانوا به مؤمنين قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرًا بإصرارهم على ذلك وطعنهم فيه في كل وقت أو نزلت في الذين ارتدّوا ولحقوا بمكة وازديادهم

الكفر أن قالوا نقيم بمكة نتربص بمحمد ريب المنون ({لن تقبل توبتهم}) إيمانهم لأنهم لا يتوبون أو لا يتوبون إلا إذا أشرفوا على الهلاك فكنى عن عدم توبتهم بعدم قبولها ({وأولئك هم الضالون}) الثابتون على الضلال وسقط لأبي ذر من قوله: ({وجاءهم بالبينات}) إلى آخر قوله: ({الضالون}) وقال بعد قوله: ({حق}) إلى قوله: ({غفور رحيم}). (وقال) جل وعلا: ({يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب}) التوراة ({يردوكم بعد إيمانكم}) بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({كافرين}) [آل عمران: 100] وفيها إشارة إلى التحذير عن مصادقة أهل الكتاب إذ لا يؤمنون أن يفتنوا مَن صادقهم عن دينه. (وقال) تعالى: ({إن الذين آمنوا}) بموسى ({ثم كفروا}) حين عبدوا العجل ({ثم آمنوا}) بموسى بعد عوده ({ثم كفروا}) بعيسى ({ثم ازدادوا كفرًا}) بكفرهم بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً}) [النساء: 137] إلى النجاة أو إلى الجنة أو هم المنافقون آمنوا في الظاهر وكفروا في السر مرة بعد أخرى وازدياد الكفر منهم ثباتهم عليه إلى الموت وسقط من قوله: ({ثم آمنوا}) إلى آخر الآية. وقال بعد ({ثم كفروا}) إلى ({سبيلاً}). (وقال) تعالى ({من يرتدّ}) بتشديد الدال بالإدغام تخفيفًا ولأبي ذر من يرتدد بالإظهار على الأصل وامتنع الإدغام للجزم وهي قراءة نافع وابن عامر ({منكم عن دينه}) من يرجع منكم عن دين الإسلام إلى ما كان عليه من الكفر ({فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}) قيل هم أهل اليمن وقيل هم الفرس. وقيل الذين جاهدوا يوم القادسية والراجع من الجزاء إلى الاسم المتضمن لمعنى الشرط محذوف أي فسوف يأتي الله بقوم مكانهم ومحبة الله تعالى للعباد إرادة الهدى والتوفيق لهم في الدنيا وحسن الثواب في الآخرة ومحبة العباد له إرادة طاعته والتحرز من معاصيه ({أذلة على المؤمنين}) عاطفين عليهم متذللين لهم جمع ذليل واستعماله مع على إما لتضمين معنى العطف والحنوّ أو التنبيه على أنهم مع علوّ طبقتهم وفضلهم على المؤمنين خافضون لهم ({أعزة على الكافرين}) [المائدة: 54] أشداء عليهم فهم على المؤمنين كالولد لوالده والعبد لسيده ومع الكافرين كالسبع على فريسته وسقط لأبي ذر من قوله أذلة إلى آخر الآية. ({ولكن}) ولأبي ذر وقال أي الله جل وعلا ولكن ({من شرح بالكفر صدرًا}) طاب به نفسًا وأعتقده ({فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم}) إذ لا أعظم من جرمه ({ذلك}) أي الوعيد وهو لحوق الغضب والعذاب العظيم ({بأنهم استحبوا}) آثروا ({الحياة الدنيا على الآخرة}) أي بسبب إيثارهم الدنيا على الآخرة ({وأن الله لا يهدي القوم الكافرين}) ما داموا مختارين للكفر ({أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم}) فلا يتدبرون ولا يصغون إلى المواعظ ولا يبصرون طريق الرشاد ({وأولئك هم الغافلون}) الكاملون في الغفلة لأن الغفلة عن تدبر العواقب هي غاية الغفلة ومنتهاها ({لا جرم}) يقول حقًّا أنهم في الآخرة ({هم الخاسرون}) إذ ضيعوا أعمارهم وصرفوها فيما أفضى بهم إلى العذاب المخلد (إلى قوله: {إن ربك من بعدها}) من بعد الأفعال المذكورة قبل وهي الهجرة والجهاد والصبر ({لغفور}) لهم ما كان منهم من التكلم بكلمة الكفر تقية ({رحيم}) [النحل: 106 - 110] لا يعذبهم على ما قالوا في حالة الإكراه وسقط لأبي ذر ({فعليهم غضب}) إلى آخر لغفور رحيم. ({ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم}) إلى الكفر وحتى معناها التعليل نحو فلان يعبد الله حتى يدخل الجنة أي يقاتلونكم كي يردّوكم وقوله: ({وإن استطاعوا}) استبعاد لاستطاعتهم ({ومن يرتدد منكم عن دينه}) ومن يرجع عن دينه إلى دينهم ({فيمت وهو كافر}) أي فيمت على الردة ({فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة}) لما يفوتهم بالردّة مما للمسلمين في الدنيا من ثمرات الإسلام وفي الآخرة من الثواب وحسن المآب ({وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}) [البقرة: 217] كسائر الكفرة واحتج إمامنا الشافعي بالتقييد في الردة بالموت عليها أن الردة لا تحبط العمل إلا بالموت عليها وقال الحنفية قد علق الحبط بنفس الردة بقوله

ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله والأصل عندنا أن المطلق لا يحمل على المقيد، وعند الشافعي يحمل عليه وسقط لأبي ذر من قوله: {ومن يرتدد} وقال بعد قوله: {والآخرة} إلى قوله: {وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}. 6922 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أُتِىَ عَلِىٌّ - رضى الله عنه - بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحْرِقْهُمْ لِنَهْىِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ». وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان محمد بن الفضل) قال: (حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس أنه (قال: أتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية (علي) هو ابن أبي طالب (-رضي الله عنه- بزنادقة) بفتح الزاي جمع زنديق بكسرها وهو المبطن للكفر المظهر للإسلام كما قاله النووي والرافعي في كتاب الردة وبابي صفة الأئمة والفرائض أو من لا ينتحل دينًا كما قالاه في اللعان، وصوّبه في المهمات، وقيل: إنهم طائفة من الروافض تدعى السبئيّة ادّعوا أن عليًّا -رضي الله عنه- إله وكان رئيسهم عبد الله بن سبأ بفتح السين المهملة وتخفيف الموحدة وكان أصله يهوديًّا (فأحرقهم) وعند الإسماعيلي من حديث عكرمة أن عليًّا أتي بقوم قد ارتدّوا عن الإسلام أو قال بزنادقة ومعهم كتب لهم فأمر بنار فأنضجت ورماهم فيها (فبلغ ذلك) الإحراق (ابن عباس) وكان إذ ذاك أميرًا على البصرة من قبل علي -رضي الله عنهم- (فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن القتل بالنار بقوله. (لا تعذبوا بعذاب الله) وسقط لا تعذبوا بعذاب الله لغير أبي ذر، وفي حديث ابن مسعود عند أبي داود في قصة أخرى أنه لا يعذب بالنار إلا رب النار وقول ابن عباس هذا يحتمل أن يكون مما سمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو من بعض الصحابة (ولقتلتهم لقول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من بدّل دينه فاقتلوه) ومن عام يخص منه من بدل دينه في الباطن ولم يثبت ذلك عليه في الظاهر فإنه يجرى عليه أحكام الظاهر ويستثنى منه من بدل دينه في الظاهر لكن مع الإكراه، واستدلّ به على قتل المرتدة كالمرتد، وخصه الحنفية بالذكر للنهي عن قتل النساء وبأن من الشرطية لا تعم المؤنث. وأجيب: بأن ابن عباس راوي الحديث وقد قال يقتل المرتدة، وقتل أبو بكر في خلافته امرأة ارتدّت والصحابة متوافرون فلم ينكر ذلك عليه أحد وفي حديث معاذ لما بعثه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: وأيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه فإن عاد وإلاّ فاضرب عنقه وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها فإن عادت وإلاّ فاضرب عنقها. قال في الفتح: وسنده حسن وهو نص في موضع النزاع فجيب المصير إليه، واستدلّ به على قتل الزنديق من غير استتابة، وأجيب بأن في بعض طرق الحديث أن عليًّا استتابهم، وقد قال الشافعي رحمه الله: يستتاب الزنديق كما يستتاب المرتد. واحتج من قال بالأول بأن توبة الزنديق لا تعرف. والحديث سبق في الجهاد. 6923 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ حَدَّثَنِى حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعِى رَجُلاَنِ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ أَحَدُهُمَا، عَنْ يَمِينِى وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِى وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَاكُ فَكِلاَهُمَا سَأَلَ فَقَالَ: «يَا أَبَا مُوسَى أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ» قَالَ: قُلْتُ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَطْلَعَانِى عَلَى مَا فِى أَنْفُسِهِمَا وَمَا شَعَرْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ فَكَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى سِوَاكِهِ تَحْتِ شَفَتِهِ قَلَصَتْ فَقَالَ: «لَنْ أَوْ لاَ نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ يَا أَبَا مُوسَى، أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ إِلَى الْيَمَنِ» ثُمَّ أَتْبَعَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَلْقَى لَهُ وِسَادَةً قَالَ: انْزِلْ وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ مُوثَقٌ قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ، ثُمَّ تَهَوَّدَ قَالَ: اجْلِسْ قَالَ: لاَ أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ ثُمَّ تَذَاكَرْنَا قِيَامَ اللَّيْلِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ وَأَنَامُ وَأَرْجُو فِى نَوْمَتِى مَا أَرْجُو فِى قَوْمَتِى. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن قرة بن خالد) بضم القاف وتشديد الراء السدوسي أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (حميد بن هلال) بضم الحاء المهملة وفتح الميم العدوي أبو نصر البصري الثقة العالم قال: (حدّثنا أبو بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر أو الحارث (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- أنه (قال: أقبلت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعي رجلان من الأشعريين) وفي مسلم رجلان من بني عمي (أحدهما عن يميني والآخر عن يساري ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستاك فكلاها) أي كلا الرجلين (سأل) بحذف المسؤول، ولمسلم أمرنا على بعض ما ولاك الله (فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا أبا موسى أو) قال (يا عبد الله بن قيس) بالشك من الراوي بأيهما خاطبه، وعند أبي داود عن أحمد بن حنبل ومسدد كلاهما عن يحيى القطان بسنده فيه فقال: ما تقول يا أبا موسى فذكر ما لم يذكره من القول في رواية الباب (قال) أبو موسى (قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما) أي داعية الاستعمال (وما شعرت أنهما يطلبان العمل فكأني أنظر إلى سواكه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تحت شفته قلصت) بفتح القاف واللام المخففة والصاد المهملة انزوت أو ارتفعت (فقال) عليه

3 - باب قتل من أبى قبول الفرائض وما نسبوا إلى الردة

الصلاة والسلام (لن أو لا تستعمل على عملنا من أراده) والشك من الراوي وعند الإمام أحمد قال إن أخونكم عندنا من يطلبه (ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو) قال (يا عبد الله بن قيس إلى اليمن) أي عاملاً عليها (ثم أتبعه) بهمزة ففوقية ساكنة ثم موحدة مفتوحة (معاذ بن جبل) بالنصب على المفعولية أي بعثه بعده وظاهره أنه ألحقه به بعد أن توجه وفي نسخة ثم اتبعه بهمزة وصل وتشديد الفوقية معاذ بن جبل بالرفع على الفاعلية (فلما قدم) معاذ (عليه) على أبي موسى (ألقى له وسادة) كما هي عادتهم أنهم إذا أرادوا إكرام رجل وضعوا الوسادة تحته مبالغة في الإكرام (قال أنزل) فاجلس على الوسادة (وإذا رجل عنده) قال في الفتح: لم أقف على اسمه (موثق) بضم الميم وسكون الواو وفتح المثلثة مربوط بقيد (قال) معاذ لأبي موسى (ما هذا؟) الرجل الموثق (قال: كان يهوديًّا فأسلم ثم تهوّد) وعند الطبراني عن معاذ وأي موسى أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرهما أن يعلما الناس فزار معاذ أبا موسى فإذا عنده رجل موثق بالحديد فقال يا أخي أبعثت نعذب الناس إنما بعثنا نعلمهم دينهم ونأمرهم بما ينفعهم فقال إنه أسلم ثم كفر فقال والذي بعث محمدًا بالحق لا أبرح حتى أحرقه بالنار (قال) أبو موسى لمعاذ: (جلس قال: لا أجلس حتى يقتل) هذا (قضاء الله و) قضاء (رسوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي حكمهما أن من رجع عن دينه وجب قتله قال معاذ ذلك (ثلاث مرات) وعند أبي داود أنهما كررا القول أبو موسى يقول أجلس ومعاذ يقول لا أجلس. قال في الفتح: فعلى هذا فقوله ثلاث مرات من كلام الراوي لا تتمة كلام معاذ (فأمر به) أبو موسى (فقتل) وأخرج أبو داود من طريق طلحة بن يحيى ويزيد بن عبد الله كلاهما عن أبي بردة عن أبي موسى قال قدم عليّ معاذ فذكر الحديث، وفيه فقال: لا أنزل عن دابتي حتى يقتل فقتل قال أحدهما وكان قد استتيب قبل ذلك (ثم تذاكرا) معاذ وأبو موسى (قيام الليل) وفي رواية سعيد بن أبي بردة فقال كيف تقرأ القرآن أي في صلاة الليل (فقال أحدهما): وهو معاذ (أما أنا) بتشديد الميم (فأقوم) أصلي متهجدًا (وأنام وأرجو) الأجر (في نومتي) أي لترويح نفسه بالنوم ليكون أنشط له عند القيام (ما) أي الذي (أرجو) من الأجر (في قومتي) بفتح القاف وسكون الواو أي قيامي بالليل. وفي الحديث كراهة سؤال الإمارة والحرص عليها ومنع الحريص منها لأن فيه تهمة ويوكل إليها ولا يعان عليها فينجر إلى تضييع الحقوق لعجزه وفيه إكرام الضيف وغير ذلك مما يظهر بالتأمل. والحديث سبق مختصرًا ومطوّلاً في الإجارة ويجيء إن شاء الله تعالى في الأحكام بعون الله وقوّته. 3 - باب قَتْلِ مَنْ أَبَى قَبُولَ الْفَرَائِضِ وَمَا نُسِبُوا إِلَى الرِّدَّةِ (باب قتل من أبى قبول الفرائض) أي امتنع من التزام الأحكام الواجبة والعمل بها (وما) مصدرية (نسبوا) بضم النون وكسر السين ونسبتهم (إلى الردة) وقال الكرماني وتبعه البرماوي ما نافية. وقال العيني: الأظهر أنها موصولة والتقدير وقتل الذين نسبوا إلى الردة. 6924 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عَصَمَ مِنِّى مَالَهُ وَنَفْسَهُ، إِلاَّ بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير بضم الموحدة وفتح الكاف المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: لما توفي النبي) ولأبي ذر نبي الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستخلف) بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول (أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (وكفر من كفر من العرب) وفي حديث أنس عند ابن خزيمة لما توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ارتد عامة العرب. قال في شرح المشكاة: يريد غطفان وفزارة وبني سليم وبني يربوع وبعض بني تميم وغيرهم فمنعوا الزكاة فأراد أبو بكر أن يقاتلهم (قال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرت) بضم الهمزة

4 - باب إذا عرض الذمى وغيره بسب النبي -صلى الله عليه وسلم-

وكسر الميم (أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن عند مسلم حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله ويؤمنوا بي وبما جئت به (فمن قال لا إله إلا الله عصم) ولأبي ذر فقد عصم (مني ما له ونفسه) فلا يجوز هدر دمه واستباحة ماله بسبب من الأسباب (إلا بحقه) إلا بحق الإسلام من قتل نفس محرمة أو ترك صلاة أو منع زكاة بتأويل باطل (وحسابه على الله) فتترك مقاتلته ولا يفتش باطنه هل هو مخلص أم لا فإن ذلك إلى الله وحسابه عليه. 6925 - قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِى عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِى بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ. (قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق) بتشديد الراء وتخفف (بين الصلاة والزكاة) بأن أقرّ بالصلاة وأنكر الزكاة جاحدًّا أو مانعًا مع الاعتراف، وإنما أطلق في أول الحديث الكفر ليشمل المصنفين، وإنما قاتلهم الصديق ولم يعذرهم بالجهل لأنهم نصبوا القتال فجهز إليهم من دعاهم إلى الرجوع فلما أصروا قاتلهم. وقال المازري: ظاهر السياق أن عمر كان موافقًا على قتال من جحد الصلاة فألزمه الصديق بمثله في الزكاة لورودهما في الكتاب والحديث موردًا واحدًا، ثم استدلّ أبو بكر -رضي الله عنه- لمنع التفرقة التي ذكرها بقوله (فإن الزكاة حق المال) كما أن الصلاة حق النفس فمن صلّى عصم نفسه ومن زكى عصم ماله. قال الطيبي: هذا الردّ يدل على أن عمر -رضي الله عنه- حمل الحق في قوله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه على غير الزكاة وإلا لم يستقم استشهاده بالحديث على منع المقاتلة ولا ردّ أبي بكر -رضي الله عنه- بقوله: فإن الزكاة حق المال (والله لو منعوني عناقًا) بفتح العين الأنثى من ولد المعز وفي رواية ذكرها أبو عبيد لو منعوني جديًا أذوط وهو الصغير الفك والذقن وهو يؤيد أن الرواية عناقًا فرواية عقالاً المروية في مسلم وهم كما قال بعضهم قيل وإنما ذكر العناق مبالغة في التقليل لا العناق نفسها لكن قال النووي إنها كانت صغارًا فماتت أمهاتها في بعض الحول فتزكى بحول أمهاتها ولو لم يبق من الأمهات شيء على الصحيح ويتصوّر فيما إذا مات معظم الكبار وحدث صغار فحال الحول في الكبار على بقيتها وعلى الصغار (كانوا يؤدّونها إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقاتلتهم على منعها. قال عمر) -رضي الله عنه-: (فوالله ما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت) من صحة احتجاجه (أنه الحق) لا أنه قلده في ذلك لأن المجتهد لا يقلد مجتهدًا والمستثنى منه في قوله ما هو إلا أن رأيت غير مذكور أي ليس الأمر شيئًا إلا علمي بأن أبا بكر محق وهو نحو قوله تعالى: {وما هي إلا حياتنا الدنيا} [الجاثية: 24] هي ضمير مبهم يفسره ما بعده. والحديث سبق في الزكاة. 4 - باب إِذَا عَرَّضَ الذِّمِّىُّ وَغَيْرُهُ بِسَبِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يُصَرِّحْ نَحْوَ قَوْلِهِ السَّامُ عَلَيْكَ. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا عرض الذمي) اليهودي أو النصراني (وغيره) أي غير الذمي كالمعاهد ومن يظهر إسلامه وعرض بتشديد الراء أي كنى ولم يصرح (بسب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بتنقيصه (ولم يصرح) بذلك وهو تأكيد إذ التعريض خلاف التصريح (نحو قوله: السام عليك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: عليكم بالجمع، واعترض بأن هذا اللفظ ليس فيه تعريض بالسب فلا مطابقة بينه وبين الترجمة. وأجيب بأنه أطلق التعريض على ما يخالف التصريح ولم يرد التعريض المصطلح وهو أن يستعمل اللفظ في حقيقته يلوح به إلى معنى آخر يقصده. 6926 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: مَرَّ يَهُودِىٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَعَلَيْكَ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ: قَالَ السَّامُ عَلَيْكَ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَقْتُلُهُ قَالَ: «لاَ، إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) الكسائي نزيل بغداد ثم مكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن هشام بن زيد بن أنس) ولغير أبي ذر زيادة ابن مالك (قال: سمعت) جدي (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول: مرّ يهودي برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: السام) بألف بعد المهملة من غير همز أي الموت (عليك) بالإفراد اتفاقًا من رواة أنس (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له: (وعليك) بالإفراد (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أتدرون ما يقول)؟ ولأبي ذر: ماذا يقول (قال: السام عليك. قالوا: يا رسول الله ألا) بالتخفيف (نقتله؟ قال: لا) تقتلوه (إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا) لهم: (وعليكم)

5 - باب

أي ما تستحقونه من اللعن والعذاب، قيل وإنما لم يقتله لأنه لم يحمل ذلك على السب بل على الدعاء بالموت الذي لا بدّ منه، ومن ثم قال في الرد عليه وعليك أي الموت نازل عليّ وعليك فلا معنى للدعاء به وليس ذلك بصريح في السب. والحديث أخرجه النسائي في اليوم والليلة. 6927 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ فَقُلْتُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ، يُحِبُّ الرِّفْقَ فِى الأَمْرِ كُلِّهِ» قُلْتُ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: «قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) بضم النون الفضل بن دكين (عن ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة بن الزبير عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: استأذن رهط) دون العشرة من الرجال لا واحد له من لفظه (من اليهود على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: السام عليك) بالإفراد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عليكم (فقلت: بل عليكم السام واللعنة) والسام الموت كما مر وألفه منقلبة عن ياء فإن كان عربيًّا فهو سام يسوم إذا مضى لأن الموت مضيّ (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله) قالت عائشة -رضي الله عنها- (قلت) يا رسول الله (أو لم تسمع ما قالوا)؟ بواو العطف المسبوقة بهمزة الاستفهام (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد (قلت) لهم (وعليكم) بإثبات الواو وكذا في أكثر الروايات، والمعنى قالوا عليك الموت فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعليكم أيضًا، أي: نحن وأنتم فيه سواء كلنا نموت أو الواو هنا للاستئناف لا للعطف والتشريك. أي وعليكم ما تستحقونه من الذم واختار بعضهم حذف الواو لئلا يفضي إلى التشريك، وصوبه الخطابي، وصوب النووي جواز الحذف والإثبات كما صرحت به الروايات قال وإثباتها أجود لأن السام الموت وهو علينا وعليهم فلا ضرر فيه. والحديث سبق في باب الرفق في الأمر كله، وأخرجه مسلم والترمذي في الاستئذان والنسائي في التفسير وفي اليوم والليلة. 6928 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمُوا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنَّمَا يَقُولُونَ: سَامٌ عَلَيْكَ فَقُلْ: عَلَيْكَ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) بن عيينة (ومالك بن أنس) إمام دار الهجرة (قالا: حدّثنا عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبو عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر أنه (قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن اليهود إذا سلموا على أحدكم إنما يقولون سام عليك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عليكم بالجمع (فقل عليك) بالإفراد للكشميهني ولغيره عليكم بالجمع. قال في الكواكب فإن قلت: المقام يقتضي أن يقال فليقل أمرًا غائبًا. قلت: أحدكم فيه معنى الخطاب لكل أحد وسام في هذا الطريق نكرة وعليكم بدون الواو فقل عليك بلفظ المفرد في الخطاب والجواب اهـ. وقد اختلف هل عدم قتله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن صدر منه ذلك لعدم التصريح أو لمصلحة التأليف، وعن بعض المالكية إنه إنما لم يقتل اليهود في هذه القصة لأنهم لم تقم عليهم البيّنة بذلك ولا أقروا به فلم يقض فيهم بعلمه، وقيل إنهم لما لم يظهروه ولووه بألسنتهم ترك قتلهم وقيل لأنه لم يحمل ذلك على السب بل على الدعاء بالموت كما مر. والحديث أخرجه النسائي في اليوم والليلة .. 5 - باب هذا (باب) بالتنوين بلا ترجمة فهو كالفصل لسابقه. 6929 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: حَدَّثَنِى شَقِيقٌ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْكِى نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ، فَأَدْمَوْهُ فَهْوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِى فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني) بالإفراد (شقيق) أبو وائل بن سلمة (قال: قال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (كأني أنظر إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحكي نبيًّا من الأنبياء) قيل هو نوح عليه السلام (ضربه قومه) الذين أرسل إليهم (فأدموه) أي جرحوه بحيث جرى الدم (فهو يمسح الدم عن وجهه) وفي رواية عبد الله بن نمير عن الأعمش عند مسلم في هذا الحديث عن جبينه (ويقول: رب اغفر لقومي) أضافهم إليه شفقة ورحمة بهم ثم اعتذر عنهم بجهلهم فقال (فإنهم لا يعلمون) وعند ابن عساكر في تاريخه من رواية يعقوب بن عبد الله الأشعري عن الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير قال: إن كان نوح ليضربه قومه حتى يغمى عليه ثم يفيق فيقول: اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون. وقال القرطبي: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الحاكي والمحكي عنه، وكأنه أوحي إليه بذلك قبل قضية يوم أُحد ولم يعين له

6 - باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم

ذلك، فلما وقع تعين أنه المعنيّ بذلك، وسبق في غزوة أُحد وقوع ذلك لنبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وعند الإمام من رواية عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال نحو ذلك يوم حنين لما ازدحموا عليه عند قسمة الغنائم، وأشار المؤلّف بإيراده حديث الباب إلى ترجيح القول بأن ترك قتل اليهودي كان لمصلحة التأليف لأنه إذا لم يؤاخذ الذي ضربه حتى جرحه بالدعاء عليه ليهلك بل صبر على أذاه، وزاد فدعا له فلأن يصبر على الأذى بالقول أولى ويؤخذ منه ترك القتل بالتعريض بطريق الأولى. والحديث تقدم في ذكر بني إسرائيل من أحاديث الأنبياء بهذا السند، وأخرجه مسلم في المغازي وابن ماجة في الفتن. 6 - باب قَتْلِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِينَ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115] وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ وَقَالَ: إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِى الْكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. (باب قتل الخوارج) الذين خرجوا عن الدين وعلى عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وذلك لأنهم أنكروا عليه التحكيم الذي كان بينه وبين معاوية -رضي الله عنه- وكانوا ثمانية آلاف، وقيل أكثر من عشرة آلاف وفارقوه فأرسل إليهم أن يحضروا فامتنعوا حتى يشهد على نفسه بالكفر لرضاه بالتحكيم وأجمعوا على أن من لا يعتقد معتقدهم يكفر ويباح دمه وماله وأهله وانتقلوا إلى الفعل، فكانوا يقتلون من مرّ بهم من المسلمين فقتلوا عبد الله بن الأرتّ وبقروا بطن سريته، فخرج عليّ -رضي الله عنه- عليهم فقتلهم بالنهروان فلم ينج منهم إلا دون العشرة ولم يقتل ممن معه إلا دون العشرة، ثم انضم إليهم من مال إلى رأيهم، ولما ولي عبد الله بن الزبير الخلافة ظهروا بالعراق مع نافع بن الأزرق وباليمامة مع نجدة بن عامر فزاد نجدة على مذهبهم أن من لم يخرج لمحاربة المسلمين فهو كافر وتوسعوا حتى أبطلوا رجم المحصن وقطعوا يد السارق من الإبط وأوجبوا الصلاة على الحائض في حال الحيض ومنهم من أنكر الصلوات الخمس وقال: الواجب صلاة بالغداة وصلاة بالعشي ومنهم من جوّز نكاح بنت الابن والأخت، ومنهم من أنكر سورة يوسف من القرآن. قال ابن العربي: الخوارج صنفان أحدهما يزعم أن عثمان وعليًّا وأصحاب الجمل وصفين وكل من رضي بالتحكيم كفّار، والصنف الآخر يزعم أن كل من أتى كبيرة فهو كافر مخلّد في النار أبدًا (و) باب قتل (الملحدين) بضم الميم وسكون اللام بعدها حاء فدال مهملتان العادلين عن الحق المائلين إلى الباطل (بعد إقامة الحجة عليهم) بإظهار بطلان دلائلهم (وقول الله تعالى): بجر قول عطفًا على المجرور السابق وبالرفع على الاستئناف ({وما كان الله ليضل قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين له ما يتقون}) [التوبة: 115] أي ما أمر الله باتقائه واجتنابه مما نهى عنه وبين أنه محظور لا يؤاخذ به عباده الذين هداهم للإسلام ولا يخذلهم إلا إذا قدموا عليه بعد بيان حظره وعلمهم بأنه واجب الاجتناب وأما قبل العلم والبيان فلا. قال في الكشاف: وفي هذه الآية شديدة ما ينبغي أن يغفل عنها وهي أن المهدي للإسلام إذا أقدم على بعض محظورات الله داخل في حكم الإضلال. قال في فتوح الغيب قوله: وفي هذه شديدة أي خصلة أو بلية أو قارعة أو داهية حذف الموصوف لشدة الأمر وفظاعته يعني في الآية تهديد عظيم للعلماء الذين يقدمون على المناكير على سبيل الإدماج وتسميتهم ضلالاً من باب التغليظ. (وكان ابن عمر) -رضي الله عنهما- (يراهم) أي الخوارج (شرار خلق الله) المسلمين (وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها) أي أولوها (على المؤمنين) وصله الطبري في تهذيب الآثار في مسند عليّ. وعند مسلم من حديث أبي ذر مرفوعًا في وصف الخوارج: "هم شرار الخلق والخليقة" وعند البزار بسند حسن عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخوارج فقال: "هم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي". 6930 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا خَيْثَمَةُ، حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ قَالَ عَلِىٌّ - رضى الله عنه -: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثًا فَوَاللَّهِ لأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ، وَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِى آخِرِ الزَّمَانِ حُدَّاثُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ يَقُولُونَ: مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِى قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) بكسر الغين المعجمة وتخفيف التحتية وبعد الألف مثلثة قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال: (حدّثنا خيثمة) بفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية بعدها مثلثة ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة بفتح السين المهملة وسكون الموحدة الجعفي لأبيه

وجده صحبة قال: (حدّثنا سويد بن غفلة) بفتح الغين المعجمة والفاء واللام الجعفي من كبار التابعين ومن المخضرمين عاش مائة وثلاثين سنة وقيل إن له صحبة قال (قال عليّ) أي ابن أبي طالب (رضي الله عنه: إذا حدثتكم عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثًا فوالله لأن أخرّ) بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء أسقط (من السماء) أي إلى الأرض كما هو في رواية أبي معاوية والثوري عند أحمد (أحب إليّ من أن أكذب عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة) بتثليث الخاء المعجمة يجوز فيه التورية والكناية والتعريض بخلاف التحديث عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأوضح أن عنده في هذه القصة نصًّا صريحًا خوف أن يظن به أن ذلك من باب التعريض والتورية (وإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (سيخرج قوم في آخر الزمان) قال السفاقسي أي زمان الصحابة، وعورض بأن آخر زمانهم كان على رأس المائة وهم قد خرجوا قبل بأكثر من ستين سنة، أو المراد آخر زمان خلافة النبوة لحديث السنن عن سفينة مرفوعًا: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكًا" وقصة الخوارج وقتلهم بالنهروان في أواخر سنة ثلاث وثلاثين بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدون الثلاثين بنحو سنتين قاله الحافظ ابن حجر، وقال العيني: إن قلنا بتعدد خروجهم فلا يحتاج لما ذكر، وفي رواية النسائي من حديث أبي برزة يخرج في آخر الزمان قوم (حدّاث الأسنان) بضم الحاء وتشديد الدال المهملتين وبعد الألف مثلثة أي شبان صغار السن، ولأبي ذر عن الكشميهني: أحداث الأسنان (سفهاء الأحلام) جمع حلم بكسر الحاء المهملة العقل أي عقولهم رديئة (يقولون من خير قول البرية) بتشديد التحتية الناس قيل المراد من قول خير البرية أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو القرآن فهو من باب المقلوب، وقال في الكواكب: أي خير أقوال الناس أو خير من قول البرية يعني القرآن. قال في العمدة: فعلى هذا ليس بمقلوب، والمراد القول الحسن في الظاهر والباطن على خلاف ذلك. وفي حديث مسلم عن عليّ يقولون الحق (لا يجاوز) ولأبي ذر عن الكشميهني لا يجوز (إيمانهم حناجرهم) بفتح الحاء المهملة جمع حنجرة الحلقوم والبلعوم أي يؤمنون بالنطق لا بالقلب، وعند مسلم من رواية عبيد الله بن أبي رافع عن عليّ يقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا منهم وأشار إلى حلقه (يمرقون) يخرجون (من الدين) وعند النسائي من الإسلام وكذا عند المؤلّف في باب من رايا بالقرآن من طريق سفيان الثوري عن الأعمش (كما يمرق) يخرج (السهم من الرمية) بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتية الشيء الذي يرمى به يعني أن دخولهم في الإسلام ثم خروجهم منه ولم يتمسكوا منه بشيء كالسهم الذي دخل في الرمية ثم يخرج منها ولم يعلق به شيء منها (فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة) ظرف للأجر لا للقتل. والحديث سبق في علامات النبوّة وفضائل القرآن. 6931 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا أَتَيَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ فَسَأَلاَهُ عَنِ الْحَرُورِيَّةِ أَسَمِعْتَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ أَدْرِى مَا الْحَرُورِيَّةُ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَخْرُجُ فِى هَذِهِ الأُمَّةِ -وَلَمْ يَقُلْ مِنْهَا- قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ -أَوْ حَنَاجِرَهُمْ- يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَيَنْظُرُ الرَّامِى إِلَى سَهْمِهِ إِلَى نَصْلِهِ إِلَى رِصَافِهِ فَيَتَمَارَى فِى الْفُوقَةِ هَلْ عَلِقَ بِهَا مِنَ الدَّمِ شَىْءٌ؟». وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي بفتح النون وبالزاي المعروف بالزمن قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (قال: سمعت يحيى بن سعيد) الأنصاري قال: (أخبرني) بالإفراد (محمد بن إبراهيم) التيمى (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (وعطاء بن يسار) بالسين المهملة المخففة (أنهما أتيا أبا سعيد) سعد بن مالك (الخدري) -رضي الله عنه- (فسألاه عن الحرورية) بفتح الحاء المهملة وضم الراء الأولى نسبة إلى حروراء قرية بالكوفة نسبة على غير قياس خرج منها نجدة بفتح النون وسكون الجيم بعدها دال مهملة وأصحابه على عليّ -رضي الله عنه- وخالفوه في مقالات علمية وعصوه وحاربوه (أسمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بهمزة الاستفهام الاستخباري أي يذكروهم كما في مسلم ففيه حذف المفعول المسموع (قال) أبو سعيد (لا أدرى ما الحرورية سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يخرج في

هذه الأمة) الحميدية (ولم يقل منها) فيه ضبط للرواية وتحرير لمواقع الألفاظ وإشعار بأنهم ليسوا من هذه الأمة فظاهره أنه يرى إكفارهم، لكن في مسلم من حديث أبي ذر: سيكون بعدي من أمتي قوم، وعنده من طريق زيد بن وهب عن عليّ: يخرج قوم من أمتي. قال في الفتح: فيجمع بينه وبين حديث أبي سعيد بأن المراد في حديث أبي سعيد بالأمة أمة الإجابة وفي غيره أمة الدعوة (قوم تحقرون) بفتح الفوقية وكسر القاف أي تستقلون (صلاتكم مع صلاتهم) وعند الطبري عن عاصم أنه وصف أصحاب نجدة الحروري بأنهم يصومون النهار ويقومون الليل، وعند مسلم من حديث عليّ: ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئًا ولا صلاتكم إلى صلاتهم شيئًا (يقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم أو حناجرهم) فلا تفقهه قلوبهم ولا ينتفعون بما يتلونه منه أو لا تصعد تلاوتهم في جملة الكلم الطيب إلى الله تعالى (يمرقون من الدين) المحمدي (مروق السهم من الرمية) أي الصيد الذي يصاب بالسهم فيدخل فيه ويخرج منه فلا يعلق من جسد الصيد شيء به لسرعة خروجه (فينظر الرامي إلى سهمه إلى نصله) بدل من سهمه وهو حديدة السهم (إلى رصافه) بكسر الراء بعدها صاد مهملة فألف ففاء فهاء العصب الذي يكون فوق مدخل النصل أي ينظر إليه جملة وتفصيلاً، وعند الطبري من رواية أبي ضمرة عن يحيى بن سعيد ينظر إلى سهمه فلا يرى شيئًا ثم ينظر إلى نصله ثم إلى رصافه (فيتمارى) بفتح التحتية والراء كذا في الفرع يشك (في الفوقة) بضم الفاء وفتح القاف بينهما واو ساكنة موضع الوتر من السهم ولأبي ذر فيتمارى بضم التحتية (هل علق) بكسر اللام (بها من الدم شيء) فكذلك قراءتهم لا يحصل لهم منها شيء من الثواب لا أولاً ولا آخرًا ولا وسطًا لأنهم تأوّلوا القرآن على غير الحق، لكن قال ابن بطال: ذهب جمهور العلماء إلى أن الخوارج غير خارجين من جملة المسلمين لقوله فيتمارى في الفوقة لأن التماري من الشك، وإذا وقع الشك في ذلك لم يقطع عليهم بالخروج من الإسلام لأن من ثبت له عقد الإسلام بيقين لم يخرج منه إلا بيقين، وتعقب بأن في بعض طرق الحديث المذكور لم يعلق منه بشيء، وفي بعضها سبق الفرث والدم ويجمع بينهما بأنه تردد هل في الفوقة شيء أو لا ثم تحقق أنه لم يعلق بالسهم ولا بشيء منه من المرمي شيء. والحديث سبق في علامات النبوّة والأدب وفضائل القرآن. 6932 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى عُمَرُ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَذَكَرَ الْحَرُورِيَّةَ فَقَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي الكوفي نزيل مصر قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (ابن وهب) عبد الله المصري قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا ولأبي ذر حدّثنا (عمر) بضم العين ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وذكر أبو علي الجياني عن الأصيلي قال: قرأه علينا أبو زيد في عرضه ببغداد عمرو بن محمد بفتح العين وهو وهم والصواب ضمها كما مرّ (أن أباه حدثه عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما- (و) الحال أنه (ذكر الحرورية فقال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية) فقوله: وذكر الحرورية جملة حالية تفيد أنه حدث بالحديث عند ذكر الحرورية، وساق هذا الحديث بعد حديث أبي سعيد إشارة إلى أن توقف أبي سعيد المذكور محمول على أنه لم ينص في الحديث المرفوع على تسميتهم بخصوص هذا الاسم لا أن الحديث لم يرد فيهم قاله في الفتح؛ وفي الحديث أنه لا يجوز قتال الخوارج وقتلهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم بدعائهم إلى الرجوع إلى الحق والإعذار إليهم، وإلى ذلك أشار البخاري في الترجمة بالآية المذكورة فيها، واستدلّ به لمن قال بتكفير الخوارج وهو مقتضى صنيع البخاري في الترجمة حيث قرنهم بالملحدين وأفرد عنهم المتأولين بترجمة. واستدلّ القاضي أبو بكر بن العربي لتكفيرهم بقوله في الحديث: "يمرقون من الإسلام" وبقوله: "أولئك هم شرار الخلق" وقال الشيخ تقي الدين السبكي في فتاويه: احتج من كفر الخوارج وغلاة الروافض بتكفيرهم أعلام الصحابة لتضمنه تكذيب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في شهادته لهم بالجنة قال: وهو

7 - باب من ترك قتال الخوارج للتألف وأن لا ينفر الناس عنه

عندي احتاج صحيح، وذهب أكثر أهل الأصول من أهل السُّنّة إلى أن الخوارج فسّاق وأن حكم الإسلام يجري عليهم لتلفظهم بالشهادتين ومواظبتهم على أركان الإسلام وإنما فسقوا بتكفيرهم المسلمين مستندين إلى تأويل فاسد وجرّهم ذلك إلى استباحة دماء مخالفيهم وأموالهم والشهادة عليهم بالكفر والشرك. وقال القاضي عياض: كادت هذه المسألة أن تكون أشد إشكالاً عند المتكلمين من غيرها حتى سأل الفقيه عبد الحق الإمام أبا المعالي عنها فاعتذر بأن إدخال كافر في الملة وإخراج مسلم منها عظيمة في الدين قال: وقد توقف قبله القاضي أبو بكر الباقلاني وقال لم يصرح القوم بالكفر وإنما قالوا أقوالاً لا تؤدي إلى الكفر، وقال الغزالي في كتاب التفرقة بين الإيمان والزندقة: الذي ينبغي الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيل فإن استباحة دماء المسلمين المصلين المقرين بالتوحيد خطأ والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم مسلم واحد. 7 - باب مَنْ تَرَكَ قِتَالَ الْخَوَارِجِ لِلتَّأَلُّفِ وَأَنْ لاَ يَنْفِرَ النَّاسُ عَنْهُ (باب من ترك قتال الخوارج للتألف و) لأجل (أن لا ينفر الناس عنه) بفتح التحتية وسكون النون وكسر الفاء والضمير في عنه للتارك. 6933 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ: بَيْنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْسِمُ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذِى الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِىُّ فَقَالَ: اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: «وَيْلَكَ مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ» قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: دَعْنِى أَضْرِبْ عُنُقَهُ قَالَ: «دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ فِى قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، يُنْظَرُ فِى نَصْلِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِى رِصَافِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِى نَضِيِّهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ آيَتُهُمْ رَجُلٌ إِحْدَى يَدَيْهِ -أَوْ قَالَ ثَدْيَيْهِ- مِثْلُ ثَدْىِ الْمَرْأَةِ -أَوْ قَالَ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ- يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا قَتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ جِىءَ بِالرَّجُلِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِى نَعَتَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَنَزَلَتْ فِيهِ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِى الصَّدَقَاتِ} [التوبة: 58]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي الجعفي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري -رضي الله عنه- أنه (قال: بينا) غير ميم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقسم) ذهبًا بعثه عليّ بن أبي طالب من اليمن سنة تسع وخصّ به أربعة أنفس الأقرع بن حابس الحنظلي وعيينة بن حصن الفزاري وعلقمة بن علاثة العامري وزيد الخير الطائي إذ (جاء عبد الله بن ذي الخويصرة) بضم الخاء المعجمة وبالصاد المهملة مصغرًا (التميمي) وهو حرقوص بن زهير أصل الخوارج قال في الكواكب: كذا في جل النسخ بل في كلها عبد الله بن ذي الخويصرة بزيادة ابن والمشهور في كتب أسماء الرجال ذو الخويصرة فقط اهـ. وسبق في علامات النبوة فأتى ذو الخويصرة رجل من تميم لكن في رواية عبد الرزاق عن معمر إذ جاءه ابن ذي الخويصرة وكذا عند الإسماعيلي من رواية عبد الرزاق ومحمد بن ثور وأبي سفيان الحميري وعبد الله بن معاذ أربعتهم عن معمر (فقال: اعدل يا رسول الله) بهمزة وصل وجزم اللام على الطلب أي اعدل في القسمة (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (ويلك) ولأبي ذر عن الحموي ويحك بالحاء المهملة بدل اللام (من) ولأبي ذر ومن (يعدل إذا لم أعدل) قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يا رسول الله (دعني اضرب عنقه) ولأبي ذر ائذن لي فأضرب بهمزة قطع منصوب بفاء الجواب (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر (دعه) أي اتركه (فإن له أصحابًا يحقر) بكسر القاف يستقل (أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه) بلفظ الأفراد فيهما وظاهره أن ترك الأمر بقتله بسبب أصحابه الموصوفين بالصفة المذكورة وهو لا يقتضي ترك قتله مع ما ظهر منه من مواجهته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما واجهه به فيحتمل أن يكون لمصلحة التألف (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) الصيد المرمي والمروق سرعة نفوذ السهم من الرمية حتى يخرج من الطرف الآخر ولشدة سرعة خروجه لقوة ساعد الرامي لا يتعلق بالسهم من جسد الصيد شيء (ينظر) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (في قذذه) بضم القاف وفتح الذال المعجمة الأولى في ريش السهم ليعرف هل أصاب أو أخطأ (فلا يوجد فيه شيء) من أثر الصيد المرمى (ثم ينظر في) ولأبي ذر عن الكشميهني إلى (نصله) حديدة السهم (فلا يوجد فيه شيء. ثم ينظر في) ولأبي ذر عن الكشميهني إلى (رصافه) بكسر الراء بعدها صاد مهملة (فلا يوجد فيه شيء) وسقط لفظ ينظر لأبي ذر (ثم ينظر في نضيه) بفتح النون وكسر الضاد المعجمة والتحتية المشددة بعدها هاء عود السهم من غير ملاحظة أن يكون له نصل وريش (فلا يوجد فيه شيء) من دم الصيد أو غيره فيظن أنه لم يصبه

والفرض أنه أصاب (قد سبق الفرث) بفتح الفاء وسكون الراء بعدها مثلثة السرجين ما دام في الكرش (والدم) أي جاوزهما ولم يعلق فيه منهما شيء بل خرجا بعده شبه خروجهم من الدين وكونهم لم يتعلقوا بشيء منه بخروج ذلك السهم. وفي مسندي الحميدي وابن أبي عمر من طريق أبي بكر مولى الأنصار عن علي أن ناسًا يخرجون من الذين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه أبدًا (آيتهم) علامتهم (رجل إحدى يديه) بالتثنية (أو قال: ثدييه) بالتثنية أيضًا والشك هل هي تثنية يد بالتحتية أو ثدي بالمثلثة ولأبي ذر عن المستملي ثدييه أي من غير شك قال في الفتح بالمثلثة فيهما فالشك عنده هو الثدي بالإفراد أو التثنية؟ قال ووقع في رواية الأوزاعي إحدى يديه تثنية يد ولم يشك وهو المعتمد ففي رواية شعيب ويونس إحدى عضديه (مثل ثدي المرأة) بالمثلثة والإفراد (أو قال: مثل البضعة) بفتح الموحدة وسكون الضاد المعجمة أي القطعة من اللحم (تدردر) بفتح الفوقية والدالين المهملتين بينهما راء ساكنة آخره راء أخرى وأصله تتدردر فحذفت إحدى التاءين أي تتحرك وتجيء وتذهب، ولمسلم من رواية زيد بن وهب عن علي وآية ذلك أن فيهم رجلاً له عضد ليس له ذراع على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض، وعند الطبري من طريق طارق بن زياد عن علي في يده شعرات سود (يخرجون على حين فرقة من الناس) بكسر الحاء المهملة وبعد التحتية الساكنة نون وبضم فاء فرقة أي زمان افتراق الناس ولأبي ذر عن المستملي على خير فرقة بالخاء المعجمة وبعد التحتية راء وفرقة بكسر الفاء. قال في فتح الباري: والأول المعتمد وهو الذي في مسلم وغيره وإن كان الآخر صحيحًا أي أفضل طائفة. (وقال أبو سعيد الخدري) -رضي الله عنه- بالسند السابق (أشهد) أني (سمعت) هذا الحديث (من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأشهد أن عليًّا) -رضي الله عنه- (قتلهم) بالنهروان (وأنا معه) وفي رواية أفلح بن عبد الله عند أبي يعلى وحضرت مع علي يوم قتلهم بالنهروان، وعند الإمام أحمد والطبراني والحاكم من طريق عبيد الله بن شداد أنه دخل على عائشة مرجعه من العراق ليالي قتل علي فقالت له عائشة -رضي الله عنها-: تحدثني عن أمر هؤلاء القوم الذين قتلهم علي قال: إن عليًّا لما كاتب معاوية وحكما الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قرّاء الناس فنزلوا بأرض يقال لها حروراء من جانب الكوفة وعتبوا عليه فقالوا انسلخت من قميص ألبسكه الله ومن اسم سمّاك الله به ثم حكمت الرجال في دين الله ولا حكم إلا لله، فبلغ ذلك عليًّا -رضي الله عنه- فجمع الناس فدعا بمصحف عظيم فجعل يضربه بيده ويقول: أيها المصحف حدّث الناس فقالوا ماذا إنسان إنما هو مداد وورق ونحن نتكلم بما رويناه منه فقال كتاب الله بيني وبين هؤلاء يقول الله في امرأة رجل {وإن خفتم شقاق بينهما} [النساء: 35] الآية وأمة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعظم من امرأة رجل ونقموا عليَّ أن كاتبت معاوية وقد كاتب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سهيل بن عمرو {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب: 21] ثم بعث إليهم ابن عباس فناظرهم فرجع منهم أربعة آلاف فيهم عبد الله بن الكواء فبعث علي إلى الآخرين أن يرجعوا فأبوا فأرسل إليهم كونوا حيث شئتم وبيننا وبينكم أن لا تسفكوا دمًا حرامًا ولا تقطعوا سبيلاً ولا تظلموا أحدًا فإن فعلتم نبذت إليكم الحرب. قال عبد الله بن شداد: فوالله ما قتلهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدم الحرام الحديث. (جيء بالرجل) الذي قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه: "إحدى يديه مثل ثدي المرأة" (على النعت الذي نعته النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي على الوصف الذي وصفه وفي رواية أفلح فالتمسه علي فلم يجده ثم وجده بعد ذلك تحت جدار على هذا النعت وعند الطبري من طريق زيد بن وهب فقال عليّ: اطلبوا ذا الثدية فطلبوه فلم يجدوه فقال ما كذبت وما كذبت فطلبوه فوجدوه في وهدة من الأرض عليه ناس من القتلى فإذا رجل على يده مثل سلات السنور فكبّر عليّ

8 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعوتهما واحدة»

والناس. (قال) أبو سعيد (فنزلت فيه) في الرجل المذكور ولأبي ذر عن الحموي فيهم في الحرورية {ومنهم من يلمزك في الصدقات} [التوبة: 58] أي يعيبك في قسم الصدقات حيث قال: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله. قال الحافظ ابن كثير: قال قتادة: وذكر لنا أن رجلاً من أهل البادية حديث عهد بأعرابية أتى نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يقسم ذهبًا وفضة فقال: يا محمد والله لئن كان الله أمرك أن تعدل ما عدلت فقال نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "ويلك فمن ذا يعدل عليك بعدي" ثم قال نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "احذروا هذا وأشباهه فإن في أمتي أشباه هذا يقرؤون القرآن لا يتجاوز تراقيهم فإذا خرجوا فاقتلوهم ثم إذا خرجوا فاقتلوهم ثم إذا خرجوا فاقتلوهم". 6934 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِىُّ، حَدَّثَنَا يُسَيْرُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: قُلْتُ لِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ هَلْ سَمِعْتَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِى الْخَوَارِجِ شَيْئًا؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ وَأَهْوَى بِيَدِهِ قِبَلَ الْعِرَاقِ: «يَخْرُجُ مِنْهُ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة المنقري البصري ويقال له التبوذكى قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا الشيباني) بفتح الشين المعجمة سليمان قال: (حدّثنا يسير بن عمرو) بضم التحتية وفتح السين المهملة وسكون التحتية بعدها راء ابن عمرو بفتح العين أو ابن جابر الكوفي وقيل أصله أسير فسهلت الهمزة وله رؤية (قال: قلت لسهل بن حنيف) بفتح السين المهملة وسكون الهاء وحنيف بضم الحاء المهملة وفتح النون آخره فاء الأنصاري البدري (هل سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في الخوارج شيئًا؟ قال: سمعته يقول وأهوى بيده) مدّها (قِبل العراق) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهته وعند مسلم من طريق عليّ بن مسهر عن الشيباني نحو المشرق. (يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم) بالفوقية والقاف جمع ترقوة قال في القاموس. العظم ما بين ثغرة النحر والعاتق يعني أن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها لعلمه تعالى باعتقادهم (يمرقون من الإسلام مروق السهم) أي كمروق السهم (من الرمية). والحديث أخرجه مسلم في الزكاة والنسائي في فضائل القرآن. 8 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعوتهما واحدة). ولأبي ذر دعواهما بألف بعد الواو بدل الفوقية. 6935 - حَدَّثَنَا عَلِىٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ». وبه قال: (حدّثنا عليّ) بن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله--صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان) جماعتان جماعة عليّ وجماعة معاوية (دعواهما واحدة) أي كل واحد منهما يدعي أنه على الحق وصاحبه على الباطل بحسب اجتهادهما. والحديث بهذا السند من إفراده. 9 - باب مَا جَاءَ فِى الْمُتَأَوِّلِينَ (باب ما جاء) من الأخبار (في) حق (المتأولين). 6936 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ الْقَارِىَّ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَؤُهَا عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ، لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَذَلِكَ فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِى الصَّلاَةِ، فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى سَلَّمَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ أَوْ بِرِدَائِى فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ لَهُ: كَذَبْتَ فَوَاللَّهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْرَأَنِى هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِى سَمِعْتُكَ تَقْرَؤُهَا، فَانْطَلَقْتُ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ يَا: رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا وَأَنْتَ أَقْرَأْتَنِى سُورَةَ الْفُرْقَانِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ اقْرَأْ يَا هِشَامُ» فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِى سَمِعْتُهُ يَقْرَؤُهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْرَأْ يَا عُمَرُ» فَقَرَأْتُ فَقَالَ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ» ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ». (قال أبو عبد الله) البخاري وسقط قال أبو عبد الله لأبي ذر (وقال الليث) بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري الإمام المشهور مما وصله الإسماعيلي عن كاتب الليث عنه قال (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد؟ الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن المسور بن مخرمة) بن نوفل الزهري أبا عبد الرحمن له صحبة (وعبد الرحمن بن عبد القاريّ) بتشديد التحتية من غير همزة والقارة هم ولد الهون بن خزيمة أخي أسد بن خزيمة ولد على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس له منه سماع ولا رؤية (أخبراه أنهما سمعا عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (يقول: سمعت هشام بن حكيم) بفتح الحاء المهملة ابن حزام الأسدي (يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأها) ولأبي ذر يقرؤها بالواو وصورة الهمزة بدل الألف (على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذلك فكدت أساوره) بضم الهمزة بعدها سين مهملة أي أواثبه وأحمل عليه وهو (في الصلاة فانتظرته حتى سلم) منها (ثم) ولأبي ذر فلما سلم (لببته بردائه) بتشديد الموحدة الأولى مفتوحة وسكون الثانية جمعته عند صدره وبالتخفيف أيضًا (أو بردائي) شك من الراوي

(فقلت من أقرأك هذه السورة قال أقرأنيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلت) ولأبي ذر فقلت (له كذبت فوالله إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرأها) ولأبي ذر تقروها بالواو بدل الهمزة وفيه إطلاق التكذيب على غلبة الظن فإن عمر إنما فعل ذلك عن اجتهاد منه لظنه أن هشامًا خالف الصواب قال عمر (فانطلقت) به (أقوده) أجره بردائه (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت له يا رسول الله إني سمعت هذا) هشامًا (يقرأ بسورة الفرقان) بباء الجر في بسورة (على حروف لم تقرئنيها وأنت أقرأتني سورة الفرقان فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أرسله يا عمر) بهمزة قطع أي أطلقه ثم قال عليه الصلاة والسلام (اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأها قال): ولأبي ذر فقال (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هكذا أنزلت ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اقرأ يا عمر فقرأت فقال: هكذا أنزلت ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تطييبًا لقلب عمر لئلا ينكر تصويب الشيئين المختلفين (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف) أي لغات (فاقرؤوا ما تيسر منه). أي من المنزل. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يؤاخذ عمر بتكذيبه لهشام ولا بكونه لببه بردائه وأراد الإيقاع به بل صدق هشامًا فيما نقله وعذر عمر في إنكاره وسبق في باب كلام الخصوم بعضهم في بعض في كتاب الأشخاص. 6937 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ ح حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ: {يَا بُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثنا (إسحاق بن إبراهيم) المشهور بابن راهويه قال: (أخبرنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح (ح) لتحويل السند. (حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثنا (يحيى) بن موسى المعروف بخت قال: (حدّثنا وكيع عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لما أنزلت هذه الآية) التي في سورة الأنعام ({الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم}) أي لم يخلطوه ({بظلم} شق ذلك على أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ليس كما تظنون) أنه الظلم مطلقًا (إنما هو كما قال لقمان لابنه {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}) [لقمان: 13] لأنه تسوية بين من لا نعمة إلا وهي منه وبين من لا نعمة منه أصلاً. ووجه المطابقة بين الحديث والترجمة من حيث إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يؤاخذ الصحابة بحملهم الظلم في الآية على عمومه حتى يتناول كل معصية بل عذرهم لأنه ظاهر في التأويل ثم بين لهم المراد بما رفع الإشكال. والحديث سبق في أول كتاب استتابة المرتدين. 6938 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: غَدَا عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَجُلٌ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَّا: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ تَقُولُوهُ يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِى بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ» قَالَ: بَلَى قَالَ: «فَإِنَّهُ لاَ يُوَافَي عَبْدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال (أخبرني) بالإفراد (محمود بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة الخزرجي الصحابيّ الصغير وجل روايته عن الصحابة (قال: سمعت) ولأبي ذر عن الكشميهني: سمع (عتبان بن مالك) بكسر العين وسكون الفوقية ابن عجلان الأنصاري الصحابي (يقول: غدا علي) بتشديد التحتية (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيه حذف ذكره في باب المساجد في البيوت من طريق عقيل عن الزهري يلفظ: إنه أي عتبان أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم ووددت يا رسول الله إنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلّى قال فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "سأفعل إن شاء الله" قال عتبان: فغدا عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأذنت له فلم يجلس حين دخل البيت ثم قال: "أين تحب أن أصلي من بيتك" قال: فأشرت له إلى ناحية من البيت فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكبر فقمنا فصفقنا فصلّى ركعتين ثم سلم قال وحبسناه على خزيرة صنعناها له قال: فثاب في البيت رجال من أهل الدار ذوو عدد فاجتمعوا (فقال: رجل) منهم لم يسم (ابن مالك بن الدخشن)؟ بضم الدال المهملة وسكون الخاء وضم الشين المعجمة آخره نون (فقال رجل منا): قيل هو عتبان بن مالك الراوي (ذلك) باللام ولأبي ذر بإسقاطها أي ابن الدخشن (منافق لا يحب الله ورسوله، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ألا) بتخفيف اللام بعد الهمزة المفتوحة (تقولوه) تظنوه (يقول لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) والقول بمعنى الظن كثير أنشد سيبويه: أما الرحيل فدون بعد غد ... فمتى تقول الدار تجمعنا يعني: فمتى تظن الدار تجمعنا، والبيت لعمر بن أبي ربيعة المخزومي، وقيل مقتضى القياس تقولونه بالنون. وأجيب: بأنه جائز تخفيفًا قالوا حذف نون الجمع بلا ناصب وجازم لغة فصيحة أو هو خطاب لواحد والواو حدثت من إشباع الضمة، ولأبي ذر عن الكشميهني: ألا تقولونه بإثبات الهمزة قبل لا ونون الجمع، ولأبي ذر أيضًا عن الكشميهني والمستملي لا بلفظ النهي تقولوه بحذت النون. قال في الفتح: الذي رأيته لا تقولوه بغير ألف أوله وهو موجه وتفسير القول بالظن فيه نظر والذي يظهر أنه بمعنى الرؤية أو السماع اهـ. ونقل في التوضيح عن ابن بطال أن القول بمعنى الظن كثير بشرط كونه في المخاطب وكونه مستقبلاً ثم أنشد البيت المذكور مضافًا إلى سيبويه وللأصيلي مما في الفرع كأصله إلا بإثبات الهمزة وتشديد اللام تقولوه بحذف النون. (قال) الرجل المفسر بعتبان فيما قيل: (بلى، قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فإنه لا يوافي) بكسر الفاء وفي اليونينية بفتحها (عبد يوم القيامة به) أي بالتوحيد (إلاّ حرم الله عليه النار) إذا أدى الفرائض واجتنب المناهي أو الاراد تحريم التخليد جميعًا بين الأدلة. والحديث سبق في الباب المذكور ومطابقته هنا للترجمة من حيث إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يؤاخذ القائلين في حق ابن الدخشن بما قالوا بل بين لهم أن إجراء أحكام الإسلام على الظاهر دون الباطن. 6939 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ فُلاَنٍ قَالَ: تَنَازَعَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحِبَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِحِبَّانَ: لَقَدْ عَلِمْتُ الَّذِى جَرَّأَ صَاحِبَكَ عَلَى الدِّمَاءِ يَعْنِى عَلِيًّا قَالَ: مَا هُوَ لاَ أَبَا لَكَ، قَالَ شَىْءٌ سَمِعْتُهُ يَقُولُهُ: قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالزُّبَيْرَ وَأَبَا مَرْثَدٍ، وَكُلُّنَا فَارِسٌ قَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ حَاجٍ» قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: هَكَذَا قَالَ أَبُو عَوَانَةَ حَاجٍ «فَإِنَّ فِيهَا امْرَأَةً مَعَهَا صَحِيفَةٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِى بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأْتُونِى بِهَا»، فَانْطَلَقْنَا عَلَى أَفْرَاسِنَا حَتَّى أَدْرَكْنَاهَا حَيْثُ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا وَكَانَ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِمَسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِمْ فَقُلْنَا: أَيْنَ الْكِتَابُ الَّذِى مَعَكِ؟ قَالَتْ: مَا مَعِى كِتَابٌ، فَأَنَخْنَا بِهَا بَعِيرَهَا فَابْتَغَيْنَا فِى رَحْلِهَا فَمَا وَجَدْنَا شَيْئًا فَقَالَ صَاحِبِى: مَا نَرَى مَعَهَا كِتَابًا قَالَ: فَقُلْتُ لَقَدْ عَلِمْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ حَلَفَ عَلِىٌّ وَالَّذِى يُحْلَفُ بِهِ لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لأُجَرِّدَنَّكِ، فَأَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهْىَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ، فَأَخْرَجَتِ الصَّحِيفَةَ، فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ دَعْنِى فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا حَاطِبُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِى أَنْ لاَ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَكِنِّى أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِى عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يُدْفَعُ بِهَا عَنْ أَهْلِى وَمَالِى، وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ إِلاَّ لَهُ هُنَالِكَ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ. قَالَ: «صَدَقَ لاَ تَقُولُوا لَهُ إِلاَّ خَيْرًا» قَالَ: فَعَادَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولُ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ دَعْنِى فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ قَالَ: «أَوَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ؟ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ أَوْجَبْتُ لَكُمُ الْجَنَّةَ» فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ أَبُو عَبْد الله: خاخٍ أَصَحُّ، وَلَكِنْ كَذَلِكَ قَالَ أَبُو عَوَانَةَ: حاجٍ وَحَاجٌ تَصْحيفٌ، وَهُوَ مَوْضِعٌ وَهُشَيْمٌ يَقُولُ: خاخٍ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي أبي الهذيل الكوفي (عن فلان) في روايتي أبي ذر والأصيلي هو سعد بن عبيدة وكذا وقع في رواية هشيم في الجهاد وعبد الله بن إدريس في الاستئذان وهو سلمي كوفي يكنى أبا حمزة وكان زوج بنت أبي عبد الرحمن السلمي شيخه في هذا الحديث أنه (قال: تنازع أبو عبد الرحمن) عبد الله بن ربيعة بفتح الموحدة وتشديد التحتية السلمي الكوفي المقرئ المشهور بكنيته ولأبيه صحبة (وحبان بن عطية) السلمي بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة وعند أبي ذر بفتحها وهو وهم قال في التقريب لا أعرف له رواية وإنما له ذكر في البخاري وهو من الطبقة الثانية (فقال أبو عبد الرحمن لحبان: لقد علمت الذي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي علمت من الذي وله عن الكشميهني ما (جرأ) بفتح الجيم والراء المشددة والهمزة أقدم (صاحبك على) إراقة (الدماء) أي دماء المسلمين (يعني عليًّا) -رضي الله عنه- (قال) حبان (ما هو) الذي جرأه (لا أبالك) قال في الكواكب: جوزوا هذا التركيب تشبيهًا بالمضاف وإلاّ فالقياس لا أب لك وهو مما يستعمل دعامة للكلام ولا يراد به الدعاء عليه حقيقة اهـ. وهي كلمة تقال عند الحث على الشيء والأصل فيه أن الإنسان إذا وقع في شدة عاونه أبوه، فإذا قيل لا أبا لك فمعناه ليس لك أب جدّ في الأمر جدّ من ليس له معاون، ثم أطلق في الاستعمال في مواضع استبعاد ما يصدر من المخاطب من قول أو فعل (قال) أبو عبد الرحمن (شيء) جرأه (سمعته يقوله) صفة لشيء والضمير المنصوب فيه يرجع

إلى شيء ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي يقول بحذف ضمير النصب (قال) حبان (ما هو؟) أي ذلك الشيء (قال) أبو عبد الرحمن قال علي (بعثني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والزبير) بن العوّام (وأبا مرثد) بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة كنازًا بفتح الكاف والنون المشددة وبعد الألف زاي الغنوي بالغين المعجمة والنون المفتوحتين، وقوله والزبير نصب عطفًا على نون الوقاية لأن محلها النصب وفي مثل هذا العطف خلاف بين البصريين والكوفيين ومثله قراءة حمزة والأرحام بالخفض عطفًا على الضمير المجرور في به من غير إعادة الجار وهو مذهب كوفي لا يجيزه البصريون، وقد ذكرت مبحثه في كتابي الكبير في القراءات الأربعة عشر. وسبق في غزوة الفتح من طريق عبيد الله بن أبي رافع عن علي ذكر المقداد بدل أبي مرثد فيحتمل أن الثلاثة كانوا مع علي، وفي باب الجاسوس أنا والزبير والمقدام أي بالميم قال في الكواكب: ذكر القليل لا ينفي الكثير (وكلنا فارس) أي راكب فرسًا (قال): (انطلقوا حتى تأتوا روضة حاج) بحاء مهملة وبعد الألف جيم موضع قريب من مكة أو بقرب المدينة نحو اثني عشر ميلاً (قال أبو سلمة) موسى بن إسماعيل شيخ المؤلّف فيه: (هكذا قال أبو عوانة) الوضاح (حاج) بالحاء المهملة والجيم. قال أبو ذر: كذا الرواية هنا، والصواب خاخ بخاءين معجمتين. قال النووي، قال العلماء: هو غلط من أبي عوانة وكأنه اشتبه عليه بمكان آخر يقال له ذات حاج بالحاء المهملة والجيم وهو موضع بين المدينة والشأم يسلكه الحاج والأصح خاخ بمعجمتين (فإن فيها امرأة) اسمها سارة كما عند ابن إسحاق أو كنود كما عند الواقدي (معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة) بالحاء والطاء المهملتين بينهما ألف آخره موحدة وبلتعة بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح الفوقية والعين المهملة (إلى المشركين) بمكة (فائتوني بها) بالصحيفة (فانطلقنا على أفراسنا حتى أدركناها حيث قال لنا رسول) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونها (تسير على بعير لها. وكان) ولأبي ذر وقد كان أي حاطب (كتب إلى أهل مكة) صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل يخبرهم (بمسير رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم) ولفظ الكتاب ذكرته في الجهاد وعند الواقدي فأتاها حاطب فكتب معها كتابًا إلى أهل مكة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريد أن يغزو فخذوا حذركم (فقلنا) لها (أين الكتاب الذي معك؟ قالت: ما معي كتاب فأنخنا بها بعيرها فابتغينا) أي طلبنا (هـ في رحلها فما وجدنا شيئًا فقال صاحبي) وفي نسخة صاحباي الزبير وأبو مرثد (ما نرى معها كتابًا قال) علي: (فقلت) لهما (لقد علمنا) ولأبي ذر عن الكشميهني لقد علمتما (ما كذب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم حلف علي) -رضي الله عنه- (والذي يحلف به) فقال والله (لتخرجن الكتاب) بضم الفوقية وكسر الراء والجيم (أو لأجردنك) من ثيابك حتى تصيري عريانة (فأهوت) مالت بيدها (إلى حجزتها) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم بعدها زاي معقد إزارها (وهي محتجزة بكساء) شدته على وسطها زاد في حديث أنس عند ابن مردويه فقالت أدفعه إليكما على أن لا ترداني إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واختلف في إسلامها والأكثر على أنها على دين قومها وقد عدت فيمن أهدر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دمهم يوم الفتح لأنها كانت تغني بهجاء أصحابه (فأخرجت الصحيفة فأتوا بها) بالصحيفة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقرئت عليه (فقال عمر) -رضي الله عنه-: (يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين دعني فأضرب) بالنصب (عنقه) وفي غزوة الفتح دعني أضرب عنق هذا المنافق (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يا حاطب ما حملك على ما صنعت قال: يا رسول الله ما لي) ولأبي ذر عن المستملي ما بي بالموحدة بدل اللام وهي أوجه (أن لا) بفتح الهمزة (أكون مؤمنًا بالله ورسوله) ولأبي ذر وبرسوله وفي رواية ابن عباس والله أني لنا صح لله ورسوله

89 - كتاب الإكراه

(ولكني أردت أن يكون لي عند القوم) مشركي مكة (يد) منة (يدفع بها) بضم التحتية وفي نسخة يدفع الله بها (عن أهلي ومالي وليس من أصحابك أحد إلا له هنالك) أي بمكة، ولأبي ذر عن الكشميهني: هناك بإسقاط اللام (من قومه من يدفع الله به عن أهله وماله قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (صدق) حاطب ويحتمل أن يكون عرف صدقه بما ذكره أو بوحي (لا) ولأبي ذر ولا (تقولوا له إلا خيرًا قال) عليّ (فعاد عمر) إلى قوله الأول في حاطب (فقال: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين دعني) ولأبي ذر عن الكشميهني فدعني (فلأضرب عنقه) بكسر اللام والنصب. قال في الكواكب وهو في تأويل مصدر محذوف وهو خبر مبتدأ محذوف أي اتركني لأضرب عنقه فتركك لي من أجل الضرب ويجوز سكون الباء والفاء زائدة على رأي الأخفش واللام للأمر ويجوز فتحها على لغة سليم وتسكينها مع الفاء على لغة قريش وأمر المتكلم نفسه باللام فصيح قليل الاستعمال ذكره ابن مالك في قوموا فلأصل لكم وبالرفع أي فوالله لأضرب، واستشكل قول عمر ثانيًا دعني أضرب عنقه بعد قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (صدق ولا تقولوا له إلا خيرًا) وأجيب: بأن عمر ظن أن صدقه في عذره لا يدفع عنه ما وجب عليه من القتل. (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أوليس من أهل بدر) استفهام تقريري وزاد الحارث عند أبي يعلى فقال عمر: بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك فقال عليه الصلاة والسلام (وما يدريك) يا عمر (لعل الله اطلع عليهم) على أهل بدر (فقال اعملوا ما شئتم) في المستقبل (فقد أوجبت لكم الجنة) وفي غزوة الفتح فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم أي إن ذنوبهم تقع مغفورة حتى لو تركوا فرضًا مثلاً لم يؤاخذوا بذلك، ويؤيده حديث سهل بن الحنظلية في قصة الذي حرس ليلة حنين فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هل نزلت الليلة؟ قال: لا إلا لقضاء حاجة قال: لا عليك أن لا تعمل بعدها والمتفق عليه أن أهل بدر مغفور لهم فيما يتعلق بالآخرة أما الحدود في الدنيا فلا فلقد جلد مسطحًا في قصة الإفك (فاغرورقت عيناه) بالغين المعجمة الساكنة والراءين بينهما واو ساكنة ثم قاف افعوعلت من الغرق أي امتلأت عينا عمر من الدموع حتى كأنها غرقت (فقال) عمر -رضي الله عنه- (الله ورسوله أعلم). (قال أبو عبد الله) البخاري (خاخ) بالمعجمتين (أصح، ولكن كذا قال أبو عوانة) الوضاح (حاج) بالحاء المهملة ثم الجيم (وحاج) بالمهملة والجيم (تصحيف وهو موضع) بين مكة والمدينة (وهيثم) بفتح الهاء وبعد التحتية الساكنة مثلثة كذا في الفرع ولعله سبق قلم والذي في اليونينية ووقفت عليه من الأصول المعتمدة وهشيم بضم الهاء وفتح الشين المعجمة مصغرًا ابن بشير الواسطي في روايته عن أبي حصين مما وصله في الجهاد (يقول خاخ) بالمعجمتين وقوله قال أبو عبد الله ثابت في رواية المستملي. بسم الله الرحمن الرحيم 89 - كتاب الإكراه (كتاب الإكراه) بكسر الهمزة وسكون الكاف وهو إلزام الغير بما لا يريده. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106] وَقَالَ: {إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28] وَهْىَ تَقِيَّةٌ وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِى أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الأَرْضِ} [النساء: 97] إِلَى قَوْلِهِ: {وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75] فَعَذَرَ اللَّهُ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ لاَ يَمْتَنِعُونَ مِنْ تَرْكِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَالْمُكْرَهُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ مُسْتَضْعَفًا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ مِنْ فِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: التَّقِيَّةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِيمَنْ يُكْرِهُهُ اللُّصُوصُ فَيُطَلِّقُ لَيْسَ بِشَىْءٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَالشَّعْبِىُّ وَالْحَسَنُ وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ». (وقول الله تعالى) في سورة النحل وقول بالجر عطفًا على سابقه وسقطت الواو لغير أبي ذر مع الرفع على الاستئناف ({إلا من أكره}) استثناء ممن كفر بلسانه في قوله من كفر بالله من بعد إيمانه ووافق المشركين بلفظه مكرهًا لما ناله من الضرب والأذى ({وقلبه مطمئن}) ساكن ({بالإيمان}) بالله ورسوله. وقال ابن جرير عن عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة محمد بن عمار بن ياسر قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا فشكا ذلك إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كيف تجد قلبك) قال مطمئنًّا بالإيمان قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن عادوا فعد). ورواه البيهقي بأبسط من هذا وفيه أنه سب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذكر آلهتهم بخير وأنه قال: يا رسول الله ما تركت حتى سببتك وذكرت آلهتهم بخير قال: (كيف تجد قلبك)؟ قال: مطمئنًّا بالإيمان قال: (إن عادوا فعد). وفي ذلك أنزل الله {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}

ومن ثم اتفق على أنه يجوز أن يواتي المكره على الكفر إبقاء لمهجته والأفضل والأولى أن يثبت المسلم على دينه ولو أفضى إلى قتله. وعند ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن حذافة السهمي أحد الصحابة -رضي الله عنهم- أنه أسرته الروم فجاؤوا به إلى ملكهم فقال له: تنصر وأنا أشركك في ملكي وأزوّجك ابنتي فقال له: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملك العرب على أن أرجع عن دين محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طرفة عين ما فعلت فقال: إذًا أقتلك. قال أنت وذاك. قال: فأمر به فصلب وأمر الرماة فرموه قريبًا من يديه ورجليه وهو يعرض عليه دين النصرانية فيأبى ثم أمر به فأنزل ثم أمر بقدر، وفي رواية ببقرة من نحاس فأحميت وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر فإذا هو عظام يلوح وعرض عليه فأبى فأمر به أن يلقى فيها فرفع في البكرة ليلقى فيها فبكى فطمع فيه ودعاه فقال: إني إنما بكيت لأن نفسي إنما هي نفس واحدة تلقى في هذا القدر الساعة في الله فأحببت أن يكون لي بعدد كل شعرة فى جسدي نفس تعذب هذا العذب في الله، وروي أنه قبّل رأسه وأطلقه وأطلق معه جميع أسارى المسلمين عنده، فلما رجع قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة وأنا أبدأ فقام فقبل رأسه. ({ولكن من شرح بالكفر صدرًا}) أي طاب نفسًا وأعتقده ({فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم}) [النحل: 106] في الدار الآخرة لأنهم ارتدوا عن الإسلام للدنيا. (وقال) جل وعلا في سورة آل عمران: ({إلاّ أن تتقوا منهم تقاة}) [آل عمران: 28] قال البخاري آخذًا من كلام أبي عبيدة (وهي تقية) أي إلا أن تخافوا من جهة الكافرين أمرًا تخافون أي إلا أن يكون للكافر عليك سلطان فتخافه على نفسك ومالك فحينيذٍ يجوز لك إظهار الموالاة وإبطال المعاداة. (وقال) تعالى في سورة النساء: ({إن الذين توفاهم الملائكة}) ملك الموت وأعوانه وتوفاهم ماض أو مضارع أصله تتوفاهم حذفت ثانية تاءيه ({ظالمي أنفسهم}) حال من ضمير المفعول في توفاهم أي في حال ظلمهم أنفسهم بالكفر وترك الهجرة ({قالوا}) أي الملائكة توبيخًا لهم ({فيم كنتم}) في أي شيء كنتم من أمر دينكم ({قالوا كنا مستضعفين}) عاجزين عن الهجرة ({في الأرض}) [النساء: 97] أرض مكة أو عاجزين عن إظهار الدين وإعلاء كلمته (إلى قوله: {واجعل لنا من لدنك نصيرًا}) [النساء: 75] كذا في رواية كريمة والأصيلي والقابسي ولا يحض ما فيه من التغيير لأن قوله: {واجعل لنا من لدنك نصيرًا} من آية أخرى متقدمة على الآية المذكورة والصواب، ما وقع في رواية أبي ذرلى قوله: {عفوا غفورًا} [النساء: 99] أي لعباده قبل أن يخلقهم. وقال تعالى: ({والمستضعفين}) مجرور بالعطف على في سبيل الله أي في سبيل الله، وفي خلاص المستضعفين أو منصوب على الاختصاص أي واختص من سبيل الله خلاص المستضعفين لأن سبيل الله عام في كل خير وخلاص المستضعفين من المسلمين من أيدي الكفار من أعظم الخير وأخصه والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة وصدّهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين أيديهم مستضعفين يلقون منهم الأذى التشديد من الرجال والنساء والولدان بيان للمستضعفين وإنما ذكر الولدان مبالغة في الحث وتنبيهًا على تناهي ظلم المشركين بحيث بلغ أذاهم الصبيان إرغامًا لآبائهم وأمهاتهم وعن ابن عباس كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها الظالم وصف للقرية إلا أنه مسند إلى أهلها فأعطي أعراب القرية لأنه صفتها {واجعل لنا من لدنك وليًّا} [النساء: 75] يتولى أمرنا ويستنقذنا من أعدائنا ({واجعل لنا من لدنك نصيرًا}) [النساء: 75] ينصرنا عليهم فاستجاب الله دعاءهم بأن يسر لبعضهم الخروج إلى المدينة وجعل لمن بقي منهم وليًّا وناصرًا ففتح مكة على نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتولاهم ونصرهم ثم استعمل عليهم عتاب بن أسيد فحماهم ونصرهم حتى صاروا أعز أهلها (فعذر الله المستضعفين الذين لا يمتنعون من ترك ما أمر الله به) إلا أن غلبوا (والمكره)

1 - باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر

بفتح الراء (لا يكون إلا مستضعفًا) بفتح العين (غير ممتنع من فعل ما أمر به) بضم الهمزة قال الكرماني: غرضه أن المستضعف لا يقدر على الامتناع من الترك أي تارك لأمر الله وهو معذور فكذلك المكره لا يقدر على الامتناع من الفعل فهو فاعل لأمر المكره فهو معذور أي كلاهما عاجزان. (وقال الحسن) البصري فيما وصله ابن أبي شيبة عن وكيع عن هشام عنه (التقية) ثابتة (إلى يوم القيامة) لا تختص بعهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله ابن أبي شيبة: (فيمن يكرهه اللصوص) بضم التحتية وكسر الراء على طلاق امرأته (فيطلقـ) ـها (ليس بشيء) فلا يقع طلاقه (وبه) بعدم الطلاق في ذلك. (قال ابن عمر) -رضي الله عنهما- (وابن الزبير) عبد الله وقد أخرجها الحميدي في جامعه والبيهقي من طريقه (والشعبي) عامر بن شراحيل فيما وصله عبد الرزاق بسند صحيح عنه (والحسن) البصري فيما وصله سعيد بن منصور. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله في الأيمان بفتح الهمزة (الأعمال) بدون إنما (بالنية بالإفراد فالمكره لا نيّة له على ما أكره عليه بل نيته عدم الفعل. 6940 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلاَلٍ، عَنْ هِلاَلِ بْنِ أُسَامَةَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْعُو فِى الصَّلاَةِ: «اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَالْوَلِيدَ، اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَابْعَثْ عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِى يُوسُفَ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن خالد بن يزيد) من الزيادة الجمحي الإسكندراني (عن سعيد بن أبي هلال) الليث المدني (عن هلال بن أسامة) بضم الهمزة هو هلال بن علي بن أسامة العامري المدني (أن أبا سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أخبره عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يدعو في) قنوت (الصلاة) وفي تفسير سورة النساء؛ إنها صلاة العشاء، وفي كتاب الصلاة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان حين يرفع رأسه وفي الأدب لما رفع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأسه من الركوع قال: (اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة) أخا أبي جهل لأمه وهمزة أنج همزة قطع مفتوحة (وسلمة بن هشام) أخا أبي جهل (والوليد بن الوليد) ابن عم أبي جهل (اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين) من ذكر العام بعد الخاص ثم ذكر من حال بينهم وبين الهجرة فقال (اللهم اشدد وطأتك) بفتح الواو وسكون الطاء المهملة عقوبتك (على) كفار (مضر) أي قريش (وابعث عليهم سنين) مجدبة (كسني يوسف) عليه السلام والمطابقة بين الحديث والترجمة من حيث إنهم كانوا مكرهين على الإقامة مع المشركين لأن المستضعف لا يكون إلا مكرهًا كما مرّ ومفهومه أن الإكراه على الكفر لو كان كفرًا لما دعا لهم وسماهم مؤمنين. والحديث شرّ في مواضع كسورة النساء وكتاب الأدب. 1 - باب مَنِ اخْتَارَ الضَّرْبَ وَالْقَتْلَ وَالْهَوَانَ عَلَى الْكُفْرِ (باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر). 6941 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ الطَّائِفِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن حوشب) بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة بينهما واو ساكنة آخره موحدة (الطائفي) بالفاء نزيل الكوفة قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ثلاث) أي خصال ثلاث صفة لمحذوف أو ثلاث خصال مبتدأ وسوّغ الابتداء به إضافته إلى الخصال والجملة بعده خبر وهي (من كنّ فيه وجد) أصاب (حلاوة الإيمان) باستلذاذه الطاعات ولا يجد ذلك إلا (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) وأن مصدرية خبر لمبتدأ محذوف أي أوّل الثلاثة كون الله ورسوله في محبته إياهما أكثر محبة من محبة سواهما من نفس وولد ووالد وأهل ومال وكل شيء (وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله وأن يكره أن يعود في الكفر) زاد في كتاب الإيمان بالكسر بعد إذ أنقذه الله منه (كما يكره أن يقذف في النار). وهذا هو المراد من الترجمة من كونه سوّى بين كراهة الكفر وبين كراهة دخول النار والقتل والضرب والهوان أسهل عند المؤمن من دخول النار فيكون أسهل من الكفر أن اختار الأخذ بالشدة قاله ابن بطال. والحديث سبق في الإيمان. 6942 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّادٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ سَمِعْتُ قَيْسًا سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِى وَإِنَّ عُمَرَ مُوثِقِى عَلَى الإِسْلاَمِ وَلَوِ انْقَضَّ أُحُدٌ مِمَّا فَعَلْتُمْ بِعُثْمَانَ كَانَ مَحْقُوقًا أَنْ يَنْقَضَّ. وبه قال:

(حدّثنا سعيد بن سليمان) الواسطي الملقب بسعدويه قال: (حدّثنا عباد) بفتح العين والموحدة المشددة ابن العوّام بتشديد الواو الواسطي (عن إسماعيل) بن أبي خالد أنه قال: (سمعت قيسًا) هو ابن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي يقول (سمعت سعيد بن زيد) بكسر العين ابن عمرو بن نفيل العدوي أحد العشرة المبشرة بالجنة وهو ابن عم عمر بن الخطاب وزوج أخته -رضي الله عنه- (يقول: لقد رأيتني) بضم الفوقية أي رأيت نفسي (وإن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (موثقي) بضم الميم وسكون الواو وكسر المثلثة والقاف بحبل أو قدّ (على الإسلام) كالأسير تضييقًا وإهانة لكوني أسلمت وفي باب إسلام عمر عن محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد القطان عن إسماعيل بن أبي خالد لو رأيتني موثقي عمر على الإسلام أنا وأخته وما أسلم وفي باب إسلام سعيد بن زيد عن قتيبة عن الثوري عن إسماعيل قبل أن يسلم عمر (ولو انقض) بالنون الساكنة والقاف والضاد المعجمة المشددة المفتوحتين انهدم ولأبي ذر عن الكشميهني انفض بالفاء بدل القاف أي تفرق (أُحد) الجبل المعروف بالمدينة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وجعل وفاتي بها على الإسلام والسنة في عافية بلا محنة (مما فعلتم بعثمان) بن عفان يوم الدار من القتل (كان محقوقًا) بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وقافين بينهما واو ساكنة أي واجبًا (أن ينقض) أن ينهدم ولأبي ذر عن الكشميهني أن ينفض بالفاء أن يتفرق أي ولو تحركت القبائل لطلب ثار عثمان لفعلوا واجبًا. والحديث ظاهر فيما ترجم له لأن سعيدًا وزوجته أخت عمر اختارا الهوان على الكفر. 6943 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِى ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْنَا: «أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو لَنَا فَقَالَ: قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِى الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد أنه قال (حدّثنا قيس) هو ابن أبي حازم (عن خباب بن الأرت) بفتح الخاء المعجمة والموحدة المشددة وبعد الألف موحدة ثانية والأرتّ بفتح الهمزة والراء بعدها فوقية مشددة ابن جندلة مولى خزاعة أنه (قال: شكونا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو) أي والحال أنه (متوسد بردة له) كساء أسود مربع (في ظل الكعبة فقلنا) له يا رسول الله (ألا) بالتخفيف للتحريض (تستنصر لنا) تطلب لنا من الله النصر على الكفار وسقط لنا لأبي ذر (ألا تدعو لنا؟ فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قد كان من قبلكم) من الأنبياء وأممهم (يؤخذ الرجل) منهم (فيحفر له في الأرض) حفرة (فيجعل فيها فيجاء) بضم التحتية وفتح الجيم ممدود (بالميشار) بكسر الميم وسكون التحتية بعدها شين معجمة وفي نسخة بالنون بدل التحتية وهي الآلة التي ينشر بها الأخشاب (فيوضع على رأسه فيجعل) بضم التحتبة وفتح العين (نصفين ويمشط) بضم التحتية وفتح الشين المعجمة (بأمشاط الحديد ما دون لحمه) أي تحته أو عنده (وعظمه فما يصده ذلك) النشر والمشط (عن دينه والله ليتمنّ) بفتح التحتية وكسر الفوقية وفتح الميم والنون مشددتين واللام للتوكيد أي ليكملن (هذا الأمر) بالرفع أي الإسلام (حتى يسير الراكب من صنعاء) قاعدة اليمن ومدينته العظمى (إلى حضرموت) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء والميم وسكون الواو بلدة باليمن أيضًا بينها وبين صنعاء مسافة بعيدة قيل أكثر من أربعة أيام (لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه) بنصب الذئب عطفًا على الجلالة الشريفة (ولكنكم تستعجلون). ووجه دخول هذا الحديث في الترجمة من جهة أن طلب خباب الدعاء من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الكفار دال على أنهم كانوا قد اعتدوا عليهم بالأذى ظلمًا وعدوانًا. قال ابن بطال مما لخصه الحافظ ابن حجر في فتحه: إنما لم يجب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سؤال خباب ومن معه بالدعاء على الكفار مع قوله تعالى: {ادعوني أستجب لكم} [غافر: 60] وقوله: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} [الأنعام: 43] لأنه علم أنه قد سبق القدر بما جرى عليهم من البلوى ليؤجروا عليها كما جرى به عادة الله في أتباع الأنبياء فصبروا على الشدة

2 - باب فى بيع المكره ونحوه فى الحق وغيره

في ذات الله ثم كانت لهم العاقبة بالنصر وجزيل الأجر قال: فأما غير الأنبياء فواجب عليهم الدعاء عند كل نازلة لأنهم لم يطلعوا على ما أطلع الله عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اهـ وتعقبه في الفتح بأنه ليس في الحديث تصريح بأنه عليه السلام لم يدع لهم بل يحتمل أنه دعا وإنما قال قد كان من قبلكم يؤخذ إلى آخره تسلية لهم وإشارة إلى الصبر حتى تنقضي المدة المقدورة وإلى ذلك الإشارة بقوله في آخر الحديث ولكنكم تستعجلون اهـ. وتعقبه العيني فقال قوله وليس في الحديث تصريح بأنه لم يدع لهم بل يحتمل أنه قد دعا هذا احتمال بعيد لأنه لو كان دعا لهم لما قال قد كان من قبلكم إلخ وقوله تسلية لهم إلخ لا يدل على أنه دعا لهم بل يدل على أنهم لا يستعجلون في إجابة الدعاء في الدنيا على أن الظاهر منه ترك الاستعجال في هذا الوقت ولو كان يجاب لهم فيما بعد. والحديث مضى في علامات النبوّة وفي مبعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 2 - باب فِى بَيْعِ الْمُكْرَهِ وَنَحْوِهِ فِى الْحَقِّ وَغَيْرِهِ هذا (باب) بالتنوين (في) بيان (بيع المكره) بضم الميم وفتح الراء وهو الذي يحمل على بيع الشيء شاء أو أبى (ونحوه) أي المضطر (في الحق) المالي (وغيره) أي الجلاء أو المراد بالحق الدين وبغيره ما عداه مما يكون بيعه لازمًا، أو المراد بقوله وغيره الدين فيكون من الخاص بعد العام. 6944 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِى الْمَسْجِدِ إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ» فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ فَقَامَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَادَاهُمْ: «يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا» فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقَالَ: «ذَلِكَ أُرِيدُ» ثُمَّ قَالَهَا الثَّانِيَةَ: فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: «اعْلَمُوا أَنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّى أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ، وَإِلاَّ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا الأَرْضُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن أبيه) كيسان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: بينما) بالميم (نحن في المسجد إذ خرج علينا) ولأبي الوقت إلينا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (انطلقوا إلى يهود) غير منصرف (فخرجنا معه حتى جئنا بيت المدراس) بكسر الميم وسكون الدال المهملة آخره سين مهملة موضع قراءتهم التوراة وإضافة البيت إليه من إضافة العام إلى الخاص قاله في الكواكب. وقال في الفتح: المدراس كبير اليهود ونسب البيت إليه لأنه الذي كان صاحب دراسة كتبهم أي قراءتها قال: والصواب أنه على حذف الموصوف والمراد الرجل، وفي كتاب الجزية حتى جئنا بيت المدراس بتأخير الراء عن الألف بصيغة المفاعلة وهو من يدرس الكتاب ويعلمه غيره (فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فناداهم) ولأبي ذر عن الكشميهني فنادى: (يا معشر يهود أسلموا) بكسر اللام (تسلموا) بفتحها (فقالوا) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قد بلغت يا أبا القاسم فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ذلك) التبليغ واعترافكم به (أريد ثم قالها الثانية) يا معشر يهود أسلموا تسلموا (فقالوا قد بلغت يا أبا القاسم، ثم قال الثالثة) ولأبي ذر في الثالثة (فقال: اعلموا أن الأرض) ولأبي ذر عن الكشميهني إنما الأرض (لله ورسوله) يحكم فيها بما أراه الله لكونه المبلغ عنه تعالى القائم بتنفيذ أوأمره (وإني أريد أن أجليكم) بضم الهمزة وفي اليونينية بفتحها وسكون الجيم وكسر اللام أي أخرجكم من الأرض (فمن وجد منكم بماله شيئًا فليبعه) ضمن وجد معنى بخل فعداه بالباء أو وجد من الوجدان والباء سببية أي فمن وجد منكم بماله شيئًا من المحبة أو هي للمقابلة. قال الخطابي: استدلّ به البخاري على جواز بيع المكره وهو ببيع المضطر أشبه، وإنما المكره على البيع هو الذي يحمل على البيع أراد أو لم يرد واليهود لو لم يبيعوا أرضهم لم يلزموا بذلك وإنما شحوا على أموالهم فاختاروا بيعها فصاروا كأنهم اضطروا إلى بيعها كمن رهقه دين فاضطر إلى بيع ماله فيكون جائزًا ولو أكره عليه لم يجز اهـ. قال في الفتح: إن البخاري لم يقتصر في الترجمة على المكره وإنما قال بيع المكره ونحوه في الحق فدخل في ترجمته المضطر، وكأنه أشار إلى الردّ على من لم يصحح بيع المضطر، وقوله ولو أكره عليه لم يجز مردود لأنه إكراه بحق (وإلا) بأن لم تجدوا شيئًا (فاعلموا أن الأرض) وللكشميهني أنما الأرض (لله ورسوله). والحديث سبق في الجزية وأخرجه مسلم في المغازي وأبو داود في الخراج والنسائي في السير. 3 - باب لاَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُكْرَهِ {وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33]. وهذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يجوز نكاح

المكره) بفتح الراء وقوله تعالى: ({ولا تكرهوا فتياتكم}) إماءكم ({على البغاء}) على الزنا ({إن أردن تحصنًا}) تعففًا عن الزنا وإنما قيده بهذا الشرط لأن الإكراه لا يكون إلا مع إرادة التحصن فآمر المطيعة بالبغاء لا يسمى مكرهًا ولا أمره إكراهًا ولأنها نزلت على سبب فوقع النهي عن تلك الصفة وفيه توبيخ للموالي أي إذا رغبن في التحصن فأنتم أحق بذلك ({لتبتغوا عرض الحياة الدنيا}) أي لتبتغوا بإكراههن على الزنا أجورهن وأموالهن ({ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم}) [النور: 33] لهن وإثمهن على من أكرههن، وفي مسند البزار عن الزهري قال: كانت جارية لعبد الله بن أبي يقال لها معاذة يكرهها على الزنا فلما جاء الإسلام نزلت {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} إلى قوله: {فإن الله من بعد إكراههنّ غفور رحيم} وعند النسائي عن جابر أنه كان يقال لها مسيكة وكان يكرهها على الفجور وكانت لا بأس بها فتأبى فأنزل الله هذه الآية {ولا تكرهوا} الآية إلى آخرها. وسقط لأبي ذر من قوله إن أردن إلى آخر الآية وقال بعد {البغاء} إلى قوله: {غفور رحيم} واستشكل ذكر هذه الآية هنا. وأجيب: بأنه إذا نهي عن الإكراه فيما لا يحل فالنهي عن الإكراه فيما يحل بالطريق الأولى. 6945 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَىْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ الأَنْصَارِىِّ، عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْىَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَدَّ نِكَاحَهَا. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة الحجازي قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عبد الرحمن ومجمع) بضم الميم الأولى وكسر الثانية المشددة بينهما جيم مفتوحة آخره عين مهملة (ابني يزيد بن جارية) بالجيم والراء بعدها تحتية (الأنصاري عن خنساء) بفتح الخاء المعجمة وسكون النون وبعد السين المهملة ألف فهمزة (بنت خذام) بكسر الخاء وفتح الذال المخففة المعجمتين ابن وديعة (الأنصارية) الأوسية (أن أباها) خذامًا (زوّجها وهي ثيب) قد أزيلت بكارتها بنكاح رجل من بني عوف كما في رواية محمد بن إسحاق عن حجاج بن السائب عن أبيه عن جدته خنساء (فكرهت ذلك) النكاح (فأتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فذكرت له ذلك (فردّ) عليه الصلاة والسلام (نكاحها) فيه أنه لا بد من إذن الثيب في صحة النكاح وأن نكاح المكره لا يجوز وقال الكوفيون لو أكره على نكاح امرأة بعشرة آلاف درهم وصداق مثلها ألف جاز النكاح ولزمه ألف وبطل الزائد. قال سحنون: وكما أبطلوا الزائد على الألف بالإكراه فكذلك يلزمهم إبطال النكاح بالإكراه وفي أمره عليه الصلاة والسلام باستثمار النساء في إبضاعهنّ دليل عليهم. قال: وقد جمع أصحابنا على إبطال نكاح المكره والمكرهة فلو كان راضيًا بالنكاح وأكره على المهر يصح العقد اتفاقًا ويلزم المسمى بالدخول. والحديث سبق في باب إذا زوّج ابنته وهي كارهة من كتاب النكاح. 6946 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنْ أَبِى عَمْرٍو هُوَ ذَكْوَانُ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِى أَبْضَاعِهِنَّ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: فَإِنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحِى فَتَسْكُتُ قَالَ: «سُكَاتُهَا إِذْنُهَا». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري ويحتمل أن يكون محمد بن يوسف البيكندي وشيخه سفيان بن عيينة (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن ابن أبي مليكة) عبد الله المكي (عن أبي عمرو) بفتح العين (هو ذكوان) مولى عائشة (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: قلت يا رسول الله يستأمر النساء في إبضاعهن) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول وفي بعض النسخ بالفوقية وأبضاعهنّ بفتح الهمزة. قال الكرماني: جمع بضع تعقبه فقال: ليس كذلك وليس بجمع بل هو بكسر الهمزة من أبضعت المرأة إبضاعًا إذا زوجتها وقال الجوهري البضع بالضم النكاح عن ابن السكيت قال يقال ملك بضع فلانة والمباضعة المجامعة يعني يستشار النساء في عقد نكاحهنّ (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نعم) يستأمر النساء في إبضاعهن وظاهره أنه ليس للولي تزويج الثيب من غير استئذانها ومراجعتها والإطلاع على أنها راضية بصريح الإذن قالت عائشة (قلت) يا رسول الله (فإن البكر تستأمر) مبني للمفعول أي تستشار فيمن تتزوّج (فتستحي) بكسر الحاء ولأبي ذر فتستحيي بسكون الحاء وزيادة ياء أخرى

4 - باب إذا أكره حتى وهب عبدا أو باعه لم يجز

لغتان بمعنى (فتسكت قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سكاتها إذنها) للأب وغيره ما لم تكن قرينة ظاهرة في المنع كصياح وضرب خدّ. وسبق الحديث في النكاح. 4 - باب إِذَا أُكْرِهَ حَتَّى وَهَبَ عَبْدًا أَوْ بَاعَهُ لَمْ يَجُزْ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فَإِنْ نَذَرَ الْمُشْتَرِى فِيهِ نَذْرًا، فَهْوَ جَائِزٌ بِزَعْمِهِ وَكَذَلِكَ إِنْ دَبَّرَهُ. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا أكره) بضم الهمزة الرجل (حتى وهب عبدًا أو باعه لم يجز) لم تصح الهبة ولا البيع. (وقال) ولأبي ذر وبه قال: (بعض الناس) قيل الحنفية (فإن نذر المشتري) بكسر الراء من المكره (فيه) في الذي اشتراه (نذرًا فهو) أي البيع مع الإكراه (جائز) أي ماض عليه ويصح البيع وكذا الهبة (بزعمه) أي عنده (وكذلك إن دبره) أي دبر العبد الله اشتراه من المكره على بيعه فينعقد التدبير. قال في الكواكب: غرض البخاري أن الحنفية تناقضوا فإن بيع الإكراه إن كان ناقلاً للملك إلى المشتري فإنه يصح منه جميع التصرفات ولا يختص بالنذر والتدبير، وإن قالوا ليس بنا قل فلا يصح النذر والتدبير أيضًا، وحاصله أنهم صححوا التدبير والنذر بدون الملك وفيه تحكم وتخصيص بغير مخصص. 6947 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ دَبَّرَ مَمْلُوكًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّى» فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ: فَسَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: عَبْدًا قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ أَوَّلَ. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل قال: (حدّثنا حماد بن زيد) الأزدي الجهضمي أبو إسماعيل البصري (عن عمرو بن دينار) بفتح العين (عن جابر) الأنصاري (-رضي الله عنه- أن رجلاً من الأنصار) يقال له أبو مذكور (دبر مملوكًا) له اسمه يعقوب علق عتقه بموته (ولم يكن له مال غيره فبلغ ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (من يشتريه) أي يعقوب المدبر (مني فاشتراه) منه (نعيم بن النحام) بضم نون الأول وفتح عينه المهملة وبعد التحتية الساكنة ميم وفتح نون الثاني وحائه المهملة وبعد الألف ميم (بثمانمائة درهم قال) عمرو بن دينار: (فسمعت جابرًا) -رضي الله عنه- (يقول): كان يعقوب (عبدًا قبطيًّا) من قبط مصر (مات عام أوّل) بالفتح على البناء وهو من إضافة الموصوف لصفته وهو جائز عند الكوفيين ممنوع عند البصريين فيؤولونه على حذف مضاف أي عام الزمن الأوّل، ووجه إدخال الحديث في الترجمة من جهة أن الذي دبره لما لم يكن له مال غيره وكان تدبيره سفهًا من فعله ردّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإن كان ملكه للعبد صحيحًا فمن لم يصح له ملكه إذا دبره أولى أن يردّ فعله. والحديث سبق في العتق. 5 - باب مِنَ الإِكْرَاهِ كَرْهٌ وَكُرْهٌ وَاحِدٌ هذا (باب) بالتنوين (من الإكراه كره وكره) بفتح الكاف في الأول وضمها في الثاني ولأبي ذر بضم الكاف في الأوّل وفتحها في الثاني ونصب الهاء فيهما والمعنى (واحد) أو الفتح للإجبار والضم للمشقة وسقط هذا للنسفي. 6948 - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِىُّ سُلَيْمَانُ بْنُ فَيْرُوزَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الشَّيْبَانِىُّ: وَحَدَّثَنِى عَطَاءٌ أَبُو الْحَسَنِ السُّوَائِىُّ وَلاَ أَظُنُّهُ إِلاَّ ذَكَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} الآيَةَ. قَالَ: كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ إِنْ شَاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَهَا وَإِنْ شَاءُوا زَوَّجَهَا، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُزَوِّجْهَا، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِذَلِكَ. وبه قال: (حدّثنا حسين بن منصور) بضم الحاء المهملة النيسابوري قال: (حدّثنا أسباط بن محمد) القرشي مولاهم الكوفي قال: (حدّثنا الشيباني) بفتح الشين المعجمة (سليمان بن فيروز) هو سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الكوفي (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس. قال) ولأبي ذر وقال (الشيباني: وحدّثني) بالإفراد (عطاء أبو الحسن السوائي) بضم السين المهملة وتخفيف الواو وبعد الألف همزة الكوفي (ولا أظنه إلا ذكره عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) في قوله تعالى: ({يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهًا} الآية. قال: كانوا) أي أهل الجاهلية أو أهل المدينة أو في الجاهلية وأول الإسلام (إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوّجها) إن كانت جميلة بصداقها الأول (وإن شاؤوا زوّجوها) لمن أرادوا وأخذوا صداقها (وإن شاؤوا لم يزوّجوها) بل يحبسونها حتى تموت فيرثونها أو تفتدي نفسها (فهم) أي أولياء الرجل (أحق بها من أهلها) وفي اليونينية مصلح على كشط لأن شاؤوا زوّجها وإن شاؤوا لهم يزوّجها بالإفراد في زوّجها في الموضعين (فنزلت هذه الآية بذلك) ولأبي ذر في ذلك. وقال المهلب فيما نقله العيني رحمه الله: فائدة هذا الباب التعريف بأن كل من أمسك امرأته لأجل الإرث منها طمعًا أي تموت لا يحل له ذلك بنص القرآن. والحديث سبق في تفسير سورة النساء. 6 - باب إِذَا اسْتُكْرِهَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى الزِّنَا فَلاَ حَدَّ عَلَيْهَا فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33]. هذا (باب) بالتنوين (إذا استكرهت المرأة على الزنا فلا حدّ عليها) لأنها مكرهة

7 - باب يمين الرجل لصاحبه إنه أخوه إذا خاف عليه القتل أو نحوه

واستكرهت بضم الفوقية وسكون الكاف وكسر الراء (في قوله) ولأبي ذر لقوله (تعالى: {ومن يكرههن}) أي الفتيات ({فإن الله من بعد إكراههنّ غفور رحيم}) [النور: 33] لهن ولعل الإكراه كان دون ما اعتبرته الشريعة وهو الذي يخاف منه التلف فكانت آثمة. ومناسبة الآية للترجمة من حيث إن في الآية دلالة على أن لا إثم على المكرهة على الزنا فيلزم أن لا يجب عليها الحدّ. 6949 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى نَافِعٌ أَنَّ صَفِيَّةَ ابْنَةَ أَبِى عُبَيْدٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الإِمَارَةِ وَقَعَ عَلَى وَلِيدَةٍ مِنَ الْخُمُسِ، فَاسْتَكْرَهَهَا حَتَّى افْتَضَّهَا، فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ وَنَفَاهُ، وَلَمْ يَجْلِدِ الْوَلِيدَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا قَالَ الزُّهْرِىُّ: فِى الأَمَةِ الْبِكْرِ يَفْتَرِعُهَا الْحُرُّ يُقِيمُ ذَلِكَ الْحَكَمُ مِنَ الأَمَةِ الْعَذْرَاءِ بِقَدْرِ قِيمَتِهَا، وَيُجْلَدُ وَلَيْسَ فِى الأَمَةِ الثَّيِّبِ فِى قَضَاءِ الأَئِمَّةِ غُرْمٌ وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وبه قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام فيما وصله البغوي عن العلاء بن موسى عن الليث قال: (حدّثني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (أن صفية ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي عبيد) بضم العين وفتح الموحدة الثقفية ابنة عبد الله بن عمر (أخبرته أن عبدًا من رقيق الإمارة) بكسر الهمزة من مال الخليفة عمر -رضي الله عنه- (وقع على وليدة) جارية (من الخمس) الذي يتصرف فيه الإمام أي زنى بها (فاستكرهها حتى اقتضها) بالقاف والضاد المعجمة المشددة أزال بكارتها والقضة بكسر القاف عذرة البكر (فجلده عمر) -رضي الله عنه- (الحدّ ونفاه) غربه من أرض الجناية نصف سنة لأن حده نصف حد الحر وفيه أن عمر كان يرى أن الرقيق ينفى كالحر (ولم يجلد الوليدة من أجل أنه استكرهها). قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على اسم واحد منهما وعند ابن أبي شيبة مرفوعًا بسند ضعيف عن وائل بن حجر قال: استكرهت امرأة في الزنا فدرأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنها الحد (قال) ولأبي ذر وقال (الزهري) محمد بن مسلم (في الأمة البكر يفترعها) بالفاء والعين المهملة يقتضها (الحر يقيم) يقوّم (ذلك) الافتراع (الحكم) بفتحتين أي الحاكم (من الأمة العذراء بقدر قيمتها) أي من المفترع دية الافتراع بنسبة قيمتها وهو إرش النقص أي التفاوت بين كونها بكرًا وثيبًا ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر بقدر ثمنها (ويجلد وليس في الأمة الثيب) بالمثلثة (في قضاء الأمة غرم) بضم الغين المعجمة وسكون الراء غرامة (ولكن عليه الحد). 6950 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ بِسَارَةَ دَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ -أَوْ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ- فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ أَرْسِلْ إِلَىَّ بِهَا، فَأَرْسَلَ بِهَا فَقَامَ إِلَيْهَا فَقَامَتْ تَوَضَّأُ وَتُصَلِّى فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ، فَلاَ تُسَلِّطْ عَلَىَّ الْكَافِرَ فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هاجر إبراهيم) خليل الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من العراق إلى الشأم أو من بيت المقدس إلى مصر (بسارة) زوجته أم إسحاق عليهما السلام (دخل بها قرية) تسمى حران بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وبعد الألف نون بين دجلة والفرات وقيل الأردن وقيل مصر (فيها ملك) بكسر اللام (من الملوك أو جبار من الجبابرة) بالشك من الراوي (فأرسل) الملك (إليه) إلى الخليل عليه الصلاة والسلام (أن أرسل) بهمزة قطع بعد سكون نون أن (إليّ) بتشديد الياء (بها) بسارة (فأرسل بها) الخليل إليه بعد إكراه الجبار له على إرسالها إليه (فقام إليها) ليصيبها (فقامت توضأ) أصله تتوضأ فحذفت إحدى التاءين (وتصلي فقالت: اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك) إبراهيم أي إن كنت مقبولة الإيمان عندك (فلا تسلط عليّ) هذا (الكافر) الجبار (فغط) بفتح الفاء وضم الغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي خنق وصرع (حتى ركض) حرك (برجله). ومناسبة هذه القصة غير ظاهرة وليس فيها إلا سقوط الملامة عن سارة في خلوة الجبار بها لأنها مكرهة لكن ليس الباب معقودًا لذلك وإنما هو معقود لاستكراه المرأة على الزنا قاله ابن المنير، وقال ابن بطال، وتبعه في الكواكب وجه دخوله هنا مع أن سارة عليها السلام كانت معصومة من كل سوء أنه لا ملامة عليها في الخلوة مكرهة فكذا المستكرهة على الزنا لا حدّ عليها. والحديث سبق في آخر البيع وأحاديث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. 7 - باب يَمِينِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ إِنَّهُ أَخُوهُ إِذَا خَافَ عَلَيْهِ الْقَتْلَ أَوْ نَحْوَهُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مُكْرَهٍ يَخَافُ فَإِنَّهُ يَذُبُّ عَنْهُ الْمَظَالِمَ وَيُقَاتِلُ دُونَهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ، فَإِنْ قَاتَلَ دُونَ الْمَظْلُومِ فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ وَلاَ قِصَاصَ، وَإِنْ قِيلَ لَهُ لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ الْمَيْتَةَ أَوْ لَتَبِيعَنَّ عَبْدَكَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَيْنٍ أَوْ تَهَبُ هِبَةً وَتَحُلُّ عُقْدَةً، أَوْ لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ أَوْ أَخَاكَ فِى الإِسْلاَمِ وَسِعَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَوْ قِيلَ لَهُ لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ أَوْ لَتَأْكُلَنَّ الْمَيْتَةَ أَوْ لَنَقْتُلَنَّ ابْنَكَ أَوْ أَبَاكَ أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، لَمْ يَسَعْهُ لأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ ثُمَّ نَاقَضَ فَقَالَ: إِنْ قِيلَ لَهُ لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ، أَوِ ابْنَكَ أَوْ لَتَبِيعَنَّ هَذَا الْعَبْدَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَيْنٍ أَوْ تَهَبُ يَلْزَمُهُ فِى الْقِيَاسِ، وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ وَنَقُولُ: الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ، وَكُلُّ عُقْدَةٍ فِى ذَلِكَ بَاطِلٌ، فَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِى رَحِمٍ مُحَرَّمٍ، وَغَيْرِهِ بِغَيْرِ كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ: إِبْرَاهِيمُ لاِمْرَأَتِهِ هَذِهِ أُخْتِى» وَذَلِكَ فِى اللَّهِ وَقَالَ النَّخَعِىُّ: إِذَا كَانَ الْمُسْتَحْلِفُ ظَالِمًا فَنِيَّةُ الْحَالِفِ وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَنِيَّةُ الْمُسْتَحْلِفِ. (باب يمين الرجل لصاحبه أنه أخوه إذا خاف عليه القتل) بأن يقتله إن لم يحلف اليمين التي أكرهه الظالم عليها (أو نحوه) كقطع اليد لا حنث عليه كما قاله ابن بطال عن مالك والجمهور ولفظه: ذهب مالك والجمهور إلى أنّ من أكره على يمين إن لم يحلفها قتل

أخوه المسلم لا حنث عليه وقال الكوفيون يحنث لأنه كان له أن يوري فلما ترك التورية صار قاصدًا لليمين فيحنث وأجاب الجمهور بأنه إذا أكره على اليمين فنيته مخالفة لقوله والأعمال بالنيات (وكذلك كل مكره) بفتح الراء (يخاف فإنه) أي المسلم (يذب) بفتح التحتية وضم الذال المعجمة يدفع (عنه الظالم ويقاتل دونه) أي عنه (ولا يخذله) بالذال المعجمة المضمومة لا يترك نصرته (فإن قاتل دون المظلوم) أي عنه غير قاصد قتل الظالم بل الدفع عن المظلوم فقط فأتى على الظالم (فلا قود عليه ولا قصاص) هو تأكيد لأنهما بمعنى أو القصاص أعم من النفس ودونها والقود في النفس غالبًا (وإن قيل له لتشربن الخمر) وأكرهه على ذلك (أو لتأكلن الميتة) وأكرهه على أكلها (أو لتبيعن عبدك) وأكرهه على بيعه (أو تقر بدين) لفلان على نفسك ليس عليك (أو تهب هبة) بغير طيب نفس منك (أو تحل) بفتح الفوقية وضم الحاء المهملة فعل مضارع (عقدة) بضم العين وسكون القاف آخره تاء تأنيث تفسخها كالطلاق والعتاق وفي بعض النسخ وكل عقدة بالكاف بدل الحاء مبتدأ مضاف لعقدة وخبره محذوف أي كذلك (أو لنقتلن) بنون قبل القاف (أباك أو أخاك في الإسلام) أعم من القريب وزاد أبو ذر عن الكشميهني وما أشبه ذلك (وسعه) بكسر السين المهملة جاز له جميم (ذلك) ليخلص أباه أو أخاه المسلم (لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) السابق ذكره في باب المظالم (المسلم أخو المسلم) يظلمه ولا يسلمه. (وقال بعض الناس): قيل هم الحنفية (لو قيل له) أي لو قال ظالم لرجل (لتشربن الخمر أو لتأكلن الميتة أو لنقتلن ابنك أو أباك أو ذا رحم محرم) بفتح الميم وسكون الحاء المهملة أو بضم الميم والتشديد (لم يسعه) أي يجز له أن يفعل ما أمره به (لأن هذا ليس بمضطر) في ذلك لأن الإكراه إنما يكون فيما يتوجه إلى الإنسان في خاصة نفسه لا في غيره وليس له أن يعصي الله حتى يدفع عن غيره بل الله سائل الظالم ولا يؤاخذ المأمور لأنه لم يقدر على الدفع إلا بارتكاب ما لا يحل له ارتكابه فليصبر على قتل ابنه فإنه لا إثم عليه فإن فعل يأثم وقال الجمهور لا يأثم (ثم ناقض) بعض الناس قوله هذا (فقال: إن قيل له) أي إن قال ظالم لرجل (لنقتلن) بنون بعد اللام الأولى (أباك أو ابنك أو لتبيعن هذا العبد أو تقرّ) ولأبي ذر أو لتقرن (بدين أو تهب) هبة (يلزمه في القياس) لما سبق أنه يصبر على قتل أبيه وعلى هذا ينبغي أن يلزمه كل ما عقد على نفسه من عقد ثم ناقض هذا المعنى بقوله (ولكنا نستحسن ونقول البيع والهبة وكل عقدة) بضم العين (في ذلك باطل) فاستحسن بطلان البيع ونحوه بعد أن قال يلزمه في القياس ولا يجوز له القياس فيها وأجاب العيني بأن المناقضة ممنوعة لأن المجتهد يجوز له أن يخالف قياس قوله بالاستحسان والاستحسان حجة عند الحنفية. قال البخاري -رحمه الله تعالى-: (فرقوا) أي الحنفية (بين كل ذي رحم محرم وغيره) من الأجنبي (بغير كتاب ولا سنّة) فلو قال ظالم لرجل: لنقتلن هذا الرجل الأجنبي أو لتبيعن أو تقر أو تهب ففعل ذلك لينجيه من القتل لزمه جميع ما عقد على نفسه من ذلك ولو قيل له ذلك في المحارم لم يلزمه ما عقده في استحسانه، والحاصل أن أصل أبي حنيفة اللزوم في الجميع قياسًا لكنه يستثني من له منه رحم استحسانًا، ورأى البخاري أن لا فرق بين القريب والأجنبي في ذلك لحديث المسلم: أخو المسلم فإن المراد أخوّة الإسلام لا النسب، ثم استشهد لذلك بقوله: (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما سبق موصولاً في أحاديث الأنبياء عليهم السلام (قال إبراهيم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لامرأته) لما طلبها الجبار ولأبي ذر عن الكشميهني لسارّة (هذه أختي) قال البخاري (وذلك في الله) أي في دين الله لا أخوة النسب إذ نكاح الأخت كان حرامًا في ملة إبراهيم، وهذه الأخوة توجب حماية أخيه المسلم والدفع عنه فلا يلزمه ما عقد من البيع ونحوه ووسعه الشرب والأكل ولا إثم عليه في ذلك كما لو قيل له: لتفعلن هذه الأشياء أو لنقتلنك وسعه

90 - كتاب الحيل

في نفسه إتيانها ولا يلزمه حكمها وأجاب العيني بأن الاستحسان غير خارج عن الكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى: {فيتبعون أحسنه} [الزمر: 18] وأما السنة فقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما رآه المؤمنون حسنًا فهو حسن عند الله. (وقال النخعي) بفتح النون والخاء المعجمة إبراهيم فيما وصله محمد بن الحسن في كتاب الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عنه (إذا كان المستحلف ظالمًا فنية الحالف وإن كان مظلومًا فنية المستحلف) قال في الكواكب فإن قلت: كيف يكون المستحلف مظلومًا؟ قلت: المدعي المحق إذا لم يكن له بنية ويستحلفه المدعى عليه فهو مظلوم، وعند المالكية النية نيّة المظلوم أبدًا وعند الكوفيين نية المظلوم أبدًا، وعند الشافعية نيّة القاضي وهي راجعة إلى نية المستحلف فإن كان في غير القاضي فنية الحالف. 6951 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِى حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِى حَاجَتِهِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن سالمًا أخبره أن) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (المسلم أخو المسلم لا يظلمه) بفتح أوله (ولا يسلمه) بضم أوله أي ولا يخذله (ومن كان في) قضاء (حاجة أخيه) المسلم (كان الله في) قضاء (حاجته). والحديث سبق في كتاب المظالم بهذا الإسناد. 6952 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ قَالَ: «تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) البزاز بمعجمتين الأولى مشددة بعد الموحدة المعروف بصاعقة قال: (حدّثنا سعيد بن سليمان) الواسطي وهو أيضًا من شيوخ المؤلّف قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير بضم الموحدة وفتح المعجمة الواسطي قال: (أخبرنا عبيد الله) بضم العين (ابن أبي بكر بن أنس عن) جده (أنس رضي الله عنه) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (انصر أخاك) المسلم (ظالمًا أو مظلومًا فقال رجل): لم أعرف اسمه (يا رسول الله أنصره) بهمزة قطع مفتوحة ورفع الراء (إذا كان مظلومًا أفرأيت) الفاء عاطفة على مقدر بعد الهمزة وأطلق الرؤية وأراد الإخبار والاستفهام وأراد الأمر أي أخبرني (إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تحجزه) بالحاء المهملة الساكنة بعدها جيم فزاي ولأبي ذر عن الكشميهني تحجزه بالراء بدل الزاي (أو) قال (تمنعه من الظلم فإن ذلك) المنع (نصره) والشك من الراوي. والحديث سبق في المظالم. بسم الله الرحمن الرحيم 90 - كتاب الحيل (كتاب الحيل) جمع حيلة وهي ما يتوصل به إلى المراد بطريق خفي. 1 - باب فِى تَرْكِ الْحِيَلِ وَأَنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فِى الأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا. هذا (باب) بالتنوين (في ترك الحيل) وشطب في اليونينية على في فباب مضاف لتاليه (وإن لكل امرئ ما نوى في الأيمان) بفتح الهمزة (وغيرها) ولأبي ذر عن الكشميهني وغيره بالتذكير على إرادة اليمين المستفاد من صيغة الجمع وقوله وغيرها تفقه من البخاري لا من الحديث. 6953 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - يَخْطُبُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لاِمْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ هَاجَرَ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل قال: (حدّثنا حماد بن زيد) الأزدي الجهضمي (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري وسقط لأبي ذر ابن سعيد (عن محمد بن إبراهيم) التيمي (عن علقمة بن وقاص) بتشديد القاف الليثي المدني أنه (قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب) على المنبر (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يا أيها الناس إنما الأعمال بالنية) بالإفراد والجملة مقول القول وإنما من أدوات الحصر. قال السكاكي في إعجاز القرآن: إن الواقع بعد إنما كان مبتدأ وخبر المحصور الثاني، فإذا قلنا إنما المال لزيد فالمال لزيد لا لغيره، وإذا قلنا إنما لزيد المال فالمحصور المال تقديره لا لغيره والأعمال مبتدأ بتقدير مضاف أي إنما صحة الأعمال والخبر الاستقرار الذي تعلق به حرف الجر والباء في النية للسببية. أي: إنما الأعمال ثابت ثوابها بسبب النية وأفردها لأن المصدر المفرد يقوم مقام الجمع وإنما يجمع لاختلاف الأنواع (وإنما لامرئ ما نوى). وفي التعليق السابق كرواية أول الكتاب لكل امرئ ما نوى فمن نوى بعقد البيع الربا وقع في الربا ولا يخلصه من الإثم صورة

2 - باب فى الصلاة

البيع ومن نوى بعقد النكاح التحليل كان محللاً ودخل في الوعيد على ذلك باللعن ولا يخلصه من ذلك صورة النكاح وكل شيء قصد به تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله كان إثمًا، واستدل به من قال لإبطال الحيل ومن قال بإعمالها لأن مرجع كل من الفريقين إلى نيّة العامل فإن كان في ذلك خلاص مظلوم مثلاً فهو مطلوب وإن كان فيه فوات حق فهو مذموم، وقد نص إمامنا الشافعي على كراهة نعاطي الحيل في تفويت الحقوق فقال بعض أصحابه: هي كراهة تنزيه، وقال كثير من محققيهم كالغزالي هي كراهة تحريم وقد نقل صاحب الكافي من الحنفية عن محمد بن الحسن قال ليس من أخلاق المؤمنين الفرار من أحكام الله بالحيل الموصلة إلى إبطال الحق (فمن كانت هجرته) من مكة إلى المدينة (إلى الله) أي إلى طاعة الله (ورسوله) وجواب الشرط قوله: (فهجرته إلى الله ورسوله) ظاهره اتحاد الشرط والجزاء فهو كقوله من أكل أكل ومن شرب شرب وذلك غير مفيد، وأجاب عنه ابن دقيق العيد بأن التقدير فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله قصدًا ونية فهجرته إلى الله ورسوله ثوابًا وأجرًا قال ابن مالك هو كقوله لو مت مت على غير الفطرة. قال ابن فرحون: وإعراب قصدًا ونية يصح أن يكون خبر كان أي ذات قصد وذات نية وتتعلق إلى بالمصدر ويصح أن يكون إلى الله الخبر وقصدًا مصدر في محل الحال وأما قوله ثوابًا وأجرًا فلا يصح فيهما إلا الحال من الضمير في الخبر اهـ. وسبق مزيد لذلك أول هذا الشرح. (ومن هاجر إلى دنيا) بضم الدال وحكى ابن قتيبة كسرها ولا تنون على المشهور لأنها فعلى من الدنوّ وألف التأنيث تمنع من الصرف وحكى تنوينها. قال ابن جني: وهي لغة نادرة والدنيا ما على الأرض مع الجوّ والهواء أو كل مخلوق من الجواهر والأعراض الموجودة قبل الدار الآخرة والمراد بها في الحديث المال ونحوه (يصيبها) جملة من فعل وفاعل ومفعول في موضع جر صفة لدنيا ومتى تقدمت النكرة على الظرف أو المجرورات أو الجمل كانت صفات وإن تقدمت المعرفة كانت أحوالاً (أو امرأة يتزوّجها) وجواب الشرط قوله: {فهجرته إلى ما هاجر إليه). ووجه مطابقة الحديث للترجمة التي هي لترك الحيل أن مهاجر أم قيس جعل الهجرة حيلة في تزوّج أم قيس. والحديث سبق مرارًا. 2 - باب فِى الصَّلاَةِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه بيان دخول الحيلة (في الصلاة). 6954 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر أبو إبراهيم السعدي المروزي، وقيل البخاري وكان ينزل بمدينة بخارى بباب بني سعد ونسبه لجده وسقط لغير أبي ذر ابن نصر قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) بفتح الميمين بينهما مهملة ساكنة ابن راشد (عن همام) بفتح الهاء والميم المشددة ابن منبه (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) أي إذا أحدث أحدكم لا تقبل صلاته إلى أن يتوضأ ولا يجوز تقديرها بلا المشددة لأن الكلام يصير لا يقبل الله صلاة أحدكم إلا أن يتوضأ ومفهومه أنه لو صلّى قبل الوضوء ثم توضأ قبلت فيفسد المعنى بتقديرها، ووجه تعلق الحديث بالترجمة قيل لأنه قصد الرد على الحنفية حيث صححوا صلاة من أحدث في الجلسة الأخيرة وقالوا: إن التحلل يحصل بكل ما يضاد الصلاة فهم متحيلون في صحة الصلاة مع وجود الحدث، ووجه الرد أنه محدث في صلاته فلا تصح لأن التحلل منها ركن فيها لحديث وتحليلها التسليم كما أن التحريم بالتكبير ركن فيها لكن انفصل الحنفية عن ذلك بأن السلام واجب لا ركن فإن سبقه الحدث بعد التشهد توضأ وسلم، وإن تعمده فالعمد قاطع وإذا وجد القطع انتهت الصلاة لكون السلام ليس ركنًا. وقال ابن بطال: فيه رد على أبي حنيفة في قوله إن المحدث في صلاته يتوضأ ويبني، ووافقه ابن أبي ليلى وقال مالك والشافعي: يستأنف الصلاة واحتجا بهذا الحديث، وتعقبه في المصابيح فقال:

3 - باب فى الزكاة وأن لا يفرق بين مجتمع

وفي الاحتجاج نظر وذلك لأن الغاية تقتضي ثبوت القبول بعدها ولا شك أن ما تقدم قبلها من المحدث صلاة وقعت بوجه مشروع وقبولها مشروط بدوام الطهارة إلى حين إكمالها أو بتجديد الطهارة عند وقوع الحدث في أثنائها لاتمامها بعد ذلك فيقبل حينئذٍ ما تقدم من الصلاة قبل الحدث وما وقع بعدها مما يكملها. والحديث منطبق على هذا وليس فيه ما يدفعه فكيف يكون ردًّا على أبي حنيفة فتأمله. 3 - باب فِى الزَّكَاةِ وَأَنْ لاَ يُفَرَّقَ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلاَ يُجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه بيان ترك الحيل (في) إسقاط (الزكاة وأن لا يفرق) بضم أوّله وفتح ثالثه المشدد (بين مجتمع) بكسر الميم الثانية (ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة). 6955 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىُّ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِى فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله الأنصاري) قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (أبي) عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (ثمامة بن عبد الله بن أنس) بضم المثلثة وتخفيف الميم (أن أنسًا) -رضي الله عنه- (حدّثه أن أبا بكر) الصديق -رضي الله عنه- (كتب له فريضة الصدقة التي فرض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا يجمع) بضم أوّله وفتح ثالثه عطف على فريضة أي لا يجمع المالك والمصدق (بين متفرق) بتقديم الفوقية على الفاء فلو كان لكل شريك أربعون شاة فالواجب عليهما شاتان فإذا جمع تحيل بتنقيص الزكاة إذ يصير على كل واحد نصف شاة (ولا يفرق) بضم التحتية وفتح الراء مشددة (بين مجتمع) بكسر الميم الثانية (خشية) المالك كثرة (الصدقة) بنصب خشية مفعولاً لأجله، وقوله ولا يفرق أي لو كان بين الشريكين أربعون شاة لكل واحد عشرون فيفرق حتى لا يجب على واحد منهما زكاة. ومطابقته للترجمة ظاهرة وسبق في الزكاة. 6956 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِى سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِى مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنَ الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: «الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا» فَقَالَ: أَخْبِرْنِى بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنَ الصِّيَامِ؟ قَالَ: «شَهْرَ رَمَضَانَ إِلاَّ أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا» قَالَ: أَخْبِرْنِى بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنَ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَالَ: وَالَّذِى أَكْرَمَكَ لاَ أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلاَ أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ شَيْئًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ» -أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ- إِنْ صَدَقَ». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِى عِشْرِينَ وَمِائَةِ بَعِيرٍ حِقَّتَانِ فَإِنْ أَهْلَكَهَا مُتَعَمِّدًا أَوْ وَهَبَهَا أَوِ احْتَالَ فِيهَا فِرَارًا مِنَ الزَّكَاةِ فَلاَ شَىْءَ عَلَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد أبو رجاء الثقفي مولاهم قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري المدني (عن أبي سهيل) بضم السين المهملة مصغرًا نافع (عن أبيه) مالك بن أبي عامر (عن طلحة بن عبيد الله) بضم العين أحد العشرة المبشرة بالجنة -رضي الله عنه- (أن أعرابيًّا) اسمه ضمام بن ثعلبة أو غيره (جاء إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثائر) شعر (الرأس) أي متفرقه من عدم الرفاهية (فقال: يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله عليّ) بتشديد الياء (من الصلاة) في اليوم والليلة (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئًا) وفي الإيمان قال هل عليّ غيرها قال لا إلا أن تطوع (فقال) الإعرابي: يا رسول الله (أخبرني بما فرض الله عليّ من الصيام قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (شهر رمضان إلا أن تطوع شيئًا) وفي الإيمان قال هل عليّ غيره قال لا إلا أن تطوع (قال أخبرني بما فرض الله عليّ من الزكاة. قال فأخبره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شرائع الإسلام) ولأبي ذر بشرائع الإسلام بزيادة موحدة قبل المعجمة واجبات الزكاة وغيرها (قال) الإعرابي (والذي أكرمك) أي برسالته العامة (لا أتطوع شيئًا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئًا فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أفلح) أي فاز الأعرابي (إن صدق أو دخل الجنة وإن صدق) ولأبي ذر عن الكشميهني أو أدخل الجنة بزيادة همزة مضمومة وكسر الخاء المعجمة والشك من الراوي. واستشكل إذ مفهومه أنه إن تطوع لا يفلح وأجيب: بأن شرط اعتبار مفهوم المخالفة عدم مفهوم الموافقة وهاهنا مفهوم الموافقة ثابت لأن من تطوع يفلح بالطريق الأولى، ووجه إدخال هذا الحديث هنا أن المؤلّف -رحمه الله- فهم من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفلح إن صدق إن من رام أن ينقص شيئًا من فرائض الله بحيلة يحتالها لا يفلح ولا يقوم له بذلك عند الله عذر وما أجازه الفقهاء من تصرف صاحب المال في ماله قرب حلول الحول لم يريدوا بذلك الفرار من الزكاة ومن نوى ذلك فالإثم عنه غير ساقط قاله في المصابيح. والحديث سبق في الإيمان. (وقال بعض الناس): وهم الحنفية كما قيل فيما مر (في عشرين ومائة بعير حقتان) بكسر المهملة وتشديد القاف تثنية حقة وهي التي لها ثلاث سنين

(فإن أهلكها) أي العشرين ومائة (متعمدًا) بأن ذبحها (أو وهبها أو احتال فيها) قبل الحول بيوم (فرارًا من الزكاة فلا شيء عليه) لأن ذلك لا يلزمه إلا بتمام الحول ولا يتوجه إليه معنى قوله خشية الصدقة إلا حينئذٍ، وهذا يقتضي على اصطلاح المؤلّف بإرادة الحنفية اختصاصهم بذلك لكن الشافعي وغيره يقولون بذلك أيضًا وأجيب بأن الشافعي وغيره وإن قالوا لا زكاة عليه لا يقولون لا شيء عليه لأنهم يلومونه على هذه النية، لكن. قال البرماوي: إنما يلام إذا كان حرامًا ولكن هو مكروه، وقال مالك: من فوت من ماله شيئًا ينوي به الفرار من الزكاة قبل الحول بشهر أو نحوه لزمته الزكاة عند الحول لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خشية الصدقة. 6957 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ، يَفِرُّ مِنْهُ صَاحِبُهُ فَيَطْلُبُهُ، وَيَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ قَالَ: وَاللَّهِ لَنْ يَزَالَ يَطْلُبُهُ حَتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ فَيُلْقِمَهَا فَاهُ». وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إسحاق) هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في المستخرج قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (معمر) هو ابن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري (عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يكون كنز أحدكم) وهو المال الذي يخبأ من غير أن تؤدّى زكاته (يوم القيامة شجاعًا) بضم الشين المعجمة بعدها جيم ذكر الحيات أو الذي يقوم على ذنبه ويواثب الراجل والفارس وربما بلغ الفارس (أقرع) لا شعر على رأسه لكثرة سمه وطول عمره (يفر منه صاحبه فيطلبه) ولأبي ذر ويطلبه بالواو بدل الفاء (ويقول أنا كنزك قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (والله لن يزال) ولأبي ذر عن الكشميهني لا يزال (يطلبه حتى يبسط) صاحب المال (يده فيلقمها) بضم التحتية وفتح الميم (فاه). أي يلقم صاحب المال يده فم الشجاع وفي رواية أبي صالح عن أبي هريرة في الزكاة فيأخذ بلهزمتيه أي يأخذ الشجاع يد صاحب المال بشدقيه وهما اللهزمتان. 6958 - وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا مَا رَبُّ النَّعَمِ لَمْ يُعْطِ حَقَّهَا تُسَلَّطُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَخْبِطُ وَجْهَهُ بِأَخْفَافِهَا». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِى رَجُلٍ لَهُ إِبِلٌ فَخَافَ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ فَبَاعَهَا بِإِبِلٍ مِثْلِهَا، أَوْ بِغَنَمٍ أَوْ بِبَقَرٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ فِرَارًا مِنَ الصَّدَقَةِ بِيَوْمٍ احْتِيَالاً، فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ وَهْوَ يَقُولُ: إِنْ زَكَّى إِبِلَهُ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ بِيَوْمٍ أَوْ بِسَنَةٍ جَازَتْ عَنْهُ. (وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالسند السابق (إذا ما رب النعم) بفتح النون والمهملة وما زائدة أي إذا مالك الإبل (لم يعط حقها) أي زكاتها (تسلط عليه يوم القيامة تخبط) بفتح الفوقية وسكون المعجمة وكسر الموحدة بعدها طاء مهملة ولأبي ذر فتخبط (وجهه بأخفافها) جمع خف وهو للإبل كالظلف للشاة. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن فيه منع الزكاة بأيّ وجه كان من الوجوه المذكورة قاله العيني، وقال في الفتح وفي رواية أبي صالح: من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع فذكر نحو حديث الباب قال: وبه تظهر مناسبة ذكره في هذا الباب. (وقال بعض الناس) يريد الإمام أبا حنيفة (في رجل له إبل فخاف أن تجب عليه الصدقة فباعها بإبل مثلها أو بغنم أو ببقر أو بدراهم فرارًا من الصدقة) الواجبة قبل الحول (بيوم احتيالاً فلا بأس) ولأبي ذر فلا شيء (عليه وهو) أي والحال أنه (يقول: إن زكى إبله قبل أن يحول الحول بيوم أو بسنة) ولأبي ذر أو بستة بكسر السين بعدها فوقية مشددة بدل النون (جازت) ولأبي ذر عن الكشميهني: أجزأت (عنه) التزكية قبل الحول فإذا كان التقديم على الحول مجزئًا فليكن التصرف فيها قبل الحول غير مسقط. وأجيب: بأن أبا حنيفة لم يتناقض في ذلك لأنه لا يوجب الزكاة إلا بتمام الحول ويجعل من قدّمها كمن قدم دينًا مؤجلاً قبل أن يحل. 6959 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ الأَنْصَارِىُّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْضِهِ عَنْهَا». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذَا بَلَغَتِ الإِبِلُ عِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، فَإِنْ وَهَبَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ، أَوْ بَاعَهَا فِرَارًا وَاحْتِيَالاً لإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ فَلاَ شَىْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَتْلَفَهَا فَمَاتَ فَلاَ شَىْءَ فِى مَالِهِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البغلاني بفتح الموحدة وسكون المعجمة قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام المشهور (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: استفتى سعد بن عبادة الأنصاري) -رضي الله عنه- (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ندر) صيام أو عتق أو صدقة أو غيرها (كان على أمه) عمرة (توفيت قبل أن تقضيه فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اقضه عنها) قال المهلب فيما نقله عنه في الفتح فيه حجة على أن الزكاة لا تسقط

4 - باب الحيلة فى النكاح

بالحيلة ولا بالموت لأنه لما ألزم الولي بقضاء النذر عن أمه كان قضاء الزكاة التي فرضها الله تعالى أشد. (وقال بعض الناس): أي الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- (إذا بلغت الإبل عشرين ففيها أربع شياه فإن وهبها قبل الحول أو باعها فرارًا واحتيالاً) ولأبي ذر أو احتيالاً (لإسقاط الزكاة فلا شيء عليه) لأنه زال عين ملكه قبل الحول (وكذلك وإن أتلفها فمات فلا شيء في ماله) لأن المال إنما تجب فيه الزكاة ما دام واجبًا في الذمة وهذا الذي مات لم يبق في ذمته منه شيء يجب على ورثته وفاؤه. 4 - باب الْحِيلَةِ فِى النِّكَاحِ (باب) ترك (الحيلة في النكاح) ولغير أبي ذر بتنوين باب وإسقاط تاليه. 6960 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِى نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الشِّغَارِ قُلْتُ لِنَافِعٍ: مَا الشِّغَارُ؟ قَالَ: يَنْكِحُ ابْنَةَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ ابْنَتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ، وَيَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ وَيُنْكِحُهُ أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ احْتَالَ حَتَّى تَزَوَّجَ عَلَى الشِّغَارِ فَهْوَ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. وَقَالَ فِى الْمُتْعَةِ: النِّكَاحُ فَاسِدٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمُتْعَةُ وَالشِّغَارُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ: بَاطِلٌ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بضم العين العمري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) بن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى) نهي تحريم (عن الشغار) بكسر الشين وفتح الغين المعجمتين قال عبيد الله: (قلت لنافع) مستفهمًا منه: (ما الشغار قال: ينكح) الرجل (ابنة الرجل وينكحه) الآخر (ابنته بغير صداق وينكح أخت الرجل وينكحه) الآخر (أخته بغير صداق) بل يضع كل واحدة منهما صداق الأخرى، واختلف في أصل الشغار في اللغة. فقيل: من شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول كأن العاقد يقول لا ترفع رجل ابنتي حتى أرفع رجل ابنتك، وقيل مأخوذ من شغر البلد إذا خلا كأنه سمي بذلك لشغوره من الصداق. وقال ابن الأثير: كان يقول الرجل شاغرني أي زوّجني ابنتك أو أختك أو من تلي أمرها حتى أزوّجك ابنتي أو أختي ولا يكون بينهما مهر، وقيل: الشغر البعد ومنه بلد شاغر إذا بعد عن الناصر والسلطان وكأن هذا العقد بعد عن طريق الحق. والحديث سبق في النكاح. (وقال بعض الناس) أي الإمام أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- (إن احتال حتى تزوج على الشغار فهو) أي العقد (جائز والشرط باطل) فيجب لكل واحدة منهما مهر مثلها. وقال ابن بطال، قال أبو حنيفة: نكاح الشغار منعقد ويصلح بصداق المثل وكل نكاح فساده من أجل صداقه لا يفسخ عنده وينصلح بمهر المثل وقال الأئمة الثلاثة النكاح باطل لظاهر الحديث. (وقال) أي أبو حنيفة (في المتعة) وهي أن يتزوجها بشرط أن يتمتع بها أيامًا ثم يخلي سبيلها (النكاح فاسد والشرط باطل) وهذا مبني على قاعدة السادة الحنفية وهي إن ما لم يشرع بأصله ووصفه باطل وما شرع بأصله دون وصفه فاسد فالنكاح مشروع بأصله وجعل البضع صداقًا وصف فيه فيفسد الصداق ويصح النكاح بخلاف المتعة فإنها لما ثبت أنها منسوخة صارت غير مشروعة بأصلها. (وقال بعضهم) أي بعض الحنفية (المتعة والشغار) كل منهما (جائز والشرط باطل) في كل منهما. قال الحافظ ابن حجر: كأنه يشير إلى ما نقل عن زفر أنه أجاز المؤقت وألغى الشرط لأنه فاسد والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة، وتعقبه العيني بأن مذهب زفر ليس كذلك بل عنده أن صورته أن يتزوج امرأة إلى مدة معلومة فالنكاح صحيح واشتراط المدة باطل قال: وعند أبي حنيفة وصاحبيه النكاح باطل. 6961 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ عَنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَىْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ، عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّ عَلِيًّا - رضى الله عنه - قِيلَ لَهُ إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لاَ يَرَى بِمُتْعَةِ النِّسَاءِ بَأْسًا فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ احْتَالَ حَتَّى تَمَتَّعَ فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ وَقَالَ بَعْضُهُمُ: النِّكَاحُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالسين وبعدها دالان أولاهما مشددة مهملاً ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله بن عمر) بضم العين فيهما العمري أنه قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن عليّ عن أبيهما) محمد ابن الحنفية (أن) أباه (عليًّا) هو ابن أبي طالب (-رضي الله عنه-) أنه (قيل له أن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (لا يرى بمتعة النساء بأسًا) أي يصححها (فقال) عليّ (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عنها) نهي تحريم (يوم خيبر) بالخاء المعجمة آخره راء (وعن) أكل (لحوم الحمر الإنسية) بكسر الهمزة وسكون النون. ومطابقة الحديث للترجمة غير ظاهرة لأن بطلان المتعة مجمع عليه والحديث سبق في النكاح. (وقال بعض الناس) أبو حنيفة -رحمه الله- (إن احتال حتى تمتع)

5 - باب ما يكره من الاحتيال فى البيوع

أي عقد نكاح متعة (فالنكاح فاسد) والفساد عنده لا يوجب البطلان لاحتمال إصلاحه بلغاء الشرط منه فيحتمل في تصحيحه بذلك كما قال في بيع الربا لو حذف منه الزيادة صح البيع (وقال بعضهم) قيل هو زفر (النكاح جائز والشرط باطل) وسبق قريبًا. 5 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الاِحْتِيَالِ فِى الْبُيُوعِ وَلاَ يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ فَضْلُ الْكَلإِ. (باب) بيان (ما يكره من الاحتيال في البيوع و) باب بيان قوله (لا يمنع فضل الماء) الزائد على قدر الحاجة (ليمنع به فضل الكلأ) بفتح الكاف واللام بعدها همزة بوزن الجبل وهو العشب رطبًا ويابسًا ويمنع مبني للمفعول فيهما. 6962 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ فَضْلُ الْكَلإِ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يمنع) بالبناء للمفعول (فضل الماء ليمنع) بالبناء للمفعول أيضًا (به فضل الكلأ) بوزن الجبل واللام في ليمنع لام العاقبة والمعنى أن من شق ماء بفلاة وكان حول ذلك الماء كلأ وليس حوله ماء غيره ولا يوصل إلى رعيه إلا إذا كانت المواشي ترد ذلك الماء فنهي صاحب الماء أن يمنع فضله لأنه إذا منعه منع رعي ذلك الكلأ، والكلأ لا يمنع لما في منعه من الإضرار بالناس ويلتحق به الرعاء إذا احتاجوا إلى الشرب لأنهم إذا منعوا من الشرب امتنعوا من الرعي هناك. وقال المهلب: المراد رجل كان له بئر وحولها كلأ مباح فأراد الاختصاص به فيمنع فضل ماء بئره أن يرده نعم غيره للشرب وهو لا حاجة به إلى الماء الذي يمنعه وإنما حاجته إلى الكلأ وهو لا يقدر على منعه لكونه غير مملوك له فيمنع الماء ليتوفر له الكلأ لأن النعم لا تستغني عن الماء بل إذا رعت الكلأ عطشت ويكون ماء غير البئر بعيدًا عنها فيرغب صاحبها عن ذلك الكلأ فيتوفر لصاحب البئر بهذه الحيلة اهـ. ولم يذكر المؤلّف في الباب حديثًا فيه البيع المترجم به فيحتمل أن يكون مما ترجم له ولم يجد فيه حديثًا على شرطه فبيّض له وعطف عليه ولا يمنع فضل الماء وذكر الحديث المتعلق به. والحديث سبق في كتاب الشرب. 6 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّنَاجُشِ (باب ما يكره) للتحريم (من التناجش) بضم الجيم بعدها شين معجمة. 6963 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ النَّجْشِ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين ابن جميل بفتح الجيم ابن طريف الثقفي (عن مالك) الإمام الأعظم (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن النجش) نهي تحريم وهو أن يزيد في الثمن بلا رغبة بل ليغرّ غيره. ومطابقته للترجمة ظاهرة ووجه دخوله في كتاب الحيل من حيث إن فيه نوعًا من الحيلة لإضرار الغير، والحديث سبق في كتاب البيوع. 7 - باب مَا يُنْهَى مِنَ الْخِدَاعِ فِى الْبُيُوعِ وَقَالَ أَيُّوبُ: يُخَادِعُونَ اللَّهَ كَمَا يُخَادِعُونَ آدَمِيًّا، لَوْ أَتَوُا الأَمْرَ عِيَانًا كَانَ أَهْوَنَ عَلَىَّ. (باب ما ينهى من الخداع) بكسر الخاء المعجمة وتفتح ولأبي ذر عن الكشميهني عن الخداع بالعين المهملة بدل الميم (في البيوع) ولأبي ذر في البيع. (وقال أيوب) السختياني فيما وصله وكيع في مصنفه عن سفيان بن عيينة عن أيوب (يخادعون الله كما) ولأبي ذر كأنما (يخادعون آدميًّا لو أتوا الأمر عيانًا) بكسر العين أي لو أعلنوا بأخذ الزائد على الثمن معاينة بلا تدليس (كان أهون عليّ) لأنه ما جعل الذين آلة للخداع. 6964 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَجُلاً ذَكَرَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ يُخْدَعُ فِى الْبُيُوعِ فَقَالَ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً) اسمه حبّان بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن منقذ بالقاف المكسورة والمعجمة بعدها الصحابي ابن الصحابي وقيل هو منقذ بن عمرو وصححه النووي في مبهماته (ذكر للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه يخدع في البيوع) بضم التحتية وسكون الخاء المعجمة (فقال) له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذا بايعت فقل لا خلابة) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام لا خديعة في الدين لأن الدين النصيحة. والحديث سبق في البيوع. 8 - باب مَا يُنْهَى مِنَ الاِحْتِيَالِ لِلْوَلِىِّ فِى الْيَتِيمَةِ الْمَرْغُوبَةِ وَأَنْ لاَ يُكَمِّلَ صَدَاقَهَا. (باب ما ينهى عن الاحتيال للولي في اليتيمة المرغوبة) التي ترغب وليها فيها (وأن لا يكمل) بكسر الميم مشددة (صداقها) ولأبي ذر لها صداقها. 6965 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لاَ تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 127] قَالَتْ: هِىَ الْيَتِيمَةُ فِى حَجْرِ وَلِيِّهَا. فَيَرْغَبُ فِى مَالِهَا وَجَمَالِهَا فَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ نِسَائِهَا فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِى إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، ثُمَّ اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النِّسَاءِ} [النساء: 127] فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:

9 - باب إذا غصب جارية فزعم أنها ماتت

(حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: كان عروة) بن الزبير (يحدّث أنه سأل عائشة) -رضي الله عنها- عن معنى قوله تعالى: ({وإن خفتم أن لا تقسطوا}) نكاح ({اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء}) [النساء: 3] أي من سواهن، وسقط لأبي ذر: من النساء (قالت) عائشة -رضي الله عنها- (هي اليتيمة) التي مات أبوها تكون (في حجر وليها) القائم بأمورها (فيرغب في مالها وجمالها فيريد أن يتزوجها بأدنى) بأقل (من سنّة نسائها) من مهر مثل أقاربها (فنهوا) بضم النون (عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن) بضم التحتية وسكون القاف أي يعدلوا (في إكمال الصداق) على عادتهن في ذلك. (ثم استفتى الناس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد) بالبناء على الضم أي بعد ذلك كما في إحدى الروايات (فأنزل الله) تعالى ({ويستفتونك}) بالواو ولأبي ذر يستفتونك بإسقاطها ({في النساء}) [النساء: 127] (فذكر الحديث) وفي باب الأكفاء من كتاب النكاح بلفظ: إلى ترغبون أن تنكحوهن فأنزل الله لهن: إن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها ونسبها في إكمال الصداق وإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها وأخذوا غيرها من النساء قالت: فكما يتركونها حين يرغبون عنها فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق، وقال ابن بطال: فيه أنه لا يجوز للولي أن يتزوج يتيمة بأقل من صداقها ولا أن يعطيها من العروض في صداقها ما لا يفي بقيمة صداق مثلها. ومطابقة الحديث للترجمة واضحة. 9 - باب إِذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَزَعَمَ أَنَّهَا مَاتَتْ فَقُضِىَ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ الْمَيِّتَةِ ثُمَّ وَجَدَهَا صَاحِبُهَا فَهْىَ لَهُ وَيَرُدُّ الْقِيمَةَ وَلاَ تَكُونُ الْقِيمَةُ ثَمَنًا. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْجَارِيَةُ لِلْغَاصِبِ لأَخْذِهِ الْقِيمَةَ وَفِى هَذَا احْتِيَالٌ لِمَنِ اشْتَهَى جَارِيَةَ رَجُلٍ لاَ يَبِيعُهَا فَغَصَبَهَا وَاعْتَلَّ بِأَنَّهَا مَاتَتْ حَتَّى يَأْخُذَ رَبُّهَا قِيمَتَهَا فَيَطِيبُ لِلْغَاصِبِ جَارِيَةَ غَيْرِهِ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمْوَالُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ وَلِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا غصب) رجل (جارية) لغيره فادّعى عليه أنه غصبها (فزعم أنها ماتت فقضي) عليه بضم القاف وكسر المعجمة أي فقضى الحاكم عليه (بقيمة البخارية الميتة) في زعمه (ثم وجدها صاحبها) الذي غصبت منه حيّة (فهي له وتردّ القيمة) التي حكم له بها على الغاصب (ولا تكون القيمة ثمنًا) لها لأنه وإنما أخذها لزعمه هلاكها فإذا تبين بطلانه رجع الحكم إلى الأصل. (وقال بعض الناس): أي الإمام الأعظم أبو حنيفة -رحمه الله- (الجارية) المذكورة (للغاصب لأخذه) أي لأخذ مالكها (القيمة) عنها من الغاصب. قال البخاري: (وفي هذا احتيال لمن اشتهى جارية رجل لا يبيعها فغصبها) منه (واعتل) احتج (بأنها ماتت حتى يأخذ ربها) مالكها (قيمتها فيطيب) بفتح التحتية بعد الفاء وكسر الطاء المهملة وسكون التحتية أو بضم ففتح وفتح بتشديد فيحل (للغاصب) بذلك (جارية غيره) وكذا في مأكول أو غيره ادّعى فساده أو حيوان مأكول ذبحه، ثم استدلّ البخاري لبطلان ذلك بقوله: (قل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): فيما وصله مطولاً في أواخر الحج (أموالكم عليكم حرام) قال في الكواكب فإن قلت: مقابلة الجمع بالجمع تفيد التوزيع فيلزم أن يكون مال كل شخص حرامًا عليه. ثم أجاب بأنه كقولهم بنو تميم قتلوا أنفسهم أي قتل بعضهم بعضًا فهو مجاز للقرينة الصارفة عن ظاهرها كما علم من القواعد الشرعية، وأجاب العيني: بأن معنى أموالكم عليم حرام إذا لم يوجد التراضي وهاهنا قد وجد بأخذ الغاصب القيمة (و) قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما وصله في هذا الباب و (لكل غادر) بالغين المعجمة والدال المهملة (لواء يوم القيامة) وأجاب العيني أيضًا بأنه لا يقال للغاصب في اللغة غادر لأن الغدر ترك الوفاء والغصب أخذ الشيء قهرًا وعدوانًا وقول الغاصب ماتت كذب وأخذ المالك القيمة رضا. 6966 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لكل غادر لواء يوم القيامة) أي علم (يعرف به) ولا ريب أن الاعتلال الصادر من الغاصب أن الجارية ماتت غدر وخيانة في حق أخيه المسلم، وقال ابن بطال: خالف أبا حنيفة الجمهور في ذلك، واحتج هو بأنه لا يجمع الشيء وبدله في مال شخص واحد، واحتج الجمهور بأنه لا يحل مال مسلم إلا عن طيب نفسه ولأن القيمة إنما

10 - باب

وجبت بناء على صدق دعوى الغاصب أن الجارية ماتت فلما تبين أنها لم تمت فهي باقية على ملك المغصوب منه لأنه لم يجر بينهما عقد صحيح فوجب أن تردّ إلى صاحبها. قال: وفرقوا بين الثمن والقيمة بأن الثمن في مقابلة الشيء القائم والقيمة في مقابلة الشيء المستهلك، وكذا في البيع الفاسد والفرق بين الغصب والبيع الفاسد أن البائع رضي بأخذ الثمن عوضًا عن سلعته وأذن للمشتري بالتصرف فيها فإصلاح هذا البيع أن يأخذ قيمة السلعة إن فاتت، والغاصب لم يأذن له المالك فلا يحل أن يتملكه الغاصب إلا إن رضي المغصوب منه بقيمته. والحديث من إفراده. 10 - باب هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة فهو كالفصل من السابق، وسقط لفظ باب للنسفي والإسماعيلي. 6967 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَقْضِىَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة أبو عبد الله العبدي البصري أخو سليمان بن كثير (عن سفيان) الثوري (عن هشام عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أم سلمة) واسم أن زينب أبو سلمة بن عبد الأسد (عن) أمها (أم سلمة) هند بنت أبي أمية -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إنما أنا بشر) يطلق على الواحد كما هنا وعلى الجمع قوله تعالى: {نذيرًا للبشر} [المدثر: 36] وليست إنما هنا للحصر التام بل لحصر بعض الصفات في الموقوف فهو حصر في البشرية بالنسبة إلى الاطّلاع على البواطن ويسمى هذا عند أهل البيان قصر قلب لأنه أتى به ردًّا على من يزعم أن من كان رسولاً يعلم الغيب ولا يخفى عليه المظلوم فأعلم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كالبشر في بعض الصفات الخلقية وإن زاد عليهم بما أكرمه الله به من الكرامات من الوحي والإطلاع على المغيبات في أماكن وأنه يجوز عليه في الأحكام ما يجوز عليهم وإنه إنما يحكم بينهم بالظواهر فيحكم بالبيّنة واليمين وغيرهما مع جواز كون الباطن على خلاف ذلك، ولو شاء الله لأطلعه على باطن أمر الخصمين فحكم بيقين من غير احتياج إلى حجة من المحكوم له من بيّنة أو يمين لكن لما كانت أمته مأمورين باتّباعه والاقتداء بأقواله وأفعاله جعل له من الحكم في أقضيته ما يكون حكمًا لهم في أقضيتهم لأن الحكم بالظاهر أطيب للقلوب وأسكن للنفوس، وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك توطئة لما يأتي بعد لأنه معلوم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشر (وأنكم تختصمون) زاد أبو ذر عن الكشميهني إليّ فلا أعلم بواطن أموركم كما هو مقتضى الحالة البشرية وإنما أحكم بالظاهر (ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته) بالحاء المهملة أفعل تفضيل من لحن بكسر الحاء إذا فطن لحجته أي ألسن وأفصح وأبين كلامًا وأقدر على الحجة (من بعض) وهو كاذب (وأقضى) عطف على المنصوب السابق بالواو ولأبي ذر فأقضى (له) بسبب بلاغته (على نحو ما) أي الذي (أسمع) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي مما أسمع (فمن قضيت له من حق أخيه) وفي رواية بحق أخيه المسلم ولا مفهوم له لأنه خرج مخرج الغالب وإلا فالذمي والمعاهد كذلك وسقط لفظ حق لأبي ذر فيصير فمن قضيت له من أخيه (شيئًا) بظاهر يخالف الباطن فهو حرام (فلا يأخذ) بإسقاط الضمير المنصوب أي فلا يأخذ ما قضيت له. ولأبي ذر عن الكشميهني: فلا يأخذه (فإنما أقطع له قطعة) بكسر القاف طائفة (من النار) إن أخذها مع علمه بأنها حرام عليه وهذا من المبالغة في التشبيه جعل ما يتناوله المحكوم له بحكمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في الباطن باطل قطعة من النار، وقال في العدة: أطلق عليه ذلك لأنه سبب في حصول النار له فهو من مجاز التشبيه كقوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا} [النساء: 10] وحاصله أنه أخذ ما يؤول به إلى قطعة من النار فوضع المسبب وهو قطعة من النار موضع السبب وهو ما حكم له به. وفي الحديث أن حكم الحاكم لا يحل ما حرم الله ورسوله ولا يحرمه فلو شهد شاهدا زور لإنسان بمال فحكم به لم يحل للمحكوم له ذلك المال، ولو شهدا عليه بقتل لم يحل للولي قتله مع علمه بكذبهما وإن شهدا على أنه طلق امرأته لم يحل لمن علم كذبهما أن يتزوجها، فإن قيل: هذا الحديث ظاهره أنه يقع

11 - باب فى النكاح

منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حكم في الظاهر يخالف الباطن وقد اتفق الأصوليون على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يقرّ على الخطأ في الأحكام. فالجواب: أنه لا تعارض بين الحديث وقاعدة الأصول لأن مراد الأصوليين ما حكم فيه باجتهاده هل يجوز أن يقع فيه خطأ؟ فيه خلاف والأكثرون على أنه لا يخطئ في اجتهاده بخلاف غيره، وأما الذي في الحديث فليس من الاجتهاد في شيء لأنه حكم بالبيّنة ونحوها، فلو وقع منه ما يخالف الباطن لا يسمى الحكم خطأ، بل الحكم صحيح على ما استقر به التكليف وهو وجوب العمل بشاهدين مثلاً، فإن كانا شاهدي زور أو نحو ذلك فالتقصير منهما، وأما الحكم فلا حيلة له فيه ولا عيب عليه بسببه بخلاف ما إذا أخطأ في الاجتهاد. والحديث سبق في المظالم والشهادات ويأتي إن شاء الله تعالى بعونه وقوته في الأحكام. 11 - باب فِى النِّكَاحِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه حكم شهادة الزور (في النكاح). 6968 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ وَلاَ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ» فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: «إِذَا سَكَتَتْ». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ لَمْ تُسْتَأْذَنِ الْبِكْرُ وَلَمْ تَزَوَّجْ فَاحْتَالَ رَجُلٌ فَأَقَامَ شَاهِدَىْ زُورٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا، فَأَثْبَتَ الْقَاضِى نِكَاحَهَا وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَطَأَهَا، وَهْوَ تَزْوِيجٌ صَحِيحٌ. وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) أبو عمرو الفراهيدي الأزدي مولاهم البصري قال: (حدّثنا هشام) هو ابن أبي عبد الله سنبر بسين مهملة مفتوحة فنون ساكنة فموحدة مفتوحة بوزن جعفر الدستوائي قال: (حدّثنا يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الطائي مولاهم أبو نصر اليماني (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا تنكح البكر) بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول أي لا تزوّج (حتى تستأذن) بالبناء للمفعول أيضًا أي يوجد منها الإذن (ولا الثيب) بالمثلثة التي زالت بكارتها (حتى تستأمر) بضم أوله يطلب أمرها وفرق بينهما لأن الأمر لا يكون إلا باللفظ والاذن بلفظ وغيره (فقيل: يا رسول الله كيف إذنها؟) أي إذن البكر (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذا سكتت) بفوقيتين لأن الغالب من حالها أن لا تظهر إرادة النكاح حياء. والحديث سبق في النكاح. (وقال بعض الناس): هو الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- (إن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إذا (لم تستأذن البكر) بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول (ولم تزوّج) أصله تتزوج فحذف إحدى التاءين تخفيفًا (فاحتال رجل فأقام شاهدي زور) بإضافة شاهدي للاحقه ولأبي ذر شاهدين زوزًا أي شهدا زورًا (أنه تزوجها برضاها فأثبت القاضي نكاحها بشهادتهما) ولأبي ذر عن الكشميهني نكاحه (والزوج) أي والحال أن الزوج (يعلم أن الشهادة باطلة فلا بأس أن يطأها) ولا يأثم بذلك (وهو تزويج صحيح) لأن مذهبه -رحمه الله- أن حكم القاضي ينفذ ظاهرًا وباطنًا. 6969 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ وَلَدِ جَعْفَرٍ تَخَوَّفَتْ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلِيُّهَا وَهْىَ كَارِهَةٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى شَيْخَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَىْ جَارِيَةَ قَالاَ: فَلاَ تَخْشَيْنَ فَإِنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِذَامٍ أَنْكَحَهَا أَبُوهَا وَهْىَ كَارِهَةٌ فَرَدَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ. قَالَ سُفْيَانُ: وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ عَنْ أَبِيهِ إِنَّ خَنْسَاءَ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني وسقط لأبي ذر ابن عبد الله قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) بكسر العين الأنصاري (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (أن امرأة) لم تسمّ (من ولد جعفر) قال الحافظ ابن حجر: يغلب على الظن أنه ابن أبي طالب قال: وتجاسر الكرماني فقال: المراد جعفر الصادق بن محمد الباقر وكان القاسم بن محمد جدّ جعفر الصادق لأمه اهـ. وعند الإسماعيلي من رواية ابن أبي عمر عن سفيان أن امرأة من آل أبي جعفر (تخوفت أن يزوّجها وليها وهي) أي والحال أنها (كارهة فأرسلت إلى شيخين من الأنصار عبد الرحمن ومجمع) بضم الميم الأولى وكسر الثانية مشدّدة بينهما جيم مفتوحة آخره عين مهملة (ابني جارية) بالجيم والراء التحتية وهو جدهما وصحفه بعضهم بالحاء المهملة والمثلثة واسم أبيهما كما سبق في النكاح يزيد وزاد في رواية ابن أبي عمر تخبرهما أنه ليس لأحد من أمري شيء (قالا) لها: (فلا تخشين) بفتح الشين المعجمة على أنه خطاب للمرأة المتخوفة ومن معها، وفي رواية ابن أبي عمر فأرسلا إليها أن لا تخافي. قال في الفتح: فدلّ على أنهما خاطبا من كانت أرسلته إليهما أو من أرسلا، وعلى الحالين فكان من أرسل في ذلك جماعة نسوة وظن السفاقسي أنه خطاب للمرأة وحدها فقال: الصواب فلا تخشين بكسر الياء وتشديد النون قال: ولو كان بلا تأكيد لحذفت النون اهـ. (فإن خنساء) بفتح الخاء المعجمة وسكون النون وبالسين المهملة

12 - باب ما يكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر وما نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فى ذلك

بعدها همزة ممدودًا الأنصارية (بنت خذام) بكسر الخاء وفتح الذال الخفيفة المعجمتين وبعد الألف ميم الأنصارية الأوسية (انكحها أبوها) خذام بن وديعة من رجل لم يسم، لكن قال الواقدي: إنه من بني مزينة (وهي) أي والحال أنها (كارهة) ذلك زاد في النكاح فأتت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعند عبد الرزاق أنها قالت: يا رسول الله إن أبي أنكحني وإن عم ولدي أحب إليّ (فردّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك) النكاح (قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (وأما عبد الرحمن) بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق (فسمعته يقول عن أبيه) القاسم (إن خنساء) فلم يذكر عبد الرحمن بن يزيد ولا أخاه فأرسله. 6970 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ» قَالُوا: كَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ احْتَالَ إِنْسَانٌ بِشَاهِدَىْ زُورٍ عَلَى تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ بِأَحمرِهَا، فَأَثْبَتَ الْقَاضِى نِكَاحَهَا إِيَّاهُ وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا قَطُّ، فَإِنَّهُ يَسَعُهُ هَذَا النِّكَاحُ وَلاَ بَأْسَ بِالْمُقَامِ لَهُ مَعَهَا. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا شيبان) بفتح الشين المعجمة ابن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تنكح) بالبناء للمفعول (الأيم حتى تستأمر) أي يطلب أمرها والأيم بفتح الهمزة وتشديد التحتية مكسورة وبعدها ميم من لا زوج لها بكرًا أو ثيبًا لكن المراد هنا الثيب بقرينة المقابلة للبكر في قوله: (ولا تنكح البكر) بالبناء للمفعول (حتى تستأذن) بالبناء للمفعول أيضًا (قالوا): يا رسول الله (كيف إذنها؟) أي إذن البكر (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذنها (أن تسكت) غالبًا. وإنما وقع السؤال عن الإذن مع أن حقيقته معلومة لأن البكر لما كانت تستحي أن تفصح بإظهار رغبتها في النكاح احتيج إلى كيفية إذنها. (وقال بعض الناس): هو الإمام أبو حنيفة (إن احتال إنسان بشاهدي زور على تزويج امرأة ثيب بأمرها فأثبت القاضي نكاحها إياه والزوج يعلم أنه لم يتزوجها قط فإنه يسعه) أي يجوز له (هذا النكاح ولا بأس بالمقام له معها) بضم ميم المقام لأن حكم الحاكم ينفذ ظاهرًا وباطنًا عنده كما مرّ، وقد نقل المهلب اتفاق العلماء على وجوب استئذان الثيب لقوله تعالى: {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} [البقرة: 232] إذا تراضوا فدلّ على أن النكاح يتوقف على الرضا من الزوجين، وأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باستئذان نكاح الثيب وردّ نكاح من زوجت كارهة فقول الإمام أبي حنيفة خارج عن هذا كله ذكره في الفتح. 6971 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ ذَكْوَانَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ» قُلْتُ: إِنَّ الْبِكْرَ تَسْتَحْيِى؟ قَالَ: «إِذْنُهَا صُمَاتُهَا». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ هَوِىَ رَجُلٌ جَارِيَةً يَتِيمَةً أَوْ بِكْرًا، فَأَبَتْ فَاحْتَالَ فَجَاءَ بِشَاهِدَىْ زُورٍ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، فَأَدْرَكَتْ فَرَضِيَتِ الْيَتِيمَةُ فَقَبِلَ الْقَاضِى شَهَادَةَ الزُّورِ وَالزَّوْجُ يَعْلَمُ بِبُطْلاَنِ ذَلِكَ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ. وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن ابن أبي مليكة) هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بضم الميم واسمه زهير (عن ذكوان) مولى عائشة (عن عائشة رضي الله محئها) أنها (قالت قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): والحديث سبق في النكاح. (وقال بعض الناس): هو أبو حنيفة الإمام (إن هوي) بفتح الهاء وكسر الواو أحب (رجل) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: إنسان (جارية) فتية من النساء (يتيمة) ولأني ذر عن الكشميهني: ثيبًا بدل يتيمة (أو بكرًا فأبت) أن تتزوجه (فاحتال فجاء بشاهدي زور على أنه يتزوجها فأدركت) أي بلغت الحلم (فرضيت اليتيمة) بذلك (فقبل القاضي شهادة الزور) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: بشهادة الزور (والزوج يعلم ببطلان ذلك) بباء الجر ولأبي ذر بطلان ذلك (حلّ له الوطء) مع علمه بكذب الشاهدين في ذلك، وظاهره أنها بعد الشهادة بلغت الحلم ورضيت، ويحتمل أنه يريد أنه جاء بشاهدين على أنها أدركت ورضيت فتزوجها فيكون داخلاً تحت الشهادة، وقال في الفتح: إن الاستئذان ليس بشرط في صحة النكاح ولو كان واجبًا، وحينئذ فالقاضي أنشأ لهذا الزوج عقدًا مستأنفًا فيصح، وهذا قول أبي حنيفة واحتج بأثر عن علي في نحو هذا قال فيه: شاهداك زوّجاك وخالفه صاحباه. 12 - باب مَا يُكْرَهُ مِنِ احْتِيَالِ الْمَرْأَةِ مَعَ الزَّوْجِ وَالضَّرَائِرِ وَمَا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى ذَلِكَ (باب ما يكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر) جمع ضرة بفتح الضاد المعجمة والراء المشددة (وما نزل على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك). 6972 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَيُحِبُّ الْعَسَلَ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ أَجَازَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَاحْتَبَسَ عِنْدَهَا، أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَحْتَبِسُ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِى: أَهْدَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةَ عَسَلٍ، فَسَقَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُ شَرْبَةً، فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَوْدَةَ قُلْتُ: إِذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فَإِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ فَقُولِى لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ، فَإِنَّهُ سَيَقُولُ: لاَ، فَقُولِى لَهُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُوجَدُ مِنْهُ الرِّيحُ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ: سَقَتْنِى حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ فَقُولِى لَهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، وَسَأَقُولُ: ذَلِكَ وَقُولِيهِ أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى سَوْدَةَ قُلْتُ: تَقُولُ سَوْدَةُ وَالَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَقَدْ كِدْتُ أَنْ أُبَادِرَهُ بِالَّذِى قُلْتِ لِى وَإِنَّهُ لَعَلَى الْبَابِ فَرَقًا مِنْكِ، فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ قَالَ: «لاَ» قُلْتُ: فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ قَالَ: «سَقَتْنِى حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ» قُلْتُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَىَّ قُلْتُ لَهُ: مِثْلَ ذَلِكَ، وَدَخَلَ عَلَى صَفِيَّةَ فَقَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ قَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ أَسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: «لاَ حَاجَةَ لِى بِهِ» قَالَتْ: تَقُولُ سَوْدَةُ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ قَالَتْ: قُلْتُ لَهَا اسْكُتِى. وبه

13 - باب ما يكره من الاحتيال فى الفرار من الطاعون

قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) القرشي الهباري بفتح الهاء والموحدة المشددة وبعد الألف راء مكسورة فتحتية قال (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب الحلواء) بالهمز والمد ويقصر فيكتب بالياء بدل الألف وعند الثعالبي في فقه اللغة أنها المجيع بفتح الميم وكسر الجيم بوزن عظيم وهو تمر يعجن بلبن (ويحب العسل) أفرده لشرفه لما فيه من الخواص فهو كقوله تعالى: {وملائكته ورسله وجبريل} [البقرة: 98] (وكان إذا صلّى العصر أجاز على نسائه) بفتح الهمزة والجيم وبعد الألف زاي أي يقطع المسافة التي بين كل واحدة والتي تليها يقال أجاز الوادي إذا قطعه وسبق في الطلاق من رواية عليّ بن مسهر إذا صلّى العصر دخل على نسائه (فيدنو منهن فدخل على حفصة) أم المؤمنين بنت عمر -رضي الله عنهما- (فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس) أي أقام أكثر مما كان يقيم قالت عائشة: (فسألت عن) سبب (ذلك) الاحتباس (فقال) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر فقيل (لي أهدت امرأة) ولأبي ذر عن الكشميهني لها امرأة (من قومها) لم أقف على اسمها (عكة عسل فسقت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منه شربة) وسبق أن شربة العسل كانت عند زينب بنت جحش وهنا أنها عند حفصة وعند ابن مردويه عن ابن عباس أنها كانت عند سودة فيحمل على التعدد قالت عائشة (فقلت: أما) بالتخفيف والألف ولأبي ذر أم بحذفها (والله لنحتالن له) أي لأجله واللامان في لنحتالن بالفتح (فذكرت ذلك لسودة) بنت زمعة (قلت) ولأبي ذر وقلت لها: (إذا دخل عليك) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإنه سيدنو) سيقرب (منك فقولي له: يا رسول الله أكلت مغافير) بالغين المعجمة والفاء قال ابن قتيبة صمغ حلو له رائحة كريهة (فإنه سيقول) لك (لا فقولي له ما هل الريح) زاد في الطلاق التي أجد منك (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يشتد عليه أن يوجد منه الريح) الغير طيب (فإنه سيقول) لك (سقتني حفصة شربة عسل فقولي له جرست) بفتح الجيم والراء والسين المهملة أي رعت (نحلة العرفط) بضم العين المهملة والفاء بينهما راء ساكنة آخره طاء مهملة الشجر الذي صمغه المغافير (وسأقول) أنا له (ذلك وقوليه أنت يا صفية) بنت حيي (فلما دخل) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على سودة) بنت زمعة قالت عائشة (قلت) ولأبي ذر قالت أي عائشة: (تقول سودة) لي: (والذي لا إله إلا هو لقد كدت) قاربت (أن أبادره) من المبادرة وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والكشميهني أن أبادئه بالموحدة من المبادأة بالهمزة، ولابن عساكر وأبي الوقت وأبي ذر عن المستملي أناديه بالنون بدل الموحدة (بالذي قلت لي وأنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لعلى الباب فرقًا) بفتح الراء خوفًا (منك فلما دنا) قرب (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مني (قلت له: يا رسول الله أكلت مغافير؟ قال): (لا) ما أكلت مغافير (قلت: فما هذه الريح؟) زاد في الطلاق: التي أجد منك (قال): (سقتني حفصة شربة عسل قلت) ولأبي ذر عن الحموي قالت أي سودة (جرست) رعت (نحله العرفط) قالت عائشة (فلما دخل عليّ قلت له مثل ذلك) القول الذي قلت لسودة أن تقول له (ودخل على صفية) بنت حيي (فقالت له مثل ذلك فلما دخل على حفصة قالت له: يا رسول الله ألا) بالتخفيف (أسقيك منه؟) بفتح الهمزة أي من العسل (قال: لا حاجة لي به قالت) عائشة -رضي الله عنها- (تقول سودة سبحان الله لقد حرمناه) بتخفيف الراء أي منعناه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العسل (قالت) عائشة (قلت لها اسكتي) لئلا يفشو ذلك فيظهر ما دبرته لحفصة. فإن قلت: كيف جاز على أزواجه -رضي الله عنهن- الاحتيال؟ أجيب: بأنه من مقتضيات الطبيعة للنساء في الغيرة وقد عفي عنهن. والحديث سبق في الأطعمة والأشربة والطب والطلاق. 13 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الاِحْتِيَالِ فِى الْفِرَارِ مِنَ الطَّاعُونِ (باب ما يكره من الاحتيال في الفرار من الطاعون) بوزن فاعول وهو وخز

14 - باب فى الهبة والشفعة

أعدائنا من الجن كما في الحديث وهذا لا يعارضه قول ابن سينا سببه دم رديء يستحيل إلى جوهر سميّ يفسد العضو ويؤدّي إلى القلب كيفية رديئة فيحدث القيء والغثيان والغشي لأنه يجوز أن يكون ذلك يحدث عن الطعنة الباطنة فيحدث منها المادة السمية ويهيج الدم بسببها. 6973 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ فَلَمَّا جَاءَ بِسَرْغَ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَبَاءَ وَقَعَ بِالشَّأْمِ فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» فَرَجَعَ عُمَرُ مِنْ سَرْعَ. وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا انْصَرَفَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام الأعظم (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبد الله بن عامر بن ربيعة) العنزي حليف بني عدي أبي محمد المدني ولد على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبيه صحبة مشهورة (أن عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (خرج إلى الشام) في ربيع الثاني سنة ثماني عشرة يتفقد أحوال الرعية (فلما جاء بسرغ) بموحدة فمهملة مفتوحة وسكون الراء بعدها غين معجمة غير منصرف وينصرف قرية بطرف الشام مما يلي الشأم ولأبي ذر سرغ بإسقاط الموحدة (بلغه أن الوباء) بفتح الواو والموحدة والهمزة ممدودًا وهو المرض العام والمراد هنا الطاعون المعروف بطاعون عمواس (وقع بالشأم) فعزم على الرجوع بعد أن اجتهد ووافقه بعض الصحابة ممن معه على ذلك (فأخبره عبد الرحمن بن عوف) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا سمعتم بأرض) ولأبي ذر به أي بالطاعون بأرض (فلا تقدموا) بفتح أوّله وثالثه ولأبي ذر فلا تقدموا بضم الأوّل وكسر الثالث (عليه) لأنه إقدام على خطر (وإذا وقع) الطاعون (بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا) منها (فرارًا منه). لأنه فرار من القدر فالأوّل تأديب وتعليم والآخر تفويض وتسليم (فرجع عمر من سرغ). (وعن ابن شهاب) الزهري بالسند السابق (عن سالم بن عبد الله أن) جده (عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (إنما انصرف) من سرغ (من حديث عبد الرحمن) بن عوف -رضي الله عنه- وفيه تقديم خبر الواحد على القياس لأن الصحابة اتفقوا على الرجوع اعتمادًا على خبر عبد الرحمن وحده بعد أن ركبوا المشقّة في المسير من المدينة إلى الشام ورجعوا ولم يدخلوا الشام، وروي أن انصراف عمر إنما كان من أبي عبيدة بن الجراح لأنه استقبله قائلاً جئت بأصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تدخلهم أرضًا فيها الطاعون فقال عمر: يا أبا عبيدة أشككت؟ فقال أبو عبيدة: كأني يعقوب إذ قال لبنيه {لا تدخلوا من باب واحد} [يوسف: 67] فقال عمر: والله لأدخلنها. فقال أبو عبيدة: لا تدخلها فردّه. 6974 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ أَنَّهُ سَمِعَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ سَعْدًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ الْوَجَعَ فَقَالَ: «رِجْزٌ -أَوْ عَذَابٌ- عُذِّبَ بِهِ بَعْضُ الأُمَمِ ثُمَّ بَقِىَ مِنْهُ بَقِيَّةٌ فَيَذْهَبُ الْمَرَّةَ وَيَأْتِى الأُخْرَى، فَمَنْ سَمِعَ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ يَقْدَمَنَّ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ بِأَرْضٍ وَقَعَ بِهَا فَلاَ يَخْرُجْ فِرَارًا مِنْهُ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرني بالخاء المعجمة والإفراد (عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه سمع أسامة بن زيد) بضم الهمزة ابن حارثة (يحدث سعدًا) هو ابن أبي وقاص والد عامر (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكر الوجع) أي الطاعون (فقال): (رجز) بالزاي عذاب (أو) قال (عذاب) بالشك من الراوي (عذب به بعض الأمم) لما كثر طغيانهم (ثم بقي منه بقية فيذهب المرة ويأتي الأخرى فمن سمع بأرض) ولأبي ذر عن الكشميهني به أي بالطاعون بأرض (فلا يقدمن) بفتح أوله وثالثه أو بضم أوّله وكسر ثالثه (عليه ومن كان بأرض وقع بها فلا يخرج فرارًا منه). من الطاعون. قال المهلب: والتحيل في الفرار من الطاعون بأن يخرج في تجارة أو لزيارة مثلاً وهو ينوي بذلك الفرار من الطاعون. والحديث سبق في ذكر بني إسرائيل. 14 - باب فِى الْهِبَةِ وَالشُّفْعَةِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنْ وَهَبَ هِبَةً أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى مَكَثَ عِنْدَهُ سِنِينَ، وَاحْتَالَ فِى ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ فِيهَا، فَلاَ زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَخَالَفَ الرَّسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْهِبَةِ وَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه ما يكره من الاحتيال (في) الرجوع عن (الهبة و) الاحتيال في إسقاط (الشفعة. وقال بعض الناس): الإمام أبو حنيفة (إن وهب) شخص (هبة ألف درهم أو أكثر حتى مكث) بفتح الكاف وضمها بعدها مثلثة الشيء الموهوب (عنده) عند الموهوب له (سنين واحتال) الواهب (في ذلك) بأن تواطأ مع الموهوب له أن لا ينصرف قاله في الفتح (ثم رجع الواهب فيها) أي في الهبة (فلا زكاة على واحد منهما، فخالف) هذا القائل (الرسول) أي ظاهر حديث الرسول (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الهبة)

المتضمن للنهي عن العود فيها (وأسقط الزكاة) بعد أن حال عليها الحول عند الموهوب له ووجوب زكاتها عليه عند الجمهور وأما الرجوع فلا يكون إلا في الهبة للولد. 6975 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِىِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْعَائِدُ فِى هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِى قَيْئِهِ، لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ». واحتج البخاري رحمه الله. بقوله: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه) زاد مسلم من رواية أبي جعفر محمد بن علي الباقر عنه فيأكله (ليس لنا مثل السوء) بفتح السين أي لا ينبغي لنا معشر المؤمنين أن نتصف بصفة ذميمة يشابهنا فيها أخس الحيوانات في أخس أحواله، وظاهر هذا المثل كما قاله النووي تحريم الرجوع في الهبة بعد القبض وهو محمول على هبة الأجنبي لا ما وهبه لولده، وقال العيني: لم يقل أبو حنيفة هذه المسألة على هذه الصورة بل قال: إن للواهب أن يرجع في هبته إذا كان الموهوب له أجنبيًّا وقد سلمها له لأنه قبل التسليم يجوز مطلقًا واستدلّ لجواز الرجوع بحديث ابن عباس عند الطبراني مرفوعًا: من وهب فيه هبة فهو أحق بهبته ما لم يثب منها. وحديث ابن عمر مرفوعًا عند الحاكم وقال صحيح على شرطهما قال: ولم ينكر أبو حنيفة حديث العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه بل عمل بالحديثين معًا فعمل بالأول في جواز الرجوع، وبالثاني في كراهة الرجوع واستقباحه لا في حرمته وفعل الكلب يوصف بالقبح لا بالحرمة. والحديث سبق في الهبة. 6976 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّمَا جَعَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشُّفْعَةَ فِى كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الشُّفْعَةُ لِلْجِوَارِ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى مَا شَدَّدَهُ فَأَبْطَلَهُ وَقَالَ: إِنِ اشْتَرَى دَارًا فَخَافَ أَنْ يَأْخُذَ الْجَارُ بِالشُّفْعَةِ فَاشْتَرَى سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ، ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِىَ وَكَانَ لِلْجَارِ الشُّفْعَةُ فِى السَّهْمِ الأَوَّلِ وَلاَ شُفْعَةَ لَهُ فِى بَاقِى الدَّارِ وَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ فِى ذَلِكَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المعروف بالمسندي قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- أنه (قال: وإنما جعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشفعة) بضم الشين المعجمة وسكون الفاء وحكي ضمها وهي لغة الضم وشرعًا حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما ملك بعوض (في كل ما لم يقسم) من العقار وما موصولة بمعنى الذي والصلة جملة لم يقسم والعائد المفعول الذي لم يسم فاعله وهو هنا محذوف أي فيما لم يقسم من العقار كما مر (فإذا وقعت الحدود) جمع حدّ وهو هنا ما تتميز به الأملاك بعد القسمة (وصرفت الطرق) بضم الصاد وكسر الراء مشدّدة ومخففة أي بينت مصارفها وشوارعها وجواب فإذا قوله: (فلا شفعة) لأنه صار مقسومًا وخرج عن الشركة فصار في حكم الجوار، والمعنى في الشفعة دفع ضرر مؤونة القسمة واستحداث المرافق المصعد والمنور والبالوعة في الحصة الصائرة إليه وظاهره أن لا شفعة للجار لأنه نفى الشفعة في كل مقسوم. والحديث سبق في البيوع. (وقال بعض الناس) هو أبو حنيفة -رحمه الله تعالى- تشرع (الشفعة للجوار) بكسر الجيم المجاورة (ثم عمد) بفتحات أي محمد أبو حنيفة (إلى ما شدّده) بالشين المعجمة ولأبي ذر عن الكشميهني إلى ما سدده بالسين المهملة أي من إثبات الشفعة للجار كالشريك (فأبطله. وقال: إن اشترى دارًا) أي أراد شراءها كاملة (فخاف أن يأخذها الجار بالشفعة فاشترى) منها (سهمًا) واحدًا شائعًا (من مائة سهم) فيصير شريكًا لمالكها (ثم اشترى الباقي وكان) بالواو وسقطت لأبي ذر (للجار الشفعة في السهم الأول) فيصير أحق بالشفعة من الجار لأن الشريك في المشاع أحق من الجار (ولا شفعة له) أي للجار (في باقي الدار وله) أي للذي اشترى الدار وخاف أن يأخذها الجار (أن يحتال في ذلك) فناقض كلامه لأنه احتج في شفعة الجار بحديث الجار أحق يسقيه ثم تحيل في إسقاطها بما يقتضي أن يكون غير الجار أحق بالشفعة من الجار وليس فيه شيء من خلاف السنة، لكن المشهور عند الحنفية أن الحيلة المذكورة لأبي يوسف، وأما محمد بن الحسن فقال: يكره ذلك أشدّ الكراهة لما فيه من الضرر لا سيما إن كان بين المشتري والشفيع عداوة ويتضرر بمشاركته. 6977 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الشَّرِيدِ قَالَ: جَاءَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِى، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى سَعْدٍ فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ لِلْمِسْوَرِ: أَلاَ تَأْمُرُ هَذَا أَنْ يَشْتَرِىَ مِنِّى بَيْتِى الَّذِى فِى دَارِى فَقَالَ: لاَ أَزِيدُهُ عَلَى أَرْبَعِمِائَةٍ إِمَّا مُقَطَّعَةٍ وَإِمَّا مُنَجَّمَةٍ قَالَ: أُعْطِيتُ خَمْسَمِائَةٍ نَقْدًا فَمَنَعْتُهُنَّ، وَلَوْلاَ أَنِّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ مَا بِعْتُكَهُ -أَوْ قَالَ- مَا أَعْطَيْتُكَهُ» قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّ مَعْمَرًا لَمْ يَقُلْ هَكَذَا قَالَ: لَكِنَّهُ قَالَ: لِى هَكَذَا. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الشُّفْعَةَ، فَلَهُ أَنْ يَحْتَالَ حَتَّى يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ، فَيَهَبُ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِى الدَّارَ وَيَحُدُّهَا وَيَدْفَعُهَا إِلَيْهِ وَيُعَوِّضُهُ الْمُشْتَرِى أَلْفَ دِرْهَمٍ فَلاَ يَكُونُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا شُفْعَةٌ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله)

المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن إبراهيم بن ميسرة) بفتح الميم والسين المهملة وسكون التحتية بينهما أنه (قال: سمعت عمرو بن الشريد) بفتح العين والشريد بفتح المعجمة وكسر الراء بعدها تحتية ساكنة فدال مهملة الثقفي (قال: جاء المسور بن مخرمة) بن نوفل القرشي -رضي الله عنهما- (فوضع يده على منكبي) بفتح الميم وكسر الكاف (فانطلقت معه إلى سعد) بسكون العين ابن أبي وقاص مالك وهو خال المسور بن مخرمة (فقال أبو رافع) أسلم القبطي مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (للمسور) بن مخرمة (ألا تأمر هذا) يعني سعد بن أبي وقاص (أن يشتري مني بيتي الذي) بالإفراد ولأبي ذر عن الكشميهني بيتي بتشديد التحتية بعد فتح الفوقية اللذين بفتح الذال المعجمة وبعد التحتية نون على التثنية (في داري؟) ولأبي ذر في داره (فقال) سعد: (لا أزيده) في الثمن (على أربعمائة إما مقطعة وإما منجمة) أي مؤجلة على نقدات متفرقة والنجم الوقت المعين والشك من الراوي (قال) أبو رافع (أعطيت) بضم الهمزة (خمسمائة) مفعول ثان لأعطيت (نقدًا فمنعته) أي البيع (ولولا أني سمعت النبي) ولأبي ذر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (الجار أحق بصقبه) بفتح الصاد المهملة والقاف وكسر الموحدة بقربه أو بقريبه بأن يتعهده ويتصدق عليه مثلاً قيل: هو دليل لشفعة الجوار. وأجيب: بأنه لم يقل أحق بشفعته وهو متروك الظاهر لأنه يستلزم أن يكون الجار أحق من الشريك وهو خلاف مذهب الحنفية (ما بعتكه) ولأبي ذر عن المستملي ما بعتك بإسقاط الضمير (أو قال: ما أعطيتكه؟) قال عليّ بن المديني (قلت لسفيان) بن عيينة (أن معمرًا) فيما رواه عبد الله بن المبارك عن معمر بن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبيه أخرجه النسائي (لم يقل هكذا). قال في الكواكب: أي أن الجار أحق بصقبه، بل قال الشفعة. وتعقبه الحافظ ابن حجر فقال: هذا الذي قاله لا أصل له وما أدري مستنده فيه ولفظ رواية معمر الجار أحق بصقبه كرواية أبي رافع سواء فالمراد بالمخالفة على ما رواه معمرًا بدال الصحابي بصحابي آخر وهو المعتمد (قال) سفيان (لكنه) أي إبراهيم بن ميسرة (قال) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قاله (لي هكذا) وحكى الترمذي عن البخاري أن الطريقين صحيحان وإنما صححهما لأن الثوري وغيره تابعوا سفيان بن عيينة على هذا الإسناد. قال المهلب: مناسبة ذكر حديث أبي رافع أن كل ما جعله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حقًّا لشخص لا يجوز لأحد إبطاله بحيلة ولا غيرها. (وقال بعض الناس) هو النعمان أيضًا رحمه الله: (إذا أراد أن يبيع) ولأبي ذر عن الكشميهني أن يقطع (الشفعة) ورجحها القاضي عياض، وقال الكرماني: يجوز أن يكون المراد بقوله أن يبيع الشفعة لازم البيع وهو الإزالة عن الملك (فله أن يحتال حتى يبطل الشفعة فيهب البائع للمشتري الدار ويحدها) بالحاء والدال المهملتين أي يصف حدودها التي تميزها (ويدفعها) أي الدار (إليه) إلى المشتري (ويعوّضه المشتري ألف درهم) مثلاً (فلا يكون للشفيع فيها شفعة) وإنما سقطت الشفعة في هذه الصورة لأن الهبة ليست معاوضة محصنة فاشتبهت الإرث. 6978 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ أَنَّ سَعْدًا سَاوَمَهُ بَيْتًا بِأَرْبَعِمِائَةِ مِثْقَالٍ فَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» لَمَا أَعْطَيْتُكَ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ اشْتَرَى نَصِيبَ دَارٍ فَأَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ وَهَبَ لاِبْنِهِ الصَّغِيرِ وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ يَمِينٌ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن إبراهيم ميسرة) الطائفي نزل مكة (عن عمرو بن الشريد) الثقفي (عن أبي رافع) أسلم مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن سعدًا) هو ابن أبي وقاص (ساومه بيتًا بأربعمائة مثقال فقال لولا أني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (الجار أحق بصقبه) بالصاد المهملة (لما) بفتح اللام وتخفيف الميم ولأبي ذر بسقبه بالسين بدل الصاد ما بإسقاط اللام (أعطيتك) بحذف ضمير المفعول ولأبي ذر عن الكشميهني أعطيتكه. (وقال بعض الناس) الإمام أبو حنيفة -رحمه الله- (إن اشترى نصيب دار فأراد أن يبطل الشفعة وهب) ما اشتراه (لابنه الصغير ولا يكون عليه يمين) في تحقيق الهبة ولا في جريان شروطها وقيد بالصغير لأن الهبة لو كانت للكبير

15 - باب احتيال العامل ليهدى له

وجب عليه اليمين فيتحيل في إسقاطها بجعلها للصغير ولو وهب لأجنبي فللشفيع أن يحلف الأجنبي أن الهبة حقيقة وأنها جرت بشروطها والصغير لا يحلف. 15 - باب احْتِيَالِ الْعَامِلِ لِيُهْدَى لَهُ (باب) كراهية (احتيال العامل) الذي يتولى في ماله وغيره (ليُهدى له) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول. 6979 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِىِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً عَلَى صَدَقَاتِ بَنِى سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ اللُّتَبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَهَلاَّ جَلَسْتَ فِى بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ، إِنْ كُنْتَ صَادِقًا» ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّى أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلاَّنِى اللَّهُ، فَيَأْتِى فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِى أَفَلاَ جَلَسَ فِى بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، وَاللَّهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ، إِلاَّ لَقِىَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِىَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ»، ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رُئِىَ بَيَاضُ إِبْطِهِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟» بَصْرَ عَيْنِى وَسَمْعَ أُذُنِى. وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) أبو محمد القرشي الهباري الكوفي من ولد هبار بن الأسود واسمه عبد الله وعبيد لقب غلب عليه قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن أبي حميد) بضم الحاء عبد الرحمن أو المنذر (الساعدي) الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: استعمل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً على صدقات بني سليم) بضم السن وفتح اللام (يدعى) الرجل (ابن اللتبية) بضم اللام وفتح الفوقية وسكونها وكسر الموحدة وتشديد التحتية عبد الله واللتبية اسم أمه قال ابن حجر لم أقف على تسميتها (فلما جاء) وفي الأحكام فلما قدم (حاسبه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي أمر من حاسبه (قال: هذا مالكم وهذا هدية) أهديت لي (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له: (فهلا) ولأبي ذر عن المستملي فهل بإسقاط الألف وتخفيف اللام (جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك وإن كنت صادقًا ثم خطبنا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فحمد الله) عز وجل (وأثنى عليه) بما هو أهله (ثم قال: أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته والله لا يأخذ أحد منكم شيئًا) من الصدقة (بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة فلأعرفن أحدًا) بنون التوكيد الثقيلة وبعد اللام همزة أي والله لأعرفن وفي نسخة فلا أعرفن بألف بعد اللام ثم همزة فلا ناهية للمتكلم صورة وفي المعنى نهي لقوله أحدًا (منكم لقي الله) حال كونه (يحمل بعيرًا) على عنقه حال كونه (له رغاء) بضم الراء وفتح الغين المعجمة وبالهمزة ممدودًا صفة لبعير أي صوت (أو) يحمل (بقرة) على عنقه (لها خوار) بضم الخاء المعجمة وفتح الواو المخففة بعدها ألف فراء صوت أيضًا (أو) يحمل على عنقه (شاة تيعر) بفتح الفوقية وسكون التحتية وفتح العين المهملة بعدها راء تصوّت (ثم رفع) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يديه) بالتثنية والذي في اليونينية يده بالإفراد (حتى رئي) براء مضمومة فهمزة مكسورة فتحتية ولأبي ذر ريء بكسر الراء بعدها تحتية ساكنة فهمزة (بياض إبطه) بالإفراد وفي نسخة إبطيه بالتثنية حال كونه (يقول: اللهم هل بلغت) ما أمرتني به (بصر عيني وسمع أذني) بفتح الموحدة وسكون الصاد المهملة وفتح الراء وسمع بفتح السين المهملة وسكون الميم وفتح العين كذا في الفرع كأصله وضبطه أكثرهم كذلك فيما قاله القاضي عياض. قال سيبويه: العرب تقول سمع أذني زيدًا ورأي عيني تقول ذلك بضم آخرهما. قال القاضي عياض: وأما الذي في كتاب الحيل فوجهه النصب على المصدر لأنه لم يذكر المفعول بعده، وقال في الفتح: وبصر بفتح الموحدة وضم الصاد وسمع بفتح السين وكسر الميم أي بلفظ الماضي فيهما أي أبصرت عيناي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ناطقًا رافعًا يديه وسمعت كلامه فيكون من قول أبي حميد، وعلى القول بأنهما مصدران مضافان فمفعول بلغت، ويكون من قول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكن عند أبي عوانة من رواية ابن جريج عن هشام بصر عينا أبي حميد وسمع أذناه وحينئذٍ يتعين أن يكون بضم الصاد وكسر الميم، وفي رواية مسلم من طريق أبي الزناد عن عروة قلت لأبي حميد أسمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: من فيه إلى أذني، وقوله عيني وأذني بالإفراد فيهما. وفي مسلم من طريق أبي أسامة بصر وسمع بالسكون فيهما والتثنية في أذنيّ وعينيّ وعنده من رواية ابن نمير بصر عيناي وسمع أذناي. قال المهلب: حيلة العامل ليهدى له تقع بأن يسامح بعض من عليه الحق فلذلك قال هلا جلس في بيت أبيه وأمه لينظر هل يهدى له. وقال في فتح الباري ومطابقة

الحديث للترجمة من جهة تملكه ما أهدي إنما كان لعلة كونه عاملاً فاعتقد أن الذي أهدي له يستبد به دون أصحاب الحقوق التي عمل فيها فبين له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الحقوق التي عمل لأجلها هي السبب في الإهداء له وأنه لو أقام في منزله لم يهد له شيء فلا ينبغي له أن يستحلها بمجرد كونها وصلت إليه على طريق الهدية فإن ذلك إنما يكون حيث يتمحض الحق له. والحديث سبق في الهبة والنذور والزكاة. 6980 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، عَنْ أَبِى رَافِعٍ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ». وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنِ اشْتَرَى دَارًا بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَحْتَالَ حَتَّى يَشْتَرِىَ الدَّارَ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَيَنْقُدَهُ تِسْعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَتِسْعَمِائَةَ دِرْهَمٍ، وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَيَنْقُدَهُ دِينَارًا بِمَا بَقِىَ مِنَ الْعِشْرِينَ الأَلْفَ، فَإِنْ طَلَبَ الشَّفِيعُ أَخَذَهَا بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَإِلاَّ فَلاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَى الدَّارِ، فَإِنِ اسْتُحِقَّتِ الدَّارُ رَجَعَ الْمُشْتَرِى عَلَى الْبَائِعِ بِمَا دَفَعَ إِلَيْهِ، وَهْوَ تِسْعَةُ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَتِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا وَدِينَارٌ لأَنَّ الْبَيْعَ حِينَ اسْتُحِقَّ انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِى الدِّينَارِ، فَإِنْ وَجَدَ بِهَذِهِ الدَّارِ عَيْبًا وَلَمْ تُسْتَحَقَّ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ: فَأَجَازَ هَذَا الْخِدَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ دَاءَ وَلاَ خِبْثَةَ وَلاَ غَائِلَةَ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن إبراهيم بن ميسرة) الطائفي (عن عمرو بن الشريد) الثقفي (عن أبي رافع) اسمه أسلم أنه (قال: قال النبي) ولأبي ذر قال لنا النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (الجار أحق بصقبه) ولأبي ذر بسقبه بالسين بدل الصاد أي أحق بقريبه بأن يتعهده ويتصدق عليه مثلاً وسبق ما فيه قريبًا. (وقال بعض الناس) الإمام أبو حنيفة النعمان (إن اشترى) أي إن أراد أن يشتري (دارًا بعشرين ألف درهم) مثلاً (فلا بأس أن يحتال) على إسقاط الشفعة (حتى يشتري الدار بعشرين ألف درهم وينقده) بفتح التحتية أي ينقد البائع (تسعة آلاف درهم وتسعمائة درهم وتسعة وتسعين وينقده دينارًا بما) أي بمقابلة ما (بقي من العشرين الألف) ولأبي ذر ألف بإسقاط لام ألف يعني مصارفة عنها (فإن طلب الشفيع أخذها) بسكون الخاء بالشفعة أخذها (بعشرين ألف درهم) وهي الثمن الذي وقع عليه العقد (وإلاَّ) بأن لم يرض أن يأخذها بالعشرين ألفًا (فلا سبيل له على الدار) لسقوط الشفعة لامتناعه من بذل الثمن الذي وقع عليه العقد (فإن استحقت الدار) بضم الفوقية وكسر الحاء المهملة أي ظهرت مستحقة لغير البائع (رجع المشتري على البائع بما دفع إليه وهو تسعة آلاف درهم وتسعمائة وتسعة وتسعون درهمًا ودينار) لكونه القدر الذي تسلمه منه ولا يرجع عليه بما وقع عليه العقد (لأن البيع) أي المبيع (حين استحق) بضم التاء مبنيًّا للمفعول للغير (انتقض) بالضاد المعجمة (الصرف) الذي وقع بين البائع والمشتري (في الدينار) ولأبي ذر في الدار (فإن وجد) بفتح الواو (بهذه الدار) المذكورة (عيبًا ولم تستحق) بالبناء للمجهول أي والحال أنها لم تخرج مستحقة (فإنه يردّها عليه بعشرين ألف درهم) ولأبي ذر بعشرين ألفًا، وهذا تناقض ظاهر لأن الأمة مجمعة وأبو حنيفة معهم على أن البائع لا يردّ في الاستحقاق والردّ بالعيب إلا ما قبض فكذلك الشفيع لا يشفع إلا بما نقد المشتري وما قبضه من البائع لا بما عقد، وأشار إلى ذلك بقوله: (قال) البخاري (فأجاز) أي أبو حنيفة -رحمه الله- (هذا الخداع بين المسلمين) والخداع بكسر الخاء المعجمة أي الحيلة في إيقاع الشريك في الغبن الشديد إن أخذ بالشفعة أو إبطال حقه بسبب الزيادة في الثمن باعتبار العقد لو تركها. (وقال) البخاري (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط واو وقال الأولى لأبي ذر (لا داء) ولأبي ذر بيع المسلم لا داء لا مرض (ولا خبثة) بكسر الخاء المعجمة وتضم وسكون الموحدة بعدها مثلثة بأن يكون المبيع غير طيب كأن يكون من قوم لم يحل سبيهم لعهد تقدّم لهم قاله أبو عبيدة. قال السفاقسي: وهذا في عهدة الرقيق. قال في الفتح: وإنما خصه بذلك لأن الخبر إنما ورد فيه (ولا غائلة) بالغين المعجمة مهموزًا ممدودًا لا سرقة ولا إباق. وهذا الحديث سبق في أوائل البيوع في باب إذا بين البيعان ونصحا بلفظ ويذكر عن العدّاء بن خالد قال: كتب لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا ما اشترى محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من العدّاء بن خالد بيع المسلم المسلم لا داء ولا خبثة ولا غائلة. قال في الفتح: وسنده حسن وله طرق إلى العدّاء ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجة موصولاً لكن فيه أن المشتري العدّاء من محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وسبق ما في ذلك في الباب المذكور. 6981 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ، أَنَّ أَبَا رَافِعٍ سَاوَمَ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ بَيْتًا بِأَرْبَعِمِائَةِ مِثْقَالٍ، وَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» مَا أَعْطَيْتُكَ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان

91 - كتاب التعبير

(عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن ميسرة) ضدّ الميمنة الطائفي (عن عمرو بن الشريد) بفتح العين والشين المعجمة آخره دال مهملة (أن أبا رافع) مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسمه أسلم (ساوم سعد بن مالك) أبا وقاص بن وهيب بن عبد مناف أحد العشرة وأول من رمى بسهم في سبيل الله (بيتًا) في داره (بأربعمائة مثقال. وقال) أبو رافع بعد قوله أعطيت خمسمائة نقدًا فمنعته (لولا أني سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (الجار أحق بصقبه) بالصاد ولأبي ذر بالسين (ما أعطيتك) البيت. قال في فتح الباري: قوله حدّثنا أبو نعيم حدّثنا سفيان إلى آخره كذا وقع للأكثر هذا الحديث وما بعده متصلاً بباب احتيال العامل وأظنه وقع هنا تقديم وتأخير، فإن الحديث وما بعده يتعلقان بباب الهبة والشفعة، فلما جعل الترجمة مشتركة جمع بين مسائلها، ومن ثم قال الكرماني: إنه من تصرف النقلة، وقد وقع عند ابن بطال هنا باب بلا ترجمة ثم ذكر الحديث وما بعده ثم ذكر باب احتيال العامل، وعلى هذا فلا إشكال لأنه حينئذٍ كالفصل من الباب، ويحتمل أن يكون في الأصل بعد قصة ابن اللتبية باب بلا ترجمة فسقطت الترجمة فقط أو بيّض لها في الأصل. بسم الله الرحمن الرحيم 91 - كتاب التعبير ثبتت البسملة هنا للجميع. 1 - باب أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْوَحْىِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ (كتاب التعبير) أي تفسير الرؤيا وهو العبور من ظاهرها إلى باطنها قاله الراغب. وقال في المدارك: حقيقة عبرت الرؤيا ذكرت عاقبتها وآخر أمرها كما تقول: عبرت النهر إذا قطعته حتى تبلغ آخر عرضه وهو عبره ونحوه أوّلت الرؤيا إذا ذكرت مآلها وهو مرجعها، وقال البيضاوي: عبارة الرؤيا الانتقال من الصور الخيالية إلى المعاني النفسانية التي هي مثالها من العبور وهو المجاوزة اهـ. وعبرت الرؤيا بالتخفيف هو الذي اعتمده الإثبات وأنكروا التشديد، لكن قال الزمخشري عثرت على بيت أنشده المبرد في كتاب الكامل لبعض الأعراب: رأيت رؤيا ثم عبرتها ... وكنت للأحلام عبارا وقال غيره: يقال عبر الرؤيا بالتخفيف إذا فسرتها وعبرتها. بالتشديد للمبالغة في ذلك، ولأبي ذر كتاب التعبير (وأول ما بدئ به رسول الله) ولأبي ذر عن المستملي باب بالتنوين أوّل ما بدئ به رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الوحي) إليه (الرؤيا الصالحة) أي الحسنة أو الصادقة والمراد بها صحتها والرؤيا كالرؤية غير أنها مختصة بما يكون في النوم ففرق بينهما بتاء التأنيث كالقربة والقربى، وقال الراغب: بالهاء إدراك المرئي بحاسة البصر ويطلق على ما يدرك بالتخيل نحو: أرى أن زيدًا سافر، وعلى التفكر النظري نحو: إني أرى ما لا ترون، وعلى الرأي وهو اعتقاد أحد النقيضين من غلبة الظن. وقال ابن الأثير: الرؤيا والحلم عبارة عما يراه النائم في النوم من الأشياء، لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشيء الحسن وغلب الحلم على ما يراه من الشر والقبيح، ومنه قوله تعالى: {أضغاث أحلام} [يوسف: 44] وتضم لام الحلم وتسكن، وفي الحديث: الرؤيا من الله والحلم من الشيطان. قال التوربشتي: الحلم عند العرب مستعمل استعمال الرؤيا والتفريق بينهما إنما كان من الاصطلاحات الشرعية التي لم يضعها حليم ولم يهتد إليها حكيم بل سنّها صاحب الشرع للفصل بين الحق والباطل كأنه كره أن يسمي ما كان من الله وما كان من الشيطان باسم واحد فجعل الرؤيا عبارة عما كان من الله والحلم عما كان من الشيطان لأن الكلمة لم تستعمل إلا فيما يخيل للحاكم في منامه من قضاء الشهوة مما لا حقيقة له. قال صاحب فتوح الغيب: ولعل التوربشتي أراد بقوله ولم يهتد إليها حكيم ما عرفتها الفلاسفة على ما نقله القاضي البيضاوي في تفسيره الرؤيا انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة إلى الحس المشترك، والصادقة منها إنما تكون باتصال النفس بالملكوت لما بينهما

من التناسب عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ فتتصور بما فيها ما يليق بها من المعاني الحاصلة هناك، ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبه فترسلها إلى الحس المشترك فتصير مشاهدة، ثم وإن كانت شديدة المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوت إلا بأدنى شيء استغنت الرؤيا عن التعبير وإلا احتاجت إليه. انتهى. وقال من ينتمي إلى الطب أن جميع الرؤيا تنسب إلى الاخلاط فيقول من غلبت عليه البلغم رأى أنه يسبح في الماء ونحو ذلك لمناسبة الماء طبيعة البلغم ومن غلبت عليه الصفراء رأى النيران والصعود في الجوّ وهكذا إلى آخره. 6982 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَحَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ قَالَ الزُّهْرِىُّ فَأَخْبَرَنِى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْوَحْىِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِى النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، فَكَانَ يَأْتِى حِرَاءً فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ وَهْوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِىَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهْوَ فِى غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ فَقَالَ: «اقْرَأْ فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَقَالَ: اقْرَأْ فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجَهْدَ، ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَقَالَ: اقْرَأْ فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَغَطَّنِى الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ} --حَتَّى بَلَغَ- {مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5]» فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: «زَمِّلُونِى زَمِّلُونِى» فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ: «يَا خَدِيجَةُ مَا لِى» وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ وَقَالَ: «قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِى» فَقَالَتْ لَهُ: كَلاَّ أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَقْرِى الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَىٍّ - وَهْوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخُو أَبِيهَا، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِىَّ فَيَكْتُبُ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنَ الإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِىَ فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَىِ ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ فَقَالَ وَرَقَةُ: ابْنَ أَخِى مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا رَأَى فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِى أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِى فِيهَا جَذَعًا أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوَمُخْرِجِىَّ هُمْ؟» فَقَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِىَ وَإِنْ يُدْرِكْنِى يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّىَ وَفَتَرَ الْوَحْىُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَىْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَىْ يُلْقِىَ مِنْهُ نَفْسَهُ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ وَتَقِرُّ نَفْسُهُ، فَيَرْجِعُ فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْىِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَالِقُ الإِصْبَاحِ ضَوْءُ الشَّمْسِ بِالنَّهَارِ وَضَوْءُ الْقَمَرِ بِاللَّيْلِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله المخزومي المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتع القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم. قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (معمر) هو ابن راشد ولفظ الحديث له لا لعقيل (قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (فأخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير بن العوّام والفاء في فأخبرني للعطف على مقدر أي أنه روى له حديثًا وهو عند البيهقي في دلائله من وجه آخر عن الزهري عن محمد بن النعمان بن بشير مرسلاً فذكر قصة بدء الوحي مختصرة ونزول: {اقرأ باسم ربك} إلى قوله: {خلق الإنسان من علق} [العلق: 1، 2] قال محمد بن النعمان: فرجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك. قال الزهري: فسمعت عروة بن الزبير يقول قالت عائشة فذكر الحديث مطوّلاً ثم عقبه بهذا الحديث (عن عائشة -رضي الله عنها- أنه قالت: أوّل ما بدئ) بضم الموحدة وكسر المهملة بعدها همزة (به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الوحي الرؤيا الصادقة) التي ليس فيها ضغث، أو التي لا تحتاج إلى تعبير. وفي التعبير للقادري الرؤيا الصادقة ما يقع بعينه أو ما يعبر في المنام أو يخبر به من لا يكذب، وفي باب كيف بدء الوحي الصالحة بدل الصادقة وهما بمعنى واحد بالنسبة إلى أمور الآخرة في حق الأنبياء، وأما بالنسبة إلى أمور الدنيا فالصالحة في الأصل أخص فرؤيا الأنبياء كلها صادقة وقد تكون صالحة وهي الأكثر وغير صالحة بالنسبة للدنيا كما وقع في الرؤيا يوم أحد، وقال (في النوم) بعد الرؤيا المخصوصة به لزيادة الإيضاح أو لدفع وهم من يتوهم أن الرؤيا تطلق على رؤية العين فهي صفة موضحة (فكان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لا يرى رؤيا إلا جاءت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إلا جاءته (مثل فلق الصبح) قال القاضي البيضاوي: شبه ما جاءه في اليقظة ووجده في الخارج طبقًا لما رآه في المنام بالصبح في إنارته ووضوحه والفلق الصبح لكنه لما كان مستعملاً في هذا المعنى وفي غيره أضيف إليه للتخصيص والبيان إضافة العام إلى الخاص، وقال في شرح المشكاة: للفلق شأن عظيم ولذا جاء وصفًا لله تعالى في قوله: {فالق الإصباح} [الأنعام: 96] وأمر بالاستعاذة برب الفلق لأنه ينبئ عن انشقاق ظلمة عالم الشهادة وطلوع تباشير الصبح بظهور سلطان الشمس وإشراقها الآفاق، كما أن الرؤيا الصالحة مبشرة تنبئ عن وفور أنوار عالم الغيب وإنارة مطالع الهدايات بسبب الرؤيا التي هي جزء يسير من أجزاء النبوة (فكان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يأتي حراء) بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء ممدودة مذكر منصرف على الصحيح وقيل مؤنث غير منصرف (فيتحنث) بالحاء المهملة آخره مثلثة في غار (فيه وهو) أي التحنث (التعبد) بالخلوة ومشاهدة الكعبة منه والتفكر أو بما كان يلقى إليه من المعرفة (الليالي ذوات العدد) مع أيامهن والوصف بذوات العدد يفيد التقليل كدراهم معدودة، وقال الكرماني: يحتمل الكثرة إذ الكثير يحتاج إلى العدد وهو المناسب للمقام وإنما كان يخلو عليه الصلاة والسلام بحراء دون غيره لأن جده عبد المطلب أول من كان يخلو فيه من قريش، وكانوا يعظمونه لجلالته وكبر سنّه فتبعه على ذلك فكان يخلو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكان جدّه وكان الزمن

الذي يخلو فيه شهر رمضان فإن قريشًا كانت تفعله كما كان تصوم يوم عاشوراء (ويتزوّد لذلك) التعبد (ثم يرجع) إذا نفد ذلك الزاد (إلى خديجة) -رضي الله عنها- (فتزوّده) ولأبي ذر عن الكشميهني فتزوّد بحذف الضمير (لمثلها) لمثل الليالي (حتى فجئه الحق) بفتح الفاء وكسر الجيم بعدها همزة أي جاءه الوحي بغتة وكأنه لم يكن متوقعًا للوحي قاله النووي، وتعقبه البلقيني سمي به لأن الله خصصه بالوحي (وهو) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في غار حراء فجاءه الملك) جبريل عليه السلام وفاء فجاءه تفسيرية أو تعقيبية أو سببية وحتى لانتهاء الغاية أي انتهى توجهه لغار حراء بمجيء جبريل (فيه) في الغار (فقال: اقرأ) وهل سلم قبل قوله اقرأ أم لا؟ الظاهر لا لأن المقصود إذ ذاك تفخيم الأمر وتهويله أو ابتداء السلام متعلق بالبشر لا الملائكة ووقوعه منهم على إبراهيم لأنهم كانوا في صورة البشر فلا يرد هنا ولا سلامهم على أهل الجنة لأن أمور الآخرة مغايرة لأمور الدنيا غالبًا، نعم في رواية الطيالسي إن جبريل سلم أولاً، لكن لم يرد أنه سلم عند الأمر بالقراءة قاله في الفتح (فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما أنا بقارئ) ولغير أبي ذر فقلت: ما أنا بقارئ أي ما أحسن أن أقرأ (فأخذني) جبريل (فغطّني) ضمني وعصرني (حتى بلغ مني الجهد) بفتح الجيم ونصب الدال مفعول حذف فاعله أي بلغ الغط مني الجهد وبضم الجيم ورفع الدال أي بلغ مني الجهد مبلغه فاعل بلغ (ثم أرسلني) أطلقني (فقال: اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخدني فغطّني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فغطني) ولأبي ذر عن الكشميهني فأخذني فغطني (الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني) قال في شرح المشكاة قوله ما أنا بقارئ أي حكمي كسائر الناس من أن حصول القراءة إنما هو بالتعلم وعدمه بعدمه فلذلك أخذه وغطّه مرارًا ليخرجه عن حكم سائر الناس ويستفرغ منه البشرية ويفرغ فيه من صفات الملكية (فقال) له حينئذ لما علم المعنى ({اقرأ باسم ربك الذي خلق}) كل شيء وموضع باسم ربك النصب على الحال أي اقرأ مفتتحًا باسم ربك قل باسم الله ثم اقرأ (حتى بلغ {ما لم يعلم}) [العلق: 1 - 5] ولأبي ذر حتى بلغ: {علّم الإنسان ما لم يعلم} وفيه كما قال الطيبي إشارة إلى رد ما تصوّره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أن القراءة إنما تتيسر بطريق التعليم فقط بل إنها كما تحصل بواسطة المعلم قد تحصل بتعليم الله بلا واسطة فقوله: علم بالقلم إشارة إلى العلم التعليمي وقول: علم الإنسان ما لم يعلم إشارة إلى العلم اللدني ومصداقه قوله تعالى: {إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى} [النجم: 5] (فرجع بها) بالآيات المذكورة حال كونه (ترجف) تضطرب (بوادره) جمع بادرة وهي اللحمة بين العنق والمنكب، وقال ابن بري هي ما بين المنكب والعنق يعني أنها لا تختص بعضو واحد وإنما رجفت بوادره لما فجئه من الأمر المخالف للعادة لأن النبوة لا تزيل طباع البشرية كلها (حتى دخل على خديجة فقال: زملوني زملوني) مرتين أي غطّوني بالثياب ولفوني بها (فزملوه) بفتح الميم (حتى ذهب عنه الروع) بفتح الراء الفزع (فقال: يا خديجة ما لي وأخبرها) ولأبي ذر عن الكشميهني وأخبر (الخبر وقال: قد خشيت على نفسي) أن لا أقوى على مقاومة هذا الأمر ولا أقدر على حمل أعباء الوحي فتزهق نفسي ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عليٌّ بتشديد الياء (فقالت له) خديجة: (كلا) نفي وإبعاد أي لا خوف عليك (أبشر) بخير أو بأنك رسول الله حقًّا (فوالله لا يخزيك الله أبدًا) بضم التحتية وسكون الخاء المعجمة من الخزي ولأبي ذر عن الكشميهني لا يحزنك بالحاء المهملة والنون بدل المعجمة والياء من الحزن (إنك لتصل الرحم) أي القرابة (وتصدق الحديث وتحمل الكل) بفتح الكاف وتشديد اللام الثقل ويدخل فيه الإنفاق

على الضيف واليتيم والعيال وغير ذلك (وتقري الضيف) بفتح الفوقية من غير همز أي تهيئ له طعامه ونزله (وتعين على نوائب الحق) حوادثه أرادت أنك لست ممن يصيبه مكروه لما جمع الله فيك من مكارم الأخلاق ومحاسن الشمائل. وفيه دلالة على أن مكارم الأخلاق وخصال الخير سبب للسلامة من مصارع السوء وفيه مدح الإنسان في وجهه في بعض الأحوال لمصلحة تطرأ، وفيه تأنيس من حصلت له مخافة من أمر، وفي دلائل النبوة للبيهقي من طريق أبي ميسرة مرسلاً أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قصّ على خديجة ما رأى في المنام فقالت له: أبشر فإن الله لا يصنع بك إلا خيرًا ثم أخبرها بما وقع له من شق البطن وإعادته فقالت له: أبشر إن هذا والله خير ثم استعلن له جبريل فذكر القصة فقال لها: أرأيتك الذي رأيت في المنام فإنه جبريل استعلن لي بأن ربي أرسله إليّ وأخبرها بما جاء به فقالت: أبشر فوالله لا يفعل الله بك إلاّ خيرًا فأقبل الذي جاءك من الله فإنه حق وأبشر فإنك رسول الله. (ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به) مصاحبة له (ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي وهو) أي ورقة (ابن عم خديجة) وهو (أخو أبيها) ولابن عساكر فيما ذكره في الفتح أخي أبيها بالجر في أخي صفة للعم ووجه الرفع أنه خبر مبتدأ محذوف وفائدته رفع المجاز في إطلاق العم فيه (وكان) ورقة (امرأً تنصّر) دخل في دين النصرانية (في الجاهلية) قبل البعثة المحمدية (وكان يكتب الكتاب العربي) وفي باب بدء الوحي العبراني (فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب) أي الذي شاء الله كتابته (وكان شيخًا كبيرًا قد عمي فقالت له) لورقة (خديجة: أي ابن عم اسمع من ابن أخيك) محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ورقة ابن أخي) بنصب ابن منادى مضاف (ماذا ترى؟ فأخبره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما رأى) وفي بدء الوحي خبر ما رأى (فقال) له (ورقة هذا الناموس) جبريل صاحب سر الخير (الذي أنزل) بضم الهمزة (على موسى) بن عمران -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يقل عيسى مع كونه نصرانيًا لأن نزول جبريل عليه السلام متفق عليه عند أهل الكتابين بخلاف عيسى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يا ليتني فيها) في أيام النبوة ومدّتها (جذعًا) يعني شابًّا قويًا والجذع في الأصل للدواب فهو هنا استعارة وهو بالجيم المعجمة المفتوحتين وبالنصب بكان مقدّرة عند الكوفيين أو على الحال من الضمير في فيها وخبر ليت قوله فيها أي ليتني كائن فيها حال الشبيبة والقوّة لأنصرك وأبالغ في نصرتك (أكون) وفي بدء الوحي ليتني أكون (حيًّا حين يخرجك قومك) من مكة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أ) معاديّ (ومخرجيّ هم) بتشديد الياء المفتوحة وقال ذلك استبعادًا للإخراج وتعجبًا منه فيؤخذ منه كما قال السهيلي إن مفارقة الوطن على النفس شديدة لإظهاره عليه الصلاة والسلام الإنزعاج لذلك بخلاف ما سمعه من ورقة من إيذائهم وتكذيبهم له (فقال ورقة) له: (نعم) مخرجوك (لم يأت رجل قط بما) ولأبي ذر عن الكشميهني بمثل ما (جئت به) من الوحي (إلاَّ عودي) لأن الإخراج عن المألوف سبب لذلك (وإن يدركني يومك) بجزم يدركني بأن الشرطية ورفع يومك فاعل يدركني أي يوم انتشار نبوتك (أنصرك) بالجزم جواب الشرط (نصرًا) بالنصب على المصدرية (مؤزرًا) من الإزر وهو القوة (ثم لم ينشب) بالشين المعجمة لم يلبث (ورقة أن توفي) بدل اشتمال من ورقة أي لم تلبث وفاته (وفتر الوحي) احتبس ثلاث سنين أو سنتين ونصفًا (فترة حتى حزن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر زاي حزن (فيما بلغنا) معترض بين الفعل ومصدره وهو (حزنًا) والقائل هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري من بلاغاته وليس موصولاً، ويحتمل أن يكون بلغه بالإسناد المذكور، والمعنى أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع في هذه القصة وهو عند ابن مردويه في التفسير بإسقاط قوله: فيما بلغنا ولفظه: فترة حزن النبي -صَلَّى اللَّهُ

تنبيه:

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منها حزنًا (غدا) بغين معجمة في الفرع من الذهاب غدوة، وفي نسخة عدا بالعين المهملة من العدو وهو الذهاب بسرعة (منه) من الحزن (مرارًا كي يتردّى) يسقط (من رؤوس شواهق الجبال) العالية (فكلما أوفى بذروة جبل) بكسر الذال المعجمة وتفتح وتضم أعلاه (لكي يلقي منه) من الجبل (نفسه) المقدسة إشفاقًا أن تكون الفترة لأمر أو سبب منه فتكون عقوبة من ربه ففعل ذلك بنفسه ولم يرد شرع بالنهي عن ذلك فيعترض به أو حزن على ما فاته من الأمر الذي بشره به ورقة، ولم يكن خوطب عن الله أنك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومبعوث إلى عباده. وعند ابن سعد من حديث ابن عباس بنحو هذا البلاغ الذي ذكره الزهري، وقوله: مكث أيامًا بعد مجيء الوحي لا يرى جبريل فحزن حزنًا شديدًا حتى كان يغدو إلى ثبير مرة وإلى حراء أخرى يريد أن يلقي نفسه (تبدى) ظهر الله جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقًّا). وفي حديث ابن سعد المذكور: فبينا هو عامد لبعض تلك الجبال إذ سمع صوتًا فوقف فزعًا ثم رفع رأسه فإذا جبريل على كرسي بين السماء والأرض متربعًا يقول: يا محمد أنت رسول الله حقًّا وأنا جبريل (فيسكن لذلك جأشه) بالجيم ثم الهمزة الساكنة ثم الشين المعجمة اضطراب قلبه (وتقرّ) بكسر القاف في الفرع وفي غيره بفتحها (نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل) لكي يلقي منه نفسه (تبدى) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بدا أي ظهر (له جبريل فقال له مثل ذلك) يا محمد إنك رسول الله حقًّا. تنبيه: قال في فتح الباري: قوله هنا فترة حتى حزن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما بلغنا هذا وما بعده من زيادة معمر على رواية عقيل ويونس وصنيع المؤلّف يوهم أنه داخل في رواية عقيل، وقد جرى على ذلك الحمري في جمعه فساق الحديث إلى قوله وفتر الوحي، ثم قال: انتهى حديث عقيل المفرد عن ابن شهاب إلى حيث ذكرنا، وزاد عند البخاري في حديثه المقترن بمعمر عن الزهري فقال وفتر الوحي فترة حتى حزن فساقه إلى آخره. قال الحافظ ابن حجر والذي عندي أن هذه الزيادة خاصة برواية معمر فقد أخرج طريق عقيل أبو نعيم في مستخرجه من طريق أبي زرعة الرازي عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه في أول الكتاب بدونه، وأخرجه مقرونًا هنا برواية معمر وبين أن اللفظ لمعمر وكذلك صرح الإسماعيلي أن الزيادة في رواية معمر، وأخرجه أحمد ومسلم والإسماعيلي وغيرهم وأبو نعيم أيضًا من طريق جمع من أصحاب الليث عن الليث بدونها اهـ. وقال عياض: إن قول معمر في فترة الوحي فحزن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما بلغنا حزنًا غدًا منه مرارًا كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال لا يقدح في هذا الأصل أي ما قرره من عدم طريان الشك عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقول معمر عنه فيما بلغنا ولم يسنده ولا ذكر رواته ولا من حدث به ولا أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاله، ولا يعرف مثل هذا إلا من جهته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أنه قد يحمل على أنه كان أوّل الأمر أو أنه فعل ذلك لما أحرجه من تكذيب من بلغه كما قال تعالى: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يومنوا بهذا الحديث أسفًا} [الكهف: 6] اهـ. وحاصله أنه ذكر أنه غير قادح من وجهين أحدهما: فيما يتعلق بالمتن من جهة قوله: فيما بلغنا حيث لم يسنده وأنه لا يعلم ذلك إلا من جهة المنقول عنه، والثاني: أنه أوّل الأمر أو أنه فعل ذلك لما أحرجه من تكذيب قومه وفيه بحث إذ عدم إسناده لا يوجب قدحًا في الصحة بل الغالب على الظن أنه بلغه من الثقات لأنه ثقة، لا سيما ولم ينفرد معمر بذلك كما بأن في إطلاق هذا النفي نظرًا فعند ابن إسحاق عن عبيد بن عمير أنه وقع في المنام نظير ما وقع له في اليقظة من الغط والأمر بالقراءة وغير ذلك. قال في الفتح: وفي كون ذلك يستلزم وقوعه في اليقظة حتى يتوقعه نظر فالأولى ترك الجزم بأحد الأمرين. قال الهروي: سبق وروينا أيضًا من طريق الدولابي مما في سيرة ابن سعيد الناس عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة الحديث وفيه: ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي حتى حزن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما بلغنا حزنًا الخ. فاعتضدت كل رواية الأخرى، وكل من الزهري ومعمر ثقة وعلى تقدير الصحة لا يكون قادحًا كما ذكره عياض، لكن لا بالنسبة إلى أنه في أول الأمر لاستقرار الحال فيه مدة بل

2 - باب رؤيا الصالحين

بالنسبة إلى ما أحرجه من التكذيب إذ لا شيء فيه قطعًا بدليل قوله تعالى: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم} [الكهف: 6] أي قاتل نفسك أسفًا وكان التعبير بقوله حصل له ذلك لما أحرجه أحسن من قوله فعل لأن الحزن حالة تحصل للإنسان يجدها من نفسه بسبب لا أنه من أفعاله الاختيارية. وحديث الباب أخرجه المؤلّف في باب بدء الوحي. (قال) ولأبي ذر وقال (ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله الطبري من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {فالق الإصباح} [الأنعام: 96] الإصباح (ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل) واعترض على المؤلّف بأن ابن عباس فسر الإصباح لا لفظ فالق الذي هو المراد هنا، لأن المؤلّف ذكره عقب هذا الحديث لما وقع فيه فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، والإصباح مصدر سمي به الصبح أي شاق عمود الصبح عن سواد الليل أو فالق نور النهار. نعم قال مجاهد كما سبق في تفسير {قل أعوذ برب الفلق} [الفلق: 1] الفلق: الصبح. وأخرج الطبري عنه أيضًا في قوله فالق الإصباح. قال: إضاءة الصبح، وعلى هذا فالمراد بفلق الصبح إضاءته فالله سبحانه وتعالى يفلق ظلام الليل عن غرّة الصباح فيضيء الوجود ويستنير الأفق ويضمحل الظلام ويذهب الليل، وقول ابن عباس هذا ثابت في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني وكذا النسفيّ، ولأبي زيد المروزي عن الفربري. 2 - باب رُؤْيَا الصَّالِحِينَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27]. (باب رؤيا الصالحين) والإضافة للفاعل وفي نسخة الصالحة وعليها يحتمل أن يكون الرؤيا بالتعريف (وقوله) بالجر عطفًا على السابق ولأبي ذر وقول الله (تعالى: {لقد صدق الله رسوله الرؤيا}) أي صدقه في رؤياه ولم يكذبه تعالى الله عن الكذب وعن كل قبيح علوًّا كبيرًا وقال في فتوح الغيب هذا صدق بالفعل وهو التحقيق أي حقق رؤيته وحذف الجار وأوصل الفعل كقوله: {صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23] ({بالحق}) متلبسًا به فإن ما رآه كائن لا محالة في وقته المقدر له وهو العام القابل ويجوز أن يكون بالحق صفة مصدر محذوف أي صدقًا متلبسًا بالحق وهو القصد إلى التمييز بين المؤمن المخلص وبين من في قلبه مرض وأن يكون قسمًا إما بالحق الذي هو نقيض الباطل أو بالحق الذي هو من أسمائه وجوابه ({لتدخلن المسجد الحرام}) وعلى الأول هو جواب قسم محذوف ({إن شاء الله}) حكاية من الله تعالى قول رسوله لأصحابه وقصه عليهم أو تعليم لعباده أن يقولوا في غداتهم مثل ذلك متأدّبين بأدب الله ومقتدين بسنته ({آمنين}) حال والشرط معترض ({محلقين}) حال من الضمير في آمنين ({رؤوسكم}) أي جميع شعورها ({ومقصرين}) بعض شعورها ({لا تخافون}) حال مؤكدة ({فعلم ما لم تعلموا}) من الحكمة في تأخير فتح مكة إلى العام القابل ({فجعل من دون ذلك}) من دون فتح مكة ({فتحًا قريبًا}) [الفتح: 27] وهو فتح خيبر لتستروح إليه قلوب المؤمنين إلى أن يتيسر الفتح الموعود وتحققت الرؤيا في العام القابل. وقد روي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أري وهو بالحديبية أنه دخل مكة هو وأصحابه محلقين فلما نحر الهدي بالحديبية قال أصحابه: أين رؤياك: فنزلت رواه الفريابي وعبد بن حميد والطبري من طريق ابن أبي نجيح، وسقط لأبي ذر في روايته ({محلقين}) إلى آخرها وقال بعد قوله: {آمنين} إلى قوله: {فتحًا قريبًا}. 6983 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» [الحديث 6983 - طرفه في: 6994]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي (عن مالك) الإمام الأعظم (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الرؤيا الحسنة) أي الصالحة (من الرجل الصالح) وكذا المرأة الصالحة غالبًا (جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوّة) مجازًا لا حقيقة لأن النبوّة انقطعت بموته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجزء النبوّةِ لا يكون نبوة كما أن جزء الصلاة لا يكون صلاة. نعم إن وقعت من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهي جزء من أجزاء النبوّة حقيقة. وقيل: إن وقعت من غيره عليه السلام فهي جزء من علم النبوّة لأن النبوّة وإن انقطعت فعلمها باق، وقول مالك -رحمه الله- لما سئل أيعبر الرؤيا كل أحد فقال أبالنبوة تلعب، ثم

3 - باب الرؤيا من الله

قال: الرؤيا جزء من النبوّة فلا يلعب بالنبوة أجيب عنه: بأنه لم يرد أنها نبوة باقية وإنما أراد أنها لما أشبهت النبوّة من جهة الإطلاع على بعض الغيب لا ينبغي أن يتكلم فيها بغير علم. وأما وجه كونها ستة وأربعين جزءًا فأبدى بعضهم له مناسبة وذلك أن الله أوحى إلى نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المنام ستة أشهر ثم أوحى إليه بعد ذلك في اليقظة بقية مدة حياته، ونسبتها إلى الوحي في المنام جزء من ستة وأربعين جزءًا لأنه عاش بعد النبوة ثلاثًا وعشرين سنة على الصحيح، فالستة الأشهر نصف سنة فهي جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وتعقبه الخطابي بأنه قاله على سبيل الظن إذ إنه لم يثبت في ذلك خبر ولا أثر، ولئن سلمنا أن هذه المدة محسوبة من أجزاء النبوة لكنه يلحق بها سائر الأوقات التي كان يوحى إليه فيها منامًا في طول المدة كما ثبت كالرؤيا في أحد ودخول مكة وحينئذ فيتلفق من ذلك مدة أخرى تزاد في الحساب فتبطل القسمة التي ذكرها. وأجيب: بأن المراد وحي المنام المتتابع كما وقع في غضون وحي اليقظة فهو يسير بالنسبة إلى وحي اليقظة فهو مغمور في جانب وحي اليقظة فلم يعتبر به اهـ. وأما حصر العدد في السنّة والأربعين فقال المازري هو مما أطلع الله عليه نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال ابن العربي: أجزاء النبوة لا يعلم حقيقتها إلا نبي أو ملك وإنما القدر الذي أراد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبينه أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة في الجملة لأن فيها إطلاعًا على الغيب من وجه ما وأما تفصيل النسبة فيختص بمعرفته درجة النبوة. وقال المازري أيضًا: لا يلزم العالم أن يعرف كل شيء جملة وتفصيلاً فقد جعل الله حدًّا يقف عنده فيه ما يعلم المراد به جملة وتفصيلاً، ومنه ما يعلمه جملة لا تفصيلاً وهذا من هذا القبيل. وفي مسلم من حديث أبي هريرة جزء من خمسة وأربعين، وله أيضًا عن ابن عمر جزء من سبعين جزءًا، وللطبراني عنه جزء من ستة وسبعين وسنده ضعيف، وعند ابن عبد البر من طريق عبد العزيز بن المختار عن ثابت عن أنس مرفوعًا: جزء من ستة وعشرين، وعند الطبري في تهذيب الآثار عن ابن عباس جزء من خمسين، وللترمذي من طريق أبي رزين العقيلي جزء من أربعين، وللطبري من حديث عبادة جزء من أربعة وأربعين والمشهور ستة وأربعين. قال في الفتح ويمكن الجواب عن اختلاف الأعداد أنه بحسب الوقت الذي حدث فيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك كأن يكون لما أكمل ثلاث عشرة سنة بعد مجيء الوحي إليه حدث بأن الرؤيا جزء من ستة وعشرين إن ثبت الخبر بذلك وذلك وقت الهجرة ولما أكمل عشرين حدث بأربعين ولما أكمل اثنتين وعشرين حدث بأربعة وأربعين ثم بعدها بخمسة وأربعين ثم حدث بستة وأربعين في آخر حياته، وأما ما عدا ذلك من الروايات بعد الأربعين فضعيف ورواية الخمسين تحتمل أن تكون لجبر الكسر ورواية السبعين للمبالغة وما عدا ذلك لم يثبت اهـ. وقلما يصيب مؤوّل في حصر هذه الأجزاء، ولئن وقع له الإصابة في بعضها لما تشهد له الأحاديث المستخرج منها لم يسلم له ذلك في بقيتها والتقييد بالصالح جرى على الغالب فقد يرى الصالح الأضعاث، ولكنه نادر لقلة تمكن الشيطان منه بخلاف العكس وحينئذ فالناس على ثلاثة أقسام: الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ورؤياهم كلها صدق وقد يكون فيها ما يحتاج إلى تعبير، والصالحون والأغلب على رؤياهم الصدق وقد يقع فيها ما لا يحتاج إلى تعبير ومن عداهم يكون في رؤياهم الصدق، والأضعاث وهم على ثلاثة مستورون فالغالب استواء الحال في حقهم وفسقة والغالب على رؤياهم الأضغاث ويقل فيها الصدق وكفار ويندر في رؤياهم الصدق جدًّا قاله المهلب فيما ذكره في الفتح. فإن قلت: لم عبّر بلفظ النبوة دون لفظ الرسالة؟ أجيب: بأن السر فيه أن الرسالة تزيد على النبوة بالتبليغ بخلاف النبوة المجردة فإنها إطلاع على بعض المغيبات وكذلك الرؤيا. والحديث أخرجه النسائي وابن ماجة في التعبير. 3 - باب الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (الرؤيا من الله) تعالى، وسقط لفظ باب لغير أبي ذر. 6984 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ». وبه قال:

(حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا زهير) بن معاوية أبو خيثمة الكوفي قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (يحيي هو ابن سعيد) ولأبي ذر وهو ابن سعيد أي الأنصاري (قال: سمعت أبا سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال: سمعت أبا قتادة) الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الرؤيا) يراها الشخص في النوم مما يسره (من الله) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي الصادقة وله عن الكشميهني الصالحة (والحلم من الشيطان) بضم الحاء المهملة وسكون اللام. وقال السفاقسي بضمهما وهو ما يراه النائم من الأمر الفظيع المهول. قال ابن نفيس في شامله: قد تحدث الأحلام لأمر في المأكول وذلك بأن يكون كثير التبخير أو التدخين فإذا تصعد ذلك إلى الدماغ وصادف انفتاح البطن الأوسط منه وهو من شأنه أن يكون متفتحًا حال النوم حرّك ذلك البخاري أو الدخان أرواح الدماغ وغيرها عن أوضاعها فيعرض عن ذلك أن تختلط الصور التي في مقدم الدماغ بعضها ببعض وينفصل بعضها من بعض فيحدث من ذلك صور ليست على وفق الصور الواردة من الحواس والقوة التي تدرك تلك الصور حينئذ ويلزم ذلك أن يحكم على تلك الصور بمعان تناسبها، فتكون تلك المعاني لا محالة مخالفة للمعاني المعهودة فلذلك تكون الأحلام حينئذ مشوشة فاسدة، وقد تحدث الأحلام لأمر مهمّ يتفكّر فيه في اليقظة فيستمر عمل القوة المفكرة في ذلك فيكون أكثر ما يرى متعلقًا به، وهذا مثل الصنائع والفكر في العلوم وكثيرًا ما يكون الفكر صحيحًا لأن القوة تكون حينئذٍ قد قويت بما عرض لها من الراحة، ولأجل توفر الأرواح حينئذ على القوى الباطنة، فلذلك كثيرًا ما ينحل حينئذ مسائل مشكلة وشبه معطلة وكثيرًا ما تستنتج الفكرة حينئذ مسائل لم تخطر أوّلاً بالبال وذلك لتعلقها بالفكرة المتقدمة في اليقظة وهذه الوجوه من الأحلام لا اعتبار لها في التعبير، وأكثر من تصدق أحلامه من يتجنب الكذب فلا يكون لمخيلته عادة بوضع الصور والمعاني الكاذبة، ولذلك الشعراء يندر جدًّا صدق أحلامهم لأن الشاعر من عادته التخيل لما ليس واقعًا وأكثر فكره إنما هو في وضع الصور والمعاني الكاذبة اهـ. وإضافة الحلم إلى الشيطان لكونه على هواه ومراده أو لأنه الذي يخيل فيه ولا حقيقة له في نفس الأمر أو لأنه يحضره لا أنه يفعله إذ كل مخلوق لله تعالى، وأما إضافة الرؤيا وهي اسم للمرئيّ المحبوب إلى الله تعالى فإضافة تشريف وظاهره إن المضافة إلى الله لا لها يقال حلم والمضافة إلى الشيطان لا يقال لها رؤيا وهو تصرف شرعي وإلاّ فالكل يسمى رؤيا. وفي حديث آخر الرؤيا ثلاث فأطلق على كل رؤيا. حديث الباب سبق في الطب وأخرجه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة. 6985 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِىَ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا، وَلْيُحَدِّثْ بِهَا وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِىَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلاَ يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن الهاد) بغير تحتية بعد المهملة وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي (عن عبد الله بن خباب) بخاء معجمة مفتوحة وموحدتين الاللى مشددة بينهما ألف الأنصاري. (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) -رضي الله عنه- (إنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إذا رأى أحدكم) في منامه (رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها) وفي مسلم حديث فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر إلا من يحب، وفي الترمذي من حديث أبي رزين ولا يقصها إلا على وادّ، وفي أخرى ولا يحدث بها إلا لبيبًا أو حبيبًا، وفي أخرى لا تقص الرؤيا إلاّ على عالم أو ناصح. قيل: لأن العالم يؤوّلها على الخير مهما أمكنه، والناصح يرشد إلى ما ينفع، واللبيب العارف بتأويلها، والحبيب إن عرف خيرًا قاله وإن جهل أو شك سكت، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: وليتحدث بزيادة فوقية بعد التحتية وفتح الدال المهملة

4 - باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة

(وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان) لأنه الذي يخيل فيها أو أنها تناسب صفته من الكذب والتهويل وغير ذلك بخلاف الرؤيا الصادقة فأضيفت إلى الله إضافة تشريف وإن كان الجميع بخلق الله وتقديره كما أن الجميع عباد الله وإن كانوا عصاة قال تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} [الحجر: 42] و {عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} [الزمر: 53] (فليستعذ) بالله عز وجل (من شرها) أي من شر الرؤيا (ولا يذكرها لأحد) وفي مستخرج أبي نعيم حديث وإذا رأى أحدكم شيئًا يكرهه فلينفث ثلاث مرات ويتعوذ بالله من شرها. وفي باب الحلم من الشيطان عند المؤلّف فليبصق عن يساره، ولمسلم عن يساره حين يهب من نومه ثلاث مرات وعند المؤلّف في باب إذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثًا ولا يحدث بها أحدًا (فإنها لا تضره). ومحصله أن الرؤيا الصالحة آدابها ثلاثة حمد الله عليها وأن يستبشر بها، وأن يتحدث بها لكن لمن يحب دون من يكره وإن آداب الحلم أربعة التعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وأن يتفل حين يستيقظ من نومه ولا يذكرها لأحد أصلاً. وفي حديث أبي هريرة عند المؤلّف في باب القيد في المنام وليقم فليصل لكن لم يصرح البخاري بوصله وصرح به مسلم، وعند مسلم وليتحول عن جنبه الذي كان عليه والحكمة في التفل كما قال بعضهم طرد الشيطان الذي حضر الرؤيا المكروهة أو إشارة إلى استقذاره. والصلاة جامعة لما ذكر على ما لا يخفى، وعند سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة عن إبراهيم النخعي قال: إذا رأى أحدكم في منامه ما يكره فليقل إذا استيقظ أعوذ بما عاذت به ملائكة الله ورسوله من شر رؤياي هذه أن يصيبني منها ما أكره في ديني ودنياي، وفي النسائي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان خالد بن الوليد يفزع في منامه فقال: يا رسول الله إني أروع في المنام فقال: "إذا اضطجعت فقل بسم الله أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون". وحديث الباب أخرجه الترمذي والنسائي في الرؤيا واليوم والليلة. 4 - باب الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة). 6986 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا لَقِيتُهُ بِالْيَمَامَةِ عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ فَلْيَتَعَوَّذْ مِنْهُ وَلْيَبْصُقْ عَنْ شِمَالِهِ فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ». وَعَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدثنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير) اليماني (وأثنى عليه) مسدد (خيرًا) حال تحديثه (وقال لقيته باليمامة) بالتخفيف بين مكة والمدينة (عن أبيه) يحيى أنه قال: (حدّثنا أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي قتادة) الحارث بن ربعي -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم) بفتح الحاء المهملة واللام بوزن ضرب (فليتعوذ) بالله (منه) من الشيطان (وليبصق) طردًا للشيطان وتحقيرًا واستقذارًا له (عن شماله) لأنه محل الأقذار والمكروهات (فإنها) أي الرؤيا المكروهة (لا تضره) لأن الله تعالى جعل ما ذكر من التعوذ وغيره سببًا للسلامة من المكروه المترتب على الرؤيا كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببًا لدفع البلاء قاله النووي -رحمه الله تعالى-، وقد ورد النفث والتفل والبصق فقيل: النفث والتفل بمعنى ولا يكونان إلا بريق، وقال أبو عبيد يشترط في التفل ريق يسير ولا يكون في النفث، وقيل عكسه، وقيل الذي يجمع الثلاثة الحمل على التفل فإنه نفخ معه ريق فبالنظر إلى النفخ قيل له نفث وبالنظر إلى الريق قيل له بصاق. (و) بالسند السابق (عن أبيه) أي عن أبي عبد الله وهو يحيى بن أبي كثير واسم أبي كثير صالح بن المتوكل (قال: حدّثنا عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحارث (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله). أي مثل الحديث السابق. واعتراض الزركشي في تنقيحه على البخاري حيث قال وإدخاله حديث أبي قتادة في باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة لا وجه له أخذه من قول الإسماعيلي ليس هذا الحديث من هذا الباب

تنبيه:

في شيء وأجاب عنه في المصابيح بأن له وجهًا ظاهرًا وهو التنبيه على أن هذا الكلام وإن كان عامًا فهو مخصوص بالرؤيا الصالحة كما دلت عليه أحاديث الباب قال: وإذا كان مخصوصًا بالرؤيا الصالحة اتجه إدخاله في بابها اتجاهًا ظاهرًا اهـ. وهو مثل قول الحافظ ابن حجر وجه دخوله في هذه الترجمة إشارة إلى أن الرؤيا الصالحة إنما كانت جزءًا من أجزاء النبوة لكونها من الله تعالى بخلاف التي من الشيطان فإنها ليست من أجزاء النبوة. 6987 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة المعروف ببندار قال: (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السدوسي (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (عن عبادة بن الصامت) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (رؤيا المؤمن من جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة) قد سبق ما في ذلك قريبًا. قال الغزالي لا تظن أن تقدير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجري على لسانه كيفما اتفق بل لا ينطق إلا بحقيقة الحق فقوله رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة تقدير تحقق لكن ليس في قوة غيره أن يعرف علة تلك النسبة إلا بتخمين لأن النبوّة عبارة عما يختص به النبي ويفارق به غيره وهو مختص بأنواع من الخواص كل واحد منها يمكن انقاسمه إلى أقسام بحيث يمكننا أن نقسمها إلى ستة وأربعين جزءًا بحيث تقع الرؤيا الصحيحة جزءًا من جملتها، لكنه لا يرجع إلا إلى الظن والتخمين لا إنه الذي أراده النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حقيقة. تنبيه: قال في فتح الباري: خالف قتادة غيره فلم يذكروا عبادة بن الصامت في السند. والحديث أخرجه مسلم في التعبير والترمذي والنسائي في الرؤيا. 6988 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ». رَوَاهُ ثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ وَإِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَشُعَيْبٌ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 6988 - طرفه في: 7017]. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي القرشي المكي المؤذن قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني نزيل بغداد ثقة حجة تكلم فيه بلا قادح (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة) هو نظير قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "السمت الحسن والتؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة" أي من أخلاق أهل النبوة، وأما الحصر في السنّة والأربعين فالأولى أن يجتنب القول فيه ويتلقى بالتسليم لعجزنا عن حقيقة معرفته على ما هو عليه (رواه) أي الحديث السابق ولأبي ذر ورواه (ثابت) البناني فيما وصله المؤلّف عن معلى بن أسد في باب من رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وحميد) الطويل فيما وصله الإمام أحمد عن محمد بن أبي عدي عنه (وإسحاق بن عبد الله) بن أبي طلحة فيما سبق قريبًا (وشعيب) هو ابن الحبحاب فيما وصله ابن منده أربعتهم (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بغير واسطة لم يقل عن أنس عن عبادة بن الصامت كما في السابق. 6989 - حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِىُّ، عَنْ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي أبو إسحاق القرشي قال: (حدّثني ابن أبي حازم) بالمهملة والزاي أيضًا بينهما ألف عبد العزيز واسم أبي حازم سلمة بن دينار (والدراوردي) عبد العزيز بن محمد بن عبيد وهو نسبة إلى دراورد قرية من قرى خراسان (عن يزيد بن عبد الله بن خباب) بالخاء المعجمة والموحدتين المشددة أولاهما بينهما ألف المعروف بابن الهاد (عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- (أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (الرؤيا الصالحة) وفي رواية الصادقة وهي المطابقة للواقع (جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة) وقوله الصالحة تقييد لما أطلق في الروايتين السابقتين وكذا وقع التقييد في باب رؤيا الصالحين بالرجل الصالح فرؤيا الصالح هي التي تنسب إلى أجزاء النبوة ومعنى صلاحها انتظامها واستقامتها فرؤيا الفاسق لا تعدّ من أجزاء النبوة، وأما رؤيا الكافر فلا تعدّ أصلاً، ولو صدقت رؤيهم أحيانًا فذاك كما يصدق الكذوب

5 - باب المبشرات

وليس كل من حدّث عن غيب يكون خبره من أجزاء النبوة كالكاهن والمنجم، وقد وقعت الرؤيا الصادقة من بعض الكفار كما في رؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام ورؤيا ملكهما. 5 - باب الْمُبَشِّرَاتِ (باب المبشرات) بكسر المعجمة المشددة جمع مبشرة، وقول الحافظ ابن حجر وهي البشرى تعقبه صاحب عمدة القاري فقال: ليس كذلك لأن البشرى اسم بمعنى البشارة والمبشرة اسم فاعل للمؤنث من التبشير وهي إدخال السرور والفرح على المبشر بفتح المعجمة وعند الإمام أحمد من حديث أبي الدرداء عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قوله: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [يونس: 64] قال: الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، وعنده أيضًا من حديث عبادة بن الصامت أنه سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} فقال: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أمتي أو أحد قبلك قال: تلك الرؤيا الصالحة يراها الصالح أو ترى له، وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن عمران القطان عن يحيى بن أبي كثير به، وعنده أيضًا من حديث ابن عمر عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: {لهم البشرى في الحياة الدنيا} قال: الرؤيا الصالحة يبشرها المؤمن وهي من تسعة وأربعين جزءًا من النبوة فمن رأى تلك فليخبر بها ومن رأى سوءًا فإنما هو من الشيطان ليحزنه فلينفث عن يساره ثلاثًا وليسكت ولا يخبر بها. وعند ابن جرير من حديث أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} قال: هي في الدنيا الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له وفي الآخرة بالجنة، وعنده أيضًا عن أبي هريرة موقوفًا: الرؤيا الحسنة هي البشرى يراها المسلم أو ترى له. 6990 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلاَّ الْمُبَشِّرَاتُ» قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لم يبق من النبوة) بلفظ الماضي والمراد الاستقبال، وفي حديث عائشة عند أحمد لم يبق بعدي (إلاّ المبشرات) قال في المصابيح: وحينئذ فيكون المقام مقتضيًّا للنفي بغير لم مما يدل على النفي في المستقبل كما ورد لمن يبقى من بعدي من النبوة إلا المبشرات يعني: أن الوحي منقطع بموته فلا يبقى بعده ما يعلم به ما سيكون غير الرؤيا الصالحة اهـ. وقيل: هو على ظاهره لأنه قال ذلك في زمانه واللام في النبوة للعهد، والمراد نبوّته أي لم يبق بعد النبوة المختصة بي إلا المبشرات، وفي حديث ابن عباس عند مسلم قال ذلك في مرض موته، وفي حديث أنس عند أبي يعلى مرفوعًا: إن الرسالة والنبوة قد انقطعت ولا نبي ولا رسول بعدي ولكن بقيت المبشرات (قالوا) يا رسول الله (وما المبشرات؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الرؤيا الصالحة) أي يراها الشخص أو ترى له والتعبير بالمبشرات خرج مخرج الغالب، وإلا فمن الرؤيا ما تكون منذرة وهي صادقة يريها الله تعالى لعبده المؤمن لطفًا به فيستعد لما يقع قبل وقوعه. والحديث من أفراده. 6 - باب رُؤْيَا يُوسُفَ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ قَالَ: يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ * قَالَ: يَا بُنَىَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف الآيات: 4 - 6] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاىَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّى فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ} [يوسف الآيتان: 100 - 101] قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: فَاطِرٌ وَالْبَدِيعُ وَالْمُبْتَدِعُ وَالْبَارِئُ وَالْخَالِقُ وَاحِدٌ مِنَ الْبَدْءِ بَادِئَةٍ. (باب رؤيا يوسف) وللنسفي يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن (وقوله تعالى: {إذ قال يوسف}) بدل اشتمال من أحسن القصص أن جعل مفعولاً أو منصوبًا بإضمار اذكر ويوسف عبري ولو كان عربيًّا لصرف الخلوه عن سبب آخر سوى التعريف ({لأبيه}) يعقوب ({يا أبت إني رأيت}) من الرؤيا لا من الرؤية لأن ما ذكره معلوم أنه منام ({أحد عشر كوكبًا}) روى ابن جرير عن جابر قال: أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل من اليهود يقال له بستانة اليهودي فقال له: يا محمد أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف ساجدة له ما اسمها؟ قال: فسكت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يجبه بشيء فنزل جبريل عليه السلام فأخبره بأسمائها. قال: فبعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليه فقال: نعم حرثان والطارق والذيال وذو الكتفين وذو القابس ووثاب وعمودان والفليق والمصبح والضروج وذو الفرغ. فقال اليهودي: أي والله إنها لأسماؤها. ورواه

7 - باب رؤيا إبراهيم

البيهقي في الدلائل وأبو يعلى الموصلي والبزار في مسنديهما ({والشمس والقمر}) هما أبواه أو أبوه وخالته والكواكب إخوته. قيل: الواو بمعنى مع أي رأيت الكواكب مع الشمس والقمر وأجريت مجرى العقلاء في رأيتهم لي ساجدين لأنه وصفها بما هو المختص بالعقلاء وهو السجود وكررت الرؤية لأن الأولى تتعلق بالذات والثانية بالحال أو الثانية كلام مستأنف على تقدير سؤال وقع جوابًا له كأن أباه قال له: كيف رأيتها؟ فقال ({رأيتهم لي ساجدين}) متواضعين وكان سنه اثنتي عشرة سنة يومئذ ({قال يا بني}) صغره للشفقة أو لصغر سنه ({لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدًا}) جواب النهي أي إن قصصتها عليهم كادوك فهم يعقوب عليه السلام من رؤياه إن الله يصطفيه لرسالته وينعم عليه بشرف الدارين فخاف عليه حسد إخوته وبغيهم ({إن الشيطان للإنسان عدو مبين}) ظاهر العداوة فيحملهم على الحسد والكيد ({وكذلك}) أي وكما اجتباك بمثل هذه الرؤيا الدالة على شرفك وعزك ({يجتبيك ربك}) يصطفيك للنبوّة والملك ({ويعلمك}) كلام مبتدأ غير داخل في حكم التشبيه كأنه قيل وهو يعلمك ({من تأويل الأحاديث}) من تعبير الرؤيا ({ويتم نعمته عليك}) بإرسالك والإيحاء إليك ({وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل}) أراد الجدّ وأبا الجدّ ({إبراهيم وإسحاق}) عطف بيان لأبويك ({إن ربك عليم}) يعلم من يستحق الاجتباء ({حكيم}) [يوسف: 4 - 6] يضع الأشياء في مواضعها، وسقط لأبي ذر من قوله: {إن الشيطان} إلخ وقال بعد: {ساجدين} إلى قوله: {عليم حكيم}. (وقوله تعالى: {يا أبت هذا}) أي سجودهم ({تأويل رؤياي من قبل}) التي كان قصها على أبيه: إني رأيت أحد عشر كوكبًا كان هذا سائغًا في شرائعهم إذا سلموا على كبير سجدوا له ولم يزل هذا جائزًا من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام فحرّم هذا في هذه الملة المحمدية ({قد جعلها}) أي الرؤيا ({ربي حقًّا}) صادقة وأخرج الحاكم والطبري والبيهقي في شعبه بسند صحيح عن سلمان الفارسي قال: كان بين رؤيا يوسف وعبارتها أربعون عامًّا، وذكر البيهقي له شاهدًا عن عبد الله بن شداد وزاد وإليها ينتهي أمد الرؤيا، وعند الطبري عن الحسن البصري قال: كانت مدة المفارقة بين يعقوب ويوسف ثمانين سنة، وفي لفظ ثلاثًا وثمانين سنة ({وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن}) ولم يقل من الجب لقوله: تثريب عليكم اليوم ({وجاء بكم من البدو}) من البادية لأنهم كانوا أصحاب مواش ينتقلون في المياه والمناقع ({من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي) أفسد بيننا وأغوى ({إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم}) بمصالح عباده ({الحكيم}) في أفعاله وأقواله وقضائه وقدره وما يختاره ويريده ({رب قد آتيتني من الملك}) ملك مصر ({وعلمتني من تأويل الأحاديث}) تعبير الرؤيا ({فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلمًا}) طلب ذلك لقول يعقوب لولده ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون وإنما دعا به ليقتد به قومه من بعده ({وألحقني بالصالحين}) [يوسف: 100 - 101] من آبائي أو على العموم. (قال أبو عبد الله) البخاري -رحمه الله- وثبت قوله قال أبو عبد الله لأبي ذر: (فاطر والبديع والمبتدع) بفوقية بعد الموحدة ولأبي ذر المبدع بإسقاط الفوقية (والبارئ) بالراء والهمزة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي والبادئ بالدال المهملة بدل الراء (والخالق) السبعة معناها (واحد) ومراده تفسير الفاطر من قوله: {فاطر السماوات والأرض} [الأنعام: 14 وغيرها] ومراده أن الأسماء المذكورة ترجع إلى معنى واحد وهو إيجاد الشيء بعد أن لم يكن وقوله: (من البدء) بفتح الموحدة وسكون المهملة بعدها همزة كذا في الفرع كأصله، وفي بعض النسخ بغير همزة وهو أوجه لأنه يريد تفسير قوله: {وجاء بكم من البدو} [يوسف: 100] (بادئة) بالهمزة أيضًا في الفرع وفي غيره بتركه لم وجاء بكم من البادية أو مراده إن فاطر معناه البادئ من البدء أي الابتداء أي بادئ الخلق بمعنى فاطره وسقط من قوله قال أبو عبد الله إلخ للنسفي. 7 - باب رُؤْيَا إِبْرَاهِيمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ: يَا بُنَىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ: يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ} [الصافات الآيات: 102 - 105] قَالَ مُجَاهِدٌ: أَسْلَمَا سَلَّمَا مَا أُمِرَا بِهِ وَتَلَّهُ وَضَعَ وَجْهَهُ بِالأَرْضِ. (باب) بيان (رؤيا إبراهيم) الخليل (عليه الصلاة والسلام) وسقط لغير أبي ذر لفظ باب.

8 - باب التواطؤ على الرؤيا

(وقوله تعالى) رفع وسقطت الواو في الفرع وثبتت في أصله: ({فلما بلغ معه السعي}) بلغ أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه ومعه لا تتعلق ببلغ لاقتضائه بلوغهما معًا حد السعي ولا بالسعي لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه فبقي أن يكون بيانًا كأنه قال لما قال فلما بلغ معه السعي أبي الحدّ الذي يقدر فيه على السعي قيل مع من قال مع أبيه وكان إذ ذاك ابن ثلاث عشرة سنة، والمعنى في اختصاص الأب أنه أرفق الناس به وأعطفهم عليه وغيره ربما عنف به في الاستسعاء فلا يحتمله لأنه لم يستحكم قوته ({قال يا بني إني أرى}) أي إني رأيت ({في المنام أني أذبحك}) ورؤيا الأنبياء في المنام وحي رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس مرفوعًا أي كالوحي في اليقظة فلهذا قال: إني أرى في المنام أني أذبحك ({فانظر ماذا ترى}) من الرأي على وجه المشاورة لا من رؤية العين وإنما شاوره ليأنس للذبح وينقاد للأمر به ({قال يا أبت افعل ما تؤمر}) به ({ستجدني إن شاء الله من الصابرين}) على الذبح أو على قضاء الله به ({فلما أسلما}) خضعا وانقادا لأمر الله سبحانه وتعالى أو أسلما الذبيح نفسه وإبراهيم ابنه ({وتله للجبين}) صرعه عليه ليذبحه من قفاه ولا يشاهد وجهه عند ذبحه ليكون أهون عليه ووضع السكين على قفاه فانقلب السكين ولم يعمل شيئًا بمانع من القدرة الإلهية ({وناديناه أن يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا}) أي حققت ما أمرناك به في المنام من تسليم الولد للذبح وجواب لما محذوف تقديره كان ما كان مما ينطق به الحال ولا يحيط به الوصف من استبشارهما وحمدهما لله وشكرهما على ما أنعم به عليهما من دفع البلاء العظيم بعد حلوله ({إنا كذلك}) أي كما جزيناك ({نجزي المحسنين}) [الصافات: 102 - 105] لأنفسهم بامتثال الأمر بإفراج الشدة عنهم. (قال مجاهد): فيما وصله الفريابي في تفسيره في قوله تعالى: ({فلما أسلما) أي (سلما ما أمرا به) سلم الابن نفسه للذبح والأب ابنه ({وتله}) أي (وضع وجهه بالأرض) لأنه قال له: يا أبت لا تذبحني وأنت تنظر في وجهي لئلا ترحمني، ولم يذكر البخاري -رحمه الله- هنا حديثًا كالترجمة التي قبل بل اكتفى فيهما بما أورده من الآيات القرآنية ولعله لم يتفق له حديث فيهما على شرطه. 8 - باب التَّوَاطُؤُ عَلَى الرُّؤْيَا (باب التواطؤ) أي توافق جماعة (على الرؤيا) الواحدة وإن اختلفت عباراتهم. 6991 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنه - أَنَّ أُنَاسًا أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِى السَّبْعِ الأَوَاخِرِ وَأَنَّ أُنَاسًا أُرُوا أَنَّهَا فِى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْتَمِسُوهَا فِى السَّبْعِ الأَوَاخِرِ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجده وأبوه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر) والد سالم (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (إن أناسًا) بضم الهمزة ولأبي ذر عن الكشميهني أن ناسًا بإسقاط الهمزة (أروا) في المنام (ليلة القدر) بضم الهمزة وأصله أريوا فاستثقلت الضمة على الياء وقبلها كسرة فحذفت الضمة وتبعتها الياء ثم ضمت الراء لأجل الواو وهو مبني لما لم يسم فاعله ومفعوله النائب عن الفاعل الضمير وهو الواو والرؤيا هنا اختلف فيها فقال ابن هشام مصدر رأى الحلمية عند ابن مالك والحريري قال وعندي لا تختص بها لقوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلاّ فتنة للناس} [الإسراء: 60] قال ابن عباس: هي رؤيا عين فدلّ على أنه مصدر الحلمية والبصرية وقد ألحقوا رأى الحلمية برأى العلمية في التعدي لاثنين اهـ. وقد جعلها أبو البقاء وجماعة بصرية فعلى هذا تتعدى لمفعول واحد وتنقل بالهمزة إلى الثاني فيكون الثاني هنا ليلة القدر وقد انتقل عن أصله من الظرفية إلى المفعولية لأنهم لم يروا فيها إنما رأوا نفسها يعني ألقاها الله تعالى في قلوبهم (في) ليالي (السبع الأواخر) من شهر رمضان جمع آخرة (وإن أناسًا) آخرين (أروها في العشر الأواخر) منه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (التمسوها) اطلبوا ليلة القدر (في) ليالي (السبع الأواخر) صفة للسبع كالسابق والسبع داخلة في العشر فلما رأى قوم أنها في العشر وآخرون أنها في السبع كانوا كأنهم توافقوا على السبع، فأمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالتماسها في السبع لتوافق الفريقين عليها، فجرى البخاري على عادته في إيثار الأخفى على الأجلى فلم يذكر

9 - باب رؤيا أهل السجون والفساد والشرك

قوله أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر السابق في أواخر الصيام. 9 - باب رُؤْيَا أَهْلِ السُّجُونِ وَالْفَسَادِ وَالشِّرْكِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّى أَرَانِى أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّى أَرَانِى أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِى خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِى رَبِّى إِنِّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَىْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَىِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ} [يوسف الآيات: 36 - 39] وَقَالَ الْفُضَيْلُ لِبَعْضِ الأَتْبَاعِ: يَا عَبْدَ اللَّهِ {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * يَا صَاحِبَىِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِىَ الأَمْرُ الَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ * وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِى عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِى السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ * وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّى أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْيَاىَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِى نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِى سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّى أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِى سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِى مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِى مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ * وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف الآيات: 39 - 50] وَادَّكَرَ: افْتَعَلَ مِنْ ذَكَرَ. أُمَّةٍ قَرْنٍ وَيُقْرَأُ أَمَهٍ نِسْيَانٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْصِرُونَ الأَعْنَابَ وَالدُّهْنَ. تَحْصِنُونَ: تَحْرُسُونَ. (باب رؤيا أهل السجون) جمع سجن بالكسر وهو الحبس (و) رؤيا أهل (الفساد و) أهل (الشرك) ولأبي ذر مما ذكره في الفتح والشراب بضم المعجمة وتشديد الراء جمع شارب بدل قوله والشرك، والمراد شربة المحرم وعطفه على أهل الفساد من عطف الخاص على العام (لقوله تعالى: {ودخل معه}) أي مع يوسف عليه السلام ({السجن فتيان}) عبدان للملك الوليد بن ريان ملك مصر الأكبر أحدهما خبازه والآخر شرابيه للاتهام بأنهما يريدان أن يسماه ({قال أحدهما}) هو الشرابي واسمه نبؤ وقيل هو لبيس ({إني أراني}) في المنام ({أعصر خمرًا}) عنبًا تسمية له بما يؤول إليه وقرأها ابن مسعود: إني أراني أعصر عنبًا ({وقال الآخر}) وهو الخباز مخلث بالخاء المعجمة وبعد اللام مثلثة وقيل راشان ({إني أراني}) في المنام ({أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه}) تنهش منه ({نبئنا}) أخبرنا ({بتأويله}) بتفسيره وتعبيره وما يؤول إليه ({إنا نراك من المحسنين}) الذين يحسنون عبارة الرؤيا وتأويله أن الأنبياء يخبرون عما سيكون والرؤيا تدل على ما سيكون ({قال لا يأتيكما طعام ترزقانه}) في نومكما ({إلاّ نبأتكما بتأويله}) في اليقظة ({قبل أن يأتيكما}) أو لا يأتيكما في اليقظة طعام ترزقانه من منازلكما ترزقانه تطعمانه وتأكانه إلا أخبرتكما بقدره ولونه والوقت الذي يصل إليكما قبل أن يصل وأي طعام أكلتم ومتى أكلتم وهذا مثل معجزة عيسى حيث قال: وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ({ذلكما}) التأويل والإخبار بالمغيبات ({مما علمني ربي}) بالإلهام والوحي ولم أقله عن تكهن وتنجم ({إني تركت ملّة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون}) يحتمل أن يكون كلامًا مبتدأ وأن يكون تعليلاً لسابقه أي علمني ذلك لأني تركت ملّة أولئك الكفار ({واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب}) وهي الملة الحنيفية وذكر الآباء ليعلمهما أنه من بيت النبوّة لتقوي رغبتهما في الاستماع إليه، والمراد الترك ابتداء لا أنه كان فيه، ثم ترك يقول هجرت طريق الكفر والشرك وسلكت طريق آبائي المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهكذا يكون حال من سلك طريق الهدى واتّبع طريق المرسلين، وأعرض عن الضالين فإنه يهدي قلبه ويعلمه ما لم يكن يعلم ويجعله إمامًا يهتدي به في الخير وداعيًا إلى سبيل الرشاد ({ما كان لنا}) ما صح لنا معاشر الأنبياء ({أن نشرك بالله من شيء}) أي شيء كان صنمًا أو غيره ({ذلك}) أي التوحيد ({من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون}) فضل الله تعالى فيشركون به ولا ينتهون ثم دعاهما إلى الإسلام وأقبل عليهما وكان بين أيديهما أصنام يعبدونها من دون الله فقال إلزامًا للحجة ({يا صاحبي السجن}) يا ساكنيه أو يا صاحبي فيه وأضافهما إليه على الاتساع ({أأرباب متفرقون}) شتى متعددة متساوية. (وقال الفضيل) بن عياض -رحمه الله- (لبعض الأتباع يا عبد الله) ولأبي ذر وقال الفضيل عند توله: يا صاحبي السجن ({أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار}) الذي ذل كل شيء لعز جلاله وعظيم سلطانه ولا يغالب ولا يشارك في الربوبية ({ما تعبدون}) خطاب لهما ولمن كان على دينهما من أهل مصر ({من دونه}) تعالى (إلاَّ أسماء) لا حقيقة لها ({سميتموها أنتم وآباؤكم}) آلهة ثم طفقتم تعبدونها فكأنكم لا تعبدون إلا الأسماء لا مسمياتها ({ما أنزل الله بها}) بتسميتها ({من سلطان}) حجة ({إن الحكم}) في أمر العبادة والدين ({إلا لله أمر}) على لسان أنبيائه ({أن لا تعبدوا إلاّ إياه}) بيان لقوله إن الحكم ({ذلك}) الذي أدعوكم إليه من التوحيد وإخلاص العمل هو ({الدين القيم}) الحق المستقيم الذي أمر الله به وأنزل به الحجة والبرهان ({ولكن أكثر الناس لا يعلمون}) فلذا كان أكثرهم مشركين ثم عبر الرؤيا فقال ({يا صاحبي السجن أما أحدكما}) يعني الشرابي ({فيسقي ربه}) سيده ({خمرًا}) كما كان يسقيه قبل ({وأما الآخر}) يعني الخباز ({فيصلب فتأكل الطير من رأسه}) فقالا كذبنا فقال

يوسف ({قضي الأمر الذي فيه تستفتيان}) فهو واقع لا محالة فإن الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت وفي مسند أبي يعلى الموصلي عن أنس مرفوعًا الرؤيا لأول عابر ({وقال للذي ظن أنه ناج منهما}) الظان يوسف عليه السلام إن كان تأويله عن اجتهاد وإن كان عن وحي فالظان الشرابي أو الظن بمعنى اليقين وما تقدم في قوله قضي الأمر يقتضي اليقين ({اذكرني عند ربك}) اذكر قصتي عند سيدك وهو الملك لعله يخلصني من هذه الورطة، وقال أبو حيان -رحمه الله- إنما قال يوسف للساقي ذلك ليتوصل إلى هدايته وإيمانه بالله كما توصل إلى إيضاح الحق للساقي ورفيقه ({فأنساه الشيطان}) أي أنسى الشرابي ({ذكر ربه}) أن يذكر يوسف للملك، وقيل فأنسى يوسف ذكر الله حتى ابتغى الفرج من غيره واستعان بمخلوق وعند ابن جرير عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لو لم يقل يعني يوسف التي قال ما لبث في السجن طول ما لبث حيث يبتغي الفرج من عند غير الله، وهذا الحديث ضعيف جدًّا فإن في إسناد سفيان بن وكيع وهو ضعيف وإبراهيم بن يزيد الجوري وهو أضعف من سفيان فالصواب أن الضمير في قوله: ({فأنساه الشيطان}) عائد على الناجي كما قاله مجاهد وغير واحد ({فلبث}) يوسف عليه السلام ({في السجن بضع سنين}) ما بين الثلاث إلى التسع قال وهب: مكث يوسف سبعًا، وقال الضحاك عن ابن عباس اثنتي عشرة سنة، وقيل أربع عشرة سنة ({وقال الملك}) ملك مصر الريان بن الوليد ({إني أرى}) في المنام ({سبع بقرات سمان}) خرجن من نهر يابس ({يأكلهن سبع}) أي سبع بقرات ({عجاف}) مهازيل ({و}) أري ({سبع سنبلات خضر}) قد انعقد حبها ({و}) سبعًا ({أخر يابسات}) قد أدركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها فاستعبرها فلم يجد في قومه من يحسن عبارتها قيل كان ابتداء بلاء يوسف عليه السلام في الرؤيا ثم كان سبب نجاته أيضًا الرؤيا فلما دنا فرجه رأى الملك هذه الرؤيا التي هالته فجمع أعيان العلماء والحكماء من قومه وقص عليهم رؤياه فقال ({يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي}) عبروها ({إن كنتم للرؤيا تعبرون}) إن كنتم عالمين بعبارة الرؤيا واللام في للرؤيا للبيان ({قالوا أضعاث أحلام}) أي هذه أضغاث أحلام وهي تخاليطها ({وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين}) يعنون بالأحلام المنامات الباطلة أي ليس عندنا تأويل إنما التأويل للمنامات الصحيحة أو اعترفوا بقصور علمهم وإنهم ليسوا في تأويل الأحلام بنحارير ({وقال الذي نجا}) من القتل {منهما) وهو الشرابي ({وادّكر بعد أمة}) للملك الذي جمعهم ({أنا أنبئكم}) أخبركم ({بتأويله}) بمن عنده علم تعبير هذا المنام ({فأرسلون}) فابعثون إليه لأسأله عنها فأرسلوه إلى يوسف في السجن فأتاه فقال ({يوسف أيها الصدّيق}) البالغ في الصدق ({أفتنا في}) رؤيا ({سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس}) إلى الملك ومن عنده ({لعلهم يعلمون}) تأويلها أو فضلك أو مكانك من العلم فيطلبوك ويخلصوك من محنتك فذكر يوسف تعبيرها من غير تعنيف لذلك الفتى في نسيانه ما وصاه به ومن غير شرط للخروج قبل ذلك بل ({قال تزرعون سبع سنين دأبًا}) بسكون الهمزة وحفص وحده بفتحها لغتان في مصدر دأب يدأب أي دام على الشيء ولازمه وهو هنا نصب على المصدر بمعنى دائبين ({فما حصدتم فذروه في سنبله}) إذ ذاك أبقى له ومانع له من أكل السوس ({إلاّ قليلاً مما تأكلون}) في تلك السنين فعبر البقرات السمان بالسنين المخصبة والسنابل الخضر بالزرع ثم أمرهم بما هو الصواب نصيحة لهم ({ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن}) هو من الإسناد المجازي جعل أكل أهلهن مسندًا إليهن (إلا قليلاً مما تحصنون}) تحرزون ({ثم يأتي من بعد ذلك}) أي من بعد أربع عشرة سنة ({عام فيه يغاث الناس}) من الغيث أي يمطرون أو من الغوث وهو الفرج فهو في الأول من الثلاثي وفي الثاني من الرباعي تقول غائنا الله من الغيث وأغائنا من الغوث ({وفيه

10 - باب من رأى النبى -صلى الله عليه وسلم- فى المنام

يعصرون}) فتأول البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب والعجاف واليابسات بسنين مجدبة ثم بشرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا بأن العام الثامن يجيء مباركًا كثير الخير غزير النعم وذلك من جهة الوحي فرجع الساقي وأخبر الملك بتعبير رؤياه ({وقال الملك}) بعد أن رجع إليه الساقي وأخبره بتعبير رؤياه ({ائتوني به فلما جاءه الرسول}) ليخرجه من السجن امتنع من الخروج ليتحقق الملك ورعيته براءته ونزاهته مما نسب إليه من جهة امرأة العزيز وأن سجنه لم يكن عن أمر يقتضيه بل كان ظلمًا وعدوانًا ({قال ارجع إلى ربك}) [يوسف: 36 - 50] أي سيدك يريد الملك ({فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهم}) الآية، وسقط لأبي ذر من قوله: ({قال أحدهم}) إلى آخره وقال بعد قوله: فتيان إلى قوله: ارجع إلى ربك. ({وادّكر}) بالدال المهملة (افتعل من ذكر) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ذكرت بسكون الراء فأدغم التاء في الذال فحولت دالاً مهملة ثقيلة. (أمة) في (قرن) بالجر لأبي ذر ولغيره بالرفع وقيل حين وعن سعيد بن جبير بعد سنتين (ويقرأ أمه) بفتح الهمزة والميم وكسر الهاء منونة أي بعد (نسيان) ونسبت هذه القراءة لابن عباس وهي شاذة. (وقال ابن عباس) فيما وصله ابن أبي حاتم (يعصرون) أي (الأعناب والدهن تحصنون) أي (تحرسون). 6992 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَأَبَا عُبَيْدٍ أَخْبَرَاهُ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ لَبِثْتُ فِى السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ ثُمَّ أَتَانِى الدَّاعِى لأَجَبْتُهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) الضبعي قال: (حدّثنا جويرية) بن أسماء وهو عم السابق (عن مالك) الإمام (عن الزهري) محمد بن مسلم (أن سعيد بن المسيب وأبا عبيد) بضم العين مصغرًا سعد بن عبيد مولى عبد الرحمن بن الأزهر بن عوف (أخبراه عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو لبثت في السجن ما لبث يوسف) أي مدة لبثه (ثم أتاني الداعي) من الملك يدعوني إليه (لأجبته) مسرعًا. وفي هذا من التنويه بشرف يوسف وعلو قدره وصبره ما لا يخفى صلوات الله وسلامه عليه. وعند عبد الرزاق عن عكرمة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت مكانه ما أجبتهم حتى أشترط أن يخرجوني، ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين أتاه الرسول ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب ولكنه أراد أن يكون له العذر". وهذا حديث مرسل: فإن قلت: إن نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما ذكر هذا الكلام على جهة المدح ليوسف عليه السلام فما باله هو يذهب بنفسه عن حالة قد مدح بها غيره؟ أجيب: بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما أخذ لنفسه الشريفة وجهًا آخر من الرأي له وجه أيضًا من الجودة أي: لو كنت أنا لبادرت الخروج ثم حاولت بيان عذري بعد ذلك، وذلك أن هذه القصص والنوازل إنما هي معرضة ليقتدي الناس بها إلى يوم القيامة فأراد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حمل الناس على الأحزم من الأمور وذلك أن المتعمق في مثل هذه النازلة التارك فرصة الخروج من ذلك السجن ربما ينتج له من ذلك البقاء في سجنه، وإن كان يوسف عليه السلام أمن من ذلك بعلمه من الله فغيره من الناس لا يأمن من ذلك، فالحالة التي ذهب إليها نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حالة حزم ومدح وما فعله يوسف عليه السلام صبر عظيم، وقال بعضهم: خشي يوسف عليه السلام أن يخرج من السجن فينال من الملك مرتبة ويسكت عن أمر ذنبه صفحًا فيراه الناس بتلك المنزلة ويقولون: هذا الذي راود امرأة مولاه فأراد أن يبين براءته ويحقق منزلته من العفة. والحديث سبق في التفسير وأحاديث الأنبياء. ومطابقة الترجمة للآيات ظاهرة وكذا الحديث. 10 - باب مَنْ رَأَى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْمَنَامِ (باب من رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المنام). 6993 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ رَآنِى فِى الْمَنَامِ فَسَيَرَانِى فِى الْيَقَظَةِ، وَلاَ يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِى». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِذَا رَآهُ فِى صُورَتِهِ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: (من رآني في المنام فسيراني

في اليقظة) بفتح القاف يوم القيامة رؤية خاصة في القرب منه أو من رآني في المنام ولم يكن هاجر يوفقه الله للهجرة إليّ والتشرّف بلقائي، ويكون الله تعالى جعل رؤيته في المنام علمًا على رؤياه في اليقظة. قال في المصابيح: وعلى القول الأوّل ففيه بشارة لرائيه بأنه يموت على الإسلام وكفى بها بشارة وذلك لأنه لا يراه في القيامة تلك الرؤية الخاصة باعتبار القرب منه إلا من تحققت منه الوفاة على الإسلام حقق الله لنا ولأحبابنا وللمسلمين ذلك بمنه وكرمه آمين (ولا يتمثل الشيطان بي) هو كالتتميم للمعنى والتعليل للحكم أي لا يحصل له أي للشيطان مثال صورتي ولا يتشبه بي، فكما منع الله الشيطان أن يتصوّر بصورته الكريمة في اليقظة كذلك منعه في المنام لئلا يشتبه الحق بالباطل. (قال أبو عبد الله) البخاري -رحمه الله تعالى- فيما وصله إسماعيل بن إسحاق القاضي من طريق حماد بن زيد عن أيوب (قال ابن سيرين) محمد لا تعتبر رؤيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا (إذا رآه) الرائي (في صورته). التي جاء وصفه بها في حياته ومقتضاه أنه إذا رآه على خلافها كانت رؤيا تأويل لا حقيقة، والصحيح أنها حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها. قال ابن العريى رؤيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة ورؤيته على غيرها إدراك للمثال فإن الصواب أن الأنبياء لا تغيرهم الأرض ويكون إدراك الذات الكريمة حقيقة وإدراك الصفات إدراك المثال. قال: وشذ بعض الصالحين فزعم أنها تقع بعيني الرأس حقيقة في اليقظة انتهى. وقد ذكرت مباحث ذلك في كتابي المواهب اللدنية بالمنح المحمدية. وقد نقل عن جماعة من الصوفية أنهم رأوه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المنام ثم رأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متخوفين فأرشدهم إلى طريق تفريجها فجاء الأمر كذلك وفيه بحث ذكرته في المواهب. ومن فوائد رؤيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تسكين تشوق الرائي لكونه صادقًا في محبته ليعمل على مشاهدته، وسقط قوله قال أبو عبد الله إلى آخره لأبي ذر. 6994 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِىُّ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ رَآنِى فِى الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِى، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَخَيَّلُ بِى وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ». وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمي بفتح المهملة وتشديد الميم أبو الهيثم البصري قال: (حدّثنا عبد العزيز بن مختار) الدباغ البصري مولى حفصة بنت سيرين قال: (حدّثنا ثابت البناني) بضم الموحدة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من رآني في المنام فقد رآني). قال الكرماني فإن قلت: الشرط والجزاء متحدان فما معناه؟ وأجاب: بأنه في معنى الإخبار أي من رآني فأخبره بأن رؤيته حق ليست من أضغاث الأحلام، وقال في شرح المشكاة أي من رآني فقد رأى حقيقتي على كمالها لا شبهة ولا ارتياب فيما رأى (فإن الشيطان لا يتمثل بي) فإن قيل: كيف يكون ذلك وهو في المدينة والرائي في المشرق أو المغرب؟ أجيب: بأن الرؤية أمر يخلقه الله تعالى ولا يشترط فيها عقلاً مواجهة ولا مقابلة ولا مقارنة ولا خروج شعاع ولا غيره، ولذا جاز أن يرى أعمى الصين بقة أندلس. فإن قلت: كثيرًا يرى على خلاف صورته المعروفة ويراه شخصان في حالة واحدة في مكانين والجسم الواحد لا يكون إلا في مكان واحد أجيب: بأنه يعتبر في صفاته لا في ذاته فتكون ذاته عليه الصلاة والسلام مرئية وصفاته متخيلة غير مرئية فالإدراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار ولا قرب المسافة فلا يكون المرئي مدفونًا في الأرض ولا ظاهرًا عليها، وإنما يشترط كونه موجودًا ولو رآه يأمر بقتل من يحرم قتله كان هذا من صفاته المتخيلة لا المرئية (ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة) لأنها من الله تعالى بخلاف التي من الشيطان فإنها ليست من أجزاء النبوة، وفيه مباحث سبقت قريبًا وسقطت الواو من قوله ورؤيا لأبي ذر. 6995 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفِثْ عَنْ شِمَالِهِ ثَلاَثًا وَلْيَتَعَوَّذْ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهَا لاَ تَضُرُّهُ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَزَايَا بِى». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وهو جد يحيى واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عبيد الله) بضم العين (ابن أبي جعفر) الأموي القرشي أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي قتادة) بن الحارث رضى الله عنه أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):

11 - باب رؤيا الليل

(الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان) وإضافة الرؤيا الصالحة إلى الله إضافة تشريف وإضافة الحلم إلى الشيطان لأنها صفته من الكذب والتهويل وإن كانا بخلق الله تعالى وتقديره (فمن رأى) في منامه (شيئًا يكرهه فلينفث) بكسر الفاء بعدها مثلثة أي فلينفغ نفخًا لطيفًا من غير ريق (عن شماله) طردًا للشيطان وإظهارًا لاحتقاره (ثلاثًا) للتأكيد وخص الشمال لأنها محل الأقذار (وليتعوّذ) بالله (من الشيطان فإنها لا تضرّه) لأن الله تعالى جعل ذلك سببًا لسلامته (وإن الشيطان لا يتزايا بي) بالزاي المعجمة لا يتصدى لأن يصير مرئيًّا بصورتي، ولأبي ذر لا يتراءى بالراء المهملة. والحديث سبق في الطب والتعبير. 6996 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خَلِىٍّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِى الزُّبَيْدِىُّ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ - رضى الله عنه -: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ رَآنِى فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ»، تَابَعَهُ يُونُسُ وَابْنُ أَخِى الزُّهْرِىِّ. وبه قال: (حدّثنا خالد بن خليّ) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام المخففة وتشديد التحتية أبو القاسم الحمصي قاضيها من أفراد البخاري قال: (حدّثنا محمد بن حرب) أبو عبد الله النيسابوري قال: (حدّثني) بالإفراد (الزبيدي) بضم الزاي محمد بن الوليد بن عامر الشامي الحمصي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (قال أبو سلمة) بن عبد الرحمن (قال أبو قتادة) الحارث بن ربعي (-رضي الله عنه-) قال (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من رآني) في منامه (فقد رأى الحق) أي فقد رآني رؤية الحق لا الباطل (تابعه) أي تابع الزبيدي في روايته عن الزهري (يونس) بن يزيد (وابن أخي الزهري) محمد بن عبد الله بن مسلم وصلها مسلم بن الحجاج في صحيحه من طريقهما وساقه على لفظ رواية يونس وأحال برواية ابن أخي الزهري عليه. 6997 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ رَآنِى فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَكَوَّنُنِى». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن الهاد) يزيد بن عبد الله بن أسامة (عن عبد الله بن خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة وبعد الألف موحدة أخرى (عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- أنه (سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من رآني فقد رأى الحق) سواء رآه على صفته المعروفة أو غيرها لكن يكون في الأولى مما لا يحتاج إلى تعبير والثانية مما يحتاج إلى التعبير (فإن الشيطان لا يتكوّنني) أي لا يتكوّن كوني فحذف المضاف ووصل المضاف إليه بالفعل بمعنى أن الله تعالى وإن أمكنه من التصوّر في أي صورة أراد فإنه لم يمكنه من التصور في صورة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. والحديث من أفراده. 11 - باب رُؤْيَا اللَّيْلِ رَوَاهُ سَمُرَةُ. (باب رؤيا) الشخص في (الليل) هل تساوي رؤياه بالنهار أو يتفاوتان (رواه) أي حديث رؤيا الليل (سمرة) بن جندب الصحابي المشهور الآتي حديثه في آخر كتاب التعبير إن شاء الله تعالى. 6998 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِىُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِىُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ الْبَارِحَةَ إِذْ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، حَتَّى وُضِعَتْ فِى يَدِى» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْتُمْ تَنْتَقِلُونَهَا. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن المقدام) بكسر الميم وسكون القاف بعدها مهملة فألف فميم (العجلي) قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي) بضم الطاء المهملة وتخفيف الفاء وبعد الألف واو مكسورة نسبة إلى بني طفاوة أو إلى الطفاوة موضع قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أعطيت) بضم الهمزة (مفاتيح الكلم) بنصب مفاتيح مفعول ثان لأعطيت. قال الكرماني وتبعه البرماوي أي لفظ قليل يفيد معاني كثيرة، وهذا غاية البلاغة وشبه ذلك القليل بمفاتيح الخزائن التي هي آلة للوصول إلي مخزونات متكاثرة وعند الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان وعبد الله بن ياسين كلاهما عن أحمد بن المقدام أعطيت جوامع الكلم. والحاصل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يتكلم بالقول الموجز القليل اللفظ الكثير المعاني، وقيل المراد بجوامع الكلم القرآن ومن أمثلة جوامعه قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون} [البقرة: 179] وقوله تعالى: {ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} [النور: 52] ومن ذلك من الأحاديث النبوية حديث عائشة كل عمل ليس عليه أمرنا فهو ردّ وحديث كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل متفق عليهما (ونصرت بالرعب) بضم النون والرعب بضم الراء وسكون العين المهملة أي الفزع يقذف في قلوب أعدائي وزاد

في التيمم مسيرة شهر أي ينهزمون من عسكر الإسلام بمجرد الصيت ويفرقون منهم (وبينما) بالميم (أنا نائم البارحة) اسم لليلة الماضية وإن كان قبل الزوال (إذ أتيت بمفاتيح خزائن الأرض) خزائن كسرى وقيصر أو معادن الأرض التي منها الذهب والفضة (حتى وضعت في يدي) حقيقة أو مجازًا فيكون كناية عن وعد الله بما ذكر أنه يعطيه أمته وكذا كان ففتح لأمته ممالك كثيرة قسموا أموالها واستباحوا خزائن ملوكها. (قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- بالسند السابق (فذهب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي توفي (وأنتم تنتقلونها) بالقاف المكسورة من انتقل من مكان إلى مكان هذه رواية أبي ذر عن المستملي وله عن الحموي تنتثلونها بالمثلثة بدل القاف تخرجونها كاستخراجهم لخزائن كسرى ودفائن قيصر، وفي بعض الروايات تنتفلونها بالفاء بدل القاف أي تغتنمونها. والحديث من أفراده. 6999 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أُرَانِى اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ قَدْ رَجَّلَهَا تَقْطُرُ مَاءً مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا فَقِيلَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ: ثُمَّ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام الأعظم (عن نافع عن) مولاه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (أراني الليلة عند الكعبة) بضم همزة أراني والليلة نصب على الظرفية (فرأيت رجلاً آدم) بمد الهمزة أسمر (كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال) بضم الهمزة وسكون الدال المهملة من سمرهم (له لمة) بكسر اللام وتشديد الميم شعر يجاوز شحمة أذنه (كأحسن ما أنت راء من اللمم) بكسر اللام أيضًا (قد رجلها) بفتح الراء والجيم المشدّدة واللام سرحها حال كونها (تقطر ماء) من الماء الذي سرح به شعره حال كونه (متكئًا على رجلين أو) قال (على عواتق رجلين) بالشك من الراوي وأضيف عواتق وهو جمع للمثنى على حد فقد صغت قلوبكما لعدم الالباس والعاتق ما بين المنكب والعنق (يطوف بالبيت) الحرام (فسألت: من هذا؟ فقيل) ليس هو (المسيح ابن مريم) عليه السلام (إذا) ولأبي ذر وإذا ولغير أبي ذر ثم إذا (أنا برجل جعد) بفتح الجيم وسكون العين غير سبط أو قصير (قطط) شديد جعودة الشعر (أعور العين اليمنى كأنها) أي عينه (عنبة طافية) بالمثناة بالتحتية بارزة ومن همزها فمن طفئت كما يطفأ السراج أي ذهب نورها (فسألت: من هذا؟ فقيل) لي هذا (المسيح الدجال). فإن قلت: الدجال لا يدخل مكة والحديث أنه كان عند الكعبة؟ أجيب: بأن المنع من دخوله مكة إنما هو عند خروجه وإظهار شوكته. والحديث مرّ في أحاديث الأنبياء وغيرها. 7000 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّى أُرِيتُ اللَّيْلَةَ فِى الْمَنَامِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ. وَتَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ أَخِى الزُّهْرِىِّ وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ الزُّبَيْدِىُّ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَوْ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ شُعَيْبٌ: وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الزُّهْرِىِّ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَكَانَ مَعْمَرٌ لاَ يُسْنِدُهُ حَتَّى كَانَ بَعْدُ. وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن عبد الله بن بكير قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (إن ابن عباس) عبد الله -رضي الله عنهما- قال (كان يحدث أن رجلاً) قال ابن حجر: لم أقف على اسمه (أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد مسلم منصرفه من أحد وحينئذٍ فهو مرسل لأن ابن عباس كان صغيرًا مع أبويه بمكة لأن مولده قبل الهجرة بثلاث سنين على الصحيح وأحد كانت في شوّال في الثانية (فقال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إني أريت) بهمزة مضمومة ثم راء مكسورة وللأصيلي رأيت براء ثم همزة مفتوحة (الليلة في المنام وساق الحديث) الآتي إن شاء الله تعالى في باب من لم ير الرؤيا لأوّل عابر إذا لم يصب بعد خمسة وثلاثين بابًا عن يحيى بن بكير بهذا السند بتمامه ولفظه إن رجلاً أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل فأرى الناس يتكففون منها فالمستكثر والمستقل الحديث إلخ. (وتابعه) أي تابع الزهري محمد بن مسلم في روايته عن عبيد الله بن عبد الله (سليمان بن كثير) فيما وصله مسلم وسقطت واو وتابع لابن عساكر (و) تابعه أيضًا (ابن أخي الزهري) محمد بن عبد الله بن مسلم فيما وصله الذهلي في الزهريات (وسفيان بن حسين) الواسطي فيما وصله الإمام أحمد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بن عبد الله (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وقال الزبيدي) بضم

12 - باب الرؤيا بالنهار

الزاي محمد بن الوليد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عتبة (أن ابن عباس أو أبا هريرة) -رضي الله عنهم- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالشك فقال ابن عباس أو أبا هريرة ولابن عساكر ووصله مسلم وأبا هريرة يعني أن كليهما رواه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من غير شك وسقط قوله عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لابن عساكر. (وقال شعيب) أي ابن أبي حمزة الحمصي (وإسحاق بن يحيى) الكلبي الحمصي (عن الزهري) محمد بن مسلم (كان أبو هريرة -رضي الله عنه- يحدث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا وصله الذهلي في الزهريات (وكان معمر) هر ابن راشد (لا يسنده) أي الحديث المذكور (حتى كان بعد) يسنده وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري كرواية يونس، لكن قال عن ابن عباس كان أبو هريرة يحدث. قال إسحاق: قال عبد الرزاق كان معمر يحدثه فيقول كان ابن عباس يعني ولا يذكر عبيد الله بن عبد الله في السند حتى جاء زمعة بكتاب فيه عن الزهري عن ابن عباس فكان لا يشك فيه بعد قال في الفتح والمحفوظ قول من قال عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة. 12 - باب الرُّؤْيَا بِالنَّهَارِ وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: عَنِ ابْنِ سِيرِينَ رُؤْيَا النَّهَارِ مِثْلُ رُؤْيَا اللَّيْلِ. (باب) حكم (الرؤيا) الواقعة (بالنهار) ولأبي ذر مما ليس في اليونينية باب رؤيا النهار. (وقال ابن عون) بفتح العين المهملة وسكون الواو وهو عبد الله فيما وصله علي بن أبي طالب القيرواني في كتاب التعبير له من طريق مسعدة بن اليسع عن عبد الله بن عون (عن ابن سيرين) محمد (رؤيا النهار مثل رؤيا الليل) وثبت قوله رؤيا الثانية في رواية أبي ذر عن الحموي. وقال أهل التعبير: إن رؤيا النهار بالعكس لأن الأرواح لا تجول أصلاً والشمس في أعلى الفلك وذلك أن قوّتها تمنع من إظهار أمر الأرواح وتصرفها فيما تصرف فيه، وقيل: إن رؤيا النهار أقوى من رؤيا الليل وأتم في الحال لأن النور سابق لكل ظلمة والنور يسرح في الضياء ما لا يسرح في سائر الظل والأرواح تتعارف في الضوء ما لا تتعارف في غيره، وأما الوقت الذي تكون الرؤيا فيه أصح والذي تكون فيه فاسدة فقالوا تكون صحيحة في أيام الربيع في نيسان وذلك وقت دخول الشمس الحمل وهو ابتداء الزمان الذي خلق فيه آدم عليه السلام والوقت الذي سلك فيه الروح وهو وقت تكون الرؤيا فيه الأخذ باليد. 7001 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ، وَكَانَتْ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ وَجَعَلَتْ تَفْلِى رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهْوَ يَضْحَكُ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري (أنه سمع أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدخل على أم حرام) بالحاء والراء المهملتين المفتوحتين (بنت ملحان) بكسر الميم وسكون اللام بعدها حاء مهملة وكانت خالته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الرضاع (وكانت تحت عبادة بن الصامت) أي زوجته (فدخل عليها) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يومًا فأطعمته وجعلت تفلي رأسه) بفتح الفوقية وسكون الفاء وكسر اللام تفتش شعر رأسه لتستخرج هوامه (فنام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عندها (ثم استيقظ وهو) أي والحال أنه (يضحك) فرحًا وسرورًا. 7002 - قَالَتْ فَقُلْتُ مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِى عُرِضُوا عَلَىَّ غُزَاةً فِى سَبِيلِ اللَّهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ -أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ-» شَكَّ إِسْحَاقُ قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهْوَ يَضْحَكُ فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِى عُرِضُوا عَلَىَّ غُزَاةً فِى سَبِيلِ اللَّهِ» كَمَا قَالَ فِى الأُولَى قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ قَالَ: «أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ» فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ فِى زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ. (قالت) أم حرام (فقلت) له: (ما يضحكك يا رسول الله قال): (ناس من أمتي عرضوا عليّ) بضم العين المهملة وكسر الراء مخففة حال كونهم (غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر) بمثلثة وموحدة مفتوحتين آخره جيم وسطه أو هوله (ملوكًا على الأسرّة) قال ابن عبد البر: في الجنة، وقال النووي: أي يركبون مراكب الملوك في الدنيا لسعة حالهم واستقامة أمرهم ونصب ملوكًا بنزع الخافض (أو) قال (مثل الملوك على الأسرة شك إسحاق) بن عبد الله بن أبي طلحة (قالت) أم حرام (فقلت يا رسول ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بذلك (ثم وضع رأسه) فنام (ثم استيقظ وهو يضحك فقلت ما يضحكك يا رسول الله قال: ناس) ولأبي ذر عن المستملي أناس (من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله كما قال في الأولى) من العرض ولكن قال يركبون في البر (قالت: فقلت

13 - باب رؤيا النساء

يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال: أنت من الأوّلين) بكسر اللام الذين يركبون ثبج البحر (فركبت البحر في زمان) غزو (معاوية بن أبي سفيان) -رضي الله عنهما- في خلافة عثمان مع زوجها في أوّل غزوة كانت إلى الروم (فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت) في الطريق لما رجعوا من غزوهم من غير مباشرة للقتال والحديث سبق في الجهاد والاستئذان وأخرجه مسلم في الجهاد. 13 - باب رُؤْيَا النِّسَاءِ (باب رؤيا النساء) قال عليّ بن أبي طالب القيرواني في كتاب التعبير له لا فرق في حكم العبارة بين النساء والرجال وإذا رأت المرأة ما ليست له أهلاً فهو لزوجها. 7003 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِى اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ، امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ، بَايَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمُ اقْتَسَمُوا الْمُهَاجِرِينَ قُرْعَةً قَالَتْ: فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَأَنْزَلْنَاهُ فِى أَبْيَاتِنَا فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِى تُوُفِّىَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّىَ غُسِّلَ وَكُفِّنَ فِى أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِى عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ» فَقُلْتُ: بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَّا هُوَ فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ وَاللَّهِ إِنِّى لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَوَاللَّهِ مَا أَدْرِى وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَاذَا يُفْعَلُ بِى؟» فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لاَ أُزَكِّى بَعْدَهُ أَحَدًا أَبَدًا. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين وفتح الفاء قال: (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين ابن خالد ولابن عساكر عن عقيل (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (خارجة بن زيد بن ثابت) أحد الفقهاء السبعة (أن) أمه (أم العلاء) بنت الحارث بن ثابت بن حارثة بن ثعلبة (امرأة من الأنصار بايعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته) أي أخبرت خارجة (أنهم اقتسموا) أي اقتسم الأنصار (المهاجرين قرعة) أي بالقرعة في نزولهم عليهم وسكناهم في منازلهم حين قدموا المدينة من مكة مهاجرين (قالت) أم العلاء (فطار لنا) وقع في سهمنا (عثمان بن مظعون) بفتح الميم وسكون الظاء المعجمة بعدها مهملة فواو ساكنة فنون الجمحي القرشي (وأنزلناه) بالواو (في أبياتنا) فأقام عندنا مدة (فوجع) بكسر الجيم (وجعه) بفتحها أي مرض مرضه (الذي توفي فيه فلما توفي) سنة ثلاث من الهجرة في شعبان (غسل) وفي الجنائز وغسل بالواو (وكفن في أثوابه دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عليه (قالت: فقلت رحمة الله عليك) يا (أبا السائب) بالسين المهملة وهي كنية ابن مظعون (فشهادتي عليك) أي لك مبتدأ وعليك صلته والجملة الخبرية وهي قوله (لقد أكرمك الله) أي شهادتي عليك قولي لقد أكرمك الله ومثل هذا التركيب عرفًا مستعمل ويراد به معنى القسم كأنها قالت أقسم بالله لقد أكرمك الله (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (وما يدريك) بكسر الكاف أي من أين علمت (أن الله أكرمه فقلت: بأبي أنت) مفدي أو أفديك به (يا رسول الله فمن يكرمه الله) إذا لم يكن هو من المكرمين مع إيمانه وطاعته الخالصة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما هو) بتشديد الميم أي عثمان (فوالله لقد جاءه اليقين) وهو الموت وقسيم أما هو قوله: (والله إني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ماذا يفعل بي) ولا بكم وهذا قاله قبل نزول آية الفتح ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. وقال في الكواكب فإن قيل: معلوم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وله من المقامات المحمودة ما ليس لغيره. قلت: هو نفي للدراية التفصيلية والمعلوم هو الإجمالي (فقالت) أم العلاء: (والله لا أزكي بعده أحدًا أبدًا). 7004 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ بِهَذَا وَقَالَ: «مَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِهِ، قَالَتْ: وَأَحْزَنَنِى فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ عَيْنًا تَجْرِى، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «ذَلِكَ عَمَلُهُ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي همزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (بهذا) أي الحديث المذكور (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ما أدري ما يفعل به) أي بابن مظعون (قالت) أم العلاء (وأحزنني) ذلك (فنمت فرأيت لعثمان) بن مظعون (عينًا تجري فأخبرت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بما رأيت (فقال: ذلك) بكسر الكاف خطاب لمؤنث ويجوز الفتح ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني ذاك (عمله) بإسقاط لام ذلك أي يجري له لأنه كان له بقية من عمله يجري له ثوابها فقد كان له ولد صالح يدعو له شهد بدرًا وهو السائب، ويحتمل أن يكون عثمان كان مرابطًا في سبيل الله فيكون ممن يجري له عمله لحديث فضالة بن عبيد مرفوعًا: كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة. 14 - باب الْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (الحلم من الشيطان) بضم الحاء واللام وتسكن (فإذا حلم) بفتح الحاء واللام الشخص

15 - باب اللبن

وللحموي والمستملي وإذا حلم بالواو بدل الفاء (فليبصق عن يساره) بالصاد المهملة (وليستعذ بالله عز وجل). 7005 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ الأَنْصَارِىَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفُرْسَانِهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمُ الْحُلُمَ يَكْرَهُهُ فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْهُ فَلَنْ يَضُرَّهُ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (أن أبا قتادة الأنصاري) -رضي الله عنه- (وكان من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المشهورين (وفرسانه) المعتبرين وقاله تعظيمًا له وافتخارًا وتعليمًا للجاهل به (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (الرؤيا) المحبوبة ترى في المنام (من الله) عز وجل (والحلم) هو المكروه يرى فيه (من الشيطان) لكونه على طبعه وكل من الله عز وجل (فإذا حلم) بفتح الحاء واللام (أحدكم الحلم يكرهه فليبصق عن يساره) بالصاد وفي رواية فلينفث وهو شبيه بالنفخ وأقل من التفل لأن التفل يكون معه ريق وفي أخرى فليتفل وهذه حالات متفاوتة فينبغي أن يفعل الجميع ليتحقق الموعود به من عدم الضرر إن شاء الله تعالى (وليستعذ بالله منه) من الشيطان (فلن يضره). 15 - باب اللَّبَنِ (باب اللبن) إذا رئي في المنام بماذا يعبر. 7006 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّى لأَرَى الرِّىَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِى، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِى يَعْنِى عُمَرَ» قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمَ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (حمزة بن عبد الله) بالحاء المهملة والزاي (أن) أباه (ابن عمر) -رضي الله عنهم- (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (بينا) بغير ميم (أنا نائم أتيت) بضم الهمزة (بقدح لبن فشربت منه حتى إني لأرى الري) بفتح همزة لأرى واللام للتأكيد وكسر راء الري وتشديد التحتية (يخرج من أظفاري) في موضع نصب مفعول ثان لأرى إن قدرت الرؤية بمعنى العلم أو حال أن قدرت بمعنى الإبصار فإن قلت الري لا يرى أجيب بأنه نزله منزلة المرئي فهو استعارة وفي رواية الأصيلي وابن عساكر وأبوي الوقت وذر في أظفاري (ثم أعطيت فضلي) الذي فضل من لبن القدح الذي شربت منه (يعني عمر) بن الخطاب كأن بعض رواته شك، وفي رواية صالح بن كيسان فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب بالجزم من غير شك (قالوا) أي من حوله من الصحابة (فما أوّلته) أي عبرته (يا رسول الله؟ قال) أوّلته (العلم) لاشتراك اللبن والعلم في كثرة النفع بهما وكونهما مبني الصلاح ذاك في الأشباح والآخر في الأرواح، وقال القاضي أبو بكر بن العربي: الذي خلص اللبن من بين فرث ودم قادر أن يخلق المعرفة من بين شك وجهل، وفي رواية أبي بكر بن سالم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لهم: أولوها. قالوا يا نبي الله هذا علم أعطاكه الله فملأك منه ففضلت فضلة فأعطيتها عمر قال أصبتم. قال في الفتح: ويجمع بأن هذا وقع أوّلاً ثم احتمل عندهم أن يكون عنده في تأويلها زيادة على ذلك فقالوا: ما أوّلته الخ. لكن خص الدينوري اللبن المذكور هنا بلبن الإبل وأنه لشاربه مال حلال وعلم. قال: ولبن البقر خصب السنة ومال حلال وفطرة أيضًا، ولبن الشاة مال وسرور وصحة جسم، وألبان الوحوش شك في الدين وألبان السباع غير محمودة إلا أن لبن اللبوة مال مع عداوة لذي أمر، وقال أبو سهل المسيحي لبن الأسد يدل على الظفر بالعدوّ، ولبن الكلب يدل على الخوف، ولبن السنانير والثعالب يدل على المرض، ولبن النمر يدل على إظهار العداوة. والحديث مضى في العلم. 16 - باب إِذَا جَرَى اللَّبَنُ فِى أَطْرَافِهِ أَوْ أَظَافِيرِهِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا) رأى الشخص في منامه أنه (جرى اللبن في أطرافه أو أظافيره) ولابن عساكر وأظافيره. 7007 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّى لأَرَى الرِّىَّ يَخْرُجُ مِنْ أَطْرَافِى، فَأَعْطَيْتُ فَضْلِى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ» فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمَ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (حمزة بن عبد الله بن عمر أنه سمع) أباه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بينا) بغير

17 - باب القميص فى المنام

ميم (أنا نائم) وجواب بينا قوله: (أتيت بقدح لبن فشربت منه حتى إني) بكسر همزة إني لوقوعها بعد حتى الابتدائية (لأرى الريّ يخرج) وفي نسخة يجري (من أطرافي) وفي كتاب العلم في أظفاري، فيحتمل أن تكون في بمعنى على ويكون المعنى يظفر على أظفاري والظفر إما منشأ الخروج أو ظرفه (فأعطيت فضلي عمر بن الخطاب فقال من حوله): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الصحابة (فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال) أولته (العلم) وعند سعيد بن منصور من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري ثم ناوله فضله عمر قال ما أولته قال الحافظ ابن حجر فظاهره أن السائل عمر وفي إعطائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فضله عمر الإشارة إلى ما حصل له من العلم بالله بحيث كان لا يأخذه في الله لومة لائم. 17 - باب الْقَمِيصِ فِى الْمَنَامِ (باب) رؤية (القميص) بفتح القاف وكسر الميم ولأبي ذر عن الكشميهني القمص بضمهما (في المنام) وتعبيره. 7008 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَىَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْىَ وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَمَرَّ عَلَىَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ» قَالُوا: مَا أَوَّلْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الدِّينَ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) أي ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو أمامة) أسعد (بن سهل) بسكون الهاء بعد فتح ابن حنيف الأنصاري أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يسمع منه (أنه سمع أبا سعيد) سعد بن مالك (الخدري) -رضي الله عنه- (يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بينما) بالميم (أنا نائم رأيت الناس) من الرؤية الحلمية على الأظهر أو من البصرية فتطلب مفعولاً واحدًا وهو الناس وحينئذٍ فقوله (يعرضون) بضم أوّله وفتح ثالثه جملة حالية أو علمية من الرأي فتطلب مفعولين وهما الناس ويعرضون (علي) أي يظهرون لي (وعليهم قمص) بضم القاف والميم جمع قميص (منها ما يبلغ الثدي) بضم المثلثة وكسر المهملة وتشديد التحتية والمراد قصره جدًّا بحيث لا يصل من الحلق إلى نحو السرة بل فوقها ولغير أبي ذر الثدي بفتح المثلثة وسكون المهملة (ومنها ما يبلغ دون ذلك) فلم يصل إلى الثدي لقلته أو المراد دونه من جهة السفلى فيكون أطول وفي رواية الحكيم الترمذي من طريق أخرى عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري في هذا الحديث فمنهم من كان قميصه إلى سرته ومنهم من كان قميصه إلى ركبته ومنهم من كان قميصه إلى أنصاف ساقيه (ومر عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه) لطوله (قالوا) أي الصحابة: (ما أوّلت) ذلك (يا رسول الله؟) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني ما أوّلته يا رسول الله (قال) أوّلته (الدين) لأن القميص يستر العورة في الدنيا والدين يسترها في الآخرة ويحجبها عن كل مكروه وفيه فضيلة عمر -رضي الله عنه- ولا يلزم منه تفضيله على أبي بكر ولعل السر في السكوت عن ذكره الاكتفاء بما علم من أفضليته أو ذكر وذهل الراوي عنه، وليس في الحديث التصريح بانحصار ذلك في عمر -رضي الله عنه- فالمراد التنبيه على أنه ممن حصل له الفضل البالغ في الدين. والحديث سبق في الإيمان. 18 - باب جَرِّ الْقَمِيصِ فِى الْمَنَامِ (باب جر القميص في المنام). 7009 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِى اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَلَىَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثَّدْىَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَىَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجْتَرُّهُ» قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الدِّينَ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين وفتح الفاء قال: (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين المهملة وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو أمامة) أسعد (بن سهل) أي ابن حنيف (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (بينا) بغير ميم (أنا نائم) وجواب بينا قوله: (رأيت الناس عرضوا عليّ) بضم العين وكسر الراء وتشديد التحتية من عليَّ (وعليهم قمص) جمع قميص (فمنها ما يبلغ الثدي) بفتح المثلثة وسكون الدال المهملة ولأبي ذر الثدي بضم ثم كسر (ومنها ما يبلغ دون ذلك وعرض علي) بتشديد الياء (عمر بن الخطاب وعليه قميص يجتره) بسكون الجيم بعدها فوقية مفتوحة، ولابن عساكر: يجره بضم الجيم وإسقاط الفوقية (قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال: الدين) وفي نوادر

19 - باب الخضر فى المنام، والروضة الخضراء

الأصول للترمذي الحكيم أن السائل عن ذلك هو أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- واتفق على أن القميص يعبر بالدين وأن طوله يدل على بقاء آثار صاحبه من بعده وهذا من أمثلة ما يحمد في المنام ويذم في اليقظة شرعًا إذ جرّ القميص ورد الوعيد على تطويله. 19 - باب الْخُضَرِ فِى الْمَنَامِ، وَالرَّوْضَةِ الْخَضْرَاءِ (باب) رؤية (الخضر في المنام) بضم الخاء وفتح الضاد المعجمتين وفي فتح الباري بضم الخاء وسكون الضاد جمع أخضر قال: وهو اللون المعروف في الثياب وغيرها. قال: ووقع في رواية النسفيّ الخضرة بسكون الضاد وبعد الراء هاء تأنيث وكذا في رواية أبي أحمد الجرجاني (و) رؤية (الروضة الخضراء) في المنام أيضًا. 7010 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِىُّ، حَدَّثَنَا حَرَمِىُّ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ: كُنْتُ فِى حَلْقَةٍ فِيهَا سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَابْنُ عُمَرَ فَمَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ قَالُوا: كَذَا وَكَذَا قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا كَانَ يَنْبَغِى لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ، إِنَّمَا رَأَيْتُ كَأَنَّمَا عَمُودٌ وُضِعَ فِى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، فَنُصِبَ فِيهَا وَفِى رَأْسِهَا عُرْوَةٌ وَفِى أَسْفَلِهَا مِنْصَفٌ وَالْمِنْصَفُ الْوَصِيفُ فَقِيلَ: ارْقَهْ فَرَقِيتُ حَتَّى أَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَمُوتُ عَبْدُ اللَّهِ وَهْوَ آخِذٌ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد الجعفي) بضم الجيم وسكون العين المهملة وكسر الفاء المعروف بالمسندي قال: (حدّثنا حرمي بن عمارة) بفتح الحاء والراء المهملتين وكسر الميم وعمارة بضم العين وتخفيف الميم قال: (حدّثنا قرة بن خالد) السدوسي (عن محمد بن سيرين) أنه (قال: قال قيس بن عباد) بضم العين وتخفيف الموحدة آخره دال مهملة البصري التابعي الكبير وليس بصحابي (كنت في حلقة) بسكون اللام (فيها سعد بن مالك) هو سعد بن أبي وقاص (وابن عمر) عبد الله -رضي الله عنهم- (فمرّ عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام الإسرائيلي (فقالوا) في ابن سلام (هذا رجل من أهل الجنة) لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الآتي إن شاء الله تعالى آخر الحديث يموت عبد الله وهو آخذ بالعروة الوثقى قال قيس (فقلت له) لعبد الله بن سلام (إنهم قالوا: كذا وكذا. قال) ابن سلام متعجبًا من قولهم (سبحان الله ما كان ينبغي لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم) وفي رواية خرشة عند مسلم فقال الله أعلم بأهل الجنة وأنكر عليهم الجزم ولم ينكر أصل الأخبار عليه بأنه من أهل الجنة وهذا شأن المراقبين الخائفين المتواضعين (إنما رأيت) في المنام (كأنما عمود وضع في) وسط (روضة خضراء) وسبق في المناقب رأيت كأني في روضة ذكر من سعتها وخضرتها (فنصب) بضم النون وكسر الصاد المهملة بعدها موحدة العمود (فيها) في الروضة وفي رواية ابن عون العمود كان في وسط الروضة وفي رواية المستملي والكشميهني قبضت بقاف وموحدة مفتوحتين فضاد ساكنة فتاء متكلم (وفي رأسها) أي رأس العمود (عروة) بضم العين وسكون الراء المهملتين والعمود مذكر أنثه باعتبار الدعامة وفي رواية ابن عون وفي أعلى العمود عروة وفي روايته في المناقب ووسطها عمود من حديث أسفله في الأرض وأعلاه في السماء في أعلاه عروة (وفي أسفلها منصف) بكسر الميم وسكون النون وفتح الصاد المهملة قال ابن سيرين (والمنصف الوصيف) في مسلم فجاءني منصف. قال ابن عون: والمنصف الخادم. قال ابن سلام (فقيل) لي (ارقه فرقيت) في العمود بكسر القاف على الأفصح ولأبي ذر فرقيته بزيادة ضمير المفعول (حتى أخذت بالعروة) وفي رواية خرشة عند مسلم فقال لي أصعد فوق هذا قال قلت: كيف أصعد فأخذ بيدي فزجل بي وهو بزاي وجيم أي دفعني فإذا أنا متعلق بالحلقة ثم ضربت العمود فخرّ وبقيت متعلقًا بالحلقة حتى أصبحت (فقصصتها) أي الرؤيا (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يموت عبد الله) أي ابن سلام (وهو آخذ بالعروة الوثقى) تأنيث الأوثق الأشدّ الوثيق من الحبل الوثيق المحكم وهو تمثيل للمعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس حتى يتصوّره السامع كأنه ينظر إليه بعينه فيحكم اعتقاده والمعنى فقد عقد لنفسه من الدين عقدًا وثيقًا لا تحله شبهة وزاد في رواية ابن عون فقال تلك الروضة روضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام وتلك العروة العروة الوثقى لا تزال متمسكًا بالإسلام حتى تموت، وعند مسلم من حديث خرشة بن الحرّ قال: قدمت المدينة فجلست إلى أشيخة في مسجد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجاء شيخ يتوكأ على عصا له فقال القوم من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا فقام خلف سارية فصلّى

20 - باب كشف المرأة فى المنام

ركعتين فقمت إليه فقلت له قال بعض القوم كذا وكذا فقال: الجنة لله يدخلها من يشاء وإني رأيت على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رؤيا رأيت كأن رجلاً أتاني فقال: انطلق فذهبت معه فسلك بي منهجًا عظيمًا فعرضت لي طريق عن يساري فأردت أن أسلكها فقال: إنك لست من أهلها ثم عرضت لي طريق عن يميني فسلكتها حتى انتهيت إلى جبل زلق فأخذ بيدي فزجل بي فإذا أنا على ذروته فلم أتقارّ ولم أتماسك، فإذا عمود حديد في ذروته حلقة من ذهب فأخذ بيدي فزجل بي حتى أخذت بالعروة فقال: استمسك. فقلت: نعم فضرب العمود برجله فاستمسكت بالعروة، فقصصتها على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "رأيت خيرًا أما المنهج العظيم فالمحشر، وأما الطريق التي عرضت عن يسارك فطريق أهل النار ولست من أهلها، وأما الطريق التي عرضت عن يمينك فطريق أهل الجنة، وأما الجبل الزلق، فمنزل الشهداء، وأما العروة التي استمسكت بها فعروة الإسلام فاستمسك بها حتى تموت". قال: فأنا أرجو أن أكون من أهل الجنة. قال: فإذا هو عبد الله بن سلام وهكذا رواه النسائي وابن ماجة ومسلم في صحيحه. 20 - باب كَشْفِ الْمَرْأَةِ فِى الْمَنَامِ (باب كشف المرأة) أي كشف الرجل المرأة (في المنام). 7011 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُرِيتُكِ فِى الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فِى سَرَقَةِ حَرِيرٍ فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأَتُكَ فَأَكْشِفُهَا فَإِذَا هِىَ أَنْتِ، فَأَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (عبيد بن إسماعيل) بضم العين الهباري القرشي الكوفي وكان اسمه عبد الله قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أريتك) بضم الهمزة (في المنام مرتين) زاد مسلم أو ثلاثًا بالشك فقيل من هشام واقتصر البخاري على المحقق وهو المرّتان (إذا رجل) أي جبريل في صورة رجل (يحملك في سرقة) بفتح السين والراء المهملتين والقاف قطعة (من حرير) وذكر الحرير تأكيد للسرقة وإلاّ فهي لا تكون إلا من حرير قال في الصحاح السرق شقق الحرير الواحدة منها سرقة وثبت من في قوله من حرير لأبي ذر عن الكشميهني (فيقول) الرجل المفسر بجبريل (هذه امرأتك) زاد ابن حبان في الدنيا والآخرة (فأكشفها فإذا هي أنت) لا غيرك فالمراد أنه رآها في المنام كما رآها في اليقظة (فأقول إن يكن هذا) الذي رأيته (من عند الله يمضه) بضم أوله وكسر ثالثه من الإمضاء. قال في شرح المشكاة: وهذا الشرط مما يقوله المتحقق لثبوت الأمر المستدل بصحته تقريرًا لوقوع الجزاء وتحققه ونحوه قول السلطان لمن هو تحت قهره إن كنت سلطانًا انتقمت منك أي السلطنة مقتضية للانتقام. وسبق الحديث في النكاح. 21 - باب ثِيَابِ الْحَرِيرِ فِى الْمَنَامِ (باب) رؤية (ثياب الحرير في المنام) وسقط لابن عساكر لفظ ثياب. 7012 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُرِيتُكِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ مَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُ الْمَلَكَ يَحْمِلُكِ فِى سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ فَقُلْتُ لَهُ: اكْشِفْ فَكَشَفَ فَإِذَا هِىَ أَنْتِ، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُنْ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ». وبه قال: (حدّثنا محمد) زاد أبو ذر عن الحموي والكشميهني هو أبو كريب محمد بن العلاء ولأبي ذر عن المستملي محمد بن سلام، وقال الكلاباذي: هو محمد بن سلام أو محمد بن المثنى قال: (أخبرنا) بالجمع ولابن عساكر أخبرني (أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين قال: (أخبرنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أريتك) بضم الهمزة وكسر الراء بعدها مبنيًّا للمفعول (قبل أن أتزوجك) في المنام (مرتين رأيت الملك) جبريل عليه السلام (يحملك في سرقة من حرير فقلت له) لجبريل (اكشف) أي السرقة (فكشف فإذا هي) ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والكشميهني فإذا هو (أنت) وفي الرواية السابقة فأكشفها وفي النكاح فقال لي هذه امرأتك فكشفت عن وجهك ففيهما أن الكاشف هو رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي حديث هذا الباب أن الكاشف الملك. وأجيب: بأن نسبة الكشف إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكونه الآمر والذي باشر الكشف هو الملك (فقلت: إن يكن) بنون بعد الكاف (هذا من عند الله يمضه) ينفذه ويتمه ثم (أريتك) بتقديم الهمزة المضمومة على الراء المكسورة المرة الثانية (يحملك) الملك (في سرقة من حرير فقلت) للملك (اكشف فكشف

22 - باب المفاتيح فى اليد

فإذا هي) ولابن عساكر وحده فإذا هو أي فإذا الشخص الذي في السرقة (أنت فقلت إن يك) بغير نون بعد الكاف (هذا من عند الله يمضه). وأعاد صورة المنام بيانًا لقوله أريتك مرتين. وفي رواية حماد بن سلمة أتيت بجارية في سرقة من حرير بعد وفاة خديجة ففيه أن هذه الرؤيا كانت بعد المبعث. واستشكل قوله فإن يكن من عند الله يمضه إذ ظاهره الشك ورؤيا الأنبياء وحي. وأجيب: بأنه لم يشك ولكنه أتى بصورة الشك وهو نوع من أنواع البديع عند أهل البلاغة يسمى مزج الشك باليقين، أو قال قبل أن يعلم أن رؤيا الأنبياء وحي، أو المراد أن تكون الرؤيا على وجهها في ظاهرها لا تحتاج إلى تعبير وتفسير فيمضها الله وينجزها فالشك عائد على أنها رؤيا على ظاهرها لا تحتاج إلى تعبير وخروج عن ظاهرها، أو المراد إن كانت هذه الزوجة في الدنيا يمضها الله فالشك أنها زوجة في الدنيا أم في الجنة قاله عياض فليتأمل مع ما عند ابن حبان في روايته: هذه امرأتك في الدنيا والآخرة. 22 - باب الْمَفَاتِيحِ فِى الْيَدِ (باب) رؤية (المفاتيح في اليد) في المنام. 7013 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَتْ فِى يَدِى» قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبَلَغَنِى أَنَّ جَوَامِعَ الْكَلِمِ أَنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ الأُمُورَ الْكَثِيرَةَ الَّتِى كَانَتْ تُكْتَبُ فِى الْكُتُبِ قَبْلَهُ فِى الأَمْرِ الْوَاحِدِ، وَالأَمْرَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير بن مسلم وقيل ابن عفير بن سلمة بن يزيد بن الأسود الأنصاري مولاهم البصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين (عن ابن شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب) بفتح التحتية (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (بعثت بجوامع الكلم ونصرت بالرعب) بسكون العين وضمها أي الخوف يقع في قلب من أقصده من أعدائي وهو في مسيرة شهر مني نصرًا من الله ليس بذلك (وبينا) بغير ميم (أنا نائم أتيت) بضم الهمزة من غير واو مبنيًّا للمفعول (مفاتيح خزائن الأرض) قال الخطاب يريد بخزائن الأرض ما فتح الله على أمته من الغنائم وخزائن كسرى وقيصر وغيرهما (فوضعت) بضم الواو وكسر الضاد المعجمة وفتح المهملة بعدها أي المفاتيح (في يدي) حقيقة أو مجازًا باعتبار الاستيلاء عليها. (قال محمد): ولأبي ذر قال أبو عبد الله بدل قوله قال محمد، وفي فتح الباري عزو رواية محمد لكريمة والأخرى لأبي ذر قيل المراد البخاري لأن اسمه محمد وكنيته أبو عبد الله. قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر لي أن الصواب رواية كريمة فإن الكلام ثبت عند الزهري واسمه محمد بن مسلم، وقد ساقه المؤلّف هنا من طريقه فيبعد أن يأخذ كلامه فينسبه لنفسه وكأن بعضهم لما قال قال محمد ظن أنه البخاري فأراد تعظيمه فكناه فأخطأ لأن محمدًا هو الزهري وكنيته أبو بكر لا أبو عبد الله اهـ. (وبلغني أن جوامع الكلم) التي بعث بها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تفسيرها (أن الله) تعالى (يجمع) له (الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك). وحاصله أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يتكلم بالقول الموجز القليل اللفظ الكثير المعاني وجزم غير الزهري بأن المراد بجوامع الكلم القرآن إذ هو الغاية القصوى في إيجاز اللفظ واتساع المعاني. وعلى تفنن واصفيه بحسنه ... يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف ومطابقة الحديث للترجمة في قوله أتيت مفاتيح خزائن الأرض وقد قال أهل التعبير من رأى أن بيده مفاتيح فإنه يصيب سلطانًا ومن رأى أنه فتح بابًا بمفتاح فإنه يظفر بحاجته بمعونة من له بأس. والحديث مرّ في الجهاد. 23 - باب التَّعْلِيقِ بِالْعُرْوَةِ وَالْحَلْقَةِ (باب التعليق بالعروة) الوثقى (والحلقة) في المنام. 7014 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ح وَحَدَّثَنِى خَلِيفَةُ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ قَالَ: رَأَيْتُ كَأَنِّى فِى رَوْضَةٍ وَسَطَ الرَّوْضَةِ عَمُودٌ فِى أَعْلَى الْعَمُودِ عُرْوَةٌ فَقِيلَ لِى ارْقَهْ، قُلْتُ: لاَ أَسْتَطِيعُ فَأَتَانِى وَصِيفٌ فَرَفَعَ ثِيَابِى فَرَقِيتُ فَاسْتَمْسَكْتُ بِالْعُرْوَةِ فَانْتَبَهْتُ وَأَنَا مُسْتَمْسِكٌ بِهَا، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «تِلْكَ الرَّوْضَةُ رَوْضَةُ الإِسْلاَمِ، وَذَلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الإِسْلاَمِ، وَتِلْكَ الْعُرْوَةُ العُرْوَةُ الْوُثْقَى، لاَ تَزَالُ مُسْتَمْسِكًا بِالإِسْلاَمِ حَتَّى تَمُوتَ». وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدَّثنا أزهر) بفتح الهمزة وسكون الزاي وفتح الهاء بعدها راء ابن سعد السمان البصري (عن ابن عون) عبد الله (ح) للتحويل من سند إلى آخر. قال المؤلّف بالسند إليه: (وحدّثني) بالإفراد (خليفة) بن خياط بالخاء المعجمة المفتوحة والتحتية المشددة البصري العصفري صاحب كتاب الطبقات والتاريخ يقال له شباب قال: (حدّثنا معاذ)

24 - باب عمود الفسطاط تحت وسادته

هو ابن معاوية العنبري قال: (حدّثنا ابن عون) عبد الله (عن محمد) هو ابن سيرين أنه قال: (حدّثنا قيس بن عباد) بضم العين وتخفيف الموحدة التابعي وسبق ذكره في مناقب عبد الله بن سلام بهذا الحديث وحديث آخر في تفسير سورة الحج وفي غزوة بدر وليس له في البخاري سوى هذين الحديثين (عن عبد الله بن سلام) بالتخفيف أنه (قال: رأيت) في المنام (كأني في روضة وسط الروضة) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني ووسط الروضة (عمود في أعلى العمود عروة فقيل لي ارقه) بهاء السكت اصعده (قلت لا أستطيع) رقيه (فأتاني وصيف) خادم (فرفع) وفي نسخة يرفع (ثيابي فرقيت) بكسر القاف (فاستمسكت بالعروة فانتبهت وأنا مستمسك بها) أي حال استمساكي بالعروة وإلا فكيف يستمسك بعد الانتباه ويحتمل الحقيقة فالقدرة صالحة (فقصصتها على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (تلك الروضة روضة الإسلام وذلك العمود عمود الإسلام وتلك العروة العروة الوثقى) المذكورة في قوله تعالى: {فقد استمسك بالعروة الوثقى} [لقمان: 22] (لا تزال مستمسكًا بالإسلام حتى تموت). ولأبي ذر عن الكشميهني بها بدل قوله بالإسلام، وقد قال المعبرون الحلقة والعروة المجهولة يدلان لمن تمسك بهما على قوّته في دينه وإخلاصه فيه. 24 - باب عَمُودِ الْفُسْطَاطِ تَحْتَ وِسَادَتِهِ (باب) رؤية (عمود الفسطاط) بضم الفاء وتكسر وسكون المهملة بعدها طاءان مهملتان بينهما ألف وقد تبدل الطاء الأخيرة سينًا مهملة، وقد تبدل الطاء تاء مثناة فوقية فيهما وفي إحداهما وقد تدغم التاء الأولى في السين المهملة وبالسين المهملة في آخره لغات تبلغ على هذا اثنتي عشرة وهو كما قال الجواليقي فارسي معرّب وهو الخيمة العظيمة والعمود بفتح أوّله (تحت وسادته) في المنام. وعند النسفيّ عند بدل تحت ولم يذكر هنا حديثًا ولعله أشار بهذه الترجمة إلى ما أخرجه يعقوب بن سفيان والطبراني والحاكم وصححه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول بينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فأتبعته بصري فإذا هو قد عمد به إلى الشأم ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشأم، وزاد يعقوب والطبراني من حديث أبي أمامة بعد قوله بصري فإذا هو نور ساطع حتى ظننت أنه قد هوى به فعمد به إلى الشأم وإني أوّلت أن الفتن إذا وقعت أن الإيمان بالشأم وسنده ضعيف، وعند أبي الدرداء عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "بينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فظننت أنه مذهوب به فأتبعته بصري فعمد به إلى الشأم" رواه أحمد ويعقوب والطبراني بسند صحيح وهذا الحديث كما قال في الفتح أقرب إلى شرط البخاري لأنه أخرج لرواته إلا أن فيه اختلافًا على يحيى بن حمزة في شيخه هل هو ثور بن يزيد أو يزيد بن واقد وهو غير قادح لأن كلاًّ منهما ثقة من شرطه فلعله كتب الترجمة وبيض للحديث فاخترمته المنية، وعن عبد الله بن حوالة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: رأيت ليلة أسري بي عمودًا أبيض كأنه لواء تحمله الملائكة فقلت: ما تحملون؟ قالوا: عمود الكتاب أمرنا أن نضعه بالشأم. قال: وبينا أنا نائم رأيت عمود الكتاب اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله تجلى على أهل الأرض فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع حتى وضع بالشأم. وللحديث طرق أخرى يقوّي بعضها بعضًا وعمود الكتاب عمود الدين، وقال المعبرون: من رأى في منامه عمودًا فإنه يعبر بالدين، وأما الفسطاط فمن رأى أنه ضرب عليه فسطاط فإنه ينال سلطانًا بقدره أو يخاصم ملكًا فيظفر. 25 - باب الإِسْتَبْرَقِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ فِى الْمَنَامِ (باب) رؤية (الاستبرق) وهو غليظ الديباج في المنام (و) رؤية (دخول الجنة في المنام) أيضًا. 7015 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: رَأَيْتُ فِى الْمَنَامِ كَأَنَّ فِى يَدِى سَرَقَةً مِنْ حَرِيرٍ لاَ أَهْوِى بِهَا إِلَى مَكَانٍ فِى الْجَنَّةِ، إِلاَّ طَارَتْ بِى إِلَيْهِ فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ. وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بفتح اللام المشددة العمي البصري أخو بهز بن أسد قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد البصري (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: رأيت في المنام كأن في يدي سرقة) بفتحات (من حرير) وفي الترمذي من طريق إسماعيل ابن علية عن أيوب كأنما في يدي قطعة استبرق

26 - باب القيد فى المنام

فكأن البخاري أشار إلى روايته في الترجمة (لا أهوي) بفتح الهمزة وقال العيني كابن حجر بضم الهمزة من الأهواء وثلاثية هوى أي سقط. وقال الأصمعي أهويت بالشيء إذا رميت به (بها) بالسرقة (إلى مكان في الجنة إلا طارت بي إليه) فكأنما لي مثل جناح الطير للطائر (فقصصتها على حفصة) بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين. 7016 - فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِنَّ أَخَاكِ رَجُلٌ صَالِحٌ -أَوْ قَالَ - إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ». (فقصتها حفصة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن أخاك رجل صالح أو) قال (إن عبد الله رجل صالح) كذا بالشك من الراوي قال في الفتح: وزاد الكشميهني في روايته عن الفربري لو كان يصلّي من الليل، وفي مسلم من رواية عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال نعم الفتى أو قال نعم الرجل ابن عمر لو كان يصلّي من الليل قال ابن عمر وكنت إذا نمت لم أقم حتى أصبح. وحديث الباب سبق في صلاة الليل. 26 - باب الْقَيْدِ فِى الْمَنَامِ (باب) رؤية (القيد في المنام) إذا رأى شخص أنه تقيد به فيه ما يكون تعبيره. 7017 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفًا قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ، وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَنَا أَقُولُ هَذِهِ قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ: الرُّؤْيَا ثَلاَثٌ حَدِيثُ النَّفْسِ وَتَخْوِيفُ الشَّيْطَانِ وَبُشْرَى مِنَ اللَّهِ، فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلاَ يَقُصُّهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ قَالَ: وَكَانَ يُكْرَهُ الْغُلُّ فِى النَّوْمِ، وَكَانَ يُعْجِبُهُمُ الْقَيْدُ وَيُقَالُ: الْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِى الدِّينِ. وَرَوَى قَتَادَةُ وَيُونُسُ وَهِشَامٌ وَأَبُو هِلاَلٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَدْرَجَهُ بَعْضُهُمْ كُلَّهُ فِى الْحَدِيثِ وَحَدِيثُ عَوْفٍ أَبْيَنُ وَقَالَ يُونُسُ: لاَ أَحْسِبُهُ إِلاَّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْقَيْدِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لاَ تَكُونُ الأَغْلاَلُ إِلاَّ فِى الأَعْنَاقِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن صباح) بفتح الصاد المهملة والموحدة المشددة وبعد الألف مهملة العطار البصري قال: (حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان (قال: سمعت عوفًا) بفتح العين المهملة وبعد الواو الساكنة فاء ابن أبي جميل بفتح الجيم الأعرابي العبدي البصري أنه (قال: حدّثنا محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة) -رضي الله عنه- (يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): إذا اقترب الزمان) بأن يعتدل ليله ونهاره وقت اعتدال الطبائع الأربع غالبًا وانفتاق الأزهار وإدراك الثمار (لم تكد تكذب رؤيا المؤمن) لكن التقييد بالمؤمن يعكر على تأويل الاقتراب بالاعتدال إذ لا يختص به المؤمن، وأيضًا الاقتراب يقتضي التفاوت والاعتدال يقتضي عدمه فكيف يفسر الأوّل بالثاني؟ وصوّب ابن بطال أن المراد باقتراب الزمان انتهاء دولته إذا دنا قيام الساعة لما في الترمذي من طريق معمر عن أيوب في هذا الحديث: في آخر الزمان لم تكذب رؤيا المؤمن وأصدقهم رؤيا أصدقهم حديثًا قال: فعلى هذا فالمعنى إذا اقتربت الساعة وقبض أكثر أهل العلم ودرست معالم الديانة بالهرج والفتنة فكان الناس على مثل الفترة محتاجين إلى مذكر ومجدد لما درس من الدين كما كانت الأمم تذكر بالأنبياء، فلما كان نبينا خاتم الأنبياء وما بعده من الزمان يشبه زمن الفترة عوّضوا عن النبوّة بالرؤيا الصالحة الصادقة التي هي جزء من أجزاء النبوّة الآتية بالبشارة والنذارة، وقيل المراد بالاقتراب نقص الساعات والأيام والليالي بسراع مرورها وذلك قرب الساعة ففي مسلم يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة والساعة كاحتراق السعفة قيل يريد أن ذلك يكون من خروج المهدي عند بسط العدل وكثرة الأمن وبسط الخير والرزق فإن ذلك الزمان يستقصر لاستلذاذه فتتقارب أطرافه وأشار عليه الصلاة والسلام بقوله: لم تكد تكذب رؤيا المؤمن إلى غلبة الصدق على الرؤيا لكن الراجح نفي الكذب عنها أصلاً لأن حرف النفي الداخل على كاد ينفي قرب حصوله والنافي لقرب حصول الشيء أدل على نفيه نفسه ويدل عليه قوله تعالى: {إذا أخرج يده لم يكد يراها} [النور: 40] قاله في شرح المشكاة، ولأبي ذر عن الكشميهني: لم تكد رؤيا المؤمن تكذب بالتقديم والتأخير (ورؤيا المؤمن) بواو العطف على المرفوع السابق فهو مرفوع أيضًا (جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوّة) أي من علم النبوّة (وما كان من النبوّة فإنه لا يكذب). وهذا ثابت لأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر وظاهر إيراده هنا أنه مرفوع، لكن قال في الفتح: أن في بغية النقاد لابن المواق أن عبد الحق أغفل التنبيه على أن هذه الزيادة مدرجة فإنه لا شك في إدراجها، فعلى هذا تكون من قول ابن سيرين لا مرفوعة. (قال محمد) أي ابن سيرين (وأنا أقول هذه) أي الأمة أيضًا رؤياها صادقة كلها صالحها وفاجرها فيكون من صدق رؤياهم (قال) ابن سيرين بالسند السابق (وكان يقال) القائل هو أبو هريرة (الرؤيا ثلاث) وأخرجه الترمذي والنسائي من

طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرؤيا ثلاث (حديث النفس) وهو ما كان في اليقظة كمن يكون في أمر أو عشق صورة فيرى ما يتعلق به في اليقظة من ذلك الأمر أو معشوقه في المنام وهذه لا اعتبار لها في التعبير كاللاحقة وهي المذكورة في قوله: (وتخويف الشيطان) وهو الحلم المكروه بأن يريه ما يحزنه وله مكايد يحزن بها بني آدم إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ومن لعب الشيطان به الاحتلام الموجب للغسل (وبشرى من الله) يأتيه بها ملك الرؤيا من نسخة أم الكتاب (فمن رأى شيئًا يكرهه) في منامه (فلا يقصه على أحد) بضم الصاد المهملة المشددة (وليقم فليصل). وفي باب الحلم من الشيطان فليبصق عن يساره وليستعذ بالله منه فلن يضره. قال القرطبي: والصلاة مجمع البصق عند المضمضة والتعوذ قبل القراءة، وعند ابن ماجة بسند حسن عن خباب بن مالك مرفوعًا: الرؤيا يلابسها أهاويل من الشيطان ليحزن ابن آدم ومنها ما يهتم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوّة. (قال) ابن سيرين: (وكان) أبو هريرة -رضي الله عنه- (يكره الغل في النوم) ولغير أبي ذر يكره بضم أوله مبنيًّا للمفعول الغسل بالرفع مفعول ناب عن فاعله والغل بضم المعجمة الحديدة تجعل في العنق وهو من صفات أهل النار قال تعالى: {إذ الأغلال في أعناقهم} [غافر: 71] (وكان يعجبهم القيد) بلفظ الجمع وبالإفراد في قوله يكره الغل. قال في شرح المشكاة قوله قال وكان يكره الغل يحتمل أن يكون مقولاً لراوي ابن سيرين فيكون اسم كان ضمير ابن سيرين، وأن يكون مقولاً لابن سيرين فاسمه ضمير لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو أبي هريرة، وقوله وكان يعجبهم ضمير المعبرين وكذا قوله (ويقال) ولأبي ذر عن الحموي وقال: (القيد) يراه الشخص في رجله (ثبات في الدين) من أقوال المعبرين ولفظ بعضهم القيد ثبات في الأمر الذي يراه الرائي بحسب من يرى ذلك له. (وروى قتادة) بن دعامة مما وصله مسلم والنسائي من رواية هشام الدستوائي عن أبيه عن قتادة (ويونس) بن عبيد أحد أئمة البصرة فيما وصله البزار في مسنده (وهشام) هو ابن حسان الأزدي فيما وصله الإمام أحمد (وأبو هلال) محمد بن سليم بضم السين الراسبي أربعتهم أصل الحديث (عن ابن سيرين عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأدرجه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وأدرج أي جعل (بعضهم كله) أي كل المذكور من قوله الرؤيا ثلاث إلى في الدين (في الحديث) مرفوعًا. قال البخاري: (وحديث عوف) الأعراب) (أبين) أي أظهر حيث فصل المرفوع من الموقوف ولا سيما تصريحه يقول ابن سيرين وأنا أقول هذه فإنه دال على الاختصاص بخلاف ما قال فيه وكان يقال فإن فيها الاحتمال بخلاف أول الحديث فإنه صرح برفعه. (وقال يونس) بن عبيد (لا أحسبه) أي لا أحسب الذي أدرجه بعضهم (إلا عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في القيد) يعني أنه شك في رفعه. قال القرطبي: هذا الحديث وإن اختلف في رفعه ووقفه فإن معناه صحيح لأن القيد في الرجل تثبيته للمقيد في مكانه فإذا رآه من هو على حالة كان ذلك ثبوتًا على تلك الحالة، وأما كراهة الغل فإن محله الأعناق نكالاً وعقوبة وقهرًا وإذلالاً وقد يسحب على وجهه ويجر على قفاه فهو مذموم شرعًا وغالب رؤيته في العنق دليل على وقوع حالة سيئة للرائي تلازمه ولا تنفك عنه وقد يكون ذلك في دينه كواجبات فرّط فيها أو معاص ارتكبها أو حقوق لازمة له لم يوفها أهلها مع قدرته وقد يكون في دنياه لشدة تعتريه أو تلازمه. (قال أبو عبد الله) البخاري -رحمه الله- ردًّا على من قال كأبي علي القالي وصاحب المحكم: الغل يجعل في العنق أو اليد ويد مغلولة جعلت في العنق (لا تكون الأغلال إلا في الأعناق) وهذا فيه نظر فليتأمل، وقول البخاري هذا ثابت في رواية أبي ذر عن

27 - باب العين الجارية فى المنام

الكشميهني. 27 - باب الْعَيْنِ الْجَارِيَةِ فِى الْمَنَامِ (باب) رؤية (العين الجارية في المنام). 7018 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أُمِّ الْعَلاَءِ وَهْىَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِمْ بَايَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: طَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِى السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتِ الأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ، فَاشْتَكَى فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى تُوُفِّىَ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ فِى أَثْوَابِهِ فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِى عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ قَالَ: «وَمَا يُدْرِيكِ؟» قُلْتُ: لاَ أَدْرِى وَاللَّهِ قَالَ: «أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، إِنِّى لأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِى وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ». قَالَتْ أُمُّ الْعَلاَءِ: فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّى أَحَدًا بَعْدَهُ، قَالَتْ: وَرَأَيْتُ لِعُثْمَانَ فِى النَّوْمِ عَيْنًا تَجْرِى، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «ذَاكِ عَمَلُهُ يَجْرِى لَهُ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد الأزدي مولاهم (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن خارجة بن زيد بن ثابت) الأنصاري المدني الفقيه (عن أم العلاء) بفتح العين المهملة والهمز بنت الحارث بن ثابت بن خارجة واسمها كنيتها قال الزهري (وهي امرأة من نسائهم) أي من نساء الأنصار (بايعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنها (قالت: طار لنا) أي وقع في سهمنا (عثمان بن مظعون) بالظاء المعجمة الساكنة (في السكنى حين اقترعت الأنصار) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: حين أقرعت الأنصار بإسقاط الفوقية بعد القاف (على سكنى المهاجرين) لما قدموا من مكة إلى المدينة (فاشتكى) أي مرض عثمان بعد أن أقام مدة (فمرّضناه) بتشديد الراء فقمنا بأمره في مرضه (حتى توفي) فغسلناه (ثم جعلناه في أثوابه) أي كفناه فيها (فدخل علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: رحمة الله عليك) يا (أبا السائب) وهي كنية ابن مظعون (فشهادتي عليك) أي لك (لقد أكرمك الله) أي أقسم لقد أكرمك الله (قال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وما يدريك) بكسر الكاف أي من أين علمت زاد في باب رؤيا النساء أن الله أكرمه (قلت: لا أدري والله. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أما) بتشديد الميم (هو) أي عثمان (فقد جاءه اليقين) أي الموت (أني لأرجو له من الله والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي به بالهاء بدل التحتية أي بعثمان (ولا بكم قالت أم العلاء) -رضي الله عنها- (فوالله لا أزكي أحدًا بعده قالت: ورأيت) ولأبي ذر وابن عساكر وأريت بتقديم الهمزة مضمومة على الراء المكسورة (لعثمان) بن مظعون (في النوم عينًا تجري فجئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكرت ذلك) الذي رأيته (له) عليه الصلاة والسلام (فقال: ذاك) بالكسر (عمله) الذي كان عمله في حياته كصدقة جارية (يجري له) ثوابها عد موته، وكان عثمان من الأغنياء فلا يبعد أن يكون له صدقة استمرت بعد موته وقد كان له ولد صالح أيضًا وهو السائب. والحديث سبق في باب رؤيا النساء وغيره. 28 - باب نَزْعِ الْمَاءِ مِنَ الْبِئْرِ حَتَّى يَرْوَى النَّاسُ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب) رؤية (نزع الماء) استخراجه (من البئر) للاستقاء (حتى يروى الناس) بفتح الواو ورفع الناس على الفاعلية (رواه) أي نزع الماء من البئر (أبو هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كما يأتي إن شاء الله تعالى في الباب التالي لهذا موصولاً. 7019 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ أَنْزِعُ مِنْهَا، إِذْ جَاءَنِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِى نَزْعِهِ ضَعْفٌ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِى بَكْرٍ فَاسْتَحَالَتْ فِى يَدِهِ غَرْبًا فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِى فَرْيَهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ». وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير) الدورقي قال: (حدّثنا شعيب بن حرب) بالحاء المهملة والراء الساكنة المدايني أبو صالح قال: (حدّثنا صخر بن جويرية) بالصاد المهملة المفتوحة بعدها معجمة ساكنة وجويرية بضم الجيم مصغرًا قال: (حدّثنا نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عُمر -رضي الله عنهما- حدثه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بينا) بغير ميم (أنا على بئر أنزع) أستخرج (منها) الماء بآلة كالدلو (إذ جاءني أبو بكر) الصديق (وعمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما- (فأخذ أبو بكر الدلو فنزع) أي استخرج من البئر (ذنوبًا أو ذنوبين) بفتح الذال المعجمة الدلو الممتلئ ماء والشك من الراوي (وفي نزعه ضعف) بفتح الضاد المعجمة وتضم لغتان (فغفر الله له) وليس في قوله ضعف حط من قدره الرفيع وإنما هو إشارة إلى قصر مدة خلافته ولأبي ذر يغفر الله له (ثم أخذها) أي الدلو (عمر بن الخطاب من يد أبي بكر) في قوله من يد أبي بكر إشارة إلى أن عمر يلي الخلافة من أبي بكر بعهد منه بخلاف أبي بكر فلم تكن خلافته بعهد صريح منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولهذا لم يقل من يدي نعم وقعت عدة إشارات إلى ذلك فيها ما يقرب من الصريح وقوله (فاستحالت) أي تحوّلت الدلو (في يده) في يد عمر -رضي الله عنه- (غربًا) بفتح الغين وسكون الراء بعدها موحدة دلوًا عظيمة متخذة من جلود البقر (فلم أر عبقريًّا) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح القاف بعدها

29 - باب نزع الذنوب والذنوبين من البئر بضعف

راء مكسورة فتحتية مشدّدة كاملاً حاذقًا في عمله (من الناس يفري) بفتح أوله وسكون الفاء بعدها راء مكسورة (فريه) بفتح الفاء وتشديد التحتية أي يعمل عملاً جيدًا صالحًا عجيبًا (حتى ضرب الناس بعطن). بفتحتين أي رويت إبلهم حتى بركت وأقامت في مكانها، والمعنى أن الناس انبسطوا في ولاية عمر وفتحوا البلاد حتى قسموا المسك بالصاع. والحديث سبق في فضائل أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-. 29 - باب نَزْعِ الذَّنُوبِ وَالذَّنُوبَيْنِ مِنَ الْبِئْرِ بِضَعْفٍ (باب) رؤية (نزع الذنوب والذنويين من البئر) في المنام (بضعف) أي مع ضعف وسقط لأبي ذر من البئر. 7020 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ رُؤْيَا النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالَ: «رَأَيْتُ النَّاسَ اجْتَمَعُوا فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِى نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ قَامَ ابْنُ الْخَطَّابِ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَمَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ يَفْرِى فَرْيَهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) اليربوعي الكوفي واسم أبيه عبد الله ونسبه المؤلّف لجده قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي وفتح الهاء ابن معاوية الجعفي قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف، وثبت ابن عقبة لأبي ذر (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (عن رؤيا عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) ما يتعلق بخلافتي (أبي بكر وعمر) -رضي الله عنهما- (قال): (رأيت الناس) في النوم (اجتمعوا) على بئر (فقام أبو بكر فنزع) من ماء البئر (ذنوبًا أو ذنوبين) بالشك من الراوي (وفي نزعه ضعف والله يغفر له) ليس فيه نقص له ولا إشارة إلى أنه وقع منه ذنب وإنما هي كلمة كانوا يقولونها يدعمون بها الكلام ونعم الدعامة (ثم قام ابن الخطاب) عمر -رضي الله عنه- فأخذها من أبي بكر (فاستحالت غربًا) أي انقلبت من الصغر إلى الكبر (فما رأيت من الناس) ولأبي ذر عن الكشميهني في الناس (يفري فريه) بسكون الراء وتخفيف التحتية ولأبي ذر من يفري فريه بكسر الراء وتشديد التحتية (حتى ضرب الناس بعطن) موضع بروك الإبل بعد الشرب. قال ابن الأنباري: معناه حتى رووا وأرووا إبلهم وأبركوها وضربوا لها عطنًا. وقال القاضي عياض: ظاهر هذا الحديث أن المراد خلافة عمر، وقيل بل هو لخلافتهما معًا لأن أبا بكر جمع شمل المسلمين أوّلاً بدفع أهل الردة وابتدأ الفتوح في زمانه، ثم عهد إلى عمر فكثر في خلافته الفتوح واتسع أمر الإسلام واستوت قواعده. 7021 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِى اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى سَعِيدٌ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِى عَلَى قَلِيبٍ وَعَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِى قُحَافَةَ، فَنَزَعَ مِنْهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِى نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَأَخَذَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين وفتح الفاء قال: (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سعيد) بكسر العين ابن المسيب (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بينا) بغير ميم (أنا نائم رأيتني على قليب) بفتح القاف وكسر اللام وبعد التحتية الساكنة موحدة بئر لم تطو (وعليها دلو فنزعت) بسكون العين المهملة (منها) من البئر (ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة) أبو بكر واسم أبي قحافة عثمان (فنزع منها) من البئر (ذنوبا أو ذنويين) دلوًا أو دلوين والشك من الراوي (وفي نزعه ضعف والله يغفر له ثم استحالت) تحولت الدلو (غربًا) دلوًا عظيمًا كما في المجمل والصحاح (فأخذها عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (فلم أر عبقريًّا) حاذقًا (من الناس ينزع نزع عمر بن الخطاب حتى ضرب الناس بعطن). قال بعضهم: العطن ما حول الحوض والبئر من مبارك الإبل للشرب عللاً بعد نهل ومعنى ضربت بعطن بركت، وقال ابن الأعرابي: أصل العطن الموضع الذي تبرك فيه الإبل قرب الماء إذا شربت لتعاد إليه إن أرادت ذلك. قال النووي، قالوا هذا المنام مثال لما جرى للخليفتين من ظهور آثارهما الصالحة وانتفاع الناس بهما وكل ذلك مأخوذ من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه صاحب الأمر فقام به أكمل القيام وقرر قواعد الدين ثم خلفه أبو بكر فقاتل أهل الردة وقطع دابرهم، ثم خلفه عمر فطالت مدة خلافته عشر سنين واتسع الإسلام في زمنه فشبه أمر المسلمين بقليب فيه الماء الذي فيه حياتهم وصلاحهم وأميرهم بالمستقي لهم منها وسعته هي قيامه بمصالحهم فكان عبقريًّا لم ير سيد يعمل عمله، وفيه أن من رأى أنه يستخرج ماء من بئر فإنه يلي ولاية جليلة وتكون مدة ولايته بقدر ما استقى. قال ابن

30 - باب الاستراحة فى المنام

الدقاق في تعبيره: ومن رأى أنه وقف على بئر واستقى منها ماء طيبًا صافيًا فإن كان من أهل العلم حصل له بقدر ما استقى وإن كان فقيرًا استغنى وإن كان عزبًا تزوّج وإن كانت متزوجة حاملاً أتت بولد خصوصًا إذا استقى بدلو وإلاّ حصل له سبب يستغني به وإن كان طالب حاجة قضيت حاجته. 30 - باب الاِسْتِرَاحَةِ فِى الْمَنَامِ (باب الاستراحة في المنام). 7022 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ أَنِّى عَلَى حَوْضٍ أَسْقِى النَّاسَ، فَأَتَانِى أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ الدَّلْوَ مِنْ يَدِى لِيُرِيحَنِى، فَنَزَعَ ذَنُوبَيْنِ وَفِى نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، فَأَتَى ابْنُ الْخَطَّابِ فَأَخَذَ مِنْهُ فَلَمْ يَزَلْ يَنْزِعُ حَتَّى تَوَلَّى النَّاسُ وَالْحَوْضُ يَتَفَجَّرُ». وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه أو هو إسحاق بن نصر المروزي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بينا) بغير ميم (أنا نائم رأيت أني على حوض) من الأحواض ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني على حوضي بياء المتكلم (أسقي الناس) في الرواية السابقة على بئر وهنا كان على حوض فقيل في الجمع بينهما إن الحوض هو الذي يجعل بجانب البئر لتشرب منه الإبل فلا منافاة وكأنه يملأ من البئر فيسكب في الحوض والناس يتناولون الماء لأنفسهم ولبهائمهم (فأتاني أبو بكر) الصديق (فأخذ الدلو من يدي ليريحني) من كدّ الدنيا وتعبها (فنزع ذنوبين) بالتثنية من غير شك (وفي نزعه ضعف والله يغفر له فأتى ابن الخطاب فأخذ منه) الدلو (فلم يزل ينزع) يستخرج الماء من البئر بالدلو (حتى تولى الناس) أي أعرضوا (والحوض) أي والحال إن الحوض (يتفجر) يتدفق منه الماء ويسيل وقد أوّلوا الذنوبين بالسنتين اللتين وليهما الصديق وأشهر بعدهما وانقضت أيامه في قتال أهل الردة ولم يتفرغ لافتتاح الأمصار وجباية الأموال فذلك ضعف نزعه، وفي قوله ليريحني إشارة إلى أن الدنيا للصالحين دار نصب وتعب وإن في الموت لأهل الصلاح والدين راحة منها وشبه أمر المسلمين بالبئر لما فيها من الماء الذي به حياة العباد وصلاح البلاد وشبه الوالي عليهم والقائم بأمورهم بالنازع الذي يستقي وأوّل بعضهم الحوض بأنه معدن العلم وهو القرآن الذي يغترف الناس منه حتى يرووا دون أن ينتقص. 31 - باب الْقَصْرِ فِى الْمَنَامِ (باب) رؤية (القصر في المنام). 7023 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِى اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِى فِى الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ قُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَبَكَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ثُمَّ قَالَ: أَعَلَيْكَ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغَارُ؟. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء الأنصاري مولاهم البصري قال: (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: بينا) بغير ميم (نحن جلوس عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بينا) بغير ميم أيضًا (أنا نائم رأيتني) بضم الفوقية أي رأيت نفسي (في الجنة فإذا امرأة) اسمها أم سليم وكانت إذ ذاك في قيد الحياة (تتوضأ إلى جانب قصر). قال في المصابيح عن الخطابي: إنه محمول على الوضوء الشرعي فنسب الراوي إلى الوهم، قال لأنه لا عمل في الجنة وإنما هي امرأة شوهاء لكن الكاتب أسقط بعض حروفها فصار فتتوضأ. وأجاب البدر الدماميني فقال قلت: وهذا تحكم في الرواية بالرأي ونسبة الصحيح منها إلى الغلط بمجرّد خيال مبني على أمر غير لازم وذلك أنه بناه على الوضوء المكلف به في دار الدنيا ومن أين له ذلك ولم لا يجوز أن يكون من الوضوء اللغوي المراد به الوضاءة ويكون توضؤها سببًا لازدياد حسنها وإشراق نورها وليس المراد إزالة درن ولا شيء من الأقذار فإن هذا مما نزهت الجنة عنه اهـ. وفيه أنها من أهل الجنة ويوافقه قول جمهور البصريين أن من رأى أن يدخل الجنة فإنه يدخلها قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قلت) للملائكة (لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- وسقط لأبي ذر: ابن الخطاب زاد في المشكاة فأردت أن أدخله (فذكرت غيرته) بفتح الغين (فوليت مدبرًا). ولأبي ذر عن الحموي: فوليت منها مدبرًا. قال المهلب: فيه الحكم لكل رجل بما يعلم من خلقه. ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام لم يدخل القصر مع علمه بأن عمر لا يغار عليه لأنه أبو المؤمنين وكل ما ناله بنوه من الخير فبسببه، وتعقب مغلطاي قوله

32 - باب الوضوء فى المنام

أبو المؤمنين مع أن الله تعالى يقول: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} [الأحزاب: 40] وقال عليه الصلاة والسلام: "إنما أنا لكم بمنزلة الوالد" ولم يقل أنا لكم أب ولم يأت في ذلك حديث صحيح ولا غيره مما يصلح للدلالة اهـ. وأجيب: بأن معنى الآية أي لم يكن أب رجل منكم حقيقة حتى يثبت بينه وبينه ما يثبت بين الأب وولده من حرمة المصاهرة وغيرها، ولكن كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبا أمته فيما يرجع إلى وجوب التوقير والتعظيم له عليهم ووجوب الشفقة والنصيحة لهم عليه لا في سائر الأحكام الثابتة بين الآباء والأبناء اهـ من الكشاف ولا يثبت له عليه إلا الأبوّة المجازية. وقال في الروضة، قال بعض أصحابنا: لا يجوز أن يقال هو أبو المؤمنين لهذه الآية. قال: ونص الشافعي على أنه يجوز أن يقال أبو المؤمنين أي في الحرمة اهـ. وقال البغوي من أصحابنا: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبا الرجال والنساء جميعًا. (قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- بالسند السابق (فبكى عمر بن الخطاب) لما سمع ذلك سرورًا أو تشوقًا إليه (ثم قال: أعليك) بهمزة الاستفهام وسقطت لأبي ذر عن الكشميهني أفديك (بأبي أنت وأمي يا رسول الله أغار؟) قيل: هذا من القلب والأصل أعليها أغار منك. قال في الكواكب: لفظ عليك ليس متعلقًا بأغار بل التقدير مستعليًا عليك أغار منها قال فدعوى القلب المذكور ممنوعة إذ لا يجوز ارتكاب القلب مع وضوح المعنى بدونه، ويحتمل أن يكون أطلق على وأراد من كما قيل إن حروف الجر تتناوب اهـ. وقد جاء (على) بمعنى (من) كقوله تعالى: {إذا اكتالوا على الناس يستوفون} [المطففين: 2] وفي وضوء المرأة المذكورة إلى جانب قصر عمر إشارة إلى أنها تدرك خلافته وكان كذلك. 7024 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِقَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَمَا مَنَعَنِى أَنْ أَدْخُلَهُ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِلاَّ مَا أَعْلَمُ مِنْ غَيْرَتِكَ» قَالَ: وَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن بحر بن كثير أبو حفص الباهلي الصيرفي البصري قال: (حدّثنا معتمر بن سليمان) بن طرخان البصري قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (دخلت الجنة) في المنام (فإذا أنا بقصر من ذهب فقلت) لجبريل ومن معه (لمن هذا؟) القصر (فقالوا: لرجل من قريش) وفي الرواية السابقة قالوا لعمر بن الخطاب (فما منعني أن أدخله يا ابن الخطاب إلا ما أعلم من غيرتك) قال صاحب الكواكب: علم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه عمر بن الخطاب بالوحي أو بالقرائن (قال) عمر (وعليك أغار يا رسول الله) بواو العطف وهمزة الاستفهام مقدرة قال المعبرون القصر في المنام عمل صالح لأهل الدين ولغيرهم حبس وضيق وقد يعبر دخول القصر بالتزوّج. 32 - باب الْوُضُوءِ فِى الْمَنَامِ (باب) رؤية (الوضوء في المنام). 7025 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِى فِى الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا» فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: عَلَيْكَ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغَارُ؟. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير القرشي المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب) بفتح التحتية المشدّدة أو كسرها لقوله سيب الله من سيبني (أن أبا هريرة) رضي الذي عنه (قال: بينما) بالميم (نحن جلوس عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بينا) بغير ميم (أنا نائم رأيتني) أي رأيت نفسي (في الجنة فإذا امرأة) هي أم سليم وكان هذا في حال حياتها (تتوضأ إلى جانب قصر فقلت) للملائكة (لمن هذا القصر فقالوا لعمر) فأردت أن أدخله (فذكرت غيرته) بضمير الغائب وفي النكاح وهو في المجلس (فوليت مدبرًا فبكى عمر) سرورًا لما منحه الله أو تشوقًا إليه (وقال عليك) بإسقاط الاستفهام (بأبي أنت وأمي يا رسول الله أغار) جملة معترضة أي أنت مفدى بأبي وأمي وسقط لفظ أنت لأبي ذر. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: "فإذا امرأة تتوضأ" وقد قيل إنه إنما ذكر الوضوء إشارة إلى أن الوضوء يوصل إلى الجنة وإلى ذلك النعيم المقيم، وقال أهل التعبير: الوضوء في المنام وسيلة أو عمل فإن أتمه في النوم حصل مراده في اليقظة وإن تعذر لعزة الماء مثلاً أو توضأ بماء لا يجوز فلا، والوضوء

33 - باب الطواف بالكعبة فى المنام

للخائف أمان ويدل على حصول الثواب وتكفير الخطايا. 33 - باب الطَّوَافِ بِالْكَعْبَةِ فِى الْمَنَامِ (باب الطواف) أي من رأى أنه يطوف (بالكعبة في المنام). 7026 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِى أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ بَيْنَ رَجُلَيْنٍ يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ، فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ جَعْدُ الرَّأْسِ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ» وَابْنُ قَطَنٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِى الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله بن عمر أن) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بينا) بغير ميم (أنا نائم رأيتني) أي رأيت نفسي (أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم) أسمر (سبط الشعر) بسكون الموحدة وكسرها أي مسترسله غير جعد يمشي متمايلاً (بين رجلين ينطف) بضم الطاء المهملة وكسرها يقطر (رأسه ماء) بالنصب على التمييز (فقلت: من هذا؟ قالوا: ابن مريم) عيسى عليه السلام (فذهبت ألتفت فإذا رجل أحمر) اللون (جسيم جعد الرأس أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية) بارزة عن نظائرها (قلت: من هذا؟ قالوا: هذا) الرجل (الدجال أقرب الناس به شبهًا ابن قطن) بفتح القاف والطاء آخره نون عبد العزى واسم جده عمرو (وابن قطن رجل من بني المصطلق) بسكون الصاد وفتح الطاء المهملتين وبعد اللام المكسورة قاف ابن سعد (من خزاعة) بالخاء والزاي المعجمتين، وفي باب {واذكر في الكتاب مريم} [مريم: 16] من أحاديث الأنبياء: قال الزهري رجل من خزاعة هلك في الجاهلية. قيل في الحديث أن الدجال يدخل مكة دون المدينة لأن الملائكة الذين على أنقابها يمنعونه من دخولها ورده بعضهم بأن الحديث لا دلالة فيه على ذلك والنفي الوارد بأنه لا يدخلها محمول على الزمن الآتي وقت ظهور شوكته لا السابق. ومطابقة الحديث في قوله: رأيتني أطوف. قال المعبرون: الطواف بالبيت ينصرف على وجوه فمن رأى أنه يطوف به فإنه يحج وعلى التزويج وعلى أمر مطلوب من الإمام لأن الكعبة إمام الخلق كلهم وقد يكون تطهيرًا من الذنوب لقوله تعالى: {وطهر بيتي للطائفين} [الحج: 26] وقد يكون لمن يريد التسري أو التزوّج بامرأة حسناء دليلاً على تمام إرادته. وهذا الحديث سبق في أحاديث الأنبياء. 34 - باب إِذَا أَعْطَى فَضْلَهُ غَيْرَهُ فِى النَّوْمِ هذا (باب) بالتنوين (إذا) رأى الشخص أنه (أعطى فضله) من اللبن (غيره في النوم). 7027 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّى لأَرَى الرِّىَّ يَجْرِى، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلَهُ عُمَرَ» قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمُ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي مولاهم ونسبه لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم أوله ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (حمزة بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب المدني شقيق سالم (أن) أباه (عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (بينا) بغير ميم (أنا نائم أتيت) بضم الهمزة (بقدح لبن) بالإضافة أي بقدح فيه لبن (فشربت منه حتى إني) بكسر الهمزة (لأرى الري يجري) زاد في الرواية السابقة قريبًا من أطرافي. وفي العلم وفي المغازي وأرى بفتح الهمزة والري بكسر الراء وتشديد التحتية أي ما يتروى به وهو اللبن أو هو إطلاق على سبيل الاستعارة وإسناد الجري إليه قرينة وقيل الريّ اسم من أسماء اللبن قاله في الكواكب (ثم أعطيت فضله) أي فضل اللبن (عمر) بن الخطاب وسقط لابن عساكر لفظ فضله (قالوا: فما أوّلته يا رسول الله قال): أولته (العلم). قال المهلب: رؤية اللبن في النوم تدل على السنة والفطرة والعلم والقرآن لأنه أول شيء يناله المولود من طعام الدنيا وهو الذي يفتق أمعاءه وبه تقوم حياته كما تقوم بالعلم حياة القلوب فهو يشاكل العلم من هذا الوجه، وقد يدل على الحياة لأنها كانت به في الصغر وإنما أوله الشارع في عمر بالعلم والله أعلم لعلمه صحة فطرته ودينه والعلم زيادة في الفطرة اهـ. وقال ابن الدقاق: اللبن يدل على الحمل وظهور الأسرار والعلم والتوحيد وعلى الدواء للأدواء، واللبن الرائب هم والمخيض أشد غلبة منه، ولبن ما لا يؤكل لحمه مال حرام وديون وأمراض ومخاوف على قدر جوهر الحيوان. وسبق مزيد لذلك في باب اللبن. 35 - باب الأَمْنِ وَذَهَابِ الرَّوْعِ فِى الْمَنَامِ (باب) رؤية (الأمن وذهاب الروع) بفتح الراء الخوف (في المنام). 7028 - حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقُصُّونَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقُولُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا شَاءَ اللَّهُ وَأَنَا غُلاَمٌ حَدِيثُ السِّنِّ وَبَيْتِى الْمَسْجِدُ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَ فَقُلْتُ فِى نَفْسِى: لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ لَرَأَيْتَ مِثْلَ مَا يَرَى هَؤُلاَءِ؟ فَلَمَّا اضْطَجَعْتُ لَيْلَةً قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِىَّ خَيْرًا فَأَرِنِى رُؤْيَا، فَبَيَّنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ جَاءَنِى مَلَكَانِ فِى يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، يُقْبِلاَ بِى إِلَى جَهَنَّمَ وَأَنَا بَيْنَهُمَا أَدْعُو اللَّهَ اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهَنَّمَ، ثُمَّ أُرَانِى لَقِيَنِى مَلَكٌ فِى يَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ: لَنْ تُرَاعَ نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ لَوْ تُكْثِرُ الصَّلاَةَ، فَانْطَلَقُوا بِى حَتَّى وَقَفُوا بِى عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَإِذَا هِىَ مَطْوِيَّةٌ كَطَىِّ الْبِئْرِ لَهُ قُرُونٌ كَقَرْنِ الْبِئْرِ بَيْنَ كُلِّ قَرْنَيْنِ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَأَرَى فِيهَا رِجَالاً مُعَلَّقِينَ بِالسَّلاَسِلِ رُءُوسُهُمْ أَسْفَلَهُمْ، عَرَفْتُ فِيهَا رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ فَانْصَرَفُوا بِى عَنْ ذَاتِ الْيَمِينِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (عبيد الله بن سعيد) بضم العين في الأول

وكسرها في الثاني أبو قدامة اليشكري قال: (حدّثنا عفان بن مسلم) الصفار البصري قال: (حدّثنا صخر بن جويرية) بضم الجيم مصغرًا أبو نافع مولى بني تميم أو بني هلال قال: (حدّثنا نافع أن) مولاه (ابن عمر) عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- (قال: إن رجالاً) لم يسموا (من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانوا يرون الرؤيا على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيقصونها على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيقول فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من التعبير (ما شاء الله وأنا غلام حديث السن) أي صغيره، ولأبي ذر عن الكشميهني حديث السن (وبيتي المسجد) آوي إليه (قبل أن أنكح) أي أتزوج (فقلت في نفسي لو كان فيك خير) ولأبي ذر خيرًا (لرأيت مثل ما يرى هؤلاء فلما اضطجعت ليلة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ذات ليلة. وفي الفتح عزو هذه للكشميهني (قلت: اللهم إن كنت تعلم فيّ) بتشديد التحتية (خيرًا فأرني) في منامى (رؤيا فبينا) بغير ميم (أنا كذلك إذ جاءني ملكان) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمهما، ويحتمل أن يكونا أخبراه أنهما ملكان (في يد كل واحد منهما مقمعة) بكسر الميم الأولى وسكون القاف واحدة المقامع وهي سياط (من حديد) رؤوسها معوجة (يقبلا بي) بضم التحتية وسكون القاف وكسر الموحدة وبعد اللام ألف موحدة فتحتية من الإقبال ضد الإدبار ولأبي ذر وابن عساكر يقبلان بي (إلى جهنم وأنا بينهما أدعو الله. اللهم أعوذ) وللأصيلي إني أعوذ (بك من جهنم، ثم أراني) بضم الهمزة (لقيني ملك في يده مقمعة من حديد فقال) لي (لن تراع) نصب بلن وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي لم ترع جزم بلم بالميم أي لم تفزع، وليس المراد أنه لم يقع له فزع بل لما كان الذي فزع منه لم يستمر فكأنه لم يفزع وعلى الأول فالمراد أنك لا روع عليك بعد ذلك (نعم الرجل أنت لو تكثر) ولأبي ذر عن الكشميهني لو كنت تكثر (الصلاة فانطلقوا بي حتى وقفوا بي على شفير جهنم فإذا هي مطوية كطي البئر) ولأبي ذر: حتى وقفوا وجهنم مطوية فأسقط بي على شفير وقوله فإذا هي وزادوا ويقبل جهنم (له) ولأبي ذر عن الكشميهني لها بضمير المؤنث (قرون كقارون البئر) وهي جوانبها التي تبنى من حجر توضع عليها الخشبة التي فيها البكرة والعادة لكل بئر قرنان (بين كل قرنين ملك بيده مقمعة من حديد وأرى) بفتح الهمزة (فيها) في جهنم (رجالاً معلقين) بفتح اللام المشدّدة (بالسلاسل رؤوسهم أسفلهم) أي منكسين (عرفت فيها رجالاً من قريش) قال في الفتح: لم أقف في شيء من الطرق على تسمية أحد منهم (فانصرفوا) أي الملائكة (بي ذات اليمين) أي عن جهة اليمين. 7029 - فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ» فَقَالَ نَافِعٌ: لَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلاَةَ. (فقصصتها) بعد أن استيقظت من منامي (على حفصة) بنت عمر أم المؤمنين -رضي الله عنهما- (فقصتها حفصة على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن عبد الله) أي ابن عمر (رجل صالح) زاد أبو ذر عن الكشميهني لو كان يصلّي من الليل (فقال) ولابن عساكر قال (نافع) مولى ابن عمر (لم) ولأبي ذر: فلم (يزل بعد ذلك) عبد الله بن عمر (يكثر الصلاة) قال ابن بطال: في هذا الحديث أن بعض الرؤيا لا يحتاج إلى تفسير وإن ما فسر في النوم فهو تفسيره في اليقظة لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يزد في تفسير قول الملك. نعم الرجل أنت لو كنت تكثر الصلاة، وفيه أن أصل التعبير من قبل الأنبياء، ولذا تمنى ابن عمر أن يرى رؤيا فيعبرها له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليكون ذلك عنده أصلاً، وأصل العبير توقيف من قبل الأنبياء عليهم السلام لكن الوارد عنهم في ذلك وإن كان أصلاً فلا يعم جميع المرئي فلا بد للحاذق في هذا الفن أن يستدل بحسن نظره فيردّ ما لم ينص عليه إلى حكم التمثيل ويحكم له بحكم التشبيه الصحيح فيجعل أصلاً يلتحق به غيره كما يفعل الفقيه في فروع الفقه اهـ. وقال أبو سهل عيسى بن يحيى المسيحي الفيلسوف العابر: اعلم أن لكل علم أصولاً لا تتغير وأقيسة مطردة لا تضطرب إلا تعبيرًا لرؤيا فإنه يختلف باختلاف أحوال الناس وهيئاتهم

36 - باب الأخذ على اليمين فى النوم

وصناعاتهم ومراتبهم ومقاصدهم ومللهم وأديانهم ونحلهم ومذاهبهم وعاداتهم وربما يؤخذ تعبير الرؤيا من الأمثال والأشباه والعكوس والأضداد وكل صاحب صناعة وعلم فإنه يستغني بآلات صناعته وأدوات علمه عن آلات صناعة وأسباب علم آخر إلا صاحب التعبير فإنه ينبغي له أن يكون مطلعًا على جميع العلوم عارفًا بالأديان والملل والمواسم والعادات المستمرة فيما بين الأمم عارفًا بالأمثال والنوادر ويأخذ باشتقاق الألفاظ وأن يكون فطنًا ذكيًّا حسن الاستنباط خبيرًا بعلم الفراسة وكيفية الاستدلال من الهيئات الخلقية على الصفات الخلقية حافظًا للأمور التي تختلف باختلاف تعبير الرؤيا أمثلته بحسب الألفاظ المشتقة أن رجلاً رأى في منامه أنه يأكل السفرجل فقال له المعبر يتفق لك سفرة عظيمة لأن أول جزأي السفرجل هو السفر ورأى رجل أن رجلاً أعطاه غصنًا من أغصان السوسن فقال له المعبر: يصيبك من هذا المعطى سوء تبقى في ورطته سنة لأن السوسن أول جزء منه سو والسو يدل على الشر والجزء الثاني سن والسنة اسم للعام الذي هو اثنا عشر شهرًا لكن قال المسيحي إن هذا التعبير الذي بحسب الاشتقاق للألفاظ العربية إنما يفسر به العرب ومن في بلادهم دون غيرهم لأن للسفرجل والسوسن أسامي أخر لا تدل على هذا التعبير فالسفرجل والسوسن لا يدلان على السفر والسوء في حق من لا يكون من العرب ولا يتوطن ديار العرب ولكن يجعل اشتقاق الألفاظ وكيفية الاستعمال منها على التعبير قانونًا ودستورًا مستعملاً في سائر اللغات ويشتق في سائر اللغات من الألفاظ والأسماء المستعملة فيها ما يوافق معنى الاشتقاق من تلك اللغة دون غيرها كما إذا رأى فارسي في نومه أنه يأكل السفرجل فيدل على صلاح شأنه وانتظام أحواله ولا يدل على السفر في حقه لأن اسم السفرجل في لغة الفرس إنما هو به وهذا بعينه اسم للخيرية اهـ. 36 - باب الأَخْذِ عَلَى الْيَمِينِ فِى النَّوْمِ (باب الأخذ على اليمين في النوم). 7030 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا عَزَبًا فِى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكُنْتُ أَبِيتُ فِى الْمَسْجِدِ، وَكَانَ مَنْ رَأَى مَنَامًا قَصَّهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لِى عِنْدَكَ خَيْرٌ فَأَرِنِى مَنَامًا يُعَبِّرُهُ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ مَلَكَيْنِ أَتَيَانِى فَانْطَلَقَا بِى فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِى: لَنْ تُرَاعَ إِنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ فَانْطَلَقَا بِى إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِىَ مَطْوِيَّةٌ كَطَىِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُ بَعْضَهُمْ فَأَخَذَا بِى ذَاتَ الْيَمِينِ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر بالجمع (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد الأزدي مولاهم البصري نزيل اليمن (عن الزهري) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث القرشي أبو بكر الفقيه الحافظ المتفق على جلالته وإتقانه (عن سالم عن ابن عمر) أبيه -رضي الله عنهما- أنه (قال: كنت غلامًا شابًّا عزبًا) بفتح العين المهملة والزاي والموحدة من لا زوجة له (في عهد النبي) ولأبي ذر في عهد رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكنت أبيت في المسجد) فيه أنه لا كراهة في النوم في المسجد (وكان) بواو العطف ولأبي ذر فكان (من رأى منامًا قصّه على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: اللهم إن كان لي عندك خير فأرني منامًا يعبره لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم التحتية وفتح العين وتشديد الموحدة المكسورة يقال عبر الرؤيا يعبرها وعبرها يخفف ويثقل والتخفيف أكثر (فنمت فرأيت) في منامي (ملكين أتياني) بالنون (فانطلقا بي) بالموحدة (فلقيهما ملك آخر فقال لي: لن تراع) نصب بلن أي لا روع عليك ولا ضرر، وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي: لم ترع جزم بلم أي لم تفزع (إنك رجل صالح) والصالح القائم بحقوق الله تعالى حقوق العباد (فانطلقا بي) بالموحدة (إلى النار فإذا هي مطوية كطيّ البئر) بالحجارة والآجر (فإذا فيها) أي في النار (ناس قد عرفت بعضهم فأخذا بي) بالموحدة الملكان (ذات اليمين) طريق أهل الجنة (فلما أصبحت ذكرت ذلك) الذي رأيته في المنام (لحفصة) بنت عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-. 7031 - فَزَعَمَتْ حَفْصَةُ أَنَّهَا قَصَّتْهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ، لَوْ كَانَ يُكْثِرُ الصَّلاَةَ مِنَ اللَّيْلِ». قَالَ الزُّهْرِىُّ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلاَةَ مِنَ اللَّيْلِ. (فزعمت حفصة أنها) أي قالت إنها (قصتها) أي رؤييا (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (إن عبد الله رجل صالح لو كان يكثر الصلاة من الليل) قيل فيه الوعيد على ترك السنن وجواز وقوع العذاب على ذلك قاله ابن بطال، لكن قال في الفتح أنه مشروط بالمواظبة على الترك رغبة عنها

37 - باب القدح فى النوم

فالوعيد والتعذيب إنما يقع على المحرم وهو الترك يفيد الأعراض. (قال الزهري) محمد بن مسلم بالسند السابق (وكان) بالواو، ولأبي ذر: فكان (عبد الله) بن عمر (بعد ذلك) أي بعد قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن عبد الله رجل صالح إلخ (يكثر الصلاة من الليل). والحديث سبق قريبًا في الباب الذي قبل. 37 - باب الْقَدَحِ فِى النَّوْمِ هذا (باب) رؤية (القدح) يعطاه الرجل (في النوم). 7032 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ» قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْعِلْمَ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي أبو رجاء البغلاني بفتح الموحدة وسكون المعجمة قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ولأبي ذر ليث (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن حمزة بن عبد الله عن) أبيه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (بينا) بغير ميم (أنا نائم أتيت) بضم الهمزة (بقدح لبن) بالإضافة أي بقدح فيه لبن (فشربت منه ثم أعطيت فضلي) الذي من اللبن (عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (قالوا: فما أوّلته يا رسول الله؟ قال): أوّلته (العلم) لاشتراكهما في كثرة النفع، فاللبن غذاء الأطفال وسبب صلاحهم وقوّة الأبدان بعد ذلك، وكذلك العلم سبب لصلاح الدنيا والآخرة. وسبق الحديث مرارًا. 38 - باب إِذَا طَارَ الشَّىْءُ فِى الْمَنَامِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا طار الشيء) الذي ليس من شأنه أن يطير من الرائي (في المنام) يعبر بحسب ما يليق به. 7033 - حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو عَبْدِ اللهِ الجَرْمِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ نَشِيطٍ قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما -، عَنْ رُؤْيَا رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِى ذَكَرَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (سعيد بن محمد أبو عبد الله الجرمي) بفتح الجيم وسكون الراء الكوفي وثبت أبو عبد الله الجرمي لأبي ذر قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن عبيدة) بضم العين اسمه عبد الله (بن نشيط) بفتح النون وكسر المعجمة وبعد التحتية الساكنة طاء مهملة وللكشميهني عن أبي عبيدة بلفظ الكنية قال في الفتح والصواب ابن (قال: قال عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (سألت عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عن رؤيا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي ذكر) ولأبي ذر ذكر مبنيًّا للمفعول. وقد ظن أن المبهم هنا أبو هريرة ولفظه. قال ابن عباس: فأخبرني أبو هريرة (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): 7034 - فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذُكِرَ لِى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِى يَدَىَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَفُظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا فَأُذِنَ لِى فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ» فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: أَحَدُهُمَا الْعَنْسِىُّ الَّذِى قَتَلَهُ فَيْرُوزٌ بِالْيَمَنِ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ. (فقال ابن عباس: ذكر لي) بضم أوله مبنيًّا للمفعول وعدم ذكر الصحابي غير قادح للاتفاق على عدالة الصحابة كلهم وفي (¬1). (بينا) بغير ميم (أنا نائم) وجواب بينا قوله: (رأيت) ولأبي ذر أريت بتقديم الهمزة على الراء وضمها (أنه وضع) بضم الواو (في يديّ) بالتثنية (سواران من ذهب) ولأبي ذر إسواران بهمزة مكسورة قبل السين (ففظعتهما) بفاء العطف ثم فاء أخرى مضمومة وتفتح وكسر الظاء المعجمة المشالة استعظمت أمرهما (وكرهتهما) لكون الذهب من حلية النساء ومما حرم على الرجال وقال بعضهم من رأى عليه سوارين من ذهب أصابه ضيق في ذات يده فإن كانا من فضة فهو خير من الذهب وليس يصلح للرجال في المنام من الحلي إلا التاج والقلادة والعقد والخاتم (فأذن لي) بضم الهمزة وكسر المعجمة أن أنفخ السوارين (فنفختهما فطارا فأوّلتهما كذابين يخرجان) أي تظهر شوكتهما ومحاربتهما (فقال عبيد الله) بن عبد الله المذكور في السند (أحدهما العنسي) بفتح العين وكسر السين المهملتين بينهما نون ساكنة واسمه الأسود الصنعاني وكان يقال له ذو الحمار لأنه علم حمارًا إذا قال له اسجد يخفض رأسه وهو (الذي قتله فيروز) الديلمي (باليمن، والآخر مسيلمة) الكذاب ابن حبيب الحنفي اليمامي وكان صاحب نيرنجات، وفي قوله: فنفختهما فطارا إشارة إلى حقارة أمرهما لأن شأن الذي ينفخ فيذهب بالنفخ أن يكون في غاية الحقارة، وتعقبه ابن العربي القاضي أبو بكر بأن أمرهما كان في غاية الشدة. وأجاب في الفتح بأن الإشارة إنما هي للحقارة المعنوية لا الحسية وفي طيرانهما إشارة إلى اضمحلال أمرهما ومناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا أن اليدين بمنزلة البلدين والسوارين بمنزلة الكذابين وكونهما من ذهب إشارة إلى ما زخرفا والزخرف ¬

(¬1) هكذا بياض بالأصل.

39 - باب إذا رأى بقرا تنحر

من أسماء الذهب، وقد قال المعبرون: من رأى أنه يطير إلى جهة السماء بغير تعريج فإنه ضرر فإن غاب في السماء ولم يرجع مات فإن رجع أفاق من مرضه فإن طار عرضًا سافر ونال رفعة بقدر طيرانه. والحديث سبق في قصة العنسي في أواخر المغازي. 39 - باب إِذَا رَأَى بَقَرًا تُنْحَرُ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا رأى) شخص في منامه (بقرًا تنحر). 7035 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ جَدِّهِ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِى مُوسَى أُرَاهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَيْتُ فِى الْمَنَامِ أَنِّى أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِى إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرٌ، فَإِذَا هِىَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللَّهُ خَيْرٌ فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِى أَتَانَا اللَّهُ بِهِ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن العلاء) أبو كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة مصغرًا ابن عبد الله (عن جده أبي بردة) الحارث أو عامر (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري قال البخاري أو الراوي عن أبي موسى (أراه) بضم الهمزة أظنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وقد رواه مسلم وغيره عن أبي كريب محمد بن العلاء بالسند المذكور بدون قوله أراه بل جزموا برفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال): (رأيت في المنام أني أهاجر) بضم الهمزة (من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي) بفتح الواو والهاء أو بسكون الهاء وهمي (إلى أنها اليمامة) بفتح التحتية وتخفيف الميم بلاد الجوّ بين مكة واليمن سميت بجارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام فقيل أبصر من زرقاء اليمامة (أو هجر) بفتح الهاء والجيم غير مصروف قاعدة أرض البحرين أو بلد باليمن ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر الهجر بزيادة آل (فإذا هي المدينة) الشريفة التي اسمها في الجاهلية (يثرب) بالمثلثة (ورأيت فيها) في الرؤيا (بقرًا) بفتح القاف زاد أحمد من حديث جابر تنحر وبهذه الزيادة تتم المطابقة بين الحديث والترجمة ويتم تأويل الرؤيا (والله خير) مبتدأ وخبر أي ثواب الله للمقتولين خير لهم من مقامهم في الدنيا أو صنيع الله خير لهم، قيل والأولى أن يقال إنه من جملة الرؤيا وأنها كلمة سمعها عند رؤياه البقر (فإذا هم) أي البقر (المؤمنون) الذين قتلوا (يوم) غزوة (أُحد) بضم الهمزة والحاء المهملة (وإذا الخير ما) أي الذي (جاء الله به من الخير وثواب الصدق الذي آتانا الله) بمد همزة آتانا أي أعطانا الله (بعد يوم) غزوة (بدر) من تثبيت قلوب المؤمنين لأن الناس جمعوا لهم فزادهم إيمانًا وتفرق العدوّ منهم هيبة، أو المراد بالخير الغنيمة وبعد أي بعد الخير فالثواب والخير حصلاً في يوم بدر قاله الكرماني. قال في الفتح: وفي هذا السياق إشعار بأن قوله في الخير والله خير من جملة الرؤيا، والذي يظهر أن لفظه لم يتحرر إيراده وأن رواية ابن إسحاق هي المحررة وأنه رأى بقرًا ورأى خيرًا فأوّل البقر على من قتل من الصحابة يوم أُحد وأوّل الخير على ما حصل لهم من ثواب الصدق في القتال والصبر على الجهاد يوم بدر وما بعده إلى فتح مكة، والبعدية على هذا لا تختص بما بين بدر وأُحد نبه عليه ابن بطال، ويحتمل أن يريد ببدر بدر الموعد لا الوقعة المشهورة السابقة على أحد فإن بدر الموعد كانت بعد أُحد ولم يقع فيها قتال، وكان المشركون لما رجعوا من أُحد قالوا: موعدكم العام المقبل بدر، فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن انتدب معه إلى بدر، ولم يحضر المشركون فسميت بدر الموعد فأشار بالصدق إلى أنهم صدقوا الوعد ولم يخلفوه فأثابهم الله على ذلك بما فتح عليهم بعد ذلك من قريظة وخيبر وما بعدهما اهـ. وقوله: بعد يوم بدر بنصب دال بعد وجر ميم يوم بالإضافة كذا في الفرع وغيره، وقال الكرماني: وفي بعضها بعد بالضم أي بعد أُحد ويوم نصب على الظرفية، وعزا هذه في المصابيح لرواية الجمهور، وقال المهلب: وهذه الرؤيا فيها نوعان من التأويل فيها الرؤيا على حسب ما رئيت وهو قوله أهاجر إلى أرض بها نخل وكذا هاجر فجرى على ما رأى وفيها ضرب المثل لأنه رأى بقرًا تنحر فكانت البقر أصحابه فعبر عليه الصلاة والسلام عن حالة الحرب بالبقر من أجل مالها من السلاح لشبه القرنين بالرمحين لأن طبع البقر المناطحة والدفع عن أنفسها بقرونها كما يفعله رجال الحرب وشبه عليه السلام النحر بالقتل اهـ. وقال ابن أبي طالب العابر: إذا دخلت البقر المدينة

40 - باب النفخ فى المنام

سمانًا فهي سنين رخاء، وإن كانت عجافًا كانت شدادًا. 40 - باب النَّفْخِ فِى الْمَنَامِ (باب) رؤية (النفخ في المنام). 7036 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن إبراهيم الحنظلي) المعروف بابن راهويه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام بن منبه) بتشديد الميم والموحدة المكسورة أنه (قال: هذا ما حدّثنا به أبو هريرة) -رضي الله عنه- (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (نحن الآخرون) زمانًا في الدنيا (السابقون). أهل الكتاب وغيرهم منزلة وكرامة يوم القيامة، وقد كرر البخاري إيراد هذا القدر في بعض الأحاديث التي أخرجها من صحيفة همام من رواية معمر عنه، وهو أول حديث في النسخة، وبقية أحاديثها معطوفة عليه وكان إسحاق إذا أراد التحديث بشيء منها بدأ بطرف من الحديث الأول وعطف عليه ما يريد كما قال هنا: 7037 - وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أُوتِيتُ خَزَائِنَ الأَرْضِ، فَوُضِعَ فِى يَدَىَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَا عَلَىَّ وَأَهَمَّانِى فَأُوحِىَ إِلَىَّ أَنِ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا صَاحِبَ صَنْعَاءَ وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ». (وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بينا) بغير ميم (أنا نائم إذ أتيت بخزائن الأرض فوضع) بضم الواو مبنيًّا لما لم يسم فاعله (في يدي سواران) بالتثنية رفع بالألف مفعول ناب عن فاعله ولأبي ذر فوضع بفتح الواو مبنيًّا للفاعل أي وضع الآتي بخزائن الأرض في يدي سوارين نصب بالياء على المفعولية (من ذهب) صفة للسوارين (فكبرًا عليّ) بضم الموحدة وشد التحتية من علي أي ثقلاً عليّ (وأهماني) أي أقلقاني وأحزناني لأن الذهب حرام على الرجال ومن حلية النساء (فأوحي إلي) على لسان الملك أو وحي الهام (أن أنفخهما) بهمزة وصل (فنفختهما فطارا) إشارة إلى حقارة الكذابين وأنهما يمحقان بأدنى ما يصيبهما من بأس الله حتى يصيرا كالشيء الذي ينفخ فيه فيطير في الهواء وسقط لأبي ذر لفظ فطارا (فأوَّلتهما الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء) عبهلة بن كعب العنسي (وصاحب اليمامة) مسيلمة الكذاب واسمه يمامة ومسيلمة لقب له، وإنما أوّل السوارين بذلك لوضعهما في غير موضعهما لأن الذهب ليس من حلية الرجال وكذلك الكذاب يضع الخبر في غير موضعه، وظاهر قوله اللذين أنا بينهما أنهما كانا حين قص الرؤيا موجودين. قال في الفتح: وهو كذلك لكن وقع في رواية ابن عباس يخرجان بعدي والجمع بينهما أن المراد بخروجهما بعده ظهور شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوة نقله النووي عن العلماء وفيه نظر لأن ذلك كله ظهر من الأسود بصنعاء في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فادّعى النبوّة وعظمت شوكته، وحارب المسلمين وقتل منهم وآل أمره إلى أن قتل في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأما مسيلمة فادّعى النبوّة في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا أنه لم تعظم شوكته إلا في عهد أبي بكر -رضي الله عنه- فإما أن يحمل ذلك على التغليب، وإما أن يكون المراد بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعدي أي بعد نبوّتي، وتعقبه العيني فقال: في نظره نظر لأن كلام ابن عباس يصدق على خروج مسيلمة بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأما كلامه في حق الأسود فمن حيث إن أتباعه ومن لاذ به تبعوا مسيلمة وقووا شوكته فأطلق عليه الخروج من بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا الاعتبار اهـ فليتأمل. ومطابقة الحديث في قوله: فنفختهما والنفخ عند أهل التعبير يعبر بالكلام، وقد أهلك الله الكذابين المذكورين بكلامه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمره بقتلهما. والحديث سبق قريبًا. 41 - باب إِذَا رَأَى أَنَّهُ أَخْرَجَ الشَّىْءَ مِنْ كُورَةٍ فَأَسْكَنَهُ مَوْضِعًا آخَرَ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا رأى) الشخص في منامه (أنه أخرج الشيء من كورة) بضم الكاف وسكون الواو بعدها راء مفتوحة فهاء تأنيث أي ناحية ولأبي ذر كما في الفتح من كوة بحذف الراء وتشديد الواو قال الجوهري الكوّة بالفتح نقب البيت وقد تضم قال في الفتح وبالراء هو المعتمد (فأسكنه) أي ذلك الشيء الذي أخرجه (موضعًا آخر). 7038 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِى أَخِى عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَيْتُ كَأَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ، حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةَ وَهْىَ الْجُحْفَةُ فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَيْهَا». [الحديث 7038 - طرفاه في: 7039، 7040]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (أخي عبد الحميد عن سليمان بن بلال) التيمي مولاهم المدني (عن موسى بن

42 - باب المرأة السوداء

عقبة) بن أبي عياش بتحتية ومعجمة الأسدي الإمام في المغازي (عن سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب (عن أبيه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (رأيت) في المنام (كأن امرأة سوداء ثائرة) شعر (الرأس) متنفشة من ثار الشيء إذا انتشر وعند أحمد من رواية ابن أبي الزناد عن موسى بن عقبة ثائرة الشعر والمراد شعر الرأس، وزاد تفلة بفتح المثناة الفوقية وكسر الفاء بعدها لام أي كريهة الرائحة (خرجت من المدينة) النبوية (حتى قامت بمهيعة) بفتح الميم وسكون الهاء وفتح التحتية والعين المهملة بعدها هاء تأنيث وفسرها بقوله (وهي الجحفة) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة بعدها فاء مفتوحة ميقات أهل مصر قال في الفتح: وأظن قوله وهي الجحفة مدرجًا من قول موسى بن عقبة (فأوّلت) ذلك (أنه وباء المدينة نقل إليها) أي نقل من المدينة إلى الجحفة لعدوان أهلها وأذاهم للناس، وكانوا يهودًا وهذه الرؤيا كما قاله المهلب من قسم الرؤيا المعبرة وهي مما ضرب به المثل ووجه التمثيل أنه شق من اسم السوداء السوء والداء فتأول خروجها بما جمع اسمها وتأول ثوران شعر رأسها أن الذي يسوء ويثير الشر يخرج من المدينة، وقيل لما كانت الحمى مثيرة للبدن بالاقشعرار وارتفاع الشعر عبر عن حالها في النوم بارتفاع شعر رأسها فكأنه قيل الذي يسوء ويثير الشر يخرج من المدينة. ومطابقة الحديث للترجمة تؤخذ من قوله خرجت من المدينة لأن في رواية ابن أبي الزناد أخرجت من المدينة وأسكنت بالجحفة بزيادة همزة مضمومة قبل خاء أخرجت بالبناء لما لم يسم فاعله وهو الموافق للترجمة، وظاهر الترجمة أن فاعل الإخراج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكأنه نسبه إليه لأنه دعا به حيث قال: "اللهم حبب إلينا المدينة وانقل حماها إلى الجحفة". والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة. 42 - باب الْمَرْأَةِ السَّوْدَاءِ (باب المرأة السوداء) يراها الشخص في النام. 7039 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - فِى رُؤْيَا النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْمَدِينَةِ: «رَأَيْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ، حَتَّى نَزَلَتْ بِمَهْيَعَةَ فَتَأَوَّلْتُهَا أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَى مَهْيَعَةَ وَهْىَ الْجُحْفَةُ». وبه قال: (حدّثنا أبو بكر المقدمي) البصري ولأبي ذر وابن عساكر حدّثنا محمد بن أبي بكر بدل قوله أبو بكر وهو محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي بالتشديد الثقفي مولاهم البصري قال: (حدّثنا فضيل بن سليمان) النميري بالنون المضمومة وفتح الميم أبو سليمان البصري قال: (حدّثنا موسى) بن عقبة قال: (حدّثني) بالإفراد (سالم بن عبد الله عن) أبيه (عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- (في رؤيا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المدينة) قال: (رأيت) وسقط لفظ قال في الخط والحديث عند الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن المقدمي شيخ المؤلّف فيه بلفظ فرؤيا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المدينة قال رسول الله: رأيت (امرأة سوداء ثائرة الرأس) بالمثلثة متنفشًا شعر رأسها (خرجت من المدينة حتى نزلت بمهيعة) ولابن عساكر مهيعة بإسقاط الموحدة (فتأولتها) ولأبي ذر عن الكشميهني فأولتها بإسقاط الفوقية بعد الفاء (أن وباء المدينة نقل) منها (إلى مهيعة وهي الجحفة) بتقديم الجيم على المهملة. 43 - باب الْمَرْأَةِ الثَّائِرَةِ الرَّأْسِ (باب) رؤية (المرأة الثائرة) شعر (الرأس) يراها الشخص في المنام. 7040 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَيْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةَ، فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَى مَهْيَعَةَ وَهْىَ الْجُحْفَةُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (إبراهيم بن المنذر) بن عبد الله بن المنذر بن المغيرة الحزامي بالزاي قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو بكر بن أبي أويس) هو عبد الحميد بن عبد الله بن أبي أويس الأصبحي قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: بالجمع (سليمان) بن بلال (عن موسى بن عقبة) الأسدي (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (رأيت) في المنام (امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة) وزاد أبو ذر وهي الجحفة (فأولت) ذلك (أن وباء المدينة ينقل إلى مهيعة وهي الجحفة) ولأبي ذر نقل إلى الجحفة لابن عساكر نقل إليها وثوران الرأس كما قاله بعضهم مؤوّل بالحمى لأنها تثير البدن بالاقشعرار وبارتفاع الرأس. 44 - باب إِذَا هَزَّ سَيْفًا فِى الْمَنَامِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا) رأى الشخص أنه (هزّ سيفًا في المنام) بماذا يعبر؟. 7041 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى أُرَاهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَيْتُ فِى رُؤْيَا أَنِّى هَزَزْتُ سَيْفًا، فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) أبو كريب قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن

45 - باب من كذب فى حلمه

عبد الله) بضم الموحدة مصغرًا (ابن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء (عن جده أبي بردة عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (أراه) بضم الهمزة أظنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (رأيت في رؤيا) ولأبي ذر رؤياي بزيادة تحتية بعد الألف (أني هززت سيفًا) هو ذو الفقار بفتح الهاء والزاي الأولى وسكون الثانية بعدها فوقية (فانقطع صدره فإذا هو) أي تأويله (ما أصيب من المؤمنين) بالقتل (يوم) غزوة (أُحد ثم هززته) مرة (أخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو) أي تأويله (ما جاء الله به من الفتح) لمكة (واجتماع المؤمنين) وإصلاح حالهم. قال المهلب: هذه الرؤيا من ضرب المثل ولما كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصول بأصحابه عبر عن السيف بهم عن هزه بأمره لهم بالحرب وعن القطع فيه بالقتل فيهم وفي الهمزة الأخرى لما عاد إلى حالته من الاستواء عبّر عنه باجتماعهم والفتح عليهم، وقد قال المعبرون: من تقلّد سيفًا فإنه ينال سلطان ولاية أو وديعة يعطاها أو زوجة ينكحها إن كان عزبًا أو ولد إن كانت زوجته حاملاً وإن جرد سيفًا وأراد قتل شخص فهو لسانه يجرّده في خصومة. والحديث سبق في علامات النبوة بأتمّ من هذا. 45 - باب مَنْ كَذَبَ فِى حُلُمِهِ (باب) ثم (من كذب في حلمه) بضم الحاء واللام وضبطه في الفتح وغيره بسكون اللام. 7042 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلُمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ صُبَّ فِى أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبِ وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا وَلَيْسَ بِنَافِخٍ». قَالَ سُفْيَانُ: وَصَلَهُ لَنَا أَيُّوبُ وَقَالَ قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ: مَنْ كَذَبَ فِى رُؤْيَاهُ وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ أَبِى هَاشِمٍ الرُّمَّانِىِّ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَوْلَهُ مَنْ صَوَّرَ وَمَنْ تَحَلَّمَ وَمَنِ اسْتَمَعَ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) بن المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من تحلّم) بتشديد اللام من باب التفعل (بحلم) بضم اللام وسكونها (لم يره) صفة لقوله بحلم وجزاء الشرط قوله (كلف) بضم الكاف وتشديد اللام المكسورة وزاد الترمذي من حديث على يوم القيامة (أن يعقد بين شعرتين) تثنية شعيرة (ولن) يقدر أن (يفعل) وذلك لأن إيصال إحداهما بالأخرى غير ممكن عادة وهو كناية عن استمرار التعذيب ولا دلالة فيه على جواز التكليف بما لا يطاق لأنه ليس في دار التكليف، وعند أحمد من رواية عباد بن عباد عن أيوب عذب حتى يعقد بين شعيرتين وليس عاقدًا وعنده في رواية همام عن قتادة من تحلم كاذبًا دفع إليه شعيرة وعذب حتى يعقد بين طرفيها وليس بعاقد وفي اختصاص الشعير بذلك دون غيره لما في المنام من الشعور بما دل عليه فحصلت المناسبة بينهما من جهة الاشتقاق، وإنما اشتد الوعيد في ذلك مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه إذ قد تكون شهادته في قتل أو حدّ لأن الكذب في المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره والكذب على الله أشدّ من الكذب على المخلوقين. قال الله تعالى: {ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم} [هود: 18] الآية وإنما كان كذبًا على الله لحديث الرؤيا جزء من النبوة وما كان من أجزاء النبوّة فهو من قبل الله قاله الطبري فيما نقله عنه في الفتح (ومن استمع إلى حديث قوم وهم له) لمن استمع (كارهون) لا يريدون استماعه (أو يفرون منه) بالشك من الراوي وعند أحمد من رواية عباد بن عباد وهم يفرون ولم يشك (صب) بضم المهملة وتشديد الموحدة (في أذنه الآنك) بفتح الهمزة الممدودة وضم النون بعدها كاف الرصاص المذاب (يوم القيامة) جزاء من جنس عمله (ومن صوّر صورة) حيوانية (عذب وكلف أن ينفخ فيها) الروح (وليس بنافخ) أي وليس بقادر على النفخ فتعذيبه يستمر لأنه نازع الخالق في قدرته. (قال سفيان) بن عيينة (وصله) أي الحديث المذكور (لنا أيوب) السختياني المذكور. (وقال قتيبة) بن سعيد (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن قتادة) بن دعامة (عن عكرمة عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (قوله) أي قول أبي هريرة (من كذب في رؤياه) وهذا وصله في نسخة قتيبة عن أبي عوانة رواية النسائي عنه من طريق عليّ بن محمد الفارسي عن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه عن النسائي بلفظه عن أبي هريرة قال: من كذب في رؤيا كلف أن يعقد بين طرفي شعيرة ومن استمع الحديث ومن صور الحديث

46 - باب إذا رأى ما يكره فلا يخبر بها ولا يذكرها

ووصله أيضًا أبو نعيم في المستخرج من طريق خلف بن هشام عن أبي عوانة بهذا السند كذلك موقوفًا. (وقال شعبة) بن الحجاج فيما وصله الإسماعيلي من طريق عبيد الله بن معاذ العنبري عن أبيه عن شعبة (عن أبي هاشم) بألف بعد الهاء يحيى بن دينار ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عن أبي هشام بألف بعد الشين قال في الفتح وهو غلط (الرماني) بضم الراء وفتح الميم المشددة وبعد الألف نون كان ينزل قصر الرمان بواسط (سمعت عكرمة) يقول (قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (قوله من صوّر) زاد أبو ذر صورة (ومن تحلم) أي كاذبًا كلف أن يعقد شعيرة (ومن استمع) أي إلى حديث قوم إلى آخره. 0000 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنِ اسْتَمَعَ وَمَنْ تَحَلَّمَ وَمَنْ صَوَّرَ نَحْوَهُ. تَابَعَهُ هِشَامٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن شاهن بن الحارث الواسطي أبو بشر قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: من استمع ومن تحلّم ومن صوّر نحوه) أي نحو الحديث السابق، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق وهب بن منبه عن خالد بن عبد الله فذكره بهذا السند إلى ابن عباس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرفعه ولفظه من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك ومن تحلم كلف أن يعقد شعيرة يعذب بها وليس بفاعل ومن صور صورة عذّب حتى يعقد بين شعيرتين وليس عاقدًا. (تابعه) أي تابع خالد الحذاء (هشام) هو ابن حسان القردوسي بضم القاف والمهملة بينهما راء ساكنة وبعد الواو سين مهملة (عن عكرمة عن ابن عباس قوله) أي من قوله موقوفًا عليه، وهذه المتابعة الموقوفة لم يرها الحافظ ابن حجر كما قاله في المقدمة. والمطابقة في قوله ومن تحلم لكنه قال في الترجمة من كذب في حلمه إشارة لما ورد في بعض طرقه عند الترمذي عن عليّ رفعه من كذب في حلمه كلف يوم القيامة عقد. والحديث أخرجه أبو داود في الأدب. 7043 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُرِىَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ». وبه قال: (حدّثنا علي بن مسلم) الطوسي نزيل بغداد قال: (حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار مولى ابن عمر) صدوق يخطئ ولم يخرج له البخاري شيئًا إلا وله فيه متابع أو شاهد (عن أبيه) عبد الله بن دينار العدوي مولاهم المدني الثقة (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من) ولأبي ذر وابن عساكر: إن من (أفرى الفرى) بفاء ساكنة بعد همزة مفتوحة في الأولى وكسرها في الثانية مع القصر جمع فرية الكذبة العظيمة التي يعجب منها أي أعظم الكذب (أن يري) الشخص بضم التحتية وكسر الراء (عينيه) بالتثنية منصوب بالياء مفعول يرى (ما لم تر) ولابن عساكر ما لم تره أي ينسب إلى عينيه أنهما رأيا ويخبر عنهما بذلك، والحديث من أفراده. 46 - باب إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلاَ يُخْبِرْ بِهَا وَلاَ يَذْكُرْهَا هذا (باب) بالتنوين (إذا رأى) الشخص في منامه (ما يكره فلا يخبر بها) بالرؤيا أحدًا (ولا يذكرها) لأحد. 7044 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: لَقَدْ كُنْتُ أَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِى، حَتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: وَأَنَا كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِى حَتَّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلاَ يُحَدِّثْ بِهِ إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ، وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَلْيَتْفِلْ ثَلاَثًا وَلاَ يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن الربيع) الهروي نسبة لبيع الثياب الهروية البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد ربه بن سعيد) الأنصاري أنه (قال: سمعت أبا سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (يقول: لقد كنت أرى الرؤيا) ولابن عساكر أرى بعيني الرؤيا (فتمرضني) بضم الفوقية وسكون الميم وكسر الراء وضم الضاد المعجمة (حتى سمعت أبا قتادة) الحارث وقيل النعمان وقيل عمر الأنصاري (يقول: وأنا كنت لأرى) باللام ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني أرى (الرؤيا) في منامي (تمرضني حتى سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم) في منامه (ما يحب فلا يحدّث به إلا من يحب) لأن الحبيب إن عرف خيرًا قاله وإن جهل أو شك سكت بخلاف غيره فإنه يعبرها له بغير ما يحب بغضًا وحسدًا فربما وقع ما فسر به إذ الرؤيا لأول عابر، وفي الترمذي لا يحدث بها إلا لبيبًا أو حبيبًا (وإذا رأى) فيه (ما يكره فليتعوّذ بالله من شرها) أي الرؤيا (ومن شر الشيطان) لأنه الذي يخيل فيها (وليتفل) بضم الفاء ولغير أبي ذر بكسرها أي عن يساره (ثلاثًا). أي ثلاث مرات استقذارًا للشيطان واحتقارًا له كما يفعل الإنسان

47 - باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب

عند الشيء القدّر يراه أو يذكره ولا شيء أقذر من الشيطان فأمر بالتفل عند ذكره وكونه ثلاثًا مبالغة في إحسائه (ولا يحدّث بها أحدًا فإنها) أي الرؤيا المكروهة (لن تضره) لأن ما ذكر من التعوّذ وغيره سبب للسلامة من ذلك. 7045 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِىُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الرُّؤْيَا يُحِبُّهَا فَإِنَّهَا مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فَإِنَّمَا هِىَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلاَ يَذْكُرْهَا لأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ». وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي ابن عمر بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوّام أبو إسحاق القرشي الأسدي الزبيري المدني قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (والدراوردي) عبد العزيز بن محمد (عن يزيد) من الزيادة ولأبي ذر عن المستملي زيادة ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي بالمثلثة (عن عبد الله بن خباب) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة الأولى (عن أبي سعيد الخدري) بالدال المهملة -رضي الله عنه- (أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله فليحمد الله عليها) على الرؤيا، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عليه أي على المرئي (وليحدث بها) أي من يحبه (وإذا رأى غير ذلك مما يكره) بفتح التحتية وسكون الكاف (فإنما هي من الشيطان) أي من طبعه وعلى وفق رضاه (فليستعذ) أي بالله (من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لن تضره) نصب بلن، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لا تضره. قال الداودي: يريد ما كان من الشيطان وأما ما كان من خير أو شر فهو واقع لا محالة كرؤيا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البقر والسيف. قال: وقوله ولا يذكرها لأحد يدل على أنها إن ذكرت فربما أضرت. فإن قلت: قد مرّ أن الرؤيا قد تكون منذرة ومنبهة للمرء على استعداد البلاء قبل وقوعه رفقًا من الله بعباده لئلا يقع على غرة فإذا وقع على مقدمة وتوطين كان أقوى للنفس وأبعد لها من أذى البغتة فما وجه كتمانها؟ أجيب: بأنه إذا أخبر بالرؤيا المكروهة يسوء حاله لأنه لم يأمن من أن تفسر له بالمكروه فيستعجل الهم ويتعذب بها ويترقب وقوع المكروه فيسوء حاله ويغلب عليه اليأس من الخلاص من شرها ويجعل ذلك نصب عينيه، وقد كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- داواه من هذا البلاء الذي عجله لنفسه بما أمره به من كتمانها والتعوذ بالله من شرها وإذا لم تفسر له بالمكروه بقي بين الطمع والرجاء فلا يجزع لأنها من قبل الشيطان أو لأن لها تأويلاً آخر محبوبًا فأراد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا تتعذب أمته بانتظارهم خروجها بالمكروه، فلو أخبر بذلك كله دهره دائمًا من الاهتمام بما لا يؤذيه أكثره وهذه حكمة بالغة فجزاه الله عنا ما هو أهله. والحديث سبق في باب الرؤيا من الله. 47 - باب مَنْ لَمْ يَرَ الرُّؤْيَا لأَِوَّلِ عَابِرٍ إِذَا لَمْ يُصِبْ (باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب) في العبارة إذ المدار على إصابة الصواب فحديث الرؤيا لأول عابر المروي عن أنس مرفوعًا معناه إذا كان العابر الأول عالمًا فعبر وأصاب وجه التعبير، وإلا فهي لمن أصاب بعده، لكن يعارضه حديث أبي رزين أن الرؤيا إذا عبرت وقعت إلا أن يدعى تخصيص عبرت بأن يكون عابرها عالمًا مصيبًا ويعكر عليه قوله في الرؤيا المكروهة ولا يحدث بها أحد فقيل في حكمة النهي أنه ربما فسرها تفسيرًا مكروهًا على ظاهرها مع احتمال أن تكون محبوبة في الباطن فتقع على ما فسر. وأجيب: باحتمال أن تكون تتعلق بالرائي فله إذا قصها على أحد ففسرها له على المكروه أنه يبادر غيره ممن يصيب فيسأله فإن قصر الرائي فلم يسأل الثاني وقعت على ما فسر الأول. 7046 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلاً أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّى رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِى الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا، فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ وَإِذَا سَبَبٌ وَاصِلٌ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلاَ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وُصِلَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّى فَأَعْبُرَهَا فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اعْبُرْ» قَالَ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَالإِسْلاَمُ، وَأَمَّا الَّذِى يَنْطِفُ مِنَ الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ فَالْقُرْآنُ حَلاَوَتُهُ تَنْطُفُ، فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَالْحَقُّ الَّذِى أَنْتَ عَلَيْهِ تَأْخُذُ بِهِ، فَيُعْلِيكَ اللَّهُ ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ يُوَصَّلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ فَأَخْبِرْنِى يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا» قَالَ: فَوَاللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّى بِالَّذِى أَخْطَأْتُ قَالَ: «لاَ تُقْسِمْ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري بالميم ونسبه لجده قال: (حدّثنا الليث) بن سعد المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن ابن عباس -رضي الله عنهما- كان يحدث أن رجلاً) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي مسلم من طريق سليمان بن كثير عن الزهري أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان مما يقول لأصحابه: "من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها" فجاء رجل وعنده أيضًا من رواية سفيان بن عيينة: جاء رجل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ- منصرفه من أحد (فقال): يا رسول الله (إني رأيت الليلة في المنام ظلة) بضم الظاء المعجمة وتشديد اللام سحابة لأنها تظل ما تحتها، وزاد الدارمي من طريق سليمان بن كثير وابن ماجة من طريق سفيان بن عيينة بين السماء والأرض (تنطف) بسكون النون وضم الطاء المهملة وكسرها تقطر (السمن والعسل فأرى الناس يتكففون) أي يأخذون بأكفهم (منها فالمستكثر) أي فمنهم المستكثر في الأخذ (و) منهم (المستقل) فيه أي منهم الآخذ كثيرًا والآخذ قليلاً (وإذا سبب) أي حبل (واصل من الأرض إلى السماء فأراك) يا رسول الله (أخذت به فعلوت) وفي رواية سليمان بن كثير المذكورة فأعلاك الله (ثم أخذ به) بالسبب ولابن عساكر ثم أخذه (رجل آخر فعلاً به ثم أخذ به) ولابن عساكر أيضًا ثم أخذه (رجل آخر فعلاً به ثم أخذ به) ولابن عساكر أيضًا ثم أخذه (رجل آخر فانقطع ثم وصل) بضم الواو وكسر الصاد (فقال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه-: (يا رسول الله بأبي أنت) مفدي (والله لتدعني) بفتح اللام للتأكيد والدال والعين وكسر النون المشددة لتتركني (فأعبرها) بضم الموحدة وفتح الراء، وزاد سليمان في روايته وكان من أعبر الناس للرؤيا بعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له: (اعبر) ولأبي ذر اعبرها بالضمير المنصوب (قال) أبو بكر: (أما الظلة فالإسلام) لأن الظلة نعمة من نعم الله على أهل الجنة وكذلك كانت على بني إسرائيل وكذلك كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تظله الغمامة قبل نبوته وكذلك الإسلام يقي الأذى وينعم به المؤمن في الدنيا والآخرة (وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنطف) قال تعالى في العسل: {شفاء للناس} [النحل: 69] وفي القرآن: {شفاء لما في الصدور} [يونس: 57] ولا ريب أن تلاوة القرآن تحلو في الأسماع كحلاوة العسل في المذاق بل أحلى (فالمستكثر من القرآن والمستقل) منه (وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله) أي يرفعك به (ثم يأخد به رجل من بعدك فيعلو به) فسّر بالصديق -رضي الله عنه- لأنه يقوم بالحق بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أمته (ثم يأخذ رجل) ولأبي ذر يأخذ به رجل (آخر) هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (فيعلو به ثم يأخذ) ولأبي ذر عن الكشميهني ثم يأخذ به (رجل آخر) هو عثمان بن عفان -رضي الله عنه- (فينقطع به ثم يوصل) بالتخفيف والذي في اليونينية ثم يوصل (له فيعلو به) يعني أن عثمان كاد أن ينقطع عن اللحاق بصاحبيه بسبب ما وقع له من تلك القضايا التي أنكروها فعبر عنها بانقطاع الحبل ثم وقعت له الشهادة فاتصل فالتحق بهم (فأخبرني) بكسر الموحدة وسكون الراء (يا رسول الله بأبي أنت) مفدي (أصبت) في هذا التعبير (أم أخطأت؟ قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له (أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا) قيل خطؤه في التعبير لكونه عبّر بحضوره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحق بتعبيرها، وقيل أخطأ لمبادرته تعبيرها قبل أن يأمره به، وتعقب بأنه عليه الصلاة والسلام أذن له في ذلك وقال اعبرها. وأجيب: بأنه لم يأذن له ابتداء بل بادر هو بالسؤال أن يأذن له في تعبيرها فأذن له، وقال: أخطأت في مبادرتك للسؤال أن تتولى تعبيرها، لكن في إطلاق الخطأ على ذلك نظر فالظاهر أنه أراد الخطأ في التعبير لا لكونه التمس التعبير. قال ابن هبيرة: إنما أخطأ لكونه أقسم ليعبرنها بحضرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولو كان أخطأ في التعبير لم يقرّه عليه وقيل: أخطأ لكونه عبّر السمن والعسل بالقرآن فقط وهما شيئان كان من حقه أن يعبرهما بالقرآن والسنّة لأنها بيان للكتاب المنزّل عليه وبهما تتم الأحكام كتمام اللذة بهما، وقيل وجه الخطأ أن الصواب في التعبير أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الظلة، والسمن والعسل القرآن والسُّنّة، وقيل: يحتمل أن يكون السمن والعسل العلم والعمل وقيل الفهم والحفظ.

إرشاد:

وتعقب ذلك في المصابيح فقال: لا يكاد ينقضي العجب من هؤلاء الذين تعرضوا إلى تبيين الخطأ في هذه الواقعة مع سكوت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك وامتناعه منه بعد سؤال أبي بكر له في ذلك حيث (قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت) في وثبت قوله يا رسول الله لأبي ذر وابن عساكر (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا تقسم) فكيف لا يسع هؤلاء من السكوت ما وسع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وماذا يترتب على ذلك من الفائدة فالسكوت عن ذلك هو المتعين اهـ. وحكى ابن العربي أن بعضهم سئل عن بيان الوجه الذي أخطأ فيه أبو بكر فقال: من الذي يعرفه؟ ولئن كان تقدم أبي بكر بين يدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للتعبير خطأ فالتقدم بين يدي أبي بكر لتعيين خطئه أعظم وأعظم فالذي يقتضيه الدين الكف عن ذلك. وأجاب في الكواكب: بأنهم إنما قدموا على تبيين ذلك مع أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يبينه لأن هذه الاحتمالات لا جزم فيها أو لأنه كان يلزم في بيانه مفاسد للناس واليوم زال ذلك. إرشاد: قال الحافظ ابن حجر أثابه الله: جميع ما ذكر من لفظ الخطأ ونحوه إنما أحكيه عن قائليه ولست راضيًا بإطلاقه في حق الصديق -رضي الله عنه- اهـ. وقوله عليه الصلاة والسلام "لا تقسم" بعد إقسام أبي بكر -رضي الله عنه- أي لا تكرر يمينك. قال النووي: قيل إنما لم يبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قسم أبي بكر لأن إبرار القسم مخصوص بما إذا لم يكن هناك مفسدة ولا مشقة ظاهرة قال: ولعل المفسدة في ذلك ما علمه من انقطاع السبب بعثمان وهو قتله وتلك الحروب والفتن المريبة فكره ذكرها خوف شياعها. والحديث أخرجه مسلم في التعبير وأبو داود في الإيمان والنذور والنسائي وابن ماجة في الرؤيا. 48 - باب تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ (باب) جواز (تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح) قبل طلوع الشمس أو استحبابها لحفظ صاحبها لها لقرب عهده بها ومعرفته ما يستبشر به من الخير أو يحذر من الشر ولحضور ذهن العابر وقلة شغله بالتفكر في معاشه قاله المهلب. 7047 - حَدَّثَنِى مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ أَبُو هِشَامٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لأَصْحَابِهِ: «هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا؟» قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ، وَإِنَّهُ قَالَ لَنَا ذَاتَ غَدَاةٍ: «إِنَّهُ أَتَانِى اللَّيْلَةَ آتِيَانِ وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِى وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِى: انْطَلِقْ وَإِنِّى انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِى بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ فَيَتَهَدْهَدُ الْحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ قَالَ: قَالاَ لِى انْطَلِقْ قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِى أَحَدَ شِقَّىْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ» قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ أَبُو رَجَاءٍ: فَيَشُقُّ قَالَ: «ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ، فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى قَالَ: قُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالاَ لِى انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ» قَالَ: فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا مَا هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: قَالاَ لِى انْطَلِقِ انْطَلِقْ؟ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ» حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِى النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ ثُمَّ يَأْتِى ذَلِكَ الَّذِى قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا، فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ، فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالاَ لِى انْطَلِقِ انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلاً مَرْآةً، وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَا؟ قَالَ: قَالاَ لِى انْطَلِقِ انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبِيعِ وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَىِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ لاَ أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولاً فِى السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا مَا هَذَا مَا هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: قَالاَ لِى انْطَلِقِ انْطَلِقْ قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلاَ أَحْسَنَ قَالَ: قَالاَ لِى ارْقَ فِيهَا قَالَ: فَارْتَقَيْنَا فِيهَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا فَفُتِحَ لَنَا فَدَخَلْنَاهَا فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ قَالَ: قَالاَ لَهُمُ اذْهَبُوا فَقَعُوا فِى ذَلِكَ النَّهَرِ، قَالَ: وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِى كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ فِى الْبَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِى أَحْسَنِ صُورَةٍ قَالَ: قَالاَ لِى هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ قَالَ: فَسَمَا بَصَرِى صُعُدًا فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَيْضَاءِ قَالَ: قَالاَ هَذَاكَ مَنْزِلُكَ قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا ذَرَانِى فَأَدْخُلَهُ قَالاَ: أَمَّا الآنَ فَلاَ وَأَنْتَ دَاخِلُهُ قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا فَإِنِّى قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا فَمَا هَذَا الَّذِى رَأَيْتُ قَالَ: قَالاَ لِى أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِى أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِى أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِى مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِى، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِى أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِى النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ الَّذِى عِنْدَ النَّارِ، يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا، فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِى فِى الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ» قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ؟ وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنًا وَشَطَرٌ مِنْهُمْ قَبِيحًا فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (مؤمل بن هشام أبو هشام) بألف بعد الشين فيهما وعند أبي ذر أبو هاشم وقال: صوابه أبو هشام أي بألف بعد الشين بموافقة كنيته لاسم أبيه ومؤمل بفتح الميم الثانية بوزن محمد اليشكري البصري ختن إسماعيل ابن علية روى عنه البخاري هنا وفي الزكاة والحج والتهجد وبدء الخلق وتفسير براءة قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) المشهور بابن علية أمه قال: (حدّثنا عوف) الأعرابي قال: (حدّثنا أبو رجاء) عمران العطاردي قال: (حدثنا سمرة بن جندب) بضم الدال وفتحها (-رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مما يكثر) ولأبي ذر عن الكشميهني يعني مما يكثر (أن يقول لأصحابه): (هل رأى أحد منكم من رؤيا؟) قال في شرح المشكاة مما قرأته فيه مما خبر كان وما موصولة ويكثر صلته والضمير الراجع إلى ما فاعل يقول وأن يقول فاعل يكثر وهل رأى أحد منكم هو المقول أي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كائنًا من النفر الذين كثر منهم هذا القول فوضع ما موضع من تفخيمًا وتعظيمًا لجانبه كقوله تعالى: {والسماء وما بناها} [الشمس: 5] وسبحان ما سخركن لنا، وتحريره كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن يجيد تعبير الرؤيا وكان له مشارك في ذلك منهم لأن الإكثار من هذا القول لا يصدر إلا ممن تدرب فيه ووثق بإصابته كقولك: كان زيد من العلماء بالنحو ومنه قول صاحبي السجن ليوسف عليه السلام: {نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين} [يوسف: 36] أي المجيدين في عبارة الرؤيا وعلمًا ذلك مما رأياه منه إذ يقص عليه بعض أهل السجن هذا من حيث البيان وأما من طريق النحو فيحتمل أن يكون قوله: هل رأى أحد منكم من رؤيا مبتدأ والخبر مقدم عليه على تأويل هذا القول مما يكثر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ

عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من شاء الله أن يقص) بفتح الياء وضم القاف فيهما كذا في رواية النسفيّ من بالنون ولغيره ما وهي للمقصوص ومن للقاص (وأنه قال لنا) لفظ لنا ثابت في بعض الأصول المعتمدة ساقط من اليونينية (ذات غداة) لفظ الذات مقحم أو هو من إضافة المسمى إلى اسمه ({إنه أتاني الليلة آتيان}) بمدّ الهمزة وكسر الفوقية، وفي حديث عليّ عند ابن أبي حاتم ملكان، وفي الجنائز من رواية جرير أنهما جبريل وميكائيل (وإنهما ابتعثاني) بموحدة ساكنة وفوقية فعين مهملة فمثلثة وبعد الألف نون أرسلاني ولأبي ذر عن الكشميهني انبعثا بي بنون فموحدة وبعد الألف موحدة (وأنهما قالا لي انطلق) بكسر اللام مرة واحدة (وإني انطلقت معهما) معطوف على قوله وأنهما قالا لي أي حصل منهما القول ومني الانطلاق وزاد جرير بن حازم في روايته إلى الأرض المقدسة وفي حديث عليّ فانطلقا بي إلى السماء (وإنا أتينا على رجل مضطجع) وفي رواية جرير مستلق على قفاه. قال الطيبي: وذكر عليه الصلاة والسلام إن المؤكدة أربع مرات تحقيقًا لما رآه وتقريرًا لقوله: الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة (وإذا) رجل (آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي) بفتح الياء وكسر الواو بينهما هاء ساكنة ولأبي ذر يهوي بضم أوله من الرباعي (بالصخرة لرأسه فيثلغ) بفتح التحتية وسكون المملثة وبعد اللام المفتوحة غين معجمة أي فيشدخ (رأسه) والشدخ كسر الشيء الأجوف (فيتهدهد) بتحتية ففوقية فهاء مفتوحات فدالين مهملتين الأولى منهما ساكنة بينهما هاء مفتوحة ولأبي ذر عن المستملي فيتدهدأ بزيادة همزة آخره وفي الفرع كأصله علامة ابن عساكر فوق الهمزة لكنه ضبب على العلامة المذكورة وللكشميهني فيتدادا بدالين بينهما ألف وآخره ألف أخرى من غير همز ولا هاء وله مما في الفتح يتدأدأ بهمزتين الأولى ساكنة والهمزة تبدل من الهاء كثيرًا ولأبي ذر عن الحموي فيتدهده بدالين بينهما هاء ساكنة وآخره هاء أخرى فيتدحرج (الحجر) ويندفع من علو إلى سفل (هاهنا) أي إلى جهة الضارب (فيتبع) بالتخفيف الرجل القائم (الحجر فيأخذه) ليصنع به كما صنع أولاً (فلا يرجع إليه) إلى الذي ثلغ رأسه (حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود) الرجل (عليه) على المضطجع (فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى) ولأبي ذر مرة الأولى (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (قلت لهما) أي للملكين (سبحان الله ما هذان) الرجلان؟ (قال) عليه السلام (قالا) أي الملكان (لي انطلق انطلق) بالتكرار مرتين لأبي ذر في الفرع كأصله وفي الأول بغير تكرار، وقال في الفتح بالتكرار في المواضع كلها وسقط في بعضها التكرار لبعضهم (قال) عليه السلام (فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا) رجل (آخر قائم عليه بكلوب من حديد) بفتح الكاف وتضم وضم اللام المشددة له شعب يعلق بها اللحم (وإذا هو) أي الرجل القائم (يأتي أحد شقي وجهه) أي وجه المستلقي لقفاه (فيشرشر) بمعجمتين وراءين. قال صاحب العين فيشرشر أي فيقطع (شدقه) بكسر المعجمة والإفراد جانب فمه. (إلى قفاه) ويقطع (منخره) بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة (إلى قفاه وعينه إلى قفاه) بفراد العين كالمنخر. (قال: وربما قال أبو رجاء) العطاردي (فيشق) بدل فيشرشر (قال: ثم يتحوّل إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول فما يفرغ من) شق (ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود) الرجل (عليه فيفعل) به (مثل ما فعل المرة الأولى قال قلت) لهما (سبحان الله ما هذان) الرجلان أي ما شأنهما (قال: قالا لي انطلق انطلق) بالتكرار مرتين لأبي ذر وكذا في نسخة لابن عساكر (فانطلقنا فأتينا على مثل التنور) بفتح الفوقية وتشديد النون المضموبة الذي يخبز فيه، وفي رواية جرير في الجنائز فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يتوقد تحته نار. قال الداودي ولعل ذلك التنور على جهنم (قال: فأحسب) بالفاء

ولأبي ذر وأحسب (أنه كان يقول فإذا فيه لغط) بالمعجمة ثم المهملة جلبة وصيحة لا يفهم معناها (وأصوات. قال: فاطلعنا فيه) في الثقب (فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب) بفتح الهاء وهو لسان النار أو شدة اشتعالها (من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا) بضادين معجمتين مفتوحتين بينهما واو ساكنة وآخره واو أخرى ساكنة أيضًا بلا همز بلفظ الماضي صاحوا (قال قلت لهما) ولأبي ذر لهم (ما هؤلاء) الرجال والنساء العراة؟ (قال: قالا لي انطلق انطلق) مرتين (قال؛ فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح) عامّ يعوم (وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح) بصيغة المضارع فيهما، وفي الفتح بفتحتين وتخفيف الموحدة في الثاني (ثم يأتي ذلك) الرجل (الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر) بتحتية مفتوحة ففاء ساكنة فغين معجمة مفتوحة فيفتح (له فاه) فمه (فيلقمه حجرًا) بضم التحتية (فينطلق يسبح) في النهر (ثم يرجع إليه كلما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي كما (رجع إليه فغر) فتح (له فاه فألقمه حجرًا قال: قلت لهما ما) شأن (هذان) الرجلان؟ (قال: قالا لي انطلق انطلق) بالتكرار مرتين (قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرأة) بفتح الميم وسكون الراء وهمزة ممدودة ثم هاء تأنيث أي كريه المنظر (كأكره) بفتح الهاء وكسرها (ما أنت راء رجلاً مرآة) بفتح الميم (وإذا عنده نار يحشها) بحاء مهملة وشين معجمة مشددة مضمومتين يحركها ويوقدها ولأبي ذر وابن عساكر نار له يحشها (ويسعى حولها قال قلت لهما: ما هذا) الرجل؟ (قال: قالا لي انطلق انطلق) بالتكرار مرتين (فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة) بضم الميم وسكون العين المهملة بعدها فوقية فميم مشددة مفتوحتين آخره هاء تأنيث طويلة النبات وقيل غطاها الخصب والكلأ كالعمامة على الرأس، وضبطها بعضهم بكسر الفوقية وتخفيف الميم. قال السفاقسي: ولا يظهر له وجه. وأجاب في المصابيح فقال: يلوح لي فيه وجه مقبول وذلك أن خضرة الزرع إذا اشتدت وصفت بما يقتضي السواد كقوله تعالى: {والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى} [الأعلى: 4] وقد ذهب الزجاج إلى أن أحوى حال من المرعى أخر عن الجملة المعطوفة وأن المراد وصفه بالسواد لأجل خضرته فكذلك تقول وصفت الروضة بشدة خضرتها بالسواد فقيل معتمة من قولك أعمّ الليل إذا أظلم فتأمله اهـ. وبه قال الحافظ ابن حجر ولفظه الذي يظهر لي أنه من العتمة وهي شدة الظلام فوصفها بشدة الخضرة كقوله: {مدهامتان} [الرحمن: 64] (فيها) في الروضة (من كل نور الربيع) بفتح النون أي زهره، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من كل لون الربيع (وإذا بين ظهري الروضة) بفتح الراء وكسر التحتية تثنية ظهر أي وسطها (رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء) بنصب طولاً على التمييز (وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط) قال في شرح المشكاة أصل التركيب إذا حول الرجل ولدان ما رأيت ولدانًا قط أكثر منهم ولما كان هذا التركيب متضمنًا معنى النفي جاز زيادة من، وقط التي تختص بالماضي المنفي (قال: قلت لهما ما هذا) الرجل الطويل؟ (ما هؤلاء) الولدان؟ قال الطيبي: ومن حق الظاهر أن يقول من هذا فكأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما رأى حاله من الطول المفرط خفي عليه أنه من أيّ جنس هو أبشر أم ملك أم غير ذلك؟ وسقط لأبي ذر ما هذا (قال: قالا فانطلق انطلق) مرتين (قال فانطلقنا فانتهينا إلى روضة معظيمة لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن) وعند الإمام أحمد والنسائي إلى دوحة بدل روضة وهي الشجرة الكبيرة (قال: قالا لي ارق فيها) أي في الشجرة (قال فارتقينا فيها) وفي رواية الإمام أحمد والنسائي فصعدا بي في الشجرة (فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب) بكسر الموحدة وفتح اللام: بلبن ذهب (ولبن فضة) جمع لبنة وأصلها ما يبنى به من طين (فأتينا باب المدينة فاستفتحنا) ها

(ففتح لنا) بضم الفاء مبنيًّا للمفعول (فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر) نصف (من خلقهم) بفتح الخاء وسكون اللام بعدها قاف هيئتهم (كأحسن) خبر قوله شطر والكاف زائدة (ما أنت راء) بهمزة منونة ولأبي ذر رائي بتحتية ساكنة بعد الهمزة والجملة صفة رجال (وشطر كأقبح ما أنت راء) ولأبي ذر رائي ويحتمل أن يكون بعضهم موصوفين بأن خلقتهم حسنة وبعضهم قبيحة وأن يكون كل واحد منهم بعضه حسن وبعضه قبيح (قال: قالا) أي الملكان (لهم اذهبوا فقعوا في ذلك النهر) لتغسل تلك الصفة القبيحة بهذا الماء الخالص (قال: وإذا نهر معترض يجري) عرضًا (كأن ماءه المحض) بالحاء المهملة والضاد المعجمة اللبن الخالص (في البياض فذهبوا فوقعوا فيه) في النهر (ثم رجعوا إلينا) حال كونهم (قد ذهب ذلك السوء عنهم) وهو القبح (فصاروا في أحسن صورة قال) عليه الصلاة والسلام: (قالا لي هذا) المدينة (جنة عدن) أي إقامة (وهذاك منزلك قال) صلوات الله وسلامه عليه (فسما) بفتح المهملة والميم مخففة أي نظر (بصري صعدًا) بضم المهملتين وتنوين الدال المهملة ارتفع كثيرًا (فإذا قصر مثل الربابة) بفتح الراء والموحدتين بينهما ألف السحابة (البيضاء قال: قالا لي هذاك منزلك قال: قلت لهما: بارك الله فيكما ذراني) بفتح المعجمة والراء المخففة اتركاني (فأدخله) جواب الأمر منصوب بتقدير أن أو مجزوم على الجواب (قالا أما الآن فلا وأنت داخله) في الأخرى، وفي رواية جرير في الجنائز قالا إنه بقي لك عمر لم تستكمله فلو استكملت أتيت منزلك وقد قيل إنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رفع بعد موته إلى الجنة وعورض بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. "أنا أول من تنشق عنه الأرض" فإنه يشعر بأنه في قبره الشريف. وأجيب: باحتمال أن لروحه الشريفة انتقالات من مكان إلى آخر وتصرفات في الكون كيف شاء الله. (قال: قلت لهما فإني قد رأيت منذ الليلة عجبًا) سقط قد لأبي ذر (فما هذا الذي رأيت؟ قال: قالا لي أما) بفتح الهمزة والميم المخففة (إنّا) بكسر الهمزة وتشديد النون (سنخبرك) عنه (أمّا) بالتشديد (الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ بالقرآن فيرفضه) بضم الفاء الثانية وكسرها يتركه (وينام عن الصلاة المكتوبة) جعلت العقوبة في رأسه لنومه عن الصلاة والنوم موضعه الرأس (وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر) بفتح الشينين (شدقه) بكسر الشين (إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو) بالغين المعجمة يخرج (من بيته) مبكرًا (فيكذب الكذبة) بفتح الكاف وسكون الذال المعجمة (تبلغ الآفاق) زاد في الجنائز فيصنع به إلى يوم القيامة وإنما استحق التعذيب لما ينشأ عن تلك الكذبة من المفاسد وهو فيها غير مكره، وقال ابن العربي: شرشرة شدق الكاذب إنزال العقوبة بمحل المعصية، وقال ابن هبيرة: لما كان الكاذب يساعد أنفه وعينه لسانه على الكذب بترويج باطله وقعت المشاركة بينهم في العقوبة (وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزنا والزواني) ومناسبة العري لأن عادتهم التستر بالخلوة فعوقبوا بالهتك ولما كانت جنايتهم من أعضائهم السفلى ناسب أن يكون عذابهم من تحتهم (وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجر) بضم التحتية وفتح القاف والحجر نصب مفعول ثان، ولأبي ذر وابن عساكر الحجارة بالجمع (فإنه آكل الربا) بمدّ همزة آكل وكسر كافها وفي إلقامه الحجر إشارة إلى أنه لا يغني عنه شيئًا كما أن المرابي يتخيل أن ماله يزداد والله يمحقه (وأما الرجل الكريه المرآة) بفتح الميم وسكون الراء وبالمد (الذي عند النار) ولأبي ذر عن الكشميهني عنده النار بزيادة الضمير والرفع (يحشها ويسعى حولها فإنه مالك خازن جهنم) وإنما كان كريه المنظر لأن فيه زيادة في عذاب أهل النار (وأما الرجل الطويل الذي في الرَوضة فإنه إبراهيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة) الإسلامية.

خاتمة:

(قال) سمرة (فقال بعض المسلمين) قال في الفتح: لم أقف على اسمه (يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأولاد المشركين؟) الذين ماتوا على الفطرة داخلون في زمرة هؤلاء الولدان؟ سقطت الواو الأولى من قوله وأولاد لابن عساكر (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مجيبًا (وأولاد المشركين) منهم وظاهره الحكم لهم بالجنة ولا يعارضه قوله إنهم مع آبائهم لأن ذلك في الدنيا (وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسنًا) ولأبي ذر شطرًا منهم حسن بنصب الأول ورفع الثاني وللأصيلي وابن عساكر برفع شطر وحسن (وشطر منهم قبيحًا) ولأبي ذر وابن عساكر بنصب الأول ورفع الثاني وفي نسخة أبي ذر والصواب شطر وشطر بالرفع كذا رأيته في حاشية الفرع منسوبًا لليونينية ثم رأيته فيها كذلك وللنسفي والإسماعيلي بالرفع في الجميع على أن كان تامة والجملة حالية (فإنهم قوم خلطوا) بتخفيف اللام (عملاً صالحًا وآخر سيئًا تجاوز الله عنهم). خاتمة: ومن آداب المعبر ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر أنه كتب إلى أبي موسى إذا رأى أحدكم رؤيا فقصّها على أخيه فليقل: خير لنا وشر لأعدائنا، ورجاله ثقات لكن سنده منقطع، وعند الطبراني والبيهقي في الدلائل من حديث ابن زمل الجهني وهو بكسر الزاي وسكون الميم بعدها لام قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا صلّى الصبح قال: "هل رأى أحد منكم شيئًا؟ " قال ابن زمل: فقلت أنا يا رسول الله. قال: "خيرًا تلقاه وشرًّا تتوقاه وخير لنا وشر على أعدائنا والحمد لله رب العالمين اقصص رؤياك" الحديث. وسنده ضعيف جدًّا، وينبغي أن يكون العابر دينًا حافظًا تقيًّا ذا علم وصيانة كاتمًا لأسرار الناس في رؤياهم وأن يستغرق السؤال من السائل بأجمعه وأن يرد الجواب على قدر السؤال للشريف والوضيع ولا يعبر عند طلوع الشمس ولا عند غروبها ولا عند الزوال ولا في الليل، ومن أدب الرائى أن يكون صادق اللهجة وأن ينام على وضوء على جنبه الأيمن وأن يقرأ عنده والشمس والليل والتين وسورتي الإخلاص والمعوذتين ويقول: اللهم إني أعوذ بك من سيء الأحلام وأستجير بك من تلاعب الشيطان في اليقظة والمنام. اللهم إني أسألك رؤيا صالحة صادقة نافحة حافظة غير منسية اللهم أرني في منامي ما أحب، ومن آدابه أن لا يقصها على امرأة ولا على عدوّ ولا على جاهل. وهذا آخر كتاب التعبير فرغ منه يوم الاثنين العشرين من شعبان سنة 915. بسم الله الرحمن الرحيم 92 - كتاب الفتن بكسر الفاء وفتح الفوقية جمع فتنة وهي المحنة والعذاب والشدة وكل مكروه وآيل إليه كالكفر والإثم والفضيحة والفجور والمصيبة وغيرها من المكروهات، فإن كانت من الله فهي على وجه الحكمة، وإن كانت من الإنسان بغير أمر الله فهي مذمومة فقد ذم الله الإنسان بإيقاع الفتنة كقوله تعالى: {والفتنة أشد من القتل} [البقرة: 191] و {إن الذين فتنوا المؤمنين} [البروج: 10] الآية. (بسم الله الرحمن الرحيم) قال في الفتح: كذا في رواية الأصيلي وكريمة تأخير البسملة ولغيرهما تقديمها والذي في الفرع كأصله رقم عليه علامة أبي ذر بعد التصحيح وعلامة التقديم والتأخير عليهما لابن عساكر. 1 - باب مَا جَاءَ فِى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]. وَمَا كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَذِّرُ مِنَ الْفِتَنِ. (ما جاء) ولأبي ذر: باب ما جاء (في) بيان (قول الله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصّة} [الأنفال: 25]). أي اتقوا ذنبًا يعمكم أثره كإقرار المنكر بين أظهركم والمداهنة في الأمر بالمعروف وافتراق الكلمة وظهور البدع والتكاسل في الجهاد على أن قوله لا تصيبن إما جواب الأمر على معنى إن أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم، وفيه أن جواب الشرط متردّد فلا تليق به النون المؤكدة لكنه لما تضمن معنى النهي ساغ فيه كقوله: {ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم} [النمل: 18] وإما صفة لفتنة ولا للنفي وفيه شذوذ لأن النون لا تدخل النفي في غير القسم والنهي على إرادة القول كقوله:

حتى إذا جن الظلام واختلط ... جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قطّ وإما جواب قسم محذوف كقراءة من قرأ لتصيبن وإن اختلفا في المعنى، ويحتمل أن يكون نهيًا بعد الأمر باتقاء الذنب عن التعرض للظلم فإن وباله يصيب الظالم خاصة ويعود عليه ومن في منكم على الوجه الأول للتبعيض وعلى الأخيرين للتبيين، وفائدته التنبيه على أن الظلم منكم أقبح من غيركم قاله في أسرار التنزيل. وروى أحمد والبزار من طريق مطرف بن عبد الله بن الشخير قال قلنا للزبير يعني في قصة الجمل يا أبا عبد الله ما جاء بكم ضيعتم الخليفة الذي قتل يعني عثمان بالمدينة ثم جئتم تطلبون بدمه يعني بالبصرة؟ فقال الزبير: إنّا قرأنا على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {واتقوا فتنة لا تصيبن الذي ظلموا منكم خاصة} [الأنفال: 25] لم نكن نحسب أنّا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت. وعند أحمد بسند حسن من حديث عدي بن عميرة سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة" (و) بيان (ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحذر) بتشديد المعجمة (من الفتن) في أحاديث الباب وغيره المتضمنة للوعيد على التبديل والأحداث لأن الفتن غالبًا إنما تنشأ عن ذلك. 7048 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِىِّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَتْ أَسْمَاءُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَنَا عَلَى حَوْضِى أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَىَّ فَيُؤْخَذُ بِنَاسٍ مِنْ دُونِى فَأَقُولُ: أُمَّتِى فَيَقُولُ: لاَ تَدْرِى مَشَوْا عَلَى الْقَهْقَرَى» قَالَ ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا أَوْ نُفْتَنَ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا بشر بن السريّ) بكسر الموحدة وسكون المعجمة والسري بفتح السين المهملة وكسر الراء وتشديد التحتية البصري سكن مكة وكان يلقب بالأفوه قال: (حدّثنا نافع بن عمر) بن عبد الله القرشي المكي (عن ابن أبي مليكة) عبد الله واسم أبي مليكة زهير أنه (قال: قالت أسماء) بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (أنا على حوضي) يوم القيامة (أنتظر من يرد عليّ) بتشديد الياء أي من يحضرني ليشرب (فيؤخذ بناس من دوني) أي بالقرب مني (فأقول: أمتي) وفي باب الحوض من الرقاق فأقول يا رب مني ومن أمتي (فيقول) أي فيقول الله ولأبي ذر وابن عساكر فيقال (لا تدري) يا محمد (مشوا على القهقرى) بفتح القافين بينهما هاء ساكنة مقصور الرجوع إلى خلف أي رجعوا الرجوع المعروف بالقهقرى أي ارتدّوا عما كانوا عليه. (قال ابن أبي مليكة) عبد الله بالسند السابق: (اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع) أي نرتدّ (على أعقابنا أو نفتن) زاد في باب الحوض عن ديننا. 7049 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، لَيُرْفَعَنَّ إِلَىَّ رِجَالٌ مِنْكُمْ، حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ لأُنَاوِلَهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِى فَأَقُولُ: أَىْ رَبِّ أَصْحَابِى فَقُولُ: لاَ تَدْرِى مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف أبو سلمة التبوذكي بفتح المثناة وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة مشهور بكنيته واسمه قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن مغيرة) بن المقسم بكسر الميم الضبي الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (قال: قال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أنا فرطكم) بفتح الفاء والراء وبالطاء المهملة أي أنا أتقدمكم (على الحوض) لأهيئه لكم (ليرفعن) أي ليظهرن ولأبي ذر فليرفعنّ (إليّ) بتشديد الياء (رجال منكم) لأراهم (حتى إذا أهويت) ملت (لأناولهم اختلجوا) بسكون الخاء المعجمة وضم الفوقية وكسر اللام وضم الجيم اجتذبوا واقتطعوا (دوني فأقول: أي رب أصحابي) أي أمتي (فيقول) الله تعالى إنك (لا تدري ما أحدثوا) من الارتداد عن الإسلام أو من المعاصي الكبيرة البدنية أو الاعتقادية (بعدك). 7050 - 7051 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، مَنْ وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا، لَيَرِدُ عَلَىَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِى، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ». قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَسَمِعَنِى النُّعْمَانُ بْنُ أَبِى عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ هَذَا فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلاً فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فِيهِ قَالَ: «إِنَّهُمْ مِنِّى فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِى مَا بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِى» وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي ونسبه لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) القارّي بتشديد التحتية (عن أبي حازم) سلمة بن دينار أنه (قال: سمعت سهل بن سعد) بسكون العين الساعدي الأنصاري -رضي الله عنه- (يقول: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (أنا فرطكم على الحوض) بفتح الفاء والراء أي أتقدمكم فعل

2 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-

بمعنى فاعل وفي الدعاء للطفل الميت اللهم اجعله لنا فرطًا أي أجرًا يتقدمنا حتى نرد عليه (من) ولأبي ذر فمن (ورده شرب منه) بلفظ الماضي ولأبي ذر عن الكشميهني يشرب بلفظ المضارع (ومن شرب منه لم يظمأ) أي لم يعطش (بعده أبدًا) وسقط لفظ بعده لأبي ذر (ليرد) ولأبي ذر ليردنّ (عليّ) بتشديد التحتية (أقوام أعرفهم ويعرفوني) ولأبي ذر ويعرفونني بنونين (ثم يحال بيني وبينهم). (قال أبو حازم) سلمة بالسند السابق (فسمعني النعمان بن أبي عياش) بالتحتية والشين المعجمة الزرقي (وأنا أحدّثهم هذا) الحديث (فقال: هكذا سمعت سهلاً)؟ الساعدي وتاء سمعت مفتوحة وهو استفهام حذفت أداته قال أبو حازم (فقلت: نعم) سمعته (قال) النعمان: (وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- (لسمعته يزيد فيه قال: إنهم) أي الذين يحال بينه وبينهم (مني) من أمتي (فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا) كذا لأبي ذر عن الكشميهني ولغيره ما بدّلوا (بعدك فأقول سحقًا سحقًا) بُعدًا بُعدًا (لمن بدل) دينه (بعدي) أي أبعده الله وليس فيه دلالة على أنه لا يشفع لهم بعد لأن الله تعالى قد يلقي لهم ذلك في قلبه وقتًا ليعاقبهم بما شاء إلى وقت يشاء ثم يعطف قلبه عليهم فيشفع لهم، ففي الحديث شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي أي ما عدا الشرك. والحديث أخرجه مسلم في فضل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 2 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «سَتَرَوْنَ بَعْدِى أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا». وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِى عَلَى الْحَوْضِ». (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) للأنصار (سترون بعدي أمورًا تنكرونها. وقال عبد الله بن زيد) أي ابن عاصم العاصمي مما وصله المؤلّف في كتاب المغازي في غزوة حنين (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) للأنصار (اصبروا) على ما تلقون بعدي من الأثرة (حتى تلقوني على الحوض). 7052 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا». قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد القطان) ثبت القطان لأبي ذر قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا زيد بن وهب) أبو سليمان الهمداني الجهني الكوفي مخضرم ثقة جليل لم يصب من قال في حديثه خلل قال: (سمعت عبد الله) بن مسعود بن غافل الهذلي -رضي الله عنه- (قال: قال لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنكم سترون) من أمراء (بعدي أثرة) بفتح الهمزة والمثلثة والراء أو بضم الهمزة وسكون المثلثة استئثارًا واختصاصًا بحظوظ دنيوية يؤثرون بها غيركم (وأمورًا تنكرونها) من أمور الدين وسقطت الواو الأولى من أمورًا لابن عساكر وحينئذٍ فقوله أمورًا بدل من أثرة (قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله)؟ أن نفعل إذا وقع ذلك (قال: أدّوا إليهم) أي إلى الأمراء (حقهم) الذي لهم المطالبة به وفي رواية الثوري عن الأعمش في علامات النبوّة تؤدون الحقوق التي عليكم أي بذل المال الواجب في الزكاة والنفس والخروج إلى الجهاد عند التعيين ونحوه (وسلوا الله حقكم). وفي رواية الثوري وتسألون الله الذي لكم أي بأن يلهمهم أنصافكم أو يبدّلكم خيرًا منهم، وقال الداودي: سلوا الله أن يأخذ لكم حقكم ويقيض لكم من يؤديه إليكم، وقيل تسألون الله سرًّا لأنهم إن سألوه جهرًا أدى إلى الفتنة، وظاهر هذا الحديث العموم في المخاطبين كما قاله في الفتح. قال: ونقل السفاقسي عن الداودي أنه خاص بالأنصار وكأنه أخذه من حديث عبد الله بن زيد الذي قبله ولا يلزم من مخاطبة الأنصار بذلك أن يختص بهم فقد ور دما يدل على التعميم، وفي حديث عمر في مسنده للإسماعيلي من طريق أبي مسلم الخولاني عن أبي عبيدة بن الجراح عن عمر رفعه قال: أتاني جبريل فقال: إن أمتك مفتتنة من بعدك فقلت من أين قال من قبل أمرائهم وقرّائهم يمنع الأمراء الناس الحقوق فيطلبون حقوقهم فيفتنون ويتبع القراء أهواء الأمراء فيفتنون. قلت: فكيف يسلم من يسلم منهم؟ قال: بالكف والصبر إن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه. وحديث الباب سبق في علامات النبوّة. 7053 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنِ الْجَعْدِ، عَنْ أَبِى رَجَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». [الحديث 7053 - طرفاه في: 7054، 7143]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) أبو الحسن الأسدي البصري ابن مسرهد بن مسربل بن مغربل (عن عبد الوارث) بن سعيد ولابن عساكر حدّثنا

عبد الوارث (عن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة أبي عثمان الصيرفي (عن أبي رجاء) عمران العطاردي (عن ابن عباس) رضي الله عهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من كره من أميره شيئًا) من أمر الدين (فليصبر) على ذلك المكروه ولا يخرج عن طاعة السلطان (فإنه من خرج من السلطان) أي من طاعته (شبرًا) أي قدر شبر كناية عن معصية السلطان ولو بأدنى شيء (مات ميتة جاهلية) بكسر الميم كالجلسة بيان لهيئة الموت وحالته التي يكون عليها أي كما يموت أهل الجاهلية من الضلالة والفرقة وليس لهم إمام يطاع، وليس المراد أنه يموت كافرًا بل عاصيًا. وفي الحديث أن السلطان لا ينعزل بالفسق إذ في عزله سبب للفتنة وإراقة الدماء وتفريق ذات اليمين فالمفسدة في عزله أكثر منها في بقائه. والحديث أخرجه البخاري في الأحكام أيضًا ومسلم في المغازي. 7054 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْجَعْدِ أَبِى عُثْمَانَ، حَدَّثَنِى أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِىُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي البصري قال: (حدثنا حماد بن زيد) بفتح الحاء المهملة والميم المشددة ابن درهم الأزدي الجهضمي (عن الجعد أبي عثمان) بن دينار اليشكري بتحتية مفتوحة فشين معجمةساك نة فكاف مضمومة الصيرفي البصري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو رجاء) بن ملحان بكسر الميم وسكون اللام بعدها حاء مهملة (العطاردي قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه فإنه) فإن الشأن (من فارق الجماعة) أي جماعة الإسلام وخرج عن طاعة الإمام (شبرًا) أي ولو بأدنى شيء (فمات إلا مات ميتة جاهلية) أي فمات على هيئة كان يموت عليها أهل الجاهلية لأنهم كانوا لا يرجعون إلى طاعة أمير ولا يتبعون هدى إمام بل كانوا مستنكفين عن ذلك مستبدين بالأمور، ومن استفهامية والاستفهام إنكاري فحكمه حكم النفي فكأنه يقول: ما فارق أحد الجماعة شبرًا إلا مات ميتة جاهلية أو حذف ما النافية فهي مقدرة أو إلا زائدة أو عاطفة على رأي الكوفيين، وفي هذه الأحاديث حجة في ترك الخروج على أئمة الجور ولزوم السمع والطاعة لهم وقد أجمع الفقهاء على أن الإمام المتغلب تلزم طاعته ما أقام الجماعات والجهاد إلا إذا وقع منه كفر صريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر. 7055 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ بُكَيْرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِى أُمَيَّةَ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهْوَ مَرِيضٌ قُلْنَا: أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: دَعَانَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَايَعْنَاهُ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري (عن عمرو) بفتح العين ابن الحارث (عن بكير) بضم الموحدة مصغرًا ابن عبد الله بن الأشج (عن بسر بن سعيد) بكسر العين وبسر بضم الموحدة وسكون السين المهملة مولى الحضرمي (عن جنادة بن أبي أمية) بضم الجيم وتخفيف النون السدوسي واسم أبي أمية كثير أنه (قال: دخلنا على عبادة بن الصامت وهو) أي والحال أنه (مريض فقلنا) له: (أصلحك الله) في جسمك لتعافى من مرضك أو أعم (حدّثنا بحديث ينفعك الله به سمعتهُ من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: دعانا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليلة العقبة (فبايعنا) بفتح العين -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وروي فبايعنا بإسكانها أي فبايعنا نحن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر والأصيلي فبايعناه بإثبات ضمير المفعول. 7056 - فَقَالَ: فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِى مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ. [الحديث 7056 - طرفه في: 7200]. (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فيما أخذ علينا) أي فيما اشترط علينا (أن بايعنا) بفتح الهمزة والعين مفسرة (على السمع والطاعة) له (في منشطنا ومكرهنا) بفتح الميم فيهما وبالمعجمة بعد النون الساكنة في الأوّل وسكون الكاف في الثاني مصدران ميميان أي في حالة نشاطنا والحالة التي نكون فيها عاجزين عن العمل بما نؤمر به (وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا) بفتحات أو بضم الهمزة وسكون المثثة أي إيثار الأمراء بحظوظهم واختصاصهم إياها بأنفسهم (وأن لا ننازع الأمر) أي الملك (أهله). قال في شرح المشكاة: هو كالبيان لسابقه لأن معنى عدم المنازعة هو الصبر على الأثرة، وزاد أحمد من طريق عمير بن هانئ عن عبادة وإن رأيت أن لك أي وإن اعتقدت أن لك في الأمر حقًّا فلا تعمل بذلك الرأي بل

3 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «هلاك أمتى على يدى أغيلمة سفهاء»

اسمع وأطع إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة. وعند ابن حبان وأحمد من طريق أبي النضر عن جنادة وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك (إلا أن تروا). فإن قلت: كان المناسب أن يقال إلا أن نرى بنون المتكلم. أجيب: بأن التقدير بايعنا قائلاً إلا أن تروا (كفرًا بواحًا) بفتح الموحدة والواو والحاء المهملة ظاهرًا يجهر ويصرح به (عندكم من الله فيه برهان) نص من قرآن أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل فلا يجوز الخروج على الإمام ما دام فعله يحتمل التأويل. والحديث أخرجه مسلم في المغازي. 7057 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَعْمَلْتَ فُلاَنًا وَلَمْ تَسْتَعْمِلْنِى؟ قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِى». وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) القرشي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (عن أسيد بن حضير) بضم الهمزة وضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة مصغرين ابن سماك بن عتيك أبي عبيد الأنصاري الأشهلي (أن رجلاً) هو أسيد الراوي (أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله استعملت فلانًا) هو عمرو بن العاصي (ولم تستعملني قال) عليه الصلاة والسلام مجيبًا للسؤال: (إنكم سترون) بفتح الفوقية (بعدي أثرة) بضم الهمزة وسكون المثلثة أي استئثارًا للحظ الدنيوي (فاصبروا) إذا وقع لكم ذلك (حتى تلقوني) وإنما أجاب بقوله: إنكم سترون إشارة إلى أن استعمال فلان المذكور ليس لمصلحة خاصة به بل لك ولجميع المسلمين. والحديث سبق في فضائل الأنصار. 3 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلاَكُ أُمَّتِى عَلَى يَدَىْ أُغَيْلِمَةٍ سُفَهَاءَ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هلاك أمتي على يدي) بالتثنية (أغيلمة) بضم الهمزة وفتح الغين المعجمة وسكون التحتية وكسر اللام وفتح الميم بعدها هاء تأنيث صبيان أو الضعفاء العقول والتدبير والدين ولو كانوا بالغين زاد في بعض النسخ عن أبي ذر من قريش (سفهاء). 7058 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى جَدِّى قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ فِى مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ وَمَعَنَا مَرْوَانُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ: «هَلَكَةُ أُمَّتِى عَلَى يَدَىْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ». فَقَالَ مَرْوَانُ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ بَنِى فُلاَنٍ وَبَنِى فُلاَنٍ لَفَعَلْتُ: فَكُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ جَدِّى إِلَى بَنِى مَرْوَانَ حِينَ مَلَكُوا بِالشَّأْمِ: فَإِذَا رَآهُمْ غِلْمَانًا أَحْدَاثًا قَالَ لَنَا عَسَى هَؤُلاَءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْهُمْ؟ قُلْنَا: أَنْتَ أَعْلَمُ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا عمرو بن يحيى) بفتح العين (ابن سعيد بن عمرو بن سعيد) بكسر عين سعيد فيهما وفتح عين عمرو وسقط لابن عساكر ابن عمرو بن سعيد (قال: أخبرني) بالإفراد (جدي) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي المدني ثم الدمشقي ثم الكوفي (قال: كنت جالسًا مع أبي هريرة) -رضي الله عنه- (في مسجد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة) زمن معاوية -رضي الله عنه- (ومعنا مروان) بن الحكم بن أبي العاص بن أمية الذي ولي الخلافة بعد ذلك (قال أبو هريرة سمعت الصادق) في نفسه (المصدوق) عند الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول): (هلكة أمتي على يدي) بفتح الدال تثنية يد ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني أيدي بزيادة همزة بصيغة الجمع (غلمة) بكسر المعجمة وسكون اللام (من قريش). وعند أحمد والنسائي من رواية سماك عن أبي ظالم عن أبي هريرة: إن فساد أمتي على يدي غلمة سفهاء من قريش وبزيادة سفهاء تقع المطابقة بين الحديث والترجمة. وعند ابن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه: أعوذ بالله من إمارة الصبيان قال إن أطعتموهم هلكتم أي في دينكم وإن عصيتموهم أهلكوكم أي في دنياكم بإزهاق النفس أو بإذهاب المال أو بهما، وعند ابن أبي شيبة أن أبا هريرة كان يمشي في السوق يقول: اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الصبيان. قالوا وما إمارة الصبيان؟ وقد استجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة. قال في الفتح: وفي هذا اشارة إلى أن أوّل الأغيلمة كان في سنة ستين وهو كذلك فإن يزيد بن معاوية استخلف فيها وبقي إلى سنة أربع وستين فمات ثم ولي ولده معاوية ومات بعد أشهر. (فقال مروان) بن الحكم المذكور (لعنة الله عليهم غلمة) بالنصب على الاختصاص (فقال أبو هريرة) -رضي الله عنه-: (لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت) وكان أبا هريرة كان يعرف أسماءهم وكان ذلك من الجراب الذي لم يبثه فلم يبين أسامي أمراء الجور وأحوالهم نعم كان يكني عن بعضه ولا يصرح به خوفًا على نفسه، وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد أخرجها الطبراني وغيره غالبها فيه مقال وبعضها جيد قال عمرو بن يحيى (فكنت أخرج مع جدي) سعيد بن عمرو (إلى بني مروان)

تنبيه:

بن الحكم (حين ملكوا) ولّوا الخلافة (بالشام) وغيرها ولأبي ذر حين ملكوا بضم الميم وكسر اللام مشددة (فإذا رآهم غلمانًا أحداثًا) جمع حدث أي شبانًا وأوّلهم يزيد ولابن عساكر غلمان أحداث (قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم) فقال أولاده وأتباعه ممن سمع منه ذلك (قلنا) له (أنت أعلم) وإنما تردّد عمرو في أنهم المراد بحديث أبي هريرة من جهة كون أبي هريرة لم يفصح بأسمائهم. تنبيه: قال التفتازاني وقد اختلفوا في جواز لعن يزيد بن معاوية فقال في الخلاصة وغيرها أنه لا ينبغي اللعن عليه ولا على الحجاج لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن لعن المصلين ومن كان من أهل القبلة، وأما ما نقل عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من اللعن لبعض أهل القبلة فلما أنه يعلم من أحوال الناس ما لا يعلمه غيره وبعضهم أطلق اللعن عليه لما أنه كفر حين أمر بقتل الحسين -رضي الله عنه-، واتفقوا على جواز اللعن على من قتله أو أمر به أو أجازه أو رضي به، والحق أن رضا يزيد بقتل الحسين -رضي الله عنه- وإهانته أهل البيت النبوي مما تواتر معناه وإن كانت تفاصيله آحادًا فنحن لا نتوقف في شأنه بل في إيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه انتهى. والحديث سبق في علامات النبوّة وأخرجه مسلم. 4 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ويل للعرب من شر قد اقترب). 7059 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِىَّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ - رضى الله عنهن - أَنَّهَا قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ النَّوْمِ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ». وَعَقَدَ سُفْيَانُ تِسْعِينَ أَوْ مِائَةً قِيلَ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُون؟ َ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ». وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم أبو غسان النهدي الكوفي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (أنه سمع الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير (عن زينب بنت أم سلمة عن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان أم المؤمنين (عن زينب ابنة جحش) أم المؤمنين (-رضي الله عنه-) ولأبي ذر بنت جحش (أنها قالت: استيقظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من النوم) حال كونه (محمرًّا وجهه). وفي آخر الفتن من طريق ابن شهاب عن عروة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عليها يومًا فرغًا فيحتمل أنه دخل عليها بعد أن استيقظ من نومه فزعًا وكانت حمرة وجهه من ذلك الفزع، وعند أبي عوانة من طريق سليمان بن كثير عن الزهري فرغًا محمرًّا وجهه أي حال كونه (يقول): (لا إله إلا الله ويل) كلمة تقال لمن وقع في هلكة (للعرب من شرٍّ قد اقترب) أراد به الاختلاف الذي ظهر بين المسلمين من وقعة عثمان -رضي الله عنه- وما وقع بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما-، وخصّ العرب بالذكر لأنهم أوّل من دخل في الإسلام وللإنذار بأن الفتن إذا وقعت كان الهلاك إليهم أسرع (فتح اليوم) بضم الفاء مبنيًّا للمفعول ونصب اليوم على الظرفية (من ردم يأجوج ومأجوج) من سدهما الذي بناه ذو القرنين بيننا وبينهم (مثل هذه) بالرفع مفعول ناب عن فاعله (وعقد سفيان) بن عيينة (تسعين) بأن جعل طرف إصبعه السبابة اليمنى في أصلها وضمها ضمًّا محكمًا بحيث انطوت عقدتاها حتى صارت كالحية المطوية (أو) عقد (مائة) بأن عقد التسعين لكن بالخنصر اليسرى، وعلى هذا فالتسعون والمائة متقاربان ولذا وقع فيهما الشك (قيل) وفي آخر الفتن قالت زينب فقلت يا رسول الله (أنهلك) بكسر اللام (وفينا الصالحون؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم إذا كثر الخبث) بفتح المعجمة والموحدة بعدها مثلثة أي الزنا أو أولاد الزنا أو الفسوق والفجور. وفي الفتح ترجيح الأخير قال: لأنه قابله بالصلاح، وفي الحديث ثلاث صحابيات: زينب بنت أم سلمة ربيبة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأم حبيبة رملة زوجة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأم المؤمنين زينب بنت جحش. وأخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريق الحميدي فقال في روايته عن حبيبة بنت أم حبيبة عن أمها أم حبيبة. وقال في آخره قال الحميدي قال سفيان أحفظ في هذا الحديث. وقال الحميدي قال سفيان حفظت عن الزهري أربع نسوة قد رأين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اثنتين من أزواجه أم حبيبة وزينب بنت جحش وثنتين ربيبتيه زينب بنت أم سلمة وحبيبة بنت أم حبيبة أبوها عبد الله بن جحش فزاد حبيبة كالنسائي وابن ماجة. وحديث الباب سبق في أحاديث الأنبياء

5 - باب ظهور الفتن

وعلامات النبوّة وأخرجه بقية الأئمة إلاّ أبا داود. 7060 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، وَحَدَّثَنِى مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: أَشْرَفَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: «هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى»؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: «فَإِنِّى لأَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلاَلَ بُيُوتِكُمْ كَوَقْعِ الْقَطْرِ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير وسقط عن عروة لغير ابن عساكر قال المؤلّف (وحدّثني) بالإفراد (محمود) هو ابن غيلان قال: (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحافظ أبو بكر الصنعاني أحد الأعلام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد الأزدي مولاهم (عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد) حِب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وابن حِبه (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: أشرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي اطّلع من علو (على أطم) بضمتين حصن أو قصر (من آطام المدينة) بمد الهمزة والطاء مهملة فيهما (فقال) عليه الصلاة والسلام: (هل ترون ما أرى؟ قالوا: لا) يا رسول الله (قال: فإني لأرى الفتن) أي ببصري أي بأن كشف لي فأبصرت ذلك عيناي حال كونها (تقع خلال) بكسر الخاء المعجمة أوساط (بيوتكم) أو تقع مفعول ثان (كوقع القطر) بسكون قاف كوقع، ولابن عساكر وأبي ذر عن المستملي المطر بالميم بدل القاف وهما بمعنى، وفيه إشارة إلى قتل عثمان -رضي الله عنه- بالمدينة وانتشار الفتن في غيرها فما وقع من القتال بصفين والجمل كان بسبب قتل عثمان والقتال بالنهروان كان بسبب التحكيم بصفين فكل قتال وقع في ذلك العصر إنما تولد عن شيء من ذلك أو عن شيء تولد عنه. والحديث سبق في الحج والمظالم وعلامات النبوّة وأخرجه مسلم في الفتن عن أبي بكر بن أبي شيبة. 5 - باب ظُهُورِ الْفِتَنِ (باب ظهور الفتن). 7061 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّمَ هُوَ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ الْقَتْلُ». وَقَالَ شُعَيْبٌ: وَيُونُسُ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَخِى الزُّهْرِىِّ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عياش بن الوليد) بتشديد التحتية آخره معجمة الرقام البصري قال: (أخبرنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالسين المهملة البصري قال: (حدّثنا معمر) بفتح الميمين ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سعيد) بكسر العين ابن المسيب (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يتقارب الزمان) بأن يعتدل الليل والنهار أو يدنو قيام الساعة أو تقصر الأيام والليالي أو يتقارب في الشر والفساد حتى لا يبقى من يقول: الله الله أو المراد بتقاربه تسارع الدول في الانقضاء والقرون إلى الانقراض فيتقارب زمانهم، وتتدانى أيامهم أو تتقارب أحواله في أهله في قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بمعروف وينهى عن منكر لغلبة الفسق وظهور أهله، أو المراد قصر الأعمال بالنسبة إلى كل طبقة فالطبقة الأخيرة أقصر أعمارًا من الطبقة الأخيرة التي قبلها وفي حديث أنس عند الترمذي مرفوعًا: لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كاحتراق السعفة. وما تضمنه هذا الحديث قد وجد في هذا الزمان فإنا نجد من سرعة الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبله والحق أن المراد نزع البركة من كل شيء حتى من الزمان، وهذا من علامات قرب الساعة. وقال النووي: والمراد بقصره عدم البركة فيه وإن اليوم مثلاً يصير الانتفاع به بقدر الانتفاع بالساعة الواحدة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يتقارب الزمن بإسقاط الألف بعد الميم وهي لغة فيه شاذة لأن فعلاً بالفتح لا يجمع على أفعل إلا حروفًا يسيرة زمن وأزمن وجبل وأجبل وعصب وأعصب. (وينقص العمل) بتحتية مفتوحة فنون ساكنة فقاف مضمومة فصاد مهملة والعمل بالعين والميم بعدها لام، ولأبي ذر عن الكشميهني مما هو في فرع اليونينية كأصلها ويقبض العلم بضم التحتية بعدها قاف ساكنة فموحدة فضاد معجمة والعلم بتقديم اللام على الميم، وقال في فتح الباري: قوله وينقص العلم يعني بالنون والصاد المهملة كذا للأكثر، وفي رواية المستملي والسرخسيّ العمل يعني بدل العلم قال ومثله في رواية شعيب عن الزهري عن حميد عن عبد الرحمن عن أبي هريرة عند مسلم اهـ. وقد قيل إن نقصان العمل الحسيّ ينشأ عن نقص الدين ضرورة وأما المعنوي فبسبب ما يدخل من الخلل بسبب سوء المطعم وقلة المساعد على العمل

والنفس ميالة إلى الراحة وتحنّ إلى جنسها ولكثرة شياطين الإنس الذي هم أضر من شياطين الجن. (ويلقى الشح) بتثليث الشين وهو البخل في قلوب الناس على اختلاف أحوالهم حتى يبخل العالم بعلمه فيترك التعليم والفتوى ويبخل الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره ويبخل الغني بماله حتى يهلك الفقير وليس المراد أصل الشحّ لأنه لم يزل موجودًا، فالمراد غلبته وكثرته وليس بينه وبين قوله في كتاب الأنبياء ويفيض المال حتى لا يقبله أحد تعارض إذ كلٍّ منهما في زمان غير زمان الآخر وقوله: ويلقى بضم فسكون ففتح وقال الحميدي لم يضبط الرواة هذا الحرف، ويحتمل أن يكون بتشديد القاف بمعنى يتلقى ويتعلم ويتواصى به ويدعى إليه من قوله تعالى: {ولا يلقاها إلا الصابرون} [القصص: 80] أي لا يعلمها وينبه عليها ولو قيل يلقى بتخفيف القاف لكان أبعد لأنه لو ألقي لترك ولم يكن موجودًا اهـ. قال في المصابيح: وهذا غير لازم إذ يمكن أن المراد يلقى الشحّ في القلوب أي يطرح فيها فيكون حينئذٍ موجودًا معدومًا. (وتظهر الفتن) أي كثرتها وهذا موضع الترجمة (ويكثر الهرج) بفتح الهاء وسكون الراء بعدها جيم (قالوا: يا رسول الله أيم) بفتح الهمزة وتشديد التحتية وفتح الميم مخففة أي أيّ شيء (هو)؟ أي الهرج والأكثر على حذف الألف بعد ميمها تخفيفًا، ولأبي ذر أيما بضم التحتية وبعد الميم ألف وضبطه بعضهم بتخفيف التحتية أي بحذف الياء الثانية كما قالوا أيش في موضع أي شيء وفي رواية عنبسة بن خالد عن يونس عند أبي داود قيل يا رسول الله أيش هو (قال): هو (القتل القتل) بالتكرار مرتين. (وقال شعيب) هو ابن أبي حمزة مما وصله المؤلّف في الأدب (ويونس) بن يزيد مما وصله مسلم في صحيحه بلفظ ويقبض العلم وقدم وتظهر الفتن على ويلقى الشح وقالوا: وما الهرج؟ قال: "القتل" ولم يكرر لفظ القتل. (والليث) بن سعد الإمام فيما وصله الطبراني في الأوسط (وابن أخي الزهري) محمد بن عبد الله بن مسلم مما وصله في الأوسط أيضًا أربعتهم (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن حميد) بضم الحاء وفتح الميم ابن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يعني أن هؤلاء الأربعة خالفوا معمرًا في قوله في الحديث السابق عن الزهري عن سعيد، فجعلوا شيخ الزهري حميدًا لا سعيدًا وصنيع المؤلّف رحمه الله يقتضي أن الطريقين صحيحان فإنه وصل طريق معمر هنا، ووصل طريق شعيب في الأدب كما مر ولعله رأى أن ذلك غير قادح لأن الزهري صاحب حديث فيكون الحديث عنده عن شيخين ولا يلزم من ذلك اطّراده في كل مَن اختلف عليه في شيخه إلا أن يكون مثل الزهري في كثرة حديثه وشيوخه. قال ابن بطال: وجميع ما تضمنه هذا الحديث من الأشراط قد رأيناها عيانًا فقد نقص العلم وظهر الجهل، وألقي الشح في القلوب وعمّت الفتن وكثر القتل. قال في الفتح: الذي يظهر أن الذي شاهده كان منه الكثير مع وجود مقابله، والمراد من الحديث استحكام ذلك حتى لا يبقى مما يقابله إلا النادر والواقع أن الصفات المذكورة وجدت مباديها من عهد الصحابة ثم صارت تكثر في بعض الأماكن دون بعض وكلما مضت طبقة ظهر البعض الكثير في التي تليها ويشير إليه قوله في حديث الباب التالي: لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه. وحديث الباب أخرجه مسلم في القدر وابن ماجة في الفتن. 7062 - 7063 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِى مُوسَى فَقَالاَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ لأَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ، وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ، وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ». وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين أبو محمد العبسي الحافظ أحد الأعلام وفي نسخة معتمدة كما في الفتح حدّثنا مسدد حدّثنا عبيد الله بن موسى وسقط في غيرها: وقال عياض: ثبت للقابسي عن أبي ذر المروزي وسقط مسدد للباقين وهو الصواب. الحافظ ابن حجر: وعليه اقتصر أصحاب الأطراف اهـ. وفي هامش الفرع مما عزاه للأصيلي في نسخة أبي ذر حدّثنا مسدد صح قال في الحاشية سقط ذكر مسدد في نسخة وإسقاطه صواب وهو في نسخة عند الأصيلي اهـ. قلت: وكذا رأيته في اليونينية

وعبيد الله يروي (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن شقيق). بفتح المعجمة أبي وائل بن سلمة أنه (قال: كنت مع عبد الله) هو ابن مسعود (وأبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنهما- (فقالا: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن بين يدي الساعة لأيامًا ينزل فيها الجهل ويرفع فيها العلم) بموت العلماء فكلما مات عالِم نقص العلم بالنسبة إلى فَقْد حامله وينشأ عن ذلك الجهل بما كان ذلك العالمِ ينفرد به عن بقية العلماء (ويكثر فيها الهَرجُ، والهَرْجُ) هو (القتل). 7064 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ قَالَ: جَلَسَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو مُوسَى فَتَحَدَّثَا فَقَالَ أَبُو مُوسَى: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ أَيَّامًا يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ، وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) بضم العين قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال: (حدّثنا شقيق) أبو وائل (قال: جلس عبد الله) بن مسعود (وأبو موسى) الأشعري (فتحدّثنا فقال أبو موسى قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن بين يدي الساعة) أي قبلها على قرب منها (أيامًا) والتنوين للتقليل وللحموي والمستملي لأيامًا بزيادة اللام (يرفع فيها العلم) بموت العلماء (وينزل فيها الجهل) بظهور الحوادث المقتضية لترك الاشتغال بالعلم (ويكثر فيها الهَرْجُ والهَرْجُ القتل) يحتمل أن يكون مرفوعًا وهو الظاهر، وأن يكون من تفسير الراوي وظاهره أن القائل هو أبو موسى وحده بخلاف الرواية السابقة فإنها صريحة في أن أبا موسى وابن مسعود قالاه. 7065 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ قَالَ: إِنِّى لَجَالِسٌ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِى مُوسَى - رضى الله عنهما - فَقَالَ أَبُو مُوسَى: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ وَالْهَرْجُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الْقَتْلُ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة أنه (قال: إني لجالس مع عبد الله) بن مسعود (وأبي موسى) الأشعري (-رضي الله عنهما- فقال أبو موسى: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله) أي مثل الحديث السابق (والهرج بلسان الحبشة) ولأبي ذر وابن عساكر بلسان الحبش (القتل) قال القاضي عياض: هذا وهم من بعض الرواة فإنها عربية صحيحة اهـ. ويأتي ما فيه في الحديث الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى وأصل الهرج في اللغة العربية الاختلاط يقال هرج الناس اختلطوا واختلفوا فقوله: والهرج الخ إدراج من أبي موسى كما صرح به في الحديث التالي. 7066 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَحْسِبُهُ رَفَعَهُ قَالَ: «بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ أَيَّامُ الْهَرْجِ يَزُولُ الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ فِيهَا الْجَهْلُ». قَالَ أَبُو مُوسَى: وَالْهَرْجُ: الْقَتْلُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ. وبه قال: (حدّثنا محمد) ولأبي ذر زيادة ابن بشار بالموحدة والمعجمة المشددة وهو الملقب ببندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن واصل) هو ابن حيان بالحاء المهملة المفتوحة والتحتية المفتوحة المشددة الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- قال أبو وائل (وأحسبه) أي أحسب عبد الله بن مسعود (رفعه) رفع الحديث إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال): (بين يدي الساعة أيام الهرج) بإضافة أيام لتاليها (يزول العلم) بزوال أهله ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر يزول فيها أي في أيام الهرج العلم (ويظهر فيها الجهل) لذهاب العلماء والاشتغال بالفتن عن العلم (قال أبو موسى) الأشعري (والهرج: القتل بلسان الحبشة). قال في الفتح: أخطأ من قال إن الهرج القتل بلسان العربية وهم من بعض الرواة، ووجه الخطأ أنها لا تستعمل في اللغة العربية بمعنى القتل إلا على طريق المجاز لكون الاختلاط مع الاختلاف يفضي كثيرًا إلى القتل وكثيرًا ما يسمون الشيء باسم ما يؤول إليه واستعمالها في القتل بطريق الحقيقة هو بلسان الحبشة فكيف يدعى على مثل أبي موسى الأشعري الوهم في تفسير لفظة لغوية بل الصواب معه، واستعمال العرب الهرج بمعنى القتل لا يمنع كونها لغة الحبشة. 7067 - وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنِ الأَشْعَرِىِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ: تَعْلَمُ الأَيَّامَ الَّتِى ذَكَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيَّامَ الْهَرْجِ نَحْوَهُ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ». (وقال أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن عاصم) هو ابن أبي النجود أحد القراء السبعة المشهورين (عن أبي وائل) شقيق (عن الأشعري) أبي موسى -رضي الله عنه- (أنه قال لعبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (تعلم الأيام التي ذكر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيام الهرج نحوه) أي نحو الحديث المذكور بين يدي الساعة أيام الهرج. (قال) ولأبي ذر وقال (ابن مسعود) عبد الله بالسند السابق (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء). وعند مسلم من حديث ابن مسعود أيضًا مرفوعًا: لا تقوم الساعة إلا

6 - باب لا يأتى زمان إلا الذى بعده شر منه

على شرار الناس، وروي أيضًا من حديث أبي هريرة رفعه: إن الله يبعث ريحًا من اليمن ألين من الحرير فلا تدع أحدًا في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته، وله أيضًا: لا تقوم الساعة على أحد يقول: لا إله إلا الله. فإن قلت: قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى تقوم الساعة" ظاهره أنها تقوم على قوم صالحين. أجيب: بحمل الغاية فيه على وقت هبوب الريح الطيبة التي تقبض روح كل مؤمن ومسلم فلا يبقى إلا الشرار فتهجم الساعة عليهم بغتة. 6 - باب لاَ يَأْتِى زَمَانٌ إِلاَّ الَّذِى بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يأتي زمان إلا الذى بعده شر منه). 7068 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِىٍّ قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ فَقَالَ: «اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِى عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلاَّ الَّذِى بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ». سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الزبير) بضم الزاي (ابن عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين الكوفي الهمداني بسكون الميم من صغار التابعين ليس له في البخاري إلا هذا الحديث أنه (قال: أتينا أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (فشكونا) ولأبي ذر عن الكشميهني فشكوا (إليه ما نلقى) وللأصيلي ما يلقوا، ولأبي ذر وابن عساكر: ما يلقون (من الحجاج) بن يوسف الثقفي الأمير المشهور من ظلمه وتعدّيه وفي قوله فشكونا إليه ما يلقون التفات (فقال) أنس (اصبروا) عليه (فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم) أي حتى تموتوا وعند الطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود قال أمس خير من اليوم واليوم خير من غد، وكذلك حتى تقوم الساعة، ولأبي ذر وابن عساكر: أشر منه بوزن أفعل على الأصل لأنه أفعل تفضيل لكن مجيئه كذلك قليل، وعند الإسماعيلي من رواية محمد بن القاسم الأسدي عن الثوري ومالك بن مغول ومسعر وأبي سنان الشيباني أربعتهم عن الزبير بن عدي بلفظ: لا يأتي على الناس زمان إلاّ شر من الزمان الذي كان قبله (سمعته من نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). واستشكل هذا الإطلاق بأن بعض الأزمنة قد يكون فيه الشر أقل من سابقه ولو لم يكن إلا زمن عمر بن عبد العزيز وهو بعد زمن الحجاج بيسير. وأجاب الحسن البصري: بأنه لا بدّ للناس من تنفس فحمله على أكثر الأغلب، وأجاب غيره بأن المراد بالتفضيل تفضيل مجموع العصر على مجموع العصر فإن عصر الحجاج كان فيه كثير من الصحابة في الأحياء، وفي زمن عمر بن عبد العزيز انقرضوا، والزمان الذي فيه الصحابة خير من الزمان الذي بعده لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المروي في الصحيحين "خير القرون قرني". وحديث الباب أخرجه الترمذي في الفتن. 7069 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ ح. وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِى أَخِى، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ الْفِرَاسِيَّةِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً فَزِعًا يَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْخَزَائِنِ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ لِكَىْ يُصَلِّينَ رُبَّ كَاسِيَةٍ فِى الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِى الآخِرَةِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (ح) لتحويل السند قال البخاري: (وحدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (أخي) أبو بكر عبد الحميد (عن سليمان) ولأبي ذر زيادة ابن بلال (عن محمد بن أبي عتيق) هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر التيمي المدني نسبه لجده (عن ابن شهاب) الزهري (عن هند بنت الحارث الفراسية) بكسر الفاء وبالسين المهملة نسبة إلى بني فراس بطن من كنانة وهم إخوة قريش قيل إن لهند هذه صحبة (أن أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: استيقظ) انتبه (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من نومه وليست السين في استيقظ للطلب (ليلة) نصب على الظرفية حال كونه (فزعًا) بفتح الفاء وكسر الزاي أي خائفًا حال كونه (يقول): (سبحان الله ماذا أنزل الله من الخزائن) كخزائن فارس والروم مما فتح على الصحابة وقوله سبحان الله ماذا استفهام متضمن معنى التعجب ولابن عساكر إسقاط ليلة واسم الجلالة الشريفة من قوله أنزل الله ولأبي ذر عن الكشميهني أنزل بضم الهمزة وكسر الزاي الليلة من الخزائن جمع خزانة وهو ما يحفظ فيه الشيء (وماذا أُنزل من الفتن) بضم الهمزة (من يوقظ) أي من ينتدب فيوقظ (صواحب الحجرات) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم والذي

7 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من حمل علينا السلاح فليس منا»

في اليونينية بضم الجيم أيضًا (يريد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أزواجه) -رضي الله عنه- (لكي يصلّين) ويستعذن مما أراه الله من الفتن النازلة كي يوافقن المرجوّ فيه الإجابة وخصّهنّ الحاضرات حينئذٍ (رب كاسية في الدنيا) بالثياب لوجود الغنى (عارية في الآخرة) من الثواب لعدم العلم في الدنيا أو كاسية بالثياب الشفافة التي لا تستر العورة عارية في الآخرة جزاء على ذلك، أو كاسية من نعم الله عارية من الشكر الذي تظهر ثمرته في الآخرة بالثواب، أو كاسية من خلعة التزوج بالرجل الصالح عارية في الآخرة من العمل لا ينفعها صلاح زوجها، وهذا وإن ورد في أمهات المؤمنين فالعبرة بعموم اللفظ وفيه إشارة إلى تقديم المرء ما يفتح عليه من خزائن الدنيا للآخرة يوم يحشر الناس عراة فلا يكسى إلا الأول فالأول في الطاعة والصدقة والإنفاق في سبيل الله. والحديث سبق في باب العلم والعظة بالليل من كتاب العلم. 7 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من حمل علينا السلاح) وهو ما أعد للحرب من آلة الحديد (فليس منا). 7070 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) أبو محمد الدمشقي ثم التنيسي الكلاعي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأصبحي الإمام (عن نافع) الفقيه مولى ابن عمر من أئمة التابعين وأعلامهم (عن) مولاه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) وسقط لابن عساكر لفظ عبد الله (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من حمل علينا السلاح) مستحلاًّ لذلك (فليس منا). بل هو كافر بما فعله من استحلال ما هو مقطوع بتحريمه ويحتمل أن يكون غير مستحل فيكون المراد بقوله فليس منا أي ليس على طريقتنا كقوله عليه الصلاة والسلام: "ليس منا من شقّ الجيوب وما أشبهه". وهذا الحديث أخرجه مسلم في الإيمان والنسائي في المحاربة. 7071 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا». وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) أبو كريب الهمداني الكوفي مشهور بكنيته أبي كريب قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن سلمة (عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله (عن) جده (أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر أو الحارث (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من حمل علينا السلاح) لقتالنا معشر المسلمين بغير حق ولمسلم من حديث سلمة بن الأكوع مَن سلّ علينا السيف، وعند البزار من حديث أبي بكرة، ومن حديث سمرة ومن حديث عمرو بن عوف مَن شَهَرَ علينا السلاح، وفي سند كلٍّ منها لين لكنها يعضد بعضها بعضًا وفي حديث أبي هريرة عند أحمد: مَن رمانا بالنّبل بالنون والموحدة (فليس منا). لما في ذلك من تخويف المسلمين إدخال الرعب عليهم وكأنه كنّى بالحمل عن المقاتلة أو القتل للملازمة الغالبة ومن حق المسلم على المسلم أن ينصره ويقاتل دونه لا أن يرعبه بحمل السلاح عليه لإرادة قتاله أو قتله والفقهاء مجُمِعون على أن الخوارج من جملة المؤمنين وأن الإيمان لا يزيله إلا الشرك بالله وبرسله. نعم الوعيد المذكور في هذا الحديث لا يتناول مَن قاتل البغاة من أهل الحق فيحمل على البغاة ومن بدأ بالقتال ظالمًا والأولى عند كثير من السلف إطلاق لفظ الخبر من غير تعرّض لتأويله ليكون أبلغ في الزجر كما حكاه في الفتح وغيره. وهذا الحديث أعني حديث محمد بن العلاء عند ابن عساكر في نسخة وليس في الأصل وقد أخرجه مسلم في الإيمان والترمذي وابن ماجة في الحدود. 7072 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلاَحِ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِى يَدِهِ، فَيَقَعُ فِى حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ». وبه قال: (حدّثنا محمد) غير منسوب فجزم الحاكم فيما ذكره الجياني بأنه محمد بن يحيى الذهلي وقال الحافظ ابن حجر يحتمل أن يكون هو ابن رافع فإن مسلمًا أخرج هذا الحديث عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق وتعقبه العيني فقال هذا الاحتمال بعيد فإن إخراج مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق لا يستلزم إخراج البخاري كذلك قال: (أخبرنا عبد الرزاق) أبو بكر بن همام بن نافع الصنعاني أحد الأعلام (عن معمر) بفتح الميمين ابن راشد (عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم بعدها ابن منبه أنه

8 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض»

قال: (سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح) بإثبات التحتية بعد المعجمة من قوله لا يشير نفي بمعنى النهي ولبعضهم بإسقاطها بلفظ النهي قال في الفتح وكلاهما جائز (فإنه) أي الذي يشير (لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده) بفتح التحتية وكسر الزاي بينهما نون ساكنة آخره عين مهملة أي يقلعه من يده فيصيب به الآخر أو يشد يده فيصيبه ولأبي ذر عن الكشميهني ينزغ بفتح الزاي بعدها غين معجمة أي يحمل بعضهم على بعض بالفساد (فيقع) في معصية تُفضي به إلى أن يقع (في حفرة من النار) يوم القيامة وفيه النهي عما يُفضي إلى المحذور وإن لم يكن المحذور محققًا سواء كان ذلك في جدّ أو هزل. وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب. 7073 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قُلْتُ لِعَمْرٍو يَا أَبَا مُحَمَّدٍ سَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَرَّ رَجُلٌ بِسِهَامٍ فِى الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا» قَالَ: نَعَمْ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) بن المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: قلت لعمرو) هو ابن دينار (يا أبا محمد سمعت) بفتح التاء (جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- (يقول: مرّ رجل) أي أعرف اسمه (بسهام في المسجد فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أمسك) بهمزة قطع مفتوحة وكسر السين (بنصالها) جمع نصل وهو حديد السهم ويجمع أيضًا على نصول (قال) عمرو بن دينار جوابًا السؤال سفيان بن عيينة (نعم) سمعته يقول ذلك وسقط قوله نعم في باب يأخذ بنصول النبل إذا مر في المسجد من كتاب الصلاة، وقول ابن بطال حديث جابر لا يظهر فيه الإسناد لأن سفيان لم يقل إن عمرًا قال له نعم فبان بقوله نعم في الرواية الأخرى إسناد الحديث. قال في الفتح: هذا مبني على المذهب المرجوح في اشتراط قول الشيخ نعم إذا قال له القارئ مثلاً أحدّثك فلان؟ والمذهب الراجح الذي عليه أكثر المحققين أن ذلك لا يشترط بل يكتفى بسكوت الشيخ إذا كان متيقظًا. 7074 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلاً مَرَّ فِى الْمَسْجِدِ بِأَسْهُمٍ قَدْ أَبْدَى نُصُولَهَا فَأُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ بِنُصُولِهَا لاَ يَخْدِشُ مُسْلِمًا. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي أحد الأعلام (عن عمرو بن دينار) أبي محمد الجمحي مولاهم المكي (عن جابر) -رضي الله عنه- (أن رجلاً مرّ في المسجد) النبوي (بأسهم) جمع سهم في القلة وفيه دلالة على أن قوله في الأول بسهام أنها سهام قليلة (قد أبدى) أي أظهر (نصولها) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني بدا نصولها (فأمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرجل (أن يأخذ بنصولها) أي يقبض عليها بكفه كما في الرواية اللاحقة وفي نسخة فأمر بضم الهمزة (لا يخدش مسلمًا). بفتح التحتية وسكون الخاء المعجمة من خدش يخدش أي لا يقشر جلد مسلم، والخدش أول الجراح وهذا تعليل للأمر بالإمساك على النصال. 7075 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِى مَسْجِدِنَا أَوْ فِى سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا، أَوْ قَالَ فَلْيَقْبِضْ بِكَفِّهِ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا شَىْءٌ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) أبو كريب الهمداني قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة ابن عبد الله (عن) جدّه (أبي بردة عن) أبيه (أبي موسى) الأشعري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا مرّ أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل) بفتح النون وسكون الموحدة السهام العربية لا واحد لها من لفظها وأو للتنويع لا للشك والواو في قوله ومعه للحال (فليمسك على نصالها) عدّاه بعل للمبالغة وإلاّ فالأصل فليمسك بنصالها (أو قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فليقبض بكفه) عليها وليس المراد خصوص ذلك بل يحرص على أن لا يصيب مسلمًا بوجه من الوجوه كما دل عليه التعليل بقوله (أن يصيب) بفتح الهمزة أي كراهية أن يصيب ولمسلم لئلا يصيب بها (أحدًا من المسلمين منها شيء). ولأبي ذر والأصيلي: بشيء بزيادة حرف الجر. 8 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض). 7076 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا شقيق) أبو وائل بن سلمة (قال: قال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (سباب المسلم) بكسر السين وتخفيف الموحدة مصدر مضاف للمفعول يقال سب

يسب سبًّا وسبابًا. قال إبراهيم الحربي: السباب أشد من السب وهو أن يقول في الرجل ما فيه وما ليس فيه يريد بذلك عيبه، وقال غيره: السباب هنا مثل القتال فيقتضي المفاعلة، ولأحمد عن غندر عن شعبة سباب المؤمن (فسوق) وهو في اللغة الخروج وفي الشرع الخروج عن طاعة الله ورسوله وهو في الشرع أشد العصيان قال تعالى: {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} [الحجرات: 7] ففيه تعظيم حق المسلم والحكم على من سبه بغير حق بالفسق (وقتاله) ومقاتلته (كفر) ظاهره غير مراد فلا متمسك به للخوارج لأنه لما كان القتال أشد من السباب لأنه مُفضٍ إلى إزهاق الروح عبّر عنه بلفظ أشد من لفظ الفسق وهو الكفر ولم يرد حقيقة الكفر التي هي الخروج عن الملة بل أطلق عليه الكفر مبالغة في التحذير معتمدًا على ما تقرر من القواعد، أو المعنى إذا كان مستحلاًّ أو أن قتال المؤمن من شأن الكافر أو المراد الكفر اللغوي الذي هو التغطية، لأن حق المسلم على المسلم أن يعينه وينصره ويكف عنه أذاه فلما قاتله كان كأنه غطى هذا الحق. والحديث سبق في الإيمان. 7077 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى وَاقِدٌ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم الأنماطي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرني) بالإفراد (واقد) بالقاف ولأبي ذر واقد بن محمد أي العمري (عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) في حجة الوداع عند جمرة العقبة: (لا ترجعوا) بصيغة النهي أي لا تصيروا ولأبي ذر مما في الفتح لا ترجعون (بعدي كفارًا) بصيغة الخبر (يضرب بعضكم رقاب بعض) برفع يضرب في الفرع كأصله قيل وهو الذي رواه المتقدمون والمتأخرون وفيه وجوه أن يكون جملة صفة لكفارًا أي: لا ترجعوا بعدي كفارًا متّصفين بهذه الصفة القبيحة يعني ضرب بعضكم رقاب بعض، وأن يكون حالاً من ضمير لا ترجعوا أي لا ترجعوا بعدي كفارًا حال ضرب بعضكم رقاب بعض، وأن يكون جملة استئنافية كأنه قيل: كيف يكون الرجوع كفارًا؟ فقال: يضرب بعضكم رقاب بعض. فعلى الأوّل يجوز أن يكون معناه لا ترجعوا عن الدين بعدي فتصيروا مرتدّين مقاتلين بضرب بعضكم رقاب بعض بغير حق على وجه التحقيق، وأن يكون لا ترجعوا الكفار المقاتل بعضهم بعضًا على وجه التشبيه بحذف أداته، وعلى الثاني يجوز أن يكون معناه لا تكفروا حال ضرب بعضكم رقاب بعض لأمر يعرض بينكم باستحلال القتل بغير حق وأن يكون لا ترجعوا حال المقاتلة لذلك كالكفار في الانهماك في تهييج الشر وإثارة الفتن بغير إشفاق منكم بعضكم على بعض في ضرب الرقاب، وعلى الثالث يجوز أن يكون معناه لا يضرب بعضكم رقاب بعض بغير حق فإنه فعل الكفار وأن يكون لا يضرب بعضكم رقاب بعض كفعل الكفار على ما مرّ وروي بالجزم بدلاً من لا ترجعوا أو جزاء لشرط مقدّر على مذهب الكسائي أي فإن ترجعوا يضرب بعضكم. والحديث سبق في أوائل الديات. 7078 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ، وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ هُوَ أَفْضَلُ فِى نَفْسِى مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «أَلاَ تَدْرُونَ أَىُّ يَوْمٍ هَذَا»؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَقَالَ: «أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ»؟ قُلْنَا: بَلَى. يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَىُّ بَلَدٍ هَذَا؟ أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ»؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا فِى بَلَدِكُمْ هَذَا أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلِّغٍ يُبَلِّغُهُ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ»، فَكَانَ كَذَلِكَ قَالَ: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ حُرِّقَ ابْنُ الْحَضْرَمِىِّ حِينَ حَرَّقَهُ جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ قَالَ: أَشْرِفُوا عَلَى أَبِى بَكْرَةَ فَقَالُوا: هَذَا أَبُو بَكْرَةَ يَرَاكَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَحَدَّثَتْنِى أُمِّى عَنْ أَبِى بَكْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ دَخَلُوا عَلَىَّ مَا بَهَشْتُ بِقَصَبَةٍ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا قرة بن خالد) بضم القاف وفتح الراء المشددة السدوسي قال: (حدّثنا ابن سيرين) محمد (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن) أبيه (أبي بكرة) نفيع بضم النون وفتح الفاء ابن الحارث الثقفي وسقط لابن عساكر عن أبي بكرة (وعن رجل آخر) هو حميد بن عبد الرحمن كما في كتاب الحج في باب الخطبة أيام منى. قال الكرماني: هو ابن عوف، وقال الحافظ ابن حجر: هو الحميري وكلاهما سمع من أبي بكرة وسمع منه محمد بن سيرين (وهو) أي حميد (أفضل في نفسي من عبد الرحمن بن أبي بكرة) لأنه دخل في الولايات وكان حميد زاهدًا (عن أبي بكرة) نفيع -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطب الناس) يوم النحر بمنى فقال: (ألا تدرون) بتخفيف اللام (أي يوم هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال حتى ظننا) وفي باب الخطبة أيام منى من كتاب الحج فسكت حتى ظننا (أنه سيسميه بغير اسمه فقال: أليس بيوم النحر)؟

بالموحدة قبل التحتية في يوم (قلنا بلى يا رسول الله قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر فقال (أي بلد هذا) بالتذكير (أليست بالبلدة)؟ ولأبى ذر عن الحموي زيادة الحرام بتأنيث البلدة وتذكير الحرام الذي هو صفتها وذلك أن لفظ الحرام اضمحل منه معنى الوصفية وصار اسمًا والبلدة اسم خاص بمكة وهي المراد بقوله إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وخصها من بين سائر البلاد بإضافة اسمه إليها لأنها أحب بلاده إليه وأكرمها عليه وأشار إليها إشارة تعظيم لها دالاًّ على أنها موطن بيته ومهبط وحيه (قلنا بلى يا رسول الله قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم) جمع عرض بكسر العين وهو موضع المدح والذم هن الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه (وأبشاركم) بفتح الهمزة وسكون الموحدة بعدها معجمة ظاهر جلد الإنسان والمعنى فإن انتهاك دمائكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم (عليكم حرام) إذا كان بغير حق (كحرمة يومكم هذا) يوم النحر (في شهركم هذا) ذي الحجة (في بلدكم هذا) مكة وشبه الدماء والأموال والأعراض والأبشار في الحرمة باليوم وبالشهر والبلد لاشتهار الحرمة فيها عندهم، وإلاّ فالمشبه إنما يكون دون المشبه به ولهذا قدم السؤال عنها مع شهرتها لأن تحريمها أثبت في نفوسهم إذ هي عادة سلفهم وتحريم الشرع طارئ وحينئذ فإنما شبه الشيء بما هو أعلى منه باعتبار ما هو مقرر عندهم. وهذا وإن كان سبق في موضعين العلم والحج فذكره هنا لبعد العهد به، وقال في اللامع كالكواكب لم يذكر في هذا الرواية أي شهر مع أنه قال بعد في شهركم هذا كأنه لتقرر ذلك عندهم، وحرمة البلد وإن كانت متقررة أيضًا لكن الخطبة كانت بمنى وربما قصد به دفع وهم من يتوهم أنها خارجة عن الحرم أو من يتوهم إن البلدة لم تبق حرامًا لقتاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها يوم الفتح، واختصره الراوي اعتمادًا على سائر الروايات مع أنه لا يلزم ذكره في صحة التشبيه اهـ. وسقط لابن عساكر لفظ هذا من قوله يومكم هذا. ثم قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام يا قوم (هل بلغت)؟ ما أمرني به الله تعالى (قلنا: نعم) بلغت (قال: اللهم اشهد فليبلغ الشاهد) أي الحاضر هذا المجلس (الغائب) عنه وهو نصب مفعول سابقه (فإنه رب مبلغ) بفتح اللام المشددة بلغه كلامي بواسطة (يبلغه) غيره بكسرها كذا في الفرع بفتح ثم كسر وعليه جرى في الفتح. وقال في الكواكب بكسرهما، وصوّبه العيني متعقبًا لابن حجر قلت: وكذا هو في اليونينية بكسر اللام فيهما والضمير الراجع إلى الحديث مفعول أول له (من) بفتح الميم ولأبي ذر عن الكشميهني لمن (هو أوعى) أحفظ (له) ممن بلغه مفعول ثانٍ فقال محمد بن سيرين (فكان كذلك) أي وقع التبليغ كثيرًا من الحافظ إلى الأحفظ والذي يتعلق به رب محذوف تقديره يوجد أو يكون. (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالسند السابق من رواية محمد بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة (لا ترجعوا) تصيروا (بعدي) بعد موقفي أو بعد موتي (كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض) برفع يضرب ومر ما فيه قريبًا قال عبد الرحمن بن أبي بكرة (فلما كان يوم حرق) بضم الحاء المهملة (ابن الحضرمي) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء عبد الله بن عمرو، وقول الدمياطي إن الصواب أحرق بالهمزة المضمومة تعقبه في الفتح بأن أهل اللغة جزموا بأنهما لغتان أحرقه وحرقه والتشديد للتكثير، وتعقبه العيني فقال: هذا كلام من لا يذوق من معاني التراكيب شيئًا، وتصويب الدمياطي باب الأفعال لكون المقصود حصول الإحراق، وليس المراد المبالغة فيه حتى يذكر باب التفعيل (حين حرقه جارية بن قدامة) بالجيم والتحتية وقدامة بضم القاف ابن مالك بن زهير بن الحصن التميمي السعدي، وكان السبب في ذلك أن معاوية كان وجه ابن الحضرمي إلى البصرة يستنفرهم على قتال عليّ -رضي الله عنه- فوجه عليّ جارية بن قدامة فحصره فتحصن منه ابن الحضرمي في دار

9 - باب تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم

فأحرقها جارية عليه ذكره العسكري، وقال الطبري في حوادث سنة ثمان وثلاثين من طريق أبي الحسن المدايني، وكذا أخرجه عنه ابن أبي شيبة في أخبار البصرة أن عبد الله بن عباس خرج من البصرة وكان عاملها لعليّ واستخلف زياد ابن سمية على البصرة فأرسل معاوية عبد الله بن عمرو بن الحضرمي ليأخذ له البصرة، فنزل في بني تميم وانضمت إليه العثمانية فكتب زياد إلى عليّ يستنجده فأرسل إليه أعين بن ضبيعة المجاشعي فقتل غيلة فبعث عليّ بعده جارية بن قدامة فحصر ابن الحضرمي في الدار التي نزل فيها ثم أحرق الدار عليه وعلى من معه وكانوا سبعين رجلاً أو أربعين وجواب فلما قوله (قال) جارية لجيشه (أشرفوا) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وكسر الراء بعدها فاء (على أبي بكرة) نفيع فانظروا هل هو على الاستسلام والانقياد أم لا (فقالوا) له: (هذا أبو بكرة يراك) وما صنعت بابن الحضرمي وربما أنكر عليك بكلام أو بسلاح. (قال عبد الرحمن) بن أبي بكرة بالسند السابق: (فحدّثتني أمي) هالة بنت غليظ العجلية كما ذكره خليفة بن خياط وقال ابن سعد اسمها هولة (عن أبي بكرة) نفيع (أنه قال): لما سمع قولهم ربما أنكر عليك بسلاح أو كلام وكان في علية له (لو دخلوا عليّ) داري (ما بهشت) بفتح الموحدة والهاء وسكون الشين المعجمة بعدها فوقية وللحموي والمستملي ما بهشت بكسر الهاء لغتان أي ما دافعتهم (بقصبة) كأنه قال ما مددت يدي إلى قصبة ولا تناولتها لأدافع بها عني لأني لا أرى قتال المسلمين فكيف أقاتلهم بسلاح. والحديث مرّ في الحج. 7079 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَرْتَدُّوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن إشكاب) بكسر الهمزة وسكون الشين المعجمة وبعد الألف موحدة مصروف الصفار الكوفي قال: (حدّثنا محمد بن فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة (عن أبيه) فضيل بن غزوان بفتح الغين وسكون الزاي المعجمتين (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا ترتدّوا) وفي الحج من وجه آخر عن فضيل لا ترجعوا (بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض) من جزم يضرب أوّله على الكفر الحقيقي الذي فيه ضرب الأعناق ويحتاج إلى التأويل بالمستحل مثلاً ومن رفعها فكأنه أراد الحال أو الاستئناف فلا يكون متعلقًا بما قبله، ويحتمل كما قاله في الفتح أن يكون متعلقًا به وجوابه ما تقدم. والحديث تقدم من وجه آخر بأتم من هذا في الحج. 7080 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ مُدْرِكٍ سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَدِّهِ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «اسْتَنْصِتِ النَّاسَ» ثُمَّ قَالَ: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي البصري قاضي مكة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن علي بن مدرك) بضم الميم وكسر الراء بينهما مهملة ساكنة النخعي الكوفي أنه قال: (سمعت أبا زرعة) هرمًا بفتح الهاء (ابن عمرو بن جرير عن جده جرير) بفتح الجيم ابن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- أنه (قال: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع) عند جمرة العقبة واجتماع الناس للرمي وغيره. (استنصت الناس، ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن أنصتوا (لا ترجعوا) ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني لا ترجعن بنون ثقيلة بعد العين المضمومة (بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض) أي لا تكن أعمالكم شبيهة بأعمال الكفار في ضرب رقاب المسلمين ومر ما قيل غير ذلك. وقال المظهري، يعني إذا فارقت الدنيا فاثبتوا بعدي على ما أنتم عليه من الإيمان والتقوى ولا تظلموا أحدًا ولا تحاربوا المسلمين. والحديث سبق في العلم. 9 - باب تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم). 7081 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَحَدَّثَنِى صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِى وَالْمَاشِى فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِى مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ فَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبيد الله) بضم العين ابن محمد بن زيد مولى عثمان بن عفان الأموي أبو ثابت القرشي المدني الفقيه قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن) عمه (أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (قال إبراهيم) بن سعد (وحدّثني) بالإفراد (صالح بن كيسان) بفتح الكاف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب) سقط لابن عساكر لفظ سعيد (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-

10 - باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما

أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ستكون فتن) بكسر الفاء وفتح الفوقية بصيغة الجمع ولأبي ذر عن المستملي فتنة بالإفراد (القاعد فيها) أي القاعد في زمن الفتن أو الفتنة عنها (خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي) والمراد من يكون مباشرًا لها في الأحوال كلها يعني أن بعضهم في ذلك أشد من بعض فأعلاهم الساعي فيها بحيث يكون سببًا لإثارتها ثم من يكون قائمًا بأسبابها وهو الماشي ثم من يكون مباشرًا لها وهو القائم ثم من يكون مع النظارة ولا يقاتل وهو القاعد كذا قرره الداودي (من تشرف) بفتح الفوقية والمعجمة والراء المشددة بعدها فاء أي تطلع (لها) بأن يتصدى ويتعرض لها ولا يعرض عنها (تستشرفه) بالجزم تهلكه بأن يشرف منها على الهلاك يقال أشرف المريض إذا أشفى على الموت (فمن وجد فيها) ولأبي ذر عن الكشميهني منها (ملجأ) بفتح الميم والجيم بينهما لام ساكنة آخره همز موضعًا يلتجئ إليه من شرها (أو معاذًا) بفتح الميم وبالذال المعجمة وضبطه السفاقسي بضم الميم وهو بمعنى الملجأ (فَليَعذ به) أي ليعتزل فيه ليسلم من الفتنة. وهذا الحديث أورده المصنف هنا من رواية سعد بن إبراهيم عن أبيه عن أبي سلمة ومن رواية ابن شهاب عن أبي سلمة لم يذكر لفظ رواية سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة وذكرها مسلم من طريق أبي داود الطيالسي عن إبراهيم بن سعد، وفي أوله تكون فتنة النائم فيها خير من اليقظان واليقظان فيها خير من القاعد. 7082 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِى، وَالْمَاشِى فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِى، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي) في الرواية الأولى والقائم فيها (والماشي فيها خير من الساعي) وزاد الإسماعيلي من طريق الحسن بن إسماعيل الكلبي عن إبراهيم بن سعد في أوله النائم فيها خير من اليقظان واليقظان فيها خير من القاعد. والحسن بن إسماعيل وثقه النسائي وهو من شيوخه وعند أحمد وأبي داود من حديث ابن مسعود النائم فيها خير من المضطجع وهو المراد باليقظان في الرواية السابقة وفيه والماشي فيها خير من الراكب والمراد بالأفضلية في هذه الخيرية من يكون أقل شرًّا ممن فوقه على التفصيل السابق. (من تشرف لها تستشرفه) قال التوربشتي أي من تطلع لها دعته إلى الوقوع فيها والتشرف التطلع واستعير هنا للإصابة بشرها أو أريد به أنها تدعوه إلى زيادة النظر إليها وقيل إنه من استشرفت الشيء أي علوته يريد من انتصب لها صرعته وقيل هو من المخاطرة والإشفاء على الهلاك أي من خاطر بنفسه فيها أهلكته. قال الطيبي ولعل الوجه الثالث أولى لما يظهر من معنى اللام في لها وعليه كلام الفائق وهو قوله أي من غالبها غالبته (فمن وجد ملجأً أو معاذًا فَلْيَعذ به) بفتح الميمين ومعناهما واحد كما مرّ. وفيه التحذير من الفتن وأن شرها يكون بحسب الدخول فيها والمراد بالفتن جميعها، أو المراد ما ينشأ عن الاختلاف في طلب الملك حيث لا يعلم المحق من المبطل وعلى الأول، فقالت طائفة بلزوم البيوت، وقال آخرون بالتحول عن بلد الفتنة أصلاً، ثم اختلفوا فمنهم من قال إذا هجم عليه في شيء من ذلك يكف يده ولو قتل، ومنهم من قال يدافع عن نفسه وماله وأهله وهو معذور إن قتل أو قتل. 10 - باب إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا التقى المسلمان بسيفيهما) فالقاتل والمقتول في النار. 7083 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: خَرَجْتُ بِسِلاَحِى لَيَالِىَ الْفِتْنَةِ فَاسْتَقْبَلَنِى أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ نُصْرَةَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ» قِيلَ: فَهَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: «إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ». قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لأَيُّوبَ وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ يُحَدِّثَانِى بِهِ فَقَالاَ: إِنَّمَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْحَسَنُ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِى بَكْرَةَ. وبه قال (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) أبو محمد الحجبي بفتح الحاء المهملة والجيم والموحدة المكسورة البصري قال: (حدّثنا حماد) بفتح الحاء المهملة والميم المشددة ابن زيد بن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي الأزرق (عن رجل لم يسمِّهِ) حماد قال الحافظ ابن حجر: هو عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة وكان سيئ الضبط هكذا جزم المزي في التهذيب بأنه المبهم في هذا الموضع وجوّز غيره

كمغلطاي أي يكون هو هشام بن حسان القردوسي وفيه بعد اهـ. (عن الحسن) البصري أنه (قال: خرجت بسلاحي ليالي الفتنة) التي وقعت بين عليّ وعائشة وهي وقعة الجمل ووقعة صفين (فاستقبلني أبو بكرة) نفيع بن الحارث الثقفي سقط هنا الأحنف بن قيس بين الحسن وأبي بكرة كما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى (فقال) لي (أين تريد) زاد مسلم يا أحنف (قلت) له (أريد نصرة ابن عم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يعني عليًّا -رضي الله عنه- (قال) أبو بكرة (قال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولمسلم فقال لي يا أحنف ارجع فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: (إذا تواجه المسلمان بسيفيهما) بفتح الفاء بعدها تحتية ساكنة أي ضرب كل منهما وجه الآخر أي ذاته (فكلاهما) القاتل والمقتول (من أهل النار) أي سيستحقانها وقد يعفو الله عنهما أو ذلك محمول على من استحل ذلك، ولأبي ذر عن الكشميهني في النار (قيل: فهذا القاتل) يستحق النار (فما بال المقتول)؟ فما ذنبه حتى يدخلها والقائل ذلك هو أبو بكرة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنه أراد) ولأبي الوقت قد أراد (قتل صاحبه) وفي الإيمان أنه كان حريصًا على قتل صاحبه أي جازمًا بذلك مصممًا عليه وبه استدلّ من قال بالمؤاخذة بالعزم وإن لم يقع الفعل. وأجاب من لم يقل بذلك إن في هذا فعلاً وهو المواجهة بالسلاح ووقوع القتال ولا يلزم من كون القاتل والمقتول في النار أن يكونا في مرتبة واحدة فالقاتل يعذب على القتال والقتل والمقتول يعذب على القتال فقط فلم يقع التعذيب على العزم المجرد. وبالسند السابق هنا (قال حماد بن زيد فذكرت هذا الحديث لأيوب) السختياني (ويونس بن عبيد) بضم العين ابن دينار القيسي البصري (وأنا أريد أن يحدّثناني به فقالا: إنما روى هذا الحديث الحسن) البصري (عن الأحنف) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح النون بعدها فاء (ابن قيس) السعدي التميمي البصري واسمه الضحاك والأحنف لقبه وشهر به (عن أبي بكرة) نفيع يعني أن عمرو بن عبيد الرجل الذي لم يسم في السند السابق أخطأ حيث أسقط الأحنف بين الحسن وأبي بكرة. نعم وافقه قتادة كما عند النسائي من وجهين عنه عن الحسن عن أبي بكرة إلا أنه اقتصر على الحديث دون القصة. قال في الفتح: فكأن الحسن كان يرسله عن أبي بكرة فإذا ذكر القصة أسنده. وسقط قوله الحديث من قوله هذا الحديث لابن عساكر. 0000 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ بِهَذَا وَقَالَ مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَيُونُسُ وَهِشَامٌ وَمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ وَرَوَاهُ بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى بَكْرَةَ. وَقَالَ غُنْدَرٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَرْفَعْهُ سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ. وبه قال: (حدّثنا سليمان) بن حرب الواشحي قال: (حدّثنا حماد) أي ابن زيد بن درهم (بهذا) الحديث المذكور على الموافقة لرواية حماد بن زيد عن أيوب ويونس بن عبيد. (وقال مؤمل) بالهمزة وفتح الميم الثانية المشددة. قال العيني: كالكرماني هو ابن هشام أي اليشكري بتحتية ومعجمة أبو هشام البصري وقال الحافظ ابن حجر في المقدمة والشرح: هو ابن إسماعيل أبو عبد الرحمن البصري نزيل مكة أدركه البخاري ولم يلقه لأنه مات سنة ست ومائتين وذلك قبل أن يرحل البخاري ولم يخرج عنه إلا تعليقًا وهو صدوق كثير الخطأ قاله أبو حاتم الرازي قال: وقد وصل هذه الطريق الإسماعيلي من طريق أبي موسى محمد بن المثنى قال: حدّثنا مؤمل بن إسماعيل قال: (حدّثنا حماد بن زيد) السابق قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (ويونس) بن عبيد (وهشام) هو ابن حسان الأزدي مولاهم الحافظ (ومعلى بن زياد) بضم الميم وفتح العين المهملة واللام المشددة القرشي (عن الحسن) البصري (عن الأحنف) بن قيس (عن أبي بكرة) نفيع (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وأخرجه الإمام أحمد عن مؤمل عن حماد عن الأربعة فكأن البخاري أشار إلى هذه الطريق قاله في الفتح. (ورواه) أي الحديث المذكور (معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد الأزدي مولاهم (عن أيوب) السختياني فيما وصله مسلم والنسائي والإسماعيلي بلفظ عن أيوب عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر الحديث دون القصة. (ورواه بكار بن عبد العزيز

11 - باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة

عن أبيه) عبد العزيز بن عبد الله بن أبي بكرة وليس له ولا لابنه بكار في البخاري إلا هذا الحديث (عن أبي بكرة) نفيع ووصله الطبراني بلفظ سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن فتنة كائنة القاتل والمقتول في النار إن المقتول قد أراد قتل القاتل. (وقال غندر): محمد بن جعفر (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن ربعي بن حراش) بكسر الحاء المهملة آخره شين معجمة والراء مخففة الأعور الغطفاني التابعي المشهور وسقط ابن حراش لابن عساكر (عن أبي بكرة) نفيع (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ووصله الإمام أحمد مرفوعًا بلفظ: "إذا التقى المسلمان حمل أحدهما على صاحبه السلاح فهما على جرف جهنم فإذا قتله وقعا فيها جميعًا". (ولم يرفعه سفيان) الثوري (عن منصور) أي ابن المعتمر بالسند المذكور إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ووصله النسائي بلفظ قال: إذا حمل الرجلان المسلمان السلاح أحدهما على الآخر فهما على جرف جهنم فإذا قتل أحدهما الآخر فهما في النار، ولا يلزم من ذلك استمرار البقاء في النار. وهذا الوعيد المذكور محمول على من قاتل بغير تأويل سائغ بل لمجرد طلب الملك، وعند البزار في حديث: القاتل والمقتول في النار زيادة وهي إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار. 11 - باب كَيْفَ الأَمْرُ إِذَا لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةٌ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (كيف الأمر إذا لم تكن) توجد (جماعة) مجتمعون على خليفة. 7084 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِى بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِىُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىَّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِى فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِى جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ». قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْىٍ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ». قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا؟ قَالَ: «هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا». قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِى إِنْ أَدْرَكَنِى ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ». قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ» قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) أبو موسى العنزي قال: (حدّثنا الوليد بن مسلم) الحافظ أبو العباس عالم أهل الشام قال: (حدّثنا ابن جابر) عبد الرحمن بن يزيد قال: (حدّثني) بالإفراد (بسر بن عبيد الله) بضم الموحدة وسكون السين المهملة وضم العين (الحضرمي) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة (أنه سمع أبا إدريس) عائذ الله (الخولاني) بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو (أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الخير وكنت أسأله من الشر) قال في شرح المشكاة أي الفتنة ووهن عُرا الإسلام واستيلاء الضلال وفشو البدعة (مخافة) أي لأجل مخافة (أن يدركني) وكلمة أن مصدرية (فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر) من كفر وقتل ونهب وإتيان فواحش (فجاءنا الله بهذا الخير) ببعثك وتشييد مباني الإسلام وهدم قواعد الكفر والضلال (فهل بعد هذا الخير) الذي نحن فيه (من شر؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم) قال حذيفة (قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم وفيه دخن) بفتح المهملة والمعجمة بعدها نون مصدر دخنت النار تدخن إذا ألقي عليها حطب رطب فإنه يكثر دخانها وتفسد أي فساد واختلاف وفيه إشارة إلى كدر الحال وأن الخير الذي يكون بعد الشر ليس خالصًا بل فيه كدر قال حذيفة (قلت) يا رسول الله (وما دخنه؟ قال: قوم يهدون) بفتح أوله (بغير هدي) بتحتية واحدة منونة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي هديي بزيادة الإضافة بعد الأخرى أي بغير سنتي وطريقتي (تعرت منهم) الخير فتقبل والشر (وتنكر) وهو من المقابلة المعنوية. قال القاضي عياض: المراد بالشر الأول الفتن التي وقعت بعد عثمان وبالخير الذي بعده ما وقع في خلافة عمر بن عبد العزيز وبالذين تعرف منهم وتنكر الأمراء بعده فكان فيهم من يتمسك بالسُّنّة والعدل وفيهم من يدعو إلى البدعة ويعمل بالجور، ويحتمل أن يراد بالشر زمان قتل عثمان وبالخير بعده زمان خلافة علي -رضي الله عنه- والدخن: الخوارج ونحوهم، والشر بعده زمان الذين يلعنونه على المنابر وقيل: وتنكر خبر بمعنى الأمر أي أنكروا عليهم صدور المنكر عنهم قال حذيفة: (قلت) يا رسول الله (فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم) بضم الدال من دعاة أي جماعة يدعون الناس إلى الضلالة ويصدّونهم عن الهدي بأنواع من التلبيس وأطلق عليهم ذلك باعتبار ما يؤول إليه حالهم كما يقال لمن أمر بفعل محرم وقف على شفير جهنم (من أجابهم إليها قذفوه) بالذال المعجمة (فيها) في النار. قال حذيفة

12 - باب من كره أن يكثر سواد الفتن والظلم

(قلت يا رسول الله صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا) بكسر الجيم وسكون اللام من أنفسنا وعشيرتنا (ويتكلمون بألسنتنا) أي من العرب وقيل من بني آدم وقيل إنهم في الظاهر على ملتنا وفي الباطن مخالفون (قلت) يا رسول الله (فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) بكسر الهمزة أميرهم أي وإن جار، وعند مسلم من طريق أبي الأسود عن حذيفة تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، وعند الطبراني من رواية خالد بن سبيع فإن رأيت خليفة فالزمه وإن ضرب ظهرك (قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال) صلوات الله وسلامه عليه (فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة) بفتح الفوقية والعين المهملة والضاد المعجمة. المشددة قال التوربشتي: أي تمسك بما يصبرك وتقوى به عزيمتك على اعتزالهم ولو بما لا يكاد يصح أن يكون متمسكًا، وقال الطيبي: هذا شرط تعقب به الكلام تتميمًا ومبالغة أي اعتزل الناس اعتزالاً لا غاية بعده ولو قنعت فيه بعضّ الشجرة افعل فإنه خير لك (حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) العضّ وهو كناية عن شدة المشقّة كقولهم: فلان يعضّ على الحجارة من شدة الألم أو المراد اللزوم كقوله في الحديث الآخر: "عضوا عليها بالنواجذ" والمراد كما قال الطبري من الخير لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة، فإن لم يكن ثمّ إمام وافترق الناس فرقًا فليعتزل الجميع إن استطاع خشية الوقوع في الشر وهل الأمر للندب أو الإيجاب الذي لا يجوز لأحد من المسلمين خلافه لحديث ابن ماجة عن أنس مرفوعًا: "إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ واحدة وهي الجماعة" والجماعة التي أمر الشارع بلزومها جماعة أئمة العلماء لأن الله تعالى جعلهم حجة على خلقه وإليهم تفزع العامة في أمر دينها وهم المعنيون بقوله: إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة. وقال آخرون: هم جماعة الصحابة الذين قاموا بالدين وفرّقوا عماده، وثبتوا أوتاده. وقال آخرون: هم جماعة أهل الإسلام ما كانوا مجتمعين على أمر واجب على أهل المِلَل اتباعه فإذا كان فيهم مخالف منهم فليسوا مجتمعين. والحديث سبق في علامات النبوّة وأخرجه مسلم في الفتن وكذا ابن ماجة. 12 - باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يُكَثِّرَ سَوَادَ الْفِتَنِ وَالظُّلْمِ (باب من كره أن يكثر) بتشديد المثلثة (سواد) أي أشخاص أهل (الفتن و) أشخاص أهل (الظلم). 7085 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ وَغَيْرُهُ قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَسْوَدِ وَقَالَ اللَّيْثُ: عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ قَالَ: قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَنَهَانِى أَشَدَّ النَّهْىِ ثُمَّ قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَأْتِى السَّهْمُ فَيُرْمَى فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يَضْرِبُهُ فَيَقْتُلُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِى أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97]. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد) المقرئ التجيبي قال: (حدّثنا حيوة) بفتح الحاء المهملة والواو بينهما تحتية ساكنة ابن شريح (وغيره قالا: حدّثنا أبو الأسود) محمد بن عبد الرحمن الأسدي يتيم عروة، وأما المبهم في قوله وغيره فقال في الفتح: كأنه يريد ابن لهيعة فإنه رواه عن أبي الأسود (وقال الليث) بن سعد الإمام (عن أبي الأسود قال) أي أبو الأسود (قطع) بضم القاف وكسر الطاء المهملة أي أفرد (على أهل المدينة بعث) بفتح الموحدة وسكون العين المهملة جيش منهم ومن غيرهم للغزو ليقاتلوا أهل الشام في خلافة عبد الله بن الزبير على مكة (فاكتتبت فيه) في البعث واكتتبت بضم الفوقية مبنيًّا للمفعول (فلقيت عكرمة) مولى ابن عباس (فأخبرته) أني اكتتبت في ذلك البعث (فنهاني) عن ذلك (أشد النهي، ثم قال: أخبرني ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن ناسًا) بالهمزة (من المسلمين) منهم عمرو بن أمية بن خلف، والحارث بن زمعة وغيرهما مما ذكرته في تفسير سورة النساء (كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيأتي السهم فيرمي) بضم التحتية وفتح الميم به، قيل هو من المقلوب أي فيرمي بالسهم فيأتي ويحتمل أن تكون الفاء الثانية زائدة كما في سورة النساء فيأتي السهم يرمى به (فيصيب أحدهم فيقتله أو يضربه فيقتله) وقوله أو يضربه عطف على فيأتي لا على فيصيب والمعنى يقتل إما بالسهم وإما بضرب السيف ظالمًا بسبب تكثيره سواد الكفار وإنما كانوا يخرجون مع المشركين لا لقصد

13 - باب إذا بقى فى حثالة من الناس

قتال المسلمين بل لإيهام كثرتهم في عيون المسلمين فلذا حصلت لهم المؤاخذة فرأى عكرمة أن من خرج في جيش يقاتلون المسلمين يأثم وإن لم يقاتل ولا نوى ذلك (فأنزل الله تعالى: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [النساء: 97]) بخروجهم مع المشركين وتكثيرهم سوادهم حتى قتلوا معهم. وهذا الحديث كما قالهُ مغلطاي المصري فيما نقله في الكواكب مرفوع لأن تفسير الصحابي إذا كان مسندًا إلى نزول الآية فهو مرفوع اصطلاحًا، وعند أبي يعلى من حديث ابن مسعود مرفوعًا: من كثر سواد قوم فهو منهم ومن رضي عمل قوم كان شريك من عمل به فمن جالس أهل الفسق مثلاً كارهًا لهم ولعملهم ولم يستطع مفارقتهم خوفًا على نفسه أو لعذر منعه فيرجى له النجاة من إثم ذلك بذلك. والحديث مرّ في التفسير وأخرجه النسائي في التفسير أيضًا. 13 - باب إِذَا بَقِىَ فِى حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا بقي) المسلم (في حثالة من الناس) بضم الحاء المهملة بعدها مثلثة خفيفة فألف غلام فهاء تأنيث الذين لا خير فيهم وجواب إذا محذوف أي ماذا يصنع. 7086 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثَيْنِ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ حَدَّثَنَا «أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِى جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ». وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى فِيهَا أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَىْءٌ وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّى الأَمَانَةَ فَيُقَالُ: إِنَّ فِى بَنِى فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِينًا، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدَهُ وَمَا فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَقَدْ أَتَى عَلَىَّ زَمَانٌ وَلاَ أُبَالِى أَيُّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ عَلَىَّ الإِسْلاَمُ وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَىَّ سَاعِيهِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلاَّ فُلاَنًا وَفُلاَنًا». وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي قال: (أخبرنا) ولابن عساكر: حدّثنا (سفيان) الثوري قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان الكوفي (عن زيد بن وهب) بفتح الواو وسكون الهاء الجهني قال: (حدّثنا حذيفة) بن اليمان -رضي الله عنه- (قال: حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثين) في ذكر الأمانة ورفعها (رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدّثنا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن الأمانة) المذكورة في قوله تعالى: {إنّا عرضنا الأمانة} [الأحزاب: 72] وهي عين الإيمان أو كل ما يخفى ولا يعلمه إلا الله من المكلف أو المراد بها التكليف الذي كلف الله تعالى به عباده أو العهد الذي أخذه عليهم (نزلت في جذر قلوب الرجال) بفتح الجيم وكسرها لغتان وسكون الذال المعجمة بعدها راء في أصل قلوبهم (ثم علموا من القرآن) بفتح العين وكسر اللام مخففة بعد نزولها في أصل قلوبهم (ثم علموا من السُّنّة) كذا بإعادة ثم يعني أن الأمانة لهم بحسب الفطرة ثم بطريق الكسب من الشريعة وفيه إشارة إلى أنهم كانوا يتعلمون القرآن قبل أن يتعلموا السُّنّة. (وحدّثنا) صلوات الله وسلامه عليه (عن رفعها) عن ذهابها أصلاً حتى لا يبقى من يوصف بالأمانة، وهذا هو الحديث الثاني الذي ذكر حذيفة أنه ينتظره (قال): (ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه) بضم الفوقية وسكون القاف وفتح الموحدة (فيظل أثرها) بالظاء المعجمة (مثل أثر الوكت) بفتح الواو وسكون الكاف بعدها مثناة فوقية سواد في اللون يقال: وكت البسر إذا بدت فيه نقطة الإرطاب (ثم ينام النومة فتقبض) أي الأمانة من قلبه (فيبقى فيها) وسقط قوله فيها لابن عساكر (أثرها مثل أثر المجل) بفتح الميم وسكون الجيم وقد تفتح بعدها لام غلظ الجلد من أثر العمل (كجمر) بالجيم المفقوحة والميم الساكنة (دحرجته على رجلك فنفط) بكسر الفاء بعد النون المفتوحة (فتراه منتبرًا) بضم الميم وسكون النون وفتح الفوقية وكسر الموحدة منتفخًا (وليس فيه شيء) وقال: فنفط بالتذكير ولم يقل فنفطت باعتبار العضو (ويصبح الناس يتبايعون) السلع ونحوها بأن يشتريها أحدهم من الآخر (فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة) لأن من كان موصوفًا بالأمانة سلبها حتى صار خائنًا (فيقال: إن في بني فلان رجلاً أمينًا ويقال للرجل ما أعقله) بالعين المهملة والقاف (وما أظرفه) بالظاء المعجمة (وما أجلده) بالجيم (وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان) وإنما ذكر الإيمان لأن الأمانة لازمة له لا أن الأمانة هي الإيمان. قال حذيفة -رضي الله عنه- (ولقد أتى عليّ) بتشديد الياء (زمان) كنت أعلم فيه أن الأمانة موجودة في الناس (ولا أبالي أيكم بايعت) أي بعت واشتريت غير مبالٍ بحاله (لئن) بفتح اللام وكسر الهمزة (كان مسلمًا رده عليّ الإسلام) بتشديد التحتية من عليّ ولأبي ذر من الكشميهني إسلامه فلا يخونني بل يحمله إسلامه على أداء الأمانة فأنا

14 - باب التعرب فى الفتنة

واثق بأمانته (وإن كان نصرانيّا) أو يهوديًّا (ردّه عليَّ ساعيه) الذي أقيم عليه فهو يقوم بولايته ويستخرج منه حقي (وأما اليوم) فقد ذهبت الأمانة وظهرت الخيانة فلست أثق بأحد في بيع ولا شراء (فما كنت أبايع إلا فلانًا وفلانًا). أي أفرادًا من الناس قلائل ممن أثق بهم فكان يثق بالمسلم لذاته وبالكافر لوجود ساعيه وهو الحاكم الذي يحكم عليه وكانوا لا يستعملون في كل عمل قلّ أو جلّ إلا المسلم فكان واثقًا بإنصافه وتخليصه حقه من الكافر إن خانه بخلاف الوقت الأخير وفيه إشارة إلى أن حال الأمانة أخذ في النقص من ذلك الزمان، وكانت وفاة حذيفة أول سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان بقليل فأدرك بعض الزمن الذي وقع فيه التغيير. وهذا الحديث سبق بعينه سندًا أو متنًا في باب رفع الأمانة من كتاب الرقاق. 14 - باب التَّعَرُّبِ فِى الْفِتْنَةِ (باب التعرب) بفتح العين المهملة وضم الراء المشددة بعدها موحدة الإقامة بالبادية والتكلف في صيرورته أعرابيًّا ولأبي ذر التغرب بالغين المعجمة (في الفتنة) ولكريمة التعزب بالعين المهملة والزاي ومعناه يعزب عن الجماعات والجهات ويسكن البادية، قال صاحب المطالع: وجدته بخطي في البخاري بالزاي وأخشى أن يكون وهمًا. 7087 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى الْحَجَّاجِ فَقَالَ: يَا ابْنَ الأَكْوَعِ ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ تَعَرَّبْتَ؟ قَالَ: لاَ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَذِنَ لِى فِى الْبَدْوِ. وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ خَرَجَ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ إِلَى الرَّبَذَةِ وَتَزَوَّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَدًا، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِلَيَالٍ فَنَزَلَ الْمَدِينَةَ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة وبعد الألف فوقية مكسورة ابن إسماعيل الكوفي (عن يزيد) من الزيادة (ابن أبي عبيد) بضم العين مصغرًا مولى سلمة بن الأكوع (عن سلمة بن الأكوع) السلمي (أنه دخل على الحجّاج) بن يوسف الثقفي لما ولي إمرة الحجاز بعد قتل ابن الزبير سنة أربع وسبعين (فقال) له: (يا ابن الأكوع ارتددت على عقبيك تعربت) بالعين المهملة والراء أي تكلفت في صيرورتك أعرابيًّا، وقوله على عقبيك بلفظ التثنية مجاز عن الارتداد يريد أنك رجعت في الهجرة التي فعلتها لوجه الله تعالى بخروجك من المدينة فتستحق القتل، وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه بغير عذر يجعلونه كالمرتد، وأخرج النسائي من حديث ابن مسعود مرفوعًا: "لعن الله آكل الربا وموكله" الحديث وفيه: والمرتد بعد هجرته أعرابيًّا. قال بعضهم: وكان ذلك من جفاء الحجاج حيث خاطب هذا الصحابي الجليل -رضي الله عنه- بهذا الخطاب القبيح من قبل أن يستكشف عن عذره وقيل أراد قتله فبيّن الجهة التي يريد أن يجعله مستحقًّا للقتل بها (قال) ابن الأكوع مجيبًا للحجاج: (لا) أي أسكن البادية رجوعًا عن هجرتي (ولكن) بتشديد النون (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أذن لي) في الإقامة (في البدو) وعند الإسماعيلي من طريق حماد بن مسعدة عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة أنه استأذن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في البداوة فأذن له (وعن يزيد بن أبي عبيد) مولى سلمة بالسند السابق أنه (قال: لما قتل عثمان بن عفان) -رضي الله عنه- (خرج سلمة بن الأكوع) -رضي الله عنه- من المدينة (إلى الربذة) بفتح الراء والموحدة والمعجمة موضع البادية بين مكة والمدينة (وتزوّج هناك امرأة وولدت له أولادًا فلم يزل بها) بالربذة وللكشميهني هناك بها (حتى أقبل قبل أن يموت بليال فنزل المدينة) وسقطت الفاء من فنزل في رواية المستملي والسرخسي، وفي رواية حتى قبل أن يموت بإسقاط أقبل وهو الذي في اليونينية وفيه حذف كان بعد حتى وقبل قوله قبل وهي مقدرة وهو استعمال صحيح وفيه أن سلمة لم يمت بالبادية بل بالمدينة ويستفاد منه كما في الفتح أن مدة سكنى سلمة بالبادية نحو الأربعين سنة لأن قتل عثمان -رضي الله عنه- كان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وموت سلمة سنة أربع وسبعين على الصحيح. والحديث أخرجه مسلم في المغازي والنسائي في البيعة. 7088 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ، وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الكلاعي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأصبحي إمام الأئمة (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة) عمرو بن زيد بن عوف الأنصاري ثم المازني (عن أبيه) عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحارث بن أبي صعصعة، وسقط ابن أبي الحارث هنا من

15 - باب التعوذ من الفتن

الرواية (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يوشك) بكسر الشين المعجمة وفتحها قال الجوهري: لغة رديئة أي يقرب (أن يكون خير مال المسلم غنم) نكرة موصوفة مرفوعة على الأشهر في الرواية اسم يكون مؤخرًا وخير مال المسلم خبرها مقدمًا وفائدة تقديم الخبر الاهتمام إذ المطلوب حينئذ الاعتزال وليس الكلام في الغنم فلذا أخّرها (يتبع بها) بسكون الفوقية أي يتبع بالغنم (شعف الجبال) بفتح الشين المعجمة والعين المهملة والفاء رؤوسها للمرعى والماء (ومواقع) نزول (القطر) بالقاف المفتوحة المطر في الأودية والصحارى أي العشب والكلأ حال كونه (يفرّ بدينه) أي بسبب دينه (من الفتن) وفيه فضيلة العزلة لمن خاف على دينه، فإن لم يكن فالجمهور على أن الاختلاط أولى لاكتساب الفضائل الدينية والجمعة والجماعات وغيرها كإعانة وإغاثة وعيادة، وقال قوم: العزلة أفضل لتحقق السلامة بشرط معرفة ما يتعين واختار النووي الخلطة لمن لا يغلب على ظنه الوقوع في المعصية، فإن أشكل الأمر فالعزلة، وقيل يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال. والحديث أخرجه مسلم في المغازي والنسائي في البيعة. 15 - باب التَّعَوُّذِ مِنَ الْفِتَنِ (باب التعوّذ من الفتن). 7089 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: سَأَلُوا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ فَصَعِدَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: «لاَ تَسْأَلُونِى عَنْ شَىْءٍ إِلاَّ بَيَّنْتُ لَكُمْ» فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ يَمِينًا وَشِمَالاً فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ رَأْسُهُ فِى ثَوْبِهِ يَبْكِى فَأَنْشَأَ رَجُلٌ كَانَ إِذَا لاَحَى يُدْعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ فَقَالَ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ مَنْ أَبِى؟ فَقَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ». ثُمَّ أَنْشَأَ عُمَرُ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا رَأَيْتُ فِى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَالْيَوْمِ قَطُّ، إِنَّهُ صُوِّرَتْ لِى الْجَنَّةُ وَالنَّارُ حَتَّى رَأَيْتُهُمَا دُونَ الْحَائِطِ» قَالَ قَتَادَةُ: يُذْكَرُ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ هَذِهِ الآيَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا، عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]. وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والمعجمة أبو زيد البصري قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: سألوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أحفوه بالمسألة) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح الفاء وسكون الواو أي ألحّوا عليه في السؤال وبالغوا (فصعد) بكسر العين (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات يوم المنبر) ولأبي ذر على المنبر (فقال): (لا تسألوني) أي اليوم ما في الرواية الأخرى في كتاب الدعاء (عن شيء) من الغيب (إلاّ بيّنتـ) ـه (لكم) قال أنس (فجعلت أنظر) إلى الصحابة (يمينًا وشمالاً فإذا كل رجل) حاضر منهم (رأسه) ولأبي ذر عن الكشميهني: لافّ رأسه بألف بعد اللام وتشديد الفاء ونصب رأسه (في ثوبه يبكي فأنشأ رجل) بدأ الكلام (كان إذا لاحى) بفتح الحاء المهملة جادل وخاصم أحدًا (يدعى) بضم التحتية وسكون الدال وفتح العين المهملتين ينسب (إلى غير أبيه فقال: يا نبي الله من أبي؟ فقال) عليه الصلاة والسلام: (أبوك حذافة) بضم الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة وبعد الألف فاء فهاء تأنيث أي ابن قيس واسم الرجل قيل قيس بن حذافة، وقيل خارجة، وقيل عبد الله. قال في الفتح: وهو المعروف. قلت: وصرح به البخاري في باب ما يكره من كثرة السؤال من كتاب الاعتصام (ثم أنشأ عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- لما رأى ما بوجه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الغضب (فقال) شفقة على المسلمين (رضينا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رسولاً) أي رضينا بما عندنا من كتاب الله وسُنّة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واكتفينا به عن السؤال (نعوذ بالله من سوء الفتن) بضم السين المهملة بعدها واو ساكنة فهمزة، ولأبي ذر عن الكشميهني من شر الفتن (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما رأيت في الخير والشر كاليوم) يومًا مثل هذا اليوم (قط إنه) بكسر الهمزة (صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما) رؤيا عين (دون الحائط) أي بيني وبين الحائط وهو حائط محرابه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسقط قوله لي في رواية غير الكشميهني. (قال قتادة) بن دعامة بالسند السابق (يذكر) بضم أوله وفتح الكاف (هذا الحديث) رفع ولأبي ذر عن الكشميهني فكان قتادة يذكر هذا الحديث بفتح الياء من يذكر وضم الكاف والحديث نصب على المفعولية (عند هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدَ لكم تسؤكم} [المائدة: 101]) الآية أي: لا تسألوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أشياء إن تظهر لكم تغمكم وإن تسألوا عنها في زمن الوحي تظهر لكم وهما كمقدمتين ينتجان ما يمنع السؤال وهو أنه مما يغمهم والعاقل لا يفعل ما يغمه. 7090 - وَقَالَ عَبَّاسٌ النَّرْسِىُّ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا وَقَالَ: كُلُّ رَجُلٍ لاَفًّا رَأْسَهُ فِى ثَوْبِهِ يَبْكِى وَقَالَ عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ أَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُوءِ الْفِتَنِ. (وقال عباس) بالموحدة والمهملة ابن الوليد بن نصر الباهلي (النرسيّ) بالنون المفتوحة والراء الساكنة والسين المهملة

16 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الفتنة من قبل المشرق»

المكسورة مما وصله أبو نعيم في مستخرجه (حدّثنا يزيد بن زريع) قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (أن أنسًا) -رضي الله عنه- (حدّثهم أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) الحديث السابق (وقال) أنس (كل رجل) كان هناك حال كوف (لافًّا) بالفاء (رأسه في ثوبه يبكي) خوفًا من عقوبة الله لكثرة سؤالهم له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتعنتهم عليه ففيه زيادة قوله لافًّا رأسه فدلّ على أن زيادتها في الأوّل وهم من الكشميهني قاله في الفتح. (وقال) كل رجل منهم (عائذًا بالله) أي حال كونه مستعيذًا بالله (من سوء الفتن). بالسين المهملة والواو ثم الهمزة ولابن عساكر من شر الفتن بالشين المعجمة والراء (أو قال: أعوذ بالله من سوء الفتن) بضم السين وسكون الواو ولأبي ذر من سوأى الفتن بفتح المهملة وبعد الواو الساكنة همزة مفتوحة ممدودة قال في فتح الباري: بيّن أنه في رواية سعيد بالشك في سوء وسوأى قال المؤلّف: 7091 - وَقَالَ لِى خَلِيفَةُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَمُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا وَقَالَ: عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الْفِتَنِ. (وقال لي خليفة) بن خياط في المذاكرة (حدّثنا يزيد بن زريع) قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (ومعتمر عن أبيه) سليمان بن طرخان (عن قتادة) بن دعامة (أن أنسًا حدّثهم عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) الحديث. (وقال: عائذًا بالله من شر الفتن) بالشين المعجمة والراء المشددة واستعاذته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الفتن تعليم لأمته وفيه منقبة لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. 16 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْفِتْنَةُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الفتنة من قبل المشرق) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة المشرق. 7092 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَامَ إِلَى جَنْبِ الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «الْفِتْنَةُ هَا هُنَا، الْفِتْنَةُ هَا هُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» -أَوْ قَالَ- قَرْنُ الشَّمْسِ». وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني (عن معمر) بفتح الميمين هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قام إلى جنب المنبر) وفي الترمذي من طريق عبد الرزاق عن معمر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قام على المنبر (فقال): (الفتنة هاهنا الفتنة هاهنا) بالتكرار مرتين (من حيث يطلع قرن الشيطان) بضم اللام من يطلع ولمسلم من طريق فضيل بن غزوان عن سالم بلفظ: إن الفتنة تجيء من هاهنا وأومأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان بالتثنية وقد قيل: إن له قرنين على الحقيقة، وقيل: إن قرنيه ناحيتا رأسه أو هو مثل أي حينئذ يتحرك الشيطان ويتسلط أو قرنه أهل حزبه (أو قال قرن الشمس) أي أعلاها، وقيل: إن الشيطان يقرن رأسه بالشمس عند طلوعها لتقع سجدة عبدتها له. والحديث أخرجه الترمذي في الفتن. 7093 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُسْتَقْبِلٌ الْمَشْرِقَ يَقُولُ: «أَلاَ إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو) أي والحال أنه (مستقبل المشرق) بالنصب ولأبي ذر المشرق بالجر (يقول): (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام (إن الفتنة هاهنا) مرة واحدة من غير تكرار (من حيث يطلع قرن الشيطان) من غير شك بخلاف الأولى، وإنما أشار عليه الصلاة والسلام إلى المشرق لأن أهله يومئذ أهل كفر فأخبر أن الفتنة تكون من تلك الناحية وكذا وقع فكان وقعة الجمل ووقعة صفين ثم ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما وراءها من المشرق، وكان أصل ذلك كله وسببه قتل عثمان بن عفان -رضي الله عنه-. وهذا علم من أعلام نبوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشرف وكرم. 7094 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ذَكَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِى شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِى يَمَنِنَا». قَالُوا: وَفِى نَجْدِنَا قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِى شَأْمِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِى يَمَنِنَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِى نَجْدِنَا فَأَظُنُّهُ قَالَ: فِى الثَّالِثَةَ: «هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا أزهر بن سعد) بفتح الهمزة والهاء بينهما زاي ساكنة آخره راء وسعد بسكون العين السمان (عن ابن عون) بفتح المهملة وسكون الواو بعدها نون عبد الله واسم جده أرطبان البصري (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه (قال: ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الذال المعجمة والكاف. (اللهم بارك لنا في شأمنا) بهمزة ساكنة (اللهم بارك لنا في يمننا. قالوا: وفي) ولأبي ذر قالوا يا رسول الله: وفي (نجدنا) بفتح النون وسكون الجيم. قال الخطابي: نجد من جهة المشرق ومن

17 - باب الفتنة التى تموج كموج البحر

كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها وهي مشرق أهل المدينة وأصل النجد ما ارتفع من الأرض وبهذا يعلم ضعف ما قاله الداودي أن نجدًا من ناحية العراق فإنه يوهم أن نجدًا موضع مخصوص وليس كذلك بل كل شيء ارتفع بالنسبة إلى ما يليه يسمى المرتفع نجدًا والمنخفض غورًا (قال: اللهم بارك لنا في شأمنا اللهم بارك لنا في يمننا) بتكرير اللهم أربعًا (قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا)؟ قال ابن عمر (فأظنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال في الثالثة: هناك الزلازل والفتن وبها يطلع الشيطان) ولأبي ذر عن الكشميهني: يطلع قرن الشيطان يبدأ من المشرق ومن ناحيتها يخرج يأجوج ومأجوج والدجال وبها الداء العضال وهو الهلاك في الدين، وإنما ترك الدعاء لأهل المشرق ليضعفوا عن الشر الذي هو موضوع في جهتهم لاستيلاء الشيطان بالفتن. والحديث سبق في الاستسقاء، وأخرجه الترمذي في المناقب وقال: حسن صحيح غريب. 7095 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَرَجَوْنَا أَنْ يُحَدِّثَنَا حَدِيثًا حَسَنًا قَالَ: فَبَادَرَنَا إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدِّثْنَا عَنِ الْقِتَالِ فِى الْفِتْنَةِ وَاللَّهُ يَقُولُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} فَقَالَ: هَلْ تَدْرِى مَا الْفِتْنَةُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ؟ إِنَّمَا كَانَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ الدُّخُولُ فِى دِينِهِمْ فِتْنَةً، وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ. وبه قال: (حدّثنا إسحاق الواسطي) ولابن عساكر إسحاق بن شاهين الواسطي قال: (حدّثنا خالد) كذا للأربعة في اليونينية وهو ابن عبد الله الطحان وفي نسخة خلف. قال العيني: وما أظن صحته (عن بيان) بفتح الموحدة والتحتية المخففة وبعد الألف نون ابن بشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة الأحمسي (عن وبرة بن عبد الرحمن) بفتح الواو والموحدة والراء الحارثي (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: خرج علينا عبد الله بن عمر) وسقط عبد الله لابن عساكر (فرجونا أن يحدّثنا حديثًا حسنًا) يشتمل على ذكر الرحمة والرخصة (قال: فبادرنا) بفتح الراء فعل ومفعول (إليه رجل) اسمه حكيم (فقال: يا أبا عبد الرحمن) هي كنية ابن عمر (حدّثنا) بكسر الدال وسكون المثلثة (عن القتال في الفتنة والله) تعالى (يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال: 39] ساقها للاحتجاج على مشروعية القتال في الفتنة وردًّا على من ترك ذلك كابن عمر فإنه كان يرى ترك القتال في الفتنة ولو ظهر أن إحدى الطائفتين محقَّة والأخرى مبطلة (فقال) أي ابن عمر (هل تدري ما الفتنة؟ ثكلتك) بفتح المثلثة وكسر الكاف أي عدمتك (أمك) فظاهره الدعاء وقد يرد للزجر كما هنا (إنما كان محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقاتل المشركين) يعني أن الضمير في قوله: {وقاتلوهم} للكفار فأمر المؤمنين بقتال الكفار حتى لا يبقى أحد يفتن عن دين الإسلام ويرتد إلى الكفر (وكان الدخول في دينهم فتنة) سبق في سورة الأنفال من رواية زهير بن معاوية عن بيان فكان الرجل يفتن عن دينه إما يقتلونه وإما يعذّبونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة أي فلم تبق فتنة من أحد من الكفار لأحد من المؤمنين (وليس كقتالكم) ولأبي ذر وابن عساكر: بقتالكم (على الملك) بضم الميم وسكون اللام أي في طلب الملك كما وقع بين مروان ثم ابنه عبد الملك وبين ابن الزبير وما أشبه ذلك، وإنما كان قتالاً على الدين. والحديث سبق في التفسير. 17 - باب الْفِتْنَةِ الَّتِى تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ خَلَفِ بْنِ حَوْشَبٍ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَتَمَثَّلُوا بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ عِنْدَ الْفِتَنِ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: الْحَرْبُ أَوَّلُ مَا تَكُونُ فَتِيَّةً ... تَسْعَى بِزِينَتِهَا لِكُلِّ جَهُولِ حَتَّى إِذَا اشْتَعَلَتْ وَشَبَّ ضِرَامُهَا ... وَلَّتْ عَجُوزًا غَيْرَ ذَاتِ حَلِيلِ شَمْطَاءَ يُنْكَرُ لَوْنُهَا وَتَغَيَّرَتْ ... مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ (باب الفتنة التي تموج كموج البحر). (وقال ابن عيينة) سفيان مما وصله البخاري في تاريخه الصغير عن عبد الله بن محمد المسندي حدّثنا سفيان بن عيينة (عن خلف بن حوشب) بفتح المهملة والمعجمة بينهما واو ساكنه آخره موحدة بوزن جعفر أدرك خلف بعض الصحابة ولم تعلم له رواية عن أحد منهم وهو من أهل الكوفة ووثّقه العجلي وليس له في البخاري إلا هذا الموضع (كانوا) أي السلف (يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند) نزول (الفتن. قال امرؤ القيس) بن عابس الكندي كان في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذا في رواية أبي ذر، قال امرؤ القيس والمحفوظ أن الأبيات المذكورة لعمرو بن معد يكرب بفتح عين عمرو، وجزم به أبو العباس المبرد في الكامل والسهيلي في روضة والأبيات هي: (الحرب أول ما تكون) الحرب مؤنثة. قال الخليل تصغيرها حريب بلا هاء. قال المازني لأنه في الأصل مصدر، وقال المبرد قد يذكر الحرب (فتية) بفتح الفاء وكسر الفوقية وفتح الموحدة مشددة. قال في المصابيح: ويروى فتية بضم الفاء مصغرًا أي شابة ويجوز فيه

أربعة أوجه: الأول: رفع أول ونصب فتية وهو الذي في الفرع مثل زيد أخطب ما يكون يوم الجمعة، فالحرب مبتدأ أول، وقوله أول ما تكون مبتدأ ثان، وفتية حال سادّة مسدّ الخبر والجملة المركبة من المبتدأ الثاني وخبره خبر عن المبتدأ الأول، والمعنى الحرب أول أكوانها إذا أو إذا كانت فتية. الثاني: نصب أول ورفع فتية عكس الأول ووجهه ظاهر وهو أن يكون الحرب مبتدأ خبره فتية، وأول ما يكون ظرف عامله الخبر وتكون ناقصة أي الحرب في أول أحوالها فتية. الثالث: رفع أول، وفتية على أن الحرب مبتدأ أو أول بدل منه وفتية خبر وما مصدرية وتكون تامة أو أول مبتدأ ثان، وفتية خبره وأنّث الخبر مع أن المبتدأ الذي هو أول مذكر لأنه مضاف إلى الأكوان. الرابع: نصبهما جميعًا على أن أول ظرف وهو خبر المبتدأ الذي هو الحرب وتكون ناقصة وفتية منصوب على الحال من الضمير المستكن في الظرف المستقر أي الحرب موجودة في أول أكوانها على هذه الحالة، والخبر عنها قوله: (تسعى) أي الحرب في حال ما هي فتية أي في وقت وقوعها تغرّ من لم يجرّبها حتى يدخل فيها فتهلكه (بزينتها لكل جهول) بكسر الزاي وسكون التحتية بعدها نون ففوقية ورواه سيبويه بموحدتين فزاي مشددة مفتوحة والبزة اللباس الجيد. (حتى إذا اشتعلت) بالشين المعجمة والعين المهملة أي هاجت وإذا شرطية وجوابها ولت أو محذوف كما في المصابيح ويجوز أن تكون ظرفية (وشب) بفتح المعجمة والموحدة المشددة (ضرامها) بكسر الضاد المعجمة بعدها راء فألف فميم اتقد وارتفع اشتعالها (ولّت) حال كونها (عجوزًا غير ذات حليل) بالحاء المهملة أي لا يرغب أحد في تزوّجها ولا يروى بالخاء المعجمة. (شمطاء) بالنصب نعت لعجوزًا والشمط بفتح الشين المعجمة اختلاط الشعر الأبيض بالشعر الأسود (ينكر) بضم التحتية وفتح الكاف (لونها) ولأبي ذر تنكر بالفوقية بدل التحتية أي تبدلت بحسنها قبحًا (وتغيرت) حال كونها (مكروهة للشم والتقبيل). لأنها في هذه الحالة مظنة للبخر فوصفها به مبالغة في التنفير منها والمراد أنهم يتمثلون بهذه الأبيات ليستحضروا ما شاهدوه وسمعوه من حال الفتنة فإنهم يتذكرون بإنشادها ذلك فيصدهم عن الدخول فيها حتى لا يغتروا بظاهر أمرها أولاً. 7096 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا شَقِيقٌ سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ عُمَرَ قَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْفِتْنَةِ؟ قَالَ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِى أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْىُ عَنِ الْمُنْكَرِ. قَالَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ وَلَكِنِ الَّتِى تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا قَالَ عُمَرُ: أَيُكْسَرُ الْبَابُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: بَلْ يُكْسَرُ قَالَ عُمَرُ: إِذًا لاَ يُغْلَقَ أَبَدًا قُلْتُ: أَجَلْ. قُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا أَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً، وَذَلِكَ أَنِّى حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ مَنِ الْبَابُ فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَنِ الْبَابُ قَالَ: عُمَرُ. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا شقيق) أبو وائل بن سلمة قال: (سمعت حذيفة) بن اليمان (يقول: بينا) بغير ميم (نحن جلوس عند عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (إذا قال: أيكم يحفظ قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الفتنة؟ قال) حذيفة قلت هي (فتنة الرجل) وفي علامات النبوّة من طريق شعبة عن الأعمش قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فتنة الرجل (في أهله) بالميل يأتي بسببهنّ بما لا يحل له (و) فتنته في (ماله) بأن يأخذ من غير حله ويصرفه في غير حله (و) في (ولده) لفرط محبته له والشغل به عن كثير من الخيرات (و) في (جاره) بالحسد والمفاخرة وكلها (تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) أي تكفر الصغائر فقط لحديث الصلاة إلى الصلاة كفّارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر، ويحتمل أن يكون كل واحد من الصلاة وما بعدها مكفرًا للمذكورات كلها لا لكل واحد منها، وأن يكون من باب اللف والنشر بأن الصلاة مثلاً كفّارة للفتنة في الأهل وهكذا الخ ... وخص الرجل بالذكر لأنه في الغالب صاحب الحكم في داره وأهله إلا فالنساء شقائق الرجال في الحكم (قال) عمر -رضي الله عنه- لحذيفة (ليس عن هذا) الذي ذكرت (أسألك، ولكن) التي أسألك عنها الفتنة (التي تموج كموج البحر) تضطرب كاضطرابه عند هيجانه كناية عن شدة المخاصمة وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة وفيه دليل على جواز إطلاق اللفظ العام وإرادة الخاص إذ تبين أن عمر لم يسأل إلا عن فتنة مخصوصة، وفي رواية ربعي بن حراش عن حذيفة عند الطبراني فقال حذيفة:

سمعته يقول: يأتي بعدي فتن كموج البحر يدفع بعضها بعضًا ويؤخذ منها كما في الفتح جهة التشبيه بالموج وأنه ليس المراد منه الكثرة فقط (فقال) حذيفة لعمر -رضي الله عنه-: (ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها بابًا مغلقًا) بضم الميم وسكون المعجمة وفتح اللام بالنصب صفة لبابًا أي لا يخرج شيء منها في حياتك. قال ابن المنير: آثر حذيفة الحرص على حفظ السر فلم يصرح لعمر -رضي الله عنه- بما سأل عنه وإنما كنى عنه كناية وكأنه كان مأذونًا له في مثل ذلك، وقال ابن بطال: وإنما عدل حذيفة حين سأله عمر عن الإخبار بالفتنة الكبرى إلى الإخبار بالفتنة الخاصة لئلا يغمه ويشغل باله ومن ثم قال له: إن بينك وبينها بابًا مغلقًا ولم يقل له أنت الباب وهو يعلم أنه الباب فعرّض له بما أفهمه ولم يصرح وذلك من حسن أدبه. (قال عمر) -رضي الله عنه- مستفهمًا لحذيفة (أيكسر الباب أم يفتح؟ قال) حذيفة (بل) ولأبي ذر عن الكشميهني لا بل (يكسر. قال عمر: إذًا) بالتنوين أي إن انكسر (لا يغلق) نصب بإذا (أبدًا) وفي الصيام ذاك أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة ويحتمل أن يكون كنى عن الموت بالفتح وعن القتل بالكسر. قال حذيفة (قلت: أجل) بالجيم واللام المخففة. نعم قال شقيق (قلنا لحذيفة أكان عمر يعلم الباب؟ قال) حذيفة: (نعم) كان يعلمه (كما أعلم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يعلم (أن دون غد ليلة) أي أعلمه علمًا ضروريًّا مثل هذا (وذلك أني حدّثته حديثًا ليس بالأغاليط) جمع أغلوطة بالغين المعجمة والطاء المهملة ما يغالطه أي حدّثته حديثًا صدقًا محققًا من حديثه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا عن اجتهاد ولا عن رأي. قال شقيق (فهبنا) فخفنا (أن نسأله) أن نسأل حذيفة (من الباب) أي من هو الباب (فأمرنا) بسكون الراء (مسروقًا) هو ابن الأجدع أن يسأله (فسأله فقال): أي مسروق لحذيفة (من الباب؟ قال: عمر) -رضي الله عنه-. والحديث سبق في باب المواقيت من الصلاة وفي الزكاة والصوم وعلامات النبوّة. 7097 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ: خَرَجَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ الْمَدِينَةِ لِحَاجَتِهِ، وَخَرَجْتُ فِى إِثْرِهِ فَلَمَّا دَخَلَ الْحَائِطَ جَلَسْتُ عَلَى بَابِهِ وَقُلْتُ: لأَكُونَنَّ الْيَوْمَ بَوَّابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَأْمُرْنِى فَذَهَبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَضَى حَاجَتَهُ وَجَلَسَ عَلَى قُفِّ الْبِئْرِ فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاَّهُمَا فِى الْبِئْرِ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ لِيَدْخُلَ فَقُلْتُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ لَكَ فَوَقَفَ فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» فَدَخَلَ فَجَاءَ عَنْ يَمِينِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاَّهُمَا فِى الْبِئْرِ فَجَاءَ عُمَرُ فَقُلْتُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ لَكَ، فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» فَجَاءَ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ فَدَلاَّهُمَا فِى الْبِئْرِ، فَامْتَلأَ الْقُفُّ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَجْلِسٌ ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَقُلْتُ: كَمَا أَنْتَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ لَكَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ مَعَهَا بَلاَءٌ يُصِيبُهُ» فَدَخَلَ فَلَمْ يَجِدْ مَعَهُمْ مَجْلِسًا فَتَحَوَّلَ حَتَّى جَاءَ مُقَابِلَهُمْ عَلَى شَفَةِ الْبِئْرِ فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ ثُمَّ دَلاَّهُمَا فِى الْبِئْرِ فَجَعَلْتُ أَتَمَنَّى أَخًا لِى وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَأْتِىَ. قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَتَأَوَّلْتُ ذَلِكَ قُبُورَهُمُ اجْتَمَعَتْ هَا هُنَا وَانْفَرَدَ عُثْمَانُ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي بالولاء قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) واسم جده ابن أبي كثير المدني (عن شريك بن عبد الله) بن أبي نمر المدني (عن سعيد بن المسيب) بن حزن الإمام أبي محمد المخزومي (عن أبي موسى الأشعري) -رضي الله عنه- أنه (قال: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى) ولأبي ذر يومًا إلى (حائط من حوائط المدينة لحاجته) هو بستان أريس بهمزة مفتوحة فراء مكسورة فتحتية ساكنة فسين مهملة يجوز فيه الصرف وعدمه وهو قريب من قباء وفي بئره سقط خاتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أصبع عثمان -رضي الله عنه- (وخرجت في أثره فلما دخل الحائط) أي البستان المذكور (جلست على بابه وقلت: لأكونن اليوم بوّاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ولم يأمرني) بأن أكون بوّابًا لكن سبق في مناقب عثمان أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره بذلك فيحتمل أنه لما حدّث نفسه بذلك صادف أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك (فذهب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقضى حاجته وجلس على) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في (قف البئر) بضم القاف وتشديد الفاء حافتها أو الدكة التي حولها (فكشف عن ساقيه ودلاّهما في البئر فجاء أبو بكر) -رضي الله عنه- حال كونه (يستأذن عليه) زاده الله شرفًا لديه (ليدخل فقلت) له: اثبت وقف (كما أنت حتى أستأذن لك) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فوقفت فجئت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يا نبي الله أبو بكر يستأذن) في الدخول (عليك فقال): (ائذن له وبشره بالجنة) زاد في المناقب فأقبلت حتى قلت لأبي بكر: ادخل ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبشرك بالجنة (فدخل فجاء) ولأبي ذر عن الكشميهني فجلس (عن يمين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر)

موافقة له عليه الصلاة والسلام وليكون أبلغ في بقائه عليه السلام على حالته وراحته بخلاف ما إذا لم يفعل ذلك فربما استحيا منه فرفع رجليه (فجاء عمر) -رضي الله عنه- أي يستأذن أيضًا (فقلت: كما أنت حتى أستأذن لك) فاستأذنت له (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ائذن له وبشره بالجنة. فجاء) عمر -رضي الله عنه- وجلس (عن يسار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكشف عن ساقيه فدلاهما في البئر فامتلأ) بالفاء، ولأبي ذر عن الكشميهني وامتلأ (القف) به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحبيه (فلم يكن فيه مجلس ثم جاء عثمان) -رضي الله عنه- (فقلت: كما أنت حتى استأذن لك) فاستأذنت (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ائذن له وبشره بالجنة معها بلاء يصيبه) وهو قتله فى الدار قال ابن بطال: وإنما خص عثمان بذكر البلاء مع أن عمر أيضًا قتل لأن عمر لم يمتحن بمثل ما امتحن عثمان من تسليط القوم الذين أرادوا منه أن ينخلع من الإمامة بسبب ما نسبوه إليه من الجور مع تنصله من ذلك واعتذاره من كل ما نسبوه إليه ثم هجمهم عليه داره وهتكهم ستر أهله فكان ذلك زيادة على قتله، وفي رواية أحمد بإسناد صحيح من طريق كليب بن وائل عن ابن عمر قال: ذكر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتنة فمر رجل فقال يقتل فيها هذا يومنذ ظلمًا قال فنظرت فإذا هو عثمان (فدخل) -رضي الله عنه- (فلم يجد معهم مجلساً فتحوّل حتى جاء مقابلهم على شفة البئر) بفتح الشين المعجمة والفاء المخففة (فكشف عن ساقيه ثم دلاهما في البئر) قال أبو موسى (فجعلت أتمنى أخًا لي) هو أبو بردة عامر أو أبو رهم (وأدعو الله أن يأتي قال ابن المسيب) سعيد (فتأوّلت) ولأبي ذر عن الكشميني فأولت فتفرست (ذلك) أي اجتماع الصاحبين معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وانفراد عثمان (قبورهم اجتمعت هاهنا وانفرد عثمان) عنهم في البقيع والمراد بالاجتماع مطلقه لا خصوص كون أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله كما كانوا على البئر وفيه أن التمثيل لا يستلزم التسوية. نعم أخرج أبو نعيم عن عائشة في صفة القبور الثلاثة أبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره ففيه التصريح بتمام التشبيه لكن سنده ضعيف وعارضه ما هو أوضح منه، وعند أبي داود والحاكم من طريق القاسم بن محمد قال: قلت لعائشة يا أمتاه اكشفي عن قبر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحبيه فكشفته لي الحديث. وفيه فرأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإذا أبو بكر رأسه بين كتفيه وعمر رأسه عند رجلي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وحديث الباب سبق في فضل أبي بكر وأخرجه مسلم في الفضائل. 7098 - حَدَّثَنِى بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لأُسَامَةَ أَلاَ تُكَلِّمُ هَذَا؟ قَالَ: قَدْ كَلَّمْتُهُ مَا دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَفْتَحُهُ وَمَا أَنَا بِالَّذِى أَقُولُ لِرَجُلٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ أَمِيرًا عَلَى رَجُلَيْنِ أَنْتَ خَيْرٌ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يُجَاءُ بِرَجُلٍ فَيُطْرَحُ فِى النَّارِ فَيَطْحَنُ فِيهَا كَطَحْنِ الْحِمَارِ بِرَحَاهُ فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ أَىْ فُلاَنُ أَلَسْتَ كُنْتَ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: إِنِّى كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ أَفْعَلُهُ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَفْعَلُهُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (بشر بن خالد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة اليشكري قال (أخبرنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم البصري الحافظ غندر (عن) زوج أمه (شعبة) بن الحجاج الحافظ (عن سليمان) بن مهران الأعمش أنه قال (سمعت أبا وائل) شقيق بن سلمة (قال: قيل لأسامة) بن زيد حب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-رضي الله عنه- (ألا) بالتخفيف (تكلم هذا) أي عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فيما أنكر الناس عليه من توليه أقاربه وغير ذلك مما اشتهر وقال المهلب في شأن أخيه لأمه الوليد بن عقبة وما ظهر عليه من شربه الخمر (قال) أسامة: (قد كلمته) في ذلك سرًّا (ما دون أن أفتح بابًا) من أبواب الإنكار عليه (أكون أول من يفتحه) بصيغة المضارع ولأبي ذر عن الكشميهني فتحه بل كلمته على سبيل المصلحة والأدب إذا الإعلان بالأنكار على الأئمة ربما أدّى إلى افتراق الكلمة كما وقع ذلك من تفرق الكلمة بمواجهة عثمان بالنكير فالتلطف والنصيحة سرًّا أجدر بالقبول، وقول المهلب إن المراد الوليد بن عقبة تبعه فيه العيني بل صرح بأنه في مسلم ولفظه، وقد بيّنه في رواية مسلم قيل له ألا تدخل على عثمان وتكلمه في شأن الوليد بن عقبة وما ظهر منه من شرب الخمر اهـ. وقد رأيت الحديث في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومخالفته وليس فيه ما قاله العيني. وقال الحافظ ابن حجر

18 - باب

متعقبًا المهلب جزمه بأن المراد الوليد بن عقبة ما عرفت مستنده فيه وسياق مسلم من طريق جرير عن الأعمش يدفعه ولفظه عن أبي وائل كنا عند أسامة بن زيد فقال له رجل ما يمنعك أن تدخل على عثمان فتكلمه فيما يصنع قال وساق الحديث بمثله اهـ. قلت: وقوله بمثله أي بمثل الحديث الذي ساقه أول الباب من طريق أبي معاوية عن الأعمش بلفظ قيل له ألا تدخل على عثمان فتكلمه؟ فقال: أترون أني لا أكلمه إلا ما أسمعكم والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمرًا الحديث. ثم عرفهم أسامة بأنه لا يداهن أحدًا ولو كان أميرًا بل ينصحه في السر جهده فقال: (وما أنا بالذي أقول لرجل بعد أن يكون أميرًا على رجلين أنت خير) من الناس ولأبي ذر عن الكشميهني إيت بهمزة مكسورة فتحتية ساكنة فعل أمر من الإتيان خيرًا نصب على المفعولية (بعدما) أي بعد الذي (سمعت من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يجاء) بضم الياء (برجل فيطرح في النار فيطحن فيها كطحن الحمار برحاه) بفتح الياء من فيطحن. قال في الفتح: وفي رواية الكشميهني كما يطحن كذا رأيته في نسخة معتمدة بضم أوله على البناء للمجهول وفتحها أوجه، ففي رواية سفيان وأبي معاوية فتندلق أقتابه فيدور كما يدور الحمار والأقتاب الأمعاء واندلاقها خروجها بسرعة اهـ. والذي رأيته في فرع اليونينية كأصله عن أبي ذر عن الكشميهني كما يطحن بفتح الياء مبنيًّا للفاعل الحمار برحاه (فيطيف به أهل النار) يجتمعون حوله (فيقولون) له (أي فلان) ما شأنك (ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول) لهم: (إني كنت آمر بالمعروف ولا أفعله وأنهى عن المنكر وأفعله). وقول المهلب إن السبب في تحديث أسامة بذلك ليتبرأ مما ظنوا به من سكوته عن عثمان في أخيه الوليد بن عقبة تعقبه في الفتح بأنه ليس واضحًا بل الذي يظهر أن أسامة كان يخشى على من ولي ولاية ولو صغرت أنه لا بد له من أن يأمر الرعية بالمعروف وينهاهم عن المنكر ثم لا يأمن أن يقع منه تقصير فكان أسامة يرى أنه لا يتأمر على أحد وإلى ذلك أشار بقوله لا أقول للأمير: إنه خير الناس أي بل غايته أن ينجو كفافًا. والحديث سبق في صفة النار وأخرجه مسلم في باب الأمر بالمعروف كما سبق. 18 - باب (باب) بالتنوين بغير ترجمة. 7099 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِى اللَّهُ بِكَلِمَةٍ أَيَّامَ الْجَمَلِ لَمَّا بَلَغَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ فَارِسًا مَلَّكُوا ابْنَةَ كِسْرَى قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً». وبه قال: (حدّثنا عثمان بن الهيثم) مؤذن البصرة قال: (حدّثنا عوف) بفتح العين وبعد الواو الساكنة فاء الأعرابي (عن الحسن) البصري (عن أبي بكرة) نفيع -رضي الله عنه- أنه (قال: لقد نفعني الله) عز وجل (بكلمة أيام) وقعة (الجمل) بالجيم التي كانت بين عليّ وعائشة بالبصرة وكانت عائشة -رضي الله عنها- على جمل فنسبت الوقعة إليه (لما) بتشديد الميم (بلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن فارسًا) بالصرف في جميع النسخ نسخ الحفاظ أبي محمد الأصيلي وأبي ذر الهروي والأصل المسموع على أبي الوقت، وفي أصل أبي القاسم الدمشقي: غير مصروف. وقال ابن مالك: كذا وقع مصروفًا والصواب عدم صرفه، وقال في الكواكب: يطلق على الفرس وعلى بلادهم فعلى الأول يجب الصرف إلا أن يقال المراد القبيلة، وعلى الثاني يجوز الأمران كسائر البلاد (ملكوا ابنة كسرى) شيرويه بن أبرويز بن هرمز وقال الكرماني كسرى بفتح الكاف وكسرها ابن قباد بضم القاف وتخفيف الموحدة واسم ابنته بوران بضم الموحدة وسكون الواو وبعدها راء فألف فنون وكانت مدة ولايتها سنة وستة أشهر (قال): (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة) واحتج به من منع قضاء المرأة وهو قول الجمهور، وقال أبو حنيفة تقضي فيما يجوز فيه شهادتين، وزاد الإسماعيلي من طريق النضر بن شميل عن عوف في آخره. قال أبو بكرة: فعرفت أن أصحاب الجمل لن يفلحوا. والحديث سبق في المغازي. 7100 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مَرْيَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الأَسَدِىُّ قَالَ: لَمَّا سَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ إِلَى الْبَصْرَةِ بَعَثَ عَلِىٌّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ فَقَدِمَا عَلَيْنَا الْكُوفَةَ فَصَعِدَا الْمِنْبَرَ فَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ فَوْقَ الْمِنْبَرِ فِى أَعْلاَهُ وَقَامَ عَمَّارٌ أَسْفَلَ مِنَ الْحَسَنِ فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ فَسَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ: إِنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ وَوَاللَّهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ابْتَلاَكُمْ لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِىَ؟ وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الكوفي قال: (حدّثنا أبو بكر بن عياش) بالتحتية المشددة والشين المعجمة راوي عاصم المقري قال: (حدّثنا أبو حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد

المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي قال: (حدّثنا أبو مريم عبد الله بن زياد الأسدي) بفتح الهمزة والمهملة (قال: لما سار طلحة) بن عبيد الله (والزبير) بن العوام (وعائشة) أم المؤمنين -رضي الله عنهم- (إلى البصرة) وكانت عائشة بمكة فبلغها قتل عثمان -رضي الله عنه- فحضت الناس على القيام بطلب دم عثمان، وكان الناس قد بايعوا عليًّا بالخلافة وممن بايعه طلحة والزبير واستأذنا عليًّا في العمرة فخرجا إلى مكة فلقيا عائشة فاتفقا معها على طلب دم عثمان حتى يقتلوا قتلته، فسارت عائشة على جمل اسمه عسكر اشتراه لها يعلى بن أمية من رجل من عرينة بمائتي دينار في ثلاثة آلاف رجل من مكة والمدينة ومعها طلحة والزبير، فلما نزلت ببعض مياه بني عامر نبحت عليها الكلاب فقالت: أيّ ماء هذا قالوا: الحوأب بفتح الحاء المهملة وسكون الواو بعدها همزة مفتوحة فموحدة فقالت: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لنا ذات يوم "كيف بإحداكن ينبح عليها كلاب الحوأب" وعند البزار من حديث ابن عباس أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لنسائه: "أيتكن صاحبة الجمل الأدبب" بهمزة مفتوحة ودال مهملة ساكنة فموحدتين "تخرج حتى تنبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وعن شمالها قتلى كثيرة وتنجو بعدما كادت". وخرج علي -رضي الله عنه- من المدينة لما بلغه ذلك خوف الفتنة في آخر شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين في تسعمائة راكب ولما قدم البصرة قال له قيس بن عباد وعبد الله بن الكواء: أخبرنا عن مسيرك فذكر كلامًا طويلاً، ثم ذكر طلحة والزبير فقال: بايعاني بالمدينة وخالفاني بالبصرة وكان قد (بعث علي) -رضي الله عنه- (عمار بن ياسر وحسن بن علي) أي ابن فاطمة يستنفران الناس (فقدما علينا الكوفة) فدخلا المسجد (فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه) لأنه ابن الخليفة وابن بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأنه كان الأمير على من أرسلهم عليّ وإن كان في عمار ما يقتضي رجحانه فضلاً عن مساواته أو فعله عمار تواضعًا معه إكرامًا لجده عليه الصلاة والسلام (وقام عمار) على المنبر (أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه) قال أبو مريم (فسمعت عمارًا يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدنيا والآخرة ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم) بها (ليعلم إياه) تعالى (تطيعون أم) تطيعون (هي) -رضي الله عنها-. وقيل الضمير في إياه لعلي والمناسب أن يقول أو إياها لا هي. وقال في المصابيح: فيه نظر من حيث إن أم فيه متصلة فقضية المعادلة بين المتعاطفين بها أن يقال أم إياها اهـ. وأجاب الكرماني: بأن الضمائر يقوم بعضها مقام بعض قال في الفتح: وهو على بعض الآراء. وعند الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي بكر بن عياش صعد عمار المنبر فحض الناس في الخروج إلى قتال عائشة وفي رواية ابن أبي ليلى في القصة المذكورة فقال الحسن: إن عليًّا يقول إني أذكر الله رجلاً رعى الله حقًّا أن لا يفر فإن كنت مظلومًا أعانني وإن كنت ظالمًا أخذلني، والله إن طلحة والزبير لأول من بايعني ثم نكثا ولم أستأثر بمال ولا بدلت حكمًا. قال: فخرج إليه اثنا عشر ألف رجل. وعند ابن أبي شيبة من طريق شمس بن عطية عن عبد الله بن زياد قال: قال عمار: إن أمنا سارت مسيرها هذا وإنها والله زوج محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدنيا والآخرة ولكن الله تعالى ابتلانا ليعلم إياه نطيع أو إياها ومراد عمار بذلك أن الصواب في تلك القصة كان مع علي وأن عائشة مع ذلك لم تخرج بذلك عن الإسلام ولا أن لا تكون زوجة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الجنة، وكان ذلك يعد من إنصاف عمار وشدة ورعه وتحرّيه قول الحق. وقال ابن هبيرة في هذا الحديث: إن عمارًا كان صادق اللهجة وكان لا تستخفه الخصومة إلى تنقيص خصمه فإنه شهد لعائشة بالفضل التام مع ما بينهما من الحرب وقوله ليعلم بفتح الياء مبنيًّا للفاعل في الفرع. قال في الكواكب: والمراد به العلم الوقوعي أو تعلق العلم أو إطلاقه على سبيل المجاز عن التمييز لأن التمييز لازم

باب

للعلم وإلاّ فالله تعالى عالم أزلاً وأبدًا ما كان وما يكون. باب (باب) بالتنوين بلا ترجمة وسقط في رواية أبي ذر وهو المناسب إذ الحديث اللاحق طرف من سابقه وإن كان في الباب زيادة ساقه تقوية له لأن أبا مريم مما انفرد به عنه أبو حصين. 7101 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى غَنِيَّةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ قَامَ عَمَّارٌ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ فَذَكَرَ عَائِشَةَ وَذَكَرَ مَسِيرَهَا وَقَالَ: إِنَّهَا زَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّهَا مِمَّا ابْتُلِيتُمْ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا ابن أبي غنيمة) بفتح الغين المعجمة وكسر النون وتشديد التحتية عبد الملك بن حميد الكوفي أصله من أصبهان وليس له في الجامع إلا هذا ولأبي ذر عن أبي غنية (عن الحكم) بفتح المهملة والكاف ابن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية مصغرًا (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة أنه قال: (قام عمار) هو ابن ياسر (على منبر الكوفة فذكر عائشة) -رضي الله عنها- (وذكر مسيرها) ومن معها إلى البصرة (وقال: إنها زوجة نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدنيا والآخرة ولكنها مما ابتليتم) مبني للمفعول امتحنتم بها. 7102 و 7103 و 7104 - حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو، سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ: دَخَلَ أَبُو مُوسَى وَأَبُو مَسْعُودٍ عَلَى عَمَّارٍ حَيْثُ بَعَثَهُ عَلِىٌّ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ يَسْتَنْفِرُهُمْ فَقَالاَ: مَا رَأَيْنَاكَ أَتَيْتَ أَمْرًا أَكْرَهَ عِنْدَنَا مِنْ إِسْرَاعِكَ فِى هَذَا الأَمْرِ مُنْذُ أَسْلَمْتَ فَقَالَ عَمَّارٌ: مَا رَأَيْتُ مِنْكُمَا مُنْذُ أَسْلَمْتُمَا أَمْرًا أَكْرَهَ عِنْدِى مِنْ إِبْطَائِكُمَا عَنْ هَذَا الأَمْرِ وَكَسَاهُمَا حُلَّةً حُلَّةً ثُمَّ رَاحُوا إِلَى الْمَسْجِدِ. [الحديث 7102 - طرفه في: 1706]. [الحديث 7103 - طرفه في: 7105]. [الحديث 7104 - طرفه في: 7107]. وبه قال: (حدّثنا بدل بن المحبر) بفتح الموحدة والدال بعدها مخففًا والمحبر بضم الميم وفتح الحاء المهملة والموحدة المشددة بعدها راء اليربوعي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن مرة قال: (سمعت أبا وائل) شقيق ابن سلمة (يقول: دخل أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (وأبو مسعود) عقبة بن عامر البدري الأنصاري (على عمار) هو ابن ياسر -رضي الله عنه- (حيث) بالمثلثة وللكشميهني حين (بعثه علي) -رضي الله عنه- (إلى أهل الكوفة يستنفرهم) يطلب منهم الخروج إلى البصرة لعلي على عائشة -رضي الله عنها- (فقالا): أي أبو موسى وأبو مسعود لعمار (ما رأيناك أتيت أمرًا أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت. فقال عمار: ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمرًا أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر). قال ابن بطال: فيما دار بينهم دلالة على أن كلاًّ من الطائفتين كان مجتهدًا ويرى أن الصواب معه (وكساهما) أي أبو مسعود كما صرح به في الرواية اللاحقة لهذه (حلة حلة) والحلة اسم لثوبين (ثم راحوا إلى المسجد) وعند الإسماعيلي: ثم خرجوا إلى الصلاة يوم الجمعة وإنما كسا عمارًا تلك الحلة ليشهد بها الجمعة لأنه كان في ثياب السفر وهيئة الحرب فكره أن يشهد الجمعة في تلك الثياب، وكره أن يكسوه بحضرة أبي موسى ولا يكسو أبا موسى فكساه أيضًا قاله ابن بطال. 7105 و 7106 و 7107 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِى حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِى مَسْعُودٍ وَأَبِى مُوسَى وَعَمَّارٍ فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: مَا مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ إِلاَّ لَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ فِيهِ غَيْرَكَ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْكَ شَيْئًا مُنْذُ صَحِبْتَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْيَبَ عِنْدِى مِنِ اسْتِسْرَاعِكَ فِى هَذَا الأَمْرِ قَالَ عَمَّارٌ: يَا أَبَا مَسْعُودٍ وَمَا رَأَيْتُ مِنْكَ وَلاَ مِنْ صَاحِبِكَ هَذَا شَيْئًا مُنْذُ صَحِبْتُمَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْيَبَ عِنْدِى مِنْ إِبْطَائِكُمَا فِى هَذَا الأَمْرِ فَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: وَكَانَ مُوسِرًا يَا غُلاَمُ هَاتِ حُلَّتَيْنِ فَأَعْطَى إِحْدَاهُمَا أَبَا مُوسَى وَالأُخْرَى عَمَّارًا وَقَالَ: رُوحَا فِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روّاد العتكي المروزي الحافظ (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون اليشكري محدّث مرو (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن شقيق بن سلمة) أنه (قال: كنت جالسًا مع أبي مسعود) عقبة بن عامر (وأبي موسى) الأشعري (وعمار) هو ابن ياسر -رضي الله عنهم- (فقال أبو مسعود) لعمار: (ما من أصحابك أحد إلا لو شئت لقلت فيه غيرك وما رأيت منك شيئًا منذ صحبت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعيب عندي) بفتح الهمزة وسكون العين المهملة وبعد التحتية المفتوحة موحدة أفعل تفضيل من العيب وفيه رد على القائل أن أفعل التفضيل من الألوان والعيوب لا يستعمل من لفظه (من استسراعك في هذا الأمر) وإنما قال ذلك لأنه رأى رأي أبي موسى في الكف عن القتال تمسكًا بالأحاديث الواردة فيه وما في حمل السلاح على المسلم من الوعيد (قال عمار: يا أبا مسعود وما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيئًا منذ صحبتما النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعيب عندي من إبطائكما في هذا الأمر). لما في الإبطاء من مخالفة الإمام وترك امتثال فقاتلوا التي تبعي فكان عمار على رأي عليّ في قتال الباغين والناكثين والتمسك بقوله تعالى: {فقاتلوا التي تبغي} [الحجرات: 9] وحمل الوعيد الوارد في القتال على من كان متعديًا على صاحبه فكلٌّ جعل الإبطاء والإسراع عيبًا بالنسبة لما يعتقده (فقال أبو مسعود وكان موسرًا: يا غلام هات) بكسر الفوقية (حلتين فأعطى إحداهما أبا موسى والأخرى عمارًا) بين في هذه أن فاعل كسا في الرواية السابقة هو أبو مسعود كما مر (وقال) لهما (روحا فيه) بالتذكير مصححًا

19 - باب إذا أنزل الله بقوم عذابا

عليه في الفرع (إلى) صلاة (الجمعة). وذكر عمر بن شبة بسنده أن وقعة الجمل كانت في النصف من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، وذكر أيضًا من رواية المدايني عن العلاء أبي محمد عن أبيه قال: جاء رجل إلى علي وهو بالزاوية فقال: علام تقاتل هؤلاء؟ قال عليّ: على الحق. قال: فإنهم يقولون إنهم على الحق. قال: أقاتلهم على الخروج عن الجماعة ونكث البيعة. وعند الطبراني أن أول ما وقعت الحرب أن صبيان العسكرين تسابوا ثم تراموا ثم تبعهم العبيد ثم السفهاء فنشب الحرب وكانوا خندقوا على البصرة فقتل قوم وخرج آخرون وغلب أصحاب عليّ ونادى مناديه: لا تتبعوا مدبرًا ولا تجهزوا جريحًا ولا تدخلوا دار أحد ثم جمع الناس وبايعهم، واستعمل ابن عباس على البصرة ورجع إلى الكوفة. وعند ابن أبي شيبة بسند جيد عن عبد الرحمن بن أبزى قال: انتهى عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي إلى عائشة يوم الجمل وهي في الهودج فقال: يا أم المؤمنين أتعلمين أني أتيتك عندما قتل عثمان فقلت: ما تأمريني فقلت الزم عليًّا فسكتت. فقال: اعقروا الجمل فعقروه فنزلت أنا وأخوها محمد فاحتملنا هودجها فوضعناه بين يدي علي فأمر بها فأدخلت بيتًا. وعند ابن أبي شيبة والطبري من طريق عمر بن جاوان عن الأحنف فكان أول قتيل طلحة ورجع الزبير فقتل. وقال الزهري: ما شوهدت وقعة مثلها فني فيها الكماة من فرسان مضر فهرب الزبير فقتل بوادي السباع، وجاء طلحة سهم غرب فحملوه إلى البصرة ومات. وحكى سيف كان قتلى الجمل عشرة آلاف نصفهم من أصحاب عليّ ونصفهم من أصحاب عائشة. وقيل قتل من أصحاب عائشة ثمانية آلاف، وقيل ثلاثة عشر ألفًا ومن أصحاب عليّ ألف، وقيل من أهل البصرة عشرة آلاف ومن أهل الكوفة خمسة آلاف. 19 - باب إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا هذا (باب) بالتنوين (إذا أنزل الله بقوم عذابًا) أي يذكر جواب إذا اكتفاء بما في الحديث. 7108 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَذَابًا أَصَابَ الْعَذَابُ مَنْ كَانَ فِيهِمْ ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عثمان) الملقب عبدان قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (حمزة بن عبد الله بن عمر) بالحاء المهملة والزاي (أنه سمع) أباه (ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا أنزل الله بقوم عذابًا) أي عقوبة لهم على سيئ أعمالهم (أصاب العذاب من كان فيهم) ممن ليس هو على منهاجهم ومن من صيغ العموم، فالمعنى أن العذاب يصيب حتى الصالحين منهم وعند الإسماعيلي من طريق أبي النعمان عن ابن المبارك أصاب به من بين أظهرهم (ثم بعثوا) بضم الموحدة (على) حسب (أعمالهم) إن كانت صالحة فعقباهم صالحة وإلا فسيئة فذلك العذاب طهرة للصالح ونقمة على الفاسق. وعن عائشة مرفوعًا: إن الله تعالى إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون قبضوا معهم ثم بعثوا على نياتهم وأعمالهم صححه ابن حبان وأخرجه البيهقي في شعبه، فلا يلزم من الاشتراك في الموت الاشتراك في الثواب أو العقاب بل يجازى كل أحد بعمله على حسب نيته وهذا من الحكم العدل لأن أعمالهم الصالحة إنما يجازون بها في الآخرة وأما في الدنيا فمهما أصابهم من بلاء كان تكفيرًا لما قدموه من عمل سيئ كترك الأمر بالمعروف. وفي السنن الأربعة من حديث أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قول: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعذاب". وكذا رواه ابن حبان وصححه فكان العذاب المرسل في الدنيا على الذين ظلموا يتناول من كان معهم ولم ينكر عليهم، فكان ذلك جزاء لهم على مداهنتهم ثم يوم القيامة يبعث كل منهم فيجازى بعمله فأما من أمر ونهى فلا يرسل الله عليهم العذاب بل يدفع الله بهم العذاب ويؤيده قوله تعالى: {وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} [القصص: 59] ويدل على التعميم لمن لم ينه عن المنكر وإن كان لا يتعاطاه قوله فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذًا مثلهم ويستفاد منه مشروعية الهروب من الظلمة لأن الإقامة معهم

20 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للحسن بن على: «إن ابنى هذا لسيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين»

من إلقاء النفس إلى الهلكة قاله في بهجة النفوس قال: وفي الحديث تحذير عظيم لمن سكت عن النهي فكيف بمن داهن فكيف بمن رضي فكيف بمن أعان؟ نسأل الله العافية والسلامة. وعند ابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف عن إبراهيم بن عمرو الصنعاني قال: أوحى الله إلى يوشع بن نون أني مهلك من قومك أربعين ألفًا من خيارهم وستين ألفًا من شرارهم قال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فقال: إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوا يواكلوهم ويشاربوهم، وقال مالك بن دينار: أوحى الله تعالى إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا على أهلها قال: يا رب إن فيهم عبدك فلانًا ولم يعصك طرفة عين فقال اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعر فيّ ساعة قط. ورواه الطبراني وغيره من حديث جابر مرفوعًا والمحفوظ كما قال البيهقي ما ذكر، وأعلم أنه قد تقوم كثرة رؤية المنكرات مقام ارتكابها في سلب القلوب نور التمييز والإنكار لأن المنكرات إذا كثر على القلب ورودها وتكرر في العين شهودها ذهبت عظمتها من القلوب شيئًا فشيئًا إلى أن يراها الإنسان فلا يخطر بباله أنها منكرات ولا يمر بفكره أنها معاصٍ لما أحدث تكرارها من تألف القلوب بها. في القوت لأبي طالب المكي عن بعضهم أنه مرّ يومًا في السوق فرأى بدعة فبال الدم من شدة إنكاره لها بقلبه وتغير مزاجه لرؤيتها، فلما كان اليوم الثاني مرّ فرآها فبال دمًا صافيًا، فلما كان اليوم الثالث مرّ فرآها فبال بوله المعتاد لأن حدة الإنكار التي أثرت في بدنه ذلك الأثر ذهبت فعاد المزاج إلى حاله الأول، وصارت البدعة كأنها مألوفة عنده معروفة، وهذا أمر مستقر لا يمكن جحوده والله تعالى أعلم. وحديث الباب أخرجه مسلم. 20 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِىٍّ: «إِنَّ ابْنِى هَذَا لَسَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للحسن بن عليّ) -رضي الله عنهما- (إن ابني هذا لسيد) بلام التأكيد ولأبي ذر عن الكشميهني سيد بإسقاطها (ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين). 7109 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ أَبُو مُوسَى وَلَقِيتُهُ بِالْكُوفَةِ جَاءَ إِلَى ابْنِ شُبْرُمَةَ فَقَالَ: أَدْخِلْنِى عَلَى عِيسَى فَأَعِظَهُ فَكَأَنَّ ابْنَ شُبْرُمَةَ خَافَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: لَمَّا سَارَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ - رضى الله عنهما - إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالْكَتَائِبِ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ: أَرَى كَتِيبَةً لاَ تُوَلِّى حَتَّى تُدْبِرَ أُخْرَاهَا قَالَ مُعَاوِيَةُ: مَنْ لِذَرَارِىِّ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: أَنَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ نَلْقَاهُ فَنَقُولُ لَهُ الصُّلْحَ قَالَ الْحَسَنُ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ قَالَ: بَيْنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ جَاءَ الْحَسَنُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ابْنِى هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا إسرائيل) بن موسى (أبو موسى) البصري نزيل الهند وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه قال سفيان (ولقيته بالكوفة) والجملة حالية (جاء) ولأبي ذر وجاء (إلى ابن شبرمة) بضم المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة عبد الله قاضي الكوفة في خلافة أبي جعفر المنصور (فقال) له: (أدخلني على عيسى) بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ابن أخي المنصور وكان أميرًا على الكوفة إذ ذاك (فأعظه) بفتح الهمزة وكسر العين المهملة ونصب الظاء المعجمة المشالة من الوعظ (فكأن) بالهمزة وتشديد النون (ابن شبرمة خاف عليه) على إسرائيل من بطش عيسى لأن إسرائيل كان يصدع بالحق فربما لا يتلطف في الوعظ بعيسى فيبطش به لما عنده من حدة الشباب وعزة الملك (فلم يفعل قال) إسرائيل: (حدّثنا الحسن) البصري (قال: لما سار الحسن بن علي -رضي الله عنهما- إلى معاوية) بن أبي سفيان (بالكتائب) بفتح الكاف والمثناة الفوقية وبالهمزة المكسورة بعدها موحدة جمع كتيبة بوزن عظيمة فعيلة بمعنى مفعولة وهي طائفة من الجيش تجمع وسميت بذلك لأن أمير الجيش إذا رتبهم وجعل كل طائفة على حدة كتبهم في ديوانه، وكان ذلك بعد قتل علي -رضي الله عنه- واستخلاف الحسن. وعند الطبري بسند صحيح عن يونس بن يزيد عن الزهري أن عليًّا جعل على مقدمة أهل العراق قيس بن سعد بن عبادة وكانوا أربعين ألفًا بايعوه على الموت، فلما قتل عليّ بايعوا الحسن ابنه بالخلافة وكان لا يحب القتال، ولكن كان يريد أن يشترط على معاوية لنفسه فعرف أن قيس بن سعد لا يطاوعه على الصلح فنزعه وعند الطبراني بعث الحسن قيس بن سعد على مقدمته في اثني عشر ألفًا يعني من الأربعين فسار قيس إلى جهة الشام وكان معاوية لما بلغه قتل عليّ خرج في عساكره من الشام وخرج الحسن حتى نزل المدائن. (قال عمرو بن العاص لمعاوية: أرى كتيبة لا تولي) بتشديد اللام المكسورة لا تدبر (حتى تدبر أخراها) التي

تقابلها وهي التي لخصومهم أو الكتيبة الأخيرة التي لأنفسهم ومن ورائهم أي لا ينهزمون إذ عند الانهزام يرجع الآخر أوّلاً قاله في الكواكب. وقال في المصابيح: تدبر فعل مضارع مبني للفاعل من الإدبار أي حتى تجعل أخراها من تقدمها دبرًا لها أي تخلفها وتقوم مقامها وفي الصلح إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها (قال معاوية) لعمرو (من لذراريّ المسلمين)؟ بالذال المعجمة وتشديد التحتية أي من يكفلهم إن قتل آباؤهم (فقال: أنا) أكفلهم قال في الفتح ظاهر قوله أنا يوهم أن المجيب عمرو بن العاص ولم أرَ في طرق الحديث ما يدل على ذلك فإن كانت محفوظة فلعلها كانت فقال إني بتشديد النون المفتوحة قالها عمرو على سبيل الاستبعاد (فقال عبد الله بن عامر) واسم جده كريز العبشمي (وعبد الرحمن بن سمرة) وكلاهما من قريش من بني عبد شمس (تلقاه) بالقاف أي نجد معاوية (فنقول له الصلح) أي نحن نطلب الصلح وفي كتاب الصلح أن معاوية هو الذي أرسلهما إلى الحسن يطلب منه الصلح فيحتمل أنهما عرضًا أنفسهما فوافقهما. (قال الحسن) البصري بالسند السابق (ولقد سمعت أبا بكرة) نفيعًا -رضي الله عنه- (قال: بينا) بغير ميم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب جاء الحسن) بن علي -رضي الله عنهما- زاد البيهقي في دلائله من رواية علي بن زيد عن الحسن فصعد المنبر (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن ابني هذا سيد) فأطلق الابن على ابن البنت (ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين) طائفة الحسن وطائفة معاوية -رضي الله عنهما- واستعمل لعل استعمال عسى لاشتراكهما في الرجاء والأشهر في خبر لعل بغير أن كقوله تعالى: {لعل الله يحدث} [الطلاق: 1] وفيه أن السيادة إنما يستحقها من ينتفع به الناس لكونه علق السيادة بالإصلاح وفيه علم من أعلام نبيّنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد ترك الحسن الملك ورعًا ورغبة فيما عند الله ولم يكن ذلك لعلة ولا لقلة ولا لذلة بل صالح معاوية رعاية للدين وتسكينًا للفتنة وحقن دماء المسلمين، وروي أن أصحاب الحسن قالوا له: يا عار المؤمنين. فقال -رضي الله عنه-: العار خير من النار، وفي الحديث أيضًا دلالة على رأفة معاوية بالرعية وشفقته على المسلمين وقوة نظره في تدبر الملك ونظره في العواقب. وحديث الحسن سبق في الصلح بأتم من هذا. 7110 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ عَمْرٌو أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِىٍّ أَنَّ حَرْمَلَةَ مَوْلَى أُسَامَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ عَمْرٌو: وَقَدْ رَأَيْتُ حَرْمَلَةَ قَالَ: أَرْسَلَنِى أُسَامَةُ إِلَى عَلِىٍّ وَقَالَ: إِنَّهُ سَيَسْأَلُكَ الآنَ فَيَقُولُ: مَا خَلَّفَ صَاحِبَكَ؟ فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ لَوْ كُنْتَ فِى شِدْقِ الأَسَدِ لأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِيهِ، وَلَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَرَهُ فَلَمْ يُعْطِنِى شَيْئًا فَذَهَبْتُ إِلَى حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَابْنِ جَعْفَرٍ فَأَوْقَرُوا لِى رَاحِلَتِى. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: قال عمرو) بفتح العين ابن دينار (أخبرني) بالإفراد (محمد بن علي) أي ابن الحسين بن علي أبو جعفر الباقر (أن حرملة) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء (مولى أسامة) بن زيد وهو مولى زيد بن ثابت ومنهم من فرق بينهما (أخبره قال عمرو): هو ابن دينار (وقد رأيت حرملة) المذكور أي وكان يمكنني الأخذ عنه لكن لم أسمع منه هذا (قال) أي حرملة (أرسلني أسامة) بن زيد من المدينة (إلى علي) -رضي الله عنه- بالكوفة يسأله شيئًا من المال (وقال) أسامة: (إنه) أي عليًّا رضي الله عنه (سيسألك الآن فيقول: مما خلف صاحبك)؟ أسامة عن مساعدتي في وقعة الجمل وصفّين وعلم أن عليًّا كان ينكر على من تخلف عنه لا سيما أسامة الذي هو من أهل البيت (فقل له) أي لعلي وفي الفرع مصلحًا على كشط مصححًا عليه فقلت له والذي في اليونينية مصلح على كشط فقل له (يقول لك) أسامة: (لو كنت) بتاء الخطاب (في شدق الأسد) بكسر الشين المعجمة وقد تفتح وسكون الدال المهملة بعدها قاف أي جانب فمه من داخل (لأحببت أن أكون معك فيه) كناية عن الموافقة في حالة الموت لأن الذي يفترسه الأسد بحيث يجعله في شدقه في عداد من هلك ومع ذلك فقال لو وصلت إلى هذا المقام لأحببت أن أكون معك فيه مواسيًا لك بنفسي (ولكن هذا) أي قتال المسلمين (أمر لم أره) لأنه لما قتل مرداسًا ولامه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك آل على نفسه أن لا يقاتل مسلمًا أبدًا. قال حرملة: فذهبت إلى علي فبلغته ذلك، وعند الإسماعيلي من رواية ابن أبي عمر عن سفيان فجئت بها أي بالمقالة فأخبرته (فلم يعطني شيئًا) وفي هامش اليونينية صوابه فلم يعني شيئًا. قال

21 - باب إذا قال: عند قوم شيئا ثم خرج فقال بخلافه

السفاقسي إنما لم يعطه لأنه لعله سأله شيئًا من مال الله لتخلفه عن القتال معه. قال حرملة: (فذهبت إلى حسن وحسين وابن جعفر) هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (فأوقروا) بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح القاف بعدها راء أي حملوا (لي راحلتي) ما أطاقت حمله لأنهم لما علموا أن عليًّا لم يعطه شيئًا وأنهم كانوا يرونه واحدًا منهم لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يجلسه على فخذه ومجلس الحسن على الفخذ الأخرى ويقول: "اللهم إني أحبهما" عوّضوه من أموالهم من ثياب ونحوها قدر ما تحمله راحلته التي هو راكبها. والحديث من أفراده. 21 - باب إِذَا قَالَ: عِنْدَ قَوْمٍ شَيْئًا ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ بِخِلاَفِهِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا قال) أحد (عند قوم شيئًا ثم خرج فقال بخلافه). 7111 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ فَقَالَ: إِنِّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّى لاَ أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ وَإِنِّى لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ وَلاَ بَايَعَ فِى هَذَا الأَمْرِ إِلاَّ كَانَتِ الْفَيْصَلَ بَيْنِى وَبَيْنَهُ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الأزدي الجهضمي (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر أنه (قال: لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية) وكان ابن عمر لما مات معاوية كتب إلى يزيد ببيعته وكان السبب في خلعه ما ذكره الطبري أن يزيد بن معاوية كان أمر على المدينة ابن عمه عمار بن محمد بن أبي سفيان فأوفد إلى يزيد جماعة من أهل المدينة منهم عبد الله ابن غسيل الملائكة، وعبد الله بن أبي عمرو المخزومي في آخرين فأكرمهم وأجازهم فرجعوا فأظهروا عيبه ونسبوه إلى شرب الخمر وغير ذلك ثم وثبوا على عمار فأخرجوه وخلعوا يزيد فلما وقع ذلك (جمع ابن عمر حشمه) بالمهملة ثم المعجمة المفتوحتين جماعته الملازمين لخدمته خشية أن ينكثوا مع أهل المدينة حين نكثوا بيعة يزيد (وولده فقال) لهم: (إني سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (ينصب) بضم التحتية وسكون النون وفتح الصاد المهملة بعدها موحدة (لكل غادر) بالغين المعجمة والدال المهملة من الغدر (لواء) بالرفع مفعول ناب عن فاعله أي راية يشهر بها على رؤوس الأشهاد (يوم القيامة) بقدر غدرته (وإنا قد بايعنا هذا الرجل) يزيد بن معاوية (على بيع الله ورسوله) أي على شرط ما أمرا به من بيعة الإمام وذلك أن من بايع أميرًا فقد أعطاه الطاعة وأخذ منه العطية فكان كمن باع سلعة وأخذ ثمنها (وإني لا أعلم عذرًا) بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة في الفرع مصلحًا وفي اليونينية وغيرها غدرًا بفتح الغين المعجمة وسكون الدال المهملة (أعظم من أن يبايع) بفتح التحتية قبل العين (رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال) وفي رواية صخر بن جويرية عن نافع عند أحمد: وإن من أعظم الغدر بعد الإشراك بالله أن يبايع الرجل رجلاً على بيع الله ثم ينكث بيعه (وإني لا أعلم أحدًا منكم خلعه) أي خلع يزيد (ولا بايع) أحدًا ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولا تابع بالفوقية والموحدة بدل الموحدة والتحتية (في هذا الأمر إلا كانت الفيصل) بالفاء المفتوحة بعدها تحتية ساكنة وصاد مهملة مفتوحة فلام القاطعة (بيني وبينه) وفيه وجوب طاعة الإمام الذي انعقدت له البيعة والمنع من الخروج عليه ولو جار وأنه لا ينخلع بالفسق، ولما بلغ يزيد أن أهل المدينة خلعوه جهّز لهم جيشًا مع مسلم بن عقبة المرّي وأمره أن يدعوهم ثلاثًا فإن رجعوا وإلا فيقاتلهم وإنه إذا ظهر يبيح المدينة للجيش ثلاثًا ثم يكف عنهم فتوجه إليهم فوصل في ذي الحجة سنة ثلاث وستين فحاربوه وكانوا قد اتخذوا خندقًا وانهزم أهل المدينة وقتل حنظلة، وأباح مسلم بن عقبة المدينة ثلاثًا فقتل جماعة من بقايا المهاجرين والأنصار وخيار التابعين وهم ألف وسبعمائة، وقتل من أخلاط الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان، وقتل بها جماعة من حملة القرآن، وقتل جماعة صبرًا منهم: معقل بن سنان، ومحمد بن أبي الجهم بن حذيفة. وجالت الخيل في مسجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبايع الباقين كرهًا على أنهم خول ليزيد. وأخرج يعقوب بن سفيان في تاريخه بسند صحيح عن ابن عباس قال: جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة {ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها} [الأحزاب: 14] يعني إدخال بني حارثة أهل الشام على

أهل المدينة في وقعة الحرة قال يعقوب: وكانت وقعة الحرة في ذي القعدة سنة ثلاث وستين، وذكر أن المدينة خلت من أهلها وبقيت ثمارها للعوافي من الطير والسباع كما قال عليه الصلاة والسلام. ثم تراجع الناس إليها. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن في القول في الغيبة بخلاف الحضور نوع غدر. وحديث الباب سبق في الجزية وأخرجه مسلم في المغازي. 7112 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ عَوْفٍ عَنْ أَبِى الْمِنْهَالِ قَالَ: لَمَّا كَانَ ابْنُ زِيَادٍ وَمَرْوَانُ بِالشَّأْمِ وَوَثَبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ وَوَثَبَ الْقُرَّاءُ بِالْبَصْرَةِ، فَانْطَلَقْتُ مَعَ أَبِى إِلَى أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِىِّ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَيْهِ فِى دَارِهِ وَهْوَ جَالِسٌ فِى ظِلِّ عُلِّيَّةٍ لَهُ مِنْ قَصَبٍ، فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ فَأَنْشَأَ أَبِى يَسْتَطْعِمُهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ: يَا أَبَا بَرْزَةَ أَلاَ تَرَى مَا وَقَعَ فِيهِ النَّاسُ؟ فَأَوَّلُ شَىْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ إِنِّى احْتَسَبْتُ عِنْدَ اللَّهِ أَنِّى أَصْبَحْتُ سَاخِطًا عَلَى أَحْيَاءِ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ كُنْتُمْ عَلَى الْحَالِ الَّذِى عَلِمْتُمْ مِنَ الذِّلَّةِ وَالْقِلَّةِ وَالضَّلاَلَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ أَنْقَذَكُمْ بِالإِسْلاَمِ وَبِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَلَغَ بِكُمْ مَا تَرَوْنَ وَهَذِهِ الدُّنْيَا، الَّتِى أَفْسَدَتْ بَيْنَكُمْ إِنَّ ذَاكَ الَّذِى بِالشَّأْمِ وَاللَّهِ إِنْ يُقَاتِلُ إِلاَّ عَلَى الدُّنْيَا. [الحديث 7112 - طرفه في: 7271]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي قال: (حدّثنا أبو شهاب) عبد ربه بن نافع الحناط بالمهملة والنون (عن عوف) بفتح العين المهملة آخره فاء الأعرابي (عن أبي المنهال) بكسر الميم وسكون النون سيار بن سلامة أنه (قال: لما) بتشديد الميم (كان ابن زياد) هو عبد الله بن زياد بكسر الزاي وفتح التحتية المخففة ابن أبي سفيان الأموي (ومروان) بن الحكم بن أبي العاص ابن عم عثمان (بالشأم) وقد كان ابن زياد أميرًا بالبصرة ليزيد بن معاوية فلما بلغه وفاته ورضي أهل البصرة بابن زياد أن يستمر أميرًا عليهم حتى يجتمع الناس على خليفة فمكث قليلاً ثم أخرج من البصرة وتوجه إلى الشأم وثب مروان بها على الخلافة (ووثب ابن الزبير) عبد الله على الخلافة أيضًا (بمكة) وسقطت الواو الأولى من ووثب لأبي ذر وإثباتها أوجه وإلا فيصير ظاهره أن وثوب ابن الزبير وقع بعد قيام ابن زياد ومروان بالشأم وليس كذلك، وإنما وقع في الكلام حذف يبينه ما عند الإسماعيلي من طريق يزيد بن زريع عن عوف قال حدّثنا أبو المنهال قال: لما كان زمن إخراج ابن زياد يعني من البصرة وثب مروان بالشأم ووثب ابن الزبير بمكة (ووثب) عليها أيضًا (القراء) وهم الخوارج (بالبصرة) وجواب قوله لما من قوله لما كان زياد. قوله وثب على رواية حذف الواو وأما على رواية إثباتها فقول أبي المنهال (فانطلقت مع أبي) سلامة الرياحي (إلى أبي برزة) بفتح الموحدة والزاي بينهما راء ساكنة نضلة بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة (الأسلمي) الصحابي (حتى دخلنا عليه في داره وهو) أي والحال أنه (جالس في ظل علية) بضم العين وكسرها وتشديد اللام مكسورة والتحتية غرفة (له من قصب) زاد الإسماعيلي من طريق يزيد بن زريع في يوم حارّ شديد الحر (فجلسنا إليه فأنشأ أبي يستطعمه الحديث) ولأبي ذر عن الكشميهني بالحديث أي يستفتح الحديث ويطلب منه التحديث (فقال: يا أبا برزة ألا ترى ما وقع فيه الناس) ولأبي ذر الناس فيه (فأوّل شيء سمعته تكلم به أني) بفتح الهمزة وفي اليونينية بكسرها (احتسبت عند الله) بفتح السين المهملة آخره فوقية بعد الموحدة الساكنة ولأبي ذر عن الكشميهني: إذ (أصبحت ساخطًا على أحياء قريش) أي على قبائلهم (إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة وإن الله أنقذكم) بالقاف والذال المعجمة من ذلك (بالإسلام وبمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بلغ بكم ما ترون) من العزة والكثرة والهداية (وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم إن ذاك الذي بالشأم) يعني مروان بن الحكم (والله إن) بكسر الهمزة وسكون النون (يقاتل إلا على الدنيا وإنّ) بتشديد النون (هؤلاء الذين بين أظهركم) وفي رواية يزيد بن زريع إن الذين حولكم يزعمون أنهم قراؤكم (والله إن يقاتلون إلا على الدنيا وإن ذاك الذي بمكة) يعني عبد الله بن الزبير (والله إن يقاتل إلا على الدنيا) وقوله وإن هؤلاء الخ ثابت في رواية أبي ذر ساقط لغيره. ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الذين عابهم أبو برزة كانوا يظهرون أنهم يقاتلون لأجل القيام بأمر الدين ونصر الحق وكانوا في الباطن إنما يقاتلون لأجل الدنيا. 7113 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ الْيَوْمَ شَرٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانُوا يَوْمَئِذٍ يُسِرُّونَ وَالْيَوْمَ يَجْهَرُونَ. وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) أبو الحسن العسقلاني الخراساني الأصل قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن واصل الأحدب) بن حبان الأسدي الكوفي (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن حذيفة بن اليمان) واسم اليمان حسيل

22 - باب لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور

بضم الحاء وفتح السين المهملتين آخره لام العبسي بالموحدة -رضي الله عنه- أنه (قال: إن المنافقين اليوم شرّ منهم على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانوا يومئذٍ يسرون) الكفر فلا يتعدى شرهم إلى غيرهم (واليوم يجهرون) به فيخرجون على الأئمة ويوقعون الشر بين الفرق فيتعدى شرهم لغيرهم. وعند البزار من طريق عاصم عن أبي وائل قلت لحذيفة: النفاق اليوم شر أم على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: فضرب بيده على جبهته وقال: أوّه هو اليوم ظاهر إنهم كانوا يستخفون على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحديث. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن جهرهم بالنفاق وشهر السلاح على الناس هو القول بخلاف ما بذلوه من الطاعة حين بايعوا أوّلاً من خرجوا عليه آخرًا قاله ابن بطال. والحديث أخرجه النسائي في التفسير. 7114 - حَدَّثَنَا خَلاَّدٌ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِى ثَابِتٍ، عَنْ أَبِى الشَّعْثَاءِ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ النِّفَاقُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَّا الْيَوْمَ فَإِنَّمَا هُوَ الْكُفْرُ بَعْدَ الإِيمَانِ. وبه قال: (حدّثنا خلاد) بفتح المعجمة وتشديد اللام (ابن يحيى) بن صفوان أبو محمد السلمي الكوفيّ قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين ابن كدام الكوفي (عن حبيب بن أبي ثابت) بالحاء المهملة المفتوحة واسم أبي ثابت قيس بن دينار الكوفي (عن أبي الشعثاء) بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة بعدها مثلثة فهمزة ممدودًا سليم بضم السين ابن أسود المحاربي (عن حذيفة) بن اليمان -رضي الله عنه- أنه (قال: إنما كان النفاق) موجودًا (على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأما اليوم) بالنصب (فإنما هو الكفر بعد الإيمان) وفي رواية: فإنما هو الكفر أو الإيمان. وحكى الحميديّ في جمعه أنهما روايتان. قال السفاقسي: كان المنافقون على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم وأما من جاء بعدهم فإنه ولد في الإسلام وعلى فطرته فمن كفر منهم فهو مرتدّ اهـ. ومراد حذيفة نفي اتفاق الحكم لا نفي الوقوع إذ وقوعه ممكن في كل عسر. وإنما اختلف الحكم لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يتألفهم فيقبل ما أظهروه من الإسلام بخلاف الحكم بعده وقيل إن المراد أن التخلف عن بيعة الإمام جاهلية ولا جاهلية في الإسلام. ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن المنافق في هذه الأزمان قال بكلمة الإسلام بعد أن ولد فيه، ثم أظهر الكفر فصار مرتدًّا فدخل في الترجمة من جهة قوليه المختلفين. 22 - باب لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُغْبَطَ أَهْلُ الْقُبُورِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور) بضم التحتية وسكون الغين المعجمة وفتح الموحدة والطاء مهملة والغبطة تمني حال المغبوط مع بقائها له. 7115 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِى مَكَانَهُ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس بن مالك الأصبحي أبو عبد الله المدني إمام دار الهجرة -رحمه الله تعالى- (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الكوفي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول يا ليتني مكانه) أي كنت ميتًا وذلك عند ظهور الفتن وخوف ذهاب الدين لغلبة الباطل وأهله وظهور المعاصي، أو لما يقع لبعضهم من المصيبة في نفسه أو أهله أو دنياه وإن لم يكن في ذلك شيء يتعلق بدينه. وعند مسلم من طريق أبي حازم عن أبي هريرة: لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني مكان صاحب هذا القبر وليس به الدين إلا البلاء الحديث. وعن ابن مسعود قال: سيأتي عليكم زمان لو وجد أحدكم الموت يباع لاشتراه وعليه قول الشاعر: وهذا العيش ما لا خير فيه ... ألا موت يباع فأشتريه وسبب ذلك أنه يقع البلاء والشدة حتى يكون الموت الذي هو أعظم المصائب أهون على المرء فيتمنى أهون المصيبتين في اعتقاده، وذكر الرجل في الحديث للغالب وإلا فالمرأة يمكن أن تتمنى الموت لذلك أيضًا نسأل الله العافية. 23 - باب تَغْيِيرِ الزَّمَانِ حَتَّى يَعْبُدُوا الأَوْثَانَ (باب تغير الزمان) عن حاله الأول (حتى يعبدوا الأوثان) بإسقاط النون لغير جازم لغة. وفي الفرع حتى يعبد بالتحتية المفتوحة

وضم الموحدة ونصب الدال إسقاط الواو وليست هذه في اليونينية ولأبي ذر تعبد بضم الفوقية وفتح الموحدة مبنيًّا للمفعول الأوثان رفع جمع وثن وهو معروف. 7116 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِى الْخَلَصَةِ، وَذُو الْخَلَصَةَ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِى كَانُوا يَعْبُدُونَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: قال سعيد بن المسيب أخبرني) بالإفراد (أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): ولأبوي ذر والوقت أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: (لا تقوم الساعة حتى تضطرب) تتحرك (أليات) بفتح الهمزة واللام التحتية جمع إلية وهي العجيزة (نساء دوس) بفتح المهملة وسكون الواو بعدها سين مهملة قبيلة أبي هريرة المشهورة (على ذي الخلصة) قال ابن دحية: بضم الخاء المعجمة واللام في قول أهل اللغة والسير وبفتحهما قيدناه في الصحيحين، وكذا قال ابن هشام، وقيده أبو الوليد الوقشي بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام أي: لا تقوم الساعة حتى تتحرك أعجاز نساء دوس من الطواف حول ذي الخلصة أي يكفرن ويرجعن إلى عبادة الأصنام، وعند الحاكم عن ابن عمر: لا تقوم الساعة حتى تدافع مناكب نساء بني عامر على ذي الخلصة (وذو الخلصة) هي أو فيها (طاغية دوس) بالطاء المهملة والغين المعجمة أي إن ذا الخلصة هي طاغية دوس أي صنمها لكن سبق في أواخر المغازي أن ذا الخلصة موضع ببلاد دوس فيه صنم اسمه الخلصة وحينئذ فليس ذو الخلصة الطاغية نفسها وحينئذ فيقدر هنا فيها بعد قوله وذو الخلصة أي فيها طاغية دوس فهما اثنان أو واحد (التي كانوا يعبدون) من دون الله (في الجاهلية) قال ابن بطال: وهذا الحديث وما أشبهه ليس المراد به إن الدين ينقطع كله في جميع الأرض حتى لا يبقى منه شيء لأنه ثبت أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة إلا أنه يضعف ويعود غريبًا كما بدأ. والحديث من أفراده. 7117 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِى الْغَيْثِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنى) بالإفراد (سليمان) بن بلال (عن ثور) بفتح المثلثة وسكون الواو بعدها راء ابن زيد الديلمي (عن أبي الغيث) بالغين المعجمة والمثلثة آخره سالم مولى عبد الله بن مطيع (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بعصا. وقحطان بفتح القاف والطاء المهملة بينهما حاء مهملة ساكنة. قال في التذكرة: ولعل هذا الرجل القحطانيّ هو الرجل الذي يقال له الجهجاه المذكور في الحديث الآخر عند مسلم، وأصل الجهجهة الصياح بالسبع يقال: جهجهت بالسبع أي زجرته بالصياح، وهذه الصفة توافق ذكر العصا، وتعقبه في الفتح بإن إطلاق كونه من قحطان ظاهره أنه من الأحرار وتقييده بأن الجهجاه من الموالي يردّ ذلك. وقوله: يسوق الناس بعصاه كناية عن انقيادهم إليه ولم يرد نفس العصا وإنما ضربها مثلاً لطاعتهم له واستيلائه عليهم إلا أن في ذكرها دليلاً على خشونته عليهم وعسفه بهم، وقد قيل: إنه يسوقهم بعصاه كما تساق الإبل والماشية وذلك لشدة عنفه وعدوانه. وسبق في باب ذكر قحطان من مناقب قريش ما رواه نعيم بن حماد في الفتن من طريق أرطأة بن المنذر أحد التابعين من أهل الشأم أن القحطاني يخرج بعد المهدي ويسر على سيرة المهدي، وأخرج أيضًا من طريق عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده مرفوعًا: يكون بعد المهدي القحطاني والذي بعثني بالحق ما هو دونه. قال الحافظ ابن حجر: وهذا الثاني مع كونه مرفوعًا ضعيف الإسناد والأول مع كونه موقوفًا أصلح إسنادًا منه، فإن ثبت ذلك فهو في زمن عيسى ابن مريم لأن عيسى إذا نزل يجد المهدي إمام المسلمين، وفي رواية أرطأة بن المنذر أن القحطاني يعيش في الملك عشرين سنة. واستشكل ذلك بأنه كيف يكون في زمن عيسى يسوق الناس بعصاه والأمر إنما هو لعيسى؟ وأجيب: بجواز أن يقيمه عيسى

24 - باب خروج النار

نائبًا عنه في أمور مهمة عامة. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن سوق القحطاني الناس إنما هو في تغير الزمان وتبدّل أحوال الإسلام لأن هذا الرجل ليس من قريش الذين فيهم الخلافة فهو من فتن الزمان وتبدّل الأحكام. والحديث سبق في مناقب قريش وأخرجه مسلم في الفتن. 24 - باب خُرُوجِ النَّارِ وَقَالَ أَنَسٌ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ». (باب خروج النار) من أرض الحجاز. (وقال أنس) -رضي الله عنه-: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أول أشراط الساعة) بفتح الهمزة علامات قيامها وانتهاء الدنيا وانقضائها (نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب). وهذا سبق موصولاً في إسلام عبد الله بن سلام من طريق حميد في أواخر باب الهجرة. 7118 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَخْبَرَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِىءُ أَعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) بضم الشين المعجمة ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (قال سعيد بن المسيب) المخزومي أحد الأعلام الأثبات الفقهاء الكبار (أخبرني) بالإفراد (أبو هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز) أي تتفجر من أرض الحجاز (تضيء أعناق الإبل ببصرى) بضم الموحدة وفتح الراء مقصورًا ونصب أعناق مفعول تضيء على أنه متعدٍّ والفاعل النار أي تجعل على أعناق الإبل ضوءًا، وبصرى مدينة معروفة بالشام وهي مدينة حوران بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل. وفي كامل ابن عدي من طريق عمر بن سعيد التنوخي عن ابن شهاب عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عمر بن الخطاب رفعه: "لا تقوم الساعة حتى يسيل وادٍ من أودية الحجاز بالنار تضيء له أعناق الإبل ببصرى". قال في الفتح: وعمر ذكره ابن حبان في الثقات وليّنه ابن عدي والدارقطني، وهذا ينطبق على النار المذكورة التي ظهرت بالمدينة في المائة السابعة وتقدمتها كما قال القطب القسطلاني -رحمه الله- في كتابه جمل الإيجاز في الإعجاز بنار الحجاز زلزلة اضطراب الناقلون في تحقيق اليوم الذي ابتدأت فيه، فالأكثرون أن ابتداءها كان يوم الأحد مستهل جمادى الآخرة من سنة أربع وخمسين وستمائة، وقيل: ابتدأت ثالث الشهر وجمع بأن القائل بالأول قال: كانت خفيفة إلى ليلة الثلاثاء بيومها ثم ظهرت ظهورًا اشترك فيه الخاص والعام واشتدت حركتها، وعظمت رجفتها، وارتجت الأرض بمن عليها، وعجّت الأصوات لبارئها تتوسل أن ينظر إليها، ودامت حركة بعد حركة، حتى أيقن أهل المدينة بالهلكة، وزلزلوا زلزالاً شديدًا، فلما كان يوم الجمعة في نصف النّهار ثار في الجوّ دخان متراكم أمره متفاقم ثم شاع شعاع النار وعلا حتى غشى الأبصار. وقال القرطبي في تذكرته: كان بدؤها زلزلة عظيمة ليلة الأربعاء ثالث جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة إلى ضحى النهار يوم الجمعة فسكنت بقريظة عند قاع التنعيم بطرف الحرة ترى في صورة البلد العظيم عليها سور محيط بها عليه شراريف كشراريف الحصون وأبراج ومآذن، ويرى رجال يقودونها لا تمر على جبل إلاّ دكته وأذابته، ويخرج من مجموع ذلك نهر أحمر ونهر أزرق له دويّ كدويّ الرعد يأخذ الصخور والجبال بين يديه وينتهي إلى محط المركب العراقي، فاجتمع من ذلك ردم صار كالجبل العظيم وانتهت النار إلى قرب المدينة، وكان يأتي المدينة ببركة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نسيم بارد ويشاهد من هذه النار غليان كغليان البحر وانتهت إلى قرية من قرى اليمن فأحرقتها، وقال لي بعض أصحابنا: لقد رأيتها صاعدة في الهواء من نحو خمسة أيام من المدينة وسمعت أنها رُئيَت من مكة ومن جبال بصرى. وقال أبو شامة: وردت كتب من المدينة في بعضها أنه ظهر نار بالمدينة انفجرت من الأرض وسال منها وادٍ من نار حتى حاذى جبل أُحُد وفي آخر سأل منها وادٍ مقداره أربعة فراسخ وعرضه أربعة أميال يجري على وجه الأرض يخرج منها مهاد وجبال صغار، وقال في جمل الإيجاز: وحكى لي جمع ممن حضر: إن النفوس سكرت من حلول الرجل، وفنيت من ارتقاب نزول الأجل، وعجّ

25 - باب

المجاورون في الجؤار بالاستغفار، وعزموا على الإقلاع عن الإصرار والتوبة عما اجترحوا من الأوزار، وفزعوا إلى الصدقة بالأموال، فصرفت عنهم النار ذات اليمين وذات الشمال وظهر حسن بركة نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أمته وُيمن طلعته في رفقته بعد فرقته، فقد ظهر أن النار المذكورة في حديث الباب هي النار التي ظهرت بنواحي المدينة كما فهمه القرطبي وغيره ويبقى النظر هل هي من داخل التنفس أو من خارج كصاعقة نزلت والظاهر الأول، ولعل التنفس حصل من الأرض لما تزلزلت، وتزايلت عن مركزها الأول وتخلخلت. وقد تضمن الحديث في ذكر النار ثلاثة أمور: خروجها من الحجاز، وسيلان وادٍ منه بالنار وقد وجدا، وأما الثالث وهو إضاءة أعناق الإبل ببصرى فقد جاء من أخبر به فإذا ثبت هذا فقد صحّت الإمارات وتمت العلامات وإن لم يثبت فيحمل إضاءة أعناق الإبل ببصرى على وجه المبالغة، وذلك في لغة العرب سائغ. وفي باب التشبيه في البلاغة بالغ وللعرب في التصرف في المجاز ما يقتضي للغتها بالسبق في الإعجاز، وعلى هذا يكون القصد بذلك التعظيم لشأنها والتفخيم لمكانها والتحذير من فورانها وغليانها، وقد وجد ذلك على وفق ما أخبر وقد جاء من أخبر أنه أبصرها من تيماء وبصرى على مثل ما هي من المدينة في البعد فتعين أنها المراد وارتفع الشك والعناد، وأما النار التي تحشر الناس فنار أخرى. وحديث الباب من أفراده. 7119 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِىُّ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَدِّهِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُوشِكُ الْفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ فَمَنْ حَضَرَهُ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا». قَالَ عُقْبَةُ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ: «يَحْسِرُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن سعيد الكندي) بكسر الكاف وسكون النون أبو سعيد الأشج معروف بكنيته وصفته قال: (حدّثنا عقبة بن خالد) الكوفي الحافظ قال: (حدّثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري (عن خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة وبعد التحتية الساكنة موحدة أخرى ابن خبيب بن يساف الأنصاري (عن جده حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب والضمير لعبيد الله بن عمر لا لشيخه (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يوشك) بكسر المعجمة يقرب (الفرات) النهر المشهور وتاؤه مجرورة على المشهور (أن يحسر) بفتح التحتية وسكون الحاء وكسر السين المهملتين آخره راء يكشف (عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئًا) بجزم فلا يأخذ على النهي، وإنما نهى عن الأخذ منه لما ينشأ عن الأخذ من الفتنة والقتال عليه. وفي مسلم يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقبل عليه الناس فيقتل من المائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل منهم: لعليّ أكون أنا الذي أنجو والأصل أن يقول: أنا الذي أفوز به فعدل إلى قوله أنجو لأنه إذا نجا من القتل تفرّد بالمال وملكه. والحديث أخرجه مسلم في الفتن وأبو داود في الملاحم والترمذي في صفة الجنة. (قال عقبة) بن خالد اليشكري بالسند المذكور: (وحدّثنا عبيد الله) بضم العين العمري المذكور قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله). مثل الحديث السابق (إلا أنه قال: يحسر) أي الفرات (عن جبل من ذهب) بدل قوله: عن كنز وأشار به أيضًا إلى أن لعبيد الله العمري فيه إسنادين. 25 - باب (باب) بالتنوين بلا ترجمة فهو كالفصل من سابقه. 7120 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا مَعْبَدٌ قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا فَسَيَأْتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَمْشِى الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلاَ يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا». قَالَ مُسَدَّدٌ: حَارِثَةُ أَخُو عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لأُمِّهِ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ الله. وبهِ قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج أنه قال: (حدّثنا معبد) بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة ابن خالد القاص (قال: سمعت حارثة بن وهب) بالحاء المهملة والمثلثة الخزاعي -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (تصدّقوا فسيأتي على الناس زمان يمشي بصدقته) وللكشميهني يمشي الرجل بصدقته (فلا يجد من يقبلها) زاد في باب الصدقة قبل الرد من الزكاة يقول الرجل لو جئت بها بالأمس لقبلتها فأما اليوم فلا حاجة لي بها، وهذا إنما يكون في الوقت الذي يستغني الناس فيه عن

المال لاشتغالهم بأنفسهم عند الفتنة، وهذا في زمن الدجال؛ أو يكون ذلك لفرط الأمن والعدل البالغ بحيث يستغني كل أحد بما عنده عما عند غيره وهذا يكون في زمن المهدي وعيسى، أما عند خروج النار التي تسوقهم إلى المحشر فلا يلتفت أحد إلى شيء بل يقصد نجاة نفسه ومن استطاع من أهله وولده، ويحتمل أن يكون يمشي بصدقته الخ. وقع في خلافة عمر بن عبد العزيز فلا يكون من أشراط الساعة. وفي تاريخ يعقوب بن سفيان من طريق -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بسند جيد قال: لا والله ما مات عمر بن عبد العزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء فما نبرح حتى يرجع بماله فيتذكر من يضعه فيهم فلا يجده فيرجع به قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس وسبب ذلك بسط عمر بن عبد العزيز العدل وإيصال الحقوق كلها إلى أهلها حتى استغنوا. (قال) ولأبي ذر وقال (مسدد) المذكور (حارثة) بن وهب (أخو عبيد الله) بضم العين (ابن عمر لأمه) -رضي الله عنه- هي أم كلثوم بنت جرول بن مالك بن المسيب بن ربيعة بن أصرم الخزاعية ذكرها ابن سعد قال: وكان الإسلام فرّق بينها وبين عمر (قاله) أي قول مسدد هذا (أبو عبد الله) البخاري نفسه وهذا أي قوله قاله أبو عبد الله ثابت في رواية أبي ذر عن المستملي. 7121 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلاَثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهْوَ الْقَتْلُ وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ، فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيَقُولَ الَّذِى يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ لاَ أَرَبَ لِى بِهِ، وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِى الْبُنْيَانِ، وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِى مَكَانَهُ وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَانِهَا خَيْرًا، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلاَنِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلاَ يَتَبَايَعَانِهِ وَلاَ يَطْوِيَانِهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلاَ يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهْوَ يُلِيطُ حَوْضَهُ فَلاَ يَسْقِى فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلاَ يَطْعَمُهَا». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن عبد الرحمن) بن هرمز الأعرج (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان) تقدم أن المراد بهما عليّ ومن معه، ومعاوية ومن معه (تكون بينهما مقتلة عظيمة) ذكر ابن أبي خيثمة أن الذي قتل من الفريقين سبعون ألفًا وقيل أكثر (دعوتهما واحدة) كل واحدة منهما تدعو إلى الإسلام وتتأوّل كل فرقة أنها محقة ويؤخذ منه الرد على الخوارج ومن معهم في تكفيرهم كلاًّ من الطائفتين، وفي رواية دعواهما واحدة أي دينهما واحد، فالكل مسلمون بدعوة الإسلام عند الحرب وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكان سبب تقاتل الطائفتين ما أخرجه يعقوب بن سفيان بسند جيد عن الزهري قال: لما بلغ معاوية غلبة عليّ على أهل الجمل دعا إلى الطلب بدم عثمان -رضي الله عنه- فأجابه أهل الشأم فسار إليه علي -رضي الله عنه- فالتقيا بصفين. وذكر يحيى بن سليمان الجعفي أحد شيوخ البخاري في كتاب صفين من تأليفه بسند جيد عن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية: أأنت تنازع عليًّا في الخلافة أو أنت مثله؟ قال: لا وإني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان -رضي الله عنه- قتل مظلومًا وأنا ابن عمه ووليه أطلب بدمه فأْتوا عليًّا فقولوا له يدفع لنا قتلة عثمان فأتوه فكلموه فقال: يدخل في البيعة ويحاكمهم إليّ فامتنع معاوية -رضي الله عنه- فسار عليّ والجيوش من العراق حتى نزلوا صفين، وصار معاوية حتى نزل هناك، وذلك في ذي الحجة سنة ست وثلاثين فتراسلوا فلم يتم لهم أمر، فوقع القتال إلى أن قتل من الفريقين من قتل، وعند ابن سعد أنهم اقتتلوا في غرة صفر فلما كاد أهل الشأم أن يغلبوا رفعوا المصاحف بمشورة عمرو بن العاص ودعوا إلى ما فيها فآل الأمر إلى الحكمين فجرى ما جرى من اختلافهما واستبداد معاوية بملك الشام واشتغال عليّ بالخوارج. (و) لا تقوم الساعة (حتى يبعث) يظهر (دجالون) بفتح الدال المهملة والجيم المشددة جمع دجال يقال دجل فلان الحق بباطله أي غطاه، ومنه أخذ الدجال ودجله سحره وقيل سمي الدجال دجالاً لتمويهه على الناس وتلبيسه يقال دجل إذا موّه ولبس والدجال يطلق في اللغة على أوجه كثيرة منها الكذب كما قال هنا دجالون (كذابون) ولا يجمع ما كان على فعال جمع تكسير عند جماهير النحاة لئلا يذهب بناء المبالغة منه فلا يقال إلا دجالون

كما قال عليه الصلاة والسلام وإن كان قد جاء مكسرًا فهو شاذ كما قال مالك بن أنس -رحمه الله- في محمد بن إسحاق إنما هو دجال من الدجاجلة. قال عبد الله بن إدريس الأودي: وما علمت أن دجالاً يجمع على دجاجلة حتى سمعتها من مالك بن أنس -رضي الله عنه- وهؤلاء الكذابون عددهم (قريب من ثلاثين). وفي حديث حذيفة -رضي الله عنه- عند أبي نعيم وقال حديث غريب تفرّد به معاوية بن هشام: يكون في أمتي دجالون كذّابون سبعة وعشرون منهم أربع نسوة، وأخرجه أحمد بسند جيد. وفي حديث ثوبان عند أبي داود والترمذي وصححه ابن حبان وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون (كلهم يزعم أنه رسول الله) زاد ثوبان: وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ولأحمد وأبي يعلى عن ابن عمر وثلاثون كذابون أو أكثر، وعنه عند الطبراني: لا تقوم الساعة حتى يخرج سبعون كذّابًا وسندهما ضعيف وعلى تقدير الثبوت فيحمل على المبالغة في الكثرة لا التحديد، وأما رواية الثلاثين بالنسبة لرواية سبع وعشرين فعلى طريق جبر الكسر وقد ظهر ما في هذا الحديث فلو عدّ من ادّعى النبوة من زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن اشتهر بذلك واتبعه جماعة على ضلاله لوجد هذا العدد ومن طالع كتب الأخبار والتواريخ وجد ذلك والفرق بين هؤلاء وبين الدجال الأكبر أنهم يدّعون النبوّة وذلك يدّعي الإلهية مع اشتراك الكل في التمويه وادّعاء الباطل العظيم. (و) لا تقوم الساعة (حتى يقبض العلم) بقبض العلماء وقد وقع ذلك فلم يبق إلا رسمه (وتكثر الزلازل) وقد أكثر ذلك في البلاد الشمالية والشرقية والغربية حتى قيل إنها استمرت في بلدة من بلاد الروم التي للمسلمين ثلاثة عشر شهرًا، وفي حديث سلمة بن نفيل عند أحمد وبين يدي الساعة سنوات الزلازل (ويتقارب الزمان) عند زمان المهدي لوقوع الأمن في الأرض فيستلذ العيش عند ذلك لانبساطه عدله فتستقصر مدته لأنهم يستقصرون مدة أيام الرخاء وإن طالت ويستطيلون مدة أيام الشدّة وإن قصرت، أو المراد يتقارب أهل الزمان في الجهل فيكونون كلهم جهلاء، أو المراد الحقيقة بأن يعتدل الليل والنهار دائمًا بأن تنطبق منطقة البروج على معدّل النهار (وتظهر الفتن) أي تكثر وتشتهر فلا تكتم (ويكثر الهرج) بفتح الهاء وسكون الراء بعدها جيم (وهو القتل) في رواية ابن أبي شيبة قالوا: يا رسول الله وما الهرج؟ قال: "القتل" وهو صريح في أن تفسير الهرج مرفوع، ولا يعارضه كونه جاء موقوفًا في غير هذه الرواية ولا كونه بلسان الحبشة (وحتى يكثر فيكم المال فيفيض) بالنصب عطفًا على سابقه أي يكثر حتى يسيل (حتى يهم) بضم التحتية وكسر الهاء وتشديد الميم يحزن (رب المال) مالكه (من) أي الذي (يقبل صدقته) فرب مفعول يهم والموصول مع صلته فاعله (وحتى يعرضه) قال الطيبي: معطوف على مقدر المعنى حتى يهم طلب من يقبل الصدقة صاحب المال في طلبه حتى يجده وحتى يعرضه (فيقول) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يعرضه عليه فيقول (الذي يعرضه عليه لا أرب) أي لا حاجة (لي به). قال القرطبي في تذكرته: هذا مما لم يقع بل يكون فيما يأتي، وقال في الفتح: التقييد بقوله فيكم يُشعِر بأنه في زمن الصحابة فهو إشارة إلى ما فتح لهم من الفتوح؛ واقتسامهم أموال الفرس والروم، وقوله فيفيض إلخ إشارة إلى ما وقع في زمن عمر بن عبد العزيز أن الرجل كان لا يجد من يقبل صدقته كما مرّ، وقوله حتى يعرضه إلغ إشارة إلى ما سيقع زمن عيسى فيكون فيه إشارة إلى ثلاثة أحوال: الأولى: كثرة المال فقط في زمن الصحابة. الثانية: فيضه بحيث يكثر فيحصل استغناء كل أحد عن أخذ مال غيره ووقع ذلك في زمن عمر بن عبد العزيز. الثالثة: كثرته وحصول الاستغناء عنه حتى يهم صاحب المال لكونه لا يجد من يقبل صدقته ويزداد بأنه يعرضه على غيره ولو كان يستحق الصدقة فيأبى أخذه، وهذا في زمن عيسى عليه السلام، ويحتمل أن يكون هذا الأخير عند خروج النار واشتغال الناس

بالحشر. (وحتى يتطاول الناس في البنيان) بأن يريد كلٌّ ممن يبني أن يكون ارتفاعه أعلى من ارتفاع الآخر أو المراد المباهاة به في الزينة والزخرفة أو أعم من ذلك وقد وجد الكثير من ذلك وهو في ازدياد (وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه) لما يرى من عظيم البلاء ورياسة الجهلاء وخمول العلماء واستيلاء الباطل في الأحكام وعموم الظلم واستحلال الحرام والتحكم بغير حق في الأموال والأعراض والأبدان ما في هذه الأزمان فقد علا الباطل على الحق وتغلب العبيد على الأحرار من سادات الخلق فباعوا الأحكام ورضي بذلك منهم الحكام، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه. (و) لا تقوم الساعة (حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا) وفي هذه الآية بحوث حسنة تتعلق بعلم العربية وعليها تنبني مسائل من أصول الدين، وذلك أن المعتزلي يقول مجرد الإيمان الصحيح لا يكفي بل لا بدّ من انضمام عمل يقترن به ويصدقه، واستدلّ بظاهر هذه الآية كما قال في الكشاف لم تكن آمنت من قبل صفة لقوله نفسًا، وقوله: أو كسبت في إيمانها خيرًا عطف على آمنت، والمعنى أن أشراط الساعة إذا جاءت وهي آيات ملجئة مضطرة ذهب أو أن التكليف عندها فلم ينفع الإيمان حينئذ نفسًا غير مقدمة إيمانها قبل ظهور الآيات أو مقدمة إيمانها غير كاسبة خيرًا في إيمانها فلم يفرق كما ترى بين النفس الكافرة إذا آمنت في غير وقت الإيمان وبين النفس التي آمنت في وقته ولم تكسب خيرًا ليعلم أن قوله: {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [البقرة: 25] جمع بين قرينتين لا ينبغي أن تنفك إحداهما عن الأخرى حتى يفوز صاحبهما وسعد وإلاّ فالشقوة والهلاك اهـ. وقد أجيب عن هذا الظاهر بأن المعنى بالآية الكريمة أنه إذا أتى بعض الآيات لا ينفع نفسًا كافرة إيمانها الذي أوقعته إذ ذاك ولا ينفع نفسًا سبق إيمانها وما كسبت فيه خيرًا فقد علّق نفي الإيمان بأحد وصفين إما نفي سبق الإيمان فقط، وإما سبقه مع نفي كسب الخير ومفهومه أنه ينفع الإيمان السابق وحده أو السابق ومعه الخير ومفهوم الصفة قوي فيستدل بالآية لمذهب أهل السُّنّة فقد قلبوا دليلهم عليهم. وقال ابن المنير ناصر الدين: هو يروم الاستدلال على أن الكافر والعاصي في الخلود سواء حيث سوى في الآية بينهما في عدم الانتفاع بما يستدر كأنه بعد ظهور الآيات ولا يتم ذلك فإن هذا الكلام في البلاغة يلقب باللف وأصله: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن مؤمنة قبل إيمانها بعد ولا نفسًا لم تكسب خيرًا قبل ما تكسبه من الخير بعد فلف الكلامين فجعلهما كلامًا واحدًا إيجازًا وبلاغة ويظهر بذلك أنها لا تخالف مذهب الحق فلا ينفع بعد ظهور الآيات اكتساب الخير، وإن نفع الإيمان المتقدم من الخلود فهي بالرد على مذهبه أولى من أن تدل له. وعند ابن مردويه عن عبد الله بن أبي أوفى قال: سمعت رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: ليأتين على الناس ليلة تعدل ثلاث ليال من لياليكم هذه فإذا كان ذلك يعرفها المتنفلون يقوم أحدهم فيقرأ حزبه ثم ينام ثم يقوم فيقرأ حزبه ثم ينام ثم يقوم فبينما هم كذلك هاج الناس بعضهم في بعض فقالوا: ما هذا فيفزعون إلى المساجد فإذا هم بالشمس قد طلعت من مغربها فيضج الناس ضجة واحدة حتى إذا صارت في وسط السماء رجعت وطلعت من مطلعها قال حينئذ لا ينفع نفسًا إيمانها. قال ابن كثير: هذا حديث غريب من هذا الوجه وليس هو في شيء من الكتب الستة. (ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما) بغير تحتية بعد الموحدة في ثوبهما ليتبايعاه (فلا يتبايعانه ولا يطويانه). وعند الحاكم من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل الترس فما تزال ترتفع حتى تملأ السماء ثم ينادي مُنادٍ

26 - باب ذكر الدجال

يا أيها الناس ثلاثًا يقول في الثالثة أتى أمر الله قال والذي نفسي بيده إن الرجلين لينشران الثوب بينهما فما يطويانه". الحديث. (ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته) بكسر اللام وسكون القاف بعدها حاء مهملة واللقحة اللبون من النوق (فلا يطعمه) أي فلا يشربه (ولتقومن الساعة وهو يليط) بضم التحتية وكسر اللام بعدها تحتية ساكنة فطاء مهملة أي يصلح بالطين (حوضه) فيسد شقوقه ليملأه ويسقي منه دوابه (فلا يسقي منه) أي تقوم الساعة قبل أن يسقي فيه (ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته) بضم الهمزة لقمته (إلى فيه) إلى فمه (فلا يطعمها) أي تقوم الساعة قبل أن يضع لقمته في فيه أو قبل أن يمضغها أو يبتلعها. وعند البيهقي عن أبي هريرة رفعه: تقوم الساعة على رجل أكلته في فيه يلوكها فلا يسيغها ولا يلفظها. وهذا كله إشارة إلى أن الساعة تقوم بغتة وأسرعها رفع اللقمة إلى الفم. والحديث من أفراده. 26 - باب ذِكْرِ الدَّجَّالِ (باب ذكر الدجال) بتشديد الجيم فعال من أبنية المبالغة أي يكثر منه الكذب والتلبيس وهو الذي يظهر في آخر الزمان يدّعي الإلهية ابتلى الله به عباده وأقدره على أشياء من مخلوقاته كإحياء الميت الذي يقتله وإمطار السماء وإنبات الأرض بأمره ثم يعجزه الله بعد ذلك فلا يقدر على شيء، ثم يقتله عيسى عليه السلام وفتنته عظيمة جدًّا تدهش العقول وتحير الألباب. 7122 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى قَيْسٌ قَالَ: قَالَ لِى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الدَّجَّالِ مَا سَأَلْتُهُ وَإِنَّهُ قَالَ لِى: «مَا يَضُرُّكَ مِنْهُ» قُلْتُ: لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ مَعَهُ جَبَلَ خُبْزٍ وَنَهَرَ مَاءٍ قَالَ: «هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد قال: (حدّثني) بالإفراد (قيس) هو ابن أبي حازم (قال: قال لي المغيرة بن شعبة) -رضي الله عنه- (ما سأل أحد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الدجال ما سألته) ولأبي ذر أكثر ما سألته (وإنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال لي): (ما يضرك منه)؟ أي من الدجال (قلت) يا رسول الله الخشية منه (لأنهم) ولأبي ذر عن الحموي أنهم (يقولون: إن معه جبل خبز) بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة بعدها زاي أي معه من الخبز قدر الجبل، وعند مسلم من رواية هشيم جبال خبز ولحم (ونهر ماء) بفتح النون والهاء وتسكن (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هو أهون على الله) من أن يجعل شيئًا (من ذلك) آية على صدقه لا سيما وقد جعل الله فيه آية ظاهرة في كذبه وكفره يقرؤها من قرأ ومن لم يقرأ زيادة على شواهد كذبه من حدثه ونقصه بالعور، وليس المراد ظاهره وأنه لا يجعل على يديه شيئًا من ذلك بل هو على التأويل المذكور. والحديث أخرجه مسلم وابن ماجة في الفتن. 7123 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَجِىءُ الدَّجَّالُ حَتَّى يَنْزِلَ فِى نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ كُلُّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ». وبه قال: (حدّثنا سعد بن حفص) بسكون العين الطلحي مولاهم أبو محمد الكوفي وزيادة التحتية بعد العين تحريف قال: (حدّثنا شيبان) بالشين المعجمة المفتوحة بعدها تحتية ساكنة فموحدة فألف فنون ابن عبد الرحمن النحوي المؤدب التميمي مولاهم البصري أبو معاوية (عن يحيى) بن أبي كثير (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن) عمه (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يجيء الدجال) من أرض بالمشرق يقال لها خراسان (حتى ينزل في ناحية المدينة) ولابن ماجة نزل عند الطريق الأحمر عند منقطع السبخة (ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات) بفتح الجيم (فيخرج إليه كل كافر ومنافق). قيل: والمراد بالكافر غلاة الروافض لأنهم كفرة. والحديث من أفراده. 7124 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَلَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد (عن جده) إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (عن أبي بكرة) نفيع -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال) المسيح بالحاء المهملة لا بالمعجمة وقال صاحب القاموس إنه اجتمع له من الأقوال في سبب تسمية المسيح خمسون قولاً (ولها) أي المدينة (يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان) زاد الحاكم من رواية الزهري عن طلحة بن عبيد الله بن عوف عن عياض بن مسافع عن أبي بكرة يذبّان عنه رعب المسيح. وهذا الحديث ثابت هنا

في رواية أبي الوقت وأبي ذر عن المستملي وحده ساقط لغيرهما. 7125 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أُرَاهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- قال البخاري (أراه) بضم الهمزة أظنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط قوله أراه الخ للمستملي وأبي زيد المروزي وأبي أحمد الجرجاني فيصير موقوفًا لكنه في الأصل مرفوع كما في مسلم (قال): إن الدجال (أعور عين اليمنى) من إضافة الموصوف إلى الصفة على رأي الكوفيين أو مؤوّل على الحذف أي أعور عين الجهة اليمنى (كأنها عنبة طافية) بلا همز ناتئة ولم يذكر الموصوف بذلك ومثله عند الإسماعيلي لكنه قال في آخره يعني الدجال. وهذا الحديث ساقط هنا من رواية الحموي. 7126 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيحِ لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ». وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ الْبَصْرَةَ فَقَالَ لِى أَبُو بَكْرَةَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا محمد بن بشر) بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة العبدي قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين آخره راء ابن كدام الكوفي قال: (حدّثنا سعد بن إبراهيم) بسكون العين (عن أبيه) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي بكرة) نفيع -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يدخل المدينة رعب المسيح) الدجال (لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب) ولأبي ذر عن الكشميهني لكل باب (ملكان) يحرسونها منه. وهذا الحديث ثبت للمستملي وحده. (وقال ابن إسحاق) محمد صاحب المغازي مما وصله الطبراني في الأوسط من رواية محمد بن سلمة الحراني عنه (عن صالح بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبيه قال: قدمت البصرة فقال لي أبو بكرة) نفيع (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) أي أصل الحديث السابق وتمامه كما في الطبراني بعد قوله فلقيت أبا بكرة فقال: أشهد أني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "كل قرية يدخلها فزع الدجال إلا المدينة يأتيها ليدخلها فيجد على بابها ملكًا مصلتًا بالسيف فيردّ عنها". قال الطبراني: لم يروه عن أبي صالح إلا ابن إسحاق، وأراد المؤلّف بذكر هذا هنا ثبوت لقاء إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف لأبي بكرة لأن إبراهيم مدني وقد تستنكر روايته عن أبي بكرة لأنه نزل البصرة من عهد عمر إلى أن مات. وهذا التعليق ثابت في رواية المستملي والكشميهني. 7127 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: «إِنِّى لأُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِىٍّ إِلاَّ وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّى سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلاً لَمْ يَقُلْهُ نَبِىٌّ لِقَوْمِهِ إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم) بن سعد (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم عن عبد الله أن) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال): (إني لأنذركموه) بضم الهمزة وكسر المعجمة (وما من نبي إلا وقد أنذره قومه) تحذيرًا لهم من فتنته. وفي حديث أبي عبيدة بن الجراح عند أبي داود وحسّنه الترمذي: لم يكن نبي بعد نوح إلا وقد أنذر قومه الدجال. وعند أحمد من وجه آخر عن ابن عمر لقد أنذره نوح أمته والنبيون من بعده وإنما أنذر نوح وغيره أمته به وإن كان إنما يخرج بعد وقائع وأن عيسى يقتله لأنهم أنذروا به إنذارًا غير معين بوقت خروجه فحذروا قومهم فتنته، ويدل له قول نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض طرق الحديث: إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه فقد حملوه على أنه كان قبل أن يعلم وقت خروجه وعلاماته فكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجوّز أن يكون خروجه في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم أعلمه الله بعد ذلك فأخبر به أمته وخصّ نوحًا بالذكر لأنه مقدم المشاهير من الأنبياء كما خصّ بالتقديم في قوله تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا} [الشورى: 13] (ولكني) وللكشميهني ولكن (سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه) والسر في تخصيصه عليه الصلاة والسلام بذلك لأن الدجال إنما يخرج في أمته دون غيرها من الأمم (إنه أعور وإن الله ليس بأعور) يحتمل أن أحدًا من الأنبياء غير نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يخبر بأنه أعور أو أخبر ولم يقدر له أن يخبر به كرامة لنبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يكون

هو الذي يبين بهذا الوصف دحوض حجته الداحضة ويبصر بأمره جهال العوام فضلاً عن ذوي الألباب والأفهام. 7128 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ يَنْطُفُ أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابْنُ مَرْيَمَ ثُمَّ ذَهَبْتُ، أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ جَسِيمٌ أَحْمَرُ جَعْدُ الرَّأْسِ، أَعْوَرُ الْعَيْنِ كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ قَالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري ونسبه لجده قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام الفقيه الفهمي أبو الحارث المصري (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي بفتح الهمزة وسكون التحتية وكسر اللام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سالم عن أبيه عن عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بينا) بغير ميم (أنا نائم أطوف) زاد في التعبير رأيتني أطوف (بالكعبة فإذا رجل آدم) بمدّ الهمزة أسمر (سبط الشعر) بفتح المهملة وسكون الموحدة وتكسر مسترسله غير جعد (ينطف) بضم الطاء المهملة في الفرع بكسرها يقطر (أو) قال (يهراق) بفتح الهاء بعد ضم التحتية والشك من الراوي (رأسه ماء) وفي رواية مالك له لمة قد رجلها فهي تقطر ماء واللمة بكسر اللام شعر الرأس وكأنه يقطر من الذي سرحه به أو أن المراد الاستعارة وكني بذلك عن مزيد النظافة والنضارة (قلت: من هذا؟ قالوا: ابن مريم) عيسى عليهما السلام (ثم ذهبت ألتفت فإذا رجل جسيم أحمر) اللون (جعد) شعر (الرأس) بفتح الجيم وسكون العين المهملة (أعور العين كأن عينه عنبة طافية) بارزة وهي غير الممسوحة وهي بغير همز على الراجح ولبعضهم بالهمز أي ذهب ضوءها. قال القاضي عياض: رويناه عن الأكثر بغير همز وهو الذي صححه الجمهور وجزم به الأخفش، ومعناه أنها ناتئة نتوء حبة العنب من بين أخواتها وضبطه بعضهم بالهمزة وأنكره بعضهم، ولا وجه لإنكاره فقد جاء في آخر أنه ممسوح العين مطموسة وليست حجراء ولا ناتئة رواه أبو داود وهذه صفة حبة العنب إذا سال ماؤها. وقال في الفتح: والصواب أنه بغير همز لأنه قيده في رواية الباب بأنها اليمنى وصرح في حديث ابن مغفل وسمرة بأن اليسرى ممسوحة والطافية البارزة. قال: والعجب ممن يجوّز الهمز وعدمه مع تضادّ المعنى في حديث واحد فلو كان ذلك في حديثين لسهل الأمر وزاد في رواية حنظلة اليمنى وكذا في رواية شعيب عند المؤلّف في التعبير وفي مسلم عن حذيفة: أعور عين اليسرى، ومقتضاه أن كلاًّ من عينيه عوراء. وفي حديث حذيفة أيضًا مطموس العين عليها ظفرة غليظة. وفي حديث سعيد عند أحمد والطبراني أعور عينه اليسرى بعينه اليمنى ظفرة غليظة والظفرة تغشى العين إذا لم تقطع عميت العين. وفي حديث عبد الله بن مغفل عند الطبراني ممسوح العين، وفي حديث أبي سعيد عند أحمد وعينه اليمنى عوراء جاحظة كأنها نخاعة في أصل حائط مجصص وعينه اليسرى كأنها كوكب دريّ فوصف عينيه معًا، والمراد بوصفها بالكوكب شدة اتقادها وعند أحمد والطبراني من حديث أبيّ بن كعب إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء وهو يوافق وصفها بالكوكب، وظاهر هذه الروايات التضاد لكن وصف اليمنى بالعور أرجح لاتفاق الشيخين عليه من حديث ابن عمر، ويحتمل أن يكون كل من عينيه عوراء فإحداهما بما أصابها من الظفرة الغليظة المذهبة للإدراك والأخرى من أصل الخلقة فيكون الدجال أعمى أو قريبًا منه لكن وصف إحداهما بالكوكب الدري يرد هذا الاحتمال، فالأقرب أن الذي ذهب ضوءها هي المطموسة الممسوحة والأخرى معيبة بارزة معها بقاء ضوء فلا تنافي لأن كثيرًا ممن يحدث له النتوء يبقى معه الإدراك فيكون الدجال من هذا القبيل. وعند الطبراني من حديث عبد الله بن مغفل أنه أدم فيجمع بينه وبين وصفه هنا بأنه أحمر بأن أدمته صافية ولا ينافي أن يوصف مع ذلك بالحمرة لأن كثيرًا من الأدم قد تحمر وجنته. (قالوا: هذا الدجال) قال في الفتح: لم أقف على اسم القائل معينًا (أقرب الناس به شبهًا) بفتح المعجمة والموحدة (ابن قطن) بفتح القاف والطاء المهملة بعدها نون اسمه عبد العزى بن قطن بن عمرو بن جندب بن سعيد بن عائذ

بن مالك بن المصطلق واسم أمه هالة بنت خويلد قاله الدمياطي والمحفوظ أنه هلك في الجاهلية كما قاله الزهري (رجل من خزاعة). والحديث سبق في التعبير. 7129 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَعِيذُ فِى صَلاَتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى بن عمر بن أويس الأويسي المدني قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين القرشي (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (أن عائشة) -رضي الله عنها- (قالت: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستعيذ) بالله تعالى (في صلاته من فتنة الدجال) تعليمًا لأمته إذ لا فتنة أعظم من فتنته. والحديث سبق في الصلاة. 7130 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنِى أَبِى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ رِبْعِىٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِى الدَّجَّالِ: «إِنَّ مَعَهُ مَاءً وَنَارًا فَنَارُهُ مَاءٌ بَارِدٌ وَمَاؤُهُ نَارٌ» قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة العتكي مولاهم المروزي قال: (أخبرني) بالإفراد (أبي) عثمان (عن شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك) بن عمير الكوفي (عن ربعي) بكسر الراء وسكون الموحدة ابن حراش بكسر الحاء المهملة آخره شين معجمة (عن حذيفة) بن اليمان -رضي الله عنه- (عن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال في) شأن (الدجال): (إن معه ماءً ونارًا فناره) التي يراها الرائي نارًا (ماء بارد) في نفس الأمر (وماؤه) الذي يراه ماء (نار) في نفس الأمر فذلك راجع إلى اختلاف المرئي بالنسبة إلى الرائي، فيحتمل أن يكون الدجال ساحرًا فيخيل الشيء بصورة عكسه. قال في الكواكب، فإن قلت: النار كيف تكون ماء وهما حقيقتان مختلفتان؟ وأجاب: بأن المعنى ما صورته نعمة ورحمة فهو في الحقيقة لمن مال إليه نقمة وبالعكس، وفي رواية أبي مالك الأشجعي عن ربعي عند مسلم فإما أدركن أحدًا فليأت النهر الذي يراه نارًا وليغمض ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه فإنه ماء بارد، وفي رواية شعيب بن صفوان عن عبد الملك عن ربعي عن عقبة بن عمرو أبي مسعود الأنصاري عند مسلم فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه نارًا فإنه ماء عذب طيب، وفي مسلم أيضًا عن أبي هريرة -رضي الله عنه- وأنه يجيء معه مثل الجنة والنار فالتي يقول إنها جنة هي النار وهذا من فتنته التي امتحن الله بها عباده فيحق الحق ويبطل الباطل ثم يفضحه ويظهر للناس عجزه. (قال ابن مسعود) عبد الله: (أنا سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كذا في الفرع ابن بالنون بعد الموحدة مصلحة على كشط والذي في اليونينية وغيرها أبو مسعود بواو بدل النون وهو عقبة بن عمرو البدري الأنصاري وهذا هو الصواب، فقد رواه مسلم عن ربعي عن عقبة بن عمرو أبي مسعود الأنصاري قال: انطلقت معه إلى حذيفة فقال له عقبة: حدّثني ما سمعت من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الدجال الحديث وفي آخره قال عقبة: وأنا قد سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صديقًا لحذيفة، وعنده أيضًا عن ربعي قال: اجتمع حذيفة وأبو مسعود فقال حذيفة: لأنا بمانع الدجال أعلم منه الحديث ثم قال في آخره قال أبو مسعود: هكذا سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول. 7131 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا بُعِثَ نَبِىٌّ إِلاَّ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، أَلاَ إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ». فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما بعث نبي) بضم الموحدة مبنيًّا للمفعول (إلاّ أنذر أمته الأعور الكذاب ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام حرف تنبيه (إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور) إنما اقتصر على وصف الدجال بالعور مع أن أدلة الحدوث كثيرة ظاهرة لأن العور أثر محسوس يدركه كل أحد فدعواه الربوبية مع نقص خلقته علم كذبه لأن الإله يتعالى عن النقص (وإن بين عينيه مكتوب كافر) برفع مكتوب فاسم إن محذوف وهو ضمير نصب أما ضمير الشأن أو عائد على الدجال وبين عينيه مكتوب جملة هي الخبر وكافر خبر مبتدأ محذوف أي بين عينيه شيء مكتوب وذلك الشيء هو كلمة كافر، ولأبي ذر والأصيلي مكتوبًا بالنصب. قال في المصابيح: فالظاهر جعله اسم إن وكافر على ما سبق ولا يحتاج مع هذا إلى أن يرتكب حذف اسم إن مع كونه ضميرًا فإنه ضعيف أو قليل اهـ. وقوله في الفتح: وإما حال. قال العيني ليس صحيحًا بل قوله

27 - باب لا يدخل الدجال المدينة

كافرًا عمل فيه مكتوبًا، وزاد أبو أمامة عند ابن ماجة يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب وهذا إخبار بالحقيقة لأن الإدراك في البصر يخلقه الله للعبد كيف شاء ومتى شاء فهذا يراه المؤمن بعين بصره ولو كان لا يعرف الكتابة ولا يراه الكافر ولو كان يعرف الكتابة. (فيه) أي في الباب (أبو هريرة وابن عباس) أي يدخل فيه حديثهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). فأما حديث أبي هريرة فسبق في ترجمة نوح في أحاديث الأنبياء، وأما حديث ابن عباس ففي صفة موسى، وقد وصف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الدجال وصفًا لم يبق معه لذي لب إشكال، وتلك الأوصاف كلها ذميمة تبين لكل ذي حاسة سليمة كذبه فيما يدعيه وإن الإيمان به حق وهو مذهب أهل السُّنَّة خلافًا لمن أنكر ذلك من الخوارج وبعض المعتزلة ووافقنا على إثباته بعض الجهمية وغيرهم، لكن زعموا أن ما عنده مخاريق وحيل لأنها لو كانت أمورًا صحيحة لكان ذلك إلباسًا للكاذب بالصادق، وحينئذٍ لا يكون فرق بين النبي والمتنبي، وهذا هذيان لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه فإن هذا إنما كان يلزم لو أن الدجال يدّعي النبوّة وليس كذلك فإنه إنما يدّعي الإلهية، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله ليس بأعور" تنبيهًا للعقول على حدوثه ونقصه، وأما الفرق بين النبي والمتنبي فلأنه يلزم منه انقلاب دليل الصدق دليل الكذب وهو محال، وقوله إن الذي يأتي به الدجال حيل ومخاريق فقول معزول عن الحقائق لأن ما أخبر به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تلك الأمور حقائق والعقل لا يحيل شيئًا منها فوجب إبقاؤها على حقائقها اهـ. ملخصًا من التذكرة. 27 - باب لاَ يَدْخُلُ الدَّجَّالُ الْمَدِينَةَ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (لا يدخل الدجال المدينة) النبوية. 7132 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا حَدِيثًا طَوِيلاً عَنِ الدَّجَّالِ، فَكَانَ فِيمَا يُحَدِّثُنَا بِهِ أَنَّهُ قَالَ: «يَأْتِى الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ، فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِى تَلِى الْمَدِينَةَ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ وَهْوَ خَيْرُ النَّاسِ -أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ- فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِى حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِيثَهُ فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِى الأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لاَ فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّى الْيَوْمَ فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلاَ يُسَلَّطُ عَلَيْهِ». [الحديث 7132 - طرفه في: 7408]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا سعيد) سعد بن مالك الخدري -رضي الله عنه- (قال: حدّثنا رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا حديثًا طويلاً عن الدجال فكان فيما يحدّثنا به أنه قال): (يأتي الدجال) إلى ظاهر المدينة (وهو محرّم عليه أن يدخل نقاب المدينة) بكسر النون جمع نقب بفتحها وسكون القاف مثل حبل وحبال وكلب وكلاب طريق بين الجبلين أو بقعة بعينها (فينزل) بالفاء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ينزل (بعض السباخ) بكسر السين المهملة وتخفيف الموحدة وبعد الألف خاء معجمة جمع سبخة أرض لا تنبت شيئًا لملوحتها خارج المدينة من غير جهة الحرة وهي (التي تلي المدينة) من قبل الشام (فيخرج إليه) من المدينة (يومئذٍ رجل هو خير الناس أو من خير الناس) قيل هو الخضر (فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثه) وفي رواية عطية عن أبي سعيد عند أبي يعلى والبزار فيقول أنت الدجال الكهان الذي أنذرناه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزاد فيقول له الدجال لتطيعني فيما آمرك به أو لأشقّنّك شقتين فينادي يا أيها الناس هذا المسيح الكذاب (فيقول الدجال) أي لأوليائه كما في رواية عطية: (أرأيتم إن قتلت هذا) الرجل أي الذي خرج إليه (ثم أحييته هل تشكون في الأمر)؟ أي الذي يدّعيه من الإلهية (فيقولون) أي أولياؤه من أتباعه: (لا فيقتله ثم يحييه). وفي حديث عطية فيأمر به فتمد رجلاه ثم يأمر بحديدة فتوضع على عجب ذنبه ثم يشقه شقتين ثم قال الدجال لأوليائه: أرأيتم إن أحييت لكم هذا ألستم تعلمون أني ربكم؟ فيقولون: نعم فأخذ عصاه فضرب إحدى شقتيه فاستوى قائمًا فلما رأى ذلك أولياؤه صدّقوه وأيقنوا بذلك أنه ربهم وعطية ضعيف. وفي حديث عبد الله بن معتمر بسند ضعيف جدًّا ثم يدعو برجل فيما يرون فيأمر به فيقتل ثم تقطع أعضاؤه كل عضو على حدة فيفرق بينها حتى يراه الناس ثم يجمعها ثم يضرب بعصاه فإذا هو قائم فيقول: أنا الذي أميت وأحيي قال: وذلك كله سحر يسحر أعين الناس ليس يعمل

من ذلك شيئًا. وفي رواية أبي الوداك عن أبي سعيد عند مسلم فيأمر به الدجال فيشج فيقول خذوه وشجوه فيوسع ظهره وبطنه ضربًا قال فيقول أما تؤمن بي؟ قال: فيقول: أنت المسيح الكذاب. قال: فيؤمر به فيوشر بالميشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه. قال: ثم يمشي الدجال بين القطعتين ثم يقول له: قم فيستوي قائمًا ثم يقول له: أتؤمن بي؟ (فيقول) الرجل (والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم) لأن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبر أن ذلك من جملة علاماته. وفي رواية أبي الوداك ما ازددت فيك إلا بصيرة ثم يقول: يا أيها الناس إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس، وفي رواية عطية فيقول له الرجل: أنا الآن أشد بصيرة فيك مني ثم ينادي: يا أيها الناس هذا المسيح الكذاب من أطاعه فهو في النار ومن عصاه فهو في الجنة (فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه). وفي رواية أبي الوداك فيأخذه الدجال ليذبحه فيجعل ما بين رقبته وترقوته نحاس فلا يستطيع إليه سبيلاً. وفي صحيح مسلم عقب رواية عبد الله بن عبد الله بن عتبة قال أبو إسحاق يقال إن هذا الرجل هو الخضر وأبو إسحاق هو إبراهيم بن محمد بن سفيان الزاهد راوي صحيح مسلم عنه لا السبيعي كما ظنه القرطبي. قال في الفتح: ولعل مستنده في ذلك ما في جامع معمر بعد ذكر هذا الحديث قال معمر: بلغني أن الذي يقتله الدجال هو الخضر، وكذا أخرجه ابن حبان من طريق عبد الرزاق عن معمر قال: كانوا يرون أنه الخضر. وقال ابن العربي: سمعت من يقول إن الذي يقتله الدجال هو الخضر وهذه دعوى لا برهان لها. قال الحافظ ابن حجر: قد يتمسك من قاله بما أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي عبيدة بن الجراح رفعه في ذكر الدجال لعله يدركه بعض من رآني أو سمع كلامي الحديث ويعكر عليه قوله في رواية لمسلم شاب ممتلئ شبابًا ويمكن أن يجُاب بأن من جملة خصائص الخضر أن لا يزال شابًّا ويحتاج إلى دليل اهـ. وقول الخطابي وقد يسأل عن هذا فيقال: كيف يجوز أن يجري الله عز وجل آياته على أيدي أعدائه وإحياء الموتى آية عظيمة فكيف يمكن منها الدجال وهو كذاب مُقتَرٍ على الله؟ والجواب: أنه جائز على جهة المحنة لعباده إذا كان معه ما يدل على أنه مبطل غير محق في دعواه وهو أنه أعور مكتوب على جبهته كافر يراه كل مسلم فدعواه داحضة. تعقبه في المصابيح فقال: هذا السؤال ساقط وجوابه كذلك. أما السؤال فلأن الدجال لم يدع النبوّة ولا حام حول حِماها حتى تكون تلك الآية دليلاً على صدقه، وإنما ادّعى الألوهية وإثباتها لمن هو متّسم بسِمات الحدوث وهو من جملة المخلوقين لا يمكن ولو أقام ما لا يحصر من الآيات إذ حدوثه قاطع ببطلان ألوهيته فما تغنيه الآيات والخوارق وأما الجواب فلأنه جعل المبطل لدعواه كونه أعور مكتوبًا بين عينيه كافر، ونحن نقول ببطلان دعواه مطلقًا سواء كان هذا معه أم لم يكن لما قررناه اهـ. والحديث سبق في آخر باب الحج. 7133 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلاَئِكَةٌ لاَ يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلاَ الدَّجَّالُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب أبو عبد الرحمن القعنبي الحارثي المدني سكن البصرة (عن) إمام دار الهجرة والأئمة (مالك) الأصبحي (عن نعيم بن عبد الله) بضم النون وفتح العين المهملة (المجمر) بضم الميم وسكون الجيم بعدها ميم ثانية مكسورة فراء صفة نعيم لا أبيه وكان عبد الله يبخّر المسجد النبوي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (على أنقاب المدينة) طيبة بهمزة مفتوحة وسكون النون طرقها والأنقاب جمع قلة والنقاب جمع كثرة (ملائكة) يحرسونها (لا يدخلها الطاعون ولا الدجال). المسيح وقد عدّ عدم دخول الطاعون من خصائصها وهو من لازم دعائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها بالصحة. والحديث سبق في الطب. 7134 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمَدِينَةُ يَأْتِيهَا الدَّجَّالُ فَيَجِدُ الْمَلاَئِكَةَ يَحْرُسُونَهَا، فَلاَ يَقْرَبُهَا الدَّجَّالُ وَلاَ الطَّاعُونُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى بن موسى) بن عبد ربه المشهور بخت بالخاء المعجمة والفوقية قال: (حدّثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (عن النبي

28 - باب يأجوج ومأجوج

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (المدينة) طابة (يأتيها الدجال) ليدخلها (فيجد الملائكة) أي على أنقابها (يحرسونها فلا يقربها الدجال ولا الطاعون إن شاء الله). عز وجل وهذا الاستثناء قيل للتبرك فيشملهما وقيل للتعليق وإنه يختص بالطاعون وإنه يجوز دخول الطاعون المدينة، وسبق في الطب مبحث ذلك والله الموفق. 28 - باب يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ (باب) ذكر (يأجوج ومأجوج) بغير همز وبه قرأ السبعة إلا عاصمًا فبهمزة ساكنة اسمان مشتقان من أجيج النار أي ضوئها ووزنهما يفعول ومفعول منعًا من الصرف للتأنيث والعلمية اسما قبيلتين وعلى تركه فأعجميان منعًا من الصرف للعجمة والعلمية ووزنهما فاعول كطالوت وجالوت أو عربيان مشتقان خفّفا بالإبدال وهما من نسل آدم عليه السلام كما في الصحيح، والقول بأنهم خلقوا من بني آدم المختلط بالتراب وليسوا من حوّاء غريب جدًّا لا دليل عليه ولا يعتمد عليه ككثير مما يحكيه بعض أهل الكتاب لما عندهم من الأحاديث المفتعلة كما قاله ابن كثير، وروى ابن مردويه والحاكم من حديث حذيفة مرفوعًا: يأجوج ومأجوج قبيلتان من ولد يافث بن نوح لا يموت أحدهم حتى يرى ألف رجل من صلبه كلهم قد حمل السلاح لا يمرون على شيء إذا خرجوا إلا أكلوه ويأكلون من مات منهم، وفي التيجان لابن هشام أن أمة منهم آمنوا بالله فتركهم ذو القرنين لما بنى السد بأرمينية فسموا الترك لذلك، وعند ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عمرو قال الجن والإنس عشرة أجزاء فتسعة أجزاء يأجوج ومأجوج وجزء سائر الناس، وعن كعب قال: هم ثلاثة أصناف جنس أجسادهم كالأرز وهو شجر كبار جدًّا، وصنف أربعة أذرع في أربعة أذرع، وصنف يفترشون آذانهم ويلتحفون الأخرى. وعند الحاكم عن ابن عباس يأجوج ومأجوج شبرًا شبرًا وشبرين شبرين وأطولهم ثلاثة أشبار. قال الحافظ ابن كثير: روى ابن أبي حاتم أحاديث غريبة في أشكالهم وصفاتهم وطولهم وقصر بعضهم وآذانهم لا تصح أسانيدها. 7135 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ ح وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى أَخِى، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى عَتِيقٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِى سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَزِعًا يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ» وَحَلَّقَ بِإِصْبَعَيْهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِى تَلِيهَا قَالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (ح) لتحويل السند قال البخاري: (وحدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (أخي) عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن محمد بن أبي عتيق) هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة بن الزبير أن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة حدّثته عن أم حبيبة) رملة (بنت أبي سفيان) صخر بن حرب زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن زينب ابنة) ولأبي ذر (جحش) الأسدية أم المؤمنين -رضي الله عنها- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عليها يومًا) بعد أن استيقظ من نومه (فزعًا) بكسر الزاي خائفًا حال كونه (يقول): (لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب) خص العرب بالذكر للإنذار بأن الفتن إذا وقعت كان الإهلاك إليهم أسرع وأشار به إلى ما وقع بعده من قتل عثمان ثم توالت الفتن حتى صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأكلة (فتح اليوم) بضم الفاء (من ردم يأجوج ومأجوج) أي الذي بناه ذو القرنين بزبر الحديد وهي القطعة منه كاللبنة ويقال إن كل لبنة زنة قنطار بالدمشقي أو تزيد عليه وقوله (مثل هذه) بالرفع (وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها). وسبق أوائل كتاب الفتن. وعند سفيان تسعين أو مائة وسبق ما فيه ثم، وعند الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه عن أبي هريرة رفعه في السد يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم ارجعوا فستخرقونه غدًا فيعيده الله كأشد ما كان حتى إذا بلغ مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس قال الذي عليه ارجعوا فستخرقونه غدًا إن شاء الله واستثنى قال فيرجعون فيجدونه كهيئته حين تركوه فيخرقونه فيخرجون على الناس. (قالت زينب ابنة) ولأبى ذر بنت (جحش) -رضي الله عنها- (فقلت: يا رسول الله أفنهلك) بكسر اللام (وفينا الصالحون؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم إذا كثر الخبث) بفتح الخاء

93 - كتاب الأحكام

والموحدة والذي في اليونينية بضم فسكون وهو الفسق أو الزنا. وهذا الحديث رجال إسناده مدنيون وهو أنزل من الذي قبله بدرجتين، ويقال إنه أطول سند في البخاري فإنه تساعيّ وفيه ثلاث صحابيات لا أربعة. 7136 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يُفْتَحُ الرَّدْمُ رَدْمُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلَ هَذِهِ»، وَعَقَدَ وُهَيْبٌ تِسْعِينَ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو ابن خالد قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يُفْتَحُ الرَّدْمُ) بالرفع نائب الفاعل (رَدْمُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلَ هَذِهِ، وعقد وهيب) هو ابن خالد المذكور (تسعين) بأن جعل طرف ظهر الإبهام بين عقدتي السبابة من باطنها وطرف السبابة عليها مثل ناقد الدينار عند النقد، وفي حديث النواس بن سمعان عند الإمام أحمد بعد ذكر الدجال وقتله على يد عيسى عند باب لدّ الشرقي قال: فبينما هم كذلك إذ أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام إني قد أخرجت عبادًا من عبادي لا يدان لك بقتالهم فحوز عبادي إلى الطور فيبعث الله يأجوج ومأجوج وهم كما قال الله تعالى: {من كل حدب ينسلون} [الأنبياء: 96] فيفزع عيسى وأصحابه إلى الله عز وجل فيرسل عليهم نغفًا في رقابهم فيصبحون موتى كموت نفس واحدة، فيهبط عيسى وأصحابه فلا يجدون في الأرض بيتًا إلا وقد ملأه زهمهم ونتنهم فيفزع عيسى وأصحابه إلى الله فيرسل الله عليهم طيرًا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطرًا لا يكن منه مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ثم قال للأرض: أنبتي ثمرتك وردّي بركتك. قال: فيومئذٍ يأكل النفر من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك الله في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر تكفي الفخذ، والشاة من الغنم تكفي أهل البيت. قال: فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحًا طيبة تحت آباطهم فتقبض روح كل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر وعليهم تقوم الساعة انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري وقال الترمذي: حسن صحيح، وعند مسلم فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء، وعند أحمد عن ابن مسعود مرفوعًا: لا يأتون على شيء إلا أهلكوه ولا على ماء إلا شربوه، ورواه ابن ماجة: وفي مسلم فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض هلم فلنقتل من في السماء فيرمون نشابهم إلى السماء فيردها الله عليهم مخضوبة دمًا. وعند ابن جرير وابن أبي حاتم عن كعب ويفر الناس منهم فلا يقوم لهم شيء ثم يرمون بسهامهم إلى السماء فترجع مخضبة بالدماء فيقولون غلبنا أهل الأرض وأهل السماء الحديث. وفي تذكرة القرطبي وروي أنهم يأكلون جميع حشرات الأرض من الحيات والعقارب وكل ذي روح مما خلق في الأرض، وفي خبر آخر لا يمرون بفيل ولا خنزير إلا أكلوه ويأكلون من مات منهم، مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان، يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية فيمنعهم الله من مكة والمدينة وبيت المقدس. هذا آخر كتاب الفتن والله أعلم. بسم الله الرحمن الرحيم 93 - كتاب الأحكام (كتاب الأحكام) بفتح الهمزة جمع حكم وهو عند الأصوليين خطاب الله وهو كلامه النفسي الأزلي المسمى في الأزل خطابًا المتعلق بأفعال المكلفين وهم البالغون العاقلون من حيث إنهم مكلفون وخرج بفعل المكلفين خطاب الله المتعلق بذاته وصفاته وذوات المكلفين والجمادات كمدلول الله لا إله إلا هو خالق كل شيء ولقد خلقناكم ويوم نسيّر الجبال ولا يتعلق الخطاب إلا بفعل كل بالغ عاقل لامتناع تكليف الغافل والملجأ والمكره وإذا تقرر أن الحكم خطاب الله فلا حكم إلا الله خلافًا للمعتزلة القائلين بتحكيم العقل. 1 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] (وقول الله تعالى) ولأبي ذر باب قول الله تعالى: ({أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}) [النساء: 59] الولاة والأمراء أو العلماء الذين يعلّمون الناس دينهم لأن أمرهم ينفذ على الأمراء، وهذا قول الحسن والضحاك ومجاهد، ورواه محيي

السُّنَّة عن ابن عباس ودليله: ولو ردوه إلى الرسول والى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم، وقيل: فإن تنازعتم أي أنتم وأولو الأمر منكم في شيء من أمور الدين، وهذا يؤيد أن المراد بأولي الأمر أمراء المسلمين إذ ليس للمقلد أن ينازع المجتهد في حكمه بخلاف المرؤوس إلا أن يقال: الخطاب لأولي الأمر على طريقة الالتفات أي تنازعتم في شيء فيرد العلماء إلى الكتاب والسُّنّة، ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر ليؤذن بأنه لا استقلال لهم في الطاعة استقلال الرسول، ودلت الآية على أن طاعة الأمراء واجبة إذا وافقوا الحق فإذا خالفوه فلا طاعة لهم لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" وسقط الباب لغير أبي ذر فالتالي رفع. 7137 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِى فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِى فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِى، فَقَدْ أَطَاعَنِى، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِى فَقَدْ عَصَانِى». وبه قال: (حدّثنا عبدان) عبد الله بن عثمان قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك (عن يونس) بن يزيد (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (من أطاعني فقد أطاع الله). لأني لا آمر إلا بما أمر الله به فمن فعل ما آمره به فإنما أطاع من أمرني أن آمره (ومن عصاني) فيما أمرته به أو نهيته (فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني). وقال الخطابي: كانت قريش ومن يليهم من العرب لا يدينون لغير رؤساء قبائلهم، فلما كان الإسلام وولي عليهم الأمراء أنكرته نفوسهم وامتنع بعضهم من الطاعة فأعلمهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأن طاعتهم مربوطة بطاعته ليطيعوا من أمره عليه الصلاة والسلام عليهم ولا يستعصوا عليه لئلا تتفرق الكلمة. والحديث سبق في المغازي. 7138 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ الَّذِى عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ألا) بالتخفيف (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) قال محيي السُّنّة: الراعي الحافظ المؤتمن على ما يليه فأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنصيحة فيما يلزمه وحذره الخيانة فيه بإخباره أنه مسؤول عنه (فالإمام) الأعظم (الذي على الناس راعٍ) يحفظهم ويحيط من ورائهم ويقيم فيهم الحدود والأحكام (وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته) يقوم عليهم بالحق في النفقة وحسن العشرة (وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها) بحسن التدبير في أمر بيته والتعهد لخدمته وأضيافه (وولده) بحسن تربيته وتعهده (وهي مسؤولة عنهم) أي عن بيت زوجها وولده وغلب العقلاء فيه على غيرهم (وعبد الرجل راعٍ على مال سيده) بحفظه والقيام بشغله (وهو مسؤول عنه ألا) بالتخفيف (فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته). فجعل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كل ناظر في حق غيره راعيًا له فإذا تقدم لرعاية غيره من يأكله فهو في الهلاك قال: وراعي الشاة يحمي الذئب عنها ... فكيف إذا الذئاب لها رعاء وقال في شرح المشكاة قوله: ألا فكلكم راعٍ تشبيه مضمر الأداة أي كلكم مثل الراعي، وقوله: وكلكم مسؤول عن رعيته حال عمل فيه معنى التشبيه وهذا مطّرد في التفصيل، ووجه التشبيه حفظ الشيء وحسن التعهد لما استحفظ وهو القدر المشترك في التفصيل، وفيه أن الراعي ليس بمطلوب لذاته، وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه المالك فعلى السلطان حفظ الرعية فيما يتعين عليه من حفظ شرائعهم والذب عنها لإدخال داخلة فيها أو تحريف لمعانيها أو إهمال حدودهم أو تضييع حقوقهم وترك حماية مَن جارَ عليهم ومجاهدة عدوّهم فلا يتصرف في الرعية إلا بإذن الله ورسوله ولا يطلب أجره إلا من الله، وهذا تمثيل لا يرى في الباب ألطف منه ولا أجمع ولا أبلغ منه، ولذلك أجمل أوّلاً ثم فصل ثم أتى بحرف التنبيه وبالفذلكة كالخاتمة فالفاء في قوله: ألا فكلكم راع جواب شرط

2 - باب الأمراء من قريش

محذوف والفذلكة هي التي يأتي بها الحاسب بعد التفصيل ويقول فذلك كذا وكذا ضبطًا للحساب وتوقيًا عن الزيادة والنقصان فيما فصله اهـ. وقال بعضهم: يدخل في هذا العموم المنفرد الذي لا زوجة له ولا خادم فإنه يصدق عليه أنه راع على جوارحه حتى يعمل المأمورات ويجتنب المنهيات فعلاً ونطقًا واعتقادًا فجوارحه وقواه وحواسه رعيته، ولا يلزم من الاتّصاف بكونه راعيًا أن لا يكون مرعيًا باعتبار آخر. والحديث سبق في باب الجمعة في القرى والمدن من كتاب الجمعة. 2 - باب الأُمَرَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (الأمراء) كائنون (من قريش) ولأبي ذر عن الكشميهني: الأمر أمر قريش. قال في الفتح: والأول هو المعروف. 7139 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ وَهْوَ عِنْدَهُ فِى وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ فَغَضِبَ فَقَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِى أَنَّ رِجَالاً مِنْكُمْ يُحَدِّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِى كِتَابِ اللَّهِ، وَلاَ تُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَالأَمَانِىَّ الَّتِى تُضِلُّ أَهْلَهَا، فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِى قُرَيْشٍ لاَ يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلاَّ كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ». تَابَعَهُ نُعَيْمٌ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: كان محمد بن جبير بن مطعم) بضم الميم وكسر العين بينهما طاء مهملة ساكنة القرشي (يحدّث أنه بلغ معاوية) بن أبي سفيان (وهو عنده) أي والحال أن محمد بن جبير عند معاوية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وهم عنده بالميم بدل الواو (في وفد من قريش) أي محمد بن جبير ومن كان معه من الوفد الذين أرسلهم أهل المدينة إلى معاوية ليبايعوه وذلك حين بويع له بالخلافة لما سلم له الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما-. قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم الذي بلغه ولا على أسماء الوفد (أن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص وهو في موضع رفع فاعل بلغ وقوله (يحدّث أنه) أي الشأن (سيكون ملك من قحطان فغضب) معاوية من ذلك (فقام) خطيبًا (فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالاً منكم يحدّثون) ولأبي ذر عن الكشميهني يتحدّثون بزيادة فوقية بعد التحتية المفتوحة (أحاديث) جمع حديث على غير قياس. قال الفرّاء: نرى أن واحد الأحاديث أُحدوثة ثم جعلوه جمعًا للحديث (ليست في كتاب الله ولا تؤثر) بضم أوله مبنيًّا للمفعول ولا تنقل (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). والمراد بكتاب الله القرآن وهو كذلك فليس فيه تنصيص أن شخصًا بعينه أو بوصفه يتولى الملك في هذه الأمة المحمدية ولم يصرح بذكر ابن عمرو بل قال: بلغني أن رجالاً منكم على الإبهام ومراده عبد الله بن عمرو ومن وقع منه التحديث بذلك مراعاة لخاطر عمرو (وأولئك) الذين يتحدّثون بأمور الغيب من غير استناد إلى الكتاب والسُّنّة (جهالكم) بضم الجيم وتشديد الهاء جمع جاهل (فإياكم والأمانيّ) بتشديد التحتية وتخفف احذروا الأماني (التي تضل أهلها) بضم الفوقية وكسر الضاد المعجمة وأهلها نصب على المفعولية صفة للأماني (فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن هذا الأمر) أي الخلافة (في قريش لا يعاديهم أحد إلاّ كبّه الله على وجهه) أي ألقاه ولأبي ذر في النار على وجهه أي ألقاه فيها وهو من الغرائب إذ أكبّ لازم وكب متعدٍّ عكس المشهور والمعنى لا ينازعهم في أمر الخلافة أحد إلا كان مقهورًا في الدنيا معذّبًا في الآخرة (ما أقاموا الدين) ما مصدرية والوقت مقدر وهو متعلق بقوله كبّه الله أي مدة إقامتهم أمور الدين فإذا لم يقيموه خرج الأمر عنهم هذا مفهومه. وذكر محمد بن إسحاق في كتابه الكبير قصة سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر وفيها فقال أبو بكر: إن هذا الأمر في قريش ما أطاعوا الله واستقاموا على أمره، ومن ثم لما استخف الخلفاء بأمر الدين تلاشت أحوالهم بحيث لم يبق لهم من الخلافة إلا الاسم فلا حول ولا قوة إلا بالله، وقول السفاقسي أجمعوا أن الخليفة إذا دعا إلى كفر أو بدعة يقام عليه تعقب بأن المأمون والمعتصم والواثق كلٌّ منهم دعا إلى بدعة القول بخلق القرآن وعاقبوا العلماء بسبب ذلك بالضرب والقتل والحبس وغير ذلك، ولم يقل أحد بوجوب الخروج عليهم بسبب ذلك. تنبيه: سبق في باب تغير الزمان حتى تعبد الأوثان حديث أبي هريرة مرفوعًا: لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه، وفيه إشارة إلى أن ملك القحطاني

يقع في آخر الزمان عند قبض أهل الإيمان فإن كان حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا موافقًا لحديث أبي هريرة فلا معنى لإنكاره أصلاً، وإن كان لم يرفعه وكان فيه قدر زائد يُشعِر بأن القحطاني يكون في أوائل الإسلام فهو معذور في إنكاره وقد يكون معناه أن قحطانيًّا يخرج في ناحية من النواحي فلا يعارض حديث معاوية قاله في فتح الباري. (تابعه) أي تابع شعيبًا (نعيم) هو ابن حماد (عن ابن المبارك) عبد الله (عن معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن محمد بن جبير) وهذه المتابعة وصلها الطبراني في معجمه الكبير والأوسط مثل رواية شعيب إلا أنه قال بعد قوله فغضب فقال سمعت ولم يذكر ما قبل سمعت، وقال في رواية: كبّ على وجهه بضم الكاف وإنما ذكرها البخاري -رحمه الله- تقوية لصحة رواية الزهري عن محمد بن جبير حيث قال: كان محمد بن جبير فقد قال صالح جزرة الحافظ ولم يقل أحد في روايته عن الزهري عن محمد بن جبير إلا ما وقع في رواية نعيم بن حماد عن عبد الله بن المبارك، قال صالح: ولا أصل له من حديث ابن المبارك، وكانت عادة الزهري إذا لم يسمع الحديث يقول كان فلان يحدّث، وتعقبه البيهقي بما أخرجه من طريق يعقوب بن سفيان بن حجاج بن أبي معين الرصافي عن جده عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم، وأخرجه الحسن بن رشيق في فوائده من طريق عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة عن عقيل عن الزهري عن محمد بن جبير قاله في الفتح. 7140 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ أَبِى يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَزَالُ الأَمْرُ فِى قُرَيْشٍ مَا بَقِىَ مِنْهُمُ اثْنَانِ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا عاصم بن محمد) قال: (سمعت أبي) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (يقول: قال) جدي (ابن عمر) -رضي الله عنه- (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يزال هذا الأمر) أي الخلافة (في قريش) يلونها (ما بقي منهم اثنان) قال النووي: في الحديث أن الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لغيرهم وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة ومن بعدهم ومن خالف في ذلك من أهل البدع فهو محجوج بإجماع الصحابة. قال ابن المنير: وجه الدلالة من الحديث ليس من جهة تخصيص قريش بالذكر فإنه يكون مفهوم اللقب لا حجة فيه عند المحققين وإنما الحجة وقوع المبتدأ معرّفًا باللام الجنسية لأن المبتدأ بالحقيقة هاهنا هو الأمر الواقع صفة لهذا وهذا لا يوصف إلا بالجنس فمقتضاه حصر جنس الأمر في قريش فيصير كأنه قال لا أمر إلا في قريش وهو كقوله: الشفعة فيما لم يقسم، والحديث وإن كان بلفظ الخبر فهو بمعنى الأمر كأنه قال: ائتموا بقريش خاصة، وقوله ما بقي منهم اثنان ليس المراد به حقيقة العدد، وإنما المراد به انتفاء أن يكون الأمر في غير قريش، وهذا الحكم مستمر إلى يوم القيامة ما بقي من الناس اثنان، وقد ظهر ما قاله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمن زمنه إلى الآن لم تزل الخلافة في قريش من غير مزاحمة لهم على ذلك ومن تغلب على الملك بطريق الشوكة لا ينكر أن الخلافة في قريش وإنما يدّعي أن ذلك بطريق النيابة عنهم اهـ. ويحتمل أن يكون بقاء الأمر في قريش في بعض الأقطار دون بعض فإن في البلاد اليمنية طائفة من ذرية الحسن بن علي لم تزل مملكة معهم من أواخر المائة الثالثة وأمراء مكة من ذرية الحسن بن عليّ والينبع والمدينة من ذرية الحسين بن علي وإن كانوا من صميم قريش لكنهم تحت حكم غيرهم من ملوك مصر. قال الحافظ ابن حجر: ولا شك في كون الخليفة بمصر قرشيًّا من ذرية العباس ولو فقد قرشي فكناني، ثم رجل من بني إسماعيل، ثم عجمي على ما في التهذيب، أو جرهمي على ما في التتمة، ثم رجل من بني إسحاق وأن يكون شجاعًا ليغزو بنفسه ويعالج الجيوش ويقوى على فتح البلاد ويحمي البيضة، وأن يكون أهلاً للقضاء بأن يكون مسلمًا مكلفًا حرًّا عدلاً ذكرًا مجتهدًا ذا رأي وسمع وبصر ونطق وتنعقد الإمامة ببيعة أهل العقد والحل من العلماء ووجوه الناس المتيسر اجتماعهم وباستخلاف الإمام من يعينه

3 - باب أجر من قضى بالحكمة لقوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}

في حياته ويشترط القبول في حياته ليكن خليفة بعد موته وباستيلاء متغلب على الإمامة ولو غير أهل لها كصبي وامرأة بأن قهر الناس بشوكته وجنده وذلك لينتظم شمل المسلمين. والحديث سبق في المناقب وأخرجه مسلم في المغازي. 3 - باب أَجْرِ مَنْ قَضَى بِالْحِكْمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (باب أجر من قضى بالحكمة) وسقط لفظ أجر لأبي ذر المروزي أي مَن قضى بحكم الله تعالى فلو قضى بغير حكم الله تعالى فسق (لقوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}) [المائدة: 47] الخارجون عن طاعة الله، وقال أبو منصور رحمه الله: يجوز أن يحمل على الجحود في الثلاثة يعني قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44] {فأولئك هم الظالمون} [المائدة: 45] {فأولئك هم الفاسقون} فيكون ظالمًا كافرًا فاسقًا لأن الفاسق المطلق والظالم المطلق هو الكافر، وقيل التعريف فيه للعهد. قال ابن بطال: مفهوم الآية أن من حكم بما أنزل الله استحق جزيل الأجر. 7141 - حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ، رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِى الْحَقِّ، وَآخَرُ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهْوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا». وبه قال: (حدّثنا شهاب بن عباد) بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة الرؤاسي القيسي العبدي الكوفي قال: (حدّثنا إبراهيم بن حميد) بضم الحاء ابن عبد الرحمن الرؤاسي القيسي الكوفي (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا حسد) لا غبطة (إلاّ في اثنتين) أي خصلتين (رجل) بالرفع على الاستئناف (آتاه) أي أعطاه (الله مالاً فسلطه على هلكته) بفتحات إهلاكه أي إنفاقه (في الحق و) رجل (آخر آتاه الله حكمة) بكسر الحاء وسكون الكاف علمًا يمنعه عن الجهل ويزجره عن القبح (فهو يقضي بها) بالحكمة بين الناس (ويعلمها) لهم وفيه الترغيب في التصدق بالمال وتعليم العلم، وقيل إن فيه تخصيصًا لإباحة نوع من الحسد وإن كانت جملته محظورة وإنما رخص فيهما لما يتضمن مصلحة الدين قال أبو تمام: وما حاسد في المكرمات بحاسد وقيل: معناه لا يحسن الحسد في موضع إلا في هذين الموضعين، وقال الطيبي: أثبت الحسد في الحديث لإرادة المبالغة في تحصيل النعمتين الخطيرتين يعني ولو حصلتا بهذا الطريق المذموم، فينبغي أن يتحرى ويجتهد في تحصيلهما فكيف بالطريق المحمودة وكيف لا وكل واحدة من الخصلتين بلغت غاية لا أمد فوقها، وإذا اجتمعتا في امرئ بلغ من العلياء كل مكان، قال ابن المنير: ليس المراد بالنفي حقيقته، وإلاّ لزم الخلف لأن الناس حسدوا في غير هاتين الخصلتين وغبطوا من فيه سواهما فليس هو خبرًا، والمراد به الحكم ومعناه حصر المرتبة العليا من الغبطة في هاتين الخصلتين فكأنه قال فما آكد القرابات التي يغبط بها، وفي الترغيب في ولاية القضاء لمن جمع شروطه وقوي على أعمال الحق ووجد له أعوانًا لما فيه من الأمر بالمعروف ونصر المظلوم وأداء الحق لمستحقه وكف يد الظالم والإصلاح بين الناس، وذلك كله من القربات وهو من مرتبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعند ابن المنذر عن ابن أبي أوفى مرفوعًا: الله مع القاضي ما لم يجر فإذا جار تخلّى عنه ولزمه الشيطان. وحديث الباب سبق في العلم والزكاة. 4 - باب السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلإِمَامِ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً (باب) وجوب (السمع والطاعة للإمام) الأعظم ونائبه (ما لم تكن) تلك الطاعة (معصية) إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. 7142 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِى التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِىٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) بضم الميم وفتح المهملة بعدها مهملتان مسرهد بن مسربل الأسدي البصري الحافظ أبو الحسن قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان وسقط ابن سعيد لغير أبي ذر (عن شعبة) بن الحجاج (عن أبي التياح) بالفوقية ثم التحتية المشددة وبعد الألف حاء مهملة يزيد بن حميد الضبعي البصري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) كأنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل) بضم الفوقية وكسر الميم مبنيًّا للمفعول (عليكم عبد حبشي) برفع عبد نائب الفاعل وحبشي صفته قيل معناه وإن استعمله الإمام الأعظم على القوم لا أن العبد الحبشي هو الإمام الأعظم فإن الأئمة

من قريش أو المراد به الإمام الأعظم على سبيل الفرض، والتقدير وهو مبالغة في الأمر بطاعته والنهي عن شقاقه ومخالفته. وعند مسلم من حديث أم الحصين اسمعوا وأطيعوا ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: وإن استعمل أي الإمام عليكم عبدًا حبشيًّا بالنصب على المفعولية والحبشة جبل معروف من السودان، وسبق في الصلاة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأبي ذر: اسمع وأطع ولو لحبشي (كأن رأسه زبيبة) بزاي مفتوحة وموحدتين بينهما تحتية ساكنة واحدة الزبيب المأكول المعروف الكائن من العنب إذا جفّ وشبّه رأس الحبشي بالزبيبة لتجمعها وسواد شعرها ورؤوس الحبشة توصف بالصغر وذلك يقتضي الحقارة وبشاعة الصورة وعدم الاعتبار بها فهو على سبيل المبالغة في الحض على طاعتهم مع حقارتهم، وقد أجمع على أن الإمامة لا تكون في العبيد، ويحتمل أن يكون سماه عبدًا باعتبار ما كان قبل العتق، نعم لو تغلب عبد حقيقة بطريق الشوكة وجبت طاعته إخمادًا للفتنة ما لم يأمر بمعصية. وسبق الحديث في الصلاة. 7143 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنِ الْجَعْدِ، عَنْ أَبِى رَجَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْوِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَكَرِهَهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين بعدها دال مهملتين أبي عثمان بن دينار اليشكري بالتحتية المفتوحة بعدها شين معجمة ساكنة وكاف مضمومة الصيرفي (عن أبي رجاء) عمران العطاردي (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- حال كونه (يرويه) أي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من رأى من أميره شيئًا فكرهه) ولأبي ذر عن الكشميهني يكرهه (فليصبر) على جوره وظلمه والأمر بالصبر يستلزم وجوب السمع والطاعة فتحصل المطابقة (فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرًا) أي قدر شبر (فيموت) بالرفع في الفرع كأصله ويجوز النصب نحو ما تأتينا فتحدّثنا أي فيموت على ذلك من مفارقة الجماعة (إلا مات ميتة جاهلية) بكسر الميم كالقتلة بكسر القاف أي الحالة التي يكون عليها الإنسان من الموت والقتل أي كالميتة الجاهلية حيث لا يرجعون إلى طاعة أمير ولا يتبعون هدي إمام بل كانوا مستنكفين عن ذلك مستبدين في الأمور لا يجتمعون في شيء ولا يتفقون على رأي وليس المراد أنه يكون كافرًا بذلك. والحديث سبق في أوائل الفتن. 7144 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِى نَافِعٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري قال: (حدّثني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) بن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (السمع والطاعة) ثابتة أو واجبة للإمام أو نائبه (على المرء المسلم فيما أحب وكره) ولأبي ذر أو كره (ما لم يؤمر) أي المرء المسلم من قبل الوالي عليه (بمعصية فإذا أمر) بضم الهمزة (بمعصية فلا سمع ولا طاعة) حينئذ تجب بل يحرم ذلك على القادر. وهذا تقييد لما أطلق في الحديثين السابقين من الأمر بالسمع والطاعة ولو لحبشي ومن الصبر على ما يقع من الأمير مما يكره والوعيد على مفارقة الجماعة. والحديث سبق في الجهاد وأخرجه مسلم في المغازي وأبو داود في الجهاد. 7145 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - قَالَ: بَعَثَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ تُطِيعُونِى؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا ثُمَّ دَخَلْتُمْ فِيهَا، فَجَمَعُوا حَطَبًا فَأَوْقَدُوا فَلَمَّا هَمُّوا بِالدُّخُولِ فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِرَارًا مِنَ النَّارِ أَفَنَدْخُلُهَا؟ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ خَمَدَتِ النَّارُ وَسَكَنَ غَضَبُهُ فَذُكِرَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِى الْمَعْرُوفِ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا سعد بن عبيدة) بسكون العين في الأول وضمها وفتح الموحدة في الثاني أبو حمزة بالزاي ختن أبي عبد الرحمن (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن حبيب السلمي لأبيه صحبة (عن علي -رضي الله عنه-) هو ابن أبي طالب أنه (قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سرية) قطعة من الجيش نحو ثلاثمائة أو أربعمائة بسبب ناس تراءاهم أهل جدة سنة تسع (وأمّر عليهم رجلاً من الأنصار) اسمه عبد الله بن حذافة السهمي المهاجري وفيه مجازًا أو يكون بالمعنى الأعم من كونه ممن نصر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الجملة، أو كان أنصاريًّا بالمحالفة. وفي ابن ماجة ومسند الإمام أحمد تعيين عبد الله بن حذافة وأن أبا سعيد كان من جملة المأمورين

5 - باب من لم يسأل الإمارة أعانه الله

(وأمرهم) عليه السلام (أن يطيعوه فغضب عليهم) ولمسلم فأغضبوه في شيء (وقال) لهم: (أليس قد أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تطيعوني؟ قالوا: بلى. قال: عزمت) ولأبي ذر قد عزمت (عليكم لما) بتخفيف الميم (جمعتم حطبًا وأوقدتم نارًا ثم دخلتم فيها فجمعوا حطبًا فأوقدوا) زاد الكشميهني نارًا فقال: ادخلوها، وقيل: إنما أمرهم بدخولها ليختبر حالهم في الطاعة أو فعل ذلك إشارة إلى أن مخالفته توجب دخول النار وإذا شق عليكم دخول هذه النار فكيف تصبرون على النار الكبرى ولو رأى منهم الجد في ولوجها منعهم (فلما همّوا بالدخول) فيها (فقام) بالإفراد ولأبي ذر عن الكشميهني فقاموا (ينظر بعضهم إلى بعض) زاد في المغازي وجعل بعضهم يمسك بعضًا (فقال بعضهم: وإنما تبعنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرارًا من النار) بكسر الفاء (أفندخلها)؟ بهمزة استفهام (فبينما) بالميم (هم كذلك إذ خمدت النار) بفتح المعجمة والميم وتكسر انطفأ لهيبها (وسكن غضبه فذكر) ذلك (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (لو دخلوها) أي لو دخلوا النار التي أوقدوها ظانّين أنهم بسبب طاعتهم أميرهم لا تضرهم (ما خرجوا منها أبدًا) أي لماتوا فيها ولم يخرجوا منها مدّة الدنيا، ويحتمل أن يكون الضمير في منها لنار الآخرة والتأييد محمول على طول الإقامة لا على البقاء الممتد دائمًا من غير انقطاع لأنهم لم يكفروا بذلك فيجب عليهم التخليد (إنما) تجب (الطاعة في المعروف) لا في المعصية. والحديث مرّ في المغازي. 5 - باب مَنْ لَمْ يَسْأَلِ الإِمَارَةَ أَعَانَهُ اللَّهُ (باب) بالتنوين يذكر فيه (من لم يسأل الإمارة أعانه الله) زاد أبو ذر عليها. 7146 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ يَمِينَكَ، وَاْئتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ». وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون الأنماطي البصري قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي الأزدي (عن الحسن) البصري (عن عبد الرحمن بن سمرة) بن حبيب بن عبد شمس أسلم يوم الفتح -رضي الله عنه- (قال: قال النبي) ولأبي ذر قال لي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة) بكسر الهمزة (فإنك إن أعطيتها عن مسألة) عن سؤال، وعن يحتمل أن تكون بمعنى الباء أي بسبب مسألة أو بمعنى بعد أي بعد مسألة كقوله تعالى: {لتركبن طبقًا عن طبق} [الانشقاق: 19] أي بعد طبق وقول العجاج: ومنهل وردته عن منهل أي بعد منهل وجواب الشرط قوله: (وكلت إليها) بضم الواو وكسر الكاف مخففة وسكون اللام صرفت إليها ولم تعن عليها من أجل حرصك (وإن أعطيتها) بضم الهمزة (من غير مسألة) وجواب الشرط قوله (أعنت عليها). وعن أنس رفعه: من طلب القضاء واستعان عليه بالشفعاء وكّل إلى نفسه ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكًا يسدده أخرجه ابن المنذر والترمذي وأبو داود وابن ماجة وفي معنى الإكراه عليه أن يدعى إليه فلا يرى نفسه أهلاً لذلك هيبة له وخوفًا من الوقوع في المحذور فإنه يُعان عليه إذا دخل فيه ويسدد قاله المهلب (وإذا حلفت على) محلوف (يمين فرأيت) فعلمت أو ظننت (غيرها خيرًا منها فكفّر يمينك) بالنصب على المفعولية ولأبي ذر عن يمينك (وائت الذي هو خير) واتفق على أن الكفّارة إنما تجب بعد الحنث ولا تقدم على اليمين، واختلف في توسطها بين اليمين والحنث فقال بالجواز أربعة عشر من الصحابة، وبه قال مالك والشافعي، واستثنى الشافعي التكفير بالصوم لأنه عبادة بدنية فلا تقدم قبل وقتها ومناسبة الجملة لسابقتها أن الممتنع من الإمارة قد يؤدي به الحال إلى الحلف على عدم القبول مع كون المصلحة في ولايته. والحديث سبق في الأيمان. 6 - باب مَنْ سَأَلَ الإِمَارَةَ وُكِلَ إِلَيْهَا (باب) بالتنوين يذكر فيه (من سأل الإمارة وكّل إليها) ولم يعن عليها ووكّل بالتخفيف. 7147 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ». وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمر المقعد البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري البصري أبو عبيدة الحافظ قال: (حدّثنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الحسن) البصري قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن سمرة) -رضي الله عنه- (قال: قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة) أي الولاية ولأبي ذر عن الكشميهني لا تتمنين الإمارة (فإن أعطيتها عن مسألة

7 - باب ما يكره من الحرص على الإمارة

وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين) أي حلفت على محلوف يمين فسماه يمينًا مجازًا للملابسة بينهما والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه وإلاّ فهو قبل اليمين ليس محلوفًا عليه فيكون من مجاز الاستعارة ويحتمل أن يكون على معنى الباء ويؤيده رواية النسائي إذا حلفت بيمين لكن قوله (فرأيت غيرها خيرًا منها فائت الذي هو خير وكفّر عن يمينك) يدل على الأول لأن الضمير لا يصح عوده على اليمين بمعناها الحقيقي ولذا رجح في الكشاف الأول فقال في قوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} [البقرة: 224] أي حاجزًا لما حلفتم عليه وسمي المحلوف يمينًا لتلبسه باليمين كما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعبد الرحمن بن سمرة إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فائت الذي هو خير أي على شيء مما يحلف عليه. 7 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ الْحِرْصِ عَلَى الإِمَارَةِ (باب ما يكره من الحرص على) طلب (الإمارة). 7148 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ». وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمْرَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن المدني (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إنكم ستحرصون) بكسر الراء وفتحها (على الإمارة) الإمامة العظمى أو الولاية بطريق النيابة (وستكون ندامة) لمن لم يعمل فيها بما ينبغي (بوم القيامة). وفي حديث عوف بن مالك عند البزار والطبراني بسند صحيح: أوّلها ملامة وثانيها ندامة وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل، وعن أبي هريرة في أوسط الطبراني الإمارة أولها ندامة وأوسطها غرامة وآخرها عذاب يوم القيامة (فنعم المرضعة) الولاية فإنها تدر عليه المنافع واللذات العاجلة (وبئست الفاطمة) عند انفصاله عنها بموت أو غيره فإنها تقطع عنه تلك اللذائذ والمنافع وتُبقي عليه الحسرة والتَّبِعَة وألحقت التاء في بئست دون نعم، والحكم فيهما إذا كان فاعلهما مؤنثًا جواز الإلحاق وتركه فوقع التفنن في هذا الحديث بحسب ذلك. وقال في المصابيح: شبه على سبيل الاستعارة ما يحصل من نفع الولاية حال ملابستها بالرضاع وشبه بالفطام انقطاع ذلك عنه عند الانفصال عنها إما بموت أو بغيره فالاستعارة في المرضعة والفاطمة تبعية. فإن قلت: هل من لطيفة تلمح في ترك التاء من فعل المدح وإثباتها مع فعل الذم؟ قلت: رضاعها هو أحب حالتيها إلى النفس وفطامها أشق الحالتين على النفس والتأنيث أخفض حالتي الفعل وتركه أشرف حالتيه إذ هي حالة التذكير وهو أشرف من التأنيث فآثر استعمال أشرف حالتي الفعل مع الحالة المحبوبة التي هي أشرف حالتي الولاية واستعمل الحالة الأخرى وهي التأنيث مع الحالة على النفس، وهي حالة الفطام عن الولاية لمكان الناسبة في المحلين فهذا أمر قد يتخيل في هذا المقام فتأمله اهـ. وقال في شرح المشكاة: إنما لم يلحق التاء بنعم لأن المرضعة مستعارة للإمارة وهي وإن كانت مؤنثة إلا أن تأنيثها غير حقيقي وألحقها ببئس نظرًا إلى كون الإمارة حينئذٍ داهية دهياء، وفيه أن ما يناله الأمير من البأساء والضراء أبلغ وأشد مما يناله من النعماء والسرّاء، وإنما أتي بالتاء في المرضع والفاطم دلالة على تصوير تينك الحالتين المتجددتين في الإرضاع والإفطام فعلى العاقل أن لا يلم بلذة تتبعها حسرات. وفي حديث أبي هريرة عند الترمذي وقال حديث غريب أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من ولي القضاء أو جعل قاضيًا بين الناس فقد ذبح بغير سكّين" والذبح إذا كان بغير سكين فيه زيادة تعذيب للمذبوح بخلاف الذبح بالسكّين ففيه إراحة له بتعجيل إزهاق الروح وقيل إن الذبح لما كان في العرف بالسكّين عدل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى غيره ليعلم أن المراد ما يخاف عليه من هلاك دينه دون بدنه. قال التوربشتي: وشتان ما بين الذبحين فإن الذبح بالسكّين عناء ساعة والآخر عناء عمره، أو المراد أنه ينبغي أن يميت جميع دواعيه الخبيثة وشهواته الرديئة فهو مذبوح بغير سكّين، وعلى هذا فالقضاء مرغوب فيه وعلى ما قبله فالمراد التحذير منه. قال المظهريّ: خطر القضاء كثير وضرره عظيم لأنه قلما عدل القاضي بين

8 - باب من استرعى رعية فلم ينصح

الخصمين لأن النفس مائلة إلى من تحبه أو من له منصب يتوقع جاهه أو يخاف سلطنته، وربما يميل إلى قبول الرشوة، وهذا الداء العضال وما أحسن قول ابن الفضل في هذا المعنى: ولما أن توليت القضايا ... وفاض الجور من كفيك فيضا ذبحت بغير سكّين وإنّا ... لنرجو الذبح بالسكّين أيضًا والحديث أخرجه النسائي في البيعة والسِّيَر والقضاء. قال البخاري بالسند السابق أوّل هذا التعليق إليه: (وقال محمد بن بشار) بالموحدة والشين المعجمة المشددة وهو المعروف ببندار (حدّثنا عبد الله بن حمران) بضم الحاء المهملة وسكون الميم بعدها راء فألف الأموي مولاهم البصري قال: (حدّثنا عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصاري المدني، وسقط ابن جعفر لغير أبي ذر (عن سعيد المقبري عن عمر بن الحكم) بضم عين الأول وبفتح المهملة والكاف في الثاني ابن ثوبان المدني (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (قوله). أي موقوفًا عليه، وقد أدخل عمر بن الحكم بين سعيد المقبري وأبي هريرة بخلاف الطريق السابقة. 7149 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى - رضى الله عنه - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَا وَرَجُلاَنِ مِنْ قَوْمِى فَقَالَ: أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ أَمِّرْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَالَ الآخَرُ: مِثْلَهُ، فَقَالَ: «إِنَّا لاَ نُوَلِّى هَذَا مَنْ سَأَلَهُ وَلاَ مَنْ حَرَصَ عَلَيْهِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الحافظ أبو كريب مشهور بكنيته قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة عامر أو الحارث (من) جده (أبي بردة عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: دخلت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنا ورجلان من قومي) لم يسميا نعم في معجم الطبراني الأوسط أن أحدهما ابن عمه (فقال أحد الرجلين: أمرنا) بفتح الهمزة وكسر الميم المشددة أي ولنا (يا رسول الله) موضعًا (وقال الآخر مثله فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنّا لا نولي هذا) الأمر (من سأله ولا حرص عليه) بفتح المهملة والراء والحرص على الولاية هو السبب في اقتتال الناس عليها حتى سفكت الدماء واستبيحت الأموال والفروج وعظم الفساد في الأرض قاله المهلب. 8 - باب مَنِ اسْتُرْعِىَ رَعِيَّةً فَلَمْ يَنْصَحْ (باب) ذكر (من استرعي) بضم الفوقية وكسر العين أي من استرعاه الله (رعية فلم ينصح) لها. 7150 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ عَادَ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ فِى مَرَضِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: إِنِّى مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلاَّ لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا أبو الأشهب) بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الهاء بعدها موحدة جعفر بن حبان السعدي العطاردي البصري وهو مشهور بكنيته (عن الحسن) البصري (أن عبيد الله) بضم العين (ابن زيد) بكسر الزاي بعدها تحتية أمير البصرة في زمن معاوية وولده (عاد معقل بن يسار) معقل بكسر القاف ويسار بالتحتية والسين المهملة المخففة المزني الصحابيّ (في مرضه الذي مات فيه) وكانت وفاته في خلافة معاوية (فقال له معقل: إني محدّثك حديثًا سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (ما من عبد استرعاه) استحفظه (الله) ولأبي ذر والأصيلي يسترعيه الله (رعية فلم يحطها) بفتح التحتية وضم الحاء وسكون الطاء المهملتين أي فلم يحفظها ولم يتعهد أمرها (بنصيحة) بفتح النون وبعد الصاد المهملة المكسورة تحتية ساكنة وتنوين آخره، ولأبي ذر عن المستملي: بالنصيحة بزيادة أل كذا في الفرع كأصله، وفي الفتح بنصحه بضم النون وهاء الضمير وقال كذا للأكثر وللمستملي بالنصيحة (إلا لم يجد رائحة الجنة) إذا كان مستحلاًّ لذلك أو لا يجدها مع الفائزين الأوّلين لأنه ليس عامًّا في جميع الأزمان أو خرج مخرج التغليظ، وزاد الطبراني وعرفها يوجد يوم القيامة من مسيرة سبعين عامًّا وسقط لأبي ذر والأصيلي لفظ إلا من قوله إلا لم يجد. قال في الكواكب: فيصير مفهوم الحديث أنه يجدها عكس المقصود، وأجاب: بأن إلا مقدرة أي إلا لم يجد والخبر محذوف أي ما من عبد كذا إلا حرم الله عليه الجنة ولم يجد رائحة الجنة استئناف كالمفسر له أو ما ليست للنفي وجاز زيادة من للتأكيد في الإثبات عند بعض النحاة وقد ثبتت إلا في بعض النسخ اهـ. وفي اليونينية سقوطها لأبي ذر والأصيلي. قال في الفتح: لم يقع الجمع بين اللفظين المتوعد بهما في طريق واحدة

9 - باب من شاق شق الله عليه

فقوله لم يجد رائحة الجنة وقع في رواية أبي الأشهب، وقوله حرم الله عليه الجنة في رواية هشام أي التالية لهذه فكأنه أراد أن الأصل في الحديث الجمع بين اللفظين فحفظ بعض ما لم يحفظ بعض وهو محتمل، لكن الظاهر أنه لفظ واحد تصرف فيه بعض الرواة. وفي الكبير للطبراني من وجه آخر عن الحسن قال: قام علينا عبيد الله بن زياد أميرًا أمره علينا معاوية غلامًا سفيهًا يسفك الدماء سفكًا شديدًا وفينا عبد الله بن مغفل المزني فدخل عليه ذات يوم فقال له: انتهِ عما أراك تصنع فقال له: وما أنت وذاك؟ قال: ثم خرج إلى المسجد فقلنا له: ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على رؤوس الناس؟ فقال: إنه كان عندي علم فأحببت أن لا أموت حتى أقول به على رؤوس الناس ثم قام فما لبث أن مرض مرضه الذي توفي فيه فأتاه عبيد الله بن زياد يعوده فذكر نحو حديث الباب. قال الحافظ ابن حجر: فيحتمل أن تكون القصة وقعت للصحابيين. وحديث الباب أخرجه مسلم في الإيمان. 7151 - : إسحاقُ نجنُ قتصُويى، أخْبَرَنًا حُسَينَ انجُغفِى قالَ زائِدَةُ: ذَكَرَهُ كق هِشايم، 7151 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِىُّ قَالَ زَائِدَةُ: ذَكَرَهُ عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَتَيْنَا مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ نَعُودُهُ، فَدَخَلَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ: أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَا مِنْ وَالٍ يَلِى رَعِيَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَمُوتُ وَهْوَ غَاشٌّ لَهُمْ، إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ». وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) الكوسج أبو يعقوب المروزي قال: (أخبرنا حسين) بضم الحاء المهملة ابن علي (الجعفي) قال (قال زائدة) بن قدامة (ذكره) أي الحديث الآتي (عن هشام) أي ابن حسان (عن الحسن) البصري أنه (قال: أتينا معقل بن يسار نعوده) أي في مرضه الذي مات فيه (فدخل عبيد الله) بن زياد ولأبي ذر عن الكشميهني فدخل علينا عبيد الله (فقال له معقل: أحدّثك) بضم الهمزة ورفع المثلثة (حديثًا سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (ما من والٍ) وفي رواية أبي المليح عند مسلم ما من أمير (يلي رعية من المسلمين فيموت) الفاء فيه وفي فلم يحطها في الحديث السابق كاللام في قوله فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًّا وحزنًا قاله الطيبي. قال في المدارك: أي ليصير الأمر إلى ذلك لا أنهم أخذوه لهذا كقولهم للموت ما تلد الوالدة وهي لم تلده لأن يموت ولدها ولكن المصير إلى ذلك كذا قاله الزجّاج، وعن هذا قال المفسرون إن هذه لام العاقبة والصيرورة وقال في الكشاف هي لام كي التي معناها التعليل كقوله: جئتك لتكرمني، ولكن معنى التعليل فيها وارد على طريق المجاز لأن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له شبه بالداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله وهو الإكرام الذي ينتجه المجيء وقوله: (وهو غاشٌّ لهم إلاَّ حرم الله عليه الجنة). بفتح الغين المعجمة وبعد الألف شين معجمة حال مقيد للفعل مقصود بالذكر يعني أن الله تعالى إنما ولاّه واسترعاه على عباده ليديم النصيحة لهم لا ليغشهم فيموت عليه، فلما قلب القضية استحق أن لا يجد رائحة الجنة وقال القاضي عياض المعنى من قلّده الله تعالى شيئًا من أمر المسلمين واسترعاه عليهم ونصبه لمصلحتهم في دينهم أو دنياهم فإذا خان فيما ائتمن عليه فلم ينصح فقد غشّهم حرّم الله عليه الجنة اهـ. وهذا وعيد شديد على أئمة الجور فمن ضيع من استرعاه توجه عليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة وكيف يقدر على التحلل. نعم يجوز أن يتفضل الله تعالى عليه فيرضي عنه أخصامه فهو الجواد الكريم الرؤوف الرحيم. 9 - باب مَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (من شاق) على الناس بأن أدخل عليهم المشقّة (شق الله عليه) جزاء وفاقًا لأعمالهم. 7152 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنِ الْجُرَيْرِىِّ، عَنِ طَرِيفٍ أَبِى تَمِيمَةَ قَالَ شَهِدْتُ صَفْوَانَ وَجُنْدَبًا وَأَصْحَابَهُ وَهْوَ يُوصِيهِمْ فَقَالُوا: هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: وَمَنْ يُشَاقِقْ يَشْقُقِ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالُوا: أَوْصِنَا فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يُنْتِنُ مِنَ الإِنْسَانِ بَطْنُهُ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَأْكُلَ إِلاَّ طَيِّبًا فَلْيَفْعَلْ، وَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ دَمٍ أَهْرَاقَهُ فَلْيَفْعَلْ». قُلْتُ لأَبِى عَبْدِ اللَّهِ مَنْ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جُنْدَبٌ قَالَ: نَعَمْ جُنْدَبٌ. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن شاهين أبو بشر (الواسطي) قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان (عن الجريري) بضم الجيم وفتح الراء نسبة إلى جرير بن عباد واسمه سعيد بن إياس (عن طريف) بالطاء المهملة آخره فاء بوزن عظيم (أبي تميمة) بالفوقية بوزن عظيمة ابن مجالد بضم الميم وتخفيف الجيم الجهيمي بضم الجيم مصغرًا نسبة إلى بني الجهيم بطن من تميم وكان مولاهم أنه (قال: شهدت صفوان) بن محرز بن زياد التابعي البصري (وجندبًا) بضم الجيم والدال المهملة بينهما نون ساكنة ابن عبد الله البجلي الصحابي المشهور (وأصحابه) أي أصحاب صفوان (وهو) أي صفوان بن محرز (يوصيهم) بسكون الواو وعند الكرماني الضمير راجع إلى جندب وكذا هو في الأطراف للمزي، ولفظه: شهدت صفوان

10 - باب القضاء والفتيا فى الطريق

وأصحابه وجندبًا يوصيهم (فقالوا) أي صفوان وأصحابه لجندب (هل سمعت من رسول الله شيئًا؟ قال): نعم (وسمعته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول): (من سمع سمع الله به يوم القيامة) بفتح السين والميم المشددة أي من عمل للسمعة يظهر الله للناس سريرته ويملأ أسماعهم بما ينطوي عليه، وقيل سمع الله به أي يفضحه يوم القيامة وقيل معناه من سمع بعيوب الناس وأذاعها أظهر الله عيوبه، وقيل أسمعه المكروه، وقيل أراه الله ثواب ذلك من غير أن يعطيه إياه لكون حسرة عليه، وقيل من أراد أن يعلمه الناس أسمعه الله الناس وكان ذلك حظه. (قال) عليه الصلاة والسلام: (ومن يشاقق) ولأبي ذر عن الكشميهني بإسقاط إحدى القافين أي يضر الناس ويحملهم على ما يشق من الأمر أو يقول فيهم أمرًا قبيحًا ويكشف عن عيوبهم ومساويهم (يشقق الله عليه) يعذبه (يوم القيامة) ويشاقق ويشقق بلفظ المضارع وفك القاف فيهما (فقالوا) له: (أوصنا. فقال) جندب (إن أول ما ينتن) بضم التحتية وسكون النون وكسر الفوقية قال في الصحاح نتن الشيء وأنتن بمعنى فهو منتن ومنتن بكسر الميم إتباعًا لكسرة التاء والنتن الرائحة الكريهة (من الإنسان) بعد موته (بطنه فمن استطاع أن لا يأكل إلاّ طينًا) أي حلالاً (فليفعل ومن استطاع أن لا يحال) بضم التحتية وفتح الحاء المهملة مبنيًّا للمفعول وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني أن لا يحول (بينه وبين الجنة ملء كفه) كذا للكشميهني ملء بغير حرف الجر ورفع ملء على أنه فاعل بفعل محذوف دل عليه المتقدم أي يحول بينه وبين الجنة ملء كفه ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بملء كف (من دم) بغير ضمير ومن بيانية (أهراقه) بفتح الهمزة وسكون الهاء صبه بغير حقه (فليفعل). وهذا الحديث وإن كان ظاهره أنه موقوف فهو في حكم المرفوع لأنه لا يقال بالرأي. نعم وقع مرفوعًا عند الطبراني من طريق الأعمش من أبي تميمة بلفظ قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يحولن بين أحدكم وبين الجنة" فذكر نحو رواية الجريري. قال الفربري (قلت لأبي عبد الله) محمد بن إسماعيل البخاري (من يقول سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جندب؟ قال: نعم جندب) وفي الفرع كأصله سقوط قوله قلت إلخ لأبي ذر، وقال في الفتح: وقد خلت رواية النسفي من ذلك. 10 - باب الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا فِى الطَّرِيقِ وَقَضَى يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ فِى الطَّرِيقِ وَقَضَى الشَّعْبِىُّ عَلَى بَابِ دَارِهِ. (باب) جواز (القضاء والفتيا) حال كونهما (في الطريق) وعن أشهب لا بأس بالقضاء إذا كان سائرًا إذا لم يشغله عن الفهم. وقال السفاقسي: لا يجوز فيما يكون غامضًا. (وقضى يحيى بن يعمر) بفتح التحتية والميم بينهما عين مهملة ساكنة التابعي المشهور قاضي مرو (في الطريق) كما وصله ابن سعد في طبقاته. (وقضى الشعبي) بفتح المعجمة وسكون المهملة وبالموحدة المكسورة عامر بن شراحيل (على باب داره) وصله أيضًا ابن سعد. 7153 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِى الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا وَالنَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَارِجَانِ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَلَقِيَنَا رَجُلٌ عِنْدَ سُدَّةِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا أَعْدَدْتَ لَهَا»؟ فَكَأَنَّ الرَّجُلَ اسْتَكَانَ ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صِيَامٍ وَلاَ صَلاَةٍ وَلاَ صَدَقَةٍ، وَلَكِنِّى أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ: «أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ». وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) أخو أبي بكر قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي مولاهم الكوفي أنه قال: (حدّثنا أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: بينما) بالميم (أنا والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خارجان من المسجد فلقينا رجل) بكسر القاف وفتح التحتية (عند سدة المسجد) بضم السين وفتح الدال المشددة المهملتين المظلة على بابه لوقاية المطر والشمس أو الباب أو عتبته أو الساحة أمام بابه والرجل قال ابن حجر لم أعرف اسمه لكن في الدارقطني أنه ذو الخويصرة اليماني (فقال: يا رسول الله متى الساعة)؟ تقوم (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما أعددت لها)؟ ما هيأت لها من عمل (فكأن الرجل استكان) افتعل من السكون فتكون ألفه خارجة عن القياس، وقيل إنه استفعل من الكون أي انتقل من كون إلى كون كما قالوا استحال إذا انتقل من حال إلى حال، وقوّة المعنى تؤيد الأوّل إذ الاستكانة هي الخضوع والانقياد وهو يناسب السكون والخروج عن القياس يضعفه والقياس يؤيد الثاني وقوة المعنى تضعفه إذ ليس بيهما

11 - باب ما ذكر أن النبى -صلى الله عليه وسلم- لم يكن له بواب

أعني الشتق والمشتق منه مناسبة ظاهرة فيحتاج إثباتها إلى تكلف، وقيل هو مشتق من الكين وهو لحبم باطن الفرج إذ هو في أذل المواضع أي صار مثله في الذل وقيل كان يكين بمعنى خضع وذل والوجه بناء على هذا هو الثاني إذ لا يلزم الخروج عن القياس ولا عدم المناسبة ولو كانت هذه اللفظة مشهورة لكان أحسن الوجوه قاله في المصابيح، ولأبي ذر عن الكشميهني: قد استكان. (ثم قال: يا رسول الله ما أعددت) بالهمزة كالسابقة ولأبي ذر عن الكشميهني ما عدّدت بغير همزة. قال في الفتح: وهو بالتشديد مثل جمع مالاً وعدده اهـ. وقال المفسرون: جمع مالاً وعدّده أي أعدّه لنوائب الدهر مثل كرّم وأكرم، وقيل أحصى عدده قاله السدي، وقرأ الحسن والكلبي بتخفيف الدال أي جمع مالاً وعدد ذلك المال، والمعنى هنا ما هيأت (لها كبير صيام) بالباء الموحدة ولبعضهم بالمثلثة (ولا صلاة ولا صدقة ولكني) بكسر النون المشددة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولكن بسكون النون مخففة (أحب الله ورسوله. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (أنت) في الجنة (مع من أحببت). فألحقه بحسن نيته من غير زيادة عمل بالصحابي الأعمال الصالحة. وقال ابن بطال: فيه جواز سكوت العالم عن جواب السائل والمستفتي إذا كانت المسألة لا تعرف أو كانت مما لا حاجة بالناس إليها أو كانت مما يخشى منها الفتنة أو سوء التأويل. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله عند السدة. قال المهلب: الفتيا في الطريق وعلى الدابة ونحو ذلك من التواضع فإن كانت للضعيف فمحمودة وإن كانت لشخص من أهل الدنيا أو ممن يخشى فمكروهة لكن إذا خشي من الثاني ضررًا وجب ليأمن شره. والحديث سبق في الأدب في باب علامات حب الله. 11 - باب مَا ذُكِرَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ لَهُ بَوَّابٌ (باب ما ذكر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن له بوّاب) راتب ليمنع الناس من الدخول عليه. 7154 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِىُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُ لاِمْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ: تَعْرِفِينَ فُلاَنَةَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ فَإِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِهَا وَهْىَ تَبْكِى عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: «اتَّقِى اللَّهَ وَاصْبِرِى» فَقَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّى فَإِنَّكَ خِلْوٌ مِنْ مُصِيبَتِى قَالَ: فَجَاوَزَهَا وَمَضَى فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ فَقَالَ: مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: مَا عَرَفْتُهُ قَالَ: إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَجَاءَتْ إِلَى بَابِهِ فَلَمْ تَجِدْ عَلَيْهِ بَوَّابًا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا عَرَفْتُكَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ». وبه قال: (حدّثنا إسحاق) ولأبي ذر والأصيلي: إسحاق بن منصور أي ابن بهرام الكوسج أبو يعقوب المروزي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر والأصيلي: حدّثنا (عبد الصمد) بن عبد الوارث قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا ثابت البناني) بضم الموحدة وفتح النون (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- ولأبي ذر قال: سمعت أنس بن مالك (يقول لامرأة من أهله: تعرفين فلانة) لم يقف الحافظ على اسم المرأتين (قالت: نعم) أعرفها (قال: فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ بها وهي) أي والحال أنها (تبكي عند قبر فقال) لها: (اتقي الله) توطئة لقوله (واصبري) بكسر الموحدة أي لا تجزعي وخافي غضب الله واصبري حتى تثابي فأجابت (فقالت) له: (إليك) أي تنح وابعد (عني فإنك خلو) بكسر المعجمة وسكون اللام خال (من مصيبتي). وعند أبي يعلى من حديث أبي هريرة أنها قالت: يا عبد الله إني أنا الحراء الثكلاء ولو كنت مصابًا عذرتني (قال) أنس: (فجاوزها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ومضى فمرّ بها رجل) هو الفضل بن العباس (فقال) لها: (ما قال لك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قالت) له: (ما عرفته. قال: إنه لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد مسلم في رواية له فأخذها مثل الموت أي من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال) أنس: (فجاءت) أي المرأة (إلى بابه) عليه الصلاة والسلام (فلم تجد عليه بوّابًا) أي راتبًا تواضعًا منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلا يعارض هذا حديث أبي موسى أنه كان بوّابًا له عليه الصلاة والسلام لما جلس على القف، وحديث عمر لما استأذن له الأسود في قصة حلفه أن لا يدخل على نسائه شهرًا لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في خلوة نفسه يتخذ البوّاب. واختلف في مشروعية الحجاب للحاكم فقال إمامنا الشافعي: لا ينبغي اتخاذه له، وقال آخرون بالجواز، وقال آخرون يستحب لترتيب الخصوم ومنع المستطيل ودفع الشرّير ويكره دوام الاحتجاب، وقد يحرم ففي أبي داود والترمذي بسند جيد عن أبي مريم الأسدي مرفوعًا: مَن ولاّه الله من أمر الناس شيئًا فاحتجب عن حاجتهم احتجب الله عن حاجته يوم القيامة. وقال في شرح المشكاة: فائدة قوله

12 - باب الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه دون الإمام الذى فوقه

فلم تجد عنده بوّابًا إنه لما قيل لها إنه لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استشعرت خوفًا وهيبة في نفسها فتصوّرت أنه مثل الملوك له حاجب وبوّاب يمنع الناس من الوصول إليه فوجدت الأمر بخلاف ما تصوّرته. (فقالت: يا رسول الله والله ما عرفتك. فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لها (إن الصبر عند أول صدمة) ولأبي ذر عن الكشميهني: عند أول الصدمة بالتعريف، والمعنى إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع فهو الصبر الكامل الذي يترتب عليه الأجر فالمرء لا يؤجر على المصيبة لأنها ليست من صنعه وإنما يؤجر على حسن تثبته وجميل صبره. وسبق الحديث في الجنائز في باب زيارة القبور. 12 - باب الْحَاكِمِ يَحْكُمُ بِالْقَتْلِ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دُونَ الإِمَامِ الَّذِى فَوْقَهُ (باب) ذكر (الحاكم يحكم بالقتل على من وجب عليه) القتل (دون الإمام الذي فوقه) أي الذي ولاّه من غير احتياج إلى استئذانه في خصوص ذلك وباب مضاف لتاليه في الفرع، وقال العيني: ليس مضافًا وإن قوله الحاكم رفع بالابتداء وقوله يحكم بالقتل خبره. وقال في الكواكب وتبعه البرماوي قوله دون هو إما بمعنى عند وإما بمعنى غير، لكن الحديث الثاني يدل على أنه بمعنى غير ليس إلا والأول يحتملهما. 7155 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الذُّهْلِىُّ، حَدَّثَنَا الأَنْصَارِىُّ مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ كَانَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَىِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الأَمِيرِ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن خالد) هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس (الذهلي) بضم المعجمة وسكون الهاء وكسر اللام وسقط الذهلي لأبي ذر قال: (حدّثنا الأنصاري محمد) بتقديم النسبة على الاسم وهي رواية أبي زيد المروزي كما في الفتح وللأكثر حدّثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (أبي) عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس (عن) عم أبيه (ثمامة) بضم المثلثة وتخفيف الميم الأولى والثانية بينهما ألف (عن أنس) -رضي الله عنه- (أن قيس بن سعد). قال في الفتح: وزاد في رواية المروزي ابن عبادة أي الأنصاري الخزرجي لا قيس بن سعد بن معاذ ولأبي ذر عن أنس بن مالك قال: إن قيس بن سعد (كأن يكون بين يدي النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير). بضم المعجمة وفتح الراء بعدها طاء مهملة. وزاد الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن مرزوق عن الأنصاري مما أدرجه الأنصاري من كلامه كما بيّنه الترمذي لا ينفذه من أموره. والشرطة أعوان الأمير الذين يتصرفون في الجند بأمره والمراد بصاحب الشرطة كبيرهم، فقيل سموا بذلك لأنهم رذالة الجند أو لأنهم الأشداء الأقوياء من الجند. قال الأزهري: شرطة كل شيء خياره، ومنه الشرطة لأنهم نخبة الجند وقيل هم أول طائفة تتقدم الجيش وتشهد الوقعة، وقيل مأخوذ من الشريط وهو الحبل المبرم لما فيهم من الشدة. وفي الحديث تشبيه ما مضى بما حدث بعده، لأن صاحب الشرطة لم يكن موجودًا في العهد النبوي عند أحد من العمال، وإنما حدث في دولة بني أمية فأراد أنس تقريب حال قيس بن سعد عند السامعين فشبهه بما يعهدونه وفائدة تكرار لفظ الكون في قوله كان يكون بيان الدوام والاستمرار كما قاله في الكواكب. وقوله في الفتح إنه وقع في الترمذي وغيره من طرق عن الأنصاري كان قيس بن سعد من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: فظهر أن ذلك كان من تصرف الرواة، تعقبه العيني بأن رواية الترمذي وغيره لا تستلزم نفي رواية كان يكون فإن كلاًّ لا يروي إلا ما ضبطه فعدم النسبة إلى تصرف الرواة أولى من كونهم تصرفوا في ذلك من أنفسهم ومفهوم التكرار، وزيادة الإسماعيلي أن ذلك كان لقيس على سبيل الوظيفة الراتبة لكن يعكر عليه ما ذكره الإسماعيلي بلفظ قال الأنصاري، ولا أعلمه إلا عن أنس أنه لما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان قيس بن سعد في مقدمته بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير فكلم سعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قيس أن يصرفه من الموضع الذي وضعه فيه مخافة أن يقدم على شيء فصرفه عن ذلك، ثم أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن الأنصاري بدون تلك الزيادة التي في آخره قال: ولم يشك في كونه عن أنس فكأن الأنصاري كان يتردد في وصلها. قال الحافظ ابن حجر: وعلى تقدير ثبوت هذه

13 - باب هل يقضى الحاكم أو يفتى وهو غضبان؟

الزيادة فلم يقع ذلك لقيس بن سعد إلا في تلك المرة ولم يستمر مع ذلك فيها. 7156 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ قُرَّةَ، حَدَّثَنِى حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَهُ وَأَتْبَعَهُ بِمُعَاذٍ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) زاد أبو ذر هو القطان (عن قرة) ولأبي ذر زيادة ابن خالد أي السدوسي أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (حميد بن هلال) العدوي البصري قال: (حدّثنا أبو بردة) بضم الموحدة عامر أو الحارث (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثه) أرسله إلى اليمن قاضيًا (وأتبعه بمعاذ) بهمزة قطع وسكون الفوقية ومعاذ هو ابن جبل. وهذا قطعة من حديث سبق في باب حكم المرتد والمرتدة من استتابة المرتدين بهذا السند وأوله عن أبي موسى قال: أقبلت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني والآخر عن يساري ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستاك فكلاهما سأل فقال: يا أبا موسى أو قال يا عبد الله بن قيس قال: قلت والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما وما شعرت أنهما يطلبان العمل فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت فقال: لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس إلى اليمن ثم أتبعه معاذ بن جبل، ثم ذكر قصة اليهودي الذي أسلم ثم ارتد وعليها اقتصر هنا في الحديث التالي لهذا. 7157 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِى مُوسَى أَنَّ رَجُلاً أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، فَأَتَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَهْوَ عِنْدَ أَبِى مُوسَى فَقَالَ: مَا لِهَذَا؟ قَالَ: أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ قَالَ: لاَ أَجْلِسُ حَتَّى أَقْتُلَهُ قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن الصباح) بفتح المهملة والموحدة المشددة وبعد الألف مهملة العطاردي البصري قال: (حدّثنا محبوب بن الحسن) القرشي البصري قيل اسمه محمد ومحبوب لقبه قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن حميد بن هلال) العدوي (عن أبي بردة) عامر (عن أبي موسى) الأشعري -رضي الله عنه- (أن رجلاً) أي أعرف اسمه (أسلم ثم تهوّد فأتاه معاذ بن جبل وهو عند أبي موسى فقال) معاذ لأبي موسى: (ما لهذا) الرجل الموثق؟ (قال: أسلم ثم تهود) وفي رواية الباب المذكور في استتابة المرتدين ثم أتبعه معاذ بن جبل فلما قدم عليه ألقى له وسادة. قال أنزل وإذا رجل عنده موثق قال ما هذا قال كان يهوديًّا فأسلم ثم تهود فقال أجلس (قال: لا أجلس حتى أقتله) هذا (قضاء الله و) قضاء (رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في الاستتابة فأمر به فقتل وبذلك يتم مراد الترجمة ويحصل الرد على من زعم أن الحدود لا يقيمها عمال البلاد إلا بعد إذن الإمام الذي ولاهم. 13 - باب هَلْ يَقْضِى الْحَاكِمُ أَوْ يُفْتِى وَهْوَ غَضْبَانُ؟ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (هل يقضي الحاكم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي القاضي أي بين الناس (أو يفتي وهو غضبان)؟ 7158 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى بَكْرَةَ قَالَ: كَتَبَ أَبُو بَكْرَةَ إِلَى ابْنِهِ وَكَانَ بِسِجِسْتَانَ بِأَنْ لاَ تَقْضِىَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَأَنْتَ غَضْبَانُ فَإِنِّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهْوَ غَضْبَانُ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عبد الملك بن عمير) بضم العين وفتح الميم الكوفي قال: (سمعت عبد الرحمن بن أبي بكرة) نفيع الثقفي (قال: كتب) أبي (أبو بكرة إلى ابنه) بالنون ولده عبيد الله بالتصغير (وكان) عبيد الله قاضيًا (بسجستان) بكسر المهملة والجيم على الصحيح غير منصرف للعلمية والعجمية وفيه الزيادة والتأنيث إحدى مدن العجم وهي خلف كرمان مسيرة مائة فرسخ منها أربعون مفازة ليس بها ماء وهي إلى ناحية الهند (بأن لا تقضي بين اثنين). وفي عمدة الأحكام: كتب أبي وكتبت له إلى ابنه عبيد الله وهو موافق لرواية مسلم إلا أنه زاد لفظة ابنه، والضمير في ابنه عائد إلى أبي بكرة، وصرح في بعض الروايات فقال وكتبت له إلى ابنه عبيد الله بن أبي بكرة. والحاصل أن أبا بكرة له ابن يسمى عبيد الله وهو المكتوب إليه وابن آخر يسمى عبد الرحمن راوي الحديث الذي كتب إلى أخيه عبيد الله به، وهذا التركيب يحتمل أن يكون أبو بكرة كتب بنفسه إلى ابن عبيد الله، وكتب عبد الرحمن لأخيه عبيد الله بمثل ما كتب أبو بكرة، ولكن عبد الرحمن إنما كتب لأجل أبيهما أي لأجل أمره وطواعيته ونحو ذلك ففيه تنازع بين كتب وبين كتبت في المفعول وهو أن لا يحكم بين اثنين وفي الجار والمجرور وهو إلى ابنه، ويكون قد أعمل أحدهما وأضمر في الآخر ولكنه حذف لكونه فضلة، وتعقبه في الفتح بأنه لا يتعين ذلك بل الذي يظهر أن قوله كتب أبي أي أمر

بالكتابة وقوله وكتبت أي باشرت الكتابة التي أمر بها والأصل عدم التعدد، وتعقبه العيني فقال: الأصل عدم التعدد والأصل عدم ارتكاب المجاز والعدول عن ظاهر الكلام لا لعلة وما المانع من التعدد اهـ. أو يكون المراد كتب أبي إليّ أن أكتب لابنه، ولكن حذف المفعول وهو المجرور بإلى ثم قال: وكتبت له إلى ابنه بذلك أي لأجل أمره لي بأن أكتب وعلى هذا فلا تنازع في المجرور بل في المفعول الذي هو المصدر المنسبك من أن لا تحكم الخ وأعمل أحدهما وحذف الآخر لأنه غير عمدة على ما سبق، أو يكون المراد أن كلاًّ من أبي بكرة وعبد الرحمن كتب إلى عبيد الله وكتابة ثانيهما إليه تأكيد لكتابة الأوّل، وكتابة عبد الرحمن إنما كانت لأجل أبي بكرة على معنى أنه كتب ذلك عن أبيه لا من قبل نفسه أو يكون أبو بكرة أمر بالكتابة فنسب إليه أنه كتب تجوّزًا بالسبب عن المسبب وفيه نظر لرواية النسائي. قال عبد الرحمن بن أبي بكرة كتب إليّ أبو بكرة يقول: ْسمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول الخ. وفي رواية مسلم أن لا تحكم بين اثنين (وأنت غضبان) جملة في موضع الحال وغضبان لا ينصرف والغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام وعند الترمذي عن أبي سعيد مرفوعًا: ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما ترون إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه (فإني سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) الفاء في فإني سببية. (لا يقضين) بتشديد النون تأكيد للنهي (حكم) بفتحتين أي حاكم (بين اثنين وهو غضبان) لأن الغضب قد يتجاوز بالحاكم إلى غير الحق، وعداه الفقهاء بهذا المعنى إلى كل ما يحصل به التغير للفكر كجوع وشبع مفرطين ومرض مؤلم وخوف مزعج وفرح شديد وغلبة نعاس وهمّ مضجر ومدافعة حدث وحرّ مزعج وبرد منكر وسائر ما يتعلق به القلب تعلقًا يشغله عن استيفاء النظر وعن أبي سعيد عند البيهقي بسند ضعيف مرفوعًا: لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان، واقتصر على ذكر الغضب لاستيلائه على النفس وصعوبة مقاومته بخلاف غيره نعم إن غضب لله ففي الكراهة وجهان. قال البلقيني: المعتمد عدم الكراهة واستبعده غيره لمخالفته لظواهر الأحاديث وللمعنى الذي لأجله نهي عن الحكم حال الغضب، ولو خالف وحكم وهو غضبان صحّ أن صادف الحق مع الكراهة، وعن بعض الحنابلة لا ينفذ الحكم في حال الغضب لثبوت النهي عنه والنهي يقتضي الفساد، وفصل بعضهم بين أن يكون الغضب طرأ عليه بعد أن استبان له الحكم فلا يؤثر وإلاّ فهو محل الخلاف. والحديث أخرجه مسلم في الأحكام، وأبو داود في القضاء، والترمذي في الأحكام، والنسائي في القضايا وابن ماجة في الأحكام. 7159 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِىِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى وَاللَّهِ لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلاَنٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فِيهَا قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَطُّ أَشَدَّ غَضَبًا فِى مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُوجِزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي المجاور قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد) الكوفي الحافظ (عن قيس بن أبي حازم) أبي عبد الله البجلي التابعي الكبير فاتته الصحبة بليال (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو بفتح العين وسكون الميم (الأنصاري) الخزرجي البدري أنه (قال: جاء رجل) لم يسم أو هو سليم بن الحارث (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله إني والله لأتأخر عن صلاة الغداة) الصبح فلا أصليها مع الإمام (من أجل فلان) هو معاذ بن جبل أو أبي بن كعب كما في مسند أبي يعلى (مما يطيل بنا فيها) في صلاة الغداة ومن ابتدائية متعلقة بأتأخر (قال) أبو مسعود (فما رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطّ أشد غضبًا في موعظة منه يومئذٍ) وفيه وعيد شديد على من يسعى في تخلف الغير عن الجماعة (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يا أيها الناس) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أيها الناس بإسقاط أداة النداء (إن منكم منفرين فأيكم ما صلّى بالناس فليوجز) بسكون اللام وبالجيم المكسورة بعدها زاي وما صلة مؤكدة لمعنى الإبهام في أيّ وصلى فعل شرط وفليوجز جوابه كقوله تعالى: {أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} [الإسراء: 110] (فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة). والحديث

14 - باب من رأى للقاضى أن يحكم بعلمه فى أمر الناس

سبق في العلم في باب الغضب في الموعظة وفي كتاب الصلاة في باب تخفيف الإمام في القيام. 7160 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى يَعْقُوبَ الْكِرْمَانِىُّ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنِى سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهْىَ حَائِضٌ فَذَكَرَ عُمَرُ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: «لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لْيُمْسِكْهَا، حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا». وبه قال: (حدّثنا محمد بن أبي يعقوب) إسحاق (الكرماني) بفتح الكاف عند المحدّثين وأهلها يكسرونها قال: (حدّثنا حسان بن إبراهيم) بفتح الحاء المهملة المشددة الكرماني العنزي قاضي كرمان قال: (حدّثنا يونس) بن يزيد الأيلي (قال محمد): ولأبي ذر: حدّثنا محمد هو الزهري قال: (أخبرني) بالإفراد (سالم أن) أباه (عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- (أخبره أنه طلّق امرأته) آمنة بمدّ الهمزة وكسر الميم بنت غفار بالغين المعجمة المكسورة والفاء (وهي حائض) الواو للحال من امرأته أو من ضمير الفاعل (فذكر عمر) ذلك (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتغيظ) أي غضب (فيه) أي في الفعل المذكور وهو الطلاق وتغيظ مطاوع غظته فتغيظ ولأبي ذر عن الكشميهني عليه أي على ابن عمر (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قال): يحتمل أن يكون ثم هنا بمعنى الواو لأن قوله مقارن تغيظه، ويحتمل أن تكون على بابها وإن قوله بعد زوال الغيظ واللام في قوله: (ليراجعها) لام الأمر والفعل مجزوم وكذا قوله (ثم يمسكها) ويجوز في المعطوف الرفع على الاستئناف أي ثم هو يمسكها والأمر للندب في قول إمامنا الشافعي وأبي حنيفة وأحمد وفقهاء المحدّثنين وللوجوب عند مالك وأصحابه والصارف له عن الوجوب قوله تعالى: {فأمسكوهنّ بمعروف أو فارقوهنّ بمعروف} [الطلاق: 2] وغيره من الآيات المقتضية للتخيير بين الإمساك بالرجعة أو الفراق بتركها ولمسلم ثم ليدعها (حتى تطهر ثم تحيض) حيضة أخرى (فتطهر) منها (فإن بدا له) بعد طهرها من الحيض الثاني (أن يطلقها فليطلقها) قبل أن يجامعها. قال البيضاوي: وفي الحديث فوائد حرمة الطلاق في الحيض لتغيظه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه وهو لا يتغيظ إلا في حرام والتنبيه على أن علة التحريم تطويل العدة عليها وإن العدة بالإطهار لا بالحيض. والحديث سبق في الطلاق. 14 - باب مَنْ رَأَى لِلْقَاضِى أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ فِى أَمْرِ النَّاسِ إِذَا لَمْ يَخَفِ الظُّنُونَ وَالتُّهَمَةَ كَمَا قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِهِنْدَ: «خُذِى مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» وَذَلِكَ إِذَا كَانَ أَمْرٌ مَشْهُورٌ. (باب من رأى) من الفقهاء (للقاضي أن يحكم بعلمه في أمر الناس) دون حقوق الله كالحدود (إذا لم يخف) القاضي (الظنون والتهمة) بفتح الهاء أي يحكم بشرطين عدم التهمة ووجود الشهرة (كما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهند): حين قضى لها على زوجها أبي سفيان بن حرب (خذي) من ماله (ما يكفيك وولدك بالمعروف. وذلك إذا كان أمر مشهور) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: إذا كان أمرًا مشهورًا بالنصب خير كان أي إذا كان مشهورًا كقصة هند في زوجيتها لأبي سفيان ووجوب النفقة عليه. وقال المالكية: لا يحكم بعلمه في أمر من الأمور إلا في التعديل والتجريح لأن القاضي يشارك غيره فيهما فلا تهمة وإنه لو لم يحكم بعلمه في العدالة لافتقر إلى معدلين آخرين وهكذا فيتسلسل. 7161 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، حَدَّثَنِى عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: جَاءَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، وَمَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ خِبَائِكَ، ثُمَّ قَالَتْ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ فَهَلْ عَلَىَّ مِنْ حَرَجٍ أَنْ أُطْعِمَ الَّذِى لَهُ عِيَالَنَا؟ قَالَ لَهَا: «لاَ حَرَجَ عَلَيْكِ أَنْ تُطْعِمِيهِمْ مِنْ مَعْرُوفٍ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: قال أخبرني بالإفراد أيضًا (عروة) بن الزبير (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءت هند) بالصرف وعدمه لسكون وسطه (بنت عتبة بن ربيعة) بن عبد شمس بن عبد مناف القرشية العبشمية والدة معاوية وسقط لأبي ذر: ابن ربيعة إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالت: يا رسول الله والله ما كان على ظهر الأرض أهل خباء) بكسر الخاء المعجمة والمد (أحب إليّ) بتشديد الياء (أن يذلوا) بفتح التحتية وكسر المعجمة (من أهل خبائك) أرادت بيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكنت عنه بأهل الخباء إجلالاً له أو أرادت أهل بيته أو صحابته فهو من المجاز والاستعارة (وما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إليّ أن يعزوا) بفتح التحتية وكسر العين المهملة وتشديد الزاي (من أهل خبائك. ثم قالت): يا رسول الله (إن أبا سفيان) صخر بن حرب زوجي (رجل مسّيك) بكسر الميم والسين المهملة المشددة بصيغة المبالغة من مسك اليد يعني بخيل جدًّا ويجوز فتح الميم وكسر السين مخففة بوزن أمير وهو أصح عند أهل العربية والأوّل

تنبيه:

هو الأشهر في رواية المحدّثين ورجل خبر إن، ولو قالت: إن أبا سفيان مسيك صح وحصلت الفائدة إلا أن ذكر الموصوف مع صفته يكون لتعظيمه نحو: رأيت رجلاً صالحًا أو لتحقيره نحو رأيت رجلاً فاسقًا، ولما كان البخل مذمومًا قالت رجل. وفي رواية: شحيح بدل مسيك وهو أشد البخل، وقيل الشح الحرص على ما ليس عنده والبخل بما عنده. وقال رجل لابن عمر: إني شحيح. فقال له: إن كان شحّك لا يحملك على أن تأخذ ما ليس لك فليس بشحّك بأس. وعن ابن مسعود: الشحّ منع الزكاة. وقال القرطبي: المراد أنه شحيح بالنسبة إلى امرأته وولده لا مطلقًا لأن الإنسان قد يفعل هذا مع أهل بيته لأنه يرى أن غيرهم أحوج وأولى وإلا فأبو سفيان لم يكن معروفًا بالبخل فلا يستدل بهذا الحديث على أنه بخيل مطلقًا. (فهل عليّ) بتشديد الياء (من حرج) إثم (أن أطعم الذي) ولأبي ذر عن المستملي من الذي (له عيالنا) وهمزة أطعم مضمومة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لها): (لا حرج) لا إثم (عليك أن تطعميهم من معروف) أي الإطعام الذي هو المعروف بأن لا يكون فيه إسراف ونحوه. وفي هذا أن للقاضي أن يقضي بعلمه، لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يعلم أنها زوجة أبي سفيان ولم يكلفها البيّنة لأن علمه أقوى من الشهادة لتيقن ما علمه والشهادة قد تكون كذبًا، ويأتي إن شاء الله تعالى عند المؤلّف في باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولايته القضاء عن آخرين من أهل العراق أنه يقضي بعلمه لأنه مؤتمن، وإنما يراد من الشهادة معرفة الحق فعلمه أكثر من الشهادة، واستدلّ المانعون من القضاء بالعلم بقوله في حديث أم سلمة إنما أقضي له بما أسمع ولم يقل بما أعلم، وقال للحضرمي: شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك ويخشى من قضاة السوء أن يحكم أحدهم بما شاء ويحيل على علمه، وتعقب ابن المنير البخاري بأنه لا دلالة في الحديث للترجمة لأنه خرج مخرج الفتيا قال: وكلام المفتي يتنزل على تقدير صحة إنهاء المستفتي فكأنه قال: إن ثبت أنه يمنعك حقك جاز لك أخذه، وأجاب بعضهم: بأن الأغلب من أحوال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحكم والإلزام فيجب تنزيل لفظه عليه وبأنه لو كانت فتيا لقال مثلاً لك أن تأخذي فلما أتى بصيغة الأمر بقوله: خذي كما في الرواية الأخرى دلّ على الحكم. ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى بعون الله وقوته في باب القضاء على الغائب وفي باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولاية القضاء. تنبيه: لو شهدت البيّنة مثلاً بخلاف ما يعلمه علمًا حسيًّا لمشاهدة أو سماع يقينًا أو ظنًّا راجحًا لم يجز له أن يحكم بما قامت به البيّنة ونقل بعضهم فيه الاتفاق، وإن وقع الاختلاف في القضاء بالعلم. والحديث سبق في النفقات. 15 - باب الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ الْمَخْتُومِ وَمَا يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يَضِيقُ عَلَيْهِمْ وَكِتَابِ الْحَاكِمِ إِلَى عَامِلِهِ وَالْقَاضِى إِلَى الْقَاضِى وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: كِتَابُ الْحَاكِمِ جَائِزٌ إِلاَّ فِى الْحُدُودِ ثُمَّ قَالَ: إِنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَهْوَ جَائِزٌ لأَنَّ هَذَا مَالٌ بِزَعْمِهِ وَإِنَّمَا صَارَ مَالاً بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ الْقَتْلُ فَالْخَطَأُ وَالْعَمْدُ وَاحِدٌ، وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى عَامِلِهِ فِى الْجَارُودِ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِى سِنٍّ كُسِرَتْ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: كِتَابُ الْقَاضِى إِلَى الْقَاضِى جَائِزٌ، إِذَا عَرَفَ الْكِتَابَ وَالْخَاتَمَ، وَكَانَ الشَّعْبِىُّ يُجِيزُ الْكِتَابَ الْمَخْتُومَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْقَاضِى وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ، وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الثَّقَفِىُّ: شَهِدْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ يَعْلَى قَاضِىَ الْبَصْرَةِ، وَإِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، وَالْحَسَنَ وَثُمَامَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ وَبِلاَلَ بْنَ أَبِى بُرْدَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِىَّ وَعَامِرَ بْنَ عَبِيدَةَ وَعَبَّادَ بْنَ مَنْصُورٍ يُجِيزُونَ كُتُبَ الْقُضَاةِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنَ الشُّهُودِ فَإِنْ قَالَ: الَّذِى جِىءَ عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ إِنَّهُ زُورٌ قِيلَ لَهُ اذْهَبْ فَالْتَمِسِ الْمَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ وَأَوَّلُ مَنْ سَأَلَ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِى الْبَيِّنَةَ ابْنُ أَبِى لَيْلَى وَسَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحْرِزٍ جِئْتُ بِكِتَابٍ مِنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ قَاضِى الْبَصْرَةِ وَأَقَمْتُ عِنْدَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لِى عِنْدَ فُلاَنٍ كَذَا وَكَذَا وَهْوَ بِالْكُوفَةِ وَجِئْتُ بِهِ الْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَجَازَهُ وَكَرِهَ الْحَسَنُ وَأَبُو قِلاَبَةَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى وَصِيَّةٍ حَتَّى يَعْلَمَ مَا فِيهَا لأَنَّهُ لاَ يَدْرِى لَعَلَّ فِيهَا جَوْرًا وَقَدْ كَتَبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَهْلِ خَيْبَرَ «إِمَّا أَنْ تَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ تُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ». وَقَالَ الزُّهْرِىُّ: فِى شَهَادَةٍ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ إِنْ عَرَفْتَهَا فَاشْهَدْ وَإِلاَّ فَلاَ تَشْهَدْ. (باب) حكم (الشهادة على الخط المختوم) أنه خط فلان وقال المختوم لأنه أقرب إلى عدم تزوير الخط وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني المحكوم بالحاء المهملة بدل المعجمة والكاف بدل الفوقية أي المحكوم به (وما يجوز من ذلك) أي من الشهادة على الخط (وما يضيق عليهم) وللأصيلي زيادة فيه فلا يجوز لهم الشهادة به، ولأبي ذر عليه أي الشاهد فالقول بذلك ليس على التعميم إثباتًا ونفيًا بل لا يمنع مطلقًا لما فيه من تضييع الحقوق ولا يعمل به مطلقًا إذ لا يؤمن فيه التزوير (و) حكم (كتاب الحاكم إلى عماله) بضم العين وتشديد الميم وفي الفرع كأصله إلى عامله بلفظ الإفراد (و) كتاب (القاضي إلى القاضي. وقال بعض الناس): أبو حنيفة وأصحابه (كتاب الحاكم جائز إلا في الحدود ثم) ناقض بعض الناس حيث (قال: إن كان القتل خطأ فهو) أي كتاب الحاكم (جائز لأن هذا) أي قتل الخطأ في نفس الأمر (مال بزعمه) بضم الزاي وفتحها وإنما كان عنده مالاً لعدم القصاص فيه فيلحق بسائر الأموال في هذا الحكم ثم ذكر المؤلّف وجه المناقضة فقال (وإنما صار) قتل الخطأ (مالاً بعد أن ثبت) ولأبي ذر أن يثبت (القتل) عند الحاكم (فالخطأ والعمد) في أول الأمر حكمهما (واحد) لا تفاوت في كونهما حدًّا. (وقد كتب عمر)

بن الخطاب -رضي الله عنه- (إلى عامله في الحدود) بالحاء والدالين المهملات والعامل المذكور هو يعلى بن أمية عامله على اليمن كتب إليه في قصة رجل زنى بامرأة مضيفه: إن كان عالمًا بالتحريم فحدّه، وللأصيلي وأبي ذر عن المستملي والكشميهني في الجارود بالجيم بعدها ألف فراء فواو فدال مهملة ابن المعلى أبي المنذر العبدي، وله قصة مع قدامة بن مظعون عامل عمر على البحرين ذكرها عبد الرزاق بسند صحيح من طريق عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: استعمل عمر قدامة بن مظعون فقدم الجارود بسبب عبد القيس على عمر فقال: إن قدامة شرب فسكر فكتب عمر إلى قدامة في ذلك فذكر القصة بطولها في قدوم قدامة وشهادة الجارود وأبي هريرة عليه، وفي احتجاج قدامة بآية المائدة، وفي رد عمر عليه وجلده الحد. (وكتب عمر بن عبد العزيز) -رحمه الله- إلى عامله زريق بن حكيم (في) شأن (سنّ كسرت) بضم الكاف وكسر السين وهذا وصله أبو بكر الخلال في كتاب القصاص والديات من طريق عبد الله بن المبارك عن حكيم بن زريق بن حكيم عن أبيه بلفظ كتب إليّ عمر بن عبد العزيز كتابًا أجاز فيه شهادة رجل على سن كسرت. (وقال إبراهيم) النخعي مما وصله ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن عبيدة عنه (كتاب القاضي إلى القاضي جائز إذا عرف) القاضي المكتوب إليه (الكتاب والخاتم) الذي يختم به عليه بحيث لا يلتبسان بغيرهما. (وكان الشعبي) عامر بن شراحيل مما وصله ابن أبي شيبة من طريق عيسى بن أبي عزة (يجيز الكتاب المختوم بما فيه من القاضي ويروى عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (نحوه): أي نحو ما روي عن الشعبي. قال في فتح الباري: ولم يقع لي هذا الأثر عن ابن عمر إلى الآن. (وقال معاوية بن عبد الكريم الثقفي): المعروف بالضال بضاد معجمة ولام مشددة سمي به لأنه ضل في طريق مكة (شهدت) أي حضرت (عبد الملك بن يعلى قاضي البصرة) الليثي التابعي ولاه عليها يزيد بن هبيرة لما ولي إمارتها من قبل يزيد بن عبد الملك بن مروان كما ذكره عمر بن شبة في أخبار البصرة (و) شهدت (إياس بن معاوية) بكسر الهمزة وتخفيف التحتية المزني وكان ولي قضاء البصرة في خلافة عمر بن عبد العزيز من قبل عدي بن أرطأة عامل عمر بن عبد العزيز عليها (والحسن) البصري، وكان قد وليس القضاء بالبصرة مدة قليلة ولاّه عدي بن أرطأة عاملها (وثمامة بن عبد الله بن أنس) أي ابن مالك وكان قاضي البصرة في أوائل خلافة هشام بن عبد الملك ولاه خالد القسري (وبلال بن أبي بردة) بضم الموحدة عامر أو الحارث بن أبي موسى الأشعري ولاه خالد القسري قضاء البصرة (وعبد الله بن بريدة) بضم الموحدة (الأسلمي) التابعي المشهور ولي قضاء مرو (وعامر بن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة بعدها تحتية مصحح عليه في الفرع وأصله وزاد في فتح الباري عبدة بفتح العين وسكون الموحدة وفتحها وقال ذكره ابن ماكولا بالوجهين وعامر هو أبو إياس البجلي الكوفي (وعباد بن منصور) بفتح العين والموحدة المشددة الناجي بالنون والجيم يكنى أبا سلمة الثمانية حال كونهم (يجيزون كتب القضاة بغير محضر من الشهود) بضم الشين ولأبي ذر من المشهود بزيادة ميم وسكون الشين (فإن قال الذي جيء عليه بالكتاب) بكسر الجيم وسكون التحتية بعدها همزة (أنه) أي الكتاب (زور قيل له اذهب فالتمس المخرج من ذلك) بفتح الميم والراء بينهما، معجمة ساكنة أي اطلب الخروج من عهدة ذلك إما بالقدح في البيّنة بما يقبل فتبطل الشهادة، وإما بما يدل على البراءة من المشهود به. وقال المالكية: إذا جاء كتاب من قاض إلى قاض آخر مع شاهدين فإنه يعتمد على ما شهد به الشاهدان ولو خالفا ما في الكتاب، وقيد ذلك في الجواهر بما إذا طابقت شهادتهما الدعوى قال: ولو شهدا بما فيه وهو مفتوح جاز وندب ختمه ولم يفد وحده فلا بد من شهود بأن هذا الكتاب كتاب فلان القاضي، وزاد أشهب ويشهدون أنه أشهدهم بما فيه اهـ. واحتج من لم يشترط الإشهاد بأنه

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب إلى الملوك ولم ينقل أنه أشهد أحدًا على كتابه. وأجيب: بأنه لما حصل في الناس الفساد احتيط للدماء والأموال. قال البخاري: (وأول من سأل على كتاب القاضي البيّنة ابن أبي ليلى) محمد بن عبد الرحمن قاضي الكوفة، وأول ما وليها في زمن يوسف بن عمر الثقفي في خلافة الوليد بن يزيد وهو صدوق لكنه اتفق على ضعف حديثه لسوء حفظه (وسوار بن عبد الله) بفتح السين المهملة والواو المشددة وبعد الألف راء العنبري قاضي البصرة من قبل المنصور. قال البخاري بالسند إليه: (وقال لنا أبو نعيم) الفضل بن دكين مذاكرة (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن محرز) بضم الميم وسكون المهملة وكسر الراء بعدها زاي الكوفي قال: (جئت بكتاب من موسى بن أنس) أي ابن مالك التابعي (قاضي البصرة و) كنت (أقمت عنده البيّنة أن لي عند فلان كذا وكذا وهو) أي فلان (بالكوفة، وجئت به) بالواو وللأصيلي وأبي ذر فجئت به أي بالكتاب (القاسم بن عبد الرحمن) بن أبي عبد الله بن مسعود المسعودي التابعي قاضي الكوفة زمن عمر بن عبد العزيز (فأجازه) بجيم وزاي أمضاه وعمل به. (وكره الحسن) البصري (وأبو قلابة) الجرمي بفتح الجيم وسكون الراء وكسر الميم (أن يشهد) بفتح أوله الشاهد (على وصية حتى يعلم ما فيها لأنه لا يدري لعل فيها جورًا) أي باطلاً. وقال الداودي من المالكية: وهذا هو الصواب، وتعقبه ابن التين بأنها إذا كان فيها جور لم يمنع التحمل لأن الحاكم قادر على ردّه إذا أوجب حكم الشرع ردّه وما عداه يعمل به فليس خشية الجور فيها مانعًا من التحمل، وإنما المانع الجهل بما يشهد به، ومذهب مالك -رحمه الله- جواز الشهادة على الوصية وإن لم يعلم الشاهد ما فيها وكذا الكتاب المطويّ ويقول الشاهد: إن للحاكم نشهد على إقراره بما في الكتاب لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب إلى عماله من غير أن يقرأها على من حملها وهي مشتملة على الأحكام والسنن، وأثر الحسن وصله الدارمي بلفظ: لا تشهد على وصية حتى تقرأ عليك ولا تشهد على من لا تعرف، وأثر أبي قلابة وصله ابن أبي شيبة ويعقوب بن سفيان بلفظ قال أبو قلابة في الرجل يقول: اشهدوا على ما في هذه الصحيفة. قال: لا حتى لا نعلم ما فيها. زاد يعقوب وقال لعل فيها جور أو في هذه الزيادة بيان السبب في المنع المذكور. (وقد كتب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أهل خيبر) في قصة حويصة ومحيصة (إما) بكسر الهمزة وتشديد الميم (أن تدوا) بالفوقية والتحتية (صاحبكم) عبد الله بن سهل أي تعطوا ديته وأضافه إليهم لكونه وجد قتيلاً بين اليهود بخيبر والإضافة تكون بأدنى ملابسة وهذا وإن كان تدوا بتاء الخطاب وإن كان بالتحتية فظاهر (وإما أن تؤذنوا بحرب) أي تعلموا به. وهذا طرف من حديث سبق في باب القسامة من الدّيات. (وقال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب فيما وصله أبو بكر بن أبي شيبة (في شهادة) ولأبي ذر في الشهادة (على المرأة من وراء الستر) بكسر السين المهملة (إن عرفتها فاشهد) عليها (وإلاّ) أي وإن لم تعرفها (فلا تشهد) ومقتضاه أنه لا يشترط أن يراها حالة الإشهاد بل تكفي معرفته لها بأي طريق كان. وقال الشافعية: لا تصح شهادة على متنقبة اعتمادًا على صوتها فإن الأصوات تتشابه فإن عرفها بعينها أو باسم ونسب وأمسكها حتى شهد عليها جاز التحمل عليها متنقبة وأدى بما علم من ذلك فيشهد في العلم بعينها عند حضورها وفي العلم بالاسم والنسب عند غيبتها لا بتعريف عدل أو عدلين أنها فلانة بنت فلان. أي فلا يجوز التحمل عليها بذلك وهذا ما عليه الأكثر والعمل بخلافه وهو العمل عليها بذلك. وقال المالكية: لا يشهد على متنقبة حتى يكشف وجهها ليعينها عند الأداء ويميزها عن غيرها وإن أخبره عنها رجل يثق به أو امرأة جاز له أن يشهد، وكذا لفيف النساء إذا شهدن عنده أنها فلانة إذا وقع عنده العلم بشهادتين وجوّز مالك شهادة الأعمى في الأقوال كأن يقر بشيء لأن الصحابة رووا عن أمهات المؤمنين من وراء الحجاب وميّزوهن بأصواتهن. وقال

16 - باب متى يستوجب الرجل القضاء؟

الشافعية: ولا تقبل شهادة أعمى يقول كعقد وفسخ وإقرار لجواز اشتباه الأصوات، وقد يحكي الإنسان صوت غيره فيشتبه به إلا أن يقر شخص في أذنه بنحو طلاق أو عتق أو مال لرجل معروف الاسم والنسب فيمسكه حتى يشهد عليه عند قاض أو يكون عماه بعد تحمله والمشهود له والمشهود عليه معروفي الاسم والنسب فيقبل لحصول العلم بأنه المشهود عليه. 7162 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ قَالُوا: إِنَّهُمْ لاَ يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلاَّ مَخْتُومًا فَاتَّخَذَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِهِ وَنَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (قال: لما أراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يكتب إلى) أهل (الروم) في سنة ست (قالوا: إنهم) أي قال الصحابة له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن الروم (لا يقرؤون كتابًا مختومًا) ولم أعرف القائل بعينه (فاتخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتمًا) بفتح التاء وكسرها (من فضة كأني أنظر إلى وبيصه) بفتح الواو وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة صاد مهملة إلى لمعانه وبريقه (ونقشه محمد رسول الله). ويستفاد منه أن الكتاب إذا لم يكن مختومًا فالحجة بما فيه قائمة لكونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد أن يكتب إليهم وإنما اتخذ الخاتم لقولهم إنهم لا يقبلون الكتاب إلا إذا كان مختومًا، فدل على أن كتاب القاضي حجة مختومًا كان أو غير مختوم، وفي الباب العمل بالشهادة على الخط وقد أجازها مالك وخالفه ابن وهب فيه، وقال الطحاوي: خالف مالكًا جميع الفقهاء في ذلك لأن الخط قد يشبه الخط، وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: لا يقضى في دهرنا بالشهادة على الخط لأن الناس قد أحدثوا ضروبًا من الفجور، وقد قال مالك: تحدث للناس أقضية على نحو ما أحدثوا من الفجور، وقد كان الناس فيما مضى يجيزون الشهادة على خاتم القاضي ثم رأى مالك أن ذلك لا يجوز. 16 - باب مَتَى يَسْتَوْجِبُ الرَّجُلُ الْقَضَاءَ؟ وَقَالَ الْحَسَنُ: أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْحُكَّامِ أَنْ لاَ يَتَّبِعُوا الْهَوَى وَلاَ يَخْشَوُا النَّاسَ وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِى ثَمَنًا قَلِيلاً ثُمَّ قَرَأَ: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26] وَقَرَأَ {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا - اسْتُودِعُوا - مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِى ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] بٍِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللهِ. وَقَرَأَ {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 78 - 79] فَحَمِدَ سُلَيْمَانَ وَلَمْ يَلُمْ دَاوُدَ وَلَوْلاَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِ هَذَيْنِ لَرَأَيْتُ أَنَّ الْقُضَاةَ هَلَكُوا فَإِنَّهُ أَثْنَى عَلَى هَذَا بِعِلْمِهِ وَعَذَرَ هَذَا بِاجْتِهَادِهِ. وَقَالَ مُزَاحِمُ بْنُ زُفَرَ: قَالَ: لَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ خَمْسٌ إِذَا أَخْطَأَ الْقَاضِى مِنْهُنَّ خَصْلَةً كَانَتْ فِيهِ وَصْمَةٌ أَنْ يَكُونَ فَهِمًا حَلِيمًا عَفِيفًا صَلِيبًا عَالِمًا سَؤُولاً عَنِ الْعِلْمِ. هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (متى يستوجب الرجل القضاء)؟ أي متى يستحق أن يكون قاضيًا. وقال في الكواكب أي متى يكون أهلاً للقضاء اهـ. وقد اشترط الشافعية كونه أهلاً للشهادات بأن يكون مسلمًا مكلفًا حرًّا ذكرًا عدلاً سميعًا بصيرًا ناطقًا كافيًا لأمر القضاء فلا يولاه كافر وصبي ومجنون ومن به رقّ وأنثى وخنثى وفاسق ومن لم يسمع وأعمى وأخرس وإن فهمت إشارته ومغفل ومختل النظر بكبر أو مرض لنقصهم، وأن يكون مجتهدًا وهو العارف بأحكام القرآن والسُّنَّة وبالقياس وأنواعها، فمن أنواع القرآن والسُّنَّة: العام والخاص والمجمل والمبين والمطلق والمقيد والنص والظاهر والناسخ والمنسوخ. ومن أنواع السُّنَّة المتواتر والآحاد والمتصل وغيره. ومن أنواع، القياس الأولى والمساوي والأدون كقياس الضرب للوالدين على التأفيف لهما، وقياس إحراق مال اليتيم على أكله في التحريم فيهما، وقياس التفاح على البر في الربا بجامع الطعم، وحال الرواة قوّة وضعفًا فيقدم عند التعارض الخاص على العام والمقيد على المطلق والنص على الظاهر، والمحكم على المتشابه، والناسخ والمتصل والقوي على مقابلها، ولسان العرب لغةً ونحوًا وصرفًا، وأقوال العلماء إجماعًا واختلافًا فلا يخالفهم في اجتهادهم فإن فقد الشرط المذكور بأن لم يوجد رجل متصف به فولى سلطان ذو شوكة مسلمًا غير أهل كفاسق ومقلد وصبي وامرأة نفذ قضاؤه للضرورة لئلا تتعطل مصالح الناس والقضاء بالمد مصدر قضى يقضي لأن لام الفعل ياء إذ أصله قضي بفتح الياء فقلبت ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ومصدره بالتحريك كطلب طلبًا فتحركت الياء فيه أيضًا وانفتح ما قبلها فقلبت ألفًا فاجتمع ألفان فأبدلت الثانية همزة فصار قضاءً ممدودًا، وجمع القضاء أقضية كغطاء وأغطية وهو في الأصل إحكام الشيء وإمضاؤه والفراغ منه ويكون أيضًا بمعنى الأمر قال تعالى: {وقضى ربك ألاَّ تعبدوا إلا إياه} [الإسراء: 23] وبمعنى العلم تقول قضيت لك بكذا أعلمتك به والإتمام قال تعالى: {فإذا قضيتم الصلاة} [النساء: 103] والفعل فاقض ما أنت قاض والإرادة قال تعالى: {فإذا قضى أمرًا} [غافر: 68] والموت. قال

تعالى: {ليقض علينا ربك} [الزخرف: 77] والكتابة قال تعالى: {وكان أمرًا مقضيًّا} [مريم: 21] أي مكتوبًا في اللوح المحفوظ والفصل قال تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} [يونس: 54] والخلق قال تعالى: {فقضاهن سبع سماوات في يومين} [فصّلت: 12]. (وقال الحسن) البصري: (أخذ الله على الحكام) بضم الحاء المهملة وتشديد الكاف جمع حاكم (أن لا يتبعوا الهوى) أي هوى النفس في قضائهم (ولا يخشوا الناس) كخشية سلطان ظالم أو خيفة أذية أحد (ولا يشتروا بآياتي) ولأبي ذر بآياته (ثمنًا قليلاً) وهو الرشوة وابتغاء الجاه ورضا الناس (ثم قرأ) الحسن: ({يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرض}) تدبر أمر الناس ({فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى}) ما تهوى النفس ({فيضلك}) الهوى ({عن سبيل الله}) أي عن الدلائل الدالة على توحيد الله ({إن الذين يضلون عن سبيل الله}) عن الإيمان بالله ({لهم عذاب شديد بما نسوا}) بسبب نسيانهم ({يوم الحساب} [ص: 26]) المرتب عليه تركهم الإيمان ولو أيقنوا بيوم الحساب لآمنوا في الدنيا قال ابن كثير هذه وصية من الله عز وجل لولاة الأمور أن يحكموا بين الناس بالحق المنزل من عنده تبارك وتعالى ولا يعدلوا عنه فيضلوا عن سبيله وقد توعد سبحانه من ضل عن سبيله وتناسى يوم الحساب بالوعيد الأكيد والعذاب الشديد. (وقرأ) الحسن أيضًا ({إنَّا أنزلنا التوراة فيها هدى}) يهدي إلى الحق ({ونور}) يكشف ما استبهم من الأحكام ({يحكم بها النبيون الذين أسلموا}) انقادوا لحكم الله وهو صفة أجريت للتبيين على سبيل المدح ({للذين هادوا}) تابوا من الكفر ({والرَّبانيون والأحبار}) الزهاد والعلماء معطوفان على النبيون ({بما استحفظوا}) أي استودعوا ({من كتاب الله}) من للتبيين والضمير في استحفظوا للأنبياء والربانيين والأحبار والاستحفاظ من الله أي كلفهم الله حفظه ({وكانوا عليه شهداء}) رقباء لئلا يبدل ({فلا تخشوا الناس واخشونِ}) نهي للحكام أن يخشوا غير الله في حكوماتهم ويداهنوا فيها خشية ظالم أو كبير ({ولا تشتروا بآياتي}) ولا تستبدلوا بأحكامي التي أنزلتها ({ثمنًا قليلاً ومن لم يحكم بما أنزل الله}) مستهينًا به ({فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44]) قال ابن عباس: من لم يحكم جاحدًا فهو كافر وإن لم يكن جاحدًا فهو فاسق ظالم (بما استحفظوا): أي (استودعوا من كتاب الله) وهذا ثابت في رواية المستملي وسقط لأبي ذر قوله يحكم بها النبيون الخ. (وقرأ) الحسن أيضًا ({وداود وسليمان}) أي واذكرهما ({إذ يحكمان في الحرث}) الزرع أو الكرم ({إذ نفشت فيه غنم القوم}) أي رعته ليلاً بلا راعٍ بأن انفلتت فأكلته وأفسدته ({وكنا لحكمهم}) أرادهما والمتحاكمين إليهما أو استعمل ضمير الجمع لاثنين ({شاهدين}) أي بعلمنا ومرأى منّا وكان داود عليه السلام قد حكم بالغنم لأهل الحرث وكانت قيمة الغنم على قدر النقصان في الحرث فقال سليمان عليه السلام وهو ابن إحدى عشرة سنة غير هذا أرفق بالفريقين فعزم عليه لتحكمن فقال: أرى أن تدفع الغنم إلى أهل الحرث ينتفعون بألبانها وأولادها وأصوافها والحرث إلى رب الغنم حتى يصلح الحرث ويعود لهيئته يوم أفسد ثم يترادّان فقال القضاء ما قضيت وأمضى الحكم بذلك ({ففهمناها}) أي الحكومة ({سليمان وكلاًّ}) منهما ({آتينا حكمًا}) نبوّة ({وعلمًا}) [الأنبياء: 78، 79] معرفة بموجب الحكم. قال الحسن: (فحمد) الله تعالى (سليمان) لموافقته الأرجح (ولم يلم داود) بفتح التحتية وضم اللام من اللوم لموافقته الراجح. وقال العيني: وفي نسخة ولم يذم بالذال المعجمة من الذم وتعقب بأن قول الحسن هذا لا يليق بمقام داود، فقد جمعهما الله تعالى في الحكم والعلم وميز سليمان بالفهم وهو علم خاص زاد على العام، والأصح أن داود أصاب الحكم وسليمان أرشد إلى الصلح. قال الحسن: (ولولا ما ذكر الله من أمر هذين) النبيين (لرأيت) بفتح الراء والهمزة جواب لو واللام فيه للتأكيد، ولأبي ذر عن الكشميهني: لرئيت بضم الراء وكسر الهمزة مشددة بعدها تحتية ساكنة مبنيًّا للمفعول، وسقط لأبي ذر أمر (أن القضاة) أي قضاة زمنه (هلكوا) لما تضمنه قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك

17 - باب رزق الحكام والعاملين عليها

هم الكافرون} [المائدة: 44] الشامل للعامد والمخطئ (فإنه) تعالى (أثنى على هذا) سليمان (بعلمه وعذر هذا) داود (باجتهاده) وفيه جواز الاجتهاد للأنبياء وإذ قلنا بجواز الاجتهاد لهم فهل يجوز عليهم الخطأ فيه واتفق الفريقان على أنه لو أخطأ في اجتهاده لم يقرّ على الخطأ. (وقال مزاحم بن زفر): بضم الميم وفتح الزاي المخففة وبعد الألف حاء مهملة وزفر بضم الزاي وفتح الفاء الكوفي (قال لنا عمر بن عبد العزيز) بن مروان الأموي أمير المؤمنين المعدود من الخلفاء الراشدين (خمس) من الخصال (إذا أخطأ القاضي منهن خصلة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي خطة بخاء معجمة مضمومة وطاء مهملة مفتوحة مشددة (كانت) ولأبي ذر أيضًا عن الكشميهني خصلة كان (فيه وصمة). بفتح الواو وسكون الصاد المهملة بوزن تمرة أي عيب (أن يكون فهمًا) بكسر الهاء وللمستملي فقهًا والأولى أولى (حليمًا) يغضي على ما يؤذيه ولا يبادر بانتقامه (عفيفًا) يكف عن الحرام (صليبًا) بفتح المهملة وكسر اللام مخففة وبعد التحتية الساكنة موحدة بوزن عظيم من الصلابة أي قومًا شديدًا وقافًا عند الحق لا يميل إلى الهوى ويستخلص الحق من المبطل ولا يحابيه ولا ينافي هذا قوله حليمًا لأن ذاك في حق نفسه وهذا في حق غيره (عالمًا) بالحكم الشرعي ويدخل فيه قوله فقيهًا ففهمًا أولى من فقيهًا كما مرّ (سؤولاً) على وزن فعول أي كثير السؤال (عن العلم)، وهذا وصله سعيد بن منصور في سننه وابن سعد في طبقاته، وقوله سؤولاً من تتمة الخامس لأن كمال العلم لا يحصل إلا بالسؤال لأنه قد يظهر له ما هوى أقوى مما عنده. 17 - باب رِزْقِ الْحُكَّامِ وَالْعَامِلِينِ عَلَيْهَا وَكَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِى يَأْخُذُ عَلَى الْقَضَاءِ أَجْرًا وَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَأْكُلُ الْوَصِىُّ بِقَدْرِ عُمَالَتِهِ وَأَكَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. (باب رزق الحكام) جمع حاكم من إضافة المصدر إلى المفعول (و) رزق (العاملين عليها) على الحكومات أو العاملين على الصدقات، وصوّب بقرينة ذكر الرزق والعاملين والرزق ما يرتبه الإمام من بيت المال لمن يقوم بمصالح المسلمين. وقال في المغرب: الفرق بين الرزق والعطاء أن الرزق ما يخرج للجندي من بيت المال في السنة مرة أو مرتين والعطاء ما يخرج له كل شهر. (وكان شريح) بضم الشين المعجمة آخره حاء مهملة ابن الحارث بن قيس النخعي الكوفي (القاضي) بالكوفة عن عمر بن الخطاب وهو من المخضرمين، بل قيل إن له صحبة روى ابن السكن أنه قال: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: يا رسول الله إن لي أهل بيت ذوي عدد باليمن. قال: جيء بهم. قال: فجاء بهم والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد قبض، وعنه أنه قال: وليت القضاء لعمر وعثمان وعليّ فمن بعدهم إلى أن استعفيت من الحجاج وكان له يوم استعفى مائة وعشرون سنة وعاش بعد ذلك سنة. وقال ابن معين: كان في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يسمع منه (يأخذ على القضاء أجرًا) بفتح الهمزة وسكون الجيم. وهذا وصله عبد الرزاق وسعيد بن منصور وإلى جواز أخذ القاضي الأجرة على الحكم ذهب الجمهور من أهل العلم من الصحابة وغيرهم لأنه يشغله الحكم عن القيام بمصالحه وكره طائفة كراهة تنزيه منهم مسروق ورخص فيه الشافعي وأكثر أهل العلم، وقال صاحب الهداية من الحنفية: وإذا كان القاضي فقيرًا فالأفضل بل الواجب أخذ كفايته، وإن كان غنيًّا فالأفضل الامتناع عن أخذ الرزق من بيت المال رفقًا ببيت المال، وقيل الأخذ هو الأصح صيانة للقضاء عن الهوان ونظرًا لمن يأتي بعده من المحتاجين ويأخذ بقدر الكفاية له ولعياله، وعن الإمام أحمد لا يعجبني وإن كان فبقدر عمله مثل وليّ اليتيم. (وقالت عائشة) -رضي الله عنها-: (يأكل الوصي) من اليتيم (بقدر عمالته) بضم العين وتخفيف الميم أجرة عمله بالمعروف بقدر حاجته وصله ابن أبي شيبة عنها في قوله تعالى: {ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف} [النساء: 6] قالت: أنزل ذلك في مال اليتيم يقوم عليه بما يصلحه إن كان محتاجًا يأكل منه. (وأكل أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- لما استخلف بعد أن قال كما أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة قد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤونة أهلي وقد شغلت بأمر المسلمين وأسنده البخاري في البيوع وبقيته فيأكل آل أبي بكر من هذا المال (و) كذا أكل

(عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- هو وأهله لما وليها، وقال فيما رواه ابن أبي شيبة وابن سعد: إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة قيم اليتيم إن استغنيت عنه تركت وإن افتقرت إليه أكلت بالمعروف وسنده صحيح. 7163 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ ابْنُ أُخْتِ نَمِرٍ أَنَّ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ السَّعْدِىِّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ فِى خِلاَفَتِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَلِى مِنْ أَعْمَالِ النَّاسِ أَعْمَالاً فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعُمَالَةَ كَرِهْتَهَا؟ فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ عُمَرُ: مَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ؟ قُلْتُ: إِنَّ لِى أَفْرَاسًا وَأَعْبُدًا وَأَنَا بِخَيْرٍ وَأَرِيدُ أَنْ تَكُونَ عُمَالَتِى صَدَقَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَالَ عُمَرُ: لاَ تَفْعَلْ فَإِنِّى كُنْتُ أَرَدْتُ الَّذِى أَرَدْتَ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِينِى الْعَطَاءَ فَأَقُولُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّى حَتَّى أَعْطَانِى مَرَّةً مَالاً فَقُلْتُ: أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّى فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ وَتَصَدَّقْ بِهِ، فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ، وَلاَ سَائِلٍ فَخُذْهُ وَإِلاَّ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) بضم الشين المعجمة وفتح العين مصغرًا ابن أبي حمزة الحافظ أبو بشر الحمصي مولى بني أمية (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (السائب بن يزيد) من الزيادة ابن سعيد بن ثمامة الكندي أو الأزدي الصحابي ابن الصحابي (ابن أخت نمر) بفتح النون وكسر الميم بعدها راء (ابن حويطب) بضم الحاء المهملة وفتح الواو وبعد التحتية الساكنة طاء مهملة مكسورة فموحدة (ابن عبد العزى) بضم العين المهملة وفتح الزاي المشددة الصنم المشهور العامري من مسلمة الفتح المتوفى بالمدينة سنة أربع وخمسين من الهجرة وله من العمر مائة وعشرون سنة (أخبره أن عبد الله) بن عبد شمس أو اسم أبيه عمرو (بن السعدي) واسمه وقدان وقيل له السعدي لأنه استرضع في بني سعد (أخبره أنه قدم على عمر في خلافته فقال له عمر: ألم أحدّث) بضم الهمزة وفتح الحاء والدال المشددة المهملتين آخره مثلثة (إنك تلي من أعمال الناس أعمالاً) بفتح الهمزة ولايات كإمرة وقضاء (فإذا أعطيت العمالة) بضم العين أجرة العمل وبفتحها نفس العمل (كرهتها فقلت) له: (بلى) وفي الجزء الثالث من فوائد أبي بكر النيسابوري من طريق الخراساني عن عبد الله بن السعدي قال: قدمت على عمر فأرسل إليّ بألف دينار فرددتها وقلت أنا عنها غني (فقال عمر) لي: (ما) ولأبي ذر فما (تريد إلى ذلك) أي ما غاية قصدك بهذا الرد؟ (قلت) ولأبي الوقت فقلت (إن لي أفراسًا وأعبدًا) بالموحدة المضمومة جمع عبد ولأبي ذر عن الكشميهني وأعتدا بالفوقية بدل الموحدة جمع عتيد مالاً مدّخرًا (وأنا بخير وأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين) تفسير لقوله فما تريد (قال) لي (عمر: لا تفعل) ذلك الرد (فإني كنت أردت) بالضم (الذي أردت) بالفتح من الردّ (وكان) وفي اليونينية فكان (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطيني العطاء) من المال الذي يقسمه في المصالح (فأقول) يا رسول الله (أعطه) بقطع الهمزة المفتوحة (أفقر إليه مني حتى أعطاني مرة مالاً فقلت أعطه أفقر إليه مني) وضبب في اليونينية على قوله حتى أعطاني مرة مالاً الخ (فقال النبي) ولأبي ذر له النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (خذه فتموّله وتصدّق به) أمر إرشاد على الصحيح وهو يدل على أن التصدق به إنما يكون بعد القبض لأنه إذا ملك المال وتصدق به طيبة به نفسه كان أفضل من التصدق به قبل قبضه لأنه الذي يحصل بيده هو أحرص مما لم يدخل في يده (فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف) بضم الميم وسكون المعجمة بعدها راء مكسورة ففاء غير طامع ولا ناظر إليه (ولا سائل) ولا طالب له (فخذه) ولا تردّه (وإلاّ فلا تتبعه نفسك) بضم الفوقية الأولى وسكون الثانية وكسر الموحدة وسكون العين أي إن لم يجئ إليك فلا تطلبه بل اتركه إلا لضرورة، والأصح تحريم الطلب على القادر على الكسب، وقيل يباح بشرط أن لا يذل نفسه ولا يلح في الطلب ولا يؤذي المسؤول، فإن فقد شرط من هذه الثلاثة حرم اتفاقًا. وهذا الحديث فيه أربعة من الصحابة، وأخرجه مسلم والنسائي وأبو داود في الزكاة. 7164 - وَعَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ: حَدَّثَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِينِى الْعَطَاءَ فَأَقُولُ أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّى، حَتَّى أَعْطَانِى مَرَّةً مَالاً فَقُلْتُ: أَعْطِهِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ إِلَيْهِ مِنِّى فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ وَتَصَدَّقْ بِهِ، فَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ فَخُذْهُ، وَمَا لاَ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ». (وعن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب بالسند السابق أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أن) أباه (عبد الله بن عمر قال: سمعت عمر) -رضي الله عنه- زاد أبو ذر ابن الخطاب (يقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطيني العطاء فأقول أعطه) بقطع الهمزة (أفقر إليه مني حتى أعطاني مرة مالاً فقلت) له يا رسول الله (أعطه من) أي الذي (هو أفقر إليه مني). قال في الكواكب: فصل بين أفعل وبين كلمة من لأن الفاصل ليس أجنبيًّا بل هو ألصق به من الصلة لأنه محتاج إليه بحسب جوهر اللفظ والصلة محتاج إليها بحسب الصيغة (فقال النبي

18 - باب من قضى ولاعن فى المسجد

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (خذه فتموّله وتصدق به) على مستحقه. قال ابن بطال: أشار -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عمر بالأفضل لأنه وإن كان مأجورًا بإيثاره لعطائه على نفسه من هو أفقر إليه فإن أخذه للعطاء ومباشرته الصدقة بنفسه أعظم لأجره، وهذا يدل على عظم فضل الصدقة بعد التموّل لما في النفوس من الشح على المال (فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف) ناظر إليه (ولا سائل) له (فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك) وزاد سالم في رواية مسلم فمن أجل ذلك كان ابن عمر لا يسأل أحدًا شيئًا ولا يرد شيئًا أُعطيه. قال في الفتح: وهذا بعمومه ظاهر في أنه كان لا يرد ما فيه شبهة، وقد ثبت أنه كان يقبل هدايا المختار بن أبي عبيد الثقفي، وكان المختار غلب على الكوفة وطرد عمال عبد الله بن الزبير وأقام أميرًا عليها مدة في غير طاعة خليفة وتصرف فيما يتحصل منها من المال على ما يراه، ومع ذلك فكان ابن عمر يقبل هداياه وكان مستنده أن له حقًّا في بيت المال فلا يضره على أي كيفية يصل إليه أو كان يرى أن التَّبِعَة على الآخذ الأول وأن للمعطي المذكور مالاً أخر في الجملة وحقًّا في المال المذكور، فلما لم يتميز وأعطاه له عن طيب نفس دخل في عموم قوله ما أتاك من هذا المال من غير سؤال ولا استشراف فخذه فرأى أنه لا يستثنى من ذلك إلا ما كان حرامًا محضًا اهـ. 18 - باب مَنْ قَضَى وَلاَعَنَ فِى الْمَسْجِدِ وَلاَعَنَ عُمَرُ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَضَى شُرَيْحٌ وَالشَّعْبِىُّ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ فِى الْمَسْجِدِ، وَقَضَى مَرْوَانُ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِالْيَمِينِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَكَانَ الْحَسَنُ وَزُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى يَقْضِيَانِ فِى الرَّحَبَةِ خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ. (باب من قضى) في المسجد (ولاعن) حكم بإيقاع التلاعن بين الزوجين (في المسجد) والظرف يتعلق بالقضاء والتلاعن فهو من باب تنازع الفعلين أو يتعلق بقضى لدخول لاعن فيه فإنه من عطف الخاص على العام. (ولاعن) أي: وقضى بالتلاعن بين الزوجين (عمر) في المسجد (عند منبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مبالغة في التغليظ. (وقضى شريح) القاضي فيما وصله ابن أبي شيبة (و) كذا قضى (الشعبي) عامر بن شراحيل فيما وصله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي في جامع سفيان (ويحيى بن يعمر) بفتح التحتية والميم فيما وصله ابن أبي شيبة الثلاثة (في المسجد) وكان قضاء الشعبي جلد يهودي. (وقض مروان) بن الحكم (على زيد بن ثابت باليمين عند المنبر) ولأبي ذر عن الكشميهني على المنبر. وهذا طرف من أثر سبق في الشهادات. (وكان الحسن) البصري (وزرارة) بضم الزاي بعدها راءان بينهما ألف (ابن أوفى) بفتح الهمزة والفاء بينهما واو ساكنة العامري قاضي البصرة فيما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق المثنى بن سعيد قال رأيتهما (يقضيان في الرحبة) الساحة والمكان يكون (خارجًا من المسجد) ولفظ ابن أبي شيبة يقضيان في المسجد، والراجح أن للرحبة حكم المسجد فيصح فيها الاعتكاف وهي في الفرع بسكون الحاء وفي غيره بفتحها فالتي بسكونها مدينة مشهورة. قال في الفتح: والذي يظهر من مجموع هذه الآثار أن المراد بالرحبة هنا الرحبة المنسوبة للمسجد. 7165 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِىُّ: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: شَهِدْتُ الْمُتَلاَعِنَيْنِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال الزهري) محمد بن مسلم: (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين فيهما الساعدي الأنصاري -رضي الله عنه- أنه (قال: شهدت) حضرت (المتلاعنين) بفتح النون عويمرًا وخولة بنت قيس (وأنا ابن خمس عشرة فرق بينهما) بضم الفاء وكسر الراء مشددة ولأبي ذر عن الكشميهني خمس عشرة سنة وفرق بينهما. والحديث أخرجه في اللعان مطوّلاً. 7166 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَهْلٍ أَخِى بَنِى سَاعِدَةَ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً أَيَقْتُلُهُ؟ فَتَلاَعَنَا فِى الْمَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ. وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن جعفر بن أعين البيكندي أو هو يحيى بن موسى بن عبد ربه المشهور بخت قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أبو الوليد وأبو خالد القرشي مولاهم المكي الفقيه أحد الأعلام قال: (أخبرني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سهل) أي ابن سعد (أخي بني ساعدة) أي واحد منهم وساعة ينسب إلى ساعة بن كعب بن الخزرج (أن رجلاً من الأنصار) اسمه عويمر (جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): يا رسول الله (أرأيت رجلاً) الهمزة للاستفهام ورأيت العلمية

19 - باب من حكم فى المسجد حتى إذا أتى على حد أمر أن يخرج من المسجد فيقام

بمعنى أخبرني ولذلك يجوز في الهمزة من رأيت التسهيل قال: أريت إن جاءت به أملودا ... مرجلاً ويلبس البرودا قال في المجيد: ونص سيبويه والأخفش والفراء والفارسي وابن كيسان وغيرهم على أن أرأيت وأرأيتك بمعنى أخبرني وهو تفسير معنوي قالوا: فتقول العرب أرأيت زيدًا ما صنع فيلزم المفعول الأوّل النصب، ولا يرفع على تعليق أرأيت لأنها بمعنى أخبرني وأخبرني لا تعلق، والجملة الاستفهامية في موضع المفعول الثاني بخلافها إذا كانت بمعنى علمت فيجوز تعليقها أي: أخبرني عن رجل (وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد) فيه جواز اللعان في المسجد وإن كان الأولى صيانة المسجد، وقد استحب القضاء في المسجد طائفة. وقال مالك هو الأمر القديم لأنه يصل إلى القاضي فيه المرأة والضعيف وإذا كان في منزله لم يصل إليه الناس لإمكان الاحتجاب وكرهت ذلك طائفة. وقال إمامنا الشافعي: أحب إليّ أن يقضى في غير المسجد. والحديث سبق مطوّلاً. 19 - باب مَنْ حَكَمَ فِى الْمَسْجِدِ حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حَدٍّ أَمَرَ أَنْ يُخْرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَيُقَامَ وَقَالَ عُمَرُ: أَخْرِجَاهُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَضَرَبَهُ وَيُذْكَرُ، عَنْ عَلِىٍّ نَحْوُهُ. (باب من حكم في المسجد) من غير أن يكره ذلك (حتى إذا أتى على حدّ) من الحدود (أمر أن يخرج) من استحق الحد (من المسجد) إلى خارجه (فيقام) عليه الحدّ ثَمَّ خوف تأذي مَن بالمسجد وتعظيمًا للمسجد. (وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- فيما وصله ابن أبي شيبة وعبد الرزاق بسند على شرط الشيخين (أخرجاه) أي الذي وجب عليه الحد (من المسجد) زاد أبو ذر وضربه أي أمر بضربه. (ويذكر) بضم أوّله وفتح الكاف بصيغة التمريض (عن علي) هو ابن أبي طالب (نحوه) أي نحو ما ذكر عن عمر وصله ابن أبي شيبة بسند فيه مقال عن معقل بالعين والقاف بلفظ: إن رجلاً جاء إلى علي فسارّه فقال: يا قنبر أخرجه من المسجد فأقم عليه الحد. 7167 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِى اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِى الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى زَنَيْتُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعًا قَالَ: «أَبِكَ جُنُونٌ»؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: «اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأَخْبَرَنِى مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ بِالْمُصَلَّى. رَوَاهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الرَّجْمِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير بضم الموحدة وفتح الكاف المصري قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (وسعيد بن المسيب) بن حزن الإمام أبي محمد المخزومي سيد التابعين (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال أتى رجل) اسمه ماعز (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في المسجد) حال من رسول الله وجملة (فناداه) عطف على أتى وفاعل فنادى ضمير الرجل وضمير المفعول يعود على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: يا رسول الله إني زنيت) مقول للقول واسم المزني بها فاطمة وقيل منيرة وقيل مهيرة (فأعرض عنه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كراهية سماع ذلك وسترًا له إذ لم يحضر مَن يشهد عليه (فلما شهد) أي أقر (على نفسه أربعًا قال) له: (أبك جنون)؟ بهمزة الاستفهام وجنون مبتدأ والمجرور متعلق بالخبر والمسوّغ للابتداء بالنكرة تقدم الخبر في الظرف وهمزة الاستفهام (قال: لا) ليس بي جنون (قال) صلوات الله وسلامه عليه (اذهبوا به) من المسجد (فارجموه). لأنه كان محصنًا. وفي رواية أخرى في الحدود قال: "فهل أحصنت"؟ قال: نعم والباء في به للتعدية أو الحال أي اذهبوا به مصاحبين له، وإنما أمر بإخراجه من المسجد لأن الرجم فيه يحتاج إلى قدر زائد من حفر وغيره مما لا يناسب المسجد فلا يلزم من تركه فيه ترك إقامة غيره من الحدود فليتأمل مع الترجمة. وقد ذهب إلى المنع من إقامة الحدود في المسجد الكوفيون والشافعي وأحمد وعند ابن ماجة من حديث واثلة: جنّبوا مساجدكم إقامة حدودكم الحديث. وربما يخرج من المحدود دم فيتلوّث المسجد وقال مالك: لا بأس بالضرب بالسياط اليسيرة فإذا كثرت الحدود فخارج المسجد. (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم بالسند المذكور (فأخبرني) بالإفراد (من سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري والذي أخبر ابن شهاب أبو سلمة بن عبد الرحمن كما وقع التنبيه عليه في الحدود

20 - باب موعظة الإمام للخصوم

أنه (قال: كنت فيمن رجمه بالمصلّى) مكان صلاة العيد والجنائز (رواه) أي الحديث (يونس) بن يزيد (ومعمر) هو ابن راشد فيما وصله عنهما المؤلّف في الحدود (وابن جريج) عبد الملك مما وصله أيضًا فيه الثلاثة (عن الزهري عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن جابر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الرجم) فخالفوا عقيلاً في الصحابي فإنه جعل أصل الحديث من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة وهؤلاء جعلوه من رواية جابر. 20 - باب مَوْعِظَةِ الإِمَامِ لِلْخُصُومِ (باب موعظة الإمام للخصوم) عند الدعوى. 7169 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَىَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِى نَحْوَ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلاَ يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب أبو عبد الرحمن الحارثي القعنبي (عن مالك) الإمام الأعظم (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة عن أم سلمة) هند أم المؤمنين (-رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (انما أنا) بالنسبة إلى الاطّلاع على بواطن الخصوم (بشر) لا بالنسبة إلى كل شيء فإن له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوصافًا أُخر والحصر مجازي لأنه حصر خاص أي باعتبار علم البواطن ومعلوم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشر وإنما قال ذلك توطئة لقوله (وإنكم تختصمون إليّ) بتشديد الياء فلا أعلم بواطن أموركم كما هو مقتضى أصل الخلقة البشرية (ولعل بعضكم أن يكون ألحن) بالحاء المهملة أبلغ في الإتيان (بحجته من بعض) وهو كاذب (فأقضي) أي له بسبب كونه ألحن بحجته (نحو ما أسمع) منه، ولأبي ذر عن الحموي على نحو ما أسمع (فمن قضيت له بحق أخيه) أي المسلم وكذا الذمي ومن في قوله فمن قضيت شرطية، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من حق أخيه (شيئًا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار). أي فإنما أقضي له بشيء حرام يؤول إلى النار كما قال تعالى: {إنما يأكلون في بطونهم نارًا} [النساء: 10] وفيه أنه عليه الصلاة والسلام لا يعلم بواطن الأمور إلا أن يطلعه الله على ذلك وأنه يحكم بالظاهر، ولم يطلعه الله تعالى على حقيقة الأمر في ذلك حتى لا يحتاج إلى بيّنة ويمين تعليمًا لتقتدي به أمته فإنه لو حكم في القضايا بيقينه الحاصل من الغيب لما أمكن الحكم لأمته من بعده، ولما كان الحكم بعده مما لا بدّ منه أجرى أحكامه على الظاهر وأمر أمته بالاقتداء به فإذا حكم بما يخالف الباطن لا يجوز للمقضي له أخذ ما قضي له به وفيه دلالة على صحة مذهب مالك والشافعي وأحمد وجماهير علماء الأمصار أن حكم الحاكم إنما ينفذ ظاهرًا لا باطنًا، وأنه لا يحل حرامًا ولا يحرّم حلالاً بخلاف أبي حنيفة حيث قال: إن حكمه ينفذ ظاهرًا وباطنًا في العقود والفسوخ وسيكون لنا عودة إلى مباحث ذلك إن شاء الله تعالى في باب من قضي له بحق أخيه فلا يأخذه بعون الله سبحانه. ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة فينبغي للحاكم أن يعظ الخصمين ويحذرهما من الظلم وطلب الباطل اقتداء به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال في الفتح: وفي الحديث أن التعمق في البلاغة بحيث يحصل اقتدار صاحبها على تزيين الباطل في صورة الحق وعكسه مذموم ولو كان ذلك في التوصل إلى الحق لم يذم، وإنما يذم من ذلك ما يتوصل به إلى الباطل في صورة الحق فالبلاغة إذًا لا تذم لذاتها وإنما تذم بحسب المتعلق الذي قد يمدح بسببه وهي في حدّ ذاتها ممدوحة، وهذا كما يذم صاحبها إذا طرأ عليه بسببها الإعجاب وتحقير غيره ممن لم يصل إلى درجته ولا سيما إن كان الغير من أهل الصلاح فإن البلاغة إنما تذم من هذه الحيثية بحسب ما ينشأ عنها من الأمور الخارجية عنها، ولا فرق في ذلك بين البلاغة وغيرها، بل كل فطنة توصل إلى المطلوب محمودة في حد ذاتها وقد تذم أو تمدح بحسب متعلقها. واختلف في تعريف البلاغة فقيل: أن يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه، وقيل إيصال المعنى إلى الغير بأحسن لفظ أو هي الإيجاز مع الإفهام والتصرف من غير إضمار، أو هي قليل لا يبهم وكثير لا يسأم، أو هي إجمال اللفظ واتساع المعنى، وقيل هي النطق في موضعه والسكوت في موضعه، وهذا كله عن المتقدمين. وعرّف أهل المعاني والبيان البلاغة بأنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع الفصاحة

21 - باب الشهادة تكون عند الحاكم فى ولايته القضاء أو قبل ذلك للخصم

وهي خلوّه من التعقيد. 21 - باب الشَّهَادَةِ تَكُونُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِى وِلاَيَتِهِ الْقَضَاءِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ لِلْخَصْمِ وَقَالَ شُرَيْحٌ الْقَاضِى: وَسَأَلَهُ إِنْسَانٌ الشَّهَادَةَ فَقَالَ: ائْتِ الأَمِيرَ حَتَّى أَشْهَدَ لَكَ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لَوْ رَأَيْتَ رَجُلاً عَلَى حَدٍّ زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ وَأَنْتَ أَمِيرٌ فَقَالَ: شَهَادَتُكَ شَهَادَةُ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: صَدَقْتَ قَالَ عُمَرُ: لَوْلاَ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ زَادَ عُمَرُ فِى كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتُ آيَةَ الرَّجْمِ بِيَدِى وَأَقَرَّ مَاعِزٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالزِّنَا أَرْبَعًا فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشْهَدَ مَنْ حَضَرَهُ وَقَالَ حَمَّادٌ: إِذَا أَقَرَّ مَرَّةً عِنْدَ الْحَاكِمِ رُجِمَ وَقَالَ الْحَكَمُ: أَرْبَعًا. (باب) حكم (الشهادة) التي (تكون عند الحاكم في) زمان (ولايته القضاء) ولأبي ذر في ولاية القضاء (أو قبل ذلك) أي قبل ولايته القضاء (للخصم) متعلق بالشهادة أي للخصم الذي هو أحد الخصمين فهل يقضي له على خصمه لعلمه بذلك أو يشهد له عند قاض آخر. (وقال شريح القاضي وسأله إنسان الشهادة) على شيء كان أشهده عليه ثم جاء فخاصم إليه (فقال) له شريح ولأبي ذر قال: (ائت الأمير حتى أشهد لك) عليه عنده ولم يحكم فيها بعلمه. وهذا وصله سفيان الثوري في جامعه عن عبد الله بن شبرمة عن الشعبي عنه ولم يسم الأمير. (وقال عكرمة) مولى ابن عباس -رضي الله عنهما- فيما وصله الثوري أيضًا وابن أبي شيبة عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة (قال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (لعبد الرحمن بن عوف) -رضي الله عنه- وكان عند عمر شهادة في آية الرجم وهي الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما نكالاً من الله أنها من القرآن فلم يلحقها في المصحف بشهادته وحده (لو رأيت رجلاً) بفتح التاء (على حدّ زنًا أو سرقة وأنت أمير) أكنت تقيمه عليه؟ قال: لا حتى يشهد معي غيري (فقال) عمر لعبد الرحمن (شهادتك شهادة رجل) واحد (من المسلمين. قال: صدقت. قال عمر) -رضي الله عنه- مفصحًا بالعلة لكونه لم يلحق آية الرجم بالمصحف بمجرّد علمه وحده (لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي) في المصحف، فأشار إلى أن ذلك من قطع الذرائع لئلا يجد حكام السوء سبيلاً إلى أن يدّعوا العلم لمن أحبواه الحكم بشيء. وقوله قال عمر هو طرف من حديث أخرجه مالك في موطئه وعكرمة لم يدرك عبد الرحمن بن عوف فضلاً عن عمر فهو منقطع. (وأقرّ ماعز عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالزنا أربعًا) أي أقر أربع مرات (فأمر برجمه) بإقراره (ولم يذكر) بضم التحتية وفتح الكاف (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشهد) على ماعز (من حضره) وقد سبق موصولاً في غير ما موضع وأشار به إلى الردّ على من قال لا يقضي بإقرار الخصم حتى يدعو شاهدين يحضران إقراره. (وقال حماد) هو ابن أبي سليمان فقيه الكوفة (إذا أقر) زان (مرة) واحدة (عند الحاكم رجم) بغير بيّنة ولا إقرار أربعًا. (وقال الحكم) بفتحتين ابن عتيبة فقيه الكوفة أيضًا لا يرجم حتى يقر (أربعًا) وصل القولين ابن أبي شيبة من طريق شعبة. 7170 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِى قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْنٍ: «مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى قَتِيلٍ قَتَلَهُ فَلَهُ سَلَبُهُ» فَقُمْتُ لأَلْتَمِسَ بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلٍ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَشْهَدُ لِى، فَجَلَسْتُ ثُمَّ بَدَا لِى فَذَكَرْتُ أَمْرَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: سِلاَحُ هَذَا الْقَتِيلِ الَّذِى يَذْكُرُ عِنْدِى قَالَ: فَأَرْضِهِ مِنْهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَلاَّ لاَ يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَدَعَ أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ: فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَدَّاهُ إِلَىَّ فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافًا، فَكَانَ أَوَّلَ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ قَالَ لِى عَبْدُ اللَّهِ: عَنِ اللَّيْثِ فَقَامَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَدَّاهُ إِلَىَّ وَقَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ: الْحَاكِمُ لاَ يَقْضِى بِعِلْمِهِ شَهِدَ بِذَلِكَ فِى وِلاَيَتِهِ أَوْ قَبْلَهَا، وَلَوْ أَقَرَّ خَصْمٌ عِنْدَهُ لآخَرَ بِحَقٍّ فِى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لاَ يَقْضِى عَلَيْهِ فِى قَوْلِ بَعْضِهِمْ حَتَّى يَدْعُوَ بِشَاهِدَيْنِ، فَيُحْضِرَهُمَا إِقْرَارَهُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ: مَا سَمِعَ أَوْ رَآهُ فِى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ قَضَى بِهِ وَمَا كَانَ فِى غَيْرِهِ لَمْ يَقْضِ إِلاَّ بِشَاهِدَيْنِ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: بَلْ يَقْضِى بِهِ لأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ، وَإِنَّمَا يُرَادُ مِنَ الشَّهَادَةِ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ فَعِلْمُهُ أَكْثَرُ مِنَ الشَّهَادَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْضِى بِعِلْمِهِ فِى الأَمْوَالِ وَلاَ يَقْضِى فِى غَيْرِهَا وَقَالَ الْقَاسِمُ: لاَ يَنْبَغِى لِلْحَاكِمِ أَنْ يُمْضِىَ قَضَاءً بِعِلْمِهِ دُونَ عِلْمِ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ عِلْمَهُ أَكْثَرُ مِنْ شَهَادَةِ غَيْرِهِ وَلَكِنَّ فِيهِ تَعَرُّضًا لِتُهَمَةِ نَفْسِهِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِيقَاعًا لَهُمْ فِى الظُّنُونِ وَقَدْ كَرِهَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظَّنَّ فَقَالَ: «إِنَّمَا هَذِهِ صَفِيَّةُ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) إمام أهل مصر ولأبي ذر الليث بن سعد (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن عمر) بضم العين (ابن كثير) بالمثلثة مولى أبي أيوب الأنصاري (عن أبي محمد) نافع (مولى أبي قتادة أن أبا قتادة) الحارث الأنصاري الخزرجي -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم حنين) بضم الحاء المهملة ونونين أولاهما مفتوحة بينهما تحتية ساكنة: (من له بينة على قتيل قتله فله سلبه) بفتح السين المهملة واللام بعدها موحدة ما معه من المال من الثياب والأسلحة وغيرهما قال أبو قتادة (فقمت لألتمس) لأطلب (بينة على قتيل) قتلته ولأبي ذر على قتيلي بتحتية ساكنة بعد اللام (فلم أر أحدًا يشهد لي) على قتله (فجلست ثم بدا لي فذكرت أمره إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال رجل من جلسائه): لم يسم أو هو أسود بن خزاعي الأسلمي كما عند الواقدي (سلاح هذا القتيل الذي يذكر) أبو قتادة (عندي) وفي الخمس من الجهاد فقال رجل صدق يا رسول الله وسلبه عندي (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للرجل (فأرضه منه) بقطع الهمزة وكسر الهاء ولأبي ذر عن الكشميهني مني (فقال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه-: (كلا) كلمة ردع (لا يعطه) بضم التحتية وكسر الطاء المهملة والهاء أبو قتادة (أصيبغ من قريش) بضم الهمزة وفتح الصاد المهملة وبعد التحتية الساكنة موحدة مكسورة فغين معجمة منصوب مفعول ثان ليعطه نوع من الطير ونبات ضعيف كالثمام، ولأبي ذر أضيبع بالضاد المعجمة والعين المهملة المنصوبة المنوّنة في اليونينية تصغير الضبع

(ويدع أسدًا من أُسد الله) بضم الهمزة وسكون السين المهملة وكأنه لما عظم أبًا قتادة بأنه أسد من أسد الله صغر ذاك القرشي وشبهه بالأضيبع لضعف افتراسه بالنسبة إلى الأسد (يقاتل عن الله ورسوله) في موضع نصب صفة أسدًا (قال) أبو قتادة (فأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الرجل الذي عنده السلب ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني فحكم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي أن السلب لي (فأدّاه إليّ) بتشديد الياء فأخذته فبعته من حاطب بن أبي بلتعة بسبع أواق (فاشتريت منه خرافًا) بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء مخففة وبعد الألف فاء بستانًا (فكان) هو (أول مال تأثلته) بمثلثة مشددة اتخذته أصل المال واقتنيته وإنما حكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك مع طلبه أولاً البيّنة لأن الخصم اعترف مع أنه المال لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطيه من يشاء. والحديث سبق في البيوع والخمس. قال المؤلّف: (قال عبد الله) بن صالح كاتب الليث بن سعد وللكشميهني قال لي عبد الله (عن الليث) بن سعد الإمام (فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأدّاه) أي السلب (إليّ) بتشديد الياء وفيه تنبيه على أن رواية قتيبة لو كانت فقام لم يكن لذكر رواية عبد الله بن صالح معنى قال بعضهم: وليس في إقرار ماعز عنده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا حكمه بالرجم دون أن يشهد من حضره ولا في إعطائه السلب لأبي قتادة حجة للقضاء بالعلم لأن ماعزًا إنما أقرّ بحضرة الصحابة، إذ من المعلوم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يقعد وحده فلم يحتج -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يشهدهم على إقراره لسماعهم منه ذلك وكذلك قصة أبي قتادة. (وقال أهل الحجاز): مالك ومن تبعه في ذلك (الحاكم لا يقضي بعلمه شهد بذلك في) وقت (ولايته أو قبلها) لوجود التهمة ولو فتح هذا الباب لوجد قاضي السوء سبيلاً إلى قتل عدوّه وتفسيقه والتفريق بينه وبين من يحبه ومن ثم قال الشافعي لولا قضاة السوء لقلت إن للحاكم أن يحكم بعلمه (ولو أقرّ خصم عنده) عند الحاكم (لآخر بحق في مجلس القضاء فإنه لا يقضي عليه) بفتح التحتية وكسر الضاد المعجمة (في قول بعضهم حتى يدعو) الحاكم (بشاهدين فيحضرهما إقراره) أي إقرار الخصم وهذا قول ابن القاسم وأشهب. (وقال بعض أهل العراق): أبو حنيفة ومن تبعه (ما سمع) القاضي (أو رآه في مجلس القضاء قضى به وما كان غيره) غير مجلس القضاء (لم يقض) فيه (إلا بشاهدين) يحضرهما إقراره ووافقهم مطرف وابن الماجشون وأصبغ وسحنون من المالكية. (وقال آخرون منهم) من أهل العراق أبو يوسف ومن تبعه (بل يقضي به) بدون شاهدين (لأنه مؤتمن) بفتح الميم الثانية (وإنما) ولأبي ذر عن الكشميهني وأنه (يراد من الشهادة معرفة الحق فعلمه أكثر من الشهادة) أكثر بالمثلثة (وقال بعضهم) أي بعض أهل العراق (يقضي) القاضي (بعلمه في الأموال ولا يقضي) بعلمه (في غيرها) فلو رأى رجلاً يزني مثلاً لم يقض بعلمه حتى تكون بيّنة تشهد بذلك عنده وهو منقول عن أبي حنيفة وأبي يوسف. (وقال القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم- لأنه إذا أطلق يكون المراد، لكن رأيت في هامش فرع اليونينية وأصلها أنه ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود فيما قاله أبو ذر الحافظ. وقال في الفتح: كنت أظنه ابن محمد بن أبي بكر لأنه إذا أطلق في الفروع الفقهيه انصرف الذهن إليه، لكن رأيت في رواية عن أبي ذر أنه ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود فإن كان كذلك فقد خالف أصحابه الكوفيين ووافق أهل المدينة في هذا الحكم وتعقبه العيني فقال: الكلام في صحة رواية أبي ذر على أن هذه المسألة فقهية وحيثما أطلق فالمراد به ابن محمد بن أبي بكر، ولئن سلمنا صحة رواية أبي ذر فإطباق الفقهاء على أنه إذا أطلق يراد به ابن محمد بن أبي بكر أرجح من كلام غيرهم كذا قال فليتأمل. ومقول قول القاسم (لا ينبغي للحاكم أن يمضي) بضم التحتية وسكون الميم، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أن يقضي

22 - باب أمر الوالى إذا وجه أميرين إلى موضع أن يتطاوعا ولا يتعاصيا

بفتح التحتية وبالقاف بدل الميم (قضاء بعلمه دون علم غيره مع أن علمه أكثر) بالمثلثة (من شهادة غيره ولكنّ) بتشديد النون (فيه) أي في القضاء بعلمه دون بيّنة (تعرضًا لتهمة نفسه عند المسلمين وإيقاعًا لهم في الظنون) الفاسدة به وإيقاعًا نصب عطفًا على تعرضًا، ولأبي الوقت: ولكن بالتخفيف فيه تعرض بالرفع مبتدأ خبره قوله فيه مقدمًا وإيقاع عطف على تعرض أو نصب على أنه مفعول معه والعامل فيه متعلق الظرف. (وقد كره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظن فقال) في الحديث اللاحق: (إنما هذه صفية). 7171 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأوَيْسِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَىٍّ، فَلَمَّا رَجَعَتِ انْطَلَقَ مَعَهَا فَمَرَّ بِهِ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ فَدَعَاهُمَا فَقَالَ: «إِنَّمَا هِىَ صَفِيَّةُ» قَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ». رَوَاهُ شُعَيْبٌ وَابْنُ مُسَافِرٍ، وَابْنُ أَبِى عَتِيقٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عَلِىٍّ - يَعْنِى ابْنَ حُسَيْنٍ -، عَنْ صَفِيَّةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عد العزيز بن عبد الله الأويسي) وسقط الأويسي لغير أبي ذر قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وسقط ابن سعد لغير أبي ذر (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عليّ بن حسين) بضم الحاء ابن علي بن أبي طالب الملقب بزين العابدين التابعي (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتته صفية بنت حيي) -رضي الله عنها- وهو معتكف في المسجد تزوره (فلما رجعت انطلق معها) عليه الصلاة والسلام (فمرّ به رجلان من الأنصار) لم يسميا (فدعاهما) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) لهما: (إنما هي صفية. قالا: سبحان الله) تعجبًا (قال) عليه السلام: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) يوسوس فخفت أن يوقع في قلوبكما شيئًا من الظن الفاسد فتأثمان فقلته دفعًا لذلك، وعن الشافعي أنه قال: أشفق عليهما من الكفر لو ظنًّا به ظن التهمة. وهذا الحديث مرسل لأن عليًّا تابعي ولذا عقبه المؤلّف بقوله (رواه شعيب) بضم الشين ابن أبي حمزة مما رواه المؤلّف في الاعتكاف والأدب (وابن مسافر) هو عبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهمي مولى الليث بن سعد مما وصله في الصوم وفرض الخمس (وابن أبي عتيق) هو محمد بن عتيق الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق مما وصله في الاعتكاف (وإسحاق بن يحيى) الحمصي فيما وصله الذهلي في الزهريات أربعتهم (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن علي يعني ابن حسين) وسقط لأبي ذر يعني ابن حسين (عن صفية عن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ورواه عن الزهري أيضًا معمر فاختلف عليه في وصله وإرساله فسبق موصولاً في صفة إبليس ومرسلاً في الخمس. فإن قلت: ما وجه الاستدلال بحديث صفية على منع الحكم بالعلم؟ أجيب: من كونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كره أن يقع في قلب الأنصاريين من وسوسة الشيطان شيء فمراعاة نفي التهمة عنه مع عصمته تقتضي مراعاة نفي التهمة عمن هو دونه. 22 - باب أَمْرِ الْوَالِى إِذَا وَجَّهَ أَمِيرَيْنِ إِلَى مَوْضِعٍ أَنْ يَتَطَاوَعَا وَلاَ يَتَعَاصَيَا (باب أمر الوالي إذا وجه أميرين إلى موضع أن يتطاوعا ولا يتعاصيا) بعين وصاد مهملتين وتحتية. قال في الفتح: ولبعضهم بمعجمتين وموحدة. 7172 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا الْعَقَدِىُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى قَالَ: بَعَثَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِى وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ عَلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا» فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: إِنَّهُ يُصْنَعُ بِأَرْضِنَا الْبِتْعُ فَقَالَ «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ». وَقَالَ النَّضْرُ وَأَبُو دَاوُدَ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَوَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار العبدي قال: (حدّثنا العقدي) بفتح العين والقاف عبد الملك بن عمرو بن قيس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعيد بن أبي بردة) بكسر العين في الأول وضم الموحدة وسكون الراء (قال: سمعت أبي) أبا بردة عامر بن عبد الله أبي موسى الأشعري التابعي (قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبي) أبا موسى الأشعري (ومعاذ بن جبل) -رضي الله عنهما- قاضيين (إلى اليمن) قبل حجة الوداع زاد في بعث أبي موسى ومعاذ أواخر المغازي وبعث كل واحد منهما على مخلاف قال: واليمن مخلافان (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهما: (يسرا) خذا بما فيه اليسر (ولا تعسرا) والأخذ باليسر عين ترك العسر (وبشرا) بما فيه تطييب النفوس (ولا تنفرا) وهذا من باب المقابلة المعنوية إذ الحقيقة أن يقال: بشرا ولا تنذرا وآنسا ولا تنفرا فجمع بينهما ليعم البشارة والنذارة والتأنيس والتنفير فهو من باب المقابلة المعنوية قاله في شرح المشكاة. وسبق في المغازي مزيد لذلك (وتطاوعا) يعني كونا متفقين في الحكم ولا تختلفا فإن اختلافكما يؤدي إلى اختلاف أتباعكما وحينئذ تقع العداوة والمحاربة بينهم وفيه عدم الحرج والتضييق في أمور الملة الحنيفية السمحة كما قال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من

23 - باب إجابة الحاكم الدعوة وقد أجاب عثمان عبدا للمغيرة بن شعبة

حرج} [الحج: 78] (فقال له) أي للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أبو موسى) -رضي الله عنه-: يا رسول الله (إنه يصنع بأرضنا) باليمن (البتع) بكسر الموحدة وسكون الفوقية بعدها عين مهملة نبيذ العسل (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كل مسكر حرام). والحديث مرسل لأن أبا بردة تابعي كما مرّ. والحديث سبق في أواخر المغازي ولكونه مرسلاً عقبه المؤلّف بقوله: (وقال النضر): بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل المازني (وأبو داود) سليمان بن داود الطيالسي (ويزيد بن هارون) الواسطي (ووكيع) بكسر الكاف ابن الجراح الأربعة (عن شعبة) بن الحجاج (عن سعيد) ولأبي ذر زيادة ابن أبي بردة (عن أبيه عن جده) جد أبي سعيد أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ورواية الأولين والأخير في أواخر المغازي ورواية يزيد وصلها أبو عوانة في صحيحه. 23 - باب إِجَابَةِ الْحَاكِمِ الدَّعْوَةَ وَقَدْ أَجَابَ عُثْمَانُ عَبْدًا لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ (باب إجابة الحاكم الدعوة) بفتح الدال إلى الوليمة وهي الطعام الذي يعمل في العرس. (وقد أجاب عثمان بن عفان) -رضي الله عنه- (عبدًا) لم يسم (للمغيرة بن شعبة) دعاه وهو صائم وقال: أردت أن أجيب الداعي وأدعو بالبركة كذا وصله أبو محمد بن صاعد في زوائد البر والصلة لابن المبارك بسند صحيح وسقط ابن عفان لغير أبي ذر. 7173 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِى مَنْصُورٌ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ أَبِى مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فُكُّوا الْعَانِىَ وَأَجِيبُوا الدَّاعِىَ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن مسلمة (عن أبي موسى) الأشعري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (فكوا العاني) وهو الأسير في أيدي الكفار (وأجيبوا الداعي) إلى الطعام وظاهره العموم في العرس وغيره. وفي أبي داود من حديث ابن عمر: إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسًا كان أو غيره، وبه قال بعض الشافعية وهل الإجابة لوليمة العرس سُنّة أو واجبة؟ الصحيح عند الشافعية أنها سُنّة، وقيل واجبة. فإن قلنا بالوجوب فهل هو عين أو كفاية؟ لكن قال العلماء: لا يجيب الحاكم دعوة شخص بعينه دون غيره من الرعية لما فيه من كسر قلب من لم يجبه إلا إن كان له عذر في ترك الإجابة كرؤية منكر لا يقدر على إزالته فلو كثرت بحيث يشغله ذلك عن الحكم الذي تعين عليه ساغ له أن لا يجيب. ونقل ابن بطال عن مالك أنه لا ينبغي للقاضي أن يجيب الدعوة إلا في الوليمة خاصة وكره مالك لأهل الفضل أن يجيبوا كلَّ مَن دعاهم. 24 - باب هَدَايَا الْعُمَّالِ (باب) حكم (هدايا العمال) بضم العين وتشديد الميم. 7174 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِىُّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً مِنْ بَنِى أَسَدٍ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ: فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِىَ لِى فَقَامَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِى يَقُولُ: هَذَا لَكَ وَهَذَا لِى، فَهَلاَّ جَلَسَ فِى بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ. وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يَأْتِى بِشَىْءٍ إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ» ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَىْ إِبْطَيْهِ «أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ» ثَلاَثًا. قَالَ سُفْيَانُ: قَصَّهُ عَلَيْنَا الزُّهْرِىُّ وَزَادَ هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعَ أُذُنَاىَ وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنِى وَسَلُوا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ سَمِعَهُ مَعِى، وَلَمْ يَقُلِ الزُّهْرِىُّ سَمِعَ أُذُنِى. خُوَارٌ: صَوْتٌ وَالْجُؤَارُ مِنْ تَجْأَرُونَ كَصَوْتِ الْبَقَرَةِ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (أنه سمع عروة) بن الزبير يقول (أخبرنا أبو حميد) بضم الحاء المهملة وفتح الميم عبد الرحمن أو المنذر (الساعدي) -رضي الله عنه- أنه (قال: استعمل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلاً من بني أسد) وللأصيلي من بني الأسد بالألف واللام وفتح السين فيهما في الفرع والذي في الأصل السكون فيهما. وقال في الفتح: قوله رجلاً من أسد بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وكذا وقع هنا وهو يوهم أنه بفتح السين نسبة إلى بني أسد بن خزيمة القبيلة المشهورة أو إلى بني أسد بن عبد العزى بطن من قريش وليس كذلك قال: وإنما قلت إنه يوهمه لأن الأزد ملازمة الألف واللام في الاستعمال اسمًا وانتسابًا بخلاف بني أسد فبغير ألف ولام في الاسم وللأصيلي هنا بزيادة الألف واللام، ولا إشكال فيها مع سكون السين. وفي الهبة استعمل رجلاً من الأزد أي بالزاي، وذكر أن أصحاب الأنساب ذكروا أن في الأزد بطنًا يقال لهم بنو الأسد بالتحريك ينسبون إلى أسد بن شريك بالمعجمة مصغرًا ابن مالك بن عمرو بن مالك بن فهم وبنو فهم بطن شهير من الأزد، فيحتمل أن يكون ابن الأتبية كان منهم فيصح أن يقال فيه الأزدي بسكون الزاي والأسدي بسكون السين وفتحها من بني أسد بفتح السين ومن بني الأزد والأسد بالسكون فيهما لا غير اهـ. والرجل (يقال له ابن الأتبية) بضم الهمزة وفتح الفوقية وسكونها وكسر الموحدة وتشديد التحتية قيل هو اسم أمه واسمه عبد الله فيما ذكره ابن سعد وغيره

25 - باب استقضاء الموالى واستعمالهم

(على صدقة) أي صدقات بني سليم كما سبق في الزكاة. وقال العسكري: إنه بعث على صدقات بني ذبيان فلعله كان على القبيلتين (فلما قدم) أي جاء إلى المدينة من عمله حاسبه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال: هذا لكم وهذا أهدي لي) بضم الهمزة (فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر قال سفيان) بن عيينة (أيضًا فصعد) بكسر العين بدل قوله الأول فقام (المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال): (ما بال العامل نبعثه) على العمل (فيأتي يقول) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيقول (هذا لك) بلفظ الإفراد (وهذا لي فهلا جلس في بيت أبيه وأمه) وفي الهبة أو بيت أمه (فينظر) برفع الراء ولأبي ذر بنصبها (أيهدى له) بفتح الهمزة وضم التحتية وفتح الدال (أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء) من مال الصدقة يحوزه لنفسه وفي الهبة لا يأخذ أحد منه شيئًا (إلا جاء به يوم القيامة) حال كونه (يحمله على رقبته وإن كان بعيرًا له رغاء) بضم الراء وفتح الغين المعجمة مهموز له صوت (أو) كان المأخوذ (بقرة لها جؤار) بجيم مضمومة فهمزة وفي رواية بالخاء المعجمة بعدها واو صوت (أو) كان (شاة تيعر) بمثناة فوقية مفتوحة فتحتية ساكنة فعين مهملة مفتوحة تصوّت شديدًا (ثم رفع) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه) بضم العين المهملة وسكون الفاء وفتح الراء وإبطيه وكسر الموحدة وفتح الطاء المهملة بالتثنية فيهما بياضهما المشبوب بالسمرة يقول: (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام (هل بلغت) بتشديد اللام أي قد بلغت حكم الله إليكم أو هل للاستفهام التقريري للتأكيد ليبلغ الشاهد الغائب قال: ألا هل بلغت (ثلاثًا. قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (قصه) أي الحديث (علينا الزهري) محمد بن مسلم (وزاد هشام عن أبيه) عروة بن الزبير وهو من مقول سفيان أيضًا (عن أبي حميد) الساعدي أنه (قال: سمع أذناي) بالتثنية (وأبصرته عيني بالإفراد) أي أعلمه علمًا يقينًا لا أشك فيه (وسلوا) بفتح المهملة وضم اللام وبسكون المهملة بعدها همزة (زيد بن ثابت فإنه سمعه) ولأبي ذر سمع (معي) بفتح السين وكسر الميم على الروايتين قال سفيان أيضًا (ولم يقل الزهري) محمد بن مسلم (وسمع أذني) فقال المؤلّف: (خوار) بالخاء المعجمة المضمومة (صوت والجؤار) بضم الجيم وهمزة مفتوحة آخره راء (من تجأرون كصوت البقرة) وفي رواية البقر بحذف التاء. {بالعذاب إذا هم يجأرون} [المؤمنون: 64] أي يرفعون أصواتهم كما يجأر الثور، والحاصل أنه بالجيم للبقر والناس وبالخاء للبقر وغيرها من الحيوان، وهذا ثابت في رواية الكشميهني دون غيره. وفي الحديث أن ما يهدى للعمال وخدمة السلطان بسبب السلطنة يكون لبيت المال إلا إن أباح له الإمام قبول الهدية لنفسه كما في قصة معاذ السابق التنبيه عليها في الهبة. 25 - باب اسْتِقْضَاءِ الْمَوَالِى وَاسْتِعْمَالِهِمْ (باب استقضاء الموالي) أي توليتهم القضاء (واستعمالهم) على البلاد. 7175 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَخْبَرَهُ قَالَ: كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى مَسْجِدِ قُبَاءٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَبُو سَلَمَةَ وَزَيْدٌ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ. وبه قال: (حدّثنا عثمان بن صالح) السهمي المصري قال: (حدّثنا عبد الله بن وهب) المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن جريج) عبد الملك (أن نافعًا) مولى ابن عمر (أخبره أن) مولاه (ابن عمر) عبد الله (-رضي الله عنهما- أخبره قال: كان سالم) هو ابن عبيد أو ابن معقل (مولى أبي حذيفة) بن عتبة بن ربيعة القرشي. قال البخاري في تاريخه يعرف به ومولاته امرأة من الأنصار (يؤم المهاجرين الأولين) الذين سبقوا بالهجرة إلى المدينة (وأصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مسجد قباء) بالصرف (فيهم أبو بكر) الصديق (وعمر) بن الخطاب (وأبو سلمة) بن عبد الأسد المخزومي زوج أم سلمة أم المؤمنين قبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وزيد) أي ابن حارثة قاله في الفتح. وقال في الكواكب: هو زيد بن الخطاب العدوي من المهاجرين الأولين. وقال في عمدة القارئ: والظاهر أنه الصواب (وعامر بن ربيعة) العنزي بفتح المهملة والنون بعدها زاي مولى عمر -رضي الله عنهم-، وكان زيد أكثرهم قرآنًا. وفي البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رفعه:

26 - باب العرفاء للناس

"خذو القرآن من أربعة من ابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة وأُبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل". ومن طريق ابن المبارك في كتاب الجهاد له عن حنظلة بن أبي سفيان عن ابن سابط أن عائشة -رضي الله عنها- احتبست عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "ما حبسك" قالت: سمعت قارئًا يقرأ فذكرت من حسن قراءته فأخذ رداءه وخرج فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة فقال: "الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك". وأخرجه أحمد والحاكم في مستدركه فكان سبب تقديمه في إمامة الصلاة مع كونه من الموالي على من ذكر القراءة ومن كان رضًا في أمر الدين فهو رضًا في أمور الدنيا، فيجوز أن يولى القضاء والإمرة على الحرب وجباية الخراج لا الإمامة العظمى إذ شرطها كون الإمام قرشيًّا. والحديث من أفراده وسبق ما فيه في إمامة الموالي من الصلاة ولم يقل هناك فيهم أبو بكر الخ. فاستشكل لتصريحه هناك بأن ذلك كان قبل مقدمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة، وكان أبو بكر رفيقه عليه السلام فكيف ذكره فيهم. وأجاب البيهقي باحتمال أن يكون سالم استمر على الصلاة بعد أن تحوّل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المدينة، ونزل بدار أبي أيوب قبل بناء مسجده بها فيحتمل أن يقال كان أبو بكر يصلّي خلفه إذا جاء إلى قباء، قال في الفتح: ولا يخفى ما فيه. 26 - باب الْعُرَفَاءِ لِلنَّاسِ (باب العرفاء للناس) بضم العين وفتح الراء بعدها فاء جمع عريف الذي يتولى أمر سياستهم وحفظ أمورهم وسمي به لأنه يتعرّف أمورهم حتى يعرف بها من قومه عند الحاجة لذلك. 7176 - 7177 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ حِينَ أَذِنَ لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِى عِتْقِ سَبْىِ هَوَازِنَ فَقَالَ: «إِنِّى لاَ أَدْرِى مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ»، فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ فَرَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس) بضم الهمزة وفتح الواو قال: (حدّثني) بالإفراد (إسماعيل بن إبراهيم) بن عقبة بن أبي عياش (عن عمه موسى بن عقبة) أنه قال: (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (حدّثني عروة بن الزبير) بن العوّام (أن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة أخبراه) كلاهما (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال حين أذن لهم المسلمون) أي حين أذن المسلمون له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه أو من أقامه (في عتق سبي هوازن) وكانوا جاؤوه مسلمين وسألوه أن يردّ إليهم أموالهم وسبيهم فقال لأصحابه: "إني قد رأيت أن أردّ إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل". فقال الناس: قد طيبنا ذلك (فقال): (إني لا أدري من أذن منكم) في ذلك ولأبي ذر عن الكشميهني فيكم (ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم، فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم فرجعوا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي العرفاء (فأخبروه أن الناس قد طيبوا) ذلك (وأذنوا). له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يعتق السبي، وطيبوا بتشديد التحتية أي حملوا أنفسهم على ترك السبايا حتى طابت بذلك وفيه كما قاله ابن بطال مشروعية إقامة العرفاء لأن الإمام لا يمكنه أن يباشر جمع الأمور بنفسه فيحتاج إلى إقامة من يعاونه ليكفيه ما يقيمه فيه. والحديث سبق في المغازي. 27 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ ثَنَاءِ السُّلْطَانِ وَإِذَا خَرَجَ قَالَ: غَيْرَ ذَلِكَ (باب ما يكره من ثناء) أحد من الناس على (السلطان) بحضرته (وإذا خرج) ذلك المثني من عنده (قال غير ذلك) من الهجو والمساوئ. 7178 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ أُنَاسٌ لاِبْنِ عُمَرَ: إِنَّا نَدْخُلُ عَلَى سُلْطَانِنَا فَنَقُولُ لَهُمْ خِلاَفَ مَا نَتَكَلَّمُ إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِمْ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّهَا نِفَاقًا. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه) محمد بن زيد أنه قال (قال الناس) منهم عروة بن الزبير كما في جزء أبي مسعود بن الفرات وأبو إسحاق الشيباني وأبو الشعثاء كما عند الطبراني في الأوسط (لابن عمر: إنا ندخل على سلطاننا) بالإفراد هو الحجاج بن يوسف كما في الغيلانيات وللطيالسي عن عاصم على سلاطيننا بالجمع (فنقول لهم) من الثناء عليهم (خلاف ما) ولأبي ذر بخلاف ما (نتكلم) به فيهم من الذم (إذا خرجنا من عندهم) وعند ابن أبي شيبة من طريق أبي الشعثاء قال: دخل قوم على ابن عمر فوقعوا في يزيد بن معاوية فقال: أتقولون هذا في وجوههم؟ قالوا: بل نمدحهم ونثني عليهم، وفي رواية عروة بن الزبير عند الحارث بن أبي أسامة والبيهقي قال: أتيت ابن عمر فقلت: إنّا نجلس إلى أئمتنا هؤلاء فيتكلمون بشيء نعلم أن الحق غيره فنصدقهم (قال: كنا نعدها) بضم العين

28 - باب القضاء على الغائب

أي الفعلة ولأبي ذر عن الكشميهني نعد هذا أي الفعل (نفاقًا) على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه إبطان أمر وإظهار آخر ولا يراد به أنه كفر، ولا يعارضه قوله عليه الصلاة والسلام للذي استأذن عليه: بئس أخو العشيرة ثم تلقاه بوجه طلق وترحيب إذ لم يقل له خلاف ما قاله عنه بل أبقاه على القول الأول عند السامع قصدًا للإعلام بحاله ثم تفضل عليه بحسن اللقاء للاستئلاف. 7179 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى حَبِيبٍ، عَنْ عِرَاكٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنْ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ، الَّذِى يَأْتِى هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يزيد بن أبي حبيب) بفتح الحاء المهملة المصري من صغار التابعين (عن عراك) بكسر العين المهملة وتخفيف الراء ابن مالك الغفاري المدني (عن أبي هريرة) رضي الله (أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء) القوم (بوجه وهؤلاء) القوم (بوجه) وفي الترمذي من طريق أبي معاوية: إن من شر الناس، ولمسلم من رواية ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: تجدون من شر الناس ذا الوجهين فرواية إن شر الناس محمولة على التي فيها من شر الناس ووصفه بكونه شر الناس أو من شر الناس مبالغة في ذلك. قال القرطبي: إنما كان ذو الوجهين شر الناس لأن حاله حال المنافق إذ هو متملق بالباطل وبالكذب مدخل للفساد بين الناس، وقال النووي هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها وصنيعه نفاق محض وخداع وتحيل على الاطّلاع على أسرار الطائفتين وهي مداهنة محرمة قال: فأما من يقصد بذلك الإصلاح بين الطائفتين فهو محمود اهـ. وقوله: ذو الوجهين ليس المراد به الحقيقة بل هو مجاز عن الجهتين مثل المدحة والمذمة. قال تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذ خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنما نحن مستهزئون} [البقرة: 14] أي إذا لقي هؤلاء المنافقون المؤمنين أظهروا لهم الإيمان والموالاة والمصافاة غرورًا منهم للمؤمنين ونفاقًا وتقية وإذا انصرفوا إلى شياطينهم سادتهم وكبرائهم ورؤسائهم من أحبار اليهود ورؤوس المشركين والمنافقين {قالوا إنّا معكم إنما نحن مستهزئون} ساخرون بالقوم. والحديث أخرجه مسلم. 28 - باب الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ (باب القضاء على الغائب) في حقوق الآدميين دون حقوق الله اتفاقًا. 7180 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ هِنْدَ قَالَتْ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ فَأَحْتَاجُ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خُذِى مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (سفيان) بن عيينة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن هند) بغير صرف للتأنيث والعلمية ولأبي ذر بالصرف لسكون الوسط بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس (قالت للنبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يا رسول الله (إن أبا سفيان) صخر بن حرب زوجها (رجل شحيح) بخيل مع حرص وهو أعم من البخل لأن البخل يختص بمنع المال والشح بكل شيء (وأحتاج) بفتح الهمزة (أن آخذ من ماله) ما يكفيني وولدي (قال-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لها: (خذي) من ماله (ما يكفيك وولدك بالمعروف) من غير إسراف في الإطعام، وقد استدل جمع من العلماء من أصحاب الشافعي وغيرهم بهذا الحديث على القضاء على الغائب. قال النووي: ولا يصح هذا الاستدلال لأن هذه القصة كانت بمكة وأبو سفيان حاضر، وشرط القضاء على الغائب أن يكون غائبًا عن البلد أو مستترًا لا يقدر عليه أو متعذرًا، ولم يكن هذا الشرط في أبي سفيان موجودًا فلا يكون قضاء على الغائب بل هو إفتاء وفي طبقات ابن سعد بسند رجاله رجال الصحيح من مرسل الشعبي أن هند لما بايعت وجاء قوله ولا يسرقن قالت: قد كنت أصبت من مال أبي سفيان فقال أبو سفيان: فما أصبت من مالي فهو حلال لك، ففيه أن أبا سفيان كان حاضرًا معها في المجلس، لكن قال في الفتح: ويمكن تعدد القصة وإن هذا وقع لما بايعت ثم جاءت مرة أخرى فسألت عن الحكم وتكون فهمت من الأول إحلال أبي سفيان لها ما مضى فسألت عما يستقبل لكن يعكر عليه ما في المعرفة لابن منده قالت هند لأبي سفيان: إني أريد أن أبايع الحديث. وفيه فلما فرغت قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان

29 - باب من قضى له بحق أخيه فلا يأخذه فإن قضاء الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا

رجل بخيل إلى أن قال أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما تقول يا أبا سفيان"؟ قال: أما يابسًا فلا وأما رطبًا فأحله، قال في الفتح: والظاهر أن المؤلّف لم يرد أن قصة هند كانت قضاء على أبي سفيان وهو غائب بل استدلّ بها على صحة القضاء على الغائب ولو لم يكن ذلك قضاء على الغائب بشرطه بل لما كان أبو سفيان غير حاضر معها في المجلس وأذن لها أن تأخذ من ماله بغير إذنه قدر كفايتها كان في ذلك نوع قضاء على الغائب فيحتاج من منعه أن يجيب عن هذا التعبير بقوله: خذي يرجح أنه كان قضاء لا فتيا لكن تفويض تقدير الاستحقاق إليها في قوله: ما يكفيك يرجح أنه كان فتوى ولو كان قضاء لم يفوّضه إلى المدعي، وقد أجاز مالك والشافعي وجماعة الحكم على الغائب، وقال أبو حنيفة: لا يقضي عليه مطلقًا. والحديث سبق قريبًا. 29 - باب مَنْ قُضِىَ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذْهُ فَإِنَّ قَضَاءَ الْحَاكِمِ لاَ يُحِلُّ حَرَامًا وَلاَ يُحَرِّمُ حَلاَلاً (باب من قضي له) بضم القاف وكسر المعجمة (بحق أخيه) أي خصمه مسلمًا كان أو ذميًّا أو معاهدًا أو مرتدًّا فالأخوة باعتبار البشرية (فلا يأخذه فإن قضاء الحاكم لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالاً). 7181 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِى سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِبَابِ حُجْرَتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّهُ يَأْتِينِى الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ فَأَقْضِى لَهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِىَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَتْرُكْهَا». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) العامري الأويسي الفقيه قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) أي ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة أخبرته أن أم سلمة) هند (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرتها عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه سمع خصومة بباب حجرته) منزل أم سلمة، وعند أبي داود من طريق عبد الله بن رافع عن أم سلمة أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجلان يختصمان في مواريث لهما لم يكن لهما بيّنة إلا دعواهما. وفي رواية له قال: يختصمان في مواريث وأشياء قد درست وعند عبد الرزاق في مصنفه أنها كانت في أرض هلك أهلها وذهب من يعلمها ولم يسم المختصمين (فخرج إليهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال): (إنما أنا بشر) أي إنسان وسمي به لظهور بشرته دون ما عداه من الحيوان أي إنما أنا بشر مشارك لكم في البشرية بالنسبة لعلم الغيب الذي لم يطلعني الله عليه وقال ذلك توطئة لقوله (وإنه يأتيني الخصم) فلا أعلم باطن أمره (فلعل) بالفاء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولعل (بعضكم أن يكون أبلغ) أفصح في كلامه وأقدر على إظهار حجته (من بعض فأحسب) بكسر السين وتفتح (أنه صادق) وهو في الباطن كاذب (فأقضي) فأحكم (له بذلك) الذي ادّعاه لظني صدقه (فمن قضيت له بحق مسلم) ذكر المسلم ليكون أهول على المحكوم له لأن وعيد غيره معلوم عند كل أحد فذكر المسلم تنبيهًا على أنه في حقه أشد (فإنما هي) أي الحكومة أو الحالة (قطعة من النار) تمثيل يفهم منه شدة التعذيب على من يتعاطاه فهو من مجاز التشبيه (فليأخذها أو ليتركها) أمر تهديد لا تخيير فهو كقوله: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} [الكهف: 29] كذا قرره النووي وغيره. وتعقب بأنه إن أريد به أن كلاًّ من الصيغتين للتهديد فممنوع فإن قوله: أو ليتركها للوجوب في كلام طويل سبق في كتاب المظالم فليراجع، فحكم الحاكم ينفذ ظاهرًا لا باطنًا، فلو قضى بشيء رتب على أصل كاذب بأن كان باطن الأمر فيه بخلاف ظاهره نفذ ظاهرًا لا باطنًا، فلو حكم بشهادة زور بظاهري العدالة لم يحصل بحكمه الحل باطنًا سواء المال والنكاح وغيرهما. أما المرتب على أصل صادق فينفذ القضاء فيه باطنًا أيضًا قطعًا إن كان في محل اتفاق المجتهدين، وعلى الأصح عند البغوي وغيره إن كان في محل اختلافهم وإن كان الحكم لمن لا يعتقده لتتفق الكلمة ويتم الانتفاع، فلو قضى حنفي لشافعي بشفعة الجوار أو بالإرث بالرحم حل له الأخذ به وليس للقاضي منعه من الأخذ بذلك ولا من الدعوى به إذا أرادها اعتبارًا بعقيدة الحاكم ولأن ذلك مجتهد فيه والاجتهاد إلى القاضي لا إلى غيره، ولهذا أجاز للشافعي أن يشهد بذلك عند من يرى جوازه وإن كان خلاف اعتقاده، ولو حكم القاضي بشيء وأقام المحكوم عليه بيّنة تنافي دعوى المحكوم له سمعت وبطل الحكم. وفي الحديث

حجة على الحنفية حيث ذهبوا إلى أنه ينفذ ظاهرًا وباطنًا في العقود والفسوخ حتى لو قضى بنكاح امرأة بشاهدي زور حلّ وطؤها. وأجاب بعض شرّاح المشارق منهم عن الحديث بأن قوله في الرواية الأخرى فأقضي له بنحو ما أسمع منه ظاهرًا يدل على أن ذلك فيما كان بسماع الخصم من غير أن يكون هناك بيّنة أو يمين وليس الكلام فيه، وإنما الكلام في القضاء بشهادة الزور بأن قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فمن قضيت له بحق مسلم" الخ. شرطية وهي لا تقتضي صدق المقدّم فيكون من باب فرض المحال نظرًا إلى عدم جواز إقراره على الخطأ، ويجوز ذلك إذا تعلق به غرض كما في قوله تعالى: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين} [الزخرف: 81] والغرض فيما نحن فيه التهديد والتقريع على اللسن والإقدام على تلحين الحجج في أخذ أموال الناس، وبأن الاحتجاج به يستلزم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقر على الخطأ لأنه لا يكون ما قضى به قطعة من النار إلا إذا استمر الخطأ وإلاّ فمتى فرض أنه يطلع عليه فإنه يجب أن يبطل ذلك الحكم ويرد الحق لمستحقه وظاهر الحديث يخالف ذلك فإما أن يسقط الاحتجاج به ويؤول على ما تقدم وإما أن يستلزم التقرير على الخطأ وهو باطل اهـ. وأجيب عن الأول: بأنه خلاف الظاهر وكذا الثاني وأما الثالث فإن الخطأ الذي لا يقر عليه هو الحكم الذي صدر عن اجتهاده فيما لم يوح إليه فيه وليس النزاع فيه، وإنما النزاع في الحكم الصادر منه بناء على شهادة زور أو يمين فاجرة فلا يسمى خطأ للاتفاق على وجوب العمل بالشهادة وبالإيمان وإلاّ لكان الكثير من الأحكام يسمى خطأ وليس كذلك. وفي الحديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم" فحكم بإسلام من تلفظ بالشهادتين ولو كان في نفس الأمر يعتقد خلاف ذلك وحديث إني لم أومر بالتنقيب على قلوب الناس، وحينئذ فالحجة من الحديث ظاهرة في شمول الخبر الأموال والعقود والفسوخ، ومن ثم قال الشافعي: إنه لا فرق في دعوى حلّ الزوجة لمن أقام بتزويجها شاهدي زور وهو يعلم بكذبهما وبين من ادّعى على حر أنه ملكه وأقام بذلك شاهدي زور وهو يعلم حريته فإذا حكم له حاكم بأنه ملكه لم يحل له أن يسترقه بالإجماع. وقال القرطبي: شنعوا على القائل بذلك قديمًا وحديثًا لمخالفته للحديث الصحيح ولأن فيه صيانة المال وابتذال الفروج وهي أحق أن يحتاط لها وتصان اهـ. والحديث سبق في المظالم والشهادات والأحكام. 7182 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِى وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّى فَاقْبِضْهُ إِلَيْكَ، فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدٌ فَقَالَ ابْنُ أَخِى: قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَىَّ فِيهِ فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ أَخِى وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِى وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَتَسَاوَقَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِى كَانَ عَهِدَ إِلَىَّ فِيهِ وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِى وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِى وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: «احْتَجِبِى مِنْهُ» لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِىَ اللَّهَ تَعَالَى. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس الإمام الأعظم (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة) -رضي الله عنها- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها قالت: كان عتبة بن أبي وقاص) بضم العين وسكون المثناة الفوقية بعدها موحدة ووقاص بتشديد القاف آخره مهملة وعتبة هو الذي كسر ثنية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في وقعة أُحُد ومات كافرًا (عهد) أي أوصى (إلى أخيه سعد بن أبي وقاص) أحد العشرة (أن ابن وليدة زمعة) بن عليّ بفتح الزاي وسكون الميم وتفتح بعدها عين مهملة مفتوحة أي جاريته ولم تسم واسم ولدها عبد الرحمن بن زمعة (مني فاقبضه إليك) بهمزة وصل وكسر الموحدة قالت عائشة (فلما كان عام الفتح أخذه سعد فقال): هو (ابن أخي) عتبة (قد كان عهد إليّ فيه) أن أستلحقه به (فقام إليه) إلى سعد (عبد بن زمعة فقال): هو (أخي وابن وليدة أبي) أي وابن جاريته (ولد على فراشه فتساوقا) من التساوق وهو مجيء واحد بعد واحد (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال سعد: يا رسول الله) هذا (ابن أخي) عتبة (كان عهد إليّ فيه) أن أستلحقه به (وقال عبد بن زمعة) هو (أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هو) أي الولد (لك) أي أخوك (يا عبد بن زمعة) بضم عيد اسم علم منادى وابن زمعة نعت واجب النصب لأنه مضاف وعبد يجوز فتحه لأنه منعوت بابن مضاف إلى علم (ثم قال رسول

30 - باب الحكم فى البئر ونحوها

الله: الولد للفراش) أي لصاحب الفراش زوجًا كان أو سيدًا حرة كانت أو أمة لكن الحنفية يخصونه بالحرة ويقولون إن ولد الأمة المستفرشة لا يلحق سيدها ما لم يقر به (وللعاهر) أي الزاني (الحجر) أي الخيبة ولا حق له في الولد أو الرجم بالحجارة وضعف بأنه لا يرجم بالحجر إلا إذا كان محصنًا (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لسودة بنت زمعة) أم المؤمنين -رضي الله عنها-: (احتجبي منه) أي من ابن زمعة المتنازع فيه ندبًا للاحتياط وقد ثبت نسبه وأخوته لها في ظاهر الشرع (لما) بالتخفيف (رأى) عليه السلام (من شبهه بعتبه فما رآها) عبد الرحمن (حتى لقي الله تعالى). ومناسبة الحديث لسابقه أن الحكم بحسب الظاهر حيث حكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالولد لعبد بن زمعة وألحقه بزمعة، ثم لما رأى شبهه بعتبة أمر سودة أن تحتجب منه احتياطًا، فأشار البخاري إلى أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حكم في ابن وليدة زمعة بالظاهر، ولو كان في نفس الأمر ليس من زمعة ولا يسمى ذلك خطأ في الاجتهاد ولا هو من نوادر الاختلاف. والحديث سبق في البيوع والمحاربين والفرائض. 30 - باب الْحُكْمِ فِى الْبِئْرِ وَنَحْوِهَا (باب الحكم في البئر ونحوها) كالحوض والدار. 7183 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ عَنْ أَبِى وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَحْلِفُ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ مَالاً، وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ إِلاَّ لَقِىَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً} [آل عمران: 77] الآيَةَ. فَجَاءَ الأَشْعَثُ وَعَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُهُمْ فَقَالَ: فِىَّ نَزَلَتْ وَفِى رَجُلٍ خَاصَمْتُهُ فِى بِئْرٍ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ»؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: «فَلْيَحْلِفْ» قُلْتُ: إِذًا يَحْلِفُ فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} الآيَةَ. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر بالصاد المهملة المروزي وقيل البخاري قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (والأعمش) سليمان بن مهران كلاهما (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة أنه (قال: قال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يحلف) أحد (على) موجب (يمين صبر) بغير تنوين يمين على الإضافة لتاليها كذا في الفرع كأصله مصححًا عليه لما بينهما من الملابسة السابقة وينوّن فصبر صفة له على النسب أي ذات صبر ويمين الصبر هى التي يلزم الحاكم الخصم بها وجملة {يقتطع مالاً) في موضع صفة ثانية ليمين وفي رواية أخرى يقتطع بها مال امرئ مسلم (وهو فيها فاجر) كاذب والجملة في موضع الحال من فاعل يحلف أو من ضمير يقتطع أو صفة ليمين لأن فيها ضميرين أحدهما للحالف والآخر لليمين فبذلك صلحت أن تكون حالاً لكل واحد منهما (إلا لقي الله) عز وجل يوم القيامة (وهو عليه غضبان) بدون صرف للصفة وزيادة الألف والنون والشرط هنا موجود وهو انتفاء فعلانة ووجود فعلى وذلك في صفات المخلوقين وغضبه تعالى يراد به ما أراده من العقوبة أعوذ بوجه الله تعالى من عقابه وغضبه (فأنزل الله) تعالى زاد في الأيمان تصديقه {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلاً}) [آل عمران: 77] (الآية). وسقط لغير أبي ذر قوله: {وأيمانهم} الخ. (فجاء الأشعث) بن قيس الكندي (وعبد الله) بن مسعود (يحدّثهم) زاد في الإيمان فقال: ما يحدّثكم عبد الله؟ قالوا له: أي كان يحدّثنا بكذا وكذا (فقال) الأشعث: (فيّ) بتشديد الياء (نزلت) هذه الآية (وفي رجل) اسمه الجفشيش بالجيم والحاء والخاء وبالشينين المعجمتين بينهما تحتية ساكنة الحضرمي أو الكندي وقيل اسمه جرير (خاصمته في بئر) كانت بيننا فجحدني (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لي: (ألك بيّنة؟ قلت: لا) يا رسول الله (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فليحلف) بالجزم ولأبي ذر عن الكشميهني فيحلف بإسقاط اللام والرفع (قلت) يا رسول الله: (إذًا يحلف) إذًا حرف جواب وهي تنصب الفعل المضارع بشرط أي تكون أولاً فلا يعتمد ما بعدها على ما قبلها ولذا رفعت نحو قولك: أنا إذا أكرمك وأن يكون مستقبلاً فلو كان حالاً وجب الرفع نحو قولك لمن قال: جاء الحاج إذًا أفرح تريد الحالة التي أنت فيها وأن لا يفصل بينها وبين الفعل بفاصل ما عدا القسم والنداء ولا فإن دخل عليها حرف عطف جاز في الفعل وجهان الرفع والنصب والرفع أكثر نحو قوله تعالى: {وإذًا لا يلبثون خلافك إلا قليلاً} [الإسراء: 76] والفعل هنا في الحديث إن أريد به الحال فهو مرفوع وإن أريد به الاستقبال فهو منصوب والوجهان في الفرع مصحح عليهما. وزاد في رواية أخرى ولا يبالي (فنزلت {إن الذين يشترون بعهد الله} الآية).

31 - باب القضاء فى كثير المال وقليله

وفي الحديث كما قال ابن بطال: إن حكم الحاكم في الظاهر لا يحل الحرام ولا يبيح المحظور لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حذر أمته عقوبة من اقتطع من حق أخيه شيئًا بيمين فاجرة، والآية المذكورة من أشد وعيد جاء في القرآن. والحديث سبق في الشرب. 31 - باب الْقَضَاءِ فِى كَثِيرِ الْمَالِ وَقَلِيلِهِ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ الْقَضَاءُ فِى قَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ سَوَاءٌ. (باب القضاء) بإضافة باب للاحقه (في كثير المال وقليله) ولأبي ذر باب بالتنوين القضاء في كثير المال وقليله سواء بإثبات الخبر المحذوف في غير روايته. (وقال ابن عيينة) سفيان (عن ابن شبرمة) بضم المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة عبد الله قاضي الكوفة: (القضاء في قليل المال وكثيره سواء) قال العيني: وهذا ذكره سفيان في جامعه عن ابن شبرمة. وقال الحافظ ابن حجر: ولم يقع لي هذا الأثر موصولاً. 7185 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِى سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَلَبَةَ خِصَامٍ عِنْدَ بَابِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّهُ يَأْتِينِى الْخَصْمُ فَلَعَلَّ بَعْضًا أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ أَقْضِى لَهُ بِذَلِكَ وَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِىَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَدَعْهَا». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال (أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته عن أمها أم سلمة) هند -رضي الله عنها- أنها (قالت: سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جلبة خصام) بفتح الجيم واللام والموحدة اختلاط الأصوات ولمسلم جلبة خصم (عند بابه) منزل أم سلمة (فخرج عليهم) ولأبي ذر عن الكشميهني إليهم فقال (لهم): (إنما أنا بشر) البشر الخلق يطلق على الجماعة والواحد والمعنى أنه منهم وإن زاد عليهم بالمنزلة الرفيعة وهو ردّ على من زعم أن من كان رسولاً فإنه يعلم كل غيب حتى لا يخفى عليه المظلوم من الظالم (وإنه يأتيني الخصم) وفي ترك الحيل من رواية سفيان الثوري وإنكم تختصمون إليّ (فلعلّ بعضًا) منكم (أن يكون أبلغ) أي أقدر على الحجة (من بعض أقضي له بذلك) ولأبي داود على نحو ما أسمع منه (وأحسب أنه صادق فمن قضيت له بحق مسلم) وكذا ذمي (فإنما هي) أي الحكومة (قطعة من النار) وللطحاوي والدارقطني فإنما نقطع له بها قطعة من النار إسطامًا يأتي بها في عنقه يوم القيامة والإسطام بكسر الهمزة وسكون السين وفتح الطاء المهملتين القطعة فكأنها للتأكيد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من نار (فليأخذها أو ليدعها) أمر تهديد. ومطابقته للترجمة في قوله فمن قضيت له إذ هو يتناول القليل والكثير. والحديث مرّ قريبًا. 32 - باب بَيْعِ الإِمَامِ عَلَى النَّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَضِيَاعَهُمْ وَقَدْ بَاعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُدَبَّرًا مِنْ نُعَيْمِ بْنِ النَّحَّامِ (باب) حكم (بيع الإمام على الناس) من السفيه والغائب لتوفية دينه أو الممتنع منه (أموالهم وضياعهم) عقارهم وغير ذلك وهو من عطف الخاص على العام. (وقد باع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مدبرًا) بتشديد الموحدة المفتوحة (من نعيم بن النحام) بفتح النون والحاء المهملة المشدّدة، وهو نعيم بن عبد الله بن أسيد بن عبيد بن عوف بن عويج بن عدي بن كعب القرشي العدوي المعروف بالنحام قيل له ذلك لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال له دخلت الجنة، فسمعت نحمة من نعيم والنحمة السعلة أو النحنحة الممدود آخرها، وسقط قوله مدبرًا للحموي والمستملي قال العيني: ولفظ الابن زائد، وقال أبو عمر بن عبد البر نعيم بن عبد الله النحام القرشي العدوي. 7186 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: بَلَغَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهِ أَعْتَقَ غُلاَمًا عَنْ دُبُرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ فَبَاعَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَرْسَلَ بِثَمَنِهِ إِلَيْهِ. وبه قال: (حدّثنا ابن نمير) هو محمد بن عبد الله بن نمير بضم النون مصغرًا قال: (حدّثنا محمد بن بشر) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة العبدي الكوفي الحافظ قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد الكوفي الحافظ قال: (حدّثنا سلمة بن كهيل) بضم الكاف وفتح الهاء أبو يجيئ الحضرمي من علماء الكوفة (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر بن عبد الله) -رضي الله عنهما- وسقط ابن عبد الله لغير أبي ذر أنه (قال: بلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن رجلاً من أصحابه) هو أبو مذكور (أعتق غلامًا) اسمه يعقوب كما في مسلم (عن) ولأبي ذر والوقت له عن (دبر) بضم الدال والموحدة أي علق عتقه بعد موته ولأبي ذر عن الكشميهني عن دين بفتح الدال وسكون التحتية بعدها نون وهي تصحيف والمشهور الأولى (لم يكن له مال غيره فباعه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من نعيم النحام (بثمانمائة درهم ثم أرسل) عليه الصلاة والسلام (بثمنه إليه) إلى الذي علق عتقه وإنما باعه عليه لأنه لم يكن

33 - باب من لم يكترث بطعن من لا يعلم فى الأمراء حديثا

له مال غيره فلما رآه أنفق جميع ماله وأنه تعرض بذلك للتهلكة نقض عليه فعله ولو كان لم ينفق جميع ماله لم ينقض فكأنه كان في حكم السفيه فلذا باع عليه ماله. والحديث سبق في البيوع، وأخرجه أبو داود والنسائي في الفتن وابن ماجة. 33 - باب مَنْ لَمْ يَكْتَرِثْ بِطَعْنِ مَنْ لاَ يَعْلَمُ فِى الأُمَرَاءِ حَدِيثًا (باب من لم يكترث) بالمثناة الفوقية ثم المثلثة بينهما راء مكسورة من لم يبال ولم يلتفت (بطعن من) ولأبي الوقت لطعن من (لا يعلم) بفتح التحتية (في الأمراء حديثًا) يعبأ به فلو طعن بعلم اعتدّ به وإن كان بأمر محتمل رجع إلى رأي الإمام وسقط قوله حديثًا لأبوي الوقت وذر والأصيلي. 7187 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَطُعِنَ فِى إِمَارَتِهِ وَقَالَ: «إِنْ تَطْعَنُوا فِى إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِى إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمْرَةِ وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ بَعْدَهُ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي البصري قال: (حدّثنا عبد الله بن دينار) المدني مولى ابن عمر (قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول): ولأبي ذر قال: (بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثًا) أي جيشًا إلى أبنى لغزو الروم مكان قتل زيد بن حارثة وكان في ذلك البعث رؤوس المهاجرين والأنصار منهم العمران (وأمر عليهم أسامة بن زيد) أي ابن حارثة وكان ذلك في بدء مرضه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي توفي فيه (فطعن) بضم الطاء المهملة (في إمارته) بكسر الهمزة وقالوا: يستعمل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا الغلام على المهاجرين والأنصار (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما بلغه ذلك ولأبي ذر فقال بالفاء بدل الواو: (إن تطعنوا) بضم العين في الفرع وزاد في اليونينية فتحها قال الزركشي رجح بعضهم هنا ضم العين (في إمارته) أي في إمارة أسامة (فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه) زيد (من قبله). واستشكل بأن النحاة قالوا الشرط سبب للجزاء متقدم عليه وهاهنا ليس كذلك. وأجاب في الكواكب بأن مثله يؤول بالأخبار عندهم أي إن طعنتم فيه فأخبركم بأنكم طعنتم من قبل في أبيه ويلازمه عند البيانيين أي إن طعنتم فيه تأثمتم بذلك لأنه لم يكن حقًّا (واْيم الله) بهمزة وصل (إن كان) زيد (لخليقًا) بالخاء المعجمة والقاف لجديرًا ومستحقًا (للإمرة) بكسر الهمزة وسكون الميم ولأبي ذر عن الكشميهني للإمارة بفتح الميم وألف بعدها فلم يكن لطعنكم مستند فكذا لا اعتبار بطعنكم في إمارة ولده (وإن كان) زيد (لمن أحب الناس إلي) بتشديد التحتية (وإن) ابنه أسامة (هذا لمن أحب الناس إليّ بعده). واستشكل كون عمر بن الخطاب عزل سعدًا حين قذفه أهل الكوفة بما هو منه بريء ولم يعزل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسامة وأباه بل بيّن فضلهما. وأجيب: بأن عمر لم يعلم من مغيب سعد ما علمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من زيد وأسامة فكان سبب عزله قيام الاحتمال أو رأى عمر أن عزل سعد أسهل من فتنة يثيرها من قام عليه من أهل الكوفة. والحديث سبق في باب بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسامة بن زيد أواخر المغازي. 34 - باب الأَلَدِّ الْخَصِمِ وَهْوَ الدَّائِمُ فِى الْخُصُومَةِ لُدًّا: عُوجًا. (باب الألدّ) بفتح الهمزة واللام وتشديد الدال المهملة (الخصم) بفتح المعجمة وكسر المهملة وفسره المؤلّف بقوله (وهو الدائم في الخصومة) أو المراد الشديد الخصومة فإن الخصم من صيغ المبالغة فيحتمل الشدة والكثرة. وقال تعالى: {وهو ألدّ الخصام} [البقرة: 204] أي شديد الجدال والعداوة للمسلمين والخصام المخاصمة والإضافة بمعنى في لأن أفعل يضاف إلى ما هو بعضه تقول: زيد أفضل القوم ولا يكون الشخص بعض الحدث فتقديره ألدّ في الخصومة أو الخصام جمع خصم كصعب وصعاب والتقدير وهو ألدّ الخصوم خصومة (لدًّا: عوجًا) بضم اللام وتشديد الدال عوجًا بضم العين وسكون الواو بعدها جيم ولأبي ذر عن الكشميهني ألدّ بهمزة قبل اللام المفتوحة أعوج بهمزة مفتوحة وسكون العين يريد تفسير قوله تعالى في سورة مريم: {وتنذر به قومًا لدًّا} [مريم: 97] قال ابن كثير الحافظ: أي عوجًا عن الحق مائلون إلى الباطل. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: لا يستقيمون. وقال الضحاك، الألدّ: الخصم. وقال القرطبي الألدّ: الكذاب. وقال الحسن صمًّا. قال في الفتح: وكأنه تفسير باللازم لأن من اعوجّ عن الحق كان كأنه لم يسمع وعن ابن عباس فجارًا وقيل جدلاء بالباطل. 7188 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ». وبه قال: (حدّثنا

35 - باب إذا قضى الحاكم بجور أو خلاف أهل العلم فهو رد

مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه قال: (سمعت ابن أبي مليكة) عبد الله (يحدّث عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أبغض الرجال) الكفار (إلى الله) الكافر (الألد الخصم) بفتح المعجمة وكسر المهملة المعائذ أو أبغض الرجال المخاصمين أعم من أن يكون كافرًا أو مسلمًا فإن كان الأول فأفعل التفضيل على حقيقته في العموم وإن كان مسلمًا فسبب البغض كثرة المخاصمة لأنها تفضي غالبًا إلى ما يذم صاحبه. والحديث سبق في المظالم والتفسير. 35 - باب إِذَا قَضَى الْحَاكِمُ بِجَوْرٍ أَوْ خِلاَفِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَهْوَ رَدٌّ هذا (باب) بالتنوين (إذا قضى الحاكم بجور) أي بظلم (أو خلاف أهل العلم فهو) أي قضاؤه (ردّ) أي مردود. 7189 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بَعَثَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَالِدًا ح. وَحَدَّثَنِى نُعَيْمٌ بن حماد، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِى جَذِيمَةَ فَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا فَقَالُوا صَبَأْنَا صَبَأْنَا فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ وَيَأْسِرُ وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٌ مِنَّا أَسِيرَهُ فَأَمَرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا أَنْ يَقْتُلَ أَسِيرَهُ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَقْتُلُ أَسِيرِى وَلاَ يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِى أَسِيرَهُ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّى أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ» مَرَّتَيْنِ. وبه قل: (حدّثنا محمود) هو ابن غيلان بالغين المعجمة المفتوحة أبو أحمد المروزي الحافظ قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين ابن خالد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سالم عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه قال: (بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خالدًا) وسقط لأبي ذر قوله عن الزهري الخ (ح) لتحويل السند قال البخاري: (وحدّثني) بالإفراد (نعيم بن حماد) بضم النون وفتح العين الرفاء بالراء والفاء المشددة المروزي الأعور ولأبي ذر وحدّثني أبو عبد الله نعيم بن حماد ولغير أبي ذر قال أبو عبد الله البخاري حدّثني نعيم قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا معمر) أي ابن خالد (عن الزهري عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه (قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خالد بن الوليد) -رضي الله عنه- (إلى بني جذيمة) بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة وفتح الميم قبيلة من عبد قيس داعيًا لهم إلى الإسلام لا مقاتلاً فدعاهم إلى الإسلام (فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فقالوا صبأنا صبأنا) بهمزة ساكنة فيهما أي خرجنا من الشرك إلى دين الإسلام فلم يكتف خالد إلا بالتصريح بذكر الإسلام وفهم عنهم أنهم عدلوا عن التصريح أنفة منهم ولم ينقادوا (فجعل خالد يقتل) منهم (ويأسر) بكسر السين (ودفع إلى كل رجل منّا أسيره فأمر كل رجل منا أن يقتل أسيره) قال ابن عمر (فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي) من المهاجرين والأنصار (أسيره) فقدمنا (فذكرنا ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد) من قتله الذين قالوا صبأنا قبل أن يستفسرهم عن مرادهم بذلك قال عليه الصلاة والسلام اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد (مرتين). وإنما لم يعاقبه لأنه كان مجتهدًا واتفقوا على أن القاضي إذا قضى بجور أو بخلاف ما عليه أهل العلم فحكمه مردود فإن كان على وجه الاجتهاد وأخطأ كما صنع خالد فالإثم ساقط والضمان لازم فإن كان الحكم في قتل فالدّية في بيت المال عند أبي حنيفة وأحمد وعلى عاقلته عند الشافعي وأبي يوسف ومحمد. والحديث سبق في المغازي. 36 - باب الإِمَامِ يَأْتِى قَوْمًا فَيُصْلِحُ بَيْنَهُمْ (باب الإمام يأتي قومًا فيصلح) ولأبي ذر عن الكشميهني: ليصلح باللام بدل الفاء أي لإجل الإصلاح (بينهم). 7190 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ الْمَدِينِىُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ قَالَ: كَانَ قِتَالٌ بَيْنَ بَنِى عَمْرٍو فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَتَاهُمْ يُصْلِحُ بَيْنَهُمْ فَلَمَّا حَضَرَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ فَأَذَّنَ بِلاَلٌ وَأَقَامَ وَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَتَقَدَّمَ وَجَاءَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ فِى الصَّلاَةِ فَشَقَّ النَّاسَ حَتَّى قَامَ خَلْفَ أَبِى بَكْرٍ، فَتَقَدَّمَ فِى الصَّفِّ الَّذِى يَلِيهِ قَالَ: وَصَفَّحَ الْقَوْمُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إِذَا دَخَلَ فِى الصَّلاَةِ لَمْ يَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْرُغَ فَلَمَّا رَأَى التَّصْفِيحَ لاَ يُمْسَكُ عَلَيْهِ الْتَفَتَ فَرَأَى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَلْفَهُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِ امْضِهْ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ هُنَيَّةً يَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ مَشَى الْقَهْقَرَى فَلَمَّا رَأَى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ تَقَدَّمَ فَصَلَّى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّاسِ فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ إِذْ أَوْمَأْتُ إِلَيْكَ أَنْ لاَ تَكُونَ مَضَيْتَ» قَالَ: لَمْ يَكُنْ لاِبْنِ أَبِى قُحَافَةَ أَنْ يَؤُمَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ لِلْقَوْمِ: «إِذَا نَابَكُمْ أَمْرٌ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ، وَلْيُصَفِّحِ النِّسَاءُ». وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد قال: (حدّثنا أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة (المديني) بالتحتية بعد الدال ولأبي ذر المدني بإسقاطها وفتح الدال (عن سهل بن سعد الساعدي) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان قتال) بالتنوين (بين بني عمرو) بفتح العين ابن عوف بالفاء قبيلة (فبلغ ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصلّى الظهر ثم أتاهم يصلح بينهم فلما حضرت صلاة العصر فأذّن بلال) سقط لفظ بلال لأبي ذر، واستشكل الإتيان بالفاء في قوله فأذّن لأنه ليس موضعها سواء كانت لما شرطية أو ظرفية. وأجيب: بأن الجزاء محذوف وهو جاء المؤذن والفاء للعطف عليه وعند أبي داود عن عمرو بن عوف عن حماد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لبلال: إن حضرت صلاة العصر ولم آتك فأمر أبا بكر فليصلّ بالناس فلما حضرت العصر أذّن بلال (وأقام) الصلاة (وأمر أبا بكر)

37 - باب يستحب للكاتب أن يكون أمينا عاقلا

-رضي الله عنه- أن يصلّي بالناس كما أمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فتقدم) أبو بكر وصلى بهم. (وجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر في الصلاة فشق الناس حتى قام خلف أبي بكر فتقدّم في الصف الذي يليه) وليس هو من المنهي عنه لأن الإمام مستثنى من ذلك لا سيما الشارع إذ ليس لأحد التقدّم عليه ولأنه ليس حركة من حركاته إلا ولنا فيها مصلحة وسُنّة نقتدي بها (قال) سهل (وصفح القوم) بفتح الصاد المهملة والفاء المشددة بعدها حاء مهملة أي صفقوا تنبيهًا لأبي بكر على حضوره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وكان أبو بكر إذا دخل في الصلاة لم يلتفت حتى يفرغ) منها (فلما رأى التصفيح لا يمسك عليه) بضم التحتية وسكون الميم مبنيًّا للمفعول (التفت) -رضي الله عنه- (فرأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خلفه) فأراد أن يتأخر (فأومأ إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد أبو ذر بيده أي أشار إليه بها (أن امضه) أمر بالمضي والهاء للسكت أي امض في صلاتك (وأومأ بيده هكذا) أي أشار إليه بالمكث في مكانه (ولبث أبو بكر) في مكانه (هنية) بضم الهاء وفتح النون والتحتية المشددة زمانًا يسيرًا حال كونه (يحمد الله) ولأبي ذر عن الكشميهني فحمد الله (على قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم مشى القهقرى) رجع إلى خلف (فلما- رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك) الذي فعله أبو بكر (تقدم) إلى موضع الإمامة (فصلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالناس فلما قضى صلاته قال): (يا أبا بكر ما منعك إذ) بسكون الذال (أومأت) أشرت (إليك) أن تمكث في مكانك (أن لا تكون مضيت) في صلاتك فيه (قال) أبو بكر -رضي الله عنه- (لم يكن لابن أبي قحافة أن يؤمّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولم يقل لم يكن لي أو لأبي بكر هضمًا لنفسه وتواضعًا وأبو قحافة كنية والد أبي بكر -رضي الله عنهما- (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (للقوم: إذا نابكم) أي أصابكم ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: ربكم أي حدث لكم (أمر فليسبح الرجال) أي يقولوا سبحان الله (وليصفح النساء) أي يصفقن بأن يضربن بأيديهن على ظهر الأخرى. وفي الحديث جواز مباشرة الحاكم الصلح بين الخصوم وجواز ذهاب الحاكم إلى موضع الخصوم للفصل بينهم إذا اضطر الأمر لذلك. والحديث سبق في الصلاة في باب من دخل ليؤم الناس. 37 - باب يُسْتَحَبُّ لِلْكَاتِبِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا عَاقِلاً (باب) بالتنوين (يستحب للكاتب) للحكم (أن يكون أمينًا) في كتابته بعيدًا من الطمع مقتصرًا على أجرة المثل (عاقلاً) غير مغفل لئلا يخدع. 7191 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَبُو ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: بَعَثَ إِلَىَّ أَبُو بَكْرٍ لِمَقْتَلِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، وَعِنْدَهُ عُمَرُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِى فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ، وَإِنِّى أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ فِى الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا، فَيَذْهَبَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ، وَإِنِّى أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ قُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِى فِى ذَلِكَ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِى لِلَّذِى شَرَحَ لَهُ صَدْرَ عُمَرَ، وَرَأَيْتُ فِى ذَلِكَ الَّذِى رَأَى عُمَرُ قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَإِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لاَ نَتَّهِمُكَ قَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْىَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ قَالَ زَيْدٌ: فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِى نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ بِأَثْقَلَ عَلَىَّ مِمَّا كَلَّفَنِى مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ، قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ يَحُثُّ مُرَاجَعَتِى حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِى لِلَّذِى شَرَحَ اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَرَأَيْتُ فِى ذَلِكَ الَّذِى رَأَيَا فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَالرِّقَاعِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، فَوَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] إِلَى آخِرِهَا مَعَ خُزَيْمَةَ أَوْ أَبِى خُزَيْمَةَ فَأَلْحَقْتُهَا فِى سُورَتِهَا وَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِى بَكْرٍ حَيَاتَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ اللِّخَافُ: يَعْنِى الْخَزَفَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبيد الله) بضم العين ابن محمد بن زيد (أبو ثابت) مولى عثمان بن عفان القرشي المدني الفقيه قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد بن السباق) بضم العين في الأوّل وفتح المهملة والموحدة المشددة وبعد الألف قاف الثقفي (عن زيد بن ثابت) الأنصاري الخزرجي كاتب الوحي رضي الله تعالى عنه أنه (قال: بعث إلي) بتشديد الياء (أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (لمقتل) ولأبي ذر عن الحموي مقتل بإسقاط اللام والنصب (أهل اليمامة) من اليمن وبها قتل مسيلمة ومن القراء سبعون أو سبعمائة (وعنده عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (فقال) لي (أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرّ) بالسين المهملة الساكنة بعدها فوقية فحاء مهملة فراء مشددة اشتدّ وكثر (يوم اليمامة بقرّاء القرآن) وسقط للكشميهني قد من قوله قد استحر (وإني أخشى أن يستحر) يشتد (القتل بقرّاء القرآن في المواطن كلها فيذهب قرآن كثير وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن) قال أبو بكر لزيد (قلت) لعمر (كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لي (عمر: هو) أي جمعه (والله خير). واستشكل التعبير بخير الذي هو أفعل التفضيل لأنه يلزم من فعلهم هذا أن يكون خيرًا من تركه في الزمن النبوي وأجيب: بأنه خير بالنسبة لزمانهم والترك كان خيرًا في الزمن النبوي لعدم تمام النزول واحتمال النسخ إذ لو جمع بين الدفتين وسارت به

الركبان إلى البلدان ثم نسخ لأدّى ذلك إلى اختلاف عظيم قال أبو بكر: (فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر ورأيت في ذلك الي رأى عمر قال زيد قال) لي (أبو بكر) -رضي الله عنه-: (وإنك) يا زيد وللكشميهني إنك (رجل) بإسقاط الواو وأشار بقوله (شاب) إلى حدّه ونظره وقوّة ضبطهِ (عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ذكر له أربع صفات مقتضية لخصوصيته بذلك. كونه شابًّا فيكون أنشط لذلك، وكونه عاقلاً فيكون أوعى له، وكونه لا يتهم فتركن النفس إليه، وكونه كان كاتب الوحي فيكون أكثر ممارسة له. وقول ابن بطال عن المهلب إنه يدل على أن العقل أجلّ الخصال المحمودة لأنه لم يوصف زيد بأكثر من العقل وجعله سببًا لائتمانه ورفع التهمة عنه، تعقبه في الفتح بأن أبا بكر ذكر عقب الوصف المذكور قد كنت تكتب الوحي، فمن ثم اكتفى بوصفه بالعقل لأنه لو لم تثبت أمانته وكفايته وعقله لما استكتبه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الوحي، وإنما وصفه بالعقل وعدم الاتهام دون ما عداهما إشارة إلى استمرار ذلك له وإلاّ فمجرد قوله لا نتهمك مع قوله عاقل لا يكفي في ثبوت الأمانة والكفاية فكم من بارع في العقل والمعرفة وجدت منه الخيانة (فتتبع القرآن فاجمعه) بالفاء ولأبي ذر واجمعه (قال زيد: فوالله لو كلفني) أبو بكر (نقل جبل من الجبال ما كان) نقله (بأثقل عليّ) بتشديد الياء (مما كلفني به) أبو بكر (من جمع القرآن. قلت): أي للعمرين (كيف تفعلان شيئًا لم يفعله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال أبو بكر) -رضي الله عنه-: (هو والله خير فلم يزل يحث) بالمثلثة بعد المهملة المضمومة ولأبي ذر يحب (مراجعتي) بالموحدة بدل المثلثة وضم أوله (حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر ورأيت في ذلك الذي رأيا فتتبعت القرآن) حال كوني (أجمعه من العسب) بضم العين والسين المهملتين آخره موحدة جريد النخل العريض المكشوط عنه الخوص المكتوب فيه (والرقاع) بالراء المكسورة والقاف وبعد الألف عين مهملة جمع رقعة من جلد أو ورق وفي رواية أخرى وقطع الأديم (واللخاف) باللام المشدّدة المكسورة والمعجمة وبعد الألف فاء الحجارة الرقيقة أو الخزف كما في هذا الباب (وصدور الرجال) الذين حفظوه وجمعوه في صدورهم فى حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كاملاً كأُبي بن كعب ومعاذ بن جبل (فوجدت آخر سورة التوبة {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} [التوبة: 128، 129] إلى آخرها مع خزيمة) بن ثابت بن الفاكه بالفاء والكاف المكسورة الأنصاري الأوسي الذي جعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهادته شهادة رجلين (أو أبي خزيمة) بن أوس بن يزيد وهو مشهور بكنيته الأنصاري النجاري بالشك. وعند أحمد والترمذي من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد مع خزيمة بن ثابت، وفي رواية شعيب في آخر سورة التوبة مع خزيمة الأنصاري، وفي مسند الشاميين من طريق أبي اليمان عند الطبراني خزيمة بن ثابت الأنصاري، لكن قول من قال مع أبي خزيمة أصح، وقد اختلف فيه على الزهري فمن قائل مع أبي خزيمة ومن قائل مع خزيمة ومن شاكّ فيه يقول خزيمة أو أبي خزيمة، والأرجح أن الذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة بالكنية والذي معه آية الأحزاب خزيمة. وعند أبي داود في كتاب المصاحف من طريق ابن إسحاق حدّثني يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير قال: أتى الحارث بن خزمة إلى عمر بهاتين الآيتين {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} [التوبة: 128 - 129] إلى آخر السورة فقال: أشهد أني سمعتهما من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووعيتهما فقال عمر: وأنا أشهد لقد سمعتهما. وخزمة قال في الإصابة: بفتح المعجمة والزاي ابن عدي بن أبي غنم بن سالم الخزرجي الأنصاري (فألحقتها في سورتها. وكانت الصحف) التي كتبوا فيها القرآن ولأبي ذر عن الكشميهني فكانت بالفاء بدل الواو (عند أبي بكر) -رضي الله عنه- (حياته حتى توفاه الله عز وجل، ثم عند عمر حياته حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر) -رضي الله عنهما-. (قال محمد بن

38 - باب كتاب الحاكم إلى عماله والقاضى إلى أمنائه

عبيد الله) بضم العين ابن محمد بن زيد مولى عثمان بن عفان شيخ البخاري المذكور أول هذا الباب (اللخاف) المذكور في الحديث (يعني) به: (الخزف) بالخاء والزاي المعجمتين ثم فاء وفي الحديث اتخاذ الحاكم الكاتب وأن يكون الكاتب عاقلاً فطنًا مقبول الشهادة، ومراجعة الكاتب للحاكم في الرأي ومشاركته له فيه. والحديث سبق في براءة وغيرها. 38 - باب كِتَابِ الْحَاكِمِ إِلَى عُمَّالِهِ وَالْقَاضِى إِلَى أُمَنَائِهِ (باب كتاب الحاكم إلى عماله) بضم العين وتشديد الميم جمع عامل وهو من يوليه على بلد يجمع خراجها أو زكاتها ونحو ذلك (و) كتاب (القاضي إلى أمنائه) بضم الهمزة جمع أمين وهو من يوليه في ضبط أموال الناس كالجباة. 7192 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِى لَيْلَى ح حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ أَبِى لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ هُوَ وَرِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ فَأُخْبِرَ مُحَيِّصَةُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قُتِلَ وَطُرِحَ فِى فَقِيرٍ -أَوْ عَيْنٍ- فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ: أَنْتُمْ وَاللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ قَالُوا: مَا قَتَلْنَاهُ وَاللَّهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُمْ وَأَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ، وَهْوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ، فَذَهَبَ لِيَتَكَلَّمَ وَهْوَ الَّذِى كَانَ بِخَيْبَرَ فَقَالَ النَّبِىُّ لِمُحَيِّصَةَ: «كَبِّرْ كَبِّرْ» يُرِيدُ السِّنَّ. فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ، وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ» فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِمْ بِهِ فَكُتِبَ مَا قَتَلْنَاهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ: «أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ» قَالُوا: لاَ قَالَ: «أَفَتَحْلِفُ لَكُمْ يَهُودُ»؟ قَالُوا: لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عِنْدِهِ مِائَةَ نَاقَةٍ حَتَّى أُدْخِلَتِ الدَّارَ. قَالَ سَهْلٌ: فَرَكَضَتْنِى مِنْهَا نَاقَةٌ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) الدمشقي ثم التنيسي الكلاعي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام (عن أبي ليلى) بفتح اللامين بينهما تحتية ساكنة (ح) للتحويل قال المؤلّف: (حدّثنا) ولأبي ذر والأصيلي وحدّثنا بواو العطف (إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل) بسكون الهاء بعد فتح السين الأنصاري المدني ويقال اسمه عبد الله (عن سهل بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة ابن ساعدة بن عامر الأنصاري الخزرجي المدني صحابي صغير (أنه أخبره هو ورجال من كبراء قومه) أي عظمائهم (أن عبد الله بن سهل) أي ابن زيد بن كعب الحارثي (ومحيصة) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية المكسورة وفتح الصاد المهملة ابن مسعود بن كعب الحارثي (خرجا إلى خيبر من جهد) فقر شديد (أصابهم) ليمتارا تمرًا (فأخبر) بضم الهمزة وكسر الموحدة (محيصة أن عبد الله) بن سهل (قتل وطرح) بضم أولهما (في فقير) بفتح الفاء وكسر القاف أي في حفيرة. قال في الصحاح: والفقير حفير يحفر حول الفسيلة إذا غرست تقول منه فقرت للودية تفقيرًا (أو) قال: طرح في (عين) بالشك من الراوي. وعند محمد بن إسحاق فوجد في عين قد كسرت عنقه وطرح فيها (فأتى) محيصة (يهود فقال) لهم: (أنتم والله قتلتموه) قاله لقرائن قامت عنده أو نقل إليه بخبر يوجب العلم (قالوا): مقابلة لليمين باليمين (ما قتلناه والله ثم أقبل) محيصة (حتى قدم على قومه فذكر لهم) ذلك (وأقبل) ولأبي ذرّ فأقبل بالفاء بدل الواو محيصة (هو وأخوه حويصة) بضم الحاء المهملة وفتح الواو وتشديد التحتية مكسورة بعدها صاد مهملة على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وهو) أي حويصة (أكبر منه) أي من أخيه محيصة (عبد الرحمن بن سهل) أخو المقتول (فذهب) أي محيصة (ليتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال لمحيصة): ولغير أبي ذر فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمحيصة في رواية أخرى فذهب عبد الرحمن يتكلم فيجوز أن يكون كل من عبد الرحمن ومحيصة أراد أن تكلم فقال عليه الصلاة والسلام: (كبر كبر) أي قدم الأكبر (يريد السن فتكلم حويصة) الذي هو أسن (ثم تكلم محيصة) أخوه وفي القسامة فقالوا: يا رسول الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلاً (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إما أن يدوا صاحبكم) بفتح التحتية وتخفيف الدال المهملة أي إما أن يعطي اليهود دية صاحبكم (وإما أن يؤذنوا بحرب، فكتب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم به) أي إلى أهل خيبر بالخبر الذي نقل إليه (فكتب) بضم الكاف في الفرع كأصله وفي غيرهما بفتحها. قال في الكواكب: أي كتب الحيّ المسمى باليهود قال وفيه تكلف. وقال في الفتح. أي الكاتب عنهم لأن الذي يباشر الكتابة واحد. قال العيني: وفيه تكلف وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني فكتبوا أي اليهود (ما قتلناه). وهذه الرواية أوجه وعلى رواية كتب بالضم يكون ما قتلناه في موضع رفع وزاد في رواية ولا علمنا قاتله (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن) أخي المقتول (أتحلفون) بهمزة الاستفهام (وتستحقون دم صاحبكم) أي بدل دم صاحبكم فحذف المضاف أو صاحبكم معناه غريمكم فلا يحتاج إلى تقدير والجملة فيها

39 - باب هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلا وحده للنظر فى الأمور؟

معنى التعليل لأن المعنى أتحلفون لتستحقوا وقد جاءت الواو بمعنى التعليل في قوله تعالى: {أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير} [الشورى: 34] المعنى ليعفو. واستشكل عرض اليمين على الثلاثة وإنما هي لأخي المقتول خاصة. وأجاب في الكواكب: بأنه كان معلومًا عندهم الاختصاص به وإنما أطلق الخطاب لهم لأنه كان لا يعمل شيئًا إلا بمشورتهما إذ هو كالولد لهما. (قالوا) ولأبي ذر فقالوا (لا) نحلف (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهم (أفتحلف لكم يهود) أنهم ما قتلوه (قالوا) يا رسول الله (ليسوا بمسلمين) وفي الأحكام قالوا لا نرضى بأيمان اليهود وفي رواية أبي قلابة ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم يحلفون (فوداه) بتخفيف الدال المهملة من غير همز فأعطى ديته (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من عنده مائة ناقة حتى أدخلت) النوق (الدار. قال سهل) أي ابن أبي حثمة (فركضتني منها ناقة). وفي رواية محمد بن إسحاق فوالله ما أنسى ناقة بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها. وفي القسامة فوداه مائة من إبل الصدقة ولا تنافي بينهما لاحتمال أن يكون اشتراها من إبل الصدقة والمال الذي اشترى به من عنده أو من مال بيت المال المرصد للمصالح لما في ذلك من مصلحة قطع النزاع وإصلاح ذات البين وجبرًا لخاطرهم وإلا فاستحقاقهم لم يثبت، وقد حكى القاضي عياض عن بعضهم تجويز صرف الزكاة في المصالح العامة وتأوّل الحديث عليه. واستشكل وجه المطابقة بين الحديث والترجمة لأنه ليس في الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب إلى نائبه ولا أمينه وإنما كتب إلى الخصوم أنفسهم. وأجاب ابن المنير: بأنه يؤخذ من مشروعية مكاتبة الخصوم جواز مكاتبة النوّاب في حق غيرهم بطريق الأولى، والحديث سبق في القسامة. 39 - باب هَلْ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ رَجُلاً وَحْدَهُ لِلنَّظَرِ فِى الأُمُورِ؟ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلاً حال كونه وحده للنظر) أي لأجل النظر ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني ينظر (في الأمور)؟ المتعلقة بالمسلمين وجواب الاستفهام في الحديث. 7193 - 7194 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ قَالاَ: جَاءَ أَعْرَابِىٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَالَ الأَعْرَابِىُّ: إِنَّ ابْنِى كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَقَالُوا لِى: عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ، فَفَدَيْتُ ابْنِى مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَقَالُوا: إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ» لِرَجُلٍ «فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَارْجُمْهَا» فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب واسمه هشام قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر (وزيد بن خالد الجهني) -رضي الله عنهما- أنهما (قالا: جاء أعرابي) واحد الأعراب وهم سكان البوادي (فقال: يا رسول الله اقضِ بيننا بكتاب الله) أي بما تضمنه أو بحكم الله المكتوب على المكلفين (فقام خصمه) هو في الأصل مصدر خصمه يخصمه إذا نازعه وغالبه ثم أطلق على المخاصم وصار اسمًا له فلذا يطلق على المفرد والمذكر وفروعهما ولم يسم الخصم وزاد في رواية وكان أفقه منه (فقال: صدق) يا رسول الله وفي رواية نعم (فاقض بيننا بكتاب الله). قال البيضاوي: إنما تواردا على سؤال الحكم بكتاب الله مع أنهما يعلمان أنه لا يحكم إلا بحكم الله ليفصل بينهما بالحق الصرف لا بالمصالحة والأخذ بالأرفق لأن للحاكم أن يفعل ذلك برضا الخصمين (فقال الأعرابي: إن ابني كان عسيفًا) فعيل بمعنى مفعول كأسير بمعنى مأسور وقيل بمعنى فاعل كعليم بمعنى عالم أي أجيرًا (على) خدمة (هذا) أو على بمعنى عند أي عنده أو بمعنى اللام أي أجيرًا لهذا (فزنى بامرأته) معطوف على كان عسيفًا ولم تسم المرأة (فقالوا لي: على ابنك الرجم) بالرفع ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أن على ابنك الرجم بزيادة ونصب الرجم اسمها (ففديت ابني منه) من الرجم (بمائة من الغنم ووليدة) فعيلة بمعنى مفعولة أمة (ثم سألت أهل العلم فقالوا) لي (إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لأقضين بينكما بكتاب الله) أي بحكم الله وهو أولى من التفسير بما تضمنه القرآن لأن الحكم فيه التغريب والتغريب ليس مذكورًا فيه. نعم يحتمل أن يكون أراد ما كان متلوًّا فيه، ونسخت تلاوته وبقي حكمه وهو: الشيخ والشيخة إذا زنيا

40 - باب ترجمة الحكام وهل يجوز ترجمان واحد؟

فارجموهما البتّة نكالاً من الله لكن يبقى التغريب (أما الوليدة والغنم فردّ) أي مردودة (عليك) فأطلق المصدر على المفعول كقوله تعالى: {هذا خلق الله} [لقمان: 11] أي مخلوقه (وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام). مصدر غرب مضاف إلى ظرفه لأن التقدير أن يجلد مائة وأن يغرب عامًّا وليس هو ظرفًا على ظاهره مقدّرًا بفي لأنه ليس المراد التغريب فيه حتى يقع في جزء منه بل المراد أن يخرج فيلبث عامًا فيقدّر يغرب بيغيب أي يغيب عامًا وهذا يتضمن أن ابنه كان غير محصن واعترف بالزنا فإن إقرار الأب عليه غير مقبول نعم إن كان من باب الفتوى فيكون معناه إن كان ابنك زنى وهو بكر فحده ذلك (وأما أنت يا أنيس) بضم الهمزة وفتح النون مصغرًا (لرجل) من أسلم وهو ابن الضحاك (فاغد) بالغين المعجمة (على امرأة هذا) أي ائتها غدوة أو امش إليها (فارجمها) إذا اعترفت (فغدا عليها أنيس) فاعترفت (فرجمها). وفي رواية الليث: فاعترفت فأمر بها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرجمت، وظاهره كما في الفتح أن ابن أبي ذئب اختصره فقال: فغدا عليها أنيس فرجمها أو فرجمها أنيس لأنه كان حاكمًا في ذلك، وعلى رواية الليث يكون رسولاً ليسمع إقرارها وتفيذ الحكم منه عليه الصلاة والسلام. واستشكل من حيث كونه اكتفى في ذلك بشاهد واحد. وأجيب: بأنه ليس في الحديث نص بانفراده بالشهادة فيحتمل أن غيره شهد عليها، واستدلّ به على وجوب الأعذار والاكتفاء فيه بشاهد واحد، وأجاب القاضي عياض باحتمال أن يكون ذلك ثبت عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشهادة هذين الرجلين. قال في الفتح: والذي تقبل شهادته من الثلاثة والد العسيف فقط، وأما العسيف والزوج فلا. قال: وغفل بعض من تبع القاضي عياضًا فقال: لا بدّ من هذا الحمل وإلاّ لزم الاكتفاء بشهادة واحد في الإقرار بالزنا ولا قائل به، ويمكن الانفصال عن هذا بأن أنيسًا بعث حاكمًا فاستوفى شروط الحكم ثم استأذن في رجمها فأذن له في رجمها وكيف يتصوّر من الصورة المذكورة إقامة الشهادة عليها من غير تقدم دعوى عليها ولا على وكيلها مع حضورها في البلد غير متوارية إلا أن يقال إنها شهادة حسيّة؟ فيجاب: بأنه لم يقع هناك صيغة الشهادة المشروطة في ذلك. وقال المهلب: فيه حجة لمالك في جواز إنفاذ الحاكم رجلاً واحدًا في الأعذار وفي أن يتخذ واحدًا يثق به يكشف له عن حال الشهود في السر كما يجوز له قبول الفرد فيما طريقه الخبر لا الشهادة، والحكمة في إيراد البخاري الترجمة بصيغة الاستفهام كما نبه عليه في فتح الباري الإشارة إلى خلاف محمد بن الحسن مما نقله ابن بطال عنه حيث قال: لا يجوز للقاضي أن يقول: أقر عندي فلان بكذا الشيء يقضي به عليه من قتل أو مال أو عتق أو طلاق حتى يشهد معه على ذلك غيره، وادّعى أن مثل هذا الحكم الذي في حديث الباب خاص بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: وينبغي أن يكون في مجلس القاضي أبدًا عدلان يسمعان من يقر ويشهدان على ذلك فينفذ الحكم بشهادتهما. والحديث سبق في الصلح والأيمان والنذور والمحاربين والوكالة. 40 - باب تَرْجَمَةِ الْحُكَّامِ وَهَلْ يَجُوزُ تُرْجُمَانٌ وَاحِدٌ؟ (باب ترجمة الحكام) بصيغة الجمع ولأبي ذر عن الكشميهني الحاكم والترجمة تفسير الكلام بلسان غير لسانه يقال ترجم كلامه إذا فسره بلسان آخر (وهل يجوز ترجمان واحد)؟ بفتح الفوقية وضمها قال أبو حنيفة وأحمد يكفي واختاره البخاري وآخرون وقال الشافعي وأحمد في رواية عنه إذا لم يعرف الحاكم لسان الخصم لا يقبل فيه إلا عدلان كالشهادة وقال أشهب وابن نافع عن مالك يترجم له ثقة مسلم مأمون واثنان أحب إليّ. 7195 - وَقَالَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ الْيَهُودِ حَتَّى كَتَبْتُ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُتُبَهُ وَأَقْرَأْتُهُ كُتُبَهُمْ إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ وَقَالَ عُمَرُ: وَعِنْدَهُ عَلِىٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعُثْمَانُ مَاذَا تَقُولُ هَذِهِ؟ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَاطِبٍ فَقُلْتُ: تُخْبِرُكَ بِصَاحِبِهِمَا الَّذِى صَنَعَ بِهِمَا وَقَالَ أَبُو جَمْرَةَ: كُنْتُ أُتَرْجِمُ بَيْنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبَيْنَ النَّاسِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لاَ بُدَّ لِلْحَاكِمِ مِنْ مُتَرْجِمَيْنِ. (وقال خارجة بن زيد بن ثابت) فيما وصله البخاري في تاريخه (عن) أبيه (زيد بن ثابت) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره أن يتعلم كتاب اليهود) أي كتابتهم يعني خطهم ولأبي ذر عن الكشميهني كتاب اليهودية بياء النسبة (حتى كتبت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتبه) إليهم (وأقرأته كتبهم) أي التي يكتبونها (إذا كتبوا إليه)

41 - باب محاسبة الإمام عماله

وقد وصله مطوّلاً في الذبائح بلفظ قال: أتى بي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقدمه المدينة فأعجب بي فقيل له: هذا غلام من بني النجار قد قرأ مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة فاستقرأني فقرأت ق فقال لي: تعلم كتاب اليهود فإني لا آمن يهود على كتابي فتعلمته في نصف شهر حتى كتبت له إلى يهود وأقرأ له إذا كتبوا إليه. (وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (و) الحال أن (عنده عليّ) أي ابن أبي طالب (وعبد الرحمن) بن عوف (وعثمان) بن عفان -رضي الله عنهم- (ماذا تقول هذه)؟ المرأة وكانت حاضرة عندهم (قال عبد الرحمن بن حاطب) بالحاء والطاء المهملتين بينهما ألف آخره موحدة ابن أبي بلتعة مترجمًا عنها لعمر عن قولها إنها حملت من زنا من عبد اسمه برغوس بالراء والغين المعجمة والسين المهملة لأنها كانت نوبية بضم النون وكسر الموحدة وتشديد التحتية أعجمية من جملة عتقاء حاطب (فقلت) يا أمير المؤمنين (تخبرك بصاحبهما الذي صنع بهما) وصله عبد الرزاق وسعيد بن منصور نحوه ولأبي ذر بصاحبها الذي صنع بها. (وقال أبو جمرة): بالجيم المفتوحة وسكون الميم نصر بن عمران الضبعي البصري (كنت أترجم بين ابن عباس) -رضي الله عنهما- (وبين الناس) زاد النسائي فيما وصله عنه فأتته امرأة فسألته عن نبيذ الجرّ فنهى عنه الحديث. وسبق في كتاب العلم عند المؤلّف. (وقال بعض الناس): محمد بن الحسن وكذا الشافعي (لا بدّ للحاكم من مترجمين) بكسر الميم بصيغة الجمع قال ابن قرقول لأنه لا بد له عمن يتكلم بغير لسانه وذلك يتكرر فيتكرر المترجمون وروي بفتح الميم بصيغة التثنية وهو المعتمد كما في الفتح. 7196 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِى رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُمْ إِنِّى سَائِلٌ هَذَا فَإِنْ كَذَبَنِى فَكَذِّبُوهُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَقَالَ لِلتَّرْجُمَانِ: قُلْ لَهُ إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَىَّ هَاتَيْنِ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (أن عبد الله بن عباس) -رضي الله عنهما- (أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل) قيصر ملك الروم (أرسل إليه) حال كونه (في) أي مع (ركب من قريش) ثلاثين رجلاً (ثم قال) هرقل (لترجمانه: قل لهم إني سائل هذا) أي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإن كذبني) بالتخفيف أي نقل إليّ كذبًا (فكذبوه) بالتشديد (فذكر الحديث. فقال) هرقل (للترجمان: قل له) أي لأبي سفيان (إن كان ما تقول) من أوصافه الشريفة (حقًّا فسيملك) بضم اللام في اليونينية مع كشط تحت اللام (موضع قدمي هاتين). أرض بيت المقدس أو أرض ملكه. واستشكل دخول هذا الحديث هنا من جهة أن فعل هرقل الكافر لا يحتجّ به. وأجيب: بأنه يؤخذ من صحة استدلاله فيما يتعلق بالنبوّة والرسالة أنه كان مطّلعًا على شرائع الأنبياء فتحمل تصرفاته على وقف الشريعة التي كان متمسكًا بها، وأيضًا تقرير ابن عباس وهو من الأئمة الذين يقتدى بهم على ذلك، ومن ثم احتج باكتفائه بترجمة أبي جمرة له فالأمران راجعان لابن عباس أحدهما من تصرفه والآخر من تقريره، فإذا انضم إلى ذلك نقل عمر ومن معه من الصحابة ولم ينقل عن غيره خلافه قويت الحجة. واختلف هل يكفي ترجمان واحد؟ قال محمد بن الحسن: لا بدّ من رجلين أو رجل وامرأتين. وقال الشافعي: هو كالبيّنة. وعن مالك روايتان، ونقل الكرابيسي عن مالك والشافعي الاكتفاء بترجمان واحد فيرجع الخلاف إلى أنها أخبار أو شهادة قاله في فتح الباري. 41 - باب مُحَاسَبَةِ الإِمَامِ عُمَّالَهُ (باب محاسبة الإمام عماله) بضم العين جمع عامل ولأبي ذر مع عماله. 7197 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى حُمَيْدٍ السَّاعِدِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَعْمَلَ ابْنَ الأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِى سُلَيْمٍ، فَلَمَّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَاسَبَهُ قَالَ: هَذَا الَّذِى لَكُمْ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَهَلاَّ جَلَسْتَ فِى بَيْتِ أَبِيكَ وَبَيْتِ أُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا» ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَطَبَ النَّاسَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّى أَسْتَعْمِلُ رِجَالاً مِنْكُمْ عَلَى أُمُورٍ مِمَّا وَلاَّنِى اللَّهُ فَيَأْتِى أَحَدُكُمْ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِى فَهَلاَّ جَلَسَ فِى بَيْتِ أَبِيهِ وَبَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا فَوَاللَّهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا» قَالَ هِشَامٌ: «بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلاَّ جَاءَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ فَلأَعْرِفَنَّ مَا جَاءَ اللَّهَ رَجُلٌ بِبَعِيرٍ لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بِبَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٍ تَيْعَرُ» ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ «أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ»؟ وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام قال: (أخبرنا عبدة) بن سليمان قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن أبي حميد) بضم الحاء المهملة وفتح الميم (الساعدي) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استعمل ابن الأتبية) بضم الهمزة بعدها مثناة فوقية مفتوحة فموحدة مكسورة فتحتية مشددة. وفي رواية اللتبية باللام المضمومة بدل الهمزة وفتح المثناة الفوقية. قال القاضي عياض: وضبطه الأصيلي بخطه في باب هدايا العمال بضم اللام وسكون المثناة وكذا قيده ابن السكن وقال: إنه الصواب

42 - باب بطانة الإمام وأهل مشورته

واسمه عبد الله واللتبية أمه (على صدقات بني سليم) بضم السين وفتح اللام (فلما جاء إلى رسول الله) ولأبي ذر إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاسبه) على ما قبض وصرف (قال) لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هذا الذي لكم وهذه) وللكشميهني وهذا (هدية أهديت لي فقال رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له: (فهلا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ألا بفتح الهمزة وتشديد اللام وهما بمعنى (جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا) في دعواك (ثم قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخطب الناس وحمد الله) ولأبي ذر فحمد الله بالفاء بدل الواو (وأثنى عليه ثم قال: أما بعد) أي بعدما ذكر من حمد الله والثناء عليه (فإني أستعمل رجالاً منكم على أمور مما ولاَّني الله فيأتي أحدكم) ولأبي ذر أحدهم (فيقول هذا لكم وهذه هدية أهديت لي فهلا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إلا (جلس في بيت أبيه وبيت أمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقًا فوالله لا يأخذ أحدكم منها) من الصدقة التي قبضها (شيئًا، قال هشام) أي ابن عروة (بغير حقه إلا جاء الله يحمله) أي الذي أخذه (يوم القيامة) ولم يقع قوله قال هشام عند مسلم في رواية ابن نمير عن هشام بدون قوله بغير حقه. قال في الفتح: وهو مشعر بإدراجها (ألا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام (فلأعرفن) اللام جواب القسم ولأبي ذر عن المستملي فلا أعرفن بألف بعد فلا بلفظ النفي (ما جاء الله رجل) يحتمل أن تكون ما موصولة بمعنى من أطلقت على صفة من يعقل وهو الجائي ورجل فاعل مقدر أي جاءه رجل ويحتمل أن تكون مصدرية أي فلأعرفن مجيء رجل إلى الله (ببعير له رغاء) بضم الراء وتخفيف المعجمة ممدود صوت (أو بقرة لها خوار) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الواو صوت (أو شاة تيعر) بفتح الفوقية وسكون التحتية وفتح العين المهملة بعدها راء تصوّت (ثم رفع) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يديه) بالتثنية (حتى رأيت بياض إبطيه) وفي باب هدايا العمال حتى رأينا عفرتي إبطيه والعفرة بضم المهملة وسكون الفاء بياض ليس بالمناصع قائلاً (ألا) بالتخفيف (هل بلغت). حكم الله إليكم وأعادها في الباب المذكور ثلاثًا. وفيه مشروعية محاسبة العمال ومنعهم من قبول الهدية ممن لهم عليه حكم وسبق الحديث في باب هدايا العمال وغيره. 42 - باب بِطَانَةِ الإِمَامِ وَأَهْلِ مَشُورَتِهِ الْبِطَانَةُ: الدُّخَلاَءُ. (باب بطانة الإمام وأهل مشورته) بفتح الميم وضم الشين المعجمة وفتح الراء اسم من شاورت فلانًا في كذا والمعنى عرضت عليه أمري حتى يدلني على الصواب منه وهو من عطف الخاص على العام قال البخاري مما نقله عن أبي عبيد: (البطانة) بكسر الموحدة في قوله تعالى: ({لا تتخذوا بطانة من دونكم} [آل عمران: 118] (الدخلاء) بضم الدال المهملة وفتح الخاء المعجمة ممدود جمع دخيل وهو الذي يدخل على الرئيس في مكان خلوته ويفضي إليه سره ويصدقه فيما يخبره به مما يخفى عليه من أمور رعيته ويعمل بمقتضاه. وقال الزمخشري في قوله تعالى: {لا تتخذوا بطانة من دونكم} الآية. بطانة الرجل ووليجته خصيصه الذي يفضي إليه بحوائجه ثقة به شبه ببطانة الثوب كما يقال فلان شعاري. 7198 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِىٍّ وَلاَ اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلاَّ كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ، بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى». وَقَالَ سُلَيْمَانُ: عَنْ يَحْيَى، أَخْبَرَنِى ابْنُ شِهَابٍ بِهَذَا وَعَنِ ابْنِ أَبِى عَتِيقٍ وَمُوسَى عَنِ ابْنِ شِهَابٍ مِثْلَهُ وَقَالَ شُعَيْبٌ: عَنِ الزُّهْرِىِّ حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَوْلَهُ: وَقَالَ الأَوْزَاعِىُّ: وَمُعَاوِيَةُ بْنُ سَلاَّمٍ حَدَّثَنِى الزُّهْرِىُّ حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ ابْنُ أَبِى حُسَيْنٍ، وَسَعِيدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَوْلَهُ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى جَعْفَرٍ حَدَّثَنِى صَفْوَانُ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى أَيُّوبَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا أصبغ) بالمهملة والموحدة المفتوحة ثم المعجمة ابن الفرج المصري قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما بعث الله من نبي ولا استخلف) بعده (من خليفة إلا كانت له بطانتان) والبطانة مصدر وضع موضع الاسم يسمى به الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث (بطانة تأمره بالمعروف) وفي رواية سليمان بن بلال بالخير بدل قوله بالمعروف (وتحضه عليه) بحاء مهملة مضمومة وضاد معجمة مشدّدة ترغبه فيه وتحثه عليه (وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه). وهذا متصوّر في بعض الخلفاء لا في الأنبياء، فلا يلزم من وجود من يشير عليهم

بالشر قبولهم منه للعصمة كما قال: (فالمعصوم) بالفاء (من عصم الله تعالى) أي من عصمه الله من نزغات الشيطان فلا يقبل بطانة الشر أبدًا، وهذا هو منصب النبوّة الذي لا يجوز عليهم غيره وقد يكون لغيرهم بتوفيقه تعالى، وفي الولاة من لا يقبل إلا من بطانة الشر وهو الكثير في زماننا هذا فلا حول ولا قوّة إلا بالله، والمراد بالبطانتين الوزيران. وفي حديث عائشة مرفوعًا: "من ولي منكم عملاً فأراد الله به خيرًا جعل له وزيرًا صالحًا إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه". ويحتمل أن يكون المراد بالبطانتين الملك والشيطان، ويحتمل كما قال الكرماني أن يراد بالبطانتين النفس الأمارة بالسوء والنفس المطمئنة المحرّضة على الخير والمعصوم مَن أعطاه الله نفسًا مطمئنة أو لكلٍّ منهما قوّة ملكية وقوّة حيوانية اهـ. وقيل المراد بالبطانتين في حق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الملك والشيطان إليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام "ولكن الله أعانني عليه فأسلم" اهـ. فيجب على الوالي أن لا يبادر بما يلقى إليه من ذلك حتى يعرضه على كتاب الله وسُنّة نبيه فما وافقهما اتبعه وما خالفهما تركه، وينبغي أن يسأل الله تعالى العصمة من بطانة الشر وأهله ويحرص على بطانة الخير وأهله. قال سفيان الثوري: ليكن أهل مشورتك أهل التقوى والأمانة. والحديث سبق في القدر، وأخرجه النسائي في البيعة والسير. (وقال سليمان) بن بلال فيما وصله الإسماعيلي (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (بهذا) الحديث السابق (وعن ابن أبي عتيق) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (وموسى) بن عقبة فيما وصله عنهما البيهقي كليهما (عن ابن شهاب) الزهري محمد بن مسلم (مثله) أي مثل الحديث السابق. قال في الكواكب: روى سليمان عن الثلاثة، لكن الفرق بينهما أن المروي في الطريق الأولى هو المذكور بعينه وفي الثانية هو مثله اهـ. وتعقبه في الفتح فقال لا يظهر بينهما فرق، والظاهر أن سر الإفراد أن سليمان ساق لفظ يحيى ثم عطف عليه رواية الآخرين وأحال بلفظهما عليه، فأورده البخاري على وفقه، وتعقبه العيني فقال: كيف ينفى الفرق ومثل الشيء غير عينه. (وقال شعيب) هو ابن أبي حمزة فيما وصله الذهلي في الزهريات (عن الزهري) محمد بن مسلم (حدّثني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي سعيد) الخدري (قوله) نصب بنزع الخافض أي من قوله لم يرفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (وقال الأوزاعي): عبد الرحمن بن عمرو فيما وصله الإمام أحمد (ومعاوية بن سلام) بتشديد اللام الدمشقي فيما وصله النسائي (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (الزهري) قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فجعلاه من حديث أبي هريرة وهو عند شعيب عن أبي سعيد وجعلاه مرفوعًا وهو عنده موقوفًا. (وقال ابن أبي حسين) بضم الحاء وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين النوفلي المكي (وسعيد بن زياد) بكسر العين وكسر زاي زياد وتخفيف التحتية الأنصاري المدني التابعي الصغير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي سعيد) الخدري (قوله) أي من قوله لا مرفوعًا. (وقال عبد الله) بفتح العين في الفرع وصوابه بضمها (ابن أبي جعفر) يسار المصري بالميم من صغار التابعين مما وصله النسائي (حدّثني) بالإفراد (صفوان) بن سليم بضم السين مولى آل عوف (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي أيوب) خالد بن زيد الأنصاري أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). فالحديث بحسب الصورة الواقعة مرفوع من رواية ثلاثة من الصحابة أبي سعيد وأبي هريرة وأبي أيوب، لكنه على طريقة المحدّثين حديث واحد اختلف على التابعي في صحابيه فجزم صفوان بأنه عن أبي أيوب، واختلف على الزهري فيه هل هو أبو سعيد أو أبو هريرة؟ وأما الاختلاف في وقفه ورفعه فلا يقدح لأن مثله لا يقال من قبل الرأي فسبيله الرفع، وتقديم البخاري

43 - باب كيف يبايع الإمام الناس

لرواية أبي سعيد الخدري الموصولة المرفوعة يؤذن بترجيحها عنده لا سيما مع موافقة ابن أبي حسين وسعيد بن زياد لمن قال عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد وإذا لم يبق إلا الزهري وصفوان، فالزهري أحفظ من صفوان بدرجات قاله في الفتح. 43 - باب كَيْفَ يُبَايِعُ الإِمَامُ النَّاسَ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (كيف يبايع الإمام الناس)؟ بالنصب على المفعولية والإمام فاعل، ولأبي ذر: بنصب الإمام مفعول مقدّم ورفع الناس على الفاعلية والمراد بالكيفية هنا الصيغ القولية لا الفعلية كما ستراه إن شاء الله تعالى في الأحاديث المسوقة في الباب. 7199 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبِى عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِى الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ. وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لاَ نَخَافُ فِى اللَّهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) إمام الأئمة ودار الهجرة ابن أنس الأصبحي (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبادة بن الوليد) بضم العين وتخفيف الموحدة (قال: أخبرني) بالإفراد أيضًا (أبي) الوليد (عن) أبيه (عبادة بن الصامت) -رضي الله عنه- أنه (قال: بايعنا) بفتح التحتية وسكون العين عاهدنا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليلة العقبة بمنى (على السمع والطاعة) له (في المنشط) بفتح الميم والشين المعجمة بينهما نون ساكنة آخره طاء مهملة مصدر ميمي من النشاط (والمكره) بفتح الميم والراء بينهما كاف ساكنة مصدر ميمي أيضًا أي في حال نشاطنا وحال عجزنا عن العمل بما نؤمر به. وقال السفاقسي: الظاهر أن المراد في وقت الكسل والمشقّة في الخروج ليطابق قوله في المنشط، ويؤيده ما عند أحمد من رواية إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن عبادة في النشاط والكسل. وقال في شرح المشكاة: أي عاهدناه بالتزام السمع والطاعة في حالتي الشدة والرخاء وتارتي الضراء والسراء وإنما عبر عنه بصيغة المفاعلة للمبالغة والإيذان بأنه التزم لهم أيضًا بالأجر والثواب والشفاعة يوم الحساب على القيام بما التزموا. (وأن لا ننازع الأمر) أي أمر الملك والولاية (أهله) فلا نقاتلهم (وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا) والشك هل هي بالميم أو اللام من الراوي (لا نخاف في) نصرة دين (الله لومة لائم) من الناس واللومة المرة من اللوم. قال في الكشاف: وفيها وفي التنكير مبالغتان كأنه قال لا نخاف شيئًا قط من لوم أحد من اللوّام ولومة مصدر مضاف لفاعله في المعنى، وفيه وجوب السمع والطاعة للحاكم سواء حكم بما يوافق الطبع أو يخالفه وعدي بايعنا بعلى لتضمنه معنى عاهد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل زمان ومكان الكبار والصغار ولا نداهن فيه أحدًا ولا نخافه ولا نلتفت إلى الأئمة ونحوهم قاله النووي. والحديث أخرجه مسلم في المغازي. 7201 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: خَرَجَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى غَدَاةٍ بَارِدَةٍ وَالْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ الْخَيْرَ خَيْرُ الآخِرَهْ ... فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ فَأَجَابُوا: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم الصيرفي البصري قال: (حدّثنا خالد بن الحارث) الهجيمي قال: (حدّثنا حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غداة باردة والمهاجرون والأنصار يحفرون الخندق) بكسر الفاء وكان ذلك في غزوته سنة خمس (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متمثلاً بقول ابن رواحة: (اللهم إن الخير خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة. فأجابوا) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر فأجابوه (نحن الذين بايعوا محمدًا). صفة للذين لا صفة نحن. وهذا موضع الترجمة (على الجهاد ما بقينا أبدًا). بالتنوين في محمدًا وأبدًا في اليونينية. والحديث سبق بأتم من هذا في غزوة الخندق. 7202 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: كُنَّا إِذَا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ يَقُولُ لَنَا: «فِيمَا اسْتَطَعْتَ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي أبو محمد الكلاعي الدمشقي الأصل قال: (أخبرنا مالك) الإمام بن أنس المدني (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كنا إذا بايعنا) بسكون العين (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على السمع) للأوامر والنواهي (والطاعة) للحاكم يقول لنا أي للمبايع منا (فيما استطعت) وهذا من شفقته ورحمته بنا جزاه الله عنا أفضل ما جازى نبيًّا عن أمته وللكشميهني فيما استطعتم بالجمع. 7203 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: شَهِدْتُ ابْنَ عُمَرَ حَيْثُ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: كَتَبَ إِنِّى أُقِرُّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، مَا اسْتَطَعْتُ وَإِنَّ بَنِىَّ قَدْ أَقَرُّوا بِمِثْلِ ذَلِكَ. [الحديث 7203 - طرفاه في: 7205، 7272]. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان)

الثوري قال: (حدّثنا عبد الله بن دينار) مولى ابن عمر (قال: شهدت ابن عمر) -رضي الله عنهما- (حيث اجتمع الناس على عبد الملك) بن مروان بن الحكم الأموي يبايعونه بالخلافة وكانت الكلمة قبل ذلك متفرقة إذ كان في الأرض قبل اثنان يدعى لكل منهما بالخلافة وهما عبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير، وكان أي ابن الزبير امتنع من مبايعة يزيد بن معاوية، فلما مات ادّعى ابن الزبير الخلافة فبايعه الناس بها بالحجاز، وبايع أهل الآفاق معاوية بن يزيد بن معاوية فلم يعش إلا نحو أربعين يومًا ومات فبايع الناس ابن الزبير إلا بني أمية ومن يهوى هواهم فبايعوا مروان بن الحكم ثم مات بعد ستة أشهر وعهد إلى ابنه عبد الملك بن مروان فقام مقامه وجهز الحجاج لقتال ابن الزبير فحاصره إلى أن قتل -رضي الله عنه- فلما انتظم الملك لعبد الملك وبايعه ابن عمر (قال) حين (كتب) له المبايعة (إني أقر) بضم الهمزة وكسر القاف (بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين على سُنّة الله وسُنّة رسوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ما استطعت) أي قدر استطاعتي (وإن بنيّ) بفتح الموحدة وكسر النون وتشديد التحتية عبد الله وأبو بكر وأبو عبيدة وبلال وعمر أمهم صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفي، وعبد الرحمن أمه أم علقمة بنت نافس بن وهب، وسالم وعبيد الله وحمزة أمهم أم وليد وزيد أمه أم ولد (قد أقروا بمثل ذلك) الذي أقررت به من السمع والطاعة. زاد الإسماعيلي والسلام. والحديث من أفراده. 7204 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فَلَقَّنَنِى فِيمَا اسْتَطَعْتُ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) بن كثير بن أفلح العبدي مولاهم أبو يوسف الدورقي قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة بوزن عظيم أبو معاوية بن خازم بمعجمتين الواسطي قال: (أخبرنا سيار) بفتح المهملة والتحتية المشددة ابن وردان أبو الحكم العنزي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن جرير بن عبد الله) بفتح الجيم البجلي -رضي الله عنه- أنه (قال: بايعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على السمع) لولي الأمر في أمره ونهيه (والطاعة) له (فلقنني) أي زاد على سبيل التلقين أن أقول (فيما استطعت) شفقة منه ورأفة (و) على (النصح لكل مسلم). وذمي بأمره بالإسلام وتعلقاته. 7205 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: لَمَّا بَايَعَ النَّاسُ عَبْدَ الْمَلِكِ كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّى أُقِرُّ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِعَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فِيمَا اسْتَطَعْتُ وَإِنَّ بَنِىَّ قَدْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) أبو حفص الفلاس الصيرفي أحد الأعلام قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم (قال: لما بايع الناس عبد الملك) بن مروان (كتب إليه عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- من ابن عمر (إلى عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين على سُنّة الله وسُنّة رسوله فيما استطعت وأن بنيّ قد أقروا) لك (وبذلك). وهذا إخبار عن إقرارهم لا إقرار عنهم، وعند الإسماعيلي من وجه آخر عن سفيان بلفظ: رأيت ابن عمر يكتب وكان إذا كتب يكتب بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك، وقال في آخره أيضًا والسلام. والحديث من أفراده. 7206 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ قَالَ: قُلْتُ لِسَلَمَةَ عَلَى أَىِّ شَىْءٍ بَايَعْتُمُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي قال: (حدّثنا حاتم) هو ابن إسماعيل الكوفي سكن في المدينة (عن يزيد) من الزيادة وهو ابن أبي عبيد كما في رواية أبي ذر مولى سلمة بن الأكوع أنه (قال: قلت لسلمة) بن الأكوع -رضي الله عنه- (على أيّ شيء بايعتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الحديبية)؟ بالتخفيف تحت الشجرة (قال) بايعناه (على الموت) أي نقاتل بين يديه ونصبر ولا نفر وإن قتلنا. وسبق الحديث بأتم من هذا في باب البيعة على الحرب أن لا يفروا من كتاب الجهاد. 7207 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ أَنَّ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ وَلاَّهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا قَالَ لَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَسْتُ بِالَّذِى أُنَافِسُكُمْ عَلَى هَذَا الأَمْرِ وَلَكِنَّكُمْ إِنْ شِئْتُمُ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنْكُمْ فَجَعَلُوا ذَلِكَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا وَلَّوْا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَمْرَهُمْ فَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَتَّى مَا أَرَى أَحَدًا مِنَ النَّاسِ يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ وَلاَ يَطَأُ عَقِبَهُ وَمَالَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُشَاوِرُونَهُ تِلْكَ اللَّيَالِىَ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِى أَصْبَحْنَا مِنْهَا فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ قَالَ الْمِسْوَرُ: طَرَقَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَضَرَبَ الْبَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ فَقَالَ: أَرَاكَ نَائِمًا فَوَاللَّهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَبِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا فَدَعَوْتُهُمَا لَهُ: فَشَاوَرَهُمَا ثُمَّ دَعَانِى فَقَالَ: ادْعُ لِى عَلِيًّا فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ ثُمَّ قَامَ عَلِىٌّ مِنْ عِنْدِهِ، وَهْوَ عَلَى طَمَعٍ وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَخْشَى مِنْ عَلِىٍّ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِى عُثْمَانَ فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ، حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ فَلَمَّا صَلَّى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ، وَاجْتَمَعَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَنْ كَانَ حَاضِرًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَأَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ يَا عَلِىُّ إِنِّى قَدْ نَظَرْتُ فِى أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ، فَلاَ تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلاً فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ، فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبَايَعَهُ النَّاسُ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأُمَرَاءُ الأَجْنَادِ وَالْمُسْلِمُونَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) الضبعي قال: (حدّثنا جويرية) بن أسماء عم السابق (عن مالك) الإمام (عن الزهري) محمد بن مسلم (أن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف (أخبره أن المسور بن مخرمة) ابن أخت عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- (أخبره أن الرهط) وهو ما دون العشرة وقيل إلى ثلاثة

(الذين ولاّهم عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- أي عيّنهم للتشاور فيمن يعقد له الخلافة فيهم وهم ما سبق في باب قصة البيعة من المناقب علي وعثمان والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن (اجتمعوا فتشاوروا) فيمن يولونه الخلافة (قال) ولأبي ذر فقال (لهم عبد الرحمن) بن عوف: (لست بالذي أنافسكم) بضم الهمزة وفتح النون وبعد الألف فاء مكسورة فسين مهملة أنازعكم (على هذا الأمر) أي الخلافة إذ ليس لي فيها رغبة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عن والأولى أوجه، (ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم) أي ممن سماهم عمر دونه (فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن فلما ولّوا عبد الرحمن أمرهم) في الاختيار منهم (فمال الناس على عبد الرحمن حتى ما أرى أحدًا من الناس يتبع) بسكون الفوقية وفتح الموحدة (أولئك الرهط ولا يطأ عقبه) بفتح العين وكسر القاف أي ولا يمشون خلفه وهو كناية عن الإعراض (ومال الناس على عبد الرحمن) كرّر هذه لبيان سبب الميل وهو قوله (يشاورونه) في أمر الخلافة (تلك الليالي) زاد الزبيدي في روايته عن الدارقطني في غرائب مالك عن الزهري لا يخلو به رجل ذو رأي فيعدل بعثمان أحدًا وكرر قوله (حتى إذا كانت الليلة) وللكشميهني تلك الليلة (التي أصبحنا منها فبايعنا) بسكون العين (عثمان) بن عفان بالخلافة (قال المسور) بن مخرمة (طرقني عبد الرحمن) بن عوف (بعد هجع من الليل) بفتح الهاء وسكون الجيم بعدها عين مهملة. قال في المصابيح: أي بعد طائفة منه هذا الذي يفهم من كلام القاضي واقتصر عليه الزركشي، وقال الحافظ مغلطاي: يريد بالهجوع النوم بالليل خاصة ذكره أبو عبيد. قال العلامة البدر الدماميني وهذا يستدعي أن يكون قوله من الليل صفة كاشفة بخلاف الأوّل فإنها فيه مخصصة وهو أولى اهـ. قال في الفتح: وقد أخرجه البخاري في التاريخ الصغير من طريق يونس عن الزهري بلفظ بعد هجيع بوزن عظيم (فضرب الباب حتى استيقظت) من النوم (فقال) لي: (أراك نائمًا فوالله ما اكتحلت) ما دخل النوم جفن عيني كما يدخله الكحل (هذه الليلة) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني هذه الثلاث (بكبير نوم) في رواية سعيد بن عامر عند الدارقطني في غرائب مالك والله ما حملت فيهما غمضًا منذ ثلاث ولأبي ذر بكثير نوم بالمثلثة بدل الموحدة (انطلق فادع الزبير) بن العوّام (وسعدًا) أي ابن أبي وقاص (فدعوهما له فشاورهما) بالشين المعجمة من المشاورة ولأبي ذر عن المستملي فسارّهما بالسين المهملة وتشديد الراء (ثم دعاني فقال ادع لي عليًّا فدعوته) له فجاء (فناجاه حتى ابهارّ الليل) بتسكين الموحدة وتشديد الراء انتصف، وفي رواية سعيد بن عامر المذكورة فجعل يناجيه حتى ترتفع أصواتهما أحيانًا فلا يخفى عليّ شيء مما يقولان ويخفيان أحيانًا (ثم قام عليّ) هو ابن أبي طالب (من عنده وهو) أي علي (على طمع) أن يوليه (وقد كان عبد الرحمن يخشى من علي شيئًا) من المخالفة الموجبة للفتنة. وقال ابن هبيرة: أظنه أشار إلى الدعابة التي كانت في علي أو نحوها، ولا يجوز أن يحمل على أن عبد الرحمن خاف من علي على نفسه (ثم قال: ادع لي عثمان فدعونه) فجاء (فناجاه حتى فرّق بينهما المؤذن بالصبح فلما صلّى للناس الصبح) ولأبي ذر: صلّى الناس الصبح. (واجتمع أولئك الرهط) الذين عينهم عمر للمشورة (عند المنبر) في المسجد النبوي (فأرسل) عبد الرحمن (إلى من كان حاضرًا من المهاجرين والأنصار وأرسل إلى أمراء الأجناد) معاوية أمير الشام وعمير بن سعيد أمير حمص، والمغيرة بن شعبة أمير الكوفة، ولأي موسى الأشعري أمير البصرة، وعمرو بن العاص أمير مصر ليجمع أهل الحل والعقد (وكانوا وافوا تلك الحجة) قدموا مكلة فحجوا (مع عمر) ورافقوه إلى المدينة (فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن) وفي رواية عبد الرحمن بن طهمان جلس عبد الرحمن على المنبر (ثم قال: أما بعد يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان) أي لا يجعلون له مساويًا بل يرجحونه على غيره

44 - باب من بايع مرتين

(فلا تجعلن على نفسك) من اختياري لعثمان (سبيلاً) ملامة إذا لم يوافق الجماعة (فقال) عبد الرحمن مخاطبًا لعثمان: (أبايعك على سُنّة الله ورسوله) ولأبي ذر عن الكشميهني وسُنّة رسوله (والخليفتين) أبي بكر وعمر (من بعده) فقال عثمان نعم (فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس المهاجرون) ولأبي ذر والمهاجرون بواو العطف وهو من عطف الخاص على العام (والأنصار وأمراء الأجناد) المذكورون (والمسلمون). وفي الحديث إن الجماعة الموثوق بديانتهم إذا عقدوا عقد الخلافة لشخص بعد المشاورة والاجتهاد لم يكن لغيرهم أن يحل ذلك العقد إذ لو كان العقد لا يصح إلا باجتماع الجميع لكان لا معنى لتخصيص هؤلاء الستة، فلما لم يعترض منهم معترض بل رضوا دل ذلك على صحته، وفيه أن على من أسند إليه ذلك أن يبذل وسعه في الاختيار ويهجر أهله وليله اهتمامًا بما هو فيه حتى يكمله. 44 - باب مَنْ بَايَعَ مَرَّتَيْنِ (باب من بايع مرتين) في حالة واحدة للتأكيد. 7208 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: بَايَعْنَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَقَالَ لِى: «يَا سَلَمَةُ أَلاَ تُبَايِعُ»؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَايَعْتُ فِى الأَوَّلِ قَالَ: «وَفِى الثَّانِى». وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن يزيد بن أبي عبيد) بضم العين مولى سلمة (عن سلمة) بن الأكوع -رضي الله عنه- أنه (قال: بايعنا) بسكون العين (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بيعة الرضوان (تحت الشجرة) التي بالحديبية (فقال) عليه الصلاة والسلام (لي): (يا سلمة ألا) بالتخفيف (تبايع؟ قلت: يا رسول الله قد بايعت في) الزمن (الأول) بفتح الهمزة وتشديد الواو (قال) عليه الصلاة والسلام (وفي الثاني) أي وفي الزمن الثاني تبايع أيضًا ولأبي ذر عن الكشميهني في الأولى أي في الساعة أو الطائفة قال: وفي الثانية. وأراد كما قال الداودي أن يؤكد بيعة سلمة لعلمه بشجاعته وعنائه في الإسلام وشهرته بالثبات فلذلك أمره بتكرير المبايعة ليكون له في ذلك فضيلة. وتقدم في باب البيعة في الحرب من كتاب الجهاد من رواية المكي بن إبراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة الحديث بأتم من هذا السياق، وفيه: بايعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم عدلت إلى ظل شجرة فلما خف الناس قال: يا ابن الأكوع ألا تبايع؟ وقال في آخره فقلت له: يا أبا مسلم على أي شيء كنتم تبايعون يومئذٍ؟ قال: على الموت. وهذا الحديث هو الحادي والعشرون من الثلاثيات. 45 - باب بَيْعَةِ الأَعْرَابِ (باب بيعة الأعراب) على الإسلام والجهاد. 7209 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الإِسْلاَمِ فَأَصَابَهُ وَعْكٌ فَقَالَ: أَقِلْنِى بَيْعَتِى فَأَبَى ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِى بَيْعَتِى فَأَبَى، فَخَرَجَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِى خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله المدني الحافظ (عن جابر بن عبد الله) السلمي بفتحتين الأنصاري (-رضي الله عنهما- أن أعرابيّا) لم يسم وعند الزمخشري في ربيع الأبرار أنه قيس بن أبي حازم. قال الحافظ ابن حجر في المقدمة: وفيه نظر. قال في الشرح: لأنه تابعي كبير مشهور صرحوا بأنه هاجر فوجد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد مات فإن كان محفوظًا فلعله آخر وافق اسمه واسم أبيه وفي الذيل لأبي موسى في الصحابة قيس بن أبي حازم المنقري ويحتمل أن يكون هو هذا (بايع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الإسلام فأصابه وعك) بفتح الواو وسكون العين حمى أو ألمها أو رعدتها (فقال) يا رسول الله (أقلني بيعتي فأبى) فامتنع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقيله لأنه لا يعين على معصية وظاهره طلب الإقالة من نفس الإسلام، ويحتمل أن يكون من شيء من عوارضه كالهجرة وكانت إذ ذاك واجبة فمن خرج من المدينة كراهية فيها أو رغبة عنها كما فعل هذا الأعرابي فهو مذموم (ثم جاءه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأعرابي المرة الثانية (فقال: أقلني بيعتي فأبى) وفي رواية الثوري عن ابن المنكدر أنه أعاد ذلك ثلاثًا (فخرج) الأعرابي من المدينة راجعًا إلى البدو (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (المدينة كالكير) بكسر الكاف بعدها تحتية ساكنة فراء ما ينفخ الحداد فيه (تنفي) بفتح الفوقية وسكون النون وكسر الفاء (خبثها) بفتح المعجمة والموحدة والمثلثة رديئها الذي لا خير فيه (وينصع) بفتح التحتية وسكون النون وفتح الصاد بعدها عين مهملتين ويظهر (طيبها) بكسر الطاء المهملة وسكون التحتية مرفوع فاعل ينصع، ولأبي ذر عن الكشميهني: وتنصع بالفوقية بدل التحتية

46 - باب بيعة الصغير

طيبها بكسر الطاء وتسكين التحتية منصوب على المفعولية. والحديث يأتي في الاعتصام إن شاء الله تعالى بعون الله، وأخرجه مسلم في المناسك والترمذي في المناقب والنسائي في البيعة والسِّيَر. 46 - باب بَيْعَةِ الصَّغِيرِ (باب) حكم (بيعة الصغير). 7210 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ هُوَ ابْنُ أَبِى أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْهُ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هُوَ صَغِيرٌ» فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ وَكَانَ يُضَحِّى بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ، عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ. وبه- قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) بن المديني قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد) أبو عبد الرحمن مولى آل عمر بن الخطاب قال: (حدّثنا سعيد) بكسر العين (هو ابن أبي أيوب) مقلاص الخزاعي البصري (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو عقيل) بفتح العين وكسر القاف (زهرة بن معبد) بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة (عن جده عبد الله بن هشام) الصحابي (وكان قد أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذهبت به أمه زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (حميد) بضم الحاء المهملة وفتح الميم ابن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله بايعه) بكسر التحتية وسكون العين (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هو صغير) أي لا تلزمه البيعة (فمسح) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رأسه) أي رأس زهرة (ودعا له) فعاش ببركة دعائه-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زمانًا كثيرًا بعد الزمن النبوي (وكان) عبد الله بن هشام (يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله) قال في الفتح: وهذا الأثر الموقوف صحيح بالسند المذكور إلى عبد الله، وإنما ذكره البخاري مع أن من عادته أن يحذف الموقوفات غالبًا لأن المتن يسير. والحديث طرف من حديث سبق في كتاب الشركة. 47 - باب مَنْ بَايَعَ ثُمَّ اسْتَقَالَ الْبَيْعَةَ (باب من بايع ثم استقال البيعة) أي طلب الإقالة منها. 7211 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الإِسْلاَمِ، فَأَصَابَ الأَعْرَابِىَّ وَعْكٌ بِالْمَدِينَةِ، فَأَتَى الأَعْرَابِىُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِلْنِى بَيْعَتِى، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِى بَيْعَتِى فَأَبَى، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِى بَيْعَتِى فَأَبَى، فَخَرَجَ الأَعْرَابِىُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِى خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن محمد بن المنكدر) الحافظ (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- (أن أعرابيًّا بايع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الإسلام فأصاب الأعرابي وعك) بسكون العين حمى (بالمدينة فأتى الأعرابي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله أقلني بيعتي) لم يرد الارتداد عن الإسلام إذ لو أراده لقتله وحمله بعضهم على الإقامة بالمدينة (فأبى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أن يقيله لأنه لا يحلّ للمهاجر أن يرجع إلى وطنه (ثم جاء) ثانيًا (فقال) يا رسول الله (أقلني بيعتي فأبى) عليه الصلاة والسلام أن يقيله (ثم جاءه) بهاء الضمير في هذه الثالثة (فقال: أقلني بيعتي فأبى) عليه الصلاة والسلام أن يقيله (فخرج الأعرابي) من المدينة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنما المدينة) بزيادة إنما الساقطة في الرواية السابقة قريبًا في باب بيعة الأعراب (كالكير تنفي خبثها) رديئها (وينصع) بالتحتية (طيبها) بكسر الطاء وسكون التحتية، ولأبي ذر وتنصع بالفوقية فتاليها نصب كما سبق. والمعنى إذا نفت الخبث تميز الطيب واستقر فيها وروي تنصع بضم الفوقية من أنصع إذا أظهر ما في نفسه وتاليه مفعوله قاله العيني. وقال في الفتح: وطيبها للجميع بالتشديد وضبطه القزاز بكسر أوله والتخفيف، ثم استشكله فقال: لم أر للنصوع في الطيب ذكرًا، وإنما الكلام يتضوّع بالضاد المعجمة وزيادة الواو الثقيلة قال: ويروى ينضخ بمعجمتين، وأغرب الزمخشري في الفائق فضبطه بموحدة وضاد معجمة وقال: هو من أبضعه بضاعة إذا دفعها إليه بمعنى أن المدينة تعطي طيبها لمن سكنها، وتعقبه الصغاني بأنه خالف جميع الرواة في ذلك. وقال ابن الأثير: المشهور بالنون والصاد المهملة. والحديث سبق قريبًا. 48 - باب مَنْ بَايَعَ رَجُلاً لاَ يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِلدُّنْيَا (باب من بايع رجلاً) أي إمامًا (لا يبايعه إلا للدنيا) ولا يقصد طاعة الله في مبايعته. 7212 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِى حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لاَ يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِدُنْيَاهُ إِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وَإِلاَّ لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ يُبَايِعُ رَجُلاً بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِىَ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ فَأَخَذَهَا وَلَمْ يُعْطَ بِهَا». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ثلاثة) من الناس (لا يكلمهم الله يوم القيامة) كلامًا يسرّهم ولكن بنحو قوله {اخسؤوا فيها} [المؤمنون: 108] أو لا يكلمهم بشيء أصلاً. والظاهر أنه كناية عن غضبه عليهم (ولا يزكيهم) ولا يثني عليهم (ولهم عذاب أليم) على ما فعلوه. أحدهم

49 - باب بيعة النساء

(رجل) كان (على فضل ماء) زائد عن حاجته (بالطريق) وفي رواية أبي معاوية بالفلاة وهي المراد بالطريق هنا (يمنع منه) أي من الزائد (ابن السبيل) أي المسافر، وفي باب إثم من منع ابن السبيل من الماء من طريق عبد الواحد بن زياد رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل، والمقصود واحد وإن تغاير المفهومان لتلازمهما لأنه إذا منعه من الماء فقد منع الماء منه قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله. وقال ابن بطال: فيه دلالة على أن صاحب البئر أولى من ابن السبيل عند الحاجة فإذا أخذ حاجته لم يجز له منع ابن السبيل. (و) الثاني (رجل بايع إمامًا) أي عاقده (لا يبايعه) لا يعاقده (إلا لدنياه) ولأبي ذر لدنيا بغير ضمير ولا تنوين وللأصيلي للدنيا بلامين (إن أعطاه) منها (ما يريد وفى) بتخفيف الفاء (له) ما عاقده عليه (وإلا) أي وإن لم يعطه ما يريد (لم يفِ له) فوفاؤه بالبيعة لنفسه لا لله، وإنما استحق هذا الوعيد الشديد لكونه غش إمام المسلمين ومن لازم غش الإمام غش الرعية لما فيه من السبب إلى إثارة الفتنة، ولا سيما إن كان ممن يتبع على ذلك. وقال الخطابي: الأصل في مبايعة الإمام أن يبايع على أن يعمل بالحق ويقيم الحدود ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فمن جعل مبايعته لما يعطاه دون ملاحظة المقصود في الأصل فقد خسر خسرانًا مبينًا ودخل في الوعيد المذكور وحاق به إن لم يتجاوز الله عنه. (و) الثالث (رجل يبايع) بكسر التحتية بعد الألف ولأبي ذر عن الكشميهني بايع (رجلاً) بلفظ الماضي (بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أعطي) بضم الهمزة وكسر الطاء (بها) أي بسبب السلعة أو في مقابلتها. وفي اليونينية الرفع والكسر ثم الفتح فيهما وفي هامشها ما نصه في نسختي الحافظين أبي ذر وأبي محمد الأصيلي من أول الأحاديث التي تكررت في حلف المشتري لقد أعطي بضم الهمزة وكسر الطاء وضم مضارعه كذلك وجدته مضبوطًا حيث تكرر (كذا وكذا) ثمنًا عنها (فصدقه) المشتري (فأخدها) منه بما حلف عليه كاذبًا اعتمادًا على قوله (و) الحال أنه (لم يعط) الحالف (بها) ذلك القدر المحلوف عليه، وخص بعد العصر بالذكر لشرفه بسبب اجتماع ملائكة الليل والنهار فيه وهو وقت ختام الأعمال والأمور بخواتيمها. وعند مسلم: وشيخ زانٍ وملك كذاب وعائل مستكبر، وعنده أيضًا من حديث أبي ذر المنان الذي لا يعطي شيئًا إلا منه والمسبل إزاره، وفي الشرب من البخاري ويأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في التوحيد ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم فتحصل تسع خصال، ويحتمل أن تبلغ عشرًا لما في حديث أبي ذر المذكور والمنفق سلعته بالحلف الفاجر لأنه مغاير للذي حلف لقد أعطي بها كذا وكذا لأن هذا خاص بمن يكذب في أخبار المشتري، والذي قبله أعم منه فيكون خصلة أخرى قاله في الفتح. والحديث سبق في الشرب. 49 - باب بَيْعَةِ النِّسَاءِ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب بيعة النساء. رواه) أي ذكر بيعة النساء (ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما سبق في العيدين (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك} [الممتحنة: 12] الآية. ثم قال حين فرغ منها أنتن على ذلك. 7213 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىُّ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ يَقُولُ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ فِى مَجْلِسٍ: «تُبَايِعُونِى عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ تَسْرِقُوا وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُوا فِى مَعْرُوفٍ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِى الدُّنْيَا فَهْوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ» فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحافظ (عن الزهري) محمد بن مسلم. (وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الذهلي في الزهريات كما في المقدمة (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (أخبرني) بالإفراد (أبو إدريس) عائذ الله بن عبد الله (الخولاني) بفتح الخاء المعجمة وبعد اللام ألف نون الدمشقي قاضيها (أنه سمع عبادة بن الصامت) -رضي الله عنه- (يقول: قال لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لفظ لنا لأبي ذر (ونحن في مجلس) ولأبي ذر في المجلس. (تبايعوني) تعاقدوني (على) التوحيد (أن لا تشركوا بالله شيئًا) أي على ترك الإشراك وهو عام لأنه نكرة في سياق النهي كالنفي (ولا تسرقوا) بحذف المفعول ليدل على العموم (ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم) نهي عما كانوا يفعلونه من وأدهم

بناتهم خشية الفاقة وهو أشنع القتل لأنه قتل وقطيعة رحم (ولا تأتوا ببهتان) بكذب يبهت سامعه أي يدهشه لفظاعته كالرمي بالزنا (تفترونه) تختلقونه (بين أيديكم وأرجلكم) خصهما بالافتراء لأن معظم الأفعال يقع بهما إذ كانت هي العوامل والحوامل للمباشرة والسعي وقد يعاقب الرجل بجناية قولية فيقال هذا بما كسبت يداك. وقال في الكواكب: المراد الأيدي وذكر الأرجل تأكيدًا، وقيل المراد بما بين الأيدي والأرجل القلب لأنه الذي يترجم اللسان عنه فلذلك نسب إليه الافتراء كأن المعنى لا ترموا أحدًا بكذب تزوّرونه في أنفسكم ثم تبهتون صاحبكم بألسنتكم (ولا تعصوا في معروف) عرف من الشارع حسنه نهيًا وأمرًا (فمن وفى) بالتخفيف ويشدد (منكم) بأن ثبت على العهد (فأجره على الله) فضلاً (ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب) به (في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئًا) غير الشرك (فستره الله) عليه في الدنيا (فأمره إلى الله إن شاء عاقبه) بعدله (وإن شاء عفا عنه) بفضله (فبايعناه على ذلك). قال ابن المنير فيما نقله عنه في فتح الباري: أدخل البخاري حديث عبادة بن الصامت في ترجمة بيعة النساء لأنها وردت في القرآن في حق النساء فعرفت بهن ثم استعملت في الرجال اهـ. ووقع في بعض طرقه عن عبادة قال: أخذ علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما أخذ على النساء أن لا نشرك بالله شيئًا ولا نسرق ولا نزني الحديث. وحديث الباب سبق في الإيمان أوائل الكتاب. 7214 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُبَايِعُ النِّسَاءَ بِالْكَلاَمِ بِهَذِهِ الآيَةِ {لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12]. قَالَتْ: وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَ امْرَأَةٍ إِلاَّ امْرَأَةً يَمْلِكُهَا. وبه قال: (حدّثنا محمود) هو ابن غيلان أبو أحمد العدوي مولاهم المروزي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) هو ابن همام الحافظ أبو بكر الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد الأزدي مولاهم عالم اليمن (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبايع النساء بالكلام) من غير مصافحة باليد كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة (بهذه الآية) هي قوله تعالى: {ولا يشركن بالله شيئًا} [الممتحنة: 12]. قالت) عائشة (وما مست يد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يد امرأة) زاد في رواية أخرى قطّ (إلا امرأة يملكها) بنكاح أو ملك يمين، وروى النسائي والطبري من طريق محمد بن المنكدر أن أميمة بنت رقيقة بقافين مصغرًا أخبرته أنها دخلت في نسوة تبايع فقلن يا رسول الله ابسط يدك نصافحك. فقال: "إني لا أصافح النساء ولكن سآخذ عليكن" فأخذ علينا حتى بلغ {ولا يعصينك في معروف} [الممتحنة: 12] فقال: "فيما أطقتن واستطعتن" فقلنا الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا. قال في الفتح: وقد جاءت أخبار أخرى أنهن كن يأخذن بيده عند المبايعة من فوق ثوب أخرجه يحيى بن سلام في تفسيره عن الشعبي. وحديث الباب أخرجه الترمذي. 7215 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: بَايَعْنَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَ عَلَىَّ {أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] وَنَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ مِنَّا يَدَهَا فَقَالَتْ فُلاَنَةُ أَسْعَدَتْنِى وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ رَجَعَتْ فَمَا وَفَتِ امْرَأَةٌ إِلاَّ أُمُّ سُلَيْمٍ وَأُمُّ الْعَلاَءِ وَابْنَةُ أَبِى سَبْرَةَ امْرَأَةُ مُعَاذٍ أَوِ ابْنَةُ أَبِى سَبْرَةَ وَامْرَأَةُ مُعَاذٍ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري الحافظ أبو الحسن قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التميمي مولاهم البصري التنوري (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني (عن حفصة) بنت سيرين أم الهذيل البصرية الفقيهة (عن أم عطية) نسيبة بنون مضمومة وسين مهملة وبعد التحتية الساكنة موحدة مصغرًا بنت الحارث الأنصارية أنها (قالت بايعنا) بسكون العين (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرأ عليّ) بتشديد الياء ولأبي ذر عن الكشميهني علينا بلفظ الجمع قوله تعالى في سورة الممتحنة ({أن لا يشركن بالله شيئًا} [الممتحنة: 12] ونهانا عن النياحة) على الميت (فقبضت امرأة) لم تسم أو هي أم عطية أبهمت نفسها (منا) من المبايعات (يدها) عن المبايعة فيه إشعار بأنهن كن يبايعن بأيديهن لكن لا يلزم من مد اليد المصافحة فيحتمل أن يكون بحائل من ثوب ونحوه كما مرّ والمراد بقبض اليد التأخر عن القبول (فقالت) يا رسول الله (فلانة) أي تسم (أسعدتني) أي أقامت معي في نياحة على ميت لي تراسلني (وأنا أريد أن أجزيها) بفتح الهمزة وسكون الجيم بعدها أن أكافئها على إسعادها (فلم يقل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها شيئًا) بل سكت (فذهبت ثم رجعت) قيل: إنما سكت

50 - باب من نكث بيعة

عليه الصلاة والسلام لأنه عرف أنه ليس من جنس النياحة المحرمة، أو ما التفت إلى كلامها حيث بيّن حكم النياحة لهن، أو كان جوازها من خصائصها. وعند النسائي في رواية أيوب فأذهب فأسعدها ثم أجيئك فأبايعك. قال: اذهبي فأسعديها قالت فذهبت فساعدتها ثم جئت فبايعته. قال النووي: وهذا محمول على الترخيص لأم عطية خاصة وللشارع أن يخص من العموم ما شاء اهـ. وأورد عليه غير أم عطي كما سبق في تفسير سورة الممتحنة فلا خصوصية لأم عطية، واستدلّ به بعض المالكية على أن النياحة ليست حرامًا وإنما المحرم ما كان معه شيء من أفعال الجاهلية من نحو شق جيب وخمش وجه. وفي المسألة أقوال: منها أنه كان قبل التحريم، ومنها أن قوله في الرواية الأخرى إلا آل فلان فليس فيه نص على أنها تساعدهم بالنياحة فيمكن أن تساعدهم بنحو البكاء الذي لا نياحة معه، وأقرب الأجوبة أنها كانت مباحة ثم كرهت كراهة تنزيه ثم كراهة تحريم. قالت أم عطية: (فما وفت امرأة) بتخفيف الفاء بترك النوح ممن بايع معي (إلا أم سليم) بنت ملحان والدة أنس (وأم العلاء) امرأة من الأنصار المبايعات قاله ابن عبد البر ونسبها غيره فقال بنت الحارث بن ثابت بن خارجة بن ثعلبة (وابنة أبي سبرة) بفتح السين المهملة وسكون الموحدة (امرأة معاذ) أي ابن جبل (أو ابنة أبي سبرة وامرأة معاذ) بواو العطف، وفي باب ما ينهى من النوح والبكاء في كتاب الجنائز فما وفت منا امرأة غير خمس نسوة أم سليم وأم العلاء وابنة أبي سبرة امرأة معاذ وامرأتين أو بنت أبي سبرة وامرأة معاذ وامرأة أخرى والشك من الراوي هل ابنة أبي سبرة هي امرأة معاذ أو هي غيرها. قال في الفتح: والذي يظهر لي أن الرواية بواو العطف أصح لأن امرأة معاذ هي أم عمرو بنت خلاد بن عمر السلمية ذكرها ابن سعد، فعلى هذا فابنة أبي سبرة غيرها. وفي الدلائل لأبي موسى من طريق حفصة عن أم عطية وأم معاذ بنت أبي سبرة، وفي رواية ابن عون عن ابن سيرين عن أم عطية فما وفت غير أم سليم وأم كلثوم وامرأة معاذ بن أبي سبرة كذا فيه والصواب ما في الصحيح امرأة معاذ بنت أبي سبرة ولعل بنت أبي سبرة يقال لها أم كلثوم وإن كانت الرواية التي فيها أم معاذ محفوظة فلعلها أم معاذ بن جبل وهي هند بنت سهل الجهنية ذكرها ابن سعد أيضًا وعرف بمجموع هذا النسوة الخمس المذكورات في الجنائز وهن أم سليم وأم العلاء وأم كلثوم وأم عمرو وهند إن كانت الرواية محفوظة وإلا فالخامسة أم عطية كما في الطبراني من طريق عاصم عن حفصة عن أم عطية فما وفت غيري وغير أم سليم، لكن أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق هشام بن حسان عن حفصة عن أم عطية قالت: كان فيما أخذ علينا أن لا ننوح الحديث. وفي آخره وكانت لا تعد نفسها لأنه لما كان يوم الحرة لم تزل النساء بها حتى قامت معهن فكانت لا تعد نفسها لذلك ففيه ردّ للسابق ويجمع بأنها تركت عدّ نفسها من يوم الحرة. 50 - باب مَنْ نَكَثَ بَيْعَةً وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 10]. (باب من نكث بيعة) بالمثلثة أي نقضها ولأبي ذر عن الكشميهني بيعته بزيادة الضمير (وقوله تعالى: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله}) قال في الكشاف لما قال إنما يبايعون الله أكده توكيدًا على طريقة التخييل فقال: ({يد الله فوق أيديهم}) يريد أن يد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي تعلو يدي المبايعين هي يد الله والله سبحانه وتعالى منزّه عن الجوارح وعن صفات الأجسام وإنما المعنى تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع الله من غير تفاوت بينهما كقوله تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء: 180] اهـ. وفي اختصاص الفوقية تتميم معنى الظهور وقال أبو البقاء إنما يبايعون خبر إن ويد الله مبتدأ وما بعده الخبر والجملة خبر لإن أو حال من ضمير الفاعل في يبايعون أو مستأنف ({فمن نكث}) نقض العهد ولم يف بالبيعة ({فإنما ينكث على نفسه}) فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه ({ومن أوفى بما عاهد الله عليه}) يقال وفيت بالعهد وأوفيت به أي وفى في مبايعته ({فسيؤتيه أجرًا عظيمًا}) [الفتح: 10] أي الجنة

51 - باب الاستخلاف

وسقط لأبى ذر من قوله يد الله إلى آخرها. 7216 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: بَايِعْنِى عَلَى الإِسْلاَمِ فَبَايَعَهُ عَلَى الإِسْلاَمِ ثُمَّ جَاءَ الْغَدَ مَحْمُومًا فَقَالَ: أَقِلْنِى فَأَبَى، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: «الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِى خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن محمد بن المنكدر) أنه قال: (سمعت جابرًا) هو ابن عبد الله الأنصاري السلمي بفتح السين واللام له ولأبيه صحبة -رضي الله عنهما- أنه (قال: جاء أعرابي) لم يسم وقيل قيس بن أبي حازم ورد بما سبق في باب بيعة الأعراب قريبًا (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): يا رسول الله (بايعني على الإسلام فبايعه) عليه الصلاة والسلام (على الإسلام ثم جاء الغد) ولأبى ذر عن الكشميهني من الغد (محمومًا فقال أقلني) بيعتي على الإقامة بالمدينة ولم يرد الارتداد عن الإسلام إذ لو أراده لقتله كما مر قريبًا (فأبى) فامتنع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقيله لأن الخروج من المدينة كراهة له حرام (فلما ولّى) الأعرابي (قال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (المدينة كالكير) الذي يتخذه الحداد مبنيًّا من الطين أو الكير الزق والكور ما بني من الطين (تنفي خبثها) بفتح المعجمة والموحدة وهو ما تبرزه النار من الجواهر المعدنية فيخلصها بما يميزه عنها من ذلك وأنث ضمير الخبث لأنه نزل المدينة منزلة الكير فأعاد الضمير إليها (وينصع) بفتح التحتية (طيبها) بكسر الطاء والرفع، ولأبي ذر: وتنصع بالفوقية فطيبها منصوب. قال في شرح المشكاة: ويروى بفتح الطاء وكسر الياء المشددة وهي الرواية الصحيحة وهي أقوم معنى لأنه ذكر في مقابلة الخبث وأية مناسبة بين الكير والطيب، وقد شبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة وما يصيب ساكنيها من الجهد والبلاء بالكير وما يوقد عليه في النار فيميز به الخبيث من الطيب فيذهب الخبيث ويبقى الطيب فيه أزكى ما كان وأخلص، وكذلك المدينة تنفي شرارها بالحمى والوصب والجوع وتطهر خيارها وتزكيهم. ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة وعند الطبراني بسند جيد عن ابن عمر مرفوعًا مَن أعطى بيعة ثم نكثها لقي الله وليست معه يمينه. وعند أحمد من حديث أبي هريرة رفعه الصلاة كفارة إلا من ثلاث الشرك بالله ونكث الصفقة الحديث، وفيه تفسير نكث الصفقة أن تعطي رجلاً بيعتك ثم تقاتله. 51 - باب الاِسْتِخْلاَفِ (باب الاستخلاف) أي تعيين الخليفة عند موته خليفة بعده أو يعين جماعة ليتخيروا منهم واحدًا. 7217 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ - رضى الله عنها -: وَارَأْسَاهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ذَاكِ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَىٌّ فَأَسْتَغْفِرُ لَكِ وَأَدْعُو لَكِ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: وَاثُكْلِيَاهْ وَاللَّهِ إِنِّى لأَظُنُّكَ تُحِبُّ مَوْتِى وَلَوْ كَانَ ذَاكَ لَظَلِلْتَ آخِرَ يَوْمِكَ مُعَرِّسًا بِبَعْضِ أَزْوَاجِكَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ لَقَدْ هَمَمْتُ أَوْ أَرَدْتُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَى أَبِى بَكْرٍ وَابْنِهِ فَأَعْهَدَ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُونَ أَوْ يَتَمَنَّى الْمُتَمَنُّونَ»، ثُمَّ قُلْتُ: يَأْبَى اللَّهُ وَيَدْفَعُ الْمُؤْمِنُونَ أَوْ يَدْفَعُ اللَّهُ وَيَأْبَى الْمُؤْمِنُونَ. وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن أبي بكر أبو زكريا الحنظلي قال: (أخبرنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد) الأنصاري أنه قال: (سمعت القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق (قال: قالت عائشة -رضي الله عنها-) في أول ما بدا برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجعه الذي توفي فيه متفجعة من وجع رأسها وارأساه (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لها (ذاك) بكسر الكاف أي موتك كما يدل عليه السياق (لو كان وأنا حي) الواو للحال (فأستغفر لك وأدعو لك) بكسر الكاف فيهما (فقالت عائشة) مجيبة له عليه الصلاة والسلام (واثكلياه) بضم المثلثة وسكون الكاف وكسر اللام مصححًا عليها في الفرع كأصله ولأبي ذر عن الكشميهني واثكلاه بإسقاط الياء بعد اللام (والله إني لأظنك تحب موتي) فهمت ذلك من قوله لها لو كان وأنا حي (ولو كان ذلك لظللت) بكسرِ اللام بعد المعجمة وسكون اللام بعدها أي لدنوت وقربت (آخر يومك) حال كونك (معرسًا) بكسر الراء مشددة بانيًا (ببعض أزواجك فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بل أنا وارأساه) إضراب عن كلامها أي اشتغلي بوجع رأسي إذ لا بأس بك فأنت تعيشين بعدي عرف ذلك بالوحي ثم قال عليه الصلاة والسلام: (لقد هممت أو) قال: (أردت) بالشك من الراوي (أن أرسل إلى أبي بكر) الصديق (وابنه فأعهد) بفتح الهمزة وبالنصب عطفًا على أرسل أي أوصي بالخلافة لأبي بكر كراهية (أن يقول القائلون) الخلافة لنا أو لفلان (أو يتمنى المتمنون) أن تكون الخلافة لهم فأعينه قطعًا للنزاع والأطماع وقد أراد الله أن لا يعهد ليؤجر المسلمون على الاجتهاد (ثم قلت: يأبى الله) إلا أن تكون الخلافة لأبي بكر (ويدفع المؤمنون) خلافة غيره (أو يدفع الله) خلافة غيره (ويأبى المؤمنون) إلاّ خلافته. فالشك من

الراوي في التقديم والتأخير، وفي رواية لمسلم: أدعو إلى أبا بكر أكتب كتابًا فإني أخاف أن يتمنى متمنٍّ ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر، وفي رواية للبزار معاذ الله أن يختلف الناس على أبي بكر ففيه إشارة إلى أن المراد الخلافة وهو الذي فهمه البخاري من حديث الباب وترجم به. والحديث سيق في الطب. 7218 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قِيلَ لِعُمَرَ أَلاَ تَسْتَخْلِفُ؟ قَالَ: إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى أَبُو بَكْرٍ، وَإِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ: رَاغِبٌ رَاهِبٌ وَدِدْتُ أَنِّى نَجَوْتُ مِنْهَا كَفَافًا لاَ لِى وَلاَ عَلَىَّ لاَ أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَمَيِّتًا. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما- أنه (قال: قيل لعمر) لما أصيب (ألا) بالتخفيف (تستخلف)؟ خليفة بعدك على الناس (قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر) أي حيث استخلفه (وإن أترك) أي الاستخلاف (فقد ترك) التصريح بالتعيين فيه (من هو خير مني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فأخذ عمر -رضي الله عنه- وسطًا من الأمرين فلم يترك التعيين بمرة ولا فعله منصوصًا فيه على الشخص المستخلف وجعل الأمر في ذلك شورى بين من قطع لهم بالجنة وأبقى النظر للمسلمين في تعيين من اتفق عليه رأي الجماعة الذين جعلت الشورى فيهم (فأثنوا) أي الحاضرون من الصحابة (عليه) على عمر خيرًا (فقال) عمر (راغب) في حسن رأي فيه (وراهب) بإثبات الواو وسقطت من اليونينية أي راهب من إظهار ما يضمره من كراهيته، أو المعنى راغب فيما عندي وراهب مني، أو المراد الناس راغب في الخلافة وراهب منها فإن وليت الراغب فيها خشيت أن لا يُعان عليها، وإن وليت الراهب منها خشيت أن لا يقوم بها. وقال عياض: هما وصفان لعمر أي راغب فيما عند الله وراهب من عقابه فلا أعول على ثنائكم وذلك يشغلني عن العناية بالاستخلاف عليكم (وددت أني نجوت منها) أي من الخلافة (كفافًا) بفتح الكاف وتخفيف الفاء (لا لى) خيرها (ولا عليّ) شرها (لا أتحملها) أي الخلافة (حيًّا وميتًا) ولأبي ذر ولا ميتًا فلا أعين لها شخصًا بعينه فأتحملها في حال الحياة والممات. وفي الحديث جواز عقد الخلافة من الإمام المتولي لغيره بعده وإن أمره في ذلك جائز على عامة المسلمين لإطباق الصحابة ومن بعدهم معهم على العمل بما عهده أبو بكر لعمر، وكذا لم يختلفوا في قبول عهد عمر إلى الستة وهو شبيه بإيصاء الرجل على ولده ليكون نظره فيما يصلح أتم من غيره فكذلك الإمام، وقال النووي وغيره أجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف وعلى انعقادها بأهل الحل والعقد لإنسان حيث لا يكون هناك استخلاف غيره وعلى جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين عدد مخصوص أو غيره. 7219 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَةَ عُمَرَ الآخِرَةَ حِينَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَلِكَ الْغَدُ مِنْ يَوْمٍ تُوُفِّىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَشَهَّدَ وَأَبُو بَكْرٍ صَامِتٌ لاَ يَتَكَلَّمُ قَالَ: كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَعِيشَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى يَدْبُرَنَا، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ آخِرَهُمْ فَإِنْ يَكُ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ مَاتَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نُورًا تَهْتَدُونَ بِهِ بِمَا هَدَى اللَّهُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَانِى اثْنَيْنِ، فَإِنَّهُ أَوْلَى الْمُسْلِمِينَ بِأُمُورِكُمْ فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ، وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَدْ بَايَعُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِى سَقِيفَةِ بَنِى سَاعِدَةَ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الْعَامَّةِ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ الزُّهْرِىُّ: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لأَبِى بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ: اصْعَدِ الْمِنْبَرَ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَبَايَعَهُ النَّاسُ عَامَّةً. [الحديث 7219 - طرفه في: 7269]. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء الصغير أبو إسحاق الرازي قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه سمع خطبة عمر الآخرة) نصب صفة خطبة (حين جلس على المنبر) وكانت كالاعتذار عن قوله في الخطبة الأولى الصادرة منه يوم مات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن محمدًا لم يمت وأنه سيرجع وكانت خطبته الآخرة بعد عقد البيعة لأبي بكر في سقيفة بني ساعة (وذلك الغد) نصب على الظرفية أي إتيانه بالخطبة في الغد (من يوم) بالتنوين (توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فشهد) عمر (وأبو بكر) أي والحال أن أبا بكر (صامت لا يتكلم. قال) عمر: (كنت أرجو أن يعيش رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يدبرنا) بفتح التحتية وضم الموحدة بينهما دال مهملة ساكنة (يريد) عمر (بذلك أن يكون) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (آخرهم) موتًا وفي رواية عقيل عن ابن شهاب عند الإسماعيلي حتى يدبر أمرنا بتشديد الموحدة ثم قال عمر (فإن يك محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد مات فإن الله تعالى قد جعل) ولأبي ذر فإن الله جعل (بين أظهركم نورًا) أي قرآنًا (تهتدون به هدى الله محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي به كذا في غير ما فرع من فروع اليونينية، وفي بعض الأصول وعليه شرح العيني كابن حجر رحمهما الله تعالى تهتدون به بما هدى الله محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي كتاب الاعتصام

وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم فخذوا به تهتدوا لما هدى الله به رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وإن أبا بكر صاحب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قدم الصحبة لشرفها ولما شاركه فيها غيره عطف عليها ما انفرد به وهو كونه {ثاني اثنين إذ هما في الغار} [التوبة: 40] وهي أعظم فضيلة استحق بها الخلافة كما قاله السفاقسي قال ومن ثم قال عمر (فإنه) بالفاء في اليونينية وفي غيرها وأنه (أولى المسلمين بأموركم فقوموا) أيها الحاضرون (فبايعوه) بكسر التحتية (وكان طائفة منهم قد بايعوه) بفتح التحتية (قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة) بن كعب بن الخزرج والسقيفة الساباط مكان اجتماعهم للحكومات وفيه إشارة إلى أن السبب في هذه المبايعة مَن لم يحضر في السقيفة (وكانت بيعة العامة على المنبر) في اليوم المذكور صبيحة اليوم الذي بويع فيه في السقيفة. (قال الزهري): محمد بن مسلم بالسند السابق (عن أنس بن مالك سمعت عمر يقول لأبي بكر) -رضي الله عنهم- (يومئذ: اْصعد المنبر) بفتح العين (فلم يزل به حتى صعد المنبر) بكسر العين وللكشميهني حتى أصعده بزيادة همزة مفتوحة وسكون الصاد (فبايعه الناس) مبايعة (عامة) وهي أشهر من البيعة الأولى. ومناسبة الحديث للترجمة في قوله: وإنه أولى المسلمين بأموركم. 7220 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَتِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةٌ فَكَلَّمَتْهُ فِى شَىْءٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ كَأَنَّهَا تُرِيدُ الْمَوْتَ قَالَ: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِى فَأْتِى أَبَا بَكْرٍ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي المدني الأعرج قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه) جبير بن مطعم بن عدي النوفلي -رضي الله عنه- أنه (قال: أتت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امرأة) لم تسم (فكلمته في شيء) يعطيها (فأمرها أن ترجع إليه قالت) ولأبوي ذر والوقت فقالت (يا رسول الله أرأيت) أي أخبرني (إن جئت ولم أجدك) قال جبير بن مطعم (كأنها تريد الموت) تعني إن جئت فوجدتك قد متّ ماذا أعمل (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن لم تجديني فائتي أبا بكر) وفيه إشارة إلى أن أبا بكر هو الخليفة بعده عليه الصلاة والسلام في معجم الإسماعيلي من حديث سهل بن أبي حثمة قال: بايع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعرابيًّا فسأله إن أتى عليه أجله مَن يقضيه؟ فقال: أبو بكر ثم سأله مَن يقضيه بعده؟ قال: عمر الحديث. وأخرجه الطبراني في الأوسط من هذا الوجه مختصرًا وحديث الباب سبق في فضل أبي بكر -رضي الله عنه-. 7221 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِى قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنه - قَالَ لِوَفْدِ بُزَاخَةَ: تَتْبَعُونَ أَذْنَابَ الإِبِلِ حَتَّى يُرِىَ اللَّهُ خَلِيفَةَ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُهَاجِرِينَ أَمْرًا يَعْذِرُونَكُمْ بِهِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (قيس بن مسلم) الجدلي بضم الجيم أبو عمرو الكوفي العابد (عن طارق بن شهاب) البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي قال أبو داود: رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يسمع منه (عن أبي بكر) الصديق (رضي الله عنه) أنه (قال لوفد بزاخة) بضم الموحدة بعدها زاي مخففة فألف معجمة مفتوحة فهاء تأنيث وهم من طيئ وأسد وغطفان قبائل كثيرة وكان هؤلاء القبائل ارتدّوا بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واتبعوا طليحة بن خويلد الأسدي، وكان ادّعى النبوّة بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقاتلهم خالد بن الوليد بعد فراغه من مسيلمة فلما غلب عليهم تابوا وبعثوا وفدهم إلى أبي بكر يعتذرون فأحب أبو بكر أن لا يقضي فيهم إلا بعد المشاورة في أمرهم فقال لهم: (تتبعون) بسكون الفوقية الثانية (أذناب الإبل) في الصحارى (حتى يُري الله خليفة نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمهاجرين أمرًا يعذرونكم به). وهذا مختصر ساقه الحميدي في الجمع بين الصحيحين بلفظ: جاء وفد بزاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر يسألونه الصلح فخيّرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزية فقالوا: هذه المجلية قد عرفناها فما المخزية؟ قال: تنزع منكم الحلقة والكراع ونقسم ما أصبنا منكم وتردّون علينا ما أصبتم منّا وتدّون لنا قتلانا ويكون قتلاكم في النار، وتتركون أقوامًا يتبعون أذناب الإبل حتى يرى الله خليفة رسوله والمهاجرين أمرًا يعذرونكم به فعرض أبو بكر ما قاله على القوم فقام عمر فقال: قد رأيت رأيًا

باب

وسنشير عليك أما ذكرت من أن ينزع منهم الكراع والحلقة فنعم ما رأيت، وأما تدّون قتلانا ويكون قتلاكم في النار فإن قتلانا قاتلت على أمر الله وأجورها على الله ليست لها ديّات قال: فتتابع الناس على قول عمر، والمجلية بالجيم وضم الميم من الجلاء أي الخروج من جميع المال. والمخزية بالخاء المعجمة والزاي من الخزي أي القرار على الذل والصغار وفائدة نزع ذلك منهم أن لا تبقى لهم شوكة ليأمن الناس من جهتهم وقوله: وتتبعون أذناب الإبل أي في رعايتها، لأنهم إذا نزعت منهم آلة الحرب رجعوا عرايا في البوادي لا عيش لهم إلا ما يعود عليهم من منافع إبلهم. وهذا الحديث من أفراد البخاري. باب هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة وهو ثابت في رواية المستملي ساقط لغيره. 7222 - 7223 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا» فَقَالَ: كَلِمَةً لَمْ أَسْمَعْهَا فَقَالَ أَبِى: إِنَّهُ قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر بالجمع (محمد بن المثنى) أبو موسى العنزي البصري قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك) بن عمير أنه قال: (سمعت جابر بن سمرة) بفتح المهملة وضم الميم -رضي الله عنه- (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يكون اثنا عشر أميرًا) وعند مسلم من رواية سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير لا يزال أمر الناس ماضيًا ما وليهم اثنا عشر رجلاً (فقال) عليه الصلاة والسلام (كلمة لم أسمعها فقال أبي) سمرة (إنه قال: كلهم من قريش) وفي رواية سفيان فسألت أبي ماذا قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال: كلهم من قريش. وعند أبي داود من طريق الشعبي عن جابر بن سمرة: لا يزال هذا الدين عزيزًا إلى اثني عشر خليفة. قال: فكبّر الناس وضجّوا فلعل هذا هو سبب خفاء الكلمة المذكورة على جابر، وفيه ذكر الصفة التي تختص بولايتهم وهي كون الإسلام عزيزًا. وعند أبي داود أيضًا من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه عن جابر بن سمرة: لا يزال هذا الدّين قائمًا حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة، فيحتمل أن يكون المراد أن تكون الاثنا عشر في مدة عزّة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والاجتماع على من يقوم بالخلافة كما في رواية أبي داود كلهم تجتمع عليه الأمة، وهذا قد وجد فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم وتغيرت الأحوال عما كانت عليه تغيرًا بيّنًا. وهذا العدد موجود صحيح إذا اعتبر، وقيل يكونون في زمن واحد كلهم يدّعي الإمارة تفترق الناس عليهم، وقد وقع في المائة الخامسة في الأندلس وحدها ستة أنفس كلهم تسمي بالخلافة ومعهم صاحب مصر والعباسي ببغداد إلى من كان يدّعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج، ويحتمل أن تكون الاثنا عشر خليفة بعد الزمن النبوي فإن جميع من ولي الخلافة من الصديق إلى عمر بن عبد العزيز أربعة عشر نفسًا منهم اثنان لم تصح ولايتهما ولم تطل مدتهما وهما: معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم، والباقون اثنا عشر نفسًا على الولاء كما أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكانت وفاة عمر بن عبد العزيز سنة إحدى ومائة وتغيرت الأحوال بعده، وانقضى القرن الأول الذي هو خير القرون ولا يقدح في ذلك قوله في الحديث الآخر: يجتمع عليهم الناس لأنه يحمل على أكثر الأغلب لأن هذه الصفة لم تفقد منهم إلا في الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير وكانت الأمور في غالب أزمنة هؤلاء الاثني عشر منتظمة وإن وجد في بعض مدتهم خلاف ذلك فهو بالنسبة إلى الاستقامة نادر والله أعلم اهـ. ملخصًا من فتح الباري. 52 - باب إِخْرَاجِ الْخُصُومِ وَأَهْلِ الرِّيَبِ مِنَ الْبُيُوتِ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ عُمَرُ أُخْتَ أَبِى بَكْرٍ حِينَ نَاحَتْ (باب إخراج الخصوم) أي أهل المخاصمات (وأهل الريب) بكسر الراء وفتح التحتية التهم (من البيوت بعد المعرفة) أي بعد الشهر بذلك لتأذي الجيران بهم ولمجاهرتهم بالمعاصي. (وقد أخرج عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (أخت أبي بكر) أم فروة بنت أبي قحافة (حين ناحت). عل أخيها أبي بكر

53 - باب هل للإمام أن يمنع المجرمين وأهل المعصية من الكلام معه والزيارة ونحوه

-رضي الله عنه- لما مات، ووصله إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق سعيد بن المسيب قال: لما مات أبو بكر بكى عليه قال عمر لهشام بن الوليد: قم فأخرج النساء الحديث، وفيه فجعل يخرجهن امرأة امرأة حتى خرجت أم فروة. 7224 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ يُحْتَطَبُ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مَرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ». قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: قَالَ يُونُسُ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِرْمَاةٌ: مَا بَيْنَ ظِلْفِ الشَّاةِ مِنَ اللَّحْمِ، مِثْلُ مِنْسَاةٍ وَمِيضَاةٍ الْمِيمُ مَخْفُوضَةٌ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (و) الله (الذي نفسي بيده) أي بتقديره (لقد هممت) أي عزمت (أن آمر بحطب يحتطب) ولأبي الوقت: فيحتطب أي يكسر ليسهل اشتغال النار به (ثم أمر بالصلاة فيؤذن لها) بفتح الذال المعجمة المشددة (ثم أمر رجلاً فيؤمّ الناس ثم أخالف إلى رجال) أي آتيهم من خلفهم. وقال الجوهري خالف إلى فلان أتاه إذا غاب عنه، والمعنى أخالف الفعل الذي ظهر مني وهو إقامة الصلاة فأتركه وأسير إليهم (فأحرق عليهم بيوتهم) بتشديد راء فأحرق، والمراد به التكثير يقال حرقه إذا بالغ في تحريقه وفيه إشعار بأن العقوبة ليست قاصرة على المال بل المراد تحريق المقصودين والبيوت تبع للقاطنين بها (والذي نفسي بيده لو يعلم أحدكم) ولأبي ذر أحدهم بالهاء بدل الكاف وفيه إعادة اليمين للتأكيد (أنه يجد عرقًا سمينًا) بفتح العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف عظمًا بلا لحم (أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء) بكسر الميم الأولى تثنية مرماة ما بين ظلفي الشاة من اللحم أي لو علم أنه إن حضر صلاة العشاء وجد نفعًا دنيويًّا وإن كان خسيسًا حقيرًا لحضرها لقصور همته ولا يحضرها لما لها من الثواب. (قال محمد بن يوسف) الفربري (قال يونس) قال العيني: لم أقف عليه وبيّض له في فتح الباري في النسخة التي عندي منه (قال محمد بن سليمان) أبو أحمد الفارسي راوي التاريخ الكبير عن البخاري (قال أبو عبد الله) البخاري: (مرماة ما بين ظلف الشاة من اللحم مثل منساة وميضاة) الميم مخفوضة في كلٍّ من المنساة والميضاة، وقد نزل الفربري في هذا التفسير درجتين فإنه أدخل بينه وبين شيخه البخاري رجلين أحدهما عن الآخر وثبت هذا التفسير في رواية أبي ذر عن المستملي وحده وسقط لغيره. وفي الحديث أن من طلب بحق فاختفى أو تمنع في بيته مطلاً أخرج منه بكل طريق يتوصل إليه بها كما أراد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إخراج المتخلفين عن الصلاة بإلقاء النار عليهم في بيوتهم. والحديث سبق في الجماعة والأشخاص. 53 - باب هَلْ لِلإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَ الْمُجْرِمِينَ وَأَهْلَ الْمَعْصِيَةِ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَهُ وَالزِّيَارَةِ وَنَحْوِهِ هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (هل) يجوز (للإمام أن يمنع المجرمين وأهل المعصية من الكلام معه والزيارة) له (ونحوه) أي ونحو ذلك وعطف وأهل المعصية على السابق من عطف العام على الخاص. 7225 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِىَ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى غَزْوَةِ تَبُوكَ فَذَكَرَ حَدِيثَهُ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام المصري (عن عقيل) بضم العين هو ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك) ولأبي ذر عن عبد الله بن كعب بن مالك (وكان) عبد الله (قائد كعب من بنيه) بفتح الموحدة وكسر النون بعدها تحتية ساكنة (حين عمي) وفي رواية معقل عن ابن شهاب عند مسلم وكان قائد كعب حين أصيب بصره وكان أعلم قومه وأوعاهم لأحاديث أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال: سمعت) أبي (كعب بن مالك قال: لما تخلف عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة تبوك) بغير صرف للأكثر زاد أحمد من رواية معمر وهي آخر غزوة غزاها (فذكر حديثه) بطوله السابق في أواخر المغازي إلى أن قال: (ونهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسلمين عن كلامنا) أيها الثلاثة المتخلفين وهم كعب وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع (فلبثنا على ذلك خمسين ليلة وآذن) بالمد أعلم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بتوبة الله علينا) أيها الثلاثة. ومطابقة الحديث للجزء

94 - كتاب التمني

الأخير من الترجمة واضحة وفيه جوازًا الهجر أكثر من ثلاث وأما النهي عنه فوق ثلاث فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيًّا. وسبق الحديث مطوّلاً ومختصرًا مرات والله الموفق والمعين. وهذا آخر كتاب الأحكام فرغت منه مستهل سنة ست عشرة وتسعمائة أحسن الله فيها وفيما بعدها عاقبتنا وكفانا جميع المهمات وأفاض علينا من فواضل العميم، وهدانا إلى الصراط المستقيم، وأعانني على إكمال هذا الشرح كتابةً وتحريرًا ونفع به وجعله خالصًا لوجهه الكريم. استودعه تعالى ذلك وجميع ما أنعم به عليّ، وأسأله أن يطيل عمري في طاعته ويلبسني أثواب عافيته، ويجعل وفاتي في طيبة الطيبة مع الرضا والإسلام، والحمد لله وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا دائمًا أبدًا. بسم الله الرحمن الرحيم 94 - كتاب التمني تفعل من الأمنية والجمع أمانيّ والتمني طلب ما لا طمع فيه أو ما فيه عسر، فالأول نحو قول الطاعن في السن: ليت الشباب يعود يومًا، فإن عود الشباب لا طمع فيه لاستحالته عادة، والثاني نحو قول منقطع الرجاء من مال يحج به: ليت لي مالاً فأحج منه فإن حصول المال ممكن ولكن فيه عسر ويمتنع ليت غدًا يجيء فإن غدًا واجب المجيء. والحاصل أن التمني يكون في الممتنع والممكن ولا يكون في الواجب وأما الترجي فيكون في الشيء المحبوب نحو: لعل الحبيب قادم والإشفاق في الشيء المكروه نحو: {فلعلك باخع نفسك} [الكهف: 6] أي قاتل نفسك والمعنى أشفق على نفسك أن تقتلها حسرة على ما فاتك من إسلام قومك قاله في الكشاف فتوقع المحبوب يسمى ترجيًّا وتوقع المكروه يسمى إشفاقًا. ولا يكون التوقع إلا في الممكن، وأما قول فرعون: {لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السماوات} [غافر: 36، 37] فجهل منه أو إفك قاله في المغني والإشفاق لغة الخوف يقال: أشفقت عليه بمعنى خفت عليه وأشفقت منه بمعنى خفت منه وحذرته. 1 - باب مَا جَاءَ فِى التَّمَنِّى وَمَنْ تَمَنَّى الشَّهَادَةَ (باب ما جاء في التمني ومن تمنى الشهادة) بإثبات البسملة وما بعدها لأبي ذر عن المستملى، وكذا هو عند ابن بطال لكن بلا بسملة، وأثبتها السفاقسي لكن بحذف لفظ باب وللنسفي بعد البسملة ما جاء في التمني وللقابسي بحذف الواو البسملة وكتاب. 7226 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِى اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنَّ رِجَالاً يَكْرَهُونَ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِى وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ، مَا تَخَلَّفْتُ لَوَدِدْتُ أَنِّى أُقْتَلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ». وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير بضم العين المهملة وفتح الفاء الحافظ أبو عثمان الأنصاري المصري قال: (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (عبد الرحمن بن خالد) الفهمي أمير مصر (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (وسعيد بن المسيب) بن حزن الإمام أبي محمد المخزومي سيد التابعين (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (والذي نفسي بيده) في تصريف قدرته (لولا أن رجالاً يكرهون أن يتخلفوا بعدي) عن الغزو معي لعجزهم عن آلة السفر من مركوب وغيره (ولا أجد ما أحملهم) عليه (ما تخلفت) عن سرية تغزو في سبيل الله (لوددت) بفتح اللام والواو وكسر الدال المهملة الأولى وسكون الثانية واللام للقسم وفي الجهاد والذي نفسي بيده لوددت (أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا) بضم الهمزة فيهما كاللاحق (ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل) بتكرير ثم ست مرات وختمه بأقتل لأن الغرض الشهادة فجعلها آخرًا والودّ كما قال الراغب: محبة الشيء وتمني حصوله وتمني الفضل والخير لا يستلزم الوقوع، فقد قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وددت أن موسى عليه السلام صبر" فكأنه أراد المبالغة في بيان فضل الجهاد وتحريض المسلمين، وبهذا يجاب عن استشكال صدور هذا التمني منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أنه يعلم أنه لا يقتل وأجاب السفاقسي عنه باحتمال أن يكون قبل نزول آية {والله يعصمك من الناس} [المائدة: 67] وتعقب بأن نزولها كان في أوائل قدومه المدينة. والحديث صرح أبو هريرة بأنه سمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنما قدم أبو هريرة

2 - باب تمنى الخير. وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لو كان لى أحد ذهبا»

في أوائل سنة سبع من الهجرة، وحكى ابن الملقن أن بعضهم زعم أن قوله: لوددت مدرج من كلام أبي هريرة. قال: وهو بعيد وفيه جواز تمني ما يمتنع في العادة. ومطابقة الحديث للترجمة مستفادة من التمني في قوله: لوددت. والحديث سبق في الجهاد في باب تمني الشهادة. 7227 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ وَدِدْتُ أَنِّى لأُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ»، فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُهُنَّ ثَلاَثًا أَشْهَدُ بِاللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الكلاعي الحافظ قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضى الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (والذي نفسي بيده وددت) بغير لام (أني لأقاتل) بلام التأكيد من باب المفاعلة ولأبي ذر عن الكشميهني أقاتل (في سبيل الله) بإسقاط اللام (فأقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل) بتكرار ثم أربع مرات وزاد غير أبي ذر ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا بتكرارها ثلاثًا كذا في الفرع وفي غيره بإسقاط الأخيرة (فكان أبو هريرة) -رضي الله عنه- (يقولهن) أي كلمات أقتل (ثلاثًا أشهد بالله) أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ذلك وفائدته التأكيد وظاهره أنه من كلام الراوي عن أبي هريرة أي أشهد بالله أن أبا هريرة كان يقول أي كلمات أقتل ثلاث مرات. 2 - باب تَمَنِّى الْخَيْرِ. وَقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ كَانَ لِى أُحُدٌ ذَهَبًا» (باب تمني الخير. وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما سبق موصولاً في الرقاق بلفظه: (لو كان لي أُحُد ذهبًا). وجواب لو قوله في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى في هذا الباب لأحببت الخ. 7228 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْ كَانَ عِنْدِى أُحُدٌ ذَهَبًا لأَحْبَبْتُ أَنْ لاَ يَأْتِىَ ثَلاَثٌ وَعِنْدِى مِنْهُ دِينَارٌ لَيْسَ شَىْءٌ أُرْصِدُهُ فِى دَيْنٍ عَلَىَّ أَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ». وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (إسحاق بن نصر) نسبة إلى جده واسم أبيه إبراهيم البخاري قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الحافظ أبو بكر الصنعاني (عن معمر) أبي عروة بن راشد الأزدي مولاهم (عن همام) هو ابن منبه الصنعاني أنه (سمع أبا هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لو كان عندي أُحُد) الجبل المعروف (ذهبًا) وفي رواية الأعرج عن أبي هريرة عند أحمد في أوله: والذي نفسي بيده وجواب لو قوله (لأحببت أن لا يأتي ثلاث) ولأبي ذر عن الكشميهني عليّ ثلاث (وعندي منه دينار ليس شيء أرصده) بفتح الهمزة وضم الصاد المهملة وفي نسخة الحافظ أبي ذر وهو في نسخة مقروءة على الأصل أرصده بضم الهمزة وكسر الصاد (في دين) بفتح الدال المهملة (عليّ) بتشديد الياء (أجد من يقبله) والضمير للدينار أو للدين والجملة حالية. قال الزركشي: وفي الكلام تقديم وتأخير اختل به الكلام وأصله وعندي منه دينار أجد من يقبله ليس شيء أرصده في دين ففصل بين الموصوف وهو دينار وصفته وهو قوله أجد بالمستثنى. قال البدر الدماميني: لا اختلال إن شاء الله تعالى ولا تقديم ولا تأخير والكلام مستقيم بحمد الله، وذلك بأن يجعل قوله ليس شيئًا أرصده لدين عليّ صفة لدينار وإن كان نكرة لكونه تخصص بالصفة وحاصل المعنى أنه لا يجب على تقدير ملكه لأحد ذهبًا أن يبقى عنده بعد ثلاث ليال من ذلك المال دينار موصوف بكونه ليس مرصدًّا لوفاء دين عليه في حال أن له قابلاً لا يجده، وهذا معنى كما تراه لا اختلال فيه وليس في الكلام على التقدير الذي قلناه تقديم ولا تأخير فتأمله. وذكر الصغاني أن الصواب ليس شيئًا بالنصب، وقال في اللامع إنه في رواية الأصيلي بالنصب ولغيره بالرفع ووجه الدلالة على التمني من حديث مع أن لو إنما هي لامتناع الشيء لامتناع غيره لا للتمني أن لو هنا شرطية بمعنى إن ومحبة كون غير الواقع واقعًا هو نوع من التمني فغايته أن هذا تمنٍّ على هذا التقدير. قال السكاكي: الجملة الجزائية جملة خبرية مقيدة بالشرط فعلى هذا فهو تمنٍّ بالشرط قاله في الكواكب. والحديث سبق في الرقاق. 3 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حجة الوداع: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت) وجواب لو في الحديث اللاحق. 7229 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِى عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ. مَا سُقْتُ الْهَدْىَ وَلَحَلَلْتُ مَعَ النَّاسِ حِينَ حَلُّوا». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير بضم الموحدة وفتح الكاف أبو زكريا المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم

4 - باب قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ليت كذا وكذا"

الزهري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (أن عائشة) -رضي الله عنها- ولأبي ذر عن عروة عن عائشة أنها (قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو استقبلت من أمري ما استدبرت) وما موصول والعائد محذوف أي الذي استدبرته والمعنى لو علمت في أول الحال ما علمت آخرًا من جواز العمرة في أشهر الحج وجواب لو قوله: (ما سقت) معي (الهدي) أي ما قرنت أو ما أفردت (ولحللت) أي لتمتعت (مع الناس حين حلّوا) لأن صاحب الهدي لا يمكن له الإحلال حتى يبلغ الهدي محله وقال ذلك صلوات الله وسلامه عليه تطييبًا لقلوبهم لأنه يشق عليهم أن يحلوا ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- محرم. ومباحث ذلك مرت في الحج. 7230 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَبَّيْنَا بِالْحَجِّ وَقَدِمْنَا مَكَّةَ لأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِى الْحِجَّةِ، فَأَمَرَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَأَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَلْنَحِلَّ إِلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدٍ مِنَّا هَدْىٌ غَيْرَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَطَلْحَةَ وَجَاءَ عَلِىٌّ مِنَ الْيَمَنِ مَعَهُ الْهَدْىُ فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: أَنَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّى لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِى الْهَدْىَ لَحَلَلْتُ». قَالَ: وَلَقِيَهُ سُرَاقَةُ وَهْوَ يَرْمِى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَلَنَا هَذِهِ خَاصَّةً؟ قَالَ: «لاَ بَلْ لأَبَدٍ». قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ قَدِمَتْ مَكَّةَ وَهْىَ حَائِضٌ فَأَمَرَهَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تَنْسُكَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، غَيْرَ أَنَّهَا لاَ تَطُوفُ وَلاَ تُصَلِّى حَتَّى تَطْهُرَ، فَلَمَّا نَزَلُوا الْبَطْحَاءَ قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنْطَلِقُونَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَنْطَلِقُ بِحَجَّةٍ؟ قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنْ يَنْطَلِقَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ عُمْرَةً فِى ذِى الْحَجَّةِ بَعْدَ أَيَّامِ الْحَجِّ. وبه قال: (حدّثنا الحسن بن عمر) بضم العين ابن شقيق الجرمي بفتح الجيم البصر نزيل الري قال: (حدّثنا يزيد) من الزيادة ابن زريع البصري (عن حبيب) بفتح الحاء المهملة وكسر الموحدة الأولى ابن أبي قريبة أبي محمد المعلم البصري (عن عطاء) أي ابن أبي رباح (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- أنه (قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حجة الوداع (فلبينا بالحج) مفردًا (وقدمنا مكة لأربع خلون من ذي الحجة فأمرنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نطوف بالبيت) بضم الطاء وسكون الواو (وبالصفا والمروة وأن نجعلها) أي الحجة (عمرة) وهو معنى فسخ الحج إلى العمرة (ولنحل) بسكون اللام وفتح النون وكسر الحاء المهملة من العمرة ولأبي ذر ونحل (إلا من كان معه هدي) استثناء من قوله فأمرنا وسقط لغير الحموي لفظ كان (قال) جابر: (ولم يكن مع أحد منا هدي غير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وطلحة) بنصب غير على الاستثناء لغير أبي ذر وجرها صفة لأحد لأبي ذر وطلحة هو ابن عبيد الله أحد العشرة (وجاء علي) هو ابن أبي طالب -رضي الله عنه- (من اليمن معه الهدي) فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بما أهللت"؟ (فقال: أهللت بما أهلّ به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا) أي المأمورون أن يجعلوها عمرة (ننطلق) ولأبي ذر عن الكشميهني أننطلق (إلى منى) بالتنوين (وذكر أحدنا يقطر) منيًّا لقربهم من الجماع وحالة الحج تنافي الترفه وتناسب الشعث فكيف يكون ذلك (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما بلغه ذلك: (إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت) أي لو كنت الآن مستقبلاً زمن الأمر الذي استدبرته (ما أهديت) ما سقت الهدي (ولولا أن معي الهدي لحللت) إذ وجوده مانع من فسخ الحج إلى العمرة والتحلل منها (قال) جابر (ولقيه) عليه الصلاة والسلام (سراقة) بن مالك بن جعشم الكناني بالنونين (وهو يرمي جمرة العقبة فقال: يا رسول الله ألنا هذه خاصة؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا بل لأبدٍ) بالتنوين، ولأبي ذر عن الكشميهني للأبد بزيادة لام أوله (قال) جابر (وكانت عائشة) -رضي الله عنها- (قدمت مكة) ولأبي ذر عن الكشميهني معه مكة (وهي حائض فأمرها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تنسك) بفتح الفوقية وضم السين بينهما نون ساكنة (المناسك كلها) أي تأتي بأفعال الحج كلها (غير أنها لا تطوف) بالبيت ولا بين الصفا والمروة (ولا تصلي حتى تطهر فلما نزلوا البطحاء) وهو المحصب وطهرت وطافت (قالت عائشة: يا رسول الله أتنطلقون بحجة وعمرة وأنطلق بحجة) ولأبي ذر عن الكشميهني بحج مفرد من غير عمرة (قال: ثم أمر) عليه الصلاة والسلام أخاها (عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق) -رضي الله عنه- (أن ينطلق معها إلى التنعيم) لتعتمر منه (فاعتمرت عمرة في ذي الحجة بعد أيام الحج). وسبق الحديث في باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت من كتاب الحج. 4 - باب قَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْتَ كَذَا وَكَذَا" (باب قول النبي) والذي في اليونينية قوله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ليت كذا وكذا). 7231 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ أَرِقَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: «لَيْتَ رَجُلاً صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِى يَحْرُسُنِى اللَّيْلَةَ»، إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ السِّلاَحِ قَالَ: «مَنْ هَذَا» قِيلَ: سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ أَحْرُسُكَ فَنَامَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى سَمِعْنَا غَطِيطَهُ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ بِلاَلٌ: أَلاَ لَيْتَ شِعْرِى هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِوَادٍ وَحَوْلِى إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ فَأَخْبَرْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون المعجمة البجلي الكوفي القطواني بفتح القاف والطاء المهملة قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) أبو محمد مولى الصديق قال: (حدّثني) بالإفراد (يحيى بن سعيد) الأنصاري قال: (سمعت

5 - باب تمنى القرآن والعلم

عبد الله بن عامر بن ربيعة) العنزي المدني حليف بني عدي أبا محمد ولد على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبيه صحبة مشهورة -رضي الله عنه- (قال: قالت عائشة) -رضي الله عنها- (أرق) بفتح الهمزة وكسر الراء سهر (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات ليلة) ذات مقحمة (فقال): (ليت رجلاً صالحًا من أصحابي يحرسني الليلة، إذ سمعنا صوت السلاح قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من هذا؟ قيل) ولأبي الوقت وأبي ذر عن الكشميهني ثم قال (سعد) بسكون العين ابن أبي وقاص (يا رسول الله جئت أحرسك فنام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى سمعنا غطيطه) بفتح الغين المعجمة وكسر الطاء المهملة الأولى صوت النائم ونفخه، وفي باب الحراسة في الغزو من الجهاد من طريق علي بن مسهر عن يحي بن سعيد كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما قدم المدينة قال: "ليت رجلاً" الخ. وعند مسلم من طريق الليث عن يحيى بن سعيد سهر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقدمه المدينة ليلة فقال: "ليت رجلاً" وظاهره أن السهر والقول معًا كانا بعد قدومه المدينة بخلاف رواية البخاري في باب الحراسة المذكورة فإن ظاهرها أن السهر كان قبل القدوم والقول بعده وهو محمول على التقديم والتأخير كما قدمته في الباب المذكور، وليس المراد بقدومه المدينة أول ما قدم إليها في الهجرة لأن عائشة إذ ذاك لم تكن عنده ولا سعد. ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن ليت حرف تمنٍّ يتعلق بالمستحيل غالبًا وبالممكن قليلاً ومنه حديث الباب فإن كلاًّ من الحراسة والمبيت بالمكان الذي تمناه قد وجد. والحديث سبق في الجهاد في باب الحراسة. (قال أبو عبد الله) محمد بن إسماعيل البخاري (وقالت عائشة) -رضي الله عنها- (قال بلال) عند مرضه أول قدومهم في الهجرة (ألا) بالتخفيف (ليت شعري هل أبيتن ليلة * بواد وحولي إذخر) بكسر الهمزة وسكون الذال والخاء المعجمة نبت طيب الرائحة (وجليل). بالجيم الثمامة وهو نبت قصير لا يطول قالت عائشة: (فأخبرت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بقوله. وسبق موصولاً بتمامه في مقدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من كتاب الهجرة وموضع الدلالة منه قولها فأخبرت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 5 - باب تَمَنِّى الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ (باب تمنِّي القرآن والعلم). 7232 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَحَاسُدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهْوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ هَذَا لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً يُنْفِقُهُ فِى حَقِّهِ فَيَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ». وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) أبو الحسن العبسي مولاهم الكوفي الحافظ قال: (حدّثنا جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن بلال (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تحاسد) بفوقية قبل الحاء المهملة وألف بعدها وضم السين المهملة وفي كتاب العلم: لا حسد والحسد تمني زوال النعمة عن المنعم عليه والمراد به هنا الغبطة وأطلق الحسد عليها مجازًا وهو أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه أي لا غبطة (إلا في اثتين) بتاء التأنيث أي لا حسد محمودًا في شيء إلا في خصلتين وفي الاعتصام اثنين بغير تاء أي في شيئين (رجل) بالرفع بتقدير إحدى الاثنتين خصلة رجل فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه (آتاه الله) أعطاه الله (القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار) ساعاتهما ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من آناء الليل والنهار (يقول) سامعه (لو أوتيت) أعطيت (مثل ما أوتي) أعطي (هذا) من تلاوة القرآن آناء الليل والنهار (لفعلت كما يفعل) لقرأت كما يقرأ (و) الثاني (رجل آتاه الله مالاً ينفقه في حقه فيقول) الذي يراه ينفقه (لو أوتيت) أعطيت (مثل ما أوتي) أعطي (هذا) من المال (لفعلت كما يفعل). لأنفقته كما أنفق. والحديث يأتي في التوحيد. 0000 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (بهذا) الحديث السابق. وفيه إشارة إلى أن له فيه شيخين عثمان بن أبي شيبة وقتيبة بن سعيد كلاهما عن جرير، وسقط ذلك في رواية أبي ذر. 6 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّمَنِّى {وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32]. (باب ما يكره من التمني) وهو الذي يكون فيه إثم كالذي يكون داعيًا إلى الحسد والبغضاء ({ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}) [النساء: 32] لأن ذلك التفضيل قسمة من الله تعالى

صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد وبما ينبغي لكل من بسط له في الرزق أو قبض، فعلى كل واحد أن يرضى بما قسم له ولا يحسد أخاه على حظه فالحسد كما مرّ أن يتمنى أن يكون ذلك الشيء له ويزول عن صاحبه والغبطة أن يتمنى مثل ما لغيره والأول: منهي عنه لما فيه من الاعتراض على الله تعالى في فعله وفي حكمته، وربما أعتقد في نفسه أنه حق بتلك النعم من ذلك الإنسان، وهذا اعتراض على الله تعالى في حكمته فيما يلقيه في الكفر وفساد الدين، وأما الثاني: وهو الغبطة فجوّزه قوم ومنعه آخرون قالوا: لأنه ربما كانت تلك النعمة مفسدة في دينه ومضرّة عليه في الدنيا ولذا قالوا: لا يقول اللهم أعطني دارًا مثل دار فلان وزوجة مثل زوجة فلان بل ينبغي أن يقول: اللهم أعطني ما يكون صلاحًا في ديني ودنياي ومعادي ومعاشي وإذا تأمل الإنسان لم يجد دعاء أحسن مما ذكره الله تعالى في القرآن تعليمًا لعباده وهو قوله تعالى: {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} [البقرة: 201] ولما قال الرجال: نرجو أن يكون أجرنا على الضعف من أجر النساء كالميراث، وقالت النساء: يكون وزرنا على نصف وزر الرجال كالميراث نزل ({للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن}) وليس ذلك على حسب الميراث ({واسألوا الله من فضله}) فإن خزائنه لا تنفذ ولا تتمنوا ما للناس من الفضل ({إن الله كان بكل شيء عليمًا}) [النساء: 32] فالتفضيل عن علم بمواضع الاستحقاق وسقط قوله: (للرجال نصيب} إلى آخر قوله: {من فضله} ولأبي ذر، وقال إلى قوله: {إن الله كان بكل شيء عليمًا}. 7233 - حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ - رضى الله عنه - لَوْلاَ أَنِّى سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ تَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ لَتَمَنَّيْتُ». وبه قال: (حدّثنا الحسن بن الربيع) بفتح الحاء والراء فيهما ابن سليمان البجلي البوراني الكوفي قال: (حدّثنا أبو الأحوص) سلام بتشديد اللام ابن سليم الكوفي (عن عاصم) هو ابن سليمان المعروف بالأحول (عن النضر) بالنون المفتوحة والمعجمة الساكنة (ابن أنس) أنه (قال: قال أنس -رضي الله عنه-: لولا أني سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا تتمنوا) بفوقيتين، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قال: لا تمنوا (الموت لتمنيت) الموت بلفظ الماضي وحذف إحدى التاءين، وإنما نهى عن تمني الموت لما فيه من المفسدة وهي طلب إزالة نعمة الحياة وما يترتب عليها من الفوائد ولأن الله تعالى قدّر الآجال فمتمني الموت غير راضٍ بقضاء الله وقدره ولا مسلّم لقضائه نعم إذا خاف على دينه والوقوع في الفتنة فيجوز بلا كراهة. والحديث أخرجه مسلم في الدعوات. 7234 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنِ ابْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ قَالَ: أَتَيْنَا خَبَّابَ بْنَ الأَرَثِّ نَعُودُهُ، وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعًا فَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ. وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام بالتشديد والتخفيف قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان (عن ابن أبي خالد) إسماعيل واسم أبي خالد سعد البجلي (عن قيس) هو ابن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي أنه (قال: أتينا خبّاب بن الأرتّ) بالمثناة الفوقية المشددة وخباب بالمعجمة المفتوحة والموحدتين أولاهما مشددة بينهما ألف التيمي حليف بني زهرة البدري حال كوننا (نعوده وقد اكتوى) في بطنه (سبعًا) أي سبع كيّات (فقال: لولا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به) على نفسي وقال ذلك لأنه ابتلي في جسده ببلاء شديد. والحديث سبق في الطب في باب تمني المريض الموت. 7235 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى عُبَيْدٍ - اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي الجعفي قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني قاضيها قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي عبيد) بضم العين وفتح الموحدة (اسمه سعد بن عبيد مولى عبد الرحمن بن أزهر) وسقط لفظ اسمه وابن أزهر لأبي ذر (أن رسول الله) ولأبي ذر عن أبي هريرة أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا يتمنى) قال التوربشتي: الياء المثناة بالتحتية في قوله لا يتمنى مثبته في رسم الخط في كتب الحديث فلعله نهي ورد على صيغة الخبر، والمراد منه لا يتمنَّ فأُجري مجرى الصحيح، ويحتمل أن بعض الرواة أثبتها في الخط فروي على ذلك. وقال البيضاوي: هو نهي أُخرج في صورة النفي للتأكيد، ولأبي ذر عن الكشميهني لا يتمنين (أحدكم الموت) زاد في رواية أنس السابقة في الطب من ضرٍّ أصابه

7 - باب قول الرجل: لولا الله ما اهتدينا

(إما محسنًا فلعله يزداد) خيرًا (وإما مسيئًا فلعله يستعتب) بنصب محسنًا ومسيئًا. قال الزركشي: تبعًا لابن مالك حيث قال في توضيحه: تقديره إما يكون محسنًا وإما يكون مسيئًا فحذف يكون مع اسمها مرتين وأبقى الخبر وأكثر ما يكون ذلك بعد إن ولو كقوله: انطق بحق وإن مستخرجًا إحنًا ... فإن ذا الحق غلاّب وإن غلبا وكقوله: علمتك منّانًا فلست بآمل ... نداك ولو غرثان ظمآن عاريا وفي لعل في هذين الموضعين شاهد على مجيء لعل للرجاء المجرد من التعليل وأكثر مجيئها في الرجاء إذا كان معه تعليل نحو: {واتقوا الله لعلكم تفلحون} [البقرة: 189] لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون، ومعنى يستعتب يطلب العتبى أي الرضا عنه، وتعقبه في المصابيح فقال: اشتمل كلامه على أمرين ضعيفين قابلين للنزاع. أما الأول: فجزمه بأن كلاًّ من قوله محسنًا ومسيئًا خبر ليكون محذوفة مع احتمال أن يكونا حالين من فاعل يتمنى وهو أحدكم، وعطف أحد الحالين على الآخر وأتى بعد كل حال بما ينبه على علة النهي عن تمني الموت والأصل لا يتمنى أحدكم الموت محسنًا أو مسيئًا أي سواء كان على حالة الإحسان أو الإساءة أما إن كان محسنًا فلا يتمنى الموت لعله يزداد إحسانًا على إحسانه فيضاعف أجره وثوابه، وأما إن كان مسيئًا فلا يتمنى أيضًا إذ لعله يندم على إساءته ويطلب الرضا عنه فيكون ذلك سببًا لمحو سيئاته التي اقترفها، وأما الثاني فادّعاؤه أن أكثر مجيء لعل للترجي المصحوب بالتعليل، وهذا ممنوع. وهذه كتب النحاة الأكابر طافحة بالإعراض عن ذكر هذا القيد، ولو سلم فليس في هذا الحديث شاهد على مجيئها للترجي المجرد لإمكان اعتبار التعليل معه وقد فهمت صحة اعتباره مما قررناه فتأمله اهـ. وقد سبق في باب تمني المريض الموت من الطب مزيد على ما هنا فليراجع. وفي الحديث التصريح بكراهة تمني الموت لضر نزل به من فاقة أو محنة بعدوّ ونحوه من مشاق الدنيا وأما إذا خاف ضررًا أو فتنة فلا كراهة فيه، وفي مناسبة الأحاديث الثلاثة للآية المسوقة قبلها غموض إلا إن كان أراد أن المكروه من التمني هو جنس ما دلت عليه الآية وما دل عليه الحديث، وحاصل ما في الآية الزجر عن الحسد، وحاصل ما في الحديث الحث على الصبر لأن تمني الموت غالبًا ينشأ عن وقوع أمر يختار الذي يقع به الموت على الحياة فإذا نهي عن تمني الموت كان كأنه أمر بالصبر على ما نزل به، ومجمع الآية والحديث الحث على الرضا بالقضاء والتسليم لأمر الله تعالى قاله في فتح الباري. 7 - باب قَوْلِ الرَّجُلِ: لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا (باب قول الرجل) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لولا الله ما اهتدينا). 7236 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنِى أَبِى، عَنْ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ يَوْمَ الأَحْزَابِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطْنِهِ يَقُولُ: لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... نَحْنُ وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا إِنَّ الأُلَى -وَرُبَّمَا قَالَ- إِنَّ الْمَلاَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا. إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا أَبَيْنَا. يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله قال: (أخبرني) بالإفراد (أبي) عثمان بن جبلة بن أبي رواد البصري (عن شعبة) بن الحجاج أنه قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء بن عازب) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينقل معنا التراب) ونحن نحفر الخندق (يوم الأحزاب ولقد رأيته) صلوات الله وسلامه عليه حال كونه (وارى) بألف وفتح الراء من غير همز أي غطى (التراب بياض بطنه) حال كونه (يقول) يرتجز بكلام ابن رواحة عبد الله أو هو من كلام عامر بن الأكوع، وسبق لذلك، ولأبي ذر عن الكشميهني: إن التراب لموار بياض إبطيه بكسر الهمزة وسكون الموحدة وفتح الطاء المهملة تثنية إبط والجملة حالية. (لولا أنت ما اهتدينا) قال ابن بطال: لولا عند العرب يمتنع بها الشيء لوجود غيره تقول: لولا زيد ما صرت إليك أي كان مصيري إليك من أجل زيد، وكذلك لولا الله ما اهتدينا أي كانت هدايتنا من قبل الله (ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن) بنون التأكيد الخفيفة (سكينة) وقارًا وطمأنينة (علينا إن الأولى) بضم الهمزة فلام مفتوحة الذين (وربما قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إن الملأ قد بغوا علينا إذ أرادوا فتنة أبينا أبينا) مرتين من الإباء أي امتنعنا (يرفع بها صوته). والحديث ومباحثه مرَّا في غزوة

8 - باب كراهية التمنى لقاء العدو

الخندق. 8 - باب كَرَاهِيَةِ التَّمَنِّى لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَرَوَاهُ الأَعْرَجُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب كراهية التمني لقاء العدو) بنصب لقاء على المفعولية ولأبي ذر تمني بإسقاط الألف واللام لقاء بالجر على الإضافة وللأصيلي وابن عساكر التمني للقاء العدوّ بزيادة لام قبل التي بعدها القاف. (ورواه) أي كراهية تمني لقاء العدو (الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسبق أواخر الجهاد. 7237 - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِى النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ - وَكَانَ كَاتِبًا لَهُ - قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى أَوْفَى فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ». وبه قال: (حدّثنا) بالإفراد ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين ابن المهلب الأزدي البغدادي أصله من الكوفة قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد الفزاري بفتح الفاء والزاي (عن موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (عن سالم) بالتنوين (أبي النضر) بالنون المفتوحة والمعجمة الساكنة (مولى عمر بن عبيد الله) بضم العين فيهما القرشي (وكان) أبو النضر (كاتبًا له) أي لمولاه عمر أنه (قال: كتب إليه) أي لعمر بن عبيد الله (عبد الله بن أبي أوفى) علقمة الصحابيّ -رضي الله عنه- كتابًا (فقرأته فإذا فيه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا تتمنوا) بفتح النون المشددة (لقاء العدوّ وسلوا الله العافية) من المكاره والبليات في الدنيا والآخرة. فإن قلت: لا ريب أن تمني الشهادة محبوب فكيف ينهى عن تمني لقاء العدوّ وهو يفضي إلى المحبوب؟ أجيب: بأن حصول الشهادة أخص من اللقاء لإمكان تحصيل الشهادة مع نصرة الإسلام ودوام عزه واللقاء قد يفضي إلى عكس ذلك فنهى عن تمنيه ولا ينافي ذلك في تمني الشهادة. 9 - باب مَا يَجُوزُ مِنَ اللَّوْ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً}. (باب ما يجوز من اللو) بألف ولامين وواو ساكنة مخففة في الفرع وأصله ويروى بتشديدها. واستشكل بأن لو حرف وأهل العربية لا يجيزون دخول الألف واللام على الحروف قاله القاضي عياض. وأجيب: بأن "اللو" هنا مسمى بها فهي اسم زيد فيه واو أخرى ثم أدغمت الأولى في الثانية على القاعدة المقررة في بابها فلا بدع إذًا في دخول علامات الأسماء عليها إذا لم تدخل وهي حرف إنما دخلت وهي اسم. وقال صاحب النهاية: الأصل لو ساكنة الراو وهي حرف من حروف المعاني يمتنع بها الشيء لامتناع غيره غالبًا فلما سمي بها زيد فيها فلما أرادوا إعرابها أتى فيها بالتعريف لتكون علامة لذلك ومن ثم شدّد الواو وقد سمع بالتشديد منونًا قال: أُلام على لو ولو كنت عالمًا ... بإدبار لوّ لم تفتني أوائله وقال آخر: ليت شعري وأين منى ليت ... إن ليتًا وإن لوًّا عناء وقال الشيخ تقيّ الدين السبكي رحمه الله: لو إنما لا يدخلها الألف واللام إذا بقيت على الحرفية أما إذا سمي بها فهي من جملة الحروف التي سمعت التسمية بها من حروف الهجاء ومن حروف المعاني ومن شواهده قوله: وقدمًا أهلكت لوّ كثيرًا ... وقبل اليوم عالجها قدار فأضاف إليها واوًا أخرى وأدغمها وجعلها فاعلاً. قال: ومقصود البخاري -رحمه الله- بالترجمة وأحاديثها أن النطق بلو لا يكره على الإطلاق وإنما يكره في شيء مخصوص يؤخذ ذلك من قوله من اللو فأشار إلى التبعيض ولورودها في الأحاديث الصحيحة، وقيل: إن البخاري أشار بقوله ما يجوز من اللّو إلى أن اللّو في الأصل لا يجوز إلا ما استثنى. وعند النسائي وابن ماجة من طريق محمد بن عجلان عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "المؤمن القويّ خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" وفي كل خير احرص على ما ينفعك ولا تعجز فإن غلبك أمر فقل قدّر الله وما شاء فعل وإياك واللّو فإن اللّو تفتح عمل الشيطان. هذا لفظ ابن ماجة ولفظ النسائي قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والباقي سواء إلا أنه قال: وما شاء وإياك. وأخرجه النسائي والطبري والطحاوي من طريق عبد الله بن إدريس عن ربيعة بن عثمان فقال عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج، ولفظ النسائي وفي كل خير وفيه احرص على ما ينفعك واستغن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت

كذا وكذا، ولكن قل قدّر الله وما شاء فعل. قال في الفتح: هذه الطريق أصح طرق هذا الحديث وقوله: فإن اللّو تفتح عمل الشيطان أي تلقي في القلب معارضة القدر فيوسوس به الشيطان، ولا معارضة بين ما ورد من الأحاديث الدالّة على الجواز والدالّة على النهي لأن النهي مخصوص بالجزم بالفعل الذي لم يقع، فالمعنى لا تقل لشيء لم يقع لو أني فعلت كذا لوقع قاضيًا بتحتم ذلك غير مضمر في نفسك شرط مشيئة الله، وما ورد من قول لو محمول على ما إذا كان قائله موقنًا بالشرط المذكور وهو أنه لا يقع شيء إلا بمشيئة الله وإرادته قاله الطبري. وقال غيره: الظاهر أن النهي عن إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه أما من قاله تأسفًا على ما فاته من طاعة الله فلا بأس به. (وقوله تعالى: {لو أن لي بكم قوة}) أي لو قويت بنفسي على دفعكم وجواب لو محذوف تقديره لدفعتكم وحذفه كما قال ابن بطال لأنه يخص بالنفي ضروب المنع، وإنما أراد لوط عليه السلام العدّة من الرجال وإلاّ فهو يعلم أن له من الله ركنًا شديدًا ولكنه أجرى الحكم على الظاهر، ولو تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره تقول: لو جاءني زيد لأكرهتك معناه أني امتنعت من إكرامك لامتناع مجيء زيد وتكون بمعنى الشرطية نحو: {ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم} [البقرة: 221] أي وإن أعجبتكم وللتقليل نحو "التمس ولو خاتمًا من حديد". وللعرض نحو: لو تنزل عندنا فتصيب خيرًا وللحض نحو: لو فعلت كذا بمعنى الفعل وبمعنى التمني نحو: فلو أن لنا كرّة أي فليت لنا كرّة، ولهذا نصب فنكون في جوابها كما نصب فأفوز في جواب ليت، واختلف هل هي الامتناعية أشربت معنى التمني، أو المصدرية أو قسم برأسه ورجح الأخير ابن مالك. 7238 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُتَلاَعِنَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ أَهِىَ الَّتِى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا امْرَأَةً مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ» قَالَ: لاَ تِلْكَ امْرَأَةٌ أَعْلَنَتْ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه (قال: ذكر ابن عباس) -رضي الله عنهما- (المتلاعنين) بفتح النون الأولى على التثنية وقصتهما (فقال عبد الله بن شداد) بالمعجمة المفتوحة والمهملتين الأولى مشددة بينهما ألف ابن الهاد الكوفي (أهي) بهمزة الاستفهام ولأبي ذر هي المرأة (التي قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لو كنت راجمًا امرأة) محصنة زنت (من غير) ولأبي ذر عن المستملي عن وله عن الكشميهني بغير (بيّنة) وجواب لو محذوف أي: لرجمتها (قال: لا تلك امرأة أعلنت) بالسوء في الإسلام لكنها لم يثبت عليها ذلك ببينة ولا اعتراف ولم يسمها. والحديث سبق في اللعان ومطابقته للترجمة في قوله: لو كنت راجمًا. 7239 - حدثنا علي، حدثنا سفيانُ قالَ عمرو: حدثنا عطاءٌ قالَ: أعتَمَ النبِي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالعِشاءِ فَخَرَجَ عُمرُ فَقالَ: الصلاةُ يا رَسُولَ الله رَقَدَ النساءُ والصبيانُ، فَخَرَجَ وَرَأسُهُ يَقْطُرُ يَقُولُ: "لولا أنْ أشُقَّ على أُمتِي- أو علَى الناسِ". وَقالَ سُفيانُ أيضًا: "على أُمتِي لأمرتهم بِالصلاةِ هذه الساعةَ". وَقالَ ابنُ جُرَيج: عن عطاء عنِ ابنِ عباس أخَّرَ النَّبِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذِهِ الصلاةَ فَجاءَ عُمرُ فَقالَ: يا رَسُولَ الله رَقَدَ النساءُ والوِلدانُ فَخَرَجَ وَهوَ يَمسَحُ الماءَ عن شِقِّهِ يَقُولُ: "إنهُ لَلوَقتُ لَولا أن أشق على أُمتي". وَقالَ عمرو: حدثنا عطاءٌ لَيسَ فِيهِ ابنُ عباس أما عمرو فقال يقطر وقال ابنُ جُرَيج: يَمسَحُ الماءَ عن شِقِّهِ وَقالَ عمرو: "لَولا أن أشُقَّ على أُمَّتِي". وَقالَ ابنُ جُرَيج: "إنهُ لَلوَقتُ لَولا أن أشُق على أُمَّتِي". وَقالَ إبراهِيمُ بنُ المُنْذِرِ: حدثنا معنٌ حدثني محمد بن مسلم عن عمرو، عن عطاءٍ عنِ ابنِ عباسٍ عنِ النبِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لَولا قَومك حدِيثُو عهد بِكُفر". وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال عمرو) بفتح العين ابن دينار (حدّثنا عطاء) هو ابن أبي رباح (قال) أي عطاء (أعتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعشاء) أبطأ عن صلاة العشاء حتى دخلت ظلمة الليل (فخرج عمر) -رضي الله عنه- (فقال: الصلاة يا رسول الله) بنصب الصلاة على الإغراء بفعل محذوف أي أحضر الصلاة يا رسول الله (رقد النساء والصبيان) الذين بالمسجد وأسقط العلامة من الفعل مثل قال نسوة وقالت نسوة ويتقوى الإسقاط هنا بعطف الصبيان على النساء (فخرج) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ورأسه) أي شعر رأسه (يقطر) ماء لأنه كان اغتسل قبل أن يخرج والجملة مبتدأ وخبر في موضع الحال من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكذا الجملة التالية في موضع الحال أيضًا أي خرج حال كونه (يقول: لولا أن أشق على أمتي أو) قال: (على الناس) شك من الراوي. (وقال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (أيضًا: على أمتي لأمرتهم بالصلاة هذه الساعة). أي لولا أن أشق عليهم لأمرتهم أمر إيجاب أن يصلوها في هذا الوقت. وهذا الحديث مرسل لأن عطاء تابعي. (وقال ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز بالسند المذكور إلى سفيان بن عيينة عن ابن جريج (عن عطاء) أي ابن أبي رباح (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه

قال (أخّر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه الصلاة) أي صلاة العشاء ليلة (فجاء عمر فقال: يا رسول الله رقد النساء والولدان) جمع وليد وهو الصبي (فخرج) عليه الصلاة والسلام (وهو يمسح الماء) أي ماء الغسل (عن شقه) بكسر الشين المعجمة والقاف المشددة حال كونه (يقول: إنه للوقت) بفتح اللام الأولى وسكون الثانية أي لوقت صلاة العشاء (لولا أن أشق على أمتي) وهذا موصول (وقال عمرو): هو ابن دينار (حدّثنا عطاء ليس فيه) أي في سنده (ابن عباس أما) بفتح الهمزة وتشديد الميم (عمرو) أي ابن دينار (فقال) في روايته (رأسه يقطر) أي ماء. (وقال ابن جريج) عبد الملك في روايته (يمسح الماء عن شقه) بكسر المعجمة (وقال عمرو) المذكور (لولا أن أشقّ على أمتي. وقال ابن جريج: إنه للوقت) بفتح اللام الأولى وسكون الثانية (لولا أن أشقّ على أمتي) أي لحكمت بأن هذه الساعة وقت صلاة العشاء. (وقال إبراهيم بن المنذر) أبو إسحاق الحزامي شيخ المؤلّف قال: (حدّثنا معن) بفتح الميم وسكون العين المهملة بعدها نون ابن عيسى القزاز بالقاف والزاءين مشددة أولاهما قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن مسلم) الطائفي (عن عمرو) هو ابن دينار (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (عن ابن عباس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا موصول بذكر ابن عباس فيه وهو مخالف لتصريح سفيان بن عيينة عن عمرو بأن حديثه عن عطاء ليس فيه ابن عباس قيل: فهو من أوهام الطائفي وهو موصوف بسوء الحفظ، وتعقب بأنه إذا كان كذلك فكيف رضي البخاري بإخراجه فيه موصولاً. وهذا وصله الإسماعيلي. ولولا حرف امتناع ويلزم بعدها المبتدأ وحرف تحضيض ويلزم بعدها الفعل المضارع نحو لولا تستغفرون الله وللتوبيخ فتختص بالماضي نحو {لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء} [النور: 13] ومنه: {ولولا إذ سمعتموه قلتم} [النور: 16] إلا أن الفعل أخّر وذكر الهروي فيها الاستفهام نحو قوله تعالى: {ولولا أخّرتني إلى أجل قريب} [المنافقون: 10] وأنها تكون نافية بمنزلة لم وجعل منه قوله تعالى: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس} [يونس: 98] إذ ثبت هذا فلولا هنا الامتناعية ويجب حذف خبر المبتدأ الواقع بعدها. قال ابن مالك: على هذا إطلاق أكثر النحويين إلا الرماني وابن الشجري قال: وقد يسّر لي في هذه المسألة زيادة وهي أن المبتدأ المذكور بعد لولا على ثلاثة أضرب: مخبر عنه بكون غير مقيد، ومخبر عنه بكون مقيد لا يدرك معناه عند حذفه، ومخبر عنه بكون مقيد يدرك معناه عند حذفه. فالأول: نحو لولا زيد لزارنا عمرو فمثل هذا يلزم حذف خبره لأن المعنى لولا زيد على كل حال من أحواله لزارنا عمرو، فلم يكن حال من أحواله أولى بالذكر من غيرها فلزم الحذف لذلك ولما في الجملة من الاستطالة المحوجة إلى الاختصار. الثاني: وهو المخبر عنه بكون مقيد ولا يدرك معناه إلا بذكره نحو لولا زيد غائب لم أزرك فخبر هذا النوع واجب الثبوت لأن معناه يجهل عند حذفه، ومنه قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لولا قومك حديثو عهد بكفر) أو حديث عهدهم بكفر فلو اقتصر في مثل هذا على المبتدأ لظن أن المراد لولا قومك على كل حال من أحوالهم لنقضت الكعبة، وهو خلاف المقصود لأن من أحوالهم بعد عهدهم بالكفر فيما يستقبل، وتلك الحال لا تمنع من نقض الكعبة وبنائها على الوجه المذكور ومن هذا النوع قال عبد الرحمن بن الحارث لأبي هريرة إني ذاكر لك أمرًا ولولا مروان أقسم عليّ لم أذكره لك. الثالث: وهو المخبر عنه بكون مقيد يدرك معناه عند حذفه كقوله: لولا أخو زيد ينصره لغلب، ولولا صاحب عمرو يعينه لعجز فهذه الأمثلة وأمثالها يجوز فيها إثبات الخبر وحذفه اهـ. وحينئذ فيكون قوله هنا: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم من القسم الأول ويحتاج إلى تقدير أي لولا مخافة أن أشق لأمرتهم أمر إيجاب وإلا لانعكس معناها إذ الممتنع المشقّة والموجود الأمر واللام جواب لولا. واستشكل مطابقة الحديث للترجمة إذ هي للو الذي هو لامتناع الشيء لامتناع غيره

والحديث فيه: لولا الذي هو لامتناع الشيء لوجود غيره اللازم بعدها المبتدأ ولا يخفى ما بينهما من البون البعيد. وأجيب: بأن ما آل لولا إلى لو إذ معناه لو لم تكن المشقّة لأمرتهم. 7240 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ». تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُغِيرَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن جعفر بن ربيعة) الكندي (عن عبد الرحمن) بن هرمز الأعرج أنه قال: (سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك) أمر إيجاب وتحتم وإلا فالمندوب مأمور به على المرجح والمقتضي لهذا التأويل حينئذ أن السواك مندوب إليه، ومن يرى أن المندوب غير مأمور به لا يحتاج إلى هذا التأويل لأن الأمر هو الإيجاب عنده. وزاد في رواية أخرى عند كل صلاة والسر في ذلك أن يخرج القرآن من فيه وفوه طيب لأنه إذا قام يصلّي قام الملك خلفه يسمع قراءته فلا يزال عجبه بالقرآن يدنيه حتى يضع فاه على فيه فما يخرج من فيه شيء من القرآن إلا صار في جوف ذلك الملك كما رواه البزار مرفوعًا من حديث عليّ بإسناد حسن والملائكة تتأذى من الرائحة الكريهة. (تابعه سليمان بن مغيرة) القيسي البصري فيما وصله مسلم من طريق أبي النضر عنه (عن ثابت) البناني (عن أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي الفرع كأصله علامة سقوط هذه المتابعة في رواية أنس. وقال في الفتح إنها ثابتة هنا في نسخة الصغاني قال: وهو خطأ والصواب ما وقع عند غيره ذكرها عقب حديث أنس المذكور عقبه. والحديث من أفراده. 7241 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ: وَاصَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخِرَ الشَّهْرِ وَوَاصَلَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ فَبَلَغَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَوْ مُدَّ بِىَ الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ وِصَالاً يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ، إِنِّى لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّى أَظَلُّ يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِي». تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مُغِيرَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عياش بين الوليد) بالتحتية المشددة والشين المعجمة الرقام البصري قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري قال: (حدّثنا حميد) الطويل (عن ثابت) البناني (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: واصل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يأكل ولم يشرب وقت الإفطار (آخر الشهر) أي شهر رمضان (وواصل) معه (أناس) بضم الهمزة أي ناس والتنوين للتبعيض (من الناس فبلغ) ذلك (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (لو مدّ بي الشهر) بضم الميم وتشديد الدال المهملة مبنيًّا للمفعول وبي جار ومجرور ولأبي ذر مدني بفتح الميم والدال المشددة بعدها نون وقاية وجواب لو قوله (لواصلت) بهم (وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم) بضم العين من يدع وفتحها في الأخريين من قولهم تعمق في كلامه أي تنطع. فإن قلت: الجملة الواقعة بعد النكرة هنا صفة لها ولا رابط فكيف وجهه؟ أجيب: بأنه محذوف للقرينة الحالية أي وصالاً يترك لأجله المتنطعون تنطعهم (إني لست مثلكم إني أظل) أصير حال كوني (يطعمني ربي ويسقيني) طعامًا وشرابًا من الجنة لا يقال إنه إذا كان يطعم ويسقى فليس مواصلاً لأن المحضر من الجنة لا يجرى عليه أحوال المكلفين أو هو مجاز عن لازم الطعام والشراب وهو القوّة فكأنه قال يعطيني قوّة الآكل والشارب. والحديث سبق في الصوم. (تابعه) أي تابع حميدًا (سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وصله مسلم كما ذكرته قريبًا. قال في الفتح: ووقع لنا بعلوٍّ في مسند عبد بن حميد قال: ووقع هذا التعليق في رواية كريمة سابقًا على حديث حميد عن أنس فصار كأنه طريق أخرى معلقة لحديث (لولا أن أشق) وهو غلط فاحش والصواب ثبوته هنا كما وقع في رواية الباقين اهـ. ولم يذكره في الفرع كأصله هنا بل عقب حديث: لولا أن أشق لكنه رقم عليه علامة السقوط لأبي ذر كما نبهت عليه فيما سبق. 7242 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْوِصَالِ قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ: «أَيُّكُمْ مِثْلِى إِنِّى أَبِيتُ يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِ»؟ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوُا الْهِلاَلَ فَقَالَ: «لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ». كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الدارقطني من طريق أبي صالح عنه (حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن خالد) الفهمي أمير مصر (عن ابن شهاب) الزهري (أن سعيد بن المسيب أخبره أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الوصال) نهي

تحريم أو تنزيه (قالوا) يا رسول الله (فإنك تواصل قال) عليه الصلاة والسلام. (أيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقينِ؟ فلما أبوا) امتنعوا (أن ينتهوا) عن الوصال (واصل بهم يومًا ثم يومًا ثم رأوا الهلال) ظاهره أن قدر المواصلة بهم كان يومين (فقال) عليه الصلاة والسلام (لو تأخر) الشهر (لزدتكم) من الوصال إلى أن ترجعوا عنه فتسألوا التخفيف عنكم بتركه قال لهم ذلك (كالمنكل لهم) بضم الميم وفتح النون وكسر الكاف مشددة بعدها لام أي المعاقب لهم، واستدلّ به على جواز قول لو وحمل النهي الوارد فيه على ما يتعلق بالأمور الشرعية كما مرّ قريبًا في هذا الباب. والحديث سبق في الصوم أيضًا. 7243 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْجَدْرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِى الْبَيْتِ؟ قَالَ: «إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ». قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: «فَعَلَ ذَاكِ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاؤُوا، لَوْلاَ أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِى الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ فِى الأَرْضِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو الأحوص) سلام بالتشديد ابن سليم الحافظ قال: (حدّثنا أشعث) بن أبي الشعثاء سليم المحاربي (عن الأسود بن يزيد) النخعي (عن عائشة) رضي الله عنه أنها (قالت: سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الجدر) بفتح الجيم وسكون الدال المهملة وهو الحجر بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم ويقال له الحطيم (أمن البيت هو؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم) هو من البيت قالت عائشة (قلت) يا رسول الله (فما لهم) ولأبي ذر عن الكشميهني فما بالهم (لم يدخلوه) بضم أوّله وكسر الخاء المعجمة من الإدخال والضمير المنصوب للجدر (في البيت؟ قال) عليه الصلاة والسلام (إن قومك) قريشًا (قصرت) بفتح القاف وضم الصاد والذي في اليونينية بفتح الصاد المشددة (بهم النفقة) عن عمارته من الحجر وغيره (قلت) يا رسول الله (فما شأن بابه مرتفعًا؟ قال) عليه الصلاة والسلام (فعل ذاك) أي الارتفاع (قومك) بكسر الكاف فيهما أي قريش (ليدخلوا) بضم الياء وكسر الخاء المعجمة (من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا لولا) ولأبي ذر ولولا (أن قومك حديث) بالتنوين (عهدهم بالجاهلية) ولأبي ذر عن الكشميهني حديث عهد بالإضافة (فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر) بفتح الجيم وسكون الدال المهملة ولأبي ذر عن المستملي الجدار (في البيت وأن ألصق بابه في الأرض) وجواب لولا محذوف تقديره لفعلت. والحديث سبق في الحج. 7244 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِىَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَ الأَنْصَارِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار) قال البغوي في شرح السُّنّة فيما نقله عنه في شرح المشكاة: ليس المراد منه الانتقال عن النسب الولادي لأنه حرام مع أن نسبه أفضل الأنساب وأكرمها، وإنه أراد النسب البلادي ومعناه لولا الهجرة من الدين ونسبتها دينية لا يسعني تركها لأنها عبادة مأمور بها لانتسبت إلى داركم قيل أراد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا الكلام إكرام الأنصار والتعريض بأن لا فضيلة أعلى من النصرة بعد الهجرة وبيان أنهم بلغوا من الكرامة مبلغًا لولا أنه-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المهاجرين السابقين الذين خرجوا من ديارهم وقطعوا عن أقاربهم وأحبابهم وحرموا أوطانهم وأموالهم. (ولو سلك الناس واديًا وسلكت الأنصار واديًا أو شِعبًا) بكسر الشين طريقًا في الجبل (لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار) قيل: أراد حسن موافقته إياهم وترجيحهم في ذلك على غيرهم لما شاهد منهم من حسن الوفاء بالعهد والجوار وما أراد بذلك وجوب متابعته إياهم فإن متابعته حق على كل مؤمن لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو المتبوع المطاع لا التابع المطيع. 7245 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْلاَ الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِىَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا». تَابَعَهُ أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الشِّعْبِ. وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد البصري (عن عمرو بن يحيى) بفتح العين المازني الأنصاري (عن عباد بن تميم) بفتح العين والموحدة المشددة ابن زيد (عن) عمه (عبد الله بن زيد) المدني الأنصاري المازني رضى الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لولا الهجرة) التي لا يجوز تبديلها (لكنت

95 - كتاب أخبار الآحاد

امرأً من الأنصار ولو سلك الناس واديًا أو شِعبًا) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني وشِعبًا بحذف الألف وفتح الواو (لسلكت وادي الأنصار وشِعبها). (تابعه) أي تابع عباد بن تميم (أبو التياح) بفتح الفوقية والتحتية المشددة وبعد الألف حاء مهملة يزيد بن حميد الضبعي بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة بعدها عين مهملة مكسورة البصري (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الشعب) أي من قوله: ولو سلك الناس واديًا أو شعبًا الخ. والحديث سبق في المناقب. بسم الله الرحمن الرحيم 95 - كتاب أخبار الآحاد (بسم الله الرحمن الرحيم). 1 - باب مَا جَاءَ فِى إِجَازَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الصَّدُوقِ فِى الأَذَانِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالْفَرَائِضِ وَالأَحْكَامِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] وَيُسَمَّى الرَّجُلُ طَائِفَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] فَلَوِ اقْتَتَلَ رَجُلاَنِ دَخَلَ فِى مَعْنَى الآيَةِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وَكَيْفَ بَعَثَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَرَاءَهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَإِنْ سَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ رُدَّ إِلَى السُّنَّةِ. (باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق) أي العمل بقوله (في) دخول وقت (الأذان و) الإعلام بجهة القبلة لأجل (الصلاة و) طلوع الفجر أو غروب الشمس في (الصوم والفرائض) من عطف العام على الخاص (والأحكام) جمع حكم وهو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين من حيث إنهم مكلفون وهو من عطف العام على عام أخص منه لأن الفرائض فرد من الأحكام، والمراد بالواحد هنا حقيقة الوحدة. وعند الأصوليين ما لم يتواتر والتقييد بالصدق لا بدّ منه فلا يحتج بالكذوب اتفاقًا أمَّا من لم يعرف حاله فثالثها يجوز إن اعتضد. قال في الفتح: وسقطت البسملة لأبي ذر والقابسي والجرجاني، وثبتت هنا قبل الباب في رواية كريمة والأصيلي، ويحتمل أن يكون هذا من جملة أبواب الاعتصام فإنه من جملة متعلقاته فلعل بعض من بيّض الكتاب قدمه عليه ووقع في بعض النسخ كتاب خبر الواحد وليس بعده باب والذي عند الجميع بلفظ باب فيكون من جملة كتاب الأحكام وهو واضح نعم في نسخة الصغاني كتاب أخبار الآحاد ثم قال باب ما جاء الخ. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على السابق وسقطت الواو لغير أبي ذر فقول رفع ({فلولا}) فهلا ({نفر من كل فرقة منهم طائفة}) أي من كل جماعة كثيرة جماعة قليلة منهم يكفونهم النفير ({ليتفقهوا في الدين}) ليتكلفوا الفقاهة فيه ويتجشموا المشاق في تحصيلها ({ولينذروا قومهم}) وليجعلوا مرمى همتهم إلى التفقه إنذار قومهم إرشادهم ({إذا رجعوا إليهم}) دون الأغراض الخسيسة من التصدر والترؤس والتشبه بالظلمة في المراكب والملابس ({لعلهم يحذرون} [التوبة: 122]) ما يجب اجتنابه واستدلّ به على أن أخبار الآحاد يلزم بها العمل لأن عموم كل فرقة يقتضي أن ينفر من كل ثلاثة تفردوا بقرية طائفة إلى التفقه لتنذر فرقتها كي يتذكروا ويحذروا، فلو لم تعتبر الأخبار ما لم تتواتر لم يفد ذلك وسقط لغير كريمة قوله ليتفقهوا الخ. وقال بعد قوله: {طائفة} الآية. قال البخاري: (ويسمى الرجل) الواحد (طائفة لقوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: 9] فلو اقتتل رجلان) ولأبي ذر عن الكشميهني الرجلان (دخلا في معنى الآية) لإطلاق الطائفة على الواحد، وبهذا احتج إمامنا الشافعي وقبله ابن مجاهد وعن ابن عباس وغيره أن لفظ الطائفة يتناول الواحد فما فوقه ولا يختص بعدد معين وعن ابن عباس أيضًا من أربعة إلى أربعين وعن عطاء اثنان فصاعدًا. (وقوله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبأ}) بخبر وتنكير الفاسق والنبأ للتعميم كأنه قال أيّ فاسق جاءكم بأي نبأ ({فتبينوا} [الحجرات: 6]) فتوقفوا فيه وتطلبوا بيان الأمر وانكشاف الحقيقة ولا تعتمدوا قول الفاسق، لأن من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوع منه. وفي الآية دليل على قبول خبر الواحد العدل لأنّا لو توقفنا في خبره لسوّينا بينه وبين الفاسق ولخلا التخصيص به عن الفائدة. وقال ابن كثير: ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء من قبول مجهول الحال لاحتمال فسقه في نفس الأمر وقبله آخرون لأنّا إنما أمرنا بالتثبت عند خبر الفاسق، وهذا ليس بمحقق الفسق لأنه مجهول الحال. (وكيف بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمراءه) جمع أمير ولأبي ذر عن الكشميهني أمراء بحذف الضمير إلى الجهات (واحدًا بعد واحد) فلو لم يكن خبر الواحد مقبولاً لما كان في إرساله معنى، وإنما أرسل آخر بعد الأوّل مع كون خبره مقبولاً ليذكره عند السهو

كما قال (فإن سها أحد منهم) أي من العلماء المبعوثين (ردّ) بضم الراء مبنيًّا للمفعول (إلى السُّنّة). أي الطريقة المحمدية الشاملة للواجب والمندوب وغيرهما. 7246 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ بْنُ الحُوَيْرِثْ قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ» وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لاَ أَحْفَظُهَا «وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِى أُصَلِّى، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الحافظ قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي أنه قال: (حدّثنا مالك بن الحويرث) بضم الحاء المهملة آخره مثلثة مصغرًا حجازي سكن البصرة ومات بها -رضي الله عنه-، وثبت قوله ابن الحويرث في رواية أبي ذر أنه (قال: أتينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وافدين عليه (ونحن شببة) بمعجمة وموحدتين مفتوحات جمع شاب وهو من كان دون الكهولة (متقاربون) أي في السن أو في القراءة كما في مسلم أو في العلم كما في أبي داود (فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رفيقًا) بفاء وقاف من الرفق، وفي مسلم رقيقًا بقافين وكذا هو عند بعض رواة البخاري وهو من الرقة (فلما ظن أنّا قد اشتهينا أهلنا) بفتح اللام أزواجنا أو أعمّ ولأبي ذر عن الكشميهني أهلينا بكسر اللام وزيادة تحتية ساكنة بعدها (أو) قال (قد اشتقنا سألنا) بفتح اللام -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عمن تركنا بعدنا فأخبرناه) بذلك (قال): (ارجعوا إلى أهليكم) بفتح الهمزة وسكون الهاء وكان ذلك بعد الفتح وقد انقطعت الهجرة والمقام بالمدينة راجع إلى اختيار الوافد إليها (فأقيموا فيهم وعلّموهم) شرائع الإسلام (ومروهم) بالإتيان بالواجبات والاجتناب عن المحرمات قال أبو قلابة (وذكر) مالك بن الحويرث (أشياء أحفظها أو لا أحفظها) ليس بشك بل تنويع ومن جملة الأشياء التي حفظها أبو قلابة عن مالك قوله عليه الصلاة والسلام: (وصلّوا كما رأيتموني أصلّي فإذا حضرت الصلاة) أي دخل وقتها (فليؤذّن لكم أحدكم وليؤمّكم) في الصلاة (أكبركم) في الفضل أو في السن عند التساوي في الفضيلة. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فليؤذّن لكم أحدكم لأن أذان الواحد يؤذِن بدخول الوقت والعمل به. والحديث سبق بعين هذا المتن والإسناد في باب الأذان للمسافر من كتاب الصلاة. 7247 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ -أَوْ قَالَ: يُنَادِى- لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، وَيُنَبِّهَ نَائِمَكُمْ وَلَيْسَ الْفَجْرُ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا» وَجَمَعَ يَحْيَى كَفَّيْهِ حَتَّى يَقُولَ: هَكَذَا وَمَدَّ يَحْيَى إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (عن يحيى) بن سعيد القطان (عن التيمي) سليمان بن طرخان (عن أبي عثمان) عبد الرحمن النهدي بفتح النون وسكون الهاء (عن ابن مسعود) عبد الله -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يمنعن أحدكم أذان بلال من) أكل (سحوره) بفتح السين (فإنه يؤذّن أو قال ينادي بليل) أي فيه (ليرجع) بفتح المثناة التحتية وسكون الراء وكسر الجيم المخففة من رجع ثلاثيًّا أي ليردّ (قائمكم) بالرفع وفي اليونينية قائمكم بالفتح مصلحًا على كشط مصححًا عليها وليرجع بفتح أوله، وقوله في التنقيح وحكى فيه ثعلب أرجعت رباعيًّا فعلى هذا يضم أوله، وتعقبه في التوضيح فقال: إن أراد مطلقًا حتى يدخل فيه هذا الحديث فيفتقر إلى ثبوت رواية فيه بالضم، وإلاّ فليس في نسخ البخاري إلا الفتح على ما أفهمه كلام الشارحين وإن أراد غير ذلك فليس مما نحن بصدده اهـ. وفي الفرع كأصله عن أبي ذر: ليرجع بضم حرف المضارعة وفتح الراء وتشديد الجيم مكسورة ومفتوحة في اليونينية قائمكم بالنصب على المفعولية، والمراد به القائم في التهجد يعني لينام تلك اللحظة ليصبح نشيطًا أو ليتسحر إن أراد الصوم. (وينبه) يوقظ (نائمكم) ليستعد للصلاة (وليس الفجر أن يقول) أن يظهر (هكذا) مستطيلاً غير منتشر وهو الفجر الكاذب (وجمع يحيى) بن سعيد القطان (كفيه حتى يقول) يظهر (هكذا ومدّ يحيي) القطان المذكور (إصبعيه السبابتين) أي حتى يصير مستطيلاً منتشرًا في الأفق ممدودًا من الطرفين اليمين والشمال وهو الفجر الصادق وفيه إطلاق القول على الفعل. والحديث سبق في باب الأذان قبل الفجر من أبواب الأذان ومطابقته للترجمة في قوله: لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه مخبر أن الوقت الذي أذّن فيه من الليل حتى يجوز التسحر فيه

وهو خبر واحد صدوق. 7248 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ بِلاَلاً يُنَادِى بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِىَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي البصري قال: (حدّثنا عبد الله بن دينار) المدني مولى ابن عمر (قال: سمعت عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن بلالاً ينادي) أي يؤذّن (بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم) عبد الله، وقيل عمرو بن قيس القرشي العامري الأعمى واسم أم مكتوم عاتكة بنت عبد الله. ومطابقته للترجمة في قوله إن بلالاً ينادي بليل كما تقرر في السابق. والحديث سبق أيضًا في الأذان. 7249 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقِيلَ: أَزِيدَ فِى الصَّلاَةِ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ»؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن غياث قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية مصغرًا (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: صلّى بنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظهر خمسًا) أي خمس ركعات (فقيل) له لما سلّم يا رسول الله (أزيد في الصلاة) ركعة؟ (قال) عليه الصلاة والسلام: (وما ذاك)؟ أي وما سؤالكم عن الزيادة في الصلاة (قالوا: صليت خمسًا فسجد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (سجدتين) للسهو (بعدما سلّم) لتعذر السجود قبله لعدم علمه بالسهو وعبّر هنا بقوله: قالوا صليت بلفظ الجمع، وفي باب إذا صلّى خمسًا من طريق أبي الوليد هشام عن شعبة قال: صليت خمسًَا بلفظ الإفراد، وبهذا تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة هنا إذ الحديثان حديث واحد عن صحابي واحد في حادثة واحدة، وقد صدقه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعمل بإخباره لكونه صدوقًا عنده، ولم يقف الحافظ ابن حجر على تسمية من واجهه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك. 7250 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْصَرَفَ مِنِ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أَقَصُرَتِ الصَّلاَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ: «أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ»؟ فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ سَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ ثُمَّ رَفَعَ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم ابن أنس الأصبحي (عن أيوب) السختياني (عن محمد) أي ابن سيرين (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انصرف من انثتين) ركعتين أي من إحدى صلاتي العشيّ كما في الرواية الأخرى (فقال له ذو اليدين): الخرباق وكان في يديه طول (أقصرت الصلاة) بهمزة الاستفهام الاستخباري وفتح القاف وضم الصاد المهملة (يا رسول الله أم نسيت؟ فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للناس: (أصدق ذو اليدين)؟ فيما قاله والهمزة للاستفهام (فقال الناس: نعم) صدق (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أحرم ثم جلس ثم قام (فصلّى ركعتين أخريين) بتحتيتين بعد الراء فنون (ثم سلّم ثم كبّر ثم سجد) وكان سجوده (مثل سجوده) الذي للصلاة (أو أطول) منه شك من الراوي (ثم رفع ثم كبَّر فسجد) سجودًا (مثل سجوده) للصلاة فهو نعت لمصدر محذوف أو هو حال أي سجد السجود في حال كونه مثل سجوده فهو حال من المصدر بعد إضماره (ثم رفع) من سجوده ثم سلّم من غير أن يتشهد. ومطابقته ظاهرة لأنه عمل بخبر ذي اليدين وهو واحد وإنما قال: أصدق ذو اليدين لاستثبات خبره لكونه انفرد دون من صلّى معه لاحتمال خطئه في ذلك ولا يلزم منه ردّ خبره مطلقًا، وهذا على قول من يرى رجوع الإمام في السهو إلى إخبار من يفيد خبره العلم عنده وهو رأي البخاري، ولذلك أورد الخبرين هنا بخلاف من يحمل الأمر على أنه تذكر فلا يتجه إيراده في هذا المحل قاله في الفتح، وسبق في السهو في باب من لم يتشهد في سجدتي السهو. 7251 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِى صَلاَةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار) المدني (عن) مولاه (عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- أنه (قال: بينا) بغير ميم (الناس بقباء) بالهمز والمدّ منصرف على أنه مذكر ويجوز المنع من الصرف بتأويل البقعة ويجوز فيه القصر وبين ظرف والناس مبتدأ أو بقباء متعلق بالخبر أي مستقرون بقباء (في صلاة الصبح) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: الفجر (إذ جاءهم آت) هو عباد بن بشر وإذ هنا للمفاجأة كإذا وآت اسم فاعل من أتى يأتي صفة لموصوف محذوف أي رجل (فقال:

إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أنزل عليه الليلة قرآن) يريد قوله تعالى: {قد نرى تقلُّب وجهك في السماء} [البقرة: 144] الآيات. (وقد أُمر) بضم الهمزة فيهما عليه الصلاة والسلام (أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها) بكسر الموحدة فيهما على الأمر في الثاني وتفتح فيه على الخبر وضمير الفاعل على كسرها لأهل قباء وعلى فتحها عليهم أو على أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المصلّين معه (وكانت وجوههم إلى الشأم فاستداروا إلى الكعبة) بأن تحوّل الإمام من مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخره ثم تحولت الرجال حتى صاروا خلفه وتحولت النساء حتى صرن خلف الرجال ولم تتوالَ خطاهم عند التحويل بل وقعت مفرقة. والحديث سبق في الصلاة ومطابقته في قوله: إذ أتاهم آتٍ لأن الصحابة قد عملوا بخبره واستداروا إلى الكعبة. 7252 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] فَوُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ وَصَلَّى مَعَهُ رَجُلٌ الْعَصْرَ، ثُمَّ خَرَجَ فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَّهُ قَدْ وُجِّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ فِى صَلاَةِ الْعَصْرِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى البلخي قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب -رضي الله عنه- أنه (قال: لما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) في الهجرة من مكة (صلّى نحو) أي جهة (بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا) من الهجرة (وكان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يحب أن يوجه) بضم التحتية وفتح الجيم مشددة مبنيًّا للمفعول أي يؤمر بالتوجه (إلى الكعبة فأنزل الله تعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السماء}) أي تردد وجهك وتصرف نظرك في جهة السماء وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتوقع من ربه أن يحوله إلى الكعبة موافقة لإبراهيم ومخالفة لليهود لأنها أدعى للعرب إلى الإيمان لأنها مفخرتهم ومطافهم ومزارهم ({فلنولينك}) فلنعطينك ولنمكننك من استقبالها أو فلنجعلنك تلي سمتها دون سمت بيت المقدس ({قبلة ترضاها}) تحبها وتميل إليها لأغراضك الصحيحة التي أضمرتها ووافقت مشيئة الله وحكمته (فوجه) بضم الواو وكسر الجيم (نحو الكعبة وصلى معه رجل) اسمه عباد بن بشر كما عند ابن بشكوال أو عباد بن نهيك (العصر). ولا تنافي بين قوله هنا العصر وقوله في السابقة الصبح بقباء لأن العصر ليوم التوجه بالمدينة والصبح لأهل قباء في اليوم الثاني (ثم خرج فمرّ على قوم من الأنصار) يصلّون العصر نحو بيت المقدس (فقال: هو يشهد أنه صلّى مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا على طريق التجريد جرّد من نفسه شخصًا أو على طريق الالتفات أو نقل الراوي كلامه بالمعنى (وأنه) عليه الصلاة والسلام (قد وجه) بضم الواو وكسر الجيم (إلى الكعبة فانحرفوا وهم ركوع في صلاة العصر). نحو الكعبة. والحديث سبق في باب التوجه نحو القبلة من الصلاة ومطابقته ظاهرة. وقال في مصابيح الجامع فإن قلت: إن كان مقصود البخاري أن يثبت قبول خبر الواحد بهذا الخبر الذي هو خبر الواحد فإن ذلك إثبات الشيء بنفسه. وأجاب: بأنه إنما مقصوده التنبيه على مثال من أمثلة قبولهم خبر الواحد ليضم إليه أمثالاً لا تحصى فثبت بذلك القطع بقبولهم لخبر الواحد قال: ثم مما يتعلق بالكلام على هذا الحديث وهو استقبال أهل قباء إلى الكعبة عند مجيء الآتي لهم وهم في صلاة الصبح لأنه عليها السلام أمر أن يستقبل الكعبة أن نسخ الكتاب والسُّنَّة المتواترة بخبر الواحد هل يجوز أولاً الأكثرون على المنع لأن المقطوع لا يزال بالمظنون فنقل عن الظاهرية به جواز ذلك واستدلّ للجواز بهذا الحديث، ووجه الدليل أنهم قد عملوا بخبر الواحد ولم ينكر عليهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال ابن دقيق العيد: وفي هذا الاستدلال عندي مناقشة فإن المسألة مفروضة في نسخ الكتاب والسُّنَّة المتواترة بخبر الواحد ويمتنع في العادة أهل قباء مع قربهم منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإتيانهم إليه وتيسر مراجعتهم له أن يكون مستندهم في الصلاة إلى بيت المقدس خبرًا عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع طول المدة ستة عشر شهرًا من غير مشاهدة لفعله أو مشافهة من قوله. قال البدر الدماميني: ليس الكلام في صلاتهم إلى بيت المقدس مع طول المدة

وإنما هو في الصلاة التي استداروا في أثنائها إلى الكعبة بمجرد إخبار الصحابي الواحد لهم بتحويل القبلة، ولم ينكر عليهم ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا هو الذي استدلوا به فيما يظهر والشيخ أي ابن دقيق العيد لم يدفعه ثم أطال الكلام -رحمه الله- في ذلك بما هو مسطور في شرح العمدة فليراجع. 7253 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كُنْتُ أَسْقِى أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِىَّ وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَأُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَهْوَ تَمْرٌ فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أَنَسُ قُمْ إِلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى انْكَسَرَتْ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة المكي المؤذن قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت أسقي أبا طلحة) زيد بن سهل (الأنصاري وأبا عبيدة بن الجراح) عامر بن عبد الله بن الجراح (وأبيّ بن كعب) الأنصاري (شرابًا من فضيخ) بفاء مفتوحة فضاد معجمة مكسورة فتحتية ساكنة فحاء معجمة (وهو) أي الفضيخ (تمر) مفضوخ أي مكسور يتخذ منه ذاك الشراب (فجاءهم آتٍ) فاعل وعلامة الرفع ضمة مقدرة ولم يقف الحافظ ابن حجر على اسم هذا الآتي (فقال: إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة) لي: (يا أنس قم إلى هذه الجرار) التي فيها شراب الفضيخ (فاكسرها. قال أنس) -رضي الله عنه- (فقمت إلى مهراس لنا) بكسر الميم وسكون الهاء آخره سين مهملة (فضربتها بأسفله حتى انكسرت) وفي باب نزل تحريم الخمر فأهرقها فأهرقتها. ومطابقته للترجمة ظاهرة وفي بعض طرق الحديث فوالله ما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل. قال في الفتح: وهو حجة قوية في قبول خبر الواحد لأنهم أثبتوا به نسخ الشيء الذي كان مباحًا حتى أقدموا من أجله على تحريمه والعمل بمقتضى ذلك. 7254 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأَهْلِ نَجْرَانَ: «لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ» فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الإمام أبو أيوب الواشحي البصري قاضي مكة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن صلة) بكسر الصاد المهملة وفتح اللام مخففة ابن زفر العبسي (عن حذيفة) بن اليمان -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لأهل نجران) بفتح النون وسكون الجيم بلد باليمن وقد كانوا سألوه أن يبعث معهم رجلاً أمينًا: (لأبعثن إليكم رجلاً أمينًا حق أمين). فيه توكيد والإضافة نحو: إن زيد العالِم حق عالِم وجدّ عالِم أي عالِم حقًّا وجدًّا يعني عالِم يبالغ في العلم جدًّا (فاستشرف) أي تطلع (لها) ورغب فيها حرصًا على الوصف بالأمانة (أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبعث) لهم (أبا عبيدة) بن الجراح والوصف بالأمانة وإن كان في الكل لكنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خصّ بعضهم بوصف يغلب عليه كما في وصف عثمان بالحياء. والحديث سبق في مناقب أبي عبيدة وفي المغازي. 7255 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن خالد) هو ابن مهران الحذاء البصريّ (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه قال (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة) المحمدية (أبو عبيدة) بن الجراح. والحديث سبق في مناقبه أيضًا وأوردهُ هنا مناسبة لسابقه فيكون مناسبًا للترجمة لأن المناسب للمناسب للشيء مناسب لذلك الشيء. 7256 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ - رضى الله عنهم - قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِذَا غَابَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَهِدْتُهُ أَتَيْتُهُ بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَإِذَا غِبْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَهِدَ أَتَانِى بِمَا يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) بفتح الحاء وتشديد الميم وزيد من الزيادة ابن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي الأزرق (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عبيد بن حسين) بضم العين والحاء المهملتين فيهما مصغرين مولى زيد بن الخطاب (عن ابن عباس عن عمر -رضي الله عنه-) أنه (قال: وكان رجل من الأنصار) اسمه أوس بن خولى (إذا غاب عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشهدته) أي حضرته (أتيته بما يكون من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من أقواله وأفعاله وأحواله (وإذا غبت عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وشهد) هو ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني وشهده أي حضر ما يكون عنده (أتاني بما يكون من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). والحديث سبق بتمامه في تفسير سورة التحريم، وفي باب التناوب في العلم من كتاب العلم، ويستفاد

منه أن عمر -رضي الله عنه- كان يقبل خبر الشخص الواحد. 7257 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً، فَأَوْقَدَ نَارًا وَقَالَ: «ادْخُلُوهَا فَأَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا فَرَرْنَا مِنْهَا فَذَكَرُوا لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا: «لَوْ دَخَلُوهَا لَمْ يَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». وَقَالَ لِلآخَرِينَ: «لاَ طَاعَةَ فِى مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِى الْمَعْرُوفِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة المعروف ببندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن زبيد) بضم الزاي وفتح الموحدة ابن الحارث اليامي (عن سعد بن عبيدة) بإسكان العين في الأول وضمها في الثاني ختن أبي عبد الرحمن السلمي (عن أبي عبد الرحمن) السلمي (عن علي -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث رجلاً) لأجل ناس تراءاهم أهل جدة (وأمّر عليهم رجلاً) اسمه عبد الله بن حذافة السهمي المهاجري. زاد في الأحكام من الأنصار ويؤوّل بأنه أنصاري بالمحالفة أو بالمعنى الأعم من كونه ممن نصر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الجملة (فأوقد) بالإفراد ولأبي ذر فأوقدوا (نارًا وقال): بالواو ولأبي الوقت فقال (ادخلوها فأرادوا أن يدخلوها. وقال آخرون: وإنما فررنا منها فذكروا) ذلك (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال للذين أرادوا أن يدخلوها): (لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة) أي لماتوا فيها ولم يخرجوا منها مدة الدنيا وفي الأحكام: لو دخلوا فيها ما خرجوا منها أبدًا، ويحتمل أن يكون الضمير النار الآخرة والتأبيد محمول على طول الإقامة على البقاء (وقال) عليه الصلاة والسلام (للآخرين): الذين لم يريدوا دخولها (لا طاعة في معصية) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في المعصية (إنما) تجب (الطاعة في المعروف) قال السفاقسي: لا مطابقة بين الحديث وما ترجم له لأنهم لم يطيعوه في دخول النار. وأجاب في الفتح: بأنهم كانوا مطيعين لهُ في غير ذلك وبه يتم الغرض. والحديث سبق في أوائل الأحكام في باب السمع والطاعة للإمام. 7258 - 7259 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَزَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا زهير بن حرب) بضم الزاي مصغرًا أبو خيثمة النسائي الحافظ نزيل بغداد قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة (أخبره أن أبا هريرة وزيد بن خالد) الجهني -رضي الله عنهما- (أخبراه أن رجلين اختصما إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 7260 - وَحَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَعْرَابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ لِى بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ لَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِى فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ: «قُلْ». فَقَالَ: إِنَّ ابْنِى كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، وَالْعَسِيفُ: الأَجِيرُ، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُونِى أَنَّ عَلَى ابْنِى الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِى أَنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ الرَّجْمَ، وَإِنَّمَا عَلَى ابْنِى جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، فَقَالَ: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرُدُّوهَا وَأَمَّا ابْنُكَ فَعَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ -لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ- فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا»، فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا. وبه قال المؤلّف: (وحدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا هريرة) رضي الله عنه (قال: بينما) بالميم (نحن عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية ابن أبي ذئب عند البخاري وهو جالس في المسجد (إذ قام رجل من الأعراب فقال: يا رسول الله اقضِ لي بكتاب الله) الذي في حكم به على عباده أو المراد ما تضمنه القرآن (فقام خصمه) زاد في رواية أخرى وكان أفقه منه (فقال: صدق يا رسول الله اقض له بكتاب الله) وفي رواية أخر فاقض له بزيادة الفاء وفيه جزاء شرط محذوف يعني اتفقت معه بما عرض على جنابك فاقضِ موضع كلمة التصديق موضع الشرط (وائذن لي) زاد ابن أبي شيبة عن سفيان حتى أقول (فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قل. فقال): أي الثاني كما هو ظاهر السياق (إن ابني) زاد في باب الاعتراف بالزنا هذا وفيه أن الابن كان حاضرًا فأشار إليه ومعظم الروايات ليس فيها لفظ: هذا (كان عسيفًا) بفتح العين وكسر السين المهملة آخره فاء (على هذا) إشارة لخصمه وهو زوج المرأة. قال الزهري أو غيره (والعسيف الأجير) وسمي به لأن المستأجر يعسفه في العمل والعسف الجور وقوله على هذا ضمن على معنى عند وكأن الرجل استخدمه فيما تحتاج إليه امرأته من الأمور فكان ذلك سببًا لما وقع له معها (فزنى بامرأته) أي يعرف الحافظ ابن حجر اسمها ولا اسم الابن (فأخبروني أن على ابني الرجم فافتديت) بالفاء (منه) أي من الرجم (بمائة من الغنم ووليدة) جارية وكأنهم ظنوا أن ذلك حق له يستحق أن يعفو عنه على

2 - باب بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- الزبير طليعة وحده

مال يأخذه منه وهو ظن باطل (ثم سألت أهل العلم فأخبروني أن على امرأته الرجم) لأنها محصنة (وإنما على ابني جلد مائة وتغريب عام) فيه جواز الإفتاء في زمانه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبلده (فقال) صلوات الله وسلامه عليه: (والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله) وفي رواية عمرو بن شعيب عن ابن شهاب عند النسائي: لأقضين بينكما بالحق وذلك يرجح الاحتمال الأول في قوله اقضِ لي بكتاب الله (أما الوليدة والغنم فردوها) على صاحبها (وأما ابنك فعليه جلد مائة وتغريب عام) لأنه اعترف وكان بكرًا (وأما أنت يا أنيس -لرجل من أسلم-) قال ابن السكن في كتاب الصحابة: لا أدري من هو ولا وجدت له رواية ولا ذكرًا إلا في هذا الحديث، وقال ابن عبد البر هو ابن الضحاك الأسلمي (فاغد على امرأة هذا) بالغين المعجمة الساكنة أي فاذهب إليها (فإن اعترفت) بالزنا (فارجمها. فغدا عليها) فذهب إليها (أنيس) فسألها (فاعترفت فرجمها) بعد استيفاء الشروط الشرعية وعُدِّي غدا بعلى لفائدة الاستعلاء أي متأمرًا عليها وحاكمًا عليها. وقد عديت بعلى في القرآن الكريم. قال تعالى: {أن اغدو على حرثكم} [القلم: 22] وقال الشاعر: وقد أغدو على ثبة كرام ... نشاوى واجدين لما نشاء ومباحث هذا الحديث سبقت في مواضع كالمحاربين فلتراجع من مظانها، وفي الحديث أن المخدرة التي لا تعتاد البروز لا تكلف الحضور لمجلس الحكم، بل يجوز أن يرسل إليها من يحكم لها وعليها. ومطابقته للترجمة قيل من تصديق أحد المتخاصمين الآخر وقبول خبره. 2 - باب بَعْثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الزُّبَيْرَ طَلِيعَةً وَحْدَهُ (باب بعث النبي) بإضافة باب لتاليه وإسكان العين وفي نسخة باب بالتنوين بعث النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح عين بعث فعلاً ماضيًا والنبي رفع فاعل (الزبير) بن العوّام حال كونه (طليعة وحده). ليطلع يوم الأحزاب على أحوال العدوّ. 7261 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَدَبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ فَقَالَ: «لِكُلِّ نَبِىٍّ حَوَارِىٌّ، وَحَوَارِىِّ الزُّبَيْرُ». قَالَ سُفْيَانُ: حَفِظْتُهُ مِنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ وَقَالَ لَهُ أَيُّوبُ: يَا أَبَا بَكْرٍ حَدِّثْهُمْ عَنْ جَابِرٍ فَإِنَّ الْقَوْمَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ تُحَدِّثَهُمْ عَنْ جَابِرٍ فَقَالَ فِى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ: سَمِعْتُ جَابِرًا فَتَابَعَ بَيْنَ أَحَادِيثَ سَمِعْتُ جِابِرًا قُلْتُ لِسُفْيَانَ: فَإِنَّ الثَّوْرِىَّ يَقُولُ يَوْمَ قُرَيْظَةَ: فَقَالَ كَذَا حَفِظْتُهُ كَمَا أَنَّكَ جَالِسٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ قَالَ سُفْيَانُ: هُوَ يَوْمٌ وَاحِدٌ وَتَبَسَّمَ سُفْيَانُ. وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) ولأبي ذر: ابن المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا ابن المنكدر) محمد (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- (قال: ندب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس) أي دعاهم وطلبهم (يوم الخندق) أن يأتوه بأخبار العدوّ (فانتدب الزبير) أي أجاب فأسرع (ثم ندبهم) عليه الصلاة والسلام (فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير) بتكرار ثم مرتين وزاد في رواية أبي ذر ثلاثًا أي كرر ندب الناس فانتدب الزبير ثلاث مرات (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لكل نبي حواري) بفتح الحاء المهملة وفتح الواو وكسر الراء وتشديد التحتية ناصر (وحواري) ناصري (الزبير). والمراد أنه كان له اختصاص بالنصرة وزيادة فيها على سائر أقرانه لا سيما في ذلك اليوم وإلاّ فكل أصحابه كانوا أنصارًا له عليه الصلاة والسلام. (قال سفيان) بن عيينة (حفظته) أي الحديث (من ابن المنكدر) محمد (وقال له) أي لابن المنكدر (أيوب) السختياني (يا أبا بكر) هي كنية محمد بن المنكدر (حدّثهم) بكسر الدال (عن جابر فإن القوم يعجبهم أن تحدّثهم عن جابر) كلمة أن مصدرية (فقال) ابن المنكدر (في ذلك المجلس: سمعت جابرًا فتابع) بفوقية واحدة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فتتابع بفوقيتين (بين أحاديث) ولأبي ذر عن الكشميهني بين أربعة أحاديث (سمعت جابرًا) قال علي بن المديني (قلت لسفيان) بن عيينة (فإن الثوري) سفيان (يقول يوم قريظة) يعني بدل قوله يوم الخندق (فقال) ابن عيينة: (كذا حفظته منه) من ابن المنكدر ولفظه منه ثابتة لأبي الوقت (كما أن جالس يوم الخندق. قال سفيان) بن عيينة (هو يوم واحد) يعني يوم الخندق ويوم قريظة (وتبسم سفيان) بن عيينة. قال في الفتح: وهذا إنما يصح على إطلاق اليوم على الزمان الذي يقع فيه الكثير سواء قلّت أيامه أو كثرت كما يقال يوم الفتح ويراد به الأيام التي أقام فيها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة لما فتحها، وكذا وقعة الخندق دامت أيامًا آخرها لما انصرفت الأحزاب، ورجع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه

3 - باب قول الله تعالى: {لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} [الأحزاب: 53] فإذا أذن له واحد جاز

إلى منازلهم فجاءه جبريل بين الظهر والعصر فأمره بالخروج إلى بني قريظة فخرجوا ثم حاصرهم أيامًا حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ. وقال الإسماعيلي: إنما طلب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الخندق خبر بني قريظة، ثم ذكر من طريق فليح بن سليمان عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: ندب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الخندق من يأتيه بخبر بني قريظة فمن قال يوم قريظة أي الذي أراد أن يعلم فيه خبرهم لا اليوم الذي غزاهم فيه وذلك مراد سفيان والله أعلم. والمطابقة في قوله ندب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فانتدب الزبير وسبق في الجهاد في باب هل يبعث الطليعة وحده. 3 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: 53] فَإِذَا أَذِنَ لَهُ وَاحِدٌ جَازَ (باب قول الله تعالى: {لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} [الأحزاب: 53]) أن يؤذن لكم في موضع الحال أي لا تدخلوا إلا مأذونًا لكم أو في معنى الظرف تقديره وقت أن يؤذن لكم (فإن أذن له واحد جاز) له الدخول لعدم تعيين العدد في النص فصار الواحد من جملة ما يصدق عليه الإذن. قال في الفتح: وهذا متفق على العمل به عند الجمهور حتى اكتفوا فيه بخبر من لم تثبت عدالته لقيام القرينة فيه بالصدق. 7262 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى مُوسَى أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ حَائِطًا، وَأَمَرَنِى بِحِفْظِ الْبَابِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ»، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ»، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد) ولأبي ذر حماد بن زيد أي الأزرق (عن أيوب) السختياني (عن أبي عثمان) عبد الرحمن النهدي (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل حائطًا) يعني بستان أريس (وأمرني بحفظ الباب) ولا مغايرة بين قوله هنا وأمرني وقوله في السابقة ولم يأمرني بحفظه لأن النفي كان في أول ما جاء ودخل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحائط وجلس أبو موسى بالباب وقال لأكونن اليوم بواب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقولى ولم يأمرني بحفظه كان في تلك الحالة ثم لما جاء أبو بكر واستأذن له وأمره أن يأذن له أمره حينئذٍ بحفظ الباب تقريرًا له على ما فعله ورضي به تصريحًا أو تقريرًا فيكون مجازًا (فجاء رجل يستأذن) في الدخول عليه فذكرت له (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ائذن له) في الدخول (وبشره بالجنة، فإذا أبو بكر ثم جاء عمر فقال: ائذن له وبشره بالجنة، ثم جاء عثمان فقال: ائذن له وبشره بالجنة). والحديث سبق في مناقب أبي بكر ومناقب عمر طويلاً وهذا مختصر منه. 7263 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ. سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ - رضى الله عنهم - قَالَ: جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى مَشْرُبَةٍ لَهُ وَغُلاَمٌ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ فَقُلْتُ: قُلْ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَذِنَ لِى. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) العامري الأويسي الفقيه قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) أبو محمد مولى الصديق (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن عبيد بن حنين) بالتصغير فيهما أنه (سمع ابن عباس عن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهم- قال: جئت) أي بعد أن أخبره صاحبه أوس بن خولي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتزل أزواجه (فإذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مشربة) بفتح الميم وضم الراء بينهما معجمه ساكنة أي غرفة (له وغلام لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسود) اسمه رباح (على رأس الدرجة) قاعد (فقلت) له (قل) لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هذا عمر بن الخطاب) يستأذن في الدخول فدخل الغلام واستأذن (فأذن لي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخلت ففيه الاكتفاء بالواحد في الخبر فهو حجة لقبول خبر الواحد والعمل به. وسبق الحديث بطوله في تفسير سورة التحريم وهذا طرف منه وبالله المستعان. 4 - باب مَا كَانَ يَبْعَثُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الأُمَرَاءِ وَالرُّسُلِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَعَثَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دِحْيَةَ الْكَلْبِىَّ بِكِتَابِهِ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ. (باب ما كان يبعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الأمراء) كعتاب بن أسيد على مكة، وعثمان بن أبي العاص على الطائف (والرسل) إلى الملوك كحاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية وشجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك البلقاء (واحدًا بعد واحد). (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله مطولاً في بدء الوحي: (بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دحية) بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس (الكلبي) من كلب وبرة الخزرج بفتح الخاء المعجمة وسكون الزاي وآخره جيم (بكتابه إلى عظيم) أهل (بصرى) بضم الموحدة وفتح الراء بينهما صاد مهملة ساكنة الحارث بن أبي شمر (أن يدفعه إلى قيصر). ملك الروم وهذا التعليق ثابت في رواية الكشميهني دون غيره.

5 - باب وصاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفود العرب أن يبلغوا من وراءهم

7264 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِى اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى، فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، يَدْفَعُهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى مَزَّقَهُ فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أنه قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن عبد الله بن عباس أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث كتابه إلى كسرى) أبرويز بن هرمز مع عبد الله بن حذافة السهمي (فأمره) أي أمر عليه الصلاة والسلام عبد الله بن حذافة (أن يدفعه) أي الكتاب (إلى عظيم البحرين) المنذر بن ساوى (يدفعه عظيم البحرين إلى كسرى) ملك الفرس فدفعه إليهه (فلما قرأه كسرى مزقه) قال ابن شهاب الزهري: (فحسبت أن ابن المسيب) سعيدًا (قال فدعا عليهم) على كسرى وجنوده (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يمزقوا كل ممزق) أي يتفرقوا وقد استجاب الله تعالى دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام فقد انقرضوا بالكلية في خلافة عمر رضي الله عنه، وقد قرأت في تنقيح الزركشي ما نصه عن ابن عباس أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث بكتابه إلى كسرى ثم قال كذا وقع الحديث في الأمهات ولم يذكر فيه دحية بعد قوله بعث والصواب إثباته، وقد ذكره البخاري فيما رواه الكشميهني معلقًا. وقال ابن عباس: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دحية بكتابه إلى عظيم بصرى أن يدفعه إلى قيصر وهو الصواب اهـ. ونقله عنه صاحب المصابيح ساكتًا عليه. قال في الفتح بعد أن ذكره: فيه خبط وكأنه توهم أن القصتين واحدة وحمله على ذلك كونهما من رواية ابن عباس، والحق أن المبعوث لعظيم بصرى هو دحية والمبعوث لعظيم البحرين عبد الله بن حذافة وإن لم يسم في هذه الرواية فقد سمي في غيرها ولو لم يكن في الدليل على المغايرة بينهما إلا بعد ما بين بصرى والبحرين فإن بينهما نحو شهر وبصرى كانت في مملكة هرقل ملك الروم، والبحرين كانت في مملكة كسرى ملك الفرس قال: وإنما نبهت على ذلك خشية أن يغترّ به من ليس له اطّلاع على ذلك والله الموفق. 7265 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ: «أَذِّنْ فِى قَوْمِكَ -أَوْ فِى النَّاسِ- يَوْمَ عَاشُورَاءَ أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (من يزيد بن أبي عبيد) بضم العين مولى سلمة بن الأكوع قال: (حدّثنا سلمة بن الأكوع) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لرجل من أسلم) اسمه هند بن أسماء بن حارثة: (أذّن في قومك أو) قال: (في الناس يوم عاشوراء) بالهمز والمد (أن من أكل) في أول اليوم (فليتم) أي فليمسك عن المفطر (بقية يومه) حرمة لليوم (ومن لم يكن أكل فليصم) زاد في كتاب الصوم فإن اليوم يوم عاشوراء. والحديث سبق في الصوم ثلاثيًّا وهو هنا رباعي، ومطابقته لما ترجم له في قوله قال لرجل من أسلم أذن في قومك فإنه من جملة الرسل الذين أرسلهم، وقد سرد محمد بن سعد كاتب الواقدي في طبقاته أمراء السرايا مستوعبًا لهم فلا أطيل بذكرهم. 5 - باب وَصَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وُفُودَ الْعَرَبِ أَنْ يُبَلِّغُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ قَالَهُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ. (باب وصاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الواو وقد تكسر من غير همز أي وصية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وفود العرب أن يبلغوا) بفتح الموحدة وكسر اللام المشدّدة أي بأن يبلغوا ما سمعوه من العلم (من وراءهم) في موضع نصب على المفعولية (قاله مالك بن الحويرث) بضم الحاء المهملة مصغرًا فيما سبق قريبًا أوائل باب ما جاء في إجازة خبر الواحد. 7266 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ ح وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى جَمْرَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُقْعِدُنِى عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنِ الْوَفْدُ»؟ قَالُوا: رَبِيعَةُ قَالَ: «مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ وَالْقَوْمِ غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ نَدَامَى». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارَ مُضَرَ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ وَنُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، فَسَأَلُوا عَنِ الأَشْرِبَةِ فَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ وَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ، قَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ»؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ. وَأَظُنُّ فِيهِ - صِيَامُ رَمَضَانَ وَتُؤْتُوا مِنَ الْمَغَانِمِ الْخُمُسَ وَنَهَاهُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ». وَرُبَّمَا قَالَ: الْمُقَيَّرِ. قَالَ: «احْفَظُوهُنَّ وَأَبْلِغُوهُنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ». وبه قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين بعدها دال مهملتين الجوهري البغدادي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (ح) للتحويل. قال البخاري: (وحدّثني) بالإفراد (إسحاق) بن راهويه قال في الفتح كما في رواية أبي ذر قال: (أخبرنا النضر) بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة ابن شميل أبو الحسن المازني البصري النحوي شيخ مرو ومحدّثها قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي أنه (قال: كان ابن عباس) -رضي الله عنهما- (يقعدني) بضم أوّله وكسر ثالثه (على سريره) وفي مسند إسحاق بن راهويه أنبأنا النضر بن شميل وعبد الله بن إدريس قالا:

حدّثنا شعبة فذكره وفيه فيجلسني معه على السرير فأترجم بينه وبين الناس (فقال: إن) ولأبي ذر والأصيلي في نسخة فقال لي إن (وفد عبد القيس) بن أفصى (لما أتوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عام الفتح (قال) لهم: (من الوفد)؟ وفي كتاب الإيمان بكسر الهمزة من القوم أو من الوفد بالشك (قالوا) نحن (ربيعة) بن نزار بن معدّ بن عدنان (قال: مرحبًا بالوفد والقوم) مرحبًا مأخوذ من رحب رحبًا بالضم إذا وسع منصوب بعامل مضمر لازم إضماره والمعنى أصبتم رحبًا وسعة ولأبي ذر أو القوم بزيادة همزة قبل الواو بالشك من الراوي (غير خزايا ولا ندامى) جمع نادم على لغة ذكرها القزاز وغير حال من الوفد أو القوم والعامل فيه الفعل المقدّر (قالوا: يا رسول الله إن بيننا وبينك كفار مضر) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة مخفوض للإضافة بالفتحة للعلمية والتأنيث وكانت مساكنهم بالبحرين وما والاها من أطراف العراق (فأمرنا بأمر) زاد في الأيمان فصل بالصاد المهملة والتنوين في الكلمتين على الوصفية (ندخل به الجنة) إذا قبل منا برحمة الله (ونخبر به من وراءنا) من قومنا الذين خلفناهم في بلادنا (فسألوا) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن الأشربة) أي عن ظروفها (فنهاهم عن أربع وأمرهم بأربع أمرهم بالإيمان بالله) أي وحده (قال: هل تدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال) عليه الصلاة والسلام: هو (شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. وأظن فيه) في الحديث (صيام رمضان وتؤتوا) وفي الإيمان وأن تعطوا وهو معطوف على قوله بأربع أي أمرهم بالإيمان وبأن يعطوا (من المغانم) بلفظ الجمع (الخمس). قال في شرح المشكاة: قوله بأمر فصل يحتمل أن يكون الأمر واحد الأوامر وأن يكون بمعنى الشأن، وفصل يحتمل أن يكون بمعنى الفاصل وهو الذي يفصل بين الصحيح والفاسد والحق والباطل وأن يكون بمعنى المفصل أي مبين مكشوف ظاهر ينفصل به المراد عن الاشتباه، فإذا كان بمعنى الشأن والفاصل وهو الظاهر يكون التنكير للتعظيم بشهادة قوله ندخل به الجنة كما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "سألتني عن عظيم" في جواب معاذ أخبرني بعمل يدخلني الجنة. فالمناسب حينئذٍ أن يكون الفصل بمعنى المفصل لتفصيله صلوات الله وسلامه عليه الإيمان بأركانه الخمسة كما فصله في حديث معاذ وإن كان بمعنى واحد الأوامر فيكون التنكير للتقليل، فإذا المراد به اللفظ والباء للاستعانة والمأمور به محذوف أي مُرْنا بعمل بواسطة الفعل وتصريحه في هذا المقام أن يقال لهم آمنوا أو قولوا آمنّا هذا هو المعنى يقول الراوي أمرهم بالإيمان بالله وعلى أن يراد بالأمر الشأن يكون المراد معنى اللفظ ومؤدّاه وعلى هذا الفصل بمعنى الفاصل أي مرنا بأمر فاصل جامع قاطع كما في قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قل آمنت بالله ثم استقم) فالمأمور هاهنا أمر واحد وهو الإيمان والأركان الخمسة كالتفسير للإيمان بدلالة قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتدرون ما الإيمان بالله وحده ثم بينه بما قال فإن قيل: على هذا في قول الراوي إشكالان. أحدهما أن المأمور واحد وقد قال أربع، وثانيهما أن الأركان خمسة وقد ذكر أربعًا. والجواب عن الأول أنه جعل الإيمان أربعًا باعتبار أجزائه المفصلة، وعن الثاني أن من عادة البلغاء أن الكلام إذا كان منصوبًا بالغرض من الأغراض جعلوا سياقه له وتوجهه إليه كأن ما سواه مرفوض مطروح ومنه قوله تعالى: {فعززنا بثالث} [يس: 14] أي فعززناهما ترك المنصوب وأتى بالجار والمجرور لأن الكلام لم يكن مسوقًا له، فهاهنا لما لم يكن الغرض في الإيراد ذكر الشهادتين لأن القوم كانوا مؤمنين مقرّين بكلمتي الشهادة بدليل قولهم الله ورسوله أعلم. وترحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهم ولكن كانوا يظنون أن الإيمان مقصور عليهما وإنهما كافيتان لهم، وكان الأمر في صدر الإسلام كذلك لم يجعله الراوي من الأوامر وقصد به أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نبههم على موجب توهمهم

6 - باب خبر المرأة الواحدة

بقوله: أتدرون ما الإيمان؟ ولذلك خصص ذكر أن تعطوا من المغانم الخمس حيث أتى بالفعل المضارع على الخطاب لأن القوم كانوا أصحاب حروب بدليل قولهم وبيننا وبينك كفار مضر لأنه هو الغرض من إيراد الكلام فصار أمرًا من الأوامر اهـ. (ونهاهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن) الانتباذ في (الدباء) بضم الدال المهملة وتشديد الموحدة والمد القرع (و) الانتباذ في (الحنتم) بالحاء المهملة المفتوحة الجرة الخضراء (و) الانتباذ في (المزفت) ما طلي بالزفت (و) الانتباذ في (النقير) بالنون المفتوحة والقاف المكسورة أصل خشبة تنقر فينتبذ فيه (وربما قال) ابن عباس (المقير) بضم الميم وفتح القاف والتحتية المشددة ما يطلى بالقار نبت يحرق إذا يبس تطلى به السفن كما تطلى بالزفت وهذا منسوخ بحديث مسلم كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأسقية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرًا، وقدره الشيخ عز الدين بن عبد السلام في مجاز القرآن. وأنهاكم عن شرب نبيذ الدباء والحنتم والمزفت والنقير فليتأمل. (قال: احفظوهن) بهمزة وصل (وأبلغوهنّ) بهمزة مفتوحة وكسر اللام (من وراءكم) من قومكم وفيه دليل على أن إبلاغ الخبر وتعليم العلم واجب إذ الأمر للوجوب وهو يتناول كل فرد فرد فلولا أن الحجة تقوم بتبليغ الواحد ما حضهم عليه. والحديث سبق أوائل الكتاب في الإيمان. 6 - باب خَبَرِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ (باب خبر المرأة الواحدة) هل يعمل به أم لا. 7267 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِىِّ، قَالَ: قَالَ لِى الشَّعْبِىُّ: أَرَأَيْتَ حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَاعَدْتُ ابْنَ عُمَرَ قَرِيبًا مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ سَنَةٍ وَنِصْفٍ، فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرَ هَذَا قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِمْ سَعْدٌ فَذَهَبُوا يَأْكُلُونَ مِنْ لَحْمٍ فَنَادَتْهُمُ امْرَأَةٌ مِنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ فَأَمْسَكُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُوا أَوِ اطْعَمُوا فَإِنَّهُ حَلاَلٌ» أَوْ قَالَ: «لاَ بَأْسَ بِهِ» شَكَّ فِيهِ «وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِى». وبه قال: (حدّثنا محمد بن الوليد) بن عبد الحميد البسري القرشي البصري من ولد بسر بن أرطأة قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن توبة) بفتح الفوقية والموحدة بينهما واو ساكنة ابن كيسان (العنبري) بالنون والموحدة والراء نسبة إلى بني العنبر بطن مشهور من بني تميم أنه (قال: قال لي الشعبي) عامر بن شراحيل: (أرأيت) أي أأبصرت (حديث الحسن) البصري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقاعدت ابن عمر) -رضي الله عنهما- أي جالسته (قريبًا من سنتين أو سنة ونصف فلم أسمعه يحدّث) ولأبوي الوقت وذر روى (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير هذا). قال في الفتح: والاستفهام في قوله أرأيت للإنكار، وكان الشعبي ينكر على من يرسل الأحاديث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إشارة إلى أن الحامل لفاعل ذلك طلب الإكثار من التحديث عنه وإلاّ لكان يكتفي بما سمعه موصولاً. وقال في الكواكب: غرضه أن الحسن مع أنه تابعي يكثر الحديث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني جريء على الإقدام عليه، وابن عمر مع أنه صحابي مقلّل فيه محتاط محترز مهما أمكن له، وكان عمر -رضي الله عنه- يحض على قلة التحديث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خشية أن يحدّث عنه بما لم يقل لأنهم لم يكونوا يكتبون، فإذا طال العهد لم يؤمن النسيان: وقول الحافظ ابن حجر وقوله وقاعدت ابن عمر الجملة حالية تعقبه العيني بأنه ليس كذلك بل هو ابتداء كلام لبيان تقليل ابن عمر في الحديث، والإشارة في قوله غير هذا إلى قوله (قال كان ناس من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيهم سعد) بسكون العين ابن أبي وقاص -رضي الله عنه- (فذهبوا يأكلون من لحم) وعند الإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة فأتوا بلحم ضب، وسبق في الأطعمة عن ابن عباس عن خالد بن الوليد أنه دخل مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيده (فنادتهم امرأة من بعض أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهي ميمونة كما عند الطبراني (أنه لحم ضب فأمسكوا) أي الصحابة عن الأكل (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كلوا) منه (أو اطعموا) بهمزة وصل (فإنه حلال، أو قال) عليه الصلاة والسلام (لا بأس به) قال شعبة (شك فيه) توبة العنبري (ولكنه) قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكن الضب (ليس من طعامي) المألوف فلذا أترك أكله لا لكونه حرامًا وفيه إظهار الكراهة

96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة

لما يجده الإنسان في نفسه لقوله في الحديث الآخر فأجدني أعافه. وهذا آخر كتاب الأحكام وما بعده من التمني، وإجازة خبر الواحد. وفرغت منه بعون الله وتوفيقه في يوم الأربعاء خامس عشر شهر الله المحرم الحرام سنة ست عشرة وتسعمائة والله أسأل الإعانة على التكميل فهو حسبي ونعم الوكيل. بسم الله الرحمن الرحيم 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنّة (كتاب الاعتصام) هو افتعال من العصمة وهي المنعة والعاصم المانع والاعتصام الاستمساك بالشيء فالمعنى هنا الاستمساك (بالكتاب) أي بالقرآن (والسُّنّة) وهي ما جاء عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أقواله وأفعاله وتقريره وما همّ بفعله والمراد امتثال قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعًا} [آل عمران: 103] والحبل في الأصل هو السبب وكل ما وصلك إلى شيء فهو حبل وأصله في الإجرام واستعماله في المعاني من باب المجاز، ويجوز أن يكون حينئذٍ من باب الاستعارة، ويجوز أن يكون من باب التمثيل ومن كلام الأنصار -رضي الله عنهم- بيننا وبين القوم حبالاً ونحن قاطعوها يعنون العهود والحلف. قال الأعشى: وإذا تجوّزها حبال قبيلة ... أخذت من الأخرى إليك حبالها يعني: العهود. قال في اللباب: وهذا المعنى غير طائل بل سمي العهد حبلاً للتوصل به إلى الغرض قال: ما زلت معتصمًا بحبل منكم والمراد بالحبل هنا القرآن لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الطويل هو حبل الله المتين. 7268 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مِسْعَرٍ وَغَيْرِهِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ لِعُمَرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَنَّ عَلَيْنَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 3] لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّى لأَعْلَمُ أَىَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ فِى يَوْمِ جُمُعَةٍ سَمِعَ سُفْيَانُ مِنْ مِسْعَرٍ، وَمِسْعَرٌ قَيْسًا وَقَيْسٌ طَارِقًا. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) ولأبوي الوقت وذر: حدّثنا عبد الله بن الزبير الحميدي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن مسعر) بكسر الميم وسكون المهملة ابن كدام بكسر الكاف وفتح المهملة المخففة (وغيره) يحتمل كما قال في الفتح أن يكون سفيان الثوري فإن الإمام أحمد أخرجه من روايته (عن قيس بن مسلم) الجدلي بالجيم المفتوحة والدال المهملة الكوفي (عن طارق بن شهاب) الأحمسي رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكنه لم يثبت له منه سماع أنه (قال: قال رجل من اليهود) هو كعب الأحبار قبل أن يسلم كما عند الطبراني في الأوسط (لعمر) بن الخطاب -رضي الله عنه-: (يا أمير المؤمنين لو أن علينا) معشر اليهود (نزلت هذه الآية: {اليوم أكملت لكم دينكم}) يعني الفرائض والسُّنن والحدود والجهاد والحرام والحلال فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام ولا شيء من الفرائض وهذا ظاهر السياق وفيه نظر وقد ذهب جماعة إلى أن المراد بالإكمال ما يتعلق بأصول الأركان لا ما يتفرع عنها ({وأتممت عليكم نعمتي}) بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين وهدم منار الجاهلية ومناسكهم ({ورضيت لكم الإسلام}) اخترته لكم ({دينًا} [المائدة: 4]) من بين الأديان ورضي يتعدى لواحد وهو الإسلام ودينًا على هذا حال أو يتضمن معنى جعل وصير فيتعدى لاثنين الإسلام دينًا، وعلى في قوله: {وأتممت عليكم} يتعلق بأتممت ولا يجوز تعلقه بنعمتي وإن كان فعلها يتعدى بعلى نحو أنعم الله عليه وأنعمت عليه لأن المصدر لا يتقدم عليه معموله إلا أن ينوب منابه (لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا) نعظمه في كل سنة لعظم ما وقع فيه من كمال الدين (فقال عمر) لكعب: (إني لأعلم أي يوم نزلت هذه الآية) فيه (نزلت يوم عرفة في يوم جمعة) قال ابن عباس: كان ذلك اليوم خمسة أعياد جمعة وعرفة وعيد اليهود وعيد النصارى والمجوس ولم تجتمع أعياد أهل المِلَل في يوم قبله ولا بعده. قال البخاري -رحمه الله تعالى-: (سمع سفيان) بن عيينة حديث طارق هذا (من مسعر) ولأبي ذر سمع سفيان مسعرًا (ومسعرًا) سمع (قيسًا وقيس) سمع (طارقًا) فصرح بالسماع فيما عنعنه أوّلاً اطّلاعًا منه على سماع كل من شيخه. ووجه سياق الحديث هنا من حيث إن الآية تدل على أن هذه الأمة المحمدية معتصمة بالكتاب والسُّنّة لأن الله تعالى منّ عليهم بإكمال الدين وإتمام النعمة ورضي لهم بدين الإسلام. والحديث سبق في كتاب الإيمان. 7269 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ الْغَدَ حِينَ بَايَعَ الْمُسْلِمُونَ أَبَا بَكْرٍ، وَاسْتَوَى عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَشَهَّدَ قَبْلَ أَبِى بَكْرٍ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَاخْتَارَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِى عِنْدَهُ عَلَى الَّذِى عِنْدَكُمْ، وَهَذَا الْكِتَابُ الَّذِى هَدَى اللَّهُ بِهِ رَسُولَكُمْ فَخُذُوا بِهِ تَهْتَدُوا وَإِنَّمَا هَدَى اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ. وبه

1 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بعثت بجوامع الكلم»

قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد المصري الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك أنه سمع عمر) -رضي الله عنه- (الغد) من يوم توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حين بايع المسلمون أبا بكر) الصديق -رضي الله عنه- (واستوى) عمر (على منبر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تشهد قبل أبي بكر) بسكون الموحدة بعد القاف. وفي الأحكام في باب الاستخلاف وأبو بكر صامت لا يتكلم (فقال: أما بعد فاختار الله لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي عنده) من معالي درجات الجنات وحضور حظائر الكرامات (على الذي عندكم) في الدنيا (وهذا الكتاب) أي القرآن (الذي هدى الله به رسولكم فخذوا به تهتدوا وإنما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لما وله عن الكشميهني بما بالموحدة بدل اللام (هدى الله به) بالقرآن (رسوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسولكم كما لا يخفى على ذي لب. والحديث سبق في باب الاستخلاف من كتاب الأحكام. 7270 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ضَمَّنِى إِلَيْهِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا وهب) بضم الواو ابن خالد البصري (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) رضي الله عنهما أنه (قال: ضمني إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال): (اللهم علمه) فهمه (الكتاب) أي القرآن ليعتصم به. وسبق في كتاب العلم. 7271 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفًا أَنَّ أَبَا الْمِنْهَالِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَرْزَةَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يُغْنِيكُمْ أَوْ نَعَشَكُمْ بِالإِسْلاَمِ وَبِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: وَقَعَ هُنَا يُغْنيكُمْ إِنَّمَا هُوَ نَعَشَكُمْ يُنْظَرُ فِي أَصْلِ كِتابِ الاعْتِصامِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن صباح) بفتح الصاد المهملة والموحدة المشددة وبعد الألف حاء مهملة العطار البصري قال: (حدّثنا معتمر) بضم الميم الأولى وكسر الثانية ابن سليمان بن طرخان البصري (قال: سمعت عوفًا) بالفاء الأعرابي (أن أبا المنهال) بكسر الميم وسكون النون سيار بن سلامة (حدّثه أنه سمع أبا برزة) بفتح الموحدة والزاي بينهما راء ساكنة نضلة بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة الأسلمي (قال: إن الله) عز وجل (يغنيكم) بالغين المعجمة من الإغناء (أو نعشكم) بنون فعين مهملة فشين معجمة مفتوحات أي رفعكم أو جبركم من الكسر أو أقامكم من العثرة (بالإسلام وبمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط قوله أو نعشكم لأبي ذر (قال أبو عبد الله) المصنف (وقع هنا يغنيكم) بالغين المعجمة الساكنة بعدها نون (وإنما هو نعشكم) بالنون فالعين المهملة فالشين المعجمة المفتوحات (ينظر) ذلك (في أصل كتاب الاعتصام). قال في الفتح: فيه أنه صنف كتاب الاعتصام مفردًا وكتب منه هنا ما يليق بشرطه في هذا الكتاب كما صنع في كتاب الأدب المفرد فلم رأى هذه اللفظة مغايرة لما عنده أنه الصواب أحال على مراجعة ذلك الأصل وكأنه كان في هذه الحالة غائبًا عنه فأمر بمراجعته وأن يصلح منه، وقد وقع له نحو هذا في تفسير {أنقض ظهرك} [الشرح: 3] كما سبق في تفسير سورة {ألم نشرح} [الشرح: 1] وقوله قال أبو عبد الله الخ ثابت في رواية أبي ذر عن المستملي ساقط لغيره وسقط لابن عساكر في نسخة قوله ينظر الخ. والحديث سبق في الفتن في باب إذا قال عند قوم شيئًا. 7272 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُبَايِعُهُ وَأُقِرُّ لَكَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فِيمَا اسْتَطَعْتُ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن عبد الله بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام الأصبحي (عن عبد الله بن دينار) مولى ابن عمر (أن عبد الله بن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما (كتب إلى عبد الملك بن مروان) بعد قتل عبد الله بن الزبير (يبايعه) على الخلافة (وأقر بذلك بالسمع) ولأبي ذر وأقر لك بالسمع (والطاعة على سُنّة الله وسُنّة رسوله فيما استطعت). ومن كان على سُنّة الله ورسوله فقد اعتصم بهما. والحديث سبق بأتم من هذا في باب كيف يبايع الإمام من أواخر كتاب الأحكام. 1 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الحديث الآتي إن شاء الله تعالى: (بعثت بجوامع الكلم). وروى العسكري في الأمثال من طريق سليمان بن عبد الله النوفلي عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أوتيت جوامع الكلم" واختصر لي الكلام اختصارًا وهو مرسل

وفي سنده من لم أعرفه، وللديلمي بلا سند عن ابن عباس مرفوعًا مثله، لكن بلفظ: أعطيت الحديث بدل الكلم، وعند البيهقي في الشعب نحوه فكل كلمة يسيرة جمعت معاني كثيرة فهي من جوامع الكلم والاختصار هو الاقتصار على ما يدل على الغرض مع حذف أو إضمار والعرب لا يحذفون ما لا دلالة عليه ولا صلة إليه، لأن حذف ما لا دلالة عليه مُنافٍ لغرض وضع الكلام من الإفادة والإفهام وفائدة الحذف تقليل الكلام، وتقريب معانيه إلى الأفهام، والحذف أنواع. أحدها: حذف المضافات وله أمثلة كثيرة منها نسبة التحليل والتحريم والكراهة والإيجاب والاستحباب إلى الأعيان فهذا من مجاز الحذف إذ لا يتصور تعلق الطلب بالإجرام وإنما تطلب أفعال تتعلق بها فتحريم الميتة تحريم لأكلها وتحريم الخمر تحريم لشربها، وأدلة الحذف أنواع منها ما يدل العقل على حذفه والمقصود الأعظم يرشد إلى تعيينه وله مثالان: أحدهما قوله: {حرمت عليكم الميتة} [المائدة: 3]. الثاني: {حرمت عليكم أمهاتكم} [النساء: 23] فإن العقل يدل على الحذف إذ لا يصح تحريم الإجرام، والمقصود الأظهر يرشد إلى أن التقدير حرّم عليكم أكل الميتة حرم عليكم نكاح أمهاتكم. ومباحث هذا طويلة جدًّا لا نطيل بإيرادها. وللشيخ عز الدّين بن عبد السلام مجاز القرآن لخصت منه ما تراه سقى الله بالرحمة ثراه. 7273 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِى أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَتْ فِى يَدِى». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنْتُمْ تَلْغَثُونَهَا، أَوْ تَرْغَثُونَهَا أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) العامري الأويسي الفقيه قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (بعثت بجوامع الكلم) سبق في باب المفاتيح في اليد من كتاب التعبير قال محمد: وبلغني أن جوامع الكلم أن الله تعالى يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين أو نحو ذلك، وأن في رواية أبي ذر قال أبو عبد الله بدل قوله محمد فقيل المراد البخاري وصوب ورجح الحافظ ابن حجر أنه محمد بن مسلم الزهري وأن غير الزهري جزم بأن المراد بجوامع الكلم القرآن بقرينة قوله بعثت والقرآن هو الغاية القصوى في إيجاز اللفظ واتساع المعاني قد بهرت بلاغته العقول وظهرت فصاحته على كل مقول أعجز بإعجازه فرسان البلاغة البارعة، وفرق بجوامع كلمه ذوي الألفاظ الناصعة، والكلمات الجامعة. وكانوا قدحًا ولوا الإتيان ببعض شيء منه فما أطاقوه وراموا ذلك فما استطاعوه إذ رأوه نظمًا عجيبًا خارجًا عن أساليب كلامهم ووصفًا بديعًا مباينًا لقوانين بلاغتهم ونظامهم، فأيقنوا بالقصور عن معارضته، واستشعروا العجز عن مقابلته، ولما سمع المغيرة بن الوليد من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الله يأمر بالعدل والإحسان الآية قال والله ان له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر، وسمع أعرابي رجلاً يقرأ [فاصدع بما تؤمر} [الحجر: 94] فسجد وقال: سجدت لفصاحته، وقد ذكروا من أمثلة جوامع الكلم في القرآن قوله تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أُولي الألباب لعلكم تتقون} [البقرة: 179] وقوله: {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب} [سبأ: 51] وقوله: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصّلت: 34] وقوله: {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي} [هود: 44] الآية. قال القاضي عياض: إذا تأملت هذه الآيات وأشباهها حققت إيجاز ألفاظها وكثرة معانيها وديباجة عبارتها وحسن تأليف حروفها وتلاؤم كلمها وأن تحت كل لفظة منها جملاً كثيرة وفصولاً جمة وعلومًا زواخر ملئت الدواوين من بعض ما استفيد منها وكثرت المقالات في المستنبطات عنها، وقد حكى الأصمعي أنه سمع كلام جارية فقال لها: قاتلك الله ما أفصحك. فقالت: أو تعدّ هذا فصاحة بعد قوله تعالى: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} [القصص: 7] فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين ومن أمثلة جوامع كلمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الواردة في الأحاديث حديث "كل عمل ليس عليه أمرنا فهو ردّ"، وكل شرط ليس

2 - باب الاقتداء بسنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

في كتاب الله فهو باطل وليس الخبر كالمعاينة والبلاء موكل بالمنطق وأي داء أدوأ من البخل وحبك الشيء يعمي ويصمّ إلى غير ذلك مما يعسر استقصاؤه ويدلك على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد حاز من الفصاحة وجوامع الكلم درجة لا يرقاها غيره، وحاز مرتبة لا يقدر فيها قدره. وفي كتابي المواهب من ذلك ما يشفي ويكفي. قال ابن المنير: ولم يتحد من الأنبياء بالفصاحة إلا نبينا-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن هذه الخصوصية لا تكون لغير الكتاب العزيز وهل فصاحته عليه الصلاة والسلام في جوامع الكلم التي ليست من التلاوة ولكنها معدودة من السُّنَّة تحدَّى بها أم لا وظاهر قوله أوتيت جوامع الكلم أنه من التحدّث بنعمة الله وخصائصه كقوله: (ونصرت بالرعب) بضم الراء أي الخوف يقذف في قلوب أعدائي زاد في التيمم مسيرة شهر وجعل الغاية مسيرة الشهر لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه (وبينا) بغير ميم (أنا نائم رأيتني) رأيت نفسي (أتيت) بغير واو بعد الهمزة وفي باب رؤيا الليل من التعبير بإثباتها (بمفاتيح خزائن الأرض) كخزائن كسرى أو معادن الذهب والفضة (فوضعت في يدي) بالإفراد حقيقة أو مجازًا فيكون كناية عن وعد الله بما ذكر أنه يعطيه أمته. (قال أبو هريرة) بالسند السابق إليه (فقد ذهب) أي فتوفي (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنتم تلغثونها) بفوقية مفتوحة فلام ساكنة فغين معجمة مفتوحة فمثلثة مضمومة وبعد الواو الساكنة نون فهاء فألف من اللغيث بوزن عظيم طعام مخلوط بشعير كذا في المحكم عن ثعلب أي تأكلونها كيفما اتفق (أو) قال (ترغثونها) بالراء بدل اللام من الرغث كناية عن سعة العيش وأصله من رغث الجدي أمه إذا ارتضع منها وأرغثته هي أرضعته قاله القزاز والشك من الراوي أي وأنتم ترضعونها (أو) قال (كلمة تشبهها) أي تشبه إحدى الكلمتين المذكورتين نحو ما سبق في التعبير تنتثلونها بالمثلثة وتاء الافتعال أي تستخرجونها. والحديث من أفراده. 7274 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِىٌّ إِلاَّ أُعْطِىَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ أُومِنَ أَوْ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِى أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَىَّ فَأَرْجُو أَنِّى أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام الفهمي المصري (عن سعيد) بكسر العين (عن أبيه) أبي سعيد كيسان المقبري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما) أي الذي (مثله أومن) بهمزة مضمومة بعدها واو ساكنة فميم مكسورة فنون مفتوحة من الأمن (أو) قال: (آمن) بفتح الهمزة والميم من الإيمان (عليه) أي لأجله (البشر وإنما كان) معظم المعجز (الذي أوتيت) بحذف الضمير المنصوب ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني أوتيته أي من المعجزات (وحيًا أوحاه الله إليّ) وهو القرآن العظيم لكونه آية باقية لا تعدم ما بقيت الدنيا مع تكفل الله تعالى بحفظه فقال تعالى: {إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون} [الحجر: 9] وسائر معجزات غيره من الأنبياء انقضت بانقضاء أوقاتها فلم يبق إلا خبرها، والقرآن العظيم الباهرة آياته الظاهرة معجزاته على ما كان عليه من وقت نزوله إلى هذا الزمن مدة تسعمائة سنة وست عشرة سنة حجته قاهرة ومعارضته ممتنعة باهرة ولذا رتب عليه قوله (فأرجو أني أكثرهم) أكثر الأنبياء (تابعًا يوم القيامة) لأن بدوام المعجزة يتجدد الإيمان ويتظاهر البرهان وتابعًا نصب على التمييز. والحديث مرّ في فضائل القرآن. 2 - باب الاِقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74] قَالَ: أَيِمَّةً نَقْتَدِى بِمَنْ قَبْلَنَا وَيَقْتَدِى بِنَا مَنْ بَعْدَنَا، وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: ثَلاَثٌ أُحِبُّهُنَّ لِنَفْسِى وَلإِخْوَانِى هَذِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَتَعَلَّمُوهَا وَيَسْأَلُوا عَنْهَا، وَالْقُرْآنُ أَنْ يَتَفَهَّمُوهُ وَيَسْأَلُوا عَنْهُ وَيَدَعُوا النَّاسَ إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ. (باب الاقتداء بسنن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الشاملة لأقواله وأفعاله وتقريره (وقول الله تعالى: {واجعلنا للمتقين إمامًا}) أفرده للجنس وحسنه كونه رأس فاصلة أو اجعل كل واحد منا كما قال تعالى: {نخرجكم طفلاً} [الفرقان: 74] أو لاتحادهم واتفاق كلمتهم أو لأنه مصدر في الأصل كصيام وقيام (قال: أئمة نقتدي بمن قبلنا ويقتدي بنا من بعدنا) قاله مجاهد فيما أخرجه الفريابي والطبري بسند صحيح أي: اجعلنا أئمة لهم في الحلال والحرام يقتدون بنا فيه قيل: وفي الآية ما يدل على أن الرئاسة في الدين تطلب ويرغب فيها. (وقال ابن عون) بفتح العين المهملة وبعد الواو الساكنة نون عبد الله البصري التابعي الصغير

فيما وصله محمد بن نصر المروزي في كتاب السُّنَّة: (ثلاث أحبهن لنفسي ولإخواني) المؤمنين (هذه السُّنّة) الطريقة النبوية المحمدية والإشارة في قوله هذه نوعية لا شخصية (أن يتعلموها ويسألوا عنها) علماءها (والقرآن أن يتفهموه) أي يتدبروه. قال في الكواكب: قال في القرآن: يتفهموه. وفي السُّنَّة يتعلموها لأن الغالب على حال المسلم أن يتعلم القرآن في أول أمره فلا يحتاج إلى الوصية بتعلمه، فلذا وصى بفهم معناه وإدراك منطوقه وفحواه. وقال في الفتح: ويحتمل أن يكون السبب أن القرآن قد جمع بين دفتي المصحف ولم تكن السُّنَّة يومئذٍ جمعت فأراد بتعلمها جمعها ليتمكن من تفهمها بخلاف القرآن فإنه مجموع. (ويسألوا الناس عنه ويدعوا الناس) بفتح الدال يتركوهم (إلا من خير) ولأبي ذر عن الكشميهني: ويدعوا الناس. قال في الفتح: بسكون الدال إلى خير. 7275 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى شَيْبَةَ فِى هَذَا الْمَسْجِدِ قَالَ: جَلَسَ إِلَىَّ عُمَرُ فِى مَجْلِسِكَ هَذَا فَقَالَ: هَمَمْتُ أَنْ لاَ أَدَعَ فِيهَا صَفْرَاءَ وَلاَ بَيْضَاءَ، إِلاَّ قَسَمْتُهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قُلْتُ: مَا أَنْتَ بِفَاعِلٍ. قَالَ: لِمَ قُلْتُ لَمْ يَفْعَلْهُ صَاحِبَاكَ؟ قَالَ: هُمَا الْمَرْآنِ يُقْتَدَى بِهِمَا. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عباس) بفتح العين وسكون الميم وعباس بالموحدة الباهلي البصري قال: (حدّثنا عبد الرحمن) بن مهدي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن واصل) هو ابن حيان بتشديد التحتية (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة أنه (قال: جلست إلى شيبة) بفتح الشين المعجمة وسكون التحتية بعدها موحدة ابن عثمان الحجبي (في هذا المسجد) عند باب الكعبة الحرام أو في الكعبة نفسها (قال: جلس إليّ) بتشديد التحتية (عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (في مجلسك هذا. فقال: هممت) أي قصدت ولأبي ذر عن الكشميهني لقد هممت (أن لا أدع) أي لا أترك (فيها) أي في الكعبة (صفراء ولا بيضاء) ذهبًا ولا فضة (إلا قسمتها بين المسلمين) لمصالحهم قال شيبة: (قلت) لعمر -رضي الله عنه-: (ما أنت بفاعل) ذلك. (قال) عمر: (لم قلت لم يفعله صاحباك) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا أبو بكر رضي الله عنه (قال) عمر: (هما المرآن يقتدى بهما) بضم التحتية وفتح الدال المهملة، ولأبي ذر نقتدي بنون مفتوحة بدل التحتية وكسر الدال. وعند ابن ماجة بسند صحيح عن شقيق قال: بعث معي رجل بدراهم هدية إلى البيت وشيبة جالس إلى كرسي فناولته إياها فقال: ألك هذه؟ قلت: لا ولو كانت لي لم آتك بها. قال: أما لئن قلت ذاك لقد جلس عمر بن الخطاب مجلسك الذي أنت فيه فقال: لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة بين فقراء المسلمين، قلت: ما أنت بفاعل، قال: لأفعلن، قال: ولِم؟ قلت: لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد رأى مكانه وأبو بكر وهما أحوج منك إلى المال فلم يحركاه فقام كما هو فخرج، ففيه أن عمر -رضي الله عنه- لما أراد أن يصرف ذلك في مصالح المسلمين، وذكره شيبة بأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبا بكر لم يتعرضا له لم يسعه خلافهما، ونزل تقرير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منزلة حكمه باستمرار ما ترك تغييره فوجب عليه الاقتداء به لعموم قوله تعالى: {واتبعوه} [الأعراف: 158]، وعلم من هذا أنه لا يجوز صرف ذلك في فقراء المسلمين بل يصرفه القيّم في الجهة المنذورة وربما تهدّم البيت أو خلق بعض آلاته فيصرف ذلك فيه ولو صرف في مصالح المسلمين لكان كأنه قد أخرج عن وجهه الذي سبل فيه، وللشيخ تقي الدين السبكي كتاب نزول السكينة على قناديل المدينة ذكر فيه فوائد جمة أفاض الله تعالى عليه فواضل الرحمة. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله هما المرآن يقتدى بهما. 7276 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَأَلْتُ الأَعْمَشَ فَقَالَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ فِى جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ فَقَرَءُوا الْقُرْآنَ وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدثنا سفيان) بن عيينة (قال: سألت الأعمش) سليمان بن مهران (فقال: عن زيد بن وهب) الهمداني الجهني أنه قال: (سمعت حذيفة) بن اليمان -رضي الله عنه- (يقول: حدّثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أنّ الأمانة) وهي ضد الخيانة أو الإيمان. وشرائعه (نزلت من السماء في جذر قلوب الرجال) بفتح الجيم وكسرها وإسكان الذال المعجمة أصل قلوب المؤمنين حتى صارت طبيعة فطروا عليها (ونزل القرآن فقرؤوا القرآن وعلموا من السُّنة) الأمانة وما يتعلق بها فاجتمع لهم الطبع والشرع في حفظها وهذا موضع الترجمة على ما لا يخفى. والحديث سبق مطوّلاً في الرقاق والفتن. 7277 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ سَمِعْتُ مُرَّةَ الْهَمْدَانِىَّ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْىِ هَدْىُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَإِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ. وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) العسقلاني قال:

(حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرنا عمرو بن مرة) بفتح العين في الأول وضم الميم وتشديد الراء في الآخر الجملي بفتح الجيم والميم المخففة قال: (سمعت مرّة) بن شراحيل ويقال له مرة الطيب (الهمداني) بسكون الميم وفتح الدال المهملة وليس هو والد عمرو الراوي عنه (يقول: قال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (إن أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة فيهما السمت والطريقة والسيرة يقال هدى هدي وزيد إذا سار سيرته، ولأبي ذر عن الكشميهني وأحسن الهدى هدى محمد بضم الهاء وفتح الدال والقصر الإرشاد واللام في الهدي للاستغراق لأن أفعل التفضيل لا يضاف إلا إلى متعدد وهو داخل فيه، ولأنه لو لم يكن للاستغراق لم يفد المعنى المقصود وهو تفضيل دينه وسُنّته على سائر الأديان والسُّنن (وشر الأمور محدثاتها) بضم الميم وسكون الحاء وفتح الدال المخففة المهملتين جمع محدثة، والمراد بها البدع والضلالات من الأفعال والأقوال والبدعة كل شيء عمل على غير مثال سابق، وفي الشرع أحداث ما لم يكن في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة. قال إمامنا الشافعي -رحمه الله- البدعة بدعتان محمودة ومذمومة فما وافق السُّنّة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم وأخرجه أبو نعيم بمعناه من طريق إبراهيم بن الجنيد عن الشافعي وعند البيهقي في مناقب الشافعي: أنه قال المحدثات ضربان ما أحدث مخالفًا كتابًا أو سُنّة أو أثرًا أو إجماعًا فهذه بدعة الضلالة وما أحدث من الخير لا يخالف شيئًا من ذلك فهذه محدثة غير مذمومة (وإن ما توعدون) من البعث وأحواله (لآتٍ) لكائن لا محالة (وما أنتم بمعجزين) بفائتين ردّ لقولهم: مَن مات فات. وهذا من قول ابن مسعود ختم موعظته بشيء من القرآن يناسب الحال، وظاهر سياق هذا الحديث أنه موقوف. قال الحافظ ابن حجر: لكن القدر الذي له حكم الرفع منه قوله وأحسن الهدي هدي محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن فيه إخبارًا عن صفة من صفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو أحد أقسام المرفوع. وقد جاء الحديث عن ابن مسعود مصرحًا فيه بالرفع من وجه آخر أخرجه أصحاب السُّنن لكنه ليس على شرط البخاري، وأخرجه مسلم من حديث جابر مرفوعًا أيضًا بزيادة فيه وليس هو على شرط البخاري أيضًا، وقد سبق حديث الباب في كتاب الأدب. 7278 - 7279 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالاَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ». وبه قال (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود (عن أبي هريرة وزيد بن خالد) -رضي الله عنهما- (قال): كذا في الفرع كأصله بالإفراد أي قال كلٌّ منهما وفي غيره قالا (كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقام رجل فقال أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله الحديث في قصة العسيف الذي زنى بامرأة الذي استأجره (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهما: (لأقضين بينكما بكتاب الله) القصة إلى آخرها السابق ذلك في المحاربين وغيره واقتصر منها هنا على قوله كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال لأقضين بينكما بكتاب الله القدر المذكور إشارة إلى أن السُّنّة يطلق عليها كتاب الله لأنها بوحيه وتقديره قال الله تعالى: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} [النجم: 3]. 7280 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، إِلاَّ مَنْ أَبَى». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِى دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِى فَقَدْ أَبَى». وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) العوقي بفتح العين المهملة والواو بعدها قاف أبو بكر الباهلي البصري قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة ابن سليمان المدني قال: (حدّثنا هلال بن علي) بن أسامة يقال له ابن أبي ميمون وقد ينسب إلى جده (عن عطاء بن يسار) بالتحتية والمهملة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (كل أمتي) أي أمة الإجابة (يدخلون الجنة إلا مَن أبى) بفتح الهمزة والموحدة من عصى منهم فاستثناهم تغليظًا عليهم وزجرًا عن المعاصي أو المراد أمة الدعوة وإلاّ من أبى أي كفر بامتناعه عن قبول الدعوة

(قالوا يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى). قل في شرح المشكاة: ومن يأبى معطوف على محذوف أي عرفنا الذين يدخلون الجنة والذي أبى لا نعرفه وكان من حق الجواب أن يقال من عصاني فعدل إلى ما ذكره تنبيهًا به على أنهم ما عرفوا ذاك ولا هذا، إذ التقدير من أطاعني وتمسك بالكتاب والسُّنّة دخل الجنة ومن اتّبع هواه وزلّ عن الصواب وضل عن الطريق المستقيم دخل النار فوضع أبى موضعه وضعًا للسبب موضع المسبب قال: ويعضد هذا التأويل إيراد محيي السُّنّة هذا الحديث في باب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة والتصريح بذكر الطاعة فإن المطيع هو الذي يعتصم بالكتاب والسُّنّة ويجتنب الأهواء والبدع. والحديث من أفراده. 7281 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَادَةَ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سَلِيمُ بْنُ حَيَّانَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، حَدَّثَنَا أَوْ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جَاءَتْ مَلاَئِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ نَائِمٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ فَقَالُوا: إِنَّ لِصَاحِبِكُمْ هَذَا مَثَلاً، فَاضْرِبُوا لَهُ مَثَلاً، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ فَقَالُوا: مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى دَارًا، وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةً وَبَعَثَ دَاعِيًا فَمَنْ أَجَابَ الدَّاعِىَ دَخَلَ الدَّارَ. وَأَكَلَ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّاعِىَ لَمْ يَدْخُلِ الدَّارَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنَ الْمَأْدُبَةِ، فَقَالُوا: أَوِّلُوهَا لَهُ يَفْقَهْهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ نَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَائِمَةٌ وَالْقَلْبَ يَقْظَانُ، فَقَالُوا: فَالدَّارُ الْجَنَّةُ، وَالدَّاعِى مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمَنْ أَطَاعَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمُحَمَّدٌ فَرْقٌ بَيْنَ النَّاسِ. تَابَعَهُ قُتَيْبَةُ عَنْ لَيْثٍ، عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلاَلٍ، عَنْ جَابِرٍ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبادة) بفتح العين المهملة وتخفيف الموحدة الواسطي واسم جده البختري بفتح الموحدة وسكون المعجمة وفتح الفوقية وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر سبق في الأدب ومن عداه في الصحيحين فبضم العين قال: (أخبرنا يزيد) بن هارون قال: (حدّثنا سليم بن حيان) بفتح السين المهملة وكسر اللام بوزن عظيم وفي الفرع مكتوب على كشط سليمان، وكذا في اليونينية بزيادة ألف ونون وضم النون وكذا هو في عدة نسخ وهو سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر الكوفي والذي في فتح الباري وعمدة القارئ والكواكب سليم وحيان بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية الهذلي البصري قال محمد بن عبادة: (وأثنى عليه) يزيد بن هارون خيرًا قال: (حدّثنا سعيد بن ميناء) بكسر الميم وسكون التحتية بعدها نون فهمزة ممدودًا أبو الوليد قال: (حدّثنا أو) قال (سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- القائل حدّثنا أو سمعت سعيد بن ميناء والشاك سليم بن حيان شك في أيّ الصيغتين قالها شيخه سعيد ويجوز في جابر الرفع على تقدير حدّثنا والنصب على تقدير سمعت جابرًا (يقول: جاءت ملائكة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو نائم) ذكر منهم الترمذي في جامعه اثنين جبريل وميكائيل، فيحتمل أن يكون مع كل واحد منهما غيره أو اقتصر فيه على من باشر الكلام ابتداءً وجوابًا. وفي حديث ابن مسعود عند الترمذي وحسنه وصححه ابن خزيمة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توسد فخذه فرقد وكان إذا نام نفخ قال فبينا أنا قاعد إذ أنا برجال عليهم ثياب بيض الله أعلم بما بهم من الجمال فجلست طائفة منهم عند رأس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وطائفة منهم عن رجليه (فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان) قال الرامهرمزي: هذا تمثيل يراد به حياة القلب وصحة خواطره، وقال البيضاوي فيما حكاه في شرح المشكاة قول بعضهم إنه نائم الخ مناظرة جرت بينهم بيانًا وتحقيقًا لما أن النفوس القدسية الكاملة لا يضعف إدراكها بضعف الحواس واستراحة الأبدان (فقالوا: إن لصاحبكم هذا) يعنون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مثلاً فاضربوا له مثلاً فقال بعضهم: إنه نائم وقال بعضهم إن العين نائمة والقلب يقظان فقالوا مثله) عليه الصلاة والسلام (كمثل رجل بنى دارًا وجعل فيها مأدبة) بفتح الميم وسكون الهمزة وضم الدال وفتحها بعدها موحدة مفتوحة فهاء تأنيث وقيل بالضم الوليمة وبالفتح أدب الله الذي أدّب به عباده وحينئذٍ فيتعين الضم هنا (وبعث داعيًا) يدعو الناس إليها (فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة). وفي حديث ابن مسعود عند أحمد بنى بنيانًا حصينًا ثم جعل مأدبة فدعا الناس إلى طعامه وشرابه فمن أجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه ومن لم يجبه عاقبه (فقالوا: أولوها) بكسر الواو المشدّدة أي فسروا الحكاية أو التمثيل (له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يفقهها) مَن أوّل تأويلاً إذا فسر الشيء بما يؤول إليه والتأويل في اصطلاح العلماء تفسير اللفظ بما يحتمله احتمالاً غير بيّن (فقال بعضهم: إنه نائم وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان) كرر فقال بعضهم إنه

نائم الخ ثلاث مرات (فقالوا فالدار) الممثل بها (الجنة والداعي محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي حديث ابن مسعود عند أحمد: أما السيد فهو رب العالمين، وأما البنيان فهو الإسلام، وأما الطعام فهو الجنة ومحمد الداعي فمن اتبعه كان في الجنة (فمن أطاع محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد أطاع الله) لأنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صاحب المأدبة فمن أجابه ودخل في دعوته أكل من المأدبة (ومن عصى محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد عصى الله). فإن قلت: التشبيه يقتضي أن يكون مثل الباني هو مثل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث قال مثله كمثل رجل بنى دارًا لا مثل الداعي. وأجاب في شرح المشكاة فقال قوله: مثله كمثل رجل مطّلع للتشبيه وهو ينبئ عن أن هذا ليس من التشبيهات المفرقة كقول امرئ القيس: كأن قلوب الطير رطبًا ويابسًا ... لدى وكرها العناب والحشف البالي شبه القلوب الرطبة بالعناب واليابسة بالحشف على التفريق بل هو من التمثيل الذي ينتزع فيه الوجه من أمور متعددة متوهمة منضم بعضها مع بعض إذ لو أريد التفريق لقيل مثله كمثل داع بعثه رجل، ومن ثم قدمت في التأويل الدار على الداعي وعلى المضيف روعي في التأويل أدب حسن حيث لم يصرح المشبه بالرجل لكنه لمح في قوله من أطاع الله إلى ما يدل على أن المشبه من هو قال الطيبي، وتحريره، أن الملائكة مثلوا سبق رحمة الله تعالى على العالمين بإرساله الرحمة المهداة إلى الخلق كما قال تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء: 107] ثم إعداده الجنة للخلق ودعوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياهم إلى الجنة ونعيمها وبهجتها ثم إرشاده الخلق بسلوك الطريق إليها واتباعهم إياه بالاعتصام بالكتاب والسُّنّة المدليين إلى العالم السفلي فكأن الناس واقعون في مهواة طبيعتهم ومشتغلون بشهواتها وإن الله يريد بلطفه رفعهم فأدلى حبلي القرآن والسُّنّة إليهم ليخلص من تلك الورطة فمن تمسك بهما نجا وحصل في الفردوس الأعلى والجناب الأقدس عند مليك مقتدر ومن أخلد إلى الأرض هلك وأضاع نفسه من رحمة الله تعالى بحال مضيف كريم بنى دارًا وجعل فيها من أنواع الأطعمة المستلذة والأشربة المستعذبة ما لا يحصى ولا يوصف ثم بعث داعيًا إلى الناس يدعوهم إلى الضيافة إكرامًا لهم فمن اتبع الداعي نال من تلك الكرامة ومن لم يتبع حرم منها ثم إنهم وضعوا مكان حلول سخط الله بهم ونزول العقاب السرمدي عليهم، قولهم: لم ندخل الدار ولم نأكل من المأدبة لأن فاتحة الكلام سيقت لبيان سبق الرحمة على الغضب فلم يطابق أن لو ختم بما يصرح بالعقاب والغضب فجاؤوا بما يدل على المراد على سبيل الكناية. (ومحمد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فرّق) بتشديد الراء فارق ولغير أبي ذر فرق بسكونها على المصدر وصف به للمبالغة أي الفارق (بين الناس) المؤمن الكافر والصالح والطالح إذ به تميزت الأعمال والعمال وهذا كالتذليل للكلام السابق لأنه مشتمل على معناه ومؤكد له وفيه إيقاظ للسامعين من رقدة الغفلة وحث على الاعتصام بالكتاب والسُّنّة والإعراض عما يخالفهما. (تابعه) أي تابع محمد بن عبادة (قتيبة) بن سعيد (عن ليث) هو ابن سعد (عن خالد) أبي عبد الرحيم بن يزيد المصري (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي المدني (عن جابر) الأنصاري -رضي الله عنه- أنه قال: (خرج علينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وصله الترمذي بلفظ خرج علينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه اضرب له مثلاً فقال اسمع سمعت أُذنك واعقل عقل قلبك إنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ دارًا ثم بنى فيها بناء، ثم جعل فيها مائدة ثم بعث رسولاً يدعو الناس إلى طعامه، فمنهم من أجاب الرسول، ومنهم من تركه فالله هو الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة. وأنت يا محمد رسول الله من أجابك دخل الإسلام ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل مما فيها". قال الترمذي: وهو حديث مرسل لأن سعيد بن أبي هلال لم يدرك جابرًا. قال في الفتح:

يريد أنه منقطع بين سعيد وجابر، وقد اعتضد هذا المنقطع بحديث ربيعة الجرشي عند الطبراني بنحو سياقه وسنده جيد، وأورده المؤلّف لرفع توهم من ظن أن طريق سعيد بن ميناء موقوف. 7282 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ اسْتَقِيمُوا فَقَدْ سُبِقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا، فَإِنْ أَخَذْتُمْ يَمِينًا وَشِمَالاً لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن همام) هو ابن الحارث (عن حذيفة) بن اليمان -رضي الله عنه- أنه (قال: يا معشر القراء) بضم القاف وتشديد الراء مهموزًا جمع قارئ، والمراد العلماء بالقرآن والسُّنّة العباد (استقيموا) اسلكوا طريق الاستقامة بأن تتمسكوا بأمر الله فعلاً وتركًا (فقد سبقتم) بضم السين وكسر الموحدة مصححًا عليه في الفرع كأصله مبنيًّا للمفعول أي لازموا الكتاب والسُّنّة فإنكم مسبوقون (سبقًا بعيدًا) أي ظاهرًا ووصفه بالبعد لأنه غاية شأو المتسابقين، ولأبي ذر: سبقتم بفتح السين والموحدة. قال في الفتح: وبه جزم ابن التين وهو المعتمد، وزاد محمد بن يحيى الذهلي عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه، فإن استقمتم فقد سبقتم أخرجه أبو نعيم في مستخرجه وخاطب بذلك من أدرك أوائل الإسلام، فإذا تمسك بالكتاب والسُّنَّة سبق إلى كل لأن من جاء بعده إن عمل بعمله لم يصل إلى ما وصل إليه من سبقه إلى الإسلام إلا فهو أبعد منه حسًّا وحكمًا (فإن) خالفتم الأمر (أخذتم يمينًا وشمالاً) عن طريق الاستقامة (لقد ضللتم ضلالاً بعيدًا). ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: استقيموا لأن الاستقامة هي الاقتداء بسنن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد قال ابن عباس في قوله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153] قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة. وقال القرطبي أبو محمد: الصراط الطريق الذي هو دين الإسلام وقوله مستقيمًا نصب على الحال والمعنى مستويًا قويمًا لا اعوجاج فيه وقد بيّنه على لسان نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتشعبت منه طرق فمن سلك الجادة نجا، ومن خرج إلى تلك الطرق أفضت به إلى النار. وعن ابن مسعود قال: خطّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطًّا بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيمًا وخطّ عن يمينه وشماله ثم قال: هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ {وأن هذا صراطي مستقيمًا} الآية رواه الإمام أحمد. 7283 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلِى وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِى اللَّهُ بِهِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ: يَا قَوْمِ إِنِّى رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَىَّ وَإِنِّى أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ قَوْمِهِ فَأَدْلَجُوا فَانْطَلَقُوا عَلَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَأَصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ فَأَهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ أَطَاعَنِى، فَاتَّبَعَ مَا جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ عَصَانِى وَكَذَّبَ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ». وبه قال: (حدّثنا أبو كريب) بضم الكاف آخره موحدة مصغرًا محمد بن العلاء قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء عبيد الله (عن) جده (أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر أو الحارث (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إنما مثلي ومثل ما) بفتح الميم والمثلثة فيهما أي صفتي العجيبة الشأن وصفة ما (بعثني الله به) إليكم من الأمر العجيب الشأن (كمثل رجل) كصفة رجل (أتى قومًا) بالتنكير للشيوع (فقال) لهم (يا قوم إني رأيت الجيش) المعهود (بعينيّ) بلفظ التثنية (وإني أنا النذير العريان) بالعين المهملة والراء الساكنة بعدها تحتية من التعري وهو مثل سائر يُضرَب لشدة الأمر ودنوّ المحذر وبراءة المحذر عن التهمة، وأصله أن الرجل إذا رأى العدوّ وقد هجم على قومه وكان يخشى لحوقهم عند لحوقه تجرد عن ثوبه وجعله على رأس خشبة وصاح ليأخذوا حذرهم ويستعدوا قبل لحوقهم وقال ابن السكن هو رجل من خثعم حمل عليه يوم ذي الخلصة عوف بن عامر فقطع يده ويد امرأته (فالنجاء) بالهمز والمد والرفع مصححًا عليه في الفرع، وفي غيره بالنصب مفعول مطلق أي الإسراع، والذي في اليونينية الهمز فقط من غير حركة رفع ولا غيره، وفي الرقائق في باب الانتهاء عن المعاصي فالنجاء النجاء مرتين (فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا) بهمزة مفتوحة فدال مهملة ساكنة وبالجيم ساروا أوّل الليل (فانطلقوا على مهلهم) بتحريك الهاء بالفتحة بالسكينة والتأني (فنجوا) من العدوّ (وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم

الجيش فأهلكهم واجتاحهم) بالجيم الساكنة والحاء المهملة استأصلهم (فذلك مثل من أطاعني فاتبع) بالفاء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي واتبع (ما جئت به ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق). قال الطيبي: هذا التشبيه من التشبيهات المفرقة شبه ذاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالرجل وما بعثه الله به من إنذار القوم بعذاب الله القريب بإنذار الرجل قومه بالجيش المصبح وشبه من أطاعه من أمته ومن عصاه بمن كذب الرجل في إنذاره وصدقه، وفي قول الرجل: أنا النذير الخ أنواع من التأكيد أحدها قوله بعينيّ لأن الرؤية لا تكون إلا بهما، وثانيها إني وأنا، وثالثها العريان فإنه دلّ على بلوغ النهاية في قرب العدوّ. والحديث سبق في باب الانتهاء عن المعاصي من الرقاق. 7284 - 7285 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ لأَبِى بَكْرٍ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عَصَمَ مِنِّى مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ». فَقَالَ: وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِى عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ فَقَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِى بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ. قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ عَنِ اللَّيْثِ (عَنَاقًا) وَهْوَ أَصَحُّ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: لما توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستخلف أبو بكر) -رضي الله عنه- (بعده وكفر من كفر من العرب) غطفان وفزارة وبنو يربوع وبعض بني تميم وغيرهم منعوا الزكاة فأراد أبو بكر أن يقاتلهم (قال عمر) -رضي الله عنه- (لأبي بكر) -رضي الله عنه- معترضًا عليه: (كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أُمرت) بضم الهمزة أي أمرني الله (أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه) فلا يستباح ماله ولا يهدر دمه (إلا بحقه) بحق الإسلام من قتل نفس محرمة أو إنكار وجوب الزكاة أو منعها بتأويل باطل (وحسابه) فيما يسره (على الله) فيثيب المؤمن ويعاقب غيره فلا نقاتله ولا نفتش باطنه هل هو مخلص أم لا. فإن ذلك إلى الله تعالى وحسابه عليه ولم ينظر عمر -رضي الله عنه- إلى قوله: إلا بحقه ولا تأمل شرائطه (فقال) له أبو بكر -رضي الله عنهما-: (والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة) فقال أحدهما واجب دون الآخر أو امتنع من إعطاء الزكاة متأوّلاً (فإن الزكاة حق المال) كما أن الصلاة حق البدن فكما لا تتناول العصمة من لم يؤدّ حق الصلاة كذلك لا تتناول العصمة من لم يؤدّ حق الزكاة وإذا لم تتناولهم العصمة بقوا في عموم قوله أمرت أن أقاتل الناس فوجب قتالهم حينئذٍ، وهذا من لطيف النظر أن يقلب المعترض على المستدل دليله فيكون أحق به، وكذلك فعل أبو بكر فسلّم له عمر -رضي الله عنهما- (والله لو منعوني عقالاً) هو الحبل الذي يعقل به البعير. قال أبو عبيد: وقد بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- محمد بن مسلمة على الصدقة فكان يأخذ مع كل فريضة عقالاً. قال النووي: وقد ذهب إلى هذا أي إلى أن المراد بالعقال حقيقته وهو الحبل كثير من المحققين، والمراد به قدر قيمته، والراجح أن العقال لا يؤخذ في الزكاة لوجوبه بعينه وإنما يؤخذ تبعًا للفريضة التي تعقل به أو أنه قال ذلك مبالغة على تقدير أن لو كانوا يؤدّونه إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقيل: العقال يطلق على صدقة العام يعني صدقته حكاه الماوردي عن الكسائي، وقيل: إنه الفريضة من الإبل، وقيل ما يؤخذ في الزكاة من أنعام وثمار لأنه عقل عن مالها، لكن قال ابن التيمي في التحرير من فسر العقال بفريضة العام تعسف ولأبي ذر كذا وهي كناية عن قوله عقالاً وله عن الكشميهني كذا وكذا (كانوا يؤدّونه إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقاتلتهم على منعه فقال عمر) -رضي الله عنه- (فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق) بما ظهر من الدليل الذي أقامه لا أنه قلده في ذلك لأن المجتهد لا يقلد مجتهدًا واختلف في قوله كذا فقيل هي وهم وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: (قال ابن بكير) يحيى بن عبد الله بن بكير المصري (وعبد الله) بن صالح كاتب الليث (عن الليث) بن سعد الإمام (عناقًا وهو أصح) من رواية عقالاً ووقع

في رواية ذكرها أبو عبيد لو منعوني جديًا أذوط أي صغير الفك والذقن وهو يؤيد أن الرواية عناقًا ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة فإن من فرق بينهما خرج عن الاقتداء بالسُّنّة الشريفة. والحديث سبق في أوّل الزكاة. 7286 - حَدَّثَنِى إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجْلِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولاً كَانُوا أَوْ شُبَّانًا، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لاِبْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِى هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ فَتَسْتَأْذِنَ لِى عَلَيْهِ؟ قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ لِعُيَيْنَةَ فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ وَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَمَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ بِأَنْ يَقَعَ بِهِ فَقَالَ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ فَوَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم أنه قال (حدّثني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر) الفزاري من مسلمة الفتح وشهد حُنينًا (فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس بن حصن) وكان عيينة فيمن وافق طلحة الأسدي لما ادّعى النبوّة، فلما غلبهم المسلمون في قتال أهل الردّة فر طليحة وأسر عيينة فأتي به إلى أبي بكر فاستتابه فتاب، وكان قدومه إلى المدينة إلى عمر بعد أن استقام أمره وشهد الفتوح وفيه من جفاء الأعرابي شيء (وكان) الحر بن قيس (من النفر الذين يدنيهم) بضم التحتية وسكون الدال المهملة أي يقربهم (عمر، وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته) الذين يشاورهم في الأمور (كهولاً كانوا أو شبانًا) بضم الشين المعجمة وتشديد الموحدة وكان الحر متصفًا بذلك فلذا كان عمر يقربه (فقال عبينة لابن أخيه) الحر بن قيس (يا ابن أخي هل لك وجه) أي وجاهة ومنزلة (عند هذا الأمير) عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (فتستأذن لي عليه) بنصب فتستأذن لي فتطلب منه الإذن في خلوة (قال) له الحر: (سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس) بالسند السابق (فاستأذن) الحر (لعيينة) فأذن له (فلما دخل) عيينة عليه (قال: يا ابن الخطاب) وهذا من جفائه حيث لم يقل يا أمير المؤمنين ونحوه (والله ما تعطينا الجزل) بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها لام أي الكثير (وما) ولأبي ذر عن الكشميهني ولا (تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر) وكان شديدًا في الله (حتى همّ بأن يقع به) قصد أن يبالغ في ضربه (فقال) له (الحر: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {خذ العفو وأمر بالعرف}) بالمعروف والجميل من الأفعال ({وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199]) أي ولا تكافئ السفهاء بمثل سفههم ولا تمارهم (وإن هذا) عيينة (من الجاهلين) قال ابن عباس أو الحر بن قيس (فوالله ما جاوزها) أي يتعد (عمر حين تلاها عليه) الحر أي العمل بها (وكان وقافًا عند كتاب الله). لا يتجاوز حكمه. والحديث سبق في تفسير سورة الأعراف. 7287 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما - أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ، وَالنَّاسُ قِيَامٌ وَهْىَ قَائِمَةٌ تُصَلِّى فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ بِيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقُلْتُ: آيَةٌ؟ قَالَتْ بِرَأْسِهَا: أَنْ نَعَمْ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْ شَىْءٍ لَمْ أَرَهُ إِلاَّ وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِى مَقَامِى هَذَا، حَتَّى الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَأُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِى الْقُبُورِ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ أَوِ الْمُسْلِمُ» لاَ أَدْرِى أَىَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ: «جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا فَيُقَالُ: نَمْ صَالِحًا عَلِمْنَا أَنَّكَ مُوقِنٌ، وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوِ الْمُرْتَابُ» لاَ أَدْرِى أَىَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ «فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِى سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن هشام بن عروة) ابن زوجته (فاطمة بنت المنذر عن) جدّتها (أسماء ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي بكر -رضي الله عنها- أنها قالت: أتيت عائشة حين خسفت الشمس) بالخاء المعجمة ولأبي ذر عن المستملي كسفت بالكاف الشمس لغتان أو يغلب في القمر لفظ الخسوف بالخاء المعجمة وفي الشمس الكسوف بالكاف (والناس قيام وهي) أي عائشة -رضي الله عنها- (قائمة تصلي فقلت) لها: (ما للناس)؟ ولأبي ذر عن المستملي ما بال الناس أي ما شأنهم فزعين (فأشارت بيدها نحو السماء) تعني انكسفت الشمس (فقالت) عائشة: (سبحان الله) قالت أسماء (فقلت) لها (آية) لعذاب الناس (قالت) عائشة (برأسها أن نعم) ولأبي ذر عن المستملي والحموي أي نعم بالتحتية بدل النون (فلما انصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الصلاة (حمد الله وأثنى عليه) من عطف العام على الخاص (ثم قال: ما من شيء لم أره إلاّ وقد رأيته) رؤية عين حال كوني (في مقامي هذا حتى الجنة والنار) بالنصب عطفًا على الضمير المنصوب في قوله رأيته ويجوز الرفع على أن حتى ابتدائية والجنة مبتدأ محذوف الخبر أي حتى الجنة مرئية والنار عطف عليه (وأوحي) بضم الهمزة (إليّ) بتشديد الياء (إنكم تفتنون في القبور) أي تمتحنون فيها (قريبًا من فتنة

3 - باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه

الدجال فأما المؤمن أو المسلم) قالت فاطمة بنت المنذر: (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء فيقول) هو (محمد: جاءنا بالبينات) بالمعجزات (فأجبنا) دعوته ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فأجبناه بضمير المفعول (وآمنا) أي به (فيقال) له (نم) حال كونك (صالحًا) منتفعًا بأعمالك (علمنا أنك موقن، وأما المنافق أو المرتاب) هو الشاك قالت فاطمة: (لا أدري أيّ ذلك قالت أسماء فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته). والحديث سبق في العلم والكسوف ومطابقته للترجمة في قوله جاءنا بالبينات فأجبنا لأن الذي أجاب وآمن هو الذي اقتدى بسنّته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 7288 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «دَعُونِى مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَىْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال: دعوني ما تركتكم) أي اتركوني مدّة تركي إياكم بغير أمر بشيء ولا نهي عن شيء أو لا تكثروا من الاستفصال فإنه قد يفضي إلى مثل ما وقع لبني إسرائيل إذ أمروا بذبح البقرة فشدّدوا فشدّد الله عليهم كما قال (إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم) بالموحدة أي بسبب سؤالهم ولأبي ذر عن الكشميهني أهلك بزيادة الهمزة المفتوحة من الثلاثي المزيد سؤالهم بإسقاط الموحدة مرفوع فاعله واختلافهم عطف عليه وفي الفتح، وفي رواية عن الكشميهني أهلك بضم أوّله وكسر اللام (على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وهذا كما قال النووي من جوامع كلمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ويدخل فيه كثير من الأحكام كالصلاة لمن عجز عن ركن منها أو شرط فيأتي بالمقدور. وسبب هذا الحديث على ما ذكره مسلم من رواية محمد بن زياد عن أبي هريرة -رضي الله عنه-. خطبنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: (يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا) فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم) ثم قال: (ذروني ما تركتكم) الحديث. وأخرجه الدارقطني مختصرًا وزاد فيه فنزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101]. ومطابقة حديث الباب لما ترجم به تؤخذ من معنى الحديث لأن الذي يجتنب ما نهاه عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويأتمر بما أمره به فهو ممن اقتدى بسُنّته. 3 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ وَتَكَلُّفِ مَا لاَ يَعْنِيهِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]. (باب ما يكره من كثرة السؤال) عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها والسؤال عما لا يكون له شاهد في عالم الحس كالسؤال عن الساعة والروح ومدّة هذه الأمة إلى غير ذلك مما لا يعرف إلا بالنقل المحض (و) ما يكره من (تكلف ما لا يعنيه. وقوله تعالى) بالجر عطفًا على السابق: {لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101] جواب الشرط. والجملة الشرطية في محل جر صفة لأشياء وأشياء: قال الخليل وسيبويه: وجملة البصريين أصله شيآء بهمزتين بينهما ألف وهي فعلاء من لفظ شيء وهمزتها الثانية للتأنيث ولذا لم تنصرف كحمراء وهي مفردة لفظًا جمع معنى، ولما استثقلت الهمزتان المجتمعتان قدمت الأولى التي هي لام فجعلت قبل الشين فصار وزنها لفعاء والجملة التالية لهذه الجملة المعطوفة عليها وهي: إن تسألوا صفة لأشياء أيضًا أي وإن تسألوا عن هذه التكاليف الصعبة في زمان الوحي تبد لكم تلك التكاليف التي تغمكم وتشق عليكم وتؤمروا بتحملها فتعرضوا أنفسكم لغضب الله بالتفريط فيها. 7289 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ، عَنْ شَىْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد) أبو عبد الله (المقرئ) بالهمز الحافظ قال: (حدّثنا سعد) بكسر العين ابن أبي أبوب الخزاعي المصري واسم أبي أيوب مقلاص بكسر الميم وسكون القاف آخره صاد مهملة قال: (حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه) سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):

(إن أعظم المسلمين جرمًا}) بضم الجيم وسكون الراء بعدها ميم أي إثمًا (من سأل عن شيء لم يحرم) زاد مسلم على الناس (فحرم) بضم الحاء وتشديد الراء المكسورة زاد مسلم عليهم (من أجل مسألته) لا يقال إن في هذا الحديث دلالة للقدرية القائلين إن الله تعالى يفعل شيئًا من أجل شيء وهو مخالف لأهل السُّنّة، لأن أهل السُّنَّة لا ينكرون إمكان التعليل، وإنما ينكرون وجوبه فلا يمتنع أن يكون المقدر الشيء الفلاني يتعلق به الحرمة إن سئل عنه وقد سبق القضاء بذلك لا أن السؤال علة للتحريم اهـ. والسؤال وإن لم يكن في نفسه جرمًا فضلاً عن كونه أكبر الكبائر لكنه لما كان سببًا لتحريم مباح صار أعظم الجرائم لأنه سبب في التضييق على جميع المسلمين ويؤخذ منه أن من عمل شيئًا أضرّ به غيره كان آثمًا ولا تنافي بين قوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر} [النحل: 43] وقوله: لا تسألوا لأن المأمور به ما تقرر حكمه والمنهي عنه ما لم يتعبد الله تعالى به عباده. والحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو داود في السُّنَّة. 7290 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ سَمِعْتُ أَبَا النَّضْرِ يُحَدِّثُ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتَّخَذَ حُجْرَةً فِى الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا لَيَالِىَ حَتَّى اجْتَمَعَ إِلَيْهِ نَاسٌ ثُمَّ فَقَدُوا صَوْتَهُ لَيْلَةً، فَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَامَ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «مَا زَالَ بِكُمُ الَّذِى رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ، حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِى بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِى بَيْتِهِ إِلاَّ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ». وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن منصور الكوسج الحافظ قال (أخبرنا عفان) بن مسلم الصفار كذا بلفظ أخبرنا بالخاء المعجمة في الفرع وهو في الفتح بلفظ حدّثنا بالحاء المهملة واستدلّ به على أن إسحاق هذا هو ابن منصور لا إسحاق بن راهويه قال لقوله حدّثنا عفان، وإسحاق بن راهويه إنما يقول: أخبرنا، ولأن أبا نعيم أخرجه من طريق أبي خيثمة عن عفان ولو كان في مسند إسحاق لما عدل عنه قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) صاحب المغازي قال: (سمعت أبا النضر) بالنون المفتوحة والمعجمة الساكنة سالم بن أبي أمية (يحدّث عن بسر بن سعيد) بضم الموحدة وسكون المهملة وسعيد بكسر العين مولى الحضرمي (عن زيد بن ثابت) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتّخذ حجرة) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم بعدها راء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي حجزة بالزاي بدل الراء (في المسجد من حصير) أي حوّطها بها فيه لتستره من الناس وقت الصلاة (فصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها ليالي) من رمضان (حتى اجتمع إليه ناس ففقدوا) بفتح الفاء والقاف (صوته ليلة فظنوا أنه قد نام فجعل بعضهم يتنحنح) بنونين وحاءين مهملتين (ليخرج إليهم) صلوات الله وسلامه عليه (فقال): (ما زال بكم الذي رأيت من صنيعكم) بفتح الصاد المهملة وسكون التحتية بعد النون المكسورة ولأبي ذر عن الكشميهني من صنعكم بضم الصاد وسكون النون من غير تحتية من شدة حرصكم في إقامة صلاة التراويح جماعة (حتى خشيت) أني لو واظبت على ذلك (أن يكتب عليكم) أي يفرض (ولو كتب عليكم ما قمتم به فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة). ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: إلا الصلاة المكتوبة أي المفروضة يستثنى منه صلاة العيد ونحوها مما شرع جماعة وتحية المسجد لتعظيمه. والحديث سبق في صلاة الليل من كتاب الصلاة. 7291 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَنْ أَشْيَاءَ كَرِهَهَا، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ غَضِبَ وَقَالَ: «سَلُونِى» فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبِى؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ». ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبِى فَقَالَ: «أَبُوكَ سَالِمٌ مَوْلَى شَيْبَةَ». فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا بِوَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْغَضَبِ قَالَ: إِنَّا نَتُوبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وبه قال: (حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن أبي بردة) بضم الموحدة وفتح الراء في الأول وسكونها في الثاني (عن) جده (أبي بردة) عامر أو الحارث (عن أبي موسى الأشعري) -رضي الله عنه- أنه (قال: سئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أشياء) غير منصرف (كرهها) لأنه ربما كان فيها سبب لتحريم شيء على المسلمين فتلحقهم به المشقة قيل منها سؤال من قال أين ناقتي ومن سأل عن وقت الساعة ومن سأل عن الحج أيجب كل عام (فلما أكثروا عليه المسألة غضب) لكونهم تعنتوا في المسألة وتكلفوا ما لا حاجة لهم به (وقال) لهم: (سلوني) أي عما شئتم كما في كتاب العلم (فقام رجل) اسمه عبد الله بن حذافة (فقال: يا رسول الله من أبي؟ قال: أبوك حذافة) بضم الحاء المهملة وفتح المعجمة وبعد الألف فاء القرشي السهمي (ثم قام آخر) اسمه سعد بن سالم (فقال: يا رسول الله من أبي؟ فقال: أبوك سالم مولى شيبة) بن

ربيعة وكان سبب ذلك طعن الناس في نسب بعضهم (فلما رأى عمر) -رضي الله عنه- (ما بوجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الغضب) أي من أثر الغضب (قال إنا نتوب إلى الله) عز وجل مما يوجب غضبك يا رسول الله وزاد مسلم فما أتى على أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم كان أشد منه. والحديث سبق في باب الغضب في الموعظة من كتاب العلم. 7292 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ اكْتُبْ إِلَىَّ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ فِى دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ»، وَكَتَبَ إِلَيْهِ إِنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقُوقِ الأُمَّهَاتِ وَوَأْدِ الْبَنَاتِ وَمَنْعٍ وَهَاتِ. وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري قال: (حدّثنا عبد الملك) بن عمير الكوفي (عن وراد) بفتح الواو والراء المشددة (كاتب المغيرة) بن شُعبة ومولاه أنه (قال: كتب معاوية) بن أبي سفيان (إلى المغيرة اكتب إليّ) بتشديد الياء (ما سمعت من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكتب إليه) المغيرة (أن نبيّ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول في دبر كل صلاة) بضم الدال والموحدة أي عقب كل صلاة مكتوبة بعد الفراغ منها: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له) حال ثانية مؤكدة لمعنى الأولى ولا نافية وشريك مبني مع لا على الفتح وخبر لا متعلق له (له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت) أي للذي أعطيته (ولا معطي لما منعت) للذي منعته (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) بفتح الجيم فيهما أي لا ينفع صاحب الحظ من نزول عذابك حظه، وإنما ينفعه عمله الصالح فالألف واللام في الجد الثاني عوض عن الضمير وقد سوغ ذلك الزمخشري، واختاره كثير من البصريين والكوفيين في نحو قوله تعالى: {فإن الجنة هي المأوى} [النازعات: 41] قال وراد بالسند السابق. (وكتب) المغيرة أيضًا (إليه) أي إلى معاوية (أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كان ينهى عن قيل وقال) ببنائهما على الفتح على سبيل الحكاية وبجرهما وتنوينهما معربين لكن الذي يقتضيه المعنى كونهما على سبيل الحكاية لأن القيل والقال إذا كانا اسمين كانا بمعنى واحد كالقول، فلم يكن في عطف أحدهما على الآخر فائدة بخلاف ما إذا كانا فعلين فإنه يكون النهي عن قيل فيما لا يصح ولا يعلم حقيقته فيقول المرء في حديثه قيل كذا كما جاء في الحديث: بئس مطية المرء زعموا، وإنما كان النهي عن ذلك لشغل الزمان في التحديث بما لا يصح ولا يجوز، ويكون النهي عن قال فيما يشك في حقيقته وإسناده إلى غيره لأنه يشغل الوقت بما لا فائدة فيه بل قد يكون كذبًا فيأثم ويضر نفسه وغيره أما من تحقق الحديث وتحقق من يسنده إليه مما أباحه الشرع فلا حرج في ذلك (و) كان عليه الصلاة والسلام ينهى عن (كثرة السؤال) بفتح الكاف وكسرها لغة رديئة كما في الصحاح أي كثرة المسائل العلمية التي لا تعدو الحاجة إليها. وفي حديث معاوية نهي عن الأغلوطات وهي شداد المسائل وصعابها وإنما كره ذلك لما يتضمن كثير منه التكلف في الدين والتنطع من غير ضرورة أو المسائل في المال، وقد وردت أحاديث في تعظيم مسألة الناس (و) عن (إضاعة المال) فيما لا يحل (وكان ينهى عن عقوق الأمهات) جمع أمهة قال: أمهتي خندف والياس أبي إلا أن أمهة لمن يعقل وأم لمن يعقل ولمن لا يعقل. قال الشيخ تقيّ الدين بن دقيق العيد: وتخصيص العقوق بالأمهات مع امتناعه في الآباء أيضًا لأجل شدة حقوقهن ورجحان الأمر ببرهِنّ بالنسبة إلى الآباء. وهذا من باب تخصيص الشيء بالذكر لإظهار عظمه في المنع إن كان ممنوعًا وشرفه إن كان مأمورًا به، وقد يراعى في موضع آخر بالتنبيه بذكر الأدنى على الأعلى فيخص الأدنى بالذكر وذلك بحسب اختلاف المقصود (و) عن (وأد البنات) بالهمزة الساكنة والدال المهملة أي دفنهن مع الحياة فعل الجاهلية ولذا خصت بالذكر فتوجه النهي إليه لا لأن الحكم مخصوص بالبنات (و) عن (منع) بفتح الميم وسكون النون وتنوين العين مكسورة لما يسأل من الحقوق الواجبة عليه (و) عن قول (هات) بكسر الفوقية من غير تنوين يطلب من الناس من غير حاجة، وفيه ترجيح أن يكون المراد من النهي عن كثرة السؤال سؤال غير المال دفعًا للتكرار. والحديث سبق في الصلاة وغيرها.

7293 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم أبو إسماعيل الأزدي الأزرق (عن ثابت) البناني (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا عند عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (فقال: نهينا) بضم النون وكسر الهاء (عن التكلف). وهذا الحديث أخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق أبي مسلم الكجي عن سليمان بن حرب ولفظه عن أنس: كنا عند عمر وعليه قميص في ظهره أربع رقاع فقرأ {وفاكهة وأبًّا} [عبس: 31] فقال هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟ ثم قال فيه: نهينا عن التكلف. وأخرجه عبد بن حميد عن سليمان بن حرب وقال فيه بعد قوله فما الأب. ثم قال: يا ابن أم عمر إن هذا لهو التكلف وما عليك أن لا تدري ما الأب. 7294 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، وَحَدَّثَنِى مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ السَّاعَةَ وَذَكَرَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهَا أُمُورًا عِظَامًا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَىْءٍ فَلْيَسْأَلْ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ لاَ تَسْأَلُونِى عَنْ شَىْءٍ إِلاَّ أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مَا دُمْتُ فِى مَقَامِى هَذَا». قَالَ أَنَسٌ: فَأَكْثَرَ النَّاسُ الْبُكَاءَ وَأَكْثَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِى». فَقَالَ أَنَسٌ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْنَ مَدْخَلِى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «النَّارُ». فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ: مَنْ أَبِى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ». قَالَ: ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِى سَلُونِى». فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَسُولاً. قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَىَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِى عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ وَأَنَا أُصَلِّى فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم قال البخاري (وحدّثني) بالإفراد (محمود) هو ابن غيلان قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج حين زاغت الشمس) أي زالت (فصلى الظهر) في أول وقتها (فلما سلم قام على المنبر) لما بلغه أن قومًا من المنافقين يسألون منه ويعجزونه عن بعض ما يسألونه (فذكر الساعة وذكر أن بين يديها أمورًا عظامًا ثم قال): (من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل) أي فليسألني (عنه فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا) بفتح الميم (قال: أنس: فأكثر الناس) ولأبي ذر عن الكشميهني: فأكثر الأنصار (البكاء) خوفًا مما سمعوه من أهوال يوم القيامة أو من نزول العذاب العام المعهود في الأمم السالفة عند ردهم على أنبيائهم بسبب تغيظه عليه الصلاة والسلام من مقالة المنافقين السابقة آنفًا. (وأكثر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يقول: سلوني. فقال أنس: فقام إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رجل فقال أين مدخلي يا رسول الله؟ قال: النار) بالرفع قال في الفتح ولم أقف على اسم هذا الرجل فى شيء من الطرق وكأنهم أبهموه عمدًا للستر عليه، وفي الطبراني من حديث أبي فراس الأسلمي نحوه وزاد وسأله رجل أفي الجنة أنا؟ قال (في الجنة) قال: ولم أقف على اسم هذا الرجل الآخر (فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال: أبوك حذافة قال ثم أكثر) عليه الصلاة والسلام (أن يقول: سلوني سلوني) بتكريرها مرتين للحموي والمستملي ولغيرهما مرة واحدة (فبرك عمر) -رضي الله عنه- (على ركبتيه) بلفظ التثنية (فقال: رضينا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رسولاً). وفي مرسل السدي عند الطبري في نحو هذه فقام إليه عمر فقبّل رِجله وقال: رضينا بالله ربًّا إلى آخره بمثل ما هنا وزاد بالقرآن إمامًا فاعف عنا عفا الله عنك، فلم يزل به حتى رضي وفيه استعمل المزاوجة في الدعاء لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معفوّ عنه قبل ذلك (قال فسكت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قال عمر ذلك، ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أولى). قال في الكواكب: وأولى يعني أوَ لا ترضون يعني رضيتم أوَ لا وتكتب بالياء في أكثر النسخ. قلت وكذا هي في اليونينية (والذي نفسي بيده لقد عرضت عليّ الجنة والنار آنفًا) بمدّ الهمزة والنصب على الظرفية لتضمنه معنى الظرفية أي أوّل وقت يقرب مني وهو الآن (في عرض هذا الحائط) بضم العين وسكون الراء أي جانبه (وأنا أصلي فلم أر) فلم أبصر (كاليوم) صفة محذوف أي يومًا مثل هذا اليوم (في الخبر) الذي رأيته في الجنة (والشر) الذي رأيته في النار. والحديث سبق في باب وقت الظهر من كتاب الصلاة وسياق لفظ الحديث هنا على لفظ معمر، وفي باب وقت الظهر على لفظ شعيب. 7295 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنِى مُوسَى بْنُ أَنَسٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ مَنْ أَبِى؟ قَالَ: «أَبُوكَ فُلاَنٌ»، وَنَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا، عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: 101] الآية. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال: (أخبرنا روح بن عبادة) بفتح الراء وسكون الواو بعدها مهملة وعبادة بضم العين وتخفيف الموحدة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال (أخبرني) بالإفراد (موسى بن أنس) قاضي البصرة (قال: سمعت أنس بن مالك) -رضي الله عنه- وهو

أبو موسى الراوي عنه (قال: قال رجل) هو عبد الله بن حذافة أو قيس بن حذافة أو خارجة بن حذافة وكان يطعن فيه (يا نبي الله من أبي؟ قال) صلوات الله وسلامه عليه: (أبوك فلان) أي حذافة (ونزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء} [المائدة: 101] الآية) وسبق الحديث في تفسير سورة المائدة. 7296 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ»؟ وبه قال: (حدّثنا الحسن بن صباح) بفتح الصاد المهملة والموحدة المشددة آخره مهملة الواسطي قال: (حدّثنا شبابة) بفتح الشين المعجمة والموحدة المخففة وبعد الألف موحدة أخرى ابن سوّار بفتح السين المهملة والواو المشدّدة قال: (حدّثنا ورقاء) بفتح الواو وسكون الراء بعدها قاف مهموز ممدود ابن عمرو (عن عبد الله بن عبد الرحمن) أي طوالة بضم الطاء المهملة وتخفيف الواو الأنصاري قاضي المدينة أنه قال: (سمعت أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لن يبرح) بالموحدة والحاء المهملة لن يزال (الناس يتساءلون) ولأبي ذر عن المستملي يساءلون بتشديد السين والتساؤل جريان السؤال بين اثنين فصاعدًا ويجري بينهم السؤال في كل نوع (حتى يقولوا) ويجوز أن يكون بين العبد والشيطان أو النفس حتى يبلغ إلى أن يقال (هذا الله خالق كل شيء) أي هذا مسلم وهو أن الله تعالى خالق كل شيء وهو شيء وكل شيء مخلوق (فمن خلق الله) زاد في بدء الخلق، فإذا بلغه فليستعذ بالله ولِيَنْتَهِ أي عن التفكّر في هذا الخاطر، وفي مسلم فليقل آمنت بالله، وفي أخرى له ورسله، ولأبي داود والنسائي فقولوا: الله أحد الله الصمد السورة ثم يتفل عن يساره ثم ليستعذ بالله، والحكمة في قوله الصفات الثلاث إنها منبّهة على أن الله تعالى لا يجوز أن يكون مخلوقًا أما أحد فمعناه الذي لا ثاني له ولا مثل فلو فرض مخلوقًا لم يكن أحدًا على الإطلاق. ويأتي مزيد لذلك في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى بعون الله وقوّته. والحديث من أفراد البخاري ومن هذا الوجه. 7297 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ، فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَسْأَلُوهُ لاَ يُسْمِعْكُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ حَدِّثْنَا عَنِ الرُّوحِ فَقَامَ سَاعَةً يَنْظُرُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَتَأَخَّرْتُ عَنْهُ حَتَّى صَعِدَ الْوَحْىُ ثُمَّ قَالَ: «{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى}» [الإسراء: 85]. وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبيد بن ميمون) التبان المدني قال: (حدّثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق أحد الأعلام في الحفظ والعبادة (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن ابن مسعود) عبد الله (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حرث) بالحاء المهملة المفتوحة والراء الساكنة بعدها مثلثة زرع، ولأبي ذر عن الكشميهني: في خرب بخاء معجمة مكسورة وراء مفتوحة بعدها موحدة (بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب) بفتح العين وكسر السين المهملتين وبعد التحتية موحدة عصا من جريد النخل (فمرّ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بنفر من اليهود فقال بعضهم) زاد في الإسراء لبعض (سلوه عن الروح) الذي في الحيوان أي عن حقيقته (وقال بعضهم: لا تسألوه لا يسمعكم) بضم أوله والجزم على النهي والرفع على الاستئناف (ما تكرهون) أي إن لم يفسره لأنهم قالوا إن فسره فليس بنبي وإن لم يفسره فهو نبي وقد كانوا يكرهون نبوّته (فقاموا إليه فقالوا: يا أبا القاسم حدّثنا) بكسر الدال والجزم (عن الروح فقام) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ساعة ينظر) قال ابن مسعود (فعرفت أنه يوحى إليه فتأخرت عنه) خوفًا أن يتشوّش بقربي (حتى صعد الوحي) بكسر العين المهملة (ثم قال) عليه الصلاة والسلام. ({ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} [الإسراء: 85]) مما استأثر بعلمه. وعن أي بريدة لقد مضى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما يعلم الروح ولقد عجزت الأوائل عن إدراك ماهيته بعد إنفاق الأعمار الطويلة على الخوض فيه والحكمة في ذلك عجز العقل عن إدراك مخلوق مجاور له ليدل على أنه عن إدراك خالقه أعجز ولذا ردّ ما قيل في حدّه إنه جسم رقيق هوائي في كل جزء من الحيوان وقوله: ويسألونك بإثبات الواو في الفرع كأصله وفي بعض النسخ بحذفها فقال بعضهم: التلاوة بإثباتها يعني أن هذا مما وقع في البخاري من الآيات المتلوّة على غير وجهها. قال البدر الدماميني في مصابيحه: ليس هذا من قبيل المغير لأن الآية المقترنة بحرف عطف يجوز عند حكايتها أن تقرن بالعاطف

4 - باب الاقتداء بأفعال النبي -صلى الله عليه وسلم-

وأن تخلى عنه نص على جواز الأمرين الشيخ بهاء الدين السبكي في شرح مختصر ابن الحاجب مثال الأول ما أجد لي ولكم مثالاً إلا كما قال العبد الصالح فصبر جميل إلى غير ذلك ومثال الثاني قوله عليه الصلاة والسلام حين سئل عن الخمر ما أنزل عَليّ فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة {من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره} [الزلزلة: 7، 8] قال وقد أشبعنا الكلام على ذلك في حاشية المغني فليراجع منها. 4 - باب الاِقْتِدَاءِ بِأَفْعَالِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (باب الاقتداء بأفعال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) واجب لعموم قوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه} [الحشر: 7] ولقوله: {فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران: 31] فيجب اتباعه في فعله كما يجب في قوله حتى يقوم دليل على الندب أو الخصوصية. 7298 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: اتَّخَذَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّى اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ»، فَنَبَذَهُ وَقَالَ: «إِنِّى لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا»، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري ما جزم به المزي (عن عبد الله بن دينار) المدني (عن ابن عمر) عبد الله (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: اتخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاتمًا من ذهب فاتخذ الناس خواتيم من ذهب) على التوزيع أي كل واحد اتخذ خاتمًا (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (إني اتخذت خاتمًا من ذهب، فنبذه) أي فطرحه (وقال: إني لن ألبسه أبدًا) كراهة مشاركتهم له في خاتمه الذي اتخذه ليختم به كتبه إلى الملوك لئلا تفوت مصلحة نقش اسمه بوقوع الاشتراك ويحصل الخلل أو لكونه من ذهب وكان وقت تحريم لبس الذهب على الرجال (فنبذ الناس خواتيمهم) أي طرحوها اقتداء بفعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعلاً وتركًا ولا دلالة في ذلك على الوجوب بل على مطلق الاقتداء به والتأسي. والحديث سبق في باب خواتيم الذهب من وجه آخر من كتاب اللباس. 5 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ وَالتَّنَازُعِ فِى الْعِلْمِ وَالْغُلُوِّ فِى الدِّينِ وَالْبِدَعِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِى دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ}. (باب ما يكره من التعمق) بالعين المهملة المفتوحة والميم المضمومة المشدّدة بعدها قاف أي التشدّد في الأمر حتى يتجاوز الحدّ فيه (والتنازع) وهو التجادل (في العلم) عند الاختلاف فيه إذا لم يتضح الدليل وسقط لأبي ذر في العلم (والغلوّ) بضم الغين المعجمة واللام وتشديد الواو المبالغة والتشدّد (في الدين) حتى يتجاوز الحد (و) الغلوّ في (البدع) المذمومة (لقوله) ولأبي ذر لقول الله (تعالى: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم} [النساء: 171]) لا تجاوزوا الحد فغلت اليهود في حط المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام عن منزلته حتى قالوا: إنه ابن الزنا، وغلت النصارى في رفعه عن مقداره حيث جعلوه ابن الله ({ولا تقولوا على الله إلا الحق} [النساء: 171]) وهو تنزيهه عن الشريك والولد. 7299 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُوَاصِلُوا». قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: «إِنِّى لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّى أَبِيتُ يُطْعِمُنِى رَبِّى وَيَسْقِينِى»، فَلَمْ يَنْتَهُوا عَنِ الْوِصَالِ. قَالَ: فَوَاصَلَ بِهِمُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَيْنِ أَوْ لَيْلَتَيْنِ، ثُمَّ رَأَوُا الْهِلاَلَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلاَلُ لَزِدْتُكُمْ»، كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف اليماني قاضيها قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). (لا تواصلوا) في الصوم بأن تصلوا يومًا بيوم من غير أكل وشرب بينهما والنهي للتحريم أو التنزيه (قالوا) يا رسول الله (إنك تواصل. قال: إني لست مثلكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني) بإثبات الياء ولأبي ذر: ويسقين بحذف الياء لا يقال إن قوله يطعمني ويسقيني مناف للوصال لأن المراد بالإطعام لازمه وهو التقوية أو المراد من طعام الجنة وهو لا يفطر آكله (فلم ينتهوا عن الوصال) ظنًّا منهم أن النهي ليس للتحريم. (قال) أبو هريرة فواصل بهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومين أو ليلتين ثم رأوا الهلال، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لو تأخر الهلال لزدتكم) في المواصلة حتى تعجزوا عنها (كالمنكل لهم) بكسر الكاف المشددة من التنكيل أي كالمعذب لهم، وللحموي كالمنكي لهم بضم الميم وسكون النون وكسر الكاف من النكاية والإنكاء للمستملي كالمنكر أي عليهم فاللام في لهم بمعنى على. واستشكل وجه المطابقة بين الحديث والترجمة. وأجيب: بأن عادة المؤلّف إيراد ما لا يطابق ظاهرًا حيث تكون المطابقة في طريق من طرق الحديث لتشحيذ الأذهان، ففي التمني كما سبق واصل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخر الشهر وواصل الناس، فبلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: (لو مدّ في الشهر لواصلت وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم إني لست مثلكم). وحديث

الوصال واحد وإن تعددت رواته من الصحابة، وقد حصلت المطابقة على ما لا يخفى. 7300 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِىُّ، حَدَّثَنِى أَبِى قَالَ: خَطَبَنَا عَلِىٌّ - رضى الله عنه - عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ آجُرٍّ وَعَلَيْهِ سَيْفٌ فِيهِ صَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا عِنْدَنَا مِنْ كِتَابٍ يُقْرَأُ إِلاَّ كِتَابُ اللَّهِ، وَمَا فِى هَذِهِ الصَّحِيفَةِ فَنَشَرَهَا فَإِذَا فِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ وَإِذَا فِيهَا الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ عَيْرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً وَإِذَا فِيهِ ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً وَإِذَا فِيهَا مَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم) بن يزيد (التيمي) العابد قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي) يزيد بن شريك (قال: خطبنا علي) هو ابن أبي طالب (-رضي الله عنه- على منبر من آجر) بمد الهمزة وضم الجيم وتشديد الراء هو الطوب المشوي (وعليه سيف فيه صحيفة معلقة فقال: والله ما عندنا من كتاب يقرأ) بضم الياء مبنيًّا للمفعول (إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة فنشرها) أي فتحها فقرئت (فإذا فيها أسنان الإبل) أي إبل الدّيات واختلافها في العمد والخطأ وشبه العمد (وإذا فيها المدينة حرم) أي محرمة (من عير) بفتح العين المهملة بعدها تحتية ساكنة فراء جبل بالمدينة (إلى كذا) في مسلم إلى ثور وهو جبل معروف (فمن أحدث فيها حدثًا) من ابتدع بدعة أو ظلمًا (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) والمراد باللعنة هنا البعد عن الجنة أوّل الأمر (لا يقبل الله منه صرفًا) فرضًا (ولا عدلاً) نافلة أو بالعكس أو التوبة والفدية أو غير ذلك مما سبق في حرم المدينة من آخر كتاب الحج (وإذا فيه) في المكتوب في الصحيفة (ذمة المسلمين واحدة) أي أمانهم صحيح فإذا أمن الكافر واحد منهم حرم على غيره التعرض له. وقال البيضاوي: الذمة العهد سمي بها لأنها يذم متعاطيها على إضاعتها (يسعى بها) أي يتولاها (أدناهم) من المرأة والعبد ونحوهما (فمن أخفر مسلمًا) بالخاء المعجمة والفاء نقض عهده (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً، وإذا فيها) في الصحيفة (من والى قومًا) اتخذهم أولياء (بغير إذن مواليه) ليس لتقييد الحكم بل هو إيراد الكلام على ما هو الغالب (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً). ولأحمد وأبي داود والنسائي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عبادة قال: انطلقت أنا والأشتر إلى عليّ فقلنا: هل عهد إليك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا لم يعهده إلى الناس عامة. قال: لا إلاَّ ما كان في كتابي هذا. قال وكتابه في قراب سيفه فإذا فيه المؤمنون تتكافأ دماؤهم الحديث: ولمسلم من طريق أبي الطفيل كنت عند علي فأتاه رجل فقال له: ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسر إليك فغضب ثم قال: ما كان يسر إليّ شيئًا يكتمه عن الناس غير أنه حدّثني بكلمات أربع، وفي رواية له ما خصنا بشيء لم يعم به الناس كافّة إلا ما كان في قراب سيفي هذا، فأخرج صحيفة مكتوبًا فيها لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى محدثًا. وفي كتاب العلم من طريق أبي جحيفة قلت لعليّ هل عندكم كتاب؟ قال: لا إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة قال: قلت وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر، والجمع بين هذه الأخبار أن الصحيفة المذكورة كانت مشتملة على مجموع ما ذكر فنقل كل راوٍ بعضها قاله في الفتح وقال: والغرض بإيراد الحديث يعني حديث الباب هنا لعن من أحدث حدثًا فإنه وإن قيد في الخبر بالمدينة فالحكم عام فيها وفى غيرها إذا كان من متعلقات الدين. وقال الكرماني: في مناسبة حديث علي للترجمة لعله استفاد من قول علي -رضي الله عنه- تبكيت من تنطع في الكلام، وجاء بغير ما في الكتاب والسُّنّة قال العيني: والذي قاله الكرماني هو المناسب لألفاظ الترجمة، والذي قاله بعضهم يعني الحافظ ابن حجر بعيد من ذلك يعرف بالتأمل. 7301 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِىَ الله عنها - صَنَعَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا تَرَخَّصَ وَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّىْءِ أَصْنَعُهُ فَوَاللَّهِ إِنِّى أَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن صبيح بالصاد المهملة والموحدة وآخره مهملة مصغر وهو أبو الضحى (عن مسروق) أبي عائشة ابن الأجدع الهمداني أنه (قال: قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: صنع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا ترخص فيه) يحتمل أن يكون

كالإفطار في بعض الأيام في غير رمضان والتزوّج، وثبت قوله فيه لأبي ذر (وتنزه عنه قوم) فسردوا الصوم واختاروا العزوبة (فبلغ ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحمد الله) بكسر الميم زاد أبو ذر وأثنى عليه (ثم قال): (ما بال أقوام يتنزهون) أي يتباعدون ويحترزون (عن الشيء أصنعه) أصنعه في موضع نصب على الحال من الشيء (فوالله إني أعلمهم بالله) أي بغضب الله وعقابه يعني أنا أفعل شيئًا من المباحات كالنوم والأكل في النهار والتزوّج وقوم يحترزون عنه فإن احترزوا عنه لخوف عذاب الله تعالى فإني أعلم بقدر عذاب الله تعالى منهم (وأشدهم له) تعالى (خشية). فأنا أولى أن أحترز عنه، وكان ينبغي لهم أن يجعلوا عدم تنزههم عن المرخص مسببًا عن عمله صلوات الله وسلامه عليه فعكسوا فأنكر عليهم. قال الداودي: التنزه عمار خص فيه الشارع من أعظم الذنوب لأنه يرى نفسه أتقى لله من رسوله وهذا إلحاد. قال في فتح الباري: لا شك في إلحاد من اعتقد ذلك، لكن في حديث أنس: جاء ثلاثة رهط إلى أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسألون عن عبادة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما أخبروا بها كأنهم تقالوها فقالوا: أين نحن من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ أي أن بيننا وبينه بونًا بعيدًا فإنّا على صدد التفريط وسوء العاقبة وهو معصوم مأمون العاقبة وأعمالنا جنة من العقاب وأعماله مجلبة للثواب، فردّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما اختاروا لأنفسهم من الرهبانية بأن ما استأثرهم من الإفراط في الرياضة لو كان أحسن من العدل الذي أنا عليه لكنت أولى بذلك، ففيه أن العلة التي اعتل بها من أشير إليهم في الحديث أنه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وفي الحديث بيان حسن خلقه، والحث على الاقتداء به عليه الصلاة والسلام، والنهي عن التعمق وذم التنزه عن المباح شكًّا في إباحته، وفيه أن العلم بالله يوجب اشتداد الخشية. وحديث الباب سبق في باب من لم يواجه بالعتاب من كتاب الأدب. 7302 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ لَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفْدُ بَنِى تَمِيمٍ أَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ التَّمِيمِيِّ الْحَنْظَلِىِّ أَخِى بَنِى مُجَاشِعٍ وَأَشَارَ الآخَرُ بِغَيْرِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ إِنَّمَا أَرَدْتَ خِلاَفِى فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] إِلَى قَوْلِهِ: {عَظِيمٌ} قَالَ ابْنُ أَبِى مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَكَانَ عُمَرُ بَعْدُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِى أَبَا بَكْرٍ إِذَا حَدَّثَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَدِيثٍ حَدَّثَهُ كَأَخِى السِّرَارِ لَمْ يُسْمِعْهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) أبو الحسن المروزي المجاور بمكة قال (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح أبو سفيان الرؤاسي أحد الأعلام (عن نافع بن عمر) الجمحي المكي الحافظ، ولأبي ذر: أخبرنا نافع بن عمر (عن ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام زهير الأحول المكي أنه (قال: كاد) أي قارب (الخيران) تثنية خير بفتح المعجمة وتشديد التحتية المكسورة أي الرجلان الكثيران الخير (أن يهلكا) بكسر اللام والنصب بحذف نون الرفع وفيه دخول أن على خبر كاد وهو قليل ولأبي ذر أن يهلكان بإثبات نون الرفع وأن قبل والخيران هما (أبو بكر وعمر) -رضي الله عنهما- (لما) بفتح اللام وتشديد الميم (قدم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفد بني تميم) مشة تسع وسألوه أن يؤمر عليهم أحدًا (أشار أحدهما) أي أحد الخيرين وهو عمر (بالأقرع) أي بتأمير الأقرع (ابن حابس التميمي الحنظلي أخي) بالياء، ولأبي ذر عن الكشميهني: أخو (بني مجاشع) بالجيم والشين المعجمة ابن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وسقط لغير أبي ذر التميمي (وأشار الآخر) وهو أبو بكر -رضي الله عنه- (بغيره) بتأمير غير الأقرع وهو القعقاع بن معبد بن زرارة التميمي (فقال أبو بكر لعمر) -رضي الله عنهما-: (إنما أردت) بتأمير الأقرع (خلافي) أي مخالفة قولي (فقال عمر) لأبي بكر: (ما أردت) بذلك (خلافك فارتفعت أصواتهما عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في ذلك (فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم}) إذا نطقتم ({فوق صوت النبي} إلى قوله: ({عظيم} [الحجرات: 2]) أي إذا نطق ونطقتم فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه بصوته وأن تنقضوا منها بحيث يكون كلامه غالبًا لكلامكم وجهره باهرًا لجهركم حتى تكون مزيته عليكم لائحة وسابقته لديكم واضحة وسقط لغير أبي ذر قوله: {فوق صوت النبي}. (قال) ولأبي ذر وقال (ابن أبي مليكة) زهير بالسند السابق (قال ابن المنير): عبد الله (فكان عمر) -رضي الله عنه- (بعد) أي

بعد نزول هذه الآية (ولم يذكر) أي ابن الزبير (ذلك عن أبيه) عن جده لأمه أسماء (يعني أبا بكر) وفيه أن الجد للأم يسمى أبًا، والجملة اعتراض بين قوله بعد وقوله: (إذا حدث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحديث حدّثه كأخي السرار) بكسر السين المهملة كصاحب السرار أي لا يرفع صوته إذا حدّثه بل يكلمه كلامًا مثل المسارة وشبهها لخفض صوته. قال الزمخشري: ولو أريد بأخي السرار المسار كان وجهًا والكاف على هذا في محل نصب على الحال يعني لأن التقدير حدّثه مثل الشخص المسار قال: وعلى الأول صفة لمصدر محذوف يعني لأن التقدير حدّثه حديثًا مثل المسار (لم يسمعه) بضم أوّله أي لم يسمع عمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حديثه (حتى يستفهمه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قال الزمخشري: والضمير في لم يسمعه راجع للكاف إذا جعلت صفة للمصدر ولم يسمعه منصوب المحل بمنزلة الكاف على الوصفية وإذا جعلت حالاً كان الضمير لها أيضًا إلا إن قدّر مضاف كقولك يسمع صوته فحذف الصوت وأقيم الضمير مقامه، ولا يجوز أن يجعل لم يسمعه حالاً من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن المعنى يصير ركيكًا. وقال في فتح الباري: والمقصود من الحديث قوله تعالى في أوّل السورة: {لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} [الحجرات: 1] ومنه تظهر مطابقته لهذه الترجمة. وقال العيني: مطابقته للجزء الثاني وهو التنازع في العلم تؤخذ من قوله: فارتفعت أصواتهما وكان تنازعهما في تولية اثنين في الإمارة كلٍّ منهما يريد تولية خلاف من يريده الآخر والتنازع في العلم الاختلاف. والحديث سبق في سورة الحجرات، ووقع التنبيه فيها أن سياق الحديث صورته صورة الإرسال لكن في آخره أنه حمله عن عبد الله بن الزبير والله الموفق والمعين. 7303 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِى مَرَضِهِ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّى بِالنَّاسِ». قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِى مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ فَقَالَ: «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ». فَقَالَتْ: عَائِشَةُ فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِى إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِى مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ». قَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة أم المؤمنين) -رضي الله عنها- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال في مرضه) الذي توفي فيه. (مروا أبا بكر يصلّي بالناس) بالياء بعد اللام مرفوع على الاستئناف أو أجرى المعتل مجرى الصحيح (قالت عائشة) -رضي الله عنها- (قلت: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء) إذ ذلك عادته إذا قرأ القرآن لا سيما إذا قام مقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفقده منه (فمر عمر فليصل) مجزوم بحذف حرف العلة جواب الأمر ولأبي ذر للناس (فقال) عليه الصلاة والسلام: (مروا أبا بكر فليصل بالناس) ولأبي ذر: للناس (فقالت عائشة: فقلت لحفصة) بنت عمر: (قولي) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فأمر عمر فليصل بالناس) ولأبي ذر للناس (ففعلت) فقالت (حفصة) ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنكن لأنتن صواحب يوسف) الصديق عليه السلام تظهرن خلاف ما تبطن كهن (مروا أبا بكر فليصل للناس. فقالت حفصة لعائشة) رضي الله تعالى عنهما: (ما كنت لأصيب منك خيرًا). والحديث سبق في الصلاة. ومطابقته لم ترجم له هنا من حيث إن المرادة والمراجعة داخلة في معنى التعمق لأن التعمق هو المبالغة في الأمر والتشديد فيه. 7304 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِىِّ قَالَ: جَاءَ عُوَيْمِرٌ العَجلانِيُّ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِىٍّ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً فَيَقْتُلُهُ أَتَقْتُلُونَهُ بِهِ؟ سَلْ لِى يَا عَاصِمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُ فَكَرِهَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَسَائِلَ وَعَابَ، فَرَجَعَ عَاصِمٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَرِهَ الْمَسَائِلَ فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللَّهِ لآتِيَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ خَلْفَ عَاصِمٍ فَقَالَ لَهُ: «قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكُمْ قُرْآنًا، فَدَعَا بِهِمَا فَتَقَدَّمَا فَتَلاَعَنَا ثُمَّ قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا فَفَارَقَهَا وَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِفِرَاقِهَا فَجَرَتِ السُّنَّةُ فِى الْمُتَلاَعِنَيْنِ وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «انْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا مِثْلَ وَحَرَةٍ فَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ قَدْ كَذَبَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَعْيَنَ ذَا أَلْيَتَيْنِ فَلاَ أَحْسِبُ إِلاَّ قَدْ صَدَقَ». فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الأَمْرِ الْمَكْرُوهِ. وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس العسقلاني قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) ولأبي ذر: حدّثنا محمد بن عبد الرحمن أي ابن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب واسمه هشام بن سعيد قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين (الساعدي) -رضي الله عنه- أنه (قال: جاء عويمر العجلاني) بفتح العين وسكون الجيم وسقط العجلاني لغير أبي ذر (إلى عاصم بن عدي فقال) له: يا عاصم (أرأيت رجلاً) أي أخبرني عن حكم رجل (وجد مع امرأته رجلاً) أجنبيًّا منها (فيقتله أتقتلونه به)؟ قصاصًا. زاد في طريق آخر أم كيف يفعل أي أيّ شيء يفعل؟ وأم تحتمل أن تكون متصلة يعني إذا رأى الرجل هذا المنكر والأمر الفظيع وثارت عليه الحمية أيقتله فتقتلونه أم يصبر على ذلك الشنار والعار وأن تكون

منقطعة فسأل أوّلاً عن القتل مع القصاص، ثم أضرب عنه إلى سؤال آخر لأن أم المنقطعة متضمنة لبل والهمزة، فبل تضرب الكلام السابق والهمزة تستأنف كلامًا آخر والمعنى كيف يفعل أيصبر؟ على العار أو يحدث له أمرًا آخر (سل لي يا عاصم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن ذلك (فسأله) عاصم (فكره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسائل) المذكورة لما فيها من البشاعة (وعاب) على سائلها ولأبي ذر عن الكشميهني وعابها (فرجع عاصم) إلى أهله وجاءه عويمر (فأخبره أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كره المسائل. فقال عويمر: والله لآتين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وأسأله عن ذلك (فجاء) إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وقد أنزل الله تعالى القرآن) وهو قوله تعالى: {والذين يرمون أزواجهم} الآية (خلف عاصم) بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام أي بعد رجوعه (فقال): (قد أنزل الله فيكم) وفي اللعان قد أنزل فيك وفي صاحبتك أي زوجته خولة (قرآنًا، فدعا بهما) ولأبي ذر فدعاهما (فتقدما فتلاعنا، ثم قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها ففارقتها) وفي اللعان فطلّقها (ولم يأمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بفراقها) لأن نفس اللعان يوجب المفارقة وهو مذهب مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا تحصل الفرقة إلا بقضاء القاضي بها بعد التلاعن (فجرت السُّنّة في المتلاعنين) بفتح النون الأولى بلفظ التثنية أن يفترقا فلا يجتمعان بعد الملاعنة أبدًا. قال سهل بن سعد (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: انظروها) أي المرأة الملاعنة (فإن جاءت به) بالولد الذي هي حامل به (أحمر) اللون (قصيرًا مثل وحرة) بفتح الواو والحاء المهملة والراء دويبة فوق العدسة، وقيل حمراء تلزق بالأرض كالوزغة تقع في الطعام فتفسده (فلا أراه) بضم الهمزة فلا أظنه أي عويمرًا (إلاّ قد كذب) عليها (وإن جاءت به أسحم) بفتح الهمزة وسكون السين وفتح الحاء المهملتين أسود (أعين) بفتح الهمزة والتحتية بينهما عين مهملة ساكنة واسع العين (ذا إليتين) بتحتية ثم فوقية كبيرتين والاستعمال أليين بحذف الفوقية (فلا أحسب إلا) أنه (قد صدق) أي عويمر (عليها فجاءت به على الأمر المكروه) وهو كونه أسحم أعين لأنه متضمن لثبوت زناها عادة والضمير في قوله: فإن جاءت به للولد أو الحمل لدلالة السياق عليه كقوله تعالى: {إن ترك خيرًا} [البقرة: 18] أي الميت. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فكره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسائل وعابها لأنه أفحش في السؤال فلذا كره ذلك. والحديث سبق في اللعان. 7305 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِى عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ النَّصْرِىُّ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِى ذِكْرًا مِنْ ذَلِكَ فَدَخَلْتُ عَلَى مَالِكٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِى عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَدَخَلُوا فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِى عَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ فَأَذِنَ لَهُمَا؟ قَالَ الْعَبَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِى وَبَيْنَ الظَّالِمِ اسْتَبَّا فَقَالَ الرَّهْطُ: عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، فَقَالَ: اتَّئِدُوا أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِى بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»؟ يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَفْسَهُ قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ ذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ. قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّى مُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى هَذَا الْمَالِ بِشَىْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ} [الحشر: 2] الآيَةَ. فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ وَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ، حَتَّى بَقِىَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، وَكَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِىَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ حَيَاتَهُ. أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ لِعَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ. ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِىُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنْتُمَا حِينَئِذٍ وَأَقْبَلَ عَلَى عَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ تَزْعُمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فِيهَا كَذَا وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ: أَنَا وَلِىُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِى بَكْرٍ فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جِئْتُمَانِى وَكَلِمَتُكُمَا عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ جِئْتَنِى تَسْأَلُنِى نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ وَأَتَانِى هَذَا يَسْأَلُنِى نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ، تَعْمَلاَنِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا وَإِلاَّ فَلاَ تُكَلِّمَانِى فِيهَا فَقُلْتُمَا: ادْفَعْهَا إِلَيْنَا بِذَلِكَ فَدَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ، أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ. فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِىٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا؟ قَالاَ: نَعَمْ. قَالَ: أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّى قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ فَوَالَّذِى بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ أَقْضِى فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَىَّ فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (مالك بن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو ابن الحدثان بفتح الحاء والدال المهملتين والمثلثة ابن عوف بن ربيعة بن سعيد بن يربوع بن واثلة بن دهمان بن نصر بن معاوية بن كبر بن هوازن (النصري) بالنون المفتوحة والصاد المهملة الساكنة كما في الكواكب وعليها علامة الإهمال في الفرع مصححًا عليها، وضبطها العيني بالضاد المعجمة. وقال: نسبة إلى النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر قال وفي همدان أيضًا النضر بن ربيعة اهـ. وهذا الذي قاله لا أعرفه والمعروف أنه بالمهملة نسبة لجده الأعلى نصر بن معاوية كما مرّ، يقال: إن لأبيه أوس صحبة وكذا قيل لولده مالك. قال ابن شهاب: (وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكرًا) بكسر المعجمة وسكون القاف (من ذلك) الحديث الآتي (فدخلت على مالك) أي ابن أوس (فسألته) عن ذلك الحديث (فقال: انطلقت حتى) أي إلى أن (أدخل على عمر) -رضي الله عنه- عبر بالمضارع في موضع الماضي مبالغة لإرادة استحضار صورة الحال فجلست عنده فبينا أنا جالس (أتاه حاجبه يرفأ) بتحتية مفتوحة فراء ساكنة ثم فاء فألف وقد تهمز. قال في الفتح: وهي روايتنا من طريق أبي ذر، وكان يرفأ من موالي عمر أدرك

الجاهلية ولا يعرف له صحبة (فقال) له (هل لك) رغبة (في عثمان) بن عفان (وعبد الرحمن) بن عوف (والزبير) بن العوّام (وسعد) بسكون العين ابن أبي وقاص (يستأذنون) في الدخول عليك (قال) عمر (نعم) فأذَنْ لهم (فدخلوا فسلموا وجلسوا) زاد في فرض الخمس ثم جلس يسيرًا (فقال) ولأبي ذر قال (هل لك) رغبة (في) دخول (عليّ) أي ابن أبي طالب (وعباس) عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال عمر: نعم (فأذن لهما} فلما دخلا (قال العباس) لعمر (يا أمير المؤمنين اقضِ بيني وبين الظالم استبا) بلفظ التثنية أي تخاشنا في الكلام وتكلما بغليظ القول كالمستبين، وقال الداودي: يعني أن كل واحد منهما يدّعي أنه المظلوم في هذا الأمر، وليس المراد أن عليًّا يسبّ العباس بغير ذلك لأنه كأبيه ولا أن العباس يسب عليًّا بغير ذلك لفضل علي -رضي الله عنهما-، وأراد بقوله الظالم عليًّا، وليس المراد أنه ظالم للناس وأن الظلم من شيمه وأخلاقه معاذ الله، وإنما يريد الظالم لي في هذا الأمر على ما ظهر له. وفي الخمس: وبين هذا، ولم يقل الظالم، وفي رواية جويرية عند مسلم وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن. قال في الفتح: ولم أر في شيء من الطرق أنه صدر من علي في حق العباس شيء بخلاف ما يفهم من قوله في رواية عقيل هذه، وإنما جاز للعباس مثل هذا القول لأن عليًّا كان كالولد له وللوالد ما ليس لغيره فأراد ردعه عما يعتقد أنه مخطئ فيه أو هي كلمة لا يراد بها حقيقتها، وقد كان هذا بمحضر من الصحابة فلم ينكروه مع تشددهم في إنكار المنكر لأنهم فهموا بقرينة الحال أنه لا يريد به الحقيقة (فقال الرهط عثمان وأصحابه) لعمر: (يا أمير المؤمنين اقضِ بينهما وأرح أحدهما من الآخر فقال) عمر (اتئدوا) بهمزة وصل وتشديد الفوقية بعدها همزة مكسورة فدال مهملة مضمومة تمهلوا واصبروا (أنشدكم) بفتح الهمزة وضم الشين أسألكم رافعًا نشيدتي أي صوتي (بالله الذي بإذنه تقوم السماء) فوق رؤوسكم بغير عمد (والأرض) على الماء تحت أقدامكم ولأبي ذر عن الكشميهني أنشدكم الله بإسقاط حرف الجر (هل تعمون أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لا نورث) أي الأنبياء (ما تركنا) ما موصول مبتدأ والعائد محذوف أي الذي تركناه وخبر المبتدأ (صدقة؟ يريد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفسه) وغيره من الأنبياء لقوله في رواية أخرى: إنّا معاشر الأنبياء. نعم استشكل مع قوله تعالى في زكريا: {يرثني ويرث من آل يعقوب} [مريم: 6] وقوله: {وورث سليمان داود} [النمل: 16] وأجيب: بأن المراد ميراث النبوة والعلم (قال الرهط: قد قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ذلك فأقبل عمر) -رضي الله عنه- (على عليّ وعباس فقال) لهما (أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال ذلك؟ قالا: نعم. قال عمر: فإني محدّثكم عن هذا الأمر إن كان الله) وفي نسخة إن الله كان بتشديد النون ونصب الجلالة الشريفة والتقديم والتأخير (خصّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا المال) أي الفيء (بشيء لم يعطه أحدًا غيره) وفي مسلم بخاصة لم يخصص بها غيره. وعند أبي داود من طريق أسامة بن يزيد عن ابن شهاب كانت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاث صفايا بنو النضير وخيبر وفدك فأما بنو النضير فكانت حبسًا لنوائبه وأما فدك فكانت حبسًا لأبناء السبيل، وأما خيبر فجزأها بين المسلمين ثم قسّم جزءًا لنفقة أهله وما فضل منه جعله في فقراء المهاجرين (فإن الله) تعالى (يقول) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر قال الله تعالى: ({وما) وفي التنزيل: وما ({أفاء}) رد ({الله على رسوله منهم}) من بني النضير أو من الكفرة ({فما أوجفتم} [الحشر: 6]) أسرعتم يا مسلمون (الآية. فكانت هذه خالصة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لا حق لغيره فيها (ثم والله ما احتازها) بحاء مهملة ساكنة ثم فوقية فألف فزاي مفتوحة من الحيازة أي ما جمعها (دونكم) ولأبي ذر عن الكشميهني ما اختار بالخاء المعجمة والراء (ولا استأثر) بالفوقية وبعد الهمزة الساكنة مثلثة فراء أي ما تفرد (بها عليكم وقد أعطاكموها) أي أموال الفيء (وبثّها) بفتح الموحدة والمثلثة المشددة أي فرقها (فيكم حتى بقي

6 - باب إثم من آوى محدث

منها هذا المال. وكان) بالواو وللكشميهني فكان بالفاء (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي) منه (فيجعله مجعل مال الله) في السلاح والكراع ومصالح المسلمين (فعمل) بكسر الميم (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك حياته. أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك؟ فقالوا) ولأبي ذر قالوا (نعم. ثم قال) عمر (لعليّ وعباس: أنشدكما الله) بإسقاط حرف الجر من الجلالة الشريفة ولأبي ذر بإثباته (هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم. ثم توفّى الله نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال أبو بكر) -رضي الله عنه-: (أنا وليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتشديد التحتية من وليّ (فقبضها) بفتحات (أبو بكر فعمل فيها بما عمل فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنتما حينتذ وأقبل على عليّ عباس فقال: تزعمان أن أبا بكر فيها كذا) وفي رواية مسلم فجئتما تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر، قال رسول الله: "لا نورث ما تركنا صدقة" فرأيتماه كاذبًا آثمًا غادرًا خائنًا وكأن الزهري كان يحدّث به تارة فيصرح وتارة يكني وهو نظير ما سبق من قول العباس لعلي -رضي الله عنهما- (والله يعلم أنه) أن أبا بكر (فيها صادق بارّ) بتشديد الراء (راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر) -رضي الله عنه- (فقلت: أنا وليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) وليّ (أبي بكر) -رضي الله عنه- (فقبضتها سنتين) بلفظ التثنية (أعمل فيها) بفتح الميم (بما عمل) بكسرها (به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر، ثم جئتماني وكلمتكما على كلمة واحدة) لا مخالفة بينكما (وأمركما جميع) لا تفرق فيه ولا تنازع (جئتني) يا عباس (تسألني نصيبك من ابن أخيك) أي من ميراثه صلوات الله وسلامه عليه (وأتاني هذا) يشير إلى عليّ (يسألني نصيب امرأته) فاطمة (من) ميراث (أبيها) عليه الصلاة والسلام (فقلت) لكما (إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه تعملان) ولأبي ذر لتعملان (فيها بما عمل به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبما عمل فيها أبو بكر وبما عملت فيها منذ) بالنون (وليتها) بفتح الواو وكسر اللام مخففة أي لتتصرفان فيها وتنتفعان منها بقدر حقكما كما تصرف فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر وعمر لا على جهة التمليك إذ هي صدقة محرمة التمليك بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وإلاّ فلا تكلماني فيها فقلتما ادفعها إلينا بذلك فدفعتها إليكما بذلك. أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرهط: نعم فأقبل) عمر ولأبي ذر عن الكشميهني ثم أقبل (على عليّ وعباس فقال: أنشدكما بالله) بحرف الجر (هل دفعتها إليكما)؟ زاد أبو ذر عن الكشميهني بذلك (قالا: نعم. قال) عمر (أفتلتمسان) أفتطلبان (مني قضاء غير ذلك؟ فوالذي بإذنه تقوم السماء) بغير عمد (والأرض) على الماء (لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فادفعاها إليّ فأنا أكفيكماها). ومطابقة الحديث للترجمة في قول الرهط عثمان وأصحابه: اقضِ بينهما وأرح أحدهما من الآخر فإن الظن بهما أنهما لم يتنازعا إلا ولكلٍّ منهما مستند في الحق بيده دون الآخر فأفضى بهما ذلك إلى المخاصمة ثم المجادلة التي لولا التنازع لكان اللائق خلاف ذلك قاله في الفتح. وفي الحديث اتخاذ الحاجب وإقامة الإمام من ينظر على الوقف نيابة عنه والتشريك بين اثنين في ذلك وغير ذلك مما يدرك بالتأمل. وسبق الحديث في باب فرض الخمس بطوله والله تعالى أعلم. 6 - باب إِثْمِ مَنْ آوَى مُحْدِثً رَوَاهُ عَلِىٌّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب إثم من آوى) بفتح الهمزة الممدودة والواو (محدثًا) بضم الميم وكسر المهملة مبتدعًا أو ظالمًا (رواه) أي إثم من آوى محدثًا (عليّ) أي ابن أبي طالب -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). قال في الفتح: تقدم موصولاً في الباب الذي قبله. قال في عمدة القارئ: ليس في الباب الذي قبله ما يطابق الترجمة وإنما الذي يطابقها ما تقدم في باب الجزية في باب إثم من عاهد ثم غدر قال فيه فمن أحدث فيه حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله. 7306 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ قَالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ: أَحَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ مَا بَيْنَ كَذَا إِلَى كَذَا لاَ يُقْطَعُ شَجَرُهَا، مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. قَالَ عَاصِمٌ: فَأَخْبَرَنِى مُوسَى بْنُ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَوْ آوَى مُحْدِثًا. وبه قال: (حدّثنا

7 - باب ما يذكر من ذم الرأى وتكلف القياس

موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم البصري قال: (حدّثنا عاصم) هو ابن سليمان الأحول (قال: قلت لأنس) -رضي الله عنه- (أحرم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة)؟ بهمزة الاستفهام (قال: نعم ما بين كذا إلى كذا) وفي حديث عليّ السابق في باب فضل المدينة من الحج ما بين عائر إلى كذا، واتفقت روايات البخاري كلها على إبهام الثاني وفي مسلم إلى ثور. وسبق ما في ذلك من البحث في فضل المدينة (لا يقطع شجرها) وزاد أبو داود ولا ينفر صيدها (من أحدث فيها حدثًا) مخالفًا للشرع (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). والمراد باللعن العذاب الذي يستحقه لا كلعن الكافر وهذا التوعد وإن كان عامًّا في المدينة وغيرها لكنه خص المدينة بالذر لشرفها إذ هي مهبط الوحي ومنها انتشر الدين. (قال عاصم) أي ابن سليمان بالسند السابق (فأخبرني) بالإفراد (موسى بن أنس أنه قال: أو آوى محدثًا). قال الدارقطني عن عاصم عن النضر بن أنس لا عن موسى قال: والوهم فيه من البخاري أو شيخه. قال عياض: وقد أخرجه مسلم على الصواب. قال في الفتح: فإن أراد أنه قال عن النضر فليس كذلك فإنه إنما قال كما أخرجه عن حامد بن عمر عن عبد الواحد عن عاصم عن ابن أنس، فإن كان عياض أراد أن الإبهام صواب فلا يخفى ما فيه، والذي سماه النضر هو مسدد عن عبد الواحد كذا أخرجه في مسنده وأبو نعيم في المستخرج من طريقه، وقد رواه عمرو بن أبي قيس عن عاصم فبيّن أن بعضه عنده عن أنس نفسه، وبعضه عن النضر بن أنس عن أبيه أخرجه أبو عوانة في مستخرجه وأبو الشيخ في كتاب الترهيب جميعًا من طريقه عن عاصم عن أنس. قال عاصم: ولم أسمع من أنس أو آوى محدثًا فقلت للنضر: أسمعت هذا يعني القدر الزائد من أنس؟ قال: لكني سمعته منه أكثر من مائة مرة. والحديث سبق في الحج في الباب المذكور وبالله المستعان على الإكمال. 7 - باب مَا يُذْكَرُ مِنْ ذَمِّ الرَّأْىِ وَتَكَلُّفِ الْقِيَاسِ {وَلاَ تَقْفُ} [الإسراء: 46] لاَ تَقُلْ {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [هود: 46]. (باب ما يذكر من ذم الرأي) أي الذي على غير أصل من كتاب أو سُنّة أو إجماع (وتكلف القياس) الذي لا يكون على هذه الأصول فإن كان الرأي على أصل منها فمحمود غير مذموم وكذا القياس ({ولا تقف} [الإسراه: 36]) بفتح الفوقية وسكون القاف أي (لا تقل {ما ليس لك به علم} [الإسراه: 46]). قاله ابن عباس فيما أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه، واحتج به المؤلف لما ذكره من ذم التكلف، وسقط قوله لا تقل لأبي ذر. وقال العوفي عن ابن عباس: لا تذم أحدًا بما ليس لك به علم، وقال محمد ابن الحنفية: يعني شهادة الزور. وقال قتادة: لا تقل رأيت ولم تر وسمعت ولم تسمع وعلمت ولم تعلم فإن الله سائلك عن ذلك كله، ولا يصح التشبث به لمبطل الاجتهاد لأن ذا نوع من العلم فإن علمتموهن مؤمنات أقام الشارع غالب الظن مقام العلم وأمر بالعمل به كما في الشهادات. 7307 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِى الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: حَجَّ عَلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاهُمُوهُ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ». فَحَدَّثْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو حَجَّ بَعْدُ فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِى انْطَلِقْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَاسْتَثْبِتْ لِى مِنْهُ الَّذِى حَدَّثْتَنِى عَنْهُ فَجِئْتُهُ فَسَأَلْتُهُ فَحَدَّثَنِى بِهِ كَنَحْوِ مَا حَدَّثَنِى فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَأَخْبَرْتُهَا، فَعَجِبَتْ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَقَدْ حَفِظَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن تليد) بفتح الفوقية وكسر اللام بوزن عظيم هو سعيد بكسر العين ابن عيسى بن تليد نسبه إلى جده قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر بالجمع (ابن وهب) عبد الله قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن شريح) بضم المعجمة وفتح الراء بعدها تحتية ساكنة فمهملة الإسكندراني (وغيره) قال الحافظ أبو ذر الهروي: هو عبد الله بن لهيعة وأبهمه المصنف -رحمه الله- لضعفه عنده واعتمد على عبد الرحمن بن شريح (عن أبي الأسود) محمد بن عبد الرحمن (عن عروة) بن الزبير أنه (قال: حج) مارًّا (علينا عبد الله بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم (فسمعته يقول؟ سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن الله لا ينزع العلم) من الناس (بعد أن أعطاهموه انتزاعًا) نصب على المصدرية ولأبي ذر عن الحموي أعطاكموه بالكاف بدل الهاء (ولكن ينتزعه منهم) أو منكم بالكاف (مع قبض العلماء بعلمهم) فيه نوع قلب والتقدير ولكن ينتزعه بقبض العلماء مع علمهم أو المراد بعلمهم بكتبهم بأن يمحى العلم من الدفاتر وتبقى مع على المصاحبة (فيبقى ناس جهّال) بفتح التحتية والقاف من فيبقى (يستفتون)

بفتح الفوقية قبل الواو الساكنة أي تطلب منهم الفتوى (فيفتون) بضم التحتية والفوقية (برأيهم فيضلون) بضم التحتية (ويضلون) بفتحها قال عروة: (فحدّثت عائشة) ولأبوي الوقت وذر فحدّثت به عائشة (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم إن عبد الله بن عمرو حج بعد) أي بعد ذلك السنة أو الحجة (فقالت) له عائشة (يا ابن أختي) أسماء بنت أبي بكر (انطلق إلى عبد الله) بن عمرو (فاستثبت لي منه الذي حدّثتني عنه) بسكون المثلثة، وفي مسلم قالت لي عائشة: يا ابن أختي بلغني أن عبد الله بن عمرو مارّ بنا إلى الحج فالقه فسائله فإنه قد حمل عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علمًا كثيرًا. قال عروة (فجئته) أي جئت عبد الله بن عمرو (فسألته) عن ذلك (فحدّثني به كنحو ما حدّثني) في المرة الأولى (فأتيت عائشة) -رضي الله عنها- (فأخبرتها) بذلك (فعجبت) لكونه ما غيّر حرفًا عنه (فقالت: والله لقد حفظ عبد الله بن عمرو) وفي رواية سفيان بن عيينة عند الحميدي قال عروة: ثم لبثت سنة ثم لقيت عبد الله بن عمرو في الطواف فسألته فأخبرني. قال في الفتح: فأفاد أن لقاءه إياه في المرة الثانية كان بمكة، وكأن عروة كان حج في تلك السنة من المدينة وحج عبد الله من مصر فبلغ عائشة، ويكون قولها قد قدم أي من مصر طالبًا مكة لا أنه قدم المدينة إذ لو دخلها للقيه عروة بها، ويحتمل أن تكون عائشة حجّت تلك السنة وحجّ معها عروة فقدم عبد الله بعد فلقيه بأمر عائشة، وعند أحمد عن ابن مسعود قال: هل تدرون ما ذهاب العلم؟ ذهاب العلماء. واستدلّ بالحديث على جواز خلوّ الزمان عن مجتهد وهو قول الجمهور خلافًا لأكثر الحنابلة وبعد من غيرهم لأنه صريح في رفع العلم بقبض العلماء وفي ترئيس أهل الجهل ومن لازمه الحكم بالجهل، وإذا انتفى العلم ومن يحكم به استلزم انتفاء الاجتهاد والمجتهد، وعورض هذا بحديث لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتي أمر الله. وأجيب: بأنه ظاهر في عدم الخلو لا في نفي الجواز وبأن الدليل الأول أظهر للتصريح بقبض العلم تارة ورفعه أخرى بخلاف الثاني. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فيفتون برأيهم. والحديث سبق في باب كيف يقبض العلم من كتاب العلم، وأخرجه مسلم في القدر والترمذي في العلم وابن ماجة في السُّنّة. 7308 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ سَمِعْتُ الأَعْمَشَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ هَلْ شَهِدْتَ صِفِّينَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَسَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ يَقُولُ: ح. وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ قَالَ: قَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا رَأْيَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، لَقَدْ رَأَيْتُنِى يَوْمَ أَبِى جَنْدَلٍ وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنَّ أَرُدَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَرَدَدْتُهُ، وَمَا وَضَعْنَا سُيُوفَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا إِلَى أَمْرٍ يُفْظِعُنَا إِلاَّ أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ، غَيْرَ هَذَا الأَمْرِ قَالَ: وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ شَهِدْتُ صِفِّينَ وَبِئْسَتْ صِفُّونَ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان وعبدان لقبه قال: (أخبرنا أبو حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري قال: (سمعت الأعمش) سليمان بن مهران (قال: سألت أبا وائل) شقيق بن سلمة (هل شهدت) وقعة (صفين) التي كانت بين علي ومعاوية (قال: نعم) حضرتها (فسمعت سهل بن حنيف) بضم الحاء وفتح النون (يقول: ح) لتحويل السند إلى آخر. قال البخاري: (وحدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن الأعمش عن أبي وائل) أنه (قال: قال سهل بن حنيف) -رضي الله عنه- يوم صفين وقد كانوا يتهمونه بالتقصير في القتال يومئذ (يا أيها الناس اتهموا رأيكم) في هذا القتال (على دينكم) فإنما تقاتلون إخوانكم في الإسلام باجتهاد اجتهدتموه. وقال في الفتح: أي لا تعملوا في أمر الدين بالرأي المجرد الذي لا يستند إلى أصل من الدين. وقال ابن بطال: وهذا وإن كان يدل على ذم الرأي لكنه مخصوص بما إذا كان معارضًا للنص فكأنه قال: اتهموا الرأي إذا خالف السُّنَّة (لقد رأيتني) أي رأيت نفسي (يوم أبي جندل) بفتح الجيم والدال المهملة بينهما نون ساكنة آخره لام ابن سهيل بن عمرو إذ جاء يوسف في قيوده يوم الحديبية سنة ست عند كتب الصلح على وضع الحرب عشر سنين، ومن أتى من قريش بغير إذن وليه ردّه عليهم (ولو أستطيع أن أردّ أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إذ ردّ أبا جندل إلى قريش لأجل الصلح (لرددته) وقاتلت قريشًا قتالاً لا مزيد له، فكما توقفت يوم الحديبية من أجل أني لا أخالف حكم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذلك أتوقف اليوم لأجل مصلحة المسلمين، وقد جاء عن عمر نحو

8 - باب ما كان النبى -صلى الله عليه وسلم- يسأل مما لم ينزل عليه الوحى فيقول: «لا أدرى» أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحى ولم يقل برأى ولا قياس

قول سهل ولفظه: اتقوا الرأي في دينكم أخرجه البيهقي في المدخل وأخرجه هو والطبراني مطوّلاً بلفظ: اتهموا الرأي على الدين فلقد رأيتني أردّ أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برأيي اجتهادًا فوالله ما آلو عن الحق وذلك يوم أبي جندل حتى قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تراني أرضى وتأبى. والحاصل كما قال في فتح الباري: إن المصير إلى الرأي إنما يكون عند فقد النص، وإلى هذا يومئ قول إمامنا الشافعي فيما أخرجه البيهقي بسند صحيح إلى أحمد بن حنبل سمعت الشافعي يقول: القياس عند الضرورة ومع ذلك فليس القائل برأيه على ثقة من أنه وقع على المراد من الحكم في نفس الأمر وإنما عليه بذل الوسع في الاجتهاد ليؤجر ولو أخطأ وبالله التوفيق، ولأبي ذر: ولو أستطيع أن أردّ أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليه لرددته. (وما وضعنا سيوفنا على عواتقنا) في الله (إلى أمر يفظعنا) بضم التحتية وسكون الفاء وكسر الظاء المعجمة يوقعنا في أمر فظيع أي شديد في القبح (إلا أسهلن) أي السيوف ملتبسة (بنا) بفتح الهمزة وسكون العين المهملة واللام بينهما هاء مفتوحة آخره نون أي لا أفضين بنا، ولأبي ذر عن الكشميهني إلا أسهلن بها (إلى أمر) سهل (نعرفه) حالاً ومآلاً فأدخلتنا فيه (غير هذا الأمر) الذي نحن فيه فإنه مشكل حيث عظمت المصيبة بقتل المسلمين وشدة المعارضة من حجج الفريقين إذ حجّة عليّ وأتباعه ما شرع من قتال أهل البغي حتى يرجعوا إلى الحق، وحجة معاوية وأتباعه قتل عثمان ظلمًا ووجود قتلته بأعيانهم في العسكر العراقي فعظمت الشبهة حتى اشتد القتال إلى أن وقع التحكيم فكان ما كان. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: اتهموا رأيكم على دينكم ونسب اليوم إلى أي جندل لا إلى الحديبية لأن ردّه إلى المشركين كان شاقًّا على المسلمين وكان ذلك أعظم ما جرى عليهم من سائر الأمور وأرادوا القتال بسببه وأن لا يردوا أبا جندل ولا يرضوا بالصلح. والحديث سبق في كتاب الجزية. (قال) الأعمش سليمان بالسند السابق (وقال أبو وائل): شقيق بن سلمة (شهدت) أي حضرت وقعة (صفين) بكسر الصاد المهملة والفاء المشددة بعدها تحتية ساكنة فنون لا ينصرف للعلمية والتأنيث بقعة بين الشام والعراق بشاطئ الفرات (وبئست صفون) بضم الفاء بعدها واو بدل الياء أي بئست المقاتلة التي وقعت فيها وإعراب الواقع هنا كإعراب الجمع في نحو قوله تعالى: {كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين * وما إدراك ما عليون} [المطففين: 18، 19] والمشهور إعرابه بالنون والتحتية ثابتة في أحواله الثلاثة تقول: هذا صفين برفع النون ورأيت صفين ومررت بصفين بفتح النون فيهما. قال في الفتح: ولأبي ذر شهدت صفين وبئست صفين بالتحتية فيهما ولغيره الثاني بالواو وفي رواية النسفيّ مثله، لكن قال: بئست الصفون بزيادة الألف واللام وبعضهم فتح الصاد والفاء مكسورة مشددة اتفاقًا والله أعلم. 8 - باب مَا كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسْأَلُ مِمَّا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيْهِ الْوَحْىُ فَيَقُولُ: «لاَ أَدْرِى» أَوْ لَمْ يُجِبْ حَتَّى يُنْزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْىُ وَلَمْ يَقُلْ بِرَأْىٍ وَلاَ قِيَاسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105]. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: سُئِلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الرُّوحِ فَسَكَتَ حَتَّى نَزَلَتِ الآيَةُ. (باب ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسأل) بضم أوله مبنيًّا للمفعول (مما لم ينزل) مبني للمفعول أيضًا (عليه الوحي) قرآنًا أو غيره (فيقول: لا أدري) كما جاء في أحاديث تأتي إن شاء الله تعالى لكنها ليست على شرط المؤلّف (أو لم يجب) عن ذلك (حتى ينزل) بضم أوله وفتح ثالثه (عليه الوحي) بالرفع ببيان ذلك فيجب حينئذ ولأبي ذر عن المستملي حتى ينزل الله عليه الوحي بالنصب على المفعولية (ولم يقل برأي ولا قياس) من عطف المرادف وقيل الرأي التفكر أي لم يقل بمقتضى العقل ولا بالقياس وقيل الرأي أعم لشموله مثل الاستحسان (لقوله تعالى: {بما أراك الله}) أي في قوله تعالى: {لتحكم بين الناس بما أراك الله} [النساء: 105] أي بما علمك الله. (وقال ابن مسعود): عبد الله (سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الروح فسكت حتى نزلت الآية) {ويسألونك عن الروح} [الإسراء: 85] وقوله: الآية ثابت لأبي ذر عن الكشميهني. 7309 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُنْكَدِرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: مَرِضْتُ فَجَاءَنِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُنِى وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا مَاشِيَانِ، فَأَتَانِى وَقَدْ أُغْمِىَ عَلَىَّ، فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ صَبَّ وَضُوءَهُ عَلَىَّ فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ - وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ فَقُلْتُ: أَىْ رَسُولَ اللَّهِ - كَيْفَ أَقْضِى فِى مَالِى كَيْفَ أَصْنَعُ فِى مَالِى؟ قَالَ: فَمَا أَجَابَنِى بِشَىْءٍ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت ابن المنكدر) محمدًا (يقول: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- (يقول:

9 - باب تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته من الرجال والنساء مما علمه الله ليس برأى ولا تمثيل

مرضت فجاءني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعودني وأبو بكر) في بني سلمة (وهما ماشيان فأتاني وقد أغمي) أي غشي (علي) والواو للحال (فتوضأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صب وضوءه) بفتح الواو أي ماء وضوئه (علىّ فأفقت) من الإغماء (فقلت: يا رسول الله وربما قال سفيان) بن عيينة (فقلت: أي رسول الله كيف أقضي في مالي كيف أصنع في مالي؟ قال) جابر (فما أجابني) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بشيء حتى نزلت آية الميراث) وفي النساء فنزلت: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11] وسبق هناك أن الدمياطي قال: إنه وهم وأن الذي في جابر: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} [النساء: 76] كما رواه مسلم وفيه زيادة بحث فأطلبه، ثم وليس في الحديث المعلق ولا الموصول دليل لقول المصنف في الترجمة لا أدري. وقال في الكواكب: في قوله لا أدري حزازة إذ ليس في الحديث ما يدل عليه ولم يثبت عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك. قال في فتح الباري: وهو تساهل شديد في الإقدام على نفي الثبوت، والظاهر أنه أشار في الترجمة إلى ما ورد في ذلك مما لم يثبت عنده منه شيء على شرطه وإن كان يصلح للحجة على عادته في أمثال ذلك. وفي حديث ابن عمر عند ابن حبان جاء رجل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أي البقاع خير؟ قال: "لا أدري" فأتاه جبريل فسأله فقال: لا أدري. فقال: سل ربك فانتفض جبريل انتفاضة الحديث ... وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند الدارقطني والحاكم أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ما أدري الحدود كفارة لأهلها أم لا". وعن المهلب إنما سكت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أشياء معضلة ليس لها أصل في الشريعة فلا بدّ فيها من الاطّلاع على الوحي، وإلاّ فقد شرع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأمته القياس وأعلمهم كيفية الاستنباط في مسائل لها أصول ومعان ليريهم كيف يصنعون فيما لا نص فيه، والقياس هو تشبيه ما لا حكم فيه بما فيه حكم في المعنى، وقد شبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحمر بالخيل فقال: "ما أنزل الله عليّ فيها شيئًا غير هذه الآية الفاذة الجامعة {فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره} [الزلزلة: 7، 8] " وقال للمرأة التي أخبرته أن أباها لم يحج: "أرأيت لو كان على أبيك دين كنت قاضيته فالله أحق بالقضاء". فهذا هو عين القياس، وتعقبه السفاقسي بأن البخاري لم يرد النفي المطلق وإنما أراد أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترك الكلام في أشياء، وأجاب بالرأي في أشياء، وقد بوّب لكل ذلك بما ورد فيه وأشار إلى قوله بعد بابين باب من شبه أصلاً معلومًا بأصل مبين. والحديث سبق في تفسير سورة النساء والله أعلم. 9 - باب تَعْلِيمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّتَهُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ لَيْسَ بِرَأْىٍ وَلاَ تَمْثِيلٍ (باب تعليم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمته من الرجال والنساء مما علمه الله ليس برأي ولا تمثيل) أي ولا قياس وهو إثبات مثل حكم معلوم في معلوم آخر لاشتراكهما فى علة الحكم والرأي أعم. 7310 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِىِّ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ ذَكْوَانَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ نَفْسِكَ يَوْمًا نَأْتِيكَ فِيهِ تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ. فَقَالَ: «اجْتَمِعْنَ فِى يَوْمِ كَذَا وَكَذَا فِى مَكَانِ كَذَا وَكَذَا». فَاجْتَمَعْنَ فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا مِنْ وَلَدِهَا ثَلاَثَةً، إِلاَّ كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ». فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اثْنَيْنِ؟ قَالَ: فَأَعَادَتْهَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: «وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن عبد الرحمن بن الأصبهاني) هو عبد الرحمن بن عبد الله الأصبهاني الأصل الكوفي (عن أبي صالح ذكوان) الزيات (عن أبي سعيد) الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: (جاءت امرأة) قال الحافظ ابن حجر لم أقف على اسمها، ويحتمل أن تكون هي أسماء بنت يزيد بن السكن (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك) أي من اختيارك لا اختيارنا (يومًا) من الأيام (نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهن: (اجتمعن) بكسر الميم (في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا. فاجتمعن) بفتح الميم (فأتاهن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعلمهن مما علمه الله ثم قال) لهن: (ما منكن امرأة تقدم بين يديها) من التقديم إلى يوم القيامة (من ولدها ثلاثة إلا كان) التقديم (لها حجابًا من النار. فقالت امرأة منهن): هي أم سليم أو أم أيمن أو أم مبشر (يا رسول الله و) من قدم (اثنين) ولأبي ذر عن الكشميهني أو اثنين (قال) أبو سعيد (فأعادتها) أي كلمة أو اثنين (مرتين ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (واثنين واثنين واثنين) ثلاثًا. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: إلا كان لها

10 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق، يقاتلون وهم أهل العلم»

حجابًا من النار لأن هذا أمر توفيقي لا يعلم إلا من قِبل الله تعالى ليس قولاً برأي ولا تمثيل قاله في الكواب. وسبق الحديث في العلم في باب هل يجعل للنساء يومًا على حدته في العلم وفي الجنائز أيضًا. 10 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، يُقَاتِلُونَ وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون) قال البخاري (وهم أهل العلم) ولأبي ذر وهم من أهل العلم وسقط له يقاتلون، وروى البخاري عن علي بن المديني هم أصحاب الحديث ذكره الترمذي. 7311 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ». وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين المهملة (ابن موسى) العبسي بالموحدة ثم المهملة الكوفي (عن إسماعيل) بن أبي خالد التابعي (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن المغيرة بن شعبة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يزال) بالتحتية أوله في الفرع كأصله (طائفة من أمتي ظاهرين) معاونين أو غالبين. زاد في حديث ثوبان عند مسلم على الحق لا يضرهم من خذلهم (حتى يأتيهم أمر الله) بقيام الساعة (وهم ظاهرون) غالبون على من خالفهم. واستشكل بحديث مسلم عن عبد الله بن عمرو: لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس الحديث: وأجيب: بأن المراد من شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة قوم يكونون بموضع مخصوص وبموضع آخر تكون طائفة يقاتلون على الحق، وعند الطبراني من حديث أبي أمامة قيل: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس" والمراد بهم الذين يحصرهم الدجال إذا خرج فينزل عيسى إليهم فيقتل الدجال، ويحتمل أن يكون ذلك عند خروج الدجال أو بعد موت عيسى عليه السلام بعد هبوب الريح التي تهب بعده فلا يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلاّ قبضته ويبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة وهناك يتحقق خلوّ الأرض عن مسلم فضلاً عن هذه الطائفة الكريمة وهذا كما في الفتح أولى ما يتمسك به في الجمع بين الحديثين المذكورين. والحديث سبق في علامات النبوة ويأتي إن شاء الله تعالى في التوحيد بعون الله. 7312 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى حُمَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ يَخْطُبُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِى اللَّهُ وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أَوْ حَتَّى يَأْتِىَ أَمْرُ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (حميد) بضم الحاء المهملة وفتح الميم ابن عبد الرحمن بن عوف (قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان) -رضي الله عنهما- حال كونه (يخطب قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من يرد الله به خيرًا) أي جميع الخيرات لأن النكرة تفيد العموم أو خيرًا عظيمًا فالتنوين للتعظيم (يفقهه في الدين) والفقه في الأصل الفهم يقال فقه الرجل بالكسر يفقه فقهًا إذا فهم وعلم وفقه بالضم يفقه إذا صار فقيهًا عالمًا وجعله العرف خاصًّا بعلم الشريعة وتخصيصًا بعلم الفروع وإنما خص من علم الشريعة بالفقه لأنه علم مستنبط بالقوانين والأدلة والأقيسة والنظر الدقيق بخلاف علم اللغة والنحو والصرف، روي أن سليمان نزل على نبطية بالعراق فقال لها: هل هاهنا مكان نظيف أصلي فيه؟ فقالت: طهر قلبك وصلّ حيث شئت فقال: فقهت أي فهمت، ولو قال علمت لم يقع هذا الموقع. وعن الدارمي عن عمران قال: قلت للحسن يومًا في شيء قاله: يا أبا سعيد ليس هكذا يقول الفقهاء، فقال: ويحك هل رأيت فقيهًا قط إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة البصير بأمور دينه الداوم على عبادة ربه (وإنما أنا قاسم) قال القاضي عياض: أي إنما أقسم بينكم فألقى إلى كل واحد ما يليق به (ويعطي الله) كل واحد منكم من الفهم والتفكر والعمل ما أراده. وقال التوربشتي: أعلم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لم يفضل في قسمة ما أوحي إليه أحدًا من أمته على الآخر بل سوّى في البلاغ وعدل في القسمة وإنما التفاوت في الفهم وهو واقع من طريق العطاء ولقد كان بعض الصحابة يسمع الحديث فلا يفهم منه إلا الظاهر الجلي ويسمعه آخر منهم أو من القرن الذي يليهم أو ممن أتى بعده فيستنبط منه كثيرًا، وقال الطيبي: الواو في قوله وإنما إنّا للحال من فاعل يفقهه أو من مفعوله وإذا كان الثاني فالمعنى أن الله يعطي كلاًّ ممن أراد أن

11 - باب قول الله تعالى: {أو يلبسكم شيعا} [الأنعام: 65]

يفقهه استعدادًا لدرك المعاني على ما قدره ثم يلهمني بإلقاء ما هو اللائق باستعداد كل واحد وعليه كلام القاضي فإذا كان الأول فالمعنى أني ألقى ما يسنح لي وأسوّي فيه ولا أرجح واحدًا على واحد فالله تعالى يوفق كلاًّ منهم على ما أراد وشاء من العطاء وعليه كلام التوربشتي اهـ. (ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيمًا) على الدين الحق (حتى تقوم الساعة أو) قال (حتى يأتي أمر الله) تعالى بالشك من الراوي. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيمًا لأن من جملة الاستقامة أن يكون فيهم التفقه والمتفقه، ولا بد منه لترتبط الأخبار المذكورة بعضها ببعض وتحصل جهة جامعة بينهما معنى. والحديث سبق في العلم، وأخرجه مسلم في الزكاة والله سبحانه وتعالى أعلم. 11 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} [الأنعام: 65] (باب قول الله) ولأبي ذر باب بالتنوين في قول الله (تعالى: {أو يلبسكم شيعًا} [الأنعام: 65]) أي متفرقين. 7313 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65] قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ فَلَمَّا نَزَلَتْ: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قَالَ هَاتَانِ أَهْوَنُ أَوْ أَيْسَرُ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال عمرو): بفتح العين المهملة ابن دينار (سمعت جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يقول: لما نزل على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {قل هو القادر}) الكامل القدرة ({على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} [الأنعام: 65]) كالمطر النازل على قوم نوح حجارة (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أعوذ بوجهك) أي بذاتك من عذابك ({أو من تحت أرجلكم} [الأنعام: 65]) كالرجفة والخسفة ويجوز أن يكون الظرف متعلقًا بيبعث وأن يكون متعلقًا بمحذوف على أنه صفة لعذابًا أي عذابًا كائنًا من هاتين الجهتين (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أعوذ بوجهك) من عذابك (فلما نزلت: {أو يلبسكم شيعًا}) أي يخلطكم فرقًا مختلفين على أهواء شتى كل فرقة مشايعة لإمام ومعنى خلطهم إنشاء القتال بينهم فيختلطون في ملاحم القتال. وشيعًا نصب على الحال وهي جمع شيعة كسدة وسدر، وقيل المعنى يجعلكم فرقًا ويثبت فيكم الأهواء المختلفة ({ويذيق بعضكم بأس بعض}) بقتل بعضكم بعضًا والبأس السيف والإذاقة استعارة وهي فاشية كقوله تعالى: {ذوقوا مسّ سقر} [القمر: 48]. {ذق إنك أنت العزيز} [الدخان: 49]. {فذوقوا العذاب} [آل عمران: 106]. وقال: أذقناهم كؤوس الموت صرفًا ... وذاقوا من أسنتنا كؤوسا (قال) صلوات الله وسلامه عليه: (هاتان) المحنتان اللبس والإذاقة (أهون أو) قال (أيسر) لأن الفتن بين المخلوقين وعذابهم أهون وأيسر من عذاب الله على الكفر. والحديث سبق في تفسير سورة الأنعام وأخرجه الترمذي في التفسير. 12 - باب مَنْ شَبَّهَ أَصْلاً مَعْلُومًا بِأَصْلٍ مُبَيَّنٍ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ حُكْمَهُمَا لِيُفْهِمَ السَّائِلَ. (باب من شبه أصلاً معلومًا بأصل مبين) بفتح التحتية (قد بين الله) ولأبي ذر عن الكشميهني بين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حكمهما) بلفظ التثنية ولأبي الوقت حكمهما. قال في الفتح: وفي رواية غير الكشميهني والجرجاني من شبه أصلاً معلومًا بأصل مبين وقد بيّن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حكمهما بإثبات الواو في قوله وقد بيّن (ليفهم السائل) المراد. 7314 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِى وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ وَإِنِّى أَنْكَرْتُهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ»؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَمَا أَلْوَانُهَا»؟ قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: «هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ»؟ قَالَ: إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا. قَالَ: «فَأَنَّى تُرَى ذَلِكَ جَاءَهَا»؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِرْقٌ نَزَعَهَا. قَالَ: «وَلَعَلَّ هَذَا عِرْقٌ نَزَعَهُ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِى الاِنْتِفَاءِ مِنْهُ». وبه قال: (حدّثنا أصبغ بن الفرج) بالمهملة والموحدة والمعجمة في الأول والجيم في الثاني أبو عبد الله المصري قال: (حدّثني) ولأبوي ذر والوقت أخبرني والإفراد في الروايتين (ابن وهب) عبد الله المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن أعرابيًّا) اسمه ضمضم بن قتادة كما في المبهمات لعبد الغني بن سعيد وعند مسلم وأصحاب السنن أن أعرابيًّا من فزارة بفتح الفاء وتخفيف الزاي هو فزارة بن ذبيان بن بغيض (أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): يا رسول الله (إن امرأتي ولدت غلامًا أسود) أي: وإني أنا أبيض ولم أعرف اسم المرأة ولا الغلام، وأسود صفة لغلام وهو لا ينصرف للوزن والصفة (وإني أنكرته) أي استنكرته بقلبي ولا يرد إنه أنكره بلسانه (فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هل لك من إبل؟ قال) الأعرابي: (نعم. قال) عليه الصلاة والسلام له: (فما ألوانها)؟ ما مبتدأ من أسماء الاستفهام وألوانها خبره (قال) ألوانها (حمر) رفع خبر المبتدأ المقدر

13 - باب ما جاء فى اجتهاد القضاة بما أنزل الله تعالى لقوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [المائدة: 45]

(قال) صلوات الله وسلامه عليه (هل) ولأبي ذر عن الكشميهني فهل (فيها من أورق) بفتح الهمزة والراء بينهما واو ساكنة آخره قاف قال الأصمعي: الأورق من الإبل الذي في لونه بياض يميل إلى سواد وهو أطيب الإبل لحمًا وليس بمحمود عندهم في عمره وسيره وهو غير منصرف للوصف ووزن الفعل والفاء في فهل عاطفة (قال) الأعرابي: (إن فيها لورقًا) بضم الواو وسكون الراء أن واسمها وخبرها في المجرور واللام هي الداخلة في خبر إن وأصلها لام الابتداء ولكنها أخرت لأجل أنها غير عاملة وأن عاملة وتسمى هذه اللام المزحلقة (قال) عليه الصلاة والسلام (فأتى ترى) بفتح الفوقية أو بضمها أي تظن (ذلك جاءها) الفاعل ضمير يعود على اللون والمفعول يعود على الإبل وذلك مفعول ثاني وأنى استفهام بمعنى كيف أي كيف أتاها اللون الذي ليس في أبويها (قال) الأعرابي (يا رسول الله عرق نزعها) بكسر العين وسكون الراء بعدها قاف ونزعها بالزاي، والمراد بالعرق هنا الأصل من النسب شبه بعرق الثمرة ومنه فلان معرق في النسب والحسب ومعنى نزعه أشبهه واجتذب منه إليه وأظهر لونه عليه وأصل النزع الجذب فكأنه جذبه إليه، وللكشميهني نزعه. قال أبو هريرة (ولم يرخص له) أي للأعرابي (في الانتفاء منه). أي في انتفاء اللعان ونفي الولد من نفسه. ومطابقة الحديث للترجمة من كونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شبه للأعرابي ما أنكره من لون الغلام بما عرف من نتاج الإبل فأبان له بما يعرف أن الإبل الحمر تنتج الأورق وهو الأغبر فكذلك المرأة البيضاء تلد الأسود. وسبق الحديث في اللعان. 7315 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّى نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ أَفَأَحُجَّ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ حُجِّى عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ»؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَالَ: «فَاقْضُوا الَّذِى لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن وحشية (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولى أبي محمد أحد الأعلام (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن امرأة) زاد في الحج والنذور عن الميت من كتاب الحج: من جهينة، وفي النسائي هي امرأة سنان بن سلمة الجهني ولأحمد سنان بن عبد الله وهي أصح، وفي الطبراني أنها عمته كذا قاله في المقدمة. وقال في الشرح: إن ما في النسائي لا يفسر به المبهم في حديث الباب لأن في حديث الباب أن المرأة سألت بنفسها. وفي النسائي: إن زوجها سأل، ويحتمل أن تكون نسبة السؤال إليها مجازية (جاءت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت): يا رسول الله (إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج أفأحج عنها)؟ أي أيصح مني أن أكون نائبة عنها فأحج عنها فالفاء الداخلة عليها همزة الاستفهام الاستخباري عاطفة على المحذوف المقدر ولم تسم الأم (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم حجي عنها أرأيت) أي أخبريني (لو كان على أمك دين) لمخلوق (أكنت قاضيته)؟ عنها (قالت: نعم. قال: فاقضوا) أيها المسلمون الحق (الذي له) تعالى ودخلت المرأة في هذا الخطاب دخولاً بالقصد الأول وقد علم في الأصول أن النساء يدخلن في خطاب الرجال لا سيما عند القرينة المدخلة، ولأبي ذر عن الكشميهني: اقضوا الله (فإن الله) تعالى (أحق بالوفاء). من غيره. ومطابقة الحديث في كونه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شبه للمرأة التي سألته عن أمها دين الله بما تعرف من دين العباد غير أنه قال: فدين الله أحق، وقول الفقهاء بتقديم حق الآدمي لا ينافي الأحقية بالوفاء واللزوم لأن تقديم حق العبد بسبب احتياجه، ثم إن عقد هذا الباب وما فيه يدل على صحة القياس والباب السابق يدل على الذم. وأجيب: بأن القياس صحيح مشتمل على جميع شرائطه المقررة في علم الأصول وفاسد بخلاف ذلك فالمذموم هو الفاسد والصحيح لا مذمة فيه بل هو مأمور به، وفي الباب دليل على وقوع القياس منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقد احتج المزني بهذين الحديثين على من أنكر القياس وما اتفق عليه الجمهور هو الحجة فقد قاس الصحابة فمن بعدهم من التابعين وفقهاء الأمصار. 13 - باب مَا جَاءَ فِى اجْتِهَادِ الْقُضَاةِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِقَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45] وَمَدَحَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَاحِبَ الْحِكْمَةِ حِينَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا لاَ يَتَكَلَّفُ مِنْ قِبَلِهِ وَمُشَاوَرَةِ الْخُلَفَاءِ وَسُؤَالِهِمْ أَهْلَ الْعِلْمِ. (باب ما جاء في اجتهاد القضاة) بصيغة الجمع، ولأبي ذر وأبي الوقت القضاء بفتح القاف والضاد والمد وإضافة الاجتهاد

إليه والمعنى الاجتهاد في الحكم وفيه حذف تقديره اجتهاد متولي القضاء (بما أنزل الله تعالى) والاجتهاد بذل الوسع للتوصل إلى معرفة الحكم الشرعي (لقوله) تعالى: ({ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [المائدة: 45]). يجوز أن تكون من شرطية وهو الظاهر وأن تكون موصولة والفاء في الخبر زائدة لشبهه بالشرط (ومدح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صاحب الحكمة) بفتح الدال والحاء والنبي رفع على الفاعلية وصاحب نصب على المفعولية وبسكون الدال مجرورًا عطفًا على قوله ما جاء في اجتهاد ويكون المصدر مضافًا لفاعله (حين يقضي بها) بالحكمة (ويعلمها) للناس (لا) ولأبي ذر عن الكشميهني: ولا (يتكلف من قبله) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهته ولأبي ذر عن الكشميهني قبله بتحتية ساكنة بدل الموحدة المفتوحة أي من كلامه (ومشاورة الخلفاء) والقضاة بالجر عطفًا على قوله في اجتهاد القضاة أي وفيما جاء في مشاورة الخلفاء (وسؤالهم أهل العلم). 7316 - حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِى الْحَقِّ، وَآخَرُ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهْوَ يَقْضِى بِهَا وَيُعَلِّمُهَا». وبه قال: (حدّثنا شهاب بن عباد) بفتح العين والموحدة المشدّدة العبدي الكوفي قال: (حدّثنا إبراهيم بن حميد) بضم الحاء ابن عبد الرحمن الرؤاسي (عن إسماعيل) بن أبي خالد البجلي واسم أبي خالد سعد (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا حسد) لا رخصة أو لا غبطة (إلا في اثنتين) خصلتين (رجل) بالرفع (آتاه) بمد الهمزة أعطاه (الله مالاً فسلط) بضم السين وكسر اللام وللكشميهني فسلطه بفتحهما وزيادة هاء بعد الطاء (على هلكته) بفتحات على إنفاقه (في الحق وآخر) ولأبي ذر أو آخر (آتاه الله حكمة) بكسر الحاء المهملة وسكون الكاف والحكمة السنة أو الفقه والعلم بالدين أو ما ينفع من موعظة ونحوها أو الحكم بالحق أو الفهم عن الله ورسوله ووردت أيضًا بمعنى النبوّة (فهو يقضي بها) بالحكمة (ويعلمها) الناس. وفي قوله: فسلطه على هلكته مبالغتان إحداهما التسليط فإنه يدل على الغلبة وقهر النفس المجبولة على الشح البالغ وثانيتهما قوله على هلكته فإنه يدل على أنه لا يبقي من المال باقيًا، ولما أوهم القرينتان الإسراف والتبذير المقول فيهما لا خير في السرف كمله بقوله في الحق كما قيل: لا سرف في الخير، وكذا القرينة الأخرى اشتملت على مبالغات إحداها: الحكمة فإنها تدل على علم دقيق مع إتقان في العمل، وثانيتها: يقضي أي يقضي بين الناس وهي من مرتبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وثالثتها: ويعلمها وهي أيضًا من مرتبة سيد المرسلين قاله في شرح المشكاة. والحديث سبق في باب من قضى بالحكمة في أوائل الأحكام وكذا في العلم والزكاة. ومطابقته للترجمة الثانية ظاهرة. 7317 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ إِمْلاَصِ الْمَرْأَةِ هِىَ الَّتِى يُضْرَبُ بَطْنُهَا فَتُلْقِى جَنِينًا؟ فَقَالَ: أَيُّكُمْ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِ شَيْئًا؟ فَقُلْتُ: أَنَا فَقَالَ: مَا هُوَ؟ قُلْتُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «فِيهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ». فَقَالَ: لاَ تَبْرَحْ حَتَّى تَجِيئَنِى بِالْمَخْرَجِ فِيمَا قُلْتَ. وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام ما جزم به ابن السكن ورجحه في الفتح قال: (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالمعجمتين قال: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن المغيرة بن شعبة) الثقفي شهد الحديبية -رضي الله عنه- أنه (قال: سأل عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه الصحابة -رضي الله عنهم- (عن إملاص المرأة) بكسر الهمزة وسكون الميم آخره صاد مهملة (وهي التي يضرب) بضم أوله مبنيًّا للمفعول (بطنها) نائب الفاعل (فتلقي) بضم الفوقية وكسر القاف (جنينًا) ميتًا ماذا يجب على الجاني فيه؟ (فقال: أيكم سمع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه شيئًا) قال المغيرة (فقلت: أنا) سمعته (فقال) عمر -رضي الله عنه- (ما هو)؟ الذي سمعته (قلت: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول فيه) في الإملاص وهو الجنين (غرة) بضم الغين المعجمة وفتح الراء مشددة (عبد أو أمة) بالرفع والتنوين في الثلاثة والثاني بدل كل من كل ونكرة من نكرة وعبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الجسم كله بالغرة (فقال) عمر للمغيرة: (لا تبرح حتى تجيئني) وللأصيلي حتى تجيء (بالخرج) بفتح الميم والراء بينهما معجمة وآخره جيم (فيما) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني مما (قلت). 7318 - فَخَرَجْتُ فَوَجَدْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَجِئْتُ بِهِ فَشَهِدَ مَعِى أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «فِيهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ». تَابَعَهُ ابْنُ أَبِى الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ. (فخرجت) من عنده (فوجدت محمد بن مسلمة) الخزرجي البدري (فجئت به) إليه (فشهد معي

14 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لتتبعن سنن من كان قبلكم»

أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول فيه غرة عبد أو أمة) فإن قيل، خبر الواحد حجة يجب العمل به فلم ألزمه بالشاهد؟ أجيب: بأنه للتأكيد وليطمئن قلبه بذلك مع أنه لم يخرج بانضمام آخر إليه عن كونه خبر الواحد. ومطابقة الحديث للشق الثاني من الترجمة ظاهرة، وسبق في آخر الديات في باب جنين المرأة. (تابعه) أي تابع هشام بن عروة في روايته عن أبيه (ابن أبي الزناد) عبد الرحمن (عن أبيه) عبد الله بن ذكوان (عن عروة) بن الزبير (عن المغيرة) بن شعبة فيما وصله المحاملي في الجزء الثالث عشر من فوائد الأصبهاني عنه وفي رواية أبي ذر عن الأعرج عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة بدل عروة والمغيرة. قال الحافظ أبو الفضل ابن حجر رحمه الله: وهو غلط والصواب الأول. 14 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لتتبعن) بلام التأكيد وفتح الفوقية الأولى وتسكين الثانية وفتح الموحدة وضم العين وتشديد النون كذا في الفرع وضبطه في الفتح بفوقيتين مفتوحتين وكسر الموحدة قال وأصله تتبعون (سنن من كان قبلكم) بفتح السين والنون أي طريقتهم في كل منهي عنه وسقط لغير الكشميهني كان. 7319 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِى بِأَخْذِ الْقُرُونِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ». فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَفَارِسَ وَالرُّومِ؟ فَقَالَ: «وَمَنِ النَّاسُ إِلاَّ أُولَئِكَ»؟ وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن المقبري) سعيد بن أبي سعيد كيسان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها) بموحدة مكسورة بعدها ألف مهموزة وخاء معجمة ساكنة أي بسيرتهم. وفي رواية الأصيلي على ما حكاه ابن بطال فيما ذكره في الفتح بما الموصولة أخذ بلفظ الماضي وهي رواية الإسماعيلي وفي رواية النسفيّ مأخذ القرون بميم مفتوحة وهمزة ساكنة والقرون جمع قرن بفتح القاف وسكون الراء الأمة من الناس وفي رواية الإسماعيلي من طريق عبد الله بن نافع عن ابن أبي ذئب الأمم والقرون (شبرًا بشبر وذراعًا بذراع) بالذال المعجمة وللكشميهني شبرًا شبرًا وذراعًا ذراعًا (فقيل يا رسول الله) هؤلاء الذين يتبعونهم (كفارس والروم؟ فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ومن الناس) المتبعون المعهودون المتقدمون (إلا أولئك) الفرس والروم وهما جيلان مشهوران من الناس وعينهما لكونهما إذ ذاك أكبر ملوك الأرض وأكثرهم رعية وأوسعهم بلادًا، وكلمة من في قوله: ومن الناس بفتح الميم وكسر النون للساكنين للاستفهام الإنكاري، والحديث من أفراده. 7320 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الصَّنْعَانِىُّ مِنَ الْيَمَنِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ». قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ»؟ وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد العزيز) الرملي قال: (حدّثنا أبو عمر) بضم العين حفص بن ميسرة (الصنعاني من اليمن) لا من صنعاء الشام (عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار) بالتحتية والمهملة مخففة (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لتتبعن سنن من) بفتح السين أي طريق من (كان قبلكم) وسقط لفظ كان لأبي ذر (شبرًا شبرًا وذراعًا بذراع) بباء الجر في بذراع فقط وللكشميهني شبرًا بشبر وذراعًا بذراع كذا في الفرع كأصله وقال في الفتح قوله شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، وفي رواية الكشميهني شبرًا شبرًا وذراعًا بذراع عكس الذي قبله (حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة والضب بالضاد المعجمة بعدها موحدة مشدّدة وهو الحيوان البري المعروف يشبه الورد وقد قيل إنه يعيش سبعمائة سنة فصاعدًا ويبول في كل أربعين يومًا قطرة ولا تسقط له سن وخص جحره بالذكر لشدة ضيقه، وهو كناية عن شدة الموافقة لهم في المعاصي لا في الكفر أي أنهم لاقتفائهم آثارهم واتباعهم طرائقهم لو دخلوا في مثل هذا الضيق لوافقوهم (قلنا: يا رسول الله) المتبعون الذين قبلناهم (اليهود) بالرفع والنصب (والنصارى؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فمن)؟ هم غير أولئك فمن استفهام إنكاري كالسابق. قال في الفتح: ولم أقف على تعيين القائل ولا ينافي هذا ما سبق من أنهم كفارس والروم لأن الروم نصارى وفي الفرس كان يهود مع أن ذلك كالشبر والذراع والطريق ودخول الجحر على سبيل التمثيل،

15 - باب إثم من دعا إلى ضلالة أو سن سنة سيئة

ويحتمل أن يكون الجواب اختلف بحسب المقام فحيث قيل فارس والروم كان هناك قرينة تتعلق بالحكم بين الناس وسياسة الرعية وحيث قيل اليهود والنصارى كان هناك قرينة تتعلق بأمور الديانات أصولها وفروعها. والحديث سبق في ذكر بني إسرائيل. 15 - باب إِثْمِ مَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ أَوْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيرِ عِلْمٍ} [النحل: 25] الآيةَ. (باب إثم من دعا) الناس (إلى ضلالة) لحديث من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة (أو سن سنة سيئة) لحديث: "ومن سنّ في الإسلام سُنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا" رواه مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي (لقول الله تعالى: {ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم} [النحل: 25] الآية) في من وجهان: أحدهما: أنها مزيدة وهو قول الأخفش أي وأوزار الذين على معنى ومثل أوزار لقوله: إن عليه وزرها ووزر من عمل بها. والثاني: أنها غير مزيدة وهي للتبعيض أي وبعض أوزار الذين، وقدر أبو البقاء مفعولاً حذف وهذه صفته أي وأوزارًا من أوزار ولا بد من حذف مثل أيضًا. ومنع الواحدي أن تكون للتبعيض قال: لأنه يستلزم تخفيف الأوزار عن الاتباع وهو غير جائز لقوله عليه الصلاة والسلام من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا لكنها للجنس أي ليحملوا من جنس أوزار الاتباع. قال أبو حيان: والتي لبيان الجنس لا تتقدر هكذا وإنما تتقدر والأوزار التي هي أوزار الذين فهو من حيث المعنى كقول الأخفش وإن اختلفا في التقدير وبغير علم حال من مفعول يضلونهم أي يضلون من لا يعلم أنهم ضلال قاله في الكشاف أو من الفاعل، ورجح هذا بأنه هو المحدث عنه وأول الكلام قوله: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين} [النحل: 24] ليحملوا أوزارهم كاملة في يوم القيامة وقوله لهم أي لهؤلاء الكفار وأساطير الأولين أي أحاديث الأولين وأباطيلهم واللام في ليحملوا للتعليل أي قالوا ذلك إضلالاً للناس فحملوا أوزار ضلالهم كاملة وبعض أوزار أو وأوزار من ضل لهم وهو وزر الإضلال، لأن المضل والضال شريكان، وثبت قوله بغير علم لأبي ذر وسقط له لفظ الآية. 7321 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا». وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ مِنْ دَمِهَا لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ أَوَّلاً. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن عبد الله بن مرة) بضم الميم وفتح الراء مشددة الخارفي (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عبد الله) بن مسعود أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ليس من نفس) من بني آدم (تقتل ظلمًا) بضم الفوقية الأولى وفتح الثانية بينهما قاف ساكنة (إلا كان على ابن آدم الأوّل) قابيل حيث قتل أخاه هابيل (كفل) بكسر الكاف وسكون الفاء نصيب (منها) قال الحميدي (وربما قال سفيان) بن عيينة (من دمها لأنه أوّل من سنّ القتل أوّلاً). على وجه الأرض من بني آدم وسقط لأبي ذر أوّل من. وفي الحديث الحث على اجتناب البدع والمحدثات في الدين لأن الذي يحدث البدعة ربما تهاون بها لخفة أمرها في الأول ولا يشعر بما يترتب عليها من المفسدة وهو أن يلحقه إثم من عمل بها من بعده إذ كان الأصل في إحداثها. والحديث سبق في خلق آدم. 16 - باب مَا ذَكَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَضَّ عَلَى اتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْحَرَمَانِ: مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَمَا كَانَ بِهَا مِنْ مَشَاهِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَمُصَلَّى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ. (باب ما ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الذال المعجمة والكاف والنبي رفع فاعل (وحض) بحاء مهملة مفتوحة وضاد معجمة مشددة أي حرض (على اتفاق أهل العلم). قال في الكواكب في بعض الروايات وما حض عليه من اتفاق أهل العلم وهو من باب تنازع العاملين وهما ذكر وحض، (وما أجمع) بهمزة قطع ولأبي ذر عن الكشميهني وما اجتمع بهمزة وصل وزيادة فوقية بعد الجيم (عليه الحرمان مكة والمدينة) أي ما اجتمع عليه أهلهما من الصحابة ولم يخالف صاحب من غيرهما والإجماع اتفاق المجتهدين من أمة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أمر من الأمور الدينية، بشرط أن يكون بعد وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فخرج بالمجتهدين العوام وعلم اختصاصه بالمجتهدين

والاختصاص بهم اتفاق فلا عبرة باتفاق غيرهم اتفاقًا وعلم عدم انعقاده في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قوله بعد وفاته، ووجهه أنه إن وافقهم فالحجة في قوله، وإلا فلا اعتبار لقولهم دونه، وعلم أن إجماع كلٍّ من أهل المدينة النبوية، وأهل البيت النبوي وهم فاطمة وعليّ والحسن والحسين -رضي الله عنهم-، والخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ -رضي الله عنهم-، والشيخين أبي بكر وعمر، وأهل الحرمين مكة والمدينة، وأهل المصرين الكوفة والبصرة غير حجة لأنه اجتهاد بعض مجتهدي الأمة لا كلهم خلافًا لمالك في إجماع أهل المدينة، وعبارة المؤلّف تشعر بأن اتفاق أهل الحرمين كليهما إجماع، لكن قال في الفتح: لعله أراد الترجيح به لا دعوة الإجماع (وما كان بها) بالمدينة (من مشاهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) مشاهد (المهاجرين والأنصار ومصلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عطف على مشاهد (والمنبر والقبر) معطوفان عليه وفيه تفضيل المدينة بما ذكر، لا سيما وما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة ومنبره على حوضه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: وما كان بهما بلفظ التثنية والإفراد أولى لأن ما ذكره في الباب كله متعلق بالمدينة وحدها. وقال في الفتح: والتثنية أولى. 7322 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِىِّ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الإِسْلاَمِ فَأَصَابَ الأَعْرَابِىَّ وَعْكٌ بِالْمَدِينَةِ فَجَاءَ الأَعْرَابِىُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِلْنِى بَيْعَتِى، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِى بَيْعَتِى فَأَبَى ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلْنِى بَيْعَتِى فَأَبَى، فَخَرَجَ الأَعْرَابِىُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ تَنْفِى خَبَثَهَا وَيَنْصَعُ طِيبُهَا». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس بالإحرام (عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام بمهملة وراء (السلمي) بفتحتين الأنصاري صحابي ابن صحاي غزا تسع عشرة غزوة -رضي الله عنهما- (أن أعرابيًّا) قيل اسمه قيس بن أبي حازم وردّ بأنه تابعي كبير لا صحابي أو هو قيس بن حازم المنقري الصحابي (بايع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الإسلام فأصاب الأعرابي وعك) بفتح الواو وسكون العين حمى (بالمدينة فجاء الأعرابي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط قوله إلى في رواية الكشميهني فرسول نصب على ما لا يخفى (فقال: يا رسول الله أقلني بيعتي) على الهجرة أو من المقام بالمدينة (فأبى) بالموحدة فامتنع (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أن يقيله (ثم جاءه) مرة ثانية (فقال) يا رسول الله (أقلني بيعتي فأبى) أن يقيله (ثم جاءه) الثالثة (فقال) يا رسول الله (أقلني بيعتي فأبى) أن يقيله (فخرج الأعرابي) من المدينة إلى البدو (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنما المدينة كالكير) الذي ينفخ به النار أي الموضع المشتمل عليها (تنفي خبثها) بفتح الفوقية وسكون النون وكسر الفاء وخبثها بفتح المعجمة والموحدة والمثلثة ما يثيره من الوسخ (وينصع) بالتحتية وسكون النون بعدها صاد فعين مهملتان ويخلص (طيبها) بكسر الطاء والتخفيف والرفع فاعل ينصع ولأبي ذرّ تنصع بالفوقية طيبها بالنصب على المفعولية، كذا في الفرع كأصله طيبها بالتخفيف وكسر أوّله في الروايتين وبه ضبط القزاز، لكنه استشكله فقال: لم أر للنصوع في الطيب ذكرًا، وإنما الكلام يتضوع بالضاد المعجمة وزيادة الواو الثقيلة. ومرّ الحديث في فضل المدينة في أواخر الحج وفي الأحكام ومطابقته لما ترجم به هنا من جهة الفضيلة التي اشتمل على ذكرها كلٍّ منهما. 7323 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: كُنْتُ أُقْرِئُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَلَمَّا كَانَ آخِرَ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِمِنًى: لَوْ شَهِدْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَاهُ رَجُلٌ قَالَ: إِنَّ فُلاَنًا يَقُولُ: لَوْ مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَبَايَعْنَا فُلاَنًا فَقَالَ عُمَرُ لأَقُومَنَّ الْعَشِيَّةَ فَأُحَذِّرَ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ قُلْتُ: لاَ تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ يَغْلِبُونَ عَلَى مَجْلِسِكَ فَأَخَافُ أَنْ لاَ يُنْزِلُوهَا عَلَى وَجْهِهَا فَيُطِيرُ بِهَا كُلُّ مُطِيرٍ، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ دَارَ الْهِجْرَةِ وَدَارَ السُّنَّةِ فَتَخْلُصُ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ فَيَحْفَظُوا مَقَالَتَكَ وَيُنَزِّلُوهَا عَلَى وَجْهِهَا فَقَالَ: وَاللَّهِ لأَقُومَنَّ بِهِ فِى أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ فِيمَا أُنْزِلَ آيَةُ الرَّجْمِ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا معمر) بسكون العين بين فتحتين ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كنت أُقرئ) بضم الهمزة وسكون القاف من الإقراء (عبد الرحمن بن عوف) القرآن، وقول الدارمي معنى أقرئ رجالاً أي أتعلم منهم من القرآن لأن ابن عباس كان عند وفاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما حفظ المفصل من المهاجرين والأنصار، وتعقب بأنه خروج عن الظاهر بل عن النص لأن قوله أقرئ معناه أعلم. قال في الفتح: ويؤيده أن في رواية ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري كنت أختلف إلى عبد الرحمن بن عوف ونحن بمنى مع عمر بن الخطاب أعلم عبد الرحمن

بن عوف القرآن أخرجه ابن أبي شيبة وقد كان ابن عباس ذكيًّا سريع الحفظ وكان كثير من الصحابة لاشتغالهم بالجهاد لم يستوعبوا القرآن حفظًا وكان من اتفق له ذلك يستدركه بعد الوفاة النبوية فكانوا يعتمدون على نجباء الأبناء فيقرئونهم تلقينًا للحفظ (فلما كان آخر حجة حجها عمر) -رضي الله عنه- سنة ثلاث وعشرين (فقال عبد الرحمن) بن عوف (بمنى) بالتنوين وكسر الميم (لو شهدت أمير المؤمنين أتاه رجل) لشهدت عجبًا فجواب لو محذوف أو كلمة لو للتمني فلا تحتاج إلى جواب ولم أعرف اسم الرجل وفي باب رجم الحبلى من الزنا من الحدود قال: كنت أقرئ رجالاً من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف فبينا أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها إذ رجع إليّ عبد الرحمن فقال لو رأيت رجلاً أتى أمير المؤمنين اليوم (قال) ولأبي ذر فقال (إن فلانًا) لم أقف على اسمه أيضًا (يقول: لو مات أمير المؤمنين) عمر (لبايعنا فلانًا) يعني طلحة بن عبيد الله أو عليًّا (فقال عمر: لأقومن العشية فاحذر) بالنصب ولأبي ذر بالرفع وللكشميهني فلأحذر (هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوهم) بفتح التحتية وسكون المعجمة وكسر المهملة أي يقصدون أمورًا ليست من وظيفتهم ولا مرتبتهم فيريدون أن يباشروها بالظلم والغصب قال عبد الرحمن (قلت): يا أمير المؤمنين (لا تفعل) ذلك (فإن الموسم يجمع رعاع الناس) بفتح الراء والعين المهملة وبعد الألف أخرى جهلتهم وأراذلهم (يغلبون) ولأبي ذر عن الكشميهني: ويغلبون (على مجلسك) يكثرون فيه (فأخاف أن لا ينزلوها) بضم التحتية وفتح النون وكسر الزاي مشددة وبسكون النون أي مقالتك (على وجهها) وللكشميهني وجوهها (فيطير بها) بضم التحتية وكسر الطاء المهملة وسكون التحتية (كل مطير) بضم الميم مع التخفيف أي فينقلها كل ناقل بالسرعة من غير تأمل ولا ضبط ولأبي الوقت فيطيرها بتشديد التحتية (فأمهل) بهمزة قطع وكسر الهاء (حتى تقدم المدينة دار الهجرة ودار السنة) بالنصب على البدلية من المدينة (فتخلص) بضم اللام والنصب لأبي ذر ولغيره بالرفع أي حتى تقدم المدينة فتصل (بأصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المهاجرين والأنصار فيحفظوا) بالفاء ولأبي الوقت ويحفظوا بالواو (مقالتك وينزلوها) بالتخفيف والتشديد (على وجهها. فقال) عمر -رضي الله عنه-: (والله لأقومن به في أوّل مقام أقومه بالمدينة). (قال ابن عباس) بالسند السابق (فقدمنا المدينة) فجاء عمر يوم الجمعة حين زاغت الشمس فجلس على المنبر فلما سكت المؤذن قام (فقال) بعد أن أثنى على الله بما هو أهله (إن الله بعث محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل) فيه فتح همزة أنزل (آية الرجم). بنصب آية وهي قوله مما نسخ لفظه: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، ولأبي ذر: أنزل بضم الهمزة وكسر الزاي آية الرجم بالرفع وسقطت التصلية بعد قوله إن الله بعث محمدًا في رواية أبي ذر. ومطابقة الحديث للترجمة من وصف المدينة بدار الهجرة والسُّنّة ومأوى المهاجرين والأنصار. والحديث أورده هنا باختصار وسبق في باب رجم الحبلى من الزنا من الحدود مطوّلاً. 7324 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِى هُرَيْرَةَ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَشَّقَانِ مِنْ كَتَّانٍ فَتَمَخَّطَ فَقَالَ: بَخٍ بَخٍ أَبُو هُرَيْرَةَ، يَتَمَخَّطُ فِى الْكَتَّانِ لَقَدْ رَأَيْتُنِى وَإِنِّى لأَخِرُّ فِيمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ مَغْشِيًّا عَلَىَّ فَيَجِىءُ الْجَائِى، فَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى عُنُقِى وَيُرَى أَنِّى مَجْنُونٌ وَمَا بِى مِنْ جُنُونٍ مَا بِى إِلاَّ الْجُوعُ. وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين أنه (قال: كنا عند أبي هريرة) -رضي الله عنه- (وعليه ثوبان ممشقان) بضم الميم الأولى وفتح الثانية والمعجمة المشددة والقاف مصبوغان بالمشق بكسر الميم وفتحها وسكون الشين بالطين الأحمر (من كتان) والواو في قوله وعليه للحال (فتمخط) أي استنثر (فقال: بخ بخ) بموحدة مفتوحة وتضم فخاء معجمة ساكنة فيهما مخففة وتشدد كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء وقد تكون للمبالغة (أبو هريرة يتمخط في الكتان لقد رأيتني) أي لقد رأيت نفسي (وإني لأخرّ) أسقط (فيما بين منبر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى حجرة عائشة) -رضي الله عنها- حال كوني

(مغشيًا) بفتح الميم وسكون الغين المعجمة أي مغمى (عليّ) بتشديد الياء من الجوع وللحموي والمستملي عليه بالهاء (فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي) وللحموي والمستملي على عنقه (ويرى) بضم التحتية ويظن (أني مجنون و) الحال (ما بي جنون ما بي إلا الجوع). والغرض من الحديث هنا قوله: وإني لأخِرُّ فيما بين المنبر والحجرة. وقال ابن بطال عن المهلب: وجه دخوله في الترجمة الإشارة إلى أنه لما صبر على الشدة التي أشار إليها من أجل ملازمة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في طلب العلم جوزي بما انفرد به من كثرة محفوظه ومنقوله من الأحكام وغيرها، وذلك ببركة صبره على المدينة. والحديث أخرجه الترمذي في الزهد. 7325 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَشَهِدْتَ الْعِيدَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: نَعَمْ وَلَوْلاَ مَنْزِلَتِى مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ مِنَ الصِّغَرِ، فَأَتَى الْعَلَمَ الَّذِى عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ فَصَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَذَانًا وَلاَ إِقَامَةً، ثُمَّ أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلَ النِّسَاءُ يُشِرْنَ إِلَى آذَانِهِنَّ وَحُلُوقِهِنَّ فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَتَاهُنَّ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن عبد الرحمن بن عابس) بالعين المهملة وبعد الألف موحدة مكسورة فمهملة ابن ربيعة النخعي أنه (قال: سئل ابن عباس) -رضي الله عنهما- بضم السين وكسر الهمزة (أشهدت) بهمزة الاستفهام أي أحضرت (العيد) أي صلاته (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال: نعم ولولا منزلتي منه ما شهدته من الصغر) أي ما حضرت العيد وسبق في باب العلم الذي بالمصلّى من العيدين: ولولا مكاني من الصغر ما شهدته وهو يدل على أن الضمير في قوله منه يعود على غير المذكور وهو الصغر، ومشى بعضهم على ظاهر ذلك السياق: فقال: إن الضمير يعود على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمعنى لولا منزلتي من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما شهدت معه العيد وهو متجه، لكن السياق يخالفه وفيه نظر لأن الغالب أن الصغر في مثل هذا يكون مانعًا لا مقتضيًا فلعل فيه تقديمًا وتأخيرًا، ويكون قوله من الصغر متعلقًا بما بعده فيكون المعنى لولا منزلتي من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما حضرت معه لأجل صغري ويمكن حمله على ظاهره وأراد بشهوده ما وقع من وعظه للنساء لأن الصغر يقتضي أن يغتفر له الحضور معهن بخلاف الكبر (فأتى) عليه الصلاة والسلام (العلم) بفتحتين (الذي عند دار كثير بن الصلت) بالمثلثة والصلت بفتح الصاد المهملة وسكون اللام بعدها فوقية ابن معد يكرب الكندي (فصلّى) عليه الصلاة والسلام العيد بالناس (ثم خطب ولم) ولأبي ذر فلم بالفاء بدل الواو (يذكر أذانًا ولا إقامة ثم أمر) عليه الصلاة والسلام (بالصدقة) وفي العيدين ثم خطب ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة (فجعل) ولأبي ذر عن الكشميهني فجعلن (النساء يشرن) بضم التحتية وكسر المعجمة وسكون الراء وفي العيدين فرأيتهن يهوين بأيديهن (إلى آذانهن وحلوقهن فأمر) عليه الصلاة والسلام (بلالاً) يأتيهن ليأخذ منهن ما يتصدقن به (فأتاهن) فجعلن يلقين في ثوبه الفتخ والخواتيم (ثم رجع) بلال (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فأتى العلم الذي عند دار كثير، وقال المهلب فيما ذكره عنه ابن بطال. شاهد الترجمة قول ابن عباس ولولا مكاني من الصغر ما شهدته لأن معناه أن صغير أهل المدينة وكبيرهم ونساءهم وخدمهم ضبطوا العلم معاينة منهم في مواطن العمل من شارعها المبين عن الله تعالى وليس لغيرهم هذه المنزلة. وتعقب: بأن قول ابن عباس من الصغر ما شهدته إشارة منه إلى أن الصغر مظنة عدم الوصول إلى المقام الذي شاهد فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين سمع كلامه وسائر ما قصّه، لكن لما كان ابن عمه وخالته أم المؤمنين وصل بذلك إلى المنزلة المذكورة ولولا ذلك لم يصل ويؤخذ منها نفي التعميم الذي ادعاه المهلب وعلى تقدير تسليمه فهو خاص بمن شاهد ذلك وهم الصحابة فلا يشاركهم فيه من بعدهم بمجرد كونه من أهل المدينة قاله في فتح الباري. والحديث سبق في الصلاة وفي العيدين. 7326 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَأْتِى قُبَاءً مَاشِيًا وَرَاكِبًا. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عبد الله بن دينار) المدني (عن ابن عمر) مولاه -رضي الله عنهما- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يأتي قباء) بضم القاف ممدودًا وقد يقصر ويذكر على أنه اسم موضع فيصرف ويؤنث على أنه

اسم بقعة فلا يصرف التأنيث والعلمية أي يأتي مسجد قباء حال كونه (ماشيًا) مرة (وراكبًا) أخرى وفي باب من أتى مسجد قباء من أواخر الصلاة يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيًا وراكبًا وللكشميهني راكبًا ماشيًا بالتقديم والتأخير. قال المهلب: المراد معاينة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ماشيًا وراكبًا في قصده مسجد قباء وهو مشهد من مشاهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليس ذلك بغير المدينة. والحديث مضى في أواخر الصلاة في ثلاثة أبواب متوالية أوّلها باب مسجد قباء. 7327 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ: ادْفِنِّى مَعَ صَوَاحِبِى وَلاَ تَدْفِنِّى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْبَيْتِ فَإِنِّى أَكْرَهُ أَنْ أُزَكَّى. وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) الهباري قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت لعبد الله بن الزبير) بن العوام ابن أسماء أخت عائشة (ادفني) إذا مت (مع صواحبي) بالتخفيف أمهات المؤمنين رضي الله عنهن بالبقيع (ولا تدفني) بفتح الفوقية وكسر الفاء وتشديد النون (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في البيت) في حجرتي التي دفن فيها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحباه (فإني أكره أن أُزكى) بضم الهمزة وفتح الزاي والكاف المشددة كرهت أن يثنى عليها بما ليس فيها بل بمجرد كونها مدفونة عنده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصاحبيه دون سائر أمهات المؤمنين فيظن أنها خصّت بذلك دونهن لمعنى فيها ليس فيهن، وهذا منها غاية في التواضع. 7328 - وَعَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَى عَائِشَةَ ائْذَنِى لِى أَنْ أُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَىَّ فَقَالَتْ: إِى وَاللَّهِ، قَالَ: وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَرْسَلَ إِلَيْهَا مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَتْ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أُوثِرُهُمْ بِأَحَدٍ أَبَدًا. (وعن هشام) بالسند السابق مما وصله الإسماعيلي من وجه آخر (عن أبيه) عروة (أن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (أرسل إلى عائشة) -رضي الله عنها- قال الحافظ ابن حجر هذا صورته الإرسال لأن عروة لم يدرك زمن إرسال عمر إلى عائشة لكنه محمول على أنه حمله عن عائشة فيكون موصولاً (ائذني لي أن أدفن) بضم الهمزة وفتح الفاء (مع صاحبي) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر (فقالت: إي) بكسر الهمزة وسكون التحتية (والله) حرف جواب بمعنى نعم ولا تقع إلا مع القسم (قال) عروة بن الزبير: (وكان الرجل إذا أرسل إليها من الصحابة) يسألها أن يدفن معهم وجواب الشرط قوله (قالت: لا والله لا أوثرهم) بالمثلثة (بأحد أبدًا) أي لا أتبعهم بدفن أحد. وقال ابن قرقول: هو من باب القلب أي لا أوثر بهم أحدًا ويحتمل أن يكون لا أثيرهم بأحد أي لا أنبشهم لدفن أحد والباء بمعنى اللام، واستشكله السفاقسي بقولها في قصة عمر لأوثرنه على نفسي وأجاب باحتمال أن يكون الذي آثرته به المكان الذي دفن فيه من وراء قبر أبيها بقرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذلك لا ينفي وجود مكان آخر في الحجرة. والحديث من أفراده. 7329 - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى أُوَيْسٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّى الْعَصْرَ فَيَأْتِى الْعَوَالِىَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. وَزَادَ اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ وَبُعْدُ الْعَوَالِى أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلاَثَةٌ. وبه قال: (حدّثنا أيوب بن سليمان) أبو بلال قال: (حدّثنا أبو بكر بن أبي أويس) واسم أبي بكر عبد الحميد وأبي أويس عبد الله الأصبحي الأعشى (عن سليمان بن بلال) أبي محمد مولى الصديق (عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف المدني أنه قال (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّي العصر فيأتي العوالي) بفتح العين والواو المخففة جمع عالية أي المرتفع من قرى المدينة من جهة نجد (والشمس مرتفعة) أي والحال أن الشمس مرتفعة. (وزاد الليث) بن سعد الإمام فيما وصله البيهقي (عن يونس) بن يزيد الأيلي (وبعد العوالي) بضم الموحدة وسكون العين (أربعة أميال أو ثلاثة) والأميال جمع ميل وهو ثلث الفرسخ، وقيل هو مد البصر والشك من الراوي. ومطابقة الحديث للترجمة قيل من قوله فيأتي العوالي لأن إتيانه إلى العوالي يدل على أن العوالي من جملة مشاهده في المدينة. 7330 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ، عَنِ الْجُعَيْدِ سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: كَانَ الصَّاعُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُدًّا وَثُلُثًا بِمُدِّكُمُ الْيَوْمَ وَقَدْ زِيدَ فِيهِ. سَمِعَ القَاسِمُ بْنُ مالِكٍ الجُعَيْدَ. وبه قال: (حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين في الأول وضم الزاي وتكرير الراء بينهما ألف الكلابي النيسابوري قال: (حدّثنا القاسم بن مالك) أبو جعفر المزني الكوفي (عن الجعيد) بضم الجيم وفتح العين مصغرًا وقد يستعمل مكبرًا ابن عبد الرحمن بن أويس الكندي المدني أنه قال: (سمعت السائب بن يزيد) الكندي له ولأبيه صحبة -رضي الله عنهما- (يقول: كان الصاع) جمعه أصوع بوزن أفلس. قال الجوهري: إن

شئت أبدلت من الواو المضمومة همزة اهـ. ويقال فيه ايضًا آصع على القلب أي تحويل العين إلى ما قبل الفاء مع قلب الواو همزة فيجتمع همزتان فتبدل الثانية ألفًا لوقوعها ساكنة بعد همزة مفتوحة وكان (على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مدًّا وثلثًا) نصب خبر كان وللأصيلي وابن عساكر مد وثلث بالرفع على طريق من يكتب المنصوب بغير ألف. وقال في الكواكب: أو يكون في كان ضمير الشأن فيرتفع على الخبر (بمدّكم اليوم) وكان الصاع في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعة أمداد والمد رطل وثلث رطل عراقي (وقد زيد فيه) أي في الصاع زمن عمر بن عبد العزيز حتى صار مدًّا وثلث مد من الأمداد العمرية (سمع القاسم بنُ مالك الجعيد) يشير إلى ما سبق في كفارة الأيمان عن عثمان بن أبي شيبة عن القاسم حدّثنا الجعيد، وفي رواية زياد بن أيوب عن القاسم بن مالك قال أخبرنا الجعيد أخرجه الإسماعيلي وقوله سمع إلى آخره ثابت لأبوي ذر والوقت فقط. ومناسبة الحديث للترجمة كما في الفتح أن الصاع مما اجتمع عليه أهل الحرمين بعد العهد النبوي واستمر فلما زاد بنو أمية في الصاع لم يتركوا اعتبار الصاع النبوي فيما ورد فيه التقدير بالصاع من زكاة الفطر وغيرها، بل استمروا على اعتباره في ذلك وإن استعملوا الصاع الزائد في شيء غير ما وقع التقدير فيه بالصاع كما نبه عليه مالك ورجع إليه أبو يوسف في القصة المشهورة. والحديث سبق في الكفارات وأخرجه النسائي. 7331 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِى مِكْيَالِهِمْ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِى صَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ». يَعْنِى أَهْلَ الْمَدِينَةِ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (اللهم بارك) زد (لهم في مكيالهم، وبارك لهم في صاعهم ومدهم. يعني) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أهل المدينة) قال القاضي عياض: ويحتمل أن تكون هذه البركة دينية وهو ما يتعلق بهذه المقادير من حقوق الله تعالى في الزكوات والكفارات فيكون بمعنى البقاء لها البقاء الحكم بها ببقاء الشريعة وثباتها وأن تكون دنيوية من تكثير المال والقدر بها حتى يكفي منها ما لا يكفي من غيرها أو ترجع البركة إلى التصرف بها في التجارة وأرباحها وإلى كثرة ما يكال بها من غلاتها وأثمارها أو لاتساع عيش أهلها بعد ضيقه لما فتح الله عليهم ووسع من فضله لهم بتمليك البلاد والخصب والريف بالشام والعراق وغيرهما حتى أكثر الحمل إلى المدينة، وفي هذا كله ظهور إجابة دعوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقبولها اهـ. ورجح النووي كونها في نفس المكيل بالمدينة بحيث يكفي المدّ فيها من لا يكفيه في غيرها. وقال الطيبي: ولعل الظاهر هو قول القاضي أو لاتساع عيش أهلها إلى آخره لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ودعاء إبراهيم هو قوله: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} [إبراهيم: 37] يعني وارزقهم من الثمرات بأن تجلب إليهم من البلاد لعلهم يشكرون النعمة في أن يرزقوا أنواع الثمرات في وادٍ ليس فيه لحم ولا شجر ولا ماء، لا جرم أن الله عز وجل أجاب دعوته فجعله حرفًا آمنًا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقًا من لدنه، ولعمري إن دعاء حبيب الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استجيب لها وضاعف خيرها على خيرها بأن جلب إليها في زمن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم من مشارق الأرض ومغاربها من كنوز كسرى وقيصر وخاقان ما لا يحصى ولا يحصر، وفي آخر الأمر يأرز الدين إليها من أقاصي الأراضي وشاسع البلاد وينصر هذا التأويل قوله في حديث أبي هريرة: أمرت بقرية تأكل القرى ومكة أيضًا من مأكولها اهـ. ومطابقة الحديث للترجمة كالذي قبله كما لا يخفى وسبق في البيوع والكفارات وأخرجه مسلم والنسائي. 7332 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ حَيْثُ تُوضَعُ الْجَنَائِزُ عِنْدَ الْمَسْجِدِ. وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) أبو إسحاق القرشي الخزامي المدني قال: (حدّثنا أبو ضمرة) أنس بن عياض المدني قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) صاحب المغازي (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أن اليهود) من خيبر

وذكر الطبري وغيره كما مر في المحاربين أن منهم كعب بن الأشرف وكعب بن أسعد وسعيد بن عمرو ومالك بن الصيف وكنانة بن أبي الحقيق وغيرهم (جاؤوا إلى النبي) وسقط لفظ إلى لأبي ذر عن المستملي فالتالي منصوب (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برجل) لم يسم (وامرأة) اسمها بسرة بضم الموحدة وسكون المهملة (زنيا) وكانا محصنين (فأمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بهما) بالزانيين (فرجما قريبًا من حيث توضع الجنائز) بضم الفوقية وفتح الضاد المعجمة بينهما واو ساكنة ولأبي ذر عن المستملي حيث موضع الجنائز بميم مفتوحة بدل الفوقية والجنائز جر بالإضافة (عند المسجد) النبوي. ومطابقته للترجمة في قوله حيث توضع الجنائز إذ هي من المشاهد الكريمة المصرح بها في قوله ومصلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وسبق الحديث بأتم من هذا في المحاربين في باب أحكام أهل الذمة. 7333 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّى أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا». تَابَعَهُ سَهْلٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى أُحُدٍ. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) إمام دار الهجرة ابن أنس الأصبحي (عن عمرو) بفتح العين ابن أبي عمرو ميسرة (مولى المطلب) المدني أبي عثمان (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طلع) أي بدا (له أُحد) الجبل المشهور عند رجوعه من حنين سنة ست أو سبع (فقال): (هذا) مشيرًا إلى أُحد (جبل يحبنا) حقيقة بأن يخلق الله تعالى فيه الإدراك والمحبة (ونحبه) إذ جزاء المحبة المحبة وقيل إنه محمول على المجاز أي يحبنا أهله ونحب أهله وهم الأنصار، أو المراد نحب أُحدًا بأهله لأنه في أرض من نحب والأولى كما في شرح السُّنّة إجراؤه على ظاهره، ولا ينكر وصف الجمادات بحب الأنبياء والأولياء وأهل الطاعة وهذا هو المختار الذي لا محيد عنه على أنه يحتمل أنه أراد بالجبل أرض المدينة كلها، وخص الجبل بالذكر لأنه أوّل ما يبدو من أعلامها لقوله أوّلاً في الحديث طلع له أُحُد وقوله ثانيًا: (اللهم إن إبراهيم) خليلك (حرم مكة) بتحريمك لها على لسانه (وإني أحرم ما بين لابتيها) أي لابتي المدينة تثنية لابة وهي الحرة إذ المدينة بين حرتين إلى معنى الأول يلمح قول بلال: وهل يبدون لي شامة وطفيل وليس المتمنى ظهور هذين الجبلين بل لأنهما من أعلام مكة. والحديث مرّ في الجهاد في باب فضل الخدمة في الغزو وفي أحاديث الأنبياء وآخر غزوة أُحُد. (تابعه) أي تابع أنس بن مالك (سهل) بفتح السين المهملة ابن سعد (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) قوله (أُحُد) جبل يحبنا ونحبه لا في قوله اللهم إن إبراهيم إلى آخره. وسبق هذا معلمًا عن سليمان بلفظ. وقال سليمان عن سعد بن سعيد عن عُمارة بن غزية عن عباس عن أبيه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (أحُد جبل يحبنا ونحبه) وعباس هو ابن سهل بن سعد المذكور. 7334 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، حَدَّثَنِى أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ جِدَارِ الْمَسْجِدِ مِمَّا يَلِى الْقِبْلَةَ وَبَيْنَ الْمِنْبَرِ مَمَرُّ الشَّاةِ. وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن محمد بن الحكم بن أبي مريم البصري قال: (حدّثنا أبو غسان) بالغين المعجمة المفتوحة والسين المهملة المشدّدة محمد بن مطرف قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار الأعرج (عن سهل) بفتح السين ابن سعد الساعدي -رضي الله عنه- (أنه كان بين جدار المسجد) النبوي (مما يلي القبلة وبين المنبر ممرّ الشاة). أي موضع مرورها وهو بالرفع على أن كان تامة أو ممر اسم كانت بتقدير نحو قدر والظرف الخبر، وفي باب قدركم ينبغي أن يكون بين المصلي والسترة أوائل كتاب الصلاة. عن سهل قال: كان بين مصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين الجدار ممر شاة. 7335 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا بَيْنَ بَيْتِى وَمِنْبَرِى رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِى عَلَى حَوْضِى». وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن بحر بن كثير بالنون والزاي أبو حفص الباهلي الفلاس الصيرفي البصري قال: (حدّثني عبد الرحمن بن مهدي) بفتح الميم وكسر الدال بينهما هاء ساكنة ابن حسان الحافظ أبو سعيد البصري اللؤلؤي قال: (حدّثنا مالك) الإمام الأعظم (عن خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأولى الأنصاري المدني (عن حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما بين بيتي) أي قبري وهو في منزله (ومنبري روضة من رياض الجنة) مقتطعة منها كالحجر الأسود أو تنقل إليها كالجذع الذي حنّ إليه صلوات الله وسلامه عليه أو هو مجاز بأن يكون من إطلاق المسبب على السبب لأن ملازمة ذلك المكان للعبادة سبب في نيل الجنة وفيه نظر سبق في آخر الحج (ومنبري على حوضي) أي يوضع بعينه يوم القيامة عليه والقدرة صالحة لذلك. وسبق مزيد لذلك في الحج، ومطابقته هنا ظاهرة والمراد بحوضه نهر الكوثر الكائن داخل الجنة لا حوضه الذي خارجها المستمد من الكوثر أو أن له هناك منبرًا على حوضه يدعو الناس عليه إليه. 7336 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَابَقَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الْخَيْلِ فَأُرْسِلَتِ الَّتِى ضُمِّرَتْ مِنْهَا وَأَمَدُهَا إِلَى الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَالَّتِى لَمْ تُضَمَّرْ أَمَدُهَا ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِى زُرَيْقٍ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا جويرية) بضم الجيم ابن أسماء البصري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- أنه (قال: سابق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين الخيل فأرسلت) الخيل (التي ضمرت) بضم الضاد المعجمة وتشديد الميم مكسورة وأرسلت بضم الهمزة والتضمير هو أن تعلف الفرس حتى تسمن ثم ترد إلى القوت وذلك في أربعين يومًا. وقال الخطابي: تضمير الخيل أن يظاهر عليها بالعلف مدة ثم تغشى بالجلال ولا تعلف إلا قوتًا حتى تعرق فتذهب كثرة لحمها، ولأبي ذر عن الكشميهني: فأرسل بفتح الهمزة أي فأرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخيل التي ضمرت (منها) من الخيول (وأمدها) بفتح الهمزة والميم المخففة غايتها (إلى الحفياء) بفتح الحاء المهملة وسكون الفاء بعدها تحتية مهموز ممدود موضع بينه وبين المدينة خمسة أميال أو ستة، وسقطت (إلى) لأبي ذر فالحفياء رفع (إلى ثنية الوداع) بفتح الواو (والتي لم تضمر أمدها) غايتها (ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق) من الأنصار وزيد في المسافة للمضمرة لقوّتها وقصر منها لما لم يضمر لقصورها عن شأو ذات التضمير ليكون عدلاً بين النوعين وكله إعداد للقوّة في إعزاز كلمة الله امتثالاً لقوله تعالى: {وأعدّوا لهم ما استطعتم} [الأنفال: 60] (وإن عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- (كان فيمن سابق) قال المهلب: فيما نقله عنه ابن بطال في حديث سهل في مقدار ما بين الجدار والمنبر سُنّة متّبعة في موضع المنبر ليدخل إليه من ذلك الموضع، ومسافة ما بين الحفياء، والثنية لمسابقة الخيل سُنّة متّبعة أي يكون ذلك سُنّة متّبعة وأمدًا للخيل المضمرة عند السباق. والحديث سبق في الصلاة في باب هل يقال مسجد بني فلان وسقط لأبي ذر من قوله وأمدها إلى آخره وثبت لغيره. 7337 - : حَدّثَنَت قُتَيْبَةُ، عَنْ لَيْث، عَنْ نافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ح. وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عِيسَى وَابْنُ إِدْرِيسَ، وَابْنُ أَبِى غَنِيَّةَ، عَنْ أَبِى حَيَّانَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (عن ليث) هو ابن سعد الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) عبد الله بهذا وهذا الطريق كما قال في فتح الباري يتعلق بالمسابقة فهو متابعة لرواية جويرية بن أسماء السابقة عن نافع (ح) للتحويل قال المؤلّف. (وحدّثني) بالواو والإفراد ولأبي ذر: حدّثنا بسقوط الواو وبالجمع (إسحاق) هو ابن إبراهيم المعروف بابن راهويه كما جزم به أبو نعيم والكلاباذي وغيرهما قال: (أخبرنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي (وابن إدريس) هو عبد الله بن إدريس بن يزيد الكوفي (وابن أبي غنية) بفتح الغين المعجمة وكسر النون وتشديد التحتية المفتوحة هو يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية الكوفي الأصبهاني الأصل ثلاثتهم (عن أبي حيان) بفتح الحاء المهملة والتحتية المشدّدة وبعد الألف نون يحيى بن سعيد بن حيان التيمي تيم الرباب (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: سمعت عمر) بن الخطاب (على منبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): وسبق تمامه في الأشربة في باب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل فقال: إنه قد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة أشياء العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل، والخمر ما خامر العقل الحديث ففي سياق المؤلّف له هنا فيه إجحاف في الاختصار، ولذا استشكل سياقه مع سابقه بعض الشراح فظن أن سياق حديث قتيبة السابق لهذا الحديث الذي هو حديث ابن عمر عن عمر المختصر من حديث الأشربة هذا. قال في الفتح: وهو غلط فاحش

فإن حديث عمر من أفراد الشعبي عن ابن عمر عن عمر، وسبب هذا الغلط ما ذكرته من المبالغة في الاختصار فلو قال بعد قوله في حديث قتيبة بعد قوله عن ابن عمر بهذا كما ذكرته لارتفع الإشكال كذا قرره في الفتح فليتأمل، فإن ظاهر التحويل يُشعِر بأن السابق للاحق وإن لم يكن بلفظه على ما هي عادة المؤلّف وغيره. وقال العيني بعد إيراده لذلك أخرجه من طريقين أحدهما عن قتيبة والآخر عن إسحاق، وقد سقط قوله حدّثنا قتيبة إلى قوله حدّثني إسحاق لغير كريمة وثبت لها. 7338 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ خَطَبَنَا عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (السائب بن يزيد) الصحابيّ -رضي الله عنه- أنه (سمع عثمان بن عفان) -رضي الله عنه- حال كونه (خطيبًا) وفي رواية خطبنا بنون المتكلم مع غيره بلفظ الماضي وهو الذي في اليونينية أي خطبنا عثمان (على منبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وهذا حديث أخرجه أبو عبيد في كتاب الأموال من وجه آخر عن الزهري فزاد فيه يقول هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤدّه. 7339 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ أَنَّ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ يُوضَعُ لِى وَلِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذَا الْمِرْكَنُ فَنَشْرَعُ فِيهِ جَمِيعًا. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة أبو بكر العبدي مولاهم الحافظ بندار قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالسين المهملة البصري قال: (حدّثنا هشام بن حسان) القردوسي بضم القاف والدال المهملة بينهما راء ساكنة وبسين مهملة مكسورة الأزدي مولاهم الحافظ (أن هشام بن عروة حدّثه عن أبيه) عروة بن الزبير (أن عائشة) -رضي الله عنها- (قالت: كان) ولأبي ذر قد كان (يوضع لي ولرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا المركن) بكسر الميم وفتح الكاف بينهما راء ساكنة بعدها نون الإجانة التي يغسل فيها الثياب قاله الكرماني وغيره، وقال الخليل: شبه تور من أدم، وقال غيره شبه حوض من نحاس. قال في الفتح: وأبعد من فسره بالإجانة بكسر الهمزة وتشديد الجيم ثم نون لأنه فسر الغريب بمثله والإجانة هي القصرية بكسر القاف. قال العيني متعقبًا، قال ابن الأثير: المركن الإجانة التي يغسل فيها الثياب والميم زائدة وكذا فسره الأصمعي (فنشرع فيه جميعًا) أي نتناول منه بغير إناء. وسبق في باب غسل الرجل مع امرأته من كتاب الغسل قالت: كنت أغتسل أنا والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من إناء واحد من قدح يقال له الفرق. قال ابن بطال فيما حكاه في الفتح فيه سُنّة متّبعة لبيان مقدار ما يكفي الزوج والمرأة إذا اغتسلا. 7340 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: حَالَفَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الأَنْصَارِ وَقُرَيْشٍ فِى دَارِى الَّتِى بِالْمَدِينَةِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال (حدّثنا عباد بن عباد) بفتح العين والموحدة المشددة فيهما ابن حبيب بن المهلب المهلبي أبو معاوية من علماء البصرة قال (حدّثنا عاصم الأحول) بن سليمان أبو عبد الرحمن البصري الحافظ (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: حالف) بالحاء المهملة وباللام المفتوحة بعدها فاء أي عاقد (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين الأنصار) من الأوس والخزرج (وقريش) من المهاجرين على التناصر والتعاضد (في داري التي بالمدينة). وهذا موضع الترجمة وهو آخر هذا الحديث والتالي حديث آخر وهو قوله: 7341 - وَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِى سُلَيْمٍ. (وقنت) عليه الصلاة والسلام (شهرًا) بعد الركوع (يدعو على أحياء) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة (من بني سليم). بضم السين وفتح اللام لأنهم غدروا بالقراء وقتلوهم وكانوا سبعين من أهل الصفة يتفقرون العلم ويتعلمون القرآن وكانوا ردءًا للمسلمين إذا نزلت بهم نازلة وكانوا حقًّا عمار المسجد وليوث الملاحم ولم ينج منهم إلا كعب بن زيد الأنصاري من بني النجار فإنه تخلص وبه رمق فعاش حتى استشهد يوم الخندق وكان ذلك في السنة الرابعة. وفي رواية بالمغازي قنت شهرًا في صلاة الصبح يدعو على أحياء من أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان، وساق المؤلّف هنا حديثين اختصرهما وسبق كلٌّ منهما بأتم مما ذكره هنا. 7342 - حَدَّثَنِى أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا بُرَيْدٌ عَنْ أَبِى بُرْدَةَ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ فَقَالَ لِى انْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ فَأَسْقِيَكَ فِى قَدَحٍ شَرِبَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتُصَلِّى فِى مَسْجِدٍ صَلَّى فِيهِ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَسَقَانِى سَوِيقًا وَأَطْعَمَنِى تَمْرًا وَصَلَّيْتُ فِى مَسْجِدِهِ. وبه قال: (حدّثني) ولأبي ذر بالجمع (أبو كريب) بضم الكاف محمد بن العلاء قال: (حدّثنا أبو أسامة) بضم الهمزة حماد بن أسامة

قال: (حدّثنا بريد) بضم الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري (عن أبي بردة) بضم الموحدة عامر أو الحارث أنه (قال: قدمت المدينة) طيبة (فلقيني عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام وعند عبد الرزاق من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال: أرسلني أبي إلى عبد الله بن سلام لأتعلم منه فسألني من أنت فأخبرته فرحب بي. (فقال لي: انطلق إلى المنزل) أي انطلق معي إلى منزلي فأل بدل من المضاف إليه (فأسقيك) بالنصب (في قدح شرب فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتصلي في مسجد صلّى فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فانطلقت معه) إلى منزله (فسقاني) ولأبي ذر فأسقاني بهمزة مفتوحة بعد الفاء (سويقًا وأطعمني تمرًا وصليت في مسجده) وفي المناقب فقال: ألا تجيء فأطعمك سويقًا وتمرًا وتدخل في بيت بالتنكير للتعظيم لدخول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه. 7343 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ حَدَّثَنِى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ - رضى الله عنه - حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ أَتَانِى اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّى وَهْوَ بِالْعَقِيقِ أَنْ صَلِّ فِى هَذَا الْوَادِى الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ. وَقَالَ هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَلِىٌّ عُمْرَةٌ فِى حَجَّةٍ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن الربيع) بكسر العين أبو زيد الهروي نسبة لبيع الثياب الهروية قال: (حدّثنا علي بن المبارك) الهنائي (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الإمام أبي نصر اليمامي الطائي مولاهم أحد الأعلام أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ولأبي ذر قال حدّثني بالإفراد ابن عباس (أن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- حدّثه قال: حدّثني) بالإفراد (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (أتاني الليلة آتٍ من ربي) ملك أو هو جبريل (وهو بالعقيق) وادٍ بظاهر المدينة (أن صل) سُنّة الإحرام (في هذا الوادي المبارك وقل عمرة وحجة) فيه أنه كان قارنًا وروي بالنصب بفعل مقدّر نحو نويت أو أردت عمرة وحجة. وسبق الحديث في أوائل الحج. (وقال هارون بن إسماعيل) أبو الحسن الخزاز بالمعجمات البصري مما وصله عبد بن حميد في مسنده وعمر بن شبة في أخبار المدينة كلاهما عنه (حدّثنا علي) هو ابن المبارك فقال في روايته (عمرة في حجة). أي مدرجة في حجة فخالف سعيد بن الربع في قوله عمرة وحجة بواو العطف. 7344 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَقَّتَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرْنًا: لأَهْلِ نَجْدٍ وَالْجُحْفَةَ لأَهْلِ الشَّأْمِ وَذَا الْحُلَيْفَةِ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ: قَالَ سَمِعْتُ هَذَا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَلَغَنِى أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ» وَذُكِرَ الْعِرَاقُ فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ عِرَاقٌ يَوْمَئِذٍ. وبه قال: (حدّثنا محمد يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عبد الله بن دينار) المدني (عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه قال: (وقت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتشديد القاف أي جعل حدًّا يحرم منه ولا يتجاوز أو من الوقت على بابه يعني أنه علق الإحرام بالوقت الذي يكون الشخص فيه في هذه الأماكن فعين (قرنًا) بفتح القاف وسكون الراء وهو على مرحلتين من مكة (لأهل نجد) بفتح النون وسكون الجيم بعدها دال مهملة وهو ما ارتفع والمراد هنا ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق (و) عين (الجحفة) بالجيم المضمومة والحاء المهملة الساكنة بعدها فاء قرية على خمس أو ست مراحل من مكة (لأهل الشام) زاد النسائي ومصر (وذا الحليفة) بضم الحاء المهملة وبالفاء مصغرًا مكان بينه وبين مكة مئتا ميل غير ميلين وبين المدينة ستة أميال (لأهل المدينة) النبوية فأل في المدينة للغلبة كالعقبة لعقبة أيلة والبيت للكعبة (قال) ابن عمر (سمعت هذا من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وبلغني أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ولأهل اليمن يلملم) بفتح اللامين والتحتية وسكون الميم الأولى جبل من جبال تهامة على ليلتين من مكة والياء فيه بدل من همزة ولا يقدح فيه قوله بلغني إذ هو عمن لم يعرف لأنه إنما يروى عن صحابي وهم عدول (وذكر العراق) بضم الذال مبنيًّا للمجهول (فقال) ابن عمر: (لم يكن عراق يومئذٍ) أي لم يكن أهل العراق في ذلك الوقت مسلمين حتى يوقت لهم عليه الصلاة والسلام ميقاتًا. وسبق الحديث في أوائل الحج. 7345 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ حَدَّثَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ أُرِىَ وَهْوَ فِى مُعَرَّسِهِ بِذِى الْحُلَيْفَةِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ. وبه قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن المبارك) العيشي بالتحتية والمعجمة الطفاوي البصري قال: (حدّثنا الفضيل، بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة ابن سليمان النميري قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) مولى آل الزبير الإمام في المغازي قال: (حدّثني) بالإفراد (سالم بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه أُري) بضم الهمزة وكسر الراء (وهو في معرّسه) بضم الميم وفتح العين المهملة

17 - باب قول الله تعالى: {ليس لك من الأمر شىء} [آل عمران: 128]

والراء المشددة منزله الذي كان فيه آخر الليل (بذي الحليفة) في المنام (فقيل) بالفاء، ولأبي ذر عن الكشميهني وقيل (له) عليه الصلاة والسلام: (إنك ببطحاء مباركة). والحديث سبق في أوائل الحج. ومطابقته للترجمة ظاهرة لمن تأملها والله الموفق والمعين ومراده من سياق أحاديث هذا الباب تقديم أهل المدينة في العلم على غيرهم في العصر النبوي، ثم بعده قبل تفرق الصحابة في الأمصار ولا سبيل إلى التعميم كما لا يخفى والله تعالى يعين على الإتمام ويمنّ بالإخلاص والنفع أستودعه تعالى ذلك فإنه لا يخيب ودائعه وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. 17 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ} [آل عمران: 128] (باب في قول الله تعالى: {ليس لك من الأمر شيء} [آل عمران: 128]) اسم ليس شيء والخبر لك ومن الأمر حال من شيء لأنه صفة مقدمة أو يتوب عليهم عطف على ليقطع طرفًا من الذين كفروا أو يكبتهم وليس لك من الأمر شيء اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه. 7346 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِى صَلاَةِ الْفَجْرِ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فِى الأَخِيرَةِ». ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا». فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128]. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) السمسار المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما- (أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في صلاة الفجر) حال كونه (رفع) ولأبي ذر ورفع (رأسه من الركوع قال): قال في الكواكب فإن قلت: أين مقول يقول؟ وأجاب: بأن جعله كالفعل اللازم أي يفعل القول ويحققه أو هو محذوف اهـ. وأجاب في الفتح باحتمال أن يكون بمعنى قائلاً ولفظ قال: المذكور زائد، ويؤيده أنه وقع في تفسير سورة آل عمران من رواية حبان بن موسى بلفظ: أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الركوع في الركعة الأخيرة من صلاة الفجر يقول: "اللهم" وتعقبه العيني بأنه احتمال لا يمنع السؤال لأنه وإن كان حالاً فلا بدّ له من مقول ودعواه زيادة قال غير صحيحة لأنه واقع في محله. (اللهم ربنا ولك الحمد) بإثبات الواو (في) الركعة (الأخيرة) ولأبي ذر الآخرة بإسقاط التحتية وقوله في الكواكب وتبعه في اللامع فإن قلت: ما وجه التخصيص بالآخرة وله الحمد في الدنيا أيضًا؟ قلت: نعيم الآخرة أشرف فالحمد عليه هو الحمد حقيقة، أو المراد بالآخرة العاقبة أي مآل كل الحمود إليك تعقبه في الفتح بأنه ظن أن قوله في الآخرة متعلق بالجملة وأنه بقية الذكر قاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الاعتدال وليس هو من كلامه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بل هو من كلام ابن عمر -رضي الله عنهما- قال ثم ينظر في جمعه الحمد على حمود (ثم قال: اللهم العن فلانًا وفلانًا) بالتكرار مرتين يريد صفوان بن أمية وسهيل بن عمير والحارث بن هشام، وقول الكرماني فلانًا وفلانًا يعني رعلاً وذكوان وهم منه، وإنما المراد ناس بأعيانهم كما ذكر لا القبائل (فأنزل الله عز وجل: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم}) أي إن الله مالك أمرهم فإما أن يهلكهم أو يهزمهم أو يتوب عليهم إن أسلموا ({أو يعذبهم}) إن أصرّوا على الكفر ليس لك من أمرهم شيء إنما أنت عبد مبعوث لإنذارهم ومجاهدتهم وعن الفراء أو بمعنى حتى وعن ابن عيسى إلا أن قولك لألزمنك أو تعطيني حقي أي ليس لك من أمرهم شيء إلا أن يتوب عليهم فتفرح بحالهم أو يعذبهم فتتشفى فيهم، وقيل: أراد أن يدعو جمليهم فنهاه الله تعالى لعلمه أن فيهم من يؤمن ({فإنهم ظالمون} [آل عمران: 128]) مستحقون للتعذيب. قال ابن بطال دخول هذه الترجمة في كتاب الاعتصام من جهة دعائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المذكورين لكونهم لم يذعنوا للإيمان ليعتصموا به من اللعنة، والحديث سبق في تفسير سورة آل عمران، ومطابقته لما ترجم له هنا واضحة. 18 - باب قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلاً} [الكهف: 54] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46]. (باب قوله تعالى): وسقط لأبي ذر قوله تعالى: ({وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً} [الكهف: 54]) جدلاً تمييز أي أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدال إن فصلتها واحدًا بعد واحد خصومة ومماراة بالباطل يعني أن جدل الإنسان أكثر من جدل كل شيء (وقوله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} [العنكبوت: 46])

بالخصلة التي هي أحسن وهي مقابلة الخشونة باللين والغضب بالكظم كما قال: {ادفع بالتي هي أحسن} [فصلت: 34] إلا الذين ظلموا منهم فأفرطوا في الاعتداء والعناد ولم يقبلوا النصح ولم ينفع فيهم الرفق فاستعملوا معهم الغلظة، وقيل: إلا الذين آذوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو الذين أثبتوا الولد والشريك، وقالوا: {يد الله مغلولة} [المائدة: 64] أو معناه لا تجادلوا الداخلين في الذمة المؤدّين للجزية إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا فنبذوا الذمة ومنعوا الجزية فمجادلتهم بالسيف، والآية تدل على جواز المناظرة مع الكفرة في الدين وعلى جواز تعلم علم الكلام الذي به تتحقق المجادلة. 7347 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ ح. حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى عَلِىُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِىٍّ - رضى الله عنهما - أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُمْ أَلاَ تُصَلُّونَ فَقَالَ عَلِىٌّ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ: وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعَهُ وَهْوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهْوَ يَقُولُ: {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلاً} [الكهف: 54]. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يُقَالُ مَا أَتَاكَ لَيْلاً فَهْوَ طَارِقٌ، وَيُقَالُ الطَّارِقُ: النَّجْمُ، وَالثَّاقِبُ: الْمُضِىءُ. يُقَالُ: أَثْقِبْ نَارَكَ لِلْمُوقِدِ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) بضم المعجمة وفتح المهملة ابن أبي حمزة الحافظ أبو بشر الحمصي مولى بني أمية (عن الزهري) محمد بن مسلم أبي بكر أحد الأعلام (ح) مهملة للتحويل من سند إلى آخر قال البخاري: (حدّثني) بالإفراد بغير واو ولأبي ذر وحدّثني (محمد بن سلام) بالتخفيف البيكندي الحافظ قال: (أخبرنا عتاب بن بشير) بفتح العين والفوقية المشددة وبعد الألف موحدة وبشير بفتح الموحدة وكسر المعجمة الجزري بالجيم والزاي ثم الراء المكسورة (عن إسحاق) بن راشد الجزري أيضًا ولفظ الحديث له (عن الزهري) أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (علي بن حسين) بضم الحاء وفتح السين المهملتين ابن علي بن أبي طالب (أن) أباه (حسين بن علي -رضي الله عنهما- أخبره أن) أباه (علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طرقه وفاطمة عليها السلام بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بنصب فاطمة عطفًا على الضمير المنصوب في طرقه أي أتاهما ليلاً (فقال لهم): لعليّ وفاطمة ومن معهما يحضهم. (ألا) بالتخفيف وفتح الهمزة (تصلون) وفي رواية شعيب بن أبي حمزة في التهجد فقال لهما: ألا تصليان بالتثنية (فقال علي فقلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله) استعارة لقدرته (فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا) بفتح المثلثة فيهما أن يوقظنا للصلاة أيقظنا (فانصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مدبرًا (حين قال له) عليّ (ذلك ولم يرجع إليه شيئًا) أي لم يجبه بشيء. وفيه التفات وفي رواية شعيب فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إليّ شيئًا (ثم سمعه وهو مدبر) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر الموحدة مول ظهره ولأبي ذرّ وهو منصرف حال كونه (يضرب فخذه) بكسر الخاء وفتح الذال المعجمتين تعجبًا من سرعة جوابه (وهو) أي والحال أنه (يقول: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً}) ويؤخذ من الحديث أن عليًّا ترك فعل الأولى وإن كان ما احتج به متجهًا، ومن ثم تلا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الآية، ولم يلزمه مع ذلك بالقيام إلى الصلاة ولو كان امتثل وقام لكان أولى، وفيه أن الإنسان جبل على الدفاع عن نفسه بالقول والفعل، ويحتمل أن يكون عليّ امتثل ذلك إذ ليس في القصة تصريح بأن عليًّا امتنع، وإنما أجاب على ما ذكر اعتذارًا عن ترك القيام لغلبة النوم ولا يمتنع أنه صلّى عقب هذه المراجعة إذ ليس في الحديث ما ينفيه وفيه مشروعية التذكير للغافل لأن الغفلة من طبع البشر. (قال أبو عبد الله) المؤلّف رحمه الله. (يقال ما أتاك ليلاً فهو طارق) لاحتياجه إلى دق الباب وسقط قال أبو عبد الله الخ لغير أبي ذر (ويقال: الطارق النجم والثاقب المضيء) لثقبه الظلام بضوئه (يقال: اثقب) بكسر القاف وجزم الموحدة فعل أمر (نارك للموقد) بكسر القاف الذي يوقد النار يشير إلى قوله تعالى: {والسماء والطارق} [الطارق: 1] الخ. فأقسم بالسماء لعظم قدرها في أعين الخلق لكونها معدن الرزق ومسكن الملائكة وفيها الجنة وبالطارق، والمراد جنس النجوم أو جنس الشهب التي يرمي بها لعظم منفعتها ووصف بالطارق لأنه يبدو بالليل كما يقال للآتي ليلاً طارق. 7348 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ بَيْنَا نَحْنُ فِى الْمَسْجِدِ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ». فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ فَقَامَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَادَاهُمْ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا». فَقَالُوا: بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ. قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ذَلِكَ أُرِيدُ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا». فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ذَلِكَ أُرِيدُ». ثُمَّ قَالَهَا الثَّالِثَةَ فَقَالَ: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الأَرْضُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنِّى أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ، وَإِلاَّ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا الأَرْضُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن سعد أبو الحارث الإمام مولى بني فهم (عن سعيد) بكسر العين المقبري (عن أبيه) أبي سعيد كيسان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه

19 - باب قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} [البقرة: 143]

قال: (بينا) بغير ميم (نحن في المسجد خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (انطلقوا إلى يهود. فخرجنا معه) عليه الصلاة والسلام (حتى جئنا بيت المدراس) بكسر الميم وسكون الدال المهملة وهو الذي يدرس فيه عالمهم التوراة (فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فناداهم فقال: يا معشر يهود أسلموا) بكسر اللام (تسلموا) بفتحها الأول من الإسلام والثاني من السلامة (فقالوا: بلغت) الرسالة ولأبي ذر قد بلغت (يا أبا القاسم) ولم يذعنوا لطاعته (قال: فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ذلك) أي إقراركم بالتبليغ (أريد) بضم الهمزة وكسر الراء أقصد وسقط لأبي ذر قوله لهم رسول الله إلى آخر التصلية: (أسلموا تسلموا. فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم. فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ذلك أريد. ثم قالها) قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المقالة المذكورة المرة (الثالثة) وكرر للمبالغة في التبليغ {وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125] (فقال) عليه الصلاة والسلام لهم: (اعلموا أنما الأرض لله ورسوله) بفتح همزة أنما ولأبي ذر ولرسوله (وإني أريد أن أجليكم) بضم الهمزة وسكون الجيم وكسر اللام أطردكم (من هذه الأرض فمن وجد منكم بماله) الباء للبدلية أي بدل ماله (شيئًا فليبعه) جواب من أي من كان له شيء مما لا يمكن نقله فليبعه (وإلاّ) أي وإن لا تفعلوا ما قلت لكم (فاعلموا أنما الأرض لله ورسوله) يورثها للمسلمين. ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة وسبق في الجزية من كتاب الجهاد. 19 - باب قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] وَمَا أَمَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ (باب قول الله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا} [البقرة: 143]) خيارًا، وقيل للخيار وسط لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والأوساط محمية قال حبيب: كانت هي الوسط المحميّ فاكتنفت ... بها الحوادث حتى أصبحت طرفا أو عدولاً لأن الوسط عدل بين الأطراف ليس إلى بعضها أقرب من بعض أي: {جعلناكم أمة وسطًا} بين الغلوّ والتقصير فإنكم لم تغلوا غلوّ النصارى حيث وصفوا المسيح بالألوهية ولم تقصروا تقصير اليهود حيث وصفوا مريم بالزنا وعيسى بأنه ولد الزنا، وسقط لفظ قوله تعالى لأبي ذر (وما أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أمته (بلزوم الجماعة وهم أهل العلم). المجتهدون. 7349 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ هَلْ بَلَّغَكُمْ فَيَقُولُونَ مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ فَيَقُولُ مَنْ شُهُودُكَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ». ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} -قَالَ عَدْلاً- {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]. وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا. وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) أبو يعقوب الكوسج المروزي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا) ولأبي ذر قال أي قال أبو أسامة قال: (الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا أبو صالح) ذكوان الزيات (عن أبي سعيد الخدري) رضى الله عنه أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يجاء بنوح) عليه السلام بضم التحتية وفتح الجيم وفي تفسير سورة البقرة يدعى نوح (يوم القيامة فيقال له: هل بلغت)؟ رسالتي إلى قومك (فيقول: نعم يا رب) بلغتها (فتُسأل أمته) بضم الفوقية من فتسأل (هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير. فيقول) تبارك وتعالى له ولأبوي الوقت وذر فيقال (من شهودك)؟ الذين يشهدون لك أنك بلغتهم (فيقول) نوح يشهد لي (محمد وأمته فيجاء بكم) ولأبوي الوقت وذر فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيجاء بكم (فتشهدون) أنه بلغهم (ثم قرأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا} -قال) في تفسير وسطًا أي (عدلاً) {لتكونوا شهداء على الناس} ولأبي ذر عدلاً إلى قوله: ({لتكونوا شهداء على الناس}) واللام في لتكونوا لام كي فتفيد العلية أو هي لام الصيرورة وأتى بشهداء الذي هو جمع شهيد ليدل على المبالغة دون شهيد وشهود جمعي شاهد وفي على قولان إنها على بابها وهو الظاهر أو بمعنى اللام بمعنى إنكم تنقلون إليهم ما علمتموه من الوحي والدين كما نقله الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({ويكون الرسول عليكم شهيدًا} [البقرة: 143]) عطف على لتكونوا أي يزكيكم ويعلم بعدالتكم والشهادة قد تكون بلا مشاهدة كالشهادة بالتسامع في الأشياء المعروفة ولما كان الشهيد كالرقيب جيء بكلمة الاستعلاء، والاستدلال بالآية على أن الإجماع حجة لأن الله تعالى وصف الأمة بالعدالة والعدل هو المستحق للشهادة وقبولها

20 - باب إذا اجتهد العامل -أو الحاكم- فأخطأ خلاف الرسول من غير علم فحكمه مردود لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»

فإذا اجتمعوا على شيء وشهدوا به لزم قبوله. والحديث سبق في تفسير سورة البقرة وأحاديث الأنبياء. قال إسحاق بن منصور: (وعن جعفر بن عون) بفتح العين وبعد الواو الساكنة نون المخزومي القرشي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (الأعمش) سليمان (عن أبي صالح) ذكوان (عن أبي سعيد الخدري عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا). الحديث. وحاصله أن إسحاق بن منصور شيخ البخاري روى هذا الحديث عن أبي أسامة بلفظ التحديث وعن جعفر بن عون بالعنعنة. 20 - باب إِذَا اجْتَهَدَ الْعَامِلُ -أَوِ الْحَاكِمُ- فَأَخْطَأَ خِلاَفَ الرَّسُولِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهْوَ رَدٌّ» هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (إذا اجتهد العامل) بتقديم الميم على اللام أي عامل الزكاة ونحوه ولأبي ذر عن الكشميهني العالم بتأخيرها أي المفتي (أو الحاكم فأخطأ خلاف) شرع (الرسول) صلوات الله وسلامه عليه أي مخالفًا لحكم سنته في أخذ واجب الزكاة أو في قضائه وأو للتنويع (من غير علم) أي لم يتعمد المخالفة وإنما خالف خطأ (فحكمه مردود) لا يعمل به (لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وصله مسلم وكذا سبق في الصلح لكن بلفظ آخر. واستشكل قوله فأخطأ خلاف الرسول لأن ظاهره مُنافٍ للمراد لأن من أخطأ خلاف الرسول لا يذم بخلاف من أخطأ وفاقه، ولذا قال في الكواكب وفي الترجمة نوع تعجرف. وأجاب في الفتح: بأن الكلام تمّ عند قوله فأخطأ وهو متعلق بقوله اجتهد وقوله خلاف الرسول أي فقال خلاف الرسول وحذف. قال في الكلام كثير فأي عجرفة في هذا. قال: ووقع في حاشية نسخة الدمياطي بخطه الصواب في الترجمة فأخطأ بخلاف الرسول. قال في الفتح: وليس دعوى حذف الباء برافع للإشكال بل إن سلك طريق التغيير فلعل اللام متأخرة ويكون الأصل خالف بدل خلاف وتعقبه العيني بأن تقديره بقوله قال خلاف الرسول يكون عطفًا على أخطأ. فيؤدي إلى نفي المقصود الذي ذكرناه الآن اهـ. وسقط لغير أبي ذر عليه من قوله عليه أمرنا. 7350 - 7351 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ أَخَا بَنِى عَدِىٍّ الأَنْصَارِىَّ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا»؟ قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَشْتَرِى الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنَ الْجَمْعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلاً بِمِثْلٍ -أَوْ بِيعُوا هَذَا- وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (عن أخيه) أبي بكر واسمه عبد الحميد بتقديم المهملة على الميم (عن سليمان بن بلال عن عبد المجيد) بتقديم الميم على الجيم (ابن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني بضم سين سهيل وفتح هائه كذا في الفرع وغيره من النسخ المقابلة على اليونينية وفرعها في نسخة عن أخيه عن سليمان بن بلال عن عبد المجيد الخ. قال في الفتح: وذكر أبو علي الجياني أن سليمان سقط من أصل الفربري فيما ذكر أبو زيد قال: والصواب إثباته فإنه لا يتصل السند إلا به وقد ثبت كذلك في رواية إبراهيم بن معقل النسفيّ قال: وكذلك لم يكن في كتاب ابن السكن ولا عند أبي أحمد الجرجاني. قال الحافظ ابن حجر: وهو ثابت عندنا في النسخة المعتمدة من رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة عن الفربري، وكذا في سائر النسخ التي اتصلت لنا عن الفربري فكأنها سقطت من نسخة أبي زيد فظن سقوطها من أصل شيخه، وقد جزم أبو نعيم في مستخرجه بأن البخاري أخرجه عن إسماعيل عن أخيه عن سليمان وهو يرويه عن أبي أحمد الجرجاني عن الفربري وأما رواية ابن السكن، فلم أقف عليها اهـ. (أنه سمع سعيد بن المسيب يحدث أن أبا سعيد الخدري وأبا هريرة) -رضي الله عنهما- (حدّثناه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث أخا بني عدي) أي واحدًا منهم اسمه سواد بن غزية بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد التحتية (الأنصاري واستعمله على خيبر فقدم بتمر جنيب) بفتح الجيم وكسر النون وبعد التحتية الساكنة موحدة نوع من التمر أجود تمورهم (فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أكل تمر خير هكذا. قال): ولأبي الوقت فقال: (لا والله يا رسول الله إنا لنشتري الصاع) من الجنيب (بالصاعين من الجمع) بفتح الجيم وسكون الميم تمر رديء (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تفعلوا) ذلك (ولكن مثلاً بمثل) بسكون المثلثة فيهما (أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا) وفي مسلم هو الربا فردّوه

21 - باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ

ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا هذا (وكذلك الميزان) يعني كل ما يوزن فيباع وزنًا بوزن من غير تفاضل فحكمه حكم المكيلات. ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الصحابي اجتهد فيما فعل فرده النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونهاه عما فعل وعذره لاجتهاده. والحديث سبق في البيوع في باب إذا أراد بيع التمر بتمر خير منه. 21 - باب أَجْرِ الْحَاكِمِ إِذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ (باب أجر الحاكم إذا اجتهد) في حكمه (فأصاب أو أخطأ) فهو مأجور. 7352 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ المُقْرئُ المَكِّيُّ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنِى يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى قَيْسٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ». قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالَ: هَكَذَا حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ. وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد) من الزيادة (المقرئ) بالهمز (المكي) وسقط المقرئ والمكي لغير أبي ذر قال: (حدّثنا حيوة) بفتح الحاء المهملة وبعد التحتية الساكنة واو مفتوحة فهاء تأنيث (ابن شريح) بضم المعجمة وفتح الراء وبعد التحتية الساكنة مهملة وثبت ابن شريح لأبي ذر وسقط لغيره وابن شريح هذا هو التجيبي فقيه مصر وزاهدها ومحدثها له أحوال وكرامات قال: (حدّثني) بالإفراد (يزيد بن عبد الله بن الهاد) هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي (عن محمد بن إبراهيم بن الحارث) التميمي المدني التابعي ولأبيه صحبة (عن بسر بن سعيد) بكسر العين وبسر بضم الموحدة وسكون السين المهملة المدني العابد مولى ابن الحضرمي (عن أن قيس مولى عمرو بن العاص) قال في الفتح، قاله البخاري: لا يعرف اسمه وتبعه الحاكم أبو أحمد وجزم ابن يونس في تاريخ مصر بأنه عبد الرحمن بن ثابت وهو أعرف بالمصريين من غيره ونقل عن محمد بن سحنون أنه سمى أباه الحكم وخطأه في ذلك، وحكى الدمياطي أن اسمه سعد وعزاه لمسلم في الكنى. قال الحافظ ابن حجر: وقد راجعت نسخًا في الكنى لمسلم فلم أر ذلك فيها وما لأبي قيس في البخاري إلا هذا الحديث (عن عمرو بن العاص) -رضي الله عنه- (أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إذا حكم الحاكم فاجتهد) أي إذا أراد الحاكم أن يحكم فعند ذلك يجتهد لأن الحكم متأخر عن الاجتهاد فلا يجوز الحكم قبل الاجتهاد اتفاقًا، ويحتمل كما في الفتح أن تكون الفاء في قوله فاجتهد تفسيرية لا تعقيبية (ثم أصاب) بأن وافق ما في نفس الأمر من حكم الله (فله أجران) أجر الاجتهاد وأجر الإصابة (وإذا حكم فاجتهد) أراد أن يحكم فاجتهد (ثم أخطأ) بأن وقع ذلك بغير حكم الله (فله أجر) واحد وهو أجر الاجتهاد فقط. (قال) يزيد بن عبد الله بن الهاد الراوي (فحدّثت بهذا الحديث أبا بكر بن عمرو بن حزم) بفتح العين والحاء المهملتين ونسبه في هذه الرواية لجده وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (فقال: هكذا حدّثني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) بمثل حديث عمرو بن العاص. (وقال عبد العزيز بن المطلب) بن عبد الله بن حنطب المخزومي قاضي المدينة وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق (عن عبد الله بن أبي بكر) أي ابن محمد بن حزم قاضي المدينة أيضًا (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله). فخالف أباه في روايته عن أبي سلمة وأرسل الحديث الذي وصله لأن أبا سلمة تابعي. قال في الفتح: وقد وجدت ليزيد بن الهاد فيه متابعًا عند عبد الرزاق وأبي عوانة من طريقه عن معمر عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري عن أبي بكر بن محمد عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكر الحديث مثله بغير قصة وفيه فله أجران اثنان. وفي الحديث دليل على أن الحق عند الله واحد وكل واقعة لله تعالى فيها حكم فمن وجده أصاب ومن فقده أخطأ، وفيه أن المجتهد يخطئ ويصيب والمسألة مقررة في أصول الفقه فقال أبو الحسن الأشعري والقاضي أبو بكر الباقلاني وأبو يوسف ومحمد وابن سريج المسألة التي لا قاطع فيها من مسائل الفقه كل مجتهد فيها مصيب. وقال الأشعري والقاضي أبو بكر: حكم الله فيها تابع لظن المجتهد فما ظنه فيها من الحكم فهو حكم الله في حقه وحق مقلده، وقال أبو يوسف ومحمد وابن سريج في أصح الروايات عنه مقالة تسمى بالأشبه، وهي أن في كل حادثة ما لو حكم الله لم يحكم إلا به. وقال في المنخول: وهذا حكم على الغيب، ثم هؤلاء القائلون بالأشبه يعبرون عنه بأن المجتهد مصيب في اجتهاده مخطئ في الحكم أي

22 - باب الحجة على من قال: إن أحكام النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت ظاهرة وما كان يغيب بعضهم من مشاهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمور الإسلام

إذا صادف خلاف ما لو حكم لم يحكم إلا به وربما قالوا يخطئ انتهاء لا ابتداء هذا آخر تفاريع القول بأن كل مجتهد مصيب. وقال الجمهور: وهو الصحيح المصيب واحد، وقال ابن السمعاني في القواطع: إنه ظاهر مذهب الشافعي ومن حكى عنه غيره فقد أخطأ ولله تعالى في كل واقعة حكم سابق على اجتهاد المجتهدين وفكر الناظرين، ثم اختلفوا أعليه دليل أم هو كدفين يصيبه من شاء الله تعالى ويخطئه من شاءه، والصحيح أن عليه أمارة. واختلف القائلون بأن عليه أمارة في أن المجتهد هل هو مكلف بإصابة الحق أو لا لأن الإصابة ليست في وسعه والصحيح الأول لإمكانها ثم اختلفوا فيما إذا أخطأ الحق هل يأثم والصحيح لا يأثم بل له أجر لبذله وسعه في طلبه. وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد". وقيل: يأثم لعدم إصابته المكلف بها. وأما المسألة التي يكون فيها قاطع من نص أو إجماع واختلف فيها لعدم الوقوف عليه فالمصيب فيها واحد بالإجماع وإن دق مسلك ذلك القاطع وقيل على الخلاف فيما لا قاطع فيها وهو غريب ثم إذا أخطأه نظر فإن لم يقصر وبذل المجهود في طلبه ولكن تعذر عليه الوصول إليه فهل يأثم فيه مذهبان، وأصحهما المنع والثاني نعم ومتى قصر المجتهد في اجتهاده أثم وفاقًا لتركه الواجب عليه من بذله وسعه فيه. 22 - باب الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ أَحْكَامَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَتْ ظَاهِرَةً وَمَا كَانَ يَغِيبُ بَعْضُهُمْ مِنْ مَشَاهِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُمُورِ الإِسْلاَمِ (باب الحجة على من قال إن أحكام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت ظاهرة) للناس لا تخفى إلا على النادر (وما كان يغيب بعضهم) عطف على مقول القول وكلمة ما نافية أو عطف على الحجة فما موصولة، لكن قال في الفتح إن ظاهر السياق يأبى كونها نافية أي بعض الصحابة (عن مشاهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح ميم مشاهد (وأمور الإسلام) قالوا والترجمة معقودة لبيان أن كثيرًا من أكابر الصحابة كان يغيب عن بعض ما يقوله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو يفعله من الأفعال التكليفية فيستمر على ما كان اطلع عليه هو إما على المنسوخ لعدم اطّلاعه على ناسخه، وإما على البراءة الأصلية. وقال ابن بطال: أراد الرد على الرافضة والخوارج الذين يزعمون أن التواتر شرط في قبول الخبر وقولهم مردود بما صح إن الصحابة كان يأخذ بعضهم عن بعض ويرجع بعضهم إلى ما رواه غيره وانعقد الإجماع على القول بالعمل بإخبار الآحاد. 7353 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِى عَطَاءٌ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو مُوسَى عَلَى عُمَرَ فَكَأَنَّهُ وَجَدَهُ مَشْغُولاً فَرَجَعَ فَقَالَ عُمَرُ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ائْذَنُوا لَهُ؟ فَدُعِىَ لَهُ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا، قَالَ: فَأْتِنِى عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ لأَفْعَلَنَّ بِكَ، فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالُوا: لاَ يَشْهَدُ إِلاَّ أَصَاغِرُنَا، فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ فَقَالَ: قَدْ كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا، فَقَالَ عُمَرُ: خَفِىَ عَلَىَّ هَذَا مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَلْهَانِى الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (عن عبيد بن عمير) بضم العين فيهما الليثي المكي أنه (قال: استأذن أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (على عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- أي ثلاثًا (فكأنه وجده مشغولاً فرجع فقال عمر: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس) يريد أبا موسى (ائذنوا له) في الدخول (فدعي له) بضم الدال وكسر العين فحضر عنده (فقال) له (ما حملك على ما صنعت)؟ من الرجوع (فقال) أبو موسى (إنّا كنا نؤمر) بضم النون وفتح الميم من قبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بهذا) أي بالرجوع إذا استأذنا ثلاثًا ولم يؤذن لنا (قال) عمر: (فائتني على هذا ببينة) على ما ذكرته (أو لأفعلن بك، فانطلق) أبو موسى (إلى مجلس من الأنصار) فسألهم عن ذلك (فقالوا) أي أبيّ والأنصار (لا يشهد إلا أصاغرنا) بألف بعد الصاد ولأبي ذر عن الكشميهني لا يشهد لك إلا أصغرنا (فقام أبو سعيد الخدري) -رضي الله عنه- وكان أصغر القوم معه (فقال) لعمر: (قد كنا نؤمر بهذا) أي نرجع إذا استأذنا ولم يؤذن لنا (فقال عمر: خفي عليّ) بتشديد التحتية (هذا من أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألهاني) شغلنى (الصفق بالأسواق). وهو ضرب اليد على اليد عند البيع، وليس قول عمر ذلك ردًّا لخبر الواحد بل احتياطًا وإلا فقد قبل عمر حديث عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس وحديثه في الطاعون، وحديث عمرو بن حزم في التسوية بين الأصابع في الدّية. ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن عمر لما خفي عليه أمر الاستئذان رجع إلى قول أبي

23 - باب من رأى ترك النكير من النبي -صلى الله عليه وسلم- حجة لا من غير الرسول

موسى فدلّ على أنه يعمل بخبر الواحد، وأن بعض السنن كان يخفى على بعض الصحابة وأن الشاهد يبلغ الغائب ما شهده وأن الغائب يقبله ممن حدّثه به ويعتمده ويعمل به، لا يقال طلب عمر البيّنة يدل على أنه لا يحتج بخبر الواحد لأنه مع انضمام أي سعيد إليه لا يصير متواترًا كما لا يخفى. والحديث سبق في الاستئذان في باب التسليم والاستئذان. 7354 - حَدَّثَنَا عَلِىٌّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِى الزُّهْرِىُّ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ الأَعْرَجِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ إِنِّى كُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مِلْءِ بَطْنِى، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَكَانَتِ الأَنْصَارُ يَشْغَلُهُمُ الْقِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، فَشَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ وَقَالَ: «مَنْ يَبْسُطْ رِدَاءَهُ حَتَّى أَقْضِىَ مَقَالَتِى ثُمَّ يَقْبِضْهُ فَلَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّى»؟ فَبَسَطْتُ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَىَّ فَوَالَّذِى بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ. وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثني) بالإفراد (الزهري) محمد بن مسلم (أنه سمع من الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (يقول: أخبرني) بالإفراد (أبو هريرة) -رضي الله عنه- (قال: إنكم تزعمون أن أبا هريرة) تقولون إن أبا هريرة (يكثر الحديث على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والله الموعد) يوم القيامة يظهر أنكم على الحق في الإنكار أو أني عليه في الإكثار والجملة معترضة، ولا بدّ في التركيب من تأويل لأن مفعلاً للمكان أو الزمان أو المصدر ولا يصح هنا إطلاق شيء منها فلا بد من إضمار أو تجوّز يدل عليه المقام قاله البرماوي الكرماني (إني كنت امرأً مسكينًا) من مساكين الصفة (ألزم) بفتح الهمزة والزاي واللام بينهما ساكنة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ملء بطني) مقتنعًا بالقوت فلم يكن لي غيبة عنه يعني أنه كان لا ينقطع عنه خشية أن يفوته القوت (وكان المهاجرون يشغلهم الصفق) البيع (بالأسواق) ويشغلهم بفتح ياء المضارعة والغين المعجمة من الثلاثي وعبر بالصفق عن التبايع لأنهم كانوا إذا تبايعوا تصافقوا بالأكف أمارة لانبرام البيع فإذا تصافقت الأكف انتقلت الأملاك واستقرّت كل يد منهما على ما صار لكل واحد منهما من ملك صاحبه (وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم) في الزراعة زاد في رواية يونس عن ابن شهاب عند مسلم فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا (فشهدت من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات يوم وقال): (من يبسط) بلفظ المضارع مجزومًا ولأبي ذر عن الكشميهني من بسط بلفظ الماضي (رداءه) وفي المزارعة ثوبه (حتى أقضي مقالتي) زاد في المزارعة هذه (ثم يقبضه) بالرفع وفي اليونينية بالجزم وفي المزارعة ثم يجمعه (فلن ينس) بغير تحتية بعد السين مصلحة في الفرع على كشط. قال السفاقسي: إنه وقع كذلك بالنون وبالجزم في الرواية وذكر أن القزاز نقل عن بعض العرب من يجزم بلن اهـ. وفي بعض النسخ المعتمدة فلن ينسى بإثباتها خطأ وهو الذي في اليونينية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فلم بحرف الجزم بدل حرف النصب ينس (شيئًا سمعه مني) قال أبو هريرة (فبسطت بردة كانت عليّ) بتشديد الياء (فو) الله (الذي بعثه) إلى الخلق (بالحق ما نسيت شيئًا سمعته منه). بعد أن جمعتها إلى صدري. ومباحث الحديث سبقت غير مرة ومطابقته للترجمة من جهة كون أبي هريرة أخبر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أقواله وأفعاله ما غاب عنه كثير من الصحابة ولما بلغهم ما سمعه قبلوه وعملوا به فدل على قبول خبر الواحد والعمل به وفيه رد على مشترطي التواتر وإنه كان يعزب على المتقدم في الصحبة الشريفة الواسع العلم ما يعلمه غيره مما سمعه منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو اطلع عليه فمن ذلك حديث أبي بكر الصدّيق مع جلالة قدره حيث لم يعلم النص في الجدّة حتى أخبره محمد بن مسلمة والمغيرة بالنص فيها، وهو في الموطأ وحديث عمر في الاستئذان المذكور في هذا الباب إلى غير ذلك مما في تتبعه طول يخرج عن الاختصار. وفي حديث البراء بسند صحيح ليس كلنا كان يسمع الحديث من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت لنا ضيعة وأشغال، ولكن كان الناس لا يكذبون فيحدث الشاهد الغائب والله الموفق والمعين. 23 - باب مَنْ رَأَى تَرْكَ النَّكِيرِ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُجَّةً لاَ مِنْ غَيْرِ الرَّسُولِ (باب من رأى ترك النكير) بفتح النون وكسر الكاف أي الإنكار (من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما يفعل بحضرته أو يقال ويطلع عليه (حجة) لأنه لا يقرّ أحدًا على باطل سواء استبشر به مع ذلك أم لا لكن دلالته مع الاستبشار أقوى، وقد تمسك الشافعي في القيافة واعتبارها في النسب بكِلا الأمرين

الاستبشار وعدم الإنكار في قصة المدلجي، وسواء كان المسكوت عنه ممن يغريه الإنكار أو لا كافرًا كان أو منافقًا والقول باستثناء من يزيده الإنكار إغراء حكاه ابن السمعاني عن المعتزلة بناء على أنه لا يجب إنكاره عليه للإغراء. قال: والأظهر أنه يجب إنكاره عليه ليزول توهم الإباحة والقول باستثناء ما إذا كان الفاعل كافرًا أو منافقًا قول إمام الحرمين بناء على أن الكافر غير مكلف بالفروع، ولأن المنافق كافر في الباطن والقول بالاقتصار على الكافر ذهب إليه الماوردي وهو أظهر لأنه أهل للانقياد في الجملة وكما يدل للجواز للفاعل فكذا لغيره لأن حكمه على الواحد حكمه على الجماعة. وذهب القاضي أبو بكر الباقلاني إلى اختصاصه بمن قرر ولا يتعدى إلى غيره فإن التقرير لا صيغة له. نعم والصحيح أنه يعم سائر المكلفين لأنه في حكم الخطاب وخطاب الواحد خطاب للجميع (لا من غير الرسول) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعدم عصمته، فسكوته لا يدل على الجواز لأنه قد لا يتبين له حينئذٍ وجه الصواب. قال في المصابيح: وفيه نظر لأنه إذا أفتى واحد في مسألة تكليفية وعرف به أهل الإجماع وسكتوا عليه ولم ينكره أحد ومضى قدر مهلة النظر في تلك الحادثة عادة وكان ذلك القول المسكوت عليه واقعًا في محل الاجتهاد، فالصحيح أنه حجة وهل هو إجماع أو لا؟ فيه خلاف. قالوا: والخلاف لفظي وعلى الجملة قد تصوّرنا في بعض الصور أن ترك النكير من غير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حجة. 7355 - حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنَّ ابْنَ الصَّائِدِ الدَّجَّالُ قُلْتُ: تَحْلِفُ بِاللَّهِ قَالَ: إِنِّى سَمِعْتُ عُمَرَ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا حماد بن حميد) بالتصغير قال في الفتح هو خراساني فيما ذكره أبو عبد الله بن منده في رجال البخاري، وقال محمد بن إسماعيل بن محمد بن خلفون: حماد بن حميد العسقلاني روى عن عبيد الله بن معاذ روى عنه البخاري في الاعتصام، وقال أبو أحمد بن عدي حماد بن حميد لا يعرف عن عبيد الله بن معاذ، وقال ابن أبي حاتم: حماد بن حميد العسقلاني روى عن ضمرة وبشر بن بكر بن سويد وروّاد سمع منه أي ببيت المقدس في رحلته الثانية، وروى عنه. وسئل أي عنه فقال: شيخ. قال محمد بن إسماعيل روى عنه البخاري في الجامع في باب من رأى ترك النكير من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حجة. قال محمد بن إسماعيل: لم يجر لحماد ذكر في النسخة عن النسفيّ إنما عنده. وقال عبيد الله بن معاذ وليس قبله حماد بن حميد اهـ. وقال الحافظ ابن حجر وقد زعم أبو الوليد الباجي في رجال البخاري أنه هو الذي روى عنه البخاري هنا وهو بعيد قال: (حدّثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن معاذ) قال: (حدّثنا أبي) معاذ بن حسان بن نصر بن حسان العنبري البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد بن إبراهيم) بسكون العين ابن عبد الرحمن بن عوف (عن محمد بن المنكدر) أنه (قال: رأيت جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنه- (يحلف) أي شاهدته حين حلف (بالله أن ابن الصائد) بألف بعد الصاد بوزن الظالم ولأبي ذر ابن الصياد واسمه صاف (الدجال) قال ابن المنكدر (قلت) له: (تحلف بالله قال) جابر: (إني سمعت عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (يحلف) أي بالله (على ذلك عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم ينكره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). استشكل هذا مع ما سبق في الجنائز من أن عمر -رضي الله عنه- قال للنبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعني أضرب عنقه فقال: إن يكن هو فلن تسلط عليه إذ هو صريح في أنه تردد في أمره، وحينئذٍ فلا يدل سكوته على إنكاره عند حلف عمر على أنه هو وقد تقرر أن شرط العمل بالتقرير أن لا يعارضه التصريح بخلافه فمن قال أو فعل بحضرته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا فأقره دلّ ذلك على الجواز، فلو قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو فعل خلاف ذلك دل على نسخ ذلك التقرير إلا دليل الخصوصية، وعند أبي داود بسند صحيح عن موسى بن عقبة عن نافع قال كان ابن عمر يقول والله ما أشك أن المسيح الدجال هو ابن صياد. وأجاب ابن بطال عن التردّد: بأنه كان قبل أن يعلمه الله بأنه هو الدجال فلما أعلمه لم ينكر على عمر حلفه، وبأن العرب قد تخرج الكلام مخرج الشك وإن لم يكن في الخبر شك فيكون ذلك

24 - باب الأحكام التى تعرف بالدلائل وكيف معنى الدلالة وتفسيرها؟

من تلطفه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر في صرفه عن قتله. وقال ابن دقيق العيد في أوائل شرح الإلمام: إذا أخبر شخص بحضرة النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن أمر ليس فيه حكم شرعي فهل يكون سكوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دليلاً على مطابقة ما في الواقع كما وقع لعمر في حلفه على أن ابن صياد هو الدجال فلم ينكر عليه، فهل يدل عدم إنكاره على أن ابن صياد هو الدجال كما فهمه جابر حتى صار يحلف عليه ويستند إلى حلف عمر أو لا يدل؟ فيه نظر. قال: والأقرب عندي أنه لا يدل لأن مأخذ المسألة ومناطها هو العصمة من التقرير على الباطل وذلك يتوقف على تحقق البطلان، ولا يكفي فيه عدم تحقق الصحة إلا أن يدعي مدّعٍ أنه يكفي في وجوب البيان عدم تحقق الصحة فيحتاج إلى دليل وهو عاجر عنه. نعم التقرير يسوّغ الحلف على ذلك على غلبة الظن لعدم توقف ذلك على العلم اهـ. قال في الفتح: ولا يلزم من عدم تحقق البطلان أن يكون السكوت مستوي الطرفين، بل يجوز أن يكون المحلوف عليه من قسم خلاف الأولى. وقال في المصابيح: وقد يقال هذا محمول على أنه لم ينكره إنكار من نفى كونه الدجال بدليل أنه أيضًا لم يسكت على ذلك بل أشار إلى أنه متردّد، ففي الصحيحين أنه قال لعمر: إن يكن هو فلن تسلط عليه فتردّد في أمره فلما حلف عمر على ذلك صار حالفًا على غلبة ظنه والبيان قد تقدم من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم هذا سكوت عن حلف على أمر غيب لا على حكم شرعي ولعل مسألة السكوت والتقرير مختصة بالأحكام الشرعية لا الأمور الغيبية اهـ. وقال البيهقي: ليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على حلف عمر، فيحتمل أن يكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان متوقفًا في أمره ثم جاءه التثبت من الله بأنه غيره على ما تقتضيه قصة تميم الداري وبه تمسك من جزم بأن الدجال غير ابن صياد وتكون الصفة التي في ابن صياد وافقت ما في الدجال، والحاصل أنه إن وقع الشك في أنه الدجال الذي يقتله عيسى ابن مريم عليهما السلام فلم يقع الشك في أنه أحد الدجالين الكذابين الذين أنذر بهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قوله: إن بين يدي الساعة دجالين كذابين، وقصة تميم الداري أخرجها مسلم من حديث فاطمة بنت قيس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطب فذكر أن تميمًا الداري ركب في سفينة مع ثلاثين رجلاً من قومه فلعب بهم الموج شهرًا ثم نزلوا في جزيرة فلقيتهم دابة كثيرة الشعر فقالت لهم: أنا الجساسة ودلتهم على رجل في الدير قال: فانطلقنا سراعًا فدخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقًا وأشد وثاقًا مجموعة يداه إلى عنقه بالحديد فقلنا: ويلك من أنت فذكر الحديث وفيه أنه سألهم عن نبي الأميين هل بعث وأنه قال إن يطيعوه فهو خير لهم وأنه سألهم عن بحيرة طبرية وأنه قال لهم إني مخبركم عني أنا المسيح وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، ففيه كما قال البيهقي أن الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان غير ابن صياد، وعند مسلم من طريق داود بن أبي هند عن أبي بصرة عن أبي سعيد قال: صحبني ابن صياد إلى مكة فقال لي: ما قد لقيت من الناس يزعمون أني الدجال ألست سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "إنه لا يولد له"؟! قلت: بلى. قال: فإنه قد ولد لي. قال: أوَلست سمعته يقول: "لا يدخل المدينة ولا مكة"؟! قلت: بلى. قال: قد ولدت بالمدينة وها أنا أريد مكة. وقال الخطابي اختلف السلف في أمر ابن صياد بعد كبره فروي عنه أنه تاب عن ذلك القول ومات بالمدينة وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس، وقيل لهم اشهدوا لكن يعكر على هذا ما عند أبي داود بسند صحيح عن جابر قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرّة وبسند حسن قيل إنه مات. وفي الحديث جواز الحلف بما يغلب على الظن. والحديث أخرجه مسلم في الفتن وأبو داود في الملاحم. 24 - باب الأَحْكَامِ الَّتِى تُعْرَفُ بِالدَّلاَئِلِ وَكَيْفَ مَعْنَى الدِّلاَلَةِ وَتَفْسِيرِهَا؟ وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْرَ الْخَيْلِ وَغَيْرِهَا ثُمَّ سُئِلَ عَنِ الْحُمُرِ فَدَلَّهُمْ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7] وَسُئِلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الضَّبِّ فَقَالَ: «لاَ آكُلُهُ وَلاَ أُحَرِّمُهُ». وَأُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الضَّبُّ فَاسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ. (باب) بيان (الأحكام التي تعرف بالدلائل) ولأبي ذر عن الكشميهني بالدليل بالإفراد والدليل ما يرشد إلى المطلوب ويلزم من العلم به العلم بوجود المدلول

والمراد بالأدلة الكتاب والسُّنَّة والإجماع والقياس والاستدلال. وقال إمام الحرمين والغزالي. ثلاثة فقط فأسقطا القياس والاستدلال فالإمام بناه على أن الأدلة لا تتناول إلا القطعي والغزالي خص الأدلة بالثمرة للأحكام فلهذا كانت ثلاثة وجعل القياس من طرق الاستثمار فإنه دلالة من حيث معقول اللفظ كلما أن العموم والخصوص دلالة من حيث صيغته (وكيف معنى الدلالة) بتثليث الدال وهي في عرف الشرع الإرشاد إلى أن حكم الشيء الخاص الذي لم يرد فيه نص داخل تحت حكم دليل آخر بطريق العموم (وتفسيرها) أي تبيينها وهو تعليم المأمور كيفية ما أمر به كتعليم عائشة -رضي الله عنها- للمرأة السائلة التوضؤ بالفرصة. (وقد أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في أول أحاديث هذا الباب (أمر الخيل وغيرها، ثم سئل عن الحمر) بضمتين (فدلهم على قوله تعالى: ({فمن}) بالفاء ولأبي ذر من ({يعمل مثقال ذرة خيرًا يره} [الزلزلة: 7]) إذ فيه إشارة إلى أن حكم الحمر وغيرها مندرج في العموم المستفاد منه (وسئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كما في ثالث أحاديث هذا الباب (عن الضب) أيحل أكله (فقال: لا آكله ولا أحرمه. وأُكل على مائدة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الضب فاستدل ابن عباس بأنه ليس بحرام) لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يقرّ على باطل. 7356 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الَّذِى لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَطَالَ فِى مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ فَمَا أَصَابَتْ فِى طِيَلِهَا ذَلِكَ الْمَرْجِ وَالرَّوْضَةِ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٍ وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِىَ بِهِ كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ وَهِىَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَجْرٌ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِى رِقَابِهَا وَلاَ ظُهُورِهَا فَهْىَ لَهُ سِتْرٌ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً فَهِىَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ». وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْحُمُرِ قَالَ: «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىَّ فِيهَا إِلاَّ هَذِهِ الآيَةَ الْفَاذَّةَ الْجَامِعَةَ {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) الفقيه العدوي مولى عمر المدني (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر) بكسر الواو وسكون الزاي إثم (فأما الرجل الذي) هي (له أجر فرجل ربطها) للجهاد (في سبيل الله فأطال) في الحبل الذي ربطها به حتى تسرح للرعي ولأبي ذر عن الكشميهني فأطال لها (في مرج) بفتح الميم وبعد الراء الساكنة جيم موضع كلأ (أو روضة) بالشك من الراوي (فما أصابت) أي ما أكلت وشربت ومشت (في طيلها) بكسر الطاء المهملة وفتح التحتية في حبلها المربوطة به (ذلك المرج) ولأبي ذر والأصيلي من المرج (والروضة) ولأبي ذر أو الروضة (كان له) أي لصاحبها (حسنات) يوم القيامة (ولو أنها قطعت طيلها) حبلها المذكور (فاستنت) بفتح الفوقية والنون المشددة عدت بمرج ونشاط (شرفًا أو شرفين) بفتح الشين المعجمة والراء فيهما شوطًا أو شوطين (كانت آثارها) بمد الهمزة وبالمثلثة في الأرض بحوافرها عند خطواتها (وأرواثها حسنات له) يوم القيامة (ولو أنها مرت بنهر) بفتح الهاء وتسكن (فشربت منه) بغير قصد صاحبها (ولم يرد أن يسقي به) أي يسقيه والباء زائدة وللأصيلي أن تسقى بضم الفوقية وفتح القاف (كان ذلك) أي ذلك الشرب وإرادته (حسنات له وهي لذلك الرجل أجر ورجل ربطها تغنّيًا) بفتح الفوقية والمعجمة وكسر النون المشدّدة أي يستغني بها عن الناس والنصب على التعليل (وتعففًا) يتعفف بها عن الافتقار إليهم بما يعمل عليها ويكسبه على ظهرها (ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها) سقط لفظ لا لأبي ذر واستدلّ به الحنفية في إيجاب الزكاة في الخيل وقال غيرهم أي يؤدي زكاة تجارتها وظهورها بأن يركب عليها في سبيل الله (فهي له ستر) تقيه من الفاقة (ورجل ربطها فخرًا) لأجل الفخر (ورياء) أي إظهارًا للطاعة والباطن بخلافه (فهي على ذلك وزر) إثم. (وسئل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الحمر) هل لها حكم الخيل؟ ويحتمل أن يكون السائل صعصعة بن معاوية عم الفرزدق لحديث النسائي في التفسير وصححه الحاكم عنه بلفظ قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسمعته يقول: {من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره} [الزلزلة: 7] إلى آخر السورة. قال: ما أبالي أن لا أستمع غيرها حسبي حسبي (قال: ما أنزل الله عليّ فيها إلا هذه الآية الفاذة) بالفاء وبعد الألف ذال معجمة مشدّدة القليلة المثل المنفردة في معناها (الجامعة) لكل خير وشر ({فمن}) بالفاء ولأبي ذر من ({يعمل مثقال ذرة خيرًا يره * ومن يعمل

مثقال ذرة شرًّا يره} [الزلزلة: 7 - 8]). قال ابن مسعود: هذه أحكم آية في القرآن وأصدق، واتفق العلماء على عموم هذه الآية القائلون بالعموم ومن لم يقل به. وقال كعب الأحبار: لقد أنزل الله تعالى إلى محمد آيتين أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره}. والحديث سبق في الجهاد وعلامات النبوة والتفسير. 7357 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن جعفر البيكندي كما جزم به الكلاباذي والبيهقي أو هو ابن موسى البلخي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان بن أبي عمران ميمون الهلالي أبو محمد الكوفي ثم المكلي الحافظ الفقيه الحجة (عن منصور ابن صفية) اسم أبيه عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن عبد الدار العبدري الحجبي المكي ثقة أخطأ ابن حزم في تضعيفه (عن أمه) صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية لها رؤية وحديث عن عائشة وغيرها من الصحابة وفي البخاري التصريح بسماعها من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنكر الدارقطني إدراكها (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن امرأة) اسمها أسماء بنت شكل بفتح المعجمة والكاف بعدها لام (سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال المؤلّف. 0000 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّمَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ شَيْبَةَ، حَدَّثَتْنِى أُمِّى عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْحَيْضِ كَيْفَ تَغْتَسِلُ مِنْهُ؟ قَالَ: «تَأْخُذِينَ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِينَ بِهَا». قَالَتْ: كَيْفَ أَتَوَضَّأُ بِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَوَضَّئِى». قَالَتْ: كَيْفَ أَتَوَضَّأُ بِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَوَضَّئِينَ بِهَا». قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَرَفْتُ الَّذِى يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَذَبْتُهَا إِلَىَّ فَعَلَّمْتُهَا. (حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثنا (محمد هو ابن عقبة) بضم العين وسكون القاف الشيباني الكوفي يكنى أبا عبد الله فيما جزم به الكلاباذي وهو من قدماء شيوخ البخاري ولفظ الحديث له، وسقط لأبي ذر هو فقط قال: (حدّثنا الفضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة (ابن سليمان) بضم السين وفتح اللام (النميري) بضم النون وفتح الميم أبو سليمان البصري قال: (حدّثنا منصور بن عبد الرحمن بن شيبة) قال الحافظ ابن حجر: وقع هنا منصور بن عبد الرحمن بن شيبة وشيبة إنما هو جد منصور لأمه لأن أمه صفية بنت شيبة بن عثمان بن طلحة الحجبي وعلى هذا فيكتب ابن شيبة بالألف وبالرفع كإعراب منصور لأنه صفته لا إعراب عبد الرحمن فهو نسبة إلى أبي أمه والذي في اليونينية بكسر النون فقط صفة لسابقه قال: (حدّثتني) بالإفراد (أمي) صفية بنت شيبة (عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة) هي أسماء كما مرّ قريبًا (سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي الوقت رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الحيض كيف نغتسل منه)؟ بنون مفتوحة وكسر السين ولأبي ذر يغتسل بتحتية مضمومة بدل النون وفتح السين وفي نسخة بالمثناة الفوقية المفتوحة (قال): (تأخذين) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي تأخذي بحذف النون والأول هو الصواب (فرصة) بتثليث الفاء وسكون الراء وبالصاد المهملة قطعة من قطن (ممسكة) مطيبة بالمسك (فتوضئين بها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فتوضئي بها بحذف النون أي وضوًا لغويًّا أي تنظفي بها (قالت: كيف أتوضأ بها يا رسول الله؟ قال) ولأبي ذر فقال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: توضئين) ليس هنا بها (قالت: كيف أتوضأ بها يا رسول الله؟ قال): ولأبي ذر فقال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: توضئين) وللكشميهني توضئي بها (بها. قالت عائشة) -رضي الله عنها- (فعرفت الذي يريد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بقوله توضئي بها (فجذبتها) بالذال المعجمة (إليّ) بتشديد الياء (فعلمتها). ومطابقة الحديث للترجمة في قوله توضئي بها فإنه وقع بيانه للسائلة بها فهمته عائشة -رضي الله عنها- وأقرها-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك لأن السائلة لم تكن تعرف أن تتبع الدم بالفرصة يسمى توضؤًا فلما فهمت عائشة غرضه بيّنت للسائلة ما خفي عليها من ذلك فالمجمل يوقف على بيانه من القرائن وتختلف الأفهام في إدراكه. وسبق هذا الحديث في الطهارة بلفظ سفيان بن عيينة. 7358 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أُمَّ حُفَيْدٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمْنًا وَأَقِطًا وَأَضُبًّا، فَدَعَا بِهِنَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُكِلْنَ عَلَى مَائِدَتِهِ فَتَرَكَهُنَّ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَالْمُتَقَذِّرِ لَهُ، وَلَوْ كُنَّ حَرَامًا مَا أُكِلْنَ عَلَى مَائِدَتِهِ وَلاَ أَمَرَ بِأَكْلِهِنَّ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم أحد الأعلام (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن أم حفيد) بضم الحاء المهملة وفتح الفاء وبعد التحتية الساكنة دال مهملة هزيلة بضم الهاء وفتح الزاي

مصغر هزلة (بنت الحارث بن حزن) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي بعدها نون الهلالية أخت ميمونة أم المؤمنين وخالة ابن عباس (أهدت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سمنًا وإقطًا) لبنًا مجمدًا (وأَضُبًّا) بهمزة مفتوحة فصاد معجمة مضمومة جمع ضب وللكشميهني وضبًّا بفتح الضاد بلفظ الإفراد (فدعا بهن) أو به (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأكلن) أو فأكل (على مائدته فتركهن) أو تركه (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كالمتقذر له) بالقاف والذال المعجمة المشددة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لهن (ولو كن) أي الأضب (حرامًا ما أكلن) ولأبي ذر عن الكشميهني ولو كان أي الضب حرامًا ما أكل (على مائدته ولا أمر بأكلهن) أو بأكله. ومطابقته ظاهرة. 7359 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى عَطَاءُ بْنُ أَبِى رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً، فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا وَلْيَقْعُدْ فِى بَيْتِهِ». وَإِنَّهُ أُتِىَ بِبَدْرٍ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَعْنِى طَبَقًا فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا فَسَأَلَ عَنْهَا، فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُولِ فَقَالَ: قَرِّبُوهَا فَقَرَّبُوهَا إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ، فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا قَالَ: «كُلْ فَإِنِّى أُنَاجِى مَنْ لاَ تُنَاجِى». وَقَالَ ابْنُ عُفَيْرٍ: عَنِ ابْنِ وَهْبٍ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّيْثُ وَأَبُو صَفْوَانَ، عَنْ يُونُسَ قِصَّةَ الْقِدْرِ، فَلاَ أَدْرِى هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِىِّ أَوْ فِى الْحَدِيثِ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر بن الطبراني المصري الحافظ قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن سلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة المخففة (من جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (مَن أكل ثومًا) بضم المثلثة (أو بصلاً فليعتزلنا) جواب الشرط أي فليعتزل الحضور عندنا والصلاة معنا (أو ليعتزل مسجدنا) عامّ في جميع المساجد ويؤيده الرواية الأخرى مساجدنا بلفظ الجمع فيكون لفظ الإفراد للجنس أو هو خاص بمسجده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكونه مهبط الملك بالوحي (وليقعد) ولأبي ذر عن الكشميهني: أو ليقعد (في بيته) فلا يحضر المساجد والجماعات وليصل في بيته فإن ذلك عذر له عن التخلف (وإنه) بكسر الهمزة (أتي) بضم الهمزة عليه الصلاة والسلام (ببدر) بفتح الموحدة وسكون الدال المهملة بعدها راء (قال ابن وهب) عبد الله (يعني طبقًا فيه) بقول (خضرات) بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين وسمي الطبق بدرًا لاستدارته كاستدارة القمر وللأصيلي خضرات بضم الخاء وفتح الضاد وهو مبتدأ مسوّغهُ تقدم الخبر في المجرور والجملة في محل الصفة لبدر، وهو مسوّغ ثانٍ والخضرات جمع خضرة العشب الناعم (من يقول فوجد) بفتحات أصاب (لها ريحًا) كريهة كالبصل والثوم والفجل (فسأل عنها) بفتح السين والفاء سببية أي بسبب ما وجد من الريح سأل وفاعل سأل ضمير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأخبر) بضم الهمزة وكسر الموحدة مبنيًّا للمجهول والمفعول الذي لم يسم فاعله ضمير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو هنا يتعدى إلى الثالث بحرف الجر وهو قوله (بما فيها من البقول) وما موصول والعائد ضمير الاستقرار وضمير فيها يعود على الخضرات أي أخبر بما اختلط فيها وتكون في مجازًا في الظرف (فقال) عليه الصلاة والسلام (قربوها) أي إلى فلان ففيه حذف (فقربوها إلى بعض أصحابه كان معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا منقول بالمعنى لأن لفظه عليه الصلاة والسلام قربوها لأبي أيوب فكان الراوي لم يحفظه فكنى عنه وعلى تقدير أن لا يكون عينه ففيه التفات لأن الأصل أن يقول إلى بعض أصحابي وقوله كان معه من كلام الراوي (فلما رآه كره أكلها) بفتح الهمزة وفاعل رآه يعود على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وضمير المفعول على الذي قرّب إليه وضمير كره يعود على الرجل وجملة كله في محل الحال من مفعول رأى لأن الرؤية بصرية وجواب لما قوله (قال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للرجل (كل فإني أناجي من لا تناجي) من الملائكة. (وقال) وسقط الواو لأبي ذر (ابن عفير) بضم العين المهملة وفتح الفاء وهو سعيد بن كثير بن عفير شيخ المؤلّف (عن ابن وهب) عبد الله (بقدر) بكسر القاف وسكون الدال المهملة (فيه خضرات) بفتح الخاء وكسر الضاد وللأصيلي خضرات بضم ثم فتح بدل من ببدر (ولم يذكر الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الذهلي في الزهريات (وأبو صفوان) عبد الله بن سعيد الأموي فيما وصله في الأطعمة في روايتهما (عن يونس) بن يزيد الأيلي (قصة القدر فلا أدري هو من قول الزهري) محمد بن مسلم

25 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا تسألوا أهل الكتاب، عن شىء»

مدرجًا (أو) هو مروي (في الحديث) وقد بالغ بعضهم فقال: إن لفظة القدر بالقاف تصحيف وسبب ذلك استشكال القدر فإنه يُشعِر بأنه مطبوخ وقد ورد الإذن بأكلها مطبوخة، ويمكن الجواب بأن ما في القدر قديمات بالطبخ حتى تذهب رائحته الكريهة أصلاً، وقد لا ينتهي به إلى ذلك فتحمل هذه الرواية الصحيحة على الحالة الثانية بل يجوز أن يكون قد جعل في القدر على نية أن يطبخ ثم اتفق أن أُتي به قبل الطبخ لكن أمره بالتقريب لبعض أصحابه ببعد هذا الاحتمال ولكن مع هذه الاحتمالات لا يبقى إشكال يُفضي إلى جعله مصحفًا أو ضعيفًا. والحديث سبق في الصلاة في باب ما جاء في أكل الثوم النّيء. 7360 - حَدَّثَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِى وَعَمِّى قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ أَبِيهِ أَخْبَرَنِى مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّ أَبَاهُ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَلَّمَتْهُ فِى شَىْءٍ، فَأَمَرَهَا بِأَمْرٍ فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ أَجِدْكَ قَالَ: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِى فَأْتِى أَبَا بَكْرٍ». زَادَ الْحُمَيْدِىُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ كَأَنَّهَا تَعْنِى الْمَوْتَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن سعد بن إبراهيم) بن سعد بسكون العين فيهما ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو الفضل البغدادي قاضي أصبهان قال: (حدّثنا أبي) سعد (وعمي) يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (قالا) أي قال كلٌّ منهما (حدّثنا أبي) إبراهيم (عن أبيه) سعد قال (أخبرني) بالإفراد (محمد بن جبير أن أباه جبير بن مطعم) القرشي النوفلي (أخبره أن امرأة من الأنصار) أي تسمّ وسقط من اليونينية والملكية لفظ من الأنصار (أتت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكلمته في شيء) يعطيها (فأمرها بأمر) وفي مناقب أبي بكر فأمرها أن ترجع إليه (فقالت: أرأيت) أي أخبرني (يا رسول الله إن لم أجدك. قال) عليه الصلاة والسلام: (إن لم تجديني فائتي أبا بكر) الصديق -رضي الله عنه- (زاد الحميدي) عبد الله بن الزبير على الحديث السابق ولأبى ذر زاد لنا الحميدي (عن إبراهيم بن سعد) المذكور بالسند المذكور (كأنها تعني) بقولها إن لم أجدك (الموت) أي إن جئت فوجدتك قد من ماذا أفعل؟ قال في الكواكب: ومناسبة هذا الحديث للترجمة أنه يستدل به على خلافة أبي بكر لكن بطريق الإشارة لا التصريح. والحديث سبق في مناقب أبي بكر. بسم الله الرحمن الرحيم 25 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ، عَنْ شَىْءٍ» (بسم الله الرحمن الرحيم). سقطت البسملة لأبي ذر. (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تسألوا أهل الكتاب) اليهود والنصارى (عن شيء) مما يتعلق بالشرائع لأن شرعنا غير محتاج لشيء فإذا لم يوجد فيه نص ففي النظر والاستدلال غنى عن سؤالهم. نعم لا يدخل في النهي سؤالهم عن الأخبار المصدقة لشرعنا والأخبار عن الأمم السالفة وكذا سؤال من آمن منهم. 7361 - وَقَالَ أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يُحَدِّثُ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ بِالْمَدِينَةِ، وَذَكَرَ كَعْبَ الأَحْبَارِ فَقَالَ: إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَقِ هَؤُلاَءِ الْمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ يُحَدِّثُونَ، عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الْكَذِبَ. (وقال أبو اليمان) شيخ المؤلّف الحكم بن نافع ولم يقل حدّثنا أبو اليمان إما لكونه أخذه عنه مذاكرة أو لكونه أثرًا موقوفًا. نعم أخرجه الإسماعيلي عن عبد الله بن العباس الطيالسي عن البخاري قال: حدّثنا أبو اليمان ومن هذا الوجه أخرجه أبو نعيم. قال في الفتح: فظهر أنه مسموع له وترجح الاحتمال الثاني وكذا هو في التاريخ الصغير للمؤلّف قال: حدّثنا أبو اليمان قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (حميد بن عبد الرحمن) بضم الحاء مصغرًا ابن عوف أنه (سمع معاوية) بن أبي سفيان (يحدّث رهطًا من قريش بالمدينة) لما حج في خلافته وقال ابن حجر: لم أقف على تعيين الرهط. (وذكر كعب الأحبار) بن ماتع بالفوقية بعدها عين مهملة ابن عمرو بن قيس من آل ذي رعين وقيل ذي الكلاع الحميري وكان يهوديًّا عالمًا بكتبهم أسلم في عهد عمر أو أبي بكر أو في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتأخرت هجرته والأول أشهر (فقال) أبي معاوية (إن كان) كعب (من أصدق هؤلاء المحدّثين الذين يحدّثون عن أهل الكتاب) ممن هو نظير كعب ممن كان من أهل الكتاب وأسلم (وإن كنّا مع ذلك لنبلو) بالنون لنختبر (عليه الكذب) الضمير المخفوض بعلى يعود على كعب الأحبار يعني أنه يخطئ فيما يقوله في بعض الأحيان ولم يرد أنه كان كذابًا كذا ذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وقيل إن الهاء في عليه راجعة إلى الكتاب من قوله: إن كان من أصدق هؤلاء

26 - باب كراهية الخلاف

المحدّثين الذين يحدّثون عن أهل الكتاب، وذلك لأن كتبهم قد بدلت وحرّفت وليس عائدًا على كعب. قال القاضي عياض: وعندي أنه يصح عوده على كعب أو على حديثه وإن لم يقصد الكذب أو يتعمده كعب إذ لا يشترط في الكذب عند أهل السُّنّة التعمد بل هو إخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه وليس في هذا تجريح لكعب بالكذب، وقال ابن الجوزي: يعني أن الكذب فيما يخبر به عن أهل الكتاب لا منه فالأخبار التي يحكيها عن القوم يكون في بعضها كذب فأما كعب الأحبار فهو من خيار الأحبار، وأخرج ابن سعد من طريق عبد الرحمن بن جبير بن نفير قال: قال معاوية إلا أن كعب الأحبار أحد العلماء إن كان عنده لعلم كالثمار وإن كنا فيه لمفرّطين. 7362 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ}» الآيَةَ [العنكبوت: 46]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر بالجمع (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة ابن عثمان أبو بكر العبدي مولاهم الحافظ بندار قال: (حدّثنا عثمان بن عمر) بضم العين ابن فارس العبدي البصري أصله من بخارى قال: (أخبرنا علي بن المبارك) الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون ممدودًا (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الطائي مولاهم (عن ابن سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: كان أهل الكتاب) اليهود (يقرؤون التوراة بالعبرانية) بكسر العين المهملة وسكون الموحدة (ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم) إذا كان ما يخبرونكم به محتملاً لئلا يكون في نفس الأمر صدقًا فتكذبوه أو كذبًا فتصدقوه فتقعوا في الحرج (وقولوا) أيها المؤمنون: ({آمنا بالله وما أنزل إلينا}) القرآن ({وما أنزل إليكم} [العنكبوت: 46] الآية). والحديث سبق في باب قوله قولوا آمنا من تفسير البقرة سندًا ومتنًا. 7363 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَىْءٍ وَكِتَابُكُمُ الَّذِى أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْدَثُ تَقْرَؤُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَغَيَّرُوهُ، وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمُ الْكِتَابَ وَقَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أَلاَ يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ، لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلاً يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِى أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم الزهري قال: (أخبرنا ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) ابن عتبة بن مسعود وثبت قوله ابن عبد الله لأبي ذر وسقط لغيره (أن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كيف تسألون أهل الكتاب) من اليهود والنصارى والاستفهام إنكاري (عن شيء) من الشرائع (وكتابكم) القرآن (الذي أنزل على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحدث) أقرب نزولاً إليكم من عند الله فالحدوث بالنسبة إلى المنزل إليهم وهو في نفسه قديم (تقرؤونه محضًا) خالص (لم يشب) بضم أوله وفتح المعجمة لم يخلط فلا يتطرق إليه تحريف ولا تبديل بخلاف التوراة والإنجيل (وقد حدّثكم) سبحانه وتعالى في كتابه (أن أهل الكتاب) من اليهود وغيرهم (بدّلوا كتاب الله) التوراة (وغيّروه وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلاً إلا) بالتخفيف (ينهاكم ما جاءكم من العلم) بالكتاب والسُّنّة (عن مسألتهم) بفتح الميم وسكون السين ولأبي ذر عن الكشميهني مساءلتهم بضم الميم وفتح السين بعدها ألف. (لا والله ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذي أنزل عليكم) فأنتم بالطريق الأولى أن لا تسألوهم. والحديث سبق في الشهادات. 26 - باب كَرَاهِيَةِ الْخِلاَفِ (باب كراهية الخلاف) في الأحكام الشرعية أو أعمّ من ذلك ولأبي ذر الاختلاف، وهذا الباب عند أبي ذر بعد باب نهي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن التحريم وقبل هذا الباب المذكور باب قول الله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم} [الشورى: 38] وقال في الفتح: وسقطت هذه الترجمة لابن بطال فصار حديثها من جملة باب النهي على التحريم. 7364 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، عَنْ سَلاَّمِ بْنِ أَبِى مُطِيعٍ، عَنْ أَبِى عِمْرَانَ الْجَوْنِىِّ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ»، قَالَ أَبُو عَبْدِ الله: سَمِعَ عَبْدُ الرَّحمَنِ سَلامًا. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن راهويه كما جزم به الكلاباذي قال: (أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي) بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الدال المهملة (عن سلام بن أبي مطيع) بتشديد اللام الخزاعي (عن أبي عمران) عبد الملك بنَ حبيب (الجوني) بفتح الجيم وسكون الواو بعدها نون فتحتية نسبة لأحد أجداده الجون بن عوف (عن جندب بن عبد الله البجلي) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (اقرؤوا القرآن ما ائتلفت) ما اجتمعت (قلوبكم)

27 - باب نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- على التحريم إلا ما تعرف إباحته

عليه (فإذا اختلفتم) في فهم معانيه (فقوموا عنه) لئلا يتمادى بكم الخلاف إلى الشر. وسبق الحديث في فضائل القرآن وأخرجه مسلم في النذور والنسائي في فضائل القرآن. (قال أبو عبد الله) البخاري (سمع عبد الرحمن) بن مهدي (سلامًا) أي ابن مطيع وأشار بهذا إلى ما سبق في آخر فضائل القرآن وهذا ثبت في رواية المستملي. 7365 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِىُّ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ». وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله: قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هَارُونَ الأَعْوَرِ حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ، عَنْ جُنْدَبٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن راهويه قال: (أخبرنا عبد الصمد) بن عبد الوارث قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى البصري قال: (حدّثنا أبو عمران) عبد الملك (الجوني عن جندب بن عبد الله) سقط لأبي ذر ابن عبد الله (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه) أي اقرؤوا والزموا الائتلاف على ما دل عليه وقاد إليه، فإذا وقع الاختلاف بأن عرض عارض شبهة يقتضي المنازعة الداعية إلى الافتراق فاتركوا القراءة وتمسكوا بالمحكم للإلفة وأعرضوا عن المتشابه المؤدي إلى الفرقة قاله في الفتح فيما سبق مع غيره في آخر فضائل القرآن وأوردته هنا لبعد العهد به. (قال أبو عبد الله) البخاري كذا ثبت في رواية أبي ذر وهو ساقط لغيره (وقال يزيد بن هارون) بن زاذان أبو خالد الواسطي (عن هارون) بن موسى الأزدي العتكي مولاهم البصري النحوي (الأعور) قال: (حدّثنا أبو عمران) الجوني (عن جندب) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا التعليق وصله الدارمي. 7366 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حُضِرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: وَفِى الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - قَالَ: «هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ». قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ فَحَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كِتَابًا، لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَا قَالَ عُمَرُ فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ وَالاِخْتِلاَفَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قُومُوا عَنِّى». قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنِ اخْتِلاَفِهِمْ وَلَغَطِهِمْ. وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف (عن معمر) بسكون العين ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: لما حضر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الحاء المهملة وكسر الضاد المعجمة أي حضره الموت (قال: وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (قال) عليه الصلاة والسلام: (هلم) أي تعالوا (أكتب لكم) بالجزم جواب الأمر (كتابًا لن تضلوا بعده) زاد أبو ذر عن الحموي أبدًا (قال عمر) -رضي الله عنه-: (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غلبه الوجع و) الحال (عندكم القرآن فحسبنا) كافينا (كتاب الله) فلا نكلفه عليه الصلاة والسلام ما يشق عليه في هذه الحالة من إملاء الكتاب (واختلف أهل البيت واختصموا) بسبب ذلك (فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله كتابًا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول ما قال عمر) أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله (فلما أكثروا اللغط) بالغين المعجمة الصوت بذلك (والاختلاف عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) لهم: (قوموا عني) زاد في العلم ولا ينبغي عندي التنازع (قال عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عتبة (فكان ابن عباس) -رضي الله عنهما- (يقول إن الرزية كل الرزية) أي أن المصيبة كل المصيبة (ما حال) أي الذي حجز (بين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم) بيان لقوله ما حال، وقد كان عمر -رضي الله عنه- أفقه من ابن عباس لاكتفائه بالقرآن وفي تركه عليه الصلاة والسلام الإنكار على عمر -رضي الله عنه- دليل على استصوابه. والحديث سبق في باب كتابة العلم من كتاب العلم وفي المغازي، وأخرجه مسلم في باب الوصايا والنسائي في العلم. 27 - باب نَهْىِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى التَّحْرِيمِ إِلاَّ مَا تُعْرَفُ إِبَاحَتُهُ وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ نَحْوَ قَوْلِهِ حِينَ أَحَلُّوا أَصِيبُوا مِنَ النِّسَاءِ وَقَالَ جَابِرٌ: وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ، وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَازَةِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا. (باب نهي) بسكون الهاء وإضافة باب (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الصادر منه محمول (على التحريم) وهو حقيقة فيه وفي نسخة باب بالتنوين نهي النبي بفتح الهاء ورفع النبي على الفاعلية وفي الفرع كأصله عن الترحيم بالنون بدل على والذي شرحه العيني كالحافظ ابن حجر على على باللام (إلا ما نعرف إباحته) بدلالة السياق عليه أو قرينة الحال أو إقامة الدليل (وكذلك أمره) عليه الصلاة والسلام تحرم مخالفته لوجوب امتثاله ما لم يقم دليل على إرادة

الندب أو غيره (نحو قوله) عليه الصلاة والسلام (حين أحلوا) في حجة الوداع لما أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة وتحللوا من العمرة (أصيبوا من النساء) أي جامعوهن (وقال جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنه- وسقطت الواو لأبي ذر (ولم يعزم) أي لم يوجب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عليهم) أن يجامعوهن (ولكن أحلهن لهم) فالأمر فيه للإباحة وهذا وصله الإسماعيلي (وقالت أم عطية) نسيبة (نهينا) بضم النون أي نهانا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا) بضم التحتية وفتح الزاي أي ولم يوجب علينا-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وهذا سبق موصولاً في الجنائز. 7367 - حَدَّثَنَا الْمَكِّىُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ البُرْسانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى عَطَاءٌ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِى أُنَاسٍ مَعَهُ، قَالَ: أَهْلَلْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الْحَجِّ خَالِصًا لَيْسَ مَعَهُ عُمْرَةٌ، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: فَقَدِمَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صُبْحَ رَابِعَةٍ مَضَتْ مِنْ ذِى الْحِجَّةِ فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ نَحِلَّ وَقَالَ: «أَحِلُّوا وَأَصِيبُوا مِنَ النِّسَاءِ». قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ: وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ أَحَلَّهُنَّ لَهُمْ فَبَلَغَهُ أَنَّا نَقُولُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَرَفَةَ إِلاَّ خَمْسٌ، أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ إِلَى نِسَائِنَا فَنَأْتِى عَرَفَةَ تَقْطُرُ مَذَاكِيرُنَا الْمَذْىَ قَالَ: وَيَقُولُ جَابِرٌ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَحَرَّكَهَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّى أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَصْدَقُكُمْ وَأَبَرُّكُمْ، وَلَوْلاَ هَدْيِى لَحَلَلْتُ كَمَا تَحِلُّونَ، فَحِلُّوا فَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ». فَحَلَلْنَا وَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) الحنظلي البلخي الحافظ (عن ابن جريج) عبد الملك (قال عطاء) هو ابن أبي رباح (قال جابر) هو ابن عبد الله. (قال أبو عبد الله) المؤلّف (وقال محمد بن بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف (البرساني) بضم الموحدة وسكون الراء وبالسين المهملة وبعد الألف نون مكسورة نسبة إلى برسان بطن من الأزد وثبت البرساني لأبي ذر وسقطت لغيره (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك ولأبي ذر عن ابن جريج أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح قال (سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- (في أناس معه) كان القياس أن يقول معي لكنه التفات (قال: أهللنا أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحج) أصحاب بالنصب على الاختصاص (خالصًا ليس معه عمرة) هو محمول على ما كانوا ابتدؤوا به ثم أذن لهم بإدخال العمرة على الحج وفسخ الحج إلى العمرة فصاروا على ثلاثة أنحاء كما قالت عائشة -رضي الله عنها- منا من أهل بجج ومنا من أهل بعمرة ومنا من جمع (قال عطاء) بالسند السابق (قال جابر فقدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مكة (صبح رابعة مضت من ذي الحجة فلما قدمنا أمرنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح راء أمرنا (أن نحل) بفتح النون وكسر الحاء المهملة أي بالإحلال (وقال): (أحلوا) من إحرامكم (وأصيبوا من النساء) أذن في الجماع (قال عطاء) بالسند السابق (قال جابر) -رضي الله عنه- (ولم يعزم عليهم) أي يوجب عليهم جماعهن (ولكن أحلهن لهم فبلغه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إنا نقول لما) بالتشديد (لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس) من الليالي أوّلها ليلة الأحد وآخرها ليلة الخميس لأن توجههم من مكة كان عشية الأربعاء فباتوا ليلة الخميس بمنى ودخلوا عرفة يوم الخميس (أمرنا أن نحل إلى نسائنا فنأتي عرفة نقطر مذاكيرنا) جمع ذكر على غير قياس (المذي) بالذال المعجمة الساكنة، ولأبي ذر عن المستملي: المني (قال) عطاء بالسند السابق (ويقول جابر بيده هكذا وحركها) أي أمالها قال الكرماني هذه الإشارة لكيفية التقطير (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد حماد بن زيد خطيبًا (فقال: قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم ولولا هديي لحللت كما تحلون) بفتح الفوقية وكسر الحاء المهملة (فحلوا) بكسر الحاء أمر من حل (فلو استقبلت من أمري ما استدبرت) أي لو علمت في أول الأمر ما علمت آخر أو هو جواز العمرة في أشهر الحج (ما أهديت. فحللنا وسمعنا وأطعنا). ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن أمره عليه الصلاة والسلام بإصابة النساء لم يكن على الوجوب ولهذا قال لم يعزم عليهم ولكن أحلهن لهم. وسبق الحديث بالحج. 7368 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ الْمُزَنِىُّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «صَلُّوا قَبْلَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ» قَالَ فِى الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً. وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين عبد الله بن عمرو المقعد البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (عن الحسين) بضم الحاء ابن ذكوان المعلم (عن ابن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء عبيد الله الأسلمي قاضي مروانه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله) بن مغفل بالغين المعجمة المفتوحة والفاء المفتوحة المشددة (المزني) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (صلوا قبل صلاة المغرب. قال في الثالثة لمن شاء كراهية) أي لأجل كراهية (أن يتخذها الناس سُنّة) طريقة لازمة لا يجوز تركها وفيه إشارة إلى أن الأمر حقيقة في الوجوب فلذلك

28 - باب قول الله تعالى:

أردفه بما يدل على التخيير بين الفعل والترك فكان ذلك صارفًا للحمل على الوجوب. وهذا الباب بعد الباب التالي لهذا ويليه باب كراهية الخلاف. والحديث سبق في الصلاة في باب كم بين الأذان والإقامة. 28 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] {وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ} [آل عمران: 159] وَأَنَّ الْمُشَاوَرَةَ قَبْلَ الْعَزْمِ وَالتَّبَيُّنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: 159] فَإِذَا عَزَمَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ لِبَشَرٍ التَّقَدُّمُ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَشَاوَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فِى الْمُقَامِ وَالْخُرُوجِ فَرَأَوْا لَهُ الْخُرُوجَ، فَلَمَّا لَبِسَ لأْمَتَهُ وَعَزَمَ قَالُوا: أَقِمْ، فَلَمْ يَمِلْ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْعَزْمِ وَقَالَ: «لاَ يَنْبَغِى لِنَبِىٍّ يَلْبَسُ لأْمَتَهُ فَيَضَعُهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ». وَشَاوَرَ عَلِيًّا وَأُسَامَةَ فِيمَا رَمَى أَهْلُ الإِفْكِ عَائِشَةَ، فَسَمِعَ مِنْهُمَا حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ فَجَلَدَ الرَّامِينَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى تَنَازُعِهِمْ، وَلَكِنْ حَكَمَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ وَكَانَتِ الأَئِمَّةُ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَشِيرُونَ الأُمَنَاءَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِى الأُمُورِ الْمُبَاحَةِ لِيَأْخُذُوا بِأَسْهَلِهَا، فَإِذَا وَضَحَ الْكِتَابُ أَوِ السُّنَّةُ لَمْ يَتَعَدَّوْهُ إِلَى غَيْرِهِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَرَأَى أَبُو بَكْرٍ قِتَالَ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ تُقَاتِلُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ تَابَعَهُ بَعْدُ عُمَرُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ أَبُو بَكْرٍ إِلَى مَشُورَةٍ إِذْ كَانَ عِنْدَهُ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى الَّذِينَ فَرَّقُوا بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، وَأَرَادُوا تَبْدِيلَ الدِّينِ وَأَحْكَامِهِ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ». وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَشُورَةِ عُمَرَ كُهُولاً كَانُوا أَوْ شُبَّانًا وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. (باب قول الله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم} [الثورى: 38]) أي ذو شورى يعني لا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه وقوله تعالى: ({وشاورهم في الأمر} [آل عمران: 59]) استظهارًا برأيهم وتطييبًا لنفوسهم وتمهيدًا لسُنّة المشاورة للأمة (وإن المشاورة قبل العزم) على الشيء (و) قبل (التبيين) وهو وضوح المقصود (لقوله تعالى: {فإذا عزمت}) فإذا قطعت الرأي على شيء بعد الشورى ({فتوكل على الله} [آل عمران: 159]) في إمضاء أمرك على ما هو أصلح لك (فإذا عزم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد المشورة على شيء وشرع فيه (لم يكن لبشر التقدّم على الله ورسوله) للنهي عن ذلك في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله} [الحجرات: 1] (وشاور النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه يوم أُحُد في المقام والخروج) بضم الميم (فرأوا له الخروج فلما لبس لامته) بغير همزة في الفرع كأصله وفي غيرهما بهمزة ساكنة بعد اللام أي درعه (وعزم) على الخروج والقتال وندموا (قالوا) له يا رسول الله (قم) بفتح الهمزة وكسر القاف بالمدينة ولا تخرج منها إليهم (فلم يمل إليهم) فيما قالوه (بعد العزم) لأنه يناقض التوكل الذي أمره الله به (وقال: لا ينبغي لنبي يلبس لامته فيضعها حتى يحكم الله) بينه وبين عدوه. وهذا وصله الطبراني بمعناه من حديث ابن عباس. (وشاور) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عليًّا) أي ابن أبي طالب (وأسامة) بن زيد (فيما رمى به أهل الإفك) ولأبي ذر عن الكشميهني رمى أهل الإفك به (عائشة) -رضي الله عنها- (فسمع منهما) ما قالاه ولم يعمل بجميعه فأما عليّ فأومأ إلى الفراق بقوله والنساء سواها كثير وأما أسامة فقال إنه لا يعلم عنها إلا الخير فلم يعمل عليه الصلاة والسلام بما أومأ إليه عليّ من المفارقة وعمل بقوله واسأل الجارية فسألها وعمل بقول أسامة في عدم المفارقة ولكنه أذن لها في التوجه إلى بيت أبيها (حتى نزل القرآن فجلد الرامين) بصيغة الجمع وسمي في رواية أبي داود منهم مسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش ولم يقع في شيء من طرق حديث الإفك في الصحيحين أنه جلد الرامين نعم رواه أحمد وأصحاب السنن من حديث عائشة (ولم يلتفت إلى تنازعهم) أي إلى تنازع علي وأسامة ومن وافقهما وفي الطبراني عن ابن عمر في قصة الإفك، وبعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد وبريرة. قال في الفتح: فكأنه أشار بصيغة الجمع في قوله تنازعهم إلى ضم بريرة إلى علي وأسامة لكن استشكل بأن ظاهر سياق الحديث الصحيح أنها لم تكن حاضرة. وأجيب بأن المراد بالتنازع اختلاف قول المذكورين عندما سألتهم واستشارتهم وهو أعم من أن يكونوا مجتمعين أو مفترقين (ولكن حكم بما أمره الله وكانت الأئمة) من الصحابة والتابعين فمن بعدهم (بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها) إذا لم يكن فيها نص بحكم معين وكانت على أصل الإباحة والتقييد بالأمناء صفة موضحة لأن غير المؤتمن لا يستشار ولا يلتفت لقوله (فإذا وضح الكتاب) القرآن (أو السُّنّة لم يتعدوه إلى غيره اقتداء) ولأبي ذر عن الكشميهني اقتدوا. (بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ورأى أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (قتال من منع الزكاة فقال عمر) رضي الله عنه: (كيف تقاتل)؟ زاد أبو ذر الناس (وقد قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أمرت) أي أمرني الله (أن أقاتل الناس) المشركين عبدة الأوثان دون أهل الكتاب (حتى) أي إلى أن (يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله) مع محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عصموا) أي حفظوا (مني دماءهم وأموالهم) فلا تهدر دماؤهم ولا تستباح أموالهم بعد عصمتهم بالإسلام بسبب من الأسباب (إلا بحقها) من قتل نفس أو حدّ أو غرامة متلف زاد أبو ذر هنا وحسابهم أي بعد ذلك على الله أي في أمر سرائرهم وإنما قيل دون

أهل الكتاب لأنهم إذا أعطوا الجزية سقط عنهم القتال وثبتت لهم العصمة فيكون ذلك تقييدًا للمطلق (فقال أبو بكر) -رضي الله عنه- (والله لأقاتلن من فرق بين ما جمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم تابعه بعد عمر) -رضي الله عنه- على ذلك (فلم يلتفت أبو بكر إلى مشورة) وللكشميهني إلى مشورته (إذ) بسكون المعجمة (كان عنده حكم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة وأرادوا تبديل الدين وأحكامه) بالجر عطفًا على المجرور السابق. (وقال) ولغير أبي ذر قال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله المؤلّف من حديث ابن عباس في كتاب المحاربين (من بدّل دينه فاقتلوه. وكان القراء أصحاب مشورة عمر) بفتح الميم وضم المعجمة وسكون الواو (كهولاً كانوا أو شبانًا) هذا طرف عن حديث وقع موصولاً في التفسير (وكان) أي عمر (وقافًا) بتشديد القاف أي كثير الوقوف (عند كتاب الله عز وجل) كذا وقع في التفسير موصولاً. 7369 - حَدَّثَنَا الأُوَيْسِىُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِى عُرْوَةُ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ قَالَتْ: وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْىُ يَسْأَلُهُمَا، وَهْوَ يَسْتَشِيرُهُمَا فِى فِرَاقِ أَهْلِهِ، فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ بِالَّذِى يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ، وَأَمَّا عَلِىٌّ فَقَالَ: لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ فَقَالَ: «هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَىْءٍ يَرِيبُكِ»؟ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَمْرًا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِى الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ، فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِى مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِى أَذَاهُ فِى أَهْلِى وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِى إِلاَّ خَيْرًا». فَذَكَرَ بَرَاءَةَ عَائِشَةَ: وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ. عَنْ هِشَامٍ. وبه قال: (حدّثنا الأويسي) ولأبي ذر الأويسي عبد العزيز بن عبد الله قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وثبت ابن سعد لأبي ذر وسقط لغيره (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عروة) بن الزبير بن العوّام (وابن المسيب) سعيد (وعلقمة بن وقاص وعبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أربعتهم (عن عائشة -رضي الله عنها- حين قال لها أهل الإفك) زاد أبو ذر ما قالوا (قالت: ودعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علي بن أبي طالب) -رضي الله عنه- (وأسامة بن زيد -رضي الله عنهما- حين استلبث الوحي) تأخر وأبطأ (يسألهما وهو يستشيرهما في فراق أهله) يعني عائشة ولم تقل في فراقي لكراهتها التصريح بإضافة الفراق إليها (فأما أسامة فأشار) على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بالذي يعلم من براءة أهله) مما نسبوه إليها فقال كما في الشهادات أهلك يا رسول الله ولا نعلم والله إلا خيرًا (وأما علي) -رضي الله عنه- (فقال) يا رسول الله (لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير) بصيغة التذكير للكل على إرادة الجنس، وإنما قال ذلك لما رأى عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الغم والقلق لأجل ذلك (وسل الجارية) بريرة (تصدقك) بالجزم على الجزاء أي إن أردت تعجيل الراحة فطلقها وإن أردت خلاف ذلك فابحث عن حقيقة الأمر فدعا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بريرة (فقال) لها: (هل رأيت من شيء يريبك) بفتح أوله يعني عن جنس ما قيل فيها (قالت ما رأيت أمرًا أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام) ولأبي ذر عن الكشميهني فتنام (عن عجين أهلها) لأن الحديث السن يغلب عليه النوم ويكثر عليه (فتأتي الداجن) بالدال المهملة والجيم الشاة التي تألف البيوت (فتأكله فقام) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على المنبر) خطيبًا (فقال: يا معشر المسلمين من يعذرني) بكسر الذال المعجمة من يقوم بعذري إن كافأته على قبيح فعله ولا يلومني (من رجل بلغني أذاه في أهلي والله ما علمت على) ولأبي ذر عن الكشميهني في (أهلي إلاَّ خيرًا. فذكر براءة عائشة) -رضي الله عنها-. وهذا الحديث سبق بأطول من هذا في مواضع في الشهادات والتفسير والأيمان والنذور وغيرها. (وقال أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) هو ابن عروة قال المؤلّف. 7370 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِى زَكَرِيَّاءَ الْغَسَّانِىُّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: «مَا تُشِيرُونَ عَلَىَّ فِى قَوْمٍ يَسُبُّونَ أَهْلِى، مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُوءٍ قَطُّ»، وَعَنْ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا أُخْبِرَتْ عَائِشَةُ بِالأَمْرِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَأْذَنُ لِى أَنْ أَنْطَلِقَ إِلَى أَهْلِى فَأَذِنَ لَهَا، وَأَرْسَلَ مَعَهَا الْغُلاَمَ وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: سُبْحَانَكَ {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16]. (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر وحدّثني بالواو (محمد بن حرب) النشائي بالنون والشين المعجمة الخفيفة قال: (حدّثنا يحيى بن أبي زكريا الغساني) بغين معجمة مفتوحة وسين مهملة مشددة وبعد الألف نون وفي أصل أبي ذر كما ذكره في حاشية الفرع كأصله العشاني بالعين المهملة والشين المعجمة وصحح عليه وكتب نسخة الغساني بالغين المعجمة والسين المهملة قال الحافظ ابن حجر والذي بالعين المهملة ثم المعجمة تصحيف شنيع (عن هشام) هو ابن عروة (عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطب الناس فحمد الله) تعالى (وأثنى عليه) بما هو أهله (وقال):

97 - كتاب التوحيد

(ما تشيرون علي) بتشديد الياء (في قوم يسبون أهلي ما علمت عليهم من سوء قط. وعن عروة) بن الزبير بالسند السابق أنه (قال: لما أخبرت عائشة) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول وسكون الفوقية (بالأمر) الذي قاله أهل الإفك (قالت: يا رسول الله أتأذن لي أن أنطلق إلى أهلي فأذن لها وأرسل معها الغلام. وقال رجل من الأنصار): هو أبو أيوب خالد الأنصاري كما عند ابن إسحاق، وأخرجه الحاكم من طريقه (سبحانك {ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم}). وسبح تعجبًا ممن يقول ذلك فهو تنزيه لله تعالى من أن تكون حرمة نبيه فاجرة وقوله وقال أبو أسامة هو تعليق، وقوله وحدّثني محمد بن حرب طريق موصول والله أعلم. هذا آخر كتاب الاعتصام نجز سادس عشر ربيع الأول سنة 916، ولما فرغ المؤلف من مسائل أصول الفقه شرع في مسائل أصول الكلام وما يتعلق به وبه ختم الكتاب وكانت الأولى تقديم أصول الكلام لأنه الأصل والأساس والكل مبني عليه لكنه من باب الترقي إرادة لختم الكتاب بالأشرف فقال. بسم الله الرحمن الرحيم 97 - كتاب التوحيد ثبتت البسملة لأبي ذر وسقطت لغيره. (كتاب التوحيد) هو مصدر وحّد يوحّد ومعنى وحّدت الله اعتقدته منفردًا بذاته وصفاته لا نظير له ولا شبيه. وقال الجنيد، التوحيد إفراد القدم من الحدث وهو بمعنى الحدوث والحدوث يقال للحدوث الذاتي وهو كون الشيء مسبوقًا بغيره، والزماني وهو كونه مسبوقًا بالعدم، والإضافي وهو ما يكون وجوده أقل من وجود آخر فيما مضى، وهو تعالى منزّه عنه بالمعاني الثلاثة وهو من الاعتبارات العقلية التي لا وجود لها في الخارج، وفي رواية المستملي كما: في الفرع كتاب الردّ على الجهمية بفتح الجيم وسكون الهاء وبعد الميم تحتية مشدّدة وهم طوائف ينسبون إلى جهم بن صفوان من أهل الكوفة والرد على غيرهم أي القدرية، وأما الخوارج فسبق ما يتعلق بهم في كتاب الفتن وكذا الرافضة في كتاب الأحكام وهؤلاء الفرق الأربعة رؤوس المبتدعة وقال الحافظ ابن حجر وتبعه العيني بعد قوله كتاب التوحيد وزاد المستملي الرد على الجهمية. 1 - باب مَا جَاءَ فِى دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّتَهُ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (باب ما جاء في دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى) وفي نسخة عز وجل وهو الشهادة بأن الله واحد ومعنى أنه تعالى واحد كما قاله بعضهم نفي التقسيم لذاته ونفي التشبيه عن حقه وصفاته ونفي الشريك معه في أفعاله ومصنوعاته فلا تشبه ذاته الذوات ولا صفته الصفات ولا فعل لغيره حتى يكون شريكًا له في فعله أو عديلاً له، وهذا هو الذي تضمنته سورة الإخلاص من كونه واحدًا صمدًا إلى آخرها فالحق سبحانه مخالف لمخلوقاته كلها مخالفة مطلقة. 7371 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِىٍّ، عَنْ أَبِى مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ. وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل قال: (حدّثنا زكريا بن إسحاق) المكي (عن يحيى بن عبد الله) ولأبي ذر عن يحيى بن محمد بن عبد الله (بن صيفي) بالصاد المهملة مولى عمرو بن عثمان بن عفان المكي ونسبه في الأولى لجده (عن أبي معبد) بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة نافذ بالنون والفاء والمعجمة (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث معاذًا إلى اليمن). قال البخاري. 7372 - وَحَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَيْفِىٍّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَمَّا بَعَثَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُعَاذًا نَحْوَ الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِى يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا صَلُّوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِى أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ، فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ». (وحدّثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي الأسود) هو عبد الله بن معاذ بن محمد بن أبي الأسود واسمه حميد البصري قال: (حدّثنا الفضل بن العلاء) بفتح العين ممدودًا الكوفي قال: (حدّثنا إسماعيل بن أمية) الأموي (عن يحيى بن عبد الله) ولأبي ذر وأبي الوقت والأصيلي عن يحيى بن محمد بن عبد الله (بن صيفي أنه سمع أبا معبد) نافذًا (مولى ابن عباس) -رضي الله عنهما- (يقول: سمعت ابن عباس يقول) ولأبي ذر قال (لما بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معاذًا نحو اليمن) ولأبي ذر معاذ بن جبل إلى نحو أهل اليمن أي إلى جهة أهل اليمن وهو من إطلاق الكل وإرادة البعض لأن بعثه كان إلى بعضهم لا إلى جميعهم قال له: (إنك تقدم) بفتح الدال (على قوم من أهل الكتاب) هم اليهود (فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى) أي

إلى توحيده وما مصدرية (فإذا عرفوا ذلك) أي التوحيد (فأخبرهم أن الله فرض) ولأبي ذر إن الله قد فرض (عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة أموالهم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي زكاة في أموالهم (تؤخذ من غنيهم) بالإفراد (فترد على فقيرهم) بالإفراد أيضًا (فإذا أقروا بذلك) صدقوا به وآمنوا (فخذ منهم) زكاة أموالهم (وتوق) اجتنب (كرائم أموال الناس) خيار مواشيهم أن تأخذها في الزكاة والكريمة الشاة الغزيرة اللبن. وفي الحديث دليل لمن قال أول واجب المعرفة كإمام الحرمين واستدلّ بأنه لا يتأتى الإتيان بشيء من المأمورات على قصد الامتثال ولا الانكفاف عن شيء من المنهيات على قصد الإنزجار إلا بعد معرفة الآمر الناهي، واعترض عليه بأن المعرفة لا تتأتى إلا بالنظر والاستدلال وهي مقدمة الواجب فتجب فيكون أول واجب النظر وقال الزركشي اختلف في التقليد في ذلك على مذاهب. أحدها: وهو قول الجمهور المنع لجماع على وجوب المعرفة وبقوله تعالى فاعلم أنه لا إله إلا الله فأمر بالعلم بالوحدانية والتقليد لا يفيد العلم وقد ذم الله تعالى التقليد في الأصول وحث عليه في الفروع فقال في الأصول: {إنّا وجدنا آباءنا على أمة وإنّا على آثارهم مقتدون} [الزخرف: 22] وحث على السؤال في الفروع بقوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [الأنبياء: 7]. والثاني: الجواز لإجماع السلف على قبول كلمتي الشهادة من الناطق بهما ولم يقل أحد له هل نظرت أو تبصرت بدليل. والثالث: يجب التقليد وإن النظر والبحث فيه حرام والقائل بهذا المذهب طائفتان طائفة ينفون النظر ويقولون إذا كان المطلوب في هذا العلم والنظر لا يفضي إليه فالاشتغال به حرام وطائفة يعترفون بالنظر لكن يقولون: ربما أوقع النظر في هذا في الشبه فيكون ذلك سبب الضلال لنهيهم عن علم الكلام والاشتغال به ولا شك أن منعهم منه ليس هو لأنه ممنوع مطلقًا كيف وقد قطع أصحابه بأنه من فروض الكفايات وإنما منعوا منه لمن لا يكون له قدم في مسالك التحقيق فيؤدي إلى الارتياب والشك نحو الكفر وذكر البيهقي في شعب الإيمان هذا قال: وكيف يكون العلم الذي يتوصل به إلى معرفة الله وعلم صفاته ومعرفة رسله والفرق بين النبي الصادق والمتنبي مذمومًا أو مرغوبًا عنه، ولكنهم لإشفاقهم على الضعفة أن لا يبلغوا ما يريدون منه فيضلوا نهوا عن الاشتغال به. ونقل عن الأشعري أن إيمان المقلد لا يصح وأنه يقول بتكفير العوام وأنكره الأستاذ أبو القاسم القشيري وقال: هذا كذب وزور من تلبيسات الكرامية على العوام والظن بجميع عوام المسلمين أنهم مصدقون بالله تعالى. وقال أبو منصور في المقنع: أجمع أصحابنا على أن العوام مؤمنون عارفون بالله تعالى وأنهم حشو الجنة للإخبار والإجماع فيه، لكن منهم من قال: لا بد من نظر عقلي في العقائد وقد حصل لهم منه القدر الكافي فإن فطرهم جبلت على توحيد الصانع وقدمه وحدوث الموجودات وإن عجزوا عن التعبير عنه على اصطلاح المتكلمين فالعلم بالعبارة علم زائد لا يلزمهم وقد كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكتفي من الأعرابي بالتصديق مع العلم بقصورهم عن معرفة النظر بالأدلة. ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة وسبق أول الزكاة. 7373 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى حَصِينٍ وَالأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ سَمِعَا الأَسْوَدَ بْنَ هِلاَلٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا مُعَاذُ أَتَدْرِى مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ»؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: «أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِى مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ» قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي (والأشعث بن سليم) بضم السين المهملة هو الأشعث بن أبي الشعثاء المحارب أنهما (سمعا الأسود بن هلال) المحاربي الكوفي (عن معاذ بن جبل) رضى الله عنه أنه (قال: قال النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ قال) معاذ: قلت: (الله ورسوله أعلم. قال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أن يعبدوهُ) بأن يطيعوه ويجتنبوا معاصيه (ولا يشركوا به

شيئًا) عطف على السابق لأنه تمام التوحيد والجملة حالية أي يعبدوه في حال عدم الإشراك به ثم قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أتدري) يا معاذ (ما حقهم عليه) ما حق العباد على الله وهو من باب المشاكلة كقوله تعالى: {ومكروا ومكر الله} [آل عمران: 54] أو المراد الحق الثابت أو الواجب الشرعي بإخباره تعالى عنه أو كالواجب في تحقق وجوبه (قال) معاذ: (الله ورسوله أعلم. قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أن لا يعذبهم) إذا اجتنبوا الكبائر والمناهي وأتوا بالمأمورات. والحديث سبق في الرقاق وغيره، وأخرجه مسلم في الإيمان. 7374 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَجُلاً سَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الصمد: 1] يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ». زَادَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَخْبَرَنِى أَخِى قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام بن أنس الأصبحي (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه) عبد الله (عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- (أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ {قل هو الله أحد} يرددها) يكررها ويعيدها واسم الرجل القارئ قتادة بن النعمان رواه ابن وهب عن ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن أبي الهيثم عن أبي سعيد (فلما أصبح جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر له ذلك) ولأبي ذر فذكر ذلك له (وكأن) بالواو والهمزة وتشديد النون ولأبي ذر عن الكشميهني فكأن بالفاء (الرجل) الذي سمع (يتقالها) بالقاف وتشديد اللام يعدّها قليلة (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (والذي نفسي بيده إنها) أي {قل هو الله أحد} ولأبي ذر فإنها (لتعدل ثلث القرآن) لأن القرآن على ثلاثة أنحاء قصص وأحكام وصفات لله عز وجل، و {قل هو الله أحد} متمحضة للتوحيد والصفات فهي ثلثه وفيه دليل على شرف علم التوحيد، وكيف لا والعلم يشرف بشرف المعلوم ومعلوم هذا العلم هو الله وصفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز عليه فما ظنك بشرف منزلته وجلالة محله (زاد إسماعيل بن جعفر) الأنصاري (عن مالك) الإمام (عن عبد الرحمن عن أبيه) عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة (عن أبي سعيد) الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أخي) لأمي (قتادة بن النعمان عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا سبق في فضل {قل هو الله أحد} من فضائل القرآن. 7375 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ أَبِى هِلاَلٍ أَنَّ أَبَا الرِّجَالِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَتْ فِى حَجْرِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِى صَلاَتِهِ فَيَخْتِمُ بِـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «سَلُوهُ لأَىِّ شَىْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ»؟ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: لأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ». وبه قال: (حدّثنا محمد) كذا غير منسوب في الفرع كأصله قال خلف في الأطراف أحسبه محمد بن يحيى الذهلي قال: (حدّثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر بن الطبراني الحافظ المصري قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري قال: (حدّثنا عمرو) بفتح العين ابن الحارث المصري (عن ابن أبي هلال) سعيد (أن أبا الرجال) بكسر الراء وتخفيف الجيم (محمد بن عبد الرحمن) الأنصاري مشهور بكنيته وكان له عشرة أولاد رجال (حدّثه عن أمه عمرة) بفتح العين المهملة وسكون الميم (بنت عبد الرحمن) بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية (وكانت في حجر عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن عائشة) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث رجلاً على سرية) أميرًا عليها وهو متعلق ببعث، ولا يصح أن يتعلق بصفة لرجل لفساد المعنى ولا بحال لأن رجلاً نكرة ولم يقل في سرية لأن على تفيد معنى الاستعلاء والرجل قيل هو كلثوم بن الهدم. قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر لأنهم ذكروا أنه مات في أول الهجرة قبل نزول القتال قال: ورأيت بخط الرشيد العطار كلثوم بن زهدم وعزاه لصفوة الصفوة لابن طاهر، ويقال قتادة بن النعمان وهو غلط وانتقال من الذي قبله إلى هذا (وكان يقرأ لأصحابه في صلاته) ولأبي ذر في صلاتهم أي التي يصلّيها بهم (فيختم) قراءته (بـ {قل هو الله أحد}) السورة إلى آخرها. وهذا يُشعِر بأنه كان يقرأ بغيرها معها في ركعة واحدة فيكون دليلاً على جواز الجمع بين السورتين غير الفاتحة في ركعة أو المراد أنه كان من عادته أن يقرأها بعد الفاتحة (فلما رجعوا) من السرية (ذكروا ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك فسألوه) لِمَ تختم بقل هو الله أحد؟ (فقال) الرجل: أختم بها (لأنها صفة الرحمن) لأن فيها أسماءه وصفاته وأسماؤه مشتقة

2 - باب قول الله تبارك وتعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} [الإسراء: 110]

من صفاته (وأنا أحب أن أقرأ بها) فجاؤوا فأخبروا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أخبروه أن الله) تعالى (يحبه) لمحبته قراءتها ومحبة الله تعالى لعباده إرادة الإثابة لهم. والحديث سبق في باب الجمع بين السورتين في الركعة من كتاب الصلاة، وأخرجه مسلم في الصلاة والنسائي فيه وفي اليوم والليلة. 2 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] (باب قول الله تبارك وتعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن}) أي سموا بهذا الاسم أو بهذا قال البيضاوي المراد بالتسوية بين اللفظتين هو أنهما يطلقان على ذات واحدة وإن اختلف اعتبار إطلاقهما، والتوحيد إنما هو للذات الذي هو المعبود هذا إذا كان ردًا لقول المشركين أي حين سمعوه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: يا الله يا رحمن فقالوا إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلهًا آخر، وعلى أن يكون ردًّا لليهود أي حيث قالوا لما سمعوه أيضًا يقول يا الله يا رحمن إنك لتقلّ ذكر الرحمن وقد أكثره الله تعالى في التوراة، فالمعنى أنهما سيان في حسن الإطلاق والإفضاء إلى المقصود وهو أجوب لقوله: ({أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} [الإسراء: 110]) وأو للتخيير والتنوين في أيًّا عوض عن المضاف إليه وما صلة لتأكيد ما في أيٍّ من الإبهام والضمير في قوله له للمسمى لأن التسمية له لا للاسم، وكان أصل الكلام أيًّا ما تدعوا فهو حسن فوضع موضعه فله الأسماء الحسنى للمبالغة والدلالة على ما هو الدليل عليه، وكونها حسنى لدلالتها على صفات الجلال والإكرام اهـ. قال الطيبي: إنما كان أجوب لأن اعتراض اليهود كان تعيير للمسلمين على ترجيح أحد الاسمين على الآخر واعتراض المشركين كان تعييبرًا على الجمع بين اللفظين فقوله: أيًّا ما تدعوا مطابق للردّ على اليهود لأن المعنى أيّ الاسمين دعوتموه فهو حسن وهو لا ينطبق على اعتراض المشركين، والجواب هذا مسلم إذا كان أو للتخيير فلم يمنع أن تكون للإباحة كما في قوله: جالس الحسن أو ابن سيرين، فحينئذ يكون أجوب وتقريبه قل سموا ذاته المقدسة بالله أو بالرحمن فهما سيان في استصواب التسمية بهما فبأيهما سميته فأنت مصيب وإن سميته بهما فأنت أصوب لأن له الأسماء الحسنى وقد أمرنا أن ندعو بها في قوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180] فجواب الشرط الأول قوله فأنت مصيب، ودل على الشرط الثاني وجوابه قوله: {فله الأسماء الحسنى} وحينئذ فالآية فن من فنون الإيجاز الذي هو حلية التنزيل وقوله: {فله الأسماء الحسنى} هو من باب الإطناب فظهر بهذا أن الإباحة أنسب من التخيير لأن أبا جهل حضر الجمع بين الاسمين فردّ بإباحة أن يجمع بين أسماء تعني فكيف يمنع من الجمع بين الاسمين وقد أبيح الجمع بين الأسماء المتكاثرة على أن الجواب بالتخيير في الردّ على أهل الكتاب غير مطابق لأنهم اعترضوا بالترجيح، وأجيب بالتسوية لأن أو تقتضيها وكان الجواب العتيد أن يقال إنما رجحنا الله على الرحمن في الذكر لأنه جامع لجميع صفات الكمال بخلاف الرحمن ويساعد ما ذكرنا من أن الكلام مع المشركين قوله تعالى: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له وليّ من الذل} [الإسراء: 111] لأنه مناسب أن يكون تسجيلاً للردّ على المشركين. 7376 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ وَأَبِى ظَبْيَانَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ». وبه قال: (حدّثنا محمد) ولأبي ذر محمد بن سلام بتخفيف اللام وتشديدها قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء المعجمة والزاي (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن زيد بن وهب) الهمداني الكوفي (وأبي ظبيان) بفتح الظاء المعجمة وسكون الموحدة حصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن جندب الكوفي كلاهما (عن جرير بن عبد الله) البجلي -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا يرحم الله) في الآخرة (من لا يرحم الناس) من مؤمن وكافر ويرحم بفتح أوله في الموضعين. ومطابقته للترجمة ظاهرة، وسبق الحديث في الأدب وأخرجه مسلم في الفضائل. 7377 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ يَدْعُوهُ إِلَى ابْنِهَا فِى الْمَوْتِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ارْجِعْ فَأَخْبِرْهَا أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شَىْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ»، فَأَعَادَتِ الرَّسُولَ أَنَّهَا أَقْسَمَتْ لَتَأْتِيَنَّهَا فَقَامَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَامَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَدُفِعَ الصَّبِىُّ إِلَيْهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ كَأَنَّهَا فِى شَنٍّ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا؟ قَالَ: «هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِى قُلُوبِ عِبَادِهِ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ». وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل قال: (حدّثنا حماد بن زيد) بفتح الحاء والميم المشددة ابن

درهم الأزدي أحد الأعلام (عن عاصم الأحول) بن سليمان (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ (النهدي) بفتح النون وسكون الهاء (عن أسامة بن زيد) الحبّ ابن الحِب -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ جاءه رسول إحدى بناته) زينب (يدعوه) أي الرسول ولأبي ذر: تدعوه بالفوقية بدل التحتية أي تدعوه زينب على لسان رسولها (إلى ابنها) وهو (في) حالة (الموت) من معالجة الروح (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ارجع) زاد أبو ذر إليها وسقط له لفظ النبي والتصلية (فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى) أي الذي أراد أن يأخذه هو الذي أعطاه فإن أخذه أخذ ما هو له ولفظ ما فيهما مصدرية أي أن لله الأخذ والإعطاء أو موصولة والعائد محذوف وكذا الصلة (وكل شيء) من الأخذ والإعطاء وغيرهما (عنده) في علمه (بأجل مسمى) مقدّر (فمرها فلتصبر ولتحتسب) أي تنوي بصبرها طلب الثواب منه تعالى ليحسب ذلك من عملها الصالح (فأعادت الرسول) إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أنها أقسمت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قد أقسمت أي عليه (ليأتينها، فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقام سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل) زاد في الجنائز وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت ورجال (فدفع الصبي إليه) بالفاء والدال المهملة المضمومة، وللكشميهني فرفع بالراء بدل الدال، وللحموي والمستملي ورفع بالواو بدل الفاء (ونفسه تقعقع) بحذف إحدى التاءين تخفيفًا أي تضطرب وتتحرك والقعقعة حكاية حركة لشيء يسمع له صوت كالسلاح (كأنها) أي نفسه (في شنّ) بفتح الشين المعجمة وتشديد النون قربة خلقة يابسة (ففاضت) بالبكاء (عيناه) في (فقال له سعد) أي ابن عبادة المذكور (يا رسول الله ما هذا) البكاء وأنت تنهى عنه؟ وثبت ما هذا لأبي ذر (قال): (هل له رحمة) أي الدمعة التي نراها من حزن القلب بغير تعمد ولا استدعاء لا مؤاخذة فيها فهي أثر الرحمة التي (جعلها الله) تعالى (في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) وليس من باب الجزع وقلة الصبر. والرحماء جمع رحيم من صيغ المبالغة وهو أحد الأمثلة الخمسة فعول وفعال ومفعال وفعل وفعيل وزاد بعضهم فيها فعيلاً كسكير وجاء فعيل بمعنى مفعول. قال المتلمس: فأما إذا عضت بك الحرب عضّة ... فإنك عطوف عليك رحيم والرحمة لغة الرقة والانعطاف ومنه اشتقاق الرحم وهي البطن لانعطافها على الجنين، فعلى هذا يكون وصفه تعالى بالرحمة مجازًا عن إنعامه تعالى على عباده كالملك إذا عطف على رعيته أصابهم خيره وتكون على هذا التقدير صفة فعل لا صفة ذات، وقيل: الرحمة إرادة الخير لمن أراد الله به ذلك ووصفه بها على هذا القول حقيقة وحينئذ صفة ذات، وهذا القول هو الظاهر. وقيل: الرحمة رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وقد تستعمل تارة في الرقة المجردة وتارة في الإحسان المجرد، وإذا وصف بها الباري تعالى فليس يراد بها إلا الإحسان المجرد دون الرقة، وعلى هذا روي الرحمة من الله إنعام وإفضال، ومن الآدميين رقة وتعطف، وأما ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: الرحمن الرحيم اسمان رقيقان أحدهما أرفق من الآخر فلا يثبت لأنه من رواية الكلبي عن أبي صالح عنه والكلبي متروك الحديث. ونقل البيهقي عن الحسين بن الفضل البجلي أنه نسب راوي حديث ابن عباس إلى التصحيف وقال: إنما هو الرفيق بالفاء أي فهما اسمان رفيقان أحدهما أرفق من الآخر وقوّاه البيهقي بالحديث المروي في مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعًا: إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف، واختلف هل الرحمن الرحيم بمعنى واحد؟ فقيل بمعنى واحد كندمان ونديم فيكون الجمع بينهما تأكيدًا، وقيل لكل واحد منهما فائدة غير فائدة الآخر وذلك بالنسبة إلى تغاير تعلقهما إذ يقال: رحمن الدنيا ورحيم الآخرة

3 - باب قول الله تعالى: {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} [الذاريات: 58]

لأن رحمته في الدنيا تعم المؤمن والكافر وفي الآخرة تخص المؤمن، وقيل: الرحمن أبلغ إذ لا يطلق إلا على الله سبحانه، وعلى هذا فالقياس أن يترقى إلى الأبلغ فيقول رحيم رحمن. قال صاحب التقريب: إنما قدم أعلى الوصفين والقياس تقديم أدناهما كجواد فياض لأن ذلك القياس فيما كان الثاني من جنس الأول وفيه زيادة الرحمن يتناول جلائل النعم وأصولها، والرحيم دقائقها وفروعها فلم يكن في الثاني زيادة على الأول فكأنه جنس آخر فيقال لما ثبت أن الرحمن أبلغ من الرحيم في تأدية معنى الرحمة المترقي من الرحيم إليه لأن معنى الترقي هو أن يذكر معنى ثم يردف بما هو أبلغ منه. وقال صاحب الإيجاز والانتصاف: الرحمن أبلغ لأنه كالعلم إذ كان لا يوصف به غير الله فكأنه الموصوف وهو أقدم، إذ الأصل في نعم الله أن تكون عظيمة فالبداءة بما يدل على عظمها أولى هذا أحسن الأقوال يعني أن هذا الأسلوب ليس من باب الترقي بل هو من باب التتميم وهو تقييد الكلام بتابع يفيد مبالغة، وذلك أنه تعالى لما ذكر ما دلّ على جلائل النعم وعظائمها أراد المبالغة والاستيعاب فتمم بما دل على دقائقها وروادفها ليدل به على أنه مولى النعم كلها ظواهرها وبواطنها جلائلها ودقائقها فلو قصد الترقي لفاتت المبالغة المذكورة، ومن شرط التتميم الأخذ بما هو أعلى في الشيء ثم بما هو أحط منه ليستوعب جميع ما يدخل تحت ذلك الشيء لأنهم لا يعدلون عن الأصل والقياس إلا لتوخي نكتة، وقيل: إنه من باب التكميل وهو أن يؤتى بكلام في فن فيرى أنه ناقص فيه فيكمل بآخر فإنه تعالى لما قال الرحمن توهم أن جلائل النعم منه وأن الدقائق لا يجوز أن تنسب إليه لحقارتها فكمل بالرحيم، ويؤيده ما في حديث الترمذي عن أنس مرفوعًا: "ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع" وزاد حتى يسأل الملح. وحديث الباب سبق في الجنائز. 3 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58] (باب قول الله تعالى:) أنا الرزاق ولأبوي الوقت وذر والأصيلي ({وإن الله هو الرزاق}) أي الذي يرزق كل ما يفتقر إلى الرزق وفيه إيماء باستغنائه عنه وقرئ: إني أنا الرزاق وهو موافق للرواية الأولى ({ذو القوة المتين} [الذاريات: 58]) الشديد القوّة والمتين بالرفع صفة لذو وقرأ الأعمش بالجر صفة للقوّة على تأويل الاقتدار. 7378 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِى حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِىِّ، عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ يَدَّعُونَ لَهُ الْوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن سعيد بن جبير) ولأبي ذر هو ابن جبير (عن أبي عبد الرحمن) بن حبيب بفتح الموحدة وتشديد التحتية (السلمي) الكوني المقرئ ولأبيه صحبة (عن أبي موسى الأشعري) -رضي الله عنه- (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما أحد أصبر) ولأبي ذر بالرفع أفعل تفضيل من الصبر وهو حبس النفس على المكروه والله تعالى منزه عن ذلك فالمراد لازمه وهو ترك المعاجلة والعقوبة (على أذى سمعه من الله يدّعون) بتشديد الدال (له) أي ينسبون إليه (الولد) واستشكل بأن الله تعالى منزه عن الأذى. وأجيب: بأن المراد أذى يلحق أنبياءه إذ في إثبات الولد إيذاء للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه تكذيب له وإنكار لمقالته (ثم يعافيهم) من العلل والبليات والمكروهات (ويرزقهم) ما ينتفعون به من الأقوات وغيرها مقابلة للسيئات بالحسنات والرزاق خالق الأرزاق والأسباب التي يتمتع بها، والرزق هو المنتفع به وكل ما ينتفع به فهو رزقه سواء كان مباحًا أو محظورًا والرزق نوعان محسوس ومعقول، ولذا قال بعض المحققين: الرزاق من رزق الأشباح فوائد لطفه والأرواح عوائد كشفه. وقال القرطبي: الرزق في ألسنة المحدّثين السماع يقال: رزق يعنون به سماع الحديث قال: وهو صحيح انتهى. وحظ العارف منه أن يتحقق معناه ليتيقن أنه لا يستحقه إلا الله فلا ينتظر الرزق ولا يتوقعه إلا منه فيكل أمره إليه ولا يتوكل فيه إلا عليه، ويجعل يده خزانة ربه ولسانه وصلة بين الله وبين الناس في وصول الأرزاق الروحانية والجسمانية إليهم

4 - باب قول الله تعالى:

بالإرشاد والتعليم وصرف المال ودعاء الخير وغير ذلك لينال حظًّا من هذه الصفة. قال القشيري أبو القاسم: من عرف أن الله هو الرزاق أفرده بالقصد إليه وتقرب إليه بدوام التوكل عليه أرسل الشبلي إلى غني أن ابعث إلينا شيئًا من دنياك فكتب إليه سل دنياك من مولاك، فكتب إليه الشبلي الدنيا حقيرة وأنت حقير وإنما أطلب الحقير من الحقير ولا أطلب من مولاي غير مولاي، فسمت همته العلية أن لا يطلب من الله تعالى الأشياء الخسيسة. ومناسبة الآية للحديث اشتماله على صفتي الرزق والقوة الدالة على القدرة، أما الرزق فمن قوله ويرزقهم، وأما القوة فمن قوله اصبر فإن فيه إشارة إلى القدرة على الإحسان إليهم مع إساءتهم بخلاف طبع البشر فإنه لا يقدر على الإحسان إلى المسيء إلا من جهة تكليفه ذلك شرعًا قاله ابن المنير. وسبق الحديث في الأدب في باب الصبر على الأذى. 4 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} [الجن: 26] وَ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] وَ {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166] وَ {مَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ} [فاطر: 11] {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} [فصلت: 47]. قَالَ يَحْيَى الظَّاهِرُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ عِلْمًا وَالْبَاطِنُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ عِلْمًا. (باب قول الله تعالى: {عالم الغيب}) خبر مبتدأ محذوف أي هو عالم الغيب ({فلا يظهر}) فلا يطلع ({على غيبه أحدًا} [الجن: 26]) من خلقه إلا من ارتضى من رسول أي إلا رسولاً قد ارتضاه لعلم بعض الغيب ليكون إخباره عن الغيب معجزة له فإنه يطلعه على غيبه ما شاء ومن رسول بيان لمن ارتضى. قال في الكشاف: وفي هذه الآية إبطال الكرامات لأن الذين تضاف إليهم الكرامات وإن كانوا أولياء مرتضين فليسوا برسل وقد خص الله الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب اهـ. وأجيب: بأن قوله على غيبه لفظ مفرد ليس فيه صيغة العموم فيكفي أن يقال: إن الله لا يظهر على غيب واحد من غيوبه أحدًا إلا الرسل فيحمل على وقت وقوع القيامة فكيف وقد ذكرها عقب قوله أقريب أم بعيد ما توعدون؟ وتعقب بأنه ضعيف لأن الرسل أيضًا لم يظهروا على ذلك. وقال البيضاوي: جوابه تخصيص الرسول بالملك والإظهار بما يكون من غير واسطة وكرامات الأولياء على المغيبات إنما تكون تلقيًا عن الملائكة كاطلاعنا على أحوال الآخرة بتوسط الأنبياء. وقال الطيبي: الأقرب تخصيص الاطلاع بالضعف والخفاء فإن اطلاع الله الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم على الغيب أمكن وأقوى من إطلاعه الأولياء يدل على حرف الاستعلاء في قوله: على غيبه فضمن يظهر معنى يطلع أي فلا يظهر الله على غيبه إظهارًا تامًّا وكشفًا جليًّا إلا من ارتضى من رسول، فإن الله تعالى إذا أراد أن يطلع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الغيب يوحي إليه أو يرسل إليه الملك. وأما كرامات الأولياء فهي من قبيل التلويحات واللمحات أو من جنس إجابة دعوة وصدق فراسة فإن كشف الأولياء غير تام كالأنبياء. (و) باب قول الله تعالى: ({إن الله عنده علم الساعة} [لقمان: 34]) أي وقت قيامها (و) قوله تعالى: ({أنزله بعلمه} [النساء: 166]) أي أنزله وهو عالم بأنك أهل بإنزاله إليك وأنك مبلغه أو أنزله بما علم من مصالح العباد وفيه نفي قول المعتزلة في إنكار الصفات فإنه أثبت لنفسه العلم وقوله تعالى: ({وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه} [فاطر: 11]) هو في موضع الحال أي إلا معلومة له، وقوله تعالى: ({إليه يردّ علم الساعة} [فصلت: 47]) أي علم قيامها يردّ إليه أي يجب على المسؤول أن يقول الله أعلم بذلك. (قال يحيى بن زياد): الفراء المشهور في كتاب معاني القرآن له (الظاهر على كل شيء علمًا والباطن على كل شيء علمًا) وقال غيره: الظاهر الجلي وجوده بآياته الباهرة في أرضه وسمائه والباطن المحتجب كنه ذاته عن نظر العقل بحجب كبريائه، وقيل الظاهر بالقدرة والباطن عن الفكرة، وقيل الظاهر بلا اقتراب والباطن بلا احتجاب. وقال الشيخ أبو حامد: اعلم أنه إنما خفي مع ظهوره لشدة ظهوره وظهوره سبب بطونه ونوره هو حجاب نوره، وقيل: الظاهر بنعمته والباطن برحمته. وقيل: الظاهر بما يفيض عليك من العطاء والنعماء، والباطن بما يدفع عنك من البلاء. وقيل: الظاهر لقوم فلذلك وحّدوه والباطن عن قوم فلذلك جحدوه. 7379 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَا فِى غَدٍ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِى الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ اللَّهُ». وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) القطواني الكوفي قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) أبو محمد مولى الصديق قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن دينار) المدني مولى ابن عمر (عن ابن عمر

-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله) أي أنه تعالى يعلم ما غاب عن العباد من الثواب والعقاب والآجال والأحوال جعل للغيب مفاتيح على طريق الاستعارة لأن المفاتيح يتوصل بها إلى ما في المخازن المستوثق منها بالإغلاق والإقفال، ومن علم مفاتيحها وكيفية فتحها توصل إليها فأراد أنه المتوصل إلى المغيبات المحيط علمه بها لا يتوصل إليها غيره فيعلم أوقاتها وما في تعجيلها وتأخيرها من الحكم فيظهرها على ما اقتضته حكمته وتعلقت به مشيئته، وفيه دليل على أنه تعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها والحكمة في كونها خمسًا الإشارة إلى حصر العوالم فيها فأشار إلى ما يزيد في النفس وينقص بقوله: (لا يعلم ما تغيض الأرحام إلاَّ الله) أي ما تنقصه يقال غاض الماء وغضته أنا وما تزداد أي ما تحمله من الولد على أي حال هو من ذكورة وأنوثة وعدد فإنها تشتمل على واحد واثنين وثلاثة وأربعة، أو جسد الولد فإنه يكون تامًّا ومخدجًا أو مدة الولادة فإنها تكون أقل من تسعة أشهر وأزيد عليها إلى أربع عند الشافعي، وإلى سنتين عند الحنفية، وإلى خمس عند مالك، وخص الرحم بالذكر لكون أكثر يعرفونها بالعادة، ومع ذلك نفى أن يعرف أحد حقيقتها نعم إذا أمر بكونه ذكرًا أو أنثى أشقيًا أو سعيدًا علم به الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء الله من خلقه. وأشار إلى أنواع الزمان وما فيها من الحوادث بقوله: (ولا يعلم ما في غد) من خير وشر وغيرهما (إلاّ الله) وعبّر بلفظ غد لأن حقيقته أقرب الأزمنة وإذا كان مع قربه لا يعلم حقيقة ما يقع فيه فما بعده أحرى. وأشار إلى العالم العلوي بقوله: (ولا يعلم متى يأتي المطر) ليلاً أو نهارًا (أحد إلا الله) نعم إذا أمر به علمته الملائكة الموكلون به ومن شاء الله من خلقه. وأشار إلى العالم السفلي بقوله: (ولا تدري نفس بأيّ أرض تموت إلا الله) أي أين تموت، وربما أقامت بأرض وضربت أوتادها. وقالت: لا أبرح منها فترمي بها مرامي القدر حتى تموت في مكان لم يخطر ببالها كما روي أن ملك الموت مرّ على سليمان بن داود عليهما السلام فجعل ينظر إلى رجل من جلسائه يديم النظر إليه فقال الرجل: من هذا؟ فقال: ملك الموت. فقال: كأنه يريدني فمرّ الريح أن تحملني وتلقيني بالهند ففعل فقال ملك الموت: كان دوام نظري تعجبًا منه إذ أمرت أن أقبض روحه بالهند وهو عندك. وفي الطبراني الكبير عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما جعل الله منية عبد بأرض إلا جعل له فيها حاجة وإنما جعل العلم لله والدراية للعبد" لأن في الدراية معنى الحيلة، والمعنى أنها أي النفس لا تعرف وإن أعملت حيلتها ما يختص بها ولا شيء أخص بالإنسان من كسبه وعاقبته فإذا لم يكن له طريق إلى معرفتهما كان من معرفة ما عداهما أبعد، وأما المنجم الذي يخبر بوقت الغيب والموت فإنه يقول بالقياس والنظر في المطالع وما يدرك بالدليل لا يكون غيبًا على أنه مجرد الظن والظن غير العلم والله تعالى أعلم. وأشار إلى علوم الآخرة بقوله: (ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله) فلا يعلم ذلك نبي مرسل ولا ملك مقرّب. ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة، والحديث سبق في آخر الاستسقاء. 7380 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ وَهْوَ يَقُولُ: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَقَدْ كَذَبَ، وَهْوَ يَقُولُ: (لاَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ). وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) بن واقد الفريابي الضبي مولاهم محدّث قيسارية قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن إسماعيل) بن أبي خالد البجلي (عن الشعبي) عامر بن شراحيل أحد الأعلام قال: أدركت خمسمائة من الصحابة وما كتبت سوداء في بيضاء ولا حدّثت بحديث إلا حفظته (عن مسروق) أي ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: من حدّثك أن محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى ربه) ليلة المعراج (فقد كذب) قالته رأيًا باجتهادها لقوله: (وهو) أي الله تعالى (يقول) في سورة الأنعام: ({لا تدركه الأبصار} [الأنعام: 103]) وأجاب المثبتون بأن معنى الآية لا تحيط به الأبصار أو لا تدركه الأبصار وإنما يدركه المبصرون أو لا تدركه في الدنيا لضعف تركيبها في الدنيا فإذا كان في الآخرة خلق الله تعالى فيهم قوة يقدرون بها على الرؤية،

5 - باب قول الله تعالى: {السلام المؤمن} [الحشر: 23]

وفي كتابي المواهب من مباحث ذلك ما يكفي. (ومن حدّثك أنه يعلم الغيب فقد كذب) والضمير في أنه يعلم للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعطفه على قوله: من حدثك أن محمدًا وصرح به فيما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان من طريق عبد ربه بن سعد عن داود عن أبي هند عن الشعبي بلفظ: أعظم الفرية على الله من قال إن محمدًا رأى ربه وأن محمدًا كتم شيئًا من الوحي وأن محمدًا يعلم ما في غد (وهو) تعالى (يقول: (لا يعلم الغيب إلا الله)) والآية {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} [النمل: 65] وجاز مثل ذلك لأنه ليس الغرض القراءة ولا نقلها وقول الداودي ما أظن قوله في هذا الطريق من حدّثك أن محمدًا يعلم الغيب محفوظًا وما أحد يدعي أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يعلم من الغيب إلا ما علمه الله متعقب بأن بعض من لم يرسخ في الإيمان كان يظن ذلك حتى كان يرى أن صحة النبوة تستلزم اطلاع النبي جميع المغيبات، ففي مغازي ابن إسحاق أن ناقته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضلت فقال ابن الصليت بالصاد المهملة آخره مثناة بوزن عظيم: يزعم أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن رجلاً يقول كذا وكذا وإني والله لا أعلم إلا ما علمني الله وقد دلني الله عليها وهي في شعب كذا قد حبستها شجرة فذهبوا فجاؤوا بها فأعلم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله، والغرض من الباب إثبات صفة العلم وفيه ردّ على المعتزلة حيث قالوا: إنه عالم بلا علم. قال العبري: وكتبهم شاهدة بتعليل عالمية الله تعالى بالعلم كما يقول به أهل السُّنَّة لكن النزاع في أن ذلك العلم المعلل به هل هو عين الذات كما يقول المعتزلة أو لا كما يقول أهل السُّنّة ثم إن علمه تعالى شامل لكل معلوم جزئيات وكليات قال تعالى: {أحاط بكل شيء علمًا} [الطلاق: 12] أي علمه أحاط بالمعلومات كلها. وقال تعالى: {عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة} [سبأ: 3] الآية. وأطبق المسلمون على أنه تعالى يعلم دبيب النملة السوداء في الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وأن معلوماته لا تدخل تحت العلة والإحصاء وعلمه محيط بها جملة وتفصيلاً، وكيف لا وهو خالقها ألا يعلم من خلق، وضلت الفلاسفة حيث زعموا أنه يعلم الجزئيات على الوجه الكلي لا الجزئي. وحديث الباب سبق في التفسير. 5 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ} [الحشر: 23] (باب قول الله تعالى: {السلام}) سقط لفظ باب لغير أبي ذر، والسلام هو مصدر نعت به. والمعنى ذو السلامة من النقائص والبراءة من العيوب والفرق بينه وبين القدوس أن القدوس يدل على براءة الشيء من نقص تقتضيه ذاته فإن القدس طهارة الشيء في نفسه، والسلام يدل على نزاهته عن نقص يعتريه لعروض آفة أو صدور فعل، وقيل معنى السلام مالك تسليم العباد من المخاوف والمهالك فيرجع إلى القدرة فيكون من صفات الذات، وقيل ذو السلام على المؤمنين في الجنان كما قال تعالى: {سلام قولاً من رب رحيم} [يس: 58] فيكون مرجعه إلى الكلام القديم ووظيفة العارف أن يتخلق به بحيث يسلم قبله عن الحقد والحسد وإرادة الشر وقصد الخيانة وجوارحه عن ارتكاب المحظورات واقتراف الآثام ({المؤمن} [الحشر: 23]) هو الذي آمن أولياءه عذابه يقال آمنه يؤمنه فهو مؤمن وقيل المصدق لرسله بإظهار معجزته عليهم ومصدق المؤمنين ما وعدهم من الثواب ومصدق الكافرين ما أوعدهم من العقاب، وقال مجاهد: المؤمن الذي وجد نفسه بقوله: شهد الله أنه لا إله إلا الله. 7381 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ، حَدَّثَنَا شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُنَّا نُصَلِّى خَلْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَقُولُ: السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ، وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِىُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي قال: (حدّثنا زهير) بضم الزاي مصغرًا ابن معاوية الجعفي قال: (حدّثنا مغيرة) بن المقسم بكسر الميم قال: (حدّثنا شقيق بن سلمة) أبو وائل الأسدي الكوفي المخضرم (قال: قال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (كنا نصلي خلف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنقول) في التشهد (السلام على الله) أي من عباده كما في الرواية الأخرى (فقال) لنا (النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما فرغ من الصلاة: (إن الله هو السلام) فأنكر التسليم على الله، وبين أن ذلك عكس ما يجب أن يقال فإن كل سلام ورحمة له ومنه فهو

6 - باب قول الله تعالى: {ملك الناس} [الناس: 2]

مالكها ومعطيها. وقال ابن الأنباري: أمرهم أن يصرفوه إلى الخلق لحاجتهم إلى السلامة وغناه سبحانه وتعالى عنها (ولكن قولوا التحيات لله) جمع تحية وهي تفعلة من الحياة بمعنى الإحياء والتبقية واللام في لله للاختصاص أو المراد كل ما تعظّم به الملوك له فاللام للاستحقاق (والصلوات) المعهودات في الشرع واجبة (والطيبات) ما طاب من الكلام وحسن أن يثنى به على الله أو ذكر الله مستحق لله (السلام عليك) مبتدأ حذف خبره أي السلام عليك موجود (أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) إنما أعاد حرف الجر ليصح العطف على الضمير المجرور والصالحين نعت لعباد، والصالح هو القائم بحقوق الله تعالى وحقوق العباد (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله) معطوف على سابقه ورسوله فعول بمعنى مرسل وفعول بمعنى مفعل قليل. قال ابن عطية: العرب تجري رسول مجرى المصدر فتصف به الجمع والواحد والمؤنث، ومنه قوله تعالى: {أنا رسول ربك} [مريم: 19]. والحديث سبق في الصلاة بأتم من هذا. 6 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مَلِكِ النَّاسِ} [الناس: 2] فِيهِ ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. (باب قول الله تعالى) وسقط لغير أبي ذر لفظ باب ({ملك الناس} [الناس: 2]) الملك معناه ذو الملك، وهو إذا كان عبارة عن التصرف في الأشياء بالخلق والإبداع والإماتة والأحياء كان من أسماء الأفعال كالخالق، وعن بعض المحققين الملك الحق هو الغني مطلقًا في ذاته وفي صفاته عن كل ما سواه ويحتاج إليه كل ما سواه إما بواسطة أو بغير واسطة فهو بتقدير منفرد وبتدبير متوحد ليس لأمره مردّ ولا لحكمه ردّ، أما العبد فإنه محتاج في الوجود إلى الغير والاحتياج مما ينافي الملك، فلا يمكن أن يكون له ملك مطلق والملك يختص عرفًا بمن يسوس ذوي العقول ويدبر أمورهم فلذلك تقول ملك الناس، ولا يقال ملك الأشياء ووظيفة العارف من هذا الاسم أن يعلم أنه هو المستغني على الإطلاق عن كل شيء وما عداه مفتقر إليه في وجوده وبقائه مسخر لحكمه وقضائه فيستغني عن الناس رأسًا ولا يرجو ولا يخاف إلا إياه ويتخلق به بالاستغناء عن الغير. قال في الكشاف، فإن قلت: هلا اكتفى بإظهار المضاف إليه مرة واحدة؟ قلت: لأن عطف البيان للبيان فكان مظنّة للإظهار فلهذا كرر لفظ الناس، لأن عطف البيان يحتاج إلى مزيد الإظهار ولأن التكرير يقتضي مزيد شرف الناس وأنهم أشرف المخلوقات. وقال الإمام فخر الدين: وإنما بدأ بذكر الرب وهو اسم لمن قام بتدبيره وإصلاحه من أوائل نعمه وإلى أن رباه وأعطاه العقل فحينئذ عرف بالدليل أنه عبد مملوك وهو مالك فثنّى بذكر الملك، ولما علم أن العبادة لازمة له وعرف أنه معبود مستحق لتلك العبادة عرفه بأنه إله فلهذا ختم به. (فيه) أي في هذا الباب (ابن عمر) أي حديثه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). مما وصله في باب قول الله تعالى: {لما خلقت بيدي} [ص: 75] الآتي إن شاء الله تعالى بعد اثني عشر بابًا بلفظ: إن الله يقبض يوم القيامة الأرض وتكون السماوات بيمينه ثم يقول: أنا الملك. 7382 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَطْوِى السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ»؟ وَقَالَ شُعَيْبٌ وَالزُّبَيْدِىُّ وَابْنُ مُسَافِرٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر الطبري المصري الحافظ قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري قال: (أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلى (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد) زاد أبو ذر هو ابن المسيب (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أنه (قال): (يقبض الله الأرض) بأن يجمعها حتى تصير شيئًا واحدًا ويبيدها (يوم القيامة ويطوي السماء) يفنيها (بيمينه) بقدرته (ثم يقول) جلّ جلاله (أنا الملك) أي ذو الملك على الإطلاق فلا ملك لغيره في الدارين (أي ملوك الأرض). وفي الحديث إثباث اليمين صفة لله تعالى من صفات ذاته وليست جارحة خلافًا للمجسمة. وسبق في باب يقبض الله الأرض من الرقاق. (وقال شعيب) هو ابن أبي حمزة فيما وصله الدارمي (والزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة محمد بن الوليد مما وصله ابن خزيمة (وابن مسافر) عبد الرحمن بن عوف مما سبق موصولاً في تفسير سورة الزمر (وإسحاق بن يحيى) الكلبي فيما وصله الذهلي في الزهريات أربعتهم

7 - باب قول الله تعالى:

(عن الزهري عن أبي سلمة). وفيه أنه اختلف على ابن شهاب الزهري في شيخه فقال يونس بن سعيد بن المسيب، وقال الآخرون أبو سلمة. وكلٌّ منهما يرويه عن أبي هريرة. ونقل ابن خزيمة عن محمد بن يحيى الذهلي أن الطريقين محفوظان. قال في الفتح: وصنيع البخاري يقتضي ذلك وإن كان الذي تقتضيه القواعد ترجيح رواية شعيب لكثرة من تابعه، لكن يونس كان من خواص الزهري الملازمين له، وزاد أبو ذر بعد قوله عن أبي سلمة مثله أي مثل الحديث السابق. 7 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَهْوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت: 42] {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180] {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ} [المنافقون: 8]. وَمَنْ حَلَفَ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ. وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَقُولُ جَهَنَّمُ قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ». وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولاً الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِى عَنِ النَّارِ لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكَ ذَلِكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ». وَقَالَ أَيُّوبُ: «وَعِزَّتِكَ لاَ غِنَى بِى عَنْ بَرَكَتِكَ». (باب قول الله تعالى: {وهو العزيز}) الغالب من قولهم عزّ إذا غلب ومرجعه إلى القدرة المتعالية عن المعارضة فمعناه مركب من وصف حقيقي ونعت تنزيهي وقيل القوي الشديد من قولهم عز يعز إذا قوي واشتد منه قوله تعالى: {فعززنا بثالث} [يس: 14] وقيل عديم المثل فيكون من أسماء التنزيه، وقيل هو الذي تتعذر الإحاطة بوصفه ويعسر الوصول إليه، وقيل العزيز من ضلت العقول في بحار عظمته وحارت الألباب دون إدراك نعته وكلّت الألسن عن استيفاء مدح جلاله ووصف جماله وحظ العارف منه أن يعز نفسه فلا يستهينها بالمطامع الدنيئة ولا يدنسها بالسؤال من الناس والافتقار إليهم ({الحكيم} [العنكبوت: 42]) ذو العلم القديم المطابق للمعلوم مطابقة لا يتطرق إليها خفاء ولا شبهة وأنه أتقن الأشياء كلها فالحكمة صفة من صفات الذات يظهرها الفعل وتعبر عنها المحكمات وتشهد لها العقول بما شاهدته في الموجودات كغيرها من صفات الحق، فتأمل ذلك في مسالك أفعاله ومجاري تدبيره وترتيب ملكه وملكوته وقيام الأمر كله به، وتطلب آثار ذلك في خلقه في السماوات والأرض وما فيهن ما بينهن من أفلاك ونجوم وشمس وقمر وتدبير ذلك وتقديره بأمر محكم مع دؤوب اختلاف الليل والنهار وتقلبهما وإيلاج كل واحد منهما في قرينه وتكويرهما بعضهما على بعض وما يحدثه عن ذلك من العجائب المبدعات والآيات البينات بإحكام متناسق وحكم مستمرة الوجود إلى غير ذلك من سائر أفعاله المتقنة وبدائعه المحكمة، ممّا يكلّ دونه النظر وينحسر دونه البصر ويزيد على القول ويربو على الوصف ولا يدرك كنهه العقول ولا يحيط به سوى اللوح المحفوظ، وأول موضع وقع فيه وهو العزيز الحكيم في سورة إبراهيم. وأما مطلق العزيز الحكيم فأول ما وقع في البقرة في دعاء إبراهيم لأهل مكة. قال في اللباب: والعزيز هو الغالب الذي لا يغلب والحكيم هو العليم الذي لا يجهل شيئًا وهما بهذين التفسيرين صفة للذات وإن أريد بالعزيز أفعال العزة وهو الامتناع من استيلاء الغير عليه، وأريد بالحكمة أفعال الحكمة لم يكونا من صفات الذات بل من صفات الفعل والفرق بينهما أن صفات الذات أزلية وصفات الفعل ليست كذلك. وقوله تعالى: ({سبحان ربك رب العزة عما يصفون}) [الصافات: 18] من الولد والصاحبة والشريك وثبت لأبي ذر والأصيلي عما يصفون، وأضيف الرب إلى العزة لاختصاصه بها كأنه قيل ذو العزة كما تقول صاحب صدق لاختصاصه بالصدق ويجوز أن يراد أنه ما من عزة لأحد إلا وهو ربها ومالكها كقوله: {تعز من تشاء} [آل عمران: 26] وقوله تعالى: {ولله العزة ولرسوله} [المنافقون: 8]) أي ولله المنعة والقوة ولمن أعز من رسوله والمؤمنين، وعزة كل واحد بقدر علو مرتبته فعزة الرسول بما خصّه الله به من الخصائص التي لا تحصى، والبراهين التي لا تستقصى، وعزة المؤمنين بما ورثوه من العلم النبوي وهم في ذلك متفاوتون بقدر ميراثهم من ذلك العلم والهداية للخلق إلى الحق، والعزيز من لا تناله أيدي الشياطين ولا تبلغه رعونات الشهوات فتذلل هداك الله لعزته وتضاءل لعظمته، وتضرّع إليه في خلواتك عساه يهب لك عزًّا لا ذلّ يصحبه وشرفًا لا ضعة تتخلله ثم تذلل لأوليائه وأهل طاعته وتعزّز على كل جبار عنيد (ومن حلف بعزة الله وصفاته). والعزة تحتمل كما قال ابن بطال: أن تكون صفة ذات بمعنى القدرة والعظمة فيحنث وأن تكون صفة فعل بمعنى القهر لمخلوقاته فلا يحنث. نعم إذا أطلق الحالف انصرف إلى صفة الذات وانعقدت اليمين وللمستملي

وسلطانه بدل قوله وصفاته. (وقال أنس) -رضي الله عنه- في حديث موصول سبق في تفسير سورة ق (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: تقول جهنم) تنطق كإنطاق الجوارح (قط قط) بفتح القاف وكسر الطاء أو سكونها فيهما أي حسب (وعزتك) مجرور بواو القسم. (وقال أبو هريرة) في حديث سبق موصولاً في الرقاق (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال (يبقى رجل) اسمه جهينة (بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة فيقول: رب) ولأبي ذر يا رب (اصرف وجهي عن النار) زاد في أواخر الرقاق فيقول لعلك إن أعطيتك أن تسأل غيره فيقول (لا وعزتك لا أسألك غيرها) أي غير هذه المسألة. (قال أبو سعيد) الخدري (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: قال الله عز وجل لك ذلك وعشرة أمثاله) فيه أن أبا سعيد وافق أبا هريرة على رواية الحديث المذكور إلا في قوله عشرة أمثاله فإن في حديث أبي هريرة كما في الرقاق فيقول الله هذا لك ومثله معه، وسبق مبحثه والله الموفق. (وقال أيوب) صلوات الله وسلامه عليه فيما سبق موصولاً في الغسل من كتاب الطهارة وغيره لما خرّ عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحثي في ثوبه فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى (وعزتك لا غنى بي عن بركتك) بكسر الغين المعجمة وفتح النون مقصورًا ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لا غناء بالهمز ممدودًا الكفاية، وفي اليونينية عناء بغير نقطة على العين مع المدّ وفي الفرع التنكزي عناء بزيادة عين تحتها علامة الإهمال، وفي آخر غناء بالمعجمة فليحرر. 7383 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ: «أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ الَّذِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الَّذِى لاَ يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ». وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المقعد المنقري البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي مولاهم البصري التنوري الحافظ قال: (حدّثنا حسين المعلم) بن ذكوان البصري قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة ابن الحصيب الأسلمي أبو سهل المروزي قاضيها (عن يحيى بن يعمر) بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه البصري نزيل مرو وقاضيها (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول): (أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت الذي لا يموت) بلفظ الغائب وفي رواية اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني أنت الحيّ الذي لا يموت (والجن والإنس يموتون) وكلمة تضلني الزائدة في هذه الرواية متعلقة بأعوذ أي من أن تضلني وكلمة التوحيد معترضة لتأكيد العزة واستغنى عن ذكر عائد الموصول لأن نقش المخاطب هو المرجوع إليه وبه يحصل الارتباط وكذلك المتكلم نحو: أنا الذي سمتني أمي حيدرة ولا يقال إن مفهوم قوله والجن والإنس يموتون لأنه مفهوم لقب ولا اعتبار به. والحديث أخرجه مسلم في الدعاء والنسائي في النعوت. 7384 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا حَرَمِىٌّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يُلْقَى فِى النَّارِ». وَقَالَ لِى خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ مُعْتَمِرٍ سَمِعْتُ أَبِى عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَزَالُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ثُمَّ تَقُولُ: قَدْ قَدْ بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلاَ تَزَالُ الْجَنَّةُ تَفْضُلُ حَتَّى يُنْشِئَ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا فَيُسْكِنَهُمْ فَضْلَ الْجَنَّةِ». وبه قال: (حدّثنا ابن أبي الأسود) هو عبد الله بن محمد بن الأسود أبو بكر البصري الحافظ قال: (حدّثنا حرمي) بفتح الحاء المهملة والراء وكسر الميم بعدها ياء النسبة ابن عمارة بضم العين وتخفيف الميم ابن أبي حفصة نابت بنون وموحدة ثم مثناة العتكي مولاهم قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يلقى) بضم أوله وفتح ثالثه بينهما لام ساكنة ولأبي ذر لا يزال يلقى (في النار). قال المؤلف: (وقال خليفة) بن خياط (حدّثنا يزيد بن زريع) أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة (عن قتادة عن أنس) -رضي الله عنه- (وعن معتمر) بضم الميم الأولى وكسر الثانية ابن سليمان التيمي وهو معطوف على قوله حدّثنا يزيد بن زريع فهو موصول أي، وقال لي خليفة أيضًا عن معتمر وبهذا جزم أصحاب الأطراف أنه قال: (سمعت أبي) سليمان (عن قتادة عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يزال يلقى فيها) أي العصاة في النار (و) هي (تقول هل من مزيد) مصدر كالمجيد أي أنها تقول بعد امتلائها هل من مزيد أي هل بقي فيّ موضع لم يمتلئ يعني قد امتلأت أو أنها تستزيد

8 - باب قول الله تعالى: {وهو الذى خلق السموات والأرض بالحق} [الأنعام: 73]

وفيها موضع للمزيد وإسناد القول إليها حقيقة بأن يخلق الله فيها القول أو مجاز (حتى يضع فيها رب العالمين قدمه) أي من قدمه لها من أهل العذاب أو ثمة مخلوق اسمه القدم أو المراد تذليلها كتذليل من يوضع تحت الرجل والعرب تضع الأمثال بالأعضاء ولا تريد أعيانها (فينزوي) بالنون والزاي فيجتمع وينقبض (بعضها إلى بعض ثم تقول: قد قد) بفتح القاف وسكون الدال وتكسر فيهما أي حسبي حسبي قد اكتفيت (بعزتك وكرمك ولا تزال الجنة تفضل) عن الداخلين فيها ولأبي ذر عن المستملي بفضل بموحدة بدل الفوقية وفتح الفاء وسكون الضاد (حتى ينشئ الله لها خلقًا فيسكنهم فضل الجنة) الذي بقي منها. وقد ساق المؤلف هذا الحديث هنا من ثلاثة طرق عن قتادة وسبق لفظ شعبة في تفسير سورة ق وساقه هنا على لفظ خليفة ويستنبط منه مشروعية الحلف بكرم الله كما في الحلف بعزة الله. ومطابقة الحديث ظاهرة. 8 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} [الأنعام: 73] (باب قول الله تعالى): وسقط باب لغير أبي ذر ({وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق} [الأنعام: 73]) أي بكلمة الحق وهي قول كن وقال ابن عادل في لبابه قيل الباء بمعنى اللام أي إظهارًا للحق لأنه جعل صنعه دليلاً على وحدانيته فهو نظير قوله تعالى: {ما خلقت هذا باطلاً} [آل عمران: 191] اهـ. وهذا نقله السفاقسي عن الداودي، وتعقب بأن النحاة ذكروا للباء أربعة عشر معنى ليس منها أنها تأتي بمعنى اللام والحق في الأسماء الحسنى معناه كما قاله أبو الحكم عبد السلام بن برجان الواجب الوجود بالبقاء الدائم والدوام المتوالي الجامع للخير والمجد والمحامد كلها والثناء الحسن والأسماء الحسنى والصفات العلى. قال: ومعنى قولنا واجب الوجود أنه اضطر جميع الموجودات إلى معرفة وجوده وألزمها إيجاده إياها قال تعالى: وقد ذكر دلائله واستشهاده ببيناته ذلك بأن الله هو الحق، وإنه يحيي الموتى، وأنه على كل شيء قدير، فأوجب عن واجب وجوده أنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن وجود كل ذي وجود عن وجوده ثم قال: {وأن ما يدعون من دونه هو الباطل} [الحج: 62] أي لا وجود له إذ ليس له في الوجود وجود البتة فاستحال لذلك وجوده، فالموجودات من حيث إنها ممكنة لا وجود لها في حد ذاتها ولا ثبوت لها من قبل أنفسها وإياه عنى الشاعر بقوله: ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل ولما أظهر جملة المخلوقات التي خلقها بالحق وللحق. قال: خلق الله السماوات والأرض بالحق فظهر الحق بعضه لبعض، ودل عليه به فالله تعالى هو الحق المبين وجوده الحق، وقوله الحق وقدرته الحق وعلمه الحق وإرادته الحق وصفاته العلى الحق وأسماؤه كلها الحق، وأوجد فعله الحق بكلمته الحق، فالحق بوجوب وجوده وعموم حقيقته قد ملأ أركان الوجود كلها وشمل نواحي العلم وأطبق على أقطار التفكير فلم يكن للباطل من الوجود نصيب. 7385 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو مِنَ اللَّيْلِ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قَوْلُكَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِى لاَ إِلَهَ لِى غَيْرُكَ». وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف ابن عقبة السوائي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري عن ابن جريج) عبد الملك (عن سليمان) بن مسلم الأحول (عن طاوس) الإمام أبي عبد الرحمن بن كيسان وقيل اسمه ذكوان (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعو من الليل) أي إذا تهجد من الليل. (اللهم لك الحمد أنت رب السماوات والأرض ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن). وفي رواية قيام وفي أخرى قيوم وهي من أبنية المبالغة والقيم معناه القائم بأمور الخلق ومدبرهم ومدبر العالم في جميع أحواله والقيوم هو القائم بنفسه مطلقًا لا بغيره ويقوم به كل موجود حتى لا يتصور وجود الشيء ولا دوام وجوده إلا به. وقال التوربشتي: معناه أنت الذي تقوم بحفظهما وحفظ من أحاطتا به واشتملتا عليه وقال ومن تغليبًا للعقلاء على غيرهم، ولأبي ذر: وما فيهن (لك الحمد أنت نور السماوات والأرض) أي ذو نور السماوات ونور الأرض وأضاف النور إليهما للدلالة على سعة إشراقه

9 - باب قول الله تعالى: {وكان الله سميعا بصيرا} [النساء: 134]

وفشوّ إضاءته حتى تضيء له السماوات والأرض وجاز أن يراد أهل السماوات والأرض وأنهم يستضيؤون به (قولك الحق) أي مدلوله ثابت (ووعدك الحق) الثابت المتحقق وجوده فلا يدخله خلف ولا شك وعطف الوعد على القول وهو قول فهو من عطف الخاص على العام (ولقاؤك حق) أي رؤيتك في الدار الآخرة حيث لا مانع (والجنة حق والنار حق) كلٌّ منهما موجود (والساعة حق) قيامها (اللهم لك أسلمت) انقدت لأمرك ونهيك (وبك آمنت) صدقت بك وبما أنزلت (وعليك توكلت) أي فوّضت أموري كلها (وإليك أنبت) رجعت مقبلاً بقلبي عليك (ولك) أي بما آتيتني من البراهين والحجج (خاصمت) من خاصمني من الكفار (وإليك حاكمت) كل من أبى قبول ما أرسلتني به (فاغفر لي ما قدمت وما أخرت) وسقط لفظ ما الثانية في رواية أبي ذر (وأسررت وأعلنت) بغير ما فيهما وقاله تواضعًا أو تعليقًا لنا (أنت إلهي لا إله لي غيرك). ومطابقة الحديث للترجمة في قوله أنت رب السماوات والأرض أي أنت مالكهما وخالقهما. والحديث سبق في صلاة الليل وفي الدعوات. 0000 - حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بِهَذَا وَقَالَ: أَنْتَ الْحَقُّ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ. وبه قال: (حدّثنا ثابت بن محمد) العابد الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (بهذا) السند والمتن المذكورين (وقال: أنت الحق) أي المتحقق وجوده (وقولك الحق) وهذا يأتي إن شاء الله تعالى في قوله باب قوله تعالى: {وجوه يومئذٍ ناضرة} [القيامة: 22]. 9 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 134] وَقَالَ الأَعْمَشُ عَنْ تَمِيمٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا} [المجادلة: 1]. (باب) بالتنوين ({وكان الله سميعًا بصيرا} [النساء: 134]) ولغير أبي ذر قول الله تعالى بالرفع {وكان الله سميعًا بصيرًا} وقد علم بالضرورة من الدين، وثبت في الكتاب والسُّنّة بحيث لا يمكن إنكاره ولا تأويله أن الباري تعالى حي سميع بصير وانعقد إجماع أهل الأديان بل جميع العقلاء على ذلك، وقد يستدل على الحياة بأنه عالم قادر وكل عالم قادر حي بالضرورة وعلى السمع والبصر بأن كل حي يصح كونه سميعًا بصيرًا وكل ما يصح للواجب من الكمالات يثبت بالعقل لبراءته عن أن يكون له ذلك بالقوة والإمكان وعلى الكل بأنها صفات كمال قطعًا، والخلو عن صفات الكمال في حق من يصح اتصافه بها نقص وهو على الله تعالى مُحال. قال تعالى: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} [الأنعام: 83] وقد ألزم عليه السلام أباه الحجة بقوله: {لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر} [مريم: 42] فأفاد أن عدمهما نقص لا يليق بالمعبود ولا يلزم من قدمهما قدم المسموعات والمبصرات كما لا يلزم من قدم العلم قدم المعلومات لأنها صفات قديمة يحدث لها تعلقات بالحوادث، ولا يقال إن معنى سميع وبصير عليم لأنه يلزم منه كما قال ابن بطال التسوية بين الأعمى الذي يعلم أن السماء خضراء ولا يراها والأصم الذي يعلم أن في الناس أصواتًا ولا يسمعها، فقد صح أن كونه سميعًا بصيرًا يفيد قدرًا زائدًا على كونه عليمًا وكونه سميعًا بصيرًا يتضمن أنه يسمع بسمع ويبصر ببصر كما تضمن كونه عليمًا أنه يعلم بعلم، وقد أطلق تعالى على نفسه الكريمة هذه الأسماء خطابًا لمن هو من أهل اللغة، والمفهوم في اللغة من عليم ذات له علم بل يستحيل عندهم عليم بلا علم كاستحالته بلا معلوم فلا يجوز صرفه عنه إلا لقاطع عقلي يوجب نفيه. وقد أجيب عن قول المعتزلي بأن السمع ينشأ عن وصول الهواء المسموع إلى العصب المفروش في أصل الصماخ والله منزّه عن الجوارح بأن ذلك عادة أجراها الله تعالى فيمن يكون حيًّا فيخلقه الله عند وصول الهواء إلى المحل المذكور، والله تعالى يسمع المسموعات بدون الوسائط، وكذا يرى المرئيات بدون المقابلة وخروج الشعاع فذاته تعالى مع كونه حيًّا موجودًا لا تشبه الذوات فكذلك صفات ذاته لا تشبه الصفات فيسمع ويبصر بلا جارحة حدقة وأذن بمرأى منه خفاء الهواجس وبمسمع منه صوت أرجل النمل على الصخرة الملساء وحظ العبد من هذين الاسمين أن يتحقق أنه بمسمع من الله ومرأى منه فلا يستهين باطّلاعه عليه ونظره إليه ويراقب مجامع أحواله من مقاله وأفعاله قيل إذا عصيت مولاك فاعص في موضع لا يراك. (وقال الأعمش) سليمان بن مهران فيما وصله أحمد والنسائي (عن تميم) أي ابن

سلمة الكوفي (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات) أي أدرك سمعه الأصوات وليس المراد من الوسع ما يفهم من ظاهره لأن الوصف بذلك يؤدي إلى القول بالتجسيم فيجب صرفه عن ظاهره إلى ما يقتضي الدليل صحته (فأنزل الله تعالى على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} [المجادلة: 1]) كذا اختصره، وتمامه كما عند أحمد بعد قوله الأصوات: لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تكلمه في جانب البيت ما أسمع ما تقول فأنزل الله الآية. وعند ابن ماجة وابن أبي حاتم أن عائشة قالت: تبارك الذي أوعى سمعه كل شيء إني أسمع كلام خولة ويخفى عليّ بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي تقول له: يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك. قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية. 7386 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى سَفَرٍ، فَكُنَّا إِذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا فَقَالَ: «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا قَرِيبًا». ثُمَّ أَتَى عَلَىَّ وَأَنَا أَقُولُ فِى نَفْسِى لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ فَقَالَ لِى: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ -أَوْ قَالَ- أَلاَ أَدُلُّكَ بِهِ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم (عن أيوب) السختياني (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ النهدي (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تعيينه (فكنا إذا علونا) شرفًا (كبرنا) الله تعالى نقول الله أكبر نرفع أصواتنا بذلك (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنا: (اْربعوا) بوصل الهمزة وفتح الموحدة وقال السفاقسي رويناه بكسرها (على أنفسكم) أي ارفقوا بها لا تبالغوا في رفع أصواتكم أو لا تعجلوا (فإنكم لا تدعون) بسكون الدال (أصم ولا غائبًا) ولم يقل ولا أعمى حتى يناسب أصم لأن الأعمى غائب عن الإحساس بالمبصر والغائب كالأعمى في عدم رؤيته ذلك المبصر فنفى لازمه ليكون أبلغ وأعم قاله في الكواكب (تدعون) وفي الدعوات لكن تدعون (سميعًا بصيرًا قريبًا) وهذا كالتعليل لقوله لا تدعون أصم قال أبو موسى (ثم أتى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عليَّ) بالتشديد (وأنا أقول في نفسي لا حول ولا قوّة إلا بالله فقال لي يا عبد الله بن قيس قل: لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة). أي كالكنز في نفساته (أو قال: ألا أدلك به). أي ببقية الخبر والشك من الراوي. والحديث سبق في باب الدعاء إذا علا عقبة من كتاب الدعوات بهذا الإسناد والمتن. 7387 - 7388 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى عَمْرٌو، عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِى الْخَيْرِ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رضى الله عنه - قَالَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِى دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِى صَلاَتِى قَالَ: «قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ فَاغْفِرْ لِى مِنْ عِنْدِكَ مَغْفِرَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) بن يحيى بن سعيد الجعفي أبو سعيد الكوفي نزيل مصر قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (ابن وهب) عبد الله قال: (أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن الحارث البصري (عن يزيد) من الزيادة ابن أبي حبيب سوي (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله بفتح الميم والمثلثة أنه (سمع عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاصي (أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا) بالمثلثة على المشهور من الرواية ووقع بالموحدة للقابسي أي بملابستها ما يوجب عقوبتها (ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي من عندك مغفرة) عظيمة وفائدة قوله من عندك الدلالة على التعظيم أيضًا لأن عظمة المعطي تستلزم عظمة العطاء (إنك أنت الغفور الرحيم). ومناسبة الحديث للترجمة كما أشار إليه ابن بطال أن دعاء أبي بكر بما علمه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقتضي أن الله تعالى يسمع لدعائه ويجازيه عليه، وقال آخر: حديث أبي بكر -رضي الله عنه- ليس مطابقًا للترجمة إذ ليس فيه ذكر صفتي السمع والبصر لكنه ذكر لازمها من جهة أن فائدة الدعاء إجابة الداعي لمطلوبه والدعاء في الصلاة يطلب فيه الإسرار، فلولا أن سمعه تعالى يتعلق بالسر كما يتعلق بالجهر لما حصلت فائدة الدعاء. وقال في الكواكب: لما كان بعض الذنوب مما يسمع وبعضها مما يبصر لم يقع مغفرة إلا بعد الإسماع والإبصار حكاه في فتح الباري. والحديث سبق في باب الدعاء قبل السلام من كتاب الصلاة، وفي كتاب الدعوات.

10 - باب قول الله تعالى: {قل هو القادر} [الأنعام: 65]

7389 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - حَدَّثَتْهُ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ نَادَانِى قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ». وبه قال: (حدّثني عبد الله بن يوسف) التنسي قال: (أخبرنا ابن وهب) عبد الله قال: (أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (حدّثني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (أن عائشة -رضي الله عنها- حدّثته) فقالت (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن جبريل عليه السلام ناداني) لما رجعت من الطائف ولم يقبل قومي ما دعوتهم إليه من التوحيد (قال إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك) أي جوابهم لك وردهم عليك وعدم قبولهم الإسلام. والحديث سبق بأتم من هذا في بدء الخلق. 10 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ} [الأنعام: 65] (باب قول الله تعالى: {قل هو القادر} [الأنعام: 65]) بالذات والمقتدر على جميع الممكنات وما عداه فإنما يقدر بإقداره على بعض الأشياء في بعض الأحوال فحقيق به أنه لا يقال إنه قادر إلا مقيدًا أو على قصد التقييد قال الشيخ أبو القاسم القشيري ومن عرف أنه قادر على الكمال خشي سطوات عقوبته عند ارتكاب مخالفته وأمّل لطائف رحمته وزوائد نعمته عند سؤال حاجته لا بوسيلة طاعته لكن بكرمه ومنته، ولأبي ذر باب قوله: {قل هو القادر} وفي نسخة سقوط الباب فالتالي رفع. 7390 - حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى الْمَوَالِى قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِىُّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الاِسْتِخَارَةَ فِى الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُولُ: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الأَمْرَ، ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ خَيْرًا لِى فِى عَاجِلِ أَمْرِى وَآجِلِهِ، قَالَ -أَوْ فِى دِينِى وَمَعَاشِى وَعَاقِبَةِ أَمْرِى- فَاقْدُرْهُ لِى وَيَسِّرْهُ لِى ثُمَّ بَارِكْ لِى فِيهِ، اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِى فِى دِينِى وَمَعَاشِى، وَعَاقِبَةِ أَمْرِى -أَوْ قَالَ فِى عَاجِلِ أَمْرِى وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْنِى عَنْهُ وَاقْدُرْ لِىَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِى بِهِ». وبه قال: (حدّثني) ولأبي ذر: بالجمع (إبراهيم بن المنذر) الحزامي المدني قال: (حدّثنا معن بن عيسى) بفتح الميم وسكون العين المهملة المدني القزاز الإمام أبو يحيى قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن أبي الموالي) واسمه زيد وقيل أبو الموالي جده مولى آل عليّ (قال: سمعت محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير التيمي المدني الحافظ (يحدّث عبد الله بن الحسن) بن الحسن بفتح الحاء فيهما ابن علي بن أبي طالب وليس له ذكر في البخاري إلا في هذا الموضع (يقول: أخبرني) بالإفراد (جابر بن عبد الله السلمي) بفتح السين واللام الأنصاري -رضي الله عنه- (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعلم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها) أي في المباحات والمستحبات أو في وقت فعل الواجب الموسع (كما يعلم) ولأبي ذر كما يعلمهم (السورة من القرآن يقول) صلوات الله وسلامه عليه: (إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة) في غير وقت الكراهة وقال الطيبي قوله من غير الفريضة بعد قوله كما يعلمنا السورة من القرآن يدل على الاعتناء التام البالغ حده بالصلاة والدعاء وأنهما تلوان للفريضة والقرآن (ثم ليقل) بعد الصلاة أو في أثنائها في السجود أو بعد التشهد (اللهم إني أستخيرك بعلمك) استفعال من الخير ضد الشر أي أطلب منك الخيرة (وأستقدرك بقدرتك) أطلب منك أن تجعل لي عليه قدرة والباء فيهما للاستعانة أي إني أطلب خيرك مستعينًا بعلمك فإني لا أعلم فيمَ خيرتي وأطلب منك القدرة فإني لا حول لي ولا قوّة إلا بك أو للاستعطاف أي اللهم إني أطلب منك الخير بعلمك الشامل للخيرات وأطلب منك القدرة بحق تقديرك المقدورات أن تيسرهما عليّ فيكون كقوله تعالى: {قال رب بما أنعمت عليّ} [القصص: 17] (وأسألك من فضلك) وفي الدعوات زيادة العظيم (فإنك تقدر ولا أقدر) إلا بك (وتعلم) ما فيه الخيرة لي (ولا أعلم) ذلك (وأنت علام الغيوب اللهم فإن كنت تعلم) بالفاء في فإن كنت تعلم (هذا الأمر) وفي الدعوات أن هذا الأمر (ثم يسميه) بالتحتية والفوقية (بعينه) أي بأن ينطق به أو يستحضره بقلبه (خيرًا لي) نصب مفعول ثاني لتعلم (في عاجل أمري وآجله قال) الراوي: (أو) قال (في ديني ومعاشي) حياتي أو ما يعاش فيه (وعاقبة أمري فاقدره لي) بضم الدال أي أنجزه لي (ويسره لي ثم بارك لي فيه. اللهم إن) ولأبي ذر عن الكشميهني وإن (كنت تعلم أنه شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفني عنه) حتى لا يبقى لي تعلق به (واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به) بتشديد الضاد المعجمة أي اجعلني بذلك راضيًا فلا أندم على طلبه ولا على وقوعه والشك في الموضعين من الراوي. وسبق الحديث في باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى من كتاب التهجد وفي كتاب الدعوات، والله الموفق وبه المستعان. 11 - باب مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ} [الأنعام: 110]. (باب مقلب القلوب. وقول الله تعالى) ولغير أبي ذر

12 - باب إن لله مائة اسم إلا واحدا

بإسقاط الباب فما بعده مرفوع وكذا قوله وقول الله تعالى: ({ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} [الأنعام: 110]) فأما مقلب فخبر مبتدأ محذوف أي الله مقلب القلوب وما بعده معطوف عليه، والمعنى أنه تعالى مبدل الخواطر وناقض العزائم فإن قلوب العباد بيد قدرته يقلبها كيف يشاء، والأفئدة جمع فؤاد وهو القلب. وقال الراغب: الفؤاد كالقلب لكن يقال له فؤاد إذا اعتبر فيه معنى التفاؤد أي التوقد يقال: فأدت اللحم شويته ومنه لحم فئيد أي مشوي وظاهر هذا أن الفؤاد غير القلب، ويقال فيه فواد بالواو بدلاً عن الهمزة، وقدم ذكر تقليب الأفئدة على الأبصار لأن موضع الدواعي والصوارف هو القلب فإذا حصلت الداعية في القلب انصرف البصر إليه شاء أم أبى، وإذا حصلت الصوارف في القلب انصرف عنه وهو وإن كان يبصره بحسب الظاهر إلا أنه لا يصير ذلك الإبصار سببًا للوقوف على الفوائد المطلوبة فلما كان المعدول هو القلب، وأما السمع والبصر فهما آلتان للقلب كانا لا محالة تابعين للقلب فلذا وقع الابتداء بذكر تقليب القلوب ثم أتبعه بذكر البصر. 7391 - حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْلِفُ «لاَ وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ». وبه قال: (حدّثني) ولأبي ذر بالجمع (سعيد بن سليمان) اللقب بسعدويه الواسطى نزيل بغداد (عن ابن المبارك) عبد الله (عن موسى بن عقبة) صاحب المغازي (عن سالم عن) أبيه (عبد الله) بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- أنه (قال: أكثر ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحلف لا ومقلب القلوب) أي لا أفعل أو لا أقول وحق مقلب القلوب، وفي نسبة مقلب القلوب إلى الله تعالى إشعار بأنه يتولى قلوب عباده ولا يكلها إلى أحد من خلقه، وفي دعائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" إشارة إلى شمول ذلك للعباد حتى الأنبياء ودفع توهم من يتوهم أنهم يستثنون من ذلك قاله البيضاوي. وفي الحديث أن أعراض القلوب من إرادة وغيرها تقع بخلق الله وجواز تسمية الله بما ثبت في الحديث وإن لم يتواتر وجواز اشتقاق الاسم له من الفعل الثابت، والحديث مرّ في القدر. 12 - باب إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ اسْمٍ إِلاَّ وَاحِدًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذُو الْجَلاَلِ: الْعَظَمَةِ الْبَرُّ اللَّطِيفُ (باب) بالتنوين يذكر فيه (إن لله مائة اسم إلا واحدًا) ولفظ الباب ثابت لأبي ذر وفي روايته عن الحموي والمستملي إلا واحدة بلفظ التأنيث باعتبار معنى التسمية. (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: (ذو الجلال) أي (العظمة) وعند ابن كثير في تفسيره. وقال ابن عباس ذو الجلال والإكرام ذو العظمة والكبرياء اهـ. فهو تعالى ذو الجلال الذي لا جلال ولا كمال إلا وهما له مطلقان عم جلاله جميع الأكوان فلم تطق الأكوان رؤيته في الدنيا لهيبة الجلال، فإذا كان في اليوم الموعود فإنه تعالى يبرز لعباده المؤمنين في الجمال والجلال والأنس فينظرون إليه فتعود أنوار النظر عليهم فيتجدد لهم قوّة يقدرون بها على النظر إليه لا أحرمنا الله ذلك بمنّه وفضله ولأبي ذر عن الكشميهني العظيم. وقال ابن عباس أيضًا فيما وصله الطبري: (البر) معناه (اللطيف). وقال غيره البر المحسن فما من برٍّ وإحسان إلا وهو موليه قال القشيري من كان الله تعالى بارًّا به عصم عن المخالفات نفسه وأدام بفنون اللطائف أنسه وطيب فؤاده وحصل مراده وجعل التقوى زاده. قال: ومن آداب من عرف أنه تعالى البر أن يكون بارًّا بكل أحد لا سيما بأبويه. 7392 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ». أَحْصَيْنَاهُ: حَفِظْنَاهُ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا) ولأبي ذر: إلا واحدة بالتأنيث، وفائدة قوله مائة إلا واحدًا التأكيد والفذلكة لئلا يزاد على ما ورد كقوله: {تلك عشرة كاملة} [البقرة: 196] ورفع التصحيف فإن تسعة تصحف بسبعة وتسعين بسبعين بالموحدة فيهما. وفي الاستثناء إشارة إلى أن الوتر أفضل من الشفع إن الله وتر يحب الوتر. فإن قيل: إذا قلنا بأن الاسم عين المسمى على ما هو الصحيح لزم من قوله إن لله تسعة وتسعين اسمًا الحكم بتعدد الإله؟ والجواب: من وجهين

13 - باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها

أحدهما: أن المراد من الاسم هنا اللفظ ولا خلاف في ورود الاسم بهذا المعنى إنما النزاع في أنه هل يطلق، ويراد به المسمى عينه ولا يلزم من تعدد الأسماء تعدد المسمى، والثاني: أن كل واحد من الألفاظ المطلقة على الله تعالى يدل على ذاته باعتبار صفة حقيقية أو غير حقيقية، وذلك يستدعي التعدد في الاعتبارات والصفات دون الذات ولا استحالة في ذلك، وفيه كما قال الخطابي دليل على أن أشهر أسمائه تعالى الله لإضافة هذه الأسماء إليه وقد روي أنه الاسم الأعظم. وقال ابن مالك: ولكون الله اسمًا علمًا وليس بصفة قيل في كل اسم من أسمائه تعالى سواه اسم من أسماء الله وهو من قول الطبري على ما رواه النووي إلى الله ينسب كل اسم له فيقال الكريم من أسماء الله ولا يقال من أسماء الكريم الله (من أحصاها) أي حفظها كما فسره به البخاري كما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى والأكثرون ويؤيده ما سبق في الدعوات لا يحفظها أحد إلا (دخل الجنة) أو المعنى ضبطها حصرًا وتعدادًا وعلمًا وإيمانًا وذكر الجزاء بلفظ الماضي تحقيقًا أو بمعنى الإطاقة أي أطاق القيام بحقها والعمل بمقتضاها وذلك بأن يعتبر معانيها فيطالب نفسه بما تتضمنه من صفات الربوبية وأحكام العبودية فيتخلق بها. وقال الطيبي: إنما أكد الإعداد دفعًا للتجوّز واحتمال الزيادة والنقصان وقد أرشد الله تعالى بقوله ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه إلى عظم الخطب في الإحصاء بأن لا يتجاوز المسموع والأعداد المذكورة وأن لا يلحد فيها إلى الباطل اهـ. ثم إن مفهوم الاسم قد يكون نفس الذات والحقيقة، وقد يكون مأخوذًا باعتبار الأجزاء، وقد يكون مأخوذًا باعتبار الصفات والأفعال والسلوب والإضافات ولا خفاء في تكثر أسماء الله تعالى بهذا الاعتبار وامتناع ما يكون باعتبار الجزء لتنزهه تعالى عن التركيب. فإن قلت: اعتبار السلوب والإضافة يقتضي تكثر أسماء الله تعالى جدًّا فما وجه التخصيص بالتسعة والتسعين على ما نطق به الحديث على أنه قد دل الدعاء المشهور عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لله تسعة أسماء لم يعلمها أحدًا من خلقه واستأثر بها في علم الغيب عنده. وورد في الكتاب والسُّنّة أسامٍ خارجة عن التسعة والتسعين كالكافي والدائم والصادق وذي المعارج وذي الفضل والغالب إلى غير ذلك؟ أجيب: بوجوه منها أن التنصيص على العدد لا لنفي الزيادة بل لغرض آخر كزيادة الفضيلة مثلاً. ومنها: أن قوله من أحصاها دخل الجنة في موضع الوصف كقوله للأمير عشرة غلمان يكفونه مهماته بمعنى أن لهم زيادة قرب واشتغال بالمهمات. فإن قلت: إن كان اسمه الأعظم خارجًا عن هذه الجملة فكيف يختص ما سواه بهذا الشرف وإن كان داخلاً فكيف يصح أنه مما اختص بمعرفة نبي أو وليّ وأنه سبب كرامات عظيمة لمن عرفه حتى قيل إن آصف بن برخيا إنما جاء بعرض بلقيس لأنه قد أوتي الاسم الأعظم؟ أجيب: باحتمال أن يكون خارجًا وتكون زيادة شرف تسعة وتسعين وجلالتها بالإضافة إلى ما عداه وأن يكون داخلاً مبهمًا لا يعرفه بعينه إلا نبي أو ولي، ومنها أن الأسماء منحصرة في تسعة وتسعين والرواية المشتملة على تفصيلها غير مذكورة في الصحيح ولا خالية عن الاضطراب والتغيير، وقد ذكر كثير من المحدّثين أن في إسنادها ضعفًا قاله في شرح المقاصد. قال البخاري: (أحصيناه) أي (حفظناه). وأشار به إلى أن معنى أحصاها حفظها، لكن قال الأصيلي: الإحصاء للأسماء العمل بها لا عدّها ولا حفظها لأن ذلك قد يقع للكافر والمنافق كما في حديث الخوارج يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، وقال في الكواكب: أي حفظها وعرفها لأن العارف بها لا يكون إلا مؤمنًا والمؤمن يدخل الجنة لا محالة، وهذا أعني قوله أحصيناه حفظناه ثبت في رواية أبي ذر عن الحموي. والحديث سبق في الشروط متنًا وإسنادًا. 13 - باب السُّؤَالِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالاِسْتِعَاذَةِ بِهَا (باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها) ولفظ باب ثابت في رواية أبي ذر. 7393 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ فِرَاشَهُ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَلْيَقُلْ: بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِى وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِى فَاغْفِرْ لَهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ». تَابَعَهُ يَحْيَى وَبِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَزَادَ زُهَيْرٌ وَأَبُو ضَمْرَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَرَوَاهُ ابْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله)

الأويسي المدني قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (مالك) الإمام ابن أنس الأصبحي (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان (المقبري) بضم الموحدة نسبة إلى مقبرة المدينة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا جاء أحدكم إلى فراشه) لينام عليه (فلينفضه) بضم الفاء قبل أن يدخل فيه (بصنفة ثوبه) بباء الجر بعدها صاد مهملة مفتوحة فنون مكسورة ففاء فهاء تأنيث أي بطرف ثوبه أو حاشيته أو طرته وهو جانبه الذي لا هدب له (ثلاث مرات) حذرًا من وجود مؤذية كعقرب أو حيّة وهو لا يشعر ويده مستورة بحاشية الثوب لئلا يحصل بها مكروه إن كان ثم شيء (وليقل باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه) الباء للاستعانة أي بك أستعين على وضع جنبي ورفعه (إن أمسكت نفسي) توفيتها (فاغفر لها وإن أرسلتها) رددتها (فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) ذكر المغفرة عند الإمساك لأن المغفرة تناسب الميت والحفظ عند الإرسال لمناسبته له، والباء في بما تحفظ كهي في كتبت بالقلم، وما موصولة مبهمة وبيانها ما دل عليه صلتها لأنه تعالى إنما يحفظ عباده الصالحين من المعاصي وأن لا يهنوا في طاعته بتوفيقه ولطفه. (تابعه) أي تابع عبد العزيز الأويسي في روايته عن مالك (يحيى) بن سعيد القطان فيما رواه النسائي (وبشر بن المفضل) بالضاد المعجمة المشددة فيما رواه ضاد المعجمة المشددة فيما رواه مسدد كلاهما (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن سعيد) أي ابن أبي سعيد (عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وزاد زهير) بضم الزاي وفتح الهاء ابن معاوية فيما سبق في الدعوات (وأبو ضمرة) بالضاد المعجمة المفتوحة بعدها ميم ساكنة أنس بن عياض فيما رواه مسلم (وإسماعيل بن زكريا) فيما رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده (عن عبيد الله) العمري (عن سعيد عن أبيه) أبي سعيد كيسان المقبري (عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). والمراد بالزيادة لفظة عن أبيه. (ورواه) أي الحديث المذكور (ابن عجلان) بفتح العين المهملة وسكون الجيم محمد الفقيه المدني فيما رواه أحمد (عن سعيد) أي ابن أبي سعيد المقبري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. تابعه) أي تابع محمد بن عجلان (محمد بن عبد الرحمن) الطفاوي البصري (والدراوردي) عبد العزيز بن محمد فيما رواه محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني عنه (وأسامة بن حفص). والمراد بهذه التعاليق بيان الاختلاف على سعيد المقبري هل روى الحديث عن أبي هريرة بلا واسطة أو بواسطة أبيه؟ ومتابعة محمد بن عبد الرحمن هذه سقطت لأبي ذر. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه. قال ابن بطال: مقصود البخاري بهذه الترجمة تصحيح الدليل بأن الاسم هو المسمى، ولذلك صحّت الاستعاذة به والاستعانة يظهر ذلك في قوله: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، فأضاف الوضع إلى الاسم والرفع إلى الذات، فدلّ على أن الاسم هو الذات وقد أستعان وضعًا ورفعًا بها لا باللفظ اهـ. قال في شرح المقاصد: المتأخرون اقتصروا على ما اختلفوا فيه من مغايرة الاسم المسمى، ثم قال: والاسم هو اللفظ المفرد الموضوع للمعنى على ما يعم أنواع الكلمة وقد يقيد بالاستقلال والتجرد عن الزمان فيقابل الفعل والحرف على ما هو مصطلح النحاة، والمسمى هو المعنى الذي وضع الاسم بإزائه والتسمية هي وضع الاسم للمعنى، وقد يراد بها ذكر الشيء باسمه كما يقال: سمى زيدًا ولم يسم عمرًا فلا خفاء في تغاير الأمور الثلاثة، وإنما الخفاء فيما ذهب إليه بعض أصحابنا من أن الاسم نفس المسمى، وفيما ذكره الشيخ الأشعري من أن أسماء الله تعالى ثلاثة أقسام: ما هو نفس المسمى مثل الله الدال على الوجود أي الذات الكريمة وما هو غيره كالخالق والرازق ونحو ذلك مما يدل على فعل وما لا يقال إنه هو ولا غيره كالعالم والقادر، وكل ما دل على الصفات القديمة. وأما التسمية فغير الاسم والمسمى وتوضيحه أنهم يريدون بالتسمية

اللفظ وبالاسم مدلوله، كما يريدون بالوصف قول الواصف وبالصفة مدلوله، وكما يقولون: إن القراءة حادثة والمقروء قديم فالأصحاب اعتبروا المدلول المطابقي فأطلقوا القول بأن الاسم نفس المسمى للقطع بأن مدلول الخالق شيء ناله الخلق لا نفس الخلق، ومدلول العالم شيء ناله العلم لا نفس العلم، والشيخ أخذ المدلول أعم واعتبر في أسماء الصفات المعاني المقصودة، فزعم أن مدلول الخالق الخلق وهو غير الذات ومدلول العالم العلم وهو لا عين ولا غير وتمسكوا في ذلك بالعقل والنقل. أما العقل؛ فلأنه لو كانت الأسماء غير الذات لكانت حادثة فلم يكن الباري تعالى في الأزل إلهًا وعالِمًا وقادرًا ونحو ذلك وهو مُحال بخلاف الخالقية فإنه يلزم من قدمها قدم المخلوق إذا أريد الخالق بالفعل كالقاطع في قولنا السيف قاطع عند الوقوع بخلاف قولنا السيف قاطع في الغمد بمعنى أن من شأنه ذلك فإن الخالق حينئذٍ معناه له الاقتدار على ذلك. وأما النقل؛ فلقوله تعالى: {سبح اسم ربك} [الأعلى: 1] والتسبيح إنما يكون للذات دون اللفظ، وقوله تعالى: {ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها} [يوسف: 40] وعبادتهم إنما هي للأصنام التي هي المسميات دون الأسامي، وأما التمسك بأن الاسم لو كان غير المسمى لما كان قولنا محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حكمًا بثبوت الرسالة له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بل لغيره فشبهة واهية فإن الاسم وإن لم يكن نفس المسمى لكنه دالٌّ عليه ووضع الكلام على أن تذكر الألفاظ وترجع الأحكام إلى المدلولات كقولنا: زيد كاتب أي مدلول زيد متصف بمعنى الكتابة، وقد ترجع بمعونة القرينة إلى نفس اللفظ كما في قولنا: زيد مكتوب وثلاثي ومعرب ونحو ذلك. وأجيب: عن الأول: بأن الثابت في الأزل معنى الإلهية والعلم ولا يلزم من انتفاء اسم بمعنى اللفظ انتفاء ذلك المعنى، وعن الثاني بأن معنى تسبيح الاسم تقديسه وتنزيهه عن أن يسمى به الغير أو عن أن يفسر بما لا يليق به أو عن أن يذكر على غير وجه التعظيم أو هو كناية عن تسبيح الذات كما في قولهم: سلام على المجلس الشريف والجناب المنيف، وفيه من التعظيم والإجلال ما لا يخفى أو لفظ الاسم مقحم كما في قول الشاعر: ثم اسم السلام عليكما ومعنى عبادة الأسماء أنهم يعبدون الأصنام التي ليس فيها من الإلهية إلا مجرد الاسم كمن سمى نفسه بالسلطان وليس عنده آلات السلطنة وأسبابها فيقال: إنه فرح من السلطنة بالاسم على أن تقرير الاستدلال اعترافًا بالمغايرة حيث يقال: التسبيح لذات الرب دون اسمه والعبادة لذوات الأصنام دون أساميها، بل ربما يدعي أن في الآيتين دلالة على المغايرة حيث أضيف الاسم إلى الرب عز وجل وجعل الأسماء بتسميتهم وفعلهم مع القطع بأن أشخاص الأصنام ليست كذلك ثم عورض الوجهان بوجهين. الأول: أن الاسم لفظ وهو عرض غير باق ولا قائم بنفسه متصف بأنه متركب من الحروف، وبأنه أعجمي أو عربي ثلاثي أو رباعي، والمسمى معنى لا يتصف بذلك فربما يكون جسمًا قائمًا بنفسه متّصفًا بالألوان متمكنًا في المكان إلى غير ذلك من الخواص فكيف يتحدان. الثاني: قوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180] وقوله عليه الصلاة والسلام: "إن لله تسعة وتسعين اسمًا" مع القطع بأن المسمى واحد لا تعدد فيه. وأجيب: بأن النزاع ليس في نفس اللفظ بل مدلوله ونحن إنما نعبر عن اللفظ بالتسمية وإن كانت في اللغة فعل الواضع أو الذاكر، ثم لا ننكر إطلاق الاسم على التسمية كما في الآية والحديث على أن الحق أن المسميات أيضًا كثيرة للقطع بأن مفهوم العالم غير مفهوم القادر وكذا البواقي، وإنما الواحد هو الذات المتصف بالمسميات. فإن قيل: تمسك الفريقين بالآيات والحديث مما لا يكاد يصح لأن النزاع ليس في اس م بل في أفراد مدلوله من مثل السماء والأرض والعالم والقادر والاسم والفعل وغير ذلك على ما يشهد به كلامهم. ألا ترى أنه لو أريد الأول لما كان للقول بتعدد أسماء الله تعالى وانقسامها إلى ما هو عين أو غير أو لا عين ولا غير معنى، وبهذا يسقط ما ذكره الإمام الرازي

من أن لفظ الاسم مسمى بالاسم لا الفعل أو الحرف، فهاهنا الاسم والمسمى واحد ولا يحتاج إلى الجواب بأن لفظ الاسم من حيث إنه دالّ وموضوع والمسمى هو من حيث إنه مدلول وموضوع له بل فرد من أفراد الموضوع له فتغايرا. قلنا: نعم إلا أن وجه تمسك الأوّلين إن في مثل {سبح اسم ربك} أريد بلفظ الاسم الذي هو من جملة الأسماء مسماه الذي هو اسم من أسماء الله تعالى، ثم أريد به مسماه الذي هو الذات إلا أنه يرد إشكال الإضافة ووجه تمسك الآخرين إن في قوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى} أريد بلفظ الأسماء مثل لفظ الرحمن والرحيم والعليم والقدير وغير ذلك مما هو غير لفظ أسماء، ثم إنها متعددة فتكون غير المسمى الذي هو ذات الواحد الحقيقي الذي لا تعدد فيه أصلاً. فإن قيل: قد ظهر أن ليس الخلاف في لفظ الاسم وأنه في اللغة موضوع للفظ الشيء أو لمعناه، بل في الأسماء التي من جملتها لفظ الاسم ولا خلاف في أنها أصوات وحروف مغايرة لمدلولاتها ومفهوماتها، وإن أريد بالاسم المدلول فلا خفاء في أن المدلول اسم الشيء ومفهومه نفس مسماه من غير احتياج إلى استدلال بل هو لغو من الكلام بمنزلة قولنا ذات الشيء ذاته فما وجه هذا الاختلاف المستمر بين كثير من العقلاء؟ قلنا: الاسم إذا وقع في الكلام قد يراد به معناه كقولنا زيد كاتب، وقد يراد نفس لفظه كقولنا: زيد اسم معرب حتى إن كل كلمة فإنه اسم موضوع بإزاء لفظ يعبر عنه كقولنا: ضرب فعل ماض ومن حرف جر ثم إذا أريد المعنى فقد يراد نفس ماهية المسمى كقولنا الحيوان جنس والإنسان نوع، وقد يراد بعض أفرادها لقولنا جاءني إنسان ورأيت حيوانًا وقد يراد جزؤها كالناطق أو عارض لها كالضاحك فلا يبعد أن يقع بهذا الاعتبار اختلاف واشتباه في أن اسم الشيء نفس مسماه أو وغيره اهـ بحروفه وإنما أطلت به لأمر اقتضاء والله الموفق والمعين. وحديث الباب سبق في الدعوات. 7394 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ رِبْعِىٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: «اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيَا وَأَمُوتُ». وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ». وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم أبو عمرو الفراهيدي الأزدي مولاهم البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الملك) بن عمير (عن ربعي) بكسر الراء والعين المهملة بينهما موحدة ساكنة ابن حراش بالحاء المهملة المكسورة وبعد الراء ألف فشين معجمة الغطفاني قيل إنه تكلم بعد الموت (عن حذيفة) بن اليمان -رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أوى) إلى فراشه دخل فيه (قال): (اللهم باسمك) بوصل الهمزة أي بذكر اسمك (أحيا) ما حييت (و) عليه (أموت) أو باسمك المميت أموت وباسمك المحيي أحيا لأن معاني الأسماء الحسنى ثابتة له تعالى فكل ما ظهر في الوجود فهو صادر عن تلك المقتضيات (وإذا أصبح قال: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا) أطلق الموت على النوم لأنه يزول معه العقل والحركة كالموت (وإليه النشور) الإحياء للبعث أو المرجع في نيل الثواب مما نكتسبه في حياتنا هذه. والحديث سبق في الدعوات أيضًا. 7395 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: «بِاسْمِكَ نَمُوتُ وَنَحْيَا». فَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ». وبه قال: (حدّثنا سعد بن حفص) بسكون العين الطلحي الكوفي الضخم قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن أبو معاوية (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن ربعي بن حراش) الغطفاني (عن خرشة) بفتح المعجمتين والراء (ابن الحر) بضم الحاء المهملة وتشديد الراء الفزاري الكوفي (عن أبي ذر) جندب بن جنادة -رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أخذ مضجعه) بفتح الجيم (من الليل قال): (باسمك) بذكر اسمك (نموت ونحيا. فإذا) بالفاء ولأبي ذر وإذا (استيقظ) من نومه (قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا) ردّ أنفسنا بعد أن قبضها عن التصرف بالنوم أي الحمد لله شكرًا لنيل نعمة التصرف في الطاعات بالانتباه من النوم الذي هو أخو الموت وزوال المانع عن التقرب بالعبادات (وإليه) تعالى (النشور) الإحياء بعد الموت والبعث يوم القيامة. 7396 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِىَ أَهْلَهُ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِى ذَلِكَ لَمْ يَضُرُّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي مولاهم البغلاني البلخي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد

(عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سالم) هو ابن أبي الجعد (عن كريب) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو أن أحدكم) بالكاف ولأبي ذر أحدهم (إذا أراد أن يأتي أهله) يجامع امرأته أو سريته (فقال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا) وجواب لو الشرطية محذوف أي لسلم من الشيطان يدل له قوله (فإنه إن يقدَّر) بفتح الدال المشددة (بينهما ولد في ذلك) الإتيان (لم يضره شيطان) بإضلاله وإغوائه (أبدًا). بل يكون من جملة من لا سبيل للشيطان عليه وشيطان في قوله لم يضره شيطان بدون ال. وفي الكواكب فإن قلت: التقدير أزلي فما وجه أن يقدّر؟ وأجاب: بأن المراد به تعلقه. وقال في الفتح: أي إن كان قدّر لأن التقدير أزلي لكن عبر بصيغة المضارعة بالنسبة للتعلق. والحديث سبق في باب التسمية على كل حال وعند الوقاع من كتاب الوضوء وفي النكاح أيضًا. 7397 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ: أُرْسِلُ كِلاَبِى الْمُعَلَّمَةَ قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَأَمْسَكْنَ فَكُلْ، وَإِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام القعنبي قال: (حدّثنا فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة ابن عياض التميمي الزاهد الخراساني (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم بعدها ميم أخرى ابن الحارث النخعي (عن عدي بن حاتم) الطائي ولد الجواد المشهور أسلم في سنة تسع أو سنة عشر وكان قبل ذلك نصرانيًّا. قال خليفة عنه: إنه قال ما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء وقد أسن. قال خليفة: بلغ مائة وعشرين سنة. وقال أبو حاتم السجستاني: بلغ مائة وثمانين -رضي الله عنه- أنه (قال: سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلت) يا رسول الله (أرسل كلابي المعلمة) بفتح اللام المشددة التي تنزجر بالزجر وتسترسل بالإرسال ولا تأكل من الصيد وفي كتاب الصيد في باب ما جاء في الصيد من وجه آخر قال: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: إنّا قوم نتصيد بهذه الكلاب (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله) عز وجل بأن قلت بسم الله (فأمسكن) عليك (فكل) مما صادته (وإذا رميت بالمعراض) بكسر الميم وسكون العين المهملة آخره ضاد معجمة خشبة في رأيها كالزج يلقيها على الصيد (فخزق) بالخاء المعجمة والزاي والقاف أي جرح الصيد بحدّه (فكل) فإنه حلال وإن قتل بعرضه فهو وقيذ لا يحل لأن عرضه لا يسلك إلى داخله. وسبق الحديث في الصيد. 7398 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هُنَا أَقْوَامًا حَدِيثًا عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لاَ نَدْرِى يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لاَ؟ قَالَ: «اذْكُرُوا أَنْتُمُ اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا». تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالدَّرَاوَرْدِىُّ، وَأُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ. وبه قال: (حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي نزيل بغداد قال: (حدّثنا أبو خالد) سليمان بن حيان (الأحمر) الكوفي (قال: سمعت هشام بن عروة يحدّث عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: قالوا يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن هنا) ولأبي ذر عن الكشميهني هاهنا (أقوامًا حديثًا) بالنصب منوّنًا، ولأبي ذر: حديث بالرفع والتنوين (عهدهم بشرك) برفع عهدهم (يأتونا) ولأبي ذر يأتوننا بنونين والأول على لغة من يحذف نون الجمع بدون ناصب وجازم (بلحمان) بضم اللام جمع لحم (لا ندري يذكرون اسم الله عليها) عند الذبح (أم لا. قال) عليه الصلاة والسلام: (اذكروا أنتم اسم الله) عز وجل على الأكل (وكلوا). والحديث سبق في الذبائح (تابعه) أي تابع أبا خالد الأحمر (محمد بن عبد الرحمن) الطفاوي فيما أخرجه المؤلف موصولاً في البيوع (والدراوردي) عبد العزيز بن محمد فيما وصله العدني عنه (وأسامة بن حفص). فيما وصله المؤلف في باب ذبيحة الأعراب من الصيد. قال في الفتح: وقع قوله تابعه الخ هنا عقب حديث أبي هريرة المبدأ بذكره في هذا الباب عند كريمة والأصيلي وغيرهما، والصواب ما وقع عند أبي ذر وغيره أن على ذلك عقب حديث عائشة وهو سادس أحاديث الباب. 7399 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ضَحَّى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكَبْشَيْنِ يُسَمِّى وَيُكَبِّرُ. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الأزدي أبو عمر الحوضي قال: (حدّثنا هشام) هو ابن عبد الله الدستوائي (عن قتادة)

14 - باب ما يذكر فى الذات والنعوت وأسامى الله

بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: ضحّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بكبشين) يتعلق بضحى حال كونه (يسمي) الله تعالى (ويكبر) ـه فقال: "باسم الله والله أكبر". والحديث أخرجه أبو داود. 7400 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدَبٍ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ صَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّىَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأسود بن قيس) العبدي ويقال العجلي الكوفي (عن جندب) بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال وضمها ابن عبد الله البجلي -رضي الله عنه- (أنه شهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم النحر صلّى) صلاة العيد (ثم خطب فقال) فى خطبته: (من ذبح) أضحيته (قبل أن يصلّي) العيد (فليذبح مكانها) أي مكان التي ذبحها ذبيحة (أخرى ومن لم يذبح فليذبح باسم الله) بسُنّة الله أو تبركًا باسم الله. والحديث سبق في باب كلام الإمام والناس في خطبة العيد من كتاب العيد. 7401 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، وَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا ورقاء) بفتح الواو وسكون الراء بعدها قاف ممدودًا ابن عمر الخوارزمي (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تحلفوا بآبائكم) لأن في الحلف تعظيم المحلوف به وحقيقة العظمة لا تكون إلا لله عز وجل (ومن كان حالفًا فليحلف بالله) أي من كان مريدًا فليحلف بالله لا بغيره من الآباء وغيرهم، وخص الآباء لوروده على سبب، وهو أنهم كانوا في الجاهلية يحلفون بآبائهم وآلهتهم. وفي حديث الترمذي وصححه الحاكم عن ابن عمر لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "من حلف بغير الله فقد كفر" والمراد به الزجر والتغليظ، وفيه مباحث سبقت مع الحديث في الإيمان. 14 - باب مَا يُذْكَرُ فِى الذَّاتِ وَالنُّعُوتِ وَأَسَامِى اللَّهِ وَقَالَ خُبَيْبٌ: وَذَلِكَ فِى ذَاتِ الإِلَهِ فَذَكَرَ الذَّاتَ بِاسْمِهِ تَعَالَى. (باب ما يذكر) بضم أوّله وفتح ثالثه (في الذات) الإلهية (والنعوت) أي والصفات القائمة بها (وأسامي الله) عز وجل. قال القاضي عياض: ذات الشيء نفسه وحقيقته، وقد استعمل أهل الكلام الذات بالألف واللام وهم النحاة وجوزه بعضهم لأنها ترد بمعنى النفس وحقيقة الشيء وجاء في الشعر ولكنه شاذ، واستعمال البخاري لها على ما تقدم من أنّ المراد بها نفس الشيء على طريقة المتكلمين في حق الله تعالى ففرق بين النعوت والذوات. وقال ابن برهان: إطلاق المتكلمين الذات في حق الله من جهلهم لأن ذات تأنيث ذو، وهو جلّت عظمته لا يصح له إلحاق تاء التأنيث قال وقولهم الصفات الذاتية جهل منهم أيضًا لأن النسب إلى ذات ذويّ. وأجيب: بأن الممتنع استعمالها بمعنى صاحبة أما إذا قطعت عن هذا المعنى واستعملت بمعنى الاسمية فلا محذور، كقوله تعالى: {إنه عليم بذات الصدور} [الأنفال: 43] أي بنفس الصدور. (وقال خبيب) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة ابن عدي الأنصاري (وذلك في ذات الإله فذكر الذات) متلبسًا (باسمه تعالى) أو ذكر حقيقة الله تعالى بلفظ الذات قال في الفتح: ظاهر لفظه أن مراده أنه أضاف لفظ ذات إلى اسم الله تعالى وسمعه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم ينكره فكان جائزًا وقد ترجم البيهقي في الأسماء والصفات ما جاء في الذات، وأورد حديث أبي هريرة المتفق عليه في ذكر إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات اثنتين في ذات الله، وحديث ولا تفكروا في ذات الله، ومعنى ذلك من أجل أو بمعنى حق، فالظاهر أن المراد جواز إطلاق لفظ ذات لا بالمعنى الذي أحدثه المتكلمون ولكنه غير مردود إذ عرف أن المراد به النفس لثبوت لفظ النفس في القرآن. 7402 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى عَمْرُو بْنُ أَبِى سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِىُّ - حَلِيفٌ لِبَنِى زُهْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِى هُرَيْرَةَ - أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرَةً مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِىُّ فَأَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ أَنَّ ابْنَةَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ قَالَ خُبَيْبٌ الأَنْصَارِىُّ: وَلَسْتُ أُبَالِى حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَىِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِى وَذَلِكَ فِى ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ فَأَخْبَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ يَوْمَ أُصِيبُوا. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عمرو بن أبي سفيان) بفتح العين (ابن أسيد بن جارية) بفتح الهمزة وكسر السين وجارية بالجيم (الثقفي) بالمثلثة (حليف) بالحاء المهملة (لبني زهرة) بضم الزاي أي معاهد لهم (وكان من أصحاب أبي هريرة أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما قدم بعد أُحُد رهط من عضل والقارة فقالوا

15 - باب قول الله تعالى:

يا رسول الله إن فينا إسلامًا فابعث معنا نفرًا من أصحابك يفقهوننا (عشرة منهم خبيب الأنصاري) فلما كانوا بالهدأة ذكروا لبني لحيان فنفروا لهم قريبًا من مائتي رجل، فلما رأوهم لجؤوا إلى فدفد أي رابية فأحاط بهم القوم ورموهم بالنبل وقتلوا عاصمًا أميرهم في سبعة من العشرة ونزل إليهم ثلاثة منهم خبيب وابن دثنة وعبد الله بن طارق فأوثقوهم بأوتار قسيهم وباعوا خبيبًا وابن دثنة بمكة، فاشترى خبيبًا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، فلبث خبيب عندهم أسيرًا. قال ابن شهاب الزهري (فأخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عياض) بكسر العين آخره ضاد معجمة القاريّ من القارة (أن ابنة الحارث) زينب (أخبرته أنهم حين اجتمعوا) أي لقتله (استعار) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فاستعار (منها موسى يستحد بها) يحلق بها شعر عانته لئلا يظهر عند قتله (فلما خرجوا) به (من المحرم ليقتلوه) في الحل (قال خبيب الأنصاري): (ولست أبالي) ولأبي الوقت والأصيلي ما أبالي (حين أقتل مسلمًا على أيّ شق) بكسر المعجمة (كان لله مصرعي) أي مطرحي على الأرض. (وذلك في ذات الإله) في طلب ثوابه (وإن يشأ يبارك على أوصال شلو) بكسر المعجمة وسكون اللام أي أوصال جسد (ممزع) بضم الميم الأولى وفتح الثانية والزاي المشددة بعدها عين مهملة أي مقطع مفرق (فقتله ابن الحارث) عقبة بالتنعيم وصلبه ثم (فأخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه خبرهم يوم أصيبوا). والحديث سبق في الجهاد بأتم من هذا في باب هل يستأسر الرجل. 15 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ} [المائدة: 116]. (باب قول الله تعالى: {ويحذركم الله نفسه} [آل عمران: 28]) مفعول ثان ليحذر لأنه في الأصل متعدّ لواحد فازداد بالتضعيف آخر وقدر بعضهم حذف مضاف أي عقاب نفسه، وصرح بعضهم بعدم الاحتياج إليه كذا نقله أبو البقاء. قال في الدر: وليس بشيء إذ لا بدّ من تقدير هذا المضاف لصحة المعنى. ألا ترى إلى غير ما نحن فيه نحو قولك حذرتك نفس زيد إنه لا بد من شي يحذر منه كالعقاب والسطوة لأن الذوات لا يتصوّر الحذر منها نفسها إنما يتصور من أفعالها وما يصدر عنها. وقال أبو مسلم: المعنى ويحذركم الله نفسه أن تعصوه فتستحقوا عقابه وعبر هنا بالنفس عن الذات جريًا على عادة العرب كما قال الأعشى: يومًا بأجود نائلاً منه إذا ... نفس الجبان تحمدت سوالها وقال بعضهم: الهاء في نفسه تعود على المصدر المفهوم من قوله: لا تتخذوا أي ويحذركم الله نفس الاتخاذ والنفس عبارة عن وجود الشيء وذاته. وقال أبو العباس المقرئ: ورد لفظ النفس في القرآن بمعنى العلم بالشيء والشهادة كقوله تعالى: {ويحذركم الله نفسه} يعني علمه فيكم وشهادته عليكم وبمعنى البدن قال تعالى: {كل نفس ذائقة الموت} [آل عمران: 185] وبمعنى الهوى قال تعالى: {إن النفس لأمارة بالسوء} [يوسف: 53] يعني الهوى وبمعنى الروح قال تعالى: {أخرجوا أنفسكم} [الأنفال: 53] أي أرواحكم اهـ. والفائدة في ذكر النفس أنه لو قال ويحذركم الله كان لا يفيد أن الذي أريد التحذير منه هو عقاب يصدر من الله تعالى أو من غيره، فلما ذكر النفس زال ذلك ومعلوم أن العقاب الصادر عنه يكون أعظم العقاب لكونه قادرًا على ما لا نهاية له. (وقوله) ولأبي ذر وقول الله (جل ذكره: {تعلم ما في نفسي}) ذاتي ({ولا أعلم ما في نفسك} [المائدة: 116]) ذاتك فنفس الشيء ذاته وهويته والمعنى تعلم معلومي ولا أعلم معلومك. وقال في اللباب لا يجوز أن تكون تعلم عرفانية لأن العرفان يستدعي سبق جهل أو يقتصر به على معرفة الذات دون أحوالها فالمفعول الثاني محذوف أي تعلم ما في نفسي كائنًا وموجودًا على حقيقته لا يخفى عليك منه شيء وقوله ولا أعلم، وإن كان يجوز أن تكون عرفانية إلا أنها لما صارت مقابلة لما قبلها كانت مثلها اهـ. وقال البيهقي: النفس في كلام العرب على أوجه منها الحقيقة كما يقولون في نفس الأمر وليس للأمر نفس منفوسة ومنها الذات قال: وقد قيل في قوله تعالى: {تعلم ما في نفسي}

أن معناه ما أكنّه أسرّه ولا أعلم ما تسرّه عني وقيل ذكر النفس هنا للمقابلة والمشاكلة، وعورض بالآية التي في أوّل الباب إذ ليس فيها مقابلة. 7403 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) النخعي قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قاضي الكوفة قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن شقيق) أبي وائل بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما من أحد أغير من الله) عز وجل (من أجل ذلك حرم الفواحش) والمراد بالغيرة هنا والله أعلم لازمها وهو الغضب ولازم الغضب إرادة إيصال العقوبة وقيل غيرة الله كراهة إتيان الفواحش أي عدم رضاه بها لا التقدير (وما أحد أحب) بالنصب ولأبي ذر بالرفع (إليه المدح من الله). عز وجل. وأحب بالنصب والمدح بالرفع فاعله، وليس في الحديث ما يدل على مطابقته للترجمة صريحًا. نعم في رواية تفسير سورة الأنعام زيادة قوله ولذلك مدح نفسه، وساقه هنا على الاختصار بدون هذه الزيادة تشحيذًا للأذهان على عادته ولما لم يستحضر الكرماني هذه الزيادة عند شرحه ذلك قال: لعله أقام استعمال أحد مقام النفس لتلازمهما في صحة استعمال كل واحد منهما مقام الآخر. والحديث سبق في تفسير الأنعام وفي باب الغيرة من النكاح. 7404 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِى حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِى كِتَابِهِ هُوَ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَهْوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِى تَغْلِبُ غَضَبِى». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان المروزي وعبدان لقبه (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري (عن الأعمش) سليمان (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لما خلق الله) عز وجل (الخلق كتب) أمر القلم أن يكتب (في كتابه هو يكتب على نفسه) بيان لقوله كتب ولأبي ذر وهو يكتب فالجملة حالية (وهو وضع) بفتح الواو وسكون الضاد المعجمة أي موضوع وفي رواية أبي ذر على ما حكاه عياض وضع بفتح الضاد فعل ماض مبني للفاعل وفي نسخة معتمدة وضع بكسر الضاد مع التنوين (عنده) أي علم ذلك عنده (على العرش) مكنونًا عن سائر الخلق مرفوعًا عن حيز الإدراك والله تعالى منزّه عن الحلول في المكان لأن الحلول عرض يفنى وهو حادث والحادث لا يليق به تعالى وليس الكتب لئلا ينساه تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا بل لأجل الملائكة الموكلين بالمكلفين. وفي بدء الخلق فوق العرش وفيه تنبيه على تعظيم الأمر وجلالة القدر فإن اللوح المحفوظ تحت العرش والكتاب المشتمل على هذا الحكم فوق العرش، ولعل السبب في ذلك والعلم عند الله تعالى أن ما تحت العرش عالم الأسباب والمسببات واللوح يشتمل على تفاصيل ذلك ذكره في شرح المشكاة والمكتوب هو قوله: (إن رحمتي تغلب غضبي). والمراد بالغضب لازمه وهو إيصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب لأن السبق والغلبة باعتبار التعلق أي تعلق الرحمة سابق على تعلق الغضب لأن الرحمة مقتضى ذاته المقدسة وأما الغضب فإنه متوقف على سابقة عمل من العبد الحادث. والحديث سبق في أوائل بدء الخلق وأخرجه مسلم. 7405 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِى، فَإِنْ ذَكَرَنِى فِى نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِى نَفْسِى، وَإِنْ ذَكَرَنِى فِى مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِى مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِى يَمْشِى أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً». [الحديث 7405 - طرفاه في: 7505، 7537]. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال: (سمعت أبا صالح) ذكوان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي) إن ظن أني أعفو عنه وأغفر فله ذلك وإن ظن أني أعاقبه وأؤاخذه فكذلك، وفيه إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على الخوف وقيده بعض أهل التحقيق بالمحتضر، وأما قبل ذلك فأقول ثالثها الاعتدال فينبغي للمرء أن يجتهد بقيام وظائف العبادات موقنًا بأن الله يقبله ويغفر له لأنه وعده بذلك وهو لا يخلف الميعاد، فإن أعتقد أو ظن خلاف ذلك فهو آيس من رحمة الله وهو من الكبائر ومن مات على ذلك وكل إلى ظنه وأما ظن المغفرة مع الإصرار على المعصية فذلك محض الجهل والغرة (وأنا معه) بعلمي (إذا ذكرني) وهي معية خصوصية أي معه بالرحمة والتوفيق والهداية والرعاية والإعانة فهي غير المعية

16 - باب قول الله تعالى: {كل شىء هالك إلا وجهه} [القصص: 88]

المعلومة من قوله تعالى: {وهو معكم أينما كنتم} [الحديد: 4] فإن معناها المعية بالعلم والإحاطة (فإن ذكرني) بالتنزيه والتقديس سرًّا (في نفسه ذكرته) بالثواب والرحمة سرًّا (في نفسي وإن ذكرني في ملأ) بفتح الميم واللام مهموز في جماعة جهرًا (ذكرته) بالثواب (في ملأ خير منهم) وهم الملأ الأعلى ولا يلزم منه تفضيل الملائكة على بني آدم لاحتمال أن يكون المراد بالملأ الذين هم خير من ملأ الذاكرين الأنبياء والشهداء فلم ينحصر ذلك في الملائكة، وأيضًا فإن الخيرية إنما حصلت بالذاكر والملأ معًا فالجانب الذي فيه رب العزة خير من الجانب الذي ليس فيه بلا ارتياب، فالخيرية حصلت بالنسبة للمجموع على المجموع وهذا قاله الحافظ ابن حجر مبتكرًا، لكن قال إنه سبقه إلى معناه الكمال بن الزملكاني في الجزء الذي جمعه في الرفيق الأعلى (وإن تقرب إليّ) بتشديد الياء (بشبر) ولأبي ذر عن الكشميهني شبرًا بإسقاط الخافض والنصب أي مقدار شبر (تقربت إليه ذراعًا وإن تقرب إليّ ذرعًا) بكسر الذال المعجمة أي بقدر ذراع (تقربت إليه) ولأبي ذر عن الحموي منه (باعًا) أي بقدر باع وهو طول ذراعي الإنسان وعضديه وعرض صدره (وإن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ومن (أتاني يمشي أتيته هرولة) إسراعًا يعني من تقرب إليّ بطاعة قليلة جازيته بمنوبة كثيرة، وكلما زاد في الطاعة زدت في ثوابه وإن كان كيفية إتيانه بالطاعة على التأني فإتياني بالثواب له على السرعة والتقرب، والهرولة مجاز على سبيل المشاكلة أو الاستعارة أو قصد إرادة لوازمها وإلاّ فهذه الإطلاقات وأشباهها لا يجوز إطلاقها على الله تعالى إلا على المجاز لاستحالتها عليه تعالى. وفي الحديث جواز إطلاق النفس على الذات فإطلاقه في الكتاب والسُّنّة إذن شرعي فيه أو يقال هو بطريق المشاكلة لكن يعكر على هذا الثاني قوله تعالى: {ويحذركم الله نفسه} [آل عمران: 28] والحديث من أفراده. 16 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88] (باب قول الله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88]) أي إلا إياه فالوجه يعبر به عن الذات، وإنما جرى على عادة العرب في التعبير بالأشرف عن الجملة ومن جعل شيئًا يطلق على الباري تعالى وهو الصحيح قال هذا استثناء متصل، ومن لم يطلقه عليه جعله متصلاً أيضًا وجعل الوجه ما عمل لأجله أو جعله منقطعًا أي لكن هو لم يهلك ويجوز رفع وجهه على الصفة، وفسر الهلاك بالعدم أي إن الله تعالى يعدم كل شيء وفسر أيضًا بإخراج الشيء عن كونه منتفعًا به إما بالإماتة أو بتفريق الأجزاء وإن كانت باقية كما يقال هلك الثوب وقيل معنى كونه هالكًا كونه قابلاً للهلاك في ذاته. وقال مجاهد: كل شيء هالك إلا وجهه يعني علم العلماء إذا أريد به وجه الله اهـ. وثبت لفظ باب لأبى ذر. 7406 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 65]، قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ». فَقَالَ: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65]، فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ». قَالَ: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} [الأنعام: 65]، فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَذَا أَيْسَرُ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) وسقط ابن زيد لغير أبي ذر (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- أنه (قال: لما نزلت هذه الآية {قل هو القادر}) أي الكامل القدرة ({على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم} [الأنعام: 65]) أي كما أمطر على قوم لوط وعلى أصحاب الفيل الحجارة (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (أعوذ بوجهك) أي بذاتك (فقال: {أو من تحت أرجلكم} [الأنعام: 65]، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أعوذ بوجهك. قال): ولأبي ذر فقال ({أو يلبسكم شيعًا} [الأنعام: 65]) أو يخلطكم فرقًا مختلفين على أهواء شتى (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هذا أيسر) لأن الفتن بين المخلوقين أهون من عذاب الله. وفي رواية ابن السكن مما ذكره في فتح الباري هذه أيسر قال وسقط لفظ الإشارة من رواية الأصيلي. قال الزركشي: ورواية غيره هي الصحيحة وبها يستقل الكلام. قال في المصابيح: وروايته أيضًا صحيحة وقصارى ما فيها حذف المبتدأ الذي ثبت في الروايتين وذلك جائز فكيف يحكم بعدم صحتها ولا شاهد يستند إليه هذا الحكم اهـ. والمراد منه قوله: أعوذ بوجهك. قال البيهقي: تكرر ذكر الوجه في الكتاب والسُّنَّة الصحيحة وهو في بعضها صفة ذات كقوله: إلا برداء الكبرياء على وجهه، وفي بعضها من أجل كقوله: {إنما نطعمكم

17 - باب قول الله تعالى: {ولتصنع على عينى} [طه: 39]: تغذى وقوله جل ذكره: {تجرى بأعيننا} [القمر: 14]

لوجه الله} [الإنسان: 9] وفي بعضها بمعنى الرضا كقوله تعالى: {يريدون وجه الله} [الروم: 39] {إلا ابتغاء وجه ربه} [الليل: 20] وليس المراد الجارحة جزمًا والحديث سبق في تفسير سورة الأنعام وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنّة في قوله باب قول الله تعالى: {أو يلبسكم شيعًا}. 17 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى} [طه: 39]: تُغَذَّى وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14] (باب قول الله تعالى: {ولتصنع على عيني} [طه: 39]: تغذى) بضم الفوقية وفتح الغين والذال المشددة المعجمتين من التغذية قاله قتادة، وفي نسخة الصغاني بالدال المهملة ولا يفتح أوله على حذف إحدى التاءين فإنه تفسير تصنع. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يعني اجعله في بيت الملك ينعم ويترف غذاؤه عندهم، وقال أبو عمران الجوني قال تربى بعين الله. وقال معمر بن المثنى: ولتصنع على عيني بحيث أرى، وقيل لتربى بمرأى مني. قال الواحدي: قوله على عيني بمرأى مني صحيح، ولكن لا يكون في هذا تخصيص لموسى عليه السلام فإن جميع الأشياء بمرأى منه تعالى، والصحيح لتغذى على محبتي وإرادتي. قال: وهذا قول قتادة واختيار أبي عبيدة وابن الأنباري قال في فتوح الغيب: هذا الاختصاص للتشريف كاختصاص عيسى بكلمة الله والكعبة ببيت الله فإن الكل موجود بكن وكل البيوت بيت الله على أن خلاصة الكلام وزبدته تفيد مزيد الاعتناء بشأنه وأنه من الملحوظين بسوابق إنعامه، وقوله تغذى ثبت في رواية أبي ذر عن المستملي وسقط لفظ باب لغير أبي ذر فاللاحق مرفوع استئنافًا. (وقوله جل ذكره) بالرفع والجر عطفًا على سابقه ({تجري بأعيننا} [القمر: 14]) أي بمرأى منا أو بحفظنا أو بأعيننا حال من الضمير في تجري أي محفوظة بنا ومن ذلك قوله تعالى: {واصنع الفلك بأعيننا} [هود: 37] أي نحن نراك ونحفظك {وتجري بأعيننا} أي بالمكان المحفوظ بالكلاءة والحفظ والرعاية يقال فلان بمرأى من الملك ومسمع إذا كان بحيث تحوطه عنايته وتكتنفه رعايته ونحو ذلك مما ورد به الشرع وامتنع حمله على معانيه الحقيقية. وعند الأشعري إنها صفات زائدة وعند الجمهور هو أحد وقولي الأشعري إنها مجازات فالمراد بالعين البصر. 7407 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ». وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ «وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي الحافظ قال: (حدّثنا جويرية) بن أسماء (عن نافع عن) مولاه (عبد الله) بن عمر -رضي الله عنهما- أنهُ (قال: ذكر الدجال) بضم المعجمة (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (إن الله لا يخفى عليكم إن الله) عز وجل (ليس بأعور. وأشار) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بيده) المقدسة (إلى عينه) فيه إيماء إلى الرد على من يقول معنى رؤيته تعالى ووصفه بأنه بصير العلم والقدرة، فالمراد التمثيل والتقريب للفهم لا إثبات الجارحة ولا دلالة فيه للمجسمة لأن الجسم حادث وهو قديم، فالمراد نفي النقص والعور عنه وأنه ليس كمن لا يرى ولا يبصر بل مُنتَفٍ عنه جميع النقائص والآفات. وسئل الحافظ ابن حجر هل لقارئ هذا الحديث أن يشير بيده عند قراءة هذا الحديث إلى عينه كما صنع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأجاب: بأنه إن حضر عنده من يوافقه على معتقده وكان يعتقد تنزيه الله تعالى عن صفة الحدوث وأراد الحدوث وأراد التأسي به محضًا جاز والأولى به الترك خشية أن يدخل على من يراه شبهة التشبيه تعالى الله عن ذلك (وإن المسيح الدجال) بكسر الهمزة (أعور عين اليمنى) من إضافة الموصوف إلى صفته ولأبي ذر أعور العين اليمنى (كأن عينه عنبة طافية) بالياء أي ناتئة بارزة وهي غير الممسوحة وقد تهمز لكن أنكره بعضهم وسبق ما فيه من الفتن في باب ذكر الدجال. 7408 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِىٍّ إِلاَّ أَنْذَرَ قَوْمَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ». وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرنا قتادة) بن دعامة (قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ما بعث الله) عز وجل (من نبي إلا أنذر قومه الأعور الكذاب إنه أعور وإن ربكم) ولأبي ذر عن الكشميهني وإن الله (ليس بأعور) لتعاليه عن كل نقص واقتصر في وصف الدجال على العور لكون كل أحد يدركه فدعواه الربوبية مع ذلك كاذبة (مكتوب بين عينيه كافر). زاد أبو أمامة فيما رواه ابن ماجة يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب. وسبق الحديث

18 - باب قول الله: {هو الله الخالق البارئ المصور} [الحشر: 24]

في الفتن. 18 - باب قَوْلِ اللَّهِ: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24] (باب قول الله: {هو الخالق البارئ المصور} [الحشر: 24]) كذا لأبي ذر ولغيره سقوط الباب وقال: {هو الله الخالق} كذا في الفرع وسقط لأبي ذر لفظ هو وقال في الفتح الباري باب قول الله تعالى هو الخالق كذا للأكثر والتلاوة هو الله الخالق إلى آخره وثبت كذلك في بعض النسخ من رواية كريمة والخالق هو المقدر والبارئ المنشئ المخترع، وقدم ذكر الخالق على البارئ لأن الإرادة مقدمة على تأثير القدرة وهو الإحداث على الوجه المقدر ثم التصوير فالتصوير مرتب على الخلق والبراءة وتابع لهما لأن إيجاد الذوات مقدّم على إيجاد الصفات والخالق من الخلق ويستعمل بمعنى الإبداع وهو إيجاد الشيء من غير أصل كقوله تعالى: {خلق السماوات والأرض} [الأنعام: 1 وغيرها] وبمعنى التكوين كقوله تعالى: ({خلق الإنسان من نطفة} [النحل: 4] والخلاق مبالغة في خالق والخلق فعله والخليقة جماعة المخلوقين وقد يعبر عن المخلوقات بالخلق تجوّزًا فمن علم أنه الخالق فعليه أن ينعم النظر في إتقان خلقه لتلوح له دلائل حكمته في صنعه فيعلم أنه خلقه من تراب ثم من نطفة وركّب أعضاءه، ورتب أجزاءه فقسم تلك القطرة فجعل بعضها مخًّا وبعضها عظمًا وبعضها عروقًا وبعضها أنيابًا وبعضها شحمًا وبعضها لحمًا وبعضها جلدًا وبعضها شعرًا، ثم رتّب كل عضو على ترتيب يخالف مجاوره ثم مدّ من تلك القطرة معاني صفات المخلوق وأسمائه وأخلاقه من علم وقدرة وإرادة وعقل وحلم وكرم ونحو هذا وأضداد هذا فتبارك الله أحسن الخالقين، وأما البارئ فقالوا معناه الخالق يقال برأ الله الخلق يبرؤهم برءًا وبروءًا أي خلقهم والبرية الخلق بالهمز وبغيره قالوا والبريئة من البر أو هو التراب؛ وقد جاء هذا الاسم بين اسمي فعل، وقد جاءت الروايات بتعداد الأسماء وذكر الاسمين معًا في العدد فلو كان مفهومها واحدًا لاستغنى بذكر أحدهما عن الآخر فلا بدّ من فارق يفرق بينهما لأن تقاربت الأشباه فالإيجاد والإبداع اسم عام لما تناوله معنى الإيجاد، ومعنى الإيجاد إخراج ذات المكون من العدم إلى الوجود واسم الخلق يتناول جميع المواد الظاهرة للمصنوع الظاهر، وهذا حدّ خاص في الخلق واسم البرء يتناول إيجاد البواطن من باطن ما خلق منه ذوات المقادير وهي الأجسام وجعل الذوات ذواتًا في الكون محمولة في الأجسام محجوبة في الهياكل، وأما المصور فهو مبدع صور المخلوقات على وجوه تتميز بها عن غيرها من تقدير وتخطيط واختصاص بشكل ونحو هذا فالله تعالى خالق كل شيء بمعنى أنه مقدره أو موجده من أصل ومن غير أصل وبارئه حسبما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته من غير تفاوت واختلال ومصوّره بصورة يترتب عليها خواصه ويتم بها كماله. 7409 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى هُوَ ابْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ فِى غَزْوَةِ بَنِى الْمُصْطَلِقِ أَنَّهُمْ أَصَابُوا سَبَايَا فَأَرَادُوا أَنْ يَسْتَمْتِعُوا بِهِنَّ وَلاَ يَحْمِلْنَ فَسَأَلُوا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْعَزْلِ فَقَالَ: «مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». وَقَالَ مُجَاهِدٌ عَنْ قَزَعَةَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ فَقَالَ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلاَّ اللَّهُ خَالِقُهَا». وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن منصور أو ابن راهويه قال: (حدّثنا عفان) قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو ابن خالد قال: (حدّثنا موسى هو ابن عقبة) وسقط لأبي ذر هو ابن عقبة قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن يحيى بن حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة الأنصاري المدني (عن ابن محيريز) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وسكون التحتية بعدها راء فتحتية ساكنة فزاي الجمحي القرشي (عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- (في غزوة بني المصطلق) بكسر اللام (أنهم أصابوا سبايا) جمع سبيئة بالهمز وهي المرأة تسبى مثل خطيئة وخطايا أي جواري أخذن من الكفار أسرًا (فأرادوا) لما طالت عليهم العزبة (أن يستمتعوا بهنّ) في الجماع (ولا يحملن فسألوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن العزل) وهو نزع الذكر من الفرج وقت الإنزال (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما عليكم أن لا تفعلوا) أي ليس عليكم ضرر في ترك العزل أو ليس عدم العزل واجبًا عليكم أو لا زائدة كما قاله المبرد (فإن الله) عز وجل (قد كتب) أي أمر من كتب (من هو خالق إلى يوم القيامة) فلا فائدة في عزلكم فإنه تعالى إن كان قد خلقها سبقكم الماء فلا ينفعكم الحرص. (وقال مجاهد) هو ابن جبر المفسر فيما وصله (عن قزعة) بالقاف والزاي المفتوحتين (سمعت)

19 - باب قول الله تعالى: {لما خلقت بيدى} [ص: 75]

ولأبي ذر قال: سألت (أبا سعيد) الخدري عن العزل (فقال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ليست نفس مخلوقة) مقدرة الخلق (إلا الله) عز وجل (خالقها) أي مبرزها من العدم إلى الوجود. 19 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} [ص: 75] (باب قول الله تعالى: {لما خلقت بيدي} [ص: 75]) يريد قوله تعالى لإبليس لما لم يسجد لآدم: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} امتثالاً لأمري أي خلقته بنفسي من غير توسط كأب وأم والتثنية لما في خلقه من مزيد القدرة واختلاف الفعل، وقيل: المراد باليد القدرة، وتعقب بأنه لو كان اليد بمعنى القدرة لم يكن بين آدم وإبليس فرق لتشاركهما فيما خلق كل منهما به وهي قدرته في كلام المحققين من علماء البيان أن قولنا اليد مجاز عن القدرة إنما هو لنفي وهم التشبيه والتجسيم بسرعة، وإلا فهي تمثيلات وتصويرات للمعاني العقلية بإبرازها في الصور الحسية ولأنه عهد أنه من اعتنى بشيء باشره بيديه فيستفاد من ذلك أن العناية بخلق آدم أتم من العناية بخلق غيره وثبت لفظ باب لأبي ذر. 7410 - حَدَّثَنِى مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَجْمَعُ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ أَمَا تَرَى النَّاسَ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَىْءٍ شَفِّعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكَ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِى أَصَابَ، وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِى أَصَابَ، وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطَايَاهُ الَّتِى أَصَابَهَا، وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا أَتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا، فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِى أَصَابَ، وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ وَكَلِمَتَهُ وَرُوحَهُ فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَأْتُونِى فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى فَيُؤْذَنُ لِى عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّى وَقَعْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِى ثُمَّ يُقَالُ لِى: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ: يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَحْمَدُ رَبِّى بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِى حَدًّا، فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَرْجِعُ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّى وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِى ثُمَّ يُقَالُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ: يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَحْمَدُ رَبِّى بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا رَبِّى ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِى حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ثُمَّ أَرْجِعُ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّى وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِى، ثُمَّ يُقَالُ ارْفَعْ مُحَمَّدُ قُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَحْمَدُ رَبِّى بِمَحَامِدَ عَلَّمَنِيهَا، ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِى حَدًّا فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَرْجِعُ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مَا بَقِىَ فِى النَّارِ إِلاَّ مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِى قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ، مَا يَزِنُ شَعِيرَةً ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِى قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَكَانَ فِى قَلْبِهِ مَا يَزِنُ مِنَ الْخَيْرِ ذَرَّةً». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (معاذ بن فضالة) بفتح الفاء وتخفيف الضاد المعجمة أبو زيد البصري: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يجمع الله) عز وجل (المؤمنين) من الأمم الماضية والأمة المحمدية ولأبوي الوقت وذر يجمع المؤمنون بضم التحتية مبنيًّا للمفعول والمؤمنون مفعول ناب عن فاعله (يوم القيامة كذلك) بالكاف في أوله للجميع. قال البرماوي والعيني كالكرماني أي مثل الجمع الذي نحن عليه. وقال في فتح الباري: وأظن أن أول هذه الكلمة لام والإشارة إلى يوم القيامة أو لما يذكر بعد قال: وقد وقع عند مسلم من رواية معاذ بن هشام عن أبيه يجمع إليه المؤمنين يوم القيامة فيهتمون لذلك (فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا) أحدًا فيشفع لنا (حتى يريحنا من مكاننا هذا) أي من الموقف لنحاسب ونخلص من حرّ الشمس والغم الذي لا طاقة لنا به (فيأتون آدم فيقولون يا آدم أما ترى الناس) فيما هم فيه من الكرب (خلقك الله بيده) وهذا موضع الترجمة (وأسجد لك ملائكته وعلّمك أسماء كل شيء) وضع شيء موضع أشياء أي المسميات لقوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها} [البقرة: 31] أي أسماء المسميات إرادة للتقصي واحدًا فواحدًا حتى يستغرق المسميات كلها (شفع) بفتح الشين المعجمة وكسر الفاء مشددة مجزوم على الطلب قال في الكواكب من التشفيع وهو قبول الشفاعة وهو لا يناسب المقام إلا أن يقال هو تفعيل للتكثير والمبالغة ولأبي الوقت وأبي ذر عن الكشميهني اشفع (لنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا فيقول لست هناك) أي ليست لي هذه المرتبة بل لغيري (ويذكر لهم خطيئته التي أصابـ) ـها وهي أكله من الشجرة (ولكن ائتوا نوحًا فإنه أول رسول بعثه الله) عز وجل بالإنذار (إلى أهل الأرض) الموجودين بعد هلاك الناس بالطوفان وليست أصل بعثته عامة فإنه من خصوصيات نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكانت رسالة آدم لنبيه بمنزلة التربية والإرشاد (فيأتون نوحًا) فيسألونه (فيقول) لهم (لست هناكم) بالميم بعد الكاف ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني هناك بإسقاطها (ويذكر خطيئته التي أصابـ) ـها وهي سؤاله نجاة ولده من الغرق (ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن فيأتون إبراهيم) فيسألونه (فيقول لست هناكم) وللمستملي والكشميهني هناك (ويذكر لهم خطاياه التي أصابها) وهي قوله: {إني سقيم} [الصافات: 89] و {بل فعله كبيرهم} [الأنبياء: 63] وإنها أختي. (ولكن ائتوا موسى عبدًا آتاه الله التوراة وكلمه تكليمًا فيأتون موسى) فيسألونه (فيقول لست هناكم ويذكر لهم خطيئته التي أصاب) ولأبي ذر أصابها وهي قتله النفس بغير حق (ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله) نفي لقول النصارى ابن الله (وكلمته) لأنه وجد بأمره تعالى من غير أب (وروحه) المنفوخة في مريم (فيأتون عيسى) فيسألونه (فيقول

لست هناكم ولكن ائتوا محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت الصلاة لأبي ذر (عبدًا غفر له) بضم الغين وكسر الفاء ولأبوي الوقت وذر والأصيلي غفر الله له (ما تقدم من ذنبه) عن سهو وتأويل (وما تأخر) بالعصمة (فيأتون) ولأبي ذر فيأتونني (فأنطلق فأستأذن على ربي) أي في الشفاعة للإراحة من هول الموقف (فيؤذن لي) بالفاء ولأبي ذر عن الكشميهني ويؤذن لي (عليه فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدًا فيدعني ما شاء الله أن يدعني) أي فيتركني ما شاء أن يتركني (ثم يقال لي ارفع محمد) رأسك (وقل) ولأبي ذر قل بإسقاط الواو (يسمع) بضم التحتية وسكون السين المهملة وفتح الميم لك ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني تسمع بالفوقية بدل التحتية (وسل) بغير همزة (تعطه) ولأبي ذر عن المستملي تعط بغير هاء (واشفع تشفع) بضم الفوقية وفتح الفاء مشددة تقبل شفاعتك (فأحمد ربي) تعالى (بمحامد علمنيها) زاد أبو ذر ربي وفي تفسير البقرة يعلمنيها بلفظ المضارع (ثم اشفع فيحدّ لي) تعالى (حدًّا) أي يعين لي قومًا مخصوصين (فأدخلهم الجنة ثم أرجع فإذا رأيت ربي) تعالى (وقعت) له (ساجدًا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال: ارفع محمد) رأسك (وقل يسمع) لقولك ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني تسمع بالفوقية (وسل تعطه) وللمستملي تعط بدون هاء (واشفع تشفع فأحمد ربي بمحامد علمنيها) زاد أبو ذر ربي (ثم أشفع فيهم) فيشفعني تعالى ثم أستأذنه تعالى في الشفاعة لإخراج قوم من النار (فيحد لي حدًّا فأدخلهم الجنة ثم أرجع فإذا رأيت ربي وقعت) له (ساجدًا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال: ارفع محمد) رأسك (قل يسمع) لك ولأبي ذر وقل بالواو تسمع بالفوقية (وسل تعطه) بالهاء (واشفع تشقع فأحمد ربي بمحامد علمنيها) ولأبي ذر علمنيها ربي (ثم اشفع فيحد لي حدًّا فأدخلهم الجنة ثم أرجع فأقول يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن) فيها ممن أشرك (ووجب عليه الخلود) بنحو قوله فيه خالدين فيها أبدًا (قال) ولأبي ذر فقال (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يخرج من النار من قال لا إله إلا الله) مع محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وكان في قلبه من الخير) زيادة على أصل التوحيد (ما يزن شعيرة ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة) حبة من الحنطة (ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرة) بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء واحدة الذر وهو النمل الصغار أو الهباء الذي يظهر في عين الشمس أو غير ذلك. وفي الحديث الردّ على المعتزلة في نفيهم الشفاعة لأصحاب الكبائر وبيان أفضلية نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على جميع الأنبياء، وأما ما نسب إلى الأنبياء من الخطايا فمن باب التواضع، وأن حسنات الأبرار سيئات المقربين وإلاّ فهم صلوات الله وسلامه عليهم معصومون مطلقًا. وسبق الحديث في تفسير سورة البقرة. 7411 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَدُ اللَّهِ مَلأَى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ». وَقَالَ: «أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِى يَدِهِ». وَقَالَ: «عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الأُخْرَى الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا) ولأبى ذر أخبرنا (أبو الزناد) ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يد الله) عز وجل (ملأى) بفتح الميم وسكون اللام بعدها همزة (لا يغيضها) بفتح التحتية وكسر الغين المعجمة وسكون التحتية بعدها ضاد معجمة ولأبي ذر لا تغيضها بالفوقية بدل التحتية أي لا ينقصها (نفقة) والمراد من قوله ملأى لازمه وهو أنه في غاية الغنى وعنده من الرزق ما لا نهاية له هي (سحاء الليل والنهار) بفتح السين والحاء المشددة المهملتين وبالمد والرفع خبر مبتدأ مضمر كما مرّ وبالنصب منوّنًا على المصدر أي تسح سحًّا والليل والنهار نصب على الظرفية، والمعنى أنها دائمة الصب والهطل بالعطاء واليد هنا كناية عن محل عطائه ووصفها بالامتلاء لكثرة منافعها وكمال فوائدها فجعلها كالعين التي لا يغيضها الاستقاء (وقال: أرأيتم ما أنفق) سبحانه وتعالى (منذ خلق السماوات والأرض) أي ما أنفق في زمان خلق السماوات والأرض حين كان عرشه على الماء إلى يومنا ولأبي ذر

منذ خلق السماوات والأرض (فإنه لم يغض) بفتح التحتية وكسر المعجمة لم ينقص (ما في يده). قال الطيبي: يجوز أن يكون أرأيتم استئنافًا فيه معنى الترقي كأنه لما قيل ملأى أوهم جواز النقصان فأزيل بقوله لا يغيضها نفقة وقد يمتلئ الشيء ولا يفيض، فقيل سحاء إشارة إلى الفيض وقرنه بما يدل على الاستمرار من ذكر الليل والنهار ثم أتبعه بما يدل على أن ذلك ظاهر غير خافٍ على ذي بصر وبصيرة بعد أن اشتمل من ذكر الليل والنهار بقوله: أرأيتم على تطاول المدة لأنه خطاب عامّ والهمزة فيه للتقرير قال: وهذا الكلام إذا أخذته بجملته من غير نظر إلى مفرداته أبان زيادة المعنى وكمال السعة والنهاية في الجود والبسط في العطاء. (وقال): وفي نسخة وكان (عرشه على الماء) أي قبل خلق السماوات والأرض (وبيده الأخرى الميزان) العدل بين الخلق (يخفض) من يشاء (ويرفع) من يشاء ويوسع الرزق على من يشاء ويضيّقه على من يشاء والميزان كما قاله الخطابي مثل والمراد القسمة بين الخلق أو المراد يخفض الميزان ويرفعه فإن الذي يوزن بالميزان يخف ويرجح. وفي حديث أبي موسى عند مسلم وابن حبان: إن الله لا ينام ولا ينبغي أن ينام يخفض القسط ويرفعه، وظاهره أن المراد بالقسط الميزان وهو مما يؤيد أن الضمير المحذوف في قوله يخفض ويرفع الميزان، وأشار بقوله بيده الأخرى إلى أن عادة المخاطبين تعاطي الأسباب باليدين معًا فعبر عن قدرته على التصرف بذكر اليدين ليفهم المعنى المراد مما اعتادوه. والحديث سبق بهذا الإسناد والمتن في تفسير سورة هود وفيه زيادة في أوله وهي قال: قال الله عز وجل: أنفق أُنفق عليك. 7412 - حَدَّثَنَا مُقَدَّمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَمِّى الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَرْضَ، وَتَكُونُ السَّمَوَاتُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ». وبه قال: (حدّثنا مقدم بن محمد) الهلالي الواسطي ولأبي ذر زيادة ابن يحيى (قال: حدّثني) بالإفراد (عمي القاسم بن يحيى) بن عطاء (عن عبيد الله) بضم العين العمري (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال): (إن الله يقبض يوم القيامة الأرض) أي الأرضين السبع ولأبي ذر عن الكشميهني الأرضين بالجمع (وتكون السماوات) السبع (بيمينه) أي مطويات كما في قوله تعالى: {والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} [الزمر: 67] فالمراد بهذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعه تصوير عظمته تعالى والتوقيف على حكم جلاله لا غير من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز يعني أن الأرضين السبع مع عظمهن وبسطهن لا يبلغن إلا قبضة واحدة من قبضاته (ثم يقول: أنا الملك) ولمسلم من حديث ابن عمر: أين الجبارون أين المتكبرون؟ والحديث سبق في تفسير سورة الزمر. 7413 - رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ: سَمِعْتُ سَالِمًا سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا، وَقَالَ أَبُو الْيَمَانِ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَقْبِضُ اللَّهُ الأَرْضَ». (رواه) أي الحديث (سعيد) بكسر العين ابن داود بن أبي زنبر بفتح الزاي والموحدة بينهما نون ساكنة آخره راء المدني سكن بغداد وليس له في هذا الكتاب إلا هذا الموضع (عن مالك) الإمام وصله الدارقطني في غرائب مالك وأبو القاسم اللالكائي. (وقال عمر بن حمزة) بن عبد الله بن عمر: (سمعت سالمًا) هو ابن عبد الله بن عمر عم المذكور يقول: (سمعت ابن عمر) عبد الله -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا) الحديث ووصله مسلم وأبو داود (وقال أبو اليمان) الحكم بن نافع: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يقبض الله) عز وجل (الأرض). وهذا سبق قريبًا في باب قوله تعالى: {ملك الناس} [الناس: 2]. 7414 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنِى مَنْصُورٌ وَسُلَيْمَانُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ يَهُودِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالْخَلاَئِقَ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91]. قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَزَادَ فِيهِ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد أنه (سمع يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) الثوري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (منصور) هو ابن المعتمر (وسليمان) بن مهران الأعمش كلاهما (عن إبراهيم) النخعي (عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة ابن عمرو السلماني (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (أن يهوديًّا) أي يعرف اسمه، وفي مسلم من رواية فضيل بن عياض جاء حبر وزاد في رواية شيبان من الأحبار (جاء إلى النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا محمد إن الله يمسك

20 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا شخص أغير من الله»

السماوات) زاد فضيل يوم القيامة (على إصبع والأرضين على إصبع والجبال على إصبع والشجر على إصبع) زاد في رواية شيبان الماء والثرى، وفي رواية فضيل بن عياض الجبال والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع (والخلائق) ممن لم يتقدم له ذكر (على إصبع ثم يقول) تعالى: (أنا الملك) وفي رواية أنا الملك بالتكرار مرتين (فضحك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بدت) ظهرت (نواجذه) بالجيم والذال المعجمة أنيابه التي تبدو عند الضحك (ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام: ({وما قدروا الله حق قدره} [الأنعام: 91]) أي وما عظّموه حق تعظيمه. (قال يحيى بن سعيد) القطان راوي الحديث عن الثوري بالسند المذكور: (وزاد فيه فضيل بن عياض عن منصور) أي ابن المعتمر (عن إبراهيم عن عبيدة) السلماني (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (فضحك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كون ضحكه (تعجبًّا) من قول اليهودي (وتصديقًا له) ووصله مسلم عن أحمد بن يونس عن فضيل. وقد سبق في تفسير سورة الزمر أن الخطابي ذكر الأصبع وقال: إنه لم يقع في القرآن ولا في حديث مقطوع به، وقد تقرر أن اليد ليست جارحة حتى يتوهم من ثبوتها ثبوت الأصابع بل هو توقيف أطلقه الشارع فلا يكيف ولا يشبه، ولعل ذكر الأصابع من تخليط اليهود فإن اليهود مشبهة وقول من قال من الرواة وتصديقًا له أي لليهود ظن وحسبان، وقد روى هذا الحديث غير واحد من أصحاب عبد الله فلم يذكروا فيه تصديقًا له ثم قال: ولو صح الخبر حملناه على تأويل قوله والسماوات مطويات بيمينه اهـ. وتعقبه بعضهم بورود الأصابع في عدة أحاديث منها ما أخرجه مسلم: إن قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن ولكن هذا لا يرد عليه لأنه إنما نفى القطع، نعم ذهب الشيخ أبو عمرو بن الصلاح إلى أن ما اتفق عليه الشيخان بمنزلة المتواتر فلا ينبغي التجاسر على الطعن في ثقات الرواة وردّ الأخبار الثابتة، ولو كان الأمر على خلاف ما فهمه الراوي بالظن للزم منه تقريره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الباطل وسكوته عن الإنكار وحاش الله من ذلك، وقد اشتد إنكار ابن خزيمة على من ادّعى أن الضحك المذكور كان على سبيل الإنكار فقال بعد أن أورد هذا الحديث في صحيحه في كتاب التوحيد بطرقه قد أجلّ الله تعالى نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يوصف ربه بحضرته بما ليس هو من صفاته فيجعل بدل الإنكار والغضب على الوصف ضحكًا بل لا يصف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهذا الوصف من يؤمن بنبوته اهـ. 7415 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْخَلاَئِقَ عَلَى إِصْبَعٍ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ، فَرَأَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91]. وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) سقط لأبي ذر بن غياث قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال: (سمعت إبراهيم) النخعي (قال: سمعت علقمة) بن قيس (يقول: قال عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (جاء رجل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أهل الكتاب) من اليهود (فقال: يا أبا القاسم إن الله يمسك السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والشجر والثرى على أصبع والخلائق) أي الذين لم يذكروا فيما مرّ (على إصبع ثم يقول: أنا الملك أنا الملك) قالها مرتين قال ابن مسعود (فرأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضحك) أي تعجبًا كما مرّ (حتى بدت نواجذه) بالجيم والمعجمة (ثم قرأ: {وما قدروا الله حق قدره} [الأنعام: 91]). قال القرطبي في المفهم: ضحكه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما هو للتعجب من جهل اليهودي، ولهذا قرأ عند ذلك {وما قدروا الله حق قدره} فهذه الرواية هي الصحيحة المحققة وأما من زاد تصديقًا له فليست بشيء فإنها من قول الراوي وهي باطلة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يصدق المحال، وهذه الأوصاف في حق الله تعالى محال إذ لو كان ذا يد أو أصابع وجوارح لكان كواحد منا ولو كان كذلك لاستحال أن يكون إلهًا فقول اليهودي محال وكذب، ولذلك أنزل الله في الرد عليه {وما قدروا الله قدره} اهـ. وهذا يرده ما سبق قريبًا والله الموفق والمعين لا رب سواه. 20 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا شخص أغير من الله) لا الجنسية وأغير أفعل تفضيل مرفوع خبرها وسقط لغير أبي ذر باب فالتالي

مرفوع. 7416 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذْكِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِى لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «تَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، وَاللَّهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّى وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ، وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ». وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ لاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل التبوذكي) وثبت لفظ التبوذكي لأبي ذر قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري قال: (حدّثنا عبد الملك) بن عمير (عن وزاد) بفتح الواو والراء المشدّدة (كاتب المغيرة) بن شعبة ومولاه (عن المغيرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال سعد بن عبادة) سيد الخزرج -رضي الله عنه- (لو رأيت رجلاً مع امرأتي) غير محرم لها (لضربته بالسيف غير مصفح) بفتح الصاد والفاء المشدّدة وبسكون الصاد وتخفيف الفاء وهو الذي في اليونينية أي غير ضارب بعرضه بل بحدّه (فبلغ ذلك) الذي قاله سعد (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): (تعجبون) ولأبي ذر أتعجبون (من غيرة سعد والله) مجرور بواو القسم (لأنا) مبتدأ دخلت عليه لام التأكيد المفتوحة خبره (أغير منه والله أغير مني) مبتدأ وخبر. قال ابن دقيق العيد: المنزهون لله إما ساكتون عن التأويل وإما مؤوّلون، والثاني يقول المراد بالغيرة المنع من الشيء والحماية وهما من لوازم الغيرة فأطلقت على سبيل المجاز كالملازمة وغيرها من الأوجه الشائعة في لسان العرب، فالمراد الزجر عن الفواحش والتحريم لها والمنع منها وقد بيّن ذلك بقوله (ومن أجل غيرة الله) عز وجل (حرم الفواحش) جمع فاحشة وهي كل خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال (ما ظهر منها) كنكاح الجاهلية الأمهات (وما بطن) كالزنا (ولا أحد أحب) بالرفع خبر لا، ولأبي ذر ولا أحد بالرفع منوّنًا أحب (إليه العذر من الله) برفع أحب أيضًا في الفرع كأصله أو بالنصب خبر لا على الحجازية والعذر رفع فاعل أحب والعذر الحجة (ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين) بكسر الشين والذال المعجمتين أي بعث الرسل لخلقه قبل أخذهم بالعقوبة وفي غير رواية أبي ذر تقديم المنذرين على المبشرين، وفي مسلم بعث المرسلين مبشرين ومنذرين (ولا أحد أحب إليه المدحة) بكسر الميم وسكون الدال المهملة مرفوع فاعل أحب والمدح الثناء بذكر أوصاف الكمال والإفضال (من الله) عز وجل (ومن أجل ذلك وعد الله الجنة) من أطاعه وحذف أحد مفعولي وعد وهو من أطاعه للعلم به. قال القرطبي: ذكر المدح مقرونًا بالغيرة والعذر بينهما لسعد على أن لا يعمل بمقتضى غيرته ولا يعجل بل يتأنى ويترفق ويتثبت حتى يحصل على وجه الصواب فينال كمال الثناء والمدح والثواب لإيثاره الحق وقمع نفسه وغلبتها عند هيجانها وهو نحو قوله الشديد من يملك نفسه عند الغضب وهو حديث صحيح متفق عليه. (وقال عبيد الله) بضم العين (ابن عمرو) بفتحها ابن أبي الوليد الأسدي مولاهم الرقي فيما وصله الدارمي عن زكريا بن عدي عن عبيد الله بن عمرو (عن عبد الملك) بن عمير بن سويد الكوفي عن وراد مولى المغيرة عن المغيرة قال: يبلغ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لا شخص أغير من الله). قال الخطابي: إطلاق الشخص في صفات الله عز وجل غير جائز لأن الشخص لا يكون إلا جسمًا مؤلفًا فخليق أن لا تكون هذه اللفظة صحيحة وأن تكون تصحيفًا من الراوي ودليل أن أبا عوانة روى هذا الحديث عن عبد الملك يعني في هذا الباب فلم يذكرها فمن لم يمعن في الاستماع لم يأمن الوهم وليس كل الرواة يراعي لفظ الحديث حتى لا يتعداه بل كثير منهم يحدّث بالمعنى وليس كلهم فهمًا بل في كلام بعضهم جفاء وتعجرف، فلعل لفظ شخص جرى على هذا السبيل إن لم يكن غلطًا من قبيل التصحيف يعني السمعي قال: ثم إن عبد الله بن عمرو انفرد عن عبد الملك ولم يتابع عليه واعتوره الفساد من هذه الوجوه اهـ. وقال ابن فورك: لفظ الشخص غير ثابت من طريق السند والإجماع على المنع منه لأن معناه الجسم المركب، وكذا قال نحوه الداودي والقرطبي وطعنهم في السند بنوه على تفرد عبيد الله بن عمرو به وليس كذلك، فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عبيد الله بن عمر القواريري وأبي كامل فضيل بن حسين الجحدري ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ثلاثتهم عن أبي عوانة الوضاح بالسند الذي أخرجه به البخاري

21 - باب {قل أى شىء أكبر شهادة} وسمى النبى -صلى الله عليه وسلم- القرآن شيئا

لكن قال في المواضع الثلاثة لا شخص بدل لا أحد ثم ساقه من طريق زائدة بن قدامة عن عبد الملك كذلك فكان هذه اللفظة لم تقع في رواية البخاري في حديث أبي عوانة عن عبد الملك فلذلك علقها عن عبيد الله بن عمرو اهـ. وقد أخرجه مسلم عن القواريري وأبي كامل كذلك ومن طريق زائدة أيضًا فكأن الطاعنين لم يستحضروا إذ ذاك صحيح مسلم ولا غيره من الكتب التي وقع فيها هذا اللفظ من غير رواية عبيد الله بن عمرو وورود الروايات الصحيحة والطعن في أئمة الحديث الضابطين مع إمكان توجيه ما رووا من الأمور التي قدم عليها كثير من غير أهل الحديث وهو يقتضي قصور فهم من فعل ذلك منهم، ومن ثم قال الكرماني: لا حاجة لتخطئة الرواة الثقات بل حكم هذا حكم سائر المتشابهات إما التفويض وإما التأويل اهـ من الفتح. وقال في المصابيح: هذا ظاهر إذ ليس في هذا اللفظ ما يقتضي إطلاق الشخص على الله وما هو إلا بمثابة قولك لا رجل أشجع من الأسد، وهذا لا يدل على إطلاق الرجل على الأسد بوجه من الوجوه فأي داعٍ بعد ذلك إلى توهيم الراوي في ذكر الشخص أنه تصحيف من قوله لا شيء أغير من الله كما صنعه الخطابي. 21 - باب {قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً} وَسَمَّى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقُرْآنَ شَيْئًا {قُلِ اللَّهُ}، وَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ شَيْئًا، وَهْوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ وَقَالَ: {كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88]. (باب) بالتنوين يذكر فيه قوله تعالى: ({قل أي شيء أكبر شهادة} [الأنعام: 19] وسمى الله تعالى نفسه شيئًا) إثباتًا لوجوده ونفيًا لعدمه وتكذيبًا للزنادقة والدهرية في قول الله عز وجل: ({قل الله}) ولأبي ذر {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله} فسمى الله تعالى نفسه شيئًا. قال في المدارك: أي شيء مبتدأ وأكبر خبره وشهادة تمييز وأي كلمة يراد بها بعض ما تضاف إليه فإذا كانت استفهامًا كان جوابها مسمى باسم ما أضيفت إليه، وقوله قل الله جواب أي الله أكبر شهادة فالله مبتدأ والخبر محذوف فيكون دليلاً على أنه يجوز إطلاق اسم الشيء على الله تعالى وهذا لأن الشيء اسم للموجود ولا يطلق على المعدوم والله تعالى موجود فيكون شيئًا ولذا تقول الله تعالى شيء لا كالأشياء (وسمى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القرآن شيئًا) في الحديث الذي بعده (وهو صفة من صفات الله) تعالى أي من صفات ذاته (وقال: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: 88]) فيه أن الاستثناء متصل فإنه يقتضي اندراج المستثنى في المستثنى منه وهو الراجح فيدل على أن لفظ شيء يطلق عليه تعالى وقيل الاستثناء منقطع والتقدير لكن هو سبحانه لا يهلك. 7417 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِرَجُلٍ: «أَمَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَىْءٌ»؟ قَالَ: نَعَمْ سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي -رضي الله عنه- أنه قال: (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لرجل) لم يسم لما قال له في المرأة الواهبة نفسها له ولم يردها عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوّجنيها؟ فقال: وهل عندك من شيء؟ قال: لا. قال: انظر ولو خاتمًا من حديد. فقال: ولا خاتمًا من حديد. فقال له: (أمعك من القرآن شيء؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا السور سماها) عيّن النسائي في روايته عن أبي هريرة البقرة والتي تليها، وعند الدارقطني البقرة وسور من المفصل وقد أجمع على أن لفظ شيء يقتضي إثبات موجود ولفظ لا شيء يقتضي نفي موجود، وأما قولهم فلن ليس بشيء فإنه على طريق المبالغة في الذم فوصف لذلك بصفة المعدوم. وحديث الباب مختصر من حديث سبق في النكاح. 22 - باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 129] قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}: ارْتَفَعَ. {فَسَوَّاهُنَّ} [البقرة: 29]: خَلَقَهُنَّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {اسْتَوَى} [الأعراف: 54]: عَلاَ عَلَى الْعَرْشِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {الْمَجِيدُ} [البروج: 15]: الْكَرِيمُ. وَ {الْوَدُودُ} [البروج: 14]: الْحَبِيبُ. يُقَالُ: حَمِيدٌ مَجِيدٌ كَأَنَّهُ فَعِيلٌ مِنْ مَاجِدٍ مَحْمُودٌ مِنْ حَمِيدٍ. (باب) قوله تعالى: ({وكان عرشه على الماء} [هود: 7]) أي فوقه أي ما كان تحته خلق قبل خلق السماوات والأرض إلا الماء وفيه دليل على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل خلق السماوات والأرض، وروى الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب صفة العرش عن بعض السلف أن العرش مخلوق من ياقوتة حمراء بُعد ما بين قطريه ألف سنة واتساعه خمسون ألف سنة إنه أبعد ما بين العرش إلى الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة وقيل مما ذكره في المدارك أن الله خلق ياقوتة خضراء فنظر إليها بالهيبة فصارت ماء ثم خلق ريحًا فأقر الماء على متنه ثم وضع عرشه على الماء وفي وقوف العرش على الماء أعظم اعتبار لأهل الأفكار ({وهو رب العرش العظيم} [التوبة: 129]) روى

ابن مردويه في تفسيره مرفوعًا: إن السماوات السبع والأرضين السبع عند الكرسي كحلقة ملقاة بأرض فلاة وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة. (قال أبو العالية) رفيع بن مهران الرياحي في قوله تعالى: ({استوى إلى السماء}) معناه (ارتفع) وهذا وصله الطبري، وقال أبو العالية أيضًا في قوله تعالى: ({فسوّاهن} [البقرة: 29]) أي (خلقهن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فسوّى أي خلق. (وقال مجاهد) المفسر في قوله تعالى: ({استوى}) {على العرش} [الأعراف: 54] أي (علا على العرش) وهذا وصله الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه. قال ابن بطال: وهذا صحيح وهو المذهب الحق، وقول أهل السُّنّة لأن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بالعلي، وقال سبحانه وتعالى: {عما يشركون} وهي صفة من صفات الذات. قال في المصابيح: وما قاله مجاهد من أنه بمعنى علا ارتضاه غير واحد من أئمة أهل السُّنَّة ودفعوا اعتراض من قال علا بمعنى ارتفع من غير فرق، وقد أبطلتموه لما في ظاهره من الانتقال من سفل إلى علو وهو محال على الله فليكن علا كذلك، ووجه الدفع أن الله تعالى وصف نفسه بالعلوّ ولم يصف نفسه بالارتفاع. وقال المعتزلة: معناه الاستيلاء بالقهر والغلبة وردّ بأنه تعالى لم يزل قاهرًا غالبًا مستوليًا. وقوله: ثم استوى يقتضي افتتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن ولازم تأويلهم أنه كان مغالبًا فيه فاستولى عليه بقهر من غالبه وهذا مُنتَفٍ عن الله. وقالت المجسمة: معناه الاستقرار ودفع بأن الاستقرار من صفات الأجسام ويلزم منه الحلول وهو مُحال في حقه تعالى. وعند أبي القاسم اللالكائي في كتاب السُّنّة من طريق الحسن البصري عن أمه عن أم سلمة أنها قالت: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإقرار به إيمان والجحود به كفر ومن طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سئل كيف استوى على العرش؟ قال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول وعلى الله الرسالة وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله ابن أبي حاتم في تفسير ({المجيد}) من قوله تعالى: {ذو العرش المجيد} [البروج: 15] أي (الكريم) والمجد النهاية في الكرم ({والودود}) أي من قوله تعالى: ({الغفور الودود} [البروج: 14] أي (الحبيب) قال في اللباب والودود مبالغة في الودّ، وقال ابن عباس: هو التودّد لعباده بالعفو، وقال في الفتح: وقدم المصنف المجيد على الودود لأن غرضه تفسير لفظ المجيد الواقع في قوله تعالى: {ذو العرش المجيد} فلما فسره استطرد التفسير الاسم الذي قبله إشارة إلى أنه قرئ مرفوعًا اتفاقًا وذو العرش بالرفع صفة له واختلف القراء في المجيد فبالرفع يكون من صفات الله وبالجر من صفات العرش. (يقال حميد مجيد كأنه فعيل) أي كأن مجيدًا على وزن فعيل أخذ (من ماجد) و (محمود) أخذ (من حميد) وللكشميهني من حمد بغير ياء فعلاً ماضيًا كذا في الفرع. وقال في الفتح: كذا لهم بغير ياء ولغير أبي ذر عن الكشميهني محمود من حميد وأصل هذا قول أبي عبيدة في المجاز في قوله تعالى: {عليكم أهل البيت} [هود: 73] أنه حميد مجيد أي محمود ماجد. وقال الكرماني: غرضه منه أن مجيدًا فعيل بمعنى فاعل كقدير بمعنى قادر وحميدًا فعيل بمعنى مفعول فلذلك قال: مجيد من ماجد وحميد من محمود. قال: وفي بعض النسخ محمود من حميد، وفي أخرى محمود من حمد مبنيًّا للفاعل والمفعول أيضًا وإنما قال كأنه لاحتمال أن يكون حميد بمعنى حامد ومجيد بمعنى ممجد ثم قال وفي عبارة البخاري تعقيد، قال في الفتح التعقيد هو في قوله محمود من حمد وقد اختلف الرواة فيه والأولى فيه ما وجد في أصله وهو كلام أبي عبيدة اهـ. قال العيني: قوله التعقيد في قوله محمود من حمد هو كلام من لم يذق من علم التصريف شيئًا بل لفظ محمود مشتق من حمد والتعقيد الذي ذكره الكرماني ونسبه إلى البخاري هو قوله، ومحمود أخذ من حميد لا أن محمودًا من حمد وإنما كلاهما أخذا من حمد الماضي اهـ. 7418 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، عَنْ أَبِى حَمْزَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: إِنِّى عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِى تَمِيمٍ فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِى تَمِيمٍ». قَالُوا: بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، فَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ. قَالُوا: قَبِلْنَا جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِى الدِّينِ وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الأَمْرِ مَا كَانَ؟ قَالَ: «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَكَتَبَ فِى الذِّكْرِ كُلَّ شَىْءٍ». ثُمَّ أَتَانِى رَجُلٌ فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ أَدْرِكْ نَاقَتَكَ، فَقَدْ ذَهَبَتْ فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُهَا، فَإِذَا السَّرَابُ يَنْقَطِعُ دُونَهَا، وَايْمُ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهَا قَدْ ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ. وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روّاد العتكي المروزي (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي

محمد بن ميمون ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أخبرنا أبو حمزة (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن جامع بن شداد) بفتح الشين المعجمة والدال المهملة المشددة أبي صخرة المحاربي (عن صفوان بن محرز) بضم الميم وسكون الحاء المهملة وبعد الراء زاي البصري (عن عمران بن حصين) بالحاء والصاد المهملتين مصغرًا -رضي الله عنه- أنه (قال: إني عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ جاءه قوم من بني تميم فقال): (اقبلوا البشرى يا بني تميم) قال في فتح الباري: المراد بهذه البشارة أن من أسلم نجا من الخلود في النار ثم بعد ذلك يترتب جزاؤه على وفق عمله إلا أن يعفو الله ولما كان جلّ قصدهم الاهتمام بالدنيا والاستعطاء (قالوا: بشرتنا) النجاة من النار وقد جئنا للاستعطاء من المال (فأعطنا) منه زاد في بدء الخلق فتغير وجهه (فدخل ناس من أهل اليمن) وهم الأشعريون قوم أبي موسى (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهم: (أقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم. قالوا: قبلنا) ذلك وزاد ابن حبان من رواية شيبان بن عبد الرحمن عن جامع يا رسول الله (جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن هذا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عن أوّل هذا (الأمر) أي ابتداء خلق العالم (ما كان) قال الحافظ ابن حجر: ولم أعرف اسم قائل ذلك من أهل اليمن (قال) عليه الصلاة والسلام مجيبًا لهم (كان الله) في الأزل منفردًا متوحدًا (ولم يكن شيء قبله) وفي رواية أبي معاوية كان الله قبل كل شيء. وقال الطيبي: قوله ولم يكن شيء قبله حال، وفي المذهب الكوفي خبر والمعنى يساعده إذ التقدير كان الله منفردًا وقد جوّز الأخفش دخول الواو في خبر كان وأخواتها نحو: كان زيد وأبوه قائم على جعل الجملة خبرًا مع الواو تشبيهًا للخبر بالحال، ومال التوربشتي إلى أنهما جملتان مستقلتان (وكان عرشه على الماء) قال الطيبي: كان في الموضعين بحسب حال مدخولها، فالمراد بالأول الأزلية والقدم وبالثاني الحدوث بعد العدم، ثم قال: والحاصل أن عطف قوله وكان عرشه على الماء على قوله كان الله من باب الإخبار عن حصول الجملتين في الوجود وتفويض الترتيب إلى الذهن قالوا وفيه بمنزلة ثم، وقال في الكواكب قوله وكان عرشه على الماء معطوف على قوله كان الله ولا يلزم منه المعية إذ اللازم من الواو العاطفة الاجتماع في أصل الثبوت وإن كان هناك تقديم وتأخير. قال غيره: ومن ثم جاء قوله ولم يكن شيء غيره لنفي توهم المعية ولذا ذكر المؤلف رحمه الله الآية الثانية في أول الباب عقب الآية الأولى ليرد توهم من توهم من قوله كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء أن العرش لم يزل مع الله (ثم) بعد خلق العرش والماء (خلق السماوات والأرض وكتب) أي قدّر (في) محل (الذكر) وهو اللوح المحفوظ (كل شيء) من الكائنات. قال عمران بن حصين (ثم أتاني رجل) لم يسم (فقال: يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت فانطلقت أطلبها فإذا السراب) الذي يُرى في شدة القيظ كأنه ماء (ينقطع دونها) أي يحول بيني وبين رؤيتها (وايم الله) وفي بدء الخلق فوالله (لوددت) بكسر الدال الأولى وسكون الثانية (أنها) أي ناقتي (قد ذهبت ولم أقم) قبل تمام الحديث تأسف على ما فاته منه. وسبق الحديث في بدء الوحي. 7419 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلأَى، لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِى يَمِينِهِ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الأُخْرَى الْفَيْضُ -أَوِ الْقَبْضُ- يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) بن المديني قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام) بفتح الهاء والميم المشددة ابن منبه أنه قال: (حدّثنا أبو هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن يمين الله) عز وجل (ملأى) بفتح الميم وسكون اللام بعدها همزة (لا يغيضها) بالتحتية ولأبي ذر بالفوقية لا ينقصها (نفقة سحاء الليل والنهار) بالسين والحاء المهملتين بالمد والرفع دائمة الصب والهطل بالعطاء (أرأيتم ما أنفق منذ) ولأبي ذر ما أنفق الله منذ (خلق السماوات والأرض فإنه لم ينقص) بالقاف والصاد المهملة (ما في يمينه)

وفي الرواية السابقة في باب قول الله تعالى: {لما خلقت بيدي} [ص: 75] فإنه لم يغض بالعين والضاد المعجمتين ما في يده وهما بمعنى (وعرشه على الماء) الذي تحته لا ماء البحر (وبيده الأخرى الفيض) بالفاء والضاد المعجمة أي فيض الإحسان بالعطاء (أو القبض) بالقاف والموحدة والمعجمة أي قبض الأرواح بالموت وقد يكون الفيض بالفاء بمعنى الموت يقال: فاضت نفسه إذا مات وأو للشك كما في الفتح وقال الكرماني: ليست للترديد بل للتنويع ويحتمل أن يكون شكًّا من الراوي قال والأول هو الأولى (يرفع) أقوامًا (ويخفض) آخرين، وسبق قريبًا ومطابقة الحديث في قوله وعرشه على الماء. 7420 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَشْكُو فَجَعَلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ». قَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَاتِمًا شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ. قَالَ: فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِى اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ. وَعَنْ ثَابِتٍ: {وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ} [الأحزاب: 37] نَزَلَتْ فِى شَأْنِ زَيْنَبَ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. وبه قال: (حدّثنا أحمد) هو أحمد بن سيار المروزي فيما قاله أبو نصر الكلاباذي أو أحمد بن النضر النيسابوري فيما قاله الحكم قال: (حدّثنا محمد بن أبي بكر المقدمي) بضم الميم وفتح القاف والدال المهملة المفتوحة المشددة قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الإمام أبو إسماعيل الأزرق (عن ثابت) البناني (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: جاء زيد بن حارثة) مولى رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يشكو) له من أخلاق زوجته زينب بنت جحش (فجعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما أراد زيد طلاقها وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب أن يطلقها (يقول) له: (اتق الله) يا زيد (وأمسك عليك زوجك) فلا تطلقها (قالت عائشة) -رضي الله عنها- بالسند السابق ولأبي ذر قال أنس بدل قالت عائشة (لو كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كاتمًا شيئًا لكتم هذه) الآية {وتخفي في نفسك ما الله مبديوه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} [الأحزاب: 37] (قال) أنس (فكانت زينب تفخر على أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر كانت بالواو بدل الفاء تفخر بإسقاط زينب (تقول: زوجكن أهاليكن) به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وزوجني الله تعالى) به (من فوق سبع سماوات. وعن ثابت) البناني بالسند السابق ({وتخفي في نفسك ما الله مبديه}) أي مظهره وهو ما أعلمه الله بأن زيدًا سيطلقها ثم ينكحها ({وتخشى الناس}) أي مقالة الناس إنه نكح امرأة ابنه (نزلت في شأن زينب وزيد بن حارثة) -رضي الله عنهما-. 7421 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضى الله عنه - يَقُولُ: نَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ فِى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَأَطْعَمَ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَكَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ أَنْكَحَنِى فِى السَّمَاءِ. وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام السلمي بضم السين وفتح اللام الكوفي ثم المكي قال: (حدّثنا عيسى بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء البصري (قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: نزلت آية الحجاب) {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي} [الأحزاب: 53] الآية. (في زينب بنت جحش) -رضي الله عنها- (وأطعم عليها) أي على وليمتها (يومئذ) الناس (خبزًا ولحمًا) كثيرًا (وكانت تفخر على نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكانت تقول: إن الله) عز وجل (أنكحني) به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في السماء) حيث قال تعالى: {زوجناكها} [الأحزاب: 37] وذات الله تعالى منزّهة عن المكان والجهة، فالمراد بقولها في السماء الإشارة إلى علو الذات والصفات وليس ذلك باعتبار أن محله تعالى في السماء تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، وعند ابن سعد عن أنس قالت زينب: يا رسول الله لست كأحد من نسائك ليست منهن امرأة إلا زوّجها أبوها أو أخوها أو أهلها. ومن حديث أم سلمة قالت زينب: ما أنا كأحد من نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنهن زُوّجهنّ بالمهور وزوّجهن الآباء وأنا زوّجني الله ورسوله وأُنزل فيّ القرآن، وفي مرسل الشعبي مما أخرجه الطبري وأبو القاسم الطلحي في كتاب الحجة والبيان قال: كانت زينب تقول للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أنا أعظم نسائك عليك حقًّا أنا خيرهن منكحًا وأكرمهن سفيرًا وأقربهن رحمًا زوّجنيك الرحمن من فوق عرشه، وكان جبريل هو السفير بذلك وأنا ابنة عمتك وليس لك من نسائك قريبة غيري. وهذا الحديث آخر ما وقع في البخاري من ثلاثياته وهو الثالث والعشرون وأخرجه النسائي في عشرة النساء وفي النكاح والنعوت. 7422 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ، إِنَّ رَحْمَتِى سَبَقَتْ غَضَبِى». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن

بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إن الله) عز وجل (لما قضى الخلق) أتمه وأنفذه (كتب) أثبت في كتاب (عنده فوق عرشه) صفة الكتاب (إن رحمتي سبقت غضبي) قال في الكواكب فإن قلت: صفات الله تعالى قديمة والقدم هو عدم المسبوقية بالغير فما وجه السبق؟ قلت: الرحمة والغضب من صفات الفعل والسبق باعتبار التعلق والسر فيه أن الغضب بعد صدور المعصية من العبد بخلاف تعلق الرحمة فإنها فائضة على الكل دائمًا أبدًا. والحديث سبق قريبًا. 7423 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنِى هِلاَلٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصَامَ رَمَضَانَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، هَاجَرَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِى أَرْضِهِ الَّتِى وُلِدَ فِيهَا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نُنَبِّئُ النَّاسَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: «إِنَّ فِى الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِى سَبِيلِهِ، كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ». وبه قال (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي أحد الأعلام المدني قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن فليح) بضم الفاء آخره مهملة مصغرًا قال: (حدّثني) بالإفراد (أو) فليح بن سليمان قال: (حدّثني) بالإفراد (هلال عن عطاء بن يسار) بالتحتية والمهملة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة) المكتوبة (وصام رمضان كان) ولأبوي ذر والوقت فإن (حقًّا على الله) عز وجل بحسب وعده الصادق وفضله العميم (أن يدخله الجنة هاجر في سبيل الله) عز وجل (أو جلس في أرضه التي ولد فيها. قالوا: يا رسول الله أفلا ننبئ) بضم النون الأولى وفتح الثانية وكسر الموحدة المشددة بعدها همزة نخبر (الناس بذلك)؟ وفي الجهاد: أفلا نبشر الناس (قال: إن في الجنة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيله كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض) وفي الترمذي أنه مائة عام، وفي الطبراني خمسمائة عام، وعند ابن خزيمة في التوحيد من صحيحه وابن أبي عاصم في كتاب السُّنَّة عن ابن مسعود بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام وبين كل سماء وسماء خمسمائة عام، وفي رواية: وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام وبين السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام وبين الكرسيّ وبين الماء خمسمائة عام والكرسي فوق الماء والله فوق العرش ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم (فإذا سألتم الله) عز وجل (فسلوه الفردوس) بكسر الفاء وفتح الدال (فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة) والأسط الأفضل فلا منافاة بين قوله أوسط وأعلى (وفوقه) أي فوق الفردوس (عرش الرحمن) بنصب فوقه على الظرفية كذا في الفرع، وقال القاضي عياض: قيّده الأصيلي بالضم وأنكره ابن قرقول، وقال: إنما قيده الأصيلي بالنصب قال في المصابيح ولإنكار الضم وجه ظاهر وهو أن فوق من الظروف العادمة للتصرف وذلك مما يأبى رفعه بالابتداء كما وقع في هذه الرواية (ومنه) من الفردوس ولأبي ذر عن الكشميهني ومنها من جنة الفردوس (تفجر أنهار الجنة) بفتح الفوقية والجيم المشدّدة بحذف أحد المثلين. والحديث سبق في باب درجات المجاهدين في سبيل الله من كتاب الجنان. 7424 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ التَّيْمِىُّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ هَلْ تَدْرِى أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّهَا تَذْهَبُ تَسْتَأْذِنُ فِى السُّجُودِ فَيُؤْذَنُ لَهَا وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا ارْجِعِى مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا ثُمَّ قَرَأَ: {ذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا} [يس: 38] فِى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن جعفر) أي ابن أعين البخاري البيكندي قال: (حدّثنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين بينهما ألف آخره ميم (عن الأعمش) سليمان (عن إبراهيم هو التميمي عن أبيه) يزيد بن شريك (عن أبي ذر) جندب بن جنادة -رضي الله عنه- أنه (قال: دخلت المسجد ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس) فيه (فلما غربت الشمس قال) لي: (يا أبا ذر هل تدري أين تذهب هذه) الشمس (قال) أبو ذر (قلت: الله ورسوله أعلم) بذلك (قال) عليه الصلاة والسلام: (فإنها تذهب تستأذن) بأن يخلق الله تعالى فيها حياة يوجد القول عندها أو أسند الاستئذان إليها مجازًا أو المراد الملك الموكل بها ولأبي ذر فتستأذن (في السجود فيؤذن لها) زاد أبو ذر في السجود (وكأنها قد قيل لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها. ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام ({ذلك مستقر لها} في قراءة عبد الله). ابن مسعود وفي بدء الخلق فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها ويستأذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطل من مغربها فذلك قوله تعالى: {والشمس

تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم} [يس: 38]. 7425 - حَدَّثَنَا مُوسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَىَّ أَبُو بَكْرٍ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِى خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِىِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128] حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةٌ. وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي (عن إبراهيم) بن سعد سبط عبد الرحمن بن عوف قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله بن السباق) بضم العين من غير إضافة لشيء والسباق بفتح المهملة والموحدة المشددة وبعد الألف قال الثقفي (أن زيد بن ثابت) وسقط لأبي ذر أن زيد بن ثابت (وقال الليث) بن سعد الإمام (حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن خالد) الفهمي والي مصر (عن ابن شهاب) الزهري (عن ابن السباق) عبيد (أن زيد بن ثابت حدّثه قال: أرسل إليّ) بتشديد الياء (أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- أي فأمرني أن أتتبع القرآن (فتتبعت القرآن) أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال (حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره) بالجر ({لقد جاءكم رسول من أنفسكم} [التوبة: 128] حتى خاتمة براءة). وهو {رب العرش العظيم} إذ هو أعظم خلق الله خلق مطافًا لأهل السماء وقبلة للدعاء. وهذا التعليق وصله أبو القاسم البغوي في فضائل القرآن. 0000 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ بِهَذَا وَقَالَ مَعَ أَبِى خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِىِّ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (بهذا) الحديث السابق (وقال) فيه (مع أي خزيمة الأنصاري) كما في الأولى ووقع في تفسير سورة براءة من طريق أبي اليمان عن شعيب عن الزهري مع خزيمة الأنصاري بإسقاط أبي وفي متابعة يعقوب بن إبراهيم لموسى بن إسماعيل قي روايته عن إبراهيم بن سعد، وقال مع خزيمة أو أبي خزيمة بالشك، لكن قال في فتح الباري: والتحقيق أن آية التوبة مع أبي خزيمة بالكنية وآية الأحزاب مع خزيمة. 7426 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ؛ «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَلِيمُ الْحَلِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ». وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بضم الميم وفتح العين المهملة واللام المشددة العمي أبو الهيثم الحافظ قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو ابن خالد (عن سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي العالية) رفيع (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول عند الكرب) أي عند حلوله: (لا إله إلا الله العليم) الشامل علمه لجميع المعلومات المحيط بها لا تخفى عليه خافية ولا تعزب عنه قاصية ولا دانية ولا يشغله علم عن علم (الحليم) الذي لا يستفزه غضب ولا يحمله غيظ على استعجال العقوبة والمسارعة إلى الانتقام (لا إله إلا الله) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني إلا هو (رب العرش العظيم لا إله إلا الله) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني إلا هو (رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم) والعرش أرفع المخلوقات وأعلاها وهو قوام كل شيء من المخلوقات، والمحيط به وهو مكان العظمة ومن فوقه تبعث الأحكام والحكمة التي بها كوّن كل شيء وبها يكون الإيجاد والتدبير. قال الكرماني: ووصف العرش بالعظيم أي من جهة الكم وبالكرم أي الحسن من جهة الكيف فهو ممدوح ذاتًا وصفة. وقال غيره: وصفه بالكرم لأن الرحمة تنزل منه أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين. والحديث ذكر في كتاب الدعوات. 7427 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «النَّاسُ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن عمرو بن يحيى) بفتح العين (عن أبيه) يحيى بن عمارة المازني الأنصاري (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يصعقون) ولأبي ذر قال أي أبو سعيد الخدري الناس يصعقون (يوم القيامة) أي يغشى عليهم وسقطت التصلية الثانية لأبي ذر (فإذا أنا بموسى) عليه السلام (آخذ بقائمة من قوائم العرش). 7428 - وَقَالَ الْمَاجِشُونُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ». (وقال الماجشون) بكسر الجيم في الفرع كأصله ويجوز الضم والفتح بعدها شين معجمة مضمومة آخره نون مرفوع عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ميمون المدني (عن عبد الله بن الفضل) بسكون الضاد المعجمة ابن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي (عن أبي سلمة)

23 - باب قول الله تعالى: {تعرج الملائكة والروح إليه}

بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (فأكون أول من بعث) وفي رواية أبي سعيد في أحاديث الأنبياء أول من يفيق (فإذا موسى) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فإذا بموسى (آخذ بالعرش). والحديث سبق في أحاديث الأنبياء. 23 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4] وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] وَقَالَ أَبُو جَمْرَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لأَخِيهِ: اعْلَمْ لِى عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِى يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ. يُقَالُ ذِى الْمَعَارِجِ: الْمَلاَئِكَةُ تَعْرُجُ إِلَى اللَّهِ. (باب قول الله تعالى: {تعرج الملائكة}) تصعد في المعارج التي جعلها الله لهم ({والروح}) جبريل وخصه بالذكر بعد العموم لفضله وشرفه أو خلق هم حفظة على الملائكة كما أن الملائكة حفظة علينا أو أرواح المؤمنين عند الموت ({إليه} [المعارج: 4]) أي إلى عرشه أو إلى المكان الذي هو محلهم وهو في السماء لأنها محل بره وكرامته (وقوله جل ذكره: {إليه يصعد الكلم الطيب} [فاطر: 10]) أي إلى محل القبول والرضا وكل ما اتصف بالقبول وصف بالرفعة والصعود. (وقال أبو جمرة): بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي مما سبق موصولاً في باب إسلام أبي ذر (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (بلغ أبا ذر مبعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال لأخيه) أنيس: بضم الهمزة مصغرًا (اعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء) وهذا موضع الترجمة كما لا يخفى. (وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي (العمل الصالح يرفع الكلم الطيب) وقد أخرج البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسيرها الكلم الطيب ذكر الله والعمل الصالح أداء فرائض الله فمن ذكر الله ولم يؤد فرائضه ردّ كلامه. وقال الفراء معناه أن العمل الصالح يرفع الكلام الطيب إذا كان معه عمل صالح وقال البيهقي صعود الكلام الطيب عبارة عن القبول (يقال) معنى (ذي المعارج) هو (الملائكة) العارجات (تعرج إلى الله) عز وجل، ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني إليه، وفي قوله إلى الله ما تقدم عن السلف من التفويض وعن الخلف من التأويل وإضافة المعارج إليه تعالى إضافة تشريف ومعنى الارتفاع إليه اعتلاؤه مع تنزيهه عن المكان. 7429 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِى صَلاَةِ الْعَصْرِ وَصَلاَةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ بِكُمْ فَيَقُولُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِى؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يتعاقبون) يتناوبون (فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار) تأتي جماعة بعد أخرى ثم تعود الأولى عقب الثانية وتنكير ملائكة في الموضعين يفيد أن الثانية غير الأولى (ويجتمعون في) وقت (صلاة العصر و) وقت (صلاة الفجر ثم يعرج) الملائكة (الذين باتوا فيكم) أيها المصلون (فيسألهم) ربهم عز وجل سؤال تعبد كما تعبدهم بكتب أعمالهم (وهو أعلم بهم) أي بالمصلين من الملائكة ولغير الكشميهني بكم بالكاف بدل الهاء (فيقول) عز وجل (كيف تركتم عبادي؟ فيقولون تركناهم وهم يصلون) وهذا آخر الجواب عن سؤالهم كيف تركتم ثم رادوا في الجواب لإظهار فضيلة المصلين والحرص على ذكر ما يوجب مغفرة ذنوبهم فقالوا (وأتيناهم وهم يصلون). والحديث سبق في باب فضل صلاة العصر من أوائل كتاب الصلاة. 7430 - وَقَالَ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلاَّ الطَّيِّبُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ». وَرَوَاهُ وَرْقَاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلاَّ الطَّيِّبُ». (وقال) ولأبي ذر قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري قال: (خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون المعجمة القطواني الكوفي شيخ البخاري فيما وصله أبو بكر الجوزقي في الجمع بين الصحيحين (حدّثنا سليمان) بن بلال قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن دينار) المدني (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من تصدّق بعدل تمرة) بفتح العين وكسرها أي بمثلها أو بالفتح ما عادل الشيء من جنسه وبالكسر ما ليس من جنسه (من كسب طيب) أي حلال (ولا يصعد إلى الله) عز وجل (إلا الطيب) جملة معترضة بين الشرط والجزاء تأكيدًا لتقرير المطلوب في النفقة (فإن الله يتقبلها بيمينه) وعبّر باليمين لأنها في العرف لما عزّ، والأخرى لما هان، ولأبي ذر عن الكشميهني يقبلها بحذف الفوقية وسكون القاف وتخفيف الموحدة

(ثم يربيها لصاحبه) أي لصاحب العدل ولأبي ذر عن المستملي لصاحبها أي لصاحب الصدقة بمضاعفة الأجر أو بالمزيد في الكمية (كما يربي أحدكم فلوّه) بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو المهر حين فطامه (حتى تكون) الصدقة التي عدل التمرة (مثل الجبل) لتثقل في ميزانه وضرب المثل بالمهر لأنه يزيد زيادة بيّنة. (ورواه) أي الحديث (ورقاء) بن عمر (عن عبد الله بن دينار عن سعيد بن يسار) بالمهملة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ولا يصعد إلى الله) عز وجل (إلا الطيب) ولأبي ذر إلاّ طيب. وهذا وصله البيهقي لكنه قال في آخره مثل أُحُد بدل قوله في الرواية المعلقة مثل الجبل، ومراد المؤلف أن رواية ورقاء موافقة لرواية سليمان إلا في شيخ شيخهما فعند سليمان أنه عن أبي صالح، وعند ورقاء أنه عن سعيد بن يسار. 7431 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِى الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَدْعُو بِهِنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ». وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) أبو يحيى الباهلي مولاهم قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) الخياط أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا سعيد) بكسر العين هو ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي العالية) رفيع (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يدعو بهن عند الكرب): (لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السماوات ورب العرش الكريم). قال النووي: فإن قيل: فهذا ذكر وليس فيه دعاء يزيل الكرب فجوابه من وجهين. أحدهما: أن هذا الذكر يستفتح به الدعاء ثم يدعو بما شاء. والثاني: هو كما ورد من شغله ذكري مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين. قيل: وهذا الحديث ليس مطابقًا للترجمة ومحله في الباب السابق ولعل الناسخ نقله إلى هنا وقد سبق قريبًا. 7432 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِى نُعْمٍ أَوْ، أَبِى نُعْمٍ شَكَّ قَبِيصَةُ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ: بُعِثَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذُهَيْبَةٍ فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةٍ. وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِى نُعْمٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: بَعَثَ عَلِىٌّ وَهْوَ بِالْيَمَنِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذُهَيْبَةٍ فِى تُرْبَتِهَا، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِىِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِى مُجَاشِعٍ وَبَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِىِّ، وَبَيْنَ عَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ الْعَامِرِىِّ ثُمَّ أَحَدِ بَنِى كِلاَبٍ وَبَيْنَ زَيْدِ الْخَيْلِ الطَّائِىِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِى نَبْهَانَ فَتَغَضَّبَتْ قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ فَقَالُوا: يُعْطِيهِ صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا قَالَ: إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، نَاتِئُ الْجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اتَّقِ اللَّهَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ فَيَأْمَنِّى عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَلاَ تَأْمَنُونِى». فَسَأَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ قَتْلَهُ أُرَاهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَمَنَعَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ». وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة أبو عامر السوائي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أبيه) سعيد بن مسروق (عن ابن أبي نعم) بضم النون وسكون العين عبد الرحمن البجلي أبي الحكم الكوفي العابد (أو أبي نعم) بدون ابن (شك قبيصة) بن عقب المذكور (عن أبي سعيد) سعد بن مالك ولأبي ذر زيادة الخدري -رضي الله عنه- أنه (قال: بعث) بضم الموحدة وكسر العين (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذهيبة) بضم الذال المعجمة والتأنيث على إرادة القطعة من الذهب وقد يؤنث الذهب في بعض اللغات (فقسمها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بين أربعة). قال المؤلف: (وحدّثني) بالإفراد وواو العطف ولأبي ذر حدّثنا (إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني اليماني قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن أبيه) سعيد (عن ابن أبي نعم) عبد الرحمن البجلي (عن أبي سعيد الخدري) -رضي الله عنه- أنه (قال: بعث عليّ) أي ابن أبي طالب (وهو باليمن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في اليمن (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذهيبة في تربتها) أي مستقرة فيها وأراد بالتربة تبر الذهب ولا يصير ذهبًا خالصًا إلا بعد السبك (فقسمها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بين الأقرع بن حابس) بالحاء والسين المهملتين بينهما ألف فموحدة (الحنظلي) بالحاء المهملة والظاء المعجمة نسبة إلى حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم (ثم أحد بني مجاشع) بميم مضمومة فجيم فألف فشين معجمة مكسورة فعين مهملة ابن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم (وبين عيينة) بضم العين مصغرًا (ابن بدر الفزاري) بفتح الفاء نسبة إلى فزارة بن ذبيان (وبين علقمة بن علاثة) بضم العين المهملة وتخفيف اللام وبعد الألف مثلثة (العامري) نسبة إلى عامر بن عوف (ثم أحد بني كلاب) نسبة إلى كلاب بن ربيعة (وبين زيد الخيل) بالخاء المعجمة واللام ابن مهلهل (الطائي) نسبة إلى طيئ (ثم أحد بني نبهان) أسود بن عمرو وهؤلاء الأربعة من المؤلفة (فتغضبت قريش والأنصار) بالفوقية والغين والضاد المشددة المعجمتين ثم موحدة من

24 - باب قول الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22، 23]

الغضب، ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي فتغيظت بالظاء المعجمة من الغيظ (فقالوا: يعطيه) أي يعطي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذهب (صناديد أهل نجد) أي سادات أهل نجد (ويدعنا) فلا يعطينا منه شيئًا (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنما أتألفهم) ليثبتوا على الإسلام (فأقبل رجل) اسمه عبد الله ذو الخويصرة بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وبعد الياء الساكنة صاد مهملة (غائر العينين) داخلتين في رأسه لاصقتين بقعر حدقته (ناتئ الجبين) مرتفعه (كثّ اللحية) بالمثلثة المشدّدة كثير شعرها (مشرت الوجنتين) بضم الميم وسكون الشين المعجمة وكسر الراء بعدها فاء غليظهما والوجنة ما ارتفع من الخدّ (محلوق الرأس فقال: يا محمد اتق الله. فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فمن يطيع الله إذا عصيته فيأمني) بفتح الميم وتشديد النون ولأبي ذر فيأمنني (على أهل الأرض ولا تأمنون) أنتم ولأبي ذر ولا تأمنونني بنونين كالسابقة (فسأل رجل من القوم) زاد أبو ذر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قتله أراه) بضم الهمزة أظنه (خالد بن الوليد) وقيل عمر بن الخطاب، فيحتمل أن يكونا سألا (فمنعه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من قتله استئلافًا لغيره (فلما ولّى) الرجل (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط قوله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الموضعين لأبي ذر (إن من ضئضيء هذا) بضادين معجمتين مكسورتين بينهما همزة ساكنة وآخره همزة أخرى من نسله (قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم) جمع حنجرة منتهى الحلقوم أي لا يرفع في الأعمال الصالحة (يمرقون) يخرجون (من الإسلام مروق السهم) خروجه إذا نفذ من الجهة الأخرى (من الرمية) بفتح الراء وكسر الميم وفتح التحتية مشددة الصيد المرمي (يقتلون أهل الإسلام ويدعون) بفتح الدال ويتركون (أهل الأوثان) بالمثلثة (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) لأستأصلنهم بحيث لا أبقي منهم أحدًا كاستئصال عاد والمراد لازمه وهو الهلاك. ومطابقة الحديث للترجمة تؤخذ من قوله في رواية المغازي: ألا تأمنوني وأنا أمين في السماء أي على العرش فوق السماء، وهذه عادة البخاري في إدخال الحديث في الباب للفظة تكون في بعض طرقه هي المناسبة لذلك الباب يشير إليها قاصدًا تشحيذ الأذهان والحث على الاستحضار. والحديث سبق في باب قول الله عز وجل: {وأما عاد فأهلكوا} [الحاقة: 6] وفي المغازي في باب بعث عليّ وفي تفسير سورة براءة. 7433 - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ قَوْلِهِ: {وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 28] قَالَ: مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ. وبه قال: (حدّثنا عياش بن الوليد) بفتح العين المهملة وتشديد التحتية الرقام قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح أحد الأعلام (عن الأعمش) سليمان (عن إبراهيم التيمي عن أبيه) ولأبي ذر أراه بضم الهمزة أي أظنه عن أبيه يزيد بن شريك التيمي الكوفي (عن أبي ذر) جندب بن جنادة -رضي الله عنه- أنه (قال: سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن قوله) عز وجل: ({والشمس تجري لمستقر لها} [يس: 28] قال): (مستقرها تحت العرش). شبهها بمستقر المسافر إذا قطع مسيره. وسبق مزيد لذلك في محله والله الموفق. وسبق الحديث في بدء الخلق وفي التفسير. 24 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] (باب قول الله تعالى: {وجوه}) هي وجوه المؤمنين ({يومئذ}) يوم القيامة ({ناضرة}) حسنة ناعمة ({إلى ربها ناظرة} [القيامة: 22]) بلا كيفية ولا جهة ولا ثبوت مسافة. وقال القاضي: تراه مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه ولذلك قدم المفعول وليس فإذا في كل الأحوال حتى ينافيه نظرها إلى غيره وحمل النظر على انتظارها لأمر ربها أو لنوابه لا يصح لأنه يقال في نظرت فيه أي تفكرت ونظرته انتظرته ولا يعدّى بإلى إلا بمعنى الرؤية مع أنه لا يليق الانتظار في دار القرار. 7434 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ، وَهُشَيْمٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لاَ تُضَامُّونَ فِى رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلاَةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَافْعَلُوا». وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عون) بفتح العين فيهما والأخير بالنون ابن أوس السلمي الواسطي قال: (حدّثنا خالد) الطحان بن عبد الله الواسطي (وهشيم) مصغر ابن بشير الواسطي وللحموي والمستملي أو هشيم بالشك (عن إسماعيل) بن أبي خالد سعد أو هرمز أو كثير الأحمسي الكوفي (عن قيس) هو ابن أبي حازم بالزاي والحاء المهملة البجلي (عن جرير) هو ابن عبد الله البجلي -رضي الله

عنه- أنه (قال: كنا جلوسًا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ) بسكون المعجمة (نظر إلى القمر ليلة اليدر قال): (إنكم سترون ربكم) يوم القيامة (كما ترون هذا القمر لا تضامون) بضم الفوقية بعدها ضاد معجمة وتشديد الميم أي لا تتزاحمون ولا تختلفون (في رؤيته). وقال البيهقي: سمعت الشيخ الإمام أبا الطيب سهل بن محمد الصعلوكي يقول في إملائه في قوله: لا تضامون بالضم والتشديد معناه لا تجتمعون لرؤيته في جهة ولا يضم بعضكم إلى بعض ومعناه بفتح التاء كذلك، والأصل لا تتضامون في رؤيته بالاجتماع في جهة وبالتخفيف الضيم ومعناه لا تظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض فإنكم ترونه في جهاتكم كلها وهو متعال عن الجهة والتشبيه برؤية القمر للرؤية دون تشبيه المرئي تعالى الله عن ذلك (فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة) بضم الفوقية وسكون الغين المعجمة وفتح اللام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: عن صلاة (قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروب الشمس) يعني الفجر والعصر كما في مسلم (فافعلوا) عدم المغلوبية بقطع الأسباب المنافية للاستطاعة كنوم ونحوه. وسبق الحديث في باب فضل صلاة العصر من كتاب الصلاة. 7435 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ الْيَرْبُوعِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا». وبه قال: (حدّثنا يوسف بن موسى) القطان الكوفي قال: (حدّثنا عاصم بن يوسف اليربوعي) نسبة إلى يربوع بن حنظلة من تميم قال: (حدّثنا أبو شهاب) عبد ربه بن نافع الحناط بالحاء المهملة والنون المشددة (عن إسماعيل بن أبي خالد) الكوفي الحافظ (عن قيس بن أبي حازم) أبي عبد الله البجلي تابعي كبير فاتته الصحبة بليال (عن جرير بن عبد الله) البجلي -رضي الله عنه- وسقط لأبي ذر ابن عبد الله أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إنكم) ولأبي ذر عن المستملي قال خرج علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة البدر فقال إنكم (سترون ربكم عيانًا) بكسر العين من قولك عاينت الشيء عيانًا إذا رأيته بعينك. 7436 - حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِىُّ، عَنْ زَائِدَةَ حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا، لاَ تُضَامُّونَ فِى رُؤْيَتِهِ». وبه قال: (حدّثنا عبده بن عبد الله) الصفار البصري قال: (حدّثنا حسين الجعفي) بن علي بن الوليد ونسب إلى جعفة بن سعد العشيرة بن مذحج (عن زائدة) بن قدامة أنه قال: (حدّثنا بيان بن بشر) بموحدة مكسورة ومعجمة ساكنة بعدها راء الأحمسي بالحاء والسين المهملتين (عن قيس بن أبي حازم) البجلي قال: (حدّثنا جرير) البجلي -رضي الله عنه- (قال: خرج علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة البدر فقال): (إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا) البدر (لا تضامون في رؤيته). بضم أوّله وتشديد الميم من الازدحام أي لا ينضم بعضكم إلى بعض كما تنضمون في رؤية الهلال رأس الشهر لخفائه ودقته بل ترونه رؤية محققة لا خفاء فيها. 7437 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِىِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلْ تُضَارُّونَ فِى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ»؟ قَالُوا: لاَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَهَلْ تُضَارُّونَ فِى الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ»؟ قَالُوا: لاَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا شَافِعُوهَا أَوْ مُنَافِقُوهَا». شَكَّ إِبْرَاهِيمُ «فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا جَاءَنَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِى صُورَتِهِ الَّتِى يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَيَتْبَعُونَهُ وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَىْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِى أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُهَا، وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلاَّ الرُّسُلُ وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ، اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَفِى جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمُ السَّعْدَانَ»؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا قَدْرُ عِظْمِهَا إِلاَّ اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ وَمِنْهُمُ الْمُخَرْدَلُ أَوِ الْمُجَازَى أَوْ نَحْوُهُ، ثُمَّ يَتَجَلَّى حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَمَرَ الْمَلاَئِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ، مَنْ كَانَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرْحَمَهُ مِمَّنْ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَيَعْرِفُونَهُمْ فِى النَّارِ بِأَثَرِ السُّجُودِ تَأْكُلُ النَّارُ ابْنَ آدَمَ إِلاَّ أَثَرَ السُّجُودِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ تَحْتَهُ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِى حَمِيلِ السَّيْلِ، ثُمَّ يَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ هُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولاً الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِى عَنِ النَّارِ فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِى رِيحُهَا وَأَحْرَقَنِى ذَكَاؤُهَا، فَيَدْعُو اللَّهَ بِمَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَهُ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِى غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِى رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ، فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْجَنَّةِ وَرَآهَا سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَىْ رَبِّ قَدِّمْنِى إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَنِى غَيْرَ الَّذِى أُعْطِيتَ أَبَدًا؟ وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَيَقُولُ: أَىْ رَبِّ وَيَدْعُو اللَّهَ حَتَّى يَقُولَ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَعِزَّتِكَ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ وَيُعْطِى مَا شَاءَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا قَامَ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الْحَبْرَةِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ: أَىْ رَبِّ أَدْخِلْنِى الْجَنَّةَ فَيَقُولُ اللَّهُ: أَلَسْتَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ مَا أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ لاَ أَكُونَنَّ أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ مِنْهُ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ قَالَ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ فَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ اللَّهُ لَهُ: تَمَنَّهْ فَسَأَلَ رَبَّهُ وَتَمَنَّى حَتَّى إِنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا حَتَّى انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِىُّ قَالَ اللَّهُ ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عطاء بن يزيد الليثي) بالمثلثة ثم الجندعي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا) عز وجل (يوم القيامة؟ فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (هل تضارون في القمر ليلة البدر) بضم حرف المضارعة وتشديد الراء أصله تضاررون بالبناء للمفعول فسكنت الراء الأولى وأدغمت في الثانية وفي نسخة بتخفيف الراء فالمشدّد بمعنى لا تتخالفون ولا تتجادلون في صحة النظر إليه لوضوحه وظهوره والمخفف من الضير ومعناه كالأوّل (قالوا: لا، يا رسول الله. قال: فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب)؟ يحجبها (قالوا: لا، يا رسول الله. قال: فإنكم ترونه) عز وجل إذا تجلى لكم (كذلك) أي واضحًا جليًّا بلا شك ولا مشقة ولا اختلاف (يجمع الله) عز وجل (الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئًا فليتبعه) بسكون الفوقية وفتح الموحدة أو بتشديد الفوقية وكسر الموحدة وكذا قوله (فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت) بالمثناة الفوقية فيهما جمع طاغوت

فعلوت من طغى أصله طيغوت ثم طيغوت ثم طاغوت الشياطين والأصنام وفي الصحاح الكاهن وكل رأس في الضلال (وتبقى هذه الأمة فيها شافعوها) بالشين المعجمة والعين المهملة أصله شافعون فسقطت النون للإضافة أي شافعو الأمة: (أو) قال (منافقوها. شك إبراهيم) بن سعد الراوي قال الحافظ ابن حجر والأول المعتمد (فيأتيهم الله) عز وجل إتيانًا لا يكيف عاريًا عن الحرة والانتقال أو هو محمول على الإتيان المعروف عندنا لكن على معنى أن الله تعالى يخلقهُ لملك من ملائكتهِ فأضافه إلى نفسه على جهة الإسناد المجازي مثل قطع الأمير اللص وزاد في الرقاق في غير الصورة التي يعرفونها (فيقول) لهم (أنا ربكم فيقولون هذا مكاننا) وزاد فيه أيضًا فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا (حتى يأتينا ربنا فإذا جاءنا) ولغير المستملي جاء (ربنا عرفناه فيأتيهم الله) فيتجلى لهم بعد تمييز المنافقين (في صورته التي يعرفون) أي التي هو عليها من التعالي عن صفات الحدوث بعد أن عرّفهم بنفسه المقدسة ورفع عن أبصارهم الموانع، وقال في المصابيح: في صورته التي يعرفون أي في علامة جعلها الله دليلاً على معرفته والتفرقة بينه وبين مخلوقاته فسمى الدليل والعلامة صورة مجازًا كما تقول العرب: صورة أمرك كذا وصورة حديثك كذا، والأمر والحديث لا صورة لهما وإنما يريدون حقيقة أمرك وحديثك وكثيرًا ما يجري على ألسنة الفقهاء صورة هذه المسألة كذا (فيقول) لهم (أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه) بالتخفيف والتشديد أي فيتبعون أمره إياهم بذهابهم إلى الجنة أو ملائكته التي تذهب بهم إليها (ويضرب الصراط) بضم حرف المضارعة وفتح ثالثه والصراط الجسر (بين ظهري جهنم) على وسطها (فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها) أي يجوز بأمته على الصراط ويقطعه ولأبي ذر عن الأصيلي وابن عساكر من يجيء (ولا يتكلم يومئذٍ) في حال الإجازة (إلا الرسل) لشدة الأهوال (ودعوى الرسل يومئذٍ اللهم سلم سلم) مرّتين (وفي جهنم كلاليب) بغير صرف معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به (مثل شوك السعدان) بفتح السين والدال بينهما عين مهملات نبات ذو شوك (هل رأيتم السعدان)؟ استفهام تقرير لاستحضار الصورة المذكورة (قالوا: نعم يا رسول الله. قال: فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها) أي الشوكة وللكشميهني ما قدر عظمها (إلا الله) تعالى. قال القرطبي: قيدنا قدر عن بعض مشايخنا بضم الراء على أن ما استفهام وقدر مبتدأ وبنصبها على أن ما زائدة وقدر مفعول يعلم (تخطف الناس بأعمالهم) بسبب أعمالهم القبيحة (فمنهم الموبق) بفتح الموحدة الهالك (بعلمه) وهو الكافر وللأصيلي وأبي ذر عن المستملي المؤمن بالميم والنون بقي بعمله بالموحدة والقاف المكسورة من البقاء أو الموبق بعمله بالشك وللحموي والكشميهني فمنهم الموبق بالموحدة المفتوحة بقي بالموحدة وكسر القاف ولأبي ذر عن المستملي يقي بالتحتية من الوقاية أي يستره عمله وللمستملي أو الموثق بالمثلثة المفتوحة من الوثاق بعمله والفاء في قوله فمنهم تفصيل للناس الذين تخطفهم الكلاليب بحسب أعمالهم (ومنهم المخردل) بالخاء المعجمة والدال المهملة المنقطع الذي تقطعه كلاليب الصراط حتى يهوي في النار وقيل المخردل المصروع قال السقاقسي وهو أنسب بسياق الخبر (أو المجازى) بضم الميم وفتح الجيم المخففة والزاي بينهما ألف من الجزاء (أو نحوه) شك من الراوي ولمسلم المجازى بغير شك (ثم يتجلى) بتحتية ففوقية فجيم فلام مشددة مفتوحات كذا في الفرع كأصله مصححًا عليه أي يتبين. قال في الفتح: ويحتمل أن يكون بالخاء المعجمة أي يخلى عنه فيرجع إلى معنى ينجو. وفي حديث أبي سعيد فناج مسلم ومخدوش ومكدوس في جهنم (حتى إذا فرغ الله) عز وجل (من القضاء بين العباد) أتم. وقال ابن المنير: الفراغ إذا أضيف إلى الله معناه القضاء وحلوله بالمقضي عليه والمراد إخراج الموحدين وإدخالهم الجنة واستقرار أهل النار في النار،

وحاصله أن معنى يفرغ الله أي من القضاء بعذاب من يفرغ عذابه ومن لا يفرغ فيكون إطلاق الفراغ بطريق المقابلة وإن لم يذكر لفظها (وأراد أن يخرج) بضم أوله وكسر ثالثه (برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله) عز وجل (شيئًا ممن أراد الله) عز وجل (أن يرحمه ممن يشهد أن لا إله إلا الله فيعرفونهم في النار بأثر السجود) ولأبي ذر عن الكشميهني بآثار السجود (تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود حرم الله) عز وجل (على النار أن تأكل أثر السجود) وهو موضعه من الجبهة أو مواضع السجود السبعة، ورجحه النووي لكن في مسلم إلا دارات الوجوه وهو كما قال عياض يدل على أن المراد بأثر السجود الوجه خاصة. ويؤيده أن في بقية الحديث أن منهم من غاب في النار إلى نصف ساقيه، وفي مسلم من حديث سمرة وإلى ركبتيه، وفي رواية هشام بن سعد في حديث أبي سعيد وإلى حقويه، لكن حمله النووي على قوم مخصوصين. ونقل بعضهم أن علامتهم الغرّة ويضاف إليها التحجيل وهو في اليدين والقدمين مما يصل إليه الوضوء، فيكون أشمل ممن قال أعضاء السجود لدخول جميع اليدين والرجلين لا تخصيص الكفّين والقدمين ولكن ينقص منه الركبتان، وما استدلّ به من بقية الحديث لا يمنع سلامة هذه الأعضاء مع الانغمار لأن تلك الأحوال الأخروية خارجة عن قياس أحوال أهل الدنيا ودل التنصيص على دارات الوجوه أن الوجه كله لا يؤثر فيه النار إكرامًا لمحل السجود، ويحتمل أن الاقتصار عليها على التنويه بها لشرفها. (فيخرجون من النار) حال كونهم (قد امتحشوا) بضم الفوقية والمعجمة بينهما حاء مهملة مكسورة أو بفتح الفوقية احترق جلدهم وظهر عظمهم (فيصب عليهم) بضم التحتية وفتح الصاد (ماء الحياة) ضد الموت (فينبتون تحته كما تنبت الحبة) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة من بزور الصحراء (في حميل السيل) بفتح الحاء المهملة ما يحمله من طين ونحوه وفي رواية يحيى بن عمارة إلى جانب السيل والمراد أن الغثاء الذي يجيء به السيل تكون فيه الحبة فتقع في جانب الوادي فتصبح من يومها نابتة فالتشبيه في سرعة النبات وطراوته وحسنه (ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ويبقى رجل) زاد أبو ذر منهم (مقبل بوجهه على النار هو آخر أهل النار دخولاً الجنة). وفي حديث حذيفة في أخبار بني إسرائيل أنه كان نباشًا وعند الدارقطني في غرائب مالك أنه رجل من جهينة عند السهيلي اسمه هناد (فيقول: أي) بسكون الياء (رب اصرف وجهي عن النار فإنه قد قشبني) بالقاف والمعجمة والموحدة مفتوحات آذاني (ريحها وأحرقني ذكاؤها) بفتح الذال وبعد الكاف همزة ولأبي ذر ذكاها بغير همز شدة حرها والتهابها (فيدعو الله) عز وجل (بما شاء أن يدعوه ثم يقول الله) عز وجل له: (هل عسيت) بفتح السين وكسرها (إن أعطيت ذلك) بضم الهمزة ولأبي ذر إن أعطيتك بفتحها وبالكاف (أن تسألني غيره فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره ويعطي ربه) ولأبي ذر عن الكشميهني ويعطي الله (من عهود ومواثيق ما شاء فيصرف الله) عز وجل (وجهه عن النار فإذا أقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله) عز وجل (أن يسكت). حياء (ثم يقول: أي رب قدمني) بسكون الميم بعد كسر الدال المشددة (إلى باب الجنة فيقول الله) عز وجل (له: ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسألني غير الذي أعطيت أبدًا) أي غير صرف وجهك عن النار (ويلك يا ابن آدم ما أغدرك) فعل تعجب من الغدر ونقض العهد وترك الوفاء (فيقول أي رب ويدعو الله) عز وجل (حتى يقول) عز وجل له (هل عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره ويعطي) الله (ما شاء من عهود ومواثيق فيقدمه إلى باب الجنة فإذا قام إلى باب الجنة انفهقت) بنون ساكنة ففاء فهاء فقاف مفتوحات ففوقية انفتحت واتسعت (له الجنة فرأى ما فيها من الحبرة) بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة من النعمة وسعة

العيش (والسرور فيسكت ما شاء الله) عز وجل (أن يسكت ثم يقول: أي رب أدخلني الجنة فيقول الله) عز وجل (ألست قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسأل غير ما أعطيت فيقول): وفي الفرع كأصله ضبب على فيقول هذه (ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول: أي رب لا أكونن) بنون التوكيد الثقيلة ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني لا أكون بإسقاطها (أشقى خلقك). قال في الكواب فإن قلت: هذا ليس بأشقى لأنه خلص من العذاب وزحزح عن النار وإن لم يدخل الجنة. قلت: يعني أشقى أهل التوحيد الذي هم أبناء جنسه فيه، وقال الطيبي: فإن قلت: كيف طابق هذا الجواب قوله أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك؟ قلت: كأنه قال يا رب بلى أعطيت العهود والمواثيق ولكن تأملت كرمك وعفوك ورحمتك، وقوله تعالى: {لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف: 87] فوقفت على أني لست من الكفار الذين أيسوا من رحمتك وطمعت في كرمك وسعة رحمتك فسألت ذلك وكأنه تعالى رضي بهذا القول فضحك كما قال: (فلا يزال يدعو) الله تعالى (حتى يضحك الله) عز وجل (منه) المراد لازم الضحك وهو الرضا (فإذا ضحك منه قال له ادخل الجنة فإذا دخلها قال الله) عز وجل (له: تمنّه) بهاء السكت (فسأل ربه) عز وجل (وتمنى حتى أن الله ليذكره) أي ليذكر المتمني (يقول) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ويقول له تمنّ (كذا وكذا) يسمي له أجناس ما يتمنى فضلاً منه ورحمة (حتى انقطعت به الأماني) جمع أمنية (قال الله) عز وجل (ذلك) الذي سألت (لك ومثله معه). قال الدماميني في مصابيحه: فإن قلت: قد علم أن الدار الآخرة ليست دار تكليف فما الحكمة في تكرير أخذ العهود والمواثيق عليه أن لا يسأل غير ما أعطيه مع أن إخلافه لقوله وما تقتضيه يمينه لا إثم عليه فيه؟ قلت: الحكمة فيه ظاهرة وهي إظهار التمنّن والإحسان إليه مع تكريره لنقض عهوده ومواثيقه ولا شك أن للمنّة في نفس العبد مع هذه الحالة التي اتّصف بها وقعًا عظيمًا. وقال الكلاباذي فيما نقله عنه في الفتح: سكوت هذا العبد أولاً عن السؤال يعني في قوله في الحديث فيسكت ما شاء الله حياء من ربه والله يحب أن يُسأل لأنه يحب صوت عبده المؤمن فباسطه أولاً بقوله: لعلك إن أعطيت هذا تسأل غيره وهذه حالة المقصر فكيف حالة المطيع وليس نقض هذا العبد عهده وتركه ما أقسم عليه جهلاً منه، ولا قلة مبالاة بل علمًا منه بأن نقض هذا العهد أولى من الوفاء به لأن سؤاله ربه أولى من ترك السؤال، وقد قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من حلف على يمين فرأى خيرًا منها فليكفّر عن يمينه وليأت الذي هو خير" فعمل هذا العبد على وفق هذا الخبر والتكفير قد ارتفع عنه في الآخرة. 7438 - قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ مَعَ أَبِى هُرَيْرَةَ لاَ يَرُدُّ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِهِ شَيْئًا حَتَّى إِذَا حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: «ذَلِكَ لَكَ، وَمِثْلُهُ مَعَهُ»، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ: وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا حَفِظْتُ إِلاَّ قَوْلَهُ: «ذَلِكَ لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ: أَشْهَدُ أَنِّى حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْلَهُ: «ذَلِكَ لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ»، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ. (قال عطاء بن يزيد) الراوي (وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة) جالس وهو يحدّث بهذا الحديث (لا يرد عليه من حديثه شيئًا) ولا يغيره (حتى إذا حدّث أبو هريرة أن الله تبارك وتعالى قال: ذلك لك ومثله معه. قال أبو سعيد الخدري: وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة. قال أبو هريرة: ما حفظت إلا قوله ذلك لك ومثله معه. قال أبو سعيد الخدري: أشهد أني حفظت من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قوله ذلك لك وعشرة أمثاله) وجمع بينهما باحتمال أن يكون أبو هريرة سمع أوّلاً قوله ومثله معه ثم تكرم الله فزاد ما في رواية أبي سعيد ولم يسمعه أبو هريرة. (قال أبو هريرة) -رضي الله عنه-: (فذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولاً الجنة). والحديث سبق في الرقاق. 7439 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلاَلٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «هَلْ تُضَارُونَ فِى رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا»؟ قُلْنَا: لاَ. قَالَ: «فَإِنَّكُمْ لاَ تُضَارُونَ فِى رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلاَّ كَمَا تُضَارُونَ فِى رُؤْيَتِهِمَا». ثُمَّ قَالَ: «يُنَادِى مُنَادٍ لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأَصْحَابُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلاَ وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا فَيُقَالُ: اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِى جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلاَ وَلَدٌ فَمَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا فَيُقَالُ: اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ الْيَوْمَ وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا قَالَ: فَيَأْتِيهِمُ الْجَبَّارُ فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَلاَ يُكَلِّمُهُ إِلاَّ الأَنْبِيَاءُ فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَىْ جَهَنَّمَ». قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْجَسْرُ؟ قَالَ: «مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ، تَكُونُ بِنَجْدٍ يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ وَمَكْدُوسٌ فِى نَارِ جَهَنَّمَ حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِى مُنَاشَدَةً فِى الْحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ وَإِذَا رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا فِى إِخْوَانِهِمْ يَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَعْمَلُونَ مَعَنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، وَيُحَرِّمُ اللَّهُ صُوَرَهُمْ عَلَى النَّارِ فَيَأْتُونَهُمْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ غَابَ فِى النَّارِ إِلَى قَدَمِهِ وَإِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا، ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَقُولُ: اذْهَبُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ مَنْ عَرَفُوا». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَإِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِى فَاقْرَؤُوا: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء: 40] فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ فَيَقُولُ الْجَبَّارُ: بَقِيَتْ شَفَاعَتِى فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدِ امْتُحِشُوا فَيُلْقَوْنَ فِى نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ فِى حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِى حَمِيلِ السَّيْلِ قَدْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ إِلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ فَيُجْعَلُ فِى رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِيمُ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: هَؤُلاَءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلاَ خَيْرٍ قَدَّمُوهُ فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلُهُ مَعَهُ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير بضم الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا الليث بن سعد) الإمام وثبت ابن سعد لأبي ذر (عن خالد بن يزيد) الجمحي (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم (عن زيد) هو ابن أسلم مولى عمر بن الخطاب (عن عطاء بن يسار) بالتحتية والمهملة المخففة (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) -رضي الله عنه- أنه (قال: قلنا يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة)؟ قال عليه الصلاة

والسلام: (هل تضارون) بضم أوّله وتشديد الراء (في رؤية الشمس والقمر) وسقط قوله والقمر لأبي ذر ويروى تضارون بالتخفيف (إذا كانت) أي السماء (صحوًا) أي ذات صحو أي انقشع عنها الغيم (قلنا: لا. قال: فإنكم لا تضارون) لا تخالفون أحدًا ولا تنازعونه (في رؤية ربكم يومئذٍ) يوم القيامة (إلا كما تضارون في رؤيتهما) أي الشمس والقمر، ولأبي ذر: في رؤيتها أي الشمس والتشبيه المذكور هنا إنما هو في الوضوح وزوال الشك لا في المقابلة والجهة وسائر الأمور العادية عند رؤية المحدثات. وقال في المصابيح: هذا من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم وهو من أفضل ضربيه وذلك أنه استثنى من صفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح لذلك الشيء بتقدير دخولها فيها أي إلا كما تضارون في رؤية الشمس في حال صحو السماء أي إن كان ذلك ضيرًا فأثبت شيئًا من العيب على تقدير كون رؤية الشمس في وقت الصحو من العيب، وهذا التقدير المفروض محال لأنه من كمال التمكن بن الرؤية دون ضرر يلحق الرائي فهو في المعنى تعليق بالمحال فالتأكيد فيه من جهة أنه كدعوى الشيء ببينة لأنه علق نقيض المدعي وهو إثبات شيء من العيب بالمحال والمعلق بالمحال محال فعدم العيب محقق، ومن جهة أن الأصل في مطلق الاستثناء الاتصال أي كون المستثنى منه بحيث يدخل فيه المستثنى على تقدير السكوت عنه وذلك لما تقرر في موضعه من أن الاستثناء المنقطع مجاز، وإذا كان الأصل في الاستثناء الاتصال فذكر أداته قبل ذكر ما بعدها يوهم إخراج الشيء مما قبله فإذا وليها صفة مدح وتحوّل الاستثناء من الاتصال إلى الانقطاع جاء التأكيد لما فيه من المدح على المدح والإشعار بأنه لم يجد صفة ذم يستثنيها فاضطر إلى استثناء صفة مدح وتحوّل الاستثناء إلى الانقطاع. (ثم قال ينادي مُنادٍ ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون فيذهب أصحاب الصليب) النصارى (مع صليبهم وأصحاب الأوثان) المشركون (مع أوثانهم) بالمثلثة فيهما (وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم) ولأبي ذر عن الكشميهني: مع إلههم بكسر الهمزة وإسقاط الفوقية بلفظ الإفراد (حتى يبقى من كان يعبد الله) عز وجل (من بر) بفتح الموحدة وتشديد الراء مطيع لربه (أو فاجر) منهمك في المعاصي والفجور (وغبرات) بضم الغين المعجمة وتشديد الموحدة بعدها راء فألف ففوقية والجر عطفًا على المجرور أو مرفوع عطفًا على مرفوع يبقى أي بقايا (من أهل الكتاب ثم يؤتى بجهنم تعرض) بضم الفوقية وفتح الراء (كأنها سراب) بالسن المهملة وهو ما يتراءى وسط النهار في الحر الشديد يلمع كالماء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي السراب بالتعريف (فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله) قال الجوهري منصرف لخفته وإن كان أعجميًّا مثل نوح ولوط لأنه تصغير عزر (فيقال) لهم (كذبتم) في كون عزير ابن الله (لم يكن لله صاحبة ولا ولد). قال الكرماني، فإن قلت: إنهم كانوا صادقين في عبادة عزير قلت: كونه ابن الله. فإن قلت؟ المرجع هو الحكم الموقع لا الحكم المشار إليه فالصدق والكذب راجعان إلى الحكم بالعبادة لا إلى الحكم بكونه ابنًا. قلت: إن الكذب راجع إلى الحكم بالعبادة المقيدة وهي منتفية في الواقع باعتبار انتفاء قيدها أو هو في حكم القضيتين كأنهم قالوا عزير هو ابن الله ونحن كنا نعبده فكذبهم في القضية الأولى اهـ. وقال البدر الدماميني: صرح أهل البيان بأن مورد الصدق والكذب هو النسبة التي يتضمنها الخبر فإذا قلت: زيد بن عمرو قائم فالصدق والكذب راجعان إلى القيام لا إلى بنوّة زيد، وهذا الحديث يردّ عليهم، وحاول بعض المتأخرين الجواب بأن قال: يراد كذبتم فى عبادتكم لعزير أو مسيح موصوف بهذه الصفة. (فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا. فيقال) لهم (اشربوا فيتساقطون في جهنم) وفي تفسير سورة النساء. فماذا تبغون؟ فقالوا: عطشنا ربنا فاسقنا فيشار ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضًا فيتساقطون في النار (ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون

فيقولون كنا نعبد المسيح ابن الله. فيقال: كذبتم) في كون المسيح ابن الله (لم يكن لله صاحبة ولا ولد فما تريددن؟ فيقولون نريد أن تسقينا فيقال: اشربوا فيتساقطون) زاد أبو ذر في جهنم (حتى يبقى من كان يعبد الله) عز جل (من بر أو فاجر. فيقال) لهم (ما يحبسكم) عن الذهاب ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ما يجلسكم بالجيم واللام (وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم) أي الناس الدين زاغوا عن الطاعة في الدنيا (ونحن أحوج منا إليه اليوم). قال البرماوي والعيني كالكرماني أي فارقنا الناس في الدنيا وكنا في ذلك الوقت أحوج منا في هذا اليوم، فكل واحد هو المفضل والمفضل عليه لكن باعتبار زمانين لم نحن فارقنا أقاربنا وأصحابنا ممن كانوا يحتاج إليهم في المعاش لزومًا لطاعتك ومقاطعة لأعدائك أعداء الدين وغرضهم فيه التضرع إلى الله تعالى في كشف هذه الشدة خوفًا من المصاحبة في النار يعني كما لم نكن مصاحبين لهم في الدنيا لا نكون مصاحبين لهم في الآخرة. (وإنا سمعنا مناديًا ينادي: ليلحق) بالجزم على الأمر (كل قوم بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا) زاد في النساء الذي كنا نعبد (قال: فيأتيهم الجبار) تعالى إتيانًا منزّهًا عن الحركة وسمات الحدوث (في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة) وقوله في صورة أي علامة وضعها لهم دليلاً على معرفته أو في صفة أو هي صورة الاعتقاد أو خرج على وجه المشاكلة، وقوله غير صورته قيل يشير به إلى ما عرفوه حي أخذ ذرية آدم من صلبه ثم أنساهم ذلك في الدنيا ثم يذكرهم بها في الآخرة (فيقول: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول): ولأبي ذر فيقال (هل بينكم وبينه آية) علامة (تعرفونه) بها؟ (فيقولون: الساق) بالسين المهملة والقاف، ويحتمل أن الله عرفهم على ألسنة الرسل من الأنبياء أو الملائكة أن الله جعل لهم علامة تجلية الساق وهو كما قال ابن عباس في تفسير {يوم يكشف عن ساق} [القلم: 42] الشدّة من الأمر، والعرب تقول قامت الحرب على ساق إذا اشتدّت أو هو النور العظيم كما روي عن أبي موسى الأشعري، أو ما يتجدد للمؤمنين من الفوائد والألطاف كما قال ابن فورك، أو رحمة للمؤمنين نقمة لغيرهم قاله المهلب. (فيكشف) تعالى (عن ساقه) وقيل الساق يأتي بمعنى النفس أي تتجلى لهم ذاته المقدسة (فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد لله رياء) ليراه الناس (وسمعة) ليسمعهم (فيذهب كيما يسجد). قال العيني: كي هنا بمنزلة لام التعليل في المعنى والعمل دخلت على ما المصدرية بعدها أن مضمرة تقديره يذهب لأجل السجود. قال النووي: وهذا السجود امتحان من الله تعالى لعباده (فيعود ظهره طبقًا واحدًا) كالصحيفة فلا يقدر على السجود (ثم يؤتى بالجسر) بكسر الجيم في الفرع وتفتح والفتح هو الذي في اليونينية (فيجعل بين ظهري جهنم) بفتح الظاء المعجمة وسكون الهاء (قلنا يا رسول الله وما الجسر)؟ بفتح الجيم في الفرع كأصله (قال) عليه الصلاة والسلام: (مدحضة) بفتح الميم وسكون الدال وفتح الحاء المهملتين والضاد المعجمة المفتوحة (مزلة) بفتح الميم وكسر الزاي ويجوز فتحها وتشديد اللام والدحض ما يكون عند الزلق والمزلة موضع زلل الأقدام وفي رواية الكشميهني الدحض هو الزلق ليدحضوا بضم التحتية أي ليزلقوا زلقًا لا يثبت فيه قدم (عليه خطاطيف) جمع خطاف بضم الخاء المعجمة الحديدة المعوجة كالكلوب يختطف بها الشيء (وكلاليب) جمع كلوب (وحسكة) بالحاء والسين المهملتين وفتحات نبات مغروس في الأرض ذو شرك ينشبك فيه كل من مرّ به وربما اتخذ مثله من حديد وهو من آلات الحرب (مفلطحة) بضم الميم وفتح الفاء وسكون اللام وفتح الطاء والحاء المهملتين فهاء تأنيث فيها عرض واتساع وقال الأصمعي واسعة إلا على دقيقة الأسفل ولأبي ذر عن الكشميهني مطحلفة بتقديم الطاء والحاء على اللام وتأخير الفاء بعد اللام (لها شوكة عقيفاء) بضم العين المهملة

وفتح القاف والفاء بينهما تحتية ساكنة مهموز ممدود معوجة ولأبوي الوقت وذر عقيفة بفتح العين وكسر القاف وسكون التحتية وفتح الفاء بعدها هاء تأنيث بوزن كريمة (تكون بنجد يقال لها السعدان) يمرّ (المؤمن عليها كالطرف) بفتح الطاء وسكون الراء أي كلمح البصر (وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل) جمع أجواد وأجواد جمع جواد وهي الفرس السابق الجيد (والركاب) بكسر الراء الإبل واحدتها الراحلة من غير لفظها (فناج مسلم) بفتح اللام المشدّدة (وناج مخدوش) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة آخره شين معجمة مخموش ممزق (ومكدوس) بميم مفتوحة فكاف ساكنة فدال مهملة مضمومة بعدها واو ساكنة فسين مهملة مصروع (في نار جهنم). والحاصل أنهم ثلاثة أقسام: قسم مسلم لا يناله شيء أصلاً، وقسم يخدش ثم يسلم ويخلص، وقسم يسقط في جهنم (حتى يمر آخرهم) أي آخر الناجين (يسحب) بضم أوّله وفتح ثالثه (سحبًا فما أنتم بأشد) خبر ما والخطاب للمؤمنين (لي مناشدة) نصب على التمييز أي مطالبة (في الحق) ظرف له (قد نبين لكم) جملة حالية من أشدّ وقوله (من المؤمن) صلة أشد (يومئذٍ للجبار) متعلق بمناشدة (وإذا) بالواو ولأبي ذر عن الكشميهني فإذا (رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم) متعلق أيضًا بمناشدة كالجبار. قال في الكواكب: أي ليس طلبكم مني في الدنيا في شأن حق يكون ظاهرًا لكم أشدّ من طلب المؤمنين من الله في الآخرة من شأن نجاة إخوانهم من النار والغرض شدّة اعتناء المؤمنين بالشفاعة لإخوانهم وجمع الضمير والمؤمن مفرد باعتبار الجمع المراد من لفظ الجنس، ولأبي ذر عن الكشميهني: وبقي إخوانهم. قال الكرماني: وظاهر السياق يقتضى أن يكون قوله وإذا رأوا بدون الواو، ولكن قوله في إخوانهم مقدم عليه حكمًا وهذا خبر مبتدأ محذوف أي وذلك إذا رأوا نجاة أنفسهم وما بعده استئناف كلام وهو قوله: (فيقولون). وقال العيني الذي يظهر من حل التركيب أن يقولون جواب إذا أي إذا رأوا نجاة أنفسهم يقولون (ربنا إخواننا الذين كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويعملون معنا). وقال الطيبي: هذا بيان لمناشدتهم في الآخرة (فيقول الله تعالى: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه) بقطع الهمزة من النار (ويحرّم الله) عز وجل (صورهم على النار) تكريمًا لها للسجود (فيأتونهم) سقطت فيأتونهم لأبي ذر (وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه وإلى أنصاف ساقيه فيخرجون) بضم التحتية وكسر الراء (من عرفوا) من النار (ثم يعودون فيقول) الله تعالى (اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار) فيه أن الإيمان يزيد وينقص (فأخرجوه) منها (فيخرجون) منها (من عرفوا ثم يعودون فيقول) تعالى لهم: (اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان) بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء قيل إن مائة نملة وزن حبة والذرة واحدة منها وقيل الذرة ليس لها وزن ويراد بها ما يرى في شعاع الشمس (فأخرجوه فيخرجون من عرفوا) منها. (قال أبو سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (فإن لم تصدقوا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فإذا لم تصدقوني (فاقرؤوا: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها} [النساء: 40]) يضاعف ثوابها وأنّث ضمير المثقال لكونه مضافًا إلى مؤنث والتجزئ المذكور هنا شيء زاد على مجرد الإيمان الذي هو التصديق الذي لا يتجزأ فالزائد عليه يكون بعمل صالح كذكر خفي أو عمل من أعمال القلوب من شفقة على مسكين أو خوف منه تعالى أو نيّة صالحة أو غير ذلك (فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون فيقول الجبار) تعالى. قال الحافظ ابن حجر: قرأت في تنقيح الزركشي إن قوله فيقول الله زيادة ضعيفة لأنها غير متصلة قال، وهذا غلط منه فإنها متصلة هنا ثم إن لفظ حديث أبي سعيد هنا ليس كما ساقه الزركشي، وإنما فيه فيقول الجبار (بقيت شفاعتي فيقبض

قبضة من النار فيخرج) تعالى (أقوامًا) وهم الذين معهم مجرد الإيمان ولم يأذن فيهم بالشفاعة حال كونهم (قد امتحشوا) بضم الفوقية وكسر المهملة بعدها معجمة احترقوا (فيلقون) بضم التحتية وسكون اللام وفتح القاف (في نهر بأفواه الجنة) جمع فوّهة بضم الفاء وتشديد الواو المفتوحة سمع من العرب على غير قياس وأفواه الأزقة والأنهار أوائلها والمراد هنا مفتتح مسالك قصور الجنة (يقال له ماء الحياة) وسقط لأبي ذر لفظ ماء (فينبتون في حافتيه) تثنية حافة بتخفيف الفاء أي جانبي النهر (كما تنبت الحبة) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة اسم جامع لحبوب البقول (في حميل السيل) ما يحمله من نحو طين فإذا اتفقت فيه الحبة واستقرت على شط مجرى السيل نبتت في يوم وليلة فشبه به لسرعة نباته وحسنه (قد رأيتموها إلى جانب الصخرة إلى) ولأبي ذر وإلى (جانب الشجرة فما كان إلى) جهة (الشمس منها كان أخضر وما كان منها إلى) جهة (الظل كان أبيض فيخرجون كأنهم اللؤلؤ) بياضًا ونضارة (فيجعل) بضم التحتية وفتح العين (في رقابهم الخواتيم) شيء من ذهب أو غيره علامة يعرفون بها (فيدخلون الجنة فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه) في الدنيا (ولا خير قدموه) فيها بل برحمته تعالى ومجرد الإيمان دون أمر زائد من عمل صالح (فيقال لهم) إذا نظروا في الجنة إلى أشياء ينتهي إليها بصرهم (لكم ما رأيتم ومثله معه). وفيه: أن جماعة من مذنبي هذه الأم يعذبون بالنار، ثم يخرجون بالشفاعة والرحمة خلافًا لمن نفى ذلك عن هذه الأمة، وتأول ما ورد بضروب متكلفة والنصوص الصريحة متضافرة متظاهرة بثبوت ذلك وإن تعذيب الموحدين بخلاف تعذيب الكفار لاختلاف مراتبهم من أخذ النار بعضهم إلى الساق، وأنها لا تأكل أثر السجود وأنهم يموتون على ما ورد في حديث أبي سعيد بلفظ: يموتون فيها إماتة فيكون عذابهم فيها إحراقهم وحبسهم عن دخول الجنة سريعًا كالمسجونين بخلاف الكفار الذين لا يموتون أصلاً ليذوقوا العذاب ولا يحيون حياة يستريحون بها على أن بعض أهل العلم أول حديث أبي سعيد بأنه ليس المراد أنه يحصل لهم الموت حقيقة، وإنما هو كناية عن غيبة إحساسهم وذلك للرفق أو كنى عن النوم بالموت، وقد سمى الله النوم وفاة. والحديث سبق في تفسير سورة النساء، لكن باختصار في آخره قال البخاري بالسند إليه. 7440 - وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يُحْبَسُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُهِمُّوا بِذَلِكَ فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ أَنْتَ آدَمُ أَبُو النَّاسِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَىْءٍ لِتَشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا قَالَ: فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، قَالَ: وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِى أَصَابَ أَكْلَهُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَقَدْ نُهِىَ عَنْهَا، وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا أَوَّلَ نَبِىٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِى أَصَابَ سُؤَالَهُ رَبَّهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَلَكِنِ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ قَالَ: فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ: إِنِّى لَسْتُ هُنَاكُمْ، وَيَذْكُرُ ثَلاَثَ كَلِمَاتٍ كَذَبَهُنَّ، وَلَكِنِ ائْتُوا مُوسَى عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ التَّوْرَاةَ وَكَلَّمَهُ وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا قَالَ: فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ: إِنِّى لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِى أَصَابَ قَتْلَهُ النَّفْسَ وَلَكِنِ ائْتُوا عِيسَى عَبْدَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ وَرُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ، قَالَ: فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَلَكِنِ ائْتُوا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَأْتُونِى فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى فِى دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِى عَلَيْهِ فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِى فَيَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَ قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِى فَأُثْنِى عَلَى رَبِّى بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِى حَدًّا، فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ». قَالَ قَتَادَةُ: وَسَمِعْتُهُ أَيْضًا يَقُولُ: «فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى فِى دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِى عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِى ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَ قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِى فَأُثْنِى عَلَى رَبِّى بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ قَالَ: ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِى حَدًّا فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ». قَالَ قَتَادَةُ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ أَعُودُ الثَّالِثَةَ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى فِى دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِى عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِى ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ مُحَمَّدُ وَقُلْ يُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَسَلْ تُعْطَهْ قَالَ: فَأَرْفَعُ رَأْسِى فَأُثْنِى عَلَى رَبِّى بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ قَالَ: ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِى حَدًّا فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ». قَالَ قَتَادَةُ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ حَتَّى مَا يَبْقَى فِى النَّارِ إِلاَّ مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ أَىْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ قَالَ: ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] قَالَ: وَهَذَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِى وُعِدَهُ نَبِيُّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-». (وقال حجاج بن منهال) بكسر الميم وهو أحد مشايخ المؤلف ولعله سمعه منه في المذاكرة ونحوها (حدّثنا همام بن يحيى) بفتح الهاء وتشديد الميم العوذي الحافظ قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة السدوسي (عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يحبس المؤمنون يوم القيامة حتى يهموا) بضم أوّله وكسر الهاء ولأبي ذر بفتح الياء وضم الهاء يحزنوا (بذلك) الحبس وقول الزركشي هذه الإشارة إلى المذكور بعده وهو حديث الشفاعة، تعقبه في المصابيح فقال: هو تكلف لا داعي له، والظاهر أن الإشارة راجعة إلى الحبس المذكور بقوله يحبس المؤمنون حتى يهموا (فيقولون: لو استشفعنا) لو طلبنا من يشفع لنا (إلى ربنا فيريحنا من مكاننا) برفع فيريحنا في الفرع. وقال الدماميني بالنصب لوقوعه في جواب التمني المدلول عليه بلو أي ليت لنا استشفاعًا فإراحة فيخلصنا مما نحن فيه من الحبس والكرب (فيأتون آدم) عليه السلام (فيقولون) له (أنت آدم) من باب قوله: أنا أبو النجم وشعري شعري وهو مبهم فيه معنى الكمال لا يعلم ما يراد منه ففسره بقوله: (أبو الناس خلقك الله بيده) زيادة في الخصوصية والله تعالى منزه عن الجارحة (وأسكنت جنته وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء) وضع شيء موضع أشياء أي المسميات إرادة للتقصي واحدًا فواحدًا حتى يستغرق المسميات كلها (لتشفع) بلام الطلب ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي اشفع (لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا قال فيقول) لهم: (لست

هناكم) أي لست في مقام الشفاعة (قال: ويذكر خطيئته التي أصاب) والراجع إلى الموصول محذوف أي التي أصابها (أكله من الشجرة) بنصب أكله بدلاً من خطيئته ويجوز أن يكون بيانًا للضمير المبهم المحذوف نحو قوله تعالى: {فقضاهن سبع سماوات} [فصّلت: 12] (وقد نهى عنها ولكن ائتوا نوحًا أول نبي بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض) الموجودين بعد الطوفان (فيأتون نوحًا) فيسألونه (فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب سؤاله ربه بغير علم) يشير إلى قوله: {رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق} [هود: 45] (ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن قال: فيأتون إبراهيم) عليه السلام (فيقول: إني لست هناكم ويذكر ثلاث كلمات) ولأبي ذر عن الكشميهني كذبات بفتحات (كذبهن) إحداها قوله: {إني سقيم} [الصافات: 89] والأخرى {بل فعله كبيرهم} ٌ [الأنبياء: 63] والثالثة قوله لسارة: {هي أختي} والحق أنها معاريض لكن لما كانت صورتها صورة الكذب أشفق منها ومن كان أعرف فهو أخوف (ولكن ائتوا موسى عبدًا آتاه الله التوراة وكلمه وقربه نجيًّا) مناجيًا (قال فيأتون موسى) عليه السلام (فيقول: إني لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب قتله النفس، ولكن ائتوا عيسى) عليه السلام (عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته) التي ألقاها إلى مريم (قال: فيأتون عيسى فيقول: لست هناكم ولكن ائتوا محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عبدًا غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر). وإنما لم يلهموا إتيان نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسؤاله في الابتداء إظهارًا لشرفه وفضله فإنهم لو سألوه ابتداء لاحتمل أن غيره يقوم بذلك ففي ذلك دلالة على تفضيله على جميع المخلوقين زاده الله تشريفًا وتكريمًا قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فيأتون) ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي فيأتونني (فأستأذن) في الدخول (على ربي في داره) أي جنته التي اتخذها لأوليائه والإضافة للتشريف وقال في المصابيح أي أستأذن ربي في حال كوني فى جنته فأضاف الدار إليه تشريفًا (فيؤذن لي عليه فإذا رأيته) تعالى (وقعت ساجدًا فيدعني ما شاء الله أن يدعني) وفي مسند أحمد أن هذه السجدة مقدار جمعة من جمع الدنيا (فيقول) تعالى: (ارفع محمد) رأسك (وقل يسمع) لقولك (واشفع تشفع) أي تقبل شفاعتك (وسل تعط) سؤالك (قال) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فارفع رأسي) من السجود (فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلّمنيه) عز وجل. قال: (ثم أشفع فيحد لي حدًّا) أي فيعين لي طائفة معينة (فأخرج) من داره (فأدخلهم الجنة). بعد أن أخرجهم من النار. (قال قتادة) بن دعامة بالسند السابق (و) قد (سمعته أيضًا) أي أنسًا (يقول: فأخرج) من داره (فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة) بضم الهمزة فيهما (ثم أعود فأستأذن) ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي ثم أعود الثانية فأستأذن (على ربي في داره) الجنة (فيؤذن لي عليه فإذا رأيته) تعالى (وقعت ساجدًا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول) تعالى (ارفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه) بهاء السكت في هذه دون الأولى لكن الذي في اليونينية بإسقاط الهاء فيهما (قال: فأرفع رأسي على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه قال ثم أشفع فيحد لي حدًّا فأخرج) بفتح الهمزة (فأدخلهم الجنة. قال قتادة) بالسند (وسمعته) أي أنسًا، وللكشميهني: أيضًا (يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجدًا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول ارفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلّمنيه قال ثم أشفع فيحد لي حدًّا فأخرج فأدخلهم الجنة. قال قتادة: وقد سمعته) أي سمعت أنسًا زاد الكشميهني أيضًا (يقول: فأخرج) بفتح الهمزة (فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود) بنص القرآن

وهم الكفار. (قال: ثم تلا الآية) ولأبي ذر عن الكشميهني هذه الآية ({عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا} [الإسراء: 79] قال: وهذا المقام المحمود الذي وعده) بضم الواو وكسر العين (نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وهذا الحديث وقع هنا معلقًا ووصله الإسماعيلي من طريق إسحاق بن إبراهيم وأبو نعيم من طريق محمد بن أسلم الطوسي قالا: حدّثنا حجاج بن منهال فذكره بطوله، وساقوا الحديث كله إلا أبا ذر فقال بعد قوله حتى يهموا بذلك، وذكر الحديث بطوله وعنده يهموا بفتح التحتية وضم الهاء وساق النسفي منه إلى قوله: خلقك الله بيده ثم قال: فذكر الحديث وثبت من قوله فيقولون لو استشفعنا إلى آخر قوله: المحمود الذي وعده نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمستملي والكشميهني. 7441 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِى عَمِّى حَدَّثَنَا أَبِى عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِى قُبَّةٍ وَقَالَ لَهُمُ: «اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنِّى عَلَى الْحَوْضِ». وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن سعد بن إبراهيم) بسكونها قال: (حدّثني) بالإفراد (عمي) يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما أفاء الله عليه ما أفاء من أموال هوازن طفق -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطي رجالاً من قريش وبلغه قول الأنصار يعطيهم ويدعنا (أرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة وقال لهم: اصبروا حتى تلقوا الله ورسوله) أي حتى تموتوا (فإني على الحوض) وفيه ردّ على المعتزلة في إنكارهم الحوض وفي أوائل الفتن من رواية أنس عن أسيد بن الحضير في قصة فيها فسترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض، والغرض من الحديث هنا قوله حتى تلقوا الله فإنها زيادة لم تقع في بقية الطرق. قاله الحافظ ابن حجر. 7442 - حَدَّثَنِى ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الْحَقُّ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ خَاصَمْتُ وَبِكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَأَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ طَاوُسٍ قَيَّامٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْقَيُّومُ: الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ، وَقَرَأَ عُمَرُ الْقَيَّامُ وَكِلاَهُمَا مَدْحٌ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر، حدّثنا (ثابت بن محمد) بالمثلثة والموحدة أبو إسماعيل العابد الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (عن سليمان الأحول) بن أبي مسلم المكي (عن طاوس) أبي عبد الرحمن بن كيسان (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا تهجد من الليل قال): (اللهم ربنا لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض) الذي يقوم بحفظهما وحفظ من أحاطتا به واشتملتا عليه تؤتي كلامًا به قوامه وتقوم على كل شيء من خلقك بما تراه من التدبير (ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن) فهو رب كل شيء ومليكه وكافله ومغذيه ومصلحه العوّاد عليه بنعمه (ولك الحمد أنت نور السنوات والأرض ومن فيهن) أي منوّر ذلك. والعرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان منه تسبب فهو بمعنى اسمه الهادي لأنه يهدي بالنور الظاهر الأبصار إلى المبصرات الظاهرة ويهدي بالنور الباطن البصائر الباطنة إلى المعارف الباطنة فهو إذًا منوّر السماوات والأرض وهو النور الذي أنار كل شيء ظاهرًا وباطنًا وإذا كان هو النور لأن منه النور وبالنور نور البصائر وأنار الآفاق والأقطار فهو صفة فعل (أنت الحق) المتحقق وجوده (وقولك الحق) أي مدلوله ثابت (ووعدك الحق) لا يدخله خلف ولا شك في وقوعه (ولقاؤك الحق) أي رؤيتك في الآخرة حيث لا مانع (والجنة حق والنار حق) كلٌّ منهما موجود (والساعة) أي قيامها (حق اللهم لك أسلمت) أي انقدت لأمرك ونهيك (وبك آمنت) أي صدقت بك وبما أنزلت (وعليك توكلت) أي فوّضت أمري إليك (وإليك خاصمت) من خاصمني من الكفار (وبك) وبما آتيتني من البراهين والحجج (حاكمت) من خاصمني من الكفار (فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وأسررت وأعلنت وما أنت أعلم به مني لا إله إلا أنت). قاله تواضعًا وإجلالاً لله تعالى وتعليمًا لأمته. (قال أبو عبد الله) محمد بن إسماعيل البخاري (قال قيس بن سعد) وسقط لأبي ذر قال أبو عبد الله وأثبت الواو في قوله وقال قيس بن سعد بسكون العين المكيّ الحنظليّ فيما وصله مسلم وأبو داود (وأبو الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس القرشي الأسدي مما وصله مالك في موطئه (عن طاوس

قيام) بفتح التحتية المشددة فألف بوزن فعال بالتشديد صيغة مبالغة. (وقال مجاهد) المفسر فيما وصله الفريابي (القيوم) هو (القائم على كل شيء) وقال في شرح المشكاة القيوم فيعول للمبالغة كالديور والديوم ومعناه القائم بنفسه المقيم لغيره وهو على الإطلاق والعموم لا يصح إلا لله، فإن قوامه بذاته لا يتوقف بوجه ما على غيره وقوام كل شيء به إذ لا يتصوّر للأشياء وجود ودوام إلا بوجوده فمن عرف أنه القيوم بالأمور واستراح عن كدّ التدبير وتعب الاشتغال وعاش براحة التفويض فلم يضنّ بكريمة، ولم يجعل في قلبه للدنيا كثرة قيمة. (وقرأ عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (القيام) من قوله: {الله لا إله إلا هو الحيّ القيوم} [البقرة: 255] بوزن فعال بالتشديد (وكلاهما) أي القيوم والقيام (مدح) لأنهما من صيغ المبالغة ولا يستعملان في غير المدح بخلاف القيم فإنه يستعمل في الذّم أيضًا. 7443 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنِى الأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، وَلاَ حِجَابٌ يَحْجُبُهُ». وبه قال: (حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثني) بالإفراد (الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي (عن خيثمة) بخاء معجمة مفتوحة وبعد التحتية الساكنة مثلثة ابن عبد الرحمن الجعفي (عن عدي بن حاتم) بالحاء المهملة والفوقية الطائي -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما منكم) خطاب للصحابة والمراد العموم (من أحد إلا سيكلمه ربه) عز وجل (ليس بينه وبينه ترجمان) بفتح الفوقية وضم الجيم أو ضمهما يترجم عنه (ولا حجاب يحجبه) عن رؤية ربه تعالى، والمراد بالحجاب نفي المانع من الرؤية لأن من شأن الحجاب المنع من الوصول إلى المراد فاستعير نفيه لعدم المنع، وكثير من أحاديث الصفات تخرّج على الاستعارة التخييلية وهي أن يشترك شيئان في وصف، ثم يعتمد لوازم أحدهما بحيث تكون جهة الاشتراك وصفًا فيثبت كماله في المستعار بواسطة شيء آخر فيثبت ذلك للمستعار مبالغة في إثبات المشترك وبالحمل على هذه الاستعارة التخييلية يحصل التخلص من مهاوي التجيم، ويحتمل أن يراد بالحجاب استعارة محسوس لمعقول لأن الحجاب حسي والمنع عقلي والله تعالى منزه عما يحجبه فالمراد بالحجاب منعه أبصار خلقه وبصائرهم بما شاء كيف شاء فإذا شاء كشف ذلك عنهم اهـ. ملخصًا مما حكاه في الفتح عن الحافظ الصلاح العلائي. والحديث سبق في الرقاق. 7444 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، عَنْ أَبِى عِمْرَانَ، عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلاَّ رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِى جَنَّةِ عَدْنٍ». وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الصمد) العمي (عن أبي عمران) عبد الملك بن حبيب الجونيّ من علماء البصرة (عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه) عبد الله بن قيس أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (جنتان) مبتدأ (من فضة) خبر قوله (آنيتهما) والجملة خبر المبتد الأول ومتعلق من فضة محذوف أي آنيتهما كائنة من فضة (وما فيهما) عطف على آنيتهما وكذا قوله (وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما). وفي رواية حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال: قال حماد: لا أعلمه إلا قد رفعه قال: جنتان من ذهب للمقربين ومن دونهما جنتان من ورق لأصحاب اليمين. رواه الطبري وابن أبي حاتم ورجاله ثقات. واستشكل ظاهره إذ مقتضاه أن الجنتين من فضة لا ذهب فيهما، وبالعكس بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قلنا: يا رسول الله حدّثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: "لبنة من ذهب ولبنة من فضة". رواه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان. وأجيب: بأن "الأوّل" صفة ما في كل جنة من آنية وغيرها. "والثاني" صفة حوائط الجنان كلها. (وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر) بكسر الكاف وسكون الموحدة وفي نسخة الكبرياء (على وجهه في جنة عدن) أي جنة إقامة وهو ظرف للقوم لا لله تعالى إذ لا تحويه الأمكنة. وقال القرطبي: متعلق بمحذوف في موضع الحال من القوم مثل كائنين في جنة عدن وقال في شرح المشكاة على وجهه حال من رداء الكبرياء والعامل معنى ليس، وقوله في الجنة متعلق بمعنى

الاستقرار في الظرف فيفيد المفهوم انتفاء هذا الحصر في غير الجنة، وإليه أشار الشيخ التوربشتي بقوله يريد أن العبد المؤمن إذا تبوأ مقعده من الجنة تبوأ والحجب مرتفعة والموانع التى تحجبه عن النظر إلى ربه مضمحلة إلا ما يصدهم من هيبة الجلال وسبحات الجمال وأبهة الكبرياء فلا يرتفع ذلك منهم إلا برأفته ورحمته تفضلاً منه على عباده. قال الطيبي: وأنشد في المعنى: أشتاقه فإذا بدا ... أطرقت من إجلاله لا خيفة بل هيبة ... وصيانة لجماله وأصد عنه تجلدًا ... وأروم طيف خياله انتهى. والحديث من المتشابه إذ لا وجه حقيقة ولا رداء فأما أن يفوّض أو يؤوّل كأن يقال استعار لعظيم سلطان الله وكبريائه وعظمته وجلاله المانع إدراك أبصار البشر مع ضعفها لذلك رداء الكبرياء، فإذا شاء تقوية أبصارهم وقلوبهم كشف عنهم حجاب هيبته وموانع عظمته. وقال أبو العباس القرطبي: الرداء استعارة كنى بها عن العظمة كما في الحديث الآخر "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري" وليس المراد الثياب المحسوسة لكن المناسبة أن الرداء والإزار لما كانا ملازمين للمخاطب من العرب عبر عن العظمة والكبرياء بهما اهـ. واستشكل في الكواكب ظاهر الحديث بأنه يقتضي أن رؤية الله غير واقعة وأجاب بأن مفهومه بيان قرب النظر إذ رداء الكبرياء لا يكون مانعًا من الرؤبة فعبّر عن زوال المانع عن الأبصار بإزالة الرداء. قال الحافظ ابن حجر: وحاصله أن رداء الكبرياء مانع من الرؤية فكأن في الكلام حذفًا تقديره بعد قوله إلا رداء الكبرياء فإنه يمنّ عليهم برفعه فيحصل لهم الفوز بالنظر إليه فكان المراد أن المؤمنين إذا تبوّؤوا مقاعدهم من الجنة لولا ما عندهم من هيبة الجلال لما حال بينهم وبين الرؤية حائل، فإذا أراد إكرامهم حفّهم برأفته وتفضل عليهم بتقويتهم على النظر إليه سبحانه وتعالى اهـ. وهو معنى قول التوربشتي السابق. والحاصل أن رؤية الله تعالى واقعة يوم القيامة في الموقف لكل أحد من الرجال والنساء، وقال قوم من أهل السُّنّة: تقع أيضًا للمنافقين، وقال آخرون: وللكافرين أيضًا ثم يحجبون بعد ذلك لتكون عليهم حسرة، وأما الرؤية في الجنة فأجمع أهل السُّنّة على أنها حاصلة للأنبياء والرسل والصديقين من كل أمة ورجال المؤمنين من البشر من هذه الأمة، واختلف في نساء هذه الأمة فقيل لا يرين لأنهن مقصورات في الخيام، ولم يرد في أحاديث الرؤية تصريح برؤيتهن، وقيل يرين أخذًا من عمومات النصوص الواردة في الرؤية أو يرين في مثل أيام الأعياد لأهل الجنة تجليًّا عامًّا فيرينه لحديث أنس عند الدارقطني مرفوعًا: إذا كان يوم القيامة رأى المؤمنون ربهم عز وجل فأحدثهم عهدًا بالنظر إليه في كل جمعة ويراه المؤمنات يوم الفطر ويوم النحر، وذهب الشيخ عز الدين بن عبد السلام إلى أن الملائكة لا يرون ربهم لأنهم لم يثبت لهم ذلك كما ثبت للمؤمنين من البشر وقد قال تعالى: {لا تدركه الأبصار} [الأنعام: 103] خرج منه مؤمنو البشر بالأدلة الثابتة فبقي على عمومه في الملائكة، ولأن للبشر طاعات لم يثبت مثلها للملائكة كالجهاد والصبر على البلايا والمحن وتحمل المشاق في العبادات لأجل الله وقد ثبت أنهم يرون ربهم ويسلم عليهم وبشرهم بإحلال رضوانه عليهم أبدًا ولم يثبت مثل هذا للملائكة اهـ. وقد نقله عنه جماعة ولم يتعقبوه بنكير منهم العز بن جماعة، ولكن الأقوى أنهم يرونه كما نص عليه أبو الحسن الأشعري في كتابه الإبانة فقال: أفضل لذات الجنة رؤية الله تعالى ثم رؤية نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلذلك لم يحرم الله أنبياءه المرسلين وملائكته المقربين وجماعة المؤمنين والصديقين النظر إلى وجهه الكريم، ووافقه على ذلك البيهقي وابن القيم والجلال البلقيني. والحديث سبق في تفسير سورة الرحمن. 7445 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكُ بْنُ أَعْيَنَ وَجَامِعُ بْنُ أَبِى رَاشِدٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ، لَقِىَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِى الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 77] الآيَةَ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير

قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عبد الملك بن أعين) بفتح الهمزة والتحتية بينهما عين مهملة ساكنة آخره نون الكوفي (وجامع بن أى راشد) الصيرفي الكوفي كلاهما (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (من اقتطع مال امرئ مسلم) أخذ منه قطعة لنفسه (بيمين كاذبة) صفة ليمين (لقي الله) عز وجل (وهو عليه غضبان). المراد به لازمه وهو العذاب (قال عبد الله) بن مسعود (ثم قرأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مصداقه) مفعال من الصدق أي ما يصدق هذا الحديث (من كتاب الله جل ذكره: {إن الذين يشترون}) أي يستبدلون ({بعهد الله وأيمانهم}) وبما حلفوا به ({ثمنًا قليلاً}) متاع الدنيا ({أولئك لا خلاق لهم في الآخرة}) لا نصيب لهم فيها ({ولا يكلمهم الله} [آل عمران: 77]) بما يسرّهم (الآية). إلى آخرها. ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. والحديث سبق في الإيمان في باب عهد الله. ومطابقته للترجمة هنا في قوله لقي الله. 7446 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهْوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ فَيَقُولُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِى كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (ثلاثة لا يكلمهم الله) عز وجل (يوم القيامة) بما يسرّهم (ولا ينظر إليهم) نظر رحمة (رجل حلف على سلعة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي على سلعته (لقد أعطى بها) بفتح الهمزة والطاء دفع لبائعها (أكثر مما أعطى) بفتحهما أيضًا الذي يريد شراءها (وهو كاذب، ورجل حلف على يمين) أي على محلوف يمين (كاذبة بعد العصر) ليس قيد إبل خرج مخرج الغالب إذ كان مثله يقع آخر النهار عند فراغهم من المعاملات أو خصه لكونه وقت ارتفاع الأعمال (ليقتطع بها مال امرئ مسلم، ورجل منع فضل ماء) زائدًا على حاجته من يحتاج إليه وفي الشرب رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل (فيقول الله) عز وجل (يوم القيامة اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك) أي ليس حصوله وطلوعه من منبعه بقدرتك بل هو بإنعامي وفضلي. والحديث سبق في الشرب في باب إثم من منع ابن السبيل من الماء. 7447 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِى بَكْرَةَ عَنْ أَبِى بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الزَّمَانُ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ، ذُو الْقَعَدَةِ، وَذُو الْحَجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِى بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ أَىُّ شَهْرٍ هَذَا»؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: «أَلَيْسَ ذَا الْحَجَّةِ»؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «أَىُّ بَلَدٍ هَذَا»؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: «أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ»؟ قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «فَأَىُّ يَوْمٍ هَذَا»؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ»؟ قُلْنَا بَلَى. قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ». قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: «وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِى بَلَدِكُمْ هَذَا فِى شَهْرِكُمْ هَذَا وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ أَلاَ فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِى ضُلاَّلاً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ أَلاَ لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أَنْ يَكُونَ أَوْعَى مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ». فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ قَالَ: صَدَقَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ»؟ وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) أبو موسى العنزي الحافظ قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن ابن أبي بكرة) عبد الرحمن (عن) أبيه (أبي بكرة) نفيع بضم النون وفتح الفاء -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) يوم النحر بمنى: (الزمان قد استدار) استدارة (كهيئته) مثل حالته (يوم خلق الله) عز وجل (السماوات والأرض) أي عاد الحج إلى ذي الحجة وبطل النسيء وذلك أنهم كانوا يحلون الشهر الحرام ويحرّمون مكانه شهرًا آخر حتى رفضوا تخصيص الأشهر الحرم، وكانوا يحرّمون من شهور العام أربعة أشهر مطلقًا، وربما زادوا في الشهور فيجعلونها ثلاثة عشر أو أربعة عشر أي رجعت الأشهر إلى ما كانت عليه وعاد الحج إلى ذي الحجة وبطل تغييراتهم وصار الحج مختصًّا بوقت معين واستقام حساب السنة ورجع إلى الأصل الموضوع يوم خلق الله السماوات والأرض (السنة) العربية الهلالية (اثنا عشر شهرًا منها أربعة حرم) لعظم حرمتها وحرمة الذنب فيها (ثلاث) ولأبي ذر والأصيلي ثلاثة (متواليات) أي ثلاث سرد (ذو القعدة وذو الحجة) بفتح القاف والحاء كما في اليونينية والمشهور فتح القاف وكسر الحاء وحكي كسر القاف (والمحرم ورجب مضر) القبيلة المشهورة وأضيف إليها لأنهم كانوا متمسكين بتعظيمه (الذي بين جمادى) بضم الجيم وفتح الدال (وشعبان أيّ شهر هذا)؟ استفهام تقريري (قلنا: الله ورسوله أعلم) فيه مراعاة الأدب والتحرز عن التقدم بين يدي الله ورسوله (فسكت) عليه السلام (حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال) عليه الصلاة والسلام: (أليس ذا الحجة)؟ بنصب ذا خبر ليس أي ليس هو اليوم ذا الحجة (قلنا: بلى. قال: أي

25 - باب ما جاء فى قول الله تعالى: {إن رحمة الله قريب من المحسنين} [الأعراف: 56]

بلد هذا)؟ بالتذكير (قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس البلدة)؟ بالنصب خبر ليس زاد في الحج الحرام بتأنيث البلدة وتذكير الحرام الذي هو صفتها وسبق أنه استشكل وأنه أجيب بأنه اضمحل منه معنى الوصفية وصار اسمًا (قلنا: بلى. قال: فأيّ يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى). وثبت قوله قال: فأي يوم الخ للكشميهني والمستملي وسقط لغيرهما (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فإن دماءكم وأموالكم. قال محمد) أي ابن سيرين (وأحسبه) أي أبا بكرة نفيعًا (قال: وأعراضكم) جمع عرض بكسر العين موضع المدح والذم من الإنسان أي انتهاك دمائكم وأموالكم وأعراضكم (عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) زاد في الحج إلى يوم تلقون ربكم (وستلقون ربكم) هذا موضع الترجمة (فيسألكم عن أعمالكم ألا) بالتخفيف (فلا ترجعوا) فلا تصيروا (بعدي) بعد فراقي من موقفي هذا أو بعد موتي (ضلالاً) بضم الضاد المعجمة وتشديد اللام (يضرب بعضكم رقاب بعض) برفع يضرب جملة مستأنفة مبينة لقوله لا ترجعوا وهو الذي في الفرع ويجوز الجزم على تقدير شرط أي أن ترجعوا بعدي (ألا) بالتخفيف (ليبلغ الشاهد) هذا المجلس (لغائب) عنه بتشديد لام ليبلغ والذي في اليونينية تخفيفها (فلعل بعض من يبلغه) بسكون الموحدة (أن يكون أوعى) أحفظ (له من بعض من سمعه) وسقط لغير أبي ذر لفظ له (فكان محمد) هو ابن سيرين (إذا ذكره) أي الحديث (قال: صدق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال كثيرًا من السامعين أوعى من شيوخهم (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ألا هل بلغت ألا هل بلغت)؟ مرتين واللام مخففة أي بلغت ما فرض عليّ تبليغه من الرسالة. والحديث سبق مطوّلاً ومختصرًا في غير ما موضع كالعلم والحج والمغازي والفتن. 25 - باب مَا جَاءَ فِى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] (باب ما جاء في قول الله تعالى: {إن رحمة الله قريب من المحسنين} [الأعراف: 56]) ذكر قريب على تأويل الرحمة بالرحم أو الترحم أو لأنه صفة موصوف محذوف أي شيء قريب أو على تشبيهه بفعيل الذي بمعنى مفعول أو للإضافة إلى المذكر والرحمة في اللغة رقة قلب وانعطاف تقتضي التفضيل والإنعام على من رق له وأسماء الله تعالى وصفاته إنما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي تكون انفعالات فرحمة الله على العباد إما إرادة الإنعام عليهم ودفع الضرر عنهم فتكون صفة ذات أو نفس الإنعام والدفع فتعود إلى صفة الأفعال. 7448 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ قَالَ: كَانَ ابْنٌ لِبَعْضِ بَنَاتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْضِى فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا فَأَرْسَلَ إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ فَأَقْسَمَتْ عَلَيْهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقُمْتُ مَعَهُ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَلَمَّا دَخَلْنَا نَاوَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّبِىَّ وَنَفْسُهُ تَقَلْقَلُ فِى صَدْرِهِ حَسِبْتُهُ قَالَ: كَأَنَّهَا شَنَّةٌ فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: أَتَبْكِى فَقَالَ: «إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ». وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي قال: (حدّثنا عاصم) الأحول بن سليمان أبو عبد الرحمن البصري (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ النهدي (عن أسامة) بن زيد بن حارثة أنه (قال: كان ابن) وفي النذور بنت (لبعض بنات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هي زينب كما عند ابن أبي شيبة وابن بشكوال (يقتضي) بفتح أوّله وسكون القاف بعدها ضاد معجمة أي يموت والمراد أنه كان في النزع وللكشميهنى يفضي بضم أوّله بعده فاء (فأرسلت إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن يأتيها فأرسل) عليه الصلاة والسلام إليها (إن لله ما أخذ ولله ما أعطى) أي الذي أخذه هو الذي كان أعطاه فإن أخذه أخذ ما هو له (وكل إلى أجل مسمى) مقدر مؤجل (فلتصبر ولتحتسب) أي تنوي بصبرها طلب الثواب ليحسب لها ذلك من عملها الصالح فرجع إليها الرسول فأخبرها بذلك (فأرسلت إليه فأقسمت عليه) ليأتيها قال أسامة (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقمت معه ومعاذ بن جبل) ولأبي ذر عن الكشميهني وقمت ومعه معاذ بن جبل (وأبيّ بن كعب وعبادة بن الصامت) زاد في الجنائز ورجال (فلما دخلنا ناولوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصبي) أو الصبية (ونفسه) أو نفسها (تقلقل) بضم أوله وفتح القافين تضطرب (في صدره) أو صدرها (حسبته قال كأنها) أي نفسه (شنة) بفتح الشين المعجمة

والنون المشدّدة قربة يابسة (فبكى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال سعد بن عبادة: أتبكي) يا رسول الله وزاد أبو نعيم وتنهى عن البكاء (فقال) عليه الصلاة والسلام: (إنما يرحم الله) وفي الجنائز هذه جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله (من عباده الرحماء) جمع رحيم كالكرماء جمع كريم وهو من صيغ المبالغة. وسبق الحديث في الجنائز والطب والنذور. 7449 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اخْتَصَمَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ إِلَى رَبِّهِمَا فَقَالَتِ الْجَنَّةُ: يَا رَبِّ مَا لَهَا لاَ يَدْخُلُهَا إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَقَالَتِ النَّارُ يَعْنِى أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِى، وَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِى أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا قَالَ: فَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ فَيُلْقَوْنَ فِيهَا فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ ثَلاَثًا حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَمْتَلِئُ وَيُرَدُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ قَطْ». وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن سعد بن إبراهيم) بسكون العين ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني قال: (حدّثنا يعقوب) بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم (عن صالح بن كيسان) مؤدّب ولد عمر بن عبد العزيز (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (اختصمت الجنة والنار إلى ربهما) تعالى مجازًا عن حالهما المشابه للخصومة أو حقيقة بأن خلق الله تعالى فيهما الحياة والنطق. وقال أبو العباس القرطبي: يجوز أن يخلق الله ذلك القول فيما شاء من أجزاء الجنة والنار لأنه لا يشترط عقلاً في الأصوات أن يكون محلها حيًّا على الراجح، ولو سلمنا الشرط لجاز أن يخلق الله في بعض أجزائها الجمادية حياة لا سيما، وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى: {إن الدار الآخرة لهي الحيوان} [العنكبوت: 64] إن كل ما في الجنة حي، ويحتمل أن يكون ذلك بلسان الحال والأوّل أولى واختصامهما هو افتخار إحداهما على الأخرى بمن يسكنها فتظن النار أنها بمن ألقي فيها من عظماء الدنيا آثر عند الله من الجنة وتظن الجنة أنها بمن يسكنها من أولياء الله تعالى آثر عند الله (فقالت الجنة: يا رب ما لها) مقتضى الظاهر أن تقول ما لي ولكنه على طريق الالتفات (لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم) بفتح السين والطاء الضعفاء الساقطون من أعين الناس لتواضعهم لربهم تعالى وذلتهم له (وقالت النار يعني أوثرت) بضم الهمزة وسكون الواو والراء بينهما مثلثة اختصصت (بالمتكبرين) المتعظمين بما ليس فيهم (فقال الله تعالى) مجيبًا لهما بأنه لا فضل لإحداكما على الأخرى من طريق من يسكنكما وفي كلاهما شائبة شكاية إلى ربهما إذ لم تذكر كل واحدة منهما إلا ما اختصت به وقد ردّ الله ذلك إلى مشيئته فقال تعالى (للجنة أنت رحمتي) زاد في سورة ق: أرحم بك من أشاء من عبادي وإنما سماها رحمة لأن بها تظهر رحمته تعالى (وقال للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء) وفي تفسير سورة ق: إنما أنت عذاب أعذب بك من أشاء من عبادي (ولكل واحدة منكما ملؤها) بكسر الميم وسكون اللام بعدها همزة (قال: فأما الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحدًا وإنه ينشئ للنار من يشاء) من خلقه (فيلقون فيها) لأن لله تعالى أن يعذب من لم يكلفه بعبادته في الدنيا لأن كل شيء ملكه فلو عذبهم لكان غير ظالم لهم لا يسأل عما يفعل (فتقول هل من مزيد ثلاثًا حتى يضع) الرب تعالى (فيها قدمه) من قدمه لها من أهل العذاب أو ثمة مخلوق اسمه القدم أو هو عبارة عن زجرها وتسكينها كما يقال جعلته تحت رجلي ووضعته تحت قدمي (فتمتلئ وبرد) بضم التحتية وفتح الراء (بعضها إلى بعض وتقول قط قط قط). بالتكرار ثلاثًا للتأكيد مع فتح القاف وسكون الطاء مخففة فيها أي حسبي. وهذا الحديث قد سبق في تفسير سورة ق بخلاف هذه الرواية التي هنا فإنه قال هناك، وأما النار فتمتلئ ولا يظلم الله من خلقه أحدًا، وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقًا، وكذا في صحيح مسلم. وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقًا فقال جماعة إن الذي ورد هنا من المقلوب، وجزم ابن القيم بأنه غلط محتجًّا بأن الله تعالى أخبر بأن جهنم تمتلئ من إبليس وأتباعه، وكذا أنكرها البلقيني واحتج بقوله: {ولا يظلم ربك أحدًا} [الكهف: 49] وقال أبو الحسن القابسي المعروف أن الله ينشئ للجنة خلقًا قال ولا أعلم في شيء من الأحاديث أنه ينشئ للنار خلقًا إلا هذا اهـ. واحتج بأن تعذيب الله غير العاصي لا يليق بكرمه بخلاف الإنعام على غير المطيع، وقال

26 - باب قول الله تعالى: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا} [فاطر: 41]

البلقيني: حمله على أحجار تلقى في النار أقرب من حمله على ذي روح يعذب بغير ذنب. قال في الفتح: ويمكن التزام أن يكونوا من ذوي الأرواح لكن لا يعذبون كما في الخزنة، ويحتمل أن يراد بالإنشاء ابتداء إدخال الكفار النار، وعبّر عن ابتداء الإدخال بالإنشاء فهو إنشاء الإدخال لا الإنشاء الذي بمعنى ابتداء الخلق بدليل قوله فيلقون فيها وتقول هل من مزيد. وقال في الكواكب: لا محذور في تعذيب الله من لا ذنب له إذ القاعدة القائلة بالحسن والقبح العقليين باطلة فلو عذبه لكان عدلاً والإنشاء للجنة لا ينافي الإنشاء للنار والله يفعل ما يشاء فلا حاجة إلى الحمل على الوهم والله أعلم. 7450 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيُصِيبَنَّ أَقْوَامًا سَفْعٌ مِنَ النَّارِ بِذُنُوبٍ أَصَابُوهَا عُقُوبَةً، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ يُقَالُ لَهُمُ: الْجَهَنَّمِيُّونَ». وَقَالَ هَمَّامٌ: حَدَّثَنَا قَتَادَةٌ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين ابن الحارث بن سخبرة الأزدي الحوضي قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة السدوسي (عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي) ولأبوي الوقت وذر أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (ليصيبن أقوامًا) من العصاة واللام للتأكيد كالنون الثقيلة وأقوامًا نصب مفعول (سفع) بفتح السين المهملة وسكون الفاء بعدها عين مهملة أثر تغير البشرة ليبقى فيها بعض سواد (من النار). وقال الكرماني اللفح واللهب. قال العيني: وهو تفسير الشيء بما هو أخفى منه. قال: واللفح بفتح اللام وسكون الفاء وبالحاء المهملة حرّ النار ووهجها، وفي النهاية السفع علامة تغير ألوانهم من أثر النار (بذنوب) بسبب ذنوب (أصابوها عقوبة) لهم (ثم يدخلهم الله) عز وجل (الجنة بفضل رحمته) إياهم (يقال لهم الجهنميون. وقال همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ابن يحيى مما سبق موصولاً في كتاب الرقاق (حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط قوله عن النبي الخ لأبي ذر، ومراده بسياق هذا التعليق أن العنعنة في الطريق السابق محمولة على السماع بدليل هذا السياق والله الموفق وبه المستعان. 26 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ} [فاطر: 41] (باب قول الله تعالى: {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا} [فاطر: 41]) أي يمنعهما من أن تزولا ولأن الإمساك منع وسقط لفظ باب لغير أبي ذر فقول مرفوع على ما لا يخفى. 7451 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ يَضَعُ السَّمَاءَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرْضَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ وَالشَّجَرَ وَالأَنْهَارَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ ثُمَّ يَقُولُ بِيَدِهِ: أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: «{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام: 91]». وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: جاء حبر) من أحبار يهود (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا محمد إن الله) يوم القيامة (يضع السماء على إصبع والأرض على إصبع) وفي باب قول الله لما خلقت بيدي إن الله يمسك السماوات على إصبع والأرضين على إصبع (والجبال على إصبع والشجر والأنهار على إصبع وسائر الخلق) ممن لم يذكر هنا (على إصبع) وفي حديث ابن عباس عند الترمذي مرّ يهودي بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا يهودي حدّثنا. كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه والأرضين على ذه والماء على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه، وأشار أبو جعفر أحد رواته أوّلاً ثم تابع حتى بلغ الإبهام. قال الترمذي: حسن غريب صحيح وقد جرى في أمثالهم فلان يقول كذا بإصبعه ويعمله بخنصره، (ثم يقول بيده أنا الملك فضحك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تعجبًا من قول الحبر زاد في الباب المذكور حتى بدت نواجذه (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ({وما قدروا الله حق قدره} [الأنعام: 91]) أي ما عرفوه حق معرفته ولا عظموه حق تعظيمه. وقال المهلب فيما نقله عنه في الفتح الآية تقتضي أن السماوات والأرض ممسكتان بغير آلة يعتمد عليها، والحديث يقتضي أنهما ممسكتان بالأصبع، والجواب أن الإمساك بالأصبع محال لأنه يفتقر إلى ممسك قال: وأجاب غيره بأن الإمساك في الآية يتعلق بالدنيا وفي الحديث بيوم القيامة. ومطابقة الحديث للترجمة تؤخذ من قوله في الرواية السابقة المنبّه عليها بلفظ يمسك وجرى المؤلف على عادته في الإشارة عن الإفصاح بالعبارة فالله تعالى يرحمه. 27 - باب مَا جَاءَ فِى تَخْلِيقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْخَلاَئِقِ وَهْوَ فِعْلُ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَمْرُهُ فَالرَّبُّ بِصِفَاتِهِ وَفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَهْوَ الْخَالِقُ هُوَ الْمُكَوِّنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَتَخْلِيقِهِ وَتَكْوِينِهِ فَهْوَ مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ مُكَوَّنٌ. (باب ما جاء في تخليق السماوات والأرض وغيرهما

من الخلائق). قال في الفتح: كذا في رواية الأكثرين تخليق وفي رواية الكشميهني في خلق السماوات قال وهو المطابق للآية (وهو) أي التخليق أو الخلق (فعل الرب تبارك وتعالى وأمره) بقوله: "كن" (فالرب) تعالى (بصفاته) كالقدرة (وفعله) أي خلقه (وأمره) ولأبي ذر زيادة وكلامه فهو من عطف العام على الخاص لأن المراد بالأمر هنا قوله كن وهو من جملة كلامه (وهو الخالق هو المكوّن غير مخلوق) بتشديد الواو المكسورة من قوله المكوّن. قال في الفتح: لم يرد في الأسماء الحسنى ولكن ورد معناه وهو المصوّر واختلف في التكوين هل هو صفة فعل قديمة أو حادثة، فقال أبو حنيفة وغيره من السلف قديمة، وقال الأشعري في آخرين حادثة لئلا يلزم أن يكون المخلوق قديمًا. وأجاب الأول بأنه يوجد في الأزل صفة الخلق ولا مخلوق وأجاب الأشعري بأنه لا يكون خلق ولا مخلوق كما لا يكون ضارب ولا مضروب فألزموه بحدوث صفات فيلزم حلول الحوادث بالله، فأجاب بأن هذه الصفات لا تحدث في الذات شيئًا جديدًا فتعقبوه بأنه يلزم أن لا يسمى في الأزل خالقًا ولا رازقًا وكلام الله تعالى قديم، وقد ثبت فيه أنه الخالق الرازق فانفصل بعض الأشعرية بأن إطلاق ذلك إنما هو بطريق المجاز وليس المراد بعدم التسمية عدمها بطريق الحقيقة ولم يرتضِ بعضهم هذا، بل قال وهو قول منقول عن الأشعري نفسه أن الأسامي جارية مجرى الأعلام والعلم ليس بحقيقة ولا مجاز في اللغة، وأما في الشرع فلفظ الخالق والرازق صادق عليه تعالى بالحقيقة الشرعية والبحث إنما هو فيها لا في الحقيقة اللغوية فألزموه بتجويز إطلاق اسم الفاعل على من لم يقم به الفعل، فأجاب: بأن الإطلاق هنا شرعي لا لغوي. قال الحافظ ابن حجر: وتصرف البخاري في هذا الموضع يقتضي موافقة الأول والصائر إليه يسلم من الوقوع في مسألة وقوع حوادث لا أول لها وبالله التوفيق. وسقط لأبي ذر قوله هو من قوله هو المكوّن وسقط من بعض النسخ قوله وفعله. قال الكرماني: وهو أولى ليصح لفظ غير مخلوق. قال في فتح الباري: سياق المؤلف يقتضي التفرقة بين الفعل وما ينشأ عن الفعل فالأول من صفات الفاعل والباري غير مخلوق فصفاته غير مخلوقة وأما مفعوله وهو ما ينشأ عن فعله فهو مخلوق ومن ثم عقبه بقوله: (وما كان بفعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مفعول ومخلوق ومكوّن) بفتح الواو المشددة. وقال المصنف في كتابه خلق أفعال العباد: واختلف الناس في الفاعل والمفعول فقالت القدرية الأفاعيل كلها من البشر، وقالت الجبرية: كلها من الله، وقالت الجهمية: الفعل والمفعول واحد، ولذلك قالوا كن مخلوق، وقال السلف: التخليق فعل الله وأفاعيلنا مخلوقة ففعل الله صفة الله والمفعول من سواه من المخلوقات. 7452 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِى شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى نَمِرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ فِى بَيْتِ مَيْمُونَةَ لَيْلَةً وَالنَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَهَا لأَنْظُرَ كَيْفَ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَقَدَ، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ أَوْ بَعْضُهُ قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَرَأَ: {إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} -إِلَى قَوْلِهِ- {لأُولِى الأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ ثُمَّ صَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ أَذَّنَ بِلاَلٌ بِالصَّلاَةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ. وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) الحكم بن محمد الحافظ أبو محمد الجمحي مولاهم قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) أي ابن أبي كثير المدني قال: (أخبرني) بالإفراد (شريك بن عبد الله بن أبي نمر) المدني (عن كريب) أبي رشدين مولى ابن عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: بتّ في بيت ميمونة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- وهي خالته (ليلة والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندها) في نوبتها (لأنظر كيف صلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد أبو ذر عن الكشميهني بالليل (فتحدّث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أهله) زوجته ميمونة (ساعة ثم رقد فلما كان ثلث الليل الآخر أو بعضه) ولأبي ذر عن الكشميهني أو نصفه (قعد) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فنظر إلى السماء فقرأ ({إن في خلق السماوات والأرض}) أي لأدلة واضحة على صانع قديم عليم حكيم قادر (-إلى قوله- {لأولي الألباب} [آل عمران: 190]) أي لمن أخلص عقله من الهوى خلوص اللب عن القشر فيرى أن العرض المحدث في الجواهر يدل على حدوث الجواهر لأن جوهرًا ما لا ينفك عن عرض حادث وما لا يخلو عن الحادث فهو حادث ثم حدوثها يدل على محدثها وذا قديم، وإلاّ لاحتاج إلى محدث آخر إلى ما لا يتناهى وحسن صنعه دل على علمه

28 - باب قوله تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين} [الصافات: 171]

وإتقانه يدل على حكمته وبقاؤه يدل على قدرته (ثم قام) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فتوضأ واستن) استاك (ثم صلّى إحدى عشرة ركعة) وفي آخر سورة آل عمران فصلّى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر بواحدة، والحاصل أنها ثلاث عشرة (ثم أذن بلال بالصلاة فصلى ركعتين ثم خرج فصلّى للناس أصبح). والحديث سبق بآل عمران. 28 - باب قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 171] هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه ({ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين}) الكلمة قوله: إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون وسماها كلمة وهي كلمات لأنها لما انتظمت في معنى واحد كانت في حكم كلمة مفردة، والمراد بها القضاء المتقدم منه قبل أن يخلق خلقه في أم الكتاب الذي جرى به القلم بعلو المرسلين على عدوّهم في مقادم الحجاج وملاحم القتال في الدنيا وعلوهم عليهم في الآخرة، وعن الحسن ما غلب نبي في حرب. والحاصل إن قاعدة أمرهم وأساسه والغالب منه الظفر والنصرة وإن وقع في تضعيف ذلك شوب من الابتلاء والمحنة والعبرة للغالب. 7453 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ إِنَّ رَحْمَتِى سَبَقَتْ غَضَبِى». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لما قضى الله) عز وجل (الخلق) أي لما أتمه (كتب) أثبت في كتاب (عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي). قال في الكواكب فإن قلت: صفاته تعالى قديمة فكيف يتصوّر السبق بينهما؟ قلت: هما من صفات الفعل لا من صفات الذات فجاز سبق أحد الفعلين الآخر، وذلك لأن إيصال الخير من مقتضيات صفته بخلاف غيره فإنه بسبب معصية العبد. وقال في فتح الباري: أشار أي البخاري إلى ترجيح القول بأن الرحمة من صفات الذات لكون الكلمة من صفات الذات، فمهما استشكل في إطلاق السبق في صفة الرحمة جاء مثله في صفة الكلمة، ومهما أجيب به عن قوله سبقت كلمتنا حصل به الجواب عن قوله: سبقت رحمتي قال: وقد غفل عن مراده من قال دل وصف الرحمة بالسبق على أنها من صفات الفعل. والحديث أخرجه النسائي في النعوت. 7454 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ: «إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِى بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيُؤْذَنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِىٌّ أَمْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى لاَ يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي أياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان قال: (سمعت زيد بن وهب) الجهني هاجر ففاتته رؤيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (سمعت عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- حدّثنا) ولأبي ذر عن الكشميهني قال وله عن الحموي والمستملي يقول حدّثنا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو الصادق) في نفسه (المصدوق) فيما وعده به ربه. (إن خلق أحدكم) قال أبو البقاء لا يجوز في أن إلا الفتح لأن ما قبله حدّثنا قال البدر الدماميني: بل يجوز الأمر إن الفتح والكسر أما الفتح فلما قال وأما الكسر فإن بنينا على مذهب الكوفيين في جواز الحكاية بما فيه معنى القول دون حروفه فواضح وإن بنينا على مذهب البصريين وهو المنع نقدّر قولاً محذوفًا يكون ما بعده محكيًّا به فتكسر همزة إن حينئذٍ بالإجماع والتقدير حدّثنا فقال إن خلق أحدكم (يجمع) بضم أوّله وفتح ثالثه أي ما يخلق منه وهو النطفة تقر وتخزن (في بطن أمه أربعين يومًا وأربعين ليلة) ليتخمر فيها حتى يتهيّأ للخلق (ثم يكون علقة) دمًا غليظًا جامدًا (مثله) مثل ذلك الزمان وهو أربعون يومًا وأربعون ليلة (ثم يكون مضغة) قطعة لحم قدر ما يمضغ (مثله ثم يبعث إليه الملك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ثم يبعث الله الملك الموكل بالرحم في الطور الرابع حين يتكامل بنيانه وتتشكل أعضاؤه (فيؤذن بأربع كلمات) يكتبها (فيكتب) من القضايا المقدرة في الأزل (رزقه) كل ما يسوقه إليه مما ينتفع به كالعلم والرزق حلالاً وحرامًا قليلاً وكثيرًا (وأجله) طويلاً أو قصيرًا (وعمله) أصالح أم لا (وشقي أم سعيد) حسبما اقتضته حكمته وسبقت كلمته وكان من حق الظاهر أن يقال سعادته وشقاوته فعدل عنه إما حكاية لصورة ما يكتبه لأنه يكتب شقي أو سعيد، أو التقدير أنه

شقي أو سعيد فعدل لأن الكلام مسوق إليهما، والتفضيل وارد عليهما قاله في شرح المشكاة. وقال في المصابيح: أم أي في قوله أم سعيد هي المتصلة فلا بد من تقدير الهمزة محذوفة أي أشقيّ أم سعيد. فإن قلت: كيف يصح تسليط فعل الكتابة على هذه الفعلية الإنشائية التي هي من كلام الملك فإنه يسأل ربه عن الجنين أشقي هو أم سعيد فما أخبره الله به من سعادته أو شقاوته كتبه الملك ومقتضى الظاهر أن يقال وشقاوته أو سعادته فما وجه ما وقع هنا؟ قلت: ثم مضاف محذوف تقديره وجواب أشقي أم سعيد وجواب هذا اللفظ هو شقي أو هو سعيد، فمضمون هذا الجواب هو الذي يكتب وانتظم الكلام ولله الحمد وهو نظير قولهم علمت أزيد قائم أي جواب هذا الكلام، ولولا ذلك لم يستقم ظاهره لمنافاة الاستفهام لحصول العلم وتحققه. (ثم ينفخ فيه الروح) بعد تمام صورته (فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة) من الطاعة (حتى لا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي حتى ما (يكون بينها وبينه إلا ذراع) هو مثل يضرب لمعنى المقاربة إلى الدخول (فيسبق عليه الكتاب) الذي كتبه الملك وهو في بطن أمه عقب ذلك (فيعمل بعمل أهل النار) من المعصية (فيدخل النار وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها) فيه أن ظاهر الأعمال من الطاعات والمعاصي أمارات وليست بموجبات فإن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به القدر في السابقة. والحديث سبق في بدء الخلق وغيره والله الموفق والمعين. 7455 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ، سَمِعْتُ أَبِى يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَا جِبْرِيلُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا». فَنَزَلَتْ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] إِلَى آخِرِ الآيَةِ قَالَ: هَذَا كَانَ الْجَوَابَ لِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) الكوفي قال: (حدّثنا عمر بن ذر) بضم العين وذر بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء الهمداني قال: (سمعت أبي) ذر بن عبد الله بن زرارة الهمداني (يحدّث عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) لجبريل: (يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا. فنزلت) آية {وما نتنزل إلا بأمر ربك}) والتنزل على معنيين معنى النزول على مهل ومعنى النزول على الإطلاق والأول أليق هنا يعني أن نزولنا في الأحايين وقتًا غب وقت ليس إلا بأمر الله ({له ما بين أيدينا وما خلفنا} [مريم: 64] عزو الآية إلى آخر الآية) أي ما قدّامنا وما خلفنا من الأماكن فلا نملك أن ننتقل من مكان إلى مكان إلا بأمر الله ومشيئته (قال: هذا كان) وفي رواية أبي ذر كان هذا وفي رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي فإن هذا كان (الجواب لمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). 7456 - حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ أَمْشِى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ، وَهْوَ مُتَّكِئٌ عَلَى عَسِيبٍ، فَمَرَّ بِقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَسْأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فَسَأَلُوهُ فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى الْعَسِيبِ وَأَنَا خَلْفَهُ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقَالَ: «{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}» [الإسراء: 85] فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ قَدْ قُلْنَا لَكُمْ لاَ تَسْأَلُوهُ. وبه قال: (حدّثنا يحيى) قال الحافظ ابن حجر: هو ابن جعفر أي الأزدي البيكندي الحافظ وقال الكرماني هو ابن موسى الختي أو ابن جعفر قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: كنت أمشي مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حرث) بالحاء الله المفتوحة وسكون الراء بعدها مثلثة وللكشميهني في خرب بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء بعدها موحدة أو بكسر ثم فتح (بالمدينة) طيبة (وهو متكئ على عسيب) بالمهملتين بفتح الأول وكسر الثاني آخره موحدة بعد تحتية ساكنة عصًا من جريد النخل (فمرّ بقوم من اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح) الذي يحيا به بدن الإنسان ويدبره عن مسلكه وامتزاجه به أو ماهيتها أو عن جبريل أو القرآن أو الوحي أو غير ذلك (وقال بعضهم: لا تسألوه) عنه (فسألوه عن الروح) الذي في اليونينية لا تسألوه عن الروح فسألوه (فقام) عليه الصلاة والسلام (متوكئًا على العسيب وأنا خلفه فظننت) فتحققت (أنه يوحى إليه فقال: ({ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}) أي مما استأثر بعلمه وعجزت الأوائل عن إدراك ماهيته بعد إنفاق الأعمار الطويلة على الخوض فيه إشارة إلى تعجيز العقل عن إدراك معرفة مخلوق

29 - باب قول الله تعالى: {إنما قولنا لشىء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون}

مجاور له ليدل على أنه عن إدراك خالقه أعجز ({وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} [الإسراء: 85]) والخطاب عام أو هو خطاب لليهود خاصة (فقال بعضهم: لبعض: قد قلنا لكم لا تسألوه) أي لا يستقبلكم بشيء تكرهونه وذلك أنهم قالوا إن فسره فليس بنبي وذلك أن في التوراة إن الروح مما انفرد الله بعلمه ولا يطلع عليه أحدًا من عباده فإذا لم يفسره دل على نبوّته وهم يكرهونها. وقد سبق في تفسير الإسراء. 7457 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِى سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِهِ، وَتَصْدِيقُ كَلِمَاتِهِ بِأَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِى خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (تكفل الله) عز وجل (لمن جاهد في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته) الواردة في القرآن (بأن يدخله الجنة) بفضله (أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر) بلا غنيمة إن لم يغنموا (أو) من أجر مع (غنيمة) إن غنموا وقوله تكفل الله. قال في الكواكب: هو من باب التشبيه أي هو كالكفيل أي كأنه التزم بملابسة الشهادة إدخال الجنة وبملابسة السلامة الرجع بالأجر والغنيمة أي أوجب تفضلاً على ذاته يعني لا يخلو من الشهادة أو السلامة، فعلى الأول يدخل الجنة بعد الشهادة في الحال، وعلى الثاني لا ينفك عن أجر أو غنيمة مع جواز الاجتماع بينهما إذ هي قضية مانعة الخلوّ لا مانعة الجمع. والحديث سبق في الخمس. 7458 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ الرَّجُلُ: يُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، فَأَىُّ ذَلِكَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا فَهْوَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) بالهمزة شقيق بن سلمة (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- أنه (قال: جاء رجل) اسمه لاحق بن ضميرة كما مر في الجهاد (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال): يا رسول الله (الرجل يقاتل حمية) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم وتشديد التحتية أنفة ومحافظة على ناموسه (ويقاتل شجاعة ويقاتل رياء فأيّ ذلك في سبيل الله؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (من قاتل لتكون كلمة الله) أي كلمة التوحيد (هي العليا) بضم العين (فهو) أي المقاتل (في سبيل الله) عز وجل لا المقاتل حمية ولا للشجاعة ولا للرياء. والحديث سبق في الجهاد والخمس. 29 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْءٍ إَذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] (باب قول الله تعالى: {وإنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) أي فهو يكون أي إذا أردنا وجود شيء فليس إلا أن نقول له أحدث فهو يحدث بلا توقف وهو عبارة عن سرعة الإيجاد يبين أن مراده لا يمتنع عليه، وأن وجوده عند إرادته غير متوقف كوجود المأمور به عند أمر المطاع إذا ورد على المأمور المطيع الممتثل ولا قول ثم، والمعنى أن إيجاد كل مقدور على الله تعالى بهذه السهولة فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو من بعض المقدورات. فإن قلت: قوله كن إن كان خطابًا مع المعدوم فهو محال وإن كان خطابًا مع الموجود كان أمرًا بتحصيل الحاصل وهو محال. أجيب: بأن هذا تمثيل لنفي الكلام والمعاياة وخطاب مع الخلق بما يعقلون ليس هو خطاب المعدوم لأن ما أراد فهو كائن على كل حال أو على ما أراده من الإسراع ولو أراد خلق الدنيا والآخرة بما فيهما من السماوات والأرض في قدر لمح البصر لقدر على ذلك ولكن خاطب العباد بما يعقلون وسقط لأبي ذر قوله أن نقول الخ. 7459 - حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِى قَوْمٌ ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا شهاب بن عباد) بتشديد الموحدة بعد فتح سابقها الكوفي قال: (حدّثنا إبراهيم بن حميد) بضم الحاء المهملة وفتح الميم ابن عبد الرحمن الرؤاسي الكوفي (عن إسماعيل) بن أبي خالد البجلي الكوفي (عن قيس) أي ابن أبي حازم (عن المغيرة بن شعبة) -رضي الله عنه- أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا يزال من أمتي قوم ظاهرين) غالبين أو عالين (على الناس) بالبرهان (حتى يأتيهم أمر الله) بقيام الساعة وأمره تعالى بقيامها هو حكمه وقضاؤه، وهو الغرض المناسب للترجمة. وزاد في الاعتصام وهم ظاهرون أي غالبون على من خالفهم. 7460 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ حَدَّثَنِى عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِى أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، مَا يَضُرُّهُمْ مَنْ كَذَّبَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِىَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ». فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: سَمِعْتُ مُعَاذًا يَقُولُ: وَهُمْ بِالشَّأْمِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: وَهُمْ بِالشَّأْمِ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي)

30 - باب قول الله تعالى: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربى ولو جئنا بمثله مددا}

عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا الوليد بن مسلم) الأموي الدمشقي قال: (حدّثنا ابن جابر) هو عبد الرحمن بن زيد بن جابر الأسدي الشامي قال: (حدّثني) بالإفراد (عمير بن هانئ) بضم العين وفتح الميم وهانئ بالهمز آخره الشامي (أنه سمع معاوية) بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (لا يزال من أمتي أمّةٌ قائمة بأمر الله) عز وجل بحكمه الحق (ما) ولأبي ذر عن الكشميهني لا (يضرهم من كذبهم ولا من خالفهم) ولأبي ذر عن الكشميهني ولا من خذلهم (حتى يأتي أمر الله) بإقامة الساعة (وهم على ذلك). الواو للحال (فقال مالك بن يخامر): بضم التحتية وفتح المعجمة وبعد الألف ميم مكسورة فراء (سمعت معاذًا) يعني ابن جبل (يقول وهم) أي الأمة القائمة بأمر الله (بالشام فقال معاوية) بن أبي سفيان (وهذا مالك) يعني ابن يخامر (يزعم أنه سمع معاذًا يقول وهم بالشام). 7461 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَقَفَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «لَوْ سَأَلْتَنِى هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن عبد الله بن أبي حسين) بضم الحاء هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي القرشي النوفلي قال: (حدّثنا نافع بن جبير) بضم الجيم ابن مطعم (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: وقف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على مسيلمة) الكذاب (في أصحابه فقال) لما قال إن جعل لي محمد من بعده تبعته وكان يد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطعة جريد: (لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك) أي لن تجاوز حكمه وثبتت الواو مفتوحة في تعدو على القاعدة مثل أن تغزو وفي بعض النسخ بحذف الواو ويتخرج على الجزم بلن مثل لمن ترع (ولئن أدبرت) عن الإسلام (ليعقرنك الله). ليهلكنك ومطابقته للترجمة في قوله: ولن تعدو أمر الله فيك. وسبق الحديث في أواخر المغازي. 7462 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ حَرْثِ الْمَدِينَةِ وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ مَعَهُ فَمَرَرْنَا عَلَى نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَسْأَلُوهُ أَنْ يَجِىءَ فِيهِ بِشَىْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَنَسْأَلَنَّهُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا الرُّوحُ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَقَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَا أُوتُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85]». قَالَ الأَعْمَشُ: هَكَذَا فِى قِرِاءَتِنَا. وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (عن عبد الواحد) بن زياد (عن الأعمش) سليمان (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن ابن مسعود) عبد الله -رضي الله عنه- أنه (قال: بينا) بغير ميم (أنا أمشي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض حرث المدينة) بالحاء المهملة والمثلثة ولأبي ذر حرث بالتنوين بالمدينة بزيادة حرف الجر وللمستملي خرب بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء والتنوين بالمدينة (وهو يتوكأ على عسيب) من جريد النخل (معه فمررنا على نفر من اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه أن يجيء فيه بشيء تكرهونه) وهو إبهمامه إذ هو مبهم في التوراة وأنه مما استأثر الله بعلمه فإن أبهمه دل على نبوّته وهمزة أن مفتوحة (فقال بعضهم: لنسألنه) عنه (فقام إليه رجل منهم فقال: يا أبا القاسم ما الروح فسكت عنه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعلمت أنه يوحى إليه فقال: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}) الجمهور على أنه الروح الذي في الحيوان سألوه عن حقيقته فأخبر أنه من أمر الله أي مما استأثر الله بعلمه وقيل سألوه عن خلق الروح أهو مخلوق أم لا وقوله من أمر ربي دليل على خلق الروح فكان هذا جوابًا ({وما أوتيتم}) بواو بعد الفوقية ({من العلم إلا قليلاً} [الإسراء: 85]. قال الأعمش): سليمان (هكذا في قراءتنا) وهو خطاب لليهود لأنهم قالوا قد أوتينا التوراة وفيها الحكمة. {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا} [البقرة: 269] فقيل لهم إن علم التوراة قليل في جنب علم الله فالقلة والكثرة من الأمور الإضافية فالحكمة التي أوتيها العبد خير كثير في نفسها إلا أنها إذا أضيفت إلى علم الله تعالى فهي قليلة. قال في الفتح: ووقع في رواية الكشميهني وما أوتيتم وفق القراءة المشهورة. والحديث سبق قريبًا. 30 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّى لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّى وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109]. {وَلَوْ أَنَّ مَا فِى الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: 27]. {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِى اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54] سَخَّرَ: ذَلَّلَ. (باب قول الله تعالى: {قل لو كان البحر}) أي ماء البحر ({مدادًا لكلمات ربي}) أي لو كتبت كلمات علم الله وحكمته وكان البحر مدادًا لها والمراد بالبحر الجنس ({لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله}) بمثل البحر ({مدادًا} [الكهف: 159]) لنفد أيضًا والكلمات غير نافدة ومددًا

31 - باب فى المشيئة والإرادة

تمييز أو المراد مثل المداد وهو ما يمد به ينفد ({ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله} [لقمان: 27]) أي ولو ثبت كون الأشجار أقلامًا وثبت البحر ممدودًا بسبعة أبحر. وكان مقتضى الكلام أن يقال ولو أن الشجر أقلام والبحر مداد لكن أغنى عن ذكر المداد قوله يمده لأنه من قولك مدّ الدواة وأمدها جعل البحر الأعظم بمنزلة الدواة وجعل الأبحر السبعة مملوءة مدادًا فهي تصب في مدادها أبدًا صبًّا حتى لا ينقطع، والمعنى ولو أن أشجار الأرض أقلام والبحر ممدود بسبعة أبحر وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله لما نفدت كلماته ونفدت الأقلام والمداد لقوله: {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي}. وأخرج عبد الرزاق في تفسيره من طريق أبي الجوزاء قال: لو كان كل شجرة في الأرض أقلامًا والبحر مدادًا لنفد الماء وتكسرت الأقلام قبل أن تنفد كلمات الله. وقال ابن أبي حاتم: حدّثني أبي سمعت بعض أهل العلم يقول قول الله: {إنّا كل شيء خلقناه بقدر} [القمر: 49] وقوله: {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي لنفد البحر} الآية يدل على أن البحر غير مخلوق لأنه لو كان مخلوقًا لكان له قدر وكانت له غاية ولنفد كنفاد المخلوقين وتلا قوله تعالى: {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي} إلى آخر الآية. ({إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام}) أراد السماوات والأرض وما بينهما أي من الأحد إلى الجمعة لاعتبار الملائكة شيئًا فشيئًا وللإعلام بالتأني في الأمور وإن لكل عمل يومًا لأن إنشاء شيء بعد شيء أدل على عالم مدبر مريد يصرفه على اختياره ويجريه على مشيئته ({ثم استوى}) استولى ({على العرش}) أضاف الاستيلاء إلى العرش وإن كان سبحانه مستوليًا على جميع المخلوقات لأن العرش أعظمها وأعلاها وتفسير العرش بالسرير والاستواء بالاستقرار كما يقوله المشبهة باطل لأنه تعالى كان قبل العرش ولا مكان وهو الآن كما كان لأن التغير من صفات الأكوان ({يغشي الليل النهار}) أي يلحق الليل بالنهار والنهار بالليل ({يطلبه حثيثًا}) حال من الليل أي سريعًا والطالب هو الليل كأنه لسرعة مضيه يطلب النهار ({والشمس والقمر والنجوم}) أي وخلقها ({مسخرات}) حال أي مذللات ({بأمره}) هو أمر تكوين ({ألا له الخلق والأمر}) أي هو الذي خلق الأشياء وله الأمر ({تبارك الله رب العالمين} [الأعراف: 54]) كثر خيره أو دام برّه من البركة والنماء (سخر: ذلل). باللام وسقط لأبي ذر من قوله: {يغشي الليل النهار} الخ وقال بعد قوله: {النهار} الآية. 7463 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِى سَبِيلِهِ لاَ يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ، إِلاَّ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إِلَى مَسْكَنِهِ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (تكفل الله) فضلاً منه تعالى (لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلمته) بالإفراد ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي وتصديق كلماته (أن يدخله الجنة أو يردّه إلى مسكنه) الذي خرج منه (بما نال من أجر) بغير غنيمة إن لم يغنموا (أو) من أجر مع (غنيمة) إن غنموا. والحديث سبق قريبًا. 31 - باب فِى الْمَشِيئَةِ وَالإِرَادَةِ {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} [آل عمران: 26] {وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَىْءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23، 24] {إنك لا تَهدي مَن أحببت وَلكِن الله يَهدي مَن يَشاءُ} [القصص: 56] قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: عَنْ أَبِيهِ نَزَلَتْ فِى أَبِى طَالِبٍ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}. هذا (باب) بالتنوين (في المشيئة والإرادة) فلا فرق بين المشيئة والإرادة إلا عند الكرامية حيث جعلوا المشيئة صفة واحدة أزلية تتناول ما يشاء الله تعالى بها من حيث يحدث والإرادة حادية متعددة بعدد المرادات ويدل لأهل السنة قوله تعالى: ({وما تشاؤون إلا أن يشاء الله}) قال إمامنا الشافعي: فيما رواه البيهقي عن الربيع بن سليمان عنه المشيئة إرادة الله وقد أعلم الله خلقه أن المشيئة له دونهم فقال وما تشاؤون إلا أن يشاء الله فليست للخلق مشيئة إلا أن يشاء الله تعالى اهـ. وقد دلت الآية على أنه تعالى خالق أفعال العباد وأنهم لا يفعلون إلا ما يشاء وقال تعالى: {ولو شاء الله ما اقتتلوا} [البقرة: 253] ثم أكد ذلك بقوله تعالى: {ولكن الله يفعل ما يريد} فدل على أنه فعل اقتتالهم الواقع بينهم لكونه مريدًا له وإذا كان هو الفاعل لاقتتالهم فهو المريد لمشيئتهم والفاعل فثبت بذلك أن كسب العباد

إنما هو بمشيئة الله وإرادته ولو لم يرد وقوعه ما وقع. وقسم بعضهم الإرادة إلى قسمين إرادة أمر وتشريع، وإرادة قضاء وتقدير، فالأولى تتعلق بالطاعة والمعصية سواء وقعت أم لا، والثانية شاملة لجميع الكائنات محيطة بجميع الحادثات طاعة ومعصية وإلى الأول الإشارة بقوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185] وإلى الثاني بقوله تعالى: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا} [الأنعام: 125]. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على المجرور السابق وسقط الباب وتاليه لغير أبي ذر فقوله وقول الله تعالى رفع ({تؤتي الملك من تشاء} [آل عمران: 26]) وقوله تعالى: ({ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا * إلا أن يشاء الله} [الكهف: 23، 24]) وقوله تعالى: ({إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} [القصص: 56]) يخلق فعل الاهتداء فيما يشاء فدلت هذه الآيات على إثبات الإرادة والمشيئة لله تعالى وأن العباد لا يريدون شيئًا إلا وقد سبقت إرادة الله تعالى له وأنه الخالق لأعمالهم طاعة أو معصية. (قال سعيد بن المسيب عن أبيه نزلت) آية {إنك لا تهدي من أحببت} (في أبي طالب) وقد أجمع المفسرون على أنها نزلت فيه كما قاله الزجاج، وهذا التعليق وصله في تفسر سورة القصص. وقوله: ({يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}) [البقرة: 185] تمسك به المعتزلة بأنه لا يريد المعصية. وأجيب بأن معنى إرادة اليسر التخيير بين الصوم في السفر ومع المرض والإفطار بشرطه وإرادة العسر المنفية الإلزام بالصوم في السفر في جميع الحالات فالإلزام هو الذي لا يقع لأنه لا يريده وقد تكرر ذكر الإرادة في القرآن، واتفق أهل السُّنّة على أنه لا يقع إلا ما يريده الله تعالى وأنه مريد لجميع الكائنات وإن لم يكن آمرًا بها. وقالت المعتزلة: لا يريد الشر لأنه لو أراده لطلبه وشنعوا على أنه يلزمهم أن يقولوا وإن الفحشاء مرادة لله تعالى وينبغي أن ينزه عنها. وأجاب أهل السُّنَّة: بأن الله تعالى قد يريد الشيء ولا يرضاه ليعاقب عليه ولثبوت أنه خلق الجنة والنار وخلق لكلٍّ أهلاً وألزموا المعتزلة بأنهم جعلوا أنه يقع في ملكه ما لا يريده. 7464 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ فَاعْزِمُوا فِى الدُّعَاءِ، وَلاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِى فَإِنَّ اللَّهَ لاَ مُسْتَكْرِهَ لَهُ». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (عن عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إذا دعوتم الله) عز وجل (فاعزموا) بهمزة وصل (في الدعاء) وفي الدعوات فليعزم المسألة فليقطع بالسؤال ويجزم به حسن ظن بكرم ربه تعالى (ولا يقولن أحدكم إن شئت فأعطني) بهمزة قطع أي لا يشترط المشيئة لعطائه لأنه أمر متيقن أنه لا يعطي إلا أن يشاء فلا معنى لاشتراط المشيئة لأنها إنما تشترط فيما يصح أن يفعل بدونها من إكراه أو غيره ولذا أشار عليه السلام بقوله (فإن الله لا مستكره له). بكسر الراء وأيضًا ففي قوله إن شئت نوع من الاستغناء عن عطائه قول القائل إن شئت أن تعطيني كذا فافعل ولا يستعمل هذا غالبًا إلا في مقام يشعر بالغنى وأما مقام الاضطرار فإنما فيه عزم المسألة وبتّ الطلب. والحديث سبق في الدعوات ومطابقته لما ترجم به هنا في قوله: إن شئت. 7465 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ ح وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِى أَخِى عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِىٍّ -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً فَقَالَ لَهُمْ: «أَلاَ تُصَلُّونَ»؟ قَالَ عَلِىٌّ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَىَّ شَيْئًا ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهْوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ: «{وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَىْءٍ جَدَلاً}» [الكهف: 54]. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (ح) للتحويل قال المؤلف. (وحدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثنا أخي عبد الحميد) أبو بكر بن أبي أويس الأصبحي (عن سليمان) بن بلال (عن محمد بن أبي عتيق) عبد الرحمن الصديقي التيمي (عن ابن شهاب) الزهري (عن علي بن حسين) بضم الحاء (أن) أباه (حسين بن علي عليهما السلام أخبره أن) أباه (علي بن أبي طالب) -رضي الله عنه- (أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طرقه وفاطمة بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة) أي أتاهما في ليلة ونصب فاطمة عطفًا على الضمير المنصوب في طرقه (فقال لهم) لعلي وفاطمة ومن عندهما يحضهم. (ألا) بالتخفيف (تصلون. قال علي) -رضي الله عنه- (فقلت: يا رسول الله وإنما أنفسنا بيد الله) استعارة لقدرته عز وجل (فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا) أن

يوقظنا للصلاة أيقظنا (فانصرف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مدبرًا (حين قلت) له (ذلك ولم يرجع) بفتح أوله وكسر ثالثه (إلي) بالتشديد (شيئًا) لم يجبني بشيء (ثم سمعته وهو مدبر) حال كونه (يضرب فخذه) بالمعجمتين تعجبًا من سرعة الجواب (ويقول) والحال أنه يقول ({وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً} [الكهف: 54]) نصب على التمييز يعني أن جدل الإنسان أكثر من جدل كل شيء، وقراءته الآية كما قال في الكواكب إشارة إلى أن الشخص يجب عليه متابعة أحكام الشريعة لا ملاحظة الحقيقة ولذا جعل جوابه من باب الجدل. ومطابقة الحديث في قوله إذا شاء، وسبق في باب قوله: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً} من الاعتصام. 7466 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلاَلُ بْنُ عَلِىٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ خَامَةِ الزَّرْعِ، يَفِىءُ وَرَقُهُ مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ تُكَفِّئُهَا، فَإِذَا سَكَنَتِ اعْتَدَلَتْ، وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ يُكَفَّأُ بِالْبَلاَءِ، وَمَثَلُ الْكَافِرِ كَمَثَلِ الأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حَتَّى يَقْصِمَهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) العوقي أبو بكر قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة ابن سليمان العدوي مولاهم المدني قال: (حدّثنا هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (مثل المؤمن كمثل خامة الزرع) بالخاء المعجمة وتخفيف الميم الطاقة الغضة الرطبة أول ما تنبت على ساقه (يفيء) بالتحتية المفتوحة والفاء المكسورة بعدها همزة ممدودًا يتحوّل ويرجع (ورقه من حيث أتتها الريح) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من حيث انتهى الريح بالنون (تكفئها) بضم الفوقية وفتح الكاف وكسر الفاء مشددة بعدها همزة تقلبها وتحوّلها من جهة إلى جهة أخرى (فإذا سكنت) الريح (اعتدلت وكذلك المؤمن يكفأ بالبلاء) بضم التحتية وفتح الكاف والفاء المشددة ضربه مثلاً للمؤمن فإنه يسر مرة ويبتلى مرة وكذلك خامة الزرع تعتدل مرة عند سكون الريح وتضطرب أخرى عند هبوبها (ومثل الكافر كمثل الأرزة) بفتح الهمزة والزاي بينهما راء ساكنة آخرها هاء تأنيث شجر الصنوبر كما قاله أبو عبيدة. وقال الداودي: الأرزة من أعظم الشجر لا يميل الريح أكبرها ولا تهتز من أسفلها ورواها أصحاب الحديث بإسكان الراء وروي كمثل الأرزة على وزن فاعلة أي كمثل الشجرة الثابتة ورويت بتحريك الراء والذي رويناه بإسكانها (صماء معتدلة حتى يقصمها الله) عز وجل (إذا شاء) فيكون الموت أشد عذابًا عليه. ومطابقة الحديث في قوله إذا شاء أيضًا. والحديث سبق في أوائل الطب. 7467 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ: «إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ أُعْطِىَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ، فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُعْطِىَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى صَلاَةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ثُمَّ أُعْطِيتُمُ الْقُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِيتُمْ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، قَالَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ: رَبَّنَا هَؤُلاَءِ أَقَلُّ عَمَلاً وَأَكْثَرُ أَجْرًا قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَىْءٍ»؟ قَالُوا: لاَ، فَقَالَ: «فَذَلِكَ فَضْلِى أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ». وبه قال: (حدّثنا الحكم بن نافع) أبو اليمان قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أن) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو قائم على المنبر) زاد أبو ذر عن الكشميهني يقول: (إنما بقاؤكم فيما) ولأبي ذر عن الكشميهني فيمن أي إنما بقاؤكم بالنسبة إلى ما أومن (سلف قبلكم من الأمم كلما بين) أجزاء وقت (صلاة العصر) المنتهية (إلى غروب الشمس أعطى أهل التوراة التوراة فعملوا بها حتى انتصف النهار ثم عجزوا) عن استيفاء عمل النهار كله (فأعطوا قيراطًا)، الأول مفعول أعطي وقيراطًا الثاني تأكيد والمراد بالقيراط هنا النصيب وكرر ليدل على تقسيم القراريط على جميعهم (ثم أعطي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به) من نصف النهار (حتى صلاة العصر ثم عجزوا) عن الحمل (فأعطوا قيراطًا قيراطًا ثم أعطيتم القرآن فعملتم به) من العصر (حتى غروب الشمس فأعطيتم قيراطين قيراطين) بالتثنية (قال أهل التوراة ربنا هؤلاء أقل عملاً) بالإفراد ولأبي ذر أعمالاً (وأكثر أجرًا) ولأبي ذر عن الكشميهني جزاء (قال) الله تعالى (هل ظلمتكم) أي هل نقصتكم (من أجركم) بالإفراد (من شيء)؟ ولأبي ذر عن الكشميهني من أجوركم شيئًا (قالوا: لا. فقال: فذلك) في فكل ما أعطيته من الأجر (فضلي أوتيه من أشاء). هذا موضع الترجمة من الحديث وسبق في باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب من كتاب الصلاة. 7468 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْمُسْنَدِىُّ حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى رَهْطٍ فَقَالَ: «أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ تَسْرِقُوا وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُونِى فِى مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُخِذَ بِهِ فِى الدُّنْيَا فَهْوَ لَهُ كَفَّارَةٌ وَطَهُورٌ، وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ فَذَلِكَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله) بن محمد (المسندي) بضم الميم وسكون المهملة وفتح

النون قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) بفتح اليمين بينهما مهملة ساكنة ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي إدريس) عائذ الله بالمعجمة الخولاني (عن عبادة بن الصامت) -رضي الله عنه- أنه (قال: بايعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رهط) هم النقباء الذين بايعوا ليلة العقبة بمنى قبل الهجرة (فقال): (أبايعكم على) التوحيد (أن لا تشركوا بالله شيئًا و) على أن (لا تسرقوا) بحذف المفعول ليدل على العموم (ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم) وإنما خصهم بالذكر لأنهم كانوا غالبًا يقتلونهم خشية الإملاق (ولا تأتوا ببهتان) بكذب يبهت سامعه كالرمي بالزنا (تفقرونه) تختلقونه (بين أيديكم وأرجلكم) وكنّى باليد والرجل عن الذات إذ معظم الأفعال بهما (ولا تعصوني) ولأبي ذر عن الكشميهني ولا تعصوا (في معروف) وهو ما عرف من الشارع حسنه نهيًا وأمرًا (فمن وفى منكم) بتخفيف الفاء وتشدد ثبت على العهد (فأجره على الله) فضلاً ووعدًا بالجنة (ومن أصاب) منكم أيها المؤمنون (من ذلك شيئًا) غير الكفر (فأخذ) بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة وفي الإيمان فعوقب (به في الدنيا) بأن أقيم عليه الحدّ مثلاً (فهو) أي العقاب (له كفارة وطهور) بفتح الطاء أي مطهرة لذنوبه فلا يعاقب عليها في الآخرة (ومن ستره الله فذلك) أي فأمره (إلى الله) عز وجل (إن شاء عذبه) لعدله (وإن شاء غفر له) بفضله والغرض منه هنا قوله إن شاء غفر له على ما لا يخفى. وسبق في كتاب الإيمان بعد قوله باب علامة الإيمان. 7469 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ نَبِىَّ اللَّهِ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - كَانَ لَهُ سِتُّونَ امْرَأَةً فَقَالَ: لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى نِسَائِى فَلْتَحْمِلْنَ كُلُّ امْرَأَةٍ وَلْتَلِدْنَ فَارِسًا يُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، فَطَافَ عَلَى نِسَائِهِ فَمَا وَلَدَتْ مِنْهُنَّ إِلاَّ امْرَأَةٌ وَلَدَتْ شِقَّ غُلاَمٍ قَالَ: نَبِىُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ كَانَ سُلَيْمَانُ اسْتَثْنَى لَحَمَلَتْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ فَوَلَدَتْ فَارِسًا يُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمي أبو الهيثم الحافظ قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد البصري (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام كان له ستون امرأة فقال: لأطوفن الليلة على نسائي) أي لأجامعن (فلتحملن) بسكون اللامين وتخفيف النون وقد يفتحان وتشدّد النون (كل امرأة) منهن (ولتلدن) بسكون وتخفيف أو فتح وتثسديد وفي الملكية أو لتلدنّ (فارسًا يقاتل في سبيل الله) عز وجل (فطاف على نسائه) أي جامعهن (فما ولدت منهن إلا امرأة) واحدة (ولدت شق غلام) بكسر الشين المعجمة ولأبي ذر عن الكشميهني جاءت بشق غلام وحكى النقاش في تفسيره أن الشق المذكور هو الجسد الذي ألقي على كرسيه (قال نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو كان سليمان استثنى) قال إن شاء الله (لحملت كل امرأة منهن فولدت فارسًا يقاتل في سبيل الله). عز وجل. ولفظ ستون لا ينافي سبعين وتسعين إذ مفهوم العدد لا اعتبار له، وواقع في الجهاد مائة امرأة أو تسع وتسعون بالشك، وجمع بأن الستين حرائر وما سواهن سراري، وفي أحاديث الأنبياء زيادة فوائد تراجع والله الموفق. والمطابقة بين الحديث والترجمة ظاهرة. 7470 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِىٍّ يَعُودُهُ فَقَالَ: «لاَ بَأْسَ عَلَيْكَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ». قَالَ: قَالَ الأَعْرَابِىُّ: طَهُورٌ بَلْ هِىَ حُمَّى تَفُورُ عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ تُزِيرُهُ الْقُبُورَ. قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَنَعَمْ إِذًا». وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام كما قاله ابن السكن أو هو ابن المثنى قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (الثقفي) قال: (حدّثنا خالد الحداء) بالحاء المهملة والذال المعجمة المشددة ممدودًا (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل على أعرابي يعوده) بالدال المهملة من عاد المريض إذا زاره والأعرابي قال الزمخشري في ربيعه هو قيس بن أبي حازم (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (لا بأس عليك طهور) أي مرضك مطهر لذنوبك (إن شاء الله. قال) ابن عباس: (قال الأعرابي) استبعادًا لقوله عليه الصلاة والسلام طهور وفهم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترجى حياته فلم يوافق على ذلك لما وجده من المرض المؤذن بموته فقال: (بل حمى) ولأبي ذر عن الكشميهني بل هي حمى (تفور) بالفاء تغلى بالغين المعجمة (على شيخ كبير تزيرُهُ القبور) بضم الفوقية وكسر الزاي من أزاره إذا حمله على الزيارة والضمير المرفوع للحمى والمنصوب للأعرابي والقبور مفعول أي ليس كما رجوت لي من تأخير الوفاة بل الموت من هذا المرض هو الواقع، ولا بد لما أحسّه

من نفسه (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فنعم إذًا) فيه دليل على أن قوله لا بأس عليك إنما كان على طريق الترجي لا على طريق الإخبار عن الغيب كذا في المصابيح، وذكر المؤلف الحديث في علامات النبوّة وذكرت، ثم إن الطبراني زاد فيه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال للأعرابي: إذ أبيت فهي كما تقول وقضاء الله كائن فما أمسى من الغد إلا ميتًا، وأن الحافظ ابن حجر قال: إن بهذه الزيادة يظهر دخول الحديث في علامات النبوّة. 7471 - حَدَّثَنَا ابْنُ سَلاَمٍ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ حِينَ نَامُوا عَنِ الصَّلاَةِ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ وَرَدَّهَا حِينَ شَاءَ»، فَقَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَتَوَضَّؤُوا إِلَى أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَضَّتْ فَقَامَ فَصَلَّى. وبه قال: (حدّثنا ابن سلام) هو محمد قال: (أخبرنا هشيم) بضم الهاء مصغرًا ابن بشير (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي أبي الهذيل الكوفي ابن عم منصور (عن عبد الله بن قتادة) أبي إبراهيم السلمي (عن أبيه) أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري أنهم (حين ناموا عن الصلاة) كذا أورده هنا مختصرًا بحذف من أوله وساقه في باب حكم الأذان بعد ذهاب الوقت بلفظ: سرنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة فقال بعض القوم: لو عرست بنا يا رسول الله. فقال: "أخاف أن تناموا عن الصلاة". قال بلال: أنا أوقظكم فاضطجعوا وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام فاستيقظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد طلع حاجب الشمس فقال: "يا بلال أين ما قلت"؟ قال: ما أُلقيت عليّ نومة مثلها قطّ (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الله قبض أرواحكم) أي أنفسكم قال تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها} [الزمر: 42] وقبضها هنا بقطع تعلقها عن الأبدان وتصرفها ظاهرًا لا باطنًا (حين شاء وردّها) عليكم عند اليقظة (حين شاء فقضوا حوائجهم وتوضؤوا إلى أن طلعت الشمس وابيضت) بتشديد الضاد من غير ألف أي صفت (فقام) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فصلّى) بالناس الصبح الفائتة قضاء، والمطابقة ظاهرة. 7472 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، وَالأَعْرَجِ وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِى أَخِى عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى عَتِيقٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِى اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ فِى قَسَمٍ يُقْسِمُ بِهِ فَقَالَ الْيَهُودِىُّ: وَالَّذِى اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ، فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَطَمَ الْيَهُودِىَّ فَذَهَبَ الْيَهُودِىُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِى كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُخَيِّرُونِى عَلَى مُوسَى فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ بِجَانِبِ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِى أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِى أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة المكي المؤذن قال: (حدّثنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (والأعرج) عبد الرحمن بن هرمز قال البخاري: (وحدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (أخي) عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن محمد بن أبي عتيق) هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق واسم أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي أحد الأعلام وسيد التابعين (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: استب رجل من المسلمين) هو أبو بكر الصديق كما في جامع سفيان بن عيينة والبعث لابن أبي الدنيا لكن في تفسير الأعراف بالتصريح بأنه من الأنصار فيحتمل تعدّد القصة (ورجل من اليهود) قيل إنه فنحاص وفيه نظر سبق في الخصومات (فقال المسلم: و) الله (الذي اصطفى محمدًا على العالمين) من جن وإنس وملائكة (في قسم يقسم به، فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم اليهودي) عقوبة له على كذبه لما فهمه من عموم لفظ العالمين الشامل للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمقرر أنه أفضل (فذهب اليهودي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره بالذي كان من أمره وأمر المسلم فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تخيروني على موسى) تخييرًا يؤدي إلى تنقيصه أو يفضي بكم إلى الخصومة أو قاله تواضعًا أو قبل أن يعلم سؤدده عليهم (فإن الناس يصعقون) يغشى عليهم من الفزع عند النفخ في الصور (يوم القيامة) فأصعق معهم (فأكون أول من يفيق فإذا موسى باطش) آخذ بقوة (بجانب العرش فلا أدري أكان) بهمزة الاستفهام (فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان ممن استثنى الله) عز وجل في قوله: {فصعق مَن في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله} [الزمر: 68]. ومطابقة الحديث ظاهرة وسبق في الخصومات. 7473 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِى عِيسَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمَدِينَةُ يَأْتِيهَا الدَّجَّالُ فَيَجِدُ الْمَلاَئِكَةَ يَحْرُسُونَهَا، فَلاَ يَقْرَبُهَا الدَّجَّالُ وَلاَ الطَّاعُونُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ». وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن أبي عيسى) جبريل وليس له إلا هذه الرواية قال: (أخبرنا يزيد بن هارون) أبو خالد السلمي الواسطي أحد الأعلام قال:

(أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (المدينة) طابة (يأتيها الدجال) الأعور الكذاب ليدخلها (فيجد الملائكة) على أنقابها (يحرسونها فلا يقربها الدجال ولا الطاعون إن شاء الله) تعالى. وهذا الاستثناء للتبرّك والتأدّب وليس للشك والغرض منه التحريض على سكنى المدينة ليحترسوا بها من الفتنة والحديث سبق في الفتن. 7474 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لِكُلِّ نَبِىٍّ دَعْوَةٌ فَأُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَخْتَبِىَ دَعْوَتِى شَفَاعَةً لأُمَّتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) بضم الشين المعجمة وفتح العين المهملة ابن أبي حمزة بالحاء المهملة والزاي الحافظ أبو بشر الحمصي مولى بني أمية (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لكل نبي دعوة) مقطوع باستجابتها (فأريد إن شاء الله) عز وجل (أن أختبئ) أن أدّخر (دعوتي) المحقّقة الإجابة (شفاعة لأمتي يوم القيامة). جزاه الله عنّا أفضل ما جزى نبيًّا عن أمته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 7475 - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِىُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِى عَلَى قَلِيبٍ، فَنَزَعْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَنْزِعَ ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِى قُحَافَةَ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِى نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِى فَرِيَّهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ حَوْلَهُ بِعَطَنٍ». وبه قال: (حدّثنا يسرة بن صفوان) بفتح التحتية والسين المهملة (ابن جميل) بالجيم المفتوحة (اللخمي) قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن الزهري محمد) بن مسلم (عن سعيد بن المسيب) المخزومي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبوي الوقت وذر قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (بينا) بغير ميم (أنا نائم رأيتني) بضم الفوقية رأيت نفسي (على قليب) بفتح القاف وكسر اللام وبعد التحتية الساكنة موحدة بئر (فنزعت) من مائها (ما شاء الله) عز وجل (أن أنزع ثم أخذها) مني (ابن أبي قحافة) أبو بكر الصديق -رضي الله عنهما- (فنزع) من البئر (ذنوبًا أو ذنوبين) دلوًا أو دلوين (وفي نزعه ضعف والله يغفر له، ثم أخذها عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (فاستحالت) أي الدلو في يده (غربًا) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء من الصغر إلى الكبر (فلم أرَ عبقريًّا) بسكون الموحدة وفتح القاف سيدًا (من الناس يفري) بفتح أوّله وسكون الفاء (فريه) بفتح الفاء والتحتية أي لم أرَ سيدًا يعمل عمله في غاية الإجادة ونهاية الإصلاح (حتى ضرب الناس حوله بعطن). وهو الموضع الذي تساق إليه الإبل بعد السقي للاستراحة وهذا مثال لما جرى للعمريين -رضي الله عنهما- في خلافتهما وانتفاع الناس بهما بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكان عليه السلام هو صاحب الأمر قام به أكمل قيام وقرر قواعد الإسلام ومهد أساسه وأوضح أصوله وفروعه، فخلفه أبو بكر -رضي الله عنه- وقطع دابر أهل الردّة، فخلفه عمر فاتسع الإسلام في زمانه فشبه أمر المسلمين بالقليب لما فيها من الماء الذي به حياتهم وأميرهم بالمستقي لهم، وليس في قوله وفي نزعه ضعف حط من مرتبة أبي بكر وترجيح لعمر عليه إنما هو إخبار عن قصر مدة ولايته وطول مدة عمر وكثرة انتفاع الناس به لاتساع بلاد الإسلام، وأما قوله: والله يغفر له فهي كلمة يدعم بها المتكلم كلامه ونعمت الدعامة وليس فيها تنقيص ولا إشارة إلى ذنب قاله في الكواكب. وسبق ذلك غيره في المناقب مع غيره وذكرته هنا لطول العهد به. 7476 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ، عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ وَرُبَّمَا قَالَ: جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ صَاحِبُ الْحَاجَةِ قَالَ: «اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا». وَيَقْضِى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) أبو كريب الهمداني الحافظ قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء ابن عبد الله (عن) جده (أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر أو الحارث (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أتاه السائل وربما قال جاءه السائل أو صاحب الحاجة قال): لمن عنده من أصحابه: (اشفعوا) في حاجته لديّ (فلتؤجروا) بسبب شفاعتكم. قال في المصابيح: لم أتحرّ الرواية في لام فلتؤجروا هل هي ساكنة أو محركة فإن كانت ساكنة تعيّن كونها لام الطلب وإن كانت مكسورة احتمل كونها للطلب، وكونها حرف جر وعلى الأول ففيه دخول الأمر على الفاعل المخاطب

وهو قليل، وعلى الثاني فيحتمل كون الفاء زائدة واللام متعلقة بالفعل المتقدم، ويحتمل أن تكون الفاء زائدة واللام متعلقة بفعل محذوف أي اشفعوا فلأجل أن تؤجروا أمرتكم بذلك اهـ. قلت: والذي في فرع اليونينية ورويته بسكون اللام (ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء). ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ما يشاء أي يظهر الله على لسان رسوله بالوحي أو الإلهام ما قدره في علمه أنه سيكون. والحديث سبق في باب قول الله تعالى من يشفع شفاعة حسنة من كتاب الأدب. 7477 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى إِنْ شِئْتَ ارْحَمْنِى إِنْ شِئْتَ ارْزُقْنِى إِنْ شِئْتَ وَلْيَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لاَ مُكْرِهَ لَهُ». وبه قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن موسى الجعفي أو أبو جعفر البلخي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحافظ الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه أنه (سمع أبا هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت) اللهم (ارحمني إن شئت) اللهم (ارزقني إن شئت) ونحو ذلك فلا يشك في القبول بل يستيقن وقوع مطلوب به ولا يعلق ذلك بمشيئة الله (وليعزم مسألته) وليجزم بها حُسْن ظن بكرم أكرم الكرماء (إنه) تعالى (يفعل ما يشاء لا مكروه له) بكسر الراء تعالى الله. نعم لو قال: إن شاء الله للتبرك لا للاستثناء لم يكره. والحديث سبق قريبًا ومطابقته ظاهرة. 7478 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ، عَمْرٌو، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِىُّ، حَدَّثَنِى ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِىُّ فِى صَاحِبِ مُوسَى أَهُوَ خَضِرٌ؟ فَمَرَّ بِهِمَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ الأَنْصَارِىُّ فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّى تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِى هَذَا فِى صَاحِبِ مُوسَى الَّذِى سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «بَيْنَا مُوسَى فِى مَلإِ بَنِى إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ فَقَالَ مُوسَى: لاَ فَأُوحِىَ إِلَى مُوسَى بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً وَقِيلَ لَهُ إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ، فَكَانَ مُوسَى يَتْبَعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِى الْبَحْرِ فَقَالَ فَتَى مُوسَى لِمُوسَى: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}؟ [الكهف: 63] قَالَ مُوسَى: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِى فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا فَوَجَدَا} [الكهف: 64] خَضِرًا وَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَصَّ اللَّهُ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا أبو حفص عمرو) بفتح العين ابن أبي سلمة التنيسي بكسر الفوقية والنون المشدّدة قال: (حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه) أي ابن عباس (تمارى) تنازع وتجادل (هو والحر) بضم الحاء المهملة وتشديد الراء (ابن قيس بن حصن الفزاري) بفتح الفاء والزاي (في صاحب موسى) عليه السلام (أهو خضر فمرّ بهما أُبيّ بن كعب الأنصاري فدعاه ابن عباس فقال) له: (إني تماريت) تجادلت (أنا وصاحبي هذا) الحر بن قيس (في صاحب موسى الذي سأل) موسى (السبيل إلى لقيه هل سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يذكر شأنه؟ قال) أبي (نعم إني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (بينا) بغير ميم (موسى في ملأ بني) ولأبي ذر في مل (من بني (إسرائيل) أي من أشرافهم أو في جماعة منهم (إذ جاءه رجل فقال) يا موسى (هل تعلم أحدًا أعلم منكم؟ فقال موسى: لا) أعلم أحدًا أعلم مني (فأوحى) بضم الهمزة ولأبي ذر عن الكشميهني فأوحى الله (إلى موسى) عليه السلام (بلى) بفتح اللام كعلى (عبدنا خضر) أعلم منك بما أعلمته من الغيوب وحوادث القدرة مما لا يعلم الأنبياء منه إلا ما أعلموا به (فسأل موسى السبيل) الطريق (إلى لقيه فجعل الله) عز وجل (له الحوت) المملوح الميت (آية) علامة على مكان الخضر ولقيه (وقيل له) يا موسى (إذا فقدت الحوت) بفتح القاف (فارجع فإنك ستلقاه فكان موسى يتبع) بسكون القافية (أثر الحوت في البحر، فقال فتى موسى) يوشع بن نون (لموسى: {أرأيت}) ما دهاني ({إذ}) أي حين ({أوينا إلى الصخرة}) أي الصخرة التي رقد عندها موسى أو التي دون نهر الزيت وذلك أن الحوت اضطرب ووقع في البحر ({فإني نسيت الحوت وما إنسانيه إلا الشيطان أن أذكره})؟ قال موسى: ({ذلك}) أي فَقْد الحوت ({ما كنا نبغ}) أي الذي نطلبه علامة على وجدان الخضر ({فارتدا على آثارهما}) يقصّان ({قصصًا فوجدا} خضرًا) عليه السلام (فكان من شأنهما) الخضر وموسى (ما قصّ الله) عز وجل في سورة الكهف. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله بقية الآية ستجدني إن شاء الله صابرًا وقوله فأراد ربك. والحديث سبق في باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر من كتاب العلم. 7479 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «نَنْزِلُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِى كِنَانَةَ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ». يُرِيدُ الْمُحَصَّبَ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم. قال البخاري بالسند إليه: (وقال أحمد بن

32 - باب قول الله تعالى: {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلى الكبير}

صالح) أبو جعفر بن الطبري المصري الحافظ فيما رواه عنه مذاكرة (حدّثنا ابن وهب) عبد الله قال: (أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) في حجة الوداع: (ننزل غدًا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا) أي تحالف قريش (على الكفر) أي من أنهم لا يناكحوا بني هاشم وبني المطلب ولا يبايعوهم ولا يساكنوهم بمكة حتى يسلموا إليهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في الكعبة قال البخاري: (يريد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بخيف بني كنانة (المحصب) بضم الميم وفتح الحاء والصاد المشدّدة المهملتين آخره موحدة موضع بين مكة ومنى، والخيف في الأصل ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع من مسيل الماء. والحديث سبق في الحج في باب نزول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة من كتاب الحج. ومطابقته لا خفاء بها. 7480 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِى الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: حَاصَرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهْلَ الطَّائِفِ فَلَمْ يَفْتَحْهَا فَقَالَ: «إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ». فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: نَقْفُلُ وَلَمْ نَفْتَحْ قَالَ: فَاغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ فَغَدَوْا فَأَصَابَتْهُمْ جِرَاحَاتٌ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ». فَكَأَنَّ ذَلِكَ أَعْجَبَهُمْ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن أبي العباس) السائب بن فرّوخ الشاعر المكي الأعمى (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- وفي رواية أبي ذر عن غير الحموي والمستملي عن عبد الله بن عمرو بفتح العين وسكون الميم أي ابن العاصي وصوّب الأول الدارقطني وغيره أنه (قال: حاصر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهل الطائف) ثمانية عشر يومًا (فلم يفتحها) وفي المغازي فلم ينل منهم شيئًا (فقال: إنا قافلون) أي راجعون إلى المدينة (إن شاء الله. فقال المسلمون: نقفل) بضم الفاء بعد سكون القاف أي نرجع (ولم نفتح) حصنهم (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فاغدوا على القتال) بالغين المعجمة أي سيروا أوّل النهار لأجل القتال (فغدوا فأصابتهم جراحات) لأن أهل الطائف رموهم من أعلى السور فكانوا ينالون منهم بسهامهم ولا تصل السهام إليهم لكونهم أعلى السور ولم يفتح لهم فلما رأوا ذلك ظهر لهم تصويب الرجوع (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنا قافلون غدًا إن شاء الله. فكأن) بتشديد النون (ذلك أعجبهم فتبسم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). والحديث سبق في المغازي. 32 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23] وَلَمْ يَقُلْ مَاذَا خَلَقَ رَبُّكُمْ وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {مَنْ ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]. وَقَالَ مَسْرُوقٌ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْىِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ شَيْئًا فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَكَنَ الصَّوْتُ عَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقُّ وَنَادَوْا مَاذَا قَالَ: رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: الْحَقَّ. وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ». (باب قول الله تعالى: {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له}) أي أذن الله تعالى يعني إلا مَن وقع الإذن للشفيع لأجله وهي اللام الثانية في قولك لزيد لعمرو أي لأجله ({حتى إذا فزع عن قلوبهم}) أي كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن والتفزيع إزالة الفزع، وحتى غاية لا فهم من أن ثم انتظارًا للإذن وتوقفًا وفرغًا من الراجين للشفاعة هل يؤذن لهم أو لا يؤذن لهم كأنه قيل يتربصون ويتوقفون مليًّا فزعين حتى إذا فزع عن قلوبهم ({قالوا}) سأل بعضهم بعضًا ({ماذا قال ربكم قالوا}) قال ({الحق}) أي القول الحق وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى ({وهو العلي الكبير} [سبأ: 23]) ذو العلو والكبرياء ليس لملك ولا نبي أن يتكلم في ذلك اليوم إلا بإذنه وأن يشفع إلا لمن ارتضى. وقال في الفتح: وأظن البخاري أشار بهذا إلى ترجيح قول من قال إن الضمير في قوله عن قلوبهم للملائكة وأن فاعل الشفاعة في قوله: ولا تنفع الشفاعة هم الملائكة بدليل قوله بعد وصف الملائكة {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون} [الأنبياء: 28] بخلاف قول من زعم أن الضمير للكفار المذكورين في قوله تعالى: {ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه} [سبأ: 20] كما نقله بعض المفسرين، وزعم أن المراد بالتفزيع حالة مفارقة الحياة ويكون اتباعهم إياه مستصحبًا إلى يوم القيامة على طريق المجاز والجملة من قوله: قل أدعو الخ معترضة وحمل هذا القائل على هذا الزعم أن قوله حتى إذا فزع عن قلوبهم غاية لا بدّ لها من مغيًا فادّعى أنه ما ذكره، وقال بعض المفسّرين من المعتزلة: المراد بالزعم الكفر في قوله زعمتم أي تماديتم في الكفر إلى غاية التفزيع، ثم تركتم زعمكم وقلتم قال الحق، وفيه التفات من الخطاب إلى الغيبة.

ويفهم من سياق الكلام أن هناك فرعًا ممن يرجو الشفاعة هل يؤذن له في الشفاعة أم لا فكأنه قال: يتربصون زمانًا فزعين حتى إذا كشف الفزع عن الجميع بكلام يقوله الله في إطلاق الإذن تباشروا بذلك، وسأل بعضهم بعضًا: {ماذا قال ربكم قالوا الحق} أي القول الحق وهو الإذن في الشفاعة لمن ارتضى. قال الحافظ ابن حجر: وجميع ذلك مخالف لهذا الحديث الصحيح ولأحاديث كثيرة تؤيده، والصحيح في إعرابها ما قاله ابن عطية وهو أن المغيا محدود كأنه قيل ولا هم شفعاء كما تزعمون بل هم عنده ممسكون لأمره إلى أن يزول الفزع عن قلوبهم والمراد بهم الملائكة، وهو المطابق للأحاديث الواردة في ذلك فهو المعتمد وغرض المؤلف من ذكر هذه الآية بل من الباب كله إثبات كلام الله القائم بذاته تعالى، ودليله أنه قال: ماذا قال ربكم (ولم يقل ماذا خلق ربكم)؟ وهذا أول باب ذكره المؤلف في مسألة الكلام وهي مسألة طويلة وقد تواتر بأنه تعالى متكلم عن الأنبياء، ولم يختلف في ذلك أحد من أرباب المِلَل والمذاهب وإنما الخلاف في معنى كلامه وقدمه وحدوثه، فعند أهل الحديث أن كلامه ليس من جنس الأصوات والحروف بل صفة أزلية قائمة بذاته تعالى منافية للسكوت الذي هو ترك التكلم مع القدرة عليه والآفة التي هي عدم مطاوعة الآلة إما بحسب الفطرة كما في الخرس أو بحسب صفتها وعدم بلوغها حدّ القوّة كما في الطفولية هو بها آمر ناهٍ مخبر وغير ذلك يدل عليها بالعبارة أو الكتابة أو الإشارة، فإذا عبّر عنها بالعربية فقرآن وبالسريانية فإنجيل، وبالعبرانية فتوراة، والاختلاف على العبارات دون المسمى كما إذا ذكر الله بالسنة متعددة ولغات مختلفة. والحاصل أنه صفة واحدة تتكثر باختلاف التعلقات كالعلم والقدرة وسائر الصفات فإن كلاًّ منها واحدة قديمة، والتكثر والحدوث إنما هو في التعلقات والإضافات لما أن ذلك أليق بكمال التوحيد ولأنه لا دليل على تكثّر كلٍّ منها في نفسها، وقد خالف جميع الفرق وزعموا أنه لا معنى للكلام إلا المنتظم من الحروف المسموعة الدالة على المعاني المقصودة وأن الكلام النفسي غير معقول، ثم قالت الحنابلة والحشوية إن تلك الأصوات والحروف مع تواليها وترتّب بعضها على بعض، وكون الحرف الثاني من كل كلمة مسبوقًا بالحرف المتقدّم عليه كانت ثابتة في الأزل قائمة بذات الباري تعالى وتقدس، وإن المسموع من أصوات القراء، والمرئي من أسطر الكتاب نفس كلام الله في كلام طويل. وتحقيق الكلام بينهم وبين أهل السُّنَّة يرجع إلى إثبات الكلام النفسي ونفيه وإلاّ فأهل السُّنَّة لا يقولون بقِدَم الألفاظ والحروف وهم لا يقولون بحدوث كلام نفسي، واستدلّ أهل السُّنّة على قِدَم كلامه تعالى وكونه نفسيًّا لا حسيًّا بأن المتكلم مَن قام به الكلام لا مَن أوجد الكلام ولو في محل آخر للقطع بأن موجد الحركة في جسم آخر لا يسمى متحركًا، وأن الله تعالى لا يسمى بخلق الأصوات مصوتًا. وأما إذا سمعنا قائلاً يقول أنا قائم فنسميه متكلمًا وإن لم نعلم أنه الموجد لهذا الكلام، بل وإن علمنا أن موجده هو الله تعالى كما هو رأي أهل الحق، وحينئذٍ فالكلام القائم بذات الباري تعالى لا يجوز أن يكون هو الحسيّ أعني المنتظم من الحروف المسموعة لأنه حادث ضرورة أن له ابتداء وانتهاء وإن الحرف الثاني من كل كلمة مسبوق بالأول ومشروط بانقضائه، وأنه يمتنع اجتماع أجزائه في الوجود وبقاء شيء منها بعد الحصول والحادث يمتنع قيامه بذات الباري تعالى فتعين النفسي القديم. وقال البيهقي في كتاب الاعتقاد: القرآن كلام الله وكلام الله صفة من صفات ذاته وليس شيء من صفات ذاته مخلوقًا ولا محدثًا ولا حادثًا قال تعالى: {الرحمن علّم القرآن خلق الإنسان} [الرحمن: 1 - 3] فخص القرآن بالتعليم لأنه كلامه وصفته وخصّ الإنسان بالتخليق لأنه خلقه ومصنوعه ولولا ذلك لقال خلق القرآن والإنسان في آيات أوردها دالّة على ذلك لا نطيل بها. (وقال) الله (جل ذكره: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة: 255]) أي ليس لأحد أن يشفع عنده لأحد إلا بإذنه ومن وإن

كان لفظها استفهامًا فمعناها النفي ولذا دخلت إلا في قوله إلا بإذنه وعنده متعلق بيشفع أو بمحذوف لكونه حالاً من الضمير في يشفع أي يشفع مستقرًّا عنده وقوي هذا الوجه بأنه إذا لم يشفع عنده من هو عنده وقريب منه فشفاعة غيره أبعد وهذا بيان لملكوته وكبريائه وأن أحدًا لا يتمالك أن يتكلم يوم القيامة إلا إذا أذن له في الكلام وفيه ردّ لزعم الكفار أن الأصنام تشفع لهم. (وقال مسروق) هو ابن الأجدع مما وصله البيهقي في الأسماء والصفات من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح وهو أبو الضحى عن مسروق (عن ابن مسعود) عبد الله -رضي الله عنه- (إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات شيئًا) ولفظ البيهقي وهو عند أحمد سمع أهل السماء صلصلة كجرّ السلسلة على الصفا فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم (فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت) بالنون بعد الكاف الخفيفة الصوت المخلوق لا سماع أهل السماوات والأدلة ناطقة بتنزيه الباري جل وعلا عن الصوت المستلزم للحدوث، ولأبي ذر عن الكشميهني: وثبت الصوت بمثلثة فموحدة ففوقية (عرفوا أنه الحق من ربكم) بالكاف وسقطت لغير أبي ذر (ونادوا ماذا قال ربكم)؟ لأنهم سمعوا قولاً ولم يفهموا معناه كما ينبغي لفزعهم (قالوا) قال (الحق) وفي رواية أحمد ويقولون: يا جبريل ماذا قال ربكم؟ قال: فيقول الحق. قال: فينادون الحق الحق. قال البيهقي: ورواه أحمد بن أبي شريح الرازي وعلي بن إشكاب وعلي بن مسلم ثلاثتهم عن أبي معاوية مرفوعًا أخرجه أبو داود في السُّنن عنهم ولفظه مثله إلا أنه قال فيقولون ماذا قال ربك. (ويذكر) بضم أوله بصيغة التمريض وفي كتاب العلم بصيغة الجزم (عن جابر) أي ابن عبد الله الأنصاري (عن عبد الله بن أنيس) بضم الهمزة وفتح النون الأنصاري أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (يحشر الله) عز وجل (للعباد) يوم القيامة (فيناديهم) يقول لهم (بصوت) مخلوق غير قائم بذاته ويأمر تعالى من ينادي ففيه مجاز الحذف. وقال البيهقي: الكلام ما ينطق به المتكلم وهو مستقر في نفسه ومنه قول عمر في حديث السقيفة وكنت هيأت في نفسي كلامًا فسماه كلامًا قبل التكلم به فان كان المتكلم ذا مخارج سمع كلامه ذا حروف وأصوات وإن كان غير ذي مخارج فهو بخلاف ذلك والباري تعالى ليس بذي مخارج فلا يكون كلامه بحروف وأصوات. فإذا فهمه السامع تلاه بحروف وأصوات. وأما حديث ابن أنيس فاختلف الحفّاظ في الاحتجاج بروايات ابن عقيل لسوء حفظه ولم يثبت لفظ الصوت في حديث صحيح مرفوع غير حديثه فإن ثبت رجع إلى حديث ابن مسعود يعني أن الملائكة يسمعون عند حصول الوحي صوتًا فيحتمل أن يكون صوت السماء أو الملك الآتي بالوحي أو صوت أجنحة الملائكة، وإذا احتمل ذلك لم يكن نصًّا في المسألة وأن الراوي أراد فينادي نداء فعبّر عنه بقوله بصوت. قال في الفتح: وهذا يلزم منه أن الله لم يسمع أحدًا من ملائكته ولا رسله كلامه بل ألهمهم إياه، وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين لأنها التي عهد أنها ذات مخارج ولا يخفى ما فيه إذ الصوت قد يكون من غير مخارج كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كما تقرر. سلمنا لكن نمنع القياس المذكور وصفة الخالق لا تقاس على صفة المخلوقين فإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة وجب الإيمان به ثم التفويض وأما التأويل وقوله: (يسمعه) أي الصوت (من بعد كما يسمعه من قرب) فيه خرق العادة إذ في سائر الأصوات التفاوت ظاهر بين القريب والبعيد وليعلم أن السموع كلام الله كما أن موسى لما كلمه الله كان يسمعه من جميع الجهات ومقول قوله تعالى (أنا الملك) ذو الملك (أنا الديان) لا مالك إلا أنا ولا مجازي إلا أنا، وهو من حصر المبتدأ في الخبر، وقال الحليمي: هو مأخوذ من قوله ملك يوم الدين وهو المحاسب المجازي لا يضيع عمل عامل. وقال في الكواكب: واختار هذا اللفظ لأن فيه إشارة إلى

الصفات السبعة الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر والكلام ليمكن المجازاة على الكليات والجزئيات قولاً وفعلاً. 7481 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِى السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا». لِقَوْلِهِ: كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ قَالَ عَلِىٌّ: وَقَالَ غَيْرُهُ صَفَوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ فَـ {إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23]. قَالَ عَلِىٌّ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ بِهَذَا. قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ عَلِىٌّ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ: قَالَ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ: قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ: قَالَ نَعَمْ. قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّ إِنْسَانًا رَوَى عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ أَنَّهُ قَرَأَ فُزِّعَ قَالَ سُفْيَانُ: هَكَذَا قَرَأَ عَمْرٌو فَلاَ أَدْرِى سَمِعَهُ هَكَذَا أَمْ لاَ. قَالَ سُفْيَانُ: وَهْىَ قِرَاءَتُنَا. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن عكرمة عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (يبلغ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (إذا قضى الله الأمر في السماء) وعند الطبراني من حديث النوّاس بن سمعان مرفوعًا: إذا تكلم الله بالوحي (ضربت الملائكة بأجنحتها) حال كونها (خضعانًا) بضم الخاء وسكون الضاد المعجمتين خاضعين طائعين (لقوله) جل وعلا: (كأنه) أي القول السموع (سلسلة) صوت سلسلة (على صفوان) حجر أملس (قال علي): هو ابن المديني (وقال غيره) أي غير سفيان بن عيينة: (صفوان) بفتح الفاء مصححًا عليه في الفرع كأصله كالسكون في الأول (ينفذهم) بفتح أوله وضم ثالثه بينهما نون ساكنة والذال المعجمة (ذلك) فالاختلاف في فتح فاء صفوان وسكونها، وأما ينفذهم فغير مختص بالغير بل مشترك بين سفيان وغيره فقد أخرجه ابن أبي حاتم عن محمد بن عبد الله بن يزيد عن سفيان بن عيينة بهذه الزيادة وسقط لغير أبي ذر عن الحموي والمستملي ينفذهم (فـ (إذا فزع}) كشف ({عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا}) قال: ({الحق}) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قالوا: للذي وللكشميهني الذي قال: الحق ({وهو العلي الكبير}) ذو العلو والكبرياء. (قال علي): هو ابن عبد الله المديني (وحدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) هو ابن دينار (عن عكرمة عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (بهذا) الحديث أي أن سفيان حدّثه عن عمرو بلفظ التحديث لا بالعنعنة كما في الطريق الأولى (قال سفيان) بن عيينة أيضًا: (قال عمرو) أي ابن دينار أيضًا: (سمعت عكرمة) يقول: (حدّثنا أبو هريرة) -رضي الله عنه- (قال علي) بن المديني أيضًا: (قلت لسفيان) بن عيينة: (قال: سمعت عكرمة قال: سمعت أبا هريرة؟ قال: نعم) ومراده أن ابن عيينة كان يسوق السند مرة بالعنعنة ومرة بالتحديث والسماع فاستثبته علي بن المديني عن ذلك فقال: نعم قال علي (قلت لسفيان) بن عيينة (إن إنسانًا روى عن عمرو) أي ابن دينار (عن عكرمة عن أبي هريرة يرفعه) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أنه قرأ فزع) بالزاي والعين المهملة في الفرع وأصله، وقال ابن حجر: فرغ بالراء المهملة والغين المعجمة بوزن القراءة المشهورة قال: ووقع للأكثر هنا كالقراءة المشهورة قال والسياق يدل للأولى (قال سفيان) بن عيينة (هكذا قرأ عمرو) أي ابن دينار (فلا أدري سمعه هكذا) من عكرمة (أم لا). أي قرأها كذلك من قبل نفسه بناء على أنها قراءته (قال سفيان) بن عيينة (وهي قراءتنا) يريد نفسه ومن تابعه وظاهره أنه أراد قراءة الزاي والعين المهملة، وحكي عن الحافظ أبي ذر أنها الصواب هنا. قلت: وهي قراءة الحسن والقائم مقام الفاعل الجار بعده وفعل بالتشديد معناها السلب هنا نحو قرّدت البعير أي أزلت قراده كذا هنا أي أزيل الفزع عنها، وقراءة ابن عامر بفتح الفاء والزاي مبنيًّا للفاعل. 7482 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَىْءٍ مَا أَذِنَ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ». وَقَالَ صَاحِبٌ لَهُ يُرِيدُ أَنْ يَجْهَرَ بِهِ. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة نسبه لجده واسم أبيه عبد الله المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أنه كان يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما أذن الله) عز وجل (لشيء ما أذن) بكسر المعجمة المخففة فيهما ما استمع لشيء ما استمع (للنبي) ولأبي ذر عن الكشميهني لنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتغنى بالقرآن) واستماع الله تعالى مجاز عن تقريب القارئ وإجزال ثوابه أو قبول قراءته (وقال صاحب له) أي لأبي هريرة (يريد) بالتغني (أن يجهر به) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي يريد يجهر به وله عن الكشميهني يريد أن يجهر بالقرآن. قال في المصابيح، قال ابن نباتة في كتاب مطلع الفوائد ومجمع الفرائد: وجدت في كتاب الزاهر يقال تغنى

33 - باب كلام الرب مع جبريل ونداء الله الملائكة

الرجل إذا جهر صوته فقط قال: وهذا نقل غريب لم أجده في أكثر الكتب في اللغة. وقال الكرماني: فهم البخاري من الإذن القول لا الاستماع بدليل أنه أدخل هذا الحديث في هذا الباب كذا قال. وسبق الحديث في فضائل القرآن. 7483 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِى، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَقُولُ: اللَّهُ يَا آدَمُ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ فَيُنَادَى بِصَوْتٍ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ». وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) قال: (حدّثنا أبي) حفص قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي قال: (حدّثنا أبو صالح) ذكوان الزيّات (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يقول الله) عز وجل يوم القيامة (يا آدم فيقول) يا ربنا (لبّيك وسعديك فينادي) بفتح الدال مصححًا عليها بالفرع وأصله (بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار) بفتح الموحدة وسكون العين أي مبعوثًا أي طائفة شأنهم أن يبعثوا إليها فابعثهم. والحديث سبق في تفسير سورة الحج بأتمّ من سياقه هنا. 7484 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِى الْجَنَّةِ. وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين من غير إضافة وكان اسمه عبيد الله أبو محمد القرشي الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) ولأبي ذر عن هشام بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة) -رضي الله عنها- (ولقد أمره) أي أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ربه) تبارك وتعالى ولأبي ذر عن الكشميهني ولقد أمره الله (أن يبشرها ببيت في الجنة). وللحموي والمستملي من الجنة والحديث مرّ في المناقب. 33 - باب كَلاَمِ الرَّبِّ مَعَ جِبْرِيلَ وَنِدَاءِ اللَّهِ الْمَلاَئِكَةَ وَقَالَ مَعْمَرٌ {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ} [النمل: 6] أَىْ يُلْقَى عَلَيْكَ، وَتَلَقَّاهُ أَنْتَ أَىْ تَأْخُذُهُ عَنْهُمْ وَمِثْلُهُ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ. (باب كلام الرب) عز وجل (مع جبربل) عليه السلام (ونداء الله) عز وجل (الملائكة) عليهم السلام. (وقال معمر): هو ابن المثنى أبو عبيدة لا معمر بن راشد في قوله تعالى: ({وإنك لتُلَقَّى القرآن} أي يلقى عليك) مبني للمجهول (وتلقاه) بفتح الفوقية واللام والقاف المشددة (أنت أي تأخذه عنه) من لدن حكيم عليم قالوا: إن جبريل يتلقى أي يأخذ من الله تلقيًا روحانيًّا ويلقي على محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تلقيًا جسمانيًّا (ومثله) قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات} [البقرة: 37] وتلقى تفعل قال القفال: أصل التلقي هو التعرّض للقاء ثم وضع في موضع الاستقبال للمتلقي ثم موضع القبول والأخذ، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتلقى الوحي أي يستقبله ويأخذه. 7485 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِى جِبْرِيلُ فِى السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا، فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِى أَهْلِ الأَرْضِ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (إسحاق) هو ابن منصور بن بهرام الكوسج، قال الحافظ ابن حجر: وتردّد أبو علي الجياني بينه وبين إسحاق بن راهويه وإنما جزمت بأنه ابن منصور لأن ابن راهويه لا يقول إلا أخبرنا وهنا قال: حدّثنا اهـ. ورأيت في حاشية الفرع وأصله ما نصه: هو ابن راهويه وفوقه حاء ممدودة فالله أعلم. قال: (حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث قال: (حدثنا عبد الرحمن هو ابن عبد الله بن دينار عن أبيه) عبد الله (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدًا نادى جبريل) نصب على المفعولية (إن الله) تعالى (قد أحب فلانًا فأحبه) بفتح الهمزة وكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة مشددة (فيحبه جبريل ثم ينادي) بكسر الدال (جبريل) رفع على الفاعلية (في السماء) وفي الأدب في أهل السماء (إن الله) عز وجل (قد أحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في) قلوب (أهل الأرض) فيحبونه فمحبة الناس علامة على محبة الله ووجه المطابقة ظاهر. والحديث سبق في باب ذكر الملائكة من كتاب بدء الخلق وباب المقت من الله تعالى من كتاب الأدب. 7486 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِى صَلاَةِ الْعَصْرِ وَصَلاَةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِى؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء البلخي (عن مالك) الإمام الأعظم (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يتعاقبون) يتناوبون في الصعود والنزول (فيكم ملائكة) لرفع أعمالكم (بالليل وملائكة) لرفع أعمالكم (بالنهار) وقوله يتعاقبون على لغة أكلوني البراغيث (ويجتمعون في) وقت (صلاة العصر و) وقت (صلاة الفجر ثم يعرج) الملائكة

34 - باب قول الله تعالى: {أنزله بعلمه والملائكة يشهدون} [النساء: 166]

(الذين باتوا فيكم فيسألهم) ربهم تعبدًا لهم كما تعبدهم بكتب أعمالهم (وهو أعلم) زاد أبو ذر بهم من الملائكة (كيف تركتم عبادي، فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون). والحديث سبق في الصلاة مع ما فيه من المباحث ومطابقته ظاهرة. 7487 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنِ الْمَعْرُورِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَتَانِى جِبْرِيلُ فَبَشَّرَنِى أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى قَالَ: وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى». وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن واصل) الأحدب بن حيان بالحاء المهملة وتشديد التحتية (عن المعرور) بالمهملات بوزن مفعول ابن سويد الكوفي أنه (قال: سمعت أبا ذر) جندب بن جنادة -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (أتاني جبريل) عليه السلام وفي الرقاق عرض لي في جانب الحرة (فبشرني أنه من مات) من أمتي (لا يشرك بالله شيئًا) وجواب الشرط قوله (دخل الجنة. قلت) يا جبريل (وإن سرق وإن زنى) يدخل الجنة ولغير الكشميهني وإن زنى بالياء خطَّا بدل الألف (قال) جبريل (وإن سرق وإن زنى) ولأبي ذر عن الكشميهني وزنى أي يدخل الجنة. وسبق الحديث بزيادة ونقصان في الاستقراض والاستئذان والرقاق. قال في الفتح: وفي مناسبته للترجمة هنا غموض وكأنه من جهة أن جبريل إنما يبشر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأمر يتلقاه عن ربه تعالى فكأن الله تعالى قال له: بشر محمدًا بأن من مات من أمته لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة فبشّره بذلك. 34 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ يَشْهَدُونَ} [النساء: 166] قَالَ مُجَاهِدٌ: {يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالأَرْضِ السَّابِعَةِ. (باب قول الله تعالى: {أنزله بعلمه}) أي أنزله وهو عالم بأنك أهل لإنزاله إليك وأنك مبلغه أو أنزله بما علم من مصالح العباد وفيه نفي قول المعتزلة في إنكار الصفات فإنه أثبت لنفسه العلم ({والملائكة يشهدون} [النساء: 166]) لك بالنبوّة. قال ابن بطال: المراد بالإنزال إفهام العباد معاني الفروض وليس إنزاله نزال الأجسام المخلوقة لأن القرآن ليس بجسم ولا مخلوق. (وقال مجاهد): هو ابن جبر المفسر في قوله تعالى: ({يتنزل الأمر بينهن} بين السماء السابعة والأرض السابعة) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني من السماء وهذا وصله الفريابي. 7488 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِىُّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا فُلاَنُ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَقُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِى إِلَيْكَ وَوَجَّهْتُ وَجْهِى إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِى إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِى إِلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِى أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِى أَرْسَلْتَ، فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ فِى لَيْلَتِكَ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ أَجْرًا». وبه قال: (حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو الأحوص) بالحاء والصاد المهملتين سلام بتشديد اللام ابن سليم الكوفي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو السبيعي (الهمداني) بسكون الميم بعدها مهملة (عن البراء بن عازب) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يا فلان) يريد البراء بن عازب (إذا أويت) بالقصر (إلى فراشك) أي مضجعك لتنام (فقل) بعد أن تنام على شقك الأيمن (اللهم أسلمت نفسي) ذاتي (إليك ووجهت وجهي) أي قصدي (إليك وفوّضت أمري) أي رددته (إليك) إذ لا قدرة لي ولا تدبير على جلب نفع ولا دفع ضرّ فأمري مفوّض إليك (وألجأت ظهري) أي أسندته (إليك) كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده إليه (رغبة) في ثوابك (ورهبة إليك) خوفًا من عقابك (لا ملجأ) بالهمز واللام (ولا منجى) بالنون من غير همز (منك إلا إليك) أي لا ملجأ منك إلى أحد إلا إليك ولا منجى إلا إليك (آمنت) صدقت (بكتابك) القرآن (الذي أنزلت) أي أنزلته على رسولك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والإيمان بالقرآن يتضمن الإيمان بجميع كتب الله (وبنبيك الذي أرسلت) بحذف ضمير المفعول أي الذي أرسلته (فإنك إن متّ في) ولأبي ذر من (ليلتك متّ على الفطرة) الإسلامية أو الدين القويم ملة إبراهيم (وإن أصبحت أصبت أجرًا) بالجيم الساكنة بعد الهمزة أي أجرًا عظيمًا فالتنكير للتعظيم ولأبي ذر عن الكشميهني خيرًا بالخاء المعجمة بعدها تحتية ساكنة بدل أجرًا. والحديث سبق آخر الوضوء وفي الدعوات في باب استحباب النوم على الشق الأيمن. 7489 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الأَحْزَابِ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اهْزِمِ الأَحْزَابَ وَزَلْزِلْ بِهِمْ». زَادَ الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى خَالِدٍ. سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن إسماعيل بن أبي خالد) الكوفي الحافظ (عن عبد الله بن أبي أوفى) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الأحزاب) يوم اجتمع قبائل العرب على مقاتلته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعو عليهم: (اللهم) يا (منزل الكتاب) القرآن (يا سريع) زمان (الحساب) أو سريعًا في

35 - باب قول الله تعالى: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} [الفتح: 15] {لقول فصل} حق {وما هو بالهزل} [الطارق: 13 و14] باللعب

الحساب (اهزم الأحزاب وزلزل بهم) ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي وزلزلهم فلا يثبتون عند اللقاء بل تطيش عقولهم (زاد الحميدي) عبد الله بن الزبير فقال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا خالد بن أي خالد) إسماعيل قال: (سمعت عبد الله) بن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وغرضه بسياق هذه الزيادة التصريح في رواية سفيان بالتحديث والتصريح بالسماع وفي رواية ابن أبي خالد وبالسماع في رواية ابن أبي أوفى بخلاف رواية قتيبة فإنها بالعنعنة. والحديث سبق في باب الدعاء على المشركين بالهزيمة من كتاب الجهاد. 7490 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما -: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110]، قَالَ: أُنْزِلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَوَارٍ بِمَكَّةَ فَكَانَ إِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ فَسَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ، وَمَنْ جَاءَ بِهِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} لاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ حَتَّى يَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ {وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِكَ فَلاَ تُسْمِعُهُمْ {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} أَسْمِعْهُمْ وَلاَ تَجْهَرْ حَتَّى يَأْخُذُوا عَنْكَ الْقُرْآنَ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري الحافظ أبو الحسن (عن هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير مصغرًا كأبيه أبو معاوية السلمي حافظ بغداد (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس البصري (عن سعيد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة الوالبي مولاهم أحد الأعلام (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) في قوله تعالى: ({ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} [الإسراء: 110]، قال: أنزلت ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متوارٍ) وفي سورة الإسراء متخفٍّ (بمكة) أي في أول الإسلام (فكان إذا) صلّى بأصحابه (رفع صوته) بالقرآن و (سمع المشركون) قراءته (فسبوا القرآن ومَن أنزله) جبريل (ومَن جاء به) صلوات الله وسلامه عليه (وقال تعالى: {ولا تجهر}) ولأبي ذر والأصيلي فقال الله: ({ولا تجهر بصلاتك} فيه حذف مضاف أي بقراءة صلاتك ({ولا تخافت}) لا تخفض صوتك ({بها}) أي (لا تجهر بصلاتك) بقراءتها وسقط لأبي ذر والأصيلي ولا تخافت بها، ولأبي ذر وحده لا تجهر بصلاتك (حتى يسمع المشركون) فيسبوا واستشكل بأن القياس أن يقال حتى لا يسمع المشركون. وأجاب في الكواكب بأنه غاية للمنهي لا للنهي ({ولا تخافت بها} عن أصحابك فلا تسمعهم) برفع العين ({وابتغ}) اطلب ({بين ذلك سبيلاً}) وسطًا بين الأمرين لا الإفراط ولا التفريط. (أسمعهم ولا تجهر حتى يأخذوا عنك القرآن). قال الحافظ أبو ذر: فيه تقديم وتأخير تقديره أسمعهم حتى يأخذوا عنك القرآن ولا تجهر، والمراد من الحديث قوله: أنزلت والآيات المصرحة بلفظ الإنزال والتنزيل في القرآن كثيرة والفرق بينهما في وصف القرآن والملائكة كما قال الراغب: إن التنزيل يختص بالموضع الذي يشير إلى إنزاله متفرقًا مرة بعد أخرى والإنزال أعمّ من ذلك ومنه قوله تعالى: (إنّا أنزلناه في ليلة القدر} [القدر: 1] فعبّر بالإنزال دون التنزيل لأن القرآن نزل دفعة واحدة إلى سماء الدنيا ثم نزل بعد ذلك شيئًا فشيئًا ومن الثاني قوله تعالى: ({وقرآنًا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزّلناه تنزيلاً} [الإسراء: 106] ويؤيد التفصيل قوله تعالى: ({يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل} [النساء: 136] فإن المراد بالكتاب الأول القرآن وبالثاني ما عداه، والقرآن نزل نجومًا إلى الأرض بحسب الوقائع بخلاف غيره من الكتب، لكن يرد على التفصيل المذكور قوله تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة} [الفرقان: 32] وأجيب: بأنه أطلق نزل موضع أنزل قال: ولولا هذا التأويل لكان متدافعًا لقوله جملة واحدة وهذا بناه على القول بأن نزل المشدد يقتضي التفريق فاحتاج إلى ادّعاء ما ذكر وإلاّ فقد قال غيره إن التضعيف لا يستلزم حقيقة التكثير بل يرد للتعظيم وهو في حكم التكثير يعني فبهذا يندفع الإشكال اهـ. من كتاب فتح الباري وسقط لأبي ذر والأصيلي من قوله: {ولا تخافت بها} إلى قوله: {ولا تجهر بصلاتك}. وسبق الحديث آخر سورة الإسراء. 35 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ} [الفتح: 15] {لَقَوْلٌ فَصْلٌ} حَقٌّ {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق: 13 و14] بِاللَّعِبِ (باب قول الله تعالى: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} [الفتح: 15]) قال المفسرون: واللفظ للمدارك أي يريدون أن يغيروا مواعد الله لأهل الحديبية، وذلك أنهم وعدهم أنه يعوّضهم من مغانم مكة مغانم خيبر إذا قفلوا موادعين لا يصيبون منهم شيئًا. وقال ابن بطال: أراد البخاري بهذه الترجمة وأحاديثها ما أراد

في الأبواب قبلها أن كلام الله صفة قائمة به وبأنه لم يزل متكلمًا ولا يزال. قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر لي أن غرضه أن كلام الله لا يختص بالقرآن فإنه ليس نوعًا واحدًا وأنه وإن كان غير مخلوق وهو صفة قائمة به فإنه يلقيه على من يشاء من عباده بحسب حاجتهم في الأحكام الشرعية وغيرها من مصالحهم قال: وأحاديث الباب كالمصرّحة بهذا المراد. وقوله تعالى: ({لقول}) ولأبي ذر: إنه لقول ({فصل}) أي (حق {وما هو بالهزل} [الطارق: 13 و14]) أي (باللعب) وهذا مأخوذ من قول أبي عبيدة في كتابه المجاز ومن حق القرآن وقد وصفه الله تعالى بهذا أن يكون مهيبًا في الصدور معظمًا في القلوب يترفع به قارئه وسامعه أن يلمّ بهزل أو يتفكّه بمزاح. 7491 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِىُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يُؤْذِينِى ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِى الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ». وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم (عن سعيد بن المسيب) سيد التابعين (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (قال الله تعالى يؤذيني ابن آدم) أي بأن ينسب إليّ ما لا يليق بجلالي وهذا من المتشابهات والله تعالى منزّه عن أن يلحقه أذى إذ هو محال عليه فهو من التوسّع في الكلام والمراد أن من وقع ذلك منه تعرّض لسخط الله تعالى (يسب الدهر) الليل والنهار فيقول إذا أصابه مكروه بؤسًا للدهر وتبًّا له ونحو ذلك (وأنا الدهر) أي خالقه (بيدي الأمر) الذي ينسبونه إلى الدهر (أقلّب الليل والنهار) فإذا سبّ ابن آدم الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبّه إليّ لأني فاعلها وإنما الدهر زمان جعلته ظرفًا لمواقع الأمور. ومطابقته لما ترجم في إثبات إسناد القول إلى الله تعالى وهو من الأحاديث القدسية. وسبق في تفسير سورة الجاثية. 7492 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِى وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِى، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ». وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان كذا للجميع أبو نعيم عن الأعمش إلا لأبي علي بن السكن فقال: حدّثنا أبو نعيم حدّثنا الأعمش فزاد فيه الثوري لكن قال أبو علي الجياني: الصواب قول من خالفه من سائر الرواة (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (يقول الله عز وجل الصوم لي) خصّه تعالى به لأنه لم يعبد به أحد غيره بخلاف السجود وغيره (وأنا أجزي) صاحبه (به). وقد علم أن الكريم إذا تولى الإعطاء بنفسه كان في ذلك إشارة إلى تعظيم ذلك العطاء ففيه مضاعفة الجزاء من غير عدد ولا حساب (يدع) يترك الصائم (شهوته) الجماع (و) يدع (أكله وشربه من أجلي) أي خالصًا (والصوم جنة) بضم الجيم وتشديد النون وقاية من النار أو المعاصي لأنه يكسر الشهوة ويضعف القوة (وللصائم فرحتان) يفرحهما (فرحة حين يفطر) حين انتهاء صومه في الدنيا (وفرحة حين يلقى ربه) يوم القيامة (ولخلوف) بفتح اللام وضم الخاء المعجمة رائحة (فم الصائم) المتغير لخلاء معدته من الطعام (أطيب عند الله من ريح المسك) أي أذكى عند الله منه إذ إنه تعالى لا يوصف بالشم نعم هو عالم به كبقية المدركات المحسوسات ألا يعلم من خلق. والحديث سبق في الحج بمباحثه وما فيه ومطابقته لما ترجم به في قوله يقول الله. 7493 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَحْثِى فِى ثَوْبِهِ فَنَادَى رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، وَلَكِنْ لاَ غِنَى بِى عَنْ بَرَكَتِكَ». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحافظ أبو بكر الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين وسكون العين المهملة ابن راشد (عن همام) بفتح الهاء والميم المشددة ابن منبه (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (بينما) بالميم (أيوب) عليه السلام (يغتسل) حال كونه (عريانًا خرّ عليه رجل جراد) بكسر الراء وسكون الجيم جماعة كثيرة منه (من ذهب) وسمي جرادًا لأنه يجرد الأرض فيأكل ما عليها (فجعل) أيوب (يحثي) بفتح أوله وسكون الحاء المهملة بعدها مثلثة يأخذ بيده ويرمي (في ثوبه فناداه) فقال له (ربه) تعالى (يا أيوب) كلمه كموسى أو بواسطة الملك (ألم أكن أغنيتك) بفتح الهمزة وبعد التحتية الساكنة فوقية ولأبي ذر عن الكشميهني أغنك بضم الهمزة وبعد المعجمة الساكنة نون مكسورة فكاف (عما ترى) من جراد

الذهب (قال: بلى يا رب) أغنيتني (ولكن لا غنى لي عن بركتك) أي عن خيرك وغنى بكسر الغين المعجمة مقصور من غير تنوين ولا نافية للجنس. وسبق الحديث في باب من اغتسل عريانًا من الطهارة. 7494 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَتَنَزَّلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِى فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ لَهُ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس إمام دار الهجرة الأصبحي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي عبد الله الأغر) بالغين المعجمة المفتوحة والراء المشدّدة واسمه سلمان الجهني المدني (عن أبي هريرة) رضى الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يتنزل) بتحتية ففوقية وتشديد الزاي في باب التفعل ولأبي ذر عن الكشميهني ينزل (ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر) أي ينزل ملك بأمره وتأوله ابن حزم بأنه فعل يفعله الله في سماء الدنيا كالفتح لقبول الدعاء وأن تلك الساعة من مظانّ الإجابة وهذا معهود في اللغة يقال فلان نزل لي عن حقه بمعنى وهبه لي، لكن في حديث أبي هريرة عند النسائي وابن خزيمة في صحيحه إذا ذهب ثلث الليل فذكر الحديث وزاد فيه: فلا يزال بها حتى يطلع الفجر فيقول هل من داع فيستجاب له، وهو من رواية محمد بن إسحاق، واختلف فيه، وفي حديث ابن مسعود عند ابن خزيمة: فإذا طلع الفجر صعد إلى العرش وهو من رواية إبراهيم الهجري وفيه مقال، وفي أحاديث أُخر محصلها ذكر الصعود بعد النزول وكما يؤوّل النزول فلا مانع من تأويل الصعود بما يليق كما مرّ والتسليم أسلم والغرض من الحديث هنا قوله (فيقول من يدعوني فأستجيب) بالنصب على جواب الاستفهام وليست السين للطلب بل أستجيب بمعنى أجيب (له من يسألني فأعطيه) سؤله (من) وللأصيلي ومن (يستغفرني فأغفر له) ذنوبه. وسبق الحديث مع مباحثه بالتهجد من أواخر الصلاة وكذا في الدعوات. 7495 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) بضم الشين المعجمة ابن أبي حمزة الحافظ أبو بشر الحمصي مولى بني أمية قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (أن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (حدّثه أنه سمع أبا هريرة) -رضي الله عنه- (أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (نحن الآخرون) في الدنيا (السابقون يوم القيامة). 7496 - وَبِهَذَا الإِسْنَادِ قَالَ اللَّهُ: «أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ». (وبهذا الإسناد) المذكور وهو: حدّثنا أبو اليمان إلى آخره (قال الله) عز وجل (أنفق) على عباد الله وأنفق بفتح الهمزة وكسر الفاء مجزوم على الأمر (أُنفق عليك) بضم الهمزة مجزوم جوابًا أي أعطك خلفه بل أكثر منه أضعافًا مضاعفة. ويحكى مما ذكره في الكواكب عن بعض الصوفية أنه قد تصدّق برغيفين محتاجًا إليهما فبعث بعض أصحابه إليه سفرة فيها أدام وثمانية عشر رغيفًا فقال لحاملها: أين الرغيفان الآخران؟ قال: كنت محتاجًا فأخذتهما في الطريق منها فقيل له: بم عرفت أنها كانت عشرين؟ قال من قوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] وقوله: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة" ذكره في الدّيات. وقوله: "أنفق أنفق عليك" طرف من حديث أورده تامًّا في تفسير سورة هود، والمراد منه هنا نسبة القول إلى الله تعالى في قوله أنفق. 7497 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ فَقَالَ: هَذِهِ خَدِيجَةُ أَتَتْكَ بِإِنَاءٍ فِيهِ طَعَامٌ أَوْ إِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ فَأَقْرِئْهَا مِنْ رَبِّهَا السَّلاَمَ وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ. وبه قال: (حدّثنا زهير بن حرب) بضم الزاي مصغرًا وحرب بالحاء المهملة وبعد الراء الساكنة موحدة النسائي الحافظ قال: (حدّثنا ابن فضيل) بضم الفاء وفتح المعجمة محمد الضبي مولاهم الحافظ أبو عبد الرحمن (عن عمارة) بن القعقاع (عن أبي زرعة) بضم الزاي وسكون الراء هرم البجلي (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (فقال: هذه خديجة أتتك) ولأبي ذر عن المستملي تأتيك، وسبق في باب تزويج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خديجة وفضلها من طريق قتيبة بن سعيد عن محمد بن فضيل إلى أبي هريرة قال: أتى جبريل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتت (بإناء فيه طعام أو إناء فيه شراب) بالشك، وللأصيلي أو شراب ولأبي ذر أو إناء أو شراب كذا بالرفع في الفرع وأصله شك هل قال فيه طعام

أو قال إناء فقط لم يذكر ما فيه ويجوز الرفع والجر في قوله أو شرب (فأقرئها) بهمزة مفتوحة بعد الفاء وأخرى ساكنة بعد الراء (من ربها السلام وبشرها ببيت) في الجنة (من قصب) لؤلؤة مجوّفة كما في معجم الكبير للطبراني (لا صخب) بالصاد المهملة والخاء المعجمة والموحدة المفتوحات لا صياح (فيه ولا نصب) ولا تعب جزاءً وفاقًا، لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما دعا الناس إلى الإسلام أجابت من غير منازعة ولا تعب، بل أزالت عنه كل تعب وآنسته من كل وحشة فناسب أن يكون بيتها في الجنة بالصفة المقابلة لفعلها قاله السهيلي. وسبق الحديث فى الباب المذكور. 7498 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِى الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ». وبه قال: (حدّثنا معاذ بن أسد) أبو عبد الله المروزي نزل البصرة قال: (أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (معمر) هو ابن راشد (عن همام بن منبه) بكسر الموحدة المشددة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (قال الله) عز وجل (أعددت لعبادي الصالحين) والإضافة للتشريف أي هيّأت لهم في الجنة (ما لا عين رأت) أي ما رأت العيون كلهن ولا عين واحدة فالعين في سياق النفي فتفيد الاستغراق ومثله قولها (ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر). وسبق الحديث في سورة السجدة. 7499 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِى سُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ أَنَّ طَاوُسًا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ الْحَقُّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ إِلَهِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ». وبه قال: (حدّثنا محمود) هو ابن غيلان قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: أخبرنا (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال: (أخبرني) بالإفراد (سليمان) بن أبي مسلم (الأحول) المكي (أن طاوسًا) اليماني (أخبره أنه سمع ابن عباس) -رضي الله عنهما- (يقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا تهجد من الليل قال): (اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض) منوّرهما (ولك الحمد أنت قيّم السماوات والأرض) الذي يقوم بحفظهما (ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن أنت الحق) المتحقق وجوده (ووعدك الحق) الذي لا يدخله خلف (وقولك الحق) الثابت مدلوله اللازم (ولقاؤك الحق) وللأصيلي حق بلا ألف ولام أي رؤيتك في الآخرة حيث لا مانع (والجنة حق والنار حق) أي كل منهما موجود (والنبيون حق والساعة حق) أي قيامها (اللهمّ لك أسلمت) أي انقدت لأمرك ونهيك (وبك آمنت) أي صدقت بك وبما أنزلت (وعليك توكلت) أي فوّضت أمري إليك (وإليك أنبت) رجعت (وبك خاصمت) أي بما آتيتني من البراهين خاصمت من خاصمني من الكفار (وإليك حاكمت) كل من أبى القبول ما أرسلتني به (فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت أنت إلهي لا إله إلا أنت). ومطابقته للترجمة في قوله: وقولك الحق، وسبق في التهجد وغيره. 7500 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِىُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الأَيْلِىُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِىَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِمَّا قَالُوا، وَكُلٌّ حَدَّثَنِى طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِى حَدَّثَنِى عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ فِى بَرَاءَتِى وَحْيًا يُتْلَى وَلَشَأْنِى فِى نَفْسِى كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِىَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنِّى كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِى اللَّهُ بِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ} [النور: 11] الْعَشْرَ الآيَاتِ. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم قال: (حدّثنا عبد الله بن عمر) بضم العين (النميري) بضم النون وفتح الميم قال: (حدّثنا يونس بن يزيد الأيلي) بفتح الهمزة وسكون التحتية وكسر اللام (قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم (قال: سمعت عروة بن الزبير) بن العوّام (وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص) الليثي (وعبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود أربعتهم (عن حديث عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله) عز وجل (مما قالوا) بما أنزل في القرآن (وكلٌّ) من الأربعة (حدّثني) بالإفراد (طائفة) قطعة (من الحديث الذي حدّثني) به منه (عن) حديث (عائشة) -رضي الله عنها- (قالت) بعد أن ذكرت سفرها معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة غزاها الحديث بطوله في قصة الإفك السابقة في غير ما موضع وقولها: والله يعلم أني حينئذ بريئة وأن الله مبرئي ببرائتي (ولكن) ولأبي ذر عن الكشميهني ولكن (والله ما كنت أظن أن الله) تبارك وتعالى (ينزل) بضم الياء من أنزل (في براءتي) مما نسبه لي أهل الإفك (وحيًا يُتلى) يقرأ (ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله) عز وجل (فيّ) بتشديد

الياء (بأمر يتلى، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في النوم رؤيا يبرئني الله بها فأنزل الله تعالى: {وإن الذين جاؤوا بالإفك} [النور: 11] العشر الأيات) في براءتي. ومطابقته للترجمة في قوله من أن يتكلم الله فيّ بأمر يُتلى، وسبق الحديث في غير مرة. 7501 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَقُولُ: اللَّهُ إِذَا أَرَادَ عَبْدِى أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلاَ تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِى فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةٍ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء قال: (حدّثنا المغيرة بن عبد الرحمن) المدني (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (يقول الله) عز وجل (إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها) بفتح الميم (فإن عملها) بكسرها ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فإذا عملها (فاكتبوها) عليه (بمثلها) من غير تضعيف (وإن تركها من أجلي) أي خوفًا مني (فاكتبوها له حسنة) واحدة غير مضاعفة وزاد في رواية ابن عباس في الرقاق كاملة (وإذا أراد) عبدي (أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة) زاد ابن عباس كاملة أي لا نقص فيها (فإن عملها) بكسر الميم (فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إلى سبعمائة ضعف زاد في الرواية المذكورة إلى أضعاف كثيرة أي بحسب الزيادة في الاخلاص. والغرض من الحديث قوله يقول الله. وسبق نحوه في باب: مَن همّ بحسنة من حديث ابن عباس. 7502 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى مُزَرِّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَ: مَهْ قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ فَقَالَ: أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ قَالَ: فَذَلِكِ لَكِ». ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22]. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثني) بالإفراد (سليمان بن بلال) وسقط ابن بلال لأبي ذر (عن معاوية بن أبي مزرد) بضم الميم وفتح الزاي وكسر الراء المشددة والذي في اليونينية فتحها بعدها دال مهملة واسمه عبد الرحمن بن يسار بالتحتية والمهملة المخففة (عن) عمه (سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (خلق الله) عز وجل (الخلق فلما فرغ منه) أي أتمّه وقضاه (قامت الرحم) حقيقة بأن تجسمت زاد في تفسير سورة القتال قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن وهو استعارة إذ من عادة المستجير أن يأخذ بذيل المُستَجار به أو بطرف ردائه وربما أخذ بحقو إزاره مبالغة في الاستجارة (فقال) تعالى لها (مه) بفتح الميم وسكون الهاء أي اكففي (قالت) بلسان الحال أو بلسان المقال وفي حديث عبد الله بن عمرو وعند أحمد أنها تكلم بلسان طلق ذلق وللأصيلي فقالت (هذا مقام العائد) أي قيامي هذا قيام المستجير (بك من القطيعة فقال) جلّ وعلا ولأبي ذر عن الكشميهني قال (ألا) بالتخفيف (ترضين أن أصل من وصلك) بأن أتعطف عليه (وأقطع من قطعك) فلا أتعطف عليه (قالت: بلى) رضيت (يا رب. قال) تعالى (فذلك لك) بكسر الكاف فيهما (ثم قال أبو هريرة) {فهل عسيتم} وفي الأدب قال رسول الله: فاقرؤوا إن شئتم ({فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} [محمد: 22]). وهذا الحديث سبق في تفسير سورة القتال وفي كتاب الأدب. 7503 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ صَالِحٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: مُطِرَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «قَالَ اللَّهُ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِى كَافِرٌ بِى وَمُؤْمِنٌ بِى». وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن صالح) هو ابن كيسان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود (عن زيد بن خالد) الجهني -رضي الله عنه- أنه (قال: مطر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الميم وكسر الطاء أي حصل المطر بدعائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) عليه الصلاة والسلام. (قال الله) عز وجل (أصبح من عبادي كافر بي) وهو من قال مطرنا بنوء كذا (ومؤمن بي) وهو من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته كما وقع مبيِّنًا في الحديث الآخر السابق في الاستسقاء ومطابقته هنا ظاهرة. 7504 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ اللَّهُ إِذَا أَحَبَّ عَبْدِى لِقَائِى أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَإِذَا كَرِهَ لِقَائِى كَرِهْتُ لِقَاءَهُ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (قال الله) عز وجل (إذا أحب عبدي لقائي) أي الموت. وقال ابن الأثير: المراد باللقاء المصير إلى الدار الآخرة وطلب ما عند الله وليس المراد به الموت لأن كلاًّ

يكرهه فمَن ترك الدنيا وأبغضها أحب لقاء الله ومن آثرها وركن إليها كره لقاء الله (أحببت لقاءه) أي أردت الخير له والإنعام عليه (وإذا كره) عبدي (لقائي كرهت لقاءه) فيه أن محبة لقاء الله لا تدخل في النهي عن تمني الموت لأنها ممكنة مع عدم تمنِّيه لأن النهي محمول على حال الحياة المستمرة أما عند المعاينة والاحتضار فلا تدخل تحت النهي بل هي مستحبة. وسبقت مباحث الحديث في باب من أحب لقاء الله من كتاب الرقاق. 7505 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ اللَّهُ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى». وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) أي ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (قال الله) عز وجل (أنا) ولأبي ذر عن المستملي لأنا (عند ظن عبدي) إن ظن خيرًا فله أو غيره فله. وسبق في باب {ويحذركم الله نفسه} [آل عمران: 28] من كتاب التوحيد. 7506 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ أَبِى الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَإِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ وَاذْرُوا نِصْفَهُ فِى الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِى الْبَحْرِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لاَ يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ وَأَمَرَ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ فَغَفَرَ لَهُ». وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله (عن الأعرج) عبد الرحمن (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (قال رجل) كان نبّاشًا في بني إسرائيل (لم يعمل خيرًا قط) لأهله أو لبنيه (فإذا) ولأبي ذر إذا (مات) كان مقتضى السياق أن يقول إذا متّ لكنه على طريق الالتفات (فحرقوه واذروا) بالذال المعجمة (نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله) بتخفيف الدال أي ضيق الله (عليه) كقوله تعالى: {ومن قدر عليه رزقه} [الطلاق: 7] أي ضيّق عليه وليس شكًّا في القدرة على إحيائه (ليعذبنّه عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين) زاد في بني إسرائيل فلما مات فعل به ذلك (فأمر الله) عز وجل (البحر فجمع) بالفاء ولأبي ذر عن الحموي ليجمع (ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه) وزاد أيضًا فإذا هو قائم أي بين يدي الله تعالى (ثم قال) تعالى له (لِمَ فعلت) هذا؟ (قال: من خشيتك) يا رب (وأنت أعلم) جملة حالية أو معترضة (فغفر له). وسبق الحديث في ذكر بني إسرائيل. 7507 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى عَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ: أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ فَاغْفِرْ فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِى أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، غَفَرْتُ لِعَبْدِى ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ أَوْ أَصَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِى أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ، غَفَرْتُ لِعَبْدِى ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا، وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَابَ ذَنْبًا فَقَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ أَوْ قَالَ: أَذْنَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِى فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِى أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِهِ غَفَرْتُ لِعَبْدِى ثَلاَثًا فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ». وبه قال: (حدّثنا أحمد بن إسحاق) بن الحصين بن جابر السرماري بفتح السين المهملة وكسرها وسكون الراء الأولى نسبة إلى سرمارة قرية من قرى بخارى قال: (حدّثنا عمرو بن عاصم) بفتح العين وسكون الميم أبو عثمان الكلاباذي البصري حدّث عنه البخاري بلا واسطة في كتاب الصلاة وغيره قال: (حدّثنا همام) هو ابن يحيى قال: (حدّثنا إسحاق بن عبد الله) بن أبي طلحة الأنصاري التابعي المشهور قال: (سمعت عبد الرحمن بن أبي عمرة) بفتح العين وسكون الميم التابعي الجليل المدني واسم أبيه كنيته وهو أنصاري صحابي وقيل إن لعبد الرحمن رؤية (قال: سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن عبدًا أصاب ذنبًا وربما قال: أذنب ذنبًا) بالشك (فقال) يا (رب أذنبت ذنبًا وربما قال أصبت) أي ذنبًا (فاغفر) ذنبي ولأبي ذر فاغفره وللكشميهني فاغفر لي (فقال ربه أعلم عبدي) بهمزة الاستفهام والفعل الماضي وللأصيلي علم بحذف الهمزة (إن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ به) أي يعاقب عليه وللأصيلي يغفر الذنوب ويأخذ بها (غفرت لعبدي) ذنبه أو قال ذنوبه (ثم مكث ما شاء الله) من الزمان (ثم أصاب ذنبًا) آخر وفي رواية حماد عند مسلم ثم عاد فأذنب (أو) قال (أذنب ذنبًا فقال) يا (رب أذنبت أو) قال (أصبت) ذنبًا (آخر فاغفره}) لي وللأصيليّ فاغفر لي (فقال) ربه (أعلم) وللأصيلي علم (عبدي أن له ربّا يغفر الذنب ويأخذ به) ويعاقب فاعله عليه (غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله) من الزمان (ثم أذنب ذنبًا) آخر (وربما قال أصاب ذنبًا فقال) يا (رب أصبت أو قال) سقط لفظ قال لغير أبي ذر (أذنبت) ذنبًا (آخر فاغفره لي) كذا بالشك في هذه المواضع المذكورة كلها في هذا الحديث من هذا الوجه ورواه حماد بن سلمة عن إسحاق عند مسلم بلفظ عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما يروي عن ربه عز وجل قال: أذنب عبدي ذنبًا ولم يشك وكذا في بقية المواضع. (فقال) ربه (أعلم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنب

ويأخذ به غفرت لعبدي ثلاثًا) أي الذنوب الثلاثة وسقط لفظ ثلاثًا لأبي ذر كقوله (فليعمل ما شاء) إذا كان هذا دأبه يذنب الذنب فيتوب منه ويستغفر لا أنه يذنب الذنب ثم يعود إليه فإن هذه توبة الكذّابين؛ ويدل له قوله: أصاب ذنبًا آخر كذا قرّره المنذري. وقال أبو العباس في المفهم: هذا الحديث يدل على عظم فائدة الاستغفار وكثرة فضل الله وسعة رحمته وحلمه وكرمه، لكن هذا الاستغفار هو الذي يثبت معناه في القلب مقارنًا للسان لتنحل به عقدة الإصرار ويحصل مع الندم، ويشهد له حديث: خياركم كل مفتن توّاب أي الذي يتكرر منه الذنب والتوبة، فكلما وقع في ذنب عاد إلى التوبة لا من قال: أستغفر الله بلسانه وقلبه مصرّ على تلك المعصية فهذا الذي استغفاره يحتاج إلى استغفار. وفي حديث ابن عباس عند ابن أبي الدنيا مرفوعًا: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له". والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه المستهزئ بربه، لكن الراجح أن قوله والمستغفر إلى آخره موقوف. وقال ابن بطال في هذا الحديث إن المصرّ على المعصية في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له مغلبًا لحسنته التي جاء بها وهي اعتقاد أن له ربًّا خالقًا يعذبهُ ويغفر له واستغفاره إياه على ذلك يدل عليه قوله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] ولا حسنة أعظم من التوحيد. فإن قيل إن استغفاره ربه توبة منه قلنا ليس الاستغفار أكثر من طلب المغفرة وقد يطلبها المصرّ والتائب ولا دلالة في الحديث على أنه تاب مما سأل الغفران عنه لأن حدّ التوبة الرجوع عن الذنب والعزم أن لا يعود إليه والإقلاع عنه والاستغفار بمجرده لا يفهم منه ذلك. وقال السبكي في الحلبيات: الاستغفار طلب المغفرة إما باللسان أو بالقلب أو بهما، فالأول فيه نفع لأنه خير من السكوت ولأنه يعتاد قول الخير، والثاني نافع جدًّا، والثالث أبلغ منه لكن لا يمحصان الذنب حتى توجد التوبة منه فإن العاصي المصر يطلب المغفرة ولا يستلزم ذلك وجود التوبة إلى أن قال: والذي ذكرته من أن معنى الاستغفار غير معنى التوبة هو بحسب وضع اللفظ لكنه غلب عند كثيرٍ من الناس أن لفظ أستغفر الله معناه التوبة فمن كان ذلك معتقده فهو يريد التوبة لا محالة، ثم قال: وذكر بعضهم أن التوبة لا تتم إلا بالاستغفار لقوله تعالى: {وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} [هود: 3] والمشهور أنه لا يشترط. وقال بعضهم: يكفي في التوبة تحقق الندم على وقوعه منه فإنه يستلزم الإقلاع عنه والعزم على عدم العود فهما ناشئان عن الندم لا أصلان معه، ومن ثم جاء الحديث "الندم توبة" وهو حديث حسن من حديث ابن مسعود أخرجه ابن ماجة وصححه الحاكم وأخرجه ابن حبان من حديث أنس وصححه اهـ ملخصًا من فتح الباري. وسقط للأصيلي فقال أعلم عبدي أن له ربًّا الثالثة إلى آخر الحديث ومطابقته للترجمة في قوله فقال له ربه وفي قوله فقال أعلم عبدي، وأخرجه مسلم في التوبة والنسائي في اليوم والليلة. 7508 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِى حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً فِيمَنْ سَلَفَ أَوْ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَالَ كَلِمَةً يَعْنِى «أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالاً وَوَلَدًا، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْوَفَاةُ قَالَ لِبَنِيهِ: أَىَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ أَوْ لَمْ يَبْتَئِزْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا، وَإِنْ يَقْدِرِ اللَّهُ عَلَيْهِ يُعَذِّبْهُ فَانْظُرُوا إِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِى حَتَّى إِذَا صِرْتُ فَحْمًا فَاسْحَقُونِى -أَوْ قَالَ فَاسْحَكُونِى- فَإِذَا كَانَ يَوْمُ رِيحٍ عَاصِفٍ فَأَذْرُونِى فِيهَا». فَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَرَبِّى فَفَعَلُوا، ثُمَّ أَذْرَوْهُ فِى يَوْمٍ عَاصِفٍ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُنْ فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ، قَالَ اللَّهُ: أَىْ عَبْدِى مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ أَوْ فَرَقٌ مِنْكَ، قَالَ: فَمَا تَلاَفَاهُ أَنْ رَحِمَهُ عِنْدَهَا». وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: فَمَا تَلاَفَاهُ غَيْرُهَا فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عُثْمَانَ فَقَالَ: سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سَلْمَانَ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ أَذْرُونِى فِى الْبَحْرِ أَوْ كَمَا حَدَّثَ. وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) البصري قال: (حدّثنا معتمر) قال: (سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي البصري قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن عقبة بن عبد الغافر) الأزدي (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ذكر رجلاً) لم يسم (فيمن سلف) في جملتهم (أو فيمن كان قبلكم) أي في بني إسرائيل والشك من الراوي وللأصيلي قبلهم بالهاء بدل الكاف (قال) عليه الصلاة والسلام (كلمة يعني) معنى الكلمة. (أعطاه الله) عز وجل وسبق في بني إسرائيل رغسه الله وهو معنى أعطاه الله (مالاً وولدًا فلما حضرت الوفاة) أي حضرته الوفاة ولأبي ذر فلما حضره الوفاة (قال لبنيه أيّ أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب). قال أبو البقاء هو بنصب أي على أنه خبر كنت وجاز تقديمه لكونه استفهامًا ويجوز الرفع. قلت: وهو الذي في الفرع وصحح عليه وخير أب قال أبو البقاء الأجود فيه النصب على تقدير كنت خير أب فيوافق ما هو جواب عنه ويجوز الرفع بتقدير أنت خير أب (قال: فإنه لم يبتئر)

بفتح التحتية وسكون الموحدة وفتح الفوقية بعدها همزة مكسورة فراء مهملة قال في المصابيح وهو المعروف في اللغة (أو) قال (لم يبتئز) بالزاي المعجمة بدل الراء المهملة وقال في المطالع وقع للبخاري في كتاب التوحيد على الشك في الراء والزاي وفي بعضها يأتبر أي لم يقدّم (عند الله خيرًا) ليس المراد نفي كل خير على العموم بل نفي ما عدا التوحيد ولذلك غفر له وإلاّ فلو كان التوحيد منتفيًا أيضًا لتحتّم عقابه سمعًا ولم يغفر له (وإن يقدّر الله) يضيق الله (عليه يعذبه) بالجزم وسقط عليه لأبي ذر والأصيلي (فانظروا إذا متّ فأحرقوني) بهمزة قطع (حتى إذا صرت فحمًا فاسحقوني -أو قال فاسحكوني-) بالكاف بدل القاف وهما بمعنى والشك من الراوي (فإذا كان يوم ريح عاصف فاذروني فيها) بهمزة قطع وبإسقاطها في اليونينية وبمعجمة يقال ذرى الريح الشيء وأذرته أطارته وأذهبته (فقال نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فأخد مواثيقهم على ذلك وربي) قسم من المخبر بذلك عنهم تأكيدًا لصدقه وإن كان محقق الصدق صادقًا قطعًا (ففعلوا) ما قال لهم وأخذ عليهم مواثيقهم بعد موته من الإحراق والسحق (ثم أذروه في يوم عاصف) ريحه (فقال الله عز وجل كن فإذا هو رجل قائم) زاد أبو عوانة في صحيحه في أسرع من طرفة العين (قال الله) عز وجل له (أي عبدي ما حملك على أن فعلت ما فعلت؟ قال مخافتك أو فرق) وللأصيلي مخافتك أو فرقًا بالنصب فيهما (منك) بفتح الفاء والراي والشك من الراوي ومعناهما واحد ومخافتك ومعطوفه رفع. قال البدر الدماميني: خبر مبتدأ محذوف أي الحامل لي مخافتك أو فرق منك فإن قلت: هلاّ جعلته فاعلاً بفعل مقدر أي حملني على ذلك مخافتك أو فرق منك؟ قلت: يمتنع لوجهين. أحدهما أنه إذا دار الأمر بين كون المحذوف فعلاً والباقي فاعلاً وكونه مبتدأ والباقي خبرًا فالثاني أولى لأن المبتدأ عين الخبر فالمحذوف عين الثابت فيكون حذفًا كلا حذف وأما الفعل فإنه غير الفاعل. الوجه الثاني: أن التشاكل بين جملتي السؤال والجواب مطلوب ولا خفاء بأن قوله ما حملك على أن فعلت ما فعلت جملة اسمية فليكن جوابها كذلك لمكان المناسبة ولك على هذا أن تجعل مخافتك مبتدأ والخبر محذوف أي حملتني اهـ. (قال فما تلافاه) بالفاء (أن) بفتح الهمزة أي بأن (رحمه عندها). قال في الكواكب: مفهومه عكس المقصود، ثم أجاب: بأن ما موصولة أي الذي تلافاه هو الرحمة أو نافية وكلمة الاستثناء محذوفة عند من جوّز حذفها. قال البدر الدماميني: وهو رأي السهيلي والمعنى فما تلافاه إلا برحمته ويؤيد هذا قوله: (وقال مرة أخرى فما تلافاه غيرها}) قال سليمان التيمي (فحدّثت به) بهذا الحديث (أبا عثمان) عبد الرحمن النهدي (فقال: سمعت هذا) الحديث (من سلمان) الفارسي الصحابي كما رويته (غير أنه زاد فيه في البحر) أي ذروه في يوم عاصف في البحر (أو كما حدّث). 0000 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ وَقَالَ: لَمْ يَبْتَئِرْ وَقَالَ خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ وَقَالَ: لَمْ يَبْتَئِزْ فَسَّرَهُ قَتَادَةُ لَمْ يَدَّخِرْ. وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا معتمر) هو ابن سليمان (وقال) في روايته (لم يبتئر) بالراء المهملة. (وقال خليفة) بن خياط شيخ المصنف (حدّثنا معتمر) المذكور (وقال لم يبتئز) بالزاي المعجمة (فسره قتادة) بن دعامة (لم يدّخر) خرّجه الإسماعيلي قال في المصابيح، قال السفاقسي: وعند المعتزلة أن هذا الرجل إنما غفر له من أجل توبته التي تابها لأن قبول التوبة واجب عقلاً، والأشعري قطع بها سمعًا وغيره جوّز القبول سائر الطاعات وقال ابن المنير قبول التوبة عند المعتزلة واجب على الله تعالى عقلاً وعندنا واجب بحكم الوعد والتفضيل والإحسان. لنا وجوه: الأوّل: الوجوب لا يتقرر معناه إلا إذا كان بحيث لو لم يفعله الفاعل استحق الذم فلو وجب القبول على الله تعالى لكان بحيث لو لم يقبل لصار مستحقًّا للذم وهو مُحال لأن من كان كذلك فإنه يكون مستكملاً بفعل القبول والمستكمل بالغير ناقص لذاته وذلك في حق الله تعالى مُحال. الثاني: أن الذم إنما يمنع من الفعل من كان

36 - باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم

يتأذّى بسماعه وينفر عنه طبعه ويظهر له بسببه نقصان حال أما من كان متعاليًا عن الشهوة والنفرة والزيادة والنقصان لم يعقل تحقّق الوجوب في حقه جهذا المعنى. الثالث: أنه تعالى تمدّح بقبول التوبة في قوله تعالى: {ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده} [التوبة: 104] ولو كان ذلك واجبًا لما تمدّح به لأن أداء الواجب لا يفيد المدح والثناء والتعظيم. قال بعض المفسرين قبول التوبة من الكفر يقطع به على الله تعالى إجماعًا ولهذه نزلت هذه الآية، وأما المعاصي فيقطع بأن الله تعالى يقبل التوبة منها من طائفة من الأمة، واختلف هل يقبل توبة الجميع وأما إذا عيّن إنسان تائب فيرجى قبول توبته ولا يقطع به على الله تعالى وأما إذا فرضنا تائبًا غير معين صحيح التوبة فقيل يقطع على الله بقبول توبته وعليه طائفة فيها الفقهاء والمحدّثون لأنه تعالى أخبر بذلك عن نفسه، وعلى هذا يلزم أن يقبل توبة جميع التائبين. وذهب أبو المعالي وغيره إلى أن ذلك لا يقطع به على الله بل يقوى في الرجاء والقول الأوّل أرجح ولا فرق بين التوبة من الكفر والتوبة من المعاصي بدليل أن الإسلام يجبّ ما قبله والتوبة تجبّ ما قبلها اهـ. والحديث سبق في ذكر بني إسرائيل وفي الرقاق. 36 - باب كَلاَمِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ (باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم). 7509 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ شُفِّعْتُ فَقُلْتُ: يَا رَبِّ أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ خَرْدَلَةٌ، فَيَدْخُلُونَ ثُمَّ أَقُولُ: أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ أَدْنَى شَىْءٍ». فَقَالَ أَنَسٌ: كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا يوسف بن راشد) هو يوسف بن موسى بن راشد القطان الكوفي نزيل بغداد قال: (حدّثنا أحمد بن عبد الله) اليربوعي روى عنه المصنف بغير واسطة في الوضوء وغيره قال: (حدّثنا أبو بكر بن عياش) بالتحتية المشددة والمعجمة القارئ راوي عاصم أحد القرّاء (عن حميد) بضم الحاء وفتح الميم الطويل أنه (قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إذا كان يوم القيامة شفعت) بضم المعجمة وكسر الفاء المشددة من التشفيع وهو تفويض الشفاعة إليه والقبول منه قاله في الكواكب، ولأبي ذر عن الكشميهني: شفعت بفتح المعجمة والفاء مع التخفيف (فقلت يا رب أدخل الجنة) بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة من الإدخال (من كان في قلبه خردلة) من إيمان وفي الرواية الآتية بعد هذه إن الله تعالى هو الذي يقول له ذلك وهو المعروف في سائر الأخبار (فيدخلون) الجنة (ثم أقول) بالهمز يا رب (أدخل الجنة من كان في قلبه أدنى شيء) من إيمان وهو التصديق الذي لا بدّ منه (فقال أنس: كأني أنظر إلى أصابع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حيث يقلّله عند قوله أدنى شيء ويشير إلى رأس أصبعه بالقلة. وقال في الفتح: كأنه يضم أصابعه ويشير بها. وقال الداودي قوله ثم أقول خلاف سائر الروايات فإن فيها أن الله أمره أن يخرج، وتعقبه في الفتح فقال فيه نظر والموجود عند أكثر الرواة ثم أقول بالهمز، والذي أظن أن البخارى أشار إلى ما في بعض طرقه عادته، ففي مستخرج أبي نعيم من طريق أبي عاصم أحمد بن جوّاس بفتح الجيم وتشديد الواو آخره سين مهملة عن أبي بكر بن عياش أشفع يوم القيامة فيقال لي لك من في قلبه شعيرة، ولك من في قلبه خردلة، ولك من في قلبه شيء. فهذا من كلام الرب مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال: ويمكن التوفيق بينهما بأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسأل ذلك أوّلاً فيجاب إلى ذلك ثانيًا فوقع في إحدى الروايتين ذكر السؤال وفي البقية ذكر الإجابة. 7510 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ هِلاَلٍ الْعَنَزِىُّ قَالَ: اجْتَمَعْنَا نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَذَهَبْنَا إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَذَهَبْنَا مَعَنَا بِثَابِتٍ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ لَنَا عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: فَإِذَا هُوَ فِى قَصْرِهِ فَوَافَقْنَاهُ يُصَلِّى الضُّحَى، فَاسْتَأْذَنَّا فَأَذِنَ لَنَا وَهْوَ قَاعِدٌ عَلَى فِرَاشِهِ فَقُلْنَا لِثَابِتٍ: لاَ تَسْأَلْهُ عَنْ شَىْءٍ أَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ فَقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ هَؤُلاَءِ إِخْوَانُكَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ جَاءُوكَ يَسْأَلُونَكَ عَنْ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِى بَعْضٍ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ، فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى، فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ، فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَأْتُونِى فَأَقُولُ أَنَا لَهَا فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى فَيُؤْذَنُ لِى وَيُلْهِمُنِى مَحَامِدَ أَحْمَدُهُ بِهَا لاَ تَحْضُرُنِى الآنَ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ وَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ يَا رَبِّ: أُمَّتِى أُمَّتِى فَيُقَالُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى فَيُقَالُ، انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ، أَوْ خَرْدَلَةٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتِى أُمَّتِى فَيَقُولُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ، فَأَنْطَلِقُ فَأَفْعَلُ». فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ أَنَسٍ قُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا، لَوْ مَرَرْنَا بِالْحَسَنِ وَهْوَ مُتَوَارٍ فِى مَنْزِلِ أَبِى خَلِيفَةَ فَحَدَّثَنَا بِمَا حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَأَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَنَا فَقُلْنَا لَهُ يَا أَبَا سَعِيدٍ جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ أَخِيكَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حَدَّثَنَا فِى الشَّفَاعَةِ فَقَالَ: هِيهِ فَحَدَّثْنَاهُ بِالْحَدِيثِ فَانْتَهَى إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَقَالَ: هِيهِ، فَقُلْنَا لَمْ يَزِدْ لَنَا عَلَى هَذَا فَقَالَ: لَقَدْ حَدَّثَنِى وَهْوَ جَمِيعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فَلاَ أَدْرِى أَنَسِىَ أَمْ كَرِهَ أَنْ تَتَّكِلُوا، قُلْنَا يَا أَبَا سَعِيدٍ فَحَدِّثْنَا فَضَحِكَ وَقَالَ: خُلِقَ الإِنْسَانُ عَجُولاً مَا ذَكَرْتُهُ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدَّثَنِى كَمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ، قَالَ «ثُمَّ أَعُودُ الرَّابِعَةَ فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ ائْذَنْ لِى فِيمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَيَقُولُ: وَعِزَّتِى وَجَلاَلِى وَكِبْرِيَائِى وَعَظَمَتِى لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ». وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الإمام أبو إسماعيل قال: (حدّثنا معبد بن هلال) بفتح الميم والموحدة بينهما عين مهملة ساكنة (العزي) بفتح العين المهملة وكسر الزاي (قال: اجتمعنا ناس) بيان لقوله اجتمعنا وهو مرفوع خبر مبتدأ محذوف أي اجتمعنا نحن ناس (من أهل البصرة) أي ليس فيهم أحد من غير أهلها (فذهبنا إلى أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (وذهبنا معنا) بفتح العين (بثابت إليه) إلى أنس (يسأله) وثابت بالمثلثة ولأبي ذر والأصيلي بثابت البناني نسبة إلى بنانة بضم الموحدة وتخفيف النون أمة لسعد بن لؤي كانت تحضنه أو زوجته ونسب

إليها أو لأنه كان ينزل سكة بنانة بالبصرة. قال السفاقسي: فيه تقديم الرجل الذي هو من خاصة العالم ليسأله ولأبي ذر عن الكشميهني فسأله أي ثابت (لنا عن حديث الشفاعة فإذا هو في قصره) بالزاوية على نحو فرسخين من البصرة (فوافقنا) بسكون القاف وحذف الضمير وللكشميهني فوافقناه (يصلي) الضحى (فاستأذنا) في الدخول عليه (فأذن لنا وهو قاعد على فراشه فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة). قال الكرماني أي أسبق وفيه إشعار بأنه أفعل لا فوعل وفيه اختلاف بين علماء التصريف (فقال) ثابت: (يا أبا حمزة) وهي كنية أنس (هؤلاء إخوانك) معبد وأصحابه (من أهل البصرة جاؤوك) وسقط الكاف من جاؤوك لأبي ذر والأصيلي (يسألونك عن حديث الشفاعة فقال) أنس -رضي الله عنه- (حدّثنا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا كان يوم القيامة ماج الناس) بالجيم (بعضهم في بعض) أي اضطربوا من هول ذلك اليوم يقال ماج البحر إذا اضطربت أمواجه (فيأتون آدم) عليه السلام (فيقولون اشفع لنا إلى ربك) ليريحنا مما نحن فيه وسقط لنا لأبي ذر (فيقول لست لها) أي ليست لي هذه المرتبة (ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن فيأتون إبراهيم) عليه السلام وفي الأحاديث السابقة فيقول آدم عليكم بنوح ولم يذكر هنا نوحًا (فيقول) إبراهيم (لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله) ولأبي ذر عن الكشميهني فإنه كلم الله بلفظ الماضي (فيأتون موسى) عليه السلام (فيقول لست لها ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته فيأتون عيسى) عليه السلام (فيقول لست لها ولكن عليكم بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيأتوني) ولأبي ذر فيأتونني (فأقول أنا لها) أي للشفاعة (فأستأذن على ربي فيؤذن لى) أي في الشفاعة الموعود بها في فصل القضاء ففيه حذف وفي مسند البزار أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول (يا رب عجل على الخلق الحساب) اهـ ثم تذهب كل أمة مع من كانت تعبد ويؤتى بجهنم والموازين والصراط وتتناثر الصحف وغير ذلك ثم من هنا ابتدأ ببيان الشفاعة الأخرى الخاصة بأمته (ويلهمني) بالواو ولأبي ذر فيلهمني أي الله (محامد) ولأبوي ذر والوقت بمحامد (أحمده بها لا تحضرني الأن فأحمده بتلك المحامد وأخرّ له ساجدًا فيقال) ولأبي ذر عن الكشميهني فيقول (يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وصَل تُعْطَ) سؤالك ولأبى ذر والأصيلي تعطه بهاء السكت (واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي) أي شفعني في أمتي فيتعلق بمحذوف حذف لضيق المقام وشدة الاهتمام. قال الداودي: قوله أمتي أمتي لا أراه محفوظًا لأن الخلائق اجتمعوا واستشفعوا، ولو كان المراد هذه الأمة خاصة لم تذهب إلى غير نبيها فدلّ على أن المراد الجمع إذا كانت الشفاعة لهم في فصل القضاء فكيف يخصّها بقوله أمتي ثم قال: وأول الحديث ليس متصلاً بآخره بل بقي بين طلبهم الشفاعة وبين قوله فاشفع كثرة أمور اهـ. وأجيب: بأنه وقع في حديث حذيفة المعروف بحديث أبي هريرة بعد قوله فيأتون محمدًا فيقوم ويؤذن له في الشفاعة ويرسل الأمانة والرحم فيقومان جنبي الصراط يمينًا وشمالاً فيمر أوّلهم كالبرق الحديث فبهذا يتصل الكلام لأن الشفاعة التي لجأ الناس إليه فيها هي الإراحة من كرب الموقف ثم تجيء الشفاعة في الإخراج فيقول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا رب أمتي. (فيقال) ولأبي ذر عن الكشميهني فيقول (انطلق فأخرج منها) أي من النار (من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان فأنطلق فأفعل) ما أمرت به من الإخراج (ثم أعود فأحمده) تعالى (بتلك المحامد ثم أخرّ له ساجدًا فيقال) ولأبي ذر عن الكشميهني فيقول (يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسََل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال) ولأبي ذر عن الكشميهني فيقول: (انطلق فأخرج منها مَن كان في قلبه مثقال ذرة) بالذال المعجمة والراء المشددة (أو خردلة من إيمان)

ولأبي ذر فأخرجه بالجزم على الأمر (فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخرّ له ساجدًا فيقال) ولأبي ذر عن الكشميهني فيقول (يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وَسَلْ تُعْطَ واشفع تشفع فأقول: يا رب أمتي أمتي فيقول) وللأصيلي فيقال (انطلق فأخرج) منها (من كان في قلبه أدنى أدنى) مرتين وللكشميهني أدنى مرة ثالثة وفائدة التكرار التأكيد (مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه من النار). فهي ثلاث تأكيدات لفظية فهو بالغ أقصى المبالغة باعتبار الأدنى البالغ هذا المبلغ في الإيمان الذي هو التصديق ويحتمل أن يكون التكرار للتوزيع على الحبة والخردلة أي أقل حبة من أقل خردلة من الإيمان ويستفاد منه صحة القول بتجزئ الإيمان وزيادته ونقصانه ولأبي ذر من النار من النار من النار بالتكرير ثلاثًا كقوله: أدنى أدنى أدنى (فأنطلق فأفعل). قال معبد (فلما خرجنا من عند أنس قلت لبعض أصحابنا) البصريين (لو مررنا بالحسن) البصري (وهو متوارٍ) مختف (في منزل أبي خليفة) الطائي البصري خوفًا من الحجاج بن يوسف الثقفي (بما) وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي فحدّثنا وللكشميهني والأصيلي فحدّثناه بما (حدّثنا) بفتح المثلثة (أنس بن مالك فأتيناه فسلمنا عليه فأذن لنا فقلنا له: يا أبا سعيد) وهي كنية الحسن (جئناك من عند أخيك) في الذين (أنس بن مالك فلم نرَ مثل ما حدّثنا) بفتح المثلثة (في الشفاعة. فقال: هيه) بكسر الهاءين من غير تنوين وقد تنوّن كلمة استرادة أي زيدوا من الحديث (فحدّثناه) بسكون المثلثة (بالحديث) الذي حدّثنا به أن (فانتهى إلى هذا الموضع فقال هيه) أي زيدوا (فقلنا: لم) وللأصيلي فقلنا له لم (يزد لنا) أن (على هذا فقال: لقد حدّثني) بالإفراد أنس (وهو جميع) أي وهو مجتمع أي حي كان شابًّا مجتمع العقل وهو إشارة إلى أنه كان حينئذٍ لم يدخل في الكبر الذي هو مظنة تفرق الذهن وحدوث اختلاط الحفظ (منذ) بالنون (عشرين سنة فلا أدري أنسي أم كره أن تتكلوا) على الشفاعة فتتركوا العمل (قلنا) ولأبي ذر عن الكشميهني فقلنا (يا أبا سعيد فحدّثنا) بسكون المثلثة (فضحك وقال: خلق الإنسان عجولاً ما ذكرته) لحكم (إلا وأنا أريد أن أحدّثكم حدّثني) أنس (كما حدّثتكم به قال) عليه الصلاة والسلام: (ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك ثم) ولأبي ذر والأصيلي بتلك المحامد ثم (أخرّ له ساجدًا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع) لك (وسَلْ تُعْطَه) بهاء السكت (واشفع تشفع فأقول: يا رب أئذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيقول) عز وجل (وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجنّ) بضم الهمزة (منها من قال: لا إله إلا الله). أي مع محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي مسلم ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله. قال: ليس ذلك لك، ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال: لا إله إلا الله أي ليس هذا لك وإنما أفعل ذلك تعظيمًا لاسمي وإجلالاً لتوحيدي. وفي الحديث الإشعار بالانتقال من التصديق القلبي إلى اعتبار المقال من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله. واستشكل لأنه إن اعتبر تصديق القلب اللسان فهو كمال الإيمان فما وجه الترقي من الأدنى المؤكد وإن لم يعتبر التصديق القلبي بل مجرد اللفظ فيدخل المنافق فهو موضع إشكال على ما لا يخفى. وأجيب: بأن يحمل هذا على من أوجد هذا اللفظ وأهمل العمل بمقتضاه ولم يتخالج قلبه فيه بتصميم عليه ولا مُنافٍ له فيخرج المنافق لوجود التصميم منه على الكفر بدليل قوله في آخر الحديث كما في الرواية الأخرى فأقول: يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن أي من وجب عليه الخلود وهو الكافر، وأجاب الطيبي: بأن ما يختص بالله تعالى هو التصديق المجرد عن الثمرة وما يختص بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الإيمان مع الثمرة من ازدياد اليقين أو العمل اهـ. قال البيضاوي: وهذا الحديث مخصص لعموم قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حديث أبي هريرة أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة ويحتمل أن يجري على عمومه ويحمل على حال أو مقام اهـ.

لكن قال في شرح المشكاة: إذا قلنا إن المختص بالله التصديق المجرد عن الثمرة وإن المختص بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإيمان معها فلا اختلاف. ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة لا خفاء فيها. والحديث أخرجه مسلم في الإيمان والنسائي في التفسير. 7511 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَبْوًا فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ: رَبِّ الْجَنَّةُ مَلأَى فَيَقُولُ لَهُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ يُعِيدُ عَلَيْهِ الْجَنَّةُ مَلأَى فَيَقُولُ: إِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا عَشْرَ مِرَارٍ». وبه قال: (حدّثنا محمد بن خالد). هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد الذهلي كما جزم به الحاكم والكلاباذي وقيل هو محمد بن خالد بن جبلة الرافقي وجزم به أبو أحمد بن عدي وخلف في أطرافه. قال الحافظ ابن حجر، وفي رواية الكشميهني محمد بن مخلد والأوّل هو الصواب ولم يذكر أحد ممن صنّف في رجال البخاري ولا في رجال الكتب الستة أحدًا اسمه محمد بن مخلد والمعروف محمد بن خالد قال: (حدّثنا عبد الله) بضم العين (ابن موسى) الكوفي (عن إسرائيل) بن موسى بن أبي إسحاق السبيعي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن عبيده) بفتح العين وكسر الموحدة السلماني (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن آخر أهل الجنة دخولاً الجنة وآخر أهل النار خروجًا من النار رجل يخرج حبوًا) بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة زحفًا (فيقول له ربه) تعالى (ادخل الجنة فيقول) وفي الرقاق فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول (رب) وللأصيلي أي رب (الجنة ملأى فيقول) (له ذلك ثلاث مرات فكل ذلك) بالفاء وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي كل ذلك (يعيد) العبد (عليه) تعالى (الجنة ملأى فيقول) عز وجل (إن لك مثل الدنيا عشر مرار). وللكشميهني مرات. والحديث سبق في صفة الجنة والرقاق مطوّلاً. 7512 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ». قَالَ الأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ مِثْلَهُ وَزَادَ فِيهِ وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ. وبه قال: (حدّثنا علي بن حجر) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم السعدي المروزي حافظ مرو قال: (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن خيثمة) بفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية وبالمثلثة ابن عبد الرحمن الجعفي (عن عدي بن حاتم) الطائي الجواد ابن الجواد -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ما منكم أحد) وللأصيلي من أحد (إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان) بفتح الفوقية وتضم يترجم له (فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله وينظر) ولأبي ذر عن الكشميهني ثم ينظر (أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم) من عمله (وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه) لأنها تكون في ممره فلا يمكنه أن يحيد عنها إذ لا بد له من المرور على الصراط (فاتقوا النار ولو بشق تمرة) بكسر المعجمة بنصفها أي: فاحذروا النار فلا تظلموا أحدًا ولو بمقدار شق تمرة، أو فاجعلوا الصدقة جنة بينكم وبين النار ولو بشق تمرة. (قال الأعمش) سليمان بالسند السابق: (وحدّثني) بالإفراد (عمرو بن مرة عن خيثمة) بن عبد الرحمن الجعفي عن عدي بن حاتم (مثله) أي مثل السابق (وزاد فيه: ولو بكلمة طيبة) كالدلالة على هدى والصلح بين اثنين أو بكلمة طيبة يردّ بها السائل ويطيب قلبه ليكون ذلك سببًا لنجاته من النار. والحديث سبق بزيادة ونقص في أوائل الزكاة وكذا في الرقاق. 7513 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ: إِنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَعَلَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ وَالْخَلاَئِقَ عَلَى إِصْبَعٍ ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ فَلَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَضْحَكُ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ ثُمَّ قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} -إِلَى قَوْلِهِ- {يُشْرِكُونَ} [الأنعام: 91]. وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) أبو الحسن العبسي مولاهم الكوفي الحافظ قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن عبيدة) بفتح العين السلماني (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه) أنه (قال: جاء حبر من اليهود فقال) وللأصيلي إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال (إنه إذا كان يوم القيامة جعل الله) عز وجل (السماوات) السبع (على أصبع والأرضين) السبع (على أصبع والماء والثرى) بالمثلثة (على أصبع والخلائق على أصبع ثم يهزهنّ) أي يحركهن إشارة إلى حقارتهن إذ لا يثقل عليه إمساكها ولا تحريكها (ثم يقول: أنا الملك أنا الملك) مرتين (فلقد رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يضحك حتى بدت) ظهرت (نواجذه) بالذال المعجمة أنيابه التي تبدو عند الضحك (تعجبًا) من قول الحبر (وتصديقًا لقوله

37 - باب قوله: {وكلم الله موسى تكليما} [النساء: 164]

ثم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): ({وما قدروا الله حق قدره} -إلى قوله-: {يشركون} [الأنعام: 91]) والتعبير بالأصبع والضحك من المتشابهات كما سبق فيتأوّل على نوع من المجاز وضرب من التمثيل مما جرت عادة الكلام بين الناس في عُرْف تخاطبهم، فيكون المعنى إن قدرته تعالى على طيها وسهولة الأمر في جمعها بمنزلة من جمع شيئًا في كفه فاستخف حمله فلم يشتمل عليه بجميع كفه بل أقله ببعض أصابعه، وقد يقول الإنسان في الأمر الشاق إذا أضيف إلى القوي إنه يأتي عليه بأصبع أو إنه يقله بخنصره، والظاهر أن هذا كما مرّ من تخليط اليهود وتحريفهم وأن ضحكه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما كان على وجه التعجب والنكير له والعلم عند الله قاله الخطابي فيما نقله عنه في الفتح. ومطابقة الحديث في قوله ثم يقول: أنا الملك أنا الملك وسبق في باب قوله تعالى: {لما خلقت بيدي} [ص: 75]. 7514 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِى النَّجْوَى؟ قَالَ: «يَدْنُو أَحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: أَعَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ: نَعَمْ، وَيَقُولُ عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ: نَعَمْ فَيُقَرِّرُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّى سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِى الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ». وَقَالَ آدَمُ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن قتادة) بن دعامة (عن صفوان بن محرز) بضم الميم وسكون الحاء المهملة وبعد الراء المكسورة زاي المازني (أن رجلاً) لم يسمّ (سأل ابن عمر) -رضي الله عنهما- فقال له (كيف سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في النجوى) التي تقع بين الله وبين عبده يوم القيامة (قال) ابن عمر سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: (يدنو أحدكم من ربه) أي يقرب منه تعالى قرب رحمة (حتى يضع) الله تعالى (كنفه عليه) بفتح الكاف والنون أي يحفظه ويستره عن أهل الموقف فضلاً منه حيث يذكر له معاصيه سرًّا (فيقول) له (أعملت كذا وكذا فيقول) العبد (نعم) يا رب (ويقول) له (عملت) وللأصيلي أعملت (كذا وكذا فيقول نعم) يا رب (فيقرره) بذنوبه ليعرّفه منّته عليه في ستره في الدنيا وعفوه في الآخرة (ثم يقول) تعالى (إني سترت) ذنوبك (عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم). ومطابقته للترجمة في قوله فيقول في الموضعين وأخرجه في باب قول الله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} [هود: 18] من كتاب المظالم. (وقال آدم) بن أبي إياس (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا صفوان) بن محرز (عن ابن عمر) أنه قال: (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ذكره لتصريح قتادة بقوله حدّثنا صفوان، وليس في أحاديث هذا الباب كلام الرب مع الأنبياء إلا في حديث أنس وإذا ثبت كلامه مع غير الأنبياء فوقوعه معهم أولى والله الموفّق. 37 - باب قَوْلِهِ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] (باب قوله) عز وجل: ({وكلم الله موسى تكليمًا} [النساء: 164]) الجمهور على رفع الجلالة الشريفة وتكليمًا مصدر رافع للمجاز قال الفراء العرب تسمي ما يوصل إلى الإنسان كلامًا بأيّ طريق وصل، ولكن لا تحققه بالمصدر فإذا تحقق بالمصدر لم يكن إلا حقيقة الكلام، وقال القرطبي: تكليمًا مصدر معناه التأكيد، وهذا يدل على بطلان قول من يقول خلق الله لنفسه كلامًا في شجرة يسمعه موسى بل هو الكلام الحقيقي الذي يكون به المتكلم متكلمًا قال النحّاس: وأجمع النحويون على أنك إذا أكدت الفعل بالمصادر لم يكن مجازًا وأنه لا يجوز في قول الشاعر: امتلأ الحوض وقال قطني أن يقول وقال قولاً، وكذا لما قال تكليمًا وجب أن يكون كلامًا على الحقيقة. قال في المصابيح بعد أن ذكر نحو ما ذكرته، واعترض هذا بقوله تعالى: {ومكروا مكرًا ومكرنا مكرًا} [النمل: 50] وقوله تعالى: ({وأكيد كيدًا} [الطارق: 16] وقول الشاعر: بكى الخز من روح وأنكر جلده ... وعجبت عجيجًا من جذام المطارف فإن ذلك كله مجاز مع وجود التأكيد بالمصدر، ولهذا قال بعضهم: والتأكيد بالمصدر يرفع المجاز في الأمر العام يريد الغالب قال: وكان الشيخ بهاء الدين بن عقيل يقول الجواب عن هذا البيت يؤيد تحقيقًا سمعناه من شيخنا علاء الدين القونوي فيقول لا تخلو الجملة التي أكد الفعل فيها بالمصدر من أن تكون صالحة لأن تستعمل لكلٍّ من المعنيين يريد الحقيقة والمجاز أو لا يصلح

استعمالها إلا في المعنى المجازي فقط فإن كان الأول كان التأكيد بالمصدر يرفع المجاز وإن كان الثاني لم يكن التأكيد رافعًا له فمثال الأول قولك ضربت زيدًا ضربًا ومثال الثاني البيت المذكور لأن عجيج المطارف لا يقع إلا مجازًا اهـ. واختلف في سماع كلام الله تعالى فقال الأشعري: كلام الله تعالى القائم بذاته يسمع عند تلاوة كل تالٍ وقراءة كل قارئ. وقال الباقلاني: وإنما تسمع التلاوة دون المتلوّ والقراءة دون المقروء ولم يذكر في هذه الآية المتكلم به نعم في سورة الأعراف {قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي} [الأعراف: 14] أي وبتكليمي إياك ووقع في رواية أبي ذر باب ما جاء في وكلم الله موسى. وقال في فتح الباري في رواية أبي زيد المروزي باب ما جاء في قوله عز وجل: ({وكلم الله} [النساء: 164]. 7515 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِى أَخْرَجْتَ ذُرِّيَّتَكَ مِنَ الْجَنَّةِ قَالَ: آدَمُ أَنْتَ مُوسَى الَّذِى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالاَتِهِ وَكَلاَمِهِ، ثُمَّ تَلُومُنِى عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَىَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى». وبه قال: (حدّثنا يحيي بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (حدّثنا) وللأصيلي أخبرني بالإفراد (حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن النبي) ولأبي ذر والأصيلي أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (احتج آدم وموسى) أي تحاجّا (فقال موسى أنت آدم الذي أخرجت ذريتك من الجنة قال أنت) ولغير أبي ذر والأصيلي قال آدم أنت (موسى الذي اصطفاك الله تعالى برسالاته وبكلامه ثم تلومني على أمر قد قدّر) بضم القاف وكسر الدال مشددة (عليّ) بتشديد الياء (قبل أن أخلق) بضم الهمزة (فحج آدم موسى) أي غلب عليه بالحجة في قوله أنت آدم الخ بأن ألزمه أن ما صدر عنه لم يكن هو مستقلاًّ به متمكّنًا من تركه بل كان أمرًا مقضيًّا وليس معنى قوله: تلومني على أمر قد قدّر عليّ أنه لم يكن له فيه كسب واختيار، بل المعنى أن الله أثبته في أم الكتاب قبل كوني وحكم بأن ذلك كائن لا محالة بعلمه السابق فهل يمكن أن يصدر عني خلاف علم الله؟ فكيف تغفل عن العلم السابق وتذكر الكسب الذي هو السبب وتنسى الأصل الذي هو القدر وأنت ممن اصطفاك الله من المصطفين الذين يشاهدون سرّ الله من وراء الأستار قاله التوربشتي. ومطابقته للترجمة في قوله اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، وسبق في القدر. 7516 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُجْمَعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ الْمَلاَئِكَةَ وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَىْءٍ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا فَيَقُولُ لَهُمْ: لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِى أَصَابَ». وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبوي الوقت وذر والأصيلي قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (يجمع المؤمنون) بضم الياء من يجمع والمؤمنون نائب الفاعل (يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيريحنا من مكاننا هذا) لما ينالهم من الكرب (فيأتون آدم) عليه السلام (فيقولون له أنت آدم أبو البشر خلقك الله بيده) أي بقدرته وخصّه بالذكر إكرامًا وتشريفًا له أو أنه خلق إبداع من غير واسطة رحم (وأسجد لك الملائكة) بأن أمرهم أن يخضعوا لك والجمهور على أن المأمور به وضع الرجه على الأرض وكان تحية له، إذ لو كان لله لما امتنع عنه إبليس وكان سجود التحية جائزًا فيما مضى ثم نسخ بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لسلمان حين أراد أن يسجد له: "لا ينبغي لمخلوق أن يسجد لأحد إلا لله" (وعلمك أسماء كل شيء) أي أسماء المسميات فحذف المضاف إليه لكونه معلومًا مدلولاً عليه بذكر الأسماء إذ الاسم يدل على المسمى (فاشفع لنا إلى ربنا حتى يريحنا) مما نحن فيه من الكرب (فيقول لهم لست هناكم) بضم الهاء أي لست في المنزلة التي تحسبونني وهي مقام الشفاعة (ويذكر لهم خطيئته التي أصاب) أي التي أصابها وهي أكله من الشجرة التي نهى عنها قاله تواضعًا وإعلامًا بأنها لم تكن له. وهذا الحديث ذكره هنا مختصرًا ولم يذكر فيه ما ترجم له على عادته في الإشارة. وقد سبق في تفسير سورة البقرة عن مسلم بن إبراهيم شيخه هنا بتمامه وفيه: ائتوا موسى عبدًا كلّمه الله تعالى وأعطاه التوراة الحديث. وساقه أيضًا في كتاب التوحيد في باب قول الله تعالى: {لما خلقت

بيديّ} [ص: 75] وفيه ائتوا موسى عبدًا آتاه الله التوراة وكلمه تكليمًا. 7517 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ «أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهْوَ نَائِمٌ فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيُّهُمْ هُوَ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ، فَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَتَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلاَ تَنَامُ قُلُوبُهُمْ، فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فَتَوَلاَّهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ، فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بِيَدِهِ، حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ ثُمَّ أُتِىَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ تَوْرٌ مِنْ ذَهَبٍ مَحْشُوًّا إِيمَانًا وَحِكْمَةً فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ. -يَعْنِى عُرُوقَ حَلْقِهِ- ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَضَرَبَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِهَا فَنَادَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ. قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مَعِى مُحَمَّدٌ. قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: فَمَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلاً فَيَسْتَبْشِرُ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ لاَ يَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَاءِ بِمَا يُرِيدُ اللَّهُ بِهِ فِى الأَرْضِ حَتَّى يُعْلِمَهُمْ، فَوَجَدَ فِى السَّمَاءِ الدُّنْيَا آدَمَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ آدَمُ فَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلاً بِابْنِى نِعْمَ الاِبْنُ أَنْتَ، فَإِذَا هُوَ فِى السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِنَهَرَيْنِ يَطَّرِدَانِ فَقَالَ: مَا هَذَانِ النَّهَرَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَانِ النِّيلُ وَالْفُرَاتُ عُنْصُرُهُمَا، ثُمَّ مَضَى بِهِ فِى السَّمَاءِ فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ آخَرَ عَلَيْهِ قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ فَضَرَبَ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ مِسْكٌ، قَالَ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِى خَبَأَ لَكَ رَبُّكَ، ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَقَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتْ لَهُ الأُولَى مَنْ هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيلُ، قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلاً، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ وَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتِ الأُولَى وَالثَّانِيَةُ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى الرَّابِعَةِ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ، عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، كُلُّ سَمَاءٍ فِيهَا أَنْبِيَاءُ قَدْ سَمَّاهُمْ فَأَوْعَيْتُ مِنْهُمْ إِدْرِيسَ فِى الثَّانِيَةِ، وَهَارُونَ فِى الرَّابِعَةِ، وَآخَرَ فِى الْخَامِسَةِ لَمْ أَحْفَظِ اسْمَهُ وَإِبْرَاهِيمَ فِى السَّادِسَةِ، وَمُوسَى فِى السَّابِعَةِ بِتَفْضِيلِ كَلاَمِ اللَّهِ فَقَالَ مُوسَى: رَبِّ لَمْ أَظُنَّ أَنْ يُرْفَعَ عَلَىَّ أَحَدٌ، ثُمَّ عَلاَ بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ بِمَا لاَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ اللَّهُ حَتَّى جَاءَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى، وَدَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى اللَّهُ فِيمَا أَوْحَى إِلَيْهِ خَمْسِينَ صَلاَةً عَلَى أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، ثُمَّ هَبَطَ حَتَّى بَلَغَ مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ مُوسَى فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَاذَا عَهِدَ إِلَيْكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: عَهِدَ إِلَىَّ خَمْسِينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ وَعَنْهُمْ، فَالْتَفَتَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِى ذَلِكَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ أَنْ نَعَمْ إِنْ شِئْتَ، فَعَلاَ بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ فَقَالَ وَهْوَ مَكَانَهُ: يَا رَبِّ خَفِّفْ عَنَّا، فَإِنَّ أُمَّتِى لاَ تَسْتَطِيعُ هَذَا، فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهُ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ احْتَبَسَهُ مُوسَى عِنْدَ الْخَمْسِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ لَقَدْ رَاوَدْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ قَوْمِى عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذَا، فَضَعُفُوا فَتَرَكُوهُ فَأُمَّتُكَ أَضْعَفُ أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْدَانًا وَأَبْصَارًا وَأَسْمَاعًا، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ كُلَّ ذَلِكَ يَلْتَفِتُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى جِبْرِيلَ لِيُشِيرَ عَلَيْهِ وَلاَ يَكْرَهُ ذَلِكَ جِبْرِيلُ فَرَفَعَهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ أُمَّتِى ضُعَفَاءُ أَجْسَادُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ فَخَفِّفْ عَنَّا؟ فَقَالَ الْجَبَّارُ: يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ قَالَ: إِنَّهُ لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْكَ فِى أُمِّ الْكِتَابِ قَالَ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَهْىَ خَمْسُونَ فِى أُمِّ الْكِتَابِ، وَهْىَ خَمْسٌ عَلَيْكَ، فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: كَيْفَ فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: خَفَّفَ عَنَّا أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا. قَالَ مُوسَى: قَدْ وَاللَّهِ رَاوَدْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ، فَتَرَكُوهُ، ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ أَيْضًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا مُوسَى قَدْ وَاللَّهِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّى مِمَّا اخْتَلَفْتُ إِلَيْهِ قَالَ: فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللَّهِ، قَالَ: وَاسْتَيْقَظَ وَهْوَ فِى مَسْجِدِ الْحَرَامِ». وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى الأويسي قال: (حدّثني) بالإفراد (سليمان) بن بلال (عن شريك بن عبد الله) بن أبي نمر بفتح النون وكسر الميم بعدها راء المدني التابعي (أنه قال: سمعت ابن مالك) ولأبي ذر والأصيلي سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- (يقول: ليلة أسري) بضم الهمزة (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مسجد الكعبة أنه جاءه) بكسر الهمزة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أنه بفتح الهمزة جاء بإسقاط الضمير (ثلاثة نفر) كذا في الفرع كأصله. وقال في الفتح في رواية الكشميهني: إذ جاءه بدل أنه قال والأول أولى والنفر الثلاثة لم أقف على أسمائهم صريحًا لكنهم من الملائكة لكن في رواية ميمون بن سياه عن أنس عند الطبري فأتاه جبريل وميكائيل (قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أوّلهم: أيّهم هو)؟ محمد، وقد روي أنه كان نائمًا معه حينئذٍ عمه حمزة بن عبد المطلب وابن عمه جعفر بن أبي طالب (فقال: أوسطهم هو خيرهم: فقال آخرهم): ولأبي ذر عن الكشميهني فقال أحدهم أي أحد النفر الثلاثة (خذوا خيرهم) للعروج به إلى السماء (فكانت تلك الليلة) أي فكانت تلك القصة الواقعة تلك الليلة ما ذكر هنا فالضمير المستتر في كانت لمحذوف وكذا خبر كان (فلم يرهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك (حتى أتوه ليلة أخرى) أي يعين المدة بين المجيئين فيحمل على أن المجيء الثاني كان بعد أن أوحي إليه، وحينئذٍ وقع الإسراء والمعراج إذا كان بين المجيئين مدة فلا فرق بين أن تكون تلك المدة ليلة واحدة أو ليالي كثيرة أو عدة سنين، وبهذا يحصل الجواب عما استشكله الخطابي وابن حزم وعبد الحق وعياض والنووي من قوله قبل أن يوحى إليه، ونسبتهم رواية شريك إلى الغلط لأن المجمع عليه أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء، فكيف يكون قبل أن يوحى إليه وإن شريكًا تفرّد بذلك فارتفع الإشكال. كذا قرره الحافظ ابن حجر رحمه الله. وقيل: المراد قبل أن يوحى إليه في بيان الصلاة ومنهم مَن أجراه على ظاهره ملتزمًا أن الإسراء كان مرتين قبل النبوّة وبعدها كما حكاه في المصابيح، ونقلته عنه في كتابي المواهب اللدنية. وأما دعواهم تفرّد شريك فقال الحافظ أيضًا: إنه قد وافقه كثير بن خنيس بالخاء المعجمة ونون مصغرًا عن أنس كما أخرجه سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي في كتاب المغازي من طريقه وكان مجيء الملائكة له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه وكانت الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم) الثابت في الروايات أنه كان في اليقظة فإن قلنا بالتعدد فلا إشكال، وإلاّ فيحمل هذا مع قوله آخر الحديث. واستيقظ وهو في المسجد الحرام على أنه كان في طرفي القصة نائمًا وليس في ذلك ما يدل على كونه نائمًا فيها كلها (فلم يكلموه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم فتولاه منهم جبريل) عليه السلام (فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته) بفتح اللام والموحدة المشددة موضع القلادة من الصدر ومن هنا تنحر الإبل (حتى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده) بيد جبريل (حتى أنقى جوفه) ليتهيأ للترقي إلى الملأ الأعلى ويثبت في المقام الأسنى ويتقوّى لاستجلاء الأسماء الحسنى وكذا وقع شق صدره الشريف في صغره عند حليمة وعند النبوّة ولكلٍّ حكمة، بل ذكر الشق مرة أخرى نبهت عليها مع غيرها في المواهب تبعًا للحافظ ابن حجر. (ثم أتى) عليه الصلاة والسلام (بطست من ذهب) وكان إذ ذاك لم يحرم اسعماله (فيه تور من ذهب) بالمثناة الفوقية من تور وهو إناء يشرب فيه وهو يقتضي أن يكون غير الطست وأنه كان داخل الطست (محشوًّا إيمانًا وحكمة). قال في الفتح قوله محشوًّا حال من الضمير في الجار والمجرور والتقدير بطست كائن من ذهب فنقل الضمير من اسم الفاعل إلى الجار والمجرور وأما إيمانًا فعلى التمييز وتعقبه العيني فقال فيه نظر، والذي يقال إن محشوًّا حال من التور الموصوف

بقوله من ذهب، وأما إيمانًا فمفعول قوله محشوًّا لأن اسم المفعول يعمل عمل فعله وحكمة عطف عليه ويحتمل أن يكون أحد الإناءين أعني الطست والتور فيه ماء زمزم والآخر المحشوّ بالإيمان وأن يكون التور ظرف الماء وغيره والطست لما يصب فيه عند الغسل صيانة له عن التبدّد في الأرض والمراد أن الطست كان فيه شيء يحصل به كمال الإيمان فالمراد سببهما مجازًا (فحشا به) بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة (صدره ولغاديده) بالغين المعجمة والمهملتين بينهما تحتية ساكنة، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فحشي بضم الحاء وكسر الشين به صدره ولغاديده برفعهما وفسر اللغاديد قوله (يعني عروق حلقه ثم أطبقه) ثم أركبه البراق إلى بيت المقدس (ثم عرج به إلى السماء الدنيا) بفتح العين والجيم (فضرب بابًا من أبوابها فناداه أهل السماء مَن هذا؟ فقال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال) قائلهم (وقد بعث إليه)؟ للإسراء وصعود السماوات وليس المراد الاستفهام عن أصل البعثة والرسالة فإن ذلك لا يخفى عليه إلى هذه المدة ولأن أمر نبوته كان مشهورًا في الملكوت الأعلى وهذا هو الصحيح (قال) جبريل: (نعم. قالوا: فمرحبًا به وأهلاً فيستبشر به أهل السماء) وسقطت الفاء من فيستبشر للأصيلي وزاد أي الأصيلي الدنيا (لا يعلم أهل السماء بما) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني ما (يريد الله) عز وجل (به في الأرض حتى يعلمهم) أي على لسان من شاء كجبريل عليه السلام (فوجد في السماء الدنيا أم) عليه السلام (فقال له جبريل: هذا أبوك فسلّم) وللأصيلي أبوك آدم فسلم (عليه فسلم عليه وردّ عليه آدم) السلام (فقال مرحبًا وأهلاً يا بني نعم الابن أنت فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين) بفتح الهاء (يطّردان) بتشديد الطاء المهملة يجريان (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لجبريل: (ما هذان النهران يا جبريل؟ قال: هذان النيل والفرات عنصرهما) بضم العين والصاد المهملتين أي أصلهما (ثم مضى به في السماء) أي الدنيا (فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب يده) أي في النهر وللأصيلي بيده (فإذا هو مسك) ولأبي ذر والأصيلي مسك أذفر بالذال المعجمة جيد الرائحة (قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك) خبأ بالخاء المعجمة والموحدة المفتوحتين مهمز أي ادّخر لك (ربك) ولأبي ذر عن الكشميهني: حباك بفتح الحاء المهملة والموحدة وبعد الألف كاف به ربك. هذا مما استشكل من رواية شريك فإن الكوثر في الجنة والجنة في السماء السابعة، ويحتمل أن يكون هنا حذف تقديره ثم مضى به في السماء الدنيا إلى السابعة فإذا هو بنهر (ثم عرج إلى السماء) ولأبي ذر والأصيلي ثم عرج به إلى السماء (الثانية فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى من هذا؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم. قالوا: مرحبًا به وأهلاً. ثم عرج به) جبريل (إلى السماء الثالثة وقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية ثم عرج به) جبريل (إلى الرابعة فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به) جبريل (إلى السماء الخامسة فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به) جبريل (إلى السادسة) ولأبي ذر إلى السماء السادسة (فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به) جبريل (إلى السماء السابعة فقالوا له مئل ذلك كل سماء فيها أنبياء قد سماهم فأوعيت) بفتح الهمزة والعين ولأبي ذر عن الكشميهني فوعيت (منهم إدريس) وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي قد سماهم منهم إدريس (في الثانية، وهارون في الرابعة وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه وإبراهيم في السادسة وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله) عز وجل أي بسبب أن له فضل لام الله إياه. وهذا موضع الترجمة من الحديث. (فقال موسى رب لم أظن أن يرفع) بضم التحتية وفتح الفاء (عليّ) بتشديد الياء (أحد) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لم أظن أن ترفع عليّ أحدًا

(ثم علا به) جبريل (فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله) عز وجل (حتى جاء سدرة المنتهى) إليها ينتهي علم الملائكة ولم يجاوزها أحد إلا نبيّنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ودنا الجبار ربّ العزة) دنوّ قرب ومكانة لا دنو مكان ولا قرب زمان إظهارًا لعظيم منزلته وحظوته عند ربه تعالى ولأبي ذر ودنا للجبار (فتدلى) طلب زيادة القرب، وحكى مكي والماوردي عن ابن عباس هو الرب دنا من محمد فتدلى إليه أي أمره وحكمه (حتى كان منه قاب قوسين) قدر قوسين ما بين مقبض القوس والسية بكسر السين المهملة والتحتية الخفيفة وهي ما عطف من طرفيها ولكل قوس قابان وقاب قوسين بالنسبة له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عبارة عن نهاية القرب ولطف المحل وإيضاح المعرفة وبالنسبة إلى الله إجابة ورفع درجة (أو أدنى) أي أقرب (فأوحى الله) زاد أبو الوقت وأبو ذر عن الكشميهني إليه (فيما أوحى) ولغير أبي ذر إليه ولأبي ذر والأصيلي وأبي الوقت فيما يوحي بكسر الحاء (خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط) صلوات الله وسلامه عليه (حتى بلغ موسى) عليه السلام (فاحتبسه موسى فقال) له (يا محمد ماذا عهد إليك ربك) أي ماذا أمرك أو أوصاك (قال: عهد إليّ) أن أصلي (خمسين صلاة كل يوم وليلة) وآمر بها أمتي (قال) له موسى: (إن أمتك لا تستطيع ذلك فارجع) إلى ربك (فليخفف عنك ربك وعنهم) وعن أمتك (فالتفت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك) الذي قاله موسى من الرجوع للتخفيف (فأشار إليه جبريل أن نعم) بفتح الهمزة وتخفيف النون مفسرة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أي نعم بالتحتية بدل النون وهما بمعنى (إن شئت فعلاً به) جبريل (إلى الجبار) تعالى (فقال) عليه الصلاة والسلام (وهو مكانه) أي في مقامه الأوّل الذي قام فيه قبل هبوطه (يا رب خفّف عنّا فإن أمتي لا تستطيع هذا) المأمور به من الخمسين صلاة (فوضع) تعالى (عنه عشر صلوات) من الخمسين (ثم رجع إلى موسى فاحتبسه فلم يزل يردّده موسى إلى ربه) تعالى (حتى صارت إلى خمس صلوات ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال: يا محمد والله لقد راودت) أي راجعت (بني إسرائيل قومي على أدنى) أي أقل (من هذا) القدر (فضعفوا فتركوه) ولأبي ذر عن الكشميهني من هذه الصلوات الخمس فضعفوا، وفي تفسير ابن مردويه من رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس فرض على بني إسرائيل صلاتان فما قاموا بهما (فأمتك أضعف أجسادًا وقلوبًا وأبدانًا وأبصارًا وأسماعًا) والأجسام بالميم والأجساد بالدال سواء والجسم والجسد جميع الشخص والأجسام أعم من الأبدان لأن البدن من الجسد ما سوى الرأس والأطراف وقيل البدن أعالي الجسد دون أسافله (فارجع) إلى ربك (فليخفف عنك ربك. كل ذلك) أي في كل ذلك (يلتفت) بتحتية فلام ساكنة، وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي يتلفت بفوقية بعد التحتية وتشديد الفاء (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل فرفعه عند) المرة (الخامسة فقال: يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني وأسماعهم وأبصارهم وأبدانهم (فخفف عنا. فقال الجبار: يا محمد. قال: لبيك) رب (وسعديك. قال: إنه لا يبدل القول لديّ كما فرضت) ولأبي ذر فرضته (عليك) أي وعلى أمتك (في أم الكتاب) وهو اللوح المحفوظ (قال: فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك) أي وعلى أمتك (فرجع) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى موسى فقال) له (كيف فعلت؟ فقال: خفف) ربنا (عنا أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها. قال موسى: قد والله راودت) راجعت (بني إسرائيل على أدنى) أقل (من ذلك فتركوه) وقوله راودت متعلق بقد القسم بينهما مقحم لإرادة التأكيد (ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضًا. قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا موسى قد والله استحييت

تنبيه:

من ربي مما اختلفت إليه) بهمزة وصل وفتح اللام وسكون الفاء بعدها فوقية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي مما اختلف بهمزة قطع وكسر اللام وحذف الفوقية (قال) له جبريل: (فاهبط بسم الله) وليس القائل اهبط موسى وإن كان هو ظاهر السياق (قال: واستيقظ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وهو في مسجد الحرام). بغير ألف ولام في الأول أي استيقظ من نومة نامها بعد الإسراء أو أنه أفاق مما كان فيه مما خامر باطنه من مشاهدة الملأ الأعلى فلم يرجع إلى حال بشريته إلا وهو نائم. تنبيه: قال الخطابي: هذه القصة كلها إنما هي حكاية يحكيها أنس من تلقاء نفسه لم يعزها إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا نقلها عنه ولا أضافها إلى قوله، فحاصل النقل أنها من جهة الراوي إما من أنس وإما من شريك فإنه كثير التفرّد بمناكير الألفاظ التي لا يتابعه عليها سائر الرواة انتهى. وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن ما نفاه من أن أنسًا لم يسند هذه القصة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تأثير له، فأدنى أمره أن يكون مرسل صحابي، وإما أن يكون تلقاها عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو عن صحابي تلقاها عنه، ومثل ما اشتملت عليه هذه القصة لا يقال بالرأي فله حكم الرفع، ولو كان لما ذكره تأثير لم يحمل حديث أحد روى مثل ذلك على الرفع أصلاً، وهو خلاف عمل المحدّثين قاطبة فالتعليل بذلك مردود. وقال أبو الفضل بن طاهر: تعليل الحديث بتفرّد شريك ودعوى ابن حزم أن الآفة منه شيء لم يسبق إليه فإن شريكًا قبله أئمة الجرح والتعديل ووثقوه ورووا عنه وأدخلوا حديثه في تصانيفهم واحتجوا به قال: وحديثه هذا رواه عنه سليمان بن بلال وهو ثقة وعلى تقدير تفرّده بقوله قبل أن يوحى إليه لا يقتضي طرح حديثه فوهم الثقة في موضع من الحديث لا يسقط جميع الحديث، ولا سيما إذا كان الوهم لا يستلزم ارتكاب محذور ولو ترك حديث من وهم في تاريخ لترك حديث جماعة من أئمة المسلمين. وقال الحافظ ابن حجر: ومجموع ما خالفت فيه رواية شريك غيره من المشهورين عشرة أشياء بل تزيد على ذلك وهي أمكنة الأنبياء في السماوات وقد أفصح بأنه لم يضبط منازلهم، وقد وافقه الزهري في بعض ما ذكر كما في أول الصلاة، وكون المعراج قبل البعثة وسبق الجواب عنه وكونه منامًا وسبق ما فيه ومحل سدرة المنتهى وأنها فوق السابعة بما لا يعلمه إلا الله، والمشهور أنها في السابعة أو السادسة، ومخالفته في النهرين النيل والفرات وأن عنصرهما في السماء الدنيا، والمشهور أنهما في السابعة، وشق الصدر عند الإسراء، وذكر نهر الكوثر في السماء الدنيا، والمشهور أنه في الجنة ونسبة الدنوّ والتدلي إلى الله تعالى، والمشهور في الحديث أنه جبريل وتصريحه بأن امتناعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الرجوع إلى سؤال ربه التخفيف كان عند الخامسة فخالف ثابتًا عن أنس وأنه وضع عنه في كل مرة خمسًا وأن المراجعة كانت تسع مرات، وقوله فعلاً به إلى الجبار فقال وهو مكانه وقد سبق ما فيه ورجوعه بعد الخمس، والمشهور في الأحاديث أن موسى عليه السلام أمره بالرجوع بعد أن انتهى التخفيف إلى الخمس فامتنع وزيادته ذكر التور في الطست وسبق ما فيه اهـ. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله بتفضيل كلام الله كما نبهت عليه. 38 - باب كَلاَمِ الرَّبِّ مَعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثم (باب كلام الرب) تعالى (مع أهل الجنة) فيها. 7518 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِى يَدَيْكَ فَيَقُولُ هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى يَا رَبِّ وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَلاَ أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ وَأَىُّ شَىْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِى فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي الكوفي نزيل مصر قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) العدوي مولى عمر (عن عطاء بن يسار) الهلالي مولى ميمونة (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الله) تعالى (يقول لأهل الجنة) وهم فيها (يا أهل الجنة فيقولون لبيك) يا (ربنا وسعديك والخير في يديك) خصّه رعاية للأدب (فيقول) تعالى لهم (هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك فيقول) جل

39 - باب ذكر الله بالأمر وذكر العباد بالدعاء والتضرع والرسالة والإبلاغ

جلاله (ألا) بالتخفيف (أعطيكم) بضم الهمزة (أفضل من ذلك) الذي أعطيتكم من نعيم الجنة (فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول) جل وعز (أحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا). ومفهومه أن لله أن يسخط على أهل الجنة لأنه متفضل عليهم بالإنعامات كلها سواء كانت دنيوية أو أخروية، وكيف لا والعمل المتناهي لا يقتضي الأجزاء متناهيًا، وفي الجملة لا يجب على الله شيء أصلاً قاله الكرماني، وهو مأخوذ من كلام ابن بطال، وظاهر الحديث أيضًا أن الرضا أفضل من اللقاء. وأجيب: بأنه لم يقل أفضل من كل شيء بل أفضل من الإعطاء واللقاء يستلزم الرضا فهو من باب إطلاق اللازم وإرادة الملزوم كذا نقله في الكواكب. قال في الفتح: ويحتمل أن يقال المراد حصول أنواع الرضوان ومن جملتها اللقاء وحينئذٍ فلا إشكال. والمطابقة ظاهرة وأخرجه في الرقاق في باب صفة الجنة والنار. 7519 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، حَدَّثَنَا هِلاَلٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ: «أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِى الزَّرْعِ فَقَالَ أَوَ لَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى، وَلَكِنِّى أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ فَإِنَّهُ لاَ يُشْبِعُكَ شَىْءٌ». فَقَالَ الأَعْرَابِىُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَجِدُ هَذَا إِلاَّ قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، فَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون الأولى العوقي قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء مصغرًا ابن سليمان قال: (حدّثنا هلال) هو ابن علي (عن عطاء بن يسار) بالسين المهملة المخففة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبى ذر أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يومًا يحدّث) أصحابه (وعنده رجل من أهل البادية) لم يسم. (أن رجلاً من أهل الجنة استأذن) بصيغة الماضي ولأبي ذر عن الحموي يستأذن (ربه في الزرع فقال: أولست) وللكشميهني فقال له أولست (فيما شئت) من المشتهيات (قال: بلى) يا رب (ولكني) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ولكن (أحب أن أزرع) فأذن له (فأسرع وبذر) بالذال المعجمة (فتبادر) ولأبي ذر عن الكشميهني فبادر (الطرف) بفتح الطاء منصوب مفعول لقوله (نباته واستواؤه واستحصاده وتكويره) جمعه في البيدر (أمثال الجبال) يعني نبت واستوى إلى آخره قبل طرفة العين (فيقول الله تعالى دونك) خذه (يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء) أي لما طبع عليه لأنه لا يزال يطلب الازدياد إلا من شاء الله، وقوله: لا يشبعك بضم التحتية وسكون الشين المعجمة بعدها موحدة مكسورة. واستشكل هذا بقوله تعالى: {إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى} [طه: 118] وأجيب: بأن نفي الشبع أعم من الجوع لثبوت الواسطة وهي الكفاية وأكل أهل الجنة لا عن جوع فيها أصلاً لنفي الله له عنهم، واختلف في الشبع والمختار أن لا شبع لأنه لو كان فيها لمنع طول الأكل المستلذ وإنما أراد الله تعالى بقوله: لا يشبعك شيء ذم ترك تلك القناعة بما كان وطلب الزيادة عليه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: لا يسعك بفتح التحتية والسين المهملة من الوسع (فقال الأعرابي: يا رسول الله لا تجد هذا) الذي زرع في الجنة (إلا قرشيًّا أو أنصاريًّا فإنهم أصحاب زرع فأما نحن) أهل البادية (فلسنا بأصحاب زرع فضحك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). ومطابقة الحديث ظاهرة. وسبق في كتاب المزارعة في باب مجرد عقب باب كراء الأرض بالذهب. 39 - باب ذِكْرِ اللَّهِ بِالأَمْرِ وَذِكْرِ الْعِبَادِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَالرِّسَالَةِ وَالإِبْلاَغِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ: لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِى وَتَذْكِيرِى بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَىَّ وَلاَ تُنْظِرُونِ * فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 71، 72] غُمَّةٌ: هَمٌّ وَضِيقٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ: {اقْضُوا إِلَىَّ} [يونس: 71] {مَا فِى أَنْفُسِكُمْ} يُقَالُ افْرُقِ: اقْضِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ} [التوبة: 71] إِنْسَانٌ يَأْتِيهِ فَيَسْتَمِعُ مَا يَقُولُ: وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَهْوَ آمِنٌ حَتَّى يَأْتِيَهُ فَيَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ وَحَتَّى يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ حَيْثُ جَاءَهُ {النَّبَأُ الْعَظِيمُ} [النبأ: 2] الْقُرْآنُ صَوَابًا حَقًّا فِى الدُّنْيَا وَعَمَلٌ بِهِ. (باب ذكر الله) تعالى لعباده يكون (بالأمر) لهم والإنعام عليهم إذ أطاعوه أو بعذابه إذا عصوه (وذكر العباد) له تعالى (بالدعاء والتضرع والرسالة والإبلاغ) ولأبي ذر عن الكشميهني: والبلاغ لغيرهم من الخلق ما وصل إليهم من العلوم (لقوله تعالى: {فاذكروني أذكركم} [البقرة: 152]) الذكر يكون بالقلب والجوارح فذكر اللسان الحمد والتسبيح والتمجيد وقراءة القرآن وذكر القلب التفكّر في الدلائل الدالة على ذاته وصفاته والتفكّر في الجواب عن الشبه العارضة في تلك الدلائل والتفكر في الدلائل الدالة على كيفية تكاليفه من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده، فإذا عرفوا كيفية التكليف وعرفوا ما في الفعل من الوعد وفي الترك من الوعيد سهل فعله عليهم والتفكّر في أسرار مخلوقاته تعالى، وأما الذكر بالجوارح فهو عبارة عن كون الجوارح مستغرقة في الأعمال التي أمروا بها وخالية عن الأعمال التي نهوا عنها فقوله تعالى: {فاذكروني} تضمن جميع الطاعات ولهذا قال سعيد بن جبير: اذكروني

بطاعتي أذكركم بمغفرتي فأجمله حتى يدخل الكل فيه. وقال ابن عباس فيما ذكره السفاقسي: ما من عبد يذكر الله تعالى إلا ذكره الله تعالى لا يذكره مؤمن إلا ذكره برحمته، ولا يذكره كافر إلا ذكره بعذابه، وقيل المراد ذكره باللسان وذكره بالقلب عندما يهم العبد بالسيئة فيذكر مقام ربه. وقال قوم: إن هذا الذكر أفضل وليس كذلك بل ذكره بلسانه، وقوله لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه أعظم من ذكره بالقلب دون اللسان. وذكر البدر الدماميني أنه سمع شيخه ولي الدين بن خلدون يذكر أنه كان بمجلس شيخه ابن عبد السلام شارح ابن الحاجب الفرعي وهو يتكلم على آية وقع فيها الأمر بذكر الله ورجح أن يكون المراد بالذكر اللساني لا القلبي، فقال له الشريف التلمساني: قد علم أن الذكر ضد النسيان وتقرر في محله أن الضد إذا تعلق بمحل وجب تعلق ذلك الضد الآخر بعين ذلك المحل ولا نزاع في أن النسيان محله القلب فليكن الذكر كذلك عملاً بهذه القاعدة، فقال له ابن عبد السلام على الفور: يمكن أن يعارض هذا بمثله فيقال قد علم أن الذكر ضد الصمت ومحل الصمت اللسان، فليكن الذكر كذلك عملاً بهذه القاعدة انتهى. وقوله تعالى: ({واتل عليهم نبأ نوح}) خبره مع قومه ({إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر}) عظم ({عليكم مقامي}) مكاني يعني نفسه أو قيامي مكاني بين أظهركم ألف سنة إلا خمسين عامًا وهو من باب الإسناد المجازي كقولهم ثقل عليّ ظله ({وتذكيري بآيات الله}) لأنهم كانوا إذا وعظوا الجماعة قاموا على أرجلهم يعظونهم ليكون مكانهم بيّنّا وكلامهم مسموعًا ({فعلى الله توكلت}) جواب الشرط وتاليه عطف عليه وهو قوله ({فأجمعوا أمركم وشركاءكم}) أي مع شركائكم ({ثم لا يكن أمركم عليكم غمة}) فسر بالسترة من غمه إذا ستره، والمعنى حينئذٍ ولا يكن قصدكم إلى إهلاكي مستورًا عليكم وليكن مكشوفًا مشهورًا تجاهرونني به ({ثم اقضوا إليّ}) ذلك الأمر الذي تريدون بي ({ولا تنظرون}) ولا تمهلون ({فإن توليتم}) فإن أعرضتم عن تذكيري ونصيحتي ({فما سألتكم من أجر}) فأوجب التولي ({إن أجري إلا على الله}) وهو الثواب الذي يثيبني به في الآخرة أي ما فصحتكم إلا لله لا لغرض من أغراض الدنيا ({وأمرت أن أكون من المسلمين} [يونس: 71، 72]) أي من المستسلمين لأوامره ونواهيه، وسقط لأبي ذر من قوله: {وتذكيري بآيات الله} الخ وقال إلى قوله: {وأمرت أن أكون من المسلمين} وقوله: {غمة} فسره بقوله: {همّ وضيق} وقال في اللباب: يقال غم وغمة نحو كرب وكربة. قال أبو الهيثم: غمّ علينا الهلال فهو مغموم إذا التمس فلم ير، قال طرفة بن العبد: لعمرك ما أمري عليّ بغمة ... نهاري ولا ليلي عليّ بسرمدي وقال الليث: هو في غمة من أمره إذا لم يتبين له. (قال مجاهد) المفسر فيما وصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: ({اقضوا إليّ} [يونس: 71]) أي ({ما في أنفسكم}) وقال غير مجاهد (يقال افرق) أي (اقض. وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي أيضًا بالسند السابق ({وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} [التوبة: 6] (إنسان) من المشركين (يأتيه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فيستمع ما يقول) من كلام الله (وما أنزل) بضم الهمزة وكسر الزاي ولأبي ذر ما ينزل (عليه) بتحتية بدل الهمزة مضمومة مع فتح الزاي أو مفتوحة مع كسرها (فهو آمن حتى يأتيه) عليه الصلاة والسلام (فيسمع منه كلام الله) ولأبي ذر عن الكشميهني حين يأتيه فيسمع كلام الله (وحتى يبلغ مأمنه حيث جاء) يعني إن أراد مشرك سماع كلام الله فأعرض عليه القرآن وبلغه إليه وأمنه عند السماع، فإن أسلم فذاك وإلاّ فردّه إلى مأمنه من حيث أتاك. وقال مجاهد أيضًا فيما وصله الفريابي أيضًا ({النبأ العظيم} [النبأ: 2]) هو (القرآن) وقوله (صوابًا) أي قال (حقًّا في الدنيا وعمل به) فإنه يؤذن له يوم القيامة بالتكلم وللأصيلي وعملاً بدل قوله وعمل، واستطرد المصنف بذكره هنا على

40 - باب قول الله تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادا}

عادته في المناسبة والمقصود من ذكر هذه الآية في هذا الباب أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مذكور بأنه أمر بالتلاوة على الأمة والتبليغ إليهم وأن نوحًا كان يذكّرهم بآيات الله وأحكامه كما أن المقصود بالباب في هذا الكتاب بيان كونه تعالى ذاكرًا ومذكورًا بمعنى الأمر والدعاء، ولم يذكر المصنف في هذا الباب حديثًا مرفوعًا، ولعله كان بيض له فأدمجه النساخ كغيره مما بيضه. 40 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة: 22] وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [فصّلت: 9] وَقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] {وَلَقَدْ أُوحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [ازمر: 65، 66]. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ وَمَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ؟ لَيَقُولُنَّ: اللَّهُ. فَذَلِكَ إِيمَانُهُمْ وَهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ، وَمَا ذُكِرَ فِى خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَأَكْسَابِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2]. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ إِلاَّ بِالْحَقِّ بِالرِّسَالَةِ وَالْعَذَابِ {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 8] الْمُبَلِّغِينَ الْمُؤَدِّينَ مِنَ الرُّسُلِ وَإِنَّا لَهُ حَافِظُونَ عِنْدَنَا وَالَّذِى جَاءَ بِالصِّدْقِ الْقُرْآنُ وَصَدَّقَ بِهِ الْمُؤْمِنُ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: هَذَا الَّذِى أَعْطَيْتَنِى عَمِلْتُ بِمَا فِيهِ. (باب قول الله تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادًا} [البقرة: 22]) أي اعبدوا ربكم فلا تجعلوا له أندادًا لأن أصل العبادة وأساسها التوحيد وأن لا يجعل لله ندّ ولا شريك والندّ المثل ولا يقال إلا للمثل المخالف المناوئ (وقوله جلّ ذكره: {وتجعلون له أندادًا}) شركاء وأشباهًا ({ذلك}) الذي خلق ما سبق ({رب العالمين} [فصلت: 9]) خالق جميع الموجودات لتكون منافع (وقوله) تعالى: ({والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر} [الفرقان: 68]) أي لا يشركون ({ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك}) من الأنبياء عليهم السلام ({لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين}) وحد أشركت والموحى إليهم جماعة لأن المعنى أوحى إليك لئن أشركت ليحبطن عملك وإلى الذين من قبلك مثله واللام الأولى موطئة للقسم المحذوف والثانية لام الجواب، وهذا الجواب سادّ مسدّ الجوابين أعني جوابي القسم والشرط، وإنما صح هذا الكلام مع علمه تعالى بأن رسله لا يشركون لأن الخطاب للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمراد به غيره أو لأنه على سبيل الفرض والمحالات يصح فرضها والغرض تشديد الوعيد على من أشرك وأن للإنسان عملاً يُثاب عليه إذا سلم من الشك ويبطل ثوابه إذا أشرك ({بل الله فاعبد}) رد لما أمروه به من عبادة آلهتهم ({وكن من الشاكرين} [الزمر: 65، 66]) على ما أنعم به عليك، وسقط قوله: {ولتكونن} إلى آخره لأبي ذر وقال إلى قوله: {بل الله فاعبد وكن من الشاكرين}. (وقال عكرمة) مولى ابن عباس فيما وصله الطبري (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ولئن سألتهم}) وللأصيلي لئن تسألهم ولأبي ذر قال: لئن سألتهم ({من خلقهم ومن خلق السماوات والأرض ليقولن الله}) بتشديد النون ولأبي ذر والأصيلي فيقولون بالتخفيف وزيادة واو وفاء بدل اللام (فذلك) القول (إيمانهم وهم يعبدون غيره) تعالى من الأصنام ونحوها. (و) باب (ما ذكر في خلق أفعال العباد) ولأبي ذر عن الكشميهني أعمال العباد (واكتسابهم لقوله تعالى: {وخلق كل شيء}) أي أحدث كل شيء وحده ({فقدره تقديرًا} [الفرقان: 2]) فهيأه لما يصلح له بلا خلل فيه وهو يدل على أنه تعالى خلق الأعمال من وجهين أحدهما أن قوله كل شيء يتناول جميع الأشياء ومن جملتها أفعال العباد، وثانيها أنه تعالى نفى الشريك فكأن قائلاً قال: هنا أقوام معترفون بنفي الشركاء، والأنداد ومع ذلك يقولون بخلق أفعال أنفسهم فذكر الله هذه الآية ردًّا عليهم ولا شبهة فيها لمن لا يقول الله شيء ولا لمن يقول بخلق القرآن لأن الفاعل بجميع صفاته لا يكون مفعوله. (وقال مجاهد) المفسر فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({ما تنزل الملائكة إلا بالحق} [الحجر: 8]) أي (بالرسالة والعذاب). وقال في الكواكب: ما ننزل الملائكة بالنون ونصب الملائكة استشهاد لكون نزول الملائكة بخلق الله وبالتاء المفتوحة والرفع لكون نزولهم بكسبهم ({ليسأل الصادقين عن صدقهم} [الأحزاب: 8]) أي (المبلغين المؤدين) بكسر اللام والدال المشدّدتين فيهما (من الرسل) أي الأنبياء المبلغين المؤدين الرسالة عن تبليغهم والتفسير بهم إنما هو بقرينة السابق عليهم وهو قوله تعالى: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقًا غليظًا} [الأحزاب: 7] وهو لبيان الكسب حيث أسند الصدق إليهم والميثاق ونحوه ({وإنا له حافظون}) ولأبوي الوقت وذر: لحافظون ({عندنا}) هو أيضًا من قول مجاهد أخرجه الفريابي، وقال مجاهد أيضًا مما وصله الطبري: ((والذي جاء بالصدق} [الزمر: 33]) هو (القرآن وصدق به) هو (المؤمن يقول يوم القيامة هذا الذي أعطيتني عملت بما فيه) وهو أيضًا للكسب إذا أضيف التصديق إلى المؤمن لا سيما وأضاف العمل أيضًا إلى

41 - باب

نفسه حيث قال: عملت له جهتان فأثبتهما بالآيات وقد اجتمعتا في كثير من الآيات نحو ويمدهم في طغيانهم يعمهون قاله في الكواكب. قال ابن بطال: غرض البخاري في هذا الباب نسبة الأفعال كلها لله تعالى سواء كانت من المخلوقين خيرًا أو شرًّا فهي له خلق وللعباد كسب ولا ينسب شيء من الخلق لغير الله تعالى فيكون شريكًا وندًّا ومساويًا له في نسبة الفعل إليه، وقد نبّه الله تعالى عباده على ذلك بالآيات المذكورة وغيرها المصرّحة بنفي الأنداد والآلهة المدعوّة معه، فتضمنت الرد على من يزعم أنه يخلق أفعاله، وفيه الرد على الجهمية حيث قالوا لا قدرة للعبد أصلاً، وعلى المعتزلة حيث قالوا لا دخل لقدرة الله فيها إذ المذهب الحق لا جبر ولا قدر، ولكن أمر بين أمرين أي بخلق الله وكسب العبد وهو قول الأشعرية وللعبد قدرة فلا جبر، وبها يفرق بين النازل من المنارة والساقط منها، ولكن لا تأثير لها بل الفعل واقع بقدرة الله وتأثير قدرته فيه بعد تأثير قدرة العبد عليه وهذا هو المسمى بالكسب. 7520 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَىُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ». قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ قُلْتُ: ثُمَّ أَىّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قُلْتُ: ثُمَّ أَىّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تُزَانِىَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عمرو بن شرحبيل) بفتح العين وشرحبيل بضم المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة لام منصرفًا وغير منصرف الهمداني أبي ميسرة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيّ الذنب أعظم عند الله؟ قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أن تجعل لله ندًّا) بكسر النون وتشديد المهملة مثلاً وشريكًا ولأبي ذر والحموي أن تجعل له ندًّا (وهو خلقك. قلت: إن ذلك لعظيم. قلت: ثم أيّ) أي أيّ شيء من الذنوب أعظم بعد الكفر (قال) عليه الصلاة والسلام (ثم أن تقتل ولدك) بفتح الهمزة (تخاف) بالفوقية والمعجمة المفتوحتين (أن يطعم معك) بفتح التحتية والعين (قلت: ثم أيّ) بسكون أيّ مشددة في اليونينية (قال: ثم أن تزاني بحليلة جارك) بالحاء المهملة أي بزوجته قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" فالزنا بزوجة الجار زنًا وإبطال حق الجار مع الخيانة فهو أقبح. والغرض من الحديث هنا الإشارة إلى أن من زعم أنه يخلق فعل نفسه يكون كمن جعل لله ندًّا، وقد ورد فيه الوعيد الشديد فيكون اعتقاده حرامًا قاله في فتح الباري. وأخرج الحديث في باب إثم الزناة من الحدود. 41 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ} [فصّلت: 22]. (باب قول الله تعالى: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم}) أي أنكم كنتم تستترون بالحيطان والحجب عند ارتكاب الفواحش وما كان استتاركم ذلك خيفة أن يشهد عليكم جوارحكم لأنكم كنتم غير عالمين بشهادتها عليكم بل كنتم جاحدين البعث والجزاء أصلاً ({ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون} [فصّلت: 22]) ولكنكم إنما استترتم لظنكم أن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون وهو الخفيات من أعمالكم وسقط لأبي ذر قوله: {ولا أبصاركم} إلى آخر الآية وقال بعد قوله سمعكم الآية. 7521 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِى مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنه - قَالَ: اجْتَمَعَ عِنْدَ الْبَيْتِ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِىٌّ -أَوْ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِىٌّ- كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ قَالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلاَ يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا وَقَالَ الآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ} [فصّلت: 22] الآيَةَ. وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا منصور) هو ابن المعتمر (عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر المكي (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة الأزدي (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: اجتمع عند البيت) الحرام (ثقفيان) بالمثلثة ثم القاف ثم الفاء (وقرشيّ أو قرشيان) هما صفوان وربيعة ابنا أمية بن خلف (وثقفي) هو عبد يا ليل بن عمرو بن عمير وقيل حبيب بن عمرو، وقيل الأخنس بن شريق والشك من الراوي وعند ابن بشكوال القرشي الأسود بن عبد يغوث الزهري والثقفيان الأخنس بن شريق والآخر لم يسم (كثيرة) بالتنوين (شحم بطونهم) بإضافة شحم لتاليه وللأصيلي شحوم بلفظ الجمع (قليلة) بالتنوين (فقه قلوبهم) بالإضافة أيضًا، وقوله: كثيرة شحم بطونهم قليلة فقه قلوبهم قال الكرماني وغيره: بطونهم مبتدأ كثيرة شحم خبره إن كان البطون مرفوعًا والكثيرة مضافة

42 - باب قول الله تعالى: {كل يوم هو فى شأن}

إلى الشحم وإن كان بطونهم مجرورًا بالإضافة فيكون الذي هو مضاف مرفوعًا بالابتداء وكثيرة خبره مقدمًا، وهذا الثاني هو الذي في الفرع قالوا: وأنث الشحم والفقه لإضافتهما إلى بطون والقلوب، والتأنيث يسري من المضاف إليه إلى المضاف قال في المصابيح وهذا غلط لأن المسألة مشروطة بصلاحية المضاف للاستغناء عنه فلا يجوز غلام هند ذهبت، ومن ثم ردّ ابن مالك في التوضيح قول أبي الفتح في توجيه قراءة أبي العالية: يوم لا تنفع نفسًا إيمانها بتأنيث الفعل إنه من باب قطعت بعض أصابعه لأن المضاف هنا لو سقط لقيل نفسًا لا تنفع بتقديم المفعول ليرجع إليه الضمير المستتر المرفوع الذي ناب عن الإيمان في الفاعلية ويلزم من ذلك تعدّي فعل المضمر المتصل إلى ظاهره نحو قولك: زيد أظلم تريد أنه ظلم نفسه وذلك لا يجوز، وإنما الوجه في الحديث أن يكون أفرد الشحم والفقه والمراد الشحوم والمفهوم لأمن اللّبس ضرورة أنّ البطون لا تشترك في شحم واحد بل لكل بطن منها شحم يخصه وكذلك الفقه بالنسبة إلى القلوب اهـ. (فقال أحدهم) للآخرين: (أترون) بفتح الفوقية وتضم (إن الله يسمع ما نقول. قال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا. وقال الآخر) وهو أفطن أصحابه (إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا) ووجه الملازمة في قوله إن كان يسمع أن جميع المسموعات نسبتها إلى الله تعالى على السواء (فأنزل الله تعالى: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم} [فصلت: 22] الآية). قال ابن بطال فيما نقلوه عنه: غرض البخاري في هذا الباب إثبات السمع لله وإثبات القياس الصحيح وإبطال القياس الفاسد لأن الذي قال يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا قاس قياسًا فاسدًا لأنه شبّه سمع الله تعالى بأسماع خلقه الذين يسمعون الجهر ولا يسمعون السر، والذي قال إن كان يسمع إن جهرنا فإنه يسمع إن أخفينا أصاب في قياسه حيث لم يشبه الله تعالى بخلقه ونزّهه عن مماثلتهم وإنما وصف الجميع بقلة الفقه لأن هذا الذي أصاب لم يعتقد حقيقة ما قال بل شك بقوله إن كان والحديث سبق في سورة فصلت. 42 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} [الرحمن: 29] {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] وَأَنَّ حَدَثَهُ لاَ يُشْبِهُ حَدَثَ الْمَخْلُوقِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لاَ تَكَلَّمُوا فِى الصَّلاَةِ. (باب قول الله تعالى: {كل يوم هو في شأن} [الرحمن: 29]) أي كل وقت وحين يحدث أمورًا ويجدد أحوالاً كما روي مما سبق معلقًا عن أبي الدرداء قال: كل يوم هو في شأن يغفر ذنبًا ويكشف كربًا ويرفع قومًا ويضع آخرين، وعن ابن عيينة الدهر عند الله يومان أحدهما اليوم الذي هو مدة الدنيا فشأنه فيه الأمر والنهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع والآخر يوم القيامة فشأنه فيه الحساب والجزاء واستشكل بأنه قد صح أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة. وأجيب: بأنها شؤون يبديها لا شؤون يبتديها. ({و}) قوله تعالى: ({ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} [الأنبياء: 2]) ذكر الله تعالى ذلك بيانًا لكونهم معرضين في قوله وهم في غفلة معرضون وذلك أن الله تعالى يجدد لهم الذكر كل وقت ويظهر لهم الآية بعد الآية والسورة بعد السورة ليكرر على أسماعهم الموعظة لعلهم يتعظون فما يزيدهم ذلك إلا استخسارًا فمعنى محدث هو أن يحدث الله الأمر بعد الأمر أو محدث في التنزيل فالإحداث بالنسبة للإنزال وأما المنزل فقديم وتعلق القدرة حادث ونفس القدرة قديمة فالمذكور وهو القرآن قديم والذكر حادث لانتظامه من الحروف الحادثة فلا تمسك للمعتزلة بهذه الآية على حدوث القرآن، ويحتمل أن يكون المراد بالذكر هنا هو وعظ الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتحذيره إياهم عن معاصي الله فسمي وعظه ذكرًا وأضافه إليه تعالى لأنه فاعله في الحقيقة ومقدر رسوله على اكتسابه. (وقوله تعالى: {لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا} [الطلاق: 1] وإن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]) لعل مراده أن المحدث غير المخلوق كما هو رأي البلخي وأتباعه وقد تقرر أن صفات الله تعالى إما سلبية وتسمى بالتنزيهات وإما وجودية حقيقة كالعلم والإرادة والقدرة وأنها قديمة لا مُحالة وإما إضافية كالخلق

43 - باب قول الله تعالى: {لا تحرك به لسانك}

والرزق وهي حادثة ولا يلزم من حدوثها تغير في ذات الله وصفاته التي هي بالحقيقة صفات له كما أن تعلق العلم وتعلق القدرة بالمعلومات والمقدورات حادثان وكذا كل صفة فعلية له. (وقال ابن مسعود) عبد الله -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة). أخرجه أبو داود موصولاً مطوّلاً ومراد المؤلف من سياقه هنا الإعلام بجواز الإطلاق على الله تعالى بأنه محدث بكسر الدال لكن إحداثه لا يشبه إحداث المخلوقين تعالى الله. 7522 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ كُتُبِهِمْ وَعِنْدَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ أَقْرَبُ الْكُتُبِ عَهْدًا بِاللَّهِ تَقْرَؤُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا حاتم بن وردان) بالحاء المهملة وفتح واو وردان وسكون رائه المصري قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم وعندكم كتاب الله أقرب الكتب عهدًا بالله) عز وجل أي أقربها نزولاً إليكم وإخبارًا عن الله تعالى، وفي اللفظ الآخر أحدث الكتب وهو أليق بالمراد هنا من أقرب ولكنه على عادة المؤلف في تشحيذ الأذهان (تقرؤونه محضًا لم يشب). بضم التحتية وفتح المعجمة لم يخلط بغيره كما خلط اليهود التوراة وحرّفوها. 7523 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَىْءٍ وَكِتَابُكُمُ الَّذِى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّكُمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْدَثُ الأَخْبَارِ بِاللَّهِ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ؟ وَقَدْ حَدَّثَكُمُ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ بَدَّلُوا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ وَغَيَّرُوا، فَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ قَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِذَلِكَ ثَمَنًا قَلِيلاً أَوَ لاَ يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ، عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ فَلاَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلاً مِنْهُمْ يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِى أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ. وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود (أن عبد الله بن عباس) -رضي الله عنهما- (قال: يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحدث الأخبار بالله) عز وجل لفظًا أو نزولاً أو إخبارًا من الله تعالى (محضًا لم يشب) لم يخالطه غيره (وقد حدّثكم الله) عز وجل في كتابه (أن أهل الكتاب قد بدّلوا من كتب الله وغيروا فكتبوا بأيديهم) زاد أبو ذر الكتب يشير إلى قوله تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} إلى {يكسبون} [البقرة: 79] (وقالوا: هو من عند الله ليشتروا بذلك ثمنًا قليلاً) عوضًا يسيرًا (أو لا) بفتح الواو (ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم) وإسناد المجيء إلى العلم مجاز كإسناد النهي إليه (فلا والله ما رأينا رجلاً منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم) وللمستملي إليكم فلم تسألون أنتم منهم مع علمكم أن كتابهم محرّف والحديث وسابقه موقوفان. 43 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} وَفِعْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ الْوَحْىُ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «أَنَا مَعَ عَبْدِى حَيْثُ مَا ذَكَرَنِى وَتَحَرَّكَتْ بِى شَفَتَاهُ». (باب قول الله تعالى: {لا تحرك به}) بالقرآن ({لسانك} و}) باب (فعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر الفاء وسكون العين المهملة (حيث) بفتح الحاء وبالمثلثة ولأبي ذر حين (ينزل) بضم أوّله وفتح الزاي (عليه الوحي) مما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى في حديث الباب. (وقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (قال الله تعالى: أنا مع عبدي حيث) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إذا (ما ذكرني) ولأبي ذر عن الكشميهني مع عبدي ما ذكرني (وتحركت به شفتاه) هذا طرف من حديث أخرجه أحمد والمؤلف في خلق أفعال العباد وكذا أخرجه غيرهما أي أنا معه بالحفظ والكلاءة وقوله تحركت بي شفتاه أي باسمي لا أن شفته ولسانه يتحركان بذاته تعالى. 7527524 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِى عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، وَكَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ فَقَالَ لِى ابْنُ عَبَّاسٍ: أُحَرِّكُهُمَا لَكَ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَرِّكُهُمَا فَقَالَ سَعِيدٌ: أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قَالَ: جَمْعُهُ فِى صَدْرِكَ ثُمَّ تَقْرَؤُوهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} قَالَ: فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا} أَنْ تَقْرَأَهُ قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - اسْتَمَعَ فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا أَقْرَأَهُ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن موسى بن أبي عائشة) بالهمز الهمداني الكوفي (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (في قوله تعالى: ({لا تحرك به}) بالقرآن ({لسانك} قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعالج من التنزيل) القرآني لثقله عليه (شدة، وكان) عليه الصلاة والسلام (يحرك شفتيه). قال سعيد بن جبير (فقال لي ابن عباس: أحركهما) ولأبي ذر فأنا أحركهما (لك كما كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحرّكهما فقال سعيد) أي ابن جبير (أنا أحركهما كما كان ابن عباس يحركهما فحرك شفتيه فأنزل الله تعالى: ({لا تحرك به}) أي بالقرآن ({لسانك}) قبل أن يتم وحيه ({لتعجل به}) لتأخذه على عجلة خوف أن يتفلت منك ({إن علينا جمعه وقرآنه}) أي قراءته فهو مصدر مضاف

44 - باب قول الله تعالى: {وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور * ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}

للمفعول. (قال) ابن عباس مفسّرًا لقوله: {جمعه} أي (جمعه في صدرك) بفتح الجيم وسكون الميم (ثم تقرؤوه (فإذا قرأناه}) بلسان جبريل عليك ({فاتبع قرآنه قال}) ابن عباس أي (فاستمع له وأنصت) بهمزة قطع مفتوحة وكسر الصاد أي لتكن حال قراءته ساكتًا ({ثم إن علينا} أن تقرأه) وفي بدء الوحي ثم إن علينا بيانه ثم إن علينا أن تقرأه. (قال) ابن عباس (فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أتاه جبريل عليه السلام استمع) قراءته (فإذا انطلق جبريل قرأه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما أقرأه) ولأبي ذر كما أقرأه جبريل. ففي هذا الحديث أن القرآن يطلق ويراد به القراءة، فإن المراد بقوله قرآنه القراءة لا نفس القرآن وإن تحريك اللسان والشفتين بقراءة القرآن عمل للقارئ يؤجر عليه وقوله فإذا قرأناه فاتبع قرآنه فيه إضافة الفعل إلى الله تعالى والفاعل له من يأمره بفعله فإن القارئ لكلامه تعالى على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو جبريل، ففيه بيان لكل ما أشكل من فعل ينسب إلى الله تعالى مما لا يليق به فعله من المجيء والنزول ونحو ذلك قاله ابن بطال. قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر أن مراد البخاري بهذين الحديثين الموصول والمعلق الرد على من زعم أن قراءة القارئ قديمة فأبان أنّ حركة لسان القارئ بالقرآن من فعل القارئ بخلاف المقروء فإنه كلام الله القديم، كما أنّ حركة لسان ذاكرًا لله حادثة من قعله والمذكور هو الله تعالى. وهذا الحديث سبق في بدء الخلق. 44 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 13] يَتَخَافَتُونَ: يَتَسَارُّونَ. (باب قول الله تعالى: {وأسروا قولكم أو اجهروا به}) ظاهره الأمر بأحد الأمرين الإسرار والإجهار ومعناه ليستو عندكم إسراركم إجهاركم في علم الله بهما ({إنه عليم بذات الصدور} [الملك: 13]) أي بضمائرها قبل أن تترجم الألسنة عنها فكيف لا يعلم ما تكلم به ({ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} [الملك: 14]) أي العالم بدقائق الأشياء والخبير العالم بحقائق الأشياء وفيه إثبات خلق الأقوال فيكون دليلاً على خلق أفعال العباد (يتخافتون): أي (يتسارون). بتشديد الراء فيما بينهما بكلام خفي. 7525 - حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، عَنْ هُشَيْمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] قَالَ: نَزَلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ فَكَانَ إِذَا صَلَّى بِأَصْحَابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، فَإِذَا سَمِعَهُ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ} أَىْ بِقِرَاءَتِكَ، فَيَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا الْقُرْآنَ {وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِكَ فَلاَ تُسْمِعُهُمْ {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء: 110]. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عمرو بن زرارة) بفتح العين وزرارة بضم الزاي وتخفيف الراء الكلابي النيسابوري (عن هشيم) بضم الهاء وفتح الشين المعجمة ابن بشير قال: (أخبرنا أبو بشر) بموحدة فمعجمة ساكنة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك}) بقراءة صلاتك ({ولا تخافت}) لا تخفض صوتك ({بها} [الإسراء: 110]) زاد في الإسراء عن أصحابك فلا تسمعهم (قال) ابن عباس (نزلت ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مختف بمكة) عن الكفار (فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن). واستشكل بأنه إذا كان مختفيًا عن الكفار فكيف يرفع صوته وهو ينافي الاختفاء؟ وأجاب في الكواكب: بأنه لعله أراد الإتيان بشبه الجهر أو أنه ما كان يبقى له عند الصلاة ومناجاة الرب اختيار لاستغراقه في ذلك. (فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله) جبريل (ومن جاء به) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال الله) عز وجل (لنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {ولا تجهر بصلاتك أي بقراءتك) فيه حذف كما مرّ (فيسمع المشركون) بنصب فيسمع في الفرع وأصله ويجوز الرفع (فيسبوا القرآن {ولا تخافت بها} عن أصحابك فلا تسمعهم) بالرفع ({وابتغ بين ذلك}) الجهر والمخافتة ({سبيلاً} [الإسراء: 110]) وسطًا. قال الكرماني: فأجاد هذه الملة الإسلامية الحنيفية البيضاء أصولها وفروعها كلها واقعة في حاق الوسط لا إفراط ولا تفريط كما في الإلهيات لا تشبيه ولا تعطيل وفي أفعال العباد ولا جبر ولا قدر، بل أمر بين أمرين وفي أمر المعاد لا يكون وعيديًّا ولا مرجيًّا بل بين الخوف والرجاء، وفي الإمامة لا رفض ولا خروج، وفي الإنفاق لا إسراف ولا تقتير، وفي الجراحات لا قصاص واجبًا كما في التوراة ولا عفوًا واجبًا كما في الإنجيل، بل شرع القصاص والعفو كلاهما وهلم جرًّا. وسبق الحديث قريبًا وكذا

45 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل يقول: لو أوتيت مثل ما أوتى هذا فعلت كما يفعل فبين الله أن قيامه بالكتاب هو فعله». وقال: «{ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم} [الروم: 22] وقال جل ذكره {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} [الحج: 77]».

في سورة الإسراء من التفسير. 7526 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] فِى الدُّعَاءِ. وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين مصغرًا وكان اسمه عبد الله القرشي الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: نزلت هذه الآية: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} [الإسراء: 110] في الدعاء). هذا وجه آخر في سبب نزول هذه الآية أو هو من باب إطلاق الكل على الجزء إذ الدعاء بعض أجزاء الصلاة. وسبق في الإسراء. 7527 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ -وَزَادَ غَيْرُهُ- يَجْهَرُ بِهِ». وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن منصور وقال الحاكم ابن نصر ورجح الأول أبو علي الجياني قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل شيخ المؤلف روي عنه كثيرًا بلا واسطة قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال: (أخبرنا ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ليس منا) أي ليس من أهل سُنّتنا (من لم يتغن بالقرآن) أي يحسن صوته به كما قاله الشافعي وأكثر العلماء. وقال سفيان بن عيينة يستغني به عن الناس (وزاد غيره) غير أبي هريرة وفي فضل القرآن وقال صاحب له معنى يتغنى بالقرآن (يجهر به). فهي جملة مبينة لقوله يتغن بالقرآن، فلن يكون المبين على خلاف البيان، فكيف يحمل على غير تحسين الصوت. والصاحب المذكور هو عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب كما سبق في فضل القرآن. وقال في الفتح: وسيأتي قريبًا من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بلفظ ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر به فيستفاد منه أن الغير المبهم في حديث الباب وهو الصاحب المبهم في رواية عقيل هو محمد بن إبراهيم التيمي والحديث واحد إلا أن بعضهم رواه بلفظ: ما أذن، وبعضهم بلفظ: ليس منا. قال ابن بطال: مراد البخاري بهذا الباب إثبات العلم لله تعالى صفة ذاتية لاستواء علمه بالجهر من القول والسر وتعقبه ابن المنير فقال ما أظن أنه قصد بالترجمة إثبات العلم وليس كما ظن وإلا لتقاطعت المقاصد مما اشتملت عليه الترجمة لا سيما بين العلم وبين حديث ليس منا من لم يتغن بالقرآن، وإنما قصد البخاري الإشارة إلى النكتة التي كانت سبب محنته بمسألة اللفظ فأشار بالترجمة إلى أن تلاوات الخلق تتّصف بالسر والجهر ويستلزم أن تكون مخلوقة وأنها تسمى تغنيًا وهذا هو الحق اعتقادًا لا إطلاقًا حذرًا من الإيهام وفرارًا من الابتداع لمخالفة السلف في الإطلاق وقد ثبت عن البخاري أنه قال من نقل عني أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فقد كذب، وإنما قلت إن أفعال العبادة مخلوقة. 45 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهْوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَرَجُلٌ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ هَذَا فَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ فَبَيَّنَ اللَّهُ أَنَّ قِيَامَهُ بِالْكِتَابِ هُوَ فِعْلُهُ». وَقَالَ: «{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22] وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]». (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث الباب (رجل آتاه الله) عز وجل (القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار) ولأبي ذر عن الكشميهني آناء الليل وآناء النهار (ورجل يقول لو أُوتيت مثل ما أُوتي هذا فعلت كما يفعل) وقال البخاري (فبين الله أن قيامه) أي قيام الرجل (بالكتاب هو فعله) حيث أسند القيام إليه وسقط لأبي ذر والأصيلي لفظ الجلالة ولأبي ذر عن الكشميهني فبين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن قراءته الكتاب. (وقال) تعالى: {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم}) أي اللغات أو أجناس النطق وأشكاله وهو يشمل الكلام فتدخل القراءة ({وألوانكم} [الروم: 22]) كالسواد والبياض وغيرهما ولاختلاف ذلك وقع التعارف إلا فلو تشاكلت الألسن والألوان واتفقت لوقع التجاهل والالتباس ولتعطلت المصالح وفي ذلك آية بيّنة حيث ولدوا من أب واحد وهم على الكثرة التي لا يعلمها إلا الله متفاوتون (وقال جل ذكره: {وافعلوا الخير}) عام يتناول سائر الخيرات كقراءة القرآن والذكر والدعاء أو أريد به صلة الأرحام ومكارم الأخلاق ({لعلكم تفلحون} [الحج: 77]) أي كي تفوزوا وافعلوا هذا كله وأنتم راجون للفلاح غير مستيقنين ولا تتكلوا على أعمالكم. 7528 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى صَالِحٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَحَاسُدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهْوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَهْوَ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ هَذَا لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَهْوَ يُنْفِقُهُ فِى حَقِّهِ فَيَقُولُ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِىَ عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ». وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي صالح)

46 - باب قول الله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته}

ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) رضى الله عنه أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تحاسد) بفوقية مفتوحة قبل الحاء وضم السين المهملتين جائز في شيء (إلا في اثنتين) بالتأنيث إحدى الاثنتين (رجل) بالرفع أي خصلة رجل (آتاه الله) عز وجل (القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار) أي ساعات الليل وساعات النهار ولأبوي الوقت وذر من آناء الليل وآناء النهار (فهو) أي الحاسد (يقول لو أوتيت) لو أعطيت (مثل ما أوتي) أعطي (هذا) من القرآن (لفعلت كما يفعل) لقرأت كما يقرأ (ورجل) وخصلة رجل (آتاه الله مالاً فهو ينفقه في حقه}) من الصدقة الواجبة ووجوه الخير المشروعة لا في التبذير ووجوه المكاره (فيقول) الحاسد (لو أوتيت مثل ما أوتي) هذا من المال (عملت فيه مثل ما يعمل) من الإنفاق في حقه. قال في شرح المشكاة أثبت الحسد في هذا الحديث لإرادة المبالغة في تحصيل النعمتين الخطيرتين اللتين لو اجتمعتا في امرئ بلغ من العلياء كل مكان. 7529 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِىُّ: عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ حَسَدَ إِلاَّ فِى اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهْوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَهْوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ». سَمِعْتُ سُفْيَانَ مِرَارًا لَمْ أَسْمَعْهُ يَذْكُرُ الْخَبَرَ وَهْوَ مِنْ صَحِيحِ حَدِيثِهِ. وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال الزهري) محمد بن مسلم (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا حسد إلا في اثنتين) إحداهما (رجل آتاه الله) عز وجل بمدّ همزة آتاه أي أعطاه الله (القرآن فهو يتلوه) ولأبي ذر والأصيلي يقوم به (آناء الليل وآناء النهار) ساعاتهما وواحد الآناء. قال الأخفش: إني مثل معي وقيل أنو يقال مضى أنيان من الليل وأنوان (و) ثانيهما (رجل آتاه الله) عز وجل (مالاً فهو ينفقه) في حقه (آناء الليل وآناء النهار). قال البغوي: المراد من الحسد هنا الغبطة وهي أن يتمنى الرجل مثل ما لأخيه من غير أن يتمنى زواله عنه والمذموم أن يتمنى زواله وهو الحسد ومعنى الحديث الترغيب في التصدّق بالمال وتعليم العلم اهـ. قال علي بن عبد الله المديني (سمعت سفيان) ولأبوي الوقت وذر: سمعت من سفيان (مرارًا لم أسمعه يذكر الخبر) أي لم أسمعه بلفظ أخبرنا أو حدّثنا الزهري بل بلفظ قال (وهو) مع ذلك (من صحيح حديثه) فلا قدح فيه إذ هو معلوم من الطرق الصحيحة فعند الإسماعيلي عن أبي يعلى عن أبي خيثمة قال: حدّثنا سفيان هو ابن عيينة قال: حدّثنا الزهري عن سالم به، وكذا هو في مسلم عن أبي خيثمة زهير بن حرب. وقال في الكواكب: أورد البخاري الترجمة مخرومة إذ ذكر من صاحب القرآن حال المحسود فقط ومن صاحب المال حال الحاسد فقط ولا لبس في ذلك لأنه اقتصر على ذكر حامل القرآن حاسدًا ومحسودًا وترك حال ذي المال. وسبق الحديث في العلم وفضائل القرآن والتمني. 46 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالاَتِهِ} [المائدة: 67] وَقَالَ الزُّهْرِىُّ: مِنَ اللَّهِ الرِّسَالَةُ وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ، وَقَالَ: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّى} [الأعراف: 62]، وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 94] وَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِذَا أَعْجَبَكَ حُسْنُ عَمَلِ امْرِئٍ فَقُلِ: «اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ»، وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ أَحَدٌ وَقَالَ مَعْمَرٌ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} هَذَا الْقُرْآنُ {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] بَيَانٌ وَدِلاَلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ} [الممتحنة: 10] هَذَا حُكْمُ اللَّهِ لاَ رَيْبَ لاَ شَكَّ تِلْكَ آيَاتُ يَعْنِى هَذِهِ أَعْلاَمُ الْقُرْآنِ وَمِثْلُهُ {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِى الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22] يَعْنِى بِكُمْ، وَقَالَ أَنَسٌ: بَعَثَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَالَهُ حَرَامًا إِلَى قَوْمِهِ وَقَالَ: أَتُؤْمِنُونِى أُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ. (باب قول الله تعالى: {يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك}) ناداه بأشرف الصفات البشرية وقوله بلغ وهو قد بلغ فأجاب الكشاف بأن المعنى جميع ما أنزل إليك أي أيّ شيء أنزل غير مراقب في تبليغه أحدًا ولا خائف أن ينالك مكروه وقوله ما يحتمل أن تكون بمعنى الذي ولا يجوز أن تكون نكرة موصوفة لأنه مأمور بتبليغ الجميع كما مرَّ والنكرة لا تفي بذلك فإن تقديرها بلغ شيئًا أنزل إليك وفي أنزل ضمير مرفوع يعود على ما قام مقام الفاعل ({وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته} [المائدة: 67]) بلفظ الجمع وهي قراءة نافع وابن عامر وأبي بكر أي إن لم تفعل التبليغ فحذف المفعول، ثم إن الجواب لا بدّ وأن يكون مغايرًا للشرط لتحصل الفائدة ومتى اتحدا اختل الكلام فلو قلت إن أتى زيد فقد جاء لم يجز وظاهر قوله تعالى: {وإن لم تفعل فما بلغت} اتحاد الشرط والجزاء فإن المعنى يؤول ظاهرًا وإن لم تفعل لم تفعل. وأجاب الناس عن ذلك بأجوبة، فقيل: هو أمر تبليغ الرسالة في المستقبل أي بلغ ما أنزل إليك من ربك في المستقبل وإن لم تفعل أي وإن لم تبلّع الرسالة في المستقبل فكأنك لم تبلّع الرسالة أصلاً أو بلغ ما أنزل إليك من ربك الآن ولا تنتظر به كثرة الشوكة والعدة فإن لم تبلغ كنت كمن لم يبلغ أصلاً أو بلغ غير خائف أحدًا فإن لم تبلغ على هذا الوصف فكأنك لم تبلغ الرسالة أصلاً ثم

قال مشجعًا له في التبليغ: {والله يعصمك من الناس} [المائدة: 67] وقال البدر الدماميني في مصابيحه وجه التغاير بين الشرط والجزاء أن الجزاء مما أقيم فيه السبب مقام المسبب إذ عدم التبليغ سبب لتوجيه العتب وهذا السبب في الحقيقة هو الجزاء، فالتغاير حاصل لكن نكتة العدول إلى ذكر السبب إجلال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وترفيع محله عن أن يواجه بعتب أو بشيء مما يتأثر منه ولو على سبيل الفرص فتأمله اهـ. (وقال الزهري) محمد بن مسلم (من الله عز وجل الرسالة وعلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللأصيلي وعلى رسوله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البلاغ وعلينا التسليم) فلا بدّ في الرسالة من ثلاثة أمور: المرسل والرسول والمرسل إليه ولكلٍّ منهم شأن، فللمرسل الإرسال وللرسول التبليغ وللمرسل إليه القبول والتسليم وهذا وقع في قصة أخرجها الحميدي في النوادر ومن طريقه الخطيب (وقال: {ليعلم}) ولأبي ذر وقال الله تعالى ليعلم أي الله تعالى ({أن قد أبلغوا}) أي الرسل ({رسالات ربهم}) كاملة بلا زيادة ولا نقصان إلى المرسل إليهم أي ليعلم الله ذلك موجودًا حال وجوده كما كان يعلم ذلك قبل وجوده أنه يوجده وقيل ليعلم محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الرسل قبله قد بلغوا الرسالة. وقال القرطبي: فيه حذف يتعلق به الكلام أي اخترنا لحفظنا الوحي ليعلم أن الرسل قبله كانوا على حالته من التبليغ بالحق والصدق وقيل ليعلم إبليس أن الرسل قد أبلغوا رسالات ربهم سليمة من تخليطه واستراق أصحابه (وقال تعالى: {أبلغكم رسالات ربي} [الأعراف: 62]) أي ما أوحي إليّ في الأوقات المتطاولة أو في المعاني المختلفة من الأوامر والنواهي والبشائر والنذائر والتبليغ فعل فإذا بلغ فقد فعل ما أمر به. (وقال كعب بن مالك) الأنصار (حين تخلف عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في غزوة تبوك مما سبق بطوله في سورة التوبة ({وسيرى الله}) وللأبوين: فسير الله ({عملكم ورسوله} [التوبة: 94]) ولأبي ذر والأصيلي: والمؤمنون يشير إلى قوله في القصة. قال الله تعالى: {يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذورا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} الآية. ومراد البخاري تسمية ذلك كله عملاً. (وقالت عائشة) رضي الله، عنها (إذا أعجبك حسن عمل امرئ فقل: اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ولا يستخفنك أحد) بالخاء المعجمة وتشديد الفاء والنون أي لا يستخفنك بعمله فتسارع إلى مدحه وظن الخير به لكن ثبت حتى تراه عاملاً بما يرضاه الله ورسوله والمؤمنون وصله البخاري في خلق أفعال العباد. مطوّلاً وفي ما كان شأن عثمان حين نجم القراء الدين طعنوا فيه وقالوا قولاً لا يحسن مثله وقرؤوا قراءة لا يحسن مثلها وصلّوا صلاة لا يصلّى مثلها الحديث بطوله والمراد أنها سمت ذلك كله عملاً. (وقال معمر): بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة هو أبو عبيدة بن المثنى اللغوي في كتاب مجاز القرآن له ({ذلك الكتاب}) أي (هذا القرآن) قال: وقد تخاطب العرب الشاهد بمخاطبة الغائب. وقال في المصابيح: قوله ذلك الكتاب هذا القرآن يعني أن الإشارة إلى الكتاب المراد به القرآن وليس ببعيد فكان مقتضى الظاهر أن يشار إليه بهذا لكن أتى بذلك الذي يشار به إلى البعيد لأن القصد فيه إلى تعظيم المشار إليه وبعدد درجته قال وفي كلام الزركشي في التنقيح هنا خبط وقال تعالى: {هدًى للمتقين} [البقرة: 2]) أي (بيان ودلالة كقوله تعالى: {ذلكم حكم الله} [المتحتة: 10] هذا حكم الله) يعني أن ذلك بمعنى هذا (لا ريب) زاد أبو ذر والوقت فيه أي (لا شك تلك آيات الله يعني هذه أعلام القرآن) فاستعمل تلك التي للبعيد في موضع هذه التي للقريب (ومثله) في الاستعمال قوله تعالى: ({حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} [يونس: 22] يعني بكم) فلما شاع استعمال ما هو للبعيد للقريب جاز استعمال ما هو للغائب للحاضر. (وقال أنس) -رضي الله عنه- (بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاله) وفي نسخة خالي (حرامًا) أي ابن ملحان أخا أم سليم إلى بني عامر (إلى قومه) بني عامر ولأبي ذر إلى قوم (وقال) لهم حرام: (أتؤمنون) بسكون الهمزة

وكسر الميم أي أتجعلوني آمنًا (أبلغ رسالة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فأمنوه (فجعل يحدّثهم) عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ أومؤوا إلى رجل منهم فطعنه فقال فزت ورب الكعبة. وهذا وصله في الجهاد والمغازي. 7530 - حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّىُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِىُّ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِىُّ وَزِيَادُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قَالَ: الْمُغِيرَةُ، أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا، أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ. وبه قال: (حدّثنا الفضل بن يعقوب) الرخامي البغدادي قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الرقي) بفتح الراء وكسر القاف المشددة قال: (حدّثنا المعتمر بن سليمان) التيمي وقيل إن صوابه المعمر بتشديد الميم وفتحها وضم الميم الأولى لأن عبد الله بن جعفر لا يروي عن المعتمر بن سليمان قاله في المصابيح. وقال الكرماني: وفي بعضها معمر من التعمير وصوابه معتمر من الاعتمار قال: (حدّثنا سعيد بن عبد الله الثقفي) بالمثلثة ثم القاف ثم الفاء بفتح العين مكبرًا كذا في الفرع مكتوبًا على كشط. قال الجياني: وذا كان في نسخة الأصيلي إلا أنه أصلحه عبيد الله بالتصغير وقال هو سعيد بن عبد الله بن جبير بن حية قال: (حدّثنا بكر بن عبد الله المزني) بالزاي (وزياد بن جبير بن حية) بالحاء المهملة والتحتية المشددة (عن) أبيه (جبير بن حية قال المغيرة) بن شعبة -رضي الله عنه- لترجمان عامل كسرى بندار لما بعث عمر الناس في أفناء الأمصار وخرج عليهم في أربعين ألفًا (أخبرنا نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن رسالة ربنا) تبارك وتعالى: (إنه من قتل منا) في الجهاد (صار إلى الجنة) زاد في الجزية في نعيم لم ير مثلها قط ومن بقي منا ملك رقابكم الحديث بطوله. 7531 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَتَمَ شَيْئًا؟ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِىُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْىِ فَلاَ تُصَدِّقْهُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}. وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن إسماعيل) بن أبي خالد (عن الشعبي) عامر بن شراحيل (عن مسروق) بالسين المهملة الساكنة ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت من حدّثك أن محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتم شيئًا؟ وقال محمد) يحتمل أن يكون هو محمد بن يوسف الفريابي فيكون الحديث موصولاً أو غيره فيكون معلمًا (حدّثنا أبو عامر) عبد الملك (العقدي) بفتح العين والقاف قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن إسماعيل بن أبي خالد) واسمه سعد على خلاف فيه (عن الشعبى) عامر (عن مسروق عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: من حدّثك أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتم شيئًا من الوحي فلا تصدقه، إن الله تعالى يقول: ({يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}) [المائدة: 67] ووجه الاستدلال بالآية أن ما أنزل عام والأمر للوجوب فيجب عليه تبليغ كل ما أنزل عليه. وقال في الفتح: كل ما أنزل على الرسول فله بالنسبة إليه طرفان طرف الأخذ من جبريل عليه السلام، وقد مضى في الباب السابق وطرف الأداء للأمة وهو المسمى بالتبليغ وهو المراد هنا والله أعلم. 7532 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ: «أَنْ تَدْعُوَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ». قَالَ: ثُمَّ أَىّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ». قَالَ: ثُمَّ أَىّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِىَ حَلِيلَةَ جَارِكَ». فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَهَا {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ} [الفرقان: 69] الآيَةَ. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن الأعمش) سليمان (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عمرو بن شرحبيل) أبي ميسرة الهمداني أنه (قال: قال عبد الله) بن مسعود (قال رجل: يا رسول الله) وفي باب قول الله: ({فلا تجعلوا لله أندادًا} عن عبد الله أي ابن مسعود سألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أي الذنب أكبر عند الله تعالى؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (أن تدعو لله ندًّا) شريكًا (وهو خلقك. قال: ثم أي)؟ أي أيّ شيء من الذنوب أكبر من ذلك (قال: ثم أن تقتل ولدك أن) ولأبي ذر مخافة أن (يطعم معك. قال: ثم أي؟ قال: أن) ولأبوي الوقت وذر ثم أن (تزاني حليلة جارك) أي زوجته (فأنزل الله) تبارك وتعالى (تصديقها: {والدين لا يدعون مع الله إلهًا آخر}) أي لا يشركون ({ولا يقتلون النفس التي حرّم الله}) قتلها ({إلا بالحق}) بقود أو رجم أو ردّة أو شِرك أو سعي في الأرض بالفساد ({ولا يزنون ومن يفعل ذلك}) المذكور ({يلق أثامًا}) جزاء الإثم ({يضاعف له العذاب} [الفرقان: 69] الآية). أي يعذب على مرور الأيام في الآخرة عذابًا على عذاب. قال في الكواكب: كيف وجد الصديق يعني في قوله فأنزل الله تصديقها؟ قلت: من جهة إعظام هذه الثلاثة حيث ضاعف لها العذاب وأثبت لها الخلود، وقال في فتح الباري:

47 - باب قول الله تعالى: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها}

ومناسبة قوله فأنزل الله تصديقها الخ ... للترجمة أن التبليغ على نوعين: أحدهما: هو الأصل أن يبلغه بعينه وهو خاص بالقرآن. الثاني: أن يبلغ ما يستنبط من أصول ما تقدم إنزاله فينزل عليه موافقته فيما استنبطه إما بنصه وإما بما يدل على موافقته بطريق الأولى كهذه الآية فإنها اشتملت على الوعيد الشديد في حق من أشرك وهي مطابقة بالنص، وفي حق من قتل النفس بغير حق وهي مطابقة للحديث بطريق الأولى لأن القتل بغير حق وإن كان عظيمًا لكن قتل الولد أقبح من قتل من ليس بولد وكذا القول في الزنا فإن الزنا بحليلة الجار أعظم قبحًا من مطلق الزنا، ويحتمل أن يكون إنزال هذه الآية سابقًا على إخباره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما أخبر به لكن لم يسمعه الصحابي إلا بعد ذلك، ويحتمل أن يكون كلٌّ من الأمور الثلاثة نزل تعظيم الإثم فيه سابقًا، ولكن اختصت هذه الآية بمجموع الثلاثة في سياق واحد مع الاقتصار عليها فيكون المراد بالتصديق الموافقة في الاقتصار عليها فعلى هذا فمطابقة الحديث للترجمة ظاهرة جدًّا والله أعلم. 47 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا} [آل عمران: 93] وَقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُعْطِىَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ، فَعَمِلُوا بِهَا وَأُعْطِىَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا بِهِ، وَأُعْطِيتُمُ الْقُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ». وَقَالَ أَبُو رَزِينٍ {يَتْلُونَهُ} [البقرة: 121]: يَتَّبِعُونَهُ وَيَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلِهِ، يُقَالُ يُتْلَى: يُقْرَأُ حَسَنُ التِّلاَوَةِ حَسَنُ الْقِرَاءَةِ لِلْقُرْآنِ. {لاَ يَمَسُّهُ} [الواقعة: 79]: لاَ يَجِدُ طَعْمَهُ وَنَفْعَهُ إِلاَّ مَنْ آمَنَ بِالْقُرْآنِ وَلاَ يَحْمِلُهُ بِحَقِّهِ إِلاَّ الْمُوقِنُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة: 5] وَسَمَّى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإِسْلاَمَ وَالإِيمَانَ عَمَلاً، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِبِلاَلٍ: «أَخْبِرْنِى بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِى الإِسْلاَمِ»؟ قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أَرْجَى عِنْدِى أَنِّى لَمْ أَتَطَهَّرْ إِلاَّ صَلَّيْتُ وَسُئِلَ أَىُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ الْجِهَادُ ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ». (باب قول الله تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا} [آل عمران: 93]) فاقرؤوها فالتلاوة مفسرة بالعمل والعمل من فعل العامل (و) باب (قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أعطي أهل التوراة التوراة فعملوا بها وأعطي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به وأعطيتم القرآن فعملتم به) وصله في آخر هذا الباب لكن بلفظ أوتي في الموضعين وأوتيتم. (وقال أبو رزين) براء ثم زاي بوزن عظيم مسعود بن مالك الأسدي الكوفي التابعي الكبير في قوله تعالى: ({يتلونه} [البقرة: 121]) أي حق تلاوته كما في رواية أبي ذر (يتبعونه ويعملون به حق عمله) وصله سفيان الثوري في تفسيره (يقال: يتلى) أي (يقرأ) قاله أبو عبيدة في المجاز في قوله تعالى: {إنّا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم} [العنكبوت: 51] (حسن التلاوة) أي (حسن القراءة للقرآن) وكذا يقال رديء التلاوة أي القراءة ولا يقال حسن القرآن ولا رديء القرآن وإنما يسند إلى العباد القراءة لا القرآن لأن القرآن كلام الله والقراءة فعل العبد. ({لا يمسه}) من قوله تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون} [الواقعة: 79] أي (لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن بالقرآن) أي المطهرون من الكفر (ولا يحمله بحقه إلا الموقن) ولأبي ذر وابن عساكر إلا المؤمن بدل الموقن بالقاف أي بكونه من عند الله المتطهر من الجهل والشك (لقوله تعالى: {مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين} [لجمعة: 5] وسمى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإسلام والإيمان) وزاد أبو ذر والصلاة (عملاً) في حديث سؤال جبريل السابق مرارًا. وفي الحديث المعلق في الباب. (قال أبو هريرة: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لبلال: أخبرني بأرجى عمل) بفتح الميم (عملته) بكسرها (في الإسلام. (قال) يا رسول الله (ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر) طهورًا في ساعة من ليل أو نهار (إلا صليت) أي بذلك الطهور ركعتين كما في بعض الروايات ودخول هذا الحديث هنا من جهة أن الصلاة لا بدّ فيها من القراءة. والحديث سبق في غير مرة. (وسئل) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أي العمل أفضل)؟ أيّ أكثر ثوابًا عند الله (قال: إيمان بالله ورسوله ثم الجهاد) في سبيل الله (ثم حج مبرور) مقبول لا يخالطه إثم. والحديث سبق موصولاً في الإيمان في باب من قال: إن الإيمان هو العمل فجعل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإيمان والجهاد والحج عملاً. 7533 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ أَخْبَرَنِى سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَنْ سَلَفَ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِىَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا بِهَا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ، ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِىَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ، فَعَمِلُوا بِهِ حَتَّى صُلِّيَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِيتُمُ الْقُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأُعْطِيتُمْ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: هَؤُلاَءِ أَقَلُّ مِنَّا عَمَلاً وَأَكْثَرُ أَجْرًا قَالَ: اللَّهُ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَهْوَ فَضْلِى أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ». وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (سالم) هو ابن عمر (عن ابن عمر) أبيه -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إنما بقاؤكم فيمن سلف من الأمم كما بين) أجزاء وقت (صلاة العصر) المنتهية (إلى غروب الشمس أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا بها حتى انتصف النهار ثم عجزوا) عن استيفاء عمل النهار كله بأن ماتوا قبل النسخ (فأعطوا قيراطًا قيراطًا) بالتكرار مرتين

48 - باب وسمى النبى -صلى الله عليه وسلم- الصلاة عملا وقال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»

وفيه كلام سبق في الصلاة في باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب (ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به) من نصف النهار (حتى صليت العصر ثم عجزوا) عن العمل أي انقطعوا (فأعطوا قيراطًا قيراطًا ثم أوتيتم القرآن فعملتم به حتى غربت الشمس) ولأبي ذر عن الكشميهني حتى غروب الشمس (فأعطيتم قيراطين قيراطين) بالتثنية فيهما (فقال أهل الكتاب) اليهود والنصارى (هؤلاء أقل منا عملاً وأكثر أجْرًا قال الله) عز وجل (هل ظلمتكم) نقصتكم (من حقكم) الذي شرطته لكم (شيئًا؟ قالوا: لا. قال: فهو) أي كل ما أعطيته من الثواب (فضلي أوتيه من أشاء). والحديث سبق في الصلاة. ومطابقته للترجمة هنا في قوله: أوتي أهل التوراة. 48 - باب وَسَمَّى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّلاَةَ عَمَلاً وَقَالَ: «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (باب) بالتنوين بغير ترجمة فهو كالفصل السابق ولذا عطف عليه قوله (وسمى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصلاة عملاً) في حديث الباب (وقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) كما سبق موصولاً من حديث عبادة بن الصامت في الصلاة في باب وجوب القراءة للإمام والمأموم. 7534 - حَدَّثَنِى سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْوَلِيدِ وَحَدَّثَنِى عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الأَسَدِىُّ أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنِ الشَّيْبَانِىِّ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ، عَنْ أَبِى عَمْرٍو الشَّيْبَانِىِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رضى الله عنه - أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَىُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ ثُمَّ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (سليمان) بن حرب الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الوليد) بن العيزار قال البخاري (وحدّثني) بالواو والإفراد (عباد بن يعقوب) بفتح العين والموحدة المشدّدة (الأسدي) قال: (أخبرنا عباد بن العوّام) بتشديد الواو (عن الشيباني) سليمان بن فيروز أبي إسحاق الكوفي (عن الوليد بن العيزار) بفتح العين المهملة وبعد الياء التحتية الساكنة زاي فألف فراء (عن أبي عمرو) بفتح العين سعد بن إياس (الشيباني عن ابن مسعود) عبد الله -رضي الله عنه- (أن رجلاً) هو ابن مسعود (سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي الأعمال أفضل؟ قال): (الصلاة لوقتها) أي على وقتها أو في وقتها وحروف الخفض ينوب بعضها عن بعض عند الكوفيين (وبرّ الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله). والحديث سبق بأطول من هذا في الصلاة وفي الأدب. 49 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} ضَجُورًا {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} ضَجُورًا [المعارج: 19، 20، 21]. (باب قول الله تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعًا} ضجورًا كذا ثبت في هامش اليونينية بالحمرة من غير رقم مع إثباته بعد قوله هلوعًا وعن ابن عباس يفسره ما بعده ({إذا مسّه الشر جزوعًا وإذا مسه الخير منوعًا} [المعارج: 19] هلوعًا). قال أبو عبيدة (ضجورًا) وقال غيره الهلع سرعة الجزع عند مسّ المكروه وسرعة المنع عند مسّ الخير وسأل محمد بن عبد الله بن طاهر ثعلبًا عن الهلع فقال: قد فسّره الله ولا يكون تفسير أبين من تفسيره، وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع إذا ناله خير بخل به ومنعه الناس وهذا طبعه وهو مأمور بمخالفة طبعه وموافقة شرعه. 7535 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ قَالَ: أَتَى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَالٌ فَأَعْطَى قَوْمًا وَمَنَعَ آخَرِينَ، فَبَلَغَهُ أَنَّهُمْ عَتَبُوا فَقَالَ: «إِنِّى أُعْطِى الرَّجُلَ وَأَدَعُ الرَّجُلَ وَالَّذِى أَدَعُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ الَّذِى أُعْطِى، أُعْطِى أَقْوَامًا لِمَا فِى قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِى قُلُوبِهِمْ مِنَ الْغِنَى وَالْخَيْرِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ». فَقَالَ عَمْرٌو: مَا أُحِبُّ أَنَّ لِى بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حُمْرَ النَّعَمِ. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن تغلب بفتح الفوقية وسكون الغين المعجمة وكسر اللام العبد قال: (حدّثنا جرير بن حازم) الأزدي (عن الحسن) البصر أنه قال (حدّثنا عمرو بن تغلب) بفتح العين وسكون الميم وتغلب بفتح الفوقية وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة النمري بفتح النون والميم مخففًا (قال: أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مال فأعطى قومًا ومنع آخرين فبلغه أنهم عتبوا) عليه (فقال) عليه الصلاة والسلام: (إني أعطي الرجل وأدع الرجل) أي أترك إعطاءه (والذي أدع) أترك (أحبّ إليّ) بتشديد الياء (من الذي أعطي. أعطي قومًا لما في قلوبهم من الجزع والهلع) وهذا موضع الترجمة (وكل أقوامًا إلى ما جعل الله) عز وجل (في قلوبهم من الغنى والخير) بكسر الغين والقصر من غير همز ضد الفقر، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من الغناء بفتح الغين والهمزة والمد من الكفاية (منهم عمرو بن تغلب فقال عمرو: وما أحب أن لي بكلمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) التي قالها (حمر النعم) بفتح النون. قال ابن بطال: مراد البخاري في هذا الباب إثبات خلق الله للإنسان بأخلاقه من الهلع والصبر والمنع والإعطاء، وفيه أن المنع قد لا يكون مذمومًا ويكون أفضل للممنوع لقوله: وأكِل أقوامًا وهذه المنزلة التي شهد لهم بها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفضل من العطاء الذي هو عرض الدنيا، ولذا اغتبط به عمرو -رضي الله عنه-.

50 - باب ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- وروايته عن ربه

والحديث سبق في الخمس في باب ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطي المؤلفة قلوبهم. 50 - باب ذِكْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرِوَايَتِهِ عَنْ رَبِّهِ (باب ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وروايته عن ربه) عز وجل بدون واسطة جبريل عليه السلام. وقال في الفتح: يحتمل أن تكون الجملة الأولى محذوفة المفعول والتقدير ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ربه ويحتمل أن يكون ضمن الذكر معنى التحديث فعداه بعن فيكون قوله عن ربه يتعلق بالذكر والرواية معًا. 7536 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْهَرَوِىُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ قَالَ: «إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إِلَىَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّى ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِذَا أَتَانِى مَشْيًا أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن عبد الرحيم) الملقب بصاعقة قال: (حدّثنا أبو زيد سعيد بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة (الهروي) قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرويه) أي الحديث (عن ربه) تبارك وتعالى أنه (قال) جل وعلا: (إذا تقرب العبد إليّ) بتشديد الياء (شبرًا تقربت إليه ذراعًا وإذا تقرب مني) ولأبي الوقت إليّ (ذراعًا تقربت منه باعًا وإذا أتاني مشيًا) وفي نسخة يمشي (أتيته هرولة) أي مسرعًا أي من تقرب بطاعة قليلة جازيته بثواب كثير ولفظ التقرب والهرولة إنما هو على طريق المشاكلة أو الاستعارة أو المراد لازمهما. 7537 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى عَنِ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: رُبَّمَا ذَكَرَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ مِنِّى شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّى ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا أَوْ بُوعًا». وَقَالَ مُعْتَمِرٌ: سَمِعْتُ أَبِى سَمِعْتُ أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (عن يحيى) بن سعيد القطان (عن التيمي) سليمان بن طرخان وهذا هو الصواب ووقع في اليونينية التميمي ولعله سبق قلم (عن أنس بن مالك عن أبي هريرة) -رضي الله عنهما- أنه (قال: ربما ذكر) أبو هريرة (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا تقرب العبد مني شبرًا) كذا للجميع ليس فيه الرواية عن الله. نعم عند الإسماعيلي من رواية محمد بن أبي بكر المقدمي عن يحيى بلفظ عن أبي هريرة ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: قال الله عز وجل: (إذا تقرب العبد مني شبرًا تقربت منه ذراعًا وإذا تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا) بالألف (أو بوعًا) بالواو بالشك وهما بمعنى، وقال الخطابي: الباع معروف وهو قدر مدّ اليدين، وقال الباجي: البدع طول ذراعي الإنسان وعضديه وعرض صدره وذلك قدر أربعة أذرع وهذا تمثيل ومجاز إذ حمله على الحقيقة مُحال على الله تعالى فوصف العبد بالتقرب إليه شبرًا وذراعًا وإتيانه ومشيه معناه التقرّب إلى ربه بطاعته وأداء مفترضاته ونوافله وتقربه تعالى من عبده وإتيانه ومشيه عبارة عن إثباته على طاعته وتقريبه من رحمته. (وقال معتمر) هو ابن سليمان التيمي فيما وصله مسلم (سمعت أبي) سليمان قال: (سمعت أنسًا) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرويه) أي الحديث السابق (عن ربه عز وجل) فصرّح فيه بالرواية عن الله تعالى والحديث الأول كالثاني لكن الثاني فيه أن أنسًا يروي عن أبي هريرة وفي الأول أنس يروي عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي المعلق يروي المعتمر عن أبيه عن أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 7538 - حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ قَالَ: «لِكُلِّ عَمَلٍ كَفَّارَةٌ، وَالصَّوْمُ لِى، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ». وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا محمد بن زياد) القرشي الجمحي مولاهم أنه (قال: سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرويه عن ربكم) تبارك وتعالى أنه (قال): (لكل عمل) من المعاصي (كفّارة) توجب ستره وغفرانه (والصوم لي) لا يتعبد به لغيري (وأنا أجزي به) الصائم وغير الصوم قد يفوّض جزاؤه للملائكة (ولخلوف فم الصائم) بضم الخاء المعجمة تغير رائحة فمه بسبب خلاء معدته (أطيب عند الله من ريح المسك). والله تعالى منزّه عن الأطيبة فهو على سبيل الفرض يعني لو فرض لكان أطيب منه. واستشكل بأن دم الشهيد كريح المسك والخلوف أطيب، فيلزم منه أن يكون الصائم أفضل من الشهيد. وأجيب: بأن منشأ الأطيبة ربما يكون الطهارة لأن الخلوف طاهر والدم نجس. والحديث سبق في الصوم. 7539 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ ح وَقَالَ لِى خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِى الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ قَالَ: «لاَ يَنْبَغِى لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى». وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ. وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث بن سخبرة الأزدي أبو عمر الحوضي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السدوسي (ح) للتحويل. قال المؤلف: (وقال لي خليفة) بن خياط (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي مصغرًا (عن

51 - باب ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرها

سعيد) هو ابن أبي عروبة واللفظ لسعيد (عن قتادة عن أبي العالية) رفيع بضم الراء وفتح الفاء وبعد التحتية الساكنة مهملة الرياحي (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما يرويه عن ربه) تبارك وتعالى أنه (قال): (لا ينبغي لعبد أن يقول إنه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أن يقول أنا (خير من يونس بن متى) بفتح الميم والفوقية المشددة مقصورًا (ونسبه إلى أبيه) جملة حالية أي ليس لأحد أن يفضل نفسه على يونس أو ليس لأحد أن يفضلني عليه تفضيلاً يؤدي إلى تنقيصه لا سيما إن توهم ذلك من قصة الحوت، فإنها ليست حاطّة من مرتبته العلية صلوات الله وسلامه على جميعهم وزادهم شرفًا أو قاله تواضعًا أو قاله قبل علمه بسيادته على الجميع والدلائل متظاهرة على تفضيله عليهم. والحديث سبق في سورة النساء والأنعام وليس فيه عن ربه ولا عن ربه وكذا في أحاديث الأنبياء عن حفص بن عمر بالسند المذكور. قال في الفتح: وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية عبد الرحمن بن مهدي ولم أر في شيء من الطرق عن شعبة فيه عن ربه ولا عن الله، وقال السفاقسي: ليس في أكثر الروايات يرويه عن ربه فإن كان محفوظًا فهو من سوى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 7540 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِى سُرَيْجٍ، أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِىِّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ أَوْ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ قَالَ: فَرَجَّعَ فِيهَا قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ يَحْكِى قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلٍ وَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابْنُ مُغَفَّلٍ يَحْكِى النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ: كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ؟ قَالَ: ءَاءَاءَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. وبه قال: (حدّثنا أحمد بن أبي سريج) بالسين المهملة المضمومة آخره جيم هو أحمد بن الصباح أبو جعفر بن أبي سريج النهشلي الرازي قال: (أخبرنا شبابة) بالشين المعجمة وتخفيف الموحدة الأولى ابن سوار بفتح المهملة وتشديد الواو أبو عمرو الفزاري مولاهم قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن معاوية بن قرة) بضم القاف وتشديد الراء المفتوحة المزني (عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح المعجمة وتشديد الفاء المفتوحة، ولأبي ذر المغفل (المزني) -رضي الله عنه- أنه (قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الفتح على ناقة له يقرأ سورة الفتح أو من سورة الفتح) بالشك من الراوي (قال: فرجع فيها) بتشديد الجيم أي ردّد صوته بالقراءة (قال) شعبة (ثم قرأ معاوية يحكي قراءة ابن مغفل، وقال) معاوية (لولا أن يجتمع الناس عليكم لرجعت كما رجع ابن مغفل يحكي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال ابن بطال فيه إن القراءة بالترجيع والإلحان تجمع نفوس الناس إلى الإصغاء إليه وتستميلها بذلك حتى لا تكاد تصبر عن استماع الترجيع المشوب بلذة الحكمة المهيمنة قال شعبة (فقلت لمعاوية: فكيف كان ترجيعه؟ قال: ءاءاءا ثلاث مرات) بهمزة مفتوحة بعدها ألف وهو محمول على الإشباع في محله وسبقت مباحثه في فضائل القرآن، وفيه جواز القراءة بالترجيع والإلحان الملذذة للقلوب بحسن الصوت، ووجه دخول هذا الحديث في هذا الباب أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أيضًا يروي القرآن عن ربه. وقال الكرماني: الراوية عن الرب أعمّ من أن تكون قرآنًا أو غيره بالواسطة أو بدونها لكن المتبادر إلى الذهن المتداول على الألسنة كان بغير الواسطة. 51 - باب مَا يَجُوزُ مِنْ تَفْسِيرِ التَّوْرَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93]. (باب ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله) عز وجل كالإنجيل (بـ) اللغة (العربية وغيرها) من اللغات (لقول الله تعالى: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} [آل عمران: 93]) ووجه الدلالة منها أن التوراة بالعبرانية وقد أمر الله أن تتلى على العرب وهم لا يعرفون العبرانية ففيه الإذن في التعبير عنها بالعربية. 7541 - وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْبَرَنِى أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ أَنَّ هِرَقْلَ دَعَا تَرْجُمَانَهُ، ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] الآيَةَ. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما-: (أخبرني) بالإفراد (أبو سفيان) صخر (بن حرب أن هرقل) ملك الروم قيصر (دعا ترجمانه) ولم يسم (ثم دعا بكتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرأه) فإذا فيه (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل: و {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} [آل عمران: 64] الآية) وجه الدلالة منه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب إلى هرقل باللسان العربي ولسان هرقل رومي ففيه إشعار بأنه اعتمد في إبلاغه ما في الكتاب على من يترجم عنه بلسان المبعوث إليه ليفهمه والمترجم المذكور هو الترجمان. والحديث سبق مطولاً في أول الصحيح. 7542 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ وَ {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ}» [البقرة: 136] الآيَةَ. وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة

52 - باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الماهر بالقرآن مع الكرام البررة وزينوا القرآن بأصواتكم»

والمعجمة المشددة ابن عثمان أبو بكر العبدي مولاهم المعروف ببندار قال: (حدّثنا عثمان بن عمر) بضم العين ابن فارس البصري قال: (أخبرنا علي بن المبارك) الهنائي (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الطائي مولاهم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية) بكسر العين وسكون الموحدة (ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم) قال البيهقي: فيه دليل على أن أهل الكتاب إن صدقوا ما فسروا من كتابهم بالعربية كان ذلك مما أنزل إليهم على طريق التعبير عما أنزل وكلام الله واحد لا يختلف باختلاف اللغات فبأي لسان قرئ فهو كلام الله ثم أسند عن مجاهد في قوله تعالى: {لأنذركم به ومن بلغ} [الأنعام: 19] يعني ومن أسلم من العجم وغيرهم. قال البيهقي: وقد لا يكون يعرف العربية فإذا بلغه معناه بلسانه فهو له نذير ({وقولوا آمنا بالله وما أنزل} [البقرة: 136] الآية) والمراد القرآن. 7543 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: أُتِىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنَ الْيَهُودِ قَدْ زَنَيَا فَقَالَ لِلْيَهُودِ: «مَا تَصْنَعُونَ بِهِمَا»؟ قَالُوا: نُسَخِّمُ وُجُوهَهُمَا وَنُخْزِيهِمَا قَالَ: «{فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}». فَجَاؤُوا فَقَالُوا لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَرْضَوْنَ أَعْوَرُ اقْرَأْ فَقَرَأَ حَتَّى انْتَهَى عَلَى مَوْضِعٍ مِنْهَا فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهِ آيَةُ الرَّجْمِ تَلُوحُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ عَلَيْهِمَا الرَّجْمَ وَلَكِنَّا نُكَاتِمُهُ بَيْنَنَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا فَرَأَيْتُهُ يُجَانِئُ عَلَيْهَا الْحِجَارَةَ. وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا إسماعيل) ابن علية (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أُتي) بضم الهمزة وكسر الفوقية (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برجل) لم يسم ولأبي ذر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتي برجل (وامرأة) قال ابن العربي: اسمها بسرة كلاهما (من اليهود قد زنيا فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لليهود): (ما تصنعون بهما؟ قالوا: نسخم) بضم النون وفتح السين المهملة وكسر الخاء المعجمة المشددة نسوّد (وجوههما ونخزيهما) بضم النون وسكون الخاء المعجمة وكسر الزاي أي نركبهما على حمار معكوسين وندور بهما في الأسواق (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لهم: ({فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}. فجاؤوا) بها (فقالوا لرجل ممن يرضون) هو عبد الله بن صوريا الأعور اليهودي (يا أعور) منادى ولأبي ذر عن الكشميهني أعور مجرور بالفتحة صفة لرجل والذي في اليونينية بالرفع على أصل المنادى مع حذف الأداة (اقرأ فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها) من التوراة (فوضع يده عليه) على الموضع ولأبي ذر عن الكشميهني عليها على آية الرجم (قال) له ابن سلام (ارفع يدك) عنها (فرفع يده فإذا فيه) في الموضع الذي وضع يده عليه (آية الرجم تلوح) بالحاء المهملة (فقال: يا محمد إن عليهما) ولأبوي الوقت وذر إن بينهما (الرجم ولكنا نكاتمه بيننا) بضم النون بعدها كاف وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والمستملي نتكاتمه بفتح النون والفوقية والتذكير أي بالرجم أيضًا ولأبي ذر أيضًا عن الكشميهني نتكاتمها بالتأنيث أي آية الرجم (فأمر بهما) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فرجما) قال ابن عمر -رضي الله عنهما- (فرأيته) يعني اليهودي المرجوم (يجانئ) بضم التحتية وفتح الجيم وبعد الألف نون مكسورة فهمزة مضمومة يكذب (عليها) على اليهودية يقيها (الحجارة). والحديث سبق في آخر علامات النبوة وفي باب الرجم بالبلاط من كتاب المحاربين. 52 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَزَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» (باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الماهر بالقرآن) الجيد التلاوة مع الحفظ (مع الكرام) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني مع السفرة الكرام وله عن الحموي والمستملي مع سفرة الكرام (البررة) بإضافة سفر للكرام من باب إضافة الموصوف للصفة والسفرة الكتبة جمع سافر مثل كاتب وزنًا ومعنى وهم الكتبة الذين يكتبون من اللوح المحفوظ والكرام المكرمون عند الله تعالى، والبررة المطيعون المطهرون من الذنوب، وأصل هذا حديث تقدم موصولاً في التفسير، لكن بلفظ مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة. قال الهروي: والمراد بالمهارة بالقرآن جودة الحفظ وجودة التلاوة من غير تردّد فيه لكونه يسره الله تعالى عليه كما يسره على الملائكة فكان مثلها في الحفظ والدرجة (و) قوله عليه الصلاة والسلام (زينوا القرآن بأصواتكم) بتحسينها، ومراد المؤلف إثبات كون التلاوة فعل العبد فإنها يدخلها الترتيل

والتحسين والتطريب وهذا التعليق وهو زينوا الخ، وصله أبو داود وغيره. 7544 - حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِى ابْنُ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَىْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِىٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي أبو إسحاق الزبيري الأسدي قال: (حدّثني) بالإفراد (ابن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (عن يزيد) من الزيادة بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي (عن محمد بن إبراهيم) التيمي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (ما أذن الله لشيء) أي ما استمع الله لشيء (ما أذن) ما استمع (لنبي حسن الصوت بالقرآن) حال كونه (يجهر به) ولا بدّ من تقدير مضاف عند قوله لنبي أي لصوت نبي والنبي جنس شائع في كل نبي، فالمراد بالقرآن القراءة ولا يجوز أن يحمل الاستماع على الإصغاء إذ هو مستحيل على الله تعالى بل هو كناية عن تقريبه وإجزال ثوابه لأن سماع الله لا يختلف. 7545 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا، وَكُلٌّ حَدَّثَنِى طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ قَالَتْ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِى وَأَنَا حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّى بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ يُبَرِّئُنِى وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ فِى شَأْنِى وَحْيًا يُتْلَى وَلَشَأْنِى فِى نَفْسِى كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِىَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ} [النور: 15] الْعَشْرَ الآيَاتِ كُلَّهَا. وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير بضم الموحدة مصغرًا قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (وسعيد بن المسيب) بن حزن سيد التابعين (وعلقمة بن وقاص) الليثي (وعبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود أربعتهم (عن حديث عائشة) -رضي الله عنها- (حين قال لها أهل الإفك) الكذب الشديد (ما قالوا وكل) من الأربعة (حدّثني) بالإفراد (طائفة من الحديث) أي بعضه فجميعه عن مجموعهم لا أن مجموعه عن كل واحد منهم فذكرت الحديث بطوله إلى أن قالت: فلئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني منه بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني بذلك والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا قول أبي يوسف: {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} [يوسف: 18] (قالت: فاضطجعت على فراشي وأنا حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله يبرئني ولكن) ولأبوي الوقت وذر عن الكشميهني ولكني (والله ما كنت أظن أن الله) عز وجل (ينزل) ولأبي ذر منزل (في شأني وحيًا يُتلى) يقرأ (ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله) عز وجل (فيّ) بتشديد الياء (بأمر يتلى) بالأصوات في المحاريب والمحافل وغير ذلك (وأنزل الله عز وجل: {إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم} [النور: 10] العشر الآيات كلها). قال ابن حجر: آخر العشر {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [آل عمران: 66] اهـ. قلت: قد سبق في تفسير سورة النور أنها إلى رؤوف رحيم فليراجع وثبت قوله: عصبة منكم لأبي ذر وسقط لغيره، وقد أورد الحديث من طرق أخرى المؤلف في خلق أفعال العباد ثم قال: فبينت عائشة -رضي الله عنها- أن الإنزال من الله وأن الناس يتلونه. 7546 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ ثَابِتٍ أُرَاهُ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِى الْعِشَاءِ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين: 1] فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا أَوْ قِرَاءَةً مِنْهُ. وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين ابن كدام الكوفي (عن عدي بن ثابت) الأنصاري (أراه) بضم الهمزة أظنه (عن البراء) ولأبي ذر والأصيلي قال: سمعت البراء أي ابن عازب -رضي الله عنه- (قال): ولأبي ذر والأصيلي وأبي الوقت يقول: (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في) صلاة (العشاء {والتين}) ولأبي ذر عن الكشميهني بالتين ({والزيتون} [التين: 1] فما سمعت أحدًا أحسن صوتًا أو قراءة منه) وغرض المؤلف من إيراده هنا بيان اختلاف الأصوات بالقراءة من جهة النغم والله أعلم. 7547 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِى بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضى الله عنهما - قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَوَارِيًا بِمَكَّةَ، وَكَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَإِذَا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَمَنْ جَاءَ بِهِ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110]. وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) الأنماطي البصري قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير مصغرًا أيضًا الواسطي السلمي (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية (عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متواريًا بمكة) من المشركين في أوّل بعثته وفي باب وأسروا قولكم مختفٍ بمكة (وكان يرفع صوته) بالقراءة في الصلاة (فإذا سمع المشركون) قراءته (سبّوا القرآن ومن جاء به فقال الله عز وجل لنبيّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {ولا تجهر بصلاتك}) أي بقراءة صلاتك ({ولا تخافت بها} [الإسراء: 110]) زاد

53 - باب قول الله تعالى: {فاقرؤوا ما تيسر من القرآن} [المزمل: 20]

في باب قوله وأسروا قولكم عن أصحابك فلا تسمعهم وابتغ بين ذلك سبيلاً. 7548 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ - رضى الله عنه - قَالَ: لَهُ إِنِّى أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِى غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ لِلصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَىْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام ابن أنس الأصبحي (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه) عبد الله (أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال: له) لعبد الله بن عبد الرحمن (إني أراك تحب الغنم و) تحب (البادية) الصحراء لأجل رعي الغنم (فإذا كنت في غنمك) في غير بادية (أو) في (باديتك) من غير غنم أو معها وهو شك من الراوي (فأذّنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء) بالأذان (فإنه لا يسمع مدى) بفتح الميم والدال المهملة مقصورًا ولأبي ذر عن الحموي والمستملي نداء (صوت المؤذن جنّ ولا إنس ولا شيء) من الحيوان والجماد بأن يخلق الله تعالى له إدراكًا (إلا شهد له يوم القيامة. قال أبو سعيد) الخدري -رضي الله عنه- (سمعته من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي قوله فإنه لا يسمع إلى آخره فذكر البادية والغنم موقوف. قال في الفتح: مراد المؤلف هنا بيان اختلاف الأصوات بالرفع والخفض. وقال في الكواكب وجه مناسبته إن رفع الأصوات بالقرآن أحق بالشهادة له وأولى. وسبق الحديث في باب رفع الصوت بالنداء من كتاب الصلاة. 7549 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَرَأْسُهُ فِى حَجْرِى وَأَنَا حَائِضٌ. وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وبالصاد المهملة ابن عقبة أبو عامر السوائي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن عبد الرحمن التيمي (عن أمه) صفية بنت شيبة الحجبي المكي (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها (قالت: كان النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ القرآن ورأسه في حجري) بفتح الحاء المهملة (وأنا حائض) جملة حالية والحديث مرّ في الحيض. 53 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] (باب قول الله تعالى: {فاقرؤوا ما تيسر من القرآن} [المزمل: 20]) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني ما تيسر منه قيل المراد نفس القراءة أي فاقرؤوا فيما تصلون به بالليل ما خفّ عليكم. قال السدي: مائة آية وقيل صلوا ما تيسر عليكم والصلاة تسمى قرآنًا. قال الله تعالى: {وقرآن الفجر} [الإسراء: 78] أي صلاة الفجر. 7550 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِى عُرْوَةُ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ الْقَارِىَّ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِى الصَّلاَةِ فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ فَلَبَبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِى سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: كَذَبْتَ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: إِنِّى سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا فَقَالَ: «أَرْسِلْهُ اقْرَأْ يَا هِشَامُ» فَقَرَأَ الْقِرَاءَةَ الَّتِى سَمِعْتُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْرَأْ يَا عُمَرُ» فَقَرَأْتُ الَّتِى أَقْرَأَنِى فَقَالَ: «كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ». وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (حدّثتي) بالإفراد (عروة) بن الزبير (أن المسور) بكسر الميم (ابن مخرمة) بفتحها وسكون المعجمة وفتح الراء (وعبد الرحمن بن عبد القاريّ) بتشديد الياء نسبة إلى القارة (حدّثناه أنهما سمعا عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (يقول: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان) لا سورة الأحزاب (في حياة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكدت أُساوره) بالسين المهملة آخذ برأسه (في الصلاة فتصبرت) فتكلفت الصبر (حتى سلم فلببته) بتشديد الموحدة الأولى وتخفف وهو الذي في اليونينية وسكون الثانية (بردائه) جمعتها عليه عند لبته خوف أن ينفلت مني (فقلت) له: (من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ) ها (قال) ولأبي الوقت قال (أقرأنيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت) له (كذبت أقرأنيها) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على غير ما قرأت) ها (فانطلقت به أقوده) وأجرّه بردائه (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت) يا رسول الله (إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال): (أرسله) بهمزة قطع وبكسر السين أطلقه ثم قال عليه الصلاة والسلام (اقرأ يا هشام) قال عمر -رضي الله عنه- (فقرأ القراءة التي سمعته) يقرأ بها (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كذلك) وللأصيلي كذا (أنزلت. ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اقرأ يا عمر. فقرأت) القراءة (التي أقرأني) بها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال: كذلك) وللأصيلي كذا (أنزلت) ثم قال: (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف) أي لغات (فاقرؤوا ما تيسر منه). من الأحرف المنزل بها بالنسبة إلى ما يستحضره القارئ من القراءات فالذي في آية المزمل للكمية والذي في الحديث للكيفية قال

54 - باب قول الله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر}

في الفتح ومناسبة الترجمة وحديثها للأبواب السابقة من جهة التفاوت في الكيفية ومن جهة جواز نسبة القراءة للقارئ. وسبق الحديث في الفضائل والخصومات. 54 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [القمر: 17] وَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ». يُقَالُ مُيَسَّرٌ: مُهَيَّأٌ وَقَالَ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} قَالَ: هَلْ مِنْ طَالِبِ عِلْمٍ فَيُعَانَ عَلَيْهِ؟. (باب قول الله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر}) أي سهلناه للادّكار والاتعاظ ({فهل من مدّكر} [القمر: 17]) متعظ يتعظ وقيل ولقد سهلناه للحفظ وأعنّا عليه مَن أراد حفظه فهل من طالب لحفظه ليُعان عليه ويروى أن كتب أهل الأديان كالتوراة والإنجيل لا يتلوها أهلها إلا نظرًا ولا يحفظونها ظاهرًا كالقرآن وثبت قوله: {فهل من مدّكر} لأبي ذر والأصيلي وسقط لغيرها (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كل) بالتنوين (ميسر لما خلق له) وصله هنا. (يقال ميسر) قال المؤلف أي (مهيأ) وزاد هنا أبو ذر والوقت والأصيلي. وقال مجاهد المفسر يسرنا القرآن بلسانك أي هوّنَّا قراءته عليك وهذا وصله الفريابي، وزاد الكشميهني. (وقال مطر الوراق) بن طهمان أبو رجاء الخراساني: ({ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر} قال: هل من طالب علم فيعان عليه). وصله الفريابي. 7551 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ يَزِيدُ: حَدَّثَنِى مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عِمْرَانَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِيمَا يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ؟ قَالَ: «كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ». وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري (قال يزيد): من الزيادة ابن أبي يزيد واسمه سنان المشهور بالرشك الضبعي (حدثني) بالإفراد (مطرف بن عبد الله) بن الشخير العامري (عن عمران) بن الحصين -رضي الله عنه- أنه (قال: قلت: يا رسول الله فيما يعمل العاملون) سبق في كتاب القدر يا رسول الله أيعرف أهل الجنة من أهل النار قال نعم قال فلم يعمل العاملون أي إذا سبق العلم بذلك فلا يحتاج العامل إلى العمل لأنه سيصير إلى ما قدر له (قال): (كلٌّ ميسّر) بتشديد السين المفتوحة (لما خلق له) فعلى المكلف أن يدأب في الأعمال الصالحة فإن عمله إمارة إلى ما يؤول إليه أمره غالبًا ومطابقته للترجمة ظاهرة وسبق في القدر. 7552 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ سَمِعَا سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ فِى جِنَازَةٍ فَأَخَذَ عُودًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ فِى الأَرْضِ فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ أَوْ مِنَ النَّارِ». قَالُوا: أَلاَ نَتَّكِلُ؟ قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}» [الليل: 5] الآيَةَ. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن منصور) هو ابن المعتمر (والأعمش) سليمان بن مهران أنهما (سمعا سعد بن عبيدة) بسكون العين في الأول وضمها في الثاني وفتح الموحدة أبا حمزة بالمهملة والزاي السلمي بالضم الكوفي (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن حبيب الكوفي السلمي (عن علي) أي ابن أبي طالب -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان في جنازة) زاد في الجنائز في بقيع الغرقد (فأخذ عودًا فجعل ينكت) بضم الكاف بعدها مثناة فوقية يضرب به (في الأرض فقال): (ما منكم من أحد إلا كتب) بضم الكاف أي قدّر في الأزل (مقعده من الجنة أو من النار) من بيانية (قالوا) سبق تعيين القائل في الجنائز وفي الترمذي أنه عمر بن الخطاب (ألا نتّكل) أي نعتمد زاد في الجنائز على كتابنا وندع العمل (قال: اعملوا) صالحًا (فكلٌّ ميسر) أي لما خلق له ثم قرأ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({فأما من أعطى واتقى} [الليل: 5] الآية). ومطابقة الحديث للترجمة في قوله ميسر وسبق في الجنائز. 55 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِى لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 22] {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: 1] قَالَ قَتَادَةُ: مَكْتُوبٌ يَسْطُرُونَ: يَخُطُّونَ فِى أُمِّ الْكِتَابِ جُمْلَةِ الْكِتَابِ وَأَصْلِهِ {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ} [ق: 8] مَا يَتَكَلَّمُ مِنْ شَىْءٍ إِلاَّ كُتِبَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُكْتَبُ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ {يُحَرِّفُونَ} [المائدة: 13]: يُزِيلُونَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُزِيلُ لَفْظَ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ {دِرَاسَتُهُمْ} [الأنعام: 156] تِلاَوَتُهُمْ {وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 12]: حَافِظَةٌ {وَتَعِيَهَا} [الحاقة: 12]: تَحْفَظُهَا {وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ} [الأنعام: 19] يَعْنِى أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ بَلَغَ هَذَا الْقُرْآنُ فَهْوَ لَهُ نَذِيرٌ. وَقَالَ لِى خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ. (باب قول الله تعالى: ({بل هو قرآن مجيد) أي شريف عالي الطبقة في الكتب وفي نظمه وإعجازه فليس كما تزعمون أنه مفتري وأنه أساطير الأوّلين ({في لوح محفوظ} [البروج: 22]) من وصول الشياطين إليه. وقوله تعالى ({والطور}) الجبل الذي كلم الله عليه موسى وهو بمدين ({وكتاب مسطور} [الطور: 1]). (قال قتادة) فيما وصله المؤلف في كتاب خلق أفعال العباد أي (مكتوب يسطرون) أي (يخطون) رواه عبد بن حميد من طريق شيبان عن قتادة (في أم الكتاب جملة الكتاب وأصله) كذا أخرجه عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة ({ما يلفظ من قول} [ق: 8]) أي (ما يتكلم من شيء إلا كتب عليه) وصله ابن أبي حاتم من طريق شعيب بن إسحاق عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن ومن طريق زائدة بن قدامة عن الأعمش عن مجمع قال الملك مداده ريقه وقلمه لسانه. (وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: {ما يلفظ من قول} (يكتب الخير والشر) وقوله: ({يحرفون}) في قوله تعالى: ({يحرفون الكلم عن مواضعه} [المائدة: 13] أي

(يزيلون وليس أحد يزيل لفظ كتاب من كتب الله عز وجل، ولكنهم يحرفونه يتأوّلونه على غير تأويله). يحتمل أن يكون هذا من كلام المؤلف ذيّل به على تفسير ابن عباس، وأن يكون من بقية كلام ابن عباس في تفسير الآية. وقد صرح كثير بأن اليهود والنصارى بدلوا ألفاطًا كثيرة من التوراة والإنجيل وأتوا بغيرها من قبل أنفسهم، وحرّفوا أيضًا كثيرًا من المعاني بتأويلها على غير الوجه ومنهم من قال: إنهم بدلوهما كلهما، ومن ثم قيل بامتهانهما وفيه نظر إذ الآيات والأخبار كثيرة في أنه بقي منهما أشياء كثيرة لم تبدل منها آية الذين يتبعون الرسول النبي الأمي وقصة رجم اليهوديين، وقيل التبديل وقع في اليسير منهما، وقيل وقع في المعاني لا في الألفاظ وهو الذي ذكره هنا وفيه نظر فقد وجد في الكتابين ما لا يجوز أن يكون بهذه الألفاظ من عند الله أصلاً، وقد نقل بعضهم الإجماع على أنه لا يجوز الاشتغال بالتوراة والإنجيل ولا كتابتهما ولا نظرهما وعند أحمد والبزار، واللفظ له من حديث جابر قال: نسخ عمر كتابًا من التوراة بالعربية فجاء به إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجعل يقرأ ووجه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتغير فقال له رجل من الأنصار: ويحك يا ابن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا وإنكم إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل والله لو كان موسى بين أظهركم ما حل له إلا اتباعي". وروي في ذلك أحاديث أُخَر كلها ضعيفة لكن مجموعها يقتضي أن لها أصلاً. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: ومنه لخصت ما ذكرته، والذي يظهر أن كراهة ذلك للتنزيه لا للتحريم والأولى في هذه المسألة التفرقة بين من لم يتمكن ويصر من الراسخين في الإيمان فلا يجوز له النظر في شيء من ذلك بخلاف الراسخ فيه، ولا سيما عند الاحتياج إلى الرد على المخالف ويدل له نقل الأئمة قديمًا وحديثًا من التوراة وإلزامهم التصديق بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما يستخرجونه من كتابهم، وإما الاستدلال للتحريم بما ورد من غضبه عليه الصلاة والسلام فمردود بأنه قد يغضب من فعل المكروه ومن فعل ما هو خلاف الأولى إذا صدر ممن لا يليق به ذلك كغضبه من تطويل معاذ الصلاة بالقراءة اهـ. وقوله: ({دراستهم}) في قوله تعالى: ({وإن كنا عن دراستهم لغافلين} [الأنعام: 156] هي (تلاوتهم) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس. وقوله ({واعية}) من قوله تعالى: ({وتعيها أذن واعية} [الحاقة: 12] أي (حافظة {وتعيها}) أي (تحفظها) وصله ابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضًا. وقوله تعالى: ({وأوحى إليّ هذا القرآن لأنذركم به} [الأنعام: 19]) قال ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم أيضًا. (يعني أهل مكة ومن بلغ هذا القرآن فهو له نذير) وصله ابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضًا قال البخاري: (وقال لي خديفة بن خياط) أي في المذاكرة. 7553 - حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ أَبِى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِى رَافِعٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ كِتَابًا عِنْدَهُ غَلَبَتْ -أَوْ قَالَ- سَبَقَتْ رَحْمَتِى غَضَبِى فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ». (وحدّثنا معتمر) قال: (سمعت أبي) سليمان بن طرخان (عن قتادة عن أو رافع) نفيع الصائغ البصري (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (لما قضى الله الخلق) أي أتمه (كتب كتابًا عنده) والعندية المكانية مستحيلة في حقه تعالى فتحمل على ما يليق به أو تفوّض إليه ولأبي ذر عن الكشميهني لما خلق الله الخلق كتب كتابًا عنده (غلبت أو قال سبقت رحمتي غضبي فهو عنده فوق العرش). واستشكل بأن صفات الله قديمة والقدم عدم المسبوقية فكيف يتصور السبق؟ وأجيب: بأنهما من صفات الأفعال أو المراد سبق تعلق الرحمة وذلك لأن إيصال العقوبة بعد عصيان العبد بخلاف إيصال الخير فإنه من مقتضيات صفاته. قال المهلب: وما ذكر من سبق رحمته غضبه فظاهر لأن من غضب عليه من خلقه لم يخيبه في الدنيا من رحمته. وقال غيره إن رحمته لا تنقطع عن أهل النار المخلدين من الكفار إذ في قدرته تعالى أن يخلق لهم عذابًا يكون عذاب النار يومئذٍ لأهلها رحمة وتخفيفًا بالإضافة إلى ذلك العذاب. 7554 - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى غَالِبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ أَبِى يَقُولُ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَبَا رَافِعٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ، إِنَّ رَحْمَتِى سَبَقَتْ غَضَبِى فَهْوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (محمد بن أبي غالب) بالغين المعجمة وكسر اللام أبو عبد الله القومسي بالقاف والميم والسين المهملة نزل بغداد ويقال له الطيالسي: وكان حافظًا

56 - باب قول الله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون}

من أقران البخاري قال: (حدّثنا محمد بن إسماعيل) البصري ويقال له ابن أبي سمينة بالسين المهملة وبالنون بوزن عظيمة ولم يتقدم له في البخاري ذكر قال: (حدّثنا معتمر) قال: (سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي (يقول: حدّثنا قتادة) بن دعامة (أن أبا رافع) نفيعًا الصائغ المدني (حدّثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (إن الله) عز وجل (كتب كتابًا) إما حقيقة عن كتابة اللوح المحفوظ أي خلق صورته فيه أو أمر بالكتابة (قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي فهو مكتوب عنده فوق العرش). وفي الحديث السابق لما قضى الله الخلق كتب ففيه أن الكتابة بعد الخلق وقال هنا قبل أن يخلق الخلق فالمراد من الأوّل: تعلق الخلق وهو حادث فجاز أن يكون بعده، وأما الثاني: فالمراد منه نفس الحكم وهو أزليّ فبالضرورة يكون قبله والحديث سبق مرارًا والله الموفق والمعين. 56 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] {إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] وَيُقَالُ لِلْمُصَوِّرِينَ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِى اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54] قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: بَيَّنَ اللَّهُ الْخَلْقَ مِنَ الأَمْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} وَسَمَّى النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإِيمَانَ عَمَلاً قَالَ أَبُو ذَرٍّ: وَأَبُو هُرَيْرَةَ سُئِلَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَىُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِى سَبِيلِهِ، وَقَالَ: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف: 14] وَقَالَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُرْنَا بِجُمَلٍ مِنَ الأَمْرِ إِنْ عَمِلْنَا بِهَا دَخَلْنَا الْجَنَّةَ، فَأَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ وَالشَّهَادَةِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَمَلاً. (باب قول الله تعالى {والله خلقكم}) أي أتعبدون من الأصنام ما تنحتونها وتعملونها بأيديكم والله خلقكم ({وما تعملون} [الصافات: 96]) أي وخلق عملكم وهو التصوير والنحت كعمل الصائغ السوار أي صاغه فجوهرها بخلق الله وتصوير أشكالها وإن كان من عملهم فبخلقه تعالى أقدارهم على ذلك، وحينئذٍ فما مصدرية على ما اختاره سيبويه لاستغنائها عن الحذف والإضمار منصوبة المحل عطفًا على الكاف والميم في خلقكم، وقيل: هي موصولة بمعنى الذي على حذف الضمير منصوبة المحل عطفًا على الكاف والميم من خلقكم أيضًا أي أتعبدون الذي تنحتون والله خلقكم وخلق الذي تعملونه بالنحت، ويرجح كونها بمعنى الذي ما قبلها وهو قوله تعالى: {أتعبدون ما تنحتون} [الصافات: 95] توبيخًا لهم على عبادة ما عملوه بأيديهم من الأصنام لأن كلمة ما عامة تتناول ما يعملونه من الأوضاع والحركات والمعاصي والطاعات وغير ذلك، فإن المراد بأفعال العباد المختلف في كونها بخلق العبد أو بخلق الرب عز وجل هو ما يقع بكسب العبد ويسند إليه مثل الصوم والصلاة والأكل والشرب والقيام والقعود ونحو ذلك، وقيل إنها استفهامية منصوبة المحل بقوله تعملون استفهام توبيخ وتحقير لشأنها وقيل نكرة موصوفة حكمها حكم الموصوف، وقيل نافية أي إن العمل في الحقيقة ليس لكم فأنتم لا تعملون ذلك لكن الله هو خالقه، والذي ذهب إليه أكثر أهل السُّنّة أنها مصدرية. وقال المعتزلة: إنها موصولة محاولة لمعتقدهم الفاسد وقالوا التقدير أتعبدون حجارة تنحتونها والله خلقكم وخلق تلك الحجارة التي تعملونها. قال السهيلي في نتائج الفكر: ولا يصح ذلك من جهة النحو إذ ما لا يصح أن تكون مع الفعل الخاص إلا مصدرية فعلى هذا فالآية ترد مذهبهم وتفسد قولهم والنظم على قول أهل السُّنَّة أبدع. فإن قيل: قد تقول عملت الصحفة وصنعت الجفنة وكذا يصح عملت الصنم قلنا: لا يتعلق ذلك إلا بالصورة التي هي التركيب والتأليف وهي الفعل الذي هو الأحداث دون الجواهر بالاتفاق ولأن الآية وردت في إثبات استحقاق الخالق العبادة لانفراده بالخلق وإقامة الحجة على من يعبد ما لا يخلق وهم يخلقون. فقال: أتعبدون ما لا يخلق وتدعون عبادة من خلقكم وخلق أعمالكم التي تعملون، ولو كان كما زعموا لما قامت الحجة من هذا الكلام لأنه لو جعلهم خالقين لأعمالهم وهو خالق الأجناس لشركهم معه في الخلق تعالى الله عن إفكهم. وقال البيهقي في كتاب الاعتقاد قال الله تعالى: {ذلكم الله ربكم خالق كل شيء} [غافر: 62] فدخل فيه الأعيان والأفعال من الخير والشر وقال تعالى: {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار} [الرعد: 16] فنفى أن يكون خالق غيره ونفى أن يكون شيء سواه غير مخلوق، فلو كانت الأفعال غير مخلوقة له لكان خالق بعض شيء وهو بخلاف الآية ومن المعلوم أن الأفعال أكثر من الأعيان فلو كان الله خالق الأعيان والناس خالقي الأفعال لكان مخلوقات الناس أكثر من مخلوقات الله تعالى الله عن ذلك. وقال الشمس الأصفهاني في تفسير قوله: {وما تعملون}

أي عملكم وفيه دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وأنها مكتسبة للعباد حيث أثبت لهم عملاً فأبطلت هذه الآية مذهب القدرية والجبرية معًا، وقد رجح بعض العلماء كونها مصدرية لأنهم لم يعبدوا الأصنام إلا لعملهم لا لجزم الصنم وإلا لكانوا يعبدونه قبل النحت فكأنهم عبدوا العمل فأنكر عليهم عبادة المنحوت الذي لم ينفك عن عمل المخلوق. وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية سلمنا أنها موصولة لكن لا نسلم أن للمعتزلة فيها حجة لأن قوله تعالى: {والله خلقكم} يدخل فيه ذاتهم وصفاهم، وعلى هذا إذا كان خلقكم وخلق الذي تعملونه إن كان المراد خلقه لها قبل النحت لزم أن يكون المعمول غير المخلوق وهو باطل، فثبت أن المراد خلقه لها قبل النحت وبعده وأن الله خلقها بما فيها من التصوير والنحت فثبت أنه خالق ما تولد من فعلهم، ففي الآية دليل على أن الله تعالى خلق أفعالهم القائمة بهم وخلق ما تولد عنها. وقال الحافظ عماد الدين بن كثير كل من قولي المصدر والموصول متلازم والأظهر ترجيح المصدرية لما رواه البخاري في كتاب خلق أفعال العباد من حديث حذيفة مرفوعًا: إن الله يصنع كل صانع وصنعته وأقوال الأئمة في هذه المسألة كثيرة، والحاصل أن العمل يكون مسند إلى العبد من حيث إن له قدرة عليه وهو المسمى بالكسب ومسندًا إلى الله تعالى من حيث إن وجودهُ بتأثيره فله جهتان بإحداهما ينفي الجبر وبالأخرى ينفي القدر وإسناده إلى الله حقيقة وإلى العبد عادة وهي صفة يترتب عليها الأمر والنهي والفعل والترك فكل ما أسند من أفعال العباد إلى الله تعالى فهو بالنظر إلى تأثير القدرة ويقال له الخلق وما أسند إلى العبد إنما يحصل بتقدير الله تعالى، ويقال له الكسب وعليه يقع المدح والذم كما يذم المشوّه الوجه ويحمد الجميل الصورة، وأما الثواب أو العقاب فهو علامة والعبد إنما هو ملك لله يفعل فيه ما يشاء والله أعلم. وقوله تعالى: ({إنّا كل شيء خلقناه بقدر} [القمر: 49]) مقدرًا مرتبًا على مقتضى الحكمة أو مقدرًا مكتوبًا في اللوح المحفوظ معلومًا قبل كونه قد علمنا حاله وزمانه وكل شيء منصوب على الاشتغال وقرأ أبو السمال بالرفع ورجح الناس النصب بل أوجبه ابن الحاجب حذرًا من لبس المفسر بالصفة لأن الرفع يوهم ما لا يجوز على قواعد أهل السُّنَّة وذلك لأنه إذا رفع كان مبتدأ وخلقناه صفة لكل أو لشيء وبقدر خبره، وحينئذٍ يكون له مفهوم لا يخفى على متأمله فيلزم أن يكون الشيء الذي ليس مخلوقًا لله تعالى لا بقدر وقال أبو البقاء وإنما المكان النصب أولى لدلالته على عموم الخلق والرفع لا يدل على عمومه بل يفيد أن كل شيء مخلوق فهو بقدر اهـ. وإنما دل النصب في كل على العموم لأن التقدير إنّا خلقنا شيء خلقناه بقدر، فخلقناه تأكيد وتفسير لخلقناه المضمر الناصب لكل وإذا حذفته، وأظهرت الأول صار التقدير إنّا خلقنا كل شيء بقدر فخلقناه تأكيد وتفسير لخلقنا المضمر الناصب لكل له شيء فهذا لفظ عام يعم جميع المخلوقات ولا يجوز أن يكون خلقناه صفة لشيء لأن الصفة والصلة لا يعملان فيما قبل الموصوف ولا الموصول ولا يكونان تفسيرًا لما يعمل فيما قبلهما، فإذا لم يبق خلقناه صفة لم يبق إلا أنه تأكيد وتفسير للمضمر الناصب وذلك يدل على العموم، وقد نازع الرضى ابن الحاجب في قوله السابق فقال المعنى في الآية لا يتفاوت بجعل الفعل خبرًا أو صفة وذلك لأن مراد الله تعالى بكل شيء كل مخلوق نصبت كل أو رفعته سواء جعلت خلقناه صفة كل مع الرفع أو خبرًا عنه وذلك أن قوله خلقنا كل شيء بقدر لا يريد به خلقنا كل ما يقع عليه اسم شيء لأنه تعالى لم يخلق الممكنات غير المتناهية ويقع على كل واحد منها اسم شيء فكل شيء في هذه الآية ليس كما في قوله تعالى والله على كل شيء قدير لأن معناه أنه قادر على كل ممكن غير متناهٍ فإذا تقرر هذا قلنا إن معنى كل شيء خلقناه بقدر على أن خلقناه هو الخبر كل مخلوق مخلوق بقدر وعلى أن خلقناه صفة كل شيء مخلوق كائن بقدر والمعنيان واحد إذ لفظ كل شيء في الآية مختص بالمخلوقات سواء كان خلقناه

صفة له أو خبرًا وليس مع التقدير الأول أعم منه مع التقدير الثاني كما في مثالنا. (ويقال) بضم أوله (للمصورين) يوم القيامة ولأبي ذر عن الكشميهني: ويقول أي الله أو الملك بأمره تعالى (أحيوا) بفتح الهمزة (ما خلقتم) أسند الخلق إليهم على سبيل الاستهزاء والتعجيز والتشبيه في الصورة فقط وقال ابن بطال إنما نسب خلقها إليهم تقريعًا لهم لمضاهاتهم الله تعالى في خلقه فبكّتهم بأن قال إذ شابهتم بما صوّرتم مخلوقات الله تعالى فأحيوها كما أحيا هو جل وعلا ما خلق. وقال في الكواكب: أسند الخلق إليهم صريحًا وهو خلاف الترجمة لكن المراد كسبهم فأطلق لفظ الخلق عليه استهزاء أو ضمن خلقتم معنى صوّرتم تشبيهًا بالخلق أو أطلق بناءً على زعمهم فيه. ({إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام}) أي في ستة أوقات أو مقدار ستة أيام فإن المتعارف زمان طلوع الشمس إلى غروبها ولم يكن حينئذٍ وفي خلق الأشياء تدريجيًّا مع القدرة على إيجادها دفعة دليل على الاختيار واعتبار للنظار وحثّ على التأني في الأمور ({ثم استوى على العرش}) الاستواء افتعال من السواء والسواء يكون بمعنى العدل والوسط وبمعنى الإقبال كما نقله الهروي عن الفراء وتبعه ابن عرفة بمعنى الاستيلاء، وأنكره ابن الأعرابي. وقال الحرب: لا تقول استولى إلا لمن له مضادّ وفيما قاله نظر فإن الاستيلاء من الولاء وهو القرب أو من الولاية وكلاهما لا يفتقر في إطلاقه لمضادّ، وبمعنى اعتدل وبمعنى علا وإذا علم هذا فينزل على ذلك الاستواء الثابت للباري تعالى على الوجه اللائق به وقد ثبت عن الإمام مالك أنه سئل كيف استوى؟ فقال: كيف غير معقول والاستواء غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة فقوله: كيف غير معقول أي كيف من صفات الحوادث وكل ما كان من صفات الحوادث فإثباته في صفات الله تعالى ينافي ما يقتضيه العقل فيجزم بنفيه عن الله تعالى وقوله والاستواء غير مجهول أي أنه معلوم المعنى عند أهل اللغة والإيمان به على الوجه اللائق به تعالى واجب لأنه من الإيمان بالله تعالى، وكتبه والسؤال عنه بدعة أي حادث لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا عالمين بمعناه اللائق بحسب اللغة فلم يحتاجوا للسؤال عنه فلما جاء من لم يحط بأوضاع لغتهم ولا له نور كنورهم يهديه لنور صفات الباري تعالى شرع يسأل عن ذلك فكان سؤاله سببًا لاشتباهه على الناس وزيغهم على العلماء حينئذٍ أن يهملوا البيان وقد مر أن استوى افتعل وأصله العدل، وحقيقة الاستواء المنسوب إلى الله تعالى في كتابه بمعنى اعتدل أي قام بالعدل وأصله من قوله شهد الله أنه لا إله إلا هو إلى قوله قائمًا بالقسط والعدل وهو استواؤه ويرجع معناه إلى أنه أعطى بعزته كل شيء خلقه موزونًا بحكمته المبالغة في التعريف لخلقه بوحدانيته ولذلك قرنه بقوله لا إله إلا هو العزيز الحكيم والاستواء المذكور في القرآن استواءان سماويّ وعرشي فالأول معدّى بإلى قال تعالى: {ثم استوى إلى السماء} [البقرة: 29] والثاني بعلى لأنه تعالى قام بالقسط متعرقًا بوحدانيته في عالمين عالم الخلق وعالم الأمر وهو عالم التدبير فكان استواؤه على العرش للتدبير بعد انتهاء عالم الخلق وبهذا يفهم سر تعدية الاستواء العرشي بعلى لأن التدبير للأمر لا بد فيه من استعلاء واستيلاء والعرش جسم كسائر الأجسام سمي به لارتفاعه أو للتشبيه بسرير الملك فإن الأمور والتدابير تنزل منه ({يغشي الليل النهار}) يغطيه ولم يذكر عكسه للعلم به ({يطلبه حثيثًا}) يعقبه سريعًا كالطالب له لا يفصل بينهما شيء والحثيث فعيل من الحث وهو صفة مصدر محذوف أو حال من الفاعل بمعنى حاثًّا أو المفعول بمعنى محثوثًا ({والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره}) بقضائه وتصريفه ونصبها بالعطف على السماوات ونصب مسخرات على الحال ({ألا له الخلق والأمر}) فإنه الموجد والمتصرف ({تبارك الله رب العالمين} [الأعراف: 54]) تعالى بالوحدانية في الألوهية وتعظم بالتفرد في الربوبية وسقط لأبي ذر قوله: {في ستة أيام} إلى آخر الآية. وقال بعد قوله

والأرض إلى تبارك الله رب العالمين. (قال ابن عيينة) سفيان فيما وصله ابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية (بين الله الخلق من الأمر) أي فرق بينهما (بقوله تعالى) في الآية السابقة ({ألا له الخلق والأمر}) حيث عطف أحدهما على الآخر فالخلق هو المخلوقات والأمر هو الكلام فالأوّل حادث والثاني قديم وفيه أن لا خلق لغيره تعالى حيث حصر على ذاته تعالى بتقديم الخبر على المبتدأ (وسمى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الإيمان عملاً. قال أبو ذر) الغفاري -رضي الله عنه- فيما وصله المؤلف في العتق (وأبو هريرة) -رضي الله عنه- فيما وصله في الإيمان والحج (سئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيّ الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله. وقال) تعالى: ({جزاء بما كانوا يعملون} [الأحقاف: 14]) من الإيمان وغيره من الطاعات فسمي الإيمان عملاً حيث أدخله في جملة الأعمال (وقال وفد عبد القيس) ربيعة (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله المؤلف بعد (مرنا بجمل) أمور كلية مجملة (من الأمر وإن عملنا بها دخلنا الجنة فأمرهم بالإيمان) أي بتصديق الشارع عليه الصلاة والسلام فيما علم مجيئه به ضرورة (والشهادة) بالوحدانية لله تعالى (وإقام الصلاة) المفروضة (وإيتاء الزكاة) المكتوبة (فجعل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ذلك كله) ومن جملته الإيمان (عملاً). 7555 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ وَالْقَاسِمِ التَّمِيمِىِّ، عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ هَذَا الْحَىِّ مِنْ جُرْمٍ وَبَيْنَ الأَشْعَرِيِّينَ وُدٌّ وَإِخَاءٌ فَكُنَّا عِنْدَ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ الطَّعَامُ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى تَيْمِ اللَّهِ كَأَنَّهُ مِنَ الْمَوَالِى فَدَعَاهُ إِلَيْهِ فَقَالَ: إِنِّى رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ، فَحَلَفْتُ لاَ آكُلُهُ فَقَالَ: هَلُمَّ فَلأُحَدِّثْكَ عَنْ ذَاكَ إِنِّى أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى نَفَرٍ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ قَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِى مَا أَحْمِلُكُمْ فَأُتِىَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَهْبِ إِبِلٍ فَسَأَلَ عَنَّا فَقَالَ: أَيْنَ النَّفَرُ الأَشْعَرِيُّونَ؟ فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى ثُمَّ انْطَلَقْنَا قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا حَلَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَحْمِلُنَا وَمَا عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا، ثُمَّ حَمَلَنَا تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمِينَهُ وَاللَّهِ لاَ نُفْلِحُ أَبَدًا، فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ: فَقَالَ: «لَسْتُ أَنَا أَحْمِلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ، إِنِّى وَاللَّهِ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِى هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَتَحَلَّلْتُهَا». وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن الوهاب) الحجبي قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) بن أبي تميمة أبو بكر السختياني الإمام (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (والقاسم) بن عاصم (التميمي) وقيل الكلبي وقيل الليثي كلاهما (عن زهدم) بفتح الزاي وبالدال المهملة بينهما هاء ساكنة ابن مضرب بالضاد المعجمة المفتوحة والراء المشددة المكسورة من التضريب أنه (قال: كان بين هذا الحي من جرم) بفتح الجيم وسكون الراء (وبين الأشعريين) جمع أشعري نسبة إلى أشعر أبي قبيلة من اليمن (ود) بضم الواو وتشديد الدال محبة (وإخاء) بكسر الهمزة وتخفيف الخاء المعجمة ممدودًا مؤاخاة (فكنا عند أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري) -رضي الله عنه- (فقرّب إليه الطعام) بضم القاف مبنيًّا للمفعول والطعام معرّف وللأصيلي طعام كذا رأيته في أصل معتمد وهو الذي في اليونينية والذي في الفرع بالتنكير فقط غير معزوّ (فيه لحم دجاج) مثلث الدال يقع على الذكر والأنثى (وعنده) وعند أبي موسى (رجل من بني تيم الله) بفتح الفوقية وسكون التحتية قبيلة من قضاعة (كأنه) وللأصيلي مما ليس في الفرع كان (من الموالي فدعاه) أبو موسى (إليه) أي إلى لحم الدجاج (فقال) الرجل (إني رأيته يأكل شيئًا) من النجاسة وثبت شيئًا للكشميهني وسقط لغيره (فقذرته) بكسر الذال المعجمة أي فكرهته (فحلفت لا آكله). وللكشميهني أن لا آكله واختلف في الجلالة فقال مالك لا بأس بأكل الجلالة من الدجاج وغيره إنما جاء النهي عنها للتقذر، ولأبي داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وعن الجلالة إذا تغير لحمها بأكل النجاسة، وصحح النووي أنه إذا ظهر تغير لحم الجلالة من نعم أو دجاج بالرائحة والنتن في عرقها وغيره كره أكلها، وذهب جماعة من الشافعية وهو قول الحنابلة إلى أن النهي للتحريم وهو الذي صححه الشيخ أبو إسحاق المروزي وإمام الحرمين والبغوي والغزالي ولم يسم الرجل المذكور في الحديث. وفي سياق الترمذي أنه زهدم وكذا عند أبي عوانة في صحيحه، ويحتمل أن يكون كلٌّ من زهدم والآخر امتنعا من الأكل (فقال) أبو موسى له (هلم) تعال (فلأحدثك عن ذاك) أي فوالله لأحدّثك أي عن الطريق في حل اليمين وفي أصل اليونينية فلأحدّثك بسكون اللام والمثلثة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فلأحدّثنّك بنون التأكيد عن ذلك باللام قبل الكاف (إني أتيت

النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نفر من الأشعريين) ما بين الثلاثة إلى العشرة من الرجال (نستحمله) نطلب منه أن يحملنا ويحمل أثقالنا في غزوة تبوك على شيء من الإبل (قال) صلوات الله وسلامه عليه: (والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم) أي عليه (فأتي النبي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنهب إبل) من غنيمة (فسأل عنا فقال: أين النفر الأشعريون) فأتينا (فأمر لنا بخمس ذود) بفتح الذال المعجمة وسكون الواو بعدها دال مهملة وهو من الإبل ما بين الثنيتين إلى التسعة وقيل ما بين الثلاثة إلى العشرة واللفظة مؤنثة لا واحد لها من لفظها كالنعم. وقال أبو عبيد: الذود من الإناث دون المذكور وفي غزوة تبوك ستة أبعرة وفي الأيمان والنذور بثلاثة ذود ولا تنافي في ذلك لأن ذكر عدد لا ينافي غيره وقوله خمس بالتنوين وفي رواية بغير تنوين على الإضافة واستنكره أبو البقاء في غريبه، وقال: والصواب تنوين خمس وأن يكون ذود بدلاً من خمس فإنه لو كان بغير تنوين لتغير المعنى لأن العدد المضاف غير المضاف إليه فيلزم أن يكون خمس خمسة عشر بعيرًا لأن الإبل الذود ثلاثة، وتعقبه الحافظ ابن حجر فقال: ما أدري كيف حكم بفساد المعنى إذا كان العدد كذا وليكن عدد الإبل خمسة عشر بعيرًا فما الذي يضر، وقد ثبت في بعض طرقه خذ هذين القرينين وهذين القرينين إلى أن عدست مرات، والذي قاله إنما يتم أن لو جاءت رواية صريحة أنه لم يعطهم سوى خمسة أبعرة (غرّ الذرى) بضم الغين المعجمة وتشديد الراء والذرى بالذال المعجمة المضمومة وفتح الراء ذروة وهي أعلى كل شيء أي ذوي الأسنمة البيض من سمنهن وكثرة شحومهن. (ثم انطلقنا قلنا ما صنعنا) بسكون العين (حلف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يحملنا) ولأبي ذر أن لا يحملنا (وما عنده ما يحملنا ثم حملنا) بفتح اللام في الأخير (تغفلنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه) بسكون اللام أي طلبنا غفلته وكنا سبب ذهوله عما وقع (والله لا نفلح أبدًا فرجعنا إليه) صلوات الله وسلامه عليه (فقلنا له) ذلك (فقال: لست أنا أحملكم ولكن الله حملكم) حقيقة لأنه خالق أفعال العباد. وهذا مناسب لما ترجم به. وقال ابن المنير: الذي يظهر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلف لا يحملهم فلما حملهم راجعوه في يمينه فقال: ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم فبيّن أن يمينه إنما انعقدت فيما يملك فلو حملهم على ما يملك لحنث وكفر ولكنه حملهم على ما لا يملك ملكًا خاصًّا وهو مال الله وبهذا لا يكون قد حنث في يمينه هذا مع قصده عليه الصلاة والسلام في الأوّل أنه لا يحملهم على ما لا يملك بقرض يتكلفه ونحو ذلك. وأما قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عقب ذلك لا أحلف على يمين الخ فتأسيس قاعدة مبتدأة كأنه يقول ولو كنت حلفت ثم رأيت ترك ما حلفت عليه خيرًا منه لأحنثت نفسي وكفّرت عن يميني قال وهم إنما سألوه ظنًّا أنه يملك حملانًا فحلف لا يحملهم على شيء يملكه لكونه كان حينئذٍ لا يملك شيئًا من ذلك اهـ. ووجه البدر الدماميني في مصابيحه بأن مكارم أخلاقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورأفته بالمؤمنين ورحمته بهم تأبى أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحلف على عدم حملانهم مطلقًا قال: والذي يظهر لي أن قوله وما عندي ما أحملكم جملة حالية من فاعل الفعل المنفي بلا أو مفعوله أي لا أحملكم في حالة عدم وجداني لشيء أحملكم عليه أي أنه لا يتكلف حملهم بقرض أو غيره لما رآه من المصلحة المقتضية لذلك، وحينئذٍ فحمله لهم على ما جاءه من مال الله لا يكون مقتضيًا لحنثه. وأجيب: بأن المعنى إزالة المنّة عنهم وإضافة النعمة لمالكها الأصلي، ولم يرد أنه لا صنع له أصلاً في حملهم لأنه لو أراد ذلك ما قال بعد (إني) ولأبي ذر وإني (والله لا أحلف على يمين) أي على محلوف يمين وسماه يمينًا مجازًا للملابسة بينهما، والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه، وإلا فهو قبل اليمين ليس محلوفًا عليه فيكون من مجاز الاستعارة ومثله صلى على قبره بعدما دفن أي صلى على صاحب القبر وأطلق القبر على صاحب القبر ويدل لهذا التأويل رواية

مسلم حيث قال فيها بدل قوله على يمين على أمر (فأرى غيرها خيرًا منها) أي خيرًا من الخصلة المحلوف عليها (إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها). بالكفارة، وفي الأيمان والنذور فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفّرت عن يميني وأتيت الذي هو خير فقدّم الكفّارة على الإتيان ففيه دلالة على الجواز لأن الواو لا تقتضي الترتيب، وقد ذهب أكثر الصحابة إلى جواز تقدم الكفّارة على اليمين وإليه ذهب الشافعي ومالك وأحمد إلا أن الشافعي -استثنى الصائم فقال: لا يجزئ إلا بعد الحنث واحتجوا له بأن الصيام من حقوق الأبدان ولا يجوز تقديمها قبل وقتها كالصلاة بخلاف العتق والكسرة والإطعام فإنها من حقوق الأموال فيجوز تقديمها كالزكاة. وقال أصحاب الرأي لا تجزئ قبله. والحديث سبق في المغازي والنذور والذبائح وغيرها. 7556 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِىُّ قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ مُضَرَ وَإِنَّا لاَ نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِى أَشْهُرٍ حُرُمٍ فَمُرْنَا بِجُمَلٍ مِنَ الأَمْرِ إِنْ عَمِلْنَا بِهِ دَخَلْنَا الْجَنَّةَ وَنَدْعُو إِلَيْهَا مَنْ وَرَاءَنَا قَالَ: «آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ، آمُرُكُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ وَهَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ؟ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَتُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: لاَ تَشْرَبُوا فِى الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالظُّرُوفِ الْمُزَفَّتَةِ وَالْحَنْتَمَةِ». وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم ابن يحيى الصيرفي قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل وهو شيخ المؤلف روي عنه كثيرًا بلا واسطة قال: (حدّثنا قرة بن خالد) بضم القاف وتشديد الراء السدوسي قال: (حدّثنا أبو جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران (الضبعي) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة قال: (قلت لابن عباس) -رضي الله عنهما- أي حدّثنا مطلقًا أو عن قصة عبد القيس فحذف مفعول قلت وعند الإسماعيلي من طريق أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي عن قرة قال: حدّثنا أبو جمرة قال: قلت لابن عباس إن لي جرة أنتبذ فيها فأشربه حلوًا لو أكثرت منه فجالست القوم لخشيت أن أفتضح (فقال: قدم وفد عبد القيس) وكانوا أربعة عشر رجلاً بالأشج وكانوا ينزلون بالبحرين (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عام الفتح قبل خروجه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مكة (فقالوا: إن بيننا وبينك المشركين من مضر) بضم الميم وفتح المعجمة غير منصرف للعلمية والتأنيث (وإنا لا نصل إليك إلا في أشهر حرم) بالتنكير فيهما وذلك لأنهم كانوا يمتنعون عن القتال فيها، وللحموي والمستملي في أشهر المحرم بتنكير الأوّل وتعريف الثاني وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة والبصريون يمنعونها ويؤولون ذلك على حذف مضاف أي أشهر الأوقات المحرم (فمرنا) بوزن عل وأصله أؤمر بهمزتين من أمر يأمر فحذفت الهمزة الأصلية للاستثقال فصار أمرنا فاستغني عن همزة الوصل فحذفت فصار مرنا (بجمل من الأمر إن عملنا به) أي بالأمر وللكشميهني إن عملنا بها أي بالجمل (دخلنا الجنة وندعو إليها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي إليه إلى الأمر (من وراءنا) من قومنا (قال): (آمركم) بهمزة ممدودة (بأربع) من الجمل (وأنهاكم عن أربع: أمركم بالإيمان بالله) زاد في كتاب الإيمان وحده (وهل تدرون ما الإيمان بالله) هو (شهادة أن لا إله إلا الله) زاد في الإيمان وأن محمدًا رسول الله ويجوز خفض شهادة على البدلية (وإقام الصلاة) المفروضة (وإيتاء الزكاة) المكتوبة (وتعطوا من المغنم الخمس، وأنهاكم عن أربع لا تشربوا في الدباء) بضم الدال وتشديد الموحدة ممدودًا اليقطين (والنقير) ما ينقر في أصل النخلة فيوعى فيه (والظروف المزفتة) المطلية بالزفت ولأبي ذر عن المستملي والمزفتة (والحنتمة) بالحاء المهملة المفتوحة والنون الساكنة والمثناة الفوقية المفتوحة الجرة الخضراء نهى عن الانتباذ في هذه المذكورات بخصوصها لأنه يسرع إليها الإسكار فربما شرب منها من لا يشعر بذلك ثم ثبتت الرخصة في الانتباذ في كل وعاء مع النهي عن كل مسكر. وهذا الحديث سبق في الإيمان. 7557 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ»؟. وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن نافع) العدوي المدني مولى ابن عمر (عن القاسم بن محمد) هو ابن أبي بكر الصديق (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إن أصحاب هذه الصور) أي المصوّرين والمراد بالصور هنا التماثيل التي لها روح (يعذبون يوم القيامة ويقال لهم) على سبيل التهكم والتعجيز (أحيوا) بفتح الهمزة (ما خلقتم) أي اجعلوا ما صوّرتم حيوانًا ذا روح فلا

57 - باب قراءة الفاجر والمنافق وأصواتهم وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم

يقدرون على ذلك فيستمر تعذيبهم. واستشكل بأن استمرار التعذيب إنما يكون للكافر وهذا مسلم. وأجيب: بأن المراد الزجر الشديد بالوعيد بعقاب الكافر ليكون أبلغ في الارتداع وظاهره غير مراد وهذا في حق العاصي بذلك أما من فعله مستحلاًّ فلا إشكال فيه وفيه إطلاق لفظ الخلق على الكسب استهزاء أو ضمن خلقتم معنى صوّرتم تشبيهًا بالخلق وأطلق بناء على زعمهم فيه. قال في الفتح: والذي يظهر أن مناسبة ذكر حديث المصورين للترجمة من جهة أن من زعم أنه يخلق فعل نفسه لو صحت دعواه لما وقع الإنكار على هؤلاء المصوّرين فلما كان أمرهم بنفخ الروح فيما صوّروه أمر تعجيز ونسبة الخلق إليهم إنما هي على سبيل التهكم دلّ على فساد قول من نسب خلق فعله إليه استقلالاً اهـ. وهذا الحديث أخرجه النسائي في الزينة وابن ماجة في التجارات. 7558 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ»؟. وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن أصحاب هذه الصور) المصوّرين لها (بعذبون يوم القيامة) بفتح ذال يعذبون (ويقال لهم أحيوا ما خلقتم). واستدل به على أن أفعال العباد مخلوقة لله للحوق الوعيد بمن تشبه بالخالق فدل على أن غير الله ليس بخالق. وأجاب بعضهم بأن الوعيد وقع على خلق الجواهر ورد بأن الوعيد لاحق باعتبار الشكل والهيئة وليس ذلك بجوهر. 7559 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِى، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً». وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) الهمداني أبو كريب الكوفي قال: (حدّثنا ابن فضيل) هو محمد بن فضيل بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة ابن غزوان الضبي مولاهم الحافظ أبو عبد الرحمن (عن عمارة) بضم العين وتخفيف الميم ابن القعقاع (عن أبي زرعة) هرم بكسر الراء ابن عمرو بن جرير البجلي أنه (سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (قال الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب) أي قصد (يخلق كخلقي) أي ولا أحد أظلم ممن قصد حال كونه أن يصنع ويقدّر كخلقي وهذا التشبيه لا عموم له يعني كخلقي في فعل الصورة لا من كل الوجوه واستشكل التعبير بأظلم لأن الكافر أظلم قطعًا وأجيب بأنه إذا صور الصنم للعبادة كان كافرًا فهو هو أو يزيد عذابه على سائر الكفار لزيادة قبح كفره (فليخلقوا ذرة) بفتح الذال المعجمة نملة صغيرة أو الهباء (أو ليخلقوا حبة) بفتح الحاء أي حبة منتفعًا بها كالحنطة (أو شعيرة). هو من باب عطف الخاص على العام أو هو شك من الراوي والمراد تعجيزهم وتعذيبهم تارة بخلق الحيوان وأخرى بخلق الجماد وفيه نوع من الترقي في الخساسة ونوع من التنزل في الإلزام وإن كان بمعنى الهباء فهو بخلق ما ليس له جرم محسوس تارة وبما له جرم أخرى. وحكي أنه وقع السؤال عن حكمة الترقي من الذرة إلى الحبة إلى الشعيرة في قوله فليخلقوا ذرة. فأجاب الشيخ تقي الدين الشمني بديهة بأن صنع الأشياء الدقيقة فيه صعوبة والأمر بمعنى التعجيز فناسب الترقي من الأعلى للأدنى فاستحسنه الحافظ ابن حجر، وزاد في إكرام الشيخ تقي الدين وإشهار فضيلته رحمهما الله، وأخرجه المؤلف في نقض الصور من كتاب اللباس وأخرجه مسلم فيه أيضًا. 57 - باب قِرَاءَةِ الْفَاجِرِ وَالْمُنَافِقِ وَأَصْوَاتُهُمْ وَتِلاَوَتُهُمْ لاَ تُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ (باب) بيان حال (قراءة الفاجر والمنافق) هو من العطف التفسيري لأن المراد هنا بالفاجر المنافق بقرينة جعله في حديث الباب قسيمًا للمؤمن ومقابلاً له قال في فتح الباري: ووقع في رواية أبي ذر قراءة الفاجر أو المنافق بالشك أو للتنويع والفاجر أعم فيكون من عطف الخاص على العام (وأصواتهم وتلاوتهم) مبتدأ ومعطوف عليه والخبر قوله (لا تجاوز حناجرهم) جمع حنجرة وهي الحلقوم وهو مجرى النفس كما أن المريء مجرى الطعام والشراب وجمعه على الحكاية عن لفظ الشراب. 7560 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ أَبِى مُوسَى - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالأُتْرُجَّةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ وَالَّذِى لاَ يَقْرَأُ كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَلاَ رِيحَ لَهَا وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِى لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلاَ رِيحَ لَهَا». وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون الدال المهملة القيسي قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى العوذي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا أنس) هو ابن مالك (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي

الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة) بضم الهمزة والراء بينهما فوقية ساكنة وتشديد الجيم ويقال الأترنجة بالنون والترنجة وترنج (طعمها طيب وريحها طيب) وجرمها كبير ومنظرها حسن إذ هي صفراء فاقع لونها تسرّ الناظرين وملمسها لين تتوق إليها النفس قبل تناولها تفيد آكلها بعد الالتذاذ بمذاقها طيب نكهة ودباغ معدة وقوّة هضم اشتركت الحواس الأربعة البصر والذوق والشم واللمس في الاحتظاء بها ثم إنها في أجزائها تنقسم إلى طبائع فقشرها حارّ يابس ويمنع السوس من الثياب ولحمها حارّ وحماضها بارد يابس وتسكن غلمة النساء وتجلو اللون والكلف وبزرها حار مجفف وفيها من المنافع غير ذلك مما ذكره الأطباء في كتبهم فهي أفضل ما وجد من الثمار في سائر البلدان، وقال المظهري المؤمن الذي يقرأ هكذا من حيث الإيمان في قلبه ثابت طيب الباطن ومن حيث إنه يقرأ القرآن ويستريح الناس بصوته وُيثابون بالاستماع إليه ويتعلمون منه مثل الأترجة يستريح الناس برائحتها (و) المؤمن (الذي) ولأبي الوقت ومثل الذي (لا يقرأ) القرآن (كالتمرة) بالمثناة وسكون الميم (طعمها طيب ولا ريح لها) وقوله يقرأ القرآن على صيغة المضارع ونفيه في قوله لا يقرأ ليس المراد منهما حصولها مرة ونفيها بالكلية بل المراد منهما الاستمرار والدوام عليهما وإن القراءة دأبه وعاداته وليست من هجيراه كقوله فلان يقري الضيف ويحمي الحريم (ومثل الفاجر) أي المنافق (الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر) شبهه بالريحانة لأنه لم ينتفع ببركة القرآن ولم يفز بحلاوة أجره فلم يجاوز الطيب موضع الصوت وهو الحلق ولا اتصل بالقلب وهؤلاء الذين يمرقون من الدين قاله ابن بطالة (ومثل الفاجر) أي المنافق (الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة) هي معروفة وتسمى في بعض البلاد ببطيخ أبي جهل (طعمها مر ولا ريح لها) نافع وفيه كما قال ابن بطال أن قراءة الفاجر والمنافق لا ترفع إلى الله ولا تزكو عنده وإنما يزكو عنده ما أريد به وجهه. ورجال هذا الحديث كلهم بصريون وفيه رواية الصحابي عن الصحابي وسبق في فضائل القرآن. 7561 - حَدَّثَنَا عَلِىٌّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ ح. وَحَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِى يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: قَالَتْ عَائِشَةُ - رضى الله عنها - سَأَلَ أُنَاسٌ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْكُهَّانِ فَقَالَ: «إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَىْءٍ». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّىْءِ يَكُونُ حَقًّا قَالَ: فَقَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّىُّ فَيُقَرْقِرُهَا فِى أُذُنِ وَلِيِّهِ، كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ». وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ولفظ طريق علي بن المديني سبقت في باب الكهانة من الطب (ح) لتحويل السند قال المؤلف: (وحدّثني) بالإفراد والواو (أحمد بن صالح) أبو جعفر البصري قال: (حدّثنا) وللأصيلي مما ليس في الفرع أخبرنا (عنبسة) بعين وموحدة مفتوحتين بينهما نون ساكنة ابن خالد بن يزيد ابن أخي يونس قال: (حدّثنا يونس) بن يزيد الأيلي وهو عم عنبسة (عن ابن شهاب) الزهري قال: (أخبرني) بالإفراد (يحيى بن عروة بن الزبير أنه سمع) أباه (عروة بن الزبير) بن العوّام (يقول: قالت عائشة -رضي الله عنها- سأل أناس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بهمزة مضمومة وهم ربيعة بن كعب الأسلمي وقومه كما ثبت في مسلم (عن الكهان) بضم الكاف وتشديد الهاء جمع كاهن وهو الذي يدّعي علم الغيب كالإخبار بما سيقع في الأرض مع الاستناد إلى سبب والأصل فيه استراق الجني السمع من كلام الملائكة فيلقيه في أذن الكاهن. وقال الخطابي: الكهنة قوم لهم أذهان حادّة ونفوس شريرة وطباع نارية فألفتهم الشياطين لما بينهم من التناسب في هذه الأمور وساعدتهم بكل ما تصل قدرتهم إليه وكانت الكهانة فاشية في الجاهلية خصوصًا في العرب لانقطاع النبوّة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (إنهم) أي الكهان (ليسوا بشيء) أي ليس قولهم بشيء يعتمد عليه (فقالوا: يا رسول الله فإنهم يحدّثون بالشيء يكون حقًّا) هذا أوردة السائل إشكالاً على عموم قوله عليه الصلاة والسلام أنهم ليسوا بشيء لأنه فهم منه

أنهم لا يصدقون أصلاً (قال: فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مجيبًا عن سبب ذلك الصدق وأنه إذا اتفق أن يصدق لم يتركه خالصًا بل يشوبه بالكذب (تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني) بفتح التحتية والطاء المهملة بينهما خاء معجمة أي يختلسها بسرعة من الملك وسقط لأبي ذر من الحق ولأبوي ذر والوقت عن الكشميهني يحفظها بحاء مهملة ففاء فظاء معجمة من الحفظ. قال الحافظ ابن حجر: والأول هو المعروف (فيقرقرها) أي يرددها (في أذن وليّه) الكاهن حتى يفهمها (كقرقرة الدجاجة) بتشديد الدال أي صوتها إذا قطعته يقال قرت تقرّ قرًّا وقريرًا وقرقرت قرقرة، ولأبي ذر عن المستملي الزجاجة بالزاي المضمومة وأنكرها الدارقطني وعدّها من التصحيف لكن وقع في باب ذكر الملائكة من كتاب بدء الخلق فيقرها في أذنه كما تقر القارورة أي كما يسمع صوت الزجاجة إذا حكت على شيء أو ألقي فيها شيء، وقال القابسي: المعنى أنه يكون لما يلقيه الجني إلى الكاهن حس كحس القارورة إذا حركت باليد أو على الصفا، وقال الطيبي: قر الدجاجة مفعول مطلق وفيه معنى التشبيه فكما يصح أن يشبه إيراد ما اختطفه من الكلام في أذن الكاهن بصب الماء في القارورة يصح أن يشبه ترديد الكلام في أذنه بترديد الدجاجة صوتها في أذن صواحباتها وباب التشبيه واسع لا يفتقر إلى العلامة على أن الاختطاف مستعار للكلام من فعل الطير كما قال تعالى: {فتخطفه الطير} فيكون ذكر الدجاجة هنا أنسب من ذكر الزجاجة لحصول الترشيح في الاستعارة (فيخلطون) أي الأولياء وجمع بعد الإفراد نظر إلى الجنس (فيه) المخطوف (أكثر من مائة كذبة) بسكون المعجمة وفتح الكاف وحكي الكسر وأنكره بعضهم لأنه بمعنى الهيئة والحالة وليس هذا موضعه. ومطابقته للترجمة من حيث مشابهة الكاهن بالمنافق من جهة أنه لا ينتفع بالكلمة الصادقة لغلبة الكذب عليه لفساد حاله كما لا ينتفع المنافق بقراءته لفساد عقيدته وانضمام خبثه إليها قاله في الكواكب. وقال في الفتح: والذي يظهر لي من مراد البخاري أن تلفظ المنافق بالقرآن كما يتلفظ به المؤمن فتختلف تلاوتهما والمتلوّ واحد ولو كان المتلوّعين التلاوة لم يقع فيه تخالف وكذلك الكاهن في تلفظه بالكلمة من الوحي التي يخبره بها الجني مما يختطفه من الملك تلفظه بها وتلفظ الجني مغاير لتلفظ الملك فتغايرا. وسبق الحديث في باب الكهانة أواخر الطب. 7562 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مَهْدِىُّ بْنُ مَيْمُونٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يُحَدِّثُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ وَيَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ». قِيلَ مَا سِيمَاهُمْ؟ قَالَ: «سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ -أَوْ قَالَ- التَّسْبِيدُ». وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل قال: (حدّثنا مهدي بن ميمون) الأزدي قال: (سمعت محمد بن سيرين) أبا بكر أحد الأعلام (يحدّث عن) أخيه (معبد بن سيرين) بفتح الميم وسكون العين المهملة بعدها موحدة مفتوحة فدال مهملة (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (يخرج ناس من قِبل المشرق) أي من جهة مشرق المدينة كنجد وما بعده وهم الخوارج ومن معتقدهم تكفير عثمان -رضي الله عنه- وأنه قتل بحق ولم يزالوا مع عليّ حتى وقع التحكيم بصفين فأنكروا التحكيم وخرجوا على عليّ وكفّروه (ويقرؤون) بالواو ولأبي ذر يقرؤون (القرآن لا يجاوز تراقيهم) بالنصب على المفعولية جمع ترقوة بفتح الفوقية وسكون الراء وضم القاف وفتح الواو العظم الذي بين ثغرة النحر والعنق وهذا موضع الترجمة (يمرقون) بضم الراء يخرجون (من الدين كما يمرق السهم من الرمية) بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتية أي المرمي إليها (ثم لا يعودون فيه) أي في الدين وسقط ثم في بعض النسخ (حتى يعود السهم إلى فوقه) بضم الفاء موضع الوتر من السهم وهو لا يعود إلى فوقه قط بنفسه (قيل ما سيماهم) بكسر السين المهملة مقصورًا ما علامتهم؟ قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- والسائل لم أقف على تعيينه (قال) عليه الصلاة والسلام (سيماهم) أي علامتهم (التحليق) أي إزالة الشعر أو إزالة شعر الرأس. قال الحافظ ابن

58 - باب قول الله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة}

حجر: طرق الحديث المتكاثرة كالصريحة في إرادة حلق الرأس وإنما كان هذا علامتهم وإن كان غيرهم يحلق رأسه أيضًا لأنهم جعلوا الحلق لهم دائمًا زمن الصحابة إنما كانوا يحلقون رؤوسهم في نسك أو حاجة وقيل المراد حلق الرأس واللحية وجميع الشعور (أو قال: التسبيد) بفوقية مفتوحة فسين مهملة ساكنة وبعد الموحدة المكسورة تحتية ساكنة فدال مهملة وهو بمعنى التحليق أو هو أبلغ منه استئصال الشعر أو ترك غسله وترك دهنه والشك من الراوي ولما كان آخر الأمور التي يظهر بها المفلح من الخاسر ثقل الموازين وخفتها جعله المؤلف آخر تراجم كتابه فبدأ بحديث الأعمال بالنيات وذلك في الدنيا وختم بأن الأعمال توزن يوم القيامة إشارة إلى أنه إنما يتقبل منها ما كان بالنية الخالصة لله تعالى فقال: 58 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ} [الشعراء: 105] وَأَنَّ أَعْمَالَ بَنِى آدَمَ وَقَوْلَهُمْ يُوزَنُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْقُسْطَاسُ الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ وَيُقَالُ الْقِسْطُ: مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ وَهْوَ الْعَادِلُ، وَأَمَّا الْقَاسِطُ: فَهْوَ الْجَائِرُ. (باب قول الله تعالى: {ونضع الموازين القسط}) العدل وهو منصوب على أنه نعت للموازين وعلى هذا فلم أفرد. وأجيب: بأنه في الأصل مصدر والمصدر يوحد مطلقًا أو على أنه على حذف مضاف أي ذوات القسط والموازين جمع ميزان وجاء ذكرها في القرآن بلفظ الجمع، وفي السّنة به وبالإفراد فيجوّز بعضهم لما أشكل عليه الجميع في الآية أن يكون ثم موازين للعامل الواحد يوزن بكِل ميزان منها صنف واحد من أعماله قال الشاعر: ملك تقوم الحادثات لأجله ... فلكل حادثة لها ميزان والذي عليه الأكثرون أنه ميزان واحد عبّر عنه بلفظ الجمع للتفخيم كقوله تعالى: {كذبت قوم نوح المرسلين} [الشعراء: 105] وإنما هو رسول واحد أو الجميع باعتبار العباد وأنواع الموزونات أي: ونضع الموازين العادلات ({ليوم القيامة} [الأنبياء: 47]) وثبت قوله ليوم القيامة لأبي ذر وسقط لغيره واللام بمعنى في وإليه ذهب ابن قتيبة وابن مالك وهو رأي الكوفيين ومنه عندهم لا يجليها لوقتها إلا هو أو هي للتعليل ولكن على حذف مضاف أي لحساب يوم القيامة أو بمعنى عند كقوله جئتك لخمس خلون من الشهر وقول النابغة: توهمت آيات لها فعرفتها ... لستة أعوام وذا العام سابع (وأن) بفتح الهمزة وقد تكسر (أعمال بني آدم وقولهم يوزن) بالإفراد وللقابسي وأقوالهم توزن بميزان له لسان وكفّتان خلافًا للمعتزلة المنكرين لذلك إلا أن منهم من أحاله عقلاً ومنهم من جوّزه ولم يكن يحكم بثبوته كالعلاف وابن المعتز واحتجوا بأن الأعمال أعراض وقد عدمت فلا يمكن إعادتها وإن أمكن إعادتها يستحيل وزنها إذ لا تقوم بأنفسها فلا توصف بخفة ولا ثقل والقرآن يردّ عليهم قال الله تعالى: {والوزن يومئذ الحق} أي وزن الأعمال يومئذ الحق {فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية} [القارعة: 6] سلمنا أن الأعراض لا توصف بخفة ولا ثقل لكن لما ورد الدليل على ثبوت الميزان والوزن كالحساب والصراط وجب علينا اعتقاده وإن عجزت عقولنا عن إدراك بعض فنَكِل علمه إلى الله تعالى ولا نشتغل بكيفيته والعمدة في إثباتها عند أهل الحق أنها ممكنة في نفسها إذ لا يلزم من فرض وقوعها مُحال لذاته مع إخبار الصادق عنها فأجمع المسلمون عليها قبل ظهور المخالف عليها والله تعالى قادر على أن يعرف عباده مقادير أعمالهم وأقوالهم يوم القيامة بأي طريق شاء إما بأن يجعل الأعمال والأقوال أجسامًا أو يجعلها في أجسام، وقد روى بعض المتكلمين عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن الله تعالى يقلب الأعراض أجسامًا فيزنها أو توزن صحفها. ويؤيد هذا حديث البطاقة المروي في الترمذي، وقال حسن غريب وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إن الله يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاًّ كل سجل مثل مدّ البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كَتَبَتي

الحافظون؟ فيقول لا يا رب فيقول: أفلك عذر؟ فقال: لا يا رب فيقول الله تعالى: بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله فيقول: أحضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلاّت؟ فيقول: فإنك لا تظلم فتوضع في السجلاّت في كفّة والبطاقة في كفّة فطاشت السجلاّت وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء". وقال ابن ماجة بدل لقوله إن الله يستخلص رجلاً من أمتي يصاح برجل من أمتي، وقال محمد بن يحيى: البطاقة الرقعة وهذا يدل على الميزان الحقيقي؛ وأن الموزون صحف الأعمال ويكون رجحانها باعتبار كثرة ما كتب فيها وخفتها بقلّته فلا إشكال، وقيل إنه ميزان كميزان الشعر وفائدته إظهار العدل والمبالغة في الإنصاف ولو جاز حمله على ذلك لجاز حمل الصراط على الدين الحق والجنة والنار على ما يرد على الأرواح دون الأجساد من الأحزان والأفراح وهذا كله فاسد لأنه ورد لما جاء به الصادق على ما لا يخفى. فإن قلت: أهل القيامة إما أن يكونوا عالمين بكونه تعالى عادلاً غير ظالم أو لا. فإن علموا ذلك كان مجرد حكمه كافيًا فلا فائدة في وضع الميزان وإن لم يعلموا ذلك لم تحصل الفائدة في وزن الصحائف وحينئذ فلا فائدة في وضعها أصلاً. أجيب: بأنهم عالمون بعدله تعالى وإنما فعل ذلك لإقامة الحجة عليهم وبيانًا لكونه لا يظلم مثقال ذرة وإظهارًا لعظمة قدرته في أن كل كفّة طباق السماوات والأرض ترجح بمثقال الحبة من الخردل وتخف وأيضًا فإنه سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل. وقد روي عن سلمان أنه قال: فإن أنكر ذلك منكر جاهل بمعنى توجيه معنى خبر الله تعالى وخبر رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الميزان وقال أو بالله حاجة إلى وزن الأشياء وهو العالم بمقدر كل شيء قبل خلقه إياه وبعده في كل حال. قيل له: وزان ذلك إثباته إياه في أم الكتاب واستنساخه في الكتب من غير حاجة إلى ذلك لأنه سبحانه لا يخاف النسيان وهو عالم بكل ذلك على كل حال ووقت قبل كونه وبعد وجوده وإنما يفعل ذلك تعالى ليكون حجة على خلقه كما قال تعالى: {كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون * هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنّا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} [الجاثية: 28، 29] فكذلك وزنه تعالى لأعمال خلقه بالميزان حجة عليهم ولهم إما بالتقصير في طاعته والتضييع وإما بالتكميل والتتميم وإظهار لكرمه وعفوه ومغفرته وحلمه مع قدرته بعد اطّلاع كل أحد منّا على مساويه ومسامحته له وغفرانه وإدخاله إياه الجنة بعد معصيته. وحكى الزركشي عن بعضهم أن رجحان الوزن في الآخرة بصعود الراجح عكس الوزن في الدنيا واستند في ذلك إلى قوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب} [فاطر: 10] الآية. وهو غريب مصادم لقوله تعالى: {فأما من ثقلت موازينه} [القارعة: 6] الآية. وقد جاء أن كفّة الحسنات من نور والأخرى من ظلام وأن الجنة توضع عن يمين العرش والنار عن يساره ويؤتى بالميزان فينصب بين يدي الله عز وجل كفّة الحسنات عن يمين العرش مقابلة الجنة وكفّة السيئات عن يسار العرش مقابلة النار ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول وأبو القاسم اللالكائي في سُننه، وعن حذيفة موقوفًا: إن صاحب الميزان يوم القيامة جبريل عليه السلام، وعند البيهقي عن أنس مرفوعًا قال: ملك الموت موكل بالميزان. وفي الطبراني الصغير من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يقول الله أي يوم القيامة يا آدم قد جعلتك حكمًا بيني وبين ذريّتك قم عند الميزان فانظر ما يرفع إليك من أعمالهم فمن رجح منهم خيره على شره مثقال ذرة فله الجنة حتى تعلم أني لا أُدخل منهم النار إلا ظالمًا. الحديث. قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد تفرّد به عبد الأعلى. وعند الحاكم عن سلمان مرفوعًا يوضع الميزان يوم القيامة فلو آوى فيه السماوات والأرض لوضعت فتقول الملائكة: يا رب لم تزن بهذا؟ فيقول الله تعالى: لمن شئت من خلقي. فتقول الملائكة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. وعند

صاحب الفردوس وابنه أبي منصور الديلمي عن عائشة مرفوعًا: خلق الله عز وجل كفّتي الميزان مثل أو ملء السماوات والأرض فقالت الملائكة: يا ربنا ما تزن بهذا؟ قال: أزن به من شئت من خلقي، وقيل سأل داود عليه السلام ربه عز وجل أن يُرِيه الميزان فلما رآه أغمي عليه من هوله ثم أفاق فقال: إلهي من يقدر على ملء كفّة هذا الميزان حسنات؟ فقال الله تعالى: يا داود إني إذا رضيت على عبدي ملأته بتمرة واحدة، يا داود أملؤها بكلمة لا إله إلا الله، ثم إن ظاهر قول البخاري: وإن أعمال بني آدم وقولهم يوزن التعميم وليس كذلك بل خصّ منهم من يدخل الجنة بغير حساب وهم السبعون ألفًا، كما في البخاري فإنه لا يرفع لهم ميزان ولا يأخذون صحفًا وإنما هي براءات مكتوبة كما قاله الغزالي، وكذلك من لا ذنب له إلا الكفر فقط ولم يعمل حسنة فإنه يقع في النار من غير حساب ولا ميزان. وفي البخاري مرفوعًا: إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة واقرؤوا إن شئتم {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا} [الكهف: 105] أي لا ثواب لهم وأعمالهم مقابلة بالعذاب فلا حسنة لهم توزن في موازين القيامة ومن لا حسنة له فهو في النار. (وقال مجاهد): المفسر في قوله تعالى: ({وزنوا بالقسطاس المستقيم} [الشعراء: 182] مما وصله الفريابي في تفسيره (القسطاص) بضم القاف وكسرها (العدل بالرومية) أي بلغة أهل الروم ففيه وقوع المعرّب في القرآن، وأما قوله تعالى: {قرآنًا عربيًّا} فلا ينافيه ألفاظ نادرة أو هو من توافق اللغتين لقوله تعالى: {إنّا أنزلناه قرآنًا عربيًّا}) [يوسف: 2] وليس بشيء لأن المعنى أنه عربي الأسلوب والنظم ولو سلمنا فباعتبار الأعم الأغلب ولم يشترط في الكلام العربي أن تكون كل كلمة منه عربية ولا يجوز اشتمال القرآن على كلمة غير فصيحة، وقيل يجوز، وردّه المولى سعد الدين التفتازاني بأن ذلك يقود إلى نسبة الجهل والعجز إلى الله تعالى عن ذلك واعترضه البوني أحد تلامذة الشيخ بأنه يجوز أن يختار الله تعالى غير الفصيح مع القدرة على الفصيح لحكمة هي إما أن دلالته على المراد أوضح من الفصيح أو غير ذلك مما لا يعلمه إلا هو فلا يلزم شيء من العجز والجهل قال: وعرضته على الشيخ فاستحسنه. (ويقال: القسط مصدر المقسط) اعترضه الإسماعيلي بأن مصدر المقسط الإقساط لأنه رباعي. وأجيب: بأن المراد المصدر المحذوف الزوائد نظرًا إلى أصله فهو مصدر مصدره إذ لا خفاء أن المصدر الجاري على فعله هو الإقساط قاله في اللامع والمصابيح كالكواكب (وهو) أي المقسط (العادل) قال الله تعالى: {إن الله يحب المقسطين} [المائدة: 42]. (وأما القاسط فهو الجائر) قال الله تعالى: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبًا} وقسط الثلاثي بمعنى جار وأقسط الرباعي بمعنى عدل، وحكى الزجّاج أن الثلاثي يستعمل كالرباعي والمشهور الأول ومن الغريب ما حكي أن الحجاج لما أحضر سعيد بن جبير قال: ما تقول فيّ؟ قال: قاسط عادل فأعجب الحاضرين فقال لهم الحجاج: ويلكم لم تفهموا جعلني جائرًا كافرًا ألم تسمعوا قوله تعالى: {وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبًا} [الجن: 15] وقوله تعالى: {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} [الأنعام: 1]. 7563 - حَدَّثَنِى أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِى زُرْعَةَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِى الْمِيزَانِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ». وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (أحمد بن إشكاب) بكسر الهمزة وفتحها وسكون الشين المعجمة وبعد الألف موحدة غير منصرف وقيل منصرف الصفار الكوفي ثم المصري قال: (حدّثنا محمد بن فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة مصغرًا الضبي بالمعجمة والموحدة المشددة (عن عمارة بن القعقاع) بضم العين المهملة وتخفيف الميم ابن القعقاع بقافين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة الضبي أيضًا (عن أبي زرعة) هرم بفتح الهاء وكسر الراء البجلي بالموحدة والجيم المفتوحة (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (كلمتان) خبر مقدم وما بعده صفة بعد صفة أي كلامان فهو من باب إطلاق الكلمة على الكلام ككلمة الشهادة (حبيبتان إلى الرحمن) تثنية حبيبة أي محبوبة بمعنى المفعول لا الفاعل وفعيل إذا كان بمعنى مفعول يستوي فيه

المذكر والمؤنث إذا ذكر الموصوف نحو: رجل قتيل وامرأة قتيل فإن لم يذكر الموصوف فرّق بينهما نحو: قتيل وقتيلة وحينئذٍ فما وجه لحوق علامة التأنيث هنا؟ أجيب: بأن التسوية جائزة لا واجبة وقيل إنما أنّثها لمناسبة الخفيفة والثقيلة لأنهما بمعنى الفاعلة لا المفعولة، والمراد محبوبية قائلها ومحبة الله تعالى لعبده وإرادته إيصال الخير له والتكريم، وخصّ اسمه الرحمن دون غيره من الأسماء الحسنى لأن كل اسم منها إنما يذكر في المكان اللائق به، وهذا من محاسن البديع الواقع في الكتاب العزيز وغيره من الفصيح كقوله تعالى: {استغفروا ربكم إنه كان غفارًا} [نوح: 10] وكذلك هنا لما كان جزاء من يسبح بحمده تعالى الرحمة ذكر في سياقها الاسم المناسب لذلك وهو الرحمن (خفيفتان على اللسان) للين حروفهما وسهولة خروجهما فالنطق بهما سريع وذلك لأنه ليس فيهما من حروف الشّدة المعروفة عند أهل العربية وهي الهمزة والباء الموحدة والتاء المثناة الفوقية والجيم والدال والطاء المهملتان والقاف والكاف ولا من حروف الاستعلاء أيضًا وهي: الخاء المعجمة والصاد والضاد والطاء والظاء والغين المعجمة والقاف سوى حرفين الباء الموحدة والظاء المعجمة، ومما يستثقل أيضًا من الحروف الثاء المثلثة والشين المعجمة وليستا فيهما، ثم إن الأفعال أثقل من الأسماء وليس فيهما فعل وفي الأسماء أيضًا ما يستثقل كالذي لا ينصرف وليس فيهما شيء من ذلك وقد اجتمعت فيهما حروف اللين الثلاثة الألف والواو والياء وبالجملة فالحروف السهلة الخفيفة فيهما أكثر من العكس (ثقيلتان في الميزان) حقيقة لكثرة الأجور المدّخرة لقائلهما والحسنات المضاعفة للذاكر بهما وقوله: حبيبتان وخفيفتان وثقيلتان صفة لقوله كلمتان وفي هذه الرواية تقديم حبيبتان وتأخير ثقيلتان وقوله (سبحان الله) اسم مصدر لا مصدر يقال سبّح يسبّح تسبيحًا لأن قياس فعل بالتشديد إذا كان صحيح اللام التفعيل كالتسليم والتكريم، وقيل: إن سبحان مصدر لأنه سمع له فعل ثلاثي، وقول الشاعر: سبحانه ثم سبحانًا يعود له ... وقبلنا سبّح الجوديّ والجمد يساعد من قال إن سبحان مصدر لوروده منصرفًا قاله في اللباب وغيره، وقال بعض الكبراء: إن فيه وجوهًا. أحدهما: أنه مصدر تأكيدي كما في ضربت ضربًا فهو في قوة قولنا أسبّح الله تسبيحًا فلما حذف الفعل أضيف المصدر إلى المفعول ومعنى أسبح المده أي أنظم نفسي في سلك الموقنين بتقديسه عن جميع ما لا يليق بجنابه سبحانه وأنه مقدس أزلاً وأبدًا وإن لم يقدسه أحد. الثاني: أنه مصدر نوعي على مثال ما يقال عظم السلطان تعظيم السلطان أي تعظيمًا يليق بجنابه ويناسب من يتصف بالسلطنة والمعنى أسبّحه تسبيحًا يختص به، وذلك إذا كان بما يليق بجنابه ولا يستحقه غيره فالإضافة لا إلى الفاعل ولا إلى المفعول بل للاختصاص فتأمله. الثالث: أنه مصدر نوعي ولكنه على مثال ما يقال اذكر الله مثل ذكر الله فالمعنى أسبّح الله تسبيحًا مثل تسبيح الله لنفسه أي مثل ما سبّح الله به نفسه فهو صفة لمصدر محذوف بحذف المضاف إلى سبحان وهو لفظ المثل فالإضافة في سبحان الله إلى الفاعل. الرابع: أنه مصدر أريد به الفعل مجازًا كما أن الفعل يذكر ويراد به المصدر مجازاً كقوله: تسمع بالمعيدي وذلك لأن المصدر جزء مفهوم الفعل وذكر البعض وإرادة الكل مجاز كعكسه، ولما كان المراد منه الفعل الذي أريد به إنشاء التسبيح بني هذا المصدر على الفتح فلا محل له من الإعراب، وذلك لأن الأصل في الفعل أن يكون مبنيًّا وذلك لأن الشبه الذي به أعرب المضارع منعدم في الإنشاء فمثله كمثل أسماء الأفعال وهذا وجه نحوي يمكن أن يقال به فافهم. قال: وما ذكرناه لا يبطل كون هذا اللفظ معربًا في الأصل فلا يضرّنا ما جاء في شعر أمية منوّنًا وأما ما يتعلق بمعناه ومغزاه فهو أنه قد فهم من هذا أيضًا تقدّس الأسماء والصفات لأن الذات مع

الأسماء والصفات متلازمان في الوجود والعدم بالتحقيق ولأن انتفاء تقديس الأسماء والصفات يستلزم انتفاء تقديس الذات لأنها قائمة بالذات ومقتضياتها لكن انتفاء تقديس الذات منتفٍ، وإذا حصل الاعتراف والاعتقاد بأنه منزّه عن جميع النقائص وما لا ينبغي أن ينسب إليه ثبتت الكمالات ضرورة التزامًا وحصل توحيد الربوبية وثبت التقديس في كل كمال عن المشابهة والمماثلة والشركة وكلا ما لا يليق فثبت أنه الرب على الإطلاق للأنفس والآفاق فهو المستحق لأن يشكر ويعبد بكل ما يمكن على الانفراد بالحق والحقيقة وتوحيد الربوبية حجة ملزمة وبرهان موجب توحيد الألوهية فتتضمن هذه الكلمة إثبات التوحيدين كما تتضمن إثبات الكمالين، وهذان الإثباتان في ضمنهما كل مدح ممكن فيما يرجع إلى الله تعالى ولما كان الاتّصاف بالكمال الوجودي مشروطًا بخلوّه عما ينافيه قدّم التسبيح على التحميد في الذكر ما تقدّم التخلية عن التحلية ومن هذا القبيل تقدّم النفي على الإثبات في لا إله إلا الله انتهى. والواو في قوله: (وبحمده) للحال أي أسبّحه متلبّسًا بحمدي له من أجل توقه لي للتسبيح ونحوه، وقيل عاطفة أي أسبّح وأتلبس بحمده وأما الباء فيحتمل أن تكون سببية أي أسبّح الله وأثني عليه بحمده، وقال ابن هشام في مغنيه: اختلف في الباء من قوله فسبّح بحمد ربك فقيل: إنها للمصاحبة والحمد مضاف للمفعول أي سبّحه حامدًا له أي نزّهه عما لا يليق به وأثبت له ما يليق به. قال البدر الدماميني في شرحه للمغني: قصد أي ابن هشام تفسير التسبيح والحمد بما ذكره إذ هو الثناء بالصفات الجميلة. فان قلت: من أين يلزم الأمر بالحمد وهو إنما وقع حالاً مقيدة للتسبيح ولا يلزم من الأمر بشيء الأمر بحاله المقيدة له بدليل اضرب هندًا جالسة؟ وأجاب: بأنه إنما يلزم ذلك إذا لم يكن الحال من نوع الفعل المأمور به ولا من فعل الشخص المأمور كالمثال المذكور أما إذا كانت بعض أنواع الفعل المأمور به نحو: حج مفردًا أو قارنًا أو كانت من فعل المأمور به نحو: ادخل مكة محرمًا فهي مأمور بها وما تكلم فيه في المغني من هذا القبيل انتهى. قال في المغني: وقيل الباء للاستعانة والحمد مضاف للفاعل أي سبّحه بما حمد به نفسه إذ ليس كل تنزيه محمودًا ألا ترى أن تسبيح المعتزلة اقتضى تعطيل كثير من الصفات، وقال الخطابي: المعنى وبمعونتك التي هي نعمة توجب عليّ حمدك سبّحتك لا بحولي وقوّتي يريد أنه مما أقيم فيه المسبب مقام السبب ثم إن جنس الحمد كما قاله بعض العلماء لما وقع ذكره بعد التقديس عن كل ما لا يليق به تعالى بغير تخصيص بعض المحامد تضمن الكلام، واستلزام إثبات جميع الكمالات الوجودية الجائزة له مطابقة ولزم منه التقديس عن كل ما لا يليق وهو كل ما ينافيها ولا يجامعها هذا مع أن كلمة الجلالة تدل على الذات المقدسة المستجمعة للكمالات أجمع، وكذا الضمير في وبحمده إلى الهوية الخاصة السبوحية القدوسية الجامعة لجميع خاصيات الذات الواجبة وخواصها فهذه الكلمة اشتملت على اسمي الذات اللذين لا أجمع منهما. أحدهما فيه اعتبار عليه أحكام الشهادة والغيب والآخر فيه علية أحكام الغيب وغيب الغيب، وأيضًا تشتمل على جميع التقديسات والتنزيهات وعلى جميع الأسماء والصفات وعلى كل توحيد. وختم بقوله: (سبحان الله العظيم) ليجمع بين مقامي الرجاء والخوف إذ معنى الرحمن يرجع إلى الإنعام والإحسان ومعنى العظيم يرجع إلى الخوف من هيبته تعالى، وقوله سبحان إلى آخره مبتدأ وما بينه وبين الخبر صفة له بعد صفة. وقد أورد صاحب المصابيح سؤالين فقال: فإن قلت: المبتدأ مرفوع وسبحان الله في المحلين منصوب فكيف وقع مبتدأ مع ذلك؟ وأجاب: بأن لفظهما محكي، وقال في الثاني فإن قلت: الخبر مثنى والمخبر عنه غير متعدد ضرورة أنه ليس ثم حرف عطف يجمعهما. ألا ترى أنه لا يصح قولك زيد عمرو قائمان. وأجاب: بأنه على حذف العاطف أي سبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم كلمتان خفيفتان على اللسان إلى آخره. وقد نص أهل

المعاني على أن من جملة الأسباب المقتضية لتقديم المسند تشويق السامع إلى المبتدأ بأن يكون في المسند المقدّم طول يشوّق النفس إلى ذكر المسند إليه فيكون أوقع في النفس وأدخل في القبول لأن الحاصل بعد الطلب أعز من المنساق بلا تعب ولا يخفى أن ما ذكره القوم متحقّق في هذا الحديث بل هو أحسن من المثال الذي أورده وبثّه بكير وهو قول الشاعر: ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها ... شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر ومراعاة مثل هذه النكتة البلاغية هو الظاهر من تقديم الخبر على المبتدأ لكن رجح المحقق الكمال ابن الهمام -رحمه الله- أن سبحان الله هو الخبر قال: لأنه مؤخر لفظًا والأصل عدم مخالفة اللفظ محله إلا لموجب يوجبه. قال: وهو من قبيل الخبر المفرد بلا تعدد لأن كلاًّ من سبحان الله مع عامله المحذوف. الأول والثاني مع عامله الثاني إنما أريد لفظه والجمل المتعددة إذا أريد لفظها فهي من قبيل المفرد الجامد ولذا لا تتحمل ضميرًا ولأنه محطّ الفائدة بنفسه بخلاف كلمتان فإنه إنما يكون محطًّا للفائدة باعتبار وصفه بالخفّة على اللسان والثقل في الميزان والمحبة للرحمن. ألا ترى أن جعل كلمتان الخبر غير بيّن لأنه ليس متعلق الغرض الإخبار منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن سبحان الله إلى آخره أنهما كلمتان بل بملاحظة وصف الخبر بما تقدم أعني خفيفتان ثقيلتان حبيبتان فكان اعتبار سبحان الله إلى آخره خبرًا أولى وقد ذهب بعضهم إلى تعيين خبرية سبحان الله إلى آخره ووجهه بوجهين. أحدهما: أن سبحان الله لزم الإضافة إلى مفرد فجرى مجرى الظروف والظروف لا تقع إلا خبرًا. ثانيهما: أن سبحان الله إلى آخره كلمة إذ المراد بالكلمة في الحديث اللغوية كما تقدم فلو جعل مبتدأ لزم الإخبار عما هو كلمة بأنه كلمتان. وأجيب: بأنه لا يخفى على سامع أن المراد اعتبار سبحان الله وبحمده كلمة وسبحان الله العظيم كلمة فهذا كما يصح أن يعبر عنه بكلمة كذلك يصح أن يعبر عن كل جملة منه بكلمة غير أنه لما كان كلٌّ من الجملتين أعني سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم مما يستقل ذكرًا تامًّا ويفرد بالقصد اعتبر كلمة وعبر عنهما بكلمتين على أن ما ذكره لازم على تقدير جعل سبحان الله الخبر كما هو لازم على تقدير جعله مبتدأ لأنه كما لا يصح أن يخبر عما هو بكلمة بأنه كلمتان كذلك لا يخبر عما هو كلمتان بما هو كلمة انتهى. وفي هذا الحديث من علم البديع المقابلة والمناسبة والموازنة في السجع أما المقبلة فقد قابل الخفة على اللسان بالثقل وفي الميزان وأما الموازنة في السجع ففي قوله حبيبتان إلى الرحمن ولم يقل للرحمن لأجل موازنته على اللسان وفيه نوع من الاستعارة في قوله خفيفتان فإنه كناية عن قلة حروفهما ورشاقتهما. قال الطيبي: فيه استعارة لأن الخفة مستعارة للسهولة انتهى. والظاهر أنها من قبيل الاستعارة بالكناية فإنه شبه سهولة جريانهما على اللسان بما يخف على الحامل من بعض الأمتعة فلا تتعبه كالشيء الثقيل فحذف ذكر المشبه به وأبقى شيئًا من لوازمه وهو الخفة وأما الثقل فعلى الحقيقة عند أهل السُّنّة إذ الأعمال تتجسم كما مرّ وفيه حثّ على المواظبة عليها وتحريض على ملازمتها وتعريض بأن سائر التكاليف صعبة شاقة على النفوس ثقيلة وهذه خفيفة سهلة عليها مع أنها تثقل في الميزان، وقد روي في الآثار أن عيسى عليه السلام سئل ما بال الحسنة تثقل والسيئة تخل؟ فقال: لأن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فثقلت فلا يحملنّك ثقلها على تركها والسيئة حضرت حلاوتها وغابت مرارتها فلذلك خفّت عليكم فلا يحملنك على فعلها خفتها فإن بذلك تخف الموازين يوم القيامة، ويستفاد من هذا الحديث أن مثل هذا السجع جائز وأن المنهي عنه في قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سجع كسجع الكهان ما كان متكلفًا أو متضمنًا لباطل لا ما جاء من غير قصد أو تضمن حقًّا، وفيه من علم العروض إفادة أن الكلام المسجع ليس بشعر فلا يوزن وإن جاء على وفق البحور في الجملة هذا مع ضميمة قوله تعالى: {وما علمناه

الشعر وما ينبغي له} [يس: 69] وقد جاء في الكتاب والسُّنّة أشياء على وفق البحور فمنها ما جاء على وفق الرجز نحو: إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف، ومن السُّنّة قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت". وسبق مزيد لذلك في هذا الشرح فليراجع، وفي سنده من اللطائف القول في موضعين والتحديث في موضعين والعنعنة وهي في البخاري محمولة على السماع فهي مثل أخبرنا إذ العنعنة من غير المدلس محمولة على السماع كما تقرر في المقدمة أول هذا الشرح. وفي الحديث أيضًا الاعتناء بشأن التسبيح أكثر من التحميد لكثرة المخالفين فيه وذلك من جهة تكريره بقول: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، وقد جاءت السُّنّة به على أنواع شتى ففي مسلم عن سمرة مرفوعًا: "أفضل الكلام سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" أي أفضل الذكر بعد كتاب الله والموجب لفضلها اشتمالها على جملة أنواع الذكر من التنزيه والتحميد والتمجيد ودلالتها على جميع المطالب الإلهية إجمالاً لأن الناظر المتدرج في المعارف يعرفه سبحانه أوّلاً بنعوت الجلال التي تنزه ذاته عما يوجب حاجة أو نقصًا ثم بصفات الإكرام وهي الصفات الثبوتية التي يستحق بها الحمد، ثم يعلم أن من هذا شأنه لا يماثله غيره ولا يستحق الألوهية سواه فيكشف له من ذلك أنه أكبر إذ كل شيء هالك إلا وجهه. وفي الترمذي وقال حديث غريب عن ابن عمر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "التسبيح نصف الميزان والحمد لله تملؤه ولا إله إلا الله ليس لها حجاب دون الله حتى تخلص إليه". وفيه وجهان. أحدهما: أن يراد التسوية بين التسبيح والتحميد بأن كل واحد منهما يأخذ نصف الميزان فيملآن الميزان معًا وذلك لأن الأذكار التي هي أم العبادات البدنية الغرض الأصلي من شرعها ينحصر في نوعين، أحدهما التنزيه، والآخر التحميد والتسبيح يستوعب القسم الأول والتحميد يتضمن القسم الثاني. وثانيهما: أن يراد تفضيل الحمد على التسبيح وأن ثوابه ضعف ثواب التسبيح لأن التسبيح نصف الميزان والتحميد وحده يملؤه وذلك لأن الحمد المطلق إنما يستحقه من كان مبرأ عن النقائص منعوتًا بنعوت الجلال وصفات الإكرام فيكون الحمد شاملاً للأمرين وأعلى القسمين، وإلى الوجه الأول أشار عليه الصلاة والسلام بقوله: "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان" وقوله: "لا إله إلا الله ليس لها حجاب" لأنها اشتملت على التنزيه والتحميد ونفي ما سواه تعالى صريحًا ومن ثم جعله من جنس آخر لأن الأولين دخلا في معنى الوزن والمقدار في الأعمال، وهذا حصل منه القرب إلى الله تعالى من غير جائز ولا مانع ففي مسلم من حديث جويرية أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج من عندها بكرة حين صلّى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة قال: ما زلت على الحال التي فارقتك عليه؟ قالت: نعم، قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات ولو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهنّ، سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. صرّح في القرينة الأولى بالعدد وفي الثانية بالزنة وترك الثانية والرابعة منهما ليؤذن بأنهما لا يدخلان في جنس المعدود والموزون ولا يحصرهما المقدار لا حقيقة ولا مجازًا فيحصل الترقي حينئذ من عدد الخلق إلى رضا الحق ومن زنة العرش إلى مداد الكلمات. وفي الترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه دخل مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبّح به فقال: "ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل سبحان الله عدد ما خلق في السماء وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض وسبحان الله عدد ما بين ذلك وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك والحمد لله مثل ذلك. ولا إله إلا الله مثل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك". وفي قوله عدد ما هو

خالق إجمال بعد تفصيل لأن اسم الفاعل إذا أسند إلى الله يفيد الاستمرار من بدء الخلق إلى الأبد. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطّت خطاياه وإن كنت مثل زبد البحر" رواه الشيخان وهذا وأمثاله نحو: ما طلعت عليه الشمس وكنايات عبّر بها عن الكثرة عرفًا. وظاهرًا لإطلاق يُشْعِر بأنه يحصل هذا الأجر المذكور لمن قال ذلك مائة مرة سواء قالها متوالية أو متفرقة في مجالس أو بعضها أول النهار وبعضها آخره لكن الأفضل أن يأتي بها متوالية في أول النهار وهذه الفضائل الواردة في التسبيح ونحوه ما قال ابن بطال وغيره إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال كالطهارة من الحرام والمعاصي العظام، فلا يظن ظانّ أن من أدمن الذكر وأصرّ على ما شاء من شهواته وانتهك دين الله وحرماته أنه يلتحق بالمطهرين المقدّسين ويبلغ منازلهم بكلام أجراه على لسانه ليس معه تقوى ولا عمل صالح وفي الترمذي وقال حديث حسن غريب عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسري بي فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" والقيعان: جمع القاع وهو المستوي من الأرض والغراس: جمع غرس وهو ما يغرس، والغرس: إنما يصلح في التربة الطيبة وينمو بالماء العذب أي أعلمهم أن هذه الكلمات تورث قائلها الجنة وأن الساعي في اكتسابها لا يضيع سعيه لأنها المغرس الذي لا يتلف ما استودع فيه قاله التوربشتي. وقال الطيبي: وهاهنا إشكال لأن هذا الحديث يدل على أن أرض الجنة خالية عن الأشجار والقصور ويدل قوله تعالى: {جنات تجري من تحتها الأنهار} وقوله تعالى: ({أُعِدَّت للمتقين} [آل عمران: 133] على أنها غير خالية عنها لأنها إنما سميت جنة لأشجارها المتكاثفة المظلة بالتفاف أغصانها وتركيب الجنة دائر على معنى الستر وأنها مخلوقة معدّة والجواب أنها كانت قيعانًا، ثم إن الله تعالى أوجد بفضله وسعة رحمته فيها أشجارًا وقصورًا على حسب أعمال العاملين لكل عامل ما يختص به بحسب عمله ثم إن الله تعالى لما يسره لما خلق له من العمل لينال به ذلك الثواب جعله كالغارس لتلك الأشجار على سبيل المجاز إطلاقًا للسبب على المسبب ولما كان سبب إيجاد الله للأشجار عمل العامل أسند الغراس إليه والله أعلم بالصواب. ولما كان التسبيح مشروعًا في الختام ختم البخاري -رحمه الله تعالى- كتابه بكتاب التوحيد والحمد بعد التسبيح آخر دعوى أهل الجنة. قال الله تعالى: {دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} [يونس: 10] قال القاضي: لعل المعنى أنهم إذا دخلوا الجنة وعاينوا عظمة الله وكبرياءه مجدوه ونعتوه بنعوت الجلال ثم حيّاهم الملائكة بالسلامة من الآفات والفوز بأصناف الكرامات فحمدوه وأثنوا عليه بصفات الإكرام. قال في فتوح الغيب: ولعل الظاهر أن يضاف السلام إلى الله عز وجل إكرامًا لأهل الجنة، وينصره قوله تعالى في سورة يس: {سلام قولاً من رب رحيم} [يس: 58] أي يسلم عليهم بغير واسطة مبالغة في تعظيمهم وإكرامهم وذلك متمناهم وهذا يدل على أنه يحصل للمؤمنين بعد نعيمهم في الجنة ثلاثة أنواع من الكرامات. أولها {سلام قولاً من رب رحيم} وثانيها: ما يقولون عند مشاهدتها سبحانك اللهم وهي سطوع نور الجمال من وراء حجاب الجلال وما أفخم شأن اقتران اللهم بسبحانك في هذا المقام كأنهم لما رأوا أشعة تلك الأنوار لم يتمالكوا أن لا يرفعوا أصواتهم وآخرها أجل منهما، ولذلك ختموا الدعاء عند رؤيتها بالحمد لله رب العالمين وما هي إلا نعمة الرؤية التي كل نعمة دونها، فكأن الكرامات الأول كالتمهيد للثالثة وما أشد طباق هذا التأويل بما رويناه عن ابن ماجة عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب سبحانه وتعالى قد أشرف عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة قال وذلك قوله تعالى: {سلام قولاً من رب رحيم} قال: فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والله أعلم. ولقد أخبرني الحافظ الشيخ شمس الدين أبو الخير محمد بن زين الدين السخاوي، وأبو عمرو عثمان الديمي، ونجم الدين عمر بن تقي الدين، وقاضي القضاة أبو المعالي محمد بن الرضي محمد الطبري المكيّان الشافعيون، وقاضي القضاة أبو الحسن علي ابن قاضي القضاة أبي اليمن النويري المالكي، والعلاّمة المقري أبو العباس أحمد بن أسد الأسيوطي إذنًا مشافهة قالوا: أخبرنا شيخ الإسلام والحفّاظ أبو الفضل بن أبي الحسن العسقلاني قال: قرأت على إمام الأئمة عز الدين محمد بن المسند الأصيل شرف الدين أبي بكر بسماعه على جده قاضي القضاة عز الدين أبي عمر عبد العزيز قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة ح. وأباح لي أيضًا مسند وقته أبو العباس أحمد بن محيي الدين بن طريف الحنفي، أنبأنا الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي، أخبرنا القاضي أبو عمر عبد العزيز عز الدين ابن القاضي بدر الدين بن جماعة سماعًا عليه، أخبرنا القاضي أبو العباس أحمد بن محمد الحلبي إجازة أخبرنا يوسف بن خليل الحافظ بحلب، أخبرنا محمد بن أحمد بن نصر السلفي بأصبهان، أخبرنا الحسن بن أحمد الحدّاد، أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله السفياني، حدّثنا عبد الله بن جعفر الفارسي، حدّثنا إسماعيل بن عبد الله العبدي، حدّثنا سعيد بن الحكم، حدّثنا خلاد بن سليمان الحضرمي أبو سليمان، حدّثني خالد بن أبي عمران، عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: ما جلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجلسًا ولا تلا قرآنًا ولا صلى إلا ختم ذلك بكلمات فقلت: يا رسول الله أراك ما تجلس مجلسًا ولا تتلو قرآنًا ولا تصلي صلاة إلاّ ختمت بهؤلاء الكلمات. قال: "نعم من قال خيرًا كنّ طابعًا له على ذلك الخير، ومن قال شرًّا كانت كفّارة له سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك". هذا الحديث أخرجه النسائي في اليوم والليلة، عن محمد بن سهل بن عسكر، عن سعيد بن الحكم بن أبي مريم فوقع لنا به عاليًا. وأنبأني الشيخ شهاب الدين بن عبد القادر الشاوي، وأم حبيبة زينب ابنة الشيخ شهاب الدين السُّبكي، وأم كمال كمالية ابنة الإمام نجم الدين المرجاني المكيّتان بها قالوا: أنبأنا الحافظ الزين بن الحسين العراقي قال: أخبرنا القاضي أبو عمر عز الدّين سماعًا عليه بجامع الأقمر في القاهرة سنة إحدى وستين وسبعمائة قال: قرأت على موسى بن أبي الحسن المقرئ بالقاهرة، أخبرك أبو الفرج بن عبد المنعم بن علي قراءة عليه وأنت تسمع عن أحمد بن محمد بن محمد التيمي؟ فأقرّ به. أخبرنا الحسن بن أحمد الحداد، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن إسحاق الحافظ، حدّثنا أبو بكر الطلحي، حدّثنا أحمد بن عبد الرحيم بن دحيم، حدّثنا عمرو الأودي، حدّثني أبي عن سليمان عن أبي حمزة الثمالي ثابت بن أبي صفية عن الأصبغ وهو ابن نباتة عن علي -رضي الله عنه- قال: من أحب أن يكتال بالمكيال فليقل آخر مجلسه أو حين يقوم سبحان ربك ربّ العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. وقد آن أن أثني عنان القلم، وأستغفر الله مما زلّت به القدم، ووقع لي في هذا الشرح من الزلل والخطأ ملتمسًا ممن وقف عليه من الفضلاء أن يسدّ بسداد فضله ما عشر عليه من الخلل، فالمتصدي للتأليف، والمعتني بالتصنيف، ولو بلغ السها في النهى إذا صنف فقد استهدف، ومن

أنصف أسعف، ولله درّ بعض الأكياس حيث قال: من صنف فقد وضع عقله في طبق وعرضه على الناس، لا سيما من كان مثلي قليل البضاعة في كل علم وصناعة، على أني والله عز وجل يعلم في أكثر مدة جمعي له في كرب ووجل، مع قلة المعين والناصر، والمنبّه والمذاكر،

فإن تصفح الناظر فيه الغلط فليصفح ولا يكن من أناس بالأغاليط يفرحون وليصلح ما يجده فاسدًا فإن الله تعالى ذم رهطًا قال فيهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون، والله أسأل أن يجعل هذا الشرح وسيلة إلى رضاه والجنة ويحول بيننا وبين النار بأوثق جنة وكما منّ به يتم القبول حسنة تلك المنة. قال مؤلفه: وقد فرغت من تأليفه وكتابته في يوم السبت سابع عشري ربيع الثاني سنة ست عشرة وتسعمائة حامدًا مُصَلّيًا مسلّمًا ومحوقلاً ومحسبلاً.

§1/1